تحریر الأحکام الشرعیة علی مذهب الإمامیة المجلد 5

هویة الکتاب

سرشناسه : علامه حلی ، حسن بن یوسف ، ‫648 - 726ق.

عنوان و نام پديدآور : تحریر الاحکام الشرعیه علی مذهب الامامیه / جمال الدین ابی منصور الحسن بن یوسف بن المطهر المعروف بالعلامه الحلی ؛ اشراف جعفر السبحانی ؛ تحقیق ابراهیم البهادری .

مشخصات نشر : قم : موسسه الامام الصادق (ع )، 1421ق . ‫= 1379.

مشخصات ظاهری : ‫6ج.

شابک : ‫دوره ‫ 964-6243-91-6 : ؛ ‫ج. 1 ‫ 964-6243-65-7 : ؛ ‫21000 ریال ‫: ج. 2 ‫ 964-6243-66-5 : ؛ ‫ج. 3 ‫ 964-6243-66-5 : ؛ ‫ج. 4 ‫ 964-357-003-7 : ؛ ‫ج. 5 ‫ 964-357-018-5 :

يادداشت : عربی .

يادداشت : ج. 1 و 2 (چاپ اول: 1420ق. = 1378).

يادداشت : ج . 4 (چاپ اول : 1421ق . = 1379).

يادداشت : ج . 5 (چاپ اول: 1422ق . = 1380) .

موضوع : فقه جعفری -- قرن ‫8ق.

شناسه افزوده : سبحانی تبریزی ، جعفر، ‫ 1308 - ، مترجم

شناسه افزوده : بهادری ، ابراهیم

رده بندی کنگره : ‫ BP182/3 ‫ /ع8ت3 1378

رده بندی دیویی : ‫ 297/342

شماره کتابشناسی ملی : م 78-24069

تنظیم متن دیجیتال میثم حیدری

ص: 1

اشارة

دعانا إلى كتابة هذه السطور هو التعريف بكتابه الماثل بين يديك أعني «تحرير الأحكام الشرعية على مذهب الإمامية» الذي يتمتع بميزة خاصة و هي العناية الوافرة بالتفريع و التخريج بنحو قل نظيره، كلّ هذا في عصر راج فيه التخريج وفق المذاهب الأربعة، فانّ الاجتهاد و إن أقفل في أواسط القرن السابع(1) إلاّ انّ التفريع وفق المذاهب كان شائعا قبل الاقفال و بعده، و قد ألف غير واحد من علماء الفريقين كتبا في هذا المضمار نذكر منها ما يلي:

1. «المغني» لعبد اللّه بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي الحنبلي (541-620) و قد أسهب فيه الكلام في الفقه المقارن حسب المذاهب الأربعة و رجح رأي الحنابلة.

2. «العزيز شرح الوجيز» المعروف بالشرح الكبير تأليف عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم الرافعي القزويني الشافعي (المتوفّى سنة 623 ه) مع ترجيح رأي إمامه.

3. «المجموع» لأبي زكريا محيي الدين المعروف بالنووي (631-676) و هو شرح لكتاب المهذب لأبي إسحاق الشيرازي (396-476).

و هذه الكتب مشحونة بالتخريج و التفريع على مذاهب أئمتهم و لذلك أطلق على القرنين: السادس و السابع عصرا التخريج و التفريع.

و قد شاطر علماؤنا الإمامية فقهاء السنة في تأليف كتب تفريعية مع فارق خاص و هو انّ باب الاجتهاد كان مفتوحا عند الإمامية و لم يكن مبنيّا على فقه إمام خاص بخلاف تفريعاتهم فانّها لا تتعدى عن مذهب إمام معين.

ص: 2


1- . المقريزي: الخطط: 344/2.

و من الكتب التفريعية التي صنفها علمائنا الإمامية في القرنين السادس و السابع.

1. «السرائر» لمحمد بن إدريس الحلّي (543-598).

2. «شرائع الإسلام» تأليف نجم الدين جعفر بن الحسن بن يحيى بن الحسن بن سعيد الحلي المعروف بالمحقّق الحلي (602-676) و كتابه هذا أفضل ما ألّف في الفقه الإمامي بلغة واضحة، فهو من أحسن المتون ترتيبا و أجمعها للفروع، كما انّ كتابه الاخر «المعتبر في شرح المختصر» كتاب رائع يعدّ من أنفس الكتب الفقهية الاستدلالية و كان السيد المحقّق البروجردي (1292-1380) يذكر هذا الكتاب في دروسه الشريفة باجلال و إكبار و يقول: لم يؤلف على غراره تأليف.

3. «بشرى المحقّقين» تأليف أحمد بن موسى بن جعفر بن طاوس (ت 673 ه) في ستة أجزاء.

4. «تحرير الأحكام الشرعية على مذهب الإمامية» تأليف العلاّمة الحلي الطائر الصيت و هذا الكتاب من أجمع الكتب الفقهية للفروع عند الشيعة الإمامية، فقد خاض في عباب الفروع و استقى موادها من كتب الفريقين، و أبدى فيه رأي الإمامية حسب موازين فقههم.

و قد مرّ في تقديمنا على الكتاب في الجزء الأوّل انّ شيخنا المجيز آقابزرگ الطهراني (1293-1389) حكى عن بعضهم انّه أحصيت مسائله فبلغت أربعين ألف مسألة.(1)

ص: 3


1- . الذريعة: 378/3.

و الحقّ انّ مسائله الرئيسية أقلّ من هذا، و لكن الفروع المندرجة تحت كل مسألة ربما تناهز ما ذكره شيخنا المجيز.

و قد استمد في جمع الفروع و تحليلها من كتاب «المبسوط» للشيخ الطوسي (ت 460) و «المهذب» لابن البراج (ت 481) و «السرائر» لابن إدريس الحلي و غيرها، فعاد الكتاب موسوعة فقهية تفريعية قلّ نظيرها و قد طبع في سالف الزمان طبعة حجرية رديئة.

و ها نحن نزفّ البشرى إلى فقهائنا و فقهاء الإسلام بانّ هذا التراث القيم طبع أخيرا في خمسة أجزاء بحلة قشيبة محققا مصحّحا لا ترى فيه زيغا و لا عوجا مقرونا بالتخريج و التوضيح و التحقيق فيما يحتاج إليه.

و لا غرو فانّ محقّق هذا الكتاب هو الفاضل الحجّة الشيخ إبراهيم البهادري المراغي دامت افاضاته فقد كرّس حياته الغالية لإحياء التراث الإسلامي و قد قام بتحقيق و تخريج غير واحد من الكتب.

و نحن بدورنا نتقدم إليه بالشكر و نرجو له مزيدا من التوفيق و العطاء.

حرّره في قم المقدسة جعفر السبحاني في 20 جمادي الأخرى يوم ميلاد فاطمة الزهراء عليها السّلام من شهور عام 1422 ه

ص: 4

كتاب الميراث و فيه مقاصد

اشارة

ص: 5

ص: 6

المقصد الأوّل: في أسبابه و فيه ثلاثة مباحث:

6270. الأوّل:

كان التوارث في ابتداء الإسلام بالحلف، فكان الرجل يقول للرجل: دمي دمك، و ذمّتي ذمّتك، و مالي مالك، تنصرني و أنصرك، و ترثني و أرثك، فيتعاقدان الحلف بينهما على ذلك، فيتوارثان به دون القرابة، و ذلك قوله تعالى: (وَ اَلَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمٰانُكُمْ فَاتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ ) (1).

ثم نسخ و صار التوارث بالإسلام و الهجرة، فإذا كان للمسلم ولد لم يهاجر ورثه المهاجرون دونه، و ذلك قوله تعالى: (وَ اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يُهٰاجِرُوا مٰا لَكُمْ مِنْ وَلاٰيَتِهِمْ مِنْ شَيْ ءٍ حَتّٰى يُهٰاجِرُوا) (2).

ثمّ نسخ ذلك بقوله تعالى: (وَ أُولُوا اَلْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْلىٰ بِبَعْضٍ ) (3)و أنزل اللّه تعالى آيات التوارث.

6271. الثاني:

إنّما يثبت الميراث بأمرين: نسب و سبب، و مراتب النسب ثلاث: الأولى: الأبوان و الأولاد و إن نزلوا.

ص: 7


1- . النساء: 33.
2- . الأنفال: 72.
3- . الأنفال: 75.

الثانية: الإخوة و أولادهم و الأجداد و إن علوا.

الثالثة: الأخوان و الأعمام.

و السبب إمّا بالزوجيّة و إمّا بالولاء، و مراتب الولاء ثلاث:

ولاء العتق، و ضامن الجريرة، و الإمام.

6272. الثالث:

لا يثبت الميراث عندنا بالتعصيب، بل الفاضل عن ذوي الفروض لمساويهم إذا لم يكن له فرض بالقرابة كأبوين و زوج، للزوج النصف، و للأم الثلث و الباقي للأب.

و لو فقد المساوي لم يعط الأبعد، بل ردّ الفاضل على ذوي الفروض عدا الزوج و الزوجة، فإنّه لا يردّ عليهما إلاّ على ما يأتي، كأبوين و بنت و أخ، للبنت النصف، و لكل من الأبوين السدس، و الباقي يردّ عليهما و على البنت بالنسبة، و لا شيء للأخ.

ص: 8

المقصد الثاني: في ميراث الأنساب و فيه مطالب:

المطلب الأوّل: في مقادير السهام و فيه أربعة مباحث:

6273. الأوّل:

السهام ستّة: النصف، و نصفه و هو الربع، و نصف نصفه و هو الثمن، و الثلثان، و نصفه و هو الثلث، و نصف نصفه و هو السدس.

فالنصف لأربعة: سهم البنت، و الأخت للأبوين، أو للأب، و الزوج مع عدم الولد.

و الربع لاثنين: سهم الزوج مع الولد، و الزوجة مع عدمه.

و الثلثان لاثنين: البنتان فصاعدا، و الأختان فصاعدا للأبوين أو للأب.

و الثلث لاثنين: الأمّ مع عدم الحاجب، و لما زاد على الواحد من ولد الأمّ .

ص: 9

و السدس لثلاثة: للأب مع الولد و للأمّ معه، أو مع الإخوة، و للواحد من ولد الأمّ .

6274. الثاني:

يصحّ اجتماع النّصف مع مثله، كزوج و أخت لأبوين، و مع الربع، كبنت و زوج، أو أخت لهما(1) و زوجة، و مع الثمن كزوجة و بنت، و مع الثلث، كزوج و أخوين للأم، و مع السدس، كبنت و أبوين.

و يصحّ اجتماع الرّبع مع الثلثين، كزوج و بنتين، أو زوجة و أختين للأبوين، و مع الثلث، كزوجة و أخوين للأمّ ، و مع السّدس، كزوج و أبوين و بنت، أو زوجة و أخ من الأمّ و إخوة من الأبوين.

و يصحّ اجتماع الثمن مع الثلثين، كزوجة و بنتين، و مع السّدس، كزوجة و أبوين و ولد.

و لا يجتمع النصف و الثلثان لبطلان العول، بل يدخل النقص على الأختين، و لا يجتمع الربع و الثمن مع الثلث، و لا الثلث مع السدس تسمية.(2)

6275. الثالث:

العول(3) باطل عندنا، لامتناع أن يجعل اللّه تعالى في مال ما لا يفي به، و إنّما يحصل بمزاحمة الزوج أو الزوجة، فيدخل النقص على البنت أو البنات أو الأب أو الأخت من قبله،(4) أو من قبل الأبوين، أو على

ص: 10


1- . أي الأبوين.
2- . أي بالفرض و التقدير و إن أمكن اجتماعهما بالقرابة كالثلث مع السدس، إذا كان الوارث زوجا و أمّا بلا حاجب و أبا، فللزوج النصف، و للأمّ الثلث، و للأب السدس بالقرابة لا بالفرض.
3- . العول عبارة عن قصور التركة عن سهام ذوي الفروض و هو ضد التعصيب. مجمع البحرين.
4- . أي قبل الأب.

الأخوات كذلك(1) دون الزوج و الزوجة، و دون الأمّ و من يتقرّب بها.

6276. الرابع:

مخرج النصف من اثنين، و نصفه أربعة، و نصف نصفه من ثمانية، و مخرج الثلثين و نصفه من ثلاثة، و مخرج نصف نصفه من ستّة.(2)

و لو اجتمعت سهام فاجعل المخرج لأقلّ المتداخلين(3)، كالنصف و الثمن، فالمخرج ثمانية. و لو كانا غير متداخلين، فخذ أقلّ عدد يخرجان منه، كالثلث و الربع من اثني عشر، و الثمن و الثلث من أربعة و عشرين.

المطلب الثاني: في ميراث الأبوين و الأولاد و فيه أحد عشر بحثا:

6277. الأوّل:

الأب إن انفرد أخذ المال، و كذا الأم لكن الثلث لها بالتّسمية و الباقي بالرّدّ، و لو اجتمعا فللأمّ الثلث و للأب الباقي.

و لو كان معها إخوة حجبوا الأمّ عن الثلث إلى السّدس، و كان الباقي للأب بشروط خمسة:

ص: 11


1- . أي من قبل الأب أو الأبوين.
2- . أي إذا كان في الورثة ذو فرض واحد فالمال يقسّم ابتداء على مخرج فرضه، كما إذا كان في الفريضة نصف لا غير كزوج مع المرتبة الثانية، فأصل الفريضة اثنان.
3- . التداخل كون العدد الأكبر من مضاعفات العدد الأصغر كالستة و الثلاثة، فالمخرج المشترك بين الثلث و السدس، الستّة لأنّ السدس أقلّ من الثلث، و هكذا.

العدد، و هو أن يكونوا ذكرين، أو ذكرا و امرأتين، أو أربع نساء، فلو كانوا أقلّ من ذلك لم يحجبوا.

و انتفاء موانع الإرث، أعني: الكفر و القتل و الرقّ .

و وجود الأب.

و انفصالهم، فلا يحجب الحمل.

و أن يتقرّبوا بالأبوين أو بالأب، فلو كانوا من قبل الأمّ فلا حجب، و لا يحجب أولاد الإخوة و إن تعدّدوا، و لا من الخناثى أقلّ من أربعة.

6278. الثاني:

الابن إذا انفرد فله المال، فلو كان اثنين فصاعدا فكذلك بينهم بالسّوية.

و للبنت المنفردة النصف و الباقي ردّ عليها، و للبنتين فصاعدا إذا انفردن الثلثان، و الباقي لهما أولهنّ بالرّدّ.

و لو اجتمع البنون و البنات فللذّكر ضعف الأنثى.

6279. الثالث:

للأب مع الابن السّدس، و الباقي للابن، و كذا الأمّ ، و لو اجتمعا معه فلهما السدسان و الباقي للابن، و لو كانا مع الأبناء فلهما السدسان، و الباقي للأبناء بالسّوية.

و للأب مع البنت السدس، و للبنت النصف، و الباقي يردّ عليهما أرباعا، و كذا الأمّ معها.(1)

ص: 12


1- . صورة المسألة هكذا: للبنت 1/2 و للأب 1/6

و لو اجتمعا مع البنت فلهما السدسان، و للبنت النصف، و الباقي يردّ عليهم أخماسا،(1) إلاّ مع الإخوة الحاجبين فيختصّ الردّ بالأب و البنت أرباعا.

و لكلّ من الأبوين مع البنتين فصاعدا السدس، و للبنتين فصاعدا الثلثان بالسّوية.

و لأحدهما مع البنتين فصاعدا السدس، و للبنتين فصاعدا الثلثان بالسّوية، و الباقي يردّ على أحد الأبوين و على البنتين أو البنات أخماسا.(2)

و لو اجتمع الأولاد الذكور و الإناث مع أحد الأبوين أو معهما، فلكلّ واحد من الأبوين السّدس و الباقي للأولاد و للذّكر مثل حظّ الأنثيين.

6280. الرابع:

لو اجتمع أحد الأبوين مع الزوج أو الزوجة، فللزوج أو

ص: 13


1- . صورة المسألة هكذا: للبنت 1/2 و للأب 1/6 و للأمّ 1/6 1/2 + 1/6 + 3/61/6 + 1 + 1 5/6 و الباقي 1/6 يقسم على نسبة سهامهم و هي خمسة، فتضرب في أصل الفريضة تحصل ثلاثون، للبنت 15/30 و للأب 5/30 و للأم 5/30 و الباقي 5/30 يعطى للبنت 3/30 و للأب 1/30 و للأمّ 1/30 فيصير سهم الأب 1/56/30 و سهم الأمّ 1/56/30 و سهم البنت 3/518/30.
2- . صورة المسألة هكذا: للأب 1/6 و للبنتين 2/3 1/6 + 1/62/3 + 4 5/6 و الباقي 1/6 يقسم على نسبة سهامهم و هي خمسة، فتضرب الخمسة في السّتة تحصل ثلاثون للأب 5/30، و للبنتين 20/30، و الباقي 5/30، يعطى للأب 1/30 و للبنتين 4/30. فيصير سهم الأب 1/56/30 و سهم البنتين 4/524/30.

الزوجة نصيبهما الأعلى، و الباقي لأحد الأبوين، فإن كان أمّا فلها الثلث و الباقي بالردّ.

و لو اجتمع الأبوان و أحد الزّوجين، فلأحد الزوجين نصيبه الأعلى، و للأمّ ثلث الأصل مع عدم الإخوة، و السّدس معهم، و الباقي على التقديرين للأب.

و لو كان معهم ولد ذكر فلكلّ واحد من الأبوين السّدس، و لأحد الزّوجين نصيبه الأدنى، و الباقي للولد الذكر إن كان واحدا، و إن كان أكثر فلهما بالسّوية.

و لو كان عوض الذكر أنثى فلكلّ من الأبوين السدس، و للبنت النصف، و لأحد الزوجين(1) نصيبه الأدنى، و الباقي يردّ على البنت و الأبوين أخماسا، و مع الإخوة يردّ على البنت و الأب أرباعا.

و لو اجتمع الأبوين و أحد الزوجين مع البنتين فصاعدا، فللأبوين

ص: 14


1- . هكذا كان في النسختين و لكن الأصحّ : و للزوجة نصيبها الأدنى فانّ الرد يتحقّق بوجود الأبوين و البنت و الزوجة، للأبوين 2/6 و البنت 1/2 و الزوجة 1/8، مجموعها 2/6 + 1/2 + 8/241/8 + 12 + 3 23/24 و الباقي 1/24، يرد على البنت و الأبوين أخماسا مع عدم الحاجب للأم، فتضرب الخمسة في أصل الفريضة يصير مائة و عشرين، للأب 20/120 و للأم 20/120 و للبنت 60/120 و للزوجة 15/120 و الباقي 5/120 يعطى للأب 1/120 و للأم 1/120 و للبنت 3/120. و لو كان بدل الزوجة الزوج، يحصل العول لأنّ سهم الأبوين سدسان و سهم البنت النصف و سهم الزوج الربع 2/6 + 1/2 + 4/121/4 + 6 + 3 13/12 فيدخل النقص على البنت و به صرّح في السطور الآتية فسهم الأب 2/12 و سهم الأمّ 2/12 و سهم الزوج 3/12 و الباقي 5/12 للبنت.

السدسان، و لأحد الزوجين نصيبه الأدنى، و الباقي للبنتين فصاعدا، و دخل النقص على البنات خاصّة.(1)

و كذا يدخل النقص على البنت مع الزوج و الأبوين.

و لو اجتمع أحد الزوجين و الأبوان و الأولاد الذكور و الإناث، فلأحد الزوجين نصيبه(2) الأدنى، و لكلّ من الأبوين السّدس، و الباقي للأولاد للذّكر ضعف الأنثى.

6281. الخامس:

أولاد الأولاد يقومون مقام آبائهم عند عدمهم في مقاسمة الأبوين، و في حجبهما عن أعلى السهمين إلى أدناهما.

و شرط ابن بابويه رحمه اللّه في توريثهم عدم الأبوين، و أخذ على الفضل بن شاذان في قوله بمثل ما قلناه.(3)

و لا يرث أحد من أولاد الأولاد ذكورا كانوا أو إناثا مع وجود الولد للصلب ذكرا كان أو أنثى، و يمنعون كلّ من يمنعه الأولاد من الأجداد و الإخوة و غيرهم،

ص: 15


1- . للأب 1/6 و للأمّ 1/6 و للزوج 1/4 و للبنات 2/3، يحصل العول 1/6 + 1/6 + 1/4 + 2/122/3 + 2 + 3 + 8 15/12. فيرث الأب 2/12، و الأمّ 2/12 و الزوج 3/12 و يدخل النقص على البنات فيصير سهمهنّ 5/12، و أمّا لو كان أحد الزوجين الزوجة فللأب 1/6 و للأمّ 1/6 و للزوجة 1/8 و للبنات 2/3، فيحصل العول أيضا 1/6 + 1/6 + 1/8 + 4/242/3 + 4 + 3 + 16 27/24 فيرث الأب 4/24 و الأم 4/24 و الزوجة 3/24 و يدخل النقص على البنات فيصير سهمين 13/24
2- . في «أ»: نصيبهما.
3- . الفقيه: 196/4-197 ذيل الحديث 673، و لاحظ الكافي: 88/7 ذيل الحديث 4.

و يرث معهم الزّوج و الزوجة نصيبهما الأدنى و يترتّبون الأقرب فالأقرب، فلا يرث البعيد من الميّت مع القريب منه.

6282. السادس:

اختلف علماؤنا في كيفيّة القسمة بينهم، فالمشهور أنّ كلّ واحد منهم يأخذ نصيب من يتقرّب به، فلابن البنت الثلث مع بنت الابن، و لبنت الابن الباقي.

و لو خلّف ابن بنت لا غير، فله النصف نصيب أمّه و الباقي يردّ عليه، و لو شاركه الأبوان نزّل معهما منزلة أمّه في النصيب و الردّ.

و لو خلّف بنت ابن لا غير فلها المال، و لو شاركها الأبوان فلهما السّدسان و للبنت الباقي.

و لو اجتمع أولاد الابن و أولاد البنت، فلأولاد الابن الثلثان بينهم، للذّكر مثل حظّ الأنثيين، و لأولاد البنت الثلث كذلك، و قيل بالتساوي(1) و هو ضعيف.

و لو خلّف أولاد بنت مع الأبوين، فللأولاد النصف للذّكر مثل حظّ الأنثيين، و للأبوين السدسان، و الباقي يردّ على الأبوين و أولاد البنت أخماسا.

و لو خلّف أولاد بنتين فللأبوين السدسان و للأولاد الثلثان، و يأخذ كلّ أولاد بنت نصيب أمّهم للذّكر ضعف الأنثى على الأشهر، و ذهب السيّد المرتضى إلى أنّ أولاد الأولاد كآبائهم في القسمة، فلبنت الابن ثلث المال، و لابن البنت الثلثان لاطلاق الابن على ابن البنت، و البنت على بنت الابن

ص: 16


1- . حكاه الشيخ في النهاية عن بعض الأصحاب، لاحظ النهاية: 634، و اختاره القاضي في المهذّب: 133/2.

حقيقة(1) و الأوّل هو الأقوى عندي، و هو اختيار الفضل رحمه اللّه.(2) لكنّه أفتى في بنت ابن و ابن ابن بأنّ للذكر مثل حظّ الأنثيين، فإن قصد مع اتّحاد أبويهما فجيّد و لا مناقضة فيه، كما ألزم به، و إلاّ توجّهت عليه المناقضة.

6283. السابع:

يخصّ أكبر الأولاد الذكور من تركة أبيه بثياب جسده، و خاتمه، و سيفه، و مصحفه، بشروط ثلاثة: ألا يكون الولد سفيها، و أن لا يكون فاسد الاعتقاد، و أن يخلّف الميّت شيئا سوى هذه، فلو لم يخلّف غيرها لم يخصّ بشيء، و على هذا الولد قضاء ما على أبيه من صلاة و صيام.

و لو كان الأكبر أثنى لم يخصّ بشيء، و حبي الأكبر من الذكور.

و لو تعدّدت هذه الأشياء، قال ابن إدريس: خصّ بما كان يعتاد لبسه و يديمه دون ما سواه(3) و فيه نظر.

6284. الثامن:

هذه الأشياء لا تحتسب على الولد المخصوص بها من نصيبه، و تخصيصه بها واجب لا مستحبّ ، و خالف السيّد المرتضى رحمه اللّه في الأوّل فقال:

يخصّ بها فيحتسب عليه بقيمته من سهمه،(4) و خالف أبو الصلاح في الثاني و قال: التخصيص مستحبّ لا واجب(5).

6285. التاسع:

لا يرث الجدّ و لا الجدّة مع الأولاد و لا أولادهم و لا مع

ص: 17


1- . رسائل الشريف المرتضى المجموعة الثالثة: 257-266.
2- . حكى عنه في الكافي: 88/7، و لاحظ السرائر: 239/3.
3- . السرائر: 258/3.
4- . الانتصار: 582، المسألة 316.
5- . الكافي في الفقه: 371.

الأبوين، نعم يستحبّ للأبوين إطعام الجدّين سدس الأصل بشرط(1) زيادة نصيب المطعم عن السّدس، فلو خلّف أبويه لا غير، و جدّه و جدّته من قبل أبيه، و جدّه و جدّته من قبل أمّه، أطعم الأب الجدّين من قبله سدس الأصل، و كذا الأمّ استحبابا لا وجوبا.

و لو كان أحد الجدّين لا غير اختصّ بالسّدس كملا من مطعمه.

و لو نقص(2) نصيب أحد الأبوين عن الزائد عن السّدس لم يستحبّ الطعمة من قبله بل من قبل الاخر.

فلو كان مع الأبوين و الأجداد إخوة يحجبون الأمّ عن الثلث إلى السّدس، استحبّ للأب أن يطعم الجدّ أو الجدّة أو هما من قبله سدس الأصل، و لم يستحبّ للأمّ ذلك.

و لو كان مع الأبوين و الأجداد زوج، استحبّ للأمّ إطعام الجدّ أو الجدّة أو هما من قبلها سدس الأصل، و سقط أجداد الأب.

6286. العاشر:

هذه الطعمة بالسويّة بين الجدّ و الجدّة، سواء كانا من الأب أو من الأمّ .

6287. الحادي عشر:

لا يطعم الجدّ للأب و لا الجدّة له إلاّ مع وجود الأب و لا الجدّ للأمّ و لا الجدّة لها إلاّ مع وجود الأمّ .

ص: 18


1- . قد سقط من نسخة «ب» من قوله: «بشرط» إلى قوله: «سدس الأصل».
2- . سقط من نسخة «ب» من قوله: «و لو نقص» إلى قوله: «إلى السدس».

المطلب الثالث: في ميراث الإخوة و الأجداد و فيه سبعة عشر بحثا:

6288. الأوّل:

هؤلاء إنّما يرثون إذا أعدمت المرتبة الأولى. فلا يرث أحد من الإخوة و لا من الأجداد مع أحد الأبوين أو مع أحد الأولاد أو أولاد الأولاد، فإن لم يوجد أحد من الأبوين و لا من الأولاد و لا من أولاد الأولاد ورث الإخوة و الأجداد و يتشاركون على ما يأتي.

6289. الثاني:

الأخ للأب و الأمّ إذا انفرد فله المال، و لو كان معه أخ أو إخوة تساووا فيه، و للأخت لهما النّصف و الباقي ردّ عليها. و للأختين لهما فما زاد الثلثان بينهما أو بينهنّ بالسويّة و الباقي ردّ عليهما أو عليهنّ ، و لو اجتمع الإخوة و الأخوات فللذّكر مثل حظّ الأنثيين.

و لو فقد الإخوة و الأخوات من الأبوين قام مقامهم الإخوة و الأخوات من قبل الأب خاصّة على التفصيل الّذي قلناه، فللأخ المنفرد المال، و كذا للأخوين و الإخوة بالسويّة. و للأخت النّصف و الباقي ردّ عليها، و للأختين فصاعدا الثلثان بالسّوية و الباقي ردّ عليهما أو عليهنّ .

و لا يرث أحد من الإخوة و الأخوات من قبل الأب مع أحد من الإخوة و الأخوات من قبل الأبوين، بل المتقرب بالسّببين أولى، واحدا كان أو أكثر، ذكرا كان أو أنثى.

ص: 19

و للأخ من الأمّ المنفرد السدس و الباقي له بالردّ، و كذا للأخت، و لو اجتمع أخوان فما زاد أو أختان فما زاد، أو اجتمع الإخوة و الأخوات من قبلها خاصّة تساووا في الثلث، و الباقي لهم بالرّد ذكورا كانوا، أو إناثا، أو ذكورا و إناثا.

و لو اجتمع الإخوة المتفرّقون فللمتقرّب بالأمّ السّدس إن كان واحدا ذكرا كان أو أنثى، و الباقي للمتقرّب بالأبوين واحدا كان أو أكثر، ذكرا كان أو أنثى، أو بالتفريق، للذّكر ضعف الأنثى، لكن لو كان المتقرّب بالأبوين أنثى كان لها النصف، و ما زاد على سهام المتقرّب بالأمّ لها بالرّد، و لو كان اثنتين فما زاد فلهم الثلثان، و الزائد بالرّد.

و لو كان المتقرّب بالأمّ اثنين فما زاد فلهم الثلث بالسّوية ذكورا كانوا أو إناثا أو بالتفريق، و الباقي للمتقرّب بالأبوين على ما فصّلناه، و سقط المتقرّب بالأب ذكرا كان أو أنثى، واحدا كان أو أكثر.

6290. الثالث:

لو فقدت الكلالة من الأبوين، و اجتمعت الكلالة من الأمّ مع الكلالة من الأب، فإن لم يكن فاضل فلا بحث، و إن فضل كأخت من أمّ مع أخت من أب، أو مع أختين منه، أو أختين من أمّ مع أخت من الأب، ففي الرّد قولان:

أحدهما: أنّه مختصّ بالمتقرّب بالأب(1) لدخول النقص عليه لو دخل الزّوج أو الزوجة، و لقول الباقر عليه السّلام في ابن أخت لأب مع ابن أخت لأمّ : إنّ لابن الأخت للأمّ السّدس و الباقي لابن الأخت للأب(2).

ص: 20


1- . و هو خيرة الشيخ في النهاية: 638، و الصدوق في الفقيه: 199/4، و ابن البراج في المهذّب: 136/2 و المفيد في المقنعة: 712.
2- . الوسائل: 494/17 الباب 7 من أبواب ميراث الإخوة و الأجداد، الحديث 1.

و الثاني: أنّه يردّ على الجميع بالنسبة(1) و هو الأقوى، و الرواية في طريقها ابن فضّال.

6291. الرابع:

لو اجتمع الإخوة المتفرّقون و أحد الزّوجين، أخذ أحد الزوجين نصيبه الأعلى، و المتقرّب بالأم السّدس إن كان واحدا أو الثلث إن كان أكثر، و الباقي للمتقرّب بالأبوين للذّكر مثل حظّ الأنثيين، و سقط المتقرّب بالأب.

و لو فقد المتقرّب بالأبوين قام المتقرّب بالأب مقامه على هيئته في القسمة.

6292. الخامس:

للجدّ المنفرد المال، سواء كان لأب أو لأمّ ، و كذا الجدّة، و لو اجتمعا من طرف واحد فللذّكر ضعف الأنثى إن كانا من قبل الأب، و إن كانا من قبل الأمّ تساويا.

و لو اجتمع الأجداد الأربعة فللجدّ و الجدّة من قبل الأب الثلثان للذّكر ضعف الأنثى، و للجدّ و الجدّة من قبل الأمّ الثلث بالسّوية.

و لو كان المتقرّب بالأب واحدا و كذا المتقرب بالأمّ ، فللمتقرّب بالأمّ الثلث ذكرا كان أو أنثى، و للمتقرّب بالأب الثلثان ذكرا كان أو أنثى.

و نقل ابن إدريس عن بعض علمائنا(2) أنّ للواحد من [قبل] الأمّ جدّا

ص: 21


1- . ذهب إليه ابن إدريس في السرائر: 260/3، و حكاه المصنّف عن ابن أبي عقيل و ابن الجنيد في المختلف: 63/9.
2- . هو الصدوق في المقنع على ما حكاه المصنّف في المختلف: 43/9.

كان أو جدّة السّدس و الباقي للمتقرّب بالأب.(1) و المشهور الأوّل، و كذا لو تعدّد الجدّ من قبل الأب و اتّحد الجدّ من قبل الأمّ و بالعكس، فإنّ للمتقرّب بالأمّ الثلث اتّحد أو تعدّد.

6293. السادس:

لو اجتمع الأجداد و أحد الزّوجين أخذ أحد الزّوجين نصيبه الأعلى، و للجدّ أو الجدّة أو هما من قبل الأمّ الثلث و الباقي للمتقرّب بالأب.

6294. السابع:

الأجداد و الإخوة يمنعون من يتقرّب بهم من الأعمام و الأخوال و أولادهم، و يمنع الأجداد آباءهم و أجدادهم، و لا يمنعون أولاد الإخوة، كما لا يمنع الإخوة و أولادهم آباء الأجداد و أجدادهم، فلو خلّف الجدّ الأدنى و الأبعد، كان الميراث للأدنى، و لو خلّف الجدّ و الإخوة تشاركوا، و كذا لو خلّف الجدّ الأدنى و أولاد الإخوة تشاركوا على ما يأتي.

6295. الثامن:

لو خلّف جدّ أبيه و جدّته من قبل أبيه، و جدّ أبيه و جدّته من قبل أمّه، و جدّ أمّه و جدّتها من قبل أبيها، و جدّها و جدّتها من قبل أمّها، فلأجداد الأمّ الثلث بينهم أرباعا، و لأجداد الأب الثلثان للجدّ و الجدّة من قبل أب الأب ثلثا الثلثين للذّكر ضعف الأنثى و للجدّ و الجدّة من قبل أمّ الأب الثلث أثلاثا. و ينقسم من مائة و ثمانية(2).

ص: 22


1- . السرائر: 259/3.
2- . شكل المسألة هكذا:

و لو كان معهم أحد الزوجين أخذ نصيبه الأعلى و لأجداد الأمّ الأربعة الثلث كملا أرباعا و الباقي لأجداد الأب على ما بيّنّاه.(1)

6296. التاسع:

قد يتّحد جدّ أبي الميّت و جدّ أمّه، فيكون له نصيب الجدّين لو جامع الجدّ من أحدهما و يشاركه(2) الجدّ الّذي في درجته بالسّوية.

6297. العاشر:

إذا اجتمعت الإخوة و الأجداد كان الجد كالأخ و الجدّة كالأخت، فإذا خلّف أخا و أختا من قبل الأب و الأمّ و مثلهما من قبل الأمّ ، و جدّا من قبل الأب و جدّة من قبله و مثلهما من قبل الأمّ ، كان الجدّ من قبل الأب كالأخ

ص: 23


1- . إن كان معهم الزوج فيضرب الحاصل (108) في (2) لأنّ سهم الزوج النصف 108 * 2 216 نصفها للزوج 216 ÷ 2 108 و يقسّم الباقي (108) بين الأجداد بالتفصيل الماضي. و إن كان معهم الزوجة فيضرب الحاصل (108) في (4) لأنّ سهمها الربع، 108 * 4 432 للزوجة ربعها 432 ÷ 4 108، و يقسّم الباقي بين الأجداد بالتفصيل الماضي.
2- . في «ب»: تشارك.

من قبل الأبوين، و الجدّة من قبله كالأخت من قبلهما، و الجدّ من الأمّ كالأخ من قبل الأمّ ، و الجدّة من قبلها كالأخت منها.

فللمتقرّب من الأمّ و الإخوة و الأجداد الثلث بينهم أرباعا، و الثلثان للإخوة و الأجداد من قبل الأب للذّكر ضعف الأنثى.

و لو عدم الإخوة من قبل الأبوين، قام الإخوة من قبل الأمّ مقامهم في مقاسمة الأجداد كما في المتقرّب بالأبوين.

و لو كان هناك زوج أو زوجة كان له نصيبه الأعلى، و للمتقرّب بالأمّ من الإخوة و الأجداد الثلث بالسّوية، و الباقي للمتقرّب بالأبوين من الإخوة و الأجداد للذّكر ضعف الأنثى، و للمتقرّب(1) بالأب وحده مع الأجداد كذلك عند عدم المتقرّب بالأبوين.

6298. الحادي عشر:

الأجداد إنّما ينزلون منزلة الإخوة إذا جامعوهم و كانوا في نسبة واحدة، و لو اختلفت النسبة بأن يخلّف جدّا لأمّه و أخا لأبيه أو لأبويه، فللجدّ الثلث و الباقي للأخ، و كذا لو خلّف جدّة لأمّه مع أخ من الأبوين أو من الأب.

و لو خلّف أخا [أ] و أختا لأمّ و جدّا أو جدّة لأب، كان للأخ أو الأخت من الأمّ السّدس و الباقي لأحد الجدّين.

و لو خلّف أحد الجدّين للأمّ و أحد الجدّين أو هما للأب مع إخوة من الأبوين أو من الأب خاصّة، فلأحد الجدّين للأمّ الثلث، و الثلثان لأحد الجدّين

ص: 24


1- . في «أ»: أو للمتقرّب.

من الأب أو لهما مع الإخوة لهما أو للأب عند عدم المتقرّب بالأبوين، و يكون الجدّ كالأخ و الجدّة كالأخت.

و لو خلّف الجدّين من الأمّ مع إخوة و أخوات من قبلها و أحد الجدّين من قبل الأب، فلمن تقرّب بالأمّ من الأجداد و الإخوة الثلث بينهم بالسّوية، و لأحد الجدّين للأب الباقي.

و لو خلّف الجدّين من قبل الأمّ أو أحدهما و أختا من الأبوين، فللجدّين أو لأحدهما من الأمّ الثلث، و للأخت للأبوين الباقي.

و لو كانت الأخت من قبل الأب خاصّة ففي اختصاصها بالباقي إشكال.

6299. الثاني عشر:

لو عدم الجدّ الأدنى قام مقامه الأبعد في مقاسمة الإخوة، و يكون حكمه حكم الأدنى. فجدّ الأب لأبيه أو لأمّه كالأخ من قبل الأب و الأمّ أو من قبل الأب، و جدّة الأب لأبيه أو لأمّه كالأخت من قبل الأبوين أو من قبل الأب عند عدم الأخت من الأبوين.

و كذا البحث في جدّ الأمّ و جدّتها من قبل أبيها و من قبل أمّها، فإنّهم بمنزلة الإخوة و الأخوات من قبل الأمّ .

بقي هنا إشكال و هو أن يجتمع جدّ الأب أو جدّته من قبل أبيه و جدّه أو جدّته من قبل أمّه مع الإخوة من قبل الأب أو من قبل الأبوين.

6300. الثالث عشر:

أولاد الإخوة و الأخوات يقومون مقام آبائهم عند عدمهم، و يأخذ كلّ منهم نصيب من يتقرّب به.

فإن خلّف ابن أخ لأب و أمّ أو لأب، أو بنت أخ كذلك، فله المال،

ص: 25

و لو اجتمعا لواحد فالمال لهما للذّكر ضعف الأنثى، و لو كانا لاثنين في نسبة واحدة فالمال بينهما نصفين.

و لو كان أحدهما ولد أخ من الأبوين و الاخر ولد أخ من الأب، سقط المتقرّب بالأب بالمتقرّب بالأبوين.

و لو كان ابن أخت لهما أو للأب، فله النصف نصيب أمّه، و الباقي ردّ عليه، و كذا لو كانوا أولاد جماعة لأخت، فلهم النصف بالتسمية و الباقي بالرّد للذّكر ضعف الأنثى.

و لو كانوا أولاد الأختين فلهما الثلثان، لأولاد كلّ أخت الثلث بينهم للذّكر ضعف الأنثى، و الباقي ردّ عليهم كذلك.

و لو كانوا أولاد إخوة و أخوات فلكلّ أولاد أخ أو أخت نصيب من يتقرّب به بينهم للذّكر ضعف الأنثى.

و لو خلّف أولاد أخ أو أولاد أخت لأمّ فلهم السّدس نصيب من يتقرّبون به، و الباقي يردّ عليهم، الذكر و الأنثى فيه سواء.

و لو كانوا أولاد أخ و أولاد أخت للأمّ ، فلهم الثلث، و الباقي بالردّ، لأولاد الأخ النصف بالسّوية واحدا كان أو أكثر، و لأولاد الأخت النصف الاخر كذلك و إن كان واحدا.

و لو اجتمع أولاد الإخوة المتفرّقين، سقط أولاد الإخوة من الأب، و كان لأولاد الإخوة من الأمّ الثلث لكلّ ولد أخ نصيب أبيه، واحدا كان أو أكثر بالسّوية، و لأولاد الإخوة من الأبوين الباقي.

ص: 26

و لو خلّف أولاد أخ من أب و أمّ و أولاد أخ من أمّ ، فلأولاد الأخ من الأمّ السدس بالسوية، و الباقي لأولاد الأخ من الأبوين للذّكر ضعف الأنثى.

و لو خلّف أولاد أخت لأب و أولاد أخت لأمّ خاصّة، فلأولاد الأخت من الأمّ السدس بالسّويّة، و لأولاد الأخت من الأب النصف للذّكر ضعف الأنثى، و في ردّ الباقي قولان، كما سبق في الإخوة(1).

6301. الرابع عشر:

لو دخل أحد الزّوجين على أولاد الكلالات أخذ نصيبه الأعلى و سقط أولاد كلالة الأب، و كان لأولاد كلالة الأمّ الثلث إن كانوا أكثر من واحد، لكلّ نصيب من يتقرّب به بالسّوية، و السدس إن كانوا لواحد كذلك، و الباقي لأولاد كلالة الأبوين، لكلّ واحد نصيب من يتقرّب به للذّكر ضعف الأنثى، فيدخل النقص عليهم كما يدخل على آبائهم دون المتقرّب بالأمّ .

و لو فقد(2) أولاد كلالة الأبوين، قام مقامهم أولاد كلالة الأب في جميع ما تقدّم إلاّ في الرّد إذا كانوا لأنثى.

6302. الخامس عشر:

لا يرث أحد من أولاد الإخوة مع الإخوة و ان كثرت الوصلة(3).

و قال الفضل بن شاذان في أخ لأمّ و ابن أخ لأب و أم: أنّ للأخ السدس و الباقي لابن الأخ للأبوين لأنّه يجمع السّببين(4).

ص: 27


1- . لاحظ المسألة الثالثة من ميراث الإخوة و الأجداد ص 20.
2- . في «أ»: و لو فقدوا.
3- . في «ب»: الفريضة.
4- . حكى عنه في الكافي: 107/7، و الفقيه: 200/4، و المسالك: 152/13-153.

و هو غلط فإنّ كثرة الأسباب إنّما تعتبر مع التّساوي في الدّرجة، مع أنّه قال في ابن أخ لأب و أمّ مع أخ لأب: المال كلّه للأخ من الأب.(1)

6303. السادس عشر:

الأقرب من أولاد الأخ يمنع الأبعد، فلو خلّف أولاد أخ و أولاد أولاد أخ، فالمال لأولاد الأخ خاصّة، سواء كانوا لأب أو لأمّ أو لهما، و سواء كان أولاد أولاد الأخ لأب أو لأمّ أولهما، و هكذا في مراتب التنازل.

و يمنع أولاد الإخوة و الأخوات كلّ من يمنعه الإخوة و الأخوات من الأعمام و الأخوال و أولادهم، و يرث معهم الأزواج و الأجداد و إن علوا كما يرثون مع الإخوة.

6304. السابع عشر:

أولاد الإخوة و الأخوات و إن نزلوا - سواء كانوا من قبل أب أو من قبل أمّ أو من قبلهما - يقاسمون الأجداد مع عدم الإخوة و الأخوات، و يأخذون نصيب من يتقرّبون به.

فلو خلّف أولاد أخ لأب و أمّ و أولاد أخت لهما، و مثلهم من قبل الأمّ و جدّا و جدّة من قبل الأب، و مثلهما من قبل الأمّ ، فللجدّين و كلالة الأمّ الثلث، للجدّ ربعه و كذا للجدّة، و لأولاد الأخ من الأمّ ربع آخر، و لأولاد الأخت من قبلها الربع الباقي.

و ثلثا الثلثين للجدّ من الأب و لأولاد الأخ من الأبوين، للجدّ من ذلك نصفه، و النصف الاخر لأولاد الأخ، للذّكر ضعف الأنثى، و الثلث الباقي بين الجدّة و أولاد الأخت، للجدّة من ذلك نصفه، و النصف الاخر لأولاد الأخت من الأبوين.

ص: 28


1- . حكى عنه في الكافي: 106/7.

و لو كان هناك زوج أو زوجة أخذ نصيبه الأعلى، و للجدّين من قبل الأمّ و لأولاد الاخوة من قبلها الثلث كملا يقسّم بينهم على ما بيّناه، و الباقي للأجداد من قبل الأب و لأولاد الإخوة من قبل الأبوين، على ما فصّلناه.

و لو خلّف أولاد الأخت للأبوين و جدّا، فلأولاد الأخت الثلث و الباقي للجدّ.(1)

المطلب الرابع: في ميراث الأعمام و الأخوال و فيه خمسة عشر بحثا:

6305. الأوّل:

هؤلاء إنّما يرثون عند عدم الاباء و إن علوا، و الأولاد و إن نزلوا، و الإخوة و أولادهم و إن نزلوا.

فللعمّ المنفرد المال، و كذا ما زاد بالسّوية، و للعمّة المال أيضا، و كذا العمّتان و العمّات.

و لو اجتمع الذكور و الإناث فللذّكر ضعف الأنثى، هذا إذا كانوا من قبل الأب و الأمّ أو من قبل الأب، و لو كانوا من قبل الأمّ فالذّكر و الأنثى فيه سواء.

و لو انفردت العمّة أو العمّ من قبل الأمّ فالمال بأجمعه لها أوله.

6306. الثاني:

لو اجتمعت العمومة و العمّات المتفرّقون. فللمتقرّب بالأمّ

ص: 29


1- . لأنّ أولاد الأخت بمنزلة أمّهم، و الجدّ بمنزلة الأخ فيقسّم المال أثلاثا.

السّدس إن كان واحدا، ذكرا كان أو أنثى، و الثلث إن كان أكثر، الذكر و الأنثى فيه سواء، و للمتقرّب بالأبوين الباقي، واحدا كان أو أكثر، ذكرا كان أو أنثى، للذّكر ضعف الأنثى، و سقط المتقرّب بالأب.

6307. الثالث:

العمومة من قبل الأب، و العمّات من قبله يقومون مقام المتقرّب بالأبوين عند عدمهم، و القسمة بينهم للذّكر ضعف الأنثى.

فلو خلّف عمومة من قبل الأب و عمومة من قبل الأمّ ، فللمتقرّب بالأمّ الثلث، الذّكر و الأنثى فيه سواء، و للعمومة من الأب الباقي، للذّكر ضعف الأنثى.

و لو كان المتقرّب بالأمّ واحدا و المتقرّب بالأب كذلك، فللمتقرّب بالأمّ السّدس، ذكرا كان أو أنثى، و للمتقرّب بالأب الباقي، ذكرا كان أو أنثى.

6308. الرابع:

لو اجتمع أحد الزوجين مع العمومة المتفرّقين، فله نصيبه الأعلى، و للمتقرّب بالأمّ السّدس إن كان واحدا، و الثلث إن كان أكثر، الذّكر و الأنثى فيه سواء، و الباقي للمتقرّب بالأبوين، واحدا كان أو أكثر، للذّكر ضعف الأنثى، و سقط المتقرّب بالأب.

و لو عدم المتقرّب بالأبوين، قام المتقرّب بالأب مقامه على هيئته في النقص و القسمة.

6309. الخامس:

العمومة يمنعون من يتقرّب بهم من أولادهم، فلا يرث ابن عمّ و إن زادت وصلته مع عمّ و إن قصرت وصلته إلاّ في مسألة إجماعيّة، و هي ابن عمّ لأب و أمّ مع عمّ لأب، فإنّ المال لابن العمّ للأبوين، و سقط العمّ للأب.

و لو تغيّرت الحال سقط هذا الحكم، فلو خلّف بنت عمّ للأبوين مع عمّ

ص: 30

للأب، فالمال للعمّ خاصّة، و كذا لو خلّف ابن عمّ للأبوين مع عمّة للأب، فالمال للعمّة دون ابن العمّ .

و لو خلّف ابن عمّ للأبوين مع عمّ للأب و معهما خال، فالثلث للخال، و للعمّ الثلثان، و سقط ابن العمّ خاصّة.

و قال بعض المتأخرين المال للخال، لسقوط العمّ بابن العمّ ، و سقوط ابن العمّ بالخال(1). و الوجه الأوّل لتغيير الصّورة.

و لو خلّف بني عمّ للأبوين مع عمّ أو أعمام للأب، فالوجه اختصاص بني العمّ دون الأعمام.

6310. السادس:

للخال المنفرد المال، و كذا الخالين و الأخوال و الخالة و الخالتين و الخالات، و لو اجتمع الذّكور و الإناث تساووا إن كانوا من جهة واحدة، و إن تفرّقوا فللمتقرّب بالأمّ السّدس إن كان واحدا ذكرا كان أو أنثى، و الثلث إن كان أكثر، الذّكر و الأنثى فيه سواء، و الباقي للمتقرّب بالأبوين، ذكرا كان أو أنثى، واحدا كان أو أكثر، للذّكر مثل [حظّ] الأنثى.

و لو فقد الخئولة من الأبوين قام المتقرّب بالأب مقامهم، و لهم نصيبهم كهيئتهم.

6311. السابع:

لو اجتمع أحد الزوجين مع الخئولة المتفرّقين فله نصيبه الأعلى و للمتقرّب بالأمّ سدس الثلث إن كان واحدا، و ثلث الثلث إن كان أكثر،

ص: 31


1- . هذا قول المحقّق الفاضل سديد الدّين محمود الحمصيّ ، حكاه عنه المصنّف في المختلف: 47/9، و الشهيد في المسالك: 161/13 و في المسألة أقوال أخر أنهاها في المسالك إلى أربعة، لاحظ المسالك: 160/13-161.

و الباقي للمتقرّب بالأبوين بالسويّة و إن اختلفوا، فلو خلّفت زوجها و خالا من قبل الأمّ و خالا من الأبوين، فللزّوج النّصف و للخال للأمّ سدس الثلث، و قيل:

سدس الباقي(1)، و المتخلّف للخال من الأبوين.

و لو فقد المتقرّب بالأبوين قام المتقرّب بالأب مقامهم.

6312. الثامن:

لو اجتمع الأعمام و الأخوال، فللأخوال الثلث، واحدا كان أو أكثر، ذكورا كانوا(2) أو إناثا، أو هما معا، بالسّوية إذا كانوا من جهة واحدة، و الباقي للأعمام واحدا كان أو أكثر، ذكورا كانوا أو إناثا، أو ذكورا و إناثا، للذّكر مثل حظّ الأنثيين.

6313. التاسع:

لو اجتمع الأعمام المتفرّقون و الأخوال المتفرّقون فللمتقرّب بالأمّ من الأخوال سدس الثلث إن كان واحدا، و ثلث الثلث إن كانوا أكثر بالسّوية، ذكورا كانوا أو إناثا، أو ذكورا و إناثا، و للمتقرّب بالأبوين من الأخوال الباقي، واحدا كان أو أكثر، ذكورا كانوا أو إناثا، أو ذكورا و إناثا، و سقط المتقرّب بالأب.(3)

و للمتقرب بالأمّ من الأعمام سدس الثلثين إن كان واحدا، و ثلثه إن كان أكثر بالسّوية، ذكورا كانوا أو إناثا، أو ذكورا و إناثا.

ص: 32


1- . قال الشهيد الثاني في شرح اللمعة: 159/8: هذا القول نقله الشهيد في الدّروس و العلاّمة في القواعد و التحرير عن بعض الأصحاب و لم يعيّنوا قائله.
2- . في «أ»: ذكورا كان.
3- . و في نسخة «أ» في هذا الموضع العبارة التالية: «و للمتقرّب بالأبوين من الأعمام المتخلّف من الباقي للذّكر ضعف الأنثى و سقط المتقرّب بالأب» و لكنّها في غير موضعها، و لعلّها من تصحيف الناسخ و ستأتي نفس العبارة عن قريب.

و للمتقرّب بالأبوين من الأعمام المتخلّف من الثلثين للذّكر ضعف الأنثى، و سقط المتقرّب بالأب من الأعمام.

و لو عدم المتقرّب بالأبوين من الأعمام و الأخوال، قام المتقرّب بالأب مقامه.

6314. العاشر:

كلّ واحد من الأعمام الذكور و الإناث، سواء تقرّبوا بسبب واحد أو بسببين، يمنعون أولادهم و إن تقرّبوا بالسببين إلاّ المسألة الإجماعيّة و هي ابن العمّ للأبوين يمنع العمّ للأب خاصّة.

و كلّ واحد من الأخوال الذكور و الإناث، سواء تقرّبوا بسبب واحد أو بسببين، يمنعون أولادهم و إن تقرّبوا بالسّببين مطلقا من غير استثناء.

و كذا كلّ واحد من الأعمام الذكور و الإناث، و إن تقرّبوا بسبب واحد، يمنعون أولاد الأخوال و إن تقرّبوا بسببين.

و كلّ واحد من الخئولة، و إن تقرّب بسبب واحد، يمنع أولاد العمومة و إن تقربوا بالسّببين، فلو خلّف عمّا لأب أو لأمّ أولهما، أو عمّة كذلك مع ابن خال للأبوين، أو بنت خالة كذلك، فالمال للعمّ خاصّة.

و كذا لو خلّف خالا لأب أو لأمّ أو لهما مع ابن عمّ للأبوين، فالمال للخال خاصّة.

و كذا لا يرث مع أولاد العمومة و العمّات و أولاد الخئولة و الخالات أحد من أولاد أولادهم و إن تقرّبوا بسببين من غير استثناء أيضا، فابن العمّ للأب يمنع ابن ابن العمّ للأبوين، و كذا كلّ بطن أقرب يمنع الأبعد، و كذا يسقط ابن ابن العمّ للأبوين مع العمّ للأب.

ص: 33

6315. الحادي عشر:

لو اجتمع أحد الزّوجين مع العمومة و العمّات و الخئولة و الخالات، أخذ نصيبه الأعلى. و للخئولة و الخالات ثلث الأصل بينهم بالسّوية إن كانوا من جهة واحدة، و الباقي للأعمام و العمّات.

و لو تفرّقت الخئولة و العمومة أخذ أحد الزوجين نصيبه الأعلى و للأخوال الثلث، سدسه لمن يتقرّب بالأمّ منهم إن كان واحدا، و الثلث إن كان أكثر، و الباقي من الثلث للأخوال من قبل الأبوين، و سقط المتقرّب بالأب، و الباقي بعد نصيب الأخوال و أحد الزّوجين للأعمام، سدسه للمتقرّب بالأمّ إن كان واحدا، و الثلث إن كان أكثر، الذّكر و الأنثى فيه سواء، و الباقي للمتقرّب بالأبوين إن كان واحدا أو أكثر، للذّكر ضعف الأنثى، و سقط المتقرّب بالأب.

و لو عدم المتقرّب بالأبوين من الأعمام و الأخوال قام مقامهم المتقرّب بالأب بينهم على حسابهم.

6316. الثاني عشر:

العمومة و العمّات و الخئولة و الخالات و أولادهم و إن نزلوا، يمنعون عمومة الأب و عمّاته و خئولته و خالاته، و عمومة الأمّ و عمّاتها و خئولتها و خالاتها.

فإن عدمت عمومة الميّت و عمّاته و خئولته و خالاته و أولادهم و إن نزلوا قام مقامهم عمومة الأب و عمّاته و خئولته و خالاته و عمومة الأمّ و عمّاتها و خئولتها و خالاتها، و أولادهم و إن نزلوا، كلّ بطن و إن نزلت أولى من العليا، فأولاد عمومة الأب و عمّاته و أولاد خئولته و خالاته و أولاد عمومة الأمّ و عماتها و أولاد خئولتها و خالاتها و إن نزلوا أولى من عمومة الجدّ و عمّاته و خئولته و خالاته و عمومة الجدّة و عمّاتها و خئولتها و خالاتها.

ص: 34

و عمومة الأجداد و خئولتهم أولى من أولادهم، و أولاد أولادهم و إن نزلوا أولى من عمومة جدّ الجدّ و خئولته و هكذا.

6317. الثالث عشر:

لو فقد العمومة و أولادهم و الخئولة و أولادهم و خلّف عمّ الأب و عمّته و خاله و خالته و عمّ الأمّ و عمّتها و خالها و خالتها، فالثلث لعمومة الأمّ و خئولتها بالسّوية أرباعا؛ قاله الشيخ.(1) و الثلثان لعمومة الأب و خئولته، ثلث الثلثين لخال الأب و خالته بالسّوية، و ثلثاه لعمّه و عمّته للذّكر ضعف الأنثى، و يقسم من مائة و ثمانية.(2)

و لو كان في الفريضة زوج أو زوجة أخذ نصيبه الأعلى، و الثلث للمتقرّب بالأمّ من الأعمام و الأخوال بالسّوية بينهم، و الباقي للمتقرّب بالأب من الأعمام و الأخوال، ثلثه للخال و الخالة بالسّوية، و ثلثاه للعمّ و العمّة، للذّكر ضعف الأنثى.

6318. الرابع عشر:

أولاد العمومة و العمّات و الخئولة و الخالات يأخذون

ص: 35


1- . النهاية: 657.
2- . توضيح المسألة: المال يقسّم أوّلا إلى ثلاثة: اثنان لأقرباء الأب، و واحد لأقرباء الأمّ ، يقسم سهم أقرباء الأمّ بينهم بالسّوية فعددهم أربعة. و يجب تقسيم سهم أقرباء الأب إلى ثلاثة. واحد للخال و الخالة بينهما بالسّوية، و اثنان للعمّ و العمّة بالتفاوت، للعمّ ضعف العمّة، فعددهما، ثلاثة، و عدد الخال و الخالة اثنان، بين العددين المباينة، فيضرب أحدهما في الاخر 2 * 3 6، ثمّ يضرب في الثلاثة الّتي اقتسم الثلثان بها 6 * 3 18 ثمّ إنّ عدد المتقرّب بالأب (18) مع المتقرّب بالأمّ (4) متوافقان بالنصف، فيضرب أحدهما في نصف الاخر 18 * 2 36 و يضرب الحال في عدد أصل الفريضة أي الثلاثة 36 * 3 108 فللمتقرّب بالأمّ الثلث 108 ÷ 3 36 يقسّم بينهم بالسويّة 36 ÷ 4 9. و للمتقرّب بالأب الثلثان 36 * 2 72، للخال و الخالة الثلث 72 ÷ 3 24، يقسم بينهما بالسويّة 24 ÷ 2 12. و للعمّ و العمّة 24 * 2 48 يقسّم بينهما أثلاثا للعمّة 48 ÷ 3 16 و للعمّ 16 * 2 32.

نصيب من يتقرّبون به، فلبني العمّ نصيب أبيهم، و كذا لبني العمّة،(1) و لبني الخال نصيب أبيهم، و كذا لبني الخالة، فلو خلّف أولاد العمومة المتفرّقين و أولاد الخئولة المتفرّقين، فلأولاد الخئولة الثلث، سدسه لأولاد الخال و الخالة بالسّوية، و لو كانوا أولاد خالين فالثلث، لكلّ منهم نصيب أبيه، و كذا لو كانوا لأكثر، و الباقي من الثلث لأولاد الخئولة من الأبوين و سقط أولاد الخئولة من الأب.

و لو عدم أولاد الخئولة من الأبوين، قام مقامهم أولاد الخئولة من الأب، و لأولاد العمومة الثلثان، سدسه لأولاد العمّ أو العمّة من قبل الأمّ بالسّوية، و لو كانوا أولاد عمّين فما زاد، فلهم الثلث، لكلّ منهم نصيب من يتقرّب به، و الباقي لأولاد العمومة من الأبوين، و سقط أولاد العمومة من الأب.

و لو عدم المتقرّب بالأبوين، قام المتقرّب بالأب مقامهم كهيئتهم.

و لو كان هناك زوج أو زوجة أخذ نصيبه الأعلى، و أخذ أولاد الخئولة الثلث موفّرا، و كان النقص داخلا على أولاد العمومة كآبائهم.

6319. الخامس عشر:

لو اجتمع للوارث سببان، ورث بهما إن لم يكن أحدهما مانعا للآخر، كابن عمّ لأب هو ابن خال لأمّ ، أو ابن عمّ هو زوج، أو بنت عمّة(2) هي زوجة، أو عمّ لأب هو خال لأمّ .

و لو منع أحدهما الاخر، ورث من جهة المانع، كابن عمّ هو أخ، فإنّه يرث من جهة الأخوّة خاصّة.

ص: 36


1- . سقط من نسخة «ب» من قوله: «و كذا لبني العمّة» إلى قوله: «و كذا لبني الخالة».
2- . في الشرائع «بنت عمّ » و لإيضاح حال الأمثلة لاحظ المسالك: 172/13.

المقصد الثالث: في الميراث بالسبب و فيه مطالب:

المطلب الأوّل: [في أقسام سبب الميراث

اشارة

السبب قسمان: زوجية و ولاء.

القسم الأول: الزوجية

فالزوجيّة يثبت بها الإرث مع جميع مراتب الورّاث(1) من الأنساب و إن قربوا، و من الأسباب، لا يمنع الزوجين مانع من الإرث سوى الكفر و القتل و الرّقّ .

القسم الثاني: الولاء
اشارة

و أمّا الولاء فلا يثبت به الإرث إلاّ مع فقد كلّ الأنساب الورّاث(2) قربوا أو بعدوا، فلو خلّف ابن ابن عمّ و إن نزل كان أولى بالميراث من المعتق و غيره من أسباب الولاء.

ثمّ الولاء ثلاثة:

ص: 37


1- . في «أ»: الوارث.
2- . في «أ»: الوارث.
أوّلها: ولاء العتق،

و يرث مع فقد كلّ الأنساب.

الثاني: ولاء تضمّن الجريرة،

و يرث مع فقد كلّ الأنساب و المعتق. و لا يرث مع وجود المعتق.

الثالث: ولاء الإمامة،

و يرث مع فقد كلّ الأنساب و مع فقد المعتق و فقد ضامن الجريرة، و لا يرث مع وجود أحد من الأنساب، و لا مع وجود المعتق، و لا مع ضامن الجريرة، و هل يرث مع الزوجين ؟ فيه خلاف.(1)

المطلب الثاني: في ميراث الأزواج و فيه ثمانية مباحث:

6320. الأوّل:

للزوج الربع مع الولد، ذكرا كان أو أنثى، فلو خلّفت زوجها و ابنتها فللزوج الربع و للبنت النصف و الباقي ردّ على البنت خاصّة، و لو كان معهما أحد الأبوين فله السّدس، و للزوج الربع، و للبنت النصف، و الباقي يردّ على البنت و أحد الأبوين أرباعا، و لا شيء للزوج من الردّ، و كذا البحث لو كان بدل الولد ولد الولد و إن نزل.

و لو لم يكن هناك ولد و لا ولد ولد و إن نزل، فللزّوج النصف، و الباقي لغيره من الورّاث على ما تقدّم تفصيله.

ص: 38


1- . لاحظ الأقوال حول المسألة في المختلف: 57/9-62.
6321. الثاني:

للزوجة مع الولد الثمن ذكرا كان أو أنثى، و كذا ولد الولد و إن نزل، و لا يردّ عليها الفاضل لو كان المشارك بنتا، بل على البنت خاصّة، أو على البنت و أحد الأبوين أو هما، كما قلنا في الزوج.

و لو لم يكن هناك ولد و لا ولد ولد و إن نزل، كان للزّوجة الربع و الباقي لغيرها من الورّاث،(1) و لا يردّ على الزّوجة مع وجود الوارث و إن بعد.

6322. الثالث:

لو خلّفت المرأة زوجها و ضامن جريرة لا سواهما، فللزّوج النصف، و لضامن الجريرة الباقي، و لو خلّف الرجل زوجته و ضامن جريرة لا غيرهما، فللزّوجة الربع، و الباقي لضامن الجريرة.

أمّا لو فقد جميع الأنساب و الأسباب و لم يخلّف الميّت أحدا سوى أحد الزوجين، فللزوج النصف و الباقي ردّ عليه، أمّا لو كانت زوجة ففيها أقوال:

أحدها: أنّه يردّ عليها الفاضل عن الرّبع مطلقا.(2)

و الثاني: لا يردّ مطلقا، بل يكون الباقي بعد الربع للإمام.(3)

و الثالث أنّه يردّ عليها حال غيبة الإمام لا وقت ظهوره.(4) و هو الأقوى عندي.

6323. الرابع:

سهم الزوجة و هو الثمن مع الولد أو ولد الولد و إن نزل، و الربع

ص: 39


1- . في «ب»: من الوارث.
2- . و هو خيرة المفيد في المقنعة: 691.
3- . ذهب إليه الشيخ في النهاية: 642، و الصدوق في المقنع: 491، و الحلبي في الكافي في الفقه: 374، و ابن البرّاج في المهذّب: 141/2، و سلاّر في المراسم: 222.
4- . و هو خيره الصدوق في الفقيه: 191/4 ذيل الحديث 666.

مع عدمهم، ثابت للواحدة و لما زاد عليها، فلو خلّف أربع زوجات و ولد، فللزوجات الأربع الثمن بينهنّ بالسّوية، و الباقي للولد.

و لو خلّف الأربع و أحد الأبوين خاصّة، فللأربع الربع بينهنّ بالسّوية، و الباقي لأحد الأبوين، و كذا لو انضمّ إليهنّ غير من ذكرناه في التقديرين من الأولاد و القرابات.

6324. الخامس:

الزوجة إنّما ترث ما دامت في حبالته سواء دخل بها أو لم يدخل، و كذا الزّوج. و لو طلّقت رجعيّا توارثا في العدّة، و إن مات أحدهما بعد العدّة، فلا ميراث للآخر منه.

و لو طلّقت بائنا كالمختلعة و المباراة مع عدم الرجوع في البذل في العدّة، و كاليائسة و الصّبية، و غير المدخول بها، فلا توارث بينهما، لا ترث المرأة الرّجل و لا الرّجل المرأة، سواء وقع الموت في العدّة أو بعدها، هذا في حقّ الصحيح.

أمّا المريض فإن تزوّج في حال مرض الموت، لم ترثه الزوجة إلاّ أن يدخل بها، و لو مات قبل الدخول فلا مهر لها و لا ميراث.

و لو طلّق المريض رجعيّا توارثا في العدّة، و لو خرجت العدّة ورثته هي ما بينها و بين سنة من حين الطلاق بشرط ألا تتزوّج بغيره، و لا يبرأ من مرضه مدّة السّنة، سواء تزوّج بها في الصحّة مطلقا أو المرض مع الدخول.

و لو طلّق بائنا لم يرث هو لو ماتت في العدّة و بعدها، و ترثه هي إلى سنة بالشرطين.

6325 السادس:

لو طلّق الرجل إحدى الأربع و تزوّج أخرى، ثمّ اشتبهت

ص: 40

المطلّقة بغيرها من الثلاث الأوّل، فللأخيرة ربع نصيب الزوجات من الربع مع عدم الولد، و الثمن معه، و المتخلّف من النصيب يقسّم بين المطلّقة و الثلاث الّتي وقع الاشتباه فيها بالسّوية.

6326. السابع:

الزّوجة إن كان لها من الميّت ولد، ذكرا كان أو أنثى، ورثت الثمن من جميع ما ترك الرجل.

و لو لم يكن لها ولد منه لم ترث من الأرض شيئا، و تعطى حصّتها من الأموال و الأقمشة و الأثاث، و تقوّم الآلات كالأخشاب و القصب و الاجر و اللبن من الأبنية، و تعطى حصّتها من قيمة ذلك.

و قيل: إنّما تمنع من الدّور و المساكن لا غير(1).

و قال المرتضى رحمه اللّه: تقوّم رقبة الأرض أيضا و تعطى حصّتها من قيمتها كالأبنية(2).

و المشهور هو الأوّل، و في رواية: أنّها لا ترث من السلاح و الدّواب شيئا.(3) و الأقرب الأوّل.

و لا فرق بين أن يكون لها ولد منه قد مات أو لم تلد منه.

6327. الثامن:

لو زوّج الصغيرين أبواهما أو جدّهما لأبويهما توارثا، و لو زوّجهما غيرهما وقف العقد على رضاهما بعد البلوغ، فإن بلغا و رضيا لزم العقد

ص: 41


1- . القائل: هو المفيد في المقنعة: 687.
2- . الانتصار: 585، المسألة 319.
3- . الوسائل: 517/17، الباب 6 من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 1.

و توارثا، و إن مات أحدهما قبل البلوغ بطل العقد، سواء بلغ الاخر قبل موته و أجاز أو بعد موته، أو لم يبلغ.

و لو بلغ أحدهما رشيدا و أجاز ثمّ مات، و بلغ الاخر بعد موته، فإن لم يرض فلا ميراث له، و بطل العقد، و إن(1) أجاز أحلف أنّه لم يرض للرغبة في الميراث، فإن حلف أخذ نصيبه، و إن نكل فلا ميراث له، و هل يسقط غير الميراث من توابع الزوجية كالعدّة و المهر؟ فيه نظر.

المطلب الثالث: في الميراث بالولاء بالعتق و فيه ستّة و عشرون بحثا:

6328. الأوّل:

العتق قسمان:

واجب إمّا بأصل الشرع، كمن ملك من ينعتق عليه من الأقارب و الرضاع، و إمّا بفعل المكلّف، كما في النذر و اليمين و العهد و الكفّارات، و كمن مثل بعبده.(2)

و ندب و هو ما تبرّع المكلّف بعتقه من غير سبب موجب للعتق.

فالأوّل لا يثبت به ميراث، و الثاني قسمان: أحدهما ما يتبرّأ(3) المعتق من

ص: 42


1- . في «أ»: فإن.
2- . في المصباح المنير: 260/2: مثلت بالقتيل مثلا من بابي قتل و ضرب: إذا جدعته، و ظهرت آثار فعلك عليه تنكيلا، و التشديد مبالغة.
3- . في «ب»: ما يبرأ.

ضمان الجريرة فيه، و هو كالأوّل في أنّه لا يثبت به ميراث. و الثاني ما ليس كذلك، و به يثبت الميراث للمنعم بشرط ألا يخلّف العتيق وارثا مناسبا قريبا كان أو بعيدا ذا فرض(1) أو غيره.

6329. الثاني:

لو تبرّأ المتبرّع بالعتق من ضمان الجريرة لم يرث، سواء أشهد بالبراءة أو لم يشهد، و الوجه أنّ التبرّي إنّما يؤثّر حال العتق، فلو تبرّع بعتقه ثم بعد ذلك أسقط الضمان، فالوجه أنّ الولاء لا يسقط.

أمّا لو شرط سقوط الضمان وقت العتق فإن الولاء يسقط إجماعا.

6330. الثالث:

المكاتب لا ولاء عليه، لأنّه اشترى نفسه من مولاه، أمّا المدبّر و الموصى بعتقه فالوجه أنّ ولاهما للمدبّر و الموصي.

و أمّ الولد عندنا تنعتق من نصيب ولدها، فلا ولاء لمولاها عليها، لأنّه لم يباشر عتقها، و لا للولد لأنّ النسب لا يجامع الولاء عندنا.

6331. الرابع:

لو تبرّع بالعتق عن ميّت أو عن حيّ من غير مسألة، فولاؤه للمعتق لا المعتق عنه، و لو أمره بالعتق عنه فعتق، فالولاء للمعتق عنه لا المعتق، أمّا لو أمره بالعتق عنه بعوض فعتق، فالوجه أنّه كذلك، و كذا لو قال: أعتق عبدك عنّي و عليّ ثمنه.

و لو قال: أعتق عبدك و الثمن عليّ ، فالولاء للمعتق و على الضامن الثمن.

6332. الخامس:

لو مات العتيق و لم يخلّف وارثا من الأنساب و إن بعد، و خلّف زوجا أو زوجة، كان لهما نصيبهما الأعلى، و الباقي للمنعم بالعتق.

ص: 43


1- . في النسختين: «إذا فرض» و الصحيح ما في المتن.
6333. السادس:

لا يصحّ بيع الولاء و لا هبته و لا اشتراطه في بيع، و يورّث على ما يأتي تفصيله.

6334. السابع:

شرط الميراث بالولاء التبرّع بالعتق، و عدم التبرّي من ضمان الجريرة، و عدم المناسب للعتيق و إن بعد، فإذا اجتمعت الشروط و مات العتيق، فميراثه للمنعم إن كان واحدا، ذكرا كان أو أنثى، و لو كان المنعم أكثر من واحد تشاركوا في الولاء بالحصص، سواء كانوا رجالا أو نساء، أو رجالا و نساء.

فإن عدم المنعم، اختلف علماؤنا، فقال ابن بابويه: يكون الولاء للأولاد الذكور و الإناث لأنّ الولاء كالنّسب،(1) و به أفتى الشيخ في الخلاف إن كان المعتق رجلا.(2)

و قال المفيد رحمه اللّه: الولاء للأولاد الذكور دون الإناث، سواء كان المنعم رجلا أو امرأة(3).

و قال في النهاية: إن كان المعتق رجلا فالولاء لأولاده الذكور خاصّة، و إن كان امرأة فالولاء لعصبتها.(4) و هو المشهور.

6335. الثامن:

يرث الولاء الأبوان و الأولاد، و لا يشركهما أحد من الأقارب، فإن عدم الأولاد قام أولاد الأولاد مقامهم، و يأخذ كلّ منهم نصيب من يتقرّب به، كالميراث في غير الولاء.

ص: 44


1- . الفقيه: 224/4 ذيل الحديث 712.
2- . الخلاف: 79/4 و 81، المسألة 84 و 86 من كتاب الفرائض.
3- . المقنعة: 694.
4- . النهاية: 670.

و لو عدم الأبوان و الأولاد و إن نزلوا، ورثه الإخوة و الأخوات من الأبوين أو من الأب، و الأجداد و الجدّات من قبله، و قيل: تمنع الإناث.(1) فإن عدم الإخوة و الأجداد ورثه الأعمام و العمّات و أولادهم الأقرب فالأقرب.

و لا يرث الولاء من يتقرّب بالأمّ ، من الإخوة و الأخوات، و الأجداد و الجدّات، و الأخوال و الخالات.

و لو فقد المتقرّب بالأب ورث الولاء مولى المولى، فإن عدم فقرابة مولى المولى من قبل الأب دون الأمّ ، فإن فقدوا فمولى مولى المولى، فإن عدم فقرابة مولى مولى المولى من قبل الأب دون الأمّ ، فإن فقدوا فالإمام.

6336. التاسع:

العتيق لا يرث من المنعم، فلو مات المعتق و لا وارث له، فميراثه للإمام دون العتيق.

6337. العاشر:

اختلف علماؤنا في أنّ النساء هل يرثن من الولاء؟ أمّا إذا قربن بالأمّ فلا، و إن قربن بالأب فقولان، و الإجماع على أنّهنّ يرثن من أعتقن أو أعتق من أعتقن أو جرّ الولاء إليهنّ من أعتقن، فلو مات رجل و خلّف ابن معتقه و بنت معتقه فالميراث لابن المعتق خاصّة على أحد القولين، و على الاخر للذّكر ضعف الأنثى.

و لو لم يخلّف إلاّ بنت معتقه فالمال للإمام على الأوّل و لها على الثاني، و كذا لو خلّف أمّ معتقه أو جدّة معتقه أو غيرهما.

ص: 45


1- . القائل هو أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه: 374، و المفيد في المقنعة: 694.

و لو خلّف بنت معتقه و ابن عمّ معتقه، فالمال لابن العمّ على الأوّل و للبنت على الثاني.

و لو أعتق الرّجل و ابنته عبدا، ثمّ مات الرّجل عنها و عن ابن، ثمّ مات العبد، فللبنت النصف لأنّها مولاة [مالك] نصفه، و لها على أحد القولين ثلث النصف الاخر، و الباقي و هو ثلثا النصف للابن، و على القول الاخر لا شيء لها في النصف الباقي، بل جميعه للابن.

و لو ماتت البنت قبل العبد، و خلّفت ابنا، [ثم مات العبد]، فلابنها النصف و لأخيها النصف، و على القول الاخر يرث أخوها الثلث.

و لو خلّفت بنتا، فالولاء بأجمعه لأخيها على أحد القولين، و على الاخر يرث الأخ الثلث.

و لو مات الابن قبل العبد و خلّف بنتا، ثمّ مات العبد، فللبنت المعتقة النصف و الباقي للإمام على أحد القولين، و على الاخر يكون للمعتقة الثلثان، و الثلث لبنت الابن.

6338. الحادي عشر:

جرّ الولاء صحيح من مولى الأمّ إلى مولى الأب، فلو أولد العبد من معتقة ابنا، فولاء الولد لمعتق الأمّ . فإن أعتق الأب بعد ذلك، انجرّ الولاء من معتق الأمّ إلى معتق الأب.

فإن لم يكن مولى الأب فلعصبة مولى الأب، فإن لم يكن عصبة فلمولى عصبة مولى الأب، فإن فقد المولى و العصبات فلضامن الجريرة، فإن فقد، فالولاء للإمام، و لا يرجع إلى مولى الأمّ .

ص: 46

6339. الثاني عشر:

لو كانت أولاد المعتقة مماليك، فولاؤهم لمن أعتقهم، و إن أعتقوا حملا مع أمّهم، و لا ينجرّ ولاؤهم، و إنّما ينجرّ مع عدم مباشرة العتق لهم.

و لو حملت بهم بعد العتق، فولاؤهم لمولى أمّهم إن كان أبوهم رقّا، و لو كان حرّا في الأصل لم يكن لمولى أمّهم ولاء، و لو كان أبوهم معتقا فولاؤهم لمولى الأب.

و لو كان أبوهم قد أعتق بعد ولادتهم انجرّ ولاؤهم من مولى أمّهم إلى مولى الأب.

6340. الثالث عشر:

لو أولد المملوك من معتقة حرّا فولاء الولد لمولى الأمّ ، فإن مات الأب مملوكا و أعتق الجدّ، قال الشيخ رحمه اللّه: ينجرّ الولاء إلى معتق الجدّ لأنّه قائم مقام الأب،(1) و لو أعتق الجدّ و الأب حيّ مملوك فكذلك ينجرّ الولاء إلى معتقه، فإن أعتق الأب بعد ذلك انجرّ الولاء من معتق الجدّ إلى معتق الأب، لأنّه أقرب.

6341. الرابع عشر:

لو أعتقت مملوكا فأعتق المملوك آخر، فميراث الأوّل للمعتقة مع عدم المناسب، و ميراث الثاني للأوّل مع عدم المناسب و وجود الأوّل، فإن لم يكن الأوّل فميراث الثاني للمعتقة أيضا لأنّها مولاة مولاه.

فإن اشترت أباها، فأعتق أبوها آخر، و مات الأب، ثمّ الاخر و لا وارث له، فميراث الاخر للبنت، النصف بالتسمية و الباقي بالردّ إن قلنا إنّ النساء يرثن الولاء، و إلاّ كان الميراث لها بالولاء.(2)

ص: 47


1- . المبسوط: 97/4.
2- . و ميراث الاخر لأبيها لأنّه كان مولاه فالبنت ترث الولاء، النصف بالتسمية لأنّها واحدة و الباقي بالرّد إن قلنا بوراثة النساء الولاء، و إلاّ ترث المال كلّه بالولاء، لأنّها مولاة مولاه.
6342. الخامس عشر:

لو اشترت بنتا عبد من معتقة أباهما، فميراثه لهما بالتسمية و الرّد،(1) فإن ماتت إحداهما فميراثها للأخرى بالتسمية و الرّد، و لا ميراث لمعتق الأمّ لوجود المناسب.

فإن ماتت الأخرى و لا وارث، فالأقرب عدم الانجرار إليهما بعتق الأب، إذ لا يجتمع استحقاق الولاء بالنسب و العتق. و لو ماتتا قبل الأب ورثهما بالنسب.

6343. السادس عشر:

ولاء ابن العبد من المعتقة لمولى الأمّ ، فإن اشترى [الابن] عبدا فأعتقه، فولاؤه له، فإن اشترى العتيق أب الابن فأعتقه انجرّ الولاء من مولى الأمّ إلى مولى الأب، و كان كلّ من الابن(2) و العتيق الثاني مولى لصاحبه.

فإن مات الأب فميراثه لابنه، فإن مات الابن و لا نسب له فميراثه لمعتق الأب، و إن مات المعتق و لا نسب له، فولاؤه للابن.

و لو ماتا و لا نسب لهما، قال الشيخ: يرجع الولاء إلى مولى الأمّ .(3)

و ليس بمعتمد.

6344. السابع عشر:

لو اشترى أب و أحد ولديه عبدا فأعتقاه، ثمّ مات الأب ثمّ العبد، فللمشتري ثلاثة أرباع تركته، و للآخر الربع.

6345. الثامن عشر:

لو أنكر العتيق ولد العتيقة و تلاعنا، فميراث الولد لمولى

ص: 48


1- . قال المحقّق في الشرائع: 39/4: لو أولد العبد بنتين من معتقة، فاشترتا أباهما انعتق عليهما فلو مات الأب كان ميراثه لهما بالتسمية و الرّد لا بالولاء.
2- . كذا في «ب» و لكن في نسخة «أ»: «الأبوين» و الصحيح ما في المتن.
3- . المبسوط: 107/4.

الأمّ مع عدم النسب من قبلها. فإن اعترف به الأب بعد ذلك لم يرثه و لا المنعم عليه، لانقطاع الميراث من الأب و من يتقرّب به و إن عاد النسب.

6346. التاسع عشر:

لو خلّف المعتق ثلاث بنين كان الولاء بينهم بالسويّة، فإن مات أحدهم و خلّف اثنين، ثمّ مات الثاني و خلّف ثلاثة، ثمّ مات الثالث و خلّف أربعة، فالولاء بينهم أثلاثا لكلّ قوم منهم نصيب أبيه ليس على عدد الرءوس.

6347. العشرون:

لو أولدت الأمة عبدا لمولاها فأعتقهما معا، فولاء الولد لمعتقه. فإن أعتق الأب بعد ذلك لم ينجرّ الولاء إليه، لأنّ المباشر للعتق أولى.

و لو تجدّد ولد آخر قبل عتق الأب(1) كان تابعا للأمّ في الحرّيّة، و ولاؤه لمعتق أمّه، فان أعتق الأب بعد ذلك انجرّ ولاء الابن الثاني إلى معتق الأب دون الأوّل.

6348. الحادي و العشرون:

لو طلّق العبد الأمة طلقتين، أو خالعها ثمّ أعتقت، ثمّ أتت بولد يمكن إلحاقه به و نفيه عنه، بأن يأتي لستّة أشهر فصاعدا إلى تسعة، فولاء الولد لمولى الأمّ ، فإن أعتق الأب بعد ذلك لم ينجرّ الولاء إليه، لجواز أن يكون موجودا حال العتق و أن يكون معدوما، و الأصل بقاء الرّقّ ، قاله الشيخ في الخلاف،(2) بناء على قاعدته من أنّ الحمل يتبع الأمّ في العتق.

6349. الثاني و العشرون:

لو جوّزنا عتق الكافر على ما ذهب إليه الشيخ في

ص: 49


1- . في «أ»: قبل العتق.
2- . لم نعثر عليه.

الخلاف،(1) كان الولاء له و لو كان العتيق مسلما، و لو مات قبل إسلام المولى و لا وارث له، فميراثه للإمام و لا يرثه الكافر، و لو مات بعد إسلامه ورثه، و لو اسلم المولى دونه فميراثه لمولاه إذا لم يكن له وارث مسلم.

و لو سبي المولى و استرقّ ثمّ أعتق، فعليه الولاء لمعتقه و له الولاء على عتيقه.

و هل يثبت لمعتق السيّد ولاء على العتيق ؟ فيه احتمال ينشأ من أنّه مولى مولاه، و من عدم الإنعام عليه.

فإن كان قد اشتراه مولاه فأعتقه فكلّ منهما مولى صاحبه، و كذا إن أسره مولاه فأعتقه.

و لو أسره مولاه و أجنبيّ فأعتقاه فالولاء بينهما نصفان، فإن مات بعد(2)المعتق الأوّل فلشريكه نصف ماله، لأنّه مولى نصف مولاه على أحد الاحتمالين، و على الاخر لا شيء له لأنّه لم ينعم عليه.

و لو سبي العتيق فاشتراه رجل فأعتقه بطل ولاء الأوّل، و انتقل الولاء إلى الثاني، لبطلان ملك الأوّل بالسبي، فالولاء التابع له أولى.

و لو أعتق المسلم كافرا صحّ على أحد الأقوال لنا و ولاؤه للمسلم، فإن هرب إلى دار الحرب ثمّ أسره المسلمون قيل: لا يصحّ استرقاقه لأنّ فيه إبطال ولاء المسلم، و الأقرب جواز استرقاقه عملا بالمقتضي و هو الكفر، فإذا أعتق

ص: 50


1- . الخلاف: 371/6، المسألة 12 من كتاب العتق.
2- . في «ب»: فإن مات بعده.

احتمل أن يكون الولاء للثاني: لأنّ الحكمين إذا تنافيا كان الثابت هو المتأخّر كالناسخ، و أن يكون للأوّل، لأنّ ولاءه ثبت و هو معصوم فلا يزول بالاستيلاء كالملك.

6350. الثالث و العشرون:

إنّما ينجرّ الولاء إلى مولى الأب بشروط ثلاثة:

عبوديّة الأب حين الولادة، فلو كان حرّا في الأصل فلا ولاء على ولده، و إن كان مولى(1) ثبت الولاء على ولده لمواليه ابتداء، و لا جرّ.

و كون الأمّ مولاة، فلو كانت حرّة في الأصل فأولادها كذلك، و إن كانت أمة فولدها رقيق لسيّدها، فإن أعتقه فولاؤه له و لا ينجرّ عنه.

و إن أعتقها المولى فأتت بولد لدون ستّة أشهر فقد مسّه الرقّ ، و عتق بالمباشرة إن قلنا إنّ الحمل تابع، و إلاّ بقي على الرقيّة.

و إن أتت به لأكثر من ستّة أشهر مع بقاء الزّوجية، لم يحكم بمسّ الرّق، و انجرّ الولاء، لاحتمال حدوثه بعد العتق، فلم يمسّه الرقّ و لم يحكم برقّه بالشكّ .

و إن كانت بائنا و أتت به لأكثر من مدّة الحمل من حين الفرقة، لم يلحق بالأب، و ولاؤه لمولى أمّه. و إن أتت به لأقلّ من ذلك، لحقه الولد و انجرّ ولاؤه.

الثالث: أن يعتق العبد فلو مات رقّا لم ينجرّ الولاء إجماعا.

فإن اختلف سيّد العبد و مولى الأمة في حرّية الأب بعد موته، فالقول قول مولى الأمّ ، لأنّ الأصل بقاء الرّق و عدم الانجرار.

ص: 51


1- . في «ب»: و إن كان المولى.
6351. الرابع و العشرون:

إذا كان أحد الزوجين (الحرّين)(1) حرّ الأصل، فلا ولاء على ولدهما، سواء كان الأب الحرّ أعجميّا أو عربيّا، و سواء كان مسلما أو ذميّا، أو مجهول النسب أو معلومه.

و لو تزوّج عبد بمعتقة فأولدها ولدا، فتزوّج الولد بمعتقة رجل فأولدها ولدا، فولاء الولد الثاني لمولى أمّ أبيه، لأنّ له الولاء على أبيه فكان له عليه، كما لو كان مولى جدّه. و لأنّ ثبوت الولاء على الأب يمنع من ثبوته لمولى الأمّ .

و يحتمل أن يكون الولاء لمولى أمّه، لأنّ الولاء الثابت على أبيه من جهة أمّه، و مثل ذلك ثابت في حقّه.

6352. الخامس و العشرون:

لو خلّف بنت مولاه و مولى أبيه، فإن قلنا إنّ النساء يرثن الولاء فميراثه لبنت مولاه، و إن منعناهنّ فميراثه للإمام، لأنّه إذا ثبت عليه ولاء من جهة مباشرة العتق لم يثبت عليه بإعتاق أبيه.

و لو كان له معتق أب و معتق جدّ و لم يكن هو معتقا، فميراثه لمعتق أبيه إن كان ابن معتقة، ثمّ لعصبة معتق أبيه، ثم لمعتق معتق أبيه. فإن لم يكن له أحد منهم فللإمام. و لا يرجع إلى معتق جدّه.

و إن كان ابن حرّة الأصل، فلا ولاء عليه و ليس لمعتق أبيه شيء.

6353. السادس و العشرون:

لو أسلم رجل على يد(2) رجل لم يرثه بذلك.

و اللقيط حرّ، لا ولاء لأحد عليه، و لا الملتقطة.

ص: 52


1- . ما بين القوسين يوجد في «أ».
2- . في «أ»: على يدي.

المطلب الرابع: في باقي أقسام الولاء و فيه خمسة مباحث:

6354. الأوّل:

إذا مات و لم يخلّف نسبا و إن بعد و لا مولى نعمة، كان ميراثه لضامن الجريرة، و هو الّذي يعاقد من أعتق في كفّارة أو نذر و غيرهما من الواجبات أو من تبرّأ المتبرّع بعتقه من ضمان جريرته، أو من كان حرّا في الأصل و لا قريب له بأن يضمن عنه جريرته و حدثه.

6355. الثاني:

لا ميراث لضامن الجريرة مع القريب و إن بعد، و لا مع مولى النعمة، و يشارك الزوج و الزوجة، فيأخذان نصيبهما الأعلى، و الباقي للضامن مع عدم النسب و المنعم.

6356. الثالث:

لو لم يخلّف مناسبا و لا منعما و لا ضامن جريرة كان ميراثه للإمام، و هو القسم الثالث من أقسام الولاء و لا يرث إلاّ مع فقد الأنساب كلّهم و المعتق إن كان(1) الميّت مولى و ضامن الجريرة.

6357. الرابع:

إذا كان الإمام ظاهرا فميراث من لا وارث له للإمام، يصنع به ما شاء، و كان أمير المؤمنين عليه السّلام يضعه في فقراء أهل بلده و ضعفاء جيرانه تبرّعا منه عليه السّلام بذلك، دون أن يكون ذلك واجبا.(2)

ص: 53


1- . في «أ»: إذا كان.
2- . الوسائل: 554/17، الباب 5 من أبواب ولاء ضمان الجريرة، الحديث 10-11.

و إن كان غائبا حفظ له عليه السّلام إلى حين ظهوره عليه السّلام، فإن لم يتمكّن من إيصاله إليه، قسّم في الفقراء و المساكين، و لا يعطى سلطان الجور منه على حال إلاّ مع التغلّب أو الخوف.

6358. الخامس:

يختصّ بالإمام ما يغنمه السّريّة بغير إذنه و ما يتركه المشركون فزعا و يفارقونه من غير حرب.

أمّا ما يؤخذ صلحا أو جزية، فهو للمجاهدين، و مع عدمهم لفقراء المسلمين.

و ما يؤخذ سرقة من أهل الحرب في زمن الهدنة يعاد عليهم، و إن لم يكن هدنة فلآخذه، و عليه الخمس فيه.

و من مات من أهل الحرب و لا وارث له، فميراثه للإمام.

ص: 54

المقصد الرابع: في موانع الإرث و فيه فصول

الفصل الأوّل: في الكفر و فيه أحد عشر بحثا:

6359. الأوّل:

موانع الإرث ثلاثة: الكفر، و القتل، و الرّق.

فالكافر لا يرث المسلم سواء كان ذميّا أو حربيّا أو مرتدّا، و سواء كان المسلم كافرا في الأصل أو لا، و سواء قرب الكافر أو بعد، و سواء خلّف المسلم وارثا غيره أو لا.

فلو مات مسلم و خلّف ولدا كافرا و قريبا مسلما و إن بعدت قرابته، كان ميراثه للبعيد المسلم و ان كان يقربه الكافر.

و لو لم يخلّف قريبا، و خلّف مولى نعمة فميراثه لمولى النعمة. فإن لم يكن، فلضامن الجريرة، فإن فقد فللإمام، و لا يرثه الولد الكافر.

ص: 55

و يرث المسلم الكافر أصليّا كان أو مرتدّا إجماعا منّا.

6360. الثاني:

لو مات الكافر الأصليّ و له ورثة كفّار، و لا مسلم فيهم، فميراثه لهم، و لو كان له وارث مسلم و إن بعد كمولى النعمة أو ضامن الجريرة فميراثه للضامن المسلم دون ورثته الكفّار.

و لو كان الكافر مرتدّا و له وارث مسلم و إن بعد كضامن الجريرة فميراثه للضامن، و لا يرثه القريب الكافر، و لو لم يكن له وارث مسلم ورثه الإمام و لا شيء للكافر، و في رواية شاذّة يرثه وارثه الكافر كالأصلي.(1)

6361. الثالث:

الكفّار يتوارثون مع عدم الوارث المسلم، سواء اتّحد دينهم أو اختلف، فيرث اليهوديّ مثله و من عداه كالنصرانيّ و المجوسيّ و عابد الوثن و الشمس و غيرهم و بالعكس، و لا فرق بين أهل الذمّة و غيرهم في ذلك بل يرث الحربيّ الذمّي و بالعكس، سواء اتّحدت الدار أو اختلفت.

6362. الرابع:

المرتدّ لا يرث المسلم و يرث الكافر، و لو ارتدّ متوارثان فمات أحدهما لم يرثه الاخر بل تنتقل تركته إلى وارثه المسلم، فإن لم يكن له وارث مسلم فميراثه للإمام.

و الزنديق - و هو الّذي يظهر الإسلام و يستسرّ(2) بالكفر، و هو المنافق - كالمرتدّ.

6363. الخامس:

المرتدّ إن كان عن فطرة لم تقبل توبته، و تقسّم تركته من

ص: 56


1- . الوسائل: 385/17، الباب 6 من أبواب موانع الإرث، الحديث 1.
2- . في «أ»: و يستر.

حين الارتداد، و تبين منه زوجته، و تعتدّ عدّة الوفاة، سواء قتل أو بقي.

و هل يتجدّد له ملك شيء كما لو استأجر؟ فيه نظر. و لو فرض دخوله انتقل إلى ورثته في ثاني الحال.

و إن كان عن غير فطرة استتيب فإن تاب، و إلاّ قتل، و أمواله باقية عليه إلى أن يقتل أو يموت.

و تعتدّ زوجته من حين الارتداد مع الدخول عدّة الطلاق، فإن رجع قبل خروج العدّة فهو أملك بها، و إن خرجت العدّة و لم يرجع، بانت منه، فإن مات في العدّة ورثته لا بعدها.

و أمّا المرتدّة فلا تقتل و إن كانت عن فطرة بل تحبس و تضرب أوقات الصّلاة، و أموالها باقية عليها، لا تقسّم إلاّ بعد موتها، و ينفسخ نكاحها من زوجها قبل الدخول، و بعده يقف على انقضاء العدّة.

6364. السادس:

المسلمون يتوارثون و إن اختلفوا في المذاهب، فالإماميّ يرث السنّي و بالعكس، أمّا الغلاة و الخوارج فلا يرثون مسلما.

6365. السابع:

لو أسلم الكافر على ميراث قبل قسمته شارك الورثة إن ساواهم في الدّرجة، و اختص بالمال أجمع دونهم إن كان أولى منهم، و لو أسلم بعد القسمة فلا شيء له.

و لو كان الوارث واحدا لا ميراث له لانتفاء مسمّى القسمة هنا، و لو لم يكن وارث سوى الإمام فأسلم، فهو أولى من الإمام عليه السّلام على رأي،(1) و يمنع من

ص: 57


1- . ذهب إليه المحقق في الشرائع: 12/4.

الميراث إن كان قد نقل المال إلى بيت المال على رأي،(1) و مطلقا على رأي(2).

و لو أسلم و قد قسّم بعضه شارك فيما لم يقسّم، و في مشاركته فيما قسّم نظر، و كذا لو أسلم بعد نقل بعض التركة إلى بيت المال على ما اختاره بعض علمائنا.

و لو كان الوارث زوجا أو زوجة فأسلم الكافر، أخذ ما فضل عن نصيب الزوجيّة على إشكال، إذ هو وارث واحد، و يحتمل المشاركة مع الزوجة دون الزوج، و بالجملة الإشكال ينشأ من الرّد على الزّوجين و عدمه.(3)

6366. الثامن:

المرتدّ ترثه ورثته المسلمون، و لا يصير ماله فيئا للمسلمين.

و لو ارتدّ الزوجان معا لم يتوارثا، ثمّ إن كان بعد الدّخول عن غير فطرة من الرّجل وقف الفسخ على انقضاء عدّة الطلاق، فإن خرجت و لم يرجعا انفسخ النكاح، و إن رجعا فيها فهو له أملك، و لو رجع أحدهما انتظر الاخر فإن خرجت العدّة قبل عوده فلا نكاح.

و لو كان قبل الدخول، أو ارتداد الرّجل عن فطرة انفسخ النكاح في الحال.

6367. التاسع:

لو مات الكافر و لا وارث له، فميراثه للإمام.

6368. العاشر:

يحكم بإسلام الطفل إن كان أحد أبويه مسلما في الأصل، و كذا لو تجدّد إسلامه قبل بلوغ الطفل.

ص: 58


1- . و هو خيرة الشيخ في المبسوط: 79/4.
2- . قال في الجواهر: و القائل الشيخ في ظاهر محكيّ النهاية و ابن البراج في محكيّ المهذّب بل قيل: انّه خيرة الابي و النافع و الجامع و التبصرة و المعالم. جواهر الكلام: 21/39، و لاحظ النهاية: 663، و المهذّب: 157/2.
3- . لاحظ لمزيد التوضيح في ذلك، المسالك: 26/13.

و لو تجدّد إسلام الأب بعد بلوغ الطفل لم يتبعه في الإسلام، و إنّما يتبعه لو أسلم أحد الأبوين حال صغر الولد.

فإن بلغ الولد حينئذ فامتنع عن الإسلام، قهر عليه، فإن أصرّ كان مرتدّا.

و لو مات الأب كافرا فأسلم الجدّ تبعه الولد أيضا في الإسلام، و كان حكمه حكم الأب سواء.

فإن أسلم الجدّ، و الأب كافر حيّ ، فهل يتبع الولد الجدّ في الإسلام ؟ قوّاه الشيخ رحمه اللّه(1) فعلى هذا لو مات المسلم أو الكافر و خلّف أبا و ابنا صغيرا كافرين فأسلم الأب قبل القسمة شاركهم هو و الابن.

6369. الحادي عشر:

إذا مات الكافر و خلّف أولادا صغارا و ابن أخ و ابن أخت مسلمين، فإن كانت أمّ الأولاد مسلمة تبعها الأولاد في الإسلام، و كان ميراثه لأولاده خاصّة، فإذا بلغوا و اختاروا الكفر قهروا على الإسلام، فإن امتنعوا كانوا مرتدّين، و كان ميراثهم من أبيهم لورثتهم حال ارتدادهم.

و إن كانت الأمّ كافرة، كان الميراث لابن الأخ و ابن الأخت المسلمين أثلاثا.

قال الشيخ رحمه اللّه: و ينفق ابن الأخ ثلثي النفقة على الأولاد و ابن الأخت الثلث، فإن بلغ الأولاد و أسلموا فهم أحقّ بالتركة، و إن اختاروا الكفر استقرّ ملك ابن الأخ و ابن الأخت على التركة و منع الأولاد(2). و صار في ذلك إلى رواية مالك بن أعين الصحيحة عن الباقر عليه السّلام(3).

ص: 59


1- . المبسوط: 97/4.
2- . النهاية: 665.
3- . الوسائل: 379/17، الباب 2 من أبواب موانع الإرث، الحديث 1.

و منع ابن إدريس ذلك(1) و جعل الميراث لابن الأخ و ابن الأخت المسلمين، فإنّ الأولاد كفّار كآبائهم و لا نفقة، و لو بلغ الأطفال و أسلموا لم يدفع التركة إليهم مع القسمة، و هو الوجه.

الفصل الثاني: في باقي الموانع و فيه ستّة و عشرون بحثا:

6370. الأوّل:

القاتل لا يرث المقتول إذا كان عمدا ظلما، سواء كان القاتل أبا أو غيره، و يرثه غير القاتل و إن بعد من ذوي الأسباب أو الأنساب.

و لو لم يوجد سوى القاتل كان الميراث لبيت المال.

و لو كان القتل غير ظلم كالقتل قصاصا، أو حدّا، أو دفعا عن نفسه، أو جهادا للباغي أو الكافر، لم يمنع القاتل من الميراث.

6371. الثاني:

اختلف علماؤنا في القاتل خطأ، فقال بعضهم: لا يرث كالعمد(2)، و الرواية(3) به مقطوعة السند.

و قال آخرون: يرث مطلقا(4) و هو الأشهر.

ص: 60


1- . السرائر: 269/3.
2- . ذهب إليه ابن أبي عقيل، حكاه عنه المصنّف في المختلف: 84/9.
3- . الوسائل: 392/17، الباب 9 من أبواب موانع الإرث، الحديث 3.
4- . و هو خيرة الشيخ في النهاية: 672.

و جمع المفيد رحمه اللّه بين الأخبار فقال: يرث من التركة و لا يرث من الدية،(1)و هو حسن.

و الوجه إلحاق شبيه الخطأ بالخطإ، و كذا من أمره العاقل ببطّ(2) جراحة، أو قطع سلعة(3) فتلف، أو قصد مصلحة مولّيه بما له فعله من سقي دواء أو بطّ جراح فمات، و النائم، و الساقط على إنسان من غير اختيار، و سائق الدّابّة و قائدها و راكبها، و الصبيّ و المجنون إذا قتلا غيرهما.

6372. الثالث:

لا فرق في العمد بين المباشرة و التسبيب، و كذا في الخطأ، فلو شهد مع جماعة ظلما عمدا على مورّثه فقتل لم يرثه، و إن كان خطأ ورثه من التركة، و لو شهد بحقّ فقتل ورثه، لأنّه سائغ.

و لو قتل أكبر الإخوة الثاني ثمّ الثالث الأصغر، و لا وارث سواهما، لم يسقط القصاص عن الأكبر، لأنّ ميراث الثاني للثالث و الأصغر نصفين، فلما قتل الثالث الأصغر لم يرثه، و ورثه الأكبر، فيرجع إليه نصف دم نفسه فإن أدّى الثالث إليه نصف الدية كان له قتله، و إلاّ فلا.

و أمّا الثالث فعليه القصاص للأكبر عن الأصغر و يرثه، و لو اقتصّ الأكبر أوّلا سقط القصاص عنه، لأنّه ورثه، و يحتمل ألا يرثه، لأنّه تعدّى باستيفاء حقّه أوّلا.

6373. الرابع:

لو قتل الولد أباه لم يرثه، فإن كان للقاتل ولد و لا ولد للأب،

ص: 61


1- . المقنعة: 703.
2- . بطّ الرّجل الجرح بطّا، من باب قتل: أي شقّه. مجمع البحرين.
3- . السّلعة، بكسر السين: زيادة في الجسد كالغدّة و تتحرّك، إذا حركت. مجمع البحرين.

ورث الجدّ، و لم يمنع من الميراث بجناية أبيه، و لو كان للقاتل ولد كافر منع أيضا، و كان الميراث لولد الولد، و لو لم يكن هناك ولد ولد و لا غيره، فالميراث للإمام، فإن أسلم الكافر كان أولى به، على ما تقدّم من الخلاف.

6374. الخامس:

الزّوج و الزوجة يرثان من الدّية، سواء كان القتل عمدا أو خطأ، و لا يرثان من القصاص شيئا، و إنّما يرثان من الدّية في العمد إذا رضي الورثة و القاتل بأدائها.

و لو لم يحصل التراضي لم يكن للزوج و لا للزوجة المطالبة بشيء من الدّية، سواء عفا الورثة عن القصاص أو اقتصّوا، أمّا لو وقع التراضي بالدية، ثمّ عفوا عنها، كان للزوج و الزوجة أخذ نصيبها منها.

6375. السادس:

يرث الدّية كلّ مناسب و مسابب، عدا من يتقرّب بالأمّ ، فإنّ فيهم خلافا(1).

و لو لم يكن للمقتول وارث سوى الإمام، كان له المطالبة بالقود أو الدّية مع رضى القاتل عمدا بها، و ليس له العفو.

6376. السابع:

الدّية في حكم مال الميّت، يقضى منها ديونه، و ينفذ منه وصاياه، سواء كان القتل عمدا إذا وقع الرضا بالدّية أو خطأ.

و لو وقع عمدا، فاختار الدّيّان الدّية و الورثة القصاص، قدّم اختيار الورثة، و لا يجب عليهم دفع الدّية و لا شيئا منها.

6377. الثامن:

الرقّ مانع من الإرث في الوارث و الموروث، فلو مات العبد

ص: 62


1- . لاحظ الأقوال حول المسألة في المسالك: 43/13-44.

فميراثه لمولاه، فإنّ العبد لا يملك، سواء ملّكه مولاه أو لا، و سواء كان قنّا، أو أمّ ولد، أو مدبّرا، أو مكاتبا مشروطا، أو مطلقا لم يؤدّ شيئا، و سواء كان له وارث حرّ، أو مكاتب بكتابته، أو مدبّر بتدبيره أو لا.

و لو انعتق بعضه ورث مولاه نصيب الرقّية، و كان نصيب الحريّة لورثته.

و لو مات الحرّ و له وارث حرّ و آخر مملوك، فميراثه للحرّ و إن بعد، كضامن الجريرة، و لا شيء للعبد و إن قرب كالولد.

و لو كان الحرّ يتقرّب بالعبد لم يسر المنع إليه و ورث، كما لو خلّف ولدا مملوكا و للولد ولد حرّ، فإنّ الحرّ يرث الجدّ دون المملوك.

6378. التاسع:

لو أعتق المملوك على ميراث قبل قسمته شارك، إن كان مساويا للورثة، و اختص بالمال أجمع إن كان أولى، و إن أعتق بعد القسمة لم يكن له شيء، و كذا لو كان الوارث الحرّ واحدا لم يكن له شركة.

6379. العاشر:

لو لم يخلّف الحر وارثا سوى المملوك، فإن كان المملوك أحد أبوي الميّت أو ولده لصلبه، اشترى من التركة من مولاه بالقيمة العدل، و أعتق و أعطي باقي التركة، و لو امتنع مولاه من البيع أجبر على ذلك.

و هل يفك غير الأبوين و ولد الصّلب من الأنساب كالأخ و العمّ و الجدّ و ولد الولد و غيرهم ؟

منع المفيد رحمه اللّه ذلك،(1) و هو اختيار السيد(2) و ابن إدريس(3).

ص: 63


1- . المقنعة: 695.
2- . الانتصار: 597، المسألة 328.
3- . السرائر: 272/3.

و قال الشيخ: يفكّ كلّ مناسب مع فقد الأبوين و الولد.(1) و به رواية ضعيفة(2).

قال الشيخ في النهاية: و حكم الزّوج و الزوجة حكم الأقارب في وجوب الفكّ (3). و به رواية(4) جيّدة تدلّ على حكم الزوجة و أنّها تفكّ .

6380. الحادي عشر:

لو لم يفضل من التركة شيء عن القيمة وجب الفكّ و العتق، أمّا لو قصرت فالأقوى عدم الوجوب بل ينتقل المال إلى الإمام.

و قال بعض علمائنا: يفكّ بقدر التركة، و يسعى المملوك في الباقي،(5)و ليس بجيّد.

و لو كان الوارث اثنين، و قصرت التركة عنهما معا، لم يجب شراء أحدهما و إن وفت به التركة أو فضل نصيبه عن قيمته على إشكال، و كان الميراث للإمام.

و لو كان العبد قد انعتق بعضه، ورث من نصيبه بقدر حريّته و منع بقدر الرقيّة، و أعطي باقي النصيب غيره، فإن لم يوجد سواه احتمل صرف الباقي إليه يأخذه بجزئه الحرّ و شراء الباقي من نصيب الرقيّة، و دفعه إلى الإمام.

6381. الثاني عشر:

أمّ الولد لا ترث، و كذا المدبّر من مدبّره و لو كان وارثا، و كذا المكاتب المشروط، و المطلق الّذي لم يؤدّ شيئا.

ص: 64


1- . النهاية: 668.
2- . الوسائل: 404/17، الباب 20 من أبواب موانع الإرث، الحديث 3.
3- . النهاية: 668.
4- . الوسائل: 406/17، الباب 20 من أبواب موانع الإرث، في ذيل الحديث 7.
5- . قال الشيخ في النهاية: 668: و قال بعض أصحابنا: إنّه إذا كانت التركة أقلّ من ثمن المملوك استسعي في باقيه. و لست أعرف بذلك أثرا.
6382. الثالث عشر:

اللعان سبب في قطع الميراث بين الزوجين، و في سقوط نسب الولد من الأب، فلو مات الابن لم يرثه الأب و لا من يتقرّب به خاصّة و بالعكس، و ميراثه لأمّه و من يتقرّب بها من الإخوة و الأخوال و الأجداد، و يرثه ولده و زوجه و زوجته.

فإن خلّف أمّه و أولادا فلأمّه السدس، و الباقي للأولاد للذّكر ضعف الأنثى، و لو لم يكن ولد فلأمّه الثلث و الباقي ردّ عليها، و في رواية أنّ الزائد عن الثلث للإمام(1) و هي شاذّة.

و لو فقدت الأمّ و الأولاد فلإخوته و أخواته و أولادهم و أجداده من قبلها بالسويّة، و يترتبون الأقرب فالأقرب.

فإن فقدوا فالأخوال و الخالات كذلك و أولادهم، فإن فقدوا فللإمام إن لم يكن مولى و لا ضامن جريرة(2).

و لا يرث الأب و لا من يتقرّب بالأب، و للزّوج و الزّوجة نصيبها مع كلّ درجة، و يرث هو قرابة أمّه، و قيل: لا يرثهم إلاّ أن يعترف به الأب(3)و ليس بمعتمد.

و لو اعترف به أبوه قبل إكمال اللّعان توارثا، و لو اعترف به بعد انقضاء اللّعان لم يرثه الأب و لا من يتقرّب به، و يرثه الولد.

ص: 65


1- . الوسائل: 560/17، الباب 3 من أبواب ميراث الملاعنة، الحديث 3 و 4.
2- . في «أ»: و لا ضامن الجريرة.
3- . ذهب إليه الشيخ في الاستبصار: 181/4، ذيل الحديث 682.

و هل يرث الولد من يتقرّب بالأب ؟ قال أبو الصّلاح: نعم.(1) و الأقرب المنع، لانقطاع النسب باللعان، و اختصاص الإقرار بالمقرّ.

6383. الرابع عشر:

لو خلّف ابن الملاعنة أخوين: أحدهما لأب و أمّ و آخر لأمّ تساويا في الميراث، و كذا لو كانا أختين أو بالتفريق أو ابن أخت لهما و ابن أخت للأمّ .

و لو خلّف أخا و أختا لأبويه مع الجدّين للأمّ تساووا، لسقوط اعتبار نسب الأب.

و لو ماتت أمّه و لا وارث سواه، فميراثها له، و لو كان أبوان أو أحدهما فلهما السدسان و السدس للواحد و الباقي له إن كان ذكرا. و ان كان أنثى فلها النصف و الباقي يردّ عليها و على الأبوين أو أحدهما.

و لو أنكر الحمل و لا عن فولدت توأمين توارثا بالأمومة(2).

6384. الخامس عشر:

ولد الزنا لا يرث أحدا من أبويه و لا من يتقرّب بهما، لانقطاع نسبه منهما، و لا يرثه أحدهما و لا من يتقرّب بهما، و ميراثه لولده و زوجه و زوجته، فإن لم يكن له ولد و لا ولد ولد و إن نزل فللإمام.

و روي: أنّ ثلث ماله لأمّه و الباقي للإمام(3). و ليس بمعتمد.

6385. السادس عشر:

من تبرّأ عند السّلطان من جريرة ولده و ميراثه، قال

ص: 66


1- . الكافي في الفقه: 375.
2- . في «أ»: توارثا بالسويّة.
3- . ذكر الشيخ في النهاية: 680 انّ ميراث ولد الملاعنة ثلثه لأمّه، و الباقي لإمام المسلمين ثمّ نقل عن بعض أصحابنا انّ ميراث ولد الزنا مثل ميراث ولد الملاعنة و لعل كلام المصنّف ناظر إلى هذا القول و لكنّه قول لبعض أصحابنا و ليس رواية.

الشيخ رحمه اللّه: يكون ميراثه لعصبة أبيه دون أبيه.(1) و ليس بجيّد، و الوجه أنّ أباه يرث دون العصبة.

6386. السابع عشر:

لو مات و عليه دين مستوعب للتركة لم ينتقل إلى الوارث، و كانت على حكم مال الميّت على إشكال. أقربه الانتقال و صيرورة التركة بمنزلة الرهن، و تظهر الفائدة في النماء المتجدّد بعد الموت.

و لو لم يكن الدّين مستوعبا انتقل إلى الورثة ما فضل، و كان مقابل الدّين باقيا على حكم مال الميّت.

6387. الثامن عشر:

اشتباه تاريخ الموت في غير الغرق و الهدم على أحد القولين أو حتف أنفهما مانع من الإرث، و كذا التقارن مطلقا، فلو مات أب و ابن حتف أنفهما، و اشتبه تقدّم موت أحدهما، أو علم تقارنهما في الموت، لم يرث الأب من الابن و بالعكس، بل يرث كلاّ منهما ورثته غير صاحبه.

6388. التاسع عشر:

المفقود أو الأسير الّذي انقطع خبره لا يورث إلاّ أن يعلم موته أو تنقضي مدّة لا يمكن أن يعيش مثله إليها غالبا، و تعتبر المدّة من وقت ولادة المفقود لا من وقت غيبته.

و إذا قضي بموته، ورثه أقاربه الموجودون وقت الحكم لا وقت الغيبة.

و أمّا ميراثه من الحاضرين فيجب التوقف في نصيبه إذا مات له قريب، و يقسّم باقي التركة، فإن بان حيّا أخذه، و إن علم أنّه مات بعد موت مورّثه دفع

ص: 67


1- . في النهاية: 682 هكذا: «العصبة أمّه دون أبيه» لكن ما نقله المحقّق في الشرائع: 44/4، و الشهيد الثاني في المسالك: 237/13 يوافق ما في المتن، و يؤيّده التعليل.

نصيبه من ماله إلى ورثته، و إن علم أنّه كان ميّتا حين موت مورّثه ردّ الموقوف إلى ورثة الأوّل.

و إن مضت المدّة و لم يعلم خبره ردّ أيضا إلى ورثة الأوّل للشك في حياته حين موت مورّثه، فلا يورث مع الشك، و كذا لو علمنا موته و لم يعلم هل مات قبل الموروث أو بعده.

و قال ابن بابويه رحمه اللّه: يطلبه السّلطان أربع سنين في الأقطار، فإن لم يعرف له خبرا قسّم تركته و اعتدّت زوجته.(1) و هو مذهب علمائنا في فسخ النكاح، و أمّا الميراث فالأقرب ما تقدّم، و إن كان الاحتياط في البضع أشدّ من المال لكن عارضه تضرّر المرأة بطول الغيبة.

و ميراث المفقود للأحياء من ورثته يوم قسمة ماله(2) لا من مات قبل ذلك و لو بيوم.

6389. العشرون:

لو كان أحد ورثة الميّت مفقودا أعطي كلّ واحد من الحاضرين اليقين و توقف الباقي حتّى يظهر أمر المفقود، أو تمضي مدّة الانتظار.

فتعمل المسألة على أنّه حيّ ، ثمّ على أنّه ميّت، و يضرب إحداهما في الأخرى إن تباينتا أو في وفقهما إن اتّفقتا، و تجتزئ بأحدهما إن تماثلتا، و بالأكثر إن تناسبتا،(3) و يعطى كلّ واحد أقلّ النّصيبين.

ص: 68


1- . الفقيه: 240/4 في ذيل الحديث 766.
2- . في «أ»: يوم قسم ماله.
3- . إنّ النسبة بين العددين لا تخلو من حالات أربع:

فلو خلّف أمّا و بنتا حاضرين و أبا غائبا فرض موته، فيكون للأمّ بالفرض و الرّد الربع و للبنت الباقي عنهما،(1) فاصل الفريضة أربعة، و فرض حياته، فيكون للبنت بالميراث و الردّ ثلاثة الأخماس و للأمّ خمس، و للأب آخر فيضرب خمسة في أربعة يصير عشرين فتأخذ البنت بأضرّ الأحوال اثني عشر سهما، و الأمّ كذلك أربعة أسهم، و توقف للأب أربعة.(2)

و لهم أن يصطلحوا على ما زاد عن نصيب المفقود فللأمّ أن تأخذ خمسة من السّتة عشر إن رضيت البنت، و للبنت أن تأخذ خمسة عشر من السّتة عشر إن رضيت الأمّ (3).

و لو كان الحاضر يرث حالة موت الغائب، كما لو خلّف زوجة و أخا و ولدا غائبا لم يعط شيئا، فيأخذ للزوجة الثمن و يوقف الباقي، فان استمرّ الاشتباه بعد

ص: 69


1- . في «ب»: «بهما» و الضمير راجع إلى الفرض و الردّ.
2- . قد مرّ أنّ نصيب البنت الواحدة مع أحد الأبوين (3/4) و معهما (3/5). فأصل الفريضة على الأوّل (4) و على الثاني (5)، فيضرب أحدهما في الاخر (4 * 5 20) و سهم البنت منها على الأوّل (20 * 153/4) و على الثاني (20 * 123/5) و سهم الأمّ على الأوّل (20 * 51/4) و على الثاني 20 * 41/5، فيعطى لكلّ منهما الأقل أي (12) للبنت و (4) للأمّ و الباقي (4) للأب المفقود.
3- . يعني تصطلح البنت و الأمّ على أن يوقف سهم الغائب (4) و تأخذ أحدهما من الباقي (16) سهمها على تقدير موت الغائب، فالأمّ تأخذ (5) و الباقي للبنت (11) أو بالعكس تأخذ البنت (15) و الباقي (1) للأمّ ، و سهم الغائب للّذي أخذ الأقلّ بعد العلم بموته.

المدّة أو عرف موته قبل موت الموروث سلّم الباقي إلى الأخ و إلاّ فلا.

و لو خلّفت زوجا و أختين لأب و أخا له غائبا، أعطي الزّوج النصف و الأختان الربع.

و لو كان الغائب حاجبا غير وارث، كما لو خلّف أبويه و أخويه غائبين ففي تعجيل الحجب نظر أقربه التعجيل، فيأخذ الأمّ السدس، و الأب الثلثين، و يؤخر السّدس للأمّ ، لكن هنا و إن حكمنا بالحجب لكن يحكم بموتهما في حقّ الأب فلا يتعجّل [له](1) السّدس المحجوب عن الأمّ ، و حينئذ يحكم في الأخوين بالحياة بالنظر إلى طرف الأمّ ، و بالموت بالنظر إلى طرف الأب.(2)

6390. الحادي و العشرون:

الحمل يرث بشرطين: انفصاله حيّا و إن سقط بجناية جان، و وجوده عند الموت؛ فلو خلا من أحدهما كان كالمعدوم من أصله.

و لو جاء لأكثر من أقصى مدّة الحمل من حين الموت لم يرث، و إن جاء لدون ستّة أشهر من حين الموت ورث.

و لو جاء لما بين المدّتين ورث أيضا، لأنّ النسب يثبت، و الميراث تابع إذا كانت خالية من مولى يطأها أو زوج، فإن كان لها مولى يطأها أو زوج لم يرث، إلاّ أن يقرّ الورثة إن كان موجودا حال الموت.

ص: 70


1- . ما بين المعقوفتين أخذناه من الجواهر: 69/39، نقلا عن المصنّف.
2- . أي نحكم بموت الأخوين بالنسبة إلى الأب، فلا يجوز له الأخذ زيادة على الثلثين، و نحكم بحياتهما في حقّ الأمّ ، فلا يجوز لها الزيادة عن السدس، فيبقى السدس إلى حين انكشاف حالهما.

و لا يشترط اتّصافه بالحياة وقت الموت، فلو مات الموروث و هو علقة أو نطفة ورث.

و يعلم حياته وقت سقوطه بأمرين: الاستهلال، و الحركة البيّنة، و لو اشتبهت الحركة لم يرث، لجواز استنادها إلى اختلاج(1) أو تقلّص(2) عصب و عضلة، أمّا لو قبض أصابعه و بسطها فهو دليل الحياة.

و لو خرج نصفه فصرخ ثمّ مات و انفصل، فالأقرب أنّه لا يرث، و لو ولدت توأمين فاستهلّ أحدهما و اشتبه، فإن كانا ذكرين أو أنثيين فلا بحث، و إن كانا ذكرا و أنثى، فالوجه القرعة.

6391. الثاني و العشرون:

يعزل للحمل نصيب ذكرين، لأنّ الغالب عدم الزائد، و كلّ من الذكورة و الأنوثة محتمل فقدّر أضرّ الأحوال. فلو خلّف معه أبوين و زوجة، فلكلّ من الأبوين السّدس، و للزوجة الثمن، فإن سقط ميّتا أكمل لكلّ منهم نصيبه.

و لو خلّف ابنا أعطي الثلث، و لو كانت بنتا فالخمس(3) و يتسلّط الحاضرون على ما سلّم إليهم.

و لو ادّعت المرأة الحمل حكم بقولها، و وقف النصيب، فإن ظهر كذبها سلّم إلى باقي الورثة.

ص: 71


1- . اختلج العضو: أي اضطرب و منه الاختلاج. مجمع البحرين.
2- . قلص و تقلّص بمعنى انزوى و انضمّ . مجمع البحرين.
3- . لو خلّف الميّت ابنا، فيقدّر للحمل سهم ابنين، و يقسّم المال أثلاثا، و لو خلّف بنتا، فحيث إنّ للذّكر ضعف الأنثى فالفريضة تكون من خمسة، و للبنت خمسها، و الباقي للحمل على فرض كونه ذكرين.
6392. الثالث و العشرون:

الحميل هو الّذي يجلب من بلاد الشرك و يسترقّ ، فإذا تعارف منهم اثنان أو جماعة بنسب يوجب الموارثة في شرع الإسلام، قبل قولهم في ذلك من غير بيّنة.

6393. الرابع و العشرون:

اللّقيط إن توالى إلى إنسان يضمن جريرته و حدثه، كان ميراثه له مع عدم النسب و ضمان جريرته عليه، و إن لم يتوال أحدا فميراثه للإمام و ليس لملتقطه شيء.

6394. الخامس و العشرون:

المشكوك فيه هو أن يطأ الرّجل امرأته أو جاريته، ثمّ يطأها غيره في تلك الحال، و تضع، قال الشيخ رحمه اللّه: لا ينبغي له أن يلحقه به لحوقا صحيحا، بل ينبغي أن ينفق عليه، فإذا حضرته الوفاة، عزل له شيئا من ماله، و لو مات الولد، لم يكن له شيء من تركته، و كانت لبيت المال، إن لم يخلف وارثا.(1)

و قال ابن إدريس: إنّ الولد لا حقّ بالأب و يتوارثان(2) و هو الحقّ .

و لو وطئ اثنان جارية مشتركة بينهما، فأتت بولد، أقرع بينهما، فمن خرج اسمه، لحق به الولد، و توارثا، و ضمن للباقين من الشركاء حصصهم، فإن وطئها نفسان في طهر واحد، بعد انتقالها من واحد منهما إلى الاخر، كان الولد لاحقا بمن عنده الجارية.

6395. السادس و العشرون:

الأسير الّذي مع الكفّار يرث إجماعا.

ص: 72


1- . النهاية: 681-682.
2- . السرائر: 285/3.

المقصد الخامس: في اللواحق و فيه فصول:

الفصل الأوّل: في ميراث الخنثى و المشكل أمره و فيه سبعة مباحث:

6396. الأوّل:

الخنثى من له فرج الرجال و النساء، و قد وقع الإجماع على أنّه يعتبر حاله بالمبال، فيورث من حيث يبول، فإن بال من فرج الرجال فهو رجل، و إن بال من فرج النساء فهو امرأة، فإن بال منهما، اعتبر بالسابق، فمن أيّهما سبق منه البول ورث عليه.

فإن اتّفقا اعتبر بالمتأخّر في الانقطاع، فمن أيّهما انقطع منه البول أخيرا ورث عليه.

فإن اتّفقا فهو المشكل، و قد اختلف علماؤنا فيه، فالذي اختاره المفيد(1)

ص: 73


1- . الإعلام (ضمن مصنّفات الشيخ المفيد): 62/9.

و المرتضى(1) رحمهما اللّه أنّه تعدّ أضلاعه، فإن اتّفق جنباه فهو أنثى، و إن اختلفتا فهو ذكر و ارتضاه ابن إدريس(2).

و قال الشيخ رحمه اللّه في أكثر كتبه يعطى نصف سهم ذكر و نصف سهم امرأة(3)و هو الأقوى عندي.

و للشيخ قول آخر، و هو الرّجوع إلى القرعة.(4)

6397. الثاني:

الخنثى إن انفرد فله المال، و إن شاركه من نوعه غيره، فعلى ما اخترناه، تكون التركة بينهم بالسّوية و إن كثروا، و على القولين الآخرين من عدّ الأضلاع و القرعة فكذلك إن تساووا في الذكوريّة و الأنوثيّة، و إلاّ فللذّكر ضعف الأنثى.

6398. الثالث:

اختلف الفقهاء القائلون بما اخترناه في كيفيّة توريثهم إذا اجتمعوا مع الذكور و الإناث أو مع أحدهما، فقال بعضهم: يجعل للأنثى سهمان و للخنثى ثلاثة و للذكر أربعة لأنّا نجعل للأنثى أقلّ عدد له نصف و هو اثنان، و للذّكر ضعف ذلك أربعة و للخنثى نصفهما.(5) و هو حسن.

و قال آخرون: يجعل مرّة ذكرا و مرّة أنثى، و تقسم التركة على هذا مرّة، و على هذا أخرى، ثمّ تضرب إحداهما في الأخرى إن تباينتا، و في

ص: 74


1- . الانتصار: 593-594، المسألة 325.
2- . السرائر: 280/3.
3- . النهاية: 677؛ المبسوط: 114/4.
4- . الخلاف: 106/4، المسألة 116 من كتاب الفرائض.
5- . ذهب إليه الشيخ في المبسوط: 115/4.

وفقهما إن اتّفقتا، و يجتزئ بإحداهما إن تماثلتا، أو بأكثرهما إن تناسبتا، و يضربهما في اثنين. ثمّ يجمع ما لكلّ واحد منهما إن تماثلتا، و يضرب ما لكلّ واحد من إحداهما في الأخرى إن تباينتا، أو في وفقهما إن اتّفقتا، فيدفعه إليه.(1)

و هذه القسمة توافق الأولى في بعض المواضع، و تخالفها في البعض، كما لو اجتمع الخنثى مع ذكر و أنثى، فعلى العمل الأوّل يصحّ من تسعة، للخنثى الثلث، ثلاثة.(2). نصيب البنت من الأربعين على فرض أنوثيّة الخنثى (40 ÷ 4 10) و على فرض الذكوريّة (40 ÷ 5 8)، و الحاصل (10 + 8 18) يعطى نصف النصيبين 18 ÷ 2 9.(3). نصيب الابن من الأربعين على فرض الأنوثيّة (40-104)، (10 * 2 20) و على فرض الذكوريّة (40 ÷ 5 8)، (8 * 2 16) و الحاصل 20 + 16 36، يعطى نصف النصيبين 36 ÷ 2 18.(4) و على الثاني مسألة الذكوريّة من خمسة و الأنوثيّة من أربعة، تضرب إحداهما في الأخرى، يبلغ عشرين، ثم يضرب اثنين في عشرين يبلغ أربعين، للبنت سهم في خمسة و سهم في أربعة، و ذلك تسعة(3)و للذكر سهمان في خمسة و سهمان في أربعة و ذلك ثمانية عشر،(4) و للخنثى سهم في خمسة و سهمان في أربعة و ذلك ثلاثة عشر سهما(5) و هي دون ثلث الأربعين.

ص: 75


1- . نسب في الجواهر هذا القول إلى جماعة و قال: «بل في محكيّ الإيضاح و تعليق الكركي على النافع و التنقيح انّه المشهور، و في المسالك انّه أظهر بينهم» جواهر الكلام: 287/39.
2- . يعني للخنثى ثلث التسعة أي
3- و للذّكر
4- و للأنثى (2).
5- . نصيب الخنثى من الأربعين على فرض الأنوثيّة (40 ÷ 4 10) و على فرض الذكوريّة 40 ÷ 5 8، (8 * 2 16) و الحاصل 16 + 10 26 يعطي نصف النصيبين 16 ÷ 2 13. فنصيبها 13/40 و هو أقلّ من ثلث الفريضة 1/3-40/12013/40-1/12039

و لو لم يكن في المسألة بنت فعلى الأوّل الفريضة من سبعة و على الثاني من اثني عشر، للذكر سبعة و للخنثى خمسة.(1)

و لو لم يكن في المسألة ذكر فعلى الأوّل الفريضة من خمسة و على الثاني من اثني عشر، للخنثى سبعة و للأنثى خمسة.

6399. الرابع:

لو اجتمع مع الزوج أو الزوجة، ضربت على الأوّل مخرج فرض أحد الزّوجين في نصيبه، و يقسم المجتمع عليهما، فلو ترك ابنا و بنتا و خنثى و زوجة، ضربت ثمانية في تسعة يبلغ اثنين و سبعين، للزوجة تسعة، و ذلك واحد في تسعة، و للذكر ثمانية و عشرون، حصلت من ضرب أربعة في سبعة، و للخنثى أحد و عشرون [حصلت] من [ضرب] ثلاثة في سبعة، و للأنثى أربعة عشر، حصلت من ضرب اثنين في سبعة(2).

ص: 76


1- . فعلى الأوّل للذكر (4) و للخنثى (3)، فالفريضة من (7). و على الثاني، على فرض الذكوريّة الفريضة من (2) و على فرض الأنوثيّة من (3) و العددان متباينان فيضرب أحدهما في الاخر 2 * 3 6 و يضرب الحاصل في (2)، 6 * 2 12. نصيب الخنثى على فرض الذكوريّة 12 ÷ 2 6 و على فرض الأنوثيّة 12 ÷ 3 4 و الحاصل 6 + 4 10 يعطى نصف النصيبين 10 ÷ 2 5. و نصيب الذكر على فرض الذكوريّة 12 ÷ 2 6 و على فرض الأنوثيّة 12 ÷ 3 4، 4 * 2 8 و الحاصل 6 + 8 14 يعطى نصف النصيبين 14 ÷ 2 7.
2- . صورة المسألة هكذا: على القول الأوّل للابن 4/9 و للأنثى 2/9 و للخنثى 3/9، فالمسألة من تسعة، و للزوجة ثمن (1/8) التركة و بين (9) و (8) مباينة فيضرب أحدهما في الاخر 9 * 8 72 نصيب الزوجة ثمنها 72 ÷ 910/80 و الباقي (72-639) يقسّم بين الورثة على حسب سهامهم. فلابن 4/9 * 63 28 و للأنثى 2/9 * 63 14 و للخنثى 3/9 * 63 21، و يمكن تحصيل نصيب الورثة بضرب عدد كلّ منهم في السبعة أيضا، فنصيب الابن 4 * 7 28، و نصيب الأنثى 2 * 7 14، و نصيب الخنثى 3 * 7 21.

و على الثاني صحّحت مسألة الخناثى، ثمّ ضربت مخرج نصيب أحد الزوجين في المسألة، فلو وجد ابن و بنت و خنثى مع زوج، ضربت أربعة في أربعين يصير مائة و ستّين، فللزوج أربعون، و للأنثى سبعة و عشرون، و للذكر أربعة و خمسون، و للخنثى تسعة و ثلاثون.(1)

و لو اجتمع أبوان و خنثى فعلى تقدير الذكوريّة، الفريضة من ستّة، و على تقدير الأنوثية، من خمسة تضرب إحداهما في الأخرى تصير ثلاثين، للخنثى تسعة عشر، و للأبوين أحد عشر.(2)

ص: 77


1- . و لو كان بدل الزوجة الزوج، فحيث إنّ نصيبه من التركة الربع فيضرب العدد في الأربع، فعلى الأوّل، 9 * 4 36، سهم الزوج 36 ÷ 910/40 و الباقي 36-279 يقسم على حسب سهامهم، فللابن 27 * 124/9 و للبنت 27 * 62/9، و للخنثى 27 * 93/9 و على الثاني 40 * 4 160 سهم الزوج 160 ÷ 4010/40، و الباقي 160 - 40 120 يقسم على حسب سهامهم، فللابن 120 * 5418/40، و للبنت 120 * 279/40، و للخنثى 120 * 3913/40.
2- . إنّ نصيب الأبوين على فرض الذكوريّة سدسان (2/6) و الباقي للخنثى (4/6) و على فرض الأنوثيّة خمسان (2/5) و الباقي للخنثى (3/5)، لأنّه قد مرّ في إرث الأولاد و الأبوين، أنّ للأبوين 2/6، و للبنت 1/2، و الباقي (1/6) يردّ عليهم على نسبة سهامهم فراجع ص 13 ثم إنّ المخرجين متباينان، فيضرب أحدهما في الاخر (5 * 6 30). فنصيب الخنثى على فرض الذكوريّة 30 * 204/6 و على فرض الأنوثية 30 * 183/5 و الحاصل 20 + 18 38 فيعطى نصف النصيبين 38 ÷ 2 19. و الباقي للأبوين 30-1119

و لو كان معها احدهما ضربت أربعة في ستّة، فلها نصف سهم الذكر عشرة، و نصف سهم الأنثى تسعة، و للأب خمسة.(1)

و لو كان مع الأبوين خنثيان فما زاد، فللأبوين السدسان و الباقي للخنثيين.(2)

و لو كان معهما أحد الأبوين، ضربت خمسة في ستّة، و اثنين في ثلاثين، فللخناثى تسعة و أربعون، و للأب أحد عشر.(3)

و لو كان مع أحد الأبوين خنثى و أنثى، فعلى الأول يصحّ نصيب الأمّ (4)بضرب خمسة في ستّة يصير ثلاثين، ثم اثنين في ثلاثين لسقوط نصف الردّ، ثمّ

ص: 78


1- . المسألة على فرض الذكوريّة من ستّة، لأنّ سهم أحد الأبوين (1/6) و الباقي للخنثى (5/6)، و على فرض الأنوثيّة من أربعة، لأنّ سهم أحد الأبوين (1/6) و الخنثى (1/2) و الباقي يردّ عليهما بنسبة السهام، و قد مرّ في إرث الأولاد و الأبوين، أنّ الحاصل، سهم أحدهما (1/4) و البنت (3/4)، فيضرب أحدهما في الاخر (6 * 4 24). سهم الخنثى على تقدير الذكوريّة (24 * 205/6) و على تقدير الأنوثيّة (24 * 183/4) و الحاصل (20 + 18 38) يعطى نصف النصيبين (38 ÷ 2 19) و الباقي لأحدهما (24-19 5).
2- . لأنّه لو كانتا ذكرين فلهما ما زاد على السدسين، و إن كانتا أنثيين فلهما الثلثان.
3- . إنّ سهم أحد الأبوين على فرض الذكورية (1/6) و الباقي للخنثيين (5/6)، و على فرض الأنوثيّة أنّ لأحدهما (1/6) و لهما (4/6) و الباقي يردّ عليهما على نسبة سهامهم، فيصير سهم أحدهما (1/5) و سهمهما (4/5)، فالمسألة على الذكوريّة من ستّة و على الأنوثية من خمسة، يضرب أحدهما في الاخر (5 * 6 30) ثمّ المجتمع في (2)، (30 * 2 60)، سهم الخناثى على الذكوريّة 60 * 505/6، و على الأنوثيّة 60 * 484/5، يعطى نصف المجموع 50 + 48 98 ÷ 2 49 و الباقي 60-1149 لأحدهما.
4- . هكذا في النسختين، و الصحيح «أحدهما».

يضرب خمسة سهام الخنثى و الأنثى في ستّين، فللأب(1) خمسة و خمسون، و للأنثى ثمانية و تسعون، و الباقي للخنثى.(2)

و على الثاني تضرب خمسة على تقدير الأنوثيّة في ستّة، ثمّ اثنين في المجتمع، لسقوط نصف ردّ الأب، و لا يحصل في المجتمع الثلث، فيضرب ثلاثة في ستّين يبلغ مائة و ثمانين، للأب بالفرض و نصف الردّ ثلاث و ثلاثون، و للخنثى ستّة و ثمانون، و للأنثى أحد و ستّون.(3)

ص: 79


1- . هكذا في النسختين و الصحيح «أحدهما» حفظا لانسجام العبارة.
2- . اعلم أنّ نصيب أحد الأبوين (1/6) من الفريضة لو لم يردّ عليه شيء، و نصيب البنتين (2/3) من الفريضة، فعدد الفريضة (6). فعلى تقدير كون الوارث أحدهما مع البنتين يصير حاصل سهامهم 1/6 + 1/62/3 + 4 5/6 و الباقي يردّ على نسبة سهامهم أي (5)، و حيث إنّ العددين (5 و 6) متباينان، فلتصحيح الفريضة يضرب أحدهما في الاخر (6 * 5 30) فيردّ على أحدهما (1/30) و على البنتين (4/30) و الفريضة من (30) و لمّا كان أحد الورثة خنثى و لها نصف نصيب الأنثى و الذكر، فيسقط نصف الردّ و يبقى نصفه الاخر 1/30 ÷ 2 1/60 فلا بدّ لتصحيح الفريضة ارتقائها إلى (60). ثم يضرب في مسألة الأنثى و الخنثى 60 * 5 300، نصيب أحدهما بالفرض 300 * 501/6 و بالردّ 300 * 51/60 و المجموع 50 + 5 55، و الباقي 300-24555 يقسّم بين الأنثى و الخنثى أخماسا، للأنثى سهمان و للخنثى ثلاثة سهام، 245 ÷ 5 49، 49 * 2 98 سهم الأنثى، 49 * 3 147 سهم الخنثى.
3- . إنّ نصيب أحدهما على فرض الأنوثيّة مع الردّ (1/5) من الفريضة، فيكون العدد خمسا، و على فرض الذكوريّة نصيبه (1/6) فالفريضة من ستّة، و بين العددين (5 و 6) التباين فلا بدّ من ضربهما 6 * 5 30. و قد مرّ في الحاشية السّابقة سقوط نصف الردّ بتوضيح منّا، فلا بدّ من ارتقاء الفريضة من ثلاثين إلى ستّين لتصحيح الفريضة. و حيث إنّ سهم الخنثى على فرض ذكوريّتها و ضعف الأنثى فما يبقى بعد نصيب أحد الأبوين يقسّم بينهما أثلاثا، فنضرب الستين في ثلاثة لتصحيح نصيبهم 60 * 3 180. نصيب أحدهما بالفرض 180 * 301/6 و بالردّ 180 * 31/60 و الحاصل 30 + 3 33.
6400. الخامس:

لو كان الإخوة أو الأعمام خناثى، عمل فيهم كما ذكر في الأولاد، فلو خلّف أخا ذكرا و أختا و ولد أب خنثى، فعلى تقدير الذكوريّة، الفريضة من خمسة، و على تقدير الأنوثيّة، الفريضة من أربعة فتضرب إحداهما في الأخرى، ثم اثنين في المجتمع، و يعمل كما تقدّم في الأولاد.(1)

و لو كانت الإخوة من قبل الأمّ لم يحتج إلى حساب، لتساوي الذكور و الإناث، و كذا الأخوال.

و أمّا كون الخنثى(2) أبا أو جدّا ففيه بعد، إذ الولادة تظهر أمره إلاّ أن ينظر إلى ما روي عن شريح في امرأة أولدت و ولدت.(3)

ص: 80


1- . صورة المسألة هكذا، أخ و أخت و خنثى، فعلى فرض الذكوريّة فالفريضة من (5) و على فرض الأنوثيّة من (4). و العددان متباينان (4 * 5 20) يضرب في الاثنين مسألة الخنثى 20 * 2 40. للخنثى على فرض الذكوريّة 40 * 162/5 و على فرض الأنوثيّة 40 * 101/4، يعطى نصفهما (16 + 10) * 131/2. للأخ على فرض الذكورية 40 * 162/5، و على فرض الأنوثية 40 * 202/4، يعطى نصفهما (16 + 20) * 181/2. و للأخت على فرض الذكورية 40 * 81/5 و على فرض الأنوثية 40 * 101/4، يعطى نصفهما (10 + 8) * 91/2.
2- . في «أ»: «الأنثى» و الصحيح ما في المتن. قال المحقق في الشرائع: 47/4: و في كون الاباء أو الأجداد خناثى بعد، لأنّ الولادة تكشف عن حال الخنثى.
3- . الوسائل: 575/17، الباب 2 من أبواب ميراث الخنثى، الحديث 3.

قال الشيخ رحمه اللّه: و لو كان الخنثى زوجا أو زوجة فله نصف ميراث الزّوج و نصف ميراث الزوجة(1).

6401. السادس:

من فقد الفرجين - كما نقل عن شخص وجد ليس له في قبله إلاّ لحمة ناتئة كالرّبوة يرشح البول منها رشحا، و ليس له قبل، و عن آخر ليس له إلاّ مخرج واحد بين المخرجين، منه يتغوّط، و منه يبول، و عن آخر ليس له مخرج لا قبل، و لا دبر و إنّما يتقايأ ما يأكله و [ما] يشربه - فإنّه يرث بالقرعة، بأن تكتب على سهم عبد اللّه، و على سهم آخر أمة اللّه، و تمزجهما بالرقاع المبهمة، و تسترها عن نظرك و تدعو اللّه تعالى فتقول:

اللّهم أنت اللّه لا إله إلاّ أنت عالم الغيب و الشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، بيّن لنا أمر هذا المولود حتّى يورث ما فرضت له في كتابك.(2)

ثمّ تخرج سهما، فتعمل على ما خرج.

6402. السابع:

من له رأسان و بدنان على حقو واحد، يوقظ أحدهما بعد نومه، فإن انتبها معا فهما واحد، و ان انتبه أحدهما خاصّة فهما اثنان، يرث نصيب شخصين.

ص: 81


1- . المبسوط: 117/4.
2- . لاحظ الوسائل: 580/17، الباب 4 من أبواب ميراث الخنثى، الحديث 2.

الفصل الثاني: في ميراث الغرقى و المهدوم عليهم و فيه ستّة مباحث:

6403. الأوّل:

إذا غرق اثنان فما زاد، توارثوا بشروط أربعة:

أن يكون لهم أو لأحدهم مال، فإنّ التوارث إنّما يكون في المال.

و أن يكونوا ممّن يتوارثون، بأن يرث كلّ منهم من صاحبه، فلو لم تكن بينهم موارثة، أو كان أحدهم يرث صاحبه دون العكس، لم يتوارثوا، كأخوين غرقا و لهما أولاد أو لأحدهما خاصّة.

و أن يشتبه الحال في تقدّم موت بعضهم على بعض، فلو علم السّبق لأحدهما بعينه ورثه الاخر، و لو علم الاقتران بطل هذا الحكم أيضا، و ورث كلّ واحد منهم ورثة الأحياء دون صاحبه.

و أن يحصل الموت بسبب الغرق أو الهدم، فلو ماتا حتف أنفهما فلا توارث و إن اشتبه المتقدّم، بل يرث كلّ واحد منهم وارثه الحيّ .

و هل يثبت هذا الحكم مع حصول الموت بسبب غير الغرق و الهدم مما يحصل معه الاشتباه كالقتل و الإحراق ؟ فيه نظر أقربه السقوط، لأنّ شرط التوريث حياة الوارث بعد مورّثه، و هو غير معلوم، فلا يثبت التوريث مع الشكّ في شرطه، و لأنّ توريث كلّ واحد منهما خطأ قطعا، لأنّ الحال لا يخلو من السبق و التقارن، و توريث السابق و المقارن خطأ، و إنّما صرنا إلى

ص: 82

ذلك في الغرقى و المهدوم عليهم للإجماع المستند إلى النقل.(1)

6404. الثاني:

إذا حصلت الشرائط ورث بعضهم من بعض من تلاد ماله دون طارفه(2) و هو ما ورثه من ميّت معه على الأصحّ .

و قال المفيد رحمه اللّه: يرث ممّا ورث منه أيضا.(3) و ليس بمعتمد، و إلاّ لزم التسلسل و التوريث لمن فرض حيّا بعد موته، و لأنّه روي أنّه لو كان لأحدهما مال انتقل إلى من لا مال له.(4)

6405. الثالث:

اختلف علماؤنا في تقديم الأقلّ نصيبا في التوريث، فأوجبه المفيد رحمه اللّه.(5) و هو جيّد على أصله.

و للشيخ رحمه اللّه قولان: أحدهما الوجوب تعبّدا،(6) إذ الفائدة إنّما تظهر على قول المفيد. و الاخر الاستحباب(7). و هو الأقوى.

فلو غرق أب و ابن، فرض موت الابن أوّلا، فيأخذ الأب نصيبه من التركة، و ينتقل عنه إلى ورثته الأحياء، ثمّ يفرض موت الأب، فيورث الابن نصيبه منه، و ينتقل عنه إلى ورثته الأحياء، و لا يرث كلّ واحد ممّا ورث من الاخر، و كذا البحث في الزوج و الزوجة.

6406. الرابع:

لو غرق اثنان يتوارثان و كلّ واحد منهما أولى من ورثة الاخر

ص: 83


1- . لاحظ الوسائل: 589/17، أبواب ميراث الغرقى.
2- . الطارف و الطريف من المال: المستحدث و هو خلاف التالد و التليد. مجمع البحرين.
3- . المقنعة: 699.
4- . الوسائل: 590/17، الباب 2 من أبواب ميراث الغرقى، الحديث 1 و 2.
5- . المقنعة: 699.
6- . المبسوط: 118/4.
7- . الإيجاز (المطبوع ضمن الرسائل العشر): 276.

الأحياء، انتقل مال كلّ واحد منهما إلى الاخر، ثمّ من الاخر إلى ورثته.

فلو غرق أب و ابن، و للأب إخوة و للابن إخوة من الأمّ ، انتقل مال الأب إلى الابن، ثمّ من الابن إلى إخوة الابن، و انتقل مال الابن إلى الأب ثمّ من الأب إلى إخوة الأب.

و لو كان لكلّ واحد منهما أو لأحدهما شريك في الميراث، ورث هو و الشريك، كما لو كان للأب أولاد أحياء، و للابن أولاد أيضا، ورث الأب من تركة الابن السّدس، و الباقي لأولاد الابن الأحياء، و ورث الولد من تركة الأب نصيبه، و كان الباقي لأولاد الوالد، و ينتقل ما ورثه كلّ واحد منهما من صاحبه إلى ورثته الأحياء دون الميت.

6407. الخامس:

لو غرق أخوان من درجة واحدة لم يتقدّم أحدهما على الاخر، لتساويهما في الاستحقاق، و انتقل مال كلّ واحد منهما إلى الاخر، ثمّ منه إلى ورثته.

و لو لم يكن لهما وارث انتقل مال كلّ واحد منهما إلى صاحبه، و منه إلى الإمام.

و لو كان لأحدهما وارث انتقل مال الاخر إليه، ثم منه إلى ورثته، و ماله إلى الاخر، ثمّ منه إلى الإمام.

و لو كان لأحدهما مال، و ليس للآخر شيء، انتقل مال ذي المال إلى الاخر، و منه إلى ورثته، و لا شيء لورثة ذي المال.

6408. السادس:

لو غرق أزيد من اثنين، و كانوا يتوارثون، كان الحكم كما تقدّم في الاثنين، بأن يفرض موت أحدهم أوّلا فيرثه الأموات الباقون

ص: 84

و الأحياء، فيأخذ الأحياء نصيبهم، و أمّا نصيب الأموات فيقسّم على ورثتهم الأحياء دون الأموات.

فلو غرق إخوة ثلاثة لأب، و لكلّ واحد منهم أخ لأمّ ، فرض موت أحدهم أوّلا فتقسّم تركته على اثني عشر، للأخ من الأمّ سهمان، و لكلّ ميّت خمسة ينتقل منه إلى أخيه لأمّه، و كذلك يفرض في الأخوين الباقيين فيكون لكلّ أخ من الأمّ سهمان من اثني عشر من تركة أخيه، و خمسة من تركة كلّ واحد من الأخوين الباقيين، فيكمل لكلّ أخ(1) اثنا عشر سهما(2).

و لو غرق الزوج و الزوجة و ابنهما و بنتاهما، و خلّف الرجل أخا و المرأة أبا و الابن زوجة و إحدى البنتين زوجا، فيفرض موت الرّجل، و أصل تركته اثنان و ثلاثون، أربعة للزوجة ينتقل إلى أبيها، و أربعة عشر للابن لا ينقسم على ورثته، فتضرب وفق الأربعة مع نصيبه و هو اثنان في الفريضة تبلغ أربعة و ستّين، للزوجة ثمانية ينتقل إلى أبيها، و للابن ثمانية و عشرون منها سبعة لزوجته، و الباقي إلى جدّه، و للبنت ذات الزوج أربعة عشر، للزوج منها سبعة، و الباقي للجدّ، و للأخرى أربعة عشر لجدّها.(3)

ص: 85


1- . في «ب»: فيكمل لكل واحد.
2- . وارث كل واحد من الاخوة: أخ للأمّ و أخوان للأب فسهم الأوّل (1/6) و الباقي (5/6) للأخوين و حيث لا يقسّم بينهما بلا كسر فيرتقى عدد الفريضة (6) درجتين 2 * 6 12، سهمان منها (2/12) للأخ للأمّ و الباقي (10/12) للأخوين للأب لكل واحد منهما (5/12). ثم سهم كلّ أخ لأب من أخويه للأب (2 * 5/12)10/12 ينتقل إلى أخيه من أمّه، فكل أخ للأمّ يرث أوّلا (2/12) من صلب مال أخيه، ثمّ يرث سهم أخيه من أخويه من الأب (5/12 و 5/12)، فالمجموع 2/12 + 5 + 5 12/12.
3- . وارث الرجل: زوجته و ابنه و بنتاه، فللزوجة (1/8) و الباقي (7/8) يقسّم بين الابن و البنتين أرباعا،

ثمّ يفرض موت الزوجة و أصل تركتها ثمانية و أربعون، ثمانية لأبيها، و اثنا عشر لزوجها، و أربعة عشر لابنها، و ليس لها ربع، فيضرب اثنين في أصل الفريضة يصير ستّة و تسعين، ستّة عشر لأبيها، و أربعة و عشرون لزوجها، و ينتقل إلى أخيه، و ثمانية و عشرون لابنها تأخذ زوجته منها سبعة، و للجدّ الباقي. و أربعة عشر للبنت ذات الزوج ينتقل منها سبعة إلى زوجها، و الباقي إلى جدّها، و أربعة عشر للبنت الأخرى، و ينتقل إلى جدّها.(1)

ص: 86


1- . وارث المرأة زوجها و أبيها و ابنها و بنتاها. فللزوج (1/4) و للأب (1/6) و الباقي يقسّم بين الأولاد أرباعا، و حيث إنّ بين (4 و 6) التوافق بالنصف فيضرب وفق أحدهما في الاخر 2 * 6 12. و حيث إنّ سهم الأولاد يعني (7) من (12) لا ينقسم عليهم صحيحا فتضرب الفريضة (12) في عددهم (4)، 12 * 4 48 فتصير فريضة المرأة (48)، ربعها للزوج (48 * 121/4)، سدسها للأب (48 * 81/6) و الباقي (28) للأولاد، فللابن (14) و لكلّ بنت (7). ثمّ إن وارث الابن زوجته و سهمها الربع و الباقي لأبيه، فلا ينقسم سهم الابن على زوجته، فحيث إنّ بين العددين (4 و 14) التوافق بالنصف فيضرب نصف عددها في أصل الفريضة، 48 * 2 96. فيرتقي سهم الأب من (8) إلى (16) و سهم الزوج من (12) إلى (24)، ينتقل إلى أخيه. و سهم

ثمّ يفرض موت الابن، فأصل تركته اثنا عشر، ثلاثة لزوجته، و أربعة لأمّه و ينتقل إلى أبيها، و خمسة لأبيه و ينتقل إلى أخيه.(1)

ثمّ يفرض موت البنت ذات الزوج، فلزوجها ثلاثة من ستّة، و لأمّها اثنان ينتقل إلى أبيها، و سهم لأبيها ينتقل إلى أخيه.(2)

ثمّ يفرض موت البنت الأخرى فلأمّها الثلث، و ينتقل إلى أبيها، و للأب الثلثان، و ينتقل إلى أخيه.

الفصل الثالث: في ميراث المجوس

اختلف علماؤنا في توريث المجوس على أقوال ثلاثة، فالمشهور توريثهم بالسبب الصّحيح و الفاسد و النسب كذلك.

و قال المفيد رحمه اللّه: يورثون بالأسباب الصحيحة دون الفاسدة، و الأنساب

ص: 87


1- . وارث الابن أبوه و أمّه و زوجته، سهم الأمّ الثلث، و سهم الزوجة الربع، و العددان متباينان فيضرب أحدهما في الاخر (3 * 4 12). للزوجة 12 * 31/4. للأمّ 12 * 41/3 ينتقل إلى أبيها. للأب الباقي (5) ينتقل إلى أخيه.
2- . إن كان وارث البنت زوجها و والديها، فللزوج النصف و للأمّ الثلث و الباقي لأبيها، و بين العددين (2 و 3) التباين يضرب أحدهما في الاخر تصير الفريضة (6)، للزوج 6 * 31/2، و للأمّ 6 * 21/3 ينتقل إلى أبيها، و الباقي (1) للأب ينتقل إلى أخيه.

الصحيحة، و الفاسدة(1) و هو اختيار الفضل بن شاذان(2) من المتقدّمين و ابن إدريس(3) من المتأخرين.

و حكي عن يونس بن عبد الرّحمن أنّهم يورثون بالأنساب الصحيحة دون الفاسدة و الأسباب الصحيحة دون الفاسدة.(4)

و نعني بالسبب الفاسد ما يحصل عن نكاح محرّم في شرعنا سائغ في اعتقادهم، كما لو نكح أمّه أو أخته فأولدها، فالنسب و السبب فاسدان، و قول المفيد رحمه اللّه لا بأس به.

و على قول الشيخ رحمه اللّه(5) لو اجتمع الأمران لواحد ورث بهما كأمّ هي زوجة، أو بنت هي زوجة، لها نصيب الزوجيّة و البنتيّة أو الأمومة، فان لم يكن سواها ردّ عليها الباقي بالنسب دون السبب، و إلاّ أخذ المشارك نصيبه، فلو كانت الأخت زوجة و لا ولد، فلها الربع بالزوجيّة و النصف بالأخوّة، و الباقي ردّ عليها بالأخوّة.

و لو كان أحد الأمرين يمنع الاخر ورث من جهة المانع كأخت هي بنت

ص: 88


1- . المقنعة: 699-700، على ما في نسخة منها، لاحظ الهامش (6) هناك، و نقله عنه المحقّق في الشرائع: 52/4، و لاحظ الجواهر: 322/39.
2- . نقله عنه الكليني في الكافي: 145/7 ذيل الحديث 2، و المحقق في الشرائع: 52/4.
3- . صريح السرائر انّهم يورثون بالأنساب و الأسباب الصحيحة الّتي تجوز في شرع الإسلام، و لا يورثون بما لا يجوز فيه على كلّ حال، فالقول بأنّ ما قاله المفيد - على ما نقله المصنّف عنه - هو خيرة ابن إدريس لا ينطبق على ما اختاره في السرائر، لاحظ السرائر: 287/3-288.
4- . نقله عنه الكليني في الكافي: 145/7 ذيل الحديث 2.
5- . قال الشيخ في النهاية 683: و قال قوم: إنّهم يورثون من الجهتين معا سواء كان ممّا يجوز في شريعة الإسلام أو لا يجوز، هذا القول عندي هو المعتمد عليه.

ورثت من جهة البنتيّة دون الأخوّة، و كذا بنت هي بنت بنت، ترث من جهة البنت، و كذا عمّة هي أخت من أب، لها المال بالأخوّة، و كذا عمّة هي بنت عمّة، لها نصيب العمّة، و كذا أخت هي أمّ ترث من جهة الأمومة.

و لو خلّف جدّة لأمّ هي أخت لأب ورثت نصيبهما معا، و كذا أخت لأمّ و هي جدة لأب.

و لو تزوّج بنته فأولدها بنتا ثمّ مات، فلها(1) الثلثان، و للزوجة الثمن، و الباقي ردّ عليها(2).

أمّا المسلم فلا يرث بالسبب الفاسد، فلو تزوّج من يحرم عليه نكاحها لم يتوارثا، سواء كان التحريم مجتمعا(3) عليه كأمّ الرضاع، أو مختلفا فيه كأمّ المزنيّ بها، أو بنت المزني بها، و سواء كان الزوج معتقدا للتحليل أو التحريم.

و يرث [المسلم] بالنسب الصحيح و الفاسد مع الشبهة، فإنّ الشبهة كالعقد الصحيح في التحاق النسب، فلو وطئ مسلم بعض محارمه بشبهة أو اشتراها و لمّا يعلم فوطئها فولدت له و اتّفق لها مثل أنساب المجوس، فالحكم فيه مثل ما تقدّم.

و غير المجوس من الكفّار إذا تحاكموا إلينا ورّثناهم على كتاب اللّه تعالى و سنّة نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالأنساب و الأسباب الصحيحين دون الفاسدين.

ص: 89


1- . في «أ»: «فلهما» و الصحيح ما في المتن.
2- . في «أ»: «عليهما» و الصحيح ما في المتن.
3- . في «ب»: مجمعا.

الفصل الرابع: في حساب الفرائض و فيه ثلاثة مباحث:

6409. الأوّل:

العددان إمّا متساويان أو مختلفان.

و المختلفان إمّا متداخلان، و هما اللّذان يكون أحدهما جزءا من الاخر، و لا يزيد على نصفه كالخمسة و العشرة، و الخمسة و العشرين، و يسمّيان أيضا المتناسبين.

و إمّا متوافقان، و هما اللّذان لا يعدّ أحدهما الاخر بل يعدّهما معا عدد ثالث أكثر من واحد، و هما المتشاركان، و ذلك العدد الثالث هو مخرج الكثير المشترك فيه، كالستّة و العشرة، فإنّ الاثنين يقسّمهما جميعا، فهما متوافقان بالنصف، و كالتّسعة مع خمسة عشر، فإنّ الثلاثة يقسّمهما معا، فهما متوافقان بالثلث.

و طريق معرفة ذلك أن تنقص ذلك الأقلّ من الأكثر فيبقى أكثر من الواحد، فلو أسقطت التسعة من خمسة عشر بقي ستّة، فإذا أسقطت الستة من التسعة بقي ثلاثة، فإذا أسقطت الثلاثة من السّتة مرّتين فنيت.

و لو فضل بعد الإسقاط اثنان فالموافقة بالنصف كالعشرة و الاثني عشر، و لو بقي أربعة فالموافقة بالرّبع،(1) و هكذا إلى العشرة، و لو بقي أحد عشر فالموافقة بالجزء منهما.(2)

ص: 90


1- . نحو (8 و 12) و (12 و 16).
2- . نحو (22 و 33) فإنّهما متوافقان ب (1/11) و (26 و 39) فإنّهما متوافقان ب (1/13).

و أمّا متباينان و هما اللّذان إذا أسقط أقلّهما من الأكثر مرّة أو مرارا بقي واحد كثلاثة عشر مع عشرين إذا أسقطت منها بقي سبعة، فإذا أسقطت سبعة من ثلاثة عشر بقي ستّة، فإذا أسقطت ستّة من سبعة بقي واحد.(1) و كثلاثة عشر مع ثلاثين إذا أسقطت منها مرّتين بقي أربعة، فإذا أسقطت ثلاثة عشر ثلاثة مرّات بقي واحد، فإذا أسقطت الأربعة أربع مرات فني بها.(2)

6411. الثاني:

الفريضة قد تكون وفق السهام، و قد تزيد، و قد تقصر.

و في الزيادة يردّ على ذوي السهام سوى الزّوج و الزوجة و الأمّ مع الإخوة و ذوي السّبب الوحد مع ذوي السببين، فلو خلّف أبوين و بنتا، فللأبوين السدسان، و للبنت النصف، و الباقي يردّ أخماسا، و مع الحاجب أرباعا فتضرب مخرج الرّد في أصل الفريضة و تنقسم التركة من المجتمع.(3)

ص: 91


1- . 20-713، 13-67، 7-16.
2- . 30-1713، 17-413، 13-94، 9-54، 5-14، 4-31، 3-21، 2 - 1 1، 1-01
3- . صورة المسألة هكذا: للأب 1/6، للأمّ 1/6، للبنت 1/2 فالمجتمع 1/6 + 1/6 + 1/61/2 + 1 + 3 5/6 و الباقي (1/6) يقسّم بينهم على نسبة سهامهم، و حيث إنّ الواحد لا ينقسم على الخمسة، فيضرب (5) في (6) تصير الفريضة من (30) للأب 5/30 بالفرض و 1/30 بالرّد، و للأمّ هكذا، و للبنت 15/30 بالفرض و 3/30 بالرّد. و لو كان للأمّ حاجبا فالباقي يقسّم بين الأب و البنت على نسبة سهامهما، و حيث إنّ الواحد لا ينقسم على الأربعة فيضرب (4) في (6) تصير الفريضة من (24) للأب (4/24) بالفرض و (1/24) بالرّد، و للأمّ (4/24)، و للبنت (12/24) بالفرض و (3/24) بالرّد.

و لو وجد واحد من كلالة الأمّ مع أخت من الأب، فالرّد أرباعا(1). القول الاخر للشيخ الطوسي قدّس سرّه في النهاية: 638، ذهب إلى أنّه لا ردّ على كلالة الأمّ ، و هو خيرة المصنّف أيضا فيما مرّ راجع البحث الثاني من المطلب الثالث في ميراث الإخوة و الأجداد.(2). فرض الزوجة 1/8، و فرض الأبوين 2/6، و المجتمع 1/8 + 3/242/6 + 8 11/24 و الباقي 13/24 سهم البنتين فصاعدا يقصر عن فرضهنّ 2/3-16/2413/24-3/2413.(3) على أقوى القولين.(2)

و لو قصرت الفريضة فلا عول، و إنّما يقصر بدخول الزّوج و الزوجة، كما لو خلّفت أبوين و زوجا و بنتا، فللزوج الربع، و للأبوين السدسان، و يدخل النقص على البنت، فتأخذ الباقي، و كذا لو كان بدل البنت ابنتين فصاعدا كان النقص داخلا عليهنّ خاصّة.(4)

و كذا لو خلّف زوجة و أبوين و بنتين فصاعدا، فللأبوين السّدسان، و للزوجة الثمن. و النقص داخل على البنتين.(4)

و لو خلّف أخوين لأمّ و أختين فصاعدا لأب و زوجة، فللزّوجة الربع، و للأخوين الثلث، و الباقي للأختين من قبل الأب أو من قبل الأب

ص: 92


1- . فرض الأخت الواحدة 1/2 و واحد من الكلالة 1/6 فالفريضة من (6) فالمجتمع 1/2 + 3/61/6 + 1 4/6 و الباقي يقسّم بينهما على نسبة سهامهم، و حيث إنّ
2- لا يقسّم على
3- فلا بدّ من ضرب (4) في أصل الفريضة (6)، فتصير الفريضة من (24)، للأخت (12/24) بالفرض و (6/24) بالرّد، و لواحد من كلالة الأمّ 4/24 بالفرض و 2/24 بالرّد.
4- . فرض الزوج (1/4)، و فرض الأبوين (2/6)، و المجتمع 1/4 + 3/122/6 + 4 7/12، و الباقي 5/12 سهم البنت و هو يقصر عن النصف الّذي فرضها بمقدار (1/12).

و الأمّ يدخل النقص عليهنّ دون من يتقرّب بالأمّ خاصّة.(1)

و لو خلّفت زوجا و أختا لأب أو لأب و أمّ فصاعدا و أخوين فصاعدا من الأمّ ، فللزوج النصف، و للأخوين فصاعدا من الأمّ الثلث، و للواحد السدس، و الباقي للمتقرّب بالأب أو بالأبوين يدخل النقص عليهنّ دون المتقرب بالأمّ خاصّة.(2)

6412. الثالث:

إن انقسمت الفريضة من غير كسر فلا بحث، كأخت مع زوج، الفريضة من اثنين،(3) و كأبوين و بنتين الفريضة من ستّة.(4)

و إن انكسرت فإمّا على فريق واحد أو أكثر:

فالأوّل إن لم يكن بين نصيبهم من التركة و عددهم وفق ضربت عدد رءوسهم في أصل المسألة، فما بلغ صحّت منه المسألة، كأبوين و ثلاث بنات، أصل الفريضة ستّة و للأبوين سهمان و أربعة للبنات، و لا وفق بين الأربعة و الثلاثة، فتضرب عددهنّ و هو ثلاثة في أصل الفريضة تبلغ ثمانية عشر، للأبوين ستّة و لكلّ بنت أربعة(5).

ص: 93


1- . فرض كلالة الأمّ المتعدّد 1/3، و فرض الزّوجة 1/4، و المجتمع 1/3 + 4/121/4 + 3 7/12 و الباقي 5/12 سهم الأختين فصاعدا من قبل الأب و الأمّ أو من قبل الأب يقصر عن فرضهنّ 2/3-8/125/12-3/125
2- . فرض الزوج 1/2 و فرض كلالة الأم المتعدد 1/3، و المجتمع 1/2 + 3/61/3 + 2 5/6 و الباقي (1/6) سهم الأخت للأب يقصر عن فرضها 1/2-3/61/6-2/61.
3- . فللزوج 1/2 و للأخت 1/2.
4- . للأبوين 2/6 و للبنتين 2/3، فالفريضة من (6).
5- . سهم الأبوين 2/6 و الباقي (4/6) للبنات، فأصل الفريضة من (6) و لكن لا ينقسم سهم البنات على

و إن كان بين النصيب و العدد وفق، فاضرب الوفق من العدد لا من النصيب، كأبوين و ستّ بنات، للأبوين سهمان من ستّة و للبنات أربعة، و هي توافق عددهنّ في النصف فتضرب نصف عددهنّ و هو ثلاثة في أصل الفريضة يبلغ ثمانية عشر.(1)

الثاني أن ينكسر على أكثر من فريق واحد، و أقسامه ثلاثة:

الأوّل: أن يوافق سهام كلّ فريق عدد رءوسهم بجزء فيردّ عدد كلّ فريق إلى جزء الوفق(2).

ص: 94


1- . سهم الأبوين 2/6 و الباقي (4/6) للبنات، فأصل الفريضة من (6)، و لكن لا ينقسم سهمهنّ (4) على عددهنّ (6). و بين العددين التوافق بالنصف فيضرب نصف عددهنّ في أصل الفريضة 3 * 6 18، للأبوين 18 * 62/6، للبنات 18 * 124/6 لكلّ واحد منهنّ 12 ÷ 6 2.
2- . كما لو كانت الورثة ستّ زوجات لمريض مات عنهنّ بعد طلاق بعضهنّ قبل الحول، و ثمانية من كلالة الأمّ ، و عشرة من كلالة الأب، فرض كلالة الأمّ (1/3) و الزوجات (1/4) فالفريضة من (12). لكلالة الأمّ 12 * 41/3 و بين نصيبهم (4) و عددهم (8) التوافق بالربع، و للزوجات 12 * 31/4 و بين نصيبهنّ (3) و عددهنّ (6) التوافق بالثلث و لكلالة الأب الباقي (5) و بين نصيبهم (5) و عددهم (10) التوافق بالخمس، و حيث إنّ (2) ربع (8) و ثلث (6) و خمس (10)، فيضرب في أصل الفريضة 2 * 12 24. لكلالة الأمّ 24 * 81/3، و للزوجات 24 * 61/4، و لكلالة الأب الباقي (10) ينقسم عليهم بلا كسر. و للمسألة صور أخرى لاحظ جواهر الكلام: 344/39.

الثاني: ألا يوافق أحدهم.(1). فرض كلالة الأمّ (1/3) فالفريضة من (3)، و بين عدد كلّ فريق و نصيبه (1 و 3) (2 و 6) التّباين، لكنّ العددين متداخلان، يضرب الأكثر في أصل الفريضة 6 * 3 18.

لكلالة الأمّ 18 * 61/3، و لكلالة الأبوين 18 * 122/3 ينقسم عليهم بلا كسر.(2)

الثالث: أن يوافق بعضهم دون الاخر، فما وافق فيردّ عدد ذلك الفريق إلى الوفق، و ما لم يوافق فاتركه بحاله، ثمّ تنظر بعد ذلك في الأعداد:

فإن تماثلت اقتصرت على ضرب أحدها في الفريضة، كأربعة إخوة من الأبوين و مثلهم من الأمّ ، أصل الفريضة ثلاثة لا ينقسم، تضرب أربعة في الفريضة، و هو أحد العددين.(3)

و إن تداخلت اقتصرت على ضرب الأكثر، كثلاثة إخوة من أمّ و ستّة لأب، فريضتهم ثلاثة تضرب ستّة في أصل الفريضة.(3)

و إن توافقت ضربت وفق أحدهما في عدد الاخر، ثمّ تضرب المرتفع في أصل الفريضة، كأربع زوجات و ستة إخوة، الفريضة من أربعة، و حصّة الزوجات تنكسر عليهنّ ، و كذا حصّة الإخوة، و بين الأربعة و الستّة وفق بالنصف، فتضرب

ص: 95


1- . كأخوين لأمّ فرضهما (1/3) و خمسة من الأب الباقي لهم (2/3)، فالفريضة من
2- و بين نصيب كل فريق و عدده (1 و 2) و (2 و 5) التباين. فيضرب أحد العددين في الاخر ثمّ المرتفع في أصل الفريضة 2 * 5 10، 10 * 3 30. لكلالة الأمّ 30 * 101/3، و لكلالة الأب 30 * 202/3 ينقسم سهم كلّ فريق بلا انكسار. و للمسألة صور أخرى لاحظ جواهر الكلام: 339/39-343.
3- . لكلالة الأمّ (1/3) و الباقي (2/3) لكلالة الأبوين، فالفريضة من (3). ثمّ بين نصيب كلّ فريق و عدده تباين (1 و 4)، (2 و 4) لكن العددين متماثلان، فيضرب أحدهما في أصل الفريضة 4 * 3 12. لكلالة الأمّ 12 * 41/3، و لكلالة الأبوين 12 * 82/3 ينقسم عليهم بلا كسر.

نصف أحدهما في الاخر يبلغ اثني عشر، ثمّ تضرب اثني عشر في الفريضة.(1)

و إن تباينت الأعداد ضربت أحدهما في الاخر، ثمّ ضربت المجتمع في أصل الفريضة، كأخوين من أمّ ، و خمسة من أب، تنكسر الثلاثة عليهم، و لا وفق بين أعدادهم، و لا تداخل، فتضرب اثنين في خمسة، ثمّ المجتمع منهما في أصل الفريضة.(2)

الفصل الخامس: في المناسخات

المناسخة(3) أن يموت بعض الورثة قبل القسمة، و بطلت قسمة

ص: 96


1- . فرض الزوجات 1/4 و الباقي (3/4) للإخوة، فالفريضة من (4). و بين نصيب الزوجات و عددهن (1 و 4) التباين و بين نصيب الإخوة و عددهن (3 و 6) التداخل، فيأخذ (4 و 6) و بينهما التوافق بالنصف، فيضرب نصف أحدهما في الاخر 2 * 6 12 و الحاصل في أصل الفريضة 12 * 4 48. للزوجات 48 * 121/4، للإخوة 48 * 363/4 ينقسم عليهم بلا كسر.
2- . فرض كلالة الأمّ (1/3) فالفريضة من (3)، و بين نصيب كلّ فريق و عدده (1 و 2) و (2 و 5) التباين، و بين العددين أيضا (2 و 5) التباين، فيضرب أحدهما في الاخر ثم الحاصل في الفريضة 2 * 5 10، 10 * 3 30. سهم كلالة الأمّ 30 * 101/3، و سهم كلالة الأب 30 * 202/3 ينقسم عليهم بلا كسر.
3- . قال ثاني الشهيدين في المسالك: المناسخات جمع مناسخة، و هي مفاعلة من النسخ و هو النقل و التحويل، تقول: نسخت الكتاب، إذا نقلته من نسخة إلى أخرى، سمّيت هذه المسائل بها، لأنّ الأنصباء بموت الميّت الثاني تنسخ و تنقل من عدد إلى عدد، و كذا التصحيح ينتقل من

الفريضتين من أصل واحد، فإن كانت ورثة الثاني و الثالث و من بعدهم هم ورثة الأوّل على طريق ميراثهم من الميّت الأوّل، قسّمت مال الميّت الأوّل بين الباقين، كأربعة إخوة لميّت و أختين، ثمّ مات أخ، ثمّ مات أخ آخر، ثمّ ماتت أخت، قسّمت مال الأوّل و الثاني و الثالث و الرابع على أخوين و أخت أخماسا، كأنّ كل واحد منهم لم يخلّف سوى أخوين و أخت.

و إن كانت ورثة الثاني يرثون منه خلاف ميراثهم من الأوّل، أو ورثوا من الثاني و لم يرثوا من الأوّل، صحّحت مسألة كلّ واحد من الموتى، و استخرجت نصيب الميّت الثاني من مسألة الميّت الأوّل، ثمّ نظرت.

فإن صحّ نصيبه على مسألة صحّت المسألتان من مسألة الأوّل، كامرأة خلّفت زوجا و أخوين لأمّ و أخا لأب، ثمّ مات الزوج و خلّف ابنا و بنتا، مسألة الأوّل من ستّة، للزوج ثلاثة و هي تنقسم على تركته، فتنقسم تركة الزوجة ستّة أسهم: سهمان لأخويها من أمّها، و سهم لأخيها من أبيها، و سهمان لابن زوجها، و سهم لبنت زوجها.(1)

و إن لم يصحّ من مسألة الأوّل نظرت:

فإن كان بين نصيب الميّت الثاني من فريضة الأوّل و الفريضة الثانية وفق،

ص: 97


1- . فرض الزوج 1/2 و فرض الأخوين من الأمّ 1/3، فالفريضة من (6) للزوج 6 * 31/2، ينقسم على ابنه و بنته، و لكلالة الأمّ 6 * 21/3، و لكلالة الأب الباقي (1).

فاضرب وفق الفريضة الثانية في الفريضة الأولى، لا وفق النصيب، كأخوين من أمّ ، و مثلهما من أب، و زوج، مات الزوج و خلّف ابنا و بنتين، فريضة الأوّل اثنا عشر، نصيب الزوج ستّة لا تنقسم على أربعة، و بينهما موافقة بالنصف، فتضرب جزء الوفق من الفريضة الثانية، و هو اثنان، لا الوفق من النّصيب، في اثني عشر.(1). فرض كلالة الأمّ (1/3)، و فرض الزوج (1/2)، فالفريضة من (6). نصيب الزوج منها (6 * 31/2) لا ينقسم على ورثته، لأنّ عددهم (5) فيضرب العدد في أصل الفريضة 5 * 6 30.

نصيب كلالة الأمّ 30 * 101/3، و نصيب الزوج 30 * 151/2، و نصيب كلالة الأب (5) ينقسم عليهم بلا كسر.(2)

و إن لم يكن بينهما وفق، فاضرب الفريضة الثانية في الأولى، كزوج و أخوين من أمّ و أخ لأب، مات الزوج و خلّف ابنين و بنتا، نصيب الزوج ثلاثة من ستّة لا تنقسم على خمسة، و لا وفق بينهما، فاضرب الخمسة في الفريضة الأولى.(2)

و هكذا العمل فيما زاد على اثنين. فإن انقسمت تركة الثالث من الأوّل على صحّة، و إلاّ عملت في فريضته مع الفريضتين كما عملت في فريضة الثاني مع الأوّل، و هكذا دائما.

ص: 98


1- . فرض كلالة الأمّ 1/3، و الزوج 1/2 فأصل الفريضة من (6)، سهم الأخوين من الأمّ
2- ، سهم الزوج (3)، و سهم الأخوين من الأب (1) لا ينقسم عليهما بلا كسر، فيضرب عددهما في أصل الفريضة 2 * 6 12. نصيب الزوج منها 12 * 61/2 و وارثه ابنه و بنتيه، عددهم (4)، فبين نصيبه و عددهم التوافق بالنصف، فيضرب نصف عددهم في أصل الفريضة 2 * 12 24. نصيب كلالة الأمّ 24 * 81/3 نصيب الزوج 24 * 121/2، و الباقي نصيب كلالة الأب (4) ينقسم عليهم بلا كسر.

الفصل السادس: في قسمة التركات

مقدّمة: إذا طلبت أقلّ عدد ينقسم على مختلفين فاعرف النسبة بينهما، فإن تداخلا، فالمطلوب هو أكثر منهما، و لا حاجة إلى عمل آخر.

و إن تشاركا في كسر، فالمطلوب هو الحاصل من ضرب ذلك الكسر من أحدهما في الاخر، كما إذا طلبنا عددا ينقسم على تسعة و خمسة عشر، و قد اشتركتا في الثلث، فثلث أيّتهما ضربت في الأخرى حصلت خمسة و أربعون، و هي أقلّ عدد ينقسم عليهما.

و إن كانا متباينين فالمطلوب هو الحاصل من ضرب أحدهما في الاخر، كما إذا طلبنا أقلّ عدد ينقسم على سبعة و عشرة، فهو سبعون، لأنّها الحاصل من ضرب أحدهما في الاخر.

و هكذا العمل إذا أردت أقل عدد ينقسم على أعداد مختلفة، فإنّك إذا عرفت العدد المنقسم على اثنين منها، ثمّ عرفت العدد المنقسم عليهما و على الثالث منها، ثمّ المنقسم عليها(1) و على الرابع، و هكذا، فقد وجدت العدد المنقسم عليها جميعا.

كما إذا أردت معرفة أقلّ عدد ينقسم على ثلاثة و أربعة و خمسة و ستّة و ثمانية، فالمنقسم على الثلاثة و الأربعة اثنا عشر، لأنّهما متباينان، و المنقسم

ص: 99


1- . في «أ»: عليهما.

عليهما و على الخمسة ستون، لأنهما أيضا متباينان، و المنقسم عليها و على الستة أيضا ستّون، لأنّهما متداخلان. و المنقسم عليها و على الثمانية مائة و عشرون، لأنّهما متشاركتان في الربع، فمائة و عشرون هي أقلّ عدد ينقسم على الأعداد المذكورة.

و الكسر ضربان: مفرد و مركّب، فالمفرد كالسدس، و المركّب مضاف كنصف السّدس أو جزء من خمسة عشر هي جزء من ثلثه، و المعطوف كالنصف و السّدس.

فمخرج الكسر المفرد هو العدد المنسوب إليه أو المسمّى له، كالسّدس مخرجه ستّة، و جزء من خمسة عشر مخرجه خمسة عشر.

و مخرج المضاف هو الحاصل من ضرب مخرج المضاف في مخرج المضاف إليه، فمخرج نصف السدس الحاصل من ضرب اثنين مخرج النصف في ستّة مخرج السدس و هو اثنا عشر.

و مخرج المعطوف هو العدد المنقسم على المخارج كالنّصف و السّدس و العشر، فإنّ مخرج الجميع ثلاثون.

إذا عرفت هذا فإذا أردت معرفة سهام كلّ وارث من التركة، فانسب سهام كلّ وارث من الفريضة، و خذ له(1) من التركة بتلك النسبة، فما كان فهو نصيبه، كزوج و أبوين، أصل الفريضة ستّة، للزوج ثلاثة، و هي نصف الفريضة، فتأخذ له من التركة نصفها، و للأمّ سهمان، و هي ثلث

ص: 100


1- . في «ب»: و تأخذ له.

الفريضة فتأخذ لها ثلث التركة، و للأب سهم فتأخذ له سدس التركة.

و إن شئت قسّمت التركة على الفريضة، فما خرج بالقسمة ضربته في سهام كلّ واحد (منهما)(1) فما بلغ فهو نصيبه، مثلا التركة أربعة و عشرون، و الفريضة ستّة كما تقدّم، تقسّم التركة على ستّة أسهم، يخرج أربعة لكلّ سهم، يضرب الخارج و هو أربعة في سهام كلّ وارث، فالمرتفع نصيبه، فإذا ضربت أربعة في ثلاثة سهام الزوج حصل اثنا عشر، فيكون للزوج اثنا عشر دينارا، و يضرب أربعة في اثنين سهام الأمّ يكون ثمانية، فيحصل لها ثمانية دنانير، و يضرب أربعة في واحد سهم الأب يكون أربعة، فيكون للأب أربعة دنانير.

و هاهنا طريق آخر، و هو أنّ التركة إن كانت صحاحا، فحرّر العدد الّذي تصحّ منه الفريضة، ثمّ خذ ما حصل لكلّ وارث و اضربه في التركة، فما حصل فاقسمه على العدد الّذي صححت منه الفريضة، فما خرج فهو نصيب الوارث، كزوج و أبوين و بنت، و التركة عشرون دينارا، أصل الفريضة اثنا عشر(2) للزوج ثلاثة تضربها في عشرين يبلغ ستّين، تقسمها على اثني عشر يخرج خمسة، فيكون للزوج خمسة دنانير، و للأب سهمان يضربان في عشرين يبلغ أربعين، تقسمها على اثني عشر، يخرج ثلاثة و ثلث، فيكون للأب ثلاثة دنانير و ثلث دينار، و كذا للأمّ ، و للبنت خمسة، تضرب في عشرين يكون مائة تقسم على اثني

ص: 101


1- . ما بين القوسين يوجد في «أ»: و لعلّه زائد.
2- . فرض الزوج 1/4 و فرض الأبوين 2/6، و بين العددين (4 و 6) التوافق بالنصف، فيضرب نصف أحدهما في الاخر 2 * 6 12، نصيب الزوج منها 12 * 31/4، و نصيب الأبوين 12 * 42/6، و الباقي للبنت (5). و اعلم أنّ هذا الطريق متوقّف على ضرب النصيب في مقدار التركة و تقسيم الحاصل على عدد الفريضة.

عشر تخرج ثمانية و ثلث فيكون للبنت ثمانية دنانير و ثلث دينار.

و إن كان فيها(1) كسر فابسط التركة من جنس ذلك الكسر، بأن تضرب مخرج ذلك الكسر في التركة ثمّ تضيف الكسر إلى المرتفع، و تعمل ما عملت في الصحاح، فما اجتمع للوارث قسمته على ذلك المخرج، مثلا. كانت التركة فيما فرضناه أوّلا عشرين دينارا و نصفا، فابسط التركة انصافا يكون أحدا و أربعين، فاعمل فيه كما عملت في الصحاح، فما خرج لكلّ واحد من الورثة من العدد المبسوط، فاقسمه على اثنين، فما خرج نصيبا للواحد فهو نصيب الواحد من الجنس الّذي يريده، و لو كان الكسر ثلاثا قسمت التركة على ثلاثة، و هكذا إلى العشر، تقسم على عشرة.

و لو كانت المسألة عددا أصمّ (2) فاقسم التركة عليه، فإن بقي ما لم يبلغ دينارا فابسطه قراريط و اقسمه، و إن بقي ما لا يبلغ قيراطا، فابسطه حبّات و اقسم، و إن بقي ما لا يبلغ حبّة، فابسطه أرزات و اقسمه، فإن بقي ما لا يبلغ أرزة فانسبه بالأجزاء إليها(3)، و عليك بالتحفّظ من الغلط، فاجمع ما يحصل للوارث، فإن ساوى المجموع التركة، فالقسمة صواب و إلاّ فلا.

ص: 102


1- . أي التركة.
2- . عدد أصمّ : أي خال من الكسور التسعة كأحد عشر و ثلاثة عشر.
3- . و اعلم أنّ كل دينار عشرون قيراطا، و القيراط ثلاث حبّات، و الحبّة أربع أرزات، و ليس بعد الأرزة اسم خاصّ . لاحظ الجواهر: 361/39.

كتاب القضاء

اشارة

ص: 103

ص: 104

و فيه مقدّمة و فصول

أمّا المقدّمة: ففيها أربعة مباحث:

6412. الأوّل:

القضاء سائغ بالنصّ و الإجماع، قال اللّه تعالى: (وَ أَنِ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اَللّٰهُ ) (1).

و قال تعالى: (فَلاٰ وَ رَبِّكَ لاٰ يُؤْمِنُونَ حَتّٰى يُحَكِّمُوكَ فِيمٰا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاٰ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمّٰا قَضَيْتَ وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (2).

و ذمّ من أعرض عن الحكم و قد دعي إليه، فقال تعالى: (وَ إِذٰا دُعُوا إِلَى اَللّٰهِ وَ رَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذٰا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ ) (3).

و مدح من أجاب إليه بعد الدعاء فقال: (إِنَّمٰا كٰانَ قَوْلَ اَلْمُؤْمِنِينَ إِذٰا دُعُوا إِلَى اَللّٰهِ وَ رَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنٰا وَ أَطَعْنٰا وَ أُولٰئِكَ هُمُ اَلْمُفْلِحُونَ ) (4).

ص: 105


1- . المائدة: 49.
2- . النساء: 65.
3- . النور: 48.
4- . النور: 51.

و بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عليّا عليه السّلام قاضيا إلى اليمن.(1)

و بعث عليّ عليه السّلام عبد اللّه بن العباس قاضيا إلى البصرة(2).

و أجمع المسلمون كافّة على مشروعيّة نصب القضاء بين الناس و الحكم بينهم.

6413. الثاني:

القضاء من فروض الكفايات، إذا قام به البعض سقط عن الباقين، و إن أخلّوا به أجمع استحقّوا بأسرهم العقاب، لما فيه من القيام بنظام العالم و الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر و الانتصاف للمظلوم.

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

«إنّ اللّه لا يقدّس أمّة ليس فيهم من يأخذ للضّعيف حقّه»(3).

و للفوائد الحاصلة منه، تولاّه النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم(4) و الأنبياء من قبله، فكانوا يحكمون لأممهم.

6414. الثالث:

و في القضاء خطر عظيم و إثم كبير لمن لم تجتمع فيه الشرائط، و درجة القضاء عالية، و شروطه صعبة جدّا، و لا يتعرّض له أحد حتّى يثق من نفسه بالقيام به(5)، و إنّما يثق بذلك إذا كان عارفا بالكتاب و ناسخه و منسوخه و عامّه و خاصّه و ندبه و إيجابه و محكمه و متشابهه، عارفا بالسنّة و ناسخها و منسوخها، عالما باللغة، مضطلعا بمعاني كلام العرب، بصيرا بوجوه الإعراب،

ص: 106


1- . السنن الكبرى: 86/10.
2- . نقله الشيخ في المبسوط: 82/8.
3- . السنن الكبرى: 93/10، و لاحظ نهج البلاغة الرقم 52 من الكتب.
4- . في «أ»: بولاة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
5- . في «أ»: القيام بذلك.

ورعا عن محارم اللّه، زاهدا في الدنيا، متوفّرا على الأعمال الصالحة، مجتنبا للذّنوب و السّيّئات، شديد الحذر من الهوى، حريصا على التقوى، هذه عبارة الشيخين رحمهما اللّه(1).

و روى عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال:

«من جعل قاضيا فقد ذبح بغير سكين»(2).

و عن أمير المؤمنين عليه السّلام:

«القضاة أربعة ثلاثة منهم في النّار و واحد في الجنّة، قاض قضى بالباطل و هو يعلم أنّه باطل، فهو في النار، و قاض قضى بالباطل و هو لا يعلم أنّه باطل، فهو في النّار، و قاض قضى بالحقّ و هو لا يعلم أنّه حقّ ، فهو في النار، و قاض قضى بالحقّ و هو يعلم أنّه حقّ فهو في الجنّة».(3)

و قال الصادق عليه السّلام:

«الحكم حكمان: حكم اللّه عزّ و جلّ ، و حكم أهل الجاهليّة؛ فمن أخطأ حكم اللّه عزّ و جلّ حكم بحكم أهل الجاهليّة، و من حكم بدرهمين بغير ما أنزل اللّه عزّ و جلّ فقد كفر باللّه تعالى».(4)

ص: 107


1- . المقنعة: 721، و النهاية: 337.
2- . الوسائل: 8/18، الباب 3 من أبواب صفات القاضي الحديث 8.
3- . نقله المفيد في المقنعة عن أمير المؤمنين عليه السّلام و نقله في الوسائل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام. لاحظ المقنعة: 722؛ الوسائل: 11/18 الباب 4 من أبواب صفات القاضي، الحديث 6.
4- . الوسائل: 18/18، الباب 5 من أبواب صفات القاضي، الحديث 6.

و عنه عليه السّلام:

«أيّ قاض قضى بين اثنين فأخطأ سقط أبعد من السماء».(1)

و عن الباقر عليه السّلام:

«من حكم في درهمين فأخطأ كفر».(2)

و عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال:

«يؤتى بالقاضي العدل يوم القيامة فمن شدّة ما يلقاه من الحساب يودّ أن لم يكن قضى بين اثنين في تمرة».(3)

6415. الرابع:

القضاء قد يجب على الشخص بأن يكون من أهله، جامعا لشرائطه، و ليس هناك غيره، فيتعيّن على الإمام نصبه، و يجب عليه القبول، فإن لم يعلم الإمام بحاله وجب عليه أن يأتي الإمام و يعرّفه نفسه، ليولّيه القضاء.

أمّا لو كان هناك غيره ممّن جمع الشرائط، فإنّه يجب على كلّ واحد منهم على الكفاية على ما تقدّم، و لو عيّن الإمام أحدهم تعيّن و وجب عليه، و قال الشيخ في المبسوط: لا يجب(4).

ثمّ إن لم يكن له كفاية استحبّ له أن يليه لما فيه من طلب رزق مباح على فعل طاعة، و هو أولى من طلبه على فعل مباح و إن كان ذا كفاية، فإن كان مشهورا بالعلم معروفا به، يقصده الناس و يستفتونه و يتعلّمون منه، فالمستحبّ

ص: 108


1- . الوسائل: 18/18، الباب 5 من أبواب صفات القاضي، الحديث 4.
2- . الوسائل: 18/18، الباب 5 من أبواب صفات القاضي، الحديث 5.
3- . السنن الكبرى: 96/10، و رواه الشيخ في المبسوط: 82/8.
4- . المبسوط: 82/8.

له الترك، لأنّ التدريس و التعليم طاعة و عبادة مع السلامة و أمن من ضرر القضاء و إن كان خامل الذكر لا يعرف علمه، و لا يعلم فضله، و لا ينتفع الناس بعلمه، استحبّ له التولية، ليدلّ على نفسه، و يظهر فضله، و ينتفع الناس به، و ليس له بذل المال على ذلك، و ما ذكرناه نحن أوّلا أقرب.

و أمّا الجاهل بالأحكام الشرعية و مأخذها فانّه يحرم عليه التولية و ان كان ثقة مأمونا، و كذا العالم بالأحكام و طرقها القادر على استنباط المسائل من مظانّها إذا كان فاسقا، و لا ينفذ أحكام أحدهما.

الفصل الأوّل: في التولية و العزل و فيه سبعة عشر بحثا:

6416. الأوّل:

قد بيّنا استحباب تولّي القضاء لمن يثق من نفسه القيام بشرائطه، و يجب على الكفاية و إذا علم الإمام خلوّ بلد عن قاض وجب عليه نصب قاض به، فإن منعوه(1) أهل البلد أثموا و حلّ قتالهم طلبا للإجابة، لاحتياج أهل كلّ بلد إلى حاكم يفصل قضاياهم، و لا يمكنهم المضيّ إلى بلد الإمام، و من يمكنه(2) ذلك فربّما شقّ عليه، فوجب اغناؤهم عنه.

و على الإمام البحث و السؤال لأهل المعرفة بأحوال الناس إن لم يعرف من

ص: 109


1- . في «أ»: فإن امتنعوه.
2- . في «أ»: و من تمكّنه.

يصلح للقضاء، فإن ذكر له رجل لا يعرفه أحضره و سأله، فإذا عرف اجتماع شرائط الحكم فيه ولاّه، و إلاّ طلب غيره.

و لو امتنع الجامع للشرائط لم يجبر مع وجود مثله إلاّ ان يلزمه الإمام فيجب عليه.

6417. الثاني:

يشترط في القاضي البلوغ و العقل و الإيمان و العدالة و طهارة المولد و العلم و الذكورة و الحرّية على إشكال، و البصر كذلك، و المعرفة بالكتابة على تردّد، فلا ينعقد القضاء للصبيّ و إن كان مراهقا، و لا للمجنون سواء كان جنونه مطبقا أو أدوارا، و لا لغير المؤمن، لأنّه ليس أهلا للأمانة، و لا للفاسق لذلك أيضا، و لا لولد الزّنا لنقصه و عدم صلاحيّته للإمامة و عدم قبول شهادته في الأشياء الجليلة، و لا لغير العالم المستقلّ بأهليّة الفتوى البالغ رتبة الاجتهاد.

و يشترط في معرفة الأحكام العلم بستّة أشياء: الكتاب، و السنّة، و الإجماع، و الاختلاف، و القياس، و لسان العرب.

أمّا الكتاب فيحتاج في معرفته إلى عشرة أشياء: الخاصّ ، و العامّ ، و المقيّد، و المطلق، و المحكم، و المتشابه، و المجمل، و المبيّن، و الناسخ، و المنسوخ، لا في الكتاب أجمع بل في الآيات المتعلّقة بالأحكام، و هي نحو من خمسمائة آية.

و أمّا السنّة فيحتاج إلى معرفة ما يتعلّق منها بالأحكام، دون سائر الأخبار، و يفتقر إلى أن يعرف منها ما يعرف من الكتاب و زيادة معرفة التواتر، و الآحاد، و المرسل، و المتّصل، و المسند، و المنقطع، و الصحيح، و الضعيف، و يحتاج إلى معرفة المجمع عليه و المختلف فيه، و شرائط الإجماع.

ص: 110

و أمّا القياس فقد أجمع علماؤنا على أنّه ليس بحجّة في الأحكام إلاّ ما نصّ على علّته، فإنّ في هذا النوع من القياس خلافا، و الأقرب عندي العمل به، فعلى هذا يجب أن يكون عارفا بكيفية شرائطه و الاستنباط منه.

و يجب أن يعرف من النّحو و اللّغة و التصريف ما يتعلّق بالأحكام من الآيات و الأخبار الواردة عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الأئمة المعصومين عليهم السّلام.

و يجب أن يعرف شرائط الاستدلال و كيفيّة تركيب البراهين و الترجيح و شرائطه، و لا يشرط في ذلك البلوغ إلى الغاية، فإنّ حصول ذلك متعذّر في أكثر الحكّام، بل المعتبر أصول الأحكام بحيث يتمكّن من الاستنباط و استخراج ما يرد عليه من الفروع، فإنّ المسائل الفرعيّة فرّعها المجتهدون في كتبهم، فلا يكون شرطا في الاجتهاد.

و هل يتجزّى الاجتهاد أم لا؟ الأقرب نعم، لما روي عن الصادق عليه السّلام انّه قال:

«إيّاكم أن يحاكم بعضكم بعضا إلى أهل الجور، و لكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئا من قضائنا،(1) فاجعلوه بينكم، فإنّي قد جعلته قاضيا، فتحاكموا إليه».(2)

نعم يشترط أن يكون عارفا بجميع ما وليه، و لا يكفيه فتوى العلماء.

6418. الثالث:

لا ينعقد القضاء للمرأة في الحدود و غيرها، و لا للعبد، لأنّ

ص: 111


1- . في المصدر «من قضايانا».
2- . الوسائل: 4/18، الباب 1 من صفات القاضي، الحديث 5.

القضاء من المناصب الجليلة، فلا يليق به، و حكم المدبّر و المكاتب المطلق و إن أدّى شيئا من مال الكتابة و تحرّر بعضه حكم القنّ ، و فيه نظر.

و أمّا الأعمى، فالّذي ذكره الشيخ رحمه اللّه أنّه لا ينعقد قضاؤه، لعدم تمييزه بين المقرّ و المقرّ له، و ما يكتبه كاتبه بين يديه.(1) و هو حسن.

و هل ينعقد قضاء الأمّي ؟ فيه نظر، ينشأ من شدّة الحاجة إلى الضبط الّذي لا يتيسر بغير الكتابة، و من كون النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في أوّل أمره خاليا عن الكتابة، و هو سيّد الحكّام،(2) و الأقرب الاشتراط، و قوّة التمييز في النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لا يحصل لأحد غيره.

و الأقرب انعقاد القضاء للأخرس و الأصمّ .

6419. الرابع:

ينبغي أن يكون الحاكم قويّا من غير عنف، لينا من غير ضعف، لئلاّ يطمع القويّ في باطله، و لا ييأس(3) الضعيف من عدله، حليما، بصيرا بمزايا الأمور،(4) ذا فطنة وقّادة، لا يؤتى من غفلة، ضابطا، صحيح السمع، قويّ البصر و البصيرة، عارفا بلغات أهل ولايته، شديد العفّة، كثير الورع، نزها بعيدا من الطمع، صادق اللّهجة، ذا رأي سديد، ليس بجبّار و لا عسوف، فقد روي عن

ص: 112


1- . المبسوط: 101/8.
2- . قال الشيخ في المبسوط: 120/8: و النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عندنا كان يحسن الكتابة بعد النبوّة، و انّما لم يحسنها قبل البعثة. و قال الشهيد الثاني قدّس سرّه بعد نقل كلام الشيخ من المبسوط: «و الأظهر خلافه». لاحظ المسالك: 13 / 329. و قد بسط شيخنا السبحاني الكلام في ذلك الموضوع في كتاب «مفاهيم القرآن» الجزء الثالث فلاحظ.
3- . في «أ»: و لا يئس.
4- . في «أ»: «بصيرا مميّزا بالأمور» و لعلّه مصحّف.

عليّ عليه السّلام انّه قال: «لا ينبغي أن يكون القاضي قاضيا حتّى يكون فيه خمس خصال: عفيف، حليم، عالم بما كان قبله، يستشير ذوي الألباب، لا يخاف في اللّه لومة لائم».(1)

و يجوز له أن يحضر الولائم، لما فيها من الترغيب، فإن كثرت و لم يتمكّن من الجميع ترك الجميع، و لا يخصّص أحدا بالحضور إلاّ أن يكون في أحدها(2) ما يمنعه كالمنكر أو يكون بعيدا.

و له عيادة المرضى، و شهادة الجنائز، و إتيان القادم، و زيارة الإخوان و الصالحين.

6420. الخامس:

لا تجوز الولاية إلاّ من الإمام المعصوم أو من فوّض إليه الإمام، ثمّ الإمام إن كان ظاهرا كان أمر التولية إليه، و لا يجوز لغيره تولية أحد القضاء إلاّ بإذنه.

و لو استقضى أهل البلد قاضيا و تحاكموا إليه لم ينفذ حكمه، و لم تثبت ولايته، و لو تراضى خصمان بواحد من الرعيّة و ترافعا إليه فحكم، لم يلزمهما الحكم، و إن كان غائبا نفذ قضاء الفقيه المأمون من فقهاء أهل البيت عليهم السّلام الجامع لشرائط الفتوى، لقول الصادق عليه السّلام:

«فاجعلوه قاضيا فإنّي قد جعلته قاضيا فتحاكموا إليه»(3).

ص: 113


1- . نقله البهوتي في كشّاف القناع: 310/6 - باب آداب القاضي - و ابن قدامة في المغني: 11 / 385، و الشرح الكبير: 375/11 و 394.
2- . الضمير يرجع إلى «الولائم».
3- . الوسائل: 4/18، الباب 1 من أبواب صفات القاضي، الحديث 5.

«و لا يجوز العدول عنه إلى قضاة الجور، فمن عدل إليهم كان فاسقا مأثوما».

لما رواه عبد اللّه بن سنان في الصحيح عن الصادق عليه السّلام قال:

«أيّما مؤمن قدّم مؤمنا في خصومة إلى قاض أو سلطان جائر فقضى عليه بغير حكم اللّه تعالى فقد شركه في الإثم»(1).

و في الصحيح عن أبي بصير عن الصادق عليه السّلام انّه قال:

«أيّما رجل كان بينه و بين أخ مماراة في حقّ فدعاه إلى رجل من إخوانكم ليحكم بينه و بينه فأبى إلاّ أن يرافعه إلى هؤلاء، كان بمنزلة الّذين قال اللّه عزّ و جلّ : (أَ لَمْ تَرَ إِلَى اَلَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمٰا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَ مٰا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحٰاكَمُوا إِلَى اَلطّٰاغُوتِ وَ قَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ ) .(2).(3)

6421. السادس:

إذا ولي من يتعيّن عليه القضاء، فإن كان ذا كفاية حرم عليه أخذ الرزق على القضاء، لأنّه يؤدّي فرضا، و لما رواه عبد اللّه بن سنان في الصّحيح قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن قاض بين قريتين يأخذ من السّلطان على القضاء الرزق، فقال:

«ذلك سحت».(4)

ص: 114


1- . الوسائل: 2/18-3، الباب 1 من أبواب صفات القاضي، الحديث 1.
2- . النساء: 59.
3- الفقيه: 3/3، الباب 1 من أبواب القضاء، برقم 5؛ و الوسائل: 3/18، الباب 1 من أبواب صفات القاضي، الحديث 2.
4- . الوسائل: 161/18-162، الباب 8 من أبواب آداب القاضي، الحديث 1.

و إن لم يكن ذا كفاية جاز له أخذ الرزق عليه، لأنّ بيت المال للمصالح، و هذا من أعظمها.

و إن لم يتعيّن عليه القضاء، و كان ممّن يجوز له القضاء، فإن كان ذا كفاية استحبّ له أخذ الرزق و إن أخذ جاز، و إن لم يكن ذا كفاية جاز له أخذ الرزق عليه إجماعا.

أمّا أخذ الأجرة عليه، فإنّه حرام بالإجماع، سواء تعيّن عليه أو لم يتعيّن، و سواء كان ذا كفاية أو لا.

و ليس له أخذ الجعل من المتحاكمين، سواء كان القضاء متعيّنا عليه أو لا، و سواء كان محتاجا أو لا.

و كذا لا يجوز للشاهد أخذ الأجرة على الشهادة تحمّلا و أداء، سواء تعيّن عليه أو لا، و سواء كان محتاجا أو لا، و كذا المؤذّن.

نعم يجوز للشاهد و المؤذّن إذا كانا محتاجين أخذ الرزق من بيت المال، و كذا يجوز للقاسم و كاتب القاضي و المترجم و صاحب الديوان و والي بيت المال و من يكيل للنّاس و يزن و ينتقد و يعلّم القرآن و الآداب أخذ الرزق من بيت المال.

أمّا الرشوة فانّها حرام على آخذها و يأثم الدافع لها إن توصّل بها إلى الحكم بالباطل، و لو توصّل إلى الحقّ لم يأثم، و يأثم المرتشي على التقديرين، و يجب عليه دفع الرشوة إلى صاحبها، سواء حكم له أو عليه، و لو تلفت ضمنها.

أمّا الهديّة فإن كانت ممّن له عادة بقبول الهديّة منه، فلا بأس، إلاّ أن

ص: 115

يفعل ذلك لأجل الحكم، فتحرم، و إن كانت ممّن لا عادة له بالإهداء فالوجه تحريمها، لأنّه كالرشوة.

6422. السابع:

إذا وجد اثنان متساويان في الشرائط، تخيّر الإمام في نصب أيّهما شاء، إن تساويا في الفضيلة، و لو تفاوتا فيها بأن يكون أحدهما أفضل من صاحبه أو أزهد منه، فالوجه وجوب تقديم الفاضل على المفضول، و يحتمل جواز تقديم المفضول، لأن نقصه ينجبر بنظر الإمام بخلاف الرئاسة العامّة.

6423. الثامن:

إذا أذن الإمام له في الاستخلاف جاز، و إن منعه لم يجز له الاستنابة، و إن أطلق، فإن كان هناك أمارة تدلّ على تسويغ الاستنابة جازت، و إلاّ فلا، كما لو اتّسعت الولاية، و العادة قاضية بكثرة النواب فيها و عجزت اليد الواحدة عنها.

6424. التاسع:

ولاية القضاء تتجزّأ (فيه)(1) فلو استنابه في الحكم بين الرجال خاصّة، لم يكن له الحكم بين النساء، و لا بينهنّ و بين الرجال، و بالعكس، و كذا لو استنابه في القضاء في الأموال دون النفوس، أو بالعكس، لم تعمّ الولاية، و لو استثنى شخصا عن ولايته سقطت عنه.

6425. العاشر:

يجوز نصب قاضيين في بلد واحد، بأن يخص كلّ واحد منهما بطرف، و لو أثبت لكلّ واحد منهما الاستقلال في جميع البلد، فالأقرب الجواز، و لو نصبهما على ألا يستقلّ أحدهما دون الاخر، لم يجز، لكثرة الاختلاف في الاجتهاد، فيؤدّي إلى بقاء الخصومات.

ص: 116


1- . ما بين القوسين يوجد في «أ».

6426. الحادي عشر:

لا تجوز تولية من لا يصلح للقضاء، و إن اقتضت المصلحة توليته ففي انعقاد ولايته نظر، أقربه المنع، و تولية عليّ عليه السّلام لمن لا يرتضيه ليس بحجة، لأنّه كان يشاركه فيما ينفذه، فيكون هو الحاكم في تلك الواقعة بالحقيقة(1).

6427. الثاني عشر:

إذا استخلف القاضي نائبا شرط فيه ما يشترط في القاضي من بلوغ رتبة الاجتهاد إلاّ أن يخصّه بالنظر في التزكية، و تعيين الشهود، و سماع البيّنة، فالوجه اشتراط علمه بما يحتاج إليه في ذلك دون اشتراط منصب الاجتهاد، و ليس له أن يشترط على النائب الحكم بخلاف اجتهاده أو بخلاف اعتقاده.

6428. الثالث عشر:

لا ينفذ حكم من لا تقبل شهادته على المحكوم عليه، كالولد على الوالد، و العبد على المولى، و العدوّ على عدوّه، و إن كان بالبيّنة، لأنّ له الاستقصاء في دقائق أداء الشهادة و الردّ بالتهمة، و له التسامح.

و لو تولّى وصيّ اليتيم القضاء فهل يقضي له ؟ فيه نظر، ينشأ من كونه خصما في حقّه كما في حقّ نفسه، و من أنّ كلّ قاض فهو وليّ الأيتام.

6429. الرابع عشر:

إذا ولاّه الإمام قضاء بلد، فإن كان نائيا بعيدا لا يشيع خبر توليته إليهم سيّر الإمام معه شاهدين، و أشهدهما على نفسه بالتولية، و كذا لو كان البلد قريبا و لم يستفض خبره، أمّا لو كان البلد قريبا يمكن استفاضة الخبر إليه، فإنّه تثبت ولايته بالاشتهار و الاستفاضة، و كذا يثبت بالاستفاضة النسب، و الملك

ص: 117


1- . كما ورد لمّا ولى عليّ عليه السّلام شريحا القضاء (شرط عليه ألا ينفذ القضاء حتّى يعرضه عليه)، لاحظ الوسائل: 6/18، الباب 1 من أبواب صفات القاضى، الحديث 1.

المطلق، و الموت، و النكاح، و الوقف، و العتق، و لا تثبت الولاية بدون هذين الشيئين، و لا يجب على أهل البلد قبول قوله المجرّد عن أحدهما، و إن شهدت له الأمارات المفيدة للظنّ .

6430. الخامس عشر:

إذا حدث بالقاضي ما يمنع الانعقاد، انعزل و إن لم يشهد الإمام بعزله، كالجنون و الفسق و النسيان، و لو جنّ ثمّ أفاق لم تعد ولايته، و لا ينعزل بالسهو السّريع زواله مع تمكّنه من الضبط، و لو حكم من عرض له المانع لم ينفذ حكمه، و إن لم يعزله الإمام.

و لو لم يحدث به مانع لكن رأى الإمام تولية غيره أولى، أو كان عزله مصلحة، كان له عزله تحصيلا للمصلحة الزائدة، و لو لم يكن هناك مصلحة زائدة، و لا حضر من هو أولى منه، ففي جوار عزله اقتراحا نظر، أقربه الجواز، لأنّها ولاية تثبت بنظر الإمام، فيتّبع(1) اختيار المنوب.

و لو حصلت ريبة عند الإمام من القاضي. جاز له عزله و كفاه غلبة الظنّ في ذلك.

و كلّ موضع يجوز عزله مع جواز إبقائه، هل ينعزل بالعزل أو يتوقّف على سماعه ؟ الأقرب الثاني، لما فيه من الضرر.

و لو كتب إليه: إذا قرأت كتابي هذا، فأنت معزول، انعزل مع قراءته أو القراءة عليه.

6431. السّادس عشر:

إذا مات الإمام انعزل القضاة أجمع، و هو أحد قولي

ص: 118


1- . في «ب»: فينبغي.

الشيخ رحمه اللّه(1) و لو مات القاضي الأصلي، ففي انعزال نائبه نظر، و إذا عزله الإمام بعد سماع البيّنة ثمّ ولى وجبت الاستعادة، و لو خرج من ولايته ثمّ عاد لم يحتج إلى الاستعادة.

6432. السّابع عشر:

إذا اتّفق في البلد فقيهان في حال غيبة الإمام عليه السّلام و كلّ منهما له أهليّة الفتوى و الحكم، كان الخيار للمدّعي في رفعه إلى من شاء منهما، و كذا لو تعدّدوا، و لو رضيا بالفقيهين و اختلف الفقيهان، نفذ حكم الأعلم الأزهد، لما رواه داود بن الحصين عن الصادق عليه السّلام في رجلين اتّفقا على عدلين جعلاهما بينهما في حكم وقع بينهما فيه خلاف، فرضيا بالعدلين، و اختلف(2)العدلان بينهما، عن قول أيّهما يمضى الحكم ؟

قال: «ينظر إلى أفقههما و أعلمهما بأحاديثنا، و أورعهما، فينفذ حكمه، و لا يلتفت إلى الاخر»(3).

و عن داود بن الحصين عن عمر بن حنظلة عن الصادق عليه السّلام قال قلت: في رجلين اختار كلّ واحد منهما رجلا فرضيا أن يكونا النّاظرين في حقّهما، فاختلفا فيما حكما، و كلاهما اختلفا في حديثنا؟

قال: «الحكم ما حكم به أعدلهما و أفقههما و أصدقهما في الحديث، و أورعهما، و لا يلتفت إلى ما يحكم به الاخر».

قال: قلت: فإنّهما عدلان، مرضيّان عند أصحابنا، ليس يتفاضل واحد منهما على صاحبه ؟

ص: 119


1- . ذهب إليه في المبسوط: 127/8.
2- . في المصدر: فاختلف.
3- . الفقيه: 5/3، برقم 17، و الوسائل: 80/18 الباب 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث 20.

قال: فقال: ينظر إلى ما كان من روايتهما عنّا في ذلك الّذي حكما به المجمع عليه أصحابك، فيؤخذ به من حكمنا، و يترك الشّاذ الّذي ليس بمشهور عند أصحابك، فإنّ المجمع عليه حكمنا لا ريب فيه، و إنّما الأمور ثلاثة: أمر بيّن رشده فمتّبع، و أمر بيّن غيه فمتجنب، و أمر مشكل يردّ حكمه إلى اللّه عز و جلّ ، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

«حلال بيّن، و حرام بيّن، و شبهات بين ذلك، فمن ترك الشبهات نجا من المحرّمات، و من أخذ بالشبهات ارتكب المحرّمات و هلك من حيث لا يعلم».

قلت: فإن كان الخبران عنكم مشهورين، قد رواهما الثقات عنكم ؟

قال: ينظر فما وافق حكمه الكتاب و السّنة و خالف العامّة أخذ به.

قلت: جعلت فداك وجدنا أحد الخبرين موافقا للعامّة و الاخر مخالفا لها بأيّ الخبرين يؤخذ؟

قال: بما يخالف العامّة، فإنّ فيه الرشاد.

قلت: جعلت فداك فإن وافقهما الخبران جميعا؟

قال: ينظر إلى ما هم إليه أميل حكامهم و قضاتهم، فيترك و يؤخذ بالآخر.

قلت: فإن وافق حكّامهم و قضاتهم الخبران جميعا؟

قال: إذا كان كذلك فارجه حتّى تلقى إمامك، فإنّ الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في المهلكات.(1)

ص: 120


1- . الفقيه: 5/3-6، برقم 18 نقلناها عن الفقيه، لأنّ صاحب الوسائل جزّأها و نقلها في مواضع مختلفة. لاحظ الوسائل: 75/18، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث 1.

الفصل الثاني: في الآداب و فيه أحد عشر بحثا:

6433. الأوّل:

يستحبّ للقاضي إذا ورد إلى بلد ولايته و لا يعرف أحدا فيه أن يبحث عمّن يثق به في ذلك البلد ليسأله عن أحوال ذلك البلد، و يتعرّف منه ما يحتاج إلى معرفته، و يسأل عن العلماء فيه و أهل الفضل و العدالة و الصلاح و سائر ما يحتاج إلى معرفته، ثمّ يقصد الجامع فيصلّي فيه ركعتين و يسأل اللّه تعالى التوفيق و العصمة و الإعانة له، و يبعث مناديا ينادي أنّ فلانا قدم عليكم قاضيا فاجتمعوا لقراءة عهده في وقت كذا، و ينصرف إلى منزله الّذي أعدّ له، و يستحبّ أن يكون وسط البلد، ليتساوى ورود أهله إليه، فإذا اجتمعوا قرأ العهد عليهم، ثمّ يواعدهم ليوم يجلس فيه للقضاء.

6434. الثاني:

يستحبّ أن يجلس للقضاء في موضع بارز كرحبة أو فضاء، ليسهل الوصول إليه، و ان حكم في المسجد صلّى فيه ركعتين عند دخوله تحيّة، و يجلس مستدبر القبلة، ليكون وجه الخصوم إليها، و قيل(1): يستقبل القبلة لقوله عليه السّلام: خير المجالس ما استقبل به القبلة.(2) و لا يكره الحكم نادرا في

ص: 121


1- . القائل هو الشيخ في المبسوط: 90/8، و القاضي في المهذب 595:2.
2- . الوسائل: 475/8، الباب 76 من أبواب أحكام العشرة الحديث 3، و نقله الشيخ في المبسوط: 90/8، و الشهيد في المسالك: 367/13.

المسجد، و هل يكره دائما؟ قيل: لا، لقضاء عليّ عليه السّلام بجامع الكوفة(1).

و يكره اتّخاذ حاجب وقت الحكم.

6435. الثالث:

إذا جلس للحكم يستحبّ له أن يكون على أكمل حال و أعدلها، و لا يجلس على التراب و لا على بارية المسجد، و يكون عليه سكينة و وقار، و لا يستعمل الانقباض المانع عن النطق بالحجّة، و لا اللين المخوف معه جرأة الخصوم، و له أن ينتهر الخصم إذا التوى، و يصيح عليه، و يعزّره إن استحقّ التعزير، و ان حصلت منه إساءة أدب كقوله: حكمت عليّ بغير الحقّ أو ارتشيت، فله التأديب و العفو.

6436. الرابع:

يستحبّ أن يجلس و هو خال من الغضب، و الجوع الشديد، و العطش، و الفرح الشديد، و الحزن الكثير، و الهمّ العظيم، و الوجع المولم، و مدافعة أحد الأخبثين، و النّعاس، و الغمّ ، ليكون أجمع لقلبه، و احضر لذهنه، و أبلغ في تفطّنه، و أكثر لتيقّظه.

و لو قضى و الحال هذه، نفذ حكمه إن كان حقا.

6437. الخامس:

يستحبّ إذا ورد البلد أن يبدأ أوّلا يأخذ ما في يد الحاكم المعزول من الحجج و القضايا المودعة عنده، و يأخذ الودائع الّتي أودعت لأجل الحكم، ثمّ يسأل عن أهل السّجن و يبعث ثقة يكتب اسم كلّ محبوس و سبب حبسه، و اسم غريمه، ثمّ ينادي ثلاثة أيّام بأنّ القاضي ينظر في أمر المحبوسين يوم كذا، فإذا كان يوم المواعدة ترك الرقاع بين يديه، ثمّ أخذ رقعة و نظر إلى اسم

ص: 122


1- . ذهب إليه الشيخ في الخلاف: 210/6، المسألة 3 من كتاب آداب القضاء.

المحبوس، و طلب خصمه، فإذا حضر أخرج المحبوس من السجن، و نظر بينه و بين غريمه، و لا يسأل الغريم عن سبب الحبس، لأنّ الظاهر أنّ الحاكم إنّما حبسه بحقّ ، ثمّ يسأل المحبوس عن ذلك، فإن قال: حبسني بحقّ [له] حال أنا ملئ به، قال له الحاكم: أخرج إليه منه، و إلاّ رددتك إلى السجن.

و إن قال: أنا معسر به، سأل خصمه، فإن صدّقه أطلقه، و إن كذّبه و كان الحقّ مالا، طلب من المحبوس البيّنة بالإعسار، و كذا لو عرف له مال و ادّعى تلفه، و إن لم يعرف له أصل مال، و لا كانت الدعوى مالا، طلب البيّنة من الغريم، فإن فقدها أحلف المحبوس على الإعسار و أطلق.

و إن أقام الغريم بيّنة بأنّ له مالا افتقر إلى تعيينه، فإن صدّقها طولب بالحقّ ، و إن قال: إنّ هذا المال في يدي لغيري، سئل عن التعيين، فإن كذّبه المقرّ له، طولب بالحقّ ، فإن صدّقه احتمل القبول، لأنّ البيّنة شهدت بالملك لمن لا يدّعيه، و عدم القبول، فيقضى الدّين من المال، لأنّ البيّنة شهدت لصاحب اليد بالملك، فتضمّنت شهادتها وجوب القضاء منه، و لا يلزم من سقوط الشهادة في حقّ نفسه لإنكاره سقوطها فيما تضمّنته،(1) و لأنّه متّهم في إقراره لغيره.

و لو لم يظهر للمحبوس غريم، و قال: حبسني الحاكم ظلما، أشاع أمره، فإن لم يظهر له خصم أطلقه، قال الشيخ: بعد إحلافه(2).

و في مدّة الإشاعة لا يحبس و لا يطلق بل يراقبه، و الأقرب أنّه لا يطالب بكفيل ببدنه.

ص: 123


1- . في «أ»: تضمّنه.
2- . المبسوط: 95/8.

و لو ظهر خصم و ادّعى أنّ الحاكم حبسه لأجله، و صدّقه، فالحكم كما تقدّم، و إن أنكر المحبوس، فإن أقام المدّعي بيّنة أنّه خصمه و أنّه حبسه، حكم عليه، و إن لم تكن معه بيّنة أطلقه بعد الإحلاف، لأنّه لا خصم له.

ثمّ يسأل عن الأوصياء على الأيتام و المجانين، و المساكين، و يعتمد معهم ما يجب من تضمين أو إنفاذ أو إسقاط ولاية، لبلوغ اليتيم و رشد المجنون، أو ظهور خيانة(1) أو ضمّ مشارك إن عجز الوصيّ ، فإنّ الصّغير و المجنون لا قول لهما، و المساكين لا يتعيّن الأخذ منهم.

فإذا حضر الوصيّ عنده، فإن كان الحاكم قبله أنفذ وصيّته لم يعزله، لأنّ الحاكم لم يعزله و ما أنفذ وصيّته إلاّ بعد معرفته بالصّلاحيّة في الظاهر، و لكن يراعيه، فإن تغيّرت حاله بفسق، عزله، و إن كان يعجز أضاف إليه آخر.

و إن كان الأوّل لم ينفذ وصيّته، نظر فيه، فإن كان أمينا قويّا أقرّه، و إن كان ضعيفا ضمّ إليه غيره، و إن كان فاسقا عزله، و استبدل به غيره.

فإن كان الوصيّ قد تصرّف، و فرّق الثلث حال فسقه، فإن كان أهل الثلث بالغين عاقلين معيّنين، وقعت التفرقة موقعها، لأنّهم قبضوا حقوقهم، و إن كانوا غير معيّنين كالفقراء و المساكين، قال الشيخ رحمه اللّه: عليه الضمان، لأنّه ليس له التصرّف(2) و يحتمل عدم الضّمان، لأنّه أوصله إلى أهله، و كذا إن فرّق الوصيّة غير الموصى إليه بتفريقها، و الأقرب ما قاله الشيخ رحمه اللّه.

أمّا لو تصرّف في مال الوقف على المساجد و المشاهد و المصالح من

ص: 124


1- . في «أ»: أو ظهور جنايته.
2- . المبسوط: 95/8-96.

ليس له أهليّة الحكم، فإنّه يكون ضامنا، و إن كان قد صرفه في وجهه إذا لم يكن الواقف و لا الحاكم جعلا له النظر فيه.

6438. السّادس:

ينظر في أمناء الحكم، و هو من ردّ الحاكم إليه النظر في أمر الأطفال و حفظ أموالهم، و أموال المجانين، و تفرقة الوصايا الّتي لم يعيّن لها وصيّ ، و الحافظون لأموال الناس من وديعة أو مال محجور عليه، فإن كانوا صالحين لذلك(1) أقرّهم، و إلاّ استبدل بهم إن فسقوا و ضمّ إليه غيرهم إن عجزوا.

ثمّ ينظر في اللقطة و الضّوالّ الّتي تحت نظر الحاكم، فيبيع ما يخشى تلفه، و ما تقتضيه المصلحة، كالمحتاج إلى نفقة تستوعب قيمته، و يحفظ ثمنها لأربابها، و يحفظ مثل الأثمان و الجواهر على أربابها، ليدفع(2) إليهم إن ظهروا.

6439. السّابع:

ينبغي للحاكم أن يحاضر أهل العلم، و أن يشهد حكمه من(3)يثق بفطنته منهم، بحيث إن أخطأ بيّن له الصواب، و يخاوضهم(4) في الأمور المشتبهة ليظهر له الصواب بالمباحثة، و لا يجوز له التقليد، بل الفائدة في محاضرة العلماء استخراج الأدلّة و التعرّف للحقّ بالاجتهاد.

و لا يجوز له أن يحكم بقول غيره، سواء ظهر الحقّ في خلافه أو لا، و سواء ضاق الوقت أو لا، و كذلك ليس للمفتي أن يفتي بالتقليد.

و لو أخطأ الحاكم فأتلف لم يضمن، و كان على بيت المال.

ص: 125


1- . في «أ»: كذلك.
2- . في «ب»: لتدفع.
3- . في «أ»: ممّن.
4- . في مجمع البحرين: يقال: خاض الناس في الحديث و تخاوضوا: أي تفاوضوا فيه.

6440. الثامن:

و ينبغي أن يحضر مجلسه شهود ليستوفي بهم الحقوق و يثبت بهم الحج، بحيث إن أقرّ غريم شهدوا عليه، و كذا إن حكم أشهدهم بحكمه.

و لو تعدّى أحد الغريمين الصّواب عرّفه الحقّ برفق، فإن عاد زجره، و إن احتاج إلى التأديب أدّبه، و إذا اتّضح له الحكم حكم.

و يستحبّ أن يرغبهما في الصلح، فإن اشتبه صبر حتّى يظهر الحق له، و لا يحكم بدونه، و لو صالحهما و رضيا جاز و إن لم يظهر له الحق، و إذا اجتهد فظهر له الصواب وجب أن يحكم بما أدّاه اجتهاده، فإن تغيّر اجتهاده قبل الحكم، حكم بما تغيّر اجتهاده إليه، و لا يجوز له أن يحكم بالاجتهاد الأوّل، لأنّه يعتقد بطلانه.

6441. التاسع:

حكم الحاكم لا يزيل الشيء عن صفته، فلو حكم بعقد أو فسخ أو طلاق نفذ حكمه ظاهرا لا باطنا، فلو تعمّد رجلان، و شهدا على آخر بطلاق زوجته، ففرّق الحاكم بينهما، لم يجز لأحد الشاهدين نكاحها.

و لو ادّعى رجل نكاح امرأة، و أقام شاهدي زور، فحكم الحاكم، لم تحلّ له و لم تصر زوجته.

و لو استأجرت امرأة شاهدي زور، فشهدا لها بطلاق زوجها، و هما يعلمان كذبهما و تزويرهما، فحكم الحاكم بالطّلاق لم يحلّ لها أن تتزوّج، و لم يحلّ لأحد الشاهدين نكاحها.

و إذا قام شاهدي زور بنكاح امرأة و هو يعلم كذبهما لم تحلّ له، و لزمها في الظاهر، و عليها أن تمتنع ما أمكنها، فإن أكرهها فالإثم عليه دونها، فان وطئها الرجل فعليه الحدّ إن لم يعتقد الإباحة.

ص: 126

و هل يحلّ لها أن تتزوّج بغيره ؟ الوجه ذلك غير أنّه لا يجوز الجمع بينهما في الوطء، بل يحرم على المحقّ ما دام الاخر حاضرا عندها، فإذا غاب الزوج الظاهر جاز للآخر الوطء.

6442. العاشر:

يكره للحاكم أن يشتري أو يبيع لنفسه، بل ينبغي له أن يولّي غيره ذلك، و لا ينبغي أن يكون الوكيل معروفا، لأنّه يستحي منه أو يخاف فيحابى، فيكون مرتشيا بقدر المسامحة، و لو احتاج إلى المباشرة و لم يجد من يكفيه جاز من غير كراهة.

و كذا يكره أن يرتّب قوما بأعيانهم للشهادة دون غيرهم، و قيل: يحرم لما في ذلك من المشقّة و لاستواء العدول في القبول، فلا تخصيص.(1)

6443. الحادي عشر:

ينبغي للحاكم أن يتّخذ كاتبا، و يجب أن يكون عاقلا، بالغا، مسلما، عدلا، بصيرا، و يكفي الواحد.

و أن يتّخذ مترجمين، و لا يكفي الواحد، و يشترط عدالتهما، و يكفي الاثنان و إن ترجما عن الزنا، و يعتبر في الترجمة لفظ الشهادة.

و لو كان القاضي أصمّ ، وجب أن يتّخذ مسمعا(2) و في اشتراط العدد نظر ينشأ من مساواته للمترجم، فإنّه ينتقل عين اللفظ، كما أنّ المترجم ينقل معناه، و من وقوع الفرق بينهما، فان المسمع لو غيّر اللفظ لعرف الخصمان و الحاضرون، بخلاف المترجم، نعم لو كان الخصمان أصمّين وجب العدد، لجواز غفلة الحاضرين فإن اشترطنا(3) العدد فالأقرب عدم اشتراط لفظ

ص: 127


1- . ذهب إليه الشيخ في المبسوط: 111/8.
2- . في «أ»: مستمعا.
3- . في «ب»: فإن شرطنا.

الشهادة، و إن لم يشترط فلا يراعى لفظ الشهادة، لأنّه يسلك بها مسلك الرواية.

و إذا شرطنا العدد في المسمع(1)، فلا بدّ من رجلين و إن كانت الخصومة في مال، و كذا في الشهادة على الوكالة بالمال، لأنّ المشهود عليه ليس بمال في نفسه، و الأقرب أنّ أجرة المسمع(2) على بيت المال لا على الخصمين.

الفصل الثالث: في وظائف الحكم و فيه عشرون بحثا:

6444. الأوّل:

إذا دخل الخصمان، عدل بينهما في الكلام، و السّلام، و الجلوس، و النظر، و الإنصات و العدل في الحكم.

و انّما تجب التسوية مع التساوي في الإسلام و الكفر، و لو كان أحدهما مسلما، جاز أن يكون الذمّي قائما و المسلم قاعدا، أو أعلى منزلا.

و لا يضيف أحد الخصمين إلاّ و معه الاخر.

و لا يجوز له أن يلقّن أحد الخصمين ما فيه ضرر على خصمه، مثل أن يريد الإقرار فيلقّنه الإنكار، أو اليمين فيلقّنه النكول، أو النكول فيجرّئه على اليمين، أو يحسّ من الشاهد بالتوقّف، فيحرّضه على الشهادة، أو يكون مقدما

ص: 128


1- . في «أ»: في المستمع.
2- . في «أ»: أجرة المستمع.

على الشهادة فيزهّده عنها، أو يأمر أحد الخصمين بالكلام، لأنه نصب(1) لسدّ باب المنازعة.

و لو سكت الخصمان، استحبّ ان يقول لهما: تكلّما، أو: ليتكلّم المدّعي.

و لو احتشماه أمر من يقول ذلك(2).

و لا يواجه بالخطاب أحدهما.

و يكره للحاكم أن يشفع في إسقاط أو إبطال.

6445. الثاني:

إذا ورد الخصوم مترتّبين، بدأ بالأوّل فالأوّل، فإن وردوا جميعا، أقرع بينهم، فإذا خرجت القرعة للخصمين، حكم بينهما، و ان حكم بين شخص و خصمه، فقال: لي دعوى أخرى مع هذا الخصم، أو مع غيره، لم يسمع منه، و يقال له: اجلس حتّى إذا لم يبق أحد من الحاضرين، نظرت في دعواك الأخرى، فإذا فرغ الكلّ فقال الأخير، بعد فصل خصومته: لي دعوى أخرى لم يسمع منه حتّى يسمع دعوى الأوّل للثانية ثمّ يسمع دعواه.

و إن ادّعى المدّعى عليه على المدّعي حكم بينهما، لأنّا إنّما نعتبر الأوّل فالأوّل في المدّعي لا في المدّعى عليه، و إذا تقدّم الثاني فادّعى على المدّعي الأوّل أو المدّعى عليه الأوّل حكم بينهما.

و لو كثر الواردون دفعة كتب أسماءهم في رقاع و وضعها بين يديه، و أخذ رقعة رقعة فينظر في أمر صاحبها و خصمه.

ص: 129


1- . في «أ»: نصبه.
2- . و في الشرائع: 81/4: «و لو أحسّ منهما باحتشامه أمر من يقول ذلك» و هذا أوضح. قال الطريحي: الاحتشام، هو افتعال من الحشمة - بالكسر - بمعنى الانقباض و الاستحياء. مجمع البحرين.

و لو حضر مسافرون و مقيمون، فهما سواء ما لم يستضر المسافرون، فيقدّمون.

و لو قطع المدّعى عليه دعوى المدّعي بدعوى، لم تسمع حتّى تنتهي الحكومة، ثمّ يستأنف الدعوى.

6446. الثالث:

إذا حضر الخصمان فسبق أحدهما بالدعوى ثم ادّعى الاخر يسكته الحاكم حتّى تنتهي الحكومة مع المدّعي، و لو ادّعيا معا دفعة واحدة، سمع من الّذي عن يمين صاحبه.

و لو ازدحموا على المفتي و المدرّس فالحكم بالسّبق، فإن تساووا أقرع إلاّ إذا كان ما يطلب منه من العلم غير واجب، فإليه الاختيار.

6447. الرابع:

الإمام يقضي بعلمه مطلقا، و أمّا غيره من القضاة، فإنّه كذلك في حقوق الناس، و الأقوى القضاء بالعلم أيضا في حقّ اللّه تعالى، و لا يجوز أن يحكم بالظّنّ الّذي لا يستند إلى البيّنة.

و لا يشترط في العلم حصوله في زمان ولايته أو مكان ولايته، بل يحكم به كيف حصل.

و لو رأى الحاكم خطّه إنّي قضيت على فلان بكذا، لم يجب له إمضاؤه إلاّ أن يذكر الواقعة بحدودها، و كذا الشهادة، و إن علم أنّه لا يزور عليه.

و لو نسخ الشهادة و حفظ المكتوب عنده(1) و أمن التّزوير لم يجز له الإقامة ما لم يذكر الشهادة.

ص: 130


1- . هكذا في «أ»: و لكن في «ب»: و لو نسخ الشهادة من حفظه المكتوب عنده.

أمّا رواية الأحاديث، فإنّه لا يعتمد فيها على مجرّد الخطّ إن أمكن التحريف، لكن إن صحّح النسخة، و حفظها بنفسه، و أمن التغيير، فالأقرب جواز الرواية.

و في كلّ صورة يجوز للحاكم الحكم فيها، فإنّه يجوز أن يحكم من غير حضور شاهد يشهد الحكم.

6448. الخامس:

إذا انتفى علم الحاكم بالدّعوى، طلب البيّنة، فإن عرف عدالتها حكم، و إن عرف الفسق أطرح، و إن جهل الأمرين بحث عنهما، و طلب التزكية و إن عرف إسلام الشاهدين.

و لا يجوز له التعويل في الشهادة على حسن الظاهر، بل لا يحكم إلاّ بعد الخبرة الباطنة بحال الشاهدين.

و لو حكم بالظاهر من حال العدالة، ثمّ تبيّن فسقهما(1) وقت الحكم، نقض الحكم.

و لو لم يعرف الحاكم العدالة، فالتمس المدّعي حبس المنكر ليعدلهما، قال الشيخ رحمه اللّه: له ذلك لقيام البيّنة بما ادّعاه(2) و ليس بجيّد، لما فيه من تعجيل العقوبة قبل ثبوت السبب.

6449. السّادس:

يستحبّ السؤال عن التزكية سرّا، فإنّه أبعد من التهمة، لجواز أن يتوسّل الشاهد إلى الاستمالة(3) و التعرّف إلى المزكّي بحسن الحال، ثمّ يشافه القاضي المزكّي ظاهرا في آخر الأمر.

ص: 131


1- . و في «أ»: من حاله العدالة ثمّ تبيّن فسقهما.
2- . المبسوط: 93/8-94.
3- . في «ب»: إلى الاستحالة.

و ينبغي أن يكون للقاضي جماعة من المزكّين أخفياء لا يعرفون.

6450. السّابع:

الاستزكاء حق للّه تعالى، فلو سكت الخصم وجب على القاضي طلبه إلاّ أن يعلم بعدالتهما، فيحكم بعلمه، و لو اعترف الخصم بالعدالة، حكم عليه من غير طلب المزكّي.

و لو قال: إنّهما عدلان لكنّهما زلاّ في هذه القضيّة، فالأقرب الحكم عليه، لاعترافه بالعدالة.

6451. الثامن:

ينبغي للقاضي أن يعرّف المزكّي الشاهدين و الخصمين، لتجويز معرفته بعداوة بينهما.

و هل يشترط إعلامه بقدر المال ؟ الأقرب أنّه ليس كذلك، لأنّه إذا زكّاه في اليسير زكّاه في الجليل، إلاّ على ما اختاره الشيخ رحمه اللّه، من أنّ ولد الزنا تقبل شهادته في اليسير من المال مع فرض عدالته.(1)

6452. التاسع:

لا بدّ للمزكّي من الخبرة الباطنة و المعرفة المتقادمة بحال الشاهد، حتّى تسوغ له تزكيته، و تثبت مطلقة فلا يجب ذكر السبب، فإنّ سبب العدالة لا ينحصر.

و يجب ذكر السّبب في الجرح، لوقوع الخلاف فيه، و لا يفتقر إلى تقادم المعرفة، بل يكفي العلم بسبب الفسق، و لو أسند السبب إلى الزنا أو اللواط، لم يكن قذفا.

و يجب على المزكّي أن يقول: أشهد أنّه عدل مقبول الشهادة، أو هو عدل

ص: 132


1- . النهاية: 326.

لي و عليّ ، فإنّ العدل قد لا تقبل شهادته لغافلته، و لا يكفي أن يقول: لا أعلم منه إلاّ الخير.

و تقبل تزكية الأب لولده و بالعكس، و هل يقبل جرح الولد للوالد؟ الأقرب العدم.

6453. العاشر:

ليس للشاهد أن يشهد بالجرح إلاّ بعد المشاهدة لسبب الفسق(1) أو أن يشيع ذلك بين الناس شياعا موجبا للعلم، و لا يكفي الظنّ في ذلك و إن كثر المخبرون.

أمّا العدالة فيكفي فيها غلبة الظّنّ بانتفاء أسباب الجرح المستندة إلى تأكد الصّحبة و كثرة الملازمة و المعاملة.

و مع ثبوت العدالة يحكم بالاستمرار عليها إلى أن يظهر المنافي، و قيل(2):

إن مضت مدّة يمكن تغيّره فيها، جدّد البحث عنه، و لا تقدير للمدّة بل بحسب ما يراه الحاكم.

6454. الحادي عشر:

لو اختلف الشهود في الجرح و التعديل، حكم بالجرح، لأنّ سببه قد يخفى عن الآخرين.

و لو تعارضت البيّنتان فيهما، قال في الخلاف: يقف الحاكم عن الحكم(3).

ص: 133


1- . في «أ»: بسبب الفسق.
2- . القائل هو بعض العامّة على ما صرّح عليه في الجواهر. لاحظ جواهر الكلام: 126/40.
3- . الخلاف: 219/6، المسألة 12 من كتاب آداب القضاء.

و لو شهد عدل بالجرح و آخران بالتعديل، حكم بالعدالة، و له التوقّف مع الريب، و إذا عدّله المزكّون فللقاضي التوقّف إذا انفرد بتسامع الفسق، لأنّه محلّ الرّيبة.

و يجوز للحاكم التفريق للشهود خصوصا مع الرّيبة.

و إذا كان الشاهد فقيها فله الإصرار على كلمة واحدة، و هو أن يقول:

أعرف عدالتهما، و لا يلزمه التفصيل، و ليس للقاضي إجباره، لكن يبحث عن جهات أخر، فلو أصرّ الشاهد و بحث القاضي، و لم تزل الريبة، وجب القضاء، و ليس له القضاء مع الرّيبة قبل البحث.

6455. الثاني عشر:

صفات المزكّي كصفات الشهود و يزيد أمران: العلم بالجرح و التعديل، و الخبرة الباطنة بحال الشاهد.

و لا بدّ من الذكورة و العدد.

و ينبغي أن يكون المزكّي صاحب عفّة و نزاهة، ذا عقل وافر بريئا من البغضة، لئلاّ يطعن في الشهود، و لا يكون من أهل الهوى(1) و العصبيّة يميل إلى من وافقه على من خالفه.

و إذا شهد عند الحاكم بالعدالة، فله أن يقبل الشهادة من غير كشف و لا سؤال.

و لو أقام المدّعى عليه بيّنة انّ هذين الشاهدين شهدا بهذا الحقّ عند حاكم فردّ شهادتهما بفسقهما، بطلت شهادتهما.

ص: 134


1- . في «ب»: من أهل الأهواء.

و يستحبّ للحاكم أن يسأل عن شهوده كلّ وقت، لأنّ الرجل ينتقل من حال إلى حال.

و لا يقبل شهادة المتوسّمين، و هو أن يحضر مسافران يشهدان عند الحاكم، و لا يعرفهما، و عليهما سيماء الخير.

6456. الثالث عشر:

ليس على الحاكم الثاني تتبّع أحكام المعزول، نعم لو ادّعى المحكوم عليه أنّ المعزول حكم عليه بالباطل، وجب النظر فيه، و كذا لو ثبت عنده ما يبطل حكم الأوّل أبطله، لا فرق في ذلك بين حقوقه تعالى و حقوق الناس.

و لو قضى الأوّل على غريم بضمان مال و أمر بحبسه، فحضر الثاني، نظر فإن كان الحكم موافقا للحقّ أنفذه، و إلاّ أبطله، سواء استند في الحكم إلى دليل قطعيّ أو اجتهاديّ ، و كذا كلّ حكم حكم به الأوّل فظهر للثاني بطلانه، فإنّه ينقضه، و كذا لو كان الخطأ في حكم نفسه نقضه، و يستأنف الحكم بالصّواب.

و لو كان القاضي الأوّل لا يصلح للقضاء، نقضت أحكامه أجمع، سواء أصاب فيها أو أخطأ.

6457. الرابع عشر:

لو قال المعزول بعد العزل: كنت قضيت لفلان، لم يقبل قوله، و لو قال قبل العزل قبل و إن لم تكن بيّنة، لأنّه من أهل الإنشاء في الحال، أمّا لو شهد عدلان بعد العزل على قضائه ثبت، و لو كان هو أحد العدلين لم يقبل إن قال: أشهد أنّي قضيت، و لو قال: أشهد أنّ قاضيا قضى، ففيه نظر.

6458. الخامس عشر:

لو ادّعى رجل على المعزول أنّه أخذ منه رشوة، رفعه إلى القاضي المنصوب، و حكم بينهما.

ص: 135

و لو ادّعى أنّه أخذ منه المال بشهادة فاسقين فكذلك، فإن حضر و اعترف ألزم المال، و إن قال: لم أحكم إلاّ بشهادة عدلين، قال الشيخ رحمه اللّه: يطلب منه البيّنة لاعترافه بنقل المال و ادّعائه المزيل للضمان(1) و فيه نظر، لأنّ الظاهر من الحكّام بذل الجهد(2) و الاستظهار في الأحكام، فيكون القول قوله مع اليمين، لادّعائه الظاهر، و لو ادّعى مجرّد الحكم دون أخذ المال، فالوجه أنّه كالأوّل.

و لو ادّعى الأمين أنّه أخذ شيئا أجرة لم يقبل تصديق المعزول له، لكن يطالب بالزائد عن أجرة المثل، و الأقرب أنّه لا يحلف على قدر أجرة المثل.

و لو ادّعى على شاهدين أنّهما شهدا عليه بزور، أحضرهما الحاكم، فإن اعترفا ألزمهما، و إن أنكرا و أقام المدّعي بيّنة على إقرارهما بذلك فكذلك، و إن لم يقم بيّنة، ففي إحلافهما نظر ينشأ من كونهما منكرين، و على المنكر اليمين، و من تطرّق الدعاوي في الشهادة، (فربما منع ذلك من ردّ الشهادة)(3) و ربما(4)منع ذلك من أداء الشهادة، و الأوّل أقوى.

6459. السّادس عشر:

إذا استعدى رجل على آخر إلى الحاكم لزمه أن يعديه و يستدعي خصمه مع حضوره، و إن لم يحرّر الدعوى، سواء علم بينهما معاملة أو لا، و سواء كان المستعدي ممن يعامل المستعدي عليه أو لا.

و لو كان المستعدى عليه امرأة برزة(5) فكالرّجل، و إن كانت مخدّرة

ص: 136


1- . المبسوط: 103/8.
2- . في «ب»: بذل المجهود.
3- . ما بين القوسين يوجد في «أ».
4- . في «ب»: فربما.
5- . هي الّتي تبرز لقضاء حوائجها.

أمرت بالتوكيل، فإن توجّهت اليمين عليها بعث الحاكم أمينا معه شاهدان فاستحلفها، و إن أقرّت شهدا عليها.

و يجوز أن يبعث الحاكم إلى منزلها من يقضي بينهما، فإن اعترفت للمدّعي أنّها خصمه، حكم بينهما، و إن أنكرت طلب شاهدين من أنسابهما يشهدان أنّها المدّعى عليها، ثمّ يحكم بينهما من وراء السّتر، فإن لم تكن [له] بيّنة التحفت بجلباب و أخرجت من وراء الستر.

و إن كان المدّعي عليه غائبا في غير ولايته، لم يكن له أن يعدي عليه، و له الحكم عليه.

و إن كان في ولايته و له في بلده خليفة، أثبت الحقّ عنده، و كتب به إلى خليفته، و لم يحضره.

و إن لم تكن هناك بيّنة نفذه إلى خليفته، ليحكم بينه و بين خصمه، و إن لم يكن له خليفة، و كان فيه من يصلح للقضاء، أذن له في الحكم بينهما، و إن لم يكن له فيه من يصلح للقضاء، طولب بتحرير الدّعوى، لاحتمال ادّعاء ما ليس بحقّ ، كالشفعة للجار، فيلزمه المشقّة بالإحضار بغير حق بخلاف الحاضر في البلد، فإذا حرّر الدّعوى طلب خصمه بعدت المسافة أو قربت.

و لو كان حاضرا و اختفى، نادى رسول الحاكم ثلاثا أنّه إن لم يحضر ختم على بابه، و يجمع أهل محلّته و أشهدهم على أعذاره، فإن لم يحضر، و سأل المدّعي ختم بابه ختمها، فإن لم يحضر حكم عليه، كما يحكم على الغائب.

ص: 137

و لو ادّعى أحد الرعية على القاضي، فإن كان هناك إمام رافعه إليه، و إن لم يكن و كان في غير ولايته، رافعه إلى قاضي تلك البقعة، و إن كان في ولايته رافعه إلى خليفته.

6460. السّابع عشر:

ينبغي للحاكم أن يفرّق بين الشهود، و يستحبّ فيمن لا قوّة له أو في موضع الريبة، أمّا إذا كان الشهود من أهل الفضل و البصيرة، فإنّه يكره للحاكم ذلك.

و لا يجوز له أن يتعتع الشاهد بأن يداخله في التلفّظ بالشهادة أو يتعقّبه، بل يصبر عليه حتّى ينهي(1) الشهادة، فإن تلعثم(2) أو تردّد لم يجز له ترغيبه بالشهادة، و لا تزهيده عنها، و كذا يحرم عليه منع الغريم عن الإقرار بحقّ آدميّ ، و يجوز في حقّ اللّه تعالى كما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ل «ماعز»:

«لعلّك قبّلتها، لعلّك لمستها»(3).

و هو يؤذن بكفّه عن الإقرار و منعه عنه.

و له وعظ الشاهدين مع الرّيبة.

6461. الثامن عشر:

لو نسي القاضي الحكم فشهد عنده عدلان بأنّه قضى، ففي القبول نظر ينشأ من إمكان رجوعه إلى العلم، لأنّه يرجع إلى فعله، فلا يقبل فيه الظّنّ ، كالشهادة لو نسيها فشهد عنده عدلان بأنّه قد شهد، و من قبول هذه

ص: 138


1- . في «أ»: ينتهي.
2- . يقال: تلعثم في الأمر: توقف فيه و تأنّى (المنجد).
3- . مسند أحمد: 238/1، سنن أبي داود: 146/4 برقم 4422، سنن البيهقي: 226/8.

الشهادة لو شهدا عند غيره فكذا عنده، و لو شهدا بالحكم عند غيره أنفذه إن لم ينكر و لم يكذّبهما.

أمّا في الرواية فيجوز مع نسيان المرويّ عنه، كما نقل عن بعضهم أنّه كان يقول: حدّثني فلان عنّي.

و لو ادّعى إنسان على قاض انّك قضيت لي فأنكر، لم يكن له رفعه إلى قاض آخر، و لا يتوجّه عليه اليمين كالشاهد إذا أنكر الشهادة.

6462. التّاسع عشر:

إذا اعترف الغريم فقال المقرّ له للحاكم: اشهد لي على إقراره شاهدين، لزمه ذلك، لاحتمال نسيانه.

و لو ثبت عنده حقّ بنكول المدّعى عليه و يمين المدّعي، و سأله المدّعي أن يشهد على نفسه لزمه.

و لو ثبتت عنده بيّنة فسأله الإشهاد، احتمل اللزوم، لاشتمال الحكم(1)على تعديل البيّنة، و عدمه إذ بالحقّ بيّنة [فلا يحتاج إلى جعل بيّنة أخرى].

و لو حلف المنكر و سأل الحاكم الإشهاد على خروجه عن العهدة، لزمه، و في جميع ذلك لو سأل الكتابة احتمل اللزوم، لأنّه وثيقة فهو كالإشهاد، إذ هو مذكّر للشاهدين، و عدمه، إذ لا اعتبار بالخطّ، و إنّما المرجع إلى الذكر.

و إذا كتب صورة الواقعة ذكر الواقعة، و أسماء الخصمين و حالهما(2) إن لم

ص: 139


1- . أي لأنّ حكم القاضي مبنيّ على عدالة البيّنة الأولى، و في الإشهاد، إثبات لتعديلها.
2- . الظاهر أنّ المراد به حليتهما.

يعرفا، فإن سأل صاحب الحقّ الحاكم أن يحكم بما ثبت في المحضر الّذي نسخ فيه صورة الواقعة، لزمه الحكم به و إنفاذه فيقول: حكمت له به، أو ألزمته الحقّ و أنفذت الحكم به، فإن طالبه أن يشهد له على حكمه لزمه.

و يجمع محاضر كلّ أسبوع و وثائقه و حججه في إضبارة(1) و يكتب عليها أسبوع كذا، و يجعل محاضر الشهر في كيس، و يكتب عليه محاضرة شهر كذا، ثمّ يجمع ما للسنة، فيكتب عليه قضايا سنة كذا، ليكون إخراج ما يحتاج إليه أسهل عند طلبه، و يكتب نسخة أخرى في يد المدّعي بحيث توجد إحداهما لو ضاعت الأخرى.

و ينبغي للحاكم إطلاق ثمن الكاغذ من بيت المال، و إن لم يكن هناك فضل، أحضر الملتمس، و لا يجب على الحاكم دفع القرطاس من خاصّته، و مع حضور الكاغذ يجب على الحاكم الكتابة.

6463. العشرون:

يستحبّ للخصمين الجلوس بين يدي الحاكم، و لو كانا قائمين بين يديه جاز، و ليس له أن يجلس أحدهما دون الاخر مع تساويهما في الإسلام و الكفر.

ص: 140


1- . قال الفيومي: و عنده إضبارة من كتب - بكسر الهمزة -: أي جماعة و هي الحزمة. المصباح المنير: 2/2.

الفصل الرّابع: في كيفيّة الحكم و فيه سبعة مباحث:

6464. الأوّل:

الدعوى إن كانت بوصيّة أو إقرار سمعت و إن كانت مجهولة، و إن كانت في غيرهما قال الشيخ رحمه اللّه: لا تسمع إلاّ محرّرة، فلو ادّعى شيئا مجهولا، لم يسمع، لأن الحاكم يسأل المدّعى عليه، فإن اعترف به لزمه، و لا يمكنه أن يلزمه بالمجهول.(1) و فيه نظر، و على قوله رحمه اللّه إن كانت الدعوى أثمانا افتقر إلى ذكر الجنس و النوع و القدر، فيقول: عشرة دنانير مصريّة صحاحا، مثلا و إن كانت من العروض المثليّة ضبطها بالصفات، و لا يحتاج إلى ذكر القيمة، و إن لم يكن مثليّا وجب ذكر القيمة.

و لو كان المدّعى به تالفا، فإن كان مثليّا ادّعى مثله، و ضبطه بالوصف، و إن لم يكن مثليّا ادّعى القيمة، لأنّها تجب بتلفه، و إن ادّعى جرحا له أرش معلوم، صحّ ذكر الجرح و إن لم يذكر الأرش، و إن لم يكن مقدّرا وجب ذكر الأرش.

و لو ادّعى على أبيه دينا لم تسمع حتّى يدّعي موت أبيه و أنّه ترك شيئا في يد ولده بقدر الدّين، و لو كان فيه وفاء للبعض، ذكر ذلك القدر، و لو جهل المدّعي تحرير الدّعوى فهل للقاضي تلقينه التحرير؟ فيه نظر، أقربه الجواز، لأنّ ذلك تحقيق للدّعوى.

ص: 141


1- . المبسوط: 156/8.

و هل يشترط إيراد الدّعوى بصورة الجزم أو يكفي قوله: أظنّ أو أتوهّم ؟ فيه نظر، فإن قلنا بسماعها لم يكن له الحلف بالرّد و لا مع إقامة شاهد واحد، بل تجب البيّنة عليه أو يحلف المنكر، و ليس للمنكر حينئذ الردّ، بل إمّا أن يحلف أو يخرج عن الحقّ ، و فيه إشكال.

6465. الثاني:

إذا حرّر المدّعي دعواه، فللحاكم أن يسأل خصمه عن الجواب، و يحتمل توقّف ذلك على التماس المدّعي، لأنّه حقّه فيتوقّف على المطالبة، و الأوّل أقرب، لأنّ شاهد الحال يدلّ عليه، فإنّ إحضاره و الدّعوى إنّما يراد ليسأل الحاكم الغريم فيقول لخصمه: ما تقول فيما يدّعيه، أو ما عندك فيه ؟ فإن أقرّ لزم الحقّ ، و إن لم يقل الحاكم: قضيت، بخلاف البيّنة لأنّها تتعلّق باجتهاد الحاكم، و ليس للحاكم أن يحكم عليه الاّ بمسألة المدّعي، لأنّه حقّه، فيتوقّف استيفاؤه على مطالبته، و يحتمل أن يحكم عليه من غير مسألة.

أمّا لو كان المدّعي جاهلا بمطالبة الحاكم، فإنّ الحاكم يحكم عليه أو ينبّهه على ذلك، لئلاّ يضيع حقّه بجهله، فيترك المطالبة.

و كيفيّة الحكم أن يقول: قد ألزمتك ذلك، أو قضيت عليه، أو اخرج إليه من ماله، أو ادفعه إليه.

و إن طلب المدّعي أن يكتب الإقرار، كتب له إن كان يعرفه بنسبه، أو يشهد عنده شاهدان عدلان بالنسب، و لو شهد عليه بالحلية جاز و إن لم يعرف النسب.

و إن استوفى الحقّ من المحكوم عليه، فقال للحاكم: اكتب لي محضرا بقبض الحقّ منّي لئلاّ يطالبني الخصم مرّة أخرى في موضع آخر، فالوجه وجوب إجابته.

ص: 142

و لو قال: أريد الكتاب الّذي ثبت به الحقّ ، لم يلزم المدّعي دفعه إليه، لأنّه ملكه، و لاحتمال خروج العوض مستحقّا فيعود إلى ماله، و كذا كلّ من كان له كتاب بدين فاستوفاه، أو عقار باعه، لم يلزمه دفع الكتاب.

و لو ادّعى المقرّ الإعسار، فإن صدّقه غريمه، أو ثبت بالبيّنة، أو عرف حاله، أنظر حتّى يوسر، و في رواية: يسلم إلى غرمائه ليستعملوه أو يؤاجروه(1).

و إن جهل حاله بحث الحاكم عنه، ثمّ إن عرف له أصل مال أو كانت الدّعوى مالا حبس حتّى يثبت إعساره، و إن لم يعرف له أصل مال و لا كانت الدّعوى مالا، فالقول قوله مع اليمين.

6466. الثالث:

إن أنكر الخصم و قال: لا حقّ للمدّعي عليّ ، فإن كان المدّعي عارفا بأنّه موضع المطالبة بالبيّنة، تخيّر الحاكم بين السكوت و بين قوله: أ لك بيّنة ؟ و إن كان جاهلا قال الحاكم: ذلك، فإن قال: لا بيّنة لي، قال له الحاكم: لك يمينه، فإن سأل الإحلاف أحلفه الحاكم.

و ليس للحاكم أن يستحلفه قبل مسألة المدّعي، لأنّه حقّه، فليس له استيفاؤه من غير مطالبة مستحقّه، فإن أحلفه الحاكم قبل طلب المدّعي، أو بادر الخصم فحلف، وقعت يمينه لاغية، و أعادها الحاكم مع مطالبة المدّعي بها.

و ان أمسك المدّعي عن إحلاف المنكر، ثمّ أراد إحلافه بالدّعوى المتقدّمة جاز، لأنّه يسقط حقّه منها، و إنّما أخّرها.

و إن قال: أبرأتك من هذه اليمين، سقط حقّه منها في هذه الدّعوى، و له أن

ص: 143


1- . الوسائل: 148/13، الباب 7 من أبواب أحكام الحجر، الحديث 3.

يستأنف الدّعوى، لأنّ حقّه لا يسقط بالإبراء من اليمين، فإن استأنف الدّعوى و أنكر الخصم، فله إحلافه، لأنّ هذه الدّعوى مغايرة للّتي أبرأه من اليمين فيها، فإن حلف سقطت الدّعوى، و لم يكن للمدّعي إحلافه غيرها(1) في هذا المجلس و لا في غيره، و كذا لو أبرأه من الحقّ الّذي ادّعاه.

6467. الرابع:

إذا حلف المنكر عند الحاكم بسؤال المدّعي، سقطت الدّعوى عنه، فإن عاود المطالبة أثم و لم تسمع دعواه.

و لو ظفر للغريم بمال لم يحلّ له أخذ شيء منه.

و لو أقام بيّنة [بما حلف عليه المنكر] لم تسمع، و قيل: يعمل بها ما لم يشترط المنكر سقوط الحقّ باليمين(2) و قيل: إن نسي بيّنة سمعت(3) و المرويّ الأوّل(4).

و لو أقام بعد الإحلاف شاهدا واحدا و بذل اليمين معه، لم يكن له ذلك.

نعم لو أكذب الحالف نفسه جاز مطالبته، و حلّت مقاصّته بما يجده له، مع امتناعه عن التسليم.

و لو ادّعى صاحب الحقّ أنّ الحالف أكذب نفسه، فأنكر، كانت دعوى مسموعة يطالب فيها بالبيّنة و المنكر باليمين.

6468. الخامس:

لو امتنع المنكر من اليمين بعد طلب المدّعي و توجّهها عليه،

ص: 144


1- . في «ب»: غير هذا.
2- . القائل هو الشيخ المفيد في المقنعة: 733.
3- . ذهب إليه الشيخ في المبسوط: 210/8.
4- . الوسائل: 178/18، الباب 9 من أبواب كيفيّة الحكم، الحديث 1.

فلم يحلف، و ردّ اليمين على المدّعي، لزم المدّعي الحلف، فإن حلف ثبت حقّه، و إن نكل سقطت دعواه.

و إن نكل المنكر فلم يحلف و لم يردّ، قال له الحاكم: إن حلفت، و إلاّ جعلتك ناكلا، ثلاث مرّات، استظهارا لا وجوبا، فإن حلف برئ، و إن ردّ فكذلك.

و إن بقي على النكول قيل: يقضي عليه بالنكول(1) و قيل: يردّ اليمين على المدّعي، فإن حلف ثبت حقّه و إن امتنع سقط(2) و هو الأقوى.

و لو بذل المنكر اليمين بعد النكول، لم يلتفت إليه.

6469. السّادس:

لو قال المدّعي عند سؤال الحاكم له، أ لك بيّنة ؟: نعم، جاز للحاكم أن يقول له: احضرها، فإذا حضرت لم يسألها الحاكم عن شيء ما لم يلتمس المدّعي، و مع الإقامة لا يحكم إلاّ بسؤال المدّعي و إن عرف العدالة، و بعد أن يسأل المنكر عن الجرح، فإن قال: نعم، و سأل الإنظار [في إثباته]، أنظره ثلاثة أيّام، فإن أقام بيّنة بالجرح سقطت البيّنة، و عادت المنازعة، و إن تعذّر الجرح، حكم بعد سؤال المدّعي.

و لا يستحلف المدّعي مع البيّنة إلاّ أن تكون الشهادة على ميّت، فيستحلف على بقاء الحقّ في ذمّته استظهارا، و الأقرب أنّ الصبيّ و المجنون و الغائب كذلك.

ص: 145


1- . ذهب إليه المفيد في المقنعة: 724، و الشيخ في النهاية: 340.
2- . و هو خيرة الشيخ في المبسوط: 159/8؛ و الخلاف: 290/6، المسألة 38 من كتاب الشهادات و القاضي في المهذّب: 585-586.

و يدفع الحاكم من مال الغائب قدر الحقّ بعد التكفيل للقابض.

و لو قال المدّعي: لي بيّنة و هي غائبة، خيّره الحاكم بين الصبر حتّى يحضر و بين إحلاف الغريم، و لو سأل حبسه أو كفيلا حتّى يحضر بيّنته لم يلزم إجابته.

و لو أقام المدّعي البيّنة، و لم تثبت عدالتها، و سأل حبس غريمه أو مطالبته بكفيل حتّى يثبت عدالتها، لم يكن له ذلك، أمّا لو أقام شاهدا واحدا و ثبتت عدالته، و كان الحقّ لا يثبت إلاّ بشاهدين، لم يحبس الغريم أيضا، و لو كان [الحقّ ] يثبت بشاهد و يمين، ثمّ سأل ذلك قال الشيخ: يجاب إليه لأنّه يمكنه إثبات حقّه باليمين.(1) و ليس بجيّد لأنّه إلزام بحقّ لم يثبت موجبه.

و لو أقام المدّعي شاهدا واحدا، و رضي بيمين المنكر، فإن عاد قبل إحلاف المنكر فبذل اليمين، احتمل إجابته إلى ذلك و عدمها.

6470. السابع:

لو لم يقرّ الخصم و لم ينكر، و سكت، فإن كان لآفة من طرش(2) أو خرس، توصّل الحاكم الى معرفة جوابه بالإشارة المفيدة لليقين، فإن افتقر إلى المترجم وجب اثنان عدلان.

و إن كان [سكوته] عنادا حبس حتّى يجيب، و قيل: يقهر على الجواب(3)و قيل: بل يقول الحاكم: إمّا أن تجيب و إمّا أن أجعلك ناكلا، و أردد اليمين على المدّعي،(4) فإن أصرّ، ردّ الحاكم اليمين على المدّعي، و الأوّل مرويّ .(5)

ص: 146


1- . لاحظ المبسوط: 255/8.
2- . الطرش: الصمم. المصباح المنير: 20/2.
3- . قال في الجواهر: «و إن كنّا لم نعرف قائله» جواهر الكلام: 207/40.
4- . ذهب إليه الشيخ في المبسوط: 160/8.
5- . كذا في الشرائع أيضا، قال الشهيد الثاني: «لم نقف على روايته». المسالك: 466/13.

الفصل الخامس: في القضاء على الغائب و فيه ثمان مباحث:

6471. الأوّل:

يقضى على الغائب عن مجلس الحكم مطلقا، سواء كان مسافرا أو حاضرا - و قيل:(1) يعتبر في الحاضر تعذّر حضوره عن مجلس الحكم - سواء كان للغائب وكيل أو شفيع أو لم يكن.

6472. الثاني:

لا بدّ و أن تكون الدّعوى على الغائب معلومة، بأن يعيّن جنس المال و قدره، و أن تكون صريحة، بأن يقول: إنّي مطالب به، و لا يكفي قوله: لي عليه كذا.

و لا بدّ من أن تكون معه بيّنة، و يدّعي جحود الغائب، فلو أقر أنّه معترف لم تسمع بيّنته إلاّ لأخذ المال، و لو لم يتعرّض لجحوده، احتمل السماع و عدمه.

و لو اشترى شيئا فخرج مستحقّا، و البائع غائب سمعت بيّنته و إن لم يدّع الجحود.

6473. الثالث:

قد بيّنا أنّ الأقوى وجوب إحلاف المدّعي على الغائب مع البيّنة على بقاء الحق و عدم الإبراء و الاستيفاء، و لا يجب التعرّض في اليمين لصدق الشهود.

ص: 147


1- . القائل هو الشيخ في المبسوط: 162/8.

و لو ادّعى وكيله على الغائب فلا يمين، و يسلّم الحقّ .

و لو ادّعى وكيل الغائب على الحاضر، فقال: أبرأني موكّلك الغائب أو سلّمت إليه، لم ينفعه، و يسلّم المال ثمّ يثبت الإبراء، أو يصبر إلى أن يحلف الغائب، و إلاّ أدّى إلى تعذّر استيفاء الحقوق بالوكالة مع الغيبة، و يحتمل التوقّف لإمكان الأداء.

6474. الرابع:

إنّما يقضى على الغائب في حقوق الناس، كالدّيون، و العقود، و الأرش، و القصاص، أمّا حقوق اللّه تعالى كالحدّ في الزنا و اللواط و شبههما، فلا.

و لو اشتمل الحكم على الحقّين، قضي بالمختصّ بالناس، كغرم المال في السرقة، دون القطع فيها.

و للحاكم أن يتصرّف في المال الحاضر لليتيم الغائب عن ولايته، و له نصب قيّم في ذلك المال.

6475. الخامس:

إذا سمع البيّنة فحضر الغائب قبل الحكم، عرّفه الحاكم الدّعوى و البيّنة و العدالة، فإن اعترف حكم عليه باعترافه، و إن ادّعى القضاء أو الإبراء أو الجرح أجّل ثلاثة أيّام ليأتي بالبيّنة على ذلك، فإن أقام البيّنة، و إلاّ حكم عليه.

و إن حضر بعد الحكم، فإن اعترف ألزمه، و إن أقام بيّنة بالقضاء أو الإبراء برئ، و إن جرح الشهود لم يسمع منه حتّى يثبته مقيّدا، و هو أنّ الفسق كان موجودا حال الحكم أو قبله، لجواز تجدّده بعده.

6476. السّادس:

إذا أقرّ المحكوم عليه أنّه هو المشهود عليه ألزم، و إن أنكر

ص: 148

و كانت الشهادة بوصف تحتمل المشاركة فيه غالبا، فالقول قوله مع اليمين إلاّ أن يقيم المدّعي البيّنة أنّه الغريم.

و إن كان الوصف ممّا تندر المشاركة فيه، لم يلتفت إلى إنكاره.

و لو ادّعى أنّ في البلد من يشاركه في الوصف أو في الاسم و النسب، كلّف بيانه، فإن كان حيّا كلّف إحضاره و يسأل، فإن اعترف أنّه الغريم ألزم و أطلق الأوّل، و إن أنكر وقف الحكم حتّى يظهر، إمّا بأن يحضر الشهود و يشهدون على العين، أو بأن يذكروا مزيّة لأحدهما يتميّز بها عن صاحبه.

و إن كان المساوي(1) ميّتا، فإن دلّت الحال على براءته بأن يقادم عهد موته عن الواقعة أو عن الغريم، ألزم الأوّل، و إن اشتبه، أخّر الحكم حتّى يظهر.

6477. السّابع:

المحكوم به إذا كان غائبا، فإن كان دينا، ميّزه بالقدر و الجنس، و إن كان عقارا ميّزه بالحدّ، أمّا ما عداهما من الأقمشة و الرقيق و الحيوان، احتمل الحكم على عينه بعد تمييزه بالصّفات النادرة الاشتراك، خصوصا إذا عسر اجتماعها كالمحكوم عليه.

و احتمل تعلّق الحكم بالقيمة، فلا يجب ذكر الصفات.

و يحتمل عدم الحكم، بل يسمع البيّنة و يكتب إلى القاضي الاخر ليسلّم العبد الموصوف إليه ليحمله إلى بلد الشهود ليعيّنوه بالإشارة.

و لا يجب على سيّد العبد ذلك بل يكلّف المدّعي إحضار الشهود

ص: 149


1- . المراد من المساوي: من يشاركه في الوصف أو في الاسم و النّسب.

ليشهدوا بالعين، فإن تعذر إحضارهم، لم يجب حمل العبد إلى بلدهم و لا بيعه على من يحمله.

و لو رأى الحاكم ذلك صلاحا جاز، فإن تلف العبد قبل الوصول أو بعده و لم يثبت دعواه، ضمن المدّعي قيمة العبد و أجرته.

و إذا حمله الحاكم للمصلحة ألزم الغريم بكفيل ليأخذ العبد من صاحب اليد أو بالقيمة ثمّ يستردّها إن ثبت ملكه فيه.

و لو كان المحكوم عليه و العبد حاضرين إلاّ أنّ المدّعى عليه لم يحضره مجلس الحكم،(1) طولب باحضاره بعد قيام الحجّة بالصّفة، و إن عرف القاضي العبد، حكم بعلمه من دون الإحضار.

و إن أنكر وجود مثل هذا العبد في يده، طولب المدّعي بالبيّنة على أنّه في يده، فان أقام أو حلف بعد النكول، حبس إلى أن يحضره أو يدّعي التّلف، [و تؤخذ منه القيمة] فإذا حضر أعاد الشهود الشهادة على العين.

و لو حلف المنكر أنّه ليس في يده هذا العبد الموصوف، و لا بيّنة، بطلت الدعوى.

و لو شهدت البيّنة أنّ العبد الّذي في يده للمدّعي، ثبت الحكم، و لا حاجة إلى الوصف.

6478. الثامن:

أجمع علماؤنا على أنّه لا اعتبار بكتاب قاض إلى قاض، و لا يجوز العمل به، أمّا إذا حكم الحاكم، و شهد بحكمه عدلان،

ص: 150


1- . كما إذا كان العبد في البلد و لم يحضر مجلس الحكم.

و حضرا الخصومة و كيفيّة الحكم، و أشهدهما على حكمه، ثمّ أقاما البيّنة(1)عند حاكم آخر، ثبت ذلك الحكم عند المشهود عنده(2) و أنفذ الثاني ما ثبت عنده، لا أنّه يحكم بصحّة الحكم في نفس الأمر، و إنّما يمضي ما حكم به الأوّل لتنقطع الخصومة.

و إن لم يحضر الشاهدان الحكومة، بل حكى القاضي لهما و أشهدهما على حكمه، ففي القبول نظر، و كذا الإشكال لو أخبر الحاكم حاكما آخر بأنّه ثبت عنده كذا، و أنّه حكم به، أمّا لو أخبره أنه ثبت عنده و لم يخبره بالحكم، فإنّه لا ينفذه قطعا.

و لا اعتبار بالكتابة، سواء كان الكتاب مختوما أو لا.

و لو تغيّرت حال الأوّل بموت أو عزل، لم يقدح ذلك في العمل بحكمه، أمّا لو تغيّرت بفسق فإنّه لا اعتبار بحكمه، و ما سبق إنفاد حكمه على فسقه يقرّ عليه.

و لا اعتبار بتغيّر المكتوب إليه، فلو حكم و شهد بحكمه عدلان، و كتب صورة الحكم إلى آخر فتغيّرت حال الثاني، لم يبطل حكم الأوّل، و جاز لكلّ من ثبت عنده حكمه بشهادة الشاهدين إنفاذ ما حكم به.

و لو شهد الشاهدان بتفصيل الحكم بخلاف ما في الكتاب جاز، لأنّه لا

ص: 151


1- . أي أقاما الشهادة من أنّ هذا كتاب فلان القاضي إليك أشهدنا على نفسه بما فيه، لأنّه قد يكون كتابه غير الّذي أشهدهما عليه. و لاحظ المبسوط: 123/8-124.
2- . في هامش «أ»: عند المشهود.

عبرة بالكتاب، نعم لو حدث للقاضي الثاني الريبة، توقّف في الحكم.

و لو قال القاضي: اشهدا بأنّ ما في هذا الكتاب خطّي لم يكف، و كذا لو قال: ما في الكتاب حكمي، نعم لو قرأه عليهما، و فصّل لهما ما فيه، و حضرا الخصومة و الحكم، جاز لهما الشهادة، فيكون المعتبر حينئذ ما علماه لا ما في الكتاب.

و لو قال المقرّ له(1): اشهد عليّ بما في القبالة فأنا عالم به، ففي الاكتفاء به نظر، فإن قلنا به فلا بدّ و أن يحفظ الشاهد القبالة أو ما فيها.

و إذا كتب الأوّل فليذكر في الكتاب اسم المحكوم عليه و اسم أبيه و جدّه و حليته(2)، بحيث يتميّز عن غيره، فان أنكر المأخوذ كونه مسمّى بذلك الاسم، حلف و انصرف القضاء عنه، و إن نكل حلف المدّعي، و توجّه الحكم عليه.

و لو لم يحلف على نفي الاسم بل على أنّه لا يلزمني شيء، لم يقبل.

و لو قصر القاضي فكتب: إنّي حكمت على جعفر بن محمّد، فالحكم باطل، حتّى لو أقرّ رجل بأنّه جعفر بن محمّد و أنّه المقصود بالكتاب، و لكن أنكر الحقّ ، لم يلزمه شيء بالقضاء المبهم.

و لو لم يحكم الأوّل و لكن اقتصر على سماع البيّنة، لم يفد شيئا، و افتقر الثاني إلى سماع البيّنة أيضا.

ص: 152


1- . في «ب»: المقرّ.
2- . في «ب»: و تحلّيه.

الفصل السّادس: في الدعاوى و البيّنات

اشارة

مدار هذا الفصل على خمسة مطالب: الدّعوى، و الجواب، و اليمين، و النكول، و البيّنة.

المطلب الأوّل: في الدعوى و فيه عشرة مباحث:

6479. الأوّل:

من كان له عين في يد غيره، كان له انتزاعها و لو قهرا ما لم تحصل فتنة، و لا يفتقر إلى إذن الحاكم.

أمّا العقوبة فيقف استيفاؤها على إذن الحاكم.

و أمّا الدّين فإن كان الغريم مقرّا به باذلا له، لم يكن لصاحبه الأخذ من دون إذن الغريم أو الحاكم، لأنّ الغريم مخيّر في جهة القضاء، فلا يتعيّن الحقّ إلاّ بتعيّنه أو تعيين الحاكم مع غيبته.

و لو كان الغريم معترفا مماطلا، أو جاحدا، أو هناك(1) بيّنة يثبت عند الحاكم، و الوصول إليه ممكن، ففي جواز الأخذ من دون الحاكم تردّد ينشأ من جواز الاقتصاص مطلقا، و من كون التعيين منوطا بنظر الغريم أو الحاكم، و نصّ الشيخ رحمه اللّه على الجواز(2).

ص: 153


1- . في «أ»: و هناك.
2- . الخلاف: 355/6، المسألة 28 من كتاب الدعاوي و البيّنات؛ المبسوط: 311/8.

و لو كان جاحدا و لا بيّنة هناك، أو تعذّر الوصول إلى الحاكم، و وجد الغريم من جنس ماله، جاز له الأخذ مستقلاّ بقدر حقّه، سواء كان المال وديعة عنده أو لا، و منع الشيخ رحمه اللّه من الأخذ من الوديعة(1) و الوجه الكراهية.

و لو كان المال من غير الجنس جاز أن يأخذ بقدر حقّه بعد التقويم بالقيمة العدل، و لا اعتبار حينئذ برضا المالك.

و إذا أخذ ما يساوي دينه باعه و قبض الدين من الثمن، و كان كالوكيل عن المالك.

فإن تلفت [العين] قبل البيع، قال الشيخ رضي اللّه: الأليق بمذهبنا عدم الضمان(2) و هو وجه، و يحتمل الضمان، لأنّه قبض لم يأذن فيه المالك فيتقاصّان حينئذ، و ليس له الانتفاع قبل البيع، و عليه المبادرة إلى البيع، فلو قصّر و نقصت القيمة ضمن النقصان، و لا يضمن ما ينقص قبل التقصير.

و لو أخذ ما يزيد على مقدار حقّه فهو من ضمانه، إلاّ مع التعذّر، بأن يكون حقّه مائة و لم يجد سوى سيف يساوي مائتين أو جارية كذلك، فالأقرب هنا عدم الضمان، و كذا لو احتاج الى نقب جداره، فالأقرب أنّه لا يضمن النقب، لاحتياجه إليه.

و لو كان حقّه صحاحا فوجد المكسور، جاز أن يتملّك و يرضى به، و لو كان بالعكس، فليس له التملّك و لا البيع بالمكسور مع التفاضل، للربا، بل يبيعه بالدنانير، و يشتري بها من الدراهم قدر حقّه.

ص: 154


1- . النهاية: 307.
2- . المبسوط: 311/8.

و لو استحقّ كلّ واحد منهما على صاحبه ما لا يحصل التقاصّ فيه إلاّ بالتراضي فجحد أحدهما فللآخر أن يجحد.

6480. الثاني:

المدّعي هو الّذي يخلّى و سكوته،(1) و قيل: الّذي يدّعي خلاف الظاهر، أو خلاف الأصل(2).

و تظهر الفائدة في الزوجين إذا أسلما قبل الدخول، و ادّعى الزّوج المعيّة في الإسلام، ليدوم النكاح، و ادّعت المرأة التّعاقب.

فإن عرّفنا المدّعي بالأوّل، فالمدّعي هنا المرأة، لأنّ الزوج لا يخلّى و سكوته.

و إن عرّفناه بالثاني، فالمدّعي الزوج، لأنّه الّذي يدّعي خلاف الظاهر، فإنّ الاصطحاب نادر، و الجليّ هو التعاقب في الإسلام.

إذا عرفت هذا فالمنكر في مقابلته.

6481. الثالث:

يشترط في المدّعي البلوغ، و كمال العقل، و أن يدّعي لنفسه، أو لمن له ولاية الدعوى عنه، بأن يكون وكيلا أو وصيّا أو وليّا أو حاكما أو أمينه، و أن يدّعي ما يصحّ تملّكه له أو لمن يدّعي عنه.

فلو ادّعى الصغير أو المجنون أو من لا ولاية له عليه، أو ادّعى خمرا أو خنزيرا و كان مسلما، لم تسمع دعواه.

و لا بدّ من صحّة الدّعوى، فلو ادّعى أنّ له عليه شيئا، لم تسمع.

و لو قال: وهب منّي لم يسمع حتّى يدّعي القبض، و كذا لو قال: وقف عليّ أو رهن عندي إن قلنا باشتراط القبض في الرهن.

ص: 155


1- . أي لو ترك إقامة الدّعوى، لانتهى الأمر.
2- . كما في الشرائع: 106/4. و لاحظ الأقوال حول المدّعي و المنكر في الجواهر: 374/40.

و لو ادّعى البيع افتقر إلى أن يقول: و يلزمه التسليم إليّ ، لجواز الخيار، فيحلف المنكر أنّه لا يلزمه التسليم.

6482. الرابع:

لو قامت عليه البيّنة بملك أو حقّ ، فليس له أن يحلف المدّعي مع البيّنة ما لم يقدّم دعوى صحيحة، كبيع أو إبراء.

و لو ادّعى فسق الشهود، و علم الخصم به، أو فسق الحاكم الّذي حكم عليه، ففي السماع تردّد، ينشأ من أنّه ليس حقا لازما، و لا يثبت بالنكول و لا اليمين المردودة، و لأنّه يثير فسادا. و من أنّه ينتفع به في حقّ لازم، كما لو قذف ميّتا و طلب الوارث الحدّ، فادّعى علمه بزناه.

و لو ادّعى الإقرار، ففي تحليف منكره إشكال ينشأ من أنّ الإقرار لا يثبت حقّا في نفس الأمر، بل يقضى به ظاهرا، و ليس الإقرار عين الحقّ ، و كذا لو قال بعد قيام البيّنة قد أقرّ لي بهذا، و كذا لو توجّه اليمين على المدّعى عليه، فقال قد حلّفني عليه مرّة، و أراد أن يحلفه عليه، ففي سماع هذه الدعاوى إشكال.

و لا تسمع الدّعوى على القاضي و الشاهد بالكذب، لما في ذلك من الفساد العظيم.

6483. الخامس:

لو قال المنكر بعد قيام البيّنة: أمهلوني فلي بيّنة رافعة حتّى أحضرها، أجلّ ثلاثة أيّام.

و لو قال: أبرأني عن الحقّ ، فحلفوه سمع، و أحلف المدّعي على عدم الإبراء قبل الاستيفاء.

و لو قال: أبرأني عن الدعوى لم تسمع.

ص: 156

و لو قال: أبرأني موكّلك استوفى في الحال.

6484. السادس:

لا تفتقر صحّة الدعوى إلى التفصيل من كلّ وجه في نكاح و لا غيره إلاّ في دعوى القتل، لعظم خطره(1) و عدم استدراك فائته.

فلو قالت: هذا زوجي كفى في ادّعاء النكاح، و إن لم يضم إليه دعوى شيء من حقوق الزوجيّة.

و لو ادّعى البيع لم يفتقر إلى ضمّ قيد الصحّة.

و لو أنكر الزّوجية بعد ادّعائها لم يكن ذلك طلاقا، فلو رجع سلّمت الزوجة إليه، و لو بقي على إنكاره لم تنتف الدّعوى إلاّ باليمين، فإن نكل قضي عليه بالنكول على أحد قولي علمائنا و على الاخر يردّ اليمين على الزوجة، فإذا حلفت ثبتت الزّوجية، و في تمكين الزوج منها إشكال ينشأ من إقراره على نفسه بتحريمها، و من حكم الحاكم بالزوجيّة، و كذا البحث لو كان المدّعي للزوجية هو الرّجل.

6485. السابع:

لو ادّعى أنّ هذه بنت أمته لم تسمع، لاحتمال أن تلدها في ملك غيره، أو حرّة ثمّ تنتقل إليه، و كذا لو قال: ولدتها في ملكي، لاحتمال أن تكون حرّة أو ملكا لغيره، و لو أقام بيّنة بذلك لم تسمع ما لم تشهد بأنّ البنت ملكه، و كذا البحث لو قال: هذه ثمرة نخلتي، أو هذه بيضة دجاجتي.

و لو أقرّ من في يده الجارية أو الثمرة أنّ هذه بنت جاريته أو ثمرة نخلته، لم يحكم عليه لو فسّره بما ينافي الملك، أمّا لو قال: هذا الغزل من قطن فلان، أو

ص: 157


1- . في «ب»: لعظيم خطره.

هذا الخبز من حنطته، أو هذه الدّجاجة من بيضته، فإنّه يحكم بالملك للمقرّ له.

6486. الثامن:

لو ادّعى من يباع في الأسواق الحرّيّة لم تسمع منه إلاّ بالبيّنة، و كذا لو ادّعى العتق، أمّا لو ادّعى مجهول الحال الحرّيّة في الأصل، فالقول قوله مع يمينه، و لو ادّعى الإعتاق كلّف البيّنة.

و يجوز شراء من يوجد في أيدي الناس من العبيد بظاهر اليد خصوصا مع سكوت العبد، و لا يفتقر إلى الإقرار.

6487. التاسع:

لو ادّعى دينا مؤجّلا سمعت دعواه و إن لم يلزمه به شيء في الحال و تسمع دعوى الاستيلاد و التدبير.

و لو سلّم ثوبا إلى دلاّل قيمته خمسة، و أمره أن يبعه بعشرة(1) فأنكر، فله أن يقول: لي عليه ثوب إن تلف فعليه خمسة، و إن باع فعشرة، و إن كان باقيا فعليه ردّه، سمعت هذه الدّعوى مع التردّد للحاجة.

6488. العاشر:

من ادّعى ما لا يد لأحد عليه، قضي له به، لعدم المنازع، و لما رواه الشيخ في الصحيح عن منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت عشرة كانوا جلوسا و وسطهم كيس فيه ألف درهم، فسأل بعضهم بعضا أ لكم هذه الكيس ؟ فقالوا كلّهم: لا، فقال واحد منهم: هو لي، فلمن هو؟ قال: للّذي ادّعاه.(2)

و روى الحسن بن عليّ بن يقطين عن أمية بن عمرو عن الشعيري قال:

ص: 158


1- . في «ب»: لعشرة.
2- . التهذيب: 292/6 برقم 810، الوسائل: 200/18، الباب 17 من أبواب كيفيّة الحكم، الحديث 1.

سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن سفينة انكسرت في البحر، فأخرج بعضه بالغوص و أخرج بعض ما غرق فيها، فقال: أمّا ما أخرجه البحر فهو لأهله، اللّه أخرجه، و أمّا ما أخرج بالغوص فهو لهم، و هم أحقّ به.(1)

قال ابن إدريس: إنّ ما أخرجه البحر فهو لأصحابه، و ما تركه أصحابه آيسين منه، فهو لمن وجده، و غاص عليه، لأنّه بمنزلة المباح، كالبعير ترك في غير كلإ و لا ماء من جهد، فإنّه يكون لواجده. و ادّعى الإجماع على ذلك.(2)

المطلب الثاني: في الجواب و هو إمّا إقرار أو إنكار أو سكوت و فيه خمسة مباحث:

6489. الأوّل:

لو قال المدّعى عليه: لي عن دعواك مخرج، أو لفلان عليّ أكثر من مالك استهزاء، أو قال: الشهود عدول، لم يكن إقرارا.

و لو قال: لي عليك عشرة، فقال: ليس يلزمني العشرة، كفى في الإنكار، و كلّف في اليمين انّه ليس عليه عشرة و لا شيء منها، فان اقتصر على نفي العشرة، كان ناكلا عن اليمين فيما دون العشرة، لأنّ المدّعي للعشرة مدّع لأجزائها، فللمدّعي أن يحلف على عشرة الأشياء، نعم لو أضاف المقدار إلى عقد، بأن يقول: اشترى بعشرة، فيقول: ما اشريت بعشرة، أو تقول: نكحني بخمسين، فيحلّف أنّه لم ينكح بالخمسين، لم يكن للمدّعي هنا اليمين على الأقلّ ، للتناقض.

ص: 159


1- . التهذيب: 297/6، برقم 822؛ الوسائل: 362/17، الباب 11 من أبواب اللقطة، الحديث 2.
2- . السرائر: 195/2، باب النوادر في القضاء و الأحكام.
6490. الثاني:

لو قال: مزّقت ثوبي فلي عليك الأرش، كفاه أن يقول: لا يلزمني الأرش، و إن لم يتعرّض للتمزيق، لجواز أن يمزّقه و لا يلزمه الأرش، فلو أقر لطولب بالبيّنة و يتعذّر عليه، و كذا لو ادّعى عليه دينا فقال: لا يستحقّ عندي شيئا، لم يكلّف الحلف على عدم الاقتراض، لجواز الاستيفاء و الإبراء.

و لو ادّعى عينا فقال: لا يلزمني التسليم، كفى في الجواب، لجواز أن يكون رهنا أو مستأجرة، فلو أقام المالك البيّنة بالملك، وجب التسليم، و كذا لو قال: إنّه في يدي باجارة، فالقول قول المالك مع يمينه، لا قول ذي اليد.

و لو فصّل الجواب و قال: إن ادّعيت ملكا مطلقا فلا يلزمني التسليم، و إن ادّعيت مرهونا فقل حتّى أجيب، لم يسمع.

و لو احتال فأنكر الملك(1) عقيب إنكار المدّعي الدّين، فالوجه الجواز، كمن ظفر بغير جنس حقّه.

6491. الثالث:

لو ادّعى شيئا فقال من هو في يده: ليس لي بل هو لفلان، اندفعت الحكومة عنه، سواء أسند الملك إلى حاضر أو إلى غائب، فإن قال المدّعي: أريد إحلافه على عدم علمه بأنّ العين لي، قال الشيخ رحمه اللّه: لا يحلف و لا يغرم لو نكل.(2) و الوجه وجوب إحلافه، لأنّ فائدة اليمين ظاهرة، و هو الغرم لو امتنع، لا القضاء بالعين لو نكل أو ردّ، لأنّه حال بين المالك و ماله بإقراره لغيره.

ثمّ المقرّ له إن أنكر و قال: إنّها للمدّعي حكم له بها، و إن لم يقل ذلك،

ص: 160


1- . في «أ»: فأنكر المالك.
2- . المبسوط: 266/8.

و لكن قال: ليست لي، حفظها الحاكم، لخروجها عن [ملك] المقرّ، و لم تدخل في ملك المقرّ له.

و يحتمل أن يسلّم إلى المدّعي، إذ لا منازع له، و أن يترك في يد ذي اليد إلى قيام حجّة(1)، لأنّه أقرّ للثالث و بطل إقراره بردّه، فصار كأنّه لم يقرّ، و الأوّل أقوى.

فإن رجع المقرّ له و قال: غلطت بل هو لي، ففي قبول ذلك منه إشكال.

و لو رجع المقرّ و قال: غلطت بل هو لي، فان كان في يده، فالأقرب القبول، و إن لم يكن في يده، فالأقرب العدم، لانتفاء سلطنة اليد، و هكذا كلّ من نفى عن نفسه شيئا، ثمّ رجع فيه قبل أن يقرّ لغيره أو بعده، لكن المقرّ له ردّ الإقرار، فإن قلنا بقبول رجوعه، فطلب المدّعي إحلافه، فإن كان قد حلّفه أوّلا لفائدة الغرم مع الاعتراف، لم يكن له ذلك، و إن لم يكن حلّفه أوّلا، كان له إحلافه، رجاء أن يقرّ له.

و لو قال المقرّ له: إنّها للمدّعي سلّمت إليه.

و لو قال: إنّها لثالث، انتقلت الحكومة إلى الثالث.

و لو كان المقرّ له غائبا، كان للمدّعي الإحلاف أيضا للغرم، لا للقضاء بالعين لو نكل أو ردّ اليمين.

و لو أقرّ بها للمدّعي لم تسلّم إليه، لأنّه اعترف بها لغيره، و تلزمه قيمتها.

ص: 161


1- . في «أ»: حجّته.

و لو كان مع المدّعي بيّنة سمعها الحاكم، و قضى على الغائب، و كان الغائب على خصومته إذا حضر فله أن يقدح في شهوده أو يقيم بيّنة تشهد له باعتراف المدّعي له.

و لو أقام الغائب البيّنة بأنّ العين ملكه، ففي القضاء له قولان مبنيّان على تقديم بيّنة الداخل أو الخارج.

و لو أقام ذو اليد بيّنة تشهد للغائب بها، سمعها الحاكم، و لم يقض بها، لأنّ البيّنة للغائب لم يدّع هو و لا وكيله، و إنّما الفائدة سقوط اليمين عن المقرّ له إذا ادّعى عليه العلم.

و لو ادّعى وكالة الغائب كان له إقامة البيّنة عن الغائب.

و لو ادّعى رهن الغائب أو إجارته، فالأقرب سماع البيّنة عن الغائب بالملك، لتعلّق المقرّ بحقّ .

و لو أقام المقرّ البيّنة للغائب لدفع محذور اليمين عنه، ثمّ حضر الغائب، افتقر إلى إعادة البيّنة و حكم له بها، فإن أقام المدّعي بيّنة قضى له دون بيّنة الغائب، لأنّ الغائب إذا حضر صار صاحب اليد نائبا عنه، و كان اليد للغائب فيقضى للخارج.

و لو أقام المقرّ بيّنة بالرهن أو الإجارة، قدّمت بيّنة المدّعي أيضا، لأنّه خارج.

و لو صدّق ذو اليد المدّعي على دعواه فأقام الغائب البيّنة بالملك، انتزعت من المدّعي، و لم يكن على ذي اليد غرم، لأنّ الحيلولة إنّما حصلت بالبيّنة لا

ص: 162

بالإقرار، فإن أقرّ للغائب بعد تصديق المدّعي، لم يغرم للمدّعي، لأنّ رجوعه إلى الغائب بالبيّنة لا بالإقرار.

و لو أقرّ لمجهول و لم يعيّنه، لم تندفع الخصومة عنه، بل يطالب بالبيان أو يحلف، فإن نكل حلف المدّعي و أخذه.

و لو أقرّ لصبيّ أو مجنون، فالخصم وليّهما، و لا يحلف الوليّ ، بل يطالب المدّعي بالبيّنة أو يؤخّر إلى البلوغ و الرشد، ثم يحلف الصبيّ و المجنون، و كذا لو قال: هو وقف على الفقراء، اندفعت الحكومة عنه، و لم ينجع إلاّ بالبيّنة، إذ لا يمكن تحليف المنسوب إليه، نعم للمدّعي إحلافه للغرم.

6492. الرابع:

لو خرج المبيع مستحقّا بالبيّنة، فللمشتري الرجوع على البائع بالثمن، فإن صرّح في نزاع المدّعي بأنّه كان ملك البائع، فالوجه عدم الرّجوع، لاعترافه بكذب المدّعي و أنّه ظالم، و يحتمل الرجوع إن قال: إنّما قلت ذلك على رسم الخصومة، أمّا لو قال: إنّه ملكي، ثمّ قال اسندت ذلك إلى الشراء من البائع، فالأقرب هنا الرجوع.

و لو ضمّ إليه ادّعاء الملكيّة للبائع، فكالأوّل.

و لو أقام بيّنة بجارية فأحبلها، ثمّ كذّب نفسه، فالولد حرّ، و عليه قيمته لمولاه، و عليه مهر الجارية.

و أمّا الجارية فيحتمل دفعها إلى الأوّل، و دفع القيمة، لثبوت حكم الاستيلاد لها.

6493 الخامس:

إذا ادّعى على العبد، فالغريم مولاه، سواء ادّعى مالا أو جناية.

ص: 163

و لو ادّعى جناية العمد، فاعترف المولى، لم يتوجّه على العبد القصاص، و لا يضمن المولى، و طريق التّخلص مطالبة العبد بالجواب، فإن اعترف كمولاه اقتصّ منه، و إلاّ كان للمجنيّ عليه في رقبته بقدر الجناية، و له تملّكه إن استوعبته.

المطلب الثالث: في اليمين، و النظر في أمور

الأمر الأوّل في الكيفيّة: و فيه سبعة مباحث:
6494. الأوّل:

لا يستحلف أحد إلاّ باللّه تعالى، سواء كان الحالف مسلما أو كافرا، و قيل:(1) يضمّ في يمين المجوسي إلى لفظ الجلالة ما يزيل الاحتمال، لأنه يسمّي النّور إلها.

و لا يجوز الحلف بغير أسماء اللّه تعالى الخاصّة به أو الغالبة عليه كالرّحمن، فلو حلّفه بالكتب المنزلة، أو الأنبياء، أو الأئمّة، أو الأماكن الشريفة، أو بشيء من الكواكب، أو بغير ذلك من مخلوقات اللّه تعالى، كانت لاغية، و لا يجوز الإحلاف بشيء من ذلك، لأنّه بدعة، و كذا لا يجوز الحلف بالقرآن، و لا بالبراءة من اللّه تعالى و لا من رسوله، و لا من أحد من الأئمّة عليهم السّلام، و لا من الكتب المنزلة.

و لا يجوز الحلف بالكفر و لا بالعتق و لا بالطلاق.

6495. الثاني:

ينبغي للحاكم إذا توجهت اليمين على أحد أن يخوّفه باللّه

ص: 164


1- . القائل هو الشيخ في المبسوط: 205/8.

تعالى، و يعظه، و يذكّره العقاب الّذي يستحقه على اليمين الكاذبة، و الوعيد عليها، فإن رجع حكم عليه بمقتضى الشرع، و إن أصرّ استحلفه باللّه تعالى أو بشيء من أسمائه.

و لو رأى الحاكم إحلاف الذمّي بما يقتضيه دينه أردع جاز.

6496. الثالث:

الواجب في اليمين أن يقول: قل: و اللّه ما له قبلي حقّ ، لكن ينبغي للحاكم أن يغلّظ بالقول و الزمان و المكان، و ليس واجبا و إن التمسه المدّعي، و لا يعدّ الناكل عن التغليظ ناكلا، و لا يقهر عليه، و لو حلف على عدم التغليظ لم يؤمر بحلّ اليمين.

فالتغليظ بالقول مثل أن يقول: قل و اللّه الّذي لا إله الا هو، الرّحمن الرّحيم، الطالب الغالب، الضارّ النافع، المدرك المهلك، الّذي يعلم من السّرّ ما يعلمه من العلانية، ما لهذا المدّعي عليّ ما ادّعاه، و لا له قبلي حقّ منه، أو نحو ذلك من الألفاظ المشتملة على الثناء على اللّه تعالى.

و أمّا بالمكان، فبأن يستحلفه في المسجد أو المشهد، أو الحرم أو المواضع الّتي ترهب من الجرأة على اللّه تعالى.

و أمّا بالزمان، فبأن يحلفه يوم الجمعة أو العيد، و بعد العصر، و غير ذلك من الأوقات الشريفة.

و يغلّظ على الكافر بالمواقع الّتي يعتقد شرفها، و الأزمنة الّتي يعظّمها و يعتقد حرمتها.

6497. الرابع:

ينبغي التغليظ في الحقوق كلّها، و إن قلّت إلاّ الأموال، فلا يغلّظ فيها بما دون نصاب القطع.

ص: 165

و لو أنكر السيّد عتق عبد قيمته دون نصاب القطع، لم يغلّظ يمينه، فان نكل غلظ على العبد، لأنّه يدّعي العتق.

و لا يغلّظ على المخدّرة بحضور الجامع، و تعذر بالتخدّر.

6498. الخامس:

لو افتقر إلى إحلاف الأخرس حلّفه بالإشارة و الإيماء إلى اسم اللّه تعالى، و وضع يده على اسم اللّه تعالى في المصحف أو غيره، و يفهم يمينه على الإنكار، كما يعرف إقراره و إنكاره، و ينبغي أن يحضر يمينه من له عادة بفهم(1) أغراضه و إشاراته.

و روى محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الأخرس كيف يحلّف إذا ادّعي عليه دين، و لم تكن للمدّعي بيّنة ؟ فقال:

إنّ أمير المؤمنين عليه السّلام أتي بأخرس فادّعي عليه دين فأنكره، و لم تكن للمدّعي بيّنة، فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: الحمد للّه الّذي لم يخرجني من الدنيا حتّى بيّنت للأمّة جميع ما تحتاج إليه، ثم قال ائتوني بمصحف، فأتي به، فقال للأخرس: ما هذا؟ فرفع رأسه إلى السماء و أشار أنّه كتاب اللّه عزّ و جلّ ، ثم قال: ائتوني بوليّه، فأتوه بأخ له، فأقعده إلى جنبه، ثمّ قال: يا قنبر عليّ بدواة و صحيفة، فأتاه بهما، ثمّ قال لأخ الأخرس: قل لأخيك هذا بينك و بينه إنّه عليّ ، فتقدّم إليه بذلك، ثمّ كتب أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام:

و اللّه الّذي لا إله إلاّ هو عالم الغيب و الشهادة الرّحمن الرحيم، الطالب الغالب، الضار النافع، المهلك المدرك، الّذي يعلم السّر و العلانية، إنّ فلان المدّعي ليس له قبل فلان بن فلان - أعني الأخرس - حقّ و لا طلبة بوجه من الوجوه، و لا سبب

ص: 166


1- . في «ب»: يفهم.

من الأسباب، ثمّ غسله و أمر الأخرس أن يشربه، فامتنع فألزمه الدّين»(1).

و هذه الرواية قضيّة في عين فلا تعدى، و إنّما العمل على الإشارة.

6499. السّادس:

لا ينبغي للحاكم أن يحلف أحدا إلاّ في مجلس حكمه إلاّ حقّ المعذور، كالمريض، و العاجز، و المرأة المخدّرة، فيستحلف الحاكم من ينوب عنه في الاستحلاف.

و للحاكم حبس المرأة إذا توجّه عليها الحقّ و امتنعت من أدائه، كما له حبس الرّجال.

6500. السّابع:

شرط اليمين: أن يطابق الإنكار، و ان يقع بعد عرض القاضي، و أن يكون القاضي المتولّي للإحلاف عن المتخاصمين.

النظر الثاني: في الحالف و فيه ستّة مباحث:
6501. الأوّل:

يشترط فيه البلوغ و كمال العقل و الاختيار و القصد، و أن يتوجّه عليه دعوى صحيحة في حقّه، فلا يمين في الحدود، إذ لا مدّعي لها، و قال الشيخ رحمه اللّه: لو قذفه بالزنا و لا بيّنة، فإن ادّعاه جاز أن يحلف ليثبت الحدّ على القاذف(2) و فيه نظر، إذ لا يمين في حدّ.

ص: 167


1- . صحّحنا الحديث على التهذيب: 319/6، برقم 879؛ و الفقيه: 65/3، برقم 218؛ و لاحظ الوسائل: 222/18، الباب 33 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 1.
2- . المبسوط: 215/8-216.

و منكر السرقة يحلف لإسقاط الغرم، فلو نكل أو ردّ، حلف المدّعي، و ثبت الغرم دون القطع، و كذا لو أقام شاهدا و حلف.

و لا يحلف القاضي و الشاهد إذ نسبتهم إلى الكذب دعوى فاسدة، نعم لو ادّعى على القاضي المعزول توجّهت اليمين، و يحلف في إنكار النسب و النكاح و العتق و الرجعة و غير ذلك، ممّا يتوجّه الجواب عن الدّعوى فيه.

و تثبت اليمين في حقّ كلّ مدّعى عليه، سواء كان مسلما، أو كافرا، عدلا، أو فاسقا، رجلا، أو امرأة.

6502. الثاني:

لو ادّعى الصبيّ البلوغ، صدّق بغير يمين مع الاحتمال، و لو قال: أنا صبيّ لم يحلف بل ينتظر بلوغه.

و لو ادعى الصبيّ المشرك أنّه استنبت الشعر بالعلاج مع الاحتمال صدّق.

6503. الثالث:

لا يحلف الوصيّ على نفي الدّين عن الميّت، لأنّه لو أقرّ لم يقبل إقراره، و كذا لو أنكر الوكالة لم يحلف الوكيل على نفي العلم بالوكالة، لأنّه لا يؤمر بالتسليم إليه مع الاعتراف بالوكالة، و للخصم أن يحلف الوكيل على نفي العلم بأنّه ما عزله.

و هل لوكيل الخصومة إقامة البيّنة على وكالته من غير حضور الخصم ؟ الأقرب ذلك و إن كان حقّا على الخصم، لأنّه لا يثبت حقّ نفسه.

6504. الرابع:

اليمين إنما تتوجّه على المنكر، و على المدّعي مع ردّ المنكر، و مع الشاهد الواحد، و مع اللوث في دعوى الدم، أمّا المدّعي و لا شاهد له فلا يمين عليه، و إن ردّ المنكر أو نكل، حلف المدّعي، فإن نكل سقطت دعواه.

ص: 168

و إن حلف المنكر فالمشهور سقوط الدّعوى عنه، سواء أقام المدّعي بيّنة بعد ذلك أو لا، و لا تحلّ له مطالبته بعد ذلك بشيء، و لا تسمع بيّنته.

و قال المفيد رحمه اللّه: إذ التمس المدّعي يمين المنكر فحلف له، ثم جاء المدّعي ببيّنة تشهد له بحقّه الّذي حلف (له)(1) عليه خصمه، ألزمه الحاكم الخروج منه إليه، اللّهم إلاّ أن يكون المدّعي (قد)(2) اشترط للمدّعى عليه أن يمحو عنه كتابه عليه، أو يرضى بيمينه في إسقاط دعواه، فإن اشترط له ذلك لم تسمع له بيّنة من بعد، و إن لم يشترط له ذلك سمعت،(3) و الوجه الأوّل.

و لا خلاف أنّه لو اعترف المنكر بعد يمينه بالدّعوى، و ندم على إنكاره، فإنّه يطالب، و إن كان قد حلف.

6505. الخامس:

لا يمين على الوارث إذا ادّعي عليه بحقّ ما على مورّثه إلاّ أن يدّعي عليه العلم بموت المورث، و العلم بالحقّ ، و أنّه ترك في يده مالا، و لو ساعد المدّعي على عدم أحدها، لم يتوجّه على الوارث يمين.

6506. السّادس:

لو كان له بيّنة فأعرض عنها، و طلب إحلاف المنكر، كان له ذلك، و كذا لو قال: أسقطت البيّنة و قنعت باليمين، فإن رجع بعد الإحلاف لم يكن له ذلك، و إن رجع قبله، قيل: ليس له ذلك،(4) و لو قيل بأنّه يجاب إلى ذلك، كان وجها، و كذا البحث لو أقام شاهدا واحدا و توجّهت عليه اليمين، فطلب إحلاف المنكر، و أعرض عن شاهده.

ص: 169


1- . ما بين القوسين يوجد في المصدر.
2- . ما بين القوسين يوجد في المصدر.
3- . المقنعة: 733.
4- . لاحظ المبسوط: 190/8 و 210.

و لو نكل المنكر حينئذ حلف المدّعي إن قلنا بعدم القضاء بالنكول، فإن حلف ثبت حقّه و إلاّ سقط، و لو ردّ اليمين فكذلك.

6507. السّابع:

لو ادّعي عليه دين و هو معسر، جاز أن يحلف أنّه لا حقّ له، و يورّي واجبا إن عرفها.

النظر الثالث: في المحلوف عليه و فيه سبعة مباحث:
6508. الأوّل:

يجب أن يحلف على القطع و البتّ في كلّ فعل ينسبه إلى نفسه، نفيا كان أو إثباتا، و كذا على الإثبات المنسوب إلى غيره، و لو حلف على نفي فعل الغير، حلف على نفي العلم، فيقول: لا أعلم على مورّثي دينا، و لا أعلم منه جناية و بيعا، و هذا القسم في الحقيقة راجع إلى الأوّل.

6509. الثاني:

لا يجوز له أن يحلف على البتّ و القطع إلاّ مع العلم، و لا تكفي غلبة الظّن و لا الخطّ و إن علم عدم التزوير عليه، و لو قيل له: قبض وكيلك، حلف على نفي العلم لا على نفي الفعل.

و لو نفى عن عبده ما يوجب أرش الجناية، حلف على نفي العلم أيضا و في نفي إتلاف بهيمته الّتي قصّر بتسريحها يجب البتّ .

6510. الثالث:

النيّة نيّة الحالف إن كان محقّا، و إن كان مبطلا فالنيّة نيّة المحلوف له، فلو ورّى حينئذ لم تنفعه التوراة، و صرفت اليمين إلى ما حلّفه الحاكم عليه، و لو استثنى بالمشيئة و سمع الحاكم، استعاد اليمين منه، و إن لم يسمع لم يؤثّر الاستثناء.

ص: 170

و لو كان الحاكم يرى الشفعة مع الكثرة، و الحالف لا يرى ذلك، لم يكن له أن يحلف عند الحاكم على نفي اللزوم بتأويل اعتقاد نفسه، بل إذا ألزمه القاضي صار لازما ظاهرا، و عليه تحليفه، و هل يلزمه باطنا؟ فيه نظر، و الأقرب أنّه إن كان مجتهدا لم يلزمه، و إن كان مقلّدا ألزمه.

6511. الرابع:

فائدة اليمين قطع المنازعة لا إبراء الذمّة في نفس الأمر، و لا يستبيح الحالف ما حلف عليه إذا كان مبطلا.

6512. الخامس:

لو قال المدّعي: كذب شهودي، بطلت البيّنة، و هل تبطل الدّعوى ؟ فيه نظر، ينشأ من عدم استلزام الإخبار بكذب الشهود الإخبار بكذبه في دعواه، لاحتمال إرادته أنّهم قالوا من غير علم، و هو الوجه، فإذا قلنا لا تبطل دعواه لو ادّعى عليه الخصم إقراره بكذب الشهود و أقام شاهدا، لم يكن له أن يحلف معه، إذ ليس مضمونه إثبات المال بل الطعن في الشهود، و إن قلنا بالأضعف، و هو إسقاط الدّعوى، كان له أن يحلف، لأنّ المقصود إبطال الدّعوى.

و لو امتنع المنكر عن الحلف، و قال حلّفني مرّة في هذه الواقعة، فيحلف على أنّه ما حلّفني، ففي لزوم ذلك إشكال، نعم لو أقام بيّنة سمعت، فإن قلنا بالقبول لو ادّعى المدّعي أنّه حلّفني مرّة على أنّي ما حلفته، فيحلف على أنّه ما حلّفني، احتمل عدم الإجابة، لأدائه إلى التّسلسل.

6513. السّادس:

لو ادّعى صاحب النصاب إبداله في أثناء الحول أو إخراج الزّكاة أو النقصان المحتمل في الخرص، قبل من غير يمين، و كذا لو ادّعى الذّميّ الإسلام قبل الحول.

ص: 171

و لو مات و عليه دين يحيط بالتركة لم ينتقل إلى الوارث، و كانت في حكم مال الميّت على ما قوّاه الشيخ(1) و الأقوى عندي الانتقال إلى الورثة، و يتعلّق حقّ الغرماء كالرّهن، و لو حصل نماء بعد الموت، فالأقرب أنّه للوارث.

و لو لم يحط الدّين انتقل ما فضل عن الدّين.

و على التقديرين للوارث المحاكمة على ما يدّعيه لمورّثه، لأنّه قائم مقامه، فإذا ثبت له حقّ ، تعلّق حقّ الديّان به.

6514. السّابع:

لا يجوز أن يحلف إنسان ليثبت مالا لغيره، فلو ادّعى غريم الميّت مالا على آخر مع شاهد، فإن حلف الوارث ثبت، و إن امتنع لم يحلف الغريم.

و لو ادّعى رهنا و أقام شاهدا أنّه للراهن، لم يكن له أن يحلف، بل إن حلف الرّاهن، تعلّق حقّ الرهانة به، و إلاّ فلا.

و لو ادّعى جماعة الورثة مالا للميّت، و أقاموا شاهدا، حلف كلّ واحد منهم مع الشاهد، فتثبت الدّعوى بعد إحلافهم أجمع، و قسّم المدّعى بينهم على الفريضة، و إن كان وصيّة قسّموه على حسب ما تعلّقت الوصيّة به.

و لو امتنعوا أجمع لم يحكم لهم بشيء.

و لو حلف بعض و امتنع الآخرون أخذ الحالف قدر نصيبه من العين، فلم يكن للممتنع شيء، و لا يشارك الحالف فيما أخذ.

و لو كان بعضهم صغيرا أو مجنونا أخّر نصيبه إلى بلوغه أو رشده،

ص: 172


1- . قال الشيخ: و الأقوى عندي أن ينتقل إلى الورثة ما يفضل عن مال الغرماء، لقوله [تعالى]: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهٰا أَوْ دَيْنٍ ) المبسوط: 193/8.

فإن حلف بعد ذلك أخذ و إلاّ فلا، و لو مات قبل كماله كان لوارثه الحلف و استيفاء حقّه.

و لو ادّعى جماعة على واحد حقّا واحدا، أو حقوقا متّفقة أو مختلفة، فأنكر و لا بيّنة، كان لكلّ واحد منهم يمين بانفراده، و لو رضي الجميع منه بيمين واحدة عن الجميع، فالوجه الجواز، و نقل ابن إدريس عن قوم كما قلناه، و عن آخرين أنّه لا يجوز للحاكم أن يقتصر على يمين واحدة(1).

النظر الرابع: في اليمين مع الشاهد و فيه خمسة عشر بحثا:
6515. الأوّل:

يقضى بالشاهد و اليمين في الأموال، كالدّين، و القرض، و الغصب، و في عقود المعاوضات، كالبيع، و الصرف، و الصّلح، و المساقاة، و المزارعة، و الشركة، و الإجارة، و القراض، و الهبة، و الوصيّة له، و الجناية الموجبة للدية، كالخطإ و شبيه العمد، و قتل الأب ولده، و الحرّ العبد، و كسر العظام، و الجائفة(2)، و المأمومة(3)، و بالجملة كلّ ما هو مال أو المقصود منه المال.

و هل يقبل في النكاح ؟ إشكال أقربه القبول في طرف المرأة دون الرّجل.

و لا يقبل في الخلع، و الطلاق، و الرّجعة، و القذف، و القصاص و الولاء، و الوديعة عنده، و الرضاع، و الولادة، و العتق، و التدبير، و المكاتبة، و النسب، و الوكالة، و الوصيّة إليه، و عيوب النساء.

ص: 173


1- . السرائر: 176/2-177.
2- . قال الطريحي في مجمع البحرين: الجائفة في الشجاج و هي الطعنة الّتي تبلغ الجوف.
3- . هي الشجّة الّتي بلغت أمّ الرأس، و هي أشدّ الشجاج. مجمع البحرين.

و أمّا الوقف فإن قلنا بانتقاله إلى الموقوف عليه، ثبت بالشاهد و اليمين، و هو الأقرب، و إلاّ فلا.

6516. الثاني:

لا يجوز له أن يحلف مع الشاهد إلاّ مع العلم، و لا يخلد(1) إلى قول الشاهد و إن كان ثقة.

6517. الثالث:

كلّ موضع قبل فيه الشاهد و اليمين، فإنّه لا فرق فيه بين المدّعي المسلم، و الكافر، و الفاسق، و العدل، و الرّجل، و المرأة.

6518. الرابع:

لو ادّعى السرقة و أقام شاهدا، جاز أن يحلف معه لغرم المال، لا للحدّ.

و لو ادّعى أنّه رمى سهما عمدا فقتل أخاه، ثمّ نفذ إلى أخيه الاخر فقتله خطأ، و أقام شاهدا، حلف لثبوت(2) الدّية في الخطأ، و لا يثبت العمد باليمين مع الشاهد.

6519. الخامس:

يشترط في اليمين مع الشاهد ما يشترط في الأيمان من كمال الحالف، و تولّي اليمين الحاكم عن المتنازعين، و مطابقتها للدعوى، و يشترط زيادة على ما تقدم شهادة الشاهد أوّلا و ثبوت عدالته، ثمّ اليمين بعد ذلك، فلو بدأ باليمين قبل شهادة الشاهد أو قبل التعديل، لم يعتدّ بها، و افتقر إلى إعادتها بعد الشهادة و التزكية.

6520. السّادس:

الأقرب أنّ القضاء يتمّ بالشاهد و اليمين لا بأحدهما منفردا، فلو رجع الشاهد غرم النصف، و يقرب من هذا البحث في التزكية لو رجع

ص: 174


1- . في مجمع البحرين: أخلد إلى الدنيا: ركن إليها و لزمها.
2- . في «ب»: ليثبت.

المزكّي خاصّة، ففي الغرم له إشكال، ينشأ من أنّ القضاء بالشهادة أو بها(1)مع التزكية.

6521. السّابع:

لو ادّعى عبدا في يد غيره أنّه كان ملكه ثمّ أعتقه، فأنكر المتشبّث، فأقام المدّعي شاهدا، قال الشيخ رحمه اللّه: يحلف مع شاهده، و يستنقذه.(2) و فيه نظر، لأنّه يثبت الحرّية دون المال.

و لو قال: هذه الجارية مملوكتي، و ولدها منّي، ولدت في ملكي، و أقام شاهدا، حلف معه، و يثبت ملك المستولدة،(3) و يثبت للجارية حكم أمّ الولد باعترافه، فتنعتق عند موته من نصيب الولد - إن عاد إليه -(4)، و لا يثبت نسب الولد و لا حرّيته.

6522. الثامن:

لو حلف الورثة مع شاهد واحد على دين لمورّثهم، استحقّوا، فإن نكل بعضهم استحقّ الحالف نصيبه، و لا يشاركه الناكل، و ليس لولد الناكل بعد موته الحلف.

أمّا لو مات قبل النكول، فإنّ لولده أن يحلف، و هل تجب إعادة الشهادة ؟ فيه إشكال.

و لو كان فيهم غائب، حلف إذا حضر من غير إعادة الشهادة، و كذا إذا بلغ الصبيّ منهم، أو عقل المجنون.

ص: 175


1- . في «ب»: بهما.
2- . المبسوط: 196/8.
3- . أي الجارية.
4- . لم يعلم وجه هذا الشرط، و لعلّه إشارة إلى ما في المبسوط: «و عندنا يثبت ملكه لها و لا تنعتق بموته، إلاّ أن تحصل في نصيب ولدها فتنعتق عليه» المبسوط: 195/8.

و لو جاء الوارث الناكل بشاهد آخر فالأقرب وجوب إعادة الشهادة، لأنّها دعوى جديدة.

و لو ادّعى شخصان الوصيّة لهما، فحلف أحدهما مع الشاهد، و الاخر غائب فحضر، افتقر إلى إعادة الشهادة، لأنّ ملكه منفصل، بخلاف حقوق الورثة، فإنّه إنّما ثبت(1) أوّلا لشخص واحد و هو الميّت.

6523. التّاسع:

لو حلف بعضهم مع الشاهد احتمل أخذ نصيب الغائب من يد المدّعى عليه، و عدمه و لا شركة للغائب فيما أخذ الحاضر إن كانت الدّعوى دينا، أمّا لو كانت عينا و أخذ نصيبه منها بالشاهد و اليمين، فإنّ الغائب إذا حضر و امتنع من اليمين، أخذ نصيبه ممّا أخذه، كما لو ادّعى الوارثان عينا فأقرّ المتشبث لأحدهما فصالحه، كان للآخر الشركة.

و لو أقام أحدهم شاهدين انتزع نصيب المجنون و الصّبي و نصيب الغائب إن كان عينا، و في الدّين في انتزاع نصيب الغائب، احتمال.

6524. العاشر:

لو ادّعى بعض الورثة انّ الميّت وقف عليهم ملكا و على نسلهم، و أقاموا شاهدا واحدا، حلفوا معه، على ما اخترناه، من قبول الشاهد و اليمين في الوقف، و يقضى لهم، فإن امتنعوا حكم بنصيب غيرهم ميراثا للغير، و بنصيب المدعيين للوقف بالوقفيّة، لكن لا تسمع دعواهم في الوقف لو كان هناك دين مستوعب، و لو فضل بعد الدّين شيء كان نصيب المدّعيين للوقف من الفاضل وقفا، و نصيب الباقيين ميراثا، و كذا ما يجب إخراجه من الوصايا.

ص: 176


1- . في «ب»: يثبت.

و لو حلف بعض ثبت نصيب الحالف وقفا، و كان الباقي طلقا تقضى منه الديون و الوصايا، و الفاضل يكون ميراثا، و الحاصل من الفاضل للمدّعيين الممتنعين من اليمين يكون وقفا.

و لو انقرض الممتنع كان للبطن الّذي يأخذ، بعده الحلف مع الشاهد، و لا يبطل امتناع الأوّل حقّهم.

و لو ادّعى أحد الثلاثة أنّ أباهم وقف عليهم و على أولادهم على الترتيب، و حلفوا مع شاهد واحد، ثبت الوقف، و لا يفتقر(1) البطن الثاني بعدهم إلى استئناف يمين، و كذا لو انقرضت البطون و صار إلى المصالح أو الفقراء.

و لو مات واحد من الحالفين فنصيبه للباقين، لأنّه وقف ترتيب، و الأقرب أنّه لا يحتاج إلى تجديد الإحلاف، لأنّهم حلفوا أوّلا على الجملة، و يشكل سقوط اليمين عن البطن الثاني، لأنّهم يأخذون الحقّ من الواقف، فلا بدّ من التجديد، لأنّهم لا يستحقّون بيمين غيرهم.

أمّا لو قلنا انّ البطن الثاني يأخذ الحق من البطن الأوّل فإنّه لا يمين عليهم بعد إحلاف البطن الأوّل، و لو نكل البطن الأوّل فالبطن الثاني لا يستحقّون إن لم يحلفوا، فإن حلفوا استحقّوا إن قلنا إنّهم يأخذون من الواقف، و إن قلنا يأخذون من البطن الأوّل لم يحلفوا، لبطلان حقّ الأوّل بالنكول.

و لو حلف واحد ثمّ مات، فشرط الوقف(2) أن يكون للآخرين لكنّهما

ص: 177


1- . في «أ»: فلا يفتقر.
2- . في «أ»: فشرط الواقف.

أبطلا حقّهما بالنكول، فيحتمل صرفه إلى ولد الحالف، لالتحاق الآخرين بالموتى لنكولهما(1)، و صرفه إليهما، و يستحقّان بيمين الميّت، و بطلان الوقف، لتعذّر مصرفه.

و أمّا نصيب الناكلين فيبقى في يد المدّعى عليه، فإن قلنا يصرفه إلى الناكلين، فالأقرب إيجاب الحلف عليهم.

و لو ادّعى الوقف على التشريك بينهم و بين أولادهم، و حلف الثلاثة، ثبت الوقف عليهم، فإذا ولد لأحدهم ولد صار الوقف أرباعا بعد أن كان أثلاثا، و يوقف ربع الطفل و نماؤه، فإن بلغ و حلف استحقّ ، و إن نكل قال الشيخ رحمه اللّه(2):

يرجع ربعه إلى الإخوة، لأنّهم أثبتوا الوقف عليهم ما لم يحصل المزاحم، و بامتناعه جرى مجرى المعدوم. و فيه نظر ينشأ من اعتراف الإخوة بعدم استحقاقهم إيّاه.

و لو قال المدّعى عليه: ردّوه إليّ ، فلا طالب له غيري، لم يردّ إليه، و قد انتزع من يده بحجّة.

و لو مات أحد الإخوة قبل بلوغ الطفل، عزل له الثلث من حين وفاة الميّت، لأنّ الوقف صار أثلاثا و قد كان له الرّبع إلى حين الوفاة، فإن بلغ و حلف أخذ الجميع(3) و إن ردّ كان الرّبع إلى حين الوفاة لورثة الميّت و الأخوين، و الثلث من حين الوفاة للأخوين(4) و فيه إشكال.

ص: 178


1- . في «أ»: لنكولهم.
2- . المبسوط: 201/8.
3- . و هو الربع إلى حين وفاة الأخ، و تمام الثلث من حين الوفاة إلى أن حلف.
4- . لاحظ المبسوط: 201/8.
6525. الحادي عشر:

لو ادّعى قتل العمد و أقام شاهدا، لم يحلف معه إن كان العمد موجبا للقصاص، نعم تكون شهادة الواحد لوثا، فتحلف القسامة، و لو ادّعى قتل الخطأ، حلف مع الشاهد يمينا واحدة.

6526. الثاني عشر:

لا يقبل في الأموال امرأتين و يمين المدّعي.

6527. الثالث عشر:

لو ادّعى الرّجل أنّه خالع امرأته فأنكرت، فأقام شاهدا يحلف معه لإثبات مال الفدية.

و لو ادّعت المرأة الخلع، لم يقبل بشاهد و يمين، لأنّها تقصد فسخ النكاح و ليس مالا.

6528. الرابع عشر:

إذا أقام المدّعي شاهدا واحدا، خيّر بين الحلف معه، و بين إقامة شاهد آخر، و بين رفض شاهده، و إحلاف المنكر، فإن اختار الأخير و هو استحلاف المنكر، ثمّ اختار أن يستردّ ما بذله و يحلف هو، قال الشيخ رحمه اللّه(1):

لم يكن له، لأنّ من بذل اليمين لخصمه لم يكن له أن يستردّها بغير رضاه، كيمين الردّ إذا بذلها المدّعى عليه للمدّعي، لم يكن له أن يستردّها إلى نفسه بغير رضاه، فإن اختار أن يقيم على ذلك و يستحلف المنكر، فإن حلف المنكر سقطت الدعوى عنه، و إن لم يحلف فقد نكل، ثمّ لا يقضى عليه بالنكول على أقوى القولين، و لا مع إقامة الشاهد، بل تردّ اليمين إلى المدّعي إذ ليست هذه اليمين الّتي بذلها، فإنّ هذه يمين الردّ يقضى بها في الأموال و غيرها، و تلك يمين مع الشاهد لا تقبل في غير الأموال.

ص: 179


1- . المبسوط: 210/8-211.
6529. الخامس عشر:

لو باع زيدا و أقرّ بعين لعمرو، فادّعى خالد بها، فأقام زيد شاهدا واحدا بانتقالها من خالد إليه، و صدّقه عمرو على ذلك، فالأقرب إحلاف زيد مع شاهده، و لو امتنع أو مات، فالأقرب إحلاف عمرو بأنّ خالدا نقلها إلى زيد ببيع أو غيره، أو أنّه أقرّ له بها.

المطلب الرابع: في النكول و فيه تسعة مباحث:

6530. الأوّل:

لا يتمّ القضاء بالنكول على أقوى القولين، بل حكم النكول ردّ اليمين على المدّعي، و بطلان حقّ الناكل من اليمين، حتّى لا يعود،(1) و إنّما يبطل حقّه إذا تمّ النكول، و إنّما يتمّ إذا صرّح و قال: لا أحلف و أنا ناكل، و لو سكت بعد عرض القاضي عليه اليمين، عرّفه القاضي أنّه إذا عرض عليه اليمين ثلاثا و امتنع بسكوت أو غيره، أو فى الحقّ بيمين المدّعي، فإذا فعل القاضي ذلك، و قال: قد قضيت بنكوله، لم يكن له الحلف بعد ذلك، و كذا لو قال للمدّعي:

احلف، فهو كالقضاء بالنكول.

و لو أقبل على المدّعي بوجهه، فقال الناكل: أنا أحلف، قبل أن يقول الحاكم للمدّعي: احلف، فالأقرب أنّ له الرّجوع و لو لم ينبّهه القاضي على حكمه، و قضى بنكوله، فقال الناكل: كنت جاهدا بحكم النكول، فالأقرب أنّ الحكم ينفذ.

ص: 180


1- . في «أ» حقّ لا يعود.
6531. الثاني:

كلّ موضع حكمنا فيه بالنكول و أنّه ليس له الرجوع إلى اليمين، لو رضي(1) المدّعي بيمينه، فالأقرب أنّ له ذلك.

6532. الثالث:

المدّعي إن نكل عن اليمين المردودة و قال: لا أحلف، فهو كحلف المدّعى عليه، و لا يمكّن من العود إلى اليمين بعد ذلك، بل لا تسمع دعواه إلاّ ببيّنة، و إن طلب الإمهال أخّر ليتذكّر الحساب.

أمّا المنكر فإنّه لو طلب الإمهال لم يجب إليه، لأنّ الحقّ عليه، بخلاف من الحقّ له.

و لو أقام المدّعي شاهدا واحدا، و طلب الإمهال عن اليمين، أمهل، و لو نكل لم تسمع منه اليمين و لا دعواه إلاّ ببيّنة كاملة.

و إذا حلف المدّعي فهو كإقرار الخصم لا كالبيّنة، فلا يثبت في حقّ غير الحالف.

6533. الرابع:

لو مات من لا وارث له، فالإمام وارثه، فان شهد له بحقّ شاهد لم يحلف الإمام، بل يحبس المدين حتى يعترف و يؤدّي أو يحلف و ينصرف.

و لو ادّعى الوصيّ على الوارث أنّ الموصي أوصى للفقراء، لم يحلف الوصيّ و لا الفقراء، لعدم تعيينهم، بل يحبس الوارث حتّى يحلف أو يعترف.

و لو ادّعى وصيّ الطفل دينا على آخر، فأنكر و نكل، لم تردّ اليمين على الوصيّ ، بل يوقف إلى أن يبلغ الطفل و يحلف.

ص: 181


1- . في «أ»: و لو.
6534. الخامس:

كلّ ما هو مال أو المقصود منه المال فعلى المدّعي البيّنة، فإن عدمها حلف المدّعى عليه، فإن لم يحلف ردّ اليمين على المدّعي، فإن نكل سقطت الدّعوى، و ما ليس بمال و لا المقصود منه المال كالنكاح، و الطلاق، و العتق، و النسب، و غير ذلك يجب على المدّعي البيّنة، فإن عدمها فعلى المنكر اليمين، فإن لم يحلف لم يردّ اليمين على المدّعي، و لا يحلف أيضا مع شاهد واحد، و يحكم له بشاهد و امرأتين.

6535. السّادس:

يكفي مع الإنكار الحلف على نفي الاستحقاق، فلو ادّعى عليه غصبا أو إجارة، فقال: لم أغصب و لم أستأجر قيل: لزمه الحلف على وفق الجواب، لأنّه لم يجب به إلاّ و هو قادر على اليمين عليه، و قيل: له أن يحلف على وفق الجواب و على نفي الاستحقاق.(1)

6536. السّابع:

لو ادّعى المنكر الإبراء و الإقباض انقلب مدّعيا و المدّعي منكرا، فيكفي المدّعي اليمين على بقاء الحقّ ، و إن حلف على نفي ما ادّعاه الخصم كان أبلغ، و ليس لازما.

6537. الثّامن:

كلّما يتوجّه الجواب عن الدّعوى فيه يتوجّه معه اليمين،(2)و يقضى على المنكر به مع النكول و اليمين، كالعتق، و النكاح، و النّسب، و غير ذلك.

6538. التاسع:

للمشهود عليه أن يمتنع من التسليم حتّى يشهد القابض، و لو لم يكن عليه بالحقّ شاهد، قيل: لا يلزم الإشهاد، و يحتمل الوجوب حذرا من توجّه اليمين عليه مع الإنكار.

ص: 182


1- . أشار الشيخ إلى القولين في المبسوط: 212/8.
2- . في «ب»: يتوجّه مع اليمين.

و لا يجب على المدّعي دفع الحجّة مع القبض، لاحتمال خروج المقبوض مستحقّا، و لا على البائع دفع كتاب الأصل إلى المشتري، لأنّه حجّة له على البائع الأوّل، فيرجع عليه بالثمن لو خرج المبيع مستحقّا.

المطلب الخامس: في البيّنة

اشارة

و النظر فيه في أمرين:

النّظر الأوّل: [في الشرائط،

و ستأتي في كتاب الشهادات إن شاء اللّه تعالى.

النّظر الثّاني: في تصادم الدعاوي
اشارة

و فيه أقسام

القسم الأوّل: في دعوى الأملاك
اشارة

و فيه سبعة عشر بحثا:

6539. الأوّل:

إذا تداعيا عينا فإن كانت يدهما عليها و لا بيّنة، قضي بها بينهما نصفين بعد أن يتحالفا، إذ كلّ واحد مدّع في النصف مدّعى عليه في النصف الاخر.

و يبدأ القاضي في الحلف بمن يراه، أو بمن تخرجه القرعة، فإن حلفا أو نكالا استقرّت العين بينهما، و يحلف كلّ واحد منهما على النفي، فلو حلف واحد و نكل الثاني، ردّت اليمين على الأوّل فيحلف على الإثبات في النصف الاخر، لأنّ هذه يمين المدّعي المردودة.

ص: 183

أمّا لو نكل الأوّل الّذي بدأ به القاضي تحكّما أو بالقرعة، فيعرض على الثاني، يمين النفي و اليمين المردودة، و الأقرب أنّه يكتفى بيمين واحدة جامعة بين النفي و الإثبات، فيحلف أنّ جميع الدار له، و ليس لصاحبه فيها حقّ .

و لو قال: و اللّه إنّ النصف الّذي يدّعيه ليس له فيه حقّ ، و النّصف الاخر لي، كفاه.

و لو كانت العين في يد أحدهما، حكم بها للمتشبث مع يمينه إن التمسها الخصم، و لو نكل حلف الاخر، و قضي له بها.

و لو كانت في يد ثالث، حكم بها لمن صدّقه الثالث بعد الإحلاف من المدّعى عليه، و على الثالث اليمين لو ادّعى الخصم عليه بالملك، لفائدة الغرم مع الاعتراف لا للقضاء بالعين.

و لو قال الثالث: هي لهما قضي بها بينهما نصفين بعد أن يحلف كلّ لصاحبه.

و لو كذّبهما أقرّت في يده، و حلف لهما إن ادّعيا عليه العلم، و لا يجب عليه نسبة التملك إلى نفسه أو إلى غيره.

و لو قال المتشبّث: لا أملكها أو لا أعرف صاحبها، أو هي لأحدكما و لا أعرفه عينا، فالوجه التقارع، و يحلف من خرجت القرعة له، فإن نكل حلف الاخر، فإن نكالا قسّمت بينهما.

و لو ادّعى أحدهما النّصف، فصدّقه، و ادّعى الاخر النّصف الاخر، فكذّبه، حكم للأوّل بالنصف، و أحلف الثالث للثاني و ليس للثاني إحلاف الأوّل.

ص: 184

6540. الثاني:

لو ادّعى كلّ واحد منهما جميع العين و أقاما بيّنتين، فإن أمكن الجمع بين البيّنتين جمع، و إن تعارضتا بأن تشهد إحداهما أنّ هذه العين لزيد، و تشهد الأخرى أنّها بعينها لعمرو، فإن كانت العين في يدهما، قضي بها بينهما نصفين، لأن يد كلّ واحد على النصف، و قد أقام بيّنة، فيقضى له بما في يد غريمه، إذ البيّنة بيّنة الخارج على أقوى القولين، فلا تسمع بيّنة كلّ واحد منهما على ما في يده، بل على ما في يد خصمه.

و هل يحلف كلّ واحد على النصف المحكوم له به، أو يكون له من غير يمين ؟ الأقوى عندي الأوّل، مع احتمال الثاني.

و إن كانت في يد أحدهما، فلعلمائنا قولان:

أحدهما القضاء للخارج(1) إن شهدتا بالملك المطلق أو شهدتا بالسّبب، أو شهدت للخارج بالسبب.

و لو شهدت بالمطلق للخارج و بالسّبب لذي اليد، حكم لذي اليد، سواء كان السّبب ممّا يتكرّر كالبيع و الصّناعة، أو لا يتكرّر كالنتاج، و قال ابن إدريس:

يقضى للخارج أيضا(2) و ليس بجيّد.

و الثاني قول آخر للشيخ رحمه اللّه(3) أنّه يقضى للمتشبّث دون الخارج، لأنّ له بيّنة و يدا، و لأنّ عليا عليه السّلام قضى لذي اليد دون الخارج(4).

ص: 185


1- . ذهب إليه الشيخ في الخلاف: 130/3، المسألة 217 من كتاب البيوع، و سلاّر في المراسم: 234، و ابن زهرة في الغنية: قسم الفروع/ 443، و ابن إدريس في السرائر: 168/2.
2- . السرائر: 168/2.
3- . ذهب إليه في الخلاف: 342/6، المسألة 15 من كتاب الدعاوى و البيّنات.
4- . الوسائل: 182/18، الباب 12 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 3 (.. انّ أمير المؤمنين عليه السّلام اختصم إليه رجلان في دابّة و كلاهما أقاما البيّنة أنّه انتجها، فقضى بها للّذي في يده...).

و أيّ البيّنتين قدّمناها ففي استحلاف صاحبها نظر، ينشأ من تساقط البيّنتين عند التّعارض، فيبقى(1) كما لو لم تقم بيّنة، و من عدم التساقط مع رجحان إحداهما، فيحكم بالراجح، كما لو تعارض خبران، و أحدهما أرجح، فإنّه يعمل بالراجح، و يسقط الاخر، كذلك البيّنة الراجحة يعمل بها، و تسقط الأخرى.

و إن كانت في يد ثالث قضي لأرجح البيّنتين عدالة، فإن تساويا قضي لأكثرهما عددا، فإن تساويا أقرع بينهما، فمن خرج اسمه أحلف، و قضي له، فإن امتنع من خرجت القرعة له من اليمين، أحلف الاخر و قضي له، و إن نكالا قضي به بينهما بالسّوية.

و قال في المبسوط: إن شهدتا بالملك المقيّد، قسّم بينهما، و لو شهدت إحداهما بالتّقييد و الأخرى بالإطلاق، قضي بالشهادة المقيّدة دون الأخرى.(2)

و الأوّل أقرب إلى المنقول، و إن كان الثاني ليس بعيدا من الصواب.

و على القول الأوّل هل يفتقر من قضي له بكثرة العدالة أو الشهود إلى يمين ؟ الأقرب ذلك.

و لو لم يكن لأحدهما بيّنة، و قال من هي في يده: ليست لي، و لا أعرف لمن هي، احتمل القسمة و القرعة، و لا بدّ من الإحلاف على التقديرين.

6541. الثالث:

يتحقّق التعارض بين الشاهدين و الشاهد و المرأتين، و لا

ص: 186


1- . في «ب»: فينفى.
2- . المبسوط: 258/8.

يتحقّق بين شاهدين و شاهد و يمين، و لا بين شاهد و امرأتين و شاهد و يمين، بل يحكم بالشاهدين و بالشاهد و المرأتين، دون الشاهد و اليمين.

6542. الرابع:

يحكم بالقرعة إذا كان في يد ثالث، و استوت البيّنتان عدالة و عددا مع يمين من خرجت له القرعة، و لا فرق في ذلك بين ما يستحيل الجمع و يقع التكاذب صريحا، كما لو شهدت احداهما بالموت في وقت، و الأخرى بالحياة في ذلك الوقت بعينه، و بين ما لا يستحيل الجميع بل يتوهّم بتأويل، كما لو شهدتا على الملك، فإنّه يحتمل أن يكون كلّ واحد سمع وصيّة له أو شراءه(1) أو غيره.

و كلّ موضع قضينا فيه بالقسمة، فإنما هو في موضع يمكن فرضها فيه كالأموال و إن كان لا يحكم فيها بالقسمة كالدرّة و العبد، إذ المراد بالقسمة هنا تخصيص كلّ واحد بنصف العين و إن كان النصف مشاعا، أمّا ما لا يمكن فيها القسمة، فإنّ الحكم فيها القرعة، كما لو تداعى اثنان زوجيّة امرأة أو نسب ولد.

6543. الخامس:

لو أقرّ الثالث بها لأحدهما مع تعارض البيّنتين المتساويتين عدالة و عددا، هل ينزّل إقراره منزلة اليد حتّى ترجّح به البيّنة إن قلنا بترجيح بيّنة ذي اليد، أو ترجّح الأخرى إن قلنا بترجيح بيّنة الخارج ؟ فيه نظر، فإن قلنا إنّ إقراره ليس كاليد، فهل يرجّح به صاحب التّصديق ؟ الأقرب العدم، لأنّ هذه يد مستحقّة الإزالة بالبيّنتين.

6544. السّادس:

إذا تساوت البيّنتان في التاريخ تعارضتا، و كذا إن أطلقتا التاريخ، أو أطلقت إحداهما و عيّنت الأخرى، أمّا لو شهدت إحداهما على

ص: 187


1- . في «ب»: «أو سرّا» و لعلّه مصحّف.

الملك لزيد منذ سنة، و شهدت الأخرى لعمرو منذ سنتين، فالأقدم أولى على إشكال، و إن كانت المتأخّرة قد شهدت بالسبب أيضا.

و لو كان السبق في جانب و اليد في جانب، ففي ترجيح السبق إلى اليد أو التساوي نظر.

و إذا شهدت البيّنة بملكك بالأمس، و لم تتعرّض للحال، لم تسمع، و افتقر إلى أن تقول: و هو ملكه في الحال، أو لا أعلم له مزيلا، و لو قال: لا أدري زال أم لا، لم يقبل.

و لو قال: أعتقد أنّه ملكه بمجرّد الاستصحاب، فالوجه القبول، و لو شهد بأنّه أقرّ له بالأمس، ثبت الإقرار و استصحب موجب الإقرار و إن لم يتعرّض الشاهد للملك في الحال.

و لو قال المدّعى عليه: كان ملكك بالأمس، فالأقرب انتزاعه من يده، و كذا لو قال الشاهد: هو ملكه بالأمس، اشتراه من المدّعى عليه بالأمس، أو أقرّ له المدّعى عليه بالأمس سمع.

و لو شهد أنّه كان في يد المدّعي بالأمس قبل، و جعل المدّعي صاحب يد.

و لو قال: كان ملكه بالأمس اشتراه من فلان غير صاحب اليد، لم يسمع ما لم يضمّ إليه أنّه ملكه في الحال، فإنّ اشتراءه من فلان لا يكون حجّة على صاحب اليد، بخلاف ما لو قال: اشتراه من صاحب اليد.

و لو قيل: إنّ البيّنة لو شهدت على الملك بالأمس، قبلت و إن لم ينضمّ أنّه ملكه في الحال، كان وجها، كما لو شهدت على إقراره بالأمس.

ص: 188

6545. السّابع:

البيّنة لا توجب الملك لكن تكشف عنه، و من ضرورته التّقدّم و لو بلحظة على الإقامة، فلو كان المدّعى دابّة فنتاجها الّذي نتج(1) قبل الإقامة للمدّعى عليه، و ما نتج(2) بعد الإقامة و قبل التعديل للمدّعي، و الثمرة الظاهرة على الشجرة كذلك، و كذا جنين الأمة، و لا يعتبر انفصال النتاج و الثمرة و الجنين، بل متى تحقّق وجوده قبل الشهادة، و إن كان في بطن الدابّة أو الأمة، فهو للمدّعى عليه، لإمكان انفصاله في الملك بالوصيّة، و هذا كلّه في البيّنة المطلقة الّتي لا تتعرّض للملك السابق.

و مع هذا التقرير(3) إذا أخذ من المشتري بحجّة مطلقة رجع على البائع، و لو أخذ من المشتري رجع على الأوّل أيضا و يحمل مطلقه إذا لم يدّع على المشتري إزالة ملكه منه على أنّ الملك سابق فيطالب البائع بالثمن.

و تعجّب بعض الفقهاء في ترك نتاج في يده حصل قبل البيّنة و بعد الشراء، ثمّ يرجع هو على البائع.

و الأقرب أن يقال: لا يرجع(4) إلاّ إذا ادّعى ملك سابق على شرائه لأنّا قد بيّنا أنّ البيّنة لا تقتضي الزوال إلاّ من الوقت.

و لو ادّعى المشتري انّك أزلت الملك فأنكر، و قامت البيّنة على إزالته، فلا رجوع له.

و لو ادّعى ملكا مطلقا فشهد به الشاهد و ذكر السبب لم يضرّ لكن لو أراد

ص: 189


1- . في «أ»: ينتج.
2- . في «أ»: ينتج.
3- . في «أ»: و مع هذا التقدير.
4- . في «ب»: لا يرجح.

المدّعي الترجيح بالسبب وجبت إعادة الشهادة بعد دعوى السبب، لأنّ ذكر السبب قبل ادّعائه لغو.

و لو ذكر الشاهد سببا غير السّبب الّذي ادّعاه المدّعي تناقضت الدعوى و الشهادة، فلا تسمع في السّبب، و الأقرب سماعها في أصل الملك.

6546. الثامن:

لعلمائنا في تقديم بيّنة ذي اليد على بيّنة الخارج أو بالعكس قولان سبقا(1) فإن قلنا بتقديم بيّنة ذي اليد فهل تسمع دعواه و بيّنته للتسجيل قبل ادّعاء الخصم ؟ لا أعرف لأصحابنا نصّا في ذلك، و منع أكثر الجمهور منه، إذ لا بيّنة إلاّ على خصم(2)، فطريقه: أن ينصب لنفسه خصما، و الأقرب عندي سماع بيّنته لفائدة التسجيل.

و لو كان له خصم لا بيّنة له، فأراد إقامة البيّنة لدفع اليمين عنه، فيه احتمال أنّها لا تسمع، إذ الأصل في جانبه اليمين، و إنّما يعدل إلى البيّنة حيث لا تكفيه اليمين، و الوجه عندي السماع، كما تسمع بيّنة المودع و إن قدر على اليمين، و كذا للداخل إقامة البيّنة بعد إقامة المدّعي البيّنة قبل التعديل، و لو أزيلت يده ببيّنة المدّعي ثمّ أقام بيّنة، فإن ادّعى ملكا مطلقا فهو بيّنة من خارج، و إن ادّعى ملكا مستندا إلى ما قبل إزالة يده، و زعم غيبوبة بيّنته، فهل هي بيّنة من خارج أو داخل ؟ فيه نظر ينشأ من سبق يده، و أنّه الداخل، و البيّنة تشهد له بالملك المستند إلى ذلك الزمان، و من كون تلك اليد قد اتّصل القضاء بزوالها، أمّا لو أقام بعد القضاء باستحقاق الإزالة قبل الإزالة و التسليم، فإنّ بيّنته بيّنة داخل.

ص: 190


1- . لاحظ المسألة 2 من هذا الفصل ص 185.
2- . أي إلاّ على المدّعي.
6547. التّاسع:

لو أقام الخارج بيّنة على الملك المطلق، و أقام الداخل بيّنة على أنّه ملكه، اشتراه من الخارج، قدّمت بيّنة الداخل على القولين، و الأقرب أنّه تزال يده قبل إقامة البيّنة، لاعترافه للأوّل بالملك، و كذا لو ادّعى الإبراء من الدّين، أمر بدفع المال، فإذا أثبت الإبراء استعاده.

و لو كانت بيّنته(1) حاضرة سمعت قبل إزالة اليد، و لو أقرّ لغيره بملك في يده لم تسمع بعده دعواه، حتّى يدّعي تلقّى الملك من المقرّ له.

و لو أخذ منه بيّنة فجاء يدّعي مطلقا، احتمل ألا تسمع حتّى يذكر في الدّعوى تلقّي الملك منه، لأنّ البيّنة في حقّه كالإقرار و السماع، لأنّ المقرّ مؤاخذ بإقرار نفسه في الاستقبال، و إلاّ لم يكن للأقارير فائدة، أمّا حكم البيّنة فلا يلزم بكلّ حال.

و لو ادّعى أجنبيّ الملك مطلقا، سمع منه، إذ البيّنة المقامة على غيره ليست حجّة عليه.

6548. العاشر:

الشهادة بالملك أولى من الشهادة باليد، لأنّ اليد تحتمل العارية و الإجارة و الملك، و الشهادة بسبب الملك أولى من الشهادة بالتّصرف.

و لو ادّعى دارا في يد غيره فأنكر المتشبث، و أقام المدّعي بيّنة أنّها كانت في يده بالأمس أو منذ سنة، قال الشيخ رحمه اللّه(2): لا تسمع هذه الدّعوى و لا البيّنة، سواء شهدت باليد منذ أمس أو بالملك منذ أمس، أمّا لو شهدت البيّنة بسبب يد الثاني و أسندت اليد إلى الأوّل كأن يشهد أنّه كان في يد المدّعي و أنّ المتشبث

ص: 191


1- . في «ب»: بيّنة.
2- . المبسوط: 269/8.

غصبه إيّاها أو قهره عليها، أو استاجرها منه، أو استعارها، قضي للمدّعي للشهادة بالملك و سبب يد الثاني، بخلاف ما إذا لم يشهد بالسّبب، لأنّ اليد إذا لم يعرف سببها، دلّت على الملك و لا يزال بالمحتمل.

6549. الحادي عشر:

لو ادّعى عينا في يد غيره و أنّ الغير غصبه إيّاها، و أقام بيّنة بذلك، فادّعى آخر بأنّ المتشبّث أقرّ له بها، و أنّها ملكه، و أقاما بيّنة بذلك، حكم لبيّنة المغصوب منه، لأنّها شهدت بالملك و سبب يد الثاني، و الّتي شهدت بالإقرار لا تعارض هذه البيّنة، لأنّه ظهر أنّ الإقرار كان بعين مغصوبة، فلا ينفذ إقراره و لا يغرم المدّعى عليه للمقرّ له، لأنّه لم يحل بينه و بين ملكه، و انّما الحائل البيّنة.

6550. الثاني عشر:

لو تداعيا شاة مذبوحة و في يد كلّ واحد منهما بعضها منفصلا، و لا بيّنة، قضي لكلّ واحد بما في يده بعد الإحلاف، و لو أقاما بيّنتين حكم لكل واحد بما في يد الاخر إن قلنا بتقديم بيّنة الخارج، و إلاّ فكالأوّل.

و لو كان في يد كلّ واحد منهما شاة، فادّعى كلّ واحد منهما الشّاة الّتي في يد صاحبه و لا بيّنة، تحالفا و كانت الشاة الّتي في يد كلّ واحد لصاحبها، و لو أقاما بيّنتين، فلكل واحد الشّاة الّتي في يد صاحبه و لا تعارض [بينهما].

و لو ادّعى كلّ واحد منهما أنّ الشاتين له دون صاحبه، و أقاما بيّنتين، تعارضتا و قضي لكل واحد بما في يد غريمه إن قلنا ببيّنة الخارج.

6551. الثالث عشر:

إذا ادّعى عينا في يد زيد و أقام بها بيّنة، فحكم له بها حاكم، ثمّ ادّعاها الأوّل على زيد و أقام بها بيّنة، فإن قدمنا بيّنة الخارج لم تسمع بيّنة الأوّل، لتقديم بيّنة زيد، و إن قدّمنا بيّنة الداخل، نظر في الحكم كيف وقع،

ص: 192

فإن كان قد حكم بها لزيد، لأنّ الأوّل لا بيّنة له، ردّت إلى الأوّل، لقيام البيّنة له و اليد، و إن حكم بها لأنّ الحاكم يرى تقديم بيّنة الخارج، لم ينقض حكمه، لأنّه يسوغ فيه الاجتهاد و كذا لا ينقض لو جهل الحال.

فإن جاء ثالث فادّعاها، و أقام بها بيّنة، فبيّنته و بيّنة زيد متعارضتان، و لا يحتاج زيد إلى إقامة بيّنة، لأنّها شهدت له مرّة، فلم يحتج إلى إعادتها حالة التّنازع.

6552. الرابع عشر:

لو ادّعى حيوانا و أقام بيّنة أنّه ملكه منذ سنة، فدلّت سنّه(1) على أقلّ من ذلك قطعا، سقطت البيّنة، لتحقّق كذبها و كذا لو شهدت أنّه أنتج(2) في يده منذ سنة، فدلّت سنّه على أكثر من ذلك قطعا.

و لو ادّعى رقيّة صغير السّنّ مجهول النسب، و هو في يده، قضي له بذلك ظاهرا، فإن بلغ و ادّعى الحرّية لم تقبل دعواه، للحكم برقيّته أوّلا، و لو ادّعى أجنبيّ نسبه، فالأقرب القبول، و لا تزال يد مدّعي الرقية عنه، و كذا لو ادّعاه اثنان و هو في يدهما.

و لو كان كبيرا و أنكر، فالقول قوله، لأنّ الأصل الحرّية، و لو ادّعى اثنان رقيّته، فاعترف لهما، قضي به لهما، و إن اعترف لأحدهما، كان مملوكا له دون الاخر.

6553. الخامس عشر:

لو ادّعى دارا في يد زيد، و ادّعى عمرو نصفها، و أقاما البيّنة، فلمدّعي الجميع النّصف بغير مزاحم، و يتقارعان في النّصف الاخر،

ص: 193


1- . في «أ»: «بيّنته» و لعلّه مصحّف بقرينة قوله «قطعا» و لاحظ أيضا: المبسوط: 294/8.
2- . في «أ»: أنّه له نتج.

فيحكم به لمن تخرجه القرعة بعد إحلافه، فإن امتنع من اليمين أحلف الاخر، فإن امتنعا، قسّم النصف بالسوية، فيصير لمدّعي الجميع ثلاثة الأرباع و لمدّعي النصف الربع.

و لو أنكرهما من العين في يده، و كان لأحدهما بيّنة، حكم له، و إن أقاما بيّنة أخذت من يده و حكم للأرجح في العدالة و العدد، فإن تساويا أقرع.

و لو أقرّ بها لأحدهما، فهل يكون المقرّ له كصاحب اليد من حيث إنّ المتشبّث مقرّ بأنّ يده نائبة عنه ؟ الوجه ذلك.

و لو كانت في يدهما و لا بيّنة، قضي لهما بها بالسّوية، و على مدّعي النّصف اليمين للمستوعب، و لا يمين على المستوعب.

و لو أقام كلّ منهما بيّنة، قضي للمستوعب بالنصف الّذي لا منازعة فيه، و تعارضت البيّنتان في النصف الاخر، فإن حكمنا للخارج، قضي به للمستوعب أيضا، و إن قدّمنا بيّنة الداخل، فهو لمدّعي النّصف، فاستقرّت بينهما.

و لو كانت في يد ثلاثة فادّعى أحدهما النصف و الاخر الثلث و الثالث السّدس فيد كلّ واحد على الثلث لكنّهم تصادفوا في كيفيّة التملّك، و لا تعارض، و يفضل في يد صاحب السدس سدس آخر لمدّعي النصف، و كذا لو قامت لهم البيّنة بذلك.

6554. السّادس عشر:

لو كانت الدار في يد ثلاثة، فادّعى أحدهم الجميع، و الثاني النصف، و الثالث الثلث و لا بيّنة، قضي لكلّ واحد بما في يده و هو الثلث، و يحلف مدّعي النّصف و الثلث للمستوعب، و مدّعي الثلث و المستوعب

ص: 194

لمدعي النّصف، و ليس لمدّعي الثلث يمين على أحد، لأنّ حقّه بأجمعه في يده.

و إن كان لأحدهم بيّنة، فإن كان هو مدّعي الكلّ أخذ الجميع، و إن كان مدّعي النصف أخذه، و قسّم الباقي بين الآخرين نصفين، لصاحب الكلّ السدس بغير يمين، و يحلف على نصف السّدس، و يحلف الاخر على الرّبع الّذي يأخذه جميعه، و إن كان مدّعي الثلث أخذه و الباقي بين الآخرين نصفين، لمدّعي الكلّ السّدس بغير يمين، و يحلف على السّدس الاخر، و يحلف الاخر على جميع ما يأخذه(1).

و لو أقام كلّ واحد بيّنة، فإن حكمنا ببيّنة الداخل، فالحكم كما لو لم تكن بيّنة، لأنّ لكلّ واحد بيّنة و يدا على الثلث، و إن قدّمنا بيّنة الخارج سقطت بيّنة صاحب الثلث، لأنّها داخلة، و للمستوعب الربع ممّا في يده بغير منازع، و الثلث الّذي في يد مدّعي النّصف، لقيام البيّنة للمستوعب به، و الرّبع ممّا في يد مدّعي الثلث، إذ لا ينازعه فيه سوى مدّعي الثلث و هو داخل، و بقي نصف السّدس في يد مدّعي الثلث،(2) يقرع بين المستوعب و مدّعي النّصف، لتصادم البيّنتين فيه، و يحلف من تخرجه القرعة، و يقضى له، فإن امتنع أحلف الاخر، فإن امتنعا قسّم بينهما نصفين، و بقي نصف السّدس في يد المستوعب لمدّعي النّصف، فيحصل للمستوعب عشرة و نصف من اثني عشر، و لمدّعي النصف واحد و نصف.

و لو كانت في يد غيرهم و اعترف أنّه لا يملكها، و لا بيّنة، فالنّصف لمدّعي

ص: 195


1- . في «ب»: أخذه.
2- . في «ب»: «السّدس» بدل «الثلث» و لعلّه مصحّف.

الكلّ ، لعدم المنازع، و يقرع بينهم في النّصف الباقي، فإن خرجت لصاحب الكلّ أو لصاحب النصف حلف، و إن خرجت لصاحب الثلث، حلف و أخذ الثلث، ثمّ يقرع بين الآخرين في السّدس، فمن خرجت له القرعة حلف و أخذ.

و لو أقام كلّ واحد بيّنة، فالنصف لمدّعي الكلّ لعدم المنازع، و السدس الزائد يتنازعه مدّعي الكلّ و مدّعي النصف و الثلث يدّعيه الثلاثة، و قد تعارضت البيّنات فيه، فيترجّح بالأعدل(1) و الأكثر في العدد، و مع التساوي يعمل بالقرعة، و يحلف من خرجت القرعة له من مدّعي النصف و مدّعي الكلّ ، فإن نكل، حلف الاخر و إن نكالا، قسّم بينهما، و يتقارع الثلاثة في الثلث، فحلف(2) من خرجت القرعة له، فإن نكل أحلف الآخران، و قسّم بينهما، فإن نكالا قسّم الثلث أثلاثا.

و لو حلف أحدهما و نكل الاخر، فهو للحالف، و يصحّ (3) من ستة و ثلاثين، لمدّعي الكلّ النّصف و نصف السّدس و ثلث الثلث، و لمدّعي النّصف نصف السّدس و ثلث الثلث، و لمدّعي الثلث ثلث الثلث.

و يحتمل قسمة العين(4) على حسب العول، لصاحب الكلّ ستّة، و لصاحب النصف ثلاثة، و لصاحب الثلث سهمان، فيصحّ من أحد عشر سهما، لكن أصحابنا على الأوّل.

6555. السّابع عشر:

لو كانت الدار في يد أربعة، فادّعى أحدهم الجميع، و الثاني الثلثين، و الثالث النصف، و الرابع الثلث، ففي يد كلّ واحد

ص: 196


1- . في «أ»: في الأعدل.
2- . في «ب»: و يحلف.
3- . في «ب»: و يصنع.
4- . في «أ»: قيمة العين.

الرّبع، فإن لم تكن بيّنة، قضي لكلّ واحد بما في يده، و أحلفنا كلاّ منهم لصاحبه.

و لو أقام كلّ واحد بيّنة بما ادّعاه، فإن قضينا ببيّنة الداخل فكذلك يقسّم أرباعا، و إن قضينا ببيّنة الخارج سقط اعتبار بيّنة كلّ واحد بالنظر إلى ما في يده، و تكون ثمرتها فيما يدّعيه ممّا في يد غيره، فيجمع بين كلّ ثلاثة على ما في يد الرابع، و يؤخذ منه، و يحكم فيه بالقرعة و اليمين، و مع الامتناع من الحلف يحلف الاخر، و إن امتنعوا قسّم بينهم، فيصحّ من اثنين و سبعين، فيخلص لمدّعي الجميع ممّا في يد الثاني نصفه و نصف تسعه، و هو عشرة من ثمانية عشر بغير منازع سواه، و هو داخل، و الثالث يدّعي ثلث ما في يده، و هو ستّة، فيقارع(1)المستوعب، و يحكم للخارج بالقرعة مع اليمين، فإن امتنع أحلف الاخر، و إن نكالا معا قسّم بين المستوعب و الثالث.

و الرابع يدّعي تسع ما في يده و هو اثنان يقارع المستوعب فيهما، و يأخذه من تخرجه القرعة بعد اليمين، فإن امتنع حلف الاخر، فإن امتنعا قسّم بينهما و يخلص للمستوعب ممّا في يد الثالث ستّة لا يدّعيها سوى الثالث و هو داخل، فيحكم بها للمستوعب.

و الثاني يدّعي ممّا في يد الثالث خمسة أتساعه و هو عشرة(2) فيقارع(3)المستوعب، و يحكم للخارج بعد اليمين، فإن امتنع حلف الاخر، فإن امتنعا قسّم بينهما.

ص: 197


1- . في «أ»: فينازغ.
2- . كذا في «أ» و لكن في «ب»: و الثاني يدّعي ممّا في يد الثالث عشرة.
3- . في «أ»: فينازع.

و الرابع يدّعي ممّا في يد الثالث اثنين، فيقارع المستوعب(1) و يحكم للخارج بعد اليمين، فإن امتنع حلف الاخر، فإن امتنعا، قسّم بينهما و يخلص للمستوعب ممّا في يد الرابع، اثنان لا يدّعيهما(2) سوى الرابع. و هو داخل، فيحكم بها للمستوعب.

و الثاني يدّعي منها عشرة، فيقارع المستوعب، و يحلف الخارج بالقرعة، فان امتنع حلف الاخر و حكم له، فإن امتنعا قسّم بينهما.

و الثالث يدّعي منها ستة، فيقارع المستوعب و يحكم للخارج بعد اليمين، فإن نكل حلف الاخر، فإن امتنعا قسّم بينهما، و يؤخذ جميع ما في يد المستوعب، لأنّه داخل و الثلاثة الآخر خارجة، فالثاني يدّعي منه عشرة، و الثالث يدّعي ستّة، و الرابع يدّعي اثنين، فيحكم لهم بذلك، فقد حصل للمستوعب ستة و ثلاثون، و للثاني عشرون و للثالث اثنا عشر، و للرّابع أربعة، و ذلك مع امتناع الخارج بالقرعة عن اليمين و مقارعته.

و على الحكم بالعول يحصل للمستوعب ستّة، و للثاني أربعة، و للثالث ثلاثة، و للرابع سهمان.

و لو كانت في يد خامس لا يدّعيها، و أقام كلّ واحد بيّنة، خلص لصاحب الكلّ الثلث بغير منازع، و تتعارض بيّنته و بيّنة مدّعي الثلثين في السدس، فيقارعان فيه، و يحكم به لمن تخرجه القرعة بعد اليمين فإن امتنع أحلف الاخر، فإن نكل قسّم بينهما، ثم تتعارض بيّنة مدّعي الجميع و مدّعي الثلثين و مدّعي

ص: 198


1- . كذا في «ب» و لكن في «أ»: فينازع المستوعب.
2- . في «ب»: لا يدّعيها.

النصف في سدس آخر، فيقرع بينهم فيه، و يحكم به للخارج بالقرعة بعد الإحلاف، فإن امتنع أحلف الآخران، و قسّم بينهما، فإن نكالا قسّم بين الثلاثة، ثمّ يقع التعارض بين البيّنات الأربع في الثلث، فيقرع بينهم، و يخصّ به من تخرجه القرعة بعد الإحلاف، فإن نكل أحلف الثلاثة،(1) فإن نكلوا أجمع، قسّم الثلث بينهم أرباعا، فيصحّ من ستّة و ثلاثين، لمدّعي الكلّ عشرون، و لمدّعي الثلثين ثمانية، و لمدّعي النصف خمسة، و لمدّعي الثلث ثلاثة، و كذا البحث لو لم يكن لأحدهم بيّنة.

القسم الثاني: في الاختلاف في العقود و فيه أربعة عشر بحثا:
6556. الأوّل:

لو تداعيا عينا في يد زيد، فقال كلّ واحد منهما: هذه العين لي اشتريتها من زيد بمائة و نقدته الثمن، فإن لم تكن لأحدهما بيّنة، فإن أنكرهما، حلف لكلّ واحد منهما، و كانت العين له، و إن أقرّ بها لأحدهما، سلّمت إليه و حلف للآخر، و إن أقرّ لكلّ واحد منهما بنصفها، سلّمت إليهما، و حلف لكلّ واحد منهما على نصفها.

و لو قال: لا أعلم لمن هي منكما تقارعا و قضي بها لمن تخرجه القرعة بعد اليمين.

و لو حلف المتشبّث أنّها لأحدهما، سلّمت إليه، فإن أقرّ بها للآخر أغرم له.

ص: 199


1- . في «ب»: أحلف الثلاث.

و لو أقام كلّ واحد بيّنة، فإن كانتا مؤرّختين، فإن اختلفتا(1) في التاريخ كأن تشهد إحداهما بالشراء في شعبان و الأخرى في رمضان، حكم بها للأوّل، و كان البيع الثاني باطلا، لأنّه باع ما لا يملكه، و يطالب بردّ الثمن، إذ لا تعارض فيه.

و إن اتّفقتا في التاريخ أو كانتا مطلقتين، أو إحداهما مطلقة و الأخرى مؤرخة تعارضتا، لتعذّر الجمع، ثمّ نظر فإن كانت العين في يد أحدهما، حكم لذي اليد على رأي، و للخارج على رأي، و إن كانت في يد البائع لم يلتفت إلى إنكاره و لا إلى اعترافه، بل يحكم بالقرعة مع تساوي البيّنتين عدالة و عددا، فمن خرجت له حلف و أخذ، و إلاّ حلف الاخر.

و لو نكالا قسّمت بينهما، و يرجع كلّ منهما بنصف الثمن، و الأقرب أنّ لكلّ منهما الفسخ لتبعّض الصفقة قبل القبض.

و لو فسخ أحدهما كان للآخر أخذ الجميع، لعدم المزاحم، و لو امتنع أجبر على الأخذ، و كلّ من لم يسلّم له من العين شيء إمّا بقرعة أو قسمة، فإنّه يرجع إلى الثمن، إذ لا تضادّ في اجتماع الثمنين.

6557. الثاني:

لو ادّعى أحدهما أنّه اشترى العين من زيد بمائة، و ادّعى الاخر أنّه اشتراها من عمرو بمائة، و أقام كلّ منهما بيّنة بدعواه، فإن كانت العين في يد أحدهما قدّمت بيّنة الخارج أو الداخل على اختلاف الرّأيين، و يرجع الاخر على بائعه بالثّمن، و إن كانت في يدهما، قسّمت بينهما، لأنّ لكلّ واحد بيّنة و يدا، فيحكم إمّا للداخل أو للخارج، فعلى كلّ واحد من التقديرين يستقرّ بينهما، و يرجع كلّ منهما على بائعه بنصف الثمن.

ص: 200


1- . في «أ»: و اختلفتا.

و لو كانت في يد أحد البائعين و تساوت البيّنتان عدالة و عددا، أقرع بينهما، و يحلف الخارج بالقرعة و يحكم له، فإن نكل أحلف الاخر، و لو نكالا قسّم المبيع بينهما، و رجع كلّ منهما على بائعه بنصف الثمن، و لهما الفسخ و الرجوع بالثمنين.

و لو فسخ أحدهما جاز، و لم يكن للآخر أخذ الجميع، لأنّ النصف الاخر لم يرجع إلى بائعه.

و لو ادّعى كلّ واحد منهما أنّه اشترى العين من بائعه، و أنّها ملكه، و أقاما البيّنتين بذلك، و تساويا عدالة و عددا، أقرع بينهما، و حكم لمن تخرجه القرعة بعد يمينه، فإن نكل أحلف الاخر، و لو نكالا قسّمت العين بينهما، و ليس لأحدهما الرجوع على بائعه بشيء إن كانا قد اعترفا بقبض السلعة من البائع، لاعترافه بسقوط الضمان عن البائع.

و لو ادّعى كلّ واحد من الاثنين على المتشبّث بأنّه غصب العين منه، و أقاما بيّنة، فإن اتّفقتا في التاريخ، أو كانتا مطلقتين، أو إحداهما، تعارضتا، و إن تقدّم تاريخ إحداهما، فالأقرب الترجيح بالسبق.

و لو شهدت البيّنة بأنّه أقرّ بغصبه من كلّ واحد منهما، لزمه دفعه إلى الّذي أقرّ له به أوّلا، و يغرم قيمته للآخر.

6558. الثالث:

لو ادّعى اثنان أنّ زيدا اشترى من كلّ منهما العين الّتي في يده، و أقاما بيّنة، فان اعترف لأحدهما، قضي عليه بالثمن، و كذا إن اعترف لهما، قضي عليه بالثمنين.

و لو أنكر، فإن كان التاريخ مختلفا أو مطلقا أو كان أحدهما مطلقا و الاخر

ص: 201

معيّنا، ثبت العقدان، و لزمه الثمنان، لإمكان أن يشتري من أحدهما ثمّ يملكها الاخر فيشتريها منه، و مهما أمكن الجمع بين البيّنتين وجب، بخلاف ما لو كان البائع واحدا و المشتري اثنين، فأقام أحدهما بالشراء في شعبان و الاخر بالشراء في رمضان، لأنّه إذا ثبت الملك للأوّل لم يبطله بأن يبعه الثّاني مرّة ثانية.

أمّا هاهنا فإنّ شراءه من كلّ واحد منهما يبطل ملكه، لأنّه لا يجوز أن يشتري ملك نفسه، و يمكن أن يبيع البائع ما ليس له.

و إن كان التاريخ واحدا تحقّق التعارض، لامتناع كون الملك الواحد في الوقت الواحد لاثنين، و امتناع إيقاع عقدين في زمان واحد، فيحكم بالقرعة، فمن خرجت له القرعة أحلف، و قضى له بالثمن، و يحلف للآخر(1) و يبرأ، و لو امتنعا من اليمين قسّم الثمن بينهما.

6559. الرابع:

لو ادّعى شراء عبد في يد زيد منه، و ادّعى العبد العتق من زيد، و لا بيّنة لهما، فإن أنكرهما حلف لهما، و العبد له، و إن أقرّ لأحدهما ثبت ما أقرّ به، و يحلف للآخر، فإن أقام أحدهما بيّنة بما ادّعاه ثبت، و لو أقاما بيّنتين، قدّم أسبقهما تاريخا، و بطل الاخر.

و إن اتّفقتا في التاريخ، أو كانتا مطلقتين أو إحداهما، تعارضتا، فإن كان في يد المشتري قدّمت بيّنته إن قلنا بتقديم بيّنة الداخل، و إلاّ بيّنة العبد إن قلنا بتقديم بيّنة الخارج.

و لو كان في يد المولى أقرع، و حلف الخارج بالقرعة، و حكم له، فإن امتنع أحلف الاخر، و حكم له، فإن نكالا قسّم نصفين، فصار نصفه حرّا و نصفه رقّا

ص: 202


1- . في «أ»: «و يحلف الاخر» و هو مصحّف.

للمشتري، و يرجع بنصف الثمن، فإن فسخ لتبعيض الصفقة، عتق كلّه، و إن اختار الإمساك قوّم على البائع و سرى العتق إلى جميعه، لقيام البيّنة عليه بمباشرة العتق مختارا، و قد ثبت العتق في نصفه بشهادتهما.

6560. الخامس:

إذا ادّعى عينا في يد زيد و أنّه اشتراها من عمرو بثمن نقده إيّاه، أو أنّ عمرا وهبه تلك الدار، لم تقبل بيّنته حتّى تشهد أنّ عمرا باعه إيّاها أو وهبها له و هي ملكه، أو تشهد أنّها ملك المدّعي اشتراها من عمرو، أو تشهد بأنّه باعها أو وهبها له و سلّمها إليه، فإنّ مجرّد الهبة و الشراء لا يعارض اليد المعلومة، لأنّ الإنسان قد يبيع أو يهب ما لا يملك.

أمّا إذا شهدت بالملك للبائع، أو المشتري، أو بالتسليم، فإنّه يحكم به للمدّعي، لأنّهم شهدوا بتقديم اليد أو بالملك.

6561. السّادس:

لو كانت في يده صغيرة فادّعى نكاحها لم يقبل إلا ببيّنة، و لا يخلّى بينه و بينها، و لو ادّعى رقيّتها قبل.

6562. السّابع:

لو ادّعى ملك عين و أقام بيّنة (به)(1)، و ادّعى آخر أنّه باعها منه أو وهبها إيّاه، أو وقفها عليه، أو ادّعت امرأته أنّه أصدقها إيّاها، و أقام بذلك، بيّنة، قضي له بها، لأنّ البيّنة المتأخّرة شهدت بأمر خفيّ عن الأوّل.

و لو ادّعى ملك عين في يد الاخر، فادّعى المتشبث أنّها في يده منذ سنين، و أقام بيّنة، فهي لمدّعي الملك، لإمكان أن يكون ملك زيد في يد عمرو.

6563. الثّامن:

لو ادّعى أنّه آجره الدّابة الّتي في يده، و ادّعى آخر أنّه أودعه إيّاها و لا بيّنة، حكم لمن يصدّقه المتشبث.

ص: 203


1- . ما بين القوسين يوجد في «ب».

و لو أقام كلّ منهما بيّنة بدعواه(1) تحقّق التعارض، و عمل بالقرعة مع تساوي البيّنتين عددا و عدالة.

6564. التّاسع:

لو شهد اثنان على إقراره بألف لزيد، و شهد أحدهما أنّه قضاه، ثبت الإقرار، فإن حلف مع شاهد القضاء ثبت، و إلاّ حلف المقرّ له أنّه لم يقبضه، و ثبت له الألف، و هل يكون ذلك تكذيبا لشاهده ؟ فيه نظر، الأقرب أنّه تكذيب.

فإن كان ذلك بعد الحكم بشهادته بالإقرار لم يؤثّر في ثبوت الإقرار، و إن كان قبل الحكم، فالوجه أنّه إن حلف مع الشاهد الاخر على دعواه بالإقرار ثبت، و إلاّ فلا.

و لو شهد أحدهما أنّ له عليه ألفا، و شهد الاخر أنّه قضاه ألفا، لم يثبت عليه الألف، لأنّ شاهد القضاء لم يشهد عليه بالألف إلاّ ضمنا، لأنّ شهادته تضمّنت أنّها كانت عليه، و الشهادة لا تقبل الاّ صريحة.

6565. العاشر:

لو ادّعى عليه ألفا قرضا، فقال المدّعى عليه: لا يستحق عليّ شيئا، فأقام بيّنة بالقرض، و أقام المدّعى عليه بيّنة بالقضاء لألف، و لم يعرف التاريخ، برئ بالقضاء، لأنّه لم يثبت عليه إلاّ ألف واحدة، و إنّما يكون القضاء لما عليه، فيصرف القضاء إلى الألف الثابتة.

أمّا لو قال: ما أقرضتني، ثمّ أقام بيّنة بالقضاء، لم تقبل بيّنته، لأنّه بإنكاره القرض تعيّن صرفها إلى قضاء غيره.

و لو شهدت بيّنة القضاء بقضاء الألف الّتي ادّعاها المدّعي، فالأقرب أنّها لا تسمع، لأنّه مكذّب لبيّنته بإنكاره القرض، و لو لم ينكر القرض، إلاّ أنّ بيّنة القضاء

ص: 204


1- . في «أ»: و لو كان لكلّ منهما بيّنة بدعواه.

كانت مؤرّخة بتاريخ سابق على القرض، لم يصرف القضاء إلى القرض، لأنّ القضاء بعد الوجود.

و لو شهد عليه اثنان بالإقرار لزيد بدين، و شهد آخران بإبراء، زيد للمقرّ من كلّ حقّ ، فإن اتّحد التاريخ، حكم بالإبراء، و إن تقدّم تاريخ أحدهما، حكم بالمتأخّر، و لو اطلقتا التاريخ فالأقرب القرعة.

6566. الحادي عشر:

لو اختلف المتآجران في قدر الأجرة، بأن يتّفقا على استئجار الدار «شعبان» لكن يقول المالك: بمائتي درهم، و يقول المستأجر:

بمائة درهم، أو في جنسها، بأن يقول المالك: بمائة دينار، و يقول المستأجر:

بمائة درهم، أو في المدّة، بأن يدّعي المالك الإجارة «شعبان» بمائة درهم، فيقول المستأجر: «شعبان» و «رمضان» بمائة درهم، أو في قدر العين، فيقول المالك: آجرتك هذا البيت من الدار «شعبان» بمائة، فيقول المستأجر: بل الدار بأجمعها بمائة، فإن لم تكن بيّنة و كان الاختلاف بعد مضيّ المدّة، قال الشيخ رحمه اللّه(1): سقط المسمّى و وجب على المستأجر أجرة المثل لهلاك المنفعة في يده فتعذّر ردها.

و إن تخالفا عقيب العقد انفسخ العقد، و رجعت الدار إلى مالكها، و لا أجرة إلى المستأجر، و إن كان في الأثناء انفسخ المتخلّف، و على المستأجر أجرة المثل عمّا مضى، و يأخذ المتخلّف من أجرة المدّة الباقية، و تردّ العين(2) إلى المالك هذا مع عدم البيّنة.

و لو أقام أحدهما بيّنة حكم بها، و لو أقام كلّ واحد بيّنة، فإن اتّحد التاريخ

ص: 205


1- . المبسوط: 265/3-266، كتاب المزارعة.
2- . في «ب»: و يردّ العين.

بأن تشهد إحداهما أنّه آجره عند غروب الشمس يوم كذا، و تشهد الأخرى بالإجارة عند ذلك الوقت، أو أطلقتا بأن شهدت إحداهما أنّه آجره شهر رمضان بكذا و الأخرى انّه آجره شهر رمضان بكذا أيضا، أو شهدت إحداهما مطلقة و الأخرى مقيّدة، فالحكم في الثلاثة واحد و حينئذ يحكم بالتعارض فيقرع و يحكم لمن تخرجه القرعة مع يمينه.

و لو اختلف التاريخ بأن شهدت إحداهما أنّه آجره الدار مع غروب الشمس يوم كذا بدينار، و شهدت الأخرى أنّه آجره البيت عند طلوع الشمس في ذلك اليوم بعينه بدينار، فلا تعارض، فإن سبقت بيّنة المستأجر أنّه استأجر الدار أجمع شهر رمضان بدينار، ثبت مدّعاه و بطلت بيّنة الموجر، لأنّ البيت داخل في عقد المستأجر، فيكون العقد الثاني باطلا، و إن سبقت بيّنة الموجر أنّه آجره البيت بدينار صحّ ، فإذا استاجر الدار كلّها بعد ذلك، كان العقد على البيت باطلا، و فيما بقي من الدار يكون صحيحا عندنا، هذا خلاصة ما ذكره الشيخ رحمه اللّه.(1)

و يحتمل أن يقال: إذا اختلفا في قدر الأجرة، فأقاما بيّنة، و اتّحد التاريخ يقضى ببيّنة الموجر، لأنّ القول قول المستأجر مع عدم البيّنة، لأنّه اختلاف على ما في ذمّة المستأجر، فالقول قوله مع يمينه، فتكون البيّنة من طرف المدّعي و هو الموجر.

أمّا لو كان الاختلاف في قدر المستأجر بأن يقول المالك: آجرتك البيت بعشرة، فيقول المستأجر: بل الدار بعشرة، و أقاما بيّنة، فالأقرب القرعة.

و قيل: القول قول الموجر، و الوجه ما قال الشيخ رحمه اللّه من استعمال القرعة، لأنّ كلاّ منهما مدّع، فإن اتّفق تاريخ البينتين أو أطلقتا أو إحداهما تعارضتا، و إن

ص: 206


1- . المبسوط: 263/8-264.

اختلف التاريخ يحكم للسابق، لكن إن كان السابق بيّنة البيت حكم بإجارة البيت بأجرته، و هو الدينار، و بإجارة بقيّة الدار بالنّسبة من الدينار.

6567. الثّاني عشر:

لو اختلف المتآجران في شيء من الدار، فإن كان ممّا ينقل و يحول، كالأثاث و شبهها، فهي للمستأجر، لجريان العادة بخلوّ الدار المستأجرة من الأقمشة، و إن كان ممّا يتبع الدار في البيع، كالأبواب المنصوبة و الخوابي المدفونة، و الرّفوف المسمّرة، فهو للمالك و لو أشكل الحال كالرفوف [الموضوعة مقابل المسمّرة] و المصراع للباب المقلوع، فالوجه أنّه للمستأجر مع اليمين، لأن يده عليه.

و لو اختلف النّجار و صاحب الدار في القدوم و المنشار و آلة النجارة حكم لذي اليد، و هو النّجار مع اليمين.

و لو كان في الدكان نجّار و عطّار فاختلفا فيما فيه، احتمل الحكم لكلّ واحد بآلة صناعته.

6568. الثالث عشر:

لو اختلف الزوجان في متاع البيت، قضي لمن قامت له البيّنة، و لو لم تكن بيّنة، فيد كلّ واحد منهما على النصف، فيحلف لصاحبه، و يكون بينهما بالسّوية، سواء كان ممّا يختصّ الرّجال(1) أو النساء، أو يصلح لهما، و سواء كانت الدار لهما أو لأحدهما، و سواء كانت الزوجيّة باقية بينهما أو زائلة، و سواء تنازع الزوجان أو الوارث اختاره الشيخ رحمه اللّه في المبسوط(2)و قال في الاستبصار(3): يحكم بجميع المتاع للمرأة لأنّها تأتي بالمتاع من

ص: 207


1- . في الشرائع «يخصّ الرجال» شرائع الإسلام: 119/4.
2- . المبسوط: 310/8.
3- . الاستبصار: 44/3-47، باب اختلاف الرجل و المرأة في متاع البيت.

أهلها، و قال في الخلاف(1): ما يصلح للرجال للرّجل، و ما يصلح للنساء للمرأة، و ما يصلح لهما يقسّم بينهما، و اختاره ابن إدريس.(2) و هو الأقوى عندي.

و لو ادّعى أبو الميّتة أنّه أعارها بعض ما في يدها من متاع و غيره، كان كغيره إن أقام بيّنة، حكم له بدعواه، و إلاّ فلا، و في رواية(3): يفرّق بين الأب و غيره، فيصدّق الأب دون غيره، و ليست وجها.

6569. الرابع عشر:

لو تداعيا زوجيّة امرأة فصدّقت أحدهما، حكم له.

القسم الثالث: في الاختلاف في المواريث و الوصايا و النسب و فيه أربعة عشر بحثا:
6570. الأوّل:

لو مات المسلم عن ولدين ادّعى أحدهما إسلامه قبل موت أبيه و صدّقه الاخر، ثمّ ادّعى الاخر ذلك فكذّبه الأوّل، فالقول قول الأوّل مع يمينه على نفي العلم، فيحلف أنّه لا يعلم أنّ أخاه أسلم قبل موت أبيه، و يأخذ التركة، و كذا لو كانا مملوكين فأعتقا، و اتّفقا على سبق عتق أحدهما على الموت، و اختلفا في سبق عتق الاخر.

و لو اتّفقا على وقت إسلامهما و اختلفا في وقت موت أبيهما، بأن يكون أحدهما أسلم في شعبان و الاخر في غرّة شوّال، و ادّعى المتأخّر موت الأب في شوّال و ادّعى المتقدّم موته في رمضان، قدّم قول المتأخّر مع يمينه، لأنّ الأصل بقاء الحياة، و كانت التركة بينهما.

ص: 208


1- . الخلاف: 352/6، المسألة 27 من كتاب الدعاوى و البيّنات.
2- . السرائر: 193/2-194.
3- . الوسائل: 213/18، الباب 23 من أبواب كيفيّة الحكم، الحديث 1.

و لو ادّعى أحد الورثة تقدّم إسلامه على القسمة، و أنكر الورثة ذلك، فالقول قول الورثة، و لو اتّفقوا على إسلامه في وقت، و ادّعى غيره من الورثة سبق القسمة و أنكر، فالقول قوله مع يمينه.

6571. الثاني:

لو ماتت امرأة و ولدها، و خلّفت زوجها و أخاها، فادّعى الزّوج سبق موت الزوجة على موت الولد، و ادّعى الأخ سبق موت الولد، فإن أقام أحدهما بيّنة، حكم بها، و إن لم تكن هناك بيّنة، فالقول قول الأخ مع يمينه في نصيبه من مال أخته، لأنّ الميراث لا يتحقّق إلاّ مع تيقّن حياة الوارث، و القول قول الزوج مع يمينه في مال ابنه كذلك أيضا، فلا ترث الأمّ من الولد و لا الولد من الأمّ ، و يحكم بتركة الابن للزوج بأجمعها و تركة الزّوجة(1) بين الأخ و الزوج نصفين.

6572. الثالث:

لو ادّعى الابن أنّ هذا العين ميراث من أبيه، و ادّعت الزوجة أنّ الأب أصدقها إيّاها، و أقاما بيّنة، حكم بها للمرأة، و لا تعارض، لأنّ بيّنة الزوجة شهدت بما يمكن خفاؤه عن بيّنة الولد، و كذا لو ادّعى أجنبي أنّ هذا العين باعها الموروث منه، و ادّعى الوارث أنّها تركة.

6573. الرابع:

لو ادّعى أنّ العين الّتي في يد زيد له و لأخيه إرثا عن أبيهما، و أقام بيّنة، فإن كانت كاملة، و هي ذات الخبرة الباطنة و المعرفة المتقادمة،(2)و شهدت بأنّها لا تعلم وارثا غيرهما، سلّم إلى المدّعي النصف، و كان الباقي في يد المتشبث، أو ينتزعه الحاكم، و يسلّم إلى الثقة، و لا يطالب المدّعي بيمين على نفي الوارث غيرهما، و لا يضامن لما يقبضه.

ص: 209


1- . في «ب»: و بتركة الزوجة.
2- . في الشرائع: 120/4 «و نعني بالكاملة: ذات المعرفة المتقادمة و الخبرة الباطنة».

و إن لم تكن البيّنة كاملة، و شهدت بأنّها لا تعلم أنّ له وارثا غيرهما، أو كانت من أهل الخبرة و لم تقل أنّا لا نعلم له وارثا غيرهما، أخّر التسليم حتّى يبحث الحاكم عن الوارث، و يستقصي في البحث حتّى يغلب ظنّه أنّه لو كان وارث لظهر أمره، و يسلّم إلى الحاضر نصيبه و يضمّنه استظهارا.

و لو كان ذا فرض أعطي مع اليقين بانتفاء الوارث نصيبه كملا(1) و مع عدم اليقين يعطيه أقلّ النصيبين، فيعطى الزوج الرّبع و الزوجة ربع الثمن معجّلا من غير ضمين، فإذا بحث الحاكم و لم يظهر وارث آخر سلّم إليه باقي الحصّة مع الضمين.

و لو كان الوارث ممّن يحجب غيره(2) كالأخ، فإن أقام البيّنة الكاملة أعطي المال، و إن أقام بيّنة غير كاملة أعطي بعد البحث و الاستظهار بالضّمين.(3)

و لو قالت البيّنة: لا نعرف له وارثا في غير هذا البلد، لم يدفع إليه، كما لو قالت: لا نعرف له وارثا في هذه المحلّة.

6574. الخامس:

لو أوصى بعتق عبده إن قتل، فادّعى العبد القتل، و أقام بيّنة، و ادّعى الوارث موته حتف أنفه، و أقاموا البيّنة على وجه لا يمكن الجمع بينهما، بأن تدّعي بيّنة الموت أنّهم شاهدوا خروج روحه حتف أنفه، فالوجه التعارض، و يحكم بالقرعة.

و لو أوصى بعتق غانم إن مات في رمضان و بعتق سالم إن مات في شوّال،

ص: 210


1- . في «ب»: كلاّ.
2- . في «ب»: يحجبه غيره.
3- . في «أ»: و الضمين.

فأقام غانم البيّنة بموته في رمضان، و أقام سالم البيّنة بموته في شوّال، فالوجه التعارض، و يحتمل تقديم بيّنة رمضان، لأنّ معها زيادة.

و لو أوصى بعتق غانم إن مات في مرضه و بعتق سالم إن برئ منه، و أقام كلّ منهما البيّنة بما ادّعاه، تعارضت البيّنتان، و حكم بالقرعة.

6575. السّادس:

إذا ادّعى كلّ من العبدين عتق مولاه المريض، و قيمته الثلث، و أقاما بيّنتين، أقرع مع عدم المعرفة بالسابق، أو مع العلم بالاقتران، و لو كانت قيمة أحدهما السدس، و خرجت القرعة له عتق، و عتق من الاخر نصفه لتكملة الثلث.

6576. السّابع:

لو شهد عدلان أنّ الميّت أعتق غانما، و قيمته الثلث، و شهد وارثان أنّه أعتق سالما، و هو ثلث، فإن أخرجنا المنجّزات من الأصل، عتقا، و إلاّ أقرع، إن لم نعرف السّابق، أو عرفنا الاقتران، و لو وقعت القرعة على من هو أقلّ من الثلث، أعتق من الاخر تكملة الثلث، و إن وقعت على الأزيد من الثلث، صحّ فيه عتق المساوي للثلث، و بطل الزائد.

و لو عرف السابق صحّ عتقه، و بطل عتق الاخر.

و لو شهد العدلان أنّه أوصى بعتق غانم، و شهد الوارثان بأنّه رجع عن عتقه و أعتق سالما، بعد موته، و قيمة كلّ واحد الثلث، احتمل القبول من الوارث حيث انتفت التهمة بالرجوع إلى البدل، و لو كان سالم سدس المال، صار متّهما، فيعتق غانم بالشهادة، و يعتق سالم بالإقرار.

و لو شهد العدلان بالوصيّة لزيد و عدلان من الورثة بالرجوع، و أنّه

ص: 211

أوصى لعمرو: قال الشيخ: تقبل شهادة الرجوع، لأنّهما لا يجرّان نفعا(1).

و فيه نظر، من حيث إنّ المال يؤخذ من يدهما فهما غريما المدّعي و عندي في ذلك كلّه إشكال ينشأ من التّهمة الحاصلة لسبب شهادة الورثة.

6577. الثامن:

لو شهد شاهدان بالوصيّة لزيد و شهد شاهد بالرجوع و أنّه أوصى لعمرو، كان لعمرو أن يحلف مع شاهده، لأنّها شهادة منفردة لا تعارض الأولى.

و لو شهدت بيّنة بأنّه أوصى لزيد بالسدس، و شهدت أخرى بأنّه أوصى لبكر بالسّدس، و شهدت ثالثة بأنّه رجع عن إحدى الوصيّتين، فإن أبطلنا الرجوع المبهم، سلّم إلى كلّ واحد سدس، و إن قلنا بالصّحة، فالوجه القرعة، و قال الشيخ رحمه اللّه: لا يقبل الرجوع لعدم التعيين، فهي كما لو شهدت بدار لزيد أو عمرو(2) و فيه نظر.

6578. التّاسع:

إذا وطئ المرأة اثنان في طهر واحد وطئا يلحق به النسب، بأن تكون مشتبهة عليهما، أو زوجة لأحدهما و مشتبهة على الاخر، أو يعقد الاثنان عقدا فاسدا توهما للحلّ به، ثمّ تأتي الولد لستّة أشهر فصاعدا إلى أقصى مدّة الحمل، حصل الاشتباه في الإلحاق، فعندنا يحكم بالقرعة، فمن خرجت له ألحق به النسب، سواء كان الواطئان مسلمين، أو عبدين، أو بالضدّ، أو مختلفين فى الإسلام و الكفر و الحرّيّة و الرّق، و سواء كانا أجنبيين أو أحدهما أبا للآخر، و سواء أقام كلّ واحد منهما بيّنة أو لم يقم أحدهما بيّنة،

ص: 212


1- . المبسوط: 251/8-252.
2- . المبسوط: 253/8.

و لو أقام أحدهما دون الاخر، حكم لصاحب البيّنة و النسب بالفراش المنفرد و الدّعوى المنفردة و بالفراش(1) المشترك و الدّعوى المشتركة، و يقضى فيه بالبيّنة و مع عدمها بالقرعة و لا اعتبار بالقافة(2) و لا يجوز الالحاق بمن يلحقه القيّاف.

6579. العاشر:

لو شهد شاهدان أنّه أوصى لزيد بثلث ماله، و شهد ثالث أنّه أوصى لعمرو بثلث ماله، فالشاهدان أقوى و لا يعارضهما الشاهد و اليمين، فيحكم لزيد بالثلث، و تقف وصيّة عمرو على الإجازة، و قد يلوح من كلام الشيخ في بعض المواضع التعارض بين الشاهدين و الشاهد و اليمين(3). فعلى هذا يحلف عمرو مع شاهده، و يقرع بينهما إن جهل السابق، و يقسّم مع التقارن.

أمّا لو شهد الثالث بأنّه رجع عن وصيّته لزيد و وصّى لعمرو بثلثه، فإنّه لا تعارض بينهما، و يحلف عمرو مع شاهده، و الفرق تقابل البيّنتين في الأولى، فقدّمت الأقوى منهما و عدم التقابل في الثانية.

6580. الحادي عشر:

لو ادّعى الورثة أنّ الميّت طلّق الزّوجة قبل موته، فأنكرت، فالقول قولها مع اليمين، فإن اعترفت بالطلاق و انقضاء العدّة و ادّعت أنّه راجعها، فالقول قول الورثة، و ان اختلفوا في انقضاء العدّة فالقول قولها في عدم الانقضاء.

6581. الثّاني عشر:

لو أقرّ اثنان من أهل الحرب بنسب يوجب التوارث، ثبت

ص: 213


1- . في «ب»: و الدعوى المنفردة بالفراش المشترك.
2- . في «ب»: بالقيافة.
3- . المبسوط: 253/8-254.

نسبهم، و لو سببا، فإن قامت البيّنة من المسلمين بذلك فكذلك، و لا تقبل شهادة الكفّار في ذلك، و إن لم تقم البيّنة لم يقبل إقرارهم.

و لو أعتقوا تبرّعا فكذلك، لما فيه من الضرر على المعتق بتفويت الإرث بالولاء، و لو صدّقهما معتقهما قبل، و إن لم يصدّقهما فميراث كلّ واحد منهما لمعتقه، و الأقرب عندي القبول مع العتق.

6582. الثالث عشر:

قال الشيخ رحمه اللّه لو أقام العبد شاهدين بالعتق، و افتقر إلى البحث عن عدالتهما، و سأل التفريق حتّى تثبت العدالة فرّق، قال: و كذا لو أقام مدّعي المال شاهدا واحدا و ادّعى أنّ له شاهدا آخر و سأل حبس الغريم إلى ان يقيمه أجيب إلى ذلك، لأنّه متمكّن من إثبات حقّه باليمين(1) و فيه نظر، من حيث إنّه تعجيل للعقوبة قبل ثبوت الحقّ .

6583. الرابع عشر:

لو شهد اثنان أنّ هذا ابن الميّت، و لا نعلم له وارثا سواه، و شهد آخران أنّ هذا الاخر ابن الميّت، و لا نعلم له وارثا سواه، فلا تعارض بينهما، و ثبت نسب الغلامين، و يكون الإرث بينهما، و لا فرق بين أن تكون البيّنة كاملة أو لا، لجواز أن يعلم كلّ من الشاهدين ما لم يعلمه الاخر.

ص: 214


1- . المبسوط: 254/8-255.

الفصل السابع: في القسمة و فيه مطالب

المطلب الأوّل: في أركانها و هي اثنان: القاسم و المقسوم

اشارة

و فيه تسعة مباحث:

6584. الأوّل:

يستحبّ للإمام أن ينصب قاسما، و ليس بلازم، و لو نصب قاسما جاز أن يقسم الخصمان، و يقاسم غيره.

6585. الثاني:

يشترط في القاسم المنصوب من قبل الإمام البلوغ، و كمال العقل، و الإيمان، و العدالة، و المعرفة بالحساب، لأنّ عمله متعلّق به، فهو كالفقه في الحاكم، و لا يشترط الحريّة، فلو كان عبدا جاز.

و لا يشترط ذلك في القاسم الّذي يتراضى به الخصمان، فلو تراضيا بقسمة الكافر جاز، كما لو تراضيا بالقسمة بأنفسهما.

6586. الثالث:

القسمة إن اشتملت على الردّ وجب العدد في القاسم المنصوب من قبل الإمام، و هو عدلان، لاشتمالها على التّقويم(1) و لو رضي الشريكان بواحد جاز، و إن لم يكن في القسمة ردّ كفى الواحد، و المقوّم يشترط

ص: 215


1- . كذا في «ب» و لكن في «أ»: «لأنّ لاشتمالها» و لعلّه مصحّف.

فيه العدد و ليس للقاضي أن يقضي بالتقويم ببصيرة نفسه، و إن جوّزنا القضاء بالعلم، لأنّه تخمين، و يحكم بالعدالة ببصيرة نفسه، قال الشيخ رحمه اللّه: و الأحوط أنّه لا بدّ من خارصين.(1)

6587. الرابع:

القاسم إن كان من قبل الحاكم و عدّل السهام و أقرع، كانت القرعة حكما تلزم القسمة به، و إن نصبه الشريكان لم تلزم القسمة بالتعديل و القرعة، بل لا بدّ من رضاهما بعد القرعة، و كذا لو اقتسما بأنفسهما و أقرعا لم تلزم القسمة إلاّ بتراضيهما بعد القرعة، لأنّه لا حاكم بينهما و لا من يقوم مقامه.

6588. الخامس:

و يخرج الإمام للقاسم رزقه من بيت المال، لأنّه من المصالح، و قد اتّخذ عليّ عليه السّلام قاسما و جعل له رزقا في بيت المال، فإن لم يكن هناك إمام، أو كان و ضاق بيت المال عن رزق القاسم، كانت أجرته على المتقاسمين، ثمّ إن استأجره كلّ واحد منهم ليقسّم نصيبه بأجرة معيّنة جاز، فإن استأجروه جميعا في عقد واحد بأجرة معيّنة عن الجميع، و أبهموا نصيب كلّ واحد منهم من الأجرة، لزم كلّ واحد منهم من المعيّن بقدر نصيبه من المقسوم، و كذا لو لم يقدّروا أجرة(2) كان له عليهم أجرة المثل بالحصص لا على عدد الرءوس بالسّوية.

و ليس لواحد أن ينفرد باستئجاره دون إذن الشريك، لأنّ تردّده في الملك المشترك ممنوع دون الاذن، فيكون العمل ممنوعا، و الإجارة فاسدة، بل يعقد واحد بإذن الآخرين، أو الوكيل بإذن جميعهم.

ص: 216


1- . المبسوط: 134/8.
2- . في «أ»: الأجرة.

و إن كان الشريك طفلا فطلب وليّه القسمة و لا غبطة منعه القاضي، و إن كان هناك غبطة وجب عليه دفع نصيبه من الأجرة من مال الطفل، و لو طلب الشريك القسمة و لا غبطة، فالوجه وجوب الحصّة من الأجرة على وليّ الطفل من مال الطفل.

6589. السّادس:

المقسوم إمّا متساوي الأجزاء، كالحبوب، و الأدهان، و الخلول،(1) و الألبان، أو متفاوت الأجزاء، كالعقار، و الأشجار. فالأوّل إن طلب أحد الشريكين القسمة فيه، أجيب إليها، فإن امتنع شريكه أجبر سواء قلّت أو كثرت، و يقسّم كيلا و وزنا، متساويا و متفاضلا، ربويّا كان أو غيره.

و لو قسّماه بقسمين، و لم يعلما قدر كلّ واحد من القسمين، لكن تراضيا على أن يأخذ أحدهما أحد القسمين، و الاخر يأخذ الثاني جاز، لأنّ القسمة تمييز حقّ لا بيع عندنا.

و أمّا الثاني فإن انتفى الضرر مع القسمة، أجبر الممتنع عليها، و إن تضرّر الشريكان بالقسمة، كما في الحمامات و العضائد(2) الضيّقة و الجواهر، فلا يجبر الممتنع على القسمة.

و إن تضرّر أحد الشريكين دون الاخر، فإن طلب المتضرّر القسمة أجبر الممتنع عليها، و إن طلبها الاخر غير المتضرّر لم يجبر المتضرّر عليها.

6590. السّابع:

الضّرر المانع من الإجبار على القسمة، للشيخ رحمه اللّه فيه قولان:

ص: 217


1- . قال الفيومي: الخلّ معروف و الجمع خلول مثل فلس و فلوس، سمّي بذلك لأنّه اختلّ منه طعم الحلاوة. المصباح المنير: 219/1.
2- . قال الفيومي: العضادة بالكسر: جانب العتبة من الباب. المصباح المنير: 75/2.

أحدهما عدم الانتفاع بالنّصيب بعد القسمة، و الثاني نقصان القسمة.(1) و هو الاقوى عندي.

6591. الثّامن:

القسمة إن لم تشتمل على ضرر و لا ردّ أجبر الممتنع عليها، و تسمّى قسمة إجبار، و إن اشتملت على أحدهما لم يجبر أحد الشريكين عليها، و تسمّى قسمة تراض.

و لو تضمّنت القسمة إتلاف العين، و اتفقا عليها منعهما الحاكم، لما فيه من إضاعة المال.

6592. التّاسع:

لو كانا شريكين في أنواع كلّ واحد منها متساوي الأجزاء، كحنطة، و شعير، و تمر، و زبيب، فطلب أحدهما قسمة كلّ نوع على حدته، أجبر الممتنع، و إن طلب قسمتها أعيانا بالقيمة، لم يجبر الممتنع، و الثوب إن نقصت قيمته بالقطع، لم يجبر الممتنع على قسمته، و إن لم ينقص قسّم.

و تقسّم الثياب و العبيد بعد التعديل بالقيمة قسمة إجبار، و لو كان بينهما ثياب، أو حيوان، أو أوان، فاتّفقا على قسمتها جاز، سواء اتّفقا على قسمة كلّ جنس، أو على قسمتها أعيانا بالقيمة، و لو طلب أحدهما قسمة كلّ نوع على حدته، و طلب الاخر قسمته أعيانا بالقيمة، قدّم قول من طلب قسمة كلّ نوع على حدته مع إمكانه، و إن طلب أحدهما القسمة و امتنع الاخر، و كان ممّا لا تمكن قسمته إلاّ بأخذ عوض عنه من غير جنسه، أو قطع ثوب في قطعه نقص، لم يجبر الممتنع.

ص: 218


1- . اختارهما الشيخ في المبسوط: 135/8، و اختار الأوّل في الخلاف. لاحظ الخلاف: 229/6، المسألة 27 من كتاب آداب القضاء.

المطلب الثّاني: في كيفية القسمة

اشارة

و فيه عشرة مباحث:

6593. الأوّل:

أنواع القسمة ثلاثة: إفراز، و تعديل، و ردّ.

القسمة الأولى قسمة الإفراز، و هي تقع في متساوي الأجزاء، كالثوب الواحد، و العرصة الواحدة المتساوية، و المكيلات، و الموزونات، و هذه القسمة يجبر الممتنع عليها مع طلب الاخر بشرط أن تبقى الحصص بعد القسمة منتفعا بها المنفعة الّتي كانت.

و لو كان الحمّام كبيرا تبقى المنفعة به عند إحداث مستوقد آخر و بئر أخرى، فالأقرب الإجبار، و لو ملك عشر دار، و هو لا يصلح السكنى منفردا، فطلب شريكه القسمة، لم يجبر المالك، و لو طلب المالك لغرض صحيح أجيب، فلو باع صاحب الأقلّ كان لصاحب الأكثر الشفعة دون العكس، لأنّ انتفاء القسمة مستلزم لانتفاء الشفعة، لأنّ الشفعة لدفع ضرر مئونة القسمة.

الثانية: قسمة التعديل، مثل أن يكون بين شخصين عبدان متساويا القيمة، فعندنا يجبر الممتنع على القسمة، و لو كان لهما ثلاثة أعبد قيمة عبد مساوية لقيمة العبدين، قسّمت بينهما.

و لو كان لهما عبد و جوهرة متساويا القيمة، فالأقرب عدم الإجبار على القسمة بعد التعديل، لاختلاف الأغراض باختلاف الأعيان.

و لو كان بينهما قطع من الأرض متباينة، و آحادها تقبل قسمة الإفراز، لم يجبر على قسمة التعديل بالقيمة.

ص: 219

الثالثة: قسمة الردّ، بأن يكون لهما عبدان قيمة أحدهما ستّة و الاخر عشرة، فإذا ردّ أحدهما للآخر دينارين، استويا، لم يجبر أحدهما عليه، و لو طلب أحدهما أن يأخذ الأدون و خمس الأعلى ليتخلّص في أحد العبدين عن الشركة، فالأقرب أنّه لا يجبر، لعدم انقطاع الشركة.

6594. الثاني:

لو كانت لثلاثة دار لأحدهم نصفها، و لكلّ من الآخرين ربعها، و إذا قسمت أرباعا استضرّ الآخران، و إن قسّمت نصفين لم يستضرّ أحد، فطلب صاحب النصف القسمة، أجبر كلّ من الآخرين، فيأخذ نصفه، و يأخذ الآخران النّصف، يكون مشتركا بينهما.

و يحتمل ألا تجب الإجابة، لعدم فائدة القسمة في حقّهما، و هي تمييز حقّ كلّ واحد منهما.

6595. الثالث:

لو كانت بينهما دار ذات عدو و سفل، فطلب أحدهما قسمتها، بحيث تحصل لكلّ منهما حصّته من العلو و السّفل بالتعديل و أمكن، أجبر الممتنع، و لو حصل ضرر لم يجبر، و لو طلب قسمة السّفل بانفراده و العلو بانفراده، لم يجبر الاخر، و كذا لو طلب أخذ السّفل بانفراده و الاخر لشريكه.

6596. الرابع:

لو كان لهما دار كبيرة أو خان كبير، فطلب أحدهما قسمة ذلك و لا ضرر، أجبر الممتنع على القسمة، و يفرد بعض المساكن عن بعض، و إن كثرت(1) المساكن.

و لو كان بينهما داران أو خانان، فطلب أحدهما جميع نصيبه في إحدى

ص: 220


1- . في «أ»: و إن كبرت.

الدّارين أو أحد الخانين، و يجعل الباقي نصيبا لشريكه، لم يجبر الممتنع، سواء كانا متجاورين أو متباعدين، و سواء كانت إحدى الدارين حجرة للأخرى أو لا.(1)

6597. الخامس:

لو كان بينهما أرض و زرع، فطلب أحدهما قسمة الأرض خاصّة أجبر الممتنع، و إن طلب قسمة الزرع خاصّة، فكذلك إن ظهر، و إن كان بذرا لم يظهر لم يجبر، و لو طلب قسمة كلّ واحد منهما على حدته أجبر الاخر، و لو طلب قسمة الأرض و الزرع بعضا في بعض لم يجبر الاخر، لأنّ الزرع كالمتاع ليس من أجزاء الأرض.

6598. السّادس:

لو كان بينهما أرض واحدة لا ضرر في قسمتها، أجبر الممتنع، سواء كانت فارغة أو مشغولة بشجر أو بناء، فإن كان فيها نخل و كرم و شجر مختلف الأجناس، قسّمت كالدار الواسعة بعضا في بعض، و لو طلب قسمة كلّ عين على حدتها، فالأقرب أنّه لا يجبر الاخر، لاشتماله على الضرر.

و لو كان بينهما قرحان(2) متعدّدة و طلب أحدهما قسمتها بعضا في بعض، لم يجبر الممتنع، و لو طلب قسمة كلّ قراح بانفراده أجبر الاخر، و كذا الحبوب المختلفة.

و يقسّم القراح الواحد و إن اختلفت أشجار أقطاعه.

ص: 221


1- . ردّ على فتوى أبي حنيفة حيث ذهب إلى انّه يجبر إن كانت إحدى الدارين حجرة للأخرى. لاحظ العزيز شرح الوجيز للرافعي: 554/12.
2- . قال في مفتاح الكرامة: 204/10: القرحان جمع كثرة، فإن كان بكسر الفاء، كان واحده «قراح» بضمّ الفاء، كغلام و غلمان، و غراب و غربان فيكون مطّردا، و إن كان بضمّ الفاء كان مفرده أيضا بضمّها، لكنّه قليل غير مطّرد، كزقاق و زقان. و قال الفقهاء: إنّ القراح الأرض الخالية من البناء و الماء و الشجر، لكنّ الشيخ في المبسوط صرّح بأنّ القراح ما يكون فيه أشجار. و لعلّه في الأصل كما ذكروه، و صار عرفا لما ذكر.

و لا تقسّم الدكاكين المتجاورة بعضها في بعض قسمة إجبار، لأنّها أملاك متعدّدة يقصد كلّ واحد منها بالسكنى منفردا، فهي كالأقرحة المتعدّدة.

و لو كانت الأرض ثلاثين جريبا، قيمة عشرة منها كقيمة عشرين، أجبر الممتنع من القسمة عليها.

و لو كان بينهما أرض قيمتها مائة، في أحد نصفيها(1) بئر قيمتها مائة، و في النصف الاخر شجرة قيمتها مائة، عدّلت بالقيمة، و جعلت البئر مع أحد النصفين، و الشجرة مع الاخر.

و لو كانت بين ثلاثة لم تجب القسمة، لأنّ البئر تخلص لأحدهم، و الشجرة للثاني، و الأرض للثالث، و ذلك ممّا لا نفع فيه.

و لو كانت قيمة الأرض أكثر من مائة، بحيث يأخذ بعض الشركاء سهمه منها و يبقى منها شيء مع البئر و الشجرة ينتفع به، وجبت القسمة، بأن تكون قيمة الأرض مائتين و خمسين، فيبلغ الجميع أربعمائة و خمسين، فيجعل كلّ مائة و خمسين نصيبا فيضمّ (2) إلى البئر خمسين و إلى الشجرة خمسين و يتقارعان.

و لو كانت الأرض لاثنين، و أرادا قسمة البئر و الشجرة دون الأرض، لم تكن قسمة إجبار، و كذا الأرض ذات الشجر(3) إذا اقتسما الشجر(4) دون الأرض أو بالعكس لم تكن قسمة إجبار، و لو اقتسماها بشجرها، كانت قسمة إجبار، لأنّ الشجر يدخل في الأرض، فيصير الجميع كالشيء الواحد، و لهذا وجبت فيه الشفعة إذا بيع مع الأرض.

ص: 222


1- . في «ب»: في أحد نصفها.
2- . في «ب»: فيضمّه. ( (3 و 4) . في «أ»: الشجرة.
6599. السّابع:

القسمة عندنا تميّز حقّ عن غيره، و ليست بيعا، نعم لو اشتملت على الردّ تضمّنت معاوضة في القدر الّذي يقابله العوض، و إن لم يكن بيعا على الحقيقة، فيجوز فصل الوقف عن الطلق، أمّا فصل الوقف عن الوقف فلا يجوز، لأنّه كالتغيير لشرط الوقف(1)، و لو أشرف على الهلاك و اقتضت المصلحة قسمته، فالوجه الجواز، كما أجزنا البيع حينئذ، و لو قيل بقسمة الوقف بعضه من بعض مطلقا أمكن، إذ القسمة ليست بيعا، و الأقرب عدم جوازها، إذ البطن الثاني يأخذ الوقف عن الواقف، و لا يلزمه ما فعل البطن الأوّل.

و لو تعدّد الواقف و الموقوف عليه، فالأقرب جواز القسمة.

6600. الثامن:

يشترط في قسمة الرضا، التراضي بعد القرعة، و لا بدّ فيه من اللفظ، نحو «رضيت» و ما أدّى معناه، و لا يكفي السكوت، أمّا قسمة الإجبار فلا يشترط فيها الرضا بعد القرعة، لأنّ قرعة قاسم الحاكم بمنزلة حكمه.

و لا يفتقر في قسمة التّراضي إلى قوله: رضيت بالقسمة، أو قاسمتك بل يكفي رضيت بذلك.

6601. التّاسع:

القسمة إن وقعت في ذوات الأمثال، جازت التسوية بالوزن و الكيل، و إن كانت في عرصة متساوية الأجزاء، فالتسوية بالمساحة، و تبسط على أقلّ الحصص، بأن يقسّم أسداسا إذا كان لأحدهم النصف، و للثاني الثلث، و للآخر السدس، و لو افتقر إلى التعديل بالقيمة عدّل كذلك، ثمّ يكتب أسماء الملاّك على ثلاث رقاع، و يدرجها في بنادق من طين أو شمع متساوية،

ص: 223


1- . في «ب»: كالتغيّر بشرط الواقف.

و يسلّمها إلى من لم يشاهد ذلك، فيخرج واحدة، و يقف القسّام على الطرف، فإن خرج اسم صاحب النصف أعطاه الجزء الأوّل و الثاني و الثالث، ثمّ يخرج اسم صاحب الثلث أعطاه الرابع و الخامس، و تعيّن السادس لصاحب السدس و إن خرج اسم صاحب السدس، أعطاه الرابع، و تعيّن الآخران لصاحب الثلث، و تعيين(1) ما منه ابتداء التسليم إلى اختيار القسّام، فيقف على أيّ طرف شاء، و لا يخرج في هذه على السهام بل على الأسماء، و كما صوّرناه، لئلاّ يؤدّي إلى تفرّق السهام، و هو ضرر.

أمّا لو كان الملك لاثنين نصفين، فإنّ القاسم يخرج إن شاء على السّهام، كما قلناه، و إن شاء على الأسماء، بأن يكتب كلّ نصف في رقعة، و يميز كلّ نصف بما لا يشاركه فيه الاخر، و يستر الرقعتين، ثمّ يأمر من لم يطّلع على الصورة بإخراج إحداهما على اسم أحد المتقاسمين، فما خرج فله، و الباقي للآخر.

6602. العاشر:

الأجزاء إن كانت متساوية قيمة، و الأنصباء متساوية، بأن تكون الأرض لستّة و أجزاؤها متساوية، فإنّها تقسّم ستّة أجزاء، ثمّ تكتب ستّة رقاع متساوية، في كلّ واحدة اسم واحد، ثم يقال للمخرج: أخرج واحدة على هذا السهم، فمن خرج اسمه كان السهم له، ثمّ يخرج أخرى على سهم آخر، حتّى يبقى الأخير، و إن كتب في الرّقاع أسماء السهام، كتب في رقعة الأوّل و في أخرى الثّاني، و هكذا، ثمّ يخرج الرقعة على واحد بعينه، فما خرج في الرقعة من السهم كان له، و هكذا.

ص: 224


1- . في «أ»: و تعيّن.

و إن تساوت الأنصباء و اختلفت القيمة(1) عدّلت الأرض بالقيمة، و تجعل ستّة أجزاء، و لا اعتبار بالمساحة(2) فيجوز أن يكون أحد النصيبين جريبا، و الاخر اثنين إذا تساوت قيمتهما، ثمّ يخرج القرعة على ما سبق.

و إن تساوت الأجزاء و اختلفت الأنصباء، جعلت سهاما بقدر أقلّها، و كتب ثلاثة رقاع بأسمائهم، ثمّ يخرج، فإن خرج صاحب النصف كان له الأوّل و الثاني و الثالث، ثمّ يخرج أخرى، فإن خرج صاحب الثلث، فله الرابع و الخامس، و يبقى السادس لصاحب السدس، و لو خرجت رقعة صاحب الثلث أوّلا، فله الأوّل و الثاني، ثمّ إن خرجت رقعة صاحب النصف، فله الثالث و الرابع و الخامس، و إن خرجت رقعة صاحب السّدس، فله الثالث، و يبقى الباقي لصاحب النصف.

و لو اختلفت الأنصباء و القيمة، عدّل القاسم السهام، و جعلها ستّة أجزاء، ثمّ فعل في الرقاع كما تقدّم.

و لو افتقرت القسمة إلى الردّ، بأن يكون في حصّة أحدهما بناء أو شجر لم يجبر أحد عليها، لأنّها نوع معاوضة، و المعاوضة لا يجبر عليها.

فإن اتّفقا على الرّد، و عدّلت السّهام، لم يلزم بنفس القرعة، بل لا بدّ من الرضا بعدها، لأنّ كلّ واحد منهما(3) لا يعلم حصول العوض له.

ص: 225


1- . في «أ»: و اخلفت القسمة.
2- . في «أ»: «و الاعتبار» و لعلّه مصحّف.
3- . في «أ»: منها.

المطلب الثالث: في الأحكام و فيه اثنا عشر بحثا:

6603. الأوّل:

الأقرب قبول شهادة القاسم إن لم يكن بأجرة، و لو كان بأجرة حصلت التهمة، فلا تقبل شهادته حينئذ، لأنّه يوجب الأجرة لنفسه.

6604. الثاني:

لو ادّعى أحد الشريكين الغلط في القسمة، و أنّه(1) أعطي دون حقّه، و أنكر الاخر، فالقول قول المنكر مع يمينه، و لا تقبل دعوى المدّعي إلاّ بالبيّنة، و إن أقام شاهدين على الغلط، نقضت القسمة و أعيدت، و إن لم يكن هناك بيّنة كان له إحلاف الشريك، سواء كانت القسمة تلزم بالقرعة أو تتوقّف على التراضي، كما لو اقتسما بأنفسهما، فإنّه تسمع دعواه، و يحلف خصمه أيضا مع عدم البيّنة.

و على كلّ تقدير فليس له إحلاف قاسم القاضي على عدم الغلط، لأنّه حاكم، و لو حلف بعض الشركاء و نكل الباقون، أحلف مدّعي الغلط، و أفادت يمينه نقض القسمة في حقّ الناكلين دون الحالفين.

6605. الثالث:

لو اقتسما ثمّ ظهر استحقاق البعض للغير، فإن كان معيّنا في نصيب أحدهما، بطلت القسمة، و لا يتخيّر من ظهر الاستحقاق في يده بين الفسخ و الرجوع بما بقي من حقّه، و لو كان المستحقّ في نصيبهما مشاعا على السواء، لم تبطل القسمة، لأنّ ما يبقى لكلّ واحد منهما بعد المستحقّ قدر حقّه، نعم لو تضرّر أحدهما بالمستحقّ أكثر مثل أن يسدّ طريقه، أو مجرى مائه، أو ضوئه، و نحوه، بطلت القسمة، لأنّه يمنع التعديل.

ص: 226


1- . في «أ»: فإن.

و لو كان المستحقّ في نصيب أحدهما أكثر بطلت أيضا، و لو كان المستحقّ مشاعا في نصيبهما بطلت القسمة، لأن الثالث شريك، فلا بدّ من رضاه بالقسمة، و للشيخ رحمه اللّه قول آخر: أنّه لا يبطل فيما زاد على المستحقّ (1) و الأوّل أجود، و لا فرق في ذلك بين أن يعلما حال القسمة أو أحدهما بالمستحقّ و بين ألا يعلما.

6606. الرابع:

لو ظهر في نصيب أحدهما عيب لم يعلمه قبل القسمة، كان له فسخ القسمة، أو الرجوع بالأرش كالبيع، و يحتمل بطلان القسمة، لأنّ التعديل شرط فيها و لو يوجد بخلاف البيع.

6607. الخامس:

لو بنى أحدهما في نصيبه أو غرس، ثمّ ظهر استحقاق ذلك النصيب، فنقض بناءه و قلع غرسه، لم يرجع على الشريك بشيء من البناء و الغرس، و أبطلت القسمة، لأنّ القسمة عندنا ليست بيعا فلم يغرّه الشريك و لم ينتقل إليه من جهته ببيع، و إنّما أفرز حقّه، فلم يضمن له ما غرم فيه.

و لو كان البناء سابقا للأوّل قبل الشريكين، ثمّ ظهر الاستحقاق، فالبناء للمالك، فان كان من وصل إليه دفع عوضا عنه إلى شريكه، كان له الرّجوع بالعوض.

6608. السّادس:

إذا اقتسم الورثة التركة ثمّ ظهر دين على الميّت لا وفاء له إلاّ فيما اقتسموه، لم تبطل القسمة لكن إن أقام الورثة(2) بالدين، فالقسمة بحالها، و ان امتنعوا نقضت القسمة و بيعت التركة في الدّين و لو أجاب أحدهم و امتنع

ص: 227


1- . المبسوط: 142/8.
2- . في «أ»: قاسم الورثة.

الاخر بيع نصيب الممتنع خاصّة، و بقي نصيب المجيب بحاله و لو كان هناك وصيّة لا بجزء من المقسوم، فالبحث فيه كما في الدّين، كما لو أوصى بمائة دينار و لم يعيّن المال، و لو كان بجزء من المقسوم فالبحث فيه كما لو ظهر البعض مستحقّا على ما تقدّم من التفصيل.

6609. السّابع:

لو طلب أحد الشريكين من الاخر المهاياة من غير قسمة، إمّا في الأجزاء، بأن يجعل لأحدهما بعض الدار يسكنه، أو بعض الأرض يزرعه، و الباقي لشريكه، أو في المدّة، بأن يسكن أحدهما الدار سنة، أو يزرع الأرض سنة، و الاخر سنة، لم يجبر الممتنع، نعم لو اتّفقا عليها جاز، و لا يلزم، بل لكلّ منهما فسخها.

و لو طلب أحدهما القسمة كان له ذلك، و انتقضت المهاياة.

6610. الثّامن:

إذا طلب الشريكان القسمة من الحاكم، فإن عرف الحاكم الملك لهما بنفسه أو بالبيّنة، أجابهما إلى ذلك، و إن لم يعرف و لم تقم عنده بيّنة، و كانت يدهما عليه و لا منازع، فللشيخ قولان:

أحدهما: أنّه لا يقسّم(1) لأنّها قد يكون لغيرهم، فإذا قسّمها سلّط كلّ واحد على نصيبه، و ثبت له ذلك بالحكم.

و الثّاني أنّه يقسّم،(2) لأنّ اليد تقضي بالملكيّة ظاهرا.

ص: 228


1- . نسبه في الشرائع إلى المبسوط و لكنّ الموجود فيه: «أنّ الأوّل أقوى» و الظاهر أنّ المراد من الأوّل: «أنّه يقسّم» لاحظ شرائع الإسلام: 102/4؛ و المبسوط: 148/8.
2- . الخلاف: 232/6، المسألة 30 من كتاب آداب القضاء.
6611. التّاسع:

إذا اتّفق الشريكان على المهاياة، فرجع أحدهما قبل استيفاء نوبته، فله ذلك، فإن استوفى ثمّ رجع جاز أيضا، لكن يغرم أجرة ما انفرد به.

6612. العاشر:

لو كان في دار سطحان يجرى ماء أحدهما على الاخر، فاقتسما، فمنع الشريك الاخر من جريان ماء سطحه على سطح الاخر الحاصل له بالقسمة، فإن كان بينهما شرط أنّه يردّ الماء، فله المنع، و إن لم يشترط فالأقرب أنّه ليس له ذلك لأنّهما اقتسما الدار و أطلقا، فاقتضى ذلك أن يملك كلّ واحد حصّته بحقوقها، كما لو اشتراها بحقوقها، و من حقّها جريان مائها فيما كان يجري إليه معتادا له.

6613. الحادي عشر:

لو اقتسما دارا فحصلت الطريق في نصيب أحدهما، و كان لنصيب الاخر منفذ يستطرق منه، صحّت القسمة، و إن لم يكن له منفذ، بطلت، و لو علم أنّه لا طريق له، و رضي به صحّت القسمة.

6614. الثاني عشر:

يجوز للأب و الجدّ و الوصيّ و الحاكم و أمينه قسمة مال الطفل و المجنون، و يجوز لهم قسمة التراضي من غير زيادة في العوض، و كذا يجوز للوكيل العامّ القسمة مع المصلحة لموكّله.

ص: 229

الفصل الثّامن: في نوادر القضايا و الأحكام

روى أبو شعيب المحاملي عن الرّفاعي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل قبّل رجلا يحفر له بئرا عشر قامات بعشرة دراهم، فحفر له قامة، ثمّ عجز، قال: تقسم عشرة على خمسة و خمسين جزءا، فما أصاب واحدا فهو للقامة الأولى، و الاثنين للاثنين، و الثلاثة للثلاثة، و على هذه الحساب إلى عشرة(1).

و الوجه حمل هذه الرواية على موضع ينقسم فيه أجرة المثل على هذا الحساب، و لا استبعاد في ذلك.

و روى حمّاد بن عيسى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام أتي بعبد لذمّي قد أسلم، فقال: اذهبوا، فبيعوه من المسلمين، و ادفعوا ثمنه إلى صاحبه، و لا تقرّوه عنده.(2)

و روى حريز عن أبي عبيدة (زياد بن عيسى الحذاء)(3) قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام و أبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل دفع إلى رجل ألف درهم يخلّطها بماله، و يتّجر بها، قال: فلمّا طلبها منه، قال: ذهب المال، و كان لغيره معه مثلها، و مال كثير لغير واحد، فقال: كيف صنع أولئك ؟ قال: أخذوا أموالهم، فقال أبو جعفر و أبو عبد اللّه عليهما السّلام جميعا: يرجع عليه بماله، و يرجع هو على أولئك بما أخذوا(4).

ص: 230


1- . التهذيب: 287/6، رقم الحديث 794 - باب من الزيادات في القضاء و الأحكام -.
2- . التهذيب: 287/6، رقم الحديث 795 - باب من الزيادات في القضاء و الأحكام -.
3- . ما بين القوسين ليس بموجود في المصدر.
4- . التهذيب: 288/6، رقم الحديث 799 - باب من الزيادات في القضاء و الأحكام -.

و تحمل هذه الرواية على أنّ العامل مزج مال الأوّل بغيره(1) بغير إذنه، ففرّط، و أمّا أرباب الأموال الباقية فقد كانوا أذنوا في المزج.

محمد بن إسماعيل عن جعفر بن عيسى قال: كتبت إلى أبي الحسن عليه السّلام:

جعلت فداك، المرأة تموت فيدّعي أبوها أنّه أعارها بعض ما كان عندها من متاع و خدم، أتقبل دعواه بلا بيّنة، أم لا تقبل دعواه إلاّ ببيّنة ؟ فكتب إليه: يجوز بلا بيّنة.

قال: و كتبت إليه: إن ادّعى زوج (المرأة)(2) الميّتة، و أبو زوجها و أمّ زوجها من متاعها أو خدمها مثل الّذي ادّعى أبوها من عارية بعض المتاع أو الخدم، أ يكونون بمنزلة الأب في الدّعوى ؟ فكتب: لا(3).

و هذه الرواية محمولة على الظاهر من أنّ المرأة تأتي بالمتاع من بيت أهلها، و حمل ابن إدريس قوله عليه السّلام: «يجوز بلا بيّنة» على الاستفهام تارة، و أسقط [الإمام عليه السّلام] حرفه، و على الإنكار لمن يرى عطيّة ذلك بغير بيّنة أخرى(4) و تتمّة الخبر تنافي ذلك.

محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن يزيد بن إسحاق عن هارون بن حمزة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل استأجر أجيرا، فلم يأمن أحدهما صاحبه، فوضع الأجر على يد رجل [ثالث] فهلك ذلك الرّجل و لم يدع وفاء، و استهلك(5) الأجر، فقال: المستأجر ضامن لأجرة الأجير حتّى يقضي، إلاّ أن

ص: 231


1- . في «أ»: مزج مال الأوّل لغيره.
2- . ما بين القوسين يوجد في المصدر.
3- . التهذيب: 289/6، رقم الحديث 800 - باب من الزيادات في القضاء و الأحكام -.
4- . السرائر: 189/2 قال: و يحتمل أيضا أنّه أراد بذلك التهجين و الذّم لمن يرى عطيّة ذلك بغير بيّنة، بل بمجرّد دعوى الأب.
5- . كذا في المصدر: و لكن في النسختين «فاستهلك».

يكون الأجير دعاه إلى ذلك، فرضي بالرّجل، فإن فعل، فحقّه حيث وضعه و رضي به(1).

محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: قضى أمير المؤمنين عليه السّلام بردّ الحبيس(2) و إنفاذ المواريث.

يونس بن عبد الرّحمن عن منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

قلت: عشرة كانوا جلوسا، و وسطهم كيس فيه ألف درهم، فسأل بعضهم بعضا:

أ لكم هذا الكيس ؟ فقالوا كلّهم: لا، فقال واحد منهم: هو لي، فلمن هو؟ قال:

للّذي ادّعاه.(3)

محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب عن الحسن بن مسكين عن رفاعة النّخّاس عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا طلّق الرّجل امرأته و في بيتها متاع، فلها ما يكون للنساء، و ما يكون للرّجال و النساء قسّم بينهما، و إذا طلّق الرّجل المرأة، فادّعت أنّ المتاع لها، و ادّعى أنّ المتاع له، كان له ما للرّجال، و لها ما للنساء(4).

عليّ بن محمّد القاسانيّ عن القاسم بن محمّد عن سليمان بن

ص: 232


1- . التهذيب: 289/6، رقم الحديث 801 - باب من الزيادات في القضاء و الأحكام -.
2- . نقل ابن إدريس أنّه سأله الشيخ محمود الحمصي عن معنى هذا الحديث فشرحه له و قال: الحبيس معناه الملك المحبوس على بني آدم من بعضنا على بعض مدّة حياة الحابس، دون حياة المحبوس عليه، فإذا مات الحابس، فانّ الملك المحبوس يكون ميراثا لورثة الحابس، و ينحلّ حبسه على المحبوس عليه، فقضى عليه السلام بردّه إلى ملك الورثة... و أنفذ المواريث فيه على ما تقتضيه شريعة الإسلام. السرائر: 190/2.
3- . الوسائل: 328/13، الباب 5 من كتاب السكنى و الحبس، الحديث 1؛ و التهذيب: 291/6 - 292، رقم الحديث 806 - باب من الزيادات في القضاء و الأحكام -.
4- . الوسائل: 525/17، الباب 8 من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 4.

داود المنقريّ عن عبد العزيز بن محمّد الدّراورديّ (1) قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عمّن أخذ أرضا بغير حقّها و بنى فيها، قال: يرفع بناؤه و تسلم التربة إلى صاحبها، ليس لعرق ظالم حقّ ، ثمّ قال:

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: من أخذ أرضا بغير حقّ كلّف أن يحمل ترابها إلى المحشر(2).

عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر عن ابيه عن علي عليه السّلام انّه قضى في رجلين اختصما في خصّ ، فقال: إنّ الخصّ للّذي إليه القمط(3).

و [القمط] هو الحبل، و الخصّ : الطّنّ الّذي يكون في السواد بين الدور، فكان من إليه الحبل و [هو] أولى من صاحبه.

الحسن بن عليّ بن يقطين، عن أميّة بن عمرو، عن الشعيري، قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن سفينة انكسرت في البحر، فأخرج بعضه(4) بالغوص و أخرج البحر بعض ما غرق فيها، فقال: أمّا ما أخرجه البحر فهو لأهله، اللّه أخرجه، و أمّا ما أخرج بالغوص، فهو لهم، و هم أحقّ به(5).

محمد بن أبي عمير عن جميل بن درّاج عن جماعة من أصحابنا

ص: 233


1- . قال ابن إدريس: الدراورديّ منسوب إلى دار بجرد، هكذا ذكره ابن قتيبة و الزجاج. و قال غيرهما: هو منسوب إلى دراورد، قرية بخراسان.
2- . التهذيب: 294/6، رقم الحديث 819 - باب من الزيادات في القضاء و الأحكام -؛ و الوسائل: 311/17، الباب 3 من أبواب الغصب، الحديث 1 و 2.
3- . الوسائل: 173/13، الباب 14 من كتاب الصلح، الحديث 2.
4- . في الوسائل: بعضها.
5- . الوسائل: 362/17، الباب 11 من أبواب، اللقطة، الحديث 2؛ و التهذيب: 295/6، رقم الحديث 822.

عنهما عليهما السّلام، قال: الغائب يقضى عليه إذا قامت عليه البيّنة، و يباع ماله و يقضى عنه دينه و هو غائب، و يكون الغائب على حجّته إذا قدم، قال: و لا يدفع المال إلى الّذي أقام البيّنة إلاّ بكفلاء(1).

محمد بن يحيى الخزّاز، عن غياث بن إبراهيم، عن جعفر، عن أبيه، أنّ عليّا عليه السّلام كان يفلّس الرّجل إذا التوى(2) على غرمائه، ثمّ يأمر به، فيقسّم ماله بينهم بالحصص، فإن أبى، باعه فقسّمه بينهم، يعني: ماله(3).

عنه عن غياث بن إبراهيم، عن جعفر، عن أبيه، أنّ عليّا عليه السّلام كان يحبس في الدين، فإذا تبيّن له إفلاس و حاجة خلّى سبيله حتّى يستفيد مالا(4).

و روى السّكوني عن أبي عبد اللّه عن أبيه عن عليّ عليه السّلام: أنّ امرأة استعدت على زوجها أنّه لا ينفق عليها، و كان زوجها معسرا، فأبى أن يحبسه، و قال: إنّ مع العسر يسرا(5).

عنه عن جعفر عن أبيه أنّ عليّا عليه السّلام كان يحبس في الدّين، ثمّ ينظر، فإن كان له مال أعطى الغرماء، و إن لم يكن له مال، دفعه إلى الغرماء فيقول لهم: اصنعوا به ما شئتم إن شئتم و اجروه، و إن شئتم استعملوه. و ذكر الحديث(6).

ص: 234


1- . الوسائل: 216/18، الباب 26 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 1.
2- . قال الحلّي: معنى التوى: أي دافع و مطل. السرائر: 196/2.
3- . الوسائل: 146/13، الباب 6 من كتاب الحجر، الحديث 1.
4- . الوسائل: 148/13، الباب 7 من كتاب الحجر، الحديث 1.
5- . الوسائل: 148/13، الباب 7 من كتاب الحجر، الحديث 2.
6- . الوسائل: 148/13، الباب 7 من كتاب الحجر، الحديث 3. قال ابن إدريس بعد نقل الحديث: «هذا الخبر غير صحيح و لا مستقيم، لأنّه مخالف لأصول مذهبنا و مضاد لتنزيل الكتاب، قال تعالى: (وَ إِنْ كٰانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلىٰ مَيْسَرَةٍ ) [البقرة: 280]. السرائر: 196/2.

و هذه الرواية ضعيفة السّند، فلا تعويل عليها.

و روى أبو بصير عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إنّ الحاكم إذا أتاه أهل التوراة و أهل الإنجيل يتحاكمون إليه، كان ذلك إليه، إن شاء حكم بينهم، و إن شاء تركهم(1).

و روى طلحة بن زيد و السّكوني جميعا عن جعفر عن أبيه عليه السّلام عن عليّ عليه السّلام أنّه كان لا يجيز كتاب قاض إلى قاض في حدّ و لا غيره حتّى ولّيت بنو أميّة فأجازوا بالبيّنات.(2)

و روى هارون بن حمزة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت: رجلان من أهل الكتاب نصرانيّان، أو يهوديّان كان بينها خصومة، فقضى بينهما حاكم من حكّامهما بجور، فأبى الّذي قضي عليه أن يقبل، و سأل أن يردّ إلى حكم المسلمين، قال يردّ إلى حكم المسلمين(3).

و روى حريز عن محمّد بن مسلم و زرارة عنهما جميعا قال(4): لا يحلف أحد عند قبر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على أقلّ ممّا يجب فيه القطع(5).

و روى عاصم بن حميد، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر عليه السّلام قال:

ص: 235


1- . الوسائل: 218/18، الباب 27 من أبواب كيفيّة الحكم، الحديث 1.
2- . التهذيب: 300/6، رقم الحديث 840-841، و لاحظ الوسائل: 218/18، الباب 28 من أبواب كيفيّة الحكم، الحديث 1.
3- . الوسائل: 218/18، الباب 27 من أبواب كيفيّة الحكم، الحديث 2.
4- . في المصدر: قالا.
5- . الوسائل: 219/18، الباب 29 من أبواب كيفيّة الحكم، الحديث 1. قال الحلّي بعد نقل الحديث: هذا على التغليظ، فانّ الحاكم لا يلزمه أن يحلف هناك إلاّ إذا كانت الدعوى مقدار ربع دينار، فإن كان أقلّ فلا يلزمه أن يحلف هناك. السرائر: 198/2.

قلت له: جعلت فداك في كم تجرى الأحكام على الصّبيان ؟ قال: في ثلاث عشرة سنة أو أربع عشرة سنة، قلت: فإنّه لم يحتلم فيها، قال: و إن لم يحتلم، فإنّ الأحكام تجري عليه(1).

و روى أبو بصير، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل، دبّر غلامه، و عليه دين، فرارا من الدّين، قال: لا تدبير له، و إن كان دبّره في صحّة منه و سلامة، فلا سبيل للدّيّان عليه(2).

و يحمل الحكم الثاني على من نذر التدبير و أوجبه، لأنّه بدون النذر وصيّة متأخّرة عن الدّين.

و روى غياث بن كلوب، عن إسحاق بن عمّار، عن جعفر، عن أبيه: أنّ عليّا عليه السّلام كان يقول: لا ضمان على صاحب الحمّام فيما ذهب من الثياب، لأنّه إنّما أخذ الجعل على الحمّام و لم يأخذ على الثياب(3).

و روى عبد الرحمن بن سيابة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال: على الإمام أن يخرج المحبسين في الدّين يوم الجمعة إلى الجمعة، و يوم العيد إلى العيد فيرسل معهم، فإذا قضوا الصلاة و العيد ردّهم إلى السّجن(4).

ص: 236


1- . التهذيب: 310/6 رقم الحديث 856؛ الوسائل: 432/13، الباب 45 من أبواب أحكام الوصايا، الحديث 3.
2- . التهذيب: 311/6، رقم الحديث 858؛ الوسائل: 79/16، الباب 9 من أبواب كتاب التدبير، الحديث 2.
3- . الوسائل: 220/18، الباب 30 من أبواب كيفيّة الحكم، الحديث 2.
4- . التهذيب: 319/6، رقم الحديث 877 - باب من الزيادات في القضاء و الأحكام - و لاحظ الوسائل: 221/18، الباب 32 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 2.

و روى ابن أذينة عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: كان عليّ عليه السّلام لا يحبس في السّجن إلاّ ثلاثة: الغاصب، و من أكل مال اليتيم، و من ائتمن على أمانة فذهب بها، و إن وجد له شيئا باعه، غائبا كان أو شاهدا(1).

و حمل الشيخ رحمه اللّه هذا الحديث على أنّه ما كان يحبس أحدا على وجه العقوبة إلاّ الثلاثة، أو ما كان يحبس الحبس المخصوص إلاّ المذكورين، فأمّا غيرهم من الغرماء و غيرهم فإنّه كان يحبسهم على غير ذلك الوجه(2).

أحمد بن محمد عن ابن محبوب، عن عبد الرّحمن بن الحجّاج قال:

سمعت ابن أبي ليلى يحدّث أصحابه، قال: قضى أمير المؤمنين عليه السّلام بين رجلين اصطحبا في سفر، فلمّا أرادا الغذاء أخرج أحدهما من زاده خمسة أرغفة، و أخرج الاخر ثلاثة أرغفة، فمرّ بهما عابر سبيل، فدعواه إلى طعامهما، فأكل الرجل معهما حتّى لم يبق شيء، فلمّا فرغوا أعطاهما العابر بهما ثمانية دراهم ثواب ما أكل من طعامهما، فقال صاحب الثلاثة أرغفة لصاحب الخمسة أرغفة:

اقسمها نصفين بيني و بينك، و قال صاحب الخمسة: لا، بل يأخذ كلّ واحد منّا من الدراهم على عدد ما أخرج من الزاد.

قال: فأتيا أمير المؤمنين عليه السّلام في ذلك، فلمّا سمع مقالتهما قال لهما:

اصطلحا فإنّ قضيّتكما دنيّة، فقالا: اقض بيننا بالحقّ ، قال: فأعطى صاحب الخمسة أرغفة سبعة دراهم، و أعطى صاحب الثلاثة ارغفة درهما، و قال لهما:

ص: 237


1- . التهذيب: 299/6، رقم الحديث 836 - باب من الزيادات في القضاء و الأحكام -.
2- . النهاية: 353، و لاحظ التهذيب: 300/6، ذيل الحديث 838 - باب من الزيادات في القضاء و الأحكام -.

أ ليس أخرج أحدكما خمسة أرغفة و أخرج الاخر ثلاثة ؟ قالا: نعم، قال: أ ليس أكل معكما ضيفكما مثل ما أكلتما؟ قالا: نعم، قال: أ ليس كلّ واحد منكما أكل ثلاثة أرغفة غير ثلث ؟ قالا: نعم، قال: أ ليس أكلت أنت يا صاحب الثلاثة ثلاثة أرغفة غير ثلث ؟ و أكلت أنت يا صاحب الخمسة ثلاثة أرغفة غير ثلث ؟ و أكل الضيف ثلاثة أرغفة غير ثلث ؟ أ ليس بقي لك يا صاحب الثلاثة ثلث رغيف من زادك ؟ و بقي لك يا صاحب الخمسة رغيفان و ثلث و أكلت ثلاثة غير ثلث ؟ فأعطاهما لكلّ ثلث رغيف درهما، فأعطى صاحب الرغيفين و ثلث سبعة (دراهم)(1) و أعطى صاحب الثّلث رغيف درهما(2).

سعد بن عبد اللّه، عن محمّد بن الحسين، عن جعفر بن بشير عن حمّاد، عن عاصم قال: حدّثني مولى لسلمان عن عبيدة السلماني قال: سمعت عليّا عليه السّلام يقول: يا أيّها الناس اتّقوا اللّه و لا تفتوا الناس بما لا تعلمون، فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قد قال قولا آل منه إلى غيره، و قد قال قولا من وضعه غير موضعه كذب عليه، فقام عبيدة و علقمة و الأسود و أناس معهم، فقالوا: يا أمير المؤمنين فما نصنع بما قد خبرنا به في المصحف ؟ قال: يسأل عن ذلك علماء آل محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم(3).

أحمد بن أبي عبد اللّه البرقي، عن أبيه، عن عليّ عليه السّلام قال: يجب على الإمام أن يحبس الفسّاق من العلماء، و الجهّال من الأطبّاء، و المفاليس من

ص: 238


1- . ما بين القوسين يوجد في المصدر.
2- . الوسائل: 209/18-210، الباب 21 من أبواب كيفيّة الحكم، الحديث 5؛ التهذيب: 290/6، رقم الحديث 805 - باب من الزيادات في القضاء و الأحكام -.
3- . الوسائل: 13/18، الباب 4 من أبواب صفات القاضي، الحديث 19.

الأكرياء، و قال عليه السّلام: حبس الامام بعد الحدّ ظلم.(1)

محمّد بن علي بن محبوب عن محمد بن عيسى عن صفوان عن داود بن الحصين، عن عمر بن حنظلة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجلين من أصحابنا يكون بينهما منازعة في دين أو ميراث فيتحاكمان إلى السلطان و إلى القضاة، أ يحلّ ذلك ؟ فقال عليه السّلام: من تحاكم إليهم في حقّ أو باطل فإنّما تحاكم إلى الطاغوت (المنهيّ عنه)(2) و ما يحكم له فإنّما يأخذ سحتا و إن كان حقّه ثابتا، لأنّه أخذه بحكم الطاغوت، و قد أمر اللّه تعالى أن يكفر به، قال اللّه تعالى:

يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحٰاكَمُوا إِلَى اَلطّٰاغُوتِ وَ قَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ (3) فقال: فكيف يصنعان (و قد اختلفا)؟(4) فقال: ينظران إلى من كان منكم ممّن قد روى حديثنا و نظر في حلالنا و حرامنا، و عرف أحكامنا، فليرضوا به حكما، فإنّي قد جعلته عليكم حاكما، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبله منه، فإنّما بحكم اللّه تعالى استخفّ و علينا ردّ، و الرادّ علينا الرادّ على اللّه، فهو على حدّ الشرك باللّه.

قلت: فإنّ كلّ واحد منهما اختار رجلا و كلاهما اختلفا في حديثنا؟ قال:

الحكم ما حكم به أعدلهما، و أفقههما، و أصدقهما في الحديث، و أورعهما، و لا يلتفت إلى ما يحكم به الاخر.

قال: قلت: فإنّهما عدلان مرضيّان عند أصحابنا، ليس يتفاضل كلّ واحد منهما على صاحبه ؟ قال: فقال: ينظر ما كان من روايتهما في ذلك الّذي حكما

ص: 239


1- . الوسائل: 221/18، الباب 32 من أبواب كيفيّة الحكم، الحديث 3.
2- . ما بين القوسين ليس بموجود في المصدر.
3- . النساء: 60.
4- . ما بين القوسين ليس بموجود في المصدر.

المجمع عليه أصحابك فيؤخذ به من حكمنا، و يترك الشاذّ الّذي ليس بمشهور عند أصحابك، فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه، و إنّما الأمور ثلاثة: أمر بيّن رشده فمتّبع، و أمر بيّن غيّه فيجتنب، و أمر مشكل يردّ حكمه إلى اللّه عز و جل و إلى الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: حلال بيّن، و حرام بيّن، و شبهات بين ذلك، فمن ترك الشبهات نجا من المحرّمات، و من أخذ بالشبهات ارتكب المحرّمات، و هلك من حيث لا يعلم.

قلت: فإن كان الخبران عنكم مشهورين، قد رواهما الثقات عنكم ؟ قال:

ينظر فيما وافق حكمه حكم الكتاب و السّنة، و خالف العامّة فيؤخذ به، و يترك ما خالف حكمه حكم الكتاب و السنّة و وافق العامّة.

قلت: جعلت فداك، أ رأيت أنّ المفتيين غبيّ عليهما معرفة حكمه(1) من كتاب و سنّة، و وجدنا أحد الخبرين موافقا للعامّة و الاخر مخالفا لهم، بأيّ الخبرين نأخذ؟ قال: بما خالف العامّة، فإنّ فيه الرّشاد.

قلت: جعلت فداك فإن وافقهما الخبران ؟ (جميعا)(2) قال: ينظر إلى ما هم إليه أميل حكامهم و قضاتهم فيترك و يؤخذ بالآخر.

قلت: فإن وافق حكامهم الخبرين جميعا؟ قال: إذا كان ذلك فارجئه حتّى تلقى إمامك، فإنّ الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات(3).

ص: 240


1- . كذا في التهذيب و لكن في الرسائل: «أ رأيت إن كان الفقيهان عرفا حكمه».
2- . ما بين القوسين يوجد في المصدر
3- . التهذيب: 301/6-303، رقم الحديث 845 - باب من الزيادات في القضاء و الأحكام؛ الكافي: 67/1-68 - كتاب فضل العلم، باب اختلاف الحديث برقم 10 - و لاحظ الوسائل: 3/18، الباب 1 من أبواب صفات القاضي، الحديث 4، و الباب 9، الحديث 1.

كتاب الشهادات

اشارة

ص: 241

ص: 242

و فيه فصول

الفصل الأوّل: في صفات الشاهد

اشارة

يشترط في الشاهد ستّة: البلوغ، و العقل و الإيمان و العدالة و طهارة المولد، و انتفاء التهمة، فهاهنا(1) مطالب.

المطلب الأوّل: البلوغ

و هو شرط في قبول الشهادة، فلا تقبل شهادة الصبيّ إلاّ إذا بلغ عشر سنين، فتقبل شهادتهم في الجراح، و القصاص، بشرطين آخرين: عدم تفرّقهم قبل الشهادة، و اجتماعهم على المباح، فلو تفرّقوا عن الحالة الّتي تجارحوا عليها، لم تقبل شهادتهم، و في رواية: يؤخذ بأوّل كلامهم(2) و قيل: تقبل شهادتهم إذا بلغوا العشر مطلقا(3) و ليس بجيّد، بل الأولى الاقتصار على قبولهم

ص: 243


1- . في «ب» فهنا.
2- . الوسائل: 252/18، الباب 22 من أبواب الشهادات، الحديث 1 و 2.
3- . قال المحقق في الشرائع: 125/4: و قيل: تقبل مطلقا إذا بلغ عشرا و هو متروك قال في الجواهر: 9/41 بعد كلام الشرائع: «بل اعترف غير واحد بعدم معرفة القائل به». و قال الشهيد الثاني في المسالك: 157/14: لم يظهر قائله، و قال صاحب كشف الرموز: انّه الشيخ في النهاية، و هو وهم.

في الشجاج و القصاص فيما دون النفس بالشرطين و لا تقبل شهادة الصّبايا و إن كثرن.

المطلب الثّاني: العقل

فلا تقبل شهادة المجنون إجماعا، سواء ذهب عقله بجنون أو سكر، و لو كان الجنون يتناوله أدوارا، و شهد حال إفاقته، و أقامها حال الإفاقة، قبلت شهادته بعد الاستظهار بمعرفة تفطّنه حال التّحمّل و الأداء، فلو ارتاب الحاكم طرحها.

و تردّ شهادة المغفّل الّذي في طبيعته البله بحيث لا يتفطن لتفاصيل الأشياء، إلاّ أن يعلم الحاكم عدم غفلته فيما شهد به، إذا كان المشهود به ممّا لا يسهو فيه.

و لو كان الشاهد يعرض له السهو غالبا، استظهر الحاكم في التفتيش عن حاله حتّى يغلب على ظنّ الحاكم صدقه و تنبّهه.(1)

المطلب الثالث: الإيمان و فيه ستّة مباحث:

6615. الأوّل:

لا تقبل شهادة الكفّار مطلقا إلاّ في الوصيّة على ما يأتي، و لا تقبل في غير ذلك على أحد من المسلمين إجماعا، و هل تقبل شهادتهم على

ص: 244


1- . في «ب»: و تنبيهه.

أمثالهم ؟ الأصحّ المنع، و قيل(1): تقبل شهادة الذمّي على الذمّي إذا تساويا في العقيدة، فتقبل شهادة اليهوديّ على مثله لا غير، و النصرانيّ على مثله لا غير، و بالجملة كلّ ملّة تقبل على ملّتهم، و الرواية به ضعيفة في طريقها سماعة(2)و أفتى بها الشيخ رحمه اللّه في النهاية(3) و روى ابن بابويه عن عبيد اللّه بن عليّ الحلبي عن الصادق عليه السّلام تجوز شهادة أهل الذمّة على غير أهل ملتهم.(4)

إذا عرفت هذا فعندنا كما لا تقبل شهاداتهم على أمثالهم، كذا لا تقبل لأمثالهم، و الشيخ رحمه اللّه أفتى بقبول شهادتهم لأمثالهم، كما أفتى بقبول شهادتهم عليهم.

6616. الثاني:

تقبل شهادة أهل الذمّة خاصّة في الوصيّة بالمال لا غير، بشرط عدم العدول من المسلمين، و لا تقبل شهادتهم بالوصيّة في الولاية، و لا يشترط السفر و الغربة، و بالاشتراط رواية مطّرحة(5) و قال الشيخ رحمه اللّه في المبسوط: لا خلاف أنّ شهادة أهل الذمّة لا تقبل على المسلم إلاّ ما يتفرّد به أصحابنا في الوصيّة خاصّة في حال السفر عند عدم المسلم(6) و قول الشيخ رضي اللّه هنا يوهم اشتراط السفر.

ص: 245


1- . القائل الشيخ في النهاية: 334.
2- . الوسائل: 284/18، الباب 38 من أبواب الشهادات، الحديث 2.
3- . النهاية: 334، باب شهادة من خالف الإسلام.
4- . الفقيه: 29/3، رقم الحديث 19، الوسائل: 287/18، الباب 40 من أبواب الشهادات، الحديث 1.
5- . الوسائل: 392/13، الباب 20 من أبواب الوصايا، الحديث 7. و يمكن حمل الرواية على الغالب.
6- . المبسوط: 187/8.
6617. الثالث:

لا يشترط عدم الفسّاق من المسلمين، فلو وجد فسّاق المسلمين و شهدوا، لم تقبل، و لو شهد أهل الذمّة قبلت، و يشترط في أهل الذمّة الصلاح في مذهبهم، لأنّ فاسق المسلمين غير مقبول، فالأولى منع فاسق غيرهم.

6618. الرابع:

الأقرب إحلاف الشاهدين من أهل الذمّة بعد العصر أنّهما ما خانا و لا كتما، و لا اشتريا به ثمنا، و لو كان ذا قربى، و لا نكتم شهادة اللّه إنّا إذا لمن الآثمين، على ما تضمّنته الآية(1) و لم أقف فيه لعلمائنا على قول.

6619. الخامس:

يثبت الإيمان بمعرفة الحاكم، أو قيام البيّنة، أو الإقرار.

6620. السّادس:

لا تقبل شهادة المخالف للحقّ من أيّ فرق الإسلام كان، سواء صار إلى ما اعتقده بشبهة أو لا، و إنّما تقبل شهادة المؤمن خاصّة.

المطلب الرابع: العدالة و فيه ثلاثة عشر بحثا:

6621. الأوّل:

العدالة شرط في قبول الشهادة، فلا تقبل شهادة الفاسق إجماعا، قال اللّه تعالى: (إِنْ جٰاءَكُمْ فٰاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) (2).

و العدالة كيفيّة راسخة في النفس تبعث على ملازمة التّقوى و المروّة،

ص: 246


1- . النساء: 106.
2- . الحجرات: 6.

و تحصل بالامتناع عن الكبائر، و عن الإصرار على الصغائر أو الإكثار منها.(1)

و المراد بالكبائر: كلّما توعّد اللّه تعالى عليه بالنار، كالزنا، و القتل، و اللواط، و غصب الأموال المعصومة، و شرب الخمر، و عقوق الوالدين، و الرّبا، و قذف المحصنات المؤمنات.

و أمّا الصّغائر فإن داوم عليها، أو وقعت منه في أكثر الأحوال، ردّت شهادته إجماعا، و لو وقعت منه ندرة قال الشيخ رحمه اللّه(2): لا يقدح في العدالة، لعدم الانفكاك منها إلاّ فيما يقلّ ، فلو شرطنا عدمها أجمع، أفضى إلى ألا تقبل شهادة أحد بالإطلاق، و ذلك ضرر عظيم. و منع ابن إدريس ذلك، و التجأ في التخلّص عن الإلزام إلى التوبة الّتي يمكن فعلها لكلّ أحد في كلّ وقت.(3)

ص: 247


1- . قال ثاني الشهيدين في المسالك: ... انّما الكلام في أنّ هل هي كلّها كبائر، أم تنقسم إلى كبائر و صغائر؟ و قد اختلف الأصحاب و غيرهم في ذلك، فذهب جماعة منهم المفيد و ابن البراج و أبو الصلاح و ابن إدريس و الطبرسي - بل نسبه في التفسير إلى أصحابنا مطلقا - إلى الأوّل، نظرا إلى اشتراكها في مخالفة أمره تعالى و نهيه، و جعلوا الوصف بالكبر و الصغر إضافيّا، فالقبلة المحرّمة صغيرة بالنسبة إلى الزنا و كبيرة بالنسبة إلى النظر، و كذلك غصب الدرهم كبيرة بالنسبة إلى غصب اللقمة و صغيرة بالإضافة إلى غصب الدينار، و هكذا. و ذهب المصنّف رضى اللّه عنه و أكثر المتأخرين إلى الثاني، عملا بظاهر قوله تعالى: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبٰائِرَ مٰا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئٰاتِكُمْ ) (النساء: 31) دلّ بمفهومه على أنّ اجتناب بعض الذنوب - و هي الكبائر - يكفّر السيّئات، و هو يقتضي كونها غير كبائر، و قال تعالى: (اَلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبٰائِرَ اَلْإِثْمِ وَ اَلْفَوٰاحِشَ ) (النجم: 32) مدحهم على اجتناب الكبائر من غير أن يضايقهم في الصغائر، و في الحديث: «انّ الأعمال الصالحة تكفّر الصغائر». مسالك الأفهام: 166/14-167.
2- . المبسوط: 217/8.
3- . السرائر: 118/2.
6622. الثاني:

لا يقدح في العدالة ترك المندوبات أجمع و إن كان مصرّا على تركها إلاّ أن يؤذن ذلك بالتهاون بالسّنن.

6623. الثّالث:

المخالف من المؤمنين في الفروع لا تردّ شهاداته إذا لم يخالف الإجماع، و لا يفسق و إن كان مخطئا في اجتهاده، و أمّا المخالف في شيء من أصول العقيدة، فإنّ شهادته تردّ، و إن كان مسلما، سواء استند في ذلك إلى التقليد أو إلى الاجتهاد، و سواء خالف إجماع المسلمين و ما علم ثبوته من الدّين ضرورة أو لا.

و المسائل الأصوليّة الّتي تردّ الشهادة بمخالفتها كلّما يتعلّق بالتوحيد، و ما يجوز عليه تعالى من الصفات، و ما يستحيل عليه، و العدل، و النبوّة، و الإمامة.

أمّا الصفات الّتي لا مدخل لها في العقيدة، مثل المعاني، و الأحوال، و الإثبات و النفي، و ما شابه ذلك، من فروع علم الكلام، فلا تردّ شهادة المخطئ فيها.

6624. الرابع:

العدل هو الّذي تعتدل أحواله في دينه و أفعاله، أمّا الدّين فان لا يرتكب كبيرة و لا يصرّ على صغيرة، و لا يخلّ بشيء(1) من الواجبات، و لا يترك جميع المندوبات، بحيث يعلم منه التهاون بالسّنن.

و أمّا الأفعال فيجتنب الأمور الدنيّة، كالأكل في السّوق للفقيه دائما مع عدم المبالاة، و كشف ما جرت العادة بتغطيته من بدنه، و الاستهزاء به، بحيث يضحك الناس، أو يحدّث الناس بمباضعة أهله و نحو ذلك، ممّا يدلّ على رذيلة و دناءة.

ص: 248


1- . في «ب»: لشيء.

و أمّا الصّنائع فلا يردّ أحد من أربابها و إن كانت مكروهة أو دنيّة، كالحياكة، و الحجامة، و لو بلغت في الدناءة كالزبّال و الوقّاد، مع الوثوق بتقواه، و لو كانت الصّنعة محرمة ردّت شهادته، كصانع المزمار و الطنبور.

6625. الخامس:

القاذف إن كان زوجا فبيّن قذفه بالشهود، أو اللعان، أو الإقرار، أو كان أجنبيا فبيّنه بالبيّنة أو الإقرار، لم يتعلّق بقذفه فسق و لا حدّ و لا ردّ شهادة، و إن لم يبيّن وجب الحدّ، و حكم بفسقه، و ردّت شهادته.

و لو تاب القاذف لم يسقط الحدّ، و زال الفسق إجماعا، و قبلت شهادته، سواء جلد أو لم يجلد.

و حدّ التوبة أن يكذب نفسه إن كان كاذبا بمحضر من الناس، و يخطّئ نفسه إن كان صادقا، و قيل: يكذب نفسه مطلقا، ثمّ إن كان صادقا ورّى باطنا(1)و الأوّل أقرب، و الثاني مرويّ (2) و إن كان ليس بعيدا من الصواب، لأنّه تعالى سمّى القاذف كاذبا إذا لم يأت بأربعة شهداء على الإطلاق(3)، لأنّه كذب في حكم اللّه و إن كان صادقا.

و الأقرب الاكتفاء بالتوبة و عدم اشتراط إصلاح العمل، لقوله عليه السّلام: التوبة تجبّ ما قبلها(4) و التائب من الذّنب كمن لا ذنب له.(5) و لأنّ المغفرة تحصل

ص: 249


1- . لاحظ: النهاية: 326؛ إصباح الشيعة: 529؛ غنية النزوع: 440.
2- . الوسائل: 282/18-283، الباب 36 و 37 من أبواب الشهادات.
3- . النور: 13.
4- . مستدرك الوسائل: 129/12، الباب 86 من أبواب جهاد النفس، الحديث 12، و نقله ابن أبي الحديد في شرحه لنهج البلاغة: 6/13 و الشيخ في الخلاف: 469/5، المسألة 13 من كتاب قطّاع الطريق.
5- . الكافي: 435/2، كتاب الإيمان و الكفر، باب التوبة، الحديث 9 (عن أبي جعفر عليه السّلام).

بالتّوبة، و الإصلاح المعطوف على التوبة(1) يحتمل أن يكون المراد به التوبة، و عطف لتغاير اللّفظين.

و القاذف في الشتم تردّ شهادته و روايته حتّى يتوب.

و الشاهد بالزنا إذا لم يكمل البيّنة يحدّ، و لا تقبل روايته و شهادته، و يفسق حتّى يتوب، بأن يقول: ندمت على ما كان منّي، و لا أعود إلى ما اتّهم فيه.

و التوبة إن كانت عن معصية لا توجب عليه حقّا، كشرب خمر، و كذب وزنا، فالتوبة منه النّدم و العزم على ألا يعود، و قيل: لا يشترط الثانيّ و إن أوجبت حقا للّه تعالى أو لآدميّ ، كمنع الزكاة و غصب المال، فالتوبة منه بما تقدّم و أداء لحقّ ، أو مثله، أو قيمته مع العجز، فإن عجز عن ذلك نوى ردّه متى قدر عليه، و ان كان عليه حقّ قصاص أو قذف، اشترط في التوبة تمكين نفسه ليصل المستحقّ إلى حقّه، و إن كان عليه حدّ اللّه كزنا أو شرب مسكر، فالندم و العزم على ترك العود كافيان في التوبة و لا يشترط الإقرار به و لا تمكين نفسه للإمام، بل ينبغي ستره و ترك الإقرار به، سواء اشتهر ذلك عنه أو لا.

و إن كان مبتدعا، فتوبته الاعتراف بالبدعة، و الرجوع عنها، و اعتقاد ضدّ ما كان يعتقد منها.

6626. السّادس:

اللّعب بآلات القمار كلّها حرام، كالنّرد، و الشطرنج، و الأربعة عشر، و غير ذلك، يفسق فاعله، و تردّ شهادته، إلاّ أن يتوب، سواء قصد الحذق، أو اللّهو، أو القمار، و هو المشتمل على العوض، و سواء اعتقد تحريمه أو لا.

ص: 250


1- . النور: 5.
6627. السّابع:

العود، و الزّمر، و الصنج، و الطنبور، و المعزفة، و الرّباب، و القضيب و غير ذلك من جميع آلات اللّهو، حرام يفسق فاعله و مستمعه، أمّا الدّف فيكره في الإملاك(1) و الختان خاصّة، و يحرم في غيرهما.

6628. الثّامن:

شارب المسكر تردّ شهادته، و يفسق، سواء كان خمرا أو نبيذا، أو بتعا أو فضخا، و كذا الفقّاع و العصير إذا غلى من نفسه أو بالنار، و إن لم يسكر، إلاّ أن يذهب ثلثاه، و يبقى ثلثه، و سواء شرب قليلا من ذلك كلّه أو كثيرا، مقتعدا للتحريم أو لا، و لا يحرم غير العصير من التمر أو البسر ما لم يسكر، و يجوز اتّخاذ الخمر للتخليل.

6629. التّاسع:

الغناء حرام، و هو مدّ الصّوت المشتمل على الترجيع المطرب، يفسق فاعله، و تردّ شهادته به، سواء كان في شعر أو قرآن، و كذا مستمعه، سواء اعتقد إباحته أو تحريمه.

و لا بأس بالحداء، و هو الإنشاد الّذي تساق به الإبل، يجوز فعله و استماعه، و كذا نشيد الأعراب و ساير انواع الإنشاد ما لم يخرج إلى حدّ الغناء.

6630. العاشر:

الشعر الكذب حرام، و كذا هجاء المؤمنين، و التشبيب بامرأة معروفة غير محلّلة، يفسق فاعله به، و تردّ شهادته، و لا بأس بما عدا ذلك، لكن يكره الإكثار فيه.

6631. الحادي عشر:

الحسد حرام، و كذا بغضة المؤمن، و التظاهر بذلك قادح في العدالة.

6632. الثاني عشر:

لبس الحرير المحض للرّجال حرام في غير الحرب، تردّ

ص: 251


1- . في مجمع البحرين: الملاك، بكسر الميم و الإملاك: التزويج و عقد النكاح.

به الشهادة و لا بأس بالافتراش له على إشكال، و كذا لبس كلّ محرّم كالتختم بالذّهب، و التحلّي به للرّجال.

6633. الثالث عشر:

يجوز اتّخاذ الحمام للأنس بها و الاستفراخ و حمل الكتب، و يكره للتّطيير و الفرجة، و الرهان عليها قمار، يفسق فاعله.

و أمّا المسابقة المشروعة بالخيل و غيرها من الحيوانات المشروع فيها عقد الرهان، فإنّها جائزة، و كذا المناضلة بالنشاب و الحراب(1) و السيوف.

المطلب الخامس: انتفاء التهمة و فيه ستة مباحث:

6634. الأوّل:

كلّ من يجرّ بشهادته نفعا أو يستدفع بها ضررا تردّ شهادته تلك و إن كان عدلا، فلو شهد على من جرح مورّثه ردت شهادته، لأنّ بدل الجرح و هو المال، يحصل له بالإرث، و الجرح سبب للموت المفضي إلى الإرث.

أمّا لو شهد في مرض موت مورّثه له بمال، أو شهد لمورّثه المجروح بمال، قبلت شهادته.

و لو شهد اثنان من العاقلة بجرح شهود قتل الخطأ، ردّت شهادتهما و إن كانا فقيرين أو بعيدين، لاحتمال يسارهما و موت من هو أقرب منهما، مع احتمال القبول منهما(2).

ص: 252


1- . في مجمع البحرين: الحربة كالرّمح تجمع على حراب.
2- . في «أ» «فيهما». قال الشيخ في المبسوط: 218/8: و الدافع عن نفسه هو أن تقدم البيّنة على رجل بقتل الخطأ، فشهد اثنان من عاقلة الجاني، فجرح الشهود فلا تقبل الشهادة.

و لو خلّف اثنين، فشهد أحدهما على الاخر بألف درهم دين على المورّث، قبلت هذه الشهادة، لأنّه لا يجب عند الانفراد بالإقرار إلاّ حصّة المقرّ، فلا يستدفع بهذه الشهادة ضررا.

و لو شهد الرّجلان بوصيّته لهما من تركته، فشهد الشاهدان أيضا بوصيّته فيها، قبلت الشهادات.

و لو شهد بعض الرفقاء لبعض على قاطع الطريق، لم تقبل، للتهمة، و لو قالوا: عرضوا لنا و أخذوا اولئك، سمعت.

و لو شهد غرماء المفلّس أو الميّت لهما بدين أو عين، لم تسمع شهادتهم، و تقبل لو شهدوا لغريم حيّ غير محجور عليه، و إن كان معسرا.

و لا تقبل شهادة الشفيع ببيع شقص له فيه شفعة(1) و لا شهادة السيّد لعبده المأذون له في التجارة، و لا لمكاتبه، و لا شهادة أحد الشفيعين على الاخر بإسقاط شفعته(2) إن جوّزنا الشفعة مع الكثرة، و لا شهادة بعض غرماء المفلّس على بعضهم بإسقاط دينه و استيفائه.

و لا تقبل شهادة الشريك (لشريكه)(3) فيما هو شريك فيه، و لا شهادة الوصيّ فيما هو وصيّ فيه، و لا شهادة الوكيل لموكّله، و لا شهادة الوكيل و الوصيّ بجرح شهود المدّعي على الموكّل أو الموصي.

و تقبل شهادة الشريك لشريكه فيما ليس شريكا فيه، و كذا الوكيل لموكّله

ص: 253


1- . في «ب»: الشفعة.
2- . في «أ»: باسقاطه شفعته.
3- . ما بين القوسين يوجد في «ب».

فيما ليس وكيلا فيه، و الوارث بالجرح بعد الاندمال، و شهادة أحد الشفيعين على الاخر بإسقاط شفعته بعد أن أسقط الشاهد شفعته، و نحو ذلك ممّا تنتفي فيه التّهمة.

6635. الثاني:

العداوة الدينيّة لا تمنع قبول الشهادة على عدّوه، فإنّ المسلم يشهد على الكافر، أمّا الدنيويّة فإنّها تمنع القبول، سواء تضمّنت الفسق أو لا، و سواء كانت العداوة ظاهرة موروثة أو مكتسبة.

و تتحقّق العداوة: بأن يعلم أنّ كلّ واحد منهما يفرح بمساءة صاحبه و يغمّ بمسرّته، و يبغي الشرّ له، و هذا القدر لا يوجب فسقا، و تردّ به الشهادة، أو يقع بينهما تقاذف، و لو عرف ذلك من أحدهما، ردّت شهادته خاصّة.

و لو شهد على رجل بحقّ فقذفه المشهود عليه، لم تردّ شهادته بذلك.

و تقبل شهادة العدوّ لعدوّه، لانتفاء التهمة.

6636. الثالث:

النسب و إن قرب لا يمنع قبول الشهادة، فتقبل شهادة الأب لولده و عليه، و الولد لوالده، و الأخ لأخيه و عليه.

و لا تقبل شهادة الولد على والده على الأشهر، سواء شهد بمال أو بحق متعلّق ببدنه، كالقصاص و الحدّ.

و لا فرق بين الأب الأدنى و الأبعد على إشكال.

و تقبل شهادة الأب من الرضاعة لابنه و بالعكس (و شهادته عليه و بالعكس)(1).

ص: 254


1- . ما بين القوسين يوجد في «أ».

و تقبل شهادة كلّ من الزّوجين لصاحبه، لكن شرط أصحابنا(1) في قبول شهادة الزّوجة لزوجها انضمامها إلى غيرها من أهل العدالة، و شرط آخرون(2)ذلك في الزّوج أيضا و ليس بجيّد، و تظهر الفائدة فيما تقبل فيه شهادة الواحد مع اليمين و شهادة المرأة في الوصية.

و تقبل شهادة الصديق لصديقه، و إن تأكّدت الصّحبة و الملاطفة، و تقبل شهادة الأخ لأخيه و إن كان منقطعا إليه في صلته و برّه.

6637. الرابع:

تردّ شهادة السائل في كفّه، لأنّه يسخط إذا منع، إذا كان معتادا، و لو وقع منه ذلك ندرة للحاجة لم يمنع قبول الشهادة.

و لا تقبل شهادة الطفيلي، و هو الّذي يأتي طعام النّاس من غير دعوة، و لو لم يتكرّر ذلك منه قبلت شهادته، و من سأل من غير أن تحلّ له المسألة ردّت شهادته.

و تقبل شهادة من يأخذ الصّدقة إذا كان من أهلها، و لو لم يكن من أهلها ردّت شهادته.

6638. الخامس:

تقبل شهادة البدويّ على من هو من أهل القرية، سواء في ذلك الجراح و غيره.

و تقبل شهادة أهل القرى على أهل البادية مع اجتماع الشرائط.

و تقبل شهادة الأجير و الضيف و إن حصل لهما ميل إلى

ص: 255


1- . و منهم المحقّق في الشرائع: 130/4.
2- . و منهم الشيخ الطوسي في النهاية: 330.

المستأجر و المضيف، لأنّ العدالة تمنع من إقدامهما على الباطل.

6639. السّادس:

التبرّع بالشهادة قبل سؤال الحاكم، يقتضي التهمة، فلا تقبل شهادته، سواء شهد قبل الدّعوى، أو بعدها قبل الاستشهاد، نعم هذا الرّد لا يقتضي الفسق، هذا في حقوق الناس، أمّا في حقّه تعالى، أو الشهادة للمصالح العامّة، كالوقف على القناطر و شبهه، فالأقرب أنّ التبرّع لا يمنع الشهادة، إذ لا مدّعي لها.

و لو اختفى الشاهد في زاوية أو من جدار حتّى ينطق المشهود عليه مسترسلا، فشهد عليه سمعت شهادته، و لا يحمل ذلك على جرحه على الشهادة، لأنّ الحاجة قد تدعو إلى ذلك.

المطلب السادس: طهارة المولد

يشترط في الشاهد طهارة المولد عند أكثر علمائنا، فلا تقبل شهادة ولد الزنا، و قال الشيخ رحمه اللّه: تقبل شهادته في الشيء اليسير مع تمسّكه بالصّلاح،(1)و ليس بجيّد، و لو جهل حاله قبلت شهادته و إن قذفه بعض الناس بذلك.

ص: 256


1- . النهاية: 326.

الفصل الثاني: فيما ظنّ أنّه شرط و ليس كذلك

اشارة

و فيه أحد عشر بحثا:

6640. الأوّل:

الحريّة ليست شرطا مطلقا، فتقبل شهادة المملوك لسيّده و لغير سيّده و على غير سيّده، و لا تقبل شهادته على سيّده، و قيل: بالمنع مطلقا اختاره ابن الجنيد، و قيل: تقبل مطلقا(1) و الأظهر ما قلناه، و لو أعتق قبلت شهادته مطلقا.

6641. الثاني:

حكم المدبّر و المكاتب المطلق الّذي لم يؤدّ شيئا و المشروط مطلقا و أمّ الولد حكم القنّ .

أمّا المطلق إذا أدّى من مال الكتابة شيئا، فقد قال الشيخ رحمه اللّه: تقبل على مولاه بقدر ما تحرّر منه(2) و الأجود المنع.

6642. الثالث:

لا فرق في قبول شهادة العبد بين الحدّ و القصاص و غيرهما، بل قوله مقبول في الجميع إذا جمع شرائط القبول.

و الأمة كالحرّة، تقبل شهادتها فيما فيه تقبل فيه شهادة النّساء، إلاّ على سيّدها.

6643. الرابع:

لو أشهد السيّد عبدين له على أنّ حمل الأمة منه، ثمّ مات،

ص: 257


1- . ذهب إليه يحيى بن سعيد الحلّي في الجامع للشرائع: 540.
2- . النهاية: 331.

فشهدا بذلك، فردّت شهادتهما، و حاز الميراث غيره، ثمّ أعتقهما فأعادا الشهادة، قبلت و رجعا في الرقّ ، فإن شهدا أوّلا بأنّ مولاهما كان قد أعتقهما، كره للولد تملّكهما، لأنّهما أحيا حقّه.

6644. الخامس:

تقبل شهادة الأعمى فيما لا يحتاج فيه إلى المشاهدة، كالإقرار و البيع و غيره من العقود إذا عرف صوت المتلفّظ معرفة لا يعتريه فيها شكّ ، أو عرّفه عنده عدلان.

و لو تحمّل الشهادة و هو بصير ثمّ عمي جاز أن يشهد، و قبلت شهادته إذا عرف المشهود عليه باسمه و نسبه، أو عرّفه عنده عدلان.

و لو شهد عند الحاكم ثمّ عمي، قبل الحكم، حكم الحاكم بشهادته، و لا تقبل شهادته فيما يفتقر فيه إلى الرؤية، كالزنا، إلاّ أن يشهد قبل العمى ثمّ يقيم الشهادة بعد العمى، فانّها تقبل.

و لو شهد على من لا يعرفه قبل عماه فمسكه بيده، ثمّ عمي، جاز أن يشهد على المقبوض بعينه قطعا.

و تقبل شهادة الأعمى إذا ترجم للحاكم عبارة من يقرّ عند الحاكم.

6645. السّادس:

تقبل شهادة الأخرس تحمّلا و أداء إذا عرف الحاكم من إشارته ما يشهد به، فإن جهلها الحاكم اعتمد على مترجمين ممّن يعرف إشارته، و لا يكفي الواحد، و لا يكون المترجمان شاهدي فرع على شهادة الأخرس، بل يثبت الحكم بشهادة الأخرس أصلا لا بشهادة المترجمين فرعا.

و لو شهد الناطق بالايماء و الإشارة من غير عذر لم تقبل.

6646 السّابع:

تقبل شهادة الأصمّ و قد روي أنّه يؤخذ بأوّل قوله، و لا

ص: 258

يؤخذ بثانيه.(1) و كذا تقبل شهادة ذوي الآفات و العاهات في الخلق إذا كانوا من أهل العدالة.

6647. الثّامن:

لا يشترط في الشهادة أمر المشهود عليه بها، فلو سمع الشاهد [إقرار] المقرّ، شهد عليه و إن لم يأمره بالشهادة عليه، و لا فرق في ذلك بين الأقوال و الأفعال.

و لو حضر الشاهدان حسابا، و شرط المتحاسبان عليهما ألا يحفظا عليهما، كان للشاهدين أن يشهدا بما سمعا.

و تقبل شهادة المستخفي إذا كان عدلا، و هو الّذي يخفي نفسه عن المشهود عليه ليسمع إقراره، و لا يعلم به، سواء كان المشهود عليه ضعيفا أو لا.

6648. التّاسع:

من فعل شيئا من الفروع مختلفا فيه معتقدا إباحته لم تردّ شهادته، سواء وافقه الحاكم في ذلك الاعتقاد أو لا، و لو فعل ما اجتمعت الإماميّة على تحريمه، أو ترك ما أوجبت الإماميّة فعله، لم تقبل شهادته و إن وافق غيرهم من المسلمين.

و إن فعل الفرع المختلف فيه بين الإماميّة معتقدا تحريمه، ردّت شهادته و إن اعتقد الحاكم إباحته.

6649. العاشر:

لا يشترط في الشاهد استجماع شرائط الشهادة وقت التحمّل، فلو شهد الصغير أو الكافر أو الفاسق المتظاهر بفسقه على شيء، ثم زال المانع، و أقاموا تلك الشهادة، قبلت.

و لو أقام الصبيّ أو الكافر الشهادة فردّت، ثمّ أعادها بعد الكمال قبلت،

ص: 259


1- . الوسائل: 296/18، الباب 42 من أبواب الشهادات، الحديث 3.

و كذا الفاسق إذا أقام بالشهادة حال فسقه المعلن به، ثمّ تاب و أعاد الشهادة، سمعت.

أمّا الفاسق المستتر بفسقه إذا أقام الشهادة فردّت، ثمّ تاب و أعادها، فالأقرب أيضا القبول و إن احتمل العدم بسبب التّهمة الحاصلة من شاهد حاله، و هو إرادة إصلاح ظاهره.

و لو تاب المشهور بالفسق لتقبل شهادته، فالأقرب عدم القبول حتّى يستمرّ حاله على الصّلاح، و قال الشيخ رحمه اللّه يجوز أن يقول: تب أقبل شهادتك(1)و ارتضاه ابن إدريس(2).

و لو أقام العبد الشهادة على مولاه فردّت، ثمّ أعتق فأعادها، قبلت، و كذا لو شهد الولد على والده فردّت، ثمّ أقامها بعد موت الأب قبلت، و لا بدّ في القبول من إعادة الشهادة، و لا تكفي الإقامة أوّلا، لأنّها مردودة.

و لو شهد السيّد لمكاتبه أو الوارث لمورّثه بالجرح قبل الاندمال، فردّت شهادته، ثمّ أعتق المكاتب و اندمل الجرح، و أعاد تلك الشهادة، قبلت، و كذا كلّ شهادة مردودة للتهمة أو لعدم الأهليّة إذا أعيدت بعد زوال التهمة أو حصول الأهليّة.

6650. الحادي عشر:

تقبل شهادة الوصيّ على من هو وصيّ عليه، و كذا شهادته له فيما لا ولاية له عليه فيه و لا تصرّف، و لا يجرّ بشهادته نفعا، مثل أن يبقى المال للثلث الموصى به له بسبب شهادة الوصيّ .

ص: 260


1- . المبسوط: 179/8، قال: و يجوز للإمام عندنا أن يقول: تب أقبل شهادتك.
2- . السرائر: 117/2.

و تقبل شهادته مع اليمين فيما تقبل فيه شهادة الواحد و اليمين و قال الشيخ رحمه اللّه: تقبّل شهادة الوصيّ على من هو وصيّ له، غير أنّ ما يشهد به عليه يحتاج أن يكون معه غيره من أهل العدالة، ثمّ يحلّف الخصم على ما يدّعيه، و ما يشهد له مع غيره من أهل العدالة لا يجب مع ذلك يمين.(1)

فإن قصد رحمه اللّه اشتراط الشاهد الاخر عينا، فهو ممنوع، و إن قصد اشتراطه لا عينا بل ما يقوم اليمين مقامه فهو جيّد، و أمّا الإحلاف إذا شهد على الموصي فلأنّها شهادة على الميّت.

الفصل الثالث: في مستند الشهادة و فيه أحد عشر بحثا:

6651. الأوّل:

لا يجوز للشاهد أن يشهد الاّ مع العلم قال اللّه تعالى: (وَ لاٰ تَقْفُ مٰا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) (2) و سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن الشهادة فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: هل ترى الشمس ؟ على مثلها فاشهد أودع(3).

ثمّ الشهادة إمّا على فعل أو قول، فالأوّل يفتقر فيه إلى حاسّة الإبصار، و الثاني إليها و إلى حاسّة السمع.

ص: 261


1- . النهاية: 326.
2- . الإسراء: 36.
3- . الوسائل: 251/18، الباب 20 من أبواب الشهادات، الحديث 3، و عوالي اللآلي: 528/3، و مستدرك الوسائل: 422/17، الباب 15 من أبواب كتاب الشهادات، الحديث 2.

و لو تحقّق الأعمى استناد القول إلى شخص معيّن، و علم ذلك يقينا، كفت حاسّة السمع، و قبلت شهادته.

و تقبل شهادة الأصمّ على الأفعال، كالغصب، و السرقة، و القتل، و الرّضاع، و الولادة، و الزّنا، و اللواط، و من لا يعرف نسبه فلا بدّ من الشهادة على عينه، فإن مات أحضر مجلس الحكم، فإن دفن لم ينبش، و قد تعذّرت الشهادة عليه.

6652. الثّاني:

لو شهد على من لا يعرفه، لم يجز له التحمّل على النسب، بل يشهد على تلك العين، و لو شهد عنده عدلان بالنسب، شهد عليه مستندا إلى شهادة المعرّفين بالتعريف، فيقول: أشهد على فلان بتعريف فلان و فلان، و لا يكون في الإقرار شاهد فرع.

6653. الثالث:

النكاح، و البيع، و الشراء، و الصلح، و الإجارة، و غيرها من العقود يفتقر إلى حاسّة السّمع لفهم اللّفظ، و إلى البصر لمعرفة اللاّفظ، إلاّ أن يعلم استناد الصوت إلى شخص معيّن يعرفه قطعا.

6654. الرابع:

يكفي في النسب، و الموت، و الملك المطلق، و الوقف، و النكاح، و الولاية، و الولاء، و العتق، الاستفاضة بين الناس، فإذا اشتهر بين الناس أنّ هذا هو ابن فلان، شهد بذلك لأنّ ثبوت النسب إنّما هو من جهة الظاهر و كذلك الموت، لتعذّر مشاهدة الميّت في أكثر الأوقات للشهود، و كذلك الملك المطلق، إذا سمع من الناس أنّ هذه الدار لفلان شهد بذلك، فإنّ الملك المطلق لا يمكن الشهادة عليه بالقطع، و الوقف لو لم يسمع فيه الاستفاضة لبطلت الوقوف على تطاول الأزمنة، لتعذّر بقاء الشهود.

و الشهادة الثالثة عندنا لا تسمع، و هي تزاد للتأييد.

ص: 262

و النكاح يثبت بالاستفاضة فإنّا نعلم أنّ خديجة زوجة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، كما نقضي بأنّها أمّ فاطمة عليهما السّلام.

و التواتر هنا بعيد، لأنّ شرطه استواء الطرفين(1) و الواسطة و الطبقات الوسطى، و المتّصلة بنا و إن بلغت التواتر، لكنّ الأولى غير متواتر، لأن شرط التواتر الاستناد إلى الحسّ ، و الظاهر أنّ المخبرين أوّلا لم يخبروا عن المشاهدة، بل عن السماع، و إذا اشتهر بين الناس أنّ الإمام ولى قاضيا بلدا ثبتت ولايته.

6655. الخامس:

الأقرب اشتراط إخبار جماعة يثمر قولهم العلم فيما يكفي فيه الاستفاضة، و لا يكفي شاهدان عدلان، و قال الشيخ رحمه اللّه: يكفي فيه ذلك،(2)فلو شهد عدلان بالنّسب أو بما تقدّم صار السامع متحمّلا و شاهد أصل لا شاهد على شهادتهما، لأنّ ثمرة الاستفاضة الظّن، و هو يحصل بهما، قال رحمه اللّه: و لو سمعه يقول: عن الكبير: هذا ابني، و هو ساكت مع سماع الولد، أو سمعه يقول: هذا أبي و سكت الأب مع سماعه، شهد بالنسب، لأنّ سكوته يدلّ على الرضا(3)و فيه نظر.

6656. السّادس:

الشاهد بالاستفاضة لا يشهد بالسبب إلاّ أن يكون ممّا يثبت بالاستفاضة، فلو سمع مستفيضا أنّ هذا ملك زيد ورثه عن أبيه الميّت، شهد

ص: 263


1- . إشارة إلى ما ذكروه في علم الدارية في شروط التواتر منها: استواء الطرفين و الوسط، بمعنى أن يبلغ كل واحد من الطبقات حدّ الكثرة بحيث يمتنع في العادة تواطؤهم على الكذب و ذلك فيما لو حصل هناك أكثر من طبقة. لاحظ المستصفى: 134/1، القوانين: 424/1.
2- . المبسوط: 180/8.
3- . المبسوط: 180/8-181.

بالملك و سببه، و لو سمع مستفيضا أنّ هذا الملك لزيد اشتراه عن عمرو، شهد بالملك لا بالبيع، و كذا لا يشهد بالهبة، و الاستغنام، و الاستئجار بالافاضة.

و لو شهد بالملك و البيع، مستندا إلى الاستفاضة، سمع قوله في الملك خاصّة دون السّبب.

6657. السّابع:

يكفي في الشهادة بالملك الاستفاضة مجرّدة عن مشاهدة التصرّف و بالعكس، فلو شاهد إنسانا يتصرّف في الملك بالبناء و الهدم من غير معارض، جاز له أن يشهد بالملك مستندا إلى التصرّف مطلقا، و كذا لو شاهد الدار في يد، جار له أن يشهد باليد قطعا، و الأقرب جواز الشهادة له بالملك أيضا، لأنّ اليد قاضية بذلك.

و قيل:(1) ليس له ذلك، و إلاّ لم تسمع دعوى [من يقول:] الدار الّتي في يد هذا لي، كما لا تسمع [لو قال:] ملك هذا لي. و ليس بجيّد، لأنّ دلالة اليد ظاهرة، و يجوز الصرف عن الظاهر، و لأنّا نسمع قوله: «الدار التي في تصرّف هذا لي» مع الحكم بالملكيّة هناك.

6658. الثّامن:

لو كان لواحد يد و لآخر سماع مستفيض، رجّحت اليد، لأنّ السّماع قد يحتمل إضافة الاختصاص المطلق المحتمل للملك و غيره، فلا تزال اليد المعلومة بالمحتمل.

6659. التاسع:

نعني بالتصرّف القاضي بالملكيّة تصرّف الملاّك، كالبناء، و الهدم، و البيع، و الرهن، أمّا مجرّد الإجارة و إن تكرّرت ففيه احتمال،

ص: 264


1- . القائل هو المحقّق في الشرائع: 134/4، و صحّحنا العبارة على وفق الشرائع.

إذ قد يصدر من المستأجر مدّة طويلة، مع أنّ الأقرب الشهادة بالملكيّة.

و الإعسار تجوز الشهادة به مع الخبرة بالباطن و شهادة القرائن، كالصبر على الضّرّ و الجوع في الخلوة.

و تقبل شهادة الأعمى مستندا إلى الاستفاضة فيما يثبت فيه الاستفاضة.

6660. العاشر:

لو شهد عدلان أنّ فلانا مات، و خلّف من الورثة فلانا و فلانا، لا نعلم له وارثا غيرهما، قبلت شهادتهما و إن لم يبيّنا أنّه لا وارث له سواهما، لعدم الاطّلاع عليه، فيكفي فيه الظاهر، مع اعتضاده بالأصل، هذا إن كانا من أهل الخبرة الباطنة، و إن لم يكونا من أهل الخبرة الباطنة، بحث الحاكم عن وارث آخر، فإن لم يظهر، سلّم التركة إليهما بعد الاستظهار بالتضمين(1).

و لو قالا: لا نعلم له وارثا بهذه البلدة، أو بأرض كذا، لم تقبل، مع احتمال القبول.

6661. احد عشر:

لا يجوز أن يشهد إلاّ مع الذكر و إن وجد خطّه مكتوبا و علم عدم التزوير (عليه)(2) و إن كان خطّه محفوظا عنده، و سواء أقام غيره من العدول الشهادة أو لم يقم، خلافا لبعض علمائنا، حيث جوّز إقامة الشهادة بما يجده بخطّه مكتوبا إذا أقام غيره الشهادة.(3)

ص: 265


1- . في «ب»: بالضمين.
2- . ما بين القوسين يوجد في «أ».
3- . ذهب إليه الشيخ في النهاية: 329-330.

الفصل الرابع: في تفصيل الحقوق و فيه خمسة مباحث:

6662. الأوّل:

الحقوق قسمان: أحدهما حقّ اللّه تعالى، و الاخر حقّ لآدميّ .

أمّا حقّ اللّه تعالى، فمنه الزنا، و لا يثبت إلاّ بأربعة رجال، أو بثلاثة رجال و امرأتين، أو برجلين و أربع نساء، لكن الأخير يجب به الجلد لا الرجم، و يجب بالأوّلين الحدّان معا، و إن شهد رجل و ستّ نساء أو أكثر لم تقبل، و وجب جلد القاذف عليهم، و كذا لو شهد ما دون الأربعة منفردين عن النساء، أو شهد النساء، فإنّه لا يثبت، و يجب حدّ القذف على الشهود.

و منه اللواط و السّحق، و إنّما يثبت كلّ منهما بأربعة رجال خاصّة، فلو شهد ما دون الأربعة، حدّوا للفرية، و لا تقبل فيه شهادة النساء و إن كثرن و إن ضممن إلى الرجال مطلقا، بخلاف الزنا.

و أمّا إتيان البهائم فالأقرب ثبوته بشاهدين رجلين، و لا يثبت بشهادة النساء منفردين و لا منضمّين.

و أمّا باقي حقوق اللّه تعالى، كالسرقة، و شرب الخمر، و الرّدّة، فلا يثبت إلاّ بشاهدين، و لا يثبت بشاهد و امرأتين، و لا بشاهد و يمين، و لا بشهادة النساء و إن كثرن.

ص: 266

و في إلحاق الإقرار بالزنا بغيره من الإقرارات بالحقوق في قبول الشاهدين فيه أو بالأصل في اشتراط الأربعة فيه، خلاف، و الأقرب الأوّل، و على القولين فلا تقبل فيه شهادة رجل و امرأتين.

6663. الثّاني:

حقوق الآدميّ ثلاثة:

منها ما لا يثبت إلاّ بشاهدين، و هو الطلاق، و الخلع، و الوكالة، و الوصيّة إليه، و النّسب، و رؤية الأهلّة، و الرّجعة، و الجناية الموجبة للقود، و العتق، و النكاح، و القصاص، و البلوغ، و الولاء، و العدّة، و الجرح و التعديل، و العفو عن القصاص، و بالجملة كلّ ما لا يكون مالا و لا المقصود منه المال، و يطّلع عليه الرّجال.

و يمكن القول بثبوت النكاح، و العتق، و القصاص، بشاهدين، و شاهد و امرأتين.

و منها ما يثبت بشاهدين، و شاهد و امرأتين، و شاهد و يمين، و هو الدّيون، و الأموال، كالقرض، و القراض، و الغصب، و حقوق الأموال، كالأجل، و الخيار، و الشفعة، و الإجارة، و قتل الخطأ، و كلّ جرح لا يوجب إلاّ المال، كالمأمومة، و الجائفة، و كلّ عمد لا يوجب القصاص، كقتل السيّد العبد، و المسلم الكافر، و الأب ولده، و كلّ عقود المعاوضات، كالبيع، و السّلم، و الصّلح، و الإجارات، و المساقاة، و الرهن، و الوصيّة له، و كذا فسخ العقود، و قبض نجوم الكتابة، إلاّ النّجم الأخير، لترتّب العتق عليه، فإن أجزنا في العتق شاهدا و امرأتين قبل، و إلاّ فلا.

و لو شهد على السرقة رجل و امرأتان يثبت المال دون العقوبة.

ص: 267

و لو شهد بالنكاح رجل و امرأتان، فإن قبلنا(1) فيه شهادة الواحد و المرأتين، فلا بحث، و إلاّ ثبت المهر دون النكاح، و في الوقف إشكال، و الأقرب ثبوته بشاهدين، و شاهد و امرأتين، و شاهد و يمين.

و منها ما يثبت بالرجال و النساء منفردات و منضمّات، و هو الولادة، و الاستهلال، و عيوب النساء الباطنة، و الأقرب قبول شهادة النساء منفردات في الرضاع، و إن كان الأكثر قد منع من قبولها.

6664. الثّالث:

تقبل شهادة امرأتين مع رجل في الدّيون و الأموال، و شهادة امرأتين مع اليمين، و لا تقبل فيه شهادة النّساء و إن كثرن، إلا مع رجل أو يمين.

و تقبل شهادة المرأة الواحدة في ربع ميراث المستهلّ ، و في ربع الوصيّة، و شهادة امرأتين في النصف و ثلث في ثلاثة أرباع و أربع في الجميع، و لا تفتقر في الواحدة إلى يمين، لثبوت الربع، و لا في الاثنتين، لثبوت النصف، و لو طلب الموصى له الجميع، و أقام امرأتين، جاز له أن يحلف، و يأخذ الجميع، و إن لم يحلف ثبت له النصف.

و كلّ موضع تقبل فيه شهادة النساء، لا تثبت بأقلّ من أربع، و قال المفيد رحمه اللّه تقبل شهادة امرأتين مسلمتين مستورتين فيما لا يراه الرجال، كالعذرة، و عيوب النساء، و النفاس، و الحيض، و الولادة، و الاستهلال، و الرضاع، و إذا لم يوجد على ذلك إلاّ شهادة امرأة واحدة مأمونة قبلت شهادتها فيه(2).

ص: 268


1- . في «ب»: فإن قلنا.
2- . المقنعة: 727.

و يشترط فيهنّ ما يشترط في الرجال من العدالة و غيرها ممّا سبق.

و لو شهد أربعة بالزنا قبلا، فشهد أربع نساء بالبكارة، درئ عنها الحدّ، و في حدّ الشهود قولان، أقربهما السقوط.

6665. الرابع:

ليست الشهادة شرطا في شيء، فلو تعاقدا عقدا و لا شاهد فيه، صحّ سواء كان نكاحا أو غيره، إلاّ في الطلاق، فلا يقع إلاّ مع شهادة عدلين.

و تستحب الشهادة في النكاح، و الرجعة، و البيع.

6666. الخامس:

الأقرب وجوب التحمّل للشّهادة على من له أهليّة الشهادة، و قيل: لا يجب(1)، و الأوّل مرويّ (2).

و لا يجب على الأعيان قطعا، بل على الكفاية، فإن قام به غيره، سقط عنه بشرط أن يكون ذلك الغير ممّن يقوم به الحجّة، و إن لم يقم به غيره، تعيّن عليه.

و أمّا الأداء، فإنّه كالتحمّل في وجوبه على الكفاية إجماعا، فإن قام غيره، سقط عنه، و إلاّ تعيّن عليه الاداء، إلاّ أن تكون الشهادة مضرّة ضررا غير مستحقّ ، فلا يجب عليه الأداء (و إن لم يكن غيره.

و من علم شيئا من الأشياء و لم يكن قد أشهد عليه، ثمّ دعي إلى أن يشهد، فالواجب عليه الأداء على الكفاية)(3).

و لو عدم الشهود إلاّ اثنان تعيّن عليهما وجوب التحمّل و وجوب الأداء، إلاّ

ص: 269


1- . القائل هو ابن إدريس في السرائر: 125/2-126.
2- . الوسائل: 225/18، الباب 1 من أبواب الشهادات.
3- . ما بين القوسين سقط من نسخة «أ».

أن تكون الشهادة مضرّة بهما ضررا غير مستحقّ فلا يجب عليهما التحمّل، و لو تحمّلا حالة انتفاء الضّرر، ثمّ خافا من الاداء، سقط الاداء عنهما.

و قد روي: أنّه يكره للمؤمن أن يشهد لمخالف له في الاعتقاد، لئلاّ يلزمه الإقامة، فربّما ردّت شهادته، فيكون قد أذلّ نفسه(1).

الفصل الخامس: في اللواحق و فيه ستّة و عشرون بحثا:

6667. الأوّل:

إذا حكم الحاكم ثمّ ظهر في الشهود ما يمنع القبول، فإن كان متجدّدا بعد الحكم، لم يقدح، و إن كان سابقا على إقامة الشهادة، و خفي على الحاكم، نقض الحكم.

6668. الثاني:

لو شهدا و لم يحكم، ثمّ ماتا قبل الحكم، حكم بشهادتهما، و كذا لو شهدا و لم يزكّيا ثمّ ماتا قبل التزكية، زكّيا بعد الموت و حكم.

و لو شهدا ثمّ فسقا قبل الحكم، حكم بشهادتهما، لأنّ المعتبر العدالة عند الإقامة، و كذا لو كفرا.

و لو كان حقّا للّه تعالى كحدّ الزنا، لم يحكم، لبنائه على التّخفيف، و الأقرب في حدّ القذف و القصاص الحكم لتعلّق حقّ الآدميّ به، أمّا السّرقة فيحكم بالمال دون القطع، و لو حدث ذلك بعد الحكم لم ينقض.

ص: 270


1- . و ما ذكره نصّ عبارة الشيخ في النهاية: 329، و لم نعثر على الرواية في الجوامع الحديثيّة.

و لو كان حدّا للّه تعالى، و حكم و تجدّد الفسق قبل الاستيفاء، لم يستوف، و إن كان مالا استوفى.

و لو شهدا ثمّ جنّا، أو عميا فيما يشترط فيه البصر، حكم بشهادتهما، كما لو ماتا، سواء كان المشهود به حدّا أو غيره.

6669. الثّالث:

لو شهدا لمن يرثانه، فمات قبل الحكم، فانتقل المشهود به إليهما، لم يحكم بشهادتهما.

6670. الرابع:

لو حكم الحاكم بشهادة الشاهدين، فقامت بيّنة بالجرح مطلقا(1) لم ينقض الحكم، لإمكان تجدّد الفسق بعد الحكم، و لو شهدا به موقّتا، و كان متأخّرا فكذلك، و إن كان متقدّما على الشهادة، نقض، و لو كان بعد الشهادة و قبل الحكم، لم ينقض، بل يحكم بالشهادة إلاّ في حدّ اللّه تعالى.

و إذا نقض الحكم، فإن كان قتلا أو جرحا فلا قود، و الدّية في بيت المال.

و لو كان المباشر للقصاص هو الوليّ ، فالوجه أنّه لا يضمن إن كان قد اقتصّ بحكم الحاكم و إذنه.

و لو باشر بعد الحكم قبل الإذن ضمن الدية، و لو كان المشهود به مالا فانّه يستعاد إن كانت العين باقية، و إن كانت تالفة، فعلى المشهود له، لأنّه ضمن بالقبض، بخلاف القصاص.

و لو كان معسرا، قال الشيخ رحمه اللّه: يضمن الإمام، و يرجع به على المحكوم

ص: 271


1- . في المسالك: 311/14: «فإن كانت الشهادة بالجرح مطلقة أي غير معيّنة بوقت الجرح...».

له(1) مع يساره(2) و فيه نظر لاستقرار الضمان على المحكوم له بتلف المال في يده.

6671. الخامس:

لو ثبت أنّهم شهدوا بالزّور، نقض الحكم و استعيد المال، فإن تعذّر، غرّم الشهود، و لو كان قتلا ثبت القصاص على الشهود، و كان حكمهم حكم الشهود إذا رجعوا عن الشهادة و اعترفوا بالعمد في الكذب.

و لو باشر الوليّ القصاص و اعترف بالتزوير، سقط الضمان عن الشهود، و كان القصاص على الوليّ .

6672. السّادس:

الحقّ إن كان لآدميّ معيّن، كالمال، و النكاح، و العقود، و العقوبات، كالقصاص، و حدّ القذف، لم تسمع الشهادة فيه إلاّ بعد الدعوى، لأنّ الشهادة حقّ الآدميّ (3) فلا يستوفى إلاّ بعد مطالبته و إذنه، و إن كان حقّا لآدميّ غير معيّن، كالوقف على الفقراء و المساجد و المقابر المسبّلة، أو الوصية بشيء(4) عن ذلك، أو كان حقّا للّه تعالى، كحدّ الزنا، و الزكاة، و الكفّارة، لم تفتقر الشهادة إلى تقدّم الدّعوى في ذلك كلّه.

و لو شهد اثنان بعتق عبد أو أمة ابتداء، ثبت ذلك، سواء صدّقهما المشهود بعتقه أو لم يصدّقهما.

6673. السّابع:

لو كان عند الشّاهد شهادة لآدميّ ، فإن كان صاحبها عالما بها، لم يجب على الشاهد اداؤها إلاّ بعد أن يسأله صاحبها، و إن لم يكن عالما بها،

ص: 272


1- . في النسختين: «على المحكوم عليه» و الصحيح ما أثبتناه لاحظ الشرائع: 313/4-314.
2- . المبسوط: 250/8.
3- . في «ب» حقّ لآدميّ .
4- . في «ب»: لشيء.

فإن علم أنّ حقّه يثبت بدون شهادته، لم يجب عليه إعلامه، و إن لم يثبت حقّه إلاّ بشهادته، وجب على الشاهد أن يعرف صاحب الشهادة (ليستشهده)(1)عند الحاكم.

6674. الثامن:

يعتبر لفظ الشهادة في الأداء، فيقول: أشهد بكذا، و لو قال:

أعلم، أو أعرف، أو أتيقّن، أو أخبر عن علم أو حقّ (2) لم يسمع.

6675. التاسع:

لو شهدت امرأة بالوصيّة بالمال يثبت الربع، على ما تقدّم، و لو شهدت بالولادة(3) لم تقبل.

و لو شهدت اثنتان بالوصيّة بالمال، ثبت النصف على ما بيّناه.

و لو شهد رجل واحد، ففي الحاقة بالمرأة أو بالمرأتين نظر، و كذا البحث في ميراث المستهلّ .

و تقبل شهادة النساء في ولادة الزوجات و المطلّقات.

6676. العاشر:

يثبت الإعسار بشهادة عدلين، و لا يفتقر إلى ثالث.

6677. احد عشر:

يشترط في قبول الشهادة موافقتها لدعوى المدّعي، فإذا ادّعى المدّعي سمع الحاكم دعواه، ثمّ استشهد شاهدين، فإن اتّفقا في الشهادة، و وافقت شهادتهما دعواه، سمعها، و حكم بها، و إن خالفت الشهادة الدّعوى، أو اختلفت الشهادتان، طرحها.

6678. الثّاني عشر:

لو شهد اثنان من الأربعة في الزنا أنّه زنى في هذا البيت،

ص: 273


1- . ما بين القوسين يوجد في «ب».
2- . في «ب»: أو أحقّ .
3- . في «ب»: بالولاية.

أو في وقت الغداة، أو على هيئة مخصوصة، و شهد آخران بالزنا على غير تلك الهيئة، أو في غير ذلك الوقت، أو غير ذلك المكان، سقطت الشهادة، و حدّوا أجمع للفرية، و كذا كلّ شهادة على فعلين، مثل أن يشهد اثنان أنّه زنى بامرأة، و آخران أنّه زنى بأخرى.

و لو شهد اثنان أنّه زنى بها في زاوية بيت، و آخران أنّه زنى بها في زاوية منه أخرى، حدّوا أجمع، للفرية، و سقطت الشهادة، سواء تقاربت الزاويتان أو تباعدتا.

6679. الثّالث عشر:

يشترط في قبول الشهادة توارد الشاهدين على المعنى الواحد، فإن اتّفقا معنى، حكم بشهادتهما، و إن اختلفا لفظا، مثل أن يقول أحدهما: إنّه غضب، و يشهد الاخر انّه انتزع قهرا ظلما، أمّا لو اختلفا معنى، فإنّه لا يثبت بشهادتهما، مثل أن يشهد أحدهما بالبيع، و يشهد الاخر بالإقرار بالبيع، فإنّهما أمران مختلفان، فإن حلف مع أحدهما ثبت ما حلف عليه، و إلاّ فلا.

6680. الرابع عشر:

إذا كانت الشهادة على فعل، و اختلف الشاهدان في زمانه،(1) أو مكانه، أو صفة له تدلّ على تغاير الفعلين، لم تكمل شهادتهما، مثل أن يشهد أحدهما أنّه غصبه دينارا يوم السّبت، و يشهد الاخر أنّه غصبه دينارا يوم الجمعة، أو يشهد أحدهما أنّه غصبه دينارا في الدار، و يشهد الاخر أنّه غصبه في السوق، أو يشهد أحدهما أنّه غصبه دينارا مصريّا، و يشهد الاخر انه غصبه دينارا بغداديّا، لأنّ الفعلين متغايران، و لم يشهد بكلّ واحد منهما سوى شاهد واحد.

ص: 274


1- . في «ب»: في زمنه.

و لو شهد بكلّ فعل شاهدان، و اختلفا في المكان، أو الزمان، أو الصّفة ثبتا جميعا، لشهادة(1) البيّنة العادلة لكلّ واحد منهما، بحيث لو انفردت ثبت الحقّ ، و شهادة الأخرى لا تعارضها، لإمكان الجمع بينهما، إلاّ أن يحصل التعارض إمّا بأن يكون الفعل ممّا لا يمكن تكرّره، كقتل رجل بعينه فتتعارض البيّنتان، لعلمنا بكذب إحداهما، أو بأن يحصل التنافي في الفعل، مثل أن يشهد اثنان أنّه سرق وقت الزوال كبشا أبيض في موضع كذا، و شهد اثنان بأنّه سرق في ذلك الوقت بعينه كبشا أسود في موضع آخر، لا يمكن حصوله فيهما دفعة واحدة، فإن ادّعى [المشهود له] الأمرين المتنافيين لم تقبل دعواه، و لا تسمع بيّنته، و إن ادّعى أحدهما ثبت له ما ادّعاه.

و لو شهد اثنان أنّه سرق مع الزّوال كبشا أسود، و شهد آخر أنّه سرق مع الزوال كبشا أبيض، أو شهد اثنان أنّه سرق هذا الكبش غدوة، و شهد آخران أنّه سرقه عشيّا، لم يتعارضا، لإمكان أن يسرق عند الزوال كبشين أبيض و أسود، فيشهد كلّ بيّنة بأحدهما، و يمكن أن يسرق كبشا غدوة، ثمّ يعود إلى صاحبه أو غيره فيسرقه عشيّا، فإن ادّعاهما المشهود له ثبتا له في الصورة الأولى، و في الصورة الثانية كبش المشهود به حسب، و إن لم يدّع المشهود له سوى أحد الكبشين، ثبت له، و لم يثبت له الاخر.

6681. الخامس عشر:

لو شهد أحدهما أنّه سرق دينارا، و شهد الاخر أنّه سرق درهما، لم يثبت، لكن له أن يحلف مع أحدهما و مع كلّ واحد منهما، فإن حلف مع أحدهما ثبت له الغرم فيما حلف عليه، و إن حلف مع كلّ واحد

ص: 275


1- . في «أ»: بشهادة.

منهما، ثبت الدينار و الدرهم، و لا يثبت القطع، لأنّ الحدّ لا يثبت باليمين.

و لو شهد اثنان أنّه سرق ثوبا أبيض غدوة، و شهد آخران أنّه سرقه بعينه على وجه لا يمكن الجمع بينهما، ثبت التعارض، فيسقط القطع للشّبهة، و لا يسقط الغرم.

6682. السّادس عشر:

لو شهد أحدهما أنّه باع هذا الثوب منه بدينار، و شهد الاخر أنّه باعه منه في ذلك الوقت بدينارين، لم يثبتا، و كان له المطالبة بأيّهما شاء مع اليمين، و لا تعارض، لأنّ التعارض إنّما يكون بين البيّنتين الكاملتين، و لو شهد له مع كلّ واحد شاهد آخر، ثبت الديناران، و كذا لو شهد أحدهما أنّه باع اليوم و شهد الاخر أنّه باع أمس، أو شهد أحدهما أنّه طلّقها أمس بمحضر من شاهدين، و شهد الاخر أنّه طلّقها اليوم بمحضر من شاهدين، لم تكمل الشهادة، لأنّ كلّ واحد من البيع و الطلاق، لم يشهد به إلاّ واحد، فكان كما لو شهدا بالغصب في وقتين.

و يحتمل القبول، لأنّ المشهود به شيء واحد، يجوز أن يعاد مرّة بعد أخرى، فيكون واحدا، فاختلافهما في الوقت ليس باختلاف فيه، و الأوّل أقرب.

6683. السّابع عشر:

لو شهد أحدهما أنّه أقرّ بقتل، أو دين، أو غصب ببغداد يوم الخميس، و يشهد الاخر أنّه أقرّ بذلك بعينه يوم السّبت بالكوفة، فإن لم يتعارضا كملت الشهادة، و ثبت المقرّ به، و إن تعارضا بأن يكون الزمان واحدا مع تباعد الأمكنة، أو يكون مختلفا و لا يفي الزمان المتخلّل بينهما للسفر من أحد البلدين إلى الاخر، لم يكملا، و حلف مع أحدهما يمينا لإثبات حقّه، و كذا لو شهد أحدهما أنّه أقرّ عنده بأنّه قتله يوم الخميس، و شهد الاخر أنّه أقرّ عنده أنّه

ص: 276

قتله يوم الجمعة، فإنّ التعارض متحقّق، كما شهد أحدهما أنّه أقرّ عنده أنّه غصبه ثوبا، و شهد الاخر أنّه أقرّ عنده أنّه غصبه دينارا، و كذا لو شهد أحدهما بالقذف غدوة، و الاخر عشيّة، أو بالقتل كذلك، لم يحكم بشهادتهما، لأنّها شهادة على فعلين.

6684. الثّامن عشر:

لو شهد أحدهما بالإقرار بألف، و الاخر بألفين، ثبت الألف بهما، و الاخر بانضمام اليمين، و لو شهد بكلّ واحد شاهدان، ثبت الألف بشهادة الجميع، و الألف الاخر بشهادة اثنين و كذا لو شهد أحدهما أنّه سرق ثوبا قيمته دينار، و شهد الاخر أنّه سرقه و قيمته ديناران، ثبت الدينار بشهادتهما، و الاخر بالشاهد و اليمين، و لو شهد بكلّ صورة شاهدان، ثبت الدّيانار بشهادة الجميع، و الاخر بشاهدين.(1)

6685. التاسع عشر:

لو شهد أحدهما أنّه أقرّ بالعربيّة، و الاخر أنّه أقرّ بالعجميّة، قبل، لأنّه إخبار عن شيء واحد، و كذا لو شهد احدهما أنّه أقرّ بدينار يوم الخميس بدمشق، و أقرّ الاخر أنّه أقرّ به يوم الجمعة بمصر، قبل، و كذا لو شهد أحدهما أنّه أقرّ أنّه قتله أو غصبه كذا يوم الخميس بمصر، و شهد الاخر أنّه أقرّ أنّه قتله أو غصبه كذا يوم الجمعة بدمشق، قبل، لأنّ المقرّ به واحد و قد شهد اثنان بالإقرار به، فكملت شهادتهما، كما لو كان الإقرار بهما واحدا، فإنّ جمع الشّهود لسماع الشهادة متعذّر، بخلاف ما لو كان الإقرار بفعلين مختلفين، مثل أن يقول أحدهما: أشهد أنّه أقرّ أنّه قتله يوم الخميس، و قال الاخر: أشهد أنّه أقرّ أنّه قتله يوم الجمعة، أو قال أحدهما: أشهد أنّه أقرّ أنّه قذفه بالعربيّة، و قال الاخر:

ص: 277


1- . في «ب»: «بالشاهدين» و في الشرائع: 142/4 «و الاخر بشهادة الشاهدين بهما».

أشهد أنّه أقرّ أنّه قذفه بالعجميّة، فإنّ الشهادة غير كاملة، و كذا لو شهد أحدهما أنّه تزوّجها أمس، و شهد الاخر أنّه تزوّجها اليوم، لم تثبت الشهادة.

6686. العشرون:

لو شهد أحدهما أنّه غصب هذا العبد، و شهد الاخر أنّه أقرّ بغصبه، لم تكمل الشهادة.

و لو شهد أحدهما أنّه غصب هذا العبد من زيد، أو أنّه أقرّ بغصبه منه، و شهد الاخر أنّه ملك زيد، لم تكمل شهادتهما.

6687. الواحد و العشرون:

لو شهد أحدهما بالإقرار بألف، و الاخر بالإقرار بألفين، ثبت الألف بشهادتهما على ما تقدّم، هذا إن أطلقا الشهادة و لم تختلف الأسباب و الصفات، فإن اختلفت بأن يشهد أحدهما بألف من قرض، و يشهد الاخر بخمسمائة من ثمن مبيع، أو يشهد أحدهما بألف بيض، و الاخر بخمسمائة سود(1) أو يشهد أحدهما بألف دينار، و الاخر بخمسمائة درهم، لم تكمل البيّنة، و كان له أن يحلف مع كلّ واحد منهما، و يستحقهما.

و لو شهد له شاهدان بألف، و شاهدان آخران بخمسمائة، و لم تختلف الأسباب أو الصفات،(2) دخلت الخمسمائة في الألف، و وجبت له [الألف] بالأربعة. و لو اختلفت الأسباب أو الصفات، وجب له الحقّان، و لم يدخل أحدهما في الاخر.

6688. الثاني و العشرون:

لو أنكر العدل أن يكون شاهدا، ثمّ شهد بعد ذلك،

ص: 278


1- . في «أ»: سواد.
2- . في «ب»: و لم تختلف الأسباب و لا الصفات.

و قال: كنت نسيتها، قبلت شهادته، لأنّه يجوز أن يكون قد نسيها، و حينئذ فلا شهادة عنده، فلا يكذب مع إمكان صدقه.

6689. الثّالث و العشرون:

لو ادّعى، فطلب الحاكم منه البيّنة، فقال: لا بيّنة لي، ثم أتى بعد ذلك ببيّنة، فالأقرب القبول، لجواز أن ينسى، أو يكون الشاهدان قد سمعا إقرار الغريم، و صاحب الحقّ لا يعلم.

و يحتمل التفصيل، و هو عدم السّماع إن كان الإشهاد قد تولاّه بنفسه، لأنّه كذّبها، و القبول إن تولاّه وكيله، أو شهد من غير علمه، و كذا البحث لو قال: كلّ بيّنة لي زور.

أمّا لو قال: لا أعلم انّ لي بيّنة، ثمّ أقام البيّنة، سمعت منه قطعا.

6690. الرابع و العشرون:

لو اختلف في الشجّة هل هي موضحة أم لا، و افتقر إلى العارف كالطبيب يعتبرها، لم يكف الواحد، و كذا لو اختلف(1) في مرض لا يعرفه إلاّ الأطبّاء، أو في داء الدّابّة الّذي(2) لا يعرفه إلاّ البيطار.

6691. الخامس و العشرون:

لو أشهده بألف، فطلب صاحب الحقّ أن يشهد له بمائة مثلا، فالأقرب جواز ذلك، لأنّ الاعتراف بالألف يستلزمه الاعتراف بالمائة.

6692. السّادس و العشرون:

يجوز أن يشهد الإنسان على مبيع(3) و إن لم يعرفه و لا عرف حدوده، و لا موضعه إذا عرف المتبايعان ذلك، و يكون شاهدا على إقرارهما بوصف المبيع.

ص: 279


1- . في «ب»: لو اختلفا.
2- . في «ب»: الّتي.
3- . في «ب»: على المبيع.

الفصل السادس: في الشهادة على الشهادة و فيه عشرة مباحث:

6693. الأوّل:

تقبل الشّهادة على الشّهادة في حقوق النّاس، سواء كانت عقوبة، كالقصاص، أو غير عقوبة، كالطلاق، و الغصب، و العتق، و النّسب، أو مالا، كالقرض، و الدّين، و القراض، و عقود المعاوضات، كالبيع، و الإجارة، و الصلح، أو ما لا يطلع عليه الرّجال غالبا، كعيوب النساء، و الولادة، و الاستهلال.

و لا تقبل في الحدود مطلقا، سواء كانت للّه تعالى محضا، كحدّ الزّنا، و اللّواط، و السّحق، أو مشتركة، كالقذف، و حدّ السّرقة، على خلاف فيهما.

6694. الثاني:

لا يجوز تحمّل الشهادة إلاّ إذا قال الشاهد: اشهد على شهادتي، أو يسمعه و قد شهد بين يدي حاكم، فله أن يشهد على شهادته و إن لم يشهده.

و لو قال في غير مجلس القضاء: لفلان على فلان حقّ كذا و أنا شاهد به بسبب كذا، مثل ثمن مبيع، أو أرش جناية، أو غير ذلك، ففي جواز شهادة الفرع به إشكال.

أمّا لو لم يذكر شاهد الأصل السبب، فإنّه ليس للفرع أن يشهد قطعا، لأنّ الإنسان يتساهل في غير مجلس الحكم.

و لو سمعه يقول: أشهد أنّ لفلان كذا شهادة مثبوتة عندي لا أ تمارى فيها،

ص: 280

فالأقرب جواز الشهادة على شهادته، و كذا لو سمعه يسترعي شاهدا آخر.

أمّا لو قال: أنا أشهد بكذا، فليس للشاهد أن يتحمّل، لجواز إرادة الوعدة.

6695. الثالث:

إذا قال شاهد الأصل: اشهد على شهادتي أنّني أشهد بكذا، كان أعلى مراتب الاسترعاء، و للفرع أن يقول: أشهدني على شهادته.

و لو سمعه يشهد عند الحاكم، فهو دون الأول(1) و أدون منهما أن يسمعه يشهد جزما لا عند الحاكم و فيهما، ليس للفرع أن يقول: أشهدني، بل يقول: أشهد أنّ فلانا شهد عند الحاكم بكذا، أو أشهد أنّ فلانا شهد بكذا بسبب كذا.

6696. الرابع:

يجب أن يشهد على كلّ شاهد شاهدان، إذ المراد إثبات شهادة الأصل، و إنّما يتحقّق باثنين، و لو شهد اثنان على كلّ واحد من شاهدي الأصل جاز، و كذا لو شهد اثنان على شاهد الأصل(2) و أحد الاثنين و ثالث على شهادة الأصل الاخر، أو شهد شاهد أصل و هو مع آخر على شهادة أصل آخر، أو شهد اثنان على جماعة، بأن يشهد الاثنان على شهادة كلّ واحد منهم، أو شهد اثنان على شهادة رجل و امرأتين، أو شهدا على شهادة أربع نساء فيما تقبل فيه شهادة النساء منفردات.

و لو شهد واحد فرع على شاهد أصل، و شهد آخر غير الأوّل على شهادة أصل آخر، لم تقبل.

و لا يشترط أن يشهد على شاهدي الاصل أربعة، بحيث يكون الاثنان

ص: 281


1- . في «أ»: الأولى.
2- . في «ب»: شاهد أصل.

على أحدهما مغايرين للاثنين على الاخر، بل يجوز أن يشهد اثنان على الأصلين، بحيث يكون كلّ واحد من الفرعين يشهد على كلّ واحد من الأصلين.

و لو شهد بالحقّ شاهد أصل، و شاهدا فرع يشهدان على أصل آخر جاز.

6697. الخامس:

انّما تقبل شهادة الفرع بشروط ثلاثة:

الأوّل: تعذّر شهادة الأصل، إمّا بموت، أو مرض، أو حبس، أو خوف من سلطان أو غيره، أو غيبة، فلو تمكّن شاهد الأصل من الحضور، لم تسمع شهادة الفرع، و لا تقدير للغيبة، بل ضابطها اعتبار المشقّة على شاهد الأصل في حضوره، و لا تشترط مسافة القصر.

الثاني: أن يتحقّق شروط الشهادة من العدالة و غيرها في كلّ واحد من شهود الأصل و الفرع، و لو عدّل شهود الفرع شهود الأصل جاز، و إن لم يشهدا بعدالتهما جاز أيضا، لكن يتولّى الحاكم ذلك، فإن عرف عدالتهما حكم، و إلاّ بحث عنهما.

و لا بدّ من استمرار هذا الشرط و وجود العدالة في الجميع إلى انقضاء الحكم، و يعتبر هاهنا(1) عدالة شاهدي الأصل عند الاسترعاء و إن لم يكن وقت الحكم، و استمرارها إلى وقت الحكم، فلو طرأ الفسق، أو الرّدّة، أو العداوة على شاهدي الأصل، امتنع شهادة الفرع(2) و كذا لو طرأت العبوديّة للمشهود عليه.

و لا يمنع طريان العمى فيما يشترط فيه الرؤية، و لو مات شهود الأصل أو

ص: 282


1- . في «ب»: هنا.
2- . في «أ»: امتنع شاهد.

الفرع لم يمنع الحكم، و كذا لو مات شهود الأصل قبل أداء الفرع شهادتهم، و كذا لو جنوا.

الثالث: أن يعيّنا شاهدي الأصل و يسمّياهما، فلو لم يسمّياهما لم تقبل شهادتهما و إن عدّلاهما.

6698. السّادس:

لو شهد شاهدا فرع، و أنكر [شاهد] الأصل الفرع،(1) قال الشيخ رحمه اللّه: تقبل شهادة أعدلهما، فإن تساويا طرحت شهادة الفرع(2) و قال ابن بابويه في رسالته: تقبل شهادة الثّاني، و يطرح إنكار الأصل مع التّساوي في العدالة(3).

و كلاهما ليس بجيّد، بل الأولى طرح شهادة الفرع، لأنّ الأصل إن صدق كذب الفرع، و إلاّ كذب الأصل، و على كلا التقديرين تبطل شهادة الفرع، و تحمل الرواية(4) الّتي أفتى بها الشيخ رحمه اللّه على ما لو قال الأصل: لا أعلم.

6699. السّابع:

لو شهد الفرعان ثمّ حضر شاهد الأصل، فإن كان الحكم، لم يقدح في الحكم، وافقا أو خالفا، و إن كان قبله سقط اعتبار الفرع، و كان الاعتبار بشاهد الأصل.

6700. الثّامن:

الأقرب عدم قبول شهادة النساء على الشهادة مطلقا، سواء كان المشهود به ممّا تقبل فيه شهادة النساء منفردات، كالعيوب الباطنة، و الاستهلال،

ص: 283


1- . في «ب»: فأنكر الأصل.
2- . النهاية: 329.
3- . فقه الرضا عليه السّلام: 261 و نقله عنه الحلّي في السرائر: 127/2، و المصنف في المختلف: 8 / 525.
4- . الوسائل: 300/18، الباب 46 من أبواب الشهادات، الحديث 3. و فيه «و لو كان أعدلهما واحدا لم تجز شهادته» و الظاهر طروء التصحيف إلى متن الحديث، و نقله الشهيد في المسالك هكذا «و لو كانت عدالتهما واحدة لم تجز الشهادة» لاحظ المسالك: 280/14.

و الوصيّة، أو لا تقبل، و سواء كان شاهد الأصل من النساء أو من الرّجال.

6701. التاسع:

لو أقرّ بالزنا بالعمة، أو الخالة، أو بوطء البهيمة، أو باللواط، ثبت بشاهدين، و قبل في ذلك الشهادة على الشهادة، و لا يثبت الحدّ و لا التعزير بذلك، بل انتشار حرمة النكاح، و تحريم أكل الدّابّة، و وجوب بيعها في بلد الغربة.

6702. العاشر:

ليس على الفروع أن يشهدوا على صدق شهود الأصل.

الفصل السّابع: في الرجوع و فيه سبعة و عشرون بحثا:

6703. الأوّل:

إذا رجع الشهود أو بعضهم قبل الحكم، لم يحكم، سواء شهدوا بحدّ، أو مال، أو حقّ .

و لو رجعوا بعد الحكم و الاستيفاء و تلف المحكوم به، لم ينقض الحكم، و ضمن الشهود، و لو رجعوا بعد الحكم و قبل الاستيفاء فإن كان حدّا، نقض الحكم، سواء كان للّه تعالى أو لآدميّ ، لأنّ رجوعهم شبهة، فيدرأ الحدّ لها.

و إن كان مالا - عينا أو دينا - لم ينقض، سواء سلّم العين الى المشهود له أو لا، و سواء كانت العين باقية أو لا، و غرم الشهود ما شهدوا به.

و قال الشيخ في النهاية: إذا كان الشيء قائما بعينه، ردّ على صاحبه و لم يغرم الشاهدان(1) و ليس بمعتمد.

ص: 284


1- . النهاية: 336.

6704. الثاني:

لو شهد أربعة بالزنا ثمّ رجعوا حدّوا، فإن قالوا: «غلطنا» فالأقرب وجوب الحدّ للفرية أيضا، و لو لم يصرّحوا بالرّجوع، بل قالوا للحاكم:

توقّف، ثمّ عادوا و قالوا: اقض، فالأقرب جواز القضاء، و هل تجب إعادة الشّهادة ؟ الأقرب الوجوب.

6705. الثالث:

لو شهد اثنان بالقتل أو الجرح، فاستوفى الحاكم بعد التعديل، ثمّ رجعا، فإن قالا: تعمّدنا اقتصّ منهما، و إن قالا: أخطأنا كان عليهما الدية.

و إن قال أحدهما: تعمّدت و قال الاخر: أخطأت اقتصّ من العامد، و أخذ نصف الدّية من المخطئ.

و إذا اعترفا معا بالعمد، فللوليّ قتلهما و ردّ الفاضل عن دية صاحبه، و له قتل البعض و ردّ الاخر قدر جنايته.

و لو رجع وليّ القصاص - و كان هو المباشر - و اعترف بالتزوير، فعليه القصاص، فإن رجع الشاهدان أيضا، فهل الشاهدان كالممسك(1) أو كالشريك ؟ الأقرب الأوّل، لأنّ المباشر أولى من السبب.

و لو رجع المزكّي، فالأقرب أنّه كالشريك، لكن لا يجب فيه القتل بل الدّية على إشكال.

و لو قال الشاهد: تعمّدت، و لكن ما علمت انّه يقتل بقولي، فالأقرب القصاص، و كذا لو ضربه ضربا يقتل به المريض دون الصّحيح، فإنّه يجب القصاص.

ص: 285


1- . في «ب»: كالمتمسك.

6706. الرابع:

لو قال أحد شهود الزنا بعد الرّجم: تعمّدت، فإن صدّقه الباقون، كان للوليّ قتل الجميع، و يردّ ما فضل عن دية المرجوم.

و إن شاء قتل واحدا، و يردّ الباقون بقدر جنايتهم على المقتول.

و إن شاء قتل أكثر من واحد بعد أن يردّ ما فضل عن دية صاحبه، و يكمل الباقون من الشهود ما يعوز بعد وضع نصيب المقتولين.

و لو لم يرجع الباقون، نفذ إقرار من رجع في حقّ نفسه خاصّة، فإن اختار الوليّ قتله قتله، و أدّى الوليّ إليه ثلاثة أرباع الدية، و ان اختار أخذ الدية منه، كان عليه الرّبع، و كذا لو قال: أخطأت.

و في النهاية: إن قال: تعمّدت، قتل، و أدّى الثلاثة إليه ثلاثة أرباع الدّية، قال: و إن رجع اثنان و قالا: أوهمنا، ألزما نصف الدية، و إن قالا: تعمّدنا، كان للوليّ قتلهما، و يؤدّي إلى ورثتهما دية كاملة بالسويّة بينهما، و يؤدّي الشاهدان الآخران على ورثتهما (أيضا)(1) نصف الدية، و إن اختار الوليّ قتل واحد (منهما)(2)، قتله، و أدّى الاخر مع الباقين من الشهود على ورثة المقتول الثاني ثلاثة أرباع ديته(3) و الحق ما قلناه نحن أوّلا.

6707. الخامس:

لو شهدا بطلاق امرأة، ثمّ رجعا، أو رجع أحدهما قبل الحكم، بطلت شهادتهما، و بقيت على الزوجيّة، و إن رجعا بعد الحكم، فإن كان ذلك قبل الدخول، ضمنا نصف المهر المسمّى للزوج، و إن كان بعد الدخول لم يضمنا

ص: 286


1- . ما بين القوسين يوجد في المصدر.
2- . ما بين القوسين يوجد في المصدر.
3- . النهاية: 335.

شيئا، قال ابن إدريس: لأن الأصل براءة الذّمة، و ليس خروج البضع عن ملك الزوج له قيمة، كما لو أتلفا عليه ما لا قيمة له، فلا يلزمهما الضمان، و أمّا(1)قبل الدّخول فيلزمه نصف المهر، فيجب أن يغرماه له، لأنّهما غرماه إيّاه، و أتلفاه بشهادتهما.(2)

و قال الشيخ رحمه اللّه في النهاية: لو شهدا بالطلاق على رجل فاعتدّت، و تزوّجت ثمّ دخل بها، ثمّ رجعا، وجب عليهما الحدّ، و ضمنا المهر للزوج الثاني، و ترجع المرأة إلى الأوّل بعد الاستبراء بعدّة من الثّاني(3).

و مقصود الشيخ رحمه اللّه بوجوب الحدّ، إنّما هو التعزير بشهادتهما بالزّور و أمّا الرّجوع إلى الأوّل فليس بجيّد، و أمّا إلزامهما بالمهر للثاني، فهو بناء على نقض الحكم، و ليس بمعتمد.

و قوّى في المبسوط(4) عدم التضمين مع الدخول، لأنّ الأصل براءة الذّمة و يضمن نصف المسمّى إن كان قبله، ثمّ قال: و منهم من قال: إن كان المهر مقبوضا، لزمهما كمال المهر، و إن لم يكن مقبوضا، لزمهما نصفه، لأنّه إذا كان مقبوضا لا يردّ منه شيئا، لاعترافه لها به لبقاء الزوجيّة بينهما، فلمّا حيل بينهما، رجع بالجميع عليهما، و ليس كذلك إذا كان قبل القبض، لأنّه لا يلزمه إلاّ إقباض نصفه، فلهذا رجع بالنصف عليهما، قال: و هذا قويّ (5).

و عندي في هذه المسألة إشكال، ينشأ من كون الرّجوع إنّما يثبت على

ص: 287


1- . كذا في المصدر و لكن في النسختين «لم يلزمها ضمان أمّا».
2- . السرائر: 145/2.
3- . النهاية: 336.
4- . المبسوط: 247/8.
5- . المبسوط: 247/8-248.

الشاهد فيما يتلفه بشهادته و وجوب نصف المهر قبل الدخول، أو المهر بعده لم يتلف من الزوج شيئا، لأنّه واجب عليه سواء طلّق أو لم يطلّق، و الحاصل أنّ بشهادتهما بالطّلاق قبل الدخول لم يتلفا نصف المهر، لأنّه واجب عليه بالعقد، و بعد الدّخول لم يتلفا المهر لاستقراره في ذمته بالدخول، و إنّما أتلفا بشهادتهما البضع عليه، فيجب عليهما ضمانه، و إنّما يضمن بمهر المثل، فيجب مهر المثل مع الدخول، لأنّهما أتلفا البضع عليه، و نصفه قبل الدّخول، لأنّه إنّما ملك نصف البضع، و لهذا إنّما يجب عليه نصف المهر.

و يحتمل ما ذكرناه أوّلا، من تضمين نصف المسمّى إن كان قبل الدخول، لأنّهما ألزماه للزوج بشهادتهما، و قرّراه عليه، و كان بمعرض(1) السقوط بالرّدة و الفسخ من قبلها، و عدم التّضمين(2) إن كان بعد الدخول، لأنّ المهر تقرّر عليه بالدّخول، فلم يقرّرا عليه شيئا، و البضع غير متقوم به، فانّها لو ارتدّت، أو أسلمت، أو قتلت نفسها، أو فسخت نكاحها قبل الدخول برضاع من ينفسخ به نكاحها، لم يغرم شيئا، و هذا هو الأقوى عندي.

6708. السّادس:

لو شهدا على امرأة بنكاح، فحكم به الحاكم، ثم رجعا، فإن طلّقها الزّوج قبل دخوله بها، لم يغرما شيئا، لأنّهما لم يفوّتا عليها شيئا، و إن دخل بها و كان [الصّداق] المسمّى بقدر مهر المثل أو أكثر منه، و وصل إليها، فلا شيء عليهما، لأنّها أخذت عوض ما فوّتاه عليها، و إن كان دونه، فعليهما ما بينهما، و إن لم يصل إليها فعليهما ضمان مهر مثلها، لأنّه عوض ما فوّتاه عليها.

ص: 288


1- . في «ب»: و كان بعرض.
2- . عطف على قوله «من تضمين» أي يحتمل عدم التضمين.

6709. السّابع:

لو شهدا بعتق عبد أو أمة فحكم به الحاكم، ثمّ رجعا، ضمنا القيمة، سواء تعمّدا أو أخطا، لأنّهما أتلفاه بشهادتهما.

و لو شهدا بكتابة عبده ثمّ رجعا، فإن عجز و ردّ في الرّقّ ، فلا شيء عليهما، و يحتمل أن يقال: عليهما ضمان أجرة مدّة الحيلولة إن ثبتت، و إن أدّى و عتق، فالوجه الرّجوع بجميع القيمة، لأنّ ما أدّاه كان من كسبه الّذي يملكه السيّد، و لو طلب تغريمهما قبل انكشاف الحال، فالوجه أنّه يغرمهما ما بين قيمته سليما و مكاتبا.

و لو شهدا باستيلاد أمته ثمّ رجعا، فالوجه أنّه يرجع عليهما بما نقصتها الشهادة من قيمتها.

و إن شهدا بطلاق رجعيّ ، فالوجه أنّه لا يرجع بشيء إن قلنا بالرجوع فيما إذا رجعا بعد الدخول، لأنّه قد كان متمكّنا من تلافي ما شهدا به بالرجعة، فالبينونة حصلت باختياره.

6710. الثّامن:

لو شهدا بمال ثمّ رجعا بعد الحكم، غرما ما شهدا به للمحكوم عليه، و لا يرجع به على المحكوم له، سواء كان المال قائما أو تالفا، لأنّهما حالا بينه و بين ملكه، فلزمهما الضمان و لأنّهما سببا الإتلاف(1) بشهادة الزور، فضمنا، و هو أحد قولي الشيخ رحمه اللّه(2) و له قول آخر انّهما يغرمان إن كان المال تالفا، و إن كان باقيا بعينه ردّ على صاحبه و لم يغرما شيئا(3) و ليس بجيّد.

و إن رجعا أو أحدهما قبل الحكم، بطلت الشهادة، و لم يغرما شيئا إجماعا.

ص: 289


1- . في «أ»: سبب الإتلاف.
2- . المبسوط: 248/8.
3- . ذهب إليه الشيخ في النهاية: 336.

و لو رجعا بعد الحكم قبل الاستيفاء، فالحكم فيه كالحكم فيما لو رجعا بعد الاستيفاء، لا ينقض الحكم، بل يستوفي المحكوم له المال من المحكوم عليه، و يرجع المحكوم عليه بما غرمه على الشاهدين.

و لو اصطلح المحكوم عليه و المحكوم له عن الحقّ الثابت بالشاهدين بشيء، رجع المحكوم عليه على الشاهدين بأقلّ الأمرين، و لو أبرأه المحكوم له، لم يرجع على الشاهدين بشيء.

6711. التاسع:

لو رجع أحد الشاهدين وحده، لم يحكم الحاكم إن كان رجوعه قبل الحكم، و إن رجع بعد الحكم قبل الاستيفاء في الحدود، لم يستوف الحاكم، و إن رجع بعد الاستيفاء، لزمه حكم إقراره وحده، فإن أقرّ بما يوجب القصاص وجب عليه، و إن أقرّ بالخطإ، وجب عليه نصيبه من الدّية، و إن كان مالا غرم نصفه.

و لم كان الشهود أكثر من اثنين في الحقوق الماليّة أو القصاص، أو أزيد من أربعة في الزنا، فرجع الزائد قبل الحكم و الاستيفاء، لم يمنع ذلك الحكم و لا الاستيفاء، و إن رجع بعد الاستيفاء أو بعد الحكم خاصّة، ضمن نصيبه، و يحتمل عدم الرجوع، فعلى الأوّل لو شهد أربعة بالقصاص، فرجع واحد منهم، فإن قال:

تعمّدت، اقتصّ منه، و ردّ عليه الوليّ ثلاثة أرباع الدية، و إن قال: أخطأت، أغرم ربع الدية، و إن رجع اثنان لزمهما النصف، و إن رجع ثلاثة لزمهم ثلاثة أرباع.

و إن شهد ستّة بالزنا، فرجع واحد، ضمن السّدس، و إن رجع اثنان، ضمنا الثلث، و على القول الثاني(1) لا ضمان عليهما، و لو رجع ثلاثة، فعليهم ربع الدية،

ص: 290


1- . في «ب»: و على الثاني.

و إن رجع أربعة، فعليهم النصف، و إن رجع خمسة، فعليهم ثلاثة أرباعها، و إن رجع السّتّة، فعلى كلّ واحد السدس.

و لو شهد ثلاثة بالمال، فرجع أحدهم، فعلى القول الأوّل(1) يضمن الثلث، و على الثاني لا شيء عليه، و لا خلاف أنّه لو رجع الثلاثة دفعة، فإنّ كلّ واحد يغرم الثلث.

6712. العاشر:

لو حكم بشهادة رجل و امرأتين، فرجع الرجل، ضمن النّصف، و لو رجعت امرأة ضمنت الرّبع، و لو رجعوا أجمع ضمن الرجل النصف و كلّ امرأة الرّبع.

و لو شهد رجل و عشر نسوة فرجعوا أجمع، ضمن الرجل السّدس و كلّ امرأة نصف السدس، و لو رجع الرّجل خاصّة، ضمن السدس على الأول و على الثاني النصف، و لو رجع ثمان من النسوة خاصّة، فعلى الأوّل عليهنّ بقدر نصيبهنّ من الشهادة لو رجعوا أجمع، و على الثاني لا شيء عليهنّ .

و لو شهد أربعة بأربعمائة، فحكم الحاكم، ثمّ رجع واحد عن مائة، و آخر عن مائتين، و الثالث عن ثلاثمائة، و الرابع عن أربعمائة، فعلى الأوّل على كلّ واحد ممّا رجع عنه بقسطه، فعلى الأوّل خمسة و عشرون، و على الثاني خمسون، و على الثالث خمسة و سبعون، و على الرابع مائة، لاعتراف كلّ منهم بتفويت ربع ما رجع عنه، و على الثاني يلزم الراجع عن ثلاثمائة و أربعمائة خمسون، لانّ المائتين الّتي رجعا عنهما، قد بقي بها شاهدان.(2)

6713. الحادي عشر:

لو شهد أربعة بالزنا و اثنان بالإحصان، فرجم، ثمّ رجعوا

ص: 291


1- . في «ب»: فعلى الأول.
2- . في «أ»: قد بقي بهما.

أجمع، ضمنوا له أجمع، لأن القتل حصل بمجموع الشهادتين، فيجب الغرم على الجميع، كما لو شهدوا أجمع بالزنا، و هل يوزّع على عدد الرّءوس، أو يكون على شهود الزنا النصف، و على شهود الإحصان النصف ؟ فيه احتمال، لأنّهما حزبان فلكلّ حزب نصف، و يحتمل سقوط الضّمان عن شهود الإحصان، لأنّهم شهدوا بالشّرط دون السّبب، و السّبب للقتل(1) إنّما هو الزّنا، فيضمن شهوده خاصّة.

و لو شهد أربعة بالزنا و اثنان منهم بالإحصان، ثمّ رجعوا بعد الرّجم عن الشهادتين، فإن قلنا بالتشريك بين شهود الزنا و الإحصان، يحتمل أن يكون على شاهدي الإحصان الثلثان، ثلث بشهادة الزنا، و ثلث بالإحصان و على الآخرين الثلث على التقدير الأوّل، و على الثاني يجب على شاهدي الإحصان نصف الدية بشهادة الإحصان لأنّهما حزب و ربع بشهادة الزنا، و على الآخرين ربع آخر، و يحتمل وجوب نصف الدّية على شاهدي الإحصان بالشهادتين معا، و النّصف على الآخرين بشهادة الزنا، لأنّ الدّية تقسّط على عدد الرّءوس لا على قدر الجناية، كما لو جرحه واحد جرحا و آخر جرحين و سرى الجميع.

6714. الثاني عشر:

لو شهدا بالسّرقة فقطع المشهود عليه، ثمّ رجعا، فإن قالا:

أوهمنا، غرما دية اليد، و إن قالا: تعمّدنا، فللوليّ قطعهما و ردّ دية يد عليهما، و قطع يد واحد و يردّ الاخر نصف دية اليد على المقطوع.

و لو قالا: أوهمنا و أتيا بآخر و قالا: إنّ السّارق هذا، غرما دية يد الأوّل، و لم يقبل قولهما على الثاني، لعدم ضبطهما.

ص: 292


1- . في «ب»: «لأنّهم شهدوا بالشرط دون السبب للقتل» و الصحيح ما في المتن.

6715. الثّالث عشر:

لو شهدا أنّه أعتق هذا العبد على ضمان مائة درهم، و قيمة البعد مائتان، فحكم الحاكم بشهادتهما، ثمّ رجعا، رجع المولى على الشاهدين بمائة، لأنّها تمام القيمة، و رجع الضامن بالمائة الّتي شهدا بضمانها، و كذا لو شهدا بطلاق امرأة على رجل قبل الدخول على مائة و نصف المسمّى مائتان، غير ما للزوج مائة، لأنهما فوّتاها بشهادتهما المرجوع عنها.

و لو شهدا على رجل بنكاح امرأة بصداق معيّن، و شهد آخران بدخوله بها، ثمّ رجعوا أجمع بعد الحكم بالصداق، احتمل وجوب الضّمان أجمع على شاهدي النكاح، لأنّهما ألزماه المسمّى، و وجوب نصفه عليهما و النصف الاخر على شاهدي الدخول، لأنّهما قرّراه و شاهدا النكاح أوجباه، فقسّم بينهم أرباعا، و لو شهد حينئذ بالطّلاق شاهدان ثمّ رجعا، لم يلزمهما شيء، لأنّهما لم يتلفا عليه شيئا يدّعيه، و لا أوجبا عليه ما ليس بواجب.

6716. الرابع عشر:

لو شهد شاهدا فرع على شاهدي أصل، فحكم الحاكم بشهادتهما، ثمّ رجع شاهدا الفرع، ضمنا، و يحتمل عدم الضّمان إن شهد بعد رجوعهما شاهدا الأصل.

و لو رجع شاهدا الأصل وحدهما، لزمهما الضمان، لثبوت الحقّ بشهادتهما، و لهذا اعتبرنا تعديلهما، و يحتمل عدم الضمان، لأنّ الحكم تعلّق بشهادة شاهدي الفرع، لأنّهما جعلا شهادة شاهدي الأصل شهادة، فلم يلزم شاهدي الأصل ضمان، لعدم تعلّق الحكم بشهادتهما، و الأوّل أقرب.

و لو حكم الحاكم بشهادة شاهدي الفرع عليهما، و لم يرجع شاهد الأصل، لكن كذّبا شاهدي الفرع في الشهادة عليهما، أو قالا: نحن لا نشهد بذلك، لم

ص: 293

ينقض الحكم، و لم يتعلّق الضمان بأحد، بخلاف ما لو رجع شاهدا الأصل، بأن قالا: شهدنا غلطا، أو تعمّدنا التزوير.

6717. الخامس عشر:

لو حكم الحاكم بشهادة رجل و يمين، فرجع الشّاهد، احتمل إيجاب النّصف عليه، لأنّه إحدى حجّتي المدّعي، و إيجاب الجميع، لأنّ اليمين قول الخصم، و [قول الخصم] ليس حجّة على خصمه، و إنّما هي شرط الحكم، فجرت مجرى مطالبته الحاكم بالحكم، و لأنّ كونها حجّة إنّما تحصل بشهادة الشاهد، و لهذا لم يجز تقديمها على الشهادة.

6718. السّادس عشر:

لو شهدا بتعريف اثنين، فحكم الحاكم، ثمّ رجع المعرّفان، غرما ما شهدا به الشاهدان، لأنّ الحكم ثبت بهما، و هل يجريان مجرى شاهدي الأصل لو رجعا في تضمين الجميع، أو مجرى الشاهد الواحد فيضمنان النصف ؟ فيه نظر، أمّا لو أنكر المعرّفان التعريف عند الشاهدين، فلا ضمان.

6719. السّابع عشر:

لو شهد اثنان و زكّاهما اثنان، فحكم الحاكم، ثمّ رجع المزكّيان، ضمنا ما حكم به الحاكم، و هل يجب الجميع أو النصف ؟ احتمال سبق في المعرّفين.

و لو رجع أحدهما ضمن بقدر نصيبه، و يحتمل عدم الرجوع إذا أمكن التعديل بعد الرجوع بغيرهما(1) و كذا في التعريف.

6720. الثّامن عشر:

إذا رجعوا عن الشهادة بعد الحكم، و قالوا: تعمّدنا، وجب عليهم القصاص في القتل و الجرح، و لا تعزير، و لو كانت الشهادة بمال

ص: 294


1- . في «ب»: و يحتمل عدم الرجوع بغيرهما.

عزّروا و غرموا، و يحتمل عدم التعزير، لأنّ رجوعهم توبة، و لو قالوا: أخطأنا، لم يعزّروا و يغرموا.

6721. التاسع عشر:

لو أنكر الشاهدان الشهادة عند الحاكم المعزول، لم يغرما شيئا، و لو أنكرا الشهادة عند المنصوب غرما، لأنّه كالرجوع، و لو رجعوا ضمنوا في الحالين، و لا يغرم الحاكم المعزول، لأنّ الأصل صحّة حكمه.

و لو رجع الحاكم عن حكمه بعد الاستيفاء، لزمه الضّمان، سواء اعترف بالعمد في الحكم بالباطل أو بالخطإ، و سواء كان معزولا أو لم يكن، أمّا لو ثبت خطاؤه في الحكم بالقصاص أو القتل، فإنّ الضمان على بيت المال.

6722. العشرون:

حكم الحاكم يتبع للشهادة، فإن كانت محقّة نفذ الحكم باطنا و ظاهرا، و إلاّ نفذ ظاهرا، و لا يستبيح(1) المشهود له ما يحكم به الحاكم مع علمه بالغلط، و يباح له مع العلم بصحّة الشهادة أو الجهل بحالها.

6723. الواحد و العشرون:

إذا حكم بشهادة اثنين في قطع أو قتل، و أنفذ ذلك، ثمّ ظهر كفرهما أو فسقهما، لم يجب على الشاهدين ضمان، بخلاف الرجوع عن الشهادة، فإنّ الراجع معترف بكذبه، و يضمن الحاكم لحكمه بشهادة من لا تجوز شهادته، و لا قصاص لأنّه مخطئ.

و تجب الدّية، و محلّها بيت المال، لأنّه نائب عن المسلمين و وكيلهم، و خطأ الوكيل في حقّ موكّله عليه، و لا يجب على عاقلة الإمام، و سواء تولّى الحاكم ذلك بنفسه أو أمر من تولاّه و إن كان الوليّ ، لأنّه سلّطه، و الوليّ يدّعي أنّه حقّه.

ص: 295


1- . في «ب»: و لا تبيح.

6724. الثّاني و العشرون:

لو شهد أربعة بالزنا فزكّاهم اثنان، فرجم المشهود عليه، ثمّ بان أنّ الشّهود فسقة و كفرة، فلا ضمان على الشهود، لعدم اليقين بكذبهم، و هل يضمن المزكّيان أو الحاكم ؟ فيه تردّد، ينشأ من كون شهادة المزكّي شرطا لا سببا، و من كونهما شهدا بالزور شهادة أفضت إلى قتله.

و لو تبيّن فسق المزكّيين، فالضمان على بيت المال، لأنّ التفريط من الحاكم.

أمّا لو فرّط الحاكم في البحث عن عدالة الشاهدين، أو عن عدالة المزكّيين، فالضمان عليه في ماله.

و لو جلد الحاكم إنسانا بشهادة شهود، ثمّ بان فسقهم أو كذبهم، فعلى الإمام الضمان من بيت المال، لما حصل من أثر الضرب.

و لو ظهر فسق الشاهدين سابقا على الشهادة بالمال بعد الحكم، نقض الحكم، و لم يغرم الشاهدان.

6725. الثالث و العشرون:

لو ادّعى المشهود عليه فسق الشاهدين، سمعت دعواه قبل الحكم عليه و بعده، و لو أقام بيّنة بالفسق سمعت بيّنته، سواء كان الحاكم عليه، هو المدّعى عنده بالفسق أو غيره(1)، فانّ الحاكم إذا شهد عنده اثنان بفسق شاهدي الحقّ عند غيره، نقض حكم ذلك الغير.

و لو قامت البيّنة أنّ الحاكم الاخر حكم بشهادة عبدين، فإن كان الّذي حكم بشهادتهما يعتقد الحكم بشهادة العبيد، لم ينقض حكمه لأنّه حكم

ص: 296


1- . أي سواء كان الحاكم - عند قيام البيّنة بالفسق - نفس الحاكم السابق أو غيره، و يوضح ذلك تعليله في قوله «فإنّ الحاكم...».

باجتهاده في مسألة اجتهاديّة، و إن كان ممّن لا يعتقد ذلك، نقضه، لأنّ الحاكم به يعتقد بطلانه.

6726. الرابع و العشرون:

شهادة الزور من الكبائر العظام، روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه قال:

«عدّلت شهادة الزور الشرك باللّه، ثلاث مرّات ثم قرأ: (فَاجْتَنِبُوا اَلرِّجْسَ مِنَ اَلْأَوْثٰانِ وَ اِجْتَنِبُوا قَوْلَ اَلزُّورِ) (1).(2)

و عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه قال:

«ألا أنبّئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول اللّه، قال: الإشراك باللّه، و عقوق الوالدين، و كان متّكئا فجلس فقال: «ألا و قول الزّور، و شهادة الزّور».

فما زال يكرّرها حتّى قلنا: ليته سكت.(3)

و قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

«لا ينقضي كلام شاهد الزور بين يدي الحاكم حتّى يتبوّأ مقعده من النار و كذلك من كتم الشهادة»(4).

و عن الباقر عليه السّلام:

ص: 297


1- . الحج: 30.
2- . سنن أبي داود: 305/3-306 برقم 3599، مستدرك الوسائل: 416/17، الباب 6 من أبواب كتاب الشهادات، الحديث 10.
3- . مستدرك الوسائل: 416/17، الباب 6 من أبواب كتاب الشهادات، الحديث 11، مسند أحمد: 178/4.
4- . الفقيه: 36/3، برقم 122، و لاحظ الوسائل: 237/18، الباب 9 من أبواب الشهادات، الحديث 4.

«ما من رجل يشهد شهادة زور على مسلم ليقطع ماله إلاّ كتب اللّه له مكانه صكّا(1) إلى النار»(2).

و يجب تعزير شاهد الزور بما يراه الامام رادعا له و لغيره في مستقبل الوقت، و إشهاره(3) بين قبيلته ليعرف حاله، و كان عليّ عليه السّلام إذا أخذ شاهد زور، فإن كان غريبا بعث به إلى حيّه، و إن كان سوقيّا، بعث به إلى سوقهم، ثمّ يطيف به، ثمّ يحبسه أيّاما، ثمّ يخلّي سبيله.

و عن الصادق عليه السّلام قال:

«شهود الزور يجلدون حدّا، (و)(4) ليس له وقت، ذلك إلى الإمام، و يطاف بهم حتّى يعرفوا و لا يعودوا قال: قلت: فإن تابوا و أصلحوا تقبل شهادتهم بعد؟

فقال(5):

«إذا تابوا تاب اللّه عليهم، و قبلت شهادتهم بعد»(6).

أمّا ما لو تعارضت البيّنتان، أو ظهر فسق الشاهد أو غلطه في شهادته، فلا يؤدّب به، لأنّ الفاسق قد يصدق، و التعارض لا يعلم به كذب إحدى البيّنتين بعينها، و الغلط قد يعرض للصادق العدل.

ص: 298


1- . في مجمع البحرين بعد نقل الحديث: الصّكّ بتشديد الكاف: كتاب كالسجل يكتب في المعاملات.
2- . الفقيه: 36/3، برقم 123. و الوسائل: 236/18، الباب 9 من أبواب الشهادات، الحديث 2.
3- . في «أ»: و اشتهاره.
4- . ما بين القوسين يوجد في المصدر.
5- . في المصدر: قال.
6- . الوسائل: 243/18-244، الباب 15 من أبواب الشهادات، الحديث 1.

6727. الخامس و العشرون:

إذا علم أنّ الشاهدين شهدا بالزور، ظهر بطلان الحكم، و وجب نقضه، فإن كان مالا ردّ إلى صاحبه، و إن كان إتلافا فعلى الشاهدين ضمانه، و لو ثبت ذلك بإقرارهما على أنفسهما من غير موافقة الحاكم(1)، كان ذلك رجوعا منهما عن الشهادة، و قد تقدّم حكمه.

6728. السادس و العشرون:

إذا تاب شاهد الزور، و مضت مدّة تظهر فيها التوبة و النّدم، و ظهر صدقه فيها و عدالته، قبلت شهادته بعد ذلك.

6729. السّابع و العشرون:

إذا غير العدل شهادته بحضرة الحاكم، فزاد فيها أو نقص قبل الحكم بشهادة الأولى، احتمل القبول، لأنّها شهادة من عدل غير متّهم لم يرجع عنها، فيجب الحكم بها، و العدم لأنّ كلّ واحدة منهما تردّ الأخرى و تضادّها، و الأوّل مرجوع عنها و الثانية غير موثوق بها، لأنّها من شاهد أقرّ بغلطه، و لا يؤخذ بأوّل قوليه، و ذلك مثل أن يشهد بمائة، ثمّ يقول: بل هي مائة و خمسون، أو يقول: بل هي سبعون.

و لو شهد بمائة، ثمّ قال قبل الحكم: قضاه منها خمسين، احتمل الوجهين أيضا.

أمّا لو شهد أنّه أقرضه مائة، ثمّ قال: قضاه منه خمسين، فإنّ شهادته تقبل في باقي مائة، وجها واحدا.

ص: 299


1- . و الظاهر «المحكوم له» بدل «الحاكم».

ص: 300

كتاب الحدود و فيه مقاصد

اشارة

ص: 301

ص: 302

المقصد الأوّل: في حدّ الزنا و فيه فصول:

الفصل الأوّل: في موجبه و فيه ثلاثة عشر بحثا:

6730. الأوّل:

الزّنا موجب للحدّ، و نعني به إيلاج ذكر الإنسان في فرج امرأة قبل أو دبر محرّمة عليه من غير عقد و لا شبهة عقد و لا ملك، و يكفي في تحقّقه غيبوبة الحشفة في القبل أو الدّبر.

و يشترط في إيجاب الحدّ العلم بالتحريم، و الاختيار، و البلوغ، فلو انتفى العلم بالتحريم، أو أكره على الزّنا، أو كان صبيّا، لم يجب الحدّ.

و يشترط في الرجم زيادة على ما تقدّم الإحصان.

6731. الثاني:

لو تزوّج من يحرم عليه نكاحها، كالأمّ ، و البنت، و الأخت، و المرضعة، و ذات البعل، و المعتدّة، و زوجة الأب أو الابن، كان العقد باطلا بالإجماع، فإن وطئها مع علمه بالتحريم، وجب عليه الحدّ و لا يكون العقد

ص: 303

وحده شبهة في سقوط الحدّ،(1) و لو وطئ جاهلا بالتحريم سقط الحدّ، و هكذا كلّ نكاح أجمع على بطلانه، كالخامسة، و المطلّقة ثلاثا.

أمّا النكاح المختلف فيه، كالمجوسيّة، فإنّه لا حدّ فيه، و كذا كلّ نكاح توهّم الواطئ الحلّ فيه.

و لو استأجرها للوطي، وجب الحدّ، و لم يسقط به، إلاّ أن يتوهّم الحلّ به.

و لو وجد على فراشه امرأة، فظنّها(2) زوجته، فوطئها، أو زفّت إليه غير زوجته، فوطئها ظنّا أنّها زوجته، أو تشبّهت عليه غير زوجته بها، أو دعا زوجته أو جاريته فجاءته غيرها، فظنّها المدعوّة، فوطئها، أو اشتبه عليه لعماه، سقط الحدّ.

6732. الثالث:

إذا تشبّهت الأجنبية بزوجته، فوطئها مع الاشتباه، حدّت هي خاصة، و في رواية: يقام عليها الحدّ جهرا، و عليه سرّا(3) و هي متروكة.

6733. الرابع:

لو أباحته الوطء، فتوهّم الحلّ ، سقط الحدّ، و لو لم يشتبه لم يسقط، و لو أكره على الزنا سقط الحدّ.

و الإكراه يتحقّق في طرف الزّوجة، و في تحقّقه في طرف الرّجل إشكال، أقربه الثبوت، لأنّ التخويف بترك الفعل، و الفعل لا يخاف منه، فلا يمنع الانتشار، و يثبت للمكرهة على الواطئ مهر مثل نسائها.

ص: 304


1- . ردّ على أبي حنيفة حيث قال: اسم العقد يمنع من وجوب الحدّ، و إذا وطئ أمّه، أو أخته، أو معتدّة، بعقد نكاح لم يجب الحدّ على واحد منهما. لاحظ الحاوي الكبير: 217/13.
2- . في «أ»: و ظنّها.
3- . الوسائل: 409/18، الباب 38 من أبواب حدّ الزنا، الحديث 1.
6734. الخامس:

لو وطئ جارية مشتركة بينه و بين غيره، فإن توهّم الحلّ فلا حدّ، و إن كان عالما بالتحريم، سقط عنه بقدر نصيبه، و حدّ بنسبة نصيب الشريك.

و لو اشترى أمّه أو أخته من الرضاع، ففي العتق قولان، فإن قلنا بالعدم، لم يبح له وطؤها، فإن وطئ مع الشبهة فلا حدّ، و إن وطئ مع علمه بالتحريم وجب الحدّ، و كذا لو اشترى من ينعتق عليه.

و لو وطئ جارية غيره بغير إذنه، حدّ مع العلم بالتحريم لا مع الشبهة.

6735. السّادس:

الإحصان الّذي يجب به الرجم إنّما يتحقّق للبالغ العاقل الحرّ الواطئ لفرج مملوك بالعقد الدائم الصحيح، أو الملك المتمكّن منه، بحيث يغدو عليه و يروح.

فالبلوغ شرط إجماعا، فلو وطئ الصبيّ زوجته ثمّ بلغ، لم يكن محصنا.

و أمّا العقل، فالّذي اختاره الشيخان رحمهما اللّه عدم اشتراطه، فلو وطئ المجنون زوجته ثمّ عقل كان محصنا، و لو وطئ المجنون عاقلة وجب عليه الحدّ رجما كان أو غيره عندهما.(1) و الحقّ خلافه.

و الحريّة شرط إجماعا، فلو وطئ العبد ثمّ عتق، لم يكن محصنا حتّى يطأ في حال حريّته، سواء كانت تحته حرّة أو أمة.

و الوطء لا بدّ منه، فلو عقد البالغ الحرّ على امرأة و لم يدخل بها، ثم زنى لم يكن محصنا، و لا رجم عليه.

ص: 305


1- . المقنعة: 779، النهاية: 696.

و دوام العقد شرط، فلو وطئ متمتّعا بها، لم يكن محصنا، و ملك اليمين يحصن كالزّوجة و لو وطئ زوجته أو مملوكته، ثمّ غاب بحيث لا يتمكّن من الغدوّ عليه و الرّواح، خرج عن الإحصان، أمّا لو غاب دون ذلك بحيث يتمكّن من الغدوّ عليه و الرّواح، فإنّه محصن.

و لو كان حاضرا في بلدها إلاّ أنّه ممنوع منها بحبس و شبهه، لم يكن محصنا.

و لا بدّ من كون العقد صحيحا، فلو وطئ في نكاح فاسد لم يكن محصنا.

6736. السّابع:

إحصان المرأة كإحصان الرّجل سواء، لكن يعتبر في طرفها كمال العقل إجماعا، فلا رجم و لا حدّ على مجنونة زنى بها عاقل حال جنونها و إن كانت محصنة.

6737. الثّامن:

لا يشترط الإسلام في الإحصان، فالذّميّان محصنان، و لو كانت زوجة المسلم ذميّة تحصّنا معا.

6738. التاسع:

لو طلّق زوجته بائنا، خرجت عن الإحصان، و كذا الزوج، و لو راجع المخالع لم يجب عليه الرجم إلاّ بعد الوطء في الرّجعة.

و لو أعتق المملوك(1) أو المكاتب لم يجب الرّجم إلاّ أن يجامعا بعد العتق.

و لو طلّق الرّجل زوجته رجعيّا لم يخرجا عن الإحصان، فإن تزوّجت بغيره عالمة بالتحريم، كان عليها الحدّ تاما، و كذا الزوج إن علم التحريم و العدّة،

ص: 306


1- . في «أ»: المملوكة.

و لو جهل أحدهما فلا حدّ، و لو علم أحدهما خاصّة اختصّ بالحدّ التام دون الجاهل، و تقبل دعوى الجهالة من أيّهما كان مع الإمكان.

6739. العاشر:

المرتدّ إن كان عن فطرة خرج عن الإحصان، لتحريم الزوجة عليه مؤبّدا، و إن كان عن غير فطرة، لم يخرج عن الإحصان، لإمكان رجعته إلى الزوجة بالعود إلى الإسلام في العدّة، فلو أسلم بعد ذلك كان محصنا، و لو نقض الذّمي العهد و لحق بدار الحرب بعد إحصانه فسبي و استرقّ ، ثمّ أعتق، خرج عن الإحصان.

6740. الحادي عشر:

لو زنى و له زوجة، له منها ولد، فقال: ما وطئتها، لم يرجم، و لو كان لامرأة ولد من زوج، فأنكرت وطأه لها، لم يثبت إحصانها، لأن الولد يلحق بإمكان الوطء، و الإحصان يعتبر فيه تحقّقه قطعا و إذا شهدت بيّنة الإحصان بالدخول كفى، فلا يفتقر إلى لفظ المجامعة و المباضعة، إلاّ أن يشتبه عليهما الدخول بالخلوة(1) و لو قالا: جامعها، أو وطئها أو ما أشبهه، ثبت الإحصان، دون «باشرها» و «مسّها» و «أتاها» و «أصابها» لاحتماله غير الوطء.

6741. الثاني عشر:

لو جلد الزاني على أنّه بكر فبان محصنا، رجم إلاّ أن يتوب.

6742. الثّالث عشر:

إذا ادّعى الواطئ و الموطوءة الزوجيّة، سقط الحدّ، و لا يكلّف المدّعي بيّنة و لا يمينا، و كذا لو ادّعى ما يصلح شبهة بالنسبة إليه.

و الأعمى يحدّ حدّا كاملا، فإن ادّعى الشبهة، قبل مع الاحتمال.

ص: 307


1- . في «ب»: بالدخول الخلوة.

الفصل الثاني: فيما يثبت به الزنا

اشارة

و هو قسمان:

القسم الأوّل: البيّنة و فيه اثنا عشر بحثا:
6743. الأوّل:

إنّما يثبت الزنا بأمرين: البيّنة و الإقرار، و يشترط في البيّنة شهادة أربعة رجال، فيجب معه الرّجم بشرط الإحصان، و الجلد مع عدمه، و كذا لو شهد به ثلاثة رجال و امرأتان.

و لو شهد به رجلان و أربع نسوة، ثبت الزنا، و لم يجب الرّجم، بل الجلد و إن كان الزاني محصنا، و لو شهد رجل و ستّ نساء فما زاد، لم يثبت، و وجب عليهم حدّ الفرية.

و لا يثبت بشهادة النّساء منفردات و بما دون الأربع من الرجال، و الخناثى حكمهم حكم النساء في الشهادة.

6744. الثاني:

يشترط في الشهود اتّفاقهم في الشهادة بالمعاينة لإيلاج في الفرج كالميل في المكحلة،(1) فلو شهد بعض بالمعاينة و بعض لا بها، حدّوا أجمع للفرية، و كذا لو شهدوا بالزّنا و لم يعاينوا الإيلاج، حدّوا للفرية، و لا حدّ

ص: 308


1- . في مجمع البحرين: المكحلة بضمّتين: وعاء الكحل.

على المشهود عليه، نعم لو لم يشهدوا بالزنا بل شهدوا بالمضاجعة، أو المعانقة، أو الإصابة فيما دون الفرج، سمعت شهادتهم و وجب على المشهود عليه التعزير.

6745. الثّالث:

يشترط في شهادتهم بالزنا أن يقولوا: وطئها من غير عقد و لا شبهة عقد و لا ملك، و يكفي أن يقولوا: لا نعلم بينهما سبب التحليل، و لا يشترط في شهادتهم العلم بالنفي.

6746. الرابع:

يشترط اتّفاق الشهود في القول الواحد، و الزمان الواحد، و المكان الواحد، فلو شهد بعض بالوطء قبلا، أو في ضحوة النهار، أو في زاوية معيّنة، و شهد الباقون بخلاف ذلك، لم يثبت و حدّوا أجمع للفرية.

و لو شهد اثنان بأنّه أكرهها، و آخران بالمطاوعة، سقط الحدّ عنها، و هل يثبت على الزاني ؟ وجهان: أحدهما السقوط، لعدم كمال البيّنة على فعل واحد، فإنّ فعل المطاوعة غير فعل المكرهة، فهما فعلان، و لم يكمل على كلّ واحد أربعة، و الثاني وجوب الحدّ لاتّفاق الأربعة على زناه، و الاختلاف إنّما هو في فعلها لا فعله.

و لو شهد اثنان بالزنا في زاوية بيت، و شهد اثنان بالزنا في زاوية أخرى، لم يثبت الزنا على ما قلناه، سواء تباعدت الزاويتان أو تقاربتا، و كذا لو اختلفا في الزمان المتقارب و المتباعد.

و لو شهد اثنان أنّه زنى بها في قميص أبيض، و آخران في أحمر، أو اثنان أنّه زنى في ثوب كتّان، و آخران في ثوب خزّ، ففي كمال الشهادة إشكال.

6747 الخامس:

يشترط في إقامتهم للشهادة دفعة أو اجتماعهم لأدائها، فلو

ص: 309

شهد بعض قبل مجيء الباقين حدّوا للقذف، و لم ينتظر إتمام الشهادة، لأنّه لا تأخير في حدّ، نعم يستحبّ للحاكم تفريق الشّهود في الإقامة بعد الاجتماع، و ليس واجبا.

و لا يشترط اجتماعهم حال مجيئهم، فلو جاءوا متفرّقين واحدا بعد واحد، و اجتمعوا في مجلس واحد، ثمّ أقاموا الشهادة، ثبت الزّنا.

6748. السّادس:

لا يقدح تقادم الزّنا في الشهادة، فلو شهدوا بزنا قديم وجب الحدّ، و كذا الإقرار بالقديم يوجب الحدّ، و لا يسقط الحدّ إذا شهدوا بالزنا فصدّقهم المشهود عليه.

و لو أقرّ مرّة أو دون الأربع، لم يمنع ذلك سماع البيّنة و العمل بها، و لو تمّت البيّنة عليه و أقرّ على نفسه إقرارا تامّا، ثم رجع عن إقراره، لم يسقط عنه الحدّ برجوعه، و كذا لا تسقط الشهادة بتكذيبه.

و لو شهد شاهدان و اعترف هو مرتين لم تكمل البيّنة، و لم يجب الحدّ.

6749. السّابع:

لو تاب قبل قيام البيّنة، سقط عنه الحدّ و لو تاب بعد قيامها لم يسقط، جلدا كان أو رجما، و لو تاب بعد الإقرار تخيّر الإمام بين إقامته الحدّ عليه و عدمها، رجما كان أو جلدا.

و لو أقرّ بما يوجب الرّجم ثمّ أنكر، سقط الرّجم، و لو أنكر حدّا اعترف به غير الرجم، لم يسقط بالإنكار.

6750. الثّامن:

لو شهد الأربعة ثمّ غابوا أو ماتوا، حكم الحاكم، و أقام الحدّ، و تجوز الشهادة بالحدّ من غير مدّع، و يستحبّ لمن شهد بالزنا عدم الإقامة، و إذا

ص: 310

لم تكمل شهود الزنا، وجب عليهم الحدّ، و كذا لو كملوا أربعة غير مرضيّين كالعميان و الفسّاق.

و لو رجع واحد منهم عن الشهادة حدّ خاصّة، و لا يجب على الثلاثة، و لو رجعوا أجمع حدّوا.

6751. التّاسع:

لو شهد أربعة بالزنا قبلا، فادّعت البكارة، و شهد لها أربع نسوة بها، سقط عنها الحدّ، و في حدّ الشهود قولان: الأقرب السقوط، لكمال النصاب مع احتمال صدقهم، لإمكان عود البكارة بعد الوطء، و كان ذلك شبهة، و لو شهدن بأنّها رتقاء، أو ثبت أنّ الرّجل مجبوب، فالأقرب ثبوت الحدّ عليهم للعلم بكذبهم(1).

6752. العاشر:

لو شهد أربعة على رجل بالزنا بامرأة، و شهد أربعة أخرى على الشهود أنّهم الّذين زنوا بها، فالأقرب ثبوت الحدّ على الأوّلين، للزّنا و القذف.

لو شهدوا بالزّنا دبرا لم يقبل أقلّ من أربعة، و لا يكفي فيه اثنان، أمّا ما ليس بوطء في الفرجين - كما لو شهدوا بالتّفخيذ و شبهه ممّا يوجب التعزير - فإنّه يكفي فيه شاهدان.

6753. الحادي عشر:

يجب على الحاكم إقامة حدود اللّه تعالى بعلمه، أمّا حقوق النّاس فتقف إقامتها على المطالبة، حدّا كان أو تعزيرا، و يحكم بعلمه فيها أيضا.

ص: 311


1- . كذا في «أ» و لكن في «ب»: «فالأقرب ثبوت الحدّ على الأولين للزنا و القذف عليهم للعلم بكذبهم» و الصحيح ما في المتن.

و للسيّد إقامة الحدّ على عبده و جاريته، و للأب إقامة الحدّ على ولده، و للزّوج إقامة الحدّ على زوجته بعلمهم.

6754. الثّاني عشر:

لو حبلت امرأة لا زوج لها و لا مولى، لم يقم عليها الحدّ، و لا تسأل عن ذلك، فإن سئلت و ادّعت الإكراه، أو الوطء بالشبهة، أو لم تعترف بالزنا، فلا حدّ.

و لو استأجر امرأة لعمل شيء فزنا بها، أو استأجرها ليزني بها و فعل [ذلك]، أو زنى بامرأة ثمّ تزوّجها، وجب عليهما الحدّ(1).

و لو وطئ امرأة له عليها القصاص وجب عليه الحدّ.

القسم الثّاني: الإقرار و فيه اثنا عشر بحثا:
6755. الأوّل:

إنّما يثبت الزنا بالإقرار أربع مرّات، فلو أقرّ أقلّ منها لم يجب الحدّ، و وجب التعزير.

و يشترط في الإقرار بلوغ المقرّ و رشده و اختياره و حرّيته، و لو كان يعتوره الجنون فأقرّ حال إفاقته أنّه زنى و هو مفيق، أو قامت عليه بيّنة بذلك، حدّ و ان أقرّ حال إفاقته و لم يضفه إلى حال إفاقته، أو قامت عليه البيّنة بالزنا، و لم تضفه إلى حال إفاقته، فلا حدّ، لاحتمال وجوده حال جنونه.

ص: 312


1- . ردّ على أبي حنيفة حيث قال: لا حدّ عليهما في هذه المواضع، لأنّ ملكه لمنفعتها شبهة دارئة للحد، و لا يحدّ بوطء امرأة هو مالك لها. لاحظ المغني لابن قدامة: 194/10، و الحاوي الكبير: 218/13-219.
6756. الثاني:

النائم كالمجنون، فلو زنى بنائمة، أو استدخلت امرأة ذكر نائم، فلا حدّ عليه، و لو أقرّ حال نومه لم يلتفت إليه و لو أقرّ حال يقظته بزنا أضافه إلى نومه، سقط عنه الحدّ.

أمّا السكران فإن أقرّ حال سكره لم يلتفت، و لو زنى و هو سكران لم يجب الحدّ.

6757. الثّالث:

يشترط في المقرّ إمكان صدور الفعل عنه، فلو أقرّ المجبوب بالزنا، فلا حدّ، و كذا لو قامت به البيّنة، للعلم بكذبها، أمّا الخصيّ أو العنّين لو أقرّا فإنّهما يحدّان، و كذا الشيخ الكبير، لإمكانه في طرفه و إن بعد.

6758. الرابع:

لو أكره على الإقرار بالزنا لم يثبت، و لا يحدّ إجماعا و الحرّيّة شرط، فلو أقرّ العبد بالزنا، لم يقبل منه، نعم لو صدّقه مولاه، وجب الحدّ، و حكم المدبّر و أمّ الولد و من عتق أكثره، حكم الرّق، و لا يثبت الزنا بإقرارهم، و يثبت عليهم أجمع بالبيّنة.

6759. الخامس:

قال الشيخ رحمه اللّه في الخلاف(1) و المبسوط(2): يشترط تعدّد المجالس، فلو أقرّ أربعا في مجلس واحد لم يقبل، و عندي فيه نظر، و الأقرب القبول.

و يستوي الرجل و المرأة في كلّ ما تقدّم من الإقرار و عدده، و كذا الخنثى و البكر و الثيّب.

6760. السّادس:

يعتبر في صحّة الإقرار ذكر حقيقة الفعل لتزول الشبهات،

ص: 313


1- . الخلاف: 377/5، المسألة 16 من كتاب الحدود.
2- . المبسوط: 4/8.

فإن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال لماعز: لعلّك قبّلت أو غمزت أو نظرت، قال: لا، قال:

أ فنكتها؟ - لا يكنّي - قال: نعم، قال: حتّى غاب ذلك منك في ذلك منها؟ قال:

نعم، قال: كما يغيب المرود في المكحلة، و الرّشا في البئر؟ قال: نعم، قال: هل تدري ما الزنا؟ قال: نعم أتيت منها حراما ما يأتي الرّجل من امرأته حلالا(1)، فعند ذلك أمر برجمه.

و الأخرس إن فهمت إشارته، قامت مقام النطق، و إن لم تفهم إشارته، لم يتصوّر منه إقرار، و لو قامت عليه البيّنة بالزنا حدّ.

6761. السّابع:

لو أقرّ أنّه زنى بامرأة أربع مرّات فكذّبته، فعليه الحدّ دونها.

و لو أقرّ أنّه وطئ امرأة، و ادّعى أنّها امرأته، فأنكرت المرأة الزوجيّة، فان لم تقرّ المرأة بالوطء، فلا حدّ عليه، لعدم إقراره بالزنا، و لا مهر لها، لأنّها لا تدّعيه، و إن اعترفت بوطئه لها، و أقرّت بأنّه زنى بها مطاوعة، فلا مهر عليه أيضا، و لا حدّ على أحدهما إلاّ أن يقرّ أربع مرّات، و إن ادّعت الإكراه أو اشتبه عليها، فعليه المهر، لاعترافه بسببه، و لا حدّ على أحدهما.

و لو قال: زنيت بفلانة لم يثبت الزنا في طرفه حتّى يقرّ أربعا، و هل يثبت القذف للمرأة ؟ فيه إشكال.

6762. الثّامن:

لو أقرّ بحد و لم يبيّنه لم يطالب بالبيان، و ضرب حتّى ينهي عن نفسه، قيل: و لا يتجاوز المائة و لا ينقص عن ثمانين(2) و هو جيّد في طرف الكثرة لا القلّة.

ص: 314


1- . سنن أبي داود: 145/4-148؛ سنن البيهقي: 227/8.
2- . القائل هو الحلّي في السرائر: 455/3-456.

و في التقبيل، و المضاجعة في إزار واحد، و المعانقة، التعزير.

6763. التّاسع:

يستحبّ للحاكم التعريض بالرّجوع للمقرّ بالزنا إذا تمّ و الوقوف عن إتمامه [إذا لم يتمّ ]، فإن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أعرض عن ماعز حين أقرّ عنده، ثمّ جاءه من الناحية الأخرى فأعرض عنه، حتّى تمّم إقراره أربعا، ثمّ قال: «لعلّك قبّلت، لعلّك لمست»(1) و قال للّذي أقرّ بالسرقة عنده: «ما إخالك فعلت»(2).

و يكره لمن علم حاله أن يحثّه على الإقرار فقد روي أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال لهزال و قد كان قال لماعز: بادر إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قبل أن ينزل فيك قرآن: «ألا سترته بثوبك كان خيرا لك».(3)

6764. العاشر:

تقبل شهادة الأربعة على الزّاني و الزانية، و لا يفتقر في ذلك إلى زيادة، و كذا تقبل شهادة الأربعة على أكثر من اثنين.

و لا يشترط حضور الشهود عند إقامة الحدّ، فإن ماتوا أو غابوا لا فرارا أقيم الحدّ.

و يجب على الشهود الحضور موضع الرّجم، لوجوب بدأتهم به، خلافا للشيخ رحمه اللّه.(4)

6765. الحادي عشر:

لو شهد أربعة و الزوج أحدهم، فيه روايتان: إحداهما

ص: 315


1- . العزيز شرح الوجيز للرافعي: 151/11.
2- . سنن ابن ماجة: 866/2 برقم 2597.
3- . سنن أبي داود: 134/4 - باب في الستر على أهل الحدود - برقم 4377؛ الحاوي الكبير: 211/13.
4- . الخلاف: 376/5، المسألة 14 من كتاب الحدود.

ثبوت الحدّ على الزوجة(1) و الثانية سقوطه عنها و ثبوت حدّ القذف في طرف الشهود و للزوج خاصّة إسقاط حدّه باللعان(2) و جمع الشيخ رحمه اللّه بينهما بحمل الأولى على ما إذا لم يسبق من الزوج قذف مع حصول باقي الشرائط، و الثانية على ما إذا سبق قذف الزوج أو اختلّ بعض شرائط الشهادة(3) و هو حسن.

6766. الثّاني عشر:

إذا شهد أربعة فردّت شهادة بعضهم، فإن ردّت بأمر ظاهر، من تظاهر فسق أو كفر لا يخفى عن أحد، حدّ الأربعة للفرية، و إن ردّت بأمر خفيّ ، كفسق خفيّ لا يطّلع عليه أكثر النّاس، حدّ المردود شهادته خاصة.

الفصل الثالث: في الحد و فيه اثنان و عشرون بحثا:

6767. الأوّل:

كان الحدّ في ابتداء الإسلام للثيّب الحبس حتّى يموت، و للبكر أن يوبّخ عليه و يؤذى بالكلام حتّى يتوب، ثم نسخ برجم الثيّب و جلد البكر.

و أقسام الحدّ خمسة: قتل، و رجم، و جلد، و [جلد و] رجم معا، و جلد و جزّ و تغريب.

و القتل يجب على من زنى بذات محرم، كالأمّ ، و البنت، و الأخت، و بنت

ص: 316


1- . الوسائل: 606/15، الباب 12 من أبواب اللعان، الحديث 1.
2- . الوسائل: 606/15 الباب 12 من أبواب اللعان، الحديث 2.
3- . النهاية: 690، و لاحظ الاستبصار: 36/3 ذيل الحديث 119.

الأخ، و العمّة، و الخالة، و الزاني بامرأة أبيه، و الذّمّيّ إذا زنى بمسلمة، و الزاني بامرأة مكرها لها.

سواء كان أحد هؤلاء محصنا أو غير محصن، و سواء كان مسلما أو كافرا، و سواء كان شابّا أو شيخا، و حرّا كان أو عبدا، و لو أسلم الذمّي الزّاني بالمسلمة قتل أيضا، و أمّا المسلمة فإنّها تحدّ بالرجم أو الجلد على ما تستحقّه.

و قال ابن إدريس: إنّ هؤلاء إن كانوا محصنين جلدوا ثمّ رجموا، و إن كانوا غير محصنين جلدوا، ثمّ قتلوا بغير الرّجم، جمعا بين الأدلّة.(1) و في الرواية:

يضرب بالسيف(2) و كذا المرأة إلاّ المكرهة.

6768. الثاني:

الرجم خاصّة يجب على الشابّ و الشابّة إذا كانا محصنين، و لو كان أحدهما محصنا دون الاخر، رجم المحصن دون صاحبه و قال ابن إدريس: يجب عليه الجلد أوّلا ثمّ الرّجم(3)، و هو المشهور، اختاره السيّد المرتضى(4) و المفيد(5) و اختاره الشيخ رحمه اللّه في التبيان(6) و الأوّل قوله في النهاية.(7)

6769. الثالث:

الجلد و الرّجم معا يجبان على الشيخ و الشيخة إذا كان

ص: 317


1- . السرائر: 438/3.
2- . الوسائل: 385/18، الباب 19 من أبواب حد الزنا، الحديث 1.
3- . السرائر: 438/3-439.
4- . الانتصار: 516، المسألة 284 - حيث أطلق القول بوجوبهما على المحصن -.
5- . المقنعة: 775.
6- . التبيان: 405/7 في تفسير الآية الثانية من سورة النور.
7- . النهاية: 693.

محصنين إجماعا يبدأ بالجلد أوّلا ثمّ الرّجم، و الجلد مائة جلدة، و لو كان أحدهما محصنا اختصّ بالحدّين، و جلد الاخر خاصّة، و روي أنّ من يجب عليه الحدّان، يجلد مائة ثم يترك حتّى يبرأ جلده، ثمّ يرجم.(1)

6770. الرابع:

إنّما يجب الرّجم على المحصن بشرط أن يزني ببالغة عاقلة، فلو زنى البالغ المحصن بالصبيّة غير البالغة أو بالمجنونة، لم يجب الرّجم، سواء كان شابّا أو شيخا، بل يجلد مائة، أمّا المرأة المحصنة فإذا زنى بها الصبيّ ، فإنّه يجب عليها الجلد خاصّة دون الرّجم، و لو زنى المجنون بها وجب عليها الحدّ تامّا، و في ثبوته في طرف المجنون قولان، أقربهما السقوط.

6771. الخامس:

الجلد خاصّة يجب على الزاني غير المحصن إذا لم يكن قد أملك، سواء كان شابّا أو شيخا، و كذا المرأة، و قيل: يجب على الرّجل الجلد و التغريب و جزّ الشعر(2) و المشهور الأوّل.

6772. السّادس:

الجلد و التغريب و الجزّ يجب على البكر الحرّ الذّكر غير المحصن، و المراد بالبكر هو الّذي أملك و لم يدخل، فإنّه يجب عليه جلد مائة و يجزّ رأسه و يغرّب عن مصره إلى غيره سنة، و لا جزّ على المرأة و لا تغريب، بل تجلد مائة لا غير، و المملوك لا جزّ عليه و لا تغريب أيضا، بل يجلد خمسين.

6773. السّابع:

إذا اجتمع الجلد و الرّجم بدئ بالجلد ثمّ الرّجم، و في تركه حتّى يبرأ جلده قولان نشأ من قصد الإتلاف و تأكيد الزّجر.

ص: 318


1- . لاحظ الوسائل: 322/18، الباب 13 من أبواب مقدّمات الحدود، الحديث 6، و لاحظ النهاية للشيخ الطوسي: 699.
2- . ذهب إليه المحقق في الشرائع: 155/4.

و كلّ حدّين اجتمعا و يفوت أحدهما بالآخر، فإنّه يبدأ أوّلا بما لا يفوت معه الاخر.

6774. الثّامن:

يجلد الزاني مجرّدا من ثيابه، و قال الشيخ رحمه اللّه: يجلد على الحال الّتي وجد عليها قائما أشدّ الضرب(1) و روي متوسّطا(2) و الأوّل أقوى، لقوله تعالى (وَ لاٰ تَأْخُذْكُمْ بِهِمٰا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اَللّٰهِ ) (3) و يفرّق الجلد على جسده و يتّقى وجهه و رأسه و فرجه، أمّا المرأة فإنّها تضرب جالسة قدر بطت عليها ثيابها.

6775. التاسع:

يدفن المرجوم إلى حقويه و المرأة إلى صدرها، و يرجم بالحجار الصّغار، لئلاّ يتلف سريعا، من ورائه، و يتقى وجهه إلى أن يموت، ثمّ يدفن المرجوم بعد الصلاة عليه، و يؤمر قبل رجمه بالاغتسال.

6776. العاشر:

لو فرّ الرجل أو المرأة من الحفيرة، فإن ثبت الزنا بالبيّنة أعيد، و إن ثبت بالإقرار فقولان:

أحدهما أنّه لا يعاد مطلقا، و هو اختيار المفيد(4).

و الثاني أنّه لا يعاد إن أصابه شيء من الحجارة، و إن لم يصبه الحجر أعيد، اختاره الشيخ.(5) و لو فرّ من يجب عليه الجلد أعيد مطلقا.

6777. الحادي عشر:

الزنا إن ثبت بالشهود كان أوّل من رجمه الشهود وجوبا،

ص: 319


1- . النهاية: 700.
2- . الوسائل: 370/18، الباب 11 من أبواب حدّ الزّنا، الحديث 6.
3- . النور: 2. و في النسختين: (وَ لاٰ تَأْخُذْكُمْ بِهِمٰا رَأْفَةٌ ).
4- . المقنعة: 775.
5- . النهاية: 700.

ثمّ يرجمه الإمام، ثمّ يرجم الناس، و إن ثبت بالإقرار، بدأ الإمام بالرّجم، ثمّ يرجم الحاضرون.

و ينبغي إعلام النّاس بذلك ليتوفّروا على حضوره، و هل يجب حضور طائفة إقامة الحدّ، أو يستحبّ؟ قولان(1) و في أقلّ عدد الطائفة أقوال: قيل:

واحد(2) و قيل: عشرة(3) و قيل: ثلاثة(4).

و لا يرجمه من للّه [تعالى] في قبله حدّ، و هل على الكراهية أو التحريم ؟ نظر.(5)

6778. الثّاني عشر:

لو عاد البكر من التغريب قبل الحول أعيد تغريبه حتّى يكمل الحول مسافرا، و يبني على ما مضى، و ينبغي أن يغرّب عن بلده أو قريته إلى موضع آخر حسب ما يراه الإمام، و ليس للمسافة حدّ محدود، فلو غرّبه إلى ما دون مسافة القصر جاز، و لا يحبس في البلد الّذي ينفى إليه،(6) فإن زنى الغريب، غرّب إلى بلد غير وطنه، و إن زنى في البلد الّذي غرّب إليه، غرّب منه إلى غير البلد الّذي غرّب منه.

ص: 320


1- . أمّا القول بالوجوب فذهب إليه المفيد في المقنعة: 780؛ و الحلّي في السرائر: 453/3 و الحلبي في الكافي في الفقه: 406، و ابن حمزة في الوسيلة: 412. و أمّا الاستحباب فهو خيرة المحقّق في الشرائع: 157/4؛ و الشيخ في النهاية: 701؛ و المبسوط: 8/8؛ و الخلاف 5 / 374، المسألة 11 من كتاب الحدود.
2- . القائل الشيخ في النهاية: 701؛ و المحقق في الشرائع: 157/4؛ و اختاره المصنّف في القواعد: 530/3.
3- . اختاره الشيخ في الخلاف: 374/5، المسألة 11 من كتاب الحدود.
4- . هو خيرة الحلّي في السرائر: 454/3.
5- . لاحظ مسالك الأفهام: 388/14 في الوقوف على وجه النظرين.
6- . في «ب»: نفي.
6779. الثالث عشر:

المملوك إذا زنى جلد خمسين جلدة، محصنا كان أو غير محصن، ذكرا كان أو أنثى، و لا جزّ على أحدهما و لا تغريب.

و لو زنى عبد ثمّ عتق، حدّ حدّ العبيد، لأنّه إنّما يستوفى الحدّ الّذي وجب عليه، و لو زنى الذّمي الحرّ، ثمّ لحق بدار الحرب، ثمّ استرقّ ، حدّ حدّ الأحرار.

و لو كان أحد الزّانيين حرّا و الاخر مملوكا، حدّ كلّ واحد منهما حدّه، و كذا لو زنى بكر بثيّب حدّ كلّ واحد منهما حدّه، و لو زنى بعد العتق و قبل العلم به، حدّ حدّ الأحرار، و لو أقيم عليه حدّ العبد قبل العلم بالحرّية تمّم عليه [حدّ الأحرار]، و لو عفا السيّد عن عبده، لم يسقط الحدّ عنه.

و للسيّد إقامة الجلد(1) على المملوك ذكرا كان أو أنثى و كذا المملوكة، سواء كانت مزوّجة أو غير مزوّجة، و سواء ثبت بالبيّنة أو الإقرار أو العلم، و لا يفتقر في ذلك إلى إذن الإمام، و كذا حدّ شرب الخمر، و قطع السرقة، و قتل الرّدّة.

و لو كان العبد مشتركا، لم يكن لأحدهما الإقامة، بل يجتمعان على ذلك، و لو انعتق بعضه، لم يكن للمولى حدّه و لا [الأمة] المرهونة و لا المستأجرة.

و للمولى سماع البيّنة و الجرح و التعديل.

ص: 321


1- . لقد أشار من قوله هنا «إقامة الجلد» إلى قوله «و يشترط أن يكون المولى ثقة» إلى الشروط الأربعة أعني: 1 - إقامة الجلد، لا الرجم، 2 - أن يكون ملكا طلقا، 3 - للمولى المقدرة على سماع البيّنة و الجرح و التعديل، 4 - عارفا بالأحكام.

و يشترط أن يكون المولى ثقة عارفا بقدر الحدود، فإن كان قويّا في نفسه فله إقامته بنفسه، و إن كان ضعيفا أقام عوضه من يقيم الحدّ.

و لو كان السيّد فاسقا أو مكاتبا، فالّذي قواه الشيخ رحمه اللّه جواز الإقامة لهما للعموم(1) و لو كان المولى صبيّا أو مجنونا لم يكن له الإقامة و لا لوليّهما.

و لو زنى بأمة ثمّ قتلها، فعليه الحدّ و قيمتها.

و المكاتب المشروط و الّذي لم يؤدّ شيئا و أمّ الولد و المدبّر كالقنّ ، أمّا من انعتق بعضه فإنّه يحدّ من حدّ الأحرار بنسبة ما انعتق منه، و من حدّ المماليك بنسبة ما فيه من الرقيّة، فلو عتق نصفه وجب عليه خمس و سبعون جلدة و لا جزّ عليه و لا تغريب و لا رجم.

6780. الرابع عشر:

إذا تكرّر الزّنا من الحرّ فأقيم عليه الحدّ مرّتين، قتل في الثالثة، و قيل(2): في الرابعة، و هو أقوى، و لو تكرّر من المملوك سبعا، و أقيم الحدّ عليه في كلّ مرّة، قتل في الثامنة، و قيل(3): في التاسعة، و هو أولى.

و لو تكرّر من الحرّ أو المملوك الزّنا مرارا كثيرة، و لم يحدّ فيما بينها، لم يجب سوى حدّ واحد.

و روى أبو بصير عن الباقر عليه السّلام:

ص: 322


1- . أي لعموم الأخبار، لاحظ المبسوط: 12/8.
2- . القائل هو الشيخ في النهاية: 694؛ و المبسوط: 11/8؛ و الشيخ المفيد في المقنعة: 776؛ و السيد المرتضى في الانتصار: 519، المسألة 285؛ و الحلبي في الكافي في الفقه: 407؛ و القاضي في المهذّب: 520/2؛ و ابن حمزة في الوسيلة: 411؛ و اختاره المصنف في المختلف: 155/9؛ و ذهب الشيخ في الخلاف إلى أنّه يقتل في الخامسة بعد جلده أربع مرّات ؛ لاحظ الخلاف: 408/5، المسألة 55 من كتاب الحدود.
3- . القائل: الشيخ في النهاية: 695؛ و القاضي في المهذب: 520/2.

«إن زنى بامرأة واحدة مرارا فعليه حدّ واحد، و إن زنى بنسوة فعليه في كلّ امرأة حدّ»(1).

و في طريقها علي بن أبي حمزة، و هو ضعيف.

6781. الخامس عشر:

الذّمّي إذا زنى بمسلمة قتل مطلقا، و إن زنى بذميّة، تخيّر الإمام بين إقامة الحدّ عليه بمقتضى شرع الإسلام، و بين دفعه إلى أهل نحلته، ليقيموا الحدّ عليه بمقتضى اعتقادهم، و لا يتعيّن عليه الحكم بينهم، أمّا لو تحاكم المسلم و الذّمّي، فإنّه يجب على الإمام الحكم بينهم، و ليس له دفعه إلى أهل الذّمّة.

6782. السّادس عشر:

الحامل لا يقام عليها الحدّ - سواء كان جلدا أو رجما - حتّى تضع و ترضع الولد إن لم تحصل له مرضع، سواء كان الحمل من زنا أو غيره، و لو لم يظهر الحمل و لم تدعه لم يؤخّر، بل تحدّ في الحال، و لا اعتبار بإمكان الحمل من الزنا، نعم لو ادّعت الحمل قبل قولها.

6783. السّابع عشر:

يرجم المريض و المستحاضة و لا يجلد أحدهما إذا لم يجب قتله و لا رجمه، حذرا من السراية، و ينتظر بهما البرء، و لو اقتضت المصلحة التعجيل ضرب بضغث فيه مائة شمراخ، و لا يشترط وصول كلّ شمراخ إلى جسده.

و لا تؤخّر الحائض، لأنّ الحيض ليس بمرض.

6784. الثّامن عشر:

لو زنى العاقل ثم جنّ ، لم يسقط الحدّ، بل يستوفى منه.

و إن كان مجنونا، جلدا كان أو رجما، لرواية أبي عبيدة الصّحيحة عن الباقر عليه السّلام:

ص: 323


1- . الوسائل: 392/18، الباب 23 من أبواب حدّ الزنا، الحديث 1.

في رجل وجب عليه الحدّ فلم يضرب حتّى خولط، فقال: إن كان أوجب على نفسه (الحدّ)(1) و هو صحيح لا علّة به من ذهاب عقله أقيم عليه الحدّ كائنا ما كان(2).

و كذا لا يسقط الحدّ باعتراض الارتداد.

6785. التّاسع عشر:

لا يقام الجلد على الزاني و غيره في شدّة البرد، و لا شدّة الحرّ، و يتوخّى [به] في الشتاء وسط النهار، و في الصيف طرفاه.

و لا يقام الحدّ في أرض العدوّ، لئلاّ يلحق المحدود الغيرة فيدخل أرض العدوّ.

6786. العشرون:

لا يحدّ من التجأ إلى حرم اللّه، أو حرم رسوله، أو أحد الأئمّة عليهم السّلام بل يضيّق عليه في المطعم و المشرب ليخرج و يستوفى منه الحدّ، و لو أحدث ما يوجب الحدّ في الحرم، حدّ فيه.

و لو زنى في شهر رمضان ليلا أو نهارا، أو في مكان شريف، أو زمان شريف، عوقب زيادة على الحدّ بما يراه الإمام.

6787. الواحد و العشرون:

لو وجد مع امرأته رجلا يزني بها، ساغ له قتلهما معا، و لا إثم، و في الظاهر يقتل إلاّ أن يقيم البيّنة على دعواه، أو يصدّقه الوليّ ، و لو افتضّ بكرا بإصبعه، لزمه مهر نسائها، و إن كانت أمة لزمه عشر قيمتها، و قيل:

يلزمه الأرش(3).

ص: 324


1- . ما بين القوسين ليس بموجود في المصدر.
2- . الوسائل: 317/18، الباب 9 من أبواب مقدّمات الحدود، الحديث 1.
3- . القائل: هو الحلّي في السرائر: 449/3.

و لو تزوّج أمة على حرّة مسلمة، فوطئها قبل الإذن، فعليه اثنا عشر سوطا و نصف: ثمن حدّ الزاني(1).

6788. الثّاني و العشرون:

لا حدّ على الصّبي و الصّبية إذا زنيا، بل يؤدّبا، أمّا المجنون و المجنونة فلا حدّ عليهما على الأقوى في طرف المجنون، و أمّا في طرف المجنونة فلا خلاف، و لا تأديب عليهما، و حدّ البلوغ ما رواه الشيخ قدّس سرّه عن أحمد بن محمّد عن ابن محبوب عن عبد العزيز العبدي عن حمزة بن حمران قال:

«سألت أبا جعفر عليه السّلام متى يجب على الغلام أن يؤخذ بالحدود التّامّة، و تقام (عليه)(2) و يؤخذ بها؟ فقال: إذا خرج عنه اليتم و أدرك، قلت: فلذلك حدّ يعرف ؟ قال: إذا احتلم أو بلغ خمس عشرة سنة، أو أشعر، أو أنبت قبل ذلك، أقيمت عليه الحدود التّامّة، و أخذ بها، و أخذت له، قلت: فالجارية متى يجب عليها الحدود التّامة و أخذت بها، و أخذت لها؟ قال: إنّ الجارية ليست مثل الغلام، إنّ الجارية إذا تزوّجت و دخل بها - و لها تسع سنين - ذهب عنها اليتم، و دفع إليها مالها، و جاز أمرها في الشراء و البيع، و أقيمت عليها الحدود التّامّة، و أخذ لها و بها، قال: و الغلام لا يجوز أمره في الشراء و البيع، و لا يخرج من اليتم حتّى يبلغ خمس عشرة سنة، أو يحتلم، أو يشعر، أو ينبت قبل ذلك»(3).

و في طريقه عبد العزيز العبدي و فيه ضعف، و نحوه [ما] رواه يزيد الكناسي عن الباقر عليه السّلام.(4)

ص: 325


1- . إنّ حدّ الزّاني هو مائة جلدة، و ثمنه اثنا عشر سوطا و نصف.
2- . ما بين القوسين ليس بموجود في المصدر.
3- . التهذيب: 37/1 برقم 132 - الباب 1 من كتاب الحدود -.
4- . التهذيب: 38/10 برقم 132 - الباب 1 من كتاب الحدود -.

خاتمة

الزنا من أعظم الكبائر قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

«لن يعمل ابن آدم عملا أعظم عند اللّه عزّ و جلّ من رجل قتل نبيّا، أو هدم الكعبة الّتي جعلها اللّه قبلة لعباده، أو أفرغ ماءه في امرأة حراما»(1).

و قال عليه السّلام:

«الزنا يورث الفقر، و يدع الدّيار بلاقع»(2).

و قال عليه السّلام:

«ما عجّت الأرض إلى ربّها عزّ و جلّ كعجيجها من ثلاث: من دم حرام يسفك عليها، أو اغتسال من زنا، أو النّوم عليها قبل(3) طلوع الشّمس»(4).

و عن الصّادق عليه السّلام عن أبيه عليه السّلام قال:

ص: 326


1- . الفقيه: 12/4، برقم 10 - باب ما جاء في الزنا -.
2- . الفقيه: 13/4، برقم 11 - باب ما جاء في الزنا. في مجمع البحرين: البلقع: الأرض القفراء الّتي لا شيء فيها. و المراد انّ الزنا يصير سببا لفنائهم حتّى لا يبقى منهم أحد على وجه الأرض.
3- . هكذا في المصدر و لكن في النسختين «إلى قبل».
4- . الفقيه: 13/4، برقم 12 - باب ما جاء في الزنا -.

«قال يعقوب لابنه يوسف عليه السّلام: يا بنيّ لا تزن فإنّ الطّير لو زنى لتناثر ريشه»(1).

و عن الباقر عليه السّلام قال:

«كان فيما أوحى اللّه تعالى إلى موسى بن عمران عليه السّلام: يا موسى بن عمران من زنى زني به و لو في العقب من بعده، يا موسى بن عمران عفّ تعفّ أهلك، يا موسى بن عمران إن أردت أن يكثر خير أهل بيتك فإيّاك و الزنا، يا موسى بن عمران كما تدين تدان»(2).

و صعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم المنبر فقال:

«ثلاثة لا يكلّمهم اللّه يوم القيامة، و لا ينظر إليهم، و لا يزكّيهم، و لهم عذاب أليم: شيخ زان، و ملك جبّار، و مقلّ مختال»(3).

و سأل عبد اللّه بن مسعود رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال: أيّ الذّنب أعظم ؟ فقال:

«أن تجعل للّه ندّا و هو خلقك».

قال قلت: ثمّ أيّ؟ قال:

«أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك».

قال قلت: ثم أيّ؟ قال:

«أن تزني بحليلة جارك».(4)

ص: 327


1- . الفقيه: 13/4، برقم 13 - باب ما جاء في الزّنا -.
2- . الفقيه: 13/4، برقم 14 - باب ما جاء في الزّنا -.
3- . الفقيه: 13/4، برقم 15 - باب ما جاء في الزّنا -.
4- . صحيح البخاري: 2/9 - كتاب الديات -؛ مسند أحمد بن حنبل: 380/1 و 431؛ تفسير نور الثقلين: 31/4 رقم الحديث 111 نقلا عن صحيحي البخاري و مسلم؛ كنز العمال: 46/16 برقم 43869. و في هذه المصادر: «أن تزاني» و ما في المتن مطابق للنسختين.

ص: 328

المقصد الثاني: في حدّ اللّواط و السّحق و القيادة و فيه فصول:

الفصل الأوّل: في اللواط و فيه عشرة مباحث:

6789. الأوّل:

اللّواط من أعظم الكبائر، و هو عندنا أفحش من الزنا، ذمّه اللّه تعالى في عدّة مواضع، و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

«لعن اللّه من عمل عمل قوم لوط لعن اللّه من عمل عمل قوم لوط، لعن اللّه من عمل عمل قوم لوط»(1).

و روى ابن بابويه قال: يصلب اللائط يوم القيامة على شفير جهنّم، حتّى يفرغ اللّه من حساب الخلق، ثمّ يلقيه في النّار فيعذّبه بطبقة طبقة حتّى يرد إلى أسفلها و لا يخرج منها، و حرمة الدّبر أعظم من حرمة الفرج،

ص: 329


1- . السنن الكبرى للبيهقي: 231/8؛ مسند أحمد بن حنبل: 309/1.

لأنّ اللّه عزّ و جلّ أهلك أمّة لحرمة الدّبر، و لم يهلك أحدا لحرمة الفرج(1).

6790. الثاني:

اللّواط هو وطء الذّكران، سواء كان بإيقاب أو بغيره، و هو قسمان:

الأوّل الإيقاب، و يجب فيه القتل على الفاعل و المفعول، مع بلوغهما و رشدهما، سواء كانا حرّين أو عبدين، و مسلمين أو كافرين، و محصنين أو غير محصنين، أو بالتفريق.

و الثاني ما ليس فيه إيقاب، كالتفخيذ أو بين الأليتين، و فيه قولان: أحدهما جلد مائة مطلقا،(2) و الثاني ما اختاره الشيخ و هو الرجم إن كان محصنا، و جلد مائة إن لم يكن(3) و الأوّل أقوى، و روي في الإيقاب الرجم مع الإحصان و الجلد مع عدمه(4) و المشهور ما قدّمناه.

6791. الثّالث:

لا فرق في قسمي اللّواط بين الحرّ و العبد، و المسلم و الكافر، و المحصن و غيره، خلافا للشيخ في المحصن مع عدم الايقاب(5) و لو لاط البالغ بالصّبيّ فأوقبه، قتل البالغ و أدّب الصّبيّ ، و كذا لو لاط بمجنون، و لو لاط

ص: 330


1- . مستدرك الوسائل: 342/14، الباب 15 من أبواب النكاح المحرّم، الحديث 4 (عن فقه الرضا عليه السّلام) باختلاف قليل. و لاحظ المقنع: 430.
2- . و هو خيرة المفيد في المقنعة: 785؛ و سلاّر في المراسم: 253؛ و الحلبي في الكافي في الفقه: 408؛ و الحلّي في السرائر: 458/3، و السيد المرتضى في الانتصار: 510، المسألة 278.
3- . النهاية: 704؛ و التهذيب: 55/10 في ذيل الحديث 203، و هو خيرة ابن البراج في المهذّب: 530/2.
4- . لاحظ الوسائل: 418/18، الباب 1 من أبواب حدّ اللّواط.
5- . النهاية: 704.

بعبد قتلا مع الإيقاب، و جلدا مع عدمه، سواء كان العبد ملكه أو غير ملكه، و لو ادّعى العبد الإكراه درئ عنه الحدّ دون مولاه.

6792. الرابع:

لو لاط المجنون بعاقل، حدّ العاقل قتلا مع الإيقاب، و جلدا مع عدمه، و هل يثبت في طرف المجنون ؟ الأقرب من القولين السقوط.

و لو لاط الذّمّي بالمسلم، قتل مطلقا، سواء أوقب أو لم يوقب، و لو لاط بمثله تخيّر الإمام بين إقامة الحدّ عليهم بموجب شرع الإسلام، و بين دفعهم إلى أهل نحلتهم ليقيموا الحدّ عليهم بمقتضى شرعهم.

6793. الخامس:

حدّ الإيقاب القتل، و يتخيّر الإمام في قتله بين ضربه بالسّيف، و تحريقه، و رجمه، و إلقائه من شاهق، و إلقاء جدار عليه، و لو قتله بغير النار جاز له إحراقه بعد ذلك بالنار.

6794. السّادس:

لو تكرّر الفعل من اللائط بغير الإيقاب فحدّ مرتين، قتل في الثالثة، و قيل: في الرابعة(1) و هو أقرب، و لو لم يحد لم يجب سوى الجلد مائة و إن تكرّر منه كثيرا.

6795. السّابع:

المجتمعان في إزار واحد مجرّدين، و ليس بينهما رحم، يعزّران من ثلاثين سوطا إلى تسعة و تسعين، فإن تكرّر منهما ذلك ثلاث مرّات، و تخلّل التعزير، حدّا في الثّالثة.

6796. الثّامن:

يثبت اللواط - سواء كان بإيقاب أو بدون إيقاب - بالإقرار أربع مرّات أو شهادة أربع رجال بالمعاينة، و يشترط في المقرّ البلوغ،

ص: 331


1- . ذهب إليه الأكثر، لاحظ تعليقتنا ذيل المسألة 14 من الفصل الثالث في حدّ الزنا.

و العقل، و الحرّيّة، و الاختيار، سواء كان فاعلا أو مفعولا، فإن أقرّ دون الأربع، عزّر و لم يحدّ.

و لو شهد دون أربعة رجال، حدّوا للفرية، و لم يثبت على المشهود عليه حدّ و لا تعزير.

و لا تقبل فيه شهادة النّساء منفردات و لا منضمّات.

و يحكم الحاكم بعلمه إماما كان أو غيره على الأقوى.

6797. التاسع:

إذا تاب اللائط قبل قيام البيّنة، سقط الحدّ، و إن تاب بعده لم يسقط، و لو تاب بعد إقراره أربعا، تخيّر الإمام في العفو و الاستيفاء، و لو تاب ثمّ أقرّ، فلا حدّ عليه و لا تعزير.

6798. العاشر:

التقبيل للغلام بشهوة حرام، فقد روي:

«أنّ من قبّل غلاما بشهوة، لعنته ملائكة السماء، و ملائكة الأرض، و ملائكة الرّحمة، و ملائكة الغضب، و أعدّ له جهنم و ساءت مصيرا»(1).

و في حديث آخر:

«من قبّل غلاما بشهوة ألجمه اللّه يوم القيامة بلجام من نار»(2).

إذا ثبت هذا فإذا قبّل غلاما ليس له بمحرم بشهوة، عزّر بحسب ما يراه الإمام.

ص: 332


1- . مستدرك الوسائل: 351/14، الباب 18 من أبواب النكاح المحرّم، الحديث 3.
2- . الوسائل: 257/14، الباب 21 من أبواب النكاح المحرّم، الحديث 1.

الفصل الثاني: في السّحق و فيه تسعة مباحث:

6799. الأوّل:

السّحق هو دلك فرج امرأة بفرج أخرى، و هو محرّم بالإجماع، روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال:

«إذا أتت المرأة المرأة، فهما زانيتان»(1).

و روى هشام و حفص بن البختري: أنّه دخل نسوة على أبي عبد اللّه عليه السّلام فسألته امرأة منهنّ عن السّحق، فقال: حدّها حدّ الزاني، فقالت المرأة: ما ذكر اللّه تعالى ذلك في القرآن، فقال: بلى، فقالت: أين هو؟(2) قال: هنّ أصحاب الرسّ ».(3)

6800. الثاني:

حدّ السّحق جلد مائة، حرّة كانت أو أمة، مسلمة كانت أو كافرة، محصنة كانت، أو غير محصنة، فاعلة كانت، أو مفعولة، و قال الشيخ قدّس سرّه:

ان كانت محصنة رجمت، و إن كانت غير محصنة حدّت مائة سوط.(4)

و الأقرب الأوّل.

ص: 333


1- . السنن الكبرى للبيهقي: 233/8؛ كنز العمال: 335/5 برقم 13103.
2- . في المصدر: «و أين هنّ ».
3- . الوسائل: 424/18، الباب 1 من أبواب حد السحق، الحديث 1.
4- . النهاية: 706.
6801. الثّالث:

إذا تكرّرت المساحقة مع إقامة الحدّ ثلاثا، قتلت في الرابعة، و لو تكرّرت و لم يقم الحدّ، فحدّ واحد.

6802. الرابع:

إذا تابت المساحقة قبل قيام البيّنة، سقط الحدّ، و إن تابت بعد قيام البيّنة لم يسقط، و لو تابت قبل الإقرار سقط، و لو تابت بعده، تخيّر الإمام بين إقامة الحدّ و إسقاطه.

6803. الخامس:

تعزّر الأجنبيّتان إذا وجدتا تحت إزار واحد مجرّدتين بما دون الحدّ، فإن تكرّر الفعل و التعزير مرّتين أقيم الحدّ عليهما في الثالثة، فإن عادتا، قال الشيخ قدّس سرّه: قتلتا(1) و الأقرب التعزير.

6804. السّادس:

لو وطئ زوجته فساحقت بكرا فحملت، قال الشيخ قدّس سرّه:

وجب على المرأة الرّجم، و على الجارية إذا وضعت جلد مائة، و ألحق الولد بالرّجل، و ألزمت المرأة المهر للجارية(2) و أنكر ابن إدريس الرّجم و إلحاق الولد، لأنّه غير مولود على فراشه، و إيجاب المهر، لأنّ المرأة مطاوعة(3) أمّا إنكار الرّجم فجيّد، لأن الأقرب في حدّ السحق جلد مائة مطلقا، سواء كانت محصنة أو غير محصنة.

و أمّا إنكاره لإلحاق الولد فليس بجيّد، لأنّه ماء غير زان، و قد تخلّق منه الولد، فيلحق به.

و أمّا إنكاره المهر، فليس بجيّد أيضا، لأنّها سبب في إذهاب العذرة، و ديتها

ص: 334


1- . النهاية: 707.
2- . النهاية: 707.
3- . السرائر: 465/3.

مهر نسائها، و ليست كالزّانية المطاوعة، لأنّ الزانية أذنته في الافتضاض، بخلاف هذه.

6805. السّابع:

لا كفالة في حدّ، و لا تأخير فيه مع الإمكان و انتفاء الضّرر بإقامته، و لا شفاعة في إسقاطه.

6806. الثّامن:

إنّما يثبت السحق بشهادة أربعة رجال عدول، و لا يثبت بشهادة النساء منفردات و لا منضمّات و إن كثرن، أو الإقرار من البالغة الرشيدة الحرّة المختارة أربع مرّات.

6807. التاسع:

لو ساحقت المرأة جاريتها وجب على كلّ واحدة منهما مائة سوط، و لا ينتصف في حقّ الأمة، لأنّ الحرّة و الأمة سواء في حدّ السّحق، و لو ادّعت الجارية الإكراه، قبل منها.

و المجنونة إذا ساحقت لم يجب عليها الحدّ، سواء كانت فاعلة أو مفعولة، و قال الشيخ قدّس سرّه: تحدّ الفاعلة المجنونة دون المفعولة المجنونة(1) و ليس بجيّد.

و لو ساحقت المسلمة الكافرة، حدّت كلّ واحدة منهما.

و لو تساحقت الذمّيتان تخيّر الإمام في إقامة الحدّ عليهما بمقتضى شرع الإسلام، و في دفعهما إلى أهل ملّتهما.

و لو ساحقت(2) البالغة الصبيّة حدّت البالغة كملا، و أدّبت الصبيّة.

و لو تساحقت الصّبيّتان، ادّبتا.

ص: 335


1- . النهاية: 706 و الكلام منقول بالمعنى.
2- . كذا في «ب» و لكن في «أ»: تساحقت.

الفصل الثالث: في القيادة

القوّاد هو الجامع بين الرّجال و النّساء للزّنا، أو بين الرّجال و الرّجال للّواط، و حدّه ثلاثة أرباع حدّ الزاني: خمسة و سبعون سوطا، قال الشيخ قدّس سرّه: و يحلق رأسه و يشهّر في البلد، و ينفى عنه إلى غيره من الأمصار(1) من غير حدّ لمدّة نفيه، سواء كان حرّا أو عبدا مسلما كان أو كافرا.

و قال المفيد قدّس سرّه بذلك إلاّ النفي، فإنّه لم يوجبه بالمرّة الأولى بل بالثّانية(2).

أمّا المرأة فإذا فعلت ذلك، فإنّها تضرب العدد المذكور، و لا يحلق رأسها و لا تشهّر و لا تنفى.

و تثبت بشهادة عدلين أو الإقرار مرّتين.

و يشترط في المقرّ البلوغ، و العقل، و الحرّيّة، و الاختيار، و القصد و لو أقرّ مرّة واحدة عزّر.

و من رمى غيره بالقيادة، كان عليه التعزير بما دون حدّ الفرية.

ص: 336


1- . النهاية: 710.
2- . المقنعة: 791.

المقصد الثالث: في وطء الأموات و البهائم و ما يتبع ذلك

اشارة

و فيه ثمانية مباحث:

6808. الأوّل:

من وطئ امرأة ميّتة، كان حكمه حكم من وطئ الحيّة، في تعلّق الإثم و الحدّ و اعتبار الإحصان و عدمه، فلو كانت أجنبيّة، و لا شبهة هناك و كان الرّجل محصنا، رجم، و إن كان شيخا جلد أوّلا ثم رجم، و إن كان مملكا(1)جلد مائة و حلّق رأسه و نفي، و إن لم يكن مملكا، جلد خاصّة، و حكمه حكم الزّاني بالحيّة من غير فرق، إلاّ أنّه هنا تغلظ عليه العقوبة، لانتهاكه حرمة الأموات بما يراه الإمام، و لو كانت الميّتة زوجته أو أمته، عزّر و سقط الحدّ للشبهة.

6809. الثاني:

يثبت الزنا بالميّتة بشاهدين أو الإقرار مرّتين من العاقل المختار الحرّ، قاله الشيخ قدّس سرّه(2)، لأنّها شهادة على واحد بخلاف الزّنا بالحيّة، و اختار ابن إدريس أنّه لا يثبت إلاّ بشهادة أربعة رجال أو الإقرار أربع مرّات،(3)لأنّه زنا، و لأنّ شهادة الواحد قذف فلا يندفع الحدّ إلاّ بتكميله الأربعة،(4)و هو أقرب.

ص: 337


1- . أي عاقدا و لم يدخل بعد.
2- . النهاية: 708.
3- . السرائر: 468/3.
4- . في «أ»: بتكملة الأربعة.

6810. الثّالث:

حكم المتلوّط بالأموات حكم المتلوّط بالأحياء، إلاّ أنّ العقوبة هنا أغلظ، فلو حدّ بغير القتل عزّر زيادة على الحدّ بما يراه أردع.

6811. الرابع:

إذا وطئ بهيمة و كان بالغا رشيدا عزّر بما يراه الإمام.

و روي: أنّه يقتل(1).

و في رواية: يحدّ(2) و في أخرى: يضرب خمسة و عشرين سوطا(3).

ثمّ ينظر في الدّابّة فإن كانت مأكولة اللّحم، كالشّاة و البقرة، حرم لحمها و لبنها و لحم نسلها، و وجب ذبحها و إحراقها بالنار، و يغرم ثمنها لمالكها ان لم تكن له.

و إن كانت غير مأكولة اللحم بالعادة، كالخيل و البغال و الحمير، فإنّها و إن كانت مذكّاة إلاّ أنّ المقصود منها الظّهر، أو كانت محرّمة بالشرع، لم تذبح، بل يغرم الواطئ ثمنها لصاحبها إن لم تكن له، ثمّ تخرج من البلد الّذي وقعت فيه تلك الجناية و تباع في غيره.

قال المفيد قدّس سرّه: ثمّ يتصدّق بثمنها الّذي بيعت به(4) و قيل: يعاد على الغارم.(5)

و لو كانت الدّابّة له، بيعت في غير البلد، و دفع الثمن إليه عند بعض علمائنا(6). و تصدّق به عند آخرين.(7)

ص: 338


1- . الوسائل: 572/18، الباب 1 من أبواب نكاح البهائم، الحديث 6.
2- . الوسائل: 572/18، الباب 1 من أبواب نكاح البهائم، الحديث 8.
3- . الوسائل: 570/18، الباب 1 من أبواب نكاح البهائم، الحديث 1.
4- . المقنعة: 790.
5- . ذهب إليه الحلّي في السرائر: 468/3.
6- . كابن إدريس في السرائر: 469/3.
7- . منهم الشيخ المفيد في المقنعة: 790.

6812. الخامس:

وجوب ذبح المأكولة تعبّدا أو احترازا من شياع نسلها، و إحراقها لئلاّ يشتبه لحمها بالمحلّلة، و أمّا بيع غير المأكولة، فإمّا تعبّدا أو لئلاّ يعيّر الواطئ بها.

6813. السّادس:

يثبت هذا الفعل بشهادة رجلين عدلين، و لا يثبت بشهادة النّساء انفردن أو انضممن إلى الرّجال، و يثبت أيضا بالإقرار و لو مرّة واحدة إن كانت الدّابة له، و إن كانت لغيره يثبت التعزير خاصّة دون ذبح دابّة الغير، و إخراجها من بلدها، و قال بعض علمائنا يثبت بالإقرار مرّتين لا مرّة واحدة(1)و ليس بجيّد.

و لو تكرّر التّعزير ثلاثا لتكرّر الفعل، قتل في الرابعة، و قال ابن إدريس: في الثالثة.(2)

6814. السّابع:

لو اشتبهت الموطوءة بغيرها، قسم ما وقع فيه الاشتباه قسمين، و أقرع بينهما، فما وقعت القرعة عليه، قسم من رأس بقسمين، و أقرع بينهما، و هكذا إلى ألا تبقى إلاّ واحدة، فتؤخذ و يصنع بها ما يجب من إحراق أو بيع، و ليس ذلك على جهة العقوبة لها، بل لما تقدّم من الفائدة أو المصلحة اللطفيّة.

6815. الثّامن:

من استمنى بيده حتّى أنزل، عزّر بما يراه الإمام، و روي:

«أنّ عليّا عليه السّلام ضرب يده حتّى احمرّت، و زوّجه من بيت المال»(3).

ص: 339


1- . ذهب إليه الحلّي في السرائر: 470/3.
2- . السرائر: 470/3.
3- . الوسائل: 574/18، الباب 3 من أبواب نكاح البهائم، الحديث 1.

و يثبت الاستمناء بشهادة عدلين أو الإقرار و لو مرّة، و قيل: إنّما يثبت بالإقرار مرّتين لا مرّة واحدة(1) و ليس بمعتمد.

ص: 340


1- . هو خيرة الحلّي في السرائر: 471/3.

المقصد الرابع: في حدّ المسكر و الفقاع و فيه عشرون بحثا:

6816. الأوّل:

الخمر حرام بالنّص و الإجماع، قال اللّه تعالى: (قُلْ إِنَّمٰا حَرَّمَ رَبِّيَ اَلْفَوٰاحِشَ مٰا ظَهَرَ مِنْهٰا وَ مٰا بَطَنَ وَ اَلْإِثْمَ ) (1) و هو الخمر، قال تعالى (يَسْئَلُونَكَ عَنِ اَلْخَمْرِ وَ اَلْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمٰا إِثْمٌ كَبِيرٌ) (2) و قال اللّه تعالى: (يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا اَلْخَمْرُ وَ اَلْمَيْسِرُ - إلى قوله - فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ) (3) و فيه عشرة أدلّة على التحريم.

و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

«كلّ شراب مسكر فهو حرام»(4).

و قال عليه السّلام:

ص: 341


1- . الأعراف: 33.
2- . البقرة: 219.
3- . المائدة: 90-91 و في الآيتين عشرة أدلّة على تحريم الخمر فصّلها الشيخ في المبسوط: 8 / 57-58.
4- . سنن البيهقي: 291/8. و لاحظ الوسائل: 264/17-265، الباب 15 من أبواب الاشربة المحرّمة.

«الخمر شرّ الخبائث، من شربها لم يقبل اللّه صلاته أربعين يوما، فإن مات و هي في بطنه مات ميتة جاهليّة»(1).

و لعن في الخمر عشرة فقال:

«لعن اللّه الخمر، و عاصرها، و معتصرها، و بائعها، و مشتريها، و حاملها، و المحمولة إليه، و ساقيها، و شاربها، و آكل ثمنها»(2).

و روى ابن بابويه قال: حرّم رسول اللّه كلّ شراب مسكر، و لعن الخمر و غارسها، و حارسها، و حاملها، و المحمولة إليه، و بائعها، و مشتريها، و آكل ثمنها، و ساقيها، و عاصرها، و شاربها(3).

و روي: «أنّ شارب الخمر كعابد الوثن»(4).

و قال الصادق عليه السّلام:

«لا تجالسوا شرّاب الخمر فانّ اللعنة إذا نزلت عمّت من في المجلس»(5).

و قال عليه السّلام:

«شارب الخمر إن مرض فلا تعودوه، و إن مات فلا تشهدوه، و إن

ص: 342


1- . نقله الشيخ في المبسوط: 58/8؛ و الحلّي في السرائر: 473/3.
2- . الوسائل: 300/17-301، الباب 34 من أبواب الأشربة المحرّمة.
3- . الفقيه: 40/4، في ذيل الحديث 131.
4- . مستدرك الوسائل: 47/17، الباب 5 من أبواب الأشربة المحرّمة، الحديث 13، و لاحظ الوسائل: 255/17، الباب 13 من أبواب الأشربة المحرّمة، الحديث 12.
5- . الفقيه: 41/4، رقم الحديث 132.

شهد فلا تزكّوه، و ان خطب إليكم فلا تزوّجوه، فإنّ من زوّج ابنته شارب خمر فكأنّما اقادها الى النار(1)، و من زوّج ابنته مخالفا له على دينه، فقد قطع رحمها، و من ائتمن شارب خمر لم يكن له على اللّه تبارك و تعالى ضمان»(2).

و الأحاديث في ذلك كثيرة.

6817. الثّاني:

يجب الحدّ بتناول المسكر و الفقّاع من العالم بالتّحريم، المختار في التناول، العالم بالمسكر، البالغ الرشيد، سواء تناول بشرب، أو اصطباغ،(3) أو مزجه بالغذاء و الدواء، و كيف كان.

و المراد بالمسكر هنا ما من شأنه أن يسكر، سواء أسكر أو لا لقلّته، فإنّ القطرة يجب بتناولها الحدّ، كما يجب بتناول الكثير، و سواء كان المسكر خمرا - و هو المعتصر من العنب - أو نقيعا - و هو المتّخذ من الزبيب، أو بتعا - و هو المتّخذ من العسل - أو مزرا - و هو المتّخذ من الشعير أو الحنطة أو الذّرّة - أو نبيذا - و هو المتّخذ من التمر - و كذا المعمول من جنسين فما زاد.

6818. الثالث:

العصير من العنب إذا غلا حرم، و كان حكمه حكم الخمر في تعلّق الحدّ بتناوله، سواء غلى من نفسه أو بالنّار، و حدّ الغليان أن ينقلب أسفله أعلاه و إن لم يقذف بالزبد، و يستمرّ تحريمه إلى أن يذهب،

ص: 343


1- . و في بعض الأحاديث «الى الزنا» كما في «ب».
2- . الفقيه: 41/4، رقم الحديث 133، الوسائل: 249/17، الباب 11 من أبواب الأشربة المحرمة، الحديث 7.
3- . في مجمع البحرين: الصّبغ بكسر الصاد: ما يصبغ به من الإدام، أي يغمس فيه الخبز و يؤكل، و يختصّ بكلّ أدام مائع كالخل و نحوه.

ثلثاه، أو ينقلب خلاًّ، و لا يحرم بمرور ثلاثة أيّام عليه إذا لم يغل.

أمّا غير عصير العنب فإنّما يحرم إذا حصلت فيه الشّدّة المسكرة.

و التّمر إذا غلى و لم يبلغ حدّ الإسكار، فالأقرب بقاؤه على التّحليل حتّى يبلغ الشّدّة المسكرة، و كذا الزبيب إذا نقع بالماء فغلى من نفسه أو بالنار.

6819. الرابع:

حكم الفقّاع حكم المسكر في التحريم و الحدّ بالتّناول شربا أو اصطباغا، و تداويا، مع الاختيار، و العلم بالتحريم، و البلوغ، و الرّشد، و ليس بمسكر و إنّما أجمع أصحابنا كافّة على إلحاقه بالمسكر في أحكامه أجمع.

6820. الخامس:

لا حدّ على من أكره على الشّرب، سواء خوّف حتّى شرب، أو وجر في حلقه، و لا على من جهل التحريم أو جهل المشروب.

و يثبت الحدّ على من شربه في دواء كالتّرياق، أو يتناوله بغير الشرب و إن قصد الدواء ما لم يبلغ التلف، على ما سبق البحث فيه.

6821. السّادس:

يثبت هذا الفعل بشهادة عدلين ذكرين، أو الإقرار مرّتين، و لا تكفي المرّة الواحدة، و لا يفتقر مع الإقرار إلى وجود الرّائحة، و لا يثبت بشهادة النساء منفردات و لا منضمّات.

و لو شهدا بشربها، أو شهد أحدهما بشربها و الاخر بقيئها، أو شهدا بقيئها، ثبت الحدّ.

و لو ادّعى الإكراه أو الجهل بالتحريم مع إمكانه أو بالمسكر، قبل منه.

و يشترط صدور الإقرار من البالغ العاقل الحرّ المختار.

ص: 344

6822. السّابع:

حدّ المسكر ثمانون جلدة، سواء شربه، أو تناوله بغير الشرب، و سواء شرب القليل و لو قطرة، أو الكثير، و سواء انفعل عنه أو لا، و سواء كان المتناول رجلا أو امرأة، حرّا كان أو عبدا، و في رواية: «يحدّ العبد أربعين جلدة»(1) و هي مطّرحة، هذا إذا كان الشارب مسلما فإن كان كافرا و تظاهر بالشرب، أو خرج بين المسلمين سكران، جلد ثمانين جلدة، و إن استتر في منزله أو بيعته أو كنيسته بالشرب، و لم يخرج سكران بين المسلمين، لم يحدّ.

6823. الثّامن:

يجلد الشارب عريانا على ظهره و كتفه، و يتّقى وجهه و فرجه، و لا يقام الحدّ عليه حتّى يفيق، فإن تكرّر الحدّ مرتين، قتل في الثالثة، و قيل: لا يقتل حتّى يحدّ ثلاث مرّات، فيقتل في الرابعة(2).

و لو تكرّر الفعل منه و لم يحدّ كفى حدّ واحد.

6824. التّاسع:

لو شرب الخمر مستحلاّ، قتل إن كان عن فطرة، و إن لم يكن عن فطرة استتيب، فإن تاب، و إلاّ قتل، و قيل: يستتاب مطلقا، سواء كان عن فطرة أو عن غيره، فإن تاب، و إلاّ قتل(3) و الأوّل أقوى، و إذا تاب أقيم عليه الحدّ.

و لو شرب ما عداه من المسكرات مستحلاّ لم يقتل، لوقوع الخلاف بين المسلمين، بل يقام الحدّ عليه، سواء شربها مستحلاّ أو محرّما.

و لو باع الخمر مستحلاّ استتيب، فإن تاب، و إلاّ قتل، و لو لم يكن مستحلاّ

ص: 345


1- . الوسائل: 472/18، الباب 6 من أبواب حد المسكر، الحديث 7.
2- . هو خيرة الشيخ في المبسوط: 59/8 و الخلاف: 473/5، المسألة 1 من كتاب الأشربة، و رجّحه فخر المحقّقين في الإيضاح: 515/4.
3- . ذهب إليه الشيخ في النهاية: 711-712؛ و المفيد في المقنعة: 799؛ و القاضي في المهذّب: 535/2.

عزّر، و ما عدا الخمر إذا باعه مستحلاّ يستتاب، و لا يقتل مع امتناعه بل يؤدّب.

6825. العاشر:

لو تاب قبل قيام البيّنة، سقط الحدّ، و إن تاب بعدها لم يسقط، و لو ثبت الحدّ بإقراره و تاب، تخيّر الإمام بين الإقامة و العفو، و قيل يتحتّم هنا الاستيفاء(1) و هو أقوى.

6826. الحادي عشر:

لا ينبغي للمسلم أن يجالس شرّاب شيء من المسكرات، و لا أن يجلس على مائدة يشرب عليها شيء من ذلك، خمرا كان أو غيره، و كذا الفقّاع، فمن فعل ذلك أدّب حسب ما يراه الإمام.

6827. الثّاني عشر:

كلّ من استحلّ شيئا من المحرّمات المجمع على تحريمها، كالميتة، و الدّم، و لحم الخنزير، و الربا، كان مرتدّا، فإن كان مولودا على الفطرة قتل، و إلاّ استتيب، فإن تاب و إلاّ ضربت عنقه، و إن تناول شيئا من ذلك محرّما له، كان عليه التعزير، فإن عاد بعد ذلك عزّر، و غلظ عقابه، فإن تكرّر منه، فعل به كما فعل أوّلا، و يغلظ زيادة، فإن عاد في الرابعة قتل.

و يعزّر آكل الجرّي، و المارماهي، و الزمار، و مسوخ السمك، و مسوخ البرّ، و سباع الطير، و الطحال، و غير ذلك، ممّا يحرم أكله، فإن عاد ثانية عزّر.

قال ابن إدريس: فإن استحلّ شيئا من ذلك قتل(2) و عندي فيه نظر.

و إذا تاب من وجب عليه التعزير قبل قيام البيّنة، سقط عنه، فإن تاب بعدها لم يسقط، و إن تاب بعد الإقرار قبل أن يرفع إلى الحاكم، سقط الحدّ، و إن تاب بعد إقراره عند الحاكم، أقيم الحدّ عليه.

ص: 346


1- . ذهب إليه الشيخ في المبسوط: 4/8؛ و الحلّي في السرائر: 478/3.
2- . السرائر: 478/3.

6828. الثّالث عشر:

لو شرب المسكر في شهر رمضان، أو موضع شريف أو زمان شريف، أقيم عليه الحدّ، و أدّب بعد ذلك بما يراه الإمام.

6829. الرابع عشر:

من قتله الحدّ أو التعزير فلا دية له، و لا كفّارة في قتله، و قال الشيخ رحمه اللّه في المبسوط: الّذي يقتضيه مذهبنا أنّه تجب الدّية في بيت المال(1) و ليس بجيّد.

و لو مات المحدود بالحدّ فبان فسق الشاهدين، كانت الدية على بيت المال، لأنّه من خطأ الحاكم(2).

و لو أنفذ الحاكم إلى امرأة حامل لإقامة حدّ، فأجهضت(3) فزعا منه، فخرج الجنين ميّتا، فعلى الحاكم الضمان، و محلّ الضمان قال الشيخ رحمه اللّه: في بيت المال لأنّه من خطاء الحاكم(4) و قال ابن إدريس: يكون على عاقلة الإمام، و الكفّارة في ماله، و استدلّ على ذلك بقضيّة عمر بن الخطّاب حيث بعث إلى امرأة فأجهضت، و أشكل عليه الحال، فأفتاه أمير المؤمنين عليه السّلام بوجوب الدية على العاقلة(5). و الأوّل أقوى، لأنّ عمر ليس حاكما عنده عليه السّلام في نفس الأمر.

و لو أمر الحاكم بضرب المحدود زيادة على الحدّ فمات، فإن كان الحدّاد جاهلا، فعلى الحاكم نصف الدّية في ماله، لأنّه شبيه العمد، و إن كان سهوا،

ص: 347


1- . المبسوط: 63/8.
2- . في «ب»: لأنّه من خطاء الحكّام.
3- . أي أسقطت ما في بطنها.
4- . المبسوط: 64/8.
5- . السرائر: 480/3، و لاحظ الوسائل: 200/19، الباب 30 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 1 و 2.

فالنصف على بيت المال، و لو كان الحدّاد عالما، فعليه القصاص، لأنّه مباشر للإتلاف.

و لو أمره الحاكم بالاقتصار على الحدّ، فزاد الحدّاد عمدا، اقتصّ منه، و إن زاد سهوا، فالنّصف على عاقلته، سواء غلط في حساب الأسواط أو لا.

6830. الخامس عشر:

قد بيّنا أنّ من تناول المسكر حدّ، سواء شربه، أو ثرد في الخمر، أو اصطبغ به، أو طبخ به لحما فأكل من مرقته، أو لتّ (1) به سويقا فأكله، و لو عجن به دقيقا، ثمّ خبزه، احتمل سقوط الحدّ، لأنّ النّار أكلت أجزاء الخمر، نعم يعزّر، و لو قلنا بحدّه كان قويّا.

و لو احتقن بالخمر لم يحدّ، لأنّه لم يشرب و لم يأكل، و لو أسعط(2) به حدّ، لأنّه وصل إلى باطنه من حلقه.

و لو شربها مكرها لم يحدّ، و لو اضطرّ إليها، بأن لم يجد دافعا للغصّة سواها، و كذا لو خاف التلف من العطش، و ليس له التّداوي بها.

6831. السّادس عشر:

لا يكفي في الحدّ وجود الرائحة في فيه، لاحتمال المضمضة و الإكراه و شرب ما يحصل به مثل تلك الرائحة، كربّ التفّاح.

و لو وجد سكران أو تقيّا، فالأقرب سقوط الحدّ، لاحتمال الإكراه و الجهل، و لا ينسحب ذلك على إذا ما شهد واحد بشربها و آخر بقيئها.

و إذا شهد العدلان بأنّه شرب مسكرا، حدّ و لا يحتاجان إلى بيان نوعه و لا

ص: 348


1- . في مجمع البحرين: اللّتّ : هو إلزاق الشيء بالشيء و خلط بعضه في بعض، دقيق ملتوت بالزيت أي مخلوط به.
2- . في مجمع البحرين: سعطه الدواء كمنعه و نصره: أدخله في أنفه.

إلى ذكر عدم الإكراه أو ذكر علمه بأنّه مسكر، لأن الظاهر الاختيار و العلم.

6832. السّابع عشر:

إذا زاد على الحدّ، فعليه نصف الضمان، و لا تقسط الدّية على الأسواط.

6833. الثّامن عشر:

يضرب الشارب قائما، ليأخذ كلّ عضو منه حصّته من الضرب، و يتّقى وجهه و فرجه و رأسه، لأنّها مقاتل، و يكثر من الضرب في مواضع اللحم كالأليتين و الفخذين، و لا يمدّ و لا يربط، و يضرب بالسّوط، و لا يقوم مقامه الأيدي و النّعال(1).

و تضرب المرأة جالسة و قد ربطت عليها ثيابها، لئلاّ تنكشف.

و لا يقام الحدّ في المساجد.

6834. التاسع عشر:

إذا انقلب الخمر خلاًّ حلّت، سواء انقلبت بعلاج أو من قبل نفسها، و سواء عولجت بإلقاء شيء فيها، أو بنقلها من الشمس إلى الظّلّ و بالعكس.

6835. العشرون:

التعزير يكون بالضرب، أو الحبس، أو التوبيخ، أو بما يراه الإمام،(2) و ليس فيه قطع شيء منه، و لا جرحه، و لا أخذ ما له.

و التعزير فيما يسوغ فيه التعزير واجب، و لا يجب ضمانه لو تلف بالتعزير السائغ.

ص: 349


1- . ردّ لما نقل عن بعض فقهاء أهل السنّة من أنّه يقام الحدّ بالأيدي و النعال و أطراف الثياب. لاحظ المغني لابن قدامة: 337/10.
2- . كذا في «أ»: و لكن في «ب»: أو التوبيخ بما يراه الإمام.

ص: 350

المقصد الخامس: في حدّ السّرقة و فيه فصول:

الفصل الأوّل: [في السّارق و فيه أربعة عشر بحثا:

6836. الأوّل:

يشترط في السارق البلوغ، و العقل، و ارتفاع الشبهة و الشركة، و هتك الحرز، و الإخراج سرّا، و انتفاء الأبوّة و العبوديّة، فلو سرق الطفل لم يحدّ، و يؤدّب، و إن تكرّرت سرقته، قال في النهاية: يعفى عنه أوّل مرّة، فإن عاد أدّب، فإن عاد حكّت أنامله حتّى تدمى، فإن عاد قطعت أنامله، فإن عاد قطع كما يقطع الرجل،(1) للرّواية(2).

و لو سرق المجنون لم يجب الحدّ لسقوط التكليف عنه، قيل(3): و يؤدّب.

ص: 351


1- . النهاية: 716.
2- . بل الروايات، لاحظ الوسائل: 522/18، الباب 28 من أبواب حدّ السرقة.
3- . القائل هو المحقّق في الشرائع: 172/4.
6837. الثّاني:

يشترط في الحدّ ارتفاع الشبهة، فلو توهّم الملك في المسروق، فبان غير مالك، سقط الحدّ، و كذا لو كان المال مشتركا و أخذ منه ما يظنّ أنّه قدر نصيبه، فبان أنّه أخذ زيادة عليه بقدر النصاب.

6838. الثّالث:

يشترط ارتفاع الشركة، فلو سرق الشريك من المال المشترك بقدر نصيبه، حمل على قسمة فاسدة، و لم يقطع، و إن زاد بقدر النصاب قطع.

و لو سرق من مال الغنيمة ما يزيد عن نصيبه بقدر النصاب قطع، و إلاّ فلا، و في رواية: لا قطع مطلقا.(1)

6839. الرابع:

يشترط في الحدّ هتك الحرز منفردا أو مشاركا، فلو هتك غيره و أخرج هو، فلا قطع على أحدهما، و لو لم يكن المال محرزا لم يجب القطع، و الحرز لم ينصّ الشارع على تعيينه، و إنّما ردّهم فيه إلى العرف فكلّ ما عدّ في العرف حرزا، فهو حرز، كالمحرز بقفل، أو غلق، أو دفن.

و قال الشيخ رحمه اللّه: إنّه كلّ موضع ليس لغير مالكه الدّخول إليه إلاّ بإذنه(2)و هو يختلف باختلاف الأموال، فالذّهب و الفضّة و الجواهر تحرز في صندوق مقفّل، أو بيت مغلق، و الإبل في الساحة و الرحبة بشرط أن يكون عليها حائط و غلق، و الثياب في الدّار و الدّكان، و الضابط في ذلك ما قدّمناه من القفل و الغلق و الدّفن.

6840. الخامس:

يشترط أن يخرج المتاع بنفسه أو مشاركا، سواء باشر

ص: 352


1- . الوسائل: 18 /الباب 12 من أبواب حدّ السرقة، الحديث 3 و لاحظ الباب 24 من هذه الأبواب الحديث 1.
2- . المبسوط: 22/8.

الإخراج أو أخرجه بالسّبب، بأن يشدّه بالحبل ثمّ يجذبه من خارج الحرز(1) أو يضعه على دابّة، أو على جناح طائر من شأنه العود إليه، أو يأمر صبيّا غير مميّز بإخراجه، لأنّه كالآلة، أمّا لو كان مميّزا فإنّه ليس كالآلة، فلا قطع على الامر و لا على الصبيّ ، لعدم التكليف.

و لو اشترك رجلان في النّقب، و دخل أحدهما فأخرج المتاع وحده، أو أخذه و ناوله الاخر خارجا من الحرز، أو رمى به إلى خارج الحرز فأخذه الاخر، فالقطع على الدّاخل وحده.

6841. السّادس:

يشترط انتفاء الأبوة، فلا يقطع الأب لو سرق من مال ولده و إن نزل، و يقطع الولد لو سرق من مال والده، و كذا تقطع الأمّ و إن علت إذا سرقت من مال الولد و بالعكس، و كذا جميع الأقارب يثبت الحدّ عليهم و إن كانوا ذوي رحم يحرم بينهم التّناكح.

6842. السّابع:

يشترط انتفاء العبوديّة للمالك، فلا قطع على العبد لو سرق من مال مولاه، و المدبّر و أمّ الولد و المكاتب المشروط كالقنّ ، و كذا المطلق و إن تحرّر بعضه، و يقطع هؤلاء كلّهم إذا سرقوا من غير المالك و لا يقطع المولى لو سرق من مال مكاتبه.

6843. الثّامن:

يشترط أن يأخذ سرّا، فلو هتك الحرز ظاهرا قهرا و أخذ المال لم يقطع، و إنّما يقطع إذا أخذ المال على وجه الخفية و الاستتار، و لا يقطع المستأمن لو خان، و لا المختطف، و لا المستلب، و لا المختلس، و لا جاحد العارية، و لا جاحد الوديعة و غيرهما من الأمانات.

ص: 353


1- . كذا في «ب» و لكن في «أ»: ثمّ يأخذ به من خارج الحرز.
6844. التاسع:

لا فرق بين أن يكون السارق مسلما أو كافرا، حرّا أو عبدا، ذكرا أو أنثى، فيقطع كلّ واحد منهم.

و يقطع الآبق إذا سرق من غير مال سيّده، و لا يقطع بسرقة نفسه، لأنّه لا قطع على العبد إذا سرق من مال مولاه.

و الحربيّ إذا دخل مستأمنا إلينا فسرق قطع، و يقطع المرتدّ إذا سرق و كذا يقطع المسلم إذا سرق من مال الذّمّي و بالعكس، و لا يقطع المرتدّ إذا سرق من مال الحربيّ ، و لا يقطع عبد الغنيمة اذا سرق منها، بل يؤدّب.

6845. العاشر:

لا يقطع الرّاهن إذا سرق الرهن من المرتهن، و إن استحقّ المرتهن إمساكه، و لا الموجر إذا سرق العين المستأجرة من المستأجر.

و يقطع المسلم إذا سرق من بيت المال، إلاّ أن يكون له فيه حقّ ، فيقطع إن سرق أكثر من حقّه بقدر النصاب، و كذا لو سرق من الغنيمة من يستحقّ الخمس قبل إخراج الخمس، أو سرق أبو الغانم أو سيّده.

6846. الحادي عشر:

الأجير إن سرق من مال الموجر و قد أحرز عنه، قطع، و في رواية: لا يقطع(1) و هي محمولة على حالة الاستئمان.

و في الضّيف قولان: أحدهما لا قطع عليه مطلقا(2) و هو المرويّ (3)

ص: 354


1- . الوسائل: 505/18، الباب 14 من أبواب حدّ السّرقة، أحاديث الباب.
2- . ذهب إليه الشيخ في النهاية: 717؛ و الحلّي في السرائر: 488/3.
3- . الوسائل: 508/18، الباب 17 من أبواب حدّ السرقة، الحديث 1، و لاحظ الحديث 5 من الباب 14 من هذه الأبواب.

و الاخر يقطع إن أحرز من دونه، و هو أقوى، و سواء منعه المضيّف قراه(1)فسرق بقدره، أو لم يمنعه.

و لو أضاف الضّيف ضيفا فسرق الثاني قطع.

6847. الثاني عشر:

إذا سرق أحد الزّوجين من صاحبه و كان قد أحرز دونه بقفل أو غلق أو دفن، قطع، و إن لم يحرز من دونه فلا قطع.

6848. الثالث عشر:

إذا أحرز المضارب مال المضاربة، أو أحرز المودع مال الوديعة، أو المستعير العارية، أو الوكيل المال الموكّل فيه، فسرقه أجنبيّ قطع، لأنّه ينوب مناب المالك في الإحراز.

و لو غصب عينا أو سرقها و أحرزها، فسرقها سارق، لم يجب عليه القطع، و يحتمل القطع.

و لو سرق نصابا أو غصبه، و أحرزه فهتك المالك الحرز، و أخذ ماله، فلا قطع فيه إجماعا، و لو سرق غير ماله، فإن اشتبه عليه بماله، أو اشتبه عليه فظنّ أنّ هتك الحرز بالنسبة إلى ماله يسوّغ له غير ماله، لم يقطع، و إن لم يشتبه قطع على إشكال، من حيث تمكن الشبهة باعتبار أنّ له هتك هذا الحرز، و أخذ مال السّارق مع عدم عينه، و كذا البحث لو أخذ ماله و أخذ من غيره بقدر النّصاب متميّزا عن ماله، و إن لم يكن متميّزا عن ماله فلا قطع عليه، و لو سرق منه مالا آخر من غير الحرز الّذي فيه ماله، أو كان له دين على إنسان فسرق من ماله قدر دينه من حرزه، فإن كان الغاصب أو الغريم باذلا لما عليه، أو قدر المالك على أخذ ماله

ص: 355


1- . القرى: الضيافة، و فيه ردّ على ما قاله بعض أهل السنة من التفصيل بين منع المضيّف قرى الضيف فلا يقطع و عدمه فيقطع. لاحظ المغني لابن قدامة: 257/10.

فتركه، و سرق مال الغاصب أو الغريم، قطع لانتفاء الشبهة، و إن عجز، فلا قطع.

6849. الرابع عشر:

لو أخرج المتاع فقال صاحب المنزل: سرقته، و قال الاخذ: وهبتنيه أو أذنت لي في إخراجه، فلا حدّ، و القول قول صاحب المنزل في بقاء المال عليه مع يمينه، و كذا لو قال الاخذ: المال لي، و أنكر صاحب المنزل، فالقول قوله مع يمينه، و يغرم المخرج، و لا قطع للشّبهة.

الفصل الثاني: [في المسروق

اشارة

و فيه أربعة عشر بحثا:

6850. الأوّل:

لا قطع إلاّ فيما بلغ ربع دينار، ذهبا، خالصا، مضروبا عليه بسكّة المعاملة، أو ما بلغ قيمته ذلك قطعا، لا باجتهاد المقوّم، و لا قطع فيما دون ذلك و إن بلغت قيمته ثلاثة دراهم، و لا يشترط بلوغ دينار أو عشرة دراهم(1).

و لو كان فيه غشّ أو تبر يحتاج إلى تصفيته، لم يجب القطع حتّى يبلغ ما فيه من الذّهب ربع دينار.

و لو سرق ربع دينار قراضة أو تبرا خالصا، أو حليّا و نقص عن ربع دينار خالصا، فلا قطع، و لو بلغ ربع دينار خالصا، و نقص عن ربع دينار مضروب، فلا قطع، و قوّى الشيخ رحمه اللّه عدم اشتراط الضرب(2).

ص: 356


1- . ردّ على عطاء و أبي حنيفة حيث قالا: لا تقطع اليد إلاّ في دينار أو عشرة دراهم. لاحظ المغني لابن قدامة: 242/10-243.
2- . المبسوط: 19/8.

و يقطع في خاتم وزنه سدس دينار، و قيمته ربع، و الدينار هو المثقال من مثاقيل الناس الآن لم يتغيّر.

6851. الثّاني:

يشترط في المسروق الماليّة، فلو سرق ما ليس بمال كالحرّ، فلا قطع فيه، صغيرا كان أو كبيرا، بل يقطع إذا سرق حرّا صغيرا و باعه، ليرتدع و ينزجر هو و غيره في المستقبل،(1) و لو كان(2) على الحرّ ثياب أو حليّ بقدر النّصاب.

و لو سرق عبدا صغيرا فعليه القطع، و لو كان كبيرا نائما أو مجنونا أو أعجميّا لا يميّز سيّده عن غيره في الطاعة، قطع سارقه، لأنّه كالصّغير، و لو كان كبيرا مميّزا فلا قطع.

و لو كانت المجنونة أو النائمة أمّ ولد قطع سارقها كالقنّ ، و كذا المدبّر و المكاتب المشروط.

و لو سرق من مال المكاتب، قطع إن لم يكن سيّده، و لو سرق نفس المكاتب فلا قطع عليه، لأنّ ملك سيّده ليس بتامّ عليه، فإنّه لا يملك منافعه و لا استخدامه و لا أخذ أرش الجناية عليه.

6852. الثالث:

كلّ ما يعدّ مالا يقطع سارقه، سواء كان طعاما، أو ثيابا، أو حيوانا، أو أحجارا، أو صيدا،(3) أو نورة، أو زرنيخا، و سواء كان الطعام رطبا يسرع الفساد إليه كالفاكهة و الطبائخ أو لا،(4) و كذا يقطع لو سرق ما كان أصله

ص: 357


1- . يقطع لغاية العبرة، حتّى لا يقوم به غيره لا من حيث سرقته للمال.
2- . وصليّة راجعة إلى قوله «فلا قطع» و إن كان على الحرّ...
3- . في «أ»: أو عبدا.
4- . ردّ على الحنفيّة حيث قالوا: لا قطع على سارق الطعام الرطب الّذي يتسارع إليه الفساد. لاحظ المغني لابن قدامة: 247/10-248.

مباحا في دار الإسلام، كالصّيد و الخشب، و إن لم يكن ساجا و لا أبنوسا(1) و لا صندلا و لا قنا(2) و لا معمولا من الخشب، و كذا يقطع لو سرق النّورة، و الجصّ ، و الزرنيخ، و الملح، و الحجارة، و اللّبن، و الفخّار، و الزّجاج، و القرون.

لو سرق ماء محرزا فبلغت قيمته النّصاب قطع، و كذا التّراب، و الطين الأرمني، و غيره.

و يقطع سارق المصحف.

و لو سرق عينا موقوفة، فإن قلنا بانتقال الوقف إلى الموقوف عليه، قطع، و إلاّ فلا.

و في الطّير، و حجارة الرّخام رواية(3) بسقوط الحدّ.

6853. الرابع:

يشترط في الحدّ أخذ المسروق من حرز، فلا قطع على من سرق من الأرحية، و الحمّامات، و المواضع المأذون في غشيانها كالمساجد.

و هل يصير حرزا بمراعاة المالك لها؟

قال الشيخ رحمه اللّه في الخلاف(4) و المبسوط(5): نعم و منع ابن إدريس من ذلك(6) و يلوح من كلامه في النهاية المنع، فإنّه قال: فأمّا المواضع الّتي يطرقها

ص: 358


1- . الآبنوس: شجر من فصيلة الابنوسيّات، يعيش في البلدان الحارّة، خشبه ثمين، أسود اللون. المنجد.
2- . القنا بالقصر جمع القناة و هي الرّمح. مجمع البحرين.
3- . الوسائل: 516/18، الباب 22 و 23 من أبواب حد السّرقة.
4- . الخلاف: 420/5، المسألة 6 من كتاب السرقة.
5- . المبسوط: 24/8 و 36.
6- . السرائر: 502/3.

النّاس كلّهم، و ليس يختصّ بواحد دون غيره، فليست حرزا، كالخانات و الحمّامات و المساجد و الأرحية و ما أشبه ذلك من المواضع، فإن كان الشّيء في أحد هذه المواضع مدفونا، أو مقفّلا عليه، فسرقه إنسان، كان عليه القطع، لأنّه بالقفل و الدّفن قد أحرزه.(1)

6854. الخامس:

يشترط في القطع السرقة من حرز، فلا بدّ من الشرطين:

السرقة و الحرز، فلو سرق من غير حرز، أو انتهب من حرز فلا قطع، و الأقوى عندي ما اختاره ابن إدريس، و هو أنّ الحرز واحد في جميع الأموال، و قال الشيخ رحمه اللّه: إنّه يختلف فما كان حرزا لمثله ففيه القطع، و ما لم يكن حرزا لمثله في العرف فلا قطع، فحرز البقل و الخضروات في دكّان من وراء شريجة(2) يغلق أو يقفل عليها، و حرز الذّهب الفضّة و الجوهر و الثّياب، في الأماكن الحريزة في الدّور الحريزة، و تحت الأغلاق الوثيقة، و كذا الدّكاكين و الخانات الحريزة، فمن جعل الجوهر في دكّان البقل، تحت شريجة (قصب)(3) فقد ضيّع ماله(4) ثمّ قوّى الشيخ بعد هذا ما اخترناه من تساوي الحرز بالنسبة إلى الجميع.(5)

6855. السّادس:

قال الشيخ رحمه اللّه: الإبل إذا كانت راعية، فحرزها بنظر الرّاعي إليها مراعيا لجميعها، بأن يكون على نشز مثلا أو على موضع مستو من الأرض، و لو كان خلف جبل ينظر إلى البعض خاصّة، لم يكن الاخر محرزا، و إن كانت

ص: 359


1- . النهاية: 714-715.
2- . في مجمع البحرين: الشريجة ككريمة: ما يضمّ من القصب يجعل على الحوانيت، و شيء ينسج من سعف النخل و نحوه يحمل فيه البطيخ و نحوه.
3- . ما بين القوسين أثبتناه من المصدر.
4- . المبسوط: 22/8.
5- . المبسوط: 22/8.

باركة، فحرزها نظر المالك أو الّذي(1) هي في يده، و إن لم يكن ناظرا إليها، فإنّما تكون محرزة بشرطين: أن تكون معقولة، و أن يكون معها و إن كان نائما، فإن لم تكن معقولة، أو كانت و ليس عندها، لم تكن محرزة، و إن كانت مقطرة، فإن كان سائقا ينظر إليها، فهي محرزة، و إن كان قائدا فإنّما تكون في حرز(2)بشرطين: كونه بحيث إذا التفت إليها شاهدها أجمع، و كثرة الالتفات إليها و المراعاة، قال: و كلّ موضع هي في حرز بالنسبة إليه، فالمتاع المحمول عليها في حرز أيضا، فإن سرق الجمل و حمله، قطع، فإن كان صاحبه نائما عليه، فلا قطع، لعدم خروج يد المالك عنه.(3)

6856. السّابع:

لو كان معه ثوب ففرشه و نام عليه، أو اتّكأ إليه، أو توسّده، فهو في حرز في أيّ موضع كان في بلد أو بادية، قال الشيخ رحمه اللّه: فإن تدحرج عن الثوب زال الحرز، و إن كان بين يديه متاع كالثياب بين يدي البزّاز، فحرزها النظر إليها، فإن سرق من بين يديه و هو ينظر إليه، ففيه القطع، و إن سها أو نام عنه زال الحرز(4) و عندي في ذلك كلّه نظر.

6857. الثّامن:

إذا ضرب فسطاطا أو خيمة، و شدّ الأطناب، و جعل متاعه فيها، فإن لم يكن معها، فليست في حرز، و إن كان معها نائما أو غير نائم قال الشيخ:

فهو و ما فيها في حرز، فإن سرق (سارق)(5) قطعة منها فبلغ نصابا، أو سرق من جوفها، ففيه القطع، لأنّ الخيمة حرز لما فيها، و كلّ ما كان حرزا لما فيه، فهو حرز في نفسه(6) و عندي في ذلك نظر.

ص: 360


1- . في «ب»: و الّذي.
2- . في «أ»: في حرزه.
3- . المبسوط: 23/8.
4- . المبسوط: 24/8.
5- . ما بين القوسين يوجد في المصدر.
6- . المبسوط: 24/8.

قال الشيخ رحمه اللّه البيوت إن كانت في برّية، أو في البساتين، أو الرباطات في الطّرق، فليست حرزا ما لم يكن صاحبها فيها، سواء أغلقت أبوابها أو لم تغلق، لأنّ النّاس لا يعدّون مثل هذه حرزا مع الغيبة، و إن كان صاحبها فيها، و أغلق الباب، فهي حرز نام أو لم ينم، و إن كانت في بلد أو قرية، فهي حرز مع الإغلاق، و إن لم يكن صاحبها فيها.

و أمّا الدور و المنازل، فإن كان باب الدّار مغلقا، فكلّ ما فيها و في خزائنها في حرز، و إن كان باب الدّار مفتوحا، و أبواب الخزائن مفتّحة، فلا حرز، و إن كان باب الدّار مفتوحا، و باب الخزانة مغلقا، فما في الخزائن في حرز، و ما في الدّار في غير حرز، و إن كان المالك فيها و باب الدّار مفتوحا، فإن كان المالك مراعيا لما فيها فهي في حرز، و إلاّ فلا.

و آجرّ(1) الحائط في حرز، و كذا باب الدّار المنصوب، سواء كان مغلقا أو مفتوحا.

و أمّا باب الخزانة، فإن كانت الدار مغلقة فهي في حرز، و إن كانت مفتوحة، فإن كان باب الخزانة مغلقا، فهي في حرز، و إلاّ فلا، فحلقة باب الدّار المسمّرة فيها في حرز، فإن بلغت نصابا فعلى قالعها القطع. هذا خلاصة ما ذكره رحمه اللّه(2).

و ينبغي أن يشترط عدم الزحام الشّاغل للحسّ عن حفظ المتاع، و الملحوظ بعين الضّعيف في الصّحراء ليس محرزا إذا كان لا يبالي به، و المحفوظ في قلعة محكمة إذا لم يكن ملحوظا، ليس محرزا.

ص: 361


1- . الاجر بالمدّ و التشديد أشهر من التخفيف: اللبن إذا طبخ، و الواحدة آجرّة و هو معرّب. مجمع البحرين.
2- . المبسوط: 24/8-25.

و لو ادّعى السّارق أنّ المالك نام و ضيّع، سقط القطع بمجرّد دعواه.

و الغنم محرزة بإشراف الرّاعي عليها عند الشّيخ(1) و فيه نظر.

6858. التاسع:

قال الشيخ رحمه اللّه: يقطع سارق ستارة الكعبة(2) و فيه نظر لتساوي الناس في الانتساب إليها، و لو أخرج من البيت إلى صحن الخان شيئا، قطع، لأنّه أخرجه من حرز إلى غير حرز و إن كان باب الخان(3) مغلقا، لاشتراك الناس في الصّحن، و لو انفرد بالدّار، فإن كان باب البيت و الدّار مفتوحين، أو مغلقين، او كان باب البيت مفتوحا و باب الدّار مغلقا، فلا قطع، و لو انعكس الأخير قطع.

و لو نقله من زاوية من الحرز إلى زاوية أخرى، فلا قطع، أمّا لو أخرجه من بيت مغلق إلى بيت آخر مغلق، و كانت باب الدار الّتي استطرقها مفتوحة، فالأقرب القطع، و لو أخرجه من الصّندوق المقفّل إلى البيت المغلق أو الدّار المغلقة، فلا قطع.

6859. العاشر:

لا قطع على من سرق من الجيب أو الكمّ الظاهرين، و يقطع لو كانا باطنين، و لو سرق ثمرة على شجرها لم يقطع، و لو أحرزت فسرقها بعد الإحراز قطع.

و روي عن الصادق عليه السّلام أنّه قال:

ص: 362


1- . المبسوط: 23/8-24.
2- . المبسوط: 33/8؛ الخلاف: 429/5، المسألة 22 من كتاب السّرقة.
3- . في «ب»: باب البيت.

«لا قطع على من سرق مأكولا في عام مجاعة».(1)

و لو استحفظ رجل آخر متاعه في المسجد فسرق، فإن كان قد فرّط في مراعاته و نظره إليه، فعليه الغرم إن كان قد التزم حفظه، و إن لم يلتزم و لم يجبه إلى ما سأله، لكن سكت، لم يلزم غرم و لا قطع على السارق في الموضعين، و إن حفظ المتاع بنظره إليه فسرق، فلا غرم عليه، و على السارق القطع على ما اختاره الشيخ.(2)

و لو هدم الحائط فلا قطع على من سرق الآجر منه، و كذا لو هدم السارق الحائط و لم يأخذه، فلا قطع، كما لو أتلف المتاع في الحرز.

و لو كانت الدّار في الصحراء لا حافظ فيها، لم يكن حائطها محرزا.

و لو سرق باب مسجد منصوبا، أو باب الكعبة المنصوب، فيجب على قول الشيخ رحمه اللّه القطع(3) و فيه نظر، أقربه العدم.

6860. الحادي عشر:

لو آجر بيتا ثمّ نقبه و سرق مال المستأجر، قطع، و كذا لو أعار بيتا ثمّ نقبه و أخذ مال المستعير.

و لو غصب بيتا فأحرز فيه ماله، فسرقه منه أجنبيّ أو المغصوب منه، فلا قطع.

6861. الثّاني عشر:

النبّاش إذا سرق الكفن قطع، سواء كان القبر في بريّة ضائعة(4) أو في بيت محروس، أو من مقابر البلاد.

ص: 363


1- . الوسائل: 520/18، الباب 25 من أبواب حدّ السرقة، الحديث 3.
2- . لاحظ المبسوط: 24/8 و 36؛ الخلاف: 420/5، المسألة 6 من كتاب السرقة.
3- . المبسوط: 25/8.
4- . أي بريّة مهملة ليس حولها عمارة. لاحظ العزيز شرح الوجيز للرافعي: 204/11-205.

و المطالب بالقطع الوارث و إن كان الكفن من متبرّع، لأنّه ملّكه، و لهذا لو أكل الميّت سبع أو أخذه سيل، كان الكفن للوارث.

و لا بدّ من إخراج الكفن، فلو أخرجه من اللحد، و وضعه في القبر فلا قطع.

و الكفن الّذي يقطع بسرقته ما كان مشروعا، و هو خمسة أثواب للرجل و سبعة للمرأة، الواجب و الندب، و العمامة للرّجل و القناع للمرأة ليسا من الكفن، و كذا ما يلبس الرّجل أو المرأة زيادة على ما ذكرنا، فلا يقطع بأخذه و إن بلغ نصابا.

و لو ترك في تابوت فسرق التابوت، أو ترك معه ذهبا أو فضّة أو جواهر، لم يقطع بشيء منها.

و لا يفتقر الحاكم في قطع النّبّاش إلى مطالبة الوارث إن قلنا إنّه يقطع زجرا.

و هل يشترط بلوغ قيمة الكفن النصاب ؟ قيل: نعم(1) و قيل: يشترط في المرّة الأولى، دون الثانية و الثالثة(2) و قيل: لا يشترط،(3) و الأقرب الأوّل.

و لو نبش و لم يأخذ عزّر، فإن تكرّر منه الفعل و فات السلطان، جاز له قتله، ليرتدع غيره عن مثله.

6862. الثالث عشر:

لو سرق ما يتوهّم أنّه لا يبلغ النّصاب و كان بالغا، قطع،

ص: 364


1- . القائل هو المفيد في المقنعة: 804؛ و سلاّر في المراسم: 258؛ و الحلبي في الكافي في الفقه: 412؛ و ابن زهرة في الغنية: قسم الفروع: 434؛ و ابن حمزة في الوسيلة: 423؛ و الكيدري في اصباح الشيعة: 524.
2- . هذا القول اختاره ابن إدريس في أوّل كلامه إلاّ انّه رجع عنه. لاحظ السرائر: 512/3 و 514.
3- . ذهب إليه الشيخ في النهاية: 722؛ و القاضي في المهذّب: 542/2.

فلو سرق دنانير ظنّها فلوسا لا يبلغ نصابا، قطع، و لو سرق قميصا قيمته دون النّصاب، لكن في جيبه دينار لا يعرف به، فالأقرب القطع.

الفصل الثالث: في الحجّة و فيه ثمانية مباحث:

6863. الأوّل:

و هي إمّا بالإقرار أو البيّنة، و يشترط في الإقرار صدوره عن البالغ، العاقل، الحرّ، المختار، فلا عبرة بإقرار الصبيّ ، و لا المجنون، و لا المكره، و لا يجب على العبد القطع بإقراره، فإن صدّقه المولى، فالأولى القطع، و لا يكفي إقرار المولى دون اعتراف العبد، بل يكون المولى شاهدا واحدا إن كان عدلا.

6864. الثّاني:

لو أقرّ المكره لم ينفذ إقراره لا في القطع و لا في الغرم، فلو اتّهم بالسرقة فأنكر، فضرب و اعترف، ثمّ ردّ السرقة بعينها، قال الشيخ رحمه اللّه:

يقطع(1)، و قيل: لا يقطع لاحتمال كون المال في يده من غير جهة السرقة(2)و هو جيّد.

6865. الثّالث:

يشترط في الإقرار العدد، و هو صدوره من أهله مرّتين،

ص: 365


1- . النهاية: 718.
2- . ذهب إليه الحلّي في السرائر: 490/3.

فلا قطع لو أقرّ مرّة واحدة، بل يجب الغرم في المال خاصّة، و لو أقرّ مرّة و رجع، لم يقطع، لأنّه لا يجب بالمرّة القطع من دون الرجوع، فمعه أولى، و يجب غرم المال، و لا يقبل الرجوع فيه.

و لو أقرّ مرّتين و رجع، وجب غرم المال إجماعا، و هل يقطع ؟ قال الشيخ:

لا(1) و ابن إدريس أوجب القطع.(2)

6866. الرابع:

يثبت القطع بشهادة عدلين، و لا يثبت بشهادة الواحد، نعم يحلف صاحب المال مع شاهده، و يأخذ المال، و يسقط القطع، و لو شهد رجل و امرأتان ثبت المال، و لا قطع أيضا، و لو ادّعى عليه السرقة فأنكر، كان له إحلافه في المال، فإن ردّ اليمين على المدّعي أحلف للمال لا للقطع.

و لو ادّعى عليه الزنا بجاريته بالإكراه، كان له الإحلاف لإسقاط العقر(3)فإن ردّ اليمين، كان له أن يحلف و يثبت العقر لا الحدّ.

6867. الخامس:

لو قامت البيّنة بالسرقة من غير مرافعة المالك، لم يقطع، و إنّما القطع موقوف على مطالبة المالك، فلو لم يرافعه لم يرفعه الإمام و إن قامت البيّنة، و لو وهبه المسروق سقط الحدّ، و كذا لو عفا عن القطع، فأمّا بعد المرافعة فلا يسقط بهبة و لا عفو.

و لو سرق مالا فملكه قبل المرافعة، سقط الحدّ، و لو ملكه بعد المرافعة لم يسقط.

ص: 366


1- . النهاية: 718.
2- . السرائر: 490/3-491.
3- . في مجمع البحرين: العقر بالضم: دية فرج المرأة إذا غصبت على نفسها، ثمّ كثر ذلك حتّى استعمل في المهر.
6868. السّادس:

لا تسمع البيّنة على السّرقة مطلقا، بل لا بدّ فيه من التفصيل لما فيه من اشتراط الحرز و النصاب، و قد يخفى مثل هذا على أكثر الناس، و كذا شهادة الزنا، أمّا القذف المطلق فموجب للحدّ.

و إذا قامت شهادة حسبة على السرقة في غيبة المالك، سمع الحاكم لكن لا يقطع إلاّ أن يرافعه المالك، و لو قامت بيّنة الحسبة في الزنا بجارية، حدّ دون حضور المالك، و إذا حضر المالك بعد شهادة الحسبة و طلب، قطع من غير استئناف للشهادة.

6869. السّابع:

لو ادّعى السّارق الملك بعد البيّنة، اندفع القطع عنه و إن لم يكذب الشاهد، مثل أن يقول: كان قد وهب منّي قبل السرقة، و الشاهد اعتمد على الظاهر و إن نفى أصل ملك المسروق منه، و لو شهدت البيّنة بالملك، قطع و إلاّ فلا.

6870. الثّامن:

يشترط في الشهادة على السّرقة معرفة الشاهدين بملك المسروق منه العين المسروقة، و إقرار السّارق(1) له بالملك، فلو شاهدوه قد(2)نقب و أخذ المال و لم يعلموا أنّه للمسروق منه، و تناكر المسروق منه و السارق في الملك، فلا قطع، و كذا يشترط مشاهدتهم له و قد هتك الحرز أو اعترف عندهم بذلك.

ص: 367


1- . كذا في «ب» و لكن في «أ»: أو إقرار السارق.
2- . في «أ»: فلو شاهدوه و قد.

الفصل الرّابع: في الحدّ و فيه سبعة مباحث:

6871. الأوّل:

إذا سرق البالغ العاقل النصاب، وجب عليه ردّ المال، و قطع يده اليمنى، و المراد باليد هنا الأصابع الأربع، و يترك له الرّاحة و الإبهام، و لا يقطع من الكوع، فإن سرق ثانية، قطعت رجله اليسرى من مفصل القدم، و يترك له العقب يعتمد عليها في الصّلاة، فإن سرق ثالثة حبس دائما يخلد في السّجن، فإن سرق في السّجن من حرز النّصاب بعد ذلك، قتل.

و لو تكرّرت السرقة و لم يقطع، كفى قطع واحد.

6872. الثاني:

لو سرق من جماعة و رفع إلى الإمام، تداخلت الحدود، و وجب قطع اليمنى لا غير، سواء جاءوا به مجتمعين أو متفرّقين، أمّا لو سرق فقطع، ثمّ سرق ثانيا قطع ثانيا سواء سرق من الّذي سرق منه أوّلا أو من غيره، و سواء سرق تلك العين الّتي قطع بها أو غيرها.

6873. الثالث:

إذا سرق و كانت يمينه شلاّء قطعت، و لا يقطع يسراه، و لو كانت اليسار شلاّء، أو كانتا شلاّءين، قطعت اليمنى، و لو لم يكن له يسار قطعت أيضا، و في رواية: لا يقطع(1) و الوجه الأوّل.

ص: 368


1- . الوسائل: 502/18، الباب 11 من أبواب حدّ السّرقة، الحديث 3.

و لو كانت له يمين حين السّرقة فذهبت، لم يقطع اليسار، و لو سرق و لا يمين له، قال في النهاية: قطعت يساره(1) و في المبسوط: ينتقل إلى رجله(2)و لو لم يكن له يسار، قطعت رجله اليسرى.

و لو سرق و لا يد له و لا رجل، حبس(3)، و في الجميع إشكال ينشأ من تعلّق الحدّ بعضو، فلا ينتقل إلى غيره.

و قال في النهاية: إذا لم يكن له اليمنى، فإن كانت قطعت في قصاص أو غير ذلك، و كانت له اليسرى، قطعت اليسرى، فإن لم تكن له أيضا اليسرى، قطعت رجل اليمنى، فإن لم يكن له رجل، لم يكن عليه أكثر من الحبس(4).

و قال [الشيخ] في المسائل الحلبيّة: المقطوع اليدين و الرّجلين إذا سرق ما يوجب القطع، وجب أن نقول: الإمام مخيّر في تأديبه و تعزيره، أي نوع أراد يفعل، لأنّه لا دليل على شيء بعينه، و إن قلنا يجب أن يحبس أبدا، لانتفاء إمكان القطع، و غيره ليس بممكن، و لا يمكن إسقاط الحدود، كان قويّا.(5)

و اختار ابن إدريس التعزير.(6)

6874. الرابع:

لو تاب قبل ثبوت الحدّ، سقط القطع دون الغرم، و لو تاب بعد قيام البيّنة، وجب القطع، و لم تقبل توبته في إسقاط القطع، فلو تاب بعد الإقرار

ص: 369


1- . النهاية: 717.
2- . المبسوط: 39/8.
3- . لاحظ النهاية: 718.
4- . النهاية: 717.
5- . نقله الحلّي في السرائر: 489/3. و لم نعثر على هذه المسائل.
6- . السرائر: 490/3.

دفعتين، قال الشيخ رحمه اللّه: يتخيّر الإمام في العفو و الاستيفاء(1) و منع ابن إدريس و أوجب القطع.(2)

6875. الخامس:

إذا أريد قطع السارق أجلس و ضبط لئلاّ يتحرّك فيجني على نفسه، و تشدّ [يده] بحبل و تمدّ حتّى تبين مفاصل الأصابع، و يوضع على أصلها سكّين حادّة، و يدقّ من فوقه دقّة واحدة، حتّى ينقطع، أو يقطع بآلة حادّة يمدّ عليها مدّة واحدة، و لا يكرّر القطع فيعذّبه، فإذا قطعت الأصابع استحبّ حسم اليد بالزّيت المغليّ ، فيجعل اليد فيه حتّى ينحسم خروج الدّم، و تنسدّ أفواه العروق.

فإذا قطعت أصابعه، قال الشيخ رحمه اللّه: تعلّق في عنقه ساعة، لأنّه أردع(3).

و لا ينبغي إقامة الحدّ في حرّ أو برد، و لو فعل ذلك جاز، و لو مات بالسراية فلا ضمان و إن كان في الحرّ أو البرد.

6876. السّادس:

لو كانت له إصبع زائدة، فإن كانت خارجة عن الأربع، بقيت(4) على حالها، و إن كانت ملتصقة بإحداها، فالأقرب ترك قطع الأصليّة إذا لم يمكن إبقاء الزائدة إلاّ بها، و لو أمكن قطع بعض الأصليّة قطع.

و لو كانت يده ناقصة إصبعا أو إصبعين أو ثلاثا اكتفينا بقطع الباقي، و لا يتعدّى القطع إلى الإبهام و لا إلى زائدة في سمت الأربع، و لو لم يكن له إلاّ الكفّ فعلى قول الشيخ رحمه اللّه ينتقل إلى اليسار.(5)

ص: 370


1- . النهاية: 718.
2- . السرائر: 491/3-492.
3- . المبسوط: 36/8.
4- . في «أ»: ثبت.
5- . لاحظ النهاية: 717.
6877. السّابع:

لو سبق الحدّاد فقطع اليسرى عمدا، فالقصاص عليه، و القطع باق، و إن غلط، فالأقرب وجوب الدية عليه و بقاء الحدّ، و في رواية محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام: إنّ عليّا قال:

«لا تقطع يمينه و قد قطعت شماله».(1)

و لو كان على معصم(2) واحد كفّان، قطعت أصابع الأصليّة.

الفصل الخامس: في اللواحق و فيه خمسة عشر بحثا:

6878. الأوّل:

يشترط في القطع إخراج النّصاب من الحرز، سواء حمله إلى منزله أو تركه خارجا من الحرز، و سواء أخرجه بمباشرة أو رمى به إلى خارج الحرز، أو شدّ فيه حبلا، ثمّ خرج،(3) فمدّه به، أو شدّه على بهيمة ثمّ ساقها به، أو تركه في نهر جار فخرج به، ففي هذا كلّه يجب القطع، و سواء دخل الحرز فأخرجه، أو نقبه ثمّ أدخل إليه يده أو عصا فاجتذبه، سواء كان البيت صغيرا لا يمكنه دخوله، أو كبيرا.

و لو رمى المتاع فأطارته الرّيح فأخرجته، فعليه القطع، لأنّ ابتداء الفعل منه، كما قلنا في الماء.

ص: 371


1- . الوسائل: 496/18، الباب 6 من أبواب حدّ السّرقة، الحديث 1.
2- . المعصم وزان مقود: موضع السوار من السّاعد. المصباح المنير: 74/2.
3- . في «أ»: ثمّ أخرج.

و لو ترك المتاع على دابّة فخرجت بنفسها من غير سوق، أو ترك المتاع في ماء راكد فانفتح فخرج المتاع، أو على حائط في الحرز فأطارته الريح، فالأقرب سقوط القطع.

و لو دخل حرزا فاحتلب لبنا من ماشية و أخرجه، قطع، و لو شربه في الحرز، أو شرب منه ما ينقص النّصاب فلا قطع.

6879. الثّاني:

لو نقب و أخذ النّصاب، و أحدث منه حدثا ينقص به قيمته عن النصاب، ثمّ أخرجه، فلا قطع، كما لو خرق الثوب أو ذبح الشّاة فنقصت القيمة عن ربع دينار، و لو نقصت القيمة في الثوب بالشّقّ و في الشاة بالذّبح، و لم ينقص عن النّصاب، ثمّ أخرجهما و قيمتهما بعد الشّق و الذّبح نصاب، قطع.

و لو ابتلع جوهرة قيمتها النّصاب، و تعذّر إخراجها بعد خروجه، سقط القطع، لأنّه كالتالف و لو خرجت حينئذ، و لا يسقط الضمان على التقديرين، و لو كان خروجها ممّا لا يتعذّر بالنّظر إلى عادته قطع، لأنّه كالايداع في الوعاء.

و لو تطيّب في الحرز بطيب، و خرج و لم يبق عليه من الطّيب ما إذا جمع كان نصابا، فلا قطع، و إن بلغ وجب القطع.

و لو سحب منديلا أو عمامة أو خشبة، و خرج ببعضه إلى خارج الحرز (و بقي الباقي في الحرز)(1) فلا قطع، سواء كان الخارج بقدر النّصاب أو أقلّ .

6880. الثالث:

لا يشترط إخراج النّصاب دفعة على الأقوى، فلو أخرجه في دفعات، فالأقرب وجوب الحدّ إن لم يتخلّل اطّلاع المالك، و لم يطل الزمان

ص: 372


1- . ما بين القوسين يوجد في «أ».

بحيث لا يسمّى سرقة واحدة، كما لو أخرجه في ليلتين، و إخراج البرّ شيئا فشيئا على الفواصل في حكم الدّفعة، و كذا جرّ المنديل شيئا فشيئا.

و لو جمع من البذر المبثوث في الأرض المحرزة ما يبلغ نصابا قطع، و لو أخرج نصابا من حرزين، فلا قطع إلاّ أن يكونا في دار واحدة.

6881. الرابع:

لو اشترك نفسان فما زاد في سرقة، فإن بلغ نصيب كلّ واحد منهم نصابا، وجب القطع عليهم أجمع، و لو قصر فلا قطع، و هو أقوى قولي الشيخ رحمه اللّه(1) و في النهاية: إذا سرق نفسان فصاعدا ما قيمته ربع دينار، وجب عليهما القطع(2).

و لو سرق الاثنان ما يبلغ قيمته نصف دينار قطعا، و لو كان احدهما ممّن لا قطع عليه كأبي المسروق منه، قطع الاخر.

و لو أقرّ بمشاركة سارق فأنكر الاخر، قطع المقرّ خاصّة.

6882. الخامس:

لو هتك الحرز جماعة و دخلوا، فأخرج بعضهم المتاع اختصّ بالقطع، و لا قطع على الآخرين، سواء كان نصيب كلّ واحد نصابا أو أقلّ ، و لو أخرج أحدهما دون النصاب، و الاخر أكثر من النصاب، فكمل النّصابين، فالقطع على الاخر خاصّة، دون من أخرج الأقلّ ، و لو أخرج أحدهما دون النصاب، و الاخر نصابا تامّا، فالحدّ على من أخرج النصاب وحده.

و لو دخلا دارا أحدهما في سفلها جمع المتاع و شدّه بحبل، و الاخر في

ص: 373


1- . ذهب إليه في الخلاف: 420/5، المسألة 8 من كتاب السرقة.
2- . النهاية: 718-719.

علوّها مدّ الحبل فرمى به وراء الدار، فالقطع على المخرج خاصّة إن كان قد هتك الحرز، و إلاّ فلا قطع عليهما.

و كذا لو نقبا نقبا، و قرّبه أحدهما من النقب و أدخل الخارج يده فأخرجه، فالقطع على المخرج.

و كذا لو وضعها الداخل في وسط البيت، و أخرجها الخارج، فالقطع على المخرج.

و قال في المبسوط: لا قطع على أحدهما، لأنّ كلّ واحد منهما لم يخرجه عن كمال الحرز(1).

و لو نقب أحدهما وحده، و دخل الاخر وحده فأخرج المتاع، فلا قطع على أحدهما، لأنّ الأوّل لم يسرق، و الثاني لم يهتك، و كذا لو نقب رجل و أمر غيره فأخرج المتاع و إن كان المأمور صبيّا مميّزا، و إن لم يكن مميّزا قطع الامر.

و لو اشتركا في النقب، و دخل أحدهما فأخرج المتاع وحده، أو أخذه و ناوله للآخر خارجا من الحرز، أو رمى به إلى خارج الحرز، فأخذ الاخر، فالقطع على الداخل وحده.

6883. السّادس:

قطع السارق موقوف على مطالبة المسروق منه، على ما تقدّم، فلو سرق و قال: سرقت ملكي سقط القطع بالدّعوى، لأنّه صار خصما في المال، فلا يقطع بحلف غيره، و لو قال المسروق منه: هو لك فأنكر، فلا قطع،

ص: 374


1- . المبسوط: 26/8-27.

و لو قال السارق: هو ملك شريكي(1) في السرقة، فلا قطع، و إن أنكر شريكه، و يقطع المنكر.

و لو قال العبد السارق: هو ملك سيّدي فلا قطع، و إن كذّبه السيّد.

و لو أخرج المال و أعاده إلى الحرز قيل: لا يسقط القطع، لوجود السبب(2)و فيه نظر من حيث إنّ القطع موقوف على المرافعة، فإذا دفعه إلى صاحبه لم يبق له مطالبة.

و لو سرق مالا فملكه قبل المرافعة، سقط الحدّ، و لو ملكه بعدها لم يسقط، أمّا لو أقرّ المسروق منه انّ العين كانت ملكا للسّارق، أو قامت له به بيّنة، أو أنّ له فيه شبهة، أو أنّ المالك أذن له في أخذها لم يقطع، و ل ؟؟؟ أقرّ له بالعين سقط، لأنّ إقراره يدلّ على تقدّم ملكه.

و لو أخرجها و قيمتها النصاب، فلم يقطع حتّى نقصت قيمتها، قطع.

6884. السّابع:

يجب على السارق ردّ العين، و إن تلفت وجب عليها المثل أو القيمة إن لم يكن لها مثل، أو كان و تعذّر، و إن نقصت فعليه أرش النّقصان، و لو مات صاحبها دفعت إلى ورثته، و إن لم يكن وارث فإلى الإمام.

و لا يسقط الغرم بالقطع، و كذا لا يسقط القطع بالغرم، سواء كان السّارق موسرا أو معسرا و لو سرق مرّات كثيرة و قطع، غرم الجميع و الأخيرة أيضا(3).

ص: 375


1- . في «ب»: ملك شريك.
2- . ذهب إليه الشيخ في المبسوط: 29/8.
3- . ردّ على أبي حنيفة حيث قال: لو سرق مرّات ثمّ قطع، يغرم الكلّ إلاّ الأخيرة. لاحظ المغني لابن قدامة: 279/10.

و لو صبغه السارق فزادت قيمته، وجب ردّه و القطع معا.

6885. الثّامن:

لو سرق و لم يقدر عليه، ثمّ سرق ثانية، قطع بالأولى لا بالأخيرة، و غرم المالين معا، و لو قامت الحجّة بالسّرقة، ثمّ أمسك حتّى قطع، ثمّ شهدت عليه بالأخرى، قال في النهاية: قطعت [يده بالأولى و] رجله بالثّانية(1).

و منع من القطع الثاني بعض علمائنا(2) و هو حسن.

6886. التاسع:

يشترط في المال المسروق الحرمة، فلا قطع على من سرق خمرا أو خنزيرا من مسلم أو ذمّي، و لا على سارق الطنبور و الملاهي و أواني الذّهب و الفضّة الّتي يجوز كسرها إذا قصد السارق بإخراجه الكسر، و إن قصد السرقة، و رضاضها نصاب قطع، و يصدّق في قصده.

و من الشبهة المؤثّرة ظنّ السارق ملك المسروق، أو ملك الحرز، أو كون المسروق ملك ولده.

و ليس من الشّبهة كون الشيء مباح الأصل، كالحطب و لا كونه رطبا، كالفواكه، و لا كونه متعرّضا(3) للفساد، كالمرقة و الشمع المشتعل و إن كان حقّا يعتقده(4).

6887. العاشر:

إذا نقب أو فتح الباب المغلق فقد تحقّقت السّرقة، و كذا لو صعد على الحائط الممتنع و نزل منه إلى الدار، فإن نقب منه، و عاد للإخراج ليلة أخرى، قطع إلاّ ان يطّلع المالك و يهمل.

ص: 376


1- . النهاية: 719.
2- . لاحظ السرائر: 494/3.
3- . في «أ»: معرضا.
4- . في «ب»: خفيا يعتقده.

و لو أخرج شاة فتبعها سخلها أو غيره، فلا قطع في التابع.

و لو حمل حرّا و معه ثيابه فلا قطع في الثياب، و فيه نظر إلاّ أن يكون ضعيفا، فيضمنها و لا قطع لأنّه ليس بسارق.

6888. الحادي عشر:

يستوي في القطع الحرّ و العبد، و الأمة، و الحرّة، و المسلم، و الذّمّي، و الحربيّ ، و المعاهد، و يستوي في القطع من الذّمي قهرا إذا سرق مال مسلم، و إن سرق مال ذمّي فإذا ترافعوا إلينا.

6889. الثّاني عشر:

ينبغي للحاكم التعريض بالإشارة على السّارق بالإنكار، فيقول: ما أظنّك سرقت.

6890. الثّالث عشر:

لو سرق صليبا من ذهب أو فضّة يبلغ ربع دينار، قطع، و كذا لو سرق إناء معدّا لحمل الخمر، لأنّ الإناء لا تحريم فيه، و إنّما يحرم عليه نيّته و قصده، فكان كما لو سرق سكّينا معدّة لقطع الطريق.

و لو سرق إناء فيه خمر تبلغ قيمته النّصاب قطع، و يقطع من سرق من بيت المال.

6891. الرابع عشر:

لو اختلف الشّاهدان في الزمان، فقال أحدهما: سرق يوم الخميس، و الاخر: سرق يوم الجمعة، أو المكان، فقال أحدهما: سرق من هذا البيت المال، و قال الاخر: من بيت آخر، أو العين(1)، فقال أحدهما: سرق ثوبا، و قال الاخر: آنية، فلا قطع.

و لو قال أحدهما: سرق ثوبا أبيض، و قال الاخر: ثوبا أسود، أو قال

ص: 377


1- . عطف على قول «في الزمان» أي اختلفا في الزّمان أو المكان أو العين.

أحدهما: سرق هرويّا، و الاخر: مرويّا، لم يقطع، و كذا لو قال أحدهما: ثورا، و الاخر: بقرة.

6892. الخامس عشر:

لو كان النّصاب مشتركا بين اثنين فما زاد، قطع سارقه، فلو أقرّ أنّه سرق منهما نصابا، فصدّقه أحدهما دون الاخر، لم يقطع، و إن وافقاه قطع.

و لو حضر أحدهما فطالب، و لم يطالب الاخر، لم يقطع.

ص: 378

المقصد السّادس: في حدّ المحارب و فيه واحد و عشرون بحثا:

6893. الأوّل:

المحارب من جرّد السّلاح لإخافة النّاس في بر أو بحر، ليلا كان أو نهارا، في مصر و غيره، و سواء كان في العمران أو في البراري و الصحاري، و على كلّ حال و هل يشترط كونه من أهل الرّيبة(1) الظاهر من كلامه في النهاية الاشتراط(2) و الوجه المنع إذا عرف أنّه قصد الإخافة، سواء كان المحارب ذكرا أو أنثى، خلافا لابن إدريس(3) ثم رجع إلى ما قلناه(4).

ص: 379


1- . أي المتّهم بالإخلال في المجتمع، و هذا ما يعبّر عنه في بعض الكتب بالأشقياء و في الدّر المنضود: 225/3 تقريرا لدروس السيّد الفقيه الكلبايكاني قدّس سرّه «المراد من كونه من أهل الريبة: كونه بحيث يحتمل في حقّه ذلك بأن كان من قبل من أهل الشّر و الفساد، في قبال من كان من الصلاح و السّداد على حال لا يحتمل في حقّه ذلك. و حيث إنّ المراد من المحارب هنا ليس كلّ من أتى بحرام و ارتكب معصية، بل المراد كما تقدّم هو من حارب المسلمين فقد أطلق عليه المحارب للّه و رسوله تعظيما للفعل، فمن قال باعتبار الريبة لعلّه يقول به باعتبار دخل ذلك في صدق عنوانه، و أنّه إذا كانت له سابقة في الشّرارة و الفساد فإنّه يوجب كونه محاربا».
2- . النهاية: 720.
3- . السرائر: 508/3.
4- . السرائر: 510/3.

و هل يثبت لمن جرّد السلاح مع ضعفه عن الإخافة ؟ فيه نظر، أقربه الثبوت، و يكتفي بقصده.(1)

و لا يثبت هذا الحكم للطّليع و لا للرّدء(2)، و إنّما يثبت لمن باشر الفعل، فأمّا من [حضر منهم و](3) كثّر، أو هيّب، أو كان ردا أو معاونا، فإنّما يعزّر و يحبس، و لا يكون محاربا.

6894. الثاني:

اللّصّ محارب فإذا دخل دارا متغلبا كان لصاحبها محاربته، فإن أدّى الدفع إلى قتله ضاع دمه، و لا يضمنه الدافع، و لو جنى اللّصّ عليه ضمن، و يجوز الكفّ عنه، و لو أراد نفس صاحب المنزل وجب الدفع، و حرم الاستسلام، فإن عجز عن المقاومة، و أمكن الهرب، أو الصيّاح وجب.

6895. الثالث:

تثبت المحاربة بشهادة رجلين عدلين و بالإقرار و لو مرّة واحدة، و لا تقبل شهادة النساء منفردات و لا منضمّات.

و لو شهد بعض اللّصوص على بعض، لم تقبل، و كذا لا تقبل شهادة المأخوذين بعضهم لبعض، و تقبل للرفقة بأن يقولوا عرضوا لنا و أخذوا هؤلاء(4)، و لو أضافوا أنفسهم لم تقبل، مثل أن يقولوا أخذوا مال هؤلاء و مالنا.

ص: 380


1- . في «أ»: و يكفى في قصده.
2- . قال ثاني الشّهيدين: الطليع هو الّذي يرقب له من يمرّ بالطّريق و نحوه فيعلمه به، أو يرقب من يخاف عليه منه فيحذّره منه، و الرّدء - بكسر الراء و سكون الدّال المهملة فالهمزة -: هو المعين له فيما يحتاج إليه، من غير أن يباشر متعلّق المحاربة، و إلاّ يكون محاربا. المسالك: 7/15.
3- . زيادة يقتضيها السّياق.
4- . في المبسوط: 54/8 مكان العبارة: «فإن شهدا فقالا: هؤلاء عرضوا لنا و قطعوا الطريق على غيرنا قبلت الشهادة، لأنّ العداوة ما ظهرت بالتّعرض لهم.

6896. الرابع:

اختلف علماؤنا في حدّ المحارب على قولين: فالمفيد رحمه اللّه(1)و ابن إدريس(2) خيّر الإمام بين القتل، و الصلب، و القطع مخالفا، و النّفي مطلقا إلاّ أن يقتل، فيتحتّم القتل.

و قال الشيخ: بالتفصيل(3): فإن كان قد قتل - و لو عفا وليّ الدم - قتله الإمام، و لو قتل و أخذ المال استعيد منه، و قطعت يده اليمنى و رجله اليسرى، ثمّ قتل و صلب، و إن أخذ المال و لم يقتل، قطع مخالفا و نفي، و لو خرج و لم يأخذ المال، اقتصّ منه و نفي و لو اقتصر على شهر السّلاح و الإخافة نفي لا غير، عملا بروايات(4) و الأصحّ الأوّل، عملا بنصّ القرآن في التخيير(5) و برواية جميل بن درّاج الحسنة عن الصادق عليه السّلام.(6)

6897. الخامس:

المحارب إن قتل يقتل مطلقا، سواء كان المقتول مكافئا أو غير مكافئ، كالمسلم بالكافر، و الحرّ بالعبد، و الأب بالولد، فإن عفا وليّ الدّم قتل حدّا.

و يصلب المحارب إذا اختار الإمام صلبه حيّا، على ما ذهبنا إليه من التّخيير، و على قول الشيخ رحمه اللّه يصلبه مقتولا، و لا يترك على خشبة أكثر من ثلاثة أيّام، ثمّ ينزّل و يغسّل، و يكفّن، و يصلّى عليه، و يدفن، و من لا يصلب إلاّ بعد القتل، يؤمر بالغسل قبل القتل، ثمّ لا يجب تغسيله ثانيا.

ص: 381


1- . المقنعة: 804.
2- . السرائر: 507/3.
3- . النهاية: 720.
4- . لاحظ الوسائل: 532/18، الباب 1 من أبواب حد المحارب، الحديث 1 و 54.
5- . المائدة: 33.
6- . الوسائل: 533/18، الباب 1 من أبواب حد السّرقة، الحديث 3.

6898. السّادس:

إذا قتل المحارب غيره طلبا للمال، تحتّم قتله قودا إن كان مكافئا، و حدّا إن لم يكن مكافئا، أو عفا وليّ الدّم، و لو قتل لا لطلب المال فهو كقتل العمد، أمره إلى الوليّ ، يسقط قتله بعفوه، و لو جرح طلبا للمال، فالقصاص إلى الوليّ ، فإن عفا الوليّ ، فالأقرب السقوط.

6899. السّابع:

ينفى المحارب عن بلده و عن كلّ بلد يقصده، و يكتب إلى كلّ بلد يدخله بالمنع من مبايعته و معاملته إلى أن يتوب، فإن قصد بلاد الشرك لم يمكّن من الدخول إليها، فإن مكّنوه قوتلوا حتّى يخرجوه.

6900. الثّامن:

إذا تاب المحارب قبل القدرة عليه، سقط الحدّ دون القصاص في النّفس و الجراح، و دون أخذ المال، و لو تاب بعد الظّفر به لم يسقط الحدّ و لا القصاص و لا ضمان المال.

6901. التاسع:

لا يعتبر في قطع المحارب أخذ النّصاب، خلافا للشيخ في بعض كتبه(1) و لا أخذه من حرز، و هذا إنّما تظهر فائدته على ما ذهب إليه الشيخ، أمّا عندنا فلا، فإنّه يجوز قطعه و إن لم يأخذ المال.

6902. العاشر:

يبدأ في قطع المحارب بيده اليمنى، ثمّ يقطع رجله اليسرى بعد أن تحسم يده، و تحسم اليسرى أيضا، و لو لم تحسم في الموضعين جاز، و يوالى بين القطعين بعد الحسم.

لو فقد أحد العضوين قطعنا الاخر، و لم ينتقل إلى غيره، قال الشيخ رحمه اللّه: إذا كان الطرفان معدومين، قطعنا يده اليسرى و رجله اليمنى.(2)

ص: 382


1- . ذهب إليه الشيخ في الخلاف: 464/5، المسألة 7 من كتاب قطّاع الطريق.
2- . المبسوط: 49/8.

6903. الحادي عشر:

لو مات المحارب بعد أن قتل أخذت الدّية من تركته، و ان قتل جماعة اشتركوا في قتله، فإن قتل بأحدهم كان للآخرين الدّية، و لو عفا الوليّ على مال، قتل حدّا، و أخذت الدّية من تركته إن اختار المحارب الصلح عليها.

و الجرح السّاري يوجب قتلا متحتّما(1).

و من استحقّ يساره بالقصاص، و يمينه بالسرقة، قدّم القصاص، ثمّ يمهل حتّى يندمل، ثمّ يقطع للسّرقة، و لو استحقّ يمينه للقصاص، ثمّ قطع الطّريق، قطعت يمينه للقصاص، و قطعت رجله من غير مهلة.

6904. الثّاني عشر:

إذا اجتمعت حدود مختلفة، كالقذف، و القطع، و القتل، بدئ بالجلد، ثمّ القطع، ثمّ القتل، و لا يسقط ما دون القتل باستحقاق القتل، و لو أخّر مستحقّ الطرف حقّه، استوفي الجلد، ثمّ قتل.

و لو كانت الحدود للّه تعالى بدئ بما لا يفوت معه الاخر.

6905. الثالث عشر:

الخنّاق يقتل و يستعاد منه ما أخذ.

و من بنّج غيره أو أسكره بشيء احتال عليه، ثمّ أخذ ماله، عوقب و أدّب، و استعيد منه ما أخذه، و إن جنى البنج [أ] و الإسكار عليه ضمن الجناية، و لا قطع عليه.

و المحتال على أموال النّاس بالمكر و الخديعة و تزوير الكتب و الرسائل

ص: 383


1- . و المراد أنّه إذا جرح قاطع الطريق جرحا ساريا منتهيا إلى قتل المجروح يحكم عليه بأنّه قاتل.

الكاذبة و شهادة الزّور و غير ذلك، يعزّر و يعاقب بما يراه الإمام رادعا، و يغرم ما أخذه و يشهّر، و لا قطع عليه.

و المستلب الّذي يسلب الشّيء ظاهرا لا قاهرا من الطّرقات من غير اشتهار سلاح و لا قهر، يعاقب و يضرب ضربا وجيعا و يستعاد منه ما أخذ، و لا قطع عليه، و المختلس كذلك.

6906. الرّابع عشر:

لا فرق في السّلاح بين السّيف و غيره، و لو لم يكن سلاح لم يكن محاربا، و لو عرض للمارّة بالعصا و الحجارة، فالأقرب أنّه يكون محاربا.

و لو كان المحاربون جماعة، و فيهم صبيّ أو مجنون أو والد لمن قتلوه، سقط القتل قصاصا و حدّا عن الصبيّ و المجنون، و قصاصا خاصّة عن الأب، و لم يسقط القتل في حقّ الباقين، و يضمن الصبيّ و المجنون ما أخذاه من المال، و دية قتلهما على عاقلتهما.

6907. الخامس عشر:

للإنسان أن يدفع عن نفسه و حريمه و ماله و إن قلّ ، و لو قدر على الدّفع عن غيره، فالأقوى الوجوب مع أمن الضّرر، و يجب اعتماد الأسهل، فإن اندفع الخصم بالكلام اقتصر عليه، و لو لم يندفع فله ضربه بأسهل ما يعلم أنّه يندفع به، و يحرم عليه حينئذ التّخطّي إلى الأصعب، فإذا ذهب مولّيا لم يكن له قتله و لا ضربه و لا اتباعه، و لو افتقر في الضّرب إلى العصا ساغ له، فإن لم يكف جاز بالسّلاح، و يذهب دمه هدرا، سواء كان جرحا أو قتلا، و سواء كان الدّافع حرّا أو عبدا، و كذا المدفوع.

و لو قتل الدافع كان شهيدا و ضمنه المدفوع، و لو ضربه الدّافع فعطّله لم يكن له أن يثني عليه.

ص: 384

و لا يبدأ الدّافع ما لم يتحقّق قصده إليه، و له دفعه ما دام مقبلا، فإذا أدبر كفّ عنه، و لو ضربه مقبلا فقطع يده، فلا ضمان عليه في الجراح و لا في السراية، فان ولى فضربه فقطع رجله، فالرّجل مضمونة بالقصاص، أو الدية إن اندملت، و لو سرت الأولى فلا ضمان فيها، و لو اندملت الأولى و سرت الثانية، ثبت القصاص في النفس، و لو سرتا معا ثبت القصاص بعد ردّ نصف الدّية، فإن عاد المدفوع بعد قطع العضوين فقطع الدّافع يده الثّانية، فاليدان غير مضمونتين، و لو سرى الجميع قال في المبسوط(1): عليه ثلث الدية إن تراضيا، و إن اقتصّ الوليّ جاز له ذلك إذا ردّ ثلثي الدّية، و الوجه عندي أنّ عليه نصف الدية، لأنّ الجرحين من واحد فصار كما لو جرحه واحد مائة و الاخر جرحا واحدا، ثمّ سرى الجميع، فإنّ الدّية عليهما بالسّوية.

قال الشيخ رحمه اللّه: و لو قطع يده ثمّ رجله مقبلا و يده الأخرى مدبرا، و سرى الجميع، فعليه نصف الدية(2) فإن طلب الوليّ القصاص كان له ذلك بعد ردّ نصف الدية.

و لو لم يمكنه الدفع إلاّ بالقتل، أو خاف أن يبدره بالقتل إن لم يقتله، فله ضربه بما يقتله، أو يقطع طرفه، و ما أتلفه فهو هدر.

6908. السّادس عشر:

كلّ من عرض لإنسان يريد ماله أو نفسه، فحكمه ما ذكرنا فيمن يريد دخول المنزل في الدفع بالأسهل فالأسهل، فإن كان بينه و بينهم

ص: 385


1- . المبسوط: 76/8 - كتاب الدفع عن النّفس.
2- . كذا في الشرائع: 190/4، و لكن في المبسوط: 76/8 «فإن قطع يده مقبلا و أقام على إقباله فقطع الأخرى، ثمّ ولى فقطع رجله ثمّ سرى إلى نفسه فمات، كان عليه نصف الدّية».

نهر كبير أو خندق، أو حصن، لا يقدرون على اقتحامه، لم يكن له رميهم، و لو لم يمكن إلاّ بقتالهم، فله قتالهم و قتلهم.

6909. السّابع عشر:

للمرأة أن تدافع عن نفسها و مالها و فرجها، و كذا للغلام، و يجب عليهما الدّفاع عن الجماع، و ألا يمكّنا غيرهما من الفعل بهما، فإن خافا على أنفسهما القتل، و لم يندفع الخصم إلاّ بالتمكين، ساغ لهما ذلك، و كان لهما قتله بعد ذلك.

6910. الثّامن عشر:

لو وجد مع زوجته أو مملوكته أو غلامه من ينال دون الجماع، فله دفعه، فإن امتنع فهو هدر.

و لو وجد رجلا يزني بامرأته، فله قتلهما، و لو قتل رجلا و ادّعى أنّه وجده مع زوجته، فأنكر الوليّ ، فالقول قول المنكر مع يمينه، و الأقرب الاكتفاء بالشاهدين، لأنّ البيّنة تشهد على وجوده مع المرأة لا على الزّنا.

و لو قتل رجلا فادّعى الهجوم على منزله و عدم التمكّن من دفعه إلاّ بالقتل، فعليه القود إلاّ مع البيّنة، فإن شهدت البيّنة أنّهم رأوا المقتول مقبلا إليه بسلاح مشهور فضربه هذا فقد هدر دمه، و إن شهدوا أنّه كان داخلا داره و لم يذكروا سلاحا، أو ذكروا سلاحا غير مشهور لم يسقط القود بذلك.

و لو تجارح اثنان و ادّعى كلّ منهما دفع صاحبه عن نفسه، حلف كلّ منهما على إبطال دعوى صاحبه، و ضمن ما جرحه.

6911. التّاسع عشر:

من اطّلع على قوم، فلهم زجره، فإن أصرّ كان لهم

ص: 386

رميه بحصاة أو عود، فان جنى الرّمي فهدر، و لو بدروه بالرّمي من غير زجر، ضمنوه، و إن كان المطّلع رحما لصاحب المنزل، كان لهم زجره، و لو رموه بعد الزّجر و لم ينزجر ضمنوا.

أمّا لو كان بعض النساء مجرّدة، جاز رميه مع عدم الانزجار بالزجر، لأنّه ليس للمحرم هذا الاطّلاع.

6912. العشرون:

لو كان المطّلع أعمى لم يجز رميه، لأنّه لا يرى شيئا، و لو كان إنسان عاريا في طريق، لم يكن له رمي من نظر إليه، و لو زجره فلم ينزجر، ففي جواز الرّمي نظر.

و لو كان باب المنزل مفتوحا، فاطّلع فيه مطّلع، جاز زجره، فإن لم ينزجر فلصاحب المنزل رميه، و كذا لو كان في الباب ثقب أوسع(1).

و لو اطّلع فزجره فلم ينزجر فرماه، فقال: لم أقصد الاطّلاع، لم يضمنه، و ليس لصاحب الدّار رمي الناظر بما يقتله.

و لو لم يندفع النّاظر بالرّمي بالشيء اليسير، انتقل إلى ما هو أكبر منه، و هكذا حتّى يأتي(2) على نفسه، و سواء كان الناظر في الطريق أو ملك نفسه.

6913. الواحد و العشرون:

للإنسان دفع الدّابّة الصائلة عن نفسه، فلو تلفت بالدّفع، فلا ضمان، فلو لم تندفع إلاّ بالقتل، جاز قتلها، و لا ضمان، و لو قتل المحرم صيدا لصيالته لم يضمنه، و لو قتله ليأكله في المخمصة، ضمنه.

ص: 387


1- . في «ب»: نقب أوسع.
2- . في «ب»: حتّى تأتي.

و لو قتل الإنسان آخر لصيالته لم يضمنه، و لو قتله ليأكله في المخمصة و كان محقون الدّم، فعليه القصاص.

و لو عضّ يد غيره، فجذب المعضوض يده فوقعت أسنان العاضّ ، فلا ضمان، سواء كان المعضوض ظالما أو مظلوما، لأنّ العضّ محرّم إلاّ أن يكون مباحا له، مثل أن يمسكه في موضع يتضرّر بإمساكه، أو يعضّ يده، و نحو ذلك ممّا لا يمكن التخلص من ضرره إلاّ بالعضّ ، فيكون الجاذب ضامنا لأسنانه، و لو عضّ أحدهما يد الاخر و افتقر المعضوض في التخلّص إلى أن يعضّ العاضّ ، فله عضّه، و يضمن الظّالم منهما ما تلف من المظلوم، و ما تلف من الظّالم كان هدرا، و يجب على المعضوض تخليص يده بالأسهل، فإن احتاج إلى الأصعب، انتقل إليه، فإن افتقر إلى اللّكم(1) أو الجرح جاز، و لو تعذّر ذلك، جاز أن يبعجه(2) بسكين أو خنجر، فإن انتقل إلى الأشقّ مع التخليص بالأسهل، كان ضامنا.

و الأقرب جواز جذب يده(3) و إن سقط الأسنان مطلقا، لأنّ جذب يده مجرّد تخليص ليده، و ما حصل من سقوط الأسنان حصل ضرورة للتخلّص الجائز.(4)

ص: 388


1- . اللّكم: الضرب باليد مجموعة، و قيل: هو اللّكز في الصّدر و الدّفع. لسان العرب: 323/12.
2- . في مجمع البحرين: بعج بطنه بالسكين بعجا: إذا شقّه.
3- . في «أ»: تجويز جذب يده.
4- . في «ب»: ضرورة التّخلص الجائز.

المقصد السّابع: في حدّ الرّدة و فيه سبعة و عشرون بحثا:

6914. الأوّل:

المرتدّ عن الإسلام هو الراجع عنه إلى الكفر، و هو قسمان:

من ولد على فطرة الإسلام، و هو المرتدّ عن فطرة، و هذا لا يستتاب، و لا تقبل توبته لو تاب، بل يجب قتله في الحال، و تبين زوجته حال ارتداده، و تعتدّ عدّة الوفاة، و تقسّم أمواله بين ورّاثه(1) و إن التحق بدار الحرب، أو هرب من الإمام بحيث لا يقدر عليه، أو اعتصم بما يحول بينه و بينه.

6915. الثاني:

من أسلم عن كفر ثم ارتدّ، فهذا يستتاب، فإن امتنع من العود إلى الإسلام، قتل، و تجب استتابته.

و في قدر استتابته قولان: أحدهما: ثلاثة أيّام، للرواية(2) و الثاني: القدر الّذي يمكن معه الرجوع(3) و لا تزول عنه أملاكه بارتداده، و لا بامتناعه من التّوبة، و لا بالتحاقه بدار الكفر، بل بالقتل خاصّة.

ص: 389


1- . في «أ»: بين وارثه.
2- . لاحظ الوسائل: 548/18، الباب 3 من أبواب حدّ المرتدّ، الحديث 5.
3- . ذهب إليه الشيخ في المبسوط: 282/7-283.

نعم ينفسخ النّكاح بينه و بين زوجته من حين الارتداد، و تعتدّ عدّة الطّلاق، فإن انقضت العدّة و لم يرجع، بانت منه، و إن رجع في اثناء العدّة، فهو أولى بها، و تقضى ديونه من أمواله، و تؤدّى الحقوق الواجبة عليه، كنفقة الزّوجات و الأقارب ما دام حيّا، فإذا قتل سقطت النّفقة، و قضيت الدّيون الثّابتة عليه.

6916. الثاني:

يشترط في المرتدّ البلوغ، و العقل، و الاختيار، فلا اعتبار بردّة الصبي بل يؤدّب، و لا المجنون و المغمى عليه، و السكران كالمجنون، و لا اعتبار بالمكره، فلو نطق بالكفر كان لغوا، و لو ادّعى الإكراه و ظهرت الأمارة، قبل منه.

و لو شهد شاهدان على ردّته، فقال: كذبا، لم يسمع، و لو قال: كنت مكرها، صدّق مع الأمارات، و لو نقل الشاهد لفظه فقال: صدق و لكنّي كنت مكرها، قبل، إذ لا تكذيب فيه، بخلاف ما إذا شهد بالرّدّة، فإنّ الإكراه ينفي(1) الرّدة دون اللّفظ.

6917. الثالث:

المرتدّة عن الإسلام لا تقتل، سواء ارتدّت عن فطرة أو لا، بل تحبس دائما، و تضرب أوقات الصّلوات، و لو تابت فالوجه قبول توبتها، و سقوط ذلك عنها و إن كانت عن فطرة.

6918. الرابع:

المرتدّ عن غير فطرة إذا قتل أو مات، كانت تركته لورثته المسلمين، فإن لم يكن له وراث مسلم، فهو للإمام، و أولاده الأصاغر، بحكم المسلمين، فإن بلغوا مسلمين فلا بحث، و إن اختاروا الكفر استتيبوا، فإن تابوا، و إلاّ قتلوا، سواء ولّدهم قبل الإسلام أو بعده، أمّا لو ولّدهم حال ارتداده، فإن

ص: 390


1- . في «أ»: ينافي.

كانت الأمّ مسلمة، كانوا بحكمها، كما قلنا في الأب، و إن كانت مرتدّة أو كافرة، و الحمل بعد ارتدادهما، فالاولاد بحكمهما.

و هل يجوز استرقاقهم ؟ تردّد الشّيخ، فتارة جوّزه، لأنّهم كفرة ولدوا بين كافرين(1) و تارة منع، لأنّ الأب لا يسترقّ للحرمة بالإسلام فكذا الولد.(2)

6919. الخامس:

إذا ولد للمرتدّ عن غير فطرة ولد، و كان الحمل به حال ارتداد أبويه، فقد قلنا انّه كافر، فإن قتله قاتل مسلم، لم يقتل به، أمّا لو ولد الولد حال إسلام الأب أو قبله، أو كانت الأمّ مسلمة، فإنّ الولد كالمسلم، فإن قتله مسلم قبل وصفه الكفر، قتل به، سواء قتله قبل بلوغه أو بعده.

6920. السّادس:

يحجر الحاكم على أموال المرتدّ عن غير فطرة، لئلاّ يتصرّف فيها بالإتلاف، فإن رجع فهو أحقّ بها، و إن التحق بدار الحرب، بقيت محفوظة، أو بيع ما يخشى تلفه، فإن رجع إلى الاسلام فهو أحقّ بها، و إن مات انتقلت إلى ورثته المسلمين، و لا تقسّم بينهم ما دام الأب باقيا.

و هل يحصل الحجر بمجرّد الرّدة أو بضرب الحاكم ؟ فيه نظر.

6921. السّابع:

إذا تكرّر الارتداد عن غير فطرة، قال الشيخ رحمه اللّه: يقتل في الرابعة، قال: و روى أصحابنا أنّه يقتل في الثالثة.(3)

ص: 391


1- . ذهب إليه الشيخ في الخلاف: 360/5، المسألة 11 من كتاب المرتدّ؛ و المبسوط: 286/7.
2- . و اختاره الشيخ في المبسوط أيضا: 71/8 - كتاب قتال أهل الرّدة - و لا يخفى أنّ للشيخ قولا ثالثا في كتاب قتال أهل الرّدة من الخلاف: 501/5، المسألة 1.
3- . المبسوط: 74/8، و يريد من الرواية إمّا صحيحة يونس (الوسائل: 313/18، الباب 5 من أبواب مقدّمات الحدود، الحديث 1)، أو رواية جميل بن درّاج (الوسائل: 547/18، الباب 3 من أبواب حدّ المرتدّ، الحديث 3) و تمام الحديث في التهذيب: 137/10 برقم 544.

6922. الثّامن:

الزّنديق - و هو الّذي يظهر الإيمان و يبطن الكفر - يقتل بالإجماع.

6923. التّاسع:

الكافر إذا أكره على الإسلام حكم بصحّة إسلامه إن كان ممّن لا يقرّ على دينه، و إن كان ممّن يقرّ على دينه، لم يصحّ إسلامه مكرها.

6924. العاشر:

قال الشيخ رحمه اللّه في المبسوط: السّكران يحكم بإسلامه و ارتداده(1) ففيه نظر، و الأقرب المنع إذا لم يكن مميّزا، و هو(2) اختياره في الخلاف(3).

و لو جنّ بعد ردّته لم يقتل، لأنّ جواز القتل مشروط بامتناع قبوله من التوبة، و لا حكم لامتناع المجنون، أمّا لو كان الارتداد عن فطرة، فإنّ الوجه أنّه يقتل.

6925. الحادي عشر:

المرتدّ إذا أتلف على مسلم مالا في دار الحرب أو دار الإسلام حالة الحرب أو بعد انقضائها، ضمن، و الوجه أنّ الحربيّ كذلك.

و لو قتل المرتدّ مسلما عمدا، فللوليّ قتله قصاصا، و يسقط قتل الرّدّة، و إن عفا على مال أو عفا مطلقا، قتل بالرّدة.

و لو قتل خطأ، كانت الدّية في ماله مخفّفة مؤجّلة، لأنّه لا عاقلة له، فإن قتل أو مات حلّت، كالدّين المؤجّل.

6926. الثاني عشر:

لو تزوّج المرتدّ لم يصحّ ، سواء تزوّج بمسلمة أو كافرة، و تسقط ولايته في النكاح، فلو زوّج ابنته المسلمة لم يصحّ ، و في سقوط

ص: 392


1- . المبسوط: 74/8.
2- . أي المنع.
3- . الخلاف: 504/5، المسألة 5 من كتاب قتال أهل الرّدّة.

ولايته عن تزويج أمته نظر، أقربه عدم السّقوط، فله أن يزوّجها، و إن كانت مسلمة على إشكال.

و إذا دخل بزوجته المسلمة بعد أن تزوّجها مرتدّا، فإن كانت عالمة بالتحريم، فلا مهر لها، و إلاّ ثبت لها المهر، و فرّق بينهما.

6927. الثالث عشر:

لو تاب المرتدّ، فقتله من يعتقد بقاءه على الرّدّة، قال الشيخ: يثبت القود، لوجود المقتضي و هو قتل المسلم ظلما(1) و فيه إشكال من حيث عدم القصد إلى قتل المسلم.

6928. الرّابع عشر:

إذا نقض الذّمي العهد، و لحق بدار الحرب، فأمواله باقية على الأمان، فإن قتل أو مات ورثه الكافر الذّمّي و الحربيّ ، فإن كان الوارث ذميّا فماله باق على الأمان، و إن كان حربيّا زال الأمان عنه.

و أولاده الصّغار باقون على الذّمّة، فإذا بلغوا خيّروا بين عقد الجزية لهم، و بين الانصراف إلى مأمنهم، ثمّ يصيرون حربا.(2)

6929. الخامس عشر:

كلمة الإسلام [أن يقول:] أشهد ألا إله إلاّ اللّه، و أنّ محمّدا رسول اللّه، و لا تجب زيادة «أبرأ(3) من كلّ دين غير الإسلام» لأنّه تأكيد.

و لو كان مقرّا باللّه سبحانه و بالنبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، لكن اعتقد عدم عموم نبوّته، أو أنّه لم يوجد بعد، بيّن له و أرشد إلى أن يظهر له الحقّ .

6930. السّادس عشر:

لو ارتدّ المجنون لم يكن لارتداده حكم، بل هو باق على إسلامه، فلو قتله مسلم ضمنه.

ص: 393


1- . المبسوط: 72/8؛ الخلاف: 503/5، المسألة 3 من كتاب قتال أهل الرّدّة.
2- . في أكثر النسخ: «حربيّا» و في لسان العرب: 100/3 «ذهب بعضهم إلى انّه [يعني لفظة حرب] جمع حارب أو محارب، على حذف الزائد».
3- . في «ب»: إبراء.

6931. السّابع عشر:

يقتل المرتدّ بالسيف، و لا يجب إحراقه بالنار، و القتل إلى الإمام، و الأقرب أنّ للمولى قتل عبده بالرّدّة، و لو قتله مسلم أخطأ و لا قود عليه و لا دية.

6932. الثّامن عشر:

تصرّفات المرتدّ عن فطرة في ماله بالبيع و الهبة و العتق و التدبير باطلة، أمّا المرتدّ عن غير فطرة، فالأقرب أنّه موقوف، فإن رجع إلى الإسلام تبيّنّا الصحّة، و إن قتل أو مات بطل تصرّفه، أمّا لو تصرّف بعد حجر الحاكم عليه، فإنّه باطل.

و لو وجد للمرتد عن غير فطرة سبب يقتضي الملك كالصّيد و الاحتشاش و الاتّهاب و إيجار نفسه، خاصّة او مشتركة، ثبت الملك له.

و أمّا المرتدّ عن فطرة، فالوجه أنّه لا يدخل في ملكه، و يحتمل الدّخول، ثم ينتقل إلى الوارث.

6933. التاسع عشر:

الرّدّة قطع الإسلام من المكلّف، إمّا بالفعل كالسّجود للصّنم، و عبادة الشّمس، و إلقاء المصحف في القاذورات، و كلّ فعل صريح في الاستهزاء، و إمّا بالقول عنادا أو استهزاء أو اعتقادا.

و كلّ من اعتقد حلّ شيء أجمع على تحريمه من غير شبهة، فهو مرتدّ.

أمّا الجاهل فلا يحكم بارتداده حتّى يعرف ذلك و يزول عنه الشبهة، و يستحلّه بعد ذلك، فإن تاب، و إلاّ ضربت عنقه، أمّا لو أكل لحم خنزير، أو ميتة، أو شرب الخمر لم يحكم بارتداده بمجرّد ذلك، لإمكان أن يفعل محرّما.

6934. العشرون:

لو صلّى بعد ارتداده، لم يحكم بعوده إلى الإسلام بمجرّد

ص: 394

ذلك، سواء فعل ذلك في دار الحرب أو دار الإسلام، و سواء صلّى جماعة أو فرادى.

و إذا ثبتت ردّته بالبيّنة أو غيرها فشهد الشهادتين، كفى في إسلامه.

و لو كان كفره بعموم البعثة، لم يثبت إسلامه حتّى يشهد أنّ محمّدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى جميع الخلائق(1) أو يتبرّأ من كلّ دين غير الإسلام.

و إن اعتقد أنّ محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مبعوث لكن زعم أنّه غير النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، لزمه مع كلمة الشهادتين الإقرار بأنّ هذا المبعوث هو رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و إن كفر بجحود فرض، لم يحكم بإسلامه حتّى يقرّ بما جحده، و الأقرب عدم وجوب إعادة الشّهادتين.

و كذا إن جحد نبيّا من أنبياء اللّه تعالى الّذين أخبر اللّه تعالى عنهم، أو كتابا من كتبه، أو ملكا من ملائكته، أو استباح محرّما، فلا بدّ في رجوعه من الإقرار بما جحده.

و أمّا الكافر بجحد(2) الدّين من أصله، فإنّ إسلامه يحصل بالشّهادتين، و لو لم يعتقد التّوحيد افتقر إلى الشّهادة به، و إن اعتقده كفاه الشّهادة بالرّسالة.

و لو قال الكافر: أنا مسلم أو مؤمن، فالأقرب الاكتفاء بذلك، و لو شهد الكافر بالشّهادتين، ثمّ قال: لم أرد الإسلام، فقد صار مرتدّا، و يجبر على الإسلام، و يحتمل عدم الإجبار.

6935. الحادي و العشرون:

لو أكره المسلم على الكفر فأتى بكلمة الكفر،

ص: 395


1- . في «ب»: إلى جميع الخلق.
2- . في النسختين: «يجحد». و الصحيح ما أثبتناه.

لم يحكم بكفره، و لا تبين منه امرأته، و يغسّل لو مات، و يصلّى عليه(1)، فإذا زال الإكراه عنه، فالوجه عدم تكليفه بإظهار إسلامه.

و لو أظهر الكفر بعد زوال الإكراه عنه، فالوجه أنّه يحكم بكفره حين زوال الإكراه.

6936. الثّاني و العشرون:

لو وجب على المسلم حدّ، ثمّ ارتدّ، ثمّ أسلم، لم يسقط عنه الحدّ، و كذا جميع الحقوق و الجنايات تثبت عليه، سواء لحق بدار الكفر أو لا، و سواء أسلم أو لا.

6937. الثّالث و العشرون:

من سبّ اللّه تعالى كفر، و كذا من استهزأ باللّه تعالى، أو بآياته، أو برسله، أو كتبه، سواء فعل ذلك على سبيل الجدّ أو الهزل، و كذا من سبّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أو أحد الائمّة عليهم السّلام، و جاز لسامعه قتله ما لم يخف الضّرر على نفسه أو ماله أو بعض المؤمنين.

6938. الرّابع و العشرون:

من ادّعى النبوّة، وجب قتله، و كذا من صدّق من ادّعاها، و كذا من قال: لا أدري محمّد بن عبد اللّه صادق أو لا، و كان على ظاهر الإسلام.

6939. الخامس و العشرون:

السّحر عقد و رقى و كلام يتكلّم به، أو يعمل شيئا يؤثّر في بدن المسحور أو قلبه أو عقله من غير مباشرة [له]، و قد يحصل به القتل، و المرض، و التفريق بين الرّجل و المرأة، و بغض أحدهما لصاحبه، و محبّة أحد الشخصين للآخر.

ص: 396


1- . ناظر إلى ردّ فتوى محمد بن الحسن الشيباني حيث قال: هو كافر في الظاهر تبين منه امرأته و لا يغسّل و لا يصلّى عليه. لاحظ المغني لابن قدامة: 105/10.

و هل له حقيقة أم لا؟ فيه نظر، فمن عمل بالسحر قتل إن كان مسلما، و أدّب إن كان كافرا من غير أن يقتل، و الأقرب أنّه لا يكفر بتعلّمه و تعليمه محرّما، و لو استحلّه فالوجه الكفر.

و السّحر الّذي يجب به القتل هو ما يعدّ في العرف سحرا، كما نقل الأموي(1) في مغازيه: أنّ النّجاشي دعا السواحر فنفخن في إحليل عمارة بن الوليد فهام مع الوحش، فلم يزل معها إلى إمارة عمر بن الخطاب فأمسكه إنسان، فقال: خلّني و إلاّ متّ ، فلم يخلّه فمات من ساعته، و قيل: إنّ ساحرة أخذها بعض الأمراء، فجاء زوجها كالهائم فقال: قولوا لها تحلّ عنّي، فقالت: ائتوني بخيوط و باب فأتوها بذلك، فجلست على الباب، و جعلت تعقد، فطار بها الباب فلم يقدروا عليها(2) و أمثال ذلك.

فأمّا الّذي يعزم على المصروع، و يزعم أنّه يجمع الجنّ و يأمرها فتطيعه، فلا يتعلّق به حكم السّاحر، و الّذي يحلّ السّحر بشيء من القرآن أو الذّكر و الإقسام، فلا بأس به، و إن كان بالسّحر حرم على إشكال.

6940. السّادس و العشرون:

تثبت الردّة بشهادة شاهدين عدلين ذكرين، أو الإقرار مرّة و لا تثبت بشهادة النّساء انضممن أو انفردن.

و ينبغي للحاكم أن يستظهر في سماع الشّهادة، فلا يقبل فيها الإطلاق، بل لا بدّ من التفصيل، لاختلاف المذاهب في التكفير.

ص: 397


1- . الظاهر انّه الوليد بن مسلم الأموي الدمشقي ولد سنة 119 و توفي سنة 195 ه و نقل انّ له سبعين تصنيفا في الحديث و التاريخ و السنن و منها «المغازي» لاحظ الأعلام للزّركلي: 122/8.
2- . لاحظ المغني لابن قدامة: 117/10.

6941. السّابع و العشرون:

كلّ من فعل محرّما، أو ترك واجبا، فللإمام تعزيره بما لا يبلغ الحدّ، و كميّته منوطة بنظر الإمام، و يختلف باختلاف أحوال الجناة، و لا يبلغ حدّ الحرّ في الحرّ، و لا حدّ العبد في العبد، ففي الحرّ من سوط إلى تسعة و تسعين، و في العبد إلى تسعة و أربعين.

و كلّما فيه التعزير من حقوق اللّه تعالى يثبت بشاهدين أو الإقرار مرّتين، و يعزّر من قذف أمته أو عبده كالأجنبيّ .

و يكره أن يزاد في تأديب الصّبي على عشرة أسواط، و كذا المملوك، فإن ضرب عبده في غير حدّ حدّا استحبّ له عتقه.

ص: 398

المقصد الثامن: في حدّ القذف و فيه مطالب:

المطلب الأوّل: [في القذف و فيه تسعة مباحث:

6942. الأوّل:

القذف الموجب للحدّ هو الرّمي بالزنا، أو اللّواط، أو النيك، أو إيلاج الحشفة، مع الوصف بالتحريم، مثل: أنت زان، أو لائط، أو زنيت، أو ليط بك، أو زنيت أو لطت، أو يا زان، أو يا لائط أو يا منكوحا في دبره، و ما يؤدّي هذا المعنى صريحا، مع معرفة القائل بموضوع اللفظ بأيّ لغة كان.

6943. الثاني:

لو قال لولده الّذي اعترف به: لست ولدي، وجب عليه حدّ القذف، و كذا [لو قال]: لست لأبيك، أو زنت بك أمّك، أو ابن الزانية.

و لا حدّ بالتعريض و الكناية، كقوله للقرشي: يا نبطيّ ، و لو أراد به الزّنا، فهو قذف، و يصدّق في قصده و يعزّر، و كذا لو قال: يا ابن الحلال أو أنا لست بزان.

ص: 399

6944. الثّالث:

لو قال: زنى فرجك، فهو قذف، و لو قال لامرأته: زنيت بك، فهو إقرار و قذف أما الإقرار فإن أكمله أربعا حدّ و إلاّ عزّر، و أمّا القذف فيوجب الحدّ بأوّل مرّة و إن كان يحتمل غير القذف، لإمكان تفسيره بالإكراه، لكنّ الظّاهر القذف.

و لو قال لزوجته: يا زانية، فقالت: زنيت بك، فإن أرادت زنا قبل النكاح، سقط حدّ القذف عن الزّوج، و وجب عليها حدّ القذف له و حدّ الزّنا إن أقرّت أربعا، و إن قالت: قصدت نفي الزّنا، قبل قولها و حدّ الزّوج للقذف.

6945. الرابع:

لو قال: يا زانية، فقالت: أنت أزنى منّي، فهو قاذف، و في طرفها احتمال.

و لو قال للولد المنفيّ باللّعان: لست من الملاعن، فهو قاذف إن أراد تصديق الزّوج، و إن أراد النفي الشرعيّ ، فليس بقاذف.

و لو قال للقرشيّ : لست من قريش، ثمّ قال: أردت أنّ واحدة من أمّهاته زنت، فليس بقاذف، لأنّه لم يعيّن تلك الواحدة، بل يجب به التّعزير.

6946. الخامس:

لو قال: زنت بك أمّك، أو يا ابن الزانية، فهو قذف للأمّ ، و لو قال: زنى بك أبوك، أو يا ابن الزاني، فهو قذف لأبيه.

و لو قال: يا ابن الزّانيين، فهو قذف للأبوين.

و لو قال: ولدت من الزّنا، قال الشيخ: يكون قذفا للأمّ (1) و فيه

ص: 400


1- . النهاية: 723.

نظر، لاحتمال انفراد الأب بالزّنا أو الأمّ ، و لا يثبت الحدّ مع الاحتمال، فلا يحدّ لأحدهما(1).

و لو قال: ولدتك أمّك من الزّنا، فالاحتمال هنا أضعف، و كان قذفا للأمّ .

و لو قال: يا زوج الزانية، أو يا أخا الزّانية، أو يا أبا الزانية، أو يا ابن الزّانية، فالقذف هنا للمنسوب إليها لا للمواجه، فإن كان الولد كافرا، و الأمّ مسلمة، أو الأب، وجب الحدّ لهما مع النسبة إليهما.

و لو قال للمسلم: يا ابن الزّانية، و كانت الأمّ كافرة، أو أمة، قال في النهاية يجب الحدّ لحرمة الولد(2) و الأشبه التعزير.

6947. السّادس:

لو قال: زنيت بفلان، أو لطت به، وجب عليه حدّ للمواجه، و في المنسوب إليه إشكال، قال الشيخ رحمه اللّه: يجب، لأنّه فعل واحد متى كذب في أحدهما كذب في الاخر(3)، و يحتمل العدم و منع الوحدة، لأنّ موجب الحدّ في الفاعل الأثر و في المنفعل التّأثّر، و هما متغايران، فلعلّ أحدهما كان مكرها.

9648. السّابع:

لو قال لابن الملاعنة: يا ابن الزّانية، وجب الحدّ، و لا يجب لو قال لابن المحدودة قبل التّوبة، أمّا لو قال بعد التّوبة، ثبت الحدّ.

6949. الثّامن:

لو قال: يا ديّوث، أو يا كشخان، أو يا قرنان، أو يا قرطبان، و كان عارفا بموضوع اللّفظة في عرف المستعملين(4) و أنّها تفيد القذف،

ص: 401


1- . كذا في «ب»: و لكن في «أ»: فلا يحدّ لاحتمالهما بهما.
2- . النهاية: 725.
3- . النهاية: 725؛ المبسوط: 16/8.
4- . في «ب»: في عرف المستعمل.

وجب الحدّ، و إن لم يعرف قائلها فائدتها فلا حدّ، و يعزّر إن قصد بها الأذى.

و قيل(1): الدّيّوث هو الّذي يدخل الرّجال على امرأته.

و قال ثعلب(2): القرطبان الّذي يرضى أن يدخل الرّجال على نسائه، و قال: القرنان و الكشخان لم أرهما في كلام العرب و معناه عند العامّة مثل معنى الديّوث أو قريب منه.

و قيل(3): القرنان من له بنات، و الكشخان من له أخوات، و القوّاد السمسار في الزنا، و القذف به يوجب التّعزير.

6950. التاسع:

كلّ تعريض يكرهه المواجه و لا يفيد القذف وضعا و لا عرفا يوجب التعزير لا الحدّ، كقوله: أنت ولد حرام، أو حملت بك أمّك في حيضها، أو يا فاسق، أو يا شارب الخمر، و المقول له متظاهر بالسّتر، أو قال لزوجته: لم أجدك عذراء.

و لو قال: يا خنزير، أو يا رقيع(4)، أو يا وضيع، أو يا خسيس، أو يا كلب، أو يا مسخ، أو غير ذلك، و كان المقول له مستحقّا للاستخفاف، فلا حدّ عليه و لا تعزير، و إن لم يكن مستحقّا لذلك عزّر، و كذا لو عيّره بشيء من بلاء اللّه تعالى، أو أظهر ما هو مستور منه، كقوله: يا أجذم، أو يا أبرص، أو يا أعمى، أو يا أعور.

ص: 402


1- . القائل هو إبراهيم الحربيّ على ما نقله عنه ابن قدامة في المغني: 214/10.
2- . أبو العباس أحمد بن يحيى النحوي الشيباني المعروف ب «ثعلب»، قيل: سمّي به لأنّه إذا سئل عن مسألة أجاب من هاهنا و هاهنا، فشبّهوه بثعلب إذا أغار، كان إمام الكوفيّين في النحو و اللّغة، قرأ على ابن الأعرابي، مات سنة 291 ه؛ لاحظ تاريخ بغداد: 204/5؛ و الكنى و الألقاب: 2 / 117؛ و المغني لابن قدامة: 214/10.
3- . نقله ابن قدامة في المغني عن خالد بن يزيد عن أبيه، و المراد انّه يدخل الرجال عليهنّ . لاحظ المغني: 214/10.
4- . في مجمع البحرين: يقال للواهي العقل رقيع، تشبيها بالثوب الخلق، كأنّه رقع.

و لو قذف رجل آخر، فقال ثالث للقاذف: صدقت، فالأقرب استحقاق التّعزير دون الحدّ.

و لو قال: أخبرني فلان أنّك زنيت، لم يكن قاذفا، سواء صدّقه المخبر أو كذبه و عليه التعزير و إن صدّقه المخبر.

و لو قال: من رماني فهو ابن الزانية، فرماه رجل، فلا حدّ عليه إجماعا، و كذا لو اختلف رجلان في شيء، فقال أحدهما: الكاذب هو ابن الزانية، فلا حدّ، لأنّه لم يعيّن أحدا.

المطلب الثاني: [في القاذف و فيه خمسة مباحث:

6951. الأوّل:

يعتبر في القاذف البلوغ، و العقل، و الاختيار إجماعا، فلو قذف الصبيّ بالغا لم يحدّ بل يعزّر، و كذا لو قذف المجنون الكامل، و لو أكره البالغ على القذف، فلا حدّ و لا تعزير.

6952. الثّاني:

لا فرق بين أن يكون القاذف في دار الحرب أو في دار الإسلام، فإنّ الحدّ الكامل يجب عليه في الدّارين.

6953. الثّالث:

هل يشترط في الحدّ الكامل الحريّة ؟ الأشهر عدم الاشتراط، فلو قذف العبد العاقل حرّا محصنا، وجب عليه ثمانون كالحرّ، و قيل:

ص: 403

عليه نصف الحدّ(1) و الأوّل أقوى، لعموم الآية.(2)

6954. الرابع:

لا فرق في القاذف بين الذّكر و الأنثى، و المسلم و الكافر.

6955. الخامس:

لو ادّعى المقذوف حريّة القاذف، فأنكر القاذف، فعلى قولنا لا فائدة، لوجوب الحدّ عليه كملا، أمّا على القول الاخر، فالقول قول القاذف، لأنّه شبهة.

المطلب الثالث: في المقذوف و فيه أربعة مباحث:

6956. الأوّل:

يشترط في المقذوف البلوغ، و كمال العقل، و الحريّة، و الإسلام، و العفّة عن الزنا، و يقال لجامع هذه الصفات المحصن، و هو لفظ مشترك بين معان أربعة وردت في الكتاب العزيز:

أحدها: هذا، قال تعالى: (وَ اَلَّذِينَ يَرْمُونَ اَلْمُحْصَنٰاتِ ) (3).

الثاني: المزوّجات، قال تعالى: (وَ اَلْمُحْصَنٰاتُ مِنَ اَلنِّسٰاءِ إِلاّٰ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُكُمْ ) (4)(مُحْصَنٰاتٍ غَيْرَ مُسٰافِحٰاتٍ ) (5).

ص: 404


1- . ذهب إليه الشيخ في المبسوط: 16/8.
2- . إشارة إلى قوله تعالى (وَ اَلَّذِينَ يَرْمُونَ اَلْمُحْصَنٰاتِ ...) النور: 4.
3- . النور: 4.
4- . النساء: 24.
5- . النساء: 25.

الثالث: الحرائر، قال تعالى: (وَ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ اَلْمُحْصَنٰاتِ ) (1)(وَ اَلْمُحْصَنٰاتُ مِنَ اَلْمُؤْمِنٰاتِ وَ اَلْمُحْصَنٰاتُ مِنَ اَلَّذِينَ أُوتُوا اَلْكِتٰابَ ) (2)(فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مٰا عَلَى اَلْمُحْصَنٰاتِ مِنَ اَلْعَذٰابِ ) (3).

الرابع: الإسلام، قال تعالى: (فَإِذٰا أُحْصِنَّ ) (4) قال ابن مسعود:

إحصانها إسلامها(5).

إذا ثبت هذا فمن قذف محصنا بالمعنى الأوّل، وجب بقذفه الحدّ، و من قذف فاقدها أو فاقد بعضها، فلا حدّ، بل يجب عليه التعزير.

6957. الثّاني:

لو كان المقذوف صبيّا حرّا، أو بالغا مملوكا، أو حرّا بالغا كافرا، أو حرّا بالغا مسلما متظاهرا بالزّنا، فلا حدّ، بل فيه التعزير بحسب ما يراه الإمام في ذلك كلّه، سواء كان القاذف جامعا لها أو لا.

6958. الثّالث:

لو قذف الأب ولده المحصن و إن نزل، لم يحدّ كاملا، بل عزّر، و لو قذف الزوج زوجته حدّ كملا، فإن كانت ميتة كان لورثتها المطالبة بالحدّ كملا، فإن عفا بعضهم، كان للباقي الحدّ كملا.

و لو كان الورثة أولاده، لم يكن لهم المطالبة بالحدّ، و لو كان لها أولاد منه و من غيره، كان للولد من غيره الحدّ كملا.

و لو قذف الولد اباه، حدّ كملا، و كذا لو قذفت الأمّ ولدها حدّت كملا، و كذا الولد لو قذف أمّه أو الأقارب.

ص: 405


1- . النساء: 25.
2- . المائدة: 5.
3- . النساء: 25.
4- . النساء: 25.
5- . لاحظ التبيان في تفسير القرآن للشيخ الطوسي: 171/3.
6959. الرابع:

لو كان المقذوف صبيّا، لم يحدّ القاذف كملا بل عزّر وحده دون البلوغ،(1) فلا حدّ على من قذف من بلغ عشر سنين.

و يجب الحدّ كملا على قاذف الخصيّ ، و المجبوب، و المريض المدنف، و الرتقاء.

المطلب الرّابع: في الأحكام و فيه ثلاثة عشر بحثا:

6960. الأوّل:

حدّ القذف ثمانون جلدة، حرّا كان القاذف أو عبدا، على الأقوى، و يجلد بثيابه، و لا يجرّد، و يضرب متوسّطا، دون ضرب الزنا، و يشهّر القاذف لتجتنب شهادته، فإن حدّ في القذف، ثمّ قذف ثانية، حدّ مرّة أخرى، سواء كان المقذوف هو الأوّل أو غيره، فإن قذف ثالثة قتل، سواء كان المقذوف هو الأوّل أو غيره، و قيل: بل يقتل في الرابعة(2) و هو أولى.

و لو قذف مرارا عدّة و لم يحدّ، لم يقتل، و لو قذف فحدّ فقال: الّذي قلت

ص: 406


1- . الظاهر أنّ قوله «دون البلوغ» قيد لقوله «كملا» أي لا يحدّ القاذف حدّا كاملا إلاّ أن يبلغ و طالب الحدّ.
2- . و هو الأشهر، ذهب إليه الشيخ في المبسوط: 11/8؛ النهاية: 694؛ و المفيد في المقنعة: 776؛ و الحلبي في الكافي في الفقه: 407؛ و القاضي في المهذّب: 520/2؛ و ابن حمزة في الوسيلة: 411؛ و ابن زهرة في الغنية: قسم الفقه: 421.

كان صحيحا، وجب بالثاني التعزير، لأنّه ليس صريحا في القذف، و إذا تكرّر القذف مرارا عدّة، وجب له حدّ واحد لا أكثر.

6961. الثاني:

يثبت القذف بشهادة عدلين، أو الإقرار مرّتين، و يشترط في المقرّ البلوغ، و العقل، و الحريّة، و لا يقبل فيه شهادة النساء انفردن أو انضمن.

و لو اتّفقت البيّنة و الإقرار(1) فلا حدّ و لا يمين على المنكر.

6962. الثّالث:

يشترط في إقامة الحدّ بعد تمام القذف بشروطه أمران: مطالبة المقذوف، لأنّه حقّه، و ألا يأتي القاذف بالبيّنة، لقوله تعالى (ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدٰاءَ ) (2) و كذا يشترط عدم إقرار المقذوف، لأنّه كالبيّنة، و إن كان القاذف زوجا اشترط ثالث و هو امتناعه من اللّعان.

و يشترط في الطّلب الاستدامة إلى إقامة الحدّ، فلو طلب ثمّ عفا عن الحدّ سقط.

6963. الرابع:

لو قذف جماعة بألفاظ متعدّدة واحدا بعد الاخر، فلكلّ واحد حدّ، و لو قذفهم بلفظ واحد مثل أن يقول: يا زناة، فإن اجتمعوا في إحضاره للمطالبة، فللكلّ حدّ واحد، فإن جاءوا به متفرّقين فلكلّ واحد حدّ كامل، و كذا ما يوجب التعزير، و كذا لو قال: يا ابن الزانيين فالحدّ للأبوين فان جاءوا به مجتمعين، فلهما معا حدّ واحد، و إن افترقا في المطالبة على التعاقب، فلكلّ واحد حدّ.

6964. الخامس:

حدّ القذف موروث، يرثه من يرث المال من الذكور

ص: 407


1- . في «أ»: أو الإقرار.
2- . النور: 4.

و الاناث، عدا الزّوج و الزّوجة، و إذا ورث الحدّ جماعة فعفا بعضهم، لم يسقط من الحدّ شيء، و كان للباقين المطالبة بالحدّ على الكمال و إن كان الباقي واحدا، و لو عفا الجميع، أو كان المستحقّ واحدا فعفا سقط الحدّ.

و لو قال: «ابنك زان أو لائط» أو «بنتك زانية» أو «يا أب الزّانية» أو «يا ابن الزّاني» فالقذف للولد و البنت، لا للأب، فإن سبق الابن أو البنت بالعفو، سقط، و إن سبق الأب بالمطالبة قال الشيخ رحمه اللّه: كان له استيفاء الحدّ، و له العفو(1)و ليس بمعتمد.

6965. السّادس:

يجوز العفو عن الحدّ من مستحقّه قبل ثبوت الحقّ و بعده، و ليس للحاكم المداخلة فيه، و لا يقام الحدّ إلاّ مع مطالبة مستحقّه به.

و لو تقاذف اثنان سقط الحد و عزّرا معا.

و لو تنابز الكفّار بالألقاب، و التّعيير بالأمراض، و خشي حدوث فتنة حسمها الإمام(2) بما يراه.

6966. السّابع:

لو قذف الغائب لم يقم عليه الحدّ حتّى يقدم و يطالب، و لو قذف عاقلا فجنّ بعد قذفه و قبل طلبه، فالأقرب أن لوليّه المطالبة و العفو، و كذا لو قذف الصبيّ ، فالوجه أنّ للأب المطالبة.

6967. الثّامن:

إذا قال: يا لوطي، سئل فإن قال: أردت أنّك من قوم لوط، فلا شيء عليه، و إن قال: أردت أنّك تعمل عمل قوم لوط، فهو كقذف الزّنا، يجب به

ص: 408


1- . النهاية: 724.
2- . أي قطع الإمام الفتنة بما يراه.

الحدّ، و لو قال: أردت أنّك على دين لوط، أو أنّك تحبّ الصّبيان، أو تقبّلهم، أو تنظر إليهم بشهوة، أو أنّك تتخلّق بأخلاق قوم لوط، أو أنّك تنهى(1) عن الفاحشة كنهي لوط، قبل تفسيره، و عزّر فيما يوجب الأذى و كذا لو قذف امرأة بالوطء في دبرها، أو قذف رجلا بوطء امرأة في دبرها، فعليه الحدّ.

و لو قذفه بإتيان البهيمة، فالأقرب التعزير، بخلاف ما لو قذفه بالزّنا بالصبيّة، أو المجنونة أو الأمة.

و لو قذفه بالمباشرة دون الفرجين، أو بالوطء بالشّبهة، أو قذف امرأة بالمساحقة، أو بالوطء مستكرهة، أو قذف باللّمس أو بالنظر، فلا حدّ.

و الضّابط أنّ كلّ ما لا يوجب الحدّ عليه(2) بفعله لا يجب الحدّ على القاذف به، و يجب في ذلك كلّه التّعزير.

و لو قال لرجل يا مخنّث و قصد أنّ فيه طباع التّأنيث و التّشبيه بالنساء، أو قال لامرأة: يا قحبة، و قصد أنّها تستعدّ لذلك، فلا حدّ عليه، و لو قصد بشيء من ذلك الزنا حدّ.

و لو قال: أنا احتملت البارحة بأمّك(3) عزّر.

6968. التّاسع:

لو قذف رجلا فلم يقم عليه الحدّ حتّى زنى المقذوف، لم يسقط الحدّ عن القاذف على أقوى الوجهين، و يحتمل سقوطه و اعتبار استدامة

ص: 409


1- . في «أ»: منهيّ .
2- . في «ب»: لا يجب الحدّ عليه.
3- . في «أ»: بأمّك البارحة.

الشّروط(1) إلى حال إقامة الحدّ.

و لو وجب الحدّ على ذمّي أو مرتدّ، فلحق بدار الحرب ثمّ عاد، لم يسقط عنه الحدّ.

و لو قال القاذف: كنت صغيرا حين القذف، و قال المقذوف: كنت كبيرا، فالقول قول القاذف، و لو أقام كلّ منهما بيّنة، بدعواه، فإن أطلقت البيّنتان أو اختلفتا في التّاريخ، فهما قذفان يوجب أحدهما الحدّ و الاخر التعزير، و إن اتّفقتا في التاريخ، تعارضتا و سقطتا، و كذا لو تقدّم تاريخ بيّنة المقذوف.

6969. العاشر:

لو قذف مسلما محصنا، و قال: أردت أنّه زنى و هو مشرك، لم يلتفت إلى قوله، و حدّ القاذف، و كذا الحرّ لو كان عبدا.

و لو قال له: زنيت في كفرك أو عبوديّتك، ففي الحدّ إشكال، أقربه الوجوب.

6970. الحادي عشر:

لو قذف أمّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أو بنته، أو قذف النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فهو مرتدّ.

6971. الثّاني عشر:

إنّما يجب الحدّ بقذف ليس على صورة الشهادة الكاملة النّصاب، فلو شهد وحده أو مع اثنين حدّ، و الشّهادة هي الّتي تؤدّي في مجلس القضاء بلفظ الشهادة، و ما عداه قذف.

6972. الثّالث عشر:

التعزير يجب في كلّ جناية لا حدّ فيها، كالوطء في الحيض للزّوجة، و كوطء الأجنبيّة فيما دون الفرج، و سرقة ما دون النصاب، أو

ص: 410


1- . في «ب»: استدامة الشرط.

من غير حرز، أو النّهب، أو الغصب، أو الشتم بما ليس بقذف، و أشباه ذلك، و تقديره، بحسب ما يراه الإمام.

و روى الشّيخ عن يونس، عن اسحاق بن عمّار، قال: سألت أبا إبراهيم عليه السّلام عن التعزير كم هو؟ قال:

«بضعة عشر سوطا ما بين العشرة إلى العشرين»(1).

و قد وردت أحاديث في أشياء مخصوصة بأكثر من ذلك، غير أنّه لا تجوز الزيادة به على الحدّ، و ليس لأقلّه قدر معيّن، لأنّ أكثره مقدّر، فلو قدّر أقلّه كان حدّا.

و هو يكون بالضّرب، و الحبس، و التوبيخ، من غير قطع، و لا جرح، و لا أخذ مال، و التعزير واجب فيما يشرع فيه التعزير، و لا ضمان لمن مات به.

ص: 411


1- . الوسائل: 583/18، الباب 10 من أبواب بقيّة الحدود، الحديث 1.

ص: 412

كتاب الجنايات و فيه مقدّمة و مقاصد

اشارة

كتاب الجنايات

ص: 413

ص: 414

و فيه مقدّمة و مقاصد

أمّا المقدّمة

اشارة

أمّا(1) المقدّمة

ففيها أربعة مباحث:

6973. الأوّل:

القتل من أعظم الكبائر، قال اللّه تعالى: (وَ لاٰ تَقْتُلُوا اَلنَّفْسَ اَلَّتِي حَرَّمَ اَللّٰهُ إِلاّٰ بِالْحَقِّ ) (2) يعني بالقود و ما شابهه و قال تعالى: (وَ إِذَا اَلْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ .

بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ) (3) و قال تعالى: (وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزٰاؤُهُ جَهَنَّمُ خٰالِداً فِيهٰا وَ غَضِبَ اَللّٰهُ عَلَيْهِ وَ لَعَنَهُ وَ أَعَدَّ لَهُ عَذٰاباً عَظِيماً) (4).

و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

«أوّل ما ينظر اللّه بين النّاس في الدماء»(5).

و مرّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بقتيل فقال: من لهذا؟ فلم يذكر له أحد، فغضب ثمّ قال:

ص: 415


1- . في «أ»: و أمّا.
2- . الأنعام: 151.
3- . التكوير: 8-9.
4- . النّساء: 93.
5- . مستدرك الوسائل: 273/18، الباب 11 من أبواب دعوى القتل، الحديث 4.

«و الّذي نفسي بيده لو اشترك فيه أهل السّماء و الأرض لأكبّهم اللّه في النار»(1).

و روى ابن بابويه في الصحيح عن الصادق عليه السّلام قال:

«من أعان على قتل مؤمن بشطر كلمة، جاء يوم القيامة و بين عينيه مكتوب: آيس من رحمة اللّه»(2).

و عن الصادق عليه السّلام قال: قال رسول اللّه حين قضى مناسكه و وقف بمنى في حجّة الوداع:

«أيّها النّاس اسمعوا ما أقول لكم و اعقلوه، فإنّي لا أدري لعلّي لا ألقاكم في هذا الموقف بعد عامنا هذا، ثمّ قال: أيّ يوم أعظم حرمة ؟ قالوا: هذه الأيّام، قال: فإنّ دماءكم و أموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا إلى يوم تلقونه، فيسألكم عن أعمالكم، ألا هل بلّغت ؟ قالوا: نعم، قال: اللّهم اشهد، ألا و من كانت عنده أمانة فليؤدّها إلى من ائتمنه عليها، فإنّه لا يحلّ دم امرئ مسلم و لا ماله إلاّ بطيبة نفسه، فلا تظلموا أنفسكم، و لا ترجعوا بعدي كفّارا»(3).

و عن الباقر عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

«أوّل ما يحكم اللّه عز و جلّ فيه يوم القيامة الدماء، فيوقف ابنا آدم

ص: 416


1- . مستدرك الوسائل: 211/18، الباب 2 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 5.
2- . الفقيه: 68/4، رقم الحديث 201؛ الوسائل: 9/19، الباب 2 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 4.
3- . الوسائل: 3/19، الباب 1 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 3.

فيفصل بينهما، ثمّ الّذين يلونهما من أصحاب الدماء، حتّى لا يبقى منهم أحد من الناس بعد ذلك حتّى يأتي المقتول بقاتله فيشخب دمه في وجهه(1) فيقول: هذا قتلني، فيقول: أنت قتلته ؟ فلا يستطيع أن يكتم اللّه حديثا»(2).

و عن الصادق عليه السّلام في رجل يقتل رجلا مؤمنا، قال يقال له:

«مت أيّ ميتة شئت، إن شئت يهوديّا، و إن شئت نصرانيّا، و إن شئت مجوسيّا»(3).

و الأحاديث في ذلك كثيرة.

6974. الثاني:

تقبل توبة القاتل و إن كان عمدا فيما بينه و بين اللّه تعالى، و قال ابن عبّاس: لا تقبل توبته، لأنّ قوله تعالى: (وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً) (4) إلى آخره، نزلت بعد قوله: (وَ لاٰ يَقْتُلُونَ اَلنَّفْسَ ) إلى قوله (إِلاّٰ مَنْ تٰابَ ) (5) بستّة أشهر و لم يدخلها النسخ(6) و الصحيح ما قلناه لقوله تعالى: (وَ هُوَ اَلَّذِي يَقْبَلُ اَلتَّوْبَةَ عَنْ عِبٰادِهِ ) (7) و قال اللّه تعالى: (إِنَّ اَللّٰهَ لاٰ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ مٰا دُونَ ذٰلِكَ لِمَنْ يَشٰاءُ ) (8).

ص: 417


1- . في الوسائل: فيتشخّب في دمه وجهه.
2- . الوسائل: 4/19، الباب 1 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 6، و الفقيه: 69/4، رقم الحديث 210.
3- . الفقيه: 69/4، رقم الحديث 209.
4- . النساء: 93.
5- . الفرقان: 68-70.
6- . لاحظ المبسوط: 3/7.
7- . الشورى: 25.
8- . النساء: 116.

و عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من طريق الجمهور إنّ رجلا قتل مائة رجل ظلما، ثمّ سأل هل له من توبة ؟ فدلّ على عالم فسأله فقال: و من يحول بينك و بين التوبة ؟ و لكن اخرج من قرية السوء إلى القرية الصّالحة فاعبد اللّه فيها، فخرج تائبا فأدركه الموت في الطّريق، فاختصمت فيه ملائكة الرّحمة و ملائكة العذاب، فبعث اللّه إليهم ملكا فقال: قيسوا ما بين القريتين، فإلى أيّهما كان أقرب، فاجعلوه من أهلها، فوجدوه أقرب إلى القرية الصّالحة بشبر فجعلوه من أهلها.(1)

و لأنّ التّوبة تسقط عقاب الكفر، فالقتل أولى، و الآية مخصوصة بمن لم يتب، أو أنّ هذا جزاء القاتل، فإن شاء اللّه تعالى استوفاه، و إن شاء غفر له.

و النّسخ و إن لم يدخل الآية، لكن دخلها التخصيص و التأويل.

6975. الثّالث:

روى ابن بابويه في الصحيح عن عبد اللّه بن سنان و ابن بكير عن الصادق عليه السّلام قال: سئل عن المؤمن يقتل المؤمن متعمّدا، أ له توبة ؟ فقال:

«إن كان قتله لإيمانه، فلا توبة له، و إن كان قتله لغضب أو لسبب شيء من أمر الدّنيا، فإنّ توبته أن يقاد منه، و إن لم يكن علم به أحد، انطلق إلى أولياء المقتول، فأقرّ عندهم بقتل صاحبهم، فإن عفوا عنه فلم يقتلوه، أعطاهم الدّية، و أعتق نسمة، و صام شهرين متتابعين، شاو أطعم ستّين مسكينا، توبة إلى اللّه عزّ و جلّ »(2).

و في هذا الحديث فوائد كثيرة:

منها أنّ القاتل إن قتل المؤمن لإيمانه، فلا توبة له، لأنّه يكون قد ارتدّ، لأنّ

ص: 418


1- . سنن البيهقي: 17/8، و نقله ابن قدامة في المغني: 319/9-320.
2- . الفقيه: 69/4، رقم الحديث 208 - باب تحريم الدماء و الأموال... -.

قتله لإيمانه انّما يكون على تقدير تكذيبه فيما اعتقده، و لا تقبل توبة المرتدّ عن فطرة.

و منها: أنّه لو قتله على غير هذا الوجه قبلت توبته، و هو خلاف ما نقل عن ابن عبّاس.

و منها أنّ حدّ التّوبة تسليم القاتل نفسه إلى أولياء المقتول، فإن شاءوا قتلوه، و إن شاءوا عفوا عنه.

و منها: أنّ كفّارة العمد هي كفّارة الجمع.

إذا عرفت هذا فالقتل يشتمل على حقّ للّه تعالى، و هو المخالفة بارتكاب هذا الذّنب العظيم، و هو يسقط بالاستغفار، و على حقّ للوارث، و هو يسقط بتسليم نفسه أو الدّية أو عفو الورثة عنه. و [على] حقّ للمقتول، و هو الآلام الّتي أدخلها عليه بقتله، و تلك لا ينفع فيها التوبة، بل لا بدّ من القصاص في الآخرة، و يمكن أن يكون قول ابن عبّاس إشارة إلى هذا.

6976. الرابع:

أقسام القتل ثلاثة: عمد محض، و خطأ محض، و خطأ شبيه العمد.

فالعمد يحصل بقصد البالغ العاقل إلى القتل بما يقتل غالبا أو نادرا على الأقوى إذا حصل به القتل، و هل يحصل بالقصد إلى الفعل الّذي يحصل به الموت و إن لم يكن قاتلا في الغالب إذا لم يقصد به القتل كالضرب بحصاة أو عود خفيف أو غرز الإبرة الّتي لا يعقب ألما ظاهرا؟ الأقرب إلحاقه بشبيه العمد دون العمد، فلا قصاص فيه، نعم لو أعقب ورما و ألما حتّى مات، وجب القصاص.

ص: 419

و أمّا شبيه العمد (دون العمد)(1) فان يقصد إلى فعل يحصل معه الموت من غير قصد إلى الموت، و لا يكون ذلك الفعل مؤدّيا إليه غالبا، كمن يضرب للتّأديب فيموت.

و أمّا الخطأ المحض، فان يرمي طائرا مثلا، فيصيب إنسانا.

و الأصل في العمد أن يكون الفاعل عامدا في فعله و قصده، و شبيه العمد أن يكون عامدا في فعله مخطئا في قصده، و الخطأ المحض أن يكون مخطئا فيهما.

ص: 420


1- . ما بين القوسين يوجد في «ب».

المقصد الأوّل: في العمد

اشارة

و مطالبه أربعة:

المطلب الأوّل: في علّة تحقّقه و فيه فصول:

الفصل الأوّل: في تميز المباشر و السّبب و الشّرط و فيه ثمانية مباحث:
6977. الأوّل:

العمد يقع إمّا بالمباشرة أو بالتسبيب.

فالمباشرة كالذّبح، و الخنق، و الضرب بالسيف و السكين و المثقّل، و الجرح و لو بغرز الإبرة في المقتل، كالعين، و الفؤاد، و الخاصرة و الصدغ و أصل الأذن، سواء بالغ في إدخالها في البدن أو لا.

أمّا لو غرز بالإبرة في غير المقتل، فإن بالغ في إدخالها في البدن،

ص: 421

فهو كالجرح الكبير، لأنّه قد يشتدّ ألمه و يفضي إلى الموت، و إن كان يسيرا، أو جرحه بالكبير جرحا لطيفا، كشرطة الحجّام فما دون، فإن بقي من ذلك ضمنا(1)حتّى مات، ثبت القود، و إن مات في الحال، فالوجه أنّه شبيه العمد، على ما قلنا، و روي أنّه يوجب القصاص(2).

و أمّا السّبب فما له أثر في التّوليد، كشهادة الزور(3)، و تقديم الطعام المسموم إلى الضيف.

6978. الثّاني:

الفعل الّذي يحصل الموت عقيبه، ينقسم إلى شرط و علّة و سبب.

فالشّرط: هو الّذي يحصل عنده لا به، كحفر البئر مع التّردية، فإنّ الموت بالتردية، لكن الحفر شرط، و كذا الإمساك مع القتل، و لا يتعلّق القصاص بالشرط.

و العلّة: ما يولّد الموت إمّا ابتداء بغير واسطة كجزّ الرقبة و امّا بوسائط كالرمي فانّه يولّد الجرح، و الجرح يولّد السّراية، و السّراية تولّد الموت.

و أمّا السّبب، فما له أثر في التوليد، لكنّه يشبه الشرط من وجه كما قلنا في شهادة الزور و شبهها.

6979. الثّالث:

لو رماه بسهم فقتله، أو رماه بحجر يقتل مثله، أو خنقه بحبل و لم يرخ عنه حتّى مات، أو أرسله منقطع النفس أو ضمنا حتّى مات، فهو عمد.

ص: 422


1- . قال الفيومي: ضمن ضمنا فهو ضمن مثل زمن زمنا فهو زمن وزنا و معنا. المصباح المنير: 12/2.
2- . لاحظ الوسائل: 26/19، الباب 11 من أبواب القصاص في النّفس، الحديث 8.
3- . فانّها تولّد في القاضي داعية القتل غالبا.

أمّا لو حبس نفسه، يسيرا لا يقتل مثله غالبا، ثمّ أرسله فمات، وجب القصاص إن قصد القتل، و الدّية إن لم يقصد أو اشتبه القصد.

6980. الرابع:

لو ضربه بعصا، مكرّرا ما لا يحتمله مثله غالبا بالنسبة إلى بدنه و زمانه، فمات فهو عمد، كما لو ضرب المريض ضربا يقتل المريض دون الصّحيح، و لو ضربه، ضربا لا يقتل مثله، فحصل به مرض و استمرّ حتّى مات، فهو عمد.

و لو حبسه عن الطعام و جوّعه حتّى مات جوعا، وجب القصاص، و كذا لو حبسه مدّة عن الشراب لا يحتمل مثله الصبر عنه فمات، و لو كان به بعض الجوع فحبسه حتّى مات جوعا، فإن علم جوعه فالقصاص، كما لو ضرب مريضا ضربا يقتل به المريض، و إن لم يعلم احتمل القصاص و كلّ الدية و النصف على ضعف.

6981. الخامس:

لو حصل السّبب و قدر المقصود على دفعه، فإن كان السّبب مهلكا و الدفع غير موثوق به، فالقصاص على فاعل السّبب، كما لو جرحه، و ترك معالجة الجرح فمات، لأنّ السّراية من الجرح المضمون، لا من ترك المداواة، و لو فقد معنيان فلا قصاص، كما لو فصده فلم يعصب حتّى نزف الدّم، أو ألقاه في ماء قليل فبقي مستلقيا حتّى غرق.

و لو كان السّبب مهلكا لكن الدّفع سهل، وجب القصاص، كما لو ألقى العارف بالسّباحة في ماء مغرق فلم يسبح، لأنّه ربما ذهل عن السباحة، و كذا لو ألقاه في نار فوقف حتّى احترق، لأنّ الأعصاب قد تتشنّج بملاقاة النار، فتعسر الحركة، و لو عرف أنّه ترك الخروج تخاذلا فلا قود، لأنّه أعان على نفسه، و الأقرب عدم الدية أيضا لاستقلاله بإتلاف نفسه.

ص: 423

6982. السّادس:

سراية الجراح عمدا مضمونة، فلو جرح المكافئ فسرت الجراحة إلى النفس فمات المجروح وجب القود في النفس، سواء كان الجرح ممّا يقتل غالبا، أو لا يقتل أصلا، إذا عرف أنّ الموت حصل بسرايته، و لو اشتبه فلا قود في النّفس و لا دية بل في الجرح.

و لا اعتبار بقصد الجارح في السّراية، فلو لم يقصد الإتلاف فحصل به الجرح المقصود وجب القود، و كذا لو سرت الجراحة إلى غير النفس، فإنّها مضمونة توجب القصاص في العضو الاخر أو الدية، سواء كان ممّا لا يمكن مباشرته بالإتلاف، كما لو هشمه في رأسه فذهب ضوء عينيه، وجب القصاص فيه إجماعا، أو يمكن مباشرته بالإتلاف، كما لو قطع إصبعا فتأكلت أخرى و سقطت من مفصل.

و لو قطع إصبعا فشلّت الأخرى وجب القصاص في المقطوعة و الأرش في الشلاّء.

و سراية القود غير مضمونة، و هي: أن يقطع طرفا فيجب القود فيه، فاستوفى منه المجنيّ عليه، ثمّ مات الجاني بسراية الاستيفاء، لم يلزم المستوفي شيء.

6983. السّابع:

لو ألقى نفسه من شاهق على إنسان، و كان الوقوع ممّا يقتل غالبا أو نادرا مع قصد الملقي نفسه إلى إتلاف الأسفل، فهلك الأسفل، وجب على الملقي نفسه القود، و إن لم يقتل غالبا أو لم يقصد الإتلاف فهو شبيه عمد، و دم الملقي نفسه هدر.

6984. الثّامن:

الّذي اختاره الشيخ رحمه اللّه انّه لا حقيقة للسحر(1) و في الأحاديث(2) ما يدلّ على أنّ له حقيقة، فعلى ما ورد في الأخبار لو سحره

ص: 424


1- . المبسوط: 260/7؛ الخلاف: 327/5-328، المسألة 14 من كتاب كفّارة القتل.
2- . لاحظ بحار الأنوار: 1/60-42.

فمات بسحره، ففي القود إشكال، و الأقرب الدّية، لعدم اليقين بذلك.

و لو أقرّ أنّه قتله بسحره، فعليه القود عملا بإقراره، و في الأحاديث يقتل الساحر(1) قال الشيخ رحمه اللّه في الخلاف: يحمل ذلك على قتله حدّا(2)، و على قول الشيخ رحمه اللّه لا يثبت على الساحر قصاص و لا دية و إن أقرّ أنّه قتله بسحره.

و لو قال الساحر: إنّ سحره يقتل نادرا، فلا قصاص إلاّ أن يعترف بالقصد إلى القتل.

الفصل الثاني: في اجتماع المباشر و السبب
اشارة

و هو قسمان:

القسم الأوّل: أن يكون السبب أغلب و فيه سبعة مباحث:
6985. الأوّل:

الإكراه يوجب إيجاد داعية في المكره إلى القتل غالبا، فعندنا القصاص على المكره المباشر دون الامر، و لا يتحقّق الإكراه في القتل، بل يجب على المكره تحمّل الضّرر.

و لا يقتل المؤمن المعصوم الدّم، و لو بلغ الضرر إلى القتل فيقتل هو و لا يقتل غيره، نعم يخلّد الامر السجن، و قد روي أنّه يقتل الامر و يحبس القاتل دائما(3) و المعتمد الأوّل.

ص: 425


1- . لاحظ الوسائل: 576/18 الباب 1 من أبواب بقية الحدود، الحديث 1 و 2.
2- . الخلاف: 330/5، المسألة 16 من كتاب كفّارة القتل.
3- . الوسائل: 32/19، الباب 13 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 1.

و لو طلب الوليّ الدّية كانت على المباشر أيضا دون الامر، و يتحقّق الإكراه فيما عدا القتل.

هذا إذا كان المقهور بالغا عاقلا، و لو كان غير مميّز، كالطّفل و المجنون، فالقصاص على المكره دون المباشر، لأنّه كالآلة، سواء في ذلك المباشر الحرّ و العبد، و لو كان صبيّا غير بالغ إلاّ أنّه مميّز، عارف، و هو حرّ، فلا قود، و الدّية على عاقلته، و إن كان مملوكا، تعلّقت الجناية برقبته، و لا قود.

و قال في الخلاف: إن كان المملوك صغيرا أو مجنونا، فالدية، و لا قود(1)و ليس بمعتمد.

6986. الثّاني:

لو قال له: اقتلني و إلاّ قتلتك، لم يسغ القتل، فإنّ التحريم لا يرتفع بالإذن، فإن قتله، سقط القصاص، لأنّه أسقط حقّه بالإذن، فلا يتسلّط الوارث، و عندي فيه نظر.

و لو قال: اقتل نفسك، فإن كان مميّزا فلا شيء على المكره، و إن كان غير مميّز، فعلى الامر القود، و هل يتحقّق إكراه العاقل هنا؟ فيه إشكال.(2)

6987. الثّالث:

يتحقّق الإكراه فيما دون النّفس إجماعا، فلو قال: اقطع يد هذا، فالقصاص على الامر دون المباشر، و لو قال: اقطع يد هذا أو هذا و إلاّ قتلتك، فاختار القاطع يد أحدهما، احتمل القصاص على المباشر، لأنّ الإكراه لم يقع

ص: 426


1- . الخلاف: 168/5-169، المسألة 30 من كتاب الجنايات.
2- . قال الشهيد الثاني في المسالك: في المسألة وجهان و أظهرهما عدم تحقّق الإكراه، لأنّ المكره من يتخلّص بما أمر به عمّا هو أشدّ عليه، و هو الّذي خوّفه المكره به، و هنا المأمور به القتل المخوّف به القتل، و لا يتخلّص بقتل نفسه عن القتل، فلا معنى لاقدامه عليه لاحظ المسالك: 90/15.

على التّعيين، فهو مخيّر فيه، و الأقوى أنّه على الامر، لتحقّق الإكراه و عدم التخلّص إلاّ بأحدهما.

6988. الرابع:

شهادة الزور تولّد في القاضي داعية القتل، فهي سبب في الإتلاف على ما تقدّم تعريف السّبب، فيتعلّق القصاص بالشاهدين مع الحكم و الاستيفاء، و لا ضمان على القاضي و لا الحدّاد.

و لو علم الوليّ التزوير و باشر القصاص، كان القود عليه، لوجود المقتضي، و هو القتل العمد و العدوان قصدا، مع انتفاء مانعيّة الغرور.

6989. الخامس:

لو قدّم إليه طعاما مسموما، فأكله جاهلا به، فللوليّ القود، لانتفاء حكم المباشرة بالغرور، و لو كان المتناول عالما به و هو مميّز، فلا قود و لا دية، و لو لم يكن مميّزا فكالجاهل.

و لو جعل السّم في طعام صاحب المنزل، فوجده صاحبه [فأكله] فمات، قال الشيخ رحمه اللّه عليه القود(1) و فيه نظر.

و لو ترك سمّا في طعام نفسه، و تركه في منزله، فدخل إنسان فأكله من غير إذنه، فلا ضمان عليه بقصاص و لا دية، سواء قصد بذلك قتل الاكل، مثل أن يعلم أنّ ظالما يريد هجوم داره، فترك السمّ في الطعام ليقتله، فكان كما لو حفر بئرا في داره ليقع فيها اللّصّ .

و لو دخل بإذنه، و أكل الطعام المسموم من غير إذنه، فلا ضمان أيضا، و لو كان السمّ ممّا لا يقتل غالبا، فإن قصد إتلافه بإطعامه إيّاه، فهو عمد، و إن أطعمه إيّاه و لم يقصد القتل، فهو شبيه عمد.

ص: 427


1- . المبسوط: 46/7؛ الخلاف: 171/5، المسألة 32 من كتاب الجنايات.

فإن اختلف فيه هل يقتل مثله غالبا أم لا، و هناك بيّنة عمل بها، و إن لم تكن بيّنة، فالقول قول السّاقي، لأصالة عدم وجوب القصاص، فلا يثبت بالشّك.

و إن ثبت أنّه قاتل، فقال: لم أعلم(1) أنّه قاتل، احتمل القود، لأنّ السمّ من جنس ما يقتل غالبا، فأشبه ما لو جرحه، و قال: لم أعلم أنّه يموت منه، و عدمه لجواز خفائه، فكان شبهة في سقوط القود، فتجب الدّية.

6990. السّادس:

لو حفر بئرا في طريق أو في داره و غطّاها و دعا غيره، فأجازه عليها، فوقع فمات، فعليه القود، لأنّه ممّا يقتل غالبا و قد قصده.

6991. السّابع:

لو جرحه مجهزا فداوى نفسه بدواء سمّي فمات، فالجارح قاتل و عليه القود، و لو لم يكن الجرح مجهزا، فإن كان السّم مجهزا، فالقاتل هو المقتول، فعلى الجارح القصاص في الجرح خاصّة أو الأرش فيه إن لم يكن فيه قصاص.

و لو كان السمّ غير مجهز، و الغالب معه السلامة، و حصل الموت بفعل الجارح و المجروح، فيسقط ما قابل فعل نفسه، و يقتصّ من الجارح في النّفس بعد ردّ نصف الدّية، و كذا لو كان السمّ غير مجهز، و كان الغالب معه التلف، و كذا لو خاط المجروح جرحه في لحم حيّ (2) فسرى منهما، فعلى الجارح القصاص في النّفس بعد ردّ نصف ديته.

ص: 428


1- . في «ب»: لا أعلم.
2- . بعبارة أخرى: خاط جرحه فصادف اللّحم الحيّ .
القسم الثاني: ألا يكون السّبب أغلب و فيه ستة مباحث:
6992. الأوّل:

السّبب قد يصير مغلوبا، كما لو ألقاه من شاهق فتلقّاه إنسان بسيفه و قطعه بنصفين، فالحوالة في القصاص على المباشر، و لا شيء على الملقي، سواء عرف ذلك أو لم يعرف، أمّا لو ألقاه في ماء مغرق، فالتقمه الحوت، فالقصاص على الملقي، لأنّ فعل الحوت لا يعتبر، فهو كنصل منصوب في عمق البئر، و يحتمل عدم القصاص، لأنّه لم يقصد إتلافه بهذا النوع، و اجتياز الحيوان شبهة فتجب الدّية، أمّا لو ألقاه إلى الحوت فالتقمه، فعليه القود، لأنّه ممّا يقتل مثله بالطبع، فصار كالآلة.

6993. الثّاني:

قد يعتدل السّبب و المباشر كالإكراه على القتل، فالقصاص على المباشر دون المكره، و عليه الكفّارة أيضا، و حرمان الميراث متعلّق به أيضا دون الامر، و لو أكره إنسانا على أن يرمي إنسانا ظنّه الرّامي جرثومة، فلا قصاص على الرّامي لجهالته، و هل يثبت على الامر؟ فيه نظر، فإن أوجبناه عليه، فلا شيء على المباشر، و إن أخرجناه عن الفعل بالكليّة، فعلى عاقلة المباشر الدّية، لأنّه بالنّسبة إليه خطأ.

و لو أكره صغيرا غير مميّز على القتل، فالحوالة في القصاص هنا على الامر، لأنّ الصّغير كالآلة.

و لو أمسكه واحد و قتله آخر، قتل القاتل و حبس الممسك دائما، و لو نظر لهما ثالث سملت عيناه، و لا يرجع أحدهم على الوليّ بشيء.

6994 الثّالث:

لو أكرهه على صعود نخلة فزلقت رجله فمات، فالقصاص

ص: 429

على المكره على إشكال، و الأقرب وجوب الدّية عليه، أمّا لو أكرهه على قتل نفسه، فلا قصاص على المكره، إذ لا معنى لهذا الإكراه.

و لو أمره بالنّزول إلى بئر فمات، فهو كما لو أمره بالصّعود على الشجرة، يضمن الدّية، و لو كان ذلك لمصلحة عامّة كانت الدّية من بيت المال(1) و لو أمره من غير إكراه، فلا دية و لا قود.

و أمر المتغلّب المعلوم من عادته السّطوة عند المخالفة كالإكراه، و لو أمره سلطان واجب الطّاعة بقتل من علم المأمور أنّه مظلوم، إمّا لمعرفته بفسق الشاهدين، أو بنحو ذلك، لم يعذر، نعم لو قال: انّ الخروج عن طاعة نائب الإمام فساد، و ظننت ذلك مبيحا، فالوجه أنّه شبهة يسقط بها القصاص، و تثبت الدّية عليه.

و يباح بالإكراه كلّ شيء من الزّنا، و شرب الخمر، و الإفطار، و إتلاف مال الغير، و كلمة الرّدة، و غير ذلك، إلاّ القتل.

و الأقرب وجوب هذه الأشياء معه.

6995. الرابع:

لو أنهشه حيّة(2) يقتل مثلها غالبا، وجب عليه القصاص، و لو كان يقتل نادرا، فإن قصد القتل فهو عمد، و إلاّ فهو شبيه كالإبرة(3) و لو ألقى عليه حيّة قاتلة فنهشته فهلك، فالقود عليه، لجريان العادة بالتلف معه، و لو جمع بينهما في بيت واحد، فالأشبه ذلك.

ص: 430


1- . في «ب»: في بيت المال.
2- . قال في المسالك: المراد بكونه أنهشه الحيّة أنّه قبضها و أنهشها بدنه. مسالك الأفهام: 15 / 82.
3- . في «أ»: فهو شبيهة كالإبرة.
6996. الخامس:

لو أغرى به كلبا عقورا فقتله، فالقود عليه، لأنّه كالآلة، و كذا لو ألقاه إلى أسد فافترسه، سواء كان في مضيق أو برّيّة إذا لم يمكنه الاعتصام منه.

و لو كتّفه(1) و ألقاه في أرض مسبعة، فافترسه الأسد اتّفاقا، فلا قصاص، و عليه الدية.

و المجنون الضّاري كالسبع.

6997. السّادس:

لو حفر بئرا في الطريق المسلوك، فدفع إنسان غيره فيها، فالحوالة في القصاص على الدافع دون الحافر، و لو لم يدفعه احد فالدية على الحافر.

الفصل الثالث: في طريان المباشرة على المباشرة و فيه سبعة مباحث:
6998. الأوّل:

لو جرحه ثمّ عضّه الأسد و سرتا، وجب على الجارح القود بعد أن يردّ عليه المقتصّ نصف الدّية.

6999. الثّاني:

إذا كان أحد المباشرين أقوى قدّم، فلو جرحه الأوّل و حياته مستقرّة بعد الجرح، و قطع الثاني رأسه، فالقود على الثاني، سواء كان جرح الأوّل ممّا يقضى معه بالموت(2) غالبا، كشقّ الجوف و المأمومة، أو لا يقضى به، كقطع الأنملة، و يقتصّ من الأوّل في الجراح.

ص: 431


1- . كتفه كتفا من باب ضرب: شدّد يده إلى خلف بحبل و نحوه. و التشديد مبالغة. لاحظ مجمع البحرين.
2- . أي كان الجرح - لو لا قطع الثاني رأسه - ممّا يفضي إلى الموت.

و لو صيّره الأوّل في حكم المذبوح، بحيث لا تبقى حياته مستقرّة، فقدّه الثاني بنصفين، فالقصاص على الأوّل، و يعزّر الثاني، و لا يقتصّ منه، و الأولى إلحاق فعله بالجاني على الأموات.

7000. الثالث:

لو قطع واحد يده من الكوع، ثمّ قطعها الثاني من المرفق، ثمّ مات، فإن كانت جراحة الأوّل برأت قبل قطع الثاني، فالقاتل الثاني خاصّة، و على الأوّل القصاص في يده، و لو لم يبرأ منهما فهما قاتلان، و يجب القصاص على الأوّل و الثّاني بعد ردّ الدية عليهما بالسّوية، و لا تنقطع سراية الأوّل، لأنّ الألم الحاصل بفعله لم يزل، بل انضمّ إليه الألم الثّاني، فضعفت النفس عن احتمالهما فزهقت بهما، بخلاف ما لو قطع واحد يده ثمّ قتله آخر، لانقطاع السراية بالتعجيل، و في الأوّل نظر.

و لا فرق بين أن يقطعه الثّاني عقيب قطع الأوّل أو بعده بحيث يأكل و يشرب، ثمّ يقطعه الثّاني، و كذا لو عاش بعدهما معا، و أكل و شرب.

7001. الرابع:

لو قطع واحد يده و آخر رجله، فاندمل أحدهما و سرى الاخر، فمن اندمل قطعه فهو جارح، و الاخر قاتل يقتصّ منه، بعد ردّ دية الجرح المندمل.

و لو قطع أحد الثلاثة يده، و الثاني رجله، و أوضحه الثالث، ثمّ سرى الجميع، فللوليّ قتل الثلاثة بعد ردّ ديتين عليهم، و له قتل واحد، و يردّ الآخران على ورثته ثلثي ديته، و له قتل اثنين و يردّ الاخر عليهما ثلث الدية، و يردّ وليّ المجنيّ عليه ثلثي الدّية.

ص: 432

و لو برأت جراحة أحدهم، و مات من الآخرين، اقتصّ الوليّ من الّذي برأ جرحه في الجرح، و قتل الآخرين بعد أن يردّ عليهما دية كاملة يقتسمانها، أو يقتل أحدهما و يردّ الاخر عليه نصف الدية(1) فلو ادّعى الموضح انّ جرحه برأ و كذّبه الآخران، فإن صدّقه الوليّ سقط عنه القصاص و ثلث الدية، و طالبه بالقصاص في الموضحة أو ديتها.

و لا يقبل قول الوليّ في حقّ الشريكين، لكن إن طلب القود كان له قتلهما بعد أن يردّ عليهما الدّية، و لو طلب الدّية لم يكن له إلزامهما بأكثر من الثلثين، و إن كذّبه الوليّ حلف، و له القصاص أو المطالبة بثلث الدّية.

و إن شهد الشريكان بالاندمال لزمتهما الدّية كاملة، و للوليّ أخذها منهما إن صدّقهما، و إن لم يصدّقهما و عفا إلى الدّية لم يكن له أكثر من ثلثيها، لأنّه لا يدّعي أكثر من ذلك، و تقبل شهادتهما إن كانا قد تابا و عدلا، فيسقط عنه القصاص و ما زاد عن أرش الموضحة.

7002. الخامس:

لو اتّحد القاطع فقطع يد رجل، ثم قطع رجله، ثمّ سرت الجراحتان قتل، و هل يدخل قصاص الطرف في قصاص النفس ؟ قال في المبسوط و الخلاف: نعم مطلقا(2) و هي رواية أبي عبيدة عن الباقر عليه السّلام(3) و في النهاية: إن فرّق ذلك لم يدخل، و يقتصّ منه في الطّرف و النفس، و إن ضربه

ص: 433


1- . في «ب»: «و يردّ الاخر عليه الدّية» و الصّحيح ما في المتن.
2- . المبسوط: 22/7؛ الخلاف: 163/5، المسألة 23 من كتاب الجنايات.
3- . الوسائل: 281/19، الباب 7 من أبواب ديات المنافع، الحديث 1.

[ضربة] واحدة فجنت جنايتين، لم يكن عليه أكثر من القتل.(1) و هو المعتمد.

و لو قطع يده فسرت إلى نفسه، فالقصاص في النفس لا في الطّرف، لأنّ السّراية تتمّة الجناية، و قد اتّفق علماؤنا على أنّ دية الطرف تدخل في دية النّفس، و إن اختلفوا في القصاص على ما تقدّم.

7003. السّادس:

لو قتل مريضا مشرفا، وجب القود، و كذا لو قتل من نزع احشاؤه و هو يموت بعد يومين أو ثلاثة قطعا، لأنّه أزهق حياة مستقرّة بخلاف حركة المذبوح.

7004. السّابع:

ظنّ الإباحة شبهة في سقوط القود، فلو قتل رجلا في دار الحرب بظنّ كفره فبان إسلامه، وجبت الكفّارة و الدّية، و لو قتل من عهده مرتدّا، فظهر رجوعه، ففي القود إشكال، ينشأ من عدم القصد إلى قتل المسلم، و من رجوع ولاية قتل المرتدّ إلى الإمام، فيكون عاديا بقتله، و الأقرب الدّية.

و لو قتل من ظنّه(2) أنّه قاتل أبيه، فخرج بريء العهدة، ففي القود إشكال.

و لو ضرب مريضا ظنّه صحيحا، ضربا يهلك المريض، وجب القود، فإنّ ظنّ الصّحّة لا يبيح الضّرب.(3)

ص: 434


1- . النهاية: 771. قال الشهيد الثاني رحمه اللّه في المسالك: اختلف الأصحاب في دخول قصاص الطرف و الشجاج في قصاص النفس إذا اجتمعا على أقوال ثلاثة كلها للشيخ رحمه اللّه. أحدها: عدم الدّخول مطلقا ذهب إليه في المبسوط و الخلاف. و الثاني: ضدّه و هو دخول الأضعف في الأقوى مطلقا، ذهب إليه في الكتابين المذكورين أيضا. و الثالث: التفصيل، و هو التداخل ان اتّحد الضّرب، و عدمه مع تعدّده، ذهب إليه الشيخ في النهاية. لاحظ المسالك: 97/15-98.
2- . في «ب»: من ظنّ .
3- . في «أ»: «لا يبيح الضّرر» و لعلّه مصحّف.
الفصل الرابع: في الاشتراك و فيه عشرة مباحث:
7005. الأوّل:

إذا اشترك جماعة في قتل واحد، قتلوا أجمع به، إن اختار الوليّ ذلك بعد أن يردّ عليهم ما فضل عن دية المقتول، فيأخذ كلّ منهم ما فضل من ديته عن جنايته، و إن اختار قتل واحد منهم، قتله و أدّى الباقون إلى ورثته قدر جنايتهم، و له قتل أكثر من واحد، و يؤدّي إليهم الباقون قدر جنايتهم و ما فضل يؤدّيه الوليّ .

فلو قتل ثلاثة واحدا، و اختار الولي قتلهم، أدّى إليهم ديتين يقتسمونها بينهم بالسّوية.

و لو قتل اثنين أدّى الثالث ثلث الدّية إليهما، و يردّ الوليّ ثلثي الدّية.

و لو قتل واحدا أدّى الباقيان إلى ورثته ثلثي الدية، و لا شيء على الوليّ .

و لو طلب الدّية كانت عليهم بالسّوية إن اتّفقوا على أدائها.

7006. الثاني:

تتحقّق الشركة بأن يفعل كلّ منهم ما يقتل لو انفرد، أو ما يكون له شركة في السراية مع القصد إلى الجناية، و ليس التّساوي في السّبب شرطا، فلو جرح أحدهما مائة جرح و الاخر جرحا واحدا، و سرى الجميع إلى النّفس، تساويا في القصاص، فلو قتلهما الوليّ ردّ إلى ورثتهما دية كاملة، بينهما بالسّوية.

و لو قتل أحدهما ردّ الاخر على ورثته نصف الدّية.

و لو تراضوا بالدّية كانت عليهما بالسّوية، و كذا لو كان الجرحان

ص: 435

خطأ، كانت الدية عليهما نصفين، و كذا لو جرحه أحدهما موضحة و الاخر مأمومة(1) أو جائفة فمات من الجرحين.

7007. الثالث:

لو اشترك الجماعة في الجناية على الطّرف، اقتصّ منهم، و ردّ المجنيّ عليه ما فضل لكلّ واحد منهم عن جنايته، فلو قطع ثلاثة يد واحد كان للمجنيّ عليه قطع يد الثلاثة، و يردّ عليهم دية يدين يقتسمونها بينهم بالسّوية، و له قطع يد اثنين، و يردّ الثّالث عليهما ثلث دية اليد، و يردّ المجنيّ عليه عليهما ثلثي دية يد، و له قطع يد واحدة، و يردّ الآخران على المقتصّ منه ثلثي دية يده.

و لو طلب المجنيّ عليه الدّية كانت عليهم أثلاثا، و كذا البحث لو كان الجاني أكثر من ثلاثة.

و تتحقّق الشّركة بصدور الفعل عنهم أجمع، إمّا بأن يشهدوا عليه بما يوجب قطع يده ثمّ يرجعوا، أو يكرهوا إنسانا على قطعه، أو يلقوا صخرة على طرفه فتقطعه، أو يضعوا حديدة على المفصل و يعتمدوا عليها جميعا، أو يمدّوها فتبين.

و لو قطع كل واحد منهم جزءا من يده، لم يقطع يد أحدهم، و كذا لو قطع كلّ واحد منهم من جانب، أو جعل أحدهم آلته فوق يده، و الاخر تحت يده، و اعتمدا حتّى التقتا، فلا قطع على واحد منهما، بل على كلّ واحد القصاص في جنايته، لانفراد كلّ واحد منهما بجنايته.

و كذا لو وضعوا منشارا على مفصله ثمّ مدّه كلّ واحد مرّة بانت اليد، لأنّ

ص: 436


1- . في «ب»: و الاخر دامية.

كلّ واحد لم يقطع اليد، و لم يشارك في قطع الجميع، و كلّ موضع يمكن الاقتصاص منهم بمفرده وجب.

7008. الرابع:

لو اشترك الأب و الأجنبيّ في قتل الولد، وجب القصاص على الأجنبيّ دون الأب، و لا يسقط القود عن الأجنبيّ لمشاركة الأب، ثمّ يردّ الأب على الأجنبيّ نصف الدّية، و كذا لو اشترك الصبيّ و البالغ و المجنون و العاقل و الحرّ و العبد في قتل العبد، فإنّ القصاص لا يسقط عن البالغ و لا عن العاقل و لا عن العبد بمشاركة الصّبيّ أو المجنون أو الحرّ، و يضمن هؤلاء الثّلاثة نصف الدّية يؤدّونها إلى المقتول قصاصا.

و لو عفا الوليّ عن أحد القاتلين إمّا على الدية(1) أو مطلقا لم يسقط القصاص عن الاخر، و كذا لو قتله اثنان أحدهما تعمّدا و الاخر خطأ، فإنّ القصاص يجب على العامد، و يؤدّي عاقلة المخطئ إليه نصف الدّية.

و يقتل شريك نفسه و شريك السّبع بعد أن يردّ عليه نصف الدّية.

7009. الخامس:

لو اشترك في قتل الرّجل امرأتان، قتلتا به، و لا ردّ، إذ لا فاضل لهما عن ديته، و لو قتله أكثر من اثنتين قتلن به جمع و ردّ الوليّ إليهنّ فاضل دياتهنّ عن دية المقتول، فلو كان القاتل ثلاث نسوة، فاختار الوليّ قتل الجميع، قتلهنّ و أدّى إليهنّ دية امرأة بينهنّ بالسّوية، و له قتل اثنتين، فتؤدّي الثالثة إليهما ثلث دية الرّجل، و له قتل واحدة و تردّ على ورثتها الباقيتان ثلث ديتها، و يرجع الوليّ عليهما بنصف دية الرّجل.

ص: 437


1- . في «ب»: إمّا إلى الدّية.

و لو تفاوتت النّسوة في الدية و قتلهنّ الوليّ ، أكمل لكلّ واحدة ديتها بعد وضع أرش جنايتها.

7010. السّادس:

لو اشترك رجل و امرأة في قتل رجل، فللوليّ قتلهما معا، و يؤدّي إلى ورثة الرّجل نصف ديته، و لو قتل الرّجل خاصّة، فتؤدّي المرأة إلى ورثته ديتها، و له قتل المرأة، و يأخذ من الرّجل نصف ديته، و لو اصطلحوا على الدّية، كانت على الرّجل و المرأة نصفين.

قال المفيد رحمه اللّه لو قتلهما الوليّ ردّ نصف دية الرّجل على أولياء الرّجل و أولياء المرأة أثلاثا(1)، و قال الشيخ رحمه اللّه: إذا قتلوا الرّجل خاصّة، ردّت المرأة عليه نصف ديتها، ألفين و خمسمائة درهم(2) و كلاهما غير معتمد.

7011. السّابع:

لو اشترك حرّ و عبد في قتل حرّ، كان للوليّ قتلهما معا، ثمّ إن كانت قيمة العبد أكثر من نصف الدية، ردّ أولياء المقتول إلى مولاه الفاضل ما لم تتجاوز قيمته دية الحرّ فيردّ إليها، و يردّون إلى أولياء الحرّ نصف ديته.

و لو قتلوا الحرّ خاصّة أدّى مولى العبد إلى ورثته نصف ديته، أو يسلّم من العبد إليهم بقدر جنايته، و يشترك ورثة الحرّ و مولاه فيه، و ليس لورثة الحرّ قتله.

و لو قتلوا العبد خاصّة، كان على الحرّ نصف الدّية، يأخذ منهما المولى ما فضل له من قيمة عبده عن أرش جنايته، و الباقي إن فضل فضل للوليّ ، و إن كانت قيمة العبد أقلّ من أرش جنايته، و هو نصف الدّية أو بقدره، ثمّ اختار وليّ

ص: 438


1- . المقنعة: 752.
2- . النهاية: 745.

المقتول قتلهما قتلهما و أدّى إلى ورثة الحرّ نصف ديته، و ليس له الرّجوع على مولى العبد بالتفاوت من قيمته و أرش جنايته لو كانت القيمة أقلّ .

و لو قتل الوليّ الحرّ تخيّر المولى بين فكّ العبد بأرش جنايته يسلّمه إلى ورثة الحرّ، و بين دفع العبد إلى ورثة الحرّ ليسترقّوه.

و إن قتل الوليّ العبد خاصّة، رجع على ورثة الحرّ بنصف الدّية إن رضي الجاني بالدّية، هذا أجود ما قيل في هذا الباب.

و قال في النهاية: لو اختار الوليّ قتلهما قتلهما و أدّى إلى سيّد العبد ثمنه، و إن قتل العبد لم يكن لمولاه على الحرّ سبيل.(1)

7012. الثّامن:

لو اشترك عبد و امرأة في قتل حرّ فللوليّ قتلهما، ثمّ إن زادت قيمة العبد على نصف الدّية، ردّ الوليّ الزائد إلى مولاه ما لم يتجاوز دية الحرّ فيردّ إليها، و إن لم تزد قيمة العبد على النصف لم يكن لمولاه شيء و لا لورثة المرأة.

و لو قتل المرأة الوليّ ، استرقّ العبد إن ساوت قيمته أرش الجناية، أو استرقّ ما يساوي القيمة.

و لو قتل العبد، فإن كانت قيمته نصف الدّية أو أقلّ ، لم يكن لمولاه شيء، و يرجع الوليّ على المرأة بنصف الدّية إن رضيت بأدائها، و إن كانت قيمة العبد أكثر من نصف الدّية، ردّت المرأة على مولاه الفاضل ما لم يتجاوز دية الحرّ فيردّ إليها، و لو فضل من أرش جنايته عن قيمته شيء كان الفاضل للوليّ .

ص: 439


1- . النهاية: 745.
7013. التاسع:

كلّ موضع يجب الردّ على الوليّ فإنّه يقدّم على الاستيفاء.

7014. العاشر:

لو قتل جماعة من العبيد رجلا حرّا عمدا، تخيّر الوليّ في القتل و الاسترقاق، فإن قتل الجميع، و فضلت قيمتهم عن ديته، ردّ الفاضل، فإن تساووا في القيم تساووا في الرّد، و إن تفاضلوا ردّ على كلّ واحد منهم ما فضل من قيمته عن أرش جنايته، و لو فضل لبعض اختصّ بالردّ دون الباقي.

و لو استرقّ الجميع و لم يكن هناك فضل، فلا شيء لمواليهم، و إلاّ كان لصاحب الفضل من عبده بقدر ما فضل من قيمته عن أرش جنايته، و كذا التفصيل لو قتلوا امرأة أو عبدا.

و للوليّ قتل البعض، فإن تساوت قيمتهم دية الحرّ أو دية المرأة أو قيمة العبد، كان لمواليهم الرّجوع إلى موالي المعفوّ عنهم بقدر نصيبهم من الأرش، أو يسلّموا العبيد إليهم.

و إن قتلوا من قيمته أكثر من الدّية ردّ الولي الفاضل على مواليهم، و كان لمواليهم الرجوع على الموالي الآخر بقدر جنايات عبيدهم، أو يسلّمونهم، أو ما يقوم مقام أرش جناياتهم(1) للاسترقاق.

و إن قتلوا من قيمته أقلّ ، كان لهم الرّجوع بالباقي من الدّية على موالي الباقين، أو يدفعون العبيد أو ما يساوي الباقي من الدّية إليهم.

ص: 440


1- . في «أ»: جنايتهم.

المطلب الثاني: في الواجب بالعمد

اشارة

و يجب بالقتل العمد القصاص عينا لا أحد الشيئين: القود أو الدّية، و إنّما يجب القصاص بشروط ينظمها فصول.

الفصل الأوّل: التساوي في الحرّيّة شرط في القصاص و فيه أربعة و عشرون بحثا:
7015. الأوّل:

يقتل الحرّ بالحرّ، سواء كان القاتل مجدع(1) الأطراف معدوم الحواسّ و المقتول صحيح أو بالعكس، لعموم الآية(2) و كذا إن تفاوتا في العلم، و الشّرف، و الغنى و الفقر، و الصحّة و المرض، و إن أشرف به على الهلاك، و القوّة، و الضعف، و الكبر و الصغر، و إن ولد في الحال، و السلطان و السوقة.

و لا يشترط في وجوب القصاص كون القتل في دار الإسلام، بل متى قتل في دار الحرب مسلما عامدا عالما بإسلامه، وجب القود، سواء كان قد هاجر أو لم يهاجر.

و قتيل الغيلة كغيره في وجوب القصاص و العفو للوليّ ، فله الخيرة بين

ص: 441


1- . في مجمع البحرين: الجدع: قطع الأنف و الأذن و الشفة و اليد.
2- . اشارة إلى قوله تعالى (أَنَّ اَلنَّفْسَ بِالنَّفْسِ ...) المائدة: 45.

القصاص و العفو، و ليس للسّلطان معه اعتراض، و الغيلة أن يخدع الإنسان فيدخل بيتا أو نحوه، فيقتل أو يؤخذ ماله.

و يجري القصاص بين الولاة و العمّال و رعيّتهم.

7016. الثّاني:

يقتل الحرّ بالحرّ و الحرّة بالحرّة، و تقتل الحرّة بالحرّ، و ليس لأوليائه المطالبة بتفاوت الدّيتين على الأشهر، و يقتل الحرّ بالحرّة بعد ردّ نصف الدّية عليه، و يقتل كلّ من الرّجل و المرأة بالخنثى و بالعكس، فان كان الخنثى قد ظهر إلحاقه بأحد الصنفين، كان حكمه حكمه، و إن لم يظهر و اشتبه حاله، فالوجه أنّ المرأة تقتل به، و ليس لوليّه المطالبة بالتفاوت، و يقتل بالمرأة بعد ردّ تفاوت ديته، و هي نصف دية الرجل و نصف دية المرأة، و كذا يقتل بالرّجل و لا ردّ، و يقتل الرّجل به بعد ردّ فاضل دية الرّجل عن ديته.

7017. الثالث:

كلّ من يقتصّ بينهم في النفس، يقتصّ بينهم في الأطراف، فيقتصّ للمرأة من الرّجل من غير ردّ، و تتساوى ديتهما في الطّرف ما لم يبلغ ثلث دية الرّجل، فإذا بلغت ذلك رجعت المرأة إلى النصف، فيقتص لها منه مع ردّ التفاوت حينئذ، و كذا البحث في الجراح، يتساويان فيها دية و قصاصا ما لم تبلغ ثلث الدّية، فإذا بلغت الثلث، نقصت المرأة إلى النصف، و به روايات صحيحة(1) و قال الشيخ رحمه اللّه ما لم يتجاوز الثلث(2) و به رواية(3).

7018. الرابع:

يقتل العبد بالعبد و بالأمة، و الأمة بالأمة و العبد، و هل يشترط

ص: 442


1- . لاحظ الوسائل: 268/19، الباب 44 من أبواب ديات الأعضاء.
2- . النهاية: 748.
3- . لاحظ الوسائل: 295/19، الباب 3 من أبواب ديات الشجاج و الجراح.

التساوي في القيمة أم لا؟ أطلق علماؤنا القصاص، و لم يعتبروا ذلك، و يقتصّ بينهم في الأطراف كما يقتصّ في النّفس، و لو أعتق القاتل لم يسقط القصاص، و لا ردّ.

و لو اختار سيّد العبد المقتول الدّية، كان له استرقاق العبد القاتل، و لا يضمن مولاه شيئا، سواء أعتقه بعد القتل أو لا.

و لو جرح عبد عبدا ثمّ أعتق الجارح و مات المجروح قتل به.

7019. الخامس:

لا يقتل الحرّ بالعبد و لا الأمة، و لو اعتاد قتل العبيد قال الشيخ رحمه اللّه(1): يقتل حسما لمادّة الفساد و إنّما يجب على القاتل قيمة العبد أو الأمة يوم قتل، و لا يتجاوز بقيمة العبد دية الحرّ، و لا بقيمة الأمة دية الحرّة، فإن تجاوزت قيمة العبد دية الحرّ ردّت إلى دية الحرّ، و كذا الامة.

و لا يقتل المولى بعبده بل يعزّر و يكفّر، و قيل: يغرم قيمته، و يتصدّق بها(2).

و القول قول الجاني في قيمة العبد مع يمينه إن لم يكن مع المولى بيّنة تشهد له بالقيمة، و لو كان العبد ذميّا لذمّي لم يتجاوز بالذكر دية مولاه و لا بقيمة الأنثى دية الذمّية، و في المسلم عبد الذمّي إشكال، أمّا الذّمّي عبد المسلم فإنّ فيه قيمته ما لم يتجاوز دية مولاه المسلم.

ص: 443


1- . لاحظ التهذيب: 192/10، ذيل الحديث 757.
2- . ذهب إليه الشيخ المفيد في المقنعة: 749، و الشيخ في النهاية: 752؛ و الحلّي في السرائر: 3 / 355 و ابن زهرة في الغنية قسم الفروع: 407؛ و الكيدري في إصباح الشيعة: 494؛ و سلاّر في المراسم: 237؛ و ابن حمزة في الوسيلة: 433.

و لو كان العبد لامرأة كان على قاتله قيمته و إن تجاوزت دية مولاته، و لو تجاوزت دية الحرّة ردّت إليها، و الأمة لو كانت لرجل كان على قاتلها قيمتها ما لم يتجاوز دية الأنثى الحرّة، فإن تجاوزت ردّت إليها.

7020. السّادس:

العبد يقتل بالحرّ إن قتله عمدا، و لورثة الحرّ الخيار بين قتله و استرقاقه، و ليس لمولاه خيار، فلو اختار الوليّ أحد الأمرين لم يكن لمولاه افتكاكه.

و لو جرح العبد حرّا، فللمجروح القصاص أو استرقاقه إن أحاطت جنايته بقيمته، و إلاّ استرق منه بقدر جنايته، و ليس لمولاه خيار، و لو كانت الجناية أكثر من القيمة، لم يضمن مولاه الفاضل.

و لو طلب المجني عليه الأرش، فكّه مولاه بأرش الجناية، أو سلّمه إن أحاطت الجناية بقيمته، و إن زادت القيمة أخذ بالنّسبة.

و لو باعه أخذ أرش الجناية من الثّمن، و الفاضل للمولى.

و لو اشتراه المجنيّ عليه من مولاه بأرش الجناية، سقط القصاص، لأنّ عدوله إلى الشّراء اختيار للمال، ثمّ إن كان الأرش معلوما صحّ البيع، و إلاّ فلا.

7021. السّابع:

لو قتل العبد عبدا عمدا قتل به إن اختار مولى المقتول، و إن طلب الدّية تعلّقت برقبة الجاني، فلمولى المقتول استرقاقه إن تساوت القيمتان، أو كانت قيمة القاتل أقلّ ، و لا يضمن المولى شيئا، و إن كانت قيمته أزيد، استرقّ مولى المقتول منه بقدر قيمة عبده، و لا يضمنه المولى، فإن تبرّع المولى بفكّه فكّه بأرش الجناية.

ص: 444

و لو كان القتل خطأ، تخيّر مولى القاتل بين فكّه بقيمته و دفعه أو ما يساوي القيمة إن كانت قيمة القاتل أكثر، و لا خيار لمولى المقتول، و لو أعوز لم يضمنه المولى.

7022. الثامن:

المدبّر كالقنّ ، فإن قتل مدبّر حرّا قتل به، و إن شاء الوليّ استرقّه، و لا ينعتق بموت المدبّر، و كذا لو قتل عبدا قنّا، و لو كان قتله خطأ تخيّر مولاه بين فكّه بأرش الجناية، و يبقى على التّدبير، و بين تسليمه للرّقّ ، فإذا مات المدبّر، قيل: ينعتق و يسعى في فكّ رقبته(1) فقيل بالدّية(2) و قيل بقيمته(3) و الصّحيح بطلان التدبير بالاسترقاق(4) و بقاؤه رقّا بعد موت المدبّر.

و لا يقتل الحرّ بالمدبّر و لا من انعتق بعضه، و يقتل المدبّر بمثله و بالقنّ .

7023. التاسع:

المكاتب المشروط و المطلق الّذي لم يؤدّ شيئا كالقنّ ، يقتل كلّ منهما بالقنّ و بمثلهما و بالحرّ، و لو كان المطلق قد أدّى شيئا، تحرّر منه بقدر ما أدّى، فلا يقتل بالقنّ ، و لا بالمدبّر، و لا بالمشروط، و لا بمن انعتق منه أقلّ ، و لو قتل حرّا عمدا قتل به، و للمولى استرقاق نصيب الرّقية، و لو قتل عبدا لم يقتل به، و لكن يسعى في نصيب الحرّية، و يسترقّ الباقي منه، أو يباع في نصيب الرّق، و إن كان القتل خطأ أدّى الإمام قدر نصيب الحرّية من الدّية، لأنّه عاقلته، و يتخيّر المولى بين فكّ نصيب الرّقيّة من الجناية،

ص: 445


1- . قال المحقّق في الشرائع: و مع القول بعتقه، هل يسعى في فكّ رقبته ؟ فيه خلاف، الأشهر أنّه يسعى. شرائع الإسلام: 206/4. لكن في متن الجواهر: 109/42 «لا يسعى».
2- . ذهب إليه الشيخ في النهاية: 751.
3- . ذهب إليه الصدوق في المقنع: 533.
4- . كذا في «ب»: و لكن في «أ»: و قيل بقيمته و هو الصحيح لبطلان التدبير بالاسترقاق.

و يبقى مكاتبا، و بين تسليم الحصّة ليقاصص بالجناية، و تبطل الكتابة فيها.

و رجّح الشيخ رحمه اللّه في الاستبصار رواية عليّ بن جعفر عن أخيه موسى عليه السّلام الدّالّة على مساواة المكاتب الّذي انعتق نصفه للحرّ.(1)

7024. العاشر:

لو قتل العبد حرّا عمدا، يقتل به، و للوليّ استرقاقه، و لو طلب الوليّ من المولى بيعه و دفع ثمنه لم يجب، لأنّه لم يتعلّق بذمّة المولى شيء، و إنّما تعلّق بالرّقبة الّتي سلّمها، و يحتمل الوجوب كالرّهن.

و لو قتل العبد مولاه، قتل به، و للوليّ استرقاقه، و لو كان العبدان لمالك واحد، فقتل أحدهما الاخر عمدا، كان للمولى قتله، و العفو عنه، و ليس له قتله في الخطأ.

7025. الحادي عشر:

لو قتل العبد خطأ أو جرح، حرّا كان المقتول و المجروح أو عبدا، تخيّر المولى بين افتكاكه و بين دفعه على ما قلناه، و كلّ موضع خيّرنا المولى بين الفكّ و الدفع، فإنّه تخيّر بالفكّ بأرش الجناية - سواء زادت عن قيمة العبد الجاني أو لا - و بالدفع، و قيل: بل تخيّر بالفكّ بأقلّ الأمرين من الأرش و قيمة الجاني، و هو أحد قولي الشيخ(2) و ليس بعيدا من الصواب.

و لو عفا وليّ المقتول على مال لم يجب على المولى دفعه، بل يدفع العبد، و له دفع المال، فإن كان المقتول عبدا، و عفا مولاه على مال، فالوجه أنّ المولى يتخيّر بين دفع الجاني إن أحاطت جنايته بقيمته، أو دفع ما ساواها منه، و بين

ص: 446


1- . الاستبصار: 277/4 في ذيل الحديث 1049.
2- . المبسوط: 160/7.

فكّه بأقلّ الأمرين من قيمته القاتل أو المقتول، و على القول الاخر يفديه بقيمة المقتول أو يدفعه.

7026. الثّاني عشر:

لو قتل عبد عبدين عمدا، كلّ واحد لمالك، و اختارا القود، فالوجه اشتراكهما في القود ما لم يختر الأوّل استرقاقه قبل الجناية الثانية، فإن اختار استرقاقه قبل الجناية الثّانية، كان للثاني خاصّة، و قيل: يقدّم الأوّل لسبق حقّه، و يسقط الثاني، لفوات محلّ الاستيفاء(1).

و لو اختار الأوّل المال و ضمنه المولى، تعلّق حقّ الثاني برقبته، فإن اقتصّ ، بقي المال المضمون في ذمّة المولى، و لو لم يضمنه المولى، و استرقّه الأوّل، تعلّق حقّ الثاني به، فإن قتله فلا شيء للأوّل، و إن استرقّ اشترك الموليان، و الوجه عندي أنّه للثاني بعد استرقاق الأوّل له.

7027. الثالث عشر:

لو قتل العبد عبدا لاثنين، اشتركا في القود و الاسترقاق، فإن طلب أحدهما القود و الثّاني المال، لم يجب على المولى، لكن إن افتكّ نصيب الباقي على المال، كان للآخر قتله بعد ردّ نصيب من عفاه من قيمته على مولاه لا ما دفعه مولاه، و لو لم يفتكه المولى، كان لطالب المال منه بقدر حصّته من العبد المقتول و الاخر القود مع ردّ قيمة حصّة شريكه.

7028. الرابع عشر:

لو قتل عشرة أعبد عبدا لرجل عمدا، فعليهم القصاص، فللمولى قتلهم أجمع، و يؤدّي إلى سيّد كلّ واحد منهم ما فضل من قيمته عن جنايته إن كان هناك فضل، و لو فضل لبعضهم خاصّة ردّ عليه، و لو لم يفضل لأحدهم شيء، بأن كانت قيمة المقتول تساوي قيمة العشرة، لم يكن لمواليهم

ص: 447


1- . ذهب إليه الشيخ في المبسوط: 8/7.

شيء، و لو زادت قيمة المقتول عن دية الحرّ هنا، فالوجه الرّد إلى دية الحرّ، و يجعل أصلا، و على كلّ عبد عشرها، فإن زادت قيمة العشرة على الدّية، و زادت قيمة المقتول، فالأقرب ردّ قيمة المقتول إلى دية الحرّ، و كذا قيمة كلّ من زادت قيمته عن دية الحرّ من العشرة.

و لو طلب المولى الدّية، تخيّر مولى كلّ واحد بين فكّه بأرش جنايته أو دفعه، و قيل بأقلّ الأمرين من أرش الجناية و قيمة الجاني(1).

و لو دفع كلّ واحد العبد و فضل له من قيمته شيء، كان الفاضل عن أرش الجناية له.

و لو قتل البعض ردّ مولى كلّ واحد من الأحياء عشر الجناية، أو دفع كلّ واحد من عبده بقدر أرش جنايته إلى مولى المقتصّ منهم، فإن لم ينهض ذلك بقيمة المقتولين، أتمّ مولى المقتول ما يعوز، أو اقتصر على قتل من ينهض الرّد بقيمته.

و لو كانت قيمة المقتصّ منهم لا ينهض بقيمة المجني عليه، كان الرّد على مولاه إن كانت قيمة كلّ واحد من المقتصّ منهم بقدر أرش جنايته.

7029. الخامس عشر:

لو قتل حرّ حرين، فليس لأوليائهما سوى قتله، و ليس لهما المطالبة بالدّية، فإن قتلاه فقد استوفيا حقّهما، و لو بدر أحدهما فقتله استوفى حقّه، و كان للآخر المطالبة بالدّية من التركة، لأنّها بدل عن النفس عند التّعذر كقيم المتلفات، و لو لم يكن هناك تركة، أخذت من الأقرب فالأقرب.

و لو قطع يمين رجلين، قطعت يمينه بالأوّل و يساره بالثاني، فإن قطع يد

ص: 448


1- . لاحظ المبسوط: 160/7.

ثالث، قيل قطعت رجله(1)، و قيل: تجب الدّية،(2) لفوات محلّ القصاص و مساويه، و كذا لو قطع يمين رابع.

و لو قطع و لا يد له و لا رجل فالدّية.

7030. السّادس عشر:

لو قتل العبد حرّين على التّعاقب، فالأقرب اشتراكهما فيه ما لم يحكم به للأوّل، فيكون لأولياء الأخير، إن اختاروا قتلوه، و إن أرادوا استرقّوه، و قيل: يكون لأولياء الأخير(3) و المعتمد الأوّل.

و يكفي في اختصاص الأوّل به، أن يختار استرقاقه و إن لم يحكم له الحاكم، فإذا اختار وليّ الأوّل استرقاقه، ثمّ قتل بعد الاختيار، كان للثّاني.

7031. السّابع عشر:

لو أعتقه مولاه بعد أن قتل حرّا عمدا، فالأقرب عندي الصّحة، لكن لا يسقط حقّ الوليّ من القود و الاسترقاق، فإن اقتصّ منه أو استرقّه بطل عتقه، و إن عفا على مال و افتكّه مولاه، عتق، و كذا لو عفا عنه مطلقا، و كذا البحث في البيع و الهبة.

و لو كان القتل خطأ قيل(4): يصحّ العتق و يضمن المولى الدية، و عليه دلّت رواية عمرو بن شمر [عن جابر] عن الباقر عليه السّلام(5) و عمرو ضعيف و قيل(6): لا يصحّ الاّ ان يتقدّم ضمان الدية أو دفعها.

ص: 449


1- . ذهب إليه الشيخ في النهاية: 771-772.
2- . القائل هو الحلّي في السرائر: 396/3-397.
3- . ذهب إليه الشيخ في النهاية: 752.
4- . ذهب إليه الشيخ في النهاية: 753.
5- . الوسائل: 160/19، الباب 12 من أبواب ديات النّفس، الحديث 1.
6- . القائل هو الحلّي في السرائر: 358/3.

و لو قتل عبدا عمدا، فإن لم نعتبر القيمتين فالبحث كالحرّ، و إن اعتبرناهما و كانت قيمة القاتل أكثر، فإن اقتصّ ظهر بطلان العتق، و كان الفاضل لمولاه، و يحتمل عدم القصاص، و إن عفا عنه على مال(1) و افتكّه مولاه، نفذ العتق، و إلاّ استرقّ المولى منه بقدر قيمة عبده، و حكم بحرّيّة الباقي.

7032. الثامن عشر:

قيمة العبد مقسومة على أعضائه، كما أنّ دية الحرّ مقسومة عليها، و الحرّ أصل للعبد فيما فيه مقدّر، و كلّ ما فيه واحد، ففيه كمال قيمته، كما أنّ الحرّ في عضوه الواحد منه كمال ديته، و ما فيه اثنان ففيهما كمال القيمة، كالعينين، و اليدين، و الرّجلين، و في كلّ واحد منهما نصف قيمته.

و كلّ ما فيه عشرة، ففي كلّ واحد عشر القيمة، كالأصابع، و كلّ ما لا تقدير فيه فالعبد فيه أصل للحرّ، فإنّ الأرش، انّما يتقدّر بأن يفرض الحرّ عبدا سليما من الجناية، و ينظر قيمته حينئذ، ثمّ يفرض عبدا معيبا بالجناية، و ينظر قيمته حينئذ، ثمّ يؤخذ من الدّية بنسبة تفاوت القيمتين.

إذا عرفت هذا فلو جني على العبد بما فيه كمال القيمة، تخيّر مولاه بين إمساكه و لا شيء له، و بين دفعه و أخذ قيمته، فلو قطع يده و رجله دفعة، ألزمه مولاه بالقيمة و دفعه إليه، أو أمسكه بغير شيء و لو قطع يده خاصّة، كان له إلزامه بنصف قيمته، و لا يدفع من العبد شيئا.

و لو قطع واحد يده، و آخر رجله، قيل(2): تخيّر مولاه بين دفعه إليهما و أخذ القيمة بكمالها منهما، و بين إمساكه بغير شيء.

ص: 450


1- . في «ب»: إلى مال.
2- . القائل هو الشيخ في المبسوط: 160/7.

و الحقّ أنّ له إلزامهما بكمال قيمته، و لا يدفع العبد.

7033. التاسع عشر:

لو جرح الحرّ العبد المملوك فسرت إلى نفسه، كان لمولاه أخذ القيمة منه بأعلى القيم من حين الجناية إلى وقت الموت، فإن تحرّر و سرت إلى نفسه و مات حرّا، فللمولى أقلّ الأمرين، من قيمة الجناية أو الدّية عند السراية(1) فإنّ القيمة إن كانت أقلّ ، فهي الّتي يستحقّها المولى، و الزّيادة الحرّيّة فلا يملكها، و إن نقصت مع السّراية، لم يلزم الجاني ضمان النقصان، فإنّ دية الطّرف تدخل في دية النفس، و ذلك بأن يقطع واحد يده و هو رقّ ، فعليه نصف قيمته إن كانت بقدر الدية، ثمّ قطع آخر يده بعد تحرّره، ثمّ آخر رجله، و سرى الجميع، سقطت دية الطّرف، و كانت دية النّفس عليهم أثلاثا، فيأخذ المولى ثلث الدية من الاوّل بعد أن كان له نصف الدّية منه، و للورثة الثلثان، و قيل: للمولى هنا أقلّ الأمرين من ثلث القيمة و ثلث الدية.(2)

7034. العشرون:

لو قطع حرّ يد عبد، ثمّ أعتق و سرت، فلا قود لعدم التساوي وقت الجناية، و عليه دية حرّ، لأنّها مضمونة، فكان الاعتبار بها حال الاستقرار، فللسيّد نصف القيمة وقت الجناية، و لورثة المجنيّ عليه ما زاد، و لو تجاوزت قيمته دية الحرّ، فللمولى نصف دية الحرّ خاصّة.

و لو قطع آخر رجله بعد الحرّيّة و سرى الجرحان، فلا قصاص في الأوّل في الطرف و لا النفس، لأنّ انتفاء القصاص في الجناية يوجب انتفاءه في السراية، و على الثاني القود بعد ردّ نصف الدية عليه، و على الأوّل نصف

ص: 451


1- . في الشرائع: 210/4: «من قيمة الجناية و الدّية عند السراية».
2- . القائل الشيخ في المبسوط: 34/7-35.

دية الحرّ، فيأخذ المولى أقلّ الأمرين من نصف قيمة العبد و من نصف الدية.

7035. الحادي و العشرون:

لو قطع يد عبد، ثمّ أعتق، ثمّ قطع رجله، فعلى الجاني نصف قيمته وقت الجناية لمولاه، و عليه القصاص في الجناية حال الحرّيّة للعبد، فإن اقتصّ المعتق في الرّجل جاز، و إن طلب الدّية اختصّ بالنصف فيها إن رضي الجاني، فإن سرى الجرحان فلا قصاص في الأولى و يثبت في الثانية، فيكون للمولى الأقلّ من نصف القيمة و نصف الدية، و لورثة المعتق القصاص في النفس بعد ردّ نصف الدية على الجاني.

و لو اقتصّ الوارث في الرّجل خاصّة، أخذ المولى نصف القيمة وقت الجناية، و كان الفاضل للوارث، فيجتمع له القصاص في الرّجل و فاضل دية اليد إن زادت ديتها عن نصف قيمة العبد.

7036. الثاني و العشرون:

لو قلع عين عبد، ثمّ أعتق، ثمّ قطع ثان يده، ثمّ ثالث رجله، فلا قود على الأوّل، سواء اندمل جرحه أو سرى، و أمّا الآخران فعليهما القود في الطرفين إن اندملت، و إن سرت الجراحات كلّها، فعليهما القصاص في النّفس بعد ردّ ما يفضل لهما عن جنايتهما، و لو عفا الوارث عنهما، فعليهم الدّية أثلاثا.

و في مستحقّ السيّد وجهان: أحدهما أقلّ الامرين من نصف القيمة أو ثلث الدية، لأنّه بالقطع استحقّ نصف القيمة، فإذا صارت نفسا، وجب ثلث الدية، فكان له الأقلّ ، و الثاني أقلّ الأمرين من ثلث القيمة أو ثلث الدية، فإنّ الجناية حيث سرت، كان الاعتبار بما آلت إليه.

و لو قطع الأوّل إصبعه، و قطع الآخران يديه بعد الحريّة، فعلى الوجه

ص: 452

الأوّل تثبت الدية عليهم أثلاثا، للسيّد منها أقلّ الأمرين من أرش الإصبع - و هو عشر القيمة - أو ثلث الدية.

و لو كان الجاني حال الرّق قطع يديه، و الآخران قطعا رجليه، وجبت الدّية أثلاثا، و كان للسيّد منهما أقلّ الأمرين من جميع قيمته أو ثلث الدية، و على الوجه الاخر ثبت للمولى في المسألتين أقلّ الأمرين من ثلث القيمة أو ثلث الدية.

و لو كان الجانيان في حال الرقّ ، و الاخر في حال الحرّية فمات، فعليهم الدية، و للسيّد من ذلك في أحد الوجهين أقلّ الأمرين من أرش الجنايتين أو ثلثي الدّية، و على الاخر أقلّ الأمرين من ثلثي القيمة أو ثلثي الدّية.

و لو كانت الجناة أربعة، واحد في الرّق و ثلاثة في الحرّيّة، و سرت الجنايات، فللسيّد في أحد الوجهين الأقلّ من أرش الجناية(1) أو ربع الدّية، و في الاخر الأقلّ من ربع القيمة أو ربع الدية.

و لو انعكس الفرض، فله في أحد الوجهين الأقلّ من أرش الجنايات الثلاث أو ثلاثة أرباع الدّية، و في الاخر الأقلّ من ثلاثة أرباع القيمة أو ثلاثة أرباع الدّية.

7037. الثالث و العشرون:

يجري القصاص بين العبيد في الأطراف، كما يجري القصاص بينهم في النّفس.

7038. الرابع و العشرون:

لا يقتل الكافر الحرّ بالعبد المسلم، بل يجب عليه

ص: 453


1- . في «ب»: من أرش الجنايات.

قيمته لمولاه، و يقتل حدّا لنقضه العهد، و لو قتل عبد مسلم حرّا كافرا، لم يقتل به، بل لورثته المطالبة بدية الذّمّي، فإن دفعها المولى، و إلاّ استرقّوا العبد إن كانوا مسلمين، و بيع على المسلمين إن كانوا كفّارا.

و لو قتل من نصفه حرّ عبدا، لم يقتل به، و كذا لو قتله حرّ لم يقتل به، و لو قتله مثله قتل به.

و لو اشترى المكاتب المشروط أباه ثمّ قتله، احتمل القصاص و عدمه، و لو قتل غير أبيه من عبيده فلا قصاص، و لو كان المكاتب مطلقا قد انعتق بعضه انعتق من الأب بنسبته، و لا يقتل به أيضا اعتبارا بنصيب الرّقّيّة.

الفصل الثاني: [في التساوي في الدّين و فيه اثنا عشر بحثا:
7039. الأوّل:

يشترط في المقتصّ منه مساواته للجاني أو كونه أخفض منه، فيقتل المسلم بمثله، و الكافر بمثله، و إن كانا حربيّين على إشكال و بالمسلم.

و لا يقتل المسلم بالكافر، سواء كان ذمّيّا، أو حربيّا أو مستأمنا، أو غيره، لكن يعزّر و يغرم دية الذّمّي، و قيل: إن اعتاد قتل أهل الذمة اقتصّ منه بعد ردّ فاضل ديته(1) و منع ابن إدريس ذلك.(2)

7040. الثاني:

يقتل الذّمّي بمثله و بالذمّية بعد ردّ فاضل ديته، و الذميّة بالذّمّية،

ص: 454


1- . ذهب إليه الشيخ في النهاية: 749.
2- . السرائر: 352/3.

و لا يرجع عليها بالفضل، و سواء اتّفق القاتل و المقتول في الملّة أو اختلفا، فيقتل اليهوديّ بالنصراني و المجوسيّ و بالعكس.

7041. الثالث:

الذّمّي إن قتل مسلما عمدا، دفع هو و ماله إلى أولياء المقتول، و لهم الخيرة في قتله و استرقاقه، و لا فرق في تملّك أمواله بين ما ينقل منها و ما لا ينقل، و لا بين العين و الدّين.

و هل يسترقّ الأولياء أولاده الأصاغر؟ قال الشيخ: نعم(1) و منعه ابن إدريس(2).

و إذا اختار الأولياء القتل تولّى ذلك عنهم السّلطان، قال ابن إدريس:

و إذا اختاروا قتله لم يكن لهم على ماله سبيل، لأنّه لا يدخل في ملكهم إلاّ باختيارهم استرقاقه.

و لو أسلم فإن كان قبل الاسترقاق، لم يكن لهم على ماله و أولاده سبيل، و ليس لهم استرقاقه، بل لهم قتله، كما لو قتل و هو مسلم، و إن كان بعد الاسترقاق، لم يسقط عنه شيء من الأحكام، و يكفي في الاسترقاق اختيار الوليّ رقّه و إن لم يكن حاكم.

7042. الرابع:

لو قتل الكافر كافرا، ثمّ أسلم القاتل، أو جرح الكافر مثله ثمّ أسلم الجارح، و سرت جارحة الكافر، لم يقتل به، كما لو كان مؤمنا حال قتله، و لعموم قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

ص: 455


1- . نقله المصنّف عن الشيخ أيضا في الإرشاد: 204/2، و قال الشهيد في المسالك، بعد نقل ذلك عن الشيخ: أنّه لم يوجد في كتبه. لاحظ المسالك: 145/15.
2- . السرائر: 351/3.

«لا يقتل مؤمن بكافر»(1).

نعم تجب الدّية على القاتل إن كان المقتول ذا دية.

7043. الخامس:

لو جرح مسلم ذمّيا فأسلم المجروح، ثمّ سرت الجناية إلى النّفس، فلا قصاص و لا قود، و كذا لو قطع يد عبد ثمّ أعتق، و سرت الجناية، و كذا الصّبي، لو قطع يد بالغ ثمّ بلغ الجانيّ ، و سرت بعد ذلك جنايته، لأنّ التساوي غير حاصل وقت الجناية، فلم يوجب قصاصا حال ثبوتها، و يثبت في جميع ذلك دية النّفس الكاملة للمسلم، لأنّ الجناية وقعت مضمونة، فكان الاعتبار بأرشها حين الاستقرار.

أمّا لو قطع يد حربيّ ، أو يد مرتدّ فأسلم، ثم سرت، فلا قود و لا دية، لأن الجناية وقعت غير مضمونة، فلم يضمن سرايتها.

و لو رمى ذمّيا بسهم فأسلم، ثمّ أصابه فمات، فلا قود، و عليه دية المسلم، و كذا لو رمى عبدا فأعتق، ثمّ أصابه، و كذا لو رمى حربيّا أو مرتدّا فأسلم قبل الإصابة، ثمّ أصابه فمات، فعليه دية المسلم، لأنّ الإصابة حصلت في محقون الدّم مسلم.(2)

7044. السّادس:

لو قطع مسلم يد مثله، فارتدّ ثمّ مات بالسراية، فلا قصاص في النفس، و لا دية لها، و لا كفّارة، و كذا لو قطع يد ذمّي فصار حربيّا، ثمّ مات

ص: 456


1- . المحلّى: 355/10 و نقله الرافعي في الشرح الكبير: 160/10.
2- . هكذا في النسختين و الصّحيح في مسلم محقون الدّم و في الشرائع: 212/4: «لأنّ الإصابة صادفت مسلما محقون الدّم».

بالجناية، و يضمن اليد، فإن كانت يد مسلم وجب فيها القصاص، و يستوفيه وارثه المسلم، فإن لم يكن مسلم استوفاه الإمام.

و قال في المبسوط: الّذي يقتضيه مذهبنا انتفاء القصاص و الدية، لأنّ الطرف يدخل في النّفس قصاصا، و دية النفس هنا غير مضمونة(1) و فيه نظر من حيث إنّ الجناية وقعت مضمونة فلا يسقط باعتراض الارتداد، و لا يلزم من دخوله في ضمان النفس سقوطه عند سقوط ضمان النّفس باعتبار عارض عرض بعد الاستحقاق فيه.

فإن عاد إلى الإسلام، ثمّ مات بالسّراية، فإن كان إسلامه قبل أن تحصل سراية، ثبت القصاص في النّفس، و إن حصلت سراية و هو مرتدّ، ثمّ كملت السّراية و هم مسلم، قيل: لا قصاص في النّفس، لأنّ وجوبه مستند إلى الجناية و كلّ السّراية، و السّراية هنا يسقط حكم بعضها(2) و الأقرب وجوب القصاص في النّفس، لأنّ الاعتبار في الجناية المضمونة بحال الاستقرار.

و إن كانت الجناية خطأ تثبت الدّية، لأنّ الجناية صادفت محقون الدّم، و كانت مضمونة في الأصل.

إذا عرفت هذا فإنّه يضمن المقطوع بأقلّ الأمرين من ديته أو دية النّفس، فلو قطع يديه و رجليه، ثمّ ارتدّ و مات، ففيه دية النّفس خاصّة، لأنّه لو لم يرتدّ لم يجب أكثر من الدّية، فمع الرّدّة أولى، و يحتمل ضمانه بدية المقطوع، فتجب

ص: 457


1- . المبسوط: 28/7.
2- . ذهب إليه الشيخ في المبسوط: 26/7؛ و القاضي في المهذّب: 465/2-466.

ديتان، لأنّ الرّدّة قطعت حكم السّراية، فأشبه(1) انقطاع حكمها باندمالها أو بقتل آخر له، و الأوّل أقرب.

7045. السّابع:

لو قطع مسلم يد يهوديّ فتنصّر، فإن قلنا لا يقرّ على دينه، فهو كما لو جنى على مسلم فارتدّ، و إن قلنا يقرّ، وجبت دية يد نصرانيّ .

و لو قطع يد مسلم فارتدّ، ثمّ قطع آخر رجله، ثمّ أسلم، و سرى القطعان إلى النّفس، فعلى الأوّل القصاص إن قلنا إنّ اعتراض بعض السّراية غير مؤثّر في وجوب القصاص، و إذا اقتصّ منه في النّفس، وجب ردّ نصف الدّية، و إلاّ فعليه دية اليد، و إلاّ(2) فعليه دية يد مسلم، و للوليّ القصاص في اليد أو المطالبة بديتها.

و أمّا الثّاني فلا قصاص عليه في النّفس و لا في الرّجل، و لا دية فيهما.

7046. الثامن:

لا يقتل الذمّي بالحربيّ ، و يقتل بالمرتدّ، لأنّه محقون الدّم بالنسبة إليه، و لو قتل مرتدّ ذمّيا ففي القود إشكال ينشأ من تحرّم المرتدّ بالإسلام، و من التساوي في الكفر، و الأقرب القتل، نعم لو رجع إلى الإسلام لم يقتل الذمّي، و عليه ديته.

و لو جرح مسلم نصرانيا، ثمّ ارتدّ الجارح و سرت الجراحة، فلا قود، لعدم التكافؤ حال الجناية، و عليه دية الذمّي.

7047. التاسع:

لو قتل المسلم مرتدّا، فلا قصاص، و الأقرب أنّه لا دية عليه أيضا، و إن أساء بقتله، و إنّ أمره إلى الإمام.

ص: 458


1- . في «أ»: فاشتبه.
2- . شرطية لا استثنائيّة راجع إلى قوله «إن قلنا ان اعتراض بعض السراية...» أي إن لم نعمل به، فالواجب عليه دية يد مسلم، لأنّه قطع يد مسلم.

و لو وجب على مسلم قصاص، فقتله غير الوليّ ، وجب عليه القود.

و لو وجب قتله بزنا أو لواط، فقتله غير الإمام، فلا قود و لا دية، لأنّ عليا عليه السّلام قال لرجل قتل رجلا ادّعى أنّه وجده مع امرأته:

«عليك القود إلاّ أن تأتي ببيّنة»(1).

و في تخصيص الحكم بذلك نظر، و الأقرب انتفاء القود مطلقا، لأنّه مباح الدّم، و قتله واجب، فصار كالحربيّ ، و لا يجب في ذلك كلّه كفّارة و لا دية.

7048. العاشر:

يقتل المرتدّ بالمسلم و بالمرتدّ، و يقدّم القصاص على قتل الرّدّة، و لو عفا الوليّ إلى الدّية، و رضي الجاني، فقتل بالرّدّة، أخذت الدية من تركته.

7049. الحادي عشر:

لو قتل عبد مسلم عبدا مسلما لكافر، ففي القود إشكال، ينشأ من المساواة الموجبة للتكافؤ في الدّماء، و من كون المستحقّ كافرا، و الأقرب عدم القصاص، و له المطالبة بالقيمة.

أمّا لو قتل مسلم مسلما و لا وارث له سوى الكافر، كان المطالب بالقود الإمام،(2) لأنّ الكافر لا يرث المسلم.

7050. الثّاني عشر:

يقتل ولد الرّشدة(3) بولد الزّنية مع تساويهما في الإسلام، و عند من يرى أنّ ولد الزّنا كافر لا يقتل به المسلم، و المعتمد ما قلناه.

ص: 459


1- . عوالي اللآلي: 600/3، رقم الحديث 59، و نقله الشيخ في المبسوط: 48/7، و المحقّق في الشرائع: 213/4.
2- . في «أ»: كان المطالبة بالقود للإمام.
3- . قال الشهيد في المسالك: ولد الرّشدة - بفتح الراء و كسرها - خلاف ولد الزنية. مسالك الأفهام: 146/15.
الفصل الثالث: [في انتفاء الأبوّة و فيه سبعة مباحث:
7051. الأوّل:

لا يقتل الأب بولده بل يجب على الأب الدية لورثة الولد غيره، و يعزّر، و يجب عليه كفّارة الجمع، و كذا لا يقتل الجدّ للأب و إن علا بالابن و إن نزل، و يقتل الولد بالأب و الجدّ و إن علا و بالأمّ ، و تقتل الأمّ و آباؤها و أجدادها الذّكور و الاناث بالولد، و كذا الأقارب، سواء تقرّبوا بالأب كالإخوة و الأعمام، أو بالأمّ أو بهما، سوى الاجداد من قبل الأب، و تقتل الجدّات من قبل الأب بالولد، كما تقتل الأمّ به.

و لا فرق في الولد بين الذّكر و الأنثى، و كذا لا يقتل الجدّ للأب بابن بنته و لا ببنت ابنه و لا ببنت بنته، و سواء قتله حذفا بالسّيف أو ذبحه.(1)

7052. الثاني:

لا فرق بين كون الأب مساويا للولد في الدّين، و الحرّيّة، أو مخالفا، فلا يقتل الأب الكافر بولده المسلم، و لا الأب العبد بولده الحرّ، لأنّ المانع من القصاص شرف الأبوّة، و لا يقتل الولد المسلم بالأب الكافر، لعدم التكافؤ و الولد الحرّ بالأب العبد.

7053. الثالث:

لو تداعى اثنان صغيرا مجهولا، ثمّ قتلاه، لم يقتلا به،

ص: 460


1- . ناظر إلى قول مالك حيث، قال: إن قتله حذفا بالسّيف و نحوه لم يقتل به، و إن ذبحه أو قتله قتلا لا يشك في أنّه عمد إلى قتله دون تأديبه، أقيد به. لاحظ المغني لابن قدامة: 359/9؛ و الحاوي الكبير: 22/12؛ و العزيز شرح الوجيز للرّافعي: 166/10.

لاحتمال الأبوّة في طرف كلّ واحد منهما، فلا يتهجّم على الدّم مع الشبهة، و لا يحكم بالقرعة.

أمّا لو لحق بأحدهما قبل القتل بالقرعة، ثمّ قتلاه، قتل الاخر، و كذا لو قتله من ألحق به لم يقتل، و لو قتله أحدهما قبل القرعة لم يقتل به، لأحتمال أن يكون هو الأب، و لو رجعا عن إقرارهما به، لم يقبل رجوعهما، لأنّ النّسب حقّ الولد، و قد اعترفا به، فلا يقبل رجوعهما، كما لو ادّعاه واحد و ألحق به، ثمّ رجع عنه.

و لو رجع أحدهما خاصّة، صحّ رجوعه، و ثبت نسبه من الاخر، فإذا قتلاه، قتل الرّاجع خاصّة، و ردّ عليه نصف الدّية من الاخر، و على كلّ واحد كفّارة قتل العمد.

و لو قتله الرّاجع خاصّة، قتل به، و لو قتله الاخر لم يقتل به، و أغرم الدية لورثة الولد غيره.

و لو اشترك اثنان في وطء امرأة بالشّبهة في طهر واحد، و أتت بولد و تداعياه، ثمّ قتلاه قبل القرعة، لم يقتلا به و لا أحدهما، لاحتمال الأبوّة في حقّ كلّ واحد منهما، و لو رجع أحدهما، ثمّ قتلاه، أو قتله الرّاجع أو الاخر، فلا قود أيضا في حقّ الراجع و الاخر، لأنّ البنوّة هنا ثبتت بالفراش لا بالدّعوى المجرّدة، و رجوعه لا ينفي نسبه من طرفه، لأنّ النّسب هنا إنّما ينتفي باللّعان.

7054. الرابع:

كما لا يثبت للولد القصاص على والده بالأصالة فكذا بالتّبعيّة، فلو قتل الأب الأمّ لم يكن للولد القصاص من الأب، و له مطالبته بالدّية، يأخذها منه أجمع، سواء كان الولد ذكرا أو أنثى، و سواء كان الولد واحدا أو أكثر.

و لو كان للزّوجة ولد آخر من غير الأب، كان له أن يقتصّ و يردّ على الولد

ص: 461

منهما(1) نصف الدّية، و كذا لو تعدّد الولد من الأب و اتّحد الولد من غيره فإنّ له القصاص بعد ردّ نصيب الأولاد الآخر من الدّية.

و كذا لو قذف الأب زوجته لم يكن لولده منها المطالبة بالحدّ بعد موتها، و لو كان لها ولد من غيره، كان له المطالبة بالحدّ على الكمال.

7055. الخامس:

لو قتل رجل أخاه،(2) فورثه ابن القاتل، لم يجب القصاص، لما تقدّم، و لو قتل خال ابنه فورثت أمّ الابن القصاص ثمّ ماتت، بقتل الزّوج أو غيره، فورثها الابن، سقط القصاص، لأنّ ما منع مقارنا أسقط طارئا، و تجب الدّية.

و لو قتل أبو المكاتب المكاتب أو عبدا له، لم يجب القصاص، لأنّ الوالد لا يقتل بالولد و لا بعبده، فإن اشترى المكاتب أحد أبويه ثمّ قتله، فلا قصاص، لأنّ السيّد لا يقتل بعبده.

7056. السّادس:

لو قتل أحد الولدين أباه، ثمّ الاخر أمّه، فلكلّ منهما على الاخر القود، و يقرع في التقدّم في الاستيفاء إن تشاحا فيه، فإن بدر أحدهما فاقتصّ ، كان لورثة الاخر الاقتصاص منه.

و لو قتل أوّل الإخوة الأربعة الثّاني، ثمّ الثّالث الرّابع، و كلّ منهم غير محجوب عن ميراث صاحبه، فللثّالث القصاص من الأوّل بعد ردّ نصف الدّية إليه، لأنّ الرّابع يستحقّ نصف نفسه، فلمّا قتله الثّالث لم يرثه، و كان ميراثه للأوّل، و رجع نصف قصاصه إليه، و لورثة الأوّل إن كان قد قتل قبل قتل الثالث بالرّابع،(3) لأنّ ميراثه للأوّل خاصّة، و إن لم يكن قبل، كان له القصاص، و إذا قتله

ص: 462


1- . في «ب»: منها.
2- . كذا في «ب» و لكن في «أ»: لو قتل رجل رجلا أخاه.
3- . أي في مقابل الرابع قصاصا.

الأوّل ورثه، لأنّه استيفاء لا ظلم، و يرث ما يرثه عن أخيه الثّاني، و إن عفا عنه على الدّية وجبت عليه بكمالها، مقاصّة بنصفها.(1)

7057. السّابع:

لو قتل زوجة الابن و كان الابن هو الوارث، فلا قصاص و تجب الدّية.

و يجوز للجلاّد قتل أبيه، و كذا للغازي بإذن الامام، و لا يمنع من ميراثه، لأنّه قتل سائغ.

الفصل الرابع: [في كمال القاتل و فيه تسعة مباحث:
7058. الأوّل:

لا يقتل المجنون القاتل، سواء قتل عاقلا أو مجنونا، و تثبت الدّية على عاقلته، سواء كان المجنون دائما أو أدوارا، إذا قتل حال جنونه، و لو قتل حال رشده، لم يسقط القود باعتراض الجنون، و كذا العاقل لو قتل ثمّ جنّ قتل، و لا يسقط الجنون الطارئ القود.

7059. الثاني:

الصبيّ كالمجنون في سقوط القود عنه، و إن تعمّد القتل، و عمده و خطاؤه واحد، تؤخذ الدية فيهما من عاقلته، سواء قتل صبيّا أو بالغا رشيدا، و روي: انّه يقتصّ من الصّبي إذا بلغ عشر سنين.(2) و في رواية: إذا بلغ

ص: 463


1- . و لمزيد التوضيح في المسألة لاحظ المبسوط: 12/7.
2- . قال في جواهر الكلام: 180/42: لم نظفر بها كما اعترف به غير واحد من الأساطين. و قال الشهيد في المسالك: و الرواية الواردة بالاقتصاص من الصبيّ إذا بلغ عشرا لم نقف عليها بخصوصها. مسالك الأفهام: 162/15.

خمسة أشبار و تقام عليه الحدود(1) و الأقرب أنّ عمده خطأ محض يلزم العاقلة أرش جنايته حتّى يبلغ خمس عشرة سنة إن كان ذكرا، و تسعا إن كان أنثى بشرط الرشد فيهما.

7060. الثالث:

لو ادّعى الوليّ بلوغ الجاني، و ادّعى القاتل صغره حال القتل، فالقول قول الجاني مع يمينه، لقيام الاحتمال، فلا يتهجّم على تفويت النّفس، و تثبت الدّية في مال الصبيّ ، إلاّ أن تقوم البيّنة بأنّ القتل وقع في الصغر، فيجب على العاقلة.

و لو ادّعى الوليّ على من يعتوره الجنون القتل حال الإفاقة، فادّعى الجاني القتل حالة الجنون، فالقول قول الجاني مع يمينه و تثبت الدّية.

7061. الرابع:

كما يعتبر العقل في طرف القاتل، كذا يعتبر في طرف المقتول، فلو قتل العاقل مجنونا، لم يقتل به و تثبت الدّية على القاتل إن كان عمدا أو شبيه العمد، و إن كان خطأ، فالدّية على العاقلة.

و لو قصد القاتل دفعه، و لم يندفع إلاّ بالقتل، كان هدرا، و روي أنّ الدّية في بيت المال(2).

7062. الخامس:

لو قتل البالغ الصّبيّ قتل به على الأصحّ ، سواء كان الصبيّ مميّزا أو غير مميّز إن كان القتل عمدا، و إن كان شبيه عمد فالدّية كاملة في مال الجاني، و إن كان خطأ فالدّية على العاقلة.

7063. السّادس:

لا قود على النائم لعدم قصده، و تثبت الدّية عليه، لأنّه

ص: 464


1- . الوسائل: 66/19، الباب 36 من أبواب القصاص في النّفس، الحديث 1.
2- . الوسائل: 51/19، الباب 28 من أبواب القصاص في النّفس، الحديث 1.

شبيه عمد، و ربما قيل: انّ الدّية تثبت على العاقلة، لأنّه خطأ محض(1).

أمّا السّكران، ففي ثبوت القود في طرفه إشكال، أقربه السقوط، لعدم تحقّق العمد منه، و تثبت الدّية عليه في ماله إن لم يوجب القود عليه، و إلحاقه بالصّاحي في الأحكام لا يخرج فعله عن وجهه.

و من بنّج نفسه أو شرب مرقدا لا لعذر، لا قصاص عليهما، بل تجب الدّية.

7064. السّابع:

ذهب الشيخ رحمه اللّه إلى أنّ عمد الأعمى خطأ محض يجب لقتله لغيره عمدا الدّية على العاقلة(2) و الحقّ عندي خلافه، و انّ عمده عمد كالمبصر.

7065. الثامن:

يشترط في القصاص كون المقتول محقون الدّم، فلا يقتل المسلم بالمرتدّ، و كذا كلّ من أباح الشرع قتله أو هلك بسراية القصاص أو الحدّ.

و لا يشترط التّفاوت في تأبّد العصمة، فيقتل الذّمّي بالمعاهد(3)لا الحربيّ .

7066. التاسع:

لا يشترط التساوي في الذكورة، فيقتل الذّكر بالأنثى بعد ردّ الفاضل و بالعكس و لا ردّ، و لا يعتبر التفاوت بالعدد فيقتل الجماعة بالواحد بعد ردّ الفاضل من دياتهم عن جنايتهم، و لا يشترط عدم مشاركة من لا يقتصّ منه، كما لو شارك الخاطئ أو الأب أو الحرّ في العبد أو المسلم في الكافر أو السّبع، بل يقتصّ من الشريك الّذي يقتصّ منه لو انفرد، و يؤخذ من الاخر الدّية تردّ عليه.

ص: 465


1- . ذهب إليه الحلّي في السّرائر: 365/3.
2- . النهاية: 760.
3- . وجهه أنّ اختلاف حرمة الذمّي و المعاهد في المدّة - حيث إنّ الأوّل محقون الدم على التأبيد و الثاني إلى مدّة - لا يمنع من تساويهما في الحكم مع بقاء المدّة.

المطلب الثّالث: فيما يثبت به و فيه فصول:

الفصل الأوّل: في الدعوى و فيه ثمانية مباحث:
7067. الأوّل:

يشترط في المدّعي البلوغ، و كمال العقل، حالة الدّعوى، و لا يضرّه لو أسند القتل إلى زمان كونه جنينا، إذ يصحّ استناد الدّعوى إلى التّسامع.(1)

7068. الثاني:

يشترط في صحّة الدّعوى تعلّقها بشخص معيّن أو بأشخاص معينين، و أن يكون ممّن يصحّ منه مباشرة الجناية، فلو ادّعى على جماعة يتعذّر اجتماعهم على القتل، كأهل البلد، أو على غائب لا يتصوّر منه مباشرة الجناية، لم تسمع الدّعوى، و لو رجع إلى الممكن قبلت دعواه.

و لو قال: قتله أحد هؤلاء العشرة، و لا أعرف عينه، و أريد يمين كلّ واحد، أجيب إلى ذلك، لتضرّره بالمنع، و عدم تضرّرهم باليمين.

و لو أقام بيّنة، سمعت لإثبات اللّوث إن لو خصّ الوارث أحدهم، و كذا في

ص: 466


1- . قال المصنف في القواعد: 610/3: «فلو كان جنينا حالة القتل صحت دعواه، إذ قد يعرف ذلك بالتّسامع».

دعوى الغصب و السرقة و المعاملات، و إن قصّر بنسيانه في المعاملات.

7069. الثالث:

هل يشترط في الدّعوى التفصيل بتعيين القاتل و نوع القتل من كونه عمدا أو خطأ؟ قيل: نعم(1) فلو أجمل و ادّعى القتل مطلقا لم تسمع، و قيل:

يستفصله القاضي في كونه عمدا أو خطأ، و منفردا قتل أو مشاركا، و ليس ذلك تلقينا بل تحقيقا للدّعوى(2) و هو الأقرب.

و لو ادّعى عليه أنّه قتل مع جماعة لا يعرف عددهم، سمعت دعواه، و لا يقضى بالقود و لا بالدّية، لعدم العلم بحصّة المدّعى عليه منها، و يقضى بالصّلح حقنا للدّم.

7070. الرابع:

لو ادّعى القتل و لم يبيّن العمد أو الخطأ، و الأقرب السماع، و يستفصله الحاكم، و لو لم يبيّن قيل(3): طرحت دعواه و سقطت البيّنة بذلك لو أقامها على هذه الدّعوى، إذ الحكم بها متعذّر، بعدم العلم بالمحكوم به، و فيه نظر.

7071. الخامس:

يشترط كون المدّعى عليه مكلّفا، فلو كان سفيها صحّ فيما يقبل إقرار السّفيه فيه، و إن لم يقبل إقراره، صحّ لأجل إنكاره حتّى يسمع البيّنة و يعرض اليمين عليه، إذ الخصومة تنقطع بيمينه.(4)

7072. السّادس:

يشترط عدم تناقض الدّعوى، فلو ادّعى على شخص أنّه

ص: 467


1- . ذهب إليه الشيخ في المبسوط: 230/7.
2- . و هو خيرة المحقّق في الشرائع: 217/4.
3- . القائل هو الشيخ في المبسوط: 230/7.
4- . قال في القواعد: 610/3: و يصحّ على السفيه، و يقبل إقراره بما يوجب القصاص لا الدّية، و لو أنكر صحّ إنكاره لإقامة البيّنة عليه، و يقبل يمينه و إن لم يقبل إقراره، لانقطاع الخصومة بيمينه.

تفرّد بالقتل، ثمّ ادّعى على غيره الشركة، لم تسمع الدّعوى الثانية، لأنّ الأولى مكذّبة لها، سواء برّأ الأوّل أو شرّكه، و لو أقر الثّاني كان له إلزامه عملا بإقراره.

7073. السّابع:

لو ادّعى العمد، ففسّره بالخطإ أو بالعكس، لم يبطل أصل الدّعوى.

و لو قال: ظلمته بأخذ المال، و فسّره بأنه كذب في الدّعوى، استردّ منه المال، و لو فسّر بأنّه حنفيّ لا يرى القسامة، لم يستردّ، لأنّ المعتبر رأي القاضي لا رأي الخصمين.

7074. الثامن:

يثبت القتل بأمور ثلاثة: الإقرار، و الشّهادة، و القسامة.

الفصل الثاني: [في الإقرار و فيه أربعة مباحث:
7075. الأوّل:

يعتبر في الإقرار صدوره من بالغ، عاقل، مختار، حرّ، قاصد، فلا يقبل إقرار الصبيّ ، و لا المجنون، و لا السّكران، و لا المكره، و لا العبد، و لا المدبّر، و لا المكاتب المشروط، و لا المطلق الّذي لم يؤدّ شيئا، و لا أمّ الولد، و لو انعتق بعضه قبل في نصيب الحرّيّة دون الرّقيّة، ثمّ لا يجب و به القود، نعم لو لم يؤدّ الدّية حتّى تحرّر، وجب القود.

و لا ينفذ إقرار النّائم، و لا الساهي، و لا الغافل(1).

7076. الثاني:

يقبل إقرار المحجور عليه لفلس أو سفه بما يوجب القصاص

ص: 468


1- . كذا في «أ» و لكن في «ب»: و لا ينفذ إقرار النائم و الساهي و الغافل.

كالعمد، و يستوفى منه القصاص و إن كان الإقرار بالنّفس، و لو أقرّ بما يوجب الدّية كالخطإ و المأمومة، ثبت و لكن لا يشارك الغرماء.

7077. الثّالث:

الأقرب الاكتفاء في الإقرار بالمرّة الواحدة، و الشيخ رحمه اللّه قال بالمرّتين(1) و اختاره ابن إدريس(2) و المعتمد الأوّل.

7078. الرابع:

لو أقرّ واحد بأنّه قتله عمدا، و أقرّ آخر بأنّه الّذي قتله خطأ، تخيّر الوليّ في تصديق أيّهما شاء، و ليس له على الاخر سبيل.

و لو اتّهم رجل بالقتل، فأقرّ به، ثم جاء آخر فأقرّ أنّه هو القاتل، و رجع الأوّل عن إقراره درئ عنهما القود و الدّية، و أخذت الدّية لأولياء المقتول من بيت المال، و هي قضيّة الحسن عليه السّلام في حياة أبيه عليه السّلام.(3)

الفصل الثالث: في البيّنة و فيه تسعة مباحث:
7079. الأوّل:

لا يثبت القتل الموجب للقصاص بشهادة النّساء منفردات و لا منضمّات، و إنّما يثبت بشاهدين عدلين، و لا يثبت أيضا بشاهد واحد و يمين المدّعي.

و يثبت بالشّاهد و اليمين، و الشّاهد و المرأتين ما يوجب الدّية، كعمد الخطأ، و الخطأ المحض، و الهاشمة، و المنقّلة، و المأمومة، و كسر

ص: 469


1- . النهاية: 742.
2- . السرائر: 341/3.
3- . لاحظ الوسائل: 107/19، الباب 4 من أبواب دعوى القتل، الحديث 1.

العظام، و الجائفة، و لو رجع بالعفو إلى المال لم يثبت إلاّ بعدلين.

و يقبل الشّاهد و المرأتان، و الشّاهد و اليمين على قتل الأب ولده عمدا، و لو كان القتل موجبا للقود عند الشهادة، ثمّ رجع إلى المال، لم يقبل، لأنّها كانت باطلة.

و لو شهد رجل و امرأتان على هاشمة مسبوقة بإيضاح، لم يقبل في الهاشمة في حقّ الأرش.

و لو شهدوا بأنّه رمى عمدا إلى زيد فمرق السهم و أصاب عمرا خطأ، ثبت الخطأ، لأنّ قتل عمرو منفصل عن قتل زيد، فتغايرا(1).

أمّا الهشم فلا ينفصل عن الإيضاح، فكانت الشهادة واحدة، و قد سقط بعضها، فيسقط الباقي على إشكال.

و لو قالوا: نشهد أنّه أوضح ثمّ عاد بعد ذلك و هشم، أو ادّعى قتل عمرو خطأ، فشهدوا و ذكروا الكيفيّة، قبلت، و لا تثبت الموضحة و لا العمد بالتّبعيّة.

7080. الثاني:

يشترط في الشهادة خلوصها عن الاحتمال، مثل أن يقولوا:

ضربه بالسّيف فمات من الضربة، أو ضربه فأنهر دمه فمات في الحال من ذلك، أو ضربه فلم يزل مريضا من الضّربة حتّى مات، و إن طالت المدّة.

فإن أنكر المدّعى عليه الموت بغير الجناية، فالقول قوله مع يمينه.

و لو أنكر ما شهدت به البيّنة لم يلتفت إليه، أمّا لو قالت البيّنة: نشهد أنّه جرح و أنهر الدّم لم يكف ما لم يشهدوا عليه القتل.

ص: 470


1- . في «ب»: مغايرا.

و لو شهدوا بأنّه جرح و أنهر الدّم، و مات المجروح، لم يقبل ما لم يقل:

قتله(1)، لاحتمال الموت بسبب آخر عقيب الجراحة، فانّ استناد الموت إلى الجراحة إنّما يعرف بقرائن خفيّة، فلا بدّ من ذكر القتل.

و يحتمل القبول كما تكفي الشهادة على اليد و التصرّف في الملك، و الوجه الأوّل.

و لو قالوا: أوضح رأسه، لم يكف حتّى يتعرّضوا للجراحة و إيضاح العظم، و لو شهدوا بالجرح و الإيضاح، و عجزوا عن تعيين محلّ الموضحة، لوجود موضحات متعدّدة في رأسه، سقط القصاص، لتعذّر معرفة محلّ الاستيفاء، و يثبت الأرش.

7081. الثّالث:

لو شهدوا بأنّه قتله بالسّحر لم يقبل، لعدم الرّؤية، نعم لو شهدوا عليه بإقراره بذلك، قبل.

و لو قال الساحر: أمرضته بالسّحر لكن مات بسبب آخر، فهل يكون إقراره بالإمراض لوثا، يثبت معه للوارث القسامة ؟ فيه نظر، و كذا لو أقرّ أنّه جرحه و مات بسبب آخر، و الأقرب أنّه ليس لوثا.

7082. الرابع:

لو قال الشاهد: ضربه فأوضحه، قبل في الموضحة، و لو قال:

اختصما، ثمّ افترقا و هو مجروح، أو ضربه فوجدناه مشجوجا، لم يقبل، لاحتمال أن يكون ذلك من غيره، و كذا لو قال: فجرى دمه.

و لو قال: فأجرى دمه قبلت، و لو قال: أسأل دمه قبلت في الدّامية دون الزّائد.

ص: 471


1- . في «ب»: لم يقبل قتله.

و لو قال: قطع يده، و وجدناه مقطوع اليدين، و عجز الشّاهد عن التّعيين، سقط القصاص و تثبت الدّية، و لا يكفي قول الشاهد: جرحه فأوضحه، حتّى يقول: هذه الموضحة، لاحتمال غيرها.

7083. الخامس:

يشترط ألا تتضمّن الشّهادة جرّا و لا دفعا، فلو شهد على جرح المورث قبل الاندمال، لم يقبل، و يقبل بعد الاندمال، و لو أقام قبل الاندمال فردّت، ثمّ أعادها بعده قبلت، و لو شهد بدين أو عين لمورّثه المريض، قبلت.

و لو شهدا على الجرح و هما محجوبان، ثمّ مات الحاجب، فالأقرب القبول دون العكس.

و لو شهدت العاقلة على فسق بيّنة الخطأ لم يقبل و إن كانوا من فقراء العاقلة، و إن كانوا من الأباعد الّذين لا يصلهم العقل مع وجود القريب، قبلت.

و لو شهد اثنان على رجلين بالقتل، فشهد المشهود عليهما على الشّاهدين بالقتل لمن شهد الأوّلان بقتله، على غير وجه التبرّع(1) لم يقبل قول الآخرين، لأنّهما دافعان، فإن صدّق الولي الأوّلين، حكم له و طرحت الشهادة الثّانية، و إن صدّق الأخيرين أو الجميع، سقط.

و لو شهد أجنبيّان على الشاهدين بالقتل، على غير وجه التبرّع، كان للوليّ الأخذ بأيّ الشهادتين أرادوا و ليس له الجميع.

ص: 472


1- . في «أ»: «على وجه غير التبرّع» و في الشرائع مكان قوله «على غير وجه التبرع»: على وجه لا يتحقّق معه التبرّع. شرائع الإسلام: 220/4. لاحظ في الوقوف على معنى هذا القيد المسالك: 186/15-187.
7084. السّادس:

يشترط اتّفاق الشّاهدين على القتل الواحد، فلو شهد أحدهما انّه قتله غدوة، أو بالسّكين، أو في الدّار، و الاخر أنّه قتله عشيّة، أو بالسّيف أو في السوق، لم يثبت، و هل يثبت اللوث ؟

قال الشيخ في المبسوط: نعم(1) و فيه إشكال ينشأ من تكاذبهما، و لو شهد أحدهما على الإقرار بالقتل المطلق، و شهد الاخر على الإقرار بالقتل العمد، ثبت أصل القتل، و القول قول المدّعى عليه في نفي العمديّة، و لو أنكر القتل، لم يلتفت إليه، لأنّه إكذاب للبيّنة، و لو اعترف بالعمد، حكم عليه، و إن قال: خطأ و صدّقه الوليّ وجبت الدّية في ماله، و إن كذّبه فالقول قول الجاني مع اليمين.

و لو شهد أحدهما أنّه أقرّ بقتله عمدا، و شهد الاخر عليه انّه أقرّ بقتله خطأ، قبلت الشهادة بمطلق القتل، و لا يثبت العمد، و لو شهد أحدهما أنّه قتل عمدا، و شهد الاخر بالخطإ، ففي ثبوت أصل القتل إشكال، نعم تكون شهادة الواحد هنا لوثا، و يثبت للوليّ دعواه بالقسامة معها.

7085. السّابع:

لو شهد اثنان على رجل بالقتل، و شهد آخران على غيره به، سقط القصاص، و وجبت الدّية عليهما نصفين، لما عرض من الشبهة بتصادم البيّنتين، و أفتى به الشيخ رحمه اللّه(2) للرواية(3) و يحتمل تخيّر الوليّ في تصديق أيّهما شاء، كما لو أقرّ اثنان، كلّ واحد [منهما] بقتله منفردا، و اختاره ابن ادريس و منع من التشريك بينهما في الدّية(4).

ص: 473


1- . المبسوط: 254/7.
2- . النهاية: 742.
3- . قال الشهيد في المسالك: لم نقف عليها، فوجب الرجوع إلى القواعد الكليّة في الباب. مسالك الأفهام: 192/15. و ما في السرائر: 341/3 من وروده في بعض الأخبار ناظر إلى كلام الشيخ في النهاية: 742، لا أنّ هنا رواية وراء ذلك.
4- . السرائر: 341/3-342.

و لو كان القتل خطأ، كانت الدّية على عاقلتهما.

7086. الثّامن:

لو شهد اثنان على زيد بأنّه قتل [رجلا] عمدا، و أقرّ آخر أنّه الّذي قتل، و برّأ المشهود عليه، تخيّر الوليّ في الأخذ بقول البيّنة و المقرّ، قال الشيخ رحمه اللّه: فللوليّ قتل المشهود عليه و يردّ المقرّ نصف ديته، و له قتل المقرّ و لا ردّ، لإقراره بالانفراد، و له قتلهما بعد أن يردّ على المشهود عليه نصف الدّية دون المقرّ، و لو طلب الدّية كانت عليهما نصفين،(1) و دلّ على ذلك رواية زرارة عن الباقر عليه السّلام(2).

و منع ابن إدريس من قتلهما معا أو إلزامهما بالدّية إلاّ أن تشهد البيّنة بالتشريك و يقرّ المقرّ به، أمّا مع الشهادة بالمنفرد(3) و إقرار المقرّ به، فلا تشريك(4).

و الأقرب تخيّر الوليّ في إلزام أيّهما شاء، و ليس له على الاخر سبيل، و لا يردّ أحدهما على الاخر، إلاّ أنّ الرّواية مشهورة بين الأصحاب.

7087. التاسع:

لو ادّعى قتل العمد، فأقام شاهدا أو امرأتين، ثمّ عفا، قال الشيخ رحمه اللّه: لا يصحّ لأنّه عفا عمّا لم يثبت له(5) و الوجه الصحّة، لأنّ العفو لا يستلزم الثّبوت عند الحاكم، بل لو عفا قبل أن يشهد له أحد، صحّ عفوه.

ص: 474


1- . النهاية: 743.
2- . الوسائل: 108/19، الباب 5 من أبواب دعوى القتل، الحديث 1.
3- . في «ب»: المفرد.
4- . السرائر: 342/3-343.
5- . المبسوط: 249/7.
الفصل الرابع: في القسامة
اشارة

و النّظر في أطراف

الطرف الأوّل: في مظنّته و فيه سبعة مباحث:
7088. الأوّل:

إنّما تثبت القسامة في القتل أو الجرح مع اللّوث، فلا قسامة في المال، و لا مع انتفاء اللّوث، و المراد به قرينة حال تدلّ على صدق المدّعي ظنّا لا قطعا، كقتيل في محلّة بينهم عداوة، أو قتيل دخل [دارا] ضيفا(1) و تفرّق عنه جماعة محصورون، أو قتيل في صفّ الخصم المقابل(2)، أو قتيل في الصّحراء و على رأسه رجل معه سكّين، أو قتيل في قرية مطروقة، أو خلّة(3) من خلال العرب، أو محلّة منفردة مطروقة، بشرط العداوة في ذلك كلّه، فإن انتفت فلا لوث.

أمّا لو وجد في محلّة منفردة عن البلد لا يدخلها غير أهلها، أو في دار قوم، أو وجد متشحّطا بدمه، و عنده ذو سلاح عليه الدّم، فإنّه لوث، و إن لم يكن هناك عداوة.

ص: 475


1- . في «ب»: «دخل صفّا» و هو مصحّف. و في المسالك: 199/15 في عداد طرق اللوث «و منها تفرّق جماعة عن قتيل في دار قد دخل عليهم ضيفا».
2- . و في الشرائع مكان هذه العبارة «أو في صفّ مقابل للخصم بعد المراماة».
3- . الخلّة: الطّريق بين الرملتين. لاحظ لسان العرب: 200/4.
7089. الثاني:

لو وجد قتيلا بين قريتين، فاللّوث لأقربهما إليه، فإن تساويا في القرب، تساويا في اللّوث.

و لو وجد في زحام على قنطرة، أو جسر، أو مصنع، أو سوق، أو في جامع عظيم، أو شارع، و لم يعرف قاتله، فالدّية على بيت المال، و كذا لو وجد في فلاة و لا أحد عنده.

7090. الثالث:

يثبت اللّوث بشهادة الواحد العدل، و بإخبار جماعة يرتفع المواطاة بينهم قطعا أو ظنّا من الفساق أو النساء، و لو أخبر جماعة من الصّبيان أو الكفّار، فإن بلغ حدّ التّواتر تثبت الدّعوى و إلاّ فلا، و لو قيل إن أفاد خبرهم الظّنّ كان لوثا أمكن.

و لا يثبت اللوث بالكافر الواحد و إن كان أمينا في نحلته، و لا الفاسق المنفرد و لا الصّبيّ و لا المرأة.

7091. الرابع:

إذا ارتفعت التّهمة فلا قسامة، بل للوليّ إحلاف المنكر يمينا واحدة، كغيرها من الدعاوي، و لا يجب التغليظ، و لو نكل قضي عليه بمجرّد النّكول عند قوم، و بإحلاف المدّعي يمينا واحدة على رأي آخرين.(1)

7092. الخامس:

قول الرّجل المجروح: «قتلني فلان» ليس بلوث، و لو ادّعى القتل من غير وجود قتيل و لا عداوة، فحكمها حكم سائر الدعاوى، و كذا إن وجد القتيل و انتفت التّهمة، فإن حلف المنكر، و إلاّ رددنا اليمين الواحدة على المدّعي، و يثبت ما يدّعيه من قود إن كان القتل عمدا، أو دية ان كان خطأ.

ص: 476


1- . مبنيّ على كفاية مجرّد النّكول في الحكم أو يحتاج إلى ردّ اليمين إلى المدّعي، و المسألة معنونة في محلّها، لاحظ الخلاف كتاب الشهادات المسألة 39.

و لو وجد قتيلا في قرية يخلطهم غيرهم نهارا و يفارقهم ليلا، فإن وجد نهارا فلا لوث، و إن وجد ليلا ثبت اللوث.

و لو وجد قتيلا في دار نفسه و فيها عبده كان لوثا، و للورثة القسامة، لفائدة التسلّط بالقتل، أو لافتكاكه بالجناية من الرّهن [لو كان رهنا].

7093. السادس:
اشارة

يسقط اللّوث بأمور:

أحدها:

تعذّر إظهاره عند القاضي، فلو ظهر عند القاضي على جماعة فللمدّعي أن يعيّن، فلو قال: القاتل واحد منهم، فحلفوا، و نكل واحد، فله القسامة على ذلك الواحد، لأنّ نكوله لوث، و لو نكلوا جميعا، فقال ظهر لي الآن لوث معيّن،(1) و قد سبق منه دعوى الجهل، احتمل تمكّنه(2) من القسامة و عدمه.

7094. [الأمر الثاني:

ادّعاء الجاني الغيبة، فإذا حلف سقط بيمينه اللّوث، فإن ادّعى(3) الوليّ أنّ واحدا من أهل الدّار الّتي وجد القتيل فيها قتله، جاز إثبات دعواه بالقسامة، فإن أنكر الغريم كونه فيها وقت القتل، فالقول قوله مع يمينه، و لم يثبت اللّوث، لأنّ تطرّق اللّوث إنّما هو إلى من في الدار و ذلك لا يثبت إلاّ بالبيّنة أو الإقرار.

و لو أقام على الغيبة بيّنة بعد الحكم بالقسامة، نقض الحكم.

و لو كان وقت القتل محبوسا أو مريضا، و استبعد كونه قاتلا، فالأقرب سقوط اللّوث في طرفه.

ص: 477


1- . في «أ»: متعيّن.
2- . في «ب»: تمكينه.
3- . في «ب»: فإذا ادّعى.
7095. [الأمر الثّالث:

لو شهد الشاهدان انّ فلانا قتل أحد هذين المقتولين، لم يكن لوثا، و لو قال: قتل هذا القتيل أحد هذين، فهو لوث، لتعسّر تعيين القاتل، و يحتمل انتفاء اللّوث فيهما.

7096. [الأمر الرابع:

عدم خلوص اللّوث عن الشكّ ، فلو وجد بالقرب من القتيل ذو سلاح ملطّخ بالدّم مع سبع من شأنه القتل، بطل اللّوث.

7097. [الأمر الخامس:

تكذيب أحد الورثة، فإنّه يعارض اللّوث في حقّ المكذّب خاصّة على الأقوى، و لو قال أحدهما: القاتل زيد، و قال الاخر: ليس القاتل زيدا، فالأقرب انتفاء اللّوث في حقّ المكذّب خاصّة.

و لو قال أحدهما: القاتل زيد، و آخر لا أعرفه، و قال الثاني: القاتل عمرو و آخر لا أعرفه، فلا تكاذب، فلعلّ ما جهله هذا عيّنه ذاك،(1) ثمّ معيّن زيد معترف بأنّ المستحقّ عليه نصف الدّية، و حصّته منه الرّبع، فلا يطالب إلاّ بالرّبع، و كذا معيّن عمرو.

7098. السّابع:

ليس من مبطلات اللّوث ألا يكون على القتيل أثر جرح، و تخنيق و لا عدم ظهور صفة القتل، فلو ظهر اللّوث في أصل القتل دون كونه خطأ أو عمدا، فللوليّ القسامة على ما يعيّنه، و لو قال أحد الوارثين: القاتل زيد، و قال الاخر: لا أعلم القاتل، لم يبطل لوث مدّعي التعيين، و كذا لو كان أحد الوليّين غائبا، فادّعى الحاضر دون الغائب، أو ادّعيا جميعا و نكل أحدهما عن القسامة، أو قال أحدهما: قتله هذا، و قال الاخر: قتله هذا و فلان، فيحلفان في هذه الصورة على من اتّفقا عليه، و يستحقّان نصف الدّية أو نصف النّفس، و لا

ص: 478


1- . في «أ»: ذلك.

يجب أكثر من نصف الدية عليه، لأنّ أحدهما يكذّب الاخر في النصف الاخر، فيبقى اللّوث في حقّه في نصف الدّم الّذي اتّفقا عليه، و لم يثبت في النّصف الّذي كذّبه أخوه فيه، و لا يحلف الاخر على الاخر لتكذيب أخيه له في دعواه عليه.

و لو شهدت البيّنة بغيبة المدّعى عليه يوم القتل غيبة لا تجامع القتل، بطل اللّوث، فإن شهدت البيّنة أنّه لم يقتل لم تقبل لأنّها شهادة على النفي.

و لو قالوا: ما قتله هذا بل هذا، سمعت، لأنّها شهدت بإثبات تضمّن النفي(1) و كذا لو قالوا: ما قتله، لأنّه كان في بلد بعيد.

الطرف الثاني: في كيفيّة القسامة و فيه أحد عشر بحثا:
7099. الأوّل:

إذا ثبت اللّوث حلف المدّعي خمسين يمينا هو و قومه إن كانوا خمسين(2) حلف كلّ واحد يمينا واحدة، و إن نقصوا كرّرت عليهم الأيمان حتّى يتمّوا الخمسين.

و لو لم يحلف مع الولي أحد من قومه، أو لم يكن له قوم كرّرت عليه خمسون يمينا، و هل تجب الموالاة ؟ فيه نظر، فإن قلنا به، فلو جنّ ثمّ أفاق بنى للعدد.

و لو عزل القاضي استأنف، و كذا لو مات في أثنائه استأنف الوارث.

7100. الثاني:

اليمين خمسون في العمد و الخطأ المحض و الشّبيه بالعمد،

ص: 479


1- . في «أ»: يضمن النفي.
2- . في «أ»: إن بلغوا خمسين.

و قيل: انّها في الخطأ المحض و الشّبيه بالعمد خمس و عشرون يمينا،(1)و الأوّل أحوط.

7101. الثّالث:

لو كان المدّعون جماعة، قسّمت عليهم الخمسون بالسّويّة، و تحتمل القسمة بالحصص، و مع ثبوت الكسر يتمّم المنكسر اليمين كاملة، و لو نكل البعض، أو كان غائبا، حلف الحاضر على قدر حصّته خمسين يمينا، و لم يجب الارتقاب فإن كانوا ثلاثة حلف الأوّل خمسين، و أخذ الثلث، فإذا حضر الثاني حلف نصف الخمسين و أخذ الثلث، فإذا حضر الثالث حلف ثلث الأيمان و أخذ الثلث، و كذا لو كان صغيرا.

و لو أكذب أحد الوليّين صاحبه لم يقدح في اللّوث، و حلف لإثبات حقّه خمسين يمينا.

و لو خلّف أخا خنثى لأب، و أخا لأمّ ، حلف الخنثى خمسة أسداس الأيمان، لاحتمال الذكوريّة، و حلف الأخ ربع الأيمان، لاحتمال الرّد، هذا مع غيبة أحدهما في حقّه إذا حضر.

و لو مات الوليّ قامت ورثته مقامه، و حلف كلّ واحد منهم قدر نصيبه من الأيمان، فلو خلّف الميّت ذكرين، ثمّ مات أحدهما، و خلّف ذكرين، حلف الباقي من الذكرين نصف القسامة، و كلّ واحد من ولدي الولد الرّبع.

و لو مات الوليّ في أثناء الأيمان قال الشيخ رحمه اللّه: تستأنف الورثة الأيمان، لأنّ الورثة لو أتمّوا لأثبتوا حقّهم بيمين غيرهم.(2)

ص: 480


1- . ذهب إليه الشيخ في النهاية: 740؛ الخلاف: 308/5، المسألة 4 من كتاب القسامة.
2- . المبسوط: 234/7.
7102. الرابع:

لو أقام المدّعي شاهدا واحدا باللّوث، حلف خمسين يمينا، و إن شهد بالقتل فكذلك إن كان القتل عمدا، و إن خطأ أو شبه العمد(1) ثبت مع اليمين الواحدة، كغيرها من الدعاوي.

7103. الخامس:

الأقرب عدم اشتراط حضور المدّعى عليه وقت القسامة، فإنّ الحكم عندنا يثبت على الغائب، و لا إيقاع الأيمان في مجلس واحد، فلو حلف في مجلسين أو مجالس متعدّدة، جاز إذا استحلفه الحاكم، و لو حلف من غير أن يستحلفه الحاكم، وقعت أيمانه لاغية.

7104. السّادس:

لو كان المدّعى عليهم أكثر من واحد، فالأقرب أنّ على كلّ واحد خمسين يمينا كما لو انفرد، لأنّ كلّ واحد منهم يتوجّه عليه دعوى بانفراده.

7105. السّابع:

إذا ثبت اللّوث كانت القسامة على المدّعي أوّلا، فيحلف خمسين يمينا على المدّعى عليه أنّه قتله، و لو كان له قوم يحلفون معه، حلف كلّ واحد يمينا واحدة إن بلغوا خمسين، و إلاّ كرّرت عليهم الأيمان بالسّوية، و لو لم يحلفوا أصلا، حلف هو الخمسين، و لا يبدأ بإحلاف المنكر، فإن امتنع المدّعي و قومه من القسامة، حلف المنكر و قومه خمسين يمينا أنّه لم يقتل، فإن لم يبلغ قومه خمسين، كرّرت عليهم الأيمان بالسّوية، فإن نكل قومه أو لم يكن له قوم، حلف هو خمسين يمينا ببراءته، فإن نكل عن الأيمان أو عن بعضها ألزم الدّعوى، و قيل: له ردّ اليمين على المدّعي(2) و ليس بجيّد، لأنّ الرّد هنا من المدّعي فلا يعود إليه.

ص: 481


1- . في «أ» شبيه العمد.
2- . ذهب إليه أصحاب الشافعي، لاحظ المغني لابن قدامة: 23/10.
7106. الثّامن:

إذا حلف المنكر القسامة لم تجب عليه الدّية، لإسقاط الدّعوى عنه بالأيمان، و لو لم يحلف المدّعون و لم يرضوا بيمين المدّعى عليه، فالأقرب سقوط حقّهم، و يحتمل الفداء من بيت المال، و قد رواه الشيخ في الصّحيح عن ابن أذينة عن زرارة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن القسامة، فقال:

«هي حقّ ، انّ رجلا من الأنصار وجد قتيلا في قليب من قلب اليهود، فاتوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقالوا: يا رسول اللّه إنّا وجدنا رجلا منّا قتيلا في قليب من قلب اليهود، فقال: ائتوني بشاهدين من غيركم، فقالوا: يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ما لنا شاهدان من غيرنا، فقال لهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

فليقسم خمسون رجلا منكم على رجل ندفعه إليكم، قالوا يا رسول اللّه: كيف نقسم على ما لم نره ؟ قال: فيقسم اليهود، قالوا: يا رسول اللّه و كيف نرضى باليهود و ما فيهم من الشّرك أعظم، فوداه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم».(1)

و على هذا أعمل، لكثرة الروايات المعتمدة به(2).

و لو تعذّر فداؤه من بيت المال، لم يجب على المدّعى عليه شيء.

و لو امتنع المدّعى عليهم من اليمين، لم يحبسوا حتّى يحلفوا، بل تثبت الدعوى عليهم، و يثبت القصاص إن كان القتل عمدا، و الدّية إن كان خطأ.

ص: 482


1- . التهذيب: 166/10-167، رقم الحديث 662 - باب البيّنات على القتل - و لاحظ الوسائل: 117/19، الباب 10 من أبواب دعوى القتل، الحديث 3.
2- . لاحظ الوسائل: 116/19، الباب 10 من أبواب دعوى القتل، أحاديث الباب.
7107. التاسع:

تثبت القسامة في الأعضاء، كما تثبت في النّفس مع اللّوث، و في قدرها هنا خلاف، قيل(1): يثبت ستّة أيمان فيما فيه من الدية، و إن قصر عن الدّية سقط من السّت بالنّسبة، ففي اليد الواحدة ثلاث أيمان، و لو كان العضو أقلّ من السّدس كالإصبع، وجبت يمين واحدة.

و قيل: إن كان فيه الدّية وجبت خمسون كالنّفس، و إن قصر عن الدّية فبالنسبة(2) من الخمسين(3) و هو أحوط.

7108. العاشر:

يشترط في القسامة ذكر القاتل و المقتول، و الرّفع في نسبهما بما يزيل الاحتمال، و تخصيص القتل بالانفراد أو التشريك، و نوعه، من كونه عمدا أو خطأ أو شبيه عمد، و إن كان من أهل الإعراب كلّف البيان به، و إلاّ كفاه ما يعرف به قصده.

و لا يشترط في القسامة أن يقول في اليمين: إنّ النيّة نيّة المدّعي(4)خلافا لقوم(5).

و لو ادّعى على اثنين أنّهما تعمّدا، أقسم و ثبت القود عليهما، و كذا لو أقسم على أكثر من اثنين، و يستحقّ بها قتل الجماعة، و تكفي القسامة الواحدة عليهما.

ص: 483


1- . القائل هو الشيخ في المبسوط: 223/7؛ النهاية: 741-742؛ الخلاف: 312/5-313، المسألة 12 من كتاب القسامة.
2- . في «ب»: فالنّسبة.
3- . ذهب إليه المفيد في المقنعة: 728 و عن كتاب النساء كما في الجواهر: 254/42؛ و الحلّي في السرائر: 340/3.
4- . في «ب»: و لا يشترط في القسامة انّ النيّة نيّة المدّعي.
5- . لاحظ المبسوط: 238/7. و فيه «و النيّة في اليمين نيّة الحاكم» و الجواهر: 264/42.

و لو ادّعى على اثنين و له على أحدهما لوث، حلف خمسين يمينا، و تثبت دعواه على ذي اللّوث، و كان على الاخر يمين واحدة، كالدّعوى في غير الدّم، فإن قتل ذا اللّوث ردّ عليه نصف الدّية(1).

7109. الحادي عشر:

يستحبّ الاستظهار في أيمان القسامة باللّفظ، فيقول:

و اللّه الّذي لا إله إلاّ هو، عالم الغيب و الشهادة، الرّحمن الرّحيم، الطالب، الغالب، الضّارّ، النافع إنّ هذا قتل أبي.

و لو أتى بغير ذلك من ألفاظ التأكيد جاز، و لو اقتصر على لفظة «و اللّه» أو «باللّه» أو «تاللّه» أجزأه، و لو رفعه و لحن أجزأ، لعدم تغيّر المعنى به.

و ينبغي للحاكم وعظ الحالف و تخويفه.

الطرف الثالث: في الحالف و فيه ستّة مباحث:
7110. الأوّل:

يحلف القسامة كلّ من يستحقّ الدّية أو القصاص، أو يدفع أحدهما عنه، أو قوم أحدهما معه، مع كماله و علمه بما يحلف عليه، فلا قسامة للأجنبيّ بالأصالة، نعم لو أحضر المدّعي مع اللّوث من قومه خمسين رجلا، حلف كلّ واحد يمينا يثبت القتل و يستحقّ الوليّ القصاص دون باقي القسامة، و كذا في طرف المنكر، يحلف هو أو هو و من يقوم معه من قومه، مع إثبات التّهمة عليه القسامة.

ص: 484


1- . عملا باعترافه بالشركة.
7111. الثّاني:

لا يجوز للمدّعي و لا لقومه الحلف إلاّ مع العلم، و لا يكفي الظّنّ في ذلك و إن كان غالبا(1) يقارب اليقين.

7112. الثّالث:

لا يقسم الصّبي و لا الغائب إذا لم يحصل له العلم، و لا المجنون، و تحلف المرأة، و لو كان أحد الوليّين صبيّا أو غائبا، حلف الحاضر البالغ على قدر نصيبه، و استوفى الدّية إن اتّفقا عليها، أو كانت الدّعوى بالخطإ و إن لم يتّفق الخصمان على الدّية، و كان القتل عمدا، كان له القصاص أيضا إذا دفع نصيب الغائب أو الصّبي من الدية.

7113. الرابع:

للمسلم القسامة على الكافر إجماعا، و هل يثبت للكافر على المسلم القسامة ؟ قال الشيخ رحمه اللّه: الأقوى ذلك، لعموم الأخبار، غير أنّه لا يثبت بذلك قصاص بل الدّية(2)، فإذا ادّعى الكافر على المسلم قتل أبيه الكافر، و ثبت اللّوث، كان للكافر أن يحلف القسامة و يأخذ الدية، و لو كان المقتول مسلما و الوارث كافرا، لم يرثه عندنا، و كان ميراثه للإمام، و ليس للإمام أن يحلف القسامة، و لو قيل بالمنع من قسامة الكافر على المسلم، كان وجها.

7114. الخامس:

لمولى العبد أن يقسم مع اللّوث، و إن كان المدّعى عليه حرّا، و تثبت الدّية لا القود إن كان الجاني حرّا.

و للمكاتب أن يقسم على عبده كالحرّ، فإن عجز قبل الحلف و النكول، حلف السّيد، و إن كان بعد النكول لم يحلف، كما لا يحلف الوارث بعد نكول المورّث(3).

ص: 485


1- . في «أ»: «عاليا» و لعلّه مصحّف.
2- . المبسوط: 216/7.
3- . في «أ»: الموروث.

و لو قتل عبد إنسان، فأوصى بقيمته لأمّ ولده و مات، فللورثة أن يقسموا و إن كانت القيمة للمستولدة، لأنّ لهم حظّا في تنفيذ الوصيّة، كما لو أقام الوارث شاهدا بدين لمورّثه، مع ثبوت دين عليه مستوعب، فإنّ اليمين على الوارث، و يأخذ صاحب الدّين، و كذا هنا فإن نكلوا، قوّى الشيخ عدم إحلاف أمّ الولد،(1)كما لا يحلف صاحب الدّين هناك.

7115. السّادس:

إذا ارتدّ الوليّ منع القسامة، قال الشيخ رحمه اللّه: لئلاّ يقدم على اليمين الكاذبة، كإقدامه على الرّدّة فان خالف و أقسم في الرّدّة قال: يقع موقعها، لعموم الاخبار، و قال شاذّ من الجمهور فلا يقع موقعها، لأنّه ليس من أهل القسّامة، قال: و هو غلط، لأنّه نوع من الاكتساب، و المرتدّ لا يمنع من الاكتساب في مهلة الاستتابة(2) و هو يشكل بما أنّ الارتداد يمنع الإرث، فيخرج عن الولاية، فلا قسامة.

و لو كان الارتداد قبل القتل، لم يقسم، فان عاد وارثه إلى الإسلام ورث إن كان قبل القسمة، و إلاّ فلا.

و لو كان الارتداد عن فطرة، لم يكن له أن يقسم، لخروجه عن أهليّة التملك.

و إذا كان عن غير فطرة، فحلف القسامة حال ردّته على ما اختاره الشيخ رحمه اللّه، استحقّ الدية، و وقف الحال، فإن قتل بردّته، انتقلت إلى ورثته المسلمين، و إن عاد ملكها.

و إذا قتل من لا وارث له، فلا قسامة إذ إحلاف الإمام غير ممكن.

ص: 486


1- . المبسوط: 218/7.
2- . المبسوط: 220/7.
الطّرف الرّابع: في الأحكام و فيه خمسة مباحث:
7116. الأوّل:

إذا ثبت اللّوث و حلف المدّعي القسامة، فإن كان القتل عمدا وجب القصاص، سواء كان المدّعى عليه واحدا أو أكثر، و يقتل الجميع بعد ردّ فاضل نصيبهم من الديات، و إن كان القتل خطأ، تثبت الدّية على القاتل لا على العاقلة، فإنّ العاقلة إنّما يضمن الدّية مع البيّنة، لا مع القسامة.

7117. الثاني:

لو قال الوليّ بعد القسامة غلطت في حقّ هذا المنكر، و القاتل غيره، بطلت القسامة و لزمه ردّ ما أخذ بيمينه، و إن قال: ما أخذته حرام، سئل عن معناه، فإن فسّر بكذبه في الدّعوى عليه، بطلت قسامته، و ردّ المال، و إن فسّر بأنّه حنفيّ لا يرى اليمين في طرف المدّعي لم تبطل القسامة، لأنّها تثبت باجتهاد الحاكم، فيقدم على اعتقاده، و إن فسّر بأنّ المال مغصوب، و عيّن المالك ألزم بالدّفع إليه، و ليس له رجوع على الغريم، و إن لم يعيّن اقرّ في يده.

7118. الثالث:

لو استوفى بالقسامة، فقال آخر: أنا قتلته منفردا، قال في الخلاف: تخيّر بين ردّ المال و الرّجوع على المقرّ، و بين البقاء على القسامة(1)و في المبسوط: ليس له ذلك، لأنّه لا يقسم إلاّ مع العلم(2) و هو أجود و لو قيل: إن

ص: 487


1- . الخلاف: 315/5، المسألة 16 من كتاب القسامة.
2- . المبسوط: 242/7.

كذّبه الوليّ لم تبطل القسامة، و لم يلزم المقرّ شيء، لأنّه يقرّ لمن يكذّبه، و إن صدّقه ردّ ما أخذه، و بطلت دعواه على الأوّل، لأنّه يجري مجرى الإقرار ببطلان الدّعوى، و ليس له مطالبة المقرّ، كان وجها.

7119. الرابع:

إذا امتنع المدّعي من القسامة مع اللّوث، أحلف المنكر القسامة، فإن نكل ألزم الدّعوى، قصاصا كان أو دية، و لو حلف مع اللّوث و استوفى الدّية، فشهد اثنان أنّ المدّعى عليه كان غائبا حال القتل غيبة يمتنع معها القتل، بطلت القسامة و استعيدت الدّية.

7120. الخامس:

لو اتّهم بالقتل، و قام اللّوث، حبس إذا طلب الوليّ ذلك حتّى يحضر بيّنته، لرواية السكوني عن الصادق عليه السّلام:

«انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان يحبس في تهمة الدّم ستّة أيّام، فإن جاء الأولياء بالبيّنة، و إلا خلّى سبيله».(1)

ص: 488


1- . الوسائل: 121/19، الباب 12 من أبواب دعوى القتل و ما يثبت به، الحديث 1. و في المصدر فإن جاء اولياء المقتول ثبتت،...
المطلب الرابع: في كيفيّة الاستيفاء و فيه اثنان و عشرون بحثا:
7121. الأوّل:

الواجب بقتل العمد العدوان القصاص لا الدّية، و لا أحد الأمرين، فلو عفا الوليّ على مال لم يسقط القود، ثمّ إن رضي الجاني تثبت الدّية و إلاّ فلا.

و لو عفا و لم يشترط المال، سقط القصاص، و لا دية له، و إذا طلب الوليّ الدّية، فإن اختار الجاني دفعها جاز، و إلاّ لم يجب عليه سوى بذل نفسه، فإن بذل القود لم يكن للوليّ مطالبته بشيء.

و لو بذل الجاني الدّية، لم يجب على الوليّ القبول، فإن فادى نفسه بأضعاف الدّية لم يجب أيضا، فان رضى بالزائد على الدّية و اتّفقا عليه جاز.

7122. الثاني:

إنّما يجب القصاص في النّفس مع تيقّن التلف بالجناية، فإن اشتبه اقتصر على القصاص في الجناية دون النفس.

و لا يقتصّ إلاّ بالسّيف، و يعتبر لئلاّ يكون مسموما، خصوصا في [قصاص] الطّرف، فان اقتصّ في الطّرف بالمسموم، و جنى السّم، ضمن المقتصّ .

و لا يقتصّ بالآلة الكالّة، لئلاّ يتعذّب، فإن فعل أساء و لا شيء عليه.

ص: 489

و لا يجوز للوليّ التّمثيل بالجاني، و لا قتله بغير ضرب العنق بالسّيف و إن كان هو قد فعل غير ذلك من التّغريق و التّحريق و الرّضخ و القتل بالمثقّل.

7123. الثالث:

لو قطع أعضاءه ثمّ ضرب عنقه، فقولان، أشبههما أنّه إن فرقّ ذلك بأن ضربه فقطع عضوا، ثمّ ضربه فقتله، فعل به ذلك، و قيل: يدخل قصاص الطّرف في قصاص النفس(1)، و إن فرّقه فعل ما اخترناه، ثمّ اقتصّ الوليّ في العضو فمات الجاني بذلك، وقع ذلك قصاصا عن النّفس، و إن مات بغير ذلك، كان حكمه حكم الجاني إذا مات قبل استيفاء القصاص منه.

و لو اختار الوليّ الاقتصار على ضرب العنق، فله ذلك، و إن قطع اعضاءه الّتي قطعها أو بعضها ثم عفا عن قتله إلى الدّية، فليس له ذلك، لأنّ جميع ما فعله بوليّه لا يستحقّ به سوى دية واحدة، لأنّ دية الطّرف تدخل في دية النفس إجماعا، و إن بقى من الدّية شيء بعد قطع البعض، كان له استيفاؤه، و إن قطع ما يجب به أكثر من الدّية، ثمّ عفا، احتمل الرّجوع عليه بالزّيادة، لأنّه لا يستحقّ أكثر من الدّية(2) و احتمل عدمه، لأنّه فعل بعض ما فعل بوليّه، و على القول بدخول قصاص الطّرف في النّفس لو فعل بالجاني كما فعل بوليّه أساء و لا شيء عليه.

7124. الرابع:

لا يضمن المقتصّ سراية القصاص، سواء سرت إلى النّفس أو غيرها، بأن اقتصّ من إصبع فسرت إلى الكفّ ، إلاّ أن يتعدّى، فإن اعترف به عمدا، اقتصّ منه في الزّائد.

و إن قال: أخطأت أخذت منه دية الزّيادة، و القول قوله لو تخالفا في العمد

ص: 490


1- . ذهب إليه الشيخ في المبسوط: 22/7؛ و الخلاف: 163/5، المسألة 23 من كتاب الجنايات.
2- . في «أ»: لأكثر من الدّية.

مع اليمين، لأنّه أبصر بنيّته، و كلّ من يجري القصاص بينهم في النّفس يجري في الطّرف، و من لا يقتص له في النّفس لا يقتصّ له في الطّرف.

7125. الخامس:

لو تعدّى المقتصّ بأن جرحه موضحة، و كان يستحقّ باضعة، فعليه ضمان الزائد، فإن ادّعى انّ الزّيادة حصلت باضطراب الجاني أو بشيء من جهته، فالقول قوله، لاحتمال ذلك، و هو المنكر.

و لو اعترف بالتعدّي ثمّ سرى الاستيفاء الّذي حصل فيه الزيادة، فعليه نصف الدّية إن أخطأ، و إن تعمّد اقتصّ منه بعد ردّ نصف الدّية عليه، لأنّ السّراية حصلت من فعلين مباح و محرّم.

و لو قتل الجاني بالسّيف، فزاد المقتصّ بالقصاص، بأن قطع أعضاءه أو بعضها، فإن عفا [المستوفي] بعد ذلك أو قتل، احتمل الضّمان في الطّرف، لأنّه قطعه بغير حقّ ، فوجب ضمانه، كما لو عفا ثمّ قطعه، و عدمه، لأنّه قطع طرفا من جملة يستحقّ إتلافها، فلم يضمنه(1)، كما لو قطع إصبعا من يد يستحقّ قطعها.

7126. السّادس:

مستحقّ القصاص إن كان واحدا، كان له المبادرة إلى الاستيفاء، و هل يحرم من دون إذن الإمام ؟ الأولى الكراهية، فله الاستيفاء بدون إذنه، و قيل(2): يحرم و يعزّر لو بادر، و تتأكّد الكراهية في الطّرف.

و ينبغي للإمام إحضار شاهدين على الاستيفاء، لئلاّ يجحد المجنيّ عليه الاستيفاء، و يعتبر الآلة(3) لئلاّ تكون كالّة أو مسمومة.

ص: 491


1- . في «أ»: فلا يضمنه.
2- . القائل هو الشيخ في المبسوط: 100/7.
3- . أي يلاحظ الإمام الآلة الّتي يستوفى بها.

و للوليّ الاستيفاء بنفسه إن اختاره، و إن لم يحسن أمره [الإمام] بالتوكيل فيه، فإن تعذّر إلاّ بعوض، كان العوض من بيت المال، فإن لم يكن، أو كان هناك ما هو أهمّ منه، كانت الأجرة على الجاني، لأنّ عليه إيفاء الحقّ فصار كأجرة الكيّال، و يحتمل وجوبها على المقتصّ ، لأنّه وكيله فكانت الأجرة على موكّله، كغيره، و الّذي على الجاني التمكين دون الفعل، و لهذا لو أراد أن يقتصّ من نفسه لم يمكّن منه.

و لو قال الجاني: أنا أقتصّ لك من نفسي، لم يجب تمكينه، و هل يجوز [له ذلك]؟ يحتمل المنع، لقوله تعالى: (وَ لاٰ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ) (1) و لأنّ معنى القصاص أن يفعل به كما فعل.

7127. السّابع:

مستحقّ القصاص إن كان أكثر من واحد، لم يجز الاستيفاء إلاّ بعد الاجتماع، إمّا بالوكالة لأجنبيّ أو لأحدهم، أو بالإذن، فإن بادر و اقتصّ أساء، و ضمن حصص الباقين من الدّية، و لا قصاص عليه، و لم يجز أن يتولاّه جميعهم لما فيه من التّعذيب.

و قال الشيخ رحمه اللّه: يجوز لكلّ منهم المبادرة إلى الاستيفاء، و لا يتوقّف على إذن الاخر، لكن يضمن السّابق حصص من لم يأذن.(2)

7128. الثامن:

يستحقّ القصاص و يرثه كلّ من يرث المال، عدا الزوج و الزّوجة، فإنّهما لا يستحقّان في القصاص شيئا، نعم لهما نصيبهما من الدّية، إن كان القتل خطأ، و كذا إن كان عمدا و رضي الورثة بالدّية، و إلاّ فلا شيء لهما.

ص: 492


1- . النساء: 29.
2- . المبسوط: 54/7.

و قيل: يرث القصاص العصبة دون من يتقرّب بالأمّ من الإخوة و الأخوات و الأخوال و الأجداد من قبلهما.

و ليس للنساء عفو و لا دية(1) و الأقرب ما قلناه أوّلا، و كذا يرث الدّية من يرث المال، و البحث فيه كالأوّل، إلاّ أنّ للزّوج و الزوجة نصيبهما منها على التقديرات.

7129. التاسع:

لو كان بعض الأولياء غائبا أو صبيّا، قال الشيخ رحمه اللّه: للحاضر البالغ استيفاء القصاص بعد ضمان حصص الغائبين و الصّغار من الدّية، ثمّ قال:

لو كان للصّغير أب أو جدّ له، لم يكن لوليّه استيفاء القصاص حتّى يبلغ، سواء كان القصاص في النّفس أو الطّرف - و لو قيل: له الاستيفاء كان حسنا - ثم قال:

و يحبس القاتل حتّى يبلغ الصبيّ أو يفيق المجنون.(2)

7130. العاشر:

لو اختار أحد الأولياء القصاص و الباقي الدّية، فإن دفعها القاتل مختارا جاز، و هل يسقط القود؟ المشهور عدم السّقوط. و في رواية: أنّه يسقط(3) و الوجه الأوّل، فنقول: لطالب القصاص القود بعد أن يردّ على الجاني نصيب من فاداه، و لو لم يردّ الجاني على طالب الدّية شيئا، ردّ طالب القود على طالب الدّية نصيبه منها و اقتصّ .

ص: 493


1- . ذهب إليه الشيخ في النهاية: 735. و لاحظ المبسوط: 54/7؛ و الاستبصار: 264/4، الباب 153 إنّه ليس للنساء عفو و لا قود، الحديث 1، و لمزيد الاطّلاع حول الأقوال في المسألة يلاحظ المختلف: 295/9-297.
2- . المبسوط: 54/7-55. و لاحظ الخلاف: 179/5، المسألة 43 من كتاب الجنايات.
3- . و الرواية الدّالة على سقوط القود بعفو البعض متعدّدة و كأنّه رحمه اللّه أراد بها الجنس لاحظ الوسائل: 85/19، الباب 54 من أبواب القصاص في النّفس.

و لو عفا البعض عن القصاص و الدّية، كان للباقين القود بعد أن يردّوا نصيب العافي على القاتل.

7131. الحادي عشر:

لو قتله أحد الأولياء من غير إذن الباقين أساء و ضمن، و هل يرجع الباقي على المقتصّ أو على تركة الجاني بنصيبهم ؟ فيه احتمال، من حيث إنّ المقتصّ أتلف محلّ حقّه، فله الرّجوع بالعوض، كما لو أتلف الوديعة.

و من حيث إنّ محلّ القود تلف فيرجع في تركته بالدّية، كما لو عفا شريكه عن القصاص، بخلاف الوديعة، فإنّها ملك لهما، و الجاني ليس ملكا [للمجنيّ عليه]، و إنّما له عليه حقّ ، فأشبه ما لو قتل غريمه.

فعلى هذا يرجع على ورثة الجاني، و يرجع ورثة الجاني على قاتله بديته إلاّ قدر حقّه.

إذا ثبت هذا فلو كان الجاني أقلّ دية من قاتله، كامرأة قتلت رجلا، له ابنان، فقتلها أحدهما بغير إذن الاخر، فللآخر نصف دية أبيه في تركة المرأة، و يرجع ورثتها بنصف ديتها على قاتلها(1).

و على الأوّل يرجع الولد [الّذي لم يقتل] على أخيه بنصف دية المرأة، لأنّه القدر الّذي فوّته على أخيه، و لا يرجع على ورثة المرأة بشيء، لأنّ أخاه أتلف جميع الحقّ .

و على الأوّل(2) لو أبرأ شريكه صحّ الإبراء، و لم يكن لورثة الجاني الرّجوع عليه بشيء.

ص: 494


1- . و هو ربع دية الرّجل.
2- . أي من ثمرات الرّجوع إلى الأخ الّذي قتل الجاني، أنّه لو أبرأ...

و على الثاني(1) لو أبرأ ورثة الجاني صحّ ، و ملكوا الرّجوع على الشريك بنصيب العافي.

7132. الثاني عشر:

عفو أحد الأولياء لا يسقط القصاص، و للباقين القود بعد ردّ نصيب من عفا إلى الجاني، و لا قصاص عليه، و إن حكم الحاكم بعدم القصاص.

نعم لو كان القاتل هو العافي وجب عليه القصاص، سواء عفا مطلقا أو على مال و رضى به الجاني، و إذا عفا عن القاتل سقط عنه القصاص و القود، و لا يحبس سنة، و لا يضرب.

و إذا أقرّ أحد الوليّين انّ شريكه عفا على مال، لم ينفذ إقراره في حقّ شريكه، و لا يسقط حقّ أحدهما من القود، و للمقرّ أن يقتل لكن بعد ردّ نصيب شريكه من الدّية، فإن صدّقه الشريك، فالرّدّ له، و إلاّ كان للجاني، و حقّ الشريك من القصاص باق على حاله.

و لو قتل الأب و الأجنبيّ الولد، فعلى الأجنبيّ القود دون الأب، و يردّ الأب عليه نصف الدية، و كذا العامد مع الخاطئ، و المسلم مع الذّمّي في [قتل] الذّمّي.

و شريك السّبع يقتصّ منه بعد ردّ نصف الدّية على الجاني.

7133. الثّالث عشر:

المحجور عليه للفلس أو السّفه يستحقّ استيفاء القصاص، و لو عفا على مال و رضي القاتل، صحّ و قسّم المال على الغرماء، و لو اختار القصاص لم يكن للغرماء منعه.

و لوارث المفلّس استيفاء القصاص، فإن أخذ الدّية صرفت في الدّيون و الوصايا.

ص: 495


1- . أي من ثمرات الرّجوع إلى تركة الجاني و ورثته.

و هل للوارث استيفاء القصاص من دون ضمان ما عليه من الدّيون ؟ الوجه ذلك، للآية(1) و قيل:(2) لا للرّواية(3).

و لو صالح المفلّس أو السّفيه قاتل العمد على أقلّ من الدّية، فالوجه الجواز.

و لو عفا المريض على غير مال أو على أقلّ من الدّية صحّ ، سواء خرج من الثلث أو لا، لأنّ الواجب القصاص عينا، أمّا لو كان القتل خطأ، فالوجه اعتبار الثلث.

و لو قتل من لا وارث له، كان وارثه الإمام، فله العفو على مال و استيفاء القصاص، و هل له العفو من غير شيء؟ قيل: لا(4).

و ليس لوليّ الطّفل العفو على غير مال، و هل يجوز له العفو إلى مال مع كفاية الصّبي ؟ الوجه الجواز، و يحتمل المنع، لما فيه من تفويت حقّه من غير حاجة.

و لوليّ المجنون العفو على مال لا مطلقا.

و لكلّ من الوليّين استيفاء القصاص و إن بذل الجاني الدّية، و لو كان الأصلح أخذ الدّية فبذلها الجاني، ففي منع الوليّ من القصاص إشكال.

ص: 496


1- . اشارة إلى قوله تعالى: (فَقَدْ جَعَلْنٰا لِوَلِيِّهِ سُلْطٰاناً) الإسراء: 33، و قوله تعالى: (اَلنَّفْسَ بِالنَّفْسِ ) المائدة: 45.
2- . القائل هو الشيخ في النهاية: 309، باب قضاء الدين من الميّت.
3- . الوسائل: 112/13، الباب 24 من أبواب الدّين و القرض، الحديث 2.
4- . القائل هو الشيخ في النهاية: 739.
7134. الرّابع عشر:

لو قتل جماعة على التّعاقب، فلوليّ كلّ واحد القود، و لا يتعلّق حقّ بعضهم ببعض، فإن سبق الأوّل إلى القتل، استوفى حقّه و سقط حقّ الباقين لا إلى بدل، و إن بادر المتأخّر فقتله، أساء و سقط حقّ الباقين، و يشكل بتساوي الجميع في سبب الاستحقاق، و لو قيل: إن اتّفق الوليّان على قتله قتل بهما.

و لو أراد أحدهما القود و الاخر الدّية، احتمل وجوب القود لطالبه، و أخذ الدّية من التّركة، سواء كان مختار القود الثاني أو الأوّل، و سواء قتلهما دفعة أو على التّعاقب، و لو بادر أحدهما إلى قتله استوفي، و للآخر الدّية في ماله كان وجها.

فلو طلب كلّ وليّ قتله بوليّه مستقلاّ من غير مشاركة، قدّم الأوّل لسبق حقّه، فإن عفا ولي الأوّل فلوليّ الثاني القتل فإن طلب وليّ الثاني القتل، أعلم الحاكم وليّ الأوّل.

فإن سبق الثّاني فقتل، أساء و استوفى حقّه، و لوليّ الأوّل الدّية.

و إن عفا الأولياء إلى الدّيات و رضي القاتل صحّ ، و لو قتلهم دفعة أقرع في المتقدّم في الاستيفاء، و كان للباقين الدّية.

7135. الخامس عشر:

يصحّ التوكيل في استيفاء القصاص، فإن و كلّ ثمّ غاب و عفا عن القصاص بعد استيفاء الوكيل، بطل العفو، و إن كان قبله، و علم الوكيل، اقتصّ من الوكيل، و لو لم يعلم الوكيل فلا قصاص، لانتفاء العدوان، و على الوكيل الدّية، لأنّه باشر قتل من لا يستحقّ قتله، و يرجع بها على الموكّل، لأنّه غارّ، أمّا لو كان العفو إلى الدّية، فلا ضمان على الوكيل، لأنّها لا تثبت إلاّ صلحا.

ص: 497

و لو بذلها الجاني و لم يعلم الوكيل و اقتصّ ، أخذت الدّية من الوكيل لورثة الجاني، و رجع الموكّل على ورثة الجاني بالدّية، و رجع الوكيل على الموكّل بما أدّاه، و تظهر فائدة أخذ الورثة من الوكيل ثمّ دفعهم إلى الموكّل ثمّ دفع الموكّل إلى الوكيل فيما إذا كان أحد المقتولين رجلا و الاخر امرأة، فيأخذ ورثة الجاني ديته من الوكيل، و يدفعون إلى الموكّل دية وليّه، ثمّ يردّ الموكّل إلى الوكيل قدر ما غرمه.

و لو وكّله في استيفاء القصاص، ثمّ عزله قبل القصاص، ثمّ استوفى، فإن كان الوكيل قد علم بالعزل، فعليه القصاص لورثة الجاني، و للموكّل الرجوع على الورثة بدية وليّه، و لو لم يعلم فلا قصاص و لا دية، لبطلان العزل إن قلنا إنّ الوكيل إنّما ينعزل بالإعلام، و إن قلنا إنّه ينعزل بالعزل فإن لم يعلم، فلا قصاص على الوكيل، و يغرم الدّية لمباشرته الإتلاف، و يرجع بها على الموكّل، و يرجع الموكّل على الورثة.

7136. السّادس عشر:

لو قطع يدا فعفا المقطوع، ثمّ قتله القاطع، فللوليّ القصاص في النّفس بعد ردّ دية اليد، و كذا لو قتل مقطوع اليد، قتل بعد ردّ دية اليد عليه إن كان المجنيّ عليه أخذ ديتها، أو قطعت في قصاص، و إن كانت قطعت من غير جناية، و لا أخذ لها دية، قتل القاتل من غير ردّ، و كذا لو قطع كفّا بغير أصابع، قطعت كفّه بعد ردّ دية الأصابع.

و لو اقتصّ الوليّ من القاتل، و تركه ظانّا موته، و كان به رمق، فعالج نفسه و برئ، فالأقرب أنّه إن كان قد ضربه بما ليس له الاقتصاص به [كالعصا]، لم يكن له القصاص في النّفس حتّى يقتصّ منه في الجراحة، و إلاّ كان له قتله، كما

ص: 498

لو ضربه في عنقه و ظنّ الإبانة، فظهر خلافها، فله القصاص، و لا يقتصّ منه، لأنّ فعله جائز.

7137. السّابع عشر:

لو قطع يد رجل ثمّ قتل آخر، قطعنا يده أوّلا، ثمّ قتلناه بالثّاني، و كذا لو بدأ بالقتل ثم بالقطع، توسّلا إلى استيفاء الحقّين.

و لو سرى القطع في المجنيّ عليه قبل القصاص، تساويا في استحقاق القتل، و صار كما لو قتلهما، و قد سبق حكمه.

أمّا لو سرى بعد قطع يده قصاصا، كان للوليّ أخذ نصف الدّية من تركة الجاني، لأنّ قطع اليد بدل عن نصف الدّية، و قيل: لا يجب شيء، لأنّ دية العمد إنّما تثبت صلحا.(1) و الأقرب عندي أنّه يرجع بالدّية أجمع، لأنّ للنّفس دية على انفرادها، و الّذي استوفاه وقع قصاصا، فلا يتداخل.

و لو قطع يدي آخر فاقتصّ ، ثمّ سرت جراحة المجنيّ عليه، فلوليّه القصاص في النّفس.

و لو قطع يهوديّ يد مسلم، فاقتصّ المسلم ثمّ سرت جراحة المسلم، فلوليّه قتل الذّمّي، و لو طلب الدّية، كان له دية المسلم، و هل يسقط منها دية يد الذّمّي قيل: نعم.(2) و الوجه ما قلناه.

و لو قطعت امرأة يد رجل فاقتصّ ، ثم سرت جراحته، فلوليّه القصاص، و لو طلب الدّية، فله دية كاملة على ما اخترناه، و قيل: ثلاثة أرباع الدية،(3) و لو

ص: 499


1- . لاحظ الأقوال حول المسألة في الجواهر: 226/42 و المسالك: 257/15.
2- . القائل هو الشيخ في المبسوط: 64/7.
3- . ذهب إليه الشيخ في المبسوط: 64/7 و المحقّق في الشرائع: 232/4.

قطعت يده و رجله فاقتصّ ، ثم سرت جراحاته، فلوليّه القصاص في النّفس، و هل له الدّية ؟ قيل(1): لا لأنّه استوفى ما يقوم مقام الدّية. و الوجه أنّ له ذلك لما تقدّم.

و لو قطع يد رجل فاقتصّ ، ثمّ مات المجني عليه بالسّراية، ثمّ الجاني بها، وقع القصاص بالسّراية من الجاني موقعه، و كذا لو قطع يده ثمّ قتله، فقطع الوليّ يد الجاني ثمّ سرت إلى نفسه، و لو سرى القطع إلى الجاني أوّلا، ثمّ سرى قطع المجنيّ عليه، لم يقع سراية الجاني قصاصا، لأنّها حصلت قبل سراية المجني عليه هدرا.

و لو هلك قاتل العمد سقط القصاص، و هل تسقط الدّية ؟ قال في المبسوط: نعم(2) و تردّد في الخلاف(3)، و في رواية أبي بصير: إذا هرب فلم يقدر عليه حتّى مات، أخذت [الدّية] من ماله، و إلاّ فمن الأقرب فالأقرب.(4)

7138. الثّامن عشر:

لا يقتصّ من الحامل حتّى تضع، و لو تجدّد الحمل بعد الجناية، فإن ادّعت الحمل و شهدت لها القوابل، ثبت، و إن تجرّدت دعواها، قيل:

لا يلتفت إليها، لأنّها تدفع بذلك السّلطان بالقتل(5)، فالأحوط العمل بقولها، فإن ظهر الكذب اقتصّ منها، و إلاّ صبر حتّى تضع.

ص: 500


1- . القائل هو الشيخ في المبسوط: 65/7؛ و المحقّق في الشرائع: 232/4.
2- . المبسوط: 65/7.
3- . الخلاف: 184/5، المسألة 50 من كتاب الجنايات.
4- . الوسائل: 302/19-303، الباب 4 من أبواب العاقلة، الحديث 1.
5- . لاحظ المبسوط: 59/7؛ و الجواهر: 322/42-323.

و هل يجب الصّبر حتّى يستقلّ الولد بالاغتذاء؟ قيل: نعم.(1)

و الوجه ذلك إن لم يكن للولد ما يعيش به غير لبن الأمّ ، و إلاّ فلا.

و لو قتلت المرأة قصاصا فظهر أنّها حامل، فالدّية على القاتل، و لو جهل المباشر و علم الحاكم ضمن الحاكم، و لو سلّطه الحاكم من غير علم أيضا فالدّية على بيت المال، و لا يؤخّر القصاص في غير الحامل.

و من التجأ إلى الحرم ضيّق عليه في المطعم و المشرب، ليخرج و يقتصّ منه، و لو أوقع الجناية في الحرم اقتصّ منه فيه.

7139. التاسع عشر:

إذا عفا مستحقّ العمد عن القصاص مطلقا، سقط حقّه بغير عوض، و لو عفا عن الدّية لم يصحّ عفوه، و كان له القصاص لأنّها لا تثبت إلاّ صلحا، و لو عفا عن أحدهما لا بعينه، ففي صحّته و سقوط القود به نظر، و لو عفا عنهما سقط القود و لا دية.

و لو عفا عن الدّية لم يسقط القصاص، و له الرّجوع إلى الدّية إن رضي الجاني.

و لو قال: عفوت عنك، فالأقرب رجوعه إلى القصاص، و يحتمل الرجوع إلى نيّته.

و السّفيه و المفلّس كالبالغ في استيفاء القصاص و عفوه، و كالصّبي في إسقاط الدّية.

ص: 501


1- . لاحظ المبسوط: 59/7؛ و الجواهر: 324/42.
7140. العشرون:

إذا أذن في القطع و القتل، فلا دية فيه، و إن كان محرّما، إذ لا يباح القتل بالإذن، و لا تسقط الكفّارة.

و يصحّ العفو بعد القطع قبل السّراية عن الماضي، فلو قطع يده فعفا المجني عليه قبل الاندمال، فإن اندملت فلا قصاص و لا دية، و لو قال: عفوت عن الجناية سقط القصاص و الدّية، و لو سرت فللوليّ القصاص في النّفس بعد ردّ ما عفا عنه، و لو عفا عن الجناية و السّراية، فالوجه صحّة العفو عن الجناية خاصّة، لأنّ العفو عن السّراية إبراء مما لم يجب، و يحتمل الصحّة.

قال في الخلاف(1) يصحّ العفو عن الجناية و عمّا يحدث عنها، فلو سرت صحّ العفو عن الثلث، لأنّه وصيّة(2) لأنّ العفو و إن كان قبل الوجوب إلاّ أنّه بعد سببه.

7141. الحادي و العشرون:

لو كان الجاني عبدا فقال المجنيّ عليه: أبرأتك لم يصحّ ، و إن كانت الجناية تتعلّق برقبته، لأنّه ملك للسيّد، و لو أبرأ السيّد صحّ ، و فيه نظر من حيث إنّ الإبراء إسقاط لما في الذّمّة.

و لو قال: عفوت عن ارش هذه الجناية، صحّ .

و لو كان القتل خطأ محضا، فأبرأه القاتل لم يصحّ ، و لو أبرأه العاقلة صحّ و كذا يصحّ لو قال:

عفوت عن أرش [هذه] الجناية.

ص: 502


1- . الخلاف: 208/5، المسألة 86 من كتاب الجنايات.
2- . في «ب»: وصيّته.

و لو كان القتل شبيه العمد، فأبرأ القاتل صحّ ، و كذا لو قال: عفوت عن هذه الجناية أو عن أرشها.

و لو أبرأ العاقلة لم يبرأ القاتل.

7142. الثّاني و العشرون:

عفو الوارث صحيح، فإن استحقّ الطّرف و النّفس، فعفوه عن أحدهما لا يسقط الاخر، و لو عفا بعد مباشرة سبب الاستيفاء بطل، كما إذا عفا عن الجناية بعد الرّمي قبل الإصابة.

ص: 503

ص: 504

المقصد الثاني: في قصاص الطرف و فيه اثنان و عشرون بحثا:

7143. الأوّل:

يجب القصاص في الطّرف مع إتلافه عمدا دون الخطأ المحض و شبيه العمد، و يتحقّق العمد فيه بما يتحقّق في النفس من الجناية عليه بما يتلف به غالبا، أو القصد إلى اتلافه بما يتلف به نادرا.

و يشترط فيه التّساوي في الإسلام و الحريّة، و كون المقتصّ منه أخفض، و انتفاء الأبوّة، فلا يقتصّ من الأب و إن علا للابن، و يقتص للرّجل من المرأة و لا ردّ إن(1) تجاوز ثلث الدّية، و للمرأة من الرّجل و لا ردّ فيما قصر عن الثلث، و فيما بلغه بشرط ردّ التفاوت.

و يقتصّ للذّمّي من مثله و من الكافر مطلقا لا من المسلم، و للحرّ من العبد، و لا يقتصّ للعبد من الحرّ.

7144. الثّاني:

يشترط في قصاص الطرف أمور ثلاثة: التساوي في المحلّ ، و الصّفات، و العدد.

ص: 505


1- . في «ب»: و إن.

فتقطع اليمنى بمثلها، لا باليسرى و لا بالعكس، و لا السبّابة بالوسطى، و لا زائدة بأصليّة و لا بالعكس، و لا زائدة بزائدة مع تغاير المحلّ و إن تساويا في الحكومة.

و أمّا الصّفات فلا تقطع الصّحيحة بالشّلاء و إن رضي الجاني، نعم تقطع الشلاّء بمثلها و بالصّحيحة إلاّ أن يحكم أهل المعرفة بعدم الحسم، فتثبت الدّية حذرا من السّراية، و لا يضمّ إلى الشلاّء أرش، و كذا ذكر الأشلّ و هو الّذي لا يتقلّص في برد و لا يسترسل في حرّ، و لا يقطع الصّحيح بذكر العنّين، و يقطع ذكر الصّحيح البالغ بذكر الصّبي و الخصيّ ، و ذكر الشابّ بالشّيخ و الأغلف و المجنون سواء، و يقطع العنّين بذكر الصّحيح، و يقطع أذن الأصمّ بأذن السّميع و بالعكس، و الأنف الشّام بفاقده و بالعكس، و أنف المجذوم بالصّحيح إذا لم يسقط منه شيء، و الأذن الصحيحة بالأذن المثقوبة إذا لم يكن شينا، و لا تؤخذ الصّحيحة بالمخرومة إلاّ أن يردّ دية الخرم و إلاّ اقتصّ إلى حدّ الخرم، و يأخذ دية الباقي.

أمّا العدد، فلا يقطع الكفّ الكامل بالناقص بإصبع، و لو قطع يدا كاملة، و يده ناقصة إصبعا، فللمجنيّ عليه قطع الناقصة، و تردّد الشيخ رحمه اللّه في أخذ دية الإصبع، فأوجبه في الخلاف(1) و منع منه في المبسوط إلاّ أن يكون قد أخذ ديتها فله المطالبة حينئذ(2) و الأقرب عندي ما ذكره في الخلاف.

و لو كانت يد الجاني كاملة فللمجنيّ عليه قطع الأصابع الأربع و المطالبة بالحكومة في الكفّ .

ص: 506


1- . الخلاف: 193/5، المسألة 60 من كتاب الجنايات.
2- . المبسوط: 85/7 أشار إليه بقوله «و قال بعضهم: إن أخذ القصاص لم يكن له أخذ المال منه و كذلك نقول إذا كان خلقة أو ذهبت بآفة من اللّه...» و ما في المطبوع «و كذلك يقول» تصحيف.

7145. الثالث:

لو قطع يمين غيره و لا يمين له، قطعت يسراه، و لو لم يكن له يسار، قطعت رجله، عملا بالرّواية(1) و لو قطع أيدي جماعة قطعت يداه و رجلاه، الأوّل فالأوّل، و مع قطع الأعضاء الأربعة تؤخذ الدّية للمتخلّف.

و كلّ ما انقسم إلى يمين و يسار، كالأذنين، و المنخرين، و العينين، و اليدين، و الأليتين، و الأنثيين لا تؤخذ إحداهما بالأخرى، و إن عملنا بالرّواية في اليدين فلا نتخطّاها إلى غيرهما، و كذا ما انقسم إلى أعلى و أسفل، كالجفنين، و الشّفتين لا يؤخذ الأعلى بالأسفل و لا بالعكس.

و كذا لا تؤخذ أنملة عليا بسفلى و لا بالعكس، و لا يؤخذ السّن بالسّن إلاّ أن يتّفقا في الموضع و الاسم.

و لا تؤخذ أصليّة بزائدة و لا بالعكس و إن اتّحد الموضع و تؤخذ الزائدة بمثلها مع الاتّفاق في المحلّ .

7146. الرابع:

يعتبر التّساوي في المساحة في الجراح طولا و عرضا، و لا يعتبر نزولا، بل يراعى الاسم، لتفاوت الأعضاء بالسّمن و الهزال، و لو كان رأس الشّاجّ أصغر استوعبنا رأسه، و لم نكمل بالقفاء و لا بالجبهة، بل اقتصرنا على ما يحتمله العضو، و أخذ بالزّائد بنسبة المتخلّف إلى أصل الجرح من الدية، فيؤخذ بقدر ما يحتمله الرّأس من الشّجة و ينسب الباقي إلى الجميع، فإن كان بقدر الثلث، فله ثلث أرش الموضحة، و على هذا الحساب و لو كان المجنيّ [عليه] صغير العضو فاستوعبته الجناية، لم نستوعب في المقتصّ ، بل اقتصرنا على قدر الجناية مساحة.

ص: 507


1- . لاحظ الوسائل: 131/19، الباب 12 من أبواب قصاص الطرف، الحديث 3.

و لو زاد المقتصّ على ما استحقّه قصاصا، فعليه أرش كامل لتلك الزيادة، لأنّه فارق الباقي في الحكم فأفرد بحكم، و يحتمل أنّ عليه قسطا، لأنّ الجميع موضحة واحدة.

7147. الخامس:

يشترط في القصاص في الشّجاج و الأعضاء انتفاء التغرير، فلا قصاص فيما فيه تغرير في النّفس، كالمأمومة و الجائفة.

و يشترط أيضا إمكان الاستيفاء من غير حيف و لا زيادة، فلا قصاص في الهاشمة و المنقّلة، و لا في كسر شيء من العظام، إمّا للتغرير في النّفس، أو لعدم ضبط الهشم، بحيث لا يزيد و لا ينقص.

و يثبت في الشجاج في الموضحة إجماعا، و كذا في كلّ جرح ينتهي إلى عظم فيما سوى الرّأس و الوجه، كالسّاعد و العضد و السّاق و الفخذ.

و يثبت أيضا في الحارصة و الباضغة و السمحاق، و في كلّ جرح لا تغرير فيه، و يمكن استيفاء الحقّ منه من غير زيادة و لا نقصان.

و لا يقتصّ في الشّجاج بالسّيف و لا بآلة لا يؤمن معها استيفاء ما زاد على الحقّ ، و لا بالآلة المسمومة، بل يقتصّ بالسكّين الحادّة و الموسى.

و إنّما يقتصّ العارف بالقصاص، و لا يمكّن الجاهل به، سواء كان مستحقّه أو لا، و لو كان المستحقّ عارفا بالاستيفاء، مكّن منه.

7148. السّادس:

اختلف قول الشيخ رحمه اللّه في الاقتصاص قبل الاندمال، فجوّزه في الخلاف مع استحباب الصّبر(1) و منع منه في المبسوط(2) لتجويز السّراية

ص: 508


1- . الخلاف: 196/5، المسألة 65 من كتاب الجنايات.
2- . المبسوط: 75/7.

في المجنيّ عليه، فيدخل قصاص الطّرف في النفس، و الوجه ما قاله في الخلاف.

أمّا لو قطع عدّة من أعضائه يزيد على الدّية خطأ و طلب الدّيات قبل الاندمال، اقتصر على دية النفس، فإن اندملت استوفى الباقي، و الاّ سقط الزائد، لأنّ دية الأطراف تدخل في دية النّفس إجماعا.

7149. السابع:

إذا اقتصّ من الجراح، و كان على الموضع شعر، حلقه و تعمد في موضع(1) الشّجّة من الرّأس، فيعلم طولها بخيط و شبهه، و يضعها على رأس المشجوج، و يأخذ حديدة عرضها كعرض الشّجة فيضعها في أوّل العلامة و يجرّها إلى آخرها و يأخذ مثل الشّجّة طولا و عرضا لا عمقا، بل الاسم على ما قلناه، و لو شقّ ذلك على الجاني جاز أن يستوفي ذلك منه في أكثر من دفعة.

و لا يقتصّ في الطّرف في شدّة البرد و الحرّ، بل في اعتدال النهار.

و لا يقتصّ إلاّ بحديدة، و لو اقتصّ في العين انتزعها بحديدة معوجّة.

7150. الثامن:

يؤخذ الأذن بالأذن إجماعا، و يستوي الكبير و الصّغير و أذن الأصمّ و السميع، لأنّ ذهاب السّمع نقص في الرأس، لأنّه محلّه لا الأذن، و الصّحيحة بالمثقوبة في محلّ الثقب، لا في غير محلّه و لا بالمخرومة، بل يقتصّ إلى حدّ الخرم و الثقب، و تؤخذ دية ما يخلف.

و كما يثبت القصاص في الأذن أجمع، فكذا في أبعاضها بالنّسبة من المساحة، فيؤخذ نصف الأذن الكبيرة بنصف الصغيرة.

ص: 509


1- . في «ب»: و تعمّد موضع.

و لو اقتصّ المجنيّ عليه في الأذن، ثمّ ألصقها، كان للجاني إزالتها، لتحقّق المماثلة، و الوجه وجوب ذلك، لأنّها تجب ما لم يخف الضّرر بإزالتها.

و لو قطع بعضها وجب القصاص فيه، و كان الحكم في إلصاقه كالأذن.

و لو قطعها فتعلّقت بجلده، ثبت القصاص لإمكان المماثلة، فإن ألصقها المجنيّ عليه، لم يكن للجاني إزالتها، لأنّها لم تبن من الحيّ فليست نجسة، و على قول من أوجب الإزالة هناك للمماثلة، ينبغي إيجابه هنا.

و لو ألصقها المجنيّ عليه قبل الاستيفاء فالتصقت و ثبتت، ففي وجوب القصاص إشكال، ينشأ من وجوبه بالإبانة، و قد حصلت، و من عدم الإبانة على الدّوام، فلا يستحقّ إبانة أذن الجاني على الدّوام، أمّا لو سقطت بعد ذلك قريبا أو بعيدا، فله القصاص، و الأقرب وجوب القصاص مطلقا، و إن قلنا بعدمه فله الأرش.

و لو قطع المجنيّ عليه أذن الجاني، فألصقها الجاني، لم يكن للمجنيّ عليه إزالتها، لأنّ الواجب الإبانة و قد حصلت، و لو كان المجنيّ عليه لم يقطع جميع الأذن، و إنّما قطع البعض، فألصقه الجاني، كان للمجنيّ عليه قطع جميعها، لأنّه استحقّ إبانة الجميع و لم يكن الإبانة.(1)

7151. التاسع:

يثبت القصاص في العين إجماعا، و تستوي عين الشّابّ و الشّيخ، و الصغير و الكبير، و المريضة و الصّحيحة، و العمشاء و السليمة، و لا تؤخذ صحيحة بقائمة.

ص: 510


1- . في «ب»: و لم يكن ابانة.

و لو كان الجاني أعور خلقة، قلعت عينه الصّحيحة بالواحدة من الصّحيح، مع تساوي المحلّ ، و إن عمي فإنّ الحقّ أعماه، و لا يردّ عليه.

و لو قلع الصّحيح عينه الصحيحة، تخيّر بين أخذ الدية ألف دينار و بين قلع عين واحدة من الجاني، و هل يأخذ مع ذلك نصف الدية ؟ للشّيخ قولان:

أحدهما: نعم و هو اختياره في النهاية(1) و الثاني: ليس له ذلك، و هو اختياره في الخلاف(2) و به قال ابن إدريس(3) و فيه قوّة، هذا إذا كان العور خلقة، أمّا لو كان بجناية جان - سواء أخذ أرشها أو استحقّه و لم يأخذه - فإنّ عينه الصّحيحة بخمسمائة دينار.

و لو قلع الأعور عين مثله، قلعت عينه و لا ردّ، و لو اختلفا في المحلّ فعلى الجاني الدّية كاملة ألف دينار، و كذا إن قلعها خطأ.

و لو قلع الأعور عيني صحيح، تخيّر المجنيّ عليه في أخذ عينه الصّحيحة بعينيه، لأنّه إذهاب بجميع(4) البصر كجنايته، و ان اختار [الدّية] أخذ دية كاملة، و ليس له قلع عينه الصّحيحة بإحدى عينيه و أخذ الدّية عن الأخرى و إن احتمل ذلك احتمالا قريبا.

و لو لطمه فذهب بضوء عينه دون العين، توصّل في المماثلة بأخذ الضّوء دون العضو، بأن تؤخذ مرآة محماة بالنّار بعد أن يوضع على أجفانه قطن مبلول،

ص: 511


1- . النهاية: 765-766.
2- . الخلاف: 251/5، المسألة 75 من كتاب الجنايات.
3- . السرائر: 381/3.
4- . في «ب»: «إذهاب لجميع».

ثم يستقبل عين الشّمس بعينه، و يقرب المرآة منها، و يكلّف النّظر إليها، فإنّ الضّوء يذوب، و تبقى العين قائمة(1).

و يؤخذ الجفن بالجفن مع التّساوي في المحلّ ، و يؤخذ جفن البصير بجفن مثله و بالضّرير و جفن الضّرير بجفن البصير، لتساويهما في السّلامة و النّقص في العين.

7152. العاشر:

يثبت القصاص في الحاجبين، و شعر الرأس و اللّحية، فإن نبت فلا قصاص، بل يثبت فيه الأرش، و كذا في باقي الشّعر يثبت فيه الأرش دون القصاص.

7153. الحادي عشر:

يثبت القصاص في الذّكر إجماعا، و يستوي [في ذلك] ذكر الصّغير و الكبير، و الشيخ و الشاب، و الذّكر العظيم، و الصغير و الصحيح، و المريض، و المختون، و الأغلف، و الخصيّ ، و السليم.

و لا يقاد الصّحيح بالعنّين، بل يجب فيه ثلث الدّية، و يؤخذ ذكر العنّين بمثله، و يؤخذ بعض الذكر بمثله، و ذلك بالأجزاء دون المساحة، فيؤخذ النّصف بالنّصف، و الرّبع بالرّبع، و لا اعتبار بتساويهما في المساحة.

و يثبت في الخصيتين القصاص و في إحداهما مع التّساوي في المحلّ ، إلاّ أن يحكم أهل المعرفة بذهاب منفعة الأخرى، فيسقط القصاص، و تثبت الدّية.

ص: 512


1- . و على هذا وردت رواية لاحظ الوسائل: 129/19، الباب 11 من أبواب قصاص الطرف، الحديث 1.

و يثبت في الشفرين(1) القصاص كما يثبت في الشفتين، و لو كان الجاني رجلا، فلها الدّية.

و لو كان المجني عليه خنثى، فإن ظهرت الذكوريّة فيه و جنى عليه رجل، اقتصّ منه في الذّكر و الأنثيين، و كان له في الشّفرين الحكومة.

و لو جنت عليه امرأة كان عليها في الشفرين الحكومة، و في المذاكير(2)الدّية.

و لو تبيّن أنّه امرأة، و جنى عليه رجل، وجب في الشّفرين الدّية و في المذاكير الحكومة، لأنّها زائدة.

و إن جنت عليه امرأة كان عليها في الشفرين القصاص و في المذاكير الحكومة.

و لو طلب القصاص قبل ظهور حاله، لم يكن له ذلك، و إن طلب الدّية أعطي أقلّ الدّيتين، و هو دية الشّفرين، فإن ظهرت الذّكورة بعد ذلك أكمل له دية الذّكر و الأنثيين، و الحكومة في الشّفرين، و لو ظهر أنّه أنثى، أعطي الحكومة في الباقي.

و لو طلب دية عضو، مع بقاء القصاص في الباقي، لم يكن له ذلك، فإن طلب الحكومة في أحد العضوين مع بقاء القصاص في الاخر أجيب إليه، و أعطي أقلّ الحكومتين، فإن ظهر أنه ذكر اقتصّ في المذاكير، و إن ظهر أنّه أنثى أكمل له حكومة المذاكير، و اقتصّ في الشّفرين.

ص: 513


1- . قال المصنف في القواعد: 644/3: هما اللحم المحيط بالرّحم إحاطة الشفتين بالفم.
2- . في «أ»: و في الذّكر.

و لو لم ينكشف حاله و آيس منه، لم يثبت له قصاص على الرّجل و لا على المرأة في شيء من الأعضاء، و يعطى نصف دية الذكر و الأنثيين و نصف دية الشّفرين، و حكومة في نصف ذلك كلّه.

و يثبت القصاص في الأليتين، و هما الناتئان(1) بين الفخذ و الظهر بجانبي الدّبر.(2)

7154. الثّاني عشر:

يثبت القصاص في الأنف إجماعا، و يستوي الكبير مع الصّغير، و الأقنى مع الأفطس، و الأشمّ مع فاقده، لأنّ ذلك لعلّة في الدّماغ، و الأنف صحيح، و إن كان بأنفه جذام أخذ به الأنف الصحيح ما لم يسقط منه شيء، لأنّ ذلك مرض، و لو سقط منه شيء لم يقتصّ من الصحيح إلاّ أن يكون من أحد جانبيه، فيؤخذ من الصّحيح مثل ما بقي [منه].

و الّذي يجب فيه القصاص هو المارن، - و هو ما لان منه - و القصبة أيضا.

و لو قطع الأنف كلّه مع القصبة وجب القصاص في الجميع.

و قال في المبسوط: الّذي يؤخذ قودا و يجب فيه كمال الدية، هو المارن من الأنف، و هو ما لان منه، و ينزل عن قصبة الخياشيم الّتي هي العظم، فهو من قصبة الأنف كاليدين من السّاعد، و لو قطعه مع قصبة الأنف، فهو كما لو قطع اليد مع بعض الساعد، فيتخيّر المجنيّ عليه بين العفو إلى الدّية في المارن، و الحكومة في القصبة، كما لو قطع يده من نصف الساعد، و بين أخذ القصاص في المارن، و الحكومة في القصبة.(3) و عندي فيه نظر.

ص: 514


1- . في «أ»: النائتان.
2- . في «أ»: و جانبي الدّبر.
3- . المبسوط: 95/7-96.

و لو قطع بعض الأنف نسب المقطوع إلى أصله، و أخذ من الجاني بتلك النّسبة بالأجزاء، فإن كان المقطوع نصفا أخذ نصف أنف الجاني، و إن كان ثلثا فالثّلث، و لا تعتبر المساحة لئلاّ يستوعب أنف الجاني لو كان صغير الأنف.

و يثبت القصاص في أحد المنخرين بشرط التّساوي في المحلّ بالأيمن و الأيسر، و يؤخذ الحاجز بالحاجز.

7155. الثالث عشر:

يثبت القصاص في السّن بشرط التّساوي في المحلّ ، و تؤخذ الصّحيحة بمثلها، و المكسورة بالصّحيحة، و الأقرب أنّ له أرش الباقي، فإن قلع سنّ مثغر، و هو الغلام الّذي قد سقطت سنّ اللّبن، و نبت مكانها، يقال لمن سقطت رواضعه و هي سنّ اللّبن: ثغر فهو مثغور، فإذا نبت قيل: اثّغر و اتّغر(1) لغتان، فإن قال أهل الخبرة: إنّ هذه لا تعود أبدا، فللمجنيّ عليه القصاص، و إن حكموا باليأس من عودها بعد مدّة، فإن انقضت المدّة و لم تعد ثبت القصاص أيضا، و إن عادت في تلك المدّة، لم يثبت القصاص، و يثبت الأرش.

و لو عادت بعد اليأس من عودها و الحكم من أهل الخبرة أنّها لا تعود، احتمل أن يقال: هذه العائدة هبة من اللّه تعالى مجدّدة فحينئذ إن كان المجنيّ عليه قد اقتصّ أو أخذ الدّية، استوفى حقّه، و إلاّ كان له القصاص أو الدّية، و يحتمل أن يقال: إنّ هذه العائدة هي الأولى، فإن كان المجنيّ عليه أخذ الدّية، استعيدت منه الدّية لا الأرش، و إن كان قد اقتصّ ، أخذ منه الدّية لا الأرش أيضا، لأنّا علمنا أنّه أخذ ما لا يستحقّ ، و لا يقتصّ منه، لعدم القصد إلى العدوان، و إن لم

ص: 515


1- . و أصله اثتغر، قلبت الثاء تاء ثمّ ادغمت.

يكن اقتصّ و لا أخذ الدّية ثبت له الأرش، و قيل: لا أرش له(1) و ليس بمعتمد.

و أمّا إن كان الصبيّ غير مثغر، فلا قصاص في الحال و لا دية، لإمكان العود، ينتظر سنة، فإن عادت ففيها الحكومة، و إلاّ كان فيها القصاص.

و لو عادت ناقصة أو متغيرة، فعليه أرش الساقطة و أرش نقصان العائدة، و قيل: في سنّ الصبيّ مطلقا بعير.(2)

و لو مات الصبيّ قبل اليأس من عودها، فللوارث الأرش، و لو اقتصّ البالغ بالسّنّ ، ثمّ عادت سنّ الجاني، فإن قلنا إنّها هبة، فلا شيء عليه، و إن قلنا إنّها الأولى، قال الشيخ رحمه اللّه: الّذي يقتضيه مذهبنا أنّ للمجنيّ عليه قلعها أبدا(3).

و لو عادت سنّ المجنيّ عليه بعد الاستيفاء للقصاص فعاد الجاني قلعها، فإن قلنا هي هبة، وجب على الجاني الدّية، لفوات محلّ القصاص منه، و إن قلنا هي الأولى ظهر عدم استحقاق القصاص أوّلا، فيثبت للجاني الدّية، و يثبت للمجنيّ عليه دية أيضا، فيتقاصّان.

و لو أخذ الجاني سنّه المقلوعة قصاصا فأنبتها،(4) فنبت عليها اللّحم، لم يجب قلعها، لأنّها ليست نجسة، بخلاف الأذن.

و لا تؤخذ سنّ بضرسين و لا بالعكس، و لا ثنية عليا بسفلى، و لا ثنيّة بضاحك، لعدم التساوي في المحلّ ، و لا أصليّة بزائدة و لا بالعكس و إن اتّحد المحلّ ، و لا زائدة بزائدة مع تغاير المحلّ .

ص: 516


1- . لاحظ الأقوال حول المسألة في المختلف: 387/9-390.
2- . قال الشيخ في المبسوط: 138/7: الّذي رواه أصحابنا في كلّ سنّ بعير، و لم يفصّلوا.
3- . المبسوط: 99/7.
4- . في «أ»: فأثبتها.

و إذا عادت سنّ من لم يثغر قصيرة، ضمن النّاقص بالحساب، ففي ثلثها ثلث الدّية، و في ربعها الرّبع.

و يجري القصاص في بعض السّن، فلو كسر سنّ مثغر، برد من سنّه(1)بقدر ما ذهب، و يؤخذ ذلك بالنسبة بالأجزاء لا بالمساحة، فإن كان الذّاهب نصفا أخذ منه نصف سنّة و على هذا الحساب، و لا يقتصّ بالكسر لئلا تنصدع(2) أو تنكسر من غير موضع القصاص.

و لا يقتصّ إلاّ أن يحكم أهل الخبرة بالأمن من انقلاعها.(3)

7156. الرابع عشر:

يثبت القصاص في اليدين و في كلّ واحدة منهما إجماعا، بشرط التّساوي في المحل، فلا تقطع يمين بيسار و لا بالعكس، إلاّ مع العدم، على ما قلناه أوّلا.

فإن قطع الأصابع من مفاصلها، ثبت القصاص فيها أجمع، و إن قطعها من نصف الكفّ ، فله قطع الأصابع، و حكومة في نصف الكفّ ، لأنّه ليس بمفصل محسوس، فلا يؤمن الحيف من القصاص فيه.

و إن قطع من الكوع فله قطع اليد من الكوع، لأنّه مفصل محسوس، و ليس له قطع الأصابع و المطالبة بالحكومة في الباقي، و له قطع الأصابع من غير شيء

و لو قطع من نصف الذّراع، فليس له القصاص من ذلك الموضع، لأنّ العروق و الأعصاب مختلفة الوضع فيه، و له القطع من الكوع، و المطالبة بالحكومة في نصف الذّراع، و هل له أن يقطع الأصابع خاصّة و يطالب بالحكومة

ص: 517


1- . أي أخذ من سنّة بالمبرد.
2- . في «أ»: يتصدّع.
3- . في «ب» من قلاعها.

في الكفّ؟ الأقرب أنّه ليس له ذلك، لإمكان أخذه قصاصا فليس له الأرش.

و إن قطع من المرفق فله القصاص و ليس له القطع من الكوع و المطالبة بالحكومة في السّاعد.

و لو قطع من العضد فلا قصاص منه و له القصاص من المرفق و له حكومة الزائد.

و إن قطع من المنكب فله القصاص منه.

و لو خلع عظم المنكب و يقال له مشط الكتف فإن حكم ثقتان من أهل الخبرة بإمكان الاستيفاء من غير أن يصير جائفة استوفى و إلاّ فالدّية و له الاستيفاء من المنكب و المطالبة بالأرش.

و حكم الرّجل و السّاق كاليد و الذرع و الفخذ كالعضد و الورك كعظم الكتف، و القدم كالكفّ .

و لو قطع الأقطع يد من له يدان، فله القصاص.

و لو قطع يده من له يدان، قطعت له يد واحدة و لا ردّ بخلاف عين الأعور، و كذا الأذنان و الرّجلان.

و لو قطع ذو اليد الناقصة إصبعا يدا كاملة فللمجنيّ عليه قطع النّاقصة و أخذ دية الإصبع الناقصة، اختاره في الخلاف(1) و منعه في المبسوط(2) إلاّ أن يكون أخذ ديتها.

ص: 518


1- . الخلاف: 193/5، المسألة 60 من كتاب الجنايات.
2- . المبسوط: 85/7. و فيه «كذلك يقول...» و هو مصحف، و الصّحيح «كذلك نقول» كما أشرنا سابقا.

و لو انعكس الحال، قطع من الجاني الأصابع الأربع و أخذ حكومة الكفّ .

و لا تؤخذ الكاملة بالناقصة، و لو قطع اصبع رجل، فسرت إلى كفّه ثمّ اندملت ثبت القصاص فيها و الأقرب أنّه ليس له القصاص في الاصبع و أخذ دية الباقي.

7157. الخامس عشر:

لو قطع ذو الإصبع الزائدة كفّا زائدة(1) إصبعا مساوية لها، ثبت القصاص للتّساوي و لو اختصّت الزائدة بالجاني و كانت خارجة عن الكفّ يمكن القصاص في اليد مع بقائها، اقتصّ منه، و إن كانت في سمت الأصابع منفصلة، ثبت القصاص في الخمس، و أخذ الحكومة في الكفّ و إن كانت متّصلة ببعض الأصابع، ثبت القصاص في أربع غير الملتصقة، و أخذ دية الخامسة و الحكومة في الكفّ و لو كانت الزائدة للمجنيّ عليه، فله القصاص في اليد و دية الزائدة، و هي ثلث دية الأصليّة.

و لو كان في أصابع المجنيّ عليه إصبع شلاّء لم يجز أخذ الصّحيحة بها فيقتصّ في الأربع و يؤخذ ثلث دية الإصبع عن الشّلاّء و الحكومة في الكفّ .

و لو كانت إحدى الخمس من المجنيّ عليه زائدة و خمس الجاني أصلية ثبت القصاص في الأربع و له أرش الزائدة و الحكومة في الكفّ ، و لو كان بالعكس ثبت القصاص لأنّ النّاقص يؤخذ بالكامل، هذا إن كان المحلّ واحدا.

و لو كان في أنامل الجاني أنملة ذات طرفين لم يقطع بالواحدة بل أخذ دية الأصليّة و لو انعكس الحال اقتصّ منه و أخذ منه دية الزّائدة، و هي ثلث دية الأنملة الأصليّة، و لو تساويا ثبت القصاص.

ص: 519


1- . في «ب»: كفّا زائدا.

7158. السادس عشر:

يثبت القصاص في الأصابع مع التّساوي في المحلّ ، فالإبهام من اليمنى بمثلها و السّبابة منها بمثلها و هكذا و لا تقطع الأصليّة بالزائدة و لا بالعكس مع تغاير المحل و إن اتّحد المحلّ قطعت و كذا لا تقطع الزائدة بالزائدة إلاّ مع تساوي المحلّين.

و كلّ عضو يؤخذ قودا مع وجوده تؤخذ الدّية مع فقده فلو قطع إصبعين و له واحدة أو قطع كفّا تامّا و ليس للقاطع أصابع، قطع الموجود له، و أخذ منه دية الفائت.

و لو قطع من واحد الأنملة العليا و من آخر الوسطى، فإن سبق صاحب العليا، اختصّ له، و كان للآخر الوسطى، و إن سبق صاحب الوسطى الاخر، فإن اقتصّ صاحب العليا، اقتصّ له، و إن كان عفا، كان لصاحب الوسطى القصاص بعد ردّ دية العليا.

و لو سبق صاحب الوسطى فقطع، استوفى حقّه و زيادة، فعليه دية العليا، و لصاحب العليا على الجاني دية العليا.

و لو كان القطع لصاحب الوسطى أوّلا أخّر حتّى يستوفي صاحب العليا كما لو سبق بالجناية على صاحب العليا، توصّلا إلى استيفاء الحقّين.

و لو قطع إصبع رجل و يد آخر، اقتصّ للأوّل ثمّ للثّاني، و رجع بدية إصبع، و لو قطع اليد أوّلا، اقتصّ لصاحبها، و أخذ صاحب الإصبع الدية.

و لو قطع ذو يد لها أظفار يد من لا أظفار له لم يكن له القصاص لأنّ الكاملة لا تؤخذ بالنّاقصة، و ثبت له الدّية، و لو كانت المقطوعة ذات أظفار إلاّ أنّها خضراء أخذ بها السليمة لأنّها مرض و المرض لا يمنع القصاص.

و لو قيل: يثبت القصاص في الأوّل أيضا و في اليد الكاملة للنّاقصة

ص: 520

إصبعا بعد ردّ دية التّفاوت كان وجها، كما قلنا في الأنملة الوسطى لصاحبها أخذها مع العليا بعد ردّ دية العليا.

و لو كانت خامسة المجنيّ عليه زائدة و خامسة الجاني أصليّة، فقد قلنا انّه لا يقتصّ من الخامسة، بل يقتص من الأربع و يأخذ حكومة في الكفّ ، و دية الزائدة، و هي ثلث دية الاصلية.

و لو أمكن قطع ما تحت الأصابع الأربع من الكفّ على محاذاتها اقتصّ منه و كان له ثلث دية الأصليّة عن الزائدة و حكومة فيما تحتها من الكف خاصّة.

7159. السابع عشر:

تؤخذ النّاقصة بالنّاقصة إذا تساوى محلّ النّقص لامع الاختلاف فلو كان المقطوع من إحداهما الإبهام و من الأخرى السبّابة، فلا قصاص في المختلف، و يأخذ صاحبه الدّية، و القصاص في الثلث الباقية، و تؤخذ النّاقصة بالكاملة مع ردّ دية الفائت من النّاقصة على الأقوى.

و إذا قطع أنملتي شخصين قدّم الأوّل في الاستيفاء، فإن بادر الثّاني و استوفى، أساء و لا شيء عليه و للأوّل دية أنملته، و لو قطع العليا و لا عليا له، فقطع المجنيّ عليه الوسطى، لم يقع قصاصا، و ثبت لكلّ منهما الدّية على الاخر، و للجاني القصاص من وسطى المجنيّ عليه إن لم يرض بالدّية.

7160. الثامن عشر:

ما لا يجوز أخذه قصاصا، لا يحلّ لو تراضيا عليه،(1) فلو تراضيا على قطع إحدى اليدين بصاحبتها(2)، فقطعها المقتصّ ،(3) احتمل سقوط القود في الأولى بإسقاط صاحبها، و في الثّانية بإذن صاحبها في قطعها

ص: 521


1- . لأنّ الدّماء لا تستباح بالرضا و البذل.
2- . أي بدلا عن الأخرى.
3- . أي الشخص الاخر.

و دياتهما(1) متساوية و يحتمل وجوب القصاص للأوّل لأنّ حقّه لم يسقط بأخذ عوضه، إذ لا يصلح عوضا(2) فيبقى حقّه في القصاص، و للثّاني الدية و لا قصاص له.

و لو قال المقتصّ للجاني: اخرج يمينك لأقطعها، فأخرج يساره فقطعها من غير علم، قال في المبسوط: يقتضي المذهب سقوط القود(3) فيه نظر لأنّ الواجب قطع اليمنى، فيكون القصاص في اليمنى باقيا بعد الاندمال، توقّيا من السّراية بتوارد القطعين.

و أمّا الجاني فإن كان قد سمع الأمر بإخراج اليمنى و أخرج اليسرى مع علمه بعدم الإجزاء، و قصد إلى اخراجها، فلا دية له.

و لو قطعها مقتصّ مع العلم قال في المبسوط سقط القود إلى الدية لأنّه بذلها للقطع فكان شبهة في سقوط القود(4) و يحتمل ثبوته لعدم الجواز مع الإذن.

و كلّ موضع تلزمه دية اليسرى يضمن سرايتها، و ما لا فلا.

و لو اختلفا فقال: بذلتها مع العلم لا بدلا، فأنكر الباذل فالقول قول الباذل، لأنّه أعرف بنيّته.

و لو كان المقتصّ مجنونا، فبذل له الجاني غير العضو فقطعه، ذهب هدرا،

ص: 522


1- . في «أ»: و ديتهما.
2- . في «أ»: إذ لا يصح عوضا.
3- . المبسوط: 101/7.
4- . المبسوط: 102/7.

لانتفاء ولاية الاستيفاء عن المجنون، و يكون قصاص المجنون باقيا، و تثبت له الدّية لانتفاء المحلّ لأنّ الباذل أبطل حقّ نفسه.

و لو بادر المجنون إلى القصاص من غير بذل، قيل: وقع الاستيفاء موقعه، و قيل: لا، لانتفاء الأهلية عن المجنون،(1) فيكون قصاص المجنون باقيا، و قد فات محلّه، فله الدية، و على عاقلته الدّية فيما استوفاه و هو جيّد.

7161. التاسع عشر:

لو قطع إصبعا، فأصاب اليد أكلة(2) من الجرح و سقطت من المفصل، ثبت القصاص في الكفّ فإن بادر صاحبها فقطعها من الكوع، لئلاّ تسري إلى [سائر] بدنه ثمّ اندمل، فعلى الجاني القصاص في الإصبع و الحكومة فيما تأكل من الكفّ و لا شيء عليه فيما قطعه المجنيّ عليه و لو لم يندمل، و مات من ذلك، فالجاني شريك نفسه، يجب عليه القصاص في النّفس بعد ردّ نصف الدّية عليه.

و لو قطع المجني عليه موضع الأكلة خاصّة بأنّ قطع اللحم الميّت لا غير، ثمّ سرت الجناية، فالقصاص على الجاني، لأنّه سراية جرحه، و إن أخذ من اللّحم الحيّ ، فمات، فالجاني شريك.

7162. العشرون:

ثبت القصاص في اللّسان إجماعا، بشرط التّساوي في الصّحة، فلا يقطع الصّحيح بالأخرس، و يؤخذ الأخرس بالصحيح، و يؤخذ بعض الصحيح ببعض، و يعتبر التقدير بالأجزاء لا بالمساحة، و يؤخذ بالنسبة.

ص: 523


1- . و القولان حكاهما الشيخ عن بعض العامّة و اختار منها الثاني لاحظ المبسوط: 105/7، و المغني لابن قدامة: 442/9.
2- . في المصباح المنير: 24/1: أكلت الأسنان أكلا - من باب تعب -: تحاتت و تساقطت و أكلتها الأكلة.

و تؤخذ الشّفة بالشّفة مع التساوي في المحلّ .

7163. الحادي و العشرون:

لو قطع يدي رجل و رجليه خطأ، فإن سرت إلى نفسه، فدية كاملة لا أزيد، و إن اندملت ثبتت ديتان.

و لو مات و اختلف الوليّ و الجاني، فادّعى الولي موته بعد الاندمال، و ادّعى الجاني موته بالسّراية، فإن كان الزّمان قصيرا لا يحتمل الاندمال فيه، فالقول قول الجاني، و إن أمكن الاندمال، فالقول قول الوليّ ، لتساوي الاحتمالين، و الأصل وجوب الدّيتين.

فإن اختلفا في المدّة، فالقول قول الجاني و لو قطع يد واحد(1) فمات المقطوع، فادّعى الولي موته بالسراية، و ادّعى الجاني الاندمال فإن مضت مدّة يمكن الاندمال، فالقول قول الجاني و إلاّ فالقول قول الوليّ و لو اختلفا في المدّة، فالقول قول الوليّ على اشكال.

و لو ادّعى الجاني أنّه شرب سمّا فمات، و ادّعى الوليّ موته بالسّراية، تساوى الاحتمالان، فيرجّح قول الجاني، لأنّ الأصل عدم الضمان، و كذا لو قدّ الملفوف في الكساء بنصفين، و ادّعى الوليّ حياته و الجاني موته، و الأصل عدم الضمان من جانبه و استمرار الحياة من جانب الملفوف، فيرجّح قول الجاني و فيه نظر.

و لو ادّعى نقصان يد المجنيّ عليه بإصبع، احتمل تقديم قوله، عملا بأصالة عدم القصاص، و قول المجنيّ عليه إذ الأصل السّلامة، هذا إن ادّعى نفي

ص: 524


1- . في «ب»: يدا واحدة.

السّلامة أصلا، أمّا لو ادّعى زوالها طارئا: فالأقرب أنّ القول قول المجني عليه.

7164. الثاني و العشرون:

لو كان على يد الجاني ستّ أصابع متساوية، ليس فيها زائدة، فللمجنيّ عليه أخذ خمس أصابع، و يطلب سدس دية اليد، و يحطّ شيء بالاجتهاد،(1) لأنّ كلّ سدس استوفاه كان في صورة خمس، و إن كان فيها زائدة بالفطرة و التبس على أهل الصّنعة(2) فلا قصاص، لئلاّ تؤخذ الزائدة بأصلية، فإن بادر و أخذ خمسا، فهو تمام حقّه، و لا أرش له بعده و إن احتمل أن تكون الزائدة هي المستوفاة.

و لو كان الإصبع أربع أنامل، فقطع صاحبها أنملة من معتدل، أخذ منه واحدة و طولب بما بين الرّبع و الثّلث، و إن قطع اثنتين قطعنا اثنتين و طالبناه بما بين النّصف و الثلثين، و إن قطع ثلاثة، قطعنا ثلاثة و طولب بما بين الكلّ و ثلاثة أرباع.

ص: 525


1- . اجتهاد الحاكم.
2- . أي البصيرة.

ص: 526

المقصد الثالث: في الخطأ و شبيه العمد

اشارة

و يثبت بهما الدية لا القصاص، و النّظر فيه يتعلّق بفصول:

الفصل الأوّل: في الموجب و فيه ثمانية عشر بحثا:

7165. الأوّل:

الضّمان يجب بالإتلاف إمّا مباشرة أو تسبيبا، و ضابط المباشرة، الإتلاف من غير قصد كمن رمى غرضا فأصاب إنسانا، أو ضرب للتّأديب فيتّفق الموت.

و أمّا السّبب فهو ما يحصل التّلف عنده لا به كحفر البئر و نصب السّكين، و إلقاء الحجر، و سيأتي تفصيل ذلك، ان شاء اللّه تعالى.

7166. الثاني:

الطّبيب يضمن ما يتلف بعلاجه إن كان قاصرا، أو عالج طفلا أو مجنونا بغير إذن الوليّ أو بالغا عاقلا لم يأذن.

ص: 527

و لو كان الطّبيب عارفا، و عالج بالغا رشيدا بالإذن فآل إلى التلف، قيل: لا ضمان، للحاجة و تسويغه شرعا خصوصا مع الإذن،(1) و قيل: يضمن لحصول التلف بفعله(2)، و هو الأقوى، و حينئذ يضمن في ماله.

و لو أبرأه المريض قبل العلاج قيل: يصحّ (3) لرواية السكوني عن الصادق عليه السّلام قال أمير المؤمنين عليه السّلام من تطبّب أو تبيطر فليأخذ البراءة من وليّه و إلاّ فهو له ضامن(4) و لأنّه ممّا تمسّ الحاجة إليه فلو لا تسويغه لحصل الضرر.

و قيل: لا يصحّ لأنّه إبراء مما لم يثبت(5) و روى السكوني عن الصّادق عليه السّلام:

أنّ عليّا عليه السّلام ضمّن ختّانا قطع حشفة غلام(6) و هذه الرّواية مناسبة للمذهب و لا فرق بين أن يأخذ البراءة من وليّه أو لا لأنّه قطع غير المأمور.

7167. الثالث:

النّائم إذا انقلب على غيره فأتلفه قيل(7): يضمن في ماله و قيل: الضّمان على العاقلة(8) و هو أقوى، و اضطرب ابن إدريس هنا.

ص: 528


1- . القائل هو الحلّي في السرائر: 373/3.
2- . ذهب إليه الشيخ في النهاية: 734، و المفيد في المقنعة: 734، و ابن زهرة في الغنية: قسم الفروع: 402 و الكيدري في إصباح الشيعة: 491، و القاضي في المهذّب: 499/2، و ابن حمزة في الوسيلة: 403، و سلاّر في المراسم: 235.
3- . القائل هو الشيخ في النهاية: 762، و أبو الصلاح في الكافي في الفقه: 402.
4- . الوسائل: 194/19، الباب 24 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 1.
5- . لاحظ السرائر: 373/3، قال في الجواهر: 47/43: لم يتحقّق القائل قبل المصنف، و إن حكي عن ابن إدريس.
6- . الوسائل: 195/19، الباب 24 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 2.
7- . القائل الشيخ في النهاية: 758.
8- . اختاره المحقق في الشرائع: 249/4، كما في متن المسالك و الجواهر و لكن في المطبوع من الشرائع «و الأوّل أشبه» و الظاهر انّه تصحيف.

و لو انقلبت الظئر على الطفل فقتلته فإن كانت طلبت بالمظائرة الفخر لزمتها الدّية في مالها، و إن كانت طلبت ذلك للحاجة و الضّرورة، فالدّية على العاقلة.

و عندي في هذا التفصيل نظر لأنّ فعل النائم إن كان خطأ، فالدّية على العاقلة على التّقديرين و إن كان شبيه العمد، فالدّية في ماله على التقديرين، فالتفصيل لا وجه له.

7168. الرابع:

إذا أعنف بزوجته جماعا، في قبل أو دبر، أو ضمّا، فماتت، ضمن الدّية، و كذا المرأة لو فعلت بالزّوج ذلك ضمنت و قال الشيخ رضي اللّه عنه: إن كانا مأمونين، لم يكن عليهما شيء(1) و في الرواية(2) ضعف.

7169. الخامس:

إذا حمل على رأسه متاعا فكسره، أو أصاب به إنسانا، فجنى في نفس، أو طرف، أو جرح، ضمن المتاع، و ما جناه في ماله.

7170. السّادس:

لو صاح بصبيّ أو مجنون، أو بالغ كامل مريض، أو اغتفل الرّشيد البالغ، أو فاجأه بالصّيحة، ضمن، و لو صاح بالبالغ العاقل من غير اغتفال و لا مفاجأة فمات، فلا ضمان إلاّ أن ينسب الموت إلى الصّيحة فيضمن، و كذا لو ذهب عقل البالغ أو الصبيّ بالصّيحة.

قال الشيخ رضي اللّه عنه: و يضمن ذلك العاقلة(3) و فيه نظر، من حيث إنّ الصّائح

ص: 529


1- . النهاية: 758.
2- . الوسائل: 202/19، الباب 31 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 4.
3- . المبسوط: 158/7.

قصد الإخافة، فهو عمد الخطأ و كذا لو شهر سيفا في وجه إنسان: أو دلاه من شاهق، فمات خوفا، أو ذهب عقله، ضمن.

أمّا لو طلب إنسانا بسيف مشهور، ففرّ فألقى نفسه في بئر أو نار، أو ماء، أو إلى مسبعة، فافترسه الأسد، أو انخسف السّطح الّذي ألقى نفسه عليه و نحوه، فمات، قال الشيخ رضي اللّه عنه: لا ضمان لأنّه ألجأه إلى الهرب لا إلى الوقوع. فهو المباشر لإهلاك نفسه فيقوى أثره على السّبب، و كذا لو صادفه في هربه سبع فأكله(1)و لو قيل: بالضّمان كان وجها.

و لو كان المطلوب أعمى ضمن الطّالب ديته لأنّه سبب ملجئ و كذا يضمن لو كان مبصرا فهرب فوقع في بئر مغطّاة، أو اضطرّه إلى مضيق فافترسه الأسد، لأنّه يفترس في المضيق غالبا.

7171. السابع:

إذا صدم إنسانا فمات المصدوم فديته على الصّادم في ماله، فإن قصد به الإتلاف وجب القصاص.

و لو مات الصّادم ذهب هدرا، سواء قصد إتلاف المصدوم أولا، هذا إذا كان المصدوم في ملكه، أو [في] موضع مباح، أو في طريق واسع، و لو كان في طريق ضيق، و كان المصدوم واقفا، قيل(2): يضمن المصدوم دية الصّادم إذا لم يقصد الصّدم، لأنّه فرّط بوقوفه في موضع، ليس له الوقوف فيه كما إذا جلس في الطريق الضيّق، و عثر به إنسان.

و لو قصد الصّدم ذهب دمه هدرا على كلّ تقدير، و ضمن دية المصدوم.

7172. الثامن:

إذا اصطدم حرّان فماتا، فكلّ واحد شريك في قتل نفسه و قتل

ص: 530


1- . المبسوط: 159/7.
2- . القائل هو الشيخ في المبسوط: 167/7.

صاحبه، ففي تركة كلّ واحد منهما كفّارتان، و على عاقلة كلّ واحد نصف دية صاحبه إن كان خطأ محضا، و إلاّ وجب نصف الدّية في التركة لاكمال الدية، و يسقط النّصف الاخر عنه(1) و لو كانا راكبين و تلفت الدّابّتان، و معهما زاد، في تركة كلّ واحد منهما ضمان نصف دابّة الاخر و يقع التّقاص في الدّية و القيمة.

و لو كان أحدهما فارسا و الاخر راجلا، ضمن الرّاجل نصف دية الفارس و نصف قيمة الفرس، و ضمن الفارس نصف دية الرّاجل، و لا فرق بين أن يكونا مقبلين أو مدبرين، أو أحدهما مقبلا و الاخر مدبرا.

و لو كان أحدهما يسير بين يدي الاخر، فأدركه الثاني فصدمه فمات الثّاني، فالأوّل ضامن، لأنّه الصّادم، و الاخر مصدوم.

7173. التّاسع:

لو اصطدم الصّبيان، و الرّكوب منهما، فنصف دية كلّ واحد منهما على عاقلة الاخر.

و لو أركبهما وليّهما فكذلك، و لو أركبهما أجنبيّ فضمان كلّ واحد منهما عليه بتمام الدّية لكلّ منهما.

و لو كانا عبدين سقطت جنايتهما، لأنّ نصيب كلّ واحد منهما هدر و ما على صاحبه فات بموته(2) و لا يضمنه المولى، و إن مات أحدهما تعلّقت قيمته برقبة الحيّ ، فإن هلك قبل استيفاء القيمة سقطت، لفوات المحلّ .

و لو كان أحدهما حرّا و الاخر عبدا فماتا، تعلّق نصف دية الحرّ برقبة

ص: 531


1- . في «ب»: و يسقط النصف الاخر الصّادر عنه.
2- . في «ب»: فمات بموته.

العبد، ثمّ انتقلت إلى قيمته، و تعلّق نصف قيمة العبد بتركة الحرّ، فيتقاصّان.

و لو مات العبد وحده، تعلّقت قيمته بالحرّ، و إن مات الحرّ تعلّقت برقبة العبد ديته.

فإن قتله أجنبيّ ، فعليه قيمته، و يحوّل ما كان متعلّقا(1) برقبته إلى قيمته.

و لو مات أحد الحرّين بالتصادم، ضمن الباقي نصف دية التالف و في رواية عن الكاظم عليه السّلام يضمن الباقي دية الميّت.(2) و هي شاذّة.

و لو تصادم حاملان(3) ففي تركة كلّ واحدة نصف دية الأخرى و نصف [دية] حملها، و نصف [دية] حمل نفسها.

و لو غلبت الدّابّتان الرّاكبين، احتمل إهدار الجناية، إحالة على الدّوابّ ، و اعتبارها، إحالة على الرّكوب.

7174. العاشر:

لو اصطدمت سفينتان، فإن كان بتفريط القيّمين، بأن كانا قادرين على الضّبط أو الردّ عن الأخرى أو العدول بها، فلم يفعل، أو لم يكمل آلاتها من الرّحال و الحبال، فإن كانا مالكين، ضمن كلّ واحد لصاحبه نصف ما تلف، و كذا الحمّالان لو اصطدما فأتلفا، أو أتلف أحدهما، و لو كانا غير مالكين، ضمن كلّ واحد نصف السّفينتين و ما فيهما في مالهما، سواء كان التّالف مالا أو نفسا.

ص: 532


1- . في «ب»: و يحول ملكا متعلّقا.
2- . الوسائل: 195:19، الباب 25 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 1.
3- . في النسختين: «حاملتان» قال المصنّف في القواعد: 662/3: و لو تصادم حاملان فعلى كل واحدة نصف دية الأخرى، و نصف دية جنينها، و نصف دية جنين الأخرى.

و لو لم يفرّطا، بأن غلبتهما الرّياح القويّة، فلا ضمان.

و يقبل قول الملاّح في عدم التّفريط مع اليمين.

و لو فرّط أحدهما خاصّة، ضمن ما تلف بفعله في سفينة الاخر، و كذا البحث في المتصادمين.

و لو كانت إحدى السفينتين واقفة و الأخرى سائرة، و وقعت(1) السّائرة على الواقفة بتفريط القيّم، لم يكن على صاحب الواقفة ضمان ما تلف في السائرة، و على قيّم السائرة ضمان ما تلف في الواقفة، و ان لم يفرّط فلا ضمان.

7175. الحادي عشر:

لو خرق سفينة فغرقت بما فيها، و كان عمدا و هو ممّا يغرقها غالبا و يغرق من فيها، لكونهم في اللّجة، أو لعدم معرفتهم بالسّباحة، فعليه القصاص و ضمان السفينة و الأموال، و إن كان خطأ، فعليه ضمان الأموال و السّفينة و العبيد في ماله، و أمّا الأحرار فعلى عاقلته.

و لو كان عمد الخطأ، بأن أراد إصلاح موضع فقلع لوحا له، أو أراد إصلاح مسمار فنقب موضعا، و كانت السّفينة سائرة، فهو ضامن في ماله ما(2) يتلف من مال و نفس.

و لو خيف على السفينة الغرق، فألقى بعض الرّكبان متاعه، لتخفّ و تسلم من الغرق لم يضمنه أحد.

و لو ألقى متاع غيره بغير إذنه ضمنه وحده.

ص: 533


1- . في «ب»: فوقعت.
2- . كذا في النسختين و لعلّ الأولى «لما».

فإن قال لغيره: ألق متاعك فقبل منه لم يضمنه لأنّه لم يلتزم ضمانه.

و لو قال: ألقه و أنا ضامن له، أو: و عليّ قيمته، لزمه ضمانه له. و لو قال:

ألقه و عليّ و على ركبان السّفينة ضمانه فألقاه، فإن قصد أنّ علي ضمان الجميع و كذا على الرّكبان ضمن الجميع، و إن قصد التّشريك، لزمه ما يخصّه، و لا يلزم غيره من الرّكبان شيء.

و إن قال: ألقه على أن أضمنه لك أنا و ركبان السّفينة، فقد أذنوا لي في ذلك، فألقاه، ثم أنكروا الإذن، ضمن الجميع.

و لو قال: ألق متاعي و تضمنه لي، فقال: نعم و ألقاه، ضمنه.

و إن قال الخائف على نفسه أو غيره: الق متاعك و عليّ ضمانه لزمه و إن كان ملقي المتاع أيضا محتاجا، و يحتمل سقوط قدر حصة المالك، و لو كانوا عشرة سقط العشر، و فيه ضعف.

و لو كان المحتاج هو المالك فقط، و ألقى(1) بضمان غيره، فعلى الأوّل جاز له الأخذ دون الثاني.

و لو لم يكن خوف فقال: ألق متاعك و عليّ ضمانه فالأقرب عدم الضّمان، و كذا [لو قال]: مزّق ثوبك و عليّ ضمانه، أو اجرح نفسك لأنّه ضمان ما لم يجب من غير ضرورة.

7176. الثاني عشر:

إذ مرّ بين الرّماة، فأصابه سهم فالدّية على عاقلة الرّامي، و لو ثبت أنّه قال: حذار، فلا ضمان مع السّماع، لما روي:

ص: 534


1- . في «ب»: فألقى.

«أنّ صبيّا دقّ بخطره(1) رباعيّة صاحبه فرفع (ذلك)(2) إلى أمير المؤمنين عليه السّلام فأقام (الرّامي)(3) البيّنة بأنّه قال: حذار، فدرأ عنه القصاص، و قال: قد أعذر من حذر».(2)

و لو قدّم إنسانا إلى هدف يرميه النّاس، فأصابه سهم من غير تعمّد، فالضمان على من قدّمه لا على الرّامي، لأنّ الرّامي كالحافر و المقرّب كالدّافع.

و لو عمد الرّامي فالضّمان عليه، و إن لم يقدّمه أحد فالضمان على الرّامي إن كان عمدا، و إلاّ فعلى عاقلته.

7177. الثالث عشر:

إذا وقع من علوّ على غيره عمدا فقتله، فهو عمد إن كان ممّا يقتل غالبا، و إن كان ممّا لا يقتل غالبا، فهو شبيه العمد و إن وقع مضطرّا إلى الوقوع، أو قصد الوقوع لغير ذلك، فهو خطأ، و الدّية على العاقلة.

و لو أوقعه الهواء أو زلق فلا ضمان، و تؤخذ الدّية من بيت المال، و الواقع هدر على التقديرات.

و لو دفعه دافع، فدية المدفوع على الدّافع، و كذا دية الأسفل.

و في النّهاية: دية الأسفل على الواقع و يرجع بها على الدّافع.(3) لرواية عبد اللّه بن سنان الصحيحة عن الصادق عليه السّلام(4).

ص: 535


1- . و هو السّبق الّذي يتراهن عليه، الصحاح: 648/2 (خطر). ( (2 و 3) . ما بين القوسين يوجد في المصدر.
2- . الوسائل: 50/19، الباب 26 من أبواب القصاص في النّفس، الحديث 1.
3- . النهاية: 758.
4- . الوسائل: 177/19، الباب من أبواب موجبات الضمان، الحديث 2.
7178. الرابع عشر:

المزحفان العاديان يضمن كلّ منهما ما يجنيه على الاخر و لو كفّ أحدهما فصال الاخر فقصد الكافّ الدّفع لم يكن عليه ضمان إذا اقتصر على ما يحصل به الدّفع و يضمن الاخر.

و لو تجارح اثنان و ادّعى كلّ منهما قصد الدّفع عن نفسه، حلف المنكر و ضمن الجارح.

و لو أمره نائب الإمام بالصعود إلى نخلة أو النّزول في بئر فمات، فإن أكرهه ضمن الدّية، و إن كان لمصلحة المسلمين، فالدية في بيت المال، و لو لم يكرهه فلا دية أصلا.

و لو أدّب زوجته بالمشروع فماتت، قال الشيخ رضي اللّه عنه: يضمن الدّية.(1)

لأنّه مشروط بالسّلامة. و فيه نظر، لأنّه من جملة التعزيرات السائغة، فلا ضمان بسببه.

و لو أدّب الصّبيّ أبوه أو جدّه لأبيه فمات، فعليه الدّية في ماله.

و لو أمر ذو السّلعة(2) الطّبيب بقطعها فمات، فلا دية له على القاطع، و لو كان مولّى عليه، فالدّية على القاطع إن كان أبا أو جدّا للأب، و إن كان أجنبيّا، فالأقرب الدّية في ماله لا القود، لأنّه لم يقصد القتل.

7179. الخامس عشر:

من دعا غيره ليلا فأخرجه من منزله فهو له ضامن حتّى يرجع إليه، بذلك حكم الباقر عليه السّلام في زمن المنصور، و نقله عن رسول

ص: 536


1- . المبسوط: 66/8، كتاب الأشربة المسكرة.
2- . السّلعة - بكسر السين - زيادة في الجسد كالغدّة و تتحرّك إذا حركت. مجمع البحرين.

اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم(1) فإن فقد ضمن الدّية، و لو وجد مقتولا فادّعى قتله على غيره، و أقام بيّنة، برئ و ألزم القاتل، و إن فقد البيّنة، فالوجه سقوط القود، و تجب الدّية في ماله، و إن وجد ميّتا ففي لزوم الدّية نظر و الأقرب عدمه.

و قال ابن إدريس: إن لم يكن بينهم عداوة فلا دية و ان كان بينهم عداوة، كان لأوليائه القسامة على أيّ أنواع القتل، به أرادوا(2) فإن حلفوا على العمد كان لهم القود، لأنّ العداوة و الإخراج لوث.

7180. السادس عشر:

إذا دفع الولد إلى ظئر، ثمّ أعادته إليه، فأنكره أهله، فالقول قول الظئر ما لم يعلم كذبها، لأنها مأمونة فإن ثبت كذبها لزمتها الدّية، أو إحضار الولد بعينه، أو من يحتمل أنّه هو.

و لو استأجرت الظئر أخرى و دفعته إليها من غير إذن أهله فجهل خبره ضمنت الدّية.

7181. السّابع عشر:

روى عبد اللّه بن طلحة عن الصادق عليه السّلام قال:

«سألته عن رجل سارق دخل على امرأة، ليسرق متاعها، فلمّا جمع الثّياب تابعته نفسه فكابرها على نفسها فواقعها، فتحرّك ابنها فقام، فقتله بفأس كان معه، فلمّا فرغ حمل الثّياب و ذهب ليخرج، حملت عليه بالفأس فقتلته، فجاء أهله يطلبون بدمه من الغد، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: اقض على هذا كما وصفت لك، فقال: يضمن مواليه الّذين طلبوا بدمه دية الغلام، و يضمن السّارق فيما ترك

ص: 537


1- . الوسائل: 36/19، الباب 18 من أبواب قصاص النفس، الحديث 1.
2- . لاحظ في توضيح العبارة السرائر: 364/3-365.

أربعة آلاف درهم لمكابرتها(1) على فرجها، إنّه زان، و هو في ماله غرامة(2)و ليس عليها في قتلها إيّاه شيء لأنّه سارق»(3).

و عبد اللّه بن طلحة فطحيّ (4) فالسّند ضعيف و تحمل هذه الرّواية على أنّ المهر أربعة آلاف درهم، و هو دليل على أنّه لا يتقدّر بخمسين دينارا في مثل هذا، بل بمهر أمثالها مهما بلغ، و إيجاب الدّية لفوات محلّ القصاص لأنّها قتلته دفعا عن المال، لا قصاصا.

و منع ابن إدريس هذه الرّواية و لم يوجب الدّية، لفوات محلّ القصاص، و أوجب مهر المثل في تركته.(5)

7182. الثامن عشر:

روى عبد اللّه بن طلحة عن أبي عبد اللّه الصّادق عليه السّلام قال:

قلت له: «رجل تزوّج امرأة فلمّا كان ليلة البناء عمدت المرأة إلى رجل صديق لها، فأدخلته الحجلة، فلمّا دخل الرجل يباضع أهله ثار الصّديق فاقتتلا في البيت، فقتل الزّوج الصّديق، و قامت المرأة فضربت الزّوج ضربة فقتلته

ص: 538


1- . في الوسائل: بمكابرتها.
2- . في الوسائل: عزيمة.
3- . التهذيب: 208/10، رقم الحديث 823. و لاحظ الوسائل: 45/19، الباب 23 من أبواب قصاص النفس، الحديث 2. ظاهر الرّواية لا يخلو من مناقشة فلاحظ الكلام حولها النهاية و نكتها: 402/3، و المسالك: 353/15.
4- . الموجود في كتب الرّجال هو عبد اللّه بن طلحة النّهدي قال النجاشي: عربيّ ، كوفيّ ، روى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام له كتاب يرويه عنه عليّ بن اسماعيل الميثمي. لاحظ الموسوعة الرّجالية: 512/1 برقم 3286. و لم نجد من وصفه بالفطحيّ غير المصنّف، مع أنّه لم يذكره في الخلاصة. و ناقش صاحب الجواهر في كون السّند ضعيفا، لاحظ جواهر الكلام: 87/43.
5- . السرائر: 362/3-363.

بالصّديق، قال: تضمن المرأة دية الصّديق و تقتل بالزّوج»(1). و في تضمين دية الصّديق نظر منعه ابن إدريس لأنّ دمه هدر(2) و يحتمل أن يكون قد أخرجته من منزله ليلا، فكانت ضامنة لديته على ما تقدّم.

الفصل الثاني: في الأسباب و فيه عشرون بحثا:

7183. الأوّل:

السّبب ما لولاه لما حصل التّلف، لكن التّلف مستند إلى غيره، كحفر البئر، و نصب السّكين، و إلقاء الحجر، فإنّ التّلف لم يحصل من هذه بل من العثار الصّادر عن المتحرّك، لكن حصل معها، و يثبت معه الضّمان في ماله.

و لا تعقل العاقلة ما يتلف بالسّبب، فيضمن واضع الحجر في ملك غيره أو في الطريق المسلوك في ماله، و كذا لو نصب سكّينا فمات العاثر بها.

أمّا لو وضع الحجر، أو نصب السّكّين في ملك نفسه أو في مكان مباح فإنّه لا يضمن.

و حفر البئر كوضع الحجر يضمن إن كان في ملك غيره، أو في طريق مسلوك، و لا يضمن لو كان في ملك نفسه أو مكان مباح.

ص: 539


1- . الوسائل: 45/19، الباب 23 من أبواب قصاص النّفس، الحديث 3.
2- . السرائر: 363/3.

و لو حفر بئرا في ملك غيره فرضي المالك، سقط الضّمان عن الحافر.

و لو حفر في الطّريق المسلوك لمصلحة المسلمين، فالأقرب سقوط الضمان، لأنّه فعل سائغ.

و لو ألقى قمامة المنزل المزلقة، كقشور البطّيخ و شبهه، أو رشّ الدّرب بالماء فهلك به إنسان أو دابّة، ضمن، و الأقرب اختصاص الضّمان في الدّابّة مطلقا، و في الآدمي الّذي لم يشاهد القمامة و الرّشّ .

7184. الثّاني:

حكم البناء في الطّريق حكم الحفر، فإذا بنى لنفسه في طريق ضيق أو ملك غيره، ضمن، و كذا في الطّريق الواسع و إن كان مسجدا، أمّا لو كان البناء فيما زاد على القدر الواجب من الطّريق و هو سبع أذرع، فلا ضمان به، و كذا لو بنى المسجد للمسلمين في طريق واسع في موضع لا يضرّ كالزّاوية، فلا ضمان، و كذا لا ضمان فيما فيه مصلحة المسلمين، كقلع حجر يضرّ بالمارّة، و وضع الحصى في حفرة ليملأها و يسهل السلوك بها، و تسقيف ساقية فيها، و وضع حجر في طين فيها، ليطأ النّاس عليه، و بناء القناطر، سواء أذن الإمام في ذلك أولا، أما لو منع الإمام منه فإنّ فاعله ضامن.

و لو سقّف مسجدا، أو فرش فيه بارية(1) أو بنى فيه حائطا أو علّق فيه قنديلا، أو جعل فيه رفّا، فتلف به شيء فلا ضمان و إن لم يأذن فيه الجيران.(2)

و لو حفر العبد بئرا في ملك إنسان بغير إذنه، أو في طريق يتضرّر به المارّة، فتلف به شيء، فالضّمان يتعلّق برقبته، يباع فيه، و لا يلزم سيّده شيء

ص: 540


1- . البارية: الحصير الخشن.
2- . ردّ على فتوى أبي حنيفة فانّه قال: «يضمن إذا لم يأذن فيه الجيران». لاحظ المغني لابن قدامة: 568/9.

و كذا لو أعتق ثمّ تلف [شيء] بعد العتق فالضّمان عليه لا على سيّده.

7185. الثالث:

إذا حفر بئرا في ملك مشترك بينه و بين غيره بغير إذن ضمن ما تلف به جميعه لأنّه متعدّ بالحفر، و يحتمل إيجاب نصيب شريكه لأنّه الّذي تعدّى فيه.

و لو حفر بئرا في ملك إنسان أو وضع فيه ما يتعلّق به الضّمان، فأبرأه المالك من ضمان ما يتلف به ففي الصّحة إشكال ينشأ من أنّ المالك لو أذن فيه ابتداء لم يضمن، و من أنّ حصول الضّمان لتعدّيه بالحفر، و الإبراء لا يزيله، لأنّ الماضي لا يمكن تغييره عن الصّفة الّتي وقع عليها، و لأنّ الضّمان ليس حقّا للمالك، فلا يصحّ الإبراء منه، و لأنّه ابراء ممّا لم يجب، فلم يصحّ كالإبراء من الشّفعة قبل البيع.

و لو استأجر أجيرا فحفر في ملك غيره بغير إذنه و علم الأجير ذلك.

فالضّمان عليه وحده، و إن لم يعلم فالضّمان على المستأجر.

و لو استأجر أجيرا ليحفر له في ملكه بئرا أو يا بني له بناء، فتلف الأجير بذلك لم يضمنه المستأجر لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم «البئر جبار، و العجماء جبار، و المعدن جبار».(1)

نعم لو كان الأجير عبدا استأجره بغير إذن سيّده، أو صبيّا بغير إذن وليّه، فإنّه يضمن لتعدّيه باستعماله و تسبّبه إلى إتلاف حقّ غيره.

و لو حفر بئرا في ملك نفسه، فوقع فيها إنسان أو دابّة فهلك به، فإن كان الدّاخل دخل بغير إذن المالك، فلا ضمان على الحافر، لعدم العدوان منه، و إن دخل بإذنه، و البئر بيّنة مكشوفة، و الدّاخل بصير يبصرها، فلا ضمان أيضا و إن غفل عن نفسه.

ص: 541


1- . الوسائل: 202/19، الباب 32 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 2.

و إن كان الدّاخل أعمى، أو كانت في موضع مظلم، أو كانت مغطّاة، فلم يعلم الدّاخل بها حتّى وقع [فيها] ضمن المالك.

و لو اختلفا فادّعى ولي الهالك الإذن و المالك عدمه، فالقول قول المالك، و لو ادّعى المالك أنّها كانت مكشوفة، و ادّعى الاخر أنّها كانت مغطّاة، فالقول قول وليّ الهالك، لأنّ الظاهر معه، فإنّ الظّاهر أنّها لو كانت مكشوفة لم يسقط [فيها] و يحتمل تقديم قول المالك لأصالة البراءة و عدم التّغطية.

7186. الرابع:

إذا بنى في ملكه حائطا أو في موضع مباح، لم يضمن ما يتلف بوقوعه، و كذا لو وقع إلى الطّريق(1) فمات إنسان بعثارة و لو بناه مائلا إلى غير ملكه أو إلى الطريق أو بناه في غير ملكه، ضمن ما يتلفه به.

و لو بناه في ملكه مستويا، فمال إلى الطريق أو إلى غير ملكه، وجبت إزالته فإن أهمل مع المكنة ضمن، و لو وقع قبل التمكّن من الإزالة لم يضمن ما يتلف به لعدم العدوان.

و لو بناه في ملكه مستويا أو مائلا إلى ملكه فسقط من غير استهدام و لا ميل، فلا ضمان، و إن مال قبل وقوعه إلى ملكه و لم يتجاوزه، فلا ضمان عليه.

و لو كان الحائط لصبيّ كان الضمان على الوليّ مع علمه بالميل إلى الطّريق أو إلى ملك الغير، و تمكّنه من الإزالة و عدمها.

و إذا مال الحائط إلى ملك غيره معيّن، فأبرأه المالك، سقط الضّمان عنه، كذا لو أبراه ساكن الدّار الّتي مال إليها.

ص: 542


1- . في «أ»: في الطّريق.

و لو مال إلى ملك مشترك، أو درب مشترك غير نافذ لم يزل الضمان عنه بإبراء واحد منهم.

و إذا باع الملك و الحائط مائل فالضّمان على المشتري ان أهمل مع المكنة، و إن وهبه و لم يقبضه لم يزل الضّمان عنه.

و لو لم يمل الحائط لكن تشقّق، فإن لم يظنّ سقوطه، لكون الشّقوق بالطّول لم يجب نقضه، و كان حكمه حكم الصحيح، و إن خيف سقوطه، بأن تكون الشّقوق بالعرض، وجب الضمان كالمائل.

7187. الخامس:

يجوز نصب الميازيب إلى الطّرق، و هل يضمن لو وقعت فأتلفت ؟ قال المفيد رضي اللّه عنه: لا ضمان(1) و قال الشيخ رضي اللّه عنه: نعم يضمن، لأنّ نصبها مشروط بالسلامة،(2) و في رواية أبي الصّباح الكناني الصحيحة عن الصّادق عليه السّلام قال:

«من أضرّ بشيء من طريق المسلمين فهو له ضامن».(3)

و روى السّكوني عن الصّادق عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

«من أخرج ميزابا، أو كنيفا، أو أوتد وتدا، أو أوثق دابّة، أو حفر شيئا(4) في طريق المسلمين فأصاب شيئا فعطب فهو له ضامن».(5)

ص: 543


1- . المقنعة: 749.
2- . المبسوط: 188/7-189؛ الخلاف: 290/5، المسألة 119 من كتاب الديات.
3- . الوسائل: 179/19-180، الباب 8 من أبواب موجبات الضّمان، الحديث 2.
4- . كذا في المصدر و لكن في النسختين: «بئرا».
5- . الوسائل: 182/19، الباب 11، من أبواب موجبات الضّمان، الحديث 1.

و يحتمل التفصيل، فإن سقط الميزاب كلّه فعليه نصف الضّمان، لأنّه تلف بما وضعه على ملكه و ملك غيره، و إن انقصف(1) فسقط منه ما خرج من الحائط ضمن الجميع.

7188. السادس:

يجوز إخراج الرّواشن و الأجنحة في الطّريق المسلوك إذا لم تضرّ بالمارّة، فلو سقطت خشبة من الرّوشن فأتلف إنسانا أو دابّة أو مالا، قال الشيخ رضي اللّه عنه: يضمن نصف الدّية، لأنّه هلك عن مباح و محرّم.(2)

فعلى هذا لو وقعت خشبة ليست مركّبة على حائطه وجب ضمان ما أتلفت و كذا لو انقصفت الموضوعة على حائطه فسقط الخارج عن الحائط خاصّة، و البحث في الساباط كذلك.

و لو أخرج الجناح أو الرّوشن أو الساباط في درب غير نافذ بغير إذن أربابه ضمن كالنّافذ، و هل يضمن من يتعدّى بالدخول في الدّرب بغير اذن أربابه ؟ فيه نظر و كذا من حفر بئرا في ملك غيره، فتلف فيها متعدّ بالدّخول إليه من غير إذن مالكه و لو أذن أرباب الدّرب لم يضمن.

7189. السّابع:

لو بالت دابّته في طريق، فزلق به إنسان، قال الشيخ رضي اللّه عنه:

يضمن(3) و الأقرب عندي ذلك إن وقف بها، و إلاّ فلا.

و لو وضع جرّة(4) أو حجرا أو غيرهما على حائطه أو سطحه، فرمته

ص: 544


1- . القصف: الكسر. مجمع البحرين.
2- . المبسوط: 188/7.
3- . المبسوط: 189/7.
4- . الجرّة - بالفتح و التشديد - إناء معروف من خزف. لاحظ مجمع البحرين.

الرّيح على إنسان فقتله، أو تلف شيء به لم يضمن إذا لم يفرّط في الوضع لأنّه تصرّف في ملكه بغير عدوان، أما لو فرّط في الوضع بأن وضعها مائلة أو متزلزلة متعرّضة للسّقوط، فإنّه يضمن لأنّه كالحائط المائل.

7190. الثّامن:

لو سلّم ولده الصّغير إلى معلّم السّباحة فغرق ضمن المعلّم في ماله لأنّه سلّمه إليه ليحتاط في الحفظ، و لو لم يفرّط المعلّم، ففي الضّمان نظر و كذا لو كان الولد مجنونا، أمّا لو كان بالغا رشيدا فإنّه لا يضمنه إذا لم يفرّط لأنّ الكبير في يد نفسه.

7191. التّاسع:

إذا أضرم نارا في ملك غيره، ضمن ما يتلف من الأموال و الأنفس - مع تعذّر الفرار - في ماله، و إن قصد إتلاف النّفس فهو عامد يجب عليه القود في النفس و الضمان في المال، و إن قصد بإضرام النّار إحراق المنزل و المال خاصّة، و تعدّى الإتلاف إلى النّفس من غير قصد، ضمن المال في ماله و كانت دية الأنفس على عاقلته، لأنّه مخط في إتلافها.

و إن لم يقصد الإحراق، بل أضرم نارا لحاجته، فتعدّت النّار باتّصال الأحطاب إلى ملك غيره، ضمن ما يتلف من الأموال في ماله، و من الأنفس على عاقلته لأنّه مخط.

و ان أضرم النّار في مكان له التصرّف فيه بحقّ ملك أو إجارة، فإن تعدى في ذلك، بأن زاد عن قدر(1) الحاجة، مع غلبة ظنّه بالتعدّي كما في أيّام الأهوية ضمن، و إن لم يتعدّ، بأن أضرم قدر الحاجة من غير اتّصال بملك الغير أو بحطبه، و كان على وجه المعتاد فحملها الرّيح، أو سرت إلى ملك غيره، أو عصفت الأهوية بغتة، فحملتها فاتلفت، فلا ضمان، و كذا البحث في فتح المياه.

ص: 545


1- . في «أ»: بأن زاد على.
7192. العاشر:

يجب حفظ الدابة الصّائلة، كالبعير المغتلم و الكلب العقور، و الدّابة العضاضة، فلو أهمل المالك ضمن جنايتها، و لو جهل حالها، أو علم و لم يفرّط فلا ضمان.

و لو جنى على الصائلة جان فإن كان للدّفع فلا ضمان، و إن كان لغيره ضمن.

و لو جنت الهرّة المملوكة، قال الشيخ رضي اللّه عنه: يضمن المالك بالتفريط في حفظها مع الضّراوة.(1) و فيه إشكال من حيث إنّ العادة لم تجر بربطها و يجوز قتلها حينئذ.(2) و الأقوى ما ذكره الشيخ رضي اللّه عنه.

و من ربط من الحيوانات المؤذية ما لا يحلّ اقتناؤه كالسّبع و الحيّة ضمن ما يتلف بسببها.

و إن دخل دار غيره فعقره كلبه فإن كان الدّخول بإذن مالك الدّار، ضمن عقر الكلب، و إلاّ فلا.

و لو حصل الكلب العقور أو السّنور الضّاري عند إنسان من غير اقتنائه و لا اختياره، فافسد لم يضمن.

و لو أتلف الكلب بغير العقر، مثل أن ولغ في إناء إنسان، أو بال لم يضمن مقتنيه، لأنّه لا يختصّ بالكلب العقور.

و لو اقتنى سنّورا فأكل فراخ النّاس ضمن ما يتلفه، و إن لم يكن له عادة لم يضمن، سواء في ذلك اللّيل و النّهار.

ص: 546


1- . المبسوط: 79/8.
2- . كما ذهب إليه المحقّق في الشرائع: 256/4.

و لو اقتنى حماما أو غيره من الطّير فأرسله فلقط حبّا لم يضمنه لأنّه كالبهيمة، و العادة إرساله.

7193. الحادي عشر:

لو هجمت دابّة على أخرى فجنت الداخلة ضمن صاحبها إن فرّط في حفظها، و لو جنت المدخول عليها، كان هدرا و في قضيّة عليّ عليه السّلام في زمن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فإنّه روي:

«إنّ ثورا قتل حمارا على عهد النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فرفع ذلك إليه و هو في أناس من أصحابه فيهم أبو بكر و عمر، فقال: يا أبا بكر اقض بينهم.

فقال: يا رسول اللّه بهيمة قتلت بهيمة ما عليهما شيء.

فقال: يا عمر اقض بينهم.

فقال مثل قول أبي بكر.

فقال: يا عليّ اقض بينهم.

فقال: نعم يا رسول اللّه إن كان الثّور دخل على الحمار في مستراحه ضمن أصحاب الثّور، و إن كان الحمار دخل على الثّور في مستراحه فلا ضمان عليهما.

قال: فرفع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يده إلى السّماء فقال: الحمد للّه الّذي جعل منّي من يقضي بقضاء النبيّين».(1)

7194. الثاني عشر:

راكب الدّابة يضمن ما تجنيه بيديها و رأسها، و لا ضمان عليه فيما تجنيه برجليها و كذا القائد.

ص: 547


1- . الوسائل: 191/19، الباب 19 من أبواب موجبات الضّمان، الحديث 1.

أمّا لو وقف بها أو ضربها، ضمن ما تجنيه بيديها و رجليها، و لو ضربها غيره ضمن الضّارب جنايتها أجمع و السّائق كالواقف.

و لو ركبها اثنان تساويا في الضّمان، فإن كان الأوّل صغيرا أو مريضا، و كان المتولّي لأمرها هو الثّاني، فالضّمان عليه، و لو كان صاحب الدّابة معها يراعيها، ضمن ما تجنيه بيديها و رجليها دون الرّاكب، و لو ألقت الرّاكب فإن كان بتنفير المالك ضمن و إلاّ فلا.

و لو كان مع الدّابة قائد و سائق تساويا في الضّمان.

و الجمل المقطور على الجمل الّذي عليه راكب يضمن جنايته، لأنّه في حكم القائد له، بخلاف الجمل الثالث لأنّه لا يتمكّن من حفظه عن الجناية.

و لو كان مع الدّابّة ولدها أو غيره، لم يضمن جنايته لأنّه لا يمكنه حفظه.

و حكم الدّابّة فيما قلناه حكم سائر ما يركب من البغال و الحمير و الجمال و غيرها سواء.

7195. الثالث عشر:

لو أركب مملوكه دابّة، ضمن المولى جنايته و بعض الأصحاب شرط صغر المملوك(1) و هو جيّد و لو كان بالغا تعلّقت الجناية برقبته إن كانت على نفس آدميّ ، و لو كانت على مال لم يضمن المولى، و لا يستسعى العبد، بل يتّبع به بعد العتق.

7196. الرابع عشر:

إذا جنت الماشية على الزرع ليلا، ضمن صاحبها، لأنّ

ص: 548


1- . ذهب إليه الحلّي في السرائر: 372/3.

عليه حفظ الماشية باللّيل، و إن جنت نهارا لم يضمن لأنّ على صاحب الزّرع حفظه بالنّهار، و عليه دلّت رواية السّكوني.(1)

و هو ضعيف و الوجه اشتراط التفريط في الضمان، فإن تحقّق من صاحب الماشية ضمن سواء كان ليلا أو نهارا، و كذا لو كان يد المالك أو غيره عليها فأتلفت ضمن ذو اليد، و لو ضمّها المالك، فأخرجها غيره ضمن المخرج، و لو اتلفت البهيمة غير الزرع لم يضمن مالكها ما اتلفت، إلاّ ان يكون يده عليها سواء كان ليلا أو نهارا.

7197. الخامس عشر:

روي عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنّه قضى في بعير بين أربعة نفر عقله أحدهم، فوقع في بئر فانكسر: أنّ على الشّركاء حصّته، لأنّه حفظه و ضيّعوا.(2)

7198. السّادس عشر:

إذا أفلتت دابّة من صاحبها فرمت إنسانا فقتلته، أو كسرت شيئا من أعضائه، أو أتلفت شيئا من ماله لم يكن على صاحبها ضمان، و هي قضيّة عليّ عليه السّلام في زمن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال الباقر عليه السّلام:

«بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عليّا عليه السّلام إلى اليمن، فأفلت فرس لرجل من أهل اليمن و مرّ يعدو فمرّ برجل فنحفه برجله فقتله فجاء أولياء المقتول إلى الرّجل، فأخذوه و دفعوه إلى عليّ عليه السّلام، فأقام صاحب الفرس البيّنة أنّ فرسه أفلت من داره و نفح الرّجل فأبطل عليّ عليه السّلام دم صاحبهم، قال: فجاء أولياء المقتول من اليمن إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقالوا: يا رسول اللّه إنّ عليّا عليه السّلام ظلمنا و أبطل دم صاحبنا.

ص: 549


1- . الوسائل: 208/19، الباب 4 من أبواب موجبات الضّمان، الحديث 1.
2- . لاحظ الوسائل: 207/19، الباب 39 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 1. نقله المصنّف بالمعنى.

فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إنّ عليّا ليس بظلاّم و لم يخلق للظّلم، لأنّ الولاية لعليّ من بعدي، و الحكم حكمه و القول قوله، لا يردّ ولايته و قوله و حكمه إلاّ كافر، و لا يرضى ولايته و قوله و حكمه إلاّ مؤمن، فلمّا سمع اليمانيّون قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في عليّ عليه السّلام قالوا: يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم رضينا بحكم عليّ و قوله، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: و هو توبتكم ممّا قلتم».(1)

7199. السابع عشر:

إذا غشيته دابّة فخاف أن تطأه فزجرها عن نفسه، فجنت على الرّاكب أو على غيره، لم يكن عليه شيء لأنّه قصد الدّفع عن نفسه، و إذا استقلّ البعير أو الدابة بحملهما كان صاحبهما ضامنا.(2)

7200. الثامن عشر:

لو خوّف حاملا فأجهضت، وجب عليه دية الجنين، و لو ماتت المرأة فزعا وجبت الدّية لها، و لو استعدى على الحامل فألقت جنينها أو ماتت خوفا ضمن المتعدّي إن كان ظالما بإحضارها عند الحاكم. و كلّما يظهر كونه سببا، و لكن احتمل حصول الهلاك بغيره فهو كشبيه العمد إذا قصد و ما شكّ في كونه سببا احتمل أن يقال: الأصل براءة الذّمة أو الحوالة على السّبب الظّاهر.

7201. التاسع عشر:

لو أخذ طعام إنسان أو شرابه في برّية أو مكان لا يقدر فيه

ص: 550


1- . التهذيب: 228/10، رقم الحديث 900، و لاحظ الوسائل: 192/19، الباب 20 من أبواب موجبات الضّمان، الحديث 1.
2- . المسألة منصوصة في كتاب الإجارة و عليها رواية، لاحظ الوسائل: 279/13، الباب 30 من كتاب الإجارة، الحديث 10، و أفتى بها الشيخ في النهاية: 449، و فصّل ابن إدريس بين التفريط و الرّعاية فأفتى بالضّمان في الأوّل دون الثاني، لاحظ السرائر: 471/2 و المختلف: 121/6 - 122. و المراد: استثقل البعير أو الدّابّة بما حمل عليهما فألقيا ما عليهما من الحمل.

على طعام و شراب فهلك بذلك و هلكت دابّته ضمن، و لو اضطرّ إلى طعام و شراب لغيره فطلبه منه فمنعه إيّاه مع غناه في تلك الحال، فمات، ضمن المطلوب منه لأنّه باضطراره إليه صار أحقّ من المالك و له أخذه قهرا فمنعه إيّاه سبب إلى إهلاكه(1) بمنعه ما يستحقّه، و لو لم يطلبه منه لم يضمنه، و كذا كلّ من رأى إنسانا في مهلكة فلم ينجه منها مع قدرته على ذلك، لم يلزمه ضمانه.

الفصل الثالث: في اجتماع الموجبات و فيه عشرة مباحث:

7202. الأوّل:

إذا اجتمع المباشر و السّبب، قدّم المباشر في الضّمان، و لا يجب على السّبب إلاّ مع ضعف المباشرة، فلو حفر بئرا في طريق فأوقع إنسان غيره فيها فالضّمان على الدافع دون الحافر، و لو أمسك واحدا فذبحه آخر اقتصّ من الذّابح دون الممسك.

و لو وضع حجرا في كفّة المنجنيق ضمن الجاذب دونه، أمّا مع ضعف المباشر فالحوالة في الضّمان على السّبب، كمن غطّى بئرا حفرها في غير ملكه، فدفع غيره ثالثا من غير علم، فالضّمان على الحافر، و كالفارّ من خوف إذا وقع في بئر لا يعلمها.

ص: 551


1- . في «ب»: فمنعه إيّاه تسبّب إلى إهلاكه.

و لو حفر في ملك نفسه بئرا و سترها، و دعا غيره ضمن، لسقوط المباشرة مع الغرور.

و لو وضع صبيّا في مسبعة فافترسه سبع، وجب الضّمان.

7203. الثّاني:

إذا اجتمع سببان، قدّم الأسبق في الضّمان، فلو حفر بئرا و نصب آخر حجرا فعثر به إنسان فوقع في البئر، فالضّمان على واضع الحجر، هذا إذا تساويا في العدوان، و لو كان العدوان مختصّا بأحدهما، ضمن دون صاحبه كمن حفر في ملك نفسه بئرا، و وضع أجنبيّ حجرا فيه، و لو نصب(1) سكّينا في بئر فتردّى إنسان على تلك السّكين، فالضّمان على الحافر مع تساويهما في العدوان.

و لو حفر بئرا قريب العمق، فعمّقها غيره، فالضّمان على الأوّل، و يحتمل تساويهما، لتناسب الجنايتين، و لو تعثّر بحجر في الطّريق، فالضّمان على واضعه.

و لو تعثّر بقاعد، فالضّمان على القاعد، و لو تعثّر بقائم فالماشي هدر و ضمان القائم على الماشي، لأنّ الوقوف من مرافق المشي دون القعود.

و لو وقع في حفرة اثنان، فهلك كلّ منهما بوقوع الاخر، فالضّمان على الحافر لأنّه كالملقي.

7204. الثالث:

روى أبو جميلة عن سعد الإسكاف عن الأصبغ قال: قضى

ص: 552


1- . في «أ»: و لو كان نصب.

أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام في جارية ركبت أخرى فنخستها(1) ثالثة فقمصت(2) المركوبة، فصرعت الرّاكبة فماتت:

«أنّ ديتها على النّاخسة و المنخوسة بالسّوية».(3)

و أبو جميلة ضعيف.

و قال المفيد: على النّاخسة و القامصة ثلثا الدية، و يسقط الثلث لركوبها عبثا.(4) و هو جيّد.

و قال ابن إدريس: إن كانت النّاخسة ملجئة للقامصة، فالضّمان عليها، و إلاّ فعلى القامصة.(5) و هو حسن، و المشهور بين الأصحاب ما تضمّنته الرواية.

7205. الرابع:

روى محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام عن أمير المؤمنين عليه السّلام في أربعة شربوا المسكر، فجرح اثنان، و قتل اثنان، فقضى دية المقتولين على المجروحين بعد أن ترفع جراحة المجروحين من الدية، و إن مات أحد المجروحين، فليس على أحد من أولياء المقتولين شيء.(6)

و في رواية السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: أنّه جعل دية المقتولين على قبائل الأربعة و أخذ دية جراحة الباقين من دية المقتولين.(7) و قال ابن إدريس:

ص: 553


1- . في مجمع البحرين -: نخس الدّابّة، كنصر و جعل: غرز مؤخّرها بعود و نحوه.
2- . قمص البعير و غيره عند الركوب قمصا - من بابي ضرب و قتل - و هو أن يرفع يديه معا و يضعهما معا. المصباح المنير: 200/2، و قال الحليّ في السرائر: 374/3: و هو أن يرفع يديه و يطرحهما معا و يعجن برجله.
3- . الوسائل: 178/19-179، الباب 7 من أبواب موجبات الضّمان، الحديث 1.
4- . المقنعة: 750، و لاحظ الإرشاد: 105 (طبعة النجف الأشرف).
5- . السرائر: 374/3.
6- . الوسائل: 172/19، الباب 1 من أبواب موجبات الضّمان، الحديث 1.
7- . الوسائل: 173/19، الباب 1 من أبواب موجبات الضّمان، الحديث 2.

يقتل القاتلان بالمقتولين، فإن اصطلح الجميع على الدّية، أخذت كملا من غير نقصان(1).

7206. الخامس:

روى السّكوني عن الصّادق عليه السّلام و محمد بن قيس عن الباقر عليه السّلام عن عليّ عليه السّلام: أنّ ستّة غلمان كانوا في الفرات، فغرق واحد منهم، فشهد ثلاثة منهم على اثنين أنّهما غرقاه، و شهد اثنان على الثّلاثة أنّهم غرقوه، فقضى بالدّية ثلاثة أخماس على الاثنين و خمسين على الثّلاثة.(2) و هذه قضيّة في واقعة عرف عليه السّلام الحكم فيها بذلك، لخصوصيّة لا تتعدّى إلى غيرها.

7207. السّادس:

إذا رمى ثلاثة بالمنجنيق فقتل الحجر أحدهم، سقط ما قابل فعله من الدّية، و هو الثّلث، و ضمن الباقيان ثلثي الدّية لورثته، و تتعلّق الجناية بمن يمدّ الحبال دون ممدّ الخشب أو المساعد بغير المدّ.

و لو قصدوا أجنبيّا بالرمي، فهو عمد، و لو لم يقصدوه كان خطأ.

و قال الشيخ رضي اللّه عنه: لو اشترك ثلاثة في هدم حائط، فوقع على أحدهم فقتله، ضمن الآخران ديته، لأنّ كلّ واحد ضامن لصاحبه(3) و الوجه عندي أنّهما يضمنان ثلثي ديته.

7208. السّابع:

روى الحسين بن سعيد عن النّصر عن عاصم عن محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في أربعة نفر اطّلعوا في زبية الأسد فخرّ أحدهم فاستمسك بالثّاني، و استمسك الثّاني بالثالث، و استمسك

ص: 554


1- . السرائر: 374/3.
2- . الوسائل: 174/19، الباب 2 من أبواب موجبات الضّمان، الحديث 1.
3- . النهاية: 764.

الثالث بالرّابع، فقضى بالأوّل فريسة الأسد، و غرّم أهله ثلث الدّية لأهل الثاني، و غرّم الثاني لأهل الثالث ثلثي الدّية، و غرّم الثّالث لأهل الرّابع الدية كاملة.(1)

و عن مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّ قوما احتفروا زبية للأسد باليمن، فوقع فيها الأسد، فازدحم النّاس عليها ينظرون إلى الأسد، فوقع رجل فتعلّق بآخر، و تعلّق الاخر بآخر، و الاخر بآخر، فجرحهم الأسد، فمنهم من مات من جراحة الأسد، و منهم من أجرح فمات، فتشاجروا في ذلك حتّى أخذوا السيوف، فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: هلموا أقض بينكم: فقضى أنّ للأوّل ربع الدّية، و للثّاني ثلث الدّية و للثّالث نصف الدية و للرّابع الدّية كاملة، و جعل ذلك على قبائل الّذين ازدحموا، فرضي بعض القوم و سخط بعض، فرفع ذلك إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أخبر بقضاء أمير المؤمنين عليه السّلام فأجازه(2).

و في طريق هذه الرواية إلى مسمع ضعف، و الأولى مشهورة بين الأصحاب، و الوجه عندي أنّ على الأوّل الدّية كاملة لاستقلاله بإتلاف الثّاني، و على الثاني دية الثّالث، و على الثّالث دية الرّابع، و إن شرّكنا بين مباشر الإمساك، و المشارك في الجذب، فعلى الأوّل دية للثّاني، و عليه و على الثّاني دية الثالث، و على الثالث دية الرّابع، و ما حكم به عليّ عليه السّلام إذا ثبت مخصوص بوقائع اقترنت بأمور أوجب فيها ذلك الحكم الخاصّ .

7209. الثامن:

إذا سقط رجل في بئر، فسقط عليه آخر فقتله ضمنه، ثمّ إن كان

ص: 555


1- . الوسائل: 176/19، الباب 4 من أبواب موجبات الضّمان، الحديث 2.
2- . الوسائل: 175/19-176، الباب 4 من أبواب موجبات الضّمان، الحديث 1، صححنا الرواية على الكافي.

قد تعمّد الرّمي و هو ممّا يقتل غالبا، وجب القصاص، و إن كان ممّا لا يقتل غالبا، فهو شبيه عمد، و إن وقع خطأ، فالدّية على عاقلته مخفّفة، و إن مات الثاني بوقوعه على الأوّل فهو هدر، سواء مات الأوّل أو لا.

و لو قاد البصير أعمى فوقعا في بئر خرّ البصير أوّلا و وقع الأعمى فوق البصير فقتله، احتمل تضمين الأعمى دية البصير، و العدم لأنّه الّذي قاده إلى ذلك المكان، و كان السّبب في وقوعه عليه، و لهذا لو فعله قصدا لم يضمنه الأعمى و ضمن هو الأعمى.

7210. التّاسع:

لو سقط إنسان في بئر فجذب غيره، فوقع المجذوب، فمات الجاذب بوقوعه عليه، فالجاذب هدر لأنّه مات من فعله، فإن مات المجذوب ضمنه الجاذب، و لو ماتا معا، فالجاذب هدر و عليه دية الثّاني في ماله.

فإن جذب الثّاني ثالثا، فماتوا أجمع بوقوع كلّ منهم على صاحبه، فالأوّل تلف بفعله و فعل الثّاني فيسقط نصف ديته و يضمن الثّاني النّصف، و الثّاني مات بجذبه الثّالث عليه و جذب الأوّل، فيضمن الأوّل نصف ديته، و لا ضمان على الثّالث، و للثّالث الدّية، فإن رجّحنا المباشرة فديته على الثّاني، و إن شرّكنا بين القابض و الجاذب، فالدّية على الأوّل و الثّاني بالسّوية.

فإن جذب الثّالث رابعا، فمات بعض على بعض فللأوّل ثلثا الدّية لأنّه مات بجذبه للثّاني عليه(1)، و بجذب الثّاني الثّالث عليه و بجذب الثّالث الرّابع فيسقط ما قابل فعله، و بقي الثّلثان على الثّاني و الثّالث دون الرّابع.

ص: 556


1- . في الشرائع: 260/4: «بجذبه الثّاني».

و للثّاني ثلثا الدّية أيضا، لأنّه مات بجذب الأوّل، و بجذبه الثالث و بجذب الثّالث الرّابع عليه فيسقط ما قابل فعله، و كان على الأوّل و الثّالث الثّلثان.

و للثّالث ثلثا الدّية، لأنّه مات بجذبه الرّابع، و بجذب الثّاني و الأوّل له، فسقط ما قابل فعله، و وجب له الثّلثان على الأوّل و الثّاني، و لا شيء على الرّابع، و له الدية كاملة.

فإن رجّحنا المباشرة فديته على الثالث خاصّة، و إن شرّكنا بينه و بين المشارك بالجذب، فديته على الثّلاثة الأول أثلاثا.

و لو وقع أربعة في البئر من غير جذب، فماتوا بغير الوقوع، مثل أن يكون البئر عميقا يموت الواقع فيه بنفس الوقوع، أو كان فيه ماء يغرق الواقع فيقتله، أو أسد يأكلهم، فليس على بعضهم ضمان بعض، لعدم تأثير فعل بعضهم في هلاك بعض و إن شككنا في ذلك، لم يوجب ضمانا، عملا بأصالة البراءة.

و إن مات بعضهم بوقوع بعض فدم الرّابع هدر، لأنّ غيره لم يفعل فيه شيئا، و إنّما هلك بفعله، و عليه دية الثّالث، لأنّه قتله بوقوعه عليه، و دية الثّاني عليه و على الثّالث نصفين، و دية الأوّل على الثلاثة أثلاثا.

7211. العاشر:

لو حفر بئرا في ملكه فسقط جدار جاره، لم يضمن إلاّ أن يقصّر بمخالفة العادة في سعة البئر(1) بحيث يدخل إلى ملك الجار.

ص: 557


1- . في «ب»: في سعة بئره.

ص: 558

كتاب الدّيات

اشارة

ص: 559

ص: 560

و فيه مقصدان

المقصد الأوّل: في مقاديرها

اشارة

و فيه فصول

الفصل الأوّل: في دية النفس و فيه ستّة عشر بحثا:

7212. الأوّل:

دية الحرّ المسلم أحد السّتة، إمّا مائة بعير من مسانّ الإبل، أو مائتا بقرة، أو مائتا حلّة، كلّ حلّة ثوبان من برود اليمن، أو ألف دينار، أو ألف شاة، أو عشرة آلاف درهم.

و هذه السّتّة أصول في نفسها، و للجاني الخيار في دفع أيّها شاء، و ليس بعضها مشروطا بعدم البعض.

ص: 561

و تتغلّظ هذه الدّية بأمور ثلاثة، و هي:

الوقوع في حرم اللّه تعالى، و حرم رسوله، أو أحد مشاهد الأئمّة عليهم السّلام على ما أفتى به الشيخ في النهاية.(1)

و لو رمى في الحلّ إلى الحرم فقتله فيه، لزم التّغليظ و في العكس إشكال.

و لو جنى في الحلّ و التجأ إلى الحرم، لم يقتصّ منه، فيه، بل يضيّق عليه في المطعم و المشرب حتّى يخرج.

و لو جنى في الحرم، اقتصّ منه فيه، لانتهاكه الحرمة.

الثّاني: الوقوع في الأشهر الحرم و هي: ذو العقدة، و ذو الحجّة، و المحرّم و رجب.

و التّغليظ في هذين بإلزام دية و ثلث للجاني من أيّ الأجناس كان، و الثّلث لمستحقّ الدّية، و لا تغليظ في الأطراف.

الثالث: كون القتل عمدا أو شبيه عمد(2) و التّغليظ هنا ليس بزيادة المقدار بل الصّفة و التّأجيل، و لا تغليظ بالإحرام و لا بذي الرّحم.

7213. الثّاني:

في أسنان الإبل في دية الخطأ روايتان: إحداهما خمس و عشرون بنت مخاض، و خمس و عشرون بنت لبون، و خمس و عشرون حقّة، و خمس و عشرون جذعة(3) و الثّانية و هي أصحّ طريقا، عن عبد اللّه بن سنان قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:

ص: 562


1- . النهاية: 756.
2- . في «أ»: أو شبه عمد.
3- . لاحظ الوسائل: 145/19، الباب 1 من أبواب ديات النّفس، الحديث 13.

قال أمير المؤمنين عليه السّلام: في الخطأ شبه العمد ان يقتل بالسّوط أو بالعصا أو بالحجر أنّ دية ذلك تغلظ، و هي مائة من الإبل: منها أربعون خلفة بين ثنيّة إلى بازل عامها، و ثلاثون حقّة، و ثلاثون بنت لبون، و الخطأ يكون فيه ثلاثون حقّة و ثلاثون بنت لبون، و عشرون بنت مخاض، و عشرون ابن لبون ذكر(1).

7214. الثالث:

دية العمد كدية الخطأ إلاّ أنّ أسنان الإبل فيها أرفع من أسنانها هناك، و هو مائة بعير من مسانّ الإبل.

و أمّا شبيه العمد فروايتان، أصحّهما طريقا ما ذكرناه عن عليّ عليه السّلام أنّها ثلاثون بنت لبون، و ثلاثون حقّة، و أربعون خلفة، و هي الحامل، و في الأخرى:

ثلاث و ثلاثون حقّه، و ثلاث و ثلاثون جذعة، و أربع و ثلاثون ثنيّة طروقة الفحل.

7215. الرابع:

دية العمد تستأدى في سنة واحدة من مال الجاني، مع التراضي بالدّية، و لا تجب حالة، و لا يجوز تأخيرها إلى ثلاث سنين.

و أمّا دية الخطأ فتستأدى ثلاث سنين، سواء كانت [الدّية] تامّة، أو ناقصة، أو دية طرف من العاقلة، فهي مخفّفة في السّنّ و الصّفة و الاستيفاء و لا يضمن الجاني منها شيئا، و لا ترجع العاقلة عليه بشيء.

و قال المفيد رضي اللّه عنه: إنّ العاقلة ترجع بها على الجاني(2) و ليس بمعتمد.

و أمّا دية شبيه العمد فقال المفيد رضي اللّه عنه: تستأدى في سنتين(3)، فهي أخفّ

ص: 563


1- . الوسائل: 146/19، الباب 2 من أبواب ديات النّفس، الحديث 1.
2- . المقنعة: 737.
3- . المقنعة: 736.

من دية العمد في السّن و الاستيفاء، و يضمنها الجاني في ماله إجماعا.

7216. الخامس:

للجاني أن يبذل أيّ أصناف الدّيات شاء في الخطأ المحض و الشّبيه بالعمد، و أمّا في العمد فإن وقع الصّلح بينه و بين الوليّ على الدّية مطلقا تخيّر أيضا بين المسانّ من الإبل أو ما ذكر من باقي الأنواع، و إن تراضيا على ما زاد.

و لو كان أضعاف الدّية، أو ما نقص أو كان مساويا، أو مغايرا من الفروض و شبهها، جاز.

7217. السّادس:

للجاني أن يبذل من إبل البلد و من غيرها، و من إبله و من غيرها، أدون أو أعلى، إذا لم تكن مراضا، و كانت بالصّفة المشترطة، و في إلزام قبول القيمة السّوقيّة مع وجود الإبل نظر أقربه العدم، و في الرّواية الصّحيحة عن علي بن أبي طالب عليه السّلام:

قيمة كلّ بعير مائة و عشرون درهما، أو عشرة دنانير، و من الغنم قيمة كلّ ناب من الإبل عشرون شاة.(1)

و في الصحيح عن الحسين بن سعيد عن معاوية بن وهب قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن دية العمد، فقال: مائة من فحولة الإبل المسانّ فإن لم يكن إبل فمكان كلّ جمل عشرون من فحولة الغنم.(2)

و الرّواية الأولى تعطي أنّ الدّية من الفضة اثنا عشر ألف درهم و عليه دلّت

ص: 564


1- . الوسائل: 146/19، الباب 2 من أبواب ديات النفس، الحديث 1.
2- . الوسائل: 146/19، الباب 2 من أبواب ديات النفس، الحديث 2.

رواية الحلبي و عبد اللّه بن المغيرة، و النضر بن سويد، الصّحيحة عن عبد اللّه بن سنان عن الصادق عليه السّلام قال: سمعته يقول:

من قتل مؤمنا متعمدا اقيد منه إلاّ أن يرضى أولياء المقتول ان يقبلوا الدّية فإن رضوا بالدّية، و أحبّ ذلك القاتل، فالدّية اثنا عشر ألفا أو ألف دينار، أو مائة من الإبل، و إن كان في أرض فيها الدّنانير، فألف دينار، و إن كان في أرض فيها الإبل، فمائة من الإبل، و إن كان في أرض فيها الدراهم فدراهم بحساب اثني عشر ألفا.(1)

و المشهور بين علمائنا عشرة آلاف درهم، لروايات أخرى، و لا خلاف في تقدير باقي الأصناف.

قال الشيخ رضي اللّه عنه: لا يلزم من الدراهم أكثر من عشرة آلاف درهم، و عليه أكثر الروايات، و رواية اثني عشر(2) ذكر الحسين بن سعيد و أحمد بن محمّد بن عيسى معا: «أنّه روى أصحابنا أنّ ذلك من وزن ستّة»، و إذا كان ذلك كذلك، فهو يرجع إلى عشرة آلاف و لا تنافي بين الأخبار.(3)

7218. السّابع:

الخيرة في أداء إحدى الأصناف الستّة إلى من وجبت عليه من القاتل أو العاقلة، فأيّها أحضره لزم الوليّ قبوله، فإن أعوز صنف منها فله العدول إلى غيره سواء كان أعلى قيمة أو أدون، و كذا لو لم يعوز، و الأقرب أنّه لا تعتبر

ص: 565


1- . التهذيب: 159/10، رقم الحديث 638، و لاحظ الوسائل: 144/19، الباب 1 من أبواب ديات النّفس، الحديث 9، و فيه في آخر الحديث «بحساب ذلك، اثنا عشر ألفا».
2- . و في المصدر: فأمّا ما رواه عبد الله بن سنان و عبيد بن زرارة اللّتين تضمّنتا اثني عشر الف درهم فقد ذكر الحسين بن سعيد...
3- . التهذيب: 162/10 في ذيل الحديث 645. قال العلاّمة المجلسي في ملاذ الأخيار: 16 / 328: و حاصل تأويل الرّاويين الفاضلين هو أنّ الدّراهم كانت في زمن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ستّة دوانيق، و غيّرت بعد ذلك حتّى استقرّت على خمسة دوانيق، كما رواه الخاصّ و العامّ .

قيمة الإبل بل متى وجدت على الصّفة المشروطة أجزأت، و وجب أخذها، قلّت قيمتها أو كثرت.

و ما روي في الأحاديث من اعتبار قيمة كلّ بعير بمائة و عشرين درهما فمحمول على الغالب لا الواجب، و كذا البحث في البقر و الغنم و الحلل.

7219. الثّامن:

لا يقبل في الإبل المعيب و لا الأعجف، و يجزئ العراب(1)و البخاتي، و الخلفة في شبه العمد هي الحامل، و قوله عليه السّلام: «في بطونها أولادها»(2) تأكيد و قلّ ما تحمل ثنيّة و هي الّتي لها خمس سنين و دخلت في السّادسة، و أيّ ناقة حملت فهي خلفة و الأقرب اشتراط الثنيّة لقول عليّ عليه السّلام:

«أربعون خلفة من بين ثنيّة إلى بازل عامها»(3) فإن أحضر خلفة فأسقطت قبل القبض، وجب الإبدال، و إن أسقطت بعده أجزأت.

و يرجع في الحمل إلى أهل الخبرة، فإن قبض الوليّ ثم قال: لم تكن حوامل، و قد ضمرت أجوافها، فقال الجاني: بل ولدت عندك، فإن قبضها بقول أهل الخبرة، فالقول قول الجاني عملا بظاهر إصابتهم، و إن قبضها بغير قولهم، فالقول قوله، عملا بأصالة عدم الحمل.

7220. التّاسع:

تجب دية العمد في آخر الحول، و دية شبيه العمد في سنتين، يجب في آخر كلّ حول نصفها، و دية الخطأ المحض في ثلاث سنين، في آخر كلّ حول ثلثها.

ص: 566


1- . نوع من الإبل خلاف البخاتي، مجمع البحرين.
2- . لاحظ سنن النسائي: 42/8 و سنن البيهقي: 44/8.
3- . كذا في المصدر و لكن في النسختين: «ما بين ثنيّة عامها إلى بازل» لاحظ الوسائل: 146/19، الباب 2 من أبواب ديات النفس، الحديث 1.

و يعتبر ابتداء السنة من حين وجوب الدّية لا من حين حكم الحاكم، فإن كان الواجب دية نفس، فابتداء السّنة من حين الموت، و إن كان دية جرح اندمل من غير سراية، مثل أن قطع يدا فبرأت بعد مدة، فابتداء المدّة من حين القطع، و إن كان ساريا، مثل أن قطع إصبعه فسرت إلى كفّه، ثم اندمل، فالابتداء من حين الاندمال، لأنّ استقرار الأرش لا يحصل إلاّ عنده.

قال الشيخ رضي اللّه عنه: و يستأدى الأرش في سنة واحدة عند انسلاخها إذا كان ثلث الدّية فما دون، لأنّ العاقلة لا تعقل حالاّ، و لو كان دون الثلثين، حلّ الثّلث الأوّل عند انسلاخ الحول، و الثّاني عند انسلاخ الثّاني.

و لو كان أكثر من الدّية كقطع يدين و رجلين، و كان لاثنين حلّ لكلّ واحد عند انسلاخ الحول ثلث الدّية.

و إن كان لواحد حلّ له ثلث، عن كلّ جناية سدس.(1)

و في جميع ذلك إشكال من حيث احتمال اختصاص التّأجيل بالدّية دون الأرش.

و لو كان الواجب دون الموضحة لم تحمله العاقلة، لأنّها لا تحمل ما دون الموضحة، و يجب حالاّ كإتلاف المال.

و تجب الدّية النّاقصة، كدية المرأة و الذّمي و العبد في ثلاث سنين.

ص: 567


1- . المبسوط: 176/7 و فيه: و إن كان المستحق واحدا لم يجب على العاقلة في كلّ سنة أكثر من ثلث الدية، لأنّ العاقلة لا تعقل لواحد أكثر من هذا في كلّ حول فيكون الواجب عليهم له سدس من دية العينين، و سدس من دية اليدين.
7221. العاشر:

دية المرأة الحرّة المسلمة على النّصف من دية الرّجل من جميع الأجناس، و يتساوى جراح المرأة و الرّجل و أطرافهما إلى أن يبلغ ثلث الدّية، فإذا بلغت الثّلث نقصت المرأة إلى النّصف، و ربّما قيل: ما لم يتجاوز الثّلث، فإذا تجاوزت رجعت إلى النّصف(1) و الأوّل أصحّ ، لرواية أبان بن تغلب الصحيحة عن الصادق عليه السّلام(2) و رواية جميل بن دراج الصّحيحة عنه عليه السّلام.(3)

7222. الحادي عشر:

دية الذّمي من اليهود و النّصارى و المجوس ثمانمائة درهم، و في رواية: دية المسلم(4) و في أخرى: أربعة آلاف درهم(5)و حملها الشيخ رضي اللّه عنه على المعتاد بقتلهم فيغلّظ الإمام بما يراه حسما للجرأة عليهم.(6)

و دية نسائهم على النّصف و جراحاتهم من دياتهم كجراحات المسلمين من دياتهم، و في التّغليظ بما يغلّظ به على المسلم نظر.

و الأقرب تساوي ديات الجراح من نساء أهل الكتاب ديات رجالهنّ إلى أن تبلغ الثّلث، ثمّ تنقص المرأة إلى النّصف.

و لا دية لغير الأصناف الثلاثة من الكفّار، كعبّاد الأوثان و غيرهم سواء كانوا ذوي عهد أو لا، و سواء بلغتهم الدّعوة أو لا.

ص: 568


1- . ذهب إليه الشيخ في النهاية: 748.
2- . الوسائل: 268/19، الباب 44 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1.
3- . الوسائل: 122/19، الباب 1 من أبواب قصاص الطرف، الحديث 3.
4- . الوسائل: 163/19، الباب 14 من أبواب ديات النّفس، الحديث 2.
5- . الوسائل: 163/19، الباب 14 من أبواب ديات النّفس، الحديث 4.
6- . التهذيب: 187/10 في ذيل الحديث 737.
7223. الثاني عشر:

ولد الزنا إذا أظهر الإسلام ديته كدية المسلم، و قيل: دية الذّمي.(1) و ليس بمعتمد.

7224. الثالث عشر:

دية العبد قيمته ما لم تتجاوز دية الحرّ، فإن تجاوزت ردّت إليها، و تؤخذ من الجاني إن كان عمدا أو شبيه عمد، و من عاقلته إن كان خطأ.

و دية الأمة قيمتها ما لم تتجاوز دية الحرّة المسلمة، فتردّ إليها، و لا تتجاوز قيمة عبد الذّمي دية مولاه و لا قيمة مملوكة الذّمية دية السّيدة، و في المسلم عبد الذّمي نظر.(2)

7225. الرّابع عشر:

دية أعضاء العبد و الأمة و جراحاتهما معتبرة بدية الحرّ و الحرّة فما فيه دية الحرّ، ففيه من العبد و الأمة قيمتهما، كاللّسان، و الذّكر و اليدين و الرّجلين، إلاّ أنّه إذا جنى عليه بما فيه كمال قيمته، لم يكن لمولاه المطالبة بشيء إلاّ أن يدفعه إلى الجاني و يأخذ قيمته، أو يمسكه بغير شيء.

و كلّ ما في الحرّ منه مقدّر فهو في العبد كذلك بالنّسبة إلى قيمته، ففي اليد نصف القيمة، و ليس للجاني في أخذه و دفع القيمة، بل للمولى المطالبة بأرش الجناية مهما نقصت عن القيمة، مع إمساك العبد.

ص: 569


1- . ذهب إليه السيد المرتضى رضي اللّه عنه في الانتصار: 544، المسألة 305 و الصدوق رضي اللّه عنه في المقنع: 520 و 530.
2- . قال المصنف في القواعد: 669/3: و لو كان العبد ذمّيّا أو الأمة كذلك للمسلم فهما كالمسلمين في انّ ديتهما قيمتهما ما لم تتجاوزا دية الحرّ المسلم أو الحرّة المسلمة... و في المسلم عبد الذّمّي أو المسلمة جارية الذّمّي إشكال.

و كلّ ما لا تقدير فيه في الحرّ، ففيه الأرش، و يعتبر في العبد(1) فيفرض الحرّ عبدا سليما من الجناية، و يقوّم ثم يفرض عبدا معيبا بالجناية، و يقوّم، و تنسب إحدى القيمتين إلى الأخرى فيؤخذ من الدّية بنسبة التفاوت.

و العبد أصل للحرّ فيما لا تقدير فيه(2) كما أنّ الحرّ أصل فيما فيه مقدّر.

7226. الخامس عشر:

لو جنى العبد على الحرّ خطأ، لم يضمن المولى، بل يجب عليه دفع العبد، أو يفديه بأرش الجناية، و الخيار في ذلك إليه، و قيل:

يفديه بأقلّ الأمرين من قيمة العبد أو أرش الجناية،(3) و لا خيار للمجنيّ عليه.

و لو كانت الجناية لا تستوعب القيمة، تخيّر المولى بين فكّه بأرش الجناية و بين تسليم العبد ليسترقّ منه المجني عليه بقدر تلك الجناية.

و لا فرق في ذلك كلّه بين القنّ و المدبّر و المكاتب المشروط و المطلق الّذي لم يؤدّ شيئا، و أمّ الولد، و الذّكر و الأنثى.

7227. السّادس عشر:

لو قتل مسلما في دار الحرب على دين الكفّار، و لم يعلم إسلامه، فالأقرب الدّية خاصّة دون القصاص، و كذا لو رمى إلى مرتدّ فأسلم قبل الإصابة، و كذا في كلّ قتل عمد صدر عن ظنّ في حال المقتول.

و الصابئون من النّصارى، و السّامرة من اليهود، فإن كانوا معطّلة دينهم فلا دية لهم.

ص: 570


1- . في «ب»: بالعبد.
2- . في «ب»: لا مقدّر فيه.
3- . نسبه الشيخ في المبسوط إلى بعض أهل السّنة، لاحظ المبسوط: 7/7.

الفصل الثاني: فيما دون النفس

اشارة

و هو إمّا إبانة، أو إبطال منفعة، أو جرح.

الطّرف الأوّل: في الإبانة
اشارة

و هو قطع طرف و كلّ عضو لا تقدير فيه، ففيه الأرش.

و التقدير ورد في ثمانية عشر على المشهور، و فيه ما قدّره الشّارع.

و كلّ ما في الإنسان منه واحد، ففيه الدّية كاملة، و كلّ ما فيه اثنان، ففيهما الدّية أيضا، و في أحدهما النّصف إلاّ ما نستثنيه، و سيأتي تفصيل ذلك كلّه في مباحث ثلاثين.

7228. الأوّل:

في الأنف الدّية كاملة إذا استوصل، و كذا في مارنه، و هو مالان منه، قال الشيخ في المبسوط: الدية إنّما هي في المارن و هو ما لان من الأنف دون قصبة الأنف و دون ذلك المنخران و الحاجز إلى القصبة، فإن قطع الأنف و القصبة معا، فعليه دية و حكومة في الزيادة.(1) و هو الأقرب عندي.

و لو كسره، ففسد ففيه الدّية، فإن جبر على غير عيب فمائة دينار. و في الرّوثة - و هي الحاجز بين المنخرين - نصف الدّية، و قال ابن بابويه: هي مجتمع المارن(2)، و قال أهل اللّغة: هي طرف المارن(3).

ص: 571


1- . المبسوط: 131/7.
2- . الفقيه: 57/4.
3- . في مجمع البحرين: الروث طرف الأرنبة، و الأرنبة طرف الأنف.

و في أحد المنخرين نصف الدّية، و في رواية غياث، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في كلّ جانب من الانف ثلث دية الأنف.(1)

و في غياث ضعف غير أنّ مضمونها: جيّد، لأنّ المارن يشتمل على ثلاثة أشياء من جنس، فتوزّعت الدّية عليها أثلاثا.

و في شلل الأنف ثلثا ديته، فإن قطع بعد الشلل فالثلث.

فإن نفذت في الأنف نافذة لا تنسدّ، ففيها ثلث دية النفس فإن صلحت فالخمس، مائتا دينارا، و لو كانت النّافذة في أحد المنخرين إلى الحاجز، فالسّدس إن لم يبرأ، فإن برأت فالعشر.

فإن قطع بعض الأنف ففيه بقدره من الدّية يمسح و يؤخذ بالنّسبة، فإن قطع نصفه فالنّصف، و ربعه الرّبع و على هذا.

و لو قطع الأنف و ما تحته من اللّحم، ففي الأنف الدّية، و في اللحم حكومة.

و لو ضربه فاعوج أو تغيّر لونه فالحكومة، و لو قطعه إلاّ جلدة و بقي معلّقا فلم يلتحم، و احتيج إلى قطعه، ففيه الدّية، لأنّه قطع الجميع بعضه بالمباشرة و الباقي بالتّسبيب، و إن ردّه فالتحم، ففيه الحكومة، لأنّه لم يبن، و إن أبانه فردّه فالتحم، فالدّية، لأنّه لا يقرّ على هذا، و الإمام يجبره على الإزالة، لأنّه نجس(2).

7229. الثاني:

في اللّسان الدّية كاملة إذا استؤصل قطعا و كان صحيحا،

ص: 572


1- . الوسائل: 268/19-269، الباب 43 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1.
2- . مشكل بعد الالتحام و صيرورته جزءا من بدن الحيّ .

و في لسان الأخرس ثلث الدّية، و في لسان الصغير الدّية إن بلغ حدّا ينطق ببعض الحروف و نطق، أو لم يبلغ لكن ظهر أثر القدرة على النّطق بالتحريك و البكاء و لو بلغ حدّا ينطق فلم ينطق، فالظّاهر عدم القدرة على الكلام، فكان فيه ثلث الدّية.

و لو كان صغيرا جدّا و لم يظهر عليه أثر القدرة و لا عدمها، لطفوليّته، فالأقرب الدّية، لأنّ الأصل السّلامة، و يحتمل الثّلث لأنّه لسان لا كلام فيه، فكان كالأخرس، مع عدم تيقّن السّلامة، فإن كبر فنطق ببعض الحروف علمنا صحّته، و أوجبنا فيه من الدّية بقدر ما ذهب من الحروف.

و لو بلغ إلى حدّ يتحرّك بالبكاء و غيره فلم يتحرّك(1) فقطعه قاطع، فثلث الدّية، لأنّه لو كان صحيحا لتحرّك، فان قطع بعض الصّحيح اعتبر بحروف المعجم، و هي ثمانية و عشرون حرفا سوى «لا»(2).

و تبسط الدّية على الحروف بالسّويّة، و يؤخذ نصيب ما يعدم منها، و تتساوى اللّسنيّة و غيرها، ثقيلها و خفيفها.

و الاعتبار بما يذهب من الحروف لا بالمقطوع، فلو قطع نصف لسانه، فذهب ربع الكلام، وجب ربع الدّية، و لو انعكس فالنصف، هذا هو المشهور، و في المبسوط: إن استويا مثل أن يقطع ربع لسانه فيذهب ربع كلامه فالربع بقدر الذاهب منهما، كما لو قلع إحدى عينيه فذهب بصرها، و إن ذهب من أحدهما أكثر من الاخر، بأن قطع ربع لسانه فذهب نصف كلامه أو قطع نصف لسانه

ص: 573


1- . في «أ»: و لم يتحرك.
2- . لأنّ مخرجها مركّب من مخرج اللام و الألف.

فذهب ربع كلامه وجب بقدر الأكثر و هو نصف الدّية في الحالين، لأنّ كلّ واحد من اللسان و الكلام مضمون بالدّية منفردا، فإذا انفرد نصفه بالذّهاب وجب النّصف.(1) و هو الأقرب عندي.

و يؤيّده ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا ضرب الرّجل على رأسه فثقل لسانه، عرضت عليه حروف المعجم فما لم يفصح به كانت الدّية بالقصاص من ذلك.(2) و في الصّحيح عن عبد الله بن سنان(3) نحو ذلك، و كذا في خبر سليمان بن خالد عن الصادق عليه السّلام(4) و هو يدلّ على أنّ الدية تقسّم على الحروف و إن لم يذهب شيء من اللّسان.

و في أحاديث أخرى: أنّ في اللّسان الدّية، فعلمنا أنّه لو ذهب من الكلام نصفه و لم يذهب شيء من اللّسان، وجب نصف الدّية، و لو ذهب نصف اللّسان و لم يذهب من الكلام شيء وجب نصف الدّية أيضا فإن ذهبت الحروف أجمع فالدّية كاملة.

و إن(5) لم يذهب من الحروف شيء لكن صار سريع النطق أو ازداد سرعة، أو صار ثقيلا، أو ازداد ثقلا فلا تقدير فيه، و فيه الحكومة، و كذا لو نقص، فصار ينقل الحرف الفاسد إلى الصّحيح.

ص: 574


1- . المبسوط: 134/7.
2- . الوسائل: 274/19، الباب 2 من أبواب ديات المنافع، الحديث 3 (و في النّسختين: كانت الدّية و القصاص من ذلك).
3- . الوسائل: 274/19، الباب 2 من أبواب ديات المنافع، الحديث 2.
4- . الوسائل: 273/19، الباب 2 من أبواب ديات المنافع، الحديث 1.
5- . في «أ»: و لو.

و لو جنى آخر بعد الأوّل، اعتبر بما بقي و أخذ بنسبة ما ذهب بعد جناية الأوّل، و لو أعدم واحد كلامه من غير أن يقطع منه شيئا، ثمّ قطعه آخر فعلى الأوّل الدّية و على الثاني الثّلث، فعلى هذا إذا قطع ربع اللّسان فذهب نصف الكلام، وجب نصف الدّية، فإن قطع آخر بقيّة اللّسان فعلى القول الأوّل عليه نصف الدّية اعتبارا بالباقي من الحروف، من غير نظر إلى اللّسان، و على ما اختاره الشيخ في المبسوط(1) و اخترناه نحن عليه ثلاثة أرباع الدّية، لأنّه قطع ثلاثة أرباع لسانه.

و لو قطع نصف لسانه فذهب ربع كلامه، فعلى الأوّل عليه ربع الدّية، و على ما اخترناه النّصف، فإن قطع آخر باقيه كان عليه ثلاثة أرباع الدية، لأنّه أذهب ثلاثة أرباع كلامه.

و لو جنى على اللّسان فأذهب الذّوق، ففيه الدّية و إن لم يقطع من اللّسان شيئا و لا ذهب من نطقه شيء.

و لو قطع لسان الأخرس فذهب ذوقه، فالدّية، فإن جنى على لسان ناطق فأذهب كلامه و ذوقه، فديتان، فإن قطعه فذهبا معا، ففيه دية واحدة، لأنّهما يذهبان تبعا لذهابه فتجب ديته خاصّة، كما لو قتله لم يجب إلاّ دية واحدة و إن ذهبت منافعه.

و تبسط الدّية على ثمانية و عشرين حرفا، ففي الحرف الواحد ربع سبع الدّية، و في الحرفين نصف السبع، و على هذا لا فرق بين ما خفّ من الحروف

ص: 575


1- . المبسوط: 134/7.

على اللّسان و ما ثقل و كثر هجاؤه، كالسّين و الشّين و الصّاد و الباء و التّاء.(1)

و لو جنى على شفته فذهب بعض الحروف، فالوجه أنّه يجب فيه بقدره، و كذا إن ذهب بعض حروف الحلق بجنايته، و ينبغي أن يحسب تقديره من الثمانية و العشرين.

و لو ذهب حرف فعجز عن كلمة، مثل أن أعدم الحاء فصار مكان «محمّد» «ممّد» و مكان «أحمد» «أمد» لم يجب سوى أرش الحروف.

و إن ذهب حرف فأبدل مكانه [حرفا] آخر، مثل أن يقول في درهم:

«دلهم» و في أودعهم: «أوديهم» فعليه ضمان [الحرف] الذّاهب فإن جنى عليه ثانيا فأذهب البدل، وجبت ديته أيضا.

و لو حصل في كلامه تمتمة، أو فأفأة، أو سرعة، فعليه حكومة، فإن جنى عليه آخر فأذهب كلامه ففيه الدّية كاملة، كمن جنى على عين فعمشت، ثمّ جنى [عليها] آخر فذهب ضوؤها.

و لو كان ألثغ من غير جناية [عليه]، فذهب إنسان بكلامه أجمع، فإن كان مأيوسا من زوال لثغته، ففيه يقسط ما ذهب من الحروف، و إن كان غير مأيوس من زوالها، كالصّبي أو الكبير إذا أمكن إزالة لثغته بالتعليم، ففيه الدّية كاملة، لأنّ الظاهر زوالها.

و لو قطع بعض اللّسان عمدا، ثبت فيه القصاص، و يعتبر فيه بالأجزاء لا بالمساحة، فإن كان قد قطع نصف اللّسان مساحة، قطع نصف لسانه بالمساحة،

ص: 576


1- . في «ب»: «و الباء و الثاء» و في المبسوط: 133/7 «و التاء و الثاء».

و إن قطع الثّلث فالثلث، و على هذا فإن اقتصّ [المجنيّ عليه] فذهب من كلام الجاني مثل ما ذهب من كلامه المجنيّ عليه أو أكثر، فقد استوفى حقّه و لا شيء في الزّائد، لأنّه من سراية القود، و هي غير مضمونة، و إن ذهب أقلّ فللمقتصّ دية ما بقي لأنّه لم يستوف بدله.

و لو قطع لسانه فنبت و عاد، لم يجب ردّ ما أخذ من الدّية، لأنّه هبة من اللّه تعالى مجدّدة، فإنّ العادة جارية بأنّ اللّسان إذا قطع لا يعود، فالعائد ليس هو الذّاهب.

و أمّا إن جنى عليه فذهب بكلامه من غير أن يقطع شيئا من اللّسان، فأخذ الدّية ثم عاد كلامه، استعيد منه الدّية، لأنّه لو ذهب كلامه لما عاد، فلمّا رجع علم أنّه لم يذهب قاله في المبسوط(1) و قال في الخلاف: لا تستردّ.(2) و هو حسن.

و لو قطع نصف لسانه فذهب كلامه أجمع، وجبت الدّية، فإن قطع آخر باقيه فعاد كلامه، لم يجب ردّ الدّية، لأنّ الكلام الصّادر عن اللّسان قد ذهب و لم يعد إلى اللّسان، و إنّما عاد في محلّ آخر، بخلاف المسألة الاولى.

و لو قطع لسانه و ذهب(3) كلامه، فدية واحدة، فإن عاد اللّسان دون الكلام لم تردّ الدّية، و كذا إن عاد كلامه دون لسانه.

و لو كان للّسان طرفان فقطع أحدهما فذهب كلامه أجمع، ففيه الدّية، و إن لم يذهب شيء من الكلام فهو زيادة ففيه حكومة، و إن ذهب بعض الكلام، فإن

ص: 577


1- . المبسوط: 136/7.
2- . الخلاف: 242/5، المسألة 37 من كتاب الدّيات.
3- . في «ب»: فذهب.

تساوى الطّرفان، و كان ما قطعه بقدر ما ذهب من الكلام، وجب، و إن كان أحدهما أكثر وجب بقدر الأكثر على ما اعتبرناه نحن أوّلا، و إن كان أحدهما منحرفا عن سمت اللّسان، فهو زيادة، و فيه حكومة.

و لو ادّعى الصّحيح ذهاب نطقه عند الجناية، صدّق مع القسامة، لتعذّر البيّنة، و في رواية عن عليّ عليه السّلام: يضرب لسانه بإبرة، فإن خرج الدّم أسود صدق، و إن خرج أحمر كذب.(1)

و لو ادّعى الجاني بعد القطع بكمه، و ادّعى الصحّة قدّم قول الجاني مع يمينه، لإمكان إقامة البيّنة على الصّحة، فإنّه من الأعضاء الظّاهرة.

و لو سلم الجاني أنّه كان صحيحا ثمّ خرس، و قطعه بعده، و ادّعى المجنيّ عليه السّلامة، قال الشيخ رضي اللّه عنه: الأقوى تقديم قول المجنيّ عليه مع اليمين.

7230. الثالث:

في الذّكر الدّية كاملة إذا كان صحيحا، سواء كان دقيقا أو غليظا، طويلا أو قصيرا، لشاب أو شيخ أو طفل صغير، أو من سلّت خصيتاه و سواء قدر به على الجماع أو لم يقدر.

أمّا ذكر العنّين ففيه ثلث الدية، و كذا الأشل، و لو قطع الفحل ذكر الخصيّ عمدا، اقتصّ منه، و تثبت الدّية في الحشفة فما زاد، و إن استؤصل.

و لو قطع الحشفة فقطع آخر الزّائد، فعلى الأوّل الدّية كملا، و على الثّاني حكومة.

و لو قطع الحشفة و بعض العصبة، فالدّية خاصّة، كما لو قطع الذّكر أجمع،

ص: 578


1- . الوسائل: 279/19، الباب 4 من أبواب ديات المنافع، الحديث 1.

و لو قطع بعض الحشفة فعليه ديته خاصّة، و يعتبر بالمساحة بالنّسبة إلى الحشفة خاصّة، لا من جميع الذّكر.

و لو قطع بعض ذكر العنّين، اعتبر بحسابه و يؤخذ بنسبة مساحة المقطوع إلى جميع الذّكر، سواء الحشفة و بعضها و ما زاد عليها، و لا يعتبر بعض الحشفة فيه بالنّسبة إلى الحشفة بل إلى الجميع(1) و كذا الحشفة أجمع لا يجب فيها الثلث، بل يعتبر مساحتها بالنّسبة إلى أصل الذكر و يؤخذ بتلك النّسبة.

فإن جنى على ذكر الصّحيح فصار أشلّ ، فعليه ثلثا الدّية، فإن قطعه آخر بعد الشلل فعليه الثلث، فإن جنى عليه فعاب فصار به دمل أو برص أو جراح أو تعرّض(2) رأسه، ففيه حكومة، فإن قطع آخر هذا المعيب، فالدّية كاليد العثماء(3).

فإن قطع بعضه طولا، مثل أن يشقّه باثنين و يقطعه، فعليه ما يخصّه من الدّية، و هو النصف.

و لو قطع منه قطعة دون الحشفة، فإن كان البول يخرج من مكان الجرح، فعليه أكثر الأمرين من الحكومة أو بقدره من الدّية، فإن بقي البول يخرج بحاله وجب بقدر القطعة من جميع الذكر، فإن أجافه فاندمل ففيه حكومة.

ص: 579


1- . في «أ»: بل إلى جميع الذّكر سواء.
2- . تعرّض: تعوّج، و في المبسوط: 151/7 «تغوص» من الغوص، و ما في المتن هو المناسب لتشبيهه باليد العثماء.
3- . في مجمع البحرين: عثم العظم المكسور: إذا انجبر من غير استواء.

و لو قطع نصفه طولا، فعليه النّصف، فإن ذهب الجماع به، فالدّية كملا، و كذا لو جنى عليه بغير القطع فذهب جماعه.

و لو ذهب الجماع بالقطع تداخلت الدّية.

و لو ثقب ذكره فيما دون الحشفة فصار البول يخرج من الثّقب فالحكومة.

7231. الرابع:

في شعر الرّأس إذا لم ينبت الدّية كاملة، و كذا اللّحية، سواء كانا خفيفين أو كثيفين، و سواء كان ذلك لشابّ أو شيخ، فإن نبتا ففي اللّحية الثّلث أفتى به الشيخ رضي اللّه عنه(1) و ابن إدريس(2) و هي رواية عن عليّ عليه السّلام ضعيفة السند(3)و في شعر الرأس إذا نبت الأرش(4) و الأقوى عندي في اللّحية ذلك أيضا.

و قال المفيد رضي اللّه عنه: في شعر الرأس إن لم ينبت مائة دينار و كذا اللّحية(5)و المعتمد الأوّل.

و في شعر المرأة إذا لم ينبت ديتها، فإن نبت فمهر نسائها، و متى تؤخذ الدّية و يعلم عدم الإنبات ؟ الظّاهر أنّه سنة، رواه الشّيخ عن ابن أبي نصر، عن عيسى بن مهران، عن أبي غانم، عن منهال بن خليل، عن ثلمة بن تمام، قال:

«أهرق رجل قدرا فيها مرق على رأس رجل فذهب شعره، فاختصموا في ذلك إلى عليّ عليه السّلام فأجّله سنة فجاء فلم ينبت شعره، فقضى عليه بالدية».(6)

ص: 580


1- . الخلاف: 211/5، المسألة 91 من كتاب الجنايات.
2- . السرائر: 377/3.
3- . الوسائل: 260/19، الباب 37 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1.
4- . لاحظ النهاية: 764؛ و السرائر: 377/3.
5- . المقنعة: 756.
6- . الوسائل: 261/19، الباب 37 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 3.

و لو طلب الدّية قبل ذلك، فإن حكم أهل الخبرة بعدم النبات بأن يذهب على وجه لا يرجى عوده مثل أن يقلب على رأسه ماء حارّ فيتلف منبت الشعر، فيقلع بالكلّية، بحيث لا يعود، دفعت إليه و إلاّ فلا.

و لو طلب الأرش و إبقاء الباقي حتّى يستبان حاله، دفع إليه، و لو نبت بعد السّنة، فالأقرب ردّ ما فضل من الدّية عن الأرش، و كذا لو نبت بعد حكم أهل المعرفة بعدم رجوعه.

و في ثبوت القصاص في الشعر إشكال من حيث إنّ إتلافه إنّما يكون بالجناية على محلّه، و هو غير معلوم المقدار، فلا يمكن المساواة فيه.(1)

و لو ذهب بعض شعر الرّأس أو بعض شعر اللّحية على وجه لا ينبت، ففيه من الدّية بحساب الباقي، و يعتبر بنسبة المحلّ المقلوع منه إلى الجميع بالأجزاء، و لو نبت ففيه الأرش، و لا يعتبر نسبته إلى أرش الجميع بالجزء.

7232. الخامس:

في العنق إذا كسر فصار الإنسان أصور(2) الدّية كاملة، و رواه مسمع عن الصادق عليه السّلام عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

في الصّعر الدّية، و الصّعر أن يثني عنقه، فيصر في ناحية.(3)

و منه قوله تعالى: (وَ لاٰ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنّٰاسِ ) (4) أي لا تعرض عنهم، و كذا

ص: 581


1- . في «أ»: فلا يمكن المسافة فيه.
2- . في النهاية الأثيرية: 60/3 «حملة العرش كلّهم صور» هو جمع أصور، و هو المائل العنق لثقل حمله.
3- . الوسائل: 286/19-287، الباب 11 من أبواب ديات المنافع، الحديث 1.
4- . لقمان: 18.

لو جنى على العنق بما يمنع الازدراد، و لو زال فلا دية، و يثبت الأرش.

و لو جنى عليه فصار الالتفات عليه شاقّا أو ابتلاع الماء أو غيره فالحكومة لأنّه لم تذهب المنفعة كلّها، و لا يمكن تقديرها.

7233. السّادس:

في الظّهر الدية كاملة، لرواية الحلبي الصّحيحة عن الصادق عليه السّلام: في الرّجل يكسر ظهره فقال: فيه الدّية كاملة.(1)

و كذا الصّلب، و كذا لو أصيب الظّهر فاحدودب، أو صار بحيث لا يقدر على القعود، فإن صلح كان فيه ثلث الدّية.

و في رواية ظريف:(2) إذا كسر الصلب فجبر على غير عيب فمائة دينار و إن عثم فألف دينار، و لو كسر فشلّت الرّجلان، فدية للصّلب و ثلثا دية للرّجلين.

و قال في الخلاف: لو كسر الصلب فذهب مشيه و جماعه (معا)(3)فديتان(4) فعلى هذا الوجه لو جبر صلبه فعادت إحدى المنفعتين وجبت دية واحدة، و لو عادت ناقصة فدية و حكومة عن نقص العائدة(5) فإن ادّعى ذهاب الجماع، و شهد أهل الخبرة بأنّ هذه الجناية تؤدّي إليه، فالقول قول المجنيّ عليه مع يمينه.

ص: 582


1- . الوسائل: 214/19-215، الباب 1 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 4.
2- . نقل الصدوق في الفقيه: 54/4-66، و الشيخ في التهذيب: 295/10-308 برقم 1148، و ابن سعيد الحلي في الجامع للشرائع: 605-624، حديث ظريف بتمامه خلافا للكليني و صاحب الوسائل حيث جزّا الحديث حسب الأبواب.
3- . ما بين القوسين يوجد في المصدر.
4- . الخلاف: 253/5، المسألة 60 من كتاب الدّيات.
5- . في «ب»: عن بعض الفائدة.

و لو كسر صلبه فشلّ ذكره، وجبت دية الصّلب و ثلثا دية للذّكر، و لو ذهب ماؤه دون جماعه، احتمل وجوب الدّية، لأنّه ذهب بمنفعة مقصودة، و يحتمل الحكومة لأنّه لم تذهب المنفعة أجمع.

7234. السابع:

في النخاع إذا قطع الدّية كاملة.

7235. الثامن:

في كسر البعصوص(1) بحيث لا يملك الغائط الدّية.

7236. التاسع:

في كسر العجان(2) بحيث لا يملك الغائط و لا البول الدّية كاملة.

7237. العاشر:

في افتضاض البكارة بالإصبع مع خرق المثانة بحيث لا تملك بولها ديتها، و في رواية: ثلث ديتها(3) و في أخرى: مثل مهر نسائها.(4)

و المعتمد الأوّل.

7238. الحادي عشر:

في إفضاء الرّجل لزوجته بالوطء قبل تسع سنين الدّية خمسمائة دينار و حرمت عليه أبدا، و عليه المهر و الإنفاق عليها حتّى يموت أحدهما.

و اختلف في الإفضاء: فقيل: إنّه يصير مخرج البول و الحيض واحدا

ص: 583


1- . قال الشهيد في المسالك: 440/15: البعصوص هو العصعص بضمّ عينيه، و هو عجب الذّنب بفتح عينه أعني عظمه، و قال الرّاوندي: «البعصوص عظم رقيق حول الدّبر» و لم يذكر ذلك، أهل اللّغة.
2- . في مجمع البحرين: العجان - ككتاب -: ما بين الخصية و حلقة الدّبر.
3- . التهذيب: 295/10، رقم الحديث 1148.
4- . الوسائل: 256/19، الباب 30 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2.

و قيل: أن يصير مخرج الحيض و الغائط واحدا(1) و كلاهما عندي وجه و تجب الدّية بأيّهما كان لذهاب منفعة الجماع معهما، فإن أفضاها الزوج بالوطء بعد البلوغ، فلا شيء عليه، لأنّه فعل مأذون فيه شرعا، و في رواية السّكوني عن جعفر عن أبيه عن عليّ عليه السّلام: «أنّ رجلا أفضى امرأة فقوّمها قيمة الأمة الصّحيحة و قيمتها مفضاة، ثمّ نظر ما بين ذلك، فجعل(2) من ديتها، و أجبر الزوج على إمساكها».(3)

و لو أفضاها غير الزّوج فالدّية خاصّة، و هل يشترط عدم البلوغ حينئذ؟ فيه نظر، أقربه العدم، سواء كان زنى بإكراه لها أو بدونه، أو بوطء شبهة.

و لو كانت بكرا لم يتداخل أرش البكارة و دية الإفضاء، و لو حصل مع ذلك استرسال البول، فالحكومة أيضا، لكن مع الإكراه ثبت لها مع الدّية المهر.

و لو طاوعته فلا مهر، و عليه الدّية، و لو كانت بكرا وجب المهر و الدّية و أرش البكارة جميعا، و يلزم ذلك في ماله، لأنّ الجناية إمّا عمد أو شبيه عمد.

و من افتضّ جارية بإصبعه، فذهب بعذرتها، كان عليه مهر نسائها، سواء كان الفاعل رجلا أو امرأة، فإن افتضّها بإصبعه فخرق مثانتها، فلم تملك بولها، الدّية، و في رواية ثلث الدّية(4) و الأوّل أولى و يجب مهر نسائها مضافا إلى الدّية.

7239. الثّاني عشر:

في العينين معا الدية كاملة إجماعا، و في كلّ واحدة

ص: 584


1- . لاحظ الأقوال في تفسير الإفضاء: المختلف: 396/9، و المبسوط: 149/7 و السرائر: 393/3.
2- . كذا في المصدر و لكن في النسختين: «فجعلها».
3- . الوسائل: 212/19، الباب 44 من أبواب موجبات الضّمان، الحديث 3.
4- . الوسائل: 256/19، الباب 30 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2.

النّصف، سواء كانت كبيرة أو صغيرة، و مليحة أو قبيحة، و صحيحة أو مريضة، أو حولاء، أو رمصاء(1) أو عمشاء، أو جاحظة(2)، أو فيها بياض لا ينقص البصر، و لو نقص البصر نقص من الدّية بقدره.

و في العين الصّحيحة من الأعور الدّية كاملة، ألف دينار في الرّجل و خمسمائة في المرأة إن كان العور خلقة أو بآفة من اللّه تعالى و لو كان بجناية جان فخمسمائة دينار، سواء كان قد أخذ ديتها أو استحقّ الدّية و لم يأخذها.

و لو فقأ الأعور عين صحيح فقئت عينه الصّحيحة، و لا يردّ عليه شيء، و إن عمي فإنّ الحقّ أعماه.

فإن فقأ الصّحيح عينه الصّحيحة، كان الأعور بالخيار بين أخذ الدّية كاملة و بين قلع إحدى عيني الصّحيح المساوية لها في المحلّ و أخذ نصف الدّية.

و لو خسف عين الأعور(3) المعيبة، كان عليه ثلث دية الصّحيحة، سواء كان العور من اللّه أو بجناية جان، و سواء أخذ الأرش أو لا، و أخطأ ابن إدريس هنا، ففرّق بين أن يكون العور من اللّه تعالى و بين أن يكون بجناية قد استحق أرشه، و أوجب في الأوّل نصف الدّية و ادّعى عليه الإجماع، و في الثّاني الثلث(4)و سبب خطائه سوء فهمه بكلام الشيخ رضي اللّه عنه.

ص: 585


1- . في مجمع البحرين: الرّمص - بالتحريك -: وسخ يجتمع في موق العين، فإن سال فهو غمص، و إن جمد فهو رمص.
2- . الجحاظ: خروج مقلة العين و ظهورها. لسان العرب: 186/2.
3- . في «ب»: عيني الأعور.
4- . السرائر: 381/3-382.

و العين القائمة إذا خسف بها، كان فيها ثلث دية العين الصّحيحة.

و لو قلع العين الصّحيحة من الأعور و القائمة الذّاهبة من اللّه تعالى، كان عليه دية النّفس في العين الصّحيحة و ثلث دية العين عن القائمة، و لو كان العور بجناية جان، كان عليه نصف الدّية عن العين الصّحيحة و ثلث دية العين عن القائمة.

فإن ادّعى قالع العين أنّها كانت عمياء في الأصل، قدّم قوله مع اليمين و عدم البيّنة، و إن ادّعى تجدّد العمى قدّم قول المجنيّ عليه مع اليمين عملا بأصالة السّلامة، و يحتمل تقدّم قول الجاني، عملا بأصالة البراءة و قواهما معا الشيخ رضي اللّه عنه.(1)

و لو جني على الصحيحة فأحولت، ففيها حكومة.

7240. الثالث عشر:

في الأذنين معا الدّية، و في كلّ واحدة نصف الدّية، و تجب الدّية بقطع اشرافهما و هو الغضروف النّاتي عن جانبي الرّأس، و الجلد القائم بين العذار و البياض إلى حولها، سواء كانت سميعة أو صمّاء لأنّ الصمم عيب في غيرها، و في بعضها بحساب ديتها، و يعتبر بالمساحة من أصل الاذن فيؤخذ بالنّسبة بعد التّقدير بالأجزاء.

و في شحمة كلّ أذن ثلث دية الأذن، قال الشيخ رضي اللّه عنه: و في خرمها ثلث ديتها.(2) قال ابن إدريس: يعني أنّ في خرم الشّحمة ثلث دية الشّحمة.(3)

ص: 586


1- . لاحظ المبسوط: 129/7-130.
2- . النهاية: 766، و الخلاف: 234/5، المسألة 19 من كتاب الدّيات.
3- . السرائر: 382/3.

و لو قطع بعض الأذن غير الشّحمة، اعتبر بالمساحة من جميع الأذن مع الشّحمة، سواء كان من أعلى أو من أسفل عدا الشّحمة، أو من أوسط.(1)

و في استحشاف الأذن، و هو شللها، ثلثا دية الأذن، و في قطعها بعد الشلل الثّلث.

7241. الرابع عشر:

في الشفتين معا الدية كاملة إجماعا، و حدّ السّفلى عرضا ما تجافى عن الأسنان و اللّثة ممّا ارتفع عن جلدة الذّقن، و حدّ العليا عرضا ما تجافى عن الأسنان و اللّثة إلى اتّصاله بالمنخرين و الحاجز، و حدّهما في الطول طول الفم إلى حاشية الشّدقين، و ليست حاشية الشّدقين منهما.

و سواء كانتا غليظتين، أو دقيقتين، أو مختلفتين، و سواء كانتا طويلتين أو قصيرتين.

و اختلف علماؤنا في تقدير كلّ واحدة، فقال ابن أبي عقيل رضي اللّه عنه: إنّهما سواء(2) لرواية عبد اللّه بن سنان الحسنة عن الصّادق عليه السّلام قال: ما كان في الجسد منه اثنان ففيه نصف الدّية.(3)

و عن هشام بن سالم قال: كلّ ما كان في الإنسان اثنان ففيهما الدّية، و في أحدهما نصف الدية.(4)

و إن لم يسندها إلى الإمام إلاّ أنّ هشاما ثقة و الظّاهر أنّه سمعها من الإمام عليه السّلام.

ص: 587


1- . في «أ»: أو من أوسطه.
2- . حكاه عنه المصنّف في المختلف: 379/9، و ابن إدريس في السرائر: 383/3.
3- . الوسائل: 213/19، الباب 1 من أبواب ديات الأعضاء: الحديث 1.
4- . الوسائل: 217/19، الباب 1 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 12.

و عن سماعة قال: سألته إلى أن قال: و الشّفتان العليا و السّفلى سواء في الدّية.(1)

و قال المفيد رضي اللّه عنه: في العليا ثلث الدّية، و في السّفلى الثّلثان، لأنّ المنفعة بها أكثر و بما ثبت عن آل محمد عليهم السّلام.(2)

و قال الشيخ رضي اللّه عنه في النهاية(3) و ظريف في كتابه(4): في السفلى ستّمائة دينار و في العليا أربعمائة، لما رواه الحسن بن محبوب عن أبي جميلة عن أبان ابن تغلب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: في الشّفة السّفلى ستّة آلاف درهم و في العليا أربعة آلاف، لأنّ السّفلى تمسك الماء.(5)

و قال في المبسوط بقول المفيد رضي اللّه عنه(6) و في أبي جميلة ضعف. و قال ابن بابويه رضي اللّه عنه: في العليا نصف الدّية. و في السّفلى الثّلثان(7) و هو منقول عن ظريف(8).

و أجود ما بلغنا من الأحاديث في هذا الباب ما أفتى به ابن أبي عقيل.

و في قطع بعض الشّفة بنسبة مساحتها، و لو جنى عليهما فتقلّصتا فلم

ص: 588


1- . الوسائل: 216/19، الباب 1 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 10.
2- . المقنعة: 755.
3- . النهاية: 766.
4- . الموجود في رواية ظريف: ان دية الشفة العليا خمسمائة دينار، و السفلى ستمائة و ستّ و ستّون دينارا و ثلثا دينارا، فهو مفصّل لا بالنحو المنقول في المتن، نعم نقله عنه المحقّق في الشرائع: 264/4.
5- . الوسائل: 222/19، الباب 5 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2.
6- . المبسوط: 133/7.
7- . نقله عنه المحقّق في الشرائع: 264/4 و في مفتاح الكرامة - كما في هامش الجواهر -: أنّ المراد هو عليّ بن بابويه والد الصّدوق لا نفسه. لاحظ جواهر الكلام: 205/43.
8- . لاحظ الوسائل: 221/19-222، الباب 5 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1.

تنطبقا على الأسنان، قال الشيخ رضي اللّه عنه: كان عليه الدّية(1) و يحتمل الأرش و لو استرختا فثلثا الدية.

فإن قطعهما آخر بعد الشّلل فالثّلث، فإن تقلّصتا بعض التقلّص فالحكومة.

فإن شقّ الشفتين حتّى بدت الأسنان، وجب عليه ثلث الدّية فإن برأ و صلح، فخمس الدّية، و لو كان ذلك في إحداهما كان فيه ثلث ديتها، فإن برأت فخمس ديتها.

7242. الخامس عشر:

في اللّحيين معا الدّية كاملة، و هما العظمان اللّذان يقال لملتقيهما الذّقن، و يثبت فيهما الأسنان السّفلى و يتّصل طرف كلّ واحد منهما بالأذن، هذا إذا قلعا منفردين عن الأسنان كلحيي الصبيّ ، أو من لا أسنان له، فإن قلعا مع الأسنان فديتان.

و في نقص المضغ بالجناية عليهما أو تصلّبهما الأرش.

و في كلّ واحد منهما نصف الدّية.

7243. السّادس عشر:

في الحاجبين معا نصف الدّية، و في كلّ واحد ربع الدّية مائتان و خمسون دينارا، و ادّعى ابن إدريس(2) عليه الإجماع، و ما أصيب من ذلك فبحسابه مساحة.

و قال الشيخ رضي اللّه عنه: في المبسوط: فأمّا اللّحية و شعر الرّأس و الحاجبين، فإنّه يجب فيها عندنا الدّية(3) و هو يشعر بوجوب الدّية فيهما، و الأصل ما ذكرناه،

ص: 589


1- . المبسوط: 132/7.
2- . السرائر: 378/3.
3- . المبسوط: 153/7.

أوّلا، و إن كان الحديث الدّال على أنّ «كلّ ما في الإنسان منه اثنان ففيه الدّية» يدلّ عليه.(1)

7244. السّابع عشر:

في اليدين معا الدّية كاملة، و في كلّ واحدة النّصف سواء اليمين و الشّمال، و حدّها المعصم، و هو المفصل الّذي بين الكفّ و الذّراع، فلو قطعت مع الأصابع، فدية واحدة خمسمائة دينار، و إن قطعت الأصابع منفردة، ففيها خمسمائة دينار.

و لو قطع كفّا لا أصابع له فالحكومة، سواء ذهبت الأصابع بجناية جان أو من قبل اللّه تعالى.

و لو قطع مع اليد بعض الزّند، ففي اليد خمسمائة دينار، و في الزّائد حكومة.

و لو قطع اليد ثمّ قطع بعض الزّند(2) فدية اليد خمسمائة دينار، و في الزّائد حكومة، سواء كان القطعان من واحد أو اثنين.

و لو قطع اليد من المرفق أو من المنكب، فالزائد على الكوع فيه حكومة.

قال الشيخ رضي اللّه عنه: اليد الّتي يجب نصف الدّية فيها، هي الكفّ إلى الكوع، و هو أن يقطعها من المفصل الّذي بينها و بين الذّراع، فإن قطع أكثر من ذلك كان فيها دية و حكومة بقدر ما يقطع، فإن كان من نصف الذّراع، أو المرفق، أو العضد، أو المنكب، ففي الزائد حكومة و كلّما كانت الزّيادة أكثر كانت الحكومة

ص: 590


1- . لاحظ الوسائل: 217/19، الباب 1 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 12.
2- . في «ب»: ثم قطع الزّند.

أكثر و عندنا أن جميع ذلك فيه مقدّر ذكرناه في كتاب تهذيب الأحكام.(1)

و هو يعطي أنّ الحكومة ليست مذهبا له، و إنّما نقلها عن المخالف.

و قال المفيد رضي اللّه عنه: في اليدين إذا استوصلتا الدّية كاملة، و كذلك في الذّراع و الذّراعين و العضد و العضدين.(2)

و هو يعطي أنّ في الذّراع منفردا الدّية، و كذا في العضد.

و قال أبو الصّلاح في السّاعدين الدّية و في إحداهما نصف الدّية و في بعض ذلك بحسابه يقاس و يؤخذ دية ما قطع بحساب دية السّاعد أو العضد.(3)

و هو موافق للمفيد رضي اللّه عنه و يعضده ما دلّت الرّوايات عليه من أنّ كلّ ما في الإنسان منه اثنان، ففيه الدّية.(4) و عليه أعتمد.

أمّا لو قطع اليد من المرفق أو المنكب فدية اليد خاصّة، و لو كان له كفّان في ذراع، أو يدان على عضد، و إحداهما باطشة دون الأخرى، أو إحداهما أكثر بطشا، أو في سمت الذّراع و الأخرى منحرفة عنه أو إحداهما تامّة و الأخرى ناقصة إصبعا، فالأولى أصليّة و الأخرى زائدة فالأولى يجب فيها نصف الدّية و القصاص بقطعها عمدا و في الأخرى حكومة.

و قال في المبسوط: في الزائدة ثلث دية اليد الأصليّة(5) فإن تساويا في

ص: 591


1- . المبسوط: 143/7، و لاحظ التهذيب: 301/10-303.
2- . المقنعة: 755.
3- . الكافي في الفقه: 398.
4- . لاحظ الوسائل: 217/19، الباب 1 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 12.
5- . المبسوط: 144/7-145.

البطش و التّمام و السّمت، فإحداهما زائدة لا بعينها، فإن كانتا غير باطشتين ففيهما ثلث دية اليد و حكومة، و لا تجب دية اليد الكاملة، لأنّه لا نفع فيهما، فهما كاليد الشّلاء.

و ان كانتا باطشتين، ففيهما جميعا دية يد و حكومة.

و قال الشيخ رضي اللّه عنه: فيهما دية يد و ثلث(1) فإن قطع إحداهما فلا قود، لاحتمال أن تكون هي الزائدة، و فيها نصف ما فيهما إذا قطعتا، و هي نصف دية يد و حكومة.

و لو قطع إصبعا من إحداهما، وجب أرش نصف إصبع و حكومة.

و إن قطع ذو اليد الّتي لها طرفان يدا منفردة، فالأقرب عدم القصاص، لأنّ إحداهما الأصليّة غير معلومة فتجب الدّية، و لو طلب المجنيّ عليه أخذ إحداهما، فالوجه عندي أجابته، لأنّ المأخوذة إن كانت أصلية أجزأت لأنّها المستحقة، و إن كانت زائدة فكذلك، لأنّ النّاقص يؤخذ بالكامل.

و في يد الأعسم(2) و قدم الأعرج دية اليد الصّحيحة و القدم الصّحيحة، لأنّ العسم لاعوجاج في الرّسغ، و ليس عيبا في الكفّ ، و العرج لمعنى في غير القدم، و ليس عيبا فيه.

و في اليد الشّلاء ثلث دية اليد الصّحيحة، و في اليدين ثلث دية النّفس،

ص: 592


1- . المبسوط: 145/7.
2- . في مجمع البحرين: عسم الكفّ و القدم - من باب تعب -: يبس مفصل الرّسغ حتّى تعوّج الكفّ و القدم. و لاحظ المبسوط: 144/7.

و لا تجب الدّية بكمالها، و في رواية تجب الدية أجمع(1) و المشهور الأوّل.

و لو قطع يد أقطع أو رجل أقطع فله نصف الدّية، أو القصاص من مثلها إن كان عمدا، سواء كان ذهاب اليد الأخرى بآفة من اللّه تعالى، أو بجناية جان، أو في سبيل اللّه، و كذا في أذن من قطعت أذنه، أو منخر من قطع منخره، و لا يجب فيه أكثر من نصف الدّية و إن كان ذاهبا من قبل اللّه تعالى.

و لو جنى على اليد فعوّجها، أو نقص قوّتها، أو شانها، فعليه الحكومة، و كذا لو كسر يده ثم برأت لزمه الأرش.

7245. الثامن عشر:

في الرّجلين معا الدّية و في كلّ رجل النّصف، سواء اليمنى و اليسرى، و حدّها من مفصل السّاق و القدم.

و في الأصابع منفردة دية كاملة و لا شيء فيها مع الانضمام.

و قال الشيخ في السّاقين و الفخذين مقدّر عندنا.(2) قال أبو الصّلاح في السّاقين الدّية، و في إحداهما نصف الدّية، و في الفخذين الدّية، و في إحداهما النّصف(3) و هو جيّد للرّوايات(4) الدّالة على أنّ الدّية تثبت في كلّ ما في الإنسان منه اثنان.

و لو قطع الرّجل من أصل الرّكبة أو من أصل الفخذ، فالوجه عندي أنّ عليه دية الرّجل خاصّة، أمّا لو قطع الرّجل ثمّ قطع السّاق، وجبت عليه ديتان.

ص: 593


1- . لاحظ الوسائل: 272/19، الباب 1 من أبواب ديات المنافع، الحديث 1.
2- . المبسوط: 143/7.
3- . الكافي في الفقه: 399.
4- . لاحظ الوسائل: 217/19، الباب 1 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 12.

و لو قطع بعض السّاق، قال أبو الصّلاح: يعتبر في الأصل بالمساحة و يثبت من الدّية بنسبة الفائت(1) و يحتمل الحكومة.

و لو ضربه فشلّت الرّجلان فثلثا الدّية، و في إحداهما ثلثا ديتها، و في رواية الدّية كملا في شللهما معا(2) و المشهور ما قلناه، فإن قطعت بعد الشّلل، فثلث الدّية.

و لو كان له قدمان على ساق أو قدمان و ساقان على ركبة، أو قدمان و ساقان و فخذان على ورك، فإن اختصّت إحداهما بالبطش فهي الأصلية، و إن كانتا باطشتين لكن إحداهما أكثر بطشا، فهي الأصليّة، فإن تساوتا و احداهما خارجة عن سمت الخلقة، فهي الزّائدة.

فإن كانتا على سمت الخلقة و إحداهما ناقصة إصبعا، فهي الزّائدة.

فإن تساوتا فإحداهما أصليّة و الأخرى زائدة، و الحكم فيها كما في اليدين سواء.

إلاّ أنّ في الرّجلين تفصيلا، و هو أنّ إحداهما إذا كانت أطول من الأخرى، و لا يمكنه المشي على القصيرة، لمنع الطّويلة من وصولها إلى الأرض فإذا قطع قاطع الطّويلة فإن لم يقدر على المشي على القصيرة حينئذ فعليه القود أو الدّية، لظهور أنّها أصليّة، و إن قدر على المشي على القصيرة، فعليه دية الزّائدة، و هي ثلث الأصليّة أو الحكومة، على ما اخترناه، لظهور أنّ القصيرة هي الأصليّة و إنّما

ص: 594


1- . الكافي في الفقه: 399. نقله بالمعنى.
2- . لاحظ الوسائل: 272/19-273، الباب 1 من أبواب ديات المنافع، الحديث 1.

يقدر(1) المشي عليها لطول الزائدة، فإن قطعت القصيرة بعد الطّويلة، ففيها القود أو دية الأصليّة.

و لو جنى على الطّويلة فشلّت ففيها ثلث الدّية، لأنّ الظّاهر أصالتها، و لا يمكن الصّبر لينظر هل يمشي على القصيرة أم لا.

فإن قطعها آخر بعد الشّلل، ففيه ثلث دية الرّجل، فإن لم يقدر على المشي على القصيرة استقرّ الحكم، و إن قدر، ظهرت زيادة الطّويلة فيستردّ من الدّية الفاضل.

و لو كان له قدمان في رجل واحدة، و كانت إحداهما أطول من الأخرى، و كان الطّويل مساويا للرّجل الأخرى، فهو الأصلي(2) و إن كان زائدا عنها و الاخر مساويا، فالمساوي أصليّ .

و الأعرج معروف، و الأعسم قيل: الأعسر، و قيل: من في رسغه ميل عند الكوع، فلو قطع قاطع رجل الأعرج أو يد الأعسم، ففي كلّ واحدة نصف الدّية، قال الشيخ: لظاهر الخبر(3) و قد روى في التّهذيب: عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن يوسف بن الحرث، عن محمّد بن عبد الرّحمن العزرمي، عن أبيه عبد الرّحمن عن جعفر، عن أبيه عليهما السّلام أنّه جعل في الرّجل العرجاء ثلث ديتها(4).

و هو جيّد إن كان العرج شلا، و في الرّجل الشلاّء ثلث دية الصّحيحة.

و لو ضرب رجليه فشلّتا فعليه ثلثا الدّية، و في إحداهما ثلثا ديتها، و في رواية، في شلل الرّجلين الدّية(5).

ص: 595


1- . في بعض النسخ: يتعذّر.
2- . في «ب»: فهو الأصل.
3- . المبسوط: 144/7.
4- . التهذيب: 275/10، رقم الحديث 1074.
5- . لاحظ الوسائل: 273/19، الباب 1 من أبواب ديات المنافع، الحديث 1.

و يحمل على تعذّر المشي بالكلّية.

و في شلل كلّ عضو صحيح ثلثا ديته، و في قطعه بعد الشّلل الثلث.

7246. التاسع عشر:

و في ثديي المرأة ديتها، و في كلّ واحد النّصف، سواء اليمين و اليسار بالإجماع.

و لو جنى عليهما فانقطع لبنهما، أو تعذّر نزوله فالحكومة.

و لو قطعهما مع شيء من جلد الصّدر، ففيهما ديتها و في الزّائد حكومة.

و لو أجاف مع ذلك الصّدر، فعليه دية الثّدي و حكومة الجلد، و دية الجائفة.

و لو جنى عليهما فشلاّ، قال الشيخ: فيهما الدية(1) و الوجه ثلثا الدّية، و في أحدهما ثلثا ديته. و لو استرخيا فالحكومة.

و لو لم يكن فيهما لبن في الحال إلاّ أنّ المرأة حملت، و جاء وقت اللّبن، فلم يكن فيهما لبن، سئل أهل الخبرة، فان قالوا: إنّ ذلك للجناية وجبت الحكومة، و كذا إن قالوا: إنّه قد يكون للجناية و غيرها، لأنّ انقطاع اللّبن وقت العادة يستند ظاهرا إلى الجناية.

و وقت نزول اللبن في العادة للحامل لأربعين يوما، فإذا وضعت فشرب اللّبأ(2) لم يدرّ منها لبن حتّى يمضي ثلاث أو مدّة النّفاس ثمّ يدرّ لبنها.

ص: 596


1- . المبسوط: 148/7.
2- . في مجمع البحرين: اللّبأ مهموز وزان عنب: أوّل اللّبن عند الولادة.

فإن قطع الحلمتين(1) و هما اللّتان كهيئة الزرّ في رأس الثّدي يلتقمهما الطّفل، ففيهما الدّية.

أمّا حلمتا الرّجل فقال في المبسوط: إنّ فيهما الدّية(2) و كذا في الخلاف(3) و قال ابن بابويه: في حملة ثدي الرّجل ثمن الدّية مائة و خمسة و عشرون دينارا(4) و كذا ذكره الشيخ في التّهذيب عن ظريف.(5)

و الأقرب عندي ما قاله الشّيخ في المبسوط و الخلاف، للأحاديث الدّالة على إيجاب الدّية فيما فيه اثنان.(6)

7247. العشرون:

في الأليتين(7) الدّية، و في كلّ واحدة نصف الدّية، سواء اليسرى و اليمنى، و هما ما أشرف على الظّهر عن استواء الفخذين، و يثبت فيهما الدّية إذا أخذهما(8) إلى العظم الّذي تحتهما، و في ذهاب بعضهما بقدره، فإن جهل المقدار وجبت الحكومة.

7248. الحادي و العشرون:

في الخصيتين الدّية كاملة إجماعا، و في كلّ واحدة النّصف، و في رواية عبد اللّه بن سنان الحسنة عن الصّادق عليه السّلام:

ص: 597


1- . في مجمع البحرين: الحلم - بالتحريك -: القراد الضّخم، الواحدة حلمة و منه قيل لرأس الثدي حلمة على التشبيه بقدرها.
2- . المبسوط: 148/7.
3- . الخلاف: 257/5، المسألة 65 من كتاب الدّيات.
4- . الفقيه: 65/4، رقم الحديث 194، و فيه «مائة دينار و خمسة و عشرون دينارا».
5- . التهذيب: 307/10، رقم الحديث 1148.
6- . لاحظ الوسائل: 217/19، الباب 1 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 12.
7- . في مجمع البحرين: الألية: ألية الشاة و لا تكسر الهمزة.
8- . النسخ هنا مشوّشة صحّحنا العبارة على المبسوط: 146/7.

إنّ في البيضة اليسرى ثلثي الدّية، و في اليمنى الثلث لأنّ الولد من البيضة اليسرى(1) قال المفيد رضي اللّه عنه: في كلّ واحد نصف الدّية، قال: و قد قيل: إنّ في اليسرى منهما ثلثي الدّية، و في اليمنى ثلث الدّية و اعتلّ من قال ذلك بأنّ اليسرى من الأنثيين يكون منها الولد و بفسادها يكون العقم، قال: و لم أتحقّق ذلك برواية صحّت عندي.(2)

و في أدرة(3) الخصيتين أربعمائة دينار، فان فحج(4) فلم يقدر على المشي أو مشى مشيا لا ينتفع به فثمانمائة دينار.

و الأدرة بضمّ الهمزة و سكون الدّال غير المعجم و فتح الرّاء غير المعجمة انتفاخ الخصيتين.

و لو قطع الذّكر و الأنثيين معا، وجبت الدّيتان، سواء قطعهما قبل الذّكر أو بعده.

7249. الثّاني و العشرون:

في الشّفرين دية المرأة كملا، و هما اللّحم المحيط في الفرج إحاطة الشّفتين بالفم، و هما الإسكتان، بكسر الهمزة.

و أهل اللّغة يقولون: إنّ الشفرين حاشية الإسكتين، كما أنّ للعينين جفنين ينطبقان عليهما، و شفرهما هي الحاشية الّتي تنبت فيهما أهداب العين، و الإسكتان كالأجفان، و الشفران بضمّ الشّين كشفري العين، و في كلّ واحد منهما نصف الدّية.

ص: 598


1- . الوسائل: 213/19، الباب 1 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1.
2- . المقنعة: 755.
3- . في مجمع البحرين: الأدرة - وزان غرفة -: هي انتفاخ الخصية.
4- . الفحج: تباعد ما بين الرّجلين في الأعقاب مع تقارب صدور القدمين. مجمع البحرين.

و يستوي في الدّية السّليمة و الرّتقاء، و البكر و الثّيب، و الكبيرة و الصّغيرة، و لا فرق بين أن يكون غليظين أو دقيقين، قصيرين أو طويلين.

فإن جنى عليهما فشلاّ فثلثا الدّية، فإن قطعا فالدّية، فإن اندمل المكان فخرجت في موضع الاندمال، فعلى الجارح حكومة.

و في الرّكب و هو مثل موضع العانة من الرّجل، و هو الجلد الثّاني فوق الفرج الحكومة.

7250. الثالث و العشرون:

قال الشيخ رضي اللّه عنه في المبسوط(1) و الخلاف:(2)

في التّرقوتين(3) مقدّر عند أصحابنا و يمكن أن يشير بذلك إلى ما نقل عن ظريف، و هو أنّ في التّرقوة إذا كسرت فجبرت على غير عيب أربعون دينارا.(4)

7251. الرابع و العشرون:

في الأجفان الأربعة الدّية بلا خلاف و اختلف في تقدير كلّ جفن، ففي المبسوط: في كلّ جفن ربع الدّية، قال: و روى أصحابنا أنّ في السّفلى ثلث ديتها، و في العليا ثلثاها.(5)

و به أفتى في الخلاف(6) و في موضع آخر: في الأعلى ثلث الدّية، و في

ص: 599


1- . المبسوط: 155/7.
2- . الخلاف: 261/5، المسألة 73 من كتاب الديات.
3- . التّرقوة - بفتح التّاء فسكون الرّاء فضمّ القاف -: هي العظم الّذي بين ثغرة النّحر و العاتق. لاحظ مجمع البحرين.
4- . لاحظ الوسائل: 226/19، الباب 9 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1.
5- . المبسوط: 130/7.
6- . الخلاف: 236/5، المسألة 24 من كتاب الديات.

الأسفل النّصف(1) اختاره في النّهاية(2) و هو قول المفيد رضي اللّه عنه(3) و هو رواية ظريف(4) و ينقص هنا سدس الدّية(5).

و في الجناية على بعضها بحساب ديتها، و لو قلعت مع العين فديتان.

7252. الخامس و العشرون:

في أهداب العين الأربعة و هو الشعر النّابت على الأجفان إذا ذهب بمفردها فأعدم انباتها الدّية، قاله الشيخ في المبسوط(6)و الخلاف(7)، و فيهما مع الأجفان ديتان، و قال ابن إدريس رضي اللّه عنه: فيها الحكومة إن قلعت بمفردها فإن قلعت مع الأجفان فلا شيء فيها أصلا، و وجبت الدّية للأجفان، و كان شعر الأجفان كشعر اليد فإنّه تابع لقطعها لا شيء فيه.(8) و لا بأس بهذا القول.

و ما عدا شعر الرّأس و اللّحية و الأهداب و الحاجبين فلا شيء مقدّر فيه بل فيه الحكومة إن قلع منفردا، و إن قلع منضمّا إلى العضو النابت عليه فلا شيء فيه كشعر السّاعدين و السّاقين غيرهما.

ص: 600


1- . حكاه عنه المحقق في الشرائع: 262/4، قال في مفتاح الكرامة: 386/10: لم أجده في كتاب الخلاف.
2- . النهاية: 764.
3- . المقنعة: 755.
4- . الوسائل: 218/19، الباب 2 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 3.
5- . في المهذّب البارع: 309/5: اعلم أنّ هذا النقص إنّما يحصل على تقدير وقوعها من اثنين أو من واحد بعد دفع أرش الجناية الأولى، أمّا لو كانت الجناية الثانية قبل دفع ما وجب عليه بالسّابقة، فإنّه يجب عليه دية كاملة إجماعا.
6- . المبسوط: 130/7.
7- . الخلاف: 197/5، المسألة 67 من كتاب الدّيات.
8- . السرائر: 378/3-379.
7253. السّادس و العشرون:

في أصابع اليدين العشرة الدّية، و كذا في العشرة من الرّجلين إجماعا، و اختلف في تقدير كلّ إصبع، فقيل: في كلّ إصبع من أصابع اليدين عشر الدّية مائة دينار، و كذا في أصابع الرّجلين.(1) و قيل: في الإبهام ثلث الدّية، و كذا في إبهام الرجلين ثلث ديتها و باقي الثلثين يقسم على الأصابع(2) و الأوّل أقوى، لرواية عبد اللّه بن سنان الصّحيحة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام(3) و رواية الحلبي الحسنة عنه عليه السّلام(4) و غيرها من الرّوايات.

و دية كلّ إصبع مقسومة على ثلاثة أنامل بالسّوية، إلاّ الإبهام، فانّها تقسم على اثنين بالسّويّة.

و في الإصبع الزائدة ثلث دية الأصليّة، و في شلل كلّ إصبع ثلثا ديتها، و في قطعها بعد الشّلل ثلث ديتها، سواء كان الشّلل خلقة أو بجناية جان.

و في الظّفر إذا لم ينبت عشرة دنانير(5) و كذا لو نبت أسود، و إن نبت أبيض، كان فيه خمسة دنانير، و الرّواية و إن كانت ضعيفة إلاّ أنّ الشّهرة تعضدها.(6)

و في رواية عبد اللّه بن سنان: في الظّفر خمسة دنانير.(7)

و لا فرق بين الأظفار، سواء كانت في اليدين أو في الرّجلين، و لا بين

ص: 601


1- . ذهب إليه الشيخ في المبسوط: 143/7.
2- . ذهب إليه أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه: 398 و ابن حمزة في الوسيلة: 452.
3- . الوسائل: 264/19، الباب 39 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 4.
4- . الوسائل: 264/19، الباب 39 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 3.
5- . في «أ»: عشرة دينار.
6- . الوسائل: 266/19، الباب 41 من أبواب ديات الأعضاء الحديث 1.
7- . الوسائل: 267/19، الباب 41 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2.

أظفار الأصابع من الإبهام و الخنصر و غيرهما، و لا بين ظفر الصّبي الصغير و الشيخ الكبير.

7254. السّابع و العشرون:

في الأسنان الدّية كاملة إجماعا، و تقسم على ثمانية و عشرين سنّا اثنا عشر مقاديم، و ستّة عشر مآخير.

فالمقاديم: ثنيّتان، و رباعيّتان، و نابان في الأعلى، و كذا في الأسفل.

و المآخير: ضاحك، و ثلاثة أضراس من كلّ جانب.

ففي كلّ واحد من المقاديم خمسون دينارا، فذلك ستّمائة دينار.

و في المآخير في الكلّ أربعمائة دينار حصّة كلّ ضرس خمسة و عشرون دينارا، فذلك ألف دينار.

و لا فرق بين أن يقلع الجميع دفعة أو على التّعاقب.

و لا فرق بين السنّ البيضاء و السّوداء خلقة، و الصّفراء، و إن كانت الصّفراء بجناية، بخلاف السّوداء.

و فيما زاد على ثمانية و عشرين من الأسنان ثلث دية الأصليّة إن قلعت منفردة، و لو قلعت منضمّة إلى البواقي لم يكن فيها شيء، و قيل فيها الحكومة لو قلعت منفردة.

و تعتبر الزّائدة بالمحلّ فإن كانت في المقاديم فثلث دية السّنّ من المقاديم و إن كانت من المآخير فثلث دية الضّرس، فإن اسودّت بالجناية و لم تسقط، أو تصدعت و لم تسقط فثلثا ديتها، فإن سقطت بعد ذلك فالثلث الباقي.

ص: 602

و الدّية المقدّرة في كلّ سنّ تامّة أصليّة مثغورة، و نعني بالمثغورة النابتة بعد سقوط سنّ اللّبن ممّن أبدل أسنانه، و بلغ حدّا إذا قلعت سنّه لم يعد بدلها، و قد لا يسقط من اللّبن فيصير أصليّة إذا بلغ الحدّ الّذي يسقط منه السنّ و ينبت عوضها.

فأمّا سنّ الصّبيّ الّذي لم يثغر فلا يجب بقلعها في الحال شيء لقضاء العادة بعود سنّه، لكن ينتظر سنة، لأنّه الغالب أنّها تنبت، فإن نبتت عرف أنّ الساقطة من اللّبن فيلزمه الأرش، و ان لم تنبت فدية سنّ المثغر، و بعض الأصحاب(1) أوجب فيها بعيرا و لم يفصّل و الرواية ضعيفة(2).

و لو عادت قصيرة أو مشوّهة فالحكومة، لأنّ الظّاهر أنّ ذلك بسبب الجناية، و كذا إن كان فيها ثلمة لا يمكن تقديرها، و إن أمكن تقديرها ففيها بقدر ما ذهب منها، كما لو كسر من سنّة ذلك القدر.

و إن نبتت أطول من أخواتها، ففيها الحكومة أيضا، لأنّ ذلك عيب.

و إن نبتت مائلة عن صفّ الأسنان بحيث لا ينتفع بها، فالأقرب الحكومة، و كذا إن كان ينتفع بها.

و لو مات الصّبي قبل اليأس من عودها، احتمل الدّية، لأنّه قلع سنّا آيس من عودها، و الحكومة لعدم اليأس بالقلع لو بقي.

و لو قلع سنّ مثغر(3) وجبت ديته في الحال لأن الظّاهر أنّها لا تعود فإن

ص: 603


1- . هو ابن حمزة في الوسيلة: 448.
2- . لاحظ الوسائل: 259/19، الباب 33 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1 و 2.
3- . المثغر: من سقطت أسنانه الرواضع الّتي من شأنها السّقوط و نبت مكانها، مجمع البحرين.

عادت قال الشيخ رضي اللّه عنه: الأقوى عدم استرداد الدّية لأنّ العائدة هبة من اللّه تعالى مجدّدة.(1)

و لو قلع سنّ من لم يثغر فمضت مدّة يئس من عودها، و حكم بوجوب الدّية فعادت بعد ذلك، سقطت الدّية و ردّت، و الأقوى أنّها لا تستردّ كما في سنّ الكبير إذا عادت.

و لو قلع سنّا مضطربة لكبر أو مرض، و كانت منافعها باقية من المضغ، و ضغط الطعام، و الرّيق، وجبت دية السّنّ كاملة، و كذا إن ذهب بعض منافعها و بقي البعض، لأنّ جمالها و بعض منافعها باق، و إن ذهبت منافعها أجمع، فهي كاليد الشلاّء فيها ثلث دية السّنّ .

و لو قلع سنّا فيها آكلة أو داء و لم يذهب شيء من أجزائها، وجب فيها دية السّنّ الصّحيحة، و إن سقط شيء من أجزائها سقط من الدّية بقدره.

و لو جنى على السّنّ فاضطربت و طالت عن الأسنان، كان فيها ثلثا دية سقوطها، و لو قيل: إنّها تعود بعد مدّة، انتظرت، فإن ذهبت و سقطت وجبت ديتها، و إن عادت إلى الصّحة فالحكومة، و إن بقيت مضطربة فثلثا دية سقوطها.

فإن قلع السّنّ فردّها صاحبها فنبتت في موضعها، فعليه الدّية و لا يجب قلعها لأنّها ليست نجسة، فإن قلعها بعد ذلك آخر كان عليه حكومة.

و إن جعل عوضها عظاما طاهرا، أو ذهبا فنبتت، فقلعه قالع، كان عليه الحكومة.

ص: 604


1- . المبسوط: 139/7.

أمّا لو جعل عوضها عظاما نجسا فقلعه قالع لم يجب عليه شيء.

و لو جنى على سنّ فذهبت حدّتها و كلّت، فعليه حكومة، فإن قلعها بعد ذلك قالع، فعليه دية سنّ كاملة، و إن ذهب منها جزء ففي الذّاهب بقدره، فإن قلعها بعد ذلك قالع، نقص من ديتها بقدر الذّاهب.

و الدّية في السّنّ المقلوعة مع سنخها(1) و هو النّابت في اللّثة، و لو كسر البارز منها خاصّة، ففيه نظر أقربه أنّ فيه دية السنّ فإن كسر الظّاهر، ثم قلع آخر السّنخ، فعلى الأوّل دية كاملة للسّنّ ، و على الثّاني حكومة للسّنخ.

فإن كسر بعض الظّاهر ففيه من الدية بالنّسبة، فإن كان نصف الظّاهر فنصف دية السنّ ، و هكذا.

فإن جاء آخر فقلع الباقي من الظّاهر و جميع السّنخ، احتمل وجوب ما بقي من الدّية من الظّاهر و حكومة في السّنخ.

و الأقرب أن يقال: إن قطع نصف الظّاهر طولا و بقي النّصف و كلّ السّنخ فعلى الثّاني نصف الدّية يتبعه ما تحته من السّنخ، و حكومة فيما بقي من السّنخ، و إن قطع الأوّل نصفها عرضا، و قلع الثّاني الباقي مع جميع السّنخ، فعلى الأوّل نصف دية السّن، و كذا على الثّاني، لأنّ السّنخ تابع.

و لو كسر الأوّل الظّاهر من السّنّ ، ثمّ قلع السّنخ، فعليه دية كاملة للسنّ و حكومة في السّنخ لتعدّد الجناية.

ص: 605


1- . قال الشيخ في المبسوط: 137/7: السنّ ما شاهدته زائدا عن اللّثة، و السّنخ أصلها المدفون في اللّثة.

فإن انكشفت اللّثة عن بعض السّنّ ، فالدّية في قدر الظّاهر عادة دون ما انكشف على خلاف العادة.

و إن اختلفا في قدر الظّاهر، اعتبر ذلك بأخواتها، فإن لم يكن لها شيء يعتبر به، و لم يعرفه أهل الخبرة، فالقول قول الجاني مع يمينه.

و لو اختلف المجني عليه و الجاني الثّاني فقال الجاني: قطع الأوّل نصفها، و قال المجني عليه قطع ربعها فالقول قول المجنيّ عليه، لأنّ الأصل سلامة السّنّ .

7255. الثّامن و العشرون:

في كلّ ضلع خالط القلب إذا كسر خمسة و عشرون دينارا، و في كلّ ضلع يلي العضدين إذا كسر عشرة دنانير.

7256. التّاسع و العشرون:

في كسر عظم من عضو خمس دية ذلك العضو فإن صلح على غير عيب فاربعة أخماس دية كسره، و في موضحته ربع دية كسره.

و في رضّه ثلث دية ذلك العضو، فإن برئ على غير عيب فأربعة أخماس دية رضّه.

و في فكّه من العضو بحيث يتعطّل العضو ثلثا دية العضو، فإن صلح على غير عيب فأربعة أخماس دية فكّه.

7257. الثّلاثون:

من داس بطن إنسان حتّى أحدث في ثيابه، ديس بطنه حتّى يحدث في ثيابه، أو يفتدي ذلك بثلث الدّية، لرواية السّكوني(1) و فيه ضعف.

ص: 606


1- . لاحظ الوسائل: 137/19، الباب 20 من أبواب قصاص الطرف، الحديث 1.

و من ضرب امرأة مستقيمة الحيض على بطنها فارتفع حيضها، انتظر بها سنة، فإن رجع طمثها، فالحكومة، و إن لم يرجع استحلفت و غرم ثلث ديتها.

الطّرف الثّاني: في إبطال المنافع
اشارة

و فيه اثنا عشر بحثا:

7258. الأوّل:

في العقل الدّية كاملة، و في نقصه الأرش بحسب ما يراه الحاكم، إذا لا تقدير للنّقصان فيه.

و في المبسوط يقدّر بالزّمان، فإن جنّ يوما و أفاق يوما، فالذّاهب النّصف، فإن جنّ يوما و أفاق يومين، فالذّاهب الثلث، و على هذا.(1)

و لا قصاص في ذهابه و لا في نقصانه، لعدم العلم بمحلّه.

و لو شجّه فذهب عقله، فديتان و إن كان بضربة واحدة.

و في رواية: و لو ضربه على رأسه فذهب عقله، انتظر به سنة، فإن مات فيها فالدّية، و كذا إن مضت و لم يعد عقله.(2)

و لو قطع يديه(3) فزال عقله فديتان، و إن زال عقله(4) و أخذت الدّية ثمّ عاد لم ترتجع الدّية لأنّه هبة من اللّه تعالى مجدّدة.

ص: 607


1- . المبسوط: 126/7.
2- . لاحظ الوسائل: 281/19، الباب 7 من أبواب ديات المنافع، الحديث 1 و مضمون الرواية لا يوافق ما في المتن، فلاحظ.
3- . في «أ» يده.
4- . في «ب»: و إذا زال عقله.

و لو شككنا في زوال عقله راعيناه في الخلوات، و لا نحلّفه، لأنّه يتجانن في الجواب.

و لو صار مدهوشا أو يفزع ممّا لا يفزع منه، أو يستوحش إذا خلا فقد ذهب عقله.

و لو ذهب بعض عقله و لا يمكن تقديره ففيه حكومة.

و لو جنى عليه فأذهب عقله و سمعه و بصره و كلامه، فأربع ديات مع أرش الجراح إن حصل جراح أو قطع عضو.

و لو مات بالجناية لم يجب سوى دية واحدة.

7259. الثّاني:

في السّمع الدّية كاملة إجماعا، و في ذهاب سمع إحدى أذنيه نصف الدّية، و لو حكم أهل الخبرة بعوده بعد مدّة، توقّعت، فإن لم يعد فالدّية، و إن عاد فالحكومة.

و إذا ادّعى ذهاب سمعه، فكذّبه الجاني، أو قال: لا أعلم صدقه، و حصل شكّ في ذهابه جرّب بصوت منكر بغتة، و اعتبر [حاله] عند الصّوت العظيم، و الرّعد القويّ ، و الصياح عند الاستغفال، فإن علم صدقه، حكم له بالدّية، و إلاّ أحلف القسامة، و حكم له إذا ادّعى ذهابه عقيب الجناية و لو قيل(1): السّمع باق و قد وقع في الطّريق ارتتاق، فتعطّل المنفعة فهو كزوالها و يحتمل الحكومة.

ص: 608


1- . أي قال أهل الخبرة: حاسّة السمع باقية في مقرّها، و لكن ارتتق داخل الأذن بالجناية و امتنع نفوذ الصّوت و لم يتوقّعوا زوال الارتتاق، فيه وجهان: 1 - أنّ تعطل المنفعة كزوالها فتجب الدية بكمالها. 2 - أنّ فيه الحكومة أي الأرش.

و لو أذهب السّمع فتعطّل النّطق فديتان.

و إذا قطعت الأذنان فذهب السّمع فديتان.

و لو ادّعى نقصان سمعه من أذنيه معا، اعتبر بضرب الجرس من أربع جهاته، فإن تساوت المسافات صدق، و إلاّ كذب، فإذا تساوت قيست إلى من هو في مثل سنّة بقرب المسافة و بعدها، و أخذ بالنّسبة.

و لو ادّعى نقصان سمع إحداهما قيس إلى الأخرى بأن تسدّ النّاقصة و تطلق الصّحيحة، ثمّ يصاح به حتّى يقول: لا أسمع، ثمّ يعاد عليه ثانيا من الجهة الأخرى، فإن تساوت المسافتان صدّق، ثمّ يفعل به كذلك في الجهات الأربع، فإن تساوت المسافات صدّق، و سدّت الصّحيحة و أطلقت النّاقصة، و يعتبر بالصّوت حتّى يقول: لا أسمع، ثمّ تكرّر عليه الاعتبار من جهاته الأربع، فإن تساوت المسافات صدّق، ثم تمسح مسافة الصّحيحة و الناقصة، و يلزم [من] الدّية بحساب التّفاوت.

و لا يقاس السمع في يوم ريح، بل يتوقّع سكون الهواء في المواضع المعتدلة.

7260. الثالث:

في الإبصار الدّية كاملة مع إبطاله و بقاء الحدقة، و يستوي فيه الأعمش و الأخفش، و من في حدقته بياض لا يمنع أصل البصر.

و في ضوء إحدى العينين النّصف و لو جنى على رأسه جناية، فداواها فذهب البصر بالمداواة، فعليه ديته، لأنّه ذهب بسبب فعله.

و لو ادّعى ذهاب البصر و شهد به شاهدان من أهل الخبرة، أو

ص: 609

رجل و امرأتان، إن كان خطأ أو شبيه عمد(1) تثبت الدّعوى، فإن آيس من عوده أو رجا لكن لا في مدّة مضبوطة، استقرّت الدّية، و إن رجا عوده بعد مدّة و انقضت، فلم يعد أو مات قبل المدّة، فالدّية أيضا، و إن عاد في المدّة فالأرش.

و لو اختلفا في عوده، فالقول قول المجنيّ عليه مع يمينه، و كذا لو مات في مدّة التّربّص، فادّعى الجاني العود و الوليّ عدمه، فالقول قول الوليّ مع يمينه.

و لو جاء اجنبيّ فقلع عينه في مدّة التربّص، استقرّ على الأوّل دية البصر كملا أو القصاص، و على الثّاني ثلث دية العين، فإن ادّعى الأوّل عود ضوئها و أنكر الثّاني، فالقول قول الثّاني مع اليمين، فإن صدّق المجنيّ عليه الأوّل سقط حقّه عنه، و لم يقبل قوله على الثّاني.

و لو عاد و قد رجا عوده لا في مدّة مضبوطة استعيد من الدّية الفاضل عن الحكومة.

و إذا ادّعى ذهاب بصره و عينه قائمة، أحلف القسامة و قضي له.

و في رواية يقابل بالشّمس، فإن بقيتا مفتوحتين صدق.(2)

و لو ادّعى نقصان ضوء إحدى عينيه، اعتبر بما اعتبرناه في السّمع، و أحسن ما قيل فيه ما روى يونس في الحسن عن الصّادق عليه السّلام(3) و محمّد بن قيس في الصّحيح عن الباقر عليه السّلام قال قضى أمير المؤمنين عليه السّلام إذا أصيب الرّجل في إحدى عينيه أن يؤخذ بيضة نعامة، و يربط على عينه المصابة عصابة ثم يمشي

ص: 610


1- . في «أ»: شبه عمد.
2- . الوسائل 279/19، الباب 4 من أبواب ديات المنافع، الحديث 1.
3- . بل عن الرّضا عليه السّلام كما في الوسائل: 287/19، الباب 12 من أبواب ديات المنافع، الحديث 1.

بها و ينظر ما تنتهى عينه الصّحيحة، ثم تغطّى عينه الصّحيحة و ينظر ما تنتهي عينه المصابة، فيعطى ديته من حساب ذلك.(1)

قال المفيد رضي اللّه عنه: و طريق ذلك: أن تشدّ عينه الصحيحة و يأخذ الرّجل البيضة و يبعد حتّى يقول: ما بقيت أبصرها، فيعلم عنده، ثم يأخذ البيضة و يعتبر الجهات الأربع، فإن تساوت صدّق، ثمّ تشدّ المصابة و تطلق الصّحيحة، و يعتبر في الجهات الأربع، فإن تساوت صدّق، و إن اختلفت كذب، ثم ينظر مع صدقه فيما بين مدى عينه الصّحيحة و عينه المصابة، فأعطي من ديتها بحساب ذلك.(2)

و لو ادّعى النّقصان في العينين معا، اعتبر من الجهات الأربع مدى نظره، فإن تساوت المسافات صدّق، و إن اختلفت كذّب، ثمّ ينظر مع صدقه التّفاوت بين مدى نظره بالمساحة و نظر من هو في أبناء سنّه، فيعطى بحسبه من الدّية بعد الاستظهار بالأيمان.

و لا تقاس عين في يوم غيم، و لا في أرض مختلفة الجهات.

و لو ادّعى قالع العين ذهاب بصرها قبل القلع، و كذّبه المجنيّ عليه، فالقول قول المجنيّ عليه مع يمينه، أمّا لو ادّعى الجاني عدم البصر من الأصل، فالقول قوله مع اليمين.

7261. الرابع:

في الشّم الدّية كاملة، و لو ادّعى ذهابه عقيب الجناية، اعتبر بالأشياء الطّيّبة و المنتنة و استغافل بالروائح الحادّة، ثم يستظهر عليه بالأيمان و يقضى له به.

ص: 611


1- . الوسائل: 283/19، الباب 8 من أبواب ديات المنافع، الحديث 3، نقله بالمعنى.
2- . المقنعة: 758-759 باختلاف قليل.

و روي: أنّه يحرق له حراق، فإن دمعت عيناه و نحّى أنفه، فهو كاذب، و إلاّ فهو صادق.(1)

و لو ادّعى النقص حلف، لعسر الامتحان، و قضى له الحاكم بما يراه.

و لو أخذ دية الشّمّ ثمّ عاد، لم تعد الدّية.

و لو قطع الأنف، فذهب الشمّ ، فديتان.

7262. الخامس:

في الذّوق الدّية لأنّه منفعة واحدة في الإنسان، فيدخل تحت عموم قولهم عليهم السّلام كلّ ما في الإنسان منه واحد ففيه الدّية.(2)

و يجرّب بالأشياء المرّة المقزّة.(3)

و يرجع فيه مع الاشتباه عقيب الجناية إلى دعوى المجنيّ عليه مع الاستظهار بالأيمان، و مع النقصان، يقضي الحاكم بما يراه تقريبا.

7263. السّادس:

في الصوت الدّية، فإن أبطل معه حركة اللّسان فدية و ثلثا دية اللسان إن لحقه حكم الشلل.

7264. السّابع:

في المضغ الدّية إذا صلب مغرس لحييه(4) فإن جنى على سنّه فتعذّر المضغ به، فكمال الأرش.

7265. الثّامن:

لو أصيب فتعذّر عليه الإنزال حالة الجماع، فالدّية، و في

ص: 612


1- . الوسائل: 279/19، الباب 4 من أبواب ديات المنافع، الحديث 1.
2- . لاحظ الوسائل: 217/19، الباب 1 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 12.
3- . في مجمع البحرين: القزّ: إباء النّفس.
4- . في «أ»: لحيته.

قوّة الإمناء و الإحبال كمال الدّية فيهما، و في قوّة الإرضاع حكومة، و في إبطال الالتذاذ بالجماع أو الطّعام إن أمكن، كمال الدية، و كذا لو ارتتق منفذ الطّعام بالجناية على العنق، و بقي معه قوّة حياة مستقرّة فحزّ(1) غيره رقبته فكمال الدّية.

و في الإفضاء الدّية من الزوج و الزّاني على ما بيّناه، و لو لم يمكن الوطء إلاّ بالإفضاء، فالوطء غير مستحقّ .

7266. التّاسع:

في منفعة البطش و المشي كمال الدّية، و لو ضرب صلبه فبطل مشيه، فالدّية، و لو ذهب مع ذلك جماعه فديتان.

7267. العاشر:

في سلس البول الدّية، و قيل: إن دام إلى اللّيل ففيه الدّية، و إن كان إلى الظّهر فثلثا الدّية، و إلى ارتفاع النّهار ثلث الدية.(2) و روى هذا التفصيل إسحاق بن عمار عن الصادق عليه السّلام قال:

«إن كان البول يمرّ إلى الليل، فعليه الدّية، لأنّه قد منعه المعيشة و إن كان إلى آخر النّهار فعليه الدّية و إن كان إلى نصف النّهار فعليه ثلثا الدّية و إن كان إلى ارتفاع النهار فعلية ثلث الدية.(3)

و في إسحاق قول و في الطريق إليه صالح بن عقبة، و قد ذكرنا في كتاب «خلاصة الأقوال»(4) و «الكتاب الكبير في الرّجال» أنّه كذّاب غال لا يلتفت إلى رواياته.

ص: 613


1- . في مجمع البحرين: حزّه: قطعه.
2- . القائل هو الشيخ في النهاية: 769.
3- . الوسائل: 285/19، الباب 9 من أبواب ديات المنافع، الحديث 3.
4- . الخلاصة: 230.
7268. الحادي عشر:

في صدغ الرّجل إذا أصيب فلم يستطع أن يلتفت إلاّ ما انحرف نصف الدّية خمسمائة دينار، و هي رواية ابن فضّال عن الرّضا عليه السّلام(1).

7269. الثّاني عشر:

في انقطاع النّفس الدّية كاملة، و في نقصه بحساب ما يراه الإمام.

الطرف الثالث: في الشّجاج و الجراح
اشارة

كلّ جرح في الرّأس أو الوجه يسمّى شجاجا، و في البدن يسمّى جراحا و الشّجاج ثمان: الحارصة، و الدّامية، و المتلاحمة، و السّمحاق، و الموضحة، و الهاشمة، و المنقّلة، و المأمومة، فهنا عشرون مباحث.

7270. الأوّل:

الحارصة هي الّتي تقطع الجلد، و فيها بعير، و هل هي الدّامية ؟ قال الشيخ: نعم(2) و الأكثر على أنّ الدّامية مغايرة.

ففي الدّامية إذن بعيران، و هي الّتي تقطع الجلد و تأخذ في اللّحم يسيرا.

و الباضعة و هي الّتي تأخذ في اللّحم كثيرا، و لا تبلغ السّمحاق، و فيها ثلاثة أبعرة، و هي المتلاحمة أيضا، و عند الشيخ انّهما متغايران.(3)

ثم السّمحاق، و هي الّتي تبلغ السّمحاقة الّتي هي الجلدة الرّقيقة المغشية للعظم، و فيها أربعة أبعرة.

ص: 614


1- . الفقيه: 298/4 برقم 1148.
2- . المبسوط: 122/7، النهاية: 775، الخلاف: 191/5، المسألة 57 من كتاب الجنايات.
3- . المبسوط: 122/7 قال: في الباضعة بعيران، و في المتلاحمة ثلاثة أبعرة.

ثمّ الموضحة و هي الّتي تكشف عن وضح العظم و هو بياضه، و فيها خمسة أبعرة.

ثمّ الهاشمة و هي الّتي تهشم العظم، و فيها عشرة أبعرة أرباعا إن كان خطأ، أو أثلاثا إن كان شبيه العمد، و لا قصاص فيها.

ثمّ المنقّلة و هي الّتي تحوج إلى نقل العظم، و فيها خمسة عشر بعيرا.

ثمّ المأمومة، و هي الّتي تبلغ أمّ الرّأس، و هي الجلدة الّتي تجمع الدّماغ، كالخريطة، و فيها ثلث الدّية ثلاثة و ثلاثون بعيرا.

و الدّامغة، و هي الّتي تفتق الخريطة و تبعد معها السّلامة، و لم يذكر علماؤنا ديتها لبعد السّلامة معها، فإن فرضت ففيها ما في المأمومة، و الحكومة لخرق جلدة الدّماغ.

و أمّا الجائفة فهي الّتي تصل إلى الجوف من أيّ الجهات كان، و لو من ثغرة النّحر، و فيها ثلث الدّية.

7271. الثّاني:

لا قصاص في الهاشمة و المنقّلة و المأمومة و الجائفة، لما فيها من التّغرير، و ليس له أن يقتصّ في الموضحة بالسّمحاق و يأخذ دية الزائد، لإمكان القصاص في الجناية، و لو اتّفقا على ذلك جاز.

7272. الثالث:

لو أوضحه اثنتين(1) وجب لكلّ موضحة خمس من الإبل، فإن وصل الجاني بينهما حتّى صارتا واحدة، أو سرتا، فذهب ما بينهما، فهما موضحة واحدة، و لا يلزمه أكثر من خمسة أبعرة.

ص: 615


1- . في «ب»: اثنين.

و لو وصل بينهما غيره، وجب على الأوّل ديتان، و على الثّاني ثالثة، و لو وصلهما المجنيّ عليه، فعلى الأوّل ديتان، و لا شيء فيما فعله المجنيّ عليه.

فإن ادّعى الجاني أنّه شق بينهما، و أنكر المجنيّ عليه، فالقول قول المجنيّ عليه، لأنّ الدّيتين ثبتتا، و لم يثبت المسقط، و كذا لو قطع يديه و رجليه ثمّ مات بعد مدّة يمكن فيها الاندمال و اختلف الجاني و الوليّ قدّم قول الوليّ مع يمينه.

7273. الرابع:

يجب أرش الموضحة في الصّغيرة و الكبيرة، و البارزة و المستورة بالشّعر، فإنّ الموضحة ما أفضى إلى العظم و لو بقدر إبرة.

و لو شجّه واحدة، و اختلفت مقاديرها، أخذ دية الأبلغ، لأنّها لو كانت كذلك كلّها لم تزد على دية الموضحة.

و لو شجّه شجّة بعضها موضحة و بعضها دونها، لم يلزمه أكثر من دية الموضحة.

7274. الخامس:

لو شجّه في عضوين، فلكلّ عضو دية على انفراده و لو اتّحدت الضّربة.

و لو شجّه في رأسه و جبهته، فالأقرب أنّها واحدة لأنّهما(1) عضو واحد.

و لو أوضحه في رأسه من أوّله إلى آخره، ثم جرّ السّكين إلى قفاه، وجب في الموضحة أرشها، و الحكومة في جرح القفا.

7275. السّادس:

لو جرحه موضحتين ثمّ برأت إحداهما ثمّ زال الحاجز بفعل الجاني أو بالسّراية، فعليه أرش موضحتين، و كذا لو أوضحه ثمّ جرحه موضحة

ص: 616


1- . في «أ»: انّهما.

متّصلة بالأولى قبل اندمالها وجبت دية موضحة واحدة، أمّا لو اندملت الأولى وجبت ديتان.

و لو أوضحه موضحتين، ثمّ قطع اللّحم الّذي بينهما في الباطن، و ترك الجلد الّذي فوقها، احتمل تعدّد الأرش، لانفصالهما ظاهرا، و عدمه لاتّصالهما باطنا.

و لو جرحه جرحا واحدا، ثمّ أوضحه في طرفيه و ما بينهما دون الموضحة، ففيه أرش موضحتين، لأنّ ما بينهما ليس بموضحة.

7276. السّابع:

يعني بالبعير في الحارصة عشر عشر الدّية، و كذا بالبعيرين في الدّامية خمس العشر و كذا فيما عداهما.

7277. الثّامن:

لو وسّع إنسان موضحة غيره ظاهرا و باطنا، فعلى كلّ واحد دية موضحة، و لو وسّعها الجاني لم يجب عليه أكثر من واحدة.

و لو أوضحه موضحة(1) بعضها عمد و بعضها خطأ، أو بعضها قصاص و بعضها عدوان، ففي تعدّدهما احتمال أقربه التعدّد.

7278. التّاسع:

حكم الهشم يتعلّق في الهاشمة بالكسر و إن لم يكن جرح،

ص: 617


1- . أشار المصنّف في كلامه هذا إلى صورتين: تارة يكون الفاعل متعدّدا كما إذا وسّع إنسان موضحة غيره، و إليه أشار المصنّف في صدر المسألة. و أخرى يكون الفاعل واحدا و العمل واحدا لكن يختلف حكمه، كأن أوضح موضحة واحدة هو في بعضها مخطئ و في بعضها متعمّد، أو أوضح موضحة، هو في بعضها مقتص و في بعضها متعمّد فهل يحسب العمل الواحد صورة، عملين في الواقع أو لا؟ و استغرب المصنّف التعدّد.

و لو أوضحه اثنتين، و هشمه فيهما، و اتّصل الهشم باطنا قال الشيخ في المبسوط:

هما هاشمتان(1) لأنّ الهشم إنّما يكون تبعا للإيضاح فإذا كانتا موضحتين، كان الهشم هاشمتين بخلاف الموضحة، فإنّها ليست تبعا لغيرها و فيه نظر.

و لو هشم هاشمتين و بينهما حاجز فهما هاشمتان.

7279. العاشر:

لو أوضحه فأتمّها آخر هاشمة، و ثالث منقّلة، و رابع مأمومة(2)، فعلى الأوّل خمسة و على الثّاني ما بين الموضحة و الهاشمة خمسة أيضا، و هو ينافي ما قدّمناه، من أنّ الحكم يتعلّق بالهشم و إن لم يكن هناك جرح.

و لو قيل: إنّ الهشم إذا لم يكن معه جرح لم تجب دية الهاشمة كان وجها، حينئذ و يحتمل أن يقال: تجب خمسة أبعرة، لأنّ في الموضحة خمسة و في الهاشمة التّابعة عشرة فينفرد الهشم بخمسة، و يحتمل الحكومة،(3) و على الثالث

ص: 618


1- . المبسوط: 121/7.
2- . إن جنى جناية واحدة ذات أبعاض تصدّى لكلّ بعض شخص، فأوضح واحد، و هشم آخر، و نقل ثالث و أمّ رابع.
3- . قال المحقّق الأردبيلي (قدس سره الشريف) في مجمع الفائدة: 464/14: لو شجّ شخص موضحة فعليه خمس إبل، ثمّ جعل آخر تلك الموضحة هاشمة - فكأنّما فعلاها معا - فديتهما عليهما معا، فعلى كلّ واحد نصف، و على الثّاني أيضا خمس إبل. و لو جعلها ثالث منقلة فديتها خمسة عشر إبلا، فيعطي الثالث خمسة مثلها لما مرّ. و إن جعلها رابع مأمومة فعليه ثمانية عشر بعيرا، و هي تتمّة دية المأمومة، لأنّ ديتها الزائدة على المنقّلة ثلاثة و ثلاثون بعيرا، فالثلاثة الأوّل متساويات في الجناية، و جناية الرّابعة زائدة، فإنّه أوصل المنقّلة إلى المأمومة، فعليه زيادة دية المنقلة على دية المأمومة. و لكن في بعض هذه الأمثلة مناقشة، إذ قد يقال: الهاشمة موجبة لعشر إبل و إن لم يكن معها موضحة، فيمكن أن يكون على جانيها عشرة كاملة، و كذا في المنقّلة.

ما بين الهاشمة و المنقّلة خمسة أيضا، و على الرّابع تمام دية المأمومة ثمانية عشر بعيرا.

7280. الحادي عشر:

لو جرح في عضو ثم أجاف، لزمته دية الجرح و دية الجائفة مثل أن يشقّ الكتف حتّى يحاذي الجنب، ثمّ يجيفه و تتحقّق الجائفة بالوصول إلى الجوف و لو بغرز إبرة.

و لو خرق شدقه فوصل إلى باطن الفم، فليس بجائفة، لأنّ داخل الفم كالظاهر، و كذا لو طعنه في وجنته فكسر العظم و وصل إلى فيه.

و لو جرحه في ذكره فوصل إلى مجرى البول من الذّكر فليس بجائفة.

7281. الثّاني عشر:

لو أجافه جائفتين بينهما حاجز، فعليه ثلثا الدّية، و لو خرق الجاني [ما] بينهما أو سرى إلى الحاجز فهما واحدة، و لو خرق أجنبيّ [ما] بينهما أو المجنيّ عليه، وجب على الأوّل ديتان و على الثّاني دية أخرى، و لا شيء في فعل المجنيّ عليه.

و لو أجافه [رجل] فأوسعها آخر، فعلى كلّ واحد دية جائفة، و إن وسّعها الثّاني ظاهرا أو باطنا، فعليه الحكومة.

و لو أدخل السّكين و أخرجها من غير جرح، عزّر و لا شيء عليه.

و لو خاطها ففتقها الثّاني قبل أن تلتئم و لم يحصل بالفتق جناية، قال الشيخ: يعزّر و لا أرش(1) و الأقرب الأرش، لما فيه من الألم و عليه أرش الخيوط و أجرة الخياطة.

ص: 619


1- . المبسوط: 124/7.

و لو فعل ذلك بعد التحامها فعليه أرش الجائفة و ثمن الخيوط.

و إن التحم بعضها ففتقه فعليه أرش جائفة، و إن فتق غير الملتحم فعليه أرشه لا دية الجائفة.

و لو فتق بعض ما التحم في الظّاهر دون الباطن، أو بالعكس، فالحكومة.

و لو طعنه في جوفه فخرج من ظهره، قال في المبسوط: هما جائفة واحدة(1)و في الخلاف اثنتان.(2) و هو أقوى.

7282. الثّالث عشر:

قيل - في النافذة في شيء من أطراف الرّجل -: مائة دينار(3).

و في كتاب ظريف: في الخدّ إذا كانت فيه نافذة يرى منها جوف الضم، فديتها مائة دينار، فإن دووي فبرأ و التأم و به أثر بيّن و شين فاحش(4) فديته خمسون دينارا، فإن كانت نافذة في الخدّين كليهما، فديتها مائة دينار، و ذلك نصف دية الّتي يرى منها الفم، فإن كانت رمية بنصل يثبت في العظم حتّى ينفذ إلى الحنك، فديتها مائة و خمسون دينارا جعل منها خمسون دينارا لموضحتها، فإن كانت ثاقبة و لم تنفذ (فيها)(5) فديتها مائة دينار.(6)

ص: 620


1- . المبسوط: 125/7.
2- . الخلاف: 232/5، المسألة 15 من كتاب الدّيات.
3- . نسب الشهيد في المسالك هذا القول إلى الشيخ و أتباعه لاحظ مسالك الأفهام: 464/15، و قال في مفتاح الكرامة: 489/10 «لم نجد ذلك للشيخ، نعم هو قول ظريف في كتابه». لاحظ الوسائل: 290/19-291، الباب 2 من أبواب ديات الشجاج و الجراح، الحديث 3.
4- . في المصدر: و شتر فاحش.
5- . ما بين القوسين يوجد في المصدر.
6- . الوسائل: 222/19-223، الباب 6 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1.
7283. الرابع عشر:

في احمرار الوجه بالجناية من لطمة أو شبهها دينار و نصف، و في اخضراره ثلاثة دنانير، و في اسوداده ستّة دنانير، و هي رواية إسحاق بن عمّار عن الصّادق عليه السّلام.(1)

و قيل: ثلاثة دنانير.(2) و الأوّل أقرب.

دية هذه الجنايات الثّلاث في البدن على النّصف، و لو لطمه في وجهه و لم يؤثّر فلا ضمان.

7284. الخامس عشر:

دية الشّجاج في الرأس و الوجه سواء، و في البدن مثلها بنسبة دية العضو الّذي يتّفق فيه من دية الرّأس، ففي حارصة اليد خمسة دنانير، و على هذا.

و كلّ عضو ديته مقدّرة، ففي شلله ثلثا ديته، و في قطعه بعد الشّلل الثّلث، و لو كان غير مقدّر، فالحكومة.

7285. السّادس عشر:

المرأة و الرّجل يتساويان في ديات الأعضاء و الجراح و القصاص إلى أن يبلغ ثلث دية الرّجل فإذا بلغت الثّلث نقصت المرأة إلى النّصف، سواء كان الجاني رجلا أو امرأة، و يقتصّ لها منه من غير ردّ إلى أن يبلغ الثّلث، ثمّ لا يقتصّ لها إلاّ مع الردّ.

7286. السّابع عشر:

كلّ ما فيه دية الرّجل من الأعضاء و الجراح، فيه من

ص: 621


1- . الوسائل: 295/19-296، الباب 4 من أبواب ديات الشجاج و الجراح، الحديث 1.
2- . القائل السيّد المرتضى في الانتصار: 549، المسألة 309 من كتاب الحدود. و هو خيرة ابن زهرة في غنية النّزوع قسم الفروع: 420.

المرأة ديتها، و من الذّمي و الذّميّة ديتهما، و من العبد قيمته، و كلّ ما فيه مقدّر في الحرّ فهو بنسبته من دية المرأة و الذّميّ و قيمة العبد.

و ما لا تقدير فيه، ففيه الحكومة و هي الأرش، و ذلك بأن يفرض عبدا سليما من الجناية، و يقوّم حينئذ، ثمّ يفرض عبدا بتلك الجناية(1) و يقوّم ثمّ يؤخذ من الدّية بنسبة النّاقص من القيمتين إلى الزائدة، فإذا كان عبدا صحيحا قيمته عشرة، ثمّ معيبا قيمته تسعة، وجب في الجناية عشر دية الحرّ، و يجعل العبد أصلا كما كان الحرّ له أصلا في المقدّر، و لو كان المجنيّ عليه مملوكا أخذ المولى قدر النّقصان.

و إنّما يكون التّقويم بعد برء الجرح، فلو لم ينقص شيئا بالجناية بعد البرء مثل أن قلع لحية امرأة، أو قلع سلعة، أو ثؤلولا،(2) أو بطّ(3) خراجا(4) احتمل وجوب الأرش، لأنّه لا ينفكّ عن ألم، و لأنّه جزء مضمون فحينئذ يقوّم فى أقرب الأحوال إلى البرء، لتعذّر تقويمه عند البرء، و لعدم نقصه، فلو لم ينقص حينئذ قوم و الدّم جار، إذ لا بدّ من نقص حينئذ للخوف عليه.

و يحتمل العدم، لأنّه محسن بإزالة الشّين.

و تقوّم لحيته المرأة على الأوّل، كأنّها لحية رجل ينقصه ذهاب لحيته، فإن

ص: 622


1- . في «ب»: به تلك الجناية.
2- . الثؤلول و زان عصفور: شيء يظهر على الجسد كالحمّة أو دونها. مجمع البحرين و المعجم الوسيط.
3- . البطّ: شقّ الدمل و الجراح و نحوهما. مجمع البحرين.
4- . الخراج - بضمّ معجمة و كسرها و خفّة راء -: ما يخرج في البدن من القروح و الورم. مجمع البحرين.

كانت [المرأة] إذا قدّرت ابن عشرين نقصها ذهاب لحيتها يسيرا، و إن قدّرناها ابن أربعين نقصها كثيرا قدّرت ابن عشرين.

7287. الثّامن عشر:

كلّما تجب فيه الدّية، ففيه من العبد قيمته، لكن إن طلب مولاه الفداء دفع العبد، و لا يجب له القيمة و الملك في العبد معا، و ما فيه نصف الدّية ففيه نصف القيمة، و على هذا.

و الأمة مثل العبد إلاّ أنّها تشبه بالحرّة فما فيه الدّية(1) من الحرّة فيه من الأئمة قيمتها، و ما فيه النّصف فالنّصف و هكذا، فإذا بلغت ثلث قيمتها، فالأقرب ردّ جنايتها إلى النّصف، ففي ثلاثة أصابع ثلاثة أعشار قيمتها، و في أربعة خمسها.

7288. التّاسع عشر:

لو كان المقتول خنثى مشكلا، ففيه نصف نصف دية ذكر و نصف دية أنثى(2) و يحتمل إيجاب دية الأنثى، لأنّها اليقين(3)و جراحه فما لم يبلغ الثّلث دية جرح الذّكر و إن بلغ الثلث كقطع اليد ففيه ثلاثة أرباع دية يد الذّكر سبعة و ثلاثون بعيرا و نصف، و يقاد به الذّكر مع الرد و الأنثى من غير ردّ.

7289. العشرون:

الإمام وليّ من لا وارث له، يقتصّ في العمد أو يأخذ الدّية إن دفعها الجاني، و الأصحّ أنّه ليس له العفو، و يأخذ الدّية في الخطأ و الشبيه، و ليس له العفو.

ص: 623


1- . كذا في «ب» و لكن في «أ»: «لأنّها تشبه بالحرّة فيما فيه من الدّية» و الصحيح ما في المتن.
2- . كذا في «أ» و لكن في «ب»: ففيه نصف دية أنثى و نصف دية الذكر.
3- . في «أ»: لأنّه من اليقين.

الفصل الثالث: في دية الجنين و فيه عشرون بحثا:

7290. الأوّل:

دية جنين الحرّ المسلم إذا تمّت خلقته و لم تلجه الرّوح، مائة دينار، ذكرا كان أو أنثى، و جنين الذّمّي عشر دية أبيه ثمانون درهما، و في رواية:

عشر دية أمّه(1) و الأوّل أظهر و المملوك عشر قيمة أمّه المملوكة.

و لو كانت أمّه حرّة، فالأقرب عشر دية أمّه ما لم تزد على عشر قيمة أبيه و لم أقف في ذلك على نصّ .

هذا هو المشهور عندنا، و في بعض الرّوايات: في الجنين غرّة عبد أو أمّة.(2)

و هي محمولة على مساواة الغرّة لدية الجنين.

7291. الثّاني:

لا فرق بين الذّكر و الأنثى قبل أن تلجه الرّوح، بل يجب فيه مائة دينار مع تمام خلقته.

و قال الشيخ في المبسوط: في الذكر مائة دينار و في الأنثى خمسون.(3)

و ليس بمعتمد.

و لو كان الحمل زائدا عن واحد ففي كلّ واحد دية كاملة مائة دينار،

ص: 624


1- . الوسائل: 166/19، الباب 18 من أبواب ديات النّفس، الحديث 3.
2- . التهذيب: 286/10، رقم الحديث 1108-1110.
3- . المبسوط: 194/7.

و لا كفّارة على الجاني، أمّا لو ولجته الرّوح، ففيه دية النّفس و الكفّارة.

7292. الثّالث:

لو ضربها فألقت جنينا قد ولجته الرّوح، وجب فيه دية كاملة فإن كان ذكرا فألف دينار، و إن كان أنثى فخمسمائة دينار، بشرط أن يعلم حياته و سقوطه بالجناية، سواء علمت حياته باستهلاله أو ارتضاعه، أو تنفّسه، أو عطاسه، أو غير ذلك من الأمارات الدّالّة على الحياة.

و لا يكفي سكون الحركة(1) لاحتمال كونها عن ريح، و لا يشترط الاستهلال لو علم بغيره، و يعلم سقوطه بالجناية و موته منها بسقوطه عقيب الضّربة و موته أو بقائه متألّما إلى أن يموت أو بقاء أمّه متألّمة إلى أن تسقطه.

و لو ألقته حيّا حياة مستقرّة، فقتله ثان، فعلى الثّاني القصاص أو الدّية، أمّا لو لم تكن حياته مستقرّة، فالقاتل هو الأوّل، و على الثّاني دية رأس الميّت إن قطعه، و إلاّ أدّب و ألزم بالنّسبة، و لو وقع حيّا سالما آمنا من غير ألم، لم يضمنه الضّارب لأنّ الظّاهر أنّه لم يمت من الجناية.

و لا يشترط في وجوب الدّية الكاملة أن يكون سقوطه لستة أشهر فصاعدا، بل متى ولدته حيّا كانت فيه دية كاملة، و إن كان لدون ستّة أشهر.

7293. الرابع:

لو ألقت جنينا لم تتمّ خلقته، ففي الدّية قولان: ففي المبسوط(2) و الخلاف(3) غرّة(4).

ص: 625


1- . و عبارة الشرائع هكذا «و لا اعتبار بالسكون بعد الحركة» شرائع الإسلام: 280/4.
2- . المبسوط: 125/4، كتاب الفرائض و المواريث، ميراث الحمل و الحميل.
3- . الخلاف: 113/4، المسألة 126 من كتاب الفرائض.
4- . في مجمع البحرين: الغرّة بالضّم: عبد أو أمة. و الغرّة عند العرب أنفس كلّ شيء يملك، و قال الفقهاء: الغرّة من العبد الّذي ثمنه عشر الدّية.

و المشهور توزيع الدّية على مراتب التنقّل(1) ففي النّطفة بعد استقرارها في الرّحم عشرون دينارا و إن كان بعد إلقائها فيه بلا فصل، و في العلقة أربعون، و في المضغة ستّون، و في العظم ثمانون، و فيه بعد الكمال مائة دينار حتّى يستهلّ (2) فإذا استهلّ فالدّية كاملة.

قال الشيخ رضي اللّه عنه: و فيما بين ذلك بحسابه.(3)

قال ابن إدريس: معناه انّ النّطفة تمكث في الرّحم عشرون يوما، ففيها بعد وضعها في الرّحم إلى عشرين يوما عشرون دينارا، ثمّ بعد عشرين يوما لكلّ يوم دينار إلى أربعين يوما، و هي دية العلقة و هكذا(4) و الروايات لا تساعده على ذلك، فانّ الروايات دلّت على أنّ بين كلّ مرتبة و أخرى أربعين يوما.

7294. الخامس:

يتعلق بوضع كلّ واحد من العلقة و المضغة و العظم و الجنين انقضاء العدّة و صيرورة الأمة أمّ ولد، لفائدة التسلّط على بطلان التّصرفات السّابقة، و هل تصير بوضع النطفة أمّ ولد؟ قال الشيخ رضي اللّه عنه: في النهاية: نعم.(5)

و فيه بعد.

7295. السّادس:

لو قتل المرأة فمات الجنين معها بعد العلم بحياته، فدية للمرأة و نصف دية الذكر و نصف دية الأنثى عن الجنين، فيلزمه ألف دينار و مائتان و خمسون دينارا، عن الأمّ خمسمائة و من الجنين سبعمائة و خمسون.

ص: 626


1- . في «أ»: مراتب النّقل.
2- . في «ب»: حتّى استهلّ .
3- . النهاية: 778.
4- . السرائر: 416/3.
5- . النهاية: 546، باب أمّهات الأولاد.

و قيل بالقرعة(1) و ليس بجيّد، لأنّها تثبت مع الإشكال، و لا إشكال مع النّقل.

7296. السّابع:

لو أفزع مجامعا فعزل، فعليه دية ضياع النّطفة عشرة دنانير.

و لو عزل المجامع عن الحرّة اختيارا بغير إذنها، فعليه عشرة دنانير لها، و هل هو واجب أو مستحب ؟ فيه نظر.

و لا شيء عليه لو عزل عن الأمة، سواء كانت مملوكته أو زوجته، و إن كرهت.

7297. الثّامن:

لو شربت الحامل دواء فألقت جنينا، أو ألقته بفعل غير ذلك مباشرة أو تسبيبا، فعليها دية ما ألقته لورثته غيرها.

و لو أفزعها مفزع فألقته، فالدّية على المفزع.

7298. التّاسع:

يرث دية الجنين وارث المال، الأقرب فالأقرب عن الجنين كأنّه سقط حيّا، و لو كان الجاني أباه أو أمّه لم يرثا من الدّية شيئا، و كانت الدّية لغيرهما و إن بعد.

7299. العاشر:

دية أعضاء الجنين و جراحاته بنسبة ديته، فلو ضربها فألقت عضوا كاليد، فإن ماتت لزمته ديتها و دية الجنين، و إلاّ فدية اليد خمسون.

و لو ألقت أربع أيد فدية جنين واحد، لاحتمال أن يكون [ذلك] لواحد(2)و إن بعد، و كذا لو ألقت رأسين.

ص: 627


1- . ذهب إليه الحلّي في السرائر: 417/3.
2- . بأن يكون بعضها أصليّة و بعضها زائدة.

و لو ألقت العضو، ثمّ الجنين ميّتا، دخلت دية العضو في دية الجنين، فتلزمه مائة دينار، و لو ألقته حيّا فمات لزمته دية النّفس كملا، و دخلت دية العضو فيها.

و لو بقي حيّا مستقرّ الحياة، ضمن دية اليد خاصّة.

و لو تأخّر وقوعه(1) فإن شهد أهل الخبرة أنّها يد حيّ ، فنصف الدّية، و الأقرب وجوب نصف دية الأنثى، ثمّ إن وضعته اعتبر حاله، و أكمل إن كان ذكرا، و إن ماتت هي قبل وضعه و مات لزمته دية الأم و إتمام دية الجنين المجهول.

و إن شهدوا أنّها يد ميّت، أو اشتبه فخمسون.

7300. الحادي عشر:

إنّما تجب دية الجنين إذا سقط من الضّربة، و يعلم بأن يسقط عقيب الضّرب، أو تبقى متألّمة إلى أن يسقط على ما قلناه، و لو ضرب من في جوفها حركة أو انتفاخ، فسكنت الحركة، لم يضمن الجنين، لعدم العلم به، فإذا ألقته ميّتا ضمنه، سواء ألقته في حياتها أو بعد موتها.

و لو ظهر بعضه من بطن أمّه وجبت ديته، و لو ألقت ما يشتبه أن يكون علقة أو دم فساد أو ما يشتبه أن يكون مضغة أو غيرها، لم تجب دية العلقة و لا المضغة.

7301. الثاني عشر:

إذا ألقت جنينا ميّتا،(2) ثمّ ماتت، ورثت نصيبها من ديته ثمّ ترثها ورثته(3)، و إن أسقطته حيّا ثم مات قبلها فكذلك.

ص: 628


1- . و عبارة المحقق في الشرائع هكذا «و لو تأخّر سقوطه» شرائع الإسلام: 284/4.
2- . كذا في «ب» و لكن في «أ»: إذا ألقت ما يشتبه جنينا ميّتا.
3- . في «أ»: ورثتها.

و إن ماتت قبله، ثمّ ألقته ميّتا، لم يرث أحدهما صاحبه.

و إن خرج حيّا ثمّ ماتت قبله ثمّ مات، أو ماتت ثمّ خرج حيّا ثمّ مات، ورثها، ثمّ ترثه ورثته.

و لو اختلف ورّاثهما في أقدمها موتا، لم يورث أحدهما من الاخر.

7302. الثّالث عشر:

لو ألقت جنينا ميّتا، ثمّ آخر حيّا، ففي الأوّل مائة و في الثاني دية النّفس.

7303. الرابع عشر:

تعتبر قيمة الأمة المجهضة، عند الجناية، لا وقت الإلقاء.

7304. الخامس عشر:

لو ضرب ذمّية حاملا فأسلمت و ألقته، لزمته دية جنين مسلم، لأنّها وقعت مضمونة، و الاعتبار بحال الاستقرار.

و لو كانت حربيّة فأسلمت، ثمّ ألقته(1) فلا ضمان.

و لو كانت أمة فأعتقت ثمّ ألقته، قال الشيخ: للمولى أقلّ الأمرين من عشر القيمة وقت الجناية أو الدية لأنّ العشر إن كان أقلّ ، فالزّيادة بالحرّيّة، فلا يستحقها المولى فيكون لوارث الجنين، و إن كانت دية الجنين أقلّ ، كان له الدّية، لأنّ حقّه نقص بالعتق.(2)

و هو بناء على الغرّة، أو على أن يكون جنين الأمة يجوز أن يزيد على جنين الحرّة(3) و الأقرب أنّ له عشر قيمة أمّه(4) وقت الجناية.

ص: 629


1- . في «أ»: ألقت.
2- . المبسوط: 198/7.
3- . لاحظ في توضيح العبارة المسالك: 485/15-486.
4- . في «أ»: «أمته» و هو مصحّف. و لاحظ الشرائع: 283/4.
7305. السّادس عشر:

العاقلة تضمن دية الجنين عن الجاني إن كان قتله خطأ مباشرة في ثلاث سنين، فإن ادّعى الوليّ حياة الجنين، و صدّقه الجاني، ضمنت العاقلة دية جنين ميّت، و ضمن المقرّ ما زاد، و لو أنكر و أقاما بيّنة، قدّم قول بيّنة الوليّ لأنّها تشهد بزيادة.

7306. السّابع عشر:

لو ضربها فألقته، فمات عند سقوطه، فالضّارب قاتل يقتل إن كان عمدا، و يضمن الدّية في ماله إن كان شبيه عمد، و العاقلة إن كان خطأ، و كذا لو بقي مريضا حتّى مات، أو وقع صحيحا و كان [ممّن] لا يعيش مثله، و تجب عليه الكفّارة في جميع ذلك.

7307. الثّامن عشر:

لو وطئها مسلم و ذمّي للشبهة في طهر واحد، فسقط بالجناية، أقرع بين الواطئين، و تجب دية جنين من يلحق به بالقرعة.

و لو ضرب ذمّية فألقت جنينا، فادّعى ورثته أنّه من مسلم حملت به من وطء شبهة، فاعترف الجاني، لزمته دية جنين المسلم، و إن أنكر فالقول قوله مع اليمين، و في الخطأ القول قول العاقلة، فإن صدّق الجاني الورثة، حكم عليه لا على العاقلة.

و لو كانت الأمة بين شريكين، و حملت بمملوك فضربها أحدهما فألقته، ضمن لشريكه(1) نصف عشر قيمة أمّه، و يسقط ضمان نصيبه، و إن أعتقها الضّارب بعد ضربها، عتق نصيبه منها و من ولدها، و عليه نصف قيمة الأمة و نصف قيمة الجنين، و لا يجب عليه ضمان ما أعتقه، لأنّه حين الجناية لم يكن مضمونا.

ص: 630


1- . في «ب»: بشريكه.

و لو كان معسرا ضمن حصّة الشّريك من الجنين دون حصّته من الجارية، فإن قلنا بسريان العتق إلى الجنين، فعليه نصف دية الجنين، يرثها وارثه.

و لو كان المعتق غير الضّارب و كان معسرا، عتق نصيبه من الجنين و أمّه إن قلنا بالسريان، فعلى الضّارب الكفّارة و دية نصف الجنين الحرّ و نصيبه هدر، و إن كان موسرا، قوّم عليه نصيب شريكه من الجارية، فإن قلنا ينعتق النّصيب باللّفظ، فعلى الضّارب دية الجنين الحرّ، و إن قلنا بالأداء فكالمعسر.

و لو ضرب بطن أمته ثمّ أعتقها، ثمّ ألقت جنينا ميّتا لم يضمنه.

و لو كانت مشتركة بين اثنين فضرباها ثمّ أعتقاها معا، فوضعت جنينا ميّتا، فعلى كلّ واحد نصف عشر قيمة أمّه(1) لشريكه، لأنّ كلّ واحد منهما جنى على الجنين و نصفه له، فسقط عنه ضمانه، و لزمه ضمان نصفه لشريكه.

7308. التّاسع عشر:

لو ادّعت الحرّة على إنسان أنّه ضربها فأسقطت فالقول قوله مع اليمين، و لو أقرّ بالضّرب أو قامت به بيّنة، و أنكر الإسقاط، فالقول قوله مع يمينه على نفي العلم.

و إن ثبت الضّرب و الإسقاط، و ادّعى أنّ الإسقاط من غير الضّرب، فإن حصل [الإسقاط] عقيب الضّرب، أسند إليه و إلاّ فلا.

فإن ادّعى أنّها شربت دواء أو ضربها غيره فألقته، فالقول قولها مع اليمين.

و إن أسقطت بعد الضّرب بأيّام فإن بقيت متألمة [إلى حين الإسقاط] فالقول قولها مع اليمين، و إلّا فالقول قوله مع يمينه.

ص: 631


1- . في «أ»: «أمة» و لعلّه مصحّف.
7309. العشرون:

في قطع رأس الميّت الحرّ المسلم مائة دينار، و في قطع جوارحه بحساب ديته، و كذا في شجاجه و جراحه، و لا يورث عنه بل يتصدّق بها عنه، أو يحجّ عنه، أو يصرف في غيرهما من وجوه البرّ و قال المرتضى: لبيت المال.(1)

الفصل الرّابع: في الجناية على الحيوان و فيه خمسة مباحث:

7310. الأوّل:

من أتلف حيوانا مأكول اللّحم، كالإبل، و البقر، و الغنم، على غيره بالذّكاة، فعليه الأرش بين كونه حيّا و مذكّى، و اختار الشيخان(2) دفعه إلى الجاني و إلزامه بقيمته للمالك، لإتلافه أتمّ منافعه.

أمّا لو أتلفه بغير الذّكاة، فإنّه يجب عليه قيمته للمالك يوم إتلافه، و يسقط من قيمته ما بقي منه ممّا ينتفع به كالشّعر و الصّوف و الوبر و الرّيش، إذا دفعه، إلى المالك.

و لو قطع بعض أعضائه، أو كسر شيئا من عظامه، أو جرحه، وجب عليه الأرش إن كانت حياته مستقرّة و إلاّ فالقيمة.

7311. الثّاني:

لو أتلف غير مأكول اللّحم ممّا تقع عليه الذكاة كالأسد

ص: 632


1- . الانتصار: 542، المسألة 301.
2- . المقنعة: 769، النهاية: 780.

و النّمر و الفهد، فعليه الأرش، و إن كان لا بالذّكاة، فعليه قيمته يوم الإتلاف.

و لو كسر شيئا من عظامه، أو جرحه، أو قطع منه شيئا، ضمن أرشه.

و لو تلف عقيب ذلك بالجناية، ضمن القيمة.

7312. الثّالث:

لو أتلف كلب الصّيد، فعليه أربعون درهما(1) و الشّيخ خصّه بالسّلوقي.(2) و هو منسوب إلى قرية باليمن يقال لها: السلوقي.

و في كلب الغنم كبش و قيل: عشرون درهما(3) و هي رواية ابن فضّال عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام(4) و هي أشهر، و الأولى أصحّ طريقا.

و في كلب الحائط عشرون درهما، و في كلب الزّرع قفيز من برّ.

و لا قيمة لغير ذلك من الكلاب و غيرها، و لا يضمن قاتلها شيئا.

أمّا ما يملكه الذمّي كالخنزير، فإنّه يضمن قاتله بقيمته عند مستحلّيه بشرط الاستتار و في أطرافه الأرش.

و لو أتلف خمرا لذمّي مستترا [أ] و آلة اللّهو كذلك، ضمنها المتلف، و إن كان مسلما، و لو أظهرها فلا ضمان.

و لو كان ذلك لمسلم، فلا ضمان على المتلف و إن كان كافرا.

7313. الرابع:

دية الكلاب مقدّرة على القاتل، أمّا الغاصب فإنّه يضمن

ص: 633


1- . في «أ»: لو أتلف كلب الصيد فقتله فعليه أربعون درهما.
2- . النهاية: 780.
3- . ذهب إليه الشيخ في النهاية: 780، و المفيد في المقنعة: 769، و الحلّي في السرائر: 421/3.
4- . الوسائل: 167/19، الباب 19 من أبواب ديات النّفس، الحديث 4.

بالقيمة السوقيّة إن زادت عن المقدّر لو تلفت في يده و إن نقصت، فالوجه الضّمان بالمقدّر.

7314. الخامس:

لا دية لجنين الدّابّة مقدّرة، بل أرش ما نقص من أمّها، فتقوّم حاملا، و يلزم الجاني بالتّفاوت، و في رواية: يلزمه عشر قيمة الأمّ .(1)

و المعتمد الأوّل.

الفصل الخامس: في الكفّارة بالقتل و فيه ثمان مباحث:

7315. الأوّل:

القتل إن كان عمدا، وجبت كفّارة الجمع، و هي عتق رقبة، و إطعام ستّين مسكينا، و صيام شهرين متتابعين.

و إن كان خطأ، وجبت المرتّبة، و هي عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يتمكّن فإطعام ستّين مسكينا، و كذا في قتل شبيه العمد.

7316. الثّاني:

إنّما تجب المرتّبة في الخطأ مع مباشرة القتل لا مع التّسبيب فلو طرح حجرا، أو حفر بئرا، أو نصب سكّينا في غير ملكه، فعثر به عاثر فهلك، وجبت الدّية دون الكفّارة.

ص: 634


1- . الوسائل: 166/19، الباب 18 من أبواب ديات النّفس، الحديث 2، و ادّعى ابن إدريس في السرائر الإجماع على مضمون الرواية و تواتر الأخبار، و اعترضه صاحب الجواهر بقوله: «و إن كنت لم أتحقّق شيئا منهما» ثمّ استحسن في الجواهر ما اختاره المصنّف (قدس سره) لاحظ الجواهر: 392/43، و السرائر: 419/3-420.
7317. الثالث:

إنّما تجب الكفّارة بقتل المسلم و من هو بحكمه من الأطفال، و إن كان جنينا لم تلجه الرّوح بعد تمام خلقته، سواء كان ذكرا أو أنثى، حرّا أو عبدا، عاقلا أو مجنونا، مملوكا للقاتل أو لغيره.

7318. الرابع:

لا تجب الكفّارة بقتل الذّمّي و غيره من أصناف الكفّار، معاهدا كان أو غير معاهد، حلّ قتله أو حرم.

7319. الخامس:

لو قتل مسلما في دار الحرب عالما بإسلامه من غير ضرورة، وجب القود و الكفّارة، و لو ظنّه كافرا فلا دية، و عليه الكفّارة، و لو بان أسيرا ضمن الدّية و الكفّارة، لعجز الأسير عن التخلّص.

7320. السّادس:

لو اشترك جماعة في القتل، فعلى كلّ واحد كفّارة كملا.

7321. السّابع:

تجب الكفّارة على قاتل العمد إن عفي عنه إلى الدّية أو مطلقا، و إن قتل قصاصا قال في المبسوط: يسقط(1) و الوجه وجوبها في ماله.

7322. الثّامن:

الأقرب سقوط الكفّارة عن الصبيّ و المجنون و عن قاتل نفسه.

ص: 635


1- . المبسوط: 246/7.

ص: 636

المقصد الثاني: في محل الدّية و فيه ثلاث و عشرون بحثا:

7323. الأوّل:

القتل إن كان عمدا، وجبت الدّية على الجاني في ماله، إن رضي منه بها، و كذا إن كان شبيه العمد، و لو فقد القاتل وجبت الدّية في تركته.

و قال الشيخ في المبسوط: إذا هلك قاتل العمد سقط القصاص و الدّية(1)و تردّد في الخلاف في سقوط الدية(2) و الوجه ما قلناه من وجوب الدية في تركته، فإن لم يكن له تركة وجبت على الأقرب فالأقرب من ورثته، و عليه دلّت رواية أبي بصير.(3)

و أمّا دية الخطأ المحض، فهي على العاقلة، سواء كان للجاني مال، و قدر عليه أولا.

و المراد بالعاقلة: العصبة، و المعتق، و ضامن الجريرة، و الإمام.

و سمّيت عاقلة لأنّها تحمل العقل، و العقل هنا الدّية، سمّيت عقلا لأنّها

ص: 637


1- . المبسوط: 65/7، كتاب الجراح.
2- . الخلاف: 184/5-185، المسألة 50 من كتاب الجنايات.
3- . الوسائل: 302/19-303، الباب 4 من أبواب العاقلة، الحديث 1.

تعقل لسان وليّ المقتول، أو سمّيت العاقلة عاقلة لأنّهم يمنعون عن القاتل.

7324. الثاني:

العصبة من تقرّب بالأبوين أو بالأب خاصّة.

من الذّكور، كالإخوة و أولادهم، و الأعمام و أولادهم، سواء كانوا من أهل الإرث في الحال أو لا.

و قيل: العصبة هم الّذين يرثون القاتل لو قتل(1) و فيه نظر فإنّ الدّية قد يرث الإناث منها و كذا الزّوج و الزّوجة و المتقرّب بالأمّ على الأصحّ .

و يختصّ بها الأقرب فالأقرب كما تورّث الأموال، بخلاف العقل، فإنّه يختصّ الذّكور من العصبة، دون من يتقرّب بالأم، و دون الزّوج و الزّوجة و قيل:

الأقرب ممّن يرث بالتّسمية، و مع عدمه، يشترك في العقل بين من تقرّب بالأمّ ، و من تقرّب بالأب أثلاثا.(2) و ما قلناه أجود.

7325. الثالث:

الأقرب دخول الاباء و الأولاد في العقل، و قال في المبسوط(3)و الخلاف(4): بعدم دخولهم.

و لا يشتركهم القاتل في الضّمان و لا أهل الدّيوان(5) و لا أهل البلد إذا لم يكونوا عصبة، و لا المولى من أسفل، و إنّما يعقل المولى من أعلى.

ص: 638


1- . ذهب إليه الشيخ في النهاية: 737.
2- . القائل هو ابن الجنيد، حكاه عنه المصنف في المختلف: 301/9.
3- . المبسوط: 173/7.
4- . الخلاف: 277/5، المسألة 98 من كتاب الديات.
5- . قال الشهيد في المسالك: 511/15: المراد بأهل الدّيوان: الّذين رتّبهم الإمام للجهاد، و أدرّ لهم أرزاقا، و جعلهم تحت راية أمير يصدرون عن رأيه.

و لا يدخل في العقل كلّ من يقرب بالأمّ و لا الزّوج و الزّوجة، و على قول الشيخ رضي اللّه عنه من أنّ الأولاد و الاباء لا يدخلون في العقل، لو كان الولد ابن عمّ (1) لم يعقل، قال: و لو قلنا إنّه يعقل من حيث إنّه ابن عمّ (2) كان قويّا(1) و لا تعقل المرأة، و لا الصّبي و لا المجنون، و إن ورثوا من الدّية، و لا يتحمّل الفقير شيئا، و يعتبر الفقر عند المطالبة، و هو جيّد، و هو حول الحول.

7326. الرابع:

و يشترك في العقل الحاضر و الغائب، و يبدأ في قسمته بين العاقلة بالأقرب فالأقرب، و لا يشترك القريب و البعيد مع اتّساع القريب، فيقسم على الاباء و الأولاد عندنا، خلافا للشّيخ(2) ثمّ على أولادهم، ثمّ على الأعمام، ثمّ على أولادهم، ثمّ على أعمام الأب، ثمّ على أولادهم، ثمّ على أعمام الجدّ، ثمّ على أولادهم، و هكذا(3) حتّى إذا استوعب المناسب انتقل إلى المعتق، ثمّ على عصباته، ثمّ على مولى المولى، ثمّ على عصباته الأقرب في ذلك فالأقرب.

و إذا اتّسعت(4) أموال قوم للعقل لم يعدهم إلى من بعدهم و يقدّم من يتقرّب بالأبوين على من تقرّب بالأب(5) كالإرث، و لو قيل بعدم التّقديم كان وجها، لأن قرابة الأمّ لا مدخل لها في العقل.

7327. الخامس:

لا يعقل إلاّ من عرف كيفيّة انتسابه إلى القاتل، بأن يعرف

ص: 639


1- . المبسوط: 173/7.
2- . المبسوط: 173/7، الخلاف: 277/5.
3- . كذا في «ب» و لكن في «أ»: خلافا للشيخ، ثم على الإخوة ثمّ على أولادهم و هكذا.
4- . في «أ»: فإذا اتّسعت.
5- . في «ب»: «و يقدم من يقرب بالأبوين على من يقرب بالأمّ » و الصحيح ما في المتن.

نسبه من القاتل(1) أو يعلم أنّه من قوم يدخلون كلّهم في العقل، و من لا يعرف كيفيّة انتسابه لا يدخل في العقل و إن كان من قبيلته، إلاّ أن يعلم انتسابه بالأب و كيفيّة انتسابه به، فلو كان القاتل قرشيّا، لم يلزم قريشا كلّهم، و إن رجعوا إلى أب واحد، لتفرّقهم، فصار كلّ قوم، يتميّزون به.

و إن لم يثبت نسب القاتل من أحد، أخذت الدّية من بيت المال.

و إذا أقرّ بنسب مجهول، ألحقناه به، فإن ادّعاه آخر و أقام البيّنة قضي له به، و أبطل الأوّل، فإن ادّعاه ثالث ببيّنة أنّه ولد على فراشه، قضي له به لاختصاصه مع شهادة النّسب بالسّبب.

7328. السّادس:

لا تتحمّل العاقلة ما دون الموضحة، و هو الأشهر، و قال في الخلاف: تتحمّل العاقلة القليل و الكثير(2) و المشهور ما قلناه، و تتحمّل الموضحة فما زاد.

7329. السّابع:

لا تعقل العاقلة، إقرارا، و لا صلحا، و لا جناية عمد، إلاّ مع عدم القاتل و تركته، على ما اخترناه نحن أوّلا، سواء كانت جناية العمد توجب القصاص أو الدّية، كقتل الأب ولده و المسلم الكافر، و الحرّ العبد، و كالمأمومة و الجائفة.

7330. الثّامن:

لو جنى على نفسه عمدا أو خطأ، كانت هدرا، و لا تضمنه العاقلة.

و لو اقتصّ بحديدة مسمومة، فسرى إلى النّفس، جاهلا بالسّم، فعلى العاقلة، لعدم القصد إلى إتلافه.

ص: 640


1- . في «ب»: نسبته من القاتل.
2- . الخلاف: 283/5، المسألة 106 من كتاب الدّيات.

و لو وكّل في استيفاء القصاص ثمّ عفا عنه، فقتله الوكيل من غير علم بعفوه، لم تضمن العاقلة.

7331. التّاسع:

الذّمّي إذا جنى، كانت الجناية في ماله، عمدا كانت أو خطأ دون عاقلته، فإن عجز عن الدّية فعاقلته الإمام، لأنّه يؤدّي الجزية إليه، كما يؤدّي المملوك الضّريبة إلى مولاه.

7332. العاشر:

المملوك إذا جنى جناية، تعلّقت برقبته، عمدا كانت الجناية أو خطأ، و لا يلزم المولى ضمانها، سواء كان قنّا، أو مدبّرا، أو مكاتبا، أو أمّ ولد.

و عمد الصّبي و المجنون، خطأ تضمنه العاقلة.

7333. الحادي عشر:

ضامن الجريرة يعقل المضمون، و لا يعقل عنه المضمون، و لو دار الضّمان دار العقل، و لا يجتمع الضّمان مع عصبة، و لا معتق لأنّ عقده مشروط بجهالة النّسب و عدم المعتق.

نعم لو وجد و لا نسب و لا منعم، كانت الحوالة في العقل عليه مع يسره دون الإمام.

7334. الثّاني عشر:

لا تضمن العاقلة عبدا،(1) بمعنى أنّ العبد إذا قتل كانت

ص: 641


1- . توضيحه: لمّا كانت دية الخطأ على عاقلة القاتل استثني موارد: 1 - إذا كان المقتول عبدا، فالدّية (قيمة العبد) في مال القاتل لا على العاقلة. 2 - إذا جنت البهيمة فلا يضمن الجناية عاقلة المالك بل على مالك البهيمة. 3 - إذا أتلف المال فالضمان على المتلف لا على عاقلته. ثمّ إنّ المسألة معنونة في الشرائع: 294/4 غير أنّ الشّهيد في المسالك: 528/15، و صاحب الجواهر في الجواهر: 450/43 فسّرا كلام المحقّق على نحو يكون العبد قاتلا لا مقتولا، فقالا بعدم تعلّق الدّية بعاقلة العبد بل على رقبته، فلاحظ.

قيمته في مال القاتل، لا على عاقلة القاتل خطأ، لأنّه مال تختلف قيمته باختلاف صفته، و لا تضمن بهيمة و لا إتلاف مال، بل تختصّ العاقلة بضمان الجناية على الآدميّ خاصّة.

7335. الثّالث عشر:

لا تحتمل العاقلة صلحا، بأن ينكر القاتل دعوى القتل و لا بيّنة فيصالح على الدّية أو بعضها، و لا تضمن إقرارا أيضا، بأن يقرّ القاتل على نفسه بقتل الخطأ، بل يلزم المقرّ بالدّية في ماله.

7336. الرّابع عشر:

تضمن العاقلة الدّية في ثلاث سنين، يؤدّى عند انسلاخ كلّ سنة، ثلث المال، سواء كانت تامّة أو ناقصة كدية المرأة و الذمّي أو ارشا و في المبسوط تستأدى في آخر السنة ان كان بقدر ثلث الدّية.

7337. الخامس عشر:

تحمل العاقلة دية الطّرف إن كان بقدر الموضحة فما زاد و دية المرأة و ما بلغ من جراحها أرش الموضحة، و دية الجنين الكامل قبل أن تلجه الرّوح.

و خطأ الإمام و الحاكم في الحكم و الاجتهاد على بيت المال، و في غيره على عاقلته.

7338. السّادس عشر:

جناية العبد عمدا على رقبته يقتصّ منه، أو يسترقّ ، و الخيار في ذلك إلى المولى، و جنايته خطأ تتعلّق برقبته، فإن شاء مولاه دفعه، و إن شاء فداه، قيل: بأقلّ الأمرين من الأرش و قيمته(1) و قيل: بالأرش أجمع أو

ص: 642


1- . القولان للشيخ في المبسوط، إلاّ أنه قال: الأوّل أقوى و الثاني أظهر في رواياتنا. لاحظ المبسوط: 7/7.

يدفعه(1)، فإن أعتقه مولاه ضمن الأرش إن كانت خطأ، و إن كانت عمدا، فالأقرب بطلان العتق.

و لو باعه أو وهبه صحّ ، و لم تزل الجناية عن رقبته، و يتخيّر المشتري مع جهالته بين الفسخ و الإمضاء.

7339. السّابع عشر:

الدّية تجب ابتداء على العاقلة، فلا ترجع العاقلة بها على الجاني على الأصحّ ، بل و لا يشاركهم، نعم لو لم يكن له عاقلة و لا شيء في بيت المال، أخذت الدّية من ماله.

7340. الثّامن عشر:

قيل: يقسّط الإمام الدّية على العاقلة على الغنيّ عشرة قراريط، و على الفقير خمسة قراريط(2) و الأقرب أنّه يقسّطها بحسب ما يراه الإمام نعم لا يجحف و يأخذ من البعيد مع قصور القريب عن التقسيط، و من الموالي مع وجود العصبة، فإن اتّسعت أخذ من عصبة المولى، و لو زادت فعلى مولى المولى، ثمّ على عصبة مولى المولى و هكذا.

فإن زادت [الدّية] عن العاقلة أجمع، أخذ، من الإمام، قال الشّيخ: لو كانت الدية دينارا و له اخ واحد اخذ منه نصفه و من الإمام الباقي(3) و هو بناء على قوله في تضمين العاقلة ما دون الموضحة.

و لو زادت العاقلة عن الدّية، لم يختصّ بها البعض.

ص: 643


1- . القولان للشيخ في المبسوط، إلاّ أنه قال: الأوّل أقوى و الثاني أظهر في رواياتنا. لاحظ المبسوط: 7/7.
2- . ذهب إليه الشيخ في المبسوط: 174/7 و 178.
3- . المبسوط: 174/7.

7341. التّاسع عشر:

ابتداء زمان التّأجيل حين الموت، و في الطّرف حين الجناية، لا من وقت الاندمال، و في السّراية من وقت الاندمال و لا يقف ضرب الأجل على حكم الحاكم، و لو مات الموسر بعد الحول أخذ من تركته.

و لو مات قبل الحول أو افتقر، أو جنّ لم يلزمه شيء.

و لو كان فقيرا حال القتل، فاستغنى عند الحول، احتمل الوجوب، فإن بلغ الصّبي، أو أفاق المجنون، فالاحتمال أضعف.

7342. العشرون:

إذا كانت العاقلة غائبة، كتب الحاكم إلى تلك البلدة بالواقعة، ليوزّع الدّية عليهم.

و لو لم يكن [له] عاقلة أو عجزت أخذت من الجاني، فإن عجز، أخذ من الإمام للرّواية(1) و قيل مع فقد العاقلة أو فقرها يؤخذ من الإمام دون الجاني.(2)

أمّا دية شبيه العمد، ففي مال الجاني، فإن مات أو هرب، قيل: تؤخذ من الأقرب إليه ممن يرث ديته، فإن لم يكن، فمن بيت المال.(3)

7343. الحادي و العشرون:

يعقل المريض الموسر و إن كان زمنا و الشيخ و إن بلغ الهرم(4) و الأعمى.

7344. الثّاني و العشرون:

لو قتل الأب ولده عمدا، أخذت الدّية منه للوارث غيره، و لا نصيب له منها، و لو انتفى الوارث، كانت للإمام.

ص: 644


1- . الوسائل: 300/19، الباب 2 من أبواب العاقلة، الحديث 1، و لاحظ الحديث 1 من الباب 6 من أبواب العاقلة.
2- . ذهب إليه الشيخ في النهاية: 737.
3- . القائل هو الشيخ في النهاية: 738.
4- . خلافا لبعض أهل السّنة، لاحظ المغني لابن قدامة: 523/9.

و لو قتله خطأ، فالدّية على عاقلته، يرثها غير الأب على الأقوى، فإن لم يكن وارث غير الأب، و قلنا بنفي ميراثه، فلا بحث، و إلاّ فالوجه عدم الأخذ من العاقلة، و كذا لو قتل الابن أباه خطأ.

7345. الثّالث و العشرون:

لو رمى الذّمي طيرا، ثمّ أسلم، ثمّ قتل السّهم مسلما، لم يعقل عنه عصبته من الذّمّة(1) و لا من المسلمين، لأنّه رمى و هو ذمّي، و يضمن الدّية في ماله.

و لو رمى مسلم طائرا، ثمّ ارتدّ ثمّ أصاب مسلما، قال الشيخ لا يعقل عنه المسلمون و لا الكفّار(2) و يحتمل أن يعقل عنه المسلمون، لأنّ ميراثه لهم.

و لو تزوّج عبد بمعتقة فأولدها [أولادا] فولاؤهم لمولى أمّهم، فإن جنى أحدهم فالعقل على مولى الأمّ ، لأنّه عصبته و وارثه، فإن أعتق أبوه انجرّ الولاء إليه، فإن سرت الجناية بعد عتق الأب، أو رمى بسهم فأعتق أبوه قبل الإصابة، لم يحمل عقله أحد، لأنّ مولى الأمّ قد زال ولاؤه عنه قبل قتله، و مولى الأب لم يكن له عليه ولاء حال جنايته، فتكون الدّية [عليه] في ماله.

كلمة المصنف

[قال المصنّف:]

فهذا آخر ما أفدناه في هذا الكتاب، و هو قيّم لغرض طالب التّوسط(3) في هذا الفنّ ، و من أراد الإطالة فعليه بكتابنا الموسوم ب «تذكرة الفقهاء» الجامع لأصول المسائل و فروعها، مع إشارة وجيزة إلى وجوهها، و ذكر الخلاف الواقع بين العلماء، و إيراد ما بلغنا من كلام الفضلاء.

ص: 645


1- . و في الشرائع: 292/4: «من الدّية» و هو مصحّف.
2- . المبسوط: 183/7.
3- . في بعض النسخ: نعرض طالب التوسّط.

و من أراد الغاية و قصد النّهاية، فعليه بكتابنا الموسوم ب «منتهى المطلب في تحقيق المذهب».

و اللّه الموفّق للصّواب، منه المبدأ و إليه المآب.

كلمة المحقق

قال المحقّق:

ذكر المصنّف في آخر كتاب النكاح - ج 46/4 من هذه الطبعة -:

أنّه فرغ من هذا الجزء في شهر جمادى الآخرة سنة إحدى و تسعين و ستّمائة، و في غير واحدة من النسخ الموجودة في مكتبتي: «دار القرآن الكريم و آية اللّه المرعشيّ » في قم المشرّفة في هذا المقام ما هذا لفظه:

«و الحمد للّه ربّ العالمين فرغت من تسويده في ثامن شوّال سنة سبع و تسعين و ستّمائة و كتب حسن بن يوسف بن مطهّر مصنّف الكتاب، و الحمد للّه وحده و صلى اللّه على سيد المرسلين محمد النبي و آله الطاهرين».

نعم نقل المحقّق الطهراني في الذريعة: 379/3 عن بعض النّسخ: أنّ المصنّف فرغ من الكتاب في عاشر ربيع الأوّل سنة 690 ه و لعلّه ناظر إلى فراغه عن بعض أجزائه، كما يظهر من فهرس مكتبة المرعشي للنسخ الخطيّة، فلاحظ الجزء 285/17 برقم 6732.

قد بذلنا غاية الجهد في تحقيق هذا الكتاب و تخريج مصادره

ص: 646

حتّى أصبح بمنّه سبحانه كتابا محقّقا مصحّحا إلاّ ما زاغ عنه البصر، و قد خصّصنا الجزء السادس لفهرس المواضيع و سائر الفهارس الفنّية.

و قد فرغنا من عمليّة التّحقيق و التّخريج يوم الخميس، السّابع و العشرين من شهر ربيع الاخر من شهور عام 1422 ه.

نحمده سبحانه و نشكره على هذه النّعمة، و نصلّي و نسلّم على النبيّ محمّد و آله صلوات اللّه عليهم أجمعين، و نرجو من منّه الجسيم أن يتقبّل هذا العمل من عبده الضّعيف بأحسن قبول، و يجعله ذخرا ليوم معاده الّذي وصفه سبحانه بقوله: (يَوْمَ لاٰ يَنْفَعُ مٰالٌ وَ لاٰ بَنُونَ إِلاّٰ مَنْ أَتَى اَللّٰهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ) .

و آخر دعوانا أن الحمد للّه ربّ العالمين.

ص: 647

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.