موسوعة الشهيد الثاني المجلد 11

هوية الکتاب

موسوعة

الشهید الثاني

الجُزءُ الحادِي عَشَر

رَوضُ الجَنان

في شَرح إرشادِ الأذْهَان/2

المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلامية

مركز إحياء التراث الإسلامي

المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلاميّة

موسوعة الشهيد الثاني

الجزء الحادي عشر (روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان / 2)

الناشر: المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلامية

الإعداد والتحقيق: مركز إحياء التراث الإسلامي

الطباعة: مطبعة نگارش

الطبعة الأولى 1434 ق / 2013 م

الكمية: 1000 نسخة

العنوان: 143 : التسلسل: 244

محرر الرقمی: محسن مرادی

حقوق الطبع محفوظة للناشر

العنوان: قم، شارع الشهداء (صفائية)، زقاق آمار، الرقم 42

التلفون والفاكس: 7832833، التوزيع: قم 7832834: طهران 66951534

ص ب 37185/3858 ، الرمز البريدي: 16439 - 37156

وب سایت: www.pub.isca.ac.ir البريد الالكتروني: nashr@isca.ac.ir

شهید ثانی زین الدین بن على 911 - 966ق.

موسوعة الشهيد الثاني / الإعداد والتحقيق مركز إحياء التراث الإسلامي. المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلاميّة 1434ق. = 2013م.

30 ج.

978-600-5570-748 ISBN . (دوره)

ISBN 978-600-5570-86-1 . (ج11)

فهرست نویسی بر اساس اطلاعات فییا

کتابنامه

مندرجات : ج .11 روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان / 2.-

1.اسلام - مجموعه ها 2 دانش و دانش اندوزی - جنبه های مذهبی - اسلام 3 اسلام و آموزش و پرورش. 4. اخلاق اسلامی .الف. پژوهشگاه علوم و فرهنگ اسلامی مرکز احیای آثار اسلامی .ب. عنوان .

8م 92ش / 6/ BP4

297/08

محرر الرقمي: محسن مرادي

ص: 1

اشارة

بِسمِ اللهّ الرَّحمن الرَّحیم

ص: 2

موسوعة الشهيد الثاني

الجزء الحادي عشر

روض الجنان

في شرح إرشاد الأذهان / 2

المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلامية

مركز إحياء التراث الإسلامي

ص: 3

المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلاميّة

موسوعة الشهيد الثاني

الجزء الحادي عشر (روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان / 2)

الناشر: المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلامية

الإعداد والتحقيق: مركز إحياء التراث الإسلامي

الطباعة: مطبعة نگارش

الطبعة الأولى 1434 ق / 2013 م

الكمية: 1000 نسخة

العنوان: 143 : التسلسل: 244

محرر الرقمی: محسن مرادی

حقوق الطبع محفوظة للناشر

العنوان: قم، شارع الشهداء (صفائية)، زقاق آمار، الرقم 42

التلفون والفاكس: 7832833، التوزيع: قم 7832834: طهران 66951534

ص ب 37185/3858 ، الرمز البريدي: 16439 - 37156

وب سایت: www.pub.isca.ac.ir البريد الالكتروني: nashr@isca.ac.ir

شهید ثانی زین الدین بن على 911 - 966ق.

موسوعة الشهيد الثاني / الإعداد والتحقيق مركز إحياء التراث الإسلامي. المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلاميّة 1434ق. = 2013م.

30 ج.

978-600-5570-748 ISBN . (دوره)

ISBN 978-600-5570-86-1 . (ج11)

فهرست نویسی بر اساس اطلاعات فییا

کتابنامه

مندرجات : ج .11 روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان / 2.-

1.اسلام - مجموعه ها 2 دانش و دانش اندوزی - جنبه های مذهبی - اسلام 3 اسلام و آموزش و پرورش. 4. اخلاق اسلامی .الف. پژوهشگاه علوم و فرهنگ اسلامی مرکز احیای آثار اسلامی .ب. عنوان .

8م 92ش / 6/ BP4

297/08

ص: 4

دلیل موسوعة الشهيد الثاني

المدخل = الشهيد الثاني حياته وآثاره

الجزء الأوّل = (1) منية المريد

الجزء الثاني = (2 - 6) الرسائل / 1 : 2. كشف الريبة : 3 التنبيهات العلية؛ 4. مسكن الفؤاد؛ .5 البداية: 6 الرعاية لحال البداية في علم الدراية.

الجزء الثالث = (7 - 30) الرسائل / 2 : 7. تخفيف العباد في بيان أحوال الاجتهاد؛ 8. تقليد الميت؛ 9. العدالة؛ 10. ماء البئر؛ 11 تيقن الطهارة والحدث والشكّ في السابق منهما؛ 12. الحدث الأصغر أثناء غسل الجنابة : 13 . النية؛ 14 صلاة الجمعة 15 الحثّ على صلاة الجمعة؛ 16. خصائص يوم الجمعة؛ 17 نتائج الأفكار في بيان حكم المقيمين في الأسفار ؛ 18. أقل ما يجب معرفته من أحكام الحج والعمرة ؛ 19 نيّات الحج والعمرة؛ 20 . مناسك الحج والعمرة؛ 21 طلاق الغائب؛ 22 ميراث الزوجة؛ 23 الحبوة 24 أجوبة مسائل شكر بن حمدان 25 أجوبة مسائل السيد ابن طراد الحسيني : 26. أجوبة مسائل زين الدين بن إدريس؛ 27. أجوبة مسائل الشيخ حسين بن زمعة المدني ؛ 28. أجوبة مسائل الشيخ أحمد المازحي؛ 29 أجوبة مسائل السيد شرف الدين السماكي؛ 30. أجوبة المسائل النجفیّة.

الجزء الرابع = (31 - (43) الرسائل /3 : 31. تفسير آية البشملة؛ 32. الإسطنبولية في الواجبات العينية؛ 33. الاقتصاد والإرشاد إلى طريق الاجتهاد 34 وصيّة نافعة : 35. شرح حديث «الدنيا مزرعة الآخرة»؛ 36 تحقيق الإجماع في زمن الغَيْبَة؛ 37 مخالفة الشيخ الطوسي (رحمه الله) لإجماعات نفسه؛ 38 ترجمة الشهيد بقلمه الشريف؛ 39 حاشية خلاصة الأقوال» 40. حاشية «رجال ابن داود»؛ 41. الإجازات 42.الإنهاءات والبلاغات؛ 43 الفوائد.

ص: 5

الجزء الخامس = (44) تمهيد القواعد

الجزء السادس - الجزء التاسع = (45) الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية

الجزء العاشر والجزء الحادي عشر = (46) روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان

الجزء الثاني عشر = (47 - 49) المقاصد العلية وحاشيتا الألفية

الجزء الثالث عشر = (50) الفوائد المليّة لشرح الرسالة النفلية

الجزء الرابع عشر = (51) و (52 حاشية شرائع الإسلام وحاشية المختصر النافع

الجزء الخامس عشر = (53) حاشية القواعد (فوائد القواعد)

الجزء السادس عشر = (54) حاشية إرشاد الأذهان

الجزء السابع عشر - الجزء الثامن والعشرون = (55) مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام

الجزء التاسع والعشرون = الفهارس

ص: 6

فهرس الموضوعات

كتاب الصلاة

تعريف الصلاة لغة وشرعاً. ... 35

تعريف الفقهاء للصلاة ... 36

النظر الأول في المقدمات ... 40

المقصد الأوّل في أقسام الصلاة ... 40

في أنّ الصلاة اليوميّة خمس ... 40

بيان النوافل اليومية حضراً وسفراً ... 41

المقصد الثاني في أوقات الصلاة ... 46

وجو ب معرفة أوقات الصلاة الواجبة عيناً وأوّل وقت صلاة الظهر ... 46

بیان ما يُعلم به زوال الشمس ... 46

آخر وقت صلاة الظهر المختصّ به وبيان الوقت المشترك للظهر والعصر والوقت المختص بالعصر ... 52

أوّل وقت صلاة المغرب ... 54

بيان الوقت المشترك للمغرب والعشاء والوقت المختصّ للعشاء ... 55

أوّل وقت صلاة الصبح وآخر وقتها ... 57

أوّل وقت نافلة الظهر وآخر وقتها ... 58

ص: 7

أوّل وقت نافلة العصر وآخر وقتها ... 60

زيادة أربع ركعات على نوافل الظهرين يوم الجمعة ووقت نافلة المغرب ... 61

وقت نافلة العشاء وصلاة الليل ... 62

وقت نافلة الفجر وجواز تقديمها على صلاة الفجر ... 63

في أنّ قضاء صلاة الليل أفضل من تقديمها على انتصاف الليل ... 64

تنبيهات: ... 65

1 - وقت التقديم النصف الأوّل من الليل ... 65

2 - في أن المراد بصلاة الليل المقدمة هي الإحدى عشرة ركعة ... 66

3 - فيما لو قدمها ثم انتبه في الوقت فهل يشرع فعلها ثانياً؟ ... 66

4 - هل ينوي فيها مع التقديم الأداء؟ ... 66

فى أنّ الفرائض الفائتة تُقضى فى كل وقت مالم يتضيق وقت الحاضرة ... 66

في أنّ النوافل تقضى في كل وقت مالم يدخل وقت الفرائض ... 67

بيان المواطن التي يكره ابتداء النوافل فيها وعدم كراهة النوافل المبتدأة في يوم الجمعة ... 70

عدم كراهة النافلة المبتدأة ذات السبب ... 72

بيان الموارد التي يكون تأخير الصلاة فيها عن أوّل الوقت أفضل من تقديمها ... 73

عدم جواز تأخير الصلاة الواجبة عن وقتها وكذا تقديمها على الوقت ... 77

عدم جواز البناء في الوقت على الظنّ مع إمكان العلم ... 77

بطلان الصلاة فيما لوظنّ دخول الوقت وصلى ثم انكشف فساد الظنّ ... 77

حكم مالو دخل الوقت وهو متلبس بالصلاة. ... 77

بطلان الصلاة فيما لوصلى قبل الوقت ... 78

حكم مالوصلّى العصر قبل الظهر ناسياً ... 79

في أن الفوائت من الفرائض تترتب في القضاء ... 80

هل تترتّب الفائتة من الصلاة اليومية على الحاضرة منها ؟ ... 81

ص: 8

المقصد الثالث في الاستقبال ... 85

وجوب استقبال عين الكعبة مع المشاهدة وجهتها مع البُعد عنها ... 85

في بيان الجهة التي هي قبلة البعيد ... 86

جواز صلاة النافلة على الراحلة اختياراً سفراً وحضراً ... 92

عدم جواز صلاة الفريضة على الراحلة أو إلى غير القبلة إلا مع التعذّر ... 94

حكم ما لو فقد علم القبلة وبيان العلامات المفيدة للعلم بجهة القبلة ... 95

حكم ما لو فقد الظنّ بالقبلة ... 97

حكم ما لو تعذّر الصلاة إلى أربع جهات مع فقد الظنّ بالقبلة ... 100

في أنّ الأعمى يقلّد في القبلة العدل العارف بأدلّة القبلة ... 101

فيما لو أمكنه تقليد عدلين فهل يُقدمان على العدل الواحد ؟ ... 102

جواز التعويل على العلامة فيما لونصبها المبصر للأعمى ... 102

حكم ما لو ترك التقليد في موضع الوجوب وصلّى برأيه ... 102

حكم مالو وجد مجتهدين أو لم يجد مقلداً ... 102

جواز التعويل على قبلة البلد مع عدم علم الخطاء ... 102

حكم المضطر إلى صلاة الفريضة على الراحلة ... 1003

حكم ما لو تعارض الركوب والمشي أو تساويا ... 104

علامات القبلة لأهل العراق ومَن والاهم ... 104

علامة القبلة لأهل الشام ... 111

علامة القبلة لبعض أهل المغرب ... 114

علامة القبلة لأهل اليمن ... 114

الأقسام الثمانية لتعيين سمت القبلة لمكّة المكرّمة بين خطوط الطول والعرض ... 115

في أن المصلي في وسط الكعبة يستقبل أيّ جدرانها شاء ... 118

في أن المصلي على سطح الكعبة كيف يصلّي قائماً أو مستلقياً؟ ... 118

ص: 9

حكم ما لوصلى باجتهادٍ أو لضيق الوقت ثم انكشف فساد الاجتهاد ... 199

حكم ما لو ظهر الانحراف عن القبلة وهو في الصلاة ... 121

هل يتعدد الاجتهاد بتعدد الصلاة؟ ... 122

المقصد الرابع فيما يصلّى فيه ... 123

المطلب الأول في اللباس ... 123

وجوب ستر العورة في الصلاة بثوب طاهرٍ مملوك أو مأذون فيه ... 123

بطلان الصلاة في الثوب المغصوب في حال كون المصلّي عالماً بالغصب ... 123

حكم الصلاة فيما لو لم يكن المغصوب ساتراً أو كان غير ثوب ... 124

جواز كون الساتر من جميع ما ينبت من الأرض ومن جلد ما يؤكل لحمه مع التذكية ... 127

جواز الصلاة في جلد... غير المدبوغ ممّا يؤكل لحمه وإن كان ميتةً ... 127

جواز الصلاة في الخزّ الخالص ووبره ... 128

حكم الصلاة في جلد الخزّ ... 128

حكم الصلاة في الثوب المعمول من السنجاب ... 130

حكم الصلاة في الحرير ... 131

عدم شمول التحريم لما لا تتم الصلاة فيه وحده ... 133

جواز الركوب على الحرير والافتراش له والصلاة عليه والنوم و... ... 133

حكم لُبس القميص المكفوف بالديباج وجواز اللبنة من الحرير ... 134

جواز لُبس الحرير للنساء حالة الصلاة وغيرها ... 134

كراهة الصلاة في الثياب السود ... وحكم لبس الثياب المقدمة بلون من الألوان ... 135

كراهة الصلاة في الثوب الواحد الرقيق غير الحاكي للعورة للرجل ... 137

حكم لبس الإزار على القميص ... 138

كراهة اشتمال الصمّاء وبيان تفسيره ... 140

حكم صلاة الرجل بغير حنك ... 141

كراهة اللثام للرجل والنقاب للمرأة إذا لم يمنعا القراءة أو ... ... 143

ص: 10

حكم لبس القباء المشدود في غير الحرب وكراهة الإمامة بغير رداء ... 144

كراهة استصحاب الحديد ظاهراً غير مستور وكذا الصلاة في ثوب المتهّم ... 146

كراهة الصلاة للمرأة في الخلخال المصوّت دون الأصمّ ... 147

كراهة الصلاة في التماثيل والصورة في الخاتم ... 148

حرمة الصلاة في جلد الميتة وإن دبغ ... 149

هل يلحق ما يوجد في يد مستحلّ الميتة بالدبغ بها وإن أخبر بالتذكية؟ 150

حرمة الصلاة في جلد مالا يؤكل لحمه وإن دبغ وكذا في صوفه و... ... 151

حرمة الصلاة فيما يستر ظهر القدم كالشمشك ... 154

عدم تحريم الصلاة ولا كراهتها في الخف والجورب وما أشبههما ... 155

بيان عورة الرجل ووجوب سترها مهما أمكن ... 156

فيما لو فقد ما يستر به العورة صلّى عارياً قائماً مع أمن المطلع و جالساً مع عدمه ... 160

جسد المرأة الحُرّة كلّه عورة ما عدا الوجه والكفّين والقدمين ... 163

وجوب ستر شيء من الوجه واليد والقدم ... وحكم ستر غير العورة للخنثى ... 163

جواز كشف الرأس حالة الصلاة للأمة المحضة والصبية ... 164

في أنه يستحب للرجل ستر جميع جسده حال الصلاة ... 164

في أنه يستحب للمرأة حال الصلاة لبس ثلاثة أثواب: درع وقميص وخمار ... 165

المطلب الثاني في المكان ... 165

تعريف مكان المصلّي ... 165

جواز الصلاة في كلّ مكان مملوك أو في حكم المملوك ... 166

بطلان الصلاة في المكان المغصوب مع العلم بالغصبيّة ... 168

حكم الصلاة في الصحاري المغصوبة لغير الغاصب. ... 168

عدم بطلان الصلاة في المغصوب لمن كان جاهلاً بالغصب أو مضطرّاً ... 169

بطلان الطهارة وأداء الزكاة والخمس والكفّارة وقراءة القرآن المنذور في المكان المغصوب ... 169

حكم الصوم في المكان المغصوب ... 169

ص: 11

جواز الصلاة في المكان النجس مع عدم التعدّي إلى المصلّي أو محموله ... 171

اشتراط طهارة القدر المعتبر من موضع الجبهة ... 172

اشتراط وقوع الجبهة في حال السجود على الأرض أو ما أنبتته ممّالا يُؤكل ولا يُلبس ...173

حكم السجود على القطن والكتان قبل غزلهما وعلى الحنطة والشعير قبل طحنهما ... 174

جواز السجود على قشر القطن حال كون القطن في قشره ... 175

حكم السجود على شيء له حالتان يؤكل في إحداهما دون الأخرى ... 175

حكم السجود على القنّب وهو ضرب من الكتان ... 175

عدم صحة السجود على الصوف والشعر والجلد وغيرها مع الاختيار ... 175

عدم جواز السجود على المستحيل من أجزاء الأرض إذا لم يصدق عليه اسمها ... 175

عدم جواز السجود على الوحل والرماد الحادث من احتراق الأرض ... 176

عدم جواز السجود على النورة والجص دون الخزف والآجر ... 176

وجوب تحصيل ما يصح السجود عليه ولو بعوض مقدور ... 178

عدم صحة السجود على الشيء المغصوب وجوازه على القرطاس ... 179

جواز السجود على ظهريده إن منعه الحَرّ من السجود على الأرض ونحوها ... 181

وجوب اجتناب المكان المشتبه بالنجس في الموضع المحصور دون غيره ... 182

حكم صلاة الرجل وإلى جنبه أو قدامه امرأة تصلّى ... 184

هل يلحق الخنثى بالرجل في حكم محاذاته للمرأة أو تأخر عنها في الصلاة؟ ... 186

في أنه يشترط في تعلّق الحكم بكلّ منهما صحة صلاة الآخر لولا المحاذاة ... 186

فيما لو كانت المرأة أعلى من الرجل أو أسفل وأمكنت المشاهدة ... 187

اختصاص المنع بالرجل دون المرأة ... 188

حكم ما لو صلّت المرأة مع الرجل جماعة محاذية له ... 188

اختصاص المنع المذكور بحال الاختيار دون الاضطرار ... 189

المواطن التي تكره الصلاة فيها: ... 190

1 و 2 - الحمّام و بيوت الغائط ... 190

ص: 12

3 - 5 - معاطن الإبل وقرى النمل ومجري الماء ... 191

6 - 10 - أرض السبخة والرمل والبيداء ووادي ضجنان وذات الصلاصل ... 192

11 - بين المقابر من دون حائل أو بعد عشرة أذرع ... 194

12 - بيوت النيران والمراد منها ... 195

13 - 15 - بيوت الخمور وبيوت المجوس وجوادّ الطرق ... 196

16 و 17 - صلاة الفريضة في جوف الكعبة وعلى سطحها ... 197

18 و 19 - مرابط الخيل والبغال والتوجه إلى نار مضرمة ... 198

20 - 22 - التوجّه حال الصلاة إلى تصاوير و تماثيل ومصحف مفتوح و ... ... 199

23 و 24 - التوجّه حال الصلاة إلى باب مفتوح و إنسان مواجه ... 200

جواز الصلاة في البيع والكنائس ... 201

جواز الصلاة في مرابض الغنم وبيت اليهودي والنصراني ... 202

تتمّة في أحكام المساجد ... 202

أفضلية صلاة الفريضة في المسجد من غيره و تفاوت المساجد في الفضيلة ... 202

أفضلية صلاة النافلة في المنزل من المسجد ... 209

استحباب اتخاذ المساجد مكشوفةٌ ... 210

استحباب جعل الميضأة على أبواب المساجد والمنارة مع حائطها ... 211

ما يستحبّ عند الدخول إلى المسجد والخروج منه ... 212

استحباب تعاهد النعل عند باب المسجد وإعادة المستهدم منه وكنسه والإسراج فيه ... 213

جواز نقض المستهدم من المساجد خاصةً وحكم نقض المستهدم لتوسعته ... 214

جواز إحداث روزنة أو شباك أو باب ونحوه لمصلحة عامة وحكمه لمصلحة خاصة ... 214

جواز استعمال آلة المسجد في غيره من المساجد ... 214

كراهة جعل الشرف للمسجد والتعلية للمساجد والمحاريب الداخلة ... 215

كراهة جعل المساجد طريقاً والبيع والشراء فيها وتمكين الصبيان والمجانين منها ... 215

حكم إنفاذ الأحكام في المساجد ... 216

ص: 13

كراهة تعريف الضوالّ وإنشاء الشعر في المساجد ... 216

كراهة إقامة الحدود ورفع الصوت وعمل الصنائع فيها ... 218

كراهة دخول المسجد لمن في فيه رائحة ثوم أو بصل ...218

كراهة التنخّم والبصاق وقتل القمل ورمي الحصى خذفاً في المسجد ... 218

كراهة كشف العورة في المسجد مع أمن المطلّع ... 220

حرمة الزخرفة بالذهب للمساجد ونقش الصور عليها ... 220

حرمة اتخاذ بعض المساجد في ملك أو جَعله في طريق ... 221

حرمة بيع آلتها وتملكها بعد زوال آثارها وإدخال النجاسة إليها ... 221

حرمة إزالة النجاسة فيها وإخراج الحصى منها ... 222

حرمة التعرّض للبيع والكنائس وحكمهما فيما لو كانتا في دار الحرب ... 223

المقصد الخامس في الأذان والإقامة ... 224

استحباب الأذان والإقامة استحباباً مؤكداً في الفرائض اليوميّة ... 224

حكم النداء لغير المفروض كالعيد والاستسقاء ... 225

استحبابهما للمنفرد والجامع وللأداء والقضاء وللرجل والمرأة ... 225

استحبابهما للمرأة فيما إذا لم تسمع أذانها وإقامتها الرجال الأجانب ... 226

جواز الاعتداد بأذان المرأة للنساء ومحارم الرجال ... 226

جواز الاقتصار على التكبير والشهادتين للمرأة وأنّ الخنثى كالمرأة في الأذان ... 226

تأكد الأذان والإقامة في الصلوات الجهريّة خصوصاً الغداة والمغرب ... 227

سقوط أذان العصر يوم الجمعة وفي عرفة وعشاء المزدلفة ... 227

سقوط أذان الصلاة الثانية فيما إذا جمع الحاضر أو المسافر بين الصلاتين ... 229

سقوط الأذان لغير الأولى عن القاضي للصلوات المتعدّدة ... 230

أفضلية الجمع بين الأذان والإقامة لكلّ فريضة ... 230

سقوط الأذان والإقامة معاً عن الجماعة الثانية مالم تتفرق الجماعة الأولى ... 231

عدم سقوط الأذان والإقامة عن الثاني إذا كان السابق منفرداً ... 231

ص: 14

اشتراط اتحاد المسجد في سقوطهما عن الثاني ... 232

هل يشترط في ثبوت الحكم كون الصلاة في مسجدٍ ؟ ... 232

كيفية الأذان وبيان فصوله وترتيبها ... 233

كيفية الإقامة وفصولها وترتيبها ... 234

في المؤذّن وشرائطه ... 235

هل يشترط في المؤذّن مع الإسلام الإيمان؟ ... 236

في عدم الاعتبار بأذان الصبيّ غير المميز وأذان غير المرتَّب ... 237

استحباب كون المؤذّن عَدْلاً ... 238

استحباب كون المؤذّن صيناً حسن الصوت بصيراً بالأوقات متطهرّاً ... 239

استحباب كون المؤذّن قائماً على مرتفع مستقبلاً للقبلة ... 240

بيان المراد بالإسراع في الإقامة وحكم اللحن في الأذان والإقامة ... 241

استحباب كون المؤذّن تاركاً للكلام خلال الأذان والإقامة ... 241

استحباب كون المؤذّن فاصلاً بينهما بركعتين أو سجدة أو جلسة ... 242

في أن المرأة تُسرّ الأذان والإقامة ... 245

استحباب حكاية الأذان لسامعه ... 245

فيما لو دخل المسجد حالَ الأذان ترك صلاة التحيّة إلى فراغه ... 246

في أنّ الحكاية بجميع ألفاظه حتّى الحيعلات ... 246

في أنّ الأذان غير المشروع لا يحكى وكذا أذان المجنون و... ... 246

فيما يقال عند سماع الشهادتين وحكم التثويب في الأذان وبيان معناه ... 247

كراهة الترجيع وبيان معناه ... 248

كراهة الكلام لغير مصلحة الصلاة بعد قد قامت الصلاة» وكذا الالتفات يميناً وشمالاً ... 248

حكم تعدّد المؤذّنين ... 249

اجتزاء الإمام بأذان المنفرد بصلاته ... 250

هل يستحبّ تكرار الأذان والإقامة للإمام السامع أو لمؤذّنه أو للمنفرد؟ ... 251

ص: 15

أذان المصلي خلف غير المرضي ... 252

النظر الثاني في الماهيّة ... 254

المقصد الأوّل في كيفيّة الصلاة اليوميّة ... 254

وجوب معرفة الواجب من أفعال الصلاة ومندوبها ... 254

حكم ما لو نوى بالواجب الندب أو بالعكس ... 254

واجبات الصلاة ... 259

1 - القيام ... 256

بیان وجه تقديم ذكر القيام على النيّة ... 256

في أنّ القيام ركن في الصلاة تبطل بالإخلال به عمداً أو سهواً ... 256

أقسام القيام وبيان القيام الركني منها ... 257

وجوب نصب فَقار الظَهر مع الاستقلال و الاعتماد على الرِجلين معاً في حال القيام ... 259

فيما إذا عجز عن القيام مستقلّاً اعتمد على شيء ولو بأجرة مقدورة ... 259

عدم اعتبار القدرة على القيام في جميع القراءة ولا القدرة على الركوع والسجود ... 259

فيما إذا عجز عن القيام قعد وعدم اختصاص القعود بكيفيّة خاصّة ... 261

كيفيّة ركوع القاعد ... 261

فيما إذا عجز عن القعود اضطجع على أحد جانبيه مواجهاً للقبلة ... 261

فيما اذا عجز عن الاضطجاع على أحد جانبيه استلقى على ظَهره ... 263

فيما لو تجدد عجز القائم بأقسامه قعد في أيّ فعل كان ... 264

فيما إذا تجدّد العجز حال القراءة فهل يقرأ حال الهويّ؟ ... 264

حكم ما لو ثقل بعد الفراغ من القراءة أو في أثناء الركوع أو بعد الركوع و... ... 265

حكم ما لو عجز القاعد أو القائم أو المضطجع عن القعود أو... ... 266

فيما لو تجدّدت قدرة العاجز عن القيام عليه ... 266

حكم ما لو قدر مَنْ هو على حالة دنيا على ما هو أعلى منها ... 266

ص: 16

فيما لو خفّ بعد القراءة وجب القيام للهويّ إلى الركوع ... 266

حكم ما لو خفّ في الركوع قبل الطمأنينة أو بعد الذكر أو بعد الاعتدال من الركوع ... 267

حكم ما لو تمكّن المصلّي قاعداً أو مادونه من القيام للركوع خاصّة ... 268

2 - النيّة ... 268

معنى النيّة وبطلان الصلاة بتركها عمداً وسهواً ... 268

هل النية شرط للصلاة أو جزء منها ؟ ... 268

فيما يتعلق بالنيّة من قصد تعيين الصلاة والوجه والتقرّب والأداء والقضاء فيها ...273

وجوب إيقاع النيّة عند أوّل جزء من التكبير و حكم استحضارها إلى آخره ... 276

بطلان الصلاة بنية الخروج منها أو الرياء ببعضها أو نيّة غير الصلاة ببعض أفعالها ... 277

هل تبطل الصلاة بنيّة فعل المنافي وإن لم يفعل؟ ... 278

3 - تكبيرة الإحرام ... 278

وجه تسمية تكبيرة الإحرام وأنّها ركن في الصلاة تبطل بتركها عمداً وسهواً ... 278

صورة تكبيرة الإحرام ... 279

بيان ما يتحقّق به الإخلال بحرف من التكبير ... 279

وجوب التلفّظ بها بالعربية مع القدرة ... 282

في أنّ العاجز عن العربية يتعلّم وجوباً من باب المقدّمة ... 282

في أنّ الأخرس يأتي منها بالمقدور ... 282

استحباب التوجّه بست تكبيرات مضافةً إلى تكبيرة الإحرام ... 283

بطلان الصلاة فيما لو كبر ونوى الافتتاح ثمّ كبّر ثانياً كذلك ... 284

استحباب رفع اليدين بتكبيرة الإحرام وبباقي التكبيرات إلى شحمتي الأذنين ... 284

استحباب إسماع الإمام مَنْ خلفه تكبيرة الإحرام ... 285

4 - القراءة ... 285

وجوب قراءة الحمد وسورة كاملة في الفريضة الثنائية وفي الأوليين من غيرها ... 285

تخيّر المصلّي في الزائد على الركعتين الأوليين بين قراءة الحمد وحدهاو... ... 286

ص: 17

وجوب تعلّم القراءة لمن لم يُحسنها فإن ضاق الوقت قرأ ما يُحسن ... 290

فيما إذا كان الجاهل بالفاتحة عالماً بغيرها من القرآن أو لم يعلم ... 290

فيما إذا لم يحسن إلا سورة واحدة أو لم يحسن شيئاً من القرآن ... 291

وجوب الائتمام بالغير لمن قدر عليه في حال العجز عن القراءة ... 291

في أنّ الأخرس يحرّك لسانه بالقراءة مهما أمكن ويعقد قلبه بها ويشير بإصبعه ... 293

عدم إجزاء الترجمة مع القدرة على القراءة وكذا القراءة مع إخلال حرف حتى التشديد ... 294

عدم إجزاء القراءة مع إخلال الإعراب ومخالفة ترتيب الآيات وقراءة السورة أوّلاًو... ... 295

وجوب الجهر بالقراءة للرجل في الصبح وأوّلتي المغرب والعشاء ... 297

جواز الجهر للمرأة إن لم يسمعها الأجنبي وحدّ أقلّ السرّ والجهر وأكثرهما ... 298

وجوب إخراج الحروف من مواضعها والبسملة في أوّل الحمد والسورة ... 299

حرمة قراءة إحدى سور العزائم الأربع في الفرائض ... 301

جواز قراءة العزائم في النوافل وحرمة قراءة ما يفوت الوقت بقراءته ... 303

بطلان الصلاة بتعمّد قول «آمين» اختياراً ... 303

استحباب الجهر بالبسملة في مواضع الإخفات ... 306

استحباب الترتيل في القراءة ... 307

كرامة قراءة التوحيد في نفس واحد ... 307

استحباب قراءة قصار المفصل في الظهرين والمغرب ومتوسطاته في العشاء و... ... 308

استحباب قراءة سورة «هل أتى» في صبح الإثنين والخميس ... 309

استحباب قراءة سورة الجمعة والأعلى ... في صلوات يوم الجمعة وليلتها ... 310

في أنّ «الضحى» و «ألم نشرح سورة واحدة وكذلك «الفيل» و«لإيلاف» ... 311

جواز العدول عن سورة إلى غيرها مالم يتجاوز النصف إلا في التوحيد والجحد ... 312

إعادة البسملة فيما إذا عدل عن سورة إلى أخرى أو قرأها بعد قراءة الحمد ... 314

5 - الركوع ... 316

في ركنية الركوع ووجوبه في كل ركعة مرّةً وما يجب فيه من الكيفية والذكر ... 316

ص: 18

وجوب الطمأنينة في الركوع بقدر الذكر الواجب ورفع الرأس منه والطمأنينة قائماً ... 320

ركوع العاجز عن الانحناء وكذا الراكع خلقةً وكيفية انحناء طويل اليدين ... 321

استحباب التكبير للركوع قائماً رافعاً يديه ... 322

استحباب رد الركبتين إلى خلف وتسوية الظهر ومد العنق والدعاء أمام التسبيح ...322

استحباب التسبيح ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً وقول «سمع الله لمن حمده» عند الرفع ... 323

6 - السجود ... 237

في أنّ السجدتين معاً ركن تبطل الصلاة بتركهما عمداً وسهواً ... 327

عدم بطلان الصلاة بترك إحدى السجدتين سهواً ... 237

وجوب وضع الجبهة على ما يصحّ السجود عليه ... 239

في اعتبار عدم علوّ موضع الجبهة عن الموقف بأزيد من لبنة ... 329

وجوب الذكر في السجود والسجود على سبعة أعضاء ... 330

وجوب الطمأنينة في السجود بقدر الذكر الواجب ورفع الرأس منه ... 331

كيفية سجود العاجز عن السجود ... 331

كيفية سجود ذي الدمل والجرح والورم إذا لم يمكنه وضع الجبهة على الأرض ... 332

ما يستحبّ في السجود ... 333

كراهة الإقعاء ... 335

7 - التشهّد ... 336

في الاجتزاء بالشهادتين بأيّ لفظ اتّفق ... 336

وجوب الجلوس مطمئناً بقدر التشهّد ... 338

وجوب تعلم التشهد للجاهل به ... 338

استحباب التورّك والزيادة في الدعاء ... 339

مندوبات الصلاة ... 340

1 - التسليم ... 340

صورة التسليم ... 345

ص: 19

استحباب تسليم المنفرد إلى القبلة مشيراً بمؤخّر عينيه إلى يمينه ... 346

تسليم الإمام واحدةً إلى القبلة مشيراً بصفحة وجهه إلى اليمين ... 347

تسليم المأموم عن الجانبين إن كان على يساره أحد وإلّا فعن يمينه ... 347

2 - التوجّه بسبع تكبيرات بينها ثلاثة أدعية ... 348

3 - القنوت ... 349

استحباب الدعاء بالمنقول في القنوت ... 350

محلّ القنوت في الفرائض اليومية وفي صلاة الجمعة ... 351

محلّ القنوت في مفردة الوتر ... 352

حكم ما لو نسي القنوت قبل الركوع أو حتّى ركع من الثالثة ... 352

4 - شغل النظر قائماً إلى مسجده وقانتاً إلى باطن كفّيه وراكعاً إلى ... 353

5 - وضع اليدين قائماً على فخذيه بحذاء ركبتيه وقانتاً تلقاء وجهه وراكعاً على ... 354

6 - التعقيب وأفضله تسبيح الزهراء علیها السلام ... 355

المقصد الثاني في صلاة الجمعة ... 357

وجوب صلاة الجمعة بالنصّ والإجماع ... 357

عدد ركعاتها ووقتها ... 358

فيما إذا خرج الوقت صلّاها ظهراً ... 359

شرائط وجوب الجمعة: ... 360

1 و 2 - الإمام العادل أو من يأمره، والعدد ... 360

3 و 4 - الجماعة والخطبتان ... 362

فيما يجب في الخطبتين من النيّة والعربيّة وما يجب على الخطيب والسامع ... 364

5- عدم جمعة أُخرى بينهما أقلّ من فرسخ ... 365

6 - كمال المخاطب بها وهو يحصل بأمور: ... 365

7 - عدم بُعد أكثر من فرسخين ... 367

ص: 20

فيما يشترط في شرائط النائب (إمام الجمعة): ... 371

1 و 2 - البلوغ والعقل ... 371

3 و 4 - الإيمان والعدالة ... 372

ه - طهارة المولد ... 373

6 - الذكورة ... 374

حكم إمامة العبد والأبرص والأجدم والأعمى ... 374

حكم صلاة الجمعة حال الغيبة وإمكان الاجتماع ... 375

حكم ما لو صلّى الظهر من وجب عليه السعي إلى الجمعة ... 381

في أنّ المأموم يدرك الجمعة بإدراك الإمام راكعاً في الركعة الثانية ... 382

سقوط صلاة الجمعة فيما لو انفضوا قبل التلبس بها ... 384

وجوب تقديم الخطبتين على الصلاة وتأخير الخطبتين عن الزوال ... 384

وجوب الفصل بين الخطبتين بجلسة ... 386

وجوب رفع الصوت بهما حتى يسمع العدد ... 387

فيما لو اتفقت جمعتان بينهما أقل من فرسخ ... 387

عدم وجوب الجمعة على المعتق بعضه ... 389

حرمة السفر بعد الزوال قبل صلاة الجمعة وكذا الأذان الثاني يوم الجمعة ... 389

حرمة البيع وشبهه بعد الزوال ... 391

كراهة السفر يوم الجمعة بعد الفجر وقبل الزوال ... 394

حكم الإصغاء إلى الخطبة والطهارة في الخطيب والكلام منه ومن المأمومين ... 394

في أن الممنوع من سجود الركعة الأولى لكثرة الزحام يسجد ويلحق الإمام ... 397

في أنه متى سجد مع الإمام في الثانية ينوي بالسجدتين للأولى وحكم مالونوى بهما للثانية ... 397

فيما يستحبّ في الخطيب ... 399

المقصد الثالث في صلاة العيدين ... 402

ص: 21

وجوبهما بشروط الجمعة ومع تعذّر الحضور أو اختلال الشرائط تستحبّ جماعةٌ وفرادى.... 402

كيفية صلاة العيدين ... 403

وقت صلاة العيدين وحكم ما لو فاتت الصلاة في وقتها ... 404

حرمة السفر على المخاطب بها بعد طلوع الشمس قبل الصلاة وكراهته بعد الفجر ... 405

خطبة صلاة العيد بعدها ... 405

.....

استحباب استماع الخطبة وحكم ما لو اتفق عيد وجمعة ... 406

حكم التكبيرات الزائدة على اليومية والقنوت بينها ... 408

استحباب الإصحار بها إلا بمكّة ... 409

استحباب الخروج حافياً بالسكينة ذاكراً ... 410

استحباب عمل منبر من طين ... 411

استحباب التكبير في الفطر والأضحى ... 412

كراهة التنقل بعد الصلاة وقبلها إلى الزوال ... 413

المقصد الرابع في صلاة الكسوف ... 414

فيما تجب له صلاة الآيات ... 414

كيفيّة صلاة الآيات ... 415

وقت صلاة الآيات ... 417

حكم ما لو ترك الصلاة للأخاويف غير الزلزلة عمداً أو نسياناً حتّى خرج الوقت ... 419

حكم ما لو جهل بالآيات حتّى خرج وقتها ... 420

وقت صلاة الزلزلة مدّة العمر و استحباب الجماعة في صلاة الآيات ... 421

فيما يستحبّ في صلاة الآيات ... 421

حكم ما لو اتّفق مع الحاضرة أحد الآيات ... 423

في أنه تُقدّم صلاة الآيات على النافلة وإن خرج وقتها ... 424

المقصد الخامس في الصلاة على الأموات ... 425

ص: 22

وجوب الصلاة على كلّ ميّت مسلم وحكم ما لو اشتبه بالكافر أو وُجد ميّت لا يُعلم إسلامه ... 425

حكم الصلاة على ولد الزنى ... 425

في المراد بالمسلم وأنه يلحق بالمسلم من هو بحكمه ممن بلغ ستّ سنين ... 426

كيفيّة صلاة الميّت ... 427

وجوب استقبال القبلة من المصلي وجَعل رأس الجنازة إلى يمينه ... 433

في أنّه لا تسليم ولا قراءة في صلاة الميت وهل تكره؟ ... 434

استحباب الطهارة من الحدث في صلاة الميّت ... 434

استحباب الوقوف حتّى ترفع الجنازة والصلاة في المواضع المعتادة ... 435

وقوف الإمام عند وسط الرجل وصدر المرأة ... 436

في أنه يجعل الرجل ممّا يلي الإمام ثم العبد ثمّ الخنثى ثم المرأة ثم الصبي لو اتّفقوا ... 437

استحباب نزع النعلين ورفع اليدين في كلّ تكبيرة ... 438

في أنه لا يصلى على الميّت إلا بعد غسله وتكفينه وحكم ما لو فاتت الصلاة قبل دفنه ... 438

أولى الناس بالصلاة على الميّت ... 440

فيما إذا لم يكن الوليّ بالشرائط المجوّزة للإمامة استناب مَنْ يريد ... 445

في أنّه ليس لأحد التقدم للإمامة بغير إذن الوليّ ... 446

في أنّ إمام الأصل أولى من كلّ أحد والهاشمي أولى من غيره ... 446

فيما لو أمّت المرأة النساء أو العاري مثله أو فات المأموم بعض التكبيرات ... 446

فيما لو حضرت جنازة أُخرى في أثناء الصلاة على الجنازة الأولى ... 448

فيما يستحبّ للمشيّع ... 450

خاتمة لأحكام الميّت ... 455

في أنّه ينبغي وضع الرجل ممّا يلي رِجل القبر والمرأة ممّا يلي القبلة ... 455

وجوب دفن الميت في حفيرة تستر رائحته وتحرسه عن هوامّ السباع ... 456

ثبوت وجوب الدفن على الكفاية ... 456

ص: 23

وجوب دفن الكافرة الحامل من مسلم مع المسلمين وكيفيّة وضعها في القبر ... 457

فيما يُفعل براكب البحر إذا مات واستحباب حفر القبر قامة أو إلى الترقوة ... 457

استحباب جغل اللحد ممّا يلي القبلة قدر الجلوس و استحباب كشف الرأس للنازل في القبر ... 458

استحباب حلّ العُقد الكائنة في الكفن وجعل التربة الحسينيّة مع الميّت ... 459

استحباب التلقين والدعاء ... 460

استحباب شرج اللبن والخروج من قِبَل الرِجلين و... ... 461

استحباب تربيع القبر مسطحاً ... والترحم عليه وتلقين الولي بعد الانصراف بأعلى صوته .... 462

استحباب التعزية لأهل المصيبة قبل الدفن وبعده ... 463

كراهة فرش القبر بالساج ونزول ذي الرحم في القبر إلا في المرأة ... 464

كراهة إهالة التراب على الرحم وتجديد القبور ... 465

كراهة نقل الميّت من بلد موته إلى غيره ودفن ميتين في قبر واحد ابتداء ... 467

كراهة الاستناد إلى القبر والمشي عليه وحرمة نبشه و بیان مواضع جواز نبشه ... 469

حرمة نقل الميّت بعد دفنه إلى موضع آخر وكذا شق الثوب على غير الأب والأخ ... 471

حرمة دفن غير المسلمين في مقابرهم ... 472

المقصد السادس في الصلوات المنذورات ... 473

حكم مَنْ نذر صلاةً وأطلق ... 473

فيما لو قيد النذر بهيئة مشروعة ... 474

فيما لو نذر العيد المندوب في وقته أو نذر هيئته في غير وقته ... 475

حكم ما لو قيّد العدد المنذور بخمس ركعات فصاعداً ... 475

حكم ما لو قيد العدد المنذور بأقلّ من خمس أو بزمان أو مكان ... 476

أنه يشترط في صحّة نذر الصلاة أن لا تكون عليه صلاة واجبة ... 479

فيما لو نذر صلاة الليل وجب ثماني ركعات ... 479

يشترط في المنذورة ما يشترط في اليوميّة ... 480

ص: 24

حكم اليمين والعهد حكم النذر ... 480

المقصد السابع في النوافل ... 481

صلاة الاستسقاء جماعة ... 481

كيفيّة صلاة الاستسقاء ووقتها و استحباب صوم ثلاثة أيّام قبلها ... 482

نافلة شهر رمضان وهي ألف ركعة وكيفيّة توزيعها على الليالي ... 485

صلاة الحاجة ... 487

صلاة الاستخارة ... 488

صلاة الشكر وصلاة عليّ علیه السلام وفاطمة علیها السلام ... 490

صلاة جعفر وبيان عدد ركعاتها وكيفيّتها ... 490

صلاة ليلة الفطر وصلاة يوم الغدير ... 491

صلاة ليلة النصف من شعبان وليلة المبعث ويومه ... 492

النوافل ركعتان إلّا الوتر وصلاة الأعرابي وكيفيّتها ... 493

فيما روي أيضاً ممّا لا يُسلَّم فيه على الركعتين ... 494

إتيان النوافل قائماً أفضل من الجلوس ... 495

هل يجوز فعل النوافل في باقي الحالات الاضطراريّة كالاضطجاع والاستلقاء؟ ... 496

النظر الثالث في اللواحق ... 497

المقصد الأوّل في الخلل الواقع في الصلاة ... 497

المطلب الأول في مبطلات الصلاة ... 497

بطلان الصلاة بالإخلال بواجب من أجزائها أو صفاتها أو شرائطها أو تروكها الواجبة ... 497

عدم بطلان الصلاة بالجهر في موضع الإخفات وبالعكس جهلاً ... 497

عدم بطلان الصلاة للجاهل بغصبيّة الثوب أو المكان أو نجاستهما أو... ... 498

بطلان الصلاة بفعل كلّ ما يبطل الطهارة عمداً أو سهواً ... 498

ص: 25

بطلان الصلاة بترك الطهارة عمداً وسهواً وبتعمد التكفير من دون تقيّة ... 500

بطلان الصلاة بتعمّد الكلام بحرفين ممّا ليس بقرآن ولادعاء ... 502

بطلان الصلاة بالالتفات إلى ما وراءه بكلّه ... 505

حكم الالتفات إلى ما دون الاستدبار أو بالبدن ... 506

بطلان الصلاة بتعمّد القهقهة والفعل الكثير الذي ليس من الصلاة ... 507

بطلان الصلاة بالبكاء للأمور الدنيويّة عمداً ... 509

بطلان الصلاة بتعمّد الأكل والشرب إلا الوتر لمن أصابه عطش وهو يريد الصوم ... 510

طلا الصلاة بالإخلال بركن عمداً وسهواً وبزيادته كذلك ... 512

مواضع استثناء زيادة السهو الركني ... 513

بطلان الصلاة بزيادة ركعة عمداً وسهواً ... 515

عدم بطلان الصلاة بزيادة ركعة في الرباعية إذا جلس عقيب الرابعة ... 515

حكم ما لو ذكر الزيادة قبل الركوع أو بعده ... 515

بطلان الصلاة بنقصان ركعة عمداً وحكم ما لو نقصها أو ما زاد سهواً ... 516

بطلان الصلاة فيما لو تيقّن ترك سجدتين وشك هل هما من ركعة واحدة أو اثنتين ... 517

حكم ما لو شك قبل كمال السجود هل رفعه من الركوع لرابعة أو خامسة ... 518

بطلان الصلاة بالشك في عدد الثنائية والثلاثية وعدد الأوليين مطلقاً ... 519

بطلان الصلاة فيما إذا شك ولم يعلم كم صلّى أو لم يعلم ما نواه ... 519

كراهة عقص شعر الرأس للرجل ... 520

كراهة الالتفات يميناً وشمالاً ... 521

هل يكره النظر يميناً وشمالاً مع عدم التفات الوجه ؟ ... 522

كراهة التثاؤب والتمطي والفرقعة والعبث ونفخ موضع السجود ... 522

كراهة التنخّم والبصاق والتأوه بحرف والأنين به ومدافعة الأخبثين والريح والنوم ... 523

حرمة قطع الصلاة اختياراً وجوازه للضرورة ... 524

ص: 26

جواز الدعاء بالمباح في أثناء الصلاة للدين والدنيا لا المحرَّم ... 525

جواز ردّ السلام بالمثل على المسلّم في أثناء الصلاة وباقي فروعه ... 256

جواز التسميت والحمد عند العطسة ... 529

المطلب الثاني في السهو والشكّ ... 530

لا حكم للسهو مع غلبة الظنّ بأحد الطرفين ... 530

لا حكم لناسي القراءة أو الجهر والإخفات حتّى يركع ... 532

لا حكم لناسي ذكر الركوع أو الطمأنينة فيه ... وكذا الناسي الرفع من الركوع أو ... 533

لا حكم لناسي الذكر في السجدتين أو السجود على الأعضاء غير الجبهة ... 534

لا حكم لناسي الطمأنينة في السجدتين أو ناسيها في الجلوس بينهما حتى ينتقل عن محلّه ... 534

لا حكم للسهو في السهو ... 534

لا حكم للشك الحاصل للإمام أو المأموم إذا حفظ عليه الآخر ... 535

حكم ما لو اختلف الإمام والمأموم في الشكّ ... 536

حكم ما لو تعدّد المأمومون واختلفوا هُمْ وإمامهم ... 537

حكم ما لو حفظ بعض المأمومين وشك البعض الآخر والإمامُ ... 538

لا حكم للسهو مع الكثرة ... 539

حكم ما لو نسي الحمد وذكر في حال قراءة السورة ... 542

حكم ما لو ذكر الركوع قبل السجود أو ذكر نسيان السجود قبل أن يركع ... 542

حكم ما لو ذكر بعد التسليم ترك الصلاة على النبيّ وآله ... 547

حكم ما لو ذكر السجدة الواحدة أو التشهد بعد الركوع ... 548

حكم ما لو شك في شيء من الأفعال وهو في موضعه ... 552

حكم ما لو رجع الشاك في الفعل في موضعه وذكر بعد فعله أنّه كان قد فَعَله ... 553

حكم ما إذا شكّ في شيء من الأفعال بعد انتقاله من موضعه ... 556

حكم ما لو عاد إلى فعل ما شكّ فيه بعد الانتقال عن محلّه ... 560

ص: 27

حكم الشكّ بين الاثنتين والثلاث أو بين الثلاث والأربع ... 560

حكم الشكّ بين الاثنتين والأربع أو بين الاثنتين والثلاث والأربع ... 562

حكم ما لو ذكر ترك ركن من إحدى الصلاتين ووجوب قراءة الفاتحة في صلاة الاحتياط ... 565

عدم بطلان الصلاة بفعل المبطل قبل صلاة الاحتياط ... 565

جواز البناء على الأقلّ أو الأكثر فيما إذا شك في عدد النافلة ... 567

حكم ما لو تكلّم ناسياً أو شكّ بين الأربع والخمس أو قعد في حال قيامٍ أو بالعكس ... 567

أحكام سجدتي السهو ... 568

خاتمة في أحكام القضاء ... 570

حكم تارك الصلاة مستحلّاً ... 570

حكم تارك الصلاة إذا لم يكن مستحلاً وعدم سقوط القضاء عن التارك لها ... 571

وجوب قضاء صلوات الفريضة ... 572

حكم مالو طرأ سبب مسقط للقضاء على سبب غير مسقط له ... 574

يقضى في السفر ما فات في الحضر تماماً وفي الحضر ما فات في السفر قصراً ... 580

حكم ما لو نسي تعيين الصلاة الواحدة الفائتة من اليوميّة ... 580

حكم ما لو كانت الفائتة المجهولة من صلاة السفر ... 581

حكم ما لو تعدّدت الفائتة المجهولة أو نسي عدد الفائتة المعيّنة ... 582

حكم ما لو نسي الكمية والتعيين أو نسي ترتيب الفوائت ... 584

حكم ما لو فاته صلوات قصر وتمام ولا يعلم عينه ... 587

حكم ما لو نسي الترتيب دون العين ... 587

استحباب قضاء النوافل المؤقتة وعدم تأكده بالنسبة إلى فائتة المريض ... 588

استحباب التصدق بمُدّ عن كلّ ركعتين فإن عجز فعن كلّ يوم ... 589

وجوب جميع فروع الإسلام على الكافر الأصلي وعدم صحتها منه في حال كفره ... 590

المقصد الثاني في صلاة الجماعة ... 592

ص: 28

فضل الجماعة ... 592

حكم الجماعة في الجمعة والعيدين والفرائض والنوافل ... 594

انعقاد الجماعة باثنين فصاعداً ... 595

فيما يشترط وجوده في الإمام: ... 596

1 - التكليف ... 596

2 - الإيمان ... 597

3- العدالة ... 598

4 و 5 - طهارة المولد وأن لا يكون الإمام قاعداً وهو يؤمّ بقُيّام ... 599

في أنه يشترط أن لا يكون الإمام أمياً إذا كان يؤمّ بقارئ ... 600

عدم جواز إمامة اللاحن في قراءته ولا المبدل حرفاً بغيره بالمتقن لقراءته ... 600

عدم جواز إمامة المرأة للرجل وللخنثى المشكل وكذا إمامة الخنثى لمثله ... 601

صاحب المنزل والمسجد والهاشمي وإمام الأصل أولى بالإمامة من غيرهم ... 601

في أنه يقدّم الأقرأ مع التشاح بين المأمومين أو الأفقه؟ ... 605

في أنّه مَنْ يُقدَّم للإمامة إذا تساووا في الفقه أو الهجرة أو السن أو صباحة الوجه أو غير ذلك؟ ... 605

جواز إمامة المرأة للنساء ... 608

في أنه يستنيب المأمومون لو مات الإمام أو أُغمى عليه ... 609

كراهة استنابة المسبوق ... 611

في مَنْ تُكره إمامته ... 611

حكم ما لو علم المأموم فسق الإمام أو كفره أو حدثه بعد الصلاة ... 614

إدراك الركعة بإدراك الإمام راكعاً ... 616

عدم صحة الائتمام مع وجود حائل بين الإمام والمأموم الرجل المانع من مشاهدة الإمام أو ... 617

عدم صحة القدوة مع علوّ الإمام وتباعده بغير صفوف بالمعتدّ فيهما ... 618

عدم صحة القدوة مع وقوف المأموم قدام الإمام ... 619

ص: 29

استحباب وقوف المأموم الواحد عن يمين الإمام ... 621

استحباب وقوف العراة والنساء في صفّ إمامهما ووقوف الجماعة من الذكور خلف الإمام.. 621

استحباب إعادة المنفرد صلاته مع الجماعة إماماً أو مأموماً ... 622

كراهة تمكين الصبيان والمجانين والعبيد من الصفّ الأوّل ... 624

كراهة القراءة خلف الإمام المرضي إلّا إذا لم يسمع صوت الإمام ولا همهمة ... 624

أيضاً فيما يتعلّق بقراءة المأموم خلف الإمام ... 625

وجوب تبعية المأموم للإمام في الأفعال مطلقاً ... 628

وجوب التبعية في التكبير وحكم مقارنته وأنه هل تجب التبعيّة في غير التكبير من الأذكار؟ ... 629

حكم ما لو لم يتابع المأموم في الأفعال ... 632

عدم جواز متابعة المأموم المسافر للحاضر في باقي صلاته ... 632

وجوب نيّة الائتمام على المأموم وكونها بالمعيّن ... 635

حكم ما لو صلّى اثنان متساويان في الموقف ونوى كلُّ منهما الإمامة أو المأموميّة ... 633

بطلان الصلاة فيما لونوى المأموم الائتمام بغير المعين ... 635

عدم اشتراط نيّة الإمام للإمامة في انعقاد الجماعة ... 635

جواز اقتداء المفترض بمثله وإن اختلفا إلا مع تغيّر الهيئة ... 636

جواز علوّ المأموم على الإمام وأن يكبر الداخل إلى موضع الجماعة ... 637

في أنّ المأموم المسبوق يجعل ما يدركه أوّل صلاته ... 638

حكم ما لو دخل الإمام في الصلاة والمأموم في نافلة أو فريضة ... 640

حكم مالو كان الداخل إمام الأصل والمأموم في فريضةٍ ... 641

حكم ما لو أدرك المأموم الإمام بعد رفعه من الركوع الأخير ... 642

حكم ما لو أدرك الإمام بعد رفعه من السجدة الأخيرة ... 642

جواز انفراد المأموم عن الإمام في أثناء الصلاة مع نيّته ... 643

جواز التسليم للمأموم قبل الإمام ... 644

ص: 30

المقصد الثالث في صلاة الخوف ... 646

مشروعية صلاة الخوف وأنواعها ووجه تسمية صلاة ذات الرقاع ... 646

شروط صلاة ذات الرقاع ... 647

في أنّ صلاة الخوف مقصورة سفراً وحضراً جماعةً وفرادى ... 648

كيفية صلاة ذات الرقاع ... 649

وجوب أخذ السلاح على الطائفتين ... 652

فيما يتعلق بالصلاة في شدة الخوف وجواز الصلاة راكباً مع الضرورة ... 654

حكم ما لو عجز عن الصلاة بالأركان ولو بالإيماء بها ... 655

حكم ما لو أمن الخائف في أثناء الصلاة أو خاف في الأثناء ... 655

حكم ما لو صلّى صلاة الخوف لظنّ العدو فظهر الكذب أو ظهر الحائل بينهما ... 655

خائف السبع والسيل والعدو يصلي صلاة الشدّة ... 655

الموتحل والغريق يصلّيان بالإيماء مع العجز ولا يقصران العدد إلا في سفر أو خوف ... 656

المقصد الرابع في صلاة السفر ... 657

وجوب التقصير في الصلاة الرباعية خاصةً ... 657

شروط وجوب التقصير ... 658

1 - السفر إلى المسافة ... 658

حكم ما لو جهل المسافر هل بلغ المسافة ولا بيّنة ... 661

2 - القصد إلى المسافة ... 664

في أنّ الهائم وطالب الآبق لا يقصران وإن زاد سفرهما على مسافة ... 664

الهائم وطالب الآبق يقصران في الرجوع مع البلوغ للمسافة ... 666

3- عدم قطع السفر بنية الإقامة عشرة فما زاد في الأثناء ... 666

حكم ما لو وصل في أثناء السفر إلى بلد له فيه ملك استوطنه ستّة أشهر ... 667

حكم ما لو كان في نيته الإقامة في ابتداء السفر ... 670

ص: 31

حكم ما لو كان له عدة مواطن في طريقه أونوى إقامة العشرة في عدة مواضع ... 670

4 - كون السفر سائغاً وأنّ العاصي بسفره لا يترخّص ... 671

حكم ما لو رجع العاصي عن نيّته في أثناء السفر أو عاد إلى الطاعة ... 673

حكم الصائد للتجارة ... 674

5 - عدم زيادة السفر على الحضر وبيان الضابط لكثير السفر ... 675

فیما به يتحقق تعدّد السفرات ... 675

هل يشترط في فصل نية الإقامة الصلاة تماماً أم يكفي مجرّد النيّة ؟ ... 678

في مَنْ عُدّ من مصاديق كثير السفر ... 678

حكم ما لو أقام كثير السفر عشرة أيّام ... 680

حكم ما لو لم يقم كثير السفر عشرة أيّام ... 683

6 - خفاء الجدران والأذان ... 684

حكم ما لو تردّد المسافر في الإقامة وما لو نوى الإقامة عشراً ثم بداله ... 689

حكم ما لو خرج قاصد المسافة إلى موضع يحصل فيه الخفاء وصلّى تقصيراً ثمّ رجع عن السفر ... 696

التخيير بين القصر والإتمام في الأماكن الأربعة ... 697

حكم ما لو أتمّ المقصّر عالماً أو ناسياً ... 698

حكم ما لو أتمّ المقصّر جاهلاً ... 700

حكم ما لو صلّى مَنْ فرضه التمام قصراً عامداً أو ناسياً أو جاهلاً ... 701

حكم ما لو سافر بعد دخول الوقت قبل أن يصلّي الظهرين أو بعد مضيّ الظهر لاغير ... 702

حكم ما لو حضر إلى البلد أو ما في حكمه في الوقت ... 702

حكم ما لو نوى المسافر في غير بلده إقامة عشرة أيام ثم خرج إلى أقل من مسافة ... 703

استحباب التسبيحات الأربعة عقيب كلّ صلاة مقصورة ثلاثين مرّة ... 707

ص: 32

[كتاب الصلاة ]

ص: 33

ص: 34

(كتاب الصلاة)

وهي لغةً: الدعاء.

قال تعالى: (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَوَتَكَ سَكَن لَّهُمْ )(1) .

وقال الأعشى:

عليكِ مثلُ الذي صَلَّيتِ فاغْتَمِضِي*** نوماً فإن لجنب المرء مُضْطَجَعاً

عقيب دعاء ابنته له بقولها - كما حكاه عنها في البيت السابق(2) - :

تقُولُ بنتي وقد قَرَّبتُ(3) مُرْتَحَلاً *** يا ربِّ جنّب أبي الأَوْصابَ والوَجعا(4)

وقد يتجوّز بها في الرحمة إذا نسبت إليه تعالى وقد تقدّم تحقيق ذلك في خطبة الكتاب(5) .

وشرعاً: عبادة مخصوصة، تارةً تكون ذكراً محضاً، كالصلاة بالتسبيح، وتارةً فعلاً مجرّداً، كصلاة الأخرس وتارةً تجمعهما، كصلاة الصحيح.

وقد اختلف في وقوعها بالحقيقة على صلاة الجنازة والمشهور كونها حقيقةً لغويّة

ص: 35


1- التوبة (9): 103.
2- أي السابق في القصيدة.
3- في «الأصل و م»: «قبضت» بدل «قربتُ» وما أثبتناه من المصادر.
4- ديوان الأعشى، ص 105 و 106: وانظر تهذيب اللغة، ج 12، ص 236؛ وتفسير التبيان، ج 5، ص 286. ذيل الآية 100 من سورة التوبة (9)؛ والمغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 1، ص 410.
5- راجع روض الجنان، ج 1، ص 7 (ضمن الموسوعة، ج 10).

مجازاً شرعيّاً؛ إذ لا يفهم عند الإطلاق إلّا ذات الركوع والسجود.

ويؤيّده عدم اشتراط الطهارة فيها وعدم وجوب الفاتحة والتسليم عندنا، وقد قال تعالى: (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَوَةِ فَاغْسِلُواْ )(1) وقال علیه السلام :« لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب»(2) و«تحريمها التكبير وتحليلها التسليم»(3) إلى غير ذلك من الأدلّة، فهي دعاء للميت مشروط شرعاً بشرائط مخصوصة. وتسميته صلاةً باعتبار المعنى اللغوي.

ويدلّ على ذلك قول الصادق وقد سُئل عن فعلها على غير وضوء: «نعم، إنما هو تكبير وتسبيح وتحميد وتهليل، كما تكبر وتسبّح في بيتك على غير وضوء»(4).

وذهب بعض الأصحاب (5) - ومنهم الشهيد (رحمه الله )(6) - إلى أنها حقيقة شرعيّة بدلالة الاستعمال، وإرادة المجاز معه يحتاج إلى دليل؛ لكونه على خلاف الأصل.

وقد اختلف تعريفها بسبب هذا الاختلاف، ولا تكاد تجد تعريفاً خالياً عن دخل، دَخْلٍ كما هو شأن التعريفات.

وقد عرفها المصنّف في التحرير بناءً على الأوّل بأنّها أذكار معهودة مقترنة بحركات وسكنات مخصوصة يتقرّب بها العبد إلى الله تعالى (7).

فالأذكار بمنزلة الجنس تشمل الدعاء والقراءة وغيرهما من الكلام المباح وباقي القيود بمنزلة الفصل. وخرج بالمعهودة الأذكارُ المباحة التي لم تنقل شرعاً على وجه

ص: 36


1- المائدة (5): 6 .
2- حلية الأولياء، ج 7، ص 124 مسند أبي عوانة، ج 2، ص 125؛ الكامل، ابن عدي، ج 4، ص 1437.
3- الكافي، ج 3، ص 69، باب النوادر ، ح 2: سنن أبي داود، ج 1، ص 16، ح 61: الجامع الصحيح، ج 1، ص 8 - 9 ح ؛ سنن ابن ماجة، ج 1، ص 101، ح 275 و 276: سنن الدار قطني، ج 2، ص 21، ح 4/1343؛ مسند أحمد، ج 1، ص 198 - 199، ح 1009.
4- الكافي، ج 3، ص 178، باب من يصلّي على الجنازة .... 1؛ الفقيه، ج 1، ص 170، ح 496؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 203، ح 475.
5- كالمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 6.
6- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 29 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 5).
7- تحرير الأحكام الشرعيّة، ج 1، ص 173 .

معيّن. وبالمقترنة بالحركات والسكنات الدعاء وقراءة القرآن. وأراد بالحركات والسكنات الركوع والسجود والقيام وغيرها ممّا يقوم مقامها. وتخرج بها صلاة الجنازة؛ إذ لا يعتبر فيها ذلك. وقيد التقرب بيان للغاية، وتخرج به صلاة الرياء.

وتندرج في التعريف صلاة المضطرّ ولو بالإيماء والمطاردة وغيرها ممّا لا يشترط فيه القبلة ولا القيام وإنّما هو ذكر بحركة مخصوصة، وصلاة النافلة ولو سفراً وجالساً، وغير ذلك من الأنواع.

ونُقض في طرده بأذكار الطواف، وفي عكسه بصلاة الأخرس؛ فإنّه لا أذكار فيها.

وأجيب عن الأوّل: بأن المراد بالاقتران التلازم من الطرفين، وليس كذلك أذكار الطواف؛ إذ لا تلازم بينها وبين الحركات لانفكاكها من الأذكار

وعن الثاني: بأن تحريك الأخرس لسانه قائم مقام الذكر.

وفيهما منع؛ فإنّ الاقتران أعمّ من التلازم فلا يدلّ عليه على الخصوص. وإرادة بعض أفراد العام غير جائز في التعريف إلّا بقرينةٍ جليّة.

ولأنّا نفرضه فيما لو وجبت فيه بنذر وشبهه، فإنّهما حينئذٍ متلازمان وهو كافٍ في النقض، ولا يلزم من قيام حركة لسان الأخرس مقام الذكر كونه ذكراً، فإنّ البدل مغاير للمبدل .

وعرفها المحقق الشيخ علي بأنها أفعال مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم للقربة. وادّعى فيه الاحتراز التامّ وصحّة الاطّراد والانعكاس(1).

وأورد على طرده بالذكر المنذور المفتتح بالتكبير المختتم بالتسليم، وأبعاض الصلاة، الأخيرة المفتتحة بالتكبير كالركوع والسجود والتشهد المتصلة بالتسليم وبالصلاة المتبيّن فسادها بعدم الطهارة مثلاً.

فأجاب بأنّ المراد بالتكبير تكبير مخصوص متعارف بين الفقهاء إذا أُطلق تكبير الافتتاح يستفاد منه ذلك التكبير المخصوص، أعني تكبير التحريم، فاللام فيه للعهد.

ص: 37


1- جامع المقاصد، ج 2، ص 6.

وكذا المراد بالتسليم تسليم مخصوص، وهو المحلّل لا التحية المتعارفة ولا التسليم على الأنبياء وغيرهم؛ لأنّ ذلك لا يفهم من التسليم على ألسنة الفقهاء. وهذا المعنى منتفٍ في الذكر المنذور، فإنّ أريد بالنذر وقلنا بانعقاده، لم يتصوّر مثله في التسليم بمعنى المحلِّل؛ لأنّ التسليم على الوجه المخصوص ليس عبادةً مطلقاً، بل في مواضع مخصوصة، فلا يمكن جعله عبادةً بالنذر؛ لأنّها موقوفة على إذن الشارع، بخلاف التكبير ؛ فإنّه عبادة مطلقاً؛ لأنّه ذكر لله وثناء عليه.

وهذا بعينه جواب عن الصلاة الفاسدة والأبعاض المذكورة. ويزيد منع كونها مفتتحةً بتكبير ؛ لأنّ فاتحة الشيء جزؤه الأوّل، كما في افتتاح الصلاة بالتكبير، فإنّه جزؤها الأوّل بناءً على ما حُقَّق من كون النية بالشرط أشبه(1) .

وفيه نظر؛ لأنّ هذا التكبير المعروف بين الفقهاء لا يمكن معرفته إلّا مضافاً إلى الصلاة، فيكون قد أخذ في تعريف الصلاة ما يتوقف فهمه عليها، وهو دور.

وأيضا لو أُريد بالتكبير ما حصل فيه فائدة التحريم وبالتسليم ما حصل فيه فائدة التحليل، لم يتصوّر الحكم ببطلان الصلاة بزيادتهما، فإنّ ذلك الزائد غير محرّم ولا محلّل، وإنّما المراد الإتيان بصورتهما بقصدهما.

وقوله: «إنّ التسليم على ذلك الوجه ليس عبادةً ولا ينعقد نذره موضع نظر أيضاً؛ فإنّهم قد نصّوا على استحباب أن يقصد به التسليم على الأنبياء والأئمّة والملائكة إلى غير ذلك ممّا فصلوه، ولا ريب أنّ التسليم على هؤلاء أمر مندوب، فيكون نذره صحيحاً وعدم وجود فائدة التحليل فيه لا يُخرجه عن كونه بصورة تسليم الصلاة، كما في التكبير والتسليم المزيدين في غير محلّهما.

ودعوى كون فاتحة الشيء جزءه الأوّل في موضع المنع أيضاً؛ فإنه وإن تمّ في الصلاة - لأنّها مجموع مركّب من أفعال مخصوصة أوّلها التكبير - لا يتمّ في غيرها، كما تقول: ينبغي افتتاح السفر بالصدقة ونحوه.

ص: 38


1- لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر .

سلّمنا، لكنّ الذكر المنذور الملحوظ في النذر كون أوله التكبير وآخره التسليم يكون التكبير جزءه الأوّل، فالإيراد بحاله.

وعرفها الشهيد (رحمه الله) - بناءً على ما اختاره من دخول صلاة الجنازة في أقسامها الحقيقيّة - بأنّها أفعال مفتتحة بالتكبير مشترطة بالقبلة للقربة فتدخل الجنازة(1) ، بخلاف ما سبق؛ فإنّها خارجة منه بقيد التسليم.

وأورد على طرده الذكر المنذور حال الاستقبال مفتتحاً بالتكبير، وأبعاض الصلاة، والصلاة المندوبة مطلقاً على القول بعدم اشتراط الاستقبال فيها، ومع السفر والركوب على القول بالاشتراط والصلاة المنذورة إلى غير القبلة حيث يصحّ النذر.

(والنظر) يقع (في المقدّمات) - بفتح الدال وكسرها - وهي ما تتقدّم على الماهيّة - إمّا لتوقّف تصوّرها عليها كذكر أقسامها وكميّاتها كالمقصد الأول، أو لاشتراطها بها، أو لكونها من مكمّلاتها السابقة كالأذان والإقامة (و) في (الماهيّة) وهي ذات الصلاة التي أوّلها التكبير وآخرها التشهّد أو التسليم (واللواحق) وهي ما تلحق الماهية من الأحكام، كالبحث عمّا يُفسدها، وكيفية تلافيها مع ذلك ومكملاتها بالجماعة وما

يلحقها من النقص بسبب الخوف والسفر.

ص: 39


1- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 29 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).

(النظر الأوّل في المقدّمات)

اشارة

(وفيه مقاصد ):

[المقصد] ( الأوّل في أقسامها )

(وهي) تنقسم - انقسام الكلّي إلى جزئيّاته - إلى (واجبة ومندوبة).

(فالواجبات) جمعها باعتبار تعدد أفرادها، ووحدها أولاً مراعاةً للجنس (تسع): الصلاة (اليوميّة) وهى الخمس، سُمّيت بذلك لتكرّرها في كل يوم. ونسبتها إلى اليوم دون الليلة إما تغليباً، أو لأنّ معظمها في اليوم، أو لكونه مذكراً فكان أولى بالنسبة كما يكون أولى بالاسم على تقدير جمعهما في اسم واحد، كالأبوين.

(والجمعة) وعدّها قسماً برأسه؛ لمغايرتها للظهر وإن كانت بدلاً منها، ولم يثبت كونها ظهرا مقصورة.

(والعيدان والكسوف) العارض للشمس والقمر (والزلزلة والآيات والطواف والأموات).

وفي جميع هذه الأقسام عدا الأوّل أقام المضاف إليه مقام المضاف بعد حذفه وكساه إعرابه، وفي الأوّل حذف الموصوف وأقام الصفة مقامه.

وقوله: (والمنذور وشبهه) لا يلتئم معهما، بل هو تركيب برأسه.

وفي عدّ الكسوف والزلزلة والآيات أقساماً ثلاثة إشكال؛ لأنّ الآيات تشملهما، فجَعْلُ بعض أقسام الشيء قسيماً له لا يستقيم، فالأولى عدّها قسماً واحداً لتصير

ص: 40

الأقسام سبعةً، كما صنعه الشهيد (رحمه الله)(1) .

وفي عدّه لصلاة الأموات منها دلالة على ترجيح وقوع اسم الصلاة عليها حقيقةً.

وفي القواعد(2) وغيرها(3) أسقطها من العدد بناءً على القول الآخر.

ويمكن كون ذكرها هنا بنوع تجوّز، كما ذكر وضوء الحائض ونحوه من أقسام الوضوء مع عدم كونه طهارةً عنده(4)، فإنّهم لا يتحاشون أن يذكروا في التقسيم ما لا يدخل في التعريف.

والمراد بشبه المنذور ما حلف عليه أو عُوهد أو تحمّل عن الغير ولو باستئجار وصلاة الاحتياط، فإنّها غير اليومية، مع احتمال دخولها فيها.

وفي كون قضاء اليوميّة من أقسامها أو من القسم الأخير نظر: من كونه غير المقضي وإن كان فعل مثله، ومن انقسامها إلى الأداء والقضاء، وهو دليل الحقيقة. وكذا القول في غيرها ممّا تقضى.

(والمندوب) من الصلوات (ما عداه) أي ما عدا الواجب المذكور من الصلوات، وهي أقسام كثيرة يأتي ذكر بعضها.

( فاليوميّة خمس) صلوات بعد أن كانت ،خمسين، فخفّفها الله تعالى عن هذه الأُمّة ليلة المعراج إلى خمس(5) ، وأبقى ثواب الخمسين؛ لآية المضاعفة(6) ، كما ورد في الخبر(7) .

ص: 41


1- الدروس الشرعية، ج 1، ص 57 البيان، ص 103؛ اللمعة الدمشقية، ص 21 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9، 12 و 13).
2- انظر قواعد الأحكام، ج 1، ص 245 ففيها غير ساقطة. وفي نسخة القواعد التي اعتمد عليها المحقق الكركي في شرحه عليها ساقطة انظر جامع المقاصد، ج 2، ص 7.
3- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 259 المسألة 1؛ منتهى المطلب، ج 4 ص 11؛ نهاية الإحكام، ج 1، ص 308 .
4- منتهى المطلب، ج 2، ص 383، الفرع الأول.
5- تفسير القميّ، ج 2، ص 3 - 12؛ الفقيه، ج 1، ص 197 - 198، ح 602: صحيح البخاري، ج 1، ص 135 - 136، ح 342: الجامع الصحيح، ج 1، ص 417، ح 213.
6- الأنعام (6) : 160 .
7- الفقيه، ج 1، ص 198 - 199، ح 603.

فإحدى الخمس (الظهر) وهي الصلاة الوسطى على أصح الأقوال، ونقل الشيخ فيه إجماعنا(1) ؛ لرواية زرارة عن الباقر علیه السلام(2) ، والبزنطي عن الصادق علیه السلام(3) . ولتوسّطها بين صلاتي النهار : الصبح والعصر، ووقوعها في وسط النهار حيث ينتشر الناس في معاشهم ويتوفّرون على الاشتغال بأمر دنياهم، فاقتضى ذلك الاهتمام بالمحافظة عليها.

(والعصر) وهي عند المرتضى الوسطى(4) (والعشاء).

(وكلّ واحدة) من هذه الثلاث (أربع ركعات في الحضر، ونصفها) بحذف الركعتين الأخيرتين (في السفر) والخوف.

والمراد بتنصيفها باعتبار ما استقرّت عليه و إلّا فقد روينا عن الصادق علیه السلام(5) ورووا عن عائشة أنّ الصلاة افترضت مثنى إلّا المغرب فزيد فيما عدا الصبح والمغرب ركعتين، وفي السفر تصلّى كما افترضت (6).

(والمغرب ثلاث) ركعات (فيهما) أي في السفر والحضر. ولا يحتاج هنا إلى إضافة الخوف؛ لدخوله فيهما اتفاقاً؛ إذ الحال منحصرة في السفر والحضر.

(والصبح ركعتان كذلك أي سفراً وحضراً.

(ونوافلها) أي نوافل اليوميّة (في الحضر ) أربع وثلاثون ركعة على المشهور:

ص: 42


1- الخلاف، ج 1، ص 294 - 295، المسألة 40 .
2- الكافي، ج 3، ص 271، باب فرض الصلاة، ح 1: الفقيه، ج 1، ص 195 - 196، ح 600: تهذيب الأحكام، ج 2 ،ص 241، ح 954.
3- كذا قوله والبزنطي عن الصادق علیه السلام في «الأصل وم» والطبعة الحجريّة وذكرى الشيعة ، ج 2، ص 198 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 6) ولم نعثر على روايته في المصادر الروائية.
4- رسائل الشريف المرتضى، ج 1، ص 275 .
5- الكافي، ج 1، ص 266 . باب التفويض إلى رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم .... ح 4: الفقيه، ج 1، ص 454، ح 1319: تهذيب 1، الأحكام، ج 2، ص 113 - 114، ح 424.
6- كمافي جامع المقاصد، ج 2، ص 8 وانظر صحيح البخاري، ج 1، ص 369 ، ح 1040؛ وصحيح مسلم، ج 1، ص 478 ، ح 685/1: وسنن النسائي، ج 1، ص 225؛ ومسند أحمد، ج 7، ص 387، ح 25806.

ثمان ركعات قبل الظهر، وثمان قبل العصر، وأربع بعد المغرب) وقبل كلّ شيء سوى التسبيح، ذكره الشهيد في الذكرى (1).

وركعتان من جلوس) على الأفضل (تعدّان) لذلك بركعة، وتجوزان من قيام؛ لخبر سليمان بن خالد عن الصادق علیه السلام(2)، وتصليان ركعتين أيضاً.

وعدّهما حينئذٍ (بركعة) باعتبار كون ثوابهما ثواب ركعة من قيام في غيرهما، أو لأنهما بدل من ركعتين من جلوس؛ إذ هو الأصل فيهما، والركعتان من جلوس معدودتان بواحدة، كما دلّت عليه رواية البزنطي عن الکاظم علیه السلام(3).

ومحلّهما (بعد العشاء) وبعد كل صلاة يريد فعلها صرّح بذلك المصنّف في النهاية(4) ؛ والشيخان في المقنعة والنهاية(5) حكاه في الذكرى، قال: حتّى نافلة شهر رمضان(6).

وقطع الشهيد في النفليّة بأنّ نافلة شهر رمضان الواقعة بعد العشاء، تكون بعد الوتيرة(7) . وسيأتي تحقيق الحال إن شاء الله.

(وإحدى عشرة ركعة صلاة الليل) وإطلاق صلاة الليل على الجميع تغليب لاسم الأكثر، وإلّا فصلاة الليل منها ثمان ثمّ ركعتا الشفع ثمّ ركعة الوتر . (وركعتا الفجر).

فهذه أربع وثلاثون ركعة نقل الشيخ إجماعنا عليها(8)، ورواها في التهذيب بهذا

ص: 43


1- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 271 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 6).
2- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 5، ح 8.
3- الكافي، ج 3، ص 444 ، باب صلاة النوافل، ح 8 تهذيب الأحكام، ج 2، ص 8، ح 14.
4- نهاية الإحكام، ج 1، ص 308 .
5- المقنعة، ص 118؛ النهاية. ص 60 و 119.
6- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 216 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 6).
7- الرسالة النفلية، ص 206 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 18).
8- الخلاف، ج 1، ص 525 - 526 المسألة 266 .

التفصيل عن الصادق(1) والرضا علیهما السلام(2) .

وروي ثلاث وثلاثون(3) بإسقاط الوتيرة.

وروي تسع وعشرون ثمان للظهر قبلها، وركعتان ،بعدها، وركعتان قبل العصر وركعتان بعد المغرب وقبل العتمة ركعتان وإحدى عشرة الليلية، وركعتا الفجر(4) .

وروى زرارة عن الصادق أنها سبع وعشرون اقتصر بعد المغرب على ركعتين(5) .

واختلاف هذه الأخبار منزّل على الاختلاف في الاستحباب بالتأكيد وعدمه، فلا ينافي مطلق الاستحباب

(و تسقط نوافل الظهرين والوتيرة في السفر) والخوف .

أمّا نوافل الظهرين: فلا خلاف في سقوطها.

وأمّا الوتيرة فالمشهور سقوطها، بل ادّعى عليه ابن إدريس الإجماع(6).

والمستند - بعد الإجماع المنقول بخبر الواحد رواية أبي بصير عن الصادق علیه السلام : «الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما ولا بعدهما شيء إلا المغرب فإنّ بعدها أربع ركعات لا تدعهنّ في حضر ولا سفر»(7).

ورواية أبي يحيى الحنّاط عن أبي عبد الله علیه السلام: «يا بنيّ لو صلحت النافلة في السفر تمّت الفريضة»(8) .

وفي هذا الخبر إيماء إلى سقوطها في الخوف الموجب للقصر أيضاً.

ص: 44


1- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 4، ح 2.
2- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 8، ح 14.
3- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 4، ح 4.
4- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 6، ح 11؛ الاستبصار، ج 1، ص 219، ح 777 .
5- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 7 ، ح 12.
6- السرائر، ج 1، ص 194.
7- الكافي، ج 3، ص 439 - 440، باب التطوع في السفر، ج 3، تهذيب الأحكام، ج 2، ص 14 - 15، ح 36.
8- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 16، ح 44: الاستبصار، ج 1، ص 221، ح 780 .

وجوّز الشيخ في النهاية فعل الوتيرة(1) ؛ استناداً إلى رواية الفضل بن شاذان عن الرضا علیه السلام : «إنّما صارت العشاء مقصورةً وليس تترك ركعتاها لأنها زيادة في الخمسين تطوّعاً ليتم بها بدل كلّ ركعة من الفريضة ركعتان من التطوّع»(2) .

وقوّاه في الذكرى بأنّه خاص ومعلّل وما تقدّم خالٍ منهما قال: إلّا أن ينعقد الإجماع على خلافه (3).

والعمل على المشهور.

ص: 45


1- النهاية، ص 57 .
2- الفقيه، ج 1، ص 454 - 455. ح 1320.
3- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 206 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 6).

(المقصد الثاني في أوقاتها )

يجب معرفة أوقات الصلاة الواجبة عيناً؛ لتوقف الواجب المطلق عليه، وحيث كان كذلك وجب بيان الأوقات.

(فأوّل وقت) صلاة (الظهر إذا زالت الشمس) أي مالت عن وسط السماء وانحرفت عن دائرة نصف النهار نحو المغرب، فذلك هو الزوال (المعلوم) بأحد أمرين:

[الأمر الأوّل] (بزيادة الظلّ) المبسوط، وهو المأخوذ من المقاييس القائمة على سطح الأفق (بعد نقصه).

واحترزنا بالمبسوط عن الظل المنكوس، وهو المأخوذ من المقاييس الموازية للأفق، فإنّ زيادته تحصل من أوّل النهار وتنتهي عند انتهاء نقص المبسوط، فهو(1) ضدّه، فلابدّ من الاحتراز عنه.

وبيان ذلك: أن الشمس إذا طلعت، وقع لكلّ شاخص قائم على سطح الأرض - بحيث يكون عموداً على سطح الأفق - ظلّ طويل في جانب المغرب، وهذا الظل هو المبحوث عنه هنا، ثمّ لا يزال ينقص كلّما ارتفعت الشمس حتى تبلغ كبد السماء وتصل إلى دائرة نصف النهار، وهي دائرة عظيمة موهومة تفصل بين المشرق والمغرب تقاطع دائرة الأفق على نقطتين هما نقطتا الجنوب والشمال، وقطباهما منتصف النصف الشرقي ومنتصف النصف الغربي من الأفق، وهما نقطتا المشرق والمغرب.

وحينئذٍ فيكون ظلّ الشاخص المذكور واقعاً على خطّ نصف النهار، وهو الخطّ الواصل بين نقطتي الجنوب والشمال، وهناك ينتهي نقصان الظلّ المذكور. وقد لا يبقى

ص: 46


1- في «م»: وهو.

للشاخص ظلُّ أصلاً في بعض البلاد، وإذا بقي الظلّ، فمقداره مختلف باختلاف البلاد والفصول، فكلّما كان بعد الشمس عن مسامتة رؤوس أهل البلد أكثر كان الظلّ فيها أطول .

فإذا مالت الشمس عن وسط السماء وانحرفت عن دائرة نصف النهار إلى المغرب فإن لم يكن بقي ظل حدث حينئذٍ في جانب المشرق وكان ذلك علامة الزوال. وإن كان قد بقي أخذ حينئذٍ في الزيادة، فيكون ذلك علامةً أيضاً.

فإطلاق المصنّف العلامة على الثاني خاصة مبني على الغالب بالنسبة إلى البلاد والزمان، وإلا فاللازم ذكر الأمرين، كما صنع في غير(1) هذا الكتاب أو التعبير بلفظ يشملهما، كظهور الظل في جانب المشرق. ولاستخراج هذه الزيادة طرق جليلة ودقيقة:

فالجليلة الواضحة التي دلّت عليها الأخبار - كخبر عليّ بن أبي حمزة(2) ، وخبر سماعة عن الصادق علیه السلام(3) - أن ينصب مقياساً على وجه الأرض حيال الشمس ويقدر ظله عند قرب الشمس من الاستواء ثمّ يصبر قليلاً ويقدّر، فإن كان دون الأوّل أو بقدره، فإلى الآن لم تزل، وإنّ زاد ،زالت إلّا أنّ هذا الطريق إنما يعلم به زوال الشمس بعد مضي زمانٍ طويل، لكنّه عام النفع للعالم والعامّي.

ومن الطُرق الدقيقة: الدائرة الهنديّة، وقد ذكرها المصنّفُ في النهاية(4) ، وجماعةٌ من الأصحاب، كالمفيد(5) وغيره(6) .

ص: 47


1- مثل تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 301، المسألة 24 ؛ ومنتهى المطلب، ج 4، ص 42.
2- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 27، ح 76.
3- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 27 ، ح 75 .
4- نهاية الإحكام، ج 1، ص 334 .
5- المقنعة، ص 92 و 93.
6- كالشيخ في النهاية، ص 58؛ والقاضي ابن البراج في المهذب، ج 1، ص 72 - 73؛ والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 13.

وطريقها أن يسوّي موضعاً من الأرض تسويةً صحيحة بأن يدار عليها مسطرة مصحّحة الوجه مع ثبات وسطها بحيث يماتها في جميع الدورة، أو تعلم بالماء إن كانت صلبةً بحيث إذا صبّ عليها مسها من جميع الجهات. ثمّ تدار عليها دائرة بأيّ بُعْدِ كان وينصب على مركزها مقياس مخروطي محدّد الرأس طوله قدر ربع قطر الدائرة تقريباً نصباً مستقيماً بحيث يحدث عن جوانبه زوايا قوائم، ويعلم ذلك بأن يقدر ما بين رأس المقياس ومحيط الدائرة بمقدار واحد من ثلاث نقط من المحيط، ويرصد رأس الظلّ عند وصوله إلى محيطها للدخول فيها ممّا يلي الغرب قبل الزوال، و بعد الزوال عند خروجه منها من جهة الشرق، ويُعلّم على نقطتي الوصول، وينصف القوس التي العلامتين من الجانبين، أعني جهة الجنوب والشمال، ويُخرج من منتصفها خطاً مستقيماً يمرّ بالمركز، فهو خط نصف النهار الذي ينتهي أحد طرفيه بنقطة الجنوب والآخر بنقطة الشمال. ولك أن تكتفي بتنصيف القوس الشمالية وتصل بين مركز الدائرة ومنتصف القوس، فإذا ألقى المقياس ظلّه على هذا الخطّ الذي هو ܠܰܐ نصف النهار كانت الشمس في وسط السماء لم تزل، فإذا ابتدأ رأس الظل يخرج عنه، فقد زالت الشمس. ولو نصفت القوسين الحادثتين من قطع خط نصف النهار للدائرة ووصلت بينهما بخطّ يقاطع خطّ نصف النهار على أربع زوايا قوائم كلُّ منها ربع المحيط، كان ذلك الخطّ خطّ المشرق والمغرب، فيتصل أحد طرفيه بنقطة مشرق الاعتدال والآخر بنقطة مغربه.

وسيأتي في باب القبلة الاحتياج إليها إن شاء الله، فإنّ بهذه الدائرة تعرف القبلة أيضاً بنوع من التحقيق.

ومن الطرق الدقيقة التي يعلم بها الزوال أيضاً: الاسطرلاب، وربع الدائرة، ودائرة المعدّل، وغيرها من الأعمال، وقد ذكرها أيضاً بعض الأصحاب(1)

ص: 48


1- كالشيخ في النهاية، ص 58 والقاضي ابن البّراج في المهذّب، ج 1، ص 72.

بقى هنا بحث شريف لابدّ من التنبّه له، وهو أنّ المصنّف(1) وجماعة(2) مثّلوا من البلاد التي يعلم الزوال فيها بحدوث الظلّ بعد عدمه مكّة وصنعاء في أطول أيّام السنة، وهو يوم واحد عند نزول الشمس السرطان.

وحكى بعضهم(3) فيه قولاً آخر، وهو أنّ ذلك يكون بالبلدين قبل أن ينتهي طول النهار بستة وعشرين يوماً، ويستمر كذلك إليه، وكذا بعد انتهائه بستّة وعشرين يوماً أيضاً.

والتحقيق أنّ كلا القولين فاسد؛ وذلك لأنّ الوجه في عدم الظل للشاخص مسامتة الشمس لرأسه بحيث لا تميل عنه إلى جهة الشمال ولا إلى جهة الجنوب، وذلك إنما يكون في أطول أيام السنة لبلد يكون عرضه مساوياً للميل الأعظم الذي لفلك البروج معدل النهار، وهو أربع وعشرون درجة مجبورة الدقائق، أما ماكان عرضه أقل من الميل الأعظم - كمكة وصنعاء - فإنّ الشمس تسامت رؤوس أهله في السنة مرتين وذلك عند بلوغ الميل قدر عرض البلد في الربيع والصيف. ومما ثبت كون عرض مكة إحدى وعشرين درجةً وأربعين دقيقة أو ما قاربها وعرض صنعاء أربع عشرة درجة وأربعين دقيقة أيضاً، وحينئذٍ فتكون مسامتة الشمس لرؤوس أهل صنعاء قريباً من وسط الزمان الذي بين الاعتدال والمنقلب الصيفي في فصل الربيع والصيف عند كون الشمس في برج الثور والأسد. ثمّ يحدث لها ظلَّ جنوبي عند انتقالها في الصعود ولا يزال يتزايد حتى ينتهي الصعود، وذلك اليوم الأطول، فيكون لها حينئذ بالبلد المذكور ظلّ جنوبي مستطيل. ثمّ يأخذ في النقصان عند دخولها في برج السرطان إلى أن ينقص الميل بحيث يساوي عرض البلد، وذلك عند كونها في برج الأسد، فيعدم

ص: 49


1- نهاية الإحكام، ج 1، ص 333.
2- منهم: الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 2، ص 229؛ والدروس الشرعية، ج 1، ص 59 (ضمن موسوعة الشهيد الأول. ج 6 و 9): والسيوري في التنقيح الرائع، ج 1، ص 167 - 168؛ والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 12.
3- المحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 12 وانظر منتهى المطلب، ج 4، ص 42 وتذكرة الفقهاء، ج 2، ص 301 المسألة 24 .

الظلّ أيضاً يوماً واحداً ثمّ يحدث لها ظلُّ شمالي ولا يزال يتزايد حتى ترجع إلى برج الثور، فيكون لها في السنة مسامتتان وظلّان جنوبي وشمالي، وأين هذا ممّا ذكروه؟

وأمّا مكة فعرضها - كما تقدّم - ينقص عن الميل الأعظم كثيراً، فتكون مسامتة الشمس لرؤوس أهلها قبل انتهاء الميل أيضاً، فتسامت رؤوس أهلها مرّتين أيضاً.

وقد حقّقها جماعة من أهل هذا الفنّ - كالعلّامة المحقّق خواجه نصيرالدين الطوسي وغيره - بأنّها تكون عند الصعود في الدرجة الثامنة من الجوزاء، وفي الهبوط بعد الانقلاب الصيفي في الدرجة الثالثة والعشرين من السرطان؛ لمساواة الميل في الموضعين لعرض مكة، ولا يكون في هاتين الحالتين للمقاييس المنصوبة على سطح الأفق ظلُّ أصلاً، وتكون الشمس فيما بين هاتين الصورتين شماليّةً عن سمت مكّة، فتقع الأظلال في أنصاف النهار جنوبيّة.

وهذا التقرير يقارب القول الثاني، لكن يظهر فساده من وجهين:

أحدهما: أنّ ذلك القول جعلوه شاملاً لمكّة وصنعاء، وقد عرفت بُعد صنعاء عن المقام كثيراً، وإنما يقارب مكّة خاصّة.

والثاني: أنّه اقتضى عدم الظلّ أصلاً في تمام اثنين وخمسين يوماً، وذلك من مبدإ مسامتة الشمس لرؤوس أهل مكّة إلى أن ترجع إلى المسامتة الثانية، وليس الأمر كذلك، وإنما يعدم في كلّ مسامتة يوماً واحداً في مبدأ المدّة ومنتهاها ثمّ يرجع الظلّ جنوبيّاً، كما تقدّم.

نعم، يمكن أن يقال في مكّة: إنّ المراد بعدم الظلّ في هذه المدّة الظلُّ الشمالي المتعارف وذلك لا ينافي ثبوت ظلّ ،آخر لكنه يفسد من جهة قولهم: إنّ علامة الزوال لهذا الفريق حدوثه بعد ،عدمه، فإنّه لا يتمّ ذلك. وجملة الأمر أنّ البلد إن نقص عرضها عن الميل الأعظم، أو لم يكن لها عرض كخطّ الاستواء، سامتت الشمس رؤوس أهله مرتين في غير يومي المنقلبين، وعدم الظلّ فيه حينئذٍ.

ص: 50

ومن هذا القسم مكّة والطائف واليمامة ونجران وصنعاء وزبيد وحضرموت وغيرها وإن كانت أوقات المسامتة فيها مختلفةً؛ لاختلاف عروضها. وإن ساواه سامتته مرّة واحدة عند المنقلب الشمالي في الأرض المعمورة، ويكون عدم الظلّ حينئذٍ في أطول الأيّام كما ذُكر.

وأقرب البلدان إلى هذا القسم مدينة الرسول صلى الله عليه وآله و سلم ، فلو مثّل بها كان حسناً وإن كانت زائدةً في العرض عن الميل الأعظم، لكن الزيادة دقائق لا يظهر بسببها للحسّ.

وإن زاد عرض البلد عن الميل الكلي كالشام والعراق وجميع ما خرج عنهما نحو الشمال وغيرهما من البلاد التي يزيد عرضها عن أربعة وعشرين درجة، فإنّ الظل الشمالي لا يعدم؛ لعدم مسامتة الشمس لرؤوسهم أصلاً، فتكون علامة الزوال عندهم زيادة الظل. فتدبّر هذه الجملة، فإنها مبنية على مقدمات دقيقة، واستقم كما أمرت، ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله.

والأمر الثاني(1) ممّا يُعلم به الزوال ما أشار إليه بقوله: (أو ميل الشمس إلى الحاجب الأيمن للمستقبل) لقبلة أهل العراق وإنّما أطلقها؛ لظهورها، أو لكونها قبلته.

وهذه العلامة لا يعلم بها الزوال إلا بعد مضيّ زمانٍ كثير؛ لاتّساع جهة القبلة بالنسبة إلى البعيد. ومن ثُمَّ قيّدها المصنّف في النهاية والمنتهى(2) بمَنْ كان بمكّة إذا استقبل الركن العراقي ليضيق المجال ويتحقق الحال. والأمر باق بحاله؛ فإنّ الشمس لا تصير على الحاجب الأيمن لمستقبل الركن العراقي إلا بعد زمان كثير، بل ربما أمكن استخراجه للبعيد في زمان أقلّ منه لمستقبل الركن.

والتحقيق: أنّه لا حاجة إلى التقييد بالركن؛ لما ذكرناه(3) ، ولأنّ البعيد إذا استخرج نقطة الجنوب بإخراج خطّ نصف النهار، صار المشرق والمغرب على يمينه ويساره، كما هو

ص: 51


1- قد سبق الأمر الأوّل في ص 46.
2- نهاية الإحكام، ج 1، ص 335؛ منتهى المطلب ، ج 4، ص 43.
3- في «م»: لما ذكر.

روض الجنان / 2

أحد علامات العراقي، وإن كان في هذه العلامة بحث تقف عليه في محلّه إن شاء الله.

فإذا وقف الإنسان على سمت هذا الخطّ ظهر له ميل الشمس إذا مالت في زمان قصير يقرب من زيادة الظل بعد نقصه، وأما إذا اعتبر البعيد قبلة العراقي بغير هذه العلامة خصوصاً بالنظر الدقيق الذي يخرج به سمت القبلة، فإنّ الزوال لا يظهر حينئذٍ إلّا بعد مضي ساعات من وقت الظهر، كما لا يخفى على من امتحن ذلك. وقريب من ذلك اعتباره باستقبال الركن العراقي، فإنّه ليس موضوعاً على نقطة الشمال حتى يكون استقباله موجباً لاستقبال نقطة الجنوب وللوقوف على خطّ نصف النهار، وإنّما هو بين المشرق والشمال، فوصول الشمس إليه يوجب زيادة ميل عن خطّ نصف النهار، كما لا يخفى.

إذا تقرر ذلك، فوقت الظهر المختصّ بها - بمعنى عدم وقوع العصر فيه مطلقاً - من زوال الشمس (إلى أن يمضى) من الزمان (مقدار أدائها) تامة الأفعال والشروط بأقل واجباتها بحسب حال المكلّف، باعتبار كونه مقيماً ومسافراً، صحيحاً ومريضاً، سريع القراءة والحركات وبطيئها مستجمعاً بعد دخول الوقت لشروط الصلاة أو فاقدها، فإنّ المعتبر مضىّ قدر أدائها وأداء شرائطها المفقودة.

فإن اتّفق خُلوّه منها جميعاً بأن كان محدثاً عارياً ونجس الثوب والبدن والمكان، بطيء القراءة والحركات ونحو ذلك كان وقت الاختصاص مقدار تحصيل هذه الشرائط وفعل الصلاة.

ولو اتّفق كونه متطهّراً خالياً ثوبه وبدنه ومكانه من نجاسة، عالماً بالقبلة ونحو ذلك، كان وقته قدر أداء الصلاة خاصّة حتّى لو فرض كون المكلّف في حال شدّة الخوف وقد دخل عليه الوقت جامعاً للشرائط فوقت الاختصاص بالنسبة إليه مقدار صلاة ركعتين عوض كلّ ركعة تسبيحات أربع. ولو فرض سهوه عن بعض الواجبات، فإن كان مما يتلافى فوقت تلافيه من وقت الاختصاص.

(ثمّ) بعد مضيّ هذا المقدار من الزوال (تشترك) الظهر في الوقت (مع العصر)

ص: 52

بمعنى إمكان صحة العصر قبل الظهر في هذا الوقت. ويتّفق ذلك فيما لو صلّى العصر قبل الظهر ناسياً، فإنّها تصحّ إذا وقعت أو بعضها في الوقت المشترك، ويصلّي الظهر بعدها، كما سيأتي.

ويستمرّ الاشتراك من مضىّ مقدار أداء الظهر كما ذُكر (إلى أن يبقى للغروب مقدار أداء العصر) على الوجه المتقدّم ( فتختصّ) العصر (به) فلو لم يكن صلّى الظهر قبل ذلك، بقيت قضاءً بعد أن يصلّي العصر في المختصّ بها.

نعم، لو أدرك من آخر الوقت قدر خمس ركعات زاحم بالظهر.

والقول بالاختصاص على الوجه المذكور هو المشهور بين الأصحاب.

ويرشد إليه ظاهرُ قوله تعالى: (أَقِمِ الصَّلَوَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ الَّيْلِ)(1) ، فإنّ ضرورة الترتيب تقتضي الاختصاص.

وروايةُ داوُد بن فرقد - المرسلة - عن الصادق علیه السلام: «إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر حتّى يمضي مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات، فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت الظهر والعصر حتّى يبقى من الشمس مقدار ما يصلّي أربع ركعات، فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت الظهر وبقي وقت العصر»(2) .

وفي دلالة الآية نظر، والخبر مرسل.

وذهب ابنا بابويه إلى اشتراك الوقت من أوله إلى آخره بين الفريضتين إلّا أنّ هذه قبل هذه(3) .

ونقله المرتضى عن الأصحاب(4) ، من غير تعيين.

وعليه دلّت رواية عبيد بن زرارة عن الصادق علیه السلام : «إذا زالت الشمس دخل وقت

ص: 53


1- الإسراء (17) : 78 .
2- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 25 ، ح 70: الاستبصار، ج 1، ص 261، ح 936.
3- المقنع، ص 91 الفقيه، ج 1، ص 216، ح 647 و 648: ونسبه إلى ابني بابويه الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 2، ص 231 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 6) والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 24 .
4- المسائل الناصريّات، ص 189 المسألة 72 .

الظهر والعصر جميعاً إلّا أنّ هذه قبل هذه، ثمّ أنت في وقت منهما حتى تغيب الشمس»(1) ، وغيره من الأخبار.

وحملها المحقّق على الاشتراك بعد الاختصاص؛ لتضمّنها «إلّا أنّ هذه قبل هذه جمعاً بين الأخبار. ولأنّه لمّا لم يتحصّل للظهر وقت مقدّر؛ لأنها قد تصلّى بتسبيحتين كما تقدم، وقد يدخل عليه الوقت في آخرها ظانًاً فيصلّي العصر بعدها عبر علیه السلام بما في الرواية، وهو من ألخص العبارات(2). وليطابق ظاهر الآية(3) .

وذهب بعض الأصحاب إلى أنّ للظهر اختصاصاً آخَر من آخِر الوقت بمقدار أدائها قبل المختصّ بالعصر متّصلاً به. وفرّع عليه بأنّه لو أوقع العصر قبل الظهر ناسياً في ذلك الوقت لم يصح العصر، بل يعيدها الآن ويقضي الظهر(4) .

وعلى المشهور يصحّ العصر ويقضي الظهر؛ لخروج وقتها. وعلى القول بالاشتراك يصلّي الظهر الآن أداءً ويصحّ العصر.

(وأوّل) وقت صلاة (المغرب إذا غربت الشمس) الغروب (المعلوم بغيبوبة الحمرة المشرقيّة) أي الكائنة في جهة المشرق، وهو ما خرج عن دائرة نصف النهار نحو المشرق.

وهذا هو المشهور بين الأصحاب. ومستنده الأخبار الصحيحة عن الصادقين علیهما السلام.

كقول الباقر علیه السلام: «إذا غابت الحمرة من هذا الجانب فقد غابت الشمس من شرق الأرض وغربها»(5).

ص: 54


1- الفقيه، ج 1، ص 216، ح 647: تهذيب الأحكام، ج 2، ص 19، ح 51، وص 24، ح 68؛ الاستبصار، ج 1، ص 246، ح 881 .
2- المعتبر، ج 2، ص 35.
3- الإسراء (17): 78 .
4- الشهيد في القواعد والفوائد، ص 44 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 15).
5- الكافي، ج 3، ص 278، باب وقت المغرب والعشاء الآخرة، ح 2: وج 4، ص 100 - 101، باب وقت الإفطار، ح 2 تهذيب الأحكام، ج 2، ص 29، ح 84؛ الاستبصار، ج 1، ص 265، ح 956.

وقول الصادق علیه السلام:« وقت سقوط القرص ووجوب الإفطار أن تقوم بحذاء القبلة وتتفقّد الحمرة التي ترتفع من المشرق، إذا جاوزت قمّة الرأس إلى ناحية المغرب فقد وجب الإفطار وسقط القرص »(1).

وهذا الحديث دلّ على أن سقوط الحمرة علامة سقوط القرص، وهو موافق للاعتبار؛ فإنّ المراد بسقوط القرص وغيبوبة الشمس سقوطه عن الأفق الغربي لاخفاؤها عن أعيننا؛ لأنّ ذلك يحصل بسبب ارتفاع الأرض والبناء(2) ونحوهما، فإنّ الأفق الحقيقي غير مرئيّ غالباً، كما أنّ المراد بطلوعها طلوعها على الأفق لا علينا؛ لاختلاف الأرض في الارتفاع والانخفاض، ومن ثُمَّ اعتبر أهل الميقات لها مقداراً في الطلوع يعلم به وإن لم نشاهدها، فكذلك القول في مغيبها؛ لعدم الفرق، كما ورد به النصّ عنأئمّة الهدى وأهل البيت الذين هم أدرى بما فيه.

ويستمرّ الوقت مختصّاً بها (إلى أن يمضي) منه (مقدار أدائها) على ما تقرر في الظهر (ثمّ يشترك الوقت بينها وبين العشاء) على أشهر القولين، وقد ورد به أخبار صحيحة :

كخبر زرارة عن الصادق قال علیه السلام: «صلی رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم بالناس المغرب والعشاء الآخرة قبل الشفق من غير علة في جماعة، وإنّما فعل ذلك ليتسع الوقت على أُمّته »(3).

وروى زرارة عن الباقرعلیه السلام في الرجل يصلّي العشاء الآخرة قبل الشفق: «لا بأس بذلك»(4).

ص: 55


1- الكافي، ج 3، ص 279، باب وقت المغرب والعشاء الآخرة، ح 4؛ و ج 4، ص 100، باب وقت الإفطار، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 4، ص 185، ح 516.
2- ورد في «الأصل و م» والطبعة الحجريّة: «والماء» بدل «والبناء». والظاهر ما أثبتناه.
3- الكافي، ج 3، ص 286، باب الجمع بين الصلاتين، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 263، ح 1046؛ الاستبصار، ج 1، ص 271، ح 981 .
4- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 34 ، ح 104: الاستبصار، ج 1، ص 271، ح 978 .

وذهب الشيخان(1) وجماعة من الأصحاب(2) إلى أنّ أوّل وقت العشاء ذهاب الحمرة المغربيّة؛ استناداً إلى أخبار أُخرى حَمْلُها على وقت الفضيلة طريق الجمع بينها وبين ما دلّ على الأوّل.

ويمتدّ الوقت المشترك بينهما (إلى أن يبقى لانتصاف الليل مقدار العشاء فيختصّ بها) أي بالعشاء، فلا يصحّ فعل المغرب فيه مطلقاً.

وللمصنّف(3) وجهٌ فيمن أدرك قبل انتصاف الليل مقدار أربع بوجوب الفرضين مُخَرَّجٌ من وجوب الظهر لمُدرك قبل الغروب مقدار خمس ركعات بناءً على جواز فعل الظهر وقت الثلاث الأولى من العصر، فلا اختصاص للعصر بها في هذه الحال، فيأتي مثله في المغرب والعشاء عند إدراك قدر الأربع؛ لإدراك قدر ركعة للعشاء .

وفيه ضعف؛ لأنّ وقوع شيء من الظهر في المختصّ بالعصر لا يُصيّره وقتاً لها، كما لو وقع ثلاث من العصر في وقت المغرب وركعة من الصبح بعد طلوع الشمس.

ولأنّ المقتضي لفعل الظهر في الفرض إدراك ركعة من وقت الظهر، وذلك منتفٍ في إدراك مقدار أربع من وقت العشاء؛ لخروج وقت المغرب بأسره.

بل التحقيق أنّ قدر الأربع الأخيرة وإن كان للعصر إلا أن الظهر زاحمتها بثلاث منه، كما أن قدر الثلاث كان للمغرب، إلّا أنّه لمّا أُوقعت العصر فيه أداءً كان بحكم وقتها، فلا وجه لوجوب المغرب بإدراك أربع.

هذا، مع أنّ النصّ قد ورد عن أئمّة الهدى علیهم السلام بأنّه لو بقي أربع من وقت العشاءين، اختصّت العشاء به(4) ، فلا مجال للاجتهاد حينئذٍ والتخريج.

ص: 56


1- المقنعة، ص 93؛ النهاية، ص 59: المبسوط، ج 1، ص 115؛ الخلاف، ج 1، ص 262، المسألة 7.
2- منهم: سلّار في المراسم، ص 62 وابن أبي عقيل كما حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 47، المسألة 7.
3- انظر قواعد الأحكام، ج 1، ص 246 - 247 ؛ ومختلف الشيعة، ج 2، ص 72 - 73، ضمن المسألة 20.
4- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 28 ، ح 82 الاستبصار، ج 1، ص 263، ح 945 .

وللشيخ قول بامتداد وقت العشاء إلى ثلث الليل خاصّة(1) ، وفي المعتبر : يمتدّ إلى طلوع الفجر(2) ؛ استناداً إلى أخبار يعارضها مثلها، ويزيد عليها ترجيحاً بالشهرة .

وللمحقّق أن يحملها على وقت الفضيلة، كما حُملت أخبار الثُلث، فتبقى أخباره لا معارض لها، بخلاف العكس؛ فإنّ التعارض حاصل على مذهب الجماعة.

نعم في مرفوع ابن مسكان عن أبي عبدالله علیه السلام أمر مَنْ نام عن العتمة حتّى انتصف الليل بقضائها (3) . وكذا رواية النوم عن العشاء إلى نصف الليل، المتضمّنة للقضاء وصوم الغد (4).

لكنّهما لا يصلحان للمعارضة؛ لرفع الأولى وترك العمل بمضمون الثانية. ولعدم دلالتهما على القضاء قبل طلوع الفجر أو على الانتباه قبله. ولإمكان حمل القضاء فيهما على الفعل مطلقاً، كقوله تعالى: (فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَوَةَ)(5) ، (فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَسِكَكُمْ)(6).

وللأصحاب أن يحملوا الروايات الدالة على الامتداد إلى الفجر على التقية؛ لإطباق الفقهاء الأربعة عليه وإن اختلفوا في كونه آخر وقت الاختيار أو الاضطرار. وهو محمل حسن في الخبرين المتعارضين إذا أمكن حمل أحدهما عليها، كما ورد به النصّ عنهم علیهم السلام، ويبقى التعارض الثُلث والنصف، فيحمل الأوّل على وقت الفضيلة بين والثاني على الإجزاء؛ لاختصاصهما بنا، والله أعلم.

(وأوّل) وقت صلاة (الصبح إذا طلع الفجر الثاني المعترض) ويسمّى الصادق؛

ص: 57


1- النهاية، ص 59: الخلاف، ج 1، ص 264 - 265 ، المسألة 8 .
2- المعتبر، ج 2، ص 43.
3- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 276 ، ح 1097 .
4- الفقيه، ج 1، ص 219 - 220، ح 659.
5- النساء (4): 103 .
6- البقرة (2) 200 .

لأنّه صدقك عن الصبح ويسمّى الأوّل الكاذب ؛ لأنّه ينمحي بعد ظهوره ويزول ضوؤه.

وسمّي الصبح من قولهم: رجل أصبح: إذا جمع بين بياض وحمرة.

والصادق هو المستطير المنتشر الذي لا يزال يزداد بخلاف الأول.

قال النبي صلی الله علیه وآله وسلم: «لا يغرنّكم الفجر المستطيل، كُلوا واشربوا حتّى يطلع الفجر المستطير»(1) .

(و آخره طلوع الشمس) على الأفق على أشهر القولين؛ لقول الباقر علیه السلام في خبر زرارة: «وقت الغداة ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس»(2) .

وذهب الشیخ في أحد قوليه إلى أنّ آخره للمختار طلوع ،الحمرة، وللمضطرّ طلوع الشمس(3) ؛ استناداً إلى أحاديث كثيرة حَمْلُها على وقت الفضيلة أظهر؛ لعدم إشعارها بالمنع من التأخير.

(و) أوّل (وقت نافلة الظهر) وهى صلاة الأوّابين (إذا زالت الشمس).

وفى آخره أقوال منشؤها اختلاف الروايات ظاهراً.

والمشهور منها فتوىً وروايةً: امتدادها (إلى أن يزيد الفيء) الحاصل للشخص بعد الزوال زيادة على ما بقي من الظلّ عند الزوال مقدار (قدمين) أي سُبعي الشخص؛ فإنّ قسمة الشخص متى أُطلقت بالأقدام فالمراد بها الأسباع بناءً على الغالب من كون طول كلّ شخص ذي قدم سبعة اقدام بقدمه.

وفي بعض الأخبار تحديد وقت نافلة الظهر بذراع(4). وهو يناسب القدمين أيضاً؛ لأنّ القدمين ذراع بالتقريب.

ص: 58


1- أورده الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 2، ص 255 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 6).
2- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 36، ح 114؛ الاستبصار، ج 1، ص 275، ح 998 .
3- المبسوط، ج 1، ص 116؛ الخلاف، ج 1، ص 267، المسألة 10.
4- الكافي، ج 3، ص 288، باب التطوع في وقت الفريضة ....ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 245، ح 974 الاستبصار، ج 1، ص 249، ح 893 .

وذهب جماعة من الأصحاب(1) إلى تحديده بزيادة الفيء مثل الشخص؛ لقول الصادق علیه السلام في رواية زرارة(2) وغيره (3): «كان حائط مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم قامة، فإذا مضى من فيئه ذراع صلّى الظهر، وإذا مضى ذراعان صلّى العصر».

قال في المعتبر:

وهذا يدلّ على بلوغ المثل والمثلين؛ لأنّ التقدير أنّ الحائط ذراع؛ لأنّه روى عليّ(4) بن حنظلة

حنظلة عن الصادق علیه السلام: أنّ في كتاب علي علیه السلام القامة ذراع»(5) وعنه علیه السلام، قلت: كم القامة؟ قال: «ذراع، إن قامة رخل رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت ذراعاً» (6) و (7).

ونحوه قال في التذكرة(8) .

ويظهر من النهاية(9) محاولة الجمع بين رواية القدمين والذراع والمثل بالقامة أيضاً بناءً على أنّ القدمين ذراع والذراع قامة، كما تقدّم.

وفي المختلف جمع بينهما بالحمل على تطويل النافلة بكثرة الدعاء ونحوه وتخفيفها بقلّة ذلك (10).

ص: 59


1- منهم: ابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 199؛ والمحقق في المعتبر، ج 2، ص 50؛ والعلامة في تحرير الأحكام الشرعيّة، ج 1، ص 179، الرقم 554؛ وتذكرة الفقهاء، ج 2، ص 316 - 317، المسألة 37؛ والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 20.
2- الفقيه، ج 1، ص 217 - 218، ج 653؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 19 - 20، ح 55، وص 250، ح 992؛ الاستبصار، ج 1، ص 250 ، ح 899، وص 255، ح 915 .
3- وهو عبدالله بن سنان. انظر الكافي، ج 3، ص 295 - 296 ، باب بناء مسجد النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم ، ح 1: وتهذيب الأحكام، ج 3، ص 261 - 262، ح 738.
4- في «الأصل و م» والطبعة الحجرية: «عمر» بدل «علي» وما أثبتناه من المصادر.
5- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 23، ح 64: الاستبصار، ج 1، ص 251، ح 900.
6- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 23، ح 66: الاستبصار، ج 1، ص 251، ح 902.
7- المعتبر، ج 2، ص 48 .
8- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 317، المسألة 37 .
9- نهاية الإحكام، ج 1، ص 311 - 312 .
10- مختلف الشيعة، ج 2، ص 54 المسألة 10.

وفي جميع ذلك ترجيح للقول بالمثل، فالمصير إليه متّجه.

وقيل بامتداد وقت النافلة بامتداد وقت الفريضة(1) . وفي بعض الأخبار (2) دلالة عليه.

(فإن خرج) الوقت بأيّ معنى فُسِّر (ولم يتلبّس) بالنافلة (قدم الظهر ثمّ قضاها) أي النافلة (بعدها، وإن تلبّس) في الوقت من النافلة ولو (بركعة) تامّة. وتتحقّق بتمام السجدة الثانية وإن لم يرفع رأسه منها (أتمّها) مخفّفةً أداءً تنزيلاً لها منزلة الصلاة الواحدة وقد أدرك منها ركعة (ثمّ صلّى الظهر ) بعدها .

والمستند رواية عمار الساباطي عن أبي عبدالله علیه السلام(3) .

واستثنى بعض الأصحاب(4) ، من ذلك يوم الجمعة؛ لدلالة الأخبار على تضيق الجمعة، وأنّ لها وقتاً واحداً حين تزول الشمس فيترك ما بقي من النافلة، ويصلّي الفريضة قبل ويصلّي النافلة بعدها أداءً، كما لو صلّيت قبلها.

وهل تختص بذلك الجمعة أو الصلاة يوم الجمعة ؟ خبر زرارة عن الباقر علیه السلام(5) دلّ على الأوّل، وظاهر خبر إسماعيل بن عبدالخالق عن الصادق علیه السلام(6) على الثاني.

فرع: لو ظنّ خروج وقت النافلة قبل إكمال ركعة حيث لا طريق له إلى العلم فشرع في الفريضة ثمّ تبيّن السعة، فالظاهر أنه يصلّيها بعدها أداء؛ لبقاء وقتها.

(و) وقت (نافلة العصر بعد الفراغ من الظهر إلى أن يزيد الفيء أربعة أقدام )والقائل بالمثل فى الظهر قال هنا بالمثلين والخلاف واحد روايةً وفتوىً.

(فإن خرج) وقتها (قبل تلبّسه منها (بركعة، صلّى العصر وقضاها) بعدها (وإلّا)

ص: 60


1- القائل هو أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه، ص 158 .
2- انظر الكافي، ج 3، ص 288 - 289 ، باب التطوّع في وقت الفريضة .... ح 3؛ والفقيه، ج 1، ص 394، ح 1167؛ وتهذيب الأحكام، ج 2، ص 264، ح 1051.
3- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 273، ح 1086.
4- هو الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 2، ص 269 - 270 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 6).
5- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 13 ، ح 46.
6- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 13، ح 45: الاستبصار، ج 1، ص 412، ح 1577.

أي وإن لم يكن الخروج قبل تلبسه بركعة بل إنما خرج بعد صلاة ركعة فصاعداً (أتمّها) مخفّفةً أداءً، كما مرّ، ثمّ صلّى العصر بعدها.

(ويجوز تقديم النافلتين) أي نافلتي الظهرين (على الزوال في يوم الجمعة خاصّة) سواء صلّى الجمعة أم لا (ويزيد فيه) أي في يوم الجمعة على النافلتين أو في عدد النافلتين، المدلول عليه بذكرها التزاماً (أربع ركعات) ينوي بها نافلة الجمعة، ويتخيّر في الستّ عشرة بين الجمعة والظهرين كما كانت أوّلاً.

وكما يجوز تقديمها على الزوال يجوز تأخيرها بأسرها عنه مقدّمةً على الفرضين أو مؤخّرةً عنهما أو متوسّطةً بينهما أو بالتفريق.

والأفضل تفريقها سداس: ستّ بُكْرةً عند انبساط الشمس، وهو انتشارها على وجه الأرض وكمال ظهورها، وستّ عند الارتفاع، وستّ عند الزوال، وركعتان بعده. ودونه تأخير الست الأولى وجَعلها بين الفرضين.

ومستند ذلك كلّه أخبار مختلفة.

قال المصنّف في النهاية : والسرّ في زيادة الأربع يوم الجمعة أنّ الساقط فيه ركعتان، فيستحبّ الإتيان ببدلهما، والنافلة الراتبة ضعف الفرائض(1) .

ومقتضاه قصر استحباب الزيادة على ما إذا صلّيت الجمعة، وكلام الأصحاب وإطلاق الأخبار يقتضيان كون يوم الجمعة متعلّق الاستحباب من غير تقييد بصلاة الجمعة.

وأيضاً فالوارد في الأخبار أنّ الجمعة ركعتان من أجل الخطبتين (2)، فهُما بدل من الركعتين، فلا يحتاج إلى بدل آخر. وكأنّ المراد أنّ منشأ الاستحباب الجمعةُ، فلا ينافيه تغيّر الحال لاختلال الشرائط وقيام النافلة مقام الركعتين أقوى في المناسبة الصوريّة من الخطبتين، فكانت أولى بالبدليّة، وهذا التكلّف مستغنىً عنه بعد ورود النصّ.

ص: 61


1- نهاية الإحكام، ج 2، ص 52.
2- الفقيه، ج 1، ص 416 - 417، ح 1231.

(و) وقت (نافلة المغرب بعدها إلى ذهاب الحمرة) المغربيّة، وهي غاية فضيلة المغرب، ولا اعتبار بالبياض الباقي في جانب المغرب بعد الحمرة إجماعاً منّا ومن أكثر مخالفينا.

(فإن ذهبت) الحمرة (ولم يكملها) تركها و (اشتغل بالعشاء) إلّا أن يكون في أثناء ركعتين فيكملهما، سواء كانتا الأوّلتين أم الأخيرتين؛ للنهي عن إبطال العمل(1) . ولأنّ الصلاة على ما افتتحت عليه.

وحكى في الذكرى عن ظاهر ابن إدريس أنه إن كان قد شرع في الأربع، أتمّها وإن ذهب الشفق.

قال فيها: ولو قيل بامتداد وقتها بوقت المغرب، أمكن؛ لأنّها تابعة لها (2).

ويظهر من المصنّف في المنتهى (3) أنّ توقيتها بذهاب الحمرة إجماعيّ، فلا عدول عنه.

(و) وقت الوتيرة بعد العشاء الآخرة (وتمتدٌ بامتدادها) لتبعيّتها للفريضة، فعلى هذا لو انتصف الليل ولمّا يأت بها، صارت قضاءً.

ولا فرق حينئذٍ بين خروج الوقت قبل شروعه فيها وبعده؛ للإطلاق.

ويحتمل الفرق والتفصيل بخروجه قبل إكمال ركعة منها وبعده، فيتمّها على الثاني دون الأوّل.

(ووقت صلاة الليل بعد انتصافه) إلى طلوع الفجر (وكلّما قرب من الفجر) الثاني (كان أفضل).

واعتبر المرتضى الأوّل (4).

وأراد بصلاة الليل ما يعم الوتر، كما صنع أوّلاً، وجعلها إحدى عشرة ركعة.

ص: 62


1- سورة محمدصلی الله علیه وآله وسلم (47): 33 .
2- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 271 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 6): وانظر السرائر، ج 1، ص 202.
3- منتهى المطلب، ج 4، ص 96 .
4- أي الفجر الأوّل المسائل الناصريّات، ص 198، المسألة 76 .

وأفضل أوقات الوتر بين الصبحين؛ للرواية عن أمير المؤمنين علیه السلام(1).

(فإن طلع) الفجر الثاني (وقد صلّى) من صلاة الليل (أربعاً) ويتحقّق بإكمال السجدة الأخيرة وإن لم يرفع رأسه منها ولم يتشهّد، كما مرّ (أكملها) أي صلاة الليل - التي من جملتها الشفع والوتر - بعد الفجر مخفّفةً بالحمد وحدها، كما يخفّفها بها لو خاف ضيق الوقت.

(وإلّا) أي وإن لم يكن قد صلّى منها أربعاً، سواء كان قد شرع فيها أم لم يشرع، تركها و (صلّى ركعتي الفجر).

وهل يقطع الركعتين لو كان في أثنائهما أم يكملهما؟ الإطلاق يقتضي الأوّل، والنهي عن إبطال العمل - الذي أقلّه الكراهة في النافلة - يقتضي الثاني، وقد سبق في نافلة المغرب إكمالهما، وهنا لم يصرّحوا بشيء.

والوجهان آتيان في نافلة الظهرين قبل إكمال ركعة.

(ووقتهما) أي وقت ركعتي الفجر (بعد الفجر الأوّل) بل بعد صلاة الليل وإن لم يكن طلع الفجر على المشهور من الأخبار وكلام الأصحاب.

وفي بعض الأخبار التصريح بأنهما من صلاة الليل(2)، وتُسمّيان بالدسّاستين؛ لدسّهما في صلاة الليل.

ولعلّ إطلاق المصنّف أوّل وقتهما بالفجر بناءً على أنّه الأصل، كما يُرشد إليه إضافتهما إليه، وأنّ التقديم لهما رخصة حتّى أنّ المرتضى و الشيخ في المبسوط جعلا أوّل وقتهما طلوع الفجر الأوّل(3)، ولو كانتا من صلاة الليل مطلقاً، لزم البدأة بالفريضة قبلهما لو طلع الفجر ولم يصل من صلاة الليل أربع ركعات.

ويمتدّ وقتهما (إلى أن تطلع الحمرة المشرقيّة) على المشهور.

ص: 63


1- أوردها الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 2، ص 277 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 6).
2- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 132 - 133، ح 512: الاستبصار، ج 1، ص 283 ، ح 1030 .
3- جُمل العلم والعمل، ص 62: المبسوط، ج 1، ص 118.

وظاهر كلام الشيخ في التهذيب عدم جواز فعلهما بعد طلوع الفجر الثاني حيث حمل الأخبار بفعلهما بعد الفجر على الفجر الأوّل(1) .

وأفضل وقتهما بين الفجرين.

(فإن طلعت) الحمرة المشرقيّة (ولم يصلّهما، بدأ بالفريضة) ثمّ قضاهما إن شاء؛ لرواية عليّ بن يقطين قال: سألت أبا الحسن علیه السلام عن الرجل لا يصلّي الغداة حتّى تسفر وتظهر الحمرة ولم يركع ركعتي الفجر أيركعهما أو يؤخّرهما؟ قال: «يؤخّرهما»(2).

ولو كان طلوع الحمرة بعد الشروع فيهما، ففيه الوجهان.

(ويجوز تقديمهما على الفجر) لما مرّ.

والظاهر عدم الفرق في جواز التقديم بين مَنْ صلّى صلاة الليل وغيره كما يقتضيه الإطلاق، وإن كان تعبير بعضهم بكون أوّل وقتهما بعد صلاة الليل يؤذن باختصاص التقديم بمصلّيها.

(وقضاء صلاة الليل) بعد فوات وقتها (أفضل من تقديمها) على انتصاف الليل في صورة جوازه، وهي عند حصول المانع من فعلها في وقتها كالشابّ الذي شقّ عليه القيام لها لغلبة النوم عليه من رطوبة رأسه والمسافر الذي يصدّه جدّه عن القيام، وخائف البرد والجنابة ومريدها ولو اختياراً حيث يشق الغسل لها، وغير ذلك من الأعذار.

و مستند جواز التقديم الأخبارُ:

كرواية الحلبي عن أبي عبد الله علیه السلام في صلاة الليل والوتر أول الليل في السفر إذا تخوّفت البرد أو كانت علّة، فقال: «لا بأس أنا أفعل إذا تخوّفت»(3) .

ورواية يعقوب بن سالم عنه علیه السلام: «يقدّمها خائف الجنابة في السفر أو البرد»(4) وغيرهما من الأخبار.

ص: 64


1- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 134 و 135، ذيل الحديث 523 و 525.
2- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 340 ، ح 1409.
3- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 228، ح 580: الاستبصار، ج 1، ص 280، ح 1017.
4- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 168 ، ح 665.

وقد ورد روايات أُخرى بجواز تقديمها من غير تقييد بالعذر:

كرواية ليث المرادي عن الصادق علیه السلام في فعل صلاة الليل في الليالي القصار صيفاً أوّل الليل، فقال: «نَعَم، نِعْمَ ما رأيت ونِعْمَ ما صنعت»(1) ، وقوله علیه السلام: «إنما النافلة مثل الهديّة متى ما أتي بها قُبلت»(2).

وحُملت على العذر؛ حملاً للمطلق على المقيّد، مع أنّ الرواية الأولى مؤذنة به؛ لفرضه ذلك في الليالي القصار التي هي موضع المشقّة ومظنّة غلبة النوم.

وإنّما كان القضاء أفضل على تقدير جواز التقديم؛ لرواية معاوية بن وهب عن الصادق علیه السلام في الذي يغلبه النوم يقضي ولم يرخّص له في الصلاة أوّل الليل، وفي الشابة يغلبها النوم تُقدّم إن ضيّعت القضاء(3) . فتحمل على الأفضلية؛ جمعاً بينها وبين ما تقدّم، حتّى أنّ المصنّف في المختلف مَنَع من تقديمها(4)، تبعاً لابن إدريس(5) وابن أبي عقيل(6) من تقديمها لغير المسافر؛ لتوقيتها بالانتصاف، ومَنَع الصلاة قبل الوقت فلا أقلّ من أن يكون التقديم مفضولاً بالنسبة إلى القضاء.

تنبيهات :

الأوّل: وقت التقديم - على القول بجوازه - النصف الأوّل من الليل، فلا يجوز تقديمها على الغروب؛ لما تقدّم من الأخبار المصرّحة(7) بأوّل الليل.

وهل يشترط تأخيرها عن العشاء ين؟ إطلاق الأخبار والأصحاب يقتضي عدمه، مع

ص: 65


1- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 118 - 119، ح 446: الاستبصار، ج 1، ص 279، ح 1014.
2- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 267، ح 1065: الاستبصار، ج 1، ص 278، ح 1009.
3- الكافي، ج 3، ص 447، باب صلاة النوافل، ح 20؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 119، ح 447: الاستبصار، ج 1، ص 279 - 280 ، ح 1015.
4- مختلف الشيعة، ج 2، ص 70، المسألة 19.
5- السرائر، ج 1، ص 202.
6- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 70، المسألة 19.
7- منها رواية ليث المتقدّمة آنفاً.

احتماله؛ قصراً للضرورة على محلّها، وهو منتف قبل صلاة العشاء. ويردّه إطلاق الأخبار.

الثاني: المراد بصلاة الليل المقدَّمة الإحدى عشرة ركعة، لا الثماني التي هي صلاة الليل حقيقةٌ، وقد تقدّم التصريح بتقديم الوتر في رواية الحلبي(1)، وليس منها ركعتا الفجر هنا وإن أُطلق عليهما أنهما منها، كما تقدّم (2)، فلا يصح تقديمهما وإن خاف فوتهما.

الثالث: لو قدمها ثم انتبه في الوقت أوزال العذر هل يشرع(3) فعلها ثانياً؟ الظاهر ذلك؛ لأنّ التقديم إنّما شُرّع للضرورة وقد زالت.

ويحتمل العدم للامتثال وعدم النصّ وهو مختار ولد المصنّف(4) في بعض فتاواه.

الرابع: هل ينوي فيها مع التقديم الأداءَ؟ يحتمله؛ لأنّ جميع الليل قد صار وقتاً لها، ولا معنى للأداء إلّا ما فعل في وقته. وعدمه؛ لأنّه ليس وقتاً حقيقيّاً، ولهذا أُطلق عليها فيه التقديم، فينوي فيها التعجيل لا الأداء، وقد صرّح به بعض الأصحاب(5). هذا إن اشترطنا نيّة الأداء هنا.

وأمّا ركعتا الفجر إذا قُدّمتا عليه فينوي فيهما الأداء؛ لما تقدّم(6) من كون وقتهما بعد صلاة الليل على المشهور.

(وتقضى الفرائض) الفائتة في (كلّ وقت) وان كان أحد الأوقات الخمسة؛ لأنّ وقت الفائتة الواجبة ذكرها - كما وردت به الأخبار(7) - لقوله تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلَوَةَ لِذِكرِى )(8) أي لذكر صلاتي.

ص: 66


1- تقدّمت رواية الحلبي في ص 64، الهامش 3.
2- في ص 64. الهامش.
3- في «م»: هل يسوغ .
4- لم نعثر على مختاره فيما بين أيدينا من المصادر .
5- لم نتحقّقه.
6- في ص 64 ، الهامش 3 .
7- منها ما في الفقيه، ج 1، ص 434، ح 1266؛ وتهذيب الأحكام، ج 2، ص 171، ح 680.
8- طه (20): 14 .

قال بعض المفسرين: إنّها للفائتة؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله و سلم: «مَنْ نام عن صلاة أو نسيها فليقضها إذا ذكرها، إن الله تعالى يقول: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَوَةَ لِذِكْرِي )(1) » (2)، وفي الآية وجوه أخرى من التأويل.

(ما لم يتضيّق) وقت (الحاضرة) فتقدّم على الفائتة؛ لأنّ الوقت لها بالأصالة فتكون أحقُ به، وهو موضع وفاق.

(و) تقضى (النوافل) أيضاً في كل وقت ولو قال: «تصلّى» كان أجود (ما لم يدخل وقتها) أي وقت الفرائض، فإن دخل، فظاهر المصنّف عدم الجواز، وقد صرّح به في غير(3) هذا الكتاب، وهو المشهور بين المتأخّرين؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله و سلم : «لا صلاة لمن عليه صلاة »(4).

ولقول الباقرعلیه السلام في خبر زرارة: «لا يتطوّع بركعة حتى يقضي الفريضة»(5) .

واختار الشهيد (رحمه الله )(6) وجماعة(7) جواز النافلة أداءً وقضاءً لمن عليه فريضة ما لم يضرّ بها؛ استناداً إلى أخبار كثيرة أوردها في التهذيب والكافي:

منها: ما رواه في التهذيب عن سماعة، قال: سألت أبا عبدالله علیه السلام عن الرجل يأتي المسجد وقد صلّى أهله، أيبتدئ بالمكتوبة أو يتطوّع؟ فقال: «إن كان في وقت حسن

ص: 67


1- طه (20): 14 .
2- كما في ذكرى الشيعة، ج 2، ص 315 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 6): وجامع المقاصد، ج 2، ص 23؛ وانظر مجمع البيان، ج 7 - 8، ص 5 - 6: والتفسير الكبير، ج 22، ص 20.
3- انظر نهاية الإحكام، ج 1، ص 325.
4- أورده ابنا قدامة في المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 1، ص 680، المسأله 847؛ والشرح الكبير المطبوع مع المغني، ج 1، ص 485 والشيخ في المبسوط، ج 1، ص 185؛ والخلاف، ج 1، ص 386، المسألة 39: والعلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 359، المسألة 61.
5- الكافي، ج 3، ص 292 - 293، باب من نام عن الصلاة أو سهى عنها، ح 3؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 266، ح 1059: الاستبصار، ج 1، ص 286، ح 1046.
6- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 305؛ الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 62 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 6 و 9).
7- منهم المحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 23 - 24.

فلا بأس بالتطوّع قبل الفريضة، فإن خاف فوت الوقت فليبدأ بالفريضة»(1).

وعن إسحاق بن عمار، قال: قلت: أصلّي في وقت فريضة نافلة؟ قال: «نعم في أوّل الوقت إذا كنت مع إمام تقتدي به فإذا كنت وحدك فابدأ بالمكتوبة»(2).

وعن أبي بصير عن أبي عبدالله علیه السلام ، قال: سألته عن رجل نام عن الغداة حتى طلعت الشمس، فقال: «يصلي ركعتين ثمّ يصلّى الغداة»(3) .

وعن عبدالله بن سنان عنه علیه السلام :« أن رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم رقد فغلبته عيناه فلم يستيقظ حتّى آذاه حرّ الشمس فركع ركعتين ثمّ صلّى الصبح»(4).

وحملوا الأخبار الدالّة على النهى على الكراهة؛ جمعاً بينها وبين ما دلّ على الجواز. :أقول : ما ذكروه من الأخبار الشاهدة بالجواز - عدا الرابع - غير سليم من الطعن في السند.

أمّا الأوّل: ففي سنده عثمان بن عيسى عن سماعة، وهما واقفيّان، لكنّهما ثقتان(5) .

والثاني: عثمان بن عيسى عن إسحاق، وإسحاق فطحي.

وفي طريق الثالث: سماعة عن أبي بصير، وقد عرفت حال سماعة.

وأمّا الرابع فصحيح السند، لكن في معارضته للخبرين(6) نظر، مع أنّ الركعتين اللتين صلّاهما النبي الله صلى الله عليه وآله و سلم قبل أن يصلّي الصبح لم يبيّن أنهما نافلة، فجاز كونهما فريضةً بسبب من الأسباب.

ويمكن أن يستدلّ بأصالة عدم الوجوب ويعتضد بالأخبار الأخرى، فإنّها وإن لم يكن طريقها صحيحاً لكنّها من الموثّق.

ص: 68


1- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 264، ح 1051.
2- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 264، ح 1052.
3- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 265، ح 1057.
4- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 265، ح 1058.
5- جملة لكنّهما ثقتان» لم ترد في «م».
6- أي النبوي وخبر زرارة المتقدّمان في ص 67، الهامش 4 و 5 .

ويكون حمل أخبار النهي على الكراهة؛ طريقاً للجمع، وهو خير من اطّراح هذه الأخبار التي قد صحّ بعضها واعتضد باقيها وعمل جماعة من الأصحاب بمضمونها، وقوّى العمل بها حديث: «إنّ الصلاة خير موضوع - بالوصف - فمن شاء استقلّ، ومَنْ شاء استكثر »(1).

ويدلّ على أنّ الركعتين نافلة أو على جواز النافلة لمن عليه فريضة صحيحُ زرارة عن الباقر علیه السلام في حديث طويل يتضمن وصف الصلاة التي فاتته صلى الله عليه وآله وسلم وأنه أمر بلالاً فأذن ثمّ صلّى صلى الله عليه وآله وسلم ركعتي الفجر وأمر أصحابه فصلّوا ركعتي الفجر ثم قام فصلّى بهم الصبح. وفيه(2) أنّ بعض(3) أعدائه اعترضه بأنّه علیه السلام روى عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إذا دخل وقت صلاة مكتوبة فلا صلاة نافلة حتّى يبدأ بالمكتوبة فأجاب علیه السلام بأنّه « قد فات الوقتان جميعاً، وأنّ ذلك كان قضاءً من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم»(4).

وهذا الحديث كما دلّ على جواز النافلة في وقت قضاء الفريضة، كذلك يدلّ على توسعة وقت القضاء وإن كان الفائتة متحدةً ليومها؛ لتقديمه النافلة على قضاء الفريضة.

فإن قيل: هذه الحجّة أخصّ من المدّعى؛ لأنّها دلّت على جواز النافلة لمن عليه فريضة مقضيّة خاصّة، والمدّعى جوازها مطلقاً، فلا يتمّ الاحتجاج بها على الجواز، بل هي على المنع أدلّ.

ويؤيّده صحيحة زرارة أيضاً، قال: قلت لأبي جعفرعلیه السلام : أصلّي نافلة وعليَّ فريضة، أو في وقت فريضة؟ قال: «لا، إنّه لا تصلّى نافلة في وقت فريضة، أرأيت لو كان عليك صوم من شهر رمضان، أكان لك أن تتطوّع حتى تقضيه؟» قال: قلت: لا، قال: «فكذلك الصلاة» قال: فقايسني وما كان يقايسني(5). وكأنّه علیه السلام أراد به مجرّد المثال أو ليُعلّم

ص: 69


1- المستدرك على الصحيحين، ج 2، ص 597: الخصال، ص 523, ح 13.
2- أي في حديث زرارة.
3- وهو الحَكَم، كما في ذكرى الشيعة، ج 2، ص 323 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 6).
4- أورده الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 2، ص 323 - 324 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 6).
5- أورده الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 2، ص 325 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 6).

زرارة ما يحتجّ به على خصومه، لا الاحتجاج بالقياس.

وهذا الحديث أيضاً صريح في النهي عن النافلة في وقت الفريضة، وإذا جُمع بينه وبين ما قبله كان النهي مختصّاً بفعلها في وقت الحاضرة؛ لأنّها ذات الوقت حقيقةً.

قلنا: قد ثبت دلالة الأولى على جواز النافلة لمن عليه فريضة في الجملة. وتُحمل الثانية عليها، ولا قائل بالتفصيل، فاللازم إمّا اطّراح الرواية، أو القول بالجواز في الجملة، ومتى قيل به في الجملة لزم القول به مطلقاً؛ لعدم القائل بالفرق، فالقول به إحداث قول ثالث.

فإن قيل: بطريق القلب دلّ الحديثان على النهي عن النافلة في وقت الفريضة في الجملة ولا قائل بالتفصيل، فاللازم اطّراح الروايتين إن لم نقل بالمنع مطلقاً حذراً من إحداث قول ثالث.

قلنا: يمكن حمل النهي على الكراهة؛ جمعاً بينهما وبين ما دلّ على الجواز، فإنّ القول بحمل النهي على التحريم يستلزم اطّراح تلك الأخبار بالكليّة، أو حملها على ما لا يدلّ عليه كحملها على انتظار الجماعة، فكان حمل النهي على الكراهة - التي هي أحد مفهوماته - أولى، مع أنّ حديث «لا صلاة لمن عليه صلاة» لم يستثبته الأصحاب من طريقهم، وإنّما أورده الشيخ في المبسوط والخلاف(1) مرسلاً، ولم يذكره في كتابي الأخبار، والله أعلم.

( ويكره ابتداء النوافل) في خمسة مواطن ثلاثة تعلّق النهي فيها بالزمان، وهي (عند طلوع الشمس) حتّى ترتفع و تذهب الحمرة، ويستولي سلطانها بظهور شعاعها، فإنّه في ابتداء طلوعها ضعيف (و) عند ( غروبها ) أي ميلها إلى الغروب، وهو اصفرارها حتّى يكمل الغروب بذهاب الحمرة المشرقيّة (و) عند (قيامها) في وسط النهار ووصولها إلى دائرة نصف النهار، المعلوم بانتهاء نقصان الظلّ (إلى أن تزول) ويأخذ الظلّ في الزيادة.

ص: 70


1- المبسوط، ج 1، ص 185 ؛ الخلاف، ج 1، ص 386، المسألة 139 .

والكراهة ثابتة في جميع الأيبام (إلّا يوم الجمعة) فلا تكره النافلة فيها عند القيام، فإنّه يستحبّ التنفّل فيها بركعتين نصف النهار؛ لما روي عن النبيّ صلی الله لیه وآله وسلم أنّه نهى عن الصلاة نصف النهار إلّا يوم الجمعة(1) .

وعن الصادق علیه السلام :« لا صلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة»(2).

(و) وقتان تعلّق النهي فيهما بالفعل: (بعد) صلاة (الصبح) حتى تطلع الشمس (و) بعد صلاة (العصر) حتى تغرب الشمس.

ومعنى تعلّقه هنا بالفعل اختصاصه بمن صلى الصبح والعصر، دون مَنْ لم يصلّهما، وأنّ مَنْ عجّلهما في أوّل الوقت طالت الكراهة في حقه، وإن أخّرهما قصرت.

وهذه الخمسة مرجعها إلى ثلاثة لاتّصال ما بعد الصبح بما بعد الطلوع، وما بعد العصر بما بعد الاصفرار، لكن اختلاف السبب بالفعل والوقت جعلها خمسة. واحترز بالنوافل عن الفرائض، فلا تكره في هذه الأوقات، أداءً كانت أو قضاءً.

والأصل في الكراهة في هذه الأوقات ما روي عن النبيّ صلی الله علیه آله وسلم أنّه نهى عن الصلاة فيها(3) ، وأنّه قال: «إنّ الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان، فإذا ارتفعت فارقها، ثمّ إذا استوت ،قارنها، فإذا زالت فارقها، وإذا دَنَتْ للغروب ،قارنها، فإذا غربت فارقها»(4).

ونحوه روي من طرقنا عن أبي الحسن الثاني علیه السلام(5) .

وفُسّر قرن الشيطان بحزبه، وهُمْ عَبَدة الشمس يسجدون لها في هذه الأوقات.

وفي مرفوع إلى أبي عبد الله علیه السلام أنّ رجلاً قال له علیه السلام: إنّ الشمس تطلع بين قرني

ص: 71


1- السنن الكبرى البيهقي، ج 2، ص 652. ح 4433.
2- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 13، ح 44: الاستبصار، ج 1، ص 412 ، ح 1576.
3- سنن ابن ماجة، ج 1، ص 397، ح 1253 ؛ سنن النسائي ، ج 1، ص 275 : السنن الكبرى ، البيهقي، ج 2، ص 637 ، ح 4384 : المصنّف عبد الرزّاق، ج 2، ص 425، ح 3590؛ مسند أبي يعلى، ج 3، ص 37 ح 1451.
4- سنن ابن ماجة، ج 1، ص 397، ح 1253 ؛ سنن النسائي ، ج 1، ص 275 : السنن الكبرى ، البيهقي، ج 2، ص 637 ، ح 4384 : المصنّف عبد الرزّاق، ج 2، ص 425، ح 3590؛ مسند أبي يعلى، ج 3، ص 37 ح 1451.
5- علل الشرائع، ج 2، ص 39 - 40 ، الباب 47، ح 1.

الشيطان، قال: «نعم، إنّ إبليس اتّخذ عريشاً بين السماء والأرض، فإذا طلعت الشمس وسجد في ذلك الوقت الناسُ قال إبليس لشياطينه إنّ بني آدم يصلّون لي»(1) فمن ثُمَّ كرهت النوافل فى هذه الأوقات.

( عدا ذي السبب ) المتقدّم على هذه الأوقات أو المقارن لها أو الحاصل فيها، وذلك كصلاة الطواف والإحرام والزيارة والحاجة والاستخارة والاستسقاء والتحيّة والشكر وقضاء النوافل وصلاة ركعتين عقيب فعل الطهارة عن حدث.

وإنّما لم تكره ذات السبب ؛ لاختصاصها بورود النصّ على فعلها في هذه الأوقات أو في عموم الأوقات، والخاص مقدَّم. وللأصل. وفي بعض الأخبار - الدال على بعض ذي السبب - أنّه من سر آل محمّد المخزون(2).

والمراد بكراهة النافلة فيها كونها خلاف الأولى كباقي العبادات المكروهة، فتنعقد؛ لعدم المنافاة، وينعقد نذرها. وتوقّف المصنّف في التذكرة والنهاية(3).

واعلم أنّه كان يغني قيد الابتداء استثناء ما لَه سبب، كما صنع الشهيد (رحمه الله)(4) ، وغيره، فإنّهم يحترزون بالمبتدأة عن ذات السبب.

ويمكن الاحتراز بالابتداء هنا عن الاستدامة بأن يدخل عليه أحد الأوقات وهو في أثناء نافلة لا سبب لها، فإنّه لا يكره له قطعها؛ لكونه مكروهاً(5)، فتتعارض الكراهتان، ويرجع إلى الأصل، ولأنّ المنهي عنه الصلاة لا بعضها.

(وأوّل الوقت أفضل) من غيره؛ لما فيه من المسارعة إلى فعل الطاعة ولزوم المغفرة. والأخبار في ذلك عن النبيّ والأئمّة علیهم السلام لا تحصى.

ص: 72


1- الكافي، ج 3، ص 290، باب التطوّع في وقت الفريضة .... ح 8 تهذيب الأحكام، ج 2، ص 268، ح 1068.
2- الفقيه، ج 1، ص 497، ح 1428؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 173، ح 689، وص 174، ح 693: الاستبصار، ج 1، ص 290، ح 1060.
3- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 338، المسألة 48؛ نهاية الإحكام، ج 1، ص 321 و 322 .
4- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 284 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 6).
5- كذا، والظاهر فإنّه لا يكره له إتمامها؛ لأنّ قطع النافلة مكروه.

فمنها عنه صلی الله علیه وآله وسلم: أفضل الأعمال الصلاة لأوّل وقتها »(1).

و عن الصادق علیه السلام: «إنّ فضل أوّل الوقت على آخره كفضل الآخرة على الدنيا»(2) .

وفي قوله صلی الله علیه وآله وسلم: «أوّل الوقت رضوان الله وآخره عفو الله»(3) كفاية، فإنّ الرضوان إنّما يكون للمحسنين، والعفو يشبه أن يكون للمقصّرين.

وتحصل أفضليّة الأوليّة بالاشتغال بشروط الصلاة ومقدّماتها، كالطهارة وستر العورة والأذان حين دخوله، فلا يُعدّ حينئذٍ مؤخّراً، ولا يشترط تقديم ما يمكن تقديمه عليه، كما لا يعتبر تكلّف العجلة على خلاف العادة. ولا يضرّ الاشتغال بما لا ينافيه ،عرفاً، كأكل لقمة، وكلام خفيف.

وفي اشتراط ذلك فيما لو نذر الصلاة في أوّل وقتها نظر من تبعيّة الشروط والمقدّمات وجوب الفعل المتوقّف على الوقت، وعدم منافاة الأوّليّة عرفاً، ومن ثَمَّ حصلت الفضيلة لولا النذر ومن اقتضاء اللفظ كون الصلاة أوّل الوقت، فيقدّم ما أمكن من مقدّماتها؛ تحصيلاً للواجب المطلق بحسب الإمكان، واختاره المصنّف في النهاية بعد اعترافه بعدم منافاة ذلك للفضيلة لولا النذر(4) .

ومتى اعتبرنا تقديم المقدّمات حُكم بمنافاة أكل اللقمة ونحوها بطريقٍ أولى. أمّا الإسراع على خلاف العادة فلا.

وهذه الفضيلة ثابتة لجميع الصلوات في جميع الأوقات (إلّا ما يستثنى) في تضاعيف كتب الفقه. وجملته سبعة عشر تأخير الصلاة بها عن أوّل الوقت أفضل من تقديمها.

ص: 73


1- الجامع الصحيح، ج 1، ص 319 - 320، ح 170؛ سنن الدار قطني ، ج 1، ص 548 - 0549 ح 9/960: السنن الكبرى البيهقي ، ج 1 ، ص 637 ، ح 2042.
2- الكافي، ج 3، ص 274 ، باب المواقيت أوّلها وآخرها وأفضلها، ح 6 ثواب الأعمال، ص 58 ، ح 2؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 40 - 41، ح 129.
3- الجامع الصحيح، ج 1، ص 321، ح 172؛ سنن الدار قطني، ج 1، ص 553 - 554 ح 21/973؛ السنن الكبرى. البيهقي، ج 1، ص 640، ح 2050.
4- نهاية الإحكام، ج 1، ص 332 .

أ : تأخير الظهر إذا اشتدّ الحرّ إلى وقوع الظلّ الذي يمشي الساعي فيه إلى الجماعة(1) للإبراد بها ؛ لما رووه عن النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم أنّه قال: «إذا اشتدّ الحرّ فأبردوا بالصلاة» (2).

ورويناه عن الصادق علیه السلام ، قال : «كان المؤذّن يأتي النبيّ صلى الله عليه وسلم في صلاة الظهر، فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبرد أبرد»(3) .

واعتبر المصنّف فيه كون الصلاة في جماعةٍ(4) ؛ لظاهر الخبرين، فلو صلّى منفرداً في بيته فلا إبراد؛ لعدم المشقّة المقتضية له.

ولو أراد المنفرد الانتقال إلى المسجد ليصلّي منفرداً، فالظاهر استحباب الإبراد؛ المساواته الجماعة في المشقّة. و يمكن دلالة الخبر عليه.

واعتبر الشيخ مع ذلك كونَ الصلاة في المسجد والبلاد حارّة(5) .

والظاهر عدم اعتبارهما؛ أخذاً بالعموم.

وفي تنزّل الجمعة منزلة الظهر وجهان نَعَمْ؛ لعموم الخبر، واختاره المصنّف في التذكرة (6). و: لا؛ لشدّة الخطر في فواتها، وعموم «أوّل الوقت رضوان الله»(7) خرج عنه الظهر، فيبقى ما عداها.

ومقتضى(8) الخبر الأوّل: تحديد التأخير بحصول ظلّ الحائط على الساعي إليها، وهو

ص: 74


1- مابين القوسين لم يرد في «الأصل و م» والطبعة الحجريّة، وما أثبتناه هو الموافق لعبارة الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 2، ص 301 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 6)، مضافاً إلى أنّ جملة «إلى وقوع الظلّ... إلى الجماعة» لم ترد في المصادر. وأيضاً نلفت النظر إلى ما استظهره الشارح (قدّس سرّه) من الحديث - طبقاً لما هو موجود في النسخ الخطيّة والحجريّة - فيما سيأتي حيث قال: ومقتضى الخبر الأوّل: تحديد التأخير بحصول، إلى آخره.
2- صحيح البخاري، ج 1، ص 199، ح 512؛ صحیح مسلم، ج 1، ص 430، ح 615/180: سنن ابن ماجة، ج 1، ص 222 ، 1 2222، ح 677 ؛ سنن أبي داود، ج 1، ص 110 ، ح 402؛ علل الشرائع، ج 1، ص 288 ، الباب 181، ح 1 .
3- الفقيه، ج 1، ص 223 ، ح 672.
4- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 376، المسألة 74 .
5- المبسوط، ج 1، ص 119.
6- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 378، المسألة 74 .
7- تقدّم في ص 73 الهامش 3.
8- لاحظ ما علّقناه في الهامش 1.

مناسب للإبراد المدلول عليه في الخبر الثاني غالباً.

ب : تأخير العصر إلى المثل أو أربعة أقدام وقد نبه عليه المصنّف في التذكرة(1). وجَعَله في الذكرى أقرب(2). وفي الأخبار ما يدلّ عليه.

ج : تأخير المستحاضة الظهر والمغرب إلى آخر وقت فضيلتهما لتجمع بينهما وبين العصر والعشاء بغسل واحد مع ملاحظة إيقاع كلّ واحدة في وقتها، فتؤخّر الظهر إلى أن يبقى لصيرورة ظلّ الشخص مثله قدر الصلاة، وتُقدّم العصر في أول وقتها، وكذا القول في العشاءين.

د : تأخير المغرب والعشاء للمفيض من عرفة إلى المشعر الحرام وإن مضى ربع الليل أو ثلثه؛ لصحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما علیهما السلام: «لا تصلّ المغرب حتّى تأتى جَمْعاً وإن ذهب ثلث الليل»(3).

و «جَمْع» - بفتح الجيم وإسكان الميم - هي المشعر ويقال لها : المزدلفة - بكسر اللام - .

ونقل المصنّف في المنتهى إجماع أهل العلم(4) ، على ذلك.

ه: تأخير الظهرين والصبح حتّى تصلّى النافلة ما لم يستلزم خروج وقت الفضيلة.

وقيل: وإن خرج(5) .

و : تأخير العشاء حتّى يذهب الشفق الأحمر، بل قيل بوجوبه(6).

ز : تأخير الصبح حتّى تكمل نافلة الليل إذا أدرك منها أربعاً، كما مرّ.

ص: 75


1- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 379، المسألة 74.
2- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 239 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 6).
3- هذيب الأحكام، ج 5، ص 188، ح 625: الاستبصار، ج 2، ص 254، ح 895 .
4- منتهى المطلب، ج 11، ص 72 .
5- لم نعثر على القائل .
6- قال المفيد في المقنعة، ص 93؛ والشيخ في النهاية، ص 59 والمبسوط، ج 1، ص 115: أوّل وقت العشاء الآخرة مغيب الشفق، وهو الحمرة في المغرب.

ح : تأخير المغرب للصائم في صورتيه المشهورتين.

ط : تأخير المشتغل بقضاء الفرائض الفائتة للحاضرة إلى آخر وقتها إن لم نقل بوجوبه .

ي : إذا كان التأخير مشتملاً على صفة كمال كانتظار الجماعة للإمام والمأموم ما لم يطل الزمان، أو طول الصلاة والتمكّن من استيفائها.

وقد روي عن الصادق علیه السلام في المغرب: «إذا كان أرفق بك وأمكن لك في صلاتك وكنت في حوائجك فلك إلى ربع الليل»(1) .

ياً : تأخير ذوي الأعذار كفاقد المسجد والساتر أو وصفه، مع رجاء زوال العذر بالتأخير إن لم نقل بوجوبه، كما ذهب إليه المرتضى(2) مطلقاً، وجماعةُ (3) في المتيمّم.

یب: تأخير المربيّة ذات الثوب الواحد الظهرين إلى آخر الوقت لتغسل الثوب قبلهما، وتحصل فيه أربع صلوات بغير نجاسة أو بنجاسة خفيفة.

يج : تأخير مدافع الأخبثين الصلاة إلى أن يخرجهما، وكذا الريح والنوم، وإن فاتته فضيلة الجماعة والمسجد. وكذا لو فاتته الطهارة المائية، كما لو اضطرّ بعد زوالها إلى التيمّم على أحد الوجهين.

يد : تأخير الظانّ دخول الوقت ولا طريق له إلى العلم حتّى يتحقّق الدخول.

یه : تأخير مريد الإحرام الفريضة الحاضرة حتّى يصلّي سنّة الإحرام ثمّ يصلّي الفريضة ويُحرم عقيبها، كما سيأتي بيانه .

يو : تأخير صلاة الليل إلى آخره.

يز : تأخير ركعتي الفجر إلى طلوع الأوّل، كما مرّ.

ص: 76


1- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 31، ح 94 ، وص 259 - 260، ح 1034؛ الاستبصار، ج 1، ص 267، ح 964.
2- حكاه عنه الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 2، ص 304 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 6)؛ وانظر المسائل الناصريّات، ص 156، المسألة 51
3- منهم المفيد في المقنعة، ص 61 والشيخ في النهاية، ص 47 وسلّار في المراسم، ص 54: والقاضي ابن البرّاج المهذّب، ج 1، ص 47.

(ولا يجوز تأخيرها) أي الصلاة الواجبة (عن وقتها) وكذا تأخير شيء منها وإن بقیت أداءً، كمُدرك ركعة منه فإنّ ذلك بحكم التغليب وإلا فالركعات الباقية خارجة عن الوقت مع وجوب فعلها فيه والإخلال بالواجب حرام. وهذا الحكم إجماعي.

(و) كذا (لا) يجوز (تقديمها عليه) ولا يجزئ ما فَعَله في التقديم وإن أجزأ في التأخير مع نيّة القضاء.

ذلك ولا فرق في بين العالم والجاهل والناسي، وإن انتفى الإثم على الأخير.

واحتُرز بالواجبة عن النافلة، فإنّه يجوز تقديمها على الوقت في بعض المواضع كما عرفته .

ولا يجوز البناء في الوقت على الظنّ مع إمكان العلم (ويجتهد في) تحصيل (الوقت إذا لم يتمكّن من العلم) بالأمارات المفيدة للظنّ بدخوله، كالأوراد المفيدة له من صنعةٍ ودرسٍ وقراءةٍ وغيرها، وكتجاوب الديكة؛ للرواية عن الصادق علیه السلام(1) .

ولابدّ من تقييده بشهادة العادة به وإن كان النصّ مطلقاً .

ونفاه المصنّف في التذكرة(2) مطلقاً. والخبر حجّة عليه.

فإن ظنّ الدخول حيث لا طريق له إلى العلم، صلّى (فإن) طابق، صحّ. وإن (انكشف فساد ظنّه وقد فرغ) من الصلاة (قبل الوقت، أعاد) الصلاة؛ لوقوعها في غير وقتها.

ولعموم رواية أبي بصير عن الصادق علیه السلام : «مَنْ صلّى في غير وقت فلا صلاة له»(3) .

(وإن دخل) الوقت (وهو متلبّس) بالصلاة (ولو) في آخر أفعالها، كما لو كان (فى التشهّد) إن لم نقل بوجوب التسليم أو في أثناء التسليم الواجب إن قلنا بوجوبه

ص: 77


1- الكافي، ج 3، ص 248، باب الأطفال، ح 2؛ الفقيه، ج 1، ص 222 - 223، ح 669؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 255، ح 1010.
2- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 382، المسألة 76.
3- الكافي، ج 3، ص 285 باب وقت الصلاة في يوم الغيم .... ح6: تهذيب الأحكام، ج 2، ص 140 ، ح 547. وص 254، ح 1005 .

(أجزأ) على أصحّ القولين؛ لأنّه متعبّد بظنّه مأمور بالعبادة على هذا الوجه، فيقتضي الإجزاء، خرج منه ما إذا لم يدرك شيئاً من الوقت، فيبقى الباقي.

وروى إسماعيل بن رباح عن الصادق علیه السلام : «إذا صلّيت وأنت ترى أنك في وقتٍ ولم يدخل الوقت فدخل الوقت وأنت في الصلاة فقد أجزأت عنك»(1) .

واختار المصنّف في المختلف البطلان لرواية أبي بصير، السالفة(2) ؛ فإنّها شاملة للصلاة الكاملة وغيرها(3) .

وفي الشمول نظر ولو سُلّم، وجب تخصيصها بخبر إسماعيل؛ لأنه خاص.

(ولو صلّى قبله) أي قبل الوقت (عامداً أو جاهلاً) بدخوله أو باعتباره في الصلاة أو بحكم الصلاة قبل الوقت (أو ناسياً) لمراعاة الوقت (بطلت صلاته) وإن دخل الوقت في أثنائها على أشهر القولين؛ لنهي الأوّل عن الشروع فيها قبله والنهي في العبادة يقتضي الفساد. ولضمّ الثاني جهلاً إلى تقصير. ولتفريط الثالث بعدم التحفّظ مع

قدرته عليه .

ولأنّ الوقت سبب في الوجوب، فلا يتقدّم الوجوب عليه، والإجزاء تابع للوجوب، خرج عنها الظان؛ للرواية(4) ، وتعبّده باجتهاده، فيبقى الباقي على أصله، فلا دلالة حينئذ لحديث «رفع عن أُمّتي الخطأ والنسيان»(5) مع أنّ في دلالته على أصل الحكم بحثاً يأتي إن شاء الله.

وللشيخ قولُ بمساواة العامد للظانّ في عدم الإعادة(6) .

ص: 78


1- الكافي، ج 3، ص 286. باب وقت الصلاة في يوم الغيم .... ح 11؛ الفقيه، ج 1، ص 222، ح 667؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 35، ح 110 .
2- تقدّمت في ص 77، الهامش 3 .
3- مختلف الشيعة، ج 2، ص 65- 67، المسألة 18.
4- وهي رواية إسماعيل بن رباح، تقدّمت آنفاً .
5- الكافي، ج 2، ص 462 - 463، باب ما رفع عن الأمّة، ح 1 - 2.
6- النهاية، ص 62.

وهو بعيد، ويلزم منه إلحاق الجاهل والناسي به بطريق أولى. ويحتمل إلحاق الناسي به خاصّة.

ولو صادف الوقت صلاة الناسي أو الجاهل بالدخول، ففي الإجزاء نظر: من مطابقة نفس الأمر، وعدم الدخول الشرعي.

واختار في البيان الأوّل(1) ، وفي الذكرى البطلان (2).

وأولى به تارك الاجتهاد مع القدرة عليه أو تارك التقليد مع العجز عن الاجتهاد؛ العصيانهما . ولو لم يتذكّر الاجتهاد أو التقليد، فكالناسي.

(ولو صلّى العصر قبل الظهر ناسياً) ولم يذكر حتّى فرغ من الصلاة (أعاد) الصلاة (إن كان) صلّاها جميعها (في) الوقت (المختصّ) بالظهر (وإلّا) أي وإن لم يكن صلّاها جميعها في الوقت المختصّ بالظهر بأن وقعت في الوقت المشترك بين الفريضتين، أو دخل المشترك وهو فيها (فلا) إعادة، بل يصلّي الظهر بعدها أداءً.

ولو ذكر في أثناء العصر، عدل إلى الظهر ،وصحّت، سواء كان في المختصّ أم المشترك؛ لأنّ المقتضى لفسادها - إذا وقعت في المختصّ ولم يذكر حتى فرغ - عدم إجزائها عن الظهر؛ لفقد النيّة، ولا عن العصر ؛ لوقوعها قبل وقتها، بخلاف ما لو تذكّر فعدل؛ فإنّ النيّة تؤثّر فيما مضى.

ويدلّ عليه أيضاً إطلاق رواية الحلبي عن الصادق علیه السلام إلى قوله: فذكر وهو يصلّي أنّه لم يكن صلّى الأُولى «فليجعلها الأولى»(3) وغيرها.

هذا كلّه على القول باختصاص الظهر من أوّل الوقت بمقدار أدائها. ويمكن فرضه على القول باختصاصها من آخره كذلك، كما تقدّم.

ص: 79


1- البيان، ص 108 - 109 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 12).
2- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 295 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 6).
3- الكافي، ج 3، ص 294، باب من نام عن الصلاة أو سهى عنها، ح : تهذيب الأحكام، ج 2، ص 197، ح 777، وص 269، ح 1072.

وعلى القول باشتراك الوقت بين الفرضين - كمذهب الصدوقين(1) - تجيء صحّة الصلاتين وإن لم يذكر حتّى فرغ. ولو ذكر في الأثناء، فالعدول بحاله؛ لوجوب الترتيب إجماعاً.

وإنما فرض المصنّف المسألة في الظهرين؛ لعدم ورود الحكم في العشاء بن غالباً، فإنّه لو نسي وصلّى العشاء في المختصّ بالمغرب فدخل المشترك وهو فيها، فتصحّ، كما تقدّم.

نعم، لو فرض سهوه عن أفعال تقابل الركعة الأخيرة بحيث تقع العشاء بجملتها صحيحةً في المختصّ بالمغرب بطلت كالعصر. وكذا لو كانت مقصورةً.

(والفوائت) من الفرائض اليومية (تترتب) في القضاء بمعنى أنه إذا اجتمع في ذمة المكلف فريضتان فصاعداً ترتبت اللاحقة منها على السابقة، فتقدم السابقة في القضاء على لاحقتها، وهكذا ( كالحواضر) التي قد علم ترتيبها.

(فلو صلّى المتأخّرة) في الفوات قبل المتقدّمة فيه عامداً، لم تصحّ.

ولو كان ناسياً (ثمّ ذكر) في أثناء المتأخّرة (عدل) منها إلى المتقدمة (مع الإمكان) وذلك حيث لا تتحقّق زيادة ركوع على عدد السابقة، فلو كانت الفائتة المتقدّمة صبحاً فإن ذكر قبل ركوع الثالثة، عدل إليها، أو مغرباً فذكر قبل ركوع الرابعة. ولو تساويا عدداً، فالعدول ممكن ما لم يفرغ.

ومعنى العدول أن ينوي بقلبه أنّ هذه الصلاة بمجموعها - ما مضى منها و ما بقي - هي السابقة المعيّنة مؤدّاةً أو مقضاةً إلى آخر ما يعتبر في النيّة.

ويحتمل عدم وجوب إكمال المشخّصات المشتركة بين الفرضين، كالوجوب والقربة والأداء والقضاء إن اتّفقا فيها، لسبق صحّته وصلاحيّته للمعدول إليها.

وينبّه على اعتبار الجميع ظاهر خبر زرارة عن الباقر علیه السلام: «فانوها الأُولى [ثمّ صلّ العصر] فإنّما هي أربع مكان أربع »(2) ، فإنّ مقتضى النيّة ذلك.

ص: 80


1- تقدّمت الإشارة إلى مصادر قولهما في ص 53، الهامش 3.
2- الكافي، ج 3، ص 291، باب من نام عن الصلاة أو سهى عنها، ح 1: تهذيب الأحكام، ج 3، ص 158، ح 340 وما بين المعقوفين من المصدر.

وفي البيان: ليس فيه - أي العدول - إلّا نية تلك الصلاة(1). وهو يدلّ على اعتبار الجميع؛ لأنّ نيّة تلك الصلاة يعتبر فيها ذلك.

(وإلّا) أي وإن لم يمكن العدول بأن تجاوز محله (استأنف) المتقدمة بعد إكمال ما هو فيها إن لم يكن أكملها. ويغتفر الترتيب؛ للنسيان.

وربما أوهم الاستئناف غير ذلك، لكنّ المراد ما قلناه.

واحترزنا باليوميّة عن غيرها من الصلوات الواجبة، حاضرةً كانت أم فائتة أم بالتفريق كالعيد والآيات والجنازة وغيرها، فإنّه لا ترتيب فيها مع أنفسها، ولا بينها وبين اليوميّة على المشهور. وربما ادّعى بعضهم عليه الإجماع(2) .

ونقل في الذكرى عن بعض مشايخ الوزير مؤيّد الدين ابن العلقمي وجوب الترتيب بينها في الموضعين؛ لعموم فليقضها كما فاتته»(3) (4) واحتمله المصنّف في التذكرة(5) ، ونفى عنه البأس في الذكرى(6).

وهذا كلّه مع سعة وقتهما، أما لو تضيّق وقت إحداهما خاصّة قدّم المضيّق ولو تضيّقا معاً قدمت اليوميّة.

(ولا تترتّب الفائتة) من الصلاة اليوميّة (على الحاضرة) منها (وجوباً) بل استحباباً (على رأي) للأصل.

ولقوله تعالى: (أَقِمِ الصَّلَوَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ الَّيْلِ)(7) .

وقول الصادق علیه السلام في صحيحة عبدالله بن سنان فيمَنْ نام قبل أن يصلّي المغرب

ص: 81


1- البيان، ص 251 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 12).
2- انظر المهذّب البارع، ج 1، ص 459.
3- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 338 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 6).
4- أورده المحقّق في المعتبر، ج 2، ص 406: وابن فهد الحلّي في المهذّب البارع، ج 1، ص 460.
5- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 359، المسألة 61.
6- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 338 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 6).
7- الإسراء (17) 78 .

والعشاء: «فإن استيقظ بعد الفجر فليصلّ الصبح ثمّ المغرب والعشاء قبل طلوع الشمس»(1). و«ثمّ» للترتيب.

ولا يمكن حمله على ضيق الوقت؛ لدفعه بقبليّة طلوع الشمس.

وقوله علیه السلام في صحيحة أبي بصير مثله، ثمّ قال: «فإن خاف أن تطلع الشمس فتفوته إحدى الصلاتين فليصل المغرب ويدع العشاء حتى تطلع الشمس ويذهب شعاعها ثمّ ليصلها»(2) ، ولو كانت مضيّقةً، لما جاز له التأخير؛ لأنّ القائل بالمضايقة يمنع ما هو أعظم من ذلك، كما سيأتي.

ومخالفتهما للظاهر في بعض مدلولاتهما لا تنافي العمل بالبعض الآخر، مع الاتفاق على صحتهما، وقد تقدّم في صحيح زرارة(3) ما يدلّ على ذلك أيضاً، وكذا كلّ حديث دلّ على جواز النافلة لمن عليه فريضة، فإنه يدلّ على التوسعة.

والمشهور - خصوصاً بين المتقدّمين حتّى ادّعى بعضهم(4) عليه الإجماع : القول بالمضايقة المحضة، ومعناها وجوب تقديم الفائتة مطلقاً على الحاضرة، وبطلان الحاضرة لو قدمها عمداً مع سعة الوقت، ووجوب العدول لو كان سهواً، حتى بالغ المرتضى (رحمه الله) في المسائل الرسية، فمنع المكلّف بذلك من أكل ما يفضل عمّا يمسك الرمق، ومن نومٍ يزيد على ما يحفظ الحياة، ومن تكسّبٍ يزيد على قدر الضرورة، وبالجملة منع من كل فعل مباح أو مندوب أو واجب موسّع(5) .

وربما احتجّوا على ذلك بالإجماع.

ص: 82


1- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 270، ح 1076.
2- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 270 ، ح 1077؛ الاستبصار، ج 1، ص 288، ح 1054.
3- في ص 80، الهامش 2.
4- هو ابن إدريس في خلاصة الاستدلال، كما نقله عنه الشهيد في غاية المراد، ج 1، ص 71 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 1).
5- جوابات المسائل الرسيّة الأولى، ص 365 (ضمن رسائل الشريف المرتضى، ج 2).

وبقوله تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلَوَةَ لِذِكْرِى )(1) فإنّ المراد بها الفائتة؛ لرواية زرارة عن الباقر علیه السلام: «ابدأ بالذي فاتك(2)، فإن الله تعالى يقول: (وَأَقِمِ الصَّلَوَةَ لِذِكْرِى) »(3) . والأمر للوجوب. والمراد به «لوقت ذكري لك إياها» قاله كثير من المفسّرين(4) ، والأمر بالشيء يستلزم النهي عن ضدّه، والنهي في العبادة مفسد.

وبقول النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم : «مَنْ فاته صلاة فوقتها حين يذكرها»(5) و «مَنْ» من صيغ العموم. وبصحيحة زرارة عن الباقر علیه السلام: إذا نسيت صلاة أو صليتها بغير طهارة وكان عليك قضاء صلوات فابدأ بأوّلهنّ فأذن لها وأقم ثمّ صلّها تمّ صلّ ما بعدها بإقامة لكلّ صلاة»(6) الحديث بطوله، وغير ذلك من الأخبار.

وأجيب: بمنع الإجماع ودلالة الآية على ذلك؛ فإنّ فيها وجوهاً أُخرى: أنّ الصلاة تذكر بالمعبود وتشغل القلب واللسان بذكره، أو أنّ اللام للتعليل، أي لأنّي ذكرتها في الكتب وأمرت بها ، أو أنّ المراد لذكري خاصة فلاترائي بها، أو أن المراد لأذكرك بالثناء وبدلالة الأخبار على الوجوب المطلق لا الفوري، ومطلقه لا يدلّ على الفور كما حقّق في الأصول، فيتعارض الوجوبان، ويجمع بين الأخبار بالحمل على الاستحباب، فإنّ العمل بالخبرين ولو بوجةٍ أولى من اطّراحهما أو اطّراح أحدهما.

وذهب المصنّف في المختلف إلى تقديم فائتة يومها، سواء اتحدت أم تعدّدت ما لم تتضيّق الحاضرة، دون غيرها وإن اتّحد(7). والمحقّقُ إلى تقديم الواحده مطلقاً دون

ص: 83


1- طه (20) : 14 .
2- كذا في «الأصل وم» والطبعة الحجريّة. وفي المصادر: «بالتي فاتتك».
3- الكافي، ج 3، ص 293، باب من نام عن الصلاة أو سهى عنها، ح 4؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 172، ح 686: الاستبصار، ج 1، ص 287، ح 1051.
4- كما في غاية المراد، ج 1، ص 73 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 1) وانظر التفسير الكبير، ج 22، ص 20.
5- أورده المحقّق في المعتبر، ج 2، ص 406.
6- الكافي ، ج 3، ص 291، باب من نام عن الصلاة أو سهى عنها ، ح 1 : تهذيب الأحكام ، ج 3، ص 158 ح 340 .
7- مختلف الشيعة، ج 2، ص 437، المسألة 309.

غيرها(1) . ويمكن أخذ حججهما ممّا ذكرناه.

وفي المسألة أقوال أُخر ذِكْرُها مع حُججها بالمطوّلات أليق.

واعلم أنّ تعبير المصنّف بترتّب الفائتة على الحاضرة تبع فيه شيخَه المحقّق(2)، وهو من باب صناعة القلب، كقول رؤبة :

ومَهمَهٍ مغبرّةٍ أرجاؤه *** كأنّ لونَ أرضه سماؤه(3)

أي لون سمائه لغبرتها لون أرضه.

وقول القُطامي:

... *** كما طيّنت بالفدن السياعا(4)

فإنّ الفدن: القصر والسياع: الطين.

قيل: ومنه (كَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا )(5) (6) و (قَابَ قَوْسَيْنِ )(7) أي قابي قوس(8)، وهو باب متسع، وذلك لأن المحكوم عليه بالترتب على الآخر وعدمه هو الحاضرة لا الفائتة، فكان الأصل فيه ولا «تترتّب الحاضرة على الفائتة» إلى آخره.

ص: 84


1- شرائع الإسلام، ج 1، ص 111؛ المعتبر، ج 2، ص 405 المسائل العزّيّة ضمن الرسائل التسع، ص 112.
2- انظر المختصر النافع، ص 46؛ والمعتبر، ج 2، ص 405 .
3- مغني اللبيب، ج 2، ص 511 . وروي باختلاف، وهذا نصّه: وبلد عامية أعماؤه *** كأنّ لون أرضه سماؤه انظر المثل السائر ، ج 4، ص 277؛ لسان العرب، ج 15، ص 98، «عمی».
4- مغني اللبيب، ج 2، ص 514: وفي لسان العرب، ج 8، ص 170، «سیع»: «بطّنت» بدل «طیّنت».
5- الأعراف (7) 4.
6- كما في مغني اللبيب، ج 2، ص 516 .
7- النجم (53): 9 .
8- قال ابن هشام نقل الجوهري [الصحاح، ج 1، ص 207، «قوب»] في (فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ) أَنّ أصله «قابي قوس» فقلبت التثنية بالإفراد. وهو حسن مغني اللبيب، ج 2، ص 516.

(المقصد الثالث في الاستقبال)

(يجب) على المكلّف (استقبالُ) عين (الكعبة مع إمكان (المشاهدة) كمن كان في مكّة متمكّناً منها ولو بمشقة يمكن تحمّلها عادةً، فيجب على مَنْ بالأبطح ذلك ولو بالصعود إلى السطح أو الجبل مع الإمكان.

(و) استقبالُ (جهتها مع البُعد) عنها أو تعذّر مشاهدتها بمرض(1) أو حبس ونحوهما (في فرائض الصلوات، وعند الذبح) بمعنى الشرط، أو مع وجوب الذبح من وجوهه (و) عند (احتضار الميّت) وتغسيله (ودفنه والصلاة عليه) وقد تقدّم الكلام(2) في ذلك.

وهذا القول - وهو اعتبار العين للقادر على المشاهدة، والجهة لغيره - هو أصحّ القولين للأصحاب؛ للأخبار(3) الدالّة على أنّ الاستقبال كان إلى بيت المقدس ثمّ حُوّل إلى الكعبة من غير تفصيل.

ولقول النبي صلى الله عليه وسلم لمّا صلّى قُبُلَ(4) الكعبة: «هذه القبلة»(5).

واعتبار الجهة مع البُعد؛ لأنّ الشطر هو النحو، ولأنّ اعتبار العين مع البُعد يوجب

ص: 85


1- في «الأصل وم»: لمرض.
2- تقدّم في ج 1، ص 268 وما بعدها.
3- منها ما في الكافي، ج 3، ص 286. باب وقت الصلاة في يوم الغيم .... ح 12؛ والفقيه، ج 1، ص 272 - 275، ح 845 .
4- قُبُل كلّ شيء: أوّله وما استقبلك منه النهاية في غريب الحديث والأثر، ج 4، ص 8، «قبل».
5- صحيح البخاري، ج 1، ص 155 ، ح 389؛ صحيح مسلم، ج 2، ص 968، ح 1330/395؛ سنن النسائي ، ج 5. ص 220؛ السنن الكبرى، البيهقي، ج 2، ص 14، ح 9؛ مسند أحمد، ج 6، ص 261، ح 21247.

بطلان صلاة الصفّ المستطيل الذي يخرج عن سمت الكعبة أو سمت الحرم. وما ورد من النصّ على علامات القبلة للبعيد دالُّ عليه؛ لاتساع خِطَّةِ الأقاليم عن سعة الحرم.

وقال الشيخ وأكثر الأصحاب(1) : إنّ الكعبة قبلةُ مَنْ في المسجد، والمسجد قبلة مَنْ في الحرم، والحرم قبلة مَنْ خرج عنه(2) ، حتّى ادّعى الشيخ عليه الإجماع(3)، وقد روي من طريق العامّة عن النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم(4)، ومن طريق الخاصّة عن الصادق علیه السلام(5).

وفي طريق الجميع ضعف، وفي بعضها إرسال والإجماع لم يتحقّق؛ لمخالفة جماعة من أعيان الفضلاء، كالمرتضى(6) وابن الجنيد(7) وغيرهما من المتقدّمين وأكثر(8) المتأخّرين إن لم يكن جميعهم.

وفي الذكرى نزّل الأخبار الدالّة على المسجد والحرم على الجهة على سبيل التقريب إلى أفهام المكلّفين وإظهاراً لسعة الجهة (9).

وهذا القول - مع ضعف مستنده (10) - يستلزم بطلان صلاة بعض الصفّ الذي يزيد طوله على سعة الحرم، فكيف تصحّ صلاة أهل الإقليم الواحد - كالعراق - بعلامة واحدة!؟

ص: 86


1- كما في ذكرى الشيعة، ج 3، ص 98 ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج (7)؛ ومنهم: سلّار في المراسم، ص 60: والقاضي ابن البرّاج في المهذب، ج 1، ص 84 وابن حمزة في الوسيلة، ص 85.
2- النهاية، ص 62 - 63: المبسوط، ج 1، ص 119؛ الخلاف، ج 1، ص 295، المسألة 41 .
3- الخلاف، ج 1، ص 295. المسألة 41.
4- السنن الكبرى البيهقي، ج 2، ص 16، ذيل الحديث 2234.
5- الفقيه، ج 1، ص 272 ، ح 844؛ وتهذيب الأحكام، ج 2، ص 44 ، ح 139 و 140 .
6- جُمل العلم والعمل، ص 63.
7- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 79، المسألة 24.
8- منهم: ابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 204؛ والمحقق في المعتبر، ج 2، ص 65 و الفاضل الآبي في كشف الرموز، ج 1، ص 131؛ والعلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 6، المسألة 136؛ وقواعد الأحكام، ج 1، ص 251 ومختلف الشيعة، ج 2، ص 79 المسألة 24؛ والشهيد في ذكرى الشيعة، ج 3، ص 98؛ والدروس الشرعية، ج 1، ص :158؛ والبيان، ص 111 ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7، 9 و 12).
9- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 99 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
10- في الطبعة الحجريّة: «سنده» بدل «مستنده».

واعلم أنّ عبارة الأصحاب مختلفة في معنى الجهة - التي هي قبلة البعيد - اختلافاً معنويّاً.

فقال المصنف في التذكرة : جهة الكعبة هي ما يظنّ أنّه الكعبة حتى لو ظنّ خروجه عنها لم تصحّ(1).

وهذا التفسير - مع فساد عبارته - يستلزم بطلان صلاة بعض الصفّ المستطيل الذي يزيد طوله على مقدار بعد الكعبة؛ للقطع بخروج بعضه عنها فضلاً عن ظنّ كلّ واحد أنّه مستقبل الكعبة.

فإن قيل: القطع بخروج بعضه متعلّق بأفراد المجموع على الإشاعة لا على التعيين، فلاينافيه ظنّ كلّ واحد على التعيين أنه مستقبل الكعبة.

قلنا: الظنّ لابدّ من استناده إلى أمارة مشيرة له بحيث يجوز الركون إليه شرعاً، وهذا القطع ينافيه.

ولو قيل: إنّ هذا لا يتحقّق مع البعد؛ لأنّ الجرم الصغير كلما ازداد الإنسان عنه بُعْداً اتّسعت جهة المحاذاة، فإذا كان بقدر شخص واحد بحيث يخرج عنه شخص ثانٍ عند القرب منه، أمكن محاذاتهما له مع البعد عنه بل محاذاة العشرة مثلاً، فليكن الصفّ المستطيل كذلك.

قلنا: هذا تحقيق أمر الجهة بغير المعنى الذي ذكره؛ إذ التحقيق أنّ محاذاة القوم للجرم الصغير عن مقدارهم ليست إلى عينه وإن أوهم ذلك؛ لأنا نفرض خطوطاً خارجة من مواقفهم نحوه بحيث تخرج متوازية، فإنّها لا تلتقي أبداً وإن خرجت إلى غير النهاية، وحينئذٍ فإنّما يقع على الجرم المقابل منها مقدار وسعه من القوم لا الجميع، وإلّا لزم خروج الخطوط عن كونها متوازيةً، هذا خُلْف.

وممّا يدلّ على كون ذلك غير معتبر أنّ العلامات المنصوبة من الشارع للقبلة يوجب امتثالها صحّة الصلاة وإن لم يخطر ظنّ كون ذلك إلى نفس الكعبة، فإن كان ذلك غير

ص: 87


1- تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 7، المسألة 136.

كافٍ، لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة أو وقت الخطاب. وإن كان كافياً، لم يكن ظنّ ذلك معتبراً.

وفي المعتبر:

نعني بالجهة السمت الذي فيه الكعبة لا نفس البنية، وذلك متسع يمكن أن يوازي جهة كلّ مُصلّ(1) .

وقريب منه تعريف المصنّف في النهاية(2) ، وهو أجود مما سبق وإن كان غير تامّ أيضاً لأنّه إن أراد السمت بالمعنى اللغوي، ورد عليه صلاة الصف المستطيل وصلاة أهل الإقليم الواحد بعلامةٍ واحدة. وإن أراد المعنى الاصطلاحي - وهو النقطة من دائرة الأفق إذا واجهها الإنسان كان مواجهاً للكعبة - فالطريق الموصلة إليها تقريبية لا يتحقق معها نفس الكعبة؛ لأنّها مأخوذة من طول البلد ، وعرضها، ومعلوم أنّ مقدار الفرسخ والفرسخين لا يؤثّر في اختلاف ذلك تأثيراً بيناً بحيث يترتّب عليه سمت آخر. وحينئذٍ يلزم من استخراج السمت بذلك الطريق على طرف فرسخ كون الصلاة على ذلك السمت في الطرف الآخر غير صحيحة؛ لعدم كون الكعبة فيه.

وفي الذكرى:

المراد بالجهة السمت الذي يظنّ كون الكعبة فيه، لا مطلق الجهة، كما قال بعض العامّة: إنّ الجنوب قبلة لأهل الشمال وبالعكس والمشرق قبلة لأهل المغرب وبالعكس؛ لأنا نتيقن الخروج هنا عن القبلة، وهو ممتنع(3).

وهو قريب من تعريف المعتبر، غير أنه اكتفى بظنّ كون الكعبة في السمت.

والذي يظهر من كلامه في الردّ على المخالف أنّ المراد بالسمت جهة مخصوصة أضيق من الجهات الأربع بحيث يظنّ كون الكعبة فيها لا السمت بمعنييه، ومعنى كون

ص: 88


1- المعتبر، ج 2، ص 66.
2- نهاية الإحكام، ج 1، ص 392 .
3- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 100 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).

الكعبة في تلك الجهة اشتمال الجهة عليها وإن كانت أوسع منها بكثير بحيث لا يقطع في جزء من الجهة المذكورة بخروج الكعبة منه على التعيين، فيصير حينئذٍ أجود التعريفات.

وقال المقداد :

جهة الكعبة - التي هي القبلة للنائي - هي خطّ مستقيم يخرج من المشرق إلى المغرب الاعتدالتيّن، ويمرّ بسطح الكعبة، فالمصلّي حينئذٍ يفرض من نظره(1) خطّاً يخرج إلى ذلك الخط، فإن وقع عليه على زاوية قائمة، فذاك هو الاستقبال. وإن كان على حادّة أو(2) منفرجة، فهو إلى ما بين المشرق والمغرب(3). إلى آخره.

وهذا التعريف مخصوص بجهة العراقي.

و تبعه على ذلك المحقق الشيخ عليّ، إلّا أنّه أتى بتعريف يشمل جميع البلاد، فقال :

المراد بالجهة ما يسامت الكعبة عن جانبيها بحيث لو خرج خط مستقيم من موقف المستقبل تلقاء وجهه، وقع على خط جهة الكعبة بالاستقامة بحيث يحدث عن جنبيه زاويتان قائمتان ... فلو كان الخط الخارج من موقف المصلّي واقعاً على خط الجهة لا بالاستقامة بحيث تكون إحدى الزاويتين حادّة والأخرى ،منفرجةً فليس مستقبلاً لجهة الكعبة (4).

وفيهما من جهة التعريف فسادات كثيرة لا تخفى على مَنْ تفطّن لها، ومن جهة ما يترتّب عليهما من الحكم الشرعي نظر من وجوه

أ : إنّ الخطّ الخارج عن جانبي الكعبة لم يبيّن قدره إلى أين ينتهي؟ فإن كان امتداده إلى منتهى الجهتين - كما هو مقتضى تعريف المقداد - فظاهرُ فساده؛ إذ يلزم منه كون أهل الدنيا صلاتهم إلى جهتين متقابلتين. وإن أراد امتداده قدراً مخصوصاً بحسب

ص: 89


1- في المصدر: قطره.
2- في «الأصل و م» والطبعة الحجريّة: «و». وما أثبتناه من المصدر.
3- التنقیح الرائع، ج 1، ص 178.
4- شرح الألفيّة، ص 101 (ضمن حياة المحقق الكركي وآثاره، ج 7).

الإقليم الذي لا تتفاوت القبلة فيه، فلا يتمّ أيضاً؛ لأنّ موقف المصلّي ليس له نقطة خاصّة بحيث لا يمكن العدول عنها يميناً ولا يساراً، وإلّا لكانت الجهة أضيق من العين؛ لأنّ الالتفات اليسير بالوجه عمّا كان عليه لا يقطع الصلاة ولا يؤثّر في تحقّق الاستقبال، فلنفرض خطّاً خرج من نظره الأوّل واتّصل بالخطّ المفروض عن جانبي الكعبة ثمّ خطّاً آخر خرج من نظره الثاني المتحوّل عن الأوّل قليلاً، فإذا اتّصل بالخطّ المفروض، حدث من هذه الخطوط مثلّث، فالزاويتان الداخلتان الحادثتان من وقوع هذين الخطّين على الثالث إمّا حادّتان أو إحداهما حادّة، ولا يجوز أن تكونا قائمتين، كما هو مبرهن في محلّه، فيلزم منه بطلان الصلاة إلى أحد النظرين؛ لعدم المسامتة.

ب : إنّ العلامات المنصوبة من قبل الشارع دليلاً على الجهة - كالجدي مثلاً - لا يمكن جعلها على نقطة مخصوصة بحيث لا يعدل عنها أصلاً، بل يمكن العراقي جَعله(1) خلف المنكب والصلاة ثمّ جَعْله كذلك مع انحراف يسير عن انحراف يسير عن الحالة الأُولى بحيث لا يخرج عن كونه علامةً، وحينئذٍ يختلف الخطّان مع خروجهما من محلّ واحد، ويتصلان بالخط المسامت للكعبة مختلفين، كما تقدّم فيحدث المثلث المذكور، ويأتي ما فيه من الفساد.

ج : إنّ العلاّمة المعتبرة حال الطلوع - كسُهيل - لا يتفّق طلوعها في القطر الواحد المحكوم باتحاد قبلته على دائرة واحدة؛ لاختلاف البلاد في الصعود والانخفاض، وحينئذٍ فجَعْله علامةً عند طلوعه في البلد المرتفع والخالي عن موانع الرؤية عند الطلوع يستلزم تشريقاً في القبلة عن البلد التي يتأخّر طلوعه فيها يسيراً، فلا يتفق الخطّان الخارجان من نظر المستقبل، ويأتي المحذور المذكور.

ولو قيل: المراد بطلوعه عن الأفق الحقيقي، وهو شيء واحد، ويقدر ذلك القدر في باقي الإقليم، منعنا ذلك بما سيأتي إن شاء الله من أنّ سهيلاً عند طلوعه على الأ الأفق الحقيقي يطلع مشرقاً عن قبلة الشامي بما يزيد عن عشرين درجة، وإنما المراد بطلوعه

ص: 90


1- أي جَعل الجدي.

بروزه لأبصارهم في أرض معتدلة عرفاً من تلك البلاد، ولا يضرّ التفاوت اليسير في جنب اعتبار ،الجهة كما لا يضر اختلاف وضع الجدي على محال الكتف مع صدق أصل الكيفية، وسيأتي في بيان العلامات ما يدلّك على عدم تأثير هذه الاختلافات.

وقال في الشرح:

جهة القبلة هي المقدار الذي شأن البعيد أن يجوّز على كلّ بعض منه أن يكون هو الكعبة بحيث يقطع بعدم خروجها عن مجموعه(1).

وهذا التعريف أجود من جميع ما سلف لكن ينتقض في طرده بفاقد العلامات أصلاً، فإنّه يجوّز على كلّ جزء من جميع الجهات أنّه الكعبة، فيلزم اكتفاؤه بصلاةٍ واحدة إلى أيّ جهة شاء. وكذا من قطع بنفي جهة أو جهتين وشك في الباقي، فإنّه يصدق عليه التعريف، ولا شيء من ذلك يطلق عليه أنّه جهة القبلة.

فالأسد حينئذٍ أن يزاد في التعريف كون التجويز لأمارة يجوز التعويل عليها شرعاً، فيخرج منه ما ذكر، ويدخل فيه المعتبر بالعلامات المذكورة في كتب الفقه وغيرها ممّا يجوز الاستناد إليه شرعاً فإنّ هذه العلامات المذكورة قليل من كثير، فإنّ النصّ عن أئمّة الهدى علیهم السلام إنّما ورد ببعض علامات العراقي، والباقي أخذت من علم الهيئة، كما نبه عليه في الذكرى(2) .

ويرد عليه أيضاً الصلاة(3) بعيداً عن محراب المعصوم - كمحراب النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم - بأزيد من سعة الكعبة، فإنّه(4) لا يجوّز على ذلك السمت أنّ فيه الكعبة؛ لما روي أنّه صلی الله علیه وآله وسلم لمّا أراد نصب محرابه زُويت(5) له الأرض فجَعَله بإزاء الميزاب (6) .

ص: 91


1- جامع المقاصد، ج 2 ص 49 .
2- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 102 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7).
3- الظاهر: المصلّي.
4- أي فإنّ المصلّي.
5- زُويت، أي جُمعت لسان العرب، ج 14، ص 363، «زوى».
6- أورده كما في المتن الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 3، ص 105 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7)؛ وانظر وفاء الوفا، ج 1 - 2، ص 365 - 366 .

وأُجيب(1) : بأنّ محراب المعصوم إنّما يتيقّن كونه محصلاً للجهة؛ لأنّها فرض البعيد، أمّا كونه محاذياً لعين الكعبة فليس هناك قاطع يدلّ عليه. وما روي خبر واحد لا يفيد القطع، فالتجويز قائم.

ويجوز كون الموازاة في الخبر مسامتة جهته لا عينه ليوافق مقتضى تكليف البعيد وذلك لا ينافي إمكان مسامتة المصلّي في مكانٍ يزيد عن سعة الكعبة، كما قررناه في مسامتة الجماعة المتفرّقة للجرم الصغير، فإنّ كلّ واحد منهم يجوز وصول الخط الخارج منه إليه مع عدم إمكان اجتماع جميع الخطوط عليه؛ لأنّ المفروض كونها متوازيةً، وهو ينا في إمكان الاجتماع، والله أعلم بحقائق أحكامه.

(ويستحبّ) الاستقبال (للنوافل) بمعنى الشرط، كما تستحبّ الطهارة لها، لا بمعنى جوازها بدونه؛ لأنّ المعلوم من فعل النبيّ والأئمة علیهم السلام الصلاة إلى القبلة، ولم ينقل عنهم فعل النافلة حال الاستقرار والاختيار إلى غير القبلة، ففعلها إلى غيرها لم تثبت شرعيّته فيكون بدعةُ.

ولظاهر قوله علیه السلام : «صلّوا كما رأيتموني أُصلّي»(2)، ولدليل التأسّي.

(ويجوز أن تصلّى) النوافل ( على الراحلة) اختياراً سفراً وحضراً؛ لصحيحة الحلبي عن الصادق علیه السلام حين سأله عن صلاة النافلة على البعير ،والدابّة، قال: «نعم حيث كان متوجّهاً، وكذلك فَعَل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم»(3).

وعن الكاظم علیه السلام في الرجل يصلّي النافلة وه-و ع-ل-ى دابة في الأمصار، قال: «لا بأس»(4) .

ص: 92


1- انظر جامع المقاصد، ج 2 ص 49 .
2- سنن الدار قطني، ج 1، ص 592 - 593 . ح 1/1053 و 2/1054، وص 704، ح 10/1295؛ سنن الدارمي ج 1، ص 286.
3- هذيب الأحكام، ج 3، ص 228، ح 581 .
4- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 230، ح 591 .

قيل وتجوز النافلة (إلى غير القبلة) وهو مختار المحقّق(1) ، وظاهر الخلاف (2)، ولم يذكرا على ذلك دليلاً.

واستدلّ لهم الأصحاب بقوله تعالى: (فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَتَمَّ وَجْهُ اللهِ )(3) مع قوله تعالى: (فَوَلِ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ)(4) ، بالجمع بينهما بحمل الأولى على النفل، والثانية على الفرض، وهو أولى من النسخ. وبأنّ الفعل إذا كان مندوباً، يمتنع وجوب كيفيته، فلا يعقل وجوب الاستقبال مع ندب الصلاة.

وأجابوا(5)ض : بأنّ المراد بالوجوب هنا كونه شرطاً للشرعية مجازاً؛ لمشاركته الواجب في كونه لابد منه، أو كون وجوبه مشروطاً بمعنى أنه إن فعل النافلة وجب فعلها إلى القبلة، فمع المخالفة يأثم بترك الاستقبال وبفعلها إلى غير القبلة.

والمراد بالآية الأولى النافلة على الراحلة أو ماشياً، فلا نسخ.

إذا تقرّر ذلك، فالقائلون بالاشتراط اختلفوا فأوجب ابن أبي عقيل الاستقبال فيها(6) بالمعنى المذكور مطلقاً، كالفريضة، إلّا في حال الحرب والسفر(7) .

وأوجبه الشيخ لغير الراكب والماشي ولو حضراً(8) .

وقد تقدّم(9) في الخبرين ما يدلّ على عدم اشتراطه للراكب.

ويدلّ على حكم الماشي ولو في الحضر ما رواه الحسين بن المختار عن أبي عبد الله علیه السلام،

ص: 93


1- شرائع الإسلام، ج 1، ص 57.
2- انظر الخلاف، ج 1، ص 439، المسألة 186.
3- البقرة (2) 115 .
4- البقرة (2): 150 .
5- منهم المحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 60.
6- أي في النوافل.
7- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 90. المسألة 34 .
8- المبسوط، ج 1، ص 121.
9- في ص 92 من صحيحة الحلبي عن الإمام الصادق علیه السلام ، والرواية عن الإمام الكاظم علیه السلام .

قال: سألته عن الرجل يصلّي - وهو يمشي - تطوّعاً، قال: «نعم»(1) ولم يستفصل علیه السلام عن لانحراف وعدمه، فيكون الحكم للعموم.

ومثله القول في الخبر المتقدّم(2) عن الكاظم علیه السلام .

ويشكل بوجوب حمل العامّ على الخاصّ.

(ولا يجوز ذلك) المذكور من الصلاة على الراحلة وإلى غير القبلة (في الفريضة إلّا مع التعذّر ، كالمطاردة) راكباً وماشياً، والمرض المانع من النزول أو من التوجّه إلى القبلة ولو بمعين، والخوف وغيرها من الأعذار فتجوز الصلاة على الراحلة وإلى غير القبلة، ويستقبل ما أمكن، كما سيأتي.

وينبغي الاحتراز عن الأفعال التي لا يحتاج إليها، كركض الدابّة ونحوه محافظةً على الاستقرار بحسب الإمكان.

ولا فرق في المنع من الصلاة على الراحلة مع الاختيار بين التمكّن من استيفاء الأفعال عليها، وعدمه؛ لعموم قول الصادق علیه السلام في صحيحة عبد الرحمن: «لا يصلّي على الدابّة الفريضة إلّا مريض يستقبل به القبلة »(3) ووجه عمومها الاستثناء المذكور ، وغيرها من الأخبار الشاملة لما ذكر وللمعقولة والمطلقة، فالقول بالفرق ضعيف.

وفي حكمها السفينة المتحرّكة مع التمكّن من مكان مستقر في غيرها على أصح القولين؛ لقول الصادق علیه السلام:« إن استطعتم أن تخرجوا إلى الجدد(4) فاخرجوا»(5) والأمر للوجوب.

ص: 94


1- المعتبر، ج 2، ص 77 .
2- في ص 92 ، الهامش 4 .
3- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 308، ح 952.
4- الجدد وجه الأرض. لسان العرب، ج 3، ص 109، «جدد».
5- الكافي، ج 3، ص 441، باب الصلاة في السفينة، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 170، ح 374؛ الاستبصار، ج 1، ص 454، ح 1761.

وروايةُ جميل عنه علیه السلام : «صلّ فيها، أما ترضى بصلاة نوح علیه السلام؟»(1) محمولة على

استقرارها، أو على مشقّة الخروج التي لا يتحمّل مثلها؛ جمعاً بين الأخبار.

ويؤيّد المعنى الثاني قوله: «أما ترضى بصلاة نوح؟» فإنّه علیه السلام إنما صلّى فيها؛ لعدم تمكّنه من غيرها؛ لاستيعاب الماء الأرض.

ولو اضطرّ إلى الصلاة فيها، فكالدابّة في وجوب مراعاة الاستقبال واستيفاء الأفعال بحسب الإمكان.

(ولو فقد عِلْم القبلة) بالمشاهدة أو ما يقوم مقامها كمحراب المعصوم (عوّل على العلامات) المنصوبة للدلالة عليها المذكورة في كتب الفقه وغيرها.

( ويجتهد) في تحصيل القبلة بالظنّ (مع الخفاء ) أي خفاء العلامات المفيدة للعلم بالجهة، فإنّ جميع ما ذكر من العلامات تفيد العلم بالجهة، وبعضها يفيد الظنّ بالعين.

والعلامات المفيدة للظنّ هي الرياح، ومنازل القمر، ونحوها.

أمّا الرياح فالمعوّل [عليه] منها على أربع : الصبا، والشمال والجنوب، والدبور. وإنّما تكون علامةً عند تحقّقها، ولا يكاد يتفق إلّا مع العلم بالجهات الأربع، ومعه يستغنى عن الاستدلال بالرياح، إلّا أنّه قد يتّفق العلم بها بغير الجهة للماهر بعلامات أُخرى، كالحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة وإثارة السحاب وغير ذلك ، لكنّ الوثوق بهذه الأشياء عزیز، فكانت من العلامات المثيرة للظنّ، ومن ثُمَّ أطلقوا عليها أنها أضعف العلامات.

وأما القمر فإنّه يكون ليلة السابع من الشهر وقت المغرب في قبلة العراقي أو قريباً منها، وليلة الرابع عشر منه نصف الليل، وليلة الحادي والعشرين عند الفجر، إلّا أنّ ذلك كلّه تقريبي لا يستمر على وتيرة واحدة فلذلك لم يجز التعويل عليه مع القدرة على الجدي ونحوه من العلامات الثابتة.

واعلم أنّ في العبارة كلامين :

أ : إنّه جعل التعويل على العلامات المنصوبة للدلالة مشروطاً بفقد العلم بالقبلة،

ص: 95


1- الفقيه، ج 1، ص 456 - 457. ح 1323.

ومقتضاه كون العلامات غير مفيدة للعلم.

فإن أراد أنّها غير مفيدة للعلم بالعين فهو حقّ إلّا أنّه يجب تخصيص العلم بها -المذكور في أوّل الكلام - بالعلم بالعين فتبقى العبارة خالية عن ذكر العلم بالجهة التي هي قبلة البعيد، والبلوى بها أعم؛ لكثرة المكلف بها.

وإن أراد أنّها غير مفيدة للعلم بالجهة، فهو ممنوع بل هي محصلة للعلم بالجهة قطعاً إذا تحرّرت على وجهها المعتبر.

والظاهر أنّ مراده هو الأوّل، كما يظهر من كلامه في غير هذا الكتاب؛ فإنّه يذكر هو(1) وغيره(2) أنّ القادر على العلم لا يكفيه الاجتهاد، ويعنون بالمجتهد هنا العارف بأدلّة القبلة، المذكورة وغيرها، والقادر على الاجتهاد لا يجزئه العمل بالعلامات المفيدة للظنّ بالجهة، كالرياح، فإنّ علامة القطب - مثلاً - تفيد العلم بالجهة، ويبقى التصريح بأنّ هذه العلامات المستنبطة بالاجتهاد هل هي مفيدة للعلم بالجهة أم لا؟ خالٍ من العبارة

وليس بضائر.

ب : إنّه لم يسمّ التعويل على العلامات اجتهاداً، وسمّى التعويل على الأمارات المفيدة للظنّ اجتهاداً ، كما دلّ عليه قوله: ويجتهد مع الخفاء» ثمّ قوله: «فإن فقد الظنّ» وهذا اصطلاح خاص، فإنّ المصنّف(3) وغيره(4) ؛ يطلقون المجتهد في القبلة على كلّ مَنْ يعرف العلامات، سواء كانت علميّةً بالنسبة إلى الجهة أم ظنّيّةً، بل إطلاقه على العالم بالعلامات القويّة أكثر.

ص: 96


1- تحرير الأحكام الشرعيّة، ج 1، ص 187، الرقم :591 قواعد الأحكام، ج 1، ص 253؛ نهاية الإحكام، ج 1، ص396.
2- كالمحقّق في المعتبر، ج 2، ص 71؛ والشهيد في ذكرى الشيعة، ج 3، ص 109 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج7 ).
3- تحرير الأحكام الشرعيّة، ج 1، ص 187، الرقم 591: قواعد الأحكام، ج 1، ص 253: نهاية الإحكام، ج 1، ص 396 .
4- كالمحقّق في شرائع الإسلام، ج 1 ، ص 56؛ والشهيد في ذكرى الشيعة، ج 3، ص 109؛ والدروس الشرعيّة. ج 1، ص 81؛ والبيان ص 112 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7، 9 و 12).

وإنّما قيّدنا قوله: «يجتهد» بتحصيل الأمارات الظنّيّة مع كونه مطلقاً؛ لأنّه جَعَله مشروطاً بخفاء العلامات، وهي متناولة للعلميّة والظنّيّة، ولما كان العمل بالعلامات المفيدة للظنّ مشروطاً بتعذر المفيدة للعلم كما نبه عليه هو وغيره - لزم تقييد الاجتهاد هنا بالمفيد للظنّ.

ثمّ بيّن إرادة هذا المعنى بقوله: (فإن فقد الظنّ) بالقبلة، وهي المرتبة الثالثة (صلّى إلى أربع جهات كلَّ فريضة).

ومقتضى إطلاق العبارة عدم الفرق في الفاقد بين كونه مع ذلك عالماً بالأمارات لكنّه ممنوع منها ،لعارض، كغيم ونحوه، أو جاهلاً بها مع القدرة على التعلّم أو لا معها، فيجب على الثلاثة الصلاة إلى أربع جهات.

وفي وجوب الصلاة إلى الأربع للثلاثة خلاف.

أمّا الأوّل فذهب المصنّف فى كثير من كتبه(1) إلى ما دلّ عليه الإطلاق هنا واختاره في الذكرى محتجاً بأنّ القدرة على أصل الاجتهاد حاصلة، والعارض سريع الزوال(2).

وفي صلاحيّته للدلالة نظر؛ لحصول العجز في الحال الذي هو محلّ التكليف فيرجع إلى التقليد، كالأعمى. والقدرة على أصل الاجتهاد غير مفيدة مع المانع. وسرعة الزوال لوسُلّمت غير صالحة للتعليل.

ويمكن الاحتجاج له بمرسلة خداش(3) عن الصادق علیه السلام، قلت: إنّ هؤلاء المخالفين يقولون: إذا أطبقت علينا وأظلمت ولم نعرف السماء كُنّا وأنتم سواء في الاجتهاد، فقال: «ليس كما يقولون إذا كان كذلك فليصلّ لأربع وجوه»(4) .

والرواية لا حجّة فيها، ولا ريب أنّه أحوط .

ص: 97


1- منها: تحرير الأحكام الشرعية ، ج 1، ص 188 الرقم 592 ومنتهى المطلب، ج 4، ص 172؛ ونهاية الإحكام ،ج 1، ص 398 .
2- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 110 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
3- في المصدر: خراش.
4- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 45. ح 144؛ الاستبصار، ج 1، ص 295، ح 1085.

واختار المصنِّفُ في المختلف ،والقواعد والشهيدُ في البيان رجوعه إلى التقليد، كالأعمى(1).

وأمّا الجاهل بالعلامات فإن عجز عن معرفتها لضيق وقتٍ أو لعدم أهليته لمعرفة الأدلّة، فالمشهور جواز التقليد له؛ لأنّ فقد البصيرة أشدّ من فَقد البصر .

وللشيخ قول بوجوب صلاته إلى الأربع(2).

ولو قدر العامي على التعلّم، وجب عليه قطعاً عيناً؛ لتوقف الوجوب العيني عليه، فهو كباقي شروط الصلاة.

ويحتمل كون الوجوب كفائياً، كتعلّم الفقه.

ويضعف بما قلناه، وبعدم المشقّة في تعلّم الأمارات المفيدة للقبلة، بخلاف التفقّه، ويمنع كون وجوب التفقّه مطلقاً على الكفاية.

فعلى الأوّل يجب التعلّم ما دام الوقت باقياً، فإذا ضاق ولم يستوف القدر المعتبر في الصلاة، قلّد أو صلّى إلى الأربع على الخلاف.

وهل الوجوب مختص بعلامات قبلة بلده أم جميع ما يحتمل انتقاله إليه؟ قيل بالأوّل؛ لوجوب استقبالها الآن، وأصالة عدم الاحتياج إلى غيرها. ولأنه لم ينقل عن النبيّ والأئمّة علیهم السلام الزام آحاد الناس بتعلم جميع الجهات، بل لم ينقل عنهم إلا تعليم أدلّة العراق، كما سيأني.

ولو فرض الحاجة إلى الانتقال وجب تعلّم أدلّة قبلة البلد التي ينتقل إليها، وهو اختيار الشهيد في البيان(3).

والثاني اختياره في الذكرى(4) ؛ لاحتمال الانتقال فجأةً بحيث لا يمكنه التعلّم. وعدم

ص: 98


1- مختلف الشيعة، ج 2، ص 88 المسألة 30؛ قواعد الأحكام، ج 1، ص 27؛ البيان، ص 113 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 12)
2- الخلاف، ج 1، ص 302، المسألة 49.
3- البيان، ص 112 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 12).
4- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 112 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).

النقل لا يدلّ على العدم.

وعلى القولين هل يختص الوجوب بما يمكن تحصيل القبلة به ولو في بعض الأوقات، كالجدي مثلاً، أم يجب تعلم ما يمكن استفادتها به في جميع الأوقات؛ لاحتمال عروض الحاجة نهاراً بحيث لا يمكنه رؤية النجم ؟ كلُّ مُحتَمَلٌ.

أمّا تعلّم جميع ما يمكن من العلامات فلا يجب العلامات فلا يجب قطعاً لعدم انحصارها، وخُلوّ [عبارات](1) أكثر العلماء المهرة منها بل أصحاب المصنّفات من العلماء الأتقياء فضلاً عن غيرهم.

وأراد المصنّف بقوله: «كل فريضة» أنه لو اجتمع فرضان في وقت واحد، كالظهرين لم يجز الشروع في الثاني منهما حتى يصلّى الأوّل إلى الأربع ليحصل يقين البراءة من الأوّل عند الشروع في الثاني كالصلاة في الثوبين أحدهما نجس واشتبه بالآخر، فتصير صلاة الفريضة أربع مرات إلى أربع جهات بمنزلة فعلها مرة عند اتضاح القبلة.

ويتفرّع على ذلك أنّه لو أدرك من آخر وقت الظهرين مقدار أربع رباعيات، تعينت العصر ؛ لأنّ الجميع مقدار أدائها على تلك الحال، ويجب في الأربع كونها على خطين مستقيمين وقع أحدهما على الآخر بحيث يحدث عنهما أربع زوايا قوائم ؛ لأنه المفهوم منها.

ويحتمل الإجزاء بأربع كيف اتفق؛ لأنّ الغرض إصابة الجهة لا العين، وهو حاصل.

نعم، يشترط التباعد بينها بحيث لا يكون بين كلّ واحدة وبين الأخرى ما يُعدّ قبلةً واحدة؛ لقلّة الانحراف .

ويضعّف بمنع إصابة الجهة مع الأربع كيف اتفق وعدم إمكان دفع احتمال كون القبلة المطلوبة بين الجهتين مطلقاً؛ لأنّ قبلة البعيد لا تنحصر في الأربع جهات بل ولا في عشرة كيف وقبلة الشام والعراق ومصر وأكثر بلاد فارس و خراسان ليست على نفس الجهات الأربع.

ص: 99


1- زيادة يقتضيها السياق .

فإن قيل: اللازم من ذلك عدم الاجتزاء بالصلاة إلى الأربع وإن وقعت على الخطّ المستقيم لجواز كون القبلة المطلوبة بين الخطّين.

قلنا: وجوب ما زاد اندفع بالنص على الاجتزاء بأربع، ولو لا ذلك أمكن القول بعدم الاجتزاء بالأربع، فكان الاقتصار عليها رخصةً من الشارع وإن لم تصادف إحداها القبلة، كما اجتزأ بالصلاة مع تبيّن الانحراف اليسير، فيصير المصلّي الأربع على الوجه المذكور إمّا مستقبلاً للقبلة، أو منحرفاً عنها بحيث لا يبلغ حد اليمين واليسار، وكلاهما مجزئ بالنصّ.

فإن قيل: ما تقدّم في الرواية من الصلاة لأربع وجوه أعمّ من وقوعها على الخطوط المذكورة؛ للفرق بين الوجه والجهة.

قلنا: لا يجوز العمل بظاهرها كيف اتّفق؛ لاستلزامه في غير ما ذكرنا من الفرض احتمال كون جهة القبلة خارجةً عن الجهة التي صلّى إليها وعمّا يكون خارجاً عنها يسيراً، والصحة منحصرة فيهما، فتعيّن حملها على الجهات، كما فهمه الأصحاب وعبّروا به، فإنّ إطلاقهم الجهات الأربع إنما ينصرف إلى ما ذكرناه، كما لا يخفى على من اطّلع على مطالبهم.

(ومع التعذّر) أي تعذّر الصلاة إلى أربع جهات، ويصدق ذلك بتعذّر واحدة فما زاد يصلّي إلى أيّ جهة شاء).

فإن قدر على الصلاة إلى ثلاث جهات، تخيّر في الساقطة، أو عليها إلى جهتين، تخيّر كذلك. ولو لم يقدر إلا على واحدة، تخيّر في أيّ جهة شاء.

وهذا التفصيل - وهو الصلاة إلى الأربع عند تعذّر الاجتهاد على بعض الوجوه - اختيار أكثر(1) الأصحاب، ولا شاهد له من الأخبار إلا مرسلة خداش المتقدّمة (2)، وهي

ص: 100


1- منهم المفيد في المقنعة، ص 96؛ والشيخ في النهاية، ص 63؛ والمبسوط، ج 1، ص 122؛ و سلار في المراسم. 61؛ والمحقق في المعتبر، ج 2، ص 70.
2- في ص 97، الهامش 4.

مردودة بالإرسال وجهالة خداش، ومن ثَمَّ ذهب بعض الأصحاب - كابن أبي عقيل و ابن بابويه(1) في ظاهر كلامه - إلى أنّه عند خفاء القبلة يصلّي حيث شاء، ولا إعادة عليه بعد خروج الوقت لو تبيّن الخطأ.

والوقوف مع المشهور أقوى وإن لم يكن هناك نصُّ؛ لما أسلفناه من السرّ في الصلاة إلى الأربع بأنّه يصير حينئذٍ إمّا مستقبلاً أو منحرفاً انحرافاً لا يبلغ حدّ اليمين واليسار، فیتقّن معه الصلاة المُبرئة للذمّة، بخلاف ما لو صلّى إلى أقل من ذلك. وتبقى الرواية والشهرة مؤيّدتين لذلك.

وتطّرد الصلاة إلى أربع - على القول به - في جميع الصلوات حتّى الجنازة، وكذا تغسيل الميّت، أمّا احتضاره ودفنه فلا، وكذا الذبح والتخلّي، أمّا الاجتهاد فواجب في الجميع عند وجوبها.

(والأعمى يقلّد) في القبلة إن تعذّر عليه العلم بها عيناً أو جهةً، كلمس الكعبة، أو محراب المعصوم، أو محراب مسجد المسلمين أو قبورهم، أو تحصيل الجهات أو محلّ النجم بوجه من الوجوه حتى لو قدر على المخبر العدل بكون القطب - مثلاً - منه على الموضع المعتبر، قدّم على التقليد؛ لأنه من باب الخبر، كما ذكره الأصحاب، فإن تعذّر ذلك كلّه، قلّد على أشهر القولين.

وأوجب الشيخ في الخلاف عليه الصلاة إلى الأربع(2) .

وعلى المشهور يُقلّد العدلَ العارف بأدلّة القبلة المُخبر عن يقين أو اجتهاد وإن كان الرجوع إلى الأوّل لا يسمّى هنا تقليداً إلّا مجازاً، سواء كان المخبر رجلاً أم امرأةً، حُرّاً أم عبداً؛ لأنّ المعتبر المعرفة والعدالة، وليس من الشهادة في شيء، وإلّا لوجب التعدّد.

ولا يكفي الصبيّ؛ لفقد قبول خبره.

فإن تعذّر العدل، ففي الرجوع إلى المستور بل إلى الفاسق مع ظنّ صدقه بل وإلى

ص: 101


1- حكاه عنهما العلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 84، المسألة 28 .
2- الخلاف، ج 1، ص 302. المسألة 49 .

الكافر مع تعذّر المسلم وجهان من استلزام الجهل بالشرط الجهل بالمشروط والأمر بالتثبت عند إخبار الفاسق والنهي عن الركون إلى الكافر و من صحّة إخبار المسلم وقيام الظنّ الراجح مقام العلم في العبادات.

وقوى في الذكرى الجواز في الأخيرين، وقطع بالجواز في المستور(1) .

والأولى العدم؛ لفقد شرط الشهادة والإخبار وعدم جواز العمل بمطلق الظنّ فيصلّي إلى الأربع.

ولو أمكنه تقليد عدلين، فالظاهر تقديمهما على العدل الواحد، كما ذكره بعض الأصحاب(2) .

ولو نصب له المبصر علامةً، جاز التعويل عليها ما لم يغلب على ظنّه تغيّرها، قاله في الذكرى(3) .

ولو ترك التقليد في موضع الوجوب وصلّى برأيه، أعاد الصلاة وإن طابقت في نفس الأمر؛ لدخوله فيها مع النهي المقتضي للفساد، كما يعيد المجتهد لو خالف رأيه وصلّى فصادف؛ لعدم الإتيان بالمأمور به.

ولو وجد مجتهدين رجع إلى أعلمهما وأوثقهما عنده، فإن تساويا، تخيّر.

ولو لم يجد مُقَلَّداً، صلّى إلى الأربع، كما مرّ.

ويستفاد من تخصيصه الأعمى بالتقليد عدمُ جواز تقليد غيره مطلقاً، وهو مؤيّد لما دلّ عليه الإطلاق المتقدّم.

(و) يجوز للمصلّي أن (يعوّل على قبلة البلد مع عدم علم الخطأ) فيها.

وقبلة البلد تشمل المنصوبة في المساجد والقبور والطرق وغيرها. ولا فرق في البلد بين الكبير والصغير. واللام فيه للعهد الذهني، وهي بلد المسلمين. فلو وجد محراباً في

ص: 102


1- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 111 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
2- لم نتحقّقه.
3- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 116 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).

بلدٍ لا يعلم أهله لم يجز التعويل عليه، كما لا يجوز التعويل على القبور المجهولة والمحاريب المنصوبة في الطرق النادر مرور المسلمين عليها، ونحو القبر والقبرين للمسلمين في الموضع المنقطع.

كلّ ذلك عدم علم الغلط، وإلا وجب الاجتهاد. ولا يجب الاجتهاد عند اشتباه مع الحال، بل لا يجوز في الجهة قطعاً.

نعم يجوز في التيامن والتياسر؛ لإمكان الغلط، بل وقع بالفعل في كثير من البلاد مع مرور الأعصار وصلاة الخلق الكثير - كمسجد دمشق - في التياسر، وكثير من محاريب بلاد الشام - كبلادنا - في التيامن، وبلاد خراسان فيه أيضاً.

والسرّ فيه أنّ الخلق ربما تركوا الاجتهاد في المحراب؛ لعدم وجوبه و جواز تقلید المحراب، فيستمر لذلك الغلط المستند إلى الواضع.

وهذا كلّه في غير المحراب الذي ثبت صلاة المعصوم فيه، كمسجد الكوفة والبصرة؛ الصلاة عليّ علیه السلام فيهما وإن كان ناصب محراب الثاني غيره، ومسجدِ المدائن؛ لصلاة الحسن علیه السلام فيه، فلا يجوز الاجتهاد في التيامن والتياسر فيها.

(والمضطرّ) إلى صلاة الفريضة ( على الراحلة يستقبل) القبلة في جميع الصلاة ولو بالركوب منحرفاً أو مقلوباً (إن تمكّن وإلّا) فيما أمكن، فإن تعذر (فبالتكبير، وإلّا) أي وإن لم يتمكن من الاستقبال في شيء منها (سقط ، وكذا الماشي) إذا اضطرّ إلى الصلاة كذلك.

وهل يجب تحرّي الأقرب إلى القبلة من الجهات عند تعذّرها؟ نظر: من صدق الخروج عن الجهة، ومن تأثير القرب إليها على بعض الوجوه، فيجب تحري ما بين اليمين واليسار؛ لعدم وجوب الإعادة مطلقاً لو تبيّن الصلاة إليهما، ثم اليمين واليسار و ترجيحهما على الاستدبار إن قلنا بالقضاء فيه مع خروج الوقت، وإلا تساوت الجهات الثلاث مع احتمال تقديمهما عليه مطلقاً.

ويجب على الراكب والماشي مراعاة باقي الشرائط والأركان بحسب الإمكان، فإن

ص: 103

تعذّر عليهما استيفاء الركوع والسجود، انتقلا إلى الإيماء بالرأس ثم بالعين، ويجعلان السجود أخفض.

والانحراف بالدابّة عن القبلة بمنزلة الانحراف عنها بغيرها، فتبطل مع التعمّد أو مطلقاً مع الاستدبار ولو كان بفعلها أو جماحها، لم تبطل لعدم الاستطاعة وإن طال الانحراف.

ولو تعارض الركوب والمشي، قدّم أكثر هما استيفاء للشرائط والأركان، فإن تساويا، ففي التخيير، أو ترجيح الركوب؛ لحصول الاستقرار الذاتي فلا تؤثر الحركة العرضيّة بسبب حركة الدابّة، أو ترجيح المشي لحصول أصل القيام، أوجُه أجودها: الأخير؛ لأنّ فوات وصف القيام مع المشي أسهل من فوات أصله مع الركوب.

وقد جرت العادة بذكر شيء من علامات القبلة لبعض الجهات في هذا الباب وإن كان استيفاؤه وتفصيله موكولاً إلى علمٍ آخر ، فجرى المصنّف على ذلك فقال:

(وعلامة) أهل (العراق ومَنْ والاهم) من البلاد التي وراءهم بالنسبة إلى جهة القبلة. وإنّما بدأ بهم؛ لأنّ المنقول عن أهل البيت علیهم السلام من علامات القبلة علاماتهم؛ فإنّ أكثر الرواة منهم (جعل) مطلع ( الفجر ) وهو المشرق ( على المنكب) وهو مجمع العضد والكتف (الأيسر، والمغرب على) المنكب (الأيمن) وكثير من الأصحاب(1) عبّروا عنهما بمشرق الاعتدال ومغربه، وهو أضبط (و) جَعْل (الجَدي) مُكبَّراً، وربما صُغر؛ ليتميز عن البرج. وهو نجم مضيء في جملة أنجم بصورة سمكة يقرب من قطب العالم الشمالي، الجدي رأسها والفرقدان ذنبها، وبينهما من كل جانب ثلاثة أنجم تدور حول القطب كلّ يوم وليلة دورة كاملة، يجعله العراقي ( بحذاء) ظهر المنكب (الأيمن).

ولمّا كان الجَدْي ينتقل عن مكانه - كما عرفت - مغرباً ومشرقاً وارتفاعاً وانخفاضاً لم يكن علامةً دائماً، بل إنّما يكون علامةً في حال غاية ارتفاعه بأن يكون إلى جهة

ص: 104


1- منهم الشهيد في البيان، ص 111 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 12)؛ والسيوري في التنقيح الرائع، ج 1، ص 174؛ والمحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 54 .

السماء والفرقدان إلى الأرض، أو غاية انخفاضه عكس الأوّل، كما قيّده بذلك المصنِّفُ(1) وغيره(2)، أمّا إذا كان أحدهما إلى جهة المشرق والآخر إلى المغرب، فالاعتبار بالقطب، وهو نجم خفيّ في وسط الأنجم التي هي بصورة السمكة لا يكاد يدركه إلا حديد البصر، وهو علامة دائماً، كالجدي حال استقامته؛ إذ لا يتغيّر عن مكانه إلّا يسيراً لا يكاد يتبيّن للحسّ ، فلا يؤثّر في الجهة وحركته اليسيرة دورة لطيفة حول قطب العالم الشمالي، وهو نقطة مخصوصة من الفلك يقابلها مثلها من الجنوب منخفضة عن الأفق بقدر ارتفاع الشمالي عنه يدور عليهما الفلك.

والمراد بالقطبين النقطتان اللتان لا تتحركان إذا دارت الكرة على نفسها دورة فأكثر، فإنّ الكرة إذا دارت دورة كاملة وفرضنا عليها نقطاً مرسومة، فإنّ النقط ترسم على سطحها دوائر متوازية إلّا نقطتين هما قطباها، فإنّهما لا تتحركان.

وسُمّى الكوكب المذكور قطباً لمجاورته للقطب الحقيقي، فينتفع به فيما يحتاج فيه إليه؛ لقلّة التباعد بينهما، ثمّ اشتهر إطلاقه على الكوكب حتّى لا يكاد يعرف غيره.

وإنّما اشتُرط في الجَدْي الاستقامةُ؛ لكونه في تلك الحال على دائرة نصف النهار، فإنّها تمرّ بقطبي العالم، و تقطع الأفق على نقطتين هما نقطتا الشمال والجنوب(3)، فإذا كان القطب مسامتاً لعضو من المصلّي كان الجدي على تلك الحال مسامتاً له أيضاً؛ لكونهما على دائرة ،واحدة بخلاف ما لو كان منحرفا نحو المشرق او المغرب.

(و) من علامات قبلة العراق أيضاً جَعْلُ (عين الشمس عند الزوال على) طرف (الحاجب الأيمن) ممّا يلي الأنف إذا استخرج الوقت بغير استقبال قبلة العراق، كما سلف.

ص: 105


1- تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 13 ، المسألة 140؛ نهاية الإحكام، ج 1، ص 395.
2- كالشهيد في ذكرى الشيعة، ج 3، ص 102 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7) والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 55 .
3- في الطبعة الحجريّة «الجنوب والشمال».

وهذه العلامات الثلاث مشهورة في كتب الأصحاب بهذا الإطلاق، وقد ورد النصّ عن أئمّة الهدى علیهم السلام بالجدي منها فيما رواه محمّد بن مسلم - وهو كوفي - عن أحدهما علیهم السلام حين سأله لا عن القبلة، فقال: «ضع الجدي في قفاك وصلّ»(1).

وقال الصدوق في الفقيه : قال رجل للصادق علیه السلام : « إنّي أكون في السفر ولا أهتدي للقبلة، فقال له:« أتعرف الكوكب الذي يقال له: الجَدْي؟ » قال: نعم، قال: «اجعله على يمينك، فإذا كنت في طريق الحج فاجعله بين الكتفين»(2) .

وطريق الجمع بين الروايتين حمل الأولى على وضعه خلف المنكب الأيمن؛ لأنّه من جملة التنا، لوجوب حمل المطلق على المقيّد.

واعلم أنّ في الجمع بين هذه العلامات الثلاث إشكالاً، وفي العمل بإطلاقها بحثاً.

وتحرير المحلّ أنّ العلامة الأولى إذا أخذت بالمعنى المشهور - وهو حمل المشرق والمغرب على الاعتدالين - يوجب جعلهما على يمين المصلّي ويساره كون قبلته نقطة الجنوب، ونقطة الشمال خلف ظهره بين الكتفين على الاعتدال؛ لما علم من كون هذه الجهات الأربع متقاطعةً على زوايا قوائم بخطين يتصل طرف كلّ منهما بجهة.

وكذا القول في العلامة الثالثة؛ لما تقرّر آنفاً من كون الشمس بل سائر الكواكب إذا كانت في غاية ارتفاعها حينئذٍ على دائرة نصف النهار المتّصلة بنقطتي الجنوب والشمال، وخطّ نصف النهار على وجه الأرض الذي يعلم زوال الشمس بميل ظلّها عنه نحو المشرق هو الواصل بين نقطتي الشمال والجنوب، فإذا وقف المصلّي على خطّ نصف النهار واستقبل نقطة الجنوب فوجد الشمس على طرف حاجبه الأيمن، كان ذلك علامة الزوال، كما أنّه على تلك الحال يكون مستقبلاً لجهة القبلة على ما بيّن هنا، فتكون القبلة حينئذٍ نقطة الجنوب، كما تقرّر في العلامة الأولى.

وأمّا الجدي فإنّما يناسب هاتين العلامتين عند استدباره بحيث يكون بين الكتفين

ص: 106


1- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 45، ح 143 .
2- الفقيه، ج 1، ص 280، ح 860.

على الاعتدال، فيكون الواقف مستقبلاً لنقطة الجنوب، ونقطة المشرق والمغرب على يمينه ويساره .

وأمّا إذا جعل خلف المنكب الأيمن، فإنّه يقتضي انحرافاً بيناً نحو المغرب بعد الإحاطة بما قرّرناه، فاللازم من ذلك أحد أمور أربعة: إما القول بأنّ هذا التفاوت غير مؤثّر في الجهة التي هي قبلة البعيد. وإما بطلان تقييد المشرق والمغرب بكونهما الاعتدالين؛ إذ مع الإطلاق يمكن تقييدهما بمطلع الفجر عند انتهاء قصر النهار ومغرب الشمس في ذلك الوقت فتطابق العلامة الثانية. وإمّا بطلان تقييد الجدي بكونه خلف المنكب الأيمن بل في القفا، كما ورد في خبر محمّد بن مسلم(1). وإمّا كون هذه العلامات لجهات مختلفة من بلاد العراق.

والتحقيق في هذا المقام - المستند إلى مقدّمات يقتضي تحريرها بسطاً في الكلام - أن هذه العلامات الثلاث صحيحة صالحة لتحصيل الجهة العراقية في الجملة، وأما الاستناد إليها على وجه التخيير في سائر جهات تلك البلاد فغير سديد قطعاً؛ لاختلاف عروضها وأطوالها المقتضي لاختلاف قبلتها؛ فإنّ أوساط العراق - كبغداد والكوفة - تزيد على مكة طولاً وعرضاً، وذلك يوجب انحراف قبلتها عن نقطة الجنوب نحو المغرب، والبصرة أشدّ انحرافاً كذلك؛ لزيادة طولها عليهما، ويقرب منها تبريز وأردبيل وقزوين وهمدان وما والاها من بلاد خراسان، وإن كان التحرير التام يقتضي لهم زيادة انحراف يسير نحو المغرب، كانحراف البصرة بالنسبة إلى بغداد لكن لا يصل إلى حدّ منتصف القوس التي بين نقطة الجنوب والمغرب، لكن أطلق جماعة من الأصحاب (2) كون قبلتهم قبلة العراق.

وأمّا الموصل والجزيرة وسنجار فإنّ قبلتها تناسب نقطة الجنوب لمقاربة طولها لطول مكّة، وحينئذٍ فيجب حمل العلامة المقتضية لاستقبال نقطة الجنوب كالأُولى إذا قُيِّدت بالاعتدال والثالثة على أطراف العراق الغربيّة، كالموصل ونحوها، وحمل

ص: 107


1- تقدّم في ص 106. الهامش 1.
2- منهم الشيخ في النهاية، ص 63 وابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 208 .

الوسطى الموجبة للانحراف عن نقطة الجنوب على أوساط البلاد، كبغداد والكوفة وبابل.

وأمّا البصرة وما والاها فإنّها وإن ناسبت هذه العلامة أيضاً لكن ينبغي فيها زيادة الانحراف نحو المغرب، وسنحرر ذلك فيما بَعْدُ على أبلغ وجه إن شاء الله.

وممّا قلناه يُعلم أنّ ترك تقييد المشرق والمغرب بالاعتدالين أدخل في علامة العراق من تقييدهما؛ لإمكان الجمع بينها وبين الثانية بإرادة جانب المشرق المائل عن نقطة الاعتدال نحو الجنوب والجزء من المغرب المائل عن نقطة اعتداله نحو الشمال فتتساوى العلامتان كما جُمع بين الخبرين السابقين.

وإنّما كان ذلك أولى من حملهما على حالة الاعتدال ليوافق الثالثة؛ لوجهين:

أحدهما أنّ أكثر بلاد العراق منحرفة عن نقطة الجنوب نحو المغرب وإن اختلف الانحراف في الزيادة والنقصان، وأمّا ما سامت منه نقطة الجنوب فهو نادر قليل، بل لا يكاد يدخل في مسمّى ،العراق، فإنّه على طرف حدوده، فكان ذكر العلامة المفيدة لأكثر البلاد أولى.

الثاني: أنّ النصّ ورد بالعلامة الثانية كما قد عرفته، وما عداها استخرجها الفقهاء من مواضع أخرى، فيكون حمل ما ظاهره المخالفة للمنصوص عليه حيث يمكن أولى حمله على غيره خصوصاً، وقد يطابق النص والاعتبار الدقيق على تحقق انحراف من قبلة العراق إلّا ما شذّ.

وما قرّرناه من تقسيم بلاد العراق إلى ثلاثة أقسام مع موافقته للقواعد المُعدّة لهذا الباب وجمعه بين ما اختلف من العلامات التي ذكرها الأصحاب قد حكى الشهيد (رحمه الله) في الذكرى(1) ما يوافقه ونقل عن بعض أجلاء الأصحاب(2) ما يناسبه ويزيد ما ذكرناه عنهما تحقيقاً وارتباطاً بالقواعد.

ص: 108


1- انظر ذكرى الشيعة، ج 3، ص 102 وما بعدها (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
2- وهو الشيخ أبو الفضل شاذان بن جبرئيل القميّ صاحب كتاب إزاحة العلة في معرفة القبلة. انظر ذكرى الشيعة، ج 3، ص 103 وما بعدها (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7) ؛ وقد أورده المجلسي في بحار الأنوار، ج 81 ص 71 - 85 .

وأمّا توهّم اغتفار التفاوت الحاصل بينها و عدم تأثيره في الجهة ففاسد؛ لما تقدّم في تحقيق الجهة من اعتبار يقين الكعبة أو ظنّها أو احتمالها، وهذا القدر من التفاوت لا يبقى معه شيء منها، فإنّ مَنْ كان بالموصل - مثلاً - وكان عارفاً مجتهداً في القبلة يقطع بكونه إذا انحرف عن نقطة الجنوب نحو المغرب بنحو ثلث ما بين الجنوب والمغرب الاعتدالين خارجاً عن سمت الكعبة، وكذا مَنْ بأطراف العراق الشرقية - كالبصرة - إذا استقبل خطّ الجنوب، وهذا أمر لا يخفى على مَنْ تدبّر قواعد القبلة وما يتوقّف عليه من المقدّمات. ومن طريق النصّ إذا كان جَعْل الجدي على الأيمن يوجب مسامتة الكعبة في الكوفة التي هي بلد الراوي ونحوها كيف يوجب مسامتتها إذا كان بين الكتفين!؟ لبُعد ما بينهما بالنسبة إلى بُعد المسافة فإنّ الانحراف اليسير عن الشيء مع البعد عنه يقتضي انحرافاً فاحشاً عنه عند محاذاته، فإنّا إذا أخرجنا خطين من نقطة واحدة، لم يزالا يزدادان بُعْداً كلما ازدادا امتداداً، كما لا يخفى.

وأيضاً فلو كان جَعْله بين الكتفين محصّلاً للجهة، كان الأمر بجعله على اليمين لغواً خالياً عن الحكمة.

(و) المشهور بين الأصحاب أنّه ( يستحبّ لهم) أي لأهل العراق (التياسر قليلاً إلى يسار المصلّي) منهم.

وربما أوجبه الشيخ(1) في ظاهر كلامه، وهو مبني على أنّ قبلة البعيد الحرم، وهو عن يسار الكعبة أكثر منه عن يمينها.

والمستند ما رواه المفضل بن عمر قال: سألت أبا عبدالله علیه السلام عن التحريف لأصحابنا ذات اليسار عن القبلة وعن السبب فيه، فقال: «إنّ الحجر الأسود لمّا أنزله الله سبحانه من الجنّة و وضع في موضعه جعل أنصاب الحرم من حيث يلحقه نور الحجر، فهى عن يمين الكعبة أربعة أميال، وعن يسارها ثمانية أميال فإذا انحرف

ص: 109


1- النهاية، ص 63: المبسوط، ج 1، ص 119؛ الخلاف، ج 1، ص 297، المسألة 42.

الإنسان ذات اليمين خرج عن حدّ القبلة لقلّة أنصاب الحرم، وإذا انحرف ذات اليسار لم يكن خارجاً عن حدّ القبلة»(1).

وفي مرفوعة إليه علیه السلام أنّه قيل له: لِمَ صار الرجل ينحرف في الصلاة إلى اليسار؟ فقال: «لأنّ للكعبة سنّة حدود أربعة منها على يسارك واثنان منها على يمينك، فمن أجل ذلك وقع التحريف إلى اليسار»(2). والروايتان لا تصلحان للدلالة؛ لضعف الأولى وقطع الثانية، والحكم المبني عليه ممنوع؛ لما سبق من أن قبلة البعيد الجهة خصوصاً على ما تبين من انحراف قبلة العراق عن نقطة الجنوب، فلو اعتبرت بالعلامة الأولى أو الثالثة وتياسر عنها قليلاً خرج عن السمت خروجاً فاحشاً لو تمّ العمل بتلك العلامات مطلقاً.

وأيضاً فإنّ انحراف البعيد وإن كان يسيراً يفرط فى البعد عن المنحرف عنه باعتبار زیادته كما تقدّم، فربما خرج به عن التوجه إلى الحرم.

وقد أورد العلّامة السعيد سلطان العلماء المحقّقين خواجه نصير الدين الطوسي (رحمه الله) عليه حين حضر بعض مجالس المحقّق نجم الدين بن سعيد، وجرى في درسه هذه المسألة -: بأن التياسر أمر إضافي لا يتحقق إلا بالإضافة إلى صاحب يسار متوجه إلى جهة، وحينئذٍ إمّا أن تكون الجهة محصلةً أو لا، ويلزم من الأوّل التياسر عمّا وجب التوجّه إليه، ومن الثاني عدم جواز التوجّه إلى ما ذكر قبلة، وتلخيصه أن التياسر إن كان إلى القبلة فواجب، أو عنها فحرام.

فأجاب المحقّق (رحمه الله) :

بأنّ الانحراف عن القبلة للتوسّط فيها لاتّساعها من جانب اليسار؛ لأنّ أنصاب القبلة إلى يسار الكعبة أكثر(3)، كما مرّ.

ص: 110


1- الفقيه، ج 1، ص 272 - 276، ح 845؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 44 - 45 ، ح 142.
2- الكافي، ج 3، ص 487 - 488، باب النوادر، خ 6: تهذيب الأحكام، ج 2، ص 44. ح 141 .
3- راجع رسالة تياسر القبلة ضمن الرسائل التسع، ص 327.

ثمّ صنّف رسالةً(1) في تحقيق الجواب والسؤال، وبعثها إليه، فاستحسنها العلّامة حين وقف عليها، وهي مشهورة.

وحيث كان الحكم مبنيّاً على رواية ضعيفة مرتّبة على قول ضعيف، وكان البُعد الكثير لا يؤمن معه من الانحراف الفاحش وإن كان في ابتدائه يسيراً كان الإعراض عنه أولى.

( وعلامة الشام جَعْل بنات نعش) الكبرى، وهي سبعة كواكب: أربعة منها نعش وثلاث بنات ( حال غيبوبتها) وهو انحطاطها ودنوّها إلى جانب المغرب(2) (خلف الاذن اليمني).

والمراد جَعْل كلّ واحدة منها غائبةً خلف الأذن؛ لاختلاف وقت مغيبها.

(و) جَعْل (الجدي خلف الكتف اليسرى عند طلوعه) وهو غاية ارتفاعه كما مرّ، وكذا عند غاية انحطاطه(3) .

وفي جَعل الشامي له خلف الكتف والعراقي خلف المنكب إشارة إلى أنّ انحراف العراقي عن نقطة الجنوب نحو المغرب أكثر من انحراف الشامي عنها نحو المشرق وإن اشتركا في أصل الانحراف والأمر فيه كذلك، وسيأتي إن شاء الله تحريره.

(ومغيب سهيل) اليمن، وهو أخذه في الانحطاط وميله عن دائرة نصف النهار على العين اليمنى، وطلوعه) وهو بروزه عن الأفق المرئى (بين العينين).

وربما تُوهّم أنّ المراد بطلوعه غاية ارتفاعه.

وهو غلط فاحش ناشٍ عن عدم معرفة الفرق بين الطلوع وغاية الارتفاع، وبينهما غاية التباعد، كما لا يخفى على من اطلع أدنى اطّلاع على مصطلح القوم.

ص: 111


1- أورد الرسالة ابن فهد الحلّي في المهذب البارع ، ج 1، ص 312 - 317؛ وانظر أيضاً الرسائل التسع، ص 327 وما بعدها.
2- في الطبعة الحجريّة «إلى المغرب».
3- في «م»: انخفاضه.

وأيضاً فيه خطأ من جهة العلم بالقبلة؛ لأنّه حينئذٍ يكون على دائرة نصف النهار، كما هو لازم غاية ارتفاع كلّ كوكب، فيكون جاعله بين العينين في هذه الحالة مستقبلاً النقطة الجنوب، وهذه قبلة العراقيّ على بعض الوجوه كما عرفته لا قبلة الشامي.

(و) جَعْل (الصبا) مقصورة مفتوحة الصاد وهي ريح تهبّ ما بين مطلع الشمس في حال الاعتدال إلى الجدي (على الخدّ الأيسر، و) جَعْل ريح (الشمال) بفتح الشين، ومحلّها ما بين القطب ومغرب الاعتدال (على الكتف الأيمن) .

والرياح علامة ضعيفة، كما تقدّم؛ لقلة الوثوق بها مع الجهل بالجهة، ومع العلم بها يستغنى عن الرياح، لكن لما أمكن العلم بالرياح بدون الجهة - وإن بَعُدَ - جُعلت في العلامات.

ويستفاد من هذه العلامات كون قبلة الشامي مائلةً عن نقطة الجنوب نحو المشرق قليلاً، وهو أيضاً موافق للقواعد المؤسسة في هذا الباب، بل هذه مستنبطة منها؛ لعدم ورود نصّ على قبلة الشامي.

وبهذا يظهر فساد أكثر المحاريب الموضوعة في بلادنا، فإنّها موضوعة على نقطة الجنوب تقريباً، وهي قبلة أطراف العراق كما عرفت، لا قبلة الشام.

وبالتحرير المستفاد هذه العلامات وغيرها يُعلم أنّ سمت قبلة الشامي على ثلث مقدار ما بين نقطة المشرق والجنوب، بحيث يكون ثلثا ذلك المقدار على يسار المصلّي وثلثه عن يمينه نحو الجنوب، بل ظاهر العلامات المذكورة هنا يدلّ على الانحراف عن نقطة الجنوب أزيد من الثلث؛ لأنّ سهيلاً يطلع على الأفق منحرفاً عن نقطة الجنوب تسعة وثلاثين جزءاً من تسعين جزءاً من القوس التي بين نقطتي المشرق

والجنوب.

وكذلك إذا جعل الخدّ مسامتاً لمنتصف ما بين نقطة المشرق والقطب الذي هو أعدل مهبّ الصبا، يستلزم مسامتة الوجه لمنتصف ما بين نقطة الجنوب والمشرق كما لا يخفى على مَنْ أحاط علماً بما أسلفناه من المقدّمات.

ص: 112

إلّا أنّ التحقيق - الذي يجب المصير إليه - هو ما قلناه من كون الانحراف عن نقطة الجنوب بقدر ثلث المقدار المذكور خاصّة تقريباً.

وبالتحرير التامّ تنحرف قبلة دمشق أحداً وثلاثين جزءاً من تسعين، وكلّما غربت البلاد الشامية كان الانحراف أكثر.

وأمّا انحراف أوساط العراق - كبغداد والكوفة - بالتحرير التام عن نقطة الجنوب نحو المغرب فهو ثلاثة وثلاثون جزءاً من الأجزاء المذكورة، والبصرة سبعة وثلاثون، فهذا هو السرّ في جَعلهم الجَدْيَ للشامي خلف الكتف، وللعراقي خلف المنكب، فتدبّره فإنه دقيق.

وأما إطلاق الأصحاب كون طلوع سهيل علامةً فالمراد به طلوعه على الأفق المرئي، كما قدمناه، وما بينه و بين الأفق الحقيقي من التفاوت يزيد هذا القدر من الزيادة تقريباً خصوصاً مع غلبة الحزونة على أرض الشام وكثرة الارتفاع والانخفاض فيها، والفقهاء لم يعتبروا طلوعه عن الأفق الحقيقي؛ لقلة الانتفاع به حينئذ، بل أرادوا بروزه للناظر، وذلك يوجب ارتفاعاً يزيد هذا التفاوت؛ لأنّ الكوكب كلّما ارتفع انحرف، كما لا يخفى.

وأمّا الصَبا فلمّا كان حدّ مطلعه ما بين نقطة المشرق ونقطة الشمال وكان القدر المعتدل منه يوجب الانحراف عن سمت قبلة الشامي ومخالفة ما تحقق فيه من أُصوله، وجب حمله على ما خرج منه دوين اعتداله نحو المشرق، فإنّ المسامتة متسعة، فيكون إطلاقه في قوّة الإجمال، كما حمل المشرق والمغرب في قبلة العراق على ما انحرف عن اعتدالهما.

وأيضاً فلو جاز حمله على الإطلاق، لزم جواز القرب من معدل المشرق بحيث لا يبقى بين نقطته و بین وجه المصلّي إلا يسير؛ لأنّ طرف ريح الصبا من جهة الجدي يلحق الخدّ، وهو فاسد قطعاً.

وقد أشار إلى ذلك في الذكرى بقوله : وقد يقال: إنّ مبدأ هبوبها من مطلع الشمس .

ص: 113

يعني الصبا - يجعله الشامي على الخدّ الأيسر(1) .

وهو موافق لما ذكرناه؛ لأنّ الخدّ إذا سامت مشرق الاعتدال، كان الوجه منحرفاً عن نقطة الجنوب نحو المشرق يسيراً. وأمّا جَعْل الجدي مستقيماً خلف الكتف الأيسر فيقتضي انحرافاً بيّناً في الجملة، لكن لا يوجب زيادةً على ما حررنا، بل هو أشدّ مناسبة له من غيره، فتدبّر هذه الجملة، فإنّك لا تظفر بها في غير هذا الكتاب، واستقم كما أُمرت، ولا تتبع الهوى ولا ترتاب، فإنّ الحق أحق أن يتبعه أولو الألباب.

(وعلامة المغرب) والمراد بعض أهل المغرب كالحبشة والنوبة (جَعل الثريا) عند طلوعها على اليمين والعيوق بالتشديد، وهو نجم أحمر مضيء في طرف المجرّة يتلو الثريا ويبعد عنها إلى جهة الشمال كبُعدها عن أنجم النظم عند طلوعه (على الشمال والجدي) حال استقامته على صفحة الخدّ الأيسر).

وإنّما قيّدنا المغرب ببعضه مع إطلاق الأصحاب له؛ لأنّ البلاد المشهورة في زماننا بالمغرب - كقرطبة وزويلة وتونس وقيروان وطرابلس الغرب - قبلتها تقرب من نقطة المشرق، بل تميل عنها نحو الجنوب يسيراً، فهي بعيدة عمّا ذكروه هنا، فتدبّر.

(وعلامة اليمن جَعْل الجدي وقت طلوعه) أو انخفاضه (بين العينين، وسهيل عند) أوّل (مغيبه) وهو ميله عن دائرة نصف النهار، بل قبل أخذه في المغيب عند كونه على الدائرة (بين الكتفين) ليكون مقابلاً للجدي عند طلوعه؛ لكونهما معاً على دائرة نصف النهار، وأمّا إذا أخذ في المغيب يميل عن التوسط بين الكتفين لمن جعل الجذي حال استقامته بين العينين، كما لا يخفى .

(والجنوب) بفتح الجيم، وهي ريح مقابلة لريح الشمال مهبها ما بين نقطتي الجنوب والمشرق ( على مرجع الكتف الأيمن) وهو مبدأ رجوعه قرب المفصل.

وهذه العلامات بعد الجمع بينها تقتضي كون قبلة اليمني نقطة الشمال، فتكون مقابلةً لقبلة مغاريب ،العراق، كالموصل وما ناسبها.

ص: 114


1- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 102 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).

وبعض الأصحاب - كالشهيد في الألفيّة (1) - جعل اليمني في مقابلة الشامي.

والتحقيق أنّ عدن وما والاها تناسب العلامات المذكورة؛ لمناسبتها لمكّة في الطول ونقصانها في العرض، وأما صنعاء اليمن - المشهورة - وما ناسبها فهي مقابلة للشامي، كما ذكره الشهيد (رحمه الله).

واعلم أنّا لمّا بيّنّا في أوّل البحث كون معرفة جهة القبلة ليس منها منقول عن أئمّة الهدى غير قبلة العراق ببعض علاماتها المذكورة وإنما هي مأخوذة من علم الهيئة وما ضاهاها من العلوم والأرصاد، وكانت هذه العلامات المدوّنة في كتب الفقه بعضها مطلق احتاج إلى التقييد، وبعضها مجمل احتاج إلى البيان كما رأيت فجدير بنا أن نذكر جملة تزيدك بصيرةً في تحقيق الحق، وتوضح لك عن وجه ما ذكرناه من البيان والتقييد.

وتقريره يتوقّف على مقدّمة هي أنّهم قسموا هذا الربع المسكون - المشتمل على الأقاليم السبعة - طولاً ،وعرضاً، فالطول من مبدإ العمارة من جانب المغرب، وهي جزائر الخالدات عند بطلميوس؛ لكونه مبدأ العمارة في زمانه، أو ساحل البحر الغربي عند المتأخرين؛ لاستيلاء الخراب والغرق على ما بينهما بعد زمانه، إلى منتهاها من الجانب الشرقي، وهي كنك، وجملة ذلك من الجزائر مائة وثمانون جزءاً أقسام نصف دائرة عظمى من دوائر الفلك؛ لأنّ كلّ دائرة منها مقسومة ثلاثمائة وستين جزءاً، وتسمّى هذه الأجزاء درجات والعرض من خط الاستواء في جهة الجنوب إلى منتهى الربع في جهة الشمال، وذلك تسعون جزءاً، وذلك ربع دائرة عظمى. فطول البلد عبارة عن بُعدها عن منتهى الجانب الغربي، وهو قوس من معدل النهار محصورة بين دائرتي نصف نهار ذلك البلد ونصف نهار آخر طرف العمارة من جانب الغرب. وعرض البلد عبارة عن بُعْدها عن خطّ الاستواء، وهو قوس من دائرة نصف النهار فيما بين معدل النهار وسمت الرأس.

إذا تقرّر ذلك، فنقول: طول مكّة المشرفة من جزائر الخالدات سبع وسبعون جزءاً

ص: 115


1- الألفية، ص 144 - 145 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 18) .

وعشر دقائق، أعني سدس جزء. وعن ساحل البحر الغربي سبع وستّون جزءاً وسدس جزء، فالتفاوت بين الطرفين عشرة أجزاء، وقد استقرّ اعتبار الجمهور من الثاني. وعرضها أحد وعشرون جزءاً وثلثا جزء، وهي أربعون دقيقة، فإذا أُريد معرفة سمت القبلة في بلد، فلا يخلو من أن يكون طول مكّة وعرضها أقلّ من طول البلد وعرضه، أو أكثر، أو يكون طولها أقلّ وعرضها أكثر، أو بالعكس، أو يتساوى الطولان وعرضها أقلّ أو أكثر، أو العرضان وطولها أقل أو أكثر، فالأقسام ثمانية لا مزيد عليها.

فإن تساوى الطولان وعرض البلد أكثر ، فسمت القبلة نقطة الجنوب. وإن كان أقلّ، فهو نقطة الشمال. وإن تساوى العرضان وطول البلد أكثر ، فسمت القبلة نقطة المغرب. وإن كان أقلّ، فهو نقطة المشرق.

ومعرفة السمت في هذه الأربعة سهل يتوقّف على إخراج الجهات الأربع على وجه الأرض بالدائرة الهنديّة أو غيرها لا غير.

وإن زادت مكّة على البلد طولاً وعرضاً، فسمت القبلة بين نقطتي المشرق والشمال. وإن نقصت فيهما، فهي بين نقطتي الجنوب والمغرب. وإن زادت عن البلد طولاً ونقصت عرضاً، فسمت قبلة البلد بين نقطتي الجنوب والمشرق. وإن انعكس، فبين نقطتي المغرب والشمال.

وهذه الأربعة تُعلم من الجهات أيضاً إجمالاً.

وأمّا تحرير السمت على خطّ مخصوص فيحتاج إلى فضل تكلّف. ولاستخراجه طرق منتشرة وأعمال متكثرة، فإن تيسر لك استخراجه بربع الدائرة أو الأسطرلاب ونحوهما، وإلّا فقد عرفت أنّ الخطّين المتقاطعين على مركز الدائرة الهنديّة - أعني خطّ نصف النهار وخطّ المشرق والمغرب - يقسمانها أربعة أقسام متساوية فاقسم كلّ قوس من الأربعة التي بين الجهات بتسعين قسماً لتصير الدائرة ثلاثمائة وستّين قسماً كما هو المفروض في قوسي الطول والعرض، فإن كانت مكة أطول من البلد المطلوب سمت القبلة فيه وعرضها أقلّ من عرضه بأن يكون البلد غربياً شمالياً من مكّة كبلدنا،

ص: 116

تعدّ من محيط الدائرة الهنديّة مبتدئاً من نقطة الجنوب بقدر فضل ما بين الطولين إلى المشرق ومن نقطة الشمال مثله إلى المشرق أيضاً، وتصل ما بين النهايتين بخطّ مستقيم ثمّ تعدّ من نقطة المشرق إلى الجنوب بقدر ما بين العرضين، ومن نقطة المغرب مثله، وتصلّ ما بين النهايتين بخط مستقيم، فيتقاطع الخطان لا محالة، ثمّ تُخْرِج من مركز الدائرة خطّاً مستقيماً مارّاً بنقطة تقاطعهما، وتوصله إلى محيط الدائرة، فذلك الخطّ سمت قبلة البلد، والقوس التي بين طرف الخط المنتهى إلى المحيط ونقطة الجنوب هو قدر انحراف سمت القبلة في ذلك البلد عن نقطة الجنوب نحو المشرق.

وإن كان طول مكّة وعرضها أقلّ من طول البلد المطلوب سمت القبلة فيه وعَرْضِه بأن يكون البلد شرقيّاً شماليّاً من مكة، كأكثر العراق وجميع خراسان وما والاها، فعدّ من الدائرة من نقطة الجنوب إلى المغرب بقدر فضل ما بين الطولين، ومن نقطة الشمال مثله، وتصل ما بين النهايتين كما مرّ، ثمّ عدّ من نقطة المغرب إلى الجنوب بقدر ما بين العرضين، ومن نقطة المشرق مثله، وتصل ما بين النهايتين أيضاً، وأخرج من المركز خطّاً مارّاً بنقطة التقاطع إلى المحيط، فذلك سمت قبلته.

وان زادت مكّة عن البلد طولاً وعرضاً بأن كان غربيّاً جنوبيّاً، فعدّ من نقطتي الجنوب والشمال إلى المشرق ومن نقطتي المشرق والمغرب إلى الشمال وتعمل كما مرّ.

وإن كانت مكة أعرض من البلد وهو أطول منها بأن كان شرقيّاً جنوبيّاً، فعدّ من نقطتي المشرق والمغرب إلى الشمال ولا يخفى عليك باقي العمل إذا تدبّرت ما أسلفناه.

ولنمثّل لقبلة بلدنا مثالاً ليتضح لك بالعيان مرتباً على ما قرّرناه من المقدّمات ونتبعه بما استدركناه من البلاد في الجهات فنقول: طول دمشق من البحر الغربي ستّون درجة، وعرضها ثلاث وثلاثون ونصف، فهي أعرض من مكّة، ومكّة أطول منها، فهي

ص: 117

إذن غربيّة شماليّة، فيكون سمتها خارجاً بين نقطتي الجنوب والمشرق، وطول وسط العراق - كالكوفة وبغداد - تسع و سبعون درجة محدودة الدقائق، وعرضها اثنتان وثلاثون، فهى إذَنْ شرقية شمالية فسمتها غربي جنوبي. وطول البصرة خمس وسبعون، وعرضها قريب من عرض الكوفة، فهي إذَنْ محتاجة إلى زيادة تقريب. واعتبر باقي البلاد بهذا التقريب والله الموفّق، وهذه صورته :

الصورة

و هو خطّ نصف النهار

(والمصلّي في) وسط (الكعبة) يكفيه أن (يستقبل أيّ جدرانها شاء) ويجوز أن يصلّي إلى بابها وإن كان مفتوحاً ولا عتبة له؛ لأنّ القبلة ليست هي البنية؛ إذ لو زالت والعياذ بالله كانت الصلاة إلى موضعها وإلى كلّ جزء منه.

(و) المصلّي (على سطحها يصلّي قائماً) لا مستلقياً مومناً (ويبرز بين يديه شيئاً

ص: 118

منها) وإن قل ليكون توجّهه إليه. ويراعي ذلك في جميع أحواله حتّى الركوع والسجود، فلو خرج بعض بدنه عنها أو ساواها في بعض الحالات كما لو حاذى رأسه نهايتها حال السجود، بطلت صلاته.

وقال الشيخ في الخلاف يصلّي مستلقياً متوجّهاً إلى البيت المعمور بالإيماء(1) ؛ استناداً إلى رواية(2) لا تنهض حجّةً في مخالفة المشهور بل الإجماع، وتخصيص الأمر بالقيام واقتضاء الاقتصار على الإيماء مع القدرة.

(ولو صلّى باجتهاد أو) بغير اجتهاد (الضيق الوقت) عنه أو بالتقليد في موضع جوازه أو ناسياً على أصح القولين (ثمّ انكشف فساده) أي فساد الاجتهاد وما قام ،مقامه، أي تبين عدم إصابة القبلة ( أعاد ) الصلاة (مطلقاً) أي في الوقت وخارجه (إن كان مستدبراً) لرواية عمّار عن الصادق علیه السلام في رجل صلّى إلى غير القبلة فيعلم وهو في الصلاة قبل أن يفرغ من صلاته، قال:« إن كان متوجّهاً فيما بين المشرق والمغرب فليحول وجهه إلى القبلة حين يعلم، وإن كان متوجهاً إلى دبر القبلة فليقطع ثمّ يحوّل وجهه إلى القبلة ثمّ يفتتح الصلاة»(3).

ولقوله علیه السلام في حديثٍ آخر حين سُئل عن رجل صلّى إلى غير القبلة ثمّ تبيّنت القبلة وقد دخل وقت صلاة أخرى، قال: «يصلّيها قبل أن يصلّي هذه التي دخل وقتها إلا أن يخاف فوت التي دخل وقتها »(4).

وفي الاستدلال بهما بحث؛ لضعف سند الأُولى بعمّار، والثانية بمحمّد بن زياد وغيره. مع أنّ ظاهر الأولى أنّ الوقت باق؛ لأنّه فرضه في الصلاة.

ويمكن حمل الثانية على مَنْ صلّى بغير اجتهاد ولا تقليد إلى جهةٍ واحدة مع سعة

ص: 119


1- الخلاف، ج 1 ، ص 441 ، المسألة 188.
2- الكافي، ج 3، ص 392 باب الصلاة في الكعبة وفوقها .... ح 21؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 376 ، ح 1566.
3- الكافي، ج 3، ص 285 باب وقت الصلاة في يوم الغيم .... ح 8 تهذيب الأحكام، ج 2، ص 48 - 49 ، ح 159: الاستبصار، ج 1، ص 298، ح 1100.
4- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 46، ح 149؛ الاستبصار، ج 1، ص 297، ح 1098.

الوقت وإمكان التعلّم؛ جمعاً بينها وبين ما يأتي من الأخبار، ومن ثُمَّ ذهب المرتضى والمحقق(1) والشهيد في الذكرى(2) إلى إعادة المستدبر في الوقت خاصة لا مع خروجه، وهو الأصحّ.

(وفي الوقت) لا مع خروجه (إن كان مشرّقاً أو مغرّباً) بالنسبة إلى قبلة العراق.

ولو قال: «إن كان يميناً أو يساراً» ليشمل سائر الجهات، كان أولى.

ومستند التفصيل قول الصادق علیه السلام في خبر عبدالرحمن بن أبي عبدالله(3) : «إذا له استبان أنّك صلّيت وأنت على غير القبلة وأنت في وقت فأعد، وإن فاتك الوقت فلا تعد»(4).

ومثله رواية سليمان بن خالد عنه علیه السلام :« إن كان في وقت فليعد صلاته، وإن مضى الوقت فحسبه اجتهاده»(5) وغيرهما من الأخبار الدالة على التفصيل ببقاء الوقت وعدمه.

وهي كما تدلّ على حكم اليمين واليسار كذا تدلّ على حكم الاستدبار؛ لعدم التقييد، فهي حجّة على المصنّف مع صحّتها.

وحملها على غير المستدبر ليجمع بينها وبين ما تقدّم ليس بأولى من حمل ما تقدّم -مع ضعف سنده - على بقاء الوقت أو التقصير في الاجتهاد، كما قلناه.

وخبر عبدالرحمن كما دلّ بإطلاقه على الظانّ، كذا يشمل الناسي، أمّا جاهل الحكم فإنّه يعيد مطلقاً في الموضعين؛ لضمّه جهلاً إلى تقصير، مع احتمال المساواة؛ لعموم

ص: 120


1- نكت النهاية، ج 1، ص 315، وفيها حكاية قول السيّد المرتضى : وانظر المسائل الناصريات، ص 202 المسألة 80.
2- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 118 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
3- في «الأصل وم» والطبعة الحجريّة: عبد الرحمن بن الحجاج. وما أثبتناه كما في المصادر.
4- الكافي، ج 3، ص 284 - 285 ، باب وقت الصلاة في يوم الغيم .... ح 3؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 47، ح 151، وص 142 ، ح 554: الاستبصار، ج 1، ص 296، ح 1090.
5- الكافي، ج 3، ص 285 - 286، باب وقت الصلاة في يوم الغيم .... ح 9؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 47، ح 152؛ الاستبصار، ج 1، ص 296، ح 1091.

الناس في سعة ممّا (1) لا يعلمون»(2) .

(ولا يعيد) مطلقاً (إن كان بينهما) أي بين المشرق والمغرب بأن يتبيّن الانحراف اليسير الذي لا يبلغ حدّ اليمين واليسار، وهو موضع وفاقٍ؛ لقول الصادق علیه السلام: «ما بين المشرق والمغرب قبلة»(3) .

والمراد بالاستدبار - الذي حكم المصنّف بإعادة المصلّى إليه مطلقاً - ما قابل القبلة بمعنى أنّ أيّ خطّ فُرض طرفه قبلة يجوز الصلاة إليها كان طرفه الآخر استدباراً، كما يدلّ عليه خبر عمّار(4) .

ولو فُرض وقوع خط آخر على هذا الخط بحيث يحدث عن جنبيه زاويتان ،قائمتان كان هذا الخط الثاني خطّ اليمين واليسار.

ولو فُرض خطّ آخر واقع على الخطّ الأوّل بحيث يحدث عنه زاويتان: حادّة و منفرجة، فما كان منه بين خطّ القبلة وخطّ المشرق أو المغرب هو الانحراف المغتفر، وما كان بين جهة الاستدبار وخط المشرق أو المغرب فالأجود أنه ملحق بهما لا بالاستدبار وإن كان أقرب إليه، اقتصاراً في الإعادة مطلقاً - على القول بها - على مدلول الرواية، وهو ما كان إلى دبر القبلة.

(ولو ظهر الخلل) وهو (في الصلاة، استدار) إلى القبلة (إن كان) الخلل (قليلاً) لم يبلغ حدّ اليمين واليسار، وأتمّ صلاته؛ لعدم وجوب الإعادة في الوقت (وإلّا) أي وإن لم يكن قليلاً بل كان إلى محض اليمين أو اليسار أو الاستدبار (استأنف) الصلاة؛ لوجوب الإعادة في الوقت مطلقاً.

نعم لو فُرض تبيّن التيامن أو التياسر بعد الوقت فيمن أدرك منه ركعة أو المستدبر

ص: 121


1- في «م»: «ما» بدل «ممّا».
2- الكافي، ج 6 ، ص 297، باب نوادر من كتاب الأطعمة، ح 2 نحوه.
3- الفقيه، ج 1، ص 276، ح 848 تهذيب الأحكام، ج 2، ص 48 ، ح 157؛ الاستبصار، ج 1، ص 297، ح 1095.
4- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص 119 الهامش .

على القول بالمساواة، أمكن القول بالاستقامة ولا إعادة؛ لإطلاق الأخبار. وعدمُه؛ لأنّه لم يأت بالصلاة في الوقت. ولأنّ ما بعد الوقت هنا بحكم الواقع فيه، فيكون بحكم الذاكر فيه.

ويضعّف: بأنّ الأوّل مصادرة، ومساواة ما بعد الوقت لما قبله مطلقاً ممنوعة، بل في محلّ النصّ والوفاق لا في جميع الأحكام على الإطلاق.

(ولا يتعدّد الاجتهاد بتعدّد الصلاة) إلّا مع تجدّد شكّ؛ لبقاء الظن السابق حيث لم يتجدّد خلافه،للاستصحاب. أمّا لو تجدّد شكّ، فإنّ الاجتهاد الأوّل بطل حكمه.

وأوجب الشيخ(1) تجديده مطلقاً ما لم يعلم بقاء الأمارات بأن يحضره عند القيام إلى الثانية؛ لوجوب السعي في إصابة الحقّ. ولأنّ الاجتهاد الثاني إن وافق الأوّل أكّده، وإن خالفه وجب المصير إليه؛ لأنّه لا يكون إلا لأمارة أقوى.

ووجوب السعي في الإصابة بعد الاجتهاد عين النزاع. ولو تمّا لم تصحّ الأولى؛ لعدم استفراغ الوسع في تحصيل الأمارة.

وهذان الاحتمالان جاريان في طلب المتيمّم الماء عند دخول وقت صلاة أُخرى، وفي المجتهد إذا سُئل عن واقعةٍ اجتهد فيها. والمختار في الجميع واحد.

ص: 122


1- المبسوط، ج 1 ، ص 123 - 124.

(المقصد الرابع فيما يصلّى فيه )

اشارة

وهو اللباس والمكان.

(وفيه مطلبان):

(المطلب الأوّل في اللباس)

( يجب ستر العورة في الصلاة) بإجماع علماء الإسلام - كما نقله في المعتبر(1) - وإن اختلف مخالفونا مع ذلك في شرطيّته في الصلاة بثوب طاهر) وقد تقدّم حكمه (إلّا ما استثني) من ثوب ذي القروح والجروح الدامية، وثوب المربية للولد المتنجّس به والمتنجّس بدم ينقص عن سعة الدرهم وما لا تتم الصلاة فيه وحده، وما تعذّر تطهيره مع الاضطرار إلى لُبسه عند قوم، ومطلقاً عند آخرين، وقد تقدم تفصيل ذلك كلّه.

(مملوك) للمصلّي. ويتحقّق بملك العين والمنفعة كالمستأجر والمستحقٌ منفعته بوصيّة ونحوها (أو مأذون فيه) في الصلاة بالصريح أو في اللُبس مطلقاً.

ولا يكفي شاهد الحال هنا؛ لعدم النصّ، وأصالة المنع من التصرّف في مال الغير فيقتصر فيما خالفه على محلّ الوفاق وهو المكان والفرق بين اللباس والمكان؛ فإنّ اللباس يبلى بالاستعمال، ولكلّ جزء منه مدخل في التأثير، بخلاف المكان.

(فلو صلّى في) الثوب (المغصوب) كما هو مقتضى السياق، في حال كون المصلّي (عالماً بالغصب، بطلت) صلاته إن ستر العورة، ومثله ما لو قام فوقه أو سجد عليه إجماعاً؛ لرجوع النهى إلى جزء الصلاة أو شرطها فتفسد.

ص: 123


1- المعتبر، ج 2، ص 99.

ولو لم يكن ساتراً أو كان غير ثوب كالخاتم ونحوه، فكذلك عند المصنّف(1) وجماعة(2)؛ لأنّ الحركات الواقعة في الصلاة منهيّ عنها؛ لأنّه تصرّف في المغصوب، وهي أجزاء الصلاة فتفسد؛ لأنّ النهي في العبادة يقتضي الفساد. ولأنه مأمور بإبانة المغصوب عنه وبردّه إلى مالكه، فإذا افتقر إلى فعل كثير ، كان مضاداً للصلاة، والأمر بالشيء يستلزم النهي عن ضدّه.

وفي الدليلين منع.

أمّا الأوّل: فلأنّ الحركات المخصوصة الواقعة في الصلاة إنّما تعلّق النهي فيها بالتصرّف في المغصوب من حيث هو تصرّف في المغصوب لا بالحركات(3) من حيث هي حركات الصلاة، فالنهي تعلّق بأمر خارج عنها ليس جزءاً ولا شرطاً، فلا يتطرّق(4) إليها الفساد، بخلاف ما لو كان المغصوب ساتراً أو مسجداً أو مكاناً؛ لفوات بعض الشروط أو بعض الأجزاء.

وأمّا الثاني: فكلّيّة كبراه ممنوعة، وقد تقدّم الكلام عليها في إزالة النجاسات، فإنّ الأمر بالشيء إنّما يستلزم النهي عن ضدّه العامّ، أعني الترك مطلقاً وهو الأمر الكلّي لا عن الأضداد الخاصة من حيث هي كذلك وإن كان الكلي لا يتقوم إلا بها، فإنّه مغاير لها، ولهذا كان الأمر بالكلّي ليس أمراً بشيء من جزئياته عند المحقّقين، الصلاة؛ لأنّها أحد الأضداد الخاصّة. ومن ثُمَّ فرّق المحقّق في فلا يتحقق النهى عن المعتبر بين الأمرين، فاختار البطلان في الأوّل دون الثاني(5)، وقوّاه في الذكرى(6) . وهو واضح وإن كان الاحتياط يقتضي البطلان.

ص: 124


1- تحرير الأحكام الشرعية، ج 1، ص 196، الرقم 622: تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 477، المسألة 125؛ منتهى المطلب، ج ،4، ص 230 نهاية الإحكام، ج 1، ص 378 .
2- منهم الشهيد في الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 72 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9).
3- في «الأصل وم» والطبعة الحجريّة : لا عن الحركات. والصحيح ما أثبتناه.
4- في الطبعة الحجريّة ولا يتطرّق.
5- المعتبر، ج 2، ص 92 .
6- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 395 - 396(ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 6).

وألحق به في المعتبر(1) الصلاة في خاتم من ذهب، دون الصلاة في الحرير، مع كونه غير ساتر؛ للنصّ على تحريم الصلاة فيه عن النبيّ(2) وأهل بيته علیهم السلام(3).

وقيد العالم بالغصب يُخرج الجاهل به فلا تبطل صلاته؛ لارتفاع النهي، ويتناول الجاهل بحكمه، فتبطل صلاة العالم بالغصب (وإن جهل الحكم) الشرعي، وهو تحريم الصلاة في المغصوب، أو الوضعي، وهو بطلان الصلاة فيه؛ لوجوب التعلّم على الجاهل، فيكون قد جمع بين الجهل والتقصير في التعلّم، فلا يكون تركه عذراً.

ولو نسي الحكم، فكذلك؛ لاستناده إلى تقصيره في التحفّظ.

وفي إلحاق ناسي الغصب بالعالم فيعيد مطلقاً، كما اختاره المصنّف في القواعد(4) ، أو بالجاهل فلا يعيد مطلقاً، أو الإعادة في الوقت خاصّة، كما اختاره في المختلف(5) أوجه أحوطها: الأوّل.

ووجهه: أنّ الناسي مفرط؛ لقدرته على التكرار الموجب للتذكار، فإذا أخلّ به كان مفرطاً، ولأنّه لمّا علم كان حكمه المنع من الصلاة، والأصل بقاء ذلك، وزواله بالنسيان يحتاج إلى نصّ ولم يثبت.

لا يقال: قد روي عنه علیه السلام أنه قال: «رفع عن أُمّتي الخطأ والنسيان»(6)، والحقيقة متعذرة؛ لأنّهما واقعان لم يرتفعا، فيصار إلى أقرب المجازات إلى الحقيقة، وهو رفع

ص: 125


1- المعتبر، ج 2، ص 92 .
2- صحيح البخاري، ج 5، ص 2069، ح 5110، وص 2133 ، ح 5309 و 5310؛ صحیح مسلم، ج 3، ص 1635 - 1636. ح 2066/3، وص 1637، ح 2067/4، سنن الدار قطني، ج 4، ص 550، ح 85/4709؛ مسند أحمد، ج 6، ص 539 ، ح 22803، وص 551، ح 22865، وص 566، ح 22954؛ المصنف ابن أبي شيبة، ج 8، ص 162، ح 4710.
3- تهذيب الأحكام ، ج 2، ص 207 ، ح 810 ، وص 208 ، ح 814 : الاستبصار، ج 1، ص 383، ح 1453 وص 386 . ح 1464.
4- قواعد الأحكام، ج 1، ص 256.
5- مختلف الشيعة، ج 2، ص 110 - 111، المسألة 50.
6- الكافي، ج 2، ص 462 - 463. باب ما رفع عن الأمّة، ج 1 - 2.

جميع أحكامهما؛ لأنّ رفع الحقيقة يستلزم رفع جميعها.

لأنّا نقول: نمنع إرادة العموم في جميع الأحكام؛ لأنّه يستلزم زيادة الإضمار مع الاكتفاء بالأقلّ. ولأنّ صحّة الصلاة في المغصوب مع النسيان وزوال حكم المانع يقتضي ثبوت حكم له، فلا يصدق الرفع الكلّي، ودليل الصحة مبني عليه، كذا حقّقه المصنّف في المختلف(1).

وأجيب بمنع أنّ التكرار الموجب للتذكار يمنع عروض النسيان، والوجدان يشهد بخلافه، ومنع استصحاب بقاء المنع بعد النسيان؛ للإجماع على أن الناسي يمتنع تكليفه حال نسيانه؛ لامتناع تكليف الغافل. ومنع استلزام رفع جميع الأحكام زيادة الإضمار؛ لأنّ زيادة الإضمار في اللفظ لا في المدلول.

سلّمنا، لكن يكفي إضمار الأحكام فقط، وهو أخصر من الجميع، وبأنّ المراد برفع الأحكام المترتبة على الفعل إذا وقع عمداً، لا المترتبة على النسيان باعتبار كونه جميع عذراً، فلا تناقض. أو يراد رفع الحكم الممكن رفعه، وما ذكر غير ممكن الرفع؛ لامتناع الخلو من جميع الأحكام الشرعيّة(2).

ولك أن تقول: لو تمّ هذا التوجيه لزم الحكم بعدم إعادة الناسي مطلقاً، وقد ورد النصّ بخلافه في مواضع كإعادة ناسي النجاسة(3)، ولاعترافهم هنا بإعادة ناسي الحكم بالغصب وغير ذلك من المواضع، واستثناء هذه الأفراد حتى عند القائل بهذه المسألة دليل على عدم حمل الرفع على رفع جميع الأحكام، بل على رفع المؤاخذة على الفعل كالعامد بقرينة اقتران الناسي في الحديث بالمكره والخاطئ.

اللهمّ إلّا أن يقال: خرجت الصورة الأولى بالنصّ، والثانية بالاتفاق، فيرجع ما وقع فيه الخلاف مع عدم النصّ إلى الدليل، وفيه بحث.

ص: 126


1- لم تعثر عليه في المختلف، ونسبه إلى المصنّف المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 88 من دون ذكر مصدر.
2- المجيب هو المحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 89-88 .
3- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 254 - 255، ح 738 ، وص 421، ح 1335؛ الاستبصار، ج 1، ص 182، ح 638. وص 183 . ح 641 .

والتحقيق أنّ الخبر لا يحتاج في دلالته إلى إضمار؛ لأنّه ظاهر عرفاً في رفع المؤاخذة، فإنّ كلّ عارف باللغة يتبادر إلى فهمه رفع المؤاخذة عند قول السيّد لعبده: رفعت عنك الخطأ والنسيان في الشيء الفلاني وتحقيق المسألة في الأصول، وحينئذٍ فلا يدلّ على عدم الإعادة في المسألة المذكورة ولا غيرها، ويرجع الأمر إلى غيره من الأدلّة وقد عُلم من ذلك وجه الثاني.

ووجه الثالث: قيام السبب وهو الوقت، وعدم تيقّن الخروج عن العهدة، بخلاف ما بعد الوقت، والقضاء إنّما يجب بأمرٍ بأمرٍ جديد، وهو غير معلوم التوجّه هنا.

ويضعّف بأنّ الصلاة الواقعة إن كان مأموراً بها اقتضى فعلها الخروج عن العهدة وإلّا فلا أثر لها. ووجه وجوب القضاء الفواتُ؛ لحديث «مَنْ فاته فريضة فليقضها »(1) وهو حاصل على هذا التقدير.

ويجوز في الثوب كونه ( من جميع ما ينبت من الأرض كالقطن والكتان) بفتح الكاف (والحشيش) إذا صدق على المعمول منه اسم الثوب، فلو تستّر بالورق والحشيش مع القدرة على الثوب لم يجز، كما يقتضيه تخصيص الستر بالثوب، وقد صرّح به في الدروس(2) .

ويشكل بحصول مسمّى الستر، وبإطلاق رواية عليّ بن جعفر عن أخيه موسى علیه السلام «إن أصاب حشيشاً يستر منه عورته أتمّ صلاته بالركوع والسجود»(3) .

نعم، لو تعذّر الثوب أجزأ قطعاً.

ولا يقال : قوله بعدُ: «ولو بالورق» يدلّ على جوازه اختياراً، فيكون مبيّناً لمراد هذه العبارة؛ لاندفاعه بعطف «الطين» عليه، وهو مترتّب على فقد الثوب قطعاً، فلا دلالة له على الاجتزاء به في حالة الاختيار أو لاضطرار.

(و) كذا يجوز كونه من (جلد ما يؤكل لحمه مع التذكية) فيما يفتقر إليها، وهو ما لَه

ص: 127


1- المعتبر، ج 2، ص 404 و 406.
2- الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 70 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9).
3- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 365، ح 1515.

نفس سائلة، أمّا ما لا نفس له - كالسمك - فإنّ الصلاة في ميّته جائزة؛ لطهارته في حال الحياة وحلّه وعدم نجاسته بالموت.

وينبّه عليه جوازُ الصلاة في جلد الخزّ على المشهور وإن كان ميّتاً؛ لعدم النفس، مع أنّه غير مأكول اللحم، فجوازها فى ميتة المأكول إذا لم يكن له نفس أولى.

ولو اشترطنا في جواز الصلاة في جلد الخزّ تذكيته بإخراجه من الماء حيّاً - كما ذهب إليه بعض الأصحاب(1) - أمكن اشتراط ذلك في السمك أيضاً.

وليس في كلام الأصحاب تصریح به على الخصوص، وقد اتفق للمحقّق الشيخ عليّ (رحمه الله) في شرح الألفيّة(2) نقل الإجماع على جواز الصلاة في ميتة السمك، ونسب النقل إلى الذكرى عن المعتبر وفي شرح القواعد (3) نَقَله عن المعتبر بغير واسطة الذكرى.

وينبغي التثبّت في تحقيق هذا النقل، فإنّ الذي ادّعى عليه الإجماع في المعتبر(4) ونَقَله عنه في الذكرى الصلاة في وبر الخز لا في جلده، ولا في جلد السمك، ثم ذكر بعد ذلك جلد الخز ناقلاً فيه الخلاف(5) ، ولم يتعرّض لميتة السمك في الكتابين بنفي ولا إثبات فضلاً عن نقل الإجماع.

والذي أوقع في هذا الوهم أنّ عبارة الذكرى تُوهم ذلك، لكن كونها بطريق النقل عن المعتبر مع نقل لفظ المعتبر يكشف المراد، وتحقق أنّ الكلام في وبر الخزّ، لا في جلده ولا في جلد ميتة السمك.

والتعلّق بأنّه لم يعيّن محلّ النقل فلعلّه في موضع لم يتّفق الوقوف عليه تسلّ بالتعلّق بالهباء اتّكالاً على المُنى، وإلّا فلو بذل الجهد في تحقيق الحقّ، ظهر له جليّته فيما

ص: 128


1- انظر ذكرى الشيعة، ج 2، ص 383 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 6).
2- شرح الألفيّة، ص 320 (ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره ، ج7 ) وانظر ذكرى الشيعة، ج 2، ص 384 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 6)؛ والمعتبر، ج 2، ص 84.
3- جامع المقاصد، ج 2، ص 77 .
4- المعتبر ، ج 2، ص 84 .
5- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 384 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 6).

ذكرناه، مع أنّه في الذكرى نقل في المسألة - التي فيها دعوى الإجماع عن المعتبر، وعبّر بلفظه - عدّة أسطر(1)، فالمحل متعيّن.

ولا يشترط في صحّة الصلاة في جلد ما يؤكل لحمه الدبغُ إجماعاً، بل يجوز فيه (وإن لم يدبغ، و) كذا يجوز في الثوب المتّخذ من (صوفه وشعره وریشه ووبره) وغيرها ممّا لا تحلّه الحياة ( وإن كان) ما يؤكل لحمه الذي يؤخذ منه هذه الأشياء (ميتةً مع غَسْل موضع الاتّصال) بالميتة إن أخذ قلعاً ولم ينفصل معه من الميتة شيء. ولو أخذ جزاً، لم يحتج إلى التطهير ؛ لعدم المقتضي للتنجيس. ومثله ما لو قلع ثمّ قطع موضع الاتصال.

(والخزّ الخالص) من الامتزاج بوبر الأرانب والثعالب وغيرهما ممّا لا تصحّ الصلاة فيه لا مطلق الخلوص، فلو كان ممتزجاً بالحرير بحيث لا يكون الخز مستهلكاً به، لم يضرّ.

والخزّ دابّة ذات أربع تصاد من الماء، فإذا فقدته ماتت.

وقد أجمع الأصحاب على جواز الصلاة في وبره الخالص مما ذكر، وبه أخبار كثيرة.

وفي جوازها في جلده قولان أصحهما: المساواة؛ لقول الرضاعلیه السلام في رواية سعد ابن سعد حين سأله عن جلود الخزّ، فقال: «هو ذا نلبس» فقلت: ذاك الوبر جُعلت فداك، قال: «إذا حلّ وبره حلّ جلده»(2). وهل يشترط تذكيته بإخراجه من الماء حيّاً، أم لا؟ ظاهر خبر ابن أبي يعفور عن الصادق علیه السلام: «إنّ الله أحلّه وجعل ذكاته ،موته كما أحلّ الحيتان وجعل ذكاتها موتها »(3) ذلك، وهو اختيار الذكرى (4).

قال في المعتبر:

وعندي في هذه الرواية توقّف؛ لضعف محمّد بن سليمان، ومخالفتها لما اتّفقوا

ص: 129


1- انظر ذكرى الشيعة، ج 2، ص 384 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 6).
2- الكافي، ج 6 ، ص 452 ، باب لبس الخز ، ح 7؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 372، ح 1547.
3- الكافي، ج 3، ص 399 - 400، باب اللباس الذي تكره الصلاة فيه .... ح 11؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 211 - 212 ، ح 828 .
4- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 383 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 6).

عليه من أنّه لا يؤكل من حيوان البحر إلا السمك ولا من السمك إلا ما له فَلْسٌ أمّا الجواز في الخالص فهو إجماع علمائنا، مذكّيّ كان أو ميّتاً؛ لأنّه طاهر في حال الحياة ولم ينجس بالموت، فيبقى على الطهارة.

قال: وحدّبثني جماعة من التجار أنّه القندس، ولم أتحقّقه (1). انتهى.

وأجاب في الذكرى - بعد نقله كلام المعتبر بالمعنى - عن الرواية:

بأنّ مضمونها مشتهر بين الأصحاب، فلا يضرّ ضعف الطريق. والحكم بحلّه جاز أن يستند إلى حلّ استعماله في الصلاة وإن لم يذك، كما أحلّ الحيتان بخروجها من الماء حيّةً، فهو تشبيه للحلّ بالحلّ، لا في جنس الحلال.

- قال - ولعلّه ما يسمّى في زماننا بمصر وبر السمك، وهو مشهور هناك. ومن الناس مَنْ زعم أنّه كلب الماء، وعلى هذا يشكل ذكاته بدون الذبح؛ لأنّ الظاهر أنّه ذو نفس سائلة، والله أعلم(2) .

وهذه العبارة التي نقلها الذكرى عن المعتبر(3) هي موضع الوهم في دعوى الإجماع المتقدّم، وقد تضمّن كلام المعتبر أنّه لا نفس له وأنّ الأصحاب مُجمعون على جواز الصلاة فيه و إن كان ميتةً؛ لذلك، والخبر يدلّ عليه أيضاً؛ لأنّ ما كان كالسمك لا نفس له، وما لا نفس له لا ينجس بالموت وإن كان قابلاً للذكاة، فلا منافاة بين دلالته على حصول تذكيته بالإخراج وعدم نجاسته بالموت.

(و) كذا تجوز الصلاة في الثوب المعمول جميعه أو بعضه من (السنجاب) على أصح القولين، والروايات فيه مختلفة، وجملتها لا تخلو من شيء إمّا ضعف في السند أو إشكال في المتن.

وأقوى دلالةً على الصحة صحيحة [أبي] عليّ بن راشد عن أبي جعفر علیه السلام: «صلّ

ص: 130


1- المعتبر، ج 2، ص 84.
2- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 384 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 6).
3- في «الأصل و م» والطبعة الحجريّة، نقلها عن ذكرى الشيعة والمعتبر. والظاهر ما أثبتناه.

في الفنك والسنجاب»(1) وليس من الجانبين صحيح غيرها إلّا أنّها تضمّنت حلّ الصلاة في الفنك ولا يقولون به.

وذهب الأكثر إلى المنع(2)؛ لرواية زرارة عن الصادق علیه السلام وقد سُئل عن أشياء منها: السنجاب، فأجاب «بأنّ كلّ شيء حرام أكله فالصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وكلّ شيء منه فاسدة(3) لا تقبل تلك الصلاة»(4). وفي أسنادها ابن بكير، وهو فاسد العقيدة.

وحمل في الذكرى المنْعَ في السنجاب على الكراهة وإن حرم الباقي(5) .

ويجوز استعمال المشترك في معنييه بقرينة.

وإنّما تجوز الصلاة فيه مع تذكيته؛ لأنّه ذو نفس قطعاً.

قال في الذكرى: وقد اشتهر بين التجّار والمسافرين أنّه غير مذكّى ولا عبرة بذلك حملاً لتصرّف المسلمين على ما هو الأغلب(6). انتهى.

ولأنّ متعلّق الشهادة إذا كان غير محصور، لا تُسمع.

(والممتزج بالحرير) وإن كان الحرير أكثر، بل لو كان الخليط عُشْراً - كما صرح به في المعتبر(7) - ما لم يضمحلّ الخليط بحيث يصدق على الثوب أنّه إبريسم؛ لقلّة الخليط، لا اقتراحاً مع وجود ما يعتبر من الخليط.

ولا يتحقّق المزج بخياطته بغيره، ولا بجَعل بطانة الثوب منه وظهارته من غيره، أو بالعكس، أو جَعلهما معاً من غيره وحشوهما به بل يلحق ذلك كلّه بالمحض لا

ص: 131


1- الكافي، ج 3، ص 400، باب اللباس الذي تكره الصلاة فيه .... ح 14 تهذيب الأحكام، ج 2، ص 210ح 822: الاستبصار، ج 1، ص 384 . ح 1457. وما بين المعقوفين من المصادر.
2- منهم الشيخ في النهاية، ص 586 - 587: والقاضي ابن البراج في المهذب، ج 1، ص 75 وابن إدريس في السرائر، ج 1 ، ص 262؛ والعلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 94، المسألة 35؛ ونهاية الإحكام، ج 1، ص 375 .
3- في «الأصل و م» والطبعة الحجريّة والاستبصار: فاسد وما أثبتناه من الكافي وتهذيب الأحكام.
4- الكافي، ج 3، ص 397 باب اللباس الذي تكره الصلاة فيه .... ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 209، ح 818؛ الاستبصار، ج 1، ص 383 . ح 1454 .
5- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 386 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 6).
6- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 386 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 6).
7- المعتبر، ج 2، ص 90 .

بالممتزج والقزّ نوع من الحرير.

( ويحرم) لُبس (الحرير المحض) وهو غير الممتزج بغيره ممّا تجوز الصلاة فيهكما تقدّم (على الرجال) وعلى ذلك إجماع علماء الإسلام، وبه أخبار متواترة.

ولا فرق بين حال الصلاة وغيره، فتبطل الصلاة وإن لم يكن هو الساتر؛ للنهي(1) عن الصلاة فيه المقتضي للفساد، ووافق المحقّق(2) هنا؛ للنصّ(3)، كلّ ذلك في حال الاختيار.

أمّا عند الضرورة - كدفع الحرّ والبرد والقمل - فيجوز إجماعاً. وكذا في الحرب وإن لم تكن ضرورة تدعو إلى لُبسه؛ للإجماع، والخبر(4) .

قال في المعتبر: ولأنّه تحصل به قوة القلب، ومنع ضرر الزرد(5) عند حركته، فجرى مجرى الضرورة(6) .

وخرج بقيد الرجال النساءُ - وسيأتي - والصبيانُ والخناثى.

ولا ريب في عدم التحريم على الصبيان؛ لأنّه من خطاب الشرع، المشروط بالتكليف، لكن هل يحرم على الوليّ تمكينهم منه ؟ يحتمله؛ لقوله علیه السلام: «حرام على ذكور أُمّتى»(7) وقول جابر: كُنّا ننزعه عن الصبيان، ونتركه على الجواري(8) .

واختار المصنّف في التذكرة - تبعاً للمحقّق(9) ، وتبعهما الشهيدُ في الذكرى(10) -

ص: 132


1- الكافي، ج 3، ص 400 ، باب اللباس الذي تكره الصلاة فيه .... ح 12؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 205، ح 801.
2- المعتبر، ج 2، ص 87.
3- الكافي، ج 3، ص 400 ، باب اللباس الذي تكره الصلاة فيه .... ح 12؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 205، ح 801.
4- الكافي، ج 6، ص 453، باب لبس الحرير والديباج، ح 3 ؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 208، ح 816 الاستبصار، ج 1، ص 386 ، ح 1466.
5- الزرد: حلَقُ المِغْفَر والدرع لسان العرب، ج 3، ص 194، «زرد».
6- المعتبر، ج 2، ص 88 .
7- سنن ابن ماجة، ج 2، ص 1189 ، ح 3595؛ سنن أبي داود، ج 4، ص 50، ح 4057؛ سنن النسائي، ج 8، ص 160؛ مسند أحمد، ج 1، ص 155 . ح 752 وص 186، ح 937؛ المصنف ابن أبي شيبة، ج 8، ص 163. ح 4711.
8- سنن أبي داود، ج 4، ص 50 ، ح 4059.
9- المعتبر، ج 2، ص 91 .
10- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 394 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 6).

الكراهة(1) ؛ لعدم تكليف الصبيّ، فلا يتناوله الخبر؛ لما قلناه وللأصل. وفعلُ جابر وغيره محمول على التورّع.

وأمّا الخنثى فألحقها جماعة(2) بالرجل أخذاً بالاحتياط، وللبحث فيه مجال.

ويشمل التحريم جميع أنواع الثياب (إلّا) ما لا تتمّ الصلاة فيه وحده، مثل (التكة (3) والقلنسوة) والخفّ والمنطقة وأشباه ذلك، فإنّ لُبسه جائز على كراهة على أصحّ القولين ؛ الرواية الحلبي عن أبي عبدالله علیه السلام :« كلّ ما لا تتمّ الصلاة فيه وحده فلا بأس بالصلاة فيه مثل التكة الإبريسم والقلنسوة والخفّ والزنّار يكون في السراويل ويصلّى فيه»(4).

ووجه المنع عموم الأخبار المانعة من الصلاة في الحرير.

وما رواه محمّد بن عبدالجبّار، قال: كتبت إلى أبي محمّد علیه السلام : «هل يصلّى في قلنسوة حرير محض أو قلنسوة ديباج؟ فكتب لا تحلّ الصلاة في حرير محض»(5).

وطريق الجمع بين الأخبار حملها على الكراهة، مع أنّها مكاتبة لا تعارض المشافهة، وعدم دلالتها نصّاً، وعدم إمكان حملها على عمومها؛ لتناولها الخيط الواحد.

(ويجوز الركوب عليه والافتراش له) والصلاة عليه والنوم والتكأة(6) لصحيحة عليّ بن جعفر عن أخيه موسى علیه السلام ، قال: سألته ، قال: سألته عن فراش حرير ومثله من الديباج ومصلّى حرير ومثله من الديباج يصلح للرجل النوم عليه والتكأة والصلاة؟ قال: «يفرشه ويقوم عليه ولا يسجد عليه»(7). وتردّد فيه في المعتبر؛ لعموم تحريمه على

ص: 133


1- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 475 المسألة 124 .
2- منهم: العلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 471، المسألة 124؛ والشهيد في ذكرى الشيعة، ج 2، ص 394 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 6) والمحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 83.
3- التكة رباط السراويل القاموس المحيط، ج 3، ص 307 .
4- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 357، ح 1478، وفيه: «كلّ ما لا تجوز فيه الصلاة...».
5- الكافي، ج 3، ص 399، باب اللباس الذي تكره الصلاة فيه .... ح 10؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 207. ح 812؛ الاستبصار، ج 1، ص 385 ، ح 1462.
6- التكأة: ما يتكأ عليه. الصحاح، ج 1، ص 82، «وكا».
7- الكافي، ج 6 ، ص 477 - 478 ، باب الفرش، ح 8؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 373 - 374، ح 1553.

الرجال(1) . ولا وجه له؛ لأنّ الخبر مخصص للعامّ، فهو مقدّم.

والظاهر أن التدثّر به كالافتراش له؛ إذ لا يُعدّ لُبْساً.

(والكفّ به) بأن يجعل في رؤوس الأكمام والذيل وحول الزيق(2)؛ لأنّ النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم نهى عن الحرير إلّا موضع إصبعين أو ثلاث أو أربع(3).

وروي عن أبي عبد الله علیه السلام أنه كان يكره أن يلبس القميص المكفوف بالديباج(4) .

والأصل في الكراهة استعمالها في بابها، وهو ما رجّح تركه مع عدم المنع من نقيضه.

والمراد بالأصابع المضمومة؛ اقتصاراً في المستثنى على المتيقّن.

وكذا يجوز اللبنة من الحرير وهي الجيب؛ لما روي أن النبيّ صلى الله عليه وآله و سلم كان له جبّة كسروانية لها لبنة ديباج وفرجاها مكفوفان بالديباج(5) .

واعلم أنّ التحديد بأربع أصابع ورد في أحاديث العامّة عن النبيّ صلى الله عليه وآله و سلم، كما تقدّم، و لم نقف على تحديده في أخبارنا، وذكره بعض الأصحاب(6) كذلك، وللتوقّف فيه مجال.

(ويجوز) لُبس الحرير أيضاً (للنساء) إجماعاً.

ولما روي عنه علیه السلام في الحرير «أنّه حرام على ذكور أمّتي»(7) وغيره .

ولا فرق في جواز لُبسهنّ له بين حالة الصلاة وغيرها، خلافاً للصدوق حيث مَنَع من صلاتهنّ فيه وإن جوّز لُبسه في غير الصلاة(8) استناداً إلى خبرين(9) لا ينهضان حجّةً

ص: 134


1- المعتبر، ج 2، ص 89 - 90.
2- زيق القميص ما أحاط بالعنق الصحاح، ج 3، ص 1492، «زوق».
3- صحیح مسلم، ج 3، ص 1643 - 1644 ، ح 2069/15؛ شرح معاني الآثار، ج 4، ص 244.
4- الكافي، ج 3، ص 403، باب اللباس الذي تكره الصلاة فيه .... 27؛ وج 6 ، ص 454، ح 6: تهذيب الأحكام. ج 2، ص 364 ، ح 1510.
5- صحيح مسلم، ج 3، ص 1641 ، ح 2069/15.
6- كالمحقّق في المعتبر، ج 2، ص 91؛ والعلّامة في نهاية الإحكام، ج 1، ص 377 .
7- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص 132 ، الهامش 7.
8- الفقيه، ج 1 ، ص 263 ، ذيل الحديث 809 .
9- الكافي، ج 3، ص 399 باب اللباس الذي تكره الصلاة فيه .... ح 10 تهذيب الأحكام، ج 2، ص 207 ح 812، وص 367 ، ح 1524؛ الاستبصار، ج 1، ص 385 ، ح 1462 ، وص 386 - 387، ح 1468.

في مخالفة ما عليه الأصحاب ودلّت عليه الأخبار، مع عدم سلامة الطريق وقبول التأويل بما يدفع المنافاة.

(وتكره) الصلاة في الثياب (السود، عدا العمامة والخفّ) والكساء؛ لما رواه الكليني عمّن رفعه إلى أبي عبد الله علیه السلام: «يكره السواد إلّا في ثلاثة: الخفّ والعمامة والكساء»(1).

وقال ابن بابويه ولا تصلّ في السواد(2)؛ فإنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لا تلبسوا لباس أعدائي، ولا تسلكوا مسالك أعدائي فتكونوا أعدائي»(3).

واقتصر أكثر الأصحاب في الكراهة على السواد(4).

وزاد المصنّف(5)، وجماعة(6) للرجل المعصفر والمزعفر والمشبع بالحمرة.

وفي المبسوط : يكره لُبس الثياب المقدمة بلون من الألوان(7) . وأراد بالمقدمة المصبوغة المشبعة. وتبعه عليه جماعة .

ص: 135


1- الكافي، ج 3، ص 403، باب اللباس الذي تكره الصلاة فيه .... ح 29 .
2- المقنع، ص 80 : الفقيه، ج 1، ص 251، ح 766 .
3- أورده كما في المتن الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 2، ص 403 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 6)؛ ورواه الشيخ الصدوق في الفقيه، ج 1، ص 252، ح 770 ؛ وعلل الشرائع، ج 2، ص 44، الباب 56 ، ح 6 بإسناده إلى الإمام الصادق علیه السلام ، قال : «أوحى الله عز وجل إلى نبي من أنبيائه : قل للمؤمنين : لا يلبسوا لباس أعدائي...».
4- منهم: المفيد في المقنعة، ص 150؛ والشيخ في النهاية، ص 97؛ والخلاف، ج 1، ص 506، المسألة 247؛ وابن حمزة في الوسيلة ص 87؛ ونسبه الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 2، ص 404 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل. ج 6) إلى كثير من الأصحاب.
5- تحرير الأحكام الشرعية، ج 1، ص 198، الرقم 630: تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 501، المسألة 134؛ منتهى المطلب، ج 4 ص 245 و 246: نهاية الإحكام، ج 1، ص 387 .
6- منهم: المحقّق في المعتبر، ج 2، ص 94؛ والشهيد في ذكرى الشيعة، ج 2، ص 403 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 6). المبسوط، ج 1 ، ص 141 .
7- منهم أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه، ص 140؛ وابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 263؛ وابن الجنيد کما احكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 100، المسألة 40.

وتدلّ عليه رواية حماد عن أبي عبد الله علیه السلام، قال: «تكره الصلاة في الثوب المصبوغ المشبع المقدم »(1).

واعلم أنّ حديث السواد دلّ بإطلاقه على كراهة لُبسه في الصلاة وغيرها، وحديث حمّاد دلّ على كراهة الصلاة، وروى يزيد بن خليفة عن أبي عبد الله علیه السلام أنّه كره الصلاة في المشبع بالعُصْفُر(2) والمصفّر(3) بالزعفران(4) . ومفهومهما عدم كراهة لُبسه في غيرها.

وطريق الجمع: تأكد الكراهة في حال الصلاة، فإنّ العمل بالمفهوم ضعيف.

ويمكن حمل المطلق على المقيد.

وحمل المحقّق حديثَ حمّاد على المصبوغ المشبع بالحمرة(5) ، أخذاً من ظاهر كلام الجوهري في تفسير المقدم - بسكون الفاء - أنّه المصبوغ بالحمرة مشبعاً(6). ولا منافاة حينئذٍ بين كراهة الأسود مطلقاً وغيره في حال الصلاة.

ويؤيّده ما رواه البراء بن مالك قال: ما رأيت من ذي لمّة(7) في حلّة حمراء أحسن من رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم(8).

وما روي أنّه صلى الله عليه وآله و سلم كان يصبغ ثيابه كلّها حتّى عمامته بالصفرة(9)، وأنّه صلى الله عليه وآله و سلم لبس بُردين أخضرين(10) ، وأنّه صلى الله عليه وآله و سلم لو كان يخطب فرأى الحسن والحسين علیهما السلام عليهما قميصان أحمران

ص: 136


1- الكافي، ج 3، ص 402، باب اللباس الذي تكره الصلاة فيه .... ح 22؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 373، ح 1549.
2- العُصْفُر: نبات يُصبغ .به لسان العرب، ج 4، ص 581، «عصفر».
3- في المصدر: «المخرج» بدل «والمصفر» وأورده كما في المتن الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 2، ص 404 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 6).
4- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 373 ، ح 1550.
5- المعتبر، ج 2، ص 94 .
6- الصحاح، ج 4، ص 2001، «فدم».
7- اللمّة: الشعر يجاوز شحمة الأذن. الصحاح، ج 4، ص 2032، «لمم».
8- صحيح مسلم، ج 4، ص 1818، ح 2337/92؛ سنن أبي داود، ج 4، ص 81، ح 4183: الجامع الصحيح، ج 4، ص 219، ح 1724.
9- سنن أبي داود، ج 4، ص 052 ح 4064.
10- سنن أبي داود، ج 4، ص 052 ح 4065.

يمشيان ،ويعثران فنزل إليهما رسول الله ، ولم ينكر لباسهما(1).

والكساء - بالمد - واحد الأكسية ثوب من صوف ومنه العباءة، قاله الجوهري(2).

وليس المراد باستثناء الثلاثة من الكراهة كون سوادها مستحبّاً، بل مجرد انتفاء الكراهة، والخبر السالف وعبارة الأصحاب لا يدلّ على أزيد من ذلك؛ لأنّ نفي الكراهة أعمّ من الاستحباب ،والإباحة، فلا يدلّ عليه، فيرجع إلى الدليل الخارجي.

وقد روي استحباب القطن(3) ، وكونه أبيض(4).

وروى الكليني عن الصادق علیه السلام النهي عن لُبس الصوف والشعر إلا من علّة(5) ، وعن له لُبس النعل السوداء(6)، واستحباب الصفراء(7) والخفّ الأسود(8).

(و) تكره الصلاة في الثوب (الواحد الرقيق غير الحاكي) للعورة (للرجل) تحصيلاً لكمال الستر ولو حكى ما تحته، لم يجز قطعاً.

واحترز بالرقيق عن الثوب الواحد الصفيق، فإنّ الصلاة فيه وحده لا تكره في ظاهر كلام الأصحاب.

وروى محمّد بن مسلم عن أبي عبدالله علیه السلام في الرجل يصلّي في ثوب واحد: «إذا كان صفيقاً فلا بأس»(9).

ص: 137


1- سنن ابن ماجة، ج 2، ص 1190، ح 3600؛ الجامع الصحيح، ج 5، ص 658 ، ح 3774؛ سنن النسائي، ج 3، ص 108؛ مسند أحمد، ج 6، ص 486 ، ح 22486.
2- الصحاح، ج 4، ص 2418، «عبی».
3- الكافي، ج 6 ، ص 446، باب لباس البياض والقطن ، ح 4 ، و ص 450 ، باب لبس الصوف والشعر والوبر ، ح 2 .
4- الكافي، ج 6 ، ص 445، باب لباس البياض والقطن، ح 1 و 2 .
5- الكافي، ج 6 ، ص 449 ، باب لبس الصوف والشعر والوبر، ح 1.
6- الكافي، ج 6، ص 465، باب ألوان النعال، ح 1 و 2 و 4.
7- الكافي، ج 1، ص 465، باب ألوان النعال، ج 2، و ص 466، باب الخف، ح 5 و 6.
8- الكافي، ج 6، ص 466 - 467، باب الخفّ، ح 4 و 5.
9- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 216، ح 852؛ الكافي، ج 3، ص 393، باب الصلاة في ثوب واحد ...، ج 1، وفيه عن أحدهما علیهما السلام .

ورووا عن جابر قال: رأيت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم يصلّي في ثوب واحد متوشّحاً به(1) .

وربما أورد عليه الاتّفاق على استحباب العمامة والسراويل وعلى كراهة الإمامة بغير رداء، فيكون ترك ذلك مكروهاً أيضاً.

واعتذر له في الذكرى بحمل كلام القائل بثوبٍ واحد على الجواز المطلق، وهو أعمّ من الكراهة. قال: أو يريد به على البدن(2) ، فلا ينافي استحباب العمامة.

ويمكن الجواب بأنّ المراد بالمكروه ما نص على رجحان تركه عيناً، فترك المستحبّ لا يُعد مكروهاً، بل هو خلاف الأولى، فيندفع الإيراد باستحباب العمامة والسراويل.

ويحمل «الرجل» هنا على غير الإمام جمعاً بين الكلامين؛ لأنّ كراهة صلاته بغير رداء على أصلها ؛ لرواية سليمان بن خالد عن أبي عبدالله علیه السلام في رجل أم قوماً في قميص ليس عليه رداء ، قال : «لا ينبغي إلّا أن يكون عليه رداء أو عمامة يرتدي بها»(3).

وهذا الفرق بين المكروه وخلاف الأولى يحتاج إليه في كثير من أبواب الفقه، وفيه بحث أُصولي.

واحترز بالرجل عن المرأة؛ فإنّ أقلّ ما يجوز لها الصلاة فيه ثوبان: درع وخمار.

نعم، لو أمكن ستر الرأس والجسد بالثوب الواحد، كفى.

(وأن يأتزر على القميص) أي فوقه؛ لقول الصادق علیه السلام في رواية أبي بصير«لا ينبغي أن تتوشّح بإزار فوق القميص إذا صلّيت فإنّه من زيّ الجاهليّة»(4).

قال المصنّف: ولأنّ فيه تشبّهاً بأهل الكتاب وقد نُهينا عن التشبّه بهم (5).

ص: 138


1- صحيح مسلم، ج 1، ص 369، ح 518/281؛ مسند أحمد، ج 4، ص 219، ح 13722؛ المصنف، عبد الرزاق، ، ج 1، ص 350 ، ح 1366.
2- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 402 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 6).
3- الكافي، ج 3، ص 394، باب الصلاة في ثوب واحد .... 3: تهذيب الأحكام، ج 2، ص 366 ، ح 1521.
4- الكافي، ج 3، ص 395، باب الصلاة في ثوب واحد .... ح 7 بزيادة؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 214، ح 840: الاستبصار، ج 1، ص 388، ح 1473 .
5- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 504 ، المسألة 134؛ منتهى المطلب، ج 4، ص 247: نهاية الإحكام، ج 1، ص 388 .

ورُدّ بأنّ التوشّح غير الاتّزار، واستلزامه التشبّه بأهل الكتاب غير معلوم، فلا دلالة حينئذٍ على كراهة الاتّزار فوق القميص، بل قد روى نفي البأس عنه موسى بن عمر بن بزيع، قال: قلت للرضا علیه السلام: أشدّ الإزار والمنديل فوق قميصي في الصلاة ، قال : «لا بأس به»(1) .

وروى موسى بن القاسم البجلي، قال: رأيت أبا جعفر الثاني علیه السلام يصلّي في قميص قد اتّزر فوقه بمنديل(2).

قال المحقّق في المعتبر والوجه أنّ التوشّح فوق القميص مكروه، أمّا شدّ المئزر [فوقه](3) فليس بمكروه(4) .

قال في الذكرى ولا بأس به؛ لإمساس الحاجة إليه في الثوب الشاف(5) .

وأمّا جَعْل المئرز تحت القميص فقد ادّعى المصنّف الإجماع على عدم كراهته(6) .

وقد روى زياد بن المنذر عن أبي جعفر علیه السلام في الذي يتوشّح ويلبس قميصه فوق الإزار، قال: «هذا عمل قوم لوط» قلت: فإنّه يتوشّح فوق القميص؟ قال: «هذا من التجبّر»(7) .

قلت: وفي هذا الحديث إشارة إلى أنّ المراد بالتوشّح هنا هو الاتزار، فيدلّ على ما قاله الجماعة من كراهة أن يأتزر فوق القميص.

ويؤيّده أنّ الوشاح في الأصل عند أهل اللغة: شيء يشدّ على الوسط، والتوشّح مأخوذ منه.

قال في الصحاح:

الوشاح [شيء](8) ينسج من أديمٍ عريضاً، ويرصع بالجواهر، وتشدّه المرأة بين

ص: 139


1- الفقيه، ج 1، ص 256، ح 784 تهذيب الأحكام، ج 2، ص 214 - 215، ح 842؛ الاستبصار، ج 1، ص 388، ح 1475.
2- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 215، ح 843: الاستبصار، ج 1، ص 388، ح 1476.
3- ما بين المعقوفين من المصدر.
4- المعتبر، ج 2، ص 96.
5- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 414 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 6).
6- منتهى المطلب، ج 4، ص 248 .
7- الفقيه، ج 1، ص 260، ح 799؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 371. ح 1542.
8- ما بين المعقوفين من المصدر.

عاتقيها وكشحيها، يقال: توشّحت المرأة إذا لبسته قال: وربما قالوا: توشّح الرجل بثوبه(1) . والكشح ما بين الخاصرة إلى الضلع الخلف (2). انتهى.

وينبه عليه أيضاً قوله علیه السلام فى خبر أبي بصير المتقدّم (3): «لا ينبغي أن تتوشّح بإزار فوق القميص» فإنّ الإزار هو المئزر. قال في الصحاح : وهو كقولهم: مِلْحَفٌ ولحافٌ ومِقْرمُ وقرام. قال: وموضع الإزار من الحقوين(4) . فحديث أبي بصير دال على كراهة المئزر فوق القميص ، كما ذكره أكثر(5) الأصحاب واحتجوا عليه به. وهو جيد في موضعه، والله أعلم.

(و) أن (يشتمل الصمّاء) وهو موضع وفاق.

والمشهور بين الأصحاب في تفسيره ما ذكره الشيخ (رحمه الله)، وهو أن يلتحف بالإزار ويُدخل طرفيه تحت يده ويجمعهما على منكب واحد، كفعل اليهود(6). والمراد بالالتحاف ستر المنكبين به.

وقد اختلف أهل اللغة فيه:

ففي الصحاح هو :

أن تجلّل جسدك بثوبك نحو شملة الأعراب بأكسيتهم، وهو أن يردّ الكساء من قِبَل يمينه على يده اليسرى وعاتقه الأيسر، ثم يردّه ثانيةً من خلفه على يده اليمنى وعاتقه الأيمن ويغطّيهما جميعاً.

-قال: - وذكر أبو عبيد أنّ الفقهاء يقولون: هو أن يشتمل بثوب واحد ليس عليه غيره ثم يرفعه من أحد جانبيه فيضعه على منكبيه فيبدو منه فُرْجَة(7) .

ص: 140


1- الصحاح، ج 1، ص 415، «وشح».
2- الصحاح، ج 1، ص 399، «کشح».
3- في ص 138 الهامش 4 .
4- الصحاح، ج 2، ص 578 «أزر».
5- منهم المحقّق في المعتبر، ج 2، ص 96 والعلّامة في منتهى المطلب، ج 4، ص 247؛ ونهاية الإحكام، ج 1. ص 388؛ والشهيد في ذكرى الشيعة، ج 2، ص 413 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج6).
6- النهاية، ص 97 - 98؛ المبسوط، ج 1، ص 126.
7- الصحاح ، ج 4، ص 1968، «صمم».

وقال الهروي: هو أن يتجلّل بثوبه، ولا يرفع منه جانباً(1).

ويدلّ على ما فسّره الأصحاب ما رواه زرارة عن أبي جعفر علیه السلام : «إيّاك والتحاف «الصمّاء»، قلت: وما التحاف الصمّاء؟ قال: «أن تدخل الثوب من تحت جناحيك فتجعله على منكبٍ واحد »(2).

ولا فرق في الكراهة بين أن يكون تحته ثوب أم لا؛ لعموم النهي.

ويجيء على ما نَقَله أبو عبيد عن الفقهاء تقييد الكراهة بعدم ثوبٍ تحته يستر الفرج.

(أو يصلّي) الرجل (بغير حنك) وهو إدارة جزء من العمامة تحت الحنك، فإنّ ذلك مستحب وتركه مكروه.

وقال ابن بابويه: لا يجوز تركه(3) ؛ لمرسل ابن أبي عمير عن الصادق علیه السلام : «مَنْ تعمّم فلم يتحنّك فأصابه داء لا دواء له فلا يلومنّ إلّا نفسه»(4) .

وروى عيسى بن حمزة عنه علیه السلام : «مَن اعتمّ فلم يُدر العمامة تحت حنكه فأصابه ألم لا دواء له فلا يلومن إلّا نفسه»(5).

ولا حجّة فيهما على منع الترك، وإنما يدلّان على تأكّد الاستحباب.

ولا يختصّ استحباب التحنّك بالصلاة؛ لإطلاق الأخبار أو عمومها، بل الصلاة إنّما دخلت في العموم.

وممّا يدلّ على حكم غير الصلاة صريحاً: ما رواه الصدوق عن عمار عن أبي عبدالله علیه السلام أنّه قال: «مَنْ خرج في سفره فلم يُدر العمامة تحت حنكه فأصابه ألم لا دواء له

ص: 141


1- الغريبين في القرآن والحديث، ج 4، ص 1098.
2- الكافي، ج 3، ص 394، باب الصلاة في ثوب واحد .... ح 4: الفقيه، ج 1، ص 259، ح 796؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 214، ح 841: الاستبصار، ج 1، ص 388، ح 1474.
3- الفقيه، ج 1، ص 266، ذيل الحديث 817 .
4- الكافي، ج 6 ، ص 460 ، باب العمائم، ح1؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 215، ح 846
5- الكافي، ج 6، ص 461، باب العمائم، ح 7؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 215 - 216، ح 847 .

فلا يلومنّ إلّا نفسه»(1) .

وقال علیه السلام : «ضمنت لمن خرج من بيته معتمّاً أن يرجع إليهم سالماً»(2).

وقال علیه السلام : «إني لأعجب ممّن يأخذ في حاجة وهو معتمّ تحت حنكه كيف لا تقضى حاجته!»(3).

وقال النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم : «الفرق بين المسلمين والمشركين التلحّي»(4).

ورووا عنه صلی الله علیه وآله وسلم أنّه أمر بالتلحّي، ونهى عن الاقتعاط(5) .

قال الهروي يقال: جاء الرجل مقتعطاً إذا جاء معتماً طابقياً لا يجعلها تحت ذقنه(6) .

وفي الصحاح:

الاقتعاط: شدّ العمامة على الرأس من غير إدارة تحت الحنك(7) . والتلحّي: تطويق العمامة تحت الحنك (8).

وهذه الأخبار دلّت على تأدّي السنّة بإدارة جزء من العمامة تحت الحنك، سواء كان طرفها أم غيره.

قال في الذكرى :

وفي الاكتفاء بالتلحي بغيرها بحيث يضمها نظر من مخالفة المعهود، ومن إمكان كون الغرض حفظ العمامة من السقوط، وهو حاصل.

-قال: - ولكن خبر الفرق بين المسلمين والمشركين مشعر باعتبار التحنّك المعهود (9).

ص: 142


1- الفقيه، ج 1، ص 266، ح 818.
2- الفقيه، ج 1، ص 266 ، ح 819.
3- الفقيه، ج 1، ص 266، ح 820 .
4- الفقيه، ج 1، ص 266، ح 821 .
5- الفقيه، ج 1، ص 266 ، ذيل الحديث 822 : النهاية في غريب الحديث والأثر، ج 3، ص 120، «قعط».
6- الغريبين في القرآن والحديث، ج 5، ص 1568، «قعط».
7- الصحاح، ج 2، ص 1154، «قعط».
8- الصحاح، ج 4، ص 2480، «لحی».
9- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 364 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج6).

قلت الأخبار المذكورة صريحة في اعتبار كونه بالعمامة، كقول الصادق علیه السلام : «ولم يدر العمامة»(1) ، وقوله علیه السلام: «وهو معتمّ تحت حنكه» (2) وقولهم في تفسير الاقتعاط: أن لا يجعل العمامة تحت حنكه.

وأمّا خبر الفرق فهو أبعدها دلالةً؛ لإطلاقه التلحّي، وإمكان صدقه بغيرها. وعلى ما فسّره به أهل اللغة من أنّه تطويق العمامة تحت الحنك يساوي غيره في الدلالة فلا وجه لتخصيصه بها.

والتعليل بكون الغرض به حفظ العمامة من السقوط غير معلوم صريحاً ولا إيماءً، فالاقتصار على ما دلّت عليه الأخبار من اختصاصه بالعمامة متعيّن.

( واللثام) للرجل ( والنقاب) للمرأة إذا لم يمنعا القراءة أو شيئاً من الأذكار الواجبة أو سماعها، وفاقاً للتذكرة (3).

وروى الحلبي عن أبي عبد الله علیه السلام في الرجل يقرأ في صلاته وثوبه على فيه، فقال: «لا بأس بذلك إذا سمع الهمهمة» (4).

( ويحرم) كلّ واحد منهما (لو منع القراءة) أو شيئاً من الأذكار الواجبة أو سماعها، كما تقدّم.

وتقييد المصنّف بالقراءة خرج مخرج المثال.

وأطلق المفيد المنْعَ من اللثام(5) ، والعمل على المشهور.

وفي مضمر سماعة في الرجل يصلّي ويتلو القرآن وهو متلثّم «لا بأس، وإن كشف

ص: 143


1- الكافي، ج 6، ص 461، باب العمائم، ح 7؛ الفقيه، ج 1، ص 266، ح 818 تهذيب الأحكام، ج 2، ص 215،ح847.
2- الفقيه، ج 1، ص 266 ، ح 820.
3- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 499. المسألة 134.
4- الفقيه، ج 1، ص 266 - 267، ح 823: تهذيب الأحكام، ج 2، ص 229 - 230، ح 903: لاستبصار، ج 1، ص 398، ح 1519
5- المقنعة، ص 152.

عن فيه فهو أفضل»(1).

(والقباء) بالمد (المشدود في غير الحرب) ذكر ذلك الشيخان والمرتضى(2) وكثير من الأصحاب(3) .

والمستند غير معلوم قال الشيخ في التهذيب : ذكره عليّ بن الحسين بن بابويه، وسمعناه من الشيوخ مذاكرةً، ولم أجد به خبراً مسنداً(4) .

قال في الذكرى بعد حكاية قول الشيخ قلت قد روى العامّة أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله و سلم قال: « لا يصلّي أحدكم وهو محزّم»(5) وهو كناية عن شدّ الوسط(6).

وظاهر ذكره لهذا الحديث جَعْله دليلاً على كراهة القباء المشدود من جهة النصّ.

وهو بعيد؛ لكونه على تقدير تسليمه غير المدّعى.

ونقل في البيان عن الشيخ كراهة شدّ الوسط (7).

(والإمامة بغير رداء) وهو ثوب أو ما يقوم مقامه يجعل على المنكبين؛ لرواية خالد سلیمان بن عن الصادق علیه السلام حين سأله عن رجل أمّ قوماً في قميص ليس عليه رداء، قال: «لا ينبغي إلّا أن يكون عليه رداء أو عمامة يرتدي بها»(8).

ص: 144


1- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 230، ح 904.
2- حكاه عنهم المحقّق في المعتبر، ج 2، ص 99؛ وفي المقنعة، ص 152: ولا يجوز لأحد أن يصلّي وعليه قباء مشدود ؛ وفي النهاية، ص 98؛ والمبسوط، ج 1، ص 126: ولا يصلّي الرجل وعليه قباء مشدود.
3- منهم: سلّار في المراسم، ص 64 والقاضي ابن البراج في المهذب، ج 1، ص 74:المحقّق في شرائع الإسلام، ج 1 ، ص 60.
4- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 232 .
5- ورد الحديث كما في المتن - في ذكرى الشيعة، ص 148 (الطبعة الحجريّة): وفي جامع المقاصد، ج 2، 109 أيضاً؛ وفي الطبعة الحديثة من ذكرى الشيعة، ج 2، ص 412 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 6 ): «لا يصلّي أحدكم إلّا وهو محزّم» وهو الموافق لما في سنن أبي داود ، ج 3، ص 253 - 254، ح 3369؛ والسنن الكبرى ، البيهقي ، ج 2، ص 340، ح 3295؛ و مسند أحمد ، ج 3، ص 216، ح 9594.
6- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 412 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 6).
7- البيان، ص 120 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 12)؛ وانظر المبسوط، ج 1، ص 133.
8- الكافي، ج 3، ص 394، باب الصلاة في ثوب واحد .... ح 3 تهذيب الأحكام، ج 2، ص 366، ح 1521.

ولأنّه مميّز عنهم بفضيلة الإمامة، فينبغي أن يمتاز عنهم في رأي العين.

وكما يستحبّ الرداء للإمام يستحبّ لغيره من المصلّين - وفاقاً للشهيد (رحمه الله)(1) - وإن كان للإمام آكد ويدلّ على عموم الاستحباب تعليق الحكم على مطلق المصلّي في عدّة أخبار:

مثل خبر زرارة عن الباقر علیه السلام : «أدنى ما يجزئك أن تصلّي فيه بقدر ما يكون على منكبيك مثل جناحي خطّاف»(2).

وعن عبدالله بن سنان، عن الصادق علیه السلام في رجل ليس معه إلّا سراويل، قال: «يحلّ التكّة منه، ويجعلها على عاتقه»(3) .

وعن محمّد بن مسلم عن أحدهما علیهما السلام:« فليجعل على عاتقه شيئاً ولو حبلا»(4) .

وهذه الأخبار كما تدلّ على حكم المصلّي من غير تقييد بالإمام تدلّ على الاجتزاء بمسمّى الرداء وإن لم يكن ثوباً وإن كان المعهود أفضل.

وإنّما خصّ المصنّف الإمامَ بكراهة تركه مع عموم استحبابه بناءً على أنّ المراد بالمكروه ما نُصّ على رجحان تركه عيناً، لا ما كان فعله خلاف الأولى، وقد تقدّم في خبر سليمان بن خالد(5) ما يدلّ على كراهة تركه للإمام بقوله في السؤال عنه «لا ينبغي» إلى آخره، فإنّ ظاهره الكراهة، وباقي الأخبار دلّت على استحباب الرداء من غير تصريح بكراهة تركه بالمعنى المذكور، وهذا هو الوجه في تخصيص المصنّف الإمام؛ لأنّه بصدد بيان المكروه لا بيان المستحبّ.

ولو أريد بالمكروه معناه الأعمّ - وهو ما رجّح تركه مع عدم المنع من نقيضه - كره

ص: 145


1- البيان، ص 119؛ الرسالة النفليّة، ص 174 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 12 و 18).
2- الفقيه، ج 1، ص 256 - 257، ح 787.
3- الفقيه، ج 1، ص 256، ح 786؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 366 ، ح 1519.
4- الكافي، ج 3، ص 393، باب الصلاة في ثوب واحد.... ح 1 تهذيب الأحكام، ج 2، ص 216، ح 852، وفيه عن الإمام الصادق علیه السلام.
5- تقدّمت الإشارة إلى مصدره في ص 144، الهامش 8.

ترك الرداء لمطلق المصلّي، لكن هذا الاصطلاح لم يستعمله المصنّف في كتبه غالباً يُعلم ذلك من استقرائها.

واعلم أنّه ليس في هذه الأخبار وأكثر عبارات الأصحاب بيان كيفيّة لُبس الرداء، بل هي مشتركة في أنّه يوضع على المنكبين. وفي التذكرة : هو الثوب الذي يوضع على المنكبين (1). ومثله فى النهاية (2)، فيصدق أصل السنّة بوضعه كيف اتفق.

لكن لمّا روي كراهة سدله - وهو أن لا يرفع أحد طرفيه على المنكب - وأنه من فعل اليهود(3) ، وروى عليّ بن جعفر عن أخيه موسى علیه السلام قال: سألته عن الرجل هل يصلح له أن يجمع طرفي ردائه على يساره؟ قال: «لا يصلح جمعهما على اليسار، ولكن أجمعهما على يمينك أو دَعْهما»(4) تعيّن أنّ الكيفيّة الخالية عن الكراهة هي وضعه على المنكبين ثمّ ردّ ما على الأيسر على الأيمن.

وبهذه الهيئة فسّره بعض الأصحاب، لكن لو فَعَله على غير هذه الهيئة خصوصاً ما نُص على كراهته هل يثاب عليه ؟ لا يبعد ذلك؛ لصدق مسمّى الرداء، وهو في نفسه عبادة لا تُخرجها كراهتها عن أصل الرجحان ويؤيّده إطلاق تلك الأخبار وغيرها، وأنّها أصحّ من الأخبار المقيّدة.

(واستصحاب الحديد) في حالة كونه (ظاهراً) ولو كان مستوراً، جاز من غير كراهة.

روى موسى بن أكيل عن الصادق علیه السلام :«لا بأس بالسكّين و المنطقة للمسافر في وقت ضرورة، ولا بأس بالسيف وكلّ [آلة] السلاح في الحرب، وفي غير ذلك لا تجوز الصلاة في شيء من الحديد، فإنّه مسخ نجس»(5) .

ص: 146


1- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 504، المسألة 134.
2- نهاية الإحكام، ج 1، ص 388 .
3- الفقيه، ج 1، ص 259، ح 795 .
4- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 373 ، ح 1551 .
5- الكافي، ج 3، ص 400 ، باب اللباس الذي تكره الصلاة فيه .... ح 13؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 227 ح 894 . وما بين المعقوفين من المصدر.

وروى عمّار: «إذا كان الحديد في غلاف فلا بأس به»(1) .

والجمع بينهما بحمل المطلق على المقيّد وتعليل المنع بنجاسته محمول على كراهة استصحابه مجازاً، كما نبه عليه المحقّق في المعتبر، قال:

لأنّه طاهر باتّفاق الطوائف، فإذا ورد التنجيس حملناه على كراهة استصحابه فإنّ النجاسة قد تطلق على ما يستحبّ تجنّبه (2).

(و) الصلاة (في ثوب المتّهم) بالتساهل في النجاسة؛ احتياطاً للصلاة.

ولما رواه عبدالله بن سنان عن الصادق علیه السلام في الذي يعير ثوبه لمن يعلم أنّه يأكل الجرّي ويشرب الخمر فيردّه أفيصلّي فيه قبل أن يغسله؟ قال: «لا يصلّي فيه حتّى يغسله»(3).

والمراد بالنهي هنا الكراهة لا التحريم؛ جمعاً بين ما ذكر وبين ما دلّ على الطهارة:

کرواية عبد الله بن سنان أيضاً أنّ أباء سأل الصادقَ علیه السلام في الذمي يعيره الثوب و هو يعلم أنّه يشرب الخمر ويأكل لحم الخنزير فيردّه عليه أيغسله ؟ قال علیه السلام: «صلّ فيه ولا تغسله، فإنّك أعرته وهو طاهر، ولم تستيقن أنّه نجّسه، فلا بأس أن تصلّى فيه حتّى تستيقن أنّه نجّسه»(4) .

ورواية معاوية بن عمّار قال: سألت أبا عبدالله علیه السلام عن الثياب السابريّة يعملها المجوس وهُمْ يشربون الخمر ألبسها ولا أغسلها وأُصلّي فيها؟ قال: «نعم» قال: ثمّ بعثت بها إليه في يوم جمعة حين ارتفع النهار فكأنّه عرف ما أُريد، فخرج فيها إلى الجمعة(5).

ومثله روى المعلّى بن خنيس عنه علیه السلام(6).

وفي هذه الأخبار إشارة إلى أنّ غلبة ظنّ النجاسة لا تقوم مقام العلم وإن استندت إلى سبب.

ص: 147


1- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 227، ذيل الحديث 894 .
2- المعتبر، ج 2، ص 98.
3- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 361، ح 1494.
4- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 361 . ح 1495: الاستبصار، ج 1، ص 392 - 393، ح 1497.
5- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 362، ح 1497.
6- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 361 - 362، ح 1496.

وألحق في الذكرى به مَنْ لا يتوقّى المحرّمات في الملابس(1) . وهو حسن، وينبّه عليه كراهة معاملة الظالم وأخذ ماله.

(و) في (الخلخال المصوّت للمرأة) دون الأصمّ؛ لرواية عليّ بن جعفر عن أخيه موسى علیه السلام أنّه سأله عن الخلاخيل هل يصلح لُبسها للنساء والصبيان؟ قال: «إن كنّ صُمّاً فلا بأس، وإن كان لها صوت فلا يصلح» (2) وعدم صلاحية لُبسه مطلقاً يدلّ على عدمها في حال الصلاة بطريق أولى.

وربما علّل الكراهة باشتغال المرأة به المنافي للخشوع، فيتعدّى إلى كلّ مصوّت بحيث يشغل السر، فلا يكره ذلك للصمّاء، والحديث المتقدّم يدلّ بإطلاقه على الكراهة لها مطلقاً.

(والتماثيل والصورة في الخاتم) والثوب والسيف، سواء الرجل والمرأة.

والمراد بالتمثال والصورة ما يعمّ مثال الحيوان وغيره، كما صرّح به المصنّف في المختلف، ونَقَله عن الأصحاب؛ نظراً إلى إطلاق عباراتهم(3) .

ويدلّ على ذلك رواية ابن بزيع عن الرضا علیه السلام أنّه سأله عن الثوب، فكره ما فيه التماثيل(4) .

وروى عمّار أنه سأل أبا عبدالله علیه السلام عن الصلاة في ثوب يكون في علمه مثال طير أو غير ذلك، قال: «لا» وفي الخاتم فيه مثال الطير أو غير ذلك «لا تجوز الصلاة»(5) وحُمل على الكراهة؛ جمعاً بين الأخبار.

وخصّ ابن إدريس الكراهةَ بتماثيل الحيوان وصورها لا غيرها من الأشجار(6).

ويدلّ عليه الإذن في صور الأشجار بقوله تعالى: (يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِن مَّحَرِيبَ

ص: 148


1- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 409 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 6).
2- الكافي، ج 3، ص 404، باب اللباس الذي تكره الصلاة فيه .... ح 33؛ الفقيه، ج 1، ص 254، ح 777 .
3- مختلف الشيعة، ج 2، ص 104، ذيل المسألة 43.
4- الفقيه، ج 1، ص 274، ح 814.
5- الفقيه، ج 1، ص 254 - 255، ح 780 تهذيب الأحكام، ج 2، ص 372، ح 1548 .
6- السرائر، ج 1، ص 263.

وَ تَمَثِيلَ )(1) فعن أهل البيت علیهم السلام أنها كصور الأشجار(2).

وما رووه عن ابن عبّاس أنّه قال للمصوّر : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم يقول: «كلّ مصوّر في النار يجعل له بكلّ صورة صوّرها نفساً فتعذّبه في جهنّم» و قال: «إن كنت ولابدّ فاعلاً فاصنع الشجر وما لا نفس له»(3).

والحقّ أنّه لا يلزم من جواز عملها عدم كراهة الصلاة فيها، فيستفاد الكراهة من عموم الأخبار المتقدّمة، كما اختاره الأكثر ، ولا تحرم الصلاة - خلافاً للشيخ(4) - لأن ذكر الكراهة في بعض الأخبار الدال على الإذن صريحاً يقتضي حمل ما دلّ على عدم الجواز عليه؛ جمعاً بين الأخبار، مع أنّ ذلك لم يرد إلّا في خبر عمّار. وهو ضعيف.

ومتى غيّرت الصورة زالت الكراهة لانتفاء المقتضي.

ولصحيحة محمد بن مسلم عن الباقر علیه السلام: لا بأس أن تكون التماثيل في الثوب إذا غيّرت الصورة»(5) .

(وتحرم) الصلاة (في جلد الميتة وإن دُبغ) بإجماعنا، وتواتر الأخبار عن أهل البيت علیهم السلام في ذلك، كخبر محمّد بن مسلم عن الباقر علیه السلام وقد سأله عن جلد الميت أيلبس في الصلاة [إذا دُبغ ](6) ؟؟ فقال: «لا ولو دُبغ سبعين مرّة»(7) .

ولا فرق في ذلك بين مأكول اللحم وغيره، ولا بين ما يمكن ستر العورة به وغيره؛ لقول الصادق علیه السلام في مرسل ابن أبي عمير: لا تصلّ في شيء منه ولا شسع»(8).

ولأنّ الميتة نجسة، والدباغ غير مطهّر عندنا.

ص: 149


1- سبأ (34): 13.
2- الكافي، ج 6 ، ص 476 - 477 ، باب الحمّام، ح 3؛ المحاسن، ج 2، ص 458 ، ح 2580.
3- صحيح مسلم، ج 3، ص 1670 - 1671، ح 2110/99؛ مسند أحمد، ج 1، ص 506 - 507، ح 2806.
4- النهاية، ص 99 المبسوط ، ج 1، ص 127 .
5- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 363 ، ح 1503.
6- ما بين المعقوفين من المصدر.
7- الفقيه، ج 1، ص 247، ح 749: تهذيب الأحكام، ج 2، ص 203، ح 794 .
8- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 203، ح 793 .

وفي حكم الميتة ما يوجد مطروحاً وإن كان في بلاد الإسلام لأصالة عدم التذكية ، وما في يد كافر أو في سوق الكفر وإن أخبر بالتذكية.

وفي إلحاق ما يوجد في يد مستحلّ الميتة بالدبغ بها وإن أخبر بالتذكية بل في يد المخالف مطلقاً من غير الفِرَق المحكوم بكفرها وجهان.

والمشهور في الفتاوى والأخبار طهارتها، وجواز الصلاة فيها وإن لم يخبر ذو اليد بالتذكية، فلو أخبر، ثبت الحكم بطريق أولى وإن كان التنزه عنه أفضل مطلقاً.

وقد روى في الكافي والتهذيب عن عبدالرحمن بن الحجّاج: قلت لأبي عبدالله علیه السلام : إنِّي أدخل سوق المسلمين، أعني هذا الخلق الذين يدّعون الإسلام، فأشتري منها الفراء للتجارة، فأقول لصاحبها أليس هي ذكيّة؟ فيقول: بلى، فهل يصلح لي أن أبيعها على أنّها ذكيّة؟ فقال: «لا ، ولكن لا بأس أن تبيعها وتقول : قد شرط الذي اشتريتها منه أنها ذكيّة» قلت: وما أفسد ذلك؟ قال: «استحلال أهل العراق للميتة، وزعموا أن دباغ جلد الميتة ذكاته ثمّ لم يرضوا أن يكذبوا في ذلك إلّا على رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم»(1).

وهذا الخبر كما دلّ على جواز الاستناد في الجلود المأخوذة من سوق المسلمين إلى أصالة الطهارة وصحة حال المسلم يدلّ على أنه ينبغي التحرّز والتحرّج من الحكم بالذكاة على اليقين. ولو كان نهيه علیه السلام له عن الإخبار بالتذكية دليلاً على عدمها، لما جاز له بيعها ولا شراؤها.

وعن أبي بصير عنه علیه السلام: «كان علي بن الحسين علیه السلام رجلاً صَرِداً(2) فلا تدفئه فراء الحجاز، لأنّ دباغها بالقَرَظ(3) ، فكان يبعث إلى العراق فيؤتى ممّا قبلكم الفرو فيلبسه، فإذا حضرت الصلاة ألقاه وألقى القميص الذي يليه، وكان يسأل عن ذلك، فيقول: إنّ أهل العراق يستحلّون لباس الجلود الميتة، ويزعمون أنّ دباغه ذكاته»(4).

ص: 150


1- الكافي، ج 3، ص 398، باب اللباس الذي تكره الصلاة فيه .... 5؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 204، ح 798.
2- صَرِد الرجل يجد البرد سريعاً. الصحاح، ج 1، ص 496، «صرد».
3- القَرَط ورق السلم يُدبغ به الصحاح، ج 3، ص 1177، «قرظ».
4- الكافي، ج 3، ص 397، باب اللباس الذي تكره الصلاة فيه .... 2؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 203 ، ح 796.

وهذا الخبر أيضاً يدلّ على ما تقدّم من جواز الاستعمال واستحباب التنزه. ولو كان محكوماً بكونه ميتةً، لما جاز لُبسه في حالٍ.

وأمّا ما يوجد في سوق الإسلام مع مَنْ يجهل حاله، فلا ريب في جواز الشراء منه، والبناء على الطهارة؛ للنصّ، ونفي الحرج.

والمراد بسوق الإسلام ما يغلب على أهله الإسلام وإن كان حاكمهم كافراً.

ولا عبرة بنفوذ الأحكام وتسلّط الحُكّام كما زعم بعضهم؛ لاستلزامه كون بلاد الإسلام المحضة التي يغلب عليها الكفّار ونفذت أحكامهم فيها سوق كفر، وكون بلاد الكفر المحضة التي غلب عليها المسلمون وأجروا على أهلها أحكام المسلمين سوق إسلام وإن لم يكن فيهم مسلم، وهو مقطوع الفساد.

ويدلّ على ما ذكرناه من اعتبار الأغلبيّة مع دلالة العرف عليه: رواية إسحاق بن عمّار عن الكاظم علیه السلام: «لا بأس بالصلاة في الفراء اليماني وفيما صُنع فى أرض الإسلام» قلت له : فإن كان فيها غير أهل الإسلام ؟ قال : «إن كان الغالب عليها المسلمون فلا بأس»(1) .

وعن أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي، قال: سألته عن الرجل يأتي السوق فيشتري جبّة(2) فراء لا يدري أذكيّة هي أم لا، أيصلّي فيها؟ قال: «نعم، ليس عليكم المسألة، إنّ أبا جعفر علیه السلام كان يقول: إنّ الخوارج ضيّقوا على أنفسهم بجهالتهم، إنّ الدين أوسع عليهم من ذلك»(3) .

وفي معنى هذه الأخبار أخبار أخرى كثيرة.

(و) كذا تحرم الصلاة في (جلد ما لا يؤكل لحمه) سواء قبل التذكية وذكّي أم لا.

والدباغ غير مؤثّر في الطهارة ولا في جواز الصلاة فيما منع منه عندنا، فتحرم الصلاة فيه (وإن دُبغ) بإجماع علمائنا، وقد تظافرت بذلك أخبارهم.

ص: 151


1- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 368 - 369 ، ح 1532.
2- في «الأصل» و «م» والطبعة الحجريِّة: «منه» بدل «جبّة». وما أثبتناه من المصدر.
3- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 368، ح 1529.

ولا فرق أيضاً في ذلك بين ما تتمّ الصلاة فيه منفرداً وغيره، خلافاً للشيخ حيث جوزها فيما لا تتمّ الصلاة فيه(1) .

(و) كذا تحرم الصلاة في (صوفه وشعره وريشه ووبره عدا ما استثني) من الخزّ والسنجاب، وعلى ذلك أيضاً إجماع علمائنا، نَقَله في المعتبر (2) .

وروى ابن أبي عمير عن ابن بكير، عن زرارة قال: أخرج أبو عبدالله علیه السلام كتاباً زعم أنّه إملاء رسول الله صلی اللله علیه وآله وسلم: «إنّ الصلاة في [وبر](3) كلّ شيء حرام أكله فالصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وكلّ شيء منه فاسدة لا تقبل تلك الصلاة حتى يصلّى في غيره»(4).

وهذه الرواية تدلّ على تحريم الصلاة في الثوب المعمول من ذلك وإن لم تتمّ الصلاة فيه، وفي الملقى عليه شيء منه وإن لم يكن معمولاً .

ويؤيّدها مكاتبة إبراهيم بن محمّد الهمداني قال كتبت إليه: يسقط على ثوبي الوبر والشعر ممّا لا يؤكل لحمه من غير تقيّة ولا ضرورة فكتب لا تجوز الصلاة فيه»(5).

لكن في الاحتجاج بهما على الإطلاق بحث.

أمّا الأُولى ففي سندها ابن بكير، وهو فاسد العقيدة وإن كان ثقةً، وتضمّنت أيضاً منع الصلاة في جلد السنجاب؛ لأنها وقعت جواباً عنه وعن غيره مما لا يؤكل لحمه.

والثانية مكاتبة، والمسؤول فيها مجهول، فهي مقطوعة.

وتعارضان بما هو أصحّ سنداً، كرواية محمّد بن عبدالجبّار أنّه كتب إلى أبي محمّدعلیه السلام يسأله هل يصلّى في قلنسوة عليها وبر ما لا يؤكل لحمه أو تكّة حرير أو

ص: 152


1- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 206 - 207، ذيل الحديث 809 .
2- المعتبر، ج 2، ص 81 .
3- ما بين المعقوفين من المصدر.
4- الكافي، ج 3، ص 397 باب اللباس الذي تكره الصلاة فيه .... ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 209. ح 8 الاستبصار، ج 1، ص 383، ح 1.
5- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 209، ح 819؛ الاستبصار، ج 1، ص 384، ح 1455.

تكّة من وبر الأرانب ؟ فكتب: «لا تحلّ الصلاة في الحرير المحض، وإن كان الوبر ذكيّاً حلّت الصلاة فيه »(1) وغيرها من الأخبار.

وطريق الجمع حمل روايات المنع على الثوب المعمول من ذلك، والجواز على ما طرح على الثوب من الوبر ونحوه.

وممّن صرّح بالجواز في ذلك الشيخ (رحمه الله )(2) والشهيد في الذكرى(3)، وهو ظاهر المعتبر (4).

وجمع الشيخ بينها بحمل الجواز على ما يعمل منها ممّا لا تتمّ الصلاة فيه وحده كالتكّة والقلنسوة(5) ، كما وقع التصريح به في مكاتبة(6) العسكري علیه السلام.

وأُجيب بضعف المكاتبة، ولأنّها تضمّنت قلنسوة عليها وبر، فلا يلزم جوازها من الوبر، كذا ذكر في الذكرى والمعتبر(7) .

وفيه نظر؛ فإنّ المكاتبة إنّما تضعف عن المشافهة مع تساوي السند، وقد عرفت ضعف سند المشافهة، وغاية ما فيها كونها من الموثّق فلا تترجّح على صحيح المكاتبة.

وأيضاً فقصورها من جهة المكاتبة عمّا دلّ على المنع يقتضي المنع من الصلاة في الوبر مطلقاً ولو كان مرميّاً على الثوب والشهيد لا يقول به.

ثمّ هي مصرّحة بجواز الصلاة في الوبر المسؤول عنه، ومن جملة ما وقع السؤال عنه التكّة المعمولة من وبر الأرانب، فكيف يدّعى أنّها تضمّنت ما على القلنسوة من الوبر لا غير !؟

ص: 153


1- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 207، ح 810؛ الاستبصار، ج 1، ص 383، ح 1453.
2- المبسوط، ج 1، ص 126.
3- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 400 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 6).
4- المعتبر، ج 2، ص 83 .
5- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 206 - 207.
6- تقدّمت الإشارة إلى مصدرها في الهامش1.
7- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 1388 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 6)؛ المعتبر، ج 2، ص 83 .

وربما فرّق بين شعر الإنسان وغيره ممّا لا يؤكل لحمه؛ لعموم البلوى بالأول، وجواز الصلاة فيه متّصلاً فكذا منفصلاً؛ عملاً بالاستصحاب.

ولمكاتبة عليّ بن الريّان عن أبي الحسن علیه السلام، هل تجوز الصلاة في ثوب يكون فيه شعر من شعر الإنسان وأظفاره قبل أن ينفضه ويلقيه عنه؟ فوقّع: «تجوز»(1).

وهذا الحديث يقتضي بإطلاقه عدم الفرق بين شعر المصلّي وغيره. وهو حسن وإن كان القول بجواز الصلاة في سائر الشعر ونحوه ممّا لا يكون لباساً ولا داخلاً في نسجه متجهاً، ولا ريب أنّ تجنّبه أحوط.

(و) كذا تحرم الصلاة (فيما يستر ظهر القدم) ولا ساق له بحيث يغطّي المفصل الذي بين الساق والقدم وشيئاً من الساق وإن قلّ، وذلك (كالشمشك) بضم الشين وكسر الميم والنعل السندي وشبههما على المشهور بين الأصحاب.

واستندوا في ذلك إلى فعل النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم وعمل الصحابة والتابعين والأئمّة الصالحين، فإنّهم لم يصلّوا في هذا النوع ولا نَقَله عنهم ناقل، ولو وقع لنُقل مع عموم البلوى به.

ولا يخفى عليك ضعف هذا المستند؛ فإنّه شهادة على النفي غير المحصور فلا تسمع، ومن الذي أحاط علماً بأنهم كانوا لا يصلّون فيما هو كذلك؟ ولو سُلّم ذلك، لم يكن دليلاً على عدم الجواز؛ لإمكان كونه غير معتاد لهم، بل الظاهر هو ذلك، فإنّه ليس لباس العرب وأهل الحجاز ولو علم أنهم كانوا يلبسونه ثمّ ينزعونه في وقت الصلاة لم يكن أيضاً دليلاً على تحريم الصلاة فيه؛ لأنّ نزعهم له أعمّ من كونه على وجه التحريم(2) أو الاستحباب.

ولأنّ ذلك لو تمّ لزم تحريم الصلاة في كلّ شيء لم يصلّ فيه النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم والأئمّة علیهم السلام، فالقول بالجواز أوضح؛ لضعف دليل المنع وأصالة البراءة، وصدق امتثال المأمور به على وجهه المتحقّق، لكن يكره في ذلك خروجاً من خلاف جماعة من الأجلّاء.

ص: 154


1- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 367 ، ح 1526.
2- كذا والظاهر: «الوجوب» بدل «التحريم».

وحيث كان الحكم مخصوصاً بما لا ساق له مع كونه ساتراً لظهر القدم، فلا تحريم ولا كراهة فيما ليس كذلك؛ لعدم الوصفين كالنعل العربي، بل تستحبّ الصلاة فيه عند علمائنا.

وقد روي عن أبي عبدالله علیه السلام : «إذا صلّيت فصلّ في نعليك إذا كانت طاهرةً فإنّه يقال ذلك من السنة»(1).

وعن معاوية بن عمّار أنّه قال: رأيت أبا عبد الله علیه السلام يصلّي في نعليه غير مرّة، ولم أره ينزعهما قطّ » (2)، وغيرهما من الأحاديث.

و (لا) فيما فقد أحدهما وهو عدم الساق بأن كان له ساق ك(الخف والجورب) وهو نعل مخصوص له ساق، وهو معرّب. ومثلهما الجرموق.

قال في الذكرى وهو خفّ واسع قصير يلبس فوق الخفّ(3) .

وإنّما جازت الصلاة في هذا النوع؛ لثبوت صلاتهم علیهم السلام فيه أو إذنهم فيها.

روى البزنطي عن الرضا علیه السلام قال: سألته عن الخفّاف يأتي السوق فيشتري الخفّ لا يدري أذكيّ هو أم لا، ما تقول في الصلاة فيه؟ أيصلّي فيه؟ قال: «نعم، إنا نشتري الخفّ من السوق ويُصنع لي فأصلّي فيه، وليس عليكم المسألة»(4) .

وهذ الخبر كما يدلّ على المدّعى من جواز الصلاة في الخف يدلّ أيضاً على جواز الأخذ بظاهر الحال في الجلود المأخوذة من أيدي مَنْ ظاهرُه الإسلام، ولا يجب البحث عن الحال.

وروى إبراهيم بن مهزیار قال: سألته عن الصلاة في جرموق وبعثت إليه به، فقال: «يصلى فيه»(5).

ص: 155


1- الفقيه، ج 1، ص 568، ح 1571؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 233، ح 919 .
2- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 233، ح 916.
3- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 397 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 6).
4- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 371، ح 1545.
5- الكافي، ج 3، ص 404، باب اللباس الذي تكره الصلاة فيه .... ح 32؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 234، ح 923.

وعن الحسن بن الجهم قال: قلت لأبي الحسن علیه السلام : أعترض السوق فأشتري خفّاً لا أدري أذكيّ هو أم لا، قال: «صلّ فيه » قلت والنعل ؟ قال: «مثل ذلك» قلت: إنّي أضيق من هذا قال: أترغب عنّا (1) كان أبو الحسن علیه السلام يفعله»(2) .

ولمّا فرغ من ذكر جنس الساتر للعورة وشرائطه أراد أن يبيّن العورة التي يجب على المصلّي سترها، وهي تختلف باختلاف صنفه، كما بينه بقوله: (وعورة الرجل) - التي يجب سترها في الصلاة وعن الناظر المحترم وما يلحق بالصلاة كالطواف - هي (قُبُله) وهو وهو القضيب والبيضتان، دون العانة (ودُبُره) وهو نفس المخرج، دون الأليَين بفتح الهمزة والياء بغير تاء، تثنية الألية بالفتح أيضاً، ودون الفخذ، فإنّهما ليسا من العورة في المشهور، وعليه شواهد من الأخبار(3) مروية من الطرفين.

وذهب بعض الأصحاب إلى أنّ العورة من السرّة إلى الركبة(4) ؛ وآخرون إلى نصف الساق(5) . وهما شاذّان.

و هاتان العورتان (يجب) على الرجل (سترهما) في المواضع المذكورة (مع القدرة) عليه (ولو بالورق) الكائن من الشجر والحشيش (والطين) الساتر للحجم واللون.

وظاهر العبارة أنّ ذلك على وجه التخيير، فيجوز الاستتار بالورق مع إمكان الثوب، كما يجوز بالطين مع إمكانهما؛ لحصول مقصود الستر.

ص: 156


1- في الكافي: «عمّا» بدل «عنّا».
2- الكافي، ج 3، ص 404، باب اللباس الذي تكره الصلاة فيه .... ح 31؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 234 ،ح 921 .
3- منها ما في الكافي، ج 6، ص 497، باب الحمام، ح 7؛ والفقيه، ج 1، ص 117 ، ح 250، وص 119، ح 253: وصحيح البخاري، ج 1، ص 145، ح 364: وصحيح مسلم، ج 2، ص 1043 - 1044. ح 1365/84: وج 3. ص 1426. ح 1365/120؛ و ج 4، ص 1866 ، ح 2401/36: سنن النسائي، ج 6، ص 131 - 132؛ ومسند أحمد، ج 3، ص 537 ، ح 11581 .
4- القاضي ابن البرّاج في المهذّب، ج 1، ص 83.
5- منهم أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه، ص 139.

ولرواية عليّ بن جعفر عن أخيه الكاظم علیه السلام حين سأله عن رجل قطعت عليه الطريق فبقي عرياناً و حضرت الصلاة، قال: «إن أصاب حشيشاً يستر [به](1) عورته أتمّ صلاته بالركوع(2) والسجود، وإن لم يصب شيئاً يستر به عورته أومأ وهو قائم»(3).

وقول الباقر علیه السلام: «النورة سترة»(4) .

وفي القواعد قدّم الثوب على الحشيش والورق، وخيّر بينهما وبين الطين(5) .

وفي الذكرى ساوى بين الأولين، وقدّمهما على الطين. واستند في التخيير بينهما إلى رواية علي بن جعفر(6) . واستدلّ لتقديمهما على الطين بعدم فهمه من الساتر عند الإطلاق(7) . وبقوله تعالى: (خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ )(8) فإنّ ذلك لا يعدّ زينةً، ولا يفهم اللفظ.

من والتحقيق أنّ خبر عليّ بن جعفر ظاهر في فاقد الثوب، فلا يتمّ الاحتجاج به على التخيير بينه وبين الثوب.

وما ذكر من الحجّة على تقديمهما على الطين آت في تقديم الثوب على غيره.

والزينة كما لا تتناول الطين كذا لا تتناول الحشيش ونحوه.

وقد يقال: إنّ الزينة غير مرادة بظاهرها؛ للإجماع على الاجتزاء بالخرق والثوب الخلق الذي لا يحصل فيه مسمّى الزينة.

ولما قيل من أنّ المفسّرين أجمعوا على أنّ المراد بالزينة هنا ما يواري به العورة

ص: 157


1- ما بين المعقوفين من المصدر.
2- في «م» والطبعة الحجريّة: «في الركوع» بدل «بالركوع». وما أثبتناه من المصدر.
3- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 365 ، ح 1515: وج 3، ص 296 - 297، ح 900.
4- الكافي، ج 6، ص 497. باب الحمام ، ح 7: الفقيه، ج 1، ص 117 . ح 250.
5- قواعد الأحكام، ج 1، ص 257.
6- المتقدّمة آنفاً.
7- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 367 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 6).
8- الأعراف (7): 31 .

للصلاة(1)، فيشترك الجميع في الستر وإن كان بعضها أفضل من بعض.

ويمكن الجواب بأنّ المراد بالزينة جنسها، فتدخل الخرق ونحوها. وبأنّ ما نُقل عن المفسّرين إن تمّ لا يجوز حمله على ظاهره؛ لأنّه يقتضي الاجتزاء بالماء الكدر والحفيرة، وغيرهما اختياراً ولم يقل به أحد، فيرجع في ذلك إلى المتعارف المتبادر، وهو الثوب مع إمكانه.

ويؤيّده ما ورد في الآية الأخرى في معرض الامتنان بقوله: (قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَرِى سَوْءَتِكُمْ)(2) وهي ما يسوء الإنسان انكشافه، ويقبح في الشاهد إظهاره. وما روي عن الباقر علیه السلام : «أدنى ما تصلّي به المرأة درع و ملحفة»(3). وغير ذلك مما يدلّ على الأمر بالثوب، وستر بدنها بشيء مما عداه لا يُعدّ درعاً ولا ملحفة ولا خماراً، فيثبت الحكم في الرجل أيضاً؛ للإجماع على عدم الفرق.

نعم، مع تعذّره يجزئ الحشيش ونحوه؛ لما تقدّم من حديث عليّ بن جعفر(4). ولأنّه أقرب إلى حقيقة الساتر الاختياري من الطين وأبعد عن السقوط والتفتت منه. فإن فقد فالطين الساتر للّون والحجم؛ لحصول الستر به في الجملة، ولما تقدّم من حديث النورة(5) .

وبعض القائلين بالتخيير بينه وبين ما سبق وافق في تقديم ما سبق عليه لو خيف تناثره في الأثناء عند جفافه.

فإن تعذّر الطين وأمكن تحصيل حفيرة تواري العورة دخلها وجوباً، ويركع ويسجد؛ الحصول الستر وإن لم تلتصق بالبدن؛ لعدم ثبوت شرطيّته.

ولمرسل أيّوب بن نوح عن الصادق علیه السلام في العاري الذي ليس له ثوب إذا وجد

ص: 158


1- كما في ذكرى الشيعة، ج 2، ص 355 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 6).
2- الأعراف (7): 26 .
3- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 217 ، ح 853؛ الاستبصار، ج 1، ص 388 - 389، ح 1478.
4- في ص 157 .
5- في ص 157 .

حفيرة «دخلها فسجد فيها وركع»(1) .

ولو وجد وحلاً أو ماءً كدراً، فالمشهور وجوب الاستتار بهما.

والظاهر أنّ الوحل مقدّم على الماء وإن لم يستر الحجم؛ لأنه أدخل في مسمّى الساتر، وأشبه بالثوب والطين المقدّمين على الماء.

وفي المعتبر أسقط وجوب الستر بهما بالكلّيّة؛ للمشقة والضرر(2). وظاهر الذكرى تقديمهما على الحفيرة(3).

والتحقيق أنّ السجود المأمور به في الحفيرة إن كان هو المعهود اختياراً، فهو دالّ على سعة ،الحفيرة، وحينئذٍ يبعد تقديمها عليهما مع إمكان استيفاء الأفعال بهما، فإنّهما حينئذٍ أليق بالساتر، والحفيرة أشبه بالبيت الضيق الذي لا يعدّ ساتراً، فتقديمهما عليها أوضح، بل الظاهر أنّ الوحل مقدّم عليها مطلقاً؛ لعدم منافاته لاستيفاء الأفعال.

وأمّا الماء الكدر فإن تمكّن من السجود فيهما ففيه ما مرّ. وإن تمكّن في الماء خاصة، فهو أولى بالتقديم . وكذا لو لم يتمكّن فيهما.

ولو تمكّن في الحفيرة دون الماء، ففي تقديم أيّهما نظر: من كون الماء ألصق به وأدخل في الستر، ومن صدق الستر في الجملة وإمكان الأفعال وورود النصّ على الحفيرة دونه، والاتفاق على وجوب الاستتار [بها](4) ،دونه، فتقديمها حينئذٍ أوجه. ولو لم نعتبر في الصلاة استيفاء الركوع والسجود كصلاة الخوف والجنازة، سقط اعتبار هذا المرجّح.

وأولى من الحفيرة الفسطاط الضيّق إذا لم يمكن لبسه. أما الحبّ والتابوت فقريبان من الحفيرة.

ص: 159


1- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 365 - 366 ، ح 1517؛ و ج 3، ص 179، ح 405.
2- المعتبر، ج 2، ص 106.
3- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 367 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 6).
4- ما بين المعقوفين من تصحيحنا.

ومن الأصحاب مَنْ قدّم الماء الكدر على الحفيرة مطلقاً. ومنهم مَنْ قدّمها عليه وأخّر الطين عن الماء الكدر وهو غير واضح.

ويظهر من العلّامة(1) في القواعد(2) استواء الجميع حتّى الحشيش مع فقد الثوب.

ووجهه اشتراك الجميع في الخروج عن مسمّى الساتر المتعارف شرعاً المعهود عرفاً. وقد عرفت ما فيه.

(ولو فقد) جميع ما يمكن الستر به ولو بالشراء أو الاستئجار أو الاستعارة (صلّى عارياً) وإن كان الوقت واسعاً خلافاً للمرتضى حيث أوجب التأخير(3)، كما في باقي أصحاب الأعذار عنده(4) ، وللمعتبر حيث فصّل برجاء حصول الساتر وعدمه(5)، كما قال في التيمّم(6) ، واستقربه في الذكرى(7).

ووجه جواز المبادرة عموم الأمر بالصلاة عند [دخول](8) الوقت. وخروج التيمّم من ذلك بنصّ خاصّ لا يقتضي إلحاق غيره به.

ولتكن صلاته عارياً في حالة كونه (قائماً مع أمن المطلّع) في الحال وعدم توقّعه عادةً، كالمصلّي في بيتٍ وحده بحيث يأمن دخول أحد عليه، أو في موضع منقطع عن الناس (و) في حالة كونه (جالساً مع عدمه) أي عدم أمن المطّلع بالمعنى المذكور، وهذا التفصيل هو المشهور بين الأصحاب.

ومستنده الجمع بين ما أطلق الأمر بالقيام في خبر عليّ بن جعفر، المتقدّم(9)

ص: 160


1- كذا، والظاهر: «المصنّف» بدل «العلّامة».
2- قواعد الأحكام، ج 1، ص 257.
3- جُمل العلم والعمل، ص 85 .
4- كما في ذكرى الشيعة، ج 2، ص 371 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 6).
5- المعتبر ، ج 2، ص 108 .
6- المعتبر، ج 1، ص 379 .
7- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 371 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 6).
8- ما بين المعقوفين من تصحيحنا.
9- في ص 157 .

والأمر بالجلوس في خبر زرارة عن الباقر علیه السلام فيمن خرج من سفينة عرياناً، قال: «إن كان امرأةً جعلت يدها على فرجها، وإن كان رجلاً وضع يده على سوءته، ثمّ يجلسان فيومئان إيماءً ولا يركعان ولا يسجدان فيبدو ما خلفهما »(1).

ويشهد للتفصيل على الوجه المتقدّم رواية عبدالله بن مسكان عن بعض أصحابنا عن أبي عبدالله علیه السلام في الرجل يخرج عرياناً فيدرك الصلاة(2)، قال: «يصلّي عرياناً قائماً إن لم يره أحد، فإن رآه أحد صلّى جالساً» (3) فيحمل إطلاق الروايتين على هذا التفصيل؛ جمعاً بين الأخبار، وحذراً من اطراح بعضها مع إمكان العمل بالجميع.

وأوجب المرتضى الجلوسَ في الموضعين(4) ، وابن إدريس القيامَ فيهما(5) ؛ استناداً إلى الإطلاق في الخبرين واحتمل في المعتبر التخييرَ؛ لذلك بعد أن اعتمد على التفصيل(6).

والعمل على المشهور؛ جمعاً بين الأخبار، وتأيدها بالرواية المرسلة وشهرتها وجلالة حال مُرسلها يجبر ضعف إرسالها، وقد نقل علماء الرجال من الأصحاب أنّ سبب إرسال ابن مسكان أحاديثه المروية عن الصادق علیه السلام إجلاله له حذراً من عدم توفيته ما يجب عليه من تعظيمه عند رؤيته، فترك الدخول عليه لذلك، وروى عن أصحابه(7) .

(و) على كل حال فلا يستوفي العاري كمال الركوع والسجود، بل (يومئ في الحالين) قائماً وجالساً برأسه (راكعاً وساجداً) ويجعل الإيماء لا سجود أخفض ليتحقّق الفرق بينهما.

ص: 161


1- الكافي، ج 3، ص 396، باب الصلاة في ثوب واحد... . ح 16؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 364 - 365 ح 1512، وج 3، ص 178، ح 403.
2- في المصدر : فتدركه الصلاة.
3- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 365. ح 1516.
4- جُمل العلم والعمل، ص 85 .
5- السرائر، ج 1، ص 260.
6- المعتبر، ج 2، ص 104 و 105 .
7- اختیار معرفة الرجال (رجال الكشّي)، ص 382 - 383 ، ح 716 .

ويجب الانحناء بحسب الإمكان بحيث لا تبدو العورة.

والأكثر على أنّ الإيماء لهما في الحالين على وجه واحد، فيجعلهما من قيام مع القيام ومن جلوس مع الجلوس، وهو مقتضى إطلاق الأخبار.

ونقل في الذكرى عن السيّد عميد الدين أنّه كان يقوّي جلوسَ القائم ليومئ للسجود جالساً؛ استناداً إلى كونه حينئذٍ أقرب إلى حدّ الساجد، فيدخل تحت «فأتوا منه ما استطعتم »(1).

واستشكله بأنّه تقييد للنصّ ومستلزم للتعرّض لكشف العورة في القيام والقعود والركوع والسجود إنّما سقطا لذلك (2).

والعمل على المشهور.

ويجب في الإيماء للسجود وضع اليدين والركبتين وإبهامي الرِجلين على المعهود مع الإمكان؛ لعموم «فأتوا منه ما استطعتم»(3).

وكذا يجب رفع شيء فيسجد عليه بجبهته مع الإيماء، كما في المريض.

ولم يتعرّض الأصحاب لذلك هنا ولا ذَكَره أكثرهم هناك.

واعلم أنّ جماعة من الأصحاب(4) ، نصّوا على استحباب الجماعة للعراة؛ عملاً بعموم شرعيّة الجماعة وأفضليّتها.

ولنصّ الصادق علیه السلام في حديث إسحاق بن عمّار وعبدالله بن سنان عليه(5) ، وفيهما أنّهم يجلسون جميعاً. وفي الثاني: أنّ الإمام يتقدّمهم بركبتيه. واللازم من ذلك إمّا عدم وجوب تحرّي العاري موضعاً يأمن فيه من المطلع، بل يتخيّر مع إمكانه بينه فيصلّي

ص: 162


1- صحيح مسلم، ج 2، ص 975 ، ح 1337/412 ؛ السنن الكبرى البيهقي، ج 7، ص 165 . ح 13590؛ مسند أحمد، ج 2، ص 488 - 489، ح 7320.
2- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 372 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 6).
3- المصادر في الهامش 1.
4- منهم الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 2، ص 374 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 6).
5- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 365، ح 1513 و 1514.

قائماً، وبين ما لا يأمن فيه منه فيصلّى جالساً، أو خروج مسألة الجماعة من ذلك بدليل خارجي؛ لتأكّد فضلها، وخصوص النصّ عليها.

ولعلّه المراد؛ لما في تحصيل الموضع الخالي من كمال الحال بالقيام وأمن المطلّع الذي يتمّ معه الغرض من وجوب الستر.

(وجسد المرأة) الحُرّة (كلّه عورة) يجب عليها ستره في الصلاة وما في حكمها (عدا الوجه) وهو ما يجب غَسله في الوضوء أصالةً (والكفّين) وحدّهما مفصل الزند. ولا فرق بين ظاهرهما وباطنهما. واستثناء هذين موضع وفاق بين الأصحاب.

(و) كذا (القدمين) على المشهور.

ومستنده مع بدوّهما غالباً قولُ الباقر علیه السلام في رواية محمّد بن مسلم: «والمرأة تصلّي في الدرع والمقنعة إذا كان الدرع كثيفاً»(1) فاجتزأ علیه السلام بالدرع وهو القميص، والمقنعة وهي للرأس، والقميص لا يستر القدمين غالباً.

وحدّ القدمين مفصل الساق. ولا فرق بين ظاهرهما وباطنهما على الظاهر؛ لتناول الدليل لهما، ومنهما العقبان

ويجب ستر شيء من الوجه واليد والقدم من باب المقدّمة. وكذا القول في عورة الرجل.

وربما استثني من القدمين العقب وباطنهما، وهو أحوط؛ وقوفاً في تخصيص قوله علیه السلام: «المرأة عورة»(2) مع المتيقّن.

ويُعلم من استثناء المذكورات لا غير وجوب ستر الشعر والأذنين عليها.

ويدلّ عليه أيضاً رواية الفضيل عن الباقرعلیه السلام(3) .

ص: 163


1- الكافي، ج 3، ص 394، باب الصلاة في ثوب واحد .... ح 2؛ الفقيه، ج 1، ص 372، ح 1082؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 217، ح 855.
2- الجامع الصحيح، ج 3، ص 476 ، ح 1173: المعجم الكبير، الطبراني، ج 10، ص 108. ح 10115.
3- الفقيه، ج 1، ص 257، ح 789.

والخنثى كالمرأة في وجوب الستر؛ أخذاً بالمتيقّن. ولعدم تحقّق البراءة بدونه.

ويحتمل كونها كالرجل؛ لأصالة البراءة من وجوب ستر الزائد.

(ويجوز للأمة) المحضة (والصبيّة) وهي الأنثى غير البالغة (كشف الرأس) في حالة الصلاة، وهو موضع وفاق.

وقد روى البزنطي عن الصادق علیه السلام في جواب مَنْ سأله عن المملوكة تقنّع رأسها في الصلاة «لا، قد كان أبي إذا رأى الخادمة تصلّي مقنّعةً ضربها لتعرف الحرّة من المملوكة»(1)، وهو يدلّ على عدم استحباب التقنّع لها أيضاً.

والمدبَّرة وأُمّ الولد والمكاتبة المشروطة أو المطلقة التي لم تؤد شيئاً من مال الكتابة كالأمة المحضة. ولو انعتق بعضها، فكالحُرّة في وجوب الستر؛ تغليباً لجانب الحُرّيّة.

ولو كان العتق للبعض أو الكلّ في أثناء الصلاة وجب عليها المبادرة إلى الستر مع العلم. فإن افتقر إلى فعل كثير ، استأنفت مع سعة الوقت، وأتمّت لا معه؛ لتعذّر الشرط حينئذٍ. أمّا الصبيّة فتستأنف مطلقاً، إلّا أن يقصر الباقي من الوقت عن قدر الطهارة وركعة فتستمرّ.

ويستفاد من عدم وجوب القناع للأمة عدم وجوب ستر العنق، بل هو تابع للرأس، مع احتمال وجوب ستره؛ اقتصاراً على المتيقّن.

(و يستحبّ للرجل ستر جميع جسده) في حال الصلاة.

والمراد به ما يعتاد تغطيته غالباً لا مطلق الجسد، لئلّا يدخل فيه الوجه ونحوه.

ويعلم ذلك من مستند الحكم، وهو ما روي عن النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم: «إذا صلّى أحدكم فليلبس ثوبيه، فإنّ الله أحق أن يتزيّن له »(2) .

وأفضل من ذلك إضافة التسرول، وأكمل منهما إضافة الرداء، وأتمّ من الجميع

ص: 164


1- علل الشرائع، ج 2، ص 42 الباب 54، ج 2، والسند فيه عن ابن أبي نصر البزنطي، عن حمّاد بن عثمان، عن حمّاد الخادم، عن الإمام الصادق علیه السلام.
2- المعجم الأوسط، الطبراني، ج 10، ص 170، ح 9364.

التحنّك، وقد تقدّم الكلام فيهما.

(و) يستحبّ (للمرأة) في حال الصلاة لُبس (ثلاثة أثواب): درع، وهو القميص. وإزار فوقه. وخمار تغطي به رأسها رواه ابن أبي يعفور عن الصادق علیه السلام(1).

وفي خبر جميل عنه علیه السلام بدل الإزار : ملحفة(2) .

وأمّا جَعْل المصنّف الثلاثة (درع وقميص وخمار) فوجهه غير ظاهر؛ لمخالفته للأخبار الواردة في ذلك، وكلام أكثر الأصحاب ونصّ اللغة على أنّ الدرع هو القميص. وكأنّه أراد به ثوباً آخر فوق القميص يقوم مقام الإزار ، وهو الإزار. ولا يخفى ما فيه.

(المطلب الثاني في المكان)

وهو يطلق هنا على الفراغ الذي يشغله المصلّي بالكون فيه، وعلى ما يستقرّ عليه ولو بواسطة أو وسائط. وبالجمع بين القيدين يمتاز عمّا اصطلح عليه المتكلمون من معناه، وبالقيد الأخير يمتاز عن معناه المشهور بينهم، لكنّ المصطلح عليه شرعاً أعمّ.

ويطلق شرعاً أيضاً على ما يلاقي بدنه وثوبه، كما يقتضيه قولهم: تشترط طهارة مكان المصلّي، فإنّ ما لا يباشره من المكان بالمعنى الأوّل لا تشترط طهارته وإن اعتمد بثقله عليه، فيكون من الألفاظ المشتركة على ما اختاره المحقق ولد المصنّف(3) ومَنْ تبعه من المحقّقين.

ويشكل بأنّ الاشتراك على خلاف الأصل، فلا يصار إليه مع إمكان إرادة غيره.

ويمكن هنا أن يقال: إنّ إطلاق المكان على المعنى الثاني على طريق المجاز إمّا لكونه بعض أفراد الأوّل، أو لمجاورته له كما في الأجزاء المماسة منه، التي لا يتحقّق شغلها. ووجه المصير إلى ذلك أنّ المجاز خير من الاشتراك عند التعارض.

ص: 165


1- الكافي، ج 3، ص 395 باب الصلاة في ثوب واحد.... ح 11؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 217، ح 856: الاستبصار، ج 1، ص 389، ح 1480.
2- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 218 - 219. ح 860: الاستبصار، ج 1، ص 390، ح 1484.
3- إيضاح الفوائد، ج 1، ص 86 .

وعرّف المحقق ولد المصنّف المكانَ بالمعنى الأوّل في عرف الفقهاء بأنه ما يستقرّ عليه المصلّي ولو بوسائط، وما يلاقي بدنه وثيابه، وما يتخلّل بين مواضع الملاقاة من موضع الصلاة، كما يلاقي مساجده ويحاذي بطنه وصدره(1) .

وعلى هذا التعريف يقوى ضعف كون المكان بالمعنى الثاني مقابلاً للأوّل وقسيماً له ليتحقق الاشتراك فإنّه على هذا التقدير بعض أفراد الأوّل، فيكون أخص منه مطلقاً. ووجه التجوّز فيه حينئذٍ ظاهر مرجّح على الاشتراك وبقي فيما ادعاه من التعريف نظر؛ فإنّه يقتضي بطلان صلاة ملاصق الحائط المغصوب والثوب المغصوب وغيرهما ولو في حال من أحوال الصلاة على وجه لا يستلزم الاعتماد عليه، ولا يوجب التصرّف فيه، وبطلان الصلاة على هذا التقدير غير واضح والقائل به - غيره - غير معلوم.

وكيف كان فالاعتماد على عدم البطلان في هذه الفروض؛ لانتفاء المانع، إذ ليس إلّا التصرّف في المغصوب، وهو منتفٍ، وأصالة الصحّة.

وعلى التعريفين لا تبطل صلاة المصلّي تحت سقف مغصوب أو تحت خيمة مغصوبة مع إباحة مكانهما ؛ لانتفاء اسم المكان فيهما.

هذا من حيث المكان، أمّا من حيث استلزام ذلك التصرَفَ في مال الغير: فيبنى على أنّ منافاة الصلاة لحقّ الآدمي هل يُعدّ مبطلاً لها أم لا؟ بل يمكن بناؤها على حك-م الصلاة في المستصحب المغصوب غير الساتر، وقد تقدّم الكلام فيه، وأنّ الدليل العقلي لا يساعد على البطلان، فإنّ النهي هنا إنّما يتوجّه إلى الضد العامّ للتخلّص من المغصوب، وهو تركه لا للأضداد الخاصّة.

وبالجملة، فلا نصّ يعوّل عليه فى أمثال ذلك، ولا يتحقّق بدونه الحكم ببطلان الصلاة بالنهي عمّا ليس شرطاً للصلاة أو جزءاً، والله أعلم بحقيقة الحال.

إذا تقرّر ذلك، فاعلم أنّه (تجوز الصلاة في كلّ مكان مملوك) العين أو المنفعة، كالمستأجَر والموصى للمصلّي بمنفعته، والمعمر (أو في حكم المملوك) كالمستعار و

ص: 166


1- إيضاح الفوائد، ج 1، ص 86 .

(كالمأذون فيه صريحاً) كالإذن في الكون فيه أو الصلاة فيه (أو فحوى) كإدخال الضيف منزله، كذا أطلقوه.

ولو فرض شهادة الحال بكراهة المضيف لصلاته ؛ لمخالفته له في الاعتقاد وهيئات الصلاة على وجه تشهد القرائن بكراهته لها لو علمه على تلك الحال، احتمل عدم الجواز؛ لأنّ مرجع الإباحة في ذلك إلى قرائن الأحوال، فإذا تعارضت، لم يبق ما يحصل به الوثوق في الدلالة على الجواز.

(أو بشاهد الحال) كما إذا كان هناك أمارة تشهد أن المالك لا يكره، كما في الصحاري الخالية من أمارات الضرر ونهي المالك، فإنّ الصلاة فيها جائزة وإن لم يعلم مالكها؛ لشهادة الحال.

وفي حكم الصحاري الأماكن المأذون في غشيانها ولو على وجه مخصوص إذا اتُصف به المصلّي كالحمّامات والخانات والأرحية وغيرها.

وما تقدّم من تعارض القرائن آتٍ هنا بل هنا أولى بالمنع؛ لأن شهادة الحال أضعف من الآذان المطلقة.

وبالجملة فشهادة الحال ملحوظة في هذه الموارد وهي مناط الجواز، فلابدّ من ملاحظتها في خصوصيات الأماكن؛ لعدم انضباطها، فلو فرض صلاة أحد في أحد المواضع المذكورة ممن لا تعلّق له بالانتفاع بها على الوجه الموضوعة له بحيث لا يعود إلى(1) مالكها من المصلّي نفع، وأوجبت صلاته تضيّقاً(2) على مَنْ ينتفع بها على ذلك ' الوجه وأمثال ذلك بحيث تشهد القرائن بعدم رضى المالك بتصرف المصلّي، امتنعت الصلاة، وقد صرّح الأصحاب بأنّ المصلّي لو علم الكراهة من صاحب الصحراء،

امتنعت الصلاة .

نعم لو جهل بنى على شاهد الحال.

ص: 167


1- في الطبعة الحجريّة: «على» بدل «إلى».
2- في الطبعة الحجريّة: تضييقاً.

ولا يقدح في الجواز كون الصحراء للمولى عليه على الظاهر؛ لشهادة الحال ولو من الولي؛ إذ لابدّ من وجود ولي ولو أنّه الإمام علیه السلام .

( وتبطل) الصلاة (في) المكان (المغصوب) سواء كان الغصب لعينه أم منفعته خاصّة، كادّعاء الوصية بها أو استئجارها كذباً، وكإخراج روشن أو ساباط في موضع يمنع منه.

والفرق بين غصب العين والمنفعة فى صورة دعوى الاستئجار مع استلزامه التصرّف(1) في العين أيضاً: أنّ غصب العين هو الاستيلاء عليها بحيث يرفع يد المالك عنها أو عن بعض أجزائها ليتحقّق الاستيلاء عدواناً، بخلاف غاصب المنفعة بالاستئجار؛ فإنّه لا يتعرّض للعين بغير الانتفاع بها بحيث لو أراد المالك بيعها أو هبتها ونحو ذلك، لم يمنعه منها ولا من نقيضها؛ لأنّ الفرض عدم تعدّيه في العين بزعمه شرعاً. ولو فرض منه المنع، لم يكن من المسألة المفروضة في شيء، بل كان كغاصب العين.

وإنّما بطلت الصلاة في المغصوب؛ لتحقق النهي عن الحركات والسكنات، وهي أجزاء للصلاة، والنهى في العبادة يقتضى الفساد.

ولا فرق في فساد الصلاة في المغصوب بين الغاصب وغيره حتّى الصحاري المغصوبة خلافاً للسيّد المرتضى هنا، فإنّه جوّز الصلاة فيها لغير الغاصب؛ استصحاباً لما كانت عليه قبل الغصب(2) .

كلّ ذلك (مع علم) المصلّي ب (الغصبيّة وإن جهل الحكم) فإنّ جاهل الحكم هنا كالعالم؛ لوجوب التعلّم عليه، فجهله بالحكم الواجب عليه تعلّمه تقصير منه مستند إلى تفريطه، فلا يُعدّ عذراً. وكذا ناسيه؛ لوجوب تعلّمه عليه بعدُ.

وإنّما تبطل صلاة العالم بالغصب مع صلاته فيه مختاراً (ولو كان) مضطرّاً، كما لو كان (محبوساً) في المكان المغصوب لم تبطل صلاته فيه؛ لانتفاء تحريم الكون مع

ص: 168


1- فی «م»: للتصرّف.
2- حكاه عنه الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 3، ص 23 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).

الاضطرار؛ إذ هو تكليف بما لا يطاق (أو) كان (جاهلاً) بأصل الغصب (لا ناسياً) له في حالة الصلاة مع علمه به قبل ذلك (جاز) له الصلاة.

أمّا جوازها مع الجهل بالأصل: فظاهر؛ لأنّ الناس في سعة ما(1) لم يعلموا.

وأمّا عدم جوازها من الناسي: فقد تقدّم الكلام فيه في باب اللباس، والكلام فيهما واحد لاشتراكهما في الشرطية والخلاف والحكم.

ولا فرق في الصلاة هنا بين الفريضة والنافلة، وكما تبطل الصلاة فيه فكذا ما أشبهها من الأفعال التي من ضرورتها المكان وإن لم يشترط فيها الاستقرار، كالطهارة وأداء الزكاة والخمس والكفّارة وقراءة القرآن المنذور.

أمّا الصوم في المكان المغصوب : فقطع الفاضل(2) بجوازه(3) ، لعدم كونه فعلاً، فلا مدخل للكون فيه.

ويمكن مجيء الإشكال فيه باعتبار النيّة، فإنّها ،فعل، فيتوقّف على المكان، كالقراءة وإن افترقا بكون أحدهما فعل القلب والآخر فعل اللسان.

وعلى تفسيره بتوطين النفس على ترك الأمور المذكورة فجميعه فعل محض، كما حققه جماعة من الأصحاب(4) ، فيتطرّق إليه الفساد عند المانع من صحة الأفعال وإن لم يعتبر فيها الاستقرار.

وأمّا قضاء الدَين: فهو مجزئ قطعاً.

واعلم أنّ المحقّق في المعتبر ناقش في إلحاق الطهارة بالصلاة في الفساد، فارقاً بينهما بأنّ الكون في المكان ليس جزءاً من الطهارة ولا شرطاً فيها، وليس كذلك الصلاة؛ فإنّ القيام جزء من الصلاة، وهو منهي عنه؛ لأنّه استقلال في المكان المنهيّ عن

ص: 169


1- في الطبعة الحجريّة: «مما» بدل «ما».
2- الظاهر: «المصنّف» بدل «الفاضل».
3- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 399 المسألة 83؛ نهاية الإحكام، ج 1، ص 342 .
4- منهم: السيّد المرتضى في جُمل العلم والعمل، ص 95 والشهيد في الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 181 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9).

الاستقلال فيه. وكذا السجود، فإذا بطل القيام والسجود بطلت الصلاة(1) .

واللازم من هذا التعليل الحكم بصحّة جميع ما ذكر غير الصلاة؛ لمساواتها الطهارة في عدم اعتبار الكون فيها.

وأجاب الشهيد (رحمه الله) بأنّ الأفعال المخصوصة من ضرورتها المكان، والأمر بها أمر بالكون مع أنّه منهي عنه، وهو الذي قطع به الفاضل(2).

(ولو أمره) الآذن فى الكون في المكان صريحاً أو فحوى (بالخروج من) المكان (المأذون) في الكون فيه، فإن لم يكن قد اشتغل بالصلاة والوقت متّسع، وجب التشاغل بالخروج على الفور؛ لمنع التصرّف في مال الغير بغير إذنه فكيف مع تصريحه بما يقتضي النهي فلو اشتغل بالصلاة من غير خروج، لم تصحّ؛ لتوجه النهي إلى العبادة فتفسد .

(و) لو كان (قد اشتغل) المأذون له (بالصلاة) قبل أمره بالخروج، ففيه أوجُه:

أحدها - وهو مختار المصنّف هنا وجماعة - أنّه يجب عليه الخروج ولكن (يتمّها) في حالة كونه (خارجاً) ولا يقطعها؛ جمعاً بين حق الله تعالى وأمره بإتمام العمل وعدم إبطال العمل(3) ، وبين حقّ الآدمي.

ويشكل باستلزامه فوات كثير من أركان الصلاة وبعض شرائطها مع إمكان الإتيان بها كاملةً إن كان الوقت متّسعاً، أمّا لو كان ضتقاً فلا حرج.

وثانيها: قطع الصلاة مع سعة الوقت؛ جمعاً بين كمال الصلاة والتخلّص من حق الآدمي، المبنيّ على التضيّق.

وثالثها: الاستمرار عليها من غير خروج؛ لشروعه في صلاة صحيحة بإذن المالك، فيحرم قطعها؛ للنهي عن إبطال العمل.

ص: 170


1- المعتبر، ج 2، ص 109
2- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 26 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
3- سورة محمد صلی الله علیه وآله وسلم (47): 33 .

ويعارض بتحريم مال المسلم إلّا عن طيب نفس منه. ويزيد أنّ حقّ العباد مبنيّ على الضيق، فيقدّم على حقّ الله.

ورابعها الفرق بين ما لو كان الإذن في الصلاة أو في الكون المطلق، أو بشاهد الحال أو الفحوى، فيتمّها في الأوّل مطلقاً، ويخرج في الباقي مصلّياً مع الضيق، ويقطعها مع السعة. وهذا هو الأجود.

ووجهه في الأوّل: أنّ إذن المالك في الأمر اللازم شرعاً يفضي إلى اللزوم، فلا يجوز له الرجوع بعد التحرّم، كما لو أذن في دفن الميت في أرضه وأذن في رهن ماله على دَيْن الغير، فإنّه لا يجوز له الرجوع بعدهما.

وفي البواقي: أنّ الإذن في الاستقرار لا يدل على إكمال الصلاة بإحدى الدلالات، فإنّه أعمّ من الصلاة ، والعام لا يدلّ على الخاص . ولزوم العارية إنّما يكون بسبب من المالك، والشروع في الصلاة ليس من فعله. والفحوى وشاهد الحال أضعف من الإذن المطلق.

وأمّا القطع مع السعة: فلاستلزام التشاغل بها فوات كثير من أركانها مع القدرة على الإتيان بها على الوجه الأكمل، بخلاف ما لو ضاق الوقت، فإنّه يخرج مصلّياً مومئاً للركوع والسجود بحيث لا يتثاقل في الخروج عن المعتاد مستقبلاً ما أمكن، قاصداً أقرب الطرق تخلّصاً من حقّ الآدمي، المضيّق بحسب الإمكان.

وكذا القول فيما لو توسط المكان جاهلاً بالغصب ثمّ علم به.

(وكذا) يخرج مصلّياً (لو ضاق الوقت ثمّ أمره) المالك الآذن في الكون أو الصلاة بالخروج (قبل الاشتغال) بالصلاة؛ لأنّهما حينئذٍ حقّان مضيّقان، فيجب الجمع بينهما بحسب الإمكان.

(و) لا تشترط طهارة جميع مكان المصلّي، بل (تجوز) الصلاة (في) المكان (النجس مع عدم التعدّي) إلى المصلّي أو محموله لا مطلقاً، بل على وجه لا يعفى عنه في الصلاة، كنجاسة البول ونحوه ، أمّا لو تعدّى منها إليه ما يعفى عنه في الصلاة، كدون الدرهم من الدم المعفو عنه، لم يضرّ؛ إذ لا يزيد ذلك على ما هو على المصلّي.

ص: 171

(و) يستثنى من ذلك مسجد الجبهة، فإنّه (تشترط طهارة) القدر المعتبر من (موضع الجبهة) فلا يصحّ السجود على الموضع النجس مطلقاً، سواء تعدّت نجاسته أم لا (دون باقي مساقط الأعضاء) فإنّه لا تشترط طهارتها وإن كانت إحدى المساجد على المشهور بين الأصحاب؛ لأصالة الصحة ، وعموم «جُعلت لي الأرض مسجداً»(1) خرج ما أجمع على منعه، فيبقى الباقي.

ولقول الصادق علیه السلام(2) - في خبر زرارة - في الشاذ كونة - وهي حصير صغير - تكون عليها الجنابة، أيصلّى عليها في المحمل؟« لا بأس»(3) .

ولا يرد أنّ الصلاة في المحمل حال ضرورة؛ لإطلاق الجواب المقتضي للعموم من غير تفصيل.

ومثله روى ابن أبي عمير عنه علیه السلام(4) .

وذهب المرتضى(5) ، وأبو الصلاح(6) إلى اشتراط طهارته مطلقاً، إلا أن أبا الصلاح فسّره بمساقط الأعضاء السبعة لا غير، والمرتضى بمساقط جميع البدن.

وربما نقل عنه أنّه ما يلاصق البدن وإن لم يسقط عليه(7) .

واستثنى في الذكرى ما يعفى عنه من النجاسة تفريعاً على قول المرتضى، وتوقّف فيما يلاصقه من المكان مع اعتماده عليه(8).

ص: 172


1- الفقيه، ج 1، ص 240 - 241 ، ح 724؛ سنن ابن ماجة، ج 1، ص 173 ، ح 567؛ سنن النسائي، ج 1، ص 210؛ مسند أحمد، ج 1، ص 414، ح 2256 .
2- في المصادر الإمام الباقر علیه السلام.
3- الفقيه، ج 1، ص 245، ح 738؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 369 - 370 ، ح 1537: الاستبصار، ج 1، ص 393، ح 1499 .
4- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 274، ح 806 و ج 2، ص 370، ح 1538؛ الاستبصار، ج 1، ص 393 ، ح 1500.
5- حكى قوله المحقّق في المعتبر، ج 1، ص 431.
6- الكافي في الفقه، ص 140 - 141.
7- انظر ذكرى الشيعة، ج 3، ص 27 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
8- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 27 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).

ومستندهما أخبار دلّت بإطلاقها على النهي عن المكان النجس. وحملها على الكراهة أو على تعدّي النجاسة طريق الجمع بينها وبين ما تقدّم.

(و) كما تشترط طهارة القدر المعتبر من موضع الجبهة (كذا يشترط وقوع الجبهة في) حال (السجود) بالمعنى المذكور (على الأرض أو) على (ما أنبتته) الأرض (ممّا) أي من النبات الذي (لا يؤكل) عادةً، كالثمار (ولا يلبس) عادةً، كالقطن والكتان، وعليه إجماع الأصحاب، كما أنّ على خلافه إجماع غيرهم.

ومستند المنع مع الإجماع تظافر الأخبار به عن أهل البيت علیهم السلام :

كقول الصادق علیه السلام في رواية الفضل: «لا تسجد إلا على الأرض أو ما أنبتته الأرض إلا القطن والكتان»(1) .

وقوله علیه السلام في صحيحة حمّاد بن عثمان: «السجود على ما أنبتت الأرض إلا ما أكل أو لُبس»(2).

وقوله علیه السلام في رواية هشام بن الحكم حين سأله عمّا يجوز السجود عليه؟: «لا يجوز إلا على الأرض أو على ما أنبتت [الأرض](3) إلا ما أكل أو لبس» - وغيرها من الأخبار - قال :هشام قلت له: جعلت فداك ما العلّة في ذلك؟ قال: «لأنّ السجود هو خضوع الله عزّوجلّ، فلا ينبغي أن يكون على ما يؤكل ويلبس، لأنّ أبناء الدنيا عبيد ما يأكلون وما يلبسون، والساجد في سجوده في عبادة الله عزّوجلّ، فلا ينبغي أن يضع جبهته في سجوده على معبود أبناء الدنيا التي اغتروا بغرورها»(4).

والمراد بالمأكول والملبوس ما صدق عليهما اسمهما عرفاً؛ لكون الغالب استعمالهما لذلك ولو في بعض الأحيان، فلا يقدح النادر كأكل المخمصة، والعقاقير المتّخذة

ص: 173


1- الكافي، ج 3، ص 330، باب ما يسجد عليه وما يكره، ح1 تهذيب الأحكام، ج 2، ص 303 ، ح 1225 الاستبصار، ج 1، ص 331، ح 1241.
2- الفقيه، ج 1، ص 268، ح 830؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 234، ح 924.
3- ما بين المعقوفين من المصدر .
4- الفقيه، ج 1، ص 272، ج 843؛ علل الشرائع، ص 341، الباب 42 ، ح 1.

للدواء من نبات لا يغلب أكله.

ولا يشترط عموم الاعتياد لهما في جميع البلاد، فإنّ ذلك قلّ أن يتّفق في المأكولات وبعض الملبوسات، بل لو غلب في قطر، عمّ التحريم، مع احتمال عدمه، واختصاص كلّ قطر بما تقتضيه عادته.

ولا يعتبر في المأكول والملبوس كونه بحيث ينتفع به فيهما بالفعل، بل به أو بالقوة القريبة منه، فلو توقّف الأكل على طبخ ونحوه واللُبس على غزل ونسج وخياطة وغيرها، لم يؤثّر في كونه مأكولاً وملبوساً، فالمعتبر حينئذٍ نوع المأكول والملبوس، فلا فرق حينئذٍ بين القطن قبل غزله وبعده؛ إذ لو اعتبر الفعل لزم جواز السجود على الثوب غير المخيط أو المفصل على وجه لا يصلح للبس عادةً وغير ذلك ممّا هو معلوم البطلان .

وخالف المصنّف في بعض هذه الموارد فجوّز في النهاية السجودَ على القطن والكتان قبل غزلهما، وعلى الحنطة والشعير قبل طحنهما؛ معلّلاً في الثاني: بأن القشر حاجز بين المأكول والجبهة (1).

ويضعف الحكم فيهما بأنّ الاحتياج إلى العلاج لا يخرج الشيء عن أصله، كما في الثوب المنسوج قبل جعله على وجه يصلح ملبوساً بالفعل، وكما في الدقيق، فإنّه لا يؤكل كذلك عادة بل بعد عمل آخر.

ويرد على التعليل المذكور أنّ النخل لا يأتي على جميع أجزاء القشر؛ لأن الأجزاء الصغيرة تنزل مع الدقيق فتؤكل، ولا يقدح أكلها تبعاً للدقيق فى كونها مأكولةٌ، فإنّ كثيراً من المأكولات العادية لا تؤكل إلا تبعاً.

وقدح فيه في الذكرى بجريان العادة بأكلهما غير منخولين خصوصاً الحنطة وخصوصاً في الصدر الأول(2). وهو حسن.

ص: 174


1- نهاية الإحكام، ج 1، ص 362.
2- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 91 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).

وهذا بخلاف قشر الجوز والبطّيخ ونحوهما؛ فإنّ السجود عليها جائز.

ولو كان القطن في قشره، لم يمنع من السجود على القشر؛ لأنّه غير ملبوس.

ولو كان لشيء حالتان يؤكل في إحداهما دون الأخرى، كقشر اللوز، لم يجز السجود عليه حالة صلاحيته للأكل، وجاز في الأخرى؛ إذ ربما صار في تلك الحالة من جملة الخشب التي لا يعقل كونها من نوع المأكول.

ويستفاد من اعتبار العادة فيهما ومن استثناء القطن والكتان من نبات الأرض في الرواية المتقدّمة (1) أنه لو عمل من الخوص ونحوه ثوباً، جاز السجود عليه ما لم يتحقّق اعتیاده، فيدخل في الملبوس المدلول عليه بالرواية الأخرى(2).

وأمّا القنّب (3): فإن اعتيد لُبسه أو ثبت كونه معتاداً في بعض البلاد، فلا كلام في المنع من السجود عليه، وإلّا ففي جوازه نظر.

وقطع المصنّف في المنتهى(4) والشهيد في الذكرى بعدم جواز السجود عليه معلّلاً في الثانى بأنّه ملبوس في بعض البلدان(5) .

وإنّما أطلق المصنّف الحكم في المأكول والملبوس من غير تقييد بالاعتياد؛ لظهور المراد من الإطلاق.

(و) حيث كان الجواز مخصوصاً بالأرض ونباتها المذكور ف ( لا يصحّ السجود على الصوف والشعر والجلد) وغيرها مع الاختيار، أما مع الضرورة فيجوز، ومنها: التقيّة.

ولا يشترط فيها عدم المندوحة خصوصاً مع إفادة تأكيد السلامة والاستتار بالسجود عليها.

(و) كذا لا يجوز السجود على (المستحيل من) أجزاء (الأرض إذا لم يصدق

ص: 175


1- أي رواية الفضل المتقدّمة في ص 173 .
2- أي رواية حمّاد بن عثمان، المتقدّمة أيضاً في ص 173.
3- القنّب ضرب من الكتان لسان العرب، ج 1، ص 691، «قنب».
4- منتهى المطلب، ج 4، ص 357 .
5- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 91 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).

عليه اسمها كالمعادن) سواء في ذلك ما لا يفتقر في صدق اسمه عليه إلى علاج كالفيروزج والعقيق وغيرهما، أم يفتقر إليه كالذهب والفضّة والحديد والنحاس المختلطة بالأجزاء الأرضيّة. أما ترابها قبل استخراجها، فإن صدق عليه اسم الأرض، جاز السجود عليه، وإلّا فلا.

(و) كذا لا يجوز السجود على (الوحل) وهو الماء الممتزج بالتراب بحيث يخرج عن مسمّاها. أمّا الأرض الرطبة التي لم تخرج عن مسمّاها بها فيجوز السجود عليها.

ومن المستحيل عن اسمها الرمادُ الحادث من احتراق الأرض، وفي حكمه ما حصل من جسم يجوز السجود عليه. وكذا النورة والجصّ دون الخزف والآجر؛ لعدم خروجهما بالطبخ عن اسم الأرض وإن حدث لهما به اسم جديد، فإنّ مطلق الاسم غير كافٍ في تحقّق الاستحالة، ومن ثُمَّ جاز السجود على الحجر مع مشاركته للخزف في علّة الجمود، وهي الحرارة الواقعة على تراب رطب بحيث تعمل فيه التصلب. وعدم جواز التيمّم عليه عند بعض الأصحاب(1) لا للاستحالة، بل لعدم صدق اسم التراب عليه بناءً على أنّ المراد بالصعيد المأمور بالتيمّم به في الآية(2) هو التراب، كما ذكره بعض أهل اللغة (3)، ودائرة السجود أوسع من ذلك.

وعلى المشهور من أنّ الصعيد هو وجه الأرض يجوز التيمّم عليه. أما السجود فجائز على التقديرين .

وقد صرّح المحقّق في المعتبر بجواز السجود عليه مع منعه من التيمّم به(4) .

واحتجّ المصنّف في التذكرة على عدم خروجه بالطبخ عن اسم الأرض بجواز السجود عليه(5) .

ص: 176


1- كالمحقّق في المعتبر، ج 1، ص 375 .
2- النساء :(4): 43: المائدة (5) : 6 .
3- كالجوهري في الصحاح، ج 2، ص 498، «صعد».
4- المعتبر، ج 1، ص 375 .
5- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 177، المسألة 298 .

وفي هذا الاستدلال دليل على أنّ جواز السجود عليه أمر مفروغ منه لا خلاف فيه، وإلّا لما ساغ الاحتجاج به على الخصم.

ويلزم القائل بطهره بالطبخ إذا كان نجساً قبله - كالشيخ (رحمه الله)(1) - القول بعدم جواز السجود عليه؛ إذ لا وجه لطهره إلّا لاستحالة. لكن لمّا كان القول بذلك ضعيفاً؛ لضعف حجّته لم يتّجه القول بعدم جواز السجود عليه.

وربما قيل(2) ببطلان القول بالمنع من السجود عليه وإن قيل بطهارته؛ لعدم العلم بالقائل بذلك من الأصحاب، بل غاية ما نقل عنهم القول بالكراهة، كما صرّح به سلّار(3) والشهيد (رحمه الله) في النفليّة(4) ، فيكون القول بالمنع مخالفاً للإجماع؛ إذ لا يكفي في المصير إلى قول وجود الدليل عليه مع عدم موافق بحيث لا يتحقّق به خرق الإجماع إذا لم تكن المسألة من الجزئيّات المتجدّدة بحيث يغلب على الظنّ عدم بحث أهل الاستدلال عنها، وهو منتف هنا، فإنّ هذه المسألة ممّا تعمّ بها البلوى، ولم ينقل عن أحد ممّن سلف القول بالمنع.

ويمكن الجواب بأنّ الأصحاب قد اتفقوا في هذا الباب على عدم جواز السجود على المستحيل عن اسم الأرض، وإنّما مثّلوا بالرماد والجص بناءً على اختيارهم القول باستحالتهما، فمَنْ قال باستحالة الخزف في باب المطهّرات فهو قائل بمنع السجود عليه بناءً على إعطائهم هنا القاعدة الكلّيّة، فلا يتحقّق خرق الإجماع من الفائل بمنع السجود عليه.

ويؤيّد ذلك تصريح الشهيد (رحمه الله)(5) وغيره(6) بكراهة السجود عليه، وما ذاك إلّا

ص: 177


1- الخلاف، ج 1، ص 499 المسألة 239 .
2- لم نعثر على القائل فيما بين أيدينا من المصادر.
3- المراسم. ص 66 .
4- الرسالة النفليّة، ص 177 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 18).
5- الرسالة النفليّة، ص 176 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 18).
6- كسلّار في المراسم، ص 66 وابن حمزة في الوسيلة، ص 91.

تفصّياً من الخلاف اللازم فيه وإن كان قائلاً بالجواز.

وبعد ذلك فالاعتماد على القول بالجواز على كراهية خروجاً من الخلاف اللازم من حكم الشيخ بالاستحالة(1) .

واعلم أنّ تقييد المصنّف المنع من السجود على المستحيل من الأرض بقوله: «إذا لم يصدق عليه اسمها» كالمستغنى عنه؛ فإنّ ما استحال من الأرض لا يُعدّ منها، ولا يصدق عليه اسمها حقيقةً، فلا وجه للاحتراز عنه، كما أنّ ما كان أرضاً لا يكون مستحيلاً عنها وكأنّه أراد الإشارة إلى ضابط الاستحالة بعدم صدق الاسم، أو أنه اكتفى في صدق اسم الأرض عليه بكونه كذلك في وقت مّا وإن زال بعد ذلك بالاستحالة، كما في الأرض المحترقة حتّى صارت رماداً أو نورة. وكيف كان فالقيد مستغنى عنه.

إذا تقرّر ذلك، فيجب على المصلّي تحصيل ما يصحّ السجود عليه ولو بعوض مقدور؛ لأنّه من باب تحصيل شرط الواجب المطلق.

(فإن) لم يجد إلّا الممنوع من السجود عليه اختياراً) و (اضطرّ) إلى الصلاة، فإن كانت الجبهة تتمكّن منه حالة السجود، كالمعادن وبعض المأكول والملبوس، سجد عليه.

وكذا يجوز السجود عليه للتقيّة.

وقد روى عليّ بن يقطين عن الكاظم علیه السلام في السجود على المسح - بكسر الميم وهو البلاس بفتح الباء وكسرها- والبساط، فقال: «لا بأس في حال التقيّة»(2).

وإن لم تتمكّن من السجود عليه كالوحل (أوماً) برأسه للسجود مراعياً في الانحناء له حسب مقدوره فيجلس له، ويقرب جبهته إلى الأرض إن تمكّن، وإلّا أتى بالمقدور

ص: 178


1- الخلاف، ج 1، ص 499. المسألة 239 .
2- الفقيه، ج 1، ص 270 - 271 ، ح 835 تهذيب الأحكام، ج 2، ص 235، ح 930؛ الاستبصار، ج 1، ص 332،ح 1244.

ولو وضع الجبهة على الوحل، جاز؛ لأنّه نوع من الإيماء. وكذا القول في الماء.

(و) كذا لا يصحّ السجود على الشيء (المغصوب) لأنّ موضع الجبهة من جملة المكان فيشترط فيه ما يشترط في مطلق المكان.

وفي عطف «المغصوب» على ما قبله مناسبة من جهة المنع، وقبح من جهة أنّه في مقام التفصيل لما أجمله في قوله:«يشترط وقوع الجبهة على الأرض أو ما أنبتته» وليس فيه اشتراط كونه مباحاً حتّى يفرّع عليه عدم صحة السجود على المغصوب.

وأيضاً فحكم المغصوب قد تقدّم في مطلق المكان، فلا وجه لإعادته، فإنّ مسجد الجبهة من جملته، وإنّما يذكر في مسجد الجبهة ما يختصّ بها، وهو النوع الخاصّ من الأرض ونباتها.

(ويجوز) السجود (على القرطاس) بضم القاف وكسرها؛ لرواية داوُد بن فرقد عن أبي الحسن علیه السلام حين سأله عن القراطيس والكواغذ المكتوب عليها هل يجوز السجود عليها؟ فكتب «يجوز» (1).

وروى صفوان الجمّال أنّه رأى أبا عبدالله علیه السلام في المحمل يسجد على قرطاس(2).

وهذه الأخبار وما في معناها أخرجت القرطاس عن أصله المقتضي لعدم جواز السجود عليه؛ لأنّه مركّب من جزءين لا يصحّ السجود عليهما، وهما: النورة وما مازجها من القطن أو الكتان أو الحرير أو القنّب مضافاً إلى النصّ عمل الأصحاب، فلا مجال للتوقّف فيه في الجملة.

نعم، شرط بعض الأصحاب(3) كونه متّخذاً من غير الحرير؛ للمنع من السجود عليه بوجه، ومن غير القطن والكتان إن منعنا من السجود عليهما قبل النسج أو الغزل.

وهذا الشرط ليس بواضح؛ لأنّه تقييد لمطلق النصّ أو لعامّه من غير فائدة؛ لأنّ ذلك

ص: 179


1- الاستبصار، ج 1، ص 334، ح 1257.
2- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 309، ح 1251: الاستبصار، ج 1، ص 334، ح 1258.
3- كالمحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 164.

لا يزيله عن حكم مخالفة الأصل، فإنّ(1) أجزاء النورة المنبتة فيه بحيث لا يتميّز من جوهر الخليط جزء يتمّ عليه السجود كافٍ في المنع، فلا يفيده ما يخالطها من الأجزاء التي يصحّ السجود عليها منفردة.

ولو اتّخذ القرطاس من القنّب، فظاهر الذكرى(2) عدم التوقّف في جواز السجود عليه بالإضافة إلى باقي الأجزاء (3).

ويشكل بحكمه بكون القنّب ملبوساً في بعض البلاد(4)، وأن ذلك يوجب عموم المنع.

قال في الذكرى :

وفي النفس من القرطاس شيء من حيث اشتماله على النورة المستحيلة. أي عن اسم الأرض بالإحراق. قال: إلّا أن نقول: الغالب جوهر القرطاس، أو نقول: جمود النورة يردّ إليها اسم الأرض(5) .

وهذا الإيراد متوجّه من حيث الأصل، لكن قد عرفت خروج القرطاس بنصّ خاصّ وعمل الأصحاب، فلا مجال للتوقّف فيه.

وما أجاب به لدفعه غير واضح؛ فإنّ أغلبية جوهر القرطاس مع امتزاجه بالنورة وانبثاث أجزائها فيه بحيث لا يتميّز منه جزء لا يفيد شيئاً.

وأغرب منه قوله : إنّ جمود النورة يعيد إليها اسم الأرض.

وبالجملة، فالاقتصار فيما خرج عن الأصل على موضع الاتّفاق - وهو كونه متّخذاً من غير الملبوس - طريق اليقين وسبيل البراءة.

ص: 180


1- في الطبعة الحجريّة «لأنّ».
2- انظر ذكرى الشيعة، ج 3، ص 83 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
3- ورد في هامش «الأصل و م»: التقييد بالإضافة إلى باقي الأجزاء لغير القطن والكتان والحرير للاحتراز عما أشار إليه في ذكرى الشيعة من التوقّف في أصل القرطاس مطلقاً في قوله وفي النفس من القرطاس شيء، إلى آخره. (منه قدّس سرّه). وانظر ذكرى الشيعة، ج 3، ص 82 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
4- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 91 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
5- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 83 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).

وعلى تقدير استثناء نوع منه إنّما يتمّ جواز السجود عليه مع العلم ،بجنسه، وأنّه ممّا يصحّ السجود على مثله فمع الجهل بحاله - كما هو الغالب - لا يصحّ السجود عليه؛ لعدم العلم بحصول شرط الصحّة.

وظاهر الذكرى(1) أنّ غلبة عمله من جنس يسوّغ إلحاقه به وإن أمكن خلافه.

وأيّ فرد جوّزنا السجود عليه منه فلا فرق فيه بين المكتوب عليه وغيره، فيجوز السجود عليه (وإن كان مكتوباً) مع ملاقاة الجبهة لما يقع عليه اسم السجود خالياً عن الكتابة، فلو لم يبق هذا المقدار، لم يصحّ ، وقد تقدّم ما يدلّ عليه في رواية داوُد بن فرقد(2).

ومثله ما لو عُملت الخُمرة - بضمّ الخاء المعجمة وهي السجّادة الصغيرة التي تعمل من الخوص ونحوه - بسيور ونحوها.

وربما لم يشترط في القرطاس المكتوب بقاء بياض يتمّ عليه السجود مع قيام جميعه بذلك بناءً على أنّ المداد عرض؛ لأنّه من جملة الألوان، فالسجود حقيقةً إنّما هو على جوهر القرطاس.

ومنعه ظاهر؛ لأنّ المداد أجسام محسوسة مشتملة على اللون المخصوص ومثله المصبوغ من النبات إذا كان للصبغ جرم.

أمّا مجرّد اللون - كلون الحِنّاء - فلا منع فيه، ومن ثُمَّ جاز التيمّم باليد المخضوبة، والسجود على الجبهة كذلك.

(و) إنّما يشترط وقوع الجبهة على ما يصحّ السجود عليه مع الاختيار، فيجوز أن يسجد (على) ظهر ( يده إن منعه الحَرّ )(3) من السجود على الأرض ونحوها ولم يمكنه

ص: 181


1- انظر ذكرى الشيعة، ج 3، ص 83 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
2- تقدّمت رواية داود بن فرقد في ص 179 .
3- ورد في هامش «الأصل و م»: قال المحقق الشيخ علي الظاهر أنّ البرد كذلك، مع أنّه مذكور في عدة روايات منها مكاتبة أبي الحسن علیه السلام في السجود على الثوب للحرّ أو البرد. ومنها: رواية أحمد بن عمر عنه علیه السلام في الرجل يسجد على كمّ قميصه من أذى الحرّ أو البرد أو على ردائه، فقال: «لا بأس» به منه (قدّس سرّه). وانظر تهذيب الأحكام، ج 2، ص 307، ح 1242 و 1243؛ والاستبصار، ج 1، ص 333، ح 1251 و 1252.

أخذ شيء منها وتبريده (ولا ثوب معه).

فلو كان معه ثوب أو نحوه، قدّم السجود عليه على اليد، رواه [أبو بصير عن أبي] جعفر علیه السلام(1) قال: «خائف الرمضاء يسجد على ثوبه، ومع عدم الثوب على ظهر كفّه»(2) .

ولو منعه البرد، فكذلك، وقد ورد أيضاً في أحاديث(3).

(ويجتنب) المكان (المشتبه بالنجس) حيث لا تسوغ الصلاة عليه إمّا لخوف التعدّي كالرطب، أو مع عدم طاهر يسجد عليه.

ويمكن أن يكون «المشتبه» صفةً لمسجد الجبهة، المبحوث عنه قبله.

وإنّما يجب اجتناب المشتبه بالنجس (في) الموضع (المحصور) عادةً، كالبيت والبيتين (دون غيره) أي غير المحصور عادةً، كالصحراء، فإنّ حكم الاشتباه فيه ساقط؛ لما في وجوب اجتناب الجميع من المشقّة.

وإنّما اعتبرنا في الحصر وعدمه المتعارف في العادة؛ لعدم معهود له شرعاً، فيرجع فيه إلى العرف لتقدّمه على اللغة. ولأنّ الأعداد الموجودة في الخارج منحصرة لغةً وإن تضاعفت أضعافاً كثيرة مع عدم وجوب اجتناب جميع ذلك إجماعاً.

وهذا الحكم - أعني وجوب اجتناب المحصور دون غيره - آتٍ في كثير من أبواب الفقه، كالمياه والمكان واللباس والمحرم بالأجنبي في النظر والنكاح، والمذكّى من الحيوان بغيره وغير ذلك. والمرجع في ذلك كلّه إلى العرف، وما حصل فيه الاشتباه بعد الاعتبار يرجع فيه إلى الأصل إلى أن يعلم الناقل عنه.

واعلم أن المشتبه بالنجس إذا كان محصوراً لا ريب في وجوب اجتنابه بالنسبة إلى ما يشترط فيه الطهارة، كالطهارة به لو كان ماءً أو تراباً، والسجود عليه لو كان أرضاً، وستر العورة به لو كان لباساً، فيصير في ذلك بحكم النجس.

ص: 182


1- في «الأصل وم» والطبعة الحجريّة: رواه علي بن جعفر علیه السلام. وما أثبتناه موافق لما في المصدر.
2- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 306 ، ح 1240؛ الاستبصار، ج 1، ص 333، ح 1249.
3- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 306 - 307، ح 1241 - 1243؛ الاستبصار، ج 1، ص 333، ح 1250-1252.

وقد روى سماعة(1) وعمّار بن موسى(2) عن أبي عبدالله علیه السلام في رجل معه إناءان وقع فی ، أحدهما نجاسة لا يدري أيّهما هو وليس يقدر على ماء غيره، قال: «يهريقهما ويتيمّم».

وقد عمل الأصحاب بالحديثين وإن كان في سندهما كلام. والأمر بإراقة الماء تفخيماً لحال المنع، فهو كناية عن النجاسة.

وهذا كلّه لا كلام فيه، إنّما الكلام فيما لو أصاب أحدهما جسماً طاهراً بحيث ينجس بالملاقاة لو كان الملاقي معلوم النجاسة فهل يجب اجتنابه - كما يجب اجتناب ما لاقاه - ويجب غسله بماء متيقن الطهارة كالنجس، أم يبقى على أصل الطهارة؟

يحتمل الأوّل؛ لإلحاقه بالنجس في الأحكام، فالملاقي له إمّا نجس أو مشتبه بالنجس، وكلاهما موجب للاجتناب والإلحاق بالمحلّ المشتبه في أحكامه إلى أن يحصل المطهّر يقيناً، وهو اختيار المصنّف في المنتهى(3) في استعمال أحد الإناءين المشتبه طاهرهما بالنجس. واحتمله في النهاية مستشكلاً للحكم(4).

ويحتمل الثاني وقوفاً في الحكم بنجاسة ما شكّ في نجاسته على المتيقن، وهو الطاهر المشتبه بالنجس مع الحصر، واستصحاباً للحالة التي كانت قبل الملاقاة؛ فإنّ احتمال ملاقاة النجس لا يزيل حكم الأصل المقطوع به ومجرد الشكّ لا يزيل اليقين إلا فيما نُصّ أو أجمع عليه. ولمنع مساواة المشتبه بالنجس له في جميع الأحكام؛ فإنّه عین المتنازع، وإنّما المتحقّق لحوقه به في وجوب الاجتناب، وبه قطع المحقّق الشيخ عليّ(5) . ولا يخفى متانة دليله وإن كان للاحتياط حكمٌ آخر.

ص: 183


1- الكافي، ج 3، ص 10، باب الماء الذي تكون فيه قلة.... ح 6: تهذيب الأحكام، ج 1، ص 249، ح 713؛ الاستبصار، ج 1، ص 21، ح 48 .
2- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 248، ح 712، وص 407، ح 1281.
3- منتهى المطلب، ج 1، ص 178 .
4- انظر نهاية الإحكام، ج 1، ص 249 و 251.
5- في حاشية شرائع الإسلام، ج 1، ص 108 - 109 (ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره، ج 10).

(ويكره أن يصلّي) الرجل (وإلى جانبه أو قدّامه امرأة تصلّي على رأي) قويّ.

والرأي الآخر: عدم الجواز وبه قال الشيخان(1) وجماعة(2).

ومستند الجواز الأصلُ وإطلاقُ الأمر بالصلاة في سائر الأمكنة إلّا ما أخرجه الدليل، وهو هنا منتف؛ لما سيأتي من ضعف متمسّك الفريق الآخر.

ورواية جميل بن درّاج عن الصادق علیه السلام في الرجل يصلّي والمرأة [تصلّي] بحذائه، قال: «لا بأس»(3)وترك الاستفصال عن كون المرأة مصلّيةً أو غير مصلّية دليل العموم.

ووجه الكراهة ما رواه محمّد بن مسلم - في الصحيح - عن أحدهما علیهما السلام، قال: سألته عن الرجل يصلّي في زاوية الحجرة وامرأته أو ابنته تصلّي بحذائه في الزاوية الأُخرى ، قال : «لا ينبغي ذلك، فإن كان بينهما شبر أجزأه»(4) ولفظ «لا ينبغي» ظاهر في الکراهة.

و مستند التحريم ما روي عن النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم أنه قال: «أخر وهنّ حيث أخر هنَّ الله»(5) ، والأمر للوجوب، و«حيث» للمكان، ولا مكان يتعلّق به وجوب التأخير غير المتنازع إجماعاً، فتعين التأخير فيه، والأمر بالشيء يستلزم النهي عن ضدّه، المقتضي لفساد العبادة.

وفي بعض هذه المقدّمات منع؛ فإنّ الأمر لا يقتضي التكرار، والأمر إنّما يقتضي النهي عن ضدّه العامّ لا الخاصّ الذي هو المتنازع والنهي إنّما يفسد العبادة إذا كان عن ذاتها أو ما هو داخل فيها.

ص: 184


1- المقنعة، ص 152؛ النهاية، ص 100؛ المبسوط، ج 1، ص 131؛ الخلاف، ج 1، ص 423، المسألة 171.
2- منهم أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه، ص 120؛ وابن حمزة في الوسيلة، ص 89.
3- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 232، ح 912؛ الاستبصار، ج 1، ص 400، ح 1527. وما بين المعقوفين من المصدر.
4- الكافي، ج 3، ص 298، باب المرأة تصلّي بحيال الرجل .... ح 4؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 230، ح 905 ، الاستبصار، ج 1، ص 398، ح 1520.
5- أورده الشيخ في الخلاف، ج 1، ص 425، ذيل المسألة 171؛ وفي المصنّف، عبد الرزّاق، ج 3، ص 149، ح 5115 عن ابن مسعود.

وما رواه عمّار الساباطي عن أبي عبدالله علیه السلام وقد سئل عن الرجل يصلّي وبين يديه امرأة تصلّي قال: «لا يصلّي حتّى يجعل بينه وبينها أكثر من عشرة أذرع، وإن كانت عن يمينه أو عن يساره جعل بينه وبينها مثل ذلك، وإن كانت تصلّي خلفه فلا بأس وإن كانت تصيب ثوبه، وإن كانت المرأة قاعدةً أو نائمةً أو قائمةً في غير الصلاة فلا بأس»(1) وترك الاستفصال عن المرأة في الصلاة دليل العموم في المحرم وغيرها. ويريد بصلاتها خلفه تأخّرها بحيث لا تحاذي بشيء منها بدنه.

والرواية ضعيفة بعمّار، وتقتضي اعتبار أزيد من عشرة أذرع، وهو خلاف الإجماع.

وباقي الروايات الدالّة على النهي لا تحديد فيها بذلك، بل هي مختلفة، ففي بعضها «شبر»(2) وفي بعضها «ذراع»(3) وذلك كلّه يؤيّد الكراهة، فالقول بها أوضح، والاعتماد في " الجواز على الأصل وصحيحة محمّد بن مسلم. وأمّا رواية جميل فإنّها ضعيفة بالإرسال؛ لكنّها مؤيّدة للجواز وإن أمكن استناده إلى غيرها.

(و) على كلّ حال (يزول المنع) كراهةً وتحريماً (مع الحائل) بين الرجل والمرأة (أو تباعد عشر أذرع، أو وقوع الصلاة) منها (خلفه) بحيث لا يحاذي جزء منها لجزء منه في جميع الأحوال.

والمراد بالحائل الحاجز بينهما بحيث يمنع الرؤية من جدار وستر و غيرهما.

والظاهر أنّ الظلمة وفقد البصر كافيان فيه، وهو اختيار المصنّف في التحرير(4) ، لا تغميض الصحيح عينيه، مع احتماله.

وتتميم المسألة يتوقّف على مباحث:

أ : ضمير (يصلّي) لا مرجع له في العبارة؛ لأنّ المسائل المتقدّمة متعلّقها المكلّف

ص: 185


1- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 231 - 232، ح 911؛ الاستبصار، ج 1، ص 399، ح 1526.
2- الفقيه، ج 1، ص 247، ح 746.
3- الفقيه، ج 1، ص 247، ح 747 .
4- تحرير الأحكام الشرعيّة، ج 1، ص 210، الرقم 683.

روض الجنان / 2

سواء كان رجلاً أم امرأةً أم خنثى. والمراد به هنا الرجل بمعونة السياق، ولظهور المراد أهمله.

وألحق بعض الأصحاب به الخنثى(1) . وهو أحوط.

ب : المراد بالمرأة البالغ ؛ لأنّه المتعارف. ولأنّها مؤنّث «المرء» يقال: مرء ومرأة، وامرؤ وامرأة والمرء هو الرجل، كما نصّ عليه أهل اللغة، فلا يتعلّق الحكم بالصغيرة وإن قلنا إنّ عبادتها شرعيّة؛ لعدم المقتضي له.

ولا فرق فيها بين كونها مقتديةً به أو منفردةً؛ للعموم. وكذا القول في الصبيّ.

وفي بعض حواشي الشهيد (رحمه الله) على القواعد: أنّ الصبيّ والبالغ يقرب حكمهما من الرجل والمرأة (2). وعنى بالبالغ المرأة؛ لأنّ الصفة التي على «فاعل» يشترك فيها المذكّر والمؤنّث.

وكيف كان فالعمل على المشهور من اختصاص الحكم بالمكلّفين؛ لعدم الدليل الدال على الإلحاق.

ج : يشترط في تعلّق الحكم بكلّ منهما كراهةً أو تحريماً صحّة صلاة الآخر لولا المحاذاة بأن تكون جامعةً لجميع الشرائط المعتبرة في الصحة ،عداها فلا يتعلّق الحكم بالفاسدة، بل تصحّ الأخرى من غير كراهة، فإنّ الفاسدة كلاصلاة، مع احتمال عدم الاشتراط لصدق الصلاة على الفاسدة، لانقسام مطلقها إليها وإلى الصحيحة، وحينئذٍ فالأجود رجوع كلّ منهما إلى الآخر في ذلك، وهي محمولة على الصحيحة حتّى يصرّح فيها بخلافها، فإذا صرّح قبل؛ لعموم «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» ولأن مَنْ أخبر بفساد صلاته قبل منه قطعاً. ولأنّ المفسد من فعله، وربما كان خفيّاً لا يطّلع عليه إلّا من قبله؛ لتعلّقها فى بعض مواردها بأمور قلبيّة وأفعال خفيّة لا يعلمها إلا الله والمصلّي، فلو لم يقبل فيها قوله لزم إمّا عدم اشتراط صحّة الصلاتين لولا المحاذاة، أو

ص: 186


1- الشهيد في الرسالة النفليّة، ص 175 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 18).
2- حاشية القواعد، ص 106 (ضمن الموسوعة الشهيد الأوّل، ج 14).

تكليف ما لا يطاق، وكلاهما ،باطل، فالملزوم مثلهما في البطلان، والملازمة ظاهرة.

د : مبدأ التقدير في العشر أذرع من موقف المصلّي إلى موقفها، وهو واضح مع المحاذاة. أمّا مع تقدّمها فالظاهر أنه كذلك؛ لأنّه المفهوم من التباعد عرفاً وشرعاً، كما نبّهوا عليه في تقدّم الإمام على المأموم.

ويحتمل اعتباره من موضع السجود؛ لعدم صدق التباعد بين بدنيهما حالة السجود ذلك القدر وليس في كلامهم تصريح في ذلك بشيء.

ه- : لو كانت أعلى منه أو أسفل بحيث لا يتحقّق التقدّم والتأخر وأمكنت المشاهدة، فهل هو ملحق بالتأخّر أم بالتقدّم ؟ اشتراط العشرة في الرواية بالتقدم والمحاذاة يقتضي عدم اعتبارها هنا واشتراط نفي البأس بالصلاة خلفه يقتضي اعتبار العشرة هنا؛ لعدم

تحقّق الخلفيّة، فمفهوما الشرط متدافعان.

والظاهر أنّه ملحق بالتأخّر؛ لأصالة الصحّة وعدم المانع، خرج منه حالة التقدّم والمحاذاة، فيبقى الباقي، مع أنّ فرض الرؤية في ذلك بعيد.

و : لو كانت في إحدى الجهات التي يتعلّق بها الحكم وكانت على مرتفع بحيث لا يبلغ من موقفه إلى أساس حائط المرتفع عشر أذرع ولو قدّر إلى موقفها - إمّا مع الحائط مثلاً، أو ضلع المثلث الخارج من موقفه إلى موقفها - بلغها، ففي اعتبار أيّهما(1) نظر.

والظاهر أنّ التقدير هنا للضلع المذكور خصوصاً مع إيثاره زاوية حادة؛ لبُعد تقدير التجويف الحادث منها. ولو كانت قائمةً، ففيه الاحتمالات(2). ولو كانت منفرجةً، ضعف الاحتساب إلى الأساس لا غير؛ لزيادة المسافة بما زاد ومثله القول في التباعد بين الإمام والمأموم.

ز : إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في تعلّق الحكم بين تقدّم صلاة المرأة عليه أو اقترانهما أو تأخّرها، وكذلك أطلق كثير من الأصحاب، وبين الأصحاب، وبين علمه بصلاتها وعدمه.

ص: 187


1- الظاهر: أيّها.
2- في «م»: احتمالات.

روض الجنان / 2

و وجه الإطلاق تحقق الاجتماع في الموقف المنهيّ عنه، وهو مانع الصحّة، فمتى تحقّق ثبت البطلان كالحدث.

ويضعّف بعدم الدليل الدالّ على ذلك، وعدم تقصير السابق، واستحالة تكليف الغافل. وإنّما ثبت تأثير الحدث مطلقاً بالنص، وهو مفقود هنا.

ورواية عمّار - التي هي مستند الحكم - تشعر بتقدّم المرأة؛ فإنّ الواو في قوله: «يصلّي وبين يديه امرأة تصلّي» للحال، وقوله في الجواب: «لا يصلّي حتّى يجعل بينه وبينها عشرة أذرع»(1) يدلّ على صلاتها قبل شروعه، فالأجود حينئذ اختصاص المنع بسبق المرأة أو اقترانهما معاً في الشروع، ومع التأخّر يختص المنع بالمتأخر.

ويؤيّده رواية عليّ بن جعفر عن أخيه موسى علیه السلام: «إذا صلت حيال الإمام وكان في الصلاة قبلها أعادت وحدها» (2) فإنّها صريحة في اختصاص الفساد بالطارئ، واختاره جماعة من المتأخّرين(3) .

وهذا كلّه مع علمهما بالحال، وإلّا فلا إبطال. ولو علم أحدهما دون ن الآخر اختصّ الحكم به .

ح : ظاهر العبارة اختصاص المنع بالرجل، فلا كراهة ولا تحريم بالنسبة إلى المرأة. وكان الأولى تعميم الحكم فيهما؛ لعدم القائل بالتخصيص. ولعلّه اتبع ظاهر الرواية حيث دلّت على حكم الرجل خاصّة والعذر فيها مطابقة السؤال، فإنّه وقع عن الرجل. ورواية عليّ بن جعفر المتقدّمة(4) دالة على حكم المرأة أيضاً.

ط : لو صلّت المرأة معه جماعة محاذية له فعلى القول بالتحريم تبطل صلاتها وصلاة الإمام ومَنْ على يمينها ويسارها ومَنْ يتأخّر عنها مع علمهم بالحال. ومع عدم

ص: 188


1- تهذيب الأحكام، ج 2، ص231. ح 911؛ الاستبصار، ج 1، ص 399، ح 1526، وفيهما: «يجعل بينه وبينها أكثر من عشرة أذرع» فلاحظ.
2- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 232 ، ح 913، وص 379 ، ح 1583.
3- منهم المحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 121 .
4- نفس الهامش 2 .

العلم تبطل صلاتها لا غير. ولو علم الإمام خاصة، بطلت صلاته معها دون المأمومين. وأطلق الشيخ صحة صلاة المأمومين(1) .

وهذا كلّه إنّما يتمّ مع القول بأنّ الصلاة الطارئة تؤثّر في السابقة أو على جواز تكبير المأموم مع تكبير الإمام، وإلا صحّت صلاة الإمام؛ لتقدّمها، ويبقى الكلام في المأموم.

ي : هذا البحث إنّما هو في حال الاختيار، أما مع الاضطرار - كما لو ضاق الوقت والمكان - فلا كراهة ولا تحريم قاله الإمام فخر الدين(2) ولد المصنّف .

وربما استشكل(3) الحكم مطلقاً بناءً على أنّ التحاذي مانع من الصحّة مطلقاً والنصوص مطلقة، فالتقييد بحالة الاختيار يحتاج إلى الدليل.

ياً : لو اجتمعا في مكان واحد واتسع الوقت صلّى الرجل أولاً ثمّ المرأة؛ لصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما علیهما السلام(4) .

هذا في غير المكان الذي تختصّ به المرأة أو تشارك فيه عيناً أو منفعةً، وفيه لا أولويّة؛ لتسلّطها على ملكها.

ولو ضاق الوقت بني على ما تقدّم من زوال المانع مع الاضطرار، وعدمه، فعليه يصلّيان معاً، وعلى عدمه يصلّى الرجل أوّلاً على التفصيل.

يب : إنّما ترك المصنّف التاء في عشرة أذرع؛ لأنّ الذراع مؤنثة سماعيّة. وفي بعض عبارات المصنّف(5) وغيره(6) إلحاق التاء، وهو الموجود في رواية عمّار (7). وكأنه اعتباراً

ص: 189


1- انظر المبسوط، ج 1، ص 130.
2- إيضاح الفوائد، ج 1، ص 89.
3- في «م»: أشكل.
4- الكافي، ج 3، ص 298 باب المرأة تصلّي بحيال الرجل .... ح 4 تهذيب الأحكام، ج 2، ص 231 ، ح 907 ،الاستبصار، ج 1، ص 399 ، ح 1522.
5- تحرير الأحكام الشرعيّة، ج 1، ص 210 ، الرقم 683؛ قواعد الأحكام، ج 1، ص 259؛ منتهى المطلب، ج 4، ص 307.
6- المحقّق في المعتبر ، ج 2، ص 111؛ والشهيد في الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 75 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9).
7- المتقدّمة في ص 188.

بذراع اليد، فإنّه يجوز تذكيره وتأنيثه، والذراع الشرعي مثله، والله الموفِّق.

(وتكره) الصلاة (أيضاً في الحمّام) لنهي الصادق علیه السلام عن الصلاة في مواضع وعدَّ منها «الحمّام»(1) و به احتجّ أبو الصلاح(2) على التحريم. ويعارضه نفيه علیه السلام البأس عن الصلاة فيه في حديث آخر (3)، فيحمل النهي على الكراهة توفيقاً، مع ضعف سند ما فيه النهي.

والمراد بالحمّام موضع الاغتسال؛ لأنّ اشتقاقه من الحميم، وهو الماء الحارّ الذي يغتسل به فلا تتعدّى الكراهة إلى مسلخه وبه جزم المصنّف في القواعد(4).

واستقرب في النهاية كراهتها في المسلخ أيضاً معلّلاً بكونه مأوى الشياطين وموضع كشف العورة، وباشتغال الناس له بدخولهم(5) .

وفي التذكرة بنى المسألة على علّة النهي فإن كانت النجاسةَ، لم تكره فيه. وإن كانت كشفَ العورة فيكون مأوى الشياطين كره(6) .

وترتّب الحكم على التعليل غير واضح؛ إذ النص غير معلّل، وإنما الحكم فيه معلّق على المشتقّ، وهو الحمّام فيدور الحكم معه، والتعليل من تقريبات الفقهاء، فلا يستند إليه الحكم.

2

وأمّا سطحه فلا تكره الصلاة عليه قطعاً؛ لفقد النصّ والتعليل.

(و) في (بيوت الغائط ) لما روي عن النبيّ صلى الله عليه وآله و سلم أنّه قال: «إنّ جبرئيل أتاني فقال: إنّا معاشر الملائكة لا ندخل بيتاً فيه كلب ولا تمثال جسد ولا إناء يبال فيه»(7) ونفور

ص: 190


1- الكافي، ج 3، ص 390، باب الصلاة في الكعبة وفوقها .... ح 12؛ الفقيه، ج 1، ص 241، ح 725؛ تهذيب 1، الأحكام، ج 2، ص 219، ح 863: الاستبصار، ج 1، ص 394، ح 1504.
2- الكافي في الفقه، ص 141.
3- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 374، 1554؛ الاستبصار، ج 1، ص 395 ، ح 1505.
4- قواعد الأحكام، ج 1، ص 259 .
5- نهاية الإحكام، ج 1، ص 344.
6- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 406، ذيل المسألة 85 .
7- الكافي، ج 3، ص 393، باب الصلاة في الكعبة وفوقها .... 27؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 377 ، ح 1570.

الملائكة يؤذن بكون مكانه ليس موضع رحمة، فلا يصلح أن يُتّخذ للعبادة، وإذا كان هذا حال ما فيه إناء البول، فما فيه الغائط أو ما أُعِدّ له أولى بالحكم.

ولأنّ بيوت الغائط لا تنفكّ عن النجاسة غالباً.

ولا تكره على سطحها.

(و) في (معاطن الإبل) وهي لغةً: مباركها حول الماء لتشرب عللاً بعد نَهَلٍ، قاله في الصحاح (1). والعلل الشرب الثاني والنهل الشرب الأوّل(2).

والفقهاء جعلوا المعاطنَ أعمَّ من ذلك، وهي مباركها مطلقاً، التي تأوي إليها، كذا قاله المصنّف في المنتهى(3) .

والمستند: ما روي عن النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم أنه قال: «إذا أدركتم الصلاة وأنتم في مراح الغنم فصلّوا فيها فإنّها سكينة وبركة، وإذا أدركتم الصلاة وأنتم في أعطان الإبل فاخرجوا منها فصلّوا فإنّها جنّ من جنّ خُلقت، ألا ترونها إذا نفرت كيف تشمخ(4) بأنفها؟»(5) .

قال في المنتهى:

وهذا التعليل يدلّ على عموم الكراهة لمباركها مطلقاً. قال: ولا بأس بالمواضع التي تبيت فيها الإبل في سيرها أو تناخ فيها لعلفها أو وردها؛ لأنّها لا تسمّى معاطن(6) .

ولا يشترط في تحقّق الكراهة حضور الإبل، بل تكره وإن كانت غائبةً؛ لصدق المعطن مع الغيبة وإن كانت الرواية قد تشعر بخلاف ذلك.

(و) في (قرى النمل) وهي جمع قرية، وهي مجتمع ترابها.

ص: 191


1- الصحاح، ج 4، ص 2165، «عطن».
2- كما في الصحاح، ج 3، ص 1773، «علل».
3- منتهى المطلب، ج 4، ص 321.
4- شمخ بأنفه تكبّر . الصحاح، ج 1، ص 425، «شمخ».
5- السنن الكبرى البيهقي، ج 2، ص 630، ح 4358 .
6- منتهى المطلب، ج 4، ص 321 - 322.

وإنما كرهت الصلاة فيها؛ لقول الصادق علیه السلام : «عشرة مواضع لا يصلّى فيها» وعدّ منها «قرى النمل»(1) .

ولعدم انفكاك المصلّى من أذاها أو قَتل بعضها.

(و) في (مجرى الماء) وهو المكان المُعدّ لجريانه فيه وإن لم يكن فيه ماء.

والمستند قول الصادق علیه لسلام في مرسلة عبدالله بن الفضل حين عدَّ العشرة:« ومجرى الماء» بعد أن ذكر منها الماء (2).

وعلّل أيضاً بأنّه لا يؤمن هجوم الماء فيسلب الخشوع، ومن ثُمَّ كرهت الصلاة في بطون الأودية؛ لكونها مجرى الماء، فجاز أن يهجم عليه.

والأولى الاستناد إلى النصّ، فإنّه قد يأمن هجومه؛ للعلم بعدمه عادةً في كثير من المجاري وبطون الأودية.

قال المصنف في النهاية : ولو أمن السيل احتمل بقاء الكراهة؛ اتباعاً لظاهر النهي. وعدمها؛ لزوال موجبها(3) .

(و) في (أرض السبخة) بفتح الباء، واحدة السباخ، وهي الشيء الذي يعلو الأرض كالملح.

ويجوز كون السبخة بكسر الباء، وهي الأرض ذات السباخ، فتكون إضافة الأرض إليها من باب إضافة الموصوف إلى صفته ك«مسجد الجامع».

وإنّما كره الصلاة فيها؛ لعدم كمال تمكّن الجبهة من الأرض، فلو حصل التمكّن فلا بأس؛ لما رواه أبو بصير قال: سألت الصادقَ علیه السلام عن الصلاة في السبخة لِمَ تكرهه؟ قال: « لأنّ الجبهة لم تقع مستوية» فقلت: إن كان فيها أرض مستوية؟ قال: «لا بأس»(4).

ص: 192


1- الكافي، ج 3، ص 390 باب الصلاة في الكعبة وفوقها .... ح 12؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 219، ح 863؛ الاستبصار، ج 1، ص 394، ح 1504.
2- الكافي، ج 3، ص 390 باب الصلاة في الكعبة وفوقها .... ح 12؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 219، ح 863؛ الاستبصار، ج 1، ص 394، ح 1504.
3- نهاية الإحكام، ج 1، ص 344.
4- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 221 - 222، ج 873 .

(و) مثله (الرمل) المنهال.

(و) في (البيداء) وهي موضع مخصوص بين مكّة والمدينة على ميل من ذي الحليفة.

ونقل الشهيد (رحمه الله) عن بعض العلماء أنّها الشرف الذي أمام ذي الحليفة ممّا يلى مكّة(1) . سُمّيت بذلك؛ لأنّها تبيد جيش السفياني.

(و) في (وادي ضجنان) بالضاد المعجمة المفتوحة والجيم الساكنة: جبل بناحية مكةّ (وذات الصلاصل) جمع صلصال، وهو الطين الحرّ المخلوط بالرمل فصار يتصلصل إذا جفّ، أي يصوت، فإذا طبخ بالنار فهو الفخّار، نقله الجوهري عن أبي عبيدة(2). وبذلك فسرّها الشهيد (رحمه الله)(3) .

وفي نهاية المصنّف أنّ ذات الصلاصل وضجنان والبيداء مواضع خسف، وكره الصلاة في كلّ موضع خسف به. واحتج عليها بأنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لمّا مر بالحجر قال لأصحابه: «لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم مثل ما أصابهم»(4) (5).

وليس في هذا الحديث دلالة على كراهة الصلاة فيها.

نعم، روي أنّ عليّاً علیه السلام ترك الصلاة في أرض بابل لذلك حتّى عبر الفرات، وصلّى في الموضع المشهور بعد ما ردّت له الشمس إلى وقت الفضيلة وكانت قد تجاوزته ولمّا تغرب(6).

ص: 193


1- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 35 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
2- الصحاح ، ج 3، ص 1745، «صلل».
3- الرسالة النفليّة، ص 176 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 18).
4- حيح البخاري، ج 1، ص 167 ، ح 423: صحيح مسلم، ج 4، ص 2285 - 2286، ح 2980/38؛ السنن الكبرى، البيهقي، ج 2، ص 633، ح 4368 : المصنّف، عبد الرزّاق، ج 1، ص 415، ح 1625؛ مسند أحمد، ج 2، ص 73 - 074 ح 4547 .
5- نهاية الإحكام، ج 1، ص 347 .
6- الفقيه، ج 1، ص 203 - 204 ، ح 611: علل الشرائع، ج 2، ص 49 - 50 ، الباب 61، ح 4.

(و) كذا تكره الصلاة (بين المقابر من دون حائل) ولو عنزة منصوبة أو معترضة أو ثوباً أو قدر لبنة (أو بُعد) المصلّي عن القبر (عشرة أذرع) سواء استقبلها أو صلّى بينها.

وخالف في ذلك المفيدُ؛ حيث منع من الصلاة بدون الحائل والبُعْد(1)، وأبو الصلاح حيث حرّمها وتردّد في البطلان (2).

ومستند الجواز: عموم «جُعلت لي الأرض مسجداً»(3) .

وصحيحة عليّ بن يقطين عن الكاظم علیه السلام وقد سأله عن الصلاة بین القبور، قال :«لا بأس»(4).

وأمّا الكراهة فلأنّ القبور من المواضع العشرة التي نهى الصادق علیه السلام عن الصلاة فيها فى مرسلة عبدالله بن الفضل(5) .

ولرواية عمّار عنه علیه السلام قال: سألته عن الرجل يصلّى بين القبور، قال: «لا يجوز ذلك إلّا أن يجعل بينه وبين القبور إذا صلّى عشرة أذرع من بين يديه وعشرة أذرع من خلفه وعشرة أذرع عن يمينه وعشرة أذرع عن يساره ثمَّ يصلّي إن شاء»(6).

والجمع بينهما وبين ما تقدّم بالحَمل على الكراهة.

ولا فرق بين المقبرة الجديدة والعتيقة في ذلك.

وألحق الأنسحاب بالقبور القبرَ والقبرين.

وفي دلالة الأخبار على ذلك نظر.

ص: 194


1- المقنعة، ص 151.
2- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 124 - 125، المسألة 66.
3- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص 172 ، الهامش 1.
4- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 374 ، ح 1555: الاستبصار، ج 1، ص 397، ح 1515 .
5- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص 192 ، الهامش 2 .
6- الكافي، ج 3، ص 390، باب الصلاة في الكعبة وفوقها .... 13: تهذيب الأحكام، ج 2، ص 227 - 228 ؛ح 896؛ الاستبصار، ج 1، ص 397 . ح 1513.

وألحق بعضهم أيضاً استدبار القبر الواحد(1) . وهو أبعد دلالةً.

واكتفى الشيخ بكون القبر خلف المصلّي عن البُعد(2) .

وهو متّجه مع عدم صدق الصلاة بين المقابر، كما لو جعل المقبرة خلفه، وإلّا فقد تقدّم اعتبار تأخّر القبر عنه من خلفه عشرة أذرع.

ولا فرق في ذلك بين قبر الإمام وغيره للإطلاق.

قال الشيخ : وقد وردت رواية بجواز النوافل إلى قبور الأئمّة علیهم السلام، والأصل الكراهة(3).

ولو بني مسجد في المقبرة لم تخرج عن الكراهة بخلاف ما لو نقل المقبور منها، ذكره المصنّف في المنتهى(4) .

وكما تكره الصلاة إلى القبر تكره عليه من غير تحريم، إلّا أن يعلم نجاسة ترابه باختلاطه بصديد الموتى لتكرّر النبش، ويوجب التعدّي إليه أو سجوده عليه.

وقال ابن بابویه تحرم(5) .

(و) في (بيوت النيران) لئلّا يتشبّه بعابديها (6)، قاله الأصحاب.

والظاهر أنّ المراد بها البيوت المُعدّة لإضرام النار فيها، كالأتّون والفُرن ونحوهما، لا ما وجد فيه نار مع عدم إعداد البيت لها بالذات كالمسكن إذا أوقد فيه نار، بل إنّما تكره الصلاة فيه حينئذ إذا كانت موجودةً في قبلة المصلّي، كما سيأتي.

ولا فرق في كراهة الصلاة في بيت النار بين كونها موجودةً فيه حالة الصلاة أم لا. ولو غير البيت عن حالته وأعد لأمر آخر، زالت الكراهة.

ص: 195


1- لم نتحقّقه.
2- النهاية ص 99 المبسوط، ج 1، ص 128 3.
3- النهاية. ص 99 - 100 : المبسوط، ج 1، ص 128 .
4- منتهى المطلب، ج 4، ص 316.
5- الفقيه، ج 1، ص 242، ذيل الحديث 727.
6- في «م»: بعابدها.

(و) في بيوت (الخمور) وسائر المسكرات؛ لقول الصادق علیه السلام :« لا تصلّ في بيت فيه خمر أو مسكر »(1).

وهذه الرواية تدلّ بإطلاقها على عدم الفرق بين كون البيت معدّاً لإحراز الخمر و عدمه، بل ما وضع فيه الخمر وإن قلّت قدراً أو مدّة.

وعلّلها المصنّف في النهاية بعدم انفكاكها من النجاسة(2). وهو يقتضي اعتبار إعدادها لها كبيوت النيران وسياق العبارة هنا يدلّ عليه لعطفها عليها.

(و) في بيوت (المجوس) لقول الصادق علیه السلام : «لا تصلّ في بيت فيه مجوسي»(3) .

ولعدم انفكاكها من النجاسة.

فإن رشّ البيت زالت الكراهة؛ لقول الصادق علیه السلام : «رشّ وصلّ» لمّا سُئل عن الصلاة في بيت المجوسي(4) .

والحديث الأوّل يدلّ بظاهره على كراهة الصلاة في مطلق البيت الذي فيه مجوسي ومثله عبّر المصنّف في القواعد(5) .

ويمكن أن يراد به بيته كما يشعر به الحديث الآخر، والتعليل بالنجاسة.

(و) في (جوادّ الطرق) لما روي عن النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم أنّه نهى عن الصلاة بمحجّة الطريق(6).

ولقول الصادق علیه السلام : «لا بأس أن تصلّي في الظواهر التي بين الجوادّ، فأمّا على الجوادّ فلا تصلّ فيها»(7).

ص: 196


1- الكافي، ج 3، ص 392 ، باب الصلاة في الكعبة وفوقها .... 24؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 377 ، ح 1568؛ الاستبصار، ج 1، ص 189، ح 660 .
2- نهاية الإحكام، ج 1، ص 346.
3- الكافي، ج 3، ص 389 باب الصلاة في الكعبة وفوقها .... ح 6: تهذيب الأحكام، ج 2، ص 377، ح 71 .
4- الكافي، ج 3، ص 387 باب الصلاة في الكعبة وفوقها .... ح 1 تهذيب الأحكام، ج 2، ص 222، ح 875.
5- قواعد الأحكام، ج 1، ص 259 .
6- سنن ابن ماجة، ج 1، ص 246، ح 747 السنن الكبرى البيهقي، ج 2، ص 466، ح 3794.
7- الكافي، ج 3، ص 388 باب الصلاة في الكعبة وفوقها .... 5 تهذيب الأحكام، ج 2، ص 220، ح 865 .

ومنع ابن بابويه والمفيد من الصلاة فيها(1) .

ولا فرق في الكراهة بين أن تكون الطريق مشغولةً بالمارّة وقت الصلاة أو لم تكن؛ للعموم.

نعم، لو تعطّلت المارّة بصلاته فسدت؛ للنهي عن الصلاة حينئذٍ باستحقاقهم السلوك بالأصالة، واشتراط الصلاة وغيرها ممّا ليس بسلوك بعدم الضرر بالسالك.

والمراد بجوادّ الطرق العظمى منها، وهي التي يكثر سلوكها، ومقتضى ذلك عدم كراهة الصلاة على الطريق غير الجادّة، لكنّ الأجود الكراهة مطلقاً وإن كانت الجادّة أغلظ .

ويدلّ على العموم قول الرضا علیه السلام :« كلّ طريق يوطأ ويتطرّق كانت فيه جادّة أم لم تكن فلا ينبغي الصلاة فيه»(2) .

(و) صلاة الفريضة في (جوف الكعبة) لقول الصادق علیه السلام : «لا تصلّ المكتوبة في الكعبة»(3) ونحوها من الأخبار، وهذا هو المشهور بين الأصحاب.

(و) مثله الصلاة على (سطحها).

وقال الشيخ في الخلاف - وابن البرّاج(4) - بتحريم صلاة الفريضة فيها؛ تمسّكاً بظاهر قوله تعالى: (فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ)(5) أي نحوه، وإنّما يصدق ذلك إذا كان خارجاً عنها.

ولأنّ النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم دخلها ودعا ثمّ خرج فصلّى ركعتين وقال: «هذه القبلة»(6) فإذا صلّى

ص: 197


1- الفقيه، ج 1، ص 242 - 243 ، ذيل الحديث 727 المقنعة، ص 151.
2- الكافي، ج 3، ص 389 باب الصلاة في الكعبة وفوقها .... ح 8: الفقيه، ج 1، ص 243، ح 728 تهذيب الأحكام، ج 2، ص 220، ح 866 .
3- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 279، ح 953؛ الاستبصار، ج 1، ص 298، ح 1101.
4- المهذّب، ج 1، ص 76.
5- البقرة (2): 144 و 150.
6- صحيح مسلم، ج 2، ص 968، ح 395/ 1330؛ سنن النسائي، ج 5، ص 219 - 220؛ مسند أحمد، ج 6، ص 261، ح 21247 وص 271، ح 21302.

في جوفها لم يصلّ إلى ما أشار إليه أنّه القبلة(1) . وللرواية المتقدّمة(2).

وأجيب(3) : بأنّ المراد بالنحو الجهة، وليس المراد جهة جميعه قطعاً؛ لجواز صلاة الخارج إلى أيب جزء كان منه فليكن مثله في الداخل، فمتى استقبل جزءاً منها(4) فقد استقبلها. وكذا القول في إشارته علیه السلام بكونه القبلة . والنهي في الرواية المتقدّمة(5) محمول على الكراهة؛ جمعاً بينه وبين غيره فقد روى يونس بن يعقوب: قلت لأبي عبدالله علیه السلام : حضرت الصلاة المكتوبة وأنّا في الكعبة أفأصلّي فيها ؟ قال : «صل»(6).

وإنّما قيّدنا كراهة الصلاة فيها بالفريضة؛ لإطباقهم على استحباب النافلة داخلها.

(و) في (مرابط الخيل والبغال) للنهي عنها في مقطوعة سماعة(7) . ولكراهة فضلاتها، وُبعد انفكاكها منها.

ولا فرق فيها بين الوحشيّة والإنسيّة، ولا بين الحاضرة والغائبة.

ومرابط الخيل جمع مربط - بكسر الباء وفتحها : موضع ربطها ومأواها.

وزاد بعض الأصحاب مرابط الحمير(8) ؛ لمشاركتها لهما في العلّة، وهي موجودة في رواية الكليني عن سماعة(9) .

(والتوجّه) في حال الصلاة (إلى نارٍ مضرمة) أي موقدة؛ لصحيحة عليّ بن جعفر

ص: 198


1- الخلاف، ج 1، ص 439 - 440، المسألة 186.
2- آنفاً.
3- المجيب هو المحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 137 .
4- أي من الكعبة.
5- في ص 197.
6- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 279، ح 955 .
7- الكافي، ج 3، ص 388، باب الصلاة في الكعبة وفوقها .... 3؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 220، ح 867: الاستبصار، ج 1، ص 395، ح 1506.
8- كالشهيد في ذكرى الشيعة، ج 3، ص 34 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
9- الكافي، ج 3، ص 388 باب الصلاة في الكعبة وفوقها .... ح3.

عن أخيه موسى علیه السلام قال: سألته عن الرجل يصلّي والسراج موضوع بین يدیه في القبلة، فقال: «لا يصلح أن يستقبل النار»(1) .

وفي رواية عمّار النهي عن الصلاة إلى النار ولو كان في مجمرة أو قنديل معلّق(2) .

وهاتان الروايتان دالّتان على كراهة استقبال مسمّى النار وإن لم تكن مضرمةً، فتقييد المصنّف النار بالمضمرة محمول على المؤكّد من الكراهة.

وحرّم أبو الصلاح استقبالها، وتردّد في الفساد(3)، كما مرّ في نظائره؛ حملاً للنهي على ظاهره .

وحمله على الكراهة طريق الجمع بين ما اشتمل عليه وبين غيره، كقول الصادق علیه السلام :« لا بأس أن يصلّي الرجل و النار والسراج والصورة بين يديه، إنّ الذي يصلّي له أقرب إليه من(4) الذي بين يديه»(5) .

(أو) التوجّه إلى (تصاوير) وتماثيل ؛ لصحيحة محمّد بن مسلم، قال: قلت لأبي جعفر علیه السلام : أصلّي والتماثيل قُدّامي وأنا أنظر إليها؟ قال: «لا، اطرح عليها ثوباً، ولا بأس إذا كانت عن يمينك أو شمالك أو خلفك أو تحت رجلك أو فوق رأسك، وإن كانت في القبلة فاطرح عليها ثوباً وصلّ»(6).

ولأنّ الصورة تعبد من دون الله فكره(7) التشبّه بفاعله. ولأنّها يشتغل بالنظر إليها .

ص: 199


1- الكافي، ج 3، ص 391 باب الصلاة في الكعبة وفوقها .... ح 16؛ الفقيه، ج 1، ص 250، ح 764؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 225 - 226، ح 889؛ الاستبصار، ج 1، ص 396، ح 1511.
2- الكافي، ج 3، ص 390 - 391، باب الصلاة في الكعبة وفوقها .... ح 15؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 225 ح888.
3- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 124 - 125، المسألة 66.
4- في «الأصل» و «م» والطبعة الحجريّة: «إنّ الذي يصلّي إليه أقرب من ....» وما أثبتناه من المصدر.
5- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 226، ح 890: الاستبصار، ج 1، ص 396، ح 1512.
6- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 226، ح 891، و ص 370 ، ح 1541؛ الاستبصار، ج 1، ص 394، ح 1502.
7- في «م»: فيكره.

(أو) التوجّه إلى (مصحف مفتوح) لرواية عمّار عن أبي عبدالله علیه السلام في الرجل يصلّي وبين يديه مصحف مفتوح في قبلته، قال: «لا»(1) .

ولحصول التشاغل عن العبادة بالنظر إليه.

وكره المصنّف في المنتهى والنهاية التوجّه إلى كلّ شاغل من كتابة ونقش وغيرهما؛ لاشتراك الجميع في العلّة(2).

ولا فرق في ذلك بين القارئ وغيره. نعم يشترط عدم المانع من الإبصار، كالعمى والظلمة.

(أو) التوجّه إلى (حائط ينزّ من بالوعة) يبال فيها؛ لقول الصادق علیه السلام وقد سُئل عن مسجد ينزّ حائط قبلته من بالوعة يبال فيها، فقال: «إن كان نزّه من بالوعة يبال فيها فلا تصلّ فيه، وإن كان من غير ذلك فلا بأس»(3).

ولأنّه ينبغي تعظيم القبلة، فلا تناسبه النجاسة.

ولو نزّ الحائط من الغائط قيل كره بطريق أولى؛ لأنّه أفحش(4) .

وتردّد المصنّف في التذكرة والنهاية فيما ينزّ من الماء النجس والخمر؛ نظراً إلى اطّراد العلّة، والتفاتاً إلى قول الصادق علیه السلام : «وإن كان من غير ذلك فلا بأس»(5) (6).

وهذا التوجيه ينافي الأولويّة التي ادّعيت في الغائط، وكأنّه ليس أفحش من الخمر فالإشكال آتٍ في الجميع.

(أو) التوجّه إلى (إنسان مواجه) بفتح الجيم وكسرها، ذكر ذلك جماعة من

ص: 200


1- الكافي، ج 3، ص 390 - 391 باب الصلاة في الكعبة وفوقها .... ح 15؛ الفقيه، ج 1، ص 254، ح 780؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 225، ح 888 .
2- منتهى المطلب، ج 4 ص 344: نهاية الإحكام، ج 1، ص 348 .
3- الكافي، ج 3، ص 388 باب الصلاة في الكعبة وفوقها .... ح 4؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 221، ج 871 .
4- القائل هو المحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 140.
5- تقدم في الهامش 3.
6- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 412 المسألة 85؛ نهاية الإحكام، ج 1، ص 348.

الأصحاب(1) . وعلّل بحصول التشاغل به، و بأنّ فيه تشبّهاً بالساجد لذلك الشخص.

(أو) التوجّه إلى (باب مفتوح) قاله أبو الصلاح(2)، وتبعه الأصحاب.

قال في المعتبر: لا بأس باتّباع فتواه؛ لأنّه أحد الأعيان(3).

وعلّله المصنّف في التذكرة والنهاية باستحباب السترة بينه وبين ممرّ الطريق(4) .

ولا فرق في الباب بين الداخل والخارج.

(ولا بأس بالبِيَع والكنائس) من غير كراهية(5) على المشهور؛ لصحيحة العيص بن القاسم قال: سألت أبا عبدالله علیه السلام عن البيع والكنائس يصلّى فيها؟ فقال: «نعم»(6).

وروي عنه علیه السلام أنّه سُئل عن الصلاة فيها، فقال: «صلّ فيها فقد رأيتها، ما أنظفها» قلت: أصلّى فيها وإن كانوا يصلون فيها؟ قال: «نعم»(7).

ويستحبّ أن يرشّ الموضع الذي يصلّى فيه منها؛ لصحيحة عبدالله بن سنان(8). وينبغي أن يتركه حتّى يجفّ، كما نبّه عليه في المبسوط والنهاية في رشّ بيت المجوس (9).

وهل يشترط في دخولها إذن أهل الذمّة؟ احتمله في الذكرى تبعاً لغرض الواقف وعملاً بالقرينة (10) .

ويحتمل عدمه؛ لإطلاق الأخبار بالصلاة فيها.

ص: 201


1- منهم: سلّار في المراسم، ص 66؛ وأبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه، ص 141؛ والشهيد في الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 75-76 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9).
2- حكاه عنه المحقّق في المعتبر، ج 2، ص 116؛ والعلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 411، المسألة 85.
3- المعتبر، ج 2، ص 116.
4- ذكرة الفقهاء، ج 2، ص 411 المسألة 85 نهاية الإحكام، ج 1، ص 348 .
5- في «م»: كراهة.
6- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 222، ح 874.
7- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 222، ح 876.
8- الكافي، ج 3، ص 387، باب الصلاة في الكعبة وفوقها .... ح 1: تهذيب الأحكام، ج 2، ص 222، ح 875.
9- المبسوط ، ج 1، ص 130: النهاية، ص 100.
10- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 38 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).

(و) كذا لا بأس بالصلاة في (مرابض الغنم) - بالضاد المعجمة - جمع مريض، وهو مأواها ومقرّها عند الشرب كمعطن الإبل، نصّ عليه الجوهري(1) ؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إذا أدركتم الصلاة وأنتم في مراح الغنم فصلوا فيها فإنها سكينة وبركة»(2).

(و) كذا لا بأس بالصلاة في (بيت اليهودي والنصراني) لقول الصادق علیه السلام في رواية أبي جميلة: «لا تصلّ في بيت فيه مجوسي ولا بأس بأن تصلّي في بيت فيه يهودي أو نصراني»(3). وهذه الرواية تشمل بيتهما وما هما فيه وإن لم يكن لهما، فتدلّ على مطلوب المصنّف وكأنّ المصنّف يرى أنّ المراد بذلك بيتهما، كما تقدّم الكلام فيه في بيت المجوسي .

واعلم أنّ أبا الصلاح حرّم الصلاة في أكثر هذه المواضع؛ نظراً إلى صورة النهي في الأخبار، وتردّد في فساد الصلاة بذلك(4) . والله أعلم.

[تتمة في أحكام المساجد]

هذه (تتمّة) ل«باب مكان المصلي» في ذكر شيء من أحكام المساجد، وناسب ذكرها هنا؛ لأنّ المسجد من جملة المكان، فكان ذكر أحكامه في بابه أولى.

(صلاة الفريضة) بمعنى المفروضة وهي الواجبة لمرادفة الفرض للواجب عندنا (في) مطلق (المسجد أفضل) من صلاتها في غيره من الأمكنة.

ثمّ المساجد مع اشتراكها في الأفضليّة تتفاوت في الفضيلة، فالصلاة في المسجد الحرام أفضل من سائر المساجد عندنا، ثمّ مسجد النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم، ثمّ مسجد الكوفة والأقصى، ثمّ المسجد الجامع، ثمّ مسجد القبيلة، ثمّ السوق.

ص: 202


1- الصحاح، ج 2، ص 1076، «ربض».
2- السنن الكبرى البيهقي ، ج 2، ص 630، ح 4358 .
3- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 377، ح 1571: وفي الكافي، ج 3، ص 389، باب الصلاة في الكعبة وفوقها . 389 ، ح 6، عن أبي جميلة عن أبي أسامة.
4- الكافي في الفقه، ص 141.

وقد تتفاوت المساجد غير الأربعة بفضائل أخرى، كمسجد السهلة وغيره من المساجد الشريفة.

وما ورد في الأخبار من تضاعف الصلاة في المساجد الموصوفة بوصف مع اشتراك مساجد فيها بعضها أفضل من بعض، فيمكن حمله على اشتراكها في ذلك القدر بسبب ذلك الوصف، ولا ينافي زيادة بعضها لمزيّة أُخرى أو على أنّ الثواب المترتّب على تلك الصلوات المعدودة مختلف بحسب اختلافها في الفضيلة، فجاز أن تترتب على كلّ صلاة عشر حسنات مثلاً، وعلى الأخرى عشرون، أو ارتفاع عشر درجات وفي بعضها

عشرون، ونحو ذلك.

وقد روى الشيخ - في الصحيح - عن معاوية بن عمّار عن الصادق علیه السلام قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وآله سلم: الصلاة في مسجدي كألف في غيره إلّا المسجد الحرام فإن الصلاة فيه تعدل ألف صلاة في مسجدي»(1) .

وعن الصادق علیه السلام: «مكة حرم الله وحرم رسوله وحرم عليّ بن أبي طالب علیهما السلام، الصلاة فيها بمائة ألف صلاة، والدرهم فيها بمائة ألف درهم، والمدينة حرم الله وحرم رسوله وحرم عليّ بن أبي طالب علیهما السلام، الصلاة فيها بعشرة آلاف صلاة، والدرهم فيها بعشرة آلاف درهم، والكوفة حرم الله وحرم رسوله وحرم عليّ بن أبي طالب علیهما السلام، الصلاة فيها بألف صلاة»(2).

وعن الباقر علیه السلام: «لو يعلم الناس ما في مسجد الكوفة لأعدوا له الزاد والرواحل من مكان بعيد، إنّ صلاة فريضة فيه تعدل حجّة، وصلاة نافة تعدل عمرة»(3) .

وفي خبرٍ آخر عن عليّ علیه السلام : النافلة فيه تعدل عمرة مع النبيّ صلی الله علیه و اله وسلم، والفريضة تعدل حجّة مع النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم ، وأنّه قد صلّى فيه ألف نبيّ وألف وصيّ»(4)، وأنّ أمير المؤمنين علیه السلام مَنَع

ص: 203


1- تهذيب الأحكام، ج 6، ص 14 - 15. ح 30.
2- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 31 - 32، ح 58 .
3- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 32، ح 60.
4- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 32 ، ح 61.

رجلاً من السفر إلى المسجد الأقصى، وأمره بلزوم مسجد الكوفة(1) .

وروى الصدوق في الفقيه عن أمير المؤمنين علیه السلام أنّه قال: «صلاة في بيت المقدس تعدل ألف صلاة، وصلاة في المسجد الأعظم تعدل مائة [ألف] صلاة، وصلاة في مسجد القبيلة تعدل خمساً وعشرين، وصلاة في مسجد السوق اثنتا عشرة، وصلاة الرجل في منزله صلاة واحدة »(2) .

وروى ابن أبي عمير عن بعض أصحابه، قال: قلت لأبي عبدالله علیه السلام: إنّي لأكره : الصلاة في مساجدهم، قال: «لا تكره، فما من مسجد بُني إلّا على قبر نبيّ أو وصيّ نبيّ قُتل فأصاب تلك البقعة رشّة من دمه فأحبّ الله أن يذكر فيها، فأدِّ فيها الفريضة والنوافل واقض ما فاتك»(3) .

إذا تقرّر ذلك، فهنا سؤالات :

أحدها: أنّ مسجد الحرام مشتمل على الكعبة، وقد تقدّم أنّ الفريضة فيها مكروهة، فإذا فرض صلاة فريضة خارج الكعبة وأخرى فيها، فإما أن تتساويا في الفضل تتفاوتا ويلزم من الأوّل مساواة المكروه لغيره، ومن الثاني اختلاف جهات المسجد في الفضيلة، وقد ورد الخبر بتعليق العدد المعيّن على الصلاة فيه من غير تخصيص بجهة.

وثانيها: أنّ مسجد النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم مختلف في الشرف؛ فإنّ الروضة أفضل من غيرها من بقاعه وخلف القبر الشريف بحيث تكون الصلاة إلى القبر من غير حائل أو بعد عشرة أذرع مكروهة، فلا يتم إطلاق القول بأنّ الصلاة فيه مضاعفة بالقدر المذكور، وإلا لزم مساواة المكروه لغيره والمشروف للأشرف.

وثالثها: أنّ المسجدين قد زيد فيهما على ما كان في زمن النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم، فهل تكون

ص: 204


1- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 251، ح 689.
2- الفقيه، ج 1، ص 233 - 235، ح ،702 ، وما بين المعقوفين من المصدر.
3- الكافي، ج 3، ص 370 - 371 باب بناء المساجد وما يؤخذ منها .... ح 14؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 258، ح 723 .

الصلاة في القدر المزيد مساويةً للصلاة في الأصل أم لا؟ فإن قلتم بعدم التساوي حملاً الكلام النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم على المسجد المعهود في وقته، أشكل إطلاق قول الصادق علیه السلام : «إنّ صلاة في المسجد الحرام بكذا وفي مسجد النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم بكذا»(1) فإنّ الزيادة فيه وقعت قبل زمان الصادق علیه السلام ، فكان ينبغي بيان الحال حذراً من الإجمال الحاصل من تأخير البيان. وإن قلتم بمساواة الزائد للأصل لزم منه إلحاق كلّ ما يزاد به حتّى لو زيد في هذا الزمان به شيء، كان ثواب الصلاة فيه مثل ثوابه، مع أنّه لا يسمّى ذلك المزيد مسجد الحرام ولا مسجد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم إلّا بطريق المجاز لا الحقيقة.

ورابعها أن قوله علیه السلام: «صلاة في مسجدي كألف في غيره»(2) يدخل في إطلاق «الغير» باقي المساجد والأماكن التي يباح فيها الصلاة والتي تكره فيها وغير ذلك، فإن كان المضاعفة المذكورة الحاصلة بالصلاة في مسجده علیه السلام متساويةً بالنسبة إلى مطلق الصلاة في غيره لزم مساواة الأفضل لغيره والمكروه لغيره، وذلك غير جائز. وإن كان المراد بالغير مكاناً مخصوصاً، فلابد من بيانه حذراً من تأخير البيان عن وقت الخطاب.

وخامسها: أنّ الحديث الأوّل دلّ على أنّ الصلاة في المسجد الحرام تعدل ألف ألف صلاة؛ لأنّه جعل الصلاة فيه بألف في مسجده علیه السلام مع مسجد الاول مع حكمه بأنّ الصلاة في بألف، وفي الخبر الثاني جعل الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف، وذلك يوهم التنافي إلى أن يقوم الدليل بما يصحّح التأويل.

وسادسها: أنّه جعل الصلاة في مسجد النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم في الحديث الأوّل بألف وفي الثاني

بعشرة آلاف، والكلام فيه كالكلام فيما قبله.

وسابعها: أنّه جعل الصلاة في مسجده علیه السلام في الحديث الأوّل بألف وجعل الصلاة في سجد الكوفة بألف ، وذلك يدلّ على تساويهما في الفضل، وهو خلاف الإجماع، وقد تقدّم(3)

ص: 205


1- تقدّمت الإشارة إلى مصدره في ص 203 ، الهامش 2.
2- تقدّمت الإشارة إلى مصدره في ص 203 الهامش 1.
3- في ص 203.

الحكم بكون مسجد النبي صلى الله عليه وآله و سلم أفضل.

ويمكن الجواب عن الأوّل: بأنّ مساواة الصلاة في الكعبة لباقي المسجد في عدد المضاعفة لا تستلزم المساواة في الأفضليّة؛ لجواز ترتّب الثواب على العدد الحاصل في سائر المسجد أزيد من الثواب المترتّب على العدد الحاصل من الصلاة في الكعبة، كما تقدّمت الإشارة إليه في أوّل الباب، وهذا هو شأن الصلاة المكروهة بالنسبة إلى غيرها المساوي لها، فإنّ صلاة ركعتين - مثلاً - في وقت ومكان مكروهين أقلّ ثواباً من ركعتين في غيرهما مع تساويهما عدداً، أو يقيّد إطلاق المسجد بما عدا الكعبة؛ لخروجها بأمرٍ خاصّ، فيكون كالعام المخصوص بمنفصل، مع أنّه لا قاطع بكون جملة المسجد؛ لجواز كونه حولها. ويدلّ عليه اختصاصها باسم خاصّ وحكم خاصّ، وما الدليل على كونها من جملته؟ والله اعلم.

وعن الثاني: بأنّ إطلاق المضاعفة في المسجد يقتضي اشتراك كلّ جزء منه في هذا الوصف وإن كان مكروهاً أو مشروفاً، ويبقى الجزء الشريف زائداً إمّا بكثرة ثواب ذلك العدد، كما مرّ، أو بعدد زائد لم يذكر، كما في مسجدين جامعين أو مسجدي قبيلتين مختلفين في الشرف فإنّ اشتراكهما في وصف تحصل به المضاعفة لا ينافي اختصاص أحدهما بأمر آخر.

وعن الثالث: بإمكان اختصاص المضاعفة المذكورة بما وقع في زمانه صلی الله علیه وآله وسلم، ولا ينافيه حينئذٍ كلام الصادق علیه السلام وإن تقدّمت الزيادة على زمانه؛ لأنّها بمنزلة مسجد متجدّد، فلا ينصرف الإطلاق إليها.

ويمكن حمله على ما يصدق عليه عرفاً أنّه مسجد الحرام أو مسجد النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم، ويلتزم بدخول المزيد في هذا المعنى؛ نظراً إلى الحقيقة العرفيّة، ولا بُعْد فيه؛ فإنّ فضل الله تعالى وجوده يسع ذلك.

ويمكن دخول ما كان موجوداً في زمن الصادق علیه السلام لا غير باعتبار إطلاقه علیه السلام من غیر بیان فلا إشكال على جميع هذه التقادير.

ص: 206

ولو تكلّف متكلّف إدخالَ جميع ما يزاد فيهما إلى آخر الدنيا بحيث يطلق عرفاً على الجميع اسم المسجد الخاصّ وحصول المضاعفة فيه، لم يكن بعيداً؛ نظراً إلى اشتراك الجميع في إطلاق الاسم عرفاً.

وقد روى زرارة عن الباقر علیه السلام أنّه كان يأخذ بيده في بعض الليل فيتنحّى ناحية ثمّ يجلس فيتحدّث في المسجد الحرام فربما ،نام فقلت له في ذلك، فقال: «إنّما يكره أن ينام في المسجد الذي كان على عهد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فأمّا في هذا الموضع فليس به بأس»(1) ، وهو يؤيّد الاحتمال الأوّل.

وروی محمّد بن مسلم قال: سألته عن حدّ مسجد الرسول صلى الله عليه وآله و سلم، فقال: «الأسطوانة

عن التي عند رأس القبر إلى الأسطوانتين من وراء المنبر عن يمين القبلة، وكان من وراء المنبر طريق تمرّ فيه الشاة»(2) .

وروی جمیل بن درّاج قال: سمعت أبا عبدالله يقول: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مابين منبري وبيوتي(3) روضة من رياض الجنّة، وصلاة في مسجدي تعدل ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلّا المسجد الحرام»» قال جميل قلت له: بيوت النبيّ وبيت عليّ منها؟ قال: «نعم، وأفضل»(4) .

و نحوه روی یونس بن يعقوب عنه علیع السلام(5) .

وهو يؤيّد الثاني، إلّا أن تخصّ الفضيلة بهذه الزيادة الخاصّة.

وعن الرابع: أنّ الغير محمول على إطلاقه، ويدخل فيه جميع الأغيار حتّى المساجد الشريفة بدليل استثنائه علیه السلام المسجد الحرام، فإنّ الاستثناء حقيقة في المتّصل، وهو إخراج ما لولاه لدخل في اللفظ. ويندفع الإشكال بأنّ العدد المضاعف إذا كان حاصلاً

ص: 207


1- الكافي، ج 3، ص 370، باب بناء المساجد وما يؤخذ منها .... ح 11 تهذيب الأحكام، ج 3، ص 258، ح 721 .
2- الكافي، ج 4 ص 554 باب المنبر والروضة ومقام النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم ، ح 4.
3- في الأصل وتهذيب الأحكام: «بيتي».
4- الكافي، ج 4، ص 556، باب المنبر والروضة ومقام النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم . ح 10؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 7 - 8، ح 13 .
5- الكافي، ج 4، ص 556، باب المنبر والروضة ومقام النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم ، ح 13 تهذيب الأحكام، ج 1، ص 8، ح 16.

بالإضافة إلى الصلاة في أفضل المواضع الداخلة في الغيريّة، كان حاصلاً بالإضافة إلى الأدنى بطريق أولى. ومساواة المفضول لغيره يندفع بما تقدّم من بحث اتّفاق العدد مع اختلاف الثواب، أو بأن التخصيص بعددٍ لا يقتضي نفي ما زاد، فلا يلزم من تضاعف الصلاة في المسجد المخصوص بقدر الصلاة الواقعة في أفضل المواضع غيره ألف مرّة عدم تضاعفها بأزيد من ألف فى غير ذلك الموضع الشريف، فإنّ الألف تصدق وإن كان الواقع أزيد؛ لدخولها في ضمنه. أو يقال: إنّ ذلك يختلف باختلاف المصلين والصلاة بالنسبة إلى حضور القلب ،وعدمه، وبالنسبة إلى المتقين وغيرهم، فقد صح أنّ صلاة مَنْ أقبل بقلبه أفضل وأكثر ثواباً، بل روي(1) أنّه لا يقبل غيرها، وأنّ التقوى توجب تضعيف الثواب أو القبول. وقريب منه ما روي عن النبيّ صلی الله علیه و آله وسلم من أنّ أفضل الأعمال الصلاة لوقتها(2). وروي عنه صلی الله علیه و آله وسلم أنّ أفضل الأعمال برّ الوالدين (3). وروي عنه أنّ أفضله الجهاد في سبيل الله(4) ، إلى غير ذلك.

وقد نزّله المحقّقون على اختلاف ذلك باختلاف الأشخاص السائلين، فإنّه صلی الله علیه و آله وسلم طبيب النفوس، فيعطي كلّ مريض ما يوافقه من الدواء ويميله إلى الشفاء.

وعن الخامس: أنّ الألف ألف صلاة منها ألف في مسجد النبيّ صلی الله علیه و آله وسلم، والباقي في غيره، كما يقتضيه الكلام. والمائة الألف المذكورة في الحديث الآخر ليس فيها تعيين موضع الصلاة، فيمكن أن تقع في أماكن مختلفة الفضيلة بحيث يطابق العدد المذكور في الأوّل، فإنّ المائة الألف مع إطلاقها كما تحتمل النقصان عن ألف ألفٍ كما هو الظاهر - يمكن زيادتها عليها، كما لو وقعت في مسجد النبيّ صلی الله علیه و آله وسلم؛ لعدم تعيين مكانها، فلتحمل على وجه يساوي العدد الآخر توفيقاً بين الأخبار بقدر الإمكان.

ومثله الجواب عن السادس والسابع.

ص: 208


1- دعائم الإسلام، ج 1، ص 158 .
2- صحيح مسلم، ج 1، ص 90 . ح 85/140.
3- صحيح مسلم، ج 1، ص 90 . ح 85/140.
4- حیح مسلم ، ج 1، ص 89، ح 84/136 .

ويجاب عن الأخير أيضاً بأن المساواة في فضيلة الصلاة لا تقتضي المساواة مطلقاً؛ لجواز اختصاص أحدهما بفضيلة أُخرى لا تتعلّق بالصلاة يصير باعتبارها أفضل من الآخر وإن ساواه بالنسبة إلى الصلاة، وهذا أمر موجود في الأماكن وغيرها.

وقد تقدّم ما يزيده بياناً، فإنّ الروضة - مثلاً - الصلاة فيها بألف أو بعشرة آلاف وفي غيرها كذلك، مع أنّها أفضل، فلم يلزم من مساواتها لغيرها في مضاعفة عدد الصلاة المساواة في الفضيلة والله أعلم بحقائق أحكامه.

(و) صلاة (النافلة في المنزل) وما يقوم مقامه من الأمكنة الساترة للحسّ والشخص أفضل من المسجد؛ لأن فعلها في السرّ أبلغ في الإخلاص وأبعد من الرياء ووساوس الشيطان.

وقال علیه السلام: «أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلّا المكتوبة »(1).

وأمر صلی الله علی وآله وسلم أصحابه أن يصلوا النوافل في بيوتهم(2).

ونافلة الليل في ذلك آكد؛ لما في إظهارها من خوف تطرّق الرياء.

ولو رجا بصلاة النافلة في الملأ اقتداء الناس به ورغبتهم في الخير وأمن على نفسه

الرياء ونحوه ممّا يفسد العبادة، لم يبعد زوال الكراهة، كما في الصدقة المندوبة.

ويؤيّده ما رواه محمّد بن مسلم عن أبي جعفر علیه السلام قال: «لا بأس أن تحدّث أخاك إذا رجوت أن تنفعه وتحثّه، وإذا سألك هل قمت الليلة أو صمت؟ فحدثه بذلك إن كنت فَعَلْتَه فَقُلْ قد رزق الله ذلك، ولا تقل: لا، فإنّ ذلك كذب»(3) .

(ويستحبّ اتِّخاذ المساجد) استحباباً مؤكداً.

قال الصادق علیه السلام : «مَنْ بنى مسجداً بنى الله له بيتاً في الجنّة» قال أبو عبيدة الحذاء

ص: 209


1- المعجم الكبير، الطبراني ، ج 5، ص 144 - 145، ح 4896.
2- صحيح مسلم، ج 1، ص 539 - 540، ح 781/213؛ سنن النسائي، ج 3، ص 198 ؛ السنن الكبرى البيهقي. 1، ج 3، ص 155، ح 5236 ؛ مسند أحمد ، ج 1، ص 232 ، ح 21072.
3- كتاب العلاء بن ،رزین ص 154 .

راوي الحديث عنه علیه السلام : فمرّ بي أبو عبدالله علیه السلام في طريق مكّة وقد سويت أحجاراً مسجدٍ فقلت: جعلت فداك نرجو أن يكون هذا من ذاك، فقال: «نعم» (1).

وفي بعض الأخبار: «مَنْ بنى مسجداً كمفحص قطاة»(2) إلى آخره.

والمفحص كمقعد هو الموضع الذي تكشفه القطاة في الأرض وتلينه بجؤجؤها فتبيض فيه. والتشبيه به على طريق التمثيل مبالغةً في الصغر.

ويمكن كون وجه الشبه عدم احتياجه في ثبوت ما يترتّب عليه إلى بناء جدار ،وغيره، بل يكفي رسمه، كما نبه عليه فعل أبي عبيدة.

ويستحبّ اتخاذها (مكشوفةً) لما رواه الحلبي قال: سألته عن المساجد المظلّلة يكره القيام فيها؟

قال: «نعم، ولكن لا يضركم الصلاة فيها اليوم، ولو كان العدل لرأيتم كيف يصنع في ذلك»(3) .

لكن قد روي أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله و سلم ظلّل مسجده، رواه عبدالله بن سنان عن الصادق علیه السلام قال:« بنی رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجده فلمّا اشتدّ الحرّ على أصحابه فقالوا: يا رسول الله لو أمرت بالمسجد فظلّل قال نعم فأمر به فأقيمت فيه سواري من جذوع النخل ثمّ طرحت عليه العوارض(4) ، والخَصَف(5) ، والإذخر فعاشوا فيه حتى أصابتهم الأمطار فجعل المسجد يكف(6) عليهم، فقالوا: يا رسول الله لو أمرت بالمسجد ،فطيّن، فقال لهم رسول الله: لا

ص: 210


1- الكافي، ج 3، ص 368، باب بناء المساجد وما يؤخذ منها .... ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 264، ح 748.
2- الفقيه، ج 1 ، ص 152، ح 704 .
3- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 253، ح 695.
4- العوارض، واحدتها العارضة، وهي أخشاب توضع على السقف عرضاً إذا أرادوا تسقيفه. تاج العروس، ج 18، ص 390، «عرض».
5- الخصف: جمع خصفة، وهي بسط تنسج من سعف النخل، وأوعية يجعل فيها التمر. تاج العروس، ج 23،ص 214. «خصف».
6- وكف السقفُ: سال ماء المطر منه. المعجم الوسيط، ص 1054، «وَكَفَ».

عريش کعریش ،موسی فلم یزل كذلك حتى قبض صلی الله علیه وآله وسلم»(1) .

قال في الذكرى:

ولعلّ المراد به - أعني التظليل المكروه - تظليل جميع المسجد أو تظليل خاصّ أو في بعض البلدان، وإلا فالحاجة ماسة إلى التظليل لدفع الحرّ والقرّ (2).

(و) يستحبّ جَعل (الميضأة) وهي المطهرة للحدث والخبث (على أبوابها) لا في داخلها؛ لقول النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم :« جنّبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وبيعكم وشراءكم واجعلوا مطاهركم على أبواب مساجدكم»(3) .

ولأنّه لو جعلت داخلها، لتأذّى الناس برائحتها، وهو مطلوب الترك.

ومنع ابن إدريس من جَعل الميضأة في وسطها(4) .

قال في الذكرى وهو حقّ إن لم تسبق المسجد(5) .

وهذا إذا أُريد بها موضع البول والغائط، أمّا إذا أُريد بها موضع الوضوء والغسل، فيكره مطلقاً مع عدم أذى المسجد؛ لكراهة الوضوء من البول والغائط في المسجد وعدم انفكاك المتوضّئين منهما غالباً.

(و) جَعْل (المنارة مع حائطها) لا في وسطها.

وفي النهاية : لا يجوز المنارة في وسطها(6) . وهو حق إن تقدّمت المسجديّة على بنائها.

ويمكن شمول استحباب كون المنارة مع حائطها عدم علوّها على الحائط لعدم

ص: 211


1- الکافي، ج 3 ، ص 295-296، باب بناء مسجد النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم، ح1؛ تهذیب الأحکام، ج3، ص 261-262، ح738.
2- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 63 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
3- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 254، ح 702.
4- السرائر، ج 1، ص 279.
5- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 75 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
6- النهاية، ص 109 .

تمام المعيّة مع مفارقتها للحائط في العلوّ، فيكون أيضاً إشارة إلى كراهة تعليتها، وقد جرت العادة بذكر ذلك هنا، فلمّا لم يصرّح به المصنّف أمكن الإيماء إليه بكونها مع الحائط.

ومستند كراهة التعلية ما روي أنّ عليّاً علیه السلام مرّ على منارة طويلة فأمر بهدمها، ثمّ قال: «لا ترفع المنارة إلّا مع سطح المسجد»(1).

ولئلّا يشرف المؤذّن على الجيران.

وفي قوله علیه السلام في الحديث: «إلّا مع سطح المسجد» تقوية لما فسّرنا به المعيّة من عدم مجاوزتها الحائط؛ إذ لو تمّت المعيّة مع المصاحبة ابتداءً وإن علت، لم يتمّ الغرض من قوله علیه السلام ناهياً عن التعلية: «إلّا مع سطح المسجد» فتأمل.

(و) يستحبّ (تقديم) الرجل (اليمنى دخولاً) أي في الدخول إلى المسجد (و) تقديم الرِجل (اليسرى خروجاً) أي في حالة الخروج منه، عكس موضع التخلّي؛ تشريفا لليمنى فيهما.

(و) يستحبّ (الدعاء عندهما) أي عند الدخول والخروج، فعند الدخول: «بسم ،وبالله السلام عليك أيِّها النبيّ ورحمة الله وبركاته، اللهم صلّ على محمّد وآل محمد وافتح لنا باب رحمتك، واجعلنا من عُمّار مساجدك، جلّ ثناء وجهك».

وفي الموثّق عن سماعة قال: «إذا دخلت المسجد فقُل: بسم الله وصلّى الله على رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وصلاة ملائكته على محمّد وآل محمّد، والسلام عليه ورحمة الله وبركاته، ربّ اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك» (2).

والمراد بوجهه تعالى في الدعاء ذاته مجازاً عن الوجه الحقيقي؛ لشرفه بالنسبة إلى غيره .

وعند الخروج: «اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد، وافتح لنا باب فضلك».

ص: 212


1- الفقيه، ج 1، ص 239، ج 722؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 256، ح 710 .
2- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 263، ح 744 بتفاوت يسير في اللفظ.

وفي موثّق سماعة: «وافتح لي أبواب فضلك»(1).

(وتعاهد النعل) وهو استعلام حاله عند باب المسجد احتياطاً للطهارة، فربما كان فيه نجاسة.

ولقول النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم: «تعاهدوا نعالكم عند أبواب مساجدكم»(2) .

وفي حكم النعل ما يصحب الإنسان من مظنّات النجاسة، کالعصا.

قال في الصحاح:

التعهّد: التحفّظ بالشيء وتجديد العهد به. وتعهّدت فلاناً وتعهدت ضيعتي، أفصح من قولك تعاهدته لأنّ التعاهد إنّما يكون بين اثنين (3). انتهى.

والمصنّف تبع في التعاهد الرواية.

(وإعادة المستهدم) بكسر الدال وهو المشرف على الانهدام، فإنّه في معنى عمارتها.

(وكنسها) وهو جمع كناستها بضمّ الكاف وهي القمامة، وإخراجها منها وخصوصاً يوم الخميس وليلة الجمعة؛ لرواية عبد الحميد عن الكاظم علیه السلام قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَنْ كنس المسجد يوم الخميس وليلة الجمعة فأخرج [منه] من التراب ما يذرّ في العين غفر الله له»(4) .

والظاهر أنّ الواو العاطفة هنا بمعنى «أو» فيكفي في حصول الفضيلة كنسها في أحد الوقتين بقرينة قوله: «فأخرج من التراب ما يذرّ في العين لبعد انقسام هذا القدر عليهما، وأصالة عدم التقدير وكون المقصود الحثّ على أصل الفعل لا على تكريره.

ويمكن كونها للجمع، فيتوقّف حصول الثواب المعيّن - وهو المغفرة - عليهما وإن

ص: 213


1- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 263، ح 744 .
2- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 255 - 256، ح 709 .
3- الصحاح، ج 2، ص 516، «عهد».
4- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 254 - 255، ح 703 ، وما بين المعقوفين من المصدر.

كان مطلق الكنس موجباً للثواب في الجملة. وتقدير القلة بكون التراب يذرّ في العين مبالغة في المحافظة على كنسها وإن كانت نظيفةً وعلى فعل ما تيسر وإن لم يستوعبها مع صدق اسم الكنس، فإنّ الله يقبل العمل الكثير والقليل.

والإسراج) فيها ليلاً؛ لقول النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم : «مَنْ أسرج في مسجد من مساجد الله سراجاً لم تزل الملائكة وحَمَلة العرش يستغفرون له مادام في ذلك المسجد ضوء من ذلك السراج»(1) .

ولأنّ فيه إعانةً للمتهجّدين على مآربهم وترغيباً للمتردّدين إليه.

ولا يشترط في حصول الثواب المذكور كون ما يسرج به من الزيت ونحوه من مال المسرج؛ لعموم الخبر.

وكذا لا يشترط في شرعيّة الإسراج تردّد أحد من الناس إليه أو إمكانه، بل يستحبّ مطلقاً للعموم.

(ويجوز نقض المستهدم) منها (خاصّة) إذ لا يؤمن انهدامه على أحد من المتردّدين.

ولا يشترط في جواز نقض المستهدم العزم على إعادته؛ لأن المقصود به دفع الضرر، وإعادته سُنّة أخرى.

وفي جواز نقضه لتوسعته وجهان: من المصلحة بإحداث مسجد واستقرار قول الصحابة على توسعة مسجد النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم ومنهم عليّ علیه السلام ، و من عموم المنع.

وعلى تقدير الجواز فلا ينقض إلّا مع الظنّ الغالب بوجود العمارة. ولو أخّر إلى تمام المجدّد، كان أولى، إلا أن يحتاج إلى آلاته .

ويجوز إحداث روزنة أو شباك أو باب ونحوه لمصلحة عامّة، وتصرف آلاته في ذلك المسجد أو في غيره. وفي جوازه لمصلحة خاصّة وجهان.

(واستعمال آلته في غيره) من المساجد مع استغنائه عنها، أو تعذّر استعمالها فيه،

ص: 214


1- الفقيه ، ج 1، ص 237 ، ح 716؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 261، ح 733 .

أو كون الثاني أحوج لكثرة المصلّين، أو لاستيلاء الخراب عليه؛ للمصلحة. ولأنّ المالك واحد وهو الله تعالى، صرّح بذلك في الذكرى(1) .

وأولى بالجواز صرف غلّة وقفه ونذره على غيره بالشروط، ولا يجوز لغير ذلك.

(ويكره) جَعل (الشرف) للمسجد بضمّ الشين وفتح الراء، جمع شرفة بسكون الراء، وهي ما يجعل في أعلى الجدار؛ لأنّ عليّاً علیه السلام رأى مسجداً بالكوفة قد شرف فقال: «كأنّه بيعة» وقال: «إنّ المساجد لا تشرف بل تبنى جمّاً» (2).

(و) كذا تكره (التعلية) للمساجد، بل تبنى وسطاً اقتداءً بالسلف. ولأنّ فيه اطّلاعاً على عورات المجاورين له(3) ، وقد روي أنّ مسجد النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم كان قامة(4) .

(و) كذا تكره (المحاريب الداخلة) في الحائط كثيراً أو في المسجد.

أمّا الأوّل: فذكره جماعة من الأصحاب(5) منهم المصنّف(6).

وأمّا الثاني: فهو الظاهر من الرواية الدالة على الكراهة وهي أنّ عليّاً علیه السلام كان يكسر المحاريب إذا رآها في المساجد ويقول: «كأنّها مذابح اليهود»(7).

ويجب تقييد كراهتها بالمعنى الثاني بسبقها على المسجديّة، وإلّا حرمت.

(وجَعلها طريقاً) بحيث لا يلزم تغيّر صورة المسجد ولا الإضرار به، وإلّا حرم.

(والبيع فيها والشراء، وتمكين) الصبيان و (المجانين) منها؛ لقوله صلی الله علیه وآله وسلم: «جنّبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وشراءكم وبيعكم»(8).

ص: 215


1- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 67 - 68 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
2- الفقيه، ج 1، ص 236، ح 708؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 253، ح 697.
3- أي للمسجد.
4- نقله العلّامة في نهاية الإحكام، ج 1، ص 358.
5- منهم: ابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 279؛ والشهيد في الدروس الشرعيّة ، ج 1، ص 77؛ والبيان، ص 132 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9 و 12)؛ والمحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 146.
6- قواعد الأحكام، ج 1، ص 29 .
7- الفقيه، ج 1، ص 236، ح 707؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 253، ح 696.
8- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 254، ح 752 .

ولأنّ المسجد بني لغير ذلك. ولأنّه لا يؤمن حصول النجاسة من الصبيان والمجانين.

قال بعض الأصحاب:

و ینبغي أن يراد بالصبيّ مَنْ لا يوثق به أمّا مَنْ عُلم منه ما يقتضي الوثوق به؛ لمحافظته على التنزّه من النجاسات وأداء الصلوات فإنّه لا يكره تمكينه، بل ينبغي القول باستحباب تمرينه على فعل الصلاة في المسجد(1) .

(وإنفاذ الأحكام) فيها؛ لما فيه من الجدال والتخاصم والدعاوى الباطلة المستلزمة للمعصية في المسجد المتضاعف بسببه العصيان.

واختار المصنّف في المختلف - تبعاً لابن إدريس (2) وقبلهما الشيخ في الخلاف(3) - عدم الكراهة؛ لأنّ أمير المؤمنين علیه السلام حكم في مسجد الكوفة، وقضى بين الناس بلاخلاف، ودكّة القضاء معروفة فيه إلى يومنا هذا. ولأنّ الحكم طاعة فجاز إيقاعها في المساجد الموضوعة للطاعات(4).

وحمل النهي الوارد في ذلك - على تقدير صحته - على الحبس على الحقوق والملازمة فيها عليها، أو يخصّ بما كان فيه جدل وخصومة كقول الراوندي(5) . أو بكون المكروه دوام الحكم لا ما يتفق نادراً، أو بكون الجلوس فيه لأجل ذلك لا بما إذا كان الجلوس فيه لأجل العبادة فاتفق صدور الدعوى؛ لأنّ الحكم حينئذ عبادة، فتأخيره منافٍ للمسارعة المأمور بها. وعليه يحمل قضاء عليّ علیه السلام بالجامع .

(وتعريف الضوالٌ) وهو إنشادها وكذا يكره نشدانها، وهو طلبها والسؤال عنها؛ للنهي عن ذلك في مرسلة عليّ بن أسباط (6). ولأنّه موضع عبادة.

ص: 216


1- المحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 2 ص 149.
2- السرائر، ج 1، ص 279 .
3- الخلاف، ج 1، ص 210 ، المسألة 3.
4- مختلف الشيعة، ج 2، ص 517 - 518. المسألة 381.
5- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 518 المسألة 381.
6- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 249، ح 182 .

وروى الصدوق في الفقيه أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله و سلم سمع رجلاً ینشدضالّةً فى المسجد، فقال :«قولوا: لا ردّ الله عليك فإنّها لغير هذا بُنيت»(1) .

وقد ذكر الأصحاب في باب اللقطة أنّها تعرّف في المجامع(2) كأبواب المساجد؛ جمعاً بين الحقّين.

وروى عليّ بن جعفر عن أخيه موسى علیه السلام : «لا بأس بإنشاد الضالة»(3) وهو غير منافٍ للكراهة بدليلٍ آخر.

(وإنشاد الشعر ) لقول النبيّ صلى الله عليه وآله و سلم : «مَنْ سمعتموه ينشد الشعر في المساجد فقولوا له : فضّ الله فاك، إنّما نُصبت المساجد للقرآن»(4) .

وروى عليّ بن جعفر عن أخيه موسى علیهما السلام : «لا بأس بإنشاد الشعر»(5).

قال في الذكرى :

ليس ببعيد حمل إباحة إنشاد الشعر على ما يقلّ منه وتكثر ،منفعته كبيت حكمة أو شاهدٍ على لغةٍ في كتاب الله أو سنّة نبيّه صلى الله عليه وآله و سلم وشبهه؛ لأنّه من المعلوم أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كان ينشد بين يديه البيت والأبيات من الشعر في المسجد ولم ينكر ذلك (6) .

وربما ألحق به ما كان من الشعر موعظةً أو مدحاً للنبيّ صلى الله عليه وآله و سلم والأئمّة علیهم السلام ومراثي الحسين ونحو ذلك؛ لأنّ ذلك كلّه عبادة، فلا ينافي الغرض المقصود من المساجد، وما زال السلف يفعلون مثل ذلك ولا ينكرونه.

وفي ذلك كلّه نظر؛ فإنّ وقوعه لا ينافي الكراهة و «مَنْ سمعتموه» في الخبر(7) عامّ،

ص: 217


1- الفقيه، ج 1، ص 237 ، ح 714 .
2- في النسخ الخطّية والحجريّة : الجامع، والصحيح ما أثبتناه .
3- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 249، ح 683 .
4- الكافي، ج 3، ص 369، باب بناء المساجد وما يؤخذ منها .... ح 5؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 259، ح 725 .
5- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 249 ، ح 683 .
6- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 63 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
7- نفس الهامش 4 .

وحكمه علیه السلام على مَنْ في عصره حكمه على غيرهم. وكون كلّ عبادة لا تكره في المسجد في حيّز المنع؛ فإنّ إنفاذ الأحكام وإقامة الحدود من أفضل العبادات. وتعريف الضالّة إمّا واجب أو مندوب وكثير من المكروهات في المسجد يمكن كونها عبادةً واجبة أو مندوبة على بعض الوجوه مع الإجماع على كراهتها. وينبّه على ذلك قوله علیه السلام في الحديث: «إنّما نُصبت المساجد للقرآن»(1) ولم يقل علیه السلام : للعبادة.

(وإقامة الحدود) للنهي عنه في مرسلة(2) عليّ بن أسباط. ولأنّها مظنّة خروج شيء يتلوّث به المسجد.

(ورفع الصوت) للنهي عنه في المرسلة(3). ولمنافاته الخشوع المطلوب في المسجد ولو في قراءة القرآن إذا تجاوز المعتاد.

(وعمل الصنائع) لصحيحة محمّد بن مسلم، وتعليله علیه السلام فيها بأنّ «المسجد بُني لغير ذلك»(4) .

وهذا إذا لم يلزم منه تغيير في المسجد، أمّا معه - كحفر موضع أو وضع شيء من الآلات الموجبة لتعطيل موضعه - فإنّه يحرم.

(ودخول مَنْ في فيه رائحة ثوم أو بصل) أو غيرهما من ذي الرائحة المؤذية؛ لما روي عن أبي عبدالله علیه السلام، عن آبائه علیهم السلام ، عن عليّ علیه السلام قال: «مَن أكل شيئاً من المؤذيات فلا يقربن المسجد»(5) .

( والتنخّم والبصاق) لرواية غياث بن إبراهيم عن جعفر، عن أبيه علیهم السلام أن علياً علیه السلام قال: «البزاق في المسجد خطيئة، وكفّارتها دفنه»(6).

ص: 218


1- تقدّم في ص 217.
2- تقدّمت الإشارة إلى مصدرها في ص 216، الهامش 6.
3- تقدّمت الإشارة إلى مصدرها في ص 216، الهامش 6.
4- الكافي، ج 3، ص 369، باب بناء المساجد وما يؤخذ منها .... ح 8؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 258 - 259، ح 724.
5- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 255، ح 708 .
6- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 256، ح 712: الاستبصار، ج 1، ص 442، ح 1704.

وروى السكوني عنه علیه السلام، عن أبيه، عن آبائه علیهم السلام، قال: «مَنْ وقر بنخامته المسجد

لقي الله يوم القيامة ضاحكاً قد أعطي كتابه بيمينه »(1).

وفي الصحيح عن عبدالله بن سنان قال: سمعت أبا عبدالله علیه السلام يقول: «مَنْ تنخّع في المسجد ثمّ ردّها في جوفه لم تمر بداء إلّا أبرأته»(2).

(وقتل القمل فيستره بالتراب) أسنده في الذكرى إلى الجماعة (3)؛ لأنّ فيه استقذاراً تكرهه النفس فيغطّيه بالتراب.

وقد تقدم أن البصاق يستر أيضاً بالتراب للرواية(4) ، والنخامة أولى منه بالستر، فيمكن عود ضمير «فيستره» إلى ذلك الفعل المذكور، وهو الأمور الثلاثة.

(ورمي الحصى) في المسجد (خذفاً). روى الباقر علیه السلام عن آبائه علیهم السلام: «أنّ النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم أبصر رجلاً يخذف حصاة في المسجد، فقال: ما زالت تلعنه حتى وقعت، ثمّ قال: الخذف في النادي من أخلاق قوم لوط، ثمّ تلا قوله تعالى: ﴿وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ )(5) قال : هو الخذف»(6) .

وحرّمه الشيخ (رحمه الله)(7) .

واستفيد من الخبر كراهة الخذف في غير المسجد أيضاً لكنّه فيه آكد؛ لمنافاته التعظيم، وللخوف من أذى الغير، زيادةً على كونه منكراً.

والمراد بالخذف هنا رمي الحصى بالأصابع كيف اتّفق وإن لم يكن على الوجه المذكور في رمي حصاة الجمار.

ص: 219


1- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 256، ح 713: الاستبصار، ج 1، ص 442، ح 1705.
2- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 256، ح 714.
3- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 66 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
4- تقدّم في ص 218.
5- العنكبوت (29) 29 .
6- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 262 - 263، ح 741.
7- النهاية، ص 110.

قال في الصحاح : الخذف بالحصى الرمي به بالأصابع(1) .

(وكشف العورة) مع أمن المطلّع؛ لمنافاته التعظيم.

وكذا يكره كشف السرّة والركبة والفخذ؛ لما روي عن النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم أنّه قال: «كشف

السرّة والفخذ والركبة في المسجد من العورة»(2).

وقال الشيخ: لا يجوز(3) .

ويمكن أن يريد المصنّف بالعورة ما يتأكّد استحباب ستره في الصلاة؛ لأنّه أحد ،معانيها فتدخل المذكورات .

(وتحرم الزخرفة) للمساجد بالذهب فإنّ الزخرف بالضمّ: الذهب.

وأطلق المصنّف في غير هذا الكتاب تحريم النقش، ولم يقيّده بالذهب، فيعمّ النقش بالذهب وغيره، وتبعه الشهيد في الذكرى؛ معلّلين بأنّ ذلك لم يكن في عهد النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم،فيكون بدعة(4) .

(و) كذا يحرم (نقش الصور) عليها، وهو لازم من تحريم النقش بطريق أولى.

واحتجّ المصنّف(5) على تحريمه بأنّ الصادق علیه السلام سئل عن الصلاة في المساجد المصوّرة، فقال: «أكره ذلك ولكن لا يضركم ذلك اليوم، ولو قام العدل لرأيتم كيف يصنع»(6).

وفي دلالته على التحريم نظر.

وفي البيان حرّم زخرفتها ونقشها وتصويرها بما فيه روح، وكره غيره كالشجر(7) .

ص: 220


1- الصحاح، ج 3، ص 1347، «خذف».
2- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 263 ، ح 742 .
3- النهاية، ص 110.
4- منتهى المطلب، ج 6، ص 325 : نهاية الإحكام، ج 1، ص 358؛ ذكرى الشيعة، ج 3، ص 62 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
5- منتهى المطلب 6. ص :325 نهاية الإحكام، ج 1، ص 358 .
6- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 359 ، ح 726: وفي الكافي، ج 3، ص 369 ، باب بناء المساجد وما يؤخذ منها .... ح 6 عن الإمام الباقر علیه السلام .
7- البيان، ص 132 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 12).

وفي الدروس كرّه الجميع(1) .

وقد علمت ضعف دليل تحريم النقش والتصوير والزخرفة.

نعم تصوير ذي الروح حرام في غير المسجد ففيه أولى.

(واتّخاذ بعضها في ملك) أي تملّك بعضها (أو) جعله في (طريق) أي جعله طريقاً بحيث تنمحي صورة المسجديّة، فإنّ في ذلك تغييراً للوقف وتخريب مواضع العبادة، وكلاهما محرّم؛ للآية (2).

ويمكن أن يريد بجعلها في ملك أو طريق وضعها في ملك الغير أو في طريقٍ مسلوك؛ لاستلزام ذلك كونه مغصوباً.

وقد ذكر الأصحاب المسألتين معاً، فيجوز كون المصنّف هنا أراد المعنيين اختصاراً.

(وبيع آلتها) مع عدم الحاجة إلى بيعها لعمارته أو عمارة غيره من المساجد، وعدم المصلحة، كما لو خِيف عليها التلف أو كانت رثّةً(3) لا ينتفع بها فيه.

وكما يجوز بيعها لعمارة مسجدٍ آخر، يجوز صرفها فيه بطريق أولى؛ لاتّحاد المالك، وهو الله تعالى، كلّ ذلك مع تعذّر صرفها في الأوّل، أو استيلاء الخراب عليه، أو كون الثاني أحوج بكثرة المصلّين ونحوه.

(وتملّكها بعد زوال آثارها) لأنّ عرصتها داخلة في الوقف، وهو يقتضي التأیيد.

(وإدخال النجاسة إليها) لقول النبيّ صلى الله عليه وسلم: «جنبوا مساجدكم النجاسة»(4) ولأمر النبيّ صلی الله علیه واله وسلم بتطهير مكان البول بالذَنُوب(5) (6). ولقوله تعالى بعد حكمه بنجاسة المشركين:

ص: 221


1- الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 77 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9).
2- البقرة :(2): 181 .
3- الرثّة: السقط من المتاع الصحاح، ج 1، ص 282، «رثث».
4- أورده المحقّق في المعتبر، ج 2، ص 451.
5- الذنوب الدلو الملأى ماء الصحاح، ج 1، ص 129، «ذنب».
6- صحيح مسلم، ج 1، ص 236، ح 284/99؛ سنن أبي داود، ج 1، ص 103، ح 380 .

(فَلَا يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ)(1) فيثبت الحكم في غيره؛ إذ لا قائل بالفرق.

ولم يشترط المصنّف في تحريم إدخال النجاسة إليها تلويثها أو شيء من آلاتها، بل صرّح بالتحريم مطلقاً في غير هذا الكتاب(2)، ومن ثمَّ أطلق هنا محتجّاً بإطلاق هذه الأدلّة.

والأكثر (3) على عدم تحريم إدخال غير الملوّثة؛ للإجماع على جواز دخول الصبيان النساء اختياراً، ولتصريح الأصحاب بجواز دخول المجروح والسلس والحُيَّض من والمستحاضة مع أمن التلويث.

(وإزالتها فيها) مع استلزامها التنجيس، وهو ظاهر.

ولو لم يستلزمه - كما لو غسلها في إناء أو فيما لا ينفعل كالكثير - فينبغي - تفريعاً على اختصاص التحريم بالملوّثة - جوازها.

وربما قيل بالتحريم أيضاً(4)؛ لما فيه من الامتهان المنافي لقوله علیه السلام : «جنبوا مساجدكم النجاسة»(5).

واعلم أنّ الشهيد (رحمه الله) قال في الذكرى: إنّه لم يقف على إسناد هذا الحديث(6) .

وهو العمدة في استدلال المصنّف.

(وإخراج الحصى منها) الرواية وهب بن وهب عن الصادق، عن أبيه علیهم السلام(7) قال: «إذا أخرج أحدكم الحصاة من المسجد فليردّها مكانها أو في مسجد آخر فإنّها تسبّح»(8) .

ص: 222


1- التوبة (9): 28 .
2- تحرير الأحكام الشرعيّة ، ج 1، ص 326 ، الرقم 1102؛ قواعد الأحكام، ج 1، ص 262؛ منتهى المطلب، ج 6، ص 325؛ نهاية الإحكام، ج 1، ص 358 .
3- كالشهيد في ذكرى الشيعة، ج 3، ص 67 (ضمن موسوعة الشهيد الأوِّل، ج 7)؛ والمحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 154 .
4- القائل هو المحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 155.
5- أورده المحقّق في المعتبر، ج 2، ص 451.
6- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 66 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
7- في «الأصل وم» والطبعة الحجريّة عن آبائه علیهم السلام. وما أثبتناه موافق لما في المصدر.
8- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 256، ح 711: وفي الفقيه، ج 1، ص 237 - 238 ، ح 717 عن الإمام الباقر علیه السلام .

وفي حكمه التراب.

وقد أطلق الأصحاب الحكم، وينبغي تقييده بما يكون جزءاً من المسجد كالمتّخذ للفرش ونحوه، فلو كان من جملة القمامات الموضوعة في المسجد، كان إخراج هذا النوع منه مستحباً فضلاً عن أن يكون محرّماً(1).

ومتى أُخرجت على الوجه الممتنع (فتُعاد) وجوباً إليها وإن كان إلى غير ما أُخرج منه، كما ورد في الخبر المتقدّم(2) .

وينبغي تقييده في صورة كونها فرشاً بفناء المسجد الذي أُخرجت منه، أو أولويّة ما أعيدت إليه، كما سبق تفصيله.

(والتعرّض للبيع) جمع بيعة بالكسر وهي معبد النصارى (والكنائس) جمع كنيسة وهى معبد اليهود وقد يقال فيهما غير ذلك.

وإنّما يحرم التعرّض لهما مع كونهما (الأهل الذمّة. ولو كانت في دار الحرب، أوباد أهلها) أي هلكوا، سواء كانت في دار الحرب أم دار الإسلام (جاز استعمال آلتها في المساجد) لا في غيرها.

وكذا يجوز جَعلها حينئذٍ مساجد. وينقض ما لابد منه في تحقّق المسجديّة كالمحراب ونحوه.

وقد روى العيص بن القاسم - في الصحيح - قال: سألت أبا عبدالله علیه السلام عن البيع والكنائس هل يصلح نقضها لبناء المساجد؟ فقال: «نعم»(3).

قيل: ويستفاد من ذلك صحّة وقف الكافر، كما نبّه عليه الشهيد (رحمه الله) في بعض فوائده(4)؛ وللبحث فيه مجال.

ص: 223


1- في الطبعة الحجريّة «حراماً».
2- أي خبر وهب بن وهب، المتقدّم في ص 222.
3- الكافي، ج 3، ص 368، باب بناء المساجد وما يؤخذ منها .... 3؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 260 - 261، ح 732.
4- القائل هو المحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 156.

(المقصد الخامس في الأذان والإقامة)

الأذان لغةً: الإعلام. ومثله الأذين والإيذان، ومنه قوله تعالى: (فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ )(1) أي أعلموا. وعلى قراءة المدّ معناه أعلموا من وراءكم بالحرب، فيفيد المدّ التعدية.

والإقامة مصدر «أقام بالمكان» والتاء عوض من الواو المحذوفة، أو مصدر «أقام الشيء» بمعنى أدامه، ومنه يُقِيمُونَ الصَّلَوَةَ)(2).

والأذان شرعاً أذكار مخصوصة وُضع للإعلام بأوقات الصلوات و الإقامة أذكار معهودة عند إقامة الصلاة، أي قرب فعلها.

(وهما) أي الأذان والإقامة (مستحبّان) استحباباً مؤكداً، وثوابهما عظيم.

فعن النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أذّن في سبيل الله لصلاة واحدة إيماناً واحتساباً وتقرباً إلى الله عزّوجلّ غفر الله له ما سلف من ذنوبه ومَنَّ عليه بالعصمة فيما بقي من عمره، وجمع بينه وبين الشهداء في الجنّة »(3) رواه بلال في حديث طويل.

وعن عليّ علیه السلام: «مَنْ صلّى بأذان وإقامة صلّى خلفه صفّان من الملائكة لا يرى طرفاهما، ومَنْ صلّى بأذان صلّى خلفه ملك »(4).

وعن الصادق علیه السلام: « وإن أقمت بغير أذان صلّى خلفك صفّ واحد»(5) .

.1 279

.2

3.

4 .

.5

ص: 224


1- البقرة (2) 279.
2- البقرة (2) 3.
3- الفقيه، ج 1، ص 292 - 294 ، ضمن الحديث 905 .
4- الفقيه، ج 1، ص 287، ح 889 .
5- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 52. ح 174.

واستحبابهما (في الفرائض اليوميّة) والجمعة (خاصّة) فلا يشرعان في غيرهما، كالعيد والكسوف والنافلة وغيرها ، بل يقول المؤذّن في غيرها من المفروض «الصلاة» ثلاثاً، بنصب الأوّلين على حذف العامل والرفع على حذف المبتدأ أو الخبر. ويجوز التفريق بينهما بالنصب والرفع.

وهل ينادى لغير المفروض كالعيد والاستسقاء؟ ظاهر المصنّف هنا وفي القواعد(1) عدمه. وفي النهاية ينادى لهما بذلك، وتردّد في استحبابه لصلاة الجنازة من عموم الأمر به ومن الاستغناء عنه بحضور المشيّعين(2).

وفي استحباب ذلك للمنذورة تردّد، وإطلاق الاستحباب للفرائض يشملها، أمّا الأذان والإقامة فلا يشرعان قطعاً .

وإنّما لم يذكر المصنّف الجمعة مع اليوميّة اكتفاء بها إما لكونها عوض الظهر، أو لأنّها ظهر مقصورة.

ولا فرق في استحبابهما لليوميّة بين أن يكون (أداءً وقضاء) وإن كان استحبابهما في الأداء آكد (للمنفرد والجامع).

وقيل: يجبان في الجماعة(3) ، الرواية أبي بصير عن أحدهما علیهما السلام : «إن صلّيت جماعة لم يجزئ إلّا أذان وإقامة»(4).

ويعارض بقول الباقر علیه السلام : «إنّما الأذان سنّة»(5) مع صحة سنده وضعف أبي بصير.

ويمكن حمله على الندب توفيقاً.

ص: 225


1- انظر قواعد الأحكام، ج 1، ص 264.
2- نهاية الإحكام، ج 1، ص 417 .
3- من القائلين بوجوب الأذان والإقامة في الجماعة: المفيد في المقنعة، ص 97؛ والشيخ في المبسوط، ج 1، ص 142 وابن حمزة في الوسيلة، ص 91 .
4- الكافي، ج 3، ص 303 باب بدء الأذان والإقامة .... ح 9: تهذيب الأحكام، ج 2، ص 50، ح 163؛ الاستبصار. ج 1، ص 299، ح 1105.
5- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 285، ح 1139؛ الاستبصار، ج 1، ص 304، ح 1130.

وسواء في ذلك (الرجلُ والمرأة).

وقيل بوجوبهما على الرجال خاصّة في صلاة الجماعة(1)؛ للرواية (2). وقد علم جوابها.

وإنما يستحبّ للمرأة بل يشرع (إذا لم تُسمع) أذانها وإقامتها (الرجال) الأجانب، فإن سمعوا مع علمها، حرم، ولم يعتدّ به؛ للنهي المفسد للعبادة. ولو لم تعلم، صحّ.

وظاهر المبسوط(3) الاعتداد به مع سماعهم مطلقاً. وهو ضعيف.

واعتذر له في الذكرى بإمكان أن يقال:

إنّ ما كان من قبيل الأذكار وتلاوة القرآن مستثنى كما استثني الاستفتاء من الرجال وتعلّمهنّ منهم والمحاورات الضروريّة(4) .

ويندفع بأنّ ذلك المستثنى للضرورة، وهي منتفية هنا.

ويجوز للنساء ومحارم الرجال الاعتداد بأذانها الذي لا يسمعه الأجانب.

ويجوز للمرأة الاقتصار على التكبير والشهادتين؛ لرواية عبدالله عن الصادق علیه السلام(5) بل الاقتصار على الشهادتين؛ لرواية زرارة عن الباقر علیه السلام: إذا شهدت الشهادتين فحسبها»(6).

والظاهر أنّ ذلك مقصور على أذانها لنفسها أو للنساء، أو لاشتراكهنّ جميعاً في وظيفة الاقتصار.

والخنثى كالمرأة، فتؤذّن للمحارم من الرجال والنساء ولأجانب النساء، لا لأجانب الرجال.

ص: 226


1- القائل هو السيّد المرتضى في جُمل العلم والعمل، ص 63 .
2- تقدم في ص 225، الهامش 4.
3- المبسوط، ج 1، ص 144.
4- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 153 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 7).
5- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 058 ح 202.
6- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 57 - 58، ح 201.

(ويتأكّدان) في الصلاة (الجهريّة) وهي العشاءان والصبح؛ لأنّ في توظيف الجهر فيها دلالةً على اعتناء الشارع بالتنبيه عليها، وفي الأذان زيادة تنبيه فيتأكّد فيها (خصوصاً الغداة والمغرب) الصحيحة عبدالله بن سنان عن الصادق علیه السلام: «يجزئك في الصلاة إقامة واحدة إلّا الغداة والمغرب»(1) .

ورواية سماعة عنه علیه السلام : «لا تصلّ الغداة والمغرب إلّا بأذان وإقامة، ورخّص في سائر

الصلوات بالإقامة، والأذان أفضل»(2).

وأوجبهما ابن أبي عقيل فيهما، كما أوجب الإقامة في جميع الخمس(3) ؛ محتجّاً بالخبرين.

ويمكن حملهما على الاستحباب المؤكّد؛ جمعاً بينهما وبين ما تقدّم(4) من قول الباقر علیه السلام : «إنّما الأذان سنّة» أي مستحبّ؛ لأنّه أشهر معاني السنّة.

(ويسقط أذان العصر يوم الجمعة) لأنّه يجمع فيها بين الصلاتين، ويسقط ما بينهما من النوافل، فيكتفى فيهما بأذان واحد؛ لحصول الغرض - وهو الإعلام - بالأوّل، كذا علّله المصنّف في المنتهى والنهاية(5).

(و) كذا يسقط أذان العصر ( في عرفة) وعشاء المزدلفة ؛ للجمع بين الصلاتين أيضاً.

ولصحيحة ابن سنان عن أبي عبدالله علیه السلام قال: «السنّة في الأذان يوم عرفة أن يؤذن و يقيم للظهر ثمّ يصلّي ثمّ يقوم للعصر بغير أذان، وكذلك في المغرب والعشاء بمزدلفة»(6).

ص: 227


1- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 51 ، ح 168 : الاستبصار، ج 1، ص 300، ح 1107 .
2- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 51، ح 167: الاستبصار، ج 1، ص 299 - 300، ح 1106.
3- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 136، المسألة 72 .
4- في ص 225 .
5- منتهى المطلب، ج 4 ص 419 نهاية الإحكام، ج 1، ص 419 .
6- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 282 ، ح 1122 .

وهل الأذان في هذه الثلاثة حرام أم مكروه؟ الذي جزم به المصنّف في كثير من كتبه التحريم(1) .

والوجه فيه كونه بدعةً؛ لأنّه لم يفعل في عهده علیه السلام ، ولم ينقل ذلك عنه ولا عن الأئمّة علیهم السلام، فيكون ،بدعةً، كما في الأذان الثاني يوم الجمعة.

ولرواية حفص بن غياث عن الباقر والصادق علیهما السلام: «الأذان الثالث يوم الجمعة بدعة»(2) .

ولما رواه الأصحاب عن الباقر علیه السلام:« أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر بأذان وإقامتين وبين المغرب والعشاء بأذان وإقامتين»(3)، وإذا كان علیه السلام لم يؤذّن للثانية في الجمع بين الفرضين في غير الأوقات الثلاثة فأولى أن لا يكون أذن للثانية في ثلاثة، و به تتحقّق البدعيّة فيه.

وقال في الذكرى :

الأقرب الجزم بانتفاء التحريم. وتوقّف فى الكراهة وأجاب عن الحديث بقبوله التأويل بحمل الأذان الثالث على الثاني، وسمّاه ثالثاً باعتبار الإقامة. وبأنّ البدعة لا تدلّ على التحريم، فإنّ المراد بها ما لم يكن في عهد النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم ثمّ تجدّد بَعْدُ، وهو أعمّ من الحرام والمكروه(4).

وردّ في المعتبر الرواية بضعف حفص(5) .

وأجاب في الذكرى بأنّ تلقي الأصحاب لها بالقبول جبر ضعفها(6).

ص: 228


1- منها : منتهى المطلب ، ج 4، ص 419 ؛ و ج 5، ص 460 - 461 : وتحرير الأحكام الشرعية، ج 1، ص 223 ،الرقم 733.
2- الكافي، ج 3، ص 421 - 422، باب تهيئة الإمام للجمعة .... 5: تهذيب الأحكام، ج 3، ص 19، ح 67.
3- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 18 ، ح 66.
4- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 165 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
5- المعتبر، ج 2، ص 296 .
6- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 58 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).

واعلم أنّ القول بجواز الأذان المذكور مع عدم ثبوت فعله أو النصّ على شرعيته غير واضح؛ فإنّ غاية ما فيه دعوى كونه ذكر الله تعالى وتعظيماً له، وهو غير آتٍ في جميع فصوله؛ فإنّ الحيّعلات ليست أذكاراً، ومن ثُمَّ لا يجوز حكايتها(1) في الصلاة، بل تبدل بالحوقلة، كما نص عليه الشيخ (2) وغيره(3)، وحينئذٍ فإذا أتى بها على هذا الوجه، فلا بدّ من اعتقاد مشروعيتها على الخصوص، وذلك خلاف الواقع؛ لما تقرّر من عدم فلابد من وعدم النصّ عليه، فلا يجوز اعتقاد شرعيّته بدونهما.

ولو جمع الحاضر أو المسافر بين الصلاتين في وقت إحداهما، فالمشهور بين الأصحاب أنّ أذان الثانية يسقط أيضاً؛ لما تقدّم نقله صحيحاً عن النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم من جمعه بين الصلاتين بأذان واحد(4) . ولأنّ الأذان للإعلام بدخول الوقت وقد حصل بالأذان الأول، وعلى هذا يكون الجمع بين ظهري الجمعة وعرفة وعشاءي المزدلفة مندرجاً في هذا لا لخصوصية البقعة، بل لمكان الجمع، وجميع ما تقدّم آتٍ هنا إلّا أنّه لا قائل هنا بتحريم الأذان الثاني، فلا سبيل إلى القول به وإن كان الدليل آتياً فيه.

ثمّ إن كان الجمع في وقت الأولى، أذّن وأقام لها ثمّ أقام للثانية لا غير. وإن كان في وقت الثانية، أذّن قبل الأولى بنيّة الثانية ثمّ أقام للأُولى ثمّ أقام للثانية عند القيام إليها، فالأذان أبداً لصاحبة الوقت.

وجزم في الذكرى بعدم سقوط الأذان الثاني هنا، فإنّه قال: يسقط أذان الإعلام ويبقى أذان الذكر والإعظام(5).

وفيه نظر؛ فإنّ الأصل فى الأذان إنّما هو الإعلام وهو منتف هنا والذكر لا يأتى

ص: 229


1- في «الأصل وم» والطبعة الحجريّة حكايته، وما أثبتناه يقتضيه السياق.
2- المبسوط، ج 1، ص 144.
3- كالشهيد في ذكرى الشيعة، ج 3، ص 140 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7)؛ والمحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 191 .
4- في ص 228 .
5- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 165 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).

على جميع فصوله، كما مرّ وسيأتي له مزيد تحقيق.

(و) كذا يسقط الأذان لغير الأولى (عن القاضي) للصلوات المتعدّدة (المؤذّن لأوّل ورده) فيقيم للبواقي لا غير، ذكر ذلك الأصحابُ.

وقد روي أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم شغل يوم الخندق عن أربع صلوات حتّى ذهب من الليل ما شاء الله فأمر بلالاً فأذّن وأقام فصلّى الظهر ثمّ أمره فأقام فصلّى العصر ثمّ أمره فأقام فصلّى المغرب ثمّ أمره فأقام فصلّى العشاء(1) .

وهذا الحديث على تقدير صحته غير منافٍ للعصمة؛ لما روي من أنّ الصلاة كانت تسقط مع الخوف ثم تقضى إلى أن نسخ ذلك بقوله تعالى: (وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ)(2) (3).

ولأنّ قصر الكيفية لم يكن مشروعاً حينئذ، فأخّر ليتمكن منها، وهو قريب من الأوّل.

ولو جمع بين الأذان والإقامة لكلّ فريضة كان أفضل؛ لقوله علیه السلام : «مَنْ فاتته فريضة فليقضها كما فاتته»(4) ، وقد كان من حكم الفائتة استحباب تقديم الأذان عليها فكذا قضاؤها.

وروى عمّار عن أبي عبدالله علیه السلام قال: سئل عن الرجل إذا أعاد الصلاة هل يعيد الأذان والإقامة؟ قال: «نعم»(5).

وفي الاستدلال بهما نظر؛ فإنّ الأذان إنّما يتحقّق في الفائتة والمعادة مع كونها أولى أو مع اتّحادها، وإلّا فهو محلّ النزاع، كما مرّ. والخبران صريحان في الوحدة، وليس موضع الكلام .

ص: 230


1- سنن النسائي، ج 2، ص 17 - 18: الجامع الصحيح، ج 1، ص 337، ح 179: مسند الطياليسي، ص 44، ح 333 مسند أحمد، ج 1، ص 619 ، ح 3545.
2- النساء (4): 102 .
3- كما في ذكرى الشيعة، ج 3، ص 163 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
4- أورده المحقّق في المعتبر، ج 2، ص 406.
5- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 167 - 168، ح 367.

وفي الذكرى: ربما قيل: إنّ الإقامة لماعدا الأولى لا غير أفضل(1). وعبارة الكتاب هنا تشعر بذلك لإطلاقه القول بسقوط الأذان.

قال فى الدروس :

وهو - أعني كون الأذان لكلّ فريضة أفضل - ينافي سقوطه عمّن جمع في الأداء، إلّا أن نقول: السقوط فيه تخفيف، أو أنّ الساقط أذان الإعلام لحصول العلم بالأذان الأوّل، لا الأذان الذكري، ويكون الثابت في القضاء الأذان الذكري. قال: وهذا متّجه(2) .

وهو موافق لما جزم به في الذكرى من ثبوت أذان الذكر والإعظام(3) ، كما مرّ(4) .

والمنافاة غير واضحة بعد ثبوت النص أو الإجماع في القضاء، وعدمهما في الأداء، بل النص في الأداء على سقوط الأذان، كما روي صحيحاً من جمع النبيّ صلی الله علیه وآله و سلم بين الصلاتين(5) ، وغيره من الأدلّة.

وبالجملة، فعمدة القائل به كونه أذان ذكر، وهو غير واقع في الحيلات، مع أنّ اعتقاد مشروعيّته على الوجه المخصوص أمر وراء كونه ذكراً مطلقاً، فتأمل.

(و) كذا يسقط الأذان والإقامة معاً (عن الجماعة الثانية إذا) حضرت في مكان لتصلّي فوجدت جماعة أخرى قد أذنت وأقامت وأتمت الصلاة، فإنّ الثانية تصلّي بغير أذان ولا إقامة ما (لم تتفرّق) الجماعة (الأولى) بأن يبقى منها واحد معقب فما زاد فلو لم يبق أحد كذلك، أذنت الثانية وأقامت.

ومستند الحكم: مارواه أبوبصير عن الصادق علیه السلام في الرجل يدخل المسجد وقد صلّى القوم أيؤذّن ويقيم؟ قال: «إن كان دخل ولم يتفرّق الصفّ، صلّى بأذانهم وإقامتهم،

ص: 231


1- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 163 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
2- الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 86 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9).
3- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 165 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
4- في ص 230 .
5- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 18، ح 66.

وإن كان قد تفرّق الصفّ أذن وأقام»(1).

وعنه علیه السلام وقد قال أبو عليّ صلّينا الفجر فانصرف بعضنا وجلس بعض في التسبيح

فدخل علينا رجل المسجد فأذن فمنعناه، فقال الصادق علیه السلام: «أحسنت ادفعه عن ذلك وامنعه أشدّ المنع» فقلت: فإن دخلوا فأرادوا أن يصلوا فيه جماعة؟ قال: «يقومون في ناحية المسجد ولا يبدر(2) بهم إمام»(3). ..

وقد دلّ الخبر الأوّل على نفيهما عن المنفرد، والثاني على نفيهما عنه وعن الجماعة، فضَعُفَ قول ابن حمزة حيث نفى الكراهة عن المنفرد .

وإنّما خص المصنف الثانية بالجماعة؛ لأنه يستفاد منها حكم المنفرد بطريق أولى، فإنّ الأذان والإقامة في الجماعة أكد منهما في المنفرد(4).

ولو كان السابق منفرداً، لم يسقطا عن الثاني مطلقاً؛ لفقد النص، ونقص المبنى عليه، و عموم الأدلّة على شرعيّتهما.

وهل يشترط حضور الثاني للصلاة التي صلّاها الأوّل؟ إطلاق الأخبار يقتضي العدم. والشيخ في المبسوط فرض الصلاة متّحدة(5) . والأوّل أوضح.

نعم، لو تجدد وقت صلاة أُخرى لم يكن حاصلاً وقت الأذان للأُولى، كالعصر والمغرب اتجه قول الشيخ.

ويشترط اتّحاد المسجد، فلا منع في المتعدّد وإن تقاربا.

وهل يشترط في ثبوت الحكم كون الصلاة في مسجدِ؟ مقتضى الأخبار ذلك.

ص: 232


1- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 281، ح 1120.
2- في الفقيه: «ولا يبدو».
3- الفقيه، ج 1، ص 408 ، ح 1218؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 55 ، ح 190 ، وفيهما: عن أبي علي قال: أبي عبدالله علیه السلام فأتاه رجل فقال: جعلت فداك صلّينا... إلى آخر ما في المتن.
4- كما في ذكرى الشيعة، ج 3، ص 160 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7) وجامع المقاصد، ج 2، ص 172؛ وانظر الوسيلة، ص 106.
5- المبسوط ، ج 1 ، ص 147.

وظاهر العبارة عدم الاشتراط؛ لعدم فرض المسجد، وهو الذي صرّح به في الذكرى(1) ؛ لعدم تعقّل الفرق، وهو خروج عن مورد النص، فلا يخصص عام الأدلة على الأذان أو مطلقها.

ويمكن الفرق بكون الحكمة في ذلك مراعاة جانب إمام المسجد الراتب في عدم تصوير الصلاة الثانية بمزايا الصلاة و ما يوجب الحثّ على الاجتماع لها ثانياً، ومن ثَمَّ جاء في الخبر «امنعه أشدّ المنع» (2) مقيّداً بالمسجد، وهذا المعنى مفقود في الصحراء.

ويستفاد من الحديث الثاني(3) الاكتفاء في صدق عدم التفرّق ببقاء واحد معقّب؛ لأنّه بعض الجماعة.

عطف حكم الجماعة الثانية على حكم القاضي وما قبله أنّ واعلم أنّ المستفاد من الساقط هنا الأذان لا غير؛ لأنه هو الساقط في المعطوف عليه، والأخبار والفتوى ناطقة بسقوطهما معاً عن الجماعة الثانية والمصلّي منفرداً، فكان ينبغي التنبيه عليه.

والعذر بأنّ ذكر سقوط الأذان لا يستلزم عدم سقوط الإقامة، فالكلام في سقوط الأذان سديد ويستفاد حكم الإقامة من محلّ آخر ليتم العطف غير مزيل للقصور عنها والإبهام؛ إذ الكلام فيهما لا في الفساد.

( وكيفيّته) أي كيفيّة الأذان المتميّز بتذكير الضمير، وذكر كيفيّة الأقامة بعد ذلك (أن يكبّر أربعاً )بالتكبير المعهود، وهو «الله أكبر» (ثمّ يتشهّد بالتوحيد) كذلك (ثمّ) يتشهد (بالرسالة) للنبيّ صلى الله عليه وسلم بالمعهود كذلك (ثمّ يدعو إلى الصلاة ) بالدعاء المعهود وهو «حيّ على الصلاة» أي هلم ،وأقبل، تعدّى ب «على شرعاً»، و ب «إلى» أيضاً لغة (ثمّ) يدعو (إلى الفلاح) باللفظ المعهود شرعاً، وهو «حيّ على الفلاح» أي إلى فعل ما

ص: 233


1- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 160 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
2- تقدّمت الإشارة إلى مصدره في ص 232 ، الهامش .
3- أي حديث أبي عليّ، المتقدّم في ص 232.

يوجبه، وهو الصلاة. والمراد به الفوز بالثواب والبقاء والدوام في الجنّة، فإنّ الصلاة سبب فيهما (ثمّ) يدعو (لى خير العمل) بلفظه المعهود شرعاً، وهو الصلاة. ومن هنا يُعلم أنّ اليوميّة أفضل الأعمال البدنيّة حتّى الصلاة غيرها (ويكبّر) بعد الدعاء إلى خير العمل. ولو عطفه ب «ثمّ» كما صنع في غيره، كان أجود؛ لعدم النكتة في تغيير الأسلوب (ثمّ يهلّل) ويجعل كلّ فصل من هذه الفصول بعد التكبير الأوّل (مرّتين) فيكون عدد فصوله ثمانية عشر فصلاً.

(والإقامة كذلك) فصولاً وترتيباً وعدداً (إلّا أنّه يسقط من التكبير الأوّل مرّتان ومن التهليل) وهو آخرها (مرّة) فيسقط من العدد ثلاثة فصول (ثمّ يزيد مرّتين قد قامت الصلاة، بعد حيّ على خير العمل) فتكمل فصولها سبعة عشر. وهذا هو المشهور بين الأصحاب، وعليه عملهم.

وتدلّ عليه رواية إسماعيل الجعفي، قال: سمعت أبا جعفر علیه السلام يقول: «الأذان والإقامة خمسة وثلاثون حرفاً» فعدّ ذلك بيده واحداً واحداً، الأذان ثمانية عشر حرفاً والإقامة سبعة عشر حرفاً(1) .

وروي أنّ فصول الإقامة عشرون مثل فصول الأذان، وزيادة «قد قامت الصلاة» مرّتین(2) .

وفي رواية أنّ الأذان ستة عشر ينقص التكبير في أوّله مرتين، والإقامة مثله وزيادة قد قامت مرتين(3)، فتكون ثمانية عشر فصلاً.

وفي رواية ثالثة: أنّ الأذان مثنى مثنى والإقامة واحدة واحدة(4).

وروي فيهما غير ذلك والعمل على المشهور .

ص: 234


1- الكافي، ج 3، ص 302 - 303، باب بدء الأذان والإقامة .... ح 3؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 59 ، ح 208 الاستبصار، ج 1، ص 305 ، ح 1132 .
2- الهداية، ص 131 .
3- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 60. ح 210؛ الاستبصار، ج 1، ص 305 ، ح 1134.
4- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 61 ، ح 214: الاستبصار، ج 1، ص 307، ح 1138.

قال الشيخ: ولو عمل عامل على إحدى هذه الروايات لم يكن مأثوماً(1) . والله أعلم.

نعم يجوز النقص - على المشهور - في السفر عند الأصحاب؛ لرواية بريد بن معاوية عن الباقر علیه السلام ، قال: «الأذان يقصر في السفر كما تقصر الصلاة، الأذان واحداً واحداً والإقامة واحدة واحدة»(2) .

وفي مرسلة عن الصادق علیه السلام : «إنّ الإقامة التامة وحدها أفضل منهما مفردين»(3) وعمل بمضمونها في الذكرى(4) .

وأمّا إضافة «أنّ عليّاً ولي الله» و «آل محمّد خير البريّة» ونحو ذلك فبدعة، وأخبارها موضوعة وإن كانوا اعلیهم السلام خير البريّة؛ إذ ليس الكلام فيه، بل في إدخاله في فصول الأذان المتلقّى من الوحي الإلهي وليس كلّ كلمة حق يسوغ إدخالها في العبادات الموظّفة شرعاً.

(و) يشترط في المؤذّن الإسلام والتمييز، ف( لا اعتبار بأذان الكافر) إجماعاً.

ولقوله علیه السلام: «المؤذنون أمناء»(5) ، ولا أمانة للكافر. وقوله صلی الله علیه وآله وسلم: «اللهمّ اغفر للمؤذّنين»(6).

و لعدم اعتقاده مضمون الكلمات التي دعا إليها، فهو كالمستهزئ. والمعتمد من هذه الأدلة على الإجماع وفي غيره قصور عن الدلالة.

وهل يصير الكافر بتلفّظه بالشهادتين فى الأذان أو الصلاة مسلماً؟ يحتمل ذلك، وهو اختيار المصنّف في التذكرة(7) ؛ لأنّ الشهادة صريح في الإسلام، وقد قال علیه السلام :

ص: 235


1- النهاية، ص 69 .
2- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 62، ح 219؛ الاستبصار 308، ح 1143.
3- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 62 ، ح 218؛ الاستبصار، ج 1، ص 308، ح 1142 نقلاً بالمعنى.
4- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 137 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
5- السنن الكبرى البيهقي، ج 1، ص 632 ، ح 2020.
6- سنن أبي داود، ج 1، ص 143 ، ح 517: الجامع الصحيح، ج 1، ص 402. ح 207: مسند أحمد، ج 2، ص 462. ح 7129؛ السنن الكبرى البيهقي، ج 1 ، ص 632 - 633. ح 2022 و 2026.
7- تذكرة الفقهاء، ج 4، ص 315 المسألة 590 .

«أُمرت أن أُقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها»(1).

والوجه العدم، وفاقاً للشهيد (رحمه الله)(2)؛ لأنّ التلفّظ بهما هنا أعمّ من اعتقاد معناهما، فلا يدلّ على الخاصّ.

ووجه العموم أنّ المتلفّظ بالشهادتين قد لا يكون عارفاً بمعناهما، كالأعجم أو مستهزئاً أو حاكياً أو غافلاً أو متأوّلاً عدم عموم النبوّة، كالعيسويّة من اليهود الذين يقولون: إنّ محمّداً نبيّ إلى العرب خاصّة، فلا يوجب مطلق التلفّظ بهما الإسلام.

فإن قيل: لو كان مجرّد الاحتمال كافياً في عدم الحكم بالإسلام مع وجود اللفظ الدالّ عليه، لم يتحقّق الإسلام من المتلفّظ بالشهادتين في غير الأذان؛ لقيام الاحتمال في الجميع.

قلنا: ألفاظ الشهادتين في الأذان ليست موضوعةً لأن تُعتقد، بل للإعلام بوقت الصلاة وإن كان قد يقارنها الاعتقاد وكذا تشهّد الصلاة لم يوضع لذلك، بل لكونه جزءاً من العبادة، ومن ثُمَّ لو صدرت من غافل عن معناها صحت الصلاة؛ لحصول الغرض المقصود منها، بخلاف الشهادتين المجرّدتين عنهما المحكوم بإسلام مَنْ تلفظ بهما، فإنّهما موضوعتان حينئذٍ للدلالة على اعتقاد قائلهما مدلولهما وإن لم يكن في الواقع معتقداً، فإنّه يحكم عليه بذلك ظاهراً اعتباراً باللفظ الموضوع للدلالة.

وبتقدير انتفاء الاحتمال والحكم بإسلامه لا يعتد بأذانه؛ لوقوع أوّله في الكفر.

وهل يشترط في المؤذن مع الإسلام الإيمانُ؟ ظاهر العبارة عدم اشتراطه وينبّه عليه أيضاً حكمهم باستحباب قول ما يتركه المؤذّن، فإنّه يشمل بإطلاقه المخالف، بل

ص: 236


1- صحيح مسلم، ج 1، ص 52 - 53، ج 21/35؛ سنن ابن ماجة، ج 2، ص 1295، ح 3927؛ سنن النسائي، ج 7، 53 ص 77 السنن الكبرى البيهقي ، ج 1، ص 546-547. ح 12931؛ المستدرك على الصحيحين، ج 2، ص 522؛ 12931؛ مسند أحمد، ج 1، ص 20، ح 68، وص 59، ح 241.
2- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 152 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).

هو ظاهر فيه، فإنّ غير الناسي من المؤمنين لا يترك منه شيئاً، بل لو تركه اختياراً، لم يعتدّ بأذانه.

وروى ابن سنان عن أبي عبد الله علیه السلام: «إذا نقص المؤذّن الأذان وأنت تريد أن تصلّى بأذانه فأتمّ ما نقص هو من أذانه»(1) .

والأصحّ اشتراط الإيمان مع الإسلام؛ لقول النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم :« يؤذّن لكم خياركم»(2) خرج منه ما أجمع على جوازه فيبقى الباقي.

ولقول الصادق علیه السلام: «لا يجوز أن يؤذن إلّا رجل مسلم عارف»(3) ولكونه أميناً. ولرواية معاذ بن كثير - الآتي حكمها في آخر الباب - عن أبي عبدالله علیه السلام: «إذا دخل الرجل المسجد وهو لا يأتمّ بصاحبه فخشي إن هو أذن وأقام أن يركع فليقل: قد قامت الصلاة»(4) ، إلى آخره، وهو الذي اختاره الشهيد (رحمه الله)(5) ، فلا يعتد بأذانه وإن أتمه؛ لأنّ المانع الخلافُ لا نقصُ الفصول.

(و) كذا لا اعتبار بأذان الصبي (غير المميّز ) لرفع القلم عنه، فلا حكم لعبارته، وعدم تصوّر الأمانة الأمانة في حقّه. وفي حكمه المجنون. ويمكن أن يريد بغير المميّز ما يشملهما؛ لاشتراكهما في فقد الوصف.

(و) لا بأذان (غير المرتّب) فإنّ الترتيب بين الأذان والإقامة وبين فصولهما شرط؛ لأنّهما عبادة شرعيّة لا مجال للعقل فيها، فيقتصر فيها على المنقول.

ولصحيحة زرارة عن الصادق علیه السلام قال: «مَنْ سها في الأذان فقدّم أو أخّر عاد على

ص: 237


1- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 280، ح 1112.
2- الفقيه، ج 1، ص 285 ، ح 880؛ سنن ابن ماجة، ج 1، ص 240، ح 726؛ سنن أبي داود، ج 1، ص 161،ح 590.
3- الكافي، ج 3، ص 304، باب بدء الأذان والإقامة .... ح 13؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 277 ، ح 1101.
4- الكافي، ج 3، ص 306، باب بدء الأذان والإقامة .... ح 22؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 281، ح 1116.
5- الدروس الشرعيّة ، ج 1، ص 85 وانظر ذكرى الشيعة، ج 3، ص 161 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7 و 9).

الأوّل الذي أخّره حتّى يمضي إلى آخره»(1) .

ومعنى اشتراط الترتيب فيهما عدم اعتبارهما ،بدونه فلا يعتدّ بهما في الجماعة، ويأثم لو اعتقدهما أذاناً وإقامةً وغير ذلك مما يترتب على صحّتهما.

وقد عُلم من الرواية أنّه لا فرق في عدم الاعتداد بغير المرتّب بين أن يكون فعله عمداً أو سهواً؛ لأنّ الترتيب شرط، والمشروط يعدم بعدمه، كالطهارة، إلّا ما أخرجه الدليل.

( ويجوز) الأذان ( من المميّز) بمعنى ترتّب أثره من الاجتزاء به في الجماعة وقيام الشعار به في البلد وغير ذلك، وعلى ذلك إجماعنا، نقله في الذكرى(2).

وروي عن عليّ علیه السلام:« لا بأس أن يؤذن الغلام قبل أن يحتلم»(3).

والمراد بالمميّز مَنْ يعرف الأضرّ من الضارّ والأنفع من النافع إذا لم يحصل بينهما التباس بحيث يخفى على غالب الناس.

ولا فرق في ذلك بين الذكر والأنثى فتكتفي بأذانها النساء ومحارم الرجال، كالمرأة.

(ويستحبّ أن يكون) المؤذّن (عدلاً) ليقلّده ذوو الأعذار، ولاتّصافه بالأمانة. ولكونه أفضل من الفاسق وقد قال علیه السلام: «يؤذن لكم خياركم»(4) ولأنّه لا يؤمن من تطلّع الفاسق على العورات حال أذانه على مرتفع.

وشرط ابن الجنيد العدالةَ، فلم يعتدّ بأذان الفاسق؛ لفقد(5) الأمانة(6).

وأجيب: بأنّ إطلاق اللفظ في شرعيّة الأذان يتناوله، ولصحّة أذانه لنفسه فيصحّ لغيره.

ص: 238


1- الکافي، ج 3، ص 305 ، باب بدء الأذان والإقامة .... ح 15 تهذيب الأحكام، ج 2، ص 280 - 281، ح 1115.
2- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 151 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل ، ج 7).
3- الفقيه، ج 1، ص 289 ، ح 896؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 53 - 4 5 ، ح 181 : الاستبصار، ج 1، ص 423 - 424. ح 1632.
4- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص 237 الهامش 2 .
5- في الطبعة الحجريّة: «لعدم» بدل «لفقد».
6- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 150، المسألة 83 .

ويتّجه قول ابن الجنيد في منصوب الحاكم الذي يرزق من بيت المال، فيحصل بالعدل كمال المصلحة.

واعلم أنّ استحباب كون المؤذّن عدلاً لا يتعلّق بالمؤذّن؛ لصحّة أذان الفاسق مع كونه مأموراً بالأذان، بل الاستحباب راجع إلى الحاكم بأن ينصبه مؤذّناً لتعمّ فائدته .

وأن يكون المؤذّن (صيّتاً) أي رفيع الصوت ليعمّ النفع به، ويتمّ به الغرض المقصود منه، وهو الإعلام.

ولقول الصادق علیه السلام في رواية معاوية بن وهب:« ارفع به صوتك»(1) .

ويستحبّ مع ذلك كونه حسن الصوت لتقبل القلوب على سماعه.

وأن يكون (بصيراً بالأوقات) عارفاً بها ليأ من الغلط، ويقلّده ذوو الأعذار.

ولو أذن الجاهل في وقته، صح واعتد به؛ لحصول المطلوب.

وأن يكون (متطهّراً) من الحدثين؛ لقول النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم : «حق وسنّة أن لا يؤذّن أحد إلّا وهو طاهر»(2) ، وقوله علیه السلام: «لا يؤذّن إلا متوضّئ»(3).

وليست الطهارة شرطاً عندنا؛ لأنّه ذكر، وليس من شرطه الطهارة، ولا يزيد على قراءة القرآن؛ لصحيحة عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله علیه السلام قال: «لا بأس أن تؤذّن وأنت على غير طهر، ولا تقيم إلّا وأنت على وضوء»(4).

وعن عليّ علیه السلام :« لا بأس أن يؤذّن المؤذّن وهو جنب، ولا يقيم حتّى يغتسل»(5).

لكن لا يجوز الأذان حينئذٍ في المسجد مع القدرة على الغسل، فلو فَعَله لم يعتد به؛ للنهى المفسد للعبادة.

ص: 239


1- الفقيه، ج 1، ص 284، ح 876.
2- السنن الكبرى البيهقي، ج 1، ص 583، ح 1859.
3- الجامع الصحيح، ج 1، ص 389، ح 200: السنن الكبرى البيهقي، ج 1، ص 583 ، ح 1858.
4- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 53 ، ح 179 .
5- الفقيه ، ج 1، ص 289، ح 896 تهذيب الأحكام، ج 2 ص 53 - 54 ، ح 1818.

ويُعلم من الأخبار أنّ الطهارة في الإقامة آكد.

وأن يكون قائماً على موضع (مرتفع) لأنه أبلغ في رفع الصوت، فيكون النفع به أتمّ.

ولقول الصادق علیه السلام : كان طول حائط مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم قامة، وكان صلی الله علیه وآله وسلم يقول لبلال إذا دخل الوقت اعل فوق الجدار ، وارفع صوتك بالأذان، فإن الله قد وكل بالأذان ريحاً ترفعه إلى السماء »(1) .

وأن (يكون مستقبلاً للقبلة) خصوصاً حال الإقامة.

وأوجبه المرتضى فيها، كما أوجب الطهارة(2).

ويكره الالتفات يميناً وشمالاً؛ لمنافاته الاستقبال ولعدم ثبوت شرعيّته، فيكون فعله معتقداً رجحانه بدعةً، سواء كان على المنارة أم على الأرض، خلافاً لبعض العامّة في المنارة(3) .

وكذا لا يلوي عنقه في الحيعلتين.

وهذه السنن مشتركة بين الأذان والإقامة وإن كانت فى الإقامة آكد لقربها من الصلاة وارتباطها بها.

ويستثنى من ذلك رفع الصوت، فإنّ الإقامة دون الأذان؛ لقول الصادق علیه السلام :« ارفع به صوتك، فإذا أقمت فدون ذلك»(4).

وأن يكون (متأنّياً في الأذان) غير مستعجل؛ لقوله علیه السلام : «إذا أذّنت فترسّل»(5) أي تمهّل، مأخوذ من قولهم: جاء فلان على رسله بكسر الراء، أي على هئنته بسكون

ص: 240


1- الكافي، ج 3، ص 307 باب بدء الأذان والإقامة .... 31؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 58، ح 206.
2- جُمل العلم والعمل، ص 64: ونقله عنه المحقق في المعتبر، ج 2، ص 128 عن المصباح.
3- المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 1، ص 473. المسألة 590 الشرح الكبير المطبوع مع المغني، ج 1، ص 437.
4- الفقيه، ج 1، ص 284، ح 876 .
5- الجامع الصحيح، ج 1، ص 373، ح 195؛ السنن الكبرى البيهقي، ج 1، ص 628 - 629. ح 2008؛ المستدرك على الصحيحين، ج 1، ص 204.

الهمزة بعد الهاء (محدراً في الإقامة) أي مسرعاً؛ لقول الباقر علیه السلام : «الإقامة حدر»(1).

قال الجوهري: حدر في قراءته وفي أذانه يحدر حدراً، أي أسرع(2) .

ولأنّ القصد بها إعلام الحاضرين - لا غير - بالقيام إلى الصلاة.

والمراد بالإسراع فيها تقصير الوقوف لا تركها أصلاً؛ لكراهة الإعراب في الأذان والإقامة؛ لقول الصادق علیه السلام : «الأذان والإقامة مجزومان»(3) وفي خبر آخر «موقوفان»(4).

ولو فرض ترك الوقف أصلاً سكن أواخر الفصول أيضاً وإن كان ذلك في أثناء الكلام؛ ترجيحاً لفضيلة ترك الإعراب على المشهور من حال الدرج. ولو أعرب أواخر الفصول، ترك الأفضل، ولم تبطل الإقامة؛ لأنّ ذلك لا يعدّ لحناً، وإنما هو ترك وظيفة. وكذا القول في الأذان.

أمّا اللحن ففي بطلانهما به وجهان، وقد اختلف كلام المصنّف فيه، فحرّمه في بعض كتبه وأبطلهما(5) به(6) . والمشهور العدم.

نعم، لو أخلّ بالمعنى، كما لو نصب لفظ «رسول الله صلى الله عليه وسلم (الموجب لكونه وصفاً و تفسير الجملة خاليةً عن الخبر(7) ) أو مدّ لفظة «أكبر» بحيث صار على صيغة «أكبار» جمع «كبر» وهو الطبل له وجه واحد اتّجه البطلان.

ولو أسقط الهاء من اسمه تعالى أو من «الصلاة» أو الحاء من «الفلاح» لم يعتدّ به؛ لنقصان حروف الأذان، فلا يقوم بعضه مقامه.

ص: 241


1- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 58، ح 203.
2- الصحاح، ج 2، ص 625، «حدر».
3- الفقيه، ج 1، ص 284 ، ذيل الحديث 874 .
4- الفقيه، ج 1، ص 284، ح 874.
5- في الطبعة الحجريّة «أبطل».
6- انظر تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 66 ، المسألة 175 ونهاية الإحكام، ج 1، ص 422 .
7- ما بين القوسين لم ترد في «م» ومشطوب عليها في «الأصل».

ولما روي عن النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم : «لا يؤذّن لكم مَنْ يدغم الهاء» قلنا: وكيف يقول ؟ قال:

«يقول: أشهد أن لا إله إلّا اللّا أشهد أن محمداً رسول اللّا»(1) والنهي يقتضي الفساد.

ويغتفر اللثغ غير المتفاحش؛ لما روي أنّ بلالاً كان يبدّل الشين سيناً(2).

وقد أشار المصنّف إلى ترك الإعراب بقوله: (واقفاً على أواخر الفصول) عند علمائنا ولاستحباب الترسل فيه، فيؤذن ذلك بالوقوف على مواضعه.

ولقول الصادق علیه السلام : «الأذان والإقامة مجزومان» أو «موقوفان»(3) وذلك يقتضى الوقوف، كما مرّ.

وكما يقتضي ذلك ترك الإعراب يقتضي ترك الرَوم(4) ، والإشمام والتضعيف، فإنّ فيه شائبة الإعراب. ولأنّ الكلام معها غير مجزوم.

وكذا يستحبّ أن يكون (تاركاً للكلام) الأجنبي الذي لا يتعلّق بمصلحة الصلاة ولا بالصلاة على النبيّ صلی الله علیه وآله وسلام عند ذكره (خلالهما ) وفي خلال(5) الإقامة آكد.

روى أبو بصير(6) قال: قلت لأبي عبدالله علیه السلام : أيتكلّم الرجل في الأذان؟ فقال: «لا بأس» فقلت: في الإقامة؟ قال: «لا»(7).

ولا ينافي الكراهة في الأذان؛ لأنّ الجواز أعمّ ونفي البأس يشعر به، وقطع توالي العبادة بأجنبي يفوّت إقبال القلب عليها.

ص: 242


1- أورده ابن قدامة في المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 1، ص 479، المسألة 600 نقلاً عن الدار قطني في الأفراد.
2- كما في المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 1، ص 479. المسألة 600؛ والشرح الكبير المطبوع مع المغني. ج 1 ، ص 450.
3- الفقيه، ج 1، ص 284، ح 874.
4- الروم: حركة مختلسة مختفاة لضرب من التخفيف، وهي أكثر من الإشمام لأنها تسمع الصحاح، ج 4، ص 1938، «روم».
5- في الطبعة الحجريّة «حال» بدل «خلال».
6- في المصادر: عمرو بن أبي نصر، وما في المتن كما في جامع المقاصد، ج 2، ص 189.
7- الكافي، ج 3، ص 304، باب بدء الأذان والإقامة .... ح 10؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 54، ح 182؛ الاستبصار، ج 1، ص 300 - 301، ح 1110.

ولو تكلّم في خلال الأذان لم يُعده، عامداً كان أو ناسياً، إلّا أن يتطاول بحيث يخرج عن الموالاة. ومثله السكوت الطويل.

أمّا الإقامة فيعيدها مطلقاً، قاله المصنّف(1) والأصحاب.

واحتجّ عليه في النهاية بوقوع الصلاة عقيبها بلا فصل فكان لها حكمها، وبقول الصادق علیه السلام : «لا تتكلّم إذا أقمت الصلاة فإنّك إذا تكلّمت أعدت الإقامة»(2) (3) ولا يخفى قصورهما عن الدلالة.

وكذا يستحبّ للمؤذّن أن يكون (فاصلاً) بينهما (بركعتين أو سجدة أو جلسة) لقول الصادق علیه السلام : «لابدّ من قعود بين الأذان والإقامة»(4) .

وفي مقطوعة الجعفري قال: سمعته يقول: «الفرق(5) بين الأذان والإقامة بجلوس أو ركعتين»(6).

ويجوز جعلهما من الراتبة؛ لما روي عن أبي عبدالله أو أبي الحسن علیهما السلام كان(7) يؤذّن للظهر على ستّ ركعات ويؤذّن للعصر على ستّ ركعات بعد الظهر(8).

ويكفي الفصل بينهما بتسبيحة؛ لقول الصادق علیه السلام:« افصل بين الأذان بقعود أو كلام أو تسبيح»(9) .

وزاد المصنّف في غير هذا الكتاب - تبعاً لغيره - الفصلَ بخطوة(10).

ص: 243


1- نهاية الإحكام، ج 1 ، ص 414.
2- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 55، ح 191؛ الاستبصار، ج 1، ص 301، ح 1112.
3- نهاية الإحكام، ج 1، ص 414.
4- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 64. ح 226 .
5- في المصدر: «افرق....». وما في المتن موافق لنسخ جامع المقاصد انظر جامع المقاصد، ج 2، ص 185.
6- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 64، ح 227.
7- في المصدر: «قال: قال» بدل «كان» وما في المتن موافق لما في جامع المقاصد، ج 2، ص 185 .
8- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 286، ح 1144.
9- الفقيه، ج 1، ص 285، ح 877؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 49، ح 162.
10- تحرير الأحكام الشرعيّة، ج 1، ص 225 ، الرقم 743: تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 55 المسألة 166: قواعد الأحكام، ج 1، ص 265 - 266: نهاية الإحكام، ج 1، ص 416 - 417.

قال في الذكرى ولم أجد به حديثاً(1) .

وأمّا السجدة فيمكن دخولها في حديث الجلوس، فإنّها جلوس وزيادة.

(وفي المغرب) يفصل بينهما (بخطوة أو سكتة).

أمّا الخطوة فالكلام فيها كما مرّ من عدم النصّ.

وأمّا السكتة فقد روي عن الصادق علیه السلام: «بين كلّ أذانين قعدة إلّا المغرب، فإنّ بينهما نفساً »(2).

وروي استحباب الجلسة في المغرب بينهما، وأنّه: «كالمتشحّط بدمه في سبيل الله»(3).

ويستحبّ أن يقول في جلوسه ما روي مرفوعاً إليهم علیهم السلام: «اللهم اجعل قلبي بارّاً، وعيشي قارّاً، ورزقي دارّاً، واجعل لي عند قبر رسولك صلی الله علیه وآله وسلم قراراً ومستقراً»(4).

قيل : المستقرّ المكان، والقرار المقام. وقيل: هما مترادفان.

ويمكن كون المستقرّ في الدنيا والقرار في الآخرة، كأنه يسأل أن يكون المحيا والممات عنده

واختصّ الآخرة بالقرار؛ لقوله تعالى: (وَإِنَّ الْأَخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ )(5) ، والمستقرّ للدنيا؛ لقوله تعالى: (وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ )(6) وقدّم الآخرة على الدنيا؛ لشرفها، وكون قرارها هو المقصد الحقيقي، بخلاف الدنيا فإنّها(7) وسيلة إلى الآخرة.

وفي بعض نسخ الدعاء تقديم «المستقرّ» لمراعاة الرويّ، وكون الدنيا متقدّمةً على

ص: 244


1- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 174 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
2- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 64 ، ح 229؛ الاستبصار، ج 1، ص 309، ح 1150.
3- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 64 - 65. ح 231؛ الاستبصار، ج 1، ص 309 - 310، ح 1151.
4- الكافي، ج 3، ص 308، باب بدء الأذان والإقامة .... ح 32؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 64، ح 230.
5- غافر (40): 39 .
6- البقرة (2): 36 .
7- في «الأصل و م» والطبعة الحجريّة: فإنّه. والصحيح ما أثبتناه.

الآخرة بالذات أو بالزمان.

ويستحبّ قول الدعاء ساجداً أيضاً.

وروي عنه علیه السلام : «الدعاء بين الأذان والإقامة لا يردّ»(1) .

وليكن ( رافعاً صوته) فى الأذان والإقامة وإن كانت الإقامة أخفض منه، وقد تقدّم قول النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم لبلال: «ارفع صوتك بالأذان»(2) .

وعن الصادق علیه السلام: «ارفع صوتك، وإذا أقمت فدون ذلك »(3).

وعنه علیه السلام(4): « لا تخفين صوتك فإنّ الله يأجرك على مدّ صوتك »(5).

هذا إذا كان ذكراً، أما المرأة فتُسرّ لئلّا يسمعها الأجانب فإنّ صوتها عورة. وكذا الخنثى.

(و) تستحبّ (الحكاية) لسامع الأذان، وهو موضع وفاق؛ لقوله صلی الله علیه و آله وسلم: «إذا سمعتم

النداء فقولوا كما يقول المؤذّن»(6) .

وفي الصحيح عن أبي جعفر علیه السلام أنّه قال لمحمّد بن مسلم: «يا محمّد بن مسلم لا تدع ذكر الله على كلّ حال، ولو سمعت المنادي ينادي بالأذان [وأنت] على الخلاء فاذكر الله عزّوجلّ وقُلْ كما يقول»(7) .

قال الصدوق: روي أنّ حكايته تزيد في الرزق (8).

ص: 245


1- سنن أبي داود، ج 1، ص 144، ح 521: الجامع الصحيح، ج 1، ص 415 - 416، ح 212؛ السنن الكبرى، البيهقي، ج 1، ص 604 ، ح 1937؛ مسند أحمد، ج 3، ص 567 - 568، ح 11790.
2- في ص 240 ، الهامش 1 .
3- تقدم في ص 240، الهامش 4.
4- في الطبعة الحجريّة: «وقوله» بدل «وعنه».
5- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 58 ، ح 205.
6- صحيح مسلم، ج 1، ص 288، ح 383/10؛ سن أبي داود، ج 1، ص 144، ح 522؛ السنن الكبرى، البيهقي، ج 1، ص 601، ح 1925؛ مسند أحمد، ج 3، ص 454، ح 11112، وص 495. ح 11333.
7- الفقيه ، ج 1، ص 288، ج 892 وما بين المعقوفين من المصدر.
8- الفقيه، ج 1، ص 292، ح 904.

وليقطع السامع كلامه وقراءته وغيرهما ممّا يمنع الحكاية عدا الصلاة.

ولو دخل المسجد في حال الأذان ترك صلاة التحيّة إلى فراغه ليجمع بين

المندوبين.

والحكاية بجميع ألفاظه حتّى الحيعلات.

وروى في المبسوط عن النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم أنّه «يقول عند قوله: حي على الصلاة: لا حول ولا قوّة إلّا بالله »(1).

ولو جمع بينهما كان أفضل.

ولا تستحبّ حكايته في الصلاة. ولو حكاه جاز إذا حَوْلَق بدل الحيعلة، ولو حَيْعل بطلت؛ لأنّه من كلام الآدميّين.

ومن هنا يعلم أنّ الحيعلات ليست(2) بذكر ، فلا يتصوّر الأذان الذكري المحض.

وإنما تستحبّ حكاية الأذان المشروع، فأذان العصر في الجمعة وعرفة والأذان الثاني يوم الجمعة لا يحكى. وكذا أذان المجنون وغير المميّز والمرأة إذا سمعها الأجنبي ومَنْ أذّن فى المسجد جنباً، بخلاف مَنْ أخذ عليه أجراً؛ لأن المحرم أخذ الرزق لا الأذان .

وظاهر الفتاوى والأخبار أنّ الحكاية مخصوصة بالأذان، فلا تحكى الإقامة مع احتماله .

وليقل عند سماع الشهادتين: «وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنّ محمّداً عبده ورسوله رضيت بالله ربّاً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً وبالأئمّة الطاهرين أئمّةً، اللهمّ صلّ على محمد وآل محمّد اللهم ربّ هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آتِ محمّداً الوسيلة والفضيلة وابعثه المقام المحمود الذي وعدته، وارزقني شفاعته يوم يوم القيامة».

ص: 246


1- المبسوط، ج 1 ، ص 144 .
2- في «الأصل وم» والطبعة الحجريّة: ليس. والصحيح ما أثبتناه.

وعن الصادق علیه السلام: «مَنْ قال عند سماع الشهادتين(1) : أشهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمداً رسول الله أكتفي بهما(2) عن كلّ مَنْ أبى وجحد وأُعين بهما(3) مَنْ أقر وشهد، أُعطي من الأجر عدد الفريقين»(4).

(والتثويب بدعة) وهو قول «الصلاة خير من النوم» بعد الحيعلتين، تفعيل من «ثاب» إذا رجع، فإنّ المؤذن يرجع إلى الدعاء إلى الصلاة به بعد الدعاء إليها بالحيعلتين.

وقد استحبّه جماعة من العامّة في أذان الصبح خاصّة(5) .

وإنّما كان بدعةً؛ لأنّ الأذان كيفيّة متلقّاة من الشارع ولا مدخل للعقل فيها، فالزيادة فيها تشريع فتكون محرّمةً.

وما يوجد في بعض الأخبار من أنّ «التثويب من السنّة»(6) فهو - مع شذوذه - محمول على التقيّة.

وذهب جماعة من الأصحاب إلى كراهته(7) . وإنّما يتّجه مع اعتقاد أنّه كلام خارج عن الأذان، لا مع اعتقاد توظيفه ومشروعيّته.

هذا كلّه مع عدم التقيّة، أمّا معها فلا حرج في قوله لا في اعتقاده.

وذهب الشيخ في النهاية - وتبعه ابن إدريس - إلى أنّ التثويب تكرار الشهادتين دفعتين، وحرّماه(8) . وهو مناسب للتثويب الذي هو الرجوع إلى الشيء بعد الخروج منه،

ص: 247


1- في «الأصل و م»: الشهادة.
2- في «الأصل و م» والطبعة الحجرية: بها. وما أثبتناه من المصدر.
3- في «الأصل و م» والطبعة الحجرية: بها. وما أثبتناه من المصدر.
4- الفقيه، ج 1، ص 288 ، ح 891 نقلاً بالمعنى في بعض الجملات.
5- المدوّنة الكبرى، ج 1، ص 57: العزيز شرح الوجيز، ج 1، ص 413: المجموع شرح المهذّب، ج 3، ص 92 و 94 : المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 1، ص 453 - 454 المسألة 559: الشرح الكبير المطبوع مع المغني ج 1، ص 433 .
6- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 62 ، ح 221؛ الاستبصار، ج 1، ص 308 ، ح 1145.
7- كما في جامع المقاصد، ج 2، ص 190: ومنهم الشيخ في المبسوط، ج 1 ص 142 .
8- النهاية، ص 67 : السرائر، ج 1، ص 212 .

إلّا أنّ المعروف ما سبق.

(ويكره الترجيع) وهو تكرار الشهادتين مرّتين، كما يستحبّه بعض العامّة(1) .

وفسّره في الذكرى بأنّه تكرير الفصل زيادةً على الموظّف(2). فهو أعمّ ممّا سبق.

والجميع مكروه إن لم يعتقد توظيفه، وإلّا كان بدعةً حراماً .

وإنّما يكره أو يحرم إذا فعله (لغير الإشعار) وهو تنبيه المصلّين، وإلّا جاز من غير كراهة، كما دلّت عليه الرواية(3) .

(و) كذا يكره الكلام لغير مصلحة الصلاة بعد قول المؤذّن: (قد قامت الصلاة) كراهةً مغلّظة، بل قال الشيخان والسيّد بتحريمه(4) ؛ لقول الصادق علیه السلام في رواية ابن أبي عمير: «إذا قال المؤذّن: قد قامت الصلاة، فقد حرم الكلام على أهل المسجد إلّا أن يكونوا قد اجتمعوا من شتّى ليس لهم إمام فلا بأس بأن يقول بعضهم لبعض: تقدّم یا فلان »(5).

والمراد بالتحريم الكراهة المغلّظة جمعاً بينه وبين ما دلّ على الجواز، كصحيحة حمّاد ابن عثمان قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل يتكلّم بعد ما يقيم الصلاة؟ قال: «نعم»(6)، وغيرها.

والمراد بما يتعلّق بمصلحة الصلاة تقديم الإمام، كما ذكر في الرواية(7) ، والأمر

ص: 248


1- المدوّنة الكبرى، ج 1، ص 57: بداية المجتهد، ج 1، ص 105: المجموع شرح المهذّب، ج 3، ص 91؛ العزيز شرح الوجيز، ج 1، ص 412: المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 1، ص 450 المسألة 555 الشرح الكببیر المطبوع مع المغني، ج 1، ص 430.
2- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 137 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
3- الكافي، ج 3، ص 308 باب بدء الأذان والإقامة .... ح 34؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 63 - 64 ، ح 225؛ الاستبصار، ج 1، ص 309، ح 1149.
4- المقنعة، ص 98 النهاية، ص 66 جمل العلم والعمل، ص 64 .
5- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 55 ، ح 189؛ الاستبصار، ج 1، ص 301 - 302، ح 1116.
6- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 54 - 55 ، ح 187؛ الاستبصار، ج 1، ص 301، ح 1114.
7- أي رواية ابن أبي عمير، المتقدّمة آنفاً.

بتسوية الصفّ، وطلب الساتر ، والمسجد، ونحو ذلك.

(والالتفات يميناً وشمالاً) في الأذان والإقامة، بل يلزم سمت القبلة، خلافاً لبعض العامّة حيث استحبّه في الأذان في المنارة وقد تقدّم الكلام فيه(1) .

ويجوز تعدّد المؤذنين، ولا حرج في الزيادة على اثنين، خلافاً لما نقل عن أبي عليّ ابن الشيخ حيث منع منه محتجاً بإجماع أصحابنا(2)، ولوالده في الخلاف حيث قال: لا ينبغي؛ معلّلاً بأنّ الأذان الثالث بدعة(3) . ولا دلالة فيه؛ إذ لا يعد هذا ثالثاً.

ثمّ إن كانوا متبرعين أو يأخذون الرزق من بيت المال، أذنوا جميعاً (ومع) الاكتفاء بواحد و (التشاحّ يقدّم الأعلم) بالأوقات وأحكام الأذان؛ لأمن الغلط معه، وتقليد أرباب الأعذار له.

وظاهر العبارة عدم الترجيح بالعدالة، اللهمّ إلّا أن يتكلّف رجوعها إلى أحكام الأذان، فإنّها من سننه، وهي أحد أحكامه.

والأولى تقديم العدل على الفاسق والمبصر على الأعمى، وجامع الصفات أو أكثرها على فاقدها وجامع الأقلّ، فإن استووا فالأشدّ محافظةً على الوقت على مَنْ ليس كذلك، والأندى صوتاً والأعفّ عن النظر ثمّ مَنْ يرتضيه الجيران.

(ومع التساوي) في جميع ذلك ( يقرع ) لقول النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم : «لو يعلم الناس ما في الأذان والصفّ الأوّل ثمّ لم يجدوا إلا أن يسهموا عليه لفعلوا»(4) ، ولقولهم علیهم السلام : «كلّ أمر مجهول فيه القرعة»(5) .

ص: 249


1- في ص 240.
2- حكاه عنه الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 3، ص 155 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
3- الخلاف، ج 1، ص 290، مسألة 35.
4- صحيح البخاري، ج 1، ص 222 ، ح 590: صحیح مسلم، ج 1، ص 325، ح 437/129؛ سنن النسائي، ج 2، ص 23؛ مسند أحمد، ج 2، ص 470، ح 7185.
5- الفقيه، ج 3، ص 92 ، ح 3392؛ تهذيب الأحكام، ج 6، ص 240، ح 593 بتفاوت يسير ونصّه في جامع المقاصد، ج 2، ص 179 .

(ويجوز) مع الاجتماع (أن يؤذّنوا دفعةً) واحدة. ويتعيّن ذلك مع ضيق الوقت حقيقةً أو حكماً باجتماع الإمام والمأمومين.

(والأفضل) مع اتساع الوقت (أن يؤذن كلّ واحد بعد فراغ الآخر).

والمراد بالمأمومين الذين يعدّ انتظارهم سعة ما سعة ما يرجى حضورهم عادةً، فلا ينتظر غيرهم بمجردّ الإمكان.

واعلم أنّ إطلاق العبارة يقتضي فرض التشاحّ بين المؤذنين وإن تطوّعوا، ويؤيّده الخبر المذكور من قوله علیه السلام : «لو يعلم الناس ما في الأذان» إلّا أن يقال: لا منافاة بین أخذ الرزق والثراب مع الإخلاص، وفي فرضه مع التطوّع بُعد؛ لإمكان أذان الجميع مترتّبين أو مجتمعين بحسب سعة الوقت وضيقه، اللهمّ إلّا أن يخرجوا بالتعدّد عن المعتاد بحيث يؤدّي إلى نفور النفس من كثرة أصواتهم، فإنّ الإقبال أمر مطلوب شرعاً، كما تقدّم من استحباب نداوة الصوت وجَودته.

(ويجتزئ الإمام بأذان المنفرد) بصلاته إذا سمعه، سواء كان مؤذّنَ المسجد أم المصر أم مسجدٍ آخر أم محلّة.

روی عمرو بن خالد عن الباقر علیه السلام قال: كُنّا معه فسمع إقامة(1) جارٍ له بالصلاة، فقال: «قوموا» فقُمْنا فصلّينا معه بغير أذان ولا إقامة، قال: يجزئكم أذان جاركم »(2).

وروى أبو مريم الأنصاري عنه علیه السلام أنّه صلّى بهم في قميص بغير إزار ولارداء ولا أذان ولا إقامة فلما انصرف قلت له في ذلك، فقال: «إنّ قميصي كثيف فهو يجزئ أن لا يكون علَيَّ إزار ولا رداء، وإنّي مررت بجعفر وهو يؤذّن ويقيم فلم أتكلّم فأجزأني ذلك»(3).

واشتراط عدم الكلام في الرواية بالنسبة إلى الاجتزاء بالإقامة إلحاقاً لها بإقامة

ص: 250


1- في «الأصل و م» والطبعة الحجريّة: «أذان» بدل «إقامة». وما أثبتناه من المصدر.
2- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 285 ، ح 1141.
3- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 280 ، ح 1113.

نفسه إذا تكلّم(1) بعدها، وذلك لا ينافي الاجتزاء بأذان الغير وإن تكلّم؛ لعدم قدح الكلام فيه وعليه يحمل إطلاق المصنّف والجماعة.

ويُعلم من الخبر عدم اشتراط كون المؤذن قاصداً للجماعة التي تكتفي بأذانه.

وربما استفيد اشتراط سماعه من الرواية.

وأمّا التقييد بكون المؤذن منفرداً فمستفاد من الإطلاق؛ إذ لا دلالة فيها على كون

المؤذن فيها منفرداً أو جامعاً.

ويُعلم من اجتزاء الجماعة بأذان المنفرد اجتزاؤهم بأذان الجامع واجتزاء المنفرد بأذان المنفرد والجامع بطريق أولى.

وهل يستحب تكرار الأذان والإقامة للإمام السامع أو لمؤذنه أو للمنفرد؟ الظاهر ذلك مع سعة الوقت، فإنّه لا يقصر عن تعدّد المؤذنين في المسجد الواحد.

وتوقّف في الذكرى، قال: أمّا المؤذّن للجماعة فلا يستحبّ لهم التكرار معه(2).

وما ذكرناه آتٍ فيه أيضاً.

واعلم أنّ المصنّف(3) وأكثر الجماعة(4) ، حكموا بكون الإنسان لو أذّن ليصلّي منفرداً ثمّ أراد الجماعة، استحبّ له إعادته. واستندوا في ذلك إلى ما رواه عمّار عن أبي عبدالله علیه السلام في الرجل يؤذّن ويقيم ليصلّي وحده فيجيء رجل آخر فيقول له: نصلّي جماعة، هل يجوز أن يصلّيا بذلك الأذان والإقامة؟ قال: «لا ، ولكن يؤذّن ويقيم»(5).

وطريق الرواية ضعيف بعمّار، وقد تقدّم اجتزاء الإمام بأذان غيره إذا كان منفرداً،

ص: 251


1- كذا، والظاهر: «إن لم يتكلّم» بدل «إذا تكلّم».
2- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 162 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل ، ج 7).
3- تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 64 المسألة 172: نهاية الإحكام، ج 1، ص 420.
4- منهم الشيخ في النهاية، ص 65 والمبسوط، ج 1، ص 147؛ والشهيد في ذكرى الشيعة، ج 3، ص 162 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7) والمحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 173 .
5- الكافي، ج 3، ص 304. باب بدء الأذان والإقامة .... ذيل الحديث 13؛ الفقيه، ج 1، ص 394، ح 1170؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 282، ح 834.

فاجتزاؤه بأذان نفسه أولى، ومن ثُمَّ ردّها المصنّف في المنتهى والمحقّق في المعتبر، واجتزءا بالأذان الأوّل(1).

وأجيب عن ضعف الرواية(2) باعتضاده بالشهرة بين الأصحاب وعملهم. وعن الأولويّة بالفرق، فإنّ أذان الغير صادف نية السامع للجماعة، فكان بمنزلة مَنْ أذّن للجماعة، ولا كذلك مَنْ أذّن بنيّة الانفراد وبأن الغير أذّن للجماعة، أو لم يؤذّن ليصلّي وحده، بخلاف المؤذّن لنفسه، فالمراد بالغير المنفرد بصلاته خاصّة، وبالثاني المنفرد بأذانه وصلاته.

(ويؤذّن) المصلّي (خلف غير المرضيّ) للتقيّة، ويقيم لنفسه؛ لرواية محمّد بن عذافر عن الصادق علیه السلام : «أذّن خلف مَنْ قرأت خلفه»(3) وغيره من الأخبار وفيها دلالة على عدم الاجتزاء بأذان المخالف، كما تقدّم.

(فإن خاف الفوات) أي فوات الركعة بأن لا يلحق الإمام راكعاً كما تدلّ عليه الرواية(4) ، مع احتمال إرادة فوات الصلاة بأسرها محافظةً على تحصيل فضيلة الأذان (اقتصر ) من فصول الأذان ( على التكبيرتين) الأخيرتين (وقد قامت) الصلاة، مرّتين قبل التكبيرتين إلى آخر الإقامة.

والمستند رواية معاذ بن كثير عن الصادق علیه السلام قال: «إذا دخل الرجل المسجد وهو لا يأتمّ بصاحبه وقد بقي على الإمام آية أو آيتان فخشي إن هو أذن وأقام أن يركع، فليقل: قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلّا الله وليدخل في الصلاة»(5).

ص: 252


1- منتهى المطلب، ج 4، ص 415: المعتبر، ج 2، ص 137.
2- المجيب هو الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 3، ص 163 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7)؛ والمحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 173 - 174 .
3- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 56 ، ح 192.
4- ستأتي الرواية.
5- الكافي، ج 3، ص 306 ، باب بدء الأذان والإقامة .... ح 22؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 281، ح 1116.

ومن هذه الرواية - التي هي مستند الحكم - يعلم قصور العبارة عن تأدية المسألة في مواضع أظهرها: إيهام العبارة كون التكبيرتين قبل قد قامت» وأنه يقتصر على الفصلين والاعتذار له عن الأوّل بأنّ الواو لا تدلّ على الترتيب فيجوز معها كون «قد قامت قبل التكبير، لكنّ النكتة في تقديم التكبير ،مفقودة، كما أن الإخلال بذكر التهليل أيضاً غير جيّد.

وقد ظهر من الرواية أنّ المراد فوات الركوع لا الصلاة، وقد عبّر بخوف فوات الصلاة جماعة من الأصحاب منهم الشهيد في الذكرى(1).

(ويأتى بما يتركه) المؤذّن أيضاً من التهليل والتكبير الأخير إقامة لشعار الإيمان وتوطيناً للنفس عليه بحسب الإمكان.

وفي هذه الفتوى وما يستند إليه من الروايات دلالة على عدم الاجتزاء بأذان المخالف ويؤيدها قول الصادق علیه السلام : «لا يستقيم الأذان ولا يجوز أن يؤذّن به إلّا رجل مسلم عارف، فإن علم الأذان فأذّن به ولم يكن عارفاً لم يجز أذانه ولا إقامته ولا يقتدى به»(2) .

والظاهر أنّ المراد بالمعرفة الإيمان كما هي مستعملة فيه في مواضع، ولا كلام في ذلك مع نقصه من الفصول، كما هو الغالب إنّما الكلام مع إتيانه بجميعها، فيكون المانع كونه مخالفاً.

لكن روى ابن سنان عنه علیه السلام: «إذا أذن مؤذن فنقص الأذان وأنت تريد أن تصلّي بأذانه فأتمّ ما نقص هو من أذانه»(3) .

ويمكن حمله على غير المخالف، كناسي فَضْلٍ ونحوه.

ويظهر من العبارة الجمع بين عدم الاعتداد بأذانه والأذان ثانياً وقوله: «ما يتركه» حملاً لهذه الرواية على غير المخالف، والله أعلم.

ص: 253


1- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 161 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
2- الكافي، ج 3، ص 304. باب بدء الأذان والإقامة .... ح 13؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 277، ح 1101.
3- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 280، ح 1112 .

(النظر الثانى فى الماهية)

اشارة

أي ماهيّة الصلاة أعمّ من الواجبة والمندوبة، كما يدلّ عليه إدخال الصلاة المندوبة اخيراً في جملة المقاصد.

(وفيه) سبعة (مقاصد) :

المقصد (الأول) في كيفيّة الصلاة (اليوميّة)

اشارة

والمراد بالكيفيّة هنا بيان أفعالها مفصّلةً، الموجب للعلم بكيفيّتها.

وقدّم على ذلك مقدّمةً يتوقّف عليها الشروع في بيان الأفعال الواجبة، وهي أنّه (يجب) على المكلّف (معرفة واجب أفعال الصلاة من مندوبها) ليوقع كلّ واحد على وجهه.

والمراد بالمعرفة المرادفة للعلم معناها الأعمّ، وهو الراجح وإن لم يمنع من النقيض، فإنّ مبنى أكثر الأحكام الشرعية على الظنّ الراجح.

والمعتبر من المعرفة المذكورة ما كانت عن دليل تفصيلي للقادر عليه، وهو المجتهد في الأحكام الشرعيّة، والتقليد للمجتهد ولو بواسطة أو وسائط بشرائطها المقرّرة في الأصول إن لم يكن مجتهداً، فلا يكفي مطلق المعرفة، فصلاة المكلف بدون أحد الأمرين باطلة وإن طابق اعتقاده وإيقاعه للواجب والندب للمطلوب شرعاً.

(و) كما تجب معرفة الواجب من الندب، يجب (إيقاع كلّ منهما على وجهه) فيوقع الواجب على وجه الوجوب، والمندوب على وجه الندب، فلو خالف بأن نوى

ص: 254

بالواجب الندبَ عمداً أو جهلاً، بطلت الصلاة؛ للإخلال بالواجب على ذلك الوجه، المقتضي للبطلان، إلّا ما استثني، وليس هذا منه. ولعدم إتيانه بالمأمور به على وجهه، فلم يطابق فعله ما في ذمته؛ لاختلاف الوجه وتمتنع إعادته؛ لئلّا يلزم زيادة أفعال الصلاة عمداً، فلم يبق إلّا البطلان.

ولو عكس بأن نوى بالمندوب من الأفعال الوجوب، فإن كان الفعل ذِكراً، بطلت الصلاة أيضاً للنهي المقتضي للفساد. ولأنّه كلام في الصلاة ليس منها ولا مما استثني فيها . وإن كان فِعْلاً كالطمأنينة، اعتبر في الحكم بإبطاله الكثرة التي تعتبر في الفعل الخارج عن الصلاة، وإن لم يكن كثيراً، لم تبطل، وتقع لغواً، مع احتمال البطلان به مطلقاً للنهي المقتضي للفساد. ويؤيّده أنّ تروك الصلاة لا تعتبر فيها الكثرة عدا الفعل الكثير كالتكتّف والاستدبار، ودخوله تحت الفعل الكثير إنّما يتمّ لو لم يكن النهي حاصلاً في أوّل الفعل الذي مجرّده كافٍ في البطلان.

واستقرب الشهيد (رحمه الله) في البيان الصحّة(1) في هذا القسم مطلقاً؛ لأنّ نيّة الوجوب إنّما أفادت تأكيد الندب؛ إذ الواجب والندب يشتركان في الإذن في الفعل وينفصل الواجب عنه بالمنع من الترك، ونيّة هذا القدر مع كون الفعل مشروعاً في نفسه غير مؤثّر فيه.

ويضعّف بأنّه تأكيد للشيء بما ينافيه؛ إذ الوجوب والندب متباينان تبايناً كليّاً، كما أنّ متعلّقيهما كذلك، فيمتنع قيام أحدهما مقام الآخر. وأصل الرجحان - الذي هو جنس لهما - إنّما يتقوّم بفصله، وهو المنع من الترك ليصير واجباً، أو عدمه ليصير مندوباً، ويمتنع قيام الجنس بدون فصله.

وأورد بأنّ النيّة إنّما تؤثّر في الشيء القابل لمتعلّقها، وما جعله الشارع ندباً يستحيل وقوعه واجباً، فكأنّ الناوي نوى المحال فلا تؤثّر نيّته، كما لو نوى الصعود إلى السماء.

ص: 255


1- البيان، ص 150 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 12).

ويجاب بأنّ المانع قصد ذلك وتصويره بصورة الواجب وإن لم يكن كذلك شرعاً. ولو كان المعتبر من ذلك ما يطابق مراد الشارع لم يتصوّر زيادة الواجب، فإنّ المكلّف إذا أتى به لم يتصوّر كون ما يأتي على صورته واجباً.

واعلم أنّ المعتبر في الفعل الكثير هنا مجموع ما نوى به الوجوب، لا القدر الزائد على المندوب، فلو نوى بجلسة الاستراحة الوجوب، لم يستثن منه مسمّى الجلوس واعتبار الكثرة في الباقي وعدمها؛ لوقوع المجموع غير مشروع باعتبار النية، فلا يصرف منه إلى الاستراحة المشروعة شيء؛ لتنافي الوجه.

واحتمل الشهيد في بعض تحقيقاته تخصيص الحكم بالزائد، فلا تبطل، إلّا أن يكون الزائد كثيراً.

وهو غير واضح؛ فإنّ الزائد خارج عن محلّ الفرض؛ إذ لا يوصف بالندب، وإنّما الكلام عمّا يمكن صرفه إلى جلسة الاستراحة مثلاً، ليتحقّق كونه مندوباً وقع على غير وجهه، وهو موضع المسألة.

[واجبات الصلاة]

اشارة

إذا تقرّر ذلك (فالواجب) من الصلاة اليوميّة (سبعة) بناء على عدم وجوب التسليم :

(الأول: القيام)

وقدّمه على النيّة؛ لكونه من جملة شروطها، والشرط مقدّم على المشروط ومَنْ قدّمها عليه نظر إلى أنّه لا يجب حتماً إلا بعد النيّة والتكبير ، فيكونان شرطاً في وجوبه ليتمحّض جزءاً من الصلاة؛ إذ هو قبل تمامها غير واجب حتماً، بل يجوز تركه إلّا لعارض، كضيق وقت ونحوه .

(وهو) أعني(1) القيام (ركن) في الصلاة. والركن لغةً: الجزء الأقوى وشرعاً كذلك.

ص: 256


1- في الطبعة الحجريّة: «أي» بدل «أعني».

إلّا أنّ الركن في الصلاة عند أصحابنا [ما](1) (تبطل الصلاة لو أخلّ به) سواء كان الإخلال (عمدا أو سهوا) وكذا بزيادته إلّا ما يستثنى.

وإنّما يكون ركناً مع القدرة عليه، أمّا مع العجز عنه فالركن بدله، كالجلوس والاضطجاع فتبطل الصلاة أيضاً بتركهما كذلك.

وعلى وجوب القيام وركنيّته إجماع المسلمين نقله المصنّف في المنتهى(2).

واعلم أنّ إطلاق القول بركنيّة القيام بحيث تبطل الصلاة بزيادته ونقصانه سهواً لا يتمّ؛ لأنّ القيام في موضع قعود وعكسه سهواً غير مبطل اتّفاقاً، بل التحقيق أنّ القيام ليس بجميع أقسامه ركناً، بل هو على أنحاء: القيام المتقدّم على النيّة بيسير، ليتحقق وقوعها بأجمعها في حالة القيام، موصوف بالشرطية؛ لتقدّمه على الصلاة واعتباره فيها. والقيام في النية متردّد بين الشرط والجزء، كحال النيّة والقيام في التكبير تابع له في الركنية. والقيام في القراءة من حيث هو قيام فيها كالقراءة واجب غير ركن وإن كان من حيث إمكان دخوله في الماهية الكلية قد يوصف بالركنية والقيام المتصل بالركوع ركن، فلو ركع جالساً بطلت صلاته والقيام من الركوع واجب غير ركن؛ إذ لو هوى من غير رفع ناسياً لم تبطل صلاته، والقيام في القنوت تابع له في الاستحباب؛ لجواز تركه

لا إلى بدل.

واستشكل ذلك المحقّق الشيخ عليّ بأنّ قيام القنوت متّصل بقيام القراءة، ففي الحقيقة هو كلّه قيام ،واحد فكيف يوصف بعضه بالوجوب وبعضه بالاستحباب!؟(3)

وهذا الشكّ غريب؛ فإنّ مجرّد اتّصاله به مع وجود خواصّ الندب فيه لا يدلّ على الوجوب والحال أنّه ممتدّ يقبل الانقسام إلى الواجب والندب.

فإن قيل: القيام المتّصل بالركوع هو بعينه القيام في القراءة؛ إذ لا يجب قيامُ آخر

ص: 257


1- أضفناها لأجل السياق.
2- منتهى المطلب، ج 5، ص 8.
3- جامع المقاصد، ج 2، ص 201.

بعدها قطعاً، فكيف تجتمع فيه الركنية وعدمها !؟

قلنا: لا يلزم من اتّصاله بالركوع كونه للقراءة، بل قد يتفّق لا معها كناسي القراءة، فإنّ القيام كافٍ وإن وجب سجود السهو. وكذا لو قرأ جالساً ناسياً ثم قام وركع تأدّى الركن به من غير قراءة. وعلى تقدير القراءة فالركن منه هو الأمر الكلّي، وهو ما صدق عليه اسم القيام متصلاً بالركوع، وما زاد على ذلك موصوف بالوجوب لا غير، وهذا كالوقوف بعرفة، فإنّه من حيث هو كلّي ركن، ومن حيث الاستيعاب واجب لا غير.

فإن قيل: على تقدير اتصاله بالركوع لا تتصوّر زيادته ونقصانه لا غير حتّى ينسب بطلان الصلاة إليه، فإنّ الركوع ركن قطعاً، وهو إمّا مزيد أو ناقص، وكلاهما مبطل من حيث الركوع ، فلا فائدة في إطلاق الركنيّة على القيام.

قلنا: استناد البطلان إلى مجموع الأمرين غير ضائر؛ فإنّ علل الشرع معرّفات للأحكام، لا علل عقليّة، فلا يضر اجتماعها ومثله الحكم ببطلان الصلاة بسبب إيقاع التكبير جالساً، كما سيأتي، مع أنّ ذلك يستدعي وقوع النية كذلك.

وحيث قد نقل المصنّف الاتّفاق على ركنيّة القيام(1) ولم تتحقّق ركنيّته إلّا بمصاحبة الركوع خصت بذلك؛ إذ لا يمكن القول بعد ذلك بأنّه غير ركن مطلقاً؛ لأنّه خلاف الإجماع، بل لو قيل بأنّ القيام ركن مطلقاً أمكن وعدم بطلان الصلاة بزيادة بعض أفراده ونقصها لا يُخرجه عن الركنية، فإنّ زيادته ونقصانه قد اغتفرا في مواضع كثيرة؛ للنصّ، فليكن هذا منها، بل هو أقوى في وضوح النصّ.

( ويجب) في القيام (الاستقلال) وهو الاستبداد به من غير معاون بمعنى أن يكون غير مستند إلى شيء بحيث لو أزيل السناد ،سقط، فلا يجزئ القيام من دونه؛ لقول الصادق علیه السلام : «لا تستند إلى جدار وأنت تصلّي إلّا أن تكون مريضاً»(2).

وقد روى عليّ بن جعفر عن أخيه موسى علیه السلام ، قال: سألته عن الرجل هل له أن

ص: 258


1- منتهى المطلب، ج 5، ص 8 .
2- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 176، ح 394.

يستند إلى حائط المسجد وهو يصلّي أو يضع يده على الحائط وهو قائم من غير مرض ولا علّة؟ فقال: «لا بأس»(1) .

وهو حجّة أبي الصلاح حيث ذهب إلى كراهة الاعتماد على ما يجاور المصلّي من الأبنية(2) .

والأولى حمله على استناد لا يصل إلى الحيثيّة المتقدّمة؛ جمعاً بينه وبين بينه وبين ما دلّ على

تحريم الاستناد .

واعلم أنّ الاستقلال استفعال من الإقلال بالشيء، وهو القدرة عليه والاستبداد به. والمراد به هنا إيجاد الفعل لا طلبه كما هو الغالب في باب الاستفعال. وجاء من غير الغالب «استوقد ناراً» أي «أوقد». ومنه «استقرّ» بمعنى «قرّ» وقد تقدّم الكلام فيه مرّة أُخرى.

ويجب مع الاستقلال نصب فقار الظهر بفتح الفاء وهي عظامه المنتظمة في النخاع التي تسمّى خرز الظهر، جمع فقرة بكسرها فيخلّ به الميل إلى اليمين واليسار بحيث لا يعدّ منتصباً عرفاً، دون إطراق الرأس.

وكذا يجب الاعتماد على الرِجلين معاً في حال القيام فلا تجزئ الواحدة، وفاقاً

للذكرى (3)، وتأسّياً بالنبيّ والأئمّة علیهم السلام، وأن لا تتباعدا بما يخرج عن حدّ القيام عرفاً.

(فإن عجز) عن القيام مستقلاًّ (اعتمد) على شيء ولو بأجرة إذا كانت مقدورة؛ لأنّه من باب مقدّمة الواجب المطلق. ولا فرق بين الاعتماد على الآدمي وغيره.

ولا تعتبر القدرة على القيام في جميع القراءة، بل يأتي بالممكن منه. ولا القدرة على الركوع والسجود، بل لو أمكن القيام من دونهما وجب، ثمّ يأتي بما قدر منهما، فإن تعذّرا أومأ بالرأس ثمّ بالعينين ولا القدرة على المشي، بل لو أمكن القيام من دونه

ص: 259


1- الفقيه، ج 1، ص 364 . ح 1046؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 326 - 327، ح 1339.
2- الكافي في الفقه، ص 125 .
3- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 202 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).

وجب؛ لأنّه المقصود الذاتي.

وربما قيل باشتراطه لرواية سليمان المروزي عن الكاظم علیه السلام : «المريض إنما يصلّي قاعداً إذا صار إلى الحال التي لا يقدر فيها على المشي مقدار صلاته»(1) .

وحملها الشهيد (رحمه الله) على مَنْ يتمكّن من القيام إذا قدر على المشي؛ للتلازم بينهما غالباً قال فلا يرد جواز انفكاكهما(2).

وفيه نظر؛ لأنّه تخصيص للعامّ من غير ضرورة، مع أنّ الرواية تدلّ على أنّ مَنْ قدر على القيام ماشياً لا يصلّي جالساً بمعنى أنّ القيام غير مستقرّ مرجّح على القعود مستقرّاً، وهو اختيار المصنّف(3) ، فلا يحتاج إلى تكلّف البحث عن التلازم بين القيام والمشي غالباً.

ورجّح في الذكرى الجلوسَ في هذه الصورة؛ محتجّاً بأنّ الاستقرار ركن في القيام؛ إذ هو المعهود من صاحب الشرع (4).

والخبر حجّة عليه. وكون الاستقرار واجباً في القيام لا يستلزم تقديم الجلوس على القيام بدونه فإنّ المشي يرفع وصف القيام وهو الاستقرار، والجلوس يرفع أصله، وفوات الوصف خاصّة أولى من فوات الموصوف، ومن ثَمَّ اتّفق الجماعة على أنّ مَنْ قدر على القيام معتمداً على شيء وجب مقدّماً على الجلوس مع فوات وصف القيام، وهو الاستقلال.

نعم بالغ ،المصنّف فرجّح القيام ماشياً مستقلّاً عليه مع المعاون.

ويضعف بأنّ الفائت على كلّ تقدير وصف من القيام أحدهما الاستقرار، والآخر الاستقلال، فلا وجه لترجيح الثاني.

ص: 260


1- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 257، ح 761: الاستبصار، ج 2، ص 114، ح 373.
2- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 199 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
3- تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 92 المسألة 192.
4- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 200 ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).

نعم، يتّجه ترجيح الأوّل؛ لما تقدّم في حجّة ترجيح القعود على المشي؛ إذ لا معارض لها هنا. ولأنه أقرب إلى هيئة المصلّي، فظهر من ذلك أنّ التفصيل أجود من إطلاق المصنّف ترجيح المشي عليهما، وإطلاق الشهيد القول بترجيحهما عليه.

(فإن عجز) عن القيام في جميع هذه التقادير (قعد) ويتحقّق العجز المسوّغ له بحصول الألم الشديد الموجب للتضيّق على النفس بحيث لا يتحمّل عادة، لا العجز الكلّي. وكذا القول في باقي المراتب.

ولا يختصّ القعود بكيفيّة وجوباً، بل يقعد كيف شاء.

نعم، الأفضل أن يتربع قارئاً بأن يجلس على ألييه وينصب ساقيه وفخذيه، كما تجلس المرأة في الصلاة، ويثني رجليه راكعاً بأن يفرشهما تحته ويقعد على صدورهما بغير إقعاء، ويتورّك بين السجدتين بأن يجلس على وركه الأيسر ويخرج قدميه من تحته ويجعل ظاهر الأيمن على باطن الأيسر.

ويجب الانحناء للركوع قاعداً بحيث تصير نسبة انحنائه إلى القاعد المنتصب كنسبة ركوع القائم إليه منتصباً، فيجعل المائل من شخصه في ركوعه قاعداً كالمائل منه قائماً.

ويحتمل جَعله على وجه تكون النسبة بينه وبين السجود كنسبة ركوع القائم إلى سجوده باعتبار أكمل الركوع وأدناه، فإنّ أكمل ركوع القائم انحناؤه إلى أن يستوي ظهره وعنقه، وتحاذي جبهته موضع سجوده حينئذ. وأدناه انحناؤه إلى أن تصل كفاه ركبتيه فيحاذي وجهه أو بعضه ما قدّام ركبتيه، ولا يبلغ محاذاة موضع السجود، فإذا رُوعيت هذه النسبة في حال القعود كان أكمل ركوع القاعد أن ينحني بحيث تحاذي جبهته موضع سجوده. وأدناه أن يحاذي وجهه ما قدّام ركبتيه من الأرض، وهو قريب من الأول.

واختار الشهيد (رحمه الله )(1) مع ذلك رفع فخذيه عن الأرض وعن ساقيه؛ لوجوب

ص: 261


1- الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 90 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9).

ذلك في حال القيام، والأصل بقاؤه؛ إذ لا دليل على اختصاص وجوبه بحالة القيام.

وفيه نظر؛ لأنّ ذلك في حال القيام غير مقصود، وإنّما حصل تبعاً للهيئة الواجبة في تلك الحالة وهي منتفية هنا ولانتقاضه بالصاق بعض بطنه بفخذيه في حال الركوع جالساً زيادةً على ما يحصل منه في حالته قائماً، ولم يقل بوجوب مراعاة ذلك هنا بحيث تجافى بطنه على تلك النسبة.

نعم لو قدر على الارتفاع زيادةً عن حالة الجلوس ودون الحالة التي يحصل بها مسمّى الركوع وأو جبناه تحصيلاً للواجب بحسب الإمكان، ولأن الميسور لا يسقط بالمعسور، انجه وجوب رفع الفخذين في صورة النزاع، إلّا أنّه لا ينحصر الوجوب فيما به تحصّل مجافاتهما عن الساقين والأرض، بل يجب ما أمكن من الرفع. وفي وجوب ذلك كلّه نظر.

وأما السجود فلا فرق بينه وبين القادر على القيام، وكما يجب الاستقلال بالقيام كذا يجب بالقعود، فلا يجوز الاعتماد على شيءٍ كما مرّ. ويجب تحصيل المساعد عند تعذّر الاستقلال من باب المقدّمة. وكذا القول في باقي المراتب.

(فإن عجز) عن القعود مطلقاً (اضطجع) على أحد جانبيه ويجعل وجهه إلى القبلة كالملحود .

ثمّ إن قدر على الركوع والسجود أو أحدهما وجب الإتيان به (وإلّا أوماً) لما عجز عنه منهما أو من أحدهما برأسه ثمّ بعينيه، كما سيأتي.

ومقتضى إطلاق العبارة التخيير بين الجانبين، فلا يتحتّم الاضطجاع على الأيمن للقادر عليه، وبه صرّح في النهاية والتذكرة(1)پ.

والأصحّ تقديم الأيمن على الأيسر مع الإمكان؛ لقول الصادق علیه السلام في رواية عمّار(2): «المريض إذا لم يقدر أن يصلّي قاعداً يوجّه كما يوجّه الرجل في لحده، وينام على

ص: 262


1- نهاية الإحكام، ج 1، ص 440: تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 93 - 94، المسألة 194.
2- في «الأصل» و «م» والطبعة الحجريّة وكذا جامع المقاصد، ج 2، ص 207: «حمّاد» بدل «عمّار» وما أثبتناه من المصدر.

جنبه الأيمن ثمّ يومئ بالصلاة، فإن لم يقدر على جانبه الأيمن فكيف ما قدر فإنّه جائز، ويستقبل بوجهه القبلة»(1) .

وظاهر الرواية وإن كان يقتضي استواء الاستلقاء والاضطجاع على الأيسر عند تعذر الأيمن لقوله: «فإن لم يقدر على جانبه الأيمن فكيف ما قدر» إلّا أنّ قوله «ويستقبل بوجهه «القبلة» يدلّ على الانتقال إلى الأيسر ؛ لأنّ به يحصل الاستقبال بالوجه حقيقةً، دون الاستلقاء.

(فإن عجز) عن ذلك كلّه (استلقى) على ظهره وجعل باطن قدميه إلى القبلة ووجهه بحيث لو جلس كان مستقبلاً كالمحتضر.

والمراد بالعجز في هذه المراتب ونظائرها حصول المشقة الكثيرة التي لا يتحمّل مثلها عادةً، كما مرّ، سواء نشأ منها زيادة المرض أم حدوثه أم بطؤ برئه أم لا، لا العجز الكلّي، فإنّ تحمّل المشقة الشديدة ضرر عظيم مدفوع شرعاً وإن أمكن تحمّله عقلاً.

وفي حالتي الاضطجاع والاستلقاء يجب عليه تقريب جبهته إلى ما يصحّ السجود عليه، أو تقريبه إليها والاعتماد بها عليه، ووضع باقي المساجد كما سبق. فإن تعذّر الاعتماد وجب ملاقاة الجبهة؛ لأنّ الميسور لا يسقط بالمعسور. فإن تعذّر جميع ذلك أومأ للركوع والسجود برأسه، وجعل الإيماء للسجود أزيد.

(و) لو تعذر تحريك الرأس ( يجعل قيامه) للنيّة والتكبير والقراءة وما يتبعها (فتحَ عينيه) معاً (وركوعه تغميضَهما، ورفعه) من الركوع (فتحهما، وسجوده الأوّل تغميضهما، ورفعه) منه (فتحَهما، وسجوده ثانياً تغميضَهما، ورفعه فتحَهما) مع إمكان الفتح والتغميض وإن لم يكن مبصراً، وإلّا أجرى الأفعال على قلبه كلّ واحد منها في محلّه، وأجرى الأذكار على لسانه إن أمكن، وإلّا أحضرها بالبال.

ويجب أن يقصد بهذه الأبدال كونها تلك الأفعال؛ إذ لا يعدّ التغميض - مثلاً - ركوعاً، ولا ينفكّ المكلّف عنه غالباً إلّا بالنيّة فلا يصير بدلاً إلّا بالقصد إليه. وكذا القول في

ص: 263


1- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 175 - 176 ، ح 392.

الفتح، مع احتمال عدم اشتراط القصد، كما لا يشترط ذلك في القراءة جالساً والركوع كذلك ونحوهما؛ لصيرورتها أفعالاً في تلك الحال، وهي لا تفتقر إلى النيّة الخاصّة، فإنّ الصلاة متّصلة شرعاً يكتفى فيها بنية واحدة لجميع أفعالها.

وهل يلحقه حكم المبدل فتبطل الصلاة بزيادته مطلقاً لو كان ركناً أو مع العمد لو كان غيره؟ الظاهر ذلك؛ لأنّه فعل من أفعال الصلاة شرعاً، والتغميض - مثلاً - ركوع شرعاً وإن لم يكن كذلك لغةً أو عرفاً، وإنّما يتّجه ذلك عرفاً، وإنّما يتّجه ذلك مع اعتبار القصد، أمّا مع عدمه فيحتمل عدم البطلان؛ إذ لا يعدّ ذلك فعلاً من أفعال الصلاة مطلقاً، بل إذا وقع في محلّه المأمور بإيقاعه فيه.

ووجه إلحاقه بالركن مطلقاً: قيامه مقامه في تلك الحالة، وكون المبطل هو الإتيان بصورة الأركان، وهو متحقّق هنا.

وكذا القول في قيام الحالات التي هي بدل من القيام مقامه في الركنيّة.

(وهكذا) يفعل (في) باقي (الركعات) وفي جميع الصلوات. وهذا كالمستغنى عنه؛ إذ لا إشعار في العبارة أوّلاً باختصاص البحث بالركعة الأولى أو بركعة معيّنة حتّى يحتاج الحال إلى إلحاق الباقي بها، وإنّما وقع البحث عن طبيعة القيام والركوع والسجود.

(ولو تجدد عجز القائم) بأقسامه (قعد) في أيّ فعل كان.

ثمّ إن كان قبل القراءة قرأ قاعداً، أو في أثنائها بنى على ما مضى منها من غير استئناف .

وهل يقرأ في حالة الهويّ؟ قيل : نعم(1) ، وهو اختيار المصنّف(2) والأكثر؛ لأنّ حالة الهويّ أعلى من حالة القعود فتكون أولى بالقراءة؛ لكونها أقرب إلى ما كان عليه.

ص: 264


1- كما في الدروس الشرعيّة ، ج 1، ص 90 - 91 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9).
2- تحرير الأحكام الشرعيّة، ج 1، ص 235 الرقم 784 قواعد الأحكام، ج 1، ص 269 : نهاية الإحكام، ج 1، ص 442.

واختلف قول الشهيد في ذلك، فوافق الأصحاب في بعض كتبه(1) . واستشكله في الذكرى بأنّ الاستقرار شرط مع القدرة ولم يحصل، وأيد الإشكال برواية السكوني عن الصادق علیه السلام في المصلّي يريد التقدّم، قال: «يكف عن القراءة في مشيه حتّى يتقدّم ثمَّ يقرأ»(2) (3).

ويجاب بأنّ الاستقرار شرط في القراءة مع الاختيار لا مطلقاً، وحصوله بعد الانتقال إلى الأدنى يوجب فوات الحالة العليا بالكلّيّة، وعلى تقدير القراءة يفوت الوصف خاصّة، وهو الاستقرار، وفوات الصفة أولى من فوات الموصوف والصفة أو الموصوف وحده، وقد تقدّم الكلام على نظيره فيما لو تعارض الصلاة قائماً غير مستقرّ وجالساً مستقرّاً.

وأمّا الرواية فعلى تقدير الالتفات إليها لا حجّة فيها على محلّ النزاع بوجه؛ لأنّ الحالتين متساويتان في الاختيار، بخلاف المتنازع.

ولو ثقل بعد الفراغ من القراءة، ركع جالساً. ولو كان في أثناء الركوع، فإن كان بعد الذكر ، جلس مستقرّاً للفصل بينه وبين السجود بدلاً عن القيام من الركوع إن لم يمكنه رفع رأسه في حال هويّه. ولو كان قبل الذكر، ففي الركوع جالساً أو الاجتزاء بما حصل من الركوع وجهان مبنيّان على أنّ الركوع هل يتحقّق بمجرد الانحناء إلى أن تصل كفّاه ركبتيه، والباقي من الذكر والطمأنينة والرفع أفعال خارجة عن حقيقته، أم جزء منه؟ وسيأتي الكلام فيه إن شاء الله فيمن ذكر راكعاً أنّه ركع من قبلُ.

والأصحّ أنّ مسمّى الركوع يتحقّق بمجرد الانحناء المذكور، فلا يركع جالساً مرّة أُخرى؛ لئلّا يلزم زيادة الركن.

ثمّ إن تمكّن من الذكر في حال الهويّ على هيئة الراكع والاستمرار عليه حتّى يصير

ص: 265


1- الرسالة الألفيّة، ص 148 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 18).
2- الكافي، ج 3، ص 316، باب قراءة القرآن، ح 24 تهذيب الأحكام، ج 2، ص 290، ح 1165.
3- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 206 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).

ركوع قاعد وجب، وأكمله كذلك، وإلّا سقط وجلس؛ للفصل، ثمّ سجد.

ويجيء على القول بتقديم الحالة الدنيا مع الاستقرار على العليا لا معه كما مرّ في القراءة - وجوب النزول راكعاً ليوقع الذكر مستقرّاً حالة الركوع جالساً، وسيأتي مثله فيما لو خفّ في أثناء الركوع أنه يقوم راكعاً إلى حدّه.

ولو ثقل بعد الرفع من الركوع وقبل الطمأنينة جلس مطمئنّاً ثمّ سجد. ولو كان بعدها، لم تجب الطمأنينة في الجلوس.

ولو عجز القاعد أو القائم عن القعود اضطجع قارئاً في انتقاله، كما مرّ، أو المضطجع عنه أو القاعد عن الاضطجاع أو القائم عنه وعن القعود، استلقى ويقرأ في الجميع.

(ولو تجدّدت قدرة العاجز) عن القيام عليه (قام) سواء في ذلك القاعدُ والمضطجع والمستلقي.

وكذا لو قدر مَنْ هو على حالة دنيا على ما هو أعلى منها، انتقل إليها تاركاً للقراءة إن كانت القدرة في أثنائها أو قبلها لانتقاله إلى الحالة العليا، ويبني على ما قرأه في الحالة الدنيا.

قيل: ويجوز الاستئناف بل هو أفضل لتقع القراءة متتاليةً في الحال الأعلى(1) .

وقد يشكل باستلزامه زيادة الواجب مع حصول الامتثال وسقوط الفرض.

ولو خفّ بعد القراءة وجب القيام للهويّ إلى الركوع ليركع عن قيام؛ لما تقدّم من أنّ القيام الركني إنّما يتحقّق مع اتّصاله بالركوع ولم يحصل قبلُ في البدل.

ولا تجب الطمأنينة فى هذا القيام - وفاقاً للمصنّف(2) - لأن وجوبها إنّما كان لأجل القراءة وقد أتى بها.

واحتمل في الذكرى الوجوب؛ لضرورة كون الحركتين المتضادّتين في الصعود والهبوط بينهما سكون، فينبغي مراعاته ليتحقّق الفصل بينهما. ولأنّ ركوع القائم يجب

ص: 266


1- القائل به هو الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 3، ص 206 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
2- تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 98 المسألة 197؛ نهاية الإحكام، ج 1، ص 442.

أن يكون عن طمأنينة وهذا ركوع قائم. ولأنّ معه يتيقّن الخروج عن العهدة (1).

ويشكل الأوّل: بأنّ الطمأنينة التي أثبتها غير المتنازع؛ لأنّ الكلام في الطمأنينة عرفاً، وهي أمر زائد على ذلك، وقد نوزع في الكلام في استلزام الحركتين المتضادّتين سكوناً، مع الإجماع على وجوب الطمأنينة في موضع يتحقّق انحفافه بالحركتين كالقيام من الركوع، وأنّه لو هوى من غير طمأنينة، بطل، وذلك يدلّ على عدم استلزام الحركتين طمأنينةً، أو على أنّ ما يحصل غير كافٍ، بل لابدّ من تحققّها عرفاً.

والثاني: بأنّه عين المتنازع، فإنّ موضع الوفاق في اشتراط الركوع عن طمأنينة هي ما تحصل في قيامها قراءة ونحوها فتكون الطمأنينة واجبةً لذلك، لا لذاتها.

والثالث: بأنّه احتياط لا يتحتّم المصير إليه، ولا ريب في أنّ فعلها أحوط.

ولو خفّ في الركوع قبل الطمأنينة وجب إكماله بأن يرتفع منحنياً إلى حدّ الراكع وليس له الانتصاب لئلّا يزيد ركناً، ثمّ يأتي بالذكر الواجب من أوّله وإن كان قد أتى ببعضه بناءً على الاجتزاء بالتسبيحة الواحدة، فلا يجوز البناء على بعضها؛ لعدم سبق کلامٍ تامّ.

ويحتمل - ضعيفاً - البناء؛ بناءً على أنّ هذا الفصل يسير لا يقدح بالموالاة.

ولو أوجبنا تعدّد التسبيح الصغير وكان قد شرع فيه، فإن كان في أثناء تسبيحة استأنفها، كما مرّ. وإن كان بين تسبيحتين أتى بما بقي، واحدةً كان أو ثنتين.

ولو خفّ بعد الذكر فقد تمّ ركوعه، فيقوم معتدلاً مطمئنّاً.

ولو خفّ بعد الاعتدال من الركوع قام ليسجد عن قيام. ثمّ إن لم يكن قد اطمأنّ وجبت في القيام، وإلّا كفى ما يتحقّق به الفصل بين الحركتين المتضادّتين.

واستشكل المصنّف وجوب القيام لو كانت الخفّة بعد الطمأنينة(2): ممّا ذكرناه، ومن إمكان كون الهويّ للسجود ليس واجباً برأسه، بل من باب المقدّمة، فيسقط حيث

ص: 267


1- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 206 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
2- تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 98 المسألة 197؛ نهاية الإحكام، ج 1، ص 443.

يمكن السجود بدونه من غير نقص في باقي الواجبات.

(ولوتمكّن) المصلّي قاعداً أو ما دونه (من القيام للركوع خاصّة وجب) لأنّه واجب مستقل فلا يرتبط فعله بالقدرة على غيره. ولقوله صلی الله علیه وآله وسلم: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم»(1) .

الواجب (الثاني: النيّة)

(وهي ) إرادة الفعل المخصوص المتعبد به مقارنةً له، لله تعالى.

والأصل فيها قوله تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) (2) ولا يتحقق الإخلاص بدونها. وقولهصلی الله علیه وآله وسلم: «إنّما الأعمال بالنيّات» (3)، ومعناه أنّ الأعمال لا تكون معتبرةً بحيث يترتّب عليها أثرها بدون النيّة.

وقد أجمع على توقّف الصلاة عليها، ولكن اختلف في كونها شرطاً لها أو جزءاً منها مع الاتّفاق على بطلان الصلاة بتركها عمداً وسهواً.

فذهب المصنّف إلى أنّها (ركن) فيها. والمراد بالركن ما تلتئم منه الماهيّة مع بطلان الأمور

الصلاة بتركه مطلقاً، كالركوع والسجود، أو ما تشتمل عليه الماهيّة من الوجوديّة المتلاحقة مع القيد المذكور. ولمّا كانت النيّة مقارنةً للتكبير الذي هو جزء وركن ويعتبر فيها ما يعتبر في الصلاة من القيام والاستقبال والستر والطهارة وغير ذلك وتبطل الصلاة بتركها مطلقاً دلّ ذلك على ركنيّتها. ولقوله تعالى: (وَمَا أُمِرُواْ إِلَّا لِيَعْبُدُواْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ )(4) ، فإنّه اعتبر العبادة حالة الإخلاص، وهو المراد بالنيّة. ولا يعتبر إلّا

ص: 268


1- السنن الكبرى البيهقي، ج 1، ص 571 ، ح 1823؛ وج 4، ص 423، ح 8214.
2- البيّنة (98): 5 .
3- صحيح البخاري، ج 1، ص 3، ح 1؛ سنن أبي داود، ج 2، ص 262، ح 2201؛ السنن الكبرى، البيهقي، ج 1، ص 68 . ح 181، وص 330 ، ح 1031، وص 445. ح 1422؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 83 ح 218: و ج 4، ص 186، ح 519 .
4- البيّنة (98): 5 .

ما كان منتظماً مع الشيء بحيث يشمل الكلّ حقيقة واحدة.

وفيه نظر؛ إذ لا دلالة لوجوب المقارنة للجزء على كون المقارن جزءاً بإحدى الدلالات. واعتبار ما يعتبر في الصلاة جاز أن يكون بسبب وجوب المقارنة، لا لكونه جزءاً، فلِمَ قلتم بدلالته على الجزئيّة ؟ وما الدليل على انحصار المشترط بالشروط المذكورة في الجزء؟ ودلالة اعتبار العبادة في حالة الإخلاص على عدم كون النيّة جزءاً أولى من دلالته عليه؛ لأنّ الحال وصف خارج عن صاحبه، وهو فضلة في الكلام، فلو كان جزءاً، كان عمدةً، ومتى وجد الحال جزءاً من صاحبه حتّى يصحّ هنا؟ ومن ثُمَّ ذهب المحقّق في المعتبر(1) إلى أنّها شرط لا جزء، فإنّ المراد بالشرط ما يتوقّف عليه تأثير المؤثّر مع تقدّمه عليه، كالطهارة وستر العورة، أو ما يساوق جميع ما يعتبر في الصلاة، وظاهر أنّ النيّة كذلك، والمساوقة حاصلة في الاستدامة الحكميّة، فإنّها إنما أجزأت عن الاستدامة الفعلية لتعذرها أو تعسّرها، وإلّا فالدليل الدال على اعتبارها في العبادة دالّ على استصحابها فعلاً لولا الحرج والعسر المنفيان بالآية والرواية. ولأنّ أوّل الصلاة التكبير لقوله صلی الله علیه وآله وسلم :« وتحريمها التكبير »(2) والنيّة سابقة عليه أو مقارنة لأوّله. ولأنّها لو كانت جزءاً لافتقرت إلى نيّةٍ أُخرى ويتسلسل ولأنّها تتعلّق بالصلاة فلا تكون جزءاً وإلا لزم تعلّق الشيء بنفسه. ولأنّ قوله صلی الله علیه وآله وسلم: «إنّما الأعمال بالنيات»(3) يدلّ على مغايرة العمل للنيّة.

وأُجيب عن الأوّل: بعدم منافاته للجزئيّة؛ لتوقف التأثير على سائر الأجزاء.

وعن الثاني: بأنّه مصادرة على المطلوب.

وعن الثالث: بمنع الملازمة؛ لمنع كلّيّة المقدّمة القائلة: إنّ كلّ عبادة تتوقّف على

ص: 269


1- المعتبر، ج 2، ص 149 .
2- الكافي، ج 3، ص 69، باب النوادر، ج 2؛ سنن ابن ماجة، ج 1، ص 101، ح 275 و 276؛ سنن أبي داود، ج 1، ص 16. ح 61: الجامع الصحيح، ج 1، ص 8 - 9 ، ح 3 و ج 2، ص 3، ح 238؛ سنن الدار قطني، ج 2، ص 20، ح 1/1340: السنن الكبرى البيهقي، ج 2، ص 531 ، ح 3971؛ مسند أحمد، ج 1، ص 208، ح 1075.
3- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص 268 ، الهامش 3.

النيّة؛ لخروج النظر المعرف لوجوب النظر والمعرفة، فلتخرج النيّة أيضاً.

وعن الرابع: بأنّ النية لما خرجت من الكلّيّة كان متعلقها بقية أجزاء الصلاة فلا تتعلّق بنفسها، فمعنى قول المصلّي - أو قصده -: «أُصلّي» عبارة عن الإتيان بمعظم أفعال الصلاة تسميةً للشيء باسم أكثره.

وعن الخامس بأنّ المغايرة حاصلة بين جزء الماهيّة وكلّها ضرورةً، كيد زيد ورأسه وركوع الصلاة وسجودها، فإنّ المضاف خارج عن المضاف إليه، فلا تلزم منه الشرطيّة.

وفي هذه الأجوبة نظر؛ لأنّ مدّعي الشرطيّة لا يحتجّ بمجرّد توقّف التأثير على النيّة، بل بالمجموع منه ومن التقدّم وظاهرُ أنّ الأمرين معاً لا يشارك الجزء فيهما الشرط، وإنّما اتّفق الجواب هكذا؛ لتعريف بعضهم الشرط بما يتوقّف عليه التأثير من غير قيد، فكان الجواب عنه. والمصادرة إنّما تتمّ لو ادعى الخصم أن أوّل الصلاة النيّة، والآخر أنّ أوّلها التكبير من غير دليل، والأمر هنا ليس كذلك، بل مدّعي أنّ أوّل الصلاة التكبير يستند إلى قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: «تحريمها التكبير»(1) ، وإذا ثبتت دلالته بطل القول بأنّ أولها النيّة، فلا يكون مصادرة. بل الأولى في الجواب: منع دلالة الخبر على أوّليّة التكبير؛ إذ لا يلزم من وصفه بالتحريم كونه أوّلاً؛ إذ لا امتناع في كون التحريم يحصل بالجزء الثاني والثالث ،وغيرهما، فإنّ ذلك موقوف على حكم الشارع، فيرجع في الأوّليّة إلى دليل آخر.

وتخلّف الحكم بتوقّف العمل على النيّة في صورة النظر الموجب للمعرفة لا ينقض

الكلّيّة فيما عداها؛ لأنّ الحصر المستفاد من «إنّما» في الرواية أفاد توقّف جمیع الأعمال على النيّة، فكلّ ما خرج منه من الأفراد بقي الباقي داخلاً في مدلول اللفظ ولا دليل على إخراج النيّة من البين، فالإيراد لازم.

ومنه يُعلم فساد الجواب الرابع؛ فإنّ العدول فيه إلى المعنى المجازي متفرّع على

ص: 270


1- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص 269 ، الهامش 2.

عدم صحّة المعنى الحقيقي، وهو تعلّق النيّة بمجموع العبادة.

وأمّا مغايرة النيّة للعمل وعدم كونها جزءاً منه فكأنّه في حيّز الوضوح؛ إذ لا يشكّ عاقل في كون نيّة الخياطة والكتابة وأشباههما من الأعمال ليست جزءاً منها، ولا فرق الصلاة إلّا ما تقدّم من اشتراطها بباقي الشروط المتقدّمة غيرها، ولا دلالة بينها وبين فيه على الجزئيّة؛ إذ شروط الصلاة ليست على وتيرة واحدة حتّى تخرج النيّة بمخالفتها عن الشرطيّة. ألا ترى أنّ الطهارة شرط في الصلاة مطلقاً فتبطل بدونها عمداً سهواً. والاستقبال لا تبطل بدونه سهواً على بعض الوجوه، كما مرّ تفصيله. والستر مختلف في كونه شرطاً مطلقاً أو مع العلم إلى غير ذلك الاختلاف.

ومن المقرّر أنّ القدر الجامع بينها كون المشروط عدماً عند عدم شرطه، فإذا لم تخرج هذه الشرائط عن الشرطيّة بهذا الاختلاف، فما الذي أخرج النيّة عنها بمخالفته لها فيما ذكر مع تخلفه عنها في ذلك لعارض، وهو اعتبار مقارنتها للتكبير الموجب لتقدّم باقي الشرائط عليها؟ فاشتراطها بها لا لذاتها، بل لهذا الوجه.

وذهب بعض الأصحاب(1) إلى كونها متردّدةً بين الجزء والشرط، وأنّها بالشرط أشبه جمعاً بين الأدلّة؛ لتعارضها وإن كان بعضها غير تامّ.

وأنت خبير بعد الإحاطة بما مرّ أنّ القول بالشرطيّة أوضح.

واعلم أنّه لا ثمرة مهمّة في تحقيق هذا الخلاف إلّا بيان الواقع لاتّفاق القولين جميعاً على أنّه (تبطل الصلاة بتركها عمداً وسهواً) ولو أُطلق عليها الركن بهذا ( الاعتبار لا غير، جاز؛ لأنّه العمدة في إطلاق الركن كما جعل ابن حمزة الأركان سنّةً وأضاف إلى الخمسة المشهورة استقبال القبلة (2)، ونفى عنه المصنّف البأسَ؛ محتجاً ببطلان الصلاة بترك الاستقبال ناسيا(3).

ص: 271


1- انظر جامع المقاصد، ج 2، ص 217 .
2- الوسيلة، ص 93 .
3- مختلف الشيعة، ج 2، ص 157، المسألة 87.

وقد تظهر فائدة القولين فيما لو نذر الصلاة أو للمصلّي في الوقت المعيّن فاتّفق فيه مقارنة التكبير لأوّله، فإن جعلناها جزءاً، لم يبرّ، ولم يستحقّ. وإن جعلناها شرطاً، برّ، واستحقَ.

وفرّع بعضهم على القولين ما لو سها عن فعل النيّة بعد التكبير ففعلها ثمّ ذكر قبل أن يكبّر فعلها سابقاً، فحكم ببطلان الصلاة على الأوّل لزيادة الركن دون الثاني(1) .

وليس بجيّد؛ لأنّ زيادة النيّة ممّا يستثنى من بطلان الصلاة بزيادة الركن؛ لأنّ استحضار النيّة في مجموع الصلاة هو الواجب لو لا المشقّة، كما تقدّم مراراً والاكتفاء بالاستدامة حكماً ارتفاقاً بالمكلّف، فلا يكون استحضارها في أثناء الصلاة عمداً وسهواً منافياً بوجه من الوجوه ولو قيل: إنّ القصد إلى استئنافها يقتضي بطلان الأولى، فهو خروج عن المسألة، فإنّ ذلك لا يختصّ بكونها ركناً، فإنّ سبب البطلان حينئذٍ القطع، أو عدم الاستدامة الحكميّة.

وربما فرّع بعضهم على القول بالشرطيّة جواز إيقاعها قاعداً وغير مستقبل بل وغير متطهّر ولا مستور العورة(2) .

وليس بسديد؛ لأنّ المقارنة المعتبرة للجزء تنفى هذه الاحتمالات.

فإن فيل: هذا يتمّ في غير الجلوس؛ إذ يمكن مقارنة التكبير لأوّل جزء من القيام بحيث يقع مجموع النيّة قبل تمامه.

قلنا: سيأتي - إن شاء الله تعالى - أنّ النيّة أمر واحد بسيط، وهو القصد إلى فعل الصلاة، والمعتبر منه مع طول زمانه القدر المقارن للتكبير لا غير، ولا ريب أنّ القطع بكون التكبير وقع بأجمعه في حال القيام مستقراً يقتضي سبق جزء يسير من القيام على أوّله من باب المقدّمة، وذلك الجزء كافٍ في وقوع النيّة فيه.

فإن قيل: ما ذكرتم في التكبير آتٍ في النيّة؛ لأنّ القيام إن كان معتبراً فيها بحيث

ص: 272


1- الفاضل السيوري في التنقيح الرائع، ج 1، ص 193.
2- كما في ذكرى الشيعة، ج 3، ص 179 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).

يتحقّق وقوعها فيه لزم تقدّمه عليها بأن يسير كما في التكبير. وإن لم يعتبر ذلك لم يكن القيام شرطاً، بل المعتبر تحقّق وقوع التكبير قائماً.

قلنا: لمّا كانت النيّة قصداً بسيطاً لم تفتقر إلى زمانٍ طويل، بل ذلك القدر المتقدّم على التكبير كافٍ فيه، فإنّ القصد يمكن استمراره زماناً طويلاً، وليست النيّة مجموع ما وقع منه في الزمان، بل كلّ جزء منه واقع في طرف من الأزمنة وإن قلّ كافٍ في تحقّقها، والجزء اليسير من القيام كافٍ في صحّتها، مع أنّه لو قيل بعدم وجوب القيام في النيّة وإن اتّفق وقوعها قائماً لضرورة وقوع التكبير قائماً أمكن، ومن ادعى خلاف ذلك طولب بدليله. وليست المسألة إجماعيّةً، وقد قال المصنّف في النهاية : إنّ الأقوى اشتراط القيام في النيّة(1) . وهو إشارة إلى الخلاف في وجوب القيام في النيّة. وربما فهم منه كون عدم الوجوب قويّاً؛ حملاً لأفعل التفضيل على بابه الأغلب من اقتضائه اشتراك المصدر بين المفضّل والمفضّل عليه، والله أعلم.

إذا تقرّر ذلك، فعُد إلى تحقيق النيّة.

واعلم أنّ النية عبارة عن القصد إلى فعل شيء من الأفعال، ولما كان القصد لابدّ من تعلّقه بمقصود معيّن؛ لأنّ قصد المجهول بكل وجه عبث لا يترتب عليه الأثر شرعاً فلابد لقاصد الصلاة من تشخيص النوع الذي يريده منها بجميع مميّزاته من كونها ظهراً مثلاً، واجبةً أو مندوبةً ، أداءً أو قضاءً، ثمّ يقصد فعل هذا المشخّص على وجه التقرّب إلى الله تعالى، فالنيّة أمر واحد وهو القصد، والباقي مميّزات المقصود، لا أجزاء للنيّة.

فقول المصنف: (ويجب أن يقصد فيها تعيين) الصلاة من كونها ظهراً أو عصراً مثلاً ( والوجه) الواقعة عليه من كونها واجبةً أو مندوبة (والتقرّب) بها إلى الله تعالى قرب الشرف والرفعة بواسطة نيل الثواب المترتّب على فعلها على الوجه المأمور به (والأداء) وهو فعلها في الوقت المحدود لها شرعاً ( والقضاء) وهو فعل مثل الفائت في غير وقته غير واضح في أداء المعنى المقصود من النيّة، فإنّها ليست القصدَ إلى التعيين

ص: 273


1- نهاية الإحكام، ج 1، ص 456 .

والوجه وغيرهما، بل إلى الفعل المعيّن الموصوف بالصفات الباقية، فمتعلّق النية ليس هو هذه المصادر المعيّنة، بل الفعل الموصوف بها، وهو المعيّن المؤدّى الواجب.

وأمّا التقرّب فإن جعل مميّزاً للمقصود - كما هو ظاهر العبارة في تقديمه على الأداء والقضاء مع كونهما مميّزين قطعاً - كان الكلام فيه كما تقدّم، وتوقّفت صحّة النيّة على تقرّبِ آخر بعد القصد إلى فعل الموصوف بالصفات المذكورة يكون غاية الفعل المتعبد به، ولا يغني جَعله مميّزاً عن جَعْله غايةً.

وإن أراد به التقرّب المجعول غايةً، فتقديمه في الذكر على الأداء والقضاء ليس بجيّد وإن كانت الواو لا تقتضي الترتيب عند المحقّقين.

وقد تلخّص من ذلك أنّ الواجب في النيّة إحضار الصلاة في الذهن و تمييزها بكونها ظهراً - مثلاً - أداءً واجبةً، ثمّ يوقع النيّة على هذا المعلوم بأن يقصد فعله للّه تعالى. والعبارة عنه «صلاة الظهر الواجبة المؤداة أفعلها قربةً إلى الله» و على ترتيب النيّة المعهود «أُصلّى فرض الظهر أداءً قربةً إلى الله» ولا يضر تقديم القصد وهو «أُصلّي» - - لفظاً؛ لأنّه متأخّر معنى، والمجوّز لذلك أنّ مدلولات هذه الألفاظ تجتمع في الذهن دفعةً واحدة، فلا فرق فيها بين المتقدّم في اللفظ والمتأخّر.

ومن هنا يُعلم أنّه لا ترتيب بين هذه الألفاظ، بل ما يقع منه فإنّما هو لضرورة التعبير عنه، ولا يجب الجمع بين الوجوب المميّز والمجعول غايةً، كما في النيّة المشهورة المزاد فيها عمّا ذكرنا قوله « لوجوبه» قبل القربة، بل يكفي الوجوب المميّز عن الغائيّ دون العكس.

وأمّا القربة فهي الغاية الحقيقيّة للفعل، فلا يحتاج معه إلى غاية أُخرى وإن كان الجمع بينهما أحوط موافقةً للمشهور ورعايةً لما يقوله المتكلمون من أنّه يجب فعل الواجب لوجوبه أو لوجه وجوبه من الشكر والأمر واللطف.

ومع ذلك فقد استشكل بعضهم(1) إعراب الألفاظ المشهورة المعدّة لها من حيث إنّ اللّام

ص: 274


1- انظر ذكرى الشيعة، ج 3، ص 180 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).

في «لوجوبه» للتعليل بالعلّة الغائيّة، و «قربة» منصوب على المفعول له، فيتعدّد المفعول له من غير توسّط حرف العطف، وذلك ممتنع ؛ إذ لا يقال : جئتك رهبةً رغبةً» ونحوه.

واعتذر بعضهم عنه: بأنّ الوجوب غاية لما قبله والتقرّب غاية للوجوب، فتتعدّد الغاية بحسب تعدّد المغيّى، فاستغنى عن الواو(1) .

وهو عذر فاسد؛ فإنّ القربة إنّما هي غاية الفعل المتعبّد به، لأنه إنّما فعل لأجلها لا الوجوب.

وأيضاً فشرط المفعول له كونه فعلاً لفاعل الفعل المعلّل به، وفاعل القربة هو المكلّف، وليس هو فاعل الوجوب المعلّل بالقربة، بل فاعل الوجوب هو الله تعالى، وإنّما المكلّف فاعل الواجب، و أحدهما غير الآخر، فلا تكون القربة إلا غايةً للفعل، وفاعلهما ،واحد، وهو المكلّف.

والحقّ منع تعدّد المفعول لأجله هنا؛ لأنّ المجرور باللام ليس مفعولاً لأجله، كما لا يخفى ولو سلّم منعنا وجوب توسط حرف العطف لفظاً، بل حذفه جائز اقتراحاً، قاعدة مطردة، كما نقله ابن هشام في المغني، وجَعَل منه قول الحطيئة:

إنّ امرءاً رهطُهُ بالشّامِ مَنْزِلُهُ *** بِرَمْلِ يَبْرِينَ جَاراً شذّ ما اغْتَرَبا

أي ومنزله برمل يبرين.

وحكى عن أبي زيد: «أكلت خبزاً لحماً تمراً» بتقدير الواو.

قال: وحكى أبو الحسن «أعطه درهماً در همین ثلاثةً» بإضمار «أو» وخرّج على ذلك قوله تعالى: (وُجُوهٌ يَوْمَذٍ نَاعِمَةٌ )(2) عطفاً على (وُجُوهٌ يَوْمَذ خَشِعَةٌ )(3) وقوله : (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلَم)(4) ، فيمن فتح الهمزة عطفاً على

ص: 275


1- كما في ذكرى الشيعة، ج 3، ص 181 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
2- الغاشية (88) : 8.
3- الغاشية (88) : 2.
4- آل عمران (3): 19 .

(أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ )(1) وقوله تعالى: ﴿وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ )(2) أي وقلت؛ لأن الجواب (تَوَلَّوْا )(3) (4).

وهذه الشواهد تحتمل وجوهاً من الإعراب غير تقدير العطف.

(و) لمّا كانت النيّة عبارةً عن القصد إلى الأمور الأربعة على الوجه المذكور وجب (إيقاعها عند أوّل جزء من التكبير) بمعنى أن يكون القصد إلى فعل الصلاة بمشخّصاتها مغيّى بالقربة مقارناً لأوّل التكبير بحيث لا يتخلّل بينهما زمان وإن قلّ؛ لأنّ المأتى به لا كذلك عزمٌ لا نيّة.

وهل يجب مع ذلك استحضارها فعلاً إلى آخر التكبير ؟ قيل: نعم(5) - وهو اختيار الشهيد(6) - لأنّ الدخول في الصلاة إنّما يتحقّق بتمام التكبير ؛ بدليل أنّ المتيمّم لو وجد الماء قبل تمامه وجب عليه استعماله بخلاف ما لو وجده بعد الإكمال، والمقارنة معتبرة في النيّة فلا تتحقّق بدونها.

ورُدّ بأنّ آخر التكبير كاشف عن الدخول في الصلاة من أوّله، وإلّا لم يكن التكبير جزءاً، وهو باطل. واعتبار تمامه في تحقّق الدخول من حيث إنّ التحريم إنّما يكون بالمجموع؛ لظاهر قوله صلی الله علیه وآله وسلم: «و تحريمها التكبير»(7) فإذا قارنت النيّة أوّله فقد قارنت أوّل الصلاة؛ لأنّ جزء الجزء جزء(8) .

وهذا هو الأجود، وهو ظاهر اختيار المصنّف(9).

ص: 276


1- آل عمران (3): 18 .
2- التوبة (9) 92 .
3- التوبة (9) 92 .
4- مغني اللبيب، ج 2، ص 411 - 412.
5- كما في جامع المقاصد، ج 2، ص 219؛ وانظر تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 107، المسألة 204.
6- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 181؛ الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 87 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7 و 9).
7- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص 269 الهامش 2 .
8- الرادّ هو المحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 219 - 220.
9- قواعد الأحكام، ج 1، ص 269.

(و) لا يجب استحضارها فعلاً بعد التكبير إجماعاً، بل ولا يستحبّ؛ لأنّ ذلك متعذّر أو متعسّر؛ إذ الإنسان لا يكاد ينفكّ من الذهول.

نعم، يجب (استمرارها حكماً إلى الفراغ) من الصلاة بمعنى عدم إحداث ما ينافي الصلاة، كالكلام والأفعال الخارجة والرياء ولو ببعض الأفعال.

(فلو نوى الخروج) من الصلاة مطلقاً أو في الحال أو ثانيه (أو الرياء ببعضها أو) نوى ببعض أفعال الصلاة (غير الصلاة) كما لو نوى بالركوع تعظيم شخص أو قتل حيّة أو قصد الأمرين معاً (بطلت) لمعارضة ذلك للنيّة الأولى ومنافاته لها، فلا يبقى المكلّف آتياً بالمأمور به على وجهه، فيبقى في عهدة التكليف ولأنّ إرادتي الضدّين متنافيتان، فما ظنّك بمعارضة النيّة الطارئة للاستدامة الحكميّة الضعيفة.

ومقتضى إطلاق نيّة الخروج من الصلاة عدم الفرق بين ما لو أطلق أو قيّده بالحال أو في ثانيه، والحكم في الكلّ واحد؛ لاشتراك الجميع في العلّة المقتضية لزوال النيّة الأولى، فإن اكتفى بها، وقعت أجزاء الصلاة الباقية بغير نيّة معتبرة. وإن جدّدها لم يكن مطابقاً لمراد الشارع؛ لأنّ شرط النيّة مقارنتها لأوّل العمل، إلا ما أخرجه النصّ الخاصّ، كنيّة العدول.

وللمصنّف قول(1) بأنّ نيّة الخروج في ثاني الحال لا تبطل بمجردها، بل بالوصول إلى تلك الحالة باقياً على النيّة الطارئة، فلو رجع عنها قبل البلوغ إلى الحالة المعيّنة، لم تبطل الصلاة لانتفاء المقتضي للإبطال.

أمّا في الحالة الأولى: فلعدم قصد الخروج فيها.

وأمّا الثانية: فلعدم الإبطال قبلها؛ لعدم نيّته، وانتفاء القصد إليه عندها؛ لأنّ الفرض أنّه تركه قبلها.

ويردّه: أنّ الصلاة عبادة واحدة متّصل بعضها ببعض تجب لها نيّة واحدة من أوّلها

ص: 277


1- قواعد الأحكام، ج 1، ص 270 .

إلى آخرها، فإذا نوى المنافي في بعضها، انقطعت تلك الموالاة، وانفصلت تلك النيّة، فتخرج عن الوحدة، فلا يتحقّق الإتيان بالمأمور به على وجهه فيبقى في عهدة التكليف.

وفي حكمه ما لو علّق الخروج على أمر ممكن، كدخول شخص، وأولى بالصحّة عند القائل بالتفصيل؛ لإمكان أن لا يوجد المعلّق عليه هنا، بخلاف الأوّل.

ونيّة فعل المنافي كنيّة الخروج في أصحّ القولين فتبطل الصلاة بها وإن لم يفعل، بل الخروج أحد المنافيات، فالكلام فيهما واحد.

وللمصنّف قول بعدم البطلان بنيّة فعل المنافي من دون فعله(1) ، مع حكمه بالبطلان مع نيّة الخروج ؛ محتجّاً بأنّ المنافي للصلاة هو فعل المنافي ، كالكلام عمداً، لا العزم عليه(2) .

وهو غير واضح؛ لأنّ الخروج من الصلاة من جملة المنافيات، فنيّته كنية غيره منها.

نعم، المنافي سبب في الخروج من الصلاة، لا عينه، إلّا أنّ ذلك غير مؤثّر مع اشتراكهما في المنافاة للصلاة وإبطال الاستدامة الحكميّة.

ولو اجتمعت هذه النيّة مع نيّة الصلاة، لم تنعقد؛ لاعتبار الجزم في النيّة.

الواجب (الثالث: تكبيرة الإحرام)

سُمّيت بذلك؛ لأنّ بها يحصل الدخول في الصلاة، ويحرم ما كان محلّلاً ،قبلها كالكلام والسلام.

قال الجوهري: يقال: أحرم بالحجّ والعمرة؛ لأنّه يحرم عليه به ما كان حلالاً قبله(3) .

(وهي ركن) في الصلاة بمعنى بطلان الصلاة بتركها عمداً وسهواً، إجماعاً كباقي

ص: 278


1- مختلف الشيعة، ج 2، ص 155 - 156 ، المسألة 86: منتهى المطلب، ج 5، ص 23.
2- مختلف الشيعة، ج 2، ص 155 - 156، المسألة 86؛ منتهى المطلب، ج 5، ص 22 - 23.
3- الصحاح، ج 4، ص 1897، «حرم».

أركان الصلاة، التي هي النيّة والقيام والركوع والسجدتان معاً وإن تخلّف الحكم في بعضها نادراً.

ويدلّ على كون تكبيرة الإحرام جزءاً من الصلاة قول النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: «إنّما هي التكبير والتسبيح وقراءة القرآن»(1)، وعلى الركنيِّة قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لا يقبل الله صلاة امرئ حتّى يضع الطهور مواضعه ثمّ يستقبل القبلة فيقول: الله اكبر»(2) .

ولرواية زرارة عن الباقر والصادق علیهما السلام في ناسي التكبير «أنّه يعيد»(3) ، ورواه عليّ بن يقطين عن الكاظم علیه السلام(4).

وحيث ثبت كونها ركناً (فتبطل الصلاة بتركها عمداً وسهواً) وكذا بزيادتها، كما سيأتي.

(وصورتها: الله أكبر) فتجب مراعاتها؛ لأنّ العبادات توقيفية لا مجال للرأي فيها.

(فلو) خالف المكلّف(5) ، ذلك بأن (عكس) ترتيبها وقال: أكبر الله (أو أتى بمعناها) بأن قال: الرحمن أعظم، أو أجلّ، أو نحو ذلك (مع القدرة) على الإتيان بالصورة (أو) أتى بها (قاعداً معها) أي مع القدرة على القيام (أو) أتى بها وهو آخذ في القيام بحيث وقعت (قبل استيفاء القيام) أو وهو ها و إلى الركوع كما يتّفق ذلك للمأموم (أو أخلّ) بشيء منها ولو (بحرفٍ واحد بطلت) الصلاة؛ لتحقّق النهي في ذلك كلّه، ومخالفة المأمور به على وجهه، فيبقى في العهدة.

ص: 279


1- صحيح مسلم، ج 1، ص 381 - 382، ح 537/33؛ سنن النسائي، ج 3، ص 17؛ السنن الكبرى البيهقي، ج 2، ص 353 - 355 ، ح 3349 و 3351؛ مسند أحمد، ج 1، ص 625، ح 23250؛ المعجم الكبير، الطبراني، ج 19، ص 401. ح 945 .
2- أورده الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 3، ص 186 - 187 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
3- الكافي، ج 3، ص 347، باب السهو في افتتاح الصلاة، ح 1 تهذيب الأحكام، ج 2، ص 143، ح 557: الاستبصار، ج 1، ص 351، ح 1326 ، وفيها: عن الإمام الباقر علیه السلام ؛ وفي ذكرى الشيعة، ج 3، ص 187 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7) : عنهما علیهما السلام.
4- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 143، ح 560: الاستبصار، ج 1، ص 351 - 352 ، ح 1329.
5- كلمة «المكلّف» لم ترد في «الأصل وم».

فإن قيل: وقوع التكبير قبل استيفاء القيام يقتضي وقوع النية قبله بطريق أولى فالبطلان مستند إلى السابق، وهو وقوع النيّة قبل القيام، فلا وجه لتعلّق البطلان على وقوع التكبير قبله.

قلنا : علل الشرع معرّفات للأحكام، فجاز تعدّدها وإسناد الحكم إلى كلّ واحد مهنا.

ذلك إشارة لطيفة إلى ما حقّقنا سابقاً من عدم الاحتياج إلى تحرير زمان من أزمنة القيام تقع فيه النيّة، بل وقوع التكبير قائماً مع سبق آن يسير يحصل به يقين وقوع التكبير قائماً كافٍ في صحّة النيّة، فلا يفتقر إلى تخصيص النيّة بالبحث عن وقوعها قبل القيام مع وقوع التكبير قائماً، فاكتفي بالبحث عن التكبير. وعلى تقدير إمكان تصوير وقوع النية قبل القيام والتكبير بعده فهو فرض بعيد لا يقع - إن سلّم - إلّا بتجشّم كلفة، فلم نعتبره.

فإن قيل: الحكم بالبطلان يقتضي سبق الصحّة؛ إذ لا يقال للصلاة غير المنعقدة من رأس : إنّها ،باطلة كما هو المتعارف والصلاة هنا لم يسبق لها انعقاد حتّى يلحقها البطلان.

قلنا: العبادة الباطلة عند الأصولييِّن غير الموافقة لمراد الشارع، سواء سبق انعقادها ثمّ طرأ عليها البطلان أم حصلت المخالفة لمراد الشارع فيها ابتداءً، ولا اعتبار بالمتعارف المخالف للاصطلاح.

وردّ المصنّف بذلك على الشيخ (رحمه الله) حيث جوّز في الخلاف الإتيان ببعض التكبير منحنياً(1). ولم يعلم مأخذه.

واعلم أنّ الإخلال بحرف من التكبير يتحقّق بوصل إحدى الهمزتين في الكلمتين، فإنّ وصل الهمزة إسقاط لها بالكلّيّة، كما ذكره أهل العربيّة من أنّ همزة الوصل تسقط فى الدرج .

ص: 280


1- الخلاف، ج 1، ص 340 - 341 ، المسألة 92 .

ووجه البطلان مع وصل همزة «أكبر» ظاهر؛ لأنّها همزة قطع.

وأمّا همزة «الله» فلانّها وإن كانت همزة وصل إلّا أنّ سقوط همزة الوصل إنّما هو

في الدرج في كلام متّصل بها قبلها ولا كلام قبل التكبير، فإن النيّة إرادة قلبيّة لا مدخل للّسان فيها. ولو فرض تلفّظ المصلّي بها، لم يترتّب على لفظه حكم؛ لأنّه من لغو الكلام، ومخالف للمنقول عن صاحب الشرع صلی الله علیه وآله وسلم، فإنّه كان يقطعها وقد قال صلی الله علیه وآله وسلم: «صلوا كما رأيتموني أُصلّي»(1).

وربما نقل عن بعض المتأخّرين جواز الوصل حينئذٍ(2) ؛ عملاً بظاهر القانون العربي.

وهو مندفع بأنّ الموجب لقطعها ثبت قبل إحداث الناس التلفظ بالنيّة، فإنّه أمر حدث بعد النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم وبعد خاصّته بل بعد كثير من العلماء المتقدّمين، فإنّهم لم يتعرضوا للبحث عن النيّة ولا عن شيء من أحكامها بناءً على أنّها أمر مركوز في جبلة العقلاء حتّى أنّ الإنسان لا يكاد يفعل فعلاً خالياً القصد والداعي مع كونه عاقلاً مختاراً، فلمّا خلف من بعدهم خلف أضاعوا حدود الأحكام وأهملوا حقائق شرائع الإسلام فنبّههم المتأخّرون على النيّة وقيودها، وأوضحوا لهم أحكامها وحدودها، وهي تکلیف سهل وأمر هيّن محصّلها بعث الهمّة والقصد إلى فعل الصلاة المعيّنة لله تعالى، وهذا القدر من القصد لا يتوقّف على مساعدة اللسان وكيف يتوهّم العاقل أنّ العزم على شيء والقصد إلى فعله يتوقّف على التلفّظ به؟؟ ولو كان الأمر كذلك، لكان الخلق في غالب الأوقات يتكلّمون بمقاصدهم؛ إذ لا ينفكّون عن المقاصد غالباً، فخلاف ذلك صادر عن غلبة أمرٍ وهمي ووسواس شيطاني لا يترتّب عليه أثر شرعي بحيث يغيّر ما هو الأمر الأصلي من قطع الهمزة عند الابتداء بها، فلا جرم أنّ مَنْ أخلّ بقطع الهمزة

ص: 281


1- صحيح البخاري، ج 1، ص 226، ح 605؛ سنن الدار قطني، ج 1، ص 593 ، ح 1/1053 و 2/1054: السنن الكبرى البيهقي، ج 2، ص 486 - 487، ح 3856؛ مسند أحمد، ج 1، ص 40، ح 20007.
2- كما في جامع المقاصد، ج 2، ص 236.

فقد أخلّ بحرف من التكبيرة فتبطل الصلاة.

ويجب التلفّظ بها بالعربيّة مع القدرة وقوفاً مع المنقول عن صاحب الشرع صلی الله علیه وآله وسلم؛ لأنه كذلك كبَّر وقال: «صلوا كما رأيتموني أُصلّى»(1).

(والعاجز عن العربيّة يتعلّم واجباً) من باب المقدّمة. فإن تعذّر لضيق الوقت أحرم بلغته، مراعياً في ذلك المعنى العربي، فيقول الفارسي: «خدای بزرگتر» فلو ترك صفة التفضيل - وهي «تر» - لم يصحّ، كما ذكره المصنّف في النهایة(2).

(والأخرس) يأتي منها بالمقدور، فإن عجز عن التلفّظ أصلاً وجب عليه أن (يعقد قلبه) بها مدركاً لسانه (مشيراً بإصبعه).

أمّا الأوّل: فلأنّ الإشارة والتحريك لا اختصاص لهما بالتكبير، فلابدّ لمريده من مخصّص.

وأمّا تحريك اللسان: فلأنّه كان واجباً مع القدرة على النطق، فلا يسقط بالعجز عنه؛ إذ لا يسقط الميسور بالمعسور ، فهو أحد الواجبين ابتداءً.

وأمّا وجوب الإشارة بالإصبع : فذكره المصنّف في غير هذا الكتاب(3) ، وبعض الأصحاب(4) ، ولا شاهد له على الخصوص.

نعم، روى السكوني عن أبي عبدالله علیه السلام قال: «تلبية الأخرس وتشهّده وقراءته للقرآن في الصلاة تحريك لسانه وإشارته بإصبعه»(5) فعدّوه إلى التكبير؛ نظراً إلى أنّ الشارع جعل له مدخلاً في البدليّة عن النطق، ولا يخفى أنّه أحوط.

وفي حكم الأخرس مَنْ عجز عن النطق لعارض.

ص: 282


1- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص 281 الهامش 1 .
2- نهاية الإحكام، ج 1، ص 455 .
3- تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 117، المسألة 211 نهاية الإحكام، ج 1، ص 455.
4- كالشهيد في ذكرى الشيعة، ج 3، ص 189 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل ، ج 7.)
5- الكافي، ج 3، ص 315 باب قراءة القرآن، ح 17؛ وفي تهذيب الأحكام، ج 5، ص 93، ح 305 عن جعفر بن محمد أنّ علياً علیه السلام قال إلى آخره.

وفي بعض عبارات المصنّف(1) وغيره(2) أنّ الأخرس يعقد قلبه بمعنى التكبير.

والظاهر أنهم لا يريدون بالمعنى مدلول اللفظ الذي هو المعنى المتعارف؛ لأنّ ذلك لا يجب على غير الأخرس بل المراد به كونه تكبيراً لله وثناء عليه في الجملة.

وينبّه على إرادة هذا المعنى ذكر هم له في القراءة أيضاً مع أنّ تفسير القراءة لا یجب تعلّمه قطعاً.

ويستحبّ التوجّه بستّ تكبيرات مضافةً إلى تكبيرة الإحرام فيكبّر ثلاثاً ثمّ يدعو «اللهمّ أنت الملك الحقّ» إلى آخره، ثمّ اثنتين ويقول: «لبّيك وسعديك» إلى آخره، ثمّ واحدة ويقول: «يا محسن قد أتاك المسيء» إلى آخره، ثمّ واحدة ويقول: «وجهت وجهي للذي فطر السموات» إلى آخره.

ويجوز فعلها ولاءً من غير أدعية؛ لما رواه زرارة عن الباقر علیه السلام : استفتح الصلاة بسبع تكبيرات ولاءً(3).

(ويتخيّر في السبع أيّها شاء جعلها تكبيرة الافتتاح) والأفضل جعلها الأخيرة.

واستحباب السبع عند المصنّف(4) ، وجماعة(5) ، مخصوص بسبع مواضع: أوّل كلّ فريضة، وأوّل صلاة الليل والوتر، وأوّل نافلة الزوال، وأوّل نوافل المغرب، وأوّل ركعتي الإحرام والوتيرة.

ومستند التخصيص غير واضح ومن ثُمَّ قال في الذكرى: الأقرب عموم استحباب السبع في جميع الصلوات؛ لأنّه ذكر الله تعالى، والأخبار مطلقة، فالتخصيص يحتاج إلى دليل(6) .

ص: 283


1- قواعد الأحكام، ج 1، ص 270 .
2- كالمحقّق في شرائع الإسلام، ج 1، ص 69.
3- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 287، ح 1152.
4- تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 119، ذيل المسألة 212 نهاية الإحكام، ج 1، ص 458 - 459.
5- كما في جامع المقاصد، ج 2، ص 241؛ ومنهم سلّار في المراسم، ص 70 .
6- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 196 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).

(ولو كبّر ونوى الافتتاح ثمّ كبّر ثانياً كذلك) أي بنيِة الافتتاح (بطلت صلاته) لما تقدّم من أنّ التكبير ركن، وزيادة الركن مبطلة

ولا فرق في البطلان بالثاني بين استحضار نيِّة الصلاة معه وعدمه، فإنّ المراد بزيادة الركن المبطلة الإتيان بصورته قاصداً بها الركن حيث تكون صورته مشتركةً بين ما يصحّ فعله في الصلاة اختياراً وما لا يصحّ، كالتكبير.

هذا إذا لم ينو الخروج من الصلاة قبل التكبير الثاني، وإلّا انعقدت بالثاني مع مقارنته للنيّة؛ لبطلان الأوّل بنيّة الخروج، كما مرّ، فيصحّ الثاني.

(فإن كبّر ثالثاً كذلك) أي بنيّة الافتتاح مع كون الثاني مبطلاً (صحّت) الصلاة؛ لورود الثالث على صلاة باطلة، فيعقدها مع مقارنته للنيّة، وعلى هذا فتبطل في المزدوج، وتصحّ في الوتر مع استحضار النيّة فعلاً وعدم نيّة الخروج، وإلا صحّ ما بعدها.

(ويستحبّ رفع اليدين بها) وبباقي التكبيرات (إلى شحمتي الأذنين) وأقلّه محاذاتهما للخدّين.

ويستحب أن تكونا مبسوطتين مضمومتي الأصابع مفرّجتي الإبهامين. ويستقبل بباطن كفّيه القبلة، وليبتدئ بالتكبير في ابتداء الرفع وينتهي به عند انتهاء الرفع؛ لظاهر رواية عمّار(1)، قال: رأيت أبا عبدالله علیه السلام يرفع يديه حيال وجهه حين استفتح(2) .

وقيل : يكبّر حال رفعهما(3). وقيل : حال إرسالهما(4) .

ولا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة، ولا بين الإمام وغيره وإن كان الاستحباب للإمام أكد.

ص: 284


1- هكذا في «الأصل و م» والطبعة الحجريّة وكذا في ذكرى الشيعة، ج 3، ص 193 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل،ج 7)، وفي المصدر عن ابن سنان.
2- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 66. ح 236.
3- انظر ذكرى الشيعة، ج 3، ص 193 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
4- انظر ذكرى الشيعة، ج 3، ص 193 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).

(و) يستحبّ (إسماع الإمام مَنْ خلفه) تكبيرة الإحرام ليقتدوا به؛ إذ لا يعتدّ بتكبيرهم قبله، ويُسرّ في البواقي ، رواه الحلبي عن أبي عبدالله علیه السلام(1).

ولو افتقر إسماع الجميع إلى العلوّ المفرط اقتصر على التوسّط .

واحترز بالإمام عن غيره فإنّ المأموم يُسرّ بها كباقي الأذكار، عدا القنوت فإنّه جهار. ويتخيّر المنفرد. وفي توظيف أحدهما له نظر.

(و) يستحبّ (عدم المدّ بين الحروف) كمدّ الألف الذي بين اللام والهاء بحيث يخرج عن موضوعه الطبيعي، وإلّا فمدّه واجب قطعاً، أو الهمزتين بحيث لا يخرج اللفظ عن مدلوله إلى لفظ آخر، كما لو صار همزة «الله» بصورة الاستفهام، أو «أكبر» بصورة الجمع ل «كَبَر» وهو الطبل له وجه واحد وإلّا بطل مع قصدهما قطعاً، ومطلقاً على الأصحّ ؛ إذ لا اعتبار للقصد في دلالة اللفظ على معناه الموضوع له. ويستحبّ أيضاً ترك الإعراب: لقوله صلی الله علیه وآله وسلم: «التكبير جزم»(2) فلو أعربه ووصله بالقراءة، جاز على كراهية.

الواجب (الرابع: القراءة)

( وتجب في) الفريضة (الثنائيّة ) كالصبح (وفي الأوليين) بالياءين المثنّاتين من تحت تثنية «أُولى» وتجوز بالتاء أولاً، تثنية «أوّلة» والأوّل أشهر (من غيرها) أي غير الثنائيّة، وهي الثلاثيّة والرباعيّة قراءة (الحمد) إجماعاً (و) قراءة (سورة كاملة) بعدها على أشهر القولين عندنا ؛ لقوله تعالى: (فَاقْرَءُ واْ مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ )(3) فإنّ الأمر حقيقة في الوجوب، و«ما» للعموم إلّا ما أخرجه الدليل، وهو ما زاد على السورة وغير الصلاة.

ص: 285


1- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 287، ح 1151.
2- أورده الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 3، ص 193 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
3- المزمّل (73): 20 .

ورواية منصور بن حازم عن أبي عبدالله علیه السلام : «لا تقرأ في المكتوبة أقلّ من سورة ولا أكثر»(1).

وذهب جماعة من الأصحاب - منهم المحقّق في المعتبر (2) - إلى استحباب السورة فيجوز عندهم التبعيض، كما يجوز ترك السورة بالكلّيّة؛ لروايتي الحلبي وعليّ بن رئاب عن الصادق علیه السلام:« فاتحة الكتاب وحدها تجزئ في الفريضة»(3).

وحُملتا على الضرورة؛ جمعاً بين الأخبار أو على التقيّة؛ لأنّه مذهب العامّة، وهو أولى؛ إذ لولاها لأمكن الجمع بينها بحمل ما تضمّن السورة على الاستحباب، والأُخرى على الجواز.

(ويتخيّر) المصلّي (في الزائد) على الركعتين الأُوليين، وهو ثالثة المغرب وأخيرتا الرباعيّة (بين) قراءة (الحمد وحدها) من غير سورة (و) بين (أربع تسبيحات صورتها: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر) مرّة واحدة.

أمّا التخيير بين الحمد وبين التسبيح في الجملة فعليه إجماع الأصحاب.

وأمّا الاجتزاء بالتسبيحات الأربع مرّة واحدة فهو أصحّ الأقوال.

ومستنده صحيحة زرارة، قال: قلت لأبي جعفر علیه السلام : ما يجزئ من القول في الركعتين الأخيرتين؟ قال: «أن تقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. وتكبّر وتركع»(4) .

وللشيخ قول بوجوب تكرار الأربع ثلاث مرّات(5) ، فتكون اثنتي عشرة تسبيحة.

ص: 286


1- الكافي، ج 3، ص 314، باب قراءة القرآن، ح 12: تهذيب الأحكام، ج 2، ص 69 - 70 ، ح 253؛ الاستبصار، ج 1 ، ص 314 ، ح 1167.
2- المعتبر، ج 2، ص 173 .
3- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 71 ، ح 259 و 260.
4- الكافي، ج 3، ص 319 باب القراءة في الركعتين الأخيرتين .... 2؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 98، ح 367 ، الاستبصار، ج 1، ص 321، ح 1198 .
5- النهاية ص 76؛ الاقتصاد، ص 261 .

وله قول ثالث بوجوب عشر تسبيحات(1) ، يقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله ثلاث مرّات، وفي الثالثة: والله أكبر.

ويدلّ عليه رواية حريز عن الباقر علیه السلام قال: «إن كنت إماماً فقُل: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله ثلاث مرّات، ثمّ تكبّر وتركع»(2) .

وهذه الرواية أخصّ من المدّعى، فلا تدلّ عليه صريحاً.

واجتزأ ابن بابويه بتسع بأن يكرّر التسبيحات الثلاث الأُول ثلاثاً(3)، ورواه حريز أيضاً في كتابه(4) .

والأوّل أجود، والثاني أحوط، والثالث جائز، أما الرابع فلا لعدم التكبير .

ثمّ على تقدير اختيار الأزيد هل يوصف الزائد على الأربع بالوجوب أم بالاستحباب ؟ ظاهر المصنّف في كتبه الفقهيّة الثاني وهو الذي صرّح به في كتب الأصول؛ محتجّاً عليه بجواز تركه ولا شيء من الواجب يجوز تركه.

وفيه نظر؛ لأنّه إن أُريد بتركه مطلقاً، فمنعه واضح؛ لانتقاضه بالواجبات الكلّيّة كالتخييريّة وأخويها. وإن أريد به لا إلى بدل فمسلَّمٌ لكنّ المتروك له هنا بدل، وهو الفرد الأنقص بمعنى أنّ مقوليّة الواجب على الفرد الزائد والناقص كمقوليّة الكلّي على أفراده المختلفة قوّةً وضعفاً، وحصول البراءة بالفرد الناقص لا من حيث هو جزء الزائد، بل من حيث إنّه الفرد الناقص، وقد وقع مثله في تخيير المسافر بين القصر والتمام. وهذا هو التحقيق في هذا المقام .

فإن قيل: اللازم من ذلك إمكان كون الزائد واجباً، لكن إذا تحقّقت البراءة في ضمن الفرد الناقص، لم يبق دليل يدلّ على وجوب الزائد، فنحن لا نستبعده لكن

ص: 287


1- المبسوط، ج 1، ص 158.
2- المعتبر، ج 2، ص 189 .
3- الفقيه، ج 1، ص 392، ح 1160.
4- كما في المعتبر، ج 2، ص 189.

ننفيه حتّى يقوم عليه الدليل .

قلنا: الروايات الدالّة على القدر الزائد الواقعة بصيغة الأمر - كقوله علیه السلام في الخبر المتقدّم(1) : «فقُلْ: سبحان الله - إلى قوله - ثلاثاً» وكون ذلك واقعاً بياناً للواجب - تدلّ على وصف الزائد بالوجوب، ولمّا لم يتمّ وجوبه عيناً؛ للرواية الدالّة على الاجتزاء بالأقلّ لزم القول بوجوبه تخييراً، ويبقى إطلاق الاستحباب على الفرد الزائد محمولاً على استحبابه عيناً بمعنى كونه أفضل الفردين الواجبين، وذلك لا ينافي وجوبه تخييراً من جهة تأدّي الواجب به وحصول الامتثال.

لكن يبقى في المسألة بحث آخر، وهو أنّه لو شرع في الزائد على الأقل فهل يجب عليه المضي فيه و يجب إيقاعه على الوجه المأمور به في الواجب من كونه في حالة الطمأنينة وغيرها من الهيئات الواجبة، أم يجوز تركه وتغييره عن الهيئة الواجبة ؟ يحتمل الأوّل ؛ لما تقرّر من كونه موصوفاً بالوجوب . ولا ينافيه تركه بالكلّيّة، كما مرّ، فيكون المكلّف مخيراً ابتداءً بين الشروع فيه فيوقعه على وجهه، وبین ترکه .

ويحتمل الثاني؛ لأنّ جواز تركه أصلاً قد يقتضي جواز تبعيضه وتغييره عن وضعه مع كونه ذكر الله تعالى بطريق أولى، فيبقى حاله منظوراً إليه في آخره، فإن طابق وصف الواجب كان واجباً، وترتّب عليه ثواب الواجب وحكمه، وإلّا فلا، ولا قاطع بأحد الأمرين، فليلحظ ذلك.

ويستفاد من قوله «صورتها» وجوب الترتيب بينها كما ذكر، وهو كذلك، خلافاً للمحقّق في المعتبر(2).

وكذا يقتضي إطلاق التخيير التسوية بين ناسي القراءة في الأوليين وغيره.

وروى في المبسوط تحتّم القراءة في الأخيرتين لناسيها قبلُ بعد أن اختار بقاء

ص: 288


1- في ص 287.
2- المعتبر، ج 2، ص 190.

التخيير وأولويّة القراءة حينئذ(1)، ومال إليه في الخلاف(2) .

واعلم أنّ الحكم بالتخيير أعمّ من كون القراءة والتسبيح متساويين أو مختلفين في الفضل، والروايات في ذلك مختلفة فروي أفضليّة التسبيح مطلقاً(3) والقراءة مطلقاً(4) ، وللإمام دون غيره(5) .

وروى عليّ بن حنظلة عن الصادق علیه السلام : «هما والله سواء إن شئت سبّحت وإن شئت

قرأت» وكان السؤال عن الأفضل(6).

ومع كلّ قسمٍ من هذه الروايات قول، والقول بأفضليّة القراءة للإمام والمساواة بينهما للمنفرد طريق الجمع بين روايتيهما، كما ذهب إليه الشيخ في الاستبصار(7) ، لكن تبقى رواية أولويّة التسبيح لا طريق إلى حملها ؛ إذ لا قائل بأولويّته في فرد مخصوص بل بالعموم.

وربما قيل: إنّ مَنْ لم تسكن نفسه إلى التسبيح فالتسبيح أفضل له مطلقاً(8)، فتُحمل عليه رواية أفضليّة التسبيح.

ويمكن أن يقال: إنّ التسبيح أحوط؛ للخلاف في الجهر بالبسملة في الأخيرتين فإنّ ابن إدريس حرّمه(9) وأبا الصلاح أوجبه(10) ، فلا يسلم من الخلاف، بخلاف ما لو اختار التسبيحات الاثنتي عشرة فإنّها مجزئة إجماعاً.

ص: 289


1- المبسوط، ج 1، ص 158.
2- الخلاف، ج 1، ص 341 وما بعدها. المسألة 93 .
3- الفقيه، ج 1، ص 310، ح 926؛ علل الشرائع، ج 2، ص 16 - 17، الباب 12، ح 1.
4- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 98 - 99 ، ح 370؛ الاستبصار، ج 1، ص 322، ح 1201.
5- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 99. ح 371؛ الاستبصار، ج 1، ص 322، ح 1202.
6- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 98، ح 369؛ الاستبصار، ج 1، ص 321 - 322، ح 1200.
7- انظر الاستبصار، ج 1، ص 321 - 322 .
8- القائل هو المحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 259 .
9- السرائر، ج 1، ص 218 .
10- لم نعثر عليه في الكافي في الفقه.

(ولو لم يحسن القراءة وجب عليه التعلّم) لتوقف الواجب عليه (فإن ضاق الوقت قرأ ما يحسن) منها إجماعاً.

فإن كان ما يحسنه مجموعَ الفاتحة وإنّما يجهل السورة أو بعضها، اقتصر على ما يحسنه من غير تعويض عن المتروك بقرآن ولا ذكر، اقتصاراً في التعويض على موضع الوفاق. ولأنّ السورة تسقط مع الضرورة، والجهل بها مع ضيق الوقت قريب منها إن لم يكن أولى.

ولو كان ما يحسنه بعض الفاتحة، فإن لم يُسمّ قرآناً لقلّته فهو كالجاهل بجمیع القراءة، وإن سُمّى قرآناً قرأه.

وهل يقتصر عليه أو يعوّض عن الفائت بتكرارها أو بغيرها من القرآن إن كان يحسنه وإلّا ذكر الله تعالى بدله ؟ ظاهر العبارة الأوّل؛ لأنّه قصر التعويض على الجاهل بالجميع، وهو خيرة المعتبر(1).

والذي اختاره المصنّف في أكثر كتبه (2) - وهو المشهور بين المتأخّرين - وجوب التعويض عن الفائت؛ لعموم (فَاقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ ) (3) خرج منه ما اتّفق على عدم وجوبه وأخرجه الدليل، فيبقى الباقي، ولا دليل على الاكتفاء ببعض الفاتحة.

ثمّ إن علم غيرها من القرآن فهل يعوّض عن الفائت بتكرار ما يعلمه من الفاتحة بحيث يساويها، أم يأتى ببدله من سورة أخرى؟ قولان واختار المصنّف في التذكرة(4) الأوّل؛ لأنّ أبعاضها أقرب إليها من غيرها. والثاني مختاره في النهاية(5) ؛ لأنّ الشيء الواحد لا يكون أصلاً وبدلاً .

وعلى هذا فهل يراعى في البدل المساواة في الآيات أم في الحروف؟ قيل

ص: 290


1- المعتبر ، ج 2، ص 170 .
2- منها: تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 137 - 138، المسألة 224 ونهاية الإحكام، ج 1، ص 475.
3- المزّمّل (73): 20 .
4- تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 137 - 138، المسألة 224.
5- نهاية الإحكام، ج 1، ص 475 .

بالأوّل(1) فيجب إكمال سبع آیات سواء كانت أطول أم أقصر؛ لمراعاة العدد في قوله تعالى: (وَلَقَدْ آتَيْنَكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي ) (2) وكما لو فاته صوم يوم فإنّه يقضى بيوم سواء اتفقا في الطول والقصر أم اختلفا.

والمشهور الثاني؛ لاعتبار الحروف في الفاتحة فكذا في بدلها وللقطع بالمساواة معه، بخلاف الأوّل.

ثمّ إن أحسنها متواليةً لم يجز العدول إلى المتفرّقة، فإنّ المتوالية أشبه بالفاتحة. فإن لم يُحسنها متواليةً أتى بها متفرّقةً.

وتجب مراعاة الترتيب، فإن علم الأوّل أخر البدل، أو الآخر قدّمه، أو الطرفين وسّطه، أو الوسط حفّه بالبدل، وهكذا.

(ولو) لم يعلم غيرها من القرآن قيل يقتصر على ما علمه منها، ويأتي بالذكر بدل الباقي(3) : لما تقدّم.

وقيل: يجب تكرار ما يعلمه بقدرها لأنّه أقرب إليها من الذكر(4).

فإن (لم يحسن شيئاً) من الفاتحة قرأ من غيرها بقدرها، كما مرّ، ثمّ قرأ السورة. فإن لم يحسن إلّا سورة واحدة عوّض بها الحمد ثمّ كرّرها عن السورة قاله في الذكرى(5) .

ولو لم يحسن شيئاً من القرآن أصلاً (سبح الله تعالى وهلله وكبّره) لأمر النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم الأعرابي - الجاهل بالقرآن - بذلك(6) .

وقوله: (بقدر القراءة) يقتضي وجوب تكراره بقدر الحمد والسورة وقد تقدّم

ص: 291


1- تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 136، المسألة 224: نهاية الإحكام، ج 1، ص 473.
2- الحجر (15): 87 .
3- انظر مفتاح الكرامة، ج 2، ص 369 - 370 .
4- انظر مفتاح الكرامة، ج 2، ص 369 - 370 .
5- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 238 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
6- سنن أبي داود، ج 1، ص 220، ج 832؛ سنن النسائي، ج 2، ص 143؛ سنن الدار قطني، ج 1، ص 653 - 654، ح 1/1180 - 3/1182: السنن الكبرى البيهقي، ج 2، ص 532 - 533، ح 3977 - 3979 .

أنّ السورة لا يعوّض عنها.

وفي الذكرى صرّح بكون الخلاف في وجوب مساواته للفاتحة أو الاجتزاء بما هو أقلّ من ذلك، واختار فيها وجوب ما يجزئ في الأخيرتين، وهو سبحان الله، إلى آخره؛ لأنّه قد ثبت بدليّته عن الحمد في الأخيرتين، فلا يقصر بدل الحمد في الأوليين عنهما. ونقل القول به أيضاً عن بعض الأصحاب(1) .

وفي المعتبر اجتزأ بمدلول الخبر النبوي مرّة؛ لإطلاق الأمر، واستحبّ تكراره بقدر القراءة(2) .

و مختار الذكرى متجه وتكراره بقدر الحمد أحوط.

ولو لم يحسن الذكر، قال المصنّف في النهاية : وجب أن يقوم بقدر الفاتحة ثمّ يركع؛ إذ لا يلزم من سقوط واجب سقوط غيره(3) .

وهو حسن، إلّا أنّه فرض بعيد جدّاً؛ إذ البحث في ذلك مع مكلّفٍ قد علم جميع ما يجب عليه تعلّمه وهو شرط في صحّة الصلاة من الأصول الخمسة ومعرفة أفعال الصلاة غير القراءة وقد أخذها على وجه يجزئ الأخذ به من الاجتهاد أو التقليد لأهله، ومع العلم بهذه الأمور كيف يتصوّر عدم علمه بالقراءة والذكر معاً؟؟ لكن هذه طريقتهم في فرض المسائل وتفريع الفروع وإن لم تقع عادةً.

وعلى تقدير وقوع ذلك يصلّي على الوجه المذكور مع ضيق الوقت (ثمّ يتعلّم) بعد ذلك.

ولو قدر في حال العجز عن القراءة أو بعضها على الائتمام بغيره وجب؛ لتحمّله عنه القراءة. وقريب منه ما لو قدر على متابعة غيره في القراءة. وأولى منه لو أمكنه القراءة من المصحف، فيجب تحصيله ولو بشراء أو استئجار أو استعارة. ولو افتقر إلى تقريب

ص: 292


1- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 233 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
2- المعتبر، ج 2، ص 171 .
3- نهاية الإحكام، ج 1، ص 475.

سراج وجب وإن افتقر إلى عوض كلّ ذلك من باب المقدّمة.

وهل يكفي ذلك مع إمكان التعلّم؟ نظر من حصول الفرض وهو القراءة في الصلاة، ومن أنّ المتبادر إلى الفهم من وجوب القراءة كونها عن ظهر القلب، وللتأسّي بالنبيّ والأئمّة علیهم السلام. ولأنّ مَنْ يقرأ من المصحف بمعرض بطلان الصلاة إمّا بذهاب المصحف من يده أو بعروض ما لا يعلمه أو شكّ في صحّته ونحو ذلك، وعروض ما يبطل صلاة الإمام أو ما يمنع من الاقتداء به في الأثناء، فيفتقر المأموم إلى بطلان الصلاة، وهو الوجه.

وتُحمل رواية الحسن الصيقل عن الصادق علیه السلام في المصلّي يقرأ في المصحف يضع السراج قريباً منه، قال: «لا بأس»(1) على الضرورة، أو على صلاة النافلة.

(والأخرس يحرّك لسانه) بها مهما أمكن، ويشير بإصبعه، كما مرّ في التكبير (ويعقد قلبه بها) بأن ينوي كونها حركة قراءة، وهو المراد من قولهم: «يعقد قلبه بمعناها» كما تقدّم في التكبير؛ إذ لا يجب على غير الأخرس تعلّم معنى الحمد والسورة فضلاً عنه.

وفي الذكرى:

أنّه لو تعذّر إفهامه جميع معانيها، أفهم البعض وحرّك لسانه به، وأمر بتحريك اللسان بقدر الباقي تقريباً وإن لم يفهم معناه مفصّلاً. قال: وهذه لم أرفيها نصّاً(2).

ومقتضى كلامه وجوب فهم معاني القراءة مفصّلاً، وهو مشكل؛ إذ لا يعلم به قائل، ولا يدلّ عليه دليل في غير الأخرس فضلاً عنه، بل الأولى تفسير عقد القلب بما قلناه. وكذا القول في جميع أذكاره .

ويمكن أن يريد بفهم المعاني فهم ما يحصل به التمييز بين ألفاظ الفاتحة ليتحقّق القصد إلى أجزائها جزء جزء مع الإمكان، فلا يكفي قصد مطلق القراءة للقادر على فهم

ص: 293


1- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 294، ح 1184.
2- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 241 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).

ما به يتحقّق القصد إلى الأجزاء. وهو حسن.

وفي حكم الأخرس مَنْ عجز عن النطق لعارضٍ ولو عن بعض القراءة. ويجب عليهم بذل الجهد في تحصيل النطق بحسب المقدور وكذا مَنْ يبدل حرفاً بغيره، ونحوه، ولا يجوز لهم الصلاة في أوّل الوقت مع إمكان التعلم. فإن تعذر صحت القراءة بمقدورهم ولا يجب عليهم الائتمام حينئذٍ وإن كان أحوط، بخلاف ما لو ضاق الوقت عن التعلّم مع إمكانه، فإنّه يجب الائتمام هنا إن أمكن، كما مرّ.

والفرق أنّ الإصلاح هنا ممكن فيجب تحصيله، فمع تعذّره يجب بدله، بخلاف العاجز فإنّ الإصلاح ساقط عنه فلا بدل له.

والأعجمي يجب عليه التعلّم كذلك.

(ولا تجزئ الترجمة مع القدرة) لعدم كونها قرآناً. ويفهم من تقييده عدم الإجزاء بالقدرة إجزاؤها مع العجز، فيترجمها بلغته لكن مع العجز عن الذكر بالعربيّة، وإلّا قدّم الذكر بها على ترجمة القرآن؛ لفوات الغرض الأقصى منه - وهو نظمه - للعجز.

ولو عجز عن العربيّة فيهما وتعارضت ترجمتهما، ففي ترجيح أيّهما قولان، واختار المصنّف(1) في غير هذا الكتاب تقديم ترجمة القرآن على الذكر؛ لأنّها أقرب إليه منه.

ووجه العدم فوات الغرض من القرآن بخلاف الذكر.

(ولا) تجزئ القراءة (مع إخلال حرف) منها فضلاً عن الأزيد (حتّى التشديد) فإنّه حرف وزيادة، فالإخلال به يقتضي الإخلال بشيئين: أحدهما الحرف والآخر إدغامه في حرفٍ آخر.

والإدغام بمنزلة الإعراب لا يجوز الإخلال به فلو فكّه بطلت وإن لم يسقط الحرف. ومثله ما لو فكّ الإدغام الصغير.

ومما ذكرناه يُعلم أنّ عطف التشديد على الحرف ب«حتّى» يقتضي كونه من جملة أفراده، وأنّه أقواها لكونه حرفاً وزيادة من قبيل قولهم: «مات الناس حتّى الأنبياء».

ص: 294


1- نهاية الإحكام، ج 1، ص 476.

ويحتمل كونه أضعفها لزوال صورة الحرف عنه، فيكون من باب «زارك الناس حتّى الحجّامون».

وفي حكم التشديد المدُّ المتّصل، أما المنفصل فمستحبّ خصوصاً توسطه.

(و) كذا لا تجزئ القراءة مع إخلال (الإعراب). والمراد به الرفع والنصب والجرّ والجزم، ومثله صفات البناء وهي الضمّ والفتح والكسر والسكون، وكذا ما يتعلّق ببنية الكلمة ممّا تقتضيه اللغة العربيّة قبل آخر الكلمة.

واقتصار المصنّف على الإعراب إمّا توسّع في إطلاقه على الجميع أو إخلال.

ولا فرق في الإخلال بما ذكر بين كونه مغيّراً للمعنى، كضمّ تاء «أنعمت» أو لا، كفتح دال «الحمد» وإن كان قد ورد في الشواذّ.

والمراد بالمعنى هنا الظاهري الموجب لتغيّر إسناد الفعل إلى غير فاعله، ونحوه، وإلّا فإنّ اختلاف الحركة يقتضي اختلاف العامل فيختلف المعنى في الجملة.

والمراد بالإعراب هنا ما تواتر نقله منه في القرآن لا ما وافق العربيّة مطلقاً، فإنّ القراءة سنّة متّبعة، فلا تجوز القراءة بالشواذّ وإن كانت جائزةً في العربيّة.

والمراد بالشاذّ ما زاد على قراءة العشرة المذكورة كقراءة ابن مسعود وابن محيصن.

وقد أجمع العلماء على تواتر السبعة، واختلفوا في تمام العشرة، وهي قراءة أبي جعفر ويعقوب وخلف. والمشهور بين المتأخّرين تواترها، وممّن شهد به الشهيد (رحمه الله)(1) ، ولا يقصر ذلك عن ثبوت الإجماع بخبر الواحد، فتجوز القراءة بها، مع أنّ بعض محقّقي القرّاء من المتأخّرين أفرد كتاباً في أسماء الرجال الذين نقلوها في كلّ طبقة، وهُمْ يزيدون عمّا يعتبر في التواتر، فتجوز القراءة بها إن شاء الله.

(و) كذا (لا) تجزئ القراءة (مع مخالفة ترتيب الآيات) على الوجه المنقول بالتواتر، وأولى منه ترتيب الكلمات والجمل لفوات النظم الذي هو مناط الإعجاز (ولا مع قراءة السورة أوّلاً).

ص: 295


1- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 233 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).

واللازم من عدم الإجزاء في جميع ما تقدّم بطلان الصلاة مع الإخلال بشيء من ذلك، أو الإتيان بما نهي عنه عمداً أو جهلاً، وإعادة القراءة مع النسيان ما لم يركع.

(ولا مع الزيادة على سورة) بعد الحمد فيما تجب فيه السورة، وهو أولى من التعبير بالقرآن بين سورتين؛ لشموله زيادة كلمة لغير غرض صحيح كالإصلاح، فضلاً عن سورة، ولا يتحقّق القرآن حقيقةً فيما دون السورة، فإنّ بعض السورة لا يصدق عليه اسم السورة إلّا مجازاً.

والقول بعدم إجزاء القراءة مع الزيادة المقتضي للتحريم هو قول جماعة من الأصحاب كالمرتضى(1) والشيخ في أكثر كتبه (2)، وقد تقدّم ما يدلّ عليه في رواية منصور ابن حازم عن الصادق علیه السلام : «لا تقرأ في المكتوبة بأقل من سورة ولا أكثر»(3) وروى محمّد بن مسلم عن أحدهما علیهما السلام في الرجل يقرأ السورتين في الركعة الأولى، فقال: «لا، لكلّ سورة ركعة»(4) ، ونحوهما أخبار أخرى ظاهرها التحريم.

وذهب جماعة من المتأخّرين - منهم الشهيد (رحمه الله)(5) - إلى الكراهة؛ جمعاً بين ما تقدّم وبين رواية عليّ بن يقطين عن الكاظم علیه السلام في القرآن بين السورتين في المكتوبة والنافلة، قال: «لا بأس»(6) وروى زرارة عن الباقر علیه السلام: «إنّما يكره أن يجمع بين السورتين في الفريضة، فأمّا النافلة فلا بأس»(7) ، وهي نصّ في الباب، فالقول بالكراهة أوجه، فإنّه أولى من اطّراح هاتين الروايتين.

ص: 296


1- الانتصار، ص 146، المسألة 43؛ رسائل الشريف المرتضى، ج 1، ص 220 .
2- منها: الخلاف، ج 1، ص 336، المسألة 87؛ والنهاية، ص 75 - 76؛ وتهذيب الأحكام، ج 2، ص 296.
3- الكافي، ج 3، ص 314 ، باب قراءة القرآن، ح 12؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 69 - 70، ح 253: الاستبصار، ج 1، ص 314، ح 1167.
4- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 70 ، ح 254: الاستبصار، ج 1، ص 314، ح 1168.
5- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 254 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
6- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 296، ح 1192؛ الاستبصار، ج 1، ص 317، ح 1181.
7- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 72 - 73 ، ح 267؛ الاستبصار، ج 1، ص 317، ح 1180 .

بقي هنا بحث، وهو أنه قد تقدّم في مسألة وجوب السورة الاحتجاج برواية منصور ابن حازم - المذكورة - على الوجوب المستفاد من النهي المقتضي للتحريم المستلزم للأمر بضدّه، وهي العمدة في الاحتجاج ثُمَّ، وقد حمل النهي فيها هنا على الكراهة، فاللازم من ذلك إمّا القول بعدم وجوب ذلك إما القول بعدم وجوب السورة أو القول بتحريم القرآن، وقد حكم جماعة بوجوب السورة وكراهة القرآن فلا يتمّ الاستدلال بها على الأمرين المتنافيين.

ويمكن حلّ الإشكال - على تقدير تسليم انحصار الدليل على وجوب السورة في الرواية - بأنّ النهي فيها متعدّد، والحرف الدالّ عليه مكرّر، فيجوز حمل الأوّل على التحريم جرياً له على بابه وحقيقته؛ لعدم المعارض المقتضي لحمله على غيرها وحمل الثاني - وهو قوله: «ولا أكثر» - على الكراهة لاقتضاء تعارض الأخبار وجوب الجمع مع الإمكان، وهو هنا ممكن.

والمصنّف (رحمه الله) حمل النهي فيها على التحريم(1) في الموضعين حذراً من ذلك، والمحقّق في المعتبر حمله على الكراهة فيهما(2) ؛ لما ثبت هنا.

وفرقهما أولى وإن كان خلاف الظاهر؛ لما ذكرناه من العارض الموجب له، والله أعلم.

(ويجب الجهر) بالقراءة (في الصبح وأوّلتي المغرب وأولتي العشاء، والإخفات) بها (في البواقي) وهي الظهران مطلقاً وأخيرة المغرب وأخيرنا العشاء، سواء قرأ فيهما أم عوّض عنه بالتسبيح على المشهور.

والقول بوجوب الجهر والإخفات في مواضعهما هو المشهور بين الأصحاب، بل ادّعى الشيخ فيه الإجماع(3) .

ص: 297


1- تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 148 ، المسألة 232 .
2- المعتبر، ج 2، ص 174 .
3- الخلاف، ج 1، ص 371 - 372، المسألة 130.

و مستنده مع ذلك رواية زرارة عن أبي جعفر علیه السلام في رجل جهر فيما لا ينبغي الجهر فيه أو أخفى فيما لا ينبغي الإخفات فيه، فقال: «إن فعل ذلك متعمّداً فقد نقض صلاته، وعليه الإعادة، وإن فعل ذلك ناسياً أو ساهياً أو لا يدري فلا شيء عليه، وقد تمّت صلاته »(1).

ونقل عن المرتضى وابن الجنيد القول باستحبابهما (2). والعمل على المشهور.

واحترزنا بالتقييد بالقراءة عن باقي الأذكار، كالتكبير والتسبيح والتشهّد والتسليم؛ فإنّ الجهر والإخفات فيها غير متعيّن.

وحكمهما مختصّ بالرجل دون المرأة، فترك التصريح به في العبارة إخلال؛ إذ ليس في السياق إشعار به فإنّ البحث السابق كله مشترك بينهما، والإجماع على أنّ المرأة لا جهر عليها حتماً، بل يجوز لها السرّ مطلقاً، والجهر إن لم يسمعها الأجنبي، ومعه يحرم عليها وتفسد الصلاة للنهي في العبادة المقتضي الفسادها.

وهل الخنثى هنا كالمرأة فتتخيّر، أو كالرجل فيجب الجهر في مواضعه و تحرّي موضع لا يسمعها الأجنبي، فإن تعذّر وجب الإخفات؟ قولان.

واعلم أنّ الجهر والإخفات كيفيّتان متضادّتان لا تجتمعان في مادّة، كما نبّه عليه المصنّف في النهاية (3). فأقلّ السرّ أن يسمع نفسه لا غير تحقيقاً أو تقديراً. وأكثره أن لا يبلغ أقلّ الجهر وأقلّ الجهر أن يسمع مَنْ قرب منه إذا كان صحيح السمع مع اشتمال القراءة على الصوت الموجب لتسميته جهراً عرفاً وأكثره أن لا يبلغ العلوّ المفرط.

وربما فهم بعضهم(4) ، أنّ بين أكثر السرّ وأقلّ الجهر تصادقاً. 4

وهو فاسد؛ لأدائه إلى عدم تعيين أحدهما الصلاة لإمكان استعمال الفرد المشترك

ص: 298


1- الفقيه، ج 1، ص 344، ح 1004؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 162، ح 635؛ الاستبصار، ج 1، ص 313 ،ح 1163.
2- حكاه عنهما المحقّق في المعتبر، ج 2، ص 176.
3- نهاية الإحكام، ج 1، ص 471.
4- انظر جامع المقاصد، ج 2، ص 260.

حينئذٍ في جميع الصلوات، وهو خلاف الواقع؛ لأنّ التفصيل قاطع للشركة.

(و) كذا يجب (إخراج الحروف من مواضعها) المنقولة بالتواتر، فلو أخرج حرفاً من مخرج غيره - كالضاد الذي مخرجه أوّل حافّة اللسان وما يليها من الأضراس يخرجه من مخرج الظاء، وهو ما بين طرف اللسان والطرف الأدنى من الثنايا - بطلت الصلاة.

ويستفاد من تخصيص الوجوب بمراعاة المخارج والإعراب فيما تقدّم: عدم وجوب مراعاة الصفات المقرّرة في العربيّة من الجهر والهمس والاستعلاء والإطباق ونظائرها، وهو كذلك، بل مراعاة ذلك مستحبّة.

(والبسملة في أوّل الحمد و) أوّل (السورة) عدا سورة «براءة» وهو موضع إجماع من الأصحاب، والأخبار في ذلك من طرقنا وطرق العامة كثيرة.

وروي عن ابن عبّاس أنّه قيل: سرق الشيطان من الناس مائة وثلاث عشرة آية حتّى ترك بعضهم قراءة «بسم الله الرحمن الرحيم» في أوائل السور(1) .

(والموالاة) بين الكلمات بأن لا يقرأ خلالها غيرها ولا يسكت بحيث يخلّ بها (فيعيد القراءة لو قرأ خلالها) غير ما هو مأمور به وإن كان منها إذا لم يكن دعاءً ونحوه ممّا هو مستثنى.

وإطلاق المصنّف إعادة القراءة مع تخلّل قراءة غيرها الشامل ذلك لكونه عمداً أو نسياناً غير معهود من ،مذهبه بل لا نعلم به قائلاً والذي اختاره في كثير من كتبه (2) واختاره الشهيد (رحمه الله)(3) وجماعة(4) ، بطلان الصلاة مع تعمّد قراءة غيرها، وبطلان القراءة لا غير مع النسيان.

ص: 299


1- أورده المحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 244؛ ونحوه في السنن الكبرى، البيهقي، ج 2، ص 73، ح 2413.
2- منها: قواعد الأحكام، ج 1، ص 272؛ وتحرير الأحكام الشرعيّة، ج 1، ص 242، الرقم 826.
3- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 239 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
4- منهم المحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 265.

أمّا الأوّل: فلتحقّق النهي المقتضي للفساد.

وأمّا الثاني: فلفوات الموالاة.

وذهب الشيخ في المبسوط إلى استئناف القراءة مع العمد، والبناء على ما مضى مع النسيان(1) . واختاره المصنّف في النهاية (2).

ومذهب الجماعة في العمد واضح، أمّا مع النسيان فيشكل الحكم ببطلان القراءة مطلقاً، والتعليل بالإخلال بالموالاة كذلك؛ فإنّ نحو الكلمة والكلمتين لا تقدحان في الموالاة عرفاً، فلو قيّدت الإعادة بما يخلّ بالموالاة عرفاً، كان حسناً.

ولو حسل كلام المصنّف على القراءة ناسياً وافق مذهبه - في غير القواعد - وباقي الأصحاب، أو بالعمد وافق النهاية.

وأشدّ منه إجمالاً قوله: (ولو نوى القطع وسكت أعاد ، بخلاف ما لو فقد أحدهما) فإنّ نيّة قطع القراءة إن كان بنيّة عدم العود إليها بالكلّيّة، فهو كنيّة قطع الصلاة تبطلها في ،الموضعين سواء سكت أم لم يسكت وإن لم يكن كذلك، بل نوى قطعها في الجملة، فإن طال السكوت بحيث يخرج عن كونه مصلّياً بطلت الصلاة، وتعين كون مفعول «أعاد» المحذوف هو الصلاة. وإن لم يخرج عن كونه مصلّياً لكن خرج عن كونه قارئاً فالمتّجه إعادة القراءة لا غير، فتكون القراءة هي المفعول. ولو فقد الأمران بأن قصر السكوت جدّاً، لم يتّجه البطلان، فإنّ نيّة القطع لو كانت منافية بنفسها لم يفتقر إلى السكوت، ولما صح قوله «بخلاف ما لو فقد أحدهما» فإنّ من جملته ما لو نوى القطع ولم يسكت إلّا أن يقال: إنّ المبطل عنده مركّب من نيّة القطع والقطع. ويشكل مع قلّته جدّاً.

وممّا يدخل في فقد أحدهما أن يسكت لا بنيّة القطع. ويشكل حكمه فيه أيضاً بعدم الإعادة على الإطلاق، فإنّه لو خرج بالسكوت عن كونه قارئاً أعاد القراءة، بل لو

ص: 300


1- المبسوط، ج 1، ص 156 .
2- نهاية الإحكام، ج 1، ص 463.

خرج عن كونه مصلّياً بطلت الصلاة. ويتمّ الحكم فيما عدا هذين.

(وتحرم) قراءة إحدى سور (العزائم) الأربع (في الفرائض) على أشهر القولين؛ لأنّ وجوب السجود فوري وزيادته عمداً مبطلة، فتعمّد فعلها في الفريضة يستلزم إما الزيادة الممنوع منها على تقدير السجود، أو ترك الواجب الفوري، وكلاهما محرَّم

ولو فرض ترك قراءة السجدة لزم إمّا الاقتصار على أقلّ من سورة إن اقتصر على السورة، أو القرآن إن قرأ غيرها قبلها أو الإخلال بالموالاة إن قرأها بعدها. والكلّ ممنوع .

ولرواية زرارة عن أحدهما علیهما السلام : «لا يقرأ في المكتوبة شيء من العزائم، فإنّ السجود زيادة في المكتوبة»(1) وفي رواية سماعة: «لا تقرأ في الفريضة اقرأ في التطوّع »(2).

وذهب ابن الجنيد إلى الجواز، ويومئ بالسجود عند بلوغه، فإذا فرغ قرأها وسجد(3) .

وله شواهد من الأخبار ويقوى على القول بعدم وجوب السورة، كما يذهب إليه ابن الجنيد(4).

ويراد بالإيماء عند بلوغها ترك قراءتها، كما ينبّه عليه قوله: «فإذا فرغ قرأها وسجد» ولا منع حينئذٍ من جهة الدليل المردّد أولاً، ويكون معنى قوله: «فإذا فرغ - أي من الصلاة - قرأها و سجد» لا من القراءة لئلّا تستلزم زيادة السجود في الصلاة عمداً.

وأمّا الروايتان فإنّهما تقتضيان النهي عن قراءتها، وهو يقتضي فساد الصلاة مع المخالفة، إلّا أنّ في طريقهما ضعفاً بابن بكير في الأُولى، وبسماعة في الثانية، فيبقى اللازم من ذلك إن قطع الترجيح عن جانب الشهرة أن يقال: إن قلنا بوجوب السورة

ص: 301


1- الكافي، ج 3، ص 318، باب عزائم السجود، ح 6؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 96 ، ح 361 .
2- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 292، ح 1174؛ الاستبصار، ج 1، ص 320، ح 1191 .
3- حكاه عنه المحقق في المعتبر، ج 2، ص 175 .
4- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 161، المسألة 89 .

وتحريم القرآن - كما يراه المصنّف - فالتحريم واضح لاستلزام ترك قراءة السجدة عدمَ إتمام السورة ، وعدم الاجتزاء بها كذلك القرآنَ. وإن قلنا بوجوبها وكراهة القرآن أمكن قراءة العزيمة مع ترك موجب السجود إذا قرأ قبلها سورةً غيرها، لا إن قدّمها حذراً من الإخلال بالموالاة، وكذا إن لم نوجب السورة، فإنّ التبعيض حينئذٍ جائز فيمكن قراءتها من دون موجب السجود. وأمّا قراءة موضع السجود فلا يجوز في الفريضة على حال، فعُلم من ذلك أنّ قول ابن الجنيد - بناءً على مذهبه من عدم وجوب السورة - غير بعيد إذا أريد منه ترك موضع السجود.

إذا تقرّر ذلك، فعلى القول بالتحريم مطلقاً - كما ذكره المصنّف والجماعة - إن قرأ العزيمة عمداً بطلت الصلاة بمجرّد الشروع في السورة وإن لم يبلغ موضع السجود؛ للنهي المقتضى للفساد.

وإن قرأها سهواً، فإن ذكر قبل تجاوز السجدة عدل إلى غيرها وجوباً، سواء تجاوز النصف أم لا، مع احتمال عدم الرجوع لو تجاوز النصف لتعارض عمومَي المنع من الرجوع بعده والمنع من زيادة سجدة، فيومئ للسجود بها ثمّ يقضيها.

وإن لم يذكر حتّى تجاوز السجدة، ففي الاعتداد بالسورة وقضاء السجود بعد الصلاة لانتفاء المانع، أو وجوب العدول مطلقاً ما لم يركع لعدم الاعتداد بالعزيمة في قراءة الصلاة فيبقى وجوب السورة بحاله؛ لعدم حصول المسقط لها وجهان. ومال في الذكرى إلى الثاني(1) . وعلى ما بيّنّاه من أنّ الاعتماد في تحريم العزيمة على السجود يتّجه الاجتزاء بها حينئذٍ.

وقال ابن إدريس : إذا قرأها ناسياً مضى في صلاته ثمّ قضى السجود بعدها(2). وأطلق.

واحترز المصنّف بالفرائض عن النوافل، فإنّ قراءتها فيها جائزة، ويسجد لها في

ص: 302


1- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 252 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
2- السرائر، ج 1، ص 218 .

محلّه للنصّ(1). ولأنّ كثيراً من الأخبار مطلقة في الجواز، وحُملت على النفل؛ توفيقاً. ولأن الزيادة في النفل مغتفرة.

وكذا لو استمع فيها إلى قارئ السجدة أو سمع على أحد الوجهين ولو كان في فريضة حرم عليه الاستماع. فإن فَعَله أو سمع اتفاقاً وقلنا بالوجوب أومأ لها، وقضاها بعد الصلاة.

ولو كان يصلّي مع إمام لا يقتدى به للتقيّة فقرأ العزيمة، تابَعَه في السجود. وهل يعتدّ بصلاته حينئذ؟ إشكال أقربه العدم للزيادة عمداً، وعدم العلم بكون مثل ذلك مغتفراً، غايته عدم وصفه بالتحريم.

(و) كذا تحرم قراءة (ما يفوت الوقت بقراءته) من السورة إما بإخراج الفريضة الثانية على تقدير قراءته في الفريضة ،الأولى كالظهرين، أو بإخراج بعض الفريضة عن الوقت، كما لو قرأ سورةً طويلة يقصر الوقت عنها وعن باقي الصلاة مع علمه بذلك، فإنّ الصلاة تبطل بذلك؛ لثبوت النهي عن قراءتها المقتضي للفساد، وإخراج الصلاة أو بعضها عن وقتها ممنوع منه.

ولو قرأها ناسياً عدل إذا تذكّر.

ولو ظنّ السعة فشرع في سورة طويلة ثمّ تبيّن ضيق الوقت عن الصلاة مع إکمالها، وجب العدول إلى أقصر منها وإن تجاوز نصف الأُولى.

(و) كذا يحرم (قول: آمين) في أثناء الصلاة، سواء في ذلك آخر الحمد وغيرها حتّى القنوت وغيره من مواطن الدعاء.

(وتبطل) الصلاة بتعمّده (اختياراً) على المشهور بين الأصحاب، بل ادّعى الشيخ (2)وغيره الإجماع عليه.

ص: 303


1- الكافي، ج 3، ص 318 باب عزائم السجود، ح 5: تهذيب الأحكام، ج 2، ص 291، ح 1167؛ الاستبصار، ج 1، ص 319، ح 1189 .
2- الخلاف، ج 1، ص 332 - 334، المسألة 84 .

والمستند مع الاجماع قول النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم :« إنّ هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الآدميّين»(1) و «آمين» من كلامهم؛ إذ ليست بقرآن ولا ذكر ولا دعاء، وإنّما هي اسم للدعاء، وهو اللهمّ استجب والاسم مغاير لمسمّاه الوضعي.

ولقول الصادق علیه السلام حين سأله الحلبي: أقول: آمين إذا فرغت من فاتحة الكتاب؟ «لا»(2) وهو نهي يقتضي الفساد في العبادة .

ولصحيحة جميل عن الصادق علیه السلام: «إذا كنت خلف الإمام فقرأ الحمد وفرغ من قراءتها فقُلْ أنت الحمد لله ربّ العالمين ولا تقل: آمين»(3)، وهو نهي أيضاً دالّ على التحريم المفسد.

وأمّا ما رواه جميل أيضاً بطريق آخر عنه علیه السلام حين سأله عن قول الناس حين تقرأ فاتحة الكتاب ،آمين قال: «ما أحسنها وأخفض الصوت بها»(4) ، فإنّه يحتمل كون «ما» نافيةً لكونه يحسنها، فلا دلالة فيها، وكونه على طريق التعجّب من حسنها، وهو مؤذن بالتقيّة ؛ لتصريح الأخبار بالنهي عنها، وكونه خَفَضَ صوته بها، أي ضعفه.

ونظيره في الإيذان بالتقيّة ما رواه معاوية بن وهب، قال: قلت لأبي عبدالله علیه السلام : أقول: آمين، إذا قال الإمام: (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ)؟ قال: «هم اليهود والنصارى»(5) حيث عدل عن جواب المسؤول عنه إلى تفسير «المغضوب عليهم ولا الضالين ».

ص: 304


1- صحيح مسلم، ج 1، ص 381 - 382، ح 537/33؛ سنن النسائي، ج 3، ص 17؛ السنن الكبرى البيهقي، ج 2، ص 353 - 355، ح 3349 و 3351؛ مسند أحمد، ج 1، ص 625 ، ح 23250: المعجم الكبير، الطبراني، ج 19، ص 401 ، ح 945.
2- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 74 - 75 ، ح 276؛ الاستبصار، ج 1، ص 318 ، ح 1186.
3- الكافي، ج 3، ص 313 باب قراءة القرآن، ح 5 تهذيب الأحكام، ج 2، ص 74، ح 275: الاستبصار، ج 1، ص 318 ، ح 1185.
4- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 75، ح 277؛ الاستبصار، ج 1، ص 318، ح 1187.
5- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 75، ح 278؛ الاستبصار، ج 1، ص 319، ح 1188.

وفسّره بعض أصحابنا بأنّ القائلين: آمين هم اليهود والنصارى(1) .

واستدلّ على البطلان بأنّ القارئ إن قصد مجرد القراءة، لم يكن للتأمين محلّ؛ إذ لا دعاء. وإن قصد بها الدعاء لا غير لم يصح . وإن قصدهما معاً لزم استعمال المشترك في كلا معنييه .

ويضعّف بمنع الاشتراك على التقدير الثالث، فإنّ المعنى متّحد، وهو الدعاء المنزل قرآناً فإنّ الله سبحانه إنّما كلّف المكلّفين بهذه الصيغة لإرادة الدعاء وإن لم يحتمها عليهم ومن هنا جاء: «قسّمت الفاتحة بيني وبين عبدي نصفين فإنّ أوّلها ثناء وآخرها دعاء»(2).

نعم، لو قيل: إنّ «آمين» لا تشرع حينئذ إلّا مع قصد الدعاء وإن كان بالشركة والقصد غير واجب، ولم يقل أحد بكون التأمين مشروطاً بالقصد، فإنّ المخالف جوّزه مطلقاً، والأصحاب منعوه مطلقاً، فتجويزه مشروطاً بقصد الدعاء خروج عن الإجماع المركّب، أمكن، لكن يبقى فيه أنّ «آمين» طلب لاستجابة الدعاء أعم من الحاضر وغيره، كما سيأتي في الجواب عن إبطال «اللهمّ استجب» فلولا النصّ أمكن عدم النهي عنه.

وقال المصنّف في التذكرة - تبعاً لشيخه المحقّق(3) -: إنّ معنى «آمين» اللهمّ استجب ولو قال ذلك بطلت صلاته، فكذا ما هو اسمه(4).

ويضعّف بأنّه دعاء عام باستجابة ما يدعى به، فلا وجه للمنع منه.

وذهب بعض الأصحاب إلى كراهة التأمين(5)، واحتمله في المعتبر(6). وهو ضعيف.

ص: 305


1- انظر الفقيه، ج 1، ص 390، ذيل الحديث 1156؛ وذكرى الشيعة، ج 3، ص 274 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
2- انظر صحیح مسلم، ج 1، ص 296، ح 395/38؛ والسنن الكبرى البيهقي، ج 2، ص 57، ح 2365؛ ومسند أحمد، ج 2، ص 479، ح 7249.
3- المعتبر، ج 2، ص 185.
4- تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 162 ، المسألة 245 .
5- قال الفاضل الآبي في كشف الرموز، ج 1، ص 156: القول بالتحريم مذهب الثلاثة وأتباعهم، وما أعرف فيه مخالفاً إلّا ما حكى شيخنا (دام ظلّه) في الدرس عن أبي الصلاح الكراهية. وما وجدته في مصنّفه. انتهى.
6- المعتبر، ج 2، ص 186.

واحترز بقيد الاختيار عمّا لو أمّن لتقيّة فإنّه لا يبطل؛ لأنه جائز، بل قد يجب إذا خاف ضرراً من تركه عليه أو على غيره من المؤمنين.

وعلى كلّ حال لا تبطل الصلاة بتركه حينئذ ؛ لعدم وجوبه عندهم. ولأنّه فعل خارج من الصلاة.

(ويستحبّ الجهر بالبسملة في) مواضع (الإخفات) سواء في ذلك القراءة في الأوّلتين والأخيرتين؛ لرواية صفوان قال صلّيت خلف أبي عبدالله علیه السلام أيّاماً فكان إذا كانت صلاة لا يجهر فيها بالقراءة جهر ببسم الله الرحمن الرحيم، وأخفى ما سوى ذلك(1) .

وروى أبو حمزة الثمالي عن عليّ بن الحسين علیهما السلام :« أنّ الإمام إذا لم يجهر بها ركب الشيطان كتفه، وكان إمام القوم حتّى ينصرفوا»(2).

وهذه الروايات تتناول بإطلاقها جميع الصلوات والأوّلتين والأخيرتين، والتأسّي يقتضي شمول الإمام وغيره.

وقول ابن الجنيد باختصاص الجهر بالإمام(3)، وابن إدريس باختصاصه بالأوليين (4) ضعيفان. وقول ابن البرّاج بوجوب الجهر لها في الإخفاتيّة مطلقاً(5) وأبي الصلاح بوجوبه في أوّلتي الظهرين(6) يدفعه عدم الدليل الموجب، فإنّ المداومة عليه لا تقتضيه.

ورواية محمّد بن عليّ الحلبي عن الصادق علیه السلام فيمن يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم قال: «إن شاء سرّاً وإن شاء جهراً»(7) تنفيه؛ لتصريحها بعدم الوجوب عيناً.

واعلم أنّ المراد بالاستحباب في هذا ونظائره كونه أفضل الفردين الواجبين على

ص: 306


1- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 68 ، ح 246: الاستبصار، ج 1، ص 310 - 311 ، ح 1154.
2- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 290، ح 1162.
3- حكاه عنه الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 3، ص 259 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
4- السرائر، ج 1، ص 218.
5- المهذّب، ج 1، ص 97.
6- الكافي في الفقه، ص 117.
7- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 68 - 69 ، ح 249: الاستبصار، ج 1، ص 312، ح 1161.

التخيير، لا الاستحباب المتعارف؛ لتأدّي الواجب في ضمنه وكونه كيفيّةً له، فلا يكون إلّا واجباً، لكنّ الوجوب فيه تخييريّ؛ لتأدّيه به وبالسرّ، لكن لمّا كان الجهر أفضل الفردين صحّ إطلاق الاستحباب عليه لذلك، فهو مستحبّ عيناً وواجب تخييراً، لا أنّ

الاستحباب راجع إلى اختياره، فإنّ الاستحباب حينئذٍ غير منسوب إليه.

ووجه المصير إلى التأويل العجز عن تصوّر عدم المنافاة بين وجوب الشيء واستحبابه باعتبارين.

(والترتيل) في القراءة؛ لقوله تعالى: (وَرَتِّلِ الْقُرْءَانَ تَرْتِيلاً)(1) وهو لغةً: الترسّل فيها والتبيين بغير بغي، قاله الجوهري(2).

واختلفت العبارة عنه شرعاً. فقال المصنّف في المنتهى: هو تبيينها من غير مبالغة(3).

وفي النهاية :

هو بيان الحروف وإظهارها، ولا يمدّه بحيث يشبه الغناء. ولو أدرج ولم يرتّل وأتى بالحروف بكمالها، صحّت صلاته(4) .

و تعريف المنتهى تبع فيه شيخه المحقّق في المعتبر (5).

وهذه التعريفات تناسب المعنى اللغوي والاستحباب .

وفي الذكرى: هو حفظ الوقوف وأداء الحروف(6) . وهو المرويّ عن ابن عبّاس وعلىّ علیه السلام ، إلّا أنّه قال: «وبيان الحروف» بدل أدائها(7) .

ص: 307


1- المزّمّل (73): 4.
2- الصحاح، ج 3، ص 1704، «رتل».
3- منتهى المطلب، ج 5، ص 96.
4- نهاية الإحكام، ج 1، ص 476.
5- المعتبر، ج 2، ص 181 .
6- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 261 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
7- كما في حاشية إرشاد الأذهان، ص 38 (ضمن الموسوعة، ج 16)؛ وراجع أيضاً الوافي، ج 5، ص 105؛ وبحار الأنوار، ج 85، ص 8.

وهذا التعريف لا يجامع ذكر الوقوف على مواضعه بعد ذلك؛ لدخوله فيه.

وعلى الأوّل فيحتاج إلى قوله (والوقوف على مواضعه) فيقف على التامّ ثمّ الحسن ثمّ الجائز على ما هو مقرّر عند القرّاء تحصيلاً لفائدة الاستماع؛ إذ به يسهل الفهم ويحسن النظم. ولا يتعيّن الوقف في موضع ولا يقبح، بل متى شاء وقف ومتى شاء وَصَلَ مع المحافظة على النظم وما ذكره القرّاء قبيحاً أو واجباً لا يعنون به معناه الشرعي، وقد صرّح به محقّقوهم.

وروى عليّ بن جعفر عن أخيه موسى علیهما السلام في الرجل يقرأ بفاتحة الكتاب وسورة أُخرى في النفس الواحد قال: «إن شاء قرأ في نَفَسٍ، وإن شاء في غيره»(1) .

نعم يكره قراءة التوحيد في نَفَسِ واحد، روي ذلك عن الصادق علیه السلام(2) .

وروى الكليني بإسناده إلى أبي عبد الله علیه السلام أنّه سئل عن قول الله تعالى: ﴿وَرَتِّلِ الْقُرْءَانَ تَرْتِيلاً )(3) فقال: «قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) بيّنه بياناً، ولا تهذّه(4) ؛ هذّ الشعر ولا تنثره نثر الرمل، ولكن اقرعوا به القلوب القاسية، ولا يكن همّ أحدكم آخر السورة»(5).

(و) قراءة (قصار) السور من (المفصّل في الظهرين والمغرب) والمشهور كونه من سورة «محمد» صلى الله عليه وآله و سلم إلى آخر القرآن، سمّي بذلك؛ لكثرة الفصول بين سوره وقصاره من «الضحى» إلى آخره (ومتوسّطاته) وهي من «عمّ» إلى «الضحى» (في العشاء ومطوّلاته) وهي من أوله إلى «عمّ» (في الصبح).

وفي بعض كتب اللغة أنّ المفصّل من «الحجرات» أو من «الجاثية» أو «القتال»(6) أو

ص: 308


1- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 296، ح 1193.
2- الكافي، ج 3، ص 314، باب قراءة القرآن، ح 11.
3- المزّمّل (73): 4.
4- الهذّ: الإسراع في القراءة الصحاح، ج 2، ص 572، «هذذ».
5- الكافي، ج 2، ص 614 ، باب ترتيل القرآن بالصوت الحسن، ح 1 بتفاوت يسير في بعض الألفاظ.
6- «القتال» اسم آخر لسورة «محمّد» صلی الله علیه وآله وسلم. انظر جمال القرّاء وكمال الإقراء، ج 1، ص 182؛ والبرهان في علوم القرآن، ج 1، ص 269؛ وبصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز، ج 1، ص 430.

«قاف»(1) . وقيل : غير ذلك(2) ، والله أعلم.

وليس في أخبارنا تصريح بهذا الا بهذا الاسم ولا تحديده.

وروى محمد بن مسلم - في الصحيح - قال: قلت لأبي عبد الله علیه السلام: القراءة في الصلاة فيها شيء موقّت ؟ فقال : لا ، إلّا الجمعة تقرأ بالجمعة والمنافقين» قلت له : فأيّ السور أقرأ فى الصلوات ؟ قال : «أمّا الظهر والعشاء فتقرأ فيهما سواء، والعصر والمغرب سواء ، وأمّا الغداة فأطول، ففي الظهر والعشاء ب«سبّح اسم ربِّك الأعلى والشمس وضحيها» و نحوها والعصر والمغرب «إذا جاء نصرالله» و «ألهيكم التكاثر» ونحوها ، والغداة ب «عمّ يتساءلون» و«الغاشية» و «القيامة» و«هل أتى»(3) .

وهذه الرواية قد تضمّنت التسوية بين الظهر والعشاء وبين العصر والمغرب، وعمل به الشهيد (رحمه الله)(4) ، وهو أولى.

(و) قراءة سورة (هل أتى) على الإنسان حين من الدهر (في صبح الاثنين و) صبح (الخميس) قاله الشيخ (5) والجماعة(6).

وزاد الصدوق: قراءة «الغاشية» في الركعة الأخرى، وأنّ مَنْ قرأهما في اليومين وقاه الله شرّهما(7) . وحكى عمّن صحب الرضا علیه السلام إلى خراسان لمّا أُشخص إليها أنّه كان يقرأهما(8) .

ص: 309


1- القاموس المحيط، ج 4، ص 31، «فصل».
2- انظر القاموس المحيط، ج 4، ص 31، «فصل».
3- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 95، ح 354 .
4- انظر ذكرى الشيعة، ج 3، ص 262 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
5- المبسوط، ج 1، ص 160.
6- منهم الشهيد في الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 95 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9).
7- الفقيه، ج 1، ص 307 .
8- الفقيه، ج 1، ص 308، ح 922 .

(و) قراءة سورة (الجمعة والأعلى ليلة الجمعة في العشاءين) رواه أبو بصير عن الصادق علیه السلام(1).

وروى أبو الصباح عنه علیه السلام أنّه: «يقرأ في العشاء ذلك، وفي المغرب سورة الجمعة و «قل هو الله أحد»(2).

قال في المعتبر : ولا مشاحّة في ذلك؛ لأنّه مقام استحباب(3) .

(و) قراءة سورة (الجمعة والتوحيد في صبيحتها) أي صبيحة الجمعة المذكورة سابقاً، أو المستخدمة في لفظها، وضميرها للسورة ،واليوم، كما هو من فنون البديع.

وقد روى قراءتهما فيها أبو بصير وأبو الصباح عن الصادق علیه السلام(4) ، وعليه الأكثر.

وقال المرتضى وابن بابويه: يقرأ فيها بالجمعة والمنافقين(5). وهو مرويّ أيضاً عن الباقرعلیه السلام(6) . والمشهور أولى.

(و) قراءة (الجمعة والمنافقين في الظهرين) يوم الجمعة وفي صلاة الجمعة.

قال الباقر علیه السلام : «إنّ الله أكرم بالجمعة المؤمنين فسنّها رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم بشارةً لهم،و المنافقين توبيخاً للمنافقين، ولا ينبغي تركهما ، فمن تركهما متعمداً فلا صلاة له»(7).

وبظاهر هذه الرواية تمسّك الصدوق حيث أوجب السورتين في الجمعة وظهرها(8) . واختاره أبو الصلاح(9) ، وأوجبهما المرتضى في الجمعة(10).

ص: 310


1- الكافي، ج 3، ص 425 ، باب القراءة يوم الجمعة وليلتها .... 2: تهذيب الأحكام، ج 3، ص 6 ، ح 14.
2- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 5 - 6 ، ح 13.
3- المعتبر، ج 2، ص 183.
4- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 5 - 6 ، ح 13 و 14.
5- الانتصار. ص 166 المسألة 65: الفقيه، ج 1، ص 307 .
6- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 7، ح 18.
7- الكافي، ج 3، ص 425، باب القراءة يوم الجمعة وليلتها .... 4؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 6 ، ح 16؛ الاستبصار، ج 1، ص 414 ، ح 1583.
8- الفقيه، ج 1، ص 307 .
9- الكافي في الفقه، ص 152 - 153.
10- جُمل العلم والعمل، ص 77.

وروى عمر بن يزيد عن الصادق علیه السلام :« مَنْ صلّى بغير الجمعة والمنافقين أعاد الصلاة»(1).

ولا حجّة فى الأخبار على ما اختاره الصدوق لعدم ذكر الظهر فيها على الخصوص.

ويعارض برواية عليّ بن يقطين عن الكاظم علیه السلام في الرجل يقرأ في صلاة الجمعة بغير سورة الجمعة متعمداً، قال:« لا بأس بذلك»(2) وجوازه في الجمعة يستلزم أولويّة جوازه في الظهر ، فلتحمل الرواية المتقدّمة على تأكّد الاستحباب. وتُحمل الصلاة المنفيّة على الكاملة؛ توفيقاً بين الروايات، وبقرينة «لا ينبغي تركهما».

(و) المشهور أنّ (الضحى وألم نشرح سورة) واحدة (وكذلك الفيل ولإيلاف) فلو قرأ أحدهما في ركعة، وجب قراءة الأخرى على ترتيب المصحف على القول بوجوب السورة.

والمستند ارتباط كلّ من السورتين بالأخرى من حيث المعنى.

وصحيحة زيد الشحّام قال: صلّى بنا أبو عبدالله علیه السلام الفجر، فقرأ «الضحى» و «ألم نشرح» في ركعة واحدة(3) . وقد عُلم أنّ القرآن محرَّم أو مكروه.

وروى المفضّل قال: سمعت أبا عبدالله علیه السلام يقول: «لا تجمع بين سورتين في ركعة واحدة إلّا «الضحى» و «ألم نشرح» وسورة الفيل ولإيلاف قريش»(4) .

وفي دلالة هاتين الروايتين على كون كلّ اثنتين سورة واحدة نظر؛ إذ لا إشعار فيهما بذلك، وإنّما تدلّان على وجوب قراءتهما معاً، وهو أعم من المدّعى، بل رواية المفضّل واضحة في كونهما سورتين؛ لأنّ الاستثناء حقيقة في المتّصل غاية ما في الباب

ص: 311


1- الكافي، ج 3، ص 426، باب القراءة يوم الجمعة وليلتها .... ح 7؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 7 ، ح 21 ،الاستبصار، ج 1، ص 414 - 415، ح 1588 ، وفيها: «مَنْ صلّى الجمعة بغير الجمعة...».
2- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 7 ، ح 19: الاستبصار، ج 1، ص 414، ح 1586.
3- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 72 ، ح 266؛ الاستبصار، ج 1، ص 317، ح 1182.
4- أورده الطبرسي في مجمع البيان، ج 10، ص 544.

كونهما مستثنيتين من القرآن المحرَّم أو المكروه. ويؤيّده الإجماع على وضعهما في المصحف ،سورتين، والأمر في ذلك سهل، فإنّ الغرض من ذلك على التقديرين وجوب قراءتهما معاً في الركعة الواحدة، وهو حاصل.

(و) على القولين (تجب البسملة بينهما) أمّا على تقدير كونهما سورتين فظاهر. وأمّا على تقدير الوحدة؛ فلثبوتها بينهما تواتراً وكتبها في المصحف، وعدّها جزءاً، مع تجريدهم إيّاه عن النقط والإعراب.

وذهب الشيخ إلى عدم إعادتها ثانياً(1)، وتبعه المحقّق(2) لاقتضاء الوحدة ذلك. ولأنّ الشاهد على الوحدة اتّصال المعنى والبسملة تنفيه.

ويضعّف بمنع الوحدة أوّلاً؛ لما تقدّم من عدم دلالة الأخبار عليها، وبمنع اقتضاء الوحدة تجريدها على تقدير التسليم، كما في سورة النمل.

(ويجوز العدول عن سورة إلى غيرها ما لم يتجاوز النصف إلّا) إذا كان شروعه (في التوحيد والجحد فلا) يجوز له أن ( يعدل عنهما) وإن لم يتجاوز نصفهما (إلّا إلى الجمعة والمنافقين) في صلاة الجمعة وظهرها أو ظهريها، فإنه يجوز العدول من التوحيد والجحد إليهما ما لم يتجاوز نصف المعدول عنها، كما قد علم.

و اعتبار عدم تجاوز النصف في جواز العدول ذكره الشيخان(3)، وتبعهما المصنّف على ذلك. ولا شاهد له في الأخبار .

ونقل الشهيد عن الأكثر الاكتفاء في المنع من الانتقال ببلوغ النصف (4). وهو الوجه؛ للنهي عن إبطال العمل خرج منه ما إذا لم يبلغ النصف بالإجماع فيبقى الباقي.

وهذا الوجه يصلح شاهداً الآن؛ لعدم وجود نصّ على الخصوص.

ص: 312


1- التبيان، ج 10، ص 371 .
2- انظر المعتبر، ج 2، ص 188.
3- المقنعة، ص 147؛ النهاية، ص 77؛ المبسوط، ج 1، ص 159 .
4- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 282 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).

نعم، روى أبو بصير عن الصادق علیه السلام في الرجل يقرأ في المكتوبة بنصف السورة ثمّ ينسى فيأخذ في أُخرى حتى يفرغ منها ثم يذكر قبل أن يركع، قال: «يركع ولا يضرّه»(1).

وقد أخرجه الشيخ شاهداً على اعتبار تجاوز النصف في المنع(2). ولا دلالة فيه على حال العامد ولا على اختصاص الجواز بالنصف إلا بمفهوم اللقب، إلّا أن يقال: خرج ما زاد على النصف بالإجماع فيبقى الباقي.

ويدلّ على عدم جواز الانتقال من الجحد والتوحيد مع الشروع فيهما ولو بالبسملة بنیّة أحدهما: قول الصادق علیه السلام:« يرجع من كلّ سورة إلّا من قُل هو الله أحد، وقُلْ يا أيّها الكافرون»(3) .

وهذا في غير الصلاة التي يستحبّ فيها قراءة الجمعة والمنافقين، أمّا فيها فإنّه يجوز العدول من الجحد والتوحيد إليهما مع عدم بلوغ النصف وكون شروعه فيهما نسياناً؛ لصحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما علیهما السلام في الرجل يريد أن يقرأ سورة الجمعة في الجمعة فيقرأ قُلْ هو الله أحد، قال: «يرجع إلى سورة الجمعة»(4)، وغيرها من الأخبار ومتى جاز الانتقال من التوحيد جاز من الجحد وإن لم تكن منصوصةً؛ للمساواة بينهما عند الأصحاب.

وإنّما اعتبروا فيهما عدم بلوغ النصف جمعاً بين ما دلّ على جواز العدول منها - كصحيحة محمّد بن مسلم وغيرها بن مسلم وغيرها - وبين ما روي عن الصادق علیه السلام فى رجل أراد أن يصلّي الجمعة فقرأ بقُل هو الله أحد، قال: «يتمّها ركعتين ثمّ يستأنف»(5)، فإنّ العدول

ص: 313


1- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 190 - 191 ، ح 754.
2- انظر تهذيب الأحكام، ج 2، ص 190.
3- الكافي، ج 3، ص 317 باب عزائم السجود ح 25 تهذيب الأحكام، ج 2، ص 190، ح 752 ، وص 290، ح 1166.
4- الكافي، ج 3، ص 426 ، باب القراءة يوم الجمعة وليلتها .... ح 6: تهذيب الأحكام، ج 3، ص 241 - 242، ح 649 و 652 .
5- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 8 ، ح 22؛ والكافي، ج 3، ص 426، باب القراءة يوم الجمعة وليلتها .... ح 6 وذيله.

من الفريضة إلى النافلة بغير ضرورة غير جائز؛ لأنّه في حكم إبطال العمل المنهيّ عنه فحملت هذه الرواية على بلوغ النصف، والأولى محمولة على عدمه؛ لما مرّ .

وقد عُلم من رواية محمّد بن مسلم تقييد جواز الرجوع بالناسي، فمتعمّد أحدهما لا يرجع.

(ومع العدول) من سورة إلى أخرى ( يعيد البسملة) لأنّها آية من كلّ سورة وقد قرأها أوّلاً بنيّة السورة المعدول عنها، فلا تحتسب من المعدول إليها.

(وكذا يعيدها) أي البسملة (لو قرأها بعد قراءة (الحمد من غير قصد سورة) معيّنة؛ لأن البسملة صالحة لكلّ سورة فلا تتعيّن لإحدى السور إلا بالتعيين، وهو القصد بها إلى إحداها، فبدونه يعيدها (بعد القصد) وهذا بخلاف الحمد؛ إذ لا يجب القصد

بالبسملة لها؛ لتعيّنها ابتداءً، فيحمل إطلاق النيّة على ما في ذمّته.

ولو لزمه سورة معيّنة إمّا بنذر وشبهه حيث ينعقد النذر، أو لضيق الوقت إلّا عن أقصر سورة، أو لكونه لا يعلم إلّا تلك السورة، سقط القصد، كالحمد؛ لأنّ السورة لمّا كانت متعيّنةً بتلك الأسباب اقتضت نية الصلاة ابتداء قراءتها في محلّها، كما اقتضت إيقاع كلّ فعل في محلّه وإن لم يقصده عند الشروع فيه.

ومحلّ القصد حيث يفتقر إليه عند الشروع في قراءة السورة.

وهل يكفي القصد المتقدّم على ذلك في جملة الصلاة بل قبلها؟ نظر من أنّ السورة كاللفظ المشترك يكفي في تعيين أحد أفرادها القرينة، وهي أحد أفرادها القرينة وهي حاصلة في الجميع. ومن عدم المخاطبة بالسورة فلا يؤثّر قصدها.

والاقتصار على موضع اليقين طريق البراءة.

واختار الشهيد (رحمه الله) في بعض فتاويه الإجزاء بالجميع(1) . وليس ببعيد.

ولو كان معتاداً قراءة سورة مخصوصة، فالوجهان. والإجزاء هنا بعيد.

ولو جرى لسانه على بسملة وسورة فهل يجزئ المضيّ عليها أم تجب الإعادة؟ نظر.

ص: 314


1- لم نعثر عليه في مظانّه.

واستقرب الشهيد الإجزاء(1) ، واحتجّ عليه في الذكرى(2) برواية أبي بصير، السالفة(3). المتضمّنة أنه لو قرأ نصف سورة ثمّ نسي فقرأ أخرى ثمّ تذكّر بعد الفراغ قبل الركوع تجزئه .

وهذا يتمّ مع الشكّ في قصد الثانية في حالة الذهول عن الأولى، فإنّه لا يوجب الالتفات لفوات محلّه، أما مع العلم بعدمه كما هو بعض محتملات الرواية؛ لكونها أعمّ من ذلك - فلا يتجه العمل به؛ لأنّ عموم الرواية مخصّص بالقاعدة المقتضية لوجوب القصد.

ولا يرد أنّه حال الذهول غير مخاطب بالوجوب؛ لأنّ غايته ترك آية من السورة فيجب العود إليها وإلى ما بعدها مالم يركع. ويمكن توجيه الإجزاء بوجهٍ ،آخر وهو أنّك علمت أنّ نيّة الصلاة ابتداءً تقتضى إيقاع الفعل في محلّه، ولا يحتاج الإجزاء إلى نيّة.

نعم، يجب أن لا ينوي بها ما يخالفها، ومن جملة مقتضيات الصلاة أن تكون البسملة للسورة التي يقرؤها بعدها، وهذا وإن لم يجز مع العلم بل لابدّ له من نيّة خاصّة لدليل خارج إلّا أنّه مع النسيان تنصرف البسملة الواقعة من غير قصد إلى السورة الواقعة بعدها كذلك ؛ لاقتضاء نيّة الصلاة ابتداء ذلك، وحينئذٍ فلا يجب العود إليها ولا إلى غيرها، ويبقى هذا التعليل معتضداً بعموم الرواية السالفة. وهذا متّجه.

بقي في المسألة إشكال، وهو أنّ حكمه بإعادة البسملة - لو قرأها من غير قصد - بعد القصد إن كان مع قراءتها أوّلاً عمداً، لم يتّجه القول بالإعادة بل ينبغي القول ببطلان الصلاة؛ للنهي عن قراءتها من غير قصد، وهو يقتضي الفساد. وإن كان قرأها ناسياً فقد تقدّم القول بأنّ القراءة خلالها نسياناً موجب لإعادة القراءة من رأس، فالقول بإعادة البسملة وما بعدها لا غير لا يتمّ على تقديري العمد والنسيان.

ص: 315


1- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 282 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
2- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 282 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
3- في ص 313.

والذي ينبغي القطع به فساد القراءة على تقدير العمد للنهي وهو الذي اختاره الشهيد في البيان(1). وحمل الإعادة هنا على قراءتها ناسياً.

وقد تكلّف لدفع الإشكال بأنّ المصلّي لمّا كان في نيّته أنّ ذلك من قراءة الصلاة لم يكن من غيرها فلا يقدح في الموالاة، كما لو أعاد آيةً أو كلمةً للإصلاح.

ويؤيّده ما رواه البزنطي عن أبي العباس في الرجل يريد أن يقرأ السورة فيقرأ أخرى قال: «يرجع إلى التي يريد وإن بلغ النصف» (2).

لكنّ الرواية مقطوعة، ومادة الإشكال غير منحسمة، والله أعلم.

(الخامس: الركوع)

وهو لغةً: الانحناء. وشرعاً كذلك، إلّا أنّه انحناء مخصوص، ففيه تخصيص للمعنى اللغوي.

(وهو ركن) في الجملة بغير خلاف. ولرواية زرارة عن الباقر علیه السلام: «لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة» وعدَّ منها الركوع(3) وغيرها من الأخبار.

وذهب الشيخ إلى أنّه ركن في الأوليين وفي ثالثة المغرب دون غيرهما(4).

وهو ضعيف، بل هو ركن مطلقاً (تبطل الصلاة بتركه عمداً وسهواً) كنظائره من الأركان وإن كان الأمر لا يتمّ مطلقاً؛ لصحة الصلاة مع زيادته في بعض الموارد.

ويجب الركوع (في كلّ ركعة مرّة) واحدة عدا الآيات كما سيأتي، وهو موضع وفاق.

(ويجب فيه الانحناء بقدر) يمكنه معه أن (تصل راحتاه) عيني (رکبتیه).

ص: 316


1- البيان، ص 153 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 12).
2- أورده الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 3، ص 282 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
3- الفقيه، ج 1، ص 339، ح 992؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 152 ، ح 597 .
4- المبسوط، ج 1، ص 161 تهذيب الأحكام، ج 2، ص 149، ذيل الحديث 584.

واحترز بالانحناء عمّا لو انخنس وأخرج ركبتيه بحيث وصلت كفّاه ركبتيه بدون الانحناء، أو مع مشاركته بحيث لو لا الانخناس لم تبلغا.

والمراد بالقدر الذي تصل معه كفّاه الركبتين الانحناء قدراً لو أراد معه وضعهما ،عليهما أمكنه لا وصولهما بالفعل، فإنّ ذلك غير واجب.

نعم، هو مستحبّ تأسّياً بالنبيّ صلی الله علیه وآله وسلم، ولقول الباقر علیه السلام في صحيح زرارة: «وتمكّن راحتيك من ركبتيك»(1) .

والمراد بالراحة: الكفّ، ومنها الأصابع، ويتحقّق بوصول جزء من باطن كلّ منهما، لا برؤوس الأصابع.

(و) يجب (الذكر فيه) ولا يتعيّن فيه لفظ مخصوص منه، بل يكفي الذكر (مطلقاً) من تسبيح أو تهليل أو تكبير أو غيرها من الأذكار المشتملة على الثناء على الله (على رأي) قويّ عند المصنّف(2) وجماعة، كالشيخ في المبسوط وابن إدريس(3)؛ لصحيحتي هشام بن سالم وابن الحكم عن الصادق علیه السلام : قلت له: أيجزئ أن أقول مكان التسبيح في الركوع والسجود : لا إله إلا الله والحمد لله والله أكبر ؟ فقال: «نعم، كلّ هذا ذكر الله»(4) .

وفيه إيماء إلى العلّة، فيجزئ كلّ ما يُعدّ ذكراً لله ويتضمّن ثناءً عليه وأيضاً متى أجزأ ذلك أجزأ مطلق الذكر لعدم القائل بالفرق.

وذهب أكثر الأصحاب إلى تعيين التسبيح(5) ؛ لما رواه هشام بن سالم أيضاً عنه علیه السلام، قال: سألته عن التسبيح في الركوع والسجود، قال: «تقول في الركوع: سبحان ربّي

ص: 317


1- الكافي، ج 3، ص 334 - 335، باب القيام والقعود في الصلاة، ح 1 تهذيب الأحكام، ج 2، ص 83، ح 308 .
2- تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 169 ، المسألة 249؛ مختلف الشيعة، ج 2، ص 181 - 182، المسألة 101؛ نهاية الإحكام، ج 1، ص 482.
3- السرائر، ج 1، ص 224؛ ولم نجده في المبسوط، بل هو في النهاية، ص 81.
4- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 302، ح 1217 و 1218.
5- منهم: الشيخ الصدوق في الفقيه، ج 1، ص 312 - 313؛ والقاضي ابن البراج في المهذب، ج 1، ص 97؛ وأبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه، ص:118 وابن حمزة في الوسيلة، ص 93 .

العظيم، وفي السجود سبحان ربّي الأعلى الفريضة من ذلك واحدة، والسنّة ثلاث، والفضل في سبع»(1) .

و روی زرارة عن الباقر علیه السلام : قلت له: ما يجزئ من القول في الركوع والسجود؟ :فقال:« [ ثلاث] تسبيحات في ترسّل، وواحدة تامة تجزئ»(2) .

وعن عقبة بن عامر قال: لمّا نزلت (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ )(3) قال لنا رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم: «اجعلوها في ركوعكم» ولمّا نزلت (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى )(4) ، قال صلى الله عليه وآله و سلم : «اجعلوها في سجودكم»(5) ، والأمر للوجوب.

فعلى هذا يجب ثلاث تسبيحات صغرى أو واحدة كبرى للمختار. واجتزأوا بواحدة صغرى للمضطرّ، كالمريض والمستعجل .

والتحقيق أنّه لا منافاة بين هذه الأخبار الصحيحة من الجانبين؛ فإنّ التسبيحة الكبرى وما يقوم مقامها يعدّ ذكر الله تعالى، فتكون أحد أفراد الواجب التخييري المدلول عليه بالأخبار الأولى، فإنّها دلّت على إجزاء ذكر الله، وهو أمر كلّي يتأدّى في

ضمن التسبيحة الكبرى والصغرى المكرّرة والمتّحدة، فيجب الجميع تخييراً.

وهذا - مع كونه موافقاً للقواعد الأصوليّة - جمع حسن بين الأخبار، فهو أولى من إطراح بعضها، أو حملها على التقيّة وغيرها.

نعم، رواية معاوية بن عمّار عن الصادق علیه السلام حين سأله عن أخفّ ما يكون من التسبيح في الصلاة، قال:« ثلاث تسبیحات ترسّلاً تقول: سبحان الله سبحان الله سبحان الله»(6) قد تأبى هذا الحمل، لكن لا صراحة فيها بأنّ ذلك أخفّ الواجب، فيحمل على أخفّ

ص: 318


1- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 76، ح 282؛ الاستبصار، ج 1، ص 322 - 323، ح 1204.
2- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 76 ، ح 283؛ الاستبصار، ج 1، ص 323، ح 1205، وما بين المعقوفين من المصدر.
3- الواقعة (56): 74 .
4- الأعلى (87): 1.
5- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 313، ح 1273.
6- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 77 ، ح 288؛ الاستبصار، ج 1، ص 324، ح 1212.

المندوب فإنّه أعمّ منهما ؛ إذ لم يبيّن فيه الفرد المنسوب إليه الأخفّيّة.

واعلم أنّ أكثر الروايات خالٍ عن لفظة وبحمده» في التسبيحة الكبرى، لكنّها موجودة في خبر حمّاد بن عيسى(1) .

ويمكن رجوع اللفظة إلى ما بيّناه في الواجب المخيّر؛ لأنّ التسبيح المصاحب لها بعض أفراد الذكر، بل هو من أكبره، فيكون أحدَ الواجبات. ولا يقدح في الوجوب جواز تركها كما في صلاة المسافر في مواضع التخيير . وهذا البحث آتٍ على القولين.

تفسير: التسبيح لغةً: التنزيه ومعنى «سبحان الله» تنزيهاً له من النقائص مطلقاً، وهو اسم منصوب على أنّه واقع موقع المصدر لفعلٍ محذوف تقديره «سبّحت الله سبحاناً و تسبيحاً» أي برّأته من السوء براءةً والتسبيح هو المصدر، و «سبحان» واقع موقعه، وعامله محذوف كما في نظائره، ولا يستعمل غالباً إلّا مضافاً، كقولنا: سبحان الله، وهو مضاف إلى المفعول به، أي سبّحت الله؛ لأنّه المسبَّح المنزَّه.

قال أبو البقاء: ويجوز أن يكون مضافاً إلى الفاعل؛ لأنّ المعنى تنزّه الله(2). والمعروف هو الأوّل.

ومعنى «سبحان ربّي العظيم وبحمده» تنزيهاً له من النقائص، وعامله المحذوف هو متعلّق الجارّ في «وبحمده» والمعطوف عليه محذوف يشعر به «العظيم» كأنّه قال: تنزيهاً لربّي العظيم بعظمته وبحمده، أو: وبحمده أنزّهه، فيكون عطفاً لجملة على جملة.

وقيل: معنى «وبحمده» والحمد له على حدّ ما قيل في قوله تعالى: (مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ )(3) أي والنعمة لربّك (4).

ص: 319


1- الكافي، ج 3، ص 311 باب افتتاح الصلاة والحدّ في التكبير .... ح 8؛ الفقيه، ج 1، ص 300 - 302، ح 915: تهذيب الأحكام، ج 2، ص 81 ع 301.
2- انظر إملاء ما منَّ به ،الرحمن، ج 1، ص 29 .
3- القلم (68): 2 .
4- ورد قوله: «وقيل ... لربك» في جامع المقاصد، ج 2، ص 287؛ وانظر أيضاً مجمع البيان، ج 6، ص 420؛ وج 10،ص 333 .

و «العظيم» في صفته تعالى مَنْ يقصر كلّ شيء سواه عنه، أو من انتفت عنه صفات النقص، أو مَنْ حصلت له جميع صفات الكمال، أو مَنْ قصرت العقول عن أن تحيط بكنه حقيقته، فإنّ الأصل في العظيم أن يطلق على الأجسام، يقال: هذا الجسم عظيم، وهذا الجسم أعظم منه، ثمّ ينقسم إلى ما تحيط به العين وإلى ما لا تحيط به کالسماء والأرض، ثمّ الذي لا تحيط به العين قد يحيط به العقل وقد لا يحيط، وهو العظيم المطلق. ويطلق على الله تعالى بهذا الاعتبار مجرداً عن أخذ الجسم جنساً في تعريفه.

(و) تجب (الطمأنينة) بضمّ الطاء وسكون الهمزة بعد الميم، وهي سكون الأعضاء واستقرارها في هيئة الراكع (بقدره) أي بقدر الذكر الواجب في الركوع، فلا يعتد به من دونها.

ولا يجزئ عنها مجاوزة الانحناء أقلّ الواجب، ثمّ يعود إليه وإن ابتدأ بالذكر عند بلوغ حدّ الراكع وأكمله قبل الخروج عنه.

نعم لو تعذّرت الطمأنينة لمرضٍ ونحوه أجزأ ذلك.

وهل يجب؟ الظاهر ذلك؛ لأنّ الواجب في ذكر الركوع كونه في محلّ الراكع مطمئنّاً، فلا يسقط أحدهما بتعذّر الآخر.

واستقرب في الذكرى عدم الوجوب؛ للأصل، فحينئذٍ يتمّ الذكر رافعاً رأسه(1).

ومتى فَعَل الذكر من دون الطمأنينة، فإن كان عامداً بطلت الصلاة؛ لتحقّق النهي. وإن كان ناسياً استدركه في محلّه إن أمكن.

وللمصنّف قول بمساواة العامد للناسي إذا استدركه في محلّه(2) ، واختاره الشهيد في الدروس(3) . وليس بجيّد.

(ورفع الرأس منه) أي من الركوع، فلو هوى من غير رفع بطل.

ص: 320


1- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 291 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
2- انظر جامع المقاصد، ج 2، ص 290.
3- الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 100 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9).

(والطمأنينة قائماً) ولا حدّ لها، بل يكفي مسمّاها، وهو ما يصدق به الاستقرار والسكون.

ويجب أن لا يطيلها بحيث يخرج عن كونه مصلّياً.

واستوجه في الذكرى(1) جواز تطويلها عمداً بذكر أو قراءة؛ للأخبار الدالّة على الحثّ على ذكر الله والدعاء في الصلاة(2) من غير تقييد بمحلّ مخصوص.

(ولو عجز) المصلّي (عن الانحناء) إلى حدّ الراكع أتى بالممكن منه. فإن عجز أصلاً (أو مأ) برأسه.

ولو توقّف الانحناء على المعاون وجب ولو بأجرة مقدورة، كالقيام.

(والراكع خلقةً) لكبر أو مرض ( يزيد) انحناء (يسيراً) تحصيلاً للفرق بين القيام والركوع؛ لأنّه المعهود من صاحب الشرع، ولا دليل على السقوط. ولقوله علیه السلام : «فأتوا منه ما استطعتم»(3).

وذهب المصنّف في بعض كتبه(4) إلى عدم وجوب الزيادة، تبعاً للشيخ(5) والمحقّق في المعتبراً(6)؛ لأنّ ذلك حدّ الركوع، فلا يلزم الزيادة عليه.

ورُدّ بأنّه لا يلزم من كونه حدّ الركوع أن يكون ركوعاً؛ لأنّ الركوع هو فعل الانحناء ولم يتحقّق، ولما سبق من وجوب الفرق(7) .

نعم، لو كان انحناؤه الضروري إلى أقصى مراتب الركوع بحيث لو زاد يسيراً خرج

ص: 321


1- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 307 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
2- منها ما في تهذيب الأحكام، ج 2، ص 104، ح 394.
3- صحيح مسلم، ج 2، ص 975 ، ح 1337/412؛ السنن الكبرى البيهقي، ج 1، ص 571، ح 1823؛ مسند أحمد، ج 2، ص 488 - 489 ، ح 7320.
4- تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 166 ، ذيل المسألة 247.
5- المعتبر، ج 2، ص 194 .
6- المبسوط، ج 1، ص 162 .
7- الرادّ هو المحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 289 .

عمّا يُعدّ ركوعاً، سقط اعتبار الفرق محافظةً على الركن.

ولا يخفى أنّه لو أمكنه نقص الانحناء حال القيام باعتماد ونحوه تعيّن؛ لأنّه أقرب إلى القيام فيجزئ حينئذٍ ذلك الانحناء للركوع لحصول الفرق به.

( وينحني طويل اليدين) وقصيرهما ومقطوعهما (كالمستوي) حملاً للأوامر على الغالب؛ لأنّه الراجح.

(وتسقط الطمأنينة) في الحالين (مع العجز) عنها، فيأتي بالذكر على حسب المقدور، وقد تقدّم أنّه لو أمكن إيقاعه أخذاً في الزيادة عن أقلّ الراكع وراجعاً إليه وجب.

ولو أمكنه فعله راكعاً متزلزلاً ونازلاً على ذلك الوجه قدّم أقلّهما حركةً. فإن تساويا تخيّر. فإن تعذر أتى به رافعاً.

(ويستحبّ التكبير له) أي للركوع في حالة كون المصلّي (قائماً) بعد القراءة وقبل أن يأخذ في الركوع (رافعاً يديه) في حالة التكبير كما مرّ في تكبير الافتتاح، فإذا أرسلهما، هوى إلى الركوع.

وأوجب جماعة من الأصحاب الرفع هنا، كما أوجبوه في تكبيرة الافتتاح. وعمّم المرتضى الوجوب في جميع التكبيرات(1) .

وكون التكبير في حالة القيام هو المشهور بين الأصحاب.

وقال الشيخ في الخلاف يجوز أن يهوي به (2). وهو حسن؛ لأنّه ذكر لله مستحبّ فلا منع منه على حال، إلا أنّه دون الأوّل في الفضل.

(و) يستحبّ أيضاً (ردّ الركبتين) إلى خلف، رواه حمّاد في وصف صلاة الصادق علیه السلام(3) .

ص: 322


1- الانتصار، ص 147، المسألة 45.
2- الخلاف، ج 1، ص 347 المسألة 96 .
3- الكافي، ج 3، ص 311، باب افتتاح الصلاة والحد في التكبير .... ح 8؛ الفقيه، ج 1، ص 300 - 302، ح 915؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 81، ح 301 .

(وتسوية الظهر ومدّ العنق) رواه حمّاد(1) أيضاً.

وروي عن النبيّ صلى الله عليه وآله و سلم أنّه كان يستوي في الركوع بحيث لو صبّ الماء على ظهره لاستمسك(2). ومثله عن عليّ علیه السلام(3).

(والدعاء) أمام التسبيح؛ لأنّه موضع إجابة.

وروي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال: «أمّا الركوع فعظّموا الربّ، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقَمِنّ(4) أن يستجاب لكم»(5) .

وصورة الدعاء ما رواه زرارة عن الباقر علیه السلام :« ربّ لك ركعت ولك أسلمت وبك آمنت وعليك توكّلت وأنت ربّي خشع لك سمعي وبصري وشعري وبشري ولحمي ودمي و مخّي و عصبي وعظامي وما أقلّته قدماي غير مستنكف ولا مستكبر ولا مستحسر»(6).

(والتسبيح) بعد ذلك (ثلاثاً) كبريات (أو خمساً أو سبعاً).

وظاهر جماعة من الأصحاب أنّه نهاية الكمال، وفي رواية هشام بن سالم - السالفة (7) - إيماء إليه.

لكن روى حمزة بن حمران والحسن بن زياد أنّهما صلّيا مع الصادق علیه السلام فعدّدا عليه في الركوع «سبحان ربّي العظيم» أربعاً أو ثلاثاً وثلاثين مرة، وقال أحدهما في حديثه: «وبحمده» في الركوع والسجود(8) .

ص: 323


1- الكافي، ج 3، ص 311 باب افتتاح الصلاة والحدّ في التكبير .... ح 8؛ الفقيه، ج 1، ص 300 - 302، ح 915؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 81، ح 301 .
2- سنن ابن ماجة، ج 1، ص 283 ، ح 872 .
3- أورده الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 3، ص 299 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
4- أي خليق وجدير. النهاية في غريب الحديث والأثر، ج 4، ص 111، «قمن».
5- صحيح مسلم، ج 1، ص 348، ح 479/207؛ سنن أبي داود، ج 1، ص 232، ح 876 .
6- الكافي، ج 3، ص 319 باب الركوع وما يقال فيه... . ح 1: تهذيب الأحكام، ج 2، ص 77 - 78 ، ح 289.
7- في ص 317 الهامش 4 .
8- الكافي، ج 3، ص 329، باب أدنى ما يجزئ من التسبيح في الركوع .... ح 3؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 300، ح 1210؛ الاستبصار، ج 1، ص 325. ح 1214.

وروى أبان بن تغلب أنّه عدّ على الصادق علیه السلام ستّين تسبيحة(1) .

واختار جماعة من الأصحاب (2) استحباب ما لا يحصل معه السأم إلا أن يكون إماماً فلا يزيد على ثلاث .

نعم، لو انحصر المأمومون وأحبّوا الإطالة استحب له التكرار على وفق مرادهم.

ولا ينبغى لمطلق المصلّي النقص عن ثلاث إلّا لعارضٍ.

وهل الواجب من الجميع الأولى أم يمكن وصف الجميع به على جهة الوجوب التخييري؟ خلاف، وقد تقدّم في التسبيح في الأخيرتين ما يرشد إلى الثاني.

واستقرب في الذكرى كون الواجب الأولى وإن لم يقصدها، وأنّه لو نوى وجوب غيرها، جاز(3) .

(و) قول: (سمع الله لمن حمده، عند الرفع) من الركوع بعد انتهائه، إماماً كان أو مأموماً أو منفرداً، رواه زرارة - في الصحيح - عن الباقر علیه السلام : «قُلْ: سمع الله لمن حمده، وأنت منتصب قائم تجهر بها صوتك»(4) .

وفيه إشارة إلى استحباب الجهر به ويحمل على غير المأموم؛ لاستحباب الإخفات له في أذكاره.

ولو قال المأموم عند تسميع الإمام: ربّنا لك الحمد - كما هو مذهب العامّة - كان جائزاً، رواه محمّد بن مسلم عن الصادق علیه السلام(5).

قال الشيخ ولو قال ربّنا ولك الحمد، لم تفسد صلاته (6).

ص: 324


1- الكافي، ج 3، ص 329 باب أدنى ما يجزئ من التسبيح في الركوع .... ح 2؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 299 ،ح 1205.
2- منهم المحقّق في المعتبر، ج 2، ص 202؛ والمحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 293.
3- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 301 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
4- الكافي، ج 3، ص 319 - 320 ، باب الركوع وما يقال فيه.... ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 77 - 78 ، ح 289.
5- أورده الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 3، ص 302 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
6- المبسوط، ج 1، ص 165.

وروايتنا لا «واو» فيها، والعامّة مختلفون في ثبوتها وسقوطها، وإثباتها جائز لغةً؛ لأنّ الواو قد تزاد في كلام العرب، كقوله:

فما بالُ مَنْ أسعى لأجبر عظمه *** سفاهاً وينوي من سفاهته كسري؟(1)

وقوله :

ولقد رمقتك في المجالس كلّها *** فإذا وأنت بعين مَنْ يبغيني(2)

وأنكر في المعتبر «ربّنا لك الحمد»(3) وخبر محمّد بن مسلم(4) - الصحيح - حجّة عليه.

و جوّزه ابن الجنيد من غير تقييد بالمأموم(5) . ولا شاهد له.

ويستحبّ أن يزيد على ذلك: «الحمد لله ربّ العالمين أهل الجبروت والكبرياء والعظمة لله ربّ العالمين».

بقي في التسميع بحثان:

أحدهما: أنّ «سمع» من الأفعال المتعدّية إلى المفعول بأنفسها، تقول: «سمعت كذا،و سمعت فلاناً يقول كذا» قال تعالى: (سَمِعْنَا فَتّى يَذْكُرُهُمْ)(6) ، (سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِى لِلإِيمَنِ )(7) ، (يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ)(8) وقد عُدّي هنا باللام.

والوجه في ذلك: أنّه من باب التضمين، وهو أن يشرب لفظ معنى لفظ آخر فيعطى حكمه، وفائدته أن تؤدّي كلمة مؤدّى كلمتين. و «سمع» هنا ضُمِّن معنى «استجاب» فعُدّي بما يُعدّى به، وهو اللام، كما ضُمّن السماع في قوله تعالى: (لَّا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَا الْأَعْلَى )(9) معنى الإصغاء، فعُدّي ب«إلى» وهو باب متّسع.

ص: 325


1- مغني اللبيب، ج 1، ص 680 - 681، بتفاوت في بعض الألفاظ.
2- مغني اللبيب، ج 1، ص 680 - 681، بتفاوت في بعض الألفاظ.
3- المعتبر، ج 2، ص 204.
4- تقدّم آنفاً.
5- حكاه عنه الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 3، ص 303 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
6- الأنبياء (21): 60 .
7- آل عمران (3): 193.
8- ق (50): 42 .
9- الصافّات (37): 8 .

قال أبو الفتح: أحسب لو جمع ما جاء منه لجاء منه كتاب يكون مئين أوراقاً(1) .

الثاني: هل هذه الكلمة دعاء أم ثناء؟ أمّا من حيث اللفظ فكلُّ محتمل، ولم يتعرّض لذلك أحد من الأصحاب سوى المحقّق الشيخ عليّ، وتوقّف في ذلك، وذكر أنّه لم يسمع فيه كلاماً يدلّ على أحدهما(2) .

أقول: روى الكليني في كتاب الدعاء بإسناده إلى المفضّل، قال: قلت لأبي عبدالله علیه السلام : جعلت فداك علّمني دعاء جامعاً، فقال لي: «احمد الله فإنّه لا يبقى أحد يصلّي إلا دعا لك، يقول: سمع الله لمن حمده»(3) وهذا نص في الباب على أنّه دعاء لا ثناء .

(ويكره الركوع و) الحالة أنّ (يده) موضوعة (تحت ثيابه) بل تكون بارزةً أو في كمّه، قاله الجماعة(4) .

وروى عمّار عن الصادق علیه السلام في الرجل يدخل يده تحت ثوبه، قال: «إن كان عليه ثوب آخر فلا بأس، وإن لم يكن فلا يجوز، وإن أدخل يداً وأخرج أخرى فلا بأس»(5).

وليس في العبارات تصريح بما إذا لم يكن ثَمَّ ثوبُ آخر، ولعلّهم اعتمدوا على ذكر الثياب بصيغة الجمع المضاف فإنّه يفيد العموم، فتختص الكراهة بما إذا كانت اليدان تحت جميع الثياب، فمع فقد المجموع - الذي يصدق فواته بفوات بعض أجزائه - لا تتمّ الكراهة.

وفي العبارة ما يقتضي الاكتفاء في الكراهة بوضع إحدى اليدين والرواية تنفيه.

ص: 326


1- انظر الخصائص، ابن جني، ج 2، ص 310.
2- جامع المقاصد، ج 2، ص 292 .
3- الكافي، ج 2، ص 503 ، باب التحميد والتمجيد، ح 1.
4- كما في جامع المقاصد، ج 2، ص 295 .
5- الكافي، ج 3، ص 395 باب الصلاة في ثوب واحد .... ح 10؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 356 - 357، ح 1475: الاستبصار، ج 1، ص 392 ، ح 1496.
(السادس: السجود)

وهو لغةً: الخضوع. وشرعاً: وضع الجبهة على الأرض ونحوها، فهو خضوع خاصّ.

(ويجب في كلّ ركعة سجدتان هما معاً ركن تبطل الصلاة بتركهما عمداً وسهواً) سواء في ذلك الركعتان الأوليان والأخيرتان على المشهور بين الأصحاب؛ لرواية زرارة « لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة» وعدّ منها السجود(1) .

وللشيخ قول باختصاص البطلان بتركهما معاً في الأوليين دون الأخيرتين(2)؛ تعويلاً على رواية(3) لا دلالة فيها على ذلك، مع معارضتها بأقوى منها.

و (لا) تبطل الصلاة (بترك إحداهما سهواً) على المشهور أيضاً.

وربما نقل عن ابن أبي عقيل أنّ الإخلال بالواحدة مبطل وإن كان سهواً(4)؛ لصدق الإخلال بالركن؛ إذ الماهيّة المركّبة تفوت بفوات جزء منها، وقد تقرّر أنّ الركن مجموع السجدتين. ولرواية المعلّى بن خنيس(5) الدالّة على ذلك.

وأجيب بأنّ انتفاء الماهيّة هنا غير مؤثر مطلقاً، وإلّا لكان الإخلال بعضو من أعضاء السجود مبطلاً، ولم يقل به أحد، بل المؤثّر هو انتفاؤها بالكلّيّة، أو نقول: إنّ الركن مسمّى السجود ولا يتحقق الإخلال به إلا بترك السجدتين معاً. والرواية ضعيفة بالإرسال وبالمعلّى، ومعارضة بما هو أقوى، كذا أجاب في الذكرى (6).

وفيه نظر؛ لأنّ الركن إذا كان هو المجموع لزم منه البطلان بفوات الواحدة؛

ص: 327


1- الفقيه، ج 1، ص 339، ح 992؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 152، ح 597.
2- حكاه عنه الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 3، ص 309 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7)؛ والمحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 297 وانظر تهذيب الأحكام، ج 2، ص 154؛ والمبسوط، ج 1، ص 175.
3- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 0154 ح 605: الاستبصار، ج 1، ص 360، ح 1364.
4- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 372؛ المسألة 262؛ والشهيد في ذكرى الشيعة، ج 3، ص 310 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
5- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 154، ح 606: الاستبصار، ج 1، ص 359، ح 1363.
6- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 311 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).

لاستلزامه الإخلال به، فاللازم إمّا عدم ركنيّة المجموع، أو بطلان الصلاة بكلّ ما يكون إخلالاً به. وما ادّعاه من لزوم البطلان بالإخلال بعضو من أعضاء السجود غير ظاهر؛ لأنّ وضع ما عدا الجبهة لا دَخل له في نفس السجود، كالذكر والطمأنينة، بل هي واجبات له خارجة عن حقيقته، وإنّما حقيقته وضع الجبهة على الأرض وما في حكمها.

وأمّا الجواب الثاني: ففيه خروج عن السؤال من رأس؛ لأنّه وارد على جعل المجموع معاً ركناً، كما قد اشتهر بين الأصحاب، مع أنّ التزام ما ذكر يستلزم بطلان الصلاة بزيادة السجدة الواحدة؛ لتحقّق المسمّى ولم يقل به أحد، فإنّ ابن أبي عقيل إنّما حكم ببطلان الصلاة بنسيان الواحدة لا بزيادتها على ما نقله عنه المجيب.

وبالجملة، فالحكم بذلك منافٍ للحكم بعدم البطلان بفوات الواحدة إن تمّ أنّ الركن مطلقاً تبطل الصلاة بزيادته ونقصانه مطلقاً.

ويمكن الجواب بمنع كلّيّة المقدّمة القائلة بأنّ كلّ ركن تبطل الصلاة بزيادته مطلقاً، ولا يتمّ الإشكال إلا مع تسليمها، كيف وقد تخلّف ذلك في مواضع كثيرة، ولا دليل على انحصار الحال فيها، بل فيها أو كثير منها ما هو أضعف من هذه المواضع؛ للاتّفاق كما نقله الشهيد في الذكرى (1)- والنصّ على عدم البطلان بزيادة الواحدة ونقصها، فيكون ذلك هو الموجب لخروج هذا الفرد من الكلّيّة، كما خرج غيره.

ولو قيل بأنّ الركن أيضاً هو مسمّى السجود الصادق بالواحدة، كما ذكره في الذكرى(2) ، وأخرج الحكم بعدم البطلان بزيادتها من القاعدة بالنصّ أيضاً، أمكن، بل هو أولى من الأوّل؛ لكثرة نظائره المستثناة من زيادة الركن.

وعلى كلّ حال فلا مجال لحلّ الإشكال إلّا بالتزام أحد الأمرين.

ص: 328


1- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 310 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
2- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 311 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).

(ويجب في كلّ سجدة وضع الجبهة على ما يصحّ السجود عليه) وقد تقدّم بيانه في المكان(1) .

ويتحقّق وضعها بوضع ما يصدق عليه الاسم منها على المشهور، كغيرها من المساجد لاقتضاء الأمر بالمطلق ذلك.

ولصحيحة زرارة عن أبي جعفر علیه السلام قال: «الجبهة كلّها من قصاص شعر الرأس إلى الحاجبين موضع السجود ما سقط من ذلك إلى الأرض أجزاك مقدار الدرهم ومقدار طرف الأنملة»(2).

وأوجب الصدوق(3) وجماعة(4) ، وضع مقدار الدرهم منها ، واستقربه في الذكرى(5) ، تمسّكاً برواية عليّ بن جعفر عن أخيه موسى علیهما السلام في المرأة تطول قصتها - بضمّ القاف وتشديد الصاد، وهي شعر الناصية - وإذا سجدت وقعت بعض جبهتها على الأرض وبعض يغطّيه الشعر، هل يجوز ذلك؟ قال:« لا، حتّى تضع جبهتها على الأرض»(6).

ولا دلالة في الرواية على اعتبار الدرهم والحمل عليه بعد عدم الاكتفاء بما حصل من الجبهة على الأرض ليس أولى من حمل ما وقع على ما دون المسمّى والأمر بوضع المسمّى، مع أنّ ظاهرها اعتبار وضع الجميع، ولم يوجبه أحد، فتحمل على الاستحباب، أو على اعتبار المسمّى؛ لأصالة عدم وجوب الزائد.

(وعدم علوّ موضع الجبهة عن الموقف بأزيد من لبنة) بفتح اللام وكسر الباء، أو بكسرها فسكون الباء .

ص: 329


1- راجع ص 171 و ما بعدها.
2- الكافي، ج 3، ص 333، باب وضع الجبهة على الأرض، ح 1.
3- الفقيه، ج 1، ص 313، ذيل الحديث 929 ؛ المقنع، ص 87 .
4- منهم ابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 225 .
5- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 312 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
6- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 313 - 314 ، ح 1276.

والمراد بها المعتادة في بلد صاحب الشرع والاعتبار بقدرها إذا كانت موضوعةً على أكبر سطوحها. وقدّرت بأربع أصابع مضمومة تقريباً.

و یعتبر ذلك في الانخفاض أيضاً، كما صرّح به الشهيد (رحمه الله)(1) .

ويعتبر وفي رواية عمّار عن الصادق علیه السلام في المريض يقوم على فراشه ويسجد على الأرض، فقال: «إذا كان الفراش غليظاً قدر آجرّة أو أقل استقام له أن يقوم عليه ويسجد على الأرض، وإن كان أكثر من ذلك فلا»(2) .

واعتبر الشهيد (رحمه الله) أيضاً ذلك في بقيّة المساجد(3). وهو أولى.

ولا فرق في ذلك بين ما لو كان الارتفاع والانخفاض بسبب البناء والفرش ونحوهما أو من أصل الأرض كالمنحدرة؛ لإطلاق النصوص والفتاوى.

ومن النصوص الواضحة في ذلك رواية عبدالله بن سنان عن الصادق علیه السلام ، قال: سألته السجود على الأرض المرتفعة، فقال: «إذا كان موضع جبهتك مرتفعاً عن عن موضع بدنك قدر لبنة فلا بأس»(4) .

واعلم أنّ الجبهة لو وقعت على موضع مرتفع عن القدر الذي يجوز السجود عليه، تخيّر بين رفعها وجرّها إلى موضع الجواز؛ لعدم تحقّق السجود على ذلك القدر. أمّا لو وقعت على ما لا يصحّ السجود عليه مع كونه مساوياً للموقف أو مخالفاً القدر المجزئ لم يجز رفعها؛ حذراً من تعدّد السجود بل يجرّها إلى موضع الجواز.

والأخبار مطلقة في المنع من الرفع وجوازه، وحملها على التفصيل طريق الجمع بينها.

(والذكر فيه) أي في السجود (مطلقاً) من غير تقييدٍ بالتسبيحة الكبرى وما يقوم

ص: 330


1- البيان، ص 162 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 12).
2- الكافي، ج 3، ص 411 - 412، باب صلاة الشيخ الكبير والمريض، ح 13؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 307 ،ح 949 .
3- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 87 88 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
4- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 313، ح 1271 .

مقامها من المتعدّد على رأي قوي، وقد عُلم وجهه ممّا سلف.

(والسجود على سبعة أعضاء) من أعضاء المصلّي: (الجبهة) وهي ما بين الجبينين والقصاص والحاجبين (والكفّين) والمراد بهما ما يشمل الأصابع فيجزئ وضع أحدهما، والمعتبر باطنهما فلا يجزئ ظهرهما إلا مع الضرورة (والركبتين وإبهامي الرِجلين) ولا يتعيّن رؤوسهما وإن كان أحوط. والمعتبر في كلّ منها مسمّاه.

ويستحبّ الاستيعاب؛ لما فيه من المبالغة في الخضوع.

ولا يجزئ غير الإبهامين من الأصابع عنهما مع إمكانهما. نعم، لو تعذّر السجود عليهما أجزأ على بقيّة الأصابع من غير تخصيص.

ويجب الاعتماد عليها، فلو تحامل عنها لم يجزىء . ولا تجب التسوية بينها في الثقل.

(والطمأنينة فيه) أي في السجود(بقدر الذكر) الواجب، ولابدّ من زيادتها عليه يسيراً، ليتحقّق وقوعه حالتها.

ولو لم يعلم الذكر وجبت الطمأنينة بقدره فصاعداً؛ لأنّها أحد الواجبين، ولا يعلم ارتباطها ،به وقد تقدّم مثله في القراءة.

(ورفع الرأس منه، والجلوس) في حالة كونه (مطمئنّاً).

ولم يكتف بالرفع عن الجلوس؛ لعدم استلزامه له ولا يكفي مطلق الرفع، فلذا ذكره(1).

ولا حدّ لهذه الطمأنينة، بل يكفي مسمّاها.

وإنّما يجب الجلوس مطمئنّاً (عقيب) السجدة (الأولى) أمّا الثانية فسيأتي أنّها مستحبّة.

(والعاجز عن السجود) لمرض ونحوه (يومئ) له برأسه، فإن تعذّر فبعينيه، كما مرّ.

(ولو احتاج إلى رفع شيء يسجد عليه فَعَل وجوباً، ويجب كون نهايته في نهاية

ص: 331


1- الضمير راجع إلى الجلوس.

ما يمكنه من الانحناء، وقد سبق بيان ذلك.

(وذو الدمل) والجرح والورم ونحوها إذا لم يمكنه وضع الجبهة على الأرض على تلك الحالة (يحفر لها) حفيرةً، أو يعمل لها شيئاً مجوّفاً من طين أو خشب ونحوهما وجوباً (ليقع السليم على الأرض) لأنّ ذلك من باب مقدمة الواجب المطلق.

ولما رواه مصادف، قال: خرج بي دمّل وكنت أسجد على جانبٍ فرآني أبو عبدالله علیه السلام ، فقال: «ما هذا؟» قلت: لا أستطيع أن أسجد من أجل الدمّل فإنّما أسجد منحرفاً، فقال لي: «لا تفعل ذلك، احفر حفيرة واجعل الدمل في الحفيرة حتّى تقع جبهتك على الأرض»(1) .

(فإن تعذّر) ذلك إمّا لعدم إمكان الفعل أو لاستيعابه الجبهة (سجد على أحد الجبينين) لقربهما إلى الجبهة وكونهما معاً كالعضو الواحد، فيقوم أحدهما مقامها للعذر. ولا خلاف في تقديمهما على الذقن مع الإمكان ولا أولويّة للأيمن على الأيسر هنا للأصل وعدم الدليل .

نعم، يستحبّ تقديم الأيمن خروجاً من خلاف الصدوقين(2).

(فإن تعذّر) السجود عليهما (فعلى ذقنه )ذكره الأصحاب، وروي مرسلاً عن الصادق علیه السلام وقد سُئل عمّن بجبهته علّة لا يقدر على السجود عليها: «يضع ذقنه على الأرض، إنّ الله تعالى يقول: (يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا )(3) »(4) .

والمراد بالتعذّر هنا المشقّة الشديدة التي لا تتحمّل عادةً وإن أمكن تحمّلها بعسر.

والمراد بالذقن - بالتحريك - مجمع اللحيين، فشعر اللحية ليس منه، فيجب كشفه لتصل البشرة إلى ما يصحّ السجود عليه مع الإمكان، وإلّا سقط.

ص: 332


1- الكافي، ج 3، ص 333 - 334، باب وضع الجبهة على الأرض، ح : تهذيب الأحكام، ج 2، ص 86، ح 317.
2- المقنع، ص 87؛ وفي الفقيه، ج 1، ص 269 ، ذيل الحديث 831 نقلاً عن رسالة عليّ بن بابويه.
3- الإسراء (17): 107 .
4- الكافي، ج 3، ص 334، باب وضع الجبهة على الأرض، ح 6: تهذيب الأحكام، ج 2، ص 86، ح 318.

ولو تعذّر جميع ذلك أومأ ؛ لرواية إبراهيم الكرخي عن الصادق علیه السلام حين سأله عن شيخ لا يمكنه الركوع والسجود، فقال: «ليؤم برأسه إيماءً ، وإن كان له مَنْ يرفع الخمرة إليه فليسجد، فإن لم يمكنه ذلك فليؤم برأسه نحو القبلة إيماءً»(1).

(ويستحبّ التكبير له) أي للسجود (قائماً) رافعاً يديه، والهويّ بعد إكماله. ولو كبّر وهو ها و جاز، وترك الأفضل، كما مرّ في الركوع.

(والسبق بيديه إلى الأرض) قبل الركبتين وغيرهما، وليضعهما معاً على الأرض وروي السبق باليمنى منهما(2).

(والإرغام) بالأنف، وهو إلصاقه بالرغام وهو التراب والمراد هنا السجود عليه، و وضعه على ما يصح السجود عليه؛ لقول عليّ علیه السلام: «لا تجزئ صلاة لا يصيب الأنف فيها ما يصيب الجبين»(3) والمراد نفي الأجر الكامل؛ إذ لا يجب قطعاً، وتتأدّى السنّة بإصابة جزء منه المسجد.

واعتبر المرتضى إصابة الطرف الذي يلي الحاجبين(4). وهو أولى.

(والدعاء) فيه للدين والدنيا؛ لقول النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم: «وأمّا السجود فاجتهدوا في الدعاء، فقَمِنٌ أن يستجاب لكم»(5) .

وليقل أمام التسبيح ما أمر به الصادق علیه السلام ، وهو : «اللهمّ لك سجدت وبك آمنت(6) وعليك توكّلت وأنت ربّي سجد وجهي للّذي خلقه وشقّ سمعه وبصره، والحمد لله ربّ العالمين، تبارك الله أحسن الخالقين»(7) .

ص: 333


1- الفقيه، ج 1، ص 365 - 366 ، ح 1053؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 307، ح 951 .
2- كما في ذكرى الشيعة، ج 3، ص 317 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
3- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 298. ح 1202؛ الاستبصار، ج 1، ص 327، ح 1223.
4- جُمل العلم والعمل، ص 66 .
5- تقدّمت الإشارة إلى مصدره في ص 323، الهامش 5.
6- في المصدر زيادة: «و لك أسلمت».
7- الكافي، ج 3، ص 321، باب السجود والتسبيح والدعاء فيه .... ح 1: تهذيب الأحكام، ج 2، ص 79، ح 295.

(والتسبيح ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً) فما زاد، وقد تقدّم بيانه.

(والتورّك) بين السجدتين بأن يجلس على وركه الأيسر ويخرج رِجليه جميعاً من تحته، ويجعل رِجله اليسرى على الأرض، وظاهر قدمه اليمنى على باطن قدمه اليسرى، ويفضي بمقعدته إلى الأرض.

(والدعاء عنده) - أي عند التورّك بين السجدتين - بما روي عن النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم: «اللهمّ اغفر لي وارحمني وعافني وارزقني»(1) .

وعن الصادق علیه السلام: «اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني وعافني إني لما أنزلت إليَّ من خير فقير، تبارك الله رب العالمين»(2) .

وفي خبر حمّاد: أنّ الصادق علیه السلام قال بين السجدتين بين التكبيرتين: «أستغفر الله ربّي وأتوب إليه»(3).

(وجلسة الاستراحة) بعد الرفع من السجدة الثانية، وهيئتها كالجلوس بين السجدتين.

وأوجبها المرتضى(4) ؛ لقول الصادق علیه السلام في خبر أبي بصير: «فاستو جالساً ثمّ قُمْ»(5) والأمر للوجوب.

ويعارض بما رواه زرارة أنّه رأى الباقر والصادق علیهما السلام إذا رفعا رؤوسهما من الثانية نهضا ولم يجلسا(6) ، فيحمل الأمر على الاستحباب

ص: 334


1- سنن أبي داود، ج 1، ص 224، ح 850: الجامع الصحيح، ج 2، ص 76، ح 284؛ السنن الكبرى، البيهقي، ج 2، ص 175 - 176، ح 2750.
2- الكافي، ج 3، ص 321، باب السجود والتسبيح والدعاء فيه .... ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 79، ح 295.
3- الكافي، ج 3، ص 311 - 312، باب افتتاح الصلاة والحد في التكبير .... ح 8؛ الفقيه، ج 1، ص 196 - 197، ح 916: تهذيب الأحكام، ج 2، ص 81 - 82، ح 301 .
4- الانتصار، ص 150، المسألة 47.
5- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 82، ح 303؛ الاستبصار، ج 1، ص 328، ح 1229.
6- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 83، ح 305؛ الاستبصار، ج 1، ص 328 - 329، ح 1231.

(و) أن يقول عند الأخذ في القيام (بحول الله) وقوّته أقوم وأقعد وأركع وأسجد؛ الرواية عبدالله بن سنان عن الصادق علیه السلام :« إذا قمت من السجود قلت بحولك »(1) إلى آخره .

وفي المعتبر : يقول ذلك في جلسة الاستراحة(2). والأكثر على الأوّل(3)، والكل جائز .

(والاعتماد على يديه عند قيامه سابقاً برفع ركبتيه) رواه محمّد بن مسلم(4) ؛ في فعل الصادق علیه السلام ، ورواه العامّة في وصف صلاة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم(5) .

وليبسط يديه عند القيام، ولا يضمّهما كالعاجز، رواه الحلبي عن الصادق علیه السلام(6).

(ويكره الإقعاء) في حالة الجلوس، سواء كان بين السجدتين أم في جلسة الاستراحة أم في غيرهما؛ لقول النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم : «إذا رفعت رأسك من السجود فلا تقع كما يقعي الكلب»(7) .

وروى زرارة عن الباقر علیه السلام: « إيّاك والقعود على قدميك فتتأذّى بذلك، ولا تكون قاعداً على الأرض فتكون إنّما قعد بعضك على بعض »(8).

والإقعاء عندنا أن يعتمد بصدور قدميه على الأرض، ويجلس على عقبيه. وله تفسيرات أُخرى، وهذا هو المشهور منها.

ص: 335


1- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 86 ، ح 320 .
2- المعتبر، ج 2، ص 216 .
3- منهم الشيخ الصدوق في الفقيه، ج 1، ص 315 ذيل الحديث 932؛ والشيخ المفيد في المقنعة، ص 106؛ وسلّار في المراسم، ص71؛ وأبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه، ص 142؛ وابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 228؛ والشهيد في ذكرى الشيعة، ج 3، ص 324 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
4- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 78 ، ح 291 .
5- صحيح البخاري، ج 1، ص 283 ، ح 790؛ سنن النسائي، ج 2، ص 234؛ السنن الكبرى البيهقي، ج 2، ص 178 . ح 2759 .
6- الكافي، ج 3، ص 336، باب القيام والقعود في الصلاة، ح 6: تهذيب الأحكام، ج 2، ص 303، ح 1223.
7- سنن ابن ماجة، ج 1، ص 289، ح 896 .
8- الكافي، ج 3، ص 334 - 335، باب القيام والقعود في الصلاة، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 83 - 84، ح 308.
السابع: التشهد

وهو «تفعّل» من الشهادة. وهي لغةً: الخبر القاطع. وشرعاً: الشهادة لله تعالى بالتوحيد ، ولمحمّد صلی الله علیه وآله وسلم بالرسالة. ويطلق على ما يشمل الصلاة على النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم تغليباً أو بالنقل.

( ويجب عقيب كلّ) ركعة (ثانية وفي آخر الثلاثيّة والرباعيّة أيضاً الشهادتان ) المعهودتان (والصلاة على النبيّ وآله صلی الله علیه وآله وسلم).

وظاهر العبارة كعبارة الأكثر - الاجتزاء بالشهادتين بأيّ لفظ اتّفق، فلا ينحصر في الفرد المشهور ، وهو «أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمّداً عبده ورسوله» بل لو ترك وحده لا شريك له ولفظة «عبده» لم يضر؛ لصدق الشهادتين بدونهما، وهو الذي قطع به في كثير من كتبه(1) ، وقد تردّد في النهاية في وجوب «وحده لا شريك له»(2) .

وفي الأخبار دلالةُ على كلّ منهما :

فروى سورة بن كليب قال: سألت أبا جعفر علیه السلام عن أدنى ما يجزئ من التشهّد؟ قال: «الشهادتان»(3) وهو يدلّ على الأوّل.

وروى محمّد بن مسلم قال: قلت لأبي عبدالله علیه السلام : التشهّد في الصلاة، قال: «مرّتين» قلت : وكيف مرّتين ؟ قال : «إذا استويت جالساً فقُل: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ثمّ تنصرف» قال: قلت: فقول

ص: 336


1- منها تحرير الأحكام الشرعيّة، ج 1، ص 258 - 259، الرقم 903؛ وتذكرة الفقهاء، ج 3، ص 235، المسألة 295 ومنتهى المطلب، ج 5، ص 179 و 185 .
2- نهاية الإحكام، ج 1، ص 500.
3- الكافي، ج 3، ص 337، باب التشهد في الركعتين الأولتين .... 3: تهذيب الأحكام، ج 2، ص 101، ح 375 الاستبصار، ج 1، ص 341، ح 1285 .

العبد: التحيّات لله والصلوات الطيّبات لله؟ قال: «هذا اللطف من الدعاء يلطف العبد به ربّه»(1).

وظاهر هذه الرواية وجوب الضميمة المذكورة لاقتضاء الأمر الوجوب، وهو وجه تردّده في النهاية .

وربما جُمع(2) بينهما بوجوب كلّ من العبارتين تخييراً وإن كانت إحداهما أفضل من الأخرى.

وفيه: قصور خبر سورة بن كليب عن مقاومة الأخبار الأخرى؛ لضعفه برجال متعدّدة. وبأنّه مطلق لا دالّ على عبارة مخصوصة حتّى يجمع بينهما كذلك، والخبر الآخر مقيّد بألفاظ معيّنة بياناً للشهادتين، والمطلق يجب حمله على المقيّد. وبأنّ العمل بالأوّل يستلزم جواز حذف لفظة «أشهد » الثانية مع الإتيان بواو العطف، أو حذف الواو مع الإتيان بها بل حذفهما معاً، وإضافة الرسول والآل إلى المضمر مع حذف «عبده» لصدق الشهادتين مع جميع هذه التعبيرات، وأصحاب الجمع لا يقولون به.

نعم، جوّزه المصنّف في بعض كتبه(3)، وهو ظاهر إطلاقه هنا، وهو متوّجه على تقدير العمل بالخبر الأوّل.

وأجاب بعض المانعين من هذه التعبيرات بأنّ مخالفة المنقول غير جائزة، وبقاء المعنى غير كافٍ؛ لأنّ التعبّد بالألفاظ المخصوصة ثابت وبأنّ هذه الرواية لا تنهض معارضةً لغيرها من الأخبار المشهورة في المذهب(4) .

وفيه: أنّ الأخبار المشهورة تضمّنت إضافة «وحده لا شريك له» ولفظة «عبده» والمجيب لا يحتّم ،وجوبها، ولم يستفيدوا جواز حذفها إلا من هذا الحديث المطلق

ص: 337


1- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 101 - 102، ح 379؛ الاستبصار، ج 1، ص 342، ح 1289.
2- الجامع هو المحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 319.
3- قواعد الأحكام، ج 1، ص 279 .
4- المجيب هو المحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 320 .

فكيف يردّ و يجوّز ترك تلك الإضافات؟

والذي يظهر بعد تتبّع الأخبار الواردة في هذا الباب أنّ اللازم منها إمّا تحتّم العمل بالتشهّد المذكور المشتمل على الإضافات أو القول بجواز جميع تلك التعبيرات كما اختاره المصنّف وصرّح به المحقّق في المعتبر(1) حيث حكم بوجوب ما تضمّنته الأخبار، وهو الشهادتان إلّا أنّ في الثاني ما تقدّم من الإشكال والله أعلم بالحال.

والمراد بآل محمّد عليّ وفاطمة والحسنان علیهم السلام ؛ للنقل(2)، ويطلق على باقي الأئمّة الاثني عشر تغليباً.

(و) يجب (الجلوس مطمئنّاً بقدره) فلو شرع في التشهّد قبل حصولها أو نهض قبل كماله متعمّداً بطلت الصلاة؛ للنهي المقتضي للفساد وإن أعاده في محلّه. ولو كان ناسياً تداركه في محلّه إن أمكن، وإلّا مضى في صلاته.

وهل يجب قضاؤه ؟ الظاهر لا؛ لوقوعه في الجملة، والمخلّ به إنّما هو بعض واجباته وهو لا يقضى.

ووجه القضاء: أنّ عدم وقوعه على وجهه يصيّره في حكم المعدوم وضعفه ظاهر.

(والجاهل) بالتشهّد ( يتعلّم) مع السعة، ومع الضيق يأتي منه بقدر ما يعلمه؛ لأنّ الميسور لا يسقط بالمعسور.

فإن لم يعلم شيئاً، قيل: سقط (3).

والأولى الجلوس بقدره حامداً لله تعالى، كما ورد الأمر به في خبر الخثعمي عن الباقر علیه السلام(4) من الاجتزاء بالتحميد مطلقاً، فإنّ أقلّ محتملاته حمله على الضرورة، وهو

ص: 338


1- المعتبر، ج 2، ص 222 - 223 .
2- كما في جامع المقاصد، ج 2، ص 320؛ وانظر تفسير القمي، ج 2، ص 168؛ والدرّر المنثور، ج 6، ص 603 - 605، ذيل الآية 33 من الأحزاب (33).
3- القائل هو المحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 321 .
4- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 101، ح 376؛ الاستبصار، ج 1، ص 341، ح 1286.

اختيار الشهيد (رحمه الله)(1) . فإن لم يحسن التحميد وجب الجلوس بقدره؛ لأنّه أحد الواجبين وإن كان مقيّداً مع الاختيار بالذكر.

( ويستحبّ التورّك) فيه. وصفته كما مرّ.

(والزيادة في الدعاء) عمّا ذُكر في الشهادتين بما رواه أبو بصير عن أبي عبدالله علیه السلام قال: «إذا جلست في الركعة الثانية فقُلْ: بسم الله وبالله والحمد لله وخير الأسماء لله أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمّداً عبده ورسوله أرسله بالحقّ بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، أشهد أنّك نعم الربّ، وأنّ محمّداً نعم الرسول اللهم صل على محمّد وآل محمد، وتقبل شفاعته في أُمّته وارفع درجته، ثمّ تحمد الله مرّتين أو ثلاثاً، ثمّ تقوم فإذا جلست في الرابعة قلت: بسم الله وبالله والحمد لله وخير الأسماء لله أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بالحقّ بشيراً ونذيراً بين يدى الساعة، أشهد أنّك نعم الربّ، وأنّ محمّداً نعم الرسول، التحيّات لله والصلوات الطاهرات الطيّبات الزاكيات الغاديات الرائحات السابغات الناعمات لله ما طاب وزكى وطهر وخلص وصفى فلله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، أشهد أنّ ربّي نعم الربّ، وأن محمداً نعم الرسول، وأشهد أن الساعة آتية لا ريب فيها، وأنّ الله يبعث مَنْ في القبور، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله الحمد لله ربّ العالمين، اللهمّ صلّ على محمد وآل محمد، وبارك على محمّد وآل محمّد، وسلّم على محمد وآل محمّد، وترحم على محمّد وآل محمّد كما صلّيت وباركت وترحّمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميد مجيد، اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد واغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلّاً للذين آمنوا ربّنا إنّك رؤوف رحيم، اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد وامنن عليَّ بالجنّة، وعافني من النار، اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد ،

ص: 339


1- الدروس الشرعيّة ، ج 1، ص 104 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9).

واغفر للمؤمنين والمؤمنات ولمن دخل بيتي مؤمناً وللمؤمنين والمؤمنات، ولا تزد الظالمين الّاتباراً، ثمّ قُلْ: السلام عليك أيّها النبيّ ورحمة الله وبركاته، السلام على أنبياء الله ورسله السلام على جبرئيل وميكائيل والملائكة المقرّبين السلام على محمّد بن عبدالله خاتم النبيّين لا نبيّ بعده، السلام علينا وعلى عبادالله الصالحين، ثمّ تسلّم»(1).

(ومندوبات الصلاة ستة):

الأول: (التسليم، على رأي)

ووجهه: أصالة عدم الوجوب. وقوله صلی الله علیه وآله وسلم: «إنّما صلاتنا هذه تكبير وقراءة وركوع و سجود»(2) و «إنّما» للحصر.

وقول الباقر علیه السلام في صحيحة زرارة وقد سأله عن الرجل يحدث قبل التسليم، قال: «تمّت صلاته»(3) ولو كان التسليم واجباً لبطلت الصلاة بالمنافي قبل تمامها.

وقول الصادق علیه السلام في حسنة الحلبي: «إذا التفتّ في صلاة مكتوبة من غير فراغ فأعد [الصلاة] إذا كان الالتفات فاحشاً، وإن كنت قد تشهّدت فلا تعد»(4) ولو كان التسليم واجباً لاعتبر فعله أيضاً في عدم الإعادة.

ولقوله علیه السلام حين سأله زرارة عن رجل صلّى خمساً: «إن كان جلس في الرابعة

ص: 340


1- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 99 - 100، ح 373.
2- أورده الشهيد في غاية المراد، ج 1، ص 110 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 1)؛ وفي صحيح مسلم، ج 1، ص 381 - 382، ح 537/33؛ وسنن النسائي ، ج 3، ص 14 - 17؛ والسنن الكبرى البيهقي، ج 2، ص 353 - 355، ح 3349 و 3351؛ ومسند أحمد، ج 6 ، ص 625، ح 2350؛ والمعجم الكبير، الطبراني، ج 19، ص 401. ح 945 بدون ذكر الركوع السجود.
3- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 320، ح 1306؛ الاستبصار، ج 1، ص 345، ح 1301.
4- الكافي، ج 3، ص 365 - 366، باب ما يقطع الصلاة من الضحك .... ح 10 تهذيب الأحكام، ج 2، ص 323 ،ح 1322؛ الاستبصار، ج 1، ص 405 - 0406 ح 1547، وما بين المعقوفين من المصادر.

قدر التشهّد فقد تمّت صلاته»(1).

ولأنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لم يعلّمه المسيء صلاته (2)، ولو كان واجباً لوجب البيان والتعليم في ذلك المقام.

وما اختاره المصنّف هنا مذهب الشيخين وابن إدريس(3) وجماعة(4) .

وذهب المرتضى(5) ، وأكثر المتأخّرين(6) إلى الوجوب؛ لقول النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم في الحديث المشهور: «مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم»(7).

والاستدلال به من وجهين :

أحدهما أنّ التسليم وقع خبراً عن التحليل؛ لأنّ هذا من المواضع التي يجب فيها تقديم المبتدأ على الخبر لكونهما معرفتين، وحينئذٍ فيجب كونه مساوياً للمبتدأ أو أعمّ منه؛ لوجوب انحصار المبتدأ في خبره، فلو وقع التحليل بغيره كان المبتدأ أعمّ. ولأنّ الخبر إذا كان مفرداً كان هو المبتدأ بمعنى تساويهما في الصدق لا المفهوم.

والثاني: أنّ «تحليلها» مصدر مضاف إلى الصلاة، فيعمّ كلّ محلّل يضاف إليها، ويلزم من ذلك كلّه كون غير السلام غير محلّل.

ولمواظبة النبيّ والأئمّة علیهم السلام على فعله امتثالاً للأمر الواجب من غير بيان ندبيّته.

ص: 341


1- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 194، ح 766: الاستبصار، ج 1، ص 377 ، ح 1431 .
2- انظر صحيح البخاري ، ج 1، ص 274 ، ح 760؛ وصحیح مسلم، ج 1، ص 298 ، ح 397/45؛ وسنن ابن ماجة ج 1، ص 336 - 337 ، ح 1060؛ وسنن أبي داود، ج 1، ص 226، ح 856؛ والجامع الصحيح، ج 2، ص 103 - 104 ، ح 303؛ وسنن النسائي، ج 3، ص 59 و 60؛ وسنن الدار قطني، ج 1، ص 243- 244، ح 4/314؛ والسنن الكبرى البيهقي، ج 2، ص 24، ح 2258؛ ومسند أحمد، ج 3، ص 179، ح 9352.
3- المقنعة ص:139 النهاية 89 السرائر، ج 1 ص 241.
4- منهم القاضي ابن البرّاج في المهذّب، ج 1، ص 98 - 99.
5- المسائل الناصريات، ص 208 - 209 ، المسألة 82 .
6- منهم: ابن حمزة في الوسيلة، ص 95-96؛ والمحقّق في المعتبر، ج 2، ص 233؛ والشهيد في الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 104 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9).
7- سنن ابن ماجة، ج 1، ص 101، ح 275؛ سنن أبي داود، ج 1، ص 16، ح 61: الجامع الصحيح، ج 1، ص 8 - 9، ح 3؛ مسند أحمد، ج 1، ص 198-199، ح 1009.

ولقوله تعالى: (وَسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا )(1) والأمر للوجوب، ولا شيء من التسليم بواجب في غير الصلاة، فيجب فيها.

ولقول الصادق علیه السلام في موثّقة أبي بصير لمّا سُئل عن رجل صلّى الصبح فلمّا جلس في الركعتين قبل أن يتشهّد رعف، قال: «فليخرج فليغسل أنفه ثم ليرجع فليتم صلاته، فإنّ آخر الصلاة التسليم»(2) .

ولأنّه لولا وجوبه، لما بطلت صلاة المسافر بالإتمام هذا نهاية استدلال الفريقين.

وفي أكثر هذه الأدلّة نظر.

أما الحديث الأوّل: فلأنّه غير جامع لواجبات الصلاة جميعها، فإنّ التشهّد واجب إجماعاً، وكذلك الحركات والسكنات كالقيام من الركوع، والطمأنينة فيه، والجلوس بين السجدتين ونحوها، وليست داخلةً فى الخبر، فعُلم أنّ الحصر غير مراد منه، بل كأنّه عبّر عن الصلاة بمعظم أفعالها أو بأشرفها، كقوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) (3)، وكقوله علیه السلام : «الحجّ عرفة »(4) ، وحينئذٍ فلا دلالة فيه على عدم وجوب غير المذكور خصوصاً مع قيام الدليل على وجوبه.

وأمّا صحيحة زرارة الدالّة على تماميّة الصلاة قبله وعدم تأثير الحدث فقد وقع في الأخبار ما هو أبلغ منها واحتاج إلى الحمل إجماعاً.

وهو ما رواه الشيخ في التهذيب عن زرارة أيضاً، قال: قلت لأبي عبدالله علیه السلام : الرجل يحدث بعد ما يرفع رأسه من السجود الأخير، فقال: «تمّت صلاته، وإنّما التشهّد سنّة في الصلاة، فيتوضّأ ويجلس مكانه أو مكاناً نظيفاً فيتشهّد»(5)، وروى في معناه

ص: 342


1- الأحزاب (33): 56.
2- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 320، ح 1307؛ الاستبصار، ج 1، ص 345 - 346، ح 1302.
3- الأنفال(8): 2 .
4- سنن ابن ماجة، ج 2، ص 1003، ح 3015: الجامع الصحيح، ج 3، ص 237 ، ح 889؛ سنن النسائي، ج 5، ص 256 و 264؛ سنن الدار قطني، ج 2، ص 478. ح 19/2483 السنن الكبرى البيهقي ، ج 5، ص 282 ، ح 9812 .
5- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 318، ح 1300.

أخباراً أخرى، وحَمَله على مَنْ أحدث بعد الشهادتين وإن لم يستوف باقي تشهّده، فلأجل ذلك قال: «تمّت صلاته»(1).

وهذا التأويل يمكن في خبر التسليم.

ويمكن أن يقال: إنّما عدل عن ظاهر الحديث الثاني للإجماع على خلافه، فوجب المصير إلى التأويل بخلاف الأوّل؛ إذ لا وجه للعدول عن ظاهره، وأيضاً فالأوّل صحیح بخلاف الثاني؛ فإنّ في طريقه ابن بكير، فلا يرد نقضاً.

وأمّا حديث «تحليلها التسليم» فقد أجيب عنه بأنّ الأصحاب لم يرووه مسنداً وإن كان من المشاهير، فإنّ المراسيل لا تنهض دليلاً. وبمعارضته بما هو أقوى سنداً ودلالةً. وبأنّه متروك الظاهر ، فإنّ التحليل ليس هو نفس التسليم فلابدّ من إضمار، ولا دليل على تعيين ما يقتضي الوجوب (2).

ودعوى وجوب انحصار المبتدأ في الخبر غير تامّة؛ فإنّه كما يجوز الإخبار بالمساوي والأعمّ مطلقاً، يجوز الإخبار بالأعمّ من وجه، كما في قولك: «زيد قائم» وبالأخصّ مطلقاً كقولك: «حيوان يتحرّك كاتب» فإنّ المراد من الإخبار الإسناد في الجملة، فلا يجب تساوي المفردين في الصدق ولا في المفهوم.

وأمّا مداومة النبيّ والأئمّة علیهم السلام على فعله فهو على تقدير تسليمه أعمّ من كونه على وجه الوجوب أو الندب كمداومتهم علیهم السلام على رفع اليدين في تكبيرة الإحرام ونحوه. ثمّ مَن الذي تتبّع فعلهم علیهم السلام فعلم أنّهم لم يتركوا التسليم أصلاً؟

وأمّا الآية فدلالتها على المدّعى أبعد من الجميع؛ لأنّ المراد به السلام على النبيّ صلى الله عليه وآله و سلم للسياق، وأنتم لا تقولون به.

وروى أبو بصير عن الصادق علیه السلام أنّ المراد به التسليم للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في الأُمور(3) .

ص: 343


1- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 318، ذيل الحديث 1300.
2- المجيب هو المحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 324 .
3- المحاسن، ج 1، ص 422 . ح 967 : مجمع البیان، ج 8، ص 369 - 370، ذيل الآية 56 من سورة الأحزاب .

وقيل(1) : سلّموا لأمر الله تسليماً، كما في قوله تعالى: (وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا )(2).

قيل : ولو سُلّم كون المراد منه التسليم المعهود لم يدلّ على وجوبه مطلقاً؛ لأنّ الأمر لا يقتضي التكرار كما مرّ.

وفيه نظر؛ لأنّه متى ثبت وجوبه مرّة ثبت مطلقاً إذ لا قائل بالفرق، بل الإجماع منعقد على أحد الأمرين: وجوبه مطلقاً، أو ندبه مطلقاً.

وحديث «إنّ آخر الصلاة التسليم» لا يدلّ على وجوبه أيضاً؛ فإنّ أفعال الصلاة منها واجبة ومنها مندوبة فلا يدلّ كونه منها على وجوبه بل هو أعمّ ولا دلالة للعامّ على الخاصّ، مع أنّه يحتمل كون التسليم غايةً للصلاة، والغاية قد تدخل في المغيّى وقد لا تدخل.

وأمّا بطلان صلاة المسافر على تقدير إتمامها فوجهه زيادة الركعتين بقصد الإتمام فإنّ الصلاة إنّما تتمّ عند القائل بندب التسليم بنيّة الخروج أو بالتسليم وإن كان مستحبّاً، أو بفعل المنافي ولم يحصل.

وهذا الجواب لا يوجد صريحاً في كلام القائلين بالندب. نعم، يمكن استنباطه منه وقد أومأ إليه الشهيد (رحمه الله )(3) من غير تصريح، وكذلك المحقّق الشيخ عليّ (رحمه الله)(4) .

وقد ظهر من ذلك كون المسألة موضع تردّد ومحلّ إشكال، وأدلّة الندب لا تخلو من رجحان وإن كان القول بالوجوب أحوط ، ولا محذور فيه بالنسبة إلى الصلاة؛ لأنّه إن كان مطابقاً فلا كلام، وإلا كان آخر الصلاة الصلاةَ على النبيّ وآله فيكون التسليم خارجاً منها، فلا يقدح فيها فعله بنيّة الوجوب، وهذا هو الذي ينبغي للمكلّف فعله،

ص: 344


1- القائل هو الشيخ في التبيان، ج 8، ص 360، ذيل الآية 56 من سورة الأحزاب (33).
2- النساء (4): 65 .
3- لم نعثر عليه في مظانّه من كتبه المتوفّرة لدينا.
4- جامع المقاصد، ج 2، ص 325 .

لكون المسألة من المشكلات.

فإن قيل: نيّة الوجوب على تقدير القول بالندبيّة تستلزم إيقاع المندوب في أثناء الصلاة بنيّة الواجب، وقد تقدم كونه مبطلاً للصلاة، وإنّما قلنا: إنّه يكون على ذلك التقدير في أثناء الصلاة؛ لما تقدّم من أنّ المخرج من الصلاة على تقدير ندب التسليم أحد الأُمور الثلاثة، فعند الشروع فيه لا يتحقّق الخروج من الصلاة، وذلك يستلزم المحذور المتقدّم.

قلنا: توقّف تحقّق الخروج على التسليم لا يقتضي كونه جزءاً وكون الصلاة باقيةً إلى آخره؛ لجواز كونه كاشفاً عن انتهاء الصلاة بالصلاة على محمّد وآله كما تقدّم، فلا تتحقّق زيادة الواجب في أثنائها أو نقول التسليم حينئذ يكون منافياً للصلاة، فيكون أحد الأُمور الثلاثة المخرجة، وكيف يتصوّر ر أنّه يقصر يقصر عن الحدث ونحوه من المنافيات!؟ والله أعلم.

(وصورته) أي صورة التسليم على تقدير ندبه أو وجوبه :(السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أو السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) مخيّراً.

أمّا الأُولى: فلدلالة الأخبار عليها كرواية أبي بصير عن الصادق علیه السلام : «إذا كنت إماماً فإنّما التسليم أن تسلّم على النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم وتقول : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فإذا قلت ذلك فقد انقطعت الصلاة»(1) .

وأمّا الثانية: فللإجماع عليها وكونها مخرجةً من الصلاة.

والقول بالتخيير بين الصيغتين ذهب إليه المحقّق ابن سعيد (2)، وتبعه عليه المصنّف.

واحتجّ عليه في المعتبر بصدق التسليم عليها. وأورد على نفسه باستلزامه الخروج من الصلاة بالتسليم على النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم. وأجاب بأنّ ذلك من جملة أذكار الصلاة جارٍ مجرى الدعاء والثناء على الله سبحانه، كما أرشد إليه قول [الصادق علیه السلام](3) في رواية أبي كهمس

ص: 345


1- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 93 ، ح 349؛ الاستبصار، ج 1، ص 347، ح 1307.
2- شرائع الإسلام، ج 1، ص 79: المعتبر، ج 2، ص 234.
3- بدل ما بين المعقوفين في «الأصل و م» والطبعة الحجريّة: «النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم». وما أثبتناه من المصدر.

حين سأله عن «السلام عليك أيّها النبيّ ورحمة الله وبركاته» انصراف هو ؟ قال: «لا، ولكن إذا قلت السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فهو انصراف»(1)(2).

ووافقهما الشهيد (رحمه الله) على ذلك في بعض كتبه(3)، وأنكره في الذكرى والبيان(4)، وجَعَله قولاً حادثاً.

وذهب جماعة إلى تحتّم «السلام عليكم» خاصّةً للإجماع عليه(5) . وذهب يحيى بن سعيد إلى تحتّم «السلام علينا»(6) وهو نادر.

والذي استفيد من بعض الأخبار واختاره جماعة(7) : تقديم «السلام علينا» وتأخير «السلام عليكم» دون العكس.

وقول المصنّف: (ويخرج به من الصلاة) مع حكمه بندبيّته يقتضي توقّف الخروج منها عليه، وهو يؤيّد ما تقدّم إلا أنّه لا يتحتّم للخروج، بل لو نوى الخروج قبله كفى عند القائلين بالندب ولا منافاة؛ لأنّه حينئذ أحد أفراد الواجب المخيّر.

(ويستحبّ أن يسلّم المنفرد إلى القبلة يشير بمؤخّر عينيه إلى يمينه).

أمّا الأوّل: فلما روي صحيحاً عن عبد الحميد بن عواض عن أبي عبدالله علیه السلام : «وإن كنت وحدك فواحدة مستقبل القبلة»(8).

وأمّا الثاني وهو الإشارة بمؤخّر عينه إلى يمينه : فذكره الشيخ (9) وتبعه الجماعة.

واحتجّوا له برواية البزنطي عن أبي بصير، قال: قال أبو عبدالله علیه السلام : «إذا كنت

ص: 346


1- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 316، ح 1292.
2- المعتبر، ج 2، ص 234 - 235 .
3- الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 104 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9).
4- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 346؛ البيان، ص 170 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7 و 12).
5- منهم: السيّد المرتضى في جمل العلم والعمل، ص 68 ؛ وأبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه، ص 119.
6- الجامع للشرائع، ص 84 .
7- منهم الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 3، ص 352 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
8- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 92 - 93، ح 345؛ الاستبصار، ج 1، ص 346، ح 1303.
9- النهاية، ص 72-73 .

وحدك فسلّم تسليمة واحدة عن يمينك»(1).

وفي الدلالة بُعْدٌ، لكن دلائل السنن يتساهل فيها، فيمكن الرجوع إلى قولهم في ذلك.

(والإمام) يسلّم أيضاً واحدة إلى القبلة، ويشير (بصفحة وجهه).

أمّا الأوّل: فلرواية أبي بصير في سياق الإمام: «ثمّ تؤذن القوم فتقول وأنت مستقبل القبلة: السلام عليكم»(2) .

وأمّا الثاني: فلرواية عبد الحميد السالفة: «إن كنت تؤمّ قوماً أجزاك تسليمة واحدة عن يمينك»(3) .

وربما استشكل الجمع بين الروايتين لتنافي مقتضاهما.

ويمكن الجمع بجَعل أوّل التسليم إلى القبلة، وآخره إلى اليمين، أو بأنّ الإيماء إلى اليمين لا ينافي الاستقبال، فيكون الغرض من ذكر الاستقبال الردّ على من يجعل الإيماء بتمام الوجه، كما يفعله العامّة.

نعم، وقع في عبارة الذكرى من الإشكال ما لا يندفع بذلك حيث قال:

لا إيماء إلى القبلة بشيء من صيغتي التسليم المخرج من الصلاة بالرأس ولا بغيره إجماعاً، وإنّما المنفرد والإمام يسلمان تجاه القبلة بغير إيماء، وأمّا المأموم فالظاهر أنّه يبتدئ به مستقبل القبلة ثمّ يُكمله إلى الجانب الأيمن أو الأيسر(4) .

فعلى هذا يكون الإيماء لهما بعد الفراغ من التسليم وهو مخالف لقولهم من كون الإيماء بالتسليم.

(والمأموم) يسلّم (عن الجانبين إن كان على يساره أحد، وإلا فعن يمينه) لا غير؛

ص: 347


1- المعتبر، ج 2، ص 237 .
2- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 93 - 349: الاستبصار، ج 1، ص 347، ح 1037.
3- تقدّم في ص 346، الهامش 8.
4- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 356 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).

لرواية عبد الحميد: «وإن كنت مع إمام فتسليمتين، وإن لم يكن على يسارك أحد فسلّم واحدة»(1). وجَعَل ابنا بابويه الحائط عن يساره كافياً في استحباب التسليمتين للمأموم(2).

والكلام في ذلك كالكلام في الإيماء بالصفحة ومؤخر العين؛ إذ لا دليل ظاهراً عليه، إلّا أنّ ذلك كلّه لا يصدر عن الرأي، فلا بأس بالعمل به.

ويستحبّ للإمام القصد بالتسليم إلى الأنبياء والأئمّة والحفظة والمأمومين؛ لذكر أولئك - إذ يستحبّ السلام عليهم - وحضور هؤلاء. وأن يقصد المأموم بالأُولى الردّ على الإمام. وقيل: يجب ذلك(3) لعموم الآية(4). وبالثانية ما قصده الإمام. واحتمال وجوب ردّ المأموم آتٍ في ردّ المأموم على مأموم آخر.

والمنفرد يقصد الأنبياء والأئمّة والحفظة.

قال الشهيد :

ولو أضاف الجميع إلى ذلك، قصد الملائكة أجمعين ومَن على الجانبين من مسلمي الجنّ والإنس كان حسناً(5).

(الثاني: التوجّه بسبع تكبيرات بينها ثلاثة أدعية)

بأن يكبّر ثلاثاً ويدعو «اللهمّ أنت الملك الحقّ المبين» إلى آخره، ثمّ يكبّر اثنتين ويدعو «لبّيك وسعديك» إلى آخره، ثمّ واحدة ويدعو «يا محسن قد أتاك المسيء» إلى

ص: 348


1- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 92 - 093 ح 345: الاستبصار، ج 1، ص 346، ح 1303؛ وليس فيهما جملة «وإن لم يكن على يسارك ... واحدة» وأوردها الشارح (قدّس سرّه) تتمّة للرواية كما هي كذلك في ذكرى الشيعة، ج 3، ص 354 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7)؛ وجامع المقاصد، ج 2، ص 329، فلاحظ.
2- الفقيه، ج 1، ص 319 - 320، ذيل الحديث 944 المقنع، ص 96 : وحكاه عنهما الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 3، ص 354(ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7)؛ والمحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 329.
3- احتمله في ذكرى الشيعة، ج 3، ص 355 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
4- النساء (4): 86 .
5- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 355 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).

آخره، فهذه ثلاثة أدعية واقعة بينها، ثمّ يكبّر الأخيرة ويدعو بدعاء التوجّه «وجّهت وجهي للذي فطر السموات» إلى آخره.

(وإحدى التكبيرات السبع تكبيرة الإحرام) فتكون التكبيرات المستحبّة ستّاً لا غير، فإطلاق الاستحباب على السبع باعتبار المجموع من حيث هو مجموع، أو إطلاقاً لاسم الأكثر .

وفي إطلاق كون تكبيرة الإحرام إحدى السبع إشارة إلى أنّه لا يتعيّن كونها الأخيرة، بل يجوز جَعلها ما شاء منها وإن كان جَعْلها أخيراً أفضل، وقد تقدّم الكلام في ذلك.

ولا فرق في استحبابها للمصلّى بين القارئ وغيره، فيكبّر المأموم وإن أدرك الإمام في حال القراءة.

ويستحبّ رفع اليدين بها، كما مرّ في تكبيرة الافتتاح، والإسرار بالستّ مطلقاً.

(الثالث: القنوت)

وهولغةً: الخضوع لله والطاعة والدعاء. والمراد هنا: دعاء مخصوص في موضع معين من الصلاة.

والقول باستحبابه مذهب أكثر الأصحاب(1) ؛ لصحيحة البزنطي عن الرضا علیه السلام : «إن شئت فاقنت وإن شئت لا تقنت»(2) وغيرها.

وذهب الصدوق إلى وجوبه(3) ، لظاهر الأمر في قوله تعالى: (وَقُومُواْ لِلَّهِ قَنِتِينَ )(4)

ص: 349


1- كما في جامع المقاصد، ج 2، ص 331؛ ومنهم المفيد في المقنعة، ص 139؛ والشيخ في المبسوط، ج 1، ص 167؛ والشهيد في ذكرى الشيعة، ج 3، ص 212 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
2- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 91، ح 340؛ الاستبصار، ج 1، ص 340، ح 1281.
3- الفقيه، ج 1، ص 315 - 316، ذيل الحديث 932 .
4- البقرة (2): 238 .

ولقول الصادق علیه السلام في خبر وهب :« مَنْ ترك القنوت فلا صلاة له»(1).

وأُجيب عن الآية بأنّ القنوت من الألفاظ المشتركة، فلا يتعيّن حمله على موضع النزاع.

وفيه نظر؛ لأنّ المعنى المتنازع شرعي وغيره لغوي، والحقيقة الشرعيّة مقدّمة، بل الجواب أنّه لمّا دلّت الأخبار الصحيحة على استحباب القنوت المعهود وجب حمل الآية على غيره من المعاني.

وعن الخبر: بحمل الصلاة المنفيّة على الكاملة؛ جمعاً بينه وبين ما دلّ علیه الاستحباب(2) .

واستحبابه ثابت في جميع الصلوات مفروضها ومسنونها؛ لصحيحة زرارة عن الباقر علیه السلام قال: «القنوت في كلّ صلاة»(3).

(ويستحبّ أن يدعو) فيه (بالمنقول) عن النبيّ والأئمّة علیهم السلام، وقد ذكر الشيخ(4) وجماعة(5) أفضليّة كلمات الفرج فيه.

وفي صحيحة سعد بن أبي خلف عن أبي عبدالله علیه السلام قال: «يجزئك في القنوت: اللهمّ اغفر لنا وارحمنا وعافنا واعف عنّا في الدنيا والآخرة إنّك على كلّ شيء قدير»(6).

ويجوز الدعاء فيه بما سنح للدين والدنيا؛ لما رواه إسماعيل بن الفضل قال: سألت

ص: 350


1- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 90 ، ح 335؛ الاستبصار، ج 1، ص 339، ح 1276.
2- المجيب هو المحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 331 .
3- الكافي، ج 3، ص 340، باب القنوت في الفريضة و.... ح 7؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 89، ح 330؛ الاستبصار، ج 1، ص 338، ح 1271 .
4- المبسوط، ج 1 ، ص 167 .
5- كما في جامع المقاصد، ج 2، ص 334؛ ومنهم الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 3، ص 219 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
6- الكافي، ج 3، ص 340 ، باب القنوت في الفريضة و...، ج 12 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 2، ص 87 ح 322.

أباعبدالله علیه السلام عن القنوت وما يقال فيه فقال: «ما قضى الله على لسانك، ولا أعلم فيه شيئاً موقّتاً»(1).

ويستحبّ إطالته، فقد ورد عنهم علیهم السلام :« أفضل الصلاة ما طال قنوتها»(2) ورفع اليدين به تلقاء وجهه الرواية عبدالله بن سنان عن الصادق علیه السلام :« وترفع يديك حيال وجهك وإن شئت تحت ثوبك»(3) ، وتتلقى بباطنهما السماء، وأن تكونا مبسوطتين والتكبير قبله على المشهور، والجهر به لغير المأموم مطلقاً؛ لقول الباقر علیه السلام في صحيحة زرارة: «القنوت كلّه جهار»(4)، وقول الصادق علیه السلام في رواية أبي بصير: «للإمام أن يُسمع مَنْ خلفه كلّ ما يقول، ولا ينبغى لمن خلفه أن يُسمعه شيئاً ممّا يقول»(5)، وهو كناية عن الإسرار للمأموم وإن كان أعمّ منه؛ إذ لا قائل بالواسطة، وهو استحباب الجهر له مع عدم سماع الإمام.

(و محلّه بعد قراءة) الركعة (الثانية قبل الركوع) إلّا في موضعين:

أحدهما: الجمعة، فإنّ فيها قنوتين أحدهما في الركعة الأولى قبل الركوع (و) الثاني (في الجمعة قنوت آخر بعد ركوع) الركعة (الثانية) على المشهور بين الأصحاب الرواية أبي بصير عن الصادق علیه السلام:« كلّ قنوت قبل الركوع إلّا الجمعة فإنّ الركعة الأولى فيها قبل الركوع وفي الأخيرة بعد الركوع»(6).

ونقل عن ابن أبي عقيل أنّه قبل الركوع فيهما(7) .

ص: 351


1- الكافي، ج 3، ص 340، باب القنوت في الفريضة و .... ح 8؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 314 - 315، ح 1281.
2- أورده الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 3، ص 221 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
3- الفقيه، ج 1، ص 489، ح 1409؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 131 ، ح 504 .
4- الفقيه، ج 1، ص 318 ، ح 944.
5- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 49، ح 170.
6- تهذيب الأحكام ، ج 2، ص 90، ج 334: الاستبصار، ج 1، ص 339، ح 1275.
7- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 238 المسألة 135؛ والشهيد في ذكرى الشيعة، ج 3، ص 214 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).

وعن ابن بابويه أنّه بعد الركوع فيهما(1) .

وجَعَلها ابن إدريس كغيرها في وحدة القنوت(2).

وجوّز المحقّق في المعتبر فعل القنوت مطلقاً بعد الركوع(3)؛ لرواية معمر بن يحيى عن الباقر علیه السلام قال: «القنوت قبل الركوع وإن شئت بعده»(4) .

والموضع الثاني : مفردة الوتر، فإنّ فيها قنوتين أيضاً: أحدهما قبل الركوع، والآخر بعده. وقد سمّى الثاني قنوتاً المصنّف(5) وغيره(6) ، وبعض الأصحاب(7) سمّى الثاني دعاء لا قنوتاً والأمر سهل.

(ولو نسيه) قبل الركوع (قضاه بعد الركوع) على ما اختاره الشيخ(8) والجماعة؛ لرواية زرارة ومحمّد بن مسلم عن الصادق علیه السلام في الرجل ينسى القنوت حتّى يركع،

ص: 352


1- الذي عثرنا عليه في الفقيه، ج 1، ص ،411، ذيل الحديث 1220 هكذا: وعلى الإمام فيها قنوتان: قنوت في الركعة الأولى قبل الركوع وفي الركعة الثانية بعد الركوع، ومَنْ صلاها وحده فعليه قنوت واحد في الركعة الأولى قبل الركوع ... والذي أستعمله وأفتي به ومضى عليه مشايخي (رحمة الله عليهم) هو أن القنوت في جميع الصلوات في الجمعة وغيرها في الركعة الثانية بعد القراءة وقبل الركوع. انتهى . وكذا نقله عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 239 المسألة :135؛ وقال المحقّق في المعتبر، ج 2، ى 244؛ وأنكر ابن بابويه القنوتين، واقتصر على الواحد في الصلوات كلّها. انتهى ؛ وقال الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 3، ص 214 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7): وظاهر ابن بابويه أنّ القنوت فيها واحد، وأنّه بعد الركوع. انتهى.
2- السرائر، ج 1، ص 229 .
3- المعتبر، ج 2، ص 245 .
4- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 92، ج 343: الاستبصار، ج 1، ص 341 ، ح 1283.
5- تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 259، ذيل المسألة (309؛ منتهى المطلب، ج 5، ص 221 و 224؛ نهاية الإحكام، ج 1، ص 508 و 509.
6- كالمحقّق في المعتبر، ج 2، ص 241.
7- كالشهيد في ذكرى الشيعة، ج 3، ص 215 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7)؛ والمحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 332 .
8- النهاية، ص 89 - 90؛ المبسوط، ج 1، ص 167.

قال: «يقنت بعد الركوع»(1) .

وقد تقدم تجويز المحقق فعله بعد الركوع اختياراً(2) ؛ للخبر السالف ولعدم دلالة الأخبار الدالّة على فعله بعد الركوع على كونه قضاء.

قال الشيخ والأصحاب ولو نسيه حتّى ركع من الثالثة قضاه بعد فراغه من الصلاة(3)؛ لما رواه أبو بصير قال سمعته يذكر عند أبي عبدالله علیه السلام ، قال: «الرجل إذا سها في القنوت قنت بعد ما ينصرف وهو جالس»(4) .

ولا دلالة في الخبر على كون الذكر بعد ركوع الثالثة، فلو قيل بشموله ما بعد الدخول في سجود الثانية أمكن.

ولو لم يذكر حتّى انصرف من محلّه قضاه في الطريق مستقبلاً؛ لرواية زرارة عن الباقر علیه السلام في ناسي القنوت وهو في الطريق، قال:« يستقبل القبلة ثمّ ليقله، إنّي لأكره للرجل أن يرغب عن سنّة رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم أو يدعها»(5).

(الرابع: شغل النظر قائماً إلى مسجده)

الرواية زرارة عن الباقر علیه السلام قال: «إذا قمت إلى الصلاة فليكن نظرك إلى موضع سجودك»(6).

(و) شغل النظر (قانتاً إلى باطن كفّيه) بناءً على أنّ القانت يجعل باطن كفّيه إلى السماء

والنظر إلى السماء في الصلاة مكروه؛ لنهي الباقر علیه السلام - في رواية زرارة - عنه(7) .

ص: 353


1- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 160 ، ح 628؛ الاستبصار، ج 1، ص 344، ح 1295.
2- تقدّم آنفاً.
3- النهاية، ص 90.
4- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 160 - 161، ح 631؛ الاستبصار، ج 1، ص 345، ح 1298.
5- الكافي، ج 3، ص 340، باب القنوت في الفريضة و..... 10؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 315 ، ح 283 .
6- الكافي، ج 3، ص 334، باب القيام والقعود في الصلاة، ح 1 : تهذيب الأحكام، ج 2، ص 83، ح 308.
7- الكافي، ج 3، ص 300 باب الخشوع في الصلاة .... ح 6: تهذيب الأحكام، ج 2، ص 199 ، ح 782؛ الاستبصار، ج 1، ص 405. ح 1545 .

وتغميض العين كذلك؛ لرواية مسمع عن الصادق علیه السلام: «إنّ النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم نهى أن يغمّض الرجل عينه في الصلاة»(1)، فتعيّن شغلها بما يمنعها من النظر إلى ما يشغل، وهو باطن الكفّين.

(وراكعاً إلى بين رِجليه) لقول الباقر علیه السلام في رواية زرارة: «ومدّ عنقك، وليكن نظرك إلى ما بين قدميك»(2).

(وساجداً إلى طرف أنفه، ومتشهداً إلى حجره) قاله الأصحاب. ولعلّ وجهه ما تقدّم في القنوت من كونه مانعاً من النظر إلى ما يشغل القلب.

(الخامس: وضع اليدين)

في حالة كونه (قائماً على فخذيه بحذاء ركبتيه) مضمومتي الأصابع، رواه حمّاد في وصف صلاة الصادق علیه السلام(3) .

(وقانتاً تلقاء وجهه) رواه عبدالله بن سنان عن الصادق علیه السلام(4).

(وراكعاً على عيني ( ركبتيه) مفرجات الأصابع؛ لقول حماد في وصف صلاته علیه السلام :« وملأ كفّيه من ركبتيه»(5).

ويستحبّ البدأة بوضع اليد اليمنى، رواه زرارة عن الباقر علیه السلام(6).

ص: 354


1- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 314 ، ح 1280.
2- الكافي، ج 3، ص 319 - 320 باب الركوع وما يقال فيه من التسبيح .... ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 77 - 78 ، ح 289 .
3- الكافي، ج 3، ص 311، باب افتتاح الصلاة والحد في التكبير .... ح 8؛ الفقيه، ج 1، ص 300، ح 915؛ تهذيب : الأحكام، ج 2، ص 81، ح 301 .
4- الفقيه، ج 1، ص 489 ، ح 1409؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 131 ، ح 504 .
5- الكافي، ج 3، ص 311 باب افتتاح الصلاة والحدّ في التكبير .... ح 8: الفقيه، ج 1، ص 300، ح 915؛ تهذیب الأحكام، ج 2، ص 81، ح 301.
6- الكافي ، ج 3، ص 334 - 335 ، باب القيام والقعود في الصلاة ، ح 1 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 2، ص 83 ،ح 308 .

(وساجداً بحذاء أُذنيه) لخبر حمّاد(1) (ومتشهّداً على فخذيه) مبسوطة الأصابع مضمومة.

وتفرّد ابن الجنيد بأنّه يشير بالسبّابة في تعظيم الله عزّوجلّ(2) ، كما تفعله العامّة.

(السادس: التعقيب)

وهو «تفعيل» من العقب.

قال الجوهري: التعقيب في الصلاة الجلوس بعد أن يقضيها لدعاء أو مسألة(3).

وفضله عظيم.

ورد في تفسير قوله تعالى: ﴿فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ)(4) إذا فرغت من الصلاة المكتوبة فانصب إلى ربّك في الدعاء وارغب إليه في المسألة يعطك.

وعن النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم: «مَنْ عقّب في صلاة فهو في صلاة»(5).

وعن الباقر علیه السلام في رواية زرارة: «الدعاء بعد الفريضة أفضل من الصلاة تنفلاً»(6).

وعن الصادق علیه السلام:« التعقيب أبلغ في طلب الرزق من الضرب في البلاد»(7).

ويتأدّى بمطلق الدعاء المحلَّل للدين والدنيا، لكن المنقول عن أهل البيت علیهم السلام أفضل ؛لأنّهم أبصر بمواقع الشرع.

(وأفضله تسبيح الزهراء علیها السلام) روى صالح بن عقبة عن الباقر علیه السلام قال: «ما عبدالله

ص: 355


1- الكافي، ج 3، ص 311 - 312، باب افتتاح الصلاة والحد في التكبير .... ح 8؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 81 - 82، ح 301.
2- حكاه عنه الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 3، ص 330 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
3- الصحاح، ج 1، ص 186، «عقب».
4- الشرح (94): 7 .
5- المعجم الكبير ، الطبراني ، ج 10، ص 221، ح 10532.
6- الكافي، ج 3، ص 342، باب التعقيب بعد الصلاة والدعاء، ح : تهذيب الأحكام، ج 2، ص 103، ح 389 .
7- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 104 . ح 391.

بشيء من التحميد أفضل من تسبيح فاطمة علیها السلام، ولو كان شيء أفضل منه لنحله رسول

الله صلی الله علیه وآله وسلم فاطمة علیها السلام»(1) .

وعن الصادق علیه السلام: «تسبيح فاطمة علیها السلام دبر كلّ صلاة أحبّ إليَّ من صلاة ألف ركعة»(2) و: «مَنْ سبّحها قبل أن يثني رجليه من صلاة الفريضة غفر الله له»(3) .

ويبدأ بالتكبير.

وإنّما نسب إليها (صلّى الله عليها؛ لأنّها السبب في تشريعه، رواه الصدوق عن علیّ علیه السلام(4).

ص: 356


1- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 105، ح 398؛ وفي الكافي، ج 3، ص 343، باب التعقيب بعد الصلاة والدعاء. ح 14، عن صالح بن عقبة، عن عقبة، عن الباقر علیه السلام .
2- الكافي، ج 3، ص 343، باب التعقيب بعد الصلاة والدعاء، ح 15؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 105، ح 399 .
3- الفقيه، ج 1، ص 320، ح 946؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 105، ح 395 .
4- الفقيه، ج 1، ص 320. ح 947 .

(المقصد الثاني في) صلاة (الجمعة)

اشارة

وهي واجبة بالنصّ والإجماع.

قال الله تعالى: (يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَوَةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ )(1) أجمع المفسّرون على أنّ المراد به صلاة الجمعة.

وقال في السورة التي يذكر فيها المنافقين: (يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لا تُلْهِكُمْ أَمْوَلُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَبِكَ هُمُ الْخَسِرُونَ ) (2).

قيل : المراد بالذكر صلاة الجمعة(3) . وقرينة الذكر السابق في «الجمعة» تدلّ عليه، ومن ثُمَّ استحبّ قراءة السورتين فيها وفي صلاة يوم الجمعة ليكرّر على الأسماع الحثّ عليها.

وقال النبيّ صلى الله عليه وآله و سلم: «اعلموا أنّ الله قد افترض عليكم الجمعة فمن تركها في حياتي أو بعد موتي وله إمام عادل استخفافاً بها أو جحوداً لها فلا جمع الله له شمله، ولا بارك له فى أمره، ألا ولا صلاة له، ألا ولا زكاة له، ألا ولا حجّ له، ألا ولا صوم له، ألا ولا برّ له حتّى يتوب»(4).

وروى محمّد بن مسلم وأبو بصير قالا سمعنا أبا جعفر محمّد بن عليّ علیهما السلام يقول:

ص: 357


1- الجمعة (62): 9 .
2- المنافقون (63): 9 .
3- لم نعثر على القائل فيما بين أيدينا من المصادر.
4- سنن ابن ماجة، ج 1، ص 343، ح 1081؛ السنن الكبرى، البيهقي، ج 3، ص 244، ح 5570: مسند أبي يعلى، ج 3، ص 381 - 382، ح 1856.

«مَنْ ترك الجمعة ثلاثاً متواليةً بغير علّة طبع الله على قلبه»(1).

وروى زرارة عنه علیه السلام قال: صلاة الجمعة فريضة، والاجتماع إليها مع الإمام فريضة فإنّ مَنْ ترك من غير علّة ثلاث جُمع فقد ترك ثلاث فرائض، ولا يدع ثلاث فرائض من غير علة إلّا منافق»(2) .

(وهي ركعتان كالصبح عوض) صلاة (الظهر) فلا يشرع الجمع بينهما مع اجتماع الشرائط.

(و) أوّل (وقتها عند زوال الشمس يوم الجمعة) ويمتدّ (إلى أن يصير ظلّ كلّ شيء مثله) أي مثل ذلك الشيء.

وقيل: مثل الظلّ الباقي عند الزوال(3).

والقول بأنّ ذلك هو وقت الجمعة هو المشهور بين الأصحاب.

وخالف المرتضى في أوّله، فجوّز فعلها عند قيام الشمس(4).

والإجماع بعد على خلافه حجّة.

وأما كون آخره ما ذكر فهو مع شهرته غير واضح الدلالة.

قال في الذكرى:

لم نقف لهم على حجّة إلّا أنّ النبي صلى الله عليه وآله و سلم كان يصلّي دائماً في هذا الوقت، ولا دلالة فيه؛ لأنّ الوقت الذي كان يصلّي فيه ينقص عن هذا القدر غالباً، ولم يقل أحد بالتوقيت بذلك الناقص. نعم لو قيل باختصاص الظهر بذلك القدر - كما هو مذهب العامّة - توجّه توقيت الجمعة به؛ لأنّها بدل منها(5) .

ص: 358


1- ثواب الأعمال وعقاب الأعمال، ص 276، ح 3.
2- ثواب الأعمال وعقاب الأعمال، ص 276، ح 4.
3- لم نعثر على القائل فيما بين أيدينا من المصادر.
4- حكاه عنه الشيخ في الخلاف، ج 1، ص 620، المسألة 390 .
5- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 48 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).

والذي يناسب أصولنا امتداد وقتها بامتداد وقت الظهر، وهو اختيار ابن إدريس(1) وجماعة(2)، التفاتاً إلى مقتضى البدليّة وأصالة البقاء.

ويمكن الاحتجاج للمشهور بخبر زرارة عن الباقر علیه السلام : «إنّ من الأُمور أُموراً مضيّقة وأموراً موسّعة، وإنّ الوقت وقتان الصلاة ممّا فيه السعة، فربما عجّل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، وربما أخّر إلّا صلاة الجمعة فإنّ صلاة الجمعة من الأمر المضيّق، إنّما لها وقت واحد حين تزول»(3) .

ورواية ابن مسكان عن الصادق علیه السلام :« وقت صلاة الجمعة عند الزوال »(4).

ووجه الدلالة توقيتهم علیهم السلام لها بوقتٍ واحد وهو وقت الزوال، وهذا القدر وإن كان غير لازم إجماعاً من غير أبي الصلاح(5) إلّا أنّه يجب الاقتصار في القدر الزائد عليه على موضع الحاجة، وهو ما لا تحصل معه مخالفة الإجماع، وقوفاً مع النص وتقرّباً إلى مدلوله بحسب الإمكان. والقدر الزائد على المثل منافٍ للروايتين قطعاً، وقد تقرّر أنّ النقصان عنه أيضاً لا سبيل إلى القول به فتعيّن المثل. وهذا التوجيه حسن وعليه العمل.

(فإن خرج) الوقت على القول المشهور (صلّاها ظهراً ما لم يتلبّس) بها (في الوقت) ولو بالتكبير، فيُكملها جمعةً لدخوله فيها في وقتها، فوجب إتمامها؛ للنهي عن قطع العمل، «والصلاة على ما افتتحت» عليه وهذا أيضاً يتمشى على أُصول العامة من الاكتفاء بإدراك التكبير في غيرها من الصلوات.

والذي يناسب أصولنا اعتبار إدراك ركعة؛ لأنّ الوقت شرط قطعاً خرج منه ما لو

ص: 359


1- السرائر، ج 1، ص 301 .
2- منهم الشهيد في الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 110 ؛ والبيان، ص 181 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9 و 12 ) .
3- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 13، ح 46 .
4- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 13، ح 43.
5- الكافي في الفقه، ص 153.

أدرك ركعة فيه بقوله علیه السلام : «مَنْ أدرك من الوقت ركعة»(1) إلى آخره، فيبقى الباقي على أصله.

وبالغَ بعضهم(2) ، فأبطلها بخروج الوقت قبل إكمالها بناءً على أنّ الوقت شرط.

والخبر حجّة عليه، فإنّ مَنْ أدرك ركعة فقد أدرك الوقت بأجمعه.

وفي كونها مع خروج وقتها تصلّى ظهراً تجوّز؛ فإنّ الظهر حينئذ ليست هي الجمعة، بل فرضُ مستقل برأسه.

وربما أُعيد الضمير المؤنّث إلى وظيفة الوقت بمعنى أنّ وظيفة الوقت يوم الجمعة أحد الأمرين: الجمعة مع الإمكان، والظهر مع تعذّرها، فإذا فات وقت الجمعة صُلّيت الوظيفة ظهراً. وفي بعض العبارات أنّها مع الفوات تقضى ظهراً. وأراد بالقضاء معناه اللغوي وهو الإتيان كما في قوله تعالى: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَوةُ فَانتَشِرُواْ فِي الْأَرْضِ )(3).

[شرائط وجوب الجمعة ]

(ولا تجب) الجمعة (إلّا بشروط) سبعة:

أحدها: (الإمام العادل أو مَنْ يأمره) على الخصوص. وهو مع حضوره موضع وفاق، وهو أوضح الحجّة على ذلك. وسيأتي الكلام على هذا الشرط في حال الغيبة.

واحتجّ عليه أيضاً بأنّ النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم كان يعيّن لإمامة الجمعة وكذا الخلفاء بعده كما يعيّن للقضاء، وكما لا يصحّ أن ينصب الإنسان مع حضور الإمام نفسه قاضياً من دون إذنه، فكذا إمامة الجمعة. وبأنّ اجتماع الناس مظنّة التنازع، والحكمة تقتضي نفيه،

ص: 360


1- أورده المحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 367 .
2- أي بعض العامّة، و هو أبو حنيفة، انظر الهداية المرغيناني ، ج 1، ص 83: واللباب، ج 1، ص 110؛ وحلية العلماء، ج 2، ص 273 والمغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 2، ص 164، المسألة 1319؛ والشرح الكبير المطبوع مع المغني، ج 2، ص 168.
3- الجمعة (62): 10 .

ولا يحصل إلّا بالإمام العادل؛ إذ الفاسق تابع في أفعاله لهواه لا لمقتضى الشرع، وليس محلّاً للأمانة.

ولا يخفى ما في هذه الأدلّة.

وثانيها: العدد (و) هو (حضور أربعة معه) أي مع الإمام فلا تنعقد بأقلّ من ذلك إجماعاً، ولا يشترط أزيد منه على المشهور اقتصاراً في تقييد إطلاق الآية على موضع الوفاق.

ولصحيحة منصور عن الصادق علیه السلام أنّه قال: «يجمع القوم يوم الجمعة إذا كانوا خمسة فما زاد فإن كانوا أقل من خمسة فلا جمعة لهم»(1).

وذهب الشيخ(2) وجماعة(3) إلى اشتراط ستّة معه؛ لرواية محمّد بن مسلم عن الباقر علیه السلام قال: «تجب الجمعة على سبعة نفر من المسلمين، ولا تجب على أقلّ منهم: الإمام، وقاضيه، والمدّعي حقّاً، والمدّعى عليه والشاهدان، والذي يضرب الحدود بين يدي الإمام»(4) .

وظاهر هذا الخبر مخالف للخبر المتقدّم إلّا أنّه ليس في قوّته لصحّة الأوّل، وفي سند الثاني الحكم بن مسكين، وهو مجهول الحال.

وجمع الشيخ بينهما بحمل خبر السبعة على الوجوب العيني، والخمسة على الوجوب التخييري(5) ، واستحسنه في الذكرى، وحمل الوجوب المنفي عن أقلّ من السبعة في خبرها على الوجوب الخاصّ، أعني العيني، لا مطلق الوجوب(6).

ص: 361


1- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 239، ح 636؛ الاستبصار، ج 1، ص 419، ح 1610.
2- النهاية، ص 103: المبسوط، ج 1، ص 206.
3- منهم القاضي ابن البرّاج في المهذّب، ج 1، ص 100؛ والسيد ابن زهرة في غنية النزوع، ج 1، ص 90؛ وابن حمزة في الوسيلة، ص 103.
4- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 20 - 21 ، ح 75: الاستبصار، ج 1، ص 418 - 419. ح 1608.
5- كما في ذكرى الشيعة، ج 4، ص 26 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8) و جامع المقاصد، ج 2، ص 383 .
6- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 26 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).

وقد عرفت أنّه لا تعارض لعدم التكافؤ؛ لأنّ غاية الثاني كونه قويّاً، وهو لا يعارض الصحيح.

(و) ثالثها: (الجماعة) فلا تنعقد فرادى وإن حضر العدد إجماعاً.

وتتحقّق الجماعة بنيّة المأمومين الاقتداء بالإمام، فلو أخلّوا بها أو أحدهم لم تصح صلاة المخلّ.

ويعتبر في انعقاد الجمعة نيّة العدد المعتبر.

وهل تجب نيّة الإمام لها؟ قيل: نعم؛ لظاهر قوله علیه السلام : «وإنّما لكل امرئ مانوى»(1) .

ولاعتبار الجماعة في صلاته ولا تتحقّق من قبله إلا بنيّتها؛ لعدم وقوع عمل بغير نيّة، ومن ثُمَّ لا ينال فضيلة الجماعة في غير الجمعة إلّا بها(2).

وفي دلالة الخبر على المطلوب نظر. والدليل الثاني في حيّز المنع، وهو عين المتنازع ولا ريب أنّ اعتبار نيته أحوط.

وكيف قلنا لا يؤثّر ترك نيّته في بطلان الصلاة.

وهذان شرطان في الابتداء لا في الاستدامة؛ لما سيأتي من إتمام الإمام الجمعة لو انفض العدد بعد التلبّس.

(و) رابعها: (الخطبتان) قبل الصلاة وبعد دخول وقتها على المشهور، الكائنتان (من قيام) فلا يجزئ فعلهما من جلوس مع القدرة إجماعاً، وتأسّياً بالنبيّ صلی الله علیه وآله وسلم ، فتبطل صلاته وصلاة مَنْ علم حاله من المأمومين دون مَنْ لم يعلم، ويبنى على ظاهر حال المسلم لو رؤي جالساً، فتصح الصلاة وإن علم فساد عذره بعدها. ومع العجز تصحان من جلوس والأولى استنابة القادر مع الإمكان. ولو عجز عن الجلوس اضطجع.

ص: 362


1- صحيح البخاري، ج 1، ص 3، ح 1؛ سنن أبي داود، ج 2، ص 262، ح 2201؛ السنن الكبرى، البيهقي، ج 1، ص 445، ح 1422.
2- قال به المحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 405 - 406 .

ويجب في القيام الطمأنينة، كما صرّح به المصنّف في التذكرة(1) وغيرُه(2)؛ تأسّياً بالنبيّ صلی الله علیه و آله وسلم . ولأنهما بدل من ركعتين.

(المشتملة كلّ واحدة منهما على حمد الله تعالى) ويتعيّن «الحمد لله» (و) على(الصلاة على النبي وآله علیهم السلام) بلفظ الصلاة أيضاً تأسّياً بالنبيّ صلی الله علیه و آله وسلم (و) على (الوعظ) الذي هو عبارة عن الوصيّة بتقوى الله تعالى والحثّ على الطاعات والتحذير من المعاصي والاغترار بالدنيا وزخارفها وما شاكل ذلك.

ولا يتعيّن لفظه لحصول الغرض بأيّ لفظ أُدّي. ولأنّ النبيّ صلی الله علیه و آله وسلم ومَنْ بعده لم يقتصروا على لفظ معيّن من الوعظ، بخلاف الحمد و الصلاة.

ولا يجب تطويله، بل لو قال: «أطيعوا الله» كفى نبّه عليه المصنّف في النهاية(3) .

(وقراءة سورة خفيفة) قصيرة؛ لموثّقة سماعة عن أبي عبدالله علیه السلام: «ينبغي للإمام الذي يخطب بالناس يوم الجمعة أن يلبس عمامة في الشتاء والصيف، ويتردّى ببرد يمنية أو عدني، ويخطب وهو قائم يحمد الله ويثني عليه ثمّ يوصي بتقوى الله ثمّ يقرأ سورةً من القرآن قصيرة ثمّ يجلس ثمّ يقوم فيحمد الله و يثني عليه ويصلّي على محمّد وآله وعلى أئمّة المسلمين، ويستغفر للمؤمنين والمؤمنات»(4) ، الحديث.

وفي سند هذا الحديث سماعة وعثمان بن عيسى وهما واقفيّان، ومع ذلك ليس فيه تصريح بالوجوب؛ لأنّ «ينبغي» لا تقتضيه، والرواية مشتملة على ما قطع بعدمه، وهو اختصاص القراءة والوعظ بالأولى، والصلاة على النبيّ وآله بالثانية، ومن ثُمَّ ذهب أكثر المتأخّرين(5) إلى عدم وجوب سورة كاملة، بل اكتفوا بآية تامّة الفائدة، وهي ما استقلّت

ص: 363


1- تذكرة الفقهاء، ج 4، ص 71 المسألة 408 .
2- كالمحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 398.
3- نهاية الإحكام، ج 2، ص 33 .
4- الكافي، ج 3، ص 421، باب تهيئة الإمام للجمعة .... ح 1؛ وفي تهذيب الأحكام، ج 3، ص 243، ح 655 عن زرعة عن سماعة. وفيهما : .... ويصلّي على محمّد نهاية الإحكام، ج 2، ص 33 وعلى أئمّة المسلمين..».
5- كما في جامع المقاصد، ج 2، ص 395 .

بإفادة معنى يعتدّ به بالنسبة إلى مقصود الخطبة، سواء تضمّنت وعداً أم وعيداً أم حكماً أم قصصاً، فلا يجزئ نحو قوله: (مُدْهَامَّتَانِ )(1) وقوله: (وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَجِدِينَ )(2).

واستدلّوا على الاجتزاء بالآية الواحدة برواية صفوان بن يَعلى عن أبيه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم يقرأ على المنبر (وَنَادَوْاْ يَمَلِكُ )(3)(4).

وفي دلالة الرواية - مع تسليمها - على ذلك نظر واضح.

وروى محمّد بن مسلم عن الباقر علیه السلام الأمر بقراءة سورة من القرآن في الخطبة الأولى، وأنّه يقول في الثانية: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَنِ )(5)(6) إلى آخره.

واستدلّ بها في الذكرى على الاجتزاء بآية(7) .

وقد عرفت أنّها لا تدلّ عليه في الخطبتين، إلّا أن يقال: الاكتفاء بها في إحداهما يستلزم الاكتفاء بها فيهما؛ لعدم القائل بالفرق.

ويجب في الخطبتين أُمور أخر:

النيّة على وجهها؛ لأنّها عبادة واجبة فلابدّ فيها من النيّة كالصلاة. وقد نبّه عليه المصنّف في النهاية(8) .

وفي كونها شرطاً فيهما أو واجباً لا غير نظر.

وكونهما بالعربيّة؛ للتأسّى، فلا تجزئ الترجمة اختياراً.

ولو لم يفهم العدد العربيّةَ، ففي جوازهما بها وجهان من تعارض التأسّي والغرض

ص: 364


1- الرحمن (55): 64 .
2- الأعراف (7) 120 .
3- الزخرف (43): 77 .
4- صحیح مسلم، ج 2، ص 594 - 595. ح 871/49 .
5- النحل (16) 90 .
6- الكافي، ج 3، ص 422 - 424، باب تهيئة الإمام للجمعة .... ح 6.
7- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 52 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).
8- نهاية الإحكام، ج 2، ص 37 .

وهو الإفهام والظاهر أنّ الثاني مقدّم.

ويجب على الخطيب والسامع تعلّم ما لابدّ منه في الخطبتين من العربيّة؛ لتوقّف الواجب المطلق عليه، والترتيب بين أجزاء الخطبة الواجبة، فيقدّم الحمد ثمّ الصلاة ثمّ الوعظ ثمّ القراءة، فلو أخلّ به استأنف على ما يحصل معه الترتيب مع عدم فوات الموالاة، ومعه نظر من الشكّ في وجوب الموالاة فيهما.

(و) خامسها: (عدم جمعة أخرى بينهما أقلّ من فرسخ) فتبطل اللاحقة، كما سيأتي، وهو المعبَّر عنه بوحدة الجمعة في فرسخ فما دون؛ لقول الباقر علیه السلام: «لا يكون بين الجمعتين أقلّ من ثلاثة أميال»(1) .

ولا فرق في ذلك بين المصر والمصرين، ولا بين حصول فاصل بينهما - كدجلة - وعدمه عندنا

ويعتبر الفرسخ من المسجد إن صُلّيت فيه، وإلّا فمن نهاية المصلين على ما ذكره بعض الأصحاب(2).

ويشكل الحكم فيما لو كان بين الإمام والعدد المعتبر وبين الجمعة الأخرى فرسخ فصاعداً، وبين بعض المأمومين وبينها أقلّ منه فعلى ما ذكره لا تصحّ الجمعة.

ويحتمل بطلان القريب من المصلّين خاصّة. وستأتي أقسام المسألة.

(و) سادسها كمال المخاطب بها، ويحصل بأمور تسعة:

(التكليف) ويتحقّق بالبلوغ والعقل، فلا تجب على الصبيّ وإن كان مميّزاً.

نعم، تصحّ جمعته تمريناً، وتجزئه عن الظهر التمرينية.

ولو صلّى الظهر ثمّ بلغ في أثناء الوقت، وجب عليه السعي إلى الجمعة، فإن أدركها، وإلّا أعاد ظهره لعدم إجزاء التمريني عن الواجب.

ص: 365


1- الكافي، ج 3، ص 419، باب وجوب الجمعة وعلى كم تجب، ح : الفقيه، ج 1، ص 426، ح 1259؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 23 ، ح 80 .
2- المحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 311 .

وكذا لا تجب على المجنون. نعم، لو كان جنونه أدواراً فاتّفق مُفيقاً حالة الإقامة وجبت. ثمّ إن استمرّت الإفاقة إلى آخرها، وإلّا سقطت. ولو زال جنونه ووقتها باقٍ، وجب السعي إليها، كما مرّ.

(والذكورة) فلا تجب على المرأة على المشهور؛ لقول الباقرين علیهما السلام : «ووضعها عن تسعة عن الصغير والكبير والمجنون والمسافر والعبد والمرأة والمريض والأعمى ومَنْ كان على رأس فرسخين»(1).

وفي حكمها الخنثى المشكل؛ للشكّ في سبب الوجوب، أمّا لو التحق بالرجال، ،وجبت مع احتمال الوجوب مطلقاً؛ لعموم الأوامر خرج منها المرأة فتبقى الخنثى؛ للشك في أنوثيّتها. وهو قريب.

واختار الشهيد(2) وجماعة الأوّل.

(والحُرّيّة) فلا تجب على العبد إجماعاً منّا وعليه أكثر العامّة(3). ولا فرق في ذلك بین القنّ والمدبّر والمكاتب الذي لم يتحرّر منه شيء وأمّ الولد؛ للخبر(4).

( والحضر) أو حكمه، فلا تجب على المسافر للخبر(5) .

وضابطه مَنْ يلزمه القصر في سفره، فالعاصي وكثير السفر وناوي الإقامة عشرةً ومَنْ لا يتحتَم عليه التقصير - كالكائن في أحد المواضع الأربعة الموجبة للتخيير - في حكم الحاضر.

ص: 366


1- الكافي، ج 3، ص 418 و 419، باب وجوب الجمعة وعلى كم تجب ح 1 و 6 : الفقيه، ج 1، ص 409، ح 1220؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 19 ، ح 69، وص 21، ح 77.
2- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 30 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).
3- الأم، ج 1، ص 189؛ حلية العلماء، ج 2، ص 262؛ المهذب، الشيرازي، ج 1، ص 116؛ المجموع شرح المهذب، ج 4، ص 485 العزيز شرح الوجيز، ج 2، ص 297؛ روضة الطالبين، ج 1، ص 539؛ تحفة الفقهاء، ج 1، ص 161: الكافي في فقه أهل المدينة ص 69 المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 2، ص 193 و 194، المسألة 1349؛ الشرح الكبير المطبوع مع المغني، ج 2، ص 151 و 152.
4- المصادر في الهامش 1.
5- المصادر في الهامش 1.

(والسلامة من العمى) فلا تجب على غير المبصر وإن وجد قائداً أو كان قريباً من المسجد للعموم.

(و) السلامة من (العرج) البالغ حدّ الإقعاد أو مشقّة في السعي إليها بحيث لا تتحمّل عادةً (و) من (المرض) الذي يشقّ معه الحضور أو الحضور، أو يوجب زيادة المرض. ولو خاف بطء البرء فالظاهر أنّه كذلك، ولا فرق بين أنواعه (و) من (الكبر المزمن) بحيث يعجز عن السعي إليها أو يحصل له مشقّة لا تتحمّل عادة.

وفي حكم هذه الأعذار المطرُ والوحلُ، والحَرُّ والبرد الشديدان إذا خاف الضرر معها، ومعلّلُ المريض إذا خاف موته أو تضرّره بالحضور، ومجهّز الميّت إذا خاف الضرر عليه بدونه، وكذا خائف احتراق الخبز أو فساد الطعام ونحوهما، والمحبوس بباطل أو حق يعجز عن أدائه، وراجي العفو عن الدم الموجب للقصاص، أو الصلح باستتاره، دون حد القذف وغيره من الحدود، ذكر ذلك كله المصنّف(1) وغيره(2) ، وخائف الظالم على نفسه أو ماله أو عرضه ولو بضربِ أو شتم.

(و) سابعها: (عدم بُعد أكثر من فرسخين) فلا تجب على مَنْ بعد عن موضع إقامتها بذلك مع عدم إمكان الإقامة عنده على المشهور؛ لقول الصادق علیه السلام:« تجب على مَنْ كان منها على فرسخين فإن زاد فليس عليه شيء»(3) وقد عُلم من الفتوى والخبر كون القدر المسقط لها الزيادة على الفرسخين دون قدرها.

وذهب بعض الأصحاب(4) إلى الاكتفاء بالقدر؛ للخبر السالف(5) .

ص: 367


1- نهاية الإحكام، ج 2 ص 43.
2- كالشهيد في ذكرى الشيعة، ج 4، ص 39 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8) والمحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 389 .
3- الكافي، ج 3، ص 419، باب وجوب الجمعة وعلى كم تجب ح 3 تهذيب الأحكام، ج 3، ص 240، ح 641: الاستبصار، ج 1، ص 421، ح 1619.
4- كالشيخ الصدوق في الهداية، ص 144 وابن حمزة في الوسيلة، ص 103 .
5- في ص 365.

ويعارض بهذا الخبر، ويجمع بينهما بأنّ المراد بمن كان على رأس فرسخين أن يكون أزيد منهما دفعاً للتناقض.

ويؤيّده أنّ الحصول على رأس الفرسخين فقط مستبعد، فأطلق رأس الفرسخين على ما فيه زيادة يسيرة.

إذا تقرّر ذلك، فجميع مَنْ ذُكر من ذوي الأعذار لا يجب عليهم حضور الجمعة وإن استحبّ لبعضهم - كالمسافر - الحضور.

(فإن حضر المكلّف منهم الذكر) موضع الإقامة (وجبت عليهم) الجمعة (وانعقدت بهم) بمعنى أنّ العدد يكمل بهم؛ لانتفاء المانع، وهو مشقّة الحضور.

واحترز بالمكلّف عن الصبيّ والمجنون، فلا تجب عليهما، ولا تنعقد بهما وإن حضرا؛ لعدم التكليف في حقّهما.

وبالذكر عن المرأة، فلا تجب عليها أيضاً وإن ،حضرت، ولا تنعقد بها على المشهور بين الأصحاب، بل كاد يكون إجماعاً لصحيحة منصور السالفة(1) المتضمنة اعتبار كون القوم خمسةٌ لا أقلّ.

والقوم هم الرجال دون النساء بنصّ أهل اللغة(2)، وهو الظاهر من مقابلتهم بالنساء في قوله تعالى: (لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ )(3) إلى آخره.

وحسنة زرارة عن الباقر علیه السلام: «لا تكون الجمعة على أقل من خمسة رهط»(4).

قال الجوهري : الرهط ما دون العشرة من الرجال لا تكون فيهم امرأة(5) .

وغيرهما من الأخبار .

ص: 368


1- في ص 361.
2- كالجوهري في الصحاح، ج 4، ص 2016، «قوم».
3- الحجرات (49): 11.
4- الكافي، ج 3، ص 419، باب وجوب الجمعة وعلى كم تجب ح4؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 240، ح 640؛ الاستبصار، ج 1، ص 419 ، ح 1612.
5- الصحاح، ج 2، ص 1128، «رهط».

وخالف في ذلك ابن إدريس فأوجب على المرأة مع الحضور الصلاة، واجتزأ بها عن الظهر، غير أنّها لا تحسب من العدد(1).

ولا شاهد له إلّا ما رواه حفص بن غياث عن بعض مواليهم علیه السلام عن الصادق علیه السلام : «إنّ الله فرض الجمعة على المؤمنين والمؤمنات، ورخّص للمرأة والمسافر والعبد أن لا يأتوها ، فإذا حضروها سقطت الرخصة ولزمهم الفرض الأوّل»(2) .

وهذه الرواية وإن كانت ناصَّةً على المطلوب إلّا أنّها لا تصلح متمسَّكاً خصوصاً لا بن إدريس المانع من العمل بأخبار الآحاد مع اشتمالها على ضعف بحفص، وإرسال ببعض الموالي.

وينبغي أن يستثنى أيضاً المريض الذي يوجب حضوره مشقّة شديدة أو زيادة في المرض، ونحوه من ذوي الأعذار الموجبة لذلك، ومَنْ يخاف فوت المال أو النفس؛ للنهي عن العبادة على ذلك التقدير المقتضى للفساد.

وقد دخل فيمن تجب عليه الجمعة مع الحضور وتنعقد به المسافرُ والعبدُ.

ووجوبها عليهما مع الحضور وانعقادها بهما - بمعنى احتسابهما من العدد لو توقّف عليهما - أحد القولين في المسألة، وهو مختار الشيخ في الخلاف - على ما نقله عنه في الذكرى - وابن إدريس والمحقّق(3)؛ لصحّتها منهما فتنعقد وتجب. ولأنّ ما دلّ على اعتبار العدد عامّ فيتناول المسافر [والعبد](4).

والقول الثاني: عدم الوجوب والانعقاد واختاره الشيخ في المبسوط(5) ، وتبعه

ص: 369


1- السرائر، ج 1، ص 293 .
2- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 21 - 22، ح 78 .
3- الخلاف، ج 1، ص 610 المسألة 375؛ ذكرى الشيعة، ج 4، ص 35 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8)؛ السرائر ، ج 1، ص 293؛ المعتبر، ج 2، ص 292 .
4- ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.
5- المبسوط، ج 1، ص 206 .

المصنّف في بعض كتبه(1) ؛ لأنّهما ليسا من أهل فرض الجمعة فهُما كالصبيّ. ولأنّ الجمعة إنّما تنعقد بهما تبعاً لغيرهما، فلا يكونان متبوعين. ولأنّه لو جاز ذلك لجاز انعقادها بجماعة المسافرين والعبيد وإن لم يكن معهم حاضرون وأحرار.

وأُجيب(2) بالفرق بينهما وبين الصبيّ؛ لعدم تكليف الصبيّ دونهما، فلا يتصوّر الوجوب في حقّ الصبيّ بخلاف المسافر والعبد وكونهما تابعين عين المتنازع والتزام انعقادها بالمسافرين والعبيد ممكن.

وفي المسألة قول ثالث: وهو عدم وجوبها عليهما مع انعقادها بهما، وهو الذي اختاره المصنّف في القواعد في المسافر - وتوقّف في العبد(3) - والشيخ عليّ في الشرح ونقله عن الخلاف(4).

وحجّتهم عموم ما دلّ على اعتبار العدد فيتناولهما، وعدم الوجوب لا يقتضي عدم الانعقاد .

ويظهر من أصحاب القول الثاني أنّ فعلها لهما جائز و إن لم تجب عليهما ولم تنعقد بهما ، وأنّها تجزئ عن الظهر، بل ادّعى بعضهم الاتّفاق عليه(5) .

وهذا لا يتمّ إلا مع نيّة الوجوب(6) بها؛ لأنّ المندوب لا يجزئ عن الواجب. وحينئذٍ تكون واجبةً لتتحقّق مطابقة النيّة للواقع. وهو لا يوافق القول الثاني إلّا أن يقال بوجوبها حينئذٍ تخييراً، والمنفيّ هو الوجوب العيني على تقدير حصوله، فيتم الحكم في حال حضور الإمام، ويبقى الإشكال في زمان الغيبة؛ لأنّ الوجوب فيه تخييري، فلا يتمّ نفيه مع نیِته.

وربما قيل بذلك في المرأة أيضاً إذا حضرت فتصحّ منها الجمعة وتجزئها عن الظهر

ص: 370


1- مختلف الشيعة، ج 2، ص 245 و 246. المسألتان 138 و 139.
2- كما في ذكرى الشيعة، ج 4 ص 35 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل ج 8) .
3- قواعد الأحكام، ج 1، ص 284.
4- جامع المقاصد، ج 2، ص 388 .
5- الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 4، ص 36 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).
6- في الطبعة الحجرية «الواجب».

وإن لم تجب عليها ولم تنعقد بها؛ لما ذكر، والإشكال واحد.

ووافق المصنّف في المختلف على عدم وجوبها على العبد بالحضور محتجّاً بأنّ:

وجوبها عليه يستلزم اشتمال التكليف على وجه قبح؛ لأنّ العبد لا يجب عليه الحضور إجماعاً، ولا يجوز إلّا بإذن مولاه؛ لأنّه تصرّف في نفسه، وهو ممنوع منه، والإذن غير معلوم، وعصمة مال الغير واجبة، فيكون حضوره ممنوعاً منه، فلا يكون معتدّاً به(1).

وأُجيب بالتزام كون الحضور موقوفاً على إذن المولى، فيزول المانع (2).

وهذا الجواب يقتضي كون النزاع لفظيّاً.

ولو ألزمه المولى بالحضور ففي تحتّمها عليه وجهان يلتفتان إلى أنّ المانع هل هو محض حقّ المولى؟ وقد زال أو قصور العبد عن تحتّم وجوبها؟

واستدلّ على التحكّم بأنّ السيّد يملك إلزامه بالمباحات فبالعبادات أولى.

وفي الأولويّة منع؛ لأنّ المباحات حقّ للسيّد متعلّق به، والتكليفات حقّ للشارع لا تعلّق للسيّد بها ، وإلّا لأمكنه إيجاب النوافل عليه، وهو باطل.

[شرائط إمام الجمعة ]

(ويشترط في النائب) المنصوب لإمامة الجمعة من قِبَل الإمام بل في إمام الجمعة مطلقاً شرائط الإمامة، وهي ستّة متّفق عليها، وثلاثة مختلف فيها.

فأوّل الستّة: (البلوغ) فلا تصحّ نيابة الصبيّ، ولا تنعقد إمامته؛ لاتّصافه بما يرفع القلم، فلا يؤمن ترك واجب أو فعل محرَّم منه مع تمييزه، ومع عدمه لا اعتبار لأفعاله.

(و) الثاني: (العقل) لعدم الاعتداد بأفعال المجنون.

نعم لو كان جنونه أدواراً جازت إمامته وقت إفاقته؛ لتحقّق الأهليّة حينئذٍ وإن كره. ومَنَع المصنّف في التذكرة من نيابته؛ لإمكان عروضه حالة الصلاة. ولأنّه لا يؤمن

ص: 371


1- مختلف الشيعة، ج 2، ص 245، المسألة 138.
2- المجيب هو المحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 390.

احتلامه في نوبته وهو لا يعلم - فقد روي أنّ المجنون يُمْني حالته(1) ، ومن ثَمَّ استحبّ المصنّف في النهاية له الغسل بعد الإفاقة لهذه العلّة(2) - ولنقصه عن المراتب الجليلة(3).

وجوابه: أنّ تجويز العروض لا يرفع تحقّق الأهليّة، وإلّا لانتفت مطلقاً؛ لأنّ إمكان عروض المانع من موت وإغماء وحدث قائم في كلّ وقت. وعروض الاحتلام منفيّ بالأصل. واستحباب الغسل لم يثبت عندنا كما نبّه عليه الشهيد (رحمه الله)(4) .

،نعم هو مناسب لمذهب العامّة، فنقصه عن المراتب حينئذٍ غير واضح.

(و) الثالث: (الإيمان) وهو التصديق بالقلب، والإقرار باللسان بالأصول الخمسة بالدليل وإن كان إجماليّاً ممّن لا يعرف شرائط الحدّ والبرهان، فإنّ الأدلّة التفصيليّة والعلم بشرائط إنتاجها ليست من الواجبات العينيّة بل الكفائيّة لدفع شبه الخصوم وقمع المتغلّب على الدين بالبراهين.

وإنّما اعتبر الإيمان؛ لأنّ غير المؤمن ضالُّ فاسق؛ لمخالفته طريق الحقّ المستند إلى التقصير في النظر، فلا يصلح للإمامة.

(و) الرابع (العدالة) وهي لغةً: الاستواء والاستقامة. وشرعاً: كيفية راسخة في النفس تبعث على ملازمة التقوى والمروءة.

وتتحقّق التقوى بمجانبة الكبائر، وهي ما توعّد عليه بخصوصه بالنار في الكتاب أو السنّة، وعدم الإصرار على الصغائر فعلاً أو حكماً.

والمراد بالمروءة ملكة تبعث على مجانبة ما يؤذن بخسّة النفس ودناءة الهمّة من المباحات والمكروهات وصغائر المحرّمات بحيث لا يبلغ حدّ الإصرار، كالأكل في

ص: 372


1- لم نعثر عليه في مظانّه.
2- نهاية الإحكام، ج 1، ص 179 .
3- تذكرة الفقهاء، ج 4، ص 21 ، المسألة 383 .
4- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 150 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 5).

الأسواق والمجامع، والبول في الشوارع وقت سلوك الناس، وكشف الرأس عند مَنْ ليس كذلك، وأشباه ذلك ممّا يستهجن من أمثاله ويستنكر ممن هو على مثل حاله، وكسرقة لقمة والتطفيف بحبّة في الصغائر.

ويختلف ذلك باختلاف أحوال الناس وتفاوت مراتبهم وأزمنتهم وأمكنتهم، فقد يكون الشيء مطلوباً في وقتٍ مرغوباً عنه في آخر بالنسبة إلى ما ذكر. أمّا ما ورد الشرع برجحانه - كالاكتحال بالأثمد، والحنّاء - فلا حرج فيه وإن أنكره المعظم واستهجنه العامة فى أكثر البلاد.

وعلى اعتبار العدالة في الإمام مطلقاً إجماع الأصحاب. ويدلّ عليه أيضاً ظاهر قوله تعالى: (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا )(1).

وقول النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم من طريق العامّة: «لا تؤمَنَّ امرأة رجلاً، ولا فاسق مؤمناً إلّا أن يقهره سلطان»(2) الحديث.

وعن الرضا علیه السلام منع إمامة مَنْ يقارف الذنوب(3) .

وروى الصدوق عن أبي ذرّ: «إمامك شفيعك إلى الله، فلا تجعل شفيعك سفيهاً ولا فاسقاً»(4).

(و) الخامس: (طهارة المولد) والمراد بها أن لا يعلم كونه ولد زني والإجماع على عدم صحّة إمامته.

ولا عبرة بمن تناله الألسن مع حكم الشارع ظاهراً بصحّة نسبه أو جهل الحال. ولا تقدح ولادة الشبهة ولا كونه مجهول الأب.

لكن قيل بكراهة الائتمام بهؤلاء؛ لنفرة النفس منهم الموجبة لعدم كمال الانقياد في

ص: 373


1- هود (11): 113 .
2- سنن ابن ماجة، ج 1، ص 343، ح 1081.
3- الفقيه ، ج 1، ص 380، ح 1116؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 31، ح 110.
4- الفقيه، ج 1، ص 378، ح 1103.

العبادة(1) . ونفى عنه البأس في الذكرى(2).

(و) السادس: (الذكورة) فلا يجزئ كونه امرأةً ولا خنثى؛ لعدم جواز إمامتهما للرجال كما سيأتي، وعدم تكليفهما بهذه الصلاة. وعلى القول بجواز فعلها لهما(3) وإجزائها عن الظهر - كما مرّ - لا تصحّ إمامتهما أيضاً؛ لعدم انعقادها بهما، فلابدّ من حضور العدد من الذكور، فتمتنع إمامتهما.

(وفي) جواز نيابة (العبد والأبرص والأجذم والأعمى قولان):

أحدهما: الجواز.

أمّا في العبد؛ فلصحيحة محمّد بن مسلم عن الصادق علیه السلام في العبد يؤمّ القوم إذا رضوا به وكان أكثرهم قراءةً، قال: «لا بأس»(4) .

وأمّا في ذي العيبين المذكورين فلقول الصادق علیه السلام أيضاً وقد سئل عن المجذوم والأبرص هل يؤمّان المسلم؟ قال: «نعم» فقلت: هل يبتلي الله بهما المؤمن؟ قال: «نعم، وهل كتب البلاء إلّا على المؤمن؟»(5) .

ولأنّ المرض لا يرفع الأهليّة.

وأمّا الأعمى فالقول بجواز إمامته هو المعروف في المذهب للأصل المقتضي للجواز، ووجوب الجمعة عليه على تقدير حضورها، ولا يمنع(6) عدم تكليفه بها قبله.

والثاني: المنع.

أمّا في العبد؛ فلعدم تكليفه بها. ولنقصه عن مرتبة الإمامة.

ص: 374


1- القائل هو المحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 372 - 373؛ وقبله العلّامة في نهاية الإحكام، ج 2، ص 143.
2- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 23 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).
3- في النسخ: «لها». وما أثبتناه يقتضيه السياق.
4- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 29، ح 100؛ الاستبصار، ج 1، ص 423، ح 1629.
5- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 27، ج 93؛ الاستبصار، ج 1، ص 422 - 423، ح 1627.
6- في الطبعة الحجريّة «فلا يمنع».

ولرواية السكوني عن الصادق، عن أبيه، عن عليّ علیهم السلام أنّه قال: «لا يؤمّ العبد إلّا أهله»(1). وأمّا الأجذم والأبرص؛ فلصحيحة أبي بصير عن الصادق علیه السلام: «خمسة لا يؤمّون الناس على كلّ حال؛ المجذوم والأبرص والمجنون وولد الزنى والأعرابي»(2) .

وأمّا الأعمى ؛ فلعدم تمكنه من التحفّظ من النجاسات أفتى به المصنّف في النهاية، معلّلاً بذلك(3) . ونَقَله في التذكرة عن الأكثر(4) ، مع أنّ القائل به - غيره - غير معلوم فضلاً عن الأكثريّة.

والتعليل ضعيف كضعف رواية المنع من إمامة العبد وقصورها عن مقاومة صحيحة محمّد بن مسلم(5) .

وحديث منع إمامة الأجذم والأبرص يُحمل على الكراهة؛ جمعاً بينه وبين ما تقدّم، وغايته أنّه يستلزم استعمال المشترك في كلا معنييه؛ لأنّ النهي في ولد الزنى والمجنون للتحريم، فإنّ استعماله في معنييه جائز حقيقةً على قوله، ومجازاً يُرتكب للمانع إجماعاً، فالقول بالجواز في الجميع أوضح، فترجع الشرائط كلّها إلى الإيمان والعدالة وطهارة المولد.

[حكم الجمعة حال الغيبة]

(وفي استحبابها حال الغيبة وإمكان الاجتماع قولان):

أحدهما: المنع. وهو قول المرتضى وسلّار والشيخ في الخلاف وابن إدريس(6)؛ لفقد الشرط، وهو الإمام أو مَنْ نصبه فينتفي المشروط، ولأنّ الظهر ثابتة في الذمّة بيقين

ص: 375


1- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 29، ج 102؛ الاستبصار، ج 1، ص 423، ح 1631.
2- الكافي، ج 3، ص 375، باب من تكره الصلاة خلفه.... ح 1 تهذيب الأحكام، ج 3، ص 26 - 27، ح 92؛ الاستبصار، ج 1، ص 422، ح 1626.
3- نهاية الإحكام، ج 2، ص 15 .
4- تذكرة الفقهاء، ج 4، ص 26. المسألة 387.
5- تقدّمت الإشارة إلى مصدرها في ص 374، الهامش 4 .
6- رسائل الشريف المرتضى، ج 1، ص 272؛ المراسم ص 261؛ الخلاف، ج 1، ص 626، المسألة 397؛ السرائر. ج 1، ص 304 وج 2 ص 26 .

فلا يبرأ المكلّف إلّا بفعلها. ولأنّها لو شُرّعت حال الغيبة لوجبت عيناً، فلا يجوز فعل الظهر، وهو منتفٍ إجماعاً.

ووجه اللزوم: أنّ الدلائل الدالّة على الجواز دالّة على الوجوب العيني في حال الحضور، فلا وجه للعدول إلى التخييريّ حال الغيبة.

والثاني: الجواز المعبَّر عنه بالاستحباب بمعنى كونه أحد الفردين الواجبين على التخيير. وهو قول أكثر الأصحاب(1) ؛ لعموم قوله تعالى: (إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَوَةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ)(2) والأمر للوجوب.

ولصحيحة زرارة قال: حتّنا أبو عبدالله علیه السلام على صلاة الجمعة حتّى ظننت أنّه يريد أن نأتيه، فقلت: نغدو عليك، قال:« لا، إنّما عنيت عندكم»(3) .

وموثّقة زرارة عن عبدالملك، عن الباقر علیه السلام قال: «مثلك يهلك ولم يصلّ فريضة فرضها الله عليه» قال: قلت: كيف أصنع؟ قال: «صلّوا جماعة» يعني صلاة الجمعة(4).

وصحيحة [منصور](5) عن الصادق علیه السلام :« يجمّع القوم يوم الجمعة إذا كانوا خمسةً فما زاد... والجمعة واجبة على كلّ أحد لا يعذر الناس فيها إلّا خمسة: المرأة والمملوك والمسافر والمريض والصبيّ»(6)، ومثلها أخبار كثيرة مطلقة، وهذا القول هو الواضح.

والجواب عن حجّة الأوّل: أنّ شرط الإمام أو مَنْ نصبه إنّما هو حال الحضور والإمكان لا مطلقاً، وأين الدليل عليه؟

ص: 376


1- منهم الشيخ في النهاية، ص 302؛ والمسبوط، ج 1، ص 215؛ وأبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه ص 143؛ والمحقّق في المعتبر، ج 2، ص 297؛ والشهيد في ذكرى الشيعة، ج 4، ص 23 - 24؛ والدروس الشرعيّة، ج 1، ص 108؛ والبيان، ص 183 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8، 9 و 12).
2- الجمعة (62): 9 .
3- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 239، ح 635؛ الاستبصار، ج 1، ص 420، ح 1615.
4- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 239، ح 638؛ الاستبصار، ج 1، ص 420، ح 1616.
5- بدل ما بين المعقوفين في «الأصل وم» والطبعة الحجريّة: عمر بن يزيد وما أثبتناه من المصدر. ولا يخفى أنّ صحيحة منصور وردت في جامع المقاصد، ج 2، ص 377 بعد صحيحة عمر بن يزيد بلا فصل، فلاحظ.
6- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 239، ح 636: الاستبصار، ج 1، ص 419، ح 1610.

ولو سلّم، لا يلزم سدّ باب الجمعة في حال الغيبة وتحريمها؛ لأنّ الفقيه الشرعي منصوب من قِبَل الإمام عموماً؛ لقول الصادق علیه السلام في مقبول عمر بن حنظلة: «فإنّي قد جعلته عليكم حاكماً»(1) ، وحكمهم علیهم السلام على الواحد حكم على الجماعة، ومن ثمَّ تمضى أحكامه، وتجب مساعدته على إقامة الحدود والقضاء بين الناس، وهذه الأشياء أعظم من مباشرة إمامة الصلاة، فلا يتمّ القول بتحريمها مطلقاً في حال الغيبة.

ونمنع تيقّن وجوب الظهر في صورة النزاع؛ فإنّه عين المتنازع والدليل الدالّ على الوجوب أعمّ من الحتمي والتخييري، ولمّا انتفى الحتمي في حال الغيبة بالإجماع تعيّن الحمل على التخييري، ولولا الإجماع على عدم العيني لما كان لنا عنه عدول.

فإن قيل: مقبول عمر بن حنظلة إنّما دلّ على نصب الصادق علیه السلام للمتّصف بالشرائط في عصره وزمان إمامته فلا يلزم تعدّيه؛ لما سيأتي إن شاء الله في القضاء أنّ النائب ينعزل بموت الإمام.

قلنا: الكلام الآتي إنّما هو في المنصوب الخاص، مع أنّ انعزاله بموت الإمام موضع النزاع، فقد ذهب جماعة من الأصحاب إلى عدم انعزاله أمّا المنصوب العامّ فلا ينعزل إجماعاً، ويُعلم ذلك من إجماع الأصحاب على نفوذ حكم الفقيه الجامع للشرائط في حال الغيبة وجواز إقامته للحدود وغيرها، ووجوب مساعدته والترافع إليه، فكيف يحكم بانعزاله أو يشكّ فيه مع هذا الإجماع!؟

واعترض على الاستدلال بأخبار الجواز باستناد الجواز فى الأوّلين إلى إذن الإمام المستلزم لنصب نائب؛ لأنّه من باب المقدّمة؛ إذ لا خلاف في اشتراط إذنه حال الحضور، وقد نبه عليه المصنّف في النهاية بقوله: لمّا أذنا لزرارة وعبد الملك جاز ؛ لوجود المقتضي وهو إذن الإمام (2). ويُحمل الأخير على المقيّد، كما حمل مطلق الآية عليه ولو في بعض الأحوال.

ص: 377


1- الكافي، ج 1، ص 67 ، باب اختلاف الحديث ، ح 10 تهذيب الأحكام، ج 1، ص 301 - 302. ح 845 .
2- نهاية الإحكام، ج 2، ص 14 .

وجوابه أنّ حكمهم علیهم السلام على الواحد من أهل عصرهم غير مقصور عليه، بل هو حكم على الجماعة، واستلزام الخاصّ نائباً لا يقتضي استلزام باقي الجماعة؛ لعدم دلالة اللفظ عليه، فإنّ ذلك الاستلزام لم يستفد من لفظ الحديث، بل من أمرٍ خارج وهو توقّف الجمعة - مع حضوره - على إذنه، وهذا المعنى مفقود في حال الغيبة؛ فإنّه غير متيقّن حتّى يجب المصير إليه والمطلق يجب حمله على إطلاقه مع عدم تعيين التقييد، وهو هنا كذلك. وعلى تقدير تقييدهما بالإمام أو مَنْ نصبه لا يستلزم القول بالتحريم في حال الغيبة مطلقاً؛ لأنّ الفقيه نائب الإمام علیه السلام على وجه العموم.

وبالجملة. فأصالة الجواز وعموم الآية والأخبار ليس لهما مانع صالح، فتعيّن القول بالجواز.

ثمّ على تقديره هل يشترط في شرعيّتها حينئذٍ الفقيه الشرعي، أم يكفي اجتماع باقي الشرائط والائتمام بإمام يصحّ الاقتداء به في الجماعة؟

أكثر المجوّزين على الثاني، وهُمْ بين مطلقٍ للشرعيّة مع إمكان الاجتماع والخطبتين، وبين مصرّح بعدم اشتراط الفقيه وممّن صرّح به أبو الصلاح(1)، ونقله عنه المصنّف في المختلف(2)، وصرّح به أيضاً الشهيد في الذكرى(3) .

والمستند: إطلاق الأوامر من غير تقييد بالإمام أو مَنْ نصبه عموماً أو خصوصاً خرج منه ما أجمع عليه، وهو مع إمكان إذنه وحضوره، فيبقى الباقي على أصل الوجوب من غير شرط.

قال في الذكرى - بعد حكاية الجواز عن الأكثر مع إمكان الاجتماع والخطبتين - :

ويعلّل بأمرين:

أحدهما أنّ الإذن حاصل من الأئمّة الماضين فهو كالإذن من إمام الوقت. ولأنّ

ص: 378


1- الكافي في الفقه، ص 151.
2- مختلف الشيعة، ج 2، ص 250 - 251، المسألة 147.
3- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 23 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).

الفقهاء حال الغيبة يباشرون ما هو أعظم من ذلك بالإذن.

والتعليل الثاني: أنّ الإذن إنّما يعتبر مع إمكانه أمّا مع عدمه فيسقط اعتباره، ويبقى عموم القرآن والأخبار خالياً عن المعارض.

ثمّ ذكر أخباراً كثيرة مطلقة. قال: والتعليلان حسنان، والاعتماد على الثاني(1) .

وعبارة أبي الصلاح في الكافي تناسب التعليل الثاني؛ فإنّه قال ما هذا لفظه:

لا تنعقد الجمعة إلّا بإمام الملّة أو منصوب من قِبَله أو مَنْ تتكامل له صفات إمام الجماعة عند تعذّر الأمرين(2).

وهذه العبارة صريحة في سقوط اعتبار إذن الإمام أو مَنْ نصبه مع التعذّر، كحال الغيبة، وأنّ الفقيه ليس شرطاً فيها حينئذ.

وفي بعض عبارات الأصحاب ما يدلّ على الأوّل، كعبارة الشهيد في الدروس (3) والمصنّف في النهاية(4) ، فإنّهم عبّروا بأنّ الفقهاء يجمّعون في حال الغيبة، ولا صراحة فيها بتحتّم ذلك، وغايته أن يكون قولاً آخر.

وقد بالغ المحقّق الشيخ عليّ (رحمه الله) في إنكار القول الثاني من قولي الجواز وزعم أنّ كلّ مَنْ قال بالجواز اشترط فيه حضور الفقيه محتجّاً عليه بدعوى جماعة من الأصحاب - منهم الشهيد في الذكرى والمصنّف في التذكرة والنهاية، وغيرهما - الإجماعَ على اشتراط الإمام أو نائبه في شرعيّة الجمعة(5) .

وفي الدعوى والسند منعٌ ظاهر.

أمّا الدعوى فقد بيّنا مَنْ صرّح بخلافها.

ص: 379


1- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 23 - 24 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).
2- الكافي في الفقه، ص 151.
3- الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 108 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9).
4- نهاية الإحكام، ج 2، ص 14 .
5- جامع المقاصد، ج 2، ص 379؛ وانظر ذكرى الشيعة، ج 4، ص 20 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8)؛ وتذكرة الفقهاء، ج 4، ص 19، المسألة 381.

وأمّا الإجماع: فإنّما نقلوه على حالة الحضور لا على الغيبة، فإنّهم يبتدؤون بحال الحضور ويذكرون فيه الإجماع، ثمّ يذكرون حال الغيبة ويذكرون الخلاف، فكيف يتحقّق الإجماع في موضع النزاع؟ فراجع أنت كلامهم تجده كما قلناه.

وأوضح ما في ذلك عبارة الذكرى، التي نقل عنها دعوى الإجماع في ذلك، فإنّه ذكر المسألتين في سطر واحد، قال:

التاسع: إذن الإمام، كما كان النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم يأذن لأئمّة الجُمُعات، وأمير المؤمنين علیه السلام بعده، وعليه إطباق الإماميّة. هذا مع حضور الإمام، وأمّا مع غيبته - كهذا الزمان ففي انعقادها قولان أصحّهما - وبه قال معظم الأصحاب -: الجواز إذا أمكن الاجتماع والخطبتان(1). انتهى.

ثمّ علّل الجواز بالتعليلين السابقين.

وهذا - كما ترى - صريح في اختصاص الإجماع بحالة حضوره، ووقوع الخلاف في اشتراط إذنه علیه السلام في حال غيبته، وأنّ الأكثر على العدم. وعبارة باقي أصحاب المطوّلات قريبة من ذلك، فتدبّر.

فإن قيل: الأوامر الدالّة على الوجوب إنّما استفيد منها الوجوب العيني، كما هو موضع

وفاق بالنسبة إلى حالة الحضور، ومدّعاكم الوجوب التخييري، وأحدهما غير الآخر.

قلنا: أصل الوجوب ومطلقه مشترك بين العيني والتخييري، ومن حقّ المشترك أن لا يخصّص بأحد معنييه إلّا بقرينة صارفة عن الآخر أو مخصّصة، والوجوب العيني منفيّ حال الغيبة بالإجماع، فيختصّ الفرد الآخر.

فإن قيل: لو كان عدم إمكان الشرط موجباً لسقوط أثره وإعمال أصل الأوامر لزم جوازها فرادى عند عدم إمكان الجمع، وبأقلّ من العدد عند تعذّره، وغير ذلك ممّا يتعذّر فيه أحد الشروط، وهو باطل إجماعاً، فأيّ فارق بين الشروط؟

قلنا: هذا السؤال حقٌّ، ومن خواصّ الشرط أن يستلزم فقده فقد المشروط، إلّا أنّ

ص: 380


1- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 23 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).

هذا الشرط - وهو إذن الامام - ليس له مستند يرجع إليه من كتاب أو سنّة، كما ورد في باقي الشروط، وإنّما العمدة في إثباته على الإجماع، كما قرّرناه سابقاً، ولا ريب أنّ الإجماع إنّما وقع على الاشتراط في حالة الحضور لا الغيبة، فإنّه نفس المتنازع، بل الأكثر على عدم الاشتراط. فتحرّر من ذلك أن لا دليل على الاشتراط في حالة الغيبة يجب المصير إليه.

فإن قيل: هذا غير مطابق لما احتجّ به الشهيد (رحمه الله) في الذكرى؛ فإنّه اعتمد على أنّ الإذن إنّما يعتبر مع الإمكان لا مع التعذّر، وهو راجع إلى ما أوردناه في السؤال، وما ذكرتم يقتضي منع الاشتراط مطلقاً بل في حال الحضور.

قلت مؤدّى الجوابين واحد عند التأمّل وإن اختلفت العبارة؛ فإنّ إمكان الإذن الذي سلّم الاشتراط معه هو حالة الحضور، وسقوطه عند عدم الإمكان هو حالة الغيبة، فيرجع الأمر إلى ما قلناه وإن كان ظاهره يدلّ على خلاف ذلك.

وممّا يوجب حمله على ما ذكرناه فساده على تقدير حمله على ظاهره؛ للقطع بأنّ الشرط لا يسقط اعتباره عند تعذّره مطلقاً، لكن قد يتّفق ذلك في بعض الشروط، لكنّه على خلاف الأصل المعروف في أحكام الشروط.

واعلم أنّه ليس المراد باستحبابها على تقدير مشروعيّتها كونها مندوبةً؛ لأنّها تجزئ عن الظهر الواجبة؛ للإجماع على أنّها متى شُرّعت أجزأت عن الظهر، والمندوب لا يجزئ عن الواجب، بل المراد أنها أفضل الفردين الواجبين تخييراً، فهي واجبة تخييراً مستحبّة عيناً ولا منافاة بينهما؛ فإنّ أفراد الواجب المخيّر متى کانت متفاوتةً فى الفضيلة كان حكمها كذلك. وهذا المعنى أولى ممّا قيل: إن الاستحباب متعلّق بالاجتماع(1)، لا بالجمعة نفسها.

(ولو صلّى الظهر مَنْ وجب عليه السعي ) إلى الجمعة (لم تسقط ) الجمعة (بل) يجب عليه أن ( يحضر ) الجمعة (فإن أدركها صلّاها، وإلّا أعاد ظهره) لفساد الأولى؛ إذ

ص: 381


1- انظر غاية المراد، ج 1، ص 115 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 1).

لم يكن مخاطباً بها، بخلاف ما لو لم يكن مخاطباً بالجمعة فصلى الظهر في وقت الجمعة فإنّها صحيحة؛ إذ ليس هو من أهل فرض الجمعة، فلو حضر موضع إقامتها بعد الصلاة لم يجب فعلها؛ لتحقّق الامتثال لكن يستحبّ؛ طلباً لفضيلة الجماعة، وفاقاً للتذكرة(1).

ويستثنى منه الصبيّ لو بلغ بعد أن صلّى الظهر ندباً، فإنّها لا تجزئ عن الواجب، بل يجب الحضور إلى الجمعة والصلاة، فإن فاتت أعاد الظهر.

ولو فرض كونه من أهل الجمعة وظنّ إدراكها وصلّى الظهر ثمّ تبيّن أنّه في وقت الظهر لم يكن بحيث يدرك الجمعة وجب إعادة الظهر أيضاً؛ لكونه متعبداً بظنّه فكان المتعيّن عليه فعل الجمعة على حسب ظنّه.

ولو لم تكن شرائط الجمعة مجتمعةً في أوّل وقتها لكن يرجو اجتماعها قبل خروجه، فهل له تعجيل الظهر؟ أم يجب الصبر إلى أن تحصل هي؟ أو اليأس منها؟ كلُّ محتمل وإن كان الصبر أولى؛ لأنّ وظيفته الجمعة ووقتها متسع، فلا يتحقق الانتقال منها إلى الظهر إلّا بعلم عدمها.

(ويدرك) المأموم (الجمعة بإدراك الإمام راكعاً في) الركعة (الثانية) على المشهور ؛ لأنّ إدراك الركوع موجب لإدراك الركعة وإدراك الركعة مع الإمام موجب لإدراك الجمعة.

ويشهد للأوّل: قول الصادق علیه السلام :« إذا أدركت الإمام وقد ركع فكبرت وركعت قبل أن يرفع رأسه فقد أدركت الركعة، وإن رفع الإمام رأسه قبل أن تركع فقد فاتتك» (2).

وللثاني : قوله علیه السلام: «مَنْ أدرك ركعة من الجمعة فليضف إليها أخرى»(3) .

ولا فرق في إدراك الركعة بإدراكه راكعاً بين أن يكون الإمام قد أتى بواجب الذكر

ص: 382


1- تذكرة الفقهاء، ج 4، ص 16، المسألة 379 .
2- الكافي، ج 3، ص 382، باب الرجل يدرك مع الإمام بعض صلاته .... ح 5 الفقيه، ج 1، ص 389 ، ح 1151 تهذيب الأحكام، ج 3، ص 43 - 44 ، ح 153؛ الاستبصار، ج 1، ص 435 ، ح 1680.
3- سنن الدار قطني، ج 2، ص 122، ح 2/1578.

وعدمه، ولا بين ذكر المأموم والإمام راكع وعدمه، بل المعتبر اجتماعهما في حدّ الراكع.

وهل يقدح في ذلك شروع الإمام في الرفع مع عدم مجاوزة حدّ الراكع؟ ظاهر الرواية ذلك؛ لأنّه علّق الحكم على رفع الرأس.

ويمكن العدم حملاً للرفع على كماله، أو على ما يخرجه عن حده؛ لأنّ ما دونه في حكم العدم.

واشترط الشيخ في النهاية إدراك تكبيرة الركوع(1) ؛ لقول الباقر علیه السلام لمحمّد بن مسلم:

«إن لم تدرك القوم قبل أن يكبّر الإمام للركعة فلا تدخل معهم في تلك الركعة»(2).

ويعارض بالأولى، وترجّح الأولى بالشهرة، أو بحمل هذه على الأفضليّة أو على ظنّ فوت الركوع توفيقاً.

واشترط المصنّف في التذكرة إدراك ذكر الركوع(3) . ولا شاهد له.

وهذا الحكم كلّه آتٍ في باقي الجماعة.

فرع: لو شكّ بعد الركوع هل أدركه راكعاً أو رافعاً؟ تعارض أصلا عدم الإدراك والرفع، فيتساقطان، ويبقى المكلّف في عهدة الواجب؛ للشكّ في الإتيان به على وجهه فيجب الاستئناف .

(و) العدد المتقدّم شرط في الابتداء لا في الدوام ف(لو انفضّ العدد في الأثناء أتمّ) إمام (الجمعة) وإن كان وحده، كما يقتضيه ظاهر العبارة؛ للنهي عن قطع العمل، وظاهر قوله تعالى: (وَتَرَكُوكَ قَائما)(4) على قول بعض المفسّرين: إنّ المراد قائماً في الصلاة(5) .

واعتبر المصنّف في التذكرة إدراك ركعة(6) ؛ لقوله علیه السلام : « مَنْ أدرك ركعة من

ص: 383


1- النهاية، ص 114.
2- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 43، ح 149: الاستبصار، ج 1، ص 434، ح 1676.
3- تذكرة الفقهاء، ج 4 ص 45 المسألة 397 .
4- الجمعة (62): 11 .
5- مجمع البیان، ج 9 - 10، ص 289 نسبه إلى القيل.
6- تذكرة الفقهاء، ج 4، ص 40 المسألة 395 .

الجمعة فليضف إليها أُخرى»(1).

ولا دلالة فيه على المتنازع .

ولو انفضّ الإمام خاصّةً أو مع غيره وجب على مَنْ بقي الاستمرارُ، وتقديم مَن يتمّ معه جماعة، فإن تعذّر أكملت فرادى، فتكون الجماعة أيضاً شرطاً في الابتداء لا في الدوام، وكذا التوقّف على إذن الإمام.

(ولو انفضّوا قبل التلبّس بالصلاة سقطت) لفقد الشرط ابتداءً.

وكذا لو انفضّ ما ينقص به العدد.

ويمكن دخوله في العبارة بحمل العدد على الهيئة المجموعة منه، فيصدق فواتها بفوات بعض أجزائها.

ولا فرق بين انفضاضهم قبل الخطبة أو بعدها أو في أثنائها.

ولو عادوا أعادها من رأس إن لم يسمعوا أركانها، وإلّا بنى وإن طال الفصل؛ لعدم ثبوت اشتراط الموالاة فيها.

[واجبات صلاة الجمعة ]

(ويجب تقديم الخطبتين على الصلاة) تأسّياً بالنبيّ والأئمّة (صلوات الله عليهم)،وقضاءً لحقّ الشرطيّة، فلو عكس بطلت .

(وتأخيرهما عن الزوال) على المشهور؛ لقوله تعالى: (إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَوَةِ ... فَاسْعَوْا)(2) أمر بالسعى بعد النداء الذي هو الأذان فتكون الخطبة بعده.

ولقوله علیه السلام : «هي صلاة»(3).

ولمضمرة محمّد بن مسلم: «يخرج الإمام بعد الأذان فيصعد المنبر فيخطب»(4).

ص: 384


1- سنن الدار قطني، ج 2، ص 122 ، ح 2/1578.
2- الجمعة (62) :9 .
3- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 12 - 13 ، ح 42.
4- الكافي، ج 3، ص 424، باب تهيئة الإمام للجمعة.... ح 7؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 241، ح 648.

وذهب جماعة من الأصحاب - منهم الشيخ والمحقّق(1) - إلى جوازهما قبل الزوال، وجعل في الذكرى إيقاعهما بعد الزوال أولى(2)؛ لصحيحة عبدالله بن سنان عن الصادق علیه السلام قال:« كان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم يصلّي الجمعة حين تزول الشمس قدر شراك ويخطب في الظلّ الأوّل، ويقول جبرئيل: يا محمّد قد زالت فانزل فصلّ»(3).

ونزّلها المصنّف في المختلف على أنّ المراد بالظلّ الأوّل هو الفيء الزائد على ظلّ المقياس إلى أن يصير مثله(4) ؛ ومعنى زوال الشمس حينئذٍ ميلها عن الظلّ الأوّل، كما أنّ زوالها المعروف ميلها عن دائرة وسط النهار.

وهو تنزيل بعيد؛ لأنّه خلاف المعروف لغةً من الظلّ والزوال؛ فإنّ الظلّ ما قبل الزوال، كما أنّ الفيء ما بعده، والأصل عدم النقل، فالاحتراز بالظلّ الأوّل إنّما وقع عن الفيء، وكذا الزوال حقيقة شرعيّة في ميل الشمس عن الدائرة المذكورة، فحمله على غيره غير جائز.

والعجب أنّ المصنّف يرى أنّ آخر وقت الجمعة صيرورة الظلّ مثل الشخص، ثمّ يؤوّل هذا الخبر بما يقتضي فعلها بعد هذا الوقت!؟

واعترض بأنّ الخبر لا دلالة فيه على مذهب الشيخ؛ لأنّه ليس للظلّ الأوّل معنى معيّن يصار إليه عند الإطلاق، فإنّ الأوليّة أمر إضافيّ يختلف باختلاف المضاف إليه، وإنّما يشعر به قوله «قد زالت» ولأنّه لابد لتقدير شيء مع الظل الأول، وليس تقدير انتهائه - مثلاً - أولى من تقدير انقضائه، وبأنّ أوّل الحديث يشعر بخلاف مرادهم؛ لأنّ فعلها حين الزوال قدر شراك ربما يقتضي مضيّ زمان يسع الخطبة(5) ، وحينئذ يمكن كون المراد فعلها في أوّل الزوال الذي لا يعلمه كلّ أحد، وفعل الصلاة عند تحقّق ذلك وظهوره.

ص: 385


1- النهاية، ص 105: المبسوط، ج 1، ص 215؛ المعتبر، ج 2، ص 287.
2- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 51 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).
3- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 12 - 13، ح 42 .
4- مختلف الشيعة، ج 2، ص 231 ، المسألة 130 .
5- المعترض هو المحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 393.

والجواب: أنّ التقييد بالظلّ كافٍ في التمييز عن الفيء الحادث بعد الزوال. ووصفه بالأوّليّة جاز كونه بياناً من قبيل قوله: (وَلَا طَئِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ )(1) فإنّ الظلّ لا يكون إلّا أوّلاً بالإضافة إلى الفيء، أو يكون احترازاً عن الحادث بعد الزوال، فإنّه قد يسمّى أيضاً ظلّاً، ومن ثَمَّ يقال آخر وقتها إذا صار ظلّ كلّ شيء مثله. ويؤيّد هذا المعنى قول : جبرئيل بعد الخطبة: «قد زالت فانزل» ولا يحتاج الظلّ الأوّل إلى تقدير شيء ممّا ذكر؛ فإنّه وقع ظرفاً للخطبتين، فيكون المراد فعلهما في زمانه. وفعل الصلاة بعد الزوال قدر شراك لا يدلّ على خلاف ما دلّ عليه الكلام؛ فإنّ قدر الشراك أمر قليل. ولو فرض طوله لم يضر. وفعله صلی الله علیه وآله وسلم لهما في زمانٍ لا يعلمه كلّ أحد إن كان مع علمه صلی الله علیه وآله وسلم بحصول الزوال، لم يكن لقول جبرئيل بعد ذلك: «قد زالت» فائدة وإن كان صلی الله علیه وآله وسلم لم يعلم بالزوال حال الخطبة كان حكمه حكم ما قبل الزوال، مع احتياج ذلك كلّه إلى تقدير وتكلّف لا يقتضيه المقام، فما ذكره الشهيد (رحمه الله) من الأولويّة في محلّه.

(و) يجب أيضاً (الفصل بين الخطبتين بجلسة) للتأسّي.

ولقول الصادق علیه السلام: «يجلس بينهما جلسة لا يتكلّم فيها»(2) ، وهو خبر معناه الأمر.

ويجب فيها الطمأنينة، ويكفي مسمّاها، وفاقاً للتذكرة(3) .

وقد ذكر المصنّف(4) ، وغيره(5) كونها خفيفةً، فلو أطالها بما لا يخلّ بالموالاة لم يضر، وإلّا ففي بطلان الخطبة الماضية نظر من الشكّ في اشتراط الموالاة، وكونه هو المعهود شرعاً .

ولو كان يخطب جالساً لعجزه فصّل بين الخطبتين بسكتة.

ص: 386


1- الأنعام (6): 38 .
2- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 20، ح 74.
3- تذكرة الفقهاء، ج 4، ص 71 ، المسألة 408.
4- قواعد الأحكام، ج 1، ص 285 .
5- كالمحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 398 .

واحتمل المصنّف الفصل بالاضطجاع(1) .

ورفع صوته بالخطبتين (حتّى يسمع العدد) المعتبر في الجمعة فصاعداً؛ لأنّ المقصود من الخطبة لا يحصل بدونه. ولأنّ النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم كان إذا خطب رفع صوته كأنّه منذر جيش(2).

ولو حصل مانع من السمع سقط الوجوب، دون الخطبتين والجمعة؛ لعموم الأمر.

ولو أمكن ذلك بالانتقال إلى موضع آخر، فالظاهر وجوبه من باب المقدمة ما لم يشتمل على مشقّة لا تتحمّل عادةً.

(ولو صلّيت) الجمعة (فرادى لم تصح) لما تقدّم من اشتراط الجماعة، وعدم الشرط موجب لعدم المشروط وإن حصلت باقي الشرائط من العدد وغيره.

(ولو اتّفقت جمعتان بينهما أقلّ من فرسخ بطلتا ) معاً (إن اقترنتا) لما مرّ من اعتبار الوحدة في الفرسخ فيمتنع الحكم بصحّتهما معاً أو بصحة واحدة؛ لاستحالة الترجيح بغير مرجّح ، فلم يبق إلّا بطلانهما.

هذا إذا كان الإمامان مستويين في الإذن وعدمه حيث تصحّ، أمّا لو اختصّ أحدهما بالإذن فجمعته هي الصحيحة؛ لفساد الأخرى.

ويتحقّق الاقتران بتكبيرة الإحرام من الإمامين دون غيرها من الأفعال؛ لأنّ بها يحصل الدخول في الصلاة والتحرّم بها.

ويتحقّق ذلك بشهادة عدلين ويتصوّر ذلك بكونهما غير مخاطبين بالجمعة وهما في مكان يسمعان التكبيرتين.

وحكمهما حينئذٍ أن يعيد الجميع الجمعة إن كان وقتها باقياً إمّا مجتمعين مع إمام واحد أو مفترقين بأزيد من فرسخ وإلّا صلّوا الظهر.

ص: 387


1- تذكرة الفقهاء، ج 4، ص 72 المسألة 408 .
2- صحیح مسلم، ج 2، ص 512. ح 867/43؛ سنن ابن ماجة، ج 1، ص 17 ، ح 45: السنن الكبرى البيهقي، ج 3، ص 292 . ح 5753، وص 302، ح 5798 .

(وإلّا) أي وإن لم تقترنا بل سبقت إحداهما الأخرى بالتكبير وعلمت، بطلت (اللاحقة) لا غير، فيصلّي أصحابها الظهر إن لم يدركوا الجمعة مع السابقة، وإلّا تعيّنت الجمعة.

وهذا إذا كان مأذونين، وإلّا صحّ المأذون لا غير وإن تأخّر؛ للنهي عن اشتغال السابقة بالصلاة وترك الحضور مع النائب.

ويشترط أيضاً عدم علم كلّ من الفريقين بصلاة الأُخرى، وإلا لم يصحّ كلُّ منهما؛ للنهي عن الانفراد بالصلاة عن الأخرى المقتضي للفساد.

(و) كذا تبطل صلاة الفرقة (المشتبهة) بين كونها سابقةً أو لاحقةً أو مقارنةً، سواء حصل الاشتباه ابتداءً أم علم الحال ثمّ نسي.

ومقتضى بطلان الصلاة في هذه الصور إعادة الجمعة على وجه تصحّ؛ لعدم تيقّن حصولها مع اتّساع الوقت، وإلّا الظهر، وهو اختيار الشيخ (رحمه الله)(1) .

وخالفه في ذلك المصنّف في غير هذا الكتاب (2)، فأوجب على الفريقين إعادةَ الظهر على تقدير علم السابق في الجملة واشتباه عينه إمّا ابتداءً أو لعروض(3)3 نسيان بعد أن كان معلوماً؛ للقطع بحصول جمعة صحيحة فلا تعاد، وإعادة الجمعة وصلاة الظهر عليهما مع اشتباه السبق والاقتران ؛ لتوقّف يقين البراءة على كلّ منهما؛ لأنّ الواقع في نفس الأمر إن كان هو السبق فالفرض هو الظهر، وإن كان الاقتران فالفرض هو الجمعة، وحيث لا يقين بأحدهما لم تتيقّن البراءة من دونهما، وحينئذٍ فيجتمعون على جمعة أو يتباعدون.

ولا ريب أنّه أحوط غير أنّ في تعيّنه نظراً؛ لأنّ الجمعة في الذمّة بيقين؛ إذ هي فرض المكلّف فلا يعدل عنها إلى الظهر إلّا مع يقين حصولها، وهو منتف، ووجوب

ص: 388


1- المبسوط ، ج 1، ص 213.
2- قواعد الأحكام، ج 1، ص 286.
3- في الطبعة الحجريّة: «بعروض».

الفرضين على خلاف الأصل، فقول الشيخ هنا أجود، وهو اختيار الشهيد (رحمه الله)(1) .

وهل تشترط مغايرة الإمام لأحد الفريقين؟ نظر من احتمال كون جمعته صحيحةً في الواقع فلا تشرع له الإعادة ومن وجوب فعلها ظاهراً على كلّ منهم.

(والمعتق بعضه لا تجب عليه) الجمعة (وإن) هاياه السيّد على أن يكون لكلّ منهما من الزمان ما يناسب حقّه و (اتّفقت في يومه) لبقاء الرقّ المانع، واستصحاب الحكم الواقع.

وللشيخ(2). قول بوجوبها عليه حينئذ؛ لانقطاع سلطنة السيّد عن استخدامه.

( ويحرم السفر ) يوم الجمعة (بعد الزوال قبلها) أي قبل صلاة الجمعة؛ لاستلزامه ترك الواجب؛ لوجوبها بأوّل الوقت وإن كان متّسعاً.

وإنّما يحرم مع الاختيار وعدم وجوبه، فلو كان مضطرّاً إليه بحيث يؤدّي تركه إلى فوات الغرض، أو التخلّف عن الرفقة التي لا يستغنى عنها، أو كان سفر حجّ أو غزو يفوت الغرض منهما مع التأخّر، فلا تحريم.

ولا فرق في التحريم بين أن يكون بين يديه جمعة أُخرى يمكنه إدراكها في الوقت وعدمه؛ لإطلاق النهي مع احتمال عدم التحريم في الأوّل؛ لحصول الغرض.

ويضعّف بأنّ السفر إن ساغ أوجب القصر، فتسقط الجمعة حينئذ، فيؤدّي إلى سقوطها فيحرم فلا تسقط عنه، فيؤدّي التحريم إلى عدمه، وهو دور.

ومتى سافر بعد الوجوب كان عاصياً، فلا يترخّص حتّى تفوت الجمعة فيبدأ السفر من موضع تحقّق الفوات، قاله الأصحاب(3).

وهو يقتضي عدم ترخّص المسافر الذي يفوت بسفره الاشتغال بالواجب من تعليم

ص: 389


1- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 47 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).
2- المبسوط، ج 1، ص 208 .
3- منهم الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 4، ص 33 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8)؛ والمحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 421 .

ونحوه، أو يحصل في حالة الإقامة أكثر من حالة السفر؛ لاستلزامه ترك الواجب المضيّق، فهو أولى من الجمعة خصوصاً مع سعة وقتها ورجاء حصول جمعة أُخرى، أو لا معه. واستلزامه الحرجَ - لكون أكثر المكلّفين لا ينفكّون عن وجوب التعلّم فيلزم عدم تقصيرهم أو فوات أغراضهم التي يتمّ بها نظام النوع - غيرُ ضائر. والاستبعاد غير مسموع، ولأنّ الكلام في السفر الاختياري الذي لا يتعارض فيه وجوبان.

(و) كذا يحرم يوم الجمعة (الأذان الثاني) وهو ما وقع ثانياً بالزمان بعد أذان آخر واقع في الوقت، سواء كان بين يدي الخطيب أم على المنارة أم غيرهما؛ لتأدّي الوظيفة بالأوّل فيكون هو المأمور به وما سواه بدعة؛ لأنّه لم يفعل في عهده علیه السلام ولا في عهد الأوّلين، وإنّما أحدثه عثمان أو معاوية على اختلاف بين نَقَلة العامّة(1) . وإذا لم يكن مشروعاً أوّلاً، فتوظيفه ثانياً على الوجه المخصوص يكون بدعةً وإحداثاً في الدين ما ليس منه فيكون محرّماً، ولا يجبر ذلك كونه ذكر الله؛ لمنع كون جميع فصوله ذكراً، وليس الكلام فيما يجعل من فصوله ذكراً مطلقاً من غير أن يعدّ وظيفة خاصّة، كما يفعله العامّة يوم الجمعة على الخصوص، فضعف حينئذٍ قول المعتبر(2) ومَن تبعه بالكراهة؛ استضعافاً للرواية الدالّة على بدعيّته، واحتجاجاً بكونه ذكر الله.

وأوّلها في الذكرى بأنّ البدعة ما لم يكن في عهده علیه السلام، وهي تنقسم إلى محرّمة

ومكروهة، فلا دلالة لها على التحريم؛ لأنّها أعمّ(3).

وكلّ ذلك قد اندفع بما قدّمناه وسبق في باب الأذان ما يزيده تحقيقاً.

والفرق بين الأذان الثاني وبين المكرّر الموصوف بالاستحباب يستفاد من ظواهر الأحوال وانضمام القرائن المستفادة من مواظبة العامّة عليه في ماضي الأعصر إلى اليوم

ص: 390


1- حكاه عن العطاء، الشيخ في المبسوط، ج 1، ص 214 : وانظر سنن أبي داود، ج 1، ص 285، ح 1087؛ سنن ابن ماجة، ج 1، ص 359. ح 1135.
2- المعتبر، ج 2، ص 296 .
3- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 58 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).

حتّى لو تركه تارك أنكروه عليه، بخلاف ما يتكرّر من الأذان في غير ذلك اليوم والوقت.

ولو فرض أنّ مكلّفاً منّا أذّن ثانياً في ذلك الوقت بعد أن أذّن غيره لا بقصد التوظيف المخصوص بل الأذان المكرّر، فالظاهر عدم تحريمه، بل هو الأولى في وقت التقيّة، أما تكرّره من المؤذِّن الواحد فلا وجه له غير البدعة.

وذهب بعض الأصحاب إلى أنّ الأذان المحرَّم ما لم يكن واقعاً بين يدي الخطيب، سواء وقع أوّلاً أم ثانياً(1) ، فإنه ثانٍ باعتبار الإحداث؛ لقول الباقر علیه السلام : «كان رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم إذا خرج إلى الجمعة قعد على المنبر حتّى يفرغ المؤذّنون»(2) .

ويضعف بأنّ كيفيّة الأذان الواقع في عهده علیه السلام غير شرط في شرعيّته؛ إذ لو وقع قبل صعود الخطيب أو خطب على الأرض ولم يصعد منبراً لم يخرج بذلك عن الشرعيّة، وإنّما المحدث ما فعل ثانياً كيف كان.

وقد روى محمّد بن مسلم قال: سألته عن الجمعة، فقال: «أذان وإقامة يخرج الإمام بعد الأذان فيصعد المنبر»(3) .

(و) كذا يحرم (البيع وشبهه) من العقود والإيقاعات (بعد الزوال).

أمّا تحريم البيع: فلقوله تعالى: (وَذَرُواْ الْبَيْعَ )(4) ، أمر بتركه حينئذ، فيكون فعله محرَّماً.

والمراد بالنداء الأذان الواقع بعد الزوال، وإنّما علّقه المصنّف على الزوال لأنّه السبب الموجب للصلاة، والنداء إعلام بدخول الوقت فالعبرة به فلو اتّفق تأخّر الأذان عن أوّل الوقت نادراً لم يؤثّر في التحريم السابق؛ لوجود العلّة، وهو وجوب السعي المترتّب على دخول الوقت وإن كان في الآية مترتّباً على الأذان.

ص: 391


1- احتمله المحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 425 ثمّ ضعّفه .
2- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 244 - 245 ، ح 663 .
3- الكافي، ج 3، ص 424، باب تهيئة الإمام للجمعة .... ح 7؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 241، ح 648.
4- الجمعة (62): 9.

ولو فرض عدم الأذان لم يسقط وجوب السعي، فإنّ المندوب لا يكون شرطاً للواجب.

وأكثر الأصحاب(1) علّقوا التحريم على الأذان؛ لظاهر الآية، بل صرّح بعضهم(2) بالكراهة بعد الزوال قبل الأذان. وهو أوضح دلالة وإن كان ما هنا أجود.

وعلّقه في الخلاف على جلوس الخطيب على المنبر(3). وكأنّه بناء على ما تقدّم من وقوع الأذان بين يديه.

وأمّا ما أشبه البيع من الإجارة والصلح والنكاح والطلاق وغيرها فألحقها به المصنّف(4) ، وجماعة(5) ؛ للمشاركة في العلّة المومئ إليها في قوله: (ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ)(6) وإنّما خصّ البيع لأنّ فعله كان أكثريّاً؛ لأنّهم كانوا يهبطون إلى المدينة من سائر القرى لأجل البيع والشراء.

وأيضاً فإنّ ظاهر الآية يقتضي وجوب السعي بعد النداء على الفور لا من جهة الأمر؛ لعدم دلالته على الفوريّة كما حُقّق في الأصول، بل من جهة أنّ الأمر بترك البيع، والسعي إلى الصلاة قرينة إرادة المسارعة، فيكون كلّ ما نافاها كذلك.

قال في الذكرى :

ولو حملنا البيع على المعاوضة المطلقة - التي هي معناه الأصلي- كان مستفاداً من الآية تحريم غيره.

- قال: - ولأنّ الأمر بالشيء يستلزم النهي عن ضدّه، ولا ريب أنّ السعي مأمور به

ص: 392


1- منهم المحقّق في المعتبر، ج 2، ص 296؛ والشهيد في ذكرى الشيعة، ج 4، ص 64 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).
2- الشيخ في الخلاف، ج 1، ص 629 - 630، المسألة 402.
3- الخلاف، ج 1، ص 629 - 630، المسألة 402.
4- نهاية الإحكام، ج 2، ص 54 .
5- منهم: الشهيد في الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 112 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9)؛ والسيوري في التنقيح الرائع، ج 1، ص 230؛ والمحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 427 - 428.
6- الجمعة (62): 9 .

فيتحقّق النهي عن كلّ ما ينافيه من بيع وغيره من سائر الشواغل عن السعي. وجَعَل الأخير أولى(1).

وفيهما نظر؛ لأنّ البيع حقيقة شرعيّة في المعاوضة الخاصّة، ويجب حمل اللفظ على حقيقته الشرعيّة مع الإمكان مقدّمةً على أختيها، فلا يتّجه حمل البيع على المعنى اللغوي. والأمر بالشيء إنّما يستلزم النهي عن ضدّه العامّ الذي هو النقيض، لا الأضداد الخاصّة، وقد تقدّم تحقيقه غير مرّة، وهو عمدة الشهيد (رحمه الله) في الاستدلال في غير هذه المسألة، فلا حجّة في الآية على تحريم هذه الأضداد هذه الأضداد من هذا الوجه.

ومَنَع في المعتبر(2) من تحريم غير البيع اقتصاراً بالمنع على موضع اليقين. والقياس عندنا باطل.

وتوقّف فيه المصنّف في بعض كتبه (3).

(و) على تقدير التحريم ( ينعقد) البيع لو أوقعه حينئذ؛ لعدم المنافاة بين قول الشارع: «لا بيع وقت النداء» و «إن بعت ملكت الثمن» ولأنّ النهي إنّما دلّ على الزجر عن الفعل، والصحّة أمرٌ آخر، وهذا بخلاف النهي في العبادات فإنّه يقتضي الفساد؛ لتحقّق المنافاة بین الصحّة والنهي فإنّ صحيح العبادة ما وافق مراد الشارع، وما نهى عنه لا يكون مراداً له.

وذهب الشيخ إلى البطلان(4) ، بناءً على أنّ النهى مفسد مطلقاً. وتحقيق المسألة في الأصول.

واعلم أنّه لو كان أحد المتعاقدين مخاطباً بالجمعة دون الآخر، فالتحريم في حقّ المخاطب بحاله. وهل يحرم في حقّ الآخر أو يكره؟ خلاف، والتحريم متّجه؛ لمعاونته

ص: 393


1- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 65 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).
2- المعتبر، ج 2، ص 297 .
3- تذكرة الفقهاء، ج 4، ص 110 ، المسألة 428.
4- المبسوط، ج 1، ص 214؛ الخلاف، ج 1، ص 631 ، المسألة 404.

له على الإثم المنهيّ عنه في قوله تعالى: (وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ )(1) وهو يقتضي التحريم.

(ويكره السفر) يوم الجمعة للمخاطب بها (بعد الفجر) وقبل الزوال؛ لما فيه من منع نفسه من أكمل الفرضين مع قرب وقته وحضور اليوم المنسوب إليه، وإنّما لم يحرم لعدم وجود السبب. وإضافته إلى الجمعة لا توجب كون مجموع اليوم سبباً.

(وفي وجوب الإصغاء) من المأمومين إلى الخطبة بمعنى استماعهم لها تاركين للكلام (و) وجوب (الطهارة في الخطيب) حالة الخطبة من الحدث والخبث (وتحريم الكلام) على الخطيب و المأمومين (قولان):

أحدهما الوجوب في الأوّلين وتحريم الأخير؛ لأنّ فائدة الخطبة لا تتمّ إلّا بالإصغاء.

ولصحيحة عبدالله بن سنان عن الصادق علیه السلام : «إنّما جعلت الجمعة ركعتين من أجل الخطبتين، فهي صلاة حتّى ينزل الإمام»(2) فجعل الخطبتين صلاة، وكلّ صلاة تجب فيها الطهارة ويحرم الكلام.

ولا يرد أنّ ذلك في الصلاة الشرعيّة وليست مرادةً هنا، بل إمّا المعنى اللغوي أو التشبيه بحذف أداته فلا تتمّ كلّيّة الكبرى، أو تفسد الصغرى، أو لا يتّحد الوسط؛ لأنّ اللفظ يجب حمله على المعنى الشرعي، ومع تعذّره يحمل على أقرب المجازات إلى الحقيقة المتعذّرة، وهو يستلزم المطلوب، فتجب مساواتهما للصلاة في كلّ ما لا يدلّ على خلافه دليل يجب المصير إليه وللتأسّي في الطهارة بالنبيّ وآله علیهم السلام . وهذا هو الأجود.

والقول الثاني: عدم وجوب الإصغاء وعدم وجوب الطهارة وعدم تحريم الكلام ذهب إليه جماعة(3) اعتماداً على الأصل، وفي الكلام على صحيحة محمّد بن مسلم

ص: 394


1- المائدة (5): 2 .
2- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 12 - 13، ح 42.
3- منهم الشيخ في المبسوط، ج 1، ص 212؛ والمحقّق في المعتبر، ج 2، ص 294.

عن الصادق قال علیه السلام : «إذا خطب الإمام يوم الجمعة فلا ينبغي لأحد أن يتكلّم حتّى يفرغ الإمام من خطبته»(1) ، ولفظة «لا ينبغي» تدلّ على الكراهة. وأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم لم ينكر على مَنْ سأله في حال خطبته عن الساعة إلى أن سأل ثلاثاً فأجابه صلى الله عليه و آله و سلم(2)، ولو حرم الكلام لأنكره صلى الله عليه و آله و سلم.

والجواب: أنّ «لا ينبغي» كما تصلح للمكروه تصلح للحرام، فلتحمل عليه جمعاً بينها وبين ما تقدّم. وجوابه صلى الله عليه و آله و سلم وعدم إنكاره جاز استناده إلى علمه بضرورة السائل والضرورة مبيحة للكلام قطعاً؛ بل نقل فيه المصنّف الإجماعَ في التذكرة (3). وقد علم من الدليل أنّ الطهارة من الحدث والخبث شرط ، وبذلك صرّح الشهيد في البيان(4) ، وفي الذكرى والدروس خصّها بالحدثيّة (5)5 لا غير. ولعلّ الأقوال حينئذٍ ثلاثة، ومقتضى الدليل أيضاً وجوبها على الإمام والمأموم، لكن لم أقف على قائل بوجوبها على المأموم، كما ذكروه في الكلام، فلذلك قيدناه بالخطيب.

ووجوب الإصغاء غير مختصّ بالعدد لعدم الأولويّة. نعم، سماع العدد شرط في الصحّة، ولا منافاة بينهما، فيأثم مَنْ زاد وإن صحّت الخطبة، كما أنّ الكلام لا يبطلها أيضاً وإن حصل الإثم.

وهل يجب إسماع مَنْ يمكن سماعه من غير مشقة وإن زاد عن العدد؟ نظر من وجوب الإصغاء عليه كما سيأتي، وهو لا يتمّ إلّا مع إسماعه. ومن كون الوجوب بالنسبة إلى الزائد عن العدد مشروطاً بإمكان السماع كما سيأتي، فلا منافاة.

وربما قيل بعدم وجوب الإسماع مطلقاً؛ لأصالة البراءة وإن وجب الاستماع؛ لتغاير

ص: 395


1- الكافي، ج 3، ص 421، باب تهيئة الإمام للجمعة... . ح 2 تهذيب الأحكام، ج 3، ص 20، ج 73 .
2- السنن الكبرى البيهقي، ج 3، ص 313، ح 5837 ؛ مسند أحمد، ج 3، ص 647 ، ح 12292 .
3- تذكرة الفقهاء، ج 4، ص 77، المسألة 409 .
4- البيان. ص 184 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 12).
5- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 51 الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 109 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8 و 9)؛ وفيه في المتن الخبث وفي الهامش في باقي النسخ الحدث.

محلّ الوجوبين، فلا يستلزم وجوب الإصغاء على المأموم وجوب الإسماع على الخطيب. ولأنّ وجوبه مشروط بإمكان السماع، كما مرّ.

وإنّما يجب الإصغاء ويحرم الكلام على مَنْ يمكن في حقّه السماع، فالبعيد الذي لا يسمع والأصمّ لا يجب عليهما ولا يحرم؛ لعدم الفائدة.

ولا يحرم غير الكلام ممّا يحرم في الصلاة، خلافاً للمرتضى(1) .

ولا فرق بين الإمام والمؤتم في تحريم الكلام لظاهر الخبر السالف(2). وربما فرّق بينهما وخصّ التحريم بغير الإمام؛ لتكلّم النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم حال الخطبة(3).

وقد عرفت أنّ مطلق الكلام غير محرّم.

وهل يحرم الكلام بين الخطبتين ؟ الظاهر ذلك؛ لقوله علیه السلام في الحديث السالف(4) : «هي صلاة حتّى ينزل الإمام» وحالة الجلوس بينهما وما حقّها قبل نزوله فيدخل(5) في المغيّى.

وجوزه المصنّف(6) ؛ لعدم سماع شيء يشغله عنه الكلام.

واعلم أنّ وجوب الإصغاء يستلزم تحريم الكلام على المأموم؛ لأنّ ترك الكلام جزء تعريف الإصغاء، كما نصّ عليه بعض أهل اللغة(7) ، فلا يحصل بدونه، لكنّ المصنّف جمع بينهما لفائدة التأكيد أو التعميم لإدخال الإمام فإنّه لا يجب عليه الإصغاء، ويجب عليه ترك الكلام على أحد القولين.

ص: 396


1- حكاه عنه المحقّق في المعتبر، ج 2، ص 295 - 296 نقلاً عن المصباح.
2- أي خبر محمّد بن مسلم، السالف في ص 391.
3- تقدّمت الإشارة إلى مصدره في ص 395 الهامش2 .
4- في ص 394.
5- كذا، والظاهر .يدخل.
6- تذكرة الفقهاء، ج 4، ص 77 المسألة 409 .
7- قال الشارح في مسالك الأفهام، ج 1، ص 244؛ وفي القاموس المحيط، ج 4، ص 354، [«صغو»: ] الإصغاء هو الاستماع مع ترك الكلام. انتهى. وليس فيه اعتبار ترك الكلام.

وفي الصحاح : أصغيت إلى فلان: إذا ملتَ بسمعك نحوه(1).

وهذا التعريف لا يستلزم ترك الكلام فيمكن بناء كلام المصنّف عليه أيضاً، فالإصغاء على الأوّل أخصّ من الاستماع، وعلى الثاني مرادف له.

(والممنوع من سجود) الركعة (الأولى) على الأرض مع الإمام - لكثرة الزحام ونحوه - لا يجوز له أن يسجد على ظهر غيره أو رجله إجماعاً، بل ينتظر حتّى يتمكّن من السجود ولو بعد قيام الإمام للثانية، و (يسجد ويلحق) الإمام بمعنى إدراكه من الصلاة قدر ما أدركه الإمام إن أدركه (قبل الركوع) ويغتفر ذلك للحاجة والضرورة، ومثله وقع في صلاة عسفان حيث سجد النبيّ صلى الله عليه وآله و سلم وبقي صفّ لم يسجد معه(2) ، والمشترك بينهما الحاجة.

(فإن تعذر) إدراكه قبل الركوع (لم يلحق) لفوات معظم الركعة الثانية وبعض الأُولى، والمجموع قدر ركعة كاملة (ويسجد معه في) الركعة (الثانية).

ويفهم من قوله «فإن تعذّر لم يلحق» بعد قوله «إنّه يلحق قبل الركوع» أنّه لو أدركه راكعاً لا يلحق أيضاً؛ لعدم وصفه حينئذ بكونه قبل الركوع فيدخل في القسم الثاني، وقد نصّ المصنّف (3) وغيره(4) ؛ هنا أيضاً على اللحوق فيقوم منتصباً مطمئنّاً يسيراً بغير قراءة ثمّ يركع.

(و) متى سجد معه في الثانية ولم يكن أدرك الركوع (ينوي بهما) أي بالسجدتين للركعة (الأولى) لأنّه لم يسجد لها بعدُ (ثمّ يتمّ الصلاة) بعد تسليم الإمام.

وإنّما وجب أن ينوي بهما الأولى دون باقي السجدات؛ لتخالف سجدتيه وسجدتي إمامه .

ص: 397


1- الصحاح، ج 4، ص 2401، «صفا».
2- سنن أبي داود، ج 2، ص 11 - 12 ، ح 1236؛ سنن النسائي، ج 3، ص 177؛ سنن الدار قطني، ج 2، ص 199 - 200، ح 9/14 : السنن الكبرى البيهقي، ج 3، ص 365، ح 6025.
3- قواعد الأحكام، ج 1، ص 288؛ نهاية الإحكام، ج 2، ص 27.
4- كالمحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 430 - 431.

(ولو نوى بهما) للركعة (الثانية بطلت صلاته) على المشهور لمكان الزيادة.

وحكم المرتضى والشيخ في أحد قوليه بعدم البطلان بذلك، وبحذفهما، ويأتي بسجدتين للأُولى(1) ؛ لرواية حفص بن غياث عن أبي عبدالله صلى الله عليه وآله و سلم فيمن زُوحم عن سجود لى ولم يقدر على السجود حتّى سجد الإمام للثانية: «إن لم ينو تلك السجدة للركعة الأولى لم يجزئ عنه الأولى ولا الثانية، وعليه أن يسجد سجدتين وينوي أنّهما للركعة الأولى، وعليه بعد ذلك ركعة تامّة يسجد فيها»(2) .

والرواية ضعيفة السند بحفص، والزيادة عمداً مبطلة، فالبطلان أوجه.

ومال الشهيد في الذكرى إلى العمل بمضمونها لشهرتها، وعدم وجود ما ينافيها في هذا الباب، وزيادة السجود تغتفر في المأموم إذا سجد قبل إمامه. ونَقَل عن الشيخ جواز الاعتماد على كتاب حفص(3) .

ولو سجد مع الإمام والحال هذه من غير نيّة الأولى ولا الثانية فقولان أيضاً، أوضحهما الصحّة؛ حملاً للإطلاق على ما فى ذمته، فإنّه لا يجب لكلّ فعل من أفعال الصلاة نيّة وإن كان المصلّي مسبوقاً، وإنّما يعتبر للمجموع النيّة أوّلها.

واختار المصنّف البطلان محتجّاً بأن أفعال المأموم تابعة لإمامه، فالإطلاق ينصرف إلى مانواه الإمام وقد نوى الثانية، فينصرف فعل المأموم إليه(4).

ويردّه: أنّ وجوب المتابعة لا يصيّر المنويّ للإمام منويّاً للمأموم كما في كلّ مسبوق، ولا يصرف فعله عمّا في ذمّته، والأصل يقتضي الصحّة، وقد تضمّنت الرواية اطّراح السجود هنا أيضاً، كما يطرح لو نوى به الثانية، والقائل بهما واحد.

ص: 398


1- الخلاف، ج 1، ص 603 المسألة 363: وحكى قول السيّد المرتضى ابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 300 نقلاً عن المصباح.
2- الفقيه، ج 1 ، ص 419 - 420. ح 1238: تهذيب الأحكام، ج 3، ص 21 - 22، ح 78.
3- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 44 (ضمن موسوعة الشهيد الأوِل، ج 8)؛ وراجع فهرست كتب الشيعة وأصولهم ص 158 . الرقم 242 .
4- نهاية الإحكام، ج 2، ص 28 .

(ويستحبّ أن يكون الخطيب بليغاً) بمعنى جمعه بين الفصاحة - التي هي عبارة عن خلوص الكلام من ضعف التأليف وتنافر الكلمات والتعقيد، وعن كونها غريبةً وحشيّة - وبين البلاغة وهي القدرة على تأليف الكلام المطابق لمقتضى الحال من التخويف والإنذار وغيرهما بحيث يبلغ به كنه المطلوب من غير إخلال ولا إملال.

وإنّما استحبّ ذلك لكون الكلام حينئذٍ يكون له أثر بيّن في القلوب، وذلك أمر مطلوب.

وأن يكون (مواظباً على الفرائض) محافظاً عليها في أوائل أوقاتها متّصفاً بما يأمر به مجانباً عمّا ينهى عنه ليكون لوَعظه موقعُ في النفوس.

(والمباكرة إلى المسجد) للإمام وغيره.

روی عبدالله بن سنان عن الصادق علیه السلام:« إنّ الجنان لتزخرف وتزين يوم الجمعة لمن

أتاها، وإنّكم تتسابقون إلى الجنّة على قدر سبقكم إلى الجمعة»(1) .

وروى محمّد بن مسلم عن الباقر علیه السلام :« تجلس الملائكة يوم الجمعة على باب

المسجد فيكتبون الناس على منازلهم الأوّل والثاني حتّى يخرج الإمام»(2) .

والمراد بالمباكرة - على ما ذكره المصنّف في التذكرة(3) - التوجّه بعد الفجر وإيقاع صلاة الصبح(4) فيه والاستمرار.

ولتكن المباكرة (بعد) التأهّب لها بالغسل و (حلق الرأس وقصّ الأظفار والشارب، والسكينة) في الأعضاء حالة الخروج إلى المسجد أو في جميع اليوم بمعنى الاعتدال في حركاتها (والطيب ، ولُبس أفخر الثياب) وأعلاها ثمناً، ولتكن بيضاً.

ص: 399


1- الكافي، ج 3، ص 415 ، باب فضل يوم الجمعة وليلته، ح:9 تهذيب الأحكام، ج 3، ص 3 - 4 ، ح 6 .
2- الكافي، ج 3، ص 413، باب فضل يوم الجمعة وليلته ، ح 2.
3- تذكرة الفقهاء . ج 4 ص 102 ، المسألة 425.
4- في الطبعة الحجريّة: «الفجر» بدل «الصبح».

قال الصادق علیه السلام :«ليتزيّن أحدكم يوم الجمعة ويتطيب ويسرّح لحيته ويلبس أنظف ،ثيابه، وليتهيّأ للجمعة، وليكون عليه في ذلك اليوم السكينة والوقار»(1) .

وعن النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم: «أحبّ الثياب إلى الله البيض»(2).

ويتأكّد التجمّل في حقّ الإمام والزيادة فيه على غيره.

وربما استشكل تقديم الغسل على المباكرة : لما مرّ في صدر الكتاب من استحباب تأخيره إلى آخر ،وقته، وكونه كلّما قرب من الزوال كان أفضل و من ثُمَّ لم يذكره المصنّف هنا فيما تقدّم على المباكرة، لكنّه موجود في بعض الأخبار(3) .

وطريق الجمع حمل استحباب التأخير على عدم معارضة طاعة أعظم منه، فإنّ المباكرة إلى المسجد مشتملة على عدّة طاعات: المسارعة إلى الخير والكون في المسجد وما يترتّب عليه من الذكر والدعاء وتلاوة القرآن والصلاة وغيرها، فمتى باكر المكلّف استحبّ له تقديمه، ولتحصل الفائدة التي شرّع لأجلها، وإن لم يباكر لمانع أو اقتراحاً أخّر الغسل.

(والتعمّم) شتاءً وصيفاً (والرداء) وليكن يمنيّةً ، أو عدنيّةً(4)، روي ذلك عن الصادق علیه السلام(5)، وللتأسّي، ولأنّه أنسب بالوقار.

(والاعتماد) على شيء حال الخطبة من سيف أو عكاز أو قوس أو قضيب؛ تأسّياً بالنبيّ صلی الله علیه وآله وسلم .

ص: 400


1- الكافي، ج 3، ص 417 ، باب التزيّن يوم الجمعة، ح 1 تهذيب الأحكام، ج 3، ص 10، ح 32.
2- كما في ذكرى الشيعة، ج 4، ص 59 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).
3- صحيح البخاري، ج 1، ص 301، ح 841؛ صحیح مسلم، ج 2، ص 582 ، ح 850/10؛ سنن أبي داود، ج 1، ص 96 ، ح 351 الجامع الصحيح، ج 2، ص 372، ح 499؛ سنن النسائي، ج 3، ص 99؛ السنن الكبرى البيهقي ج 3، ص 320 ، ح 5863: مسند أحمد، ج 3، ص 219، ح 9610.
4- كذا، والظاهر: «يمنيّاً» بالتذكير.
5- الكافي، ج 3، ص 421 ، باب تهيئة الإمام للجمعة.... ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 243، ح 655.

ولقول الصادق علیه السلام : «يتوكّأ على قوس أو عصا» (1).

(والسلام أوّلاً) - أي أوّل ما يصعد المنبر - على الناس على المشهور؛ لرواي-ة عمرو بن جميع رفعه عن عليّ علیه السلام أنّه قال: «من السنّة إذا صعد الإمام المنبر أن يسلّم إذا استقبل الناس »(2).

ونفى الشيخ في الخلاف(3) استحبابه؛ استضعافاً للرواية.

ويجب عليهم ردّ جواب السلام كفايةً؛ لعموم الأمر بردّ التحيّة.

واعلم أنّ جميع هذه السنن مندوبة ،للإمام، وقد يشركه غيره في بعضها، وهي أوساطها وإن كان المشترك أيضاً للإمام آكد، وعلى هذا فيمكن كون الاستحباب في كلام المصنّف متعلّقاً بالخطيب وبالمصلّي على حسب ما يمكن.

ص: 401


1- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 245، ح 664.
2- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 244، ح 662.
3- الخلاف، ج 1 ، ص 624 ، المسألة 394.

(المقصد الثالث في صلاة العيدين)

وهما اليومان المعروفان، واحدهما عيد، وياؤه منقلبة عن واو؛ لأنّه مأخوذ من العود إمّا لكثرة عوائد الله تعالى على عباده ورحمته فيه، وإمّا لعود السرور والرحمة بعوده ، والجمع «أعياد» على غير قياس؛ لأنّ حقّ الجمع ردّ الشيء إلى أصله، لكن للزوم الياء في مفرده بقيت في الجمع، أو للفرق بين جمعه وجمع عُود الخشب.

(وتجب) صلاة العيدين عندنا عيناً إجماعاً (بشروط الجمعة) إلّا الخطبتين، فإنّها وإن وجبتا فيها لكنّهما متأخّرتان عنها فلا تكونان شرطاً.

ثمّ إن اجتمعت الشرائط -التي من جملتها الإمام أو مَنْ نصبه - وجبت (جماعة) لا غير، كالجمعة.

(ومع تعذّر الحضور) مع الجماعة وإن كان الإمام حاضراً (أو اختلال الشرائط) الصادق بفقد بعضها (تستحبّ جماعةً وفرادى) وشرط الوحدة معتبر مع وجوبهما معاً، لا مع ندبهما أو ندب إحداهما.

ولا مدخل للفقيه حال الغيبة في وجوبها في ظاهر الأصحاب وإن كان ما في الجمعة من الدليل قد يتمشّى هنا إلّا أنّه يحتاج إلى القائل.

ولعلّ السرّ في عدم وجوبها حال الغيبة مطلقاً بخلاف الجمعة: أنّ الواجب الثابت في الجمعة إنّما هو التخييري كما مرّ، أمّا العيني فهو منتفٍ بالإجماع، والتخييري في العيد غير متصوّر؛ إذ ليس معها فرد آخر يتخيّر بينها وبينه فلو وجبت لوجبت عيناً وهو خلاف الإجماع. وما ذكره المصنّف هو المشهور بين الأصحاب.

ص: 402

وذهب بعضهم(1) إلى أنّها عند اختلال الشرائط تصلّى فرادى لا غير.

والعمل على المشهور، إلّا أنّها متى صُلّيت فرادى لا يخطب المصلّي لانتفاء المقتضي.

ولا يشترط في جواز فعلها مندوبةً خلق الذمّة من قضاء واجب؛ لما مرّ من عدم اشتراطه في مطلق المندوبة، خلافاً للأكثر .

(وكيفيّتها أن يكبّر للافتتاح ويقرأ بعده الحمد وسورة، ويستحبّ) أن تكون سورة (الأعلى) لرواية إسماعيل الجعفي عن الباقر علیه السلام(2).

وقيل: الأفضل «الشمس» (3)؛ لصحيحة جميل عن الصادق علیه السلام(4) .

وفيهما دلالة على اشتراكهما في الأفضليّة.

(ثمّ يكبّر ) بعد الفراغ من القراءة (ويقنت) بعده بما شاء من الدعاء، وأفضله المرسوم وهو «اللهمّ أهل الكبرياء والعظمة» إلى آخره، ثمّ يكبّر ويقنت وهكذا (خمساً، ويكبّر) بعد قنوت التكبيرة )الخامسة تكبيرة الركوع، وهي (السادسة) بالإضافة إلى الخمس (مستحبّاً، ويركع ثمّ يسجد سجدتين على الوجه المقرّر ( ثم يقوم) إلى الركعة الثانية (فيقرأ الحمد وسورة، ويستحبّ الشمس) على الأوّل، والغاشية على الثاني (ثم يكبّر، ويقنت أربعاً) كما مرّ (ثمّ يكبّر الخامسة مستحبّاً للركوع، ثمّ يسجد سجدتين، ويتشهّد ويسلّم) هذا هو المشهور في كيفيّتها بين الأصحاب ومذهب الأكثر(5) .

ص: 403


1- السيّد المرتضى في جُمل العلم والعمل، ص 79 .
2- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 132، ح 288 .
3- هذا قول الشيخ المفيد في المقنعة، ص 194 والسيّد المرتضى في جُمل العلم والعمل، ص 79؛ والقاضي ابن البرّاج في المهذّب، ج 1، ص 122؛ وأبي الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه، ص 153؛ والسيّد ابن زهرة في غنية النزوع، ج 1، ص 95.
4- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 127 - 128، ح 270.
5- منهم السيّد المرتضى في جُمل العلم والعمل، ص 79 - 80؛ والشيخ في النهاية، ص 135؛ والمبسوط، ج 1، ص 240؛ والقاضي ابن البرّاج في المهذّب، ج 1، ص 122 وأبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه، ص 153 - 154: وابن حمزة في الوسيلة، ص 111؛ والسيّد ابن زهرة في غنية النزوع، ج 1، ص 95 وابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 317؛ والمحقّق في المعتبر، ج 2، ص 312 .

وذهب ابن الجنيد إلى أنّ التكبير والقنوت في الركعة الأولى قبل القراءة وفي الثانية بعدها(1) .

ومستند المشهور : صحيحة معاوية بن عمّار عن الصادق علیه السلام : «ثمّ يقرأ فاتحة الكتاب ثمّ الشمس ثمّ يكبّر خمس تكبيرات ثمّ يكبّر ويركع بالسابعة ثمّ يقوم فيقرأ ثمّ يكبّر أربع تكبيرات» قال: «وهكذا صنع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم»(2)، وفي معناها أخبار أُخر.

و مستند ابن الجنيد أيضاً أخبار صحاح تُرَجَّحُ هذه عليها للشهرة.

(ووقتها من طلوع الشمس إلى الزوال) على المشهور، بل قيل: إنّه إجماع(3) ، وبه وردت الأخبار.

وذهب بعض الأصحاب(4) إلى أنّ أوّل وقتها انبساط الشمس.

(ولو فاتت) فلم تصلّ في وقتها (لم تقض) على المشهور لعدم الدليل، وعدم ترتّب القضاء على فوات الأداء، كما حُقّق فى الأصول.

ولقول الباقر علیه السلام : «مَنْ لم يصلّ مع الإمام في جماعة فلا صلاة له ولا قضاء عليه»(5) .

وقال ابن إدريس: يستحبّ قضاؤها(6) .

وقيل: تقضى أربعاً كالجمعة في إبدالها بالظهر، وهو اختيار ابن الجنيد وابن بابويه(7) .

ص: 404


1- حكاه عنه المحقّق في المعتبر، ج 2، ص 313؛ والعلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 266، المسألة 154.
2- الكافي، ج 3، ص 460 ، باب صلاة العيدين والخطبة فيهما ، ح 3 تهذيب الأحكام، ج 3، ص 129، ح 278؛ الاستبصار، ج 1، ص 448 ، ح 1733.
3- القائل هو المحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 451.
4- كالشيخ في المبسوط، ج 1، ص 239؛ وأبي الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه، ص 153؛ وابن حمزة في الوسيلة، ص 111؛ وابن إدريس في السرائر ، ج 1، ص 320 .
5- الكافي، ج 3، ص 459، باب صلاة العيدين والخطبة فيهما، ح 1 تهذيب الأحكام، ج 3، ص 128، ح 273؛ الاستبصار، ج 1، ص 444 ، ح 1714.
6- السرائر، ج 1، ص 318.
7- حكاه عنهما العلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 277 ، المسألة 165 .

وروى أبو البختري عن الصادق علیه السلام: «مَنْ فاته العيد فليصلّ أربعاً »(1) .

ثمّ اختلفا، فذهب ابن الجنيد إلى كون الأربع مفصولات بالتسليم(2) ، وابن بابويه إلى كونها بتسليمة واحدة(3) .

قال في الذكرى: ولم نقف على مأخذهما، ورواية الأربع مع ضعف سندها مطلقة(4) .

( ويحرم السفر) على المخاطب بها (بعد طلوع الشمس قبل الصلاة) لاستلزامه إسقاط الواجب بعد حصوله.

هذا إذا كان إلى مسافة، ولو(5) كان إلى ما دونها اعتبر في التحريم استلزامه تفويتها.

( ويكره بعد الفجر) لاستلزامه إسقاط الواجب بعد قربه.

ولرواية عاصم بن حميد عن أبي بصير، عن أبي عبدالله علیه السلام : «إذا أردت الشخوص في يوم عيد فانفجر الصبح وأنت في البلد فلا تخرج حتّى تشهد ذلك العيد»(6) ولما لم يثبت الوجوب حُمل النهي على الكراهة.

(والخطبة بعدها) إجماعاً وتقديمها بدعة عثمانيّة.

روى محمد بن مسلم عن الباقر علیه السلام : «إنّ عثمان لما أحدث أحداثه كان إذا فرغ من الصلاة قام الناس فلمّا رأى ذلك قدّم الخطبتين واحتبس الناس للصلاة»(7). ثمّ تبعه بنو أُميّة وابن الزبير، ثمّ انعقد إجماع المسلمين على كونهما بعد الصلاة.

وروى العامّة أنّ مروان قدّم الخطبة، فقال له رجل: خالفت السنّة، فقال: تُترك ذاك. فقال أبو سعيد الخدري : أمّا هذا فقد قضى ما عليه سمعت رسول الله يقول: «مَنْ رأى منكم منكراً فلينكره بيده فمن لم يستطع فلينكره بلسانه، فمن لم يستطع فلينكره

ص: 405


1- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 135، ح 295؛ الاستبصار، ج 1، ص 446 ، ح 1725.
2- حكاهما عنهما العلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 278، المسألة 166.
3- حكاهما عنهما العلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 278، المسألة 166.
4- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 72 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).
5- في الطبعة الحجريّة «فلو».
6- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 286، ح 853 .
7- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 287 ، ح 860 .

بقلبه، وذلك أضعف الإيمان»(1) .

واختلف في وجوب الخطبة، فذهب المصنّف(2) وجماعة(3) إلى الوجوب؛ لمداومة النبيّ والأئمّة علیهم السلام عليها المقتضي لوجوب التأسّي، ولم ينقل تركها عن أحد منهم. والأكثر(4) على الاستحباب بل ادّعى في المعتبر عليه الإجماع(5)، وليس في الأخبار تصريح بالوجوب. قال في الذكرى والعمل بالوجوب أحوط(6) .

(واستماعها مستحبّ) إجماعاً لا واجب، ولهذا أُخَّرتا عن الصلاة ليتمكّن المصلّي من تركهما.

وروی عبدالله بن السائب قال شهدت مع النبيّ صلی الله علیه وآله وسلام العيد فلمّا قضى الصلاة قال: «إنّا نخطب فمَنْ أحبَّ أن يجلس للخطبة فليجلس ، ومَنْ أحبّ أن يذهب فليذهب »(7).

و استحباب الاستماع بعد نفي الوجوب ظاهر؛ لما فيه من الاتعاظ وحضور مجالس الذكر المؤدّي إلى إقبال القلوب على الله تعالى.

وهما خطبتان كخطبتي الجمعة لكن ينبغي أن يذكر في خطبة الفطر ما يتعلّق بالفطرة ووجوبها وشرائطها وقدر المخرج وجنسه ومستحقّه، وفي الأضحى أحكام الأضحية.

وفي وجوب القيام فيهما والجلوس بينهما نظر.

ص: 406


1- صحیح مسلم، ج 1، ص 69 ، ح 49/78؛ سنن ابن ماجة، ج 1، ص 406 ، ح 1275؛ سنن أبي داود، ج 1 ص 296 - 297، ح 1140: السنن الكبرى، البيهقي، ج 3، ص 416 - 417 ح 6202؛ مسند أحمد، ج 3، ص 397، ح 10766: المصنف عبد الرزّاق، ج 3، ص 285، ح 5649.
2- تذكرة الفقهاء، ج 4، ص 136 ، المسألة 447؛ منتهى المطلب، ج 6، ص 50: نهاية الإحكام، ج 2، ص 61.
3- منهم ابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 317.
4- انظر ذكرى الشيعة، ج 4، ص 80 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).
5- المعتبر، ج 2، ص 324 .
6- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 81 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).
7- سنن أبي داود، ج 1، ص 300، ح 1155؛ المستدرك على الصحيحين، ج 1، ص 295؛ سنن الدار قطني، ج 2، ص 184 ، ح 30/1720.

وكذا في استحباب الجلوس قبلهما. ونفاه المصنّف في بعض كتبه؛ لأنّ استحبابه في الجمعة لأجل الأذان، وهو منفيّ هنا(1) . وفي كون شرعيّته لذلك شكّ.

(ولو اتّفق عيد وجمعة، تخيّر مَنْ صلّى العيد في حضور الجمعة) على المشهور بين الأصحاب.

ولا فرق في ذلك بين مَنْ كان منزله قريباً أو بعيداً، خلافاً لابن الجنيد حيث خصّ الرخصة بالبعيد(2) ، ولابن البرّاج حيث منع أصل الرخصة(3) .

للمشهور: صحيحة الحلبي أنّه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن الفطر والأضحى إذا اجتمعا يوم الجمعة، قال: «اجتمعا في زمان عليّ علیه السلام فقال: مَنْ شاء أن يأتي الجمعة فليأت ومَنْ قعد فلا يضرّه ويصلّي الظهر، وخطب علیه السلام خطبتين جمع فيهما بين خطبة العيد وخطبة الجمعة »(4).

وهذه الرواية كما تدلّ على التخيير مطلقاً تُبطل القولين الآخرين، وترفع المقتضي لوجوب الصلاتين، كما احتجّ به ابن البرّاج.

(ويُعلم الإمام) الناسَ (ذلك) في خطبة العيد وجوباً، كما فعل أمير المؤمنين علیه السلام .

ويجب عليه الحضور لصلاة الجمعة، فإن اجتمع معه تمام العدد صلّاها، وإلّا فلا.

وروى إسحاق بن عمّار عن جعفر، عن أبيه علیهم السلام : «أنّ عليّاً علیه السلام كان يقول: إذا اجتمع للإمام عيدان في يوم واحد فإنّه ينبغي أن يقول للناس في خطبته الأولى إنّه قد اجتمع لكم عيدان فأنا أُصلّيهما جميعاً، فمن كان مكانه قاصياً فأحبّ أن ينصرف عن الآخر فقد أذنت له »(5).

وبهذه الرواية تمسّك ابن الجنيد على اختصاص الرخصة بالقاصي.

ص: 407


1- منتهى المطلب، ج 6، ص 52.
2- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 272، المسألة 160.
3- المهذّب، ج 2، ص 123.
4- الفقيه، ج 1، ص 509 - 510 ، ح 1475 .
5- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 137 ، ح 304.

ويضعف بأنّ استفادة التخصيص من باب المفهوم فلا يعارض المنطوق السابق.

(وفي وجوب التكبيرات الزائدة) على اليوميّة، وهي الخمس في الأولى والأربع في الثانية (و) وجوب (القنوت بينها ) أي بعد كلّ تكبير كما مرّ، فإنّ البينيّة تقتضي نقص قنوت وليس مراداً (قولان):

أحدهما - وهو مختار المصنّف في غير هذا الكتاب(1) ، والأكثر(2) -: الوجوب؛ لأنّ النبيّ صلى الله عليه وآله و سلم والأئمّة صلّوها كذلك، والتأسّي بهم واجب. ولأنّهم علیهم السلام نصّوا على وجوب صلاة العيد ثمّ بيّنوا كيفيّتها وذكروا التكبيرات الزائدة والقنوت في بيان الكيفيّة، وهو يقتضي الوجوب؛ لأنّ بيان الواجب واجب.

وقال الشيخ في أحد قوليه إنّهما مستحبّان(3) . واختاره المحقّق(4) ؛ لصحيحة زرارة عن الباقر علیه السلام ، إنّ عبد الملك بن أعين سأله عن الصلاة في العيدين، فقال: «الصلاة فيهما سواء، يكبّر الإمام تكبيرة الصلاة قائماً كما يصنع في الفريضة ثمّ يزيد في الركعة الأولى ثلاث تكبيرات وفي الأخرى ثلاثاً سوى تكبيرة الصلاة والركوع والسجود، وإن شاء ثلاثاً وخمساً، وإن شاء خمساً وسبعاً بعد أن يلحق ذلك إلى وتر»(5) فتجويزه علیه السلام الاقتصار على الثلاث - التي لا قائل بوجوبها - فقط يدلّ على استحباب التكبير والقنوت تابع له.

وحمل الشيخ في الاستبصار الرواية على التقيّة؛ لموافقتها مذهب كثير من العامّة(6).

وللجمع بينها وبين ما دلّ على الوجوب، كقول الكاظم علیه السلام في صحيحة يعقوب بن يقطين: «ثمّ يقرأ ويكبر خمساً ويدعو بينها ثمّ يكبّر أُخرى ويركع بها، فذلك سبع

ص: 408


1- قواعد الأحكام، ج 1، ص 290؛ مختلف الشيعة، ج 2، ص 269 - 271، المسألتان 157 و 158.
2- كما في ذكرى الشيعة، ج 4، ص 90 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8)؛ و جامع المقاصد، ج 2، ص 455.
3- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 134 الخلاف، ج 1، ص 661، المسألة 433 .
4- شرائع الإسلام، ج 1، ص 91 - 92؛ المعتبر، ج 2، ص 314.
5- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 134، ح 291؛ الاستبصار، ج 1، ص 447 - 448، ح 1732.
6- الاستبصار، ج 1، ص 448، ذيل الحديث 1732.

تكبيرات بالتي افتتح بها، ثمّ يكبّر في الثانية خمساً يقوم فيقرأ ثمّ يكبّر أربعاً ويدعو بينهنّ، ثمّ يركع بالتكبيرة الخامسة»(1)، وكلّ ذلك وقع بياناً للواجب بالأمر المؤدّى بصيغة الخبر فيكون واجباً.

واشتماله على الأمر بالمندوب - كما في تكبيرة الركوع - لا يخرج الباقي عن وضعه؛ لأنّ ذلك إنّما خرج بدليل خارج، وإلّا لكان واجباً أيضاً، كما ذهب إليه بعض الأصحاب(2) .

وفي جَعل الدعاء بين التكبيرات في الخبر تجوّز؛ لأنّ القنوت الأخير ليس بينها، كما لا يخفى، وقد تبعه المصنّف في العبارة.

(ويستحبّ الإصحار بها) وهو الخروج بها إلى الصحراء (إلّا بمكّة) شرّفها الله؛ للتأسّي بالنبيّ صلی الله علیه وآله وسلم ، فإنّه كان يصلّيها خارج المدينة(3).

وعن الصادق علیه السلام: «على أهل الأمصار أن يبرزوا في أمصارهم في العيدين إلّا أهل مكّة، فإنّهم يصلّون في المسجد الحرام»(4) .

هذا مع الإمكان وعدم المشقّة الشديدة المنافية للخروج من مطر أو وحل، وإلّا صُلّيت في المساجد.

قال الصادق علیه السلام في رواية هارون بن حمزة: «الخروج يوم الفطر والأضحى إلى الجبّانة حسن لمن استطاع الخروج إليها»(5) .

ص: 409


1- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 132، ح 287؛ الاستبصار، ج 1، ص 449، ح 1737.
2- هو ابن أبي عقيل كما حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 187 ، المسألة 105 - وسلّار في المراسم، ص 69.
3- الكافي، ج 3، ص 460، باب صلاة العيدين والخطبة فيهما، ح 3 تهذيب الأحكام، ج 3، ص 129 - 130، ح 278 .
4- الكافي، ج 3، ص 461، باب صلاة العيدين والخطبة فيهما ، ح 10: الفقيه، ج 1، ص 508، ح 1468؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 138، ح 307.
5- الفقيه، ج 1، ص 507 ، ح 1462: تهذيب الأحكام، ج 3، ص 288، ح 864؛ الاستبصار، ج 1، ص 445 ،ح 1821 .

(والخروج) ماشياً (حافياً ) لما روي أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم لم يركب في عيد ولا جنازة (1)، وأنّ عليّاً علیه السلام قال: «من السنّة أن تأتي العيد ماشياً وترجع ماشياً»(2)، ولأنّ الرضا علیه السلام لمّا خرج الصلاة العيد في عهد المأمون خرج حافياً(3) [ وروي](4) عن النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم أنّه قال: «من اغبرّت قدماه في سبيل الله حرّمهما الله على النار»(5).

وليكن الخروج (بالسكينة) في أعضائه، فليمش من غير استعجال ولا حركة تؤذن بعدم الخشوع، وبالوقار في نفسه بمعنى طمأنينتها وثباتها في حالة كونه (ذاكراً) لله تعالى في طريقه؛ لما نقل عن الرضا علیه السلام في الخبر السالف(6)، وتبعه المأمون في المشي والحفا والتواضع والذكر.

(وأن يطعم قبله) أي يأكل قبل الخروج، وهو - بفتح الياء وسكون الطاء وفتح العين - مضارع «طعم» بكسرها ك«علم يعلم».

هذا (في) عيد (الفطر، وبعده في الأضحى ممّا يضحّى به).

والفرق مع النصّ وجوب الإفطار يوم الفطر بعد وجوب الصوم، فينبغي المبادرة إلى المأمور به بعثاً للنفس على تلقّي الأوامر المتضادّة ورفعاً لهواجس النفس، وهذا المعنى لا يوجد بأجمعه في الأضحى.

نعم، يستحبّ الأكل من الأضحية، ولا يكون إلّا بعد الصلاة.

والمستند الأصلي الخبرُ ، فقد روي عن النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم أنّه كان لا يخرج في الفطر حتّى

ص: 410


1- أوردهما المحقّق في المعتبر، ج 2، ص 317 .
2- أوردهما المحقّق في المعتبر، ج 2، ص 317 .
3- الكافي، ج 1، ص 488 - 489 ، باب النوادر، ح 7؛ عيون أخبار الرضا، ج 2، ص 149 - 150، ح 2: الإرشاد، ج 2، ص 265 ( ضمن مصنّفات الشيخ المفيد، ج 11).
4- ورد بدل ما بين المعقوفين في «الأصل و م» والطبعة الحجريّة: «راوياً». والصحيح ما أثبتناه كما في ذكرى الشيعة، ج 4، ص 79 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8) وجامع المقاصد، ج 2، ص 444، مضافاً إلى أنّه لم يوجد في المصادر المشار إليها في الهامش 4 تلك الرواية عن الإمام الرضا علیه السلام .
5- صحيح البخاري، ج 1، ص 308، ح 865؛ مسند أحمد، ج 4، ص 527 ، ح 15505: المعجم الكبير، الطبراني، ج 19، ص 297، ح 661: السنن الكبرى البيهقي ، ج 3، ص 324 ، ح 5876 .
6- تقدّم آنفاً.

يفطر، ولا يطعم يوم الأضحى حتّى يصلّي(1).

وعن الصادق علیه السلام :«اطعم يوم الفطر قبل أن تصلّي، ولا تطعم يوم الأضحى حتّى ينصرف الإمام»(2) .

وعن الباقر علیه السلام: «لا تأكل يوم الأضحى إلا من أُضحيّتك(3) إن قويت، وإن لم تقو فمعذور»(4) .

وليكن الفطر في الفطر على الحلو، كما ذكره الأصحاب.

وروي عن النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم أنّه كان يأكل في الفطر قبل خروجه تمرات ثلاثاً أو خمساً أو

سبعاً أو أقلّ أو أكثر(5).

وفي الذكرى: أفضل الحلاوة السكر(6) .

وأمّا الإفطار على التربة الحسينيّة (صلوات الله على مشرّفها) فقد شرط في الذكرى لجوازه أن يكون به علّة، وحمل الرواية الدالّة على الجواز مطلقاً على الشذوذ(7) .

واستحبّ المصنّف في النهاية الإصباح بصلاة عيد الفطر أكثر من الأضحى لمكان الإفطار قبلها وإخراج الفطرة(8) .

(وعمل منبر ) - بكسر الميم وفتح الباء الموحّدة بعد النون - (من طين) في الصحراء. ولا ينقل منبر الجامع؛ لقول الصادق علیه السلام :«المنبر لا يحوّل من موضعه ولكن يجعل للإمام شيء يشبه المنبر من طين فيقوم عليه فيخطب الناس ثمّ ينزل»(9).

ص: 411


1- الجامع الصحيح، ج 2، ص 426 ، ح 542.
2- الفقيه، ج 2، ص 173 - 174، ح 2056؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 138، ح 310.
3- في «الأصل و م»: ضحيتك.
4- الفقيه ، ج 1، ص 508 ، ح 1467.
5- المستدرك على الصحيحين، ج 1، ص 294 السنن الكبرى البيهقي، ج 3، ص 400، ح 6155.
6- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 82 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).
7- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 82 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).
8- نهاية الإحكام، ج 2، ص 65 .
9- الفقيه، ج 1، ص 508 - 509، ح 1471؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 290، ج 873 بتفاوت في بعض الألفاظ.

ولو عمل من حجارة أو خشب ونحوهما تأدّت السنّة وإن كان المنقول أولى.

(والتكبير في الفطر عقيب أربع ) صلوات (أوّلها المغرب ليلته) وآخرها صلاة العيد (وفي الأضحى عقيب خمس عشرة) صلاة (إن كان بمنى) ناسكاً (أوّله) أي أوّل العدد (ظهر العيد) وآخره صلاة الفجر يوم الثالث عشر (وفي غيرها) أي غير منى (عقیب عشر) صلوات .

والقول باستحباب التكبير هو المشهور بين الأصحاب؛ لرواية سعيد النقّاش عن أبي عبد الله علیه السلام : «أما إنّ في الفطر تكبيراً ولكنّه مسنون» قال: قلت: وأين هو ؟ قال: «فى ليلة الفطر في المغرب والعشاء الآخرة وفي صلاة الفجر وصلاة العيد»(1) ، وإذا ثبت الاستحباب في الفطر ثبت في الأضحى؛ لعدم القائل بالفرق.

وذهب المرتضى إلى وجوب التكبير فيهما محتجّاً بالإجماع، وبقوله تعالى: (وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَنَكُم)(2)، وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَتٍ )(3) والأمر للوجوب(4) .

والإجماع ممنوع. والأمر قد يرد للندب، ويتعيّن حمله عليه هنا جمعاً بينه وبين ما دلّ على الاستحباب ولضعف القول بالوجوب وندوره .

واختلف في كيفيّته، والمشهور «الله أكبر، الله أكبر ، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر على ما هدانا وله الشكر على ما أولانا» ويزاد في الأضحى بعد قوله: «على ما أولانا»: «ورزقنا من بهيمة الأنعام».

وقيل : يكبّر في أوّله ثلاثاً، وبعد «لا إله إلا الله والله أكبر»: «ولله الحمد»(5)

ص: 412


1- الكافي، ج 4، ص 166 - 167، باب التكبير ليلة الفطر ويومه، ح 1: الفقيه، ج 2، ص 167، ح 2036؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 138 ، ح 311 .
2- البقرة (2): 185 .
3- البقرة (2): 203 .
4- الانتصار، ص 171 - 173، المسألة 72 .
5- هو قول ابن الجنيد كما في مختلف الشيعة، ج 2، ص 286. المسألة 178.

وروي غير ذلك، والكلّ حسن .

ويستحبّ رفع الصوت به لغير المرأة والخنثى؛ لأنّ فيه إظهاراً لشعائر الإسلام.

ويستوي فيه الذكر والأنثى، والحُرّ والعبد، والحاضر والمسافر، والمنفرد والجامع، ومَنْ هو في بلدٍ صغير أو كبير؛ لعموم الأخبار.

ولو فاتت صلاة فذكر بعدها فقضاها، كبّر عقيبها وإن خرجت أيّام التشريق. ولو نسي التكبير خاصة، أتى به حيث ذكر.

(ويكره التنقّل بعدها) إلى الزوال (وقبلها) للإمام والمأموم؛ لصحيحة زرارة عن أبي جعفر علیه السلام: «ليس قبلها ولا بعدها صلاة ذلك اليوم إلى الزوال»(1). (إلّا بمسجد النبيّ صلى الله عليه وآله و سلم فإنّه يصلّي فيه ركعتين قبل خروجه) لقول الصادق علیه السلام: «ركعتان من السنّة ليس تصلّيان في موضع إلّا بالمدينة يصلّى في مسجد الرسول صلى الله عليه وآله و سلم في العيد قبل أن يخرج إلى المصلّى ليس ذلك إلّا بالمدينة، لأنّ رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم فَعَله»(2) .

والمراد أنّ مَنْ كان بالمدينة يستحبّ له أن يقصد المسجد قبل خروجه، فيصلّي فيه ركعتين ثم يخرج إلى المصلّى. وفي تأدّي ذلك من أكثر العبارات خفاء.

ولو أقيمت الصلاة في مسجد لعذر استحبّت صلاة التحيّة فيه أيضاً؛ لأنّه موضع ذلك.

قال في التذكرة :

وصلّى وإن كان الإمام يخطب ولا يصلّي العيد؛ لأنّه إنّما يسنّ له الاشتغال مع الإمام بما أدرك لا قضاء ما فاته(3) .

ص: 413


1- الفقيه، ج 1، ص 506 ، ح 1456؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 134، ح 292؛ الاستبصار، ج 1، ص 443 - 444، ح 712 .
2- الكافي، ج 3، ص 461، باب صلاة العيدين والخطبة فيهما، ح 11؛ الفقيه، ج 1، ص 0509 ح 1473؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 138، ح 308 .
3- تذكرة الفقهاء، ج 4، ص 160 ضمن المسألة 463.

(المقصد الرابع في صلاة الكسوف )

وفي نسبتها إلى الكسوف مع كونه بعض أسبابها تغليب وتجوّز. ولو عنونها بصلاة الآيات كما صنع الشهيد (رحمه الله)(1) ، كان أجود.

(تجب عند كسوف الشمس والقمر) ويقال: خسوف القمر أيضاً. وقد يطلق على الشمس أيضاً الخسوف وقد ذكر جماعة(2) من أهل اللغة أنّ الفعل المسند إليهما بغير ،همز، يقال: كسفت الشمس وخسف القمر، ولا يقال انكسف. وفي الأخبار توجد الصيغتان، والثانية أكثر.

ووجوب الصلاة بكسوف الكوكبين مذهب الأصحاب أجمع؛ لقول النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: «إنّ الشمس والقمر آيتان من آيات الله يخوّف الله بهما ،عباده لا يكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فصلّوا»(3) والأمر للوجوب.

وروى جميل عن أبي عبدالله علیه السلام قال: «صلاة الكسوف فريضة»(4) .

(و) تجب أيضاً عند (الزلزلة) وهي رجفة الأرض على ما ذكره في الصحاح(5) ،

وقد توجد مع الزلزلة تأكيداً، كما الزلزلة تأكيداً، كما روي عن أحدهما علیهما السلام: «أنّ صلاة كسوف الشمس و خسوف القمر والرجفة والزلزلة عشر ركعات وأربع سجدات»(6).

ص: 414


1- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 101؛ الدروس الشرعيّة ، ج 1، ص 116 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8 و 9).
2- منهم الجوهري في الصحاح ، ج 3، ص 1421، «کسف».
3- صحیح مسلم، ج 2، ص 628 ، ح 911/21؛ السنن الكبرى البيهقي، ج 3، ص 461 ، ح 6332.
4- الفقيه، ج 1، ص 504 ، ح 1457.
5- الصحاح، ج 3، ص 1362، «رجف».
6- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 155، ح 333 .

وعلى وجوب الزلزلة معظم الأصحاب، ولم يتعرّض لها أبو الصلاح.

(والآيات) المخوّفة، وكان ينبغي تأخّر ذكرها عمّا عدّه؛ فإنّ الجميع آيات، فيقول: وباقي الآيات (والريح المظلمة و) باقي (أخاويف السماء).

ووجه الوجوب في الجميع صحيحة زرارة ومحمّد بن مسلم قالا قلنا لأبي جعفر علیه السلام : هذه الرياح والظلم التي تكون هل يصلّى لها ؟ فقال: «كلّ أخاويف السماء من ظلمة أو(1) ريح أو فزع فصلّ له صلاة الكسوف حتّى يسكن»(2) والأمر للوجوب.

قال الصدوق :

إنّما يجب الفزع إلى المساجد والصلاة لأنّه آية تشبه آيات الساعة، فأمر أن تتذكّر القيامة عند شاهدتها بالتوبة والإنابة والفزع إلى المساجد التي هي بيوته في الأرض، والمستجير بها محفوظ في ذمّة الله تعالى(3) .

فتجب لجميع هذه الأسباب (صلاة ركعتين في كلّ ركعة خمس ركوعات).

وكيفيّتها أن (يكبّر للإحرام ثمّ يقرأ الحمد وسورة) إن شاء (ثمّ يركع ثمّ يقوم فيقرأ الحمد وسورة ثمّ يركع ) يفعل (هكذا خمساً ثمّ يسجد) بعد القيام من الركوع الخامس (سجدتين ثمّ يقوم فيصلّي) الركعة (الثانية كذلك، ويتشهّد ويسلّم) وهذه أفضل كيفيّاتها.

(ويجوز أن يقرأ) في كلّ قيام (بعض السورة، فيقوم من الركوع يتمّها) إن شاء (من غير أن يقرأ الحمد، وإن شاء) لم يتمّها في قيامه الثاني، بل ببعض في الجميع (و وزّع السورة على الركعات) الخمس (الأوّل) بحيث يتمّها في القيام الخامس (وكذا السورة في الركعة (الثانية).

ص: 415


1- في «الأصل و م» والطبعة الحجريّة: «و» بدل «أو». وما أثبتناه من المصادر.
2- الكافي، ج 3، ص 464، باب صلاة الكسوف، ح : الفقيه، ج 1، ص 548، ح 1528 تهذيب الأحكام، ج 3 ،ص 155. ح 330.
3- الفقيه، ج 1 ، ص 540، ذيل الحديث 1508 .

و مستند هذا التفصيل رواية زرارة ومحمّد بن مسلم عن الباقر والصادق علیهما السلام : «تبدأ فتكبّر لافتتاح الصلاة ثمّ تقرأ أُمّ الكتاب وسورة ثمّ تركع ثمّ ترفع رأسك من الركوع فتقرأ أُمّ الكتاب وسورة ثمّ تركع الثانية ثمّ ترفع رأسك فتقرأ أُمّ الكتاب وسورة ثمّ تركع الثالثة ثمّ ترفع ثمّ ترفع رأسك فتقرأ أُمّ الكتاب و سورة ثمّ تركع الرابعة ثمّ ترفع رأسك فتقرأ أُمّ الكتاب وسورة ثمّ تركع الخامسة فإذا رفعت رأسك قلت: سمع الله لمن حمده، ثم تخرّ ساجداً سجدتين ثمّ تقوم فتصنع كما صنعت في الأُولى قلت: وإن هو قرأ سورةً واحدة في الخمس يفرّقها بينها؟ فقال: «أجزأته أُمّ القرآن في أوّل مرّة، وإن قرأ خمس سور فمع كلّ سورة أُمّ القرآن»(1).

وبقي هنا صور أخرى متشعّبة من الكيفيّتين، وهي جواز التبعيض في بعض القيام والإكمال في بعض بحيث يتمّ له في الخمس سورة فصاعداً، ولا يجب إكمالها في الخامس إن كان قد أكمل سورة قبل ذلك في الركعة. ومتى أكمل سورةً وجب عليه إعادة الحمد في القيام الذي بعده.

ولا يجزئ في التبعيض الاقتصار على أقلّ من آية، وحينئذ فتجزئ الإخلاص في الخمس؛ لأنّها خمس آيات.

ومتى ركع عن بعض سورة تخيّر في القيام بين القراءة من موضع القطع ومن غيره من السورة متقدّماً ومتأخّراً، ومن غيرها.

وتجب الحمد فيما عدا الأوّل، مع احتمال عدم الوجوب في الجميع. وتجب مراعاة السورة في الخمس كما مرّ .

ولو سجد عن بعض سورة كما لو كان قد أكمل غيرها قبل ذلك، وجب إعادة الحمد ثمّ له البناء على ما مضى والشروع في غيرها، فإن بنى وجب عليه سورة أُخرى في باقي القيام أو بعضه.

ص: 416


1- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 155 - 156، ح 333.

(ووقتها) أي وقت هذه الصلاة (من حين ابتداء الكسوف) إن كان سببها الكسوف (إلى ابتداء الانجلاء) عند الأكثر (1)؛ لرواية حمّاد بن عثمان عن الصادق علیه السلام ، قال : ذكروا انكساف الشمس وما يلقى الناس من شدّته، فقال: «إذا انجلى منه شيء فقد انجلي»(2) .

وذهب المحقّق والشهيد (رحمهما الله) إلى امتداد الوقت إلى تمام الانجلاء (3)؛ لما روي عن النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم: «إذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله تعالى والصلاة حتّى ينجلي»(4).

ولأنّ كسوف البعض في الابتداء سبب في الوجوب فكذا في الاستدامة.

ولقول الصادق علیه السلام في رواية معاوية بن عمار: «إذا فرغت قبل أن ينجلي فأعد»(5). ولو كان الوقت قد خرج لم تشرع الإعادة. ولأنّ وقت الخوف ممتدّ فيمتدّ وقت الصلاة لاستدفاعه .

وأجاب المحقّق عن الخبر باحتمال أن يريد تساوي الحالين في زوال الشدّة لا بيان الوقت(6) .

وتظهر الفائدة فيما لو جعل وقتاً فإنّه يشترط مساواته للصلاة أو زيادته عنها (فلو قصر عنها سقطت) لاستحالة التكليف بعبادة في وقت يقصر عنها إلّا إذا أُريد القضاء. وفيما لو أدرك ركعة من الوقت بعد أن مضى منه ما يسع الصلاة مع ما بقي فإنّه يجب الشروع فيها لا أقلّ من ذلك.

(وكذا الرياح والأخاويف) غير الزلزلة يشترط مساواة زمانها للصلاة، فلو قصر

ص: 417


1- كما في ذكرى الشيعة، ج 4، ص 104 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8) ومنهم الشيخ في النهاية، ص 137؛ والمبسوط، ج 1، ص 172؛ وسلار في المراسم، ص 80.
2- الفقيه، ج 1، ص 551 - 552 ، ح 1534؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 291 . ح 877، وفيه: «ذكرنا» بدل «ذكروا».
3- المعتبر، ج 2، ص 330؛ ذكرى الشيعة، ج 4، ص 105؛ الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 116 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8 و 9).
4- أورده الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 4، ص 104 - 105 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).
5- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 156، ح 334.
6- المعتبر، ج 2، ص 330.

عنها لم تجب عند الأكثر؛ لما مرّ.

ولا فرق في ذلك بين كونه بقدر ركعة أو أقلّ، ولا بين مَنْ شرع في الابتداء فخرج الوقت وقد أكمل ركعة، وبين مَنْ لم يشرع؛ لاستحالة كون الوقت قاصراً عن الفعل إذا لم يرد القضاء.

واحتمل المصنّف(1) وجوب الإكمال على مَنْ شرع كذلك؛ لعموم «مَنْ أدرك ركعة من الوقت»(2) وللنهي عن قطع العمل(3). ولافتتاح الصلاة بالمعيّة، وهي على ما افتتحت عليه، بخلاف مَنْ لم يتلبس.

وأورد على دلالة الحديث بأنّ المراد بالركعة من آخر الوقت، والتقدير أنّه شرع في ابتداء الوقت، فهو كالمعذور في ابتداء الوقت فإنّه لا يكتفى بركعة قطعاً.

وأجيب: بأنّه يصدق عليه أيضاً أنّه آخر الوقت بحسب هذا السبب، بخلاف مسألة المعذور فإنّ التقدير بقاء الوقت.

والتحقيق أنّ هذا التوجيه ساقط، والاحتجاج بالخبر غير موجّه؛ إذ لا إشعار في الحديث بقيد الآخر.

فإن قيل: يشعر به قوله: «أدرك» فإنّ الإدراك لغةً: اللحوق، وهو يشعر بالسبق، كما تقول: أدركت الصبيّ ونحوه: إذا سبقك ثمّ لحقته. وهذا هو السرّ في الاكتفاء بركعة من آخر الوقت دون أوّله.

قلنا كما يطلق الإدراك على ذلك، يطلق على مطلق الحصول كما يقال: أدركت حاجتي إذا حصّلتها وإن لم تكن قد ذهبت.

قال في الصحاح بعد نقله الإدراك بمعنى اللحوق ويقال : عشت حتّى أدركت زمانه(4).

ص: 418


1- تذكرة الفقهاء، ج 4، ص 193 - 194، المسألة 496 والهامش 1 منها؛ نهاية الإحكام، ج 2، ص 79 - 80.
2- أورده المحقّق في المعتبر، ج 2، ص 47.
3- سورة محمّد (47): 33 .
4- الصحاح، ج 3، ص 1582، «درك».

وهذا المثال صريح في ذلك، فإنّه لأمر من المذكور لاحق قد أدرك أوّله لا سابق وعلى هذا يكون الإدراك في الحديث أعمّ من الأوّل والآخر.

فإن قيل: ثبت ذلك بالإجماع على أنّ مَنْ أدرك من أول الوقت ركعة ولحقه العذر المسقط إلى آخر الوقت لا يجب عليه القضاء.

قلنا: فيصير عامّاً مخصوصاً بموضع الإجماع الذي ادّعيتموه، وهو حجّة في الباقي.

وإنّما كان الاحتجاج بالخبر غير متوجّه؛ لأنّ «من» في قوله صلی الله علیه وآله وسلم «من الوقت» تبعيضية؛ إذ لا يتوجّه سواه من معانيها، وهو يفيد زيادة الوقت عن الركعة، فلا يصحّ الاستدلال بالخبر على المسألة المفروضة؛ إذ لا زيادة في الوقت عن الركعة.

ويؤيّد إرادة التبعيض أنّه الغالب في الصلاة الواجبة، كاليوميّة والجمعة والعيد ونحوها.

وقيل: لا يشترط في غير الكسوفين سعة وقتها بما يسع الصلاة، كالزلزلة عند جميع الأصحاب المساواتها لها في القصور غالباً، وهو اختيار الشهيد في الدروس(1) . وفي الحقيقة ليس في الأخبار زيادة على كون هذه الأخاويف سبباً للوجوب، ومن ثُمَّ بالغ بعضهم(2) فاحتمل في الكسوفين ذلك أيضاً، وأومأ إليه في المعتبر(3)، فعلى هذا تكون أداءً دائماً وإن وجبت الفوريّة بها.

(ولو تركها) أي الصلاة لهذه الأخاويف غير الزلزلة (عمداً أو نسياناً حتّى خرج الوقت قضاها واجباً) لعموم روايات وجوب قضاء الصلوات، كقوله صلی الله علیه وآله وسلم: «مَنْ فاتته فريضة فليقضها إذا ذكرها»(4).

ولقول الباقر علیه السلام في رواية زرارة(5) : «إن أعلمك أحد وأنت نائم فعلمت ثمّ غلبتك

ص: 419


1- الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 116 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9).
2- الشهيد في البيان، ص 202 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 12).
3- انظر المعتبر، ج 2، ص 330 .
4- أورده المحقّق في المعتبر، ج 2، ص 332 .
5- كذا في «الأصل و م» والطبعة الحجريّة وذكرى الشيعة، ج 4، ص 106 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8)،وفي المصدر: «عمّار» بدل «زرارة».

عينك فلم تصلّ فعليك قضاؤها»(1) .

قيل: وهو يدلّ على القضاء مع العمد بطريق أولى؛ لأنّه من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى(2).

ولا فرق هنا في الكسوف بين احتراق الكلّ والبعض للعموم.

وللشيخ قول بعدم وجوب القضاء مع النسيان مع عدم الإيعاب(3).

وأطلق المرتضى عدم القضاء باحتراق البعض والوجوب لو احترق الجميع(4) .

(أمّا لو جهلها) حتّى خرج وقتها (فلا قضاء) لامتناع تكليف الغافل. ولعدم القضاء في الكسوف؛ للنصّ، كما سيأتي في قوله: (إلّا في الكسوف بشرط احتراق القرص أجمع) لرواية زرارة ومحمد بن مسلم عن الصادق علیه السلام قال: «إذا كسفت الشمس كلها واحترقت ولم تعلم ثمّ علمت بعد ذلك فعليك القضاء، وإن لم تحترق كلّها فليس عليك قضاء»(5).

ويحتمل وجوب القضاء على الجاهل في غير الكسوف لوجود السبب، والجهل به ليس عذراً، وعموم «مَنْ فاتته فريضة فليقضها»(6) ، ولكن لا نعلم به قائلاً صريحاً إلّا أنّ بعض الأصحاب ذهب إلى وجوب القضاء على جاهل الكسوف وإن لم يستوعب الاحتراق(7)، مع وجود النصّ بخلافه، ولم يتعرّض لغيره من الآيات، فيمكن أن يدخل في الحكم بطريق أولى؛ لخلوّها من نصّ خاصّ.

ص: 420


1- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 291 ، ح 876: الاستبصار، ج 1، ص 454 ، ح 1760.
2- القائل بذلك هو الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 4، ص 106 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).
3- النهاية، ص 136 - 137؛ المبسوط، ج 1، ص 243.
4- جُمل العلم والعمل، ص 82 .
5- الكافي، ج 3، ص 465، باب صلاة الكسوف، ح 6: تهذيب الأحكام، ج 3، ص 157 - 158 ، ح 339 ،الاستبصار، ج 1، ص 454 ، ح 1759.
6- المعتبر، ج 2، ص 332 .
7- انظر المقنعة، ص 211 .

(و وقت صلاة الزلزلة مدّة العمر) ويلزمه أنّه يجوز أن (يصلّيها أداءً وإن سكنت).

ولا يشترط فيها سعة وقتها للصلاة، بل مجرّد وجودها سبب للوجوب.

وشكّ فيه المصنّف؛ لمنافاته للقواعد الأصوليّة من امتناع التكليف بفعل في زمانٍ لا يسعه(1).

وجمع بعضهم بين القاعدة وكون وقتها العمر، وتكون فيه أداءً بوجوب الفوريّة؛ جمعاً بين حقّ التأقيت واعتبار سعته للفعل.

وما ذكرناه من جعل الزلزلة سبباً لا وقتاً يدفع الإشكال، وليس في كلامهم ولا في النصوص ما يدلّ على كونها وقتاً إلّا على هذا الاحتمال.

نعم، قال في الذكرى الظاهر وجوب الأمر هنا على الفور، مع حكمه بالأداء وإن أخل بالفوريّة لعذرٍ وغيره (2).

ولا ريب أنّه أحوط، ولكن لا دليل عليه عند من لم يقل: إنّ الأمر يقتضي الفور.

(ويستحبّ) في صلاة الآيات (الجماعة) سواء كانت كسوفاً أم غيره، وسواء أوعب الاحتراق أم لم يوعب؛ لعموم قول الصادق علیه السلام في رواية ابن أبي يعفور: «إذا انكسفت الشمس والقمر فإنّه ينبغي للناس أن يفزعوا إلى إمام يصلّي بهم»(3).

وشرط الصدوقان في فضل الجماعة احتراق جميع القرص(4) ؛ لقوله علیه السلام في هذه الرواية: «وأيّهما كسف بعضه فإنّه يجزئ الرجل أن يصلّي وحده»(5).

ودلالتها على أفضليّة الفرادى ممنوعة؛ فإنّها إنّما تدلّ على إجزاء صلاته وحده، لا على استحبابها، ولا نزاع فيه، وغايته أنّ استحباب الجماعة لا يتأكد هنا تأكّده مع الإيعاب.

ص: 421


1- كما في ذكرى الشيعة، ج 4، ص 105 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8)؛ وانظر نهاية الإحكام، ج 2، ص 77.
2- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 106 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).
3- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 292 ، ح 881 .
4- المقنع، ص 143؛ وحكاه عنهما العلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 299، المسألة 184.
5- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 292 ، ح 881 .

(والإطالة) للصلاة (بقدره) أي بقدر السبب، أو الكسوف بقرينة قوله بعدُ: (والإعادة لو لم ينجل).

ويدلّ على استحباب الإطالة ما رواه عبدالله بن القداح عن الصادق علیه السلام عن آبائه علیهم السلام قال: «انكسفت الشمس في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم فصلّى بالناس ركعتين وطوّل حتّى غشي على بعض القوم ممّن كان وراءه من طول القيام»(1). وعلى استحباب الإعادة قول الصادق علیه السلام في صحيحة معاوية بن عمار: «إذا فرغت قبل أن ينجلي فأعد»(2) .

وأوجب جماعة(3) الإعادة؛ لهذا الخبر؛ فإنّ الأمر يقتضي الوجوب.

ويعارض بصحيحة محمّد بن مسلم وزرارة عن الباقر علیه السلام : «فإن فرغت قبل أن ينجلي فاقعد وادْعُ الله حتّى ينجلي»(4) ، فإنّه صريح في جواز ترك الصلاة، فيحمل الأوّل على الندب توفيقاً بينهما».

ولا منافاة بين استحباب القعود والدعاء المدلول عليه بهذا الحديث وبين استحباب الصلاة معادةً، كما دلّ عليه الأوّل؛ لإمكان رجوعهما إلى الاستحباب المخيّر، كما يدخل التخيير الواجب.

ومثله استحباب الدعاء وقراءة القرآن والصلاة والذكر في وقت واحد، فأیّهما فعل المكلّف كان مستحبّاً.

(وقراءة) السور (الطوال) ك«الأنبياء» و «الكهف» إذا علم أو ظنّ سعة الوقت (ومساواة الركوع والسجود للقراءة) روي ذلك كلّه من فعل النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم(5) .

ص: 422


1- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 293، ح 885.
2- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 156، ح 334.
3- منهم: السيّد المرتضى في جُمل العلم والعمل، ص 81 وسلّار في المراسم ص 81 وأبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه، ص 156.
4- الكافي، ج 3، ص 463 - 464 ، باب صلاة الكسوف، ح 2 تهذيب الأحكام، ج 3، ص 156، ح 335.
5- صحیح مسلم، ج 2، ص 622 - 623 ، ح 9 و 904/10؛ سنن ابن ماجة، ج 1، ص 401 و 402، ح 1263 و 1265؛ سنن أبي داود، ج 1، ص 306، ح 1178؛ الجامع الصحيح، ج 2، ص 449، ح 561؛ سنن النسائي، ج 3، ص 130 - 131.

(والتكبير عند الرفع) كما يكبّر الآخذ في الركوع ولا يُسمّع؛ لعدم كونه ركوعاً حقيقيّاً؛ إذ المفهوم منه ما أعقبه السجود (إلّا في الخامس والعاشر فيقول: «سمع الله) لمن حمده» لتحقّق الرفع من الركوع بعدهما، وروى ذلك محمّد بن مسلم عن الصادق علیه السلام(1) .

(والقنوت خمساً) على كلّ ثانية، رواه محمّد بن مسلم وزرارة عن الإمامين علیهما السلام(2).

وفي ذلك إشارة إلى كون الركعات عشراً، وفي التسميع دلالة على كونها ركعتين، فلها اعتباران.

(ويتخيّر) المكلّف (لو اتّفق مع الحاضرة) أحد الآيات في تقديم أيّهما شاء مع اتّساع وقتهما، وعليه الأكثر ، كما نقله في المعتبر (3)؛ لأنّهما فرضان اجتمعا متّسعان، فيتخيّر.

وذهب جماعة إلى تقديم الحاضرة مطلقاً(4)، وآخرون الكسوف(5) .

وإنّما يتخيّر (ما لم يتضيّق) وقت (الحاضرة) فيتعيّن تقديمها، سواء تضيّق وقت الأخرى أم لا؛ لأنّ الحاضرة ذات الوقت بالأصالة، وحينئذ إن فرغ من الحاضرة ولمّا يخرج وقت الكسوف أتى بها فيه.

وإن خرج وقتها، فإن كان قد فرّط في فعل الحاضرة قبل ذلك وجب قضاء الكسوف.

وإن كان التأخير لعذر لا يمكن معه فعلها مع وجوبها عليه فالظاهر أنّه كذلك.

ص: 423


1- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 155 - 156، ح 333 .
2- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 155 - 156، ح 333 .
3- المعتبر، ج 2، ص 340.
4- منهم الشيخ الصدوق في المقنع، ص 143؛ والفقيه، ج 1، ص 550 - 551، ذيل الحديث 1533: والشيخ في النهاية، ص 137؛ والقاضي ابن البرّاج في المهذّب، ج 1، ص 125.
5- منهم: السيّد المرتضى في جُمل العلم والعمل، ص 81؛ وابن أبي عقيل كما حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 297 المسألة 182 .

وإن كان العذر غير مصاحب للوجوب - كالحيض والصغر والجنون - ففي وجوب قضاء الكسوف وجهان من عدم التفريط وعدم سعة الوقت الذي هو شرط التكليف ومن سعته في نفسه وإنّما المانع الشرعي مَنَع من الفعل فيه. وعدم القضاء هنا أوجه.

وهل يكفي في الوجوب هنا إدراك ركعة بعد الحاضرة، أم لابدّ من إدراك ما یسع الصلاة؟ يحتمل الأوّل؛ لعموم «مَنْ أدرك من الوقت ركعة»(1) ، وعدمه؛ لأنّ المدرك جميع هو مجموع الوقت، فلابدّ من سعته لجميع الصلاة.

والوجهان آتيان فيما لو كان مجموع زمان الكسوف بقدر ركعة، إلّا أنّ الوجوب هنا ضعیف؛ لقصور مجموع ما يعقل من الوقت عن الفريضة.

ولو تبيّن ضيق وقت الحاضرة بعد أن شرع في الآيات قطعها وصلّى الحاضرة ثمّ صلّى الآيات من أوّلها.

وقيل: يبني على ما مضى(2) ، استناداً إلى روايات صحيحة، إلّا أنّ دلالتها على البناء غير صريحة والمنافي حاصل، فالاستئناف متّجه.

(وتقدّم) صلاة الآيات (على النافلة وإن) اتّسع وقت الفريضة و (خرج وقت النافلة) لأنّ مراعاة الفرض أولى من النفل، ورواه أيضاً محمّد بن مسلم عن الصادق علیه السلام في مجامعتها لصلاة الليل(3).

ص: 424


1- المعتبر، ج 2، ص 47.
2- من القائلين بذلك الصدوق في المقنع، ص 143 - 144: والفقيه، ج 1، ص 550 ، ذيل الحديث 1533؛ والشيخ في النهاية، ص 137؛ والمفيد والسيّد المرتضى كما حكاه عنهما المحقّق في المعتبر، ج 2، ص 341.
3- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 155، ح 332 .

(المقصد الخامس في الصلاة على الأموات )

اشارة

(تجب على الكفاية) كباقي أحكام الميّت (الصلاة على كلّ) ميّت (مسلم).

واحترز بالمسلم عن الكافر، فلا يصلّى عليه؛ لقوله تعالى: (وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مات أَبَدًا)(1) .

نعم لو اشتبه المسلم بالكافر صلّي على الجميع بنيّة الصلاة على المسلم؛ لتوقّف الواجب عليه.

ولو وُجد ميّت لا يُعلم إسلامه ألحق بالدار. قال في الذكرى: إلّا أن يغلب الظنّ على إسلامه في دار الكفر لقوّة العلّامة فيصلّى عليه(2).

ونفى في المعتبر التعويل على العلامة محتجّاً بأنّه لا علّامة إلّا وشارك فيها بعض أهل الكفر(3) .

والصلاة على ولد الزنى تابعة لإسلامه. ويشكل الصلاة عليه لو مات قبل البلوغ؛ لعدم إلحاقه بأحد الأبوين.

ويمكن تبعيّة الإسلام هنا للّغة كالتحريم.

وخرج أيضاً الأبعاض؛ إذ لا(4) يطلق عليها اسم الميّت المسلم فلا يصلّى عليها، إلّا

ص: 425


1- التوبة (9): 84 .
2- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 333 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 5).
3- المعتبر، ج 1، ص 315 .
4- في الطبعة الحجريّة: «فلا» بدل «إذ لا».

الصدر والقلب وعظام الميت؛ لخبر أكيل السبع(1) . وقد مرّ ذلك في باب الغسل.

ويشترط العلم بموت صاحبها.

وهل ينوي الصلاة على البعض الموجود أم على الجملة؟ ظاهر المذهب الأوّل؛ لعدم الصلاة على الغائب عندنا، وعلى هذا فتجب الصلاة على الباقي لو وُجد.

والمراد بالمسلم مَنْ أظهر الشهادتين ولم يجحد ما عُلم ثبوته من الدين ضرورة، فيخرج الكافر الأصلي والمرتدّ والذمّيّة الحامل من مسلم، ومن فِرَق المسلمين: الخارج والناصب والمجسِّم والغالي وغيرهم ممّن خرج عن الإسلام بقول أو فعل(2) ، فلا يصلّى على أحد منهم.

ويدخل في العبارة المخالفُ من غير هذه الفِرَق، فتجب الصلاة عليه عنده(3) .

ومَنَعه جمع من الأصحاب(4) ، لغير تقيّة، فيلعنه حينئذٍ.

ولم يذكر المصنّف كيفيّة الصلاة عليه إن لم يدخل في المنافق.

نعم، جوّز بعضهم(5) الانصراف بالرابعة إلزاماً له بمعتقده، فعلى هذا لا يجب لعنه.

وذكروا في باب الغسل أنّ المؤمن عند الاضطرار إلى تغسيله يُغسّله غسله. وينبغي في الصلاة ذلك أيضاً.

(و) يلحق بالمسلم (مَنْ هو بحكمه ممّن بلغ ) أي أكمل (ستّ سنين) من طفل أو مجنون أو لقيط دار الإسلام أو دار الكفر وفيها مسلم صالح للاستيلاد؛ تغليباً للإسلام (ذكراً كان) الملحَق بالمسلم (أو أُنثى، حُرّاً كان أو عبداً).

ص: 426


1- الكافي، ج 3، ص 212، باب أكيل السبع والطير و .... ح 1؛ الفقيه، ج 1، ص 158، ح 441؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 336 ، ح 983؛ و ج 3، ص 329، ح 1027 و 1028.
2- في الطبعة الحجريّة: بفعل أو قول.
3- نهاية الإحكام، ج 2، ص 252 .
4- منهم: الشيخ المفيد في المقنعة، ص 85؛ وأبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه، ص 157؛ وابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 356.
5- أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه، ص 157 .

وتقييد الوجوب بالستّ هو المشهور ، ورواه زرارة - في الحسن - عن الصادق علیه السلام ، :قلت متى تجب الصلاة عليه؟ قال: «إذا كان ابن ستّ سنين»(1).

وشرط ابن أبي عقيل في الوجوب البلوغَ(2). واكتفى ابن الجنيد بالاستهلال(3)، وهو الولادة حيّاً، يقال: استهل الصبيّ، إذا صاح عند الولادة. والعمل على المشهور.

(وتستحبّ على مَنْ لم يبلغها) أي الستّ - بأن لا يكملها وإن دخل في السادسة - مع ولادته حيّاً؛ لقول الصادق علیه السلام في صحيحة عبدالله بن سنان: «لا تصلّ على المنفوس، وهو المولود الذي لم يستهل، وإذا استهلّ فصلّ عليه»(4).

ومَنَع بعض الأصحاب من الصلاة على الطفل إلى أن يعقل(5) . والخبر حجّة عليه.

(وكيفيّتها أن ينوي) الصلاة المعيّنة لوجوبها أو ندبها تقربّاً إلى الله تعالى؛ لأنّها عبادة فيجب فيها ذلك، ولا يجب التعرّض للأداء والقضاء؛ لعدم مقتضاهما، ولا تعيين الميّت ومعرفته لكن يجب القصد إلى معيّن مع تعدّده.

واكتفى في الذكرى بنيّة منويّ الإمام(6) .

ولو تبرّع بالتعيين فأخطأ، قرّب في الذكرى البطلان؛ لخلوّ الواقع عن نيّة(7) .

ويتوجّه ذلك مع عدم ضمّ الإشارة إلى التعيين بأن قصد الصلاة على فلان، أمّا لو قصدها على هذا فلان قوي تغليب الإشارة.

وتجب استدامة النيّة حكماً. وعلى المأموم نيّة القدوة كغيرها.

(ويكبّر) تكبيرة الإحرام مقارنةً للنيّة (ثمّ يتشهّد) عقيبها (الشهادتين ثمّ يكبّر ) ثانية (ويصلّي على النبيّ وآله صلّى الله عليهم، ثمّ يكبّر) ثالثةً (ويدعو للمؤمنين

ص: 427


1- الكافي، ج 3، ص 206 ، باب غسل الأطفال .... ح 2: الفقيه، ج 1، ص 167، ح 486؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 198، ح 456: الاستبصار، ج 1، ص 479 ، ح 1855.
2- حكاه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 308، المسألة 193 .
3- حكاه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 308، المسألة 193 .
4- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 199 ، ح 459: الاستبصار، ج 1، ص 480 ، ح 1857.
5- الشيخ المفيد في المقنعة، ص 229 .
6- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 357 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 5).
7- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 357 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 5).

والمؤمنات ثمّ يكبّر) رابعة ( ويدعو للميّت إن كان مؤمناً، وعليه إن كان منافقاً) .

قيل: وهو هنا الناصب(1) ، كما يشهد به بعض العبارات والروايات كرواية عامر بن السمط عن الصادق علیه السلام : «إنّ منافقاً مات فخرج الحسين علیه السلام فقال مولى له: أفرّ من جنازته قال: قُمْ عن يميني فما سمعتني أقول فقُلْ ،مثله، فلمّا أن كبّر عليه وليّه قال الحسين علیه السلام : «الله أكبر اللهمّ العن عبدك ألف لعنة مؤتلفة غير مختلفة، اللهمّ أخز عبدك في عبادك وبلادك وأصله حرّ نارك وأذقه أشدّ عذابك فإنّه كان يتولّى أعداءك ويعادي أولياءك ويبغض أهل بيت نبيّك»(2) .

ونحوه رزى صفوان الجمّال عن الصادق علیه السلام، إلّا أنّه قال: «فرفع يده - يعني الحسين علیه السلام - وقال»(3) إلى آخره، فدلّ قوله : «ويبغض أهل بيت نبيّك» على أنّه ناصبي.

واختاره في الذكرى(4).

ويحتمل أن يريد به مطلق المخالف للحقّ، وهو اختيار الدروس(5) .

ويشهد له من الأخبار خبر محمّد بن مسلم عن أحدهما علیهما السلام : «إن كان جاحداً للحق فقُلْ: اللهمّ املأ جوفه ناراً وقبره ناراً، وسلّط عليه الحيّات والعقارب»(6).

ولا منافاة بين الأخبار؛ لاشتراكها في الدعاء على المخالف، وتأكيده على الناصب، وهو الظاهر.

وظاهر العبارة كون الدعاء على هذا القسم واجباً، ويؤيده وروده في الأخبار في كيفيّة الواجب.

ص: 428


1- القائل هو المحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 1 ، ص 424.
2- الكافي، ج 3، ص 188 - 189، باب الصلاة على الناصب، ح 2 تهذيب الأحكام، ج 3، ص 197 ، ح 453.
3- الكافي، ج 3، ص 189، باب الصلاة على الناصب، ح : الفقيه، ج 1، ص 168 ، ح 490.
4- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 367 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 5).
5- الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 33 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9).
6- الكافي، ج 3، ص 189 - 190، باب الصلاة على الناصب، ح 5.

وفي الذكرى: الظاهر أنّ الدعاء على هذا القسم غير واجب؛ لأنّ التكبير عليه أربع، وبها يخرج من الصلاة(1) . وسيأتي ما يدلّ عليه من الأخبار.

(و) يدعو عقيب الرابعة (بدعاء المستضعفين إن كان) الميّت (منهم) والمراد بالمستضعف - على ما فسّره في الذكرى - مَنْ لا يعرف الحقّ ولا يعاند فيه ولا يوالي أحداً بعينه. وحكى عن العزّيّة أنّه يعرف بالولاء ويتوقّف عن البراء (2).

وقال ابن إدريس: هو مَنْ لا يعرف اختلاف الناس في المذاهب، ولا يبغض أهل الحقّ على اعتقادهم(3) .

والكلّ متقارب.

ودعاء المستضعفين على ما رواه الفضيل بن يسار عن أبي جعفر علیه السلام: «وإن كان منافقاً مستضعفاً فكبّر وقُلْ: اللهمّ اغفر للّذين تابوا واتّبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم»(4).

وفي هذا الخبر دلالة على أنّ المنافق هو المخالف مطلقاً؛ لوصفه له بكونه قد يكون مستضعفاً، فكيف يختصّ بالناصب !؟ وعلى أنّ المستضعف لابدّ أن يكون مخالفاً، فيقرب حينئذٍ تفسير ابن إدريس، كما سقط قول بعضهم: إنّ المراد به مَن لا يعرف دلائل اعتقاد الحق وإن اعتقده(5) ، فإنّ الظاهر كون هذا القسم مؤمناً وإن لم يعرف الدليل التفصيلي.

(وأن يحشره مع مَنْ يتولّاه إن جهله) بأن لا يعلم إيمانه ولا ضدّه، كالغريب الذي لا يعرف.

والظاهر أنّ معرفة بلده التي يعلم إيمان أهلها أجمع كافٍ في إلحاقه بهم.

ص: 429


1- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 368 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 5).
2- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 365 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 5).
3- السرائر، ج 1، ص 84 .
4- الكافي، ج 3، ص 187، باب الصلاة على المستضعف .... ح 2؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 196، ح 450.
5- انظر جامع المقاصد، ج 1، ص 425 .

ودعاء المجهول ما رواه أبو المقدام، قال: سمعت أبا جعفر يقول على جنازة لقوم من جيرته: «اللهمّ إنّك خلقت هذه النفوس وأنت تميتها وأنت تحييها وأنت أعلم بسرائرها وعلانيتها منّا ومستقرّها و مستودعها، اللهمّ وهذا عبدك ولا أعلم منه شرّاً وأنت أعلم به وقد جئناك شافعين له بعد موته، فإن كان مستوجباً فشفّعنا فيه، واحشره مع مَنْ كان يتولّاه»(1) .

وروى الحلبي عن الصادق علیه السلام في المجهول: «اللهمّ إن كان يحبّ الخير وأهله فاغفر له وارحمه وتجاوز عنه»(2) .

(وأن يجعله له ولأبويه فرطاً إن كان طفلاً) لما رواه زيد بن عليّ عن آبائه، عن عليّ علیهم السلام: «اللهمّ اجعله لأبويه ولنا سلفاً وفرطاً وأجراً»(3).

قال في الصحاح:

الفرط - بالتحريك - الذي يتقدّم الواردة فيهيّئ لهم الأرسان والدلاء ويمدر الحياض ويستقي لهم، وهو فَعَل بمعنى فاعل مثل تبع بمعنى تابع، وفي الحديث «أنا فرطكم على الحوض»(4). ومنه قيل للطفل الميّت: اللهمّ اجعله [لنا] فرطاً، أي أجراً يتقدّمنا حتى نرد عليه(5) .

وفي الشرائع: سأل الله أن يجعله مصلحاً لحال أبيه شافعاً فيه(6).

والظاهر أنّ المراد بالطفل هنا مَن دون البلوغ ؛ إذ لا يحتاج مَن كان كذلك إلى الدعاء له.

وليس في الدعاء قسم آخر غير ما ذُكر.

ص: 430


1- الكافي، ج 3، ص 188، باب الصلاة على المستضعف .... 6: تهذيب الأحكام، ج 3، ص 196، ح 451.
2- الكافي، ج 3، ص 187، باب الصلاة على المستضعف ....، ح 3.
3- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 195 - 196، ح 449.
4- سنن النسائي، ج 1، ص 94؛ مسند أحمد، ج 2، ص 581، ح 7933، وفيهما:«... فرطهم....».
5- الصحاح، ج 2، ص 1148 - 1149، «فرط». وما بين المعقوفين من المصدر.
6- شرائع الإسلام، ج 1، ص 97 .

فرع لو كان أبوا الطفل كافرين كالمسبيّ إن قلنا بتبعيّته في الإسلام، قال في دعائه : اللهمّ اجعله لنا فرطاً ؛ إذ لا أجر لوالديه حينئذ . ولو كان أحدهما مسلماً، ذكره.

وفي الدعاء لأبوي لقيط دار الكفر مع الحكم بإسلامه نظر، أقربه ذلك رعايةً لحرمة الإسلام، التي باعتبارها أُلحق به.

والأمر في ذلك سهل؛ لكونه غير واجب، فلو تركه واقتصر على المتيقّن جاز.

(ثمّ يكبّر الخامسة وينصرف). وقد اتّفق الأصحاب على كون التكبيرات خمساً.

ورواه العامّة عن النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم في صحاحهم عن زيد بن أرقم أنّه كبّر على جنازة خمساً، وقال: كان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم يكبّرها(1) ، ولفظة «كان» تشعر بالدوام، ورووا أيضاً الأربع (2)، وعملوا بها مخالفة لنا على ما صرّح به بعضهم(3).

والأخبار من طرقنا متظافرة بالخمس، وفي بعضها التعليل بأخذ تكبيرة من كلّ صلاة من الخمس(4) .

نعم، روى هشام بن سالم عن الصادق علیه السلام قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يكبّر على قوم خمساً، وعلى قوم أربعاً، فإذا كبر على رجل أربعاً اتّهم »يعني بالنفاق(5) .

وروى إسماعيل بن سعد الأشعري عن الرضا علیه السلام : «أمّا المؤمن فخمس تكبيرات وأمّا المنافق فأربع»(6).

ص: 431


1- صحيح مسلم، ج 2، ص 659 ، ح 957/72؛ سنن ابن ماجة، ج 1، ص 482، ح 1505؛ سنن النسائي. ج 4، ص 72 .
2- سنن ابن ماجة، ج 1، ص 481 - 482، ح 1502 - 1504.
3- حكاه الشهيد عن بعض شُرّاح مسلم في ذكرى الشيعة، ج 1، ص 358 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 5).
4- الكافي، ج 3، ص 181 - 182، باب علّة تكبير الخمس على الجنائز، ح 5 تهذيب الأحكام، ج 3، ص 189 ،ح 430.
5- الكافي، ج 3، ص 181، باب علّة تكبير الخمس على الجنائز، ح 2 تهذيب الأحكام، ج 3، ص 197، ح 454؛ الاستبصار، ج 1، ص 475 ، ح 1839.
6- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 192 - 193، ح 439: الاستبصار، ج 1، ص 477 - 478 ، ح 1848.

قال في الذكرى وهذا جمع حسن بين ما رواه العامّة لو كانوا يعقلون(1).

وأمّا توزيع الأذكار عليها كما ذكر فهو المشهور، ونقل الشيخ فيه الإجماع(2)، وورد في بعض الأخبار(3). وفي بعضها(4) جمع الأدعية عقيب كلّ تكبيرة.

قال المصنّف في المختلف: الكلّ جائز(5) .

ولا يتعيّن في ذلك لفظ بعينه سوى الشهادتين والصلاة وإن كان المنقول أفضل.

ولو كان الميّت أنثى ألحقها علامة التأنيث، فيقول: اللهمّ أمتك بنت أمتك، إلى آخره. ويتخيّر في الخنثى.

وهذه التكبيرات أركان، فتبطل الصلاة بزيادة شيء منها ونقصانه على وجه لا يمكن تداركه بأن يتخلّل فعل كثير أو زمان طويل.

واستقرب في الذكرى عدم البطلان بزيادته؛ فإنّه ذكر حسن في نفسه. ثمّ احتمل البطلان معلّلاً بزيادة الركن(6) .

وقال بعد ذلك:

لو زاد في التكبير متعمّداً لم تبطل، لأنّه خرج بالخامسة من الصلاة، فكانت زيادة خارجة من الصلاة، ثمّ إن اعتقد شرعيّته فهو آثم وإلّا فلا. - قال: - ولو زاد في الأثناء معتقداً شرعيّته أثم أيضاً، والأقرب عدم البطلان(7) .

ص: 432


1- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 360 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 5).
2- الخلاف، ج 1، ص 724 ، المسألة 543.
3- الكافي، ج 3، ص 181، باب علّة تكبير الخمس على الجنائز، ج 3، تهذيب الأحكام، ج 3، ص 189 - 190 ،ح 431.
4- الكافي، ج 3، ص 184، باب الصلاة على المؤمن والتكبير .... 3؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 191 - 192، ح 436 .
5- مختلف الشيعة، ج 2، ص 305 المسألة 188 .
6- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 374 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 5).
7- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 390 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 5).

ويشكل ذلك كلّه مع اعترافه بكونه ركناً، فإنّ زيادة الركن لا يمنع البطلان بها كونها ذكر الله كزيادة تكبيرة الإحرام في اليوميّة عنده(1) وعند غيره(2) .

نعم، عدم البطلان بزيادته بعد الخامسة متّجه، فأركان هذه الصلاة حينئذٍ سبعة بإضافة القيام والنيّة إلى التكبيرات الخمس.

( ويجب استقبال القبلة) من المصلّي وبالميّت بجعل رٍجليه إلى يسار المصلّي (وجعل رأس الجنازة إلى يمين المصلّي) بحيث لو اضطجع على يمينه كان مستقبلاً بوجهه كحالة اللحد.

ويمكن تعلّق وجوب الاستقبال في العبارة بالمصلّي لا غير؛ للاكتفاء عن ذكر استقبال الجنازة بما ذُكر من الكيفية، أو يقال: إنّ ذلك ليس استقبالاً حقيقيّاً، بل بيان كيفيّة وضع الجنازة، وقد ذكر، والأمر سهل.

و مستند وجوب الاستقبال والكيفيّة التأسّي بالنبيّ والأئمّة علیهم السلام.

وقول(3) الصادق علیه السلام في خبر عمّار وقد سئل عن ميّت صلّي عليه فلمّا سلّم الإمام فإذا الميّت مقلوب رِجْلاه إلى موضع رأسه، قال: «يسوّى وتعاد الصلاة وإن كان قد حمل ما لم يدفن فإن كان قد دفن مضت الصلاة عليه، لا يصلّى عليه وهو مدفون»(4).

وإنّما يجب الاستقبال مع مع الإمكان، فيسقط لو تعذّر من المصلّي والجنازة، كالمصلوب الذي يتعذّر إنزاله؛ لما روي عن الرضا علیه السلام : «أنّ جدّه صلّى على عمّه زيد (رضي الله عنه) مصلوباً»(5) .

ويجب فيها تقارب المصلّي من الجنازة، فلا يجوز التباعد عنها بما يوجبه عرفاً.

ص: 433


1- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 191 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
2- كالمحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 239 .
3- في الطبعة الحجريّة «وقال».
4- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 201، ح 470؛ الاستبصار، ج 1، ص 482 - 483 ، ح 1870.
5- الكافي، ج 3، ص 215 ، باب الصلاة على المصلوب ... ، ح 2 تهذيب الأحكام، ج 3، ص 327 ح 1021 .

وفي الذكرى : لا يجوز التباعد بمائتي ذراع(1) .

وكذا القول في الارتفاع والانخفاض وكون الإمام وراء الجنازة بحيث تكون أمام موقفه.

ويغتفر ذلك في المأموم، كما يغتفر التباعد مع كثرة الصفوف.

(ولا قراءة فيها) واجبة ولا مندوبة إجماعاً.

وهل تكره؟ قال :الشيخ نعم محتجّاً بالإجماع(2) .

ويظهر من الذكرى العدم حيث لم يذكرها أحد من الأصحاب فضلاً عن الإجماع(3) .

والأخبار مصرّحة بنفيها، وكذا الأصحاب، ولو كانت مستحبّةً، لما أعرضوا عنها، والإباحة فيها منفيّة؛ لأنّها عبادة، والكلام إنّما هو مع ضميمتها إلى ما يجب من الدعاء لامع الاجتزاء بها.

وكذا لا استعاذة فيها ولا دعاء استفتاح (ولا تسليم) أيضاً واجباً ولا مندوباً بإجماع الأصحاب. قال في الذكرى: وظاهرهم عدم مشروعيّته(4) .

وما ورد بإتيانه من الأخبار محمول على التقيّة؛ لأنّه مذهب العامّة، مع كونها ضعيفةً.

(ويستحبّ) فيها (الطهارة) من الحدث لرواية عبد الحميد بن سعد عن الكاظم علیه السلام: «كون على طهر أحبّ إلىّ»(5).

ولا تجب إجماعاً، فتجوز للجنب والحائض والمحدث؛ لأنّ الغرض الدعاء وهي غير واجبة فيه.

ولقول الصادق علیه السلام وقد سئل عن فعلها على غير وضوء: «نعم، إنّما هو تكبير

ص: 434


1- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 373 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 5).
2- الخلاف، ج 1، ص 723، المسألة 542.
3- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 370 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 5).
4- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 370 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 5).
5- الكافي، ج 3، ص 178، باب من يصلّي على الجنازة .... 3؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 203، ح 476.

وتسبيح وتمجيد(1) وتهليل، كما تكبّر وتسبّح في بيتك على غير وضوء»(2).

وروي عنه علیه السلام جواز صلاة الحائض على الجنازة(3) .

.وهل يشترط فيها الطهارة من الخبث؟ تردّد فيه في الذكرى؛ لعدم وقوفه على نصّ (4).

وتجويز صلاة الحائض من غير تقييد يدلّ على الجواز؛ لعدم انفكاكها من دم الحيض. وكذا تعليل الصادق علیه السلام أنّها كالتسبيح في البيت(5).

(والوقوف حتّى ترفع الجنازة) ذكره الأصحاب، ورووه عن الصادق علیه السلام عن أبيه:« أنّ عليّاً كان إذا صلّى على جنازة لم يبرح من مصلّاه حتّى يراها على أيدي الرجال»(6).

وخصّه في الذكرى بالإمام، تبعاً لابن الجنيد(7) .

ولا دلالة في الخبر عليه، فيستحبّ لكلّ مُصلّ تأسّياً به علیه السلام .

نعم، لو فرض صلاة جميع جميع الحاضرين استثني منهم أقلّ ما يمكن به رفع الجنازة.

(والصلاة في المواضع المعتادة) لذلك إمّا تبرّكاً بها؛ لكثرة مَنْ صلّى فيها، وإمّا لأنّ السامع بموته يقصدها للصلاة عليه فيسهل الأمر، ويكثر المصلّون، وهو أمر مطلوب لرجاء مجاب الدعوة فيهم.

وقد روي عن النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم: «ما من مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً

لا يشركون بالله شيئاً إلّا شفّعهم الله فيه»(8).

ص: 435


1- في المصدر: «تحميد».
2- الكافي، ج 3، ص 178، باب من يصلّي على الجنازة .... ح 1 تهذيب الأحكام، ج 3، ص 203، ح 475.
3- الكافي، ج 3، ص 179، باب صلاة النساء على الجنازة ، ح 3 و 4؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 203 - 204، ح 478 و 479.
4- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 372 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 5).
5- تقدّم في الهامش 2 .
6- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 195، ح 448.
7- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 389 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 5).
8- صحیح مسلم، ج 2، ص 655. ح 948/59 .

وعن الصادق علیه السلام:« إذا مات المؤمن فحضر جنازته أربعون رجلاً من المؤمنين فقالوا: اللهمّ إنّا لا نعلم منه الّا خيراً وأنت أعلم به منّا، قال الله تعالى: قد أجزت شهاداتكم وغفرت له ما علمت ممّا لا تعلمون»(1) .

(وتجوز) صلاة الجنازة (في المساجد) مع عدم خوف التلويث؛ للأصل، ولاذن الصادق علیه السلام في الصلاة على الميت في المسجد(2).

نعم، تكره لما رواه أبو بكر بن [ عيسى](3) العلوي عن الكاظم علیه السلام أنّه منعه من ذلك وأخرجه من المسجد، ثمّ قال:«يا أبا بكر إنّ الجنائز لا يصلّى عليها في المسجد»(4).

ويُحمل على الكراهة؛ جمعاً بين الخبرين.

واستثنى الأصحاب من ذلك مسجد مکّة.

قال في الذكرى: ولعلّه لكونها مسجداً بأسرها، كما في حقّ المعتكف وصلاة العيد(5) .

وفيه نظر؛ لأنّ مسجديّة ما خرج عن المسجد الحرام منها ليس على حدّ المساجد؛ الجواز تلويثه بالنجاسة واللبث فيه للجنب وغير ذلك، بخلاف المسجد، فالإشكال فيه قائم حتّى يثبت الحكم.

(ووقوف الإمام عند وسط الرجل وصدر المرأة) لقول الصادق علیه السلام : «قال أمير المؤمنين علیه السلام: مَنْ صلّى على امرأة فلا يقم في وسطها، ويكون ممّا يلي صدرها، وإذا صلّى على الرجل فليقم في وسطه»(6).

ص: 436


1- الفقيه، ج 1، ص 165، ح 472.
2- الفقيه، ج 1، ص 165، ح 473؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 320، ح 992؛ الاستبصار، ج 1، ص 473، ح 1829.
3- بدل ما بين المعقوفين في «الأصل و م» والطبعة الحجريّة: «يحيى» وما أثبتناه من المصادر.
4- الكافي، ج 3، ص 182، باب الصلاة على الجنائز في المساجد، ح 1 تهذيب الأحكام، ج 3، ص 326، ح 1016: الاستبصار، ج 1، ص 473 - 474 ، ح 1831.
5- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 378 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 5).
6- الكافي، ج 3، ص 176، باب الموضع الذي يقوم الإمام .... ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 190، ح 433 ،الاستبصار، ج 1، ص 470 - 471 ، ح 1818.

وقد تقدّم ما يدلّك على أنّ المرأة تأنيث المرء وهو الرجل، ففي تعدية الحكم إلى مطلق الأنثى - فيتناول الصغيرة والكبيرة - بل إلى الخنثى نظر من فقد النصّ، وكون ذلك مظنّة الشهوة التي يؤمن بالتباعد عن محلّها، فيدخل فيه مَنْ كان في مظنّتها أو جنسها.

(ويجعل الرجل ممّا يليه) أي يلى الإمام (ثمّ العبد) البالغ (ثمّ الخنثى ثمّ المرأة ثمّ الصبيّ لو اتّفقوا) جميعاً وأريد الصلاة عليهم دفعةً.

والمراد بالصبيّ هنا مَنْ له دون ستّ سنين لتكون الصلاة عليه مندوبةً، فيتأخّر عمّن تجب عليه. أمّا لو كان سنّه أزيد، جعل ممّا يلي الرجل.

وأطلق ابنا بابويه تقديم الصبيّ إلى الإمام(1)، والشيخ في النهاية(2) تأخيره كما هنا والتفصيل أجود.

وينبغي مراعاة سنّة الموقف في الذكر والأنثى عند الاجتماع، فيجعل صدر المرأة محاذياً لوسط الرجل ليقف الإمام موقف الفضيلة فيهما.

ويشكل الصلاة الواحدة على هذا الجمع من جهة اجتماع مَنْ تجب عليه الصلاة ومَنْ تستحبّ؛ لاختلاف الوجه.

واختار المصنّف في التذكرة(3) نيّة الوجهين معاً بالتوزيع؛ لعدم التنافي، لاختلاف الاعتبارين.

واستشكله الشهيد بأنّه فعلٌ واحد من مكلّفٍ واحد، فكيف يقع على وجهين!؟ ومال إلى الاكتفاء بنيّة الوجوب(4) .

وهو متّجه تغليباً للجانب الأقوى، كمندوبات الصلاة، وقد نصّوا على دخول نيّة

ص: 437


1- المقنع، ص 67 الفقيه، ج 1، ص 168 - 169.
2- النهاية. ص 144 .
3- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 67. المسألة 214.
4- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 385 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 5).

المضمضة والاستنشاق في نيّة الوضوء إن قدّمها عليهما، وافتقارهما إلى نيّة خاصّة إن أخّرها عنهما إلى غسل الوجه، ولا يلزم من عدم الاكتفاء بنيّة الوجوب في الندب استقلالاً عدم الاكتفاء بها تبعاً. ومثله لو اجتمع أسباب الوجوب والندب في الطهارة، وقد ورد النصّ في الجميع على الاجتزاء بطهارة واحدة وصلاة ،واحدة فلا مجال للتوقّف، إنّما الكلام في النيّة.

(ونزع النعلين) في حال الصلاة، ولا بأس بالخفّ؛ لقول الصادق علیه السلام : «لا تصلّ على الجنازة بحذاء، ولا بأس بالخفّ»(1) .

وفي المعتبر استحبّ الحفا؛ لقوله علیه السلام :« مَنْ اغبرت قدماه في سبيل الله حرمهما الله على النار»(2). ولأنّه موضع اتّعاظ فيناسب التذلّل بالحفا(3).

والظاهر أنّه غير منافٍ لنفي البأس عن الخفّ؛ لأنّه مستثنى من المكروه، ولا يلزم منه الاستحباب الذي هو مبحث المحقّق.

(ورفع اليدين في كلّ تكبيرة).

أمّا تكبيرة الإحرام فموضع وفاق.

وأما غيرها فقال في الذكرى: إنّ الأكثر على نفيه(4).

وروی استحبابه في الكلّ عبدالرحمن العرزمي من فعل الصادق علیه السلام(5) .

وروى يونس عن الرضا علیه السلام وقد قال له: إنّ الناس يرفعون في الأولى لا غير، فقال: «ارفع يدك في كلّ تكبيرة»(6).

ص: 438


1- الكافي، ج 3، ص 176، باب نادر، ح 2 تهذيب الأحكام، ج 3، ص 206، ح 491، وفيهما: «لا يصلّى ... ».
2- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص 410، الهامش 5 .
3- المعتبر، ج 2، ص 355 .
4- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 385 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
5- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 194 - 195، ح 445: الاستبصار، ج 1، ص 478 ، ح 1851 .
6- الكافي، ج 3، ص 184 ، باب الصلاة على المؤمن والتكبير .... 5: تهذيب الأحكام، ج 3، ص 195 ، ح 446: الاستبصار، ج 1، ص 478 ، ح 1852.

و أمّا الدعاء للميّت، فلم يرد برفع اليدين حالته نصٌّ خاصّ، وعمل الطائفة الآن عليه .

ويمكن الاستدلال له بفعل الحسين علیه السلام في صلاته على المنافق(1) ، فيشرع التأسّي به؛ لعدم الخصوصية، وبعموم استحباب رفع اليدين حالة الدعاء، وأنّه معه أقرب إلى الإجابة. وإنّما اختصّ دعاء الميّت؛ لأنّه المقصود من الدعاء بالذات، بخلاف الدعاء للمؤمنين، فإنّه مقصود بالتبع، فناسب ذلك الاهتمام بالرفع فيه لا غير.

(ولا يصلّى عليه إلّا بعد غسله وتكفينه) حيث يجبان، فلو أخلّ حينئذ بالترتيب، أعاد ما يحصل معه الترتيب. وفي الناسي نظر، وجاهل الحكم عامد.

هذا مع الإمكان، وإلّا قام التيمّم مقام الغسل في اعتبار ترتيب الصلاة عليه، فإن تعذّر، سقط.

(فإن فقد) الكفن (جعل في القبر) بعد تغسيله (وسترت عورته ثمّ صلّي عليه).

هذا إذا لم يمكن ستره بثوب ونحوه والصلاة عليه خارجاً، وإلّا وجب مقدّماً على القبر.

ومقتضى إطلاق الستر وجوبه وإن لم يكن ناظر.

(ولو فاتت الصلاة عليه) قبل دفنه (صلّي) عليه (على قبره يوماً وليلة) علي المشهور، فلا تشرع الصلاة عليه الصلاة عليه بعد ذلك.

وظاهر العبارة اختصاص الحكم بميّت لم يصلّ عليه أصلاً، وأصحاب هذا القول

عدّوه أيضاً إلى مُصلّ فاته الصلاة عليه وإن صلّى عليه غيره.

وذهب بعض الأصحاب(2) إلى تحديده بثلاثة أيّام، وآخرون(3) إلى تحديده بتغيّر صورته.

ص: 439


1- الكافي، ج 3، ص 188 - 189، باب الصلاة على الناصب، ح 2: الفقيه، ج 1 ، ص 168 ، ح 490 .
2- كسلّار في المراسم، ص 80 .
3- منهم ابن الجنيد كما في مختلف الشيعة، ج 2، ص 313، المسألة 200.

واختار المصنّف في المختلف عدم التحديد، لكن خصّه بميّت لم يصلّ عليه، أمّا غيره فلا يجوز(1) .

وفي البيان أطلق الحكم فيهما ، ونفى التحديد(2) .

جمع حسن بين الأخبار المختلفة في ذلك بحمل أخبار وفي مذهب المختلف جمع حسن بين الصلاة عليه بعد الدفن على مَنْ لم يصلّ عليه، وغيرها على مَنْ صلّي عليه، وعلى هذا فالصلاة على مَنْ لم يصلّ عليه واجبة دائماً؛ لبقاء وقتها.

(ويكره تكرار الصلاة) على الجنازة مرّتين.

والظاهر أنّ المراد من المصلّي الواحد، أو مع منافاة التعجيل.

هذا إذا لم يكن المصلّي إماماً يكرّر الصلاة لقوم آخرين، وإلّا فالظاهر عدم الكراهة أيضاً، فقد روي: «أنّ عليّاً علیه السلام كبّر على سهل بن حنيف خمساً وعشرين تكبيرة كلّما أدركه الناس قالوا: يا أمير المؤمنين لم ندرك الصلاة على سهل، فيضعه ويكبّر حتّى انتهى إلى قبره خمس مرّات»(3) .

وللمصنّف قول(4) ، باختصاص كراهة التكرار بالخوف على الميّت أو مع منافاة التعجيل، ولم يعتبر المصلّى.

(وأولى الناس بها أولاهم بالميراث) لأنّه «أُولي الأرحام» وقول الصادق علیه السلام : «يصلّي على الجنازة أولى الناس بها أو يأمر مَنْ يحبّ»(5).

والمراد بأولويّة الأولى بالميراث أنّه أولى بها ممّن لا يرث كالطبقة الثانية مع وجود

ص: 440


1- مختلف الشيعة، ج 2، ص 313، المسألة 200.
2- البيان، ص 72 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 12).
3- الكافي، ج 3، ص 186 ، باب من زاد على خمس تكبيرات ، ح : الفقيه، ج 1، ص 164 - 165، ح 470؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 197 - 198 ، ح 455.
4- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 80، ذيل المسألة 222 .
5- الكافي، ج 3، ص 177، باب من أولى الناس بالصلاة على الميّت، ح 1 تهذيب الأحكام، ج 3، ص 204 - 205، ح 483.

واحد من الطبقة الأولى، وأمّا الطبقة الواحدة في نفسها فتفصيلها ما ذكره بقوله: (والأب أولى من الابن) وإن كانا من طبقة واحدة؛ لمزيد الاختصاص فيه بالحُنوّ والشفقة، فيكون دعاؤه أقرب إلى الإجابة.

وبهذا المعنى الذي فسّرنا به الأولويّة تسقط المنافاة بينها وبين ما يأتي من التفصيل بأنّ الابن أكثر نصيباً من الأب والجدّ مساوٍ للأخ؛ لأنّه مندفع بما ذكرناه.

(والولد) وإن نزل أولى (من الجدّ) وهو ظاهر؛ لكون الولد أولى بالإرث. والجدّ للأب أولى من الأخ.

(والأخ من الأبوين) أولى (ممّن يتقرّب بأحدهما) والأخ للأب أولى من الأخ للأُمّ، والعمّ أولى من الخال، وابن العمّ من ابن الخال والعمّ للأبوين أولى من العمّ لأحدهما، كما أنّ العمّ للأب أولى من العمّ للأُمّ.

وكذا القول في الخال والمعتق من ضامن الجريرة والضامن من الحاكم، فإذا فقد الجميع فوليه الحاكم ثمّ عدول المسلمين.

وهذا الترتيب بعضه مبنيّ على أولويّة الميراث وبعضه - وهو أفراد الطبقة الواحدة - على غيرها، وهو إمّا كثرة الحُنوّ والشفقة، كالأب بالنسبة إلى الابن أو التولّد كالجدّ بالنسبة إلى الأخ، أو كثرة النصيب كالعمّ بالنسبة إلى الخال. والعمل بهذا الوضع هو المشهور

(والزوج) مع وجوده (أولى من كلّ أحد) لقول الصادق علیه السلام في خبر أبي بصير: «الزوج أحقّ بالصلاة على الزوجة»(1) مطلقاً.

ولا فرق بين الدائم والمستمتع بها، ولا بين الحُرّة والمملوكة لإطلاق النصّ، فيكون الزوج أولى من سيّد المملوكة لو كانت لغيره.

والأقوى أنّ الزوجة ليست كذلك؛ لعدم النصّ.

ص: 441


1- الكافي، ج 3، ص 177، باب من أولى الناس بالصلاة على الميّت ، ح 2 و 3: الفقيه، ج 1، ص 165، ح 474؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 205، ح 484: الاستبصار، ج 1، ص 486، ح 1883.

وذهب بعض الأصحاب إلى مساواتها للزوج(1) ؛ لشمول اسم الزوج لهما لغةً، كما قال الله تعالى: (وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ) (2).

ويضعّف بأنّ ذلك إنّما يتمّ مع إطلاق ولاية الزوج، والأمر ليس كذلك، بل آخر الخبر - وهو قوله: «على الزوجة» - صريح في إرادة الذكر.

وظاهر العبارة حصر الولاية فيمن ذُكر، فالموصى إليه بالصلاة من الميّت لا ولاية له إلّا أن يقدّمه الوليّ؛ للآية(3).

وذهب بعض الأصحاب إلى تقديمه على الوليّ(4) ؛ لثبوت وجوب الوفاء بالوصيّة. ولأنّ الميت ربما آثر شخصاً لعلمه بصلاحه، فطمع في إجابة دعائه، فلا ينبغي منعه من ذلك وحرمانه ما أمّله ولاشتهار ذلك من السلف، فقد أوصى جماعة منهم إلى غير الوليّ ولم ينازعه أحد.

واختار المصنّف (رحمه الله)(5) أولويّة الوارث للآية والخبر، وقرّبه في الذكرى(6).

(والذكر) من الأولياء المتعدّدين في طبقة واحدة أولى (من الأنثى) فالأب أولى من الأُمّ، والأخ أولى من الجدّة، وكذا في كلّ مرتبة.

ولو كان الذكر ناقصاً لصغر أو جنون، ففي انتقال الولاية إلى الأنثى من طبقته أم إلى وليّه :نظر من أنّه في حكم المعدوم بالنسبة إلى الولاية، ومن عموم الآية(7) ، فليكن الولاية له يتصرّف فيها وليّه.

ولو لم يكن في طبقته مكلّف، ففي انتقال الولاية إلى الأبعد أو إلى وليّه الوجهان.

ص: 442


1- لم نتحقّقه.
2- الأنبياء (21): 90 .
3- الأنفال (8): 75 .
4- هو ابن الجنيد كما في مختلف الشيعة، ج 2، ص 312، المسألة 198 .
5- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 38، المسألة :188؛ مختلف الشيعة، ج 2، ص 312، المسألة 198 .
6- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 352 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 5).
7- الأنفال (8): 75 .

واستقرب في الذكرى الانتقال إلى الأنثى في المسألة الأولى، وتوقّف في الثانية(1) .

ولو كان غائباً، فالوجهان. ويمكن سقوط اعتباره مطلقاً.

(والحُرّ) أولى (من العبد) لانتفاء ولاية العبد بانتفاء إرثه.

ومعنى أولويّة مَنْ ذُكر توقّف الجماعة على تقدّمه أو إذنه، ويتعيّن الثاني إذا لم يكن أهلاً للإمامة، فلو لم يقدّم أحداً ولم يتقدّم مع أهليّته سقط اعتباره؛ لأنّ الجماعة أمر مهمّ مطلوب فلا تسقط بامتناعه من الإذن، بل يصلّي الحاكم أو يأذن إن كان موجوداً، وإلّا قدّم عدول المسلمين مَنْ يختارونه.

واعلم أنّ ظاهر الأصحاب أنّ إذن الولي إنّما يتوقّف عليها الجماعة لا أصل الصلاة ؛ لوجوبها على الكفاية، فلا تناط برأي أحدٍ من المكلّفين، فلو صلّوا فرادى بغير إذن أجزأ.

ويمكن أن يقال: لا منافاة بين الولاية وعدم المباشرة؛ فإنّ المراد بها سلطنته في ذلك واستحقاقه لأن يفعل الفعل بإذنه وإن لم يصلح للإمامة، وقد تقدّم مثله في ولاية الذكر على الأُنثى في التغسيل مع عدم إمكان مباشرته.

(والأفقه) من الأولياء المجتمعين في درجة واحدة المتساوين فيما تقدّم من المرجّحات (أولى) ممّن دونه. وكذا لو أراد الوليّ تقديم غيره استحبّ له تقديمه.

والقول بتقديم الأفقه خيرة المحقّق في الشرائع (2)؛ لأنّ القراءة هنا ساقطة.

وذهب الشيخ(3) والمصنّف في التذكرة(4) ، والمحقّق في المعتبره إلى تقديم الأقرأ:

العموم قول النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم : «يؤمّكم أقرؤكم»(5).

ص: 443


1- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 353 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 5).
2- شرائع الإسلام، ج 1، ص 95 .
3- المبسوط، ج 1، ص 259؛ الخلاف، ج 1، ص 720 ، المسألة 537 .
4- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 44، المسألة 193.
5- المعتبر ، ج 2، ص 346 6 سنن أبي داود، ج 1، ص 159 - 160، ح 585؛ الفقيه، ج 1، ص 285، ح 880 .

ولأنّ كثيراً من مرجّحات القراءة معتبر في الدعاء. ولأنّ اعتبار سقوط القراءة يقتضي عدم ترجيح الأقرأ أصلاً ولا يقولون به.

وهو مختار الأكثر وعليه العمل.

والمراد بالأفقه الأعلمُ بفقه الصلاة، وبالأقرأ الأعلمُ بمرجّحات القراءة لفظاً ومعنىً.

ولم يذكر المصنّف هنا غير الفقه من المرجّحات وزاد في غير هذا الكتاب(1) تقديم الأقرأ بعد ذلك، وعلى القول الآخر تقديم الأفقه ثمّ الأسنّ؛ لما روي عنه صلی الله علیه وآله وسلم: «إنّ الله لا يردّ ذا الشيبة المسلم»(2) والمراد به الأسنّ في الإسلام كما صرّحوا به في باب الجماعة، لا مطلق السنّ.

واقتصر الشيخ(3) وجماعة(4) ، على تقديم الأسنّ، وانتقلوا بعده إلى القرعة ودلائلهم على ذلك تقتضي اعتبار مرجّحات الإمامة في اليوميّة؛ إذ لا نصّ على الخصوص هنا يقتضي تقديم الأقرأ أو الأفقه أو الأسنّ، فلا وجه حينئذ لتخصيص هذه المرجّحات الثلاثة، فعلى هذا يقدّم بعد التساوي فى السنّ الأسبق هجرةً ثم الأصبح وجهاً أو ذكراً. كما سيأتي إن شاء الله في باب الجماعة.

والمراد بالهجرة في الأصل الخروج من دار الحرب إلى دار الإسلام، وأمّا في زماننا فيحتمل كونها كذلك. فإن لم تتفق كانت كباقي الأوصاف المعدومة، حملاً للّفظ على حقيقته.

وذكر الأصحاب لها في زماننا تفسيراتٍ أُخر، أحسنها أنّ المراد بها سكنى الأمصار؛ لأنّها تقابل سكنى البادية مجازاً عن الهجرة الحقيقيّة؛ لأنّ الأمصار مظنّة

ص: 444


1- تحرير الأحكام الشرعيّة، ج 1، ص 126، الرقم 359؛ تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 44، المسألة 193؛ منتهى المطلب، ج 7، ص 313؛ نهاية الإحكام، ج 2، ص 256 .
2- تلخيص الحبير، ج 2، ص 118، ح 762؛ وأورده الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 1، ص 353(ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 5).
3- المبسوط، ج 1، ص 259 .
4- كما في جامع المقاصد، ج 1، ص 411.

الاتّصاف بشرائط الإمامة واكتساب كمالات النفس بخلاف غيرها من البوادي والقرى التي يغلب على أهلها جفاء الطبع والبُعد عن العلوم وكمالات النفس، وقد روي عن النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم : «أنّ الجفاء والقسوة في الفدّادين»(1) .

قال الهروي ناقلاً عن أبي عمرو:

هي الفدادين مخفّفة، واحدها فدّان مشدّد، وهي البقرة التي يحرث بها، وأهلها أهل جفاء؛ لبُعدهم من الأمصار، فأراد أصحاب الفدادين، كما قال تعالى: (وَسُلِ الْقَرْيَةَ )(2)(3) .

وحكي فيه التشديد وهم الذين تعلو أصواتهم في حروثهم وأموالهم ومواشيهم من أهل القرى والبوادي، يقال: فدّ الرجل يفدّ إذا اشتدّ صوته(4) .

وعن الشيخ يحيى بن سعيد: هي في زماننا التقدّم في التعلّم قبل الآخره(5).

وأمّا الصباحة فذكره الجماعة بعد التساوي فيما سبق.

وعلّلها المصنّف في المختلف بالدلالة على عناية الله تعالى بصاحبه(6).

وربما فسّرت بالأحسن ذكراً بين الناس مجازاً؛ لقول عليّ علیه السلام : «إنّما يستدلّ على الصالحين بما يُجري الله لهم على ألسن عباده»(7) .

واعلم أنّه يستفاد من قول المصنّف: إنّه يقدّم الأفقه، ثمّ قوله: ( ولو لم يكن) الوليّ ( بالشرائط) المجوّزة للإمامة (استناب مَنْ يريد) أنّ الأفقه مقدَّم وإن لم يكن عدلاً.

ولا وجه له؛ فإنّ هذه المرجّحات إنّما تظهر فائدتها في الإمام. ويمكن - على بُعد - النظر إلى كون رأيه في التقديم أتمّ. وكذا القول في باقي المرجّحات، فلو كان أحد

ص: 445


1- غريب الحديث الهروي، ج 1، ص 202، «فدد»؛ المعجم الكبير، الطبراني ، ج 17، ص 208 - 209، ح 564.
2- يوسف (12): 82 .
3- الغريبين الهروي ، ج 5، ص 1421، «فدد».
4- الغريبين الهروي ، ج 5، ص 1421، «فدد».
5- كما في ذكرى الشيعة، ج 4، ص 278 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).
6- مختلف الشيعة، ج 2، ص 495، ذيل المسألة 355 .
7- نهج البلاغة، بشرح محمّد عبده، ج 3، ص 83 من عهده علیه السلام إلى الأشتر النخعي.

الأولياء أسنّ من الباقين ولم يكن بصفة الإمامة، توقفت على إذنه لا غير على ظاهر العبارة. وكلام الجماعة لا ينافيه، إلّا أنّ الدليل الموجب لترتيب هذه المرجّحات لا يساعد عليه.

(وليس لأحدٍ التقدّم بغير إذنه) وإن لم يجمع أوصاف الإمامة؛ لاختصاص حقّ التقدّم به.

(وإمام الأصل) علیه السلام (أولى) من كلّ أحد، فلا يحتاج إلى إذن الوليّ؛ لقول الصادق علیه السلام: «إذا حضر الإمام الجنازة فهو أحق الناس بالصلاة عليها»(1).

(والهاشمي أولى من غيره مع الشرائط) المعتبرة في الإمامة، وإنّما يكون أولى (إن قدّمه الوليّ، ويستحبّ له تقديمه) ذكره الجماعة، بل أوجب تقديمه المفيد(2).

قال في الذكرى ولم أقف على مستنده(3) .

واحتجّ للاستحباب بأنّ فيه إكراماً لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم .

ولقوله صلی الله علیه وآله وسلم: «قدموا قريشاً ولا تقدّموها»(4).

وطعن فيه في الذكرى بأنّه غير مستثبت في رواياتنا، وبأنّه أعمّ من المدّعى(5) .

(ولو أمّت المرأة النساء أو العاري مثله وقف) الإمام منهما (في) وسط (الصفّ) لا يبرز عنه.

أمّا العاري؛ فللمحافظة على أن لا تبدو عورته لهم. ويفهم من العبارة أنّهم

ص: 446


1- الكافي، ج 3، ص 177، باب من أولى الناس بالصلاة على الميّت، ح 4؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 206، ح 489.
2- المقنعة، ص 232 .
3- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 354 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 5).
4- معرفة السنن والآثار، ج 1، ص 154، ح 217: وج 4، ص 211، ح 5907 و 5912؛ کنز العمال، ج 12، ص 22،ح 33789 - 33791.
5- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 354 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 5).

لا يجلسون كاليوميّة بناءً على أنّ الستر غير شرط في صلاة الجنازة، كما صرّح به المصنّف؛ لأنّها(1) دعاء(2).

وأمّا وقوف المرأة وسط النساء: فلخبر زرارة عن الباقر علیه السلام، قلت له: المرأة تؤمّ النساء، قال: «لا، إلّا على الميّت إذا لم يكن أحد أولى منها تقوم وسطهنّ»(3) .

(وغيرهم) أي غير النساء والعراة، ولو ثنّى الضمير كان أولى، أي غير العاري والمرأة (يتقدّم وإن كان المؤتمّ واحداً ) بخلاف جماعة اليوميّة؛ لقول الصادق علیه السلام في الاثنين يقوم الإمام وحده والآخر خلفه: «ولا يقوم إلى جنبه»(4) .

(وتنفرد الحائض بصفٌ) لقول الصادق علیه السلام - في خبر محمّد بن مسلم - في الحائض تصلّي على الجنازة، قال: «نعم، ولا تقف معهم تقف منفردة»(5) .

وانفرادها لكونها حائضاً يقتضي انفرادها عن النساء، فتتأخّر عنهنّ لو اجتمعن.

والنفساء كالحائض؛ لمساواتها لها في جميع الأحكام إلّا ما استثني.

(ولو فات المأموم بعض التكبيرات أتمّ) ما بقي منها (بعد فراغ الإمام ولاءً) أي من غير دعاء؛ لقول الصادق علیه السلام : «فليقض ما بقي متتابعاً(6) »(7) ، وبإطلاقها عمل المصنّف هنا، وقيّده في غير الكتاب بخوف الفوات، وإلّا وجب الدعاء(8) ، وهو أجود؛ لعموم قول

ص: 447


1- في «الأصل وم» والطبعة الحجريّة: لأنّه. والظاهر ما أثبتناه.
2- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 462، المسألة 116؛ نهاية الإحكام، ج 1، ص 372.
3- الفقيه، ج 1، ص 397، ح 1179؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 206، ح 488، وص 326، ح 1019، وص 331 - 332، ح 1038.
4- الكافي، ج 3، ص 176، باب نادر ، ح 1: الفقيه، ج 1، ص 166 ، ح 477؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 319، ح 990.
5- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 204، ح 479.
6- في «الأصل وم» والطبعة الحجريّة : متابعاً. وما أثبتناه من المصادر .
7- الفقيه، ج 1، ص 165 ، ح 471: تهذيب الأحكام، ج 3، ص 200، ح 463؛ الاستبصار، ج 1، ص 482 ،ح 1865.
8- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 85، المسألة 226: قواعد الأحكام، ج 1، ص 20: نهاية الإحكام، ج 2، ص 270.

النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم : «ما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فاقضوا»(1) .

و وجوب الإكمال بعد فراغ الإمام ثابت (وإن رفعت الجنازة) لقول الباقر علیه السلام : «يتمّ التكبير وهو يمشي معها ، وإذا لم يدرك التكبير كبّر على القبر»(2) .

قال في الذكرى : وهذا يشعر بالاشتغال بالدعاء ؛ إذ لو والى لم يبلغ الحال إلى الدفن(3) .

وهو حسن، لكن يجب تقييده بما لو كان مشيهم لا يخرج عن سمت القبلة ولا يفوت به شرط الصلاة من البُعْد، وإلّا تعيّن موالاة التكبير.

(ويستحبّ) للمأموم (إعادة ما سبق به) من التكبير (على الإمام) ظانّاً أو نسياناً ليدرك فضيلة الجماعة، كما يرجع إليه في اليوميّة لو ركع أو رفع قبله، ولا تنقطع بذلك القدوة .

ولو كان متعمّداً ففي الإعادة إشكال من أنّ التكبير ركن فزيادته كنقصانه، ومن كونه ذكر الله تعالى. ولا ريب أنّ عدم العود هنا أولى.

(ولو حضرت جنازة في الأثناء) فإن شاء (قطع) الصلاة على الأولى (واستأنف صلاة واحدة عليهما، أو أتمّ) الصلاة على الأولى واستأنف على الأُخرى.

وهذا أفضل مع عدم الخوف على الثانية، وجَعَله المصنّف متعيّناً إذا كانت الثانية مندوبةً(4) .

وإنّما خيّر بين القطع والإتمام؛ لأنّ في كلّ واحدة تحصيلَ الصلاة.

ولرواية عليّ بن جعفر عن أخيه علیهما السلام في قوم كبّروا على جنازة تكبيرة أو تكبيرتين ووضعت معها أخرى، قال: «إن شاؤا تركوا الأولى حتّى يفرغوا من التكبير على

ص: 448


1- سنن أبي داود، ج 1، ص 156، ح 572 وذيله؛ مسند أحمد، ج 2، ص 530، ح 7608.
2- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 200، ح 462؛ الاستبصار، ج 1، ص 481، ح 1862.
3- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 388 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 5).
4- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 86، المسألة 227؛ نهاية الإحكام، ج 2، ص 271 .

الأخيرة، وإن شاؤا رفعوا الأولى وأتمّوا التكبير على الأخيرة، كلّ ذلك لا بأس به»(1).

قال في الذكرى:

والرواية قاصرة عن إفادة المدّعى؛ إذ ظاهرها أنّ ما بقي من التكبير على الأولى محسوب للجنازتين، فإذا فرغ من تكبيرات الأولى تخيّروا بين تركها بحالها حتّى يكملوا التكبير على الأخيرة وبين رفعها من مكانها والإتمام على الأخيرة، وليس في هذا دلالة على إبطال الصلاة على الأولى بوجه. هذا مع تحريم قطع العبادة الواجبة. نعم، لو خيف على الجنائز قُطعت الصلاة ثم استأنف عليهما؛ لأنّه قطع لضرورة(2). انتهى.

وقد تحصّل من ذلك أن لا نصّ على القطع ظاهراً، وبدونه يشكل، فالأولى تركه، بل إن لم يكن الإجماع على جوازه يتعيّن.

ثمّ إن لم يخف على الثانية بترك الشروع في الصلاة عليها إلى الفراغ من الأولى، فالأولى إفراد كلّ واحدة بصلاة كما لو حضر تا ابتداءً، وإلّا نوى الصلاة على الثانية بقلبه عند الفراغ من الذكر وإرادة التكبير وكبّر ناوياً بها لهما معاً، ثمّ يخصّ كلّ واحدة بذكرها، ويشركهما في التكبير؛ لاتحاده فيهما، كما لو حضرا ابتداءً إلى أن يفرغ من الأولى، فيكمل ما بقي من الثانية فلو حضرت الثانية بعد التكبير الأول على الأُولى والتشهد نوى عليها، وكبر للافتتاح على الثانية، ويكون ثاني الأُولى، ثمّ يتشهّد للثانية ويصلّي على النبيّ وآله للأولى، ويتخيّر في التقديم، ثمّ يكبّر مشتركاً، ويصلّي على النبيّ وآله للثانية، ويدعو للمؤمنين للأُولى وهكذا إلى أن يفرغ من الأُولى، فيدعو للميت الثاني ويكبّر له سادسة بالنسبة إلى الأولى وهو خامسته .

ويمكن استفادة ذلك من رواية عليّ بن جعفر(3).

ص: 449


1- الكافي، ج 3، ص 190، باب في الجنازة توضع .... ح 1 تهذيب الأحكام، ج 3، ص 327، ح 1020.
2- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 389( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 5).
3- تقدّمت الإشارة إلى مصدرها في الهامش1.

ويمكن أن يريد بها إكمال الأولى والاستئناف على الثانية، فدلالتها قاصرة على معيّن.

وقد تأوّل الشيخ رواية جابر عن الباقر علیه السلام: «أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كبّر إحدى عشرة وسبعاً وستّاً»(1) بالحمل على حضور جنازة ثانية، فيبتدئ من حين انتهى خمساً وهكذا(2) ، كما ذكرناه في التشريك.

والظاهر عدم الفرق هنا بين كون الأُولى واجبةً والثانية مندوبة أو بالعكس أو مشتركتين في الوجوب والندب، وإنّما يتّجه الفرق على القول بالقطع، كما حكيناه عن المصنّف أوّلاً.

ومتى اقتصر على صلاة واحدة لمتعدّد واجتمعوا في الدعاء لهم في وقت واحد، اقتصر على دعاء واحد مراعياً تثنية الضمير وجمعه وتذكيره وتأنيثه.

ولو ذكّر في المؤنّث مؤوّلاً بالميت صحّ، بل هو أولى عند اجتماع ذكور وإناث.

ولو اختلفوا في الدعاء - كما لو كان فيهم طفل ومؤمن ومجهول مثلاً - دعا لكلّ ميّت بما هو وظيفته.

(ويستحبّ للمشيّع) وهو الماشي مع الجنازة إلى موضع الدفن أو الصلاة (المشي وراء الجنازة) لأنّها متبوعة لا تابعة.

ولقول الصادق علیه السلام - بإسناده إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «اتبعوا الجنازة ولا تتبعكم خالفوا أهل الكتاب»(3)، والصادق علیه السلام أخبر بسنّة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وقوله من العامّة.

وروى العامّة عن عليّ علیه السلام أنّه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «إنّ فضل الماشي خلف الجنازة على الماشي أمامها كفضل المكتوبة على التطوّع»(4) .

ص: 450


1- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 316، ح 981؛ الاستبصار، ج 1، ص 474 - 475. ح 1838.
2- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 316، ذيل الحديث 981؛ الاستبصار، ج 1، ص 475، ذيل الحديث 1838.
3- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 311، ح 901.
4- المصنّف عبد الرزّاق، ج 3، ص 447 ، ح 6267.

(أو مع أحد جانبيه)ا لقول الباقر علیه السلام في رواية سدير عنه: «مَنْ أحبّ أن يمشي مشي الكرام الكاتبين فليمش جنبي السرير»(1) .

ويكره تقدّمها عندنا وحرّمه ابن أبي عقيل في جنازة الناصبي وأوجب التأخّر(2) ؛ لرواية أبي بصير عن الصادق علیه السلام بمنع المشي أمام جنازة المخالف؛ لاستقبال ملائكة العذاب إيّاه(3) .

وفي المعتبر قطع بنفي الكراهة في التقدّم، وجَعَله مباحاً(4) .

واعلم أنّ الجنازة بالفتح: الميّت، أو بالكسر الميّت، وبالفتح: السرير أو عكسه، أو بالكسر : السرير مع الميّت ذكر الجميع في القاموس(5)..

وفي الصحاح الجنازة بالكسر : الميّت على السرير فإذا لم يكن عليه ميّت فهو سرير ونعش وجَعَل الفتح من كلام العامّة(6) .

(والتربيع) وهو حمل الجنازة من جوانبها الأربعة بأربعة رجال كيف اتّفق، وهو أولى من الحمل بين العمودين، كما استحبّه العامّة.

قال الباقر علیه السلام : «السنّة أن يحمل السرير من جوانبه الأربعة، وما كان بعد ذلك من حمل فهو تطوّع»(7).

وقال علیه السلام: «مَنْ حمل جنازة من أربع جوانبها غفر له أربعون كبيرة»(8).

وقال الصادق علیه السلام لإسحاق بن عمّار: «إذا حملت جوانب سرير الميّت خرجت من

ص: 451


1- الكافي، ج 3، ص 170، باب المشي مع الجنازة ، ح 6: تهذيب الأحكام، ج 1، ص 311 - 312، ح 904.
2- حكاه عنه الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 1، ص 323 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 5).
3- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 312 ، ح 905.
4- المعتبر، ج 1، ص 293.
5- القاموس المحيط، ج 2، ص 176، «جنز».
6- الصحاح، ج 2، ص 870، «جنز».
7- الكافي، ج 3، ص 168، باب السنة في حمل الجنازة ، ح 2 تهذيب الأحكام، ج 1، ص 453. ح 1476: الاستبصار، ج 1، ص 216، ح 765 .
8- الكافي، ج 3، ص 174 ، باب ثواب من حمل جنازة، ح 1 تهذيب الأحكام، ج 1، ص 454، ح 1479.

الذنوب كما ولدتك أُمّك»(1).

وأفضل هيئته ما رواه العلاء بن سيابة عن الصادق علیه السلام :« تبدأ بالحمل من الجانب الأيمن ثمّ تمرّ عليه من خلفه إلى الجانب الآخر حتّى ترجع إلى المقدّم كذلك دور الرحى»(2) .

ومثله روى الفضل بن يونس عن الكاظم علیه السلام ، إلّا أنّه صرّح فيه بأنّ المبدوء به أيمن السرير لا الميّت(3) .

وفي خبر عليّ بن يقطين: حمل الجانب الأوّل بأيمن الحامل(4) .

فتحرّر من ذلك أنّ أفضل هيئته أن يبدأ بمقدّم السرير الأيمن، وهو الذي يلي يسار الميّت فيحمله بالكتف الأيمن ثمّ ينتقل إلى مؤخّر السرير الأيمن فيحمله أيضاً بكتفه الأيمن ثمّ ينتقل إلى مؤخّره الأيسر فيحمله بالكتف الأيسر ثمّ ينتقل إلى مقدّمه الأيسر فيحمله بكتفه الأيسر.

وهذا هو المشهور بين الأصحاب، وكيفيّته لا تخلو من إجمال في عباراتهم واشتباه، ومحصّلها ما ذكرناه، وممّن صرّح بهذه الهيئة المصنّف في المنتهى(5) والشيخ في المبسوط(6)، وكثير من الجماعة.

وعكس الدور في الخلاف؛ فإنّه قال فيه: يحمل بميامنه مقدّم السرير الأيسر ثمّ يدور خلفه حتّى يرجع إلى المقدّم(7)؛ محتجّاً بخبر عليّ بن يقطين عن الكاظم علیه السلام، قال:

ص: 452


1- الفقيه، ج 1 ، ص 162 ، ح 460.
2- الكافي، ج 3، ص 169، باب السنة في حمل الجنازة ، ح 4 تهذيب الأحكام، ج 1، ص 453 ، ح 1474؛ الاستبصار، ج 1، ص 216، ح 763 .
3- الكافي، ج 3، ص 168، باب السنة في حمل الجنازة، ح 3 تهذيب الأحكام، ج 1، ص 452 - 453، ح 1473.
4- الكافي، ج 3، ص 168، باب السنة في حمل الجنازة، ح 1 تهذيب الأحكام، ج 1، ص 453. ح 1475: الاستبصار، ج 1، ص 216، ح 764 .
5- منتهى المطلب، ج 7، ص 264 - 265 .
6- المبسوط ، ج 1، ص 259 .
7- الخلاف، ج 1، ص 718 ، المسألة 531 .

سمعته يقول: «السنّة في حمل الجنازة أن تستقبل جانب السرير بشقّك الأيمن فتلزم الأيسر بكتفك(1) الأيمن ثم تمرّ عليه إلى الجانب الآخر وتدور من خلفه إلى الجانب الثالث من السرير ثمّ تمرّ عليه إلى الجانب الرابع ممّا يلي يسارك »(2).

ويمكن رجوع الرواية إلى الأوّل بنوع من الاعتبار، فإنّ اليمين واليسار من الأمور الإضافيّة، فيقبل التعاكس خصوصاً مع كون أيمن الميت على أيسر السرير وبالعكس. ويدلّ على ذلك دعواه إجماع الفرقة عليه(3)، مع أنّه ذكر في النهاية والمبسوط(4) الأوّل، وهذا هو الذي فهمه الراوندي شارح النهاية منه(5) ، فإنّه قال: إنّ معناهما - أعني النهاية والخلاف - لا يتغيّر.

وبالجملة، فالاعتماد في الأفضليّة على الأوّل وإن كانت السنّة تتأدّى بالجميع.

ويدلّ على الاجتزاء بالحمل كيف اتّفق مكاتبة الحسين بن سعيد عن الرضا علیه السلام يسأله عن سرير الميّت أله جانب يبتدأ به في الحمل من جوانبه الأربعة أو ما شاء الرجل؟ فكتب: «من أيّها شاء»


1- في الأصل والاستبصار بكفّك.
2- تقدّمت الإشارة إلى مصادرها في ص 452، الهامش 4.
3- الخلاف، ج 1، ص 718 ، المسألة 531 .
4- النهاية، ص 37 المبسوط ، ج 1، ص 259.
5- كتابه مفقود .

(1) وعلى هذا اقتصر ابن الجنيد(2) .

(والإعلام) للمؤمنين بموته ليتوفّروا على تشييعه ليفوزوا بالأجر، وليفوز بالمغفرة.

وقد روي عن النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم أنّه قال:«لا يموت منكم أحد إلّا آذنتموني»(3).

وعن الصادق علیه السلام: «ينبغي لأولياء الميّت منكم أن يؤذنوا إخوان الميّت يشهدون

ص: 453


1- الفقيه، ج 1، ص 162 ، ح 462: تهذيب الأحكام، ج 1، ص 453 - 454، ح 1477؛ الاستبصار، ج 1، ص 216،ح 766 .
2- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 324. المسألة 213.
3- المستدرك على الصحيحين، ج 3، ص 591 .

جنازته ويصلّون عليه فيكتب لهم الأجر، وللميت الاستغفار، ويكتسب هو الأجر بما اكتسب لهم»(1) .

ولا كلام في أصل الإعلام، لكن هل يشرع النداء ؟ قال في الخلاف : لا أعرف فيه نصّاً(2).

وفي المعتبر والتذكرة : لا بأس به؛ لما يتضمّن من الفوائد، وخلوه من منع شرعي(3).

(والدعاء عند المشاهدة ) للميّت بما روي عن عليّ بن الحسين علیه السلام أنّه كان يقول إذا رأى جنازة: «الحمد لله الذي لم يجعلني من السواد المخترم»(4) .

والمراد بالسواد الشخص، والمخترم - بالخاء المعجمة - الهالك أو المستأصل.

ويجوز الحمل هنا على كلّ منهما، فإن أريد الأوّل حمل على الجنس، والمعنى: الحمد لله الذي لم يجعلني من الهالكين.

ولا تنافي بين هذا وبين حبّ لقاء الله؛ لأنّ المراد بذلك حال الاحتضار؛ لما روي عن النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم أنّه قال: «مَنْ أحبّ لقاء الله أحبّ الله لقاءه، ومَنْ كره لقاء الله كره الله لقاءه» فقيل له صلی الله علیه وآله وسلم : إنّا لنكره الموت فقال: «ليس ذلك، ولكنّ المؤمن إذا حضره الموت بُشِّر برضوان الله وكرامته فليس شيء أحبّ إليه ممّا أمامه، فأحبّ لقاء الله وأحبّ الله لقاءه، وإنّ الكافر إذا حضر بُشِّر بعذاب الله، فليس شيء أكره إليه مما أمامه، كره لقاء الله وكره الله لقاءه»(5). وبقيّة عمر المؤمن نفيسة لا ثمن لها، كما ورد في الأخبار(6)، فحبّ البقاء للازدياد في الطاعة والاستعداد للآخرة لا ينافيه حبّ لقاء الله بغير ذلك،

ص: 454


1- الكافي، ج 3، ص 166 ، باب أن الميت يؤذن به الناس ح 1: تهذيب الأحكام، ج 1، ص 452، ح 1470 بتفاوت.
2- الخلاف، ج 1، ص 731 ، المسألة 561.
3- المعتبر، ج 1، ص 262؛ تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 344، المسألة 115.
4- الكافي، ج 3، ص 167، باب القول عند رؤية الجنازة، ح 1: الفقيه، ج 1، ص 177، ح 525 تهذيب الأحكام ج 1، ص 452، ح 1472.
5- صحيح البخاري، ج 5، ص 2386، ح 6142: صحيح مسلم، ج 4، ص 2065 - 2066، ح 2684/15؛ سنن ابن ماجة، ج 2، ص 1425. ح 4264.
6- كما في جامع المقاصد، ج 1، ص 417 .

فكلُّ من الموت والبقاء له وجه محبوبيّة ومكروهيّة، أو نقول: حبّ لقاء الله يقتضي كمال الاستعداد، وإنّما يكون بالبقاء في دار التكليف فلا منافاة.

ويمكن أن يكون في هذا الدعاء إشارة إلى مقام التفويض إلى الله تعالى والتوكّل عليه وإسناد الأمور كلّها إليه، فإنّه لمّا رأى الميّت وعلم أنّ الله اختار موته وحياة الرائي رضي بفعل الله وقضائه، ففوّض الأمر إليه، وحمد الله عليه، فقال: الحمد لله الذي أحياني فإنّه اختار حياتي، ولولا اختياره لأماتني، فالحمد لله على ذلك. وهذا من أعلى درجات الموقنين كما نبّه عليه الباقر علیه السلام حين اجتماعه بجابر بن عبدالله الأنصاري في مسجد النبيّ صلی الله علیه و آله وسلم وقد كفّ بصره، وأنّه علیه السلام أخبره عن حاله بأنّ محبوبه قضاء الله من موت أو حياة أو غناء أو فقر أو صحّة أو مرض(1).

(خاتمة) لأحكام الميّت

وهي دفنه وما يتقدّم عليه ويتبعه من الأحكام.

( ينبغي) على وجه الاستحباب (وضع الجنازة) عند قربها من القبر (ممّا يلي رِجْل القبر) بالإضافة إلى حالة وضع الميّت فيه فرِجله ما كان محلاً لرجل الميّت؛ لقول الصادق علیه السلام :« لا تفدحه بقبره ولكن ضعه دون قبره بذراعين أو ثلاث، ودعه حتّى يتأهّب»(2) ومعنى فدحه : إنقاله، ذكره في الصحاح(3).

ووضعه عند رجل القبر ثابت (للرجل) دون المرأة (ونقله) بعد ذلك إلى القبر (في ثلاث دفعات) وإنزاله في الثالثة (وسبق رأسه) حالة الإنزال على باقي بدنه، قال المفيد: كما سبق في الدنيا من بطن أُمّه(4) .

ص: 455


1- لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.
2- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 313، ح 909 .
3- الصحاح، ج 1، ص 390، «فدح».
4- المقنعة، ص 80

و اقتصر ابن الجنيد في وضعه على مرّة(1) ، وهو خيرة المعتبر(2)؛ عملاً بمدلول الرواية(3) .

(و) توضع (المرأة ممّا يلي القبلة وتنزل) إلى القبر (عرضاً) دفعةً واحدة؛ لقول الصادق علیه السلام : «إذا أُدخل الميّت القبر إن كان رجلاً يسلّ سلّاً، والمرأة تؤخذ عرضاً، لأنّه أستر»(4).

(والواجب دفنه) أي الميّت رجلاً كان أم أمرأة (في حفيرة تستر رائحته وتحرسه عن هوامّ السباع) بحيث يعسر نبشها غالباً.

وهاتان الصفتان متلازمتان في الغالب، وقد تختلفان في بعض الترب، فلابدّ من مراعاتهما؛ لعدم حصول الغرض من الدفن بدون ذلك.

واحترز بالحفيرة عن دفنه في تابوت على وجه الأرض وأزج(5) كذلك، فإنّه لا يجزئ مع إمكان الدفن في الأرض وإن حصل الوصفان؛ لأنّه مخالف لما ورد به الشرع من الحفر.

ولا فرق في التابوت بين المكشوف والمغطّى.

نعم، لو دفن التابوت في الأرض، جاز على كراهية.

وكذا لو تعذّر الحفر لصلابة الأرض أو لحجرها ولم يمكن نقله إلى غيرها ولو بأجرة ،مقدورة، أجزأ البناء عليه والتابوت على وجه يحصل معه الوصفان.

ووجوب الدفن على الوجه المذكور ثابت (على الكفاية) دون الأعيان كباقي أحكام الميّت، وقد مرّ تحقيقه في باب الغسل.

(و) الواجب في حالة الدفن (إضجاعه على جانبه الأيمن) في حالة كونه (مستقبل القبلة) بوجهه ؛ لفعل النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم ودفنه كذلك، وعليه الصحابة والتابعون ومعظم الأصحاب.

ص: 456


1- حكاه عنه الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 1، ص 400 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 5).
2- المعتبر، ج 1، ص 298 .
3- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 313، ح 908 .
4- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 325، ح 950 .
5- الأزج: ضرب من الأبنية. الصحاح، ج 1، ص 298، «أزج».

وجعل ابن حمزة الاستقبال مستحبّاً؛ للأصل(1) . ويدفعه ما سبق.

ويسقط الاستقبال عند الاشتباه وعند تعذره كمن مات في بئر وتعذّر إخراجه.

(والكافرة الحامل من مسلم) تدفن مع المسلمين دون باقي الكفّار لحرمة الولد، لكن (يستدبر بها) القبلة على جانبها الأيسر ليكون ولدها مستقبلاً على جانبه الأيمن؛ لأنّ وجهه إلى ظهرها، قال في التذكرة : وهو موضع وفاق(2).

ولقول الرضا علیه السلام في الأمة الكتابيّة تحمل من المسلم تموت مع ولدها: «يدفن

معها »(3) والأصل في الدفن الحقيقة شرعاً، فلا يرد أنّه لا دلالة فيها.

والتعبير بالكافرة يشمل الذميّة والحربيّة.

ويتصوّر حمل الكافرة مطلقاً من المسلم بإسلامه عليها، وبوطء الشبهة، وحمل الذمّيّة أيضاً بالعقد عليها إمّا مطلقاً أو متعة على اختلاف الرأيين، وبملك اليمين.

وهل يجب ذلك في الكافرة الحامل من زنى المسلم ؟ إطلاق العبارة يشمله؛ لصدق الحمل من المسلم وإن لم يلحق به شرعاً، ولكونه ولداً لغةً، ولهذا يحرم على الزاني لو كان أُنثى.

ويشكل بعدم اللحاق به شرعاً، والإشكال آتٍ في تغسيله وباقى أحكامه.

(وراكب البحر) إذا مات وجب أن ينقل إلى البرّ إن أمكن ولو بالصبر قدراً لا يفسد معه الميّت، وإلّا وضع فيه بأن ( يثقّل) في رجليه بحجر ونحوه، كما ورد في الخبر(4) . أو في غيرهما على الظاهر، ومن ثَمَّ أطلق المصنف، أو يثقّل بوعاء يوضع فيه بحيث يرسب في الماء، لا فيما يبقى على وجه الماء لعدم مسمّى الدفن حينئذ، (ویر مى فيه) بعد التثقيل مستقبلاً به حين ،إلقائه كما سبق كلّ ذلك، بعد ما يمكن من

ص: 457


1- الوسيلة، ص 67 - 68.
2- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 109 ، ذيل المسألة 250 .
3- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 334 - 335 ، ح 980.
4- الفقيه، ج 1، ص 157 ، ح 438: تهذيب الأحكام، ج 1، ص 339، ح 995؛ الاستبصار، ج 1، ص 215، ح 761 .

تغسيله وتكفينه وتحنيطه والصلاة عليه.

والوعاء وآلة التثقيل من أصل التركة؛ لأنّهما من جملة مؤونة التجهيز.

(ويستحبّ حفر القبر قامة أو إلى الترقوة) لقول النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم: «وسّعوا وعمّقوا»(1) ، وعن الصادق علیه السلام : «حدّ القبر إلى الترقوة»(2) .

ولم يرد بالقامة خبر، لكن ذكر ابن أبي عمير حكاية عن بعضهم أنّه قامة الرجل حتّى يمتدّ الثوب على رأس مَنْ في القبر(3) .

وتكره الزيادة على ثلاثة أذرع، روي ذلك ذلك عن الصادق علیه السلام(4).

(واللحد ممّا يلي القبلة) وهو أفضل من الشقّ عندنا؛ لقول النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم: «اللحد لنا والشقّ لغيرنا»(5).

وليكن اللحد واسعاً (قدر الجلوس).

هذا في الأرض الصلبة، أمّا الرخوة فالشقّ أفضل.

ولو بلغت في الرخاوة حدّاً لا يحتمل الشقّ عمل له بناء يشبه الشقّ ؛ تحصيلاً للفضيلة.

والمراد باللحد أن يحفر له إذا بلغ أرض القبر في حائطه ممّا يلي القبلة مكاناً يوضع فيه الميّت. وبالشقّ أن يحفر في قعر القبر شقّاً يشبه النهر يوضع فيه .

(و) يستحبّ للنازل معه (كشف الرأس).

قال الصادق علیه السلام : «لا تنزل إلى القبر وعليك عمامة ولا قلنسوة ولا رداء ولا حذاء

ص: 458


1- سنن أبي داود، ج 3، ص 214، ح 3215 و 3216؛ سنن النسائي، ج 4، ص 81.
2- الفقيه، ج 1، ص 171، ح 499 تهذيب الأحكام، ج 1، ص 451 ، ح 1469.
3- الكافي، ج 3، ص 165. باب حد حفر القبر واللحد .... ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 451، ح 1469.
4- الكافي، ج 3، ص 166، باب حدّ حفر القبر واللحد .... ح 4: تهذيب الأحكام، ج 1، ص 451، ح 1466.
5- سنن ابن ماجة، ج 1، ص 496 ، ح 1554؛ سنن أبي داود، ج 3، ص 213، ح 3208؛ الجامع الصحيح، ج 3، ص 363 . ح 1045؛ سنن النسائي، ج 4، ص 80؛ السنن الكبرى البيهقي، ج 3، ص 572، ح 6718 و 6719: مسند أحمد، ج 5 ، ص 479 - 480، ح 18695.

وحلّ أزرارك قلت فالخفّ؟ قال: «لا بأس»(1).

(وحلّ العقد) الكائنة فى الكفن عند رأسه ورجليه، رواه إسحاق بن عمّار وأبو بصير عن الصادق علیه السلام(2): لزوال السبب الموجب لها وهو خوف انتشار الكفن وبروز الميّت.

ويمكن أن يريد المصنّف بحلّ العقد ما يشمل حلّ النازل أزرار نفسه.

(وجعل التربة) الحسينيّة صلوات الله على مشرّفها (معه) تبرّكاً بها وتيمّناً واحترازاً من العذاب وهو كافٍ في الاستحباب وإن لم يرد النصّ بها على الخصوص.

وفي الذكرى أسند القول بذلك إلى الشيخين، قال: ولم نعلم مأخذه(3) .

وروى المصنّف في النهاية وغيرها من كتبه أنّ امرأة كانت تزني وتحرق أولادها خوفاً من أ أهلها، فلمّا ماتت ،دفنت فقذفتها الأرض فدفنت ثانياً وثالثاً، فجرى ذلك، فسألت أُمّها الصادق علیه السلام عن ذلك وأخبرته بحالها، فقال: «إنّها كانت تعذّب خلق الله بعذاب ،الله اجعلوا معها شيئاً من تربة الحسين علیه السلام ، ففعل ذلك، فسترها الله تعالى واستقرّت(4) .

والخبر في الأحكام المندوبة يقبل وإن كان ضعيفاً أو مرسلاً خصوصاً مع اشتهار مضمونه .

قال الشهيد :

والأفضل جعلها تحت خدّه، كما قاله المفيد في المقنعة والشيخ في الاقتصاد. وقيل: تجعل تلقاء وجهه وقيل في الكفن قال المصنّف في المختلف والكلّ جائز(5) .

ص: 459


1- الكافي، ج 3، ص 192، باب دخول القبر والخروج منه، ح 3 تهذيب الأحكام، ج 1، ص 313 - 314 ، ح 911؛ الاستبصار، ج 1، ص 213، ح 751.
2- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 450 ، ح 1463، وص 457، ح 1492.
3- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 404 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 5).
4- نهاية الإحكام، ج 2، ص 277؛ وتذكرة الفقهاء، ج 2، ص 95 ذيل المسألة 236؛ ومنتهى المطلب، ج 7، ص 386.
5- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 404 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 5 ) وانظر مختلف الشيعة، ج 2، ص 318 - 319. المسألة 206؛ وفي الاقتصاد، ص 250: ويضع شيئاً من تربة الحسين علیه السلام في وجهه. ولم نعثر عليه في المقنعة : نعم، نسبه إلى المفيد في السرائر، ج 1، ص 165 من دون ذكر المقنعة.

(والتلقين) من الملحد له إن كان وليّاً، وإلّا استأذنه وهو التلقين الثالث، وجَعَله المصنّف ثانياً بإسقاط التلقين عند التكفين.

قال الصادق علیه السلام : «إذا وضعته في اللحد فضع فاك على أذنه وقُلْ: الله ربّك والإسلام

دينك ومحمّد نبيّك والقرآن كتابك وعليّ إمامك»(1) .

وفي خبر ابن عجلان عنه علیه السلام: «يذكر له ما يعلم واحداً واحداً »(2) .

وفي خبر محفوظ الإسكاف عنه علیه السلام: «ليكن أعقل مَنْ ينزل قبره عند رأسه، وليكشف عن خدّه الأيمن حتّى يفضي به إلى الأرض ويدني فاه إلى سمعه ويقول: اسمع افهم، ثلاثاً» (3)الحديث.

(والدعاء) عند تناوله بقوله: بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملّة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، اللهمّ إيماناً بك وتصديقاً بكتابك، هذا ما وعدنا الله ورسوله، وصدق الله ورسوله، اللهمّ زدنا إيماناً وتسليماً. وعند وضعه في اللحد بقوله: بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملّة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، اللهمّ عبدك وابن عبدك نزل بك وأنت خير منزول به، اللهمّ افسح له في قبره، وألحقه بنبيّه اللهمّ إنّا لا نعلم منه إلّا خيراً وأنت أعلم به. وقراءة الفاتحة والإخلاص والمعوّذتين وآية الكرسي، روي ذلك كلّه عن الصادق علیه السلام(4).

وكذا يستحبّ الدعاء عند وضع اللَبِن بقوله: اللهمّ صِل وحدته وآنس وحشته وأسكن إليه من رحمتك رحمة تغنيه بها عن رحمة من سواك. وعند الخروج من القبر :بقوله إنّا لله وإنّا إليه راجعون والحمد لله ربّ العالمين، اللهمّ ارفع درجته في علّيّين

ص: 460


1- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 318، ح 924، وص 456 - 457 ، ح 1489.
2- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 313، ح 909.
3- الكافي، ج 3، ص 195، باب سلّ الميّت وما يقال عند دخول القبر، ح : تهذيب الأحكام، ج 1، ص 317 - 318، ح 923 .
4- الكافي، ج 3، ص 195، باب سلّ الميّت وما يقال عند دخول القبر، ح 4؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 313 ح 909، وص 317، ح 922 .

واخلف على عقبه في الغابرين وعندك نحتسبه يا ربّ العالمين.

(وشرج اللِبِن) وهو بناؤه ونضده على وجه يمنع دخول التراب إليه. ويستحبّ جعل الطين مع اللِبِن ليتمّ الغرض. وفي خبر إسحاق بن عمّار «ثمّ يضع الطين واللين»(1) .

( والخروج من قِبَل الرِجلين) لقول الباقر علیه السلام : «مَنْ دخل القبر فلا يخرج إلّا من قِبَل الرِجلين»(2) ، وعن النبيّ صلی الله علیه و آله وسلم: «إنّ لكلّ بيت باباً، وباب القبر من قِبَل الرِجلين»(3) ولأنّ فيه احتراماً للميّت.

(وإهالة الحاضرين) التراب بمعنى صبّه (بظهور الأكفّ) لمرسلة الأصبغ عن الكاظم علیه السلام أنّه فَعَل ذلك(4) .

وأقلّه ثلاث حثيات باليدين جميعاً؛ لما روى عن الباقر علیه السلام أنّه حثا على ميّت ممّا

يلى رأسه ثلاثاً(5).

ويستحبّ الدعاء حينئذ. قال عليّ علیه السلام :« سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يقول: مَنْ حثا على ميّت وقال: اللهمّ إيماناً بك وتصديقاً بكتابك، أعطاه الله بكلّ ذرّة حسنة»(6).

(مسترجعين) أي قائلين في حالة الإهالة: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، يقال: رجع واسترجع في المصيبة إذا قال ذلك.

(ورفعه) أي القبر عن وجه الأرض بقدر (أربع أصابع) مفرجات أو مضمومات. وفي بعض الأخبار «شبر»(7) وهو يقوّي التفريج ؛ لأنّه أقرب إليه. ويكره أن يرفع أكثر من ذلك.

ص: 461


1- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 457 - 458 ، ح 1492.
2- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 316، ح 917.
3- الكافي، ج 3، ص 193، باب من يدخل القبر ومن لا يدخل ذيل الحديث ؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 316 ، 918 .
4- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 318 ، ح 925 .
5- الكافي، ج 3، ص 198، باب من حثا على الميّت.... 3؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 319، ح 927.
6- الكافي، ج 3، ص 198، باب من حثا على الميّت .... ح 2 : تهذيب الأحكام، ج 1، ص 319 ، ح 926.
7- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 469 ، ح 1538؛ السنن الكبرى، البيهقي، ج 3، ص 576، ح 6736.

(وتربيعه) مسطّحاً؛ لأنّ النبيّ صلی الله علیه و آله وسلم سطح قبر ابنه إبراهيم(1)، وسُطّح قبر النبيّ صلی الله علیه و آله وسلم(2).

ويكره التسنيم كما تفعله العامّة - مع أنّهم يعترفون باستحباب التسطيح - مخالفةً لطريقة أهل البيت علیهم السلام .

(وصبّ الماء) على القبر مبتدئاً (من قِبَل رأسه دوراً) إلى أن ينتهي إلى الرأس من أيّ جهة شاء؛ لقول الصادق علیه السلام : «السنّة في رشّ الماء على القبر أن يستقبل القبلة ويبدأ من عند الرأس إلى الرجلين ثمّ يدور على القبر من الجانب الآخر ثمّ يرش على وسط القبر»(3) .

(ووضع اليد عليه) مؤثّرةً في التراب مفرّجة الأصابع؛ لقول الباقر علیه السلام : «إذا حثي عليه التراب وسوّي قبره فضع كفّك على قبره عند رأسه وفرّج أصابعك واغمز كفّك عليه بعد ما ينضح بالماء».

(والترحّم) عليه بما شاء والأفضل ما روي عنه علیه السلام أنّه قال - بعد أن وضع كفّه على القبر- : «اللهمّ جاف الأرض عن جنبيه وأصعد إليك روحه ولقّه منك رضواناً وأسكن قبره من رحمتك ما تغنيه عن رحمة من سواك» ثمّ مضى(4) .

وحكى في الذكرى عن الصدوق أنّه متى زار قبره دعا به مستقبل القبلة(5).

(وتلقين الوليّ) أو مَنْ يأمره (بعد الانصراف) وليكن ذلك (بأعلى صوته) قاله الأصحاب، ومع التقيّة يقوله سرّاً.

ص: 462


1- الأمّ، ج 1، ص 273 مختصر المزني، ص 37؛ الخلاف، ج 1، ص 707، ذيل المسألة 505: المعتبر، ج 1، ص 302 .
2- انظر سنن أبي داود، ج 3، ص 215، ح 3220؛ ومسند أبي يعلى، ج 8، ص 53، ح 4571؛ والسنن الكبرى، البيهقي ، ج 4، ص 4. ح 6758؛ والمستدرك على الصحيحين، ج 1، ص 369.
3- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 320، ح 931 .4. تهذيب الأحكام، ج 1، ص 457، ح 1490.
4- الكافي، ج 3، ص 198، باب من حثا على الميت .... ح 3؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 319، ح 927، والحديث عن الإمام الباقر علیه السلام .
5- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 413 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 5) وانظر الفقيه، ج 1، ص 172، ح 500.

وهذا التلقين ثابت عند علمائنا أجمع، ورواه العامّة(1)، واستحبّه جماعة من الشافعيّة(2) ، ورويناه عن الباقر(3) والصادق علیهما السلام(4) ، وفي الخبرين: «أنّ أحد الملكين يقول لصاحبه انصرف بنا عن هذا فقد لقّن حجّته» وليس فيهما تعرّض لكيفيّة الوقوف. وذكر المصنّف أنّه يستقبل القبلة والقبر(5) . وذكر جماعة من الأصحاب(6) استدبار القبلة واستقبال القبر، وهو أدخل؛ لأنّ وجه الميّت إلى القبلة. والكلّ جائز.

ولا فرق في هذا الحكم بين الصغير والكبير، كما في الجريدتين؛ لإطلاق الخبر(7) .

ولا ينافيه التعليل بدفع العذاب كما في عموم كراهة المشمَس وإن كان ضرره إنّما يتولّد على وجه مخصوص، وإقامةً لشعار الإيمان.

( والتعزية) لأهل المصيبة جميعاً، وهي «تفعلة» من العزاء، وهو الصبر.

والمراد بها الحمل على الصبر والتسلّي عن المصاب بإسناد الأمر إلى الله تعالى ونسبته إلى عدله وحكمته، والتذكير بما وعد الله على الصبر، وقد ورد عنه صلی الله علیه وآله و سلم : «مَنْ عزّى مصاباً فله مثل أجره»(8).

ولا فرق بين الرجل والمرأة؛ لقوله علیه السلام: «مَنْ عزّى ثكلى كُسى برداً في الجنّة»(9) لكن

ص: 463


1- المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 2، ص 381 - 382، المسألة 1590؛ الشرح الكبير المطبوع مع المغني. ج 2، ص 39 - 392 .
2- العزيز شرح الوجيز ، ج 2، ص 454 : روضة الطالبين ، ج 1، ص 654 : المجموع شرح المهذب، ج 5. ص 303 - 304.
3- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 459، ح 1496.
4- الكافي، ج 3، ص 201، باب تربيع القبر ورشه بالماء .... ح 11؛ الفقيه، ج 1، ص 173، ح 501؛ تهذیب الأحكام، ج 1، ص 321 - 322، ح 935.
5- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 98 المسألة 242: قواعد الأحكام، ج 1، ص 233 نهاية الإحكام، ج 2، ص 279 .
6- منهم: القاضي ابن البرّاج في المهذّب، ج 1، ص 64: وأبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه الفقه، ص 239 ، ويحيى بن سعيد في الجامع للشرائع، ص 55.
7- تقدّم في الهامش 3 و 4.
8- سنن ابن ماجة، ج 1، ص 511. ح 1602: الجامع الصحيح، ج 3، ص 385، ح 1073.
9- الجامع الصحيح، ج 3، ص 387 - 388، ح 1076.

يكره تعزية الشابة خوفاً من الفتنة.

ولا حد لها؛ لعدم قاطع على التحديد.

وقول الباقر علیه السلام : «إنّه يصنع للميّت مأتم ثلاثة أيّام»(1) لا يقتضي التحديد بها في التعزية.

نعم، لو أدّت إلى تجديد حزن قد نسي، كان تركها أولى.

ويجوز فعلها (قبل الدفن) إجماعاً (وبعده) عندنا؛ للعموم، بل قيل(2) : إنّها أفضل حينئذ ؛ لقول الصادق علیه السلام : «التعزية لأهل المصيبة بعد ما يدفن»(3).

(و) ليس في التعزية شيء موظّف، بل (تكفي المشاهدة) للمعزّى من أهل المصيبة.

قال الصادق علیه السلام: «كفاك من التعزية أن يراك صاحب المصيبة»(4) .

ويستحبّ أن يقول ما قاله الصادق علیه السلام في تعزية قوم: «جبر الله وهنكم، وأحسن عزاكم، ورحم متوفاكم»(5).

وينبغي صنع طعام لأهل الميّت وبعثه إليهم إعانةً لهم وجبراً لقلوبهم. ولأمر النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم فاطمة علیهما السلام أن تأتي أسماء بنت عميس عند قتل جعفر بن أبي طالب، وأن تصنع لهم طعاماً ثلاثة أيّام(6).

ويكره الأكل عندهم؛ لقول الصادق علیه السلام : «إنّه من عمل الجاهليّة»(7).

(ویکره فرش القبر بالساج) وهو خشب مخصوص وكذا يكره فرشه بغيره (من

ص: 464


1- الفقيه، ج 1، ص 182، ح 545 .
2- القائل هو الشيخ في الخلاف، ج 1، ص 729، المسألة 556.
3- الكافي، ج 3، ص 204، باب ثواب من عزّى حزيناً، ح 2 تهذيب الأحكام، ج 1، ص 463، ح 1512؛ الاستبصار، ج 1، ص 217 ، ح 770 .
4- الفقيه، ج 1، ص 174، ح 505.
5- الفقيه، ج 1، ص 174، ح 505.
6- الكافي، ج 3، ص 217، باب من يجب على الجيران لأهل المصيبة .... ح 1؛ الفقيه، ج 1، ص 182 - 183 ،ح 549 .
7- الفقيه، ج 1، ص 182 ، ح 548 .

غير ضرورة أمّا معها - كنداوة الأرض - فلا، كما ذكره الأصحاب(1) .

وأمّا فرشه بما له قيمة من الثياب ونحوها فلا يجوز؛ لأنّه إتلاف لم يؤذن فيه، كما يحرم وضع ذلك مع الميّت مطلقاً.

(ونزول ذي الرحم) لأنّه يورث قسوة القلب، ومَنْ قسا قلبه بَعُد عن ربّه.

ولا فرق في ذلك بين الولد والوالد؛ لقول الصادق علیه السلام :«الوالد لا ينزل في قبر ولده، والولد لا ينزل في قبر والده»(2).

وخبر عبدالله العنبري عنه علیه السلام:«لا يدفن ابنه، ولا بأس بدفن الابن أباه»(3) يدلّ على تأكّد الكراهة في دفن الوالد للولد، لا على عدمها في العكس؛ لما تقدّم. ولأنّ نفي البأس مشعر به.

وهذا الحكم ثابت في كلّ رحم (إلّا في المرأة) فإنّ نزول الرحم معها لا يكره، بل يستحبّ؛ لخبر السكوني عن الصادق علیه السلام :« قال عليّ علیه السلام مضت السنّة من رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم أن المرأة لا يدخل قبرها إلّا من كان يراها في حال حياتها»(4).

والزوج أولى بها في ذلك من المحرم؛ لما ذكر في الصلاة والغسل، ومع التعذّر فامرأة صالحة ثمّ أجنبي صالح، وإن كان شيخاً فهو أولى قاله المصنّف في التذكرة(5) ، يدخل يده من قبل كتفها وآخر يدخل يده تحت حقويها، قاله ابن حمزة(6).

(وإهالة التراب على الرحم) سواء في ذلك الرجلُ والمرأة؛ لما رواه عبيد بن زرارة

ص: 465


1- كما في جامع المقاصد، ج 1، ص 448؛ ومنهم الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 1، ص 406 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 5).
2- كذا ورد الحديث في ذكرى الشيعة، ج 1، ص 405 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 5)؛ وفي تهذيب الأحكام ج 1، ص 320، ح 929 ..... والولد ينزل ...» بحذف «لا».
3- الكافي، ج 3، ص 194، باب من يدخل القبر ومن لا يدخل ، ح 8؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 320، ح 930.
4- الكافي، ج 3، ص 193 - 194، باب من يدخل القبر ومن لا يدخل ، ح 5 تهذيب الأحكام، ج 1، ص 325 ،ح 948 .
5- تذكرة الفقهاء . ج 2، ص 93، ذيل المسألة 234.
6- الوسيلة، ص 68.

أنّ الصادق علیه السلام رأى والداً يطرح على ابنه التراب، فأخذ بكفّيه وقال: «لا تطرح عليه التراب، ومَنْ كان منه ذا رحم فلا يطرح عليه التراب» ثمّ قال: «أنهاكم أن تطرحوا التراب على ذوي الأرحام، فإنّ ذلك يورث القسوة في القلب، ومَنْ قسا قلبه بَعُدَ من ربّه»(1) .

(و تجديد القبور) بعد اندراسها على وجه الأرض سواء اندرست عظامها أم لا، إلّا أن يكون فى أرض مسبّلة وتندرس عظامها، فيحرم تجديدها حينئذٍ وتصويرها بصورة المقابر؛ لأنّ ذلك يمنع من هجوم غيرها مع زوال حقّها.

وقد روي أنّ أمير المؤمنين علیه السلام قال: «مَنْ جدّد قبراً أو مثّل مثالاً فقد خرج من الإسلام»(2).

ويحمل على قصد مخالفة الشارع بالفعل استحلالاً، أو على المبالغة في الزجر ،مجازاً، أي هو على حدّ ذلك.

قال الصدوق: ومعنى «مثّل مثالاً» أبدع بدعة دعا إليها ووضع ديناً(3).

وقد روي الحديث بلفظ «حدّد»(4) ، بالحاء المهملة أي سنّم. وبالخاء(5) المعجمة من الخدّ، وهو الشقّ؛ لاستلزامه النبش المحرَّم.

وروي «جدّث» بالجيم والثاء المثلّثة أخيراً. وهو قريب من الشقّ إلّا أنّ الشقّ أعمّ منه لعدم استلزامه دفن ،آخر بخلاف «جدّث»(6) لأنّ الجدث القبر، فيكون معنى تجديث القبر جَعلَه جدثاً لميّتٍ آخر، وهو يستلزم النبش أيضاً ويزيد الدفن وسيأتي أنّه قد يحرم.

ص: 466


1- الكافي، ج 3، ص 199، باب من حثا على الميّت.... ح 5: علل الشرائع، ج 1، ص 354، الباب 247، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 319، ح 928 .
2- الفقيه، ج 1، ص 189، ح 579؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 459، ح 1497.
3- الفقيه، ج 1، ص 191 .
4- الفقيه، ج 1، ص 189؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 459.
5- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 460.
6- الفقيه، ج 1، ص 189 - 190.

والظاهر أنّ النهي عن التجديد مخصوص بغير قبور النبيّ والأئمّة علیهم السلام؛ لإطباق الخلق على فعل ذلك بها. ولأنّ فيه تعظيماً لشعائر الله، وتحصيلاً لمقاصد دينيّة.

ولم يذكر المصنّف كراهة تجصيصها أيضاً وتطيينها مع كون ذلك أعمّ من التجديد؛ لإمكان وقوعه ابتداءً بناءً على اختيار دخوله فيه كما ذكره الشيخ من تخصيص كراهة ذلك بكونه بعد الاندراس(1)، واختاره أيضاً المصنّف في المنتهى(2).

وهو جيّد؛ لما في الإذن فيه قبل ذلك من حصول فائدة لا تحصل بدونه، وهي دوام تمييزه ليزار ويترحّم عليه خصوصاً قبور العلماء والصالحين، وقد روي أنّ الكاظم علیه السلام أمر بعض مواليه بتخصيص قبر ابنة له لمّا ماتت ب«فيد» وأن يكتب على لوح اسمها، ويجعله في القبر(3) .

وكرهه بعضهم(4) ، مطلقاً؛ لرواية عليّ بن جعفر عن أخيه علیهما السلام : «لا يصلح البناء على القبر ولا الجلوس ولا تجصيصه ولا تطيينه»(5).

وحَمْلُه على وقوع ذلك بعد الاندراس طريق الجمع بينها وبين ما تقدّم، كما اختاره الشيخ والمصنّف.

وأولى من ذلك حمل الأوّل على قبور مَنْ يظهر لتعيين قبره أثر من زيارة ونحوها، والثاني على مَنْ لا يحصل فيه ذلك، كما يدلّ عليه فعل الكاظم علیه السلام بابنته، فإنّها أهل للتعظيم والزيارة، فيدخل في ذلك مَنْ يشاركها في الوصف من العلماء والصالحين، ويبقى الخبران مطلقين بالنسبة إلى الأزمان، ويتخصّصان بالأشخاص؛ عملاً بظاهر الرواية.

(والنقل) للميّت من بلد موته إلى غيره؛ لمنافاته التعجيل المأمور به (إلّا إلى أحد

ص: 467


1- النهاية، ص 44.
2- منتهى المطلب، ج 7، ص 401 .
3- الكافي، ج 3، ص 202، باب تطيين القبر وتجصيصه، ح 3؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 461، ح 1501: الاستبصار، ج 1، ص 217، ح 768.
4- لم نتحقّقه.
5- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 461، ح 1503؛ الاستبصار، ج 1، ص 217، ح 767.

المشاهد) المشرّفة بالأنبياء والأئمّة (صلوات الله عليهم)، فيستحبّ النقل إليها رجاءً الشفاعتهم وتبرّكاً بتربتهم، وتباعداً من عذاب الله تعالى وعليه عمل الإماميّة من زمن الأئمّة إلى زماننا، فكان إجماعاً، قاله في التذكرة (1).

وفي الذكرى : لو كان هناك مقبرة بها قوم صالحون أو شهداء استحبّ النقل إليها؛ لتناله بركتهم وبركة زيارتهم(2) .

ويجب تقييده بما إذا لم يخف هتك الميّت بانفجاره ونحوه لبُعد المسافة أو غيرها.

وهذا كله في غير الشهيد فإنّ الأولى دفنه حيث قُتل؛ لقوله صلی الله علیه وآله وسلم: «ادفنوا القتلى في مصارعهم»(3) .

(ودفن ميّتين في قبرٍ ) واحد ابتداءً أو في أزج معدّ لدفن ،جماعة، أمّا لو دفن الأوّل ثمّ أُريد نبشه لدفن الآخر لا كذلك حرم؛ لأنّ القبر صار حقّاً للأوّل. ولاستلزامه النبش والهتك المحرَّمين.

نعم، لو كثرت الموتى وتعسّر الإفراد زالت كراهة الجمع ابتداء؛ لما روي أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال للأنصار يوم أحد: «احفروا وأوسعوا وعتقوا واجعلوا الاثنين والثلاثة في القبر الواحد، وقدّموا أكثرهم قرآناً »(4).

والمراد بالتقدّم جَعْله إلى القبلة، فيقدّم الأفضل مع تساويهم في الطبقة، كما ورد(5) .

ولو اختلفت بأن اجتمع رجال ونساء وغيرهما، قدّم الرجل ثمّ الصبيّ ثم الخنثى ثمّ المرأة.

هذا كلّه في غير الأقارب، وفيهم يقدّم الأب على الابن مطلقاً، والأُمّ على البنت كذلك، لا على الابن.

ص: 468


1- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 102، المسألة 245 .
2- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 395 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 5).
3- سنن النسائي، ج 4، ص 79؛ المصنف عبد الرزاق، ج 5، ص 278، ح 9604.
4- سنن أبي داود، ج 3، ص 214، ح 3215؛ سنن النسائي، ج 4، ص 83: مسند أحمد، ج 4، ص 594، ح 15818 بتفاوت يسير.
5- سنن أبي داود، ج 3، ص 214، ح 3215؛ سنن النسائي، ج 4، ص 83: مسند أحمد، ج 4، ص 594، ح 15818 بتفاوت يسير.

ويستحبّ جمعهم في مقبرة واحدة؛ لقول النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم لما دفن عثمان بن مظعون: «أدفن إليه مَنْ مات من أهله»(1).

(و) كذا يكره (الاستناد إلى القبر والمشي عليه) ونقل فيه المصنّف في التذكرة الإجماع (2).

وروي عن النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم: «لأن يجلس أحدكم على جمر فتحرق ثيابه وتصل النار إلى

بدنه أحبّ إليّ من أن يجلس على قبر »(3) والمراد به المبالغة في الزجر.

نعم، روى الصدوق عن الكاظم علیه السلام : «إذا دخلت المقابر فطأ القبور، فمن كان مؤمناً استروح [إلى] ذلك، ومَنْ كان منافقاً وجد ألمه»(4) .

وحُمل على الداخل لأجل الزيارة توفيقاً والمراد حينئذ بوطئها كثرة التردّد بينها للزيارة وعدم الاقتصار على زيارتها إجمالاً على طريق الكناية.

( ويحرم نبش القبر) لما فيه من المثلة بالميّت والانتهاك لحرمته، وهو في الجملة إجماعي واستثني منه مواضع

أ : إذا بلي الميّت وصار رميماً، فإنّه يجوز نبشه لدفن غيره فيه، أو لمصلحة المالك المعير. ويختلف ذلك باختلاف الترب والأهوية. ومع الشكّ يرجع فيه إلى أهل الخبرة. فلو نبش على وجه يجوز فوجد فيه عظاماً دفنها وجوباً، ومتى علم صيرورته رميماً لم يجز تصويره بصورة المقابر في المسبّلة، كما مرّ.

ب : إذا دفن في الأرض المغصوبة أو المشتركة بغير إذن الشريك، فإنّ للمالك أو الشريك قلعه؛ لتحريم شغل مال الغير وإن أدّى إلى هتك الميّت؛ لأنّ حقّ الحيّ أولى وإن كان الأفضل

ص: 469


1- سنن أبي داود، ج 3، ص 212 ، ح 3206: السنن الكبرى البيهقي، ج 3، ص 577 ، ح 6744، وفيهما: «أهلي» . بدل «أهله»؛ وأورد نصّه الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 1، ص 396(ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 5).
2- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 107. المسألة 247.
3- السنن الكبرى، البيهقي، ج 4، ص 133، حج 7214؛ مسند أحمد، ج 2، ص 600، ح 8046 بتفاوت؛ وأورد نصّه الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 1، ص 419 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 5).
4- الفقيه، ج 1، ص 180 ، ح 539. وما بين المعقوفين من المصدر.

للمالك تركه خصوصاً القرابة. ولو دفن بإذن المالك جاز له الرجوع قبل الطمّ لا بعده.

ج : إذا كُفّن في مغصوب جاز نبشه لتخليص المغصوب مع طلب المالك، ولا يجب عليه أخذ القيمة. نعم، يستحبّ.

واحتمل في الذكرى تحريم نبشه في الموضعين إذا أدّى إلى هتك الميّت وظهور ما

ينفر منه لما روي من أنّ «حرمة المؤمن ميّتاً كحرمته حيّاً»(1) (2).

ولو كُفّن في حرير، قيل: هو كالمغصوب(3) .

والأولى المنع؛ لأنّ حق الله تعالى أوسع من حقّ الآدمي .

د : إذا وقع في القبر ما له قيمة جاز نبشه وأخذه؛ للنهي عن إضاعة المال، ولا يجب على مالكه قبول القيمة. ولا فرق في ذلك بين القليل والكثير وإن كره النبش لأجل القليل.

ولو ابتلع الميّت مالاً لغيره في حال حياته بحيث يمكن تخليصه بعد الدفن، ففي جواز نبشه لذلك وشقّ جوفه وجهان؛ لتعارض حقّ الحيّ وحرمة الميّت. ومنعه الشيخ في الخلاف(4).

ويمكن هنا تقييده ببذل الوارث العوض. والفرق بين ماله ومال غيره؛ لأنّه استهلك مال نفسه في حياته كما لو أتلفه.

ومتى منعنا النبش أُخذ من تركته.

ولو بلي وانتفت المثلة جاز النبش لإخراجه لزوال المانع.

ثمّ إن كان بعد دفع العوض إلى مالكه، ففي التراد وجهان .

ه: نبشه للشهادة على عينه وإثبات الأمور المترتّبة على موته من اعتداد زوجته وقسمة تركته وحلول ديونه التي عليه وغير ذلك مع إمكان معرفته بالنبش فلو علم تغيّر صورته على وجه لا يعلم حرم نبشه لذلك.

ص: 470


1- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 445 ، ح 1440 .
2- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 459 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 5).
3- القائل به هو الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 1، ص 460 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 5).
4- الخلاف، ج 1، ص 730، المسألة 559 .

واختلف في نبشه لاستدراك غسله وتكفينه والصلاة عليه، وقطع الشيخ بعدم النبش(1) هنا، وهو حسن، وفي نبشه من أرض بيعت بعد الدفن ترجيحاً لحقّ المشتري ومَنَعه المصنّف إلّا أن تكون مغصوبةً فيبيعها المالك(2).

(و) كذا يحرم (نقل الميّت بعد دفنه) إلى موضعٍ آخر؛ لتحريم النبش، واستدعائه الهتك وإن كان ذلك إلى أحد المشاهد المشرّفة على المشهور.

ونقل المصنّف في التذكرة جوازه إليها عن بعض علمائنا(3). وقال الشيخ: إنّ به روايةً سمعتها مذاكرةً(4).

وروى الصدوق عن الصادق علیه السلام : «أنّ موسى علیه السلام استخرج عظام يوسف علیه السلام من شاطئ النيل وحمله إلى الشام»(5) ، وهذا يومئ إلى الجواز؛ لأنّ الظاهر من الصادق علیه السلام تقريره له كحديث «ذكري حسن على كلّ حال»(6) في باب التخلّي. ولأنّ الغرض المطلوب من النقل قبل الدفن من الشفاعة ودفع العذاب حاصل بعده لكن يشترط على ذلك أن لا يبلغ الميّت حالة يلزم من نقله عليها هتكه ومثلته.

الليل

وذهب بعض الأصحاب(7) إلى كراهة النقل مطلقاً، وبعضهم(8) إلى جوازه لصلاحٍ يراد بالميّت.

(وشقّ الثوب على غير الأب والأخ) من الأقارب وغيرهم؛ لما فيه من إضاعة المال والسخط بقضاء الله تعالى .

ص: 471


1- الخلاف، ج 1، ص 730، المسألة 560.
2- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 103، ذيل الموضع الثاني «ب» من المسألة 246.
3- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 102، المسألة 245 .
4- المبسوط، ج 1، ص 264 .
5- الفقيه، ج 1، ص 193 - 194، ح 594.
6- الكافي، ج 2، ص 497، باب ما يجب من ذكر الله عز وجل في كل مجلس ح 8؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 27، ح 68 .
7- هو ابن حمزة في الوسيلة، ص 69.
8- هو ابن الجنيد كما نقله عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 329، المسألة 220 .

وعلى استثناء الأب والأخ أكثر الأصحاب(1) ؛ لأنّ العسكري علیه السلام شقّ ثوبه على أبيه الهادي علیه السلام من خلف وقدام(2)، وفَعَلَتْه الفاطميّات على الحسين علیه السلام(3) ، وعن الصادق علیه السلام : « أنّ موسى علیه السلام شقّ على أخيه هارون»(4) .

وإطلاق المصنّف يقتضي عدم الفرق في ذلك بين الرجل والمرأة.

وفي بعض عباراته اختصاص التحريم بالرجل(5) .

وفي النهاية : أنّ المرأة يجوز لها الشقّ مطلقاً (6).

قال في الذكرى وفي الخبر إيماء إليه(7) .

وروى الحسن الصفّار(8) عن الصادق علیه السلام : «لا ينبغي الصياح على الميّت ولا شقّ الثياب»(9) و «لا ينبغي» ظاهرها الكراهة.

(و) كذا يحرم (دفن غير المسلمين في مقابرهم) وهو موضع وفاق.

ولا فرق في ذلك بين أصناف الكفّار وأطفالهم في حكمهم، لكن يجب مواراتهم لدفع تأذّي المسلمين بجيفتهم، لا بقصد الدفن في غير مقابر المسلمين.

وهذا الحكم ثابت للجميع (إلّا الذميّة الحامل من مسلم) فإنّها تدفن في مقابرهم لمكان الولد، وقد مرّ ذلك. وتقييده بالذميّة مورد الرواية(10) ، وبها تخرج الحربيّة، وقد تقدّم اشتراكهما في هذا الحكم والله أعلم.

ص: 472


1- منهم ابن حمزة في الوسيلة، ص 69.
2- الفقيه، ج 1، ص 174، ح 511.
3- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 325، ح 1207 .
4- تهذيب الأحكام، ج 8، ص 325، ح 1207 .
5- قواعد الأحكام، ج 1، ص 234.
6- نهاية الإحكام، ج 2، ص 290.
7- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 438 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 5).
8- كذا في «الأصل و م» وذكرى الشيعة، ج 1، ص 438 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 5)، وفي المصدر عن امرأة الحسن الصيقل.
9- الكافي، ج 3، ص 225 ، باب الصبر والجزع والاسترجاع، ح 8 .
10- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 334 - 335 ، ح 980.

(المقصد السادس في) الصلوات (المنذورات)

(مَنْ نذر صلاة وأطلق وجب عليه ركعتان) لا أقلّ (على رأي) لأنّه المعهود الغالب في النوافل، إلّا ما نصّ على وحدته على الخصوص، وهو الوتر. ولنهي النبيّ صلی الله علیه و آله وسلم عن البتيراء(1)'، وهي الركعة الواحدة.

وقيل: تجزئ ركعة واحدة(2)، واختاره المصنّف في النهاية(3) وولده في الشرح (4)؛ لصدق الصلاة عليها حقيقةً شرعاً، لا لخصوصيّة كونها وتراً. وأصالة البراءة من الزائد، وحينئذٍ فإطلاق الصلاة عليها وعلى الزائد إمّا بطريق التواطؤ أو التشكيك، لا بطريق الحقيقة والمجاز، فيحمل على أقلّ المراتب لأصالة البراءة. وهو متّجه وإن كانت الركعتان طريق البراءة يقيناً وليس المراد انحصار الواجب في الركعتين، بل المراد أنّهما أقلّ الواجب.

ويجوز جَعلها ثلاثاً وأربعاً بتسليمة واحدة.

وهل يجب التشهد بينها كاليومية؟ وجهان أصحهما الوجوب؛ لعدم التعبّد بالصلاة من دونه

ويحتمل انحصار الوجوب في الركعتين فلا تجوز الزيادة عليهما، كما لا يجوز النقصان؛ لأنّ المنذورة نافلة في المعنى وهي مقصورة في الغالب عليهما، فكما

ص: 473


1- النهاية في غريب الحديث والأثر، ج 1، ص 93.
2- القائل به هو ابن إدريس في السرائر، ج 3، ص 63.
3- نهاية الإحكام، ج 2، ص 86.
4- إيضاح الفوائد، ج 1، ص 135.

لم تدخل الركعة مع وقوعها نادراً فكذا الزائد.

ولا يجزئ الزائد عن الأربع مع الإطلاق؛ لعدم التعبّد به مجتمعاً.

ولو قصد أداء الواجب بأكثر من ركعتين مسلّماً في أثنائه، كأربع - مثلاً - يسلّم على كلّ ركعتين منها، فهل يوصف الزائد على الركعتين بالوجوب؟ يحتمله بناءً على أنّ الواجب أمر كلّي يتأدّى في ضمن أفراد متعدّدة، فإذا اختار الفرد الأكمل وصف بالوجوب، وقد تقدّم له نظائر.

ويحتمل عدمه؛ لجواز تركه لا إلى بدل ولا شيء من الواجب كذلك. ولأصالة عدم الوجوب.

وهذه المسألة قد تقدّم تحقيقها في نظائرها، وأنّ الراجح عدم وصف الزائد بالوجوب؛ لعدم الدليل عليه مع جواز تركه كذلك.

والفرق بين الأربع بتسليمة وبين ما هنا أنّ الواجب في الأول لا يتحقّق إلّا بالمجموع، بخلاف الثاني؛ لتحقّق ما يصلح لوقوع المنذور في ضمنه.

وعلى القول باستحباب التسليم يشكل الفرق إلّا أن نقول بتوقّف الخروج على قصده أو التسليم أو فعل المنافي، وقد تقدّم الكلام فيه.

والضابط أنّ المنذورة يجب فعلها ( كهيئة اليوميّة) في جميع الأفعال والكيفيّات عند الإطلاق .

أمّا لو صرّح بنفي فعل يجب في اليوميّة ولا يشترط في النافلة كالاقتصار على الفاتحة(1) والصلاة جالساً جاز؛ لأنّها هيئة مشروعة اختياراً فينعقد نذرها.

(ولا يتعيّن) عند الإطلاق (زمان ولا مكان) بل يجوز ما وجب بالنذر في أيّ مكان وزمان شاء؛ عملاً بالإطلاق.

(ولو قيّد النذر بهيئة مشروعة، تعيّنت) تلك الهيئة (كنذر صلاة جعفر علیه السلام) فتجب

ص: 474


1- في الطبعة الحجريّة كالاقتصار بالفاتحة.

مراعاة عددها وأذكارها الداخلة فيها؛ لأنّها من مختصاتها(1) ، دون دعواتها الخارجة عنها.

ويتعيّن وقتها المشروعة تلك الهيئة فيه إن كان معيّناً، لا إن كان من كمالها، كيوم الجمعة لصلاة جعفر، بل يجوز فعلها مع الإطلاق متى شاء. نعم، لو عيّنه تعيّن.

(ولو نذر العيد المندوب في وقته تعيّن) بغير إشكال؛ لأنّ غايته كونه نافلةً، فينعقد نذرها في وقتها. ويجب فعلها بهيئتها المعتبرة فيها لو كانت واجبةً.

(ولو نذر هيئته) أي هيئة العيد (في غير وقته فالوجه عدم الانعقاد) لعدم التعبّد بها على تلك الهيئة في غير الوقت المعيّن، فيكون فعلها في غيره بدعةً.

ويحتمل الانعقاد، وهو الموجود في بعض نسخ الكتاب بحذف لفظة «عدم».

وقيل(2) : إنّها كانت ثابتةً في الأصل ثمّ كشطت، فأوجب ذلك اختلاف النسخ.

ووجه الانعقاد أنّها صلاة وذكر لله تعالى فتدخل تحت الأوامر الدالّة على فعل الصلاة وإقامتها والذكر .

والأوّل أوضح، وهو الذي جزم به المصنّف في بعض كتبه(3)، وقربّه في بعض(4).

(وكذا) القول في نذر صلاة (الكسوف) وغيرها من الهيئات(5) المختصّة بوقت معيّن. (ولو قيّد العدد بخمس) ركعات (فصاعداً) بتسليمة واحدة إمّا مع التشهد في مواضعه المعهودة أو مع عدمه (قيل: لا ينعقد النذر) لعدم التعبّد بها شرعاً على هذا الوجه، فيكون فعلها كذلك إدخالاً فى الدين ما ليس منه، وهو اختيار ابن إدريس(6) والشهيد في الذكرى(7) .

ص: 475


1- في الطبعة الحجريّة «مشخّصاتها».
2- القائل هو الشهيد في غاية المراد، ج 1، ص 130 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 1).
3- قواعد الأحكام، ج 1، ص 294 .
4- نهاية الإحكام، ج 2، ص 87.
5- في الطبعة الحجريّة «الهيئة».
6- السرائر، ج 3، ص 58 .
7- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 131 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).

وقيل: ينعقد؛ لعموم وجوب الوفاء بالنذر ولأنّها عبادة، ولا يخرجها عدم التعبّد بها عن ذلك(1).

وفي الصغرى منع؛ لأنّ العبادة تجب موافقتها مراد الآمر، ولم يتحقّق ذلك هنا، وهو كافٍ في المنع.

نعم، لو أطلق الخمس صحّ، وفَعَلها على الوجه المتعبّد به، كمثنى وواحدة أو ثلاث واثنتين.

ويمكن على القول بمنع الواحدة عند الإطلاق اختصاص فعل الخمس بثلاث واثنتين؛ لعدم تعيّن الواحدة، وقد تقدّم أنّها لا تسوغ إلّا مع التعيين. وعلى الأوّل يجوز فعلها رباعيّة وواحدة وعلى القول بجواز الواحدة مطلقاً يجوز فعلها آحاداً.

(ولو قيّده بأقلّ) من خمس (انعقد وإن كان) المقيّد (ركعةً) لأنّ الثلاث والأربع متعبّد به في اليوميّة، والواحدة مشروعة في الجملة وإن كان نادراً، فيصحّ نذرها على الخصوص وإن كان الإطلاق لا يتناولها.

ثمّ إن أطلق العدد الذي هو دون الخمس وجب على هيئته في اليوميّة، فيتشهّد في محالَه. وإن قيّده بتشهّدٍ واحد أخّره، ففي انعقاد النذر إشكال من عدم التعبّد به وحصول مسمّى معظم الصلاة. والبطلان أوضح.

وربما احتمل بطلان القيد لا غير، فيصلّيها على الوجه المشروع.

ويضعف بأنّ ذلك غير منذور فلا يجب.

(ولو قيّده) أي العدد أو المنذور (بزمان تعيّن) فلا يجوز العدول عنه، سواء كان له مزيّة أم لا، وسواء عدل مع اشتماله عليها إلى ما هو أعلى مزيّة أم لا، وهو موضع وفاق.

فإن خالف وأوقع المنذور قبل الزمان المعيّن بالشخص لغا ووجب إعادته فيه، فإن أخّره عنه لعذر قضى ولا كفّارة ولا إثم وإلّا كفّر أيضاً.

ص: 476


1- القائل هو العلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 4، ص 199، ذيل المسألة 502؛ ونهاية الإحكام، ج 2، ص 86 .

ولو تعيّن الزمان بالنوع لا غير، كيوم الجمعة، تخيّر في إيقاعه في أيّ جمعة شاء أداءً وإن كان الأفضل التعجيل.

(ولو قيّده بمكان له مزيّة ) كالمسجد (تعيّن) أيضاً (وإلّا) أي وإن لم يكن للمكان المعيّن مزيّة راجحة على غيره فإن كان فإن كان مع ذلك تحرم فيه الصلاة أو تكره لم يتعيّن قطعاً. وإن أبيحت، فالمشهور عدم التعيين و (أجزأه) فعلها (أين شاء) بخلاف الزمان.

والفرق: أنّ الشارع جعل الزمان سبباً للوجوب، بخلاف المكان فإنّه من ضرورة الفعل لا سببية فيه، وأنّ النذر يصيّر الوقت المنذور فيه وقتاً لتلك العبادة محدوداً، كما يجعل الوقت أصل النصّ، وأنّ الوقت لا تتصوّر فيه الكراهة للمنذور؛ لأنّها تلحق بالواجب، بخلاف المكان فإنّ مكروهه مشترك بين الفرائض والنوافل.

والحقّ أنّ هذه الفروق - مع تسليمها - لا تقتضي افتراقهما في النذر على وجه يقتضي عدم تعيّن ما لا مزيّة فيه من المكان وتعيّن الزمان مطلقاً؛ لعدم الملازمة بين ما ذكر وبين هذه الأحكام، فإنّ ما لا مزيّة فيه من الوقت غاية تعيينه أن يكون لإباحته مع رجحان أصل المنذور، وهو حاصل في المكان، فإمّا أن يتعيّنا أو لا.

ولمانع أن يمنع كلّ واحد من هذه الفروق.

أمّا الأوّل: فلأنّ سبب الوجوب في النذر إنّما هو النذر لا الوقت، وإنّما الزمان والمكان وغيرهما من الأوصاف أُمور عارضة للفعل تعيّنت بتعيين المكلّف، بخلاف الصلاة الواجبة المقيّدة بالأوقات المخصوصة، فإنّ أوقاتها سبب لوجوبها، كما حقّق في الأصول.

ولو سُلّم كون الوقت سبباً هنا وإن كان النذر موجباً أيضاً كإيجاب الأمر الأصلى الفعل على المكلّف وإن تعلّق بوقتٍ وكان ذلك الوقت سبباً، لم يكن في ذلك دلالة على تعيّن الزمان دون المكان.

وأمّا تصيير الوقت المعيّن بالنذر وقتاً للعبادة كالوقت المنصوص فهو آتٍ في المكان المختصّ بالعبادة كالمقام - مثلاً - في صلاة الطواف، فكما ثبت ذلك بالنصّ ثبت غيره بالنذر.

ص: 477

فإن قيل: مكان صلاة الطواف مشتمل على مزيّة فيتقيّد تعيّن مكان المنذور بها، وهو عين المتنازع .

قلنا: أفعال الشارع كلّها مشتركة في المزايا ومعلّلة بالأغراض الصحيحة، فتعليقه العبادة على وقت معيّن لو لم يكن ذلك الوقت مشتملاً على حكمة ومزيّة على غيره كان تخصيصه على غيره ترجيحاً من غير مرجّح، وهو لا يليق بحكمة الشارع فليشترط في تعيّن وقت المنذور أيضاً المزيّة ولا تقولون به.

وأمّا أنّ الوقت لا يتصوّر فيه الكراهة للمنذور بخلاف المكان: فليس بتامّ أيضاً؛ لأنّ الكلام في غير المكان المكروه فيه الفعل أو المحرم، كما مرّ.

والوجه تعيّنهما مطلقاً؛ لعموم وجوب الوفاء بالنذر، وإنّما يتمّ إذا فعل على وجهه المعيّن به وقيود الزمان والمكان أوصاف ترجع إلى اختيار الناذر وتتعيّن بتعيينه، كما تتعيّن مقادير أفعاله بالتعيين وإن كان غيرها أعلى منها، وهو اختيار الشهيد في البيان(1). وحينئذٍ يتعيّن الزمان والمكان مطلقاً، ولا يجوز العدول عن المعيّن إلى غيره وإن كان إلى أعلى مزيّة.

ولو قيل بتعيّن المكان المكروه أيضاً كان وجهاً لعين ما ذكر من الدليل، فإنّ المنذور عبادة راجحة في نفسها، غايتها أنّها أنقص ثواباً من غيرها، وهو غير موجب لبطلان النذر، أو عدم تعيّن المنذور؛ إذ لا يشترط في تعيّن المنذور كونه أتمّ من جميع الأفراد المناسبة له مع كونه في نفسه راجحاً.

(و) على المشهور من اشتراط المزيّة في تعيّن المكان (هل يجزئ في ذي المزيّة) الصلاة في (الأعلى) منه مزيّة، كالمسجد الجامع بالنسبة إلى مسجد القبيلة، وكالمسجدين بالنسبة إلى غيرهما؟ (فيه نظر) من وجود المقتضى للزوم وهو النذر، وحصول المزيّة فيتعيّن، ويؤمر بالإيقاع فيه، وهو يقتضي النهي عن ضدّه، فلا تصحّ في غيره؛ لاقتضاء النهي الفساد. ومن أنّ نسبة ذي المزيّة إلى الأزيد مزيّة كنسبة ما لا مزيّة

ص: 478


1- البيان، ص 207 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 12).

فيه إلى ذي المزيّة، فكما يجوز العدول ممّا خلا عن المزيّة إلى ما اشتمل عليها فكذا هنا. ولأنّ التعيين لا مدخل له في اللزوم بل المزيّة فيصحّ المنذور حيث وجدت واختاره المصنّف في التذكرة والنهاية(1).

وفيه نظر؛ للفرق بين ما لا مزيّة فيه وما له مزيّة في الجملة عند القائلين بذلك، ومن ثُمَّ انعقد النذر في الثاني دون الأول.

وعلى ما اخترناه يسقط هذا البحث، ويتعيّن المنذور مطلقاً.

(ويشترط) في صحّة نذر الصلاة (أن لا تكون عليه صلاة واجبة) لأنّ متعلّق النذر هنا الصلاة المندوبة، وهي لا تصحّ ممّن عليه صلاة واجبة؛ لقوله صلی الله علیه وآله وسلم: «لا صلاة لمن عليه صلاة»(2).

وفي هذا الفرع - مع تسليم منع النافلة لمن عليه فريضة - نظر؛ لأنّ المنذورة تصير واجبةً بالنذر، فلا يكون إيقاعها لنفل بل لفرض.

فإن قيل: الكلام إنّما هو في صحّة النذر وعدمه، لا في المنع مع انعقاده، ولا شكّ أنّ متعلّقه النافلة، فإذا أدّى انعقاده إلى مزاحمتها الفريضة لم يقع.

قلنا: النصّ الذي اقتضى المنع إنّما دلّ - مع تسليمه - على منع إيقاع الصلاة لمن عليه صلاة، لا على إيقاع النذر ، فلا يكون النذر ممنوعاً منه وإن كان متعلّقه النافلة، وبعد انعقاده تصير فريضةً فلا يمتنع فعلها متن عليه صلاة.

قيل: وهذا الفرع من خصوصيّات المصنّف ذكره هنا ثمّ رجع عنه(3).

وعلى ما ذكرناه سابقاً من صحّة النافلة التي لا تضرّ بالفريضة ينتفي البحث هنا عن المنع رأساً.

(ولو نذر صلاة الليل وجب ثماني ركعات) لا غير في وقتها المعيّن؛ لإطلاقها

ص: 479


1- تذكرة الفقهاء، ج 4، ص 198، المسألة 501؛ نهاية الإحكام، ج 2، ص 86 .
2- أورده الشيخ في الخلاف، ج 1، ص 386 المسألة 139.
3- القائل هو الشهيد في غاية المراد، ج 1، ص 132 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 1).

عليها شرعاً، واختصاص ثلاث ركعات بعدها باسم خاصّ، ولا يجب الدعاء بينها ولابعدها.

وهل تجب فيها سورة بعد الحمد بناءً على وجوبها في الفريضة؟ نظر من عدم وجوبها في النافلة، وصيرورتها فريضةً.

والأصحّ الوجوب إلّا أن يقيّدها بعدمها، فتجب على حسب ما نذره .

أمّا السور المنصوص فيها فلا تجب مع الإطلاق قطعاً؛ لأنها من مكمّلاتها.

(وكلّ ما يشترط في) الصلاة (اليوميّة يشترط في )الصلاة (المنذورة) من الطهارة والستر والاستقبال وغيرها؛ لصيرورتها بالنذر صلاةً واجبة (إلّا الوقت) فإنّ المنذورة لا يتعيّن فعلها في وقت اليوميّة، بل يجوز فعلها أيّ وقت شاء مع عدم التعيين، ومعه يتّبع ما عيّنه.

وهذا يتمّ مع الإطلاق أو فيما يشترط في النافلة والفريضة، كالطهارة والستر. أمّا ما لا يشترط في النافلة ولو على بعض الوجوه، كالصلاة إلى غير القبلة ماشياً أو راكباً وصرّح به في النذر فالوجه الانعقاد، كما عيّن وإن صارت بالنذر واجبةً؛ نظراً إلى ما كانت عليه قبل النذر، وقد مرّ مثله في الأفعال.

وليس ما ذكره هنا تكراراً لما سبق فى قوله « كهيئة اليوميّة» لأنّ الهيئة تطلق على الأفعال والكيفيّات الداخلة في الذات وهنا حكم بمساواتها لها في الشروط المتقدّمة عليها، فلا يستغنى بأحدهما عن الآخر.

(وحكم اليمين والعهد) في ذلك كلّه (حكم النذر ) فمهما حلف على فعله من الصلوات أو عاهد عليه الله انعقد على الوجه الذي فصّل.

ص: 480

(المقصد السابع في النوافل)

وهي أنواع كثيرة ذكر المصنّف منها جملةً، فقال: (وتستحبّ صلاة الاستسقاء) وهو طلب السقيا من الله تعالى عند الحاجة إليها، كما تقول استعطى: إذا طلب العطاء، يقال: سقاه الله وأسقاه.

قال الله تعالى: (وَسَقَنهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا)(1)، وقال تعالى: (ولأَسْقَيْنَهُم مَّاء غَدَقًا)(2) .

وقال بعض أهل اللغة: إنّ معنى «سقى» بدون الهمز: إعطاء ما يشرب. ومعنى «أسقى على الماء» دلّ على الماء(3). والأوّل أجود.

والاستسقاء ثابت بالكتاب والسنّة والإجماع.

قال الله تعالى: (وَإِذ أَسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ)(4) ، وقال تعالى: (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا* يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا )(5) .

واستسقى النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم وعلىّ علیه السلام والأئمّة والصحابة، وصلّوا له ركعتين.

والأفضل فعلها (جماعةً) تأسّياً بالنبيّ والأئمّة (صلوات الله عليهم).

ويجوز فعلها فرادى؛ لحصول الغرض بذلك، وهو الصلاة والابتهال إلى الله تعالى بالرحمة.

ص: 481


1- الإنسان (76): 21 .
2- الجن (72): 16 .
3- جمهرة اللغة، ج 2، ص 853-854، «سقى».
4- البقرة (2): 60.
5- نوح (71): 10و11.

وإنّما تستحبّ (عند قلّة الأمطار وغور الأنهار(1)) وهو مسبّب عن غضب الله تعالى على عباده.

قال النبيّ صلى الله عليه وآله و سلم: «إذا غضب الله تعالى على أُمّة ثمّ لم ينزل بها العذاب غلت أسعارها وقصرت أعمارها ولم تربح تجّارها ولم تزك ثمارها ولم تعذب أنهارها وحبس عنها(2) أمطارها وسلّط عليها شرارها»(3)، وغيره من الأخبار.

وكيفيّتها ووقتها (كالعيد) في كونها ركعتين بين طلوع الشمس والزوال يقرأ فيهما ما مرّ، ويكبّر فيهما التكبيرات الزائدة، ويقنت بعد كلّ تكبيرة منها (إلّا أنّه يقنت) في الاستسقاء (بالاستعطاف) وهو طلب العطف من الله تعالى على عباده والرحمة لهم (وسؤال توفير الماء) وأفضله ما نُقل عن أهل البيت علیهم السلام في ذلك وإن جاز بما سنح.

ولتكن الصلاة (بعد أن يصوم الناس ثلاثة) أيّام متواليات؛ لما روي عن النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم: «أن دعوة الصائم لا تردّ»(4) .

(ويخرج بهم الإمام في) اليوم (الثالث) إلى الصحراء. وليكن الثالث (الجمعة أو الاثنين) .

أمّا الجمعة فلأنّه مظنّة الإجابة، وقد ورد : «أنّ العبد ليسأل الحاجة فتؤخّر الإجابة إلى يوم الجمعة»(5) .

وأمّا الاثنين: فلأمر الصادق علیه السلام بالخروج فيه لمحمّد بن خالد(6) .

وإنّما استحبّ الإصحار بها تأسّياً بالنبيّ صلی الله علیه وآله وسلم ، وعن أمير المؤمنين علیه السلام : «مضت السنّة أن

ص: 482


1- في «الأصل وم»: الآبار.
2- في النسخ الثلاث عليها. والصحيح ما أثبتناه من المصدر.
3- الفقيه، ج 1، ص 524، ح 1491؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 148، ح 319.
4- سنن ابن ماجة، ج 1، ص 557 ، ح :1752 السنن الكبرى البيهقي، ج 3، ص 481 - 482، ح 1392 و 6393: مسند أحمد، ج 2، ص 588، ح 3 7983.
5- مصباح المتهجد، ص 262 .
6- الكافي، ج 3، ص 462، باب صلاة الاستسقاء، ح 1: تهذيب الأحكام، ج 3، ص 148 - 149، ح 322.

لا يستسقى إلّا بالبراري حيث ينظر الناس إلى السماء، ولا يستسقى في المساجد إلّا بمسجد

مكّة»(1).

نعم، لو حصل مانع من الصحراء كخوف وشبهه صُلّيت في المساجد.

وليكن خروجهم (إلى الصحراء) في حالة كونهم (حفاةً) ونعالهم بأيديهم (بالسكينة) في النفس مبالغة في الخضوع والخشوع مطرقي رؤوسهم، مكثرين من ذكر الله مستغفرين من ذنوبهم في ثياب بذلتهم - بكسر الباء الموحّدة وسكون الذال المعجمة، وهي ما يمتهن من الثياب ويلبس وقت العمل وإضافة الثياب إليها من باب إضافة الموصوف إلى صفته كجانب الغربي - لا في ثياب التجمّل؛ إذ ليس هو يوم تهنئة(2) كالعيد، وتأسّياً بالنبيّ صلی الله علیه وآله وسلم.

(ويخرج) مع معهم (الشيوخ) من المسلمين (والأطفال والعجائز) والبهائم؛ لقول النبي صلی الله علیه وآله وسلم : «لولا أطفال رضّع، وشيوخ ركّع، وبهائم رتّع ، لصبّ عليكم العذاب صبّاً»(3).

وعن الصادق علیه السلام: «أنّ سليمان خرج ليستسقي فرأى نملة قد استلقت على ظهرها رافعةً قائمة من قوائمها إلى السماء وهي تقول: اللهمّ إنّا خلق من خلقك ولا غنى بنا عن رزقك، فلا تهلكنا بذنوب بني آدم، فقال سليمان علیه السلام : ارجعوا فقد سقيتم بغيركم»(4).

(ويفرق بين الأطفال وأمّهاتهم) استجلاباً للبكاء والخشوع بين يدي الله تعالى فربما أدركهم بلطفه.

(وتحويل) المصلّي (الرداء بعد الصلاة) بأن يجعل ما على المنكب الأيمن منه على الأيسر وبالعكس تأسّياً بالنبيّ صلی الله علیه وآله وسلم، وتفاؤلاً بقلب الجدب خصباً.

ص: 483


1- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 150 ، ح 325، وفيه: «إلّا بمكة».
2- في الطبعة الحجريّة «زينة».
3- السنن الكبرى البيهقي، ج 3، ص 481 ، ح 6390.
4- الفقيه، ج 1، ص 524، ح 1492.

ولا فرق في ذلك بين الإمام وغيره، ومن ثَمَّ أطلقه المصنّف.

وللشيخ قول باختصاصه بالإمام(1) ، وتبعه المحقّق في الشرائع(2).

والعلّتان توجبان الاشتراك.

ولا يشترط في التحويل جعل الباطن ظاهراً وبالعكس، أو الأعلى أسفل وبالعكس وإن كان جائزاً.

(ثمّ يستقبل القبلة) بعد الصلاة والتحويل وقبل الخطبتين (ويكبّر الله) تعالى (مائة) مرّة ( عالياً صوته) به (ويسبّح) الله تعالى (مائة) مرّة (عن يمينه، ويهلّل مائة عن يساره، ويحمد الله) تعالى (مائة) مستدبراً (تلقاء الناس ويتابعونه) في الأذكار كلّها ورفع الصوت، لا في التحويل إلى الجهات.

ومستند ذلك كلّه تعليم الصادق علیه السلام لمحمّد بن خالد والي المدينة(3).

(ثمّ يخطب) بعد الأذكار بالمأثور عن أهل البيت علیهم السلام ، ويجوز بغيره ممّا يتضمّن الحمد والثناء والوعظ والدعاء. وينبغي أن يخطب خطبتين تسويةً بينها وبين العيد.

وما ذكره المصنّف من جَعْل الخطبة بعد الأذكار هو الذي اختاره الشيخ(4) ، وجماعة(5) ، ودلّ عليه تعليم الصادق علیهم السلام، المتقدّم(6) .

وجَعَل في الذكرى(7) تقديم الخطبتين على الأذكار هو المشهور.

(ويبالغ في السؤال) والدعاء والإلحاح فيه في الخطبتين وخصوصاً الثانية، وقد روى الصدوق في الفقيه(8) من الدعوات عن عليّ والحسن والحسين وغيرهم (صلوات

ص: 484


1- الخلاف، ج 1، ص 688، المسألة 463: الجمل والعقود، ضمن الرسائل العشر، ص 193.
2- شرائع الإسلام، ج 1، ص 99 .
3- الكافي، ج 3، ص 462 ، باب صلاة الاستسقاء، ح 1 تهذيب الأحكام، ج 3، ص 148 - 149 ، ح 322.
4- النهاية ص 139 المبسوط، ج 1، ص 134 - 135.
5- منهم يحيى بن سعيد في الجامع للشرائع، ص 119.
6- تقدّم آنفاً.
7- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 149 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).
8- الفقيه، ج 1، ص 527 - 539، ح 1503 و 1504.

الله عليهم) جملة حسنة.

(فإن تأخّرت الإجابة أعادوا الخروج) والصلاة مرّة أُخرى وأزيد حتّى يجابوا إمّا بصوم مستأنف أو بالبناء على الأوّل؛ لوجود السبب المقتضي. ولقوله صلی الله علیه وآله وسلم: «إن الله يحبّ الملحّين في الدعاء»(1).

(وتستحبّ نافلة) شهر (رمضان، وهي ألف ركعة) في المشهور زيادة على الراتبة، ورواه جماعة عن الصادق علیه السلام(2) (في كلّ ليلة) من الشهر (عشرون: ثمان) منها (بعد) صلاة (المغرب) بعد نافلتها (واثنتا عشرة بعد العشاء) وبعد نافلتها أيضاً، رواه محمّد بن سليمان عن الرضا علیه السلام(3).

وقيل : قبل الوتيرة(4). وجَعَله في الذكرى هو المشهور(5) .

وخيّر الشيخ في النهاية(6) بين ما ذُكر من التفريق وبين عكسه، وهو جَعل اثنتي عشرة بين العشاءين وثمان بعد العشاء؛ جمعاً بين خبر سماعة(7) ومسعدة بن صدقة(8) عن أبي عبدالله علیه السلام ، وغيره(9) . وهو حسن.

(وفي) ليالي الإفراد الثلاث وهي (ليلة تسع عشرة و) ليلة (إحدى وعشرين وثلاث وعشرين زيادة مائة) ركعة على العشرين والثلاثين (وفي العشر الأواخر)

ص: 485


1- جامع الأخبار، ص 363 ، ح 4/1009.
2- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 60، ح 204، 205 و 207، وص 61 ، ح 208 و 209؛ الاستبصار، ج 1، ص 460 - 462. ح 1790 و 1792 - 1795.
3- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 64- 65 . ح 217؛ الاستبصار، ج 1، ص 464 - 465 ، ح 1801.
4- من القائلين بذلك: المفيد في المقنعة، ص 166؛ والشيخ في المبسوط، ج 1، ص 194: والقاضي ابن البرّاج في المهذّب، ج 1، ص 145: وأبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه، ص 159.
5- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 166 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).
6- النهاية. ص 140 - 141.
7- الفقيه، ج 2، ص 138 - 139، ح 1969؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 63، ح 214: الاستبصار، ج 1، ص 462 ،ح 1797 .
8- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 62 ، ح 213؛ الاستبصار، ج 1، ص 462، ح 1796.
9- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 63 - 64 . ح 215؛ الاستبصار، ج 1، ص 463، ح 1798.

في كلّ ليلة منه (زيادة عشر) ركعات على ما ذكر، وهو العشرون في غير لیالي الإفراد والمائة والعشرون فيها، فذلك ألف ركعة رواه مسعدة بن صدقة(1) وغيره(2) عن الصادق علیه السلام .

ولتكن العشر المزيدة بعد العشاء.

وروي جَعل اثنتي عشرة من الثلاثين قبل العشاء والباقي بعدها(3)، وعليه جماعة من الأصحاب(4). وكلاهما حسن.

(ولو اقتصر في ليالي الإفراد على المائة) وترك الثمانين ركعة وفرّقها على جُمع الشهر - كما سيأتي كان جائزاً، بل اختاره الأكثر(5) ، وعليه رئب الشيخ الدعوات المختصّة بالركعات في المصباح(6).

فإن اختار المصلّي هذه الرواية (صلّى في كلّ) يوم (جمعة) من الشهر (عشر ركعات) أربع منها (بصلاة عليّ علیه السلام) ، و ركعتان بصلاة (فاطمة علیها السلام)، و أربع بصلاة (جعفر) بن أبي طالب علیه السلام (و) صلّى (في) ليلة (آخر جمعة عشرين) ركعة (بصلاة عليّ علیه السلام ، وفي عشيّتها) ليلة السبت (عشرين) ركعة ( بصلاة فاطمة علیها السلام) ولو اتّفقت عشيّتها ليلة العيد، صلّاها في ليلة آخر سبت منه.

وقد أضفنا إلى المتن في هذه الكيفيّة قيوداً كثيرة خلا عنها كما خلا غيره من العبارات، وهي مستفادة من حديث المفضّل عن أبي عبدالله علیه السلام(7) .

ص: 486


1- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 62 - 63 ، ح 213؛ الاستبصار، ج 1، ص 462، ح 1796.
2- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 63 - 64، ح 215: الاستبصار، ج 1، ص 463، ح 1798.
3- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 62 - 63، ج 213: الاستبصار، ج 1، ص 462، ح 1796.
4- منهم أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه، ص 159.
5- منهم: المفيد في المقنعة، ص 166 - 168؛ والسيد المرتضى في جمل العلم والعمل، ص 78؛ والشيخ في المبسوط، ج 1، ص 194 ؛ وسلّار في المراسم، ص 82؛ والقاضي ابن البرّاج في المهذّب، ج 1، ص 145 - 146؛ وابن حمزة في الوسيلة، ص 116 -117.
6- انظر مصباح المتهجّد، ص 554 وما بعدها.
7- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 66 - 67 ، ح 218 .

واعلم أنّ ما ذكره من الصلاة في كل جمعة عشر ركعات إلى آخره، مبنيّ على الغالب من اشتمال كلّ شهر على أربعة أيّام جُمع ، فلو اتّفق في الشهر خمس جُمع ففي كيفيّة بسط الثمانين إشكال؛ لعدم ذكره في النصوص والفتاوى. ويحتمل حينئذٍ سقوط العشرة في الجمعة الأخيرة والاقتصار على العشرين ليلتها وعشيّتها وصلاة عشر فيها و توزيع الثلاثين الباقية على ليلتها وعشيّتها بجعل ستّة عشر أوّلاً وأربعة عشر ثانياً أو بالعكس، والظاهر تأدّي الوظيفة بالأمرين معاً.

قال في الذكرى :

ولو فات شيء من هذه النوافل ليلاً، فالظاهر أنّه يستحبّ قضاؤه نهاراً؛ لعموم قوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةٌ )(1) وبذلك أفتى ابن الجنيد، قال: وكذا لو فاتته الصلاة في ليلة الشك ثمّ ثبتت الرؤية (2).

ولا فرق في استحباب هذه النوافل بين الصائم وغيره؛ للعموم. ولأنّها عبادة زيدت الشرف الزمان، فلا تسقط بسقوط الصوم عن المسافر ونحوه.

وفي كلام بعض أصحابنا(3) ما يدلّ على اختصاصه بالصائم.

ويستحبّ أن يدعو عقيب كلّ ركعتين منها بالدعاء المأثور، ولو اقتصر على الصلاة، كان أدون فضلاً.

(وتستحبّ صلاة الحاجة) وهي أنواع منها: صلاة ركعتين يوم الجمعة بعد أن يصومه ويومين قبله ويغتسل ويلبس ثوباً نظيفاً ويصعد إلى أعلي موضع في داره ويصلّي، ثمّ يمدّ يده إلى السماء ويقول: اللهمّ إنّي حللت بساحتك، إلى آخر الدعاء، رواه عاصم بن حميد عن الصادق علیه السلام(4) .

ص: 487


1- الفرقان (25): 62 .
2- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 167 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).
3- هو أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه، ص 159.
4- مصباح المتهجّد، ص 324 - 325 .

(و) صلاة (الاستخارة) وهي أيضاً أنواع أشهرها الاستخارة بالرقاع الستّ، رواها هارون بن خارجة عن الصادق علیه السلام، قال: «إذا أردت أمراً فخُذ ستّ رقاع واكتب في ثلاث منها: بسم الله الرحمن الرحيم خيرة من الله العزيز الحكيم لفلان بن فلانة افعل. وفي ثلاث منها : بسم الله الرحمن الرحيم خيرة من الله العزيز الحكيم لفلان بن فلانة، لا تفعل. ثمّ ضَعها تحت مصلّاك(1) ، فإذا فرغت فاسجد سجدة وقُلْ فيها مائة مرّة: أستخير الله برحمته خيرة في عافية، ثمّ استوِ جالساً وقُلْ: اللهمّ خر لي في جميع أموري في يسر منك وعافية، ثم اضرب بيدك إلى الرقاع فشوّشها وأخرج واحدة واحدة، فإن خرج ثلاث متواليات افعل فلتفعل الأمر الذي تريده، وإن خرج ثلاث متواليات: لا تفعل، فلا تفعله، وإن خرجت واحدة: افعل والأخرى لا تفعل فأخر رج من الرقاع إلى خمس فانظر أكثرها فاعمل به ودَع السادسة لا تحتاج إليها»(2).

ولقد أمعن السيّد السعيد رضي الدين ابن طاؤس في كتاب الاستخارات في نعت هذه الاستخارة، وذكر من آثارها عجائب وأنّها من أبواب العلم بالغائب(3)، وقال:

إذا توالى الأمر في الرقاع فهو خير محض. وإن توالى النهي فهو شرّ محض. وإن تفرّقت كان الخير والشر موزّعاً بحسب تفرّقها على أزمنة ذلك الأمر بحسب ترتيبها(4) .

وذكر من آدابها أن تكون صلاة المستخير بها صلاة مضطرّ إلى معرفة مصلحته التي لا يعلمها إلّا علّام الغيوب، فيتأدّب في صلاته وأن يكون عند قوله: «أستخير الله برحمته خيرة في عافية» بقلب مُقبِل على الله ونيّة حاضرة صافية. وإذا عرف وقت سجوده أنّها قد غفلت عن ذكر أنّها بين يدي عالم الخفيات أن يستغفر ويتوب في تلك

ص: 488


1- في الكافي والطبعة الحجريّة زيادة ثمّ صلّ ركعتين.
2- الكافي، ج 3، ص 470 - 471، باب صلاة الاستخارة، ح 3 تهذيب الأحكام، ج 3، ص 181 - 182 ، ح 412.
3- فتح الأبواب، ص 223 - 224.
4- انظر فتح الأبواب، ص 182 وما بعدها ؛ وحكاه عنه الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 4، ص 156 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).

الحال من ذلك الإهمال. وإذا رفع رأسه من السجدة يُقبل بقلبه على الله تعالى ويتذكّر أنّه يأخذ رقاع الاستخارة من لسان حال الجلالة الإلهية وأبواب الإشارة الرّبانيّة. وأنّه لا يتكلّم بين أخذ الرقاع مع غير الله جل جلاله وأنّه إذا خرجت مخالفةً لمراده وهواه، لا يقابل مشورة الله سبحانه بالكراهة ومخالفة رضاه، بل يقابله بالشكر(1) .

(و) صلاة (الشكر) عند تجدّد النعم ودفع النقم (على ما رُسم) وهي ركعتان يقرأ في الأولى الحمد والإخلاص، وفي الثانية الحمد والجحد، ويقول في ركوع الأُولى وسجودها: «الحمد لله شكراً شكراً وحمداً، وفي ركوع الثانية وسجودها: الحمد لله الذي استجاب دعائي وأعطاني مسألتي» رواه هارون بن خارجة عن الصادق علیه السلام(2).

قال ابن البرّاج في الروضة : ووقتها ارتفاع النهار(3).

(وصلاة عليّ علیه السلام أربع ركعات في كلّ ركعة الحمد مرّة، وخمسين مرة التوحيد) ويدعو بعدها بالمنقول.

وأفضل أوقاتها يوم الجمعة.

وعن الصادق علیه السلام:«مَنْ صلاها خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمّه، وقُضيت حوائجه»(4) .

(وصلاة فاطمة علیها السلام ركعتان في الأولى الحمد مرّة والقدر) مائة مرّة (وفي الثانية الحمد مرّة والتوحيد مائة) مرّة.

ونقل ابن بابويه في الفقيه أنّ صلاة فاطمة علیها السلام في الصلاة المنسوبة إلى أمير المؤمنين علیه السلام ، وأنّها تسمّى صلاة الأوّابين(5) .

وروى عن عبدالله بن سنان عن الصادق علیه السلام قال: «مَنْ توضّأ فأسبغ الوضوء

ص: 489


1- فتح الأبواب، ص 298 - 300.
2- الكافي، ج 3، ص 481، باب صلاة الشكر، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 184 - 185، ح 418.
3- هذا الكتاب غير موجود عندنا.
4- مصباح المتهجّد، ص 292 .
5- الفقيه، ج 1، ص 564، ح 1559، وليس فيه ما يؤدي أنّ صلاة فاطنة علیها السلام هي الصلاة المنسوبة إلى أمير المؤمنين علیه السلام.

وصلّاها - أعني الأربع ركعات - انفتل حين ينفتل وليس بينه وبين الله ذنب إلّا غفر له»(1) .

(وصلاة جعفر) بن أبي طالب علیه السلام وتسمّى صلاة الحبوة، وصلاة التسبيح.

وهي (أربع ركعات) بتسليمتين (يقرأ في الأولى الحمد والزلزلة، ثمّ يقول خمس عشرة مرّة: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، ثمّ يركع ويقولها) في ركوعه (عشراً، ثمّ يرفع) رأسه من الركوع (ويقولها) في حالة الرفع (عشراً، ثمّ يسجد ويقولها) في حالة السجود (عشراً، ثمّ يرفع) رأسه من السجود (ويقولها) في حالة الرفع بين السجدتين ( عشرا ثمّ يسجد ثانيا ويقولها) في حالة السجود (عشرا، ثمّ يرفع) رأسه من السجود (ويقولها) في جلسة الاستراحة (عشراً) فهذه خمس وسبعون مرة في الركعة الأولى بثلاثمائة تسبيحة (وهكذا) يصنع (في) الركعات (البواقي) فيصير في جميع الركعات ألف ومائتا تسبيحة زيادةً على ما ذكر في غيرها من الصلوات.

(ويقرأ في) الركعة (الثانية) سورة (العاديات، وفي) الركعة (الثالثة) سورة (النصر، وفي الرابعة سورة (التوحيد، ويدعو) في الصلاة وبعدها (بالمنقول).

وسمّيت هذه الصلاة صلاة الحبوة؛ لأنّ النبيّ صلى الله عليه وآله و سلم حباها جعفراً علیه السلام حين قدم عليه علیه السلام من الحبشة، وكان ذلك يوم فتح خيبر، فقال النبيّ صلى الله عليه وآله و سلم حين بُشِّر بقدومه: «والله ما أدري بأيّهما أنا أشدّ سروراً، أبقدوم جعفر أو بفتح خيبر» فلمّا قدم وثب إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فالتزمه وقبل ما بين عينيه وقال له: «يا جعفر ألا أمنحك، ألا أُعطيك، ألا أحبوك؟»، فقال :جعفر بلى يا رسول الله فظنّ الناس أنّه يعطيه ذهباً أو فضّة، وتشوّفوا (2) لذلك، فقال: «ألا أعلّمك صلاةً إذا أنت صلّيتها وكنت فررت من الزحف وكان عليك مثل زبد البحر ورمل عالج ذنوباً غفرت لك؟ قال: بلى يا رسول الله، قال: «تصلّي أربع ركعات

ص: 490


1- الفقيه، ج 1، ص 564 ، ح 1558.
2- التشوّف: التطلّع لسان العرب، ج 9، ص 185. «شوف».

إن شئت كلّ ليلة وإن شئت كلّ يوم وإن شئت كلّ جمعة وإن شئت كلّ شهر وإن شئت في كلّ سنة، يغفر الله لك ما بينهما»(1) الحديث.

وسُئل الصادق علیه السلام عمّن صلّاها هل يكتب له من الأجر مثل ما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لجعفر؟ قال: «إي والله»(2) .

وفي خبر آخر: «إن شئت صلّيتها كلّها بالحمد وقُل هو الله أحد»(3).

ويجوز احتسابها من النوافل الراتبة، فيجتمع له ثواب الوظيفتين، بل قيل: يجوز احتسابها من الفرائض؛ لعدم التغيّر الفاحش(4). وتجريدها عن التسبيح للمستعجل وقضاؤه بعدها، روى ذلك أبو بصير عن الصادق علیه السلام(5).

ولو صلّى منها ركعتين ثمّ منعه من الإتمام مانع، أو اضطرّ إلى قضاء حاجة بني بعد زوال العذر، روي ذلك عن الكاظم علیه السلام(6) .

(ويستحبّ ليلة الفطر ركعتان) يقرأ (في) الركعة (الأولى الحمد مرّة، وألف مرّة بالتوحيد، وفي) الركعة (الثانية الحمد مرّة، والتوحيد مرّة) ويدعو بعدها بالمنقول.

(وصلاة) يوم (الغدير) وهو الثامن عشر من ذي الحجّة، رواها عليّ بن الحسين العبدي عن الصادق علیه السلام.

قال علیه السلام- بعد أن ذكر فضل اليوم وثواب صومه -: «ومَنْ صلّى فيه ركعتين يغتسل من قبل أن تزول الشمس مقدار نصف ساعة، ويقرأ في كلّ ركعة الحمد مرّة وعشر

ص: 491


1- الفقيه، ج 1، ص 552 - 0553 ح 1535: تهذيب الأحكام، ج 3، ص 186 ، ح 420.
2- الكافي، ج 3، ص 467، باب صلاة التسبيح، ح : الفقيه، ج 1، ص 554، ح 1539؛ تهذيب الأحكام، ج 3، 1، ص 188 ، ح 426 .
3- الفقيه، ج 1، ص 0553 ح 1536.
4- استظهره الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 4، ص 137 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8) عن بعض الأصحاب؛ وانظر الجامع للشرائع، ص 112 .
5- الفقيه، ج 1 ، ص 554. ح 1541.
6- الفقيه، ج 1، ص 554، ح 1540؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 309 ، ح 957 .

مرّات قُل هو الله أحد، وعشر مرّات آية الكرسي، وعشر مرّات إنّا أنزلناه، عدلت عند الله مائة ألف حجّة ومائة ألف عمرة، وما سأل الله عزّ وجلّ حاجة من حوائج الدنيا والآخرة إلا قُضيت كائناً ما كانت الحاجة»(1).

ويستحبّ الدعاء بعدها بالمنقول ويسأل الله حاجته. وفي تمام الحديث «فإنّها والله مقضيّة»(2) .

ولا ترتيب بين هذه السور التي تقرأ بعد الحمد.

والظاهر أنّ المراد بآية الكرسي الآية التي يذكر فيها الكرسي أوّلها (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) إِلَى (الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ)(3).

نعم، ذكر في صلاة يوم المباهلة أنّه يقرأ إلى (خَلِدُونَ )(4)(5).

ولا دلالة فيه على التعدّي إلى غيرها وإن كان فعله جائزاً.

وفي الأخبار اختلاف كثير في تعيين ما يضاف إلى الآية التي ذكرناها بحيث يطلق على الجميع آية الكرسي على التنزيل

(و) صلاة (ليلة) ال (نصف) من (شعبان) وهي أربع ركعات يقرأ في كلّ ركعة الحمد و «قل هو الله أحد» مائة مرّة، ويدعو بعدها بالمأثور.

(و) صلاة ( ليلة المبعث) - وهي ليلة السابع والعشرين من رجب - اثنتا عشرة ركعة في أيّ وقت شاء من الليلة ويقرأ في كل ركعة الحمد والمعوذتين - بكسر الواو - و «قُل هو الله أحد» أربع مرّات، فإذا فرغ قال في مكانه أربع مرّات: لا إله إلا الله والله أكبر والحمد لله وسبحان الله ولا حول ولا قوّة إلّا بالله، رواه صالح بن عقبة عن الكاظم علیه السلام(6) .

ص: 492


1- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 143 - 144 ، ح 317.
2- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 143 - 147، ح 317.
3- البقرة (2): 255 .
4- البقرة (2): 257.
5- مصباح المتهجّد، ص 758 - 759 .
6- مصباح المتهجّد، ص 813 .

وروي(1) في هذه الليلة غيرها من الصلوات.

(و) صلاة (يومه على ما نُقل) وهي اثنتا عشرة ركعة في أيّ وقت كان منه يقرأ في كل ركعة الحمد وسورة، فإذا فرغ وسلّم جلس مكانه ثمّ قرأ الحمد أربع مرّات وقال: لا إله إلا الله والله أكبر والحمد لله وسبحان الله ولا حول ولا قوّة إلا بالله أربع مرّات، ثمّ يقول: الله أكبر ربّي لا أشرك به شيئاً أربع مرّات ثمّ يدعو يستجاب له، إلّا أن يدعو في جائحة قوم أو قطيعة رحم، رواه الكليني مرسلاً عن الصادق علیه السلام(2) .

(وكلّ النوافل) المذكورة وغيرها (ركعتان بتشهّد وتسليم، إلّا الوتر) فإنّه ركعة واحدة (و) إلّا (صلاة الأعرابي) فإنّها عشر ركعات كالصبح والظهرين، فتخرج عن الضابط بالرباعيّتين.

وهذه الصلاة رواها الشيخ مرسلاً عن زيد بن ثابت قال: أتى رجل من الأعراب إلى رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله إنّا نكون في هذه البادية بعيداً من المدينة فلا نقدر أن نأتيك في كل جمعة فدلّني على عمل فيه فضل صلاة الجمعة إذا مضيت إلى أهلي خبرتهم به، فقال النبيّ صلى الله عليه وآله و سلم: «إذا كان ارتفاع النهار فصلّ ركعتين تقرأ في الركعة الأولى الحمد مرّة و«قُلْ أعوذ برب الفلق» سبع مرّات، واقرأ في الثانية الحمد مرّة «وقل أعوذ برب الناس» سبع مرّات فإذا سلّمت فاقرأ آية الكرسي سبع مرّات، ثمّ تصلّي ثماني ركعات بتسليمتين، فاقرأ في كلّ ركعة منها الحمد مرّة و«إذا جاء نصر الله والفتح» مرّة و«قُلْ هو الله أحد» خمساً وعشرين مرّة، فإذا فرغت من صلاتك فقُل: سبحان ربّ العرش الكريم لا حول ولا قوّة إلّا بالله العلي العظيم، فو الذي اصطفى محمّداً بالنبوّة ما من مؤمن ولا مؤمنة يصلّي هذه الصلاة يوم الجمعة كما أقول إلّا وأنّا ضامن له الجنّة، ولا يقوم مقامه حتّى يغفر له ذنوبه ولأبويه ذنوبهما»(3).

ص: 493


1- الكافي، ج 3، ص 469. باب صلاة فاطمة (سلام الله عليها) وغيرها .... ح 7؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 185، ح 419: مصباح المتهجّد، ص 813 .
2- الكافي، ج 3، ص 469 - 470 ، باب صلاة فاطمة (سلام الله عليها) وغيرها... ح 7.
3- مصباح المتهجّد، ص 317 - 318 .

واعلم أنّ ما ذكره المصنّف من حصر الاستثناء في الوتر وصلاة الأعرابي ممّا لا يسلّم فيه على الركعتين هو الموجود في كتب الأصحاب الفرعيّة، والمشهور في الفتوى، وقد يستثنى غير ذلك.

فقد روى الشيخ في المصباح عن النبيّ صلى الله عليه وآله و سلم في عمل ليلة الجمعة صلاة إحدى عشرة ركعة بتسليمة واحدة يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب و«قُل هو الله أحد» والمعوّذتين مرّة مرّة، ويقول بعد الفراغ ساجداً: لا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم، وثوابها أن يدخل الجنّة يوم القيامة من أيّ أبوابها شاء(1).

وروى فيه أيضاً فيه أيضاً عن عليّ علیه السلام ، عن النبيّ صلى الله عليه وآله و سلم أنّ «مَنْ صلّى ليلة الجمعة أربع ركعات لا يفرّق بينهنّ يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرّة وسورة الجمعة مرة، والمعوذتين والإخلاص عشراً، وآية الكرسى والجحد مرّة، ويقول بعدها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم، سبعين مرّة غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر»(2).

وروى السيّد السعيد رضي الدين ابن طاؤس في تتماته في عمل أوّل يوم من رجب عن النبيّ صلى الله عليه وآله و سلم ما هذا لفظه: قال صلى الله عليه وآله و سلم: «يصلّي أوّل يوم من رجب أربع ركعات بتسليمة، في الأولى الحمد مرّة، و«قُل هو الله أحد» إحدى عشرة مرّة، وفي الثانية الحمد مرّة، و«قُلْ الله أحد» هو عشر مرّات و «قل يا أيّها الكافرون» ثلاث مرّات، وفي الثالثة الحمد مرّة و «قل هو الله أحد« عشر مرّات، و«ألهاكم التكاثر» مرّة، وفي الرابعة الحمد مرّة، و«قُلْ هو الله أحد» خمساً وعشرين مرّة، وآية الكرسي ثلاث مرّات»(3) .

وهذه الروايات وإن ذكرت مرسلةً لكن صلاة الأعرابي تشاركها في ذلك وإن كانت في كتب الفروع أشهر، ويشترك الجميع فيما روي عن النبيّ صلى الله عليه وآله و سلم(4) ، أنّ «مَنْ بلغه شيء من

ص: 494


1- مصباح المتهجّد، ص 261 .
2- مصباح المتهجّد، ص 260.
3- إقبال الأعمال، ج 3، ص 199، الفصل 22.
4- كذا قوله عن النبيّ صلى الله عليه وآله و سلم - إلى قوله - وإن لم يكن رسول الله صلى الله عليه وآله سلم قاله.

أعمال الخير فعمل به أعطاه الله تعالى ذلك وإن لم يكن رسول الله صلى الله عليه وآله سلم قاله»(1).

وجميع النوافل يتخيّر المكلّف بين فعلها قائماً وجالساً، وهو إجماع كما ذكره في المعتبر(2) (و) إن كان فعلها (قائماً أفضل) وكأنّه لم يلتفت إلى خلاف ابن إدريس حيث منع من صلاة النافلة جالساً مع الاختيار إلّا الوتيرة (3)؛ لشذوذه.

وقد روى سدير عن أبي جعفر علیه السلام: «ما أُصلّي النوافل إلّا جالساً منذ حملت هذا اللحم »(4) .

نعم، يستحبّ تضعيف العدد جالساً فيحتسب ركعتين بركعة؛ لما روي عن النبيّ صلى الله عليه و آله سلم: «مَنْ صلّى قائماً فهو أفضل، ومَنْ صلّى قاعداً فله نصف أجر القائم»(5).

وعن محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل يكسل أو يضعف فيصلّي التطوّع جالساً، قال: «يضعف ركعتين بركعة»(6).

ولو اقتصر على العدد جاز وإن كان دونه في الفضل.

وقد روى أبو بصير عن الباقر علیه السلام حين سأله عمّن صلّى جالساً من غير عذر صلاته ركعتين بركعة؟ فقال: «هي تامّة لكم»(7).

ولو قام المصلّي قاعداً بعد القراءة وركع قائماً أحرز صلاة القائم، رواه جماعة عن الباقر(8) والكاظم علیهما السلام(9) .

ص: 495


1- كنز العمال، ج 15، ص 791. ح 43132 نحوه.
2- انظر المعتبر، ج 2، ص 23 .
3- السرائر، ج 1، ص 309 .
4- الكافي، ج 3، ص 410. باب صلاة الشيخ الكبير والمريض، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 169 - 170 ، ح 674 .
5- سنن ابن ماجة، ج 1، ص 388 ح 1231؛ الجامع الصحيح، ج 2، ص 207. ح 371، سنن النسائي، ج 3، ص 224 .
6- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 166، ح 655؛ الاستبصار، ج 1، ص 293، ح 1080.
7- الكافي، ج 3، ص 410، باب صلاة الشيخ الكبير والمريض، ح 2: الفقيه، ج 1، ص 365، ح 1049؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 170 ، ح 677: الاستبصار، ج 1، ص 294، ح 1084.
8- الكافي، ج 3، ص 411، باب صلاة الشيخ الكبير والمريض، ح 8؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 170 ، ح 675.
9- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 170، ح 676.

وهل يجوز فعلها اختياراً في باقي الحالات الاضطراريّة، كالاضطجاع والاستلقاء؟ جوّزه المصنّف في الجميع حتّى اكتفى بإجراء القراءة والأذكار على القلب دون اللسان(1) ؛ لأنّه من جملة مراتب العجز.

واستحبّ تضعيف العدد في الحالة التي صلّى عليها على حسب مرتبتها من القيام، فكما يحتسب الجالس ركعتين بركعة يحتسب المضطجع على الأيمن أربعاً بركعة وعلى الأيسر ثمان، والمستلقي ستّ عشرة.

ومنع الشهيد (رحمه الله) جميع ذلك(2). وهو أولى اقتصاراً في مخالفة الأصل على المنصوص المتيقّن.

ويمكن دخول العمل بما اختاره المصنّف في عموم حديث: «مَنْ بلغه شيء من أعمال الخير فعمل به أعطاه الله ذلك»(3) ، والله أعلم.

ص: 496


1- نهاية الإحكام، ج 1، ص 444.
2- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 206 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
3- كنز العمّال، ج 15، ص 791 ، ح 43132 نحوه.

(النظر الثالث في اللواحق)

اشارة

(وفيه مقاصد :)

المقصد (الأوّل في الخلل) الواقع في الصلاة

اشارة

(وفيه مطلبان ):

(الأول) في مبطلات (الصلاة) ولو على بعض الوجوه.

(كلّ مَنْ أخلّ بواجب) من واجبات الصلاة (عمداً أو جهلاً) بوجوبه أو بكونه مبطلاً سواء كان ذلك الواجب من أجزاء الصلاة كالقراءة والركوع والسجود (أو) من (صفاتها) كالطمأنينة في حالة الانفراد أو غيرها ممّا يعتبر، وكالجهر والإخفات في القراءة (أو) من (شرائطها) كالطهارة والستر والاستقبال وإيقاعها في الوقت (أو) من تروكها الواجبة كالفعل الكثير والكلام بطلت صلاته لأنّ الإخلال بالجزء إخلال بالكلّ، وبالشرط إخلال بالمشروط، وللنهي عن فعل ما يجب تركه المقتضي للفساد.

وفي هذا الوجه نظر؛ لخروج النهي عن العبادة بل لكلّ واحد من المنهيّات المبطلة دليل خاص، ومن ثَمَّ لم تبطل الصلاة بفعل بعض المنهيّات، كما سيأتي.

وإدخال تروك الصلاة في واجباتها وجَعلها قسماً منها تجوّز، أو بتأويل الواجب بما هو أعمّ من المتعارف بحيث يشمل ما يجب فعله وما يجب تركه.

وهذه الكلّيّة ثابتة في جميع مواردها (إلّا) في (الجهر والإخفات، فقد عذر الجاهل فيهما) الرواية زرارة عن الباقر علیه السلام في رجل جهر فيما لا ينبغي الجهر فيه

ص: 497

أخفى فيما لا ينبغي الإخفات(1) فيه، قال: «إن فعل ذلك(2) متعمّداً فقد نقض صلاته، وعليه الإعادة، وإن فعل ذلك ناسياً أو ساهياً أو لا يدري فلا شيء عليه، وقد تمّت صلاته»(3). .

( ويعذر جاهل غصبيّة الثوب أو ) غصبيّة (المكان أو نجاستهما أو نجاسة البدن أو) نجاسة (موضع السجود أو غصبيّة الماء) وقد تقدّم الكلام على ذلك كلّه، وأنّ الحكم يتمّ في جهل الغصبية دون النجاسة، بل يعيد في الوقت (أو) جاهل (موت الجلد المأخوذ من مسلم) بناءً على الظاهر.

هذا إذا لم يستحلّ الميتة بالدباغ، وإلّا ففيه وجهان تقدّم الكلام فيهما أيضاً.

ولو وجده مطروحاً فصلّى فيه أعاد وإن تبيّن بعد ذلك أنّه مذكّى؛ للنهي عن الصلاة فيه حالة الدخول المقتضي للفساد.

(و) كذا (تبطل بفعل كلّ ما يبطل الطهارة) من النواقض المتقدّمة، سواء وقعت (عمداً أو سهواً).

وهو على تقدير كون الطهارة مائيّةً موضع وفاق.

وقد روى الحسن بن الجهم عن الكاظم علیه السلام فيمن صلّى الظهر و(4) العصر فأحدث حين جلس في الرابعة: «إن كان لم يتشهّد قبل أن يحدث فليعد»(5) .

وروى عمار عن الصادق علیه السلام: «في الرجل يكون في صلاته فيخرج منه حبّ القرع متلطّخاً بالعذرة يعيد الوضوء والصلاة»(6).

ص: 498


1- في المصادر الإخفاء.
2- في المصادر: أيّ ذلك فَعَل.
3- الفقيه، ج 1، ص 344 . ح 1004؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 162 ، ح 635: الاستبصار، ج 1، ص 313، ح 1163.
4- في المصدر: «أو» بدل «و».
5- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 354 - 355، ح 1467: الاستبصار، ج 1، ص 401، ح 1531.
6- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 11، ح 20؛ الاستبصار، ج 1، ص 401، ح 1532.

ولو كانت ترابيّةً وكان الحدث عمداً فكذلك.

ولو كان نسياناً فالمشهور ذلك أيضاً، وهو مختار المصنّف(1) ، ومن ثُمَّ أطلق هنا تسوية بين نواقض الطهارتين.

وذهب جماعة من الأصحاب - منهم : المفيد(2) والشيخ في النهاية (3) - إلى أنّ المصلّي متيمّماً لو أحدث في الصلاة ناسياً ووجد الماء تطهّر، وبنى مع عدم الاستدبار وتعمّد الكلام .

واستندوا في ذلك إلى صحيحة زرارة ومحمّد بن مسلم عن أحدهما علیهما السلام ، قال: قلت له رجل دخل في الصلاة وهو متيمّم فصلّى ركعة ثمّ أحدث فأصاب الماء، قال: «يخرج ويتوضّأ ثمّ يبنى على ما بقي(4) ، من صلاته التي صلّى بالتيمّم»(5)3.

وقريب منه روی زرارة عن الباقر علیه السلام(6) .

وقد سبق في المبطون حكم يقرب منه ، وروايات صحيحة فيه أيضاً.

ومال في المعتبر إلى ذلك؛ لصحّة الرواية وشهرتها وعمل أكابر بها، وأيّدها بأنّ الواقع من الصلاة وقع مشروعاً مع بقاء الحدث، فلا يبطل بزوال الاستباحة، كصلاة المبطون إذا فجأه الحدث، بخلاف المصلّي بالطهارة المائيّة؛ لأنّ حدثه مرتفع، فالحدث المتجدّد رافع لطهارته فتبطل.

قال :

ولأنّ الإجماع على أنّ الحدث عمداً يُبطل الصلاة، فيخرج من إطلاق الرواية،

ص: 499


1- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 221 - 222 ، المسألة 321.
2- المقنعة، ص 61.
3- النهاية، ص 48 .
4- كذا، وفي المصدر: «مضى» بدل «بقي» ولاحِظ ما سيأتي من الشارح (رحمه الله) عند ردّه على العلّامة الحلّي (رحمه الله ).
5- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 204 - 205، ح 594.
6- الفقيه، ج 1، ص 105 ، ح 214: الاستبصار، ج 1، ص 167 - 168 ، ح 580.

ويتعيّن حملها على غير صورة العمد؛ لأنّ الإجماع لا يصادمه(1).

وردّها المصنّف في المختلف:

باشتراط الصلاة بدوام الطهارة، وبالتسوية المتقدّمة، وبأنّ التروك متى كانت من النواقض لم يفترق العامد فيها والساهي. وأوَّلَ الروايةَ بحمل الركعة على الصلاة تسميةً للكلّ بالجزء، وبأنّ المراد بما مضى من صلاته ما سبق من الصلوات السابقة على وجدان الماء (2).

ولا يخفى أنّ ردّه المذكور عين المصادرة؛ فإنّ اشتراط دوام الطهارة مطلقاً وعدم الفرق في التروك بين العامد والناسي هو الذي قد دلّت الرواية على خلافه، وحكم الجماعة بمضمونه، فكيف يجعل دليلاً عليهم!؟ وأمّا التأويل فلفظ الرواية «يبني على ما بقي(3) من صلاته» وليس فيها ما مضى» فلا يتمّ ما ذكره.

(و) كذا تبطل الصلاة (بترك الطهارة كذلك) أي عمداً وسهواً، وهو موضع وفاق.

( وبتعمّد التكفير) وهو لغةً: الخضوع، ووضع اليد على الصدر متطامناً(4) وشرعاً: وضع إحدى اليدين على الأُخرى، سواء كان بينهما حائل أم لا، وسواء وضعهما مع ذلك فوق السرّة كما تفعله العامّة أم تحتها، وسواء وضع اليمين على الشمال وإحدى الكفين على الأخرى أم لا، حتّى لو وضع الكفّ على الزند ونحوه بطلت الصلاة مع التعمّد، ذهب إليه الأكثر(5) ، بل ادّعى المرتضى(6) والشيخ(7) الإجماع عليه.

وروى محمّد بن مسلم - في الصحيح - عن أحدهما علیهما السلام، قال: قلت له: الرجل يضع

ص: 500


1- المعتبر، ج 1، ص 407.
2- مختلف الشيعة، ج 1، ص 281 - 283 ، المسألة 209.
3- تقدّم في الهامش 5 من ص 499 أنّ اللفظ في المصدر: «مضى».
4- طامن ظهره: إذا حتى ظهره لسان العرب، ج 13، ص 368، «طمن».
5- كما في جامع المقاصد، ج 2، ص 344 .
6- الانتصار. ص 141 - 142 المسألة 39 .
7- الخلاف، ج 1، ص 221 - 222 ، المسألة 74.

يده في الصلاة اليمنى على اليسرى، فقال: «[ذلك] التكفير لا تفعله»(1) .

وعن الصادق علیه السلام(2) : «لا تكفّر، إنّما يصنع ذلك المجوس»(3) .

والاعتماد في تحريمه على النهي الحاصل في الخبرين المقتضي له، لا على كونه فعلاً كثيراً.

فإن قيل: النهي هنا عن وصفٍ منفكّ عن أجزاء الصلاة فلا يلزم منه الإبطال.

قلنا: كلّ مَنْ قال بالتحريم قال بالإبطال، ومَنْ لا فلا، وحيث ثبت التحريم لزم القول بالإبطال حذراً من إحداث قول ثالث مخالف لما أجمع عليه الفريقان، وإن تمّ الإجماع - بناءً على عدم الاعتداد بمخالفة معلوم النسب - فلا إشكال.

وقد خالف في ذلك أبو الصلاح(4) ، وابن الجنيد(5) ، وتبعهما المحقّق في المعتبر؛ محتجّاً بعدم علمه بالإجماع، وحمل الخبر على الكراهة وأيّده بأنّ ذلك يستلزم مخالفة الهيئة المستحبّة في وضع اليدين، وهي كونهما على الفخذين، وغايته الكراهة(6).

وقد عرفت أنّ الإجماع المنقول بخبر الواحد حجّة، وأنّ مخالفة المعروف لا تؤثّر فيه، وأنّ النهي يحمل على التحريم حتّى يعارضه ما يوجب حمله على غيره، ولا معارض هنا ومخالفة الهيئة المستحبّة إنّما تكون مكروهةً مع عدم ما يدلّ على التحريم.

وإنّما يُبطل التكفير الصلاةَ عند عدم التقيّة، فيجوز عندها بل قد يجب معها وإن كان عندهم سنّةً عند ظنّ الضرر بتركها.

ص: 501


1- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 84، ح 310. وما بين المعقوفين من المصدر.
2- فيما عدا الفقيه عن الإمام الباقر علیه السلام .
3- الكافي، ج 3، ص 336 - 337 باب القيام والقعود في الصلاة، ح:9 الفقيه، ج 1، ص 302 - 303، ح 916؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 84 ، ح 309 .
4- الكافي في الفقه، ص 125 .
5- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 209 ، المسألة 120 .
6- المعتبر، ج 2، ص 257 .

ولو تركه معها ، قيل : كان كترك الغَسْل في مسح الوضوء(1) ، فتبطل الصلاة لتحقّق النهي.

وفيه نظر؛ لأنّ النهي هنا عن وصفٍ خارج عن أفعال الصلاة، بخلاف ما سلف فإنّ النهي فيه متعلّق بركن من أركان الوضوء، فلا تبطل الصلاة بتركه هنا وإن بطل الوضوء. ويجب عليه معها فعله على وجه تتأدى به التقيّة، سواء كانت على الهيئة المسنونة عندهم أم غيرها. ولو لم تتأدّ إلّا بها تحتّمت فيأثم مع المخالفة وإن صدق التكفير.

(و) بتعمّد (الكلام بحرفين) فصاعداً (ممّا ) أي من الكلام الذي (ليس بقرآن ولا دعاء) مباح ولا ذكر الله تعالى، وهو موضع وفاق، وهو الحجّة.

ولقول النبي صلى الله عليه وآله و سلم: «إنّ هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنّما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن»(2).

وفي حسنة الحلبي عن الصادق علیه السلام وسأله عن الرجل يصيبه الرعاف وهو في الصلاة، فقال: «إن لم يقدر على ماء حتى ينصرف بوجهه أو يتكلّم فقد قطع صلاته»(3).

والكلام جنس لما يتكلّم به، فيقع على الكلمة الواحدة، وهي صادقة على المركّب من حرفين فصاعداً، ويلحق به ما أفهم من الأفعال المعتلّة الطرفين إذا أمر منها، مثل: «ق» «ع» «دٍ» من «وقى» و«وعی» و «ودی» لصدق اسم الكلام عليه لغةً وعرفاً، بل هو كلام عند أهل العربيّة فضلاً عن الكلمة؛ لتضمّنه الإسناد المفيد فيدخل في مدلول الأخبار الواردة بإبطال الكلام.

وربما احتمل عدم الإبطال به بناءً على ما أطلق من تقييد الكلام بتركّبه من حرفين فصاعداً، والموجود منه صورة حرف لا غير.

ويضعّف بما مرّ من وجود صورة الكلام المقتضي للبطلان. والتقييد بحرفين من

ص: 502


1- انظر ذكرى الشيعة، ج 3، ص 225 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
2- صحيح مسلم، ج 1، ص 381 - 382، ح 537/33؛ السنن الكبرى البيهقي، ج 2، ص 507، ح 3918 مسند أحمد، ج 1، ص 625 ، ح 23250: المعجم الكبير، الطبراني، ج 19، ص 402 - 403، ح 948.
3- الكافي، ج 3، ص 364، باب ما يقطع الصلاة من الضحك .... ح 2؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 200، ح 783؛الاستبصار، ج 1، ص 404، ح 1541.

كلام الفقهاء خرج مخرج الغالب، أو أنّ المحذوف في هذه الأوامر بمنزلة المذكور، فيكون المجموع حرفين فصاعداً.

وفي إلحاق الحرف بعده مدّة - وهي الحاصلة من إشباع الضمّ أو الفتح أو الكسر على حرف المدّ(1)- بالكلام نظر من كونه يعدّ حرفاً واحداً، ومن أنّ المدّة إما واو أو ألف أو ياء، وتسميتها مدّة لا تخلّ بكونها حرفاً.

وفي تحقيق المخلّ في هذه المسألة ونظائرها من الأصوات التي يخرج معها حرفان - كالتنحنح ونحوه - بحث ؛ وذلك لأنّ الكلام إذا أخذ بالمعنى المصطلح عليه بين أهل الصناعة، لم يتمّ الحكم بكون حرف المدّ مبطلاً على الإطلاق أو غير مبطل ؛ لاشتراط الوضع في الكلمة وحرف المدّ منه ما هو موضوع كذلك، مثل: «باء» «تاء» «ثاء» عَلَماً على الحروف المخصوصة، ومنه ما ليس موضوعاً ولا دالّاً على معنى مثل: «عا» «كا» فإنّ هذه وأمثالها لا تعد كلمات بذلك المعنى.

ومثله القول في الحرفين الخارجين من التنحنح ونحوه، فإنّهما ليسا موضوعين لمعنى ولا دالين عليه، بل إن دلّا على شيء فإنما هي دلالة طبعية لا وضعية، كدلالة «أح» على أذى (2) الصدر ، وليس في المعنى اللغوي ما يدلّ على خلاف ذلك، فالمصير إليه متعيّن، ومقتضاه حينئذٍ عدم البطلان بما يخرج من الحرفين بسبب التنحنح والنفخ ونحوهما؛ لأنّه لا يعدّ كلاماً، وبه جزم المصنف في التذكرة والنهاية(3)، خصوصاً مع توقف القراءة أو الذكر أو الجهر بهما على التنحنح.

ويؤيّد ذلك رواية عمّار عن الصادق علیه السلام وقد سأله عن الرجل يسمع صوتاً بالباب وهو في الصلاة، فيتنحنح ليُسمع جاريته أو أهله لتأتيه فيشير إليها بيده يُعلمها مَنْ

ص: 503


1- ورد في الطبعة الحجريّة على جملة «على حرف المدّ» علامة «زائدة».
2- في الطبعة الحجريّة «وجع».
3- تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 284 المسألة 323: نهاية الإحكام، ج 1، ص 516.

بالباب لتنظر مَنْ هو، قال: «لا بأس به»(1) مع أنّ الأغلب على التنحنح أن يخرج منه ،حرفان، ولا يكاد يسلم منهما إلّا بتكلّفٍ شديد لا يطلق عليه اسم التنحنح.

نعم، روى طلحة بن زيد عن الصادق علیه السلام ، عن أبيه، عن عليّ علیهما السلام قال: «مَنْ أَنَّ في صلاته فقد تكلّم»(2) لكنّ الحديث ضعيف، ويمكن حمله على الكراهة المؤكّدة.

ويؤيّده أنّ الأنين إنّما يكون كالكلام إذا خرج معه حرفان لا أقل إجماعاً، فإطلاق النهي عنه المستفاد من جَعْله كالكلام ينزّل على الكراهة.

ولو سُلّم، أمكن خروج الأنين بالنصّ الخاصّ، ويبقى الباقي على الأصل. وهو مختار المصنّف في النهاية(3) .

فإن قيل: يلزم من اعتبار الكلام الصناعي عدم بطلان الصلاة بالتلفُظ بالكلمات المهملة المشتملة على عدّة أحرف ك«ديز» و «بيز» ونحوهما؛ لعدم تحقّق الدلالة والوضع.

قلنا: هذه الألفاظ تسمّى كلاماً في العرف العامّ وإن لم تكن كلاماً عند أهل الصناعة وهو العرف الخاصّ. وإطلاق الكلام عليها في ذلك كافٍ في البطلان بها.

فإن قيل: الإشكال آتٍ من وجه آخر وهو أنّ الكلمة كما تطلق على ما تركّب من حرفين مثل «من» و«عن» تطلق أيضاً على الحرف الواحد، كالباء والكاف واللام الموضوعة لمعانٍ مخصوصة، فإنّها أحد أقسام الكلمة، كما أن الاسم أحد أقسامها.

قلنا: الحرف الواحد خرج من ذلك بالاتفاق على عدم إبطاله الصلاة على الوجه المتقدّم فيبقى الكلام في الباقي، ولو لا ذلك أمكن القول بإبطال الحروف الدالة على معانٍ في غيرها، كما ذكر.

وبالجملة، فالمسألة موضع إشكال، ودليلها غير مطابق لما أطلقوه في حكمها، ولكنّهم أعلم بالحال.

ص: 504


1- الفقيه، ج 1، ص 370، ح 1078 .
2- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 330 ، ح 1356.
3- نهاية الإحكام، ج 1، ص 516 و 520.

واعلم أنّه لا فرق في بطلان الصلاة بتعمّد الكلام بين كونه لمصلحة الصلاة وغيرها، ولا بين الجاهل بالتحريم والعامد؛ لوجوب التعلّم.

وخرج بقيد العمد الكلامُ ناسياً فإنه لا يُبطل الصلاة إجماعاً.

ويدلّ عليه أيضاً صحيحة عبدالرحمن بن الحجّاج قال: سألت أبا عبدالله علیه السلام عن الرجل يتكلّم ناسياً في الصلاة، يقول: أقيموا صفوفكم، قال: «يتمّ صلاته، ثمّ يسجد سجدتين»(1).

نعم ، لو طال زمان التكلّم التحق بالفعل الكثير.

والتسليم في غير موضعه كلام.

ولا فرق في القرآن المستثنى بين أن يقصد به مجرّد قراءة، وبين أن يضيف إليها مقصداً ،آخر كإفهام الغير بعض الأغراض المباحة.

ولو قصد مجرّد الإفهام ،فوجهان، وعدم البطلان لا يخلو من وجه؛ لأنّ القرآن لا يخرج عن موضوعه بقصد غيره به؛ لأنّ معجزه في نظمه وأسلوبه الخاصّ ولا مدخل للقصد في ذلك.

نعم، لو أتى بكلمة واحدة منه بحيث يحصل الغرض ولا يتمّ النظم، اتّجه اعتبار القصد وعدمه.

(و) كذا تبطل الصلاة ب (الالتفات إلى ما وراءه) إن كان بكلّه؛ لرواية زرارة عن الباقر علیه السلام قال: «الالتفات يقطع الصلاة إذا كان بكلّه»(2) ومفهوم الشرط حجّة عند المصنّف(3) وغيره من المحقّقين ومفهومه أنّ الالتفات بالوجه خاصّة لا يقطعها مطلقاً وإن كره.

ص: 505


1- الكافي، ج 3، ص 356، باب من تكلّم في صلاته .... 4 تهذيب الأحكام، ج 2، ص 191، ح 755؛ الاستبصار، ج 1، ص 378، ح 1433 .
2- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 199، ح 780؛ الاستبصار، ج 1، ص 405، ح 1543 .
3- لم نعثر عليه في مظانّه.

واختار جماعة من الأصحاب - منهم الشهيد(1) - البطلان مع بلوغ الوجه حدّ الاستدبار وإن كان الفرض بعيداً.

وتدلّ عليه رواية الحلبي عن أبي عبدالله علیه السلام قال: «إذا التفتّ في صلاة مكتوبة من غير فراغ فأعد إذا كان الالتفات فاحشاً»(2) إذ لا التفات أفحش ممّا يصیر إلى حدّ الاستدبار .

ولو كان الالتفات إلى ما دون الاستدبار، فإن كان بالوجه خاصّة فلا إبطال - وسيأتي - لمفهوم الخبر السالف(3) .

ولرواية عبد الملك، قال: سألت أبا عبدالله علیه السلام عن الالتفات في الصلاة أيقطع الصلاة؟ قال: «لا، وما أُحبّ أن يفعل»(4)، وهي محمولة على الالتفات بالوجه؛ دفعاً للتنافي.

وخالف في ذلك ولد المصنّف فأبطل به الصلاة(5) .

وهو ضعيف؛ لما عرفت من أنّ الأخبار إمّا مطلقة في عدم الإبطال، أو مقيّدة بالالتفات بكلّه أو بالفاحش، ولا يتحقّق بذلك.

نعم، هو مذهب بعض العامّة(6) ؛ محتجّاً بقول النبيّ صلى الله عليه وآله و سلم : لا تلتفتوا في صلاتكم فإنّه لا صلاة لملتفت»(7).

ص: 506


1- انظر ذكرى الشيعة، ج 3، ص 399 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
2- الكافي، ج 3، ص 365 - 366، باب ما يقطع الصلاة من الضحك..... ح 10؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 323 ح 1322؛ الاستبصار، ج 1، ص 405 - 406، ح 1547.
3- آنفاً.
4- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 200، ج 784: الاستبصار، ج 1، ص 405، ح 1546.
5- حكاه عنه المحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 347؛ وانظر أيضاً ذكرى الشيعة، ج 3، ص 399 (ضمن وسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
6- وهو بعض الحنفيّة كما في تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 295، ذيل المسألة :329؛ وذكرى الشيعة، ج 3، ص 399 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
7- المعجم الأوسط، الطبراني، ج 2، ص 348 - 349، ح 2042.

والرواية ضعيفة عندهم؛ لأنّ راويها عبد الله بن سلام، وهو ضعيف.

ويمكن حملها على الالتفات بكلّه، كما رواه زرارة(1) .

والاعتبار بصيرورة الوجه في حدّ اليمين واليسار لا النظر وإن بلغ حدّ الاستدبار.

ولو كان الالتفات ،بالبدن، فإن وقع عمداً أبطل الصلاة مطلقاً؛ لمنافاته الاستقبال الذي هو شرط . وإن كان سهواً وكان يسيراً لا يبلغ حدّ اليمين واليسار لم يضرّ. وإن بلغه عاد في الوقت لا في خارجه، كمن صلّى جميع الصلاة كذلك.

وإنّما يُبطل الالتفات في مواضعه لو وقع على وجه الاختيار، أمّا لو وقع اضطراراً بهواء أو غيره، ففي إبطاله نظر: من أنّ الاستقبال شرط فيبطل المشروط بفواته، ولا يفرق فيه بين الحالين كالطهارة، إلّا ما أخرجه النصّ. ومن العفو عمّا استكره الناس عليه للخبر (2) . وهذا هو الظاهر.

(و) تعمّد (القهقهة) وهي لغةً: الترجيع في الضحك أو شدّة الضحك.

والمراد هنا مطلق الضحك، كما صرّح به المصنّف في غير هذا الكتاب(3) .

وبطلان الصلاة بها مع العمد موضع وفاق.

وروى زرارة عن الصادق علیه السلام: «القهقهة لا تنقض الوضوء، وتنقض الصلاة»(4)..

وفي موثّقة سماعة «القهقهة تقطع الصلاة دون التبسّم»(5) .

ولا يعتبر فيها الكثرة، بل يكفي مسمّى الضحك؛ لإطلاق النصّ».

ولو وقعت على وجه لا يمكن دفعه لمقابلة ملاعب ونحوه، فقد استقرب في

ص: 507


1- تقدّمت الإشارة إلى مصدره في ص 505 الهامش 2 .
2- التوحيد، ص 353، ح 24: الخصال، ص 417، ح 9؛ كنز العمال، ج 4، ص 233، ح 10307 نقلاً عن الطبراني في المعجم الكبير.
3- منتهى المطلب، ج 5، ص 292 .
4- الكافي، ج 3، ص 364 ، باب ما يقطع الصلاة من الضحك .... ح 6 : تهذيب الأحكام، ج 2، ص 324، ح 1324.
5- الكافي، ج 3، ص 364، باب ما يقطع الصلاة من الضحك .... ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 324، ح 1325.

الذكرى البطلان وإن لم يأثم؛ لعموم الخبر(1).

واحترز بالعمد عمّا لو وقعت نسياناً فإنّها لا تبطل إجماعاً، كما أجمع على عدم البطلان بالتبسّم - وهو ما لا صوت معه - وإن كره.

(و) تعمّد (الفعل الكثير الذي ليس من الصلاة) وهو ما يخرج فاعله به عن كونه مصلّياً عرفاً، دون القليل كلُبس العمامة والرداء، ومسح الجبهة، وقتل الحيّة والعقرب؛ لما روي أنّ النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم قتل عقرباً في الصلاة (2)، وأمر بقتل الأسودين - الحيّة والعقرب - فيها (3).

وفي صحيحة الحسين بن العلاء قال: سألت أبا عبدالله علیه السلام عن الرجل يرى الحيّة والعقرب وهو يصلّي المكتوبة، قال: «يقتلهما»(4).

والمرجع في الكثرة والقلّة(5) إلى العادة؛ لأنّها المرجع فيما لا تقدير له شرعاً.

ولا عبرة بالعدد فقد يكون الكثير فيه قليلاً، كحركة الأصابع وحكّ البدن باليد، كما يكون القليل فيه كثيراً كالطفرة الفاحشة، ومن هنا جاز عد الركعات والتسبيح بالأصابع والسبحة وإن توالى؛ لعدم الخروج به عن اسم المصلّي.

ويعتبر فيه التوالي، فلو تفرّق بحيث حصلت الكثرة من اجتماع أجزائه وكلّ واحد منها لا يعد كثيراً، فالظاهر عدم الإبطال مع عدم دلالة العرف عليه.

وقد روي أنّ النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم لحمل أمامة بنت أبي العاص وهي ابنة ابنته، وكان يضعها إذا سجد، ويرفعها إذا قام(6) . وهذا الفعل لو جُمع لكان كثيراً.

ص: 508


1- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 392 ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
2- سنن ابن ماجة، ج 1، ص 395، ح 1247.
3- سنن ابن ماجة، ج 1، ص 394، ح 1245؛ سنن أبي داود، ج 1، ص 242، ح 921؛ سنن النسائي، ج 3، ص . مسند أحمد، ج 2، ص 463 ، ح 7138، وص 503، ح 7420؛ المصنّف، عبد الرزّاق، ج 1، ص 449، ح 1754.
4- الفقيه، ج 1، ص 368 ، ح 1068؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 330، ح 1357.
5- في الطبعة الحجريّة «القلّة والكثرة».
6- صحيح مسلم، ج 1 ، ص 385، ح 543/41؛ سنن أبي داود، ج 1، ص 241، ح 917؛ سنن النسائي، ج 3، ص 10 ؛ السنن الكبرى البيهقي ، ج 2، ص 372 ، ح 3421.

ومقتضى عطف المصنّف الفعل الكثير على ما تقدّم أنّه يبطل مع العمد لا مع السهووهو ظاهر غيره من الأصحاب(1)؛ لعموم قوله صلی الله علیه وآله وسلم: «رفع عن أمّتي الخطأ والنسيان»(2).

ويشكل ذلك في الكثير الذي يوجب انمحاء صورة الصلاة.

(و) تعمّد (البكاء للدنيويّة) من الأمور كذهاب مال وفَقد حيّ محبوب وإن وقع على وجه لا يمكن دفعه لكن به يرتفع الإثم.

واحترز بالعمد عن النسيان فإنّه لا يبطل؛ لعموم الخبر، وبالدنيويّة عن البكاء لأمر الآخرة كذكر الجنّة والنار فإنّه لا يبطل، بل هو من أفضل الأعمال، رواه أبو حنيفة عن الصادق علیه السلام(3).

وروي أنّ النبي صلى الله عليه وآله و سلم سمع في بعض صلاته لصدره أزيز - بالزاءين المعجمتين - كأزيز المرجل(4).. وهو غليان صدره بالبكاء.

هذا إذا لم يشتمل على كلام ليس بقرآن ولا دعاء ولا ذكر، وإلّا أبطل أيضاً.

ولو خرج منه حرفان بحيث لا يصدق عليهما اسم الكلام، فكما مرّ في التنحنح.

وقطع المصنّف هنا أيضاً بعدم البطلان بهما(5) .

والفارق بين البكاء المبطل وغيره القصدُ.

واعلم أنّ البكاء المبطل للصلاة هو المشتمل على الصوت، لا مجرّد خروج الدمع، مع احتمال الاكتفاء به في البطلان .

ووجه الاحتمالين: اختلاف معنى البكاء لغةً مقصوراً وممدوداً، والشكّ في إرادة أيّهما من الأخبار.

ص: 509


1- كما في جامع المقاصد، ج 2، ص 350 .
2- راجع الكافي، ج 2، ص 462 - 463، باب ما رفع عن الأمّة، ح 1 - 2.
3- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 317، ح 1295؛ الاستبصار، ج 1، ص 408، ح 1558.
4- سنن النسائي، ج 3، ص 13؛ سنن أبي داود، ج 1، ص 238 ، ح 904.
5- نهاية الإحكام، ج 1، ص 520.

قال الجوهري:

البكاء يُمدّ ويُقصر، فإذا مددتَ أردت الصوتَ الذي يكون مع البكاء. وإذا قصرتَ، أردتَ الدموع وخروجها قال الشاعر:

بكت عيني وحقّ لها بكاها *** وما يغني البكاء ولا العويل(1)

(و) تعمّد (الأكل والشرب) وهو في الجملة موضع وفاق، لكن اختلف في السبب الموجب للبطلان.

فقيل: كونه أكلاً وشرباً، فيكفي فيه مسمّاهما. واختاره الشيخ (رحمه الله)(2) .

وفيه نظر؛ لعدم الدليل الدالّ على ذلك.

وقيل(3) : لكونه فعلاً كثيراً فيقيّدان بالكثرة، فلا يبطل ازدراد ما بين الأسنان ولا تذويب سكّرة وضعها في فمه ونحوهما. وهو أجود، فلا خصوصيّة حينئذ للأكل والشرب، بل الفعل الكثير.

ولو وضع في فمه لقمة ومضغها وابتلعها أو تناول قلّة وشرب منها، فقد قال المصنّف في التذكرة والنهاية : إنّه مبطل أيضاً؛ لأنّ التناول والمضغ والابتلاع أفعال كثيرة وكذا المشروب (4).

والأولى اعتبار الكثرة عرفاً.

ولو فعل ذلك ناسياً لم تبطل مطلقاً إجماعاً - كما ذكره في المنتهى(5) - إلّا أن يوجب محو صورة الصلاة رأساً، فيجيء فيه ما مرّ في الفعل الكثير.

وهذا الحكم ثابت في جميع الصلوات فرضِها ونفلها (إلّا في) موضعٍ واحد، وهو

ص: 510


1- الصحاح، ج 4، ص 2284 ، «بكى».
2- المبسوط، ج 1، ص 173؛ الخلاف، ج 1، ص 413، المسألة 159.
3- القائل هو الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 3، ص 389 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
4- تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 292 - 293، المسألة 328؛ نهاية الإحكام، ج 1، ص 522.
5- منتهى المطلب، ج 5، ص 304.

(الوتر لمن أصابه عطش وهو يريد الصوم)(1) ، وخاف فجأة الصبح؛ لرواية سعيد الأعرج: قلت لأبي عبدالله علیه السلام: «إنّي أريد الصوم وأكون في الوتر فأعطش وأكره أن أقطع الدعاء وأشرب وأكره أن أصبح وأنا عطشان والماء في قلّة بيني وبينها خطوتان أو ثلاث، قال: «تسعى إليها وتشرب منها حاجتك وتعود في الدعاء»(2).

واشترط بعض الأصحاب(3) مع ذلك أن لا يفعل ما ينافي الصلاة غير الشرب؛ اقتصاراً في الرخصة على موردها، فلا يستدبر ولا يفعل فعلاً كثيراً غير الشرب ولا يحمل نجاسةً غير معفوّ عنها إلى غير ذلك. وأكثره مستفاد من الرواية، لكن تجويزه ثلاث خطوات قد ينافي منع الفعل الكثير الحاصل منها، فإنّ المصنّف في كتبه(4) عدَّها كثيرةً. فإن سلّم ذلك كان أيضاً مستثنىً للرواية.

ولا فرق في الوتر بين الواجب بنذر وشبهه والمندوب، ولا في الصوم بين كونه واجباً أو مندوباً؛ لأنّ ترك الاستفصال في الرواية يوجب العموم.

والشيخ جَعَل موردَ الرخصة مطلق النافلة، واستدلّ بالرواية(5) .

وقد عرفت أنّها مخصوصة بالقيود المذكورة، فتعديتها إلى مطلق النافلة غير واضح(6).

لكن يبقى للشيخ على الجماعة تعديتهم لها إلى صلاة الوتر مع تقييده في الرواية بكونه في دعائه، ومن ثُمَّ قصرها بعض الأصحاب(7) على موردها لا غير. وهو حسن .

ص: 511


1- في إرشاد الأذهان، ج 1، ص 268: الوتر لصائم أصابه عطش.
2- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 329 - 330، ح 1354.
3- انظر السرائر، ج 1، ص 309؛ وجامع المقاصد، ج 2، ص 352 .
4- منها : تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 289، ذيل المسألة 328؛ ونهاية الإحكام، ج 1، ص 521.
5- الخلاف، ج 1، ص 413. المسألة 159 .
6- الظاهر غير واضحة.
7- كما في ذكرى الشيعة، ج 3، ص 389 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7): وانظر السرائر، ج 1، ص 309.

(ولا يبطل) جميع (ذلك) المتقدّم - من قوله «وبتعمّد التكفير» إلى هنا - لو وقع (سهوا) وقد مرّ الكلام فيه .

( وتبطل) الصلاة أيضاً (بالإخلال بركن) من الأركان الخمسة (عمداً وسهواً) وقد تقدّم الكلام عليها في محالّها.

(و) كذا تبطل الصلاة (بزيادته كذلك) أي عمداً وسهواً؛ لاشتراك الزيادة والنقصان في تغيير هيئة الصلاة.

ولقول الصادق علیه السلام : «مَنْ زاد في صلاته فعليه الإعادة»(1) ، خرج منه ما أخرجه دليل

،آخر فيبقى الباقي.

ويستثنى من زيادة الركن عمداً النيّة، فإنّ زيادتها غير مبطلة مع عدم التلفّظ بها كما مرّ؛ لأنّ الاستدامة الفعليّة أقوى من الحكميّة، وقد تقدّم أنّ الاكتفاء بالحكميّة إنمّا جاء حذراً من الحرج والعسر ولو فرض الاكتفاء بها لغير ذلك فالبطلان يحتاج إلى دليل، وليس في مجرّد العزم على الصلاة بالقلب ما يدلّ عليه. اللهمّ إلّا أن يراد بزيادتها القصد إلى ابتداء الفعل إلى آخرها، فإنّ البطلان حينئذٍ واضح؛ لاستلزام ذلك رفض الفعل السابق، وبطلان الاستدامة الحكميّة أو نقول: إنّ زيادتها على هذا الوجه لا تتحقّق إلّا مع المقارنة للتحريمة، ومعها يتحقّق الإبطال أيضاً بكل منهما وإن استلزم اجتماع معرّفات، كما في زيادة القيام المشروط بالركوع.

لكن في توقّف تحقّق النيّة على ذلك بحث؛ فإنّ المراد من زيادة هذه الأركان صُورها لا حقيقتها، وإلّا لم تتحقّق زيادة ركن ألبتّة. وحينئذ تتصوّر زيادة النيّة بدون التكبير وإن كانت مقارنتها له من جملة واجباتها؛ إذ لا يراد بها إلا القصد إلى الفعل على الوجه المخصوص ولا يتوقّف البطلان على الإتيان بجمیع ما يعتبر فيها، كما لو زاد ركوعاً بغير طمأنينة ولا ذكر ونحو ذلك.

ص: 512


1- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 194، ح 764: الاستبصار، ج 1، ص 376 ، ح 1429.

ويمكن الفرق بين الأمرين بأنّ حقيقة الركوع الركني يتمّ بدون ما ذكر، ومن ثُمَّ لو ركع كذلك ونسي باقي الواجبات حتّى الرفع منه وواجباته إلى أن دخل في السجود صحّت صلاته، بخلاف ما لو أتى بالنيّة ونسي مقارنتها للتكبيرة، فإنّ الصلاة لا تنعقد فضلاً عن أنّ ذلك لا يضرّ ، فدلّ ذلك على أنّ النيّة التي هي ركن لا تتمّ بدون المقارنة للتكبير، فكذا صورة ذلك.

ويستثنى من السهو في الركن(1) مواضع:

أ: النيّة أيضاً، فإنّ زيادتها سهواً لا تبطل بطريق أولى على ما تقرّر .

ب: القيام إن جعلناه ركناً كيفما اتّفق كما اختاره بعض الأصحاب - واختاره المصنّف(2) - واستثناه من القاعدة(3) .

وعلى ما حقّقه المتأخّرون من أنّ مطلق القيام ليس بركن بل قيام خاصّ لا استثناء.

ج : الركوع فيما لو سبق به المأموم إمامه سهواً ثمّ عاد إلى المتابعة، وسيأتي.

د: الركوع أيضاً فيما لو استدركه الشاكّ فيه في محلّه ثمّ تبيّن قبل رفع رأسه(4) فِعْلُه قَبْلُ على ما اختاره الشهيد(5) وجماعة(6)، وسيأتي تحقيقه.

ه- السجود إذا زاد منه سجدة سهواً إن جعلنا الركن منه هو الماهيّة الكليّة، كما حقّقه الشهيد في الذكرى(7) .

ولو جعلنا الركن مجموع السجدتين، كان نقصان الواحدة أيضاً مستثنىً من قاعدة

ص: 513


1- في الطبعة الحجريّة من السهو الركني.
2- تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 89 المسألة 189؛ نهاية الإحكام، ج 1، ص 436 .
3- الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 3، ص 428 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
4- في الطبعة الحجريّة: ثمّ تبيّن وقد رفع رأسه.
5- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 428 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
6- منهم: السيّد المرتضى في جُمل العلم والعمل، ص 71؛ والشيخ في المبسوط، ج 1، ص 178؛ وأبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه، ص:118؛ وابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 251 .
7- انظر ذكرى الشيعة، ج 3، ص 314 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).

البطلان بنقصان الركن بناءً على أنّ المجموع يفوت بفوات بعض أجزائه، وقد مرّ تحقيقه.

و لو تبين للمحتاط أنّ صلاته كانت ناقصةً وأنّ الاحتياط مكمّل لها، فإنّه يجزئه - كما سياتي - إن كان الذكر بعد الفراغ أو قبله على قول قويّ. ويغتفر ما زيد من الأركان من النيّة وتكبيرة الإحرام.

ز: لو سلّم على بعض من صلاته ثمّ شرع في فريضة، أو ظنّ أنّه سلّم فشرع في فريضة أخرى ولمّا يأت بينهما بالمنافي، فإنّ المرويّ عن صاحب الأمر علیه السلام الإجزاء عن الفريضة الأُولى، واغتفار ما زيد من تكبيرة الإحرام(1) .

وهل يفتقر إلى العدول إلى الأولى؟ يحتمله؛ لأنّه في غيرها وإن كان سهواً، كما لو صلّى العصر ظانّاً أنّه قد صلّى الظهر ثمّ تبيّن العدم في الأثناء. وعدمه - وهو الأصحّ - لعدم انعقاد الثانية؛ لأنّ صحّة التحريم بالثانية موقوف على التسليم من الأُولى في موضعه أو الخروج بغيره ولم يحصلا.

نعم، ينبغي ملاحظة كونه في الأولى من حين الذكر بناءً على تفسير الاستدامة الحكميّة بأمرٍ وجودي. وعلى التفسير الأصحّ يكفي في الأفعال الباقيّة عدم إيقاعها بنيّة الثانية.

ح: لو زاد ركعةً سهواً آخر الصلاة وقد جلس آخرها بقدر التشهّد فإنّ الصلاة صحيحة، والزيادة مغتفرة وإن اشتملت على أركان، كما سيأتي.

ط : لو أتمّ المسافر جاهلاً بوجوب القصر أو ناسياً ولم يذكر حتّى خرج الوقت صحّت الصلاة واغتفرت الزيادة، وسيأتي إن شاء الله.

ي : لو كان في الكسوف وتضيّق وقت الحاضرة قَطَعها وأتى بالحاضرة ثمّ بنى على الكسوف على ما اختاره جمع من الأصحاب(2) ، ورواه محمّد بن مسلم عن الباقر علیه السلام

ص: 514


1- الاحتجاج، ج 2، ص 580.
2- منهم أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه، ص 156؛ والقاضي ابن البرّاج في المهذّب، ج 1، ص 125؛ والعلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 298، المسألة 183.

سأله ربما ابتلينا بالكسوف بعد المغرب قبل العشاء فإن صلّينا خشينا أن تفوت

الفريضة، قال: «إن خشيت ذلك فاقطع صلاتك واقض فريضتك، فإذا فرغت من الفريضة فارجع إلى حيث كنت قطعت فصلّ واحتسب بما مضى»(1) ، ورواه هو وغيره عن الصادق علیه السلام(2) بلفظ يقرب من هذا.

(و) كذا تبطل الصلاة (بزيادة ركعة كذلك) أي عمداً وسهواً.

والحكم مع العمد ظاهر.

وأمّا مع السهو: فلما مرّ في زيادة الركن. ولقوله علیه السلام في رواية أبي بصير: «مَنْ زاد في

صلاته فعليه الإعادة»(3).

ويستثنى من ذلك زيادة الركعة في الرباعيّة إذا جلس عقيب الرابعة قدر واجب التشهّد فإنّ الصلاة لا تبطل بذلك؛ لقول الباقر علیه السلام في رجل استيقن أنّه صلّى الظهر خمساً، فقال: «إن كان علم أنّه جلس في الرابعة فصلاته الظهر تامّة، ويضيف إلى الخامسة ركعة ويسجد سجدتين لتكونان نافلة، ولا شيء عليه»(4) .

ولو ذكر الزيادة قبل الركوع هدم الركعة وصحّت الصلاة مطلقاً، وسجد للسهو.

ولو ذكر بعد الركوع وقبل كمال السجود، فوجهان:

أحدهما - وهو الذي اختاره المصنّف(5) - البطلان؛ لأنّا إن أمرناه بالسجود زاد ركناً آخر في الصلاة.. وإن لم نأمره زاد ركناً غير متعبّد به بخلاف الركعة الواحدة؛ لإمكان البناء عليها نفلاً، كما سبق.

ص: 515


1- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 155، ح 332، وفيه قال علیه السلام: «إذا خشيت ذلك فاقطع صلاتك واقض فريضتك ثم عُدْ فيها ...» وقوله علیه السلام : «فإذا فرغت من الفريضة - إلى قوله - واحتسب بما مضى» ورد فيما رواه محمّد بن وبريد بن معاوية عن الإمامين الباقر و الصادق علیهما السلام انظر الهامش التالي.
2- الفقيه، ج 1، ص 548، ح 1529.
3- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 194، ح 764: الاستبصار، ج 1، ص 376، ح 1429.
4- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 194، ح 765؛ الاستبصار، ج 1، ص 377، ح 1430.
5- انظر تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 310، المسألة :339؛ ونهاية الإحكام، ج 1، ص 530، وفيهما احتمل البطلان.

والثاني: إلحاقه بما لو ذكر بعد السجود فيجلس ويتشهّد ويسجد للسهو؛ لثبوت ذلك بعد الركعة فبعد بعضها أولى. واختاره في الذكرى(1).

وفي انسحاب الحكم إلى زيادة أكثر من ركعة وإلى غير الرباعيّة إذا جلس آخرها بقدر واجب التشهّد وجهان: من المساواة في العلّة، ومخالفة المنصوص الثابت على خلاف الأصل. واختار في الذكرى التعدية فيهما(2) .

وأطلق جماعة من الأصحاب البطلان بالزيادة مطلقاً، كما يقتضيه ظاهر العبارة؛ لعموم قول الباقر علیه السلام : «إذا استيقن أنّه زاد في صلاته المكتوبة لم يعتدّ بها، واستقبل صلاته»(3) ، ورواية أبي بصير، السالفة(4) .

وحَمْلهما على مَنْ لم يجلس بقدر التشهّد طريق الجمع.

وفي الاكتفاء في الجلوس بقدر التشهّد دلالة على ندب التسليم، وإلّا لاعتبر الجلوس بقدره أيضاً.

(و) كذا تبطل (بنقصان ركعة عمداً) لما مرّ في نقصان الركن، وأولى بالبطلان.

(ولو نقصها أو) نقص (ما زاد) على الركعة (سهواً أتمّ) الصلاة (إن لم يكن تكلّم أو استدبر القبلة أو أحدث).

ولو فعل أحد هذه أو غيرها من المنافيات بطلت ؛ لحصول المنافي في أثناء الصلاة.

وهذا الحكم في المنافى عمداً وسهواً - كالحدث والاستدبار - ظاهر، أمّا في المنافي عمداً لا غير - كالكلام - فيشكل الحكم بالبطلان معه؛ لأنّ المفروض وقوعه سهواً، فلا يزيد على فعله في أثناء الصلاة.

ص: 516


1- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 412 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
2- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 412 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
3- الكافي، ج 3، ص 354 - 355، باب من سها في الأربع والخمس...، ج 2: تهذيب الأحكام، ج 2، ص 194، ح 763؛ الاستبصار، ج 1، ص 376 ، ح 1428.
4- في ص 515.

اللهمّ إلّا أن يزيد بحيث يخرج به عن كونه مصلّياً، فيتّجه البطلان. وقد مرّ مثله في الفعل الكثير.

وقد روى زرارة - في الصحيح - عن الباقر علیه السلام، قال : سألته عن رجل صلّى بالكوفة ركعتين ثمّ ذكر وهو بمكّة أو بالمدينة أو بالبصرة أو ببلدة من البلدان أنّه صلّى ركعتين، قال: «يصلّي ركعتين»(1) .

وقريب منه روى عمّار عن الصادق علیه السلام، وهو «أنّ مَنْ سلّم في ركعتين من الظهر أو

العصر أو المغرب أو العشاء الآخرة ثمّ ذكر فليبن على صلاته ولو بلغ الصين»(2) .

وعمل بمضمونهما الصدوق(3) .

وحملهما الشيخ على النافلة(4) ؛ لمعارضتهما لغيرهما ممّا يدلّ على البطلان.

كرواية محمّد بن مسلم عن أحدهما علیهما السلام ، قال : سئل عن رجل دخل مع الإمام في صلاته وقد سبقه بركعة فلمّا فرغ الإمام خرج مع الناس ثمّ ذكر أنّه فاتته ركعة، قال: «يعيد ركعة إذا لم يحوّل وجهه عن القبلة، فإذا حوّل وجهه استقبل الصلاة»(5) .

وفي الحمل بعد ؛ لاقتضاء الروايتين(6) زيادة الصلاة على ركعتين وتدور ذلك في النافلة.

(ولو) تيقّن أنّه (ترك سجدتين وشكّ هل هما من) ركعة (واحدة أو اثنتين بطلت) الصلاة مراعاة للاحتياط؛ لأنّ به يحصل يقين براءة الذمّة. ولأنّه إذا تكافأ احتمال الصحّة بكونهما من ركعتين والفساد بكونهما من ركعة بقى يقين شغل الذمّة بالصلاة.

ص: 517


1- الاستبصار، ج 1، ص 368، ح 1403؛ وفي تهذيب الأحكام، ج 2، ص 347، ح 1440 عن حريز.
2- الفقيه، ج 1، ص 347، ح 1013: تهذيب الأحكام، ج 2، ص 192، ح 758؛ الاستبصار، ج 1، ص 379،ح 1437 .
3- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 396، ذيل المسألة 279؛ والشهيد في ذكرى الشيعة، ج 3. ص 413 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7) نقلاً عن المقنع، وفي ص 105 منه هكذا: وإن صلّيت ركعتين من المكتوبة ثمّ قمت فذهبت في حاجة لك، فأعد الصلاة، ولا تبن على ركعتين.
4- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 347 - 348؛ الاستبصار، ج 1، ص 368، ذيل الحديث 1403.
5- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 348، ح 1441: الاستبصار، ج 1، ص 368، ح 1401.
6- في الطبعة الحجريّة «الرواية».

ويحتمل قضاؤهما والسجود للسهو وصحّة الصلاة؛ للشك في لحوق المبطل. وتحقّق فوات السجدتين أعمّ من كونه مبطلاً، فلا يدلّ على الخاصّ، وهو البطلان.

(ولو شكّ قبل) كمال (السجود) وبعد الركوع (هل رفعه من الركوع لرابعة أو خامسة بطلت صلاته ) لتردّده بين محذورين كلُّ منهما مبطل للصلاة؛ لأنّه إن أتمّها أمكن كونها خامسةً وإن قطعها أمكن كونها رابعةً مع القطع بعدم انفكاكه من الزيادة والنقصان فتبطل.

وذهب جماعة من الأصحاب - منهم المحقّق والشهيد(1) - إلى الصحة، كما لو وقع الشكّ بعد السجود إلحاقاً لها بما بعدها لاشتراكهما معاً في تجويز الزيادة، وهو غير مانع لأصالة عدمها. ولأنّه لو منع لأثر في جميع صوره؛ إذ التجويز قائم. والفرق بأنّ ما بعد السجود محتمل للزيادة سهواً والمتنازع معرض له عمداً غير جيّد؛ لأنّ الزيادة المحتملة ،ركن ولا فرق في زيادته بين العمد والسهو.

ولو قيل: إنّ ما بعد السجود منصوص فإلحاق غيره به قياس، وأصالة عدم الزيادة لو أثّرت لما بطلت الصلاة بشك غير منصوص أمكن، إلّا أنّ النصّ غير صريح في كون الشكّ بعد السجود، فإنّ الركعة تسمّى رابعةً وخامسةً وإن لم يكملها خصوصاً بعد الرفع من الركوع للإتيان بمعظمها، وأصالة عدم الزيادة تصلح متمسّكاً في الباب، إلّا أن يمنع مانع كتعذّر البناء على أحد الطرفين أو استلزام البناء على مقتضى الأصالة تعلّقَ الشكّ بما يزيد على الخمس عند القائل بإبطال الصلاة به، أو غير ذلك من الموانع.

ولو كان الشكّ في حالة الاستواء في الركوع فالوجهان.

ويحتمل ثالث، وهو إرسال نفسه وهدم الركعة، كما لو وقع قبل الركوع، فكأنّه شاكّ بين الثلاث والأربع، ويزيد المرغمتين. وهو ضعيف.

نعم لو وقع قبل الركوع كان كما ذُكر، سواء كان بعد القراءة أو فيها أو قبلها، بل لو وقع قبل الوصول إلى حدّ الراكع وإن أخذ في الانحناء فكذلك.

ص: 518


1- الرسائل التسع، ص 251 - 252: ذكرى الشيعة، ج 3، ص 453 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).

(وتبطل) الصلاة أيضاً (لو شكّ في عدد الثنائيّة، كالصبح، و) رباعيّة (السفر، و) صلاة (العيدين) في حالة كونها (فرضاً، و) صلاة (الكسوف) إذا شكّ في عدد ركعاتها، أما لو شكّ في عدد ركوعاتها بنى على الأقلّ؛ لأصالة عدم فعله مع الشكّ فيه في محلّه، إلّا أن يستلزم الشكّ في الركعات كما لو شكّ بين الخامس والسادس وعلم أنّه إن كان في الخامس فهو في الأولى، أو في السادس، فهو في الثانية.

واحترز بالفرض في العيدين عمّا لو كانت نفلاً، فإنّ الشك فيها لا يُبطلها، كباقي النوافل، وسيأتى.

ولو نذر ركعتين أو ثلاثاً لحقت بالمكتوبة. ولو نذر أربعاً بتسليمة، فالظاهر لحوقها بالرباعيّة أيضاً.

(و) كذا تبطل بالشكّ (في عدد الثلاثية، كالمغرب، وفي عدد الأوليين مطلقاً) الرباعيّة كانت أم لغيرها؛ لصحيحة محمّد بن مسلم عن الصادق علیه السلام في الرجل يصلّي فلا يدري أواحدة صلّى أو اثنتين، قال: «يستقبل حتّى يستيقن أنّه قد أتمّ، وفي الجمعة وفي المغرب وفي صلاة السفر»(1) وغيرها من الأخبار.

ولا فرق في ذلك بین الشكّ في النقيصة والزيادة؛ للعموم، ولا بين اليوميّة والمنذورة؛ لفحوى الأحاديث وما ورد من الأخبار بخلاف ذلك تحمل على النافلة أو على غلبة الظنّ، كما سيأتى .

(وكذا) تبطل (إذا) شك و (لم يعلم كم صلّى ) إذ لا طريق إلى البراءة بدونه.

ولرواية صفوان عن الكاظم علیه السلام : «إذا لم تدر كم صلّيت ولم يقع وهمك على شيء

فأعد الصلاة»(2).

ومعنى قوله علیه السلام: «ولم يقع وهمك على شيء» أنّه لو ظنّ شيئاً بنى عليه، كما سيأتي.

ص: 519


1- الكافي، ج 3، ص 351، باب السهو في الفجر والمغرب والجمعة ، ح 2؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 179 ،ح 715: الاستبصار، ج 1، ص 365 - 366، ح 1391.
2- الكافي، ج 3، ص 358 باب من شك في صلاته كلّها.... ح 1 تهذيب الأحكام، ج 2، ص 187، ح 744: الاستبصار، ج 1، ص 373، ح 1419.

واستعمل الوهم بمعنى الظنّ، فإنّه أحد معانيه.

والحاصل أنّه يجب على الشاكّ في جميع الموارد عند عروضه التروّي، فإن غلب ظنّه على شيء بنى عليه سواء أوجب الصحّة أم البطلان. وإن بقي الشكّ وتساوى الطرفان لزمه حكمه من صحّةٍ أو بطلان.

(أو لم يعلم ما نواه) فإنّ الصلاة تبطل أيضاً لانتفاء الترجيح.

هذا إذا لم يعلم ما قام إليه، وإلّا بنى عليه عملاً بالظاهر من أنّه نوى ما في نفسه أن يفعله.

ولو كان الشكّ بعد الفراغ من صلاة أربع هل هي الظهر أو العصر بنى على الظهر؛ عملاً بالظاهر من أنّه بدأ بالواجب أوّلاً.

ولو صلّى رباعيّةً مردّدةً بين الظهر والعصر كان طريقاً إلى البراءة أيضاً إذا صادفت الأولى الوقت المشترك، وإلّا لم يصحّ الترديد، كذا ذكره الشهيد(1) وجماعة(2)، مع احتمال البطلان في الجميع، كما يقتضيه إطلاق العبارة؛ لعدم اليقين.

(ويكره) للرجل (العقص) لشعر رأسه، وهو جمعه فيه وشدّه بظفيرة ونحوها؛ لما روي عن النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم أنّه مرّ برجل يصلّي وقد عقص شعره فأطلقه صلی الله علیه وآله وسلم(3).

وروى مصادف عن الصادق علیه السلام في رجل صلّى الفريضة وهو معقوص الشعر، قال: «يعيد صلاته»(4).

وحرمّه الشيخ لهذه الرواية، وأبطل به الصلاة(5) حتّى ادّعى في الخلاف الإجماع على التحريم(6) .

ص: 520


1- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 186 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
2- منهم المحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 230 .
3- سنن الدارمي ، ج 1، ص 320 .
4- الكافي، ج 3، ص 409. باب الرجل يصلّي وهو متلثّم... 5: تهذيب الأحكام، ج 2، ص 232 - 233، ح 914.
5- النهاية، ص 95؛ المبسوط، ج 1، ص 174 .
6- الخلاف، ج 1، ص 510، المسألة 255 .

والأكثر على الكراهة(1) ؛ لضعف الرواية بمصادف ومنع الإجماع مع مخالفة الأكثر.

ومال في الذكرى إلى قول الشيخ بناءً على حجّيّة الإجماع المنقول بخبر الواحد وللاحتياط(2) .

والقول بالكراهة أجود. وعلى تقدير التحريم لا يتّجه بطلان الصلاة؛ لأنّ النهي عن أمرٍ خارج. والحكم مخصوص بالرجل كما قيّدناه، فلا كراهة ولا تحريم في حقّ النساء فإطلاق العبارة قاصر

واختار فخرالدين ولد المصنّف التحريم إن مَنَع من السجود(3) .

وهو خروج عن المسألة، ومستلزم لاستواء الرجل والمرأة في ذلك.

(والالتفات) بالوجه (يميناً وشمالاً) لرواية عبد الملك عن الصادق علیه السلام وسأله عن الالتفات في الصلاة أيقطعها؟ قال: «لا، وما أُحبّ أن يفعل»(4) .

وحرمّه ولد المصنّف وأبطل به الصلاة(5) ؛ لقوله علیه السلام: «لا تقلب وجهك عن القبلة فتفسد صلاتك»(6).

وروى العامّة عن النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم :«لا تلتفتوا في صلاتكم فإنّه لا صلاة لملتفت»(7) .

ويحمل القلب على بلوغه حدّ الاستدبار، والالتفات على كونه بكلّه، كما قيّد في

ص: 521


1- كما في جامع المقاصد، ج 2، ص 354 ومنهم الشيخ المفيد في المقنعة، ص 152؛ وسلار في المراسم، ص 64؛ وأبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه، ص 125؛ وابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 271.
2- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 398 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
3- إيضاح الفوائد، ج 1، ص 117 .
4- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 200، ج 784: الاستبصار، ج 1، ص 405، ح 1546.
5- حكاه عنه المحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 347 .
6- الفقيه، ج 1، ص 180 ، ح 856؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 199، ح 82 782 الاستبصار، ج 1، ص 405 ،ح 1545، والحديث عن الإمام الباقر علیه السلام.
7- المعجم الأوسط، الطبراني، ج 2، ص 348 - 349، ح 2042.

رواية زرارة السالفة(1) ؛ جمعاً بين الأخبار خصوصاً مع ضعف هذه الرواية.

ولا يضرّ بلوغ النظر حدّ الاستدبار مع عدم تجاوز الوجه اليمين واليسار.

وهل يكره النظر يميناً وشمالاً مع عدم التفات الوجه؟ يبنى على أنّ خلاف المستحبّ هل هو مكروه أم لا؟ وقد تقدّم الكلام فيه. والأولى كونه خلاف الأولى. ولا يختصّ بالالتفات، بل بخروجه عن موضع سجوده.

(والتثاؤب) بالهمز، قال في الصحاح تقول: تثاءبت، ولا تقُل: تناوبت(2) .

(والتمطّي) وهو مدّ اليدين.

وروى الحلبي عن الصادق علیه السلام وقد سأله عن الرجل يتثأب في الصلاة ويتمطّى، قال: «هو من الشيطان»(3) .

(والفرقعة) بالأصابع لما روي عن النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم أنّه قال لعليّ: «لا تفرقع أصابعك وأنت تصلّي»(4) ، وعنه أنّه سمع فرقعة رجل من خلفه فلمّا انصرف قال النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم: «أما إنّه حظّه من صلاته»(5).

(والعبث) لمنافاته الخشوع. وروي أنّ النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم رأى رجلاً يعبث في الصلاة، فقال: «لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه»(6) .

(ونفخ موضع السجود) لما روي عن النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم: «أربع من الجفاء: أن ينفخ في الصلاة، وأن يمسح وجهه قبل أن ينصرف من الصلاة، وأن يبول قائماً، وأن يسمع المنادي فلا يجيبه»(7) .

ص: 522


1- في ص 505.
2- الصحاح، ج 1، ص 92، «تأب».
3- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 324. ح 1328.
4- سنن ابن ماجة، ج 1، ص 310 ، ح 965، وفيه: «لا تفقّع» بدل «لا تفرقع».
5- الكافي، ج 3، ص 365. باب ما يقطع الصلاة من الضحك..... ح 8.
6- دعائم الإسلام، ج 1، ص 174 .
7- السنن الكبرى البيهقي، ج 2، ص 405 ، ح 3552 .

وروی محمّد بن مسلم عن الصادق علیه السلام : قلت: الرجل ينفخ في الصلاة موضع جبهته،

قال: «لا»(1).

والمراد منه الكراهة؛ لقوله علیه السلام في حديثين آخرين: «لا بأس»(2).

وهذا إذا لم يخرج من النفخ حرفان، وإلّا ففيه ما مرّ.

(والتنخّم والبصاق) روى أبو بصير عن الصادق علیه السلام : «إذا قمت إلى الصلاة فاعلم أنّك بين يدي الله تعالى فإن كنت لا تراه فاعلم أنّه يراك، فاقبل قبل صلاتك، ولا تمتخط ولا تبصق ولا تنقض أصابعك ولا تورّك، فإنّ قوماً عُذّبوا بنقض الأصابع» (3) وهو أصواتها، يقال: نقض أصابعه ضرب بها لتصوّت.

وروي أن النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم كان يأخذ النخامة بثوبه(4) .

ويشترط فيهما أن لا يخرج معهما حرفان، وإلّا ففيه ما مرّ.

(والتأوّه بحرفٍ) واحد. وأصله قول: «أوَّه» عند الشكاية والتوجّع والمراد هنا النطق بهذا الصوت على وجه لا يظهر منه حرفان.

( والأنين) به) أي بالحرف الواحد وهو مثل التأوّه، إلّا أنّ الأنين للمريض، والتأوّه للأعمّ منه.

وإنّما كره كلُّ منهما لقربه إلى الكلام مع عدم تمييز الحرفين منه، وإلّا أبطل؛ لقول الصادق علیه السلام:«مَنْ أنّ [في صلاته] فقد تكلّم»(5) ، وقد تقدّم الكلام فيه.

(ومدافعة الأخبثين أو الريح) لما فيه من سلب الخشوع.

ص: 523


1- الكافي، ج 3، ص 334، باب وضع الجبهة على الأرض، ح 8 تهذيب الأحكام، ج 2، ص 302 - 303 ،ح 1222؛ الاستبصار، ج 1، ص 329 - 330، ح 1235 .
2- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 329، ح 1351، وص 302، ح 1220؛ الاستبصار، ج 1، ص 329، ح 1234. وص 330 ، ح 1236.
3- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 325 ، ح 1332 .
4- صحيح مسلم ، ج 1، ص 389 - 390، ذيل الحديث 550/53؛ سنن ابن ماجة، ج 1، ص 327 ، ح 1024.
5- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 330 ، ح 1356، وما بين المعقوفين من المصدر.

ولقول النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم:« لا صلاة لحاقن»(1) .

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم :« لا تصلّ وأنت تجد شيئاً من الأخبثين»(2).

وكذا مدافعة النوم؛ للاشتراك في العلّة.

وقيل(3) : إنّه المراد بالسكر في قوله تعالى: (لَا تَقْرَبُواْ الصَّلوةَ وَأَنتُمْ سُكَنَرَى )(4).

وإنّما تكره إذا كانت المدافعة قبل الصلاة والوقت متّسع، أمّا لو عرضت في أثناء الصلاة أو كان الوقت ضيّقاً لم تكره؛ لتحريم قطع الصلاة، ووجوب الاشتغال بها مع الضيق.

نعم، لو عجز عن المدافعة أو خشي ضرراً جاز القطع.

وقد روى عبدالرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن سأله عن الرجل يصيبه حين الغمز في بطنه وهو يستطيع الصبر عليه أيصلّي على تلك الحالة أو لا؟ فقال: «إن احتمل الصبر ولم يخف إعجالاً عن الصلاة فليصلّ وليصبر»(5) .

قال في البيان:

ولا يجبره - يعني مدافعة الثلاثة - فضيلة الائتمام أو شرف البقعة، وفي نفي الكراهة باحتياجه إلى التيمّم نظر (6).

( ويحرم قطع الصلاة) الواجبة (اختياراً) لقوله تعالى: (وَلَا تُبْطِلُواْ أَعْمَلَكُمْ )(7) والنهي للتحريم خرج منه ما أخرجه الدليل، فيبقى الباقي.

ص: 524


1- أورد نصّه الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 3، ص 400 - 401 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7)؛ والمحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 362 .
2- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 326 ، ح 1333.
3- القائل هو الضحّاك كما في التبيان، ج 3، ص 206.
4- النساء (4): 43 .
5- الكافي، ج 3، ص 364، باب ما يقطع الصلاة من الضحك.... ح 3 : الفقيه، ج 1، ص 367 ، ح 1062 ؛ وفي تهذيب الأحكام، ج 2، ص 324 ، ح 1326 عن عبدالله بن الحجّاج.
6- البيان، ص 179 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12 ).
7- سورة محمّد صلی الله علیه و آله وسلم (47): 33 .

(ويجوز للضرورة) كقبض الغريم، وحفظ النفس المحترمة من التلف أو الضرر، كالصبيّ الذي يخاف وقوعه في النار أو البئر، وإنقاذ الغريق، وقتل الحيّة التي يخافها على نفس محترمة، وإحراز المال المخوف ضياعه، وقد تقدّم جواز القطع عند خوف ضرر الحدث مع إمساكه. ومثله ما لو ظنّ سريان النجاسة إلى ثوبه أو بدنه.

واعلم أنّ القطع يجيء فيه الأحكام الخمسة، فيجب لحفظ النفس والمال المحترمين حيث يتعيّن عليه، فإن استمرّ حينئذٍ بطلت صلاته للنهي المفسد لها.

ويستحبّ، كالقطع لاستدراك الأذان والإقامة وقراءة الجمعة والمنافقين في الظهر والجمعة، وقد تقدّما، وللائتمام بإمام الأصل، وغيره، كما سيأتي.

ويباح لإحراز المال اليسير الذي لا يضرّ فواته وقتل الحيّة التى لا يظنّ أذاها.

ويكره لإحراز المال اليسير الذي لا يبالي بفواته، قاله في الذكرى، واحتمل التحريم(1) . وقد سبق تحريمه في غير ذلك.

قال في الذكرى:

وإذا أراد القطع فالأجود التحلّل بالتسليم؛ لعموم «وتحليلها التسليم»(2) ولو ضاق الحال عنه سقط. ولو لم يأت به وفَعَل منافياً آخر، فالأقرب عدم الإثم؛ لأنّ القطع سائغ، والتسليم إنّما يجب التحلّل به في الصلاة التامّة(3) .

(و) كذا يجوز (الدعاء) في أثناء الصلاة قائماً أو قاعداً أو راكعاً أو ساجداً أو متشهّداً (بالمباح للدين والدنيا) لعموم قوله تعالى: (أَدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)(4) .

ص: 525


1- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 387 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
2- سنن ابن ماجة، ج 1، ص 101، ح 275 و 276؛ سنن أبي داود، ج 1، ص 16، ح 61: الجامع الصحيح، ج 1، ص 8 - 9 ، ح 3 و ج 2، ص 3، ح 238؛ سنن الدار قطني، ج 2، ص 20، ح 1/1340، وص 48، ح 1/1404: السنن الكبرى، البيهقي، ج 2، ص 531، ح 3971؛ مسند أحمد، ج 1، ص 208، ح 1075؛ المصنف، ابن أبي شيبة، ج 1، ص 229.
3- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 387 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
4- غافر (40): 60.

ولأنّ النبيّ صلى الله عليه وآله و سلم دعا على قوم ولقوم قائماً(1). وقال: «ادعوا الله في سجودكم فإنّه قَمِنٌ أن يستجاب لكم»(2) .

وعن الصادق علیه السلام : «كلّ ما كلّمت الله به في صلاة الفريضة فلا بأس به»(3).

و (لا) يجوز الدعاء بالشيء (المحرَّم) فتبطل به الصلاة.

ولو جهل تحريم المدعو به ففي بطلان الصلاة به نظر من عدم وصفه بالنهي، وتفريطه بترك التعلم.

ورجّح في الذكرى الصحّة(4) ، وقطع المصنّف بعدم عذره(5) .

ولا يعذر جاهل كون الحرام مبطلاً؛ لتكليفه بترك الحرام، وجهله تقصير منه.

وكذا الكلام في سائر منافيات الصلاة لا يخرجها الجهل بالحكم عن المنافاة.

ويظهر من الشيخ في التهذيب(6) أنّ الجهل بالحكم عذر.

(و) كذا يجوز (ردّ السلام) على المسلّم؛ لعموم قوله تعالى: (فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا)(7) والصلاة غير منافية لذلك.

وليكن الردّ (بالمثل) فيقول لمن قال سلام عليكم كذلك، ولا يقول: وعليكم السلام، وإن جاز في غيرها، رواه عثمان بن عيسى عن الصادق علیه السلام(8) .

ص: 526


1- صحيح مسلم، ج 1، ص 466 - 467. ح 675/294: سنن ابن ماجة، ج 1، ص 394 ، ح 1244؛ سنن النسائي ج 2، ص 201: مسند أحمد، ج 2، ص 475، ح 7219.
2- صحیح مسلم، ج 1، ص 348 ، ح 479/207؛ سنن النسائي، ج 2، ص 189 - 190؛ سنن أبي داود، ج 1، ص 232 ، ح 876؛ مسند أحمد، ج 1، ص 250، ح 1332؛ مسند أبي يعلى، ج 1، ص 331، ح 416؛ المصنّف، عبد الرزّاق، ج 2، ص 145 - 146، ح 2839 .
3- الكافي، ج 3، ص 302، باب البكاء والدعاء في الصلاة، ح : تهذيب الأحكام، ج 2، ص 325، ح 1330 .
4- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 392 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
5- نهاية الإحكام، ج 1، ص 519 .
6- انظر تهذيب الأحكام، ج 2، ص 181 ذيل الحديث 726 .
7- النساء (4): 86 .
8- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 328، ح 1348؛ وفي الكافي، ج 3، ص 366، باب التسليم على المصلي .... ح 1 عن عثمان بن عيسى، عن سماعة، عن الإمام الصادق علیه السلام.

وروى محمّد بن مسلم - في الصحيح - قال: دخلت على أبي جعفر علیه السلام وهو في الصلاة، فقلت السلام عليك فقال: «السلام عليك فقلت كيف أصبحت؟ فسكت، فلمّا انصرف قلت له: أيردّ السلام وهو في الصلاة؟ فقال: «نعم، مثل ما قيل له»(1).

وهذا الخبر يقتضي عدم انحصار الجواب في «سلام عليكم» لوروده في القرآن(2) .

وعلى تقدير الردّ به لا يجب أن يقصد به القرآن للإطلاق، ولتجويز غيره ممّا لا يتصوّر فيه قصد القرآن.

وخالف ابن إدريس في اعتبار المثل فجوّز الردّ بقوله عليكم السلام خصوصاً مع تسليم المسلّم به؛ لعموم الآية (3)، واستضعافاً لخبر الواحد(4) . والأصحاب على خلافه.

ولا يقدح في المثل زيادة الميم في «عليكم» في الجواب لمن حذفه؛ لأنّه أزيد، دون العكس؛ لأنّه أدون.

ويجب على المجيب إسماعه تحقيقاً أو تقديراً؛ لأنّه المفهوم من الأمر.

ولو ردّ غيره اكتفي إن كان مكلّفاً.

وفي الاكتفاء بردّ الصبيّ المميّز و جهان مبنيّان على أنّ أفعاله شرعيّة أو تمرينيّة، وحيث كان الراجح الثاني لم يكتف بجوابه. أمّا غير المميّز فلا إشكال في العدم.

ولو كان المسلّم مميّزاً ففي وجوب الردّ عليه نظر، أقربه: الوجوب.

ولو ردّ المصلّي بعد قيام مكلّف ،آخر قال في الذكرى: لم يضرّ؛ لأنّه مشروع في الجملة. وتوقّف في استحبابه كما في غير الصلاة(5) .

والأجود جوازه واستحبابه؛ لعموم الأوامر؛ إذ لا شكّ أنّه مسلّم عليه مع دخوله في العموم، فيخاطب بالردّ استحباباً إن لم يكن واجباً. وزوال الوجوب الكفائي لا يقدح في

ص: 527


1- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 329 ، ح 1349.
2- الأنعام (6) : 54؛ الأعراف (7): 46؛ الرعد (13): 24؛القصص (28): 55 ؛ الزمر (39) :73 .
3- النساء (4): 86 .
4- السرائر، ج 1، ص 236 - 237.
5- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 405 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).

بقاء الاستحباب، كما في غير الصلاة، فإنّ استحباب ردّ الثاني متحقّق اتّفاقاً إن لم يوصف بالوجوب معلّلاً بالأمر.

ولو اشترطنا في جواز الردّ قصد القرآن كما يظهر من الشيخ(1) ، أو علّلنا جوازه في الصلاة بأنّه قرآن صورةً وإن لم يقصد، كما ذكره بعض الأصحاب(2) ، فلا إشكال في جواز ردّ المصلّي بعد سقوط الوجوب.

والمراد من الجواز في العبارة معناه الأعمّ، وهو الشامل ما عدا الحرام، فإنّ الردّ على تقدير مشروعيّته واجب لا جائز بالمعنى الأخصّ؛ لعموم الأمر المقتضي للوجوب، فلو ترك الردّ أثم.

وهل تبطل الصلاة؟ قيل: نعم؛ للنهي المقتضي للفساد(3) .

ويضعّف بأنّ النهي عن أمرٍ خارج عن الصلاة فلا يؤثّر فيها.

وربما قيل: إنّه إن أتى بشيء من الأذكار في زمان الردّ بطلت؛ لتحقّق النهي عنه(4).

وهو ممنوع؛ لأنّ الأمر لا يقتضي النهي عن الأضداد الخاصّة، بل عن مطلق النقيض، وهو المنع من الترك، وقد تقدّم الكلام فيه، فالمتّجه عدم البطلان مطلقاً.

ولو حيّاه بغير السلام كالصباح والمساء، ففي جواز ردّه نظر من الشكّ في كونه تحيّةً شرعاً.

واستقرب الشهيد في البيان الوجوب بلفظ السلام أو الدعاء أو بمثله مع قصد الدعاء(5) .

ص: 528


1- كما في ذكرى الشيعة، ج 3، ص 404 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7 )وانظر الخلاف، ج 1، ص 388 - 389 المسألة 141 .
2- الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 3، ص 404 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7)؛ والمحقّق الكركي في جامع المقاصد، ج 2، ص 357 .
3- كما في جامع المقاصد، ج 2، ص 357؛ وانظر مختلف الشيعة، ج 2، ص 219، المسألة 125 .
4- كما في جامع المقاصد، ج 2، ص 357 .
5- البيان، ص 178 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 12).

وأوجب المصنّف ردّ كلّ ما يسمّى تحيّةً؛ لظاهر الآية، وجوّز الردّ بلفظ المحيّي و بلفظ «سلام عليكم»(1) .

(و) كذا يجوز (التسميت) بالسين والشين للعاطس، وهو الدعاء له عند العطاس بقوله: يرحمك الله.

قال أبو العبّاس: الاختيار بالسين؛ لأنّه مأخوذ من السمت، وهو القصد والمَحَجّة(2).

وفي الصحاح : كلّ داعٍ لأحد بخير فهو مسمّت(3) .

وإنّما استحبّ ؛ لأنّه دعاء، وقد عرفت جوازه في الصلاة وإن لم يرد به هنا نصّ خاصّ.

والأمر بتسميت العاطس عامّ، فيتناول حالة الصلاة؛ لعدم المنافاة.

وتردّد فيه في المعتبر، ثمّ جَعَل الجواز قضيّة المذهب بعد أن جوّز التسميت وجَعَله حمداً لله تعالى والصلاة على النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم عند سماع العطاس، وتردّد في الدعاء له (4).

وهل يجب على العاطس الردّ إذا سُمِّت؟ نظر من الشكّ في كونه تحيّةً شرعاً؛ لأنّه في الظاهر دعاء. وعلى كلّ حال فجوابه مشروع في الصلاة أيضاً.

والمراد بالجواز هنا أيضاً معناه الأعمّ، فإنّ التسميت مستحبّ خصوصاً إذا حمد العاطس الله تعالى.

(و) كذا يجوز على وجه الاستحباب (الحمد) لله، والصلاة على النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم (عند العطسة) من العاطس وسامعه للعموم الشامل لحالة الصلاة.

ولقول الصادق علیه السلام في رواية الحلبي : «إذا عطس الرجل في الصلاة فليقل: الحمد لله»(5).

ص: 529


1- نهاية الإحكام، ج 1، ص 518 .
2- حكاه عنه الجوهري في الصحاح، ج 1، ص 254، «سمت».
3- الصحاح، ج 1، ص 255، «شمت».
4- المعتبر، ج 2، ص 262 - 263.
5- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 332 ، ح 1367.

وسأله أبو بصير: أسمع العطسة فأحمد الله تعالى وأُصلّي على النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم وأنا في الصلاة، قال: «نعم» وإن كان بينك و بين صاحبك اليم»(1) .

(المطلب الثاني في السهو والشكّ)

السهو عزوب المعنى عن القوّة الذاكرة مع ثبوته في الحافظة بحيث يلحظه الذهن عند التفاته إليه، وذهابه عن الخزانتين معاً يطلق عليه النسيان.

والمراد بالسهو هنا ما يعمّ الأمرين.

والشكّ تساوي الاعتقادين المتضادّين وتكافؤهما.

وقد يطلق السهو على الشكّ؛ لاشتراكهما في العبارة، ولكون السهو سبباً في الشكّ غالباً، فأُطلق اسم السبب على المسبّب.

وقد استعمله المصنّف في قوله : (لا حكم للسهو مع غلبة الظنّ) بأحد الطرفين، بل يبنى على الطرف الراجح؛ لقول النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم : «إذا شكّ أحدكم في الصلاة فلينظر أحرى ذلك إلى الصواب فليبن عليه»(2) .

وعن الصادق علیه السلام: «إذا وقع وهمك على الثلاث فابن عليه، وإن وقع وهمك على الأربع فسلّم وانصرف»(3) .

ولأنّ تحصيل اليقين عسر في كثير من الأحوال، فاكتفي بالظنّ تحصيلاً لليسر ودفعاً للعسر.

و تنقيح المسألة يتمّ بمباحث:

أ : إنّك قد عرفت أنّ السهو زوال المعنى عن القوّة وارتفاعه عن البال، والشكّ

ص: 530


1- الفقيه، ج 1، ص 367. ح 1059؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 332، ح 1368.
2- أورد نصّه الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 3، ص 429 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7)؛ وفي صحيح مسلم. ج 1 ، ص 400، ح 572/89؛ وسنن النسائي، ج 3، ص 28؛ ومسند أحمد، ج 2، ص 11، ح 4163: والمعجم الكبير، الطبراني ، ج 10، ص 25 - 26، ح 9825 - 9828 بتفاوت في اللفظ.
3- الكافي، ج 3، ص 353، باب السهو في الثلاث والأربع، ح : تهذيب الأحكام، ج 2، ص 184 ، ح 733 .

تساوي الاعتقادين المقتضي لحضورهما بالبال وتردّد الذهن بينهما بحيث لا يترجّح أحدهما، ومن المقرّر أن الظنّ ترجيح أحد الأمرين على الآخر ترجيحاً غير مانع من النقيض وغلبة قوّة هذا الترجيح.

ولا يخفى حينئذٍ أنّ السهو لا يجتمع مع الظنّ؛ لتضادّهما في الحضور القلبي وعدمه، والمعيّة تقتضي الاجتماع. وأمّا(1) الشكّ فإنّه وإن شارك الظنَّ في حضور متعلّقهما بالبال لكن شرط الشكٍّ تساوي الاعتقادين والظنّ اختلافهما وترجيح أحدهما على الآخر فلا يتحقّق بينهما أيضاً الاجتماع الحقيقي. لكن يمكن فرض اجتماعهما بضرب من التجوّز ، فإنّ الشكّ يعرض أوّلاً ثمّ يجب على الشاكّ التروّي، فإن غلب وترجّح عنده أحد الطرفين بعد أن كانا متساويين عمل على الراجح، فباعتبار اتّصال الشكّ بغلبة الظنّ في زمانٍ قصير وترتب أحدهما على الآخر في حضور واحد متّصل جاز التعبير عنهما بالمعيّة، فيكون في العبارة ،مجازان أحدهما استعمال لفظ السهو في الشك. والثانى جَعْله الشكّ مجامعاً لغلبة الظن بأحد الطرفين.

ب: أنّ في قوله: «لاحكم لهذه المسألة ونظائرها» حكماً بذلك؛ فإنّ الحكم بعدم الحكم حكم، وهو يناقض ظاهراً عدم الحكم.

وتوجيهه: أنّ الحكم المنفي ليس هو مطلق الحكم، بل حكم خاصّ، وهو الحكم المبحوث عنه في هذا الباب من سجود السهو والاحتياط ونحوهما، وهو لا ينافي ثبوت حكم آخر لها. ويدلّ على إرادة الخاصّ سياق الكلام ومبحثه.

ج : أنّه اعتبر في سقوط الحكم غلبة الظنّ، وقد عرفت أنّه أمر آخر وراء الظن، وهو يقتضي عدم الاكتفاء بمطلق الظنّ، والنصّ يدلّ على الاكتفاء به؛ لما تقدّم من تعليق البناء على وقوع الوهم والمراد به هنا الظنّ وهو مطلق ترجيح أحد النقيضين. ولو أُريد به معناه المتعارف - وهو الطرف المرجوح - لم تكن حقيقته مرادةً إجماعاً، فيصار إلى المجاز وهو القدر الراجح مطلقاً، أو إلى أقرب المجازات إلى الحقيقة، وهو أوّل مراتب

ص: 531


1- في الطبعة الحجريّة: فأمّا.

الرجحان. والاكتفاء به في البناء يستلزم الاكتفاء بما هو أقوى منه بطريق أولى. وكأنّ مَنْ عبّر بالغلبة تجوّز بسبب أنّ الظنّ لمّا كان غالباً بالنسبة إلى الشكّ والوهم وصفه بماهو لازم له وأضاف الصفة إلى موصوفها بنوع من تکلّف.

د: معنى عدم الحكم مع غلبة الظنّ العمل على الطرف المظنون من غير أن يرتّب

عليه ما يأتي من الأحكام كما نبّهنا عليه، فإذا غلب ظنّ الشاكّ - مثلاً- بین الثلاث والأربع بعد التروّي على الثلاث بنى عليها وأكملها ركعة، ولا احتياط، أو على الأربع بنى عليها كذلك.

ولو كان الشكّ بين الأربع والخمس فغلب ظنّه على الخمس بطلت صلاته إن لم يكن جلس عقيب الرابعة بقدر التشهّد. وإن غلب على الأربع سلّم، ولا يجب عليه سجود السهو. وإن تساوى الاحتمالان، فسيأتي حكمه.

ه: لا فرق في ذلك بين الأوليين والأخيرتين، ولا بين الرباعيّة والثلاثيّة والثنائيّة، فإذا حصل الشكّ في موضع يوجب البطلان كالثنائيّة وغلب الظنّ على أحد الطرفين بني عليه. وإن تساويا بطلت حتّى لو لم يدركم صلّى وظنّ عدداً معيّناً بنى عليه، وإنما تبطل الصلاة مع تساوي الاحتمالات في الأعداد.

وقد نبّه عليه في رواية صفوان عن أبي الحسن علیه السلام: «إذا لم تدر كَمْ صلّيت ولم يقع وهمك على شيء فأعد الصلاة»(1) ، وأراد بالوهم الظنّ كما مرّ. وهو المستعمل في النصوص .

وكذا لا فرق في ذلك بين الأفعال والركعات.

(و) كذا (لا) حكم (الناسي القراءة أو) ناسي (الجهر أو الإخفات) في مواضعهما (أو) ناسي بعض القراءة، مثل (قراءة الحمد) وحدها (أو السورة) وحدها (حتّى يركع ) فإنّ نسيان ذلك كله لا يُبطل الصلاة، ولا يوجب تلافياً؛ لعموم «رُفع

ص: 532


1- الكافي، ج 3، ص 358، باب من شك من صلاته كلها ...، ج 1؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 187، ح 744؛ الاستبصار، ج 1، ص 373 ، ح 1419.

عن أُمّتى . عن أمنى الخطأ والنسيان»(1).

وسأل منصور بن حازم الصادق علیه السلام ، فقال: صلّيت المكتوبة ونسيت أن أقرأ في صلاتي كلّها، فقال: «أليس قد أتممت الركوع والسجود؟» فقال له: بلى، فقال: «تمّت صلاتك»(2).

وناسي صفة القراءة كالجهر والإخفات يعذر بطريق أولى.

ومقتضى عطفهما على ناسي القراءة إلى أن يركع أنّه لو ذكر قبل الركوع رجع إليهما. والمسألة موضع إشكال.

والذي جزم به المصنّف في النهاية أنّه لا يرجع إليهما إذا ذكرهما بعد الفراغ من القراءة وقبل الركوع(3). وهو حسن.

لكنّه استدلّ على ذلك بأنّ النسيان في أصل القراءة عذر، ففي كيفيّتها أولى(4) .

وهذا الدليل ليس بشيء، ولا يستلزم المدّعى؛ لأنّ نسيان القراءة إنّما يكون عذراً مع ذكرها بعد الركوع لا قبله فلحوق الكيفيّة بالأصل يوجب العود إليها قبل الركوع.

والأولى الاستدلال على عدم العود بخبر زرارة المتقدّم في صدر الباب(5) ، وهو قول الباقر علیه السلام لمّا سُئل عن رجل جهر فيما لا ينبغي الجهر فيه أو أخفى فيما لا ينبغي الإخفات فيه، فقال: «إن فعل ذلك ناسياً أو ساهياً أو لا يدري فلا شيء عليه، وقد تمّت صلاته» فإنّه يدلّ بظاهره على عدم وجوب العود إليهما مطلقاً، وإلا لم تتمّ الصلاة بدونه، ولكان عليه شيء، وقد حكم علیه السلام بخلاف ذلك، وإلا لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة أو الخطاب.

(و) كذا (لا) حكم (الناسي ذكر الركوع أو الطمأنينة فيه) أي في الركوع (حتّى

ص: 533


1- كنز العمّال، ج 4، ص 233، ح 10307 نقلاً عن الطبراني في المعجم الكبير .
2- الكافي، ج 3، ص 348 ، باب السهو في القراءة ، ح 3 تهذيب الأحكام، ج 2، ص 146، ح 570: الاستبصار، ج 1، ص 353 - 354، ح 1336.
3- نهاية الإحكام، ج 1، ص 532 .
4- نهاية الإحكام، ج 1، ص 532.
5- في ص 497 - 498.

پينتصب من الركوع؛ لأنّ عليّاً علیه السلام سُئل عن رجل ركع ولم يسبّح ناسياً، قال: «تمت صلاته»(1).

وسُئل الكاظم علیه السلام عن رجل نسي تسبيحة في ركوعه أو سجوده، قال: «لا بأس بذلك»(2) .

(ولا لناسي الرفع) من الركوع (أو الطمأنينة فيه) أي في الرفع (حتّى يسجد، أو الذكر في السجدتين أو السجود على) مجموع (الأعضاء) غير الجبهة.

وإنّما قيّدنا بذلك؛ لأنّ من جملة الأعضاء الجبهة، ولا يتحقّق السجود بدونها، فنسيانها في السجدتين يُبطل الصلاة، فلمّا جَعَله المصنّف ممّا لا حكم له عُلم أنّه يريد بالأعضاء غيرها.

(أو) ناسي (الطمأنينة فيهما ) أي في السجدتين (أو)ناسيها (في الجلوس بينهما) ولم يذكر حتّى انتقل عن محلّه.

(و) كذا (لا) حكم (للسهو في السهو) لقول الصادق علیه السلام في حسنة حفص: «ليس

على السهو سهو»(3).

ولأنّه لو تداركه لأمكن أن يسهو ثانياً، ويطول التدارك، ويستلزم مشقّةً وحرجاً منفيّين .

وفُسّر بأن يسهو في سجدتي السهو عن ذكرٍ أو طمأنينةٍ أو غيرهما ممّالا يتلافى لو كان في الصلاة.

وكذا لوسها في صلاة الاحتياط عن ذلك، أوسها عن تسبيح السجدة المنسيّة أو عن السجود على بعض الأعضاء عدا الجبهة حتّى تجاوز محلّه، فإنّه لا يجب فيه سجود السهو وإن وجب لو كان في غيرها.

ص: 534


1- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 157 ، ح 612 .
2- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 157 ، ح 614.
3- الكافي، ج 3، ص 359 باب من شك من صلاته كلها .... ح 7؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 344 ، ح 1428.

وربما استعمل السهو هنا في الشكّ كما استعمل الشكّ فيه، كما تقدّم. وفُسّر بأن يشكّ في وقوع السهو منه، أو في وقوع الشكّ، أو يتحقّق الوقوع ويشكّ في كون الواقع له حكمٌ أم لا، لكونه نسي تعيينه.

ولو انحصر فيما يتدارك كالسجدة والتشهّد أتى بهما جميعاً؛ لاشتغال ذمّته، وعدم يقين البراءة بدونه.

ولو انحصر فيما يُبطل وما لا يُبطل فالظاهر عدم البطلان للشكّ فيه، وأصالة الصحّة، وهو خيرة البيان(1) .

أو يشكّ في عدد سجدتي السهو أو عدد الاحتياط أو في أفعالهما قبل تجاوز المحلّ، فيبني على فعل المشكوك فيه إلّا أن يستلزم الزيادة، كما لو شكّ هل سجد اثنتين أم ثلاثاً، أو صلّى فى الاحتياط ركعتين أم ثلاثاً؟ فإنّه يبني على المصحَّح .

ولو سها عمّا يتلافى بعد الصلاة - كالسجدة أو (2) التشهّد - وتجاوز محله قضاه، لكن لا يسجد له.

ولو تيقّن فعْلَ أو ترك ما يُبطل كالركن بطل، وليس منه ما لو شكّ في فعل - كالركوع والسجود - فأتى به فشكّ في أثنائه في ذكر أو طمأنينة؛ لأن عوده - أولاً إلى ما شكّ فيه ليس مسبّباً عن السهو، وإنّما اقتضاء أصل الوجوب مع أصالة عدم فعله.

وكذا لو تيقّن السهو الموجب للسجود أو لتلافي فعل وشكّ هل فَعَل موجبه أم لا، فإنّه يجب عليه فعله؛ لأصالة عدمه.

(و) كذا (لا) حكم للسهو، أعني الشكّ الحاصل (للإمام أو) الشكّ الحاصل (اللمأموم إذا حفظ عليه الآخر) بل يرجع كلُّ منهما إلى يقين صاحبه؛ لقول الصادق علیه السلام :

ص: 535


1- قال الشهيد في البيان، ص 249 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 12): ولو انحصر بين مبطل وغيره، فالأقرب: الإبطال.
2- في الأصل والطبعة الحجريّة: «و» بدل «أو».

«ليس على الإمام سهو، ولا على مَنْ خلف الإمام سهو»(1) .

وقول الرضاء علیه السلام: «الإمام يحفظ (2) أوهام مَنْ خلفه»(3) .

وكما يرجع كلّ منهما إلى يقين صاحبه كذا يرجع إلى ظنّه مع كون الآخر شاكّاً.

کذا برجع الظان إلى يقين الآخر؛ لأنّه أقوى. ولأنّ الظنّ يطلق عليه «وَهم» في استعمال الشرع، كقوله علیه السلام: «إن ذهب وهمك إلى الثلاث فابن عليها»(4)، ونحوه، وقد قال علیه السلام : «الإمام يحفظ أوهام من خلفه»(5) بمعنى أن المأموم يترك وهمه ويرجع إلى يقين الإمام.

وتوهّم عدم رجوع أحدهما إلى الآخر هنا؛ لأنّ الفنّ قائم في هذا الباب مقام العلم فكانا متساويين شرعاً فاسد؛ لأنّ اليقين لا يحتمل النقيض، والظنّ وإن غلب يحتمله، فيرجع إلى المعلوم. وقيامه مقامه عند عدم الأقوى رخصة من الشارع، فإذا وجد اليقين لا يعدل عنه. ولما ذكر من الأدلّة.

والضابط أنّ الشالّ منهما يرجع إلى الظانّ والمتيقّن والظانّ يرجع إلى المتيقّن دون الظانّ لتساويهما.

ولا فرق في ذلك كلّه بين الأفعال والركعات. ولا يشترط عدالة المأموم.

ويكفي في الرجوع تنبيه الحافظ بتسبيح ونحوه، ولا يتعدّى الحكم إلى غير المأموم وإن كان عدلاً على الأصح. نعم، لو أفاد قوله الظنَّ بأحد الطرفين عوّل عليه، لكنّه ليس من هذا الباب.

ولو اختلف الإمام والمأموم، فإن جمع شكّهما رابطة رجعا إليها، كما لو شكّ الإمامُ بين الاثنتين والثلاث والمأمومُ بين الثلاث والأربع فيرجعان إلى الثلاث؛ لتيقّن الإمام

ص: 536


1- الكافي، ج 3، ص 359 ، باب من شك من صلاته كلها .... ح 7؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 344، ح 1428.
2- في الفقيه: «يحمل» وفي تهذيب الأحكام «يتحمّل» بدل «يحفظ».
3- الفقيه، ج 1، ص 406 ، ح 1207؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 277 ، ح 812 .
4- تقدّمت الإشارة إلى مصدره في ص 530 الهامش 3.
5- تقدّمت الإشارة إلى مصدره في الهامش 3.

عدم الزيادة عليها والمأموم عدم النقصان عنها. وكذا لو انعكس؛ لعين ما ذُكر.

واختار بعض المتأخّرين في الأولى وجوب الانفراد، واختصاص كلّ منهما بشكّه،مع موافقته على الصورة الثانية(1) . ولا وجه له.

ولو كانت الرابطة شكّاً، كما لو شكّ أحدهما بين الاثنتين والثلاث والأربع والآخر بين الثلاث والأربع، سقط حكم الاثنتين عن الشاكّ فيهما لتيقّن الآخر الزيادة عليهما، وصار شكهما معاً بين الثلاث والأربع. وهو رجوع إلى الرابطة أيضاً.

ولا فرق مع وجود الرابطة بين كون شكّ أحدهما موجباً للبطلان ،وعدمه، كما لو شكّ أحدهما بين الثلاث والخمس بعد السجود والآخر بين الاثنتين والثلاث، فيرجعان إلى الثلاث، ولا تبطل صلاة مَنْ تعلّق شكّه بالخمس.

وكذا لو كان شكّ كلّ منهما منفرداً بحكم، كما لو شكّ أحدهما بين الاثنتين والثلاث والأربع والآخر بين الثلاث والأربع والخمس، فإنهما يرجعان إلى الشكّ بين الثلاث والأربع، ويسقط عن أحدهما ما اختص به من حكم الاثنتين وعن الآخر ما اختص به من حكم الخمس، وهو سجود السهو.

ولو لم يجمعهما رابطة تعيّن الانفراد، ولزم كلّاً منهما حكم شكّه كما لو شكّ أحدهما بين الاثنتين والثلاث، والآخر بين الأربع والخمس.

ولو تعدّد المأمومون واختلفوا هُمْ وإمامهم فالحكم ما بيّنّاه في الرابطة وعدمها، فيرجعون جميعاً إليها إن وُجدت كما لو شكّ أحدهم بين الاثنتين والأربع والآخر بين الثلاث والأربع والثالث بين الاثنتين والثلاث والأربع، فيرجعون جميعاً إلى الأربع؛ لتيقّن الأوّل عدم الثلاث، فيرجع إليه فيه، وتيقّن الثاني عدم كونها اثنتين، فيرجع إلى ما اتّفق عليه وهو الأربع.

ولو لم يجمعهم ،رابطة كما لو شكٍّ أحدهم بين الاثنتين والثلاث والآخر بين الثلاث والأربع والثالث بين الأربع والخمس، تعيّن الانفراد، لكن هذا الفرض لا يتّفق إلّا مع ظنّ

ص: 537


1- ابن فهد الحلّي في الموجز، ضمن الرسائل العشر، ص 106.

كلّ منهم انتفاء ما خرج عن شكّه لا مع تيقّنه، فإنّ تيقّن الأوّلين عدم الخمس ينفيها، وتيقّن الأوّل عدم الأربع ينفيها، فلا يمكن فرض شكٍّ الثالث على هذا الوجه.

ومتى حكم بالانفراد، فإن حفظ الإمام شيئاً عمل بمقتضاه. ولو لم يعلم شيئاً بطلت صلاته، وعمل المأمومون بما يلزمهم من الحكم.

وكذا لو تعيّن الانفراد وبقي من المأمومين مَنْ لم يحفظ شيئاً.

ولو حفظ بعض المأمومين وشكّ البعضُ الآخر والإمامُ، رجع الإمام إلى مَنْ حفظ والمأموم الشاكّ إلى الإمام.

ومقتضى قوله: «إذا حفظ عليه الآخر» أنّ سقوط حكم السهو عن الإمام والمأموم مختصّ بالشكّ لا بالسهو الموجب للسجود، بل لو انفرد أحدهما بما يوجبه - بأن تكلّم أو ترك ما يوجبه - اختصّ بحكمه؛ لدوران المسبّب مع السبب.

ولقول أحدهما علیهما السلام: «ليس على الإمام ضمان»(1)، وقول الصادق علیه السلام وقد سأله منهال القصّاب : أسهو في الصلاة وأنا خلف الإمام، فقال: «إذا سلّم فاسجد سجدتين ولا تهب»(2).

وذهب الشيخ (رحمه الله) إلى عدم وجوب السجود على المأموم لو انفرد بموجبه حالة المتابعة (3)، وهو مذهب المرتضى، ونَقَله عن جميع الفقهاء إلَّا مَنْ شذّ(4) . وتبعهما الشهيد رحمه الله) في الذكرى والبيان(5) ؛ لعموم الخبر السالف(6) .

وأجاب عن حجّة المصنّف بالخبر الأوّل: بأنّ الخاصّ مقدّم، وعارضه بقول

ص: 538


1- الكافي، ج 3، ص 378 باب الرجل يصلّي بالقوم وهو .... ح 3: الفقيه، ج 1، ص 406، ح 1209؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 269، ح 772؛ الاستبصار، ج 1، ص 440، ح 1695.
2- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 353. ح 1464.
3- المبسوط، ج 1، ص 180؛ الخلاف، ج 1، ص 463، المسألة 206.
4- حكاه عنه المحقّق في المعتبر، ج 2، ص 394 .
5- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 433؛ البيان، ص 244 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7 و 12).
6- في ص 536 من قول الصادق علیه علیه السلام «.... ولا على مَنْ خلف الإمام سهو».

عليّ علیه السلام: «الإمام ضامن»(1) وعن الثاني(2): بحمله على الاستحباب توفيقاً(3).

والتحقيق أنّ خبري الضمان تساقطا وبقيت المعارضة بين خبري منهال وحفص إلّا أنّ منهالاً مجهول، وحديث حفص حسن، فلا عدول عنه(4) خصوصاً مع ما ادّعاه السيّد رحمه الله) .

وذهب الشيخ(5) أيضاً إلى أنّ الإمام لو اختصّ بموجب السجود وجب على المأموم متابعته فيه وإن خلا عن السبب؛ لأنّه متبوع ولترتب صلاة المأموم على صلاته في التمام والنقصان.

ولقول النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم : «ليس عليك خلف الإمام ،سهو الإمام كافيه، وإن سها الإمام فعليه وعلى مَنْ خلفه»(6) .

ومختار المصنّف هنا - من عدم وجوب المتابعة (7)- أجود؛ لعدم الدليل الصالح للمشاركة، فإنّ الواجب على المأمومين اتّباعه حالة كونه إماماً لا مطلقاً والخبر من مرويّات العامّة، ومع ذلك فهو ضعيف عندهم. ولا ريب أنّ متابعة الشيخ هنا أحوط(8) .

(و) كذا (لا) حكم للسهو (مع الكثرة) لقول الباقر علیه السلام في صحيح محمّد بن مسلم: «إذا كثر عليك السهو فامض على صلاتك فإنّه يوشك أن يدعك(9) الشيطان»(10).

ص: 539


1- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 282 ، ح 1121 .
2- أي خبر منهال.
3- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 434 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
4- بدل قوله: «فلا عدول عنه» في «الأصل و م»: «فينبغي العمل به».
5- المبسوط، ج 1، ص 181 .
6- سنن الدار قطني ، ج 2، ص 45، ح 1/1396.
7- تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 324 المسألة 351؛ نهاية الإحكام، ج 1، ص 534 .
8- في «م»: «أجود» بدل «أحوط».
9- في المصادر زيادة: «إنّما هو من».
10- الكافي، ج 3، ص 359، باب من شك من صلاته كلّها .... ح 8؛ الفقيه، ج 1، ص 339، ح 990؛ تهذيب الأحكام،ج 2، ص 343 - 344. ح 1424.

وروى زرارة وأبو بصير - في الصحيح - قالا: قلنا له: الرجل يشكّ كثيراً في صلاته حتّى لا يدري كم صلّى ولا ما بقي عليه، قال: «يعيد» قلنا له: يكثر عليه ذلك كلّما أعاد شكّ، قال: «يمضي في شكّه» ثمّ قال: « لا تعوّدوا الخبيث من أنفسكم نقض الصلاة فتطمعوه، فإنّ الشيطان خبيث معتاد لما عوّد فليمض أحدكم في الوهم، ولا يكثرنّ نقض الصلاة، فإنّه إذا فعل ذلك مرّات لم يعد إليه الشكّ» قال زرارة ثمّ قال: «إنّما يريد الخبيث أن يطاع، فإذا عصي لم يعد إلى أحدكم »(1).

والمرجع في الكثرة إلى العرف؛ لعدم تقديرها شرعاً.

وقيل: بتحقّق بالسهو في ثلاث فرائض متوالية أو في فريضة واحدة ثلاث مرّات(2).

والظاهر أنه غير منافٍ للعرف.

وفي حكمه السهو ثلاثاً في فريضتين متواليتين.

وربما خصّها بعضهم(3) بالسهو في ثلاث فرائض ؛ لقول الصادق علیه السلام في رواية ابن أبي عمير: «إذا كان الرجل ممّن يسهو في كلّ ثلاث فهو ممّن يكثر عليه السهو»(4).

وهي غير صريحة في ذلك؛ فإنّ ظاهرها أنّ المراد وجود الشكّ في كلّ ثلاث بحيث لا يسلم له ثلاث صلوات خالية عن شكّ، ولم يقل أحد بانحصار الاعتبار في ذلك.

والمراد بالسهو هنا ما يعمّ الشكّ، كما مرّ. ومعنى عدم الحكم له معها عدم وجوب سجدتي السهو لو فعل ما يقتضيهما لولاها وعدم الالتفات لو شكّ في فعل وإن كان في محلّه، بل يبني على وقوعه والبناء على الأكثر لو كان الشكّ في عدد الركعات حتّى لو أتى بما شكّ فيه بطلت صلاته؛ لأنه زيادة في الصلاة عمداً وإن ذكر بعد فعله الحاجة إليه.

ص: 540


1- الكافي، ج 3، ص 358 باب من شك من صلاته كلّها.... ح 2 تهذيب الأحكام، ج 2، ص 188، ح 747: الاستبصار، ج 1، ص 374 - 375، ح 1422.
2- انظر الوسيلة، ص 102 وشرائع الإسلام، ج 1، ص 108 .
3- ابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 248.
4- الفقيه، ج 1، ص 339، ح 991 .

ولو كان المتروك ركناً لم تؤثّر الكثرة في عدم البطلان، كما أنّه لو ذكر الفعل في محلّه استدركه ولو سها عن فعل يتلافى بعد الصلاة وفات محلّه فلابدّ من تلافيه، وإنّما تؤثّر الكثرة بالنسبة إليه في إسقاط سجدتي السهو مع احتمال عدم وجوب القضاء.

ومتى حكم بثبوتها بالثلاثة تعلّق الحكم بالرابع ويستمرّ إلى أن يخلو من السهو والشكّ فرائض يتحقّق بها الوصف، فيتعلّق به حكم السهو الطارئ، وهكذا.

وحيث حكمنا بالرجوع إلى العادة لم يعتبر فيه التوالي مع تحقّقها، كما لو تكرّر السهو في فريضة معيّنة من الخمس أيّاماً أو في فعل واحد من فريضة، فلو سها عن أربع سجدات من أربع ركعات في فريضة واحدة وتخلّل التذكّر، قضى السجدات جُمَع(1) ، وسجد ستّ سجدات لا غير.

وأطلق المصنّف (رحمه الله) في التذكرة وجوب ثماني سجدات(2).

وهو إمّا بناءً على اعتبار كونه في ثلاث فرائض، أو على أنّ سقوط الحكم مع الكثرة للحرج والعسر ولم يحصل في الفريضة الواحدة؛ لأنّه لم يفعل موجب السهو للثلاث قبل حصول الرابع ليتحقّق العسر، فإذا حصل الرابع وجب له حكمه؛ لأنّه سبب فلا يتخلّف عنه مسبّبه، وبعد فعل موجب الثلاث بعد الفراغ لا يسقط ما قد وجب.

وتظهر فائدة التعليلين فيما لو حصلت الثلاث في فريضة والرابعة في ثانية.

واحتمل الشهيد في الذكرى الاجتزاء بسجدتين؛ محتجّاً بدخوله في حيّز الكثرة(3).

وليس بظاهر؛ إذ اللازم من دخوله في الكثرة لزوم ستّ سجدات أو أربع إن قلنا بسقوط الحكم في الثالثة، أمّا الحكم بالاثنتين فلا يظهر له وجه.

هذا كلّه إذا لم يذكر السجدات حتّى سلّم ولو ذكر قبله عاد للأخيرة، وقضى ثلاثاً، وسجد لها.

ص: 541


1- أي أجمع.
2- تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 336، المسألة 353.
3- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 469 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).

وهل يعتبر في مرّات السهو التي تتحقّق معها الكثرة أن يكون كل منها موجباً لشيء ليتحقّق الحرج مع فعل ،موجبها أم يكفي حصول السهو مطلقاً؟ وجهان: من إطلاق النصّ، وعدم المشقّة.

وتظهر الفائدة فيما لو غلب على ظنّه أحد الطرفين في العدد أو بعضه بحيث لا يسلم

منه ما تحصل به الكثرة، أو كان الشكّ بعد الانتقال عن عن المحلّ.

ومثله ما لو شكّ في النافلة أو سها بما يوجب السجود في غيرها.

(ولو نسي الحمد وذكر في) حال قراءة (السورة) أي بعدها قبل الركوع (أعادها بعد) أن يقرأ (الحمد).

ويفهم من قوله «أعادها» وجوب إعادة السورة التي قرأها بعينها. وليس متعيّناً، بل يتخيّر بين إعادتها وقراءة غيرها؛ لوقوعها فاسدةً فساوت غيرها.

(ولو ذكر الركوع قبل السجود) وبعد أن هوى له ولم يصل إلى حدّه رفع إلى حدّ القائم ثمّ (ركع) ولا يجزئه الهويّ السابق؛ لأنّه نوى به السجود فلا يجزئ عن الهويّ إلى الركوع .

ولا تجب الطمأنينة فى هذا القيام لذاتها وإن كان تحقّق الفصل بين الحركتين المتضادّتين وتحقّق تمام القيام يقتضيان سكوناً يسيراً.

واعلم أنّ القيام للركوع إنّما يتحقّق وجوبه إذا كان نسيان الركوع حصل في حالة القيام بحيث كان هويه بنيّة السجود أو بنيّة غير الركوع، أمّا لو فرض أنّه هوى للركوع ثمّ نسيه قبل أن يصير على هيئة الراكع لم يتّجه وجوب القيام ليهوي عنه إلى الركوع لحصوله من قبلُ، بل يقوم منحنياً إلى حدّ الراكع خاصّة إن كان نسيانه بعد انتهاء هوي الركوع، وإلّا قام بقدر ما يستدرك الفائت منه.

ولو كان نسيانه بعد تحقّق صورة الركوع، ففي العود إلى باقي واجباته من الذكر والطمأنينة والاعتدال عنه قائماً إشكال من عدم فوات محلّها، وتوهّم استلزامه زيادة ركوع؛ إذ حقيقته الانحناء على الوجه المخصوص، وما زاد عليه واجبٌ آخر.

ص: 542

والإشكال آتٍ فيما لو كان النسيان بعد إكمال الذكر وقبل الرفع.

ويقوى هنا القول بوجوب القيام لا غير؛ لأنّه الفائت، فيقتصر عليه من غير أن يقوم منحنياً، وعدم جواز العود فى الأوّل؛ لما ذكر.

(وكذا) يرجع في (العكس) وهو ما لو ذكر أنّه نسي السجود قبل أن يركع، فإنّه يعود له على المشهور، سواء كان المنسي السجدتين أم إحداهما.

وذهب جماعة(1) من علمائنا إلى بطلان الصلاة بترك السجدتين وإن ذكر قبل الركوع، مع حكمهم بالعود إلى الواحدة قبله.

ويضعّف بأنّ المحلّ إن كان باقياً، عاد إليهما، وإلّا لم يعدّ إلى الواحدة.

وكذا يعود قبل الركوع لتدارك التشهّد والصلاة على النبيّ وآله علیهم السلام ، وأبعاضهما. ولا يضرّ الفصل بين الصلاة وبين التشهّد.

وفي جواز الاقتصار على البعض المنسي من الصلاة أو من إحدى الشهادتين أو ما دونهما نظر.

نعم لو كان المنسي ممّا لا يستقلّ بنفسه كالكلمة الواحدة، فلا إشكال في وجوب ضمّ ما يتمّ معه الكلام إليها.

ومتى كان المنسي مجموع السجدتين عاد إليهما من غير جلوس واجب قبلهما.

أمّا لو كان المنسي إحداهما ، فإن كان قد جلس عقيب السجدة الأولى واطمأنّ بنيّة الجلوس الواجب للفصل أو لا بنيّة(2)، لم يجب الجلوس قبلها أيضاً؛ لحصوله من قبل. وإن لم يكن جلس كذلك أو جلس ولم يطمئن(3) وجب الجلوس؛ لأنّه من أفعال الصلاة ولم يأت به مع إمكان تداركه.

ص: 543


1- منهم الشيخ المفيد في المقنعة، ص 138 وأبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه، ص 119؛ وابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 245 و 251.
2- جملة «أو لا بنيّة» لم ترد في «م» وعليها في الطبعة الحجريّة علامة «زائدة».
3- ورد في الطبعة الحجريّة على جملة «أو جلس ولم يطمئن» علامة «زائدة».

وجوّز الشيخ في المبسوط تركه(1) ؛ لتحقّق الفصل بين السجدتين بالقيام.

ويضعّف بأن الواجب ليس هو مطلق الفصل، بل الجلوس على الوجه المخصوص ولم يحصل.

ولو شكّ هل جلس أم لا بنى على الأصل، فيجب الجلوس وإن كان حالة الشكّ قد انتنقل عن محلّه؛ لأنّه بالعود إلى السجدة مع استمرار الشكّ قد انتقل عن محلّه؛ لأنّه بالعود إلى السجدة مع استمرار الشكّ يصير في محلّه، فيأتي به.

ومثله ما لو تحقّق نسيان سجدة وشكّ في الأخرى، فإنّه يجب عليه الإتيان بهما معاً عند الجلوس وإن كان ابتداء الشكّ بعد الانتقال.

ولو كان قد نوى بالجلوس الاستحباب لتوهّمه أنّه سجد سجدتين فنوى الاستراحة، ففى الاكتفاء بها وجهان :

أحدهما العدم؛ لتنافي وجهي الوجوب والندب، فلا يجزئ أحدهما عن الآخر.

ولقوله علیه السلام: «وإنّما لكلّ امرئ ما نوى»(2) .

والثاني: الاكتفاء؛ لاقتضاء نيّة الصلاة ابتداءً كون كلّ فعل في محلّه، وذلك يقتضي كون هذه الجلسة للفصل فلا تعارضها النيّة الطارئة بالاستراحة لوقوعها سهواً، وقد حكم الأصحاب بأنّه لو نوى فريضة ثمّ ذهل عنها ونوى ببعض الأفعال أو الركعات النفل سهواً لم يضرّ؛ لاستتباع نيّة الفريضة ابتداءً باقي الأفعال، وبه نصوص عن أئمّة الهدى:

كرواية ابن أبي يعفور عن الصادق علیه السلام في رجل قام في صلاة فريضة فصلّى ركعة و هو يرى أنّها نافلة، فقال: «هي التي قمت فيها ولها» ثمّ قال علیه السلام : «وإنّما يحسب للعبد من صلاته التي ابتدأ من أوّل صلاته»(3).

ص: 544


1- المبسوط، ج 1، ص 176.
2- صحيح البخاري، ج 1، ص 3، ح 1؛ سنن أبي داود، ج 2، ص 262، ح 2201؛ السنن الكبرى، البيهقي، ج 1، ص 445 ، ح 1422 .
3- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 343 ، ح 1420.

وسأله معاوية عن الرجل قام في الصلاة المكتوبة فسها فظنّ أنّها نافلة، أو كان في النافلة فظنّ أنّها مكتوبة، قال: «هي على ما افتتح الصلاة عليه»(1).

ودخول هذه المسألة فى ذلك ظاهر، بل هو من باب مفهوم الموافقة كما ذكره الشهيد (2)، واختاره في قواعده(3) .

لكن يبقى هنا بحث، وهو أنّه قد سلف في ناسي الركوع ولمّا يسجد أنّه يجب عليه القيام ثمّ الركوع؛ لسبق الهوي بنيّة السجود، فلا يجزئ عن الهويّ للركوع، ومقتضى هذا الدليل عدم وجوب القيام هنا لاقتضاء نيّة الصلاة الترتيب بين الأفعال، فيقع الهويّ السابق للركوع، وتلغو نيّة كونه للسجود. ولكنّ الجماعة قطعوا بوجوب القيام، مع حكم كثير منهم بالاجتزاء هنا بجلسة الاستراحة. والفرق غير واضح.

فإن قيل: مقتضى العمل استتباع النيّة الخاصّة(4) ؛ لعموم «وإنّما لكلّ امرئ ما نوى» (5)فيجب العمل به إلى أن يقوم الدليل على خلافه، كما في نيّة المندوب للنصّ الخاصّ ونيّة واجبٍ لواجبٍ آخر لا نصّ عليه، فلا يجزئ عن غير ما نواه.

قلنا: وقوع مندوبٍ خارج عن الصلاة عن واجب داخل فيها يقتضي إجزاء واجبِ منها عن واجب آخر سهواً بطريق أولى؛ لأنّ ما دخل فيها أقرب إلى الحقيقة ممّا خرج وكذا الواجب أقرب إلى حقيقة الواجب الآخر من المندوب إليه، فمفهوم الموافقة يحصل هنا من وجهين، بخلاف مسألة جلسة الاستراحة؛ فإنّ مفهوم الموافقة - التي ذكرت - تحصل من جهة واحدة، وهي إجزاء المندوب الداخل في الصلاة عن الواجب فيها، وهو أقرب من إجزاء المندوب الخارج عنها عن الواجب الداخل فيها، كما هو مورد النصّ.

ص: 545


1- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 197، ح 776 .
2- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 424 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
3- القواعد والفوائد، ص 41 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 15).
4- كذا في النسخ الخطيّة والحجريّة. والظاهر أنّ الصواب هكذا مقتضى الأصل استتباع العمل للنيّة الخاصّة.
5- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص 544 الهامش 2 .

ولو كان جلوسه عقيب السجدة الأولى بنيّة الوجوب لا للفصل، كما لو جلس للتشهّد و تشهّد أو لم يتشهّد، ففي الاجتزاء به الوجهان.

ولا تخفى قوّة الاجتزاء بعد ما قرّرناه واختاره الشهيد(1) أيضاً.

واعلم أنّه لو كان قد تشهّد أو قرأ أو سبّح وتلافى السجود وجب عليه إعادة ما بعده الرعاية الترتيب.

ولو فرض أنّ المنسيّ السجود الأخير وذكره بعد التشهّد أعاده ثمّ تشهّد وسلّم.

وهذا على القول بوجوب التسليم واضح؛ لذكره في محلّه قبل الخروج من الصلاة.

ولو قلنا بندبه ففى العود إلى السجود أو بطلان الصلاة لو كان المنسيّ السجدتين وقضاء السجدة الواحدة إشكال من أنّ آخر الصلاة على هذا التقدير التشهّد فيفوت محلّ التدارك. ومن إمكان القول بتوقّف الخروج من الصلاة حينئذٍ على فعل المنافي أو التسليم، فما لم يحصلا لم يتحقّق الخروج من الصلاة.

وربما قيل بمجيء الإشكال وإن ذكر بعد التسليم.

ووجه قضاء السجدة حينئذٍ أو بطلان الصلاة بنسيان السجدتين ظاهر للخروج من الصلاة بالتسليم قبل تداركهما .

ووجه التدارك: عدم صحّة التشهّد والتسليم حيث وقعا قبل تمام السجود؛ لأنّ قضيّة الأفعال الصحيحة وقوعها في محلّها مرتّبةً.

والكلام أيضاً آتٍ في نسيان التشهّد إلى أن يسلّم.

وعلى هذا الوجه إن ذكر قبل فعل المنافي تدارك المنسيّ، وأكمل الصلاة. وإن ذكر بعده بطلت الصلاة، وإليه ذهب ابن إدريس (2) في ناسي التشهّد حتى سلّم.

وفوات محلّ هذه الأجزاء بالتسليم مطلقاً قويّ فيقضى منها ما يقضى، وتبطل الصلاة بما هو ركن

ص: 546


1- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 425 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
2- السرائر، ج 1، ص 259 .

وقد نبّه عليه المصنّف بذكر بعض موارده في قوله: (ولو ذكر بعد التسليم تَركَ الصلاة على النبيّ وآله، قضاها) لأنّها إن كانت من التشهّد الأوّل، فظاهر؛ لفوات محلّها بالركوع وإن كانت من الثاني فللخروج من الصلاة بالتسليم.

وإن قلنا بندبه - كما ذهب إليه المصنّف(1) - فقد فات محلّها فتقضى بعد التسليم، كما يقضى التشهّد على المشهور .

وأنكر ابن إدريس(2) شرعيّة قضائها لعدم النص.ّ

وأجاب في الذكرى بأنّ التشهّد يقضى بالنصّ فكذا أبعاضه؛ تسويةً بين الجزء والكلّ(3) .

وفي التسوية بين الجزء والكلّ منع؛ فإنّ الصلاة تقضى، ولا يقضى جميع أجزائها، وكذا مجموع السجدة الواحدة وواجباتها من الذكر والطمأنينة تقضى، و ولا تقضى واجباتها منفردةً.

ولو قيل: إن واجباتها خارجة عن حقيقتها وإنّما دخلت تبعاً التزمناه في الصلاة على النبيّ وآله، فإنّها ليست داخلةً في حقيقة التشهّد ومفهومه وإن أُطلق على الجميع على وجه التغليب والتجوّز.

ولازم هذا الدليل الذي ذكره الشهيد (رحمه الله) وجوب قضاء الكلمة الواحدة بل الحرف الواحد من الصلاة والتشهّد، ولا أظنّه يقول به.

نعم، ربما يظهر من ابن فهد (رحمه الله) في الموجز(4) وجوب قضاء جميع أبعاض التشهّد فيسلم من الإلزام، ويبقى عليه المنع.

وعلى هذا القول لو ترك بعضاً لا يستقلّ بنفسه في الدلالة كنسيان الصلاة على

ص: 547


1- تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 243، المسألة 299: نهاية الإحكام، ج 1، ص 504.
2- السرائر، ج 1 ، ص 257 .
3- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 422 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
4- انظر الموجز ضمن الرسائل العشر، ص 106.

آل محمّد خاصّة، وجب أن يضمّ إليه ممّا قبله ما يتمّ به، فيضيف الصلاة على النبيّ إلى آله وإن لم يكن نسيه ، بخلاف ما لونسي إحدى الشهادتين، فإنّها مستقلّة بالدلالة .

(ولو ذكر السجدة) الواحدة (أو التشهّد بعد الركوع قضاهما) بعد الفراغ من الصلاة (ويسجد للسهو) لرواية عليّ بن أبي حمزة عن الصادق علیه السلام : «إذا قمت في الركعتين ولم تتشهّد وذكرت قبل أن تركع فاقعد وتشهّد، وإن لم تذكر حتّى ركعت فامض في صلاتك، فإذا انصرفت سجدت سجدتي السهو لا ركوع فيهما، ثمّ تتشهّد التشهّد الذي فاتك»(1) .

وتنقيح المسألة يتمّ بمباحث:

أ : تقييد الحكم بنسيان السجدة والتشهّد هو مورد النصّ ومشهور الفتوى، كما قد عرفت، فلا تقضى أبعاضهما؛ لعدم الدليل إلّا الصلاة على النبيّ وآله على ما مرّ.

ولو كان المنسيّ إحدى الشهادتين احتمل قويّاً وجوب قضائها لا لكونها بعضاً من جملة تقضى بل لصدق اسم التشهّد عليها، فتدخل في النصّ، فهي أولى من دخول الصلاة على النبيّ وآله علیهم السلام ، وقد حكم الجماعة بوجوب قضائها.

وأمّا السجدة فتمام ماهيّتها وضع الجبهة على الأرض ونحوها، فلا تقضى واجباتها لو نُسيت منفردةً عنها قطعاً.

ب : تقييد الحكم ببعديّة الركوع لا يُدخل نسيان السجدة والتشهّد الأخيرين، وقد عرفت أنّ حكمهما كذلك على المختار.

ويدلّ عليه أيضاً رواية محمّد بن مسلم عن أحدهما علیهما السلام في الرجل يفرغ من صلاته وقد نسي التشهّد حتّى ينصرف، فقال: «إن كان قريباً رجع إلى مكانه فتشهّد، وإلا طلب مكاناً نظيفاً فتشهّد»(2).

ص: 548


1- الكافي، ج 3، ص 357، باب من تكلّم في صلاته.... 7 تهذيب الأحكام، ج 2، ص 344 - 345، ح 1430.
2- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 157 - 158 ، ح 617 .

وقال ابن إدريس في ناسي التشهّد الأخير:

إنه لو تخلّل الحدث بين الصلاة وبينه بطلت الصلاة؛ لأنّ قضيّة السلام الصحيح أن يكون بعد التشهّد فوقوعه قبله كلاسلام فيكون حدثه قد صادف الصلاة فتبطل(1).

ويضعف بأنّ التشهّد ليس بركن حتّى يكون نسيانه قادحاً في صحّة الصلاة، والتسليم قد وقع مقصوداً به الخروج من الصلاة فيكون كافياً، ويقضى التشهّد للنصّ. مع أنّ هذه الفتوى لا توافق مذهبه في استحباب التسليم، فلو علل بأنّ التشهّد آخر الصلاة فيكون هو المخرج فإذا لم يأت به وفَعَل المبطل للصلاة فقد وقع قبل كمالها أمكن.

اللهمّ إلّا أن يجعل الخروج موقوفاً عليه وإن لم يكن واجباً(2) .

وما ذكره في التشهّد آتٍ في نسيان بعضه خاصّة ونسيان الصلاة على النبيّ وآله بطريق أولى؛ لأنّه آخرها الحقيقي عنده(3) . وقد يتمشّى إلى غير التشهّد.

ج : معنى القضاء هنا الإتيان بالمنسيّ، سواء كان في وقته أم في خارجه من باب (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَوةُ )(4) ، لا القضاء المصطلح عليه، وهو فعل الشيء بعد وقته حتّى تجب له نيّة القضاء. فعلى هذا إن فَعَله في وقت الفريضة نوى الأداء. وإن فَعَله خارج وقتها نوى القضاء. ولو كانت الصلاة مقضيّةً تبعها فيه . ولو عبّر بالتدارك بعد الصلاة كان أوضح.

د: كون تدارك هذه الأجزاء بعد التسليم هو المشهور، وقد عبّر في الخبرين(5) السابقين بفعلهما بعد الانصراف

وذهب المفيد إلى قضاء السجدة المنسيّة من ركعة إلى أن يركع في الأخرى مع

ص: 549


1- السرائر، ج 1، ص 259.
2- قوله: «اللهمّ ... واجباً» لم يرد في «الأصل وم».
3- انظر السرائر، ج 1، ص 231 حيث ذهب إلى أنّ التسليم مسنون .
4- الجمعة (62): 10 .
5- أي خبرا عليّ بن أبي حمزة ومحمّد بن مسلم، المتقدّمان في ص 548.

سجدات تلك الركعة ومثله ذكر عليّ بن بابويه(1). ولم نقف لهما على سند.

قال في الذكرى: كأنّهما عوّلا على خبرٍ لم يصل إلينا (2) . والعمل على المشهور.

نعم، روى ابن أبي يعفور - في الصحيح - عن الصادق علیه السلام : «إذا نسي الرجل سجدة

فليسجدها بعد ما يقعد قبل أن يسلّم»(3).

وليس فيه دلالة على مذهبهما، بل ربما دلّ على استحباب التسليم. وحينئذٍ فيكون فعلها بعد الفراغ من الصلاة.

ه: وجوب قضاء التشهّد مع سجود السهو المشتمل على التشهّد بحيث لا يتداخل التشهّدان هو المشهور.

وذهب جماعة من القدماء(4) إلى إجزاء التشهّد الذي في سجدتي السهو عن قضاء التشهّد المنسيّ؛ لظاهر الخبر السالف(5) حيث لم يذكر فيه غير تشهّد واحد بعد السجود و نسبه إلى الفائت، وغيره من الأخبار الدالّة على نحو ذلك.

ويجاب بأنّ سجدتي السهو يجب فيهما التشهّد، كما سيأتي إن شاء الله، والتشهّد يجب قضاؤه، كما مرّ، والأصل عدم التداخل.

و : هل يجب الترتيب بين الأجزاء المنسيّة وسجود السهو لها أو لغيرها؟ الظاهر العدم لإطلاق الأوامر، وكونها واجباتٍ متعدّدةً بعد الفراغ من الصلاة، فالقريب إليها والبعيد سواء في الخروج. وأوجب في الذكرى(6) تقديم الأجزاء المقضيّة على سجود السهو، وتقديم سجود

ص: 550


1- حكاه عنهما العلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 373 - 374، المسألة 263.
2- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 427 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
3- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 156، ح 609: الاستبصار، ج 1، ص 360، ح 1366.
4- منهم : الشيخ الصدوق في الفقيه ، ج 1، ص 358 - 359، ذيل الحديث 1032؛ والمقنع، ص 108 ؛ ووالده عليّ بن بابويه والشيخ المفيد في الرسالة العزّيّة كما في مختلف الشيعة، ج 2، ص 405 المسألة 288.
5- أي خبر عليّ بن أبي حمزة، السالف في ص 548.
6- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 464 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7 ).

سهوها على السجود لغيرها وإن كان سبب الغير متقدّماً على الأجزاء، كالكلام في الركعة الأولى، ونسيان سجدة في الثانية.

أمّا الأوّل؛ فلكونها أجزاءً، فتقديمها أربط لها بالصلاة.

وأمّا الثاني؛ فلأنّ السجود مرتبط بتلك الأجزاء، فيتقدّم على غيرها.

وموافقته في الأوّل أحوط دون الثاني، بل لو قيل بوجوب تقديم الأسبق سببه فالأسبق كان أولى.

ورواية عليّ بن أبي حمزة - السالفة(1)- صريحة في تقديم سجدتي السهو على قضاء التشهّد؛ لذكره له بعده عاطفاً له ب« ثمّ» المقتضى للتعقيب بمهلة، وإذا ثبت جواز تقديم سجود(2) السهو على الجزء ثبت جواز تقديم بعض السجود على بعض بطريق أولى.

ويسجد للسهو (في جميع ذلك) المذكور من قوله: «ولو نسي الحمد» إلى آخره (على رأي) قويّ؛ لورود النصّ على بعضه، ودخول الباقي في عموم الروايات:

كقول الصادق علیه السلام في رواية سفيان بن السمط: «تسجد سجدتي السهو في كلّ زيادة تدخل عليك أو نقصان»(3) ، وقوله في صحيحة الحلبي: «إذا لم تدر أربعاً صلّيت أم خمساً أم نقصت أم زدت فتشهّد وسلّم واسجد سجدتي السهو»(4) ، ووجه الاستدلال بها على تحقّق الزيادة والنقيصة مع ورودها في الشكّ فيهما: دخول المدعى في المنصوص بمفهوم الموافقة. وغير ذلك من النصوص .

ويحتمل أن يريد المصنّف ب«جميع ذلك» من أوّل الباب، وهو الذي فهمه الشارح الشهيد (رحمه الله)(5) ، إلّا أنّ فيه خروج جملة من الباب عنه قطعاً لا يناسب إطلاق القول فيها كالسهو مع غلبة الظنّ والسهو في السهو، وسهو الإمام والمأموم، ومع

ص: 551


1- في ص 548 .
2- في الطبعة الحجريّة «سجدتي».
3- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 155 ، ح 608؛ الاستبصار، ج 1، ص 361، ح 1367.
4- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 196، ح 772؛ الاستبصار، ج 1، ص 380 ، ح 1441.
5- غاية المراد، ج 1، ص 140 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 1).

الكثرة، ولا ضرورة لنا إلى ذلك، فإنّ ما يتقدّم قوله: «ونسيان الحمد»(1) إلى آخره، من المسائل الموجبة للسجود عنده يدخل بعد ذلك في قوله: «أو زاد أو نقص غير المبطل سجد للسهو».

(ولو شكّ في شيء من الأفعال وهو في موضعه) الذي يصلح وقوعه فيه (أتى به) الأصالة عدم فعله، وبقاء محلّ استدراكه، كما لو شكّ في القراءة أو في أبعاضها، أو في الركوع وهو قائم، أو في السجود أو التشهّد وهو جالس.

ولا فرق في وجوب الرجوع إلى القراءة عند الشكّ فيها قائماً بين أن يشكّ في المجموع أو في بعض وإن كان مشتغلاً بما بعده؛ لأنّ القيام محلّ لجملة القراءة، فيعود إلى الحمد لو شكّ فيها وهو في السورة أو بعدها، ويقرأ بعدها السورة التي قرأها أو غيرها.

وحَكَم جماعة من علمائنا(2) هنا بعدم العود إلى الحمد لصدق الانتقال عنها، فيدخل عموم صحيح زرارة: «إذا خرجت من شيء ثمّ دخلت في غيره فشكّك ليس بشيء»(3).

وهو متّجه، لكن سيأتي - إن شاء الله - ما يدلّ على العود.

وأولى منه بعدم العود ما لو شكّ في القراءة وهو قانت، أو شكّ في السجود وهو متشهّد، أو في التشهّد وقد أخذ في القيام ولمّا يكمله.

لكن روى عبدالرحمن بن الحجّاج(4) ، عن الصادق علیه السلام في رجل نهض من سجوده فشكّ قبل أن يستوي قائماً فلم يدر أسجد أو لم يسجد، فقال: «يسجد»(5) فالعمل به متعيّن؛ لأنّه خاصّ.

ص: 552


1- في إرشاد الأذهان، ج 1، ص 269: ولو نسي الحمد.
2- منهم ابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 248 ، ونقله عن الشيخ المفيد في رسالته إلى ولده؛ وانظر المعتبر، ج 2، ص390.
3- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 352، ح 1459.
4- كذا في ذكرى الشيعة، ج 3، ص 437 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7)، وفي المصدر : عبدالرحمن بن أبي عبد الله.
5- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 153 ، ح 603: الاستبصار، ج 1، ص 361 - 362، ح 1371.

ويدخل فيه التشهّد بطريق أولى؛ لأنّه أقرب إلى القيام من السجود. وكذا يدخل فيه الشكّ في القراءة على تلك الوجوه وإن كان قانتاً بل وإن هوى إلى الركوع ما لم يتحقّق مسمّاه. وكذا الشكّ في الركوع ما لم يسجد؛ لأنّ عود مَنْ لم يستَوِ قائماً إلى السجود مع إتيانه في بعض أفراده بمعظم ركن القيام يفيد العود في المواضع الأخرى بطريق أولى، فتكون مجموعها داخلةً في مدلول الحديث، فيخصّص عموم صحيح زرارة(1).

وقد بالغ المصنّف (رحمه الله) وأغرب، فحَكَم في النهاية(2) بعود الشاكّ في السجود والتشهّد ما لم يركع كما يرجع الذاكر لعدم فعلهما.

ويدفعه ما تقدّم، وصحيحة إسماعيل بن جابر عن الصادق علیه السلام قال: «إن شكّ في الركوع بعد ما سجد فليمض، وإن شكّ في السجود بعد ما قام فليمض كلّ شيء [ شكّ فيه](3) ممّا جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه»(4) .

(فإن) رجع الشاكّ في الفعل في موضعه و (ذكر) بعد فعله (أنّه كان قد فَعَله، فإن كان ركناً بطلت صلاته) لأنّ زيادة الركن مبطلة مطلقاً، إلّا في المواضع المتقدّمة وليس هذا منها (وإلّا) يكن ركناً (فلا) تبطل بل يكون حكمه حكم مَنْ زاد سهواً .

ولا فرق في ذلك بين السجدة ،وغيرها خلافاً للمرتضى(5) حيث أبطل الصلاة بزيادتها هنا .

ويدفعه قول الصادق علیه السلام:« لا يعيد الصلاة من سجدة، ويعيدها من ركعة»(6).

وقد اختلف في مسألة من مسائل استدراك الركن من مسائل استدراك الركن لشكّه فيه في محلّه هل تبطل الصلاة عند ذكر فعله أم لا؟ أشار إليها المصنّف - تنبيهاً على الخلاف فيها وإن كانت

ص: 553


1- تقدّم آنفاً.
2- نهاية الإحكام، ج 1، ص 537 .
3- ما بين المعقوفين من المصدر.
4- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 153، ح 602: الاستبصار، ج 1، ص 358، ح 1359 وفيه عن الإمام الباقر علیه السلام .
5- جُمل العلم والعمل بشرح القاضي ابن البرّاج، ص 104 - 105؛ وانظر جُمل العلم والعمل، ص 71.
6- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 156، ح 611.

داخلةً فيما سبق - بقوله: (ولو شكّ في الركوع وهو قائم فركع ثمّ ذكر قبل رفعه) أنّه ركع قبل ذلك (بطلت) الصلاة (على رأي) قوّي؛ لتحقّق زيادة الركن لأنّ الركوع لغةً: الانحناء وشرعاً كذلك على الوجه المخصوص، والذكر والطمأنينة فيه والرفع منه أمور خارجة عن حقيقته لا يتوقّف تحقّقه عليها، فيدخل تحت الأحاديث الدالّة على بطلان الصلاة بزيادة الركوع .

وذهب جماعة من الأصحاب - منهم الشيخ والمرتضى والشهيد في الذكرى(1) - إلى عدم البطلان؛ لأنّ ذلك وإن كان بصورة الركوع ومنويّاً به الركوع إلّا أنّه في الحقيقة ليس بركوع؛ لتبيّن خلافه، والهويّ إلى السجود مشتمل عليه وهو واجب، فيتأدّى الهوي إلى السجود به فلا تتحقّق الزيادة، بخلاف ما لو ذكر بعد رفع رأسه من الركوع؛ فإنّ الزيادة حينئذٍ محقّقة(2) ، لافتقاره إلى الهويّ إلى السجود.

وقد تقدّم البحث في أنّ نيّة الصلاة ابتداءً تقتضي كون كل فعل في محلّه، ومن جملة ذلك كون هذا الهويّ للسجود، وهي مستدامة، فتكون في حكم المبتدأ، فترجّح على النيّة الطارئة لسبقها، ولكون النيّة الثانية وقعت سهواً، وقد عرفت إجزاء المندوب عن الواجب لو نواه سهواً، كما في ناوي الفرض ثمّ عزبت نيّته إلى النفل سهواً، وكما في نيّة الاستراحة بالجلوس بين السجدتين لناسي ،السجدة وإجزاء الواجب عن الواجب فيما لو نوى بالجلوس المذكور كونه للتشهّد وقد تحقّق ذلك كلّه، فيكون هذا من ذلك.

وفيه نظر؛ لأنّ فعل الركوع بقصده يقتضي كونه ركوعاً بل فعله بغير قصد بعينه له؛ لأنّ أفعال الصلاة لا تجب لكلّ واحد منها نيّة بخصوصه، بل النيّة الأُولى كافية.

نعم يشترط عدم الصارف عن ذلك الفعل المعيّن.

ثمّ إنّا لا ندّعي أنّ الركوع هو الهويّ على الوجه المخصوص حتّى يوجب صرفه إلى

ص: 554


1- النهاية، ص 92 المبسوط، ج 1، ص 179؛ جُمل العلم والعمل، ص 71؛ ذكرى الشيعة، ج 3، ص 428 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل ، ج 7).
2- في الطبعة الحجريّة متحقّقة.

السجود بزوال حقيقة الركوع، بل نقول: إنّ الركوع هو الانحناء على الوجه المخصوص وهو أمر آخر وراء الهويّ، والمبطل هو تلك الهيئة لا الهويّ بنيّة الركوع، وهي لا تزول بصرف الهويّ إلى السجود.

ومن هنا يظهر الفرق بين هذا الفعل وما عُورض به من الأفعال الواجبة والمندوبة التي يؤدّى بها واجب آخر؛ إذ ليس في تلك الأفعال مغايرة بحسب الصورة لذلك الواجب، بل هي أفعال مثله وإنّما اختلفت بالنيّة، بخلاف هذا الركوع فإنّه مغاير للهويّ وزائد عليه على وجه تتحقّق معه الركنيّة، فلا يتأدّى به فعل أضعف منه لا ركنيّة فيه بحيث يخرجه عن نظائره من الأركان المبطلة للصلاة بزيادتها. ولأنّ ذلك القدر من الركوع لو لم يكن مبطلاً للصلاة لم تبطل بالرفع منه؛ لأنّ الرفع منه ليس بركن قطعاً ولا جزء من الركن فإذا وقع سهواً لم تبطل الصلاة؛ لأنّ الهوي والانحناء قد صرف إلى هوي السجود، والذكر والرفع لا مدخل لهما في الركنيّة، مع أن المخالف هنا لا يدّعي ذلك، بل يعترف بأنّ الركوع هو الانحناء المخصوص؛ لأنّه كذلك لغةً، والأصل عدم النقل، وإنّما يدّعي صرفه إلى السجود.

وقد تحقّق من ذلك أنّ القول بالبطلان هو الحقّ، وأنّ القدر المبطل هو الانحناء على وجه تتحقّق معه صورة الركوع وإن لم يسبّح، ومن ثُمَّ حكموا بأنّه لو نسي الذكر في الركوع أو الطمأنينة أو الرفع منه لم تبطل الصلاة، بل قيل: لا يوجب شيئاً(1)، بخلاف نسيان الركوع .

وهذا لا ينافي ما أسلفناه سابقاً من إجزاء واجب منويّ سهواً عن واجب آخر اقتضته نيّة الصلاة؛ لأنّ الهويّ وإن صرفناه إلى السجود فالمبطل هو تكيف المصلّي بكيفيّة الراكع بعد الهويّ، وإنّما تخلّف عن ذلك حكمهم السابق بوجوب القيام إلى الركوع لناسيه ثمّ الإتيان به فإنّه ليس هناك أمر سوى الهويّ، فعدم صرفه إلى هويّ الركوع مع كونهما واجبين متناسبين غير وجيه.

ص: 555


1- القائل هو الشهيد في الرسالة الألفيّة، ص 156 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 18).

هذا كلّه إن شكٍّ في شيء من الأفعال في موضعه (و) أمّا (إن شكّ) في شيء منها (بعد انتقاله) عن موضعه (فلا التفات) كما لو شكّ في القراءة بعد الركوع، أو فيه بعد السجود، أو فيه أو في التشهّد بعد الركوع أو بعد القيام؛ لاستلزام وجوب العود الحرج؛ إذ الغالب عدم تذكّر الإنسان كثيراً من أحواله الماضية.

ولصحيحة زرارة قال: قلت لأبي عبد الله علیه السلام: رجل شكّ في الأذان وقد دخل في الإقامة، قال: «يمضي» قلت: رجل شكّ في الأذان والإقامة وقد كبّر، قال: «يمضي» قلت: شكّ في التكبير وقد قرأ، قال: «يمضي» قلت شكّ في القراءة وقد ركع، قال:«یمضي» قلت: شكّ في الركوع وقد سجد، قال: «يمضي على صلاته» ثمّ قال: «يا زرارة إذا خرجت من شيء ثمّ دخلت في غيره فشكّك ليس بشيء»(1).

واعلم أنّ في تحقيق محلّ رجوع الشاكّ وعدمه التباساً على وجه لا يكاد ينضبط، فإنّ مقتضى الحديث أنّه متى دخل في فعل لا يعود إلى ما قبله عند الشكّ فيه، وهذا يتمّ في الشكّ في النيّة عند الشروع في التكبير إن لم نوجب استحضارها إلى آخره، وفي التكبير إذا شرع في القراءة.

لكنّه يقتضي أنّه متى شكّ في القراءة وقد أخذ في الركوع وإن لم يصل إلى حدّه لا يلتفت بل لو شكّ فيها وهو قانت لم يعد؛ لأنّ القنوت فعل مغاير للقراءة.

وكذا القول فيما لو شكّ في السجود وقد دخل في التشهّد، أو في التشهّد وقد أخذ في القيام.

وهذا القول قد تقدّم أنّه لا يتمّ؛ لمعارضة رواية عبد الرحمن بن الحجاج عن الصادق علیه السلام(2) لبعض موارده .

وإن أُريد بالموضع المحلّ الذي يصحّ إيقاع ذلك الفعل فيه - كما هو الظاهر منه -

ص: 556


1- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 352، ح 1459.
2- تقدّمت الإشارة إلى مصدرها في ص 552 ، الهامش 5 وقد سبق أن قلنا : في المصدر : عبدالرحمن بن أبي عبدالله.

أشكل في كثير من هذه الموارد أيضاً؛ فإنّ التكبير حالته التي يقع فيها القيام فما لم يهو إلى الركوع هو قائم، والقراءة حالتها القيام أيضاً، فالأخذ في الهويّ يسيراً يفوّت حالته في المجوّزة للقراءة فيلزم عدم العود إليها . وكذا القول في التشهّد بالنسبة إلى الأخذ في القيام.

ويمكن تقرير النصّين بوجه ثالث، وهو أن يقال: إنّ محلّ كلّ فعل يزول بالدخول في فعلٍ آخر حقيقي ذاتي، وهو الفعل المعهود شرعاً، المعدود عند الفقهاء فعلاً لها، كالتكبير والقيام والقراءة والركوع والسجود والتشهّد، وأمّا ما هو مقدّمة لها كالهويّ إلى الركوع وإلى السجود والنهوض إلى القيام فليس من الأفعال المعهودة شرعاً، وإنّما هو من مقدّمات الواجب، فلا يعدّ الدخول فيها دخولاً في فعل من أفعال الصلاة، ولهذا لا يعدّها الفقهاء أفعالاً عند عدّ الأفعال، فلا ينافي ذلك خبر زرارة «إذا خرجت من شيء ثمّ دخلت في غيره ، ولعلّ هذا هو السرّ في قوله علیه السلام: «ثمّ دخلت في غيره»(1) بعد قوله: «خرجت من شيء» إذ لو لم تكن هنا واسطة، كان الخروج من الشيء موجباً للدخول في الآخر، فلا يحسن الجمع بينهما عاطفاً ب « ثمّ» الموجبة للتعقيب المتراخي.

وحينئذٍ نقول : إذا شكّ في النيّة وقد كبّر أو في أثناء التكبير لم يلتفت ؛ لما قرّرناه في باب النيّة من عدم وجوب استحضارها فعلاً إلى آخره، وهو فعل حقيقي. وكذا لو شكّ في التكبير وقد شرع في القراءة، أمّا لو شكّ في القراءة وقد أخذ في الركوع ولم يصلّ إلى حدّه رجع؛ لعدم الوصول إلى فعل من أفعال الصلاة، وإنّما هو مشتغل بمقدّمة الواجب الذي لا يتمّ إلّا بها وكذا لو شكّ في الركوع قبل وضع الجبهة على الأرض وما في حكمها، أو في التشهّد في أثناء النهوض أو في السجود كذلك حيث لا تشهّد بعده ؛ لأنّ الواجب الذاتي هو القيام الذي لا يتحقّق إلا بكمال الانتصاب والنهوض إليه مقدّمة له.

والموجب للمصير إلى هذا التوجيه الجمع بين صحيحة زرارة(2) ، المقتضية لعدم العود

ص: 557


1- تقدّمت الإشارة إلى مصدرها في ص 556 الهامش 1.
2- تقدّمت الإشارة إلى مصدرها في ص 556 الهامش 1.

متى خرج من فعل ودخل في غيره، ومثله صحيحة إسماعيل بن جابر(1) وخبر عبدالرحمن بن الحجّاج(2) ، المقتضي للعود إلى السجود للشاكّ فيه متى لم يستو قائماً، فإنّ النهوض ليس استواءً في القيام.

لكن بقي هنا مواضع آخر يقع فيها الاشتباه :

أحدها: الشكّ في السجود وهو متشهّد، فإنّ مقتضى الجمع والتقرير عدم الالتفات؛ لأنّ التشهّد فعل ،محض وخبر عبدالرحمن مطلق في العود إلى السجود قبل تمام القيام فيشمل ما كان بعده تشهّد وما لم يكن.

وأيضاً فبعض الأصحاب - مثل الشهيد (رحمه الله)(3) - ساوى بين الأمرين في وجوب العود؛ محتجّاً بخبر عبدالرحمن .

ويمكن إخراج هذا الفرد من خبره وتقييده بما لو لم يكن بعد السجود تشهّد بقرينة قوله فيه: رجل نهض من سجوده فشكّ قبل أن يستوي قائماً فلم يدر أسجد أو لم يسجد، فإنّ عطف الشكّ على النهوض بالفاء المقتضية للتعقيب بغير مهلة يدلّ على عدم تخلّل التشهّد بخلاف صحيحة زرارة وإسماعيل بن جابر؛ فإنّهما دلّتا صريحاً على التعميم خصوصاً قوله علیه السلام في صحيحة إسماعيل: «كلّ شيء [شكّ فيه](4) ممّا جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه» وهذا بيان واضح.

الثاني: الشكّ في القراءة القراءة وهو قانت فإنّ مقتضى الصحيحتين عدم وجوب العود ومفهوم قوله في خبر زرارة - قلت: شكّ في القراءة وقد ركع، قال: «يمضي» (5) - أنّه لو لم يكن ركع يعود، فيدخل فيه ما لو كان قانتاً وخبر عبد الرحمن يقتضيه أيضاً؛ فإنّ

ص: 558


1- تقدّمت الإشارة إلى مصدرها في ص 553 الهامش 4.
2- تقدّمت الإشارة إلى مصدره في ص 552 ، الهامش 5 وقد سبق أن قلنا : في المصدر : عبدالرحمن بن أبي عبدالله.
3- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 437 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
4- ما بين المعقوفين من المصدر، وقد تقدّمت الصحيحة في ص 553.
5- تقدّمت الإشارة إلى مصدره في ص 556 الهامش 1.

العود إلى الفعل مع الشروع في واجب وإن لم يكن مقصوداً بالذات قد يقتضي العود مع الشروع في المندوب بطريق أولى.

ويمكن أن يقال هنا: إن القنوت ليس من أفعال الصلاة المعهودة، فلا يدخل في الخبرين.

ولا يكاد يوجد في هذا المحلّ احتمال أو إشكال إلّا وبمضمونه قائل من الأصحاب.

الثالث: الشكّ فى الحمد وهو في السورة والذي يقتضيه المبحث و. وجوب العود إليها؛ لأنّ القراءة فعل واحد، فلابدّ في الحكم بعدم العود إليها من الانتقال إلى غيرها على الوجه المتقدّم.

وذهب بعض الأصحاب(1) إلى عدم وجوب العود بناءً على أنّهما واجبان وشيئان مستقلّان فيدخلان في العموم المتقدّم في الخبر.

وما أبعد ما بين هذا القول وبين ما ذهب إليه المصنّف من وجوب العود إلى السجود عند الشكّ فيه بعد القراءة ما لم يركع(2).

الرابع: الشكّ في ذكر الركوع أو السجود أو الطمأنينة فيهما أو السجود على بعض الأعضاء غير الجبهة بعد رفع الرأس منهما. وقد وقع الاتّفاق هنا على عدم العود إلى هذه الأشياء مع أنّه لم يدخل في فعل آخر على الوصف الذي ذُكر.

ويمكن التخلّص منه بوجهين.

أحدهما: منع كون الرفع منهما ليس بفعل مستقلّ، بل هما فعلان ذاتيّان قد عدّهما

الفقهاء واجبين برأسهما، فيذكرون في واجبات الركوع رَفْعَ الرأس منه، فلو هوى من غير رفع بطل . ورَفْعَ الرأس من السجدة الأولى والجلوس بينهما(3) مطمئنّاً، فلو تركه بطل، حتّى قال الشهيد في الرسالة الألفيّة بعد ذلك: ولا يجب الرفع من السجدة الثانية(4)

ص: 559


1- ابن إدريس في السرائر ، ج 1، ص 248.
2- نهاية الإحكام، ج 1، ص 539 .
3- في الطبعة الحجريّة «فيها».
4- الرسالة الألفيّة، ص 150 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 18) وفيه: «ولا تجب في رفع السجدة الثانية».

على ما يوجد في بعض النسخ - وهو نصّ في الباب أنّ الرفع من السجدة الثانية إلى التشهّد أو إلى القراءة لا يجب لذاته، بل مقدّمة لواجب آخر، وكذا الهويّ إلى السجود بعد القيام من الركوع .

والثاني: أنّ هذه الأشياء تستلزم زيادة الركن إن كانت في الركوع؛ إذ لا سبيل إلى فعلها إلّا به، وزيادة سجدة إن كانت في السجود، وقد قيل في السجدة: إنّها ركن(1) ، ومِن ثُمَّ لو تحقّق بعد الرفع ترك هذه الأشياء لم يعدّ إليها، فإذا فات محلّها مع النسيان فمع الشكّ أولى. وفي عدم العود إلى استدراكها في السجدة الواحدة مع النسيان تنبيه واضح على ركنيّة السجدة، وقد تقدّم فيه جملة من الكلام في بابه وإلّا فلو كانت فعلاً لم يمنع، كما لا تمنع القراءة والقيام والتشهّد من العود إلى السجدة، وهي واجبات متعدّدة يجوز رفضها لأجلها، ولا ينافي ذلك عدم البطلان بزيادة السجدة؛ لخروجه بالنصّ، وقد اغتفر زيادة الركن في مواضع فليكن هذا منها.

فرع لو عاد إلى فعل ما شكّ بعد الانتقال عن محلّه على الوجه المقرّر بطلت الصلاة مع العمد مطلقاً؛ للإخلال بالنظم. ولأنّه ليس من الأفعال.

ويحتمل ضعيفاً الصحّة بناءً على أنّ عدم العود رخصة، فيجوز تركها.

(ولو) حصَّل المصلّي الركعتين الأُولييّن من الرباعيّة وشكّ فى الزائد فإن (شكّ هل صلّى في الرباعيّة اثنتين أو ثلاثاً، أو هل صلّى ثلاثاً أو أربعاً، بنى على الأكثر) على المشهور (وصلّى ركعة من قيام أو ركعتين من جلوس).

والمستند - مع اتّفاق أكثر الأصحاب عليه - قول الصادق علیه السلام : «إذا لم تدر ثلاثاً صلّيت أو أربعاً ووقع رأيك على الثلاث فابن على الثلاث، وإن وقع رأيك على الأربع فسلّم وانصرف وإن اعتدل وهمك فانصرف وصلّ ركعتين وأنت جالس»(2).

ص: 560


1- الظاهر أنّ القائل هو ابن أبي عقيل، انظر مختلف الشيعة، ج 2، ص 372، المسألة 262.
2- الكافي، ج 3، ص 353، باب السهو في الثلاث والأربع، ح 7 تهذيب الأحكام، ج 2، ص 184، ح 733.

وروى جميل عنه علیه السلام: «هو بالخيار إن شاء صلّى ركعة قائماً أو ركعتين جالساً»(1).

وليس في مسألة الشكّ الاثنتين والثلاث الآن نصّ خاصّ، ولكن الأصحاب بین أجروه مجرى الشكّ بين الثلاث والأربع. وذكر ابن أبي عقيل أنّ الأخبار به متواترة(2). فكأنّها في كتب لم تصل إلى المتأخّرين.

نعم، يدخل في إطلاق رواية عمار عن الصادق علیه السلام : «إذا سهوت فابن على الأكثر، فإذا فرغت وسلّمت فقُمْ فصلّ ما ظننت أنّك نقصت فإن كنت أتممت لم يكن عليك شيء، وإن ذكرت أنّك كنت نقصت كان ما صلّيت تمام ما نقصت»(3).

واعلم أنّ الشكّ المتعلّق بالثانية وما بعدها في هذه الصورة وغيرها إنّما تصحّ معه الصلاة إذا وقع بعد إكمال الثانية؛ لصحيحة الفضل: «إذا لم تحفظ الركعتين الأوليين فأعد صلاتك»(4). ويتحقّق إكمالها بتمام السجدة الثانية وإن لم يرفع رأسه منها على الظاهر؛ لأنّ الرفع ليس جزءاً من السجود، وإنّما هو واجب آخر.

هذا كلّه إذا لم يرجّح في نفسه أحد الطرفين وإلّا بنى عليه من غير احتياط، كما تقدّم في الرواية.

(ولو شكّ بين الاثنتين والأربع) بني على الأربع، وأكمل ما بقى و (سلّم وصلّى ركعتين من قيام) الصحيحة محمّد بن مسلم عن الصادق علیه السلام فيمن لا يدري أركعتان صلاته أو أربع، قال: «يسلّم ويصلّي ركعتين بفاتحة الكتاب ويتشهّد وينصرف»(5) وفي معناها أخبار أخرى، وفي بعضها: «فإن كان صلّى أربعاً فهي نافلة، وإن كان صلّى

ص: 561


1- الكافي، ج 3، ص 353 - 354، باب السهو في الثلاث والأربع، ح 9؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 184 - 185، ح 734.
2- حكاه عنه الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 3، ص 451 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
3- تهذيب الأحكام، ج 2 ص 349، ح 1448.
4- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 177 ، ح 707؛ الاستبصار، ج 1، ص 364، ح 1384.
5- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 185، ح 737؛ الاستبصار، ج 1، ص 372، ح 1414.

ركعتين كانت(1) تمام الأربع»(2) .

وذهب الصدوق إلى بطلان الصلاة هنا(3) ، وهو في مقطوعة محمّد بن مسلم، قال: سألته عن الرجل لا يدري أصلّى ركعتين أو أربعاً، قال: «يعيد الصلاة»(4) .

ويمكن حملها على مَنْ شكّ قبل إكمال السجود أو على الشكّ في غير الرباعيّة.

(ولو شكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع سلّم وصلّى ركعتين من قيام وركعتين من جلوس على المشهور؛ المرسلة ابن أبي عمير عن الصادق علیه السلام في رجل صلّى فلم يدر أثنتين صلّى أم ثلاثاً أم أربعاً، قال: «يقوم فيصلّي ركعتين من قيام ويسلّم ثمّ يصلّي ركعتين من جلوس ويسلّم، فإن كانت أربع ركعات كانت الركعات نافلة، وإلّا تمّت الأربع»(5). ومرسل ابن أبي عمير في قوّة المسند عند الأصحاب.

وظاهر الرواية وجوب الترتيب بين الركعات فيقدّم الركعتين قائماً؛ لعطف ركعتي الجلوس ب«ثمّ» المفيدة للتعقيب.

وأكثر الأصحاب(6) على التخيير.

وربما قيل بوجوب تقديم الركعتين من جلوس(7) .

ولا ريب أنّ العمل بمضمون الرواية أحوط.

ص: 562


1- في الطبعة الحجريّة: «فهي» بدل «كانت».
2- الكافي، ج 3، ص 352 باب السهو في الثلاث والأربع، ح 4 تهذيب الأحكام، ج 2، ص 186، ح 739: الاستبصار، ج 1، ص 372 - 373، ح 1415.
3- المقنع، ص 102.
4- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 186 ، ح 741؛ الاستبصار، ج 1، ص 373 ، ح 1417.
5- الكافي، ج 3، ص 353 ، باب السهو في الثلاث والأربع، ح 6: تهذيب الأحكام، ج 2، ص 187، ح 742 : ووردت الرواية في «الأصل و م» هكذا في رجل لم يدر اثنتين صلّى أم ثلاثاً أم أربعاً، قال: «يقوم فيصلّي ركعتين ويسلّم ثمّ يصلّي ركعتين من جلوس ويسلّم، فإن كانت الركعات الركعتان - الكافي وتهذيب الأحكام) نافلة ...». وكذا في ذكرى الشيعة، ج 3، ص 450 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
6- كما في ذكرى الشيعة، ج 3، ص 451 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
7- الظاهر أنّ القائل هو الشيخ المفيد في الرسالة العزّيّة، كما في مختلف الشيعة، ج 2، ص 386، ذيل المسألة 273، البحث الأول.

وهل يجوز أن يصلّي بدل الركعتين من جلوس ركعة قائماً؟ ظاهر الأكثر عدمه.

وأجازه المصنّف(1) ، وربما قيل بتحتّمه(2).

وقول المصنّف هنا أعدل؛ لأنّ الركعة من قيام أقرب إلى حقيقة المحتمل فواته فيكون مدلولاً عليه بمفهوم الموافقة.

وأوجب جماعة من المتقدّمين(3) في هذا الشكّ صلاة ركعة من قيام وركعتين من جلوس.

قال في الذكرى :

وهو قويّ من حيث الاعتبار ؛ لأنّهما تنضمان حيث تكون الصلاة اثنتين ويجتزأ بإحداهما حيث تكون ثلاثاً، إلّا أنّ النقل والاشتهار يدفعه(4) .

وإنّما خصّ المصنّف وأكثر الجماعة من مسائل الشكّ هذه الأربع؛ لأنّها مورد النصّ على ما مرّ. ولعموم البلوى بها للمكلّفين، فمعرفة حكمها واجب عيناً، كباقي واجبات الصلاة. ومثلها الشكّ بين الأربع والخمس، وحكم الشكّ في الركعتين الأوليين والثنائيّة والثلاثيّة، بخلاف باقي مسائل الشكّ المتشعّبة فإنّها تقع نادراً، ولا تكاد تنضبط لكثير من الفقهاء.

وهل العلم بحكم ما تجب معرفته منها شرط في صحّة الصلاة، فتقع بدون معرفتها باطلة وإن لم تعرض في تلك الصلاة؟ يحتمله؛ تسويةً بينها وبين باقي الواجبات والشرائط التي لا تصحّ الصلاة بدون معرفتها وإن أتى بها على ذلك الوجه. وعدمه؛ لأنّ الإتيان بالفعل على الوجه المأمور به يقتضي الإجزاء ولأنّ أكثر الصحابة لم يكونوا في

ص: 563


1- تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 346، المسألة 356.
2- انظر المراسم، ص 89؛ وحكاه عن الشيخ المفيد في الرسالة العزّيّة العلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 386 ذيل المسألة ،273، البحث الأول.
3- منهم: ابنا بابويه وابن الجنيد كما في مختلف الشيعة، ج 2، ص 384 المسألة 272؛ وانظر الفقيه، ج 1، ص 351. ح 1025 .
4- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 450 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).

ابتداء الإسلام عارفين بأحكام السهو والشكّ مع مواظبتهم على الصلاة والسؤال عند عروضه. ولأصالة عدم عروض الشكّ وإن كان عروضه أكثريّاً.

وفي هذه الأوجه نظر واضح، وللتوقّف مجال.

(ولا يعيد) الصلاة (لو ذكر ما فعل) سواء كان بعد تمام الاحتياط أم في أثنائه (وإن كان) الذكر (في الوقت) لأنّه امتثل المأمور به على وجهه، وهو يقتضي الإجزاء. فإن كان قد ذكر تمام الصلاة كان المأتيّ به احتياطاً نافلةً كما ورد به النقل(1) . وإن ذكر النقصان كان مكمّلاً للصلاة.

والحكم في غير الصورة الأخيرة واضح؛ لأنّ المأتىّ به إما مطابق لما يحتمل نقصه أو قائم مقامه .

وأمّا في الأخيرة: فإن طابق المأتىّ به أوّلاً للناقص، كما لو تبيّن أنّها اثنتان وقد بدأ بالركعتين من قيام صحّ أيضاً، واغتفرت الأفعال الزائدة وكذا لو ذكر أنّها ثلاث وقد بدأ بالركعتين من جلوس أو بركعة من قيام بدلهما.

ولو لم يكن المبدوء به مطابقاً، كما لو بدأ بالركعتين قائماً ثمّ ذكر أنّها كانت ثلاثاً، أوبدأ بالركعة قائماً ثم ذكر أنها كانت اثنتين أشكل الحكم بالصحّة؛ لاختلال نظم الصلاة.

ووجه الصحّة: امتثال الأمر المقتضي للإجزاء. ولأنّه لو اعتبر المطابقة لم يسلم احتياط يذكر فاعله الحاجة إليه ؛ لحصول التكبير الزائد المنويّ به الافتتاح.

هذا إذا كان الذكر بعد الفراغ، ولو كان قبله، فإن كان قبل الشروع أتمّ ما لم يكن قد فَعَل المنافي عمداً وسهواً. ولو كان في أثناء الاحتياط وكان مطابقاً أجزأ، كما لو تذكّر في أثناء الركعتين قائماً أنّها اثنتان مع احتمال البطلان مطلقاً؛ لزيادة الركن.

وكذا يصحّ لو لم يكن مطابقاً ولما يتجاوز القدر المطابق، كما لو تذكّر قبل الركوع

ص: 564


1- الكافي، ج 3، ص 352، باب السهو في الثلاث والأربع، ح 4 تهذيب الأحكام، ج 2، ص 186 ، ح 739؛ الاستبصار، ج 1، ص 372، ح 1415.

في الثانية من الركعتين قائماً أنّها ثلاث أو تجاوز وكان قد قعد عقيب الأُولى بقدر التشهّد ولو لم يكن جلس احتمل الصحّة؛ للامتثال والبطلان للزيادة. وعلى الصحّة يترك ما بقي من أجزاء الركعة حيث ذكر.

ولو تذكر في أثناء الركعتين جالساً أنّها ثلاث، فإن كان قبل ركوع الأُولى لم يعتدّ بما فَعَله، وقام فقرأ ثمّ أكمل الصلاة ولو كان بعده ففي الصحّة الوجهان.

وأشكل من ذلك ما لو تذكّر بعد الركعتين جالساً أن الصلاة اثنتان؛ لزيادة اختلال النظم.

وليس الاحتياط في هذه المواضع الحكم بالبطلان للنهي عن قطع العمل حيث يكون مشروعاً؛ بل الإكمال والإعادة.

(ولو ذكر ترك ركن من إحدى الصلاتين أعادهما معاً مع الاختلاف) عدداً، كالصبح والظهر؛ لعدم تيقّن البراءة بدونه (وإلّا) تكونا مختلفتين عدداً (فالعدد) كافٍ، كالظهرين، فيصلّي أربعاً ينوي بها ما في ذمّته.

(وتتعيّن الفاتحة في الاحتياط) لأنّها صلاة منفردة، ومن ثَمَّ وجب فيها النيّة وتكبيرة الافتتاح ولا صلاة إلّا بها. وللأمر بها فيها في كثير من الأحاديث الصحيحة(1) . والمطلق منها يُحمل على المقيد.

وقيل(2) : يتخيّر بينها وبين التسبيح؛ لأنّها إنّما شُرّعت لتكون بدلاً عن الأخيرتين على تقدير النقصان فيتخيّر فيها كما يتخيّر فيهما.

والبدليّة مطلقاً ممنوعة، بل من وجه دون وجه ومن ثَمَّ وجبت النيّة والتكبير.

ويتخيّر بين القيام والجلوس. ويعتبر فيها العدد والكيفيّة.

(ولا تبطل الصلاة بفعل المبطل) عمداً وسهواً (قبله) لأنّه صلاة منفردة وإن كانت

ص: 565


1- منها ما في الكافي، ج 3، ص 352، باب السهو في الثلاث والأربع، ح 4؛ وتهذيب الأحكام، ج 2، ص 185،ح 737، وص ، 186 ، ح 739؛ والاستبصار، ج 1، ص 372 ، ح 1414 و 1415.
2- القائل هو الشيخ المفيد في المقنعة، ص 146: وابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 254.

جبراً لما عساه نقص من الفريضة؛ إذ ليست جزءاً حقيقةً، وإلّا لما احتيج إلى استئناف النيّة. والبدليّة لا تقتضي المساواة من كلّ وجه. ولأصالة براءة الذمّة من التكليف بذلك.

وبالغ المصنّف في المختلف(1) والشهيد في الذكرى(2) في إنكار ذلك بناءً على أنّ شرعيّته ليكون استدراكاً للفائت من الصلاة فهو على تقدير وجوبه جزء من الصلاة، فيكون الحدث واقعاً في الصلاة فيبطلها حتّى ورد وجوب سجدتي السهو للكلام قبله(3).

ولصحيحة أبي بصير عن الصادق علیه السلام : «إذا لم تدر أربعاً صلّيت أو ركعتين فقم واركع

ركعتين»(4) والفاء للتعقيب وإيجاب التعقيب ينافي تسويغ الحدث.

وقد عرفت جواب البدليّة. والحديث إنّما دلّ على وجوب الفوريّة، ولا نزاع فيها بل هي واجبة إجماعاً، كما ادّعاه في الذكرى(5) ، وإنّما النزاع في أنّه لمخالفتها هل يأثم خاصّة أو تبطل الصلاة مع فعل المنافي؟ وهذا أمر آخر.

فإن قيل: الأمر بالفوريّة يقتضي النهي عن ضدّه، فتبطل المتأخّرة للنهي عنها.

قلنا: النهي ليس عن نفس الصلاة، بل عن التأخير، فلا يدلّ على فسادها، كما لا يدلّ النهي عن تأخير الصلاة عن وقتها على فساد القضاء، ووجوب الفوريّة بالزلزلة عند الشهيد(6) ومَنْ تبعه على فسادها مع التأخير، بل الإثم حسب.

وأيضاً النزاع إنّما هو في تخلّل المنافي بينه وبين الصلاة، وما ذكروه يدلّ على بطلان الصلاة مع الإخلال بالفوريّة مطلقاً، وهُمْ لا يقولون به، فعلم من ذلك أنّ الخبر إنّما دلّ على وجوب المبادرة بالاحتياط، ونحن نقول به.

ص: 566


1- مختلف الشيعة، ج 2، ص 412، المسألة 293.
2- ذكرى الشيعة، ج 3، ص 455 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
3- الكافي، ج 3، ص 352، باب السهو في الثلاث والأربع. ح 4 تهذيب الأحكام، ج 2، ص 186، ح 739: الاستبصار، ج 1، ص 372 - 373 ، ح 1415 .
4- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 185، ح 738 .
5- انظر ذكرى الشيعة، ج 3، ص 454 - 455 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
6- انظر ذكرى الشيعة، ج 4، ص 106 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).

وقد تعجّب المصنّف في المختلف(1) من ابن إدريس حيث جوّز التسبيح في الاحتياط ولم يبطل الصلاة بالحدث المتخلّل؛ فإنّهما حكمان متضادّان؛ لأنّ جواز التسبيح يقتضي كونه جزءاً، وعدم البطلان يقتضى كونه صلاةً منفردة.

وأُجيب(2) بأنّ التسليم جَعَل للاحتياط حكماً مغايراً للجزء باعتبار الانفصال عن الصلاة، فلا ينافي تبعيّته في باقي الأحكام.

والتحقيق أنّ الاحتياط صلاة مستقلّة رُوعي فيها البدليّة عمّا يحتمل نقصه من الصلاة، والأصل في الصلاة المستقلّة عدم ارتباطها بالسابقة إلّا فيما دلّ عليه الدليل.

(ويبني على الأقلّ في النافلة) لو شكّ في عددها (ويجوز) البناء على (الأكثر) والأوّل أفضل.

وحكمها في السهو عن الأفعال والأركان والشكّ فيها في محلّه وبعد تجاوزه حكم الفريضة.

والظاهر أنّه لا سجود للسهو فيها لو فَعَل ما يوجبه لو كان في الفريضة.

(ولو تكلّم ناسياً أو شكّ بين الأربع والخمس) بعد السجود (أو قعد في حال قيام أو قام في حال قعود و تلافاه على رأي أو زاد أو نقص غير المبطل ناسياً على رأي سجد للسهو) في جميع ذلك.

أمّا وجوبه للكلام ناسياً؛ فلصحيحة عبدالرحمن بن الحجّاج عن الصادق علیه السلام(3).

وأمّا الشكّ بين الأربع والخمس فلصحيحة الحلبي عنه علیه السلام : «إذا لم تدر أربعاً صلّيت أو خمساً أم نقصت أم زدت فتشهّد وسلّم واسجد سجدتي السهو تتشهّد فيهما تشهداً خفيفاً »(4).

ص: 567


1- مختلف الشيعة، ج 2، ص 413، ذيل المسألة 293: وانظر السرائر، ج 1، ص 254 و 256.
2- المجيب هو الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 3، ص 455 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7).
3- الكافي، ج 3، ص 356، باب من تكلّم في صلاته .... 4؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 191، ح 755؛ الاستبصار، ج 1، ص 378 . ح 1433 .
4- الفقيه، ج 1 ، ص 350 ، ح 1020: تهذيب الأحكام، ج 2، ص 196، ح 772؛ الاستبصار، ج 1، ص 380، ح 1441.

وروى عبدالله بن سنان عن عليّ علیه السلام(1): «إذا كنت لا تدري أربعاً صلّيت أم خمساً فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك ثمّ تسلّم بعدهما»(2) .

وأما القعود في حال قيام وبالعكس فلرواية عمّار عن أبي عبدالله علیه السلام(3). والصحيحة الحلبي السابقة(4) ، وروى سفيان بن السمط عنه علیه السلام: «تسجد سجدتي السهو في كلّ زيادة تدخل عليك أو نقصان»(5)، فالأجود حينئذٍ وجوبهما لكلّ زيادة أو نقيصة غير مبطلتين، وكذا للشكّ في الزيادة أو النقيصة، كما دلّت عليه صحيحة الحلبي(6)، واختاره المصنّف(7) في غير هذا الكتاب. وفي المسألة أقوال منتشرة هذا أجودها.

(وهما) أي سجدتا السهو (سجدتان بعد الصلاة). وإنّما ثنّي الضمير مع عدم سبق ما يقتضى التثنية؛ لتوسّطه بين مثنّى ومفرد أحدهما تفسير لصاحبه.

وكونهما بعد الصلاة هو المشهور بين الأصحاب، وقد دلّت عليه الروايات السالفة. ولا فرق بين كونهما لزيادة أو نقيصة.

وربما نقل عن بعض الأصحاب(8) أنّهما قبل التسليم للنقيصة، وبعده للزيادة.

و ( يفصل بينهما بجلسة) لتحقّق التثنية ( ويقول فيهما بسم الله وبالله اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد، أو يقول بسم الله وبالله السلام عليك أيّها النبيّ ورحمة الله وبركاته) رواه الحلبي عن أبي عبدالله علیه السلام أنّه سمعه مرّة يقول

ص: 568


1- كذا في «الأصل و وم» والطبعة الحجريّة وذكرى الشيعة، ج 3، ص 462 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 7)، وفي المصدر: عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله علیه السلام .
2- الكافي، ج 3، ص 355 باب من تكلم في صلاته .... 3: تهذيب الأحكام، ج 2، ص 195، ح 767.
3- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 353 - 354، ح 1466.
4- تقدّم آنفاً.
5- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 155، ح 608؛ الاستبصار، ج 1، ص 361، ح 1367.
6- تقدّم في ص 567 .
7- تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 349 المسألة 360 قواعد الأحكام، ج 1، ص 304 مختلف الشيعة، ج 2، ص 421، المسألة :297 نهاية الإحكام، ج 1، ص 547 .
8- الناقل هو الشيخ في المبسوط ، ج 1، ص 182 .

فيهما الأوّل، ومرّة أُخرى الثاني(1).

ولا يستلزم ذلك سهو الإمام؛ لجواز كونه إخباراً عن حكمه فيهما.

وفي بعض عبارات الحديث: «بسم الله وبالله وصلّى الله على محمّد وآل محمّد ، وفى المرّة الأخرى بسم الله وبالله والسلام عليك أيّها النبيّ»(2) إلى آخره. والكلّ مجزئ.

(ويتشهّد) بعد ذلك (تشهّداً خفيفاً ويسلّم) للحديث(3) المتقدّم.

والمراد بالتشهّد الخفيف ما اقتصر فيه على أقلّ الواجب، وهو أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أنّ محمّداً رسول الله. وهذا القدر مجزئ هنا وإن لم يجتزاً به في غيرهما.

ولو تشهّد بغير الخفيف صح أيضاً.

ولعله أراد به التخفيف على المكلّف بتخصيص أوجز الأفراد.

وذهب المصنّف في المختلف إلى عدم وجوب شيء فيهما سوى النيّة والسجدتين؛ محتجّاً برواية عمّار حين سأله هل فيهما تسبيح أو تكبير؟ فقال: «لا، إنّما هما سجدتان فقط» إلى أن قال «ولا فيهما تشهّد بعد السجود»(4)، وأجاب عن حديث الحلبي(5) بحمله على الاستحباب(6) .

وجوابه ضعف سند حديثه، وصحّة ما دلّ على الأذكار، فلا يعارضه الضعيف مع إمكان حمله على التقيّة.

ص: 569


1- الكافي، ج 3، ص 356 - 357، باب من تكلّم في صلاته .... ح 5.
2- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 196، ح 773؛ الفقيه، ج 1، ص 342 ، ح 998، وفيه: «السلام» بدون الواو.
3- أي حديث الحلبي، المتقدّم في ص 599.
4- الفقيه، ج 1، ص 341 - 342 ، ح 997؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 196 ، ح 771؛ الاستبصار، ج 1، ص 381 ،ح 1442 .
5- المتقدّم في ص 567.
6- مختلف الشيعة، ج 2، ص 428 و 429، المسألة 300.

(خاتمة)

( مَنْ ترك من المكلّفين) بالصلاة (الصلاة مستحلّاً) أي معتقداً حِلّ تركها، وكان التارك ( ممّن وُلد على الفطرة) الإسلاميّة (قتل) من غير استتابة؛ لأنّه مرتدّ بسبب إنكاره ما عُلم ثبوته من الدين ضرورةً ولقوله صلی الله علیه وآله وسلم: «بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة»(1) وأقلّ مراتبه حمله على الاستحلال وإذا قتل لم يصلّ عليه ولم يُدفن في مقبرة المسلمين، وماله لوارثه المسلم.

هذا إذا كان رجلاً، ولو كان امرأةً لم تقتل بتركها، بل تُحبس وتُضرب أوقات

الصلوات حتّى تتوب أو تموت؛ لقول الباقر والصادق علیه السلام: «المرأة إذا ارتدّت استتيبت فإن تابت وإلّا خلّدت السجن وضُيّق عليها في حبسها»(2).

وفي إلحاق الخنثى بأيّهما نظر من الشكّ في الذكوريّة التي هي شرط القتل، ودخوله في العموم، وإنّما خرجت المرأة بدليل خاصّ.

ولو أبدى المستحلّ شبهةً محتملة في حقّه لعدم علمه بالوجوب، كقرب عهده بالإسلام أو سكناه في بادية بعيدة عن أحكام الإسلام قُبل.

وكذا لو ادّعى النسيان في إخباره عن الاستحلال أو الغفلة، أو أوَّل الصلاة بالنافلة بعد أن أطلق لقيام الشبهة الدارئة للحدّ. وكذا لو اعتذر عن ترك الصلاة بالنسيان، ويؤمر بالقضاء فإن استحلّ تركه فكالأداء.

وفي حكم استحلال الصلاة استحلال شرط مجمع عليه كالطهارة، أو جزء كالركوع،دون المختلف فيه كتعيين الفاتحة ووجوب الطمأنينة.

ص: 570


1- سنن أبي داود، ج 4، ص 219، ح 4678؛ الجامع الصحيح، ج 5، ص 13 ، ح 2620؛ سنن الدارقطني ، ج 2، ص 189، ح 4/1729؛ مسند أبي يعلى، ج 3، ص 318، ح 1783.
2- الكافي، ج 7، ص 256، باب حد المرتد، ح 3: تهذيب الأحكام، ج 10، ص 137، ح 543: الاستبصار، ج 4،ص 53 ، ح 959 .

(ولو كان) التارك المستحلّ (مسلماً عقيب كفر أصلي استتيب) بأن يخبر بعد إظهار الندم والعزم على عدم العود باعتقاده وجوبها، ويفعلها، فلو أخبر ولم يفعل، عُزّر. ولو فَعَل ولمّا يخبر لم تتحقّق التوبة، كما لا يحكم بإسلام الكافر لو وجد مصلّياً، سواء كان في دار الإسلام أم دار الحرب(1) وإن سمع تشهّده فيها.

ولا يكفي في توبة تارك الصلاة إقراره بالشهادتين؛ لأنّ الكفر لم يقع بتركهما.

(فإن امتنع) تارك الصلاة مستحلّاً - مع كونه غير فطري - من التوبة (قُتل) لقوله تعالى: (فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلَوَةَ)(2) الآية.

(وإن لم يكن) التارك (مستحلّاً، عُزّر) فإن عاد إلى تركها ثانياً عُزّر ثانياً، فإن عاد ثالثاً عُزّر (ويُقتل(3) في الرابعة مع تخلّل التعزير ثلاثاً) لما روي عنهم علیهم السلام : «أنّ أصحاب الكبائر يُقتلون في الرابعة»(4) ، وهذه من جملتها.

وقيل: يُقتل في الثالثة(5) . وهو مرويّ(6) أيضاً، إلّا أنّ قتله في الرابعة أحوط للدماء.

(ولا يسقط القضاء) عن التارك، سواء كان مستحلّاً أم غير مستحلّ، وسواء قُتل أم لا ؛ لعموم الأوامر الدالّة عليه، كقوله صلی الله علیه وآله وسلم: «مَنْ فاته صلاة فريضة فليقضها»(7) خرج منه الكافر الأصلي فيبقى ما عداه. ولأنّه يُجبر على الأداء حال ردّته فكذا على القضاء.

وهذا فيمن تُقبل توبته ،ظاهر، أمّا مَنْ لا تُقبل توبته لكون ارتداده فطريّاً، فإن قُتل بقي القضاء في ذمّته، إلّا أن يقضي عنه الوليّ أو غيره. وإن لم يُقتل لهربٍ أو عدم نفوذ

ص: 571


1- في الطبعة الحجريّة: دار الكفر.
2- التوبة (9): 5 .
3- في النسخ «قُتِل» والمثبت مطابق لمتن إرشاد الأذهان.
4- كما في المبسوط، ج 1، ص 188.
5- من القائلين المحقّق في شرائع الإسلام، ج 1، ص 112 .
6- الكافي، ج 7، ص 191، باب في أنّ صاحب الكبيرة .... ح 2؛ الفقيه، ج 4، ص 72، ح 5141؛ تهذيب الأحكام.ج 10 ، ص 95 - 96، ح 369: الاستبصار، ج 4. ص 212، ح 791.
7- أورده المحقّق في المعتبر، ج 2، ص 406.

الأحكام أو غيرهما وتاب، فهل تكون توبته فيما بينه وبين الله تعالى مقبولةً؟ المشهور العدم لحكم الشارع بعدم قبولها ظاهراً، وإجرائه مجرى الميّت فيما يتعلّق بماله ونكاحه .

وقبول توبته باطناً قويّ، وإلّا لزم إمّا عدم تكليفه أو تكليف ما لا يطاق وكلاهما باطل. وكلّ دليل دلّ على قبول توبة العُصاة آتٍ فيه. ولعموم قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ءَامَنُواْ ) (1) أثبت لهم إيماناً بعد كفر، وهو شامل لذي الفطرة وغيرها. وهو اختيار الشهيد (رحمه الله)(2). وثبوت باقي الأحكام عليه من القتل وغيره حسماً لمادّة الجرأة على الارتداد وصيانةً للإسلام.

( وكلّ مَنْ فاته فريضة) يوميّة أو غيرها ممّا تقضى سواء كان فواتها (عمداً أو سهواً أو بنوم أو سكر أو شرب مرقد أو ردّة) عن الإسلام (وجب) عليه (القضاء) لقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «مَنْ فاته صلاة فريضة فليقضها كما فاتته »(3)، وقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «مَنْ نام عن صلاة أو نسيها فليقضها إذا ذكرها »(4).

والسكر إذا كان سببه باختيار المكلّف وعلمه يساوي النوم في زوال التمييز، ويزيد عليه بالعدوان، فيكون أولى بالقضاء.

ولو تناوله غير عالم بإسكاره أو أكره عليه أو اضطرّ إلى استعماله دواءً فهو في حكم الإغماء؛ لظهور عذره .

نعم، لو علم كونه مسكراً لكن ظنّ اختصاصه بوقتِ خاصّ أو قدر خاصّ فتناوله على غير ما ظنّه لم يعذر؛ لتعرّضه للمسبّب، مع احتمال عذره .

وهذا الحكم - وهو وجوب القضاء على كلّ مَنْ فاتته فريضة - ثابت على كلّ حال

ص: 572


1- النساء (4): 137 .
2- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 332 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 6).
3- أورده المحقّق في المعتبر، ج 2، ص 406.
4- أورده المحقّق في المعتبر، ج 2، ص 404.

(إلّا أن تفوت) الفريضة ( بصغرٍ أو جنون) سواء كان مطبقاً أو دوريّاً بحيث استوعب زمان الجنون وقتَ الصلاة (أو إغماء) على الأشهر (وإن كان) الإغماء (بتناول الغذاء) المؤدّي إليه مع عدم علمه بكونه مؤدّياً (أو حيض أو نفاس أو كفرٍ أصلي) لا عارضي كما في المرتدّ (أو عدم المطهّر) من ماء وتراب، فإنّه لا يجب القضاء في جميع هذه المواضع.

أمّا الأوّلان: فبالإجماع. ولقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «رفع القلم عن ثلاث» وعدَّ الصبيّ والمجنون(1) .

وإنّما وجب القضاء على النائم مع دخوله معهما بنصّ خاصّ وقد عرفته، فيُحمل رفع القلم عنه على عدم المؤاخذة على تركه.

ويجب تقييده بكون سبب الجنون ليس من فعله، وإلّا وجب عليه القضاء كالسكران.

وأمّا سقوطه مع الإغماء: فمستنده - مع الشهرة - الأخبار المتضافرة:

كقول الصادق علیه السلام حين سأله أبو أيوب عن الرجل أُغمى عليه أياماً لم يصل ثم أفاق أيصلّي ما فاته؟ قال: «لا شيء عليه»(2).

وقوله عنه علیه السلام: «ما غلب الله عليه فهو أولى بالعذر عنه»(3) .

ولأنّ زوال العقل سبب لزوال التكليف، وليس مستنداً إليه.

وروي: «أنّه يقضى آخر أيّام إفاقته إن أفاق نهاراً، وآخر ليلته إن أفاق ليلاً »(4)، وعمل به بعض الأصحاب(5) .

ويمكن حمله على الندب توفيقاً بين الأخبار ومصيراً إلى المشهور روايةً وفتوىً.

ص: 573


1- سنن أبي داود، ج 4، ص 139، ح 4401، وص 141، ح 4403: مسند أحمد، ج 7، ص 145 - 146، ح 24173.
2- الكافي، ج 3، ص 412، باب صلاة المغمى عليه .... 3؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 302، ح 924؛ الاستبصار، ج 1، ص 457، ح 1771.
3- الكافي، ج 3، ص 413، باب صلاة المغمى عليه .... ح 7؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 302، ح 923؛ الاستبصار، ج 1، ص 457 ، ح 1770.
4- المقنع، ص 123؛ وانظر تهذيب الأحكام، ج 3، ص 305، ح 939؛ والاستبصار، ج 1، ص 459 - 460،ح 1786.
5- هو ابن الجنيد كما في ذكرى الشيعة، ج 2، ص 329 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 6).

وإنّما يسقط عنه القضاء مع تناوله الغذاء مع عدم علمه بكونه موجباً له كما ذكرناه، أو مع اضطراره إليه أو مع تناوله كرهاً، وإلّا وجب القضاء؛ لأنّه القضاء؛ لأنّه مسبب عن فعله.

وأمّا عن الحائض والنفساء: فبالإجماع والأخبار، وقد تقدّم في بابه.

والظاهر أنّه لا فرق هنا بين كون سببهما من الله أو من قِبل المرأة، كما لو تسبّبت بالحيض أو بإسقاط الولد بالدواء.

والفرق بينهما وبين السكران والمغمى عليه أنّ سقوطه عنهما ليس من باب الرخص التخفيفات حتّى يغلظ عليهما إذا حصل بسببٍ منهما، إنّما هو عزيمة، بخلاف الآخَرَين. ووجوب قضاء الصوم بأمرٍ جديد.

فرع: لو طرأ سبب مسقط على سببٍ غير مسقط، كما لو طرأ الجنون أو الإغماء أو الحيض أو النفاس على الردّة أو السكر، ففي تأثير الطارئ فلا يجب قضاء أيّامه وجهان: من عموم الأدلّة الدالّة على السقوط بتلك الأسباب، ومن صدق الارتداد على الحائض والنفساء حقيقةً وعلى المجنون والمغمى عليه حكماً، وكونه أسبق السببين فيعمل عمله. والأصحّ سقوط القضاء.

وأمّا سقوطه عن الكافر الأصلي فبالإجماع، وقوله تعالى: (قُل لِلَّذِينَ كُفَرُواْ )(1) الآية. وقوله صلی الله علیه وآله وسلم: «الإسلام يجبّ - أو يهدم - ما قبله»(2).

ولا تلحق به الفِرَق الكافرة من المسلمين كالخوارج والنواصب، بل حكمهم حكم غيرهم في أنّهم إذا استبصروا لا يجب عليهم إعادة ما صلّوه صحيحاً، ويجب قضاء ما تركوه أو فعلوه فاسداً، وقد ورد ذلك عن الباقر والصادق علیهما السلام بطرق متعدّدة:

منها ما رواه محمّد بن مسلم وبريد وزرارة والفضيل بن يسار عنهما علیهما السلام في الرجل يكون في بعض هذه الأهواء كالحروريّة والمرجئة والعثمانيّة والقدريّة ثمّ يتوب ويعرف

ص: 574


1- الأنفال (8): 38 .
2- أورده ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة، ج 20، ص 10؛ والماوردي في الحاوي الكبير، ج 14، ص 313؛ وابن كثير في التفسير القرآن العظيم ، ج 2، ص 320 بلفظ «... يجبّ ..».

هذا الأمر ويحسن رأيه، أيعيد كلّ صلاة صلّاها أو صوم أو زكاة أو حجّ، أو ليس عليه إعادة شيء من ذلك؟ قال: «ليس عليه إعادة شيء من ذلك غير الزكاة، فإنّه لابدّ أن يؤدّيها، لأنّه وضع الزكاة في غير موضعها، وإنّما موضعها أهل الولاية »(1).

وهذا الخبر كما يدلّ على عدم إعادة المخالف للحقّ ما فَعَله من ذلك، يدلّ على عدم الفرق بين الفِرَق المحكوم بكفرها وغيرها؛ لأنّ من جملة ما ذكر فيه صريحاً الحروريّة، وهُمْ كفّار؛ لأنّهم خوارج .

ويعتبر في عدم الإعادة كون ما صلاه صحيحاً عنده وإن كان فاسداً عندنا؛ لاقتضاء النصوص كونه قد صلّى، وإنّما تُحمل على الصحيحة، ولمّا كان الأغلب عدم جمع ما يفعلونه للشرائط عندنا حُمل الصحيح على معتقده.

ولو انعكس الفرض بأن كان قد صلّى ما هو صحيح عندنا لو كان مؤمناً، فاسد عنده، فالظاهر أنّه لا إعادة عليه أيضاً، بل ربما كان الحكم فيه أولى.

واحتمل بعض الأصحاب هنا الإعادة(2) ؛ لعدم اعتقاده صحّته. ولأنّ الجواب وقع عمّا صلّاه في معتقده.

واعلم أنّ هذا الحكم لا يقتضي صحّة عبادة المخالف في نفسها، بل الحقّ أنّها فاسدة وإن جمعت الشرائط المعتبرة فيها غير الإيمان، وأنّ الإيمان شرط في صحّة الصلاة، كما أنّ الإسلام شرط فيها؛ إذ لو كانت صحيحةً لاستحقّ عليها الثواب، وهو لا يحصل إلّا في الآخرة بالجنّة، وشرط دخولها عندنا الإيمان إجماعاً. ولأن جل المخالفين أو كلّهم لا يصلّون بجميع الشرائط المعتبرة عندنا، وقد وقع الاتّفاق ودلّت النصوص على بطلان الصلاة بالإخلال بشرط أو فعل منافٍ من غير تقييد. وما ذكروه هنا - من عدم وجوب الإعادة عليه لو استبصر - لا يدلّ على صحّة عبادته في نفسها، بل إنّما دلّ على عدم وجوب إعادتها، وأحدهما غير الآخر، وحينئذٍ فعدم الإعادة

ص: 575


1- الكافي، ج 3، ص 545 ، باب الزكاة لا تعطى ..... 1؛ تهذيب الأحكام، ج 4، ص 54 ، ح 143 .
2- هو الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 2، ص 333 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 6).

تفضّل من الله تعالى، وإسقاط لما هو واجب استتباعاً للإيمان الطارئ، كما أسقط عن

الكافر ذلك بإسلامه، فإذا مات المخالف على خلافه، عذّب عليها، كما يعذّب الكافر.

فإن قيل: الكافر يسقط عنه قضاء العبادة وإن كان قد تركها، وهنا إنّما يسقط عنه إعادة ما فَعَله صحيحاً دون ما تركه، بل يجب عليه قضاؤه إجماعاً، وذلك يقتضي الصحّة.

قلنا: هذا أيضاً لا يدلّ على الصحّة، بل إنّما دلّ على عدم المساواة بينهما في الحكم

رعاً، فلا يدلّ على مطلوبهم.

ولعلّ الموجب للفرق بينهما بذلك أنّ الكافر لا يعتقد وجوب الصلاة، فليس عنده في تركها جرأة على الله تعالى، فأسقط ذلك الإسلامُ، بخلاف المسلم المخالف، فإنّه يعتقد وجوبها والعقاب على تركها فإذا فَعَلها على الوجه المعتبر عنده كان ذلك منه كترك الكافر، بخلاف ما لو تركها فإنّه قادم على الجرأة والمعصية لله تعالى على كلّ حال، فلا يسقط عنه القضاء مع دخوله في عموم «مَنْ فاته فريضة فليقضها كما فاتته »(1).

ويؤيّد ذلك حكمهم بعدم إعادة ما صلّاه صحيحاً بحسب معتقده وإن كان فاسداً عندنا واستشكالهم في عدم إعادة ما فَعَله صحيحاً عندنا مع فساده عنده، ولو كان السبب هو الصحّة كان الجزم بهذا الفرد أولى من عكسه.

وممّا يدلّ على أن عبادته ليست صحيحةً وإنّما لحقت الإيمان تبعاً: ما رواه عليّ بن إسماعيل الميثمي عن محمّد بن حكيم قال: كنت عند أبي عبدالله علیه السلام إذ دخل عليه کوفیان كانا زيدييّن فقالا جعلنا لك الفداء كُنّا نقول بقول وإنّ الله مَنَّ علينا بولايتك فهل يُقبل شيء من أعمالنا ؟ فقال: «أمّا الصلاة والصوم والحجّ والصدقة فإنّ الله يتبعكما ذلك فيلحق بكما، وأمّا الزكاة فلا لأنّكما أبعدتما حقّ امرئ مسلم وأعطيتماه غيره»(2) فجعل علیه السلام لحوق هذه العبادة لهما بعد الإيمان على وجه الاستتباع للإيمان، فإذا

ص: 576


1- المعتبر، ج 2، ص 406.
2- أورده الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 2، ص 333 - 334 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 6).

لم يوجد المتبوع زال التابع.

مع أنّ الأخبار متظافرة بعدم صحّة أعمال من لم يكن من أهل الولاية، من جملتها ما رواه الصدوق بإسناده إلى عليّ بن الحسين علیه السلام: «لو أنّ رجلاً عُمر ما عُمر نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً يصوم النهار ويقوم الليل بين الركن والمقام ثمّ لقي الله عزّ وجلّ بغير ولا يتنا لم ينفعه ذلك شيئاً»(1).

وقد أفردنا لتحقيق هذه المسألة رسالة مفردة مَنْ أرادها وقف عليها(2).

وقد تشكّك بعض الأصحاب في سقوط القضاء عمّن صلّى منهم أو صام؛ لاختلال الشرائط والأركان، فكيف تجزئ عن العبادة الصحيحة!؟(3)

وهذا الإشكال مندفع بالنصّ الدالّ على السقوط، وإنّما لم يعذروا في الزكاة؛ لأنّها دَيْنٌ دَفَعه المدين(4) ، إلى غير مالكه ، كما أشار إليه في الخبر، وليست العلّة هدم الإيمان ما قبله كهدم الإسلام؛ لأنّه لو كان كذلك لم يفترق الحال بين ما فعلوه وما تركوه، ولا بين الزكاة وغيرها، كالكافر. ولأنّ الكافر يجب عليه الحجّ إذا استطاع، دون المخالف.

وفي خبر سليمان بن خالد ما يوهم الهدم؛ لأنه قال للصادق علیه السلام : إنّي منذ عرفت هذا الأمر أصلّي في كلّ يوم صلاتين أقضي ما فاتني قبل معرفتي، فقال : «لا تفعل، فإنّ الحال التي كنت عليها أعظم من ترك ما تركت من الصلاة»(5) .

والإجماع واقع على عدم العمل بظاهره فإنّ ما تركه المخالف يجب عليه قضاؤه، إنما الكلام فيما يفعله.

وقد أوَّله الأصحاب(6) بأنّ سليمان بن خالد كان يقضي صلاته التي صلّاها، فأسماها

ص: 577


1- الفقيه، ج 2، ص 245، ح 2315.
2- هي الرسالة الإسطنبوليّة في الواجبات العينيّة الرسالة 32 (ضمن الموسوعة، ج 4، الرسائل /3).
3- كما في ذكرى الشيعة، ج 2، ص 334 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 6).
4- في «م»: المديون.
5- أورده الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 2، ص 334 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 6).
6- منهم الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 2، ص 334 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 6).

فائتة باعتبار إخلاله فيها بما أخلّ به من الشرائط والأركان.

وهذا الحديث يؤيّد ما قلناه من أنّ الصلاة فاسدة، ولكن لا يجب قضاؤها، مع أنّ في سند الحديث ضعفاً فلا يصلح دليلاً على الهدم.

بقي في المسألة بحثُ آخر، وهو أنّ الأصحاب صرّحوا هنا بأن المخالف إنّما يسقط عنه قضاء ما صلّاه صحيحاً عنده كما قد بيّنّاه. وتوقّف جماعة منهم فيما صحّ عندنا خاصّة، وفي باب الحجّ عكسوا الحال فشرطوا في عدم إعادة الحجّ أن لا يخلّ بركن عندنا لا عندهم، وممّن صرّح بالقيدين المتخالفين الشهيد (رحمه الله)(1) ، وأطلق جماعة منهم عدم إعادة ما صلوه وفعلوه من الحجّ، وكذلك النصوص مطلقة، وإنّما حصل الاختلاف في فتوى جماعة المتأخّرين. والفرق

غير واضح.

وأمّا سقوط القضاء عن عادم المطهّر : فلعدم وجوب الأداء، وتوقّف وجوب القضاء على أمرٍ جديد ولم يثبت هكذا استدلّ عليه المصنّف في المختلف(2).

ومَنْع الأوّل ظاهر؛ لأنّ القضاء لا يتوقّف على وجوب الأداء، و(3) لا ملازمة بين قضاء العبادة وأدائها وجوداً ولا عدماً، وإنّما يتبع سبب الوجوب وهو حاصل هنا. والأمر الجديد ،حاصل، وهو قوله صلی الله علیه وآله وسلم: «مَنْ فاته صلاة فريضة فليقضها كما فاتته»(4) ولا يشترط في تسميتها فريضة تعيّن(5) المفروض عليه، بل هي فريضة في الجملة، ومن ثُمَّ لم ينسبها إلى مفروض عليه في الخبر.

ويدلّ عليه أيضاً قول الباقر علیه السلام في خبر زرارة: «إذا فاتتك صلاة فذكرتها في

ص: 578


1- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 333 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 6).
2- مختلف الشيعة، ج 2، ص 458 - 459، المسألة 319 .
3- في «الأصل و م»: «بل» بدل «و».
4- المعتبر، ج 2، ص 406.
5- في الطبعة الحجريّة «تعيين».

وقت أُخرى فإن كنت تعلم أنك إذا صلّيت الفائتة کنت من الأخرى في وقت فابدأ بالتي فاتتك»(1) الحديث . ودلالته أوضح من حيث إنّه لم يسمّها فريضةً بل علّق الحكم على الصلاة، خرج من ذلك ما أجمع على عدم قضائه فيبقى الباقي.

فإن قيل: قوله «فذكرتها» يدلّ على أنّ الخبر مخصوص بالناسي أو به وبالنائم؛ لأنّ فاقد الطهور ذاكر للفريضة قبل دخول وقت الأخرى، فيكون هذا الخبر مثل قوله صلی الله علیه وآله وسلم: «مَنْ نام عن صلاة أو نسيها»(2) ولا نزاع فيه.

قلنا: لا نسلّم أوّلاً اشتراط سبق النسيان حالة الفوات في تحقّق الذكر، بل يمكن فرضه وإن استمرّ العلم.

سلّمنا، لكنّ يتناول ما لو ذهل فاقد الطهور عن الصلاة بعد وجود المطهّر وذكرها في وقت أُخرى، فيجب عليه حينئذ قضاؤها؛ للأمر به في الحديث(3)، ومتى ثبت هذا الفرد ثبت غیره؛ لعدم القائل بالفرق.

سلّمنا، لكنّ الخبر يتناول الناسي والنائم وغيرهما، فيعود الذكر إلى مَنْ يمكن تعلّقه به، وذلك لا يوجب التخصيص به.

ويؤيّد ذلك ما رواه زرارة أيضاً عن الباقر علیه السلام فيمن صلّى بغير طهور أو نسي صلوات أو نام، قال: «يصلّيها إذا ذكرها في أيّ ساعة ذكرها ليلاً أو نهاراً»(4) ، فذكر فيه الناسي والذاكر ثمّ علّق الأمر بالقضاء على الذكر.

ويدلّ عليه أيضاً ما رواه زرارة عن الباقر علیه السلام: «إذا نسي الرجل صلاةً أو صلّاها بغير

ص: 579


1- الكافي، ج 3، ص 293، باب من نام عن الصلاة أو سهى عنها، ح 4 تهذيب الأحكام، ج 2، ص 172، ح 686، وص 268، ح 1070؛ الاستبصار، ج 1، ص 287، ح 1051.
2- المعتبر، ج 2، ص 404.
3- أي حديث زرارة المتقدّم آنفاً.
4- الكافي، ج 3، ص 292 - 293، باب من نام عن الصلاة أو سهى عنها ، ح 3 تهذيب الأحكام، ج 2، ص 266، ح 1059: الاستبصار، ج 1، ص 286، ح 1046.

طهور وهو مقيم أو مسافر فذكرها فليقض الذي وجب عليه لا يزيد على ذلك ولا ينقص»(1) الحديث.

ووجه الدلالة قوله علیه السلام: «صلّاها بغير طهور» فإنّه يشمل بإطلاقه القادرَ على تحصيل الطهور والعاجز عنه، ومتى وجب القضاء على تارك الطهور مع كونه قد صلّى فوجوبه عليه لو لم يصل بطريق أولى.

وقد تقدّم البحث عن هذه المسألة في باب التيمّم، وهذا القدر متمّم لما هناك. وقد ظهر منهما أنّ وجوب القضاء هنا أرجح.

(ويقضي في السفر ما فات في الحضر) من الصلوات (تماماً) اعتباراً بحالة الفوات (و) كذا يقضي (في الحضر ما فات في السفر قصراً) لقول النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم: «فليقضها كما فاتته »(2).

وروی زرارة عن الصادق علیه السلام(3) في رجل فاتته صلاة في السفر فذكرها في الحضر، قال: «يقضيها كما فاتته، إن كانت صلاة سفر أدّاها في الحضر مثلها»(4).

وروى زرارة أيضاً عن الباقر علیه السلام: «إذا نسي الرجل صلاة أو صلّاها بغير طهور وهو مقيم فليقض أربعاً مسافراً كان أو مقيماً، وإن نسى ركعتين صلّى ركعتين إذا ذكر مسافراً كان أو مقيماً»(5) .

(ولو نسي تعيين) الصلاة الواحدة (الفائتة اليوميّة، صلّى) ثلاث صلوات (ثلاثاً) أي مغرباً معيّنة (وأربعاً) متردّدة بين الظهر والعصر والعشاء (واثنتين) ينوي بهما

ص: 580


1- الفقيه، ج 1، ص 441، ح 1284؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 225، ح 568.
2- المعتبر، ج 2، ص 406.
3- كذا في «الأصل و م» والطبعة الحجريّة وذكرى الشيعة، ج 2، ص 336 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 6). وفي المصدر مضمراً.
4- الكافي، ج 3، ص 435 باب من يريد السفر أو يقدم من سفر .... ح 7 تهذيب الأحكام، ج 3، ص 162 ،350.
5- الفقيه، ج 1، ص 441، ح 1284؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 225، ح 568.

الصبح، فيدخل ما في ذمّته من الخمس في الثلاث يقيناً ولا ترتيب بين الثلاث لأنّ الفائت واحدة لا غير. ويتخيّر في الرباعيّة بين الجهر والإخفات.

والحكم بالاجتزاء بالثلاث هو المشهور، ورواه عليّ بن أسباط عن غير واحد من أصحابنا عن أبي عبدالله علیه السلام قال: «مَنْ نسي صلاة من صلاة يومه ولم يدر أي صلاة هي صلّى ركعتين وثلاثاً وأربعاً»(1).

وخالف في ذلك أبو الصلاح(2) ، فأوجب قضاء الخمس؛ لتوقّف الواجب عليها ووجوب الجزم في النيّة.

وجوابه: أنّ الواجب يمكن تأدّيه بالثلاث كما مرّ. والتعيين إنّما يجب حيث يمكن و هو مفقود هنا، مع أنّ الجزم لا يتحقّق في النيّة بفعل الخمس أيضاً؛ إذ يحتمل في كلّ واحدة أن لا تكون هي فيحصل التردّد. وإن أريد الجزم بفعل العدد المنوي وإن لم يكن هو الفائت في نفس الأمر من باب مقدّمة الواجب، فذلك حاصل على تقدير الاكتفاء بالثلاث.

ولو كانت الفائتة من صلاة السفر اكتفى باثنتين ثنائيّة مطلقة إطلاقاً رباعيّاً، ومغرباً لما تقدّم.

وخالف هنا ابن إدريس مع موافقته فيما تقدّم؛ محتجّاً بحجّة أبي الصلاح وإنّما وافق في الأوّل للنصّ والإجماع، وادّعى أنّ إلحاق هذه بالحاضر قياس(3).

وأجيب بمنع القياس(4) ، بل هو إثبات حكم في صورة لثبوته في أخرى مساوية لها من كلّ وجه، وذلك يسمّى دلالة التنبيه ومفهوم الموافقة، كما في تحريم التأفيف وما ساواه أو زاد عليه.

ص: 581


1- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 197، ح 774 .
2- الكافي في الفقه، ص 150.
3- السرائر، ج 1، ص 274 و 275 .
4- المجيب هو العلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 454 - 455 ، المسألة 314 .

هذا إن استدلّ بالحديث، وإن استدلّ بالعقل وهو البراءة الأصليّة لم يرد ما ذُكر.

مع أنّ الحديث ليس من قسم المتواتر، بل الآحاد وهو لا يعمل به.

والإجماع الذي ادّعاء على الأولى إن أراد به اتّفاق الكلّ فهو ممنوع؛ لما عرفت من مخالفة أبي الصلاح. وإن كان لعدم اعتباره خلافه؛ لكونه معلوم الأصل والنسب فلا يقدح في الإجماع، كان دليلنا هنا أيضاً الإجماع؛ لأنّ المخالف هنا كذلك، فلا يقدح فيه. ولو فرض أنّه عيّن، فلا ريب في الصحّة عند القائلين به، وعلى المشهور يحتمل العدم؛ لأنّه تعیین ما لا(1) يعلمه ولا يظنّه ، بخلاف الترديد، فإنّه مشتمل في الجملة على ما يظنّ ، وبخلاف الصبح والمغرب؛ لعدم إمكان الاتيان بالواجب من دونهما. وتردّد الشهيد في الذكرى(2).

والظاهر أنّ ذلك مجزئ بطريق أولى؛ لدخول الواجب فيه، وكونه أقرب إلى صفة الفائت.

والأصل فى ذلك أنّ العدول عن التعيين إلى الترديد هل هو رخصة وتخفيف على المكلّف أو هو لمصادفة النيّة أقوى الظنّين؟ فعلى الأوّل يجزئ التعيين بطريق أولى، وعلى الثاني لا يجزئ، والخبر(3) يحتمل الأمرين. ولو جمع بين الترديد والتعيين، كان طريقاً إلى البراءة حتماً.

وربما احتمل البطلان به ؛ لعدم استفادته به رخصة وعدم انتقاله إلى أقوى الظنّين.

ويندفع بأنّ الذمّة تبرأ بكلّ واحد منهما منفرداً، أو بأحدهما في الجملة، على اختلاف القولين فكذا منضمّاً.

(ولو تعدّدت) الفائتة المجهولة (قضى كذلك) ثلاثاً ثلاثاً أو اثنتين اثنتين (حتّى يغلب على ظنّه الوفاء) تحصيلاً للبراءة.

ص: 582


1- في الطبعة الحجريّة: «لم» بدل «لا».
2- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 126 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 6).
3- أي خبر عليّ بن أسباط، المتقدّم في ص 581.

(و) كذا الحكم (لو) نسي عدد الفائتة (المعيّنة كرّرها حتّى يغلب) على ظنّه (الوفاء).

هذا إذا لم يمكنه تحصيل اليقين، وإلّا وجب، كما لو علم انحصار العدد المجهول بين حاصرين، فإنه يجب قضاء أكثر الأعداد المحتملة، فلو قال: أعلم أنّي تركت صبحاً - مثلاً - في بعض الشهر وصلّيتها في عشرة أيّام، فنهاية المتروك عشرون فيجب قضاء عشرين. وكذا لو قال: والمتروك عشرة أيام يقيناً؛ لدوران الاحتمال بين فوات عشرة وعشرين وما بينهما.

وللمصنّف هنا وجه بالبناء على الأقلّ؛ لأنّه المتيقّن. ولأنّ الظاهر أنّ المسلم لا يترك الصلاة(1) .

واعلم أنّ الاكتفاء بغلبة الظنّ في قضاء الفريضة لم نجد به نصّاً على الخصوص، والظاهر من الجماعة أيضاً أنّه لا نصّ عليه.

نعم، ورد ذلك في قضاء النوافل الموقّتة:

فروى مرازم قال: سأل إسماعيل بن جابر أبا عبدالله علیه السلام أنّ عليَّ نوافل كثيرة، فقال:

«اقضها» فقلت: لا أحصيها، قال: «توخّ»(2) .

والتوخّي: التحرّي، وهو طلب ما هو أحرى بالاستعمال في غالب الظنّ، قاله الجوهري(3) .

وروى عبدالله بن سنان عنه علیه السلام في رجل فاته من النوافل ما لا يدري ما هو من كثرته كيف يصنع ؟ قال: «يصلّي حتّى لا يدري كم صلّى من كثرته، فيكون قد قضى بقدر ما عليه»(4) .

ص: 583


1- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 361 المسألة 63: نهاية الإحكام، ج 1، ص 325.
2- الكافي، ج 3، ص 451 - 452، باب تقديم النوافل وتأخيرها.... ح 4؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 12، ح 26.
3- الصحاح، ج 4، ص 2311، «حرا».
4- الكافي، ج 3، ص 453 - 454، باب تقديم النوافل وتأخيرها.... ح 13؛ الفقيه، ج 1، ص 568. ح 1575؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 11، ح 25.

قال في الذكرى:

وبهذين الخبرين احتجّ الشيخ على أنّ مَنْ عليه فرائض لا يعلم كمّيتها يقضي حتّى يغلب الوفاء من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى(1).

وفيه نظر؛ لأنّ كون النوافل أدنى مرتبة يوجب سهولة الخطب فيها، والاكتفاء بالأمر الأسهل، فلا يلزم منه تعدية الحكم إلى ما هو أقوى وهو الفرائض، كما لا يخفى، بل الأمر فى ذلك بالعكس؛ فإنّ الاكتفاء بالظنّ فى الفرائض الواجبة الموجبة لشغل الذمّة يقتضي الاكتفاء به في النوافل التي ليست بهذه المثابة بالأولى.

(ولو نسي الكمّيّة والتعيين) بأن فاته صلوات لا يعلم عددها ولا عينها (صلّى أيّاماً متوالية حتّى يعلم دخول الواجب في الجملة) التي صلاها؛ لتوقّف يقين البراءة وتفريغ الذمّة بعد يقين اشتغالها عليه.

(ولو نسي ترتيب الفوائت كرّر حتّى يحصّله) يقيناً؛ لتوقّف تحصيل الواجب - وهو الترتيب - عليه، فيجب العدد الزائد من باب المقدّمة، كما يجب تكرار الفرائض في الواحدة المجهولة (فيصلّي الظهر قبل العصر وبعدها، أو) يصلّي (بالعكس) العصر قبل الظهر وبعدها (لو فاتتا ) أي الظهر والعصر من يومين ولم يعلم السابقة، فتكون زيادة الواحدة طريقاً إلى تحصيل الترتيب يقيناً؛ لأنّ هنا احتمالين: كون الفائت الظهر ثمّ العصر، وعكسه، فإذا حفٌ إحداهما بفعل الأخرى مرتين حصل الترتيب على الاحتمالين .

ولو فاته مغرب من يوم ثالث واشتبه أيضاً صلّى تلك الثلاث قبل المغرب وبعدها فيحصل الترتيب بسبع فرائض، وينطبق على جميع الاحتمالات الممكنة وهي ستّة: كون الظهر أوّلاً ثمّ العصر ثمّ المغرب وتوسط المغرب بينهما على هذا الترتيب فيهما وتقدّمها عليهما، وكون الفائت العصر ثمّ الظهر ثمّ المغرب وتوسط المغرب بينهما على هذا الوجه و تقدّمها عليهما، فهذه ستّة احتمالات والترتيب حاصل بالسبع على جميعها.

ص: 584


1- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 340 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 6).

ولو أُضيف إليها عشاء صارت الاحتمالات أربعةً وعشرين حاصلة من ضرب أربعة بسبب زيادة الرابعة في الاحتمالات السابقة، وهي ستّة، ويحصل الترتيب معها بخمس عشرة فريضة بأن يضاف إلى السبع المتقدّمة عشاء متوسطة بينها وبين سبعٍ أخرى مثلها.

ولو أُضيف إلى ذلك خامسة كالصبح، فالاحتمالات مائة وعشرون حاصلة من ضرب خمسة عدد الفرائض في أربعة وعشرين ويحصل الترتيب بإحدى وثلاثين فريضة بتوسط الصبح بين الخمس عشرة متقدّمةً ومتأخّرةً. ولو أُضيف إليها سادسة صارت الاحتمالات سبعمائة وعشرين حاصلة من ضرب عدد الفرائض في الاحتمالات السابقة، وصحّة الترتيب من ثلاث وستّين فريضة.

ولو كانت الفوائت سبعةً صارت الاحتمالات خمسة آلاف وأربعين احتمالاً والصحّة من مائة وسبع وعشرين فريضة، وعلى هذا القياس .

والضابط في ذلك أن يكرّر العدد على وجه يحصل الترتيب على جميع الاحتمالات الممكنة في الفرض.

ويمكن حصول الترتيب بوجه أخصر ممّا ذُكر وأسهل، وهو أن يصلّى الفوائت المذكورة بأيّ ترتيب أراد، ويكرّرها كذلك ناقصةً عن عدد آحاد تلك الصلوات بواحدة ثمّ يختم بما بدأ به، فيصلّي في الفرض الأوّل الظهر والعصر ثمّ الظهر أو بالعكس، وفي الثاني الظهر ثمّ العصر ثمّ المغرب ثمّ يكرّره مرّة أُخرى ثمّ يصلّي الظهر، وفي هذين لا فرق بين الضابطين من حيث العدد وفي الثالث يصلّي الظهر ثمّ العصر ثمّ المغرب ثمّ العشاء، ويكرّره ثلاث مرّات، ثمّ يصلّي الظهر، فيحصل الترتيب بثلاث عشرة فريضة، وفي الرابع يصلّي الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح أربع مرّات ثمّ يختم بالظهر.

وله أن يصلّي أربعة أيّام متوالية ثمّ يختم بالصبح؛ إذ لا يتعيّن ترتيب خاصّ في هذا الضابط في جميع الصور، وفي الخامس يصلّي خمسة أيّام أيضاً ثمّ يختم بالصبح وفي السادس يصلّى ستّة أيّام ويختم بما بدأ به، وعلى هذا القياس، فيصحّ الترتيب فيما لو

ص: 585

كانت الفوائت سبعةً بإحدى وثلاثين فريضة، وهو أسهل من الأوّل جدّاً وأنقص عدداً.

وما جزم به المصنّف من وجوب التكرار ليحصل العدد مع النسيان هو أحوط القولين في المسألة.

ووجه وجوبه تمكنّه من فعل ما وجب عليه كما وجب فيجب من باب المقدّمة. ولأنّه لو جهل عين الفريضة صلّى اثنتين وثلاثاً وأربعاً أو خمساً كما مرّ والوجه واحد.

وذهب جماعة - منهم الشهيد (رحمه الله)(1)- إلى سقوطه مع النسيان، وهو الظاهر من مذهب المصنّف في التحرير والقواعد(2) حيث جعل التكرار أحوط.

ووجه السترط: قوله صلی الله علیه و آله وسلم: «رفع عن أُمّتى الخطأ والنسيان»(3) والمراد حكمهما والمؤاخذة عليهما . وقوله صلی الله علیه و آله وسلم : «الناس في سعة ممّا لم يعلموا»(4) .

ولأنّ الزائد حرج وعسر وهما منفيّان وأنّ التكليف مع عدم العلم تكليف بالمحال. وأنّ الترتيب تخمين؛ إذ لا يتعيّن محلّ الفريضة حال النيّة من الفائتة الأخرى، فيؤدّى إلى تزلزل النيّة المأمور بالجزم فيها ولأصالة البراءة.

وفي هذه الوجوه نظر؛ فإنّ رفع حكم النسيان والمؤاخذة لا يقتضي رفع ما وجب من باب المقدّمة. وكون الناس في سعةٍ ممّا لم يعلموا لا يقتضي كونهم في سعةٍ ممّا يمكنهم فيه العلم، وهو هنا كذلك؛ إذ العلم ممكن على الوجه المتقدّم. وكون بعض الزائد عسراً وحرجاً لا يقتضي سقوط ما لا عسر فيه، فإنّ الصلاة ثلاث فرائض عن اثنتين أو سبع عن ثلاث ليس فيه عسر ولا حرج، وقد وجب مثله أو أكثر منه في الفريضة المجهولة العين والتكليف بالمحال إنّما يتمّ لو لم يحصل العلم، أمّا معه فلا، وهو هنا كذلك، فإنّ التكرار تحصيل للعلم، بل هو أقوى تحصيلاً له من الصلوات المحصّلة

ص: 586


1- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 336: البيان، ص 251 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 6 و 12).
2- تحرير الأحكام الشرعيّة ، ج 1، ص 309 ، الرقم 1061؛ قواعد الأحكام، ج 1، ص 312 .
3- كنز العمّال، ج 4، ص 233 ، ح 10307 نقلاً عن الطبراني في المعجم الكبير.
4- الكافي، ج 1، ص 297، باب نوادر، ح 2 تهذيب الأحكام، ج 9، ص 99 - 100، ح 432 نحوه.

للفريضة المجهولة، وقد وجب تعدّدها بالنصّ والتخمين بالمعنى المذكور - وهو تزلزل النيّة المأمور بالجزم فيها - يندفع بأنّ تحصيل الواجب - وهو الترتيب - لما توقّف على الفرائض المتعدّدة كانت كلّ واحدة منها مجزوماً بها في محلّها؛ لكونها كالمقدّمة للواجب فتجب تبعاً له ويتعيّن الجزم فيها. وهذا هو الجواب أيضاً عن منع المجتزئ بالثلاث عن الفريضة المجهولة حيث إنّه لا جزم في الرباعيّة.

وبعد ذلك كلّه فالاعتماد على سقوط وجوب التكرار؛ لاستلزامه الحرج والعسر مع كثرة الفوائت جدّاً قطعاً، فينتفي الوجوب فيها، ومتى انتفى في فردِ وجب نفيه في الجميع؛ إذ لا قائل بالفرق بين القليل والكثير والفارق بينها وبين الفريضة المجهولة هو النصّ على تلك وعدمه هنا، فيرجع إلى الأدلّة العامّة.

واختلف فتوى الشهيد (رحمه الله) في هذه المسألة، فأفتى بسقوط التكرار مطلقاً في أكثر فتاويه.

وفي الذكرى استقرب السقوط أيضاً، لكن أوجب تقديم ما ظنّ سبقه؛ لأنّه راجح فلا يعمل بالمرجوح(1) .

وفي الدروس أوجب الصلاة بحسب الظنّ أو الوهم، فإن انتفيا صلّى كيف شاء(2) .

ولا ريب أنّه أحوط وأولى منه التكرار.

(و) لو فاته صلوات قصر وتمام كخمس فرائض - مثلاً - فيها قصر وتمام لا يعلم عينه، وجب عليه أن (يصلّي مع كلّ رباعيّة صلاة سفر لو نسي ترتيبه) أي ترتيب الفائت، سواء علم اتحاد أحدهما أم تعدّده، فإنّ كلّ رباعيّة تمرّ به يُجوز فيها القصر والتمام فلا يبرأ إلّا بهما، كما لو فاته فريضة واحدة واشتبه هل هي قصر أم تمام، فإنّه يجب عليه فعلها مرّتين كما لو اشتبهت الفائتة بين الصبح والظهر.

هذا إن أو جبنا الترتيب مع النسيان، وإلّا أجزاء فعل الفائت كيف اتّفق.

ص: 587


1- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 336 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 6).
2- الدروس الشرعيّة ، ج 1، ص 67 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9).

فلو كان خمس صلوات - مثلاً - وعلم أنّ بعضها فات حضراً وبعضها سفراً ولا يعلم قدر كلّ واحد منهما ولا ترتيبه، وجب عليه يوم حَضَرٍ وثلاث مقصورات مسافر، معيّنة عن الظهر والعصر والعشاء. ولو علم أنّ فيها صلاةً مقصورة اجتزاً برباعيّتين مطلقتين بين ثلاث وثنائيّة مطلقة إطلاقاً ثلاثياً على المقصورات الثلاث مع صبح ومغرب.

ولو علم أنّ فيها مقصورتين، وجب عليه مع الصبح والمغرب رباعية واحدة مطلقة إطلاقاً ثلاثياً وثنائيتان مطلقتان ثلاثياً.

وعلى الأقلّ، لو فاته ظهر وعصر واشتبه حضراً وسفراً ولا يعلم عينها ولا ترتيبها وجب عليه ستّ فرائض ثلاث رباعيّات كما مرّ، ومع كلّ واحدة مثلها قصراً. ولو كان معهما مغرب وجب على ما مرّ سبع، فيجب هنا ثلاث عشرة بتأخير المغرب عن ثلاث رباعيّات ومثلها ثنائيّات، وتقديمها على مثل ذلك . ولو كان معها عشاء أضاف إلى الخمس عشرة - التي منها ثلاث عشرة رباعيّة - ثلاث عشرة ثنائيّة أُخرى، وهكذا.

ولو نسي الترتيب دون العين، كما لو علم فوات ظهر مقصورة وعصر تماماً وجهل السابق منهما وسّط الرباعيّة بين ثنائيّتين أو بالعكس. ولو كان معهما مغرب قدّم عليها الثلاث وأخرها عنها، وهكذا.

وعبارة المصنّف تحتمل إرادة هذا المعنى حيث ذكر نسيان الترتيب ولم يتعرّض النسيان العين، لكن لا يناسبه قوله :«صلّى مع كلّ رباعيّة صلاة سفر» كما لا يخفى.

(ويستحبّ قضاء النوافل الموقّتة) بإجماع علمائنا استحباباً مؤكّداً.

وروی عبدالله بن سنان عن الصادق علیه السلام له في رجل فاته من النوافل ما لا يدري ما هو من كثرته كيف يصنع؟ قال: «يصلّي حتى لا يدري كم صلّى من كثرته، فيكون قد قضى بقدر ما عليه» قلت: فإن ترك ولا يقدر على القضاء من شغله؟ قال: «إن كان شغله في طلب معيشة لابدّ منها أو حاجة لأخ مؤمن فلا شيء عليه، وإن كان شغله للدنيا

ص: 588

و تشاغل بها عن الصلاة فعليه القضاء، وإلّا لقي الله مستخفّاً متهاوناً مضيّعاً لسنّة رسول الله صلی اله علیه وآله وسلم»(1) .

(ولا يتأكّد) استحباب قضاء (فائتة المريض )(2) لرواية مرازم عن أبي عبدالله علیه السلام حيث سأله إنّي مرضت أربعة أشهر لم أُصل نافلة قال: «ليس عليك قضاء، إنّ المريض ليس كالصحيح، كلّ ما غلب الله عليه فهو أولى بالعذر فيه»(3) .

ويحمل على نفي التأكيد جمعاً بينها وبين ما رواه محمّد بن مسلم عن الباقر علیه السلام في مريض ترك النافلة، فقال: «إن قضاها فهو خير له، وإن لم يفعل فلا شيء عليه»(4).

(ويتصدّق عن كلّ ركعتين بمدّ، فإن عجز) فعن كلّ أربع، فإن عجز فعن صلاة الليل بمُدّ و عن صلاة النهار بمُدّ، فإن عجز (فعن كلّ يوم) بمُدّ (استحبابا ) لو عجز عن القضاء.

ومستند هذا التفصيل رواية عبدالله بن سنان السابقة قال فيها - بعد ما تقدّم : قلت: فإنّه لا يقدر على القضاء فهل يصلح أن يتصدّق؟ فسكت مليّاً ثمّ قال: «نعم، ليتصدّق بصدقة» قلت ما يتصدّق؟ قال: «بقدر قوته، وأدنى ذلك مُدُّ لكلّ مسكين مكان كلّ صلاة» قلت: وكم الصلاة التي لها مُدّ ؟ فقال: «لكلّ ركعتين من صلاة الليل، وكلّ ركعتين من صلاة النهار» فقلت: لا يقدر، فقال: «مدّ لكلّ أربع ركعات» قلت : لا يقدر ، قال : « مُدّ لصلاة الليل ومُدّ لصلاة النهار ، والصلاة أفضل والصلاة أفضل والصلاة أفضل»(5).

ص: 589


1- الكافي، ج 3، ص 453 - 454، باب تقديم النوافل وتأخيرها.... ح 13: الفقيه، ج 1، ص 568 ، ح 1575؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 11 - 12، ح 25، وص 198، ح 778.
2- في إرشاد الأذهان، ج 1، ص 271: «فائت المرض».
3- الكافي، ج 3، ص 451 - 452. باب تقديم النوافل وتأخيرها.... ح 4: الفقيه، ج 1، ص 364، ح 1045؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 12، ح 26، وص 199، ح 779 .
4- الكافي، ج 3، ص 412 ، باب صلاة المغمى عليه والمريض... ، ح 5: الفقيه، ج 1، ص 499، ح 1433؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 306 - 307، ح 947.
5- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص 583، الهامش 4.

وما أجمله المصنّف من المراتب غير جيّد؛ لما قد عرفت من التفصيل في الرواية.

(والكافر الأصلي يجب عليه) في حال كفره (جميع فروع الإسلام) من الصلاة والصيام وغيرهما (لكن) لا تصحّ منه في (حال كفره) وإن أوقعها على الوجه المعتبر في أفعالها وكيفيّاتها غير الإسلام.

(فإن) مات على كفره عوقب عليها. وإن (أسلم سقطت) عنه تفضّلاً من الله تعالى؛ للإجماع، وقوله تعالى: (قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُوا )(1) الآية. وقوله صلی الله علیه وآله وسلم: «الإسلام يجب ما قبله»(2) فعلى هذا يكون الإسلام شرطاً في صحّة عبادته لا في وجوبها.

وخالف في ذلك بعض العامة، فذهب إلى أنّه غير مكلّف بالفروع مطلقاً(3) . وذهب بعضهم إلى أنّه مكلّف بالنهي دون الأمر(4) .

ويدلّ على ما اختاره أصحابنا وجمهورهم دخولهم تحت الأوامر العامة، كقوله تعالى: (يَأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ)(5) (وَأَنِ اعْبُدُونِي )(6) وهو خطاب لبني آدم (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ)(7) و(وَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَوةَ)(8) وكقوله تعالى: (وَ الَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَنهَا ءَاخَرَ - إلى قوله - مُهَانًا)(9) جعل التعذيب المضاعف جزاءً على الأفعال المذكورة ومن جملتها القتل والزنى. ولأنّه تعالى قد أخبر بأنّه يعاقبهم على تركها، كقوله: (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَفَرَ * قَالُواْ لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ )(10) .

ص: 590


1- الأنفال (8) :38 .
2- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص 574 الهامش 2 .
3- المعتمد، ج 1، ص 140: العدّة في أصول الفقه، ج 2، ص 360؛ المحصول، ج 2، ص 238-237 .
4- العدّة في أصول الفقه، ج 2، ص 359 و 360؛ المحصول، ج 2، ص 237.
5- البقرة (2) :21 .
6- يس (36): 61 .
7- آل عمران (3): 97 .
8- فصّلت (41): 6 و 7 .
9- الفرقان (25) : 68 و 69 .
10- المدّثّر (74): 42 و 43.

ولأنّهم يحدّون على الزنى والسرقة فتناولهم النهي فكذا الأمر، والجامع تمكّنهم من تحصیل ما به يحصل الاحتراز عن المنهيّ عنه وترك المأمور به، وهُمْ يسلّمون القياس مع الجامع والمسألة محرّرة في الأصول.

وكما أنّ الإسلام شرط في صحّة العبادة فكذا الإيمان، فمن مات مخالفاً عُذّب على العبادة كما يُعذّب الكافر، وإن سقط عنهما القضاء بالإسلام مطلقاً والإيمان إذا كان قد تعبّد صحيحاً عنده، وقد تقدّم الكلام في المسألة.

واعلم أنّ حكم المصنّف بسقوط الفروع المخاطب بها الكافر مع الإسلام عامّ مخصوص بما خرج وقته من العبادات أو في حكم الخارج، كما إذا لم يدرك من آخر وقت الصلاة قدر ركعة بعد تحصيل الشرائط المفقودة، ويخرج من ذلك حقوق الآدميّين، فإنّ قضاءها من جملة الواجبات وجلّ فروع الإسلام، وكذلك حكم الحدث فإنّه لا يسقط عنه بإسلامه، والله الموفّق.

ص: 591

(المقصد الثاني في) صلاة (الجماعة)

اشارة

وفضلها عظيم.

قال الله تعالى: (وَأَرْكَعُواْ مَعَ الرَّكِعِينَ )(1) وأقلّ مراتب الأمر هنا الندب المؤكّد.

و عن النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم :«صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ - بالفاء والذال المعجمة، وهو الفرد - بسبع وعشرين درجة»(2) وروي «بخمس وعشرين»(3).

وعن الصادق علیه السلام:« بأربع وعشرين [درجة](4) تكون خمسة وعشرين صلاة»(5).

وعن الباقر علیه السلام قال: «قال أمير المؤمنين علیه السلام: مَنْ سمع النداء فلم يجبه من غير علّة فلا صلاة له»(6).

وعن الصادق علیه السلام أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم همّ بإحراق قوم كانوا يصلّون في منازلهم ولا يصلّون الجماعة، فأتاه رجل أعمى فقال: يا رسول الله إنّي ضرير البصر وربما أسمع النداء ولا أجد مَنْ يقودني إلى الجماعة والصلاة معك، فقال له رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: «شدّ من منزلك إلى المسجد حبلاً واحضر الجماعة»(7) .

ص: 592


1- البقرة (2): 43 .
2- صحيح البخاري، ج 1، ص 230 ، ح 619: صحیح مسلم، ج 1، ص 450 ، ح 650/249؛ سنن النسائي، ج 2، ص 103؛ السنن الكبرى، البيهقي، ج 3، ص 84، ح 4956؛ مسند أحمد، ج 2، ص 175، ح 5310 وص 257، ح 5885.
3- صحيح البخاري، ج 1، ص 230، ح 619م: صحيح مسلم، ج 1، ص 450، ح 246 - 649/248: السنن الكبرى، البيهقي، ج 3، ص 85، ح 4962: مسند أحمد، ج 3، ص 456، ح 11129.
4- ما بين المعقوفين من المصدر.
5- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 25، ح 85 .
6- الكافي، ج 3، ص 372، باب فضل الصلاة في الجماعة، ح : تهذيب الأحكام، ج 3، ص 24، ح 84.
7- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 266 ، ح 753 .

وعنه علیه السلام : «أنّ أُناساً على عهد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أبطوا عن الصلاة في المسجد، فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: ليوشك قوم يدعون الصلاة في المسجد أن نأمر بحطب فيوضع ع-ل-ى أبوابهم فتوقد عليهم [نار] فتحرق عليهم بيوتهم»(1).

وعنه علیه السلام قال: «صلى رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم الفجر فأقبل بوجهه على أصحابه فسأل عن أناس يسمّيهم بأسمائهم، فقال: هل حضروا الصلاة؟ فقالوا: لا يا رسول الله، فقال أغيَّبُ هُمْ؟ فقالوا: لا، فقال: أما إنّه ليس من صلاة أشدّ على المنافقين من هذه الصلاة والعشاء، ولو علموا أىّ فضل فيهما لأتوهما ولو حَبواً»(2).

وعنه علیه السلام: أنّ رسول الله قال : لا صلاة لمن لم يصلّ في المسجد مع المسلمين إلّا من علّة، ولا غيبة إلّا لمن صلّى في بيته ورغب عن جماعتنا، ومَنْ رغب عن جماعة المسلمين سقطت عدالته ووجب هجرانه، وإن رفع إلى إمام المسلمين أنذره وحذره ومَنْ لزم جماعة المسلمين حرمت عليهم غيبته وثبتت عدالته »(3).

وعنه علیه السلام: «ما من ثلاثة في قرية ولابَدو لا تقام فيهم الصلاة إلّا استحوذ عليهم الشيطان فعليك بالجماعة فإنّما يأكل الذئب القاصية»(4) .

وعنه علیه السلام: «ملعون ملعون ملعون - ثلاثاً - مَنْ رغب عن جماعة المسلمين»(5).

وروى الشيخ أبو محمّد جعفر بن أحمد القمّي نزيل الري في كتاب الإمام والمأموم بإسناده المتّصل إلى أبي سعيد الخدري قال، قال رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم: «أتاني جبرئيل مع سبعین ألف ملك بعد صلاة الظهر فقال: يا محمّد إنّ ربّك يقرئك السلام وأهدى إليك هديّتين، قلت: وما تلك الهديّتان؟ قال: الوتر ثلاث ركعات والصلاة الخمس في

ص: 593


1- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 25، ح 87، وما بين المعقوفين من المصدر.
2- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 25، ح 86 .
3- تهذيب الأحكام، ج 6، ص 241، ح 596؛ الاستبصار، ج 3، ص 12 - 13، ح 33.
4- سنن أبي داود، ج 1، ص 150، ح 547؛ سنن النسائي، ج 2، ص 106 - 107: المستدرك على الصحيحين، ج 1، ص 211.
5- لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر .

جماعة، قلت: يا جبرئيل وما لأمّتى فى الجماعة؟ قال: يا محمّد إذا كانا اثنين كتب الله لكلّ واحد بكلّ ركعة مائة وخمسين صلاة، وإذا كانوا ثلاثة كتب الله لكلّ واحد بكلّ ركعة ستمائة صلاة، وإذا كانوا أربعة كتب الله لكلّ واحد بكلّ ركعة ألفاً ومائتي صلاة، وإذا كانوا خمسة كتب الله لكلّ واحد منهم بكلّ ركعة ألفين وأربعمائة صلاة وإذا كانوا ستّة كتب الله لكلّ واحد منهم بكلّ ركعة أربعة آلاف وثمانمائة صلاة، وإذا كانوا سبعة كتب الله لكلّ واحد منهم بكلّ ركعة تسعة آلاف وستّمائة صلاة، وإذا كانوا ثمانية كتب الله لكلّ واحد منهم بكلّ ركعة تسعة عشر ألفاً ومائتي صلاة وإذا كانوا تسعة كتب الله لكلّ واحد منهم بكلّ ركعة ستّة وثلاثين ألفاً وأربعمائة صلاة، وإذا كانوا عشرة كتب الله لكلّ واحد بكلّ ركعة سبعين ألفاً وألفين وثمانمائة صلاة، فإن زادوا على العشرة فلو صارت السماوات كلّها مداداً والأشجار أقلاماً والثقلان مع الملائكة كتاباً لم يقدروا أن يكتبوا ثواب ركعة واحدة، يا محمّد تكبيرة يدركها المؤمن مع الإمام خير من ستّين ألف حجّة وعمرة وخير من الدنيا وما فيها سبعين ألف مرّة، وركعة يصلّيها المؤمن مع الإمام خير من مائة ألف دينار يتصدّق بها على المساكين، وسجدة يسجدها المؤمن مع الإمام في جماعة خير من مائة عتق رقبة»(1) .

والأخبار في هذا الباب كثيرة خصوصاً في الكتاب الموماً إليه، وإنّما ذكرنا هذه الجملة وخرجنا عن مناسبة الكتاب تحريضاً للجاهلين، وتنبيهاً للغافلين.

ثمّ الجماعة تنقسم إلى ما عدا المباح من الأحكام الخمسة، كما هو شأن العبادة (و) ذلك أنّها (تجب في) صلاة (الجمعة والعيدين خاصّة بالشرائط) المتقدّمة المقتضية للوجوب (وتستحبّ في) باقي (الفرائض) حتّى المنذورة أداءً وقضاء (خصوصاً) الفرائض (اليوميّة، ولا تصحّ في النوافل) لقول النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم: «لا جماعة في نافلة»(2) ولنهي

ص: 594


1- نقله أيضاً عن روض الجنان العلّامة المجلسي في بحار الأنوار، ج 85، ص 14 - 15 ، ح 26.
2- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 64 - 65، ح 217: الاستبصار، ج 1، ص 464 - 465. ح 1801.

أمير المؤمنين علیه السلام عن الجماعة في نافلة رمضان(1) ، وقد روي أنّ أهل الكوفة حين نهاهم عن ذلك صاحوا واعمراه (2).

وهذا الحكم عامّ في جميع النوافل (إلّا) صلاة (الاستسقاء والعيدين مع عدم الشرائط) المعتبرة في الوجوب، وقد سبقت وفيما يأتي من إعادة الصلاة خلف الإمام.

وألحق أبو الصلاح بها صلاة الغدير فجوّز الجماعة فيها(3). وقوّاه الشهيد (رحمه الله) في بعض كتبه(4) . ولم نقف على مأخذه.

(وتنعقد) الجماعة (باثنين فصاعداً) أحدهما: الإمام في غير الجمعة والعيدين؛ لقوله صلی الله علیه وآله وسلم: «الاثنان فما فوقهما جماعة»(5) ، وقول الصادق علیه السلام حين سئل عن أقلّ ما تكون الجماعة: «رجل وامرأة»(6).

ويكفي أن يكون أحدهما صبيّ مميّز.

البادية ومعي

وأما ما روي عن النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم في حديث الجهني حين سأل النبيَّ صلی الله علیه وآله وسلم أنّي أكون في ومعي أهلي وولدي وغلمتي فأؤذن وأُقيم وأُصلّى بهم أفجماعة نحن؟ قال: «نعم» إلى قوله: إنّهم يتفرّقون فأبقى وحدي فأذّن وأُقيم وأصلّي وحدي أفجماعة أنا ؟ فقال: «نعم، المؤمن وحده جماعة»(7) فالمراد به إدراك فضيلة الجماعة لطالبها فلم يجدها تفضّلاً من الله تعالى عليه، ومعاملةً له على قدر نيّته، فإنّها خير من عمله.

ص: 595


1- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 70 ، ح 227.
2- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 70 ، ح 227.
3- الكافي في الفقه، ص 160.
4- اللمعة الدمشقيّة، ص 50 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 13).
5- سنن ابن ماجة، ج 1، ص 312، ح 972؛ سنن الدارقطني، ج 1، ص 602، ح 1/1072؛ السنن الكبرى البيهقي، ج 3، ص 97 ، ح 5008 : المستدرك على الصحيحين، ج 4، ص 334 .
6- الفقيه، ج 1، ص 376، ح 1096؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 26، ح 91.
7- الكافي، ج 3، ص 371، باب فضل الصلاة في الجماعة، ح 2 تهذيب الأحكام، ج 3، ص 265، ح 749.

[شرائط إمام الجماعة]

(ويجب) أي يشترط (في الإمام) أمور:

أحدها (التكليف) فلا تصحّ إمامة الصبيّ غير المميّز، ولا المجنون المطبق إجماعاً.

وأمّا الصبيّ المميّز فكذلك عند الأكثر؛ لنقصه بالصبا وتجويز(1) إخلاله ببعض الأركان والأبعاض؛ لعلمه برفع القلم عنه.

ولرواية إسحاق بن عمار عن الصادق علیه السلام، عن أبيه علیه السلام، عن عليّ علیه السلام: «لا بأس أن يؤذّن الغلام قبل أن يحتلم، ولا يؤمّ حتّى يحتلم، فإن أمَّ جازت صلاته وفسدت صلاة مَنْ خلفه »(2).

وذهب الشيخ في أحد قوليه(3) وبعض الأصحاب(4) ، إلى جواز إمامة المراهق المميّز العاقل في الفرائض ؛ لقوله صلی الله علیه وآله وسلم: «مُروهم بالصلاة لسبع»(5) فإنّه يدلّ على أنّ صلاتهم شرعيّة.

ولرواية طلحة الليل بن زيد عن الصادق علیه السلام ، عن أبيه علیه السلام ، عن عليّ علیه السلام قال: «لا بأس أن يؤذّن الغلام الذي لم يحتلم وأن يؤمّ»(6) .

وروى العامّة عن عمرو بن أبي سلمة(7) أنّه أمَّ قومه وهو ابن سبع سنين أو ثمان(8).

ص: 596


1- في الطبعة الحجريّة: «ولجواز» بدل «وتجويز».
2- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 29، ج 103: الاستبصار، ج 1، ص 423 - 424، ح 1632.
3- المبسوط، ج 1، ص 220؛ الخلاف، ج 1، ص 553، المسألة 295 .
4- في هامش «م»: هو الجعفي، ونقله عنه الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 4، ص 250 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل،ج8 ).
5- سنن الدارقطني ، ج 1 ، ص 505. ح 1/874.
6- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 29 - 30، ح 104؛ الاستبصار، ج 1، ص 424، ح1633.
7- كذا في «الأصل و م» والطبعة الحجريّة وكذا في ذكرى الشيعة، ج 4، ص 251 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل. ج 8)، وفي المصادر: عمرو بن سلمة.
8- سنن أبي داود، ج 1، ص 159 - 160 ، ح 585؛ سنن النسائي، ج 2، ص 80 - 81؛ السنن الكبرى، البيهقي، ج 3، ص 129 - 130، ح 5137.

وأُجيب(1) بضعف الأُولى بطلحة بن زيد فإنّه بتري، والثانية عاميّة، فالعمل برواية المنع أولى؛ لأنّه المتيقّن وإن كان في سندها كلام أيضاً.

وإنّما نمنع إمامته بالبالغ، أمّا بمثله فتجوز؛ لتساويهم في المرتبة.

وهل تجوز إمامته بالبالغين في النافلة التي تجوز الجماعة فيها؟ استقربه في الذكرى ؛ لانعقادها منه وصحّتها(2).

وليس بواضح؛ لإطلاق النهي، ومعارضته بصحّة الفريضة أيضاً منه، وانعقادها وجواز اقتداء المفترض بالمتنفّل.

واحترزنا في المجنون بالمطبق عمّن يعتوره الجنون أدواراً، فإنّ إمامته في حال الإفاقة الموثوق بها جائزة وإن كانت مكروهةً ؛ لجواز فجأة الجنون في أثناء الصلاة، وإمكان عروض الاحتلام له حالة الجنون، بل روي أنّه يستحبّ له الغسل لذلك(3).

ولو عرض له الجنون في الأثناء بطلت صلاته، وانفرد المأموم.

(و) ثانيها: (الإيمان) وهو هنا أخصّ من الإسلام فيندرج فيه، فلا تجوز إمامة غير الإمامي من المبتدعة، سواء أظهر بدعته أم لا؛ لأنّه ظالم فاجر وقد قال تعالى: (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ)(4) والاقتداء به ركون إليه.

وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لا يؤمن فاجر مؤمناً»(5).

وسُئل الباقر علیه السلام عن رجل يحبّ أمير المؤمنين علیه السلام ولا يتبرّأ من عدوّه، فقال: «هذا

مخلط وهو عدوّ لا تصلّ خلفه إلّا أن تتّقيه»(6).

ص: 597


1- المجيب هو الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 4 ص 251 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).
2- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 251 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).
3- لم نعثر عليه في مظانّه.
4- هود (11): 113 .
5- سنن ابن ماجة، ج 1، ص 343 ، ح 1081؛ السنن الكبرى البيهقي، ج 3، ص 244، ح 5570.
6- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 28، ح 97 .

(و) ثالثها: (العدالة) وهي معتبرة إجماعاً؛ لما سلف من الآية والخبر.

و روى الحسن بن راشد عن الباقر علیه السلام : « لا تصلّ إلّا خلف مَنْ تثق بدينه و أمانته»(1) .

وقيل للرضا علیه السلام في رجل يقارف الذنوب وهو عارف بهذا الأمر أ أُصلّي خلفه ؟ قال: «لا»(2).

وقد تقدّم تعريفها مع الإيمان في باب الجمعة.

وتُعرف بالعشرة الباطنة المطّلعة على الحال وشهادة عدلين بها أو اشتهارها. وفي الاكتفاء بصلاة عدلين خلفه نظر من دلالته على التزكية وإمكان صدورها ظاهراً لغرض من الأغراض وعدم الاعتماد عليها.

والأجود أنّه إن تحقّق الاقتداء به بحيث اعتدّ المصلّي بتلك الصلاة بأن لازَمَه في مجموع الوقت فلم يجده صلّاها مرّة أخرى وعلم منه أيضاً عدم القراءة خلف الإمام. وبالجملة، تحقّق منه الاعتماد عليه والاقتداء به كان تزكيةً، وإلّا فلا؛ لكثرة وقوع ذلك ظاهراً مع عدم الاعتماد عليه.

واكتفى بعض الأصحاب(3) في العدالة بالتعويل على حسن الظاهر وإن لم تحصل العشرة الباطنة، وآخرون(4) على الإيمان إلى أن يُعلم الفسق وهما نادران.

ولا اعتبار بظهور العدالة مع اطّلاع المأموم على الفسق، بل لكلّ أحد في ذلك حكم نفسه.

ولا يقدح فيها مخالفة الإمام للمأموم في الفروع الشرعيّة إذا لم تخرق الإجماع.

نعم، لو ترك شرطاً أو واجباً يعتقده المأموم كالمخالفة في القبلة ووجوب السورة

ص: 598


1- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 266، ح 755.
2- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 31، ح 110 .
3- كما في ذكرى الشيعة، ج 4، ص 256 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).
4- منهم ابن الجنيد كما نقله عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 513، المسألة 372 .

وإن قرأها على وجه الاستحباب لم يجز الاقتداء به وإن لم يكن ذلك قادحاً فيها.

وكذا لو صلّى فيما يعتقد المأموم المنع من الصلاة فيه.

(و) رابعها: (طهارة المولد) بمعنى عدم الحكم ولو من المأموم بكونه ولد زنى، فلا تجوز إمامته وإن كان بمثله؛ لقول الباقر علیه السلام في رواية زرارة: «لا تقبل شهادة ولد الزنا، ولا يؤمّ الناس»(1) ، وقولهم : «إنّه شرّ الثلاثة»(2).

ولا يلحق به ولد الشبهة، ولا مَنْ تناله الألسن مع حكم الشارع بلحوقه بأب؛ لأصالة سلامة النسب.

(و) خامسها أن لا يشتمل على نقص بالإضافة إلى المأموم، وهو شرط خاصّ لا يمنع من مطلق الإمامة، فيشترط (أن لا يكون) الإمام (قاعداً) وهو يؤمّ (بقيام) وكذا مَنْ يتّصف بباقي المراتب بأعلى منه مرتبةً؛ لقول النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم : «لا يَؤُمَّن أحد بعدي جالساً»(3) وقول عليّ علیه السلام : «لا يؤمّ المقيّد المطلقين»(4).

ولأنّ القيام ركن فلا تصحّ إمامة العاجز عنه بالقادر عليه كغيره من الأركان.

ولو عرض العجز عنه في أثناء الصلاة انفرد المأمومون إن لم يمكنهم استخلاف ،بعضهم، ولا يجوز لهم الإتمام خلفه، كما لا يجوز ابتداءً.

ويجوز للعاجز إمامة مساويه إجماعاً لا الأعلى وإن كان بجزء من القيام مع

اشتراكهما في الانحناء.

وهل تجوز إمامة المفتقر في القيام إلى الاعتماد بمَنْ لا يفتقر إليه؟ نظر: من اشتراكهما في وصف القيام، ونقص مرتبة الإمام.

ص: 599


1- الكافي، ج 7، ص 396، باب ما يرد من الشهود، ح 8 تهذيب الأحكام، ج 6، ص 244 - 245، ح 614.
2- سنن أبي داود، ج 4، ص 29، ح 3963؛ السنن الكبرى البيهقي، ج 10، ص 19، ح 19987: المستدرك على الصحيحين، ج 4، ص 100؛ مسند أحمد، ج 2، ص 598، ح 8037 .
3- سنن الدارقطني ، ج 2، ص 72، ح 6/1468: السنن الكبرى البيهقي، ج 3، ص 114، ح 5075: الفقيه، ج 1، ص 381، ح 1119.
4- الكافي، ج 3، ص 375 ، باب من تكره الصلاة خلفه .... ح 2 تهذيب الأحكام، ج 3، ص 27، ح 94 .

واستقرب المصنّف في النهاية الجواز(1) . وعدمه أوضح.

(و) يشترط أيضاً أن (لا) يكون الإمام (أمّيّاً) إذا كان يومّ (بقارئ).

والمراد بالأُمّى هنا مَنْ لا يحسن قراءة الحمد والسورة أو أبعاضهما.

واحترز بالقارئ عمّا لو أمَّ بمثله، فإنه جائز مع تساويهما في كيفيّة الأُميّة وعجزهما عن التعلّم، وعن الائتمام بقارئ أو أقلّ منهما لحناً، فلو أحسن أحدهما بعض الفاتحة والآخر بعضاً آخر لم يجز لأحدهما الائتمام بالآخر، أمّا لو أحسن أحدهما الفاتحة أو بعضها والآخر السورة أو بعضها جاز ائتمام الثاني بالأوّل دون العكس؛ للإجماع على وجوب الفاتحة في الصلاة، بخلاف السورة.

ولو ائتمّ جاهل الفاتحة مع علمه بالسورة بعكسه ثمّ تعاكسا في الإمامة عند الفراغ من قراءة الفاتحة وهكذا في الركعة الثانية بني على جواز نقل النيّة من الانفراد إلى الجماعة، فإن جوّزناه احتمل هنا الجواز.

والأخرس في معنى الأُمّي فيجوز أن يؤمّ مثله دون الناطق وإن كان أُمّيّاً.

ولو اشترك الأمّيّان في الكيفيّة وقدر المأموم على التعلّم لم يجز له الائتمام.

(و) كذا (لا تجوز إمامة اللاحن) في قراءته، سواء غيّر لحنه المعنى كضمّ تاء «أنعمت» أم لم يغيّر كفتح دال «الحمد».

(و) كذا لا تجوز إمامة (المبدّل) حرفاً بغيره (بالمتقن) لقراءته الخالي عن اللحن والتبديل.

وتجوز إمامته لمثله مع اتّفاق موضع اللحن والحرف المؤوف إذا عجزا عن التعلّم أو ضاق الوقت. ولو عجز اللاحن عن التعلّم أو ضاق الوقت عليه وقدر على الائتمام وجب عليه؛ لقدرته على فعل الصلاة تامّةً. ولو عجز الإمام خاصّةً، صحَت صلاته لا غير.

ولو اختلف الموضع لم يصحّ مطلقاً.

وأطلق الشيخ كراهة إمامة مَنْ يلحن في قراءته، أحال المعنى أم لم يحل في الحمد

ص: 600


1- نهاية الإحكام، ج 2، ص 146 .

والسورة إذا تعذّر عليه الإصلاح(1) .

ويفهم من ابن إدريس اختصاص المنع بمن يحيل المعنى(2) .

والمبدل هو «الألثغ» بالثاء المثلّثة، وهو الذي يبدل حرفاً بغيره، كأن يجعل الراء غيناً أو لاماً والسين ثاءً والحاء هاءً، ونحوه. وفي معناه الأرتُ.

وربما خصّ «الألثغ» بمن يجعل الراء لاماً، و«الأرتَ» بمن يلحقه في أوّل كلامه رتج فيتعذّر عليه، فإذا تكلّم انطلق لسانه، فعلى هذا تجوز إمامته مطلقاً لعدم المانع.

وفي حكم الألثغ «الأليغ» بالياء المثنّاة من تحت بنقطتين، وهو الذي لا يبين الكلام. و«التمتام» و«الفأفاء»، وهو الذي لا يحسن تأدية التاء والفاء. وربما فُسّرا بمن يكرّر التاء والفاء بمعنى أنّه لا يتيسّر لهما الحرفان إلا بترديدهما مرّتين فصاعداً. وعلى هذا لا مانع من إمامتهما؛ لأنّ ذلك زيادة غير مخرجة عن صحّة الصلاة. نعم، يكره للمتقن الائتمام بهما.

وفي حكمهما مَنْ لثغته خفيفة لا تبلغ إخراج الحرف عن حقيقته وإن نقص عن كماله.

(و) كذا (لا) يجوز أن تؤمّ (المرأة برجل) إجماعاً، ولقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «لا تؤمّ امرأة رجلاً»(3)

(و) كذا (لا) تؤمّ (خنثى) مشكلاً؛ لعدم العلم بأنوثيّته.

(ولا) يجوز أن يؤمّ (خنثى بمثله) لجواز اختلافهما في الذكوريّة والأنوثيّة وكون الإمام هو الأُنثى. ويُعلم من ذلك أنّ الخنثى لا تؤمّ رجلاً بطريق أولى. والحاصل أنّ الخنثى في حقّ الرجل كالأُنثى وفي حقّ الأُنثى كالرجل.

(وصاحب المنزل) في منزله (و) صاحب (المسجد) وهو الإمام الراتب فيه (و) صاحب (الإمارة) من قِبَل العادل في إمارته والهاشمي مع اجتماع (الشرائط)

ص: 601


1- المبسوط، ج 1، ص 219 .
2- السرائر، ج 1، ص 281 .
3- سنن ابن ماجة، ج 1، ص 343، ح 1081؛ السنن الكبرى البيهقي، ج 3، ص 244، ح 5570: مسند أبي يعلى، ج 3، ص 381 - 382 ، ح 1856.

المعتبرة في الإمام في الأربعة (وإمام الأصل) مع حضوره جماعة (أولى) بالإمامة من غيرهم لو اجتمعوا مع مَنْ تصحّ إمامته؛ لقول النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم : «لا يؤمّنَ الرجلُ الرجلَ في بيته ولا في سلطانه»(1). وقوله صلی الله علیه وآله وسلم: «مَنْ زار قوماً فلا يؤمّهم»(2) وهو شامل للمسجد وغيره. ولأنّ تقديم غيرهم ربما أورث وحشةً وتنافراً.

وأولويّة الهاشمي مشهورة بين المتأخّرين، وأكثر المتقدّمين لم يذكروه.

قال في الذكرى:

ولم نره مذكوراً في الأخبار إلّا ما روي مرسلاً أو مسنداً بطريق غير معلوم من قول النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم : «قدّموا قريشاً ولا تقدّموها»(3) وهو على تقدير تسليمه غير صريح في المدّعى. نعم هو مشهور في التقديم في صلاة الجنازة من غير رواية تدلّ عليه. نعم، فيه إكرام للنبيّ صلی الله علیه وآله وسلم ؛ إذ تقديمه لأجله نوع إكرام، وإكرام رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم وتبجيله ممّا لاخفاء بأولويّته(4) .

وأولويّة الإمام الأعظم ظاهرة، وأولويّة الجميع في الجملة واضحة، لكن لا إشعار في العبارة بحكمهم عند الاجتماع وتنقيحه يتمّ بمباحث :

أ: إمام الأصل أولى من غيره مطلقاً مع حضوره، ولا يجوز لغيره التقدّم عليه؛ لأنّ له الرئاسةَ العامّة. ولقوله تعالى: (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ)(5) وهو حاكم على صاحب البيت وغيره، وقد أمَّ النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم عتبان(6) بن مالك وأنساً في

ص: 602


1- صحيح مسلم، ج 1، ص 465. ح 673/290؛ سنن أبي داود، ج 1، ص 159، ح 582: السنن الكبرى، البيهقي، ج 3، ص 179 ، ح 5321 .
2- سنن أبي داود، ج 1، ص 162 - 163 ، ح 596؛ الجامع الصحيح، ج 2، ص 187، ح 356؛ السنن الكبرى البيهقي ، ج 3، ص 179 - 180، ح 5324: المعجم الكبير، الطبراني، ج 19 ، ص 286 ، ح 632.
3- معرفة السنن والآثار، ج 1، ص 154 ، ح 217؛ وج 4، ص 211، ح 5907 و 5912: کنز العمّال، ج 12، ص 22 ،ح 33789 - 33791.
4- ذكرى الشيعة، ج 4 ص 274 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).
5- النساء (4): 59 .
6- في «الأصل و م» والطبعة الحجريۀة غسان والصحيح ما أثبتناه من المصادر.

بيوتهما(1) . ولو لم يحضر واستناب أحداً كان النائب أولى من غيره؛ لترجّحه بتعيين الإمام، فإنّه لا يستنيب إلّا الراجح أو المساوي، وعلى التقديرين الترجيح حاصل. وهو أولى من صاحب المنزل والمسجد والإمارة.

ب : أحد الثلاثة الأوّل مع عدم حضور الإمام أو نائبه أولى من غيرهم وإن كان أفضل منهم إذا كانوا بشرائط الإمام، بل قال المصنّف في صاحب المنزل: إنّه لا نعلم فيه خلافاً(2) .

ولو اجتمع صاحب المنزل أو المسجد مع صاحب الإمارة كانا أولى منه.

ج: على تقدير أولويّة الهاشمى فالثلاثة أولى منه.

وهل هو بعدهم بغير فصل ؟ أطلق الشيخ في المبسوط(3) .

وجَعَله بعض الأصحاب(4) بعد الأفقه الذي هو متأخّر عن الأقرأ، واختاره في الدروس(5) ، وهو أجود.

د : أولويّة الثلاثة المتقدّمة ليست مستندةً إلى فضيلة ذاتيّة، بل هي إلى السياسة الأدبيّة أقرب، فلو أذنوا لغيرهم انتفت الكراهة، وصار المأذون أولى من غيره وإن كان أكمل منه.

وهل الأولى لهم الإذن للأكمل أو مباشرة الإمامة؟ تردّد في الذكرى؛ لعدم النصّ(6) . فإن قيل بالثاني فالأفضل للمأذون له ردّ الإذن ليستقرّ الحقّ على أصله.

ص: 603


1- صحيح البخاري، ج 1، ص 149 - 150 ، ح 373، وص 164 ، ح 415؛ صحیح مسلم، ج 1، ص 455 ،ح 33/263، وص 457، ح 266 - 660/268؛ سنن النسائي، ج 2، ص 86 و 105: السنن الكبرى البيهقي، ج 18، 3، ص 136، ح 5157 و 5158: المعجم الكبير، الطبراني، ج 18، ص 25، ح :43 مسند أبي عوانة، ج 1، ص 408 ، ح 1506: مسند أحمد، ج 3، ص 117، ح 12098: وج 4، ص 85، ح 12857.
2- تذكرة الفقهاء، ج 4، ص 311. المسألة 586.
3- المبسوط، ج 1، ص 220.
4- السيّد ابن زهرة في غنية النزوع، ج 1، ص 88.
5- الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 139 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9).
6- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 273 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).

ولو قيل باستحباب الإذن للأفضل كان وجهاً؛ اقتصاراً في مخالفة الأصل وعموم أدلّة الأفضل على المتيقّن، وهو ما لو لم يأذن.

ه: أولويّة الراتب لا تتوقّف على حضوره، فلو تأخّر عن الحضور أو سألوه ليحضر أو يستنيب، فإن تأخّر الجواب لبعد المنزل أو غيره وخيف فوت وقت الفضيلة قدّم المصلّون مَنْ يختارونه، ومع الاختلاف تأتي المراتب.

وهل الحكم في أخويه كذلك؟ يحتمله؛ للمساواة في العلّة.

ولو حضر بعد أن شرعوا في الصلاة لم يجز القطع ودخل معهم. ولو حضر بعد صلاتهم استحبّ إعادتها معه؛ لما فيه من اتّفاق القلوب مع تحصيل الاجتماع مرّتين في الصلاة، وسيأتي إن شاء الله جوازه.

و : لا فرق في صاحب المنزل بين المالك لعينه أو لمنفعته، كالمستأجر والموصى له بمنفعته أو الموقوف عليه على القول بعدم انتقال الملك إليه، والمستعير لصدق اسم المنزل في الجميع ولأنّ الإضافة تصدق بأدنى ملابسة.

ولو اجتمع مالك رقبة الدار ومالك منفعتها ملكاً تامّاً كالمستأجر فمالك المنفعة أولى .

وأمّا المستعير فالظاهر أنّ المالك أولى منه؛ لأنّ تسلّطه ليس بتامّ لجواز إخراج المالك له متى شاء، والإضافة وإن أمكنت بالنسبة إليه لكنّها في المالك أقوى.

والمكاتب مطلقاً مالك فيقدّم على المولى.

وفي العبد لو قلنا بملكه نظر وهو أولى من غير السيّد قطعاً.

ولو لم يكن الإمام الأعظم ولا نائبه ولا أحد الثلاثة رجع في تعيين الإمام إلى المأمومين، فمن اتّفقوا عليه فهو أولى وإن كان مفضولاً، فيكره لغيره التقدّم، فإن اختلفوا، قال المصنّف في التذكرة : يقدّم اختيار الأكثر(1) .

وأطلق الأصحاب طلب الترجيح مع الاختلاف.

ص: 604


1- تذكرة الفقهاء، ج 4، ص 306 ، المسألة 581.

وعلى كلّ حال ليس للمأمومين أن يقتسموا ويصلّي كلّ قوم خلف مَنْ يختارونه؛ لما فيه من الاختلاف المثير للإحن(1) .

(و) الحكم حينئذٍ أن (يقدّم الأقرأ مع التشاحّ) بين المأمومين على المشهور؛ لقول النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم : «يومّ القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواءً فأعلمهم بالسنّة، فإن كانوا بالسنّة سواءً فأقدمهم هجرةً، فإن كانوا في الهجرة سواءً فأقدمهم سنّاً»(2) .

وعن الصادق علیه السلام: «أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله و سلم قال: يتقدّم القوم أقرؤهم للقرآن»(3) .

وذهب بعض الأصحاب إلى تقديم الأفقه(4) ؛ لأهمّيّة الحاجة إليه، وتوقّف القراءة عليه، ولأنّ(5) القراءة محصورة والفقه غير محصور، وقد قال النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم: «مَنْ صلّى بقوم وفيهم مَنْ هو أعلم منه لم يزل أمرهم في سفال إلى يوم القيامة»(6).

وحُمل الخبر على أنّ القراءة في الصدر الأوّل كانت مستلزمةً للفقه؛ لأنّهم كانوا إذا تعلّموا شيئاً من القرآن تعلّموا أحكامه.

قال ابن مسعود: كُنّا لا نتجاوز عشر آيات حتّى نعرف أمرها ونهيها وأحكامها فكان أقرؤهم أفقههم(7) .

ويجاب بأنّ حكمه صلی الله علیه وآله وسلم ليس مختصّاً بالصحابة والعبرة بعموم اللفظ، والمفروض علم القارئ بأحكام الصلاة ليصحّ الاقتداء به، وما زاد عليه لا تتوقّف عليه القراءة.

ص: 605


1- الإخنة: الحقد والجمع: إحن لسان العرب، ج 13، ص 9.
2- صحيح مسلم، ج 1، ص 465 ، ح 673/290: الجامع الصحيح، ج 1، ص 458 - 459 ح 235 سنن النسائي ج 2، ص 76: السنن الكبرى البيهقي، ج 3، ص 169، ح 5285.
3- الكافي، ج 3، ص 376 ، باب من تكره الصلاة خلفه .... 5: تهذيب الأحكام، ج 3، ص 31 - 32، ح 113.
4- كما في تذكرة الفقهاء، ج 4، ص 306، المسألة 581 ؛ وذكرى الشيعة، ج 4، ص 275 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).
5- في «الأصل و م» والطبعة الحجريّة: «وبأنّ». والظاهر ما أثبتناه.
6- الفقيه، ج 1، ص 378، ح 1103.
7- نقله عنه العلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 4، ص 307، ذيل المسألة :581؛ وفي المغني والشرح الكبير، ج 2، ص 18. المسألة 1116، إلى قوله: ونهيها.

والمراد بالأقرأ الأجود أداءً وإتقاناً للقراءة ومعرفةً لمحاسنها المدوّنة في علمها وإن كان أقلّ حفظاً.

فإن تساووا في ذلك(1) قدّم الأكثر حفظاً، فإن تساووا في جميع ذلك (فالأفقه) في أحكام الصلاة، فإن تساووا فيها فالأفقه في غيرها؛ لعموم الخبر السالف(2).

ولم يعتبر في الذكرى الترجيح بالزائد؛ لعدم تعلّقه بالصلاة(3) .

ويندفع - مع ما سلف - بأنّ المرجّحات لا تختصّ بالصلاة، بل منها ما يتعلّق بها كالقراءة، ومنها ما هو كمال في نفسه يوجب التقديم، كالهجرة والسنّ والصباحة، فليكن الفقه كذلك، بل هو أدخل وأولى فى باب الصلاة؛ لما مرّ من أفضليّة الصلاة خلف العالم.

وهذا الترتيب هو المشهور.

وذهب بعض أصحابنا إلى تقديم الأسنّ على الأفقه، ونقله المصنّف عن المرتضى(4) ، ونقل عنه في الذكرى تأخر الأسنّ عن الأفقه(5) .

فإن تساووا في الفقه والقراءة (فالأقدم هجرةً) من دار الحرب إلى دار الإسلام. قال المصنّف أو يكون من أولاد مَنْ تقدّمت هجرته(6) .

وقد تقدّم في الصلاة على الميّت تمام البحث عنها.

فإن تساووا في الهجرة أو انتفت عنهما (فالأسنّ) في الإسلام لا مطلقاً، فلو كان أحدهما ابن خمسين كلّها في الإسلام والآخر ابن سبعين لكن إسلامه أقلّ من خمسين فالأوّل أسنّ كذا قيّده الشيخ(7) ، وتبعه الجماعة. والخبر مطلق.

ص: 606


1- في الطبعة الحجريّة في جميع ذلك.
2- في ص 605.
3- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 276 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).
4- تذكرة الفقهاء، ج 4، ص 308، المسألة 582 .
5- ذكرى الشيعة، ج 4 ص 276 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).
6- تذكرة الفقهاء، ج 4، ص 308، المسألة 583 .
7- المبسوط ، ج 1، ص 224 .

فإن تساووا في جميع ذلك (فالأصبح) ذكره أكثر الأصحاب(1) ، ونقله المرتضى روايةً(2) . وعلّلوه بدلالته على مزيد عناية الله به.

ونفاه المحقّق في المعتبر؛ إذ لا مدخل له في شرف الرجال(3).

والمراد به صباحة الوجه؛ لما ذكر فى التعليل من مزيد العناية.

وربما فُسّر بحسن الذكر بين الناس؛ لدلالته أيضاً على حسن الحال عند الله تعالى.

وقد روي: «أنّ الله إذا أحبّ عبداً جعل له صيتاً حسناً بين الناس»(4) ، وفي كلام عليّ علیه السلام: «وإنّما يستدلّ على الصالحين بما يُجري الله لهم على ألسن عباده»(5) .

فإن تساووا في جميع ذلك أو اشتركوا في فقد بعضه كالهجرة فهل يقدّم الأتقى والأورع ؟ قيل : نعم(6) ، واختاره المصنّف في التذكرة ؛ لأنّه أشرف في الدين وأكرم على الله؛ لقوله تعالى: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَسَكُمْ)(7) بل قوّى تقديمه على الأشرف ؛ لأنّ شرف الدين خير من شرف الدنيا(8) . وحينئذٍ يمكن اعتبار ذلك في كلّ مرتبة.

وممّا يرجّح اعتباره في الجملة أنّ الصباحة قدّم بها؛ لكونها من علاماتها فأولى أن يترجّح بذاتها.

والمراد بالأورع الأقوى التزاماً واتّصافاً بصفة الورع، وهو العفّة وحسن السيرة، وهو

ص: 607


1- منهم ابنا بابويه كما في الفقيه، ج 1، ص 377 ذيل الحديث 1098؛ والمقنع، ص 112؛ والشيخ في النهاية. ص 111؛ والمبسوط، ج 1، ص 224؛ وسلار في المراسم ص 87 والقاضي ابن البرّاج في المهذّب، ج 1، ص 81؛ وابن حمزة في الوسيلة، ص 105.
2- جُمل العلم والعمل، ص 75 وكذا نقله عن مصباح السيّد، المحقّق في المعتبر، ج 2، ص 440.
3- المعتبر، ج 2، ص 440.
4- لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر .
5- نهج البلاغة، بشرح محمد عبده، ص 600 من عهده علیه السلام إلى الأشتر النخعي.
6- القائل هو الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 4، ص 279 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).
7- الحجرات (49): 13 .
8- تذكرة الفقهاء، ج 4، ص 310 - 311، المسألة 585.

مرتبة وراء العدالة تبعث على ترك المكروهات والتجنّب عن الشبهات والرخص.

ويؤيّد اعتبارها في المراتب أنّ العدالة المعتبرة في الإمام تقبل الشدّة والضعف فكما يقدّم الأكثر فقهاً والأكثر قرآناً وغيرهما فكذا الأشدّ عدالةً، وحيث كانت العدالة معتبرةً في جميع المراتب كانت زيادتها مرجّحةً في الجميع. ولأنّ الإمامة سفارة بين الله تعالى وبين الخلق، فأولاهم بها أكرمهم على الله، وكلّما كان الورع أتمّ كان تحقّق العدالة أشدّ.

ووجه عدم اعتبار ذلك عدم ذكر الأخبار والأصحاب له.

ولو استووا في جميع ذلك أو فيما أمكن منه أقرع بينهم، كما اختاره المصنّف في غير هذا الكتاب؛ معلّلاً بالقرعة في الأذان في عهد الصحابة فالإمامة أولى(1).

ويمكن تعليله بالأخبار العامّة في القرعة.

وربما قيل بترجّح العربي على العجمي، والقرشي على باقي العرب والمنتسب إلى الأب راجح بعلم أو تقوى أو صلاح، ومن ثُمَّ يرجّح أولاد المهاجرين على غيرهم بشرف آبائهم. ونفى عنه في الذكرى البأس(2).

(ويجوز أن تؤمّ المرأة النساء) في النوافل(3)ر التي يجمع فيها إجماعاً، وفي الفرائض على المشهور؛ لأنّ النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم أمر أمّ ورقة بنت عبدالله بن الحارث بن نوفل أن تؤمّ أهل دارها، وكان النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم يزورها، وجَعَل لها مؤذّناً(4).

وعن الصادق علیه السلام: «لا بأس بإمامة المرأة النساء»(5).

وروى عليّ بن يقطين عن الكاظم علیه السلام، قال: سألته عن المرأة تؤمّ النساء ما حدّ رفع

ص: 608


1- تذكرة الفقهاء، ج 4 ص 311، المسألة 585 .
2- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 280 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).
3- في الطبعة الحجريّة النافلة.
4- سنن أبي داود، ج 1، ص 161 - 162 ، ح 592.
5- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 31، ح 111؛ الاستبصار، ج 1، ص 426، ح 1644.

صوتها بالقراءة أو بالتكبير؟ فقال: «بقدر ما تُسمع»(1) .

وذهب جماعة من الأصحاب (2) - منهم المصنّف في المختلف(3) - إلى منع إمامتها في الفريضة؛ لصحيحة الحلبي عن الصادق علیه السلام قال: «تؤمّ المرأة النساء في النافلة، ولا تؤمّهنَّ في الفريضة»(4) .

وصحيحة زرارة عن الباقر علیه السلام في المرأة تؤمّ النساء: «لا، إلّا على الميّت»(5) .

ومثلها أخبار أخرى صحيحة، وحُملت على نفي الاستحباب المؤكّد، لا على مطلق الاستحباب توفيقاً بينها وبين ما تقدّم.

وفي المعتبر حمل أخبار المنع على الندور(6) . والعمل على المشهور، بل ادّعى المصنّف في التذكرة عليه الإجماع(7) .

(ويستنيب المأمومون لو مات الإمام أو أغمي عليه) مَنْ يكمل بهم الصلاة؛ لرواية الحلبي عن الصادق علیه السلام في رجل أمَّ قوماً بركعة ثمّ مات قال: «يقدّمون رجلاً آخر، ويعتدّون بالركعة»(8) .

ولو عرض للإمام مانع عن الإكمال مع بقاء رشده كالحدث استخلف هو مَنْ يتمّ

ص: 609


1- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 267، ح 760 .
2- منهم: ابن الجنيد كما نقله عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 486 ، المسألة 344؛ والسيد المرتضى كما نقله عنه ابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 281؛ والجعفي كما نقله عنه الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 4، ص 244 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).
3- مختلف الشيعة، ج 2، ص 487 ، المسألة 344.
4- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 268، ح 765؛ الاستبصار، ج 1، ص 427، ح 1647.
5- الفقيه، ج 1، ص 397، ح 1179؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 206، ح 488، وص 268، ح 766، وص 326. ح 1019، وص 331 - 332، ح 1038؛ الاستبصار، ج 1، ص 427، ح 1648.
6- المعتبر، ج 2، ص 427.
7- تذكرة الفقهاء، ج 4، ص 236، المسألة 538 .
8- الكافي، ج 3، ص 383 باب الرجل يدرك مع الإمام بعض صلاته .... ح 9؛ الفقيه، ج 1، ص 403 ، ح 1199؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 43، ح 148.

بهم؛ لما روي عن عليّ علیه السلام : مَنْ وجد أذىً فليأخذ بيد رجل فليقدّمه»(1).

وحقّ الاستخلاف هنا للإمام، فلو لم يفعل استناب المأمومون؛ لرواية عليّ بن جعفر عن أخيه موسى علیه السلام(2).

وليس الاستخلاف شرطاً في الجماعة، فلو تقدّم أحدهم واقتدى به الباقون أو بعضهم صحّ. وكذا لو نووا الاقتداء بمعيّن وإن لم يعلموه. ولا فرق بين كونه مأموماً مثلهم أو منفرداً، لكن تكره استنابة مَنْ بقي من صلاته أقلّ منهم أو أكثر حذراً من الإبهام، كما في اقتداء الحاضر بالمسافر، وبالعكس.

ومتى كانت الاستنابة من المأمومين تعيّن عليهم نيّة الاقتداء بالقلب من دون تلفّظ وهي بسيطة لا يشترط فيها غير القصد إلى الائتمام بالمعيّن.

وإن كان المستخلف الإمام، قيل: لا يشترط النيّة؛ لأنّه خليفة الإمام فيكون بحكمه، فكما لا يجدّد معه فكذا مع خليفته(3). واختاره المصنّف في التذكرة والنهاية(4) . ولا ريب أن التجديد أولى.

ثمّ إن كان العارض حصل قبل القراءة، قرأ المستخلف أو المنفرد لنفسه جميع القراءة.

وإن كان في أثنائها، ففي البناء على ما وقع منها أو الاستئناف أو الاكتفاء بإعادة السورة التي فارق فيها، سواء كانت الحمدَ أم السورةَ ،أوجُه أعدلها الأخير، وإن كان الأوّل لا يخلو من قوّة.

وإن كان بعد الفراغ من القراءة وقبل الركوع، ففي الاكتفاء بقراءته أو استئناف القراءة لكونه في محلّها ولم يقرأ، وجهان، أصحّهما الأوّل.

(ويكره أن يأتمّ حاضر بمسافر) على المشهور؛ لقول الصادق علیه السلام: «لا يؤمّ الحضريُ

ص: 610


1- الكافي، ج 3، ص 366، باب ما يقطع الصلاة من الضحك.... ح 11؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 325 ح 1331 ؛الاستبصار، ج 1، ص 404، ح 1940.
2- الفقيه، ج 1، ص 403، ح 1198؛ تهذيب الأحكام ، ج 3، ص 283 - 284، ح 834.
3- انظر ذكرى الشيعة، ج 4، ص 286 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).
4- تذكرة الفقهاء، ج 4، ص 271 - 272، المسألة 557؛ نهاية الإحكام، ج 2 ص 129 .

المسافر والمسافرُ الحضري»(1) .

و مَنَعه جماعة من الأصحاب(2) ، عملاً بظاهر الرواية.

وكذا يكره العكس وهو ائتمام المسافر بالحاضر؛ للرواية(3).

ويظهر من المصنّف في المختلف ،عدمه وطعن في الرواية بضعف الطريق(4) .

والكراهة مخصوصة بالصلاة المقصورة، فلا يكره في غيرها مع احتمال العموم عملاً بإطلاق الرواية.

(و) كذا تكره (استنابة المسبوق) في إكمال الصلاة لو انتهت صلاة الإمام، أو عرض له ما يمنع الإكمال(5) ؛ لقول الصادق علیه السلام: «إذا أحدث الإمام وهو في الصلاة فلا ينبغي له أن يستخلف إِلَّا مَنْ شهد الإقامة»(6).

ولاحتياج المسبوق إلى أن يستخلف مَنْ يسلّم بهم.

(و) كذا تكره (إمامة الأجذم والأبرص) على المشهور؛ للنهي عنه في عدّة أخبار. وحملت على الكراهة؛ جمعاً بينها وبين ما دلّ على الجواز، كرواية عبدالله بن يزيد قال: سألت الصادقَ علیه السلام عن المجذوم والأبرص يؤمّان المسلمين؟ قال: «نعم» قلت وهل يبتلي الله بهما المؤمن؟ قال: «نعم، وهل كتب البلاء إلّا على المؤمن ؟ »(7) .

ومَنَعه جماعة(8)؛ عملاً بظاهر النهي .

ص: 611


1- الفقيه، ج 1، ص 398، ح 1182؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 164، ح 355، وص 226، ح 574؛ الاستبصار، ج 1، ص 426، ح 1643.
2- منهم عليّ بن بابويه كما نقله عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 489، المسألة 348.
3- انظر المصادر في الهامش 1.
4- مختلف الشيعة، ج 2، ص 489 - 490، المسألة 348 .
5- في «م»: أو عرض له مانع من الإكمال.
6- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 42، ح 146؛ الاستبصار، ج 1، ص 434، ح 1674.
7- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 27، ج 93؛ الاستبصار، ج 1، ص 422 - 423، ح 1627.
8- منهم: السيّد المرتضى في جُمل العلم والعمل، ص 74: وأبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه، ص 143: وابن زهرة في غنية النزوع، ج 1، ص 88 .

(و) إمامة (المحدود بعد توبته) للنهي عنه كذلك، ولسقوط محلّه من القلوب ونقص منزلته بذلك وإن تاب.

(والأغلف) مع عدم تمكّنه من الختان؛ لقول عليّ علیه السلام : «الأغلف لا يؤمّ القوم وإن كان أقرأهم، لأنّه ضيّع من السنّة أعظمها»(1).

ولو قدر وأهمل فهو فاسق، ولا تصحّ صلاته بدونه وإن كان منفرداً.

(ومَنْ يكرهه المأموم) لقوله صلی الله علیه وآله وسلم: «ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم - وعَدَّ منهم -: مَنْ أمَ قوماً وهُمْ له كارهون»(2) .

وقال عليّ صلی الله علیه وآله وسلم الرجل أمّ قوماً وهُمْ له كارهون: « إنّك لخروط» (3) بفتح الخاء المعجمة والراء المهملة والواو والطاء المهملة، وهو الذي يتهوّر في الأمور ويركب رأسه في كلّ ما يريد بالجهل وقلّة المعرفة بالأمور.

قال المصنّف في التذكرة :

والأقرب أنّه إن كان ذا دين يكرهه القوم لذلك، لم تكره إمامته، والإثم على مَنْ كرهه، وإلّا كرهت(4) .

ويمكن حمل الكراهة على كراهتهم لكونه إماماً بأن يريدوا الائتمام بغيره، فإنّه يكره له أن يؤمّهم. وقد تقدّم أنّ خيرة المأمومين مقدّمة على جميع المرجحات، وفي الخبر إيماء إليه.

(والأعرابي بالمهاجرين) لقول الباقر علیه السلام في رواية محمد بن مسلم: «خسمة لا يؤمّون الناس ولا يصلّون بهم صلاة فريضة في جماعة الأبرص والمجذوم والأعرابي حتّى يهاجر وولد الزنى والمحدود»(5).

ص: 612


1- الفقيه، ج 1، ص 378، ح 1107؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 30 - 31، ح 108 .
2- السنن الكبرى البيهقي، ج 3، ص 183 ، ح 5342.
3- غريب الحديث الهروي، ج 3، ص 455 .
4- تذكرة الفقهاء، ج 4، ص 305، ذيل المسألة 579 .
5- الفقيه، ج 1، ص 378، ح 1105.

وقول الصادقعلیه السلام في صحيحة أبي بصير: «خمسة لا يؤمّون الناس على كلّ حال: المجذوم والأبرص والمجنون وولد الزنى والأعرابي»(1) .

واعلم أنّ الأعرابي هو المنسوب إلى الأعراب، وهُمْ سكّان البادية.

وقد اختلف الأصحاب في كراهة إمامته أو تحريمها بسبب النهي الوارد في الخبر واقترانه فيه بمن تكره إمامته ومَنْ تحرم.

وحَمْلُ المصنّف النهي على الكراهة(2) أوضح؛ إذ لا ريب في أنّ المراد به العدل منهم وهو يستلزم المعرفة بمحاسن الإسلام وتفاصيل الأحكام المشترطة في الإمام، وحينئذ لا مانع منه.

ووجه الكراهة حينئذٍ مع النصّ نقصه عن مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم التي تستفاد من الحضر، كما مرّ التنبيه عليه في بحث الأقدم هجرةً.

وأمّا مَنْ حرّم إمامته - كالشيخ(3) وجماعة(4) - فمرادهم - مع ظاهر النهي - بالأعرابي مَنْ لا يعرف محاسن الإسلام وتفاصيل الأحكام من سكّان البوادي المعنيّين بقوله :تعالى: (الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ، )(5) أو مَنْ عرف منهم ذلك ولكن ترك المهاجرة مع وجوبها عليه؛ لقوله تعالى: (وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ)(6) فإنّه حينئذٍ تمتنع(7) إمامته؛ لإخلاله بالواجب من التعلّم أو المهاجرة.

ص: 613


1- الكافي، ج 3، ص 375 باب من تكره الصلاة خلفه..... ح 1 تهذيب الأحكام، ج 3، ص 26 - 27 ، ح 92؛ الاستبصار، ج 1، ص 422، ح 1626.
2- مختلف الشيعة، ج 2، ص 486، ذيل المسألة 343 .
3- النهاية، ص 112: المبسوط ، ج 1، ص 155 .
4- منهم: الشيخ الصدوق في المقنع، ص 117؛ والقاضي ابن البرّاج في المهذّب، ج 1، ص 80؛ والجعفي كما نقله عنه الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 4، ص 264 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).
5- التوبة (9): 97 .
6- الأنفال (8): 72 .
7- في «م»: تمنع.

(والمتيمّم بالمتوضّئين) جمعاً بين الأخبار الواردة فيه بعضها بالنهي، كقول عليّ علیه السلام حين عد جماعة نهى عن إمامتهم: «ولا صاحب التيمّم المتوضّئين»(1) ، وبعضها بالإذن في ذلك، كصحيحة جميل بن درّاج، قال: قلت لأبي عبدالله علیه السلام : إمام قوم أصابته جنابة في السفر وليس معه من الماء ما يكفيه للغسل أيتوضّأ بعضهم ويصلّي بهم؟ قال: لا، ولكن يتيمّم الجنب ويصلّي بهم، فإنّ الله عزّ وجلّ جعل التراب طهوراً »(2).

مع أنّ في سند رواية المنع ضعفاً، وعمل بظاهرها بعض الأصحاب(3) ، فحرّم إمامته إلّا لمثله.

وإنّما عبّر المصنّف ب «المتوضّئين» دون «المتطهّرين» مع كونه أشمل بسبب دخول المغتسلين(4) ، فيهم؛ تبعاً للرواية، كما سمعت. ولأنّ المتطهّرين يدخل فيهم المتيمّمون؛ لأنّ التيمّم طهارة صحيحة بقول مطلق، ولا ريب في جواز إمامة المتيمّم لمثله.

وكان(5) الأنسب التنبيه على محلّ الكراهة صريحاً، وهو إمامة المتيمّم للمتطهّر بالماء.

(ولو علم المأموم فسق الإمام أو كفره أو حدثه بعد الصلاة لم يُعِد) صلاته في الوقت ولا في خارجه على المشهور؛ لامتثاله المأمور به وهو الصلاة خلف مَنْ يظنّه عَدْلاً؛ إذ علم العدالة في نفس الأمر غير ممكن، وامتثال الأمر يقتضي الإجزاء.

وسأل حمزة بن حمران الصادق علیه السلام عن رجل أَمَّنا في السفر وهو جنب، وقد علم ونحن لا نعلم، قال: «لا بأس»(6).

وروى ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عنه علیه السلام في قوم خرجوا من خراسان أو بعض

ص: 614


1- الكافي، ج 3، ص 375، باب من تكره الصلاة خلفه.... ح 2؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 27، ح 94.
2- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 167، ح 365؛ الاستبصار، ج 1، ص 425، ح 1638.
3- كالقاضي ابن البرّاج في المهذّب، ج 1، ص 80 .
4- في الطبعة الحجريّة «المغتسل».
5- في الطبعة الحجريّة: وإن كان.
6- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 39، ح 136؛ الاستبصار، ج 1، ص 432، ح 1667.

الجبال فكان يؤمّهم ،رجل، فلمّا صاروا إلى الكوفة علموا أنّه يهوديّ، قال: «لا يعيدون»(1).

وذهب المرتضى إلى وجوب الإعادة مع العلم(2) ؛ محتجّاً بأنّها صلاة قد تبيّن فسادها

لفوات شرطها وهو عدالة الإمام فتجب الإعادة وبأنّها صلاة منهيّ عنها؛ للأخبار الواردة بالنهي عن الصلاة خلف الكافر والفاسق والنهي في العبادة مفسد.

وقد عرفت جوابه؛ إذ ليس الشرط العلم بالعدالة، بل ظنّها وهو حاصل. والنهي يختصّ بالعالم، وإلا لزم تكليف ما لا يطاق.

(و) لو علم المأموم بذلك (في الأثناء) وجب عليه أن (يعدل إلى الانفراد) بناءً على عدم وجوب الإعادة عليه لو تبيّن ذلك بعد الصلاة، فإن استمرّ بطلت صلاته.

ومتى انفرد المأموم كان حكمه في الاكتفاء بما مضى من القراءة وغيرها أو إعادتها والبناء ما مرّ فيما لو مات الإمام أو اغمي عليه.

واعلم أنّه قد استفيد من ذلك أنّ صلاة الكافر لا تكون إسلاماً منه، وهو ظاهر مع عدم سماع الشهادتين منه؛ لأنّ الصلاة من فروع الإسلام فلا يصير مسلماً بفعلها، كالصوم والحجّ وغيرهما. ولقوله صلی الله علیه وآله وسلم : «أُمرت أن أقاتل الناس حتّى يقولوا لا إله إلّا الله، فإذا قالوها عصموا منّي دماءهم وأموالهم إلّا بحقّها»(3).

ولو سمع منه الشهادتان ففي الحكم بإسلامه وجهان. وقد مرّ البحث عن ذلك في الأذان .

(و) لو علم المأموم بذلك (في الابتداء) وجب أن (يعيد صلاته) إن دخل معه؛ لفسادها حينئذ.

ص: 615


1- الكافي، ج 3، ص 378 - 379، باب الرجل يصلّي بالقوم .... ح 4 تهذيب الأحكام، ج 3، ص 40 ، ح 141.
2- حكاه عنه ابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 282 .
3- صحيح مسلم، ج 1، ص 52 - 053 ح 21/35 سنن ابن ماجة، ج 2، ص 1295، ح 3927 و 3928؛ سنن النسائي، ج 7، ص 79 ، ح 3973 .

ويمكن أن يريد بالإعادة هنا صلاته منفرداً، وسمّاها إعادة باعتبار كونه قد أراد أن يأتمّ به قبل العلم ثمّ ترك ذلك بعده. وهو تجوّز ضعيف. وكيف كان فالعبارة ليست بجيّدة.

( ويدرك) المأموم (الركعة) مع الإمام بدخوله معه قبل الركوع إجماعاً، و (بإدراك الإمام راكعاً) بحيث يصير المأموم في حدّ الراكع قبل رفع الإمام عنه على المشهور؛ الصحيحة سليمان بن خالد عن الصادق علیه السلام: «في الرجل إذا أدرك الإمام وهو راكع فكبّر الرجل وهو مقيم صلبه ثمّ يركع قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدرك الركعة»(1) .

وقريب منه حسنة الحلبي عنه علیه السلام(2).

وذهب الشيخ (رحمه الله) إلى اشتراط إدراك المأموم تكبيرة ركوع الإمام في إدراك الركعة(3)؛ لصحيحة محمّد بن مسلم عن الباقر علیه السلام ، قال لي: «إن لم تدرك القوم قبل أن يكبّر الإمام للركعة فلا تدخل معهم في تلك الركعة»(4) .

وحُمل على أنّ المراد بالتكبير نفس الركوع.

ويمكن الجواب بمنع دلالته على عدم إدراك الركعة لو دخل حينئذ، بل على أنّه لا يدخل معهم، وجاز أن يكون تركه أفضل، مع أنّه يدرك الركعة لو خالف، ونحن نقول بذلك؛ فإنّ ترك الدخول حينئذٍ معهم أولى؛ خروجاً من خلاف الشيخ والأخبار الصحيحة. ولكن إن خالف ودخل أدرك الركعة؛ للخبرين السابقين، فإنّهما صريحان في ذلك، مع أنّ فيه جمعاً بين الأخبار، بخلاف ما لو عمل بالأخبار الثانية على الوجه الذي ذكره الشيخ فإنّه يلزم منه اطّراح الأولى.

ص: 616


1- الكافي، ج 3، ص 382، باب الرجل يدرك مع الإمام بعض صلاته.... ح 6: تهذيب الأحكام، ج 3، ص 43، ح 152؛ الاستبصار، ج 1، ص 435، ح 1679.
2- الكافي، ج 3، ص 382، باب الرجل يدرك مع الإمام بعض صلاته.... ح 5 الفقيه، ج 1، ص 389، ح 1151؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 43 - 44، ح 153؛ الاستبصار، ج 1، ص 435، ح 1680.
3- النهاية، ص 114؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 43، ذيل الحديث 148.
4- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 43 ، ح 149؛ الاستبصار، ج 1، ص 434، ح 1676.

وجمع الشيخ بينهما بحمل إدراك الإمام في الركوع على إدراكه والمأموم قد صار في الصفّ الذي لا ينبغي التأخّر عنه مع الإمكان مع كونه قد أدرك تكبيرة الركوع قبل ذلك(1).

وما ذكرناه أولى وأوفق للظاهر.

(ولا يصحّ) الائتمام (مع) وجود جسم (حائل بين الإمام والمأموم الرجل) بحيث (يمنع) من (المشاهدة للإمام أو) مشاهدة (مَنْ يشاهده) من المأمومين (في جميع الأحوال)(2) .

وقيّدنا الحائل بكونه جسماً؛ للاحتراز عن نحو الظلمة، فإنّها لا تمنع القدوة مع علم المأموم بانتقالات الإمام في ركوعه وسجوده ونحوهما. وبكونه يمنع المشاهدة عن مثل المخرم الذي لا يمنع مشاهدة جميع ما فيه، فإنّه لا يمنع صحّة القدوة على الأصحّ.

وفي قوله «أو مَنْ يشاهده» إشارة إلى أنّ مشاهدة المأموم لمثله المشاهد للإمام أو لمن يشاهده وإن تعدّد كافٍ، وإلّا لم يمكن القدوة للصفوف المتعدّدة.

وخرج بقوله «في جميع الأحوال» ما لو منع الحائل المشاهدة في حالةٍ دون أُخرى، كالقصير الذي يمنع حالة الجلوس أو عكسه، فإنّه غير مانع.

وقيّد المأموم بكونه رجلاً ليحترز به عن المرأة، فإنّه لا يقدح الحائل بينها وبين الإمام مع إمكان المتابعة.

ويجب تقييده بكون إمامها رجلاً، فلو كان امرأةً مثلها فكالرجل، والخنثى كالمماثل؛ لجواز كونها رجلاً إن كانت مقتديةً برجل، وأُنثى إن كانت الأُنثى مقتديةً بها.

ومنع ابن إدريس من الحائل بين المرأة والرجل (3) عملاً بالإطلاق.

والنصّ حجّة عليه.

ص: 617


1- الاستبصار، ج 1، ص 435، ذيل الحديث 1680.
2- قوله: «اللإمام أو من يشاهده في جميع الأحوال»، لم يرد في إرشاد الأذهان.
3- السرائر، ج 1، ص 289 .

(و) كذا (لا) تصحّ القدوة (مع علوّ الإمام) على المأموم (و) لا مع (تباعده) عنه (بغير صفوف) مأمومين.

ولا تقدير للعلوّ والبُعْد، بل (بالمعتدّ) عرفاً (فيهما) بحيث يسمّى علواً وبُعْداً كذلك.

وللمصنّف قول بتقدير العلوّ بما لا يتخطّى عادة(1) . وهو قريب من العرف، وفي بعض الأخبار(2) دلالة عليه.

ويعتبر البُعْد مع تعدّد الصفوف بين الصفّ الأوّل والإمام وبين كلّ صفّ وما بعده، فمتى حصل البُعْد في بعض بطلت صلاته وصلاة مَنْ تأخّر عنه، دون المتقدّم. ولو لم يتباعد صحّ الجميع ما لم يؤدّ إلى البُعْد المفرط المؤدّي إلى التخلّف الفاحش عن الإمام بسبب تأخّر علمه بانتقالاته.

ويشترط في صحّة صلاة البعيد انعقاد صلاة المتخلّل بينه وبين الإمام، فلو كانت باطلةً لم تصحّ صلاة المتأخّر البعيد؛ لعدم اتّصال الصفوف في نفس الأمر.

ولو انتهت صلاة المتخلّل قبل المتأخّر المفارقة ونحوها، انفسخت قدوة البعيد وإن انتقل بعد ذلك إلى القرب.

نعم، لو انتقل قبل انتهاء صلاة المتخلّل ولم يستلزم الانتقال فعلاً كثيراً أو استلزم وكان الانتقال نسياناً استمرّت القدوة .

وهل للبعيد التحرّم قبل المتوسّط؟ يحتمل ذلك - وهو الذي استقربه الشهيد في البيان(3) - لأنّ ذلك فى حكم الاتّصال؛ لأنّ المتخلّل مأموم بالقوّة القريبة من الفعل. ولأنّ الشروع في مقدّمات الصلاة من الإقامة والدعاء كالشروع في الصلاة.

ويمكن المنع؛ لأنّ خلوّ المتخلّل من القدوة لو حصل في حال استدامة قدوة

ص: 618


1- تذكرة الفقهاء، ج 4، ص 263، المسألة 553؛ نهاية الإحكام، ج 2، ص 124.
2- الكافي، ج 3، ص 385 باب الرجل يخطو إلى الصفّ..... ح 4: الفقيه، ج 1، ص 386، ح 1144؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 52 ، ح 182 .
3- انظر البيان، ص 230 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 12).

المتأخّر - كما في صورة انتهاء القدوة - أبطلها، فلأن يمنعها ابتداءً أولى لما تقرّر من أنّ استدامة الشيء أقوى من ابتدائه، فإذا كان طريان ضعيف عدم القدوة - وهو ابتداؤه من المتخلّل - على قويّ قدوة المتأخّر - وهو استدامتها - يوجب بطلانها، فلأن يمنع القويّ وهو المستدام - الضعيف - وهو مبتدأ المتأخّر - أولى.

وإطلاق اسم المصلّي على مَنْ يريد الابتداء مجاز، كما يمكن إطلاقه على مَنْ انتهت صلاته بسبب ما يؤول إليه وما كان عليه فلا ترجيح بل ربما قيل بترجيح الثاني، فإنّ بقاء المعنى المشتقّ منه ليس شرطاً في صحّة الاشتقاق عندنا، فيصحّ إطلاق المصلّي والمؤتمّ عليه على وجه الحقيقة دون مَنْ يؤول إليها.

وبالجملة، فالمسألة موضع إشكال، وما اختاره الشهيد لا يخلو من وجه، إلّا أنّ الدليل العقلي لا يساعد عليه.

ولو انعكس الفرض بأن كان المأموم أعلى بالمعتد لم يضر.

ولا عبرة بتقدير العلوّ لو وقع أمامه لم يوجب تقدّم المأموم على الإمام أو إلى غيره لم يوجب البُعد؛ لإطلاق النصّ.

نعم، يشترط عدم إفراط العلوّ بحيث يستلزم البعد عادةً.

(و) كذا (لا) تصحّ القدوة (مع وقوفه قدّام الإمام) بحيث يكون عقبه متقدّماً على عقب الإمام أو أصابعه على أصابعه.

واكتفى الشهيد (رحمه الله) بالأعقاب خاصّة(1) ، فلا يضرّ عنده تقدّم أصابع المأموم مع مساواة عقبه لعقب الإمام أو تأخّره عنه، كما لو كانت قدم المأموم أكبر.

وما ذكرناه من اعتبارهما معاً هو اختيار المصنّف (2).

ولو فرض تقدّم عقب المأموم مع تساوي أصابعهما، فظاهر الفريقين المنع لتقدّم العقب

ص: 619


1- ذكرى الشيعة، ج 4 ص 287؛ الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 139؛ البیان، ص 228 ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8، 9 و 12).
2- تذكرة الفقهاء، ج 4، ص 240 - 241، المسألة 541: نهاية الإحكام، ج 2، ص 117.

الذي هو المانع عند الشهيد، والاكتفاء بأحد الأمرين عند المصنّف في المنع، وهو حاصل.

وكذا لو تأخّرت أصابع المأموم وتقدّمت عقبه.

ومقتضى تقييد المصنّف وغيره التقدّم في الموقف يقتضي عدم اعتبار غيره من حالات الصلاة، كالركوع والسجود، بل صرّح المصنّف في النهاية بأنّه لا عبرة بتقدّم رأس المأموم في حالتي الركوع والسجود(1) .

ويمكن دخول الركوع في الموقف، فيعتبر فيه الأقدام، كما مرّ.

أمّا حالة السجود والتشهّد فيشكل عدم اعتبار حالهما مطلقاً.

وينبغي مراعاة أصابع الرجل في حالة السجود ومقاديم الركبتين أو الأعجاز في حالة التشهّد.

ويُعلم من تعليق المنع على وقوف المأموم قدام الإمام عدم المنع من مساواته، وهو المشهور

وخالف فيه ابن إدريس، فأوجب تقدّم الإمام يسيراً (2)؛ عملاً بظاهر قوله صلی الله علیه وآله وسلم: «إنّما جُعل الإمام إماماً ليؤتمّ به» (3).

ويدفعه ظاهر صحیح محمّد بن مسلم عن أحدهما علیهما السلام: «الرجلان يؤمّ أحدهما صاحبه

يقوم عن يمينه»(4) ، ولو لزم التأخرّ لذكره لئلّا يلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة.

قال المصنّف:

ولأنّ التقدّم لو كان شرطاً لما أمكن اختلاف اثنين في الإمامة؛ لأنّ المتقدّم إن حصل فهو الإمام، وإلّا بطلت الصلاة(5) .

ص: 620


1- نهاية الإحكام، ج 2، ص 117 .
2- السرائر، ج 1، ص 277 .
3- صحيح البخاري، ج 1، ص 277، ج 772؛ صحیح مسلم، ج 1، ص 308، ح 411/77؛ سنن ابن ماجة، ج 1، ص 392 - 393، ح 1237 - 1239، وفيها: «إنّما جعل الإمام ليؤتمّ به».
4- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 26، ح 89 .
5- مختلف الشيعة، ج 2، ص 478، المسألة 339 .

ورُدّ(1) بأنّه لا اقتداء هنا حتى يتأخّر المأموم؛ إذ الفرض وقوع الشكّ بعد الصلاة فلا يلزم بقاء التذكر بحالة الموقّف وبأنّ تأخّر المأموم شرط في صحّة صلاته لا في صحّة صلاة الإمام، فجاز أن يقول أحدهما: كنت إماماً متقدّماً فصلاتي صحيحة دون الآخر.

(ويستحبّ للمأموم الواحد أن يقف عن(2) يمين الإمام) مع تقدّم الإمام يسيراً.

ولا فرق في ذلك بين اقتداء الرجل بالرجل أو المرأة بالمرأة.

ولو كان المأموم خاصّةً امرأةً وقفت خلفه وجوباً على القول بتحريم المحاذاة، أو استحباباً على القول الآخر، وقد سبق.

والخنثى كالمرأة المقتدية برجل فتقف خلفه لجواز الأنوثة.

(و) أن يقف (العُراة) المؤتمّون بالعاري (والنساء) المؤتمّات بامرأة (في صفّه) أي صفّ الإمام فيهما.

(و) أن تقف (الجماعة) من الذكور والمراد الاثنان فما فوقهما (خلفه) أي خلف الإمام بأجمعهم.

ويستحبّ كونه في وسط الصفّ وقرب أهل الفضل من الإمام، فإن تعدّدوا كانوا في يمين الصفّ.

ولو احتيج إلى أزيد من صفّ استحبّ اختصاصهم بالصفّ الأول ثمّ الثاني لمن دونهم، وهكذا؛ لما روي عن النبي صلى الله عليه وآله و سلم: «ليليني أولو الأحلام ثمّ الذين يلونهم ثمّ الذين يلونهم»(3) ثمّ الصبيان ثمّ النساء.

وعن الصادق علیه السلام(4):« ليكن الذين يلون الإمام أولي الأحلام منكم والنُهى فإن نسي

ص: 621


1- الرادّ هو الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 4، ص 287 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).
2- في إرشاد الأذهان، ج 1، ص 272: «علی» بدل «عن».
3- صحيح مسلم، ج 1، ص 323، ح 432/122؛ سنن أبي داود، ج 1، ص 180، ح 674: الجامع الصحيح، ج 1. ص 440 - 441، ح 228؛ سنن النسائي، ج 2، ص 87-88، وص ،90 ، وجملة «ثمّ الصبيان ثمّ النساء» لم ترد فيها.
4- في المصدر : عن الإمام الباقر علیه السلام.

الإمام أو تعايا قوّموه، وأفضل الصفوف أوّلها، وأفضل أوّلها ما دنا من الإمام»(1)، ثمّ يمينه .

(وإعادة المنفرد) صلاته (مع الجماعة) سواء كان معهم (إماماً أو مأموما) لقول النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم : «إذا جئت فصل مع الناس وإن كنت قد صلّيت»(2).

وعن الصادق علیه السلام: «إنّ الأفضل لمن صلّى ثمّ يجد جماعة أن يصلّي معهم»(3).

ولو صلّى أولاً جماعةً ففي استحباب الإعادة جماعة قولان أصحّهما الجواز؛ لعموم الأدلّة خصوصاً مع اشتمال الجماعة الثانية على مرجّح.

وهل يسترسل الاستحباب ؟ مَنَعه المصنّف في التذكرة(4) ، وجوّزه في الذكرى(5) . وعموم الأدلّة تدلّ عليه.

ولو كان أحدهما منفرداً فلا إشكال فى الجواز تحصيلاً لفضيلة الجماعة في الحاضر.

وربما استشكله بعضهم(6)، وسيأتي.

وأولى الصلاتين أو الصلوات هي ،فرضه فينوي بالباقي الندبَ؛ لامتثاله المأمور به على وجهه فيخرج من العهدة.

ولو نوى الفرض في الجميع جاز؛ لرواية هشام بن سالم في الرجل يصلّي الغداة وحده ثمّ يجد جماعة، قال: «يصلّي بهم ويجعلها الفريضة إن شاء»(7)، ولما روي: «أنّ

ص: 622


1- الكافي، ج 3، ص 372 - 373، باب فضل الصلاة في الجماعة، ح 7؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 265، ح 751، وكلمة «ثمّ يمينه» لم ترد فيهما.
2- سنن النسائي، ج 2، ص 112؛ سنن الدارقطني، ج 2، ص 10 - 91، ح 1/1524؛ مسند أحمد، ج 4، ص 618، ح 15960 : المستدرك على الصحيحين، ج 1، ص 244 .
3- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 50، ح 175 نقلاً بالمعنى.
4- تذكرة الفقهاء، ج 4، ص 333، المسألة 598.
5- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 247 - 248 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).
6- لم نتحقّقه.
7- الفقيه ، ج 1، ص 383 - 384، ح 1132.

الله يختار أحبّهما إليه»(1) ، وروي: «أفضلهما وأتمّهما»(2).

(ويكره وقوف المأموم ) الرجل (وحده) على المشهور، بل يدخل في الصفوف مع الإمكان حيث وجد الفرجة وإن كانت في الصف الأوّل. ولا كراهة في اختراق الصفوف حينئذ؛ لاستناده إلى تقصير الصفوف حيث تركوا الفرجة ولو أمكن الوصول إليها بدون اختراقهم كان أولى.

ولو لم يجد فرجة وقف وحده ولا يستحبّ له جذب واحد يقف معه؛ لما فيه من حرمانه فضيلة التقدّم، وإحداث الخلل في الصفّ. ولو فَعَل لم تستحب إجابته.

ولا كراهة في وقوف المرأة وحدها إذا لم يكن معها نساء؛ لأنّ ذلك هو وظيفتها، كما لا يكره للرجل لو لم يمكن دخوله في الصفّ.

ومَنع ابن الجنيد من قيام الرجل وحده مع إمكان الدخول في الصفّ من غير أذيّة (3)؛ لما روي أنّ النبّ صلى الله عليه وآله وسلم أبصر رجلاً خلف الصفوف وحده فأمره أن يعيد الصلاة(4) . وروى السكوني عن الصادق علیه السلام، عن آبائه، عن عليّ علیه السلام، قال: «قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : لا تكوننّ في العيكل، قلت : وما العيكل ؟ قال : تصلّي خلف الصفوف وحدك»(5) .

والخبران ضعيفا السند.

ويمكن حمل الأمر في الأوّل على الاستحباب والنهي في الثاني على الكراهة؛ جمعاً بينهما وبين الأخبار الصحيحة.

كصحيحة أبي الصباح عن الصادق علیه السلام في الرجل يقوم وحده، فقال: «لا بأس إنّما

ص: 623


1- الكافي، ج 3، ص 379، باب الرجل يصلي وحده... . ح 2؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 270، ح 776.
2- الفقيه، ج 1، ص 384، ح 1133.
3- حكاه عنه الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 4، ص 296 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).
4- سنن أبي داود، ج 1، ص 182، ح 682: الجامع الصحيح، ج 1، ص 445 - 446. ح 230؛ السنن الكبرى،البيهقي، ج 3، ص 148 - 149، ح 5207 - 5211: مسند أحمد، ج 5، ص 268، ح 17539.
5- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 282 - 283 ، ح 838 .

يبدو واحد بعد واحد»(1) .

(وتمكين الصبيان) والمجانين والعبيد (من الصفّ الأوّل) بل يكره لغير أهل الفضل مع وجودهم وإمكان إكماله بهم، كما يكره لهم التأخّر عنه.

ووجه تخصيص الكراهة بتمكين الصبيان بناءً على أنّ المكروه هو المرجوح بنصّ خاصّ.

وعلى اعتبار معناه الأعم - وهو كلّ ما رجّح تركه، كما يقتضيه التعريف الأصولي - فالكراهة عامّة لما ذكرناه وإن كان قد يطلق على ما عدا الخاصّ خلاف الأولى، وقد تقدّم تحقيق ذلك.

(والتنقّل بعد) قول المقيم: (قد قامت) الصلاة؛ لما فيه من التشاغل بالمرجوح عن الراجح .

و مَنَعه بعض الأصحاب(2).

ولا إشكال في التحريم لو كانت الجماعة واجبةً وأدّى ذلك إلى فواتها.

(والقراءة خلف) الإمام (المرضي إلّا إذا لم يسمع) صوت الإمام (ولا همهمة) وهي الصوت الخفيّ من غير تفصيل حروف (فتستحبّ ) له القراءة حينئذ (على رأي).

أمّا كراهة القراءة خلفه فلقوله تعالى: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْءَانُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ، وَأَنصِتُوا)(3).

وقول النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم : «إنّما جُعل الإمام ليؤتمّ به، فإذا كبّر فكبّروا، وإذا قرأ فأنصتوا»(4). وقول الصادق علیه السلام : «مَنْ رضيت قراءته فلا تقرأ خلفه»(5).

ص: 624


1- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 280 - 281 ، ح 828 .
2- كالشيخ في النهاية، ص 119 وابن حمزة في الوسيلة، ص 106.
3- الأعراف (7): 204 .
4- سنن ابن ماجة، ج 1، ص 276، ح 846؛ سنن أبي داود، ج 1، ص 164 و 165، ح 603 و 604؛ مسند أحمد، ج 3، ص 148، ح 9151.
5- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 33، ح 118 ، وفيه: «به» بدل «قراءته» ولم ترد الكلمتان في الاستبصار، ج 1، ص 428. ح 1653.

وحُمل الأمر على الندب والنهي على الكراهة؛ جمعاً بينهما وبين ما دلّ على عدم التحريم:

كصحيحة عليّ بن يقطين عن الكاظم علیه السلام في الرجل يصلّي خلف مَنْ يقتدى به ويجهر بالقراءة فلا يسمع القراءة، فقال: «لا بأس إن صمت وإن قرأ»(1).

وأمّا استحبابها مع عدم السماع: فلرواية عبدالله بن المغيرة عن الصادق علیه السلام قال: «إذا كنت خلف مَنْ ترتضي في صلاة يجهر فيها فلم تسمع قراءته فاقرأ، وإن تسمع الهمهمة فلا تقرأ»(2).

وحُمل على الندب كما مرّ.

وصحيحة عبدالرحمن بن الحجّاج عنه علیه السلام أنّه قال: «إنّما أُمرنا بالجهر لينصت مَنْ خلفه، فإن سمعت فأنصت، وإن لم تسمع فاقرأ »(3).

ومَنَع بعض الأصحاب(4) ، من القراءة مطلقاً ؛ لصحيحة زرارة عن الباقر علیه السلام : كان أمير المؤمنين علیه السلام يقول: مَنْ قرأ خلف إمام يأتمّ به [فمات] بُعث على غير الفطرة»(5).

والذي دلّت عليه الأخبار وجُمع به بينها وبين ما خالفها وذهب إليه جماعة من الأصحاب ترك القراءة مطلقاً إلّا الجهريّة إذا لم يسمع ولا همهمة.

وأطبق الجميع على ترك القراءة في الجهريّة مع السماع .

ص: 625


1- الاستبصار، ج 1، ص 429، ح 1657؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 34 ، ح 122 ، وفيه: «عن الحسن بن عليّ بن يقطين».
2- الكافي، ج 3، ص 377، باب الصلاة خلف من يقتدى به.... ح 4؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 33، ح 117 الاستبصار، ج 1، ص 428، ح 1652 ، وفيها: «عن عبد الله بن المغيرة، عن قتيبة عن الإمام الصادق علیه السلام » .
3- الكافي، ج 3، ص 377، باب الصلاة خلف من يقتدى به.... ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 32، ح 114؛ الاستبصار، ج 1، ص 427 - 428 ، ح 1649.
4- ابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 284.
5- الكافي، ج 3، ص 377 - 378 باب الصلاة خلف من يقتدى به.... ح 6: الفقيه، ج 1، ص 390 - 391، ح 1157؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 269 ، ح 770، وما بين المعقوفين من المصادر.

ثمّ اختلفوا، فذهب بعضهم إلى التحريم ووجوب الإنصات. وآخرون إليه مع استحباب الإنصات، وهو الأصحّ.

وحيث ساعت القراءة فليقرأ الحمد والسورة في الأوليين، ويتخير بين الحمد والتسبيح في الأخيرتين.

وعلى القول المشهور - من اختصاص القراءة بالجهريّة غير المسموعة - ففي القراءة في أخيرتيها؛ لإطلاق الأمر بالقراءة في الجهريّة إذا لم تُسمع، أو إلحاقهما بالإخفاتيّة قولان، أجودهما الأوّل.

وروي أنّ المأموم يسبّح في الأوليين أيضاً من غير قراءة (1).

وهذه المسألة من المشكلات بسبب اختلاف الأخبار وأقوال الأصحاب في الجمع بینها.

وتحرير محلّ الخلاف أن الصلاة إما جهريّة أو سرّيّة، وعلى الأوّل إمّا أن يسمع سماعاً مّا، أو لا، وعلى التقديرات فإمّا أن تكون في الأوليين أو الأخيرتين، فالأقسام ستّة، فابن إدريس وسلّار أسقطا القراءة في الجميع(2) ؛ للخبر المتقدّم(3)، لكن ابن إدريس جَعَلها محرّمةً(4) ؛ لظاهر الخبر، وسلّار جَعَل تركها مستحبّاً، ثمّ روى وجوبه، واستثبت الأوّل(5) ، وباقي الأصحاب على إباحة القراءة في الجملة.

لكن يتوقّف تحقيق الكلام على تفصيل.

فنقول: إن كانت القراءة جهريّةً، فإن سمع في أُولييها ولو همهمة سقطت القراءة فيهما إجماعاً.

ص: 626


1- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 32 - 33، ح 116؛ الاستبصار، ج 1، ص 428، ح 1651.
2- السرائر، ج 1، ص 284: المراسم، ص 87 .
3- آنفاً، وهي صحيحة زرارة عن الإمام الباقرعلیه السلام .
4- السرائر، ج 1، ص 284 .
5- المراسم، ص 87 .

لكن هل السقوط على وجه الوجوب بحيث تحرم القراءة؟ فيه قولان:

أحدهما التحريم ذهب إليه جماعة منهم المصنّف في المختلف(1) والشيخان(2) ؛ عملاً بظاهر الأمر في قوله تعالى: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْءَانُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ، وَأَنصِتُوا)(3).

ولقول أمير المؤمنين علیه السلام ، المتقدّم(4) .

ولقول الصادق علیه السلام في رواية يونس بن يعقوب: «مَنْ رضيت قراءته فلا تقرأ خلفه»(5) والنهي للتحريم.

والثاني الكراهة - وهو قول المحقّق والشهيد(6) - لما مرّ من صحيحة ابن الحجّاج(7) .

وإن لم يستمع فيهما أصلاً جازت القراءة بالمعنى الأعم، لكن ظاهر أبي الصلاح أنّ القراءة هنا واجبة(8) ، وربما أشعر به كلام المرتضى(9) أيضاً. والاستناد فيه إلى ظاهر الأمر المتقدّم(10) في صحيحة عبدالرحمن بن الحجّاج: «وإن لم تسمع فاقرأ».

والمشهور الاستحباب بحمل الأمر عليه جمعاً بينه وبين غيره، وقد تقدّم.

وعلى القولين فهل القراءة للحمد والسورة أو للحمد وحدها؟ ظاهر جماعة الأوّلُ؛ لإطلاق الأمر بالقراءة، والمعروف منها في الأوليين ذلك.

وصرّح الشيخ بأنّ القراءة للحمد وحدها(11).

ص: 627


1- مختلف الشيعة، ج 2، ص 504، ذيل المسألة 360 .
2- النهاية، ص 113؛ المبسوط، ج 1، ص 225؛ وحكاه عن الشيخ المفيد المحقّق في المعتبر، ج 2، ص 420؛ والشهيد في غاية المراد، ج 1، ص 151 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 1) ولم نعثر عليه في كتب الشيخ المفيد.
3- الأعراف (7): 204 .
4- في ص 657 .
5- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص 624 ، الهامش 5 .
6- المعتبر، ج 2، ص 420 و 421؛ غاية المراد، ج 1، ص 149 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 1).
7- في ص 625.
8- الكافي في الفقه، ص 144 .
9- جُمل العلم والعمل، ص 75.
10- في ص 625.
11- النهاية، ص 113؛ المبسوط، ج 1، ص 158.

و أمّا الجهریّة في أخیرتیها ففیهما أقوال:

أحدها: وجوب القراءة مخيّراً بينها وبين التسبيح، كما لو كان منفرداً، وهو قول أبي الصلاح وابن زهرة(1) .

والثاني: استحباب قراءة الحمد وحدها، وهو قول الشيخ(2).

والثالث: التخيير بين قراءة الحمد والتسبيح استحباباً، وهو ظاهر جماعة منهم المصنّف في المختلف(3).

وإن كانت إخفاتيّةً، ففيها أقوال:

أحدها: استحباب القراءة فيها مطلقاً، وهو الظاهر من كلام المصنّف هنا.

وثانيها : استحباب قراءة الحمد وحدها، وهو اختياره في القواعد(4) ، والشيخ (رحمه الله)(5).

وثالثها: سقوط القراءة في الأوليين ووجوبها فى الأخيرتين مخيّراً بين الحمد والتسبيح، وهو قول أبي الصلاح وابن زهرة(6) ، كما مرّ.

ورابعها: استحباب التسبيح في نفسه وحمد الله، أو قراءة الحمد مطلقاً، وهو قول نجیب الدين يحيى بن سعيد(7) .

ولكلّ واحد من هذه الأقوال شاهد من الأخبار. وما تقدم طريق الجمع بينها أو(8) بين الصحيح منها. ولم أقف في الفقه على خلاف في مسألة تبلغ هذا القدر من الأقوال.

ص: 628


1- الكافي في الفقه، ص 144؛ غنية النزوع، ج 1، ص 88.
2- انظر النهاية، ص 113؛ والمبسوط، ج 1، ص 225.
3- مختلف الشيعة، ج 2، ص 504 ، ذيل المسألة 360.
4- قواعد الأحكام، ج 1، ص 317 .
5- انظر النهاية، ص 113؛ والمبسوط، ج 1، ص 225.
6- الكافي في الفقه، ص 144: غنية النزوع، ج 1، ص 88 .
7- الجامع للشرائع، ص 100.
8- في الطبعة الحجريّة: «و» بدل «أو».

(وتجب) على المأموم (التبعيّة) الإمامه في الأفعال مطلقاً بمعنى أن لا يسبقه بالشروع فيها ولا بالفراغ منها، بل إمّا أن يتأخّر عنه بحيث لا يشرع في فعل حتّى يأخذ الإمام في الشروع فيه، وهو الأفضل، أو يقارنه، وهو محصّل للجماعة أيضاً، لكنّه مخلّ بالفضيلة التامّة.

وقد روي عن النبيّ صلى الله عليه وآله و سلم : « لا يأمن الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحوّل الله وجهه وجه حمار»(1) ، وهو تحذير وتخويف لمن يفعل كذلك أن يحوّل الله وجه قلبه إلى وجه قلب الحمار الذي لا يعقل الأمور العقليّة، ولا يدرك الأذواق العلويّة والمعاني الغيبيّة.

وقال الصدوق (رحمه الله) :

إنّ من المأمومين مَنْ لا صلاة له وهو الذي يسبق الإمام في ركوعه وسجوده ورفعه. ومنهم مَنْ له صلاة واحدة، وهو المقارن له في ذلك. ومنهم مَنْ له أربع وعشرون ركعة، وهو الذي يتبع الإمام في كلّ شيء، فيركع بعده، ويسجد بعده، ويرفع منهما بعده. ومنهم مَنْ له ثم له ثمان وأربعون ركعة، وهو الذي يجد في الصفّ الأوّل ضيقاً فيتأخّر إلى الصف الثاني(2).

ولا خلاف في وجوب المتابعة في الأفعال كالركوع والسجود؛ لقوله صلی الله علیه وآله وسلم: «إنّما جعل الإمام إماماً ليؤتمّ به، فإذا كبّر فكبّروا ، وإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا»(3) .

وأمّا الأقوال: فتجب المتابعة في التكبير اتفاقاً، وللخبر بمعنى أن لا يكبّر قبله.

وهل له مقارنته؟ قولان أجودهما المنع.

ص: 629


1- صحيح مسلم، ج 1، ص 321 ، ح 115 - 427/116.
2- لم نعثر عليه في كتب الشيخ الصدوق المتوفّرة لدينا، وحكاه عنه الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 4، ص 325 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).
3- صحيح البخاري، ج 1، ص 244، ح 657: صحيح مسلم، ج 1، ص 309 - 310، ح 414/86: سنن ابن ماجة ،ج 1، ص 276، ح 846: الجامع الصحيح، ج 2، ص ، ح 194، ح 361.

وهل تجب في غيره من أذكار الركوع والسجود والتشهّد؟ قيل: نعم(1) ؛ للخبر. واختاره الشهيد(2).

وعدمه، وهو مختار المصنّف(3)، وهو الأصحّ؛ للأصل. ولأنّه ليس بمؤتمّ فيها، ولهذا لا يتحتّم عليه ما يختاره الإمام من الذكر بخلاف التكبير ؛ إذ لا تتحقّق القدوة بالشروع في الصلاة قبله وللخبر(4) ؛ ولأنّه لو وجبت المتابعة لاشترط العلم بانتقالات الإمام فيها في صحّة الجماعة، كما في الركوع والسجود؛ إذ ليست العلّة في اشتراط ذلك إلا لمكان المتابعة. وللإجماع على عدم وجوب إسماع الإمام المأموم للأذكار، فلو كُلّف بالمتابعة فيها لزم تكليف ما لا يطاق.

نعم، تستحبّ، ولهذا استحبّ للإمام إسماعها المأموم.

وقد روى أبو المغرا عن الصادق علیه السلام في الرجل يصلّي خلف إمام فيسلّم قبل الإمام قال: «ليس بذلك بأس»(5).

وهو من جملة الأقوال، ولا قائل بالفرق، وقد حكم الأصحاب بموجبه.

وتقييد بعضهم الجواز بنيّة الانفراد بناءً على مذهبه من وجوب المتابعة فيه، ولو كان كذلك لوجب على الإمام البيان.

وكما تستحبّ المتابعة أو تجب في الأقوال الواجبة، فكذا في المستحبّة كالقنوت .

إذا تقرّر ذلك (فإن) لم يتابع المأموم في الأفعال و (قدّم) على الإمام في الركوع أو السجود أو القيام (عامداً) بعد أن فرغ الإمام من القراءة في صورة تقدّمه في الركوع وبعد أن فرغ المأموم من واجب التشهّد في صورة تقدّمه في القيام إن كان بعد التشهّد

ص: 630


1- لم نعثر على القائل فيما بين أيدينا من المصادر .
2- الدروس الشرعيّة، ج 1 ، ص 141 - 142: البيان، ص 232 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9 و 12).
3- انظر تذكرة الفقهاء، ج 4، ص 344، المسألة 603؛ ونهاية الإحكام، ج 2، ص 135.
4- السالف آنفاً.
5- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 55، ح 189.

أثم و (استمرّ) متثاقلاً (حتّى يلحقه الإمام) على المشهور، فلو عاد إليه بطلت صلاته لتحقّق الزيادة عمداً. والجاهل عامد (وإلّا) يكن عامداً بل فَعَل ذلك ظنّاً أنّ الإمام قد شرع في الفعل أو نسياناً لم يأثم، و (رجع وأعاد ) ما سبق به (مع الإمام) لرواية محمّد بن سهل الأشعري عن أبيه عن الرضا علیه السلام فيمن رفع رأسه قبل الإمام، قال: «يعيد ركوعه»(1).

وعن الفضيل بن يسار عن الصادق علیه السلام في الرجل يرفع رأسه من السجود، قال:«فليسجد»(2).

ويحمل مطلقهما على الناسي؛ لأنّ الزيادة عمداً مبطلة فلايؤمر بالعود، وجمعاً بينهما وبين رواية غياث عن الصادق علیه السلام في الرجل يرفع رأسه من الركوع قبل الإمام أيرجع إذا أبطأ الإمام؟ قال: «لا»(3).

وهل عود الناسي على وجه الوجوب أم الندب؟ ظاهر الأكثر الأوّل، فلو ترك الرجوع احتمل بطلان صلاته ؛ لأنّ المعتبر إنّما هو الثاني ولم يأت به متعمّداً فيبقى في العهدة.

وعدمه؛ لأنّه بترك الرجوع يصير في حكم المتعمّد الذي عليه الإثم لا غير، بل أخفّ منه؛ لأن فعله السابق لم يكن على وجه العمد. وهذا هو الأجود.

واختار المصنّف في التذكرة عدم وجوب العود على الناسي وإن كان جائزاً(4) .

وربما استدلّ له بمفهوم مكاتبة ابن فضّال للرضا علیه السلام فيمن ركع لظنّه ركوع الإمام فلمّا رآه لم يركع رفع رأسه ثمّ أعاد الركوع مع الإمام فكتب: «يتمّ صلاته [و] لا تفسد

ص: 631


1- الفقيه، ج 1، ص 395، ح 1174: تهذيب الأحكام، ج 3، ص 47. ح 163؛ الاستبصار، ج 1، ص 438، ح 1688 .
2- الفقيه، ج 1، ص 396، ح 1175: تهذيب الأحكام، ج 3، ص 48، ح 165.
3- الكافي، ج 3، ص 384، باب الرجل يدرك مع الإمام بعض صلاته .... ح 14؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 47، ح 164: الاستبصار، ج 1، ص 438، ح 1689.
4- تذكرة الفقهاء، ج 4، ص 345، ضمن المسألة 603.

بما صنع صلاته»(1)، وهي بعيدة عن الدلالة.

(ولا يجوز للمأموم المسافر) إذا اقتدى بالحاضر في رباعيّة (المتابعة للحاضر) في باقي صلاته (بل يسلّم إذا فرغ) من أفعاله الموافقة لصلاة الإمام (قبل الإمام).

ولو تشهّد معه ثمّ انتظره إلى أن يكمل صلاته ويسلّم معه كان أفضل.

ولو انعكس الفرض تخيّر الحاضر عند انتهاء الفعل المشترك بين المفارقة في الحال والصبر حتّى يسلّم الإمام فيقوم إلى الإتمام، وهو أفضل.

والأفضل للإمام أن ينتظر بالسلام فراغ المأموم ليسلّم به، فإن علم المأموم بذلك قام بعد تشهّد الإمام.

والمشهور عدم وجوب بقاء الإمام المسافر في مجلسه إلى أن يتمّ المأموم المقيم، خلافاً للمرتضى (2) وظاهر ابن الجنيد(3). وربما حمل على تأكّد الاستحباب.

وما ذكرناه من التفصيل آتٍ في الصلاتين المختلفتين عدداً، وصلاة المسبوق وإن لم يختلفا سفراً وحضراً، فلو اقتدى مصلّي الصبح بالظهر فحكمه حكم اقتداء المسافر بالحاضر ومثله اقتداء مصلّي المغرب بالعشاء، فإنّه يجلس بعد الثالثة للتشهّد والتسليم. والأفضل له انتظاره به كما مرّ.

وربما قيل(4) ، بالمنع هنا؛ لإحداثه تشهّداً مانعاً من الاقتداء بخلاف مصلّي الصبح مع الظهر والمسافر مع الحاضر، فإنه يتشهّد مع الإمام.

ويضعّف بأنّ ذلك ليس مانعاً من الاقتداء، ومن ثَمَّ يتأخّر المأموم المسبوق للتشهّد مع بقاء القدوة(5).

(و) يجب على المأموم ( نيّة الائتمام) وإلّا لم تصحّ له الجماعة؛ إذ ليس لكلّ امرئ

ص: 632


1- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 277 ، ح 811، وص 280، ج 823، وما بين المعقوفين من المصدر.
2- جمل العلم والعمل، ص 74.
3- حكاه عنه الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 4، ص 249 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).
4- راجع ذكرى الشيعة، ج 4، ص 300 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).
5- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 300 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).

إلّا ما نواه، وهو موضع ،وفاق، فلو ترك نيّة الاقتداء فهو منفرد. فإن ترك القراءة عمداً أو جهلاً وركع بطلت صلاته. وكذا لو قرأ بنية الندب.

ولو قرأ بنيّة الوجوب وتابع الإمام في أفعاله ولم يتحمّل المتابعة على وجه يخرج عن كونه مصلّياً صحّت صلاته وفاته ثواب الجماعة.

ولا تكفي عن نيّة الائتمام نيّة الصلاة جماعةً؛ لاشتراكها بين الإمام والمأموم فليس فيها ربط بفعل الإمام، بخلاف الائتمام.

ويجب كون نيّة الاقتداء (بالمعيّن) بالاسم أو الصفة ولو بكونه هذا الحاضر، ليمكن المتابعة، فلو نوى الاقتداء بأحد هذين لم تصحّ وإن اتّفقا في الأفعال. وكذا لو نوى الاقتداء بهما معاً.

ولو عيّن فأخطأ تعيينه بأن نوى الاقتداء بزيد فظهر أنّه عمرو بطلت صلاته أيضاً وإن كان الثاني أهلاً للإمامة.

أمّا لو نوى الاقتداء بالحاضر على أنّه زيد فبان عمراً، ففي صحة القدوة؛ ترجيحاً للإشارة على الاسم، أو البطلان؛ للعكس نظر. ورجّح المصنّف البطلان(1)، وهو متّجه.

(ولو) صلّى اثنان متساويان فى الموقف و (نوى كلُّ منهما الإمامةَ) بصاحبه (صحّت صلاتهما) وإن لم ينالا فضيلة الجماعة؛ لإتيانهما بما يجب عليهما من القراءة.

(وتبطل) الصلاة (لو نوى كلُّ منهما أنّه مأموم) بصاحبه؛ لتركهما معاً القراءة بنيّة الوجوب حيث وكل ذلك إلى صاحبه.

وكلاهما مروي عن أمير المؤمنين علیه السلام، رواه الكليني بإسناده إلى أبي عبدالله علیه السلام قال: قال أمير المؤمنين علیه السلام في رجلين اختلفا، فقال أحدهما كنت إمامك، وقال الآخر: كنت أنا إمامك، فقال علیه السلام: صلاتهما ،تامّة، قال: فإن قال كلُّ منهما: كنت أنتم بك، قال: فصلاتهما فاسدة، [و] ليستأنفا»(2).

ص: 633


1- نهاية الإحكام، ج 2، ص 126.
2- الكافي، ج 3، ص 375 باب من تكره الصلاة خلفه... ح 3 ، وما بين المعقوفين من المصدر.

وفي سند الرواية ضعف، لكنّه منجبر بتلقّي الأصحاب لها بالقبول وعملهم بمضمونها وموافقتها للأصول.

وهذا الفرض يمكن اتّفاقه في موضع التقيّة إذا صلّيا خلف ثالث ظاهراً وإلّا بعد الفرض؛ لتوقّف فعل كلّ منهما على الآخر فيدور. وربما استشكل الحكم بأنّ بطلان صلاة كلّ منهما مستند إلى إخبار الآخر بعد الصلاة والحكم بصحّتها، وفي قبول كلّ منهما في حقّ الآخر حينئذٍ نظر؛ فإنّ الإمام لو أخبر بحدثه أو عدم تستّره أو عدم قراءته، لم يقدح ذلك في صحّة صلاة المأموم إذا كان قد دخل على وجه شرعي، ولا يتمّ الفرق بينهما بتحقّق الإمامة والائتمام في المخبر بالحدث ونحوه، والحكم بالصحّة، فلم يقدح إخباره بشيء؛ لأنّ ذلك لو كان شرطاً لم تصحّ الصلاة في صورة إخبار كلّ منهما بالإمامة.

ولا يخفى أنّ الإشكال في مقابلة النصّ غير مسموع، خصوصاً مع عمل الأصحاب بذلك وعدم العلم(1) بالمخالف.

و بمکن مع ذلك أن يكون شرط جواز الائتمام ظنّ صلاحيّة الإمام لها، ولهذا لا يشترط أن يتحقّق المأموم كون الإمام متطهّراً ولا متّصفاً بغيرها من الشرائط الخفيّة بعد الحكم بالعدالة ظاهراً، وحينئذ إن تحقّقت الإمامة والائتمام لم يُقبل قوله في حقّه، كما في الحدث ونحوه. وإن حكم بهما ظاهراً ثمّ ظهر خلافه، قبل قول الإمام؛ لعدم تيقّن انعقاد الجماعة، والبناء على الظاهر مشروط بالموافقة، وهذا هو مقتضى النصّ في الموضعين.

ولو شكّا فيما أضمراه، فقد أطلق جماعة(2) البطلانَ أيضاً؛ لعدم اليقين بالإتيان بأفعال الصلاة على وجهها.

وفصل المصنّف فقطع بالبطلان إن كان في الأثناء؛ لأنّه لا يمكنهما المضيّ على

ص: 634


1- فى الطبعة الحجريّة: «العمل» بدل «العلم».
2- كما في ذكرى الشيعة، ج 4، ص 283 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).

الانفراد ولا على الاجتماع، وتردّد فيما إذا شكّا بعد الفراغ ممّا ذُكر ومن أنّه شكٍّ بعد الانتقال(1) .

ويشكل الأوّل بمنع عدم إمكان الانفراد عنده وعند الأكثر إذا لم تكن الجماعة

واجبةً، والثاني بأنّ الشكّ في المبطل بعد الفراغ من في المبطل بعد الفراغ من الصلاة لا يقتضي البطلان، فيتّجه حينئذٍ أن يقال: إن كان الشكّ بعد الفراغ فلا التفات. وإن كان في الأثناء وكان قبل القراءة تعيّن الانفراد؛ لأنّ المنفرد إن كان إماماً، فالقراءة عليه واجبة وإن كان مأموماً يجوز له الانفراد.

وإن كان الشك بعد القراءة، فإن كانا قد قرءا بنيّة الوجوب أو شكّا في النيّة اتّجهت الصحّة أيضاً، فينفردان وإلّا اتّجه البطلان للإخلال بالواجب.

ويحتمل البناء على ما قام إليه، فإن لم يعلم ما قام إليه فهو منفرد وقوّاه في الذكرى(2) .

وقوله: (أو الائتمام بغير المعيّن) معطوف على «كلّ» أي وكذا تبطل الصلاة لو نوى المأموم الائتمام بغير إمام معيّن، كما لو نوى الاقتداء بأحد هذين. وقد تقدم الكلام فيه.

(ولا يشترط) في انعقاد الجماعة (نيّة) الإمام (الإمامة) للأصل ولعدم الاختلاف بين أفعال المنفرد الإمام. ولجواز الائتمام في أثناء الصلاة وإن لم يعلم الإمام، ولا قائل بالفرق.

نعم، يستحبّ له نيّة الإمامة ليفوز بثوابها يقيناً، فلو لم ينوها احتمل عدم الثواب له عليها؛ لعموم «وإنّما لكلّ امرئ ما نوى»(3).

فعلى هذا لو تجدّدت الإمامة بعد النيّة جدّد الإمام نيّتها بقلبه، ولا يفتقر إلى ذكر باقي ممّيزات الصلاة.

ص: 635


1- تذكرة الفقهاء ، ج 4، ص 267. المسألة 555: نهاية الإحكام، ج 2، ص 127.
2- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 284 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).
3- صحيح البخاري، ج 1، ص 3، ح 1؛ سنن أبي داود، ج 2، ص 262، ح 2201؛ السنن الكبرى، البيهقي، ج 1، ص 445. ح 1422.

نعم، لو لم يعلم بالمأموم حتّى انتهت صلاته أمكن في كرم الله تعالى أن يثيبه عليها؛ لكونه سبباً في ثواب غيره وعدم تقصيره، بل يحتمل فوزه بالثواب بدون النيّة وإن علم؛ لتأدّي شعار الجماعة بما وقع، واستناده إليه بسبب قيامه بالوظائف الدينيّة الموجبة لجواز الائتمام به .

ويستثنى من ذلك ما لو وجبت الجماعة كالجمعة، فإنّ الأولى حينئذٍ وجوب نيّة الإمامة. وكذا لو أعاد صلاته جماعةً إذ لولاها لما شُرّعت له.

(ويجوز اقتداء المفترض بمثله وإن اختلفا) في كمّيّة الفرض كالصبح والظهر، خلافاً للصدوق، حيث اشترط اتّحاد الكمّيّة(1) (إلّا مع تغيّر الهيئة) كاليوميّة والكسوف والجنازة.

وليس له متابعة مصلّي الكسوف في ركوع واحد ثمّ ينفرد أو ينتظره حتّى يسجد، ولا متابعة الجنازة فى تكبيرة ثمّ ينفرد ويقرأ لنفسه أو ينتظر فراغ الجنازة؛ لما فيه من الإخلال بالمتابعة.

(و) اقتداء المفترض (بالمتنفّل) في المعادة من الإمام، كما مرّ، وفي صلاة بطن النخل من صلوات الخوف وفي الاقتدا بالصبيّ المميّز عند الشيخ (رحمه الله)(2) .

(و) اقتداء (المتنفّل بالمفترض) عكس الأوّل في معيد الصلاة خلف مبتدئها والصبيّ خلف البالغ. وكذا يجوز اقتداؤه بالمتنفّل كما في المعادة منهما معاً، وجماعة الصبيان والعيد المندوبة والاستسقاء والغدير على قول، وقد تقدّم، فلذلك لم يذكر هذا القسم هنا، مع أنّ في جوازها في صورة الإعادة نظراً من شرعيّة الجماعة في الجملة، و من عموم النهي عن الاجتماع في النافلة خرج منه ما دلّ عليه الدليل فيبقى الباقي، وعدم العهد بمثله. وتوقّف في الذكرى(3) .

ص: 636


1- انظر الفقيه، ج 1 ، ص 357 - 358، ذيل الحديث 1031.
2- المبسوط، ج 1، ص 220؛ الخلاف، ج 1، ص 553، المسألة 295 .
3- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 248 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).

والإشكال بعينه آتٍ فيما لو صلّيا معاً جماعةً.

والجواز في الجميع متّجه؛ لعموم قول الصادق علیه السلام: «إنّ الأفضل لمن صلّى ثمّ يجد جماعة أن يصلّى معهم»(1) ، فإنّ الجماعة أعمّ من أن تكون مبتدأةً أم معادةً وإن كان الظاهر هو الأوّل. و لاشتمال الصلاة الثانية على مزيّة لم تحصل في الأولى.

(و) كذا يجوز (علوّ المأموم) على الإمام وإن كان على سطح شاهق إجماعاً.

ولقول الصادق علیه السلام: «وإن كان الإمام أسفل من موضع المأموم فلا بأس»(2).

ولا يعتبر في العلوّ كونه لو امتدّ بعده إلى جهة الإمام لم يوجب تقدّم المأموم عليه، ولو امتدّ إلى ورائه لم يوجب البُعْدَ المفرط، بل يعتبر على حاليه.

(وأن يكبّر الداخل) إلى موضع الجماعة (الخائف فوتَ الركوع) إن ترك تكبيرة الإحرام إلى أن يصل إلى الصفّ (ويركع ويمشي راكعاً) في غير حالة الذكر الواجب (حتّى يلتحق) بالصفّ بشرط أن لا يستلزم ذلك فعلاً كثيراً وأن يكون تحرّمه في موضع يجوز الائتمام فيه.

ولو كان الانتقال إلى دُبُر القبلة مشى القهقرى.

وكذا يجوز المشي في غير الركوع وقد روى عبدالرحمن عن أبي عبدالله علیه السلام : «إذا دخلت المسجد والإمام راكع فظننت أنّك إن مشيت إليه رفع رأسه من قبل أن تدركه فكبر واركع، فإذا رفع رأسه فاسجد مكانك فإن قام فالحق بالصفّ، وإن جلس فاجلس مكانك، فإذا قام فالحق بالصفّ»(3).

و تعبير المصنّف والجماعة بالدخول تبعاً للرواية(4) .

ويتحقّق ذلك إذا أُقيمت في مسجد وشبهه. ولو كان في فلاة كان الدخول مجازاً.

ص: 637


1- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 50 ، ح 175.
2- الكافي، ج 3، ص 386 - 387، باب الرجل يخطو إلى الصف أو يقوم خلف الصف وحده.... ح 9؛ الفقيه، ج 1، ص 387 - 388، ح 1147؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 53. ح 185 .
3- الكافي، ج 3، ص 385 - 386. باب الرجل يخطو إلى الصفّ أو يقوم خلف الصف وحده.... ح 5 الفقيه ج 1، ص 389، ح 1149؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 44. ح 155: الاستبصار، ج 1 ، ص 436، ح 1682.
4- الكافي، ج 3، ص 385 - 386. باب الرجل يخطو إلى الصفّ أو يقوم خلف الصف وحده.... ح 5 الفقيه ج 1، ص 389، ح 1149؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 44. ح 155: الاستبصار، ج 1 ، ص 436، ح 1682.

ويمكن تحقّقه بوصوله إلى مكان يمكنه(1) فيه الائتمام بأن لا يكون بعيداً عادةً ولا منخفضاً ونحو ذلك ممّا يمنع القدوة.

وينبغي أن يجرّ رِجليه في حالة الانتقال ولا يرفعهما؛ للرواية (2).

(و) المأموم (المسبوق) من الإمام بركعة فصاعداً ( يجعل ما يدركه) معه من الصلاة (أوّل صلاته، فإذا سلّم الإمام) قام و (أتمّ) صلاته، فإن أدركه في الأخيرتين احتُسبتا له أوليين فيتخيّر في الباقي بين قراءة الحمد والتسبيح .

وكذا لو أدرك ركعة قرأ الحمد والسورة في الثانية، وتخيّر في الباقي.

وقد اتّفق علماؤنا على أنّ ما يدركه المأموم أوّل صلاته.

وروي ذلك عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: «ما أدركتم فصلّوا، وما فاتكم فأتمّوا»(3) .

وروى زرارة عن الباقر علیه السلام: «إذا أدرك الرجل بعض الصلاة جعل ما أدرك أوّل صلاته، إن أدرك من الظهر أو العصر ركعتين قرأ فيما أدرك مع الإمام مع نفسه أُمّ الكتاب وسورة فإذا سلّم الإمام قام فصلّى ركعتين لا يقرأ فيهما لأنّ الصلاة إنّما يقرأ [فيها] في الأُوليين»(4) .

وخالف في ذلك بعض العامّة حيث زعم أنّ ما يدركه مع الإمام آخر صلاته(5)؛ محتجّاً بقول النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم : «وما فاتكم فاقضوا»(6).

ص: 638


1- في الطبعة الحجريّة: «يمكن» بدل «يمكنه».
2- الفقيه، ج 1، ص 389 ذيل الحديث 1149 .
3- صحيح البخاري، ج 1، ص 228، ح 609 ، وص 308، ح 866: صحیح مسلم، ج 1، ص 420 - 421، ح 602/151؛ سنن ابن ماجة، ج 1، ص 255، ح 775؛ سنن أبي داود، ج 1، ص 156، ح 572؛ الجامع الصحيح، ج 2، ص 148 - 149، ح 327؛ مسند أحمد، ج 2، ص 474. ح 7211، وص 530 ، ح 7606: وج 3، ص 206، ح 9525.
4- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 45، ح 158؛ الاستبصار، ج 1، ص 436 ، ح 1683، وما بين المعقوفين من المصدر.
5- المبسوط السرخسي، ج 1، ص 190؛ حلية العلماء، ج 2، ص 188؛ المجموع شرح المهذّب، ج 4، ص 220؛ المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 2، ص 260. المسألة 1148؛ الشرح الكبير المطبوع مع المغني، ج 2، ص 11.
6- سنن النسائي، ج 2، ص 114 - 115؛ السنن الكبرى، البيهقي، ج 3، ص 132 - 133، ح 5145؛ مسند أحمد، ج 2، ص 473 ، ح 7209، وص 530 ، ح 7608.

وأجيب بحمل القضاء على الإتيان كقوله تعالى: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَوَةُ)(1) (فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَسِكَكُمْ)(2) جمعاً بينه وبين ما دلّ من الأخبار الكثيرة على أنّ ما يدركه هو أوّل صلاته.

والمراد بما فات المماثل له في العدد لا في الكيفيّة، أعني قراءة الحمد والسورة.

نعم، خالف بعض أصحابنا(3) في التخيير بين الحمد والتسبيح في الباقي لمدرك الأوليين مع أخيرتي الإمام، وحتم قراءة الحمد في ركعة لئلّا تخلو الصلاة من الحمد ولا صلاة إلّا بها.

والمشهور بقاء التخيير، وقد تقدّم في خبر زرارة(4)، ما يدلّ عليه.

واعلم أنّ قيام المأموم للإتمام بعد تسليم الإمام لا إشكال فيه، بل هو الأفضل(5) وإن قلنا بندب التسليم؛ لأنّه من أفعال الصلاة في الجملة، ولا يتوقّف حينئذٍ على نيّة المفارقة لحصولها به قهراً، لكن لو فارقه بعد التشهّد جاز أيضاً؛ لفوات الفعل المشترك الذي يمكن المتابعة فيه وجوباً أو استحباباً.

وهل تتوقّف المفارقة حينئذٍ على نيّة الانفراد ؟ يحتمله ؛ لبقاء القدوة إلى آخر التسليم وإن لم يتابعه فيه بدليل استحباب الصبر إليه، فالمفارقة قبله كالمفارقة قبل التشهّد وغيره.

ويحتمل عدم الافتقار إلى النيّة؛ لفوات محلّ المتابعة خصوصاً على القول بندب التسليم.

ويؤيّد الأوّل ما مرّ من استحباب انتظار الإمام للمسبوق إلى أن تكمل صلاته ثمّ يسلّم به، وانتظارُ المأموم السابق لنقص صلاته إلى أن يتمّ الإمام ثمّ يسلّم معه، ولولا

ص: 639


1- الجمعة (62): 10 .
2- البقرة (2): 200 .
3- السيّد المرتضى في جُمل العلم والعمل، ص 76 .
4- تقدّم الخبر في ص 638 .
5- في الطبعة الحجريّة: أفضل.

بقاء القدوة لم يكن له فائدة. وهذا هو الأجود.

(ولو دخل الإمام) في الصلاة (وهو) أي المأموم (في نافلة، قَطَعها) ليفوز بما هو أفضل منها، وقَطَع النافلة جائز اختياراً، لكنّه مكروه لغير غرضٍ شرعي، فإذا كان وسيلةً إلى الأفضل زالت الكراهة بل استحبّ القطع.

(و) لو دخل المأموم ( في الفريضة) نقلها إلى النفل، و (يتمّها) ركعتين (نافلةً، ويدخل معه) ليدرك الفضيلة.

والظاهر أنّ معنى الدخول الشروع في أفعال الصلاة الواجبة.

والذي دلّت عليه الأخبار وعبر به جماعة من الأصحاب أنّ الحكم يتعلّق بالمأموم متى أقيمت الصلاة، فيكون المراد حينئذٍ بالدخول الاشتغالَ بمقدّماتها والتأهّب لها.

وروى سليمان بن خالد عن الصادق علیه السلام، قال: سألته عن رجل دخل المسجد فافتتح الصلاة فبينما هو قائم يصلّي إذ أذّن المؤذّن، قال: فليصلّ ركعتين، ويستأنف الصلاة مع الإمام، ولتكن الركعتان تطوّعاً»(1).

وروى سماعة قال: سألته عمّن صلّى ركعةً من فرضه فخرج الإمام، فقال: «إن كان إماماً عدلاً فليصلّ أُخرى ويجعلها تطوّعاً، ويدخل مع الإمام»(2).

وإنّما وجب العدول إلى النفل حذراً من إبطال العمل الواجب، فإنّه منهيّ عنه.

وإنّما يكملها مع العدول ركعتين إذا لم يستلزم فوات الجماعة، كما لو كانت الفريضة ركعتين أيضاً والمأموم في أوّلها ، فلو كان كذلك قطع النافلة ودخل مع الإمام؛ لأنّها بالعدول تصير نافلةً، وقد تقدّم أنّها تقطع لإدراك الجماعة.

وهل يشترط خوف فوت جميع الصلاة حتّى لو أدركه قبل التسليم أتمّ نافلته؟ يحتمله؛ لإطلاق الأخبار والأصحاب إتمامها ركعتين.

ص: 640


1- الكافي، ج 3، ص 379، باب الرجل يصلّي وحده.... ح 3: تهذيب الأحكام، ج 3، ص 274، ح 792 .
2- الكافي، ج 3، ص 380، باب الرجل يصلّي وحده.... ح 7؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 51. ح 177.

والأولى تقييد ذلك بعدم فوات جزء من الصلاة؛ لما مرّ(1) من أنّ النافلة تقطع لإدراك أوّل الفريضة.

وتُحمل الرواية على مَنْ لم يخف الفوات؛ جمعاً بينها وبين ما دلّ على قطع النافلة، والرواية تجامع ذلك أيضاً؛ لأنّه فرض العدول عند الأذان والإقامة، وفي الأخرى عند خروج الإمام إلى الصلاة، وهذا الوقت يسع الركعتين والدخول معه في أوّل الصلاة غالباً.

ولو كان المأموم قد تجاوز ركعتين من الفريضة، ففي الاستمرار؛ لعموم النهي(2) عن قطع الفريضة والخروج عن موضع النصّ أو العدول إلى النفل أيضاً طلباً للفضيلة. ولتساوي أجزاء الفريضة وخصوصاً إذا لم يكن قد ركع في الثالثة فيهدم الركعة ويسلّم، أو قطعها استدراكاً لفضل الجماعة، ولأنّها تقطع لما هو دون الجماعة كالأذان والإقامة أوجه.

واستقرب المصنّف في التذكرة والنهاية(3) الاستمرار؛ اقتصاراً في قطع الفريضة أو ما هو في حكم القطع على مورد النصّ.

واعلم أنّه متى عدل إلى النافلة جاز له القطع وإن لم يخف فوات أوّل الصلاة؛ لأنّ قطع النافلة جائز، لكن يكره مع عدم خوف الفوات.

( ولو كان) الداخل (إمامَ الأصل قطع) المأموم (الفريضة) استحباباً (ودخل) معه وإن لم يخف فوت أوّل الصلاة مع الإكمال على المشهور؛ لما فيه من المزيّة المقتضية للاهتمام بمتابعته.

وساوى المصنّف في المختلف(4) ، بين إمام الأصل وغيره في عدم جواز القطع، واستحباب العدول إلى النفل؛ لعموم قوله تعالى: (وَلَا تُبْطِلُواْ أَعْمَلَكُمْ)(5) .

ص: 641


1- في «م»: «تقدّم» بدل «مرّ».
2- في الطبعة الحجريّة «للنهي» بدل «لعموم النهي ».
3- تذكرة الفقهاء، ج 4، ص 337 المسألة 600: نهاية الإحكام، ج 2 ص 159 .
4- مختلف الشيعة، ج 2، ص 511، ضمن المسألة 369 .
5- سورة محمد صلی الله علیه وآله وسلم(47): 33 .

ويضعّف بأنّ العدول إلى النفل وإن كان في الظاهر ليس إبطالاً، بل عدول من فرض إلى تطوّع، لكنّه في قوّة القطع أو مستلزم له لجواز قطع النافلة. وبأنّ الفريضة تقطع لما هو دون ذلك، بل لو قيل بجواز القطع مع غير إمام الأصل عند خوف الفوات للمساواة في العلّة كان حسناً. وهو ظاهر المبسوط(1) ، وقوّاه في الذكرى(2).

(ولو أدرك) المأموم (الإمامَ بعد رفعه من الركوع الأخير كبّر وتابَعَه) في السجدتين والتشهّد (فإذا سلّم الإمام) قام المأموم و (استأنف التكبير) بعد النيّة؛ لمكان زيادة الركن والفائدة إدراك فضيلة الجماعة.

:وقيل: لا يجب الاستئناف (3)؛ لأنّ زيادة الركن مغتفرة في متابعة الإمام.

ورواية المعلّى بن خنيس عن الصادق علیه السلام : «إذا سبقك الإمام بركعة فأدركته وقد رفع رأسه فاسجد معه ولا تعتدّ بها»(4) ، يحتمل القولين.

والقولان آتيان في إدراكه بعد الركوع غير الأخير.

ولو هوى المأموم بعد التكبير ولم يتابعه في السجود لم يستأنف. وكذا لو بقي واقفاً

حتّى يسلّم الإمام أو قام إلى ركعة أُخرى.

ولو أدركه فى السجدة الأخيرة فوجهان أيضاً، وأولى بالاعتداد هنا؛ لأنّ المزيد ليس ركناً .

ووجه الاستئناف أنّ(5) الزيادة عمداً مبطلة وإن لم تكن ركناً وله التخيير بين الأمرين السابقين.

(ولو أدركه بعد رفعه من السجدة الأخيرة كبّر وتابَعَه، فإذا سلّم الإمام أتمّ) المأموم ما بقي عليه من غير استئناف قطعاً، ويدرك فضيلة الجماعة في جميع هذه

ص: 642


1- المبسوط، ج 1، ص 157 .
2- ذكرى الشيعة، ج 4 ، ص 319 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).
3- القائل هو الشيخ في المبسوط، ج 1، ص 223 .
4- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 48، ح 166.
5- في الطبعة الحجريّة: «لأنّ» بدل «أنّ».

المواضع ؛ للأمر به في النصوص والفتاوى، وليس إلّا لإدراك الفضيلة.

ولو استمرّ واقفاً إلى أن فرغ الإمام ثمّ شرع في القراءة صحّ أيضاً، بل هو مرويّ(1) وإن كان الأوّل أفضل.

وكذا القول لو لم تكن السجدة أخيرةً، فيجلس ويكمل معه باقي الركعات أو يقف حتّى يلحقه الإمام.

والحاصل أنّ المأموم يدخل مع الإمام في سائر الأحوال، فإن كان في الركوع أو قبله فقد تقدّم حكمه. وإن كان بعده فقد عرفته.

ولو كبّر والإمام راكع فركع رجاءً لإدراكه راكعاً فسبقه كان كما لو أدركه بعد الركوع، فيسجد معه ويستأنف، وليس له قطع الصلاة قبل ذلك.

(ويجوز) للمأموم (الانفراد) عن الإمام في أثناء الصلاة حيث شاء في الجماعة المستحبّة على المشهور (مع نيّته) بل ادعى المصنّف عليه الاتّفاق في النهاية (2)، مع أنّه حكى أنّ الشيخ قطع في المبسوط بعدم الجواز لغير عذر وحكم بفساد الصلاة (3).

ووجه الجواز أنّ الجماعة لا تجب ابتداءً ولا في جميع الصلاة، فلا تجب انتهاءً ولا فى الأبعاض.

حجّة الشيخ قوله تعالى: (وَلَا تُبْطِلُواْ أَعْمَلَكُمْ)(4) ، وقوله علیه السلام: «الصلاة على ما افتتحت عليه»(5)، و«إنّما جُعل الإمام إماماً ليؤتمّ به»(6) .

وجوابه القول بالموجب مع بقاء النزاع، فإنّ النهي ينصرف إلى الأفعال الواجبة،

ص: 643


1- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 274، ح 793.
2- نهاية الإحكام، ج 2، ص 128 .
3- مختلف الشيعة، ج 2، ص 500 المسألة 359 وانظر المبسوط، ج 1، ص 223.
4- سورة محمدصلی الله علیه وآله وسلم (47) 33 .
5- لم نعثر عليه في كتب الحديث المتوفّرة لدينا ؛ وأورده العلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 501، ضمن المسألة 359 .
6- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص 624، الهامش 4.

والقدوة ليست منها والعمل لم يبطل وأنّ الصلاة تستصحب حكم نيّة الابتداء ما لم تغيّر؛ لأنّها غير واجبة.

وعلى المشهور تجوز المفارقة في جميع أحوال الصلاة، ولا يشترط الدخول معه في ركن، فلو أدركه في أثناء القراءة وفارقه قبل الركوع صحّ، وسقطت عنه القراءة، لكن لا يدرك ثواب الجماعة، كما يدركه لو دخل معه قبل التسليم، بل الأولى لمريد ذلك ترك الائتمام ابتداءً ليسلم من خلاف الشيخ.

ثمّ إن كانت المفارقة قبل القراءة قرأ لنفسه.

ولو كان في أثنائها، ففي البناء على قراءة الإمام، أو إعادة السورة التي فارق فيها، أو استئناف القراءة من أوّلها ،أوجه أوجهها الأوّل؛ لأنّ قراءة الإمام كافية عنهما.

ولو كان بعد القراءة، ففي الاكتفاء بقراءة الإمام أو الاستئناف الوجهان، وأولى بالاجتزاء هنا.

واختار في الذكرى وجوب استئناف القراءة في الموضعين(1) ؛ لأنّه في محلّ القراءة وقد نوى الانفراد، فعلى هذا الأحوط ترك الانفراد حالة القيام إذا لم يكن قبل القراءة؛ لتعرّضه للمحذور على أحد الأقوال، سواء قرأ أم لم يقرأ.

وعلى ما اخترناه لو كان الإمام قد تجاوز نصف السورة وأراد المأموم القراءة من أوّل سورة، لم يجز له العدول عنها.

وكذا لو كانت مفارقته في الجحد والتوحيد مطلقاً إلّا مع الانتقال إلى الجمعتين.

وعلى القولين الآخرين له قراءة أيّ سورة شاء.

وتقييد المصنّف جواز المفارقة بالنيّة بمعنى أنّه لو فارق لا مع النيّة أثم وصحّت الصلاة، مع احتمال الفساد للنهي.

(و) كذا يجوز للمأموم (التسليم قبل الإمام) لما رواه أبو المغرا عن الصادق صلی الله علیه وآله وسلم في

ص: 644


1- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 285 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).

الرجل يصلّي خلف إمام فيسلّم قبل الإمام، قال: «ليس بذلك بأس»(1).

وهل يفتقر إلى نيّة الانفراد؟ لا ريب فيه إن قلنا بوجوب المتابعة في الأقوال؛ لمساواته لغيره من الأفعال و به صرّح الشهيد (رحمه الله) في الذكرى(2)، وهو واضح على مذهبه.

وأمّا مَنْ لم يوجب المتابعة فيها، فالظاهر أنّه لا يفتقر إلى النيّة؛ لانقطاع القدوة الواجبة بالقيام من السجود ويدلّ عليه إطلاق المصنّف والجماعة جواز التسليم قبله من غير تعرّض للنيّة، وكذا الرواية(3) ، بل لو افتقر إلى النيّة لم يكن لذكره فائدة؛ لدخوله في المسألة السابقة، وقد اصطلح الأصحاب على ذكره مع ذكرهم لجواز المفارقة مطلقاً، ووردت به الأخبار، ولا فائدة فيه إلّا ذلك، بل هو يؤيّد عدم وجوب المتابعة في الأقوال، كما مرّ.

وروى عليّ بن جعفر عن أخيه علیه السلام في الرجل يكون خلف الإمام فيطيل التشهّد فيأخذه البول أو يخاف على شيء أن يفوت أو يعرض له وجع، قال: «يسلّم وينصرف»(4)، والسؤال عن حالة العذر لا يدلّ على عدم الجواز بدونه.

ص: 645


1- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 55، ح 189.
2- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 319 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).
3- أي رواية أبي المغراء المتقدّمة آنفاً.
4- الفقيه، ج 1، ص 401 ، ح 1193؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 283، ح 842 .

(المقصد الثالث في صلاة الخوف)

وهي مشروعة في زمن الرسول صلی الله علیه وآله وسلم وبعده للآية(1) ، والتأسّي، وفعل أمير المؤمنين علیه السلام في صفّين ليلة الهرير(2).

وقيل: إنّ الحكم في حالة الخوف قبل نزول قوله تعالى: (وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ )(3) الآية كان تأخير الصلاة إلى أن يحصل الأمن ثمّ تُقضى فنسخ بصلاة الخوف(4) ، ولهذا أخر النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم يوم الخندق أربع صلوات ثمّ قضاها(5)، وقد مرّت الرواية.

وصلاة الخوف أنواع، أشهرها صلاة ذات الرقاع صلّاها النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم(6). وقيل: إن الآية

نزلت بها(7).

وقد اختلف في وجه تسميتها بذلك، فقيل: لأنّ القتال كان في سفح جبل فيه جدد حمر وصفر وسود كالرقاع(8).

وقيل : كانت الصحابة حفاةً، فلفّوا على أرجلهم الجلود والخِرَق لشدّة الحَرّ(9) .

ص: 646


1- النساء (4): 102 .
2- الكافي، ج 3، ص 457 - 458، باب صلاة المطاردة والمواقفة... ح 2 تهذيب الأحكام، ج 3، ص 173 - 174، ح 384؛ تفسير العياشي، ج 1، ص 437 - 438 ، الرقم 259/1101 ، ذيل الآية 102 من النساء (4).
3- النساء (4): 102 .
4- كما في ذكرى الشيعة، ج 4، ص 219 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).
5- المغازي، الواقدي، ج 2، ص 473؛ وانظر السنن الكبرى البيهقي ، ج 3، ص 358 ، ح 6005.
6- صحيح البخاري، ج 4، ص 1512 ، ح 3898؛ صحیح مسلم، ج 1، ص 575 ، ح 842/310، وص 576 ،ح 843/311؛ سنن أبي داود، ج 2، ص 13، ح 1238؛ سنن النسائي، ج 3، ص 171.
7- لم نعثر على القائل .
8- معجم البلدان، ج 3، ص 64- 65 ، الرقم 5551، «الرقاع».
9- السيرة النبويّة، ابن كثير، ج 3، ص 160.

وقيل : الرقاع كان في ألويتهم(1) .

وقيل: إنّه موضع مرّ به ثمانية نفر حفاة فتشقّقت أرجلهم وتساقطت أظفارهم، فكانوا يلفّون عليها الخِرَق(2).

وهي على ثلاثة أميال من المدينة عند بئر أرُوما. وقيل: موضع من نجد، وهي أرض غطفان(3) .

(وشروط صلاة ذات الرقاع) أربعة:

أحدها (كون الخصم في خلاف جهة القبلة) إمّا في دُبُرها أو عن يمينها وشمالها بحيث لا يمكنهم مقابلته وهُمْ يُصلّون إلا بالانحراف عن القبلة؛ لأنّ النبيّ صلى الله عليه وآله و سلم إنّما صلّاها والعدوّ في خلاف جهة القبلة(4) ، وحينئذ لو كان العدوّ في جهة القبلة وأمكنهم أن يصلّوا جميعاً ويحرس بعضهم بعضاً صلّوا صلاة عسفان.

وأسقط المصنّف هذا الشرط في غير هذا الكتاب، وجوّز صلاة ذات الرقاع أيضاً لعدم المانع. وفعل النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم وقع اتّفاقاً، لا أنّه كان شرطاً(5) . ورجّحه الشهيد (رحمه الله)(6) ، وهو حسن.

ووجه الأوّل: أنّ صلاة عسفان ليس فيها تفريق ولا مخالفة شديدة لباقي الصلوات من انفراد المؤتمّ مع بقاء حكم ائتمامه، ومن انتظار الإمام إيّاه وائتمام القائم بالقاعد، كما هو موجود في صلاة ذات الرقاع .

(و) ثانيها: (أن يكون) العدوّ (ذا قوّة يخاف هجومه) على المسلمين حال الصلاة، فلو ضعف بحيث يؤمن منه الهجوم انتفت هذه الصلاة لعدم الخوف المجوّز للمخالفة المتقدّمة.

ص: 647


1- السيرة النبويّة ابن هشام، ج 3، ص 214: معجم البلدان، ج 3، ص 64- 65 ، الرقم 5551 ، «الرقاع».
2- صحيح البخاري، ج 4، ص 1513 ، ح 3899؛ معجم البلدان، ج 3، ص 56.
3- السيرة النبويّة ابن هشام، ج 3، ص 214 معجم البلدان، ج 3، ص 64 - 65، الرقم 5551، «الرقاع».
4- انظر سنن النسائي، ج 3، ص 173؛ والسنن الكبرى البيهقي ، ج 3، ص 375 ، ح 6056.
5- تذكرة الفقهاء، ج 4، ص 426، ضمن المسألة 656.
6- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 222 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).

(و) ثالثها: (أن يكون في المسلمين كثرة يمكنهم الافتراق طائفتين تقاوم كلّ فرقة) منهما (العدوّ) حالة صلاة الأخرى، فلو لم يمكن ذلك لم تتحقّق هذه الصلاة. وهذا الشرط إنّما يعتبر لو انحصر عسكر المسلمين فيهم، فلو كان معهم قوم من الكفّار يقاتلون معهم كالمؤلّفة لا يصلّون بحيث يقاومون العدوّ حال صلاة المسلمين سقط هذا الشرط.

ولو افتقروا إلى مساعد من المسلمين لا يقاوم العدوّ مستقلّاً سقط أيضاً، فيُبقي الإمام معهم من المسلمين مَنْ تحصل به الكفاية، ويصلّي بالباقين إذا كانوا مثلهم أو أكثر بهذه الصلاة.

(و) رابعها: (عدم احتياجهم إلى زيادة على الفرقتين) لتعذّر التوزيع حينئذٍ؛ لأنّ صلاة الخوف مقصورة. وهذا الشرط يتمّ في غير صلاة المغرب، وأمّا لو احتاجوا فيها إلى الافتراق ثلاث فِرَق أمكن، وشُرّعت هذه الهيئة على الأصحّ.

ولو شرطنا في قصر صلاة الخوف السفر - كما سيأتي القول به لبعض الأصحاب - واحتيج إلى أربع فِرَق في الحضر، فكذلك.

ولو افتقر إلى زيادة عن الثلاث في المغرب وعلى الأربع في غيرها انتفت هذه الهيئة قطعاً.

(وهي) أي صلاة الخوف (مقصورة سفراً) إجماعاً إذا كانت رباعيّةً، سواء صُلّيت جماعة أم فرادى (وحضراً) على المشهور بين الأصحاب (جماعةً وفرادى) كما تقصر للسفر المجرّد عن الخوف؛ لظاهر الآية(1) .

والصحيح زرارة عن الباقر علیه السلام: «صلاة الخوف أحق أن تقصر من صلاة سفر ليس فيه خوف»(2).

ص: 648


1- النساء (4): 101.
2- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 302 ح 921 .

وذهب جماعة - منهم الشيخ وابن إدريس(1) - إلى اشتراط الجماعة في قصرها حضراً؛ لأنّ النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم إنّما قصرها في الجماعة.

ويضعّف بأنّ الوقوع لا يدلّ على الشرطيّة، فيبقى الخبر السابق سالماً عن المعارض.

ونقل الشيخ (2) عن بعض الأصحاب اختصاص قصرها بالسفر مطلقاً؛ اقتصاراً على موضع الوفاق، وأصالة إتمام الصلاة.

ويضعّف بأنّ الاقتصار مشروط بعدم الدليل، وقد عرفته.

(و) كيفيّة صلاة ذات الرقاع أن (يصلّي الإمام بالطائفة الأولى ركعة والثانية تحرسهم عند العدوّ ، ثمّ يقوم) الإمام والجماعة (إلى) الركعة (الثانية) فتنفرد الجماعة ويقرؤن لأنفسهم، ويخفّفون القراءة والأفعال (ويُطوّل) الإمام (القراءة) في الركعة الثانية دون الأولى (فيُتمّ الجماعة صلاتهم وهو قائم (ويمضون إلى موقف أصحابهم، وتجيء الطائفة الثانية فيكبّرون للافتتاح ثمّ يركع) الإمام (بهم ويسجد) وتقوم الجماعة فتصلّي ركعة أُخرى (ويطيل) الإمام (تشهّدَه فيُتمّون ويسلّم) الإمام (بهم).

و مستند هذه الكيفيّة رواية الحلبي عن الصادق علیه السلام(3) .

ولو لم ينتظر الإمام الفرقة الثانية بالتسليم جاز أيضاً لصحيحة عبدالرحمن عنه علیه السلام(4) .

وهل يجب على الفرقة الأولى نيّة الانفراد عند القيام؟ قيل: نعم(5) ؛ لوجوبه ووجوب

ص: 649


1- المبسوط ، ج 1، ص 234 : السرائر، ج 1، ص 348 .
2- المبسوط، ج 1، ص 231؛ الخلاف، ج 1، ص 637. المسألة 409.
3- الكافي، ج 3، ص 455 - 456، باب صلاة الخوف، ح 1: تهذيب الأحكام، ج 3، ص 171 - 172، ح 379؛ الاستبصار، ج 1، ص 455 - 456. ح 1766.
4- الكافي، ج 3، ص 456، باب صلاة الخوف، ح 2: الفقيه، ج 1، ص 460. ح 1336؛ تهذيب الأحكام، ج 3،ص 172، ح 380.
5- كما في ذكرى الشيعة، ج 4، ص 226 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).

نيّة كلّ واجب. ولما تقدّم من عدم جواز مفارقة المأموم الإمام بدون النيّة.

ويحتمل عدم الوجوب؛ لأنّ قضيّة الائتمام هنا إنّما هو في الركعة الأولى وقد انقضت. وقوّاه في الذكرى(1) . وهو حسن، والأوّل خيرة الدروس(2)، وهو أحوط.

ولو نوت الفرقة الأولى الانفراد بعد القيام من السجود صحّ؛ لانتهاء الركعة التي اقتدوا فيها وإن كان استمرارهم إلى حالة القيام أفضل لاشتراكهم في ذلك القيام، فلا فائدة فى الانفراد قبله.

وهل تفتقر الثانية إلى نيّة الانفراد عند قيامهم إلى الركعة الثانية؟ يحتمله؛ لما مرّ، وبه صرّح جماعة (3)، وهو الظاهر من كلام الشيخ حيث حكم بعدم تحمل الإمام أوهامهم في تلك الركعة، مع حكمه بتحمّله في غيرها(4) ، وذلك عنده لازم للائتمام ونفي اللازم يستلزم نفي الملزوم.

وظاهر الأكثر بقاء القدوة حكماً وإن استقلّوا بالقراءة والأفعال.

والفائدة حصول ثواب الائتمام في جميع الصلاة، ورجوعهم إلى الإمام في السهو، ويدلّ عليه عدّهم من جملة مخالفة هذه الصلاة لغيرها ائتمامَ القائم بالقاعد.

وروى زرارة - في الصحيح - عن الباقرعلیه السلام قال: «فصار للأوّلين التكبير وافتتاح الصلاة، وللآخرين التسليم»(5) ، ولا يحصل لهم التسليم إلّا ببقاء الائتمام.

و كلام المصنّف يدلّ على ذلك أيضاً حيث حكم بأنّه يسلّم بهم. وقد تقدّم في الجماعة ما يدلّ عليه في غير هذه الصلاة، وهو استحباب تأخير الإمام التسليم لأجل المسبوق، فيسلّم به بعد فراغه.

(وفي) الصلاة (الثلاثية) وهي المغرب (يتخير) الإمام (بين أن يصلّي ب ) الفرقة

ص: 650


1- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 227 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).
2- الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 134 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9).
3- منهم ابن حمزة فى الوسيلة، ص 110.
4- المبسوط ، ج 1، ص 234 .
5- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 301، ح 917؛ الاستبصار، ج 1، ص 456، ح 1767.

(الأولى ركعة وب) الفرقة (الثانية ركعتين، وبالعكس) وهو أن يصلّي بالأُولى ركعتين وبالثانية ركعة، فإن اختار الأوّل - وهو الأفضل - انفردت الأولى بعد القيام إلى الثانية، كما مرّ. وعلى الثاني تفارقه في حال جلوسه للتشهّد بعد أن تتشهّد، ويبقى الإمام جالساً إلى أن تحضر الثانية لتفوز بالركعة من أوّلها.

ولو انتظرها حال قيامه في الثالثة صحّ أيضاً، وحينئذ فتؤخّر الفرقة الأولى المفارقة إلى أن ينتصب الإمام قائماً؛ لعدم الفائدة قبله.

وعلى التقديرين إذا جلس الإمام للتشهّد على الثالثة لا تنتظره الفرقة الثانية إلى أن يتشهّد أو(1) يسلّم، كما مرّ في الجماعة، بل تنهض عند قيامه من السجود فتتم الصلاة وينتظرها الإمام قبل التسليم إلى أن تكمل فيسلّم بها.

وعلى القول الأوّل تتشهّد معه وينهض لإكمال الصلاة بالركعة الأخيرة ثمّ يجلس ويتشهّد ويسلّم بها.

وإنّما كان هذا - أعني صلاته بالأولى ركعة وبالثانية ركعتين - أفضل؛ لأنّه المرويّ من فعل عليّ علیه السلام(2) فينبغي التأسّي به.

ولرواية الحلبي عن الصادق علیه السلام قال: «وفي المغرب يقوم الإمام وتجيء طائفة فيقومون خلفه ويصلّي بهم ركعة ثمّ يقوم ويقومون فيمثل الإمام قائماً ويصلّون الركعتين ويتشهّدون ويسلّم بعضهم على بعض، ثمّ ينصرفون فيقومون في موقف أصحابهم، ويجيء الآخرون فيقومون خلف الإمام فيصلّي بهم ركعة يقرأ فيها ثمّ يجلس ويتشهّد ويقوم ويقومون معه فيصلّون ركعة أُخرى ثمّ يجلس ويقومون هُمْ فيصلّون ركعة أخرى ويسلّم عليهم»(3).

ص: 651


1- في الطبعة الحجريّة: «و» بدل «أو».
2- المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 2، ص 262، المسألة 1451؛ الشرح الكبير المطبوع مع المغني، ج 2، ص 133.
3- الكافي، ج 3، ص 455 - 456، باب صلاة الخوف، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 171 - 172، ح 379 ،الاستبصار، ج 1، ص 455 - 456. ح 1766.

ولأنّه يستلزم فوز الثانية بالقراءة المتعيّنة، وتقارب الفرقتين في إدراك الأركان لاختصاص الأُولى بخمسة أركان فى الركعة الأولى والثانية بثلاثة أركان في الثالثة و بركنين في الثانية وهما الركوع والسجود، والقيام مشترك بينهما وإن كانت جهة ركنيّته إنّما تحصل للثانية، بخلاف الصورة الأخرى، فإنّ الأولى تستأثر بمعظم الأركان والأفعال، وهو اختيار المعظم(1) والمصنّف في التذكرة(2).

ورجّح في القواعد الصورة الثانية (3)، وهي اختصاص الأولى بركعتين والثانية بالركعة الأخيرة؛ لصحيحة زرارة وفضيل و محمّد بن مسلم عن الباقر علیه السلام : «إنّه يصلّي بفرقة ركعتين ثمّ يجلس ويشير إليهم بيده فيقومون فيصلّون ركعة ويسلّمون، وتجيء الطائفة الأخرى فيصلّي بهم ركعة»(4).

ولئلّا تكلّف الثانية زيادة جلوس في التشهّد له، وهي مبنيّة على التخفيف.

ويشكل بأنّ الرواية تّدلّ على الجواز لا على الأفضليّة، والتخيير لا شكّ فيه؛ جمعاً بين الحديثين المعتبرين، والأفضلية تحتاج إلى مرجّح، وهو موجود في الفرض الأوّل.

والاعتبار الثاني لا وجه له؛ لأنّ الجلوس للتشهّد لابدّ منه، وهو يستدعي زماناً على كل حال فلا يحصل التخفيف بإيثار الأولى به. ولأنّه إذا صلّى بالأولى ركعتين وبالثانية ركعة فإنّها تجلس في تشهّدها الأوّل حيث لا يجلس الإمام. وعلى التقدير الآخر تجلس له حيث يجلس الإمام، وهو - على ما ذكروه في دليلهم - نوع تخفيف .

(ويجب) على الطائفتين (أخذ السلاح) أمّا على المقابلة فظاهر؛ لتوقّف الحراسة الواجبة عليه. وأمّا على المصلّية فللأمر به في قوله تعالى: (وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ)(5) والأصل فيه الوجوب، وهذا هو المشهور بين الأصحاب.

ص: 652


1- كما في ذكرى الشيعة، ج 4، ص 223 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).
2- قال العلّامة بالتخيير انظر تذكرة الفقهاء . ج 4، ص 429، المسألة 661.
3- قواعد الأحكام، ج 1، ص 321 .
4- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 301، ح 917 و 918؛ الاستبصار، ج 1، ص 456 - 457 ، ح 1267 و 1268.
5- النساء (4): 102 .

وذهب بعضهم إلى الاستحباب(1) وجعل الأمر للإرشاد، ك (أَشْهِدُواْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ)(2) .

وهو مخالف للأصل لا يعدل إليه إلّا لدليل وهو منفيّ.

وآخرون(3) إلى اختصاص الوجوب بالمصلّين؛ عملاً بظاهر الآية(4) .

ويندفع بأنّ غير المصلّي يدخل بمفهوم الموافقة لأنّه المستعدّ للقتال، وقد روي عن ابن عباس أنّ المأمورين بأخذ السلاح هم المقاتلون(5) .

والمراد بالسلاح آلة الدفع من السيف والخنجر والسكّين ونحوه، ويلحق به ما يُكنّ من الدرع والجوشن والمغفر.

ووجوب أخذه ثابت مطلقاً (إلّا أن يمنع شيئاً من الواجبات) المعتبرة في الصلاة، کالجوشن الثقيل والمغفر المانع من السجود على الجبهة (فيجوز مع الضرورة) لا بدونها.

ولو لزم من حمله تأذّي الناس به كالرمح في وسط الصفوف لم يجز إلّا مع الحاجة، فينتقل حامله إلى حاشية الصفوف.

(والنجاسة) الكائنة على السلاح (غير مانعة) من أخذه إن لم تتمّ الصلاة فيه منفرداً، كما هو الغالب في السلاح، ولم يستلزم تعدّي النجاسة إلى غيره، ولا يقيد الجواز بالضرورة.

ولو ترك المصلّي أخذ السلاح في موضع وجوبه لم تبطل صلاته الخروج الأخذ عن شروط الصلاة وأجزائها.

هذا كلّه إذا أمكن الصلاة على هذه الحالة بحيث لا يشتدّ الخوف ويحوج إلى قتال

ص: 653


1- هو ابن الجنيد كما نقله عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 474، ضمن المسألة 335.
2- البقرة (2): 282 .
3- منهم الشيخ في الخلاف، ج 1 ، ص 643. المسألة 414 .
4- النساء (4): 102 .
5- تفسير الطبري، ج 5، ص 159: الجامع لأحكام القرآن، ج 5، ص 371؛ التبيان، ج 3، ص 309؛ مجمع البيان، ج 3 - 4 ، ص 102 .

الجميع (وأمّا شدّة الخوف ف) المراد به (أن ينتهي الحال إلى المسايفة و(1) المعانقة) والضابط أن لا يتمكّنوا من الصلاة على الوجوه المقرّرة في أنواع صلاة الخوف والمعانقة كناية عن ذلك (فيصلّون) حينئذ (فرادى) لبُعد التمكّن من الجماعة (كيفما أمكنهم) ركباناً ومُشاةً، ويركعون ويسجدون مع الإمكان، وإلّا فبالإيماء.

(ويستقبلون) القبلة (مع المكنة) وإلا فبحسب الإمكان في بعض الصلاة (وإلّا) يمكن الاستقبال بجميع أفعال الصلاة غير التكبيرة (فبالتكبيرة، وإلّا) يمكن الاستقبال بشيء (سقط) لقوله علیه السلام في صلاة المطاردة: «يصلّي كلُّ منهم بالإيماء حيث كان وجهه»(2) .

ويفهم من قوله «يصلّون فرادى» عدم جواز صلاتهم جماعة.

والأولى الجواز؛ لعموم الترغيب فيها ، واشتراك المانع بين الجماعة والفرادى.

هذا مع اتّحاد جهة الإمام والمأموم. ولو اختلفت جاز أيضاً مع عدم تقدّم المأموم مع على الإمام صوب مقصده، كما في المستديرين حول الكعبة.

والفرق بينهم وبين المختلفين في الاجتهاد في جهة القبلة حيث لا يجوز لأحدهم الاقتداء بالآخر: أنّ كلّ جهة هنا قبلة في حقّ المضطرّ إليها، بخلاف المجتهدين، ومن ثُمَّ تجب الإعادة لو تبيّن الخطأ على بعض الوجوه. ولأنّ كلّ واحد من المجتهدين يعتقد خطأ الآخر، بخلاف المضطرّين.

(وتجوز) الصلاة (راكباً مع الضرورة، ويسجد على قَرَبوس سرجه) - بفتح القاف والراء مع تعذّر النزول ولو للسجود خاصّة ثمّ الركوب، فلو أمكن وجب. واغتفر الفعل الكثير كما يغتفر في باقي الأحوال.

ولو كان القربوس ممّا لا يصحّ السجود عليه، فإن أمكن وضع ما يصحّ عليه وجب، وإلّا سقط.

ص: 654


1- في إرشاد الأذهان، ج 1، ص 274: «أو» بدل «و».
2- الكافي، ج 3، ص 457 - 458، باب صلاة المطاردة والمواقفة .... ح 2 تهذيب الأحكام، ج 3، ص 173 ،ح 384 .

(ولو عجز) عن الصلاة بالأركان ولو بالإيماء بها سقطت عنه أفعال الصلاة من القراءة والركوع والسجود، و (صلّى بالتسبيح) بأن ينوي ويكبّر ويسبّح (عوض كلّ ركعة) والمراد باقي الركعة أعني القراءة والركوع والسجود وتوابعها: (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر).

(وهو) أي هذا التسبيح (يجزئ عن جميع الأفعال والأذكار) عدا النيّة والتكبير.

وفي وجوب التشهّد والتسليم عند من أوجبه نظر ولا ريب أنّه أحوط .

وقد صلّى أمير المؤمنين علیه السلام وأصحابه هذه الصلاة ليلة الهرير الظهر والعصر والمغرب العشاء(1) .

(ولو أمن) الخائف (في الأثناء) أي في أثناء الصلاة (أو خاف فيه انتقل في الحالين) إلى الواجب على تلك الحال فيتمّ الآمن صلاته إن لم يكن مسافراً، ويتمّ أفعالها إن كان مؤمياً، ويقتصر الخائف بعد الأمن على ركعتين إن لم يكن قد ركع في الثالثة ويُكملها بالإيماء لو اضطرّ إليه؛ لوجود المقتضي في الجميع(2).

ولا فرق في إتمام الآمن بين أن يكون قد استدبر وعدمه، خلافاً للشيخ(3).

(ولو صلّى) صلاة الخوف (لظنّ العدوّ فظهر الكذب أو) ظهر (الحائل) بينهما بحيث يمنع الهجوم (أجزأ) وإن كان الوقت باقياً لامتثاله المأمور به على وجهه فيخرج عن العهدة.

نعم، لو استند الجهل بالحال إلى التقصير في الاطلاع لم تصحّ؛ للتفريط.

(وخائف السبع والسيل) والعدوّ واللصّ ونحوها (يصلّي صلاة الشدّة) إن اضطرّ إليها، فيقصّر الكيفيّة والكمّيّة؛ لقول الباقر علیه السلام في رواية زرارة:« خائف اللصّ والسبع

ص: 655


1- الكافي، ج 3، ص 457 - 458 ، باب صلاة المطاردة والمواقفة .... 2 تهذيب الأحكام، ج 3، ص 173 - 174،ح 384.
2- في الطبعة الحجريّة: «للجميع» بدل «في الجميع».
3- المبسوط ، ج 1، ص 235 .

يصلي صلاة المواقفة إيماءً على دابّته»(1) .

ولو أمكن الصلاة بالأفعال إيماءً وجب مقدّماً على صلاة الشدّة.

وأُلحق بمن ذكر الأسيرُ في أيدي المشركين إذا خاف من إظهار الصلاة، والمديون المعسر لو عجز عن إقامة البيّنة بالإعسار وخاف الحبس فهرب والمدافع عن ماله؛ لاشتراك الجميع في الخوف، والحكم معلّق عليه في الآية(2)، وهو يشعر بالعلّيّة. والتعليق ب ( الَّذِينَ كَفَرُوا )(3)أغلبيّة. وفيه نظر.

ومنع في الذكرى من قصر الأسير في تلك الحالة مع عدم السفر(4) .

ولا إشكال في جواز الإيماء في الجميع مع الحاجة إليه.

(والموتحل والغريق يصلّيان) بحسب الإمكان. ويجوز لهما الصلاة (بالإيماء مع العجز) عن استيفاء الأفعال (ولا يقصّران) العدد (إلّا في سفر أو خوف) لاختصاص قصر الكمّيّة بهما، بخلاف الكيفيّة.

قال في الذكرى :

نعم لو خاف من إتمام الصلاة استيلاء الغرق ورجا عند قصر العدد سلامته وضاق الوقت، فالظاهر أنّه يقصر العدد أيضاً(5).

وهو حسن حيث إنّه يجوز له الترك، فقصر العدد أولى، لكن في سقوط القضاء بذلك نظر لعدم النصّ على جواز القصر هنا.

و وجه السقوط: حصول الخوف في الجملة، كما مرّ.

والحاصل أنّ غلبة مطلق الخوف يوجب تطرّق القصر إلى كلّ خائف، ووجهه غير واضح؛ إذ لا دليل عليه، والوقوف مع المنصوص عليه بالقصر أوضح.

ص: 656


1- الفقيه، ج 1، ص 466. ح 1347؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 173، ح 383 .
2- النساء (4): 101 .
3- النساء (4): 101 .
4- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 234 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).
5- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 235 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).

(المقصد الرابع في صلاة السفر)

اشارة

اعلم أنّ من الأحكام الشرعيّة ما يشترك فيه الحضر والسفر، وهوكثير، كوجوب الطهارة والصلاة والزكاة والحجّ، ومن الرخص إباحة الميتة عند المخمصة وشرب الخمر لإساغة اللقمة.

ومنها: ما يختصّ بمطلق السفر، كصلاة النافلة على الراحلة وماشياً إن سُمّي مطلق المشي سفراً.

ومنها ما يختصّ بالسفر الطويل كترك الجمعة والجمع بين الصلاتين، وسقوط نافلة الظهرين إجماعاً، والوتيرة على المشهور، والإفطار من الصوم، وقصر الصلاة الرباعيّة في غير الخوف وهذا الفرد هو موضع البحث هنا.

وقد تبيّن بذلك فساد ما قيل: إنّ قصر الصلاة مختصّ بالسفر الطويل. اللهمّ إلّا أن يشترط في الخوف السفر، وقد تقدّم الكلام فيه، كما ضعف قوله: إنّ من خواصّ مطلق السفر الصلاة إلى غير القبلة مع الضرورة، فإنّ ذلك غير مختصّ بالسفر أيضاً.

وقد أشار إلى المقصود بالذات بقوله: (يجب التقصير في) الصلاة (الرباعيّة خاصّةً) بإسقاط الركعتين الأخيرتين منها خاصّةً، دون الثنائية والثلاثية، بالإجماع، وقول أبي عبدالله علیه السلام: «الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما ولا بعدهما شيء إلّا المغرب ثلاث ركعات»(1).

ص: 657


1- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 13 - 14، ح 31؛ الاستبصار، ج 1، ص 220، ح 778، وليست فيهما كلمة «رکعات».

وإنّما يجب التقصير (بستّة شروط):

[الشرط ] (الأوّل:) السفر إلى (المسافة

[الشرط ] (الأوّل(1):) السفر إلى (المسافة

وهي ثمانية فراسخ) كلّ فرسخ ثلاثة أميال، كلّ ميل أربعة آلاف ذراع كلّ ذراع أربعة وعشرون إصبعاً، كلّ إصبع سبع شعيرات متلاصقات بالسطح الأكبر - وقيل: ستّ(2) . ولعلّ الاختلاف بسبب اختلافها - عرض كلّ شعيرة سبع شعرات من أوسط شعر البرذون.

وقد ورد تقدير المسافة بثمانية فراسخ معلّلاً في خبر الفضل بن شاذان عن الرضا علیه السلام قال: «إنّما وجب التقصير في ثمانية فراسخ لا أقلّ من ذلك ولا أكثر، لأنّ ثمانية فراسخ مسيرة يوم للعامّة والقوافل والأثقال، ولو لم يجب في مسير يوم لم يجب في مسير سنة، لأنّ كلّ يوم يكون بعد هذا اليوم فإنّما هو نظير هذا اليوم، فلو لم يجب في هذا اليوم لم يجب في نظيره»(3) .

وقد عُلم من ذلك أنّ المسافة ذلك أنّ المسافة مسير يوم بسير الأثقال، ولما كان ذلك يختلف باختلاف الأرض والأزمنة والسير حمل على الوسط في الثلاثة.

ويعتبر من الحيوان مسير الإبل؛ لأنّها الغالب في القوافل.

وروى ابن بابويه في الفقيه عن الصادق علیه السلام في حديث أنّه قال: «كان أبي علیه السلام يقول: له إنّ التقصير لم يوضع على البغلة السفواء والدابّة الناجية، إنّما وضع على سیر القطار»(4).

قال الجوهري: بغلة سفواء: خفيفة سريعة، وسفا يسفو سُفُوّاً: أسرع في المشي(5) .

وعلى هذا فيكفي السير عن التقدير وإن اتفق قصوره عنه في نفس الأمر؛ عملاً بظاهر الأخبار.

ص: 658


1- في «الأصل و م» والطبعة الحجريّة: «أ» بدل «الأوّل». والمثبت هو الموافق لبعض نسخ إرشاد الأذهان.
2- كما في ذكرى الشيعة، ج 4، ص 194 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).
3- الفقيه، ج 1، ص 454 - 455 ، ح 1320 ، وفيه: «... في مسير ألف سنة ..».
4- الفقيه، ج 1 ، ص 436، ح 1270 .
5- الصحاح . ج 4، ص 2378، «سفی».

نعم لو اعتبرها بالتقدير فإن وافق السيرَ فواضح. وإن اختلفا أمكن الاجتزاء بكلّ واحد منهما لدلالة النصّ عليهما، وتقديم السير؛ لأنّ دلالة النصّ عليه أقوى؛ إذ ليس لاعتبارها(1) بالأذرع على الوجه المذكور نصّ صريح، بل ربما اختلفت فيه الأخبار وكلام الأصحاب.

وقد صنّف السيّد السعيد جمال الدين أحمد بن طاؤس كتاباً مفرداً في تقدير الفراسخ، وحاصله لا يوافق المشهور.

ولأنّ الأصل الذي اعتمد عليه المصنّف وجماعة في تقدير الفرسخ يرجع إلى اليوم؛ لأنّه استدلّ عليه في التذكرة بأنّ المسافة تعتبر بمسير اليوم للإبل السير العامّ، وهو يناسب ذلك. (قال: وكذا الوضع اللغوي، وهو مدّ البصر من الأرض)(2)(3).

ويظهر من الذكرى(4) ، تقديم التقدير. ولعلّه لأنّه تحقيق والآخر تقريب.

ومبدأ التقدير من آخر العمارة في البلد المعتدل فما دون، ومن آخر محلّته في البلد المتّسع . والمرجع في ذلك إلى العرف.

ويتعيّن في التقصير أحد الأمرين: المسافة المذكورة (أو أربعة) فراسخ (لمن رجع) إلى محلّه ( من يومه) لرواية محمّد بن مسلم عن الباقر علیه السلام: «إذا ذهب بريداً ورجع بريداً فقد شغل يومه»(5).

وقول الصادق علیه السلام: «بريد ذاهباً وبريد جائياً»(6).

ولوجود المشقّة التي هي حكمة الترخّص.

ص: 659


1- أي لاعتبار المسافة.
2- ما بين القوسين لم يرد في «م» وشطب عليه في «الأصل».
3- تذكرة الفقهاء، ج 4 ص 371 - 372، المسألة 619.
4- انظر ذكرى الشيعة، ج 4، ص 194 - 195 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).
5- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 224، ح 658 .
6- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 208، ح 496: وج 4، ص 224، ح 657: الاستبصار، ج 1، ص 223 - 224، ح 792 .

والظاهر أنّ اليوم هنا اسم للّيل والنهار، فيكفي عوده في ليلته خاصّةً، أو وقوعهما في يومه وليلته مع قصده.

ويدخل في الحكم قصد ما فوق الأربعة، دون ما قصر عنها وإن كرّره أزيد من مسافة ولم يبلغ في العود حدود وطنه.

وهذا الحكم - أعني إلحاق قاصد أربعة فراسخ على هذا الوجه بقاصد الثمانية في تحتّم القصر - هو المشهور بين المتأخّرين.

ومستنده ما مرّ، وأنّ فيه جمعاً بين الأخبار، فإنّ في بعضها الاكتفاء بقصد أربعة مطلقاً فيحمل على مريد الرجوع ليومه، كما في خبر محمّد بن مسلم(1).

ولإطلاق هذه الأخبار وصحّة بعضها واعتبار سند الباقية ذهب جماعة من علمائنا كابني بابويه والمفيد وسلار (2) - إلى التخيير في القصر والإتمام لقاصد الأربعة إذا لم يرد الرجوع ليومه، ووافقهم الشيخ في قصر الصلاة خاصّة(3) .

ويدفع ما تقدّم من الجمع أنّ في جملة منها أمر أهل مكّة بالقصر في خروجهم إلى عرفات(4)، وفي بعضها «ويلهم - أو ويحهم - وأيّ سفر أشدّ منه؟»(5) مع أنّ الخروج إلى عرفة للحجّ يستلزم عدم العود إلى مكّة ليومه، فلذلك جمعوا بينها وبين ما تقدم من اعتبار الثمانية بالتخيير.

وردّه المصنّف(6) بأنّ في بعضها تصريحاً بتحتّم القصر، كخبر معاوية بن عمّار

ص: 660


1- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 224، ح 658 .
2- الفقيه، ج 1، ص 437 و 447: المقنعة ص 349: المراسم، ص 75 وحكاه عنهم العلّامة في مختلف الشيعة ج 2، ص 526 - 527، المسألة 390.
3- النهاية، ص 122 و 161؛ المبسوط، ج 1، ص 215 و 384 - 385.
4- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 208 ، ح 499: الاستبصار، ج 1، ص 224، ح 795 .
5- الكافي، ج 4، ص 519، باب الصلاة في مسجد منى .... ح 5: الفقيه، ج 1، ص 447، ح 1303؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 210، ح 507؛ و ج 5، ص 433، ح 1501 ، وص 487، ح 1740 .
6- مختلف الشيعة، ج 2، ص 528، ذيل المسألة 390.

-الصحيح - عن الصادق علیه السلام الذي فيه «ويلهم»(1) إلى آخره، فكان الجمع بحملها على العائد ليومه أولى.

ويشكل بما قلناه من عدم عود أهل عرفة ليومهم، والأخبار صحيحة لا ينبغي اطراحها. وجاز حينئذٍ حمل النكير بالويل على إنكارهم أصل القصر مع ثبوت شرعيّته، كما قال في الخبر: «إنّ النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم كان يقصر إذا خرج إلى عرفة» (2) أو يقال: إنّ القصر أفضل من التمام فكان الإنكار لذلك. وهو متوجّه.

وللشيخ(3) قول آخر بالتخيير لو قصد أربعة فراسخ وأراد الرجوع ليومه؛ جمعاً بين الأخبار أيضاً، وقوّاه الشهيد في الذكرى؛ لكثرة الأخبار الصحيحة بالتحديد بأربعة فراسخ فلا أقلّ من الجواز(4) .

ويشكل بما مرّ من عدم اقتضائها العود بل منافاة بعضها له، فكان التخيير مطلقاً أوجَه وأدخل في الجمع، مع أن القائل به أكثر.

(ولو جهل) المسافر قدر مقصده، وشكّ (هل بلغ المسافة)(5) أم لا (و) الحال أنّه (الابيّنة) هناك تشهّد بأنّه بلغ المسافة (أتمّ) لأصالة عدم البلوغ، واستمرار الإتمام وعدم عروض ما يزيله.

وتنقيح المسألة يتمّ بمباحث:

أ : إطلاق الشكّ ووجوب الاستمرار معه على التمام في كلامهم مطلق يشمل مَنْ يقدر معه على الاعتبار وغيره، ومقتضاه أنّه لا يجب الاعتبار، بل يبقى على التمام إلى أن يتحقّق. ووجهه: العمل بالأصول المتقدّمة، وينضمّ إليها أصالة براءة الذمّة من وجوب التقدير.

ص: 661


1- المصادر في الهامش 6 من ص 660.
2- لم نعثر عليه بحدود المصادر المتوفرة لدينا ؛ وانظر تهذيب الأحكام، ج 3، ص 209، ح 502 .
3- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 208، ذيل الحديث 496: الاستبصار، ج 1، ص 224.
4- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 181 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 8).
5- كذا، وفي إرشاد الأذهان، ج 1، ص 274: «ولو جهل البلوغ» بدل «ولو جهل هل بلغ المسافة».

ويحتمل الوجوب حيث يمكن؛ لتوقّف اليقين بفعل الواجب عليه.

وعلى الأوّل لو سار إلى المقصد مع جهله ببلوغه يوماً معتدلاً بشروطه فظهر في آخر النهار أنّه مسافة بعد أن صلّى الظهرين قصّر العشاء.

ولو ظهرت المسافة في اليوم الثاني قصّر حينئذ، وكان ما فَعَله صحيحاً؛ لامتثاله

الأمر المقتضي للإجزاء. ولو دخل وقت المقصورة ولمّا يُصلّها ثم تبينت المسافة، قصر هنا قطعاً وإن كان قد مضى حالة الجهل بها مقدار الصلاة.

ولا يتأتّى هنا الخلاف الآتي في اختلاف حالتي الوقت بالإتمام والقصر؛ لأنّ تبيّن المسافة هنا كاشف عن المخاطبة بالقصر في نفس الأمر، غايته أنّه معذور لجهله.

ب: إطلاق الجهل يشمل ما لو شكّ في المسافة وما لو ظنّ عدم بلوغها، أو ظنّ البلوغ، فيجب الإتمام في الحالتين؛ للأصل مع احتمال العمل بالظنّ القوّي؛ لأنّه مناط العمل في كثير من العبادات.

ج : المراد بالبيّنة هنا العَدْلان كما هو الظاهر منها عند الإطلاق في نظائر هذه المواضع، فلا مدخل في ذلك لشهادة النساء منفردات ومنضمات ولا بشهادة العدل الواحد، مع احتماله جعلاً لذلك من باب الرواية لا من باب الشهادة.

والظاهر أنّ الشياع المتاخم للعلم بمنزلة ،البيّنة، بل ربما كان أقوى فيجوز التعويل عليه عند الجهل، مع احتمال العدم وقوفاً فيما خالف الأصل على المتيقّن.

د : لا يشترط في البيّنة هنا أن تشهّد عند الحاكم ويحكم بشهادتها، بل يكفي في جواز العمل بقولها سماع المكلّف وإن كان حكم البيّنة من وظائف الحاكم.

ومثله البيّنة بالهلال بالنسبة إلى الصوم والإفطار والبيّنة بطلوع الفجر ودخول الليل حيث لا طريق له إلى العلم، وأشباه ذلك.

وهذا المحلّ من المواضع المشكلة في كلامهم والضابط للفرق بين المقامين لا يخلو من خفاء.

ص: 662

ه: لو علم في أثناء السفر المسافة قصر حينئذ ، لكن هل يشترط كون ما بقي مسافةً أو يكفي كون الجميع مسافةً؟ يحتمل الأوّل؛ لعدم قصد المسافة فيما سبق، وهو أحد الشروط، فيكون بمنزلة المتردّد في السفر إلى المسافة، كطالب الآبق.

ويضعّف بأنّ المقصد معلوم، وإنما المجهول قدره، فإذا علم في الأثناء كشف عن كونه قد قصد المسافة ابتداءً، فيثبت القصر حينئذٍ مع بلوغ الجميع وإن قصر الباقي عن مسافة، وهو أقوى.

ومثله ما لو سافر الصبيّ إلى مسافة فبلغ في أثنائها.

أمّا المجنون فإن تحقّق منه قصد كان كذلك، وإلّا فلا.

و : لو تعارضت عنده البيّنتان في بلوغ المسافة وعدمها، ففي ترجيح أيّهما وجهان، أحدهما تقديم بيّنة النفي؛ لموافقتها للأصل من عدم البلوغ، وبقاء الصلاة على التمام. والآخر: تقديم بيّنة الإثبات؛ لأنّ شهادة النفى غير مسموعة، ولجواز بناء النافية على الأصل، بخلاف المثبتة فإنّ طريقها لا يكون إلّا بالاعتبار الموجب له بأحد وجوهه.

وهذا يتمّ مع إطلاق البيّنتين، أما لو كان النفي متضمّناً للإثبات - كدعوى الاعتبار - وتبيّن القصور انتفى الوجهان الموجبان لترجيح الإثبات وتحقّق التعارض.

ولكن أطلق المصنّف تقديم بيّنة الإثبات(1) ، وكذلك الشهيد (رحمه الله) (2).

ويمكن تنزيله على الإطلاق، كما يظهر من تعليلهم.

وأمّا مع تحقّق التعارض - كما مثلناه - فيمكن القول با طّراحهما والرجوع إلى الأصل وهو التمام، أو مراعاة الاحتياط؛ لاستحالة الترجيح من غير مرجّح.

ولو تعارض البيّنة والشياع فإن أفاد الشياع العلمَ قدّم. وإن تاخمه خاصّةً ففي ترجیحه احتمال

1.

664 5 موسوعة الشهيد الثاني / ج 11

ص: 663


1- تذكرة الفقهاء، ج 4، ص 372 المسألة 619 : نهاية الإحكام، ج 2، ص 170 .
2- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 195؛ الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 129؛ البيان، ص 255 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل. ج 8، 9 و 12).

ويمكن مساواتهما للبيّنتين.

أما خبر الواحد فإنّهما مقدّمان عليه ولو قلنا بجواز العمل به.

هذا كله بالنسبة إلى الخارج عن البينتين، أمّا نفس البيّنتين: فلكلّ حكمُ ما تعتقده فيقصّر المثبت ويتم النافي.

وفي جواز اقتداء أحدهما بالآخر وجهان من حكم كلّ منهما بخطأ الآخر ظاهراً، ومن إمكان بنائهما على وجه لا يتحقّق معه الخطأ.

ورجّح الشهيد في الذكرى جواز الاقتداء(1) . وهو قويّ.

الشرط (الثاني : القصد إليها)

الشرط (الثاني(2) : القصد إليها)

أي إلى المسافة بأن يربط قصده بمقصد يعلم بلوغه المسافة.

وإنّما اعتبر ذلك؛ لأنّ الشرط لما كانت المسافة وهي لا تتحقّق إلّا بقصدها أو بلوغها، اعتبر في الحكم بالانتقال عن حكم الأصل في العبادة أحد الأمرين: إمّا قصدها، أو الوصول إليها.

(فالهائم) وهو الذي لا يدري أين يتوجّه، وليس له مقصد خاصّ يبلغ المسافة (وطالب الآبق) الذي في نفسه العود متى وجده (لا يقصّران وإن زاد سفرهما) على مسافة؛ لفقد الشرط.

ومثلهما مستقبل المسافر إذا جوّز الظفر به قبل المسافة.

وقد روى صفوان عن الرضا علیه السلام في الرجل (خرج من بغداد)(3) يريد أن يلحق رجلاً الله على رأس ميل فلم يزل يتبعه حتّى بلغ النهروان، قال: «لا يقصّر ولا يفطر؛ لأنّه لم يرد

ص: 664


1- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 313 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).
2- في الأصل وم والطبعة الحجريّة بدل «الثاني»: «ب». والمثبت هو الموافق لبعض نسخ إرشاد الأذهان.
3- ما بين القوسين لم ترد في «ق . م » وكذا في ذكرى الشيعة، ج 4 ، ص 186 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).

السفر ثمانية فراسخ، وإنما خرج ليلتحق(1) بأخيه فتمادى به السير»(2).

والظاهر أنّ المعتبر قصد المسافة النوعيّة وإن لم تكن شخصيّةً، فلو نوى السفر إلى أحد البلدين أو البلدان كفى، كما لو قصد بلداً معيّناً على رأس مسافة وشكّ أو تردّد في الزيادة عليها، لكن يشترط في القصد المشترك اتّحاد أصل الطريق الخارجة من بلده ليتحقّق الخروج إلى المسافة.

ويتفرع على ذلك ما لو قصد مسافةً معيّنة فسلك بعضها ثمّ رجع إلى قصد موضع آخر بحيث تكون نهايته مع ما مضى مسافةً، فإنّه يبقى على القصر ؛ لصدق الس-فر إلى المسافة المقصودة في الجملة وإن تغيّر شخصها مع احتمال زوال الترخّص إلى أن يرجع ؛ لبطلان المسافة الأولى بالرجوع عنها، وعدم بلوغ المقصد الثاني مسافة.

ولا فرق في اشتراط قصد المسافة بين التابع والمتبوع، فالزوجة والعبد والولد إن عرفوا مقصد الزوج والسيّد والوالد وقصدوه ترخّصوا، وإلّا فلا.

ولو جوّزت الزوجةُ الطلاقَ والعبدُ العتقَ وعزما على الرجوع متى حصلا فلا ترخّص عند المصنّف(3) مطلقاً.

وقيّده الشهيد بحصول أمارة لذلك، وإلّا بنيا على بقاء الاستيلاء، وعدم دفعه بالاحتمال البعيد(4) . وهو حسن .

ويقرب منهم الأسير في أيدي المشركين والمأخوذ ظلماً فإنّهما متى علما مقصد المتبوع وقصداه ولو بغلبة الظنّ على بقاء الاستيلاء قصّرا مع بلوغ المسافة. وإن جهلا مقصدهم(5) ، أو احتملا الخلاص احتمالاً قريباً أتمّا.

ص: 665


1- في «م»: ليلحق.
2- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 225، ح 662: الاستبصار، ج 1، ص 227، ح 806.
3- تذكرة الفقهاء، ج 4 ص 375 المسألة 622 نهاية الإحكام، ج 2، ص 171.
4- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 186 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).
5- جمع الضمير باعتبار «المشركين».

وطالب الآبق ومتلقي المسافر إلى بلدٍ معيّن إن علما البلوغ إليه، فظاهر.

ولو غلب على ظنّهما ذلك واحتملا لقاءه قبله ففي قصرهما احتمال ومقتضى ما تقدّم القصرُ.

ويظهر من الأصحاب التمام متى جوّزا الرجوع قبله.

(و) على كلّ حال فالهائم وطالب الآبق (يقصّران في الرجوع مع البلوغ) للمسافة؛ لوجود المقتضي، وكذا لو تجدّد قصد المسافة في الأثناء، ولا يبنى على ما تقدّم

فلو عزم غير القاصد في الأثناء على الوصول إلى موضعٍ معيّن لا يبلغ من موضع القصد مسافةً ثمّ يرجع بعده إلى وطنه أتمّ ذاهباً وفي ذلك الموضع، وتوقّف الحكم بالقصر على العود كما لو لم يقصد أصلاً، ولا يضمّ ما تجدّد قصده إلى العود وإن اتّصل به؛ لأنّ كلّ واحد من الذهاب والعود له حكم بانفراده لا يضمّ أحدهما إلى الآخر.

[الشرط الثالث : عدم قطع (السفر)

[الشرط] الثالث(1) : عدم قطع (السفر)

ويحصل بأمرين: (بنيّة الإقامة عشرة) أيّام (فما زاد) عنها (في الأثناء) أي أثناء السفر، سواء وقع ذلك قبل بلوغ المسافة أم بعده، فإنّه يتمّ بعد ذلك. وهو موضع وفاق، والنصوص في ذلك متظافرة عن عليّ(2) وأهل بيته علیهم السلام.

فمنها: رواية زرارة - في الصحيح - عن أبي جعفر علیه السلام قال :قلت أرأيت مَنْ قدم بلدة إلى متى ينبغي له أن يكون مقصراً؟ ومتى ينبغي له أن يتمّ؟ فقال: «إذا دخلت أرضاً فأيقنت أنّ لك بها مقام عشرة أيّام فأتمّ الصلاة، وإن لم تدر ما مقامك بها تقول: غداً أخرج أو بعد غد، فقصّر ما بينك وبين أن يمضي شهر، فإذا تمّ لك شهر فأتمّ الصلاة

ص: 666


1- في «الأصل وم» والطبعة الحجريّة: «ج» بدل «الثالث». و ما أثبتناه هو الموافق لبعض نسخ الإرشاد.
2- الأمالي الشيخ الطوسي، ص 347، ح 58/718.

وإن أردت أن تخرج من ساعتك»(1) .

وقد عُلم من الخبر أنّه لا فرق في موضع الإقامة بين كونه بلداً أو قرية أو حلّة أو بادية، ولا بين العازم على السفر بعد المقام وغيره.

والمراد بنيّة الإقامة تحقّق المقام في نفسه كما يقتضيه الخبر، فيدخل فيه مَنْ نوى الإقامة اقتراحاً، ومَنْ أوقفها على قضاء حاجة يتوقّف انقضاؤها عليها. ومثله ما لو علق النيّة على شرط كلقاء رجل ورواج سوق، فحصل الشرط.

ومقتضى العشرة أن تكون كاملةً، فإن كانت النيّة في أوّل اليوم فظاهر، وإلّا فالظاهر التلفيق من الحادي عشر بقدر ما فات من الأوّل.

ولا فرق في ذلك بين يومي الدخول والخروج وغيرهما، فيحتسب ما حصل فيه المقام منهما من العدد.

واستشكل المصنّف في التذكرة والنهاية(2) احتسابهما من العدد من حيث إنّهما من تتمّة السفر وبداءته؛ لاشتغاله في الأوّل بأسباب الإقامة وفي الأخير بالسفر، ومن صدق الإقامة في اليومين واحتمل التلفيق(3)، كما اخترناه.

(أو بوصوله بلداً له فيه ملك استوطنه ستّة أشهر فصاعداً) فيتمّ حينئذٍ وإن كان جازماً على السفر قبل تخلّل عشرة؛ للإجماع.

ولقول الرضا علیه السلام في رواية محمّد بن [إسماعيل بن] بزيع وقد سأله عن الاستيطان،

فقال: «أن يكون له فيها منزل يقيم فيه ستّة أشهر»(4).

ص: 667


1- الكافي، ج 3، ص 435، باب المسافر يقدم البلدة كم يقصر الصلاة، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 219، ح 546: الاستبصار، ج 1، ص 237، ح 847 .
2- تذكرة الفقهاء، ج 4، ص 390، المسألة 631: نهاية الإحكام، ج 2، ص 187.
3- نهاية الإحكام، ج 2، ص 187 .
4- الفقيه، ج 1، ص 451، ح 1310؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 213، ح 520: الاستبصار، ج 1، ص 231 ،ح 821. وما بين المعقوفين من المصادر.

وروى عمّار عن الصادق علیه السلام: «يتمّ ولو لم يكن له إلّا نخلة واحدة»(1) .

وفي حكمه اتّخاذ البلد دار إقامة على الدوام، كما ذكره المصنّف(2) وكثير من الأصحاب(3) .

ويمكن الاستدلال عليه بالخبر(4) السابق؛ لصدق اسم المنزل عليه، واللام كما تدلّ على الملك تدلّ على الاختصاص، بل هي فيه أظهر، وحينئذٍ فيشترط فيه الاستيطان ستّة أشهر، كالملك.

وكذا لو اتّخذ بلداناً للإقامة على التناوب دائماً.

وقد صرّح المصنّف والشهيد (رحمه الله )(5) ، وغيرهما(6) باشتراط نيّة الدوام مع عدم الملك. ولا معدل عنه، إلّا أنّ الدلالة عليه غير واضحة.

ويشترط في الستّة الصلاة فيها تماماً بنيّة الإقامة؛ لأنّه المفهوم من الإقامة، فلا يكفي مطلق الإقامة ولا التمام بسبب كثرة السفر، أو المعصية به، أو شرف البقعة.

نعم، لا تضرّ مجامعتها لها وإن تعدّدت الأسباب لحصول المقتضي.

ولا يشترط فيها التوالي للعموم، ولا كون السكنى في الملك ولا كونه(7) له صلاحية السكنى ؛ لحديث النخلة(8) ، فيكفي سكنى بلد لا يخرج عن حدوده الشرعيّة، وهي مبدأ الخفاء.

ص: 668


1- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 211، ح 512: الاستبصار، ج 1، ص 229، ح 814.
2- تذكرة الفقهاء، ج 4، ص 392، المسألة 632: قواعد الأحكام، ج 1، ص 325؛ نهاية الإحكام، ج 2، ص 178.
3- منهم: الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 4 ص 192؛ والدروس الشرعيّة، ج 1، ص 131؛ والبيان، ص 257 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8، 9 و 12).
4- أي خبر ابن بزيع، المتقدّم آنفاً.
5- تذكرة الفقهاء، ج 4، ص 392، المسألة 632: نهاية الإحكام، ج 2، ص 178؛ ذكرى الشيعة، ج 4، ص 193 ،(ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).
6- انظر جامع المقاصد، ج 2، ص 512 .. في الطبعة الحجريّة فيه.
7- أي كون الملك.
8- تقدّم حديث النخلة آنفاً.

ويشترط كون الاستيطان بعد الملك ؛ لأنّه المفهوم منه ، ودوامُ الملك، فلو خرج عنه زال الحكم، بخلاف ما لو آجره أو رهنه أو أعاره أو غُصب منه. ولو تعدّدت كفى استيطان الأوّل منها. وملكُ الرقبة، فلا تكفي الإجارة، وملك المنفعة بوصيّة وغيرها، ولا الوقوف العامّة مع دخوله في مقتضاها.

نعم، يكفي الخاصّ بناءً على انتقال الملك فيه إلى الموقوف عليه.

ولو تعدّدت الأملاك وخرج بعضها عن ملكه اشترط اتّصاف الباقي بالوصف.

والظاهر أنّ ملك مغرس الشجرة معها غير شرط، بل يكفي ملك أحدهما.

وفي الاكتفاء بملك بعض الشجرة وجه لصدق اسم الملك.

ووجه العدم التنصيص على الواحدة في مقام المبالغة، فلو اكتفى بأقلّ منها لم يحصل الغرض.

ويشكل بأنّ المبالغة على حسب المقام، وجاز اختلافها باختلافه، وقد وقع مثله في قوله صلی الله علیه وآله وسلم: «تصدّقوا ولو بصاع ولو بنصف صاع»(1) ، وفي لفظ آخر «ولو بتمرة»(2)، وفي آخر: «ولو بشقّ تمرة»(3).

واعلم أنّ الشهر حقيقة في العدّة التي بين الهلالين، ويطلق على ثلاثين يوماً عند تعذّر المعنى الأوّل، وحينئذٍ فإن تحقّق التوالي في الستّة أو بعضها بحيث تصدق العدّة الهلاليّة كفت وإن اتّفق نقص الشهر عن ثلاثين. وإن تفرّقت على وجه لا يتحقّق فيه ذلك اعتبر الشهر ثلاثين يوماً .

ولو توالت وكان ابتداؤها في أثناء الشهر الهلالي، ففي احتساب الجميع ثلاثين ثلاثين أو إكمال الأوّل خاصّةً بعد انقضاء الخمسة وجهان، أجودهما الثاني. وكذا القول في غيره من الآجال وغيرها.

ولا فرق في انقطاع السفر في محلّ ينوي فيه إقامة العشرة بين أن ينويها بعد

ص: 669


1- الكافي، ج 4 ص 4، باب فضل الصدقة، ح 11.
2- الكافي، ج 4 ص 4، باب فضل الصدقة، ح 11.
3- الكافي، ج 4 ص 4، باب فضل الصدقة، ح 11.

وصوله إليه أو عنده أو قبله، ففي الأوّلين لا يعتبر المسافة بينه وبين موطنه، بل يقصّر في الطريق وإن قلّ، ويتمّ عند نيّة إقامة العشرة حيث وقعت بعد تجاوز حدود وطنه.

ولو كان في نيّته الإقامة في ابتداء السفر اعتبرت المسافة بين موطنه وموضع الإقامة، كما تعتبر بينه وبين الموطن الآخر أو الذي له فيه ملك (فلو كان بين مخرجه وموطنه أو ما) أي الموضع الذي (نوى الإقامة فيه مسافة قصّر في الطريق خاصّةً) وأتمّ فى الموطن وموضع الإقامة (وإلّا) أي وإن لم يكن بين مخرجه وموطنه أو ما نوى فيه الإقامة مسافة (أتمّ فيه) أي في الموطن أو موضع الإقامة.

ووحّد الضمير باعتبار عوده إلى كلّ واحد منهما على البدل.

(أيضاً) أي كما يتمّ في الطريق؛ لأنّ المقصد وإن كان يبلغ المسافة إلّا أنّه بسبب اعتراض أحدهما ينقطع اتّصال سفره، فيصير في قوّة المتعدّد.

( ولو كان)(1) له (عدّة مواطن) في طريقه أو نوى إقامة العشرة في عدّة مواضع كذلك (أتمّ فيها ) أي في المواطن، وكذا في المواضع التي نوى فيها الإقامة (واعتبرت المسافة فيما بين كلّ موطنين، فيقصّر) في الطريق (مع بلوغ الحدّ في طريقه) وهو المسافة (خاصّةً) أي دون الموطن والطريق التي لا تبلغ الحدّ.

ولو اختلفت الطريق بين المواطن وإليها، فلكلّ واحدة حكم نفسها.

وكما تعتبر المسافة بين كلّ موطنين كذلك تعتبر بين الأخير ومنتهى المقصد فإن لم يبلغها أتمّ من الأخبر إلى المنتهى وإن عزم على العود على غير تلك الطريق؛ لأنّ لكلّ واحد من الذهاب والإياب حكماً برأسه ، وقد ذكره المصنّف(2) في غير هذا الكتاب.

وكذا القول فيما بين منتهى المقصد وموضع مقام العشرة.

ولا فرق في ذلك بين ما نوى الإقامة فيه أو قبله.

ص: 670


1- في إرشاد الأذهان، ج 1، ص 275: «كانت».
2- تذكرة الفقهاء، ج 4، ص 392، المسألة 632؛ نهاية الإحكام، ج 2، ص 178.

واعلم أنّ منتهى السفر بين الموطنين على تقدير بلوغ الطريق المسافةَ هو حدود الوطن الذي يصل إليه، وهو موضع سماع الأذان ورؤية الجدار، كما يأتي. وكذا مبدأ السفر عند الخروج منه إلى الوطن الآخر، وهذا لا إشكال فيه.

إنّما الكلام في أنّ موضع نيّة الإقامة مع تقدّمها عليه هل يلحق بالوطن فينقطع السفر بما ينقطع به في الوطن ؟ فإنّه يحتمل قوّياً فيه ذلك أيضاً؛ لصيرورته بحكم بلده في وجوب الإتمام فيه، واشتراط المسافة في القصر بعد الخروج منه . ولأنّ تلك الحدود في حكم البلد، بل هي العلّة في قطع السفر، وعدم ابتدائه في الخروج بالنسبة إلى البلد.

ويحتمل العدم؛ لتعليق الحكم في النصوص على السفر، وهو شامل لهذه المواضع فإخراجها على خلاف الأصل في البلد لا يوجب التعدية، وهو في حال الدخول مسافر فيستصحب حكمه حتّى يخرج عنه اسم السفر.

وممّا يُضعف كونها بحكم بلده من كل وجه أنّه لو رجع فيها عن نيّة الإقامة قبل الصلاة تماماً أو ما في حكمها يرجع إلى القصر وإن أقام فيها أياماً وساوت غيرها من مواضع ،الغربة بخلاف البلد فدل ذلك على أنّ مجرّد نيّة الإقامة فيها قبل الوصول إليها لا يصيّرها في حكم البلد مطلقاً.

نعم، يتوجّه ذلك في الخروج منها بعد الصلاة تماماً؛ لصيرورتها الآن في حكم البلد بكل وجه، فالوجهان في حالة الدخول والخروج غير متساويين في القوّة والضعف.

الشرط (الرابع : كون السفر سائغاً)

الشرط (الرابع(1) : كون السفر سائغاً)

واجباً كان أو ندباً أو مباحاً أو مكروهاً (فلا يترخّص العاصي) بسفره، وهو مَنْ كان غاية سفره هي المعصية، كتابع الجائر وقاطع الطريق والباغي والتاجر في المحرّمات والساعي على ضرر بقوم من المسلمين بل المحترمين وإن كانوا كفّاراً، ومنه العبد

ص: 671


1- في «الأصل وم» والطبعة الحجريّة: «د». والمثبت هو الموافق لما في بعض نسخ إرشاد الأذهان.

المسافر لأجل الإباق، والزوجة الخارجة لأجل النشوز أو كانت المعصية جزءاً من الغاية، كما لو قصد مع ما ذُكر التجارةَ أو غيرها.

وقد عدّ الأصحاب من العاصي بسفره مطلق الآبق والناشز وتارك الجمعة بعد وجوبها ووقوف عرفة كذلك، والفارّ من الزحف ومَنْ سلك طريقاً مخوفاً يغلب معه ظنّ التلف على النفس أو على ماله المجحف.

وإدخال هذه الأفراد يقتضي المنع من ترخّص كلّ تارك للواجب بسفره؛ لاشتراكهما في العلّة الموجبة لعدم الترخّص؛ إذ الغاية مباحة فإنّه المفروض، وإنّما عرض العصيان بسبب ترك الواجب، فلا فرق حينئذٍ بين استلزام سفر التجارة ترك صلاة الجمعة ونحوها، وبين استلزامه ترك غيرها، كتعلّم العلم الواجب عيناً أو كفايةً، بل الأمر في هذا الوجوب أقوى، وهذا يقتضى عدم تحقّق الترخّص إلّا لأوحدي الناس.

لكنّ الموجود من النصوص في ذلك لا يدلّ على إدخال هذا القسم ولا على مطلق العاصي، وإنّما دلّت على السفر الذي غايته المعصية.

كرواية حماد بن عثمان عن الصادق علیه السلام: «الباغي والعادي ليس لهما أن يقصّرا الصلاة»(1).

ورواية زرارة في المتصيّد لهواً وبطراً(2).

ورواية إسماعيل بن أبي زياد عنه علیه السلام: «سبعة لا يقصّرون - وعدّ منهم - الرجل يريد

بصيده لهو الدنيا، والمحارب الذي يقطع السبيل»(3) .

وفي رواية عمّار بن مروان(4) ، عنه علیه السلام: «عدم تقصير العاصي لله ولرسوله، كطالب

ص: 672


1- الكافي، ج 3، ص 438 باب صلاة الملاحين والمكاريين.... ح 7؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 217 - 218 ح 539؛ و ج 9، ص 78 - 079 ح 334.
2- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 218، ح 540: وج 4، ص 220، ح 641: الاستبصار، ج 1، ص 236، ح 842 .
3- الفقيه، ج 1، ص 441، ح 1283؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 214، ح 524: الاستبصار، ج 1، ص 232، ح 826.
4- في الكافي عن محمّد بن مروان.

الشحناء والسعاية في ضرر على قوم من المسلمين»(1) .

وهذا الحديث وإن كان صدره يدلّ على مطلق المعصية لكن عجزه يخصّ ذلك بما كانت غايته المعصية، كما في غيره(2).

وبالجملة، فاللازم ممّا عدّه الأصحاب من الأفراد عموم المنع لكلّ عاصٍ بترك واجب يفوت بسبب السفر، ومن جملته تارك التعلّم، لكن في إدخاله نظر؛ لعدم دلالة النصوص عليه .

واحترزنا بالعاصي بسفره عن العاصي فيه، كما لو كان يشرب الخمر في طريق سفر غايته الطاعة، ويزني، فإنّه باقٍ على الرخصة.

ولو رجع العاصي عن نيّته في أثناء السفر اعتبرت المسافة حينئذٍ، فإن قصر الباقي منه بقي على التمام ولو انعكس الفرض انقطع ترخّصه حين النيّة.

ولو عاد إلى الطاعة ففي اشتراط كون الباقي مسافةً في العود إلى القصر أو البناء على ما سبق وجهان: من بطلان الماضي بتوسّط نيّة المعصية، ومن أنّ المانع كان هو المعصية وقد زالت وهو الذي اختاره في الذكرى(3) .

وينبغي أن يكون ذلك مع بلوغ ما مضى من سفر الطاعة وما بقي مسافةً، أما لو لم تتمّ إلّا بالجزء الذاهب في المعصية أشكل الفرق بينه وبين الراجع إلى الطاعة بعد أن كان قد سافر إلى المعصية ابتداءً، وقد وافق فيها على اشتراط كون الباقى مسافةً(4) ، وهذا هو الظاهر من التذكرة(5) ، مع استشكاله الحكم فيها.

ويقرب من ذلك ما لو رجع عن السفر في أثناء المسافة ثمّ عاد إليه ولا يبلغ باقيه مسافة.

ص: 673


1- الكافي، ج 4. ص 129 ، باب من لا يجب له الإفطار والتقصير في السفر ... ح 3: الفقيه، ج 2، ص 142، ح 1981؛ تهذيب الأحكام، ج 4، ص 219 - 220، ح 640.
2- في الطبعة الحجريّة: «على العموم» بدل «عليه».
3- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 197 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج8) .
4- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 197 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج8) .
5- تذكرة الفقهاء، ج 4، ص 397، المسألة 634.

وقد قرّب الشهيد في البيان العودَ إلى القصر اكتفاءً بالتلفيق ممّا مضى(1) .

والحكم فيه أشكل ممّا هنا.

أمّا لو فرض عدوله فى أثناء المسافة إلى غير المقصد ورجوعه عنه، اتّجه الضمّ بناءً على ما تقدّم من أنّ الاعتبار بقصد المسافة النوعيّة لا الشخصيّة، وهي حاصلة هنا، مع احتمال التمام لبطلان القصد الأوّل، وعدم بلوغ المقصد الثاني.

وكيف كان فهو أولى بالقصر من الأوّلين.

والصائد للّهو عاصٍ، كما مرّ، بخلاف الصائد لقوته وقوت عياله، فإنّه يقصّر الصلاة والصوم إجماعاً.

(والصائد للتجارة يقصّر في صلاته وصومه على رأي) لوجود المقتضي، وهو السفر إلى المسافة مع كونه غير معصية، وانتفاء المانع؛ إذ ليس إلّا قصد التجارة وهو أمر سائغ، كالسفر للتجارة في غير الصيد فإنّه غير مانع إجماعاً، ولعموم الآية(2) والأخبار.

ونبّه بالرأي على خلاف جماعة من الأصحاب، منهم الشيخان حيث أوجبا إتمام الصلاة(3) ، بل ادّعى عليه ابن إدريس الإجماعَ(4)، مستندين في ذلك إلى أخبار ضعيفة، مع عدم دلالتها على المطلوب صريحاً.

وقد روى معاوية بن وهب - في الصحيح - عن الصادق علیه السلام : «هما واحد إذا قصرت أفطرت، وإذا أفطرت قصّرت»(5) حكم عليه باتّحاد الحكم فيهما، وفي «إذا» معنى الشرط فيعمّ.

ص: 674


1- البيان، ص 258 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12) .
2- النساء (4): 101 .
3- المقنعة ص 349؛ النهاية، ص 122؛ المبسوط ، ج 1، ص 197 .
4- السرائر، ج 1، ص 327 .
5- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 220 - 221، ح 551.

وفي صحيحة عبد الله عنه علیه السلام في الصيد: «إن كان يدور حوله فلا يقصّر، وإن كان يجاوز الوقت فليقصّر»(1) ، وترك الاستفصال دليل العموم.

الشرط (الخامس : عدم زيادة السفر على الحضر

الشرط (الخامس(2) : عدم زيادة السفر على الحضر

كالمكاري) بضمّ الميم وتخفيف الياء، وهو الذي يكري دابّته لغيره ويذهب معها، أي المعدّ نفسه لذلك، فهو لا يقيم ببلده غالباً، بل الغالب عليه السفر (والملاح) بالتشديد، وهو صاحب السفينة وطالب القطر والنبت كالبدوي (و) طالب (الأسواق) وهو التاجر الذي يدور في تجارته من سوق إلى سوق، ومثله الذي يتكرّر إلى السوق الواحد مراراً من غير إقامة (والبريد) وهو الرسول المعدّ للرسالة.

(والضابط أن لا يقيم) المسافر (فى بلده عشرة) أيّام.

ومستند ذلك أخبار كثيرة عن الصادقَين علیهما السلام:

كصحيحة زرارة عن الباقر علیه السلام: «أربعة قد يجب عليهم التمام في سفر كانوا أو حضر : المكاري والكري والراعي والاشتقان؛ لأنّه عملهم»(3).

وروى محمّد بن مسلم عن أحدهما علیهما السلام : «ليس على الملّاحين في سفينتهم(4) تقصير، ولا على المكارين ولا على الجمّالين»(5) .

وروى إسماعيل بن [أبي](6) زياد عن الصادق علیه السلام عن أبيه قال: «سبعة لا يقصّرون الصلاة الجابي الذي يدور في جبايته، والأمير الذي يدور في إمارته، والتاجر الذي

ص: 675


1- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 218، ح 541؛ الاستبصار، ج 1، ص 236، ح 843 .
2- في «الأصل وم» والطبعة الحجريّة: «ه» بدل «الخامس» والمثبت هو الموافق لما في بعض نسخ إرشاد الأذهان.
3- الكافي، ج 3، ص 436، باب صلاة الملاحين والمكاريين..... ح 1؛ الفقيه، ج 1، ص 439. ح 1277 تهذیب الأحكام ، ج 3، ص 215، ح 526: الاستبصار، ج 1، ص 232 - 233، ح 828 .
4- في الاستبصار: «سفرهم» بدل «سفينتهم».
5- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 214، ح 525: الاستبصار، ج 1، ص 232، ح 827 .
6- ما بين المعقوفين من المصادر .

يدور في تجارته من سوق إلى سوق والراعي والبدوي الذي يطلب مواضع القطر ومنبت الشجر»(1) الحديث.

وتسمية هذا النوع زائد السفر وكثير السفر حقيقة شرعيّة بالشرائط المذكورة، وآية الحقيقة فيه مبادرة ذهن أهل هذا العرف عند إطلاق اللفظ إلى من اتّصف بالشروط المذكورة، وحينئذٍ فلا يرد عليه ما أورده المحقّق في المعتبر من انتقاضه بمقيم عشرة في بلده ومسافر عشرين فإنّه يصدق عليه زيادة السفر على الحضر، مع أنّ فرضه القصر إجماعاً. قال: بل الأولى أن يقال: أن لا يكون ممّن يلزمه الإتمام سفراً(2)، كما تضمّنته الروايات السابقة.

وما ذكره من الأولويّة غير ظاهر؛ لعدم انحصار المتمّ سفراً في مَنْ ذُكر، فلا تكون العبارة مفيدةً للمقصود، فإنّ العاصي بسفره وطالب الآبق مع تماديه في السفر وكلّ مَنْ لم يقصد المسافة مع وصوله إليها أو قبل وصوله يصدق عليه أنّه متمُّ سفراً، وليس مقصوداً هنا.

إذا تقرّر ذلك، فالمعتبر في لحوق الحكم هنا صدق اسم مَنْ ذُكر في هذه الروايات على مَنْ سافر، وكذا مَنْ في معناهم؛ إذ ليس في الأخبار تحديد بسفرات معيّنة، بل الحكم معلّق على الوصف فيثبت معه كيفما حصل، وهو يتحقّق في السفرة الثالثة التي لا تتخلّل بينها إقامة العشرة قطعاً. ولو صدق بأقلّ من ثلاث ثبت الحكم أيضاً.

وفصّل ابن إدريس بعد أن ردّها إلى العرف فاعتبر الثلاثة في غير المكاري والملّاح والتاجر والأمير، وحَكَم فيهم بالإتمام بمجرّد السفر؛ محتجّاً بأن صنعتهم تقوم مقام مَنْ لا صنعة له ممّن سفره أكثر من حضره(3).

ص: 676


1- الفقيه، ج 1، ص 441، ح 1283؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 214، ح 524: الاستبصار، ج 1، ص 232 ،ح 826 .
2- المعتبر، ج 2، ص 472.
3- السرائر، ج 1، ص 336 - 340.

واستقرب المصنّف في المختلف(1) ثبوت الحكم بالمرّتين مطلقاً، فيخرج في الثالثة متمّاً. وهو الظاهر من عبارته هنا وفي أكثر كتبه، كما يرشد إليه قوله: «والضابط أن لا يقيم في بلده عشرة أيّام» فإنّ مَنْ سافر مرّة ولم يقم في بلده بعدها عشرة ثمّ سافر يصدق عليه ذلك، وحيث لا دلالة في النصوص على اعتبار عددٍ معيّن بل صدق الاسم توجّه الاكتفاء بسفرتين خصوصاً لمتّخذه صنعةً، لكن توقّف الإتمام على الخروج إلى الثالثة أوضح خصوصاً على ما اشتهر من أنّ العلّة الموجبة لذلك هي كثرة السفر، وهو الذي نقله العلّامة قطب الدين الرازي عن المصنّف والضابط حينئذٍ أن يسافر إلى مسافة ثلاث مرّات بحيث يتجدّد حكم الإتمام بعد كل واحدة من الأوليين، ولا يقيم عقيب واحدة منهما عشرة أيّام في بلده مطلقاً أو في غير بلده مع نيّة الإقامة، فإنّه يصير في الثالثة كثير السفر ويلزمه فيها الإتمام، ويستمرّ متمّاً إلى أن يقيم في بلده عشرةً أو في غير بلده مع النيّة، فإذا أقام ذلك انتفى عنه الوصف ورجع إلى التقصير في السفر وتوقّف الحكم السابق على ثلاثة مستأنفة وهكذا.

ويتحقّق تعدّد السفرات بوصوله من كلّ سفرة إلى بلده أو ما في حكمه، فإنّ ذلك انفصال بينها حسّي وشرعي.

وهل يتحقّق بالانفصال الشرعي خاصّةً، كما لو تعدّدت مواطنه في السفرة المتّصلة بحيث يكون بين كل موطنين منها والآخر مسافة، أو نوى الإقامة فى أثناء المسافة عشراً ولمّا يقمها ؟ وجهان من تحقق الانفصال الشرعي، وهو أقوى من الحسّي في أمثال ذلك، ومن ثَمَّ اشترطت المسافة، ومن عدم صدق التعدّد عرفاً.

هذا كله إذا كان في نيّته ابتداءً تجاوز الوطنين وموضع الإقامتين، أمّا لو عزم على الوطن الأوّل خاصّةً فلمّا وصل إليه عزم على الآخر، فاحتسابهما سفرتين أقوى.

وعلى التقديرين لا فرق بين كون السفرة الثانية صوب المقصد أم لا.

ورجّح الشهيد في الذكرى تعدّد السفرات في صورة الإقامة وإن لم تكن الإقامة في

ص: 677


1- مختلف الشيعة، ج 2، ص 532، ذيل المسألة 391 .

نيّته ابتداءً، وفصَّل في الوطن، فأوجب التعدّد مع تجدّد قصد تجاوز الوطن بعد الوصول إليه، والاتّحاد مع قصد التجاوز ابتداءً(1) . وهو حسن.

والفرق بين موضع الإقامة والوطن: أن نيّة الإقامة تقطع السفر حسّاً وشرعاً والخروج بعد ذلك سفرة جديدة، بخلاف الوطن؛ فإنّه فاصلٌ شرعاً لا حسّاً.

ولو كان الخروج بعد أحد الأمرين إلى وطنه الأوّل بمعنى العود إليه، ففي احتسابه سفرةً ثانية الوجهان.

وهل يشترط في فصل نيّة الإقامة الصلاة تماماً، أم يكفي مجرد النيّة؟ يحتمل الأوّل؛ لتوقّف تمام الفصل عليه، ومن ثُمَّ كان الرجوع عن نيّة الإقامة قبل الصلاة موجباً للعود إلى القصر، وهو يدلّ على عدم تماميّة السبب الموجب للقطع. ولما تقدّم من أنّ الفارق بينه وبين الوطن هو قطع السفر الحسّي ولم يتحقّق.

ووجه الثاني: انتقال حكم السفر، ومن ثَمَّ وجب الإتمام ما دام كذلك، وللرجوع حكم آخر، وحيث أسلفنا أنّ المعتبر صدق اسم الكثرة والمعنى الموجب كذلك فهو المحكّم في هذه الموارد ولعلّ اعتبار الصلاة تماماً أو ما في حكمها أقوى.

بقي هاهنا بحث، وهو أنّ الأصحاب (رضوان الله عليهم) قد عدوّا في كثير السفر البدوي الذي يطلب القطر والنبت، والتاجرَ المنتقل من سوق إلى سوق وجملة ما تقدّم؛ استناداً إلى الروايات التي دلّت عليهم، بل تلك الألفاظ المنقولة في عباراتهم هي لفظ لروايات.

وفي دلالتها على ذلك نظر، بل الظاهر منها في كثير من هذه الأفراد أنّ الموجب لإتمامهم ليس هو كثرة السفر بل ولا صدق أصل السفر، وإنّما هو عدم القصد إلى المسافة، أو عدم صدق اسم المسافر عليهم، كما هو الظاهر من حال البدوي والراعي والأمير الذي يدور في إمارته من بلد إلى آخر، والتاجر الذي يدور في تجارته من سوق إلى سوق، فإنّ هؤلاء لا يقصدون المسافة غالباً وإن اتفق لهم سلوكها، والأخبار

ص: 678


1- انظر ذكرى الشيعة، ج 4، ص 193 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).

إنّما دلّت على أنّ هؤلاء فرضهم الإتمام، والأمر فيه كذلك، لكن لا يتعيّن كونه لهذه العلّة وإن أمكن في بعض أسفارهم حصولها.

وممّا يدلّ على أنّ حكم المذكورين في الخبر ليس على وتيرة واحدة: أنّ الباقرعلیه السلام عدَّ من السبعة الذين لا يقصّرون المتصيّد لهوا، والمحارب الذي يقطع السبيل»(1) مع أنّ المانع من قصر هذين هو المعصية لا الكثرة. وروى محمّد بن مسلم عن أحدهما علیهما السلام ، قال: «المكاري والجمّال إذا جدّ بهما السير فليقصّرا»(2) . ومثله روى الفضل بن عبدالملك عن الصادق علیه السلام(3)، وقد اختلف في تنزيلهما.

وعلى ما ذكرناه يمكن حمل الجدّ في السير على قصد المسافة قبل تحقّق الكثرة بمعنى أنّ سفرهما وإن كان أوّلاً إلى مسافة غير مقصودة لا يقصّران فإذا قصدا المسافة، قصرا، والجدّ كناية عن ذلك.

وحملهما المصنّف في المختلف على أنّهما إذا أقاما عشرة أيّام قصّرا(4). ولا إشعار فيهما بذلك.

وحملهما الشهيد (رحمه الله) على ما لو أنشأ أحدهما سفراً غير صنعته، كالتاجر يصير مكارياً أو ملّاحاً، والبدويّ يحجّ، فإنّهم يقصّرون(5) .

وفي دلالتهما على ذلك نظر، وفي المصير إلى الحكم باحتمالهما ذلك إشكال؛ لما قد عرفت من احتمال تنزيلهما على غير ذلك احتمالاً راجحاً أو مساوياً، ومع ذلك يسقط اعتبارهما في الدلالة على حكم مخالف للأصل الثابت بالدليل، وهو التمام مع الكثرة.

وقد نزّلهما الشيخ في التهذيب تبعاً للكليني (رحمهما الله) على أنّ المراد ب«جدّ

ص: 679


1- الفقيه، ج 1، ص 441 ، ح 1283؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 214، ح 524: الاستبصار، ج 1، ص 232،ح 826.
2- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 215، ح 528: الاستبصار، ج 1، ص 233 ، ح 830.
3- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 215، ح 529: وج 4، ص 219، ح 638: الاستبصار، ج 1، ص 233، ح 831 .
4- مختلف الشيعة، ج 2، ص 531، ذيل البحث الثالث ضمن المسألة 391 .
5- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 199 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).

السير» جَعل المنزلين منزلاً، فيقصّرون في الطريق، ويتمّون في المنزل(1) .

ووجه مصيرهما إلى ذلك - مع بُعده في الظاهر - حديث آخر روياه في ذلك عن الصادق علیه السلام:« أنّ الجمّال والمكاري إذا جدّ بهما السير فليقصّرا فيما بين المنزلين، ويتمّا في المنزل»(2) .

وهذا الحمل وإن كان مخالفاً للقاعدة المعروفة من الحكم إلّا أن الطريق إلى إثباتها بسبب الأحاديث المعتبرة سهل.

ولعلّ موجب الخروج عن حكم الإتمام هنا لزيادة المشقّة بكثرة السير وخروجه عن العادة.

وعلى هذا التنزيل الحكم مختصّ بمن ذكر في الأخبار، وهو الجمّال والمكاري؛ وقوفاً فيما خالف الأصل على المتيقّن مع احتمال العموم؛ لوجود المقتضي.

وعلى ما احتملناه من التنزيل يسقط الاستدلال.

وإذا تحقّقت الكثرة لأحد هؤلاء استمرّ حكمها ما لم يقم في بلده عشرة أيّام تامّة، سواء كانت بنيّة الإقامة أم لا، أو في غير بلده مع النيّة (فإن أقام أحدهم عشرةً) كذلك (قصّر) وإلّا أتمّ على المشهور بين الأصحاب.

وقد روى ذلك في المكاري عبدالله بن سنان عن الصادق علیه السلام(3)، ومن ثمّ احتمل المحقّق اختصاص الحكم بالمكاري(4) ، وجعل الباقين مع تحقّق الكثرة على التمام وإن أقاموا عشرة.

ص: 680


1- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 215، ذیل الحدیث 529: الاستبصار، ج 1، ص 233، ذيل الحديث 831: الكافي ج 3، ص 437، باب صلاة الملاحين والمكاريين..... ذيل الحديث 2.
2- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 215 - 216، ح 530: الاستبصار، ج 1، ص 233 ، ح 832: وانظر الكافي، ج 3، ص 437، باب صلاة الملاحين والمكاريين..... ذيل الحديث 2.
3- الفقيه، ج 1، ص 439 - 440، ح 1279؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 216، ح 531؛ الاستبصار، ج 1، ص 234، ح 836 .
4- المعتبر، ج 2، ص 473.

والمشهور : التعميم إن لم يكن موضع ،وفاق، فإنّ المحقّق ذكر ذلك بطريق الاحتمال.

وهل يشترط في إقامة العشرة التتالي؟ أكثر الأصحاب(1) على الإطلاق.

والظاهر أنّه في إقامة بلده غير شرط؛ لصدق اسم العشرة، وأصالة البراءة، فيلفّق ما وقع منها في البلد.

نعم، يشترط عدم تخلّل المسافة إجماعاً.

وقد صرّح بهذا التفصيل جماعة منهم الشهيد (رحمه الله)(2).

وأمّا العشرة التي في غير بلده فيحتمل كونها كذلك؛ لما ذكرناه من العلّة، ولما سيأتي من أنّ الخروج بعد الصلاة تماماً إلى ما دون المسافة لا يؤثّر في القصر، بل يبقى على التمام، فهو حينئذٍ كبلده.

نعم، يأتي على ما يختاره المصنّف - من أنّ الخارج حينئذ يقصّر ما لم يكن في نيّته إقامة عشرة مستأنفة - عدم التلفيق؛ لأنّ ذلك كالخروج إلى المسافة؛ لتخلّل ما يقطع الإقامة، فيكون حكمه حكم السفر إلى المسافة في انقطاع حكم السابق عليه إذا لم تكن عشرةً.

وسيأتي بيان أنّ مطلق الخروج مع نيّة إقامة العشرة غير قاطع لحكم الإقامة فيضعف دليل عدم التلفيق، لكنّي لم أقف على مُفْتٍ به من الأصحاب.

نعم، نقله بعضهم(3) عن المحقّق الشيخ عليّ (رحمه الله). وهو متوجّه.

وحيث اشترط في إقامة العشرة في غير بلده نيّتها لم يؤثّر وقوعها بنيّة متردّدة، وهو موضع وفاق.

لكن لو تردّد كذلك ثلاثين يوماً هل تكون بحكم العشرة المنويّة أم لا؟ الذي صرّح

ص: 681


1- منهم الشيخ في النهاية، ص 122؛ وابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 336؛ والشهيد في ذكرى الشيعة، ج 4، ص 198 - 199؛ والدروس الشرعيّة، ج 1، ص 132؛ والبيان، ص 259 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8، 9 و 12).
2- البيان، ص 259 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 12).
3- لم نتحقّقه.

به ابن فهد في المهذّب بل جَعَله المشهور(1) ، وقوّاه المحقّق الشيخ عليّ: الأوّل(2).

و قطع الشهيد في الدروس باشتراط إقامة عشرة بعد الثلاثين(3)، وتبعه عليه في الموجز(4) ولم أقف لغيرهم من ذلك على كلام نفي ولا إثبات وإن كان الظاهر منهم عدم الاكتفاء بالتردّد ثلاثين. والصحيح في ذلك ما اختاره الشهيد (رحمه الله)؛ لأصالة البقاء على حكم التمام حتّى يتحقّق المزيل عنه.

ويُوضح ذلك ما قد عرفته من أنّ السفر الموجب للتقصير ينقطع بمجرّد الوصول إلى بلد المسافر، ونيّته إقامةَ عشرة في غير بلده، وسيأتي أنّه ينقطع أيضاً بمضي ثلاثين يوماً متردّداً فيها، وهذه الثلاثة موضع وفاق.

ويُعلم منها أنّ الثلاثين المتردّد فيها في غير البلد بحكم نيّة الإقامة عشراً فيه، وقد عرفت أيضاً أنّ كثرة السفر إنّما تنقطع بإقامة عشرة في بلده أو في غير بلده مع النيّة، وأنّه لا تكفى نيّة الإقامة بدون الإقامة، بل لا ينقطع حكم الكثرة إلّا بتمام العشرة، وعرفت أيضاً أنّ التردّد ثلاثين يوماً في حكم نيّة إقامة العشرة لا في حكم إقامتها، فيفتقر بعدها إلى إقامة عشرة، كما يفتقر إليها بعد نيّة الإقامة عشرة وهذا واضح.

ووجه الاكتفاء بالثلاثين: صدق اسم العشرة وزيادة؛ إذ ليس في الخبر التصريح بكونها منويّةً.

وإنّما لم يكتف بالعشرة المتردّدة لا غير للإجماع على عدم اعتبار الشارع لها، بل إنّما عُلم منه اعتبار الثلاثين مع التردّد، فيختصّ الحكم بها. ولأنّ مضيّ الثلاثين إذا كان

ص: 682


1- المهذّب البارع، ج 1، ص 486.
2- جامع المقاصد، ج 2، ص 513 .
3- الدروس الشرعيّة ، ج 1، ص 132 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9).
4- الموجز الحاوي، ضمن الرسائل العشر، ص 173 .

شرطاً في قطع حكم السفر - وهو أضعف من حكم كثرة السفر؛ لما قد عرفته - فلأن يكون مجموع الثلاثين شرطاً في قطع الكثرة ولا يكفي ما دونها أولى.

وجوابه يُعلم ممّا قرّرناه، فإن مضيّ الثلاثين كذلك بحكم نيّة الإقامة عشراً في غير البلد، وهي غير كافية في قطع كثرة السفر إجماعاً، فكذا يجب لما هو بحكمها، وإنّما اقتضى كونها بحكم النيّة الاكتفاء بعشرة أُخرى بعدها، وإلّا كان من المحتمل أن يقال: إنّ التردّد لا يقطع كثرة السفر وإن طال؛ لعدم النصّ، وأصالة البقاء على حكم الكثرة، بل هذا الاحتمال أوجه من احتمال الاكتفاء بالثلاثين المتردّد فيها، فإنّ إلغاء المناسبة بين حكم السفر وكثرة السفر يقتضي الاكتفاء بمطلق العشرة إن عمل بمطلق الرواية ولم يقل به أحد، أو توقّف حكم قطع الكثرة على الإقامة عشرة منويّة، ولا تقطعها ،بدونه، ورعاية المناسبة تقتضي اشتراط العشرة بعد الثلاثين فالقول بالاكتفاء بالثلاثين المتردّد فيها غير متّجه.

فإن قيل: لمّا علمنا اعتبار الشارع الثلاثين المتردّد فيها وترتيب حكم قطع السفر عليها وإقامتها مقام نيّة الإقامة اعتبرناها هنا مع صدق إقامة العشرة في الجملة، بخلاف العشرة المتردّد فيها فإنّ الشارع لم يعتبرها بحال.

قلنا: إنّما اعتبرها الشارع في حكم يكفي في اعتباره نيّة إقامة العشرة، كما قد عرفته، والأمر في المتنازع ليس كذلك، فإنّ نيّة إقامة العشرة غير كافية إجماعاً، فكذا ما هو بحكمها، ولا يلزم من اعتبار الشارع لها في حالة اعتبارها مطلقاً.

(وإلّا) يقم أحدهم عشرة على الوجه المتقدّم (أتمّ) صلاته (ليلاً) وهي (و) صيامه (نهاراً) سواء لم يقم أصلاً أو أقام دون الخمسة أو أقام خمسة (على رأي) مشهور؛ لصدق اسم المسافر على مَنْ أقام دون العشرة فيلحقه الحكم. ولقوله علیه السلام: «هما سواء إذا أفطرت قصّرت، وإذا قصّرت أفطرت»(1) .

ص: 683


1- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 220 - 221، ح 551 .

ونبّه بالرأي على خلاف الشيخ(1) وجماعة (2) حيث ذهبوا إلى أنّ مَنْ أقام خمسة فصاعداً إلى ما دون العشرة يُقصّر صلاة النهار ويُتمّ الليل والصوم؛ لرواية عبدالله بن سنان، قال: «المكاري إن لم يستقرّ في منزله إلا خمسة أيّام أو أقلّ قصّر في سفره بالنهار وأتمّ بالليل، وعليه صوم شهر رمضان»(3).

وأُجيب(4) ، بأنّ الحديث متروك الظاهر؛ لتضمّنه ما دون الخمسة، وهم لا يقولون بتأثير ما دونها.

وفيه نظر؛ لأنّ الخبر إن صحّ لم يضر موضع الخلاف منه خروج جزء آخر عن صلاحيّة الاحتجاج، والأصحاب قد احتجّوا به على أنّ إقامة العشرة تقطع كثرة السفر.

و احتمال اختصاص الحكم بالمكاري إنّما نشأ منه؛ لأنّ البحث فيه عنه.

وحَمَله المصنّف في المختلف على سقوط نافلة النهار(5) ، ولا يخفى بعده.

ولضعف جوابه مال المحقّق في المعتبر(6) إلى العمل بمضمونه وموافقة الشيخ.

ونقل عن ابن الجنيد القول بالاكتفاء في التقصير بإقامة ما دون الخمسة(7) ، كما دلّ عليه الخبر(8) .

الشرط (السادس : خفاء الجدران والأذان

الشرط (السادس(9) : خفاء الجدران والأذان

فلا يترخّص) المسافر (قبل ذلك) على المشهور بين المتأخّرين.

ص: 684


1- النهاية، ص 122 - 123؛ المبسوط ، ج 1، ص 203 و 385.
2- منهم: القاضي ابن البرّاج في المهذّب، ج 1، ص 106؛ وابن حمزة في الوسيلة، ص 108؛ ويحيى بن سعيد في الجامع للشرائع، ص 91 .
3- الفقيه، ج 1، ص 439 - 440. ح 1279؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 216، ح 531؛ الاستبصار، ج 1، ص 234، ح 836.
4- المجيب هو الشهيد في غاية المراد، ج 1، ص 158 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 1).
5- مختلف الشيعة، ج 2، ص 532، ذيل البحث الرابع ضمن المسألة 391 .
6- المعتبر، ج 2، ص 473.
7- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 536، المسألة 394 .
8- أي خبر عبد الله بن سنان المتقدّم آنفاً.
9- في «الأصل و م» والطبعة الحجريّة: «و» بدل «السادس». وما أثبتناه هو الموافق لبعض نسخ إرشاد الأذهان.

واعتبر أكثر المتقدّمين(1) أحد الأمرين: خفاء الجدران، أو عدم سماع الأذان.

وابن بابويه لم يعتبرهما معاً، واكتفى بمجرد الخروج من المنزل(2).

ووجه ما اختاره المصنّف من اعتبار الأمرين معاً صحيحة محمّد بن مسلم، قال، قلت لأبي عبدالله علیه السلام : رجل يريد السفر فيخرج متى يقصّر؟ قال: «إذا توارى من البيوت»(3) .

وصحيحة عبدالله بن سنان عنه علیه السلام : «إذا كنت في الموضع الذي لا تسمع فيه الأذان فقصّر، وإذا قدمت من سفرك فمثل ذلك»(4).

والجمع بين الخبرين يحصل بالعمل بمدلولهما معاً، والمتقدّمون جمعوا بينهما بالتخيير وليس بواضح.

وعوّل ابن بابويه على رواية مرسلة تدلّ على القصر إلى أن يعود إلى المنزل(5) .

وهي مع ذلك مجملة يجب حملها على المبيّن.

والمعتبر خفاء صورة الجدار - لا شبحه - وسماع صوت الأذان وإن لم يميّز فصوله.

ويعتبر فيهما الحاسّة المعتدلة، كما يعتبر الصوت والبناء المعتدلان، فلا عبرة برؤية أعلام البلد، كالمنائر والقباب والقلاع، ولا بالأذان المفرط في العلق، ولا بخفاء المنخفضين.

والتمثيل بالأذان؛ لأنّه أبلغ الأصوات غالباً، فيقوم مقامه الصوت العالي. ويقدّر البلد المرتفعة والمنخفضة معتدلةً.

ويعتبر آخر الجدران والأذان ما لم تتّسع الخطّة بحيث تخرج عن العادة، فتعتبر

ص: 685


1- منهم: الشيخ في المبسوط، ج 1، ص 197؛ والقاضي ابن البرّاج في المهذّب، ج 1، ص 106.
2- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 534، المسألة 392.
3- الكافي، ج 3، ص 434، باب من يريد السفر أو يقدم من سفر .... ح 1؛ الفقيه، ج 1، ص 435، ح 1267؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 224، ح 566: وج 4، ص 230، ح 676.
4- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 230، ح 675؛ الاستبصار، ج 1، ص 242، ح 862 .
5- الفقيه، ج 1، ص 435 - 436، ح 1268.

المحلّة .وأذانها وحلّة البدوي كالبلد بالنسبة إلى الأذان أمّا الجدار(1) فيحتمل تقدير بيته لو كان جداراً، واعتبار رؤيته؛ لقيامه مقامه.

(وهو) أي خفاء الأمرين (نهاية التقصير) بمعنى أنّه يمتدّ عائداً إلى أن يدرك أحدهما، فيزول حكمه ويصير كالمقيم على المشهور؛ لصحيحة عبدالله بن سنان السالفة(2). ولأنّ اعتبار ذلك في الخروج إنّما هو لكون ما دون هذا القدر في حكم البلد فلا يقصر فيه.

وخالف هنا جماعة(3) حيث جعلوا نهاية التقصير دخول المنزل؛ استناداً إلى أخبار تدلّ على استمرار التقصير إلى دخول المنزل.

ولا صراحة فيها بالمدعى؛ فإنّ ما دون الخفاء في حكم المنزل خصوصاً مع وجوب الجمع بينها وبين ما تقدّم من الدالّ صريحاً على المشهور.

واعلم أنّ فائدة جَعْل خفاء الأمرين شرطاً للقصر عدم جوازه قبله، فلو أراد الصلاة قبل ذلك صلّى تماماً. وكذا لا يجوز له الإفطار. وبعد وصوله إلى ذلك القدر يتحقّق الشرط، ولا يلزم من وجوده وجود المشروط وهو القصر، ثمّ يتوقّف على تفصيل آخر وهو عدم مضيّ قدر الصلاة وشرائطها المفقودة، كما سيأتي.

وكذلك يشترط في جواز الإفطار عدم زوال الشمس قبل الخفاء على ما يجيء تفصيله إن شاء الله تعالى.

وأمّا في العود ففائدته على مذهب المصنّف - من وجوب التمام على مَن حضر قبل الصلاة وإن كان قد دخل الوقت عليه مسافراً - ظاهرة، فيتمٌ حينئذ متى وصل إلى الموضع المذكور(4). والفائدة بالنسبة إلى الصوم أنّه لو وصل إلى ذلك المكان ولم يكن

ص: 686


1- في الطبعة الحجريّة الجدران.
2- في ص 684 .
3- منهم الشيخ علي بن بابويه وابن الجنيد كما حكاه عنهما العلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 535 المسألة 393؛ والسيّد المرتضى كما حكاه عنه المحقّق في المعتبر، ج 2، ص 474.
4- في الطبعة الحجريّة: المواضع المذكورة.

تناول سفراً وكان ذلك قبل الزوال وجب عليه الصوم. ولو كان ذلك بعد الزوال أو كان قد تناول لم يلزمه حكم الإتمام فكذا في نهاية السفر إنّما تظهر على بعض الوجوه، وذلك هو المراد من الإطلاق.

بقي في العبارة شيء، وهو أنّ الضمير في قوله «وهو نهاية التقصير» لا مرجع له سابقاً إلّا الخفاء في قوله «خفاء الجدران» ولا ريب أن الخفاء أمر ممتدّ من حين تجاوز موضع سماع الأذان ورؤية الجدار إلى أن يعود، بل كلّما تمادى في السفر تأكّد تحقّق الخفاء، وهذا المعنى لا يصلح كونه مراداً لجعله نهاية التقصير؛ فإنّه وقت التقصير ،وظرفه فكيف يكون نهايته؟ وإنّما النهاية آخر جزء منه، وهو الجزء الذي دونه بلا فصل يتحقّق إدراك أحد الأمرين، وهذا ليس هو مفهوم الخفاء، ولا يصحّ إطلاقه على هذا الجزء خاصّةً، كما لا يخفى.

ولا يصحّ توهّم أنّ الخفاء - على ما ذكرت - مجموع مركّب من جميع الأجزاء الواقعة في ذلك الزمان والمجموع لا يتحقّق إلّا بجميع أجزائه، وهي لا تتمّ إلّا ببلوغ أحدهما، فيصحّ حينئذٍ إطلاق كون الخفاء منتهى الترخّص؛ فإنّ هذا الأمر وإن تمّ بالنسبة إلى النهاية يفسد في جانب البداءة، فإنّ الخفاء كما هو معتبر في نهاية السفر بمعني أنّ زواله يزيل القصر ، كذا يعتبر في أوّله بمعنى أن وجوده شرط في القصر، بل شرطيّته لا تتمّ حقيقةً إلّا في الابتداء ثم تستمرّ إلى أن يزول.

وبالجملة، فالمراد واضح، وهو أنّه ما دام الأمران محقّقين فالشرط حاصل، إلّا أنّ تركيب العبارة غير مؤدّ للمقصود، وكان الوجه أن يقال: وبانتهاء الخفاء ينتهي التقصير، أو ما يؤدّي هذا المعنى والأمر سهل.

(و منتظر الرفقة) بعد أن سافر (يقصّر مع) بلوغه محلّاً يتحقّق معه (الخفاء، و) مع (الجزم) بمجيئها أو الجزم بالسفر من دونها قبل مضيّ العشرة (أو) مع كون انتظاره بعد (بلوغ المسافة) سواء علّق بعد ذلك سفره الباقي عليها أم لا، وسواء جزم بمجيئها أم لا (وإلّا) يحصل ما ذكرناه بأن انتظرها قبل الخفاء مطلقاً أو بعده قبل بلوغ المسافة

ص: 687

ولم يجزم بمجيئها قبل مضيّ عشرة أيام أو بالسفر من دونها قبلها (أتمّ).

وألحق في الذكرى بالعلم بمجيئها غلبة الظنّ به(1).

وهو حسن؛ لأنّ المصير في مثل ذلك لا يكاد يستند إلّا إلى الظنّ.

ولعلّ تعبير مَنْ عبّر بعلم مجيئها يريد به الترجيح الغالب المستند إلى القرائن، وهو العلم بالمعنى الأعمّ؛ إذ لا يمكن فرض العلم الحقيقي بمجيء الغائب المختار، أو يراد بالعلم العاديّ، وهو لا ينافي إمكان خلافه بحسب ذاته، كما حُقّق في الأُصول.

والحاصل: أنّ منتظر الرفقة متى كان في محلّ يسمع فيه أذان بلده أو يرى جداره يتمّ مطلقاً؛ لعدم شرط القصر، وبعد تجاوزه يقصّر، إلّا أن يكون قبل بلوغ مسافة ويعلّق سفره عليها ولا يعلم ولا يظنّ مجيئها، كما مرّ، فإنّه يُتمّ حينئذٍ لرجوعه عن الجزم بالسفر إن كان الانتظار طارئاً.

ولو كان ذلك في نيّته من أوّل السفر، بقي على التمام إلى أن يجدّد السفر بعد مجيئها، وحينئذٍ لا يفتقر إلى بلوغ محلّ الخفاء بالنسبة إلى موضع الانتظار.

وكذا القول فيما لو جدّد نيّة السفر من غير بلده.

وإنّما اعتبرنا مجيئها قبل عشرة أيّام؛ لأنّه لو علم مجيئها بعدها أتمّ مع تعليقه السفر عليها؛ لأنّ ذلك فى قوّة نيّة إقامة العشرة ابتداءً.

ومثله ما لو لم ينو إقامة العشرة في أثناء المسافة ولكن علّقه على شيء لا يحصل إلّا بعد العشرة.

وكذا القول فيما لو جزم بالسفر من دونها مع عدم العلم بمجيئها ولكن علّقه على مضيّ عشرة أو ما يتوقّف على مضيّها.

وبما ذكرناه يُعلم أنّ صُور انتظار الرفقة تزيد على عشرين صورة تظهر بالتأمّل.

(ولو نوى المقصّر الإقامة في بلدٍ عشرة أيّام أتمّ) صلاته وصومه وإن كان عازماً على السفر بعد ذلك. وقد تقدّم الكلام فيه، وإنّما أعاده ليرتّب عليه ما بعده.

ص: 688


1- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 187 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).

(ولو(1) تردّد) في الإقامة (قصّر إلى) مضيّ (ثلاثين يوماً ثمّ يُتمّ) بعد ذلك إن اتّفق له فعل رباعيّة قبل السفر (ولو صلاة واحدة).

وفي رواية أبي ولّاد عن الصادق علیه السلام: «يقصر المتردّد إلى شهر»(2) .

ويُحمل على الثلاثين وإن احتمل النقص ؛ جمعاً بينها وبين ما روي عن الباقر علیه السلام من

تعليق الحكم على الثلاثين (3)، فإنّ المطلق يحمل على المقيّد.

(ولو نوى الإقامة) عشراً (ثمّ بدا له) وعزم على السفر (قصّر) أي رجع إلى القصر بمجرّد تجديد نيّة السفر ونقض الإقامة وإن لم ينشئ السفر ( ما لم يكن قد صلّى ولو) فريضة واحدة على التمام فإنّه حينئذٍ يستمرّ عليه إلى أن يخرج إلى المسافة، فإنّ عزم الإقامة والصلاة تماماً بعدها يقطع السفر قطعاً مستقراً، فيتوقّف القصر بعده على سفرٍ جديد يوجبه، ولا يضمّ ما بقي من المسافة إلى ما مضى منها، بخلاف ما لو كان الرجوع عن الإقامة قبل الصلاة تماماً، فإنّه يرجع إلى القصر وإن لم يخرج.

ولا يفتقر إلى كون الباقي مسافةً على الأقوى، فإنّ اشتراط المسافة بعد ذلك يستلزم التوقّف على الشروع فيها، كما هو مقتضى كلّ سفر يقع ابتداءً أو بعد انقطاع الأوّل بوطن أو نيّة إقامة العشرة مع الصلاة تماماً.

ويحتمل اشتراط المسافة بعد ذلك؛ لإطلاق النص والفتوى بأن نية الإقامة تقطع السفر فيبطل حكم ما سبق، كما لو وصل إلى وطنه.

وبما اخترناه أفتى الشهيد (رحمه الله ) في البيان(4).

ومستند ما ذكره المصنّف من التفصيل بالصلاة وعدمها رواية الحسن بن محبوب عن أبي ولّاد الحنّاط قال: قلت لأبي عبدالله علیه السلام : إنّي كنت نويت حين دخلت المدينة

ص: 689


1- في إرشاد الأذهان، ج 1، ص 275: «إن» بدل «لو».
2- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 221، ح 553: الاستبصار، ج 1، ص 238 - 239، ح 851 .
3- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 219 - 220، ح 548: وفي الاستبصار، ج 1، ص 238، ح 849؛ وكذا في الكافي ،ج 3، ص 436، باب المسافر يقدم البلدة كم يقصر الصلاة ، ح 3 عن الإمام الصادق علیه السلام .
4- البيان، ص 255 - 256 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 12).

أن أُقيم بها عشرة أيام فأُتِمَّ الصلاة ثمّ بدا لي بَعْدُ أن لا أُقيم بها، فما ترى لي أُتمّ أم أقصّر ؟ فقال: «إن كنت دخلت المدينة و(1)صلّيت بها صلاة فريضة واحدة بتمام فليس لك أن تقصّر حتّى تخرج منها ، وإن كنت حين دخلتها على نيّتك التمام فلم تصلّ فيها صلاة فريضة واحدة بتمام حتّى بدا لك أن لا تقيم فأنت في تلك الحال بالخيار إن شئت فانو المقام عشراً وأتمّ، وإن لم تنو المقام فقصّر ما بينك وبين شهر، فإذا مضى لك الشهر فأتمّ الصلاة»(2) .

وإنّما علّق في الخبر العود إلى القصر بالخروج بعد الصلاة تماماً من غير تقييد بقصد المسافة؛ لأنّ أبا ولّاد كوفي، فخروجه من المدينة إلى بلده يوجب المسافة وإن كان اللفظ مطلقاً.

ولو أمكن - على بُعْدِ - كون خروجه إلى غير بلده وجب تقييده بالمسافة، كما ذكرناه؛ لأن انقطاع السفر قطعاً مستقراً بحيث يتوقّف العود إلى القصر على الخروج يوجب ذلك.

ومَنْ أطلق من الأصحاب القصر هنا بالخروج فكلامه مشروط بذلك.

وقد صرّح كثير - منهم المصنّف والشهيد(3) - باشتراط المسافة في الخروج، وصرّح الجميع باشتراطها بعد الوصول إلى البلد، والحكم واحد، وقد تقدّم الكلام فيهما.

إذا تقرّر ذلك، فالحكم ورد في النصّ معلّقاً على صلاة الفريضة تماماً، ففيها قيود ثلاثة :

الأوّل: الصلاة، فلو لم يكن صلّى ثمّ رجع عن نيّة الإقامة عاد إلى القصر، سواء كان قد دخل وقتٌ أم لا، وسواء خرج وقتها ولم يصلّ عمداً أو سهواً أم لا؛ لأنّ مناط الحكم الصلاة تماماً ولم يحصل.

ص: 690


1- الواو لم ترد في «الأصل و م» و تهذيب الأحكام والاستبصار.
2- الفقيه ، ج 1، ص 437 - 438، ح 1272: تهذيب الأحكام، ج 3، ص 221، ح 553: الاستبصار، ج 1، ص 238 - 239، ح 851 .
3- نهاية الإحكام، ج 2، ص 176؛ ذكرى الشيعة، ج 4 ، ص 187 ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).

وقطع المصنّف في التذكرة(1) بكون الترك كالصلاة فيجب الإتمام؛ نظراً إلى استقرارها في الذمّة تماماً، وتبعه على ذلك المحقّق الشيخ علي(2).

واستشكل المصنّف في النهاية الحكم(3)، وكذا الشهيد في الذكرى(4) .

ولو كان ترك الصلاة لعذرٍ مسقط للقضاء - كالجنون والإغماء - فلا إشكال في كونه كمن لم يصلّ.

ولو لم يكن صلّى لكن صام يوماً تامّاً(5) فكالصلاة عند المصنّف(6) ، بل أولى لأنّه أحد الأمرين أمرين المرتّبين على المقام، ويزيد كونه قد فات فيه وقت الصلاة تماماً.

ولو لم يخرج وقت الصلاة، ففي الاكتفاء به مطلقاً أو مع زوال الشمس قبل الرجوع عن نيّة الإقامة، أو عدمه مطلقاً أوجه من كون الصوم أحد العبادتين المشروطتين بالإقامة وكلّ جزء منه كذلك، فإنّ الصوم لا ينعقد فرضه في السفر أصلاً، فمجرّد الشروع فيه صحيحاً يقتضي اتّحاد أثر الإقامة في العبادة، كما لوصلّى تماماً. ومن عدم صدق صلاة الفريضة.

ووجه التفصيل: أنّ الخروج إلى السفر قبل الزوال يوجب إبطال الصوم فليس منافياً له بخلاف الخروج بعده فإنّه لا يؤثّر فيه، فأولى أن لا يؤثر مجرّد الرجوع عن الإقامة.

والأوّل مختار المصنّف(7) ، والأخير مختار الشهيد والشيخ عليّ(8) .

والوسط متوجّه؛ لعدم الدليل الدالّ على المساواة بين الصوم والصلاة هنا، وكونه أحد الأمرين المترتّبين على الإقامة لا يوجب إلحاقه بها؛ فإنّه قياس محض لا نقول به،

ص: 691


1- تذكرة الفقهاء، ج 4، ص 410، الفرع «أ» من المسألة 645.
2- انظر جامع المقاصد، ج 2، ص 514 .
3- نهاية الإحكام، ج 2، ص 185 .
4- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 189 - 190 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).
5- في الطبعة الحجريّة: «تماماً».
6- تذكرة الفقهاء، ج 4، ص 410، الفرع «ب» من المسألة 645: نهاية الإحكام، ج 2، ص 185.
7- انظر تذكرة الفقهاء، ج 4، ص 410، الفرع «ب» من المسألة 645: ونهاية الإحكام، ج 2، ص 185.
8- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 191 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8) جامع المقاصد، ج 2، ص 515 .

وإنّما يصحّ التعليل لو كان منصوصاً عند المصنّف، لا إذا كان مستنبطاً.

ويمكن توجيه الدليل على التفصيل بأن نقول: لو فرض أنّ هذا الصائم سافر بعد الزوال فلا يخلو إمّا أن يجب عليه الإفطار أو إتمام الصوم، لا سبيل إلى الأول؛ للأخبار الصحيحة الشاملة بإطلاقها أو عمومها هذا الفرد، الدالّة على وجوب المضيّ على الصوم:

كصحيحة الحلبي عن أبي عبدالله علیه السلام أنّه سُئل عن الرجل يخرج من بيته وهو يريد السفر وهو صائم، قال: «إن خرج قبل أن ينتصف النهار فليفطر، وإن خرج بعد الزوال فليتمّ يومه »(1).

وصحيحة محمّد بن مسلم عنه علیه السلام : «إذا سافر الرجل في شهر رمضان فخرج بعد نصف النهار عليه صيام ذلك اليوم»(2).

وسيأتي إن شاء الله تمام البحث في ذلك، فقد تعيّن وجوب إتمام الصوم.

وحينئذٍ فلا يخلو إمّا أن يحكم بانقطاع حكم الإقامة بالرجوع عنها بعد الزوال وقبل الخروج أولا، لا سبيل إلى الأوّل؛ لاستلزامه وقوع الصوم الواجب سفراً بغير نيّة الإقامة وصحّته، وهو غير جائز إجماعاً إلا ما استثني من الصوم المنذور على وجه وما مائله وليس هذا منه، فثبت الأخير، وهو عدم انقطاع الإقامة بالرجوع عنها بعد الزوال، سواء سافر حينئذٍ بالفعل أم لم يسافر؛ إذ لا مدخل للسفر في صحّة الصوم وتحقّق الإقامة، بل حقّه أن يحقّق عدمها، وقد عرفت عدم تأثيره فيها، فإذا لم يسافر بقي على التمام إلى أن يخرج إلى المسافة، وهو المطلوب.

فإن قيل يلزم من هذا الدليل انقطاع السفر بمجرّد الشروع في الصوم وإن لم تزل

ص: 692


1- الكافي، ج 4، ص 131، باب الرجل يريد السفر أو يقدم من سفر .... ح 1؛ الفقيه، ج 2، ص 142، ح 1984؛ تهذيب الأحكام، ج 4 ، ص 228 - 229، ح 671: الاستبصار، ج 2، ص 99 ، ح 321 .
2- الكافي، ج 4، ص 131، باب الرجل يريد السفر أو يقدم من سفر .... ح 4؛ الفقيه، ج 2، ص 142، ح 1985؛ تهذيب الأحكام، ج 4، ص 229، ح 672: الاستبصار، ج 2، ص 19، ح 322 .

الشمس؛ لأنّ السفر كما لا يتصوّر فيه صوم واجب كاملاً - عدا ما استثني - لا يتصوّر فيه الشروع فيه، فإذا شرع فيه لا يخلو إمّا أن يكون صحيحاً أو باطلاً، ومن الأوّل يلزم انقطاع السفر، ومن الثاني عدم انقطاعه بالخروج أو الرجوع عن الإقامة بعد الزوال؛ لأنّ ذلك لا يصلح مصحّحاً لما حُكم ببطلانه، بل مؤكّداً له، وحيث ثبت القطع بذلك ثبت بمطلق الشروع.

قلنا: قد صار هذا القول قويّاً متيناً لتحقّق الأثر الموجب لبطلان حكم السفر، لكن لمّا كان هذا الأثر قابلاً للبطلان والإزالة من أصله بعروض السفر قبل الزوال الموجب البطلان الصوم، كان تأثير الجزء السابق على الزوال مراعيً باستمراره إلى أن تزول الشمس، فإذا رجع عن نيّة الإقامة قبله بطل ذلك الأثر وعاد إلى حكم السفر.

وفيه بحث؛ لأنّه لا يلزم من بطلان الصوم بنفس السفر بطلانه بالرجوع عن نية الإقامة؛ لعدم الملازمة وللنهي عن إبطال العمل بصيغة العموم المتناول لهذا الفرد في قوله تعالى: (وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَلَكُمْ)(1) فلا يكون تأثير السفر فيه قبل الزوال موجباً لتأثير الرجوع عن الإقامة؛ لعدم الملازمة. وقد توجّه بما بيّنّاه الاكتفاء في البقاء على التمام بالشروع في الصوم مطلقاً، كما اختاره المصنّف، وينساق الدليل إلى انقطاع السفر أيضاً بفوات وقت الصلاة المقصورة على وجه يستلزم وجوب قضائها؛ لأنّ استقرارها في الذمّة تماماً يوجب انقطاع السفر في وقتها؛ إذ لا موجب للإتمام إلّا ذلك.

فإن قيل: هذا الأثر لو كان كافياً في عدم بطلان الإقامة لزم عدم بطلانها بمجرّد النيّة، لكنّ التالي باطل فالمقدّم مثله.

بيان الملازمة: أنّ الأثر - على تقدير فوات الصلاة - إنّما هو الحكم بوجوب قضائها تماماً، وهو أثرٌ عقليّ لا وجود له في الأعيان والحكم في وجوب الإتمام بعد نيّة الإقامة كذلك، فإنه بمجرّد النيّة صار حكمه التمام ولو كان ذلك في وقت فريضة مقصورة كان الواجب عليه في تلك الحال فعلها تماماً، وهذا الأثر صادر عن نيّة

ص: 693


1- سورة محمد صلی الله علیه وآله وسلم(47): 33 .

الإقامة مخالف لأثر السفر وإن لم يوجد مقتضاه خارجاً، كما لو رجع عن نيّة الإقامة قبل الصلاة.

قلنا: فرق بين الأثرين؛ فإنّ وجوب التمام في حال فوات الفريضة مقترن بفعل الفريضة تماماً بمعنى استقرارها في الذمة كذلك، ولو قدّر عدم فعلها كان عقابه عقاب تارك الصلاة تامّةً فهو في قوّة الوقوع، بخلاف الوجوب المتقدّم على الصلاة؛ فإنّه وجوب مشروط بالبقاء على النيّة إلى أن يفرغ من الصلاة أو يركع في الثالثة كما سيأتي، ومتى رجع قبل الصلاة سقط الحكم بوجوب إتمامها إجماعاً، فافترقا. مع أنّه لو قيل بأنّ الفارق بينهما الإجماع على عدم البقاء في تلك الحالة بخلاف هذه كان كافياً، لكن بقي اللازم من ذلك أنّه لو رجع عن نيّة الإقامة في أثناء الصلاة وقد شرع في الثالثة لم يؤثّر ذلك ويبقى على التمام؛ لوقوعها بعد حصول أثر لا يصحّ بدون الإقامة.

ولا يشترط الركوع في الثالثة، وهو موافق لظاهر كثير من عبارات المصنّف. وفي بعضها(1) اشتراط الركوع في الثالثة.

القيد الثاني كونها فريضةً، فلو رجع بعد صلاة نافلة، فإن كانت ثابتةً في السفر فلا ريب في عدم تأثيرها، كنافلة المغرب. وإن كانت ساقطة - كنافلة الظهر أو العصر - فمقتضى الرواية(2) عدم تأثيرها أيضاً لتعليق الحكم على الفريضة، فلا يصدق اسم المعلّق عليه على ما فعل، وهو مختار الذكرى(3).

ويحتمل قويّاً الاجتزاء بها؛ لأنّها من آثار الإقامة، وما تقدّم - من الدليل على الاكتفاء بالصوم - آتٍ هنا وهو مختار المصنّف في النهاية(4).

ولو شرع في الصوم المندوب، فإن جوّزناه سفراً لم يؤثّر؛ لعدم كونه من آثار

ص: 694


1- نهاية الإحكام، ج 2، ص 185 .
2- أي رواية أبي ولّاد الحنّاط، المتقدّمة في ص 689 - 690.
3- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 189 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).
4- نهاية الإحكام، ج 2، ص 186 .

الإقامة. وإن منعناه احتمل ذلك أيضاً؛ لعدم كونه صلاة فريضة، بل هو أبعد من الصوم الواجب لمباينته لصلاة الفريضة في وصفين، بخلاف الواجب ؛ لأنّه(1) يخالفها في وصفٍ واحد، فمنعُ تأثير الصوم الواجب يقتضي منع تأثير المندوب بطريق أولى.

ويحتمل قويّاً الاجتزاء به؛ لما مرّ في الصوم الواجب، فإنّه أثر لا يتمّ بدون الإقامة، فهو أحد الآثار، كالفريضة التامّة.

وجملة ما اشترك بين هذه الفروع أنّ اللازم إمّا منع الجميع؛ نظراً إلى ظاهر النصّ، أو تجويز الجميع؛ التفاتاً إلى المشاركة في المعنى، كما قد تحرّر في الصوم الواجب، لكن لا فرق في الصوم المندوب بين كون الرجوع حصل فيه قبل الزوال أو بعده؛ لبطلانه بالسفر على التقديرين، بخلاف الواجب.

القيد الثالث: كون الصلاة تماماً، فلا تأثير لصلاة المقصورة.

وهل يشترط كون التمام بنيّة ،الإقامة، أم يكفي مطلق التمام؟ يحتمل الأوّل؛ لأنّ ذلك هو أثر الإقامة، بل هو مقتضى الرواية (2)؛ لأنّ السؤال وقع فيها عمّن نوى الإقامة عشراً. والثاني؛ عملاً بإطلاق التمام. وتظهر الفائدة في مواضع:

منها ما لو صلّى فرضاً تماماً ناسياً قبل نيّة الإقامة، سواء خرج الوقت أم لا.

ومنها: ما لو صلّى تماماً في أماكن التخيير بعد النيّة لشرف البقعة، أمّا لو نوى التمام لأجل الإقامة فلا إشكال في التأثير.

ولو ذهل عن الوجه، ففي اعتبارها وجهان من إطلاق الرواية(3) حيث علّق الحكم على صلاة الفريضة تماماً، مع أنّ الإقامة كانت بالمدينة، فقد حصل الشرط. ومن أنّ التمام كان سائغاً له بحكم البقعة فلم تؤثّر نيّة المقام.

ومنها: ما لو نوى الإقامة عشراً في أثناء الصلاة قصراً فأتمّها ثمّ رجع عن الإقامة بعد الفراغ، فإنّه يحتمل حينئذٍ الاجتزاء بهذه الصلاة لصدق التمام بعد النيّة. ولأنّ

ص: 695


1- في الطبعة الحجريّة «فإنّه».
2- أي رواية أبي ولّاد الحنّاط، المتقدّمة في ص 689 - 690 .
3- أي رواية أبي ولّاد الحنّاط، المتقدّمة في ص 689 - 690 .

الزيادة إنّما حصلت بسببها، فكانت من آثارها كما مر وعدمه؛ لأنّ ظاهر الرواية كون جميع الصلاة تماماً بعد النية وقبل الرجوع عنها ولم يحصل.

والأوّل أقوى، والتقريب ما تقدّم.

ومنها: ما لونوى الإقامة ثمّ صلّى بنيّة القصر ثمّ أتمّ أربعاً ناسياً ثمّ تذكّر بعد الصلاة ونوى الخروج، فإن كان في الوقت فكمن لم يصلّ؛ لوجوب إعادتها. وإن كان قد خرج الوقت احتمل الاجتزاء بها؛ لأنها صلاة تمام مجزئة. وعدمُه؛ لأنّه لم يقصد التمام.

(ولو خرج) قاصد المسافة (إلى) موضع يحصل فيه (الخفاء) المعهود ولم يكن قد بلغ المسافة (وصلّى تقصيراً ثمّ رجع عن السفر) انقطع سفره بمجرد الرجوع و (لم يعد) ما صلّاه قصراً؛ لرواية زرارة عن الصادق علیه السلام في الرجل يخرج في سفره الذي يريده فيرجع عن سفره وقد صلّى ركعتين: «تمّت صلاته»(1).

ولأنّه كان فرضه القصر وقد أتى به على وجهه، وهو يقتضي الإجزاء.

ولو تردّد عزمه في الذهاب فكالرجوع.

ولا فرق في ذلك بين كون الوقت باقياً وعدمه، خلافاً للشيخ في الاستبصار(2) حيث ذهب إلى وجوب الإعادة مع بقاء الوقت؛ تعويلاً على رواية سليمان بن حفص المروزي، قال: قال الفقيه - وعنى به الكاظم علیه السلام : «التقصير في الصلاة في بريدين أو بريد ذاهباً وجائياً، فإذا خرج الرجل من منزله يريد اثني عشر ميلاً ثمّ بلغ فرسخين ورجع عما نوى وأراد المقام أتمّ، وإن كان قصر ثم رجع عن نيته أعاد الصلاة»(3).

وحملها الشيخ على بقاء الوقت(4) ؛ جمعاً بينها وبين رواية زرارة السالفة(5) ، لكن في

ص: 696


1- الفقيه، ج 1، ص 438، ح 1273؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 230، ح 593؛ و ج 4، ص 227، ح 665: الاستبصار، ج 1، ص 228، ح 809 .
2- الاستبصار، ج 1، ص 228، ذيل الحدیث 809 .
3- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 226، ح 664: الاستبصار، ج 1، ص 227 - 228، ح 808 .
4- انظر الاستبصار، ج 1، ص 228 .
5- السالفة آنفاً.

سندها ،ضعف فلذا لم يعتبرها.

ولو كان الرجوع أو التردّد بعد بلوغ المسافة بقي على القصر إلى أن يقصد إقامة عشرة أيّام أو يمضي عليه ثلاثون يوماً متردّداً.

وهل يحتسب منها ما يتردّده إلى دون المسافة أو يسلكه من غير قصدها وإن بلغها؟ نظر: من وجود حقيقة السفر فلا يضرّ التردّد. و من اختلال القصد. وتوقّف في الذكرى(1) .

(ومع) اجتماع (الشرائط) الستّة ( يجب القصر(2)) وجوباً متعيّناً، وهو معنى قول الأصحاب: إنّه عزيمة لا رخصة.

وهذا الحكم ثابت في جميع الأسفار والأمكنة (إلّا في) أربعة أمكنة تفرّد الأصحاب يكون المسافر يتخيّر فيها بين القصر و التمام، وهي (حرم الله تعالى وحرم رسوله علیه السلام) والمراد بهما مسجدا مكّة والمدينة، لا مطلق الحرم ( ومسجد الكوفة، والحائر) وهو مشهد الحسين علیه السلام، وحدّه سور الحضرة (فإنّ الإتمام) في هذه الأربعة (أفضل) من القصر.

و مستند الحكم أخبار كثيرة وردت عن أئمّة الهدى علیهم السلام بذلك.

منها: رواية حمّاد بن عيسى عن أبي عبدالله علیه السلام قال: «من مخزون علم الله الإتمام في أربعة مواطن حرم الله وحرم رسوله وحرم أمير المؤمنين وحرم الحسين علیهم السلام»(3) .

وفي رواية عنه علیه السلام: «تتمّ الصلاة في المسجد الحرام ومسجد الرسول علیه السلام ومسجد الكوفة وحرم الحسين علیه السلام »(4) .

وألحق المرتضى(5) وابن الجنيد(6) مشاهد باقي الأئمّة علیهم السلام، ولم نقف على مأخذه.

ص: 697


1- ذكرى الشيعة، ج 4، ص 188 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).
2- في «الأصل» والطبعة الحجريّة: «التقصير».
3- تهذيب الأحكام، ج 5، ص 430 ، ح 1494؛ الاستبصار، ج 2، ص 334 - 335، ح 1191.
4- الكافي، ج 4، ص 586، باب من كتاب الحج، ح 3 تهذيب الأحكام، ج 5، ص 431، ح 1498؛ الاستبصار، ج 2، ص 335، ح 1195.
5- جُمل العلم والعمل، ص 83 .
6- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 555 البحث الثالث من المسألة 400 .

وهل الحكم مختصّ بالمساجد والمشهد المقدّس، أو يعمّ بلدانها؟ ظاهر الأخبار: العموم.

والأوّل أولى؛ لعدم التصريح بالزائد، وكونه على خلاف الأصل والخروج بالقصر من العهدة إجماعاً؛ إذ غاية الحكم التخيير، فالقصر في البلدان مجزئ على التقديرين، بخلاف الإتمام.

(ولو أتمّ المقصر) وهو الذي فرضه التقصير عيناً ( عالماً) بوجوب القصر(1) عامداً(2) (أعاد) صلاته (مطلقا) في الوقت وخارجه؛ للزيادة المنافية.

ولصحيحة محمّد بن مسلم عن الباقر علیه السلام : «في مَنْ صلّى في السفر أربعاً إن كانت قُرئت عليه آية التقصير وفُسّرت له فصلّى أربعاً أعاد، وإن لم يكن قُرئت عليه ولم يعلمها فلا إعادة»(3) .

ويُعلم من هذا أنّ الخروج من الصلاة عند مَنْ لا يوجب التسليم لا يتحقّق بمجرّد الفراغ من التشهّد، بل لابد معه من نيّة الخروج أو فعل ما به يحصل، كالتسليم، وإلّا لصحّت الصلاة هنا عند مَنْ لا يوجب التسليم؛ لوقوع الزيادة خارج الصلاة، وقد تقدّم في باب التسليم الإشارة إلى ذلك.

(و) لو أتمّ المقصّر (ناسياً) لم يعد لو ذكر بعد خروج الوقت، وإنّما ( يعيد في الوقت خاصّةً) على المشهور لصحيحة العيص بن القاسم عن الصادق علیه السلام حين سأله عن مسافرٍ أتمّ الصلاة، قال: «إن كان في وقتٍ فليعد، وإن كان الوقت قد مضى فلا »(4).

ووجه دلالتها على الناسي من جهة الإطلاق ظاهر ومن جهة التحقيق أنّه لا يجوز

ص: 698


1- في «م»: «التقصير».
2- كلمة «عامداً» لم ترد في «الأصل وم».
3- الفقيه، ج 1، ص 434 - 435، ح 1267؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 226، ح 571 .
4- الكافي، ج 3، ص 435، باب من يريد السفر أو يقدم من سفر .... ح 6: تهذيب الأحكام، ج 3، ص 169، ح 372، وص 225، ح 569: الاستبصار، ج 1، ص 241، ح 860.

حملها على العامد أو ما يعمّه، ولا على الجاهل أو ما يعمّه؛ لما مرّ(1) في صحيحة محمّد ابن مسلم فتعيّن حملها على الناسي توفيقاً بين الأخبار.

وذهب الشيخ في المبسوط(2) إلى الإعادة مطلقاً؛ لتحقّق الزيادة المنافية.

والخبر(3) حجّة عليه.

وأوجب الصدوق الإعادةَ على الذاكر من يومه خاصّةً(4) ؛ لصحيحة أبي بصير عن الصادق علیه السلام الواردة في الناسي(5) .

وتُحمل على الأوّل، ويحمل اليوم على النهار؛ لئلّا يدخل العشاء مع ذكرها في يومها بعد وقتها. وإطلاق اليوم على النهار سائغ إن لم يكنه، وفيه مع ذلك توفيق بين الأخبار.

لكن يبقى هنا بحث، وهو أنه قد تقدّم أنّ مَنْ زاد ركعةً آخر الصلاة وكان قد جلس آخرها بقدر التشهّد تصحّ صلاته، كما مرّ، وقد ورد به النصّ(6)، وهو لا يجامع إعادة الناسي هنا مطلقاً ولا في الوقت؛ لأنّ المفروض أنه تشهد على الثانية فضلاً عن الجلوس بقدره، فتكون الزيادة من أفراد تلك المسألة، إلّا أنّه لا قائل هنا بالصحّة مطلقاً، وكان ينبغى لمثبت تلك المسألة القول بها هنا، ولا سبيل إلى التخلّص من ذلك إلّا بأحد أمور: إما إلغاء ذلك الحكم، كما ذهب إليه أكثر الأصحاب، أو القول باختصاصه بالزيادة على الرابعة كما هو مورد النصّ ولا يتعدّى إلى الثلاثيّة والثنائيّة ولا تتحقّق المعارضة هنا، أو اختصاصه بزيادة ركعة لا غير، كما ورد به النصّ هناك،

ص: 699


1- في ص 698.
2- المبسوط، ج 1، ص 202.
3- أي خبر العيص بن قاسم المتقدّم أنفاً.
4- المقنع، ص 128.
5- الفقيه، ج 1، ص 438، ح 1276؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 169، ح 373، وص 225 - 226، الاستبصار، ج 1، ص 241 - 242، ح 861 .
6- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 194 ، ح 766: الاستبصار، ج 1، ص 377، ح 1431.

ولا يتعدّى إلى الأزيد، كما عدّاه بعض الأصحاب، أو القول بأنّ ذلك في غير المسافر جمعاً بين الأخبار، لكن يبقى فيه سؤال الفرق مع اتّحاد المحلّ، وفي الحقيقة اتّفاق الأصحاب هنا على الإعادة في الوقت يؤيّد ما عليه الأكثر هناك من البطلان مطلقاً والله أعلم.

(و) لو أتمّ المقصّر في حالة كونه (جاهلاً) بوجوب التقصير (لا يعيد مطلقاً) على المشهور؛ لصحيحة محمّد بن مسلم، السابقة(1) .

وخالف أبو الصلاح(2). وابن الجنيد(3) ، فأوجبا عليه الإعادةَ في الوقت. ولعلّه استناداً إلى إطلاق صحيحة العيص السابقة(4)(5) .

ووجوب الجمع بين الأدلّة يعين القول بعدم الإعادة.

وربما أطلق بعض الأصحاب(6) إعادة المتمّم مع وجوب القصر عليه مطلقاً؛ لتحقّق الزيادة المنافية.

ويؤيّده في الجاهل ما أورده السيّد الرضي (رحمه الله) على أخيه المرتضى من أنّ الإجماع واقع على أنّ مَنْ صلّى صلاةً لا يعلم أحكامها فهي غير مجزئةً.

والجهل بأعداد الركعات جَهْلُ بأحكامها فلا تكون مجزئة.

وأجاب المرتضى بجواز تغيّر الحكم الشرعي بسبب الجهل وإن كان الجاهل غیر معذور(7).

ص: 700


1- في ص 698.
2- الكافي في الفقه، ص 116 .
3- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 2، ص 538، ضمن المسألة 395 .
4- في «م»: «السالفة» بدل «السابقة».
5- في ص 698 .
6- هو ابن أبي عقيل كما في مختلف الشيعة، ج 2، ص 538، ضمن المسألة 395 .
7- انظر رسائل الشريف المرتضى، ج 2، ص 383 - 384؛ وذكرى الشيعة، ج 4، ص 206 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 8).

وحاصل الجواب يرجع إلى النصّ الدالّ على عذره، والقول به متعيّن.

واعلم أنّ ظاهر النصّ والفتوى يقتضي أنّ المراد بالجاهل هنا الجاهل بوجوب القصر رأساً، فلو كان عالماً به من وجه دون آخر فصلّى تماماً احتمل كونه كذلك؛ لصدق الجهل وعدمه؛ لأنّه عالم بالوجوب في الجملة.

ويتصوّر ذلك في مَنْ علم وجوب الإتمام لكثير السفر - مثلاً - ولم يعلم انقطاع الكثرة بإقامة عشرة أيام فصلّى تماماً ثمّ علم، وفي مَنْ علم بالتخيير بين التمام والقصر في الأماكن الأربعة فاختار التمام وصلّى في موضع يعتقده منها ولم يكن أو يعلم عین الأربعة ولكن اشتبه عليه حدودها، ونحو ذلك.

وتوقّف المصّف في ذلك كلّه فى النهاية(1) .

ولو انعكس الفرض بأن صلّى مَنْ فَرْضُه التمام قصراً عامداً أعاد(2) مطلقاً، كما مرّ.

ولو كان ناسياً فكذلك؛ لعدم فعل المأمور به على وجهه. ولأنّ نَقصَ ركعةٍ فصاعداً مع تحقّق المنافي مطلقاً موجب للبطلان.

ولو قصّر جاهلاً ففى الصحّة وجهان:

أحدهما - وهو المشهور : العدم؛ لأنّ الجاهل غير معذور، بل قد يقال: إنّه أسوأ حالاً من العالم، خرج منه ما تقدّم للنصّ، فيبقى الباقي.

والثاني: عدم إعادته مطلقاً - وهو اختيار الشيخ يحيى بن سعيد(3)3 - بناءً على استصحاب القصر الواجب وخفاء هذه المسألة على العامّة فيكون عذراً.

ولما رواه منصور بن حازم عن الصادق علیه السلام قال: سمعته يقول: «إذا أتيت بلدة فأزمعت المقام عشرة أيّام فأتمّ الصلاة فإن تركه رجل جاهل فليس عليه إعادة»(4) .

ص: 701


1- نهاية الإحكام، ج 2، ص 187 - 188 .
2- في الطبعة الحجريّة «أعاده».
3- الجامع للشرائع، ص 93 .
4- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 221، ح 552 .

وهو ظاهر في مدّعاه، لكن ربما حمل الضمير في «تركه» على القصر للمسافر وإن لم يَجْرِ له ذِكْرٌ في الرواية؛ لأنّه قد علم أنّ الجاهل معذور في التمام.

وفيه نظر؛ لأنّه عدول عن الظاهر بغير سبب موجب، مع إمكان القول باشتراك الجاهلين في الرخصة للمشاركة في العلّة، بل خفاء الحكم في هذه المسألة أقوى من المسألة السابقة.

(ولو سافر بعد) دخول (الوقت قبل أن يصلّي) الظهرين (أتمّ) الفرضين في السفر إن كان قد مضى عليه حاضراً من الوقت مقدار فعلهما مع الشرائط المفقودة.

ولو كان السفر بعد مضيّ الظهر لا غير أتمّها خاصّةً. ولو كان أقلّ من ذلك قصّرهما.

وكان على المصنّف أن يبيّن ذلك؛ لأنّه شرط لازم اتّفاقاً، وكأنّه تركه لوضوحه.

ويعتبر الوقت من حين دخوله إلى أن يصل المسافر إلى موضع الخفاء؛ لأنّ ما دونه من الحدود في حكم البلد، وعلى هذا يمكن فرض كون الخروج في أوّل الوقت مع وجوب الإتمام بسبب ذلك، بل يمكن الخروج قبل دخوله بيسير ويمضي منه في قطع الحدود قدر أداء الصلاة فيجب الإتمام.

ولعلّ هذا من الأعذار الموجبة لإهمال الشرط، فإنّ الغالب على مَنْ خرج بعد دخول الوقت أن لا يقطع حدود البلد إلّا بعد مضيّ القدر المعتبر.

(وكذا) يجب الإتمام (لو) (حضر) إلى البلد أو ما في حكمه (في الوقت) لكن هنا يكفي في وجوب الإتمام أن يبقى قدر الشرائط المفقودة وركعة؛ لعموم «مَنْ أدرك من الوقت ركعة فقد أدرك الوقت»(1) .

وما اختاره المصنّف من الإتمام في الموضعين هو المشهور بين المتأخّرين.

وفي المسألة أقوال أُخر:

منها: القصر فيهما.

ومنها: القصر في الأوّل، والإتمام في الثاني.

ص: 702


1- المعتبر، ج 2، ص 47.

ومنها: التخيير بين القصر والإتمام.

ومنها: الإتمام مع السعة، والقصر مع الضيق.

وسبب الاختلاف تعارض الأخبار الصحيحة على وجه لا يكاد يجمع بينها، ففي خبر محمّد بن مسلم عن الصادق علیه السلام(1) اعتبار حال الوجوب فيهما، فيتمّ في الأوّل ويقصّر في الثاني، وضدّه في(2) خبر إسماعيل بن جابر عنه علیه السلام ، فإنّه اعتبر حال الأداء فيهما، فيقصّر في الأوّل ويتمّ في الثاني وقال فيه: «فإن لم تفعل فقد والله خالفت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم»(3).

ويدلّ على التفصيل بالسعة والضيق خبر إسحاق بن عمّار عن الكاظم علیه السلام(4).

وفي الباب أخبار أُخرى صحيحة مختلفة. والمسألة من أشكل الأبواب.

(وكذا) القول في (القضاء) بمعنى أنّه لو فاتته الصلاة في الموضعين قضاها تماماً اعتباراً بحال الأداء؛ لعموم :«مَنْ فاتته فريضة فليقضها كما فاتته»(5).

وفيه أيضاً أقوال أخرى هذا أجودها.

(ولو نوى) المسافر (في غير بلده إقامة عشرة) أيّام (أتمّ) كما مرّ (فلو خرج إلى أقلّ) من مسافة بعد أن صلّى تماماً (عازماً للعود) إلى موضع الإقامة (والإقامة) عشراً مستأنفة (لم يقصّر) في خروجه ولا في عوده؛ لانتفاء الموجب وهو قصد المسافة، وانقطاع السفر الأوّل بالإقامة.

وهذه المسألة موضع وفاق، وإنّما وقع الخلاف فيما لو لم يعزم على العود وإقامة

ص: 703


1- الكافي، ج 3، ص 434، باب من يريد السفر أو يقدم من سفر ... ، ح 4: الفقيه، ج 1، ص 443 - 444، ح 1290؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 222، ح 557: الاستبصار، ج 1، ص 239 - 240، ح 853.
2- كلمة «في» لم ترد في «الأصل و م».
3- الفقيه، ج 1 ، ص 443. ح 1289؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 222 - 223، ح 558: الاستبصار، ج 1، ص 240،ح 856.
4- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 223، ح 559: الاستبصار، ج 1، ص 240 - 241، ح 857.
5- المعتبر، ج 2، ص 406.

عشرة مستأنفة إمّا مع العود لا مع الإقامة أو مع عدمهما أو لتردّده فيهما أو في أحدهما أو مع ذهوله عن ذلك، فالمصنّف (رحمه الله)(1) أوجب القصر في الجميع من حين خروجه ؛ لبطلان حكم البلد بمفارقتها فيعود إليه حكم السفر، بل هو مسافر بالفعل.

وفصّل الشهيد (رحمه الله)(2) ، فأوجب القصر -كما اختاره المصنّف - مع عدم قصد العود إلى البلد، والإتمام ذاهباً والقصر راجعاً إليه إن قصده.

أمّا الإتمام ذاهباً ؛ فلما مرّ من أن الإقامة تقطع السفر ويفتقر بعدها إلى قصد المسافة ولم يحصل؛ لأنّ الفرض كون الخروج إلى ما دون المسافة.

وأمّا القصر في العود؛ فلأنّه قاصد إلى بلده في الجملة إمّا في هذا السفر أو في سفرٍ آخر، والحال أنّه لم يقصد الإقامة عشراً.

واختلف كلامه في الموضع الذي قصده دون المسافة، فَحكَم في البيان(3) بالإتمام فيه، وهو الموافق لهذا الدليل الدالّ على الإتمام في الذهاب.

ومقتضى كلام الدروس القصر فيه كالعود؛ لأنّه قال: وإن نوى العود ولم ينو الإقامة عشراً فوجهان، أقربهما القصر، إلّا في الذهاب(4) ؛ ولا شكّ أنّ المقام في المقصد يوماً وأيّاماً لا يسمّى ذهاباً.

ووجه القصّر فيه غير واضح، بل هو في حكم الذهاب كيف كان؛ لأنّه في الذهاب إمّا أن يكون مسافراً سفراً يقصّر في مثله، فيجب القصر في المقصد أيضاً استصحاباً لما كان، ولعدم الخروج عن الحكم السابق بمجرّد المقام من دون أن يكون عشراً منويّة. وإن كان فرضه في الذهاب ،التمام، كما اعترف به فأولى أن يتمّ في المقام في المقصد؛

ص: 704


1- تذكرة الفقهاء، ج 4، ص 413 ، الفرع «و» من المسألة 646؛ منتهى المطلب، ج 6، ص 390: نهاية الإحكام ج 2، ص 187 .
2- الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 134؛ البيان، ص 261 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9 و 12).
3- البيان، ص 261 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 12).
4- الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 134 ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9).

لأنّه أبعد عن اسم المسافر والحال أنّه لم يتجدّد بعد الوصول ما يوجب القصر.

والتحقيق في هذه المسألة أنّ القولين - أعني قول المصنّف والشهيد - لا يأتيان في جميع الموارد، بل كلُّ منهما يصحّ في مادّة دون أخرى.

وبيان ذلك: أنّ هذه المسألة ليست من المسائل الأصول المنصوصة على الخصوص ليتبع فيها حكم معيّن، وإنّما هي فرع على مسألة ناوي الإقامة عشرة في غير بلده، ومن ثَمَّ اختلفت فيها الأنظار، واضطرب فيها التفريع، وأوّل مَنْ ذكرها الشيخ في المبسوط(1) بلفظ وارد على جزئيّة معيّنة سالمة من كثير ممّا يرد على ما أطلقه المتأخّرون.

ونحن قد أفردنا لتحقيقها وذكر أقسامها وما يتم فيه قول كلّ واحد من الأصحاب رسالةً(2) مفردة مَنْ أراد الاطلاع على الحال فليقف عليها، غير أنّا نقول هنا: خروج ناوي الإقامة عشرة(3) إلى ما دون المسافة لا يخلو إمّا أن يكون بعد الصلاة تماماً أو ما في حكمها - وهو موضع النزاع هنا وإن كان الأصحاب قد أطلقوا الخروج - وإمّا أن يكون قبله وعلى الثاني يرجع إلى التقصير بمجرّد العزم على الخروج وإن كان في نفسه تجديد إقامة العشرة بعد الرجوع، وقد تقدّم الوجه في ذلك.

وعلى الأوّل لا يخلو إمّا أن يكون موضع إقامته على رأس المسافة أو قبله، وعلى الأوّل إمّا أن يكون في نهاية المقصد أو قبله، وعلى التقديرين إمّا أن يكون الموضع الذي خرج إليه المفروض كونه دون المسافة - إلى جهة بلده التي أنشأ السفر منها أو مقابلاً لها أو بين الجهتين، وعلى تقدير كون الإقامة قبل بلوغ المقصد لا يخلو إمّا أن يكون الباقي - من موضع الإقامة إلى نهاية المقصد - مسافةً، أو لا، فهذه أقسام المسألة إجمالاً.

ص: 705


1- انظر المبسوط، ج 1، ص 197 - 198.
2- وهي رسالة نتائج الأفكار في حكم المقيمين في الأسفار الرسالة 17 (ضمن الموسوعة، ج 3، الرسائل /2) وما بعدها.
3- في «م»: «عشراً» بدل «عشرة».

وحيث قد ثبت أنّ ناوي الإقامة عشراً وقد صلّى تماماً يفتقر في عوده إلى القصر إلى قصد مسافة ولو بالرجوع إلى بلده عُلم أنّ القولين لا يتمشّيان في جميع هذه الصور، فإنّ الإقامة إن كانت قبل المقصد والباقي منه لا يبلغ المسافة، لم يتمّ القولان، بل يجب عليه الإتمام إلى نهاية المقصد؛ لانقطاع السفر بنيّة الإقامة مع الصلاة تماماً، وتوقّف القصر على مسافة ولم تحصل إلّا بالعود من نهاية المقصد إلى بلده، ولا فرق حينئذ بين أن يرجع من موضع الخروج إلى محلّه أو يستمرّ بخروجه إلى ما دون المسافة واصلاً إلى المقصد ؛ لوجود المقتضي للتمام في الموضعين.

وفي حكمه ما لو كانت الإقامة في نهاية المقصد ولكنّ الموضع الذي خرج إليه إلى جهة بلده وفي نيّته العود إلى موضع الإقامة من دون الإقامة ثمّ الرجوع إلى بلده، فإنّ قصد المسافة هنا لا يتحقّق بالرجوع من الموضع الذي خرج إليه إلى موضع الإقامة؛ لأنّه ليس عوداً إلى بلده، بل ضدّ العود.

ولو كان موضع الإقامة على نهاية المقصد والموضع الذي خرج إليه مقابلاً لجهة بلده أو غير موافق لها في الجهة وعَزْمُه العود إلى بلده بعد الرجوع من دون إقامة عشرة، فكلام الشهيد (رحمه الله) جيّد دون كلام المصنّف؛ لتحقّق قصد المسافة من حين العود من الموضع الذي خرج إليه؛ لأنّه عائد إلى بلده وإن مرّ على موضع الإقامة.

ولو كانت الإقامة في أثناء السفر وبين موضع الإقامة ومنتهى المقصد مسافة وعزم على الخروج إلى ما دون المسافة ثمّ الوصول منه إلى المقصد، قصّر في خروجه على القولين وصحّ حكمهما هنا.

ولو خرج إلى الموضع المذكور متردّداً في الوصول إلى المقصد أو معلّقاً له على شرطٍ لا يعلم حصوله - كلقاء رفقة أو تحصيل غرض أو سماع خبر، ونحو ذلك - مع جزمه بعدم العود إلى موضع الإقامة لم يصحّ القولان، بل يبقى على التمام لانقطاع السفر السابق، وعدم تجديد قصد المسافة؛ لأنّ المفروض كون المقصود هنا ما دون المسافة.

ص: 706

وقِش على ما ذكرناه ما يرد عليك من فروع المسألة.

والضابط أنّه يبقى على التمام إلى أن يتحقّق له قصد مسافة، ولا يضمّ ما بقي من الذهاب إلى العود، كما مرّ تحقيقه في أصل المسألة.

(ويستحبّ أن يقول ) المسافر (عقيب كلّ صلاة) مقصورة (ثلاثين مرّة: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله والله أكبر) جبراً لما نقص منها، روى ذلك سليمان المروزي عن العسكري علیه السلام(1) بلفظ الوجوب، ويُحمل على تأكّد الاستحباب؛ إذ لا قائل بالوجوب.

ولم يقيّد المصنّف الصلاة بالمقصورة بناءً على نقص صلاة المسافر وإن كانت تامّة الركعات والرواية مصرّحة بالقيد، وهي مستند الحكم.

وقد تمّ بذلك كتاب الصلاة، وبه تمّ الجزء الأوّل من كتاب روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان ويتلوه في الجزء الثاني - إن شاء الله تعالى - كتاب الزكاة(2).

واتّفق الفراغ منه يوم الجمعة الخامس والعشرين من شهر ذي القعدة - وهو اليوم المبارك الذي دحيت فيه الأرض من تحت الكعبة - سنة تسع وأربعين وتسعمائة، على يد مصنّفه العبد الفقير إلى الله تعالى زين الدين بن عليّ بن أحمد العاملي الشامي عامله الله بفضله، وعفا عنه بمنّه، ووفّقه لإكماله، وجعله خالصاً لوجهه الكريم بمحمّد وآله الطاهرين .

ص: 707


1- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 230، ح 594.
2- لم تسنح الفرصة للمصنّف (قدّس سرّه) للوفاء بهذا الوعد؛ إذ توقّف عند هذا الحدّ من كتاب روض الجنان.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.