تحریر الأحکام الشرعیة علی مذهب الإمامیة المجلد 4

هویة الکتاب

سرشناسه : علامه حلی، حسن بن یوسف، 648 - 726ق.

عنوان و نام پديدآور : تحریر الاحکام الشرعیه علی مذهب الامامیه/ جمال الدین ابی منصور الحسن بن یوسف بن المطهر المعروف بالعلامه الحلی؛ اشراف جعفر السبحانی؛ تحقیق ابراهیم البهادری.

مشخصات نشر : قم: موسسه الامام الصادق(ع)، 1421ق.= 1379.

مشخصات ظاهری : 6 ج.

شابک : دوره 964-6243-91-6 : ؛ ج. 1 964-6243-65-7 : ؛ 21000 ریال: ج. 2 964-6243-66-5 : ؛ ج. 3 964-6243-66-5 : ؛ ج. 4 964-357-003-7 : ؛ ج. 5 964-357-018-5 :

يادداشت : عربی.

يادداشت : ج. 1 و 2 (چاپ اول: 1420ق. = 1378).

يادداشت : ج. 4 (چاپ اول: 1421ق. = 1379).

يادداشت : ج. 5 (چاپ اول: 1422ق. = 1380).

موضوع : فقه جعفری -- قرن 8ق.

شناسه افزوده : سبحانی تبریزی، جعفر، 1308 - ، مترجم

شناسه افزوده : بهادری، ابراهیم

رده بندی کنگره : BP182/3/ع8ت3 1378

رده بندی دیویی : 297/342

شماره کتابشناسی ملی : م 78-24069

تنظیم متن دیجیتال میثم حیدری

ص: 1

اشارة

ص: 2

المدخل

بِسْمِ اللّٰهِ اَلرَّحْمٰنِ اَلرَّحِيمِ

وَ مٰا كٰانَ اَلْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لاٰ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طٰائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي اَلدِّينِ وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذٰا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ

التوبة: 122

ص: 3

ص: 4

تتمة القاعدة الثانية

تتمة كتاب النكاح

المقصد السابع: في الولادة و العقيقة و الحضانة و توابع ذلك و إلحاق الأولاد

اشارة

و فيه فصول:

الفصل الأوّل: في سنن الولادة
اشارة

و فيه خمسة مباحث:

5273. الأوّل:

يجب عند الولادة استبداد النساء بالمرأة دون الرجال، إلاّ مع الحاجة، بأن تعدم النساء عندها، و يجوز للزوج تولّي ذلك لانكشافه على العورة، و إن كان هناك نساء.

5274. الثاني:

يستحبّ عند الولادة غسل المولود مع أمن الضرر، و الأذان في أذنه اليمنى و الإقامة في اليسرى، و أن يحنّك بماء الفرات، و تربة الحسين عليه السّلام،(1) فإن تعذّر ماء الفرات فبماء عذب، فإن تعذّر إلاّ ماء ملح، جعل فيه شيء من العسل أو التمر ليحلو، و يحنّك به.

ص: 5


1- . في مجمع البحرين: يستحبّ تحنيك المولود بالتربة الحسينيّة و الماء كأن يدخل ذلك إلى حنكه و هو أعلى داخل الفم.
5275. الثالث:

يستحبّ تسميته بإحدى الأسماء المستحسنة، و روي استحباب التسمية يوم السابع(1) و أفضلها ما تضمّن العبوديّة للّه تعالى، ثمّ أسماء الأنبياء عليهم السّلام و أفضلها محمّد ثم أسماء الأئمة عليهم السّلام، و روي عن أبي الحسن عليه السّلام قال: لا يدخل الفقر بيتا فيه اسم محمّد و أحمد و علي و الحسن و الحسين أو جعفر أو طالب أو عبد اللّه أو فاطمة من النساء(2).

و يستحبّ الكنية مخافة النبز،(3) و يكره التسمية بحكم و حكيم و خالد و مالك و حارث و ضرار.

و عن الصادق عليه السّلام: «إن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نهى عن أربع كنى: عن أبي عيسى و عن أبي الحكم و عن أبي مالك و عن أبي القاسم إذا كان الاسم محمّدا».(4)

5276. الرابع:

يستحبّ التهنئة لمن ولد له، بأن يقال: شكرت الواهب، و بورك لك في الموهوب، و بلغ أشدّه، و رزقت برّه.

5277. الخامس:

روي استحباب أكل السفرجل للمرأة الحامل، فانّ الولد يكون أطيب ريحا و أصفى لونا.

و قال أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام: «خير تموركم البرني فأطعموها النساء(5) في نفاسهنّ تخرج أولادكم حكماء»(6).

ص: 6


1- . الوسائل: 150/15، الباب 44 من أبواب أحكام الأولاد، الحديث 3.
2- . الوسائل: 128/15، الباب 26 من أبواب أحكام الأولاد، الحديث 1.
3- . هو ما يكره من اللقب.
4- . الوسائل: 131/15، الباب 29 من أبواب أحكام الأولاد، الحديث 2.
5- . في المصدر: «فأطعموا نساءكم».
6- . الوسائل: 135/15، الباب 33 من أبواب احكام الأولاد، الحديث 3.

و عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أوّل ما تأكل النفساء الرطب، فإن لم تكن أيّامه، فسبع تمرات من تمر المصر.(1)

و عن الرضا عليه السّلام:

«أطعموا حبالاكم ذكر اللّبان،(2) فإن يكن في بطنها غلام خرج زكيّ القلب عالما شجاعا، و إن تكن جارية، حسن خلقها و خلقتها، و عظمت عجيزتها، و حظيت عند زوجها».(3)

الفصل الثاني: في سنن اليوم السابع
اشارة

و هي الحلق و الختان و ثقب الأذن و العقيقة.

فهاهنا خمسة مباحث:

5278. الأوّل:

يستحبّ يوم السابع أن يحلق رأس الصبيّ قبل العقيقة، و يتصدّق بوزنه ذهبا أو فضّة، و يكره القنازع(4) و هو أن يحلق موضع من الرأس و يترك آخر.

ص: 7


1- . الوسائل: 134/15، الباب 33 من أبواب أحكام الأولاد، الحديث 1 بتلخيص.
2- . في مجمع البحرين: اللّبان بالضمّ: الكندر. و قال العلاّمة المجلسي قدّس سرّه: في بعض كتب الطب: الكندر أصناف: منه هنديّ يميل إلى الخضرة، و منه مدحرج قطفا يؤخذ مربّعا، ثمّ يضعونها في جرار حتّى يتدوّر و يتدحرج، و هذا إذا عتق احمرّ، و منه ابيض يليّن البطن، و المستعمل من الكندر: اللّبان و القشار و الدقاق و الدخان و أجزاء شجرة كلّها حتّى الأوراق، و أجوده الذكر الأبيض المدحرج الدبقي الباطن الدهين المكسرة. مرآة العقول: 41/21.
3- . الوسائل: 136/15، الباب 34 من أبواب أحكام الأولاد، الحديث 2.
4- . في مجمع البحرين: القنزعة واحدة القنازع: و هي أن يحلق الرأس إلاّ قليلا و يترك وسط الرأس.
5279. الثاني:

الختان مستحبّ يوم السابع، و لو أخّر جاز، و لا يجوز تأخيره إلى البلوغ، فإن بلغ و لم يختن، وجب أن يختن نفسه، أما خفض الجواري فإنّه مستحبّ و لا يجب، و إن بلغن.

و لو أسلم الكافر و هو غير مختن، وجب أن يختن نفسه، و إن طعن في السنّ و المرأة لو أسلمت استحبّ خفضها و لم يجب و لو مات المسلم غير مختن مع بلوغه، لم يجب ختنه.

و يستحبّ ثقب الأذن يوم السابع أيضا، و ليس بواجب بلا خلاف.

5280. الثالث:

العقيقة مستحبّة استحبابا مؤكّدا، و قال المرتضى قدس اللّه روحه: إنّها واجبة.(1) و ليس بمعتمد.

5281. الرابع:

يستحبّ أن تكون العقيقة و الحلق في موضع واحد، و أن يعقّ عن الذّكر بذكر و عن الأنثى بأنثى، و لا يجزئ في القيام بالسّنة الصدقة بثمنها، و لو عجز الأب أخّرها إلى المكنة.

و لو لم يعقّ الوالد استحبّ للولد مع بلوغه أن يعقّ عن نفسه.

و يستحبّ أن تجمع العقيقة صفات الأضحية، و أن تخصّ القابلة بربعها الّذي يلي الورك بالفخذ، و لو لم تكن له قابلة أعطيت الأمّ ذلك تتصدّق به.

و لو مات الصبيّ يوم السابع قبل الزوال، سقطت، و لو مات بعده لم يسقط استحبابها.

و يكره للأبوين أن يأكلا من العقيقة، و روي: و لا أحد من عياله،(2) و أن تكسر عظامها، بل تفصل أعضاؤه.

ص: 8


1- . الانتصار: 406، المسألة 233، كتاب الصيد و الذبائح.
2- . الوسائل: 156/15، الباب 47 من أبواب أحكام الأولاد، الحديث 1.

و روي أنّه يستحبّ إطعام عشرة من المسلمين في العقيقة قال الصادق عليه السّلام:

«فإن زاد فهو أفضل».(1)

و قال:

«إن كانت القابلة يهوديّة لا تأكل من ذبيحة المسلمين أعطيت ربع قيمة الكبش».(2)

5282. الخامس:

روي عن الباقر عليه السّلام قال:

«إذا ذبحت العقيقة فقل: «بسم اللّه و باللّه و الحمد للّه و اللّه أكبر إيمانا باللّه و ثناء على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و العصمة لأمره و الشكر لرزقه و المعرفة بفضله علينا أهل البيت».

فإن كان ذكرا فقل:

«اللّهمّ إنّك وهبت لنا ذكرا و أنت أعلم بما وهبت،. و منك ما أعطيت و كلّما صنعنا فتقبّله منّا على سنّتك و سنّة نبيّك (و رسولك)(3) صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و اخسأ عنّا الشيطان الرّجيم، لك سفكت الدّماء لا شريك لك و الحمد للّه ربّ العالمين».(4)

ص: 9


1- . الوسائل: 152/15، الباب 45 من أبواب أحكام الأولاد، الحديث 15.
2- . الوسائل: 152/15، الباب 45 من أبواب أحكام الأولاد، الحديث 14.
3- . ما بين القوسين ليس في المصدر.
4- . الوسائل: 155/15، الباب 46 من أبواب أحكام الأولاد، الحديث 4.
الفصل الثالث: في الرضاع
اشارة

و فيه خمسة مباحث:

5283. الأوّل:

من السّنّة أن يرضع المولود حولين كاملين، فإن نقص ثلاثة أشهر لم يكن به بأس، و إن نقص غير ذلك كان جورا على الصبيّ غير جائز، و يجوز الزيادة على الحولين إلاّ أنّه لا يكون أكثر من شهرين، و لا تستحق المرضعة على الزائد على الحولين أجرة.

5284. الثاني:

أفضل الألبان الّتي يرضع بها الصبيّ لبان الأمّ، فإن كانت حرّة لم تجبر على إرضاعه، سواء كانت شريفة، أو مشروفة، موسرة، أو معسرة، دنيّة، أو نبيلة (ذميّة أو مسلمة)(1) و سواء كانت ممّن ترضع ولدها في العادة أو لا، و كذا لو كانت الزوجة أمة، أو متمتّعا بها، أمّا أمّ الولد فللمولى إجبارها على إرضاع ولدها.

5285. الثالث:

لو كانت الحرّة مطلّقة طلاقا بائنا، و طلبت الأجرة على إرضاع الولد، جاز للأب العقد عليها و إعطاؤها الأجرة، و لو كانت في حبالته أو مطلّقة طلاقا رجعيّا، فللشيخ قولان:

أحدهما أنّه لا أجرة لها، و لا يصحّ للأب أن يعقد عليها عقد إجارة للإرضاع.(2)

ص: 10


1- . ما بين القوسين في «أ» نسخة بدل.
2- . المبسوط: 36/6-37 و ج 239/3.

و الثاني جواز ذلك.(1) و هو الأقرب عندي قال: و كذا لو استأجرها لخدمته أو خدمة غيره لم يجز، لاستغراق وقتها في حقوقه من الاستمتاع.(2)

5286. الرابع:

لو تبرعت الأمّ بإرضاعه، لم يجب على الزوج الزيادة في نفقتها، و لو لم تتبرّع و طلبت الأجرة، وجب على الأب دفعها إليها إن لم يكن للولد مال، و لو تبرّعت أجنبيّة بإرضاعه فرضيت الأمّ بالتبرّع، فهي أحقّ به، و إن لم ترض، كان للأب تسليمه إلى المتبرّعة، و كذا لو طلبت الأمّ أجرة و طلبت الأجنبيّة أقلّ، كان للأب تسليمه إلى الأجنبيّة.

و لو ادّعى الأب وجود متبرّعة و أنكرت الأمّ، فالقول قول الأب مع يمينه، على إشكال.

و إذا أخذت الأمّ الأجرة كان لها أن ترضع بنفسها و بغيرها.

و لا يجب على الأب دفع أجرة ما زاد على الحولين، و ليس للأب تسليمه إلى المتبرّعة مع تبرّع الأمّ، و لا إلى المستأجرة بما ترضى به الأمّ.

5287. الخامس:

لو سلّمه إلى المتبرّعة، أو امتنعت الأمّ من إرضاعه، فسلّمه إلى المستأجرة، لم تسقط حضانة الأمّ، و تأتي المرضعة فترضعه عندها، و لو تعذّر حمل الصبيّ إليها وقت الإرضاع، فإن تعذّر سقطت حضانتها.

ص: 11


1- . النهاية: 503.
2- . المبسوط: 37/6، و لاحظ الأقوال حول المسألة في الخلاف: 304/7-305.
الفصل الرابع: في الحضانة
اشارة

و فيه عشرة مباحث:

5288. الأوّل:

الحضانة: ولاية و سلطنة لكنّها بالأنثى أليق، فإذا افترق الأبوان و بينهما ولد و تنازعاه، فإن كان بالغا رشيدا، فأمره إلى نفسه ينضمّ إلى من شاء، سواء كان ذكرا أو أنثى، و لا حقّ لأحد الأبوين فيه، غير أنّه يكره للأنثى مفارقة أمّها حتّى تتزوّج.

و إن كان طفلا، فالأمّ أحقّ بالذكر حولين مدّة الرضاع، و بعد ذلك يكون الأب أولى به منها، و الأمّ أحقّ بالأنثى الصغيرة إلى أن تبلغ سبع سنين، ثمّ يصير الأب أولى بها منها.

5289. الثاني:

إنّما تثبت الحضانة للأمّ حولين للذكر و سبعا للأنثى ما لم تتزوّج، فإن تزوّجت بغير الأب، سقطت حضانتها عنهما، و كان الأب أولى بهما منها، فإن طلّقها الزّوج رجعيّا لم تعد الحضانة، و إن كان بائنا عادت الولاية لها ما لم يخرج الحولان في الذكر و السبع في الأنثى، فإن تزوّجت بآخر سقطت حضانتها، فإن طلّقها بائنا عادت، و هكذا.

و المفيد رحمه اللّه جعل الحضانة للأمّ في الأنثى تسع سنين.(1) و الشيخ في

ص: 12


1- . المقنعة: 531.

الخلاف(1) و المبسوط(2) لم يفرّق بين الذكر و الأنثى، بل جعل الحضانة للأم مدّة سبع سنين و لم يفصّل. و ما اخترناه هو الأظهر.

5290. الثالث:

لو كانت الأمّ مملوكة، سقطت حضانتها، و كذا لو كانت كافرة، و الأب مسلم، و كذا الأب لو كان مملوكا و الأمّ حرّة، فهي أولى بالحضانة إلى أن يبلغ الولد، أو يعتق الأب.

و لو كان كافرا و المرأة مسلمة فهي أولى بالحضانة إلى البلوغ، أو إسلامه(3) سواء تزوّجت الأمّ الحرّة المسلمة أو لا، و كذا لو مات الأب كانت الأمّ أولى بالذكر و الأنثى إلى وقت بلوغهما من الوصيّ و غيره.

5291. الرابع:

إذا صار الأب أولى بالولد إمّا لتزويج أمّه، أو لبلوغه المدّة الّتي قرّرناها، لم يمنع من الاجتماع بأمّه، فالذكر يذهب إلى أمّه و الجارية تأتي أمّها إليها من غير إطالة و لا انبساط في بيت مطلّقها، و لو مرض الولد لم يمنع أمّه من مراعاته و تمريضه، و إن مرضت الأمّ لم يمنع الولد من التردّد إليها ذكرا كان أو أنثى.

و لو مات الولد حضرته أمّه، و تولّت أمره و إخراجه، و كذا لو ماتت الأمّ حضرها الولد.

5292. الخامس:

إذا كان للولد أمّ، كانت أحقّ به مدّة الحضانة، فإن ماتت، كان الأب أولى به من كلّ أحد، فإن فقدا معا، فالحضانة للأقارب، و يترتّبون ترتّب الإرث، فالأخت للأب و الأمّ أولى من الأخت لأحدهما، و الأخت للأب أولى من

ص: 13


1- . الخلاف: 131/5، المسألة 36 من كتاب النفقات.
2- . المبسوط: 39/6.
3- . في «ب»: أو الإسلام.

الأخت للأمّ، قاله الشيخ، نظرا إلى كثرة النصيب، ثمّ تردّد، و قال: لو قلنا بالقرعة كان قويّا، ثمّ قال: العمّة و الخالة سواء يقرع بينهما(1) و أمّ الأب أولى من الخالة و أمّ الأب مع أمّ الأمّ تتساويان، و الجدّة أولى من الأخوات.

و ابن إدريس منع من الحضانة لغير الأبوين و الجدّ للأب خاصّة بطريق الولاية.(2)

5293. السادس:

إذا اجتمع قرابة يتساوون في الدّرجة، كالعمّة و الخالة، أو الأختين، أقرع بينهم، فمن خرجت القرعة له، كان أولى بالحضانة.

5294. السابع:

كلّ أب خرج من الحضانة بفسق، أو كفر، أو رقّ فهو كالميّت، و يكون الجدّ أولى.

و لو كان الأب غائبا انتقلت حضانته إلى الجدّ.

و لو كان الأبوان مملوكين، فلا حضانة لهما على الحرّ و لا على المملوك، بل أمره إلى سيّده، لكن الأولى لسيّده أن يقرّه مع أمّه، و لو أراد أن ينقله عنها إلى غيرها ليحضنه، كان له ذلك، و كذا لو كان أحد أبويه حرّا و هو مملوك، أمّا لو كان أحد أبويه حرّا و الولد غير مملوك، فالحضانة للحرّ خاصّة، و من لم تكمل فيه الحرّية فهو كالقنّ سواء.

5295. الثامن:

لا يسقط عن الأب الموسر نفقة ولده بحضانة أمّه.

5296. التاسع:

المجنون أمره إلى الأب و إن بلغ، ذكرا كان أو أنثى، و البكر البالغة العاقلة لا ولاية للأب عليها و إن اتّهمت.

ص: 14


1- . المبسوط: 42/6.
2- . السرائر: 654/2.
5297. العاشر:

الأنثى الّتي لا محرميّة لها، كبنت العمّة و بنت الخالة، هل تثبت لها الحضانة؟ الأقرب ذلك.

و لو اجتمع الذكور و الاناث من الأقارب المتساويين في الدرجة، كالعمّة و الخالة و الأخت و الجدّ، فالأقرب تقديم الأنثى في الحضانة، و لم أقف فيه على نصّ منّا.

الفصل الخامس: في أحكام الأولاد
اشارة

و فيه سبعة عشر بحثا:

5298. الأوّل:

أولاد المعقود عليها دائما يلحقون بالزوج بشروط ثلاثة:

الدخول، و مضيّ ستّة أشهر من حين الوطء، و عدم تجاوز أقصى الحمل، و هو تسعة أشهر أو عشرة، و قيل: سنة،(1) و ليس بمعتمد.

فلو تجرّد العقد عن الدخول لم يلحق به، و كذا لو جاءت به لأقلّ من ستّة

ص: 15


1- . القائل هو السيّد المرتضى في الانتصار: 345، المسألة 193، حيث قال: و ممّا انفردت به الإماميّة القول بأنّ أكثر مدّة الحمل سنة واحدة، و خالف باقي الفقهاء في ذلك، فقال الشافعي: أكثر مدّة الحمل أربع سنين. و قال الزهري و الليث و ربيعة: أكثره سبع سنين. و قال أبو حنيفة: أكثره سنتان. و عن مالك ثلاث روايات: إحداها مثل قول الشافعي أربع سنين. و الثانية خمس سنين. و الثالثة سبع سنين. و قال الشيخ في المبسوط: 290/5: أقلّ الحمل ستّة أشهر و أكثر الحمل عندنا تسعة أشهر، و قال بعض أصحابنا: سنة، و قال قوم: أربع سنين، و قال آخرون: سنتان و فيه خلاف. لاحظ مختلف الشيعة: 314/7-316.

أشهر من حين الوطء حيّا كاملا أو لأكثر من عشرة أشهر، إمّا باتّفاقهما أو بغيبوبة المدّة الزائدة عن أقصى الحمل.

5299. الثاني:

مع اختلال أحد الشرائط لا يجوز له إلحاقه به، و يجب نفيه عنه، و لو حصلت شرائط الإلحاق، لم يجز له نفيه و إن جاءت به لأقلّ الحمل، سواء اتّهم أمّه بالفجور أو تيقّنه،(1) و لو نفاه حينئذ لم ينتف إلاّ باللعان.

أمّا لو علم إخلال أحد الشرائط، فإنّه ينتفي عنه بغير لعان.

و لو اعترف بالدخول و ولادة الزّوجة له لأقلّ الحمل أو أكثره، وجب عليه الإقرار به، فلو أنكره لم ينتف إلاّ باللعان، و كذا لو اختلفا في المدّة.

5300. الثالث:

لو اختلفا في الدخول، فالقول قول الزّوج مع يمينه، و كذا لو اختلفا في الولادة، لأنّه يمكنها إقامة البيّنة عليها(2).

فإن اتّفقا على الولادة و الدخول و المدّة، و اختلفا في النسب، فالقول قولها، و يلحقه الولد، و لو اعترف بالولد ثمّ نفاه بعد ذلك، لم يقبل نفيه و ألزم الولد.

و لو وطأها غيره فجورا، كان الولد لصاحب الفراش، لا يجوز له نفيه عنه، فإن نفاه لاعن أو حدّ.

5301. الرابع:

لو طلّق زوجته فاعتدّت، ثمّ جاءت بولد ما بين الفراق إلى أكثر(3) مدّة الحمل و لم توطأ بعقد و لا شبهة عقد لحق به، و لو تزوّجت ثمّ

ص: 16


1- . و في الشرائع: 341/2: و مع الدخول و انقضاء أقلّ الحمل لا يجوز له نفي الولد لمكان تهمة أمّه بالفجور، و لا مع تيقّنه، و لو نفاه لم ينتف إلاّ باللعان.
2- . فلا يقبل قولها فيها بغير بيّنة.
3- . في «أ»: إلى كثرة.

جاءت بولد لدون ستّة أشهر كاملا من وطء الثاني، فهو للأوّل ما لم يتجاوز أقصى الحمل، و إن كان لستّة أشهر فصاعدا، كان للثاني.

و كذا لو باع السيّد جاريته الموطوءة فأتت بولد لدون ستّة أشهر من وطء الثاني، كان لاحقا بالمولى الأوّل، و إن كان لستّة أشهر فصاعدا، كان للثاني.

5302. الخامس:

لو أحبل امرأة من الزّنا ثمّ تزوّجها أو اشتراها من مولاها، لم يجز له إلحاقه به، و كذا ولد الزنا مطلقا لا يجوز لأحد أبويه إلحاقه به.

5303. السادس:

إذا وطأ أمته فجاءت بولد لستّة اشهر فصاعدا، لزمه الإقرار به، و لو نفاه لم يفتقر إلى لعان، و حكم بنفيه ظاهرا ما لم يتقدّم النفي اعتراف، و كذا لو اعترف به بعد النفي، فإنّه يلحق به، و لو وطأها المولى ثمّ الأجنبيّ، كان الولد للمولى.

و لو انتقلت إلى موال و وطأها كل واحد منهم، حكم بالولد لمن هي عنده إن جاءت لستّة أشهر فصاعدا منذ وطئها، و لو جاء لأقلّ، كان للّذي قبله إن كان لوطئه ستّة أشهر فصاعدا، و إلاّ فللّذي قبله، و هكذا.

5304. السابع:

لو كان الأمة لشركاء فوطئوها في طهر واحد و ولدت و تداعوه، أقرع بينهم، فمن خرج اسمه ألحق به و أغرم حصص الباقين من قيمته يوم سقوطه حيّا و قيمة أمّه، و ان ادّعاه واحد، ألحق به، و ألزم حصص الباقين من قيمة الأمّ و الولد.

5305. الثامن:

لا يجوز نفي الولد مع وطء المرأة أو الجارية في القبل لمكان العزل، و لو نفاه كان عليه اللعان إن كانت الأمّ زوجته، أمّا مملوكته فينتفي الولد من غير لعان.

ص: 17

5306. التاسع:

يجب الاعتراف بولد المتعة مع حصول شرائط الإلحاق، و هو الدخول، و مجيئه لستّة أشهر فصاعدا، و عدم تجاوزه أقصى الحمل، و لا يجوز له نفيه لمكان الشبهة، و لا لمكان العزل، سواء اشترط إلحاقه به في العقد أولا، و لو نفاه أثم، و لا يجب عليه لعان، و ينتفي ظاهرا.

5307. العاشر:

لو وطئ أمته، ثمّ وطئها غيره فجورا، ألحق الولد بالمولى، و لا يجوز له نفيه إذا اشتبه عليه الأمر، فإن نفاه انتفى ظاهرا من غير لعان، قال الشيخ رحمه اللّه: فإن غلب على ظنّه أنّه ليس منه بشيء من الأمارات، لم يلحقه بنفسه،(1) و لا يجوز له نفيه،(2) و ينبغي أن يوصي له بشيء من ماله، و لا يورّثه ميراث الأولاد.(3) و فيه إشكال.

و لو جاءت جاريته بولد و لم يكن قد وطئها، جاز له بيع الولد على كلّ حال.

5308. الحادي عشر:

قال الشيخ: إذا اشترى جارية حبلى، فوطئها قبل مضيّ أربعة أشهر و عشرة أيّام، فلا يبيع ذلك الولد، لأنّه غذّاه بنطفته، و كان عليه أن يعزل له من ماله شيئا و يعتقه، و ان كان وطؤه لها بعد أربعة أشهر و عشرة أيّام، جاز له بيع ذلك الولد على كلّ حال، و كذا لو كان الوطء قبل ذلك، لكنّه يكون قد عزل عنها، فإنّه يجوز له بيع الولد.(4) و الأقرب جواز بيع الولد.

5309. الثاني عشر:

الوطء بالشبهة يلحق به النسب كالصحيح، فلو اشتبهت

ص: 18


1- . في المصدر: فلا يلحقه بنفسه.
2- . في المصدر: «و لا يجوز له بيعه» و لعله الصحيح بالنظر إلى ما يأتي من حديث بيع الولد.
3- . النهاية: 506-507.
4- . النهاية: 507.

عليه أجنبيّة فظنّها زوجته أو مملكوته، فوطئها، و جاءت منه بولد، لحق به، و كذا لو وطئ أمة غيره لشبهة(1)، لكن هنا يلزمه قيمة الولد يوم سقوطه حيّا.

5310. الثالث عشر:

لو ظنّ خلوّ المرأة عن زوج، و ظنّت هي موت زوجها أو طلاقه، فتزوّجها، ثمّ بان حياته و كذب المخبر بالطلاق، ردّت على الأوّل بعد الاعتداد من الثاني، و لو حبلت من الثاني لحق به الولد مع الشرائط، سواء استندت في الموت أو الطلاق إلى حكم حاكم أو شهادة شاهدين أو إخبار واحد، و لا نفقة لها على الزوج الأخير في عدّته، لأنّها لغيره، بل على الأوّل، لأنّها زوجته، و لو أكذب شهود الطلاق أنفسهم عزّروا، و لم ينقض الحكم، و يرجع عليهم بالدّرك.

5311. الرابع عشر:

إذا وطئ اثنان امرأة في طهر واحد، و كان وطأ يلحق به النسب، إمّا بأن يكون وطأ شبهة من كلّ واحد منهما، بأن يظنّها كلّ واحد أنّها زوجته، فيطأها، أو يكون نكاح كلّ واحد منهما فاسدا، بأن وطئها أحدهما في نكاح فاسد، ثمّ تتزوّج(2) بآخر نكاحا فاسدا، و يطأها، أو يكون وطء أحدهما في نكاح صحيح و الآخر في فاسد، و تأتي به(3) لمدّة يمكن أن يكون من كلّ واحد منهما، فإنّه يقرع بينهما، فمن خرج اسمه ألحق به، و لا يلحق بهما معا، و لا بمن يلحقه القافة.(4)

5312. الخامس عشر:

لا فرق بين أن يكون المتنازعان حرّين أو عبدين،

ص: 19


1- . في «أ»: بشبهة.
2- . في «ب»: تزوّج.
3- . في «أ»: و يأتي به.
4- . القافة جمع قائف، و هو الّذي يعرف الآثار و يلحق الولد بالوالد. مجمع البحرين.

مسلمين أو كافرين أو مختلفين، أو أبا و ابنا، فإنّ القرعة ثابتة في ذلك كلّه، و لو كان مع أحدهما بيّنة حكم لها، و تبع الولد من قامت له البيّنة في الإسلام و الكفر، و كذا لو ألحقته القرعة بأحدهما، فإنّه يلحقه دينا و نسبا، و لا يحتاج إلى قرعة للدّين.

5313. السادس عشر:

الأسباب(1) الّتي يلحق بها الأنساب:

الفراش المنفرد، بأن ينفرد بوطئها وطأ يلحق بها النسب.

و الدعوى المنفرد، بأن يدّعي مجهول النسب وحده من غير منازع.

و الفراش المشترك مع التنازع، يحكم فيه بالقرعة، كما تقدّم، أو بالبيّنة، و لو انفرد أحدهم بالدعوى، حكم له و إن اشترك الفراش.

و أمّا المرأة فيلحق الولد بها بالبيّنة أو بدعواها إذا كان ممكنا.

و لو تداعاه امرأتان أقرع بينهما كالرّجل.

5314. السابع عشر:

الحميل - و هو الّذي يجلب من بلاد الشرك بأمان أو بغيره - إذا أسلم، أو كان مسلما ثمّ قدم و اعترف بنسب مجهول النسب في دار الإسلام، و كان المدّعى طفلا، لحق نسبه به، و إن كان كبيرا افتقر إلى التصديق منه فيه، سواء ادّعى بنوّته أو أخوّته أو غيرهما من جهات النسب.

ص: 20


1- . و هي ثلاثة عند المصنّف: 1 - الفراش المنفرد. 2 - و الدعوى المنفرد. 3 - و الفراش المشترك مع التنازع.
الفصل السادس: في النفقات
اشارة

و أسبابها ثلاثة: الزوجية، و القرابة، و الملك.

فهاهنا مطالب:

المطلب الأوّل: في نفقة الزّوجات،
اشارة

و النظر في مقامات:

المقام الأوّل: في الشرط
اشارة

و فيه أربعة عشر بحثا:

5315. الأوّل:

الزّوجية سبب في وجوب النفقة على الزّوج بشرطين: دوام العقد و التمكين التام من الزّوجة، فلو كان العقد منقطعا، لم تجب النفقة، و لو كان دائما و منعت الزّوج من نفسها، سقطت النفقة عنه أيضا.

و إنّما تجب النفقة لها لو مكّنت نفسها تمكينا تامّا، بأن تخلّي بينها و بينه بحيث لا يخصّ موضعا و لا وقتا، فلو بذلت نفسها في زمان دون زمان، أو مكان دون مكان ممّا يسوغ فيه الاستمتاع سقطت نفقتها إلى أن تعود إلى تمام التمكين.

5316. الثاني:

المشهور أنّ وجوب النفقة يتوقّف على التمكين لا بمجرّد العقد، و حينئذ إن كانا بالغين و مكّنت بأن تقول: قد سلّمت نفسي إليك في أيّ مكان شئت، وجبت لها النفقة.

ص: 21

و لو قالت: أسلّم نفسي إليك في منزلي، أو في الموضع الفلاني، أو البلد الفلاني، دون غيره، لم يكن تسليما تامّا، كما لو قال البائع: أسلّم إليك السلعة على أن تتركها(1) في مكان بعينه لم يكن تسليما يستحقّ به أخذ العوض، و كذا المولى لو سلّم الأمة إلى زوجها ليلا خاصّة لم يكن لها نفقة على الزّوج.

و لو تعاقد النكاح و لم يطالبها بالتمكين و لا طالبته بالتسليم(2) و سكتا و مضى زمان على ذلك، لم تكن لها نفقة عن ذلك الزمان، لأنّ النفقة تجب بالتمكين لا بإمكانه.

5317. الثالث:

لو كان الزوج غائبا، فإن كانت غيبته بعد أن مكّنته، وجبت النفقة عليه، و هي جارية عليه زمان غيبته، و إن كانت قبله، فلا نفقة لها، فإن رفعت أمرها إلى الحاكم، و بذلت له التسليم، لم تكن لها نفقة حتّى يكتب الحاكم إلى حاكم البلد الّذي فيه الزّوج ليستدعيه، فإن سار إليها و تسلّمها، أو وكّل على التسليم، و بذلته، وجبت النفقة حينئذ، فإن امتنع، نظر الحاكم إلى مدّة السير، فإذا انقضت فرض لها النفقة.

5318. الرابع:

لو كانت الزوجة مراهقة تصلح للوطء، قال الشيخ(3): حكمها حكم الكبيرة إلاّ في فصل واحد، و هو أنّ الخطاب مع الكبيرة في موضع السكنى و التمكين الكامل، و هاهنا إذا قام وليها مقامها في التسليم استحقّت النفقة.

و لو لم يكن لها وليّ، أو كان غائبا، أو منعها، فسلّمت هي نفسها، وجبت

ص: 22


1- . في «أ»: على أن يتركها.
2- . أي بتسليم النفقة كما في المبسوط: 11/6.
3- . المبسوط: 12/6.

النفقة و إن لم تكن ممّن يصحّ تصرفها، لأنّ الزوج استحقّ القبض و قد حصل و لا اعتبار في كون المقبوض منه من أهل الإقباض، كما لو دفع الثمن و قبض المبيع من صبيّ، أو مجنون، أو وجده في الطريق، صحّ.

5319. الخامس:

لو كان الزّوج كبيرا و هي صغيرة لا يجامع مثلها، لم تجب لها نفقة؛ قاله الشيخ(1) و قال ابن إدريس: تجب عليه النفقة،(2) مع أنّه شرط في وجوب النفقة التمكين.(3)

و لو أمكن الاستمتاع منها بما دون الوطء، لم يعتدّ به، لأنّه استمتاع نادر لا يرغب فيه غالبا.

و لو كان الزوج صغيرا، و هي كبيرة، و بذلت نفسها، قال الشيخ: لا نفقة لها.(4) و لو قيل: بوجوبها كان وجها، لتحقّق التمكين من طرفها.

و لو كانا صغيرين فلا نفقة.

5320. السادس:

المريضة لا تسقط نفقتها، و كذا الرتقاء و القرناء، و من بفرجها مرض يمنع من وطئها و الضعيفة إذا كان الزوج عظيم الآلة يمنع الزوج من وطئها، و لا تسقط نفقتها.

5321. السابع:

إذا سافرت لحجّ واجب أو عمرة كذلك، لم تسقط نفقتها، سواء كان بإذنه أو بغير إذنه، و لو كان لحجّ مندوب، فإن كان بإذنه لم تسقط، سواء

ص: 23


1- . المبسوط: 12/6؛ و الخلاف: 113/5، المسألة 4 من كتاب النفقات.
2- . السرائر: 655/2.
3- . السرائر: 654/2.
4- . الخلاف: 113/5، المسألة 5 من كتاب النفقات.

كان معها أولا، و كذا غير الحجّ من المندوبات و المباحات، و لو كان إحرامها بغير إذنه لم ينعقد، و لا تسقط نفقتها إن كان معها، و لو كانت منفردة سقطت.

و لو سافرت لحاجة لها منفردة عنه، فإن كان بإذنه لم تسقط نفقتها، و إن كان بغير إذنه، سقطت.

و لو اعتكفت بإذنه لم تسقط نفقتها، سواء كان معها أولا، و إن اعتكفت بغير إذنه لم ينعقد اعتكافها، فإن كان معها لم تسقط نفقتها، و إلاّ سقطت.

5322. الثامن:

لو صامت ندبا كان له منعها، فإن أفطرت استحقّت النفقة، و إن امتنعت لم تسقط نفقتها، لأنّ له وطأها، فإن منعته من الوطء سقطت النفقة.

و أطلق الشيخ رحمه اللّه سقوط النفقة مع الامتناع من الإفطار(1).

و لو كان واجبا مضيّقا كرمضان، و النذر المعيّن بإذنه، أو قبل نكاحه، لم يكن له منعها، و لا تسقط نفقتها، و كذا قضاء رمضان إذا تضيّق بشعبان المقبل، و لم يبق سوى أيّام القضاء.

و إن كان موسّعا، كالنذر المطلق، و صوم الكفارة، و قضاء رمضان قبل التضيق، قال الشيخ: له منعها عنه، لعدم تضيّقه،(2) فإن امتنعت سقطت النفقة، و إن أفطرت استحقّتها.(3) و فيه نظر.

و لو نذرت الصوم في حبالته بإذنه، صحّ نذرها، و إن كان بغير إذنه لم ينعقد، سواء أطلقت النذر أو قيّدته، و لو طلّقها الزّوج لم يجب عليها فعله، سواء كان مطلقا أو مقيّدا، فات وقته أو لم يحضر على إشكال.

ص: 24


1- . المبسوط: 14/6.
2- . في «أ»: لعدم تضييقه.
3- . المبسوط: 15/6.

و أمّا الصلاة فليس له منعها عن الفريضة في أوّل وقتها، و إن كانت قضاء أو منذورة غير معيّنة الوقت، كان له منعها عن المبادرة، قاله الشيخ.(1)

و له منعها عن نوافل الصلاة و الصيام و إن كان من الرواتب كعرفة.

5323. التاسع:

لو هربت منه كانت ناشزا لا نفقة لها، سواء كانت في موضع يعرفه أو لا، و كذا لو منعته عن التمكين التام.

و لو زوّج أمته كان له إمساكها نهارا للخدمة، و عليه إرسالها ليلا للاستمتاع، فإن أرسلها ليلا و نهارا، كانت نفقتها على الزّوج، و لا خدمة لها عليه، و إن أرسلها ليلا خاصّة، سقطت جميع نفقتها(2) عن الزّوج.

5324. العاشر:

تثبت النفقة للزوجة، سواء كانت مسلمة أو ذميّة، أو أمة، مع التمكين التام، و المطلّقة رجعيّا كالزّوجة، أمّا البائن فلا نفقة لها و لا سكنى، سواء كانت البينونة عن طلاق، أو فسخ، إلاّ أن تكون المطلّقة بائنا حاملا، فلها النفقة و السكنى حتّى تضع، قال الشيخ: و النفقة للحمل لا للأمّ، للدوران(3).

و تظهر الفائدة في الحرّ إذا تزوّج أمة و شرط مولاها رقيّة الولد، و في العبد إذا تزوّج حرّة أو أمة و شرط مولاه الانفراد بالولد، و في النكاح الفاسد.

أمّا المتوفّى عنها زوجها، فلا نفقة لها، و لو كانت حاملا فروايتان، أقربهما سقوط النفقة،(4) و الأخرى ينفق عليها من نصيب ولدها.(5)

ص: 25


1- . المبسوط: 15/6.
2- . في «أ»: جميع نفقاتها.
3- . المبسوط: 28/6.
4- . الوسائل: 234/15، الباب 9 من أبواب النفقات، الحديث 1 و 2 و 3 و 7.
5- . الوسائل: 236/15، الباب 10 من أبواب النفقات، الحديث 1.
5325. الحادي عشر:

النكاح المفسوخ من أصله كالشغار، لا يستحقّ بالعقد فيه مهر و لا نفقة، و يفرّق بينهما، و لو دخل جاهلا(1) بالفساد، فإن كان قد سمّى، ثبت المسمّى، و إلاّ فمهر المثل، و يفرّق بينهما، و لا نفقة لها و لا سكنى، و لو حملت(2) قال الشيخ: لها النفقة عندنا، لعموم الأخبار.(3)

و لو وقع صحيحا، ثمّ فسخ لعيب قبل الدخول، فلا نفقة و لا مهر، و إن كان بعده فلا نفقة أيضا، و لها المسمّى، أو مهر المثل إن لم يسمّ، و لو كانت حاملا فلها النفقة أيضا.

5326. الثاني عشر:

النفقة على الحامل تجب يوما فيوما كغيرها، و إن ادّعت و شهدت لها القوابل، أطلقت لها النفقة من حين الطلاق إلى حين الشهادة ثمّ لها يوما فيوما، و هو مشكل على تقدير أن تكون النفقة للحمل، فإن بان البطلان، ردّت ما أخذت.

و لو أسقطت بالولد لم يعد عليها بالنفقة إلى حين الإسقاط، و لو لم يكن دفع النفقة، فإن قلنا للأمّ لأجل الحمل، أخذت منه النفقة من حين الطلاق إلى حين الإسقاط، و إن قلنا للحمل، فإشكال.

و لو بذل الورثة السكنى للحامل، أو السلطان، لتحصن ماء الرجل لم يلزمها القبول.

و لو ادّعى الزوج بعد وضعها، أنّه كان طلّقها قبله، فالقول قولها مع اليمين

ص: 26


1- . في «ب»: جاهلين.
2- . في «أ»: «جهلت» و هو مصحّف.
3- . المبسوط: 24/6.

على نفي العلم، لأنّه يدّعي إسقاط حقّها من النفقة و السكنى، فإذا حلفت استحقّت النفقة و السكنى، و ليس له مراجعتها، و له نكاح رابعة غيرها و أختها، و كذا لو طلّقها رجعيّة و ادّعت أنّ الطلاق بعد الوضع، و أنكر، فالقول قولها مع اليمين، و لها النفقة، و يحكم عليه بالبينونة.

5327. الثالث عشر:

لو نفى حمل زوجته، لا عنها، و لا نفقة لها حينئذ و لا سكنى، و تعتدّ بوضعه، و كذا لو طلّقها و ظهر بها حمل يلتحق به ظاهرا فنفاه و لا عنها.

و لو أكذب نفسه بعد اللعان و استلحقه، وجبت النفقة، و عاد النسب من طرفه، لا من طرف الولد، على معنى أنّ الولد يرث أباه و من يتقرّب به، دون العكس.

و لو كانت قد أرضعته قبل التكذيب ثمّ أكذب نفسه، لزمته أجرة الرضاع، و بالجملة كلّ ما يسقط باللعان يثبت مع التكذيب.

5328. الرابع عشر:

لو طلّقها رجعيّا و ظهر بها أمارات الحمل، ثمّ بان البطلان، استرجع ما زاد عن العدّة، و القول قولها في مدّة أقرائها، فلو قالت: لا أعلم كم انقضت عدّتي إلاّ انّ عادتي في الحيض و الطّهر كذا، عمل به.

و لو قالت: إنّ حيضي يختلف، رجع بما زاد عن الأقلّ.

و لو قالت: لا أعلم قدره، قال الشيخ: يرجع بما زاد عن أقلّ ما يمكن انقضاء الاقراء به(1).

ص: 27


1- . المبسوط: 27/6.

و لو بانت حاملا، و أتت به لمدّة يمكن أن يكون منه، فالولد له، و النفقة عليه إلى حين الوضع، و إن أتت به لأكثر من أقصى مدّة الحمل من حين الطلاق، لحق به الولد في هذه المدّة و قدر العدّة، لأنّ الطّلاق رجعيّ.

و إن أتت به لأكثر من ذلك، انتفى عنه بغير لعان، و لا تنقضي عدّتها به عنه، فيكون عدّتها بالأقراء.

فإن نسبته إلى غير الزوج، و ذكرت أنّه وطئها بعد الأقراء، استعيدت الفاضل.

و إن قالت: بعد قرءين، فلها نفقتها(1) و لا شيء لها عن مدّة الحمل، و عليها تتمّة الاعتداد بالقرء الثالث بعد الوضع، و لها نفقته.

و إن قالت: عقيب الطلاق، فعدّتها بعد الوضع ثلاثة أقراء، فلا نفقة لها عن مدّة الحمل، فتردّها، و تأخذ نفقة الأقراء بعد الوضع.

و إن نسبته إليه و أنكر، فالقول قوله مع اليمين، فإن قالت: وطئني(2) بعد الأقراء، ردّت الزائد، و إن قالت: بعد الطلاق، فالأقرب سقوط النفقة عنه عمّا زاد عن ثلاثة أقراء.

و لو ارتدّت المسلمة، سقطت نفقتها، فإن رجعت في العدّة، عادت لما يستقبل، فإن كانت حاملا و قلنا النفقة لها(3) فكذلك، و إن كانت للحمل، وجبت على إشكال.

ص: 28


1- . في «أ»: نفقتهما.
2- . في «ب»: وطأتني.
3- . في «أ»: لهما.
المقام الثاني: في قدر النفقة
اشارة

و فيه سبعة مباحث:

5329. الأوّل:

الواجب في النفقة ستّة: الطعام، و الإدام، و الإخدام و الكسوة، و آلة التّنظيف، و السكنى، و الضابط قيام الرجل بما تحتاج المرأة إليه من ذلك، تبعا للعادة في أمثالها من أهل بلدها.

5330. الثاني:

قال الشيخ: نفقة الزوجة مقدّرة معتبرة بحال الزوج لا بحالها، فإن كان موسرا فعليه كلّ يوم مدّان، و إن كان متوسّطا فمدّ و نصف، و إن كان معسرا فمدّ.(1) و قال ابن إدريس: إنّها غير مقدّرة، بل الواجب كفايتها زاد عن المقدّر أو نقص.(2) و هو جيّد.

و المعتبر هو غالب قوت أهل البلد، ففي العراق، البرّ، و الحجاز، التمر و الذّرة، فإن لم يكن فما يليق بالزّوج، قال الشيخ: يدفع الحبّ، فإن طلبت غيره لم يجب.(3) و لو دفع غيره لم يلزمها القبول.

و لو اتّفقا على أخذ دراهم أو غيرها عوضه جاز، و كذا لو دفع دقيقا أو خبزا.

و لو كانت من ذوات الإخدام أنفق على خادمها(4) واجبا بقدر سدّ الخلّة، و لا يقدّر بقدر.

5331. الثالث:

يجب عليه الإدام مع الطعام، و يرجع في جنسه إلى غالب

ص: 29


1- . المبسوط: 6/6.
2- . السرائر: 655/2.
3- . المبسوط: 7/6.
4- . في «أ»: خادمتها.

إدام البلد(1) فالعراق بالشيرج، و خراسان بالسّمن، و الشام بالزّيت.

و يرجع في قدره إلى العادة، و كذا يجب عليه إدام(2) خادمها.

قال الشيخ: و يفرض لها اللحم في كلّ أسبوع مرّة، يكون يوم الجمعة، لأنّه العرف، و القدر يرجع إلى العرف و كذا الخادم(3).

و لها أخذ الإدام و إن لم تأكل، و لو تبرّمت(4) بجنس واحد من الأدم، أبدله بآخر.

5332. الرابع:

يجب عليه الكسوة، و المرجع في جنسها و عددها إلى العادة، فيعطي الزوجة القميص، و السراويل، و المقنعة، و النعل، و لا يجب السراويل لخادمتها، و لها عوض النعل، الخفّ، لأنّها تدخل و تخرج(5) و يجب في الشتاء زيادة جبّة محشوّة بقطن لليقظة، و لحاف للنّوم، و يرجع في جنسه إلى عادة أمثالها، و تزاد ذات التجمل - زيادة على ثياب البذلة(6) - ما تتجمّل أمثالها به.

و لو كانت عادتها الحرير و الكتّان، فالأقرب إلزام الزوج به مع يساره، و لا بدّ لها من فراش تجلس عليه نهارا و وسادة للنوم و ملحفة، و لا يجب فراش آخر للنّوم، و للخادمة و سادة و كساء للغطاء، و لا يلزمه لها فراش، و من آلة الطبخ

ص: 30


1- . في «أ»: أدم. قال في مجمع البحرين: الأدم جمع إدام - بالكسر - مثل كتب و كتاب و يسكن البلد.
2- . في «أ»: أدم.
3- . المبسوط: 7/6.
4- . أي سئمت و ملّت. مجمع البحرين.
5- . و في المبسوط: 8/6: و امّا خادمها فثلاثة أشياء: قميص، و مقنعة، و خفّ، و لا سراويل لها، و انّما وجب لها الخفّ، لأنّها تحتاج إلى الدخول و الخروج في حوائج الزوجة فلا بدّ لها من خفّ.
6- . و هي الثياب الّتي تبذل و لا تصان. لاحظ مجمع البحرين.

و الشرب من قدر و مغرفة و كوز و جرّة، و يكفي أن يكون من الخزف و الحجر و الخشب، و لا تستحق خفّا بخلاف الخادمة.

5333. الخامس:

يجب عليه الإخدام إن كانت المرأة من ذوي الحشمة و المناصب المقتضية للخدمة، و لا يجب عليه شراء خادمة و تمليكها، بل الواجب الإخدام إمّا باستئجار حرّة، أو مملوكة، أو شراء، و لو خدمها بنفسه أجزأه، و لا يلزمه أكثر من خادم واحد، و إن كانت من ذوي الحشم الّتي تخدم في بيت أبيها بأكثر من واحدة.

و لو خدمت نفسها، لم يكن لها المطالبة بنفقة الخادم.

و لو قالت: أنا أخدم نفسي و آخذ النفقة، لم يجب، و لو لم تكن من ذوات الخدم، خدمت نفسها، و لم يجب عليه الإخدام إلاّ في حال المرض، و له إبدال خادمتها المألوفة بغير ريبة(1) و له أن يخرج سائر خدمها إلاّ الواحدة.

و له منع أبويها من الدخول إليها.

و الرقيقة المنكوحة لا تستحقّ خادما، و إن كانت تخدم لجمالها.

و المرجع في الإخدام إلى العرف في مثلها، و لا اعتبار بما تزيّت هي به نفسها، فلو كانت من ذوي الأقدار فتواضعت و خدمت، كان لها أن تطالب بالإخدام، و إن كانت بالضدّ فتكبّرت و ترفّعت عن الخدمة، لم تستحقّ الخدمة و لو كان لها مال و جهاز يحتاج إلى خدمة، لم يجب عليه، و إنّما يجب إخدامها هي.

ص: 31


1- . في «ب»: «لغير ريبة» أي بغير اتّهام.

و إذا وجب الخادم، تخيّر [الزوج] بين أربعة أشياء: أن يشتري خادما، أو يكتري، أو يكون لها خادم ينفق عليه بإذنها، أو يخدمها بنفسه فيكفيها ما يكفيه الخادم، و لا خيار لها في التعيين.

و لو كان الخادم مشترى، أو كان لها و أنفق عليه، كانت فطرته عليه، دون المستأجر.

و لو اختارت المرأة خادما و اختار الرّجل غيره، قدّم اختياره.

5334. السادس:

يجب عليه آلة التنظيف، و هو المشط و الدهن، و لا يجب الكحل و الطيب و لا لخادمها آلة التنظيف، و هل للزّوج منعها من تعاطي أكل الثوم و ماله رائحة مؤذية؟ فيه إشكال، و الأقرب أنّ له منعها من تناول السمّ و الأطعمة الممرضة.

و لا تستحقّ الدواء للمرض، و لا أجرة الحجّام و الفصّاد، و لا أجرة الحمّام، أمّا لو اشتدّ البرد و احتاجت إليه، فالأقرب استحقاقها له.

5335. السابع:

يجب عليه السكنى في دار تجري عادة أمثالها بالسّكنى فيها، و يليق بها، إمّا بعارية أو إجارة أو ملك، و لها المطالبة بالتفرّد بالمسكن عن مشاركة غير الزّوج.

المقام الثالث: في كيفيّة الإنفاق
اشارة

و فيه أحد عشر بحثا:

5336. الأوّل:

يجب عليه تمليك الحبّ، و مئونة الطحن، و الخبز، و إصلاح اللحم، و ليس عليه أن يكلّفها الأكل معه، و لو دخل بها و استمرّت تأكل معه

ص: 32

و تشرب على العادة لم تكن لها مطالبته بنفقة مدّة مواكلته، و لو لم يدخل بها، و مضت مدّة لم تطالبه بالنفقة فيها، لم تكن لها المطالبة بعد ذلك بها، إذ لا وثوق بحصول التمكين لو طلبه، أمّا لو بذلت نفسها، فإنّه تجب عليه النفقة من تلك المدّة و إن لم يدخل بها.

5337. الثاني:

لها طلب النفقة صبيحة كلّ يوم، و ليس عليها الصبر إلى الليل، و لو ماتت في أثناء النهار، أو طلّقها فيه، لم يستردّ ما وجب لها، و لو نشزت، ففي الاسترداد نظر، أقربه الجواز.

و إنّما تجب النفقة مع التمكين يوما فيوما، فلو طلبت أزيد من نفقة يوم لم تجب إجابتها، و لو دفع نفقة شهر ثم طلّقها أو ماتت قبل انقضائه، كان له أن يسترجع ما بقي من الشهر إلاّ نفقة يوم الطلاق.

5338. الثالث:

يكفي في الكسوة الإمتاع دون التمليك على إشكال،(1) و لو أعطاها كسوة لمدّة جرت العادة بها،(2) فأخلقتها(3) قبل انقضائها، لم تكن لها المطالبة بالبدل، كما لو سرقت،(4) و كذا لو أعطاها قوت يوم فتلف قبل أكله.

و لو انقضت المدّة و هي باقية، احتمل عدم التجديد، لحصول الكفاية

ص: 33


1- . قال الشهيد في المسالك: 464/8: و قد اختلف العلماء في كون الكسوة تمليكا أو إمتاعا فذهب المصنف و العلاّمة في غير التحرير و الإرشاد و الشيخ في المبسوط إلى الأوّل... و يؤيّد الثاني [أي الإمتاع] انّ الغاية من الكسوة الستر و هو يحصل بالإمتاع كالسكنى، و أصالة براءة الذمة من التمليك، و هو خيرة العلاّمة في الإرشاد و تردّد في التحرير.
2- . و في الشرائع: 350/2: و لو دفع إليها كسوة لمدّة جرت العادة ببقائها إليها صحّ، و لو أخلقتها قبل المدة لم يجب عليه بدلها.
3- . في «أ»: و اختلقتها.
4- . في «أ»: سرفت.

الواجبة بما عليها، و وجوبه كما لو دفع إليها قوت يوم فلم تأكله إلى الغد، فإنّه لا يسقط قوته، قوّاه الشيخ(1).

و لو دفع كسوة و لم يعيّن المدّة، فإن أخلقتها قبل انقضاء مدّة العادة، لم تكن لها المطالبة بالبدل.

5339. الرابع:

لو دفع إليها كسوة لمدّة فأرادت بيعها، فإن قلنا انّها إمتاع لم يكن لها ذلك، و إن قلنا انّه تمليك كان لها، أمّا لو دفع إليها القوت فإنّها تتصرّف فيه كيف شاءت من بيع و أكل و غيره ما لم يضرّ بها، فإن أدّى إلى ضررها، فالأقوى أنّ له المنع.

و على القول بأنّ الكسوة إمتاع، لو أراد الزوج تبديلها، كان له ذلك، و لو أراد أن يكسوها ثيابا مستأجرة، فله أيضا، و ليس لها الامتناع، و فيه نظر.

و بالجملة فالتردّد عندي في أنّ الكسوة إمتاع أو تمليك، أمّا المسكن فإنّه إمتاع قطعا.

5340. الخامس:

لو مكّنت من نفسها، و لم ينفق عليها و انقضى ذلك اليوم على التمكين، استقرّت النفقة في ذمّته، و لم تسقط بانقضاء اليوم، سواء قدّرها الحاكم أو لا، و لا اعتبار بحكم الحاكم، فلو انقضت مدّة على التمكين، و لم ينفق عليها، كانت النفقة في ذمّته، و لها المطالبة بها، سواء طلّقها بعد ذلك أولا.

و لو دفع نفقة لمدّة فانقضت، و هي ممكّنة فيها، ملكتها.

ص: 34


1- . المبسوط: 10/6.

و لو دفع إليها كسوة لمدّة، فطلّقها قبل انقضائها، كان له استعادتها، و لو انقضت المدّة المضروبة لم يكن له الاستعادة.

5341. السادس:

لو كان غائبا فحضرت عند الحاكم، و بذلت التمكين، لم تجب النفقة إلاّ بعد إعلامه، فإن علم و لم يعد أو لم ينفذ وكيله، سقطت عنه قدر وصوله، و لزمه الزائد.

و لو نشزت و عادت إلى الطاعة لم تجب النفقة حتّى يعلم و ينقضي زمان يمكنه الوصول إليها أو وكيله.

و لو ارتدّت سقطت نفقتها، و لو غاب و أسلمت، عادت نفقتها، عند إسلامها.

و الفرق أنّ الردّة سبب السقوط و قد زالت، و في الأولى(1)، الموجب، الخروج عن قبضته بالنشوز، و لا يزول إلاّ بالعود إلى قبضته، و عندي فيه نظر.

5342. السابع:

لو كان له على زوجته دين حالّ و هي موسرة، جاز له أن يقاصّها يوما فيوما، و لو كانت معسرة أو كان الدّين مؤجّلا، لم تجز المقاصّة، لأنّ قضاء الدّين فيما يفضل عن القوت، و لا يجب الدفع قبل الأجل، و لو رضيت بذلك لم يكن له الامتناع.

5343. الثامن:

نفقة الزوجة مقدّمة على نفقة الأقارب، و الفاضل عن قوته يصرفه إليها، فإن فضل دفع الفاضل إلى أقاربه، و لا يدفع إليهم إلاّ ما يفضل عن واجب نفقة الزوجة.

ص: 35


1- . أي في صورة النشوز، السبب لسقوط نفقتها هو خروجها...
5344. التاسع:

إن قلنا النفقة تجب بالعقد بشرط عدم النشوز، لو اختلفا في النشوز، كان عليه النفقة، و إن قلنا بالتمكين، كان عليها البيّنة بالتمكين.

و لو نشزت بعض يوم، سقطت نفقة البعض لا جميعه على إشكال، و لو نشزت المجنونة، سقطت نفقتها، و لو امتنعت العاقلة عن الزفاف فناشزة.

و لو حملت المطلّقة رجعيّة من شبهة، سقطت النفقة عن الزوج مدّة الحمل، فإذا عادت إلى عدّته، كان لها النفقة فيها عليه، و له الرجعة في عدّته لا في مدّة الحمل.

و لو أنفقت على الولد المنفيّ باللعان، ثمّ أكذب نفسه، فليس لها الرجوع بالنفقة، لتبرّعها، و المعتدّة عن شبهة لا نفقة لها، سواء كانت في نكاح أو وطء، و سواء حملت أو لا، إلاّ أن يجعل النفقة للحمل، فالأقرب اعتبار كفايته على إشكال في الاستحقاق، و لو مات قبل الوضع سقطت.

5345. العاشر:

أهل البادية كأهل الحضر في النفقة، فيلزمه من جنس طعامهم و كسوتهم و مساكنهم.

5346. الحادي عشر:

إذا أسلمت و ثنيّة و أسلم زوجها معها في العدّة أو بعدها، فلها النفقة، و لو أسلم دونها، فلا نفقة، و إن أسلمت كان لها النفقة من حين إسلامها، و ليس لها نفقة الزمان الّذي انقضى على الشرك، أمّا لو كانت ذميّة، فإنّ النفقة لها في ذلك الزمان، لجواز استبقائها زوجة و إن استمرت على كفرها.

و لو ارتدّت زوجة المسلم بعد الدخول، سقطت نفقتها، فإن عادت إلى الإسلام قبل انقضاء عدّتها، وجبت لها النفقة من حين الإسلام، و لا نفقة لها عن زمان الارتداد.

ص: 36

و لو دفع الوثنيّ إلى امرأته نفقة مدّة، ثمّ أسلم و أقامت على الشرك حتّى انقضت العدّة، استردّ ما دفعه، و لو قالت: دفعته هبة، فقال: بل سلفا في النفقة، فإن كان قد شرط وقت الدفع أنّها نفقة مستقبلة، استردّها، و إن أطلق، فالأقرب أنّه كذلك، و القول قوله.

و لو كانت المرتدّة حاملا، سقطت نفقتها زمان ردّتها إن قلنا إنّ النفقة لها، و إن قلنا للحمل، فالأقرب الثبوت على إشكال، و كذا لو أسلم و تخلّفت في الشرك حاملا.

المقام الرابع: في المعتبر بالنفقة و العبد و المكاتب
اشارة

و فيه ثمانية مباحث:

5347. الأوّل:

إذا أعسر الرّجل بنفقة زوجته، أو بكسوتها، أو بمسكنها، أو إدامها، أو بنفقة خادمها، أنظر حتّى يوسّع اللّه تعالى عليه، و لا خيار للمرأة في فسخ النكاح، و لا يفسخ الحاكم و لا يلزمه به، و الأقرب سقوط حقّه من الحبس في المنزل، بل يجوز لها الخروج للتكسب، و لا يحلّ لها الامتناع من التمكين، فإذا أيسر، فالوجه أنّ لها المطالبة بما اجتمع لها وقت إعساره، هذا إذا لم ينفق عليها بالكليّة، أمّا لو أنفق نفقة المعسر ثمّ أيسر، لم تكن لها المطالبة بالتفاوت عن الماضي.

5348. الثاني:

الواجد إذا ماطل بالنفقة و منعها، أجبره الحاكم على دفعها، فإذا(1) امتنع حبس إلى أن يدفع، و لو ظهر له على مال أنفق منه، و لو كان غائبا و ثبت إعساره لم يكن لها الفسخ، بل تصبر إلى اليسار.

ص: 37


1- . في «ب»: فإن.

و لو كان موسرا، و أمكن المطالبة(1) طالبه الحاكم، و إلاّ أنفق عليه من ماله الموجود، و لو لم يكن له مال، انتظر به.

و لو وجدت له مالا، و لم تتمكّن من الرفع إلى الحاكم، جاز لها أن تأخذ منه بقدر ما يجب لها من النفقة، سواء كان من جنس حقّها أو من غيره.

5349. الثالث:

المعسر بالصداق ينظر حتّى يوسّع اللّه تعالى عليه، و ليس للمرأة فسخ نكاحه، نعم لها الامتناع من تسليم نفسها حتّى تقبضه.

5350. الرابع:

لا تسقط نفقة الزّوجة عندنا بمضيّ الزمان، سواء فرضها الحاكم أولا.

5351. الخامس:

إذا اختلفا في الإنفاق، فقالت: لم ينفق عليّ، و ادّعى هو الإنفاق، فإن كان قبل التمكين، فلا فائدة، إذ لا يجب لها شيء، و إن كان بعده، و كانت تحت قبضه،(2) احتمل تقديم قولها، عملا بالأصل، و تقديم قوله، عملا بالظاهر من شاهد الحال، من أنّه أنفق عليها في مدّة تسليمها نفسها، و لا فرق بين أن يكون الزوج حاضرا أو غائبا.

أمّا لو غاب عنها، و ادّعى بعد عوده أنّه كان قد خلّف لها نفقة، فإنّ عليها اليمين مع عدم البيّنة.

و لو كانت الزوجة أمة كانت الدعوى مع السيّد.

و لو اتّفقا على الإنفاق، و ادّعت يساره و إنفاقه نفقة المعسر، و أنكر اليسار، لم يقبل قوله إلاّ ببيّنة إن علم له أصل مال، و إلاّ قبل مع اليمين.

ص: 38


1- . في «ب»: و أمكن مطالبته.
2- . الأولى: «تحت قبضته».

و لو وافقها على اليسار و ادّعى نفقة الموسر، و ادّعت نفقة المعسر، فالأقرب أنّ القول قولها مع اليمين و عدم البيّنة.

5352. السادس:

النفقة تجب لزوجة العبد القنّ و المدبّر و المكاتب إذا كانت حرّة ممكّنة من نفسها دائما، أو أمة مكّنه سيّدها منها دائما، كما يجب على الحرّ المعسر، سواء شرطت النفقة عليه حال العقد أو لا، قال الشيخ: وجب في كسب العبد إن كان ذا كسب، و إلاّ في رقبته، يباع منه كلّ يوم قدر نفقته، فإنّ تعذّر بيع كلّه و وقف ثمنه على النفقة، و قد انتقل ملك سيّده عنه إلى آخر.(1) و الأقرب عندي أنّ نفقته على سيّده، فله أن يسافر به، و على قول الشيخ ليس له ذلك، إلاّ أن يضمن النفقة.

و لو طلّق العبد زوجته بائنا، فلا نفقة لها، و لو كانت حاملا قال الشيخ: لا نفقة لها، لأنّ النفقة للحمل،(2) ثمّ قال: و لو قلنا إنّ عليه النفقة لعموم الأخبار(3)في أنّ الحامل لها النفقة، كان قويّا.(4)

5353. السابع:

المكاتب المشروط، نفقة زوجته في كسبه، و كذا المطلق إذا تحرّر بعضه، قال الشيخ: و يكون نصيب الرقيّة نفقة المعسر، و نصيب الحريّة بحسب حاله فيها(5) قال: و لا يجب على المكاتب نفقة ولده من زوجته، و يلزمه نفقة الولد من أمته.(6)

ص: 39


1- . المبسوط: 20/6.
2- . و الحمل في المقام لا نفقة له، و ذلك لأنّ العبد لا يجب عليه نفقة ذوي أرحامه، و قد حذف المصنف ما لا بدّ منه في تبيين عدم وجوب النفقة في المقام. لاحظ المبسوط: 21/6.
3- . لاحظ الوسائل: 230/15، الباب 7 من أبواب النفقات.
4- . المبسوط: 21/6.
5- . المبسوط: 21/6.
6- . المبسوط: 6/6.
5354. الثامن:

إذا كاتب عبده، جاز للعبد شراء الرقيق، لأنّ له تنمية المال، فلو اشترى جارية لم يكن له وطؤها إلاّ بإذن المولى، فإن أذن كان مملوكا لأبيه، و لا يعتق عليه، و لا يجوز له بيعه و لا عتقه، و نفقته عليه، بخلاف ولد زوجته الحرّة أو الأمة، قال الشيخ(1): و نفقة ولد المكاتب من زوجته الحرّة، عليها، و إن كانت مملوكة فعلى سيّدها، و لو كانت مكاتبة، لم يكن ولدها مكاتبا، و الأليق بمذهبنا أنّه موقوف يعتق بعتق أمّه،(2) و نفقته على أمّه، كما تنفق على نفسها ممّا في يدها.

و لو كانت مكاتبة لسيّده فكذا، إلاّ أنّه إذا اختار(3) المكاتب أن ينفق على ولده منها جاز.

المطلب الثاني: في نفقة الأقارب
اشارة

و فيه عشرة مباحث:

5355. الأوّل:

انّما يجب الإنفاق بالقرابة على الولد و إن نزل، ذكرا كان أو أنثى، و على الأب و إن علا، و الأمّ و إن علت، و لا يجب على أحد غير هؤلاء من أخ، أو أخت، أو عمّ، أو عمّة، سواء كان ممّن يعتق عليه أو لا، و سواء كان وارثا أو لا، و سواء كان ذا رحم محرم - كالأخ و أولاده و العمّ و الخال و الخالة - أو غير ذي رحم، نعم يستحبّ الإنفاق عليهم و يتأكّد في الوارث.

5356. الثاني:

يشترط في وجوب الإنفاق على الأقارب، الفقر، فلا تجب

ص: 40


1- . المبسوط: 6/6.
2- . في «ب»: موقوف بعتق أمّه.
3- . في «أ»: «إذا أجاز» و الصحيح ما في المتن. لاحظ المبسوط: 6/6.

النفقة على الغنيّ، صغيرا كان أو كبيرا، عاقلا كان أو مجنونا، بخلاف الزّوجة، فإنّها تجب مع الغنى و الفقر،(1) و الأقرب اشتراط العجز عن الاكتساب، و لو كان قادرا على تحصيل الكفاية بالتكسّب، سقط وجوب النفقة، و لا يشترط النقص عن طريق الخلقة كالزمن، و لا من طريق الحكم، كالصغير و المجنون، بل يجب الإنفاق على مستوى الخلقة البالغ العاقل مع عجزه عن التكسّب و فقره.

5357. الثالث:

يشترط في وجوب النفقة على المنفق قدرته، فلو لم يتمكّن إلاّ من قدر كفايته، سقطت النفقة عنه، و اقتصر على نفقة نفسه، فإن فضل له شيء فلزوجته، فإن فضل فللأبوين و الأولاد، و لو كان يستفضل عن قدر كفايته ما يمون به من تجب نفقته عليه من ذوي أرحامه، جاز له أن ينكح، و إن علم عجزه عن النفقة عليهم.

5358. الرابع:

لا يشترط في المنفق عليه الإيمان و لا العدالة، فتجب النفقة على القريب، و إن كان فاسقا أو كافرا مع الشرائط، نعم تشترط الحريّة، فلو كان مملوكا سقطت نفقته عنه، و وجبت على مالكه، و لو عجز المالك عن نفقته أو ماطل بها، فالأقرب سقوطها عن القريب، و ألزم بيعه(2) أو النفقة.

5359. الخامس:

تجب نفقة الولد على أبيه، فإن عجز أو عدم فعلى أب الأب، فإن عجز أو عدم فعلى جدّ الأب، و هكذا، فإن عدم الآباء أو عجزوا فعلى أمّ الولد، فإن عجزت أو عدمت فعلى أبيها و أمّها، و إن علوا الأقرب فالأقرب، و لو تساووا اشتركوا في الإنفاق، و لو أيسر الأقرب عادت النفقة إليه.

ص: 41


1- . في «ب»: مع الغنيّ و الفقير.
2- . في النسختين: «بيعها».
5360. السادس:

إذا اجتمع الأب و الأمّ، فالنفقة على الأب، و كذا الجدّ مع الأمّ، و لا تتقسط النفقة على الجدّ و الأمّ، و الجدّ من قبل الأب و إن علا أولى بالإنفاق من الجدّ من قبل الأمّ و من الأمّ نفسها.

و لو اجتمع أبو أمّ و أمّ أمّ، فهما سواء، و كذا أمّ الأمّ و أمّ الأب، أو أب الأمّ و أمّ الأب.

5361. السابع:

تجب النفقة على أب المنفق و أمّه إذا كان المنفق موسرا و هما معسران، سواء كانا صحيحين أو لا، أمّا إذا كانا قادرين على الاكتساب، أو كان الولد فقيرا يعجز عن استفضال نفقتهما، فإنّها لا تجب.

و كذا تجب النفقة على الأجداد الذكور و الإناث، و الأبوين مع الحاجة، و لا يجب على الولد إعفاف الأب و لا نفقة زوجته.

و لو كان الأب و الأمّ معسرين، و لا يجد الولد سوى نفقة أحدهما، تساويا، و كذا أحد الأبوين مع الولد، ذكرا كان أو أنثى.

أمّا لو كان له أب و جدّ معسران، و عجز عن نفقتهما، قدّم الأقرب، و كذا الجدّ و جدّ الأب، و الابن و ابن الابن.

و لو كان له أب و ابن موسران، كانت نفقته عليهما بالسواء، و كذا لو كان له أمّ و بنت موسرتان، أو ابن و بنت كذلك.

و لو كان له أب و جدّ موسران، كانت نفقته أجمع على أبيه خاصّة.

و لو كان له ابن ابن موسر و بنت موسرة، فنفقته على البنت خاصّة.

ص: 42

و لو كان للمعسر ابنان موسران، أحدهما غائب، أنفق الحاكم من مال الغائب نصف النفقة، و لو لم يكن له مال، استقرض الحاكم عليه، و لو لم يجد المقرض ألزم الحاضر بالإنفاق، نصفها عليه و نصفها قرضا على أخيه.

5362. الثامن:

لا تقدير في النفقة، بل الواجب قدر الكفاية من الإطعام، و الكسوة، و المسكن، و ما يحتاج إليه، من زيادة الكسوة في الشتاء للتدثّر يقظة و نوما، و ينفق على أبيه دون أولاده، لأنّ نفقة الإخوة ليست واجبة، و ينفق على ولد نفسه و أولاده، لأنّ نفقة ولد الولد واجبة.

5363. التاسع:

نفقة الأقارب تجب على طريق المواساة لسدّ الخلّة، فلوا امتنع الموسر من الإنفاق، جاز لمن يجب له النفقة منهم أخذ ما يحتاج إليه من ماله إن لم يتمكّن من الحاكم، و لو تمكّن منه، رفع أمره إليه، و ألزمه الإنفاق، فإن امتنع، حبسه أبدا حتّى ينفق، و لو وجد له مالا أنفق منه، و يبيع عليه عقاره و متاعه و يصرفه في النفقة.

و لا تقضى نفقة الأقارب إذا فات وقتها، بخلاف الزوجة، لأنّها تجب لسدّ الخلّة، فلا تستقر في الذمة، سواء قدّرها الحاكم أو لا، أمّا لو أمره بالاستدانة عليه للنفقة فاستدان، وجب عليه القضاء.

5364. العاشر:

تجب نفقة الأقارب على الموسر، و هو الّذي فضل له عن قوت يومه شيء، و يباع عقاره و عبده في نفقة الأقارب، و لو قدر على التكسب، وجب عليه الإنفاق عليهم.

ص: 43

المطلب الثالث: في نفقة المماليك
اشارة

و فيه تسعة مباحث:

5365. الأوّل:

يجب على الإنسان النفقة على ما يملكه من عبد، أو أمة، أو دابّة، ثمّ المولى بالخيار في العبد و الأمة بين الإنفاق عليهما من ماله أو من كسبهما، و لو قصر كسبهما، وجب على المولى الإكمال.

5366. الثاني:

لا تقدير للنفقة على الرقيق، بل يجب قدر الكفاية، من إطعام، و إدام، و كسوة، و سكنى، على حسب عادة مماليك أمثال السيّد من أهل بلده.

و لا اعتبار بالغالب، فلو قصر الغالب عن كفايته، وجب على السيّد الإتمام، و لو فضل الغالب عنه، كان الواجب قدر الكفاية خاصّة.

و يرجع في الجنس إلى غالب قوت البلد، سواء كان قوت سيّده أو فوقه أو دونه.

5367. الثالث:

لا فرق بين المملوك الّذي يلي طعام السيّد و غيره، لكن يستحبّ للسيّد أن يطعمه ممّا يقدمه إليه،(1) و إن يجلسه للأكل معه، و ليس واجبا، و كذا يستحبّ له أن يطعم من لم يل طعامه منه، لكنّ الأوّل آكد.

5368. الرابع:

الكسوة يرجع فيها إلى عادة مماليك أمثال سيّده، و لا يقتصر على ستر العورة، و يستحبّ التسوية بين عبيده الذكور فيها، و لا يجب تفضيل النفيس على الخسيس، و كذا الإماء، لكن إن كان فيهنّ سريّة زادها في الكسوة استحبابا.

ص: 44


1- . في «أ»: أن يطعمه ما يقدمه إليه.
5369. الخامس:

لو امتنع السيّد من الإنفاق، أجبر عليه أو على البيع، سواء في ذلك القنّ و المدبّر و أمّ الولد، و لو امتنع حبسه الحاكم، و يجوز له أن ينفق من ماله على مماليكه قدر كفايتهم، و أن يبيع عقاره و متاعه مع الامتناع في ذلك.

5370. السادس:

يجوز أن يخارج المملوك - و هو أن يضرب عليه ضريبة يدفعها إلى مولاه، و يكون الفاضل له -.

فإن فضل قدر الكفاية صرفه في نفقته، و ان عجز تمّم السيّد، و إن زاد كانت الزيادة للمولى، و لا يجوز له أن يضرب عليه ما يقصر كسبه عنه إلاّ إذا قام بها المولى، و لو عجز العبد عن العمل، أو كان مريضا، وجب على المولى الإنفاق عليه، و لا تسقط نفقته بالعجز عن التكسب، أمّا لو أقعد أو عمي(1) أو جذم، فإنّه ينعتق، و لا يجب على المولى النفقة عليه حينئذ.

5371. السابع:

لا يجوز للمولى أن يكلّف عبده ما لا يقدر عليه من العمل، و يجوز له أن يؤجر أمّ الولد للإرضاع، و عليه مئونة ولدها إذا كان ملكه، و لو لم يفضل لبنها عن رضاع ولدها لم يجز له إجارتها للرضاع، و لا صرف لبنها إلى غير ولدها، إلاّ أن يقيم للولد مرضعة تكفيه، و ليس لها فطام ولدها قبل الحولين و لا الزيادة إلاّ بإذن السيّد.

5372. الثامن:

لو امتنع العبد من المخارجة،(2) فالوجه أنّ للسيّد إجباره على ذلك ما لم يتجاوز بذل المجهود،(3) و قال الشيخ رحمه اللّه: ليس للسيّد ذلك، و لو طلب العبد المخارجة لم يجب على المولى إجابته.(4)

ص: 45


1- . في «أ»: أو أعمي.
2- . أي قبول ضرب الخراج على قدر معلوم.
3- . أي الأكثر ممّا يليق بحال العبد.
4- . المبسوط: 46/6.
5373. التاسع:

تجب النفقة للبهائم المملوكة، سواء كانت مأكولة أو لا، و الواجب القيام بما تحتاج إليه، فإن اجتزأت بالرعي أخرجها إلى المرعى و إلاّ وجب عليه علفها، فإن امتنع أجبر على بيعها أو ذبحها - إن كانت تقصد للذّبح - أو الإنفاق عليها.

و لو كان لها ولد أخذ من لبنها ما يفضل عنه، و لو لم يفضل لم يجز أخذ شيء من لبنها، و لو استغنى الولد بالرعي أو العلف، جاز أخذ اللبن أجمع.

و يجوز غصب العلف و الخيط لجراح الدابة عند العجز، و لو أجدبت الأرض وجب علف السائمة، و لو امتنع بيعت عليه.

و لا تجب عمارة العقار و الدار، أمّا سقي الزرع و ما يتلف بترك العمل، فالأقرب إلزامه بالعمل من حيث إنّه تضييع للمال، فلا يقرّ عليه.

[كلمة المصنّف:] تمّ الجزء الثاني من كتاب تحرير الأحكام الشرعية على مذهب الإماميّة بحمد اللّه تعالى و منّه على يد مصنّفه حسن بن يوسف بن مطهّر في شهر جمادى الآخر سنة إحدى و تسعين و ستّمائة.

و الحمد للّه رب العالمين و صلّى اللّه على سيّد المرسلين محمد النبيّ و آله الطاهرين، يتلوه في الجزء الثالث منه القاعدة الثالثة في الإيقاعات و الحمد للّه ربّ العالمين.

ص: 46

القاعدة الثالثة: في الإيقاعات

اشارة

و فيها كتب

كتاب الفراق

اشارة

ص: 47

ص: 48

و فيه مقاصد

المقصد الأوّل: في الطلاق

اشارة

و فيه فصول:

الفصل الأوّل: في أركانه و شرائطه
اشارة

و أركانه ثلاثة: الفاعل، و الفعل، و المحلّ، فهاهنا مطالب أربعة

المطلب الأوّل: المطلّق
اشارة

و فيه سبعة مباحث:

5374. الأوّل:

يشترط في المطلّق التكليف و القصد، و يشتمل التكليف على البلوغ و العقل و الاختيار، فلو طلّق الصبيّ لم يقع، سواء كان أذن له الوليّ أو لا، هذا إذا كان سنّه أقلّ من عشر سنين أو أكثر دون البلوغ إذا لم يحسن الطلاق، و لو بلغ عشرا و كان ممّن يحسن الطلاق، قال الشيخ: يقع طلاقه و كذا عتقه

ص: 49

و وصيّته و صدقته(1) و منع ابن إدريس ذلك.(2) و هو الأقوى، و ليس للوليّ أن يطلّق عن الصبيّ حتّى يبلغ و يطلّق بنفسه.

5375. الثاني:

المجنون المطبق لا اعتبار بطلاقه، و كذا غير المطبق إذا وقع طلاقه حال جنونه، و يطلّق عنه الوليّ، و لو لم يكن له وليّ طلّق عنه السلطان أو من نصبه للنظر في ذلك مع حاجة إلى ذلك(3) و قال ابن إدريس: إن كان يعقل في بعض الأوقات، طلّق وقت حضور عقله، و إن لم يعقل أصلا، فسخت المرأة النكاح، و لا حاجة إلى طلاق الوليّ.(4) فمنع لهذا العذر، و هو فاسد، إذ قد تختار المرأة النكاح و المصلحة مع عدمه، و كذا إذا بلغ الطفل فاسد العقل، فإنّ للوليّ أن يطلّق عنه.

5376. الثالث:

النائم لا يقع طلاقه، و كذا السكران و من زال عقله بإغماء أو شرب مرقد، سواء كان لحاجة أو ليذهب عقله، و ليس للوليّ أن يطلّق عن هؤلاء، لأنّ عذرهم متوقّع للزّوال.

5377. الرابع:

المكره لا يقع طلاقه و لا شيء من تصرّفاته سوى إسلامه إذا كان حربيّا، و إنّما يتحقّق الإكراه إذا كان المكره قادرا على فعل ما توعّد به، و غلبة الظنّ أنّه يفعله مع امتناع المكره، و أن يكون المتوعّد به مضرّا بالمكره في نفسه، أو من يجري مجرى نفسه، كالأب و الولد، سواء كان الضّرر قتلا، أو جرحا، أو شتما، أو ضربا، أو أخذ مال أو حبس طويل، و يختلف باختلاف المكرهين في احتمال الإهانة و الإكراه مع الضرر اليسير.

ص: 50


1- . النهاية: 518.
2- . السرائر: 693/2.
3- . في «ب»: مع حاجته إلى ذلك.
4- . السرائر: 694/2.

و لو كان الإكراه بالقتل أو القطع، استوى فيه جميع الناس، و لو كان بالضرب و الشتم و الحبس، اختلف باختلاف أحوالهم، فالشتم عند الوجيه الّذي يغضّ منه ذلك إكراه.

و لو أكره على الطلاق أو دفع مال غير مستحقّ يتمكّن من دفعه، فالأقرب أنّه إكراه، أمّا لو أكره على الطلاق أو فعل ما تستحقّ المرأة فعله، فليس بإكراه، سواء كان بذل مال أو غيره.

و لو أكره على الطلاق فطلّق ناويا له، فالأقرب أنّه غير مكره إذ لا إكراه على القصد، و كذا لو اكره على طلاق زوجة فطلّق غيرها، أو على واحدة فطلّق ثلاثا، و لو أكره على طلاق إحدى زوجتيه، فطلّق معيّنة، فإشكال.

5378. الخامس:

القصد شرط في الطلاق، فلو نطق بالصيغة ساهيا أو نائما أو غالطا، و بالجملة من غير نيّة، لم يقع، و كذا لو كان اسم زوجته «طالقا» فقال: يا طالق، و نوى النداء، أو أطلق، أو كان اسمها «طارقا»(1) فقال: يا طالق، ثم قال:

التفّ لساني.

و لو نسى أنّ له زوجة فقال: زوجتي طالق لم يقع، و لو أوقع و قال: لم أقصد، ديّن بنيّته، و قبل منه ظاهرا، و لو تأخّر تفسيره ما لم تخرج العدّة، و لو أوقع الصيغة هزلا لم يقع، و كذا العتق.

و لو خاطب امرأة بالطلاق ظنّا أنّها زوجة الغير، فإذا هي زوجته، لم يقع، و لو لقّن الأعجميّ لفظ الطلاق، و هو لا يفهم، لم يقع.

5379. السادس:

لا يشترط وقوع الطلاق من الزوج مباشرة، فلو وكّل في

ص: 51


1- . في «ب»: أو كان اسمها طالقا.

الطلاق، فأوقع الوكيل حال غيبة الموكّل، وقع الطلاق إجماعا، سواء كان الوكيل رجلا أو امرأة.

و لو وكّل اثنين و أطلق، أو شرط الاجتماع، لم يقع طلاق أحدهما منفردا، فإذا اجتمعا عليه وقع.

و لو أوقعه الوكيل و هو حاضر، قال الشيخ: لا يقع.(1) و الصحيح عندي خلافه، و كذا قال: لا يصحّ لو وكّلها في طلاق نفسها فطلّقت.(2) و الحق وقوعه.

فلو قال: طلّقي نفسك ثلاثا، فطلّقت واحدة، قيل: يبطل(3) و الوجه أنّها تقع واحدة(4) و كذا لو قال: طلّقي نفسك واحدة، فطلّقت ثلاثا.

أمّا لو قال: طلّقي نفسك إن شئت واحدة، فطلقت ثلاثا، أو طلّقي نفسك إن شئت ثلاثا، فطلّقت واحدة، فالوجه البطلان، لأنّه شرط مشيئة الواحدة أو الثلاث، و لم يحصل.

5380. السابع:

و العبد إن تزوّج بإذن مولاه حرّة أو أمة لغيره، كان الطلاق بيد العبد، ليس للمولى إجباره عليه و لا منعه حقّه، و لو كان بأمة السيّد، كان له أن يفرّق بينهما بطلاق و غيره، بأن يأمر كلاّ منهما باعتزال صاحبه، و قال ابن الجنيد:

طلاق العبد إلى مولاه، سواء كانت الزوجة حرّة أو أمة لسيّده أو غير سيّده.(5)

ص: 52


1- . النهاية: 510.
2- . المبسوط: 29/5.
3- . قال الشيخ في المبسوط: 31/5: إذا قال لها: طلّقي نفسك ثلاثا فطلّقت نفسها واحدة وقعت عند بعضهم، و عند قوم لا يقع. و لاحظ المغني لابن قدامة: 289/8.
4- . في «ب»: و الوجه انّه يقع واحدة.
5- . نقله عنه المصنّف أيضا في المختلف: 370/7-371.
المطلب الثاني: في المحلّ
اشارة

و فيه عشرة مباحث:

5381. الأوّل:

محلّ الطلاق كلّ امرأة عليها ولاية تامّة بعقد صحيح دائم، فلا يقع الطلاق بالرجل، سواء قالت هي: أنت طالق،(1) أو قال هو: أنا منك طالق و إن نوى، و لا بالأجنبيّة، سواء علّقه بالنكاح أولا، و سواء كانت معيّنة بأن يقول: إن تزوّجتك فأنت طالق أو أنت طالق، أو غير معيّنة، بأن(2) يقول: كلّ من أتزوّجها فهي طالق، و سواء علّقه بالاسم خاصّة، كقوله: فلانة طالق، أو مع قصد الوصف، كقوله: فلانة الأجنبيّة، و لا ينقص العدد لو نكحها(3).

و عنينا بتمام الولاية استمرار العقد، فلو طلّق المطلّقة منه لم يقع، سواء كانت مطلّقة رجعيّة أو بائنة ما لم يرجع في الرجعيّة، ثمّ يطلّق، فيصادف التمام.

و شرطنا العقد، لعدم وقوعه بالأمة و المحلّلة و المشتبهة.

و شرطنا صحّة العقد، لعدم قبول عقد الشبهة له، و العقد الفاسد، فلو طلّق في عقد فاسد لم يصحّ، بل يفرّق بينهما بغير طلاق.

و شرطنا دوامه، لانتفاء القابلية عن المتعة، و يشترط فيه إضافة الطلاق إليها.

5382. الثاني:

الخلوّ من الحيض و النفاس شرط في صحّة الطلاق إن كانت

ص: 53


1- . في «ب»: قالت: منّي أنت طالق.
2- . في «أ»: كأن.
3- . ان لا يحسب هذه الطلقة الباطلة من الطلقات المحرّمة لو تزوّج تلك المطلقة المعلّقة. لاحظ المسالك: 34/9.

المرأة مدخولا بها حائلا حاضرا زوجها غير غائب عنها مدّة يعلم انتقالها من قرء إلى آخر، فلو طلّق الحائض أو النفساء و هي مدخول بها غير حامل، و الزوج حاضر معها أو غائب دون المدّة، لم يقع الطلاق، سواء علم بذلك أولا.

و لو طلّق غير المدخول بها، أو الحامل، أو الّتي غاب عنها قدرا يعلم انتقالها فيه من طهر إلى آخر، جاز طلاقها مطلقا و إن اتّفق في الحيض، و كذا لو خرج في طهر لم يقربها فيه، جاز طلاقها مطلقا.

و اعتبر الشيخ في الغيبة شهرا فما زاد(1) و المعتمد ما قلناه حتّى أنّه لو علم أنّها تحيض كلّ شهر حيضة جاز له طلاقها بعد شهر، و لو علم أنّها لا تحيض إلاّ في كلّ خمسة أشهر مثلا، لم يكن له طلاقها حتّى تمضي هذه المدّة.

و لو عاد من غيبة، فوجد امرأته حائضا، لم يجز له طلاقها حتّى تطهر، و إن لم يكن واقعها.

5383. الثالث:

قال الشيخ رحمه اللّه: إذا كان الزوج حاضرا، و هو لا يصل إلى زوجته بحيث يعلم حيضها، فهو بمنزلة الغائب، فإذا أراد طلاق امرأته، صبر عليها ما بين شهر إلى ثلاثة أشهر، ثمّ يطلّقها إن شاء.(2) و منع ابن إدريس ذلك، و خصّص جواز طلاق الحائض الحائل المدخول بها بالغائب خاصّة.(3)

5384. الرابع:

يشترط كون المرأة مستبرأة، بأن يطلّقها في طهر لم يقربها فيه بجماع، فلو واقعها في طهر، لم يقع طلاقه في ذلك الطهر.

و هذا الشرط انّما هو في البالغة غير اليائسة الحائل، فلو كانت صغيرة لم

ص: 54


1- . النهاية: 512.
2- . النهاية: 518.
3- . السرائر: 686/2-687.

تبلغ المحيض، أو كانت آيسة منه، و مثلها لا تحيض، أو كانت حاملا، جاز طلاقها في طهر المواقعة.

و لو كانت مسترابة، بأن ينقطع الدم عنها، و هي من ذوات الحيض، فإنّه لا يجوز له طلاقها إلاّ أن يمضي عليها ثلاثة أشهر من حين المواقعة معتزلا عنها فيها، و لو طلّقها قبل ذلك لم يقع.

5385. الخامس:

هل يشترط تعيين المطلقة أم لا؟ قولان، أقواهما الاشتراط، فلو طلّق إحداهما لا بعينها بطل، و لا تطلّقان معا.

و هو يكون بالاسم كقوله: فلانة طالق، أو بالإشارة كقوله: هذه.

و لو قال: زوجتي طالق، و له واحدة صحّ، و لو كان له أكثر، فإن نوى معيّنة، صحّ إجماعا ما نواه، و ديّن بنيّته، و إن أطلق فعلى ما اخترناه البطلان، و على الأخير يصحّ و يستخرج بالقرعة، و كذا لو قال: واحدة من زوجاتي زينب، و له اثنتان كلّ منهما زينب، أو إحداهما.

و لو قال: هذه طالق أو هذه، قال الشيخ: يعيّن للطلاق من شاء.(1) و لو قال: هذه طالق أو هذه و هذه، طلّقت الثالثة و عيّن من شاء من الأولى و الثانية، و لو مات استخرج الواحدة بالقرعة، و يحتمل على الجواز تعيّن الأولى خاصّة أو الأخيرتين معا.

و لو قال: إحداكما طالق، و أشار إلى الزوجة و الأجنبيّة، ثمّ قال: أردت الأجنبيّة، ديّن بنيّته، و كذا لو كان له جارة و زوجة اسمهما زينب، و قال: زينب طالق، و قال: قصدت الجارة.

ص: 55


1- . المبسوط: 77/5.

و لو قال للأجنبيّة ظنّا أنّها زوجته: أنت طالق، لم تطلّق زوجته، و لو قال: يا زينب، فأجابته عمرة - و هما زوجتان - فقال: أنت طالق، طلّقت المنويّة لا المجيبة، و لو قصد المجيبة ظنّا أنّها زينب، قال الشيخ: تطلّق زينب.(1) و فيه نظر من حيث عدم قصد المجيبة و توجّه الخطاب إلى غير المنويّة.

و لو قال: زينب طالق، و زوجته زينب، ثمّ قال: قصدت هذه الأجنبيّة قال الشيخ: قبل قوله ما دامت في الحبال(2) أو في العدّة، و بعد خروجها من العدّة لا يقبل.(3)

5386. السادس:

لو نادى إحدى زوجتيه فأجابته، و لم يعلم عينها، فقال: أنت طالق، و قصد المجيبة، وقع الطلاق، و كذا لو رآها تحت ساتر، و لم يعلم عينها، أو رأى ظهرها و لم يعيّنها فطلّقها، لأنّ المطلّقة هنا معيّنة في نفسها، فإذا طلّق كذلك، أو طلّق واحدة معيّنة و اشتبهت كلّف الامتناع ممّن وقع الاشتباه فيه، و إن كنّ أربعا، كما لو اختلطت زوجته بأخته و اشتبهتا، و عليه أن يبيّن المطلّقة بيان إقرار و إخبار لا بيان(4) شهوة و اختيار، فإن قال: هذه المطلّقة، حكم بطلاقها و بزوجيّة البواقي، و كذا لو قال: هذه الّتي لم أطلّقها، تعيّنت للزوجيّة، و الأخرى للطلاق إن كانتا اثنتين، و إلاّ يبيّن البواقي.

و لو قال: طلّقت هذه لا بل هذه، حكم بطلاقهما معا، و كذا لو كانت ثالثة، و قال: لا بل هذه، طلّقن.

ص: 56


1- . المبسوط: 90/5.
2- . في «ب» و المبسوط: «في الحال».
3- . المبسوط: 91/5.
4- . في «أ»: بيان إقرار واجبا و لا بيان.

و لو قال: طلّقت هذه لا بل هذه أو هذه، حكم بطلاق الأولى و إحدى الآخرتين، و يلزم إلى البيان فيهما، و كذا لو قال: طلّقت هذه أو هذه لا بل هذه، طلّقت الثالثة، و بيّن في الأوّلتين.

و لو قال في الأربع: طلّقت هذه أو هذه لا بل هذه أو هذه، طلّقت واحدة من الأوّلتين و واحدة من الآخرتين، فعليه أن يبيّن في الأوّلتين و الآخرتين، و لو عيّن بالفعل، فوطئ واحدة منهما، قال الشيخ: لم يقع التعيين، لأنّ الطلاق لا يقع بالفعل و كذا تعيينه.(1) و فيه نظر. قال: فيكلّف البيان، فإن قال: الموطوءة غير المطلّقة، حكم عليه بطلاق الأخرى، و إن قال: هي الزّوجة، و كان الطلاق رجعيّا، كان رجعية، و إلاّ عزّر، و لا حدّ للشبهة، قال: و لا مهر و الطلاق و العدّة من حين إيقاع الطلاق لا من حين الإقرار به إلاّ مع الوطء فالعدّة من حين الوطء.(2)

5387. السابع:

إذا أطلق الطلاق و لم يعيّن، فقد بيّنا أنّ الأقوى بطلانه، و قيل:

يصحّ، و يعيّن على الفور(3) فلو أخّر أثم، فإن قال: اخترت تعيّنه في هذه، طلّقت، و بقيت الأخرى زوجته، و لو قال: في هذه لا بل في هذه، طلّقت الأولى خاصّة، و كذا لو قال: في هذه و هذه، و الوطء هنا بيان، و قوّى الشيخ أنّ العدّة من حين التلفّظ بالطلاق لا من حين التعيين(4) و الأقوى عندي أنّه من حين التعيين، و هو تخريج، و عليه النفقة في الأولى و الثانية حتّى يبيّن إقرارا أو اختيارا.

5388. الثامن:

إذا ماتتا و اشتبه الطلاق بعد تعيّنه، كلّف البيان إقرارا، و وقف

ص: 57


1- . المبسوط: 77/5.
2- . المبسوط: 77/5-78. نقله المصنّف باختصار.
3- . في «أ»: «و يعيّن اختيار الاقرار على الفور».
4- . المبسوط: 78/5.

تركتهما، فإذا عيّن للطلاق إحداهما كان ميراثها لغيره دونه، إلاّ أن تموت في عدّة الرجعيّة، و يأخذ نصيبه من الثانية، و القول قوله مع تكذيب الوارث، و إن كان مبهما فعلى قولنا يرثهما لبطلانه، و على الصحة إذا عيّنه في إحداهما كان ميراثها لورثتها غيره، و له ميراث الأخرى، و لا اعتبار هنا بتكذيب الورثة، لأنّه بيان اختيار و شهوة.

و لو مات هو دونهما من غير بيان، وقف نصيب الزوجية حتّى تصطلحا(1)أو تقوم البيّنة، قال الشيخ: و الأقوى أنّه لا يقوم الوارث مقامه في التعيين للمعيّن المشتبه و للمبهم، قال: و ينبغي أن يرجع إلى القرعة.(2)

و لو توسّط موته بين موتهما، و كان الطلاق بائنا معيّنا، فإن عيّن الوارث الأولى للطلاق، قبل قوله، و لو عيّن الثانية احتمل عدم القبول، للتهمة، فيوقف له ميراث زوج من الأولى، و للثانية من تركته ميراث زوجة، حتّى تقوم بيّنة أو تصطلح الورثة، و القبول فيحلف على نفي العلم على طلاق الأولى و القطع على طلاق الثانية.

5389. التاسع:

إذا أبهم الطلاق و ماتت إحداهما لم تتعيّن الأخرى له، و كان إليه التعيّن على القول بالصحّة.

و لو كان له أربع زوجات فقال: زوجتي طالق، و لم يعيّن، لم يطلق الجميع و لا يحمل على الجنس، و لو أراده احتمل طلاقهنّ، فإن قلنا التعيين شرط، بطل مع عدم الإرادة، و إلاّ كان إليه التعيين.

ص: 58


1- . في «أ»: حتّى يصطلحا.
2- . المبسوط: 80/5.
5390. العاشر:

لا بدّ من استناد الطلاق إلى الجملة، فلو قال: يدك أو رجلك أو شعرك أو قلبك أو رأسك أو نصفك أو ثلثاك أو وجهك طالق، لم يقع.

المطلب الثالث: الصيغة
اشارة

و فيه اثنا عشر بحثا:

5391. الأوّل:

صريح الطلاق عندنا لفظة واحدة هي قوله: أنت أو هذه، أو فلانة أو غيرها من ألفاظ التعيين، طالق، و زاد ابن الجنيد «اعتدّي» و به روايتان حسنتان(1) بشرط أن ينوي به الطلاق.

و لو خيّرها و قصد الطلاق، فان اختارت زوجها أو سكتت و لو لحظة، فلا حكم له، و ان اختارت نفسها عقيب التخيير، قال ابن الجنيد: يقع الطلاق رجعيّا، و في رواية زرارة عن أحدهما عليهما السّلام: أنّها بائنة(2)، و كذا في رواية حمران عن الباقر عليه السّلام.(3) و الأقرب أنّه لا يقع به شيء.

5392. الثاني:

لا يقع الطلاق بشيء من الكنايات كقوله: أنت خليّة أو بريّة أو بتّة أو بتلة،(4) أو الحقي بأهلك، أو حبلك على غاربك، أو أنت بائن، أو حرام، سواء نوى به الطلاق أولا، و كذا لو قيل: هل فارقت أو خلّيت أو أبنت؟ فقال: نعم.

ص: 59


1- . الوسائل: 295/15، الباب 16 من أبواب مقدمات الطلاق، الحديث 3، 4، لكن الروايات أكثر ممّا ذكره.
2- . الوسائل: 337/15، الباب 41 من أبواب مقدمات الطلاق، الحديث 9.
3- . الوسائل: 338/15، الباب 41 من أبواب مقدمات الطلاق، الحديث 11.
4- . في مجمع البحرين: البتل: القطع، يقال: بتلت الشيء: إذا قطعته و منه قوله: طلّقها بتّة بتلة.

و لا يقع شيء لو اعتقد الطلاق و لم يتلفّظ به.

5393. الثالث:

لو قال: أنت طلاق أو الطلاق أو من المطلّقات، لم يكن شيئا و إن نواه، و لو قال مطلّقة قال الشيخ: الأقوى وقوعه مع النيّة، قال: و لو قال:

طلّقتك وقع.(1) و لو سئل هل طلّقت فلانة؟ فقال نعم، قال: وقع.(2) و عندي فيه نظر.

5394. الرابع:

لو نطق بالصريح بغير العربيّة مع العجز عن النطق بالعربيّة، وقع، و لا يقع مع القدرة، و كذا لا يقع بالإشارة إلاّ مع العجز عن النطق، و كذا الأخرس يطلّق بالإشارة.

و لو كتب الطلاق مع القدرة لم يقع، سواء كان حاضرا أو غائبا، و قال الشيخ: يقع في الغائب(3) و ليس بجيّد.

و لو عجز فكتب الصيغة ناويا، وقع، و لو أمر غيره أن يكتب أنّ فلانة طالق، لم يقع بالأمر، فإن طلّق قولا، ثمّ أمره، وقع بالإيقاع.

5395. الخامس:

يشترط في الصيغة النيّة، فلو تلفّظ بالصريح من غير نيّة لم يقع، و يديّن في ذلك لو قال: لم أنو، و تجريدها عن الشرط و الصفة، و هل يشترط الواحدة؟(4) قيل: نعم(5) فلو قال: أنت طالق ثلاثا فما زاد أو اثنتين، لم يقع، و قيل: لا يشترط، و يقع واحدة و يلغو الزائد،(6) و لا خلاف عندنا في أنّه لا يقع ما زاد على واحدة.

ص: 60


1- . المبسوط: 25/5.
2- . النهاية: 511.
3- . النهاية: 512.
4- . في «ب»: الوحدة.
5- . القائل هو السيد المرتضى في الانتصار: 308، المسألة 172.
6- . و هو خيرة الشيخ في النهاية: 512، و المبسوط: 6/5، و الخلاف: 450/4، المسألة 3 من كتاب الطلاق.

و كذا يشترط عدم تبعيض الطلقة، فلو قال: أنت طالق نصف طلقة أو ثلث طلقة أو ثلثي طلقة أو ثلاثة أرباع طلقة، لم يقع، و لو قال: أنت طالق نصفي طلقة أو ثلاثة أثلاث طلقة أو ثلاثة أنصاف طلقة قال الشيخ: لا يقع شيء.(1) و كذا لو قال: نصف طلقتين (أو ثلثا)(2).

و لو قال لأربع زوجاته: أوقعت بينكنّ طلقة، لم يقع شيء، و كذا طلقتين أو ثلاثا. و لو قال: أوقعت أربع طلقات، قال الشيخ: يقع بكلّ واحدة طلقة.(3) و نحن نتابعه إن قصد الإخبار بمعنى الحكم عليه لا بمعنى الإنشاء.

5396. السادس:

لو قال: أنت طالق واحدة في اثنتين، طلّقت واحدة و إن كان عارفا بالحساب، و لو قال: أنت طالق واحدة بعدها واحدة، وقعت واحدة.

قال الشيخ: و لو قال أنت طالق طلقة قبلها طلقة، وقعت طلقة لقوله: أنت طالق، و يلغو الزائد، و كذا لو قال: بعدها أو معها(4) و في الأولى نظر.

و لو قال: أنت طالق أنت طالق أنت طالق، طلّقت واحدة، سواء كانت مدخولا بها أو لا، و لو كان المطلق مخالفا يعتقد وقوع الثلاث، حكم عليه بما يعتقده، و كذا لو قال المخالف: أنت طالق ثلاثا.

5397. السابع:

لو قال أنت طالق أعدل طلاق، أو أكمله، أو أحسنه، أو أقبحه، أو ملء مكّة أو الحجاز أو الدنيا أو لرضا فلان، و قصد الغرض، أو أن دخلت الدار بفتح «أن» أو بتشديدها مع الكسر، أو بالتخفيف مع الواو، وقعت واحدة و لو قصد الشرط في لرضا فلان لم يقع.

ص: 61


1- . المبسوط: 57/5.
2- . ما بين القوسين يوجد في «أ».
3- . المبسوط: 58/5-59.
4- . المبسوط: 55/5.

و لو قال: أنت طالق، و قال: أردت أن أقول: طاهر، قبل منه، و ديّن بنيّته.(1)

5398. الثامن:

لو حلف بالطلاق لم يقع، و كذا لو علّقه بشرط، سواء كان معلوما أو مجهولا، و كذا لو علّقه بمشيئة اللّه تعالى، سواء قال: أنت طالق إن شاء اللّه، أو إلاّ أن يشاء اللّه، أو متى شاء اللّه، أو إذا(2) شاء اللّه، أو ما شاء اللّه، و كذا إن شاء زيد أو إن لم يشأ، أو إلاّ أن يشاء، سواء قال زيد: قد شئت أولا، أو إن طلعت الشمس، أو عند طلوعها، أو عند هلال شوّال، أو إن كان الطلاق يقع بك، سواء علم بإمكان وقوع الطلاق بها أولا.

و لو قال: أنت طالق إذا شاء اللّه، فالأقرب وقوعه، و لو قال: أنت طالق في مكّة أو بمكّة وقع، لأنّ وقوعه يستلزم تحقّقه في كلّ مكان، و لو قال: أردت إذا كنت بمكّة قبل منه، و بطل الشرط.

5399. التاسع:

من ليس من ذوات الحيض لصغر أو كبر و الحامل و غير المدخول بها، ليس لطلاقها سنّة و لا بدعة، بل يقع مباحا.

و البدعة طلاق الحائض مع الدخول و الحضور أو في حكمه، و الموطوءة في طهر الطلاق، و هو غير واقع عندنا، و مع انتفاء الوصفين يكون طلاق السنّة، فإذا طلّق الأولى لا للبدعة و لا للسنّة،(3) أو طلّقها لإحداهما طلّقت واحدة و لغت الضميمة، و لو قصد مع البدعة في الصغيرة وقوعه زمانها لم يقع، تديينا له بالنيّة، و كذا لو أطلق أنت طالق، ثمّ قال: نويت إن دخلت الدار، قبل،

ص: 62


1- . و المراد انّه قبل منه ظاهرا و ديّن بنيّته باطنا.
2- . في «ب»: أو كذا.
3- . في «أ»: لا بالبدعة و لا بالسنّة.

و في الثانية إذا قال: للسّنة، وقع مع الخلوّ من الحيض و الجماع، لا مع واحد منهما، و لو قال: للبدعة لم يقع، سواء خلت عن وصفي الجماع و الحيض أو لا، و لو قال: مع الخلوّ منهما أنت طالق طلقتين: واحدة للسّنة و أخرى للبدعة، وقعت واحدة.

و لو قال: أنت طالق في كلّ قرء طلقة، طلّقت واحدة، سواء كانت حاملا، أو صغيرة، أو يائسة، أو من ذوات الحيض مدخولا بها أولا، مع الشرائط.

5400. العاشر:

لو قال: يا مائة طالق، أو أنت مائة طالق، قال الشيخ: وقعت واحدة.(1) و فيه نظر، أمّا لو قال: أنت طالق مائة طلقة، صحّت واحدة قطعا.

و لو قال: أنت طالق طلاق الحرج(2) فإن نوى طلاق البدعة لم يقع، و إن نوى غيره، و احتمل مجامعته للطلاق وقع، و إلاّ فلا.

و لو سألته واحدة الطلاق، فقال: نسائي طوالق، فإن قصد السائلة أو غيرها أو الجميع، عمل بقصده.

و لو قال: أنت طالق لو لا أبوك لطلّقتك، لم تطلّق(3) لأنّه قصد الحلف، فصار كقوله: و اللّه لو لا أبوك لطلّقتك.

5401. الحادي عشر:

إذا قال: أنت طالق ثلاثا إلاّ ثلاثا، وقعت واحدة، و كذا:

ص: 63


1- . المبسوط: 13/5.
2- . طلاق الحرج عبارة عن طلاق البدعة، و حكي عن بعض الصحابة أنّه يقع الثلاث. لاحظ المبسوط: 15/5 و الخلاف: 458/4، المسألة 15 من مسائل كتاب الطلاق.
3- . في «أ»: لم يطلّق.

أنت طالق طلقة إلاّ طلقة، أو أنت طالق غير طالق، و لو نوى هنا الرجعة صحّ، لأنّ إنكار الطلاق رجعة، و لو أراد النقص، حكم بالطلقة.

و لو قال: زينب طالق ثمّ قال: أردت عمرة، قبل، و لو قال: بل عمرة، قال الشيخ: طلّقتا.(1) و فيه نظر، أمّا لو قال: بل عمرة طالق، فإنّهما تطلّقان.

5402. الثاني عشر:

لو قال: أنت طالق الآن أو اليوم، وقع، و لو قال: أنت طالق غدا، لم يقع، و لو قال: اليوم و غدا، وقعت طلقة، و لو قال: أنت طالق ثلاثا يا زانية إن شاء اللّه، أو إن دخلت الدار، رجع الاستثناء و الصفة إلى الطلاق، و لو قال: يا طالق أنت طالق ثلاثا إن شاء اللّه، وقعت واحدة بقوله: يا طالق.

و لو قال: أنت طالق إلى شهر، لم يقع في الحال و لا بعد شهر.

و اللام(2) فيما ينتظر للتأقيت فيلغو كقوله: أنت طالق لرمضان، و في غيره للتعليل، كقوله لرضا فلان، فتطلّق في الحال و إن سخط فلان، و لو قال هنا:

أردت التأقيت قبل و لغى.

المطلب الرابع: في الشرائط

و هي ترجع إلى شرائط المطلّق و الطلاق و المطلّقة، و قد ذكرنا شرائط ذلك، و قد يرجع إلى غيرها، و هي الشهادة، فعندنا أنّ الطلاق لا يقع إلاّ بحضور شاهدين عدلين يسمعان الإنشاء، سواء قال لهما: اشهدا أولا، فلو تلفّظ بالطلاق

ص: 64


1- . لاحظ المبسوط: 77/5.
2- . الظاهر أنّه جملة مستأنفة ناظرة إلى قوله «لرمضان» و لا صلة له لما قبله، و يحتمل وقوع التصحيف في قوله إلى شهر، و الصحيح «لشهر» أو عندئذ يرجع إلى ما قبله.

من دون سماعهما، كان لغوا، و كذا يلغوا مع سماع العدل الواحد، أو سماع جماعة فسّاق أو مجهولي الحال.

و لا تقبل شهادة النساء منضمّات و لا منفردات.

و لا بدّ من اجتماعهما في الإنشاء، فلو شهد كلّ في مجلس بانفراده، لم يقع، و لا يقبل لو شهد أحدهما بالإقرار و الآخر بالإنشاء، و لو شهدا بالإقرار سمعت و إن تفرّقا.

و لو أوقع من غير شهادة ثم أشهد،(1) فإن أتى بالإنشاء، وقع من حين الإشهاد، و إلاّ كان لغوا.

و لو أوقع الوكيل بحضور الزوج و عدل، فالأقرب وقوعه، و لا يثبت بهما(2).

و لو أوقعه بحضور عدلين ظاهرا، فعلم الزوج فسقهما، ففي وقوعه نظر، و لو لم يعلم الزوج فسقهما ففي وقوعه بالنسبة إلى الشاهدين نظر.

ص: 65


1- . في «ب»: ثم يشهد.
2- . أي الأقرب وقوع الطلاق و لا يمنع كون أحد العدلين زوجا، و لكن لا يثبت بشهادة الزوج و العدل الآخر، الطلاق عند التحاكم.
الفصل الثاني: في أقسامه
اشارة

و فيه سبعة مباحث:

5403. الأوّل:

الطلاق قسمان: بدعة(1) غير واقع، و هو طلاق الحائض أو النفساء المدخول بهما مع حضور الزّوج أو غيبته دون المدّة المشترطة، و الموطوءة في طهر الطلاق، أو المستدخلة(2) نطفته إلى فرجها فيه، و لو ظهر حملها لم يكن بدعيّا، و المطلّقة ثلاثا بغير رجوع بينها، و يقع في الأخير واحدة على الأقوى و سنّة، و هو بائن و رجعيّ، فالأوّل ما لا رجعة فيه، و هو طلاق غير المدخول بها و اليائسة من الحيض و مثلها لا تحيض، و غير البالغة، و المختلعة، و المباراة ما لم ترجعا في البذل، و المطلّقة ثلاثا برجعتين بينهما إن كانت حرّة و اثنتين برجعة بينهما إن كانت أمة.

و الرجعيّ ما للزوج المراجعة فيه و إن لم يرجع، فإن راجع في العدّة، و واقع، و طلّقها في طهر آخر، ثمّ راجعها في العدّة و وطئها و طلّقها في طهر آخر، كان طلاق العدّة، و حرمت حتّى تنكح زوجا غيره، فإذا عادت إليه بعد فراق أو موت، و طلّق ثلاثا كالأوّل، حرمت حتّى تنكح غيره، فإذا عادت بعد فراق أو موت، و طلّق ثلاثا للعدّة حرمت أبدا في التاسعة.

ص: 66


1- . قال في المسالك: 119/9: المشهور في كلام الأصحاب و غيرهم انقسام الطلاق إلى السنّي و البدعي، و المراد بالبدعي المحرّم إيقاعه نسبة إلى البدعة، و هي تقابل السنّة النبويّة، و بالسنّي ما يجوز بالمعنى الأعمّ نسبة إلى السنّة النبويّة، و يعبّر عنه بالشرعي.
2- . في «أ»: و المستدخلة.

و لا يحرم من المطلّقات مؤبّدا غير هذه، و لو تجرّد هذا الطلاق عن الوطء أو راجع بعد العدّة بعقد جديد، لم يكن طلاق العدّة أمّا لو راجع في المختلعة بعد رجوعها في البذل و وطئها، فالأقرب أنّه طلاق العدّة، و لو تزوّجها في العدّة بعقد جديد، فالوجه أنّه ليس طلاق عدّة.

5404. الثاني:

لو طلّقها رجعيّا، ثمّ راجعها في العدّة، و طلّقها من غير مواقعة في طهر آخر، فالأصحّ وقوعه، و ليس طلاق عدة، فإن راجعها في العدّة، و طلّقها في طهر آخر من غير مواقعة، حرمت حتّى تنكح زوجا غيره و لا تحرم في التاسعة مؤبّدا، أمّا لو طلّقها في طهر المراجعة من غير وطء، فالأقرب صحّته، فإن راجعها في ذلك الطهر، ثمّ طلّقها فيه من غير وطء، حرمت حتّى تنكح زوجا غيره، سواء كان المجلس واحدا أو تعدّد.

و لو طلّقها ثمّ لمسها بشهوة، ثمّ طلّقها، ثم لمسها بشهوة من غير وطء، ثم طلّقها حرمت حتّى تنكح زوجا غيره آخر، و لو وطئ لم يجز الطلاق إلاّ في طهر آخر، إذا كانت المطلّقة يشترط فيها الاستبراء.

5405. الثالث:

كلّ امرأة استكملت الطلاق ثلاثا، حرمت حتّى تنكح زوجا غيره، سواء كان مدخولا بها أولا، رجعها أولا، و لو طلّقها فخرجت من العدّة، ثمّ عقد عليها، و طلّقها، فخرجت العدّة، ثمّ تزوّجها، و طلّقها ثالثة، حرمت حتّى تنكح زوجا غيره، فاذا فارقها حلّت للأوّل، و لا تهدم العدّة تحريمها في الثالثة.

و لو طلّق الحامل و راجعها، جاز له وطؤها و طلاقها ثانية في ذلك الطهر أو الحيض للعدّة، قيل: و لا يجوز للسنّة.(1)

ص: 67


1- . القائل: هو الشيخ في النهاية: 516-517.
5406. الرابع:

و لو شكّ هل أوقع طلاقا أولا، لم يلزمه الطلاق، و لو تيقّنه و شكّ في عدده، عمل على الواحدة.

و لو طلّق غائبا، ثمّ حضر و دخل بالزّوجة، ثمّ ادّعاه، لم يلتفت إلى بيّنته(1)و يلحق به الولد المتجدّد.

5407. الخامس:

يصبر الغائب المطلّق عن تزويج رابعة أو أخت للمطلّقة تسعة أشهر، لاحتمال الحبل، و لو علم خلوّها منه اكتفى بالعدّة.

5408. السادس:

ينقسم الطلاق إلى واجب، هو طلاق المولي، لوجوبه عليه، أو الفيء أيّهما فعل كان واجبا؛ و محظور، و هو طلاق البدعة؛ و مندوب، هو الطلاق مع المشاقّة(2)؛ و مكروه مع التيام الأخلاق.

و من النكاح حرام في العدّة، و الردّة، و الإحرام، و مستحبّ مع الحاجة و المكنة، و مكروه مع عدمهما.

قال الشيخ: يستحبّ ألاّ يتزوّج أكثر من واحدة.(3)

5409. السابع:

لو حملت من زنا أو شبهة، كان حكمها حكم الحامل منه في طلاقها مع الوطء و الحيض.

ص: 68


1- . في «ب» «نيّته» و هو مصحّف. قال المحقق في الشرائع: 25/3: إذا طلّق غائبا ثمّ حضر و دخل بالزوجة، ثم ادّعى الطلاق، لم تقبل دعواه و لا بيّنته، تنزيلا لتصرّف المسلم على المشروع، فكأنّه مكذّب لبيّنته.
2- . في «أ»: مع المشاقة المسنونة.
3- . نقله عنه في الجواهر و حكم بضعفه. لاحظ جواهر الكلام: 35/29.
الفصل الثالث: في طلاق المريض
اشارة

و فيه خمسة مباحث:

5410. الأوّل:

يكره للمريض الطّلاق، فإن طلّق صحّ، و يتوارثان إن كان رجعيّا في العدّة، و لا يرثها في البائن فيها و لا بعدها، و ترثه هي في البائن و الرجعي ما بين الطلاق إلى سنة ما لم تتزوّج بغيره أو يبرأ من مرضه، فلو برئ ثمّ مرض و مات في أثناء السّنة، أو تزوّجت بغيره فيها، أو مات بعد السّنة بلحظة، لم ترثه إلاّ في العدّة الرجعيّة.

5411. الثاني:

لو طلّق أربعا في مرضه، ثمّ تزوّج أربعا و دخل بهنّ، و مات في السنة، ورث الثمن أو الربع المطلّقات و الزوجات الثمان بالسويّة.

5412. الثالث:

لو كان الفسخ من المرأة المريضة إمّا بأن تعتق تحت الزوج، أو بأن يكون الزوج ذا عيب، لم يتوارثا في العدّة و لا بعدها، سواء ماتت في ذلك المرض أولا.

و لو فسخ المريض لعيب أو لاعنها، لم ترثه.

5413. الرابع:

لو طلّق الأمة فأعتقت في العدّة الرجعيّة، ورثته، و لو خرجت العدّة، أو كان الطلاق بائنا لم ترثه، لانتفاء الشبهة على إشكال، و كذا لو أسلمت الكتابيّة بعد الطلاق.

و لو طلّقها بائنا قبل علمه بعتقها، لم ترثه، و لو كان بعد العلم، ورثت، فلو

ص: 69

ادّعت الطلاق بعد العتق، و قال الوارث قبله، قدّم قول الوارث مع اليمين، و كذا لو ادّعت المطلّقة وقوع الطلاق في المرض، و قال الوارث في الصحّة، فالقول قوله.

5414. الخامس:

لو سألته الطلاق أو خالعته أو بارأته، ففي توريثها نظر، قال الشيخ: و الصحيح أنّها ترث(1) و لو قال: طلّقت في الصحّة ثلاثا، فالأقرب عدم القبول بالنسبة إليها.

و لو ارتدّ الزّوج لم ترثه، و لو طلّقها ثمّ ارتدّت، ثمّ عادت إلى الإسلام، ففي توريثها نظر.

الفصل الرابع: في الرجعة
اشارة

و فيه ثمانية مباحث:

5415. الأوّل:

إنّما تثبت الرجعة للمطلّقة بغير عوض ذات العدّة فيها، مع عدم استيفاء عدد الطلاق، و هو ثلاث في الحرّة، سواء كان الزوج حرّا أو عبدا، و اثنتان في الأمة، سواء كان الزوج حرّا أو عبدا، فعدد الطلاق عندنا يعتبر بحال المرأة لا الرّجل، فإذا استوفت الحرّة ثلاث طلقات برجعتين و الأمة طلقتين برجعة متخلّلة، لم تكن للزوج رجعة، و كذا غير ذات العدّة، كالصغير و اليائسة، و غير المدخول بها.

و لو انضمّ العوض إلى الطلاق، كان بائنا ما لم ترجع المرأة فيه في العدّة،

ص: 70


1- . المبسوط: 69/5؛ الخلاف: 486/4، المسألة 55 من كتاب الطلاق.

فيصير رجعيّا، على معنى أنّ له الرّجعة في العدّة، و هل يلزمه حكم الرجعي من المئونة و الموارثة؟ فيه نظر، أقربه عدم اللزوم.

5416. الثاني:

لو طلّق الأمة مرّة فأعتقت، ثمّ تزوّجها أو راجعها، بقيت على طلقة، فتحرم عليه لو طلّقها ثانيا إلاّ بالمحلّل، و قال ابن الجنيد: تحرم في الثالثة، و لو أعتقت قبل الطلاق، كانت كالحرّة الأصليّة من كونها على ثلاث.

5417. الثالث:

تصحّ الرّجعة بالقول مثل راجعتك، و ارتجعتك، و أمسكتك، و رددتك، و بالفعل كالوطء، و التقبيل، و الملامسة بشهوة، و لا يفتقر إلى تقدّم النطق و لا نيّة الرجعة، و إن كان الطلاق رجعة.

و الأخرس يرجع بالفعل أو بالإيماء و الإشارة الدالّة عليها.

و لو عقد في العدّة ففي كونه رجعة نظر، ينشأ من بطلانه شرعا، و دلالته على التمسك بها، و قوّى الشيخ الثاني(1).

و لو علق الرّجعة بشرط، فالأقرب البطلان.

و لو ارتدّت مطلّقة، فراجع لم يصحّ على إشكال، و لو رجعت استأنفت الرجعة إن شاء.

و لو طلّق الذميّة، ثمّ راجعها في العدّة، فالأقرب الجواز.

5418. الرابع:

لا يشترط في صحّة الرّجعة علم الزوجة و لا الشهادة بها، فلو راجعها بشهادة اثنين - و هو غائب - في العدّة، صحّت الرجعة، فإن تزوّجت حينئذ كان فاسدا، سواء دخل الثاني أولا و لا مهر على الثاني مع

ص: 71


1- . المبسوط: 112/5.

عدم الدخول، و لا عدّة، و مع الدخول المهر و العدّة، و ترجع إلى الأوّل بعدها.

و لو لم يشهد على الرجعة، فالقول قول الثاني مع يمينه، فيحلف على عدم العلم بالرّجعة، و إن نكل حلف الأوّل.

و هل يمينه كالبيّنة أو الإقرار(1)؟ قوّى الشيخ الأوّل.(2) فلا يجب على الثاني شيء مع عدم الدخول، للحكم ببطلان العقد، و مع الدخول المهر، و على الثاني يجب نصف المهر مع عدم الدخول، لقبول قوله في بطلان النكاح دون سقوط المهر، كما لو قال عن زوجة(3): هذه أختي من الرضاعة.(4)

و مع يمينه إن صدّقته الزوجة ردّت إليه، قال الشيخ: و يثبت للأوّل عليها مهر المثل لمكان الحيلولة(5) و إن أنكرت، فالقول قولها مع اليمين، فإن حلفت سقطت دعواه، و هي زوجة الثاني، و إن لم تحلف حلف الأوّل و صارت زوجته.

و لو بدأ بخصومتها فاعترفت له، لم يقبل قولها، و لزمها مهر المثل، و إن أنكرت فالقول قولها، و الأقرب توجّه اليمين، لإسقاط مهر المثل لو نكلت، ثمّ يرجع إلى خصومة الثاني.

و كلّ موضع اعترفت فيه بالمراجعة، و منعت من العود، لحق [الزوج]

ص: 72


1- . إشارة إلى ما هو المذكور في كتاب القضاء: «هل يمين المدّعي المردودة بمنزلة البيّنة أو كإقرار المنكر، أو هو أمر مستقلّ، و للاختلاف ثمرة مذكورة في مورده.
2- . المبسوط: 104/5.
3- . كذا في النسختين و الأظهر لزوجته.
4- . أي يقبل قوله في بطلان العقد، و لا يقبل قوله في سقوط المهر، لأنّه حق الغير. لاحظ المبسوط: 104/5.
5- . المبسوط: 104/5.

الثاني لو فارقته، ردّت إلى الأوّل(1) كما لو اشترى عبدا ممّن ادّعى أنّه أعتقه، أو غصبه من زيد(2).

و لا يفتقر في الردّ إلى نكاح متجدّد.

و لو صدّق المولى زوج أمته في الرّجعة، فكلّ موضع قلنا في حقّ الحرّة:

القول قول الزوج فهنا كذلك، و كلّ موضع قدّمنا قول الحرّة، فالقول قول السيّد و الزوج أيضا، لا قولها، نعم القول قول الأمة في انقضاء العدة.

5419. الخامس:

لو راجع فأنكرت الدخول و ادّعاه، فالقول قولها مع اليمين، فلا عدّة معها، و لا رجعة له، و لا يرجع عليها بالصّداق المقبوض، و ترجع هي بالنصف مع عدم القبض.

و لو ادّعت الدخول فأنكره، حلف، و عليها العدّة، و لا نفقة، و لا سكنى، و لا رجعة له، و يرجع عليها بنصف الصداق إن كانت قبضته، و إلاّ رجعت هي بالنّصف.

و لو قال: أخبرتني بانقضاء العدّة، و راجعتها، ثمّ قالت: لم تنقض، صحّت الرجعة، لأنّه لم يقرّ بالانقضاء بل أخبر عنها.

و لو ادّعت انقضاء العدّة بالحيض في المحتمل، قدّم قولها مع اليمين، و يقدّم قول الزّوج لو ادّعته بالأشهر.

ص: 73


1- . و علّله في المبسوط: 105/5 بما هذا نصّه: «لأنّه ما دام حيّا فإنّ اعترافها و قولها لا يقبل، لأنّه كان في حقّ الغير، فإذا سقط حق ذلك الغير قبل قولها في حقّها فردّت إليه».
2- . فإنّه لا يقبل قوله في حق الغير، و أمّا إذا اشتراه فيحكم بعتقه أو بردّه إلى المغضوب منه لإقراره المتقدّم. لاحظ المبسوط: 105/5.

و لو ادّعى الزوج الانقضاء قدّم قولها، لأصالة بقاء الزّوجية.

و لو ادّعت الحامل الوضع، قبل قولها من غير تكليف إحضار الولد، لجواز موته أو أخذه سرقة.

و لو ادّعت الحمل، فأنكر، و أحضرت ولدا، فأنكر ولادتها له، و ادّعى التقاطها له، قدّم قوله.

5420. السادس:

لو ادّعت الانقضاء و صدّقها، و ادّعى الرجعة قبله، قدّم قولها مع اليمين، و لو راجعها فادّعت بعد الرجعة الانقضاء قبلها، قدّم قوله مع اليمين.

و لو ادّعى مراجعة الأمة في العدّة، و صدّقته، و ادّعى المولى خروجها قبل الرجعة، قدّم قول الزّوج، و الأقرب توجّه اليمين.

و لو قال زوج الحرّة قبل الانقضاء: راجعتك بالأمس، فالوجه تقديم قوله لقدرته على الإنشاء، و لو صدّقناها فالأقرب أنّ إقراره إنشاء.

5421. السابع:

الإشهاد على الرّجعة مستحبّ غير واجب و لا شرط، فالقول قول المنكر مع اليمين.

و لو قال في العدّة: كنت راجعتك أمس، صحّ الرّجوع، و لو قال: راجعتك للمحبّة أو للإهانة، و قال: أردت [الرجعة لأنّي] كنت أحبّها في النكاح أو أهينها فيه، فراجعتها إلى ذلك،(1) صحّت الرجعة، لأنّه راجعها إلى النكاح.

و لو قال: أردت أنّي كنت أحبّها قبل النكاح أو أهينها قبله، فراجعتها إلى ذلك، لم يكن رجعة، لأنّه لم يردّها إلى النكاح.

ص: 74


1- . في «أ»: فراجعتها إليه.

و لو مات قبل البيان، حمل على الرجعة(1) بناء على الظاهر، و كذا يصحّ لو قال: راجعتك، و لا يشترط إلى النكاح.

5422. الثامن:

العدّة تكون إمّا بالأقراء، فالقول قولها في انقضائها بها مع اليمين ان ادّعت المحتمل، و أقلّه ستّة و عشرون يوما و لحظتان و الأخيرة دلالة لا جزء(2) و أقلّه في الأمة ثلاثة عشر يوما و لحظتان، و إمّا بالوضع.

قال الشيخ: و أقلّه عند المخالف ثمانون يوما، لأنّ النطفة تستحيل علقة بعد أربعين، و العلقة مضغة كذلك، و لوضع المضغة أو ما يتصوّر فيه خلقة آدميّ تخرج من العدّة، قال: و ليس لنا نصّ فيه، و الاحتياط أن نقول: بهذا أو بالأشهر(3).

فلو قال: طلّقتك في شوّال، فقالت: بل في رمضان، قدّم قوله مع اليمين، و بالعكس القول قولها مع اليمين، و لا نفقة في الزائد على ما أقرّ به.

و لو أنكرت الرّجعة بعد الانقضاء، قدّم قولها، و إن رجعت صدّقت، و إن كان في إنكارها إقرار بالتحريم، لأنّها جحدت حقّ الزّوج، ثمّ أقرّت، فيترجّح جانبه.

أمّا لو أقرّت بتحريم رضاع أو نسب، لم يكن لها الرجوع، و لو زعمت أنّها لم ترض بعقد النكاح، ثمّ رجعت، فالأقرب القبول لحقّ الزّوج.

ص: 75


1- . في «أ»: و لو مات قبل البيان على الرجعة حمل على الرجعة.
2- . أي دلالة على الخروج من العدة و ليست منها، لاحظ المسالك: 226/9.
3- . المبسوط: 101/5.
الفصل الخامس: في المحلّل
اشارة

و فيه سبعة مباحث:

5423. الأوّل:

إذا طلّقها ثلاثا إن كانت حرّة أو معتقا نصفها، أو اثنتين إن كانت أمة على الشرائط، سواء كانت مدخولا بها أو لا، حرمت عليه حتّى تنكح زوجا غيره.

و يشترط في المحلّل:

البلوغ، و لا اعتبار بوطء المراهق، خلافا للشيخ(1) و ابن الجنيد.

و الوطء قبلا بحيث تغيب الحشفة.

و أن يكون ذلك بالعقد الدائم لا بالملك و لا الإباحة و لا المتعة.

فإذا وطئ المحلّل بهذه الشرائط، حلّت للأوّل بعد مفارقة المحلّل لموت أو طلاق أو غيره من فسخ بعيب أو ردّة أو لعان.

و لا يفتقر إلى المحلّل إلاّ في المطلّقة ثلاثا لا فيما دونها، و لا في المفسوخ نكاحها بغير طلاق كالمردودة بالعيب و الارتداد.

أمّا الخلع فإنّه كالطلاق، سواء جعلناه فسخا أو طلاقا، فينتقص به عدد الطلاق،(2) و لو خالعها ثلاثا، حرمت حتّى تنكح زوجا غيره على القولين.

ص: 76


1- . الخلاف: 504/4، المسألة 8 من كتاب الرجعة؛ المبسوط: 109/5-110.
2- . يحسب طلاقا واحدا من الطلقات الثلاث فيبقى له اثنتان منها.
5424. الثاني:

لا يشترط الإنزال فلو أكسل بعد التقاء الختانين، حلّت، و لو كان خصيّا و غيّب الحشفة فكذلك، و في رواية: لا يحلّل فيه(1)، و كذا المجبوب إذا بقي منه ما يقدر على إيلاج قدر الحشفة، و لو بقي دون ذلك أو لم يبق شيء لم يحلّل.

5425. الثالث:

لا فرق بين أن يكون المحلّل حرّا أو عبدا، مسلما أو ذمّيا، و لا بين أن تكون المرأة حرّة أو أمة، مسلمة أو ذمّية.

و لو أصابها محرّما لعارض، كالإحرام و الصوم و الحيض و النفاس، قال الشيخ: الأقوى عدم التحليل لفساد المنهيّ عنه.(2)

و لو تزوّجت الذمّية بذميّ، حلّت للمسلم إن سوّغنا له النكاح، و كذا لو أسلمت بعد وطء الذمّيّ.

و لو تزوّجها و ارتدّ، ثمّ وطئها في حال ردّته أو ردّتها، ثمّ رجعت إلى الإسلام، لم تحلّ بذلك الوطء، و هذا غير متصوّر، لأنّ الردّة إن كانت قبل الوطء، انفسخ النكاح، و صار وطء أجنبيّ لا يحلّل قطعا، و إن كانت بعده، حلّت بالأوّل.

5426. الرابع:

لا يحلّ للمطلّق ثلاثا أو اثنتين للأمة نكاح المطلّقة بعقد دائم و لا متعة و لا ملك يمين و لا تحليل حتّى تنكح زوجا غيره، فلو عقد عليها قبله متعة لم تحلّ له، و كذا لو ملك الأمة بعد طلقتين، و كذا لا تحلّ للأوّل لو وطئها المحلّل متعة أو بملك اليمين أو التحليل.

ص: 77


1- . لاحظ الوسائل: 369/15، الباب 10 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 1-2.
2- . المبسوط: 110/5.

و لا تحلّ بالوطء في الدّبر و ان أسند إلى العقد الدائم(1) و عقد الشبهة لا يحلّل.

و تحلّ للأوّل لو أفضاها المحلّل، أو أصابها و هي مجنونة، أو هو مجنون أو هما.

5427. الخامس:

لو انقضت مدّة، فادّعت التزويج و الفرقة و انقضاء العدّة و أمكن، قبل، و في رواية حمّاد الصحيحة عن الصادق عليه السّلام: تصدّق إذا كانت ثقة.(2)

و لو رجعت قبل العقد حرم العقد، و لا يقبل رجوعها بعده.

و لو ادّعت إصابة المحلّل لها، و صدّقها، حلّت للأوّل، و إن أنكر المحلّل، قيل: يعمل بما يغلب على ظنّه من قولهما،(3) و لو قيل: يعمل بقولها كان وجها.

5428. السادس:

إذا طلّقها مرّة أو مرّتين، فتزوجت بغيره ثمّ فارقها، فيه روايتان:

إحداهما: أنّها تبقى مع الأوّل على ما بقى من العدد، فإذا استوفت الثلاثة منضمّة إلى الطلاق الأوّل، حرمت حتّى تنكح غيره، و هي روايات صحيحة السّند(4).

ص: 78


1- . قال الشيخ في المبسوط: 243/4: الوطء في الدّبر يتعلّق به أحكام الوطء في الفرج. من ذلك إفساد الصوم. و وجوب الكفّارة، و وجوب الغسل... و يخالف الوطء في الفرج في فصلين: في الإحصان فانّه لا يثبت، و لا يقع به الإباحة للزوج الأوّل بلا خلاف في هذين.
2- . الوسائل: 370/15، الباب 11 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 1.
3- . ذهب إليه الشيخ في المبسوط: 111/5.
4- . الوسائل: 364/15، الباب 6 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 6 و 7 و 9 و 11 و لاحظ الوسائل: 408/14، الباب 11 من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد، الحديث 2 و ذيله.

و الثانية - هي الّتي عمل عليها الشيخ(1) و أكثر علمائنا -: أنّها تبقى على ثلاث مستأنفات، و يهدم الثاني الطلاق، كما يهدم الثلاث.(2)

و عندي في ذلك تردّد، و حمل الشيخ الرّوايات بعدم الهدم على كون الزوج متعة أو مراهقا أو لم يدخل.(3)

5429. السابع:

يجوز التوصّل بالحيل المباحة إلى المباح دون المحرّمة، و لو توصّل بالمحرّمة حصل الغرض و أثم.

و لو ارتدّت لتفسخ نكاح الزّوج، فعلت حراما، و انفسخ نكاحه.

و لو حملت ولدها على الزنا بامرأة لتمنع أباه من العقد عليها أو التسرّي، حرمت الموطوءة إن نشرنا الحرمة بالزنا، و لو زوّجته بها لم تأثم، و تمّت الحيلة.

و لو أنكر الاستدانة خوفا من الإقرار بالإبراء أو القضاء، جاز الحلف مع صدقه بشرط التوراة بما يخرجه عن الكذب.

و كذا يحلف على نفي الاستدانة لو كان فقيرا، أو خاف الحبس و يورّي، و النيّة أبدا نيّة الحالف إذا كان مظلوما في الدّعوى و نيّة المدّعي المحقّ.(4)

و يورّي لو أكرهه على أن يحلف على عدم الفعل المباح: أنّه لا يفعله بالشام مثلا أو في السماء(5).

و لو أكرهه على الطلاق فقال: «زوجتي طالق» و نوى طلاقا سابقا، أو

ص: 79


1- . النهاية: 513؛ المبسوط: 81/5؛ الخلاف: 488/4، المسألة 59 من كتاب الطلاق.
2- . الوسائل: 363/15، الباب 6 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 1 و 2 و 3 و 4.
3- . التهذيب: 32/8 في ذيل الحديث 97؛ الاستبصار: 273/3 في ذيل الحديث 972.
4- . لاحظ في توضيح العبارة: المسالك: 205/9، و جواهر الكلام: 205/32.
5- . و لا يخفى أنّ يمين المكره لا ينعقد و إن لم يورّ، و لا إثم عليه به. لاحظ جواهر الكلام: 207/32.

[قال]: «نسائي طوالق»، و نوى الأقارب جاز، و كذا يجوز و إن لم ينو شيئا، لأنّ طلاق المكره عندنا باطل.

و كذا لو قال: كلّ جارية لي حرّة، و نوى السّفن.

و لو أكره على اليمين فقال: ما فعلته، و جعل «ما» موصولة صحّ.

و لو أكره على الجواب ب «نعم» فقال، و عنى الإبل، أو قال «نعام» و عنى به نعام البرّ قصدا للتخلّص، جاز.

و لو حلف ما كاتبت فلانا، و نوى كتابة العبيد، أو لا عرّفته، أي ما جعلته عرّيفا، أو ما أعلمته(1)، أي ما شققت شفته. و ما سألته حاجة، و عنى شجرة صغيرة في البرّ، أو ما أخذت له جملا، و أراد السحاب، أو بقرة، و أراد العيال، أو ثورا، و عنى به القطعة الكبيرة من الأقط، أو عنزا،(2) و عنى الأكمة السوداء، أو دجاجة، و عنى كبّة غزل، أو فرّوجة،(3) و عنى الدّرّاعة،(4) أو ما شربت له ماء، و عنى المنيّ، لم يحنث(5).

و لو حلف ليصدقنّه، فالمخلص أن يخبر بالنقيضين بأن يقول: فعلت [و] ما فعلت، فيعلم(6) الصدق في أحدهما.

ص: 80


1- . الأعلم: مشقوق الشفة مثل الأفلح يقول الزمخشري: و مذ أفلح الجهال أيقنت أنّني أنا الميم و الأيّام أفلح و أعلم لاحظ الكشاف: 376/3.
2- . قال الأزهري نقلا عن الليث: العنز من الأرض: ما فيه حزونة من أكمة أو تلّ أو حجارة. تهذيب اللغة: 140/2. و في المبسوط: 98/5 «و لا عيرا».
3- . في لسان العرب: الفرّوج: الفتيّ من ولد الدّجاج، و الفرّوج - بفتح الفاء -: القباء.
4- . في تهذيب اللغة: 201/2: الدرّاعة: ضرب من الثياب الّتي تلبس.
5- . جواب الجملة الشرطية، أي قوله: «و لو حلف ما كاتبت...».
6- . في «ب»: يعلمه.

المقصد الثاني: في الخلع و المباراة

اشارة

و فيه فصول:

الفصل الأوّل: في حقيقته
اشارة

و فيه سبعة مباحث:

5430. الأوّل:

الخلع(1) بذل المرأة لزوجها مالا فدية لنفسها لكراهية، و اختلف علماؤنا في وقوع الخلع بمجرّده من غير تلفّظ بالطّلاق، فالّذي أفتى به الشيخ عدم الوقوع،(2) و ذكر أنّه مذهب المتقدّمين منّا كعليّ بن بابويه و عليّ بن رباط و غيرهم، قال: و باقي المتقدّمين لا أعرف لهم فتيا في ذلك أكثر من الروايات الّتي [نقلوها و] لا تدلّ على عملهم بها(3) و أوجب الشيخ(4) اتباعه

ص: 81


1- . قال في المسالك: 365/9: الخلع - بضم الخاء - مأخوذ من الخلع - بفتحها - و هو النّزع، لأنّ كلا من الزوجين لباس الآخر قال تعالى: هُنَّ لِبٰاسٌ لَكُمْ وَ أَنْتُمْ لِبٰاسٌ لَهُنَّ (البقرة: 187) و كأنّه بمفارقة الآخر نزع لباسه.
2- . المبسوط: 344/4.
3- . لاحظ التهذيب: 97/8 في ذيل الحديث 328، و الاستبصار: 317/3 في ذيل الحديث - 1128.
4- . الخلاف: 422/4، المسألة 3 من كتاب الخلع؛ المبسوط: 344/4.

بالطلاق بأن يقول: خلعتك على كذا، فأنت طالق، أو يقول: فلانة مختلعة على كذا فهي طالق.

و نصّ السيّد المرتضى(1) و ابن الجنيد على وقوعه بمجرّده، و هو الظاهر من كلام ابن أبي عقيل و سلاّر(2)، و عليه روايات صحيحة.(3) و عليها أعمل.

5431. الثاني:

و إذا قلنا بوقوع الخلع مجرّدا، كان طلاقا لا فسخا، على ما تشهد به الروايات الصحيحة،(4) فيحسب من عدد الطلاق.

و لا يقع إلاّ بالصريح، مثل أن يقول: خالعتك على كذا أو أنت مختلعة على كذا، قال ابن حمزة: أو تقول المرأة: اختلعت نفسي منك على كذا، فيجيب إليه(5).

و لا يقع بالكناية مثل فاسختك، أو أبنتك، أو بتّتك، أو فاديتك، و لا بالتقايل، و يقع بلفظ الطلاق، مثل طلّقتك على كذا مع سؤالها، و تقع التطليقة حينئذ بائنة ما لم ترجع في الفدية.

5432. الثالث:

لو قال: خلعتك، و لم يذكر فدية، لم يقتضها(6) و لا يقع طلاقا و لا خلعا و إن نوى المال.

ص: 82


1- . الناصريات: 315، المسألة 165.
2- . المراسم: 162.
3- . الوسائل: 491/15، الباب 3 من كتاب الخلع و المباراة، الحديث 2 و 3 و 4 و 9 و 10.
4- . لاحظ الوسائل: 490/15، الباب 3 من كتاب الخلع و المباراة.
5- . الوسيلة: 331.
6- . الضمير يرجع إلى البينونة المعلومة من القرائن.

و لو طلبت منه طلاقا بعوض، فخلعها مجرّدا عن لفظ الطلاق لم يقع.

و لو طلبت خلعا بعوض، فطلّق به، قال الشيخ: ينبغي لمن أجاز ذلك من أصحابنا أنّه لا يقع، لأنّه أعطاها غير ما طلبت.(1) قال: و لو قالت: خالعني على ألف، و نوت الطلاق، فقال: طلّقتك، صحّ الخلع عندنا و عندهم، و لو قالت:

طلّقني على ألف، فقال: خالعتك على ألف، و نوى الطلاق، لم يقع، و على مذهب بعض أصحابنا القائلين بوقوع الفرقة بالخلع، ينبغي الوقوع(2).

5433. الرابع:

لو قال مبتديا: أنت طالق بألف، أو و عليك ألف، صحّ الطلاق رجعيّا، و لا تلزمها الفدية، و إن تبرّعت بعد ذلك بضمانها، و لو دفعتها كانت هبة، لها حكم الهبة، و لا تصير التطليقة بائنة.

5434. الخامس:

لو قالت: طلّقني بألف، كان الجواب على الفور، فإن تأخّر كان رجعيّا.

5435. السادس:

الخلع منه محظور، و هو أن يكرهها و يعضلها(3) بغير حقّ لتفتدي نفسها، فيبطل الخلع، و عليه ردّ ما أخذه عوضا، و يقع الطلاق إن اتّبع

ص: 83


1- . قال الشيخ في المبسوط: 348/4: فأمّا إن طلبت منه فسخا بعوض فطلقها بعوض، فينبغي أن يقول من أجاز من أصحابنا ذلك أنّه لا يقع، لأنّها طلبت غير ما أعطاها.
2- . المبسوط: 348/4.
3- . العضل هنا من الزوج لامرأته بمعنى أن يضارّها و لا يحسن معاشرتها ليضطرّها بذلك إلى الافتداء منه بمهرها. و أصل العضل: المنع و التضييق، و الزوج يمنعها حقها من النفقة و حسن العشرة و الإنصاف في الفراش. لاحظ تهذيب اللغة للأزهري: 474/1، و النهاية لابن الأثير: 253/3.

به رجعيّا، و لو زنت قال الشيخ: حلّ له عضلها و إحواجها بالعضل إلى الافتداء للآية.(1)

و لو منعها حقّها فبذلت الفدية و اختلعت نفسها، قال الشيخ: الّذي يقتضيه المذهب أنّه ليس بإكراه.(2)

و منه مباح، بأن يخافا ألاّ يقيما حدود اللّه، بأن تكره المرأة المقام معه، فتخاف منعه عن حقّه الّذي أوجبه اللّه تعالى عليها له، فيحلّ له الافتداء.

5436. السابع:

إذا قالت المرأة لزوجها: إنّي لا أطيع لك أمرا، و لا أبرّ لك قسما، و لا أغتسل لك من جنابة، و لأوطئنّ فراشك من تكرهه، أو علم من حالها ذلك و إن لم تتلفّظ به، حلّ الخلع، و جاز له أن يقترح عليها مهما شاء من قليل أو كثير، سواء كان أكثر ممّا أعطاها من المهر أو أقلّ، و سواء كان من جنسه أو من غير جنسه، و هل يجب خلعها مع هذا القول؟ الظاهر من كلام الشيخ ذلك(3)و منعه ابن إدريس، و جوّز عدم الخلع.(4)

أمّا لو كانت الأخلاق ملتئمة، و لا كراهة لأحد منهما لصاحبه، فبذلت له شيئا ليخلعها عليه، كان الخلع باطلا عندنا، و لو طلّقها حينئذ بعوض، وقع رجعيّا، و لم يملك العوض.

ص: 84


1- . المبسوط: 343/4.
2- . المبسوط: 341/4.
3- . لاحظ النهاية: 529.
4- . قال ابن إدريس: الزوج مخيّر بين خلعها و طلاقها و إن سمع منها ما سمع بغير خلاف، لأنّ الطلاق بيده و لا أحد يجبره على ذلك. السرائر: 725/2.
الفصل الثاني: في أركانه و شرائطه
اشارة

و فيه ستّة مباحث:

5437. الأوّل:

أركانه خمسة: الخالع، و المختلعة، و العوضان، و الصّيغة.

أمّا الخالع، فيشترط استقلاله بالطلاق، فلا يقع عن الصبيّ و إن كان مراهقا بإذن وليّه أو بغيره، و لا من المجنون، و لا من المكره، و لا السكران، و لا الغضبان غضبا يرفع القصد.

و يصحّ من السفيه، لكن لا تبرأ المختلعة بتسليم العوض إليه بل إلى الوليّ.

و يصحّ من المفلّس و الذمّيّ و الحربيّ، و لو خالع وليّ الطفل بطل، لأنّه طلاق.

5438. الثاني:

يشترط في المختلعة شروط الطلاق: كونها طاهرا طهرا لم يقربها فيه بجماع إن كان مدخولا بها غير يائسة، و لا صغيرة، و لا حبلى، و كان الزوج حاضرا معها، و إلاّ فلا.

و يصحّ خلع الحامل و إن كانت حائضا، كما يصحّ طلاقها، و لو وطئ اليائسة أو الصغيرة أو الحبلى، جاز خلعها في ذلك الوقت، و يشترط كونها أهلا لالتزام المال، فلو التزمت الأمة تبعت به بعد العتق إن لم يكن بإذن المولى(1)

ص: 85


1- . في «ب»: إن لم يأذن المولى.

و لو أذن صحّ، و هل يكون ضامنا؟ فيه إشكال، و ينصرف إطلاق إذنه إلى مهر المثل، فإن عيّن و بذلت زيادة تبعت بها، و لو بذلت عينا فأجاز المولى، صحّ الخلع و البذل، و إلاّ صحّ الخلع خاصّة، و كان عليها القيمة أو المثل بعد العتق.

و لو خالعت السفيهة فسد، و لو أذن لها الوليّ فالوجه الصحّة مع المصلحة.

و لو بذلت المكاتبة المطلقة صحّ، و ليس للمولى الاعتراض، و المشروط كالقنّ.

5439. الثالث:

يشترط في المعوّض كونه مملوكا للزوج ملكا تامّا بالعقد الدائم، فلا يصحّ خلع المطلّقة طلاقا بائنا و لا رجعيّا، و لا المختلعة، و لا المنكوحة بالمتعة، أو ملك اليمين، أو عقد الشبهة، و لو ارتدّت فخالعها ثمّ رجعت إلى الإسلام ففي جوازه إشكال، أمّا لو أصرّت فإنّا نبيّن البطلان قطعا.

5440. الرابع:

يشترط في الفدية العلم بالمشاهدة أو الوصف الرافع لجهالة القدر و الجنس و الوصف، و التموّل، فلو كان مجهولا فسد الخلع، و كذا لو خالعها على ألف و لم يذكر المراد و لا قصده، أو على حمل الجارية أو الدابّة.

و لو أطلق النقد، انصرف إلى غالب نقد البلد، و يتعيّن غيره لو عيّنه.

و لا تقدير فيه بل يجوز الزائد على ما أعطاها و الناقص عنه.

و لو خالعها على غير متموّل، كالخمر و الخنزير، فسد الخلع، فإن أتبع بالطلاق، كان رجعيّا و لا فدية، و لو خالعها على خلّ فبان خمرا، صحّ و له خلّ بقدره.

5441. الخامس:

يشترط في الصيغة التصريح إمّا بلفظ الخلع أو الطلاق خاصّة، على ما تقدّم، و تجريدها من الشرط، فلو خالعها بشرط، أو طلقها

ص: 86

كذلك، بطلا، ما لم يكن الشرط من مقتضيات الخلع فيقع، مثل أن يقول: إن رجعت رجعت، أو تشترط هي الرجوع في الفدية.

و لو قال: خالعتك إن شئت لم يصحّ و لو شاءت، و كذا لو قال: إن ضمنت لي ألفا، أو إن أعطيتني، أو ما شاكله، أو متى، أو مهما، أو أيّ وقت، أو أيّ حين، كلّ ذلك باطل.

5442. السادس:

يشترط في الخلع ما يشترط في الطلاق من حضور شاهدين عدلين، و النيّة كالطلاق، و أن يقع(1) بالصّريح و غيره ممّا تقدّم، و مع صحّته يقع بائنا ما لم ترجع المرأة فيما بذلته فتثبت له الرجعة إن شاء.

و لا يقع بالمختلعة طلاق بحال و لا إيلاء و لا ظهار، و يلحق بها ذلك إذا رجعت و رجع.

الفصل الثالث: في أحكامه و لواحقه
اشارة

و فيه ثمانية عشر بحثا:

5443. الأوّل:

إذا خالعها و كانت ذات عدّة فرجعت في البذل في عدّتها، صحّ رجوعها، و كان له أن يرجع ما لم يكن قد تزوّج بأختها أو رابعة، فليس له الرجوع، و لا يبطل ذلك رجوعها.

و لو رجعت في العدّة، و لم يعلم الزوج حتّى خرجت العدّة، فالأقرب

ص: 87


1- . في النسختين: «وقع».

صحّة رجوعها، و لا رجعة له، و قال ابن حمزة: إن أطلقا الخلع لم يكن للزوج الرجوع في البضع و لا لها الرّجوع في البذل إلاّ برضاء الآخر، و إن قيّد الرّجل بالرجوع في بضعها، و المرأة بالرجوع فيما افتدت به، جاز الرّجوع في العدّة.(1)

و فيه نظر، و الأقرب جواز الرّجوع سواء شرطاه بأن قال: فإن رجعت كان لي الرّجوع أو أطلقا.

و لو رجعت و لم يعلم، فرجع هو بعد رجوعها مع استمرار الجهل،(2)فالأقرب جواز الرجوعين، أمّا لو رجع قبل رجوعها ثمّ رجعت، فالوجه صحّة رجوعها خاصّة.

و لو قال: إن رجعت رجعت، أبتني على صحة الرجوع مع الشرط.

5444. الثاني:

يجوز الخلع بسلطان و غيره، قال ابن الجنيد: لا يكون إلاّ عند سلطان قيّم بأمر المسلمين، و عليه دلّت رواية زرارة عن الباقر عليه السّلام.(3)

5445. الثالث:

إذا خالعها لم يكن له الرجوع إلاّ أن ترجع في العدّة فيما بذلته، و لو لم تكن ذا عدّة، بأن خالع غير المدخول بها أو اليائسة أو الصغيرة، لم يكن له الرجوع مطلقا، سواء كان بلفظ الطلاق أو بغيره، و سواء ردّ العوض أولا.

و لو خالعها على دينار، و شرط له الرجعة و إن لم ترجع، لم يصحّ الخلع و لا الشرط.

5446. الرابع:

لو قالت: طلّقني واحدة بألف، فقال: طلّقتك بألف، صحّ

ص: 88


1- . الوسيلة: 332.
2- . في «أ»: الحمل» و هو مصحّف.
3- . الوسائل: 493/15، الباب 3 من كتاب الخلع و المباراة، الحديث 10.

الخلع، و لزمها الألف، لأنّ الخلع عقد معاوضة ينعقد بالاستدعاء و الإيجاب، و كذا لو قال: طلّقتك، و سكت، لأنّ الإيجاب مبنيّ على الاستدعاء.

و لو قالت: طلّقني ثلاثا بألف، فقال: طلّقتك ثلاثا، قال الشيخ: لا يقع واحدة، لأنّها بذلت العوض في مقابلة الثلاث، فإذا لم يصحّ [الثلاث] بطل من أصله.(1)

فلو قالت: إن طلّقتني واحدة فلك عليّ ألف، فطلّقها، فالوجه ثبوت الفدية.

5447. الخامس:

لو اتّفقا على ذكر القدر و اختلفا في الجنس، قدّم قول المرأة مع اليمين، و لو اتّفقا على القدر و عدم ذكر الجنس، و اختلفا في الإرادة، فالأقرب أنّه كذلك، خلافا للشيخ حيث أبطل الخلع،(2) و كذا لو ادّعى أحدهما الإطلاق و الآخر تعيين النقد، أو قال: خالعتك على ألف في يدك، فقالت: بل على ألف في ذمّة زيد، أو قال: على ألف، فقالت: بل على مائة، أو قال: طلّقتك بالعوض جوابا لسؤالك، فقالت: بل بعد انقضاء مدّة،(3) فإذا خلعت بانت، و لا عوض.

و لو قالت: طلّقتني بألف ضمنتها لك فلا رجعة عليّ، فأنكر، قدّم قوله مع اليمين، و لا يقبل منها لو أقامت شاهدا و امرأتين، أو شاهدا و بذلت يمينا.

و لو أقامت شاهدين اختلفا، فقال أحدهما: خالعت بألف، و قال الآخر بألفين، لم يثبت الخلع، لعدم اتّفاق الشاهدين.

ص: 89


1- . المبسوط: 347/4.
2- . المبسوط: 349/4.
3- . في «ب»: مدّته.

و لو اختلفا في أصل العوض، فالقول قولها مع اليمين، و تحصل البينونة، و يقبل لو أقام شاهدا و يمينا.

5448. السادس:

يصحّ بذل الفداء منها و من وكيلها و ممّن يضمنه بإذنها، و في ضمان المتبرّع إشكال.

و لو قال له أبوها: طلّقها و أنت بريء من صداقها، فطلّقها، طلّقت رجعيّا، و لا يبرأ، و لا ضمان على الأب، سواء قال: هي طالق، و أطلق، أو قال: و أنا بريء من صداقها، أمّا لو قال له: طلّقها على ألف من مالها، و عليّ ضمان الدرك، فطلّقها، وقع الطلاق بائنا، و لا فدية في مالها، و على الضامن الدّرك للألف، لا لمهر المثل، و إن لم يرض بدفع الألف، و كذا لو قال: طلّقها على عبدها هذا، و عليّ ضمانه، فطلّقها، لم يأخذ العبد، و ضمن القيمة.

و لو قال: خالعتك على ألف في ذمّتك، فقالت: بل في ذمّة زيد، قدّم قولها مع اليمين، و لا عوض عليها و لا على زيد، و بانت منه، و كذا لو قالت: بل خالعك فلان و العوض عليه(1).

أمّا لو قالت: خالعتك على ألف ضمنها فلان عنّي، أو دفعها، أو أبرأتني منها، أو يزنها(2) عنّي زيد، فعليها الألف مع عدم البيّنة.

5449. السابع:

إذا قالت: طلّقني على ألف، اقتضى الحلول و الجودة و الأداء من مالها، فإن قالت: مؤجّلة أو رديّة، أو يضمنها عنّي فلان، صحّ له ما شرطه بشرط تعيين الأجل و جنس الرداءة.

ص: 90


1- . المراد من «فلان» زوجته الأخرى و تذكير الضمير في «عليه» لرجوعه إلى لفظ «فلان» لاحظ المبسوط: 349/4.
2- . في «ب»: «يرثها» و هو مصحّف.

و لو قالت: طلّقني ثلاثا بألف، قال الشيخ: لا يصحّ لو طلّقها، لأنّه مشروط.(1) و فيه نظر، إذ البذل في مقابلة الطلاق لا يعدّ شرطا، فإن قصدت الثلاث ولاء، لم يصحّ البذل، و كذا لو بذلت في مقابلة طلاق فاسد، و قيل: يصحّ له الثلاث إذا طلّقها ثلاثا ولاء، و لو قصدت ثلاثا برجعتين صحّ، فإن طلّقها ثلاثا كذلك فله الألف، فإن طلّقها واحدة قيل: له ثلث الألف.

و لو كانت على طلقة معه فقالت: طلّقني ثلاثا بألف فطلّقها واحدة، قال الشيخ: إن كانت عالمة أنّها معه على طلقة، كان عليها الألف، و إن لم تعلم استحقّ ثلثها(2) فإن ادّعى علمها و أنكرته، فالوجه تقديم قوله مع اليمين، و كذا لو قالت:

بذلت الألف في مقابلة طلقة في هذا النكاح و طلقتين في نكاح جديد، و ادّعى البذل في مقابلة الباقي.

5450. الثامن:

لو قالت: طلّقني واحدة بألف، و طلّقها ثلاثا، استحقّ الألف، سواء أرسلها أو برجعتين على إشكال ضعيف، و كذا لو قالت: طلّقني واحدة و لك ألف أو عليّ ألف.

و لو قالت: طلّقني عشرة طلقات بألف، فطلّقها واحدة استحقّ العشر إن قسّطنا العوض على الأجزاء، و إن طلّقها اثنتين استحقّ الخمس، و إن طلّقها ثلاثا استحقّ الألف على إشكال.

و لو قالت: طلّقني واحدة بألف، فقال: أنت طالق أنت طالق أنت طالق، استحقّ الألف، فإن قال: الألف في مقابلة الثانية، بطلت الفدية و الثانية، و صحّت الأولى رجعيّة، و إن قال: في مقابلة الجميع، قال الشيخ: صحت الأولى و له

ص: 91


1- . المبسوط: 347/4.
2- . المبسوط: 352/4.

الثلث(1) و لو كانت على طلقة فقالت: طلّقني ثلاثا بألف واحدة تكمله الثلاث و اثنتان في نكاح بعد المحلّل، فطلّقها بانت منه، و كان له ثلث الألف، و بطل في الاثنتين.

و لو قالت: خذ هذه الألف و طلّقني بعد شهر، لم يصحّ، لأنّه سلف في طلاق.

5451. التاسع:

لو جعلت الفدية رضاع ولده، جاز بشرط تعيين المدّة دون قدر اللبن، و كذا يصحّ على نفقة الولد بشرط تعيين المدّة و القدر من المأكول و الملبوس جنسا و وصفا و علمهما(2) معا، فإذا انقضت مدّة الرضاع، كان للأب أخذ القدر من الطعام و الادم، فإن فضل كان للأب، و إن نقص فعليه الإتمام.

و إن مات الصبيّ بعد انقضاء مدّة الرضاع، أخذ الأب المقدّر من الطعام و الادم أدوارا يوما بيوم لا دفعة.

و إن مات قبل الانقضاء، رجع بأجرة مثل الباقي و ما قدّره من النفقة، و ليس له المطالبة بإرضاع غيره باقي المدّة.

5452. العاشر:

إذا خالعها بعين فتلفت قبل القبض، لزمها المثل أو القيمة، إن لم يكن مثلها، و لو عابت فله الأرش إن أمسكها، أو الردّ و المطالبة بالمثل أو القيمة.

و لو كان على موصوف فدفعته على الوصف، وجب عليه قبوله، فإن كان صحيحا استقرّ ملكه، و إن كان معيبا، تخيّر بين الإمساك بالأرش و الردّ مع مطالبة العوض على ما وصف.

ص: 92


1- . المبسوط: 353/4.
2- . في «ب»: و عليهما.

و لو خالع على حبشيّ فبان زنجيّا، أو على ثوب نقيّ فبان أسمر، تخيّر بين الإمساك بالأرش و الردّ مع المطالبة بالمثل أو القيمة.

و لو خالعها على أنّه إبريسم فبان كتّانا، صحّ الخلع، و له قيمة الابريسم، و ليس له إمساك الكتّان.

و لو خالعها على ما في البيت من المتاع، و لا متاع فيه، فسد الخلع إن لم يعيّن الفدية و إلاّ وجب له المثل أو القيمة.

و لو خالعها على عين فبانت مستحقّة، قيل: يبطل الخلع،(1) و يحتمل الصحّة و ثبوت المثل له أو القيمة إن لم يكن مثليا.(2)

5453. الحادي عشر:

قال الشيخ: ليس للأب أن يخالع على بنته الصغيرة، أو السفيهة، أو المجنونة بشيء من مالها، لأنّه لا حظّ لها في إسقاط مالها.(3) و عندي فيه نظر.

5454. الثاني عشر:

لو دفعت ألفا، و قالت: طلّقني بها متى شئت، لم يصحّ البذل، فإن طلّق كان رجعيّا، و الألف لها.

و لو خالع اثنتين فما زاد بفدية واحدة صحّ، و كانت بينهما بالسويّة.

و لو قالتا: طلّقنا بألف، و طلّق واحدة، كان له نصف الألف على إشكال، فإن عقب بطلاق الأخرى بطل العوض و كان رجعيّا، لتأخّر الجواب عن

ص: 93


1- . القائل هو الشيخ في المبسوط: 344/4.
2- . في «ب»: إن لم يكن مثلها.
3- . المبسوط: 360/4.

الاستدعاء(1) المقتضي للتعجيل، و لو قال: أنتما طالقتان، طلّقتا بائنا، و كان له العوض.

و لو قالتا: طلّقنا بألف، و ارتدّتا، و طلّقهما على الفور عقيب الارتداد، فإن لم يكن دخل، بطل الفسخ بالارتداد، و إن كان قد دخل، فإن عادتا إلى الإسلام في العدّة، وقع الطلاق من ذلك الوقت و عليهما العدّة من حين الوقوع، و يستحقّ العوض، و إن أقامتا على الكفر، لم يقع الطلاق.

5455. الثالث عشر:

إذا خالع الأجنبيّ المرأة من زوجها، فإن كان بإذنها من مالها صحّ، لأنّه وكيل، و إن كان من ماله بغير إذنها، فالّذي قوّاه الشيخ عدم الصحة،(2) و عندي فيه نظر.

5456. الرابع عشر:

يصحّ الخلع من العبد، و إن لم يأذن المولى، و العوض لسيّده، فإن دفعته إلى العبد بإذن السيّد أو بغير إذنه، لكن أخذه السيّد منه، برئت ذمّتها، و إلاّ لم تبرأ، فإن استرجعت دفعته إلى السيّد، و إن تلف أو أتلفه في يده غرمته للسيّد بالمثل أو القيمة، و ترجع على العبد بعد عتقه.

أمّا لو دفعت امرأة السفيه العوض إليه، و تلف في يده، أو أتلفه، فإنّها تغرم للوليّ، و لا ترجع عليه في الحال و لا بعد الفكّ،(3) و لو دفعت بإذن الوليّ، فالوجه براءة ذمّتها به.

5457. الخامس عشر:

يجوز التوكيل في الخلع من المرأة في استدعاء الطلاق

ص: 94


1- . في «أ»: من الاستدعاء.
2- . المبسوط: 365/4.
3- . أي بعد فكّ الحجر لكون المفروض أنّ الزوج سفيه.

و تقدير العوض و تسليمه، و من الرّجل في شرط العوض و قبضه و إيقاع الطلاق، و يصحّ التوكيل من كلّ منهما مطلقا، فيقتضي الإطلاق من المرأة خلعها من زوجها بمهر مثلها حالاّ من نقد البلد.

و لو خالعها بدون مهر المثل، أو مؤجّلا، أو دون نقد البلد جاز، و إن خلعها بأكثر من مهر المثل، قال الشيخ: صحّ الخلع، و سقط المسمّى، و عليها مهر المثل(1).

و إن عيّنت قدرا فخالع الوكيل به أو بدونه لزمها، و إن خالع بأكثر، قال الشيخ: يقوى في نفسي فساد الخلع.(2) فعلى قوله هل يبطل الطلاق أو يقع رجعيّا؟ الوجه الثاني، و لا يلزمها فدية، و لا يضمن الوكيل.

و الزوج إذا أطلق اقتضى ما يقتضيه إطلاق المرأة، فإن خالع وكيله بأكثر من مهر المثل صحّ، و إن كان بدونه أو مؤجّلا أو بدون نقد البلد، بطل الخلع، و لو طلّق به لم يقع به أيضا.

و لو عيّن قدرا فخالع بأزيد، صحّ و إن خالع بدونه بطل.

و التوكيل يصحّ من كلّ من يصحّ منه مباشرة الخلع، و الأقرب جواز تولّي الواحد الطرفين.

5458. السادس عشر:

خلع المريض جائز لمهر المثل و بدونه، لأنّ له الطلاق بغير عوض، و حكم المرأة في الميراث ما تقدّم.

ص: 95


1- . المبسوط: 368/4.
2- . المبسوط: 368/4.

و لو خالعت المريضة بمهر المثل فما دون، صحّ من الأصل، و إن زاد الثلث، كانت الزيادة خاصّة من الثلث لا جميعه، و لو خالعته بقدر ميراثه منها، ففي الصحّة نظر.

5459. السابع عشر:

خلع المشرك جائز، سواء كان عن أهل الذمّة أو الحرب، فإن كان البذل صحيحا أمضي، سواء ترافعا إلينا قبل القبض أو بعده، فإن كان فاسدا كالخمر، و ترافعها بعد القبض، لم يعترض(1) للمقبوض، و إن كان قبله لم يؤمر بالإقباض، قال الشيخ: و يقوى في نفسي الحكم بالقيمة عند مستحلّيه.(2) و إن أقبض البعض كان حكمه حكم المقبوض جميعه، و غيره حكم غير المقبوض.

و لو ترافعا بعد الإسلام قبل التقابض، حكم بالقيمة عند مستحلّيه، فإن كان بعده لم ينقض.(3)

5460. الثامن عشر:

لو قالت: طلّقني بألف على أن تطلّق ضرّتي، أو على أن لا تطلّقها، ففعل، قال الشيخ: يقوى في نفسي صحّة الطلاق و العوض.(4)

و لو قالت: طلّقني بألف على أن تعطيني عبدك هذا، قال [الشيخ]: فقد جمعت بين شراء و خلع، و جمع الزّوج بين بيع و خلع، فالأقوى صحّتهما، و تقسّط الفدية على قيمة العبد و مهر المثل لو خرج معيبا.(5)

ص: 96


1- . في «أ»: لم نعترض.
2- . المبسوط: 371/4.
3- . في «ب»: لم ينقص.
4- . المبسوط: 372/4.
5- . المبسوط: 372/4، نقله المصنّف بتلخيص.
الفصل الرابع: في المباراة

و هي أن تكون الكراهة منهما معا، فيقول بارأتك على كذا فأنت طالق، و لو طلّق من غير ذكر المباراة، وقع بائنا، و سلّم العوض.

أمّا لو تجرّد لفظ المباراة من الطلاق، فإنّه لا يقع إجماعا، بخلاف الخلع فإنّ فيه خلافا تقدّم.

و لو قال عوض بارأتك: فاسختك، أو أبنتك، أو غيره من الكنايات، و أتبعه بالطلاق صحّ، إذ المقتضي للفرقة الطلاق خاصّة، فإن تجرّد لم تصحّ.

و يشترط في المبارئ و المبارئة ما يشترط في المخالع و المخالعة، و يقع الطلاق بائنا كالخلع، إلاّ أن ترجع المرأة في العدّة بالبذل، فيرجع ما دامت في العدّة ما لم يتزوّج برابعة أو بأختها، و بعد انقضاء العدّة لا رجوع لأحدهما.

و لا يجوز هنا أن يأخذ الزّوج أكثر ممّا أعطاها، و هل يحلّ له المثل؟ المشهور، نعم و يلوح من كلام ابن أبي عقيل(1) المنع.

ففارقت الخلع في المنع من أخذ الزائد، و في وجوب الإتباع بلفظ الطلاق، و في اشتراكهما في الكراهية.(2)

ص: 97


1- . بل و غيره كالصدوق و أبيه و الشيخ في النهاية و ابن حمزة، كما في المختلف: 391/7؛ و لاحظ المسالك: 458/9، و المبسوط: 373/4.
2- . تفترق المباراة عن الخلع بأمور ثلاثة مذكورة في العبارة.

ص: 98

المقصد الثالث: في الظهار

اشارة

و فيه فصلان:

الفصل الأوّل: في أركانه
اشارة

و فيه عشرة مباحث:

5461. الأوّل:

أركان الظهار(1) أربعة: المظاهر، و المظاهر منها، و الصيغة، و المشبّه بها.

فالمظاهر يشترط فيه ما يشترط في المطلّق من البلوغ، و العقل، و الاختيار، و القصد، فلا يصحّ ظهار الصبيّ و المجنون و المكره و فاقد القصد بالسّكر و الإغماء و الغضب، و هل يشترط الإسلام؟ قال الشيخ: نعم، و لا يصحّ ظهار

ص: 99


1- . قال الشيخ في المبسوط: 144/5: الظهار هو أن يقول الرجل لزوجته: أنت عليّ كظهر أمّي، و سمّي ظهارا اشتقاقا من الظهر، و انّما خصّ ذلك بالظهر دون البطن و الفخذ و الفرج و غير ذلك من الأعضاء، لأنّ كلّ بهيمة تركب فانّما يركب ظهرها، فلمّا كانت المرأة تركب و تغشى سمّيت بذلك، فاذا قال: أنت عليّ كظهر أمّي، فمعناه: ركوبك عليّ محرّم كركوب أمّي، فسمّي ظهارا اشتقاقا من هذا.

الكافر لأنّه لا يقرّ بالشرع، و الظهار حكم شرعيّ، و لأنّه لا تصحّ منه الكفّارة لاشتراط نيّة القربة فيها(1) و ابن إدريس جوّز ذلك عملا بالعموم(2) و الكافر متمكّن من الكفّارة بتقديم الإسلام(3) و هو قويّ، و كلام ابن الجنيد يشعر بمقالة الشيخ(4).

و يصحّ ظهار العبد، و المدبّر، و المكاتب، و المعسر، و المحرم و الخصيّ، و المجبوب، إن قلنا بعموم التحريم.

5462. الثاني:

إذا طلّق الكافر عقيب ظهاره، فلا كفّارة كالمسلم، و إن أسلم من غير طلاق و هي كتابيّة، كان الظهار باقيا، و إن كانت وثنيّة، فإن كان إسلامه قبل الدخول بانت، و إن كان بعده، و أسلمت قبل انقضاء العدّة، عادت إلى الزوجيّة، و بقي حكم الظهار، و إن انقضت العدّة. كافرة بانت، و لا كفّارة.

و إن أسلمت هي دونه قبل الدخول، بانت و لا كفّارة، و إن أسلمت بعده، فإن لم يسلم الزّوج في العدّة، بانت و لا كفّارة، و إن أسلم فيها، عادت الزّوجية، و الظهار على حاله.

5463. الثالث:

يشترط في المظاهرة النكاح، فلا يقع بالأجنبيّة و لو علّقه بالنكاح، و أن تكون طاهرا طهرا لم يقربها فيه بجماع مع حضور الزّوج و عدم

ص: 100


1- . المبسوط: 145/5؛ الخلاف: 525/4، المسألة 2 من كتاب الظهار.
2- . أي بعموم الآية: اَلَّذِينَ يُظٰاهِرُونَ مِنْ نِسٰائِهِمْ المجادلة: 3.
3- . السرائر: 708/2.
4- . حيث قال: و كلّ مسلم من الأحرار و غيرهم إذا كان بالغا مالكا للفرج ممنوعا من نكاح غيره بملكه إيّاه، إذا ظاهر من زوجته في حال صحة عقله، لزمه الظهار. لاحظ المختلف: 399/7.

الصغر و اليأس و الحبل، و يشترط تعيينها، فلو ظاهر من إحدى زوجتيه من غير تعيين لم يقع، و يكفي التعيين بالنيّة.

و هل يشترط الدخول؟ نصّ الشيخ على ذلك(1) و به رواية صحيحة عن الفضيل بن يسار عن الصادق عليه السّلام(2) و هو اختيار ابن بابويه(3) و قال ابن إدريس:

لا يشترط عملا بالعموم،(4) و نحن في ذلك من المتوقّفين.

5464. الرابع:

لا فرق بين أن تكون الزوجة حرّة أو أمة، و هل يقع من الرجل على مملوكته؟ نصّ الشيخ على ذلك(5) و هو مذهب ابن أبي عقيل، و منع منه ابن إدريس و نقله عن المرتضى و المفيد(6).

و الحقّ عندي الأوّل، للعموم، و عليه دلّت رواية محمد بن مسلم الصحيحة عن أحدهما عليهما السّلام(7) و رواية إسحاق بن عمار الصحيحة عن أبي إبراهيم عليه السّلام.(8)

ص: 101


1- . النهاية: 526؛ المبسوط: 146/5؛ الخلاف: 526/4، المسألة 3 من كتاب الظهار.
2- . الوسائل: 516/15، الباب 8 من أبواب الظهار، الحديث 1.
3- . الهداية: 274 (الطبع الحديث) و الفقيه: 340/3 برقم 1638. و لاحظ الوسائل: 516/15، الباب 8 من أبواب الظهار (ذيل الحديث 1).
4- . السرائر: 710/2.
5- . النهاية: 527؛ الخلاف: 529/4، المسألة 8 من كتاب الظهار. و قال في المبسوط: 148/5: روى أصحابنا أنّ الظهار يقع بالأمة و أمّ الولد و المدبّرة.
6- . السرائر: 709-710، و لاحظ المقنعة: 524.
7- . الوسائل: 520/15، الباب 11 من أبواب الظهار، الحديث 2.
8- . الوسائل: 520/15، الباب 11 من أبواب الظهار، الحديث 1.

و رواية حمزة بن حمران عن الصادق عليه السّلام(1) متأوّلة، مع ضعف سندها.(2)

و في وقوعه بالمتمتّع بها خلاف، أقربه الوقوع، و هو اختيار ابن أبي عقيل.(3).

5465. الخامس:

إن شرطنا الدخول وقع و إن كان الوطء دبرا، صغيرة كانت أو كبيرة، مجنونة أو عاقلة، مسلمة أو كافرة، و كذا يقع بالمريضة الّتي لا توطأ، و بالرتقاء، و بالمطلّقة رجعيّا قبل الرجوع.

5466. السادس:

الصيغة الصريحة أن يقول: أنت عليّ كظهر أمّي، و كذا لو قال: هذه أو زوجتي أو فلانة، و سواء قال: «عليّ» أو «منّي» أو «عندي» أو «معي» أو قال: أنت كظهر أمّي، أو مثل ظهر أمّي على إشكال فيهما.

و كذا يقع لو قال: جملتك، أو جسمك أو نفسك، أو ذاتك أو جثّتك أو كلّك عندي كظهر أمّي.

و لو ذكر عوض الظهر شيئا من الأعضاء، كقوله: أنت عليّ كبطن أمّي، أو كرأس أمّي، أو كفرج أمّي، أو شبّه عضوا من أعضاء زوجته، مثل أن يقول:

ص: 102


1- . الوسائل: 521/15، الباب 11 من أبواب الظهار، الحديث 6.
2- . قال المصنّف بعد نقل حديث حمزة بن حمران (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل جعل جاريته عليه كظهر أمّه، قال: يأتيها و ليس عليه شيء) ما هذا نصّه: «و الرواية ضعيفة السند، فإنّ في طريقها الحسن بن فضّال و ابن بكير، و هما ضعيفان، و حمزة بن حمران لا أعرف حاله» المختلف: 411/7. و قال الشيخ: فأمّا ما رواه... حمزة بن حمران... فمحمول على أنّه إذا كان قد أخلّ بشرائط الظهار من الشاهدين أو الطهر أو غير ذلك، فأمّا مع استكمال الشرائط فالظهار واقع. التهذيب: 8 / 24 ذيل الحديث 78.
3- . بل و غيره كالسيّد المرتضى و أبي الصلاح و ابن زهرة، كما في المختلف: 408/7.

«فرجك» أو «رأسك» أو «رجلك» - و ما أشبه هذا - عليّ كظهر أمّي، أو قال:

رجلك عليّ كرجل أمّي، أو بطنك كبطن أمّي، أو فرجك كفرج أمّي، و نوى الظهار، قال الشيخ يقع(1) و منع المرتضى من ذلك كلّه سوى لفظة الظّهر،(2)و اختاره ابن إدريس،(3) و فيه قوّة.

و لو قال: أنت عليّ كأمّي أو مثل أمّي، و قال: أردت الكرامة، لم يقع، و إن قال: أردت التحريم، قال الشيخ: يقع،(4) و فيه الإشكال، و قال ابن الجنيد: لا يقع، و إن أطلق، و لم تكن له نيّة، لم يكن ظهارا.

و لو ظاهر إحدى زوجتيه، و قال للأخرى: أشركتك معها، أو أنت شريكتها، أو أنت كهي، لم يقع بالأخرى، سواء نوى الظهار أو لا.

5467. السابع:

لو قال: أنت طالق كظهر أمّي، طلّقت مع نيّة الطلاق، و لغى الزائد، إن لم ينوي الظهار، أو نوى به تأكيدا لتحريم الطلاق، و لو نوى به الظهار، قال الشيخ: وقعا كما لو قال: أنت طالق [و] أنت [عليّ] كظهر أمّي، إن كان الطلاق رجعيّا،(5) و إن نوى بالطلاق الظهار و بيّنه بقوله «كظهر أمّي» ديّن في ذلك ما لم تخرج من العدّة، و يقع لاغيا، و لا يقبل لو فسّر بعد العدّة.

و لو قال: أنت عليّ حرام كظهر أمّي، قال الشيخ: لا يتعلّق به حكم لا طلاق و لا ظهار و لا تحريم عين، سواء أطلق أو نوى به الظهار أو الطلاق أو الأمرين أو تحريم العين.(6) و الأولى عندي وقوعه إن نواه، لرواية زرارة الصحيحة عن

ص: 103


1- . المبسوط: 149/5.
2- . الانتصار: 322، المسألة 180.
3- . السرائر: 708/2-709.
4- . المبسوط: 149/5.
5- . المبسوط: 151/5.
6- . المبسوط: 151/5.

الباقر عليه السّلام قد سأله عن كيفيّة الظهار، فقال: يقول الرّجل لامرأته - و هي طاهر من غير جماع -: أنت عليّ حرام مثل ظهر أمّي (أو أختي)(1)، و هو يريد بذلك الظهار(2).

و لو قال: أنت طالق، و نوى به الظهار، أو أنت عليّ كظهر أمّي، و نوى به الطلاق، كان لغوا، و كذا لو قال: أنت عليّ حرام و إن نوى الظهار.

و لو قال: أنت عليّ كظهر أمّي حرام، وقع الظهار إن قصده.

5468. الثامن:

تشترط في الصّيغة النيّة، فلا يقع ظهار الساهي و النائم و غير القاصد و القاصد غيره، و يدين بنيّته في ذلك، و وقوعها بحضور شاهدين عدلين يسمعانها فلو ظاهر و لم يسمعها الشاهدان، بطل و لم يلزمه حكمه.

و هل يشترط تجريدها من الشرط؟ قال السيّد المرتضى: نعم،(3)و اختاره ابن إدريس(4) و قال الشيخ: لا يشترط،(5) فلو قال: أنت عليّ كظهر أمّي إن دخلت الدار، أو وطأتك، وقع الظهار مع حصول الشرط، و به روايات صحيحة،(6) فلو ظاهر إحدى زوجتيه إن ظاهر ضرّتها، ثمّ ظاهر الضّرة، وقع الظهاران.

ص: 104


1- . ما بين القوسين لم يوجد في المصدر.
2- . الوسائل: 509/15، الباب 2 من أبواب الظهار، الحديث 2.
3- . الانتصار: 321، المسألة 178.
4- . السرائر: 709/2.
5- . النهاية: 525؛ المبسوط: 150/5؛ الخلاف: 536/4، المسألة 20 من كتاب الظهار.
6- . لاحظ الوسائل: 529/15، الباب 16 من أبواب الظهار، الحديث 1 و 7 و 9. و لاحظ التهذيب: 11/8-12؛ الاستبصار: 259/3-260.

و لو ظاهر زوجته إن ظاهر فلانة الأجنبيّة، و أطلق، أو نوى ظهارا شرعيّا، فإذا ظاهرها و هي أجنبيّة، لم يقع الظهاران، و إن تزوّجها و ظاهر منها صحّ، و هل يقع ظهار المشروط؟ فيه إشكال: ينشأ من جعل الشرط منوطا بالاسم(1) فيقع، و بالوصف فيبطل، و قوّى الشيخ الثاني(2) و إن قصد النطق بلفظ الظهار، وقع ظهاره المشروط عند مواجهة الأجنبيّة به(3).

و لو قال: إن تظاهرت من فلانة أجنبيّة فامرأتي عليّ كظهر أمّي، و قصد الشرعيّ، لم يقع الظهار و إن ظاهر الأجنبيّة،(4) و لو تزوّجها و ظاهرها، وقع ظهاره دون المشروط، لعدم الصيغة المعلّق بها المشروط.

و لو قال: إن تظاهرت من فلانة فامرأتي عليّ كظهر أمّي، و كانت أجنبيّة و قصد الشرعي، لم يقع مع ظهاره منها و هي أجنبيّة، و إن قصد النطق بظهاره منها وقع عند مواجهتها، و إن تزوّجها و ظاهرها، وقع الظهاران إن قصد الشرعيّ.

و لو قال: أنت عليّ كظهر أمّي إن شاء زيد، فقال زيد: شئت، وقع، و لو قال: إن شاء اللّه لم يقع.

ص: 105


1- . يريد بالاسم، اسم الزوجة الثانية، و بالوصف «عنوان الأجنبيّة»، و على هذا فلو كان المعلّق عليه، هو ذات الأجنبيّة الّتي يشار إليها باسمها فيقع ظهار الزوجة الأولى، لحصول المعلّق عليه، و لو كان المعلّق عليه هو عنوان الأجنبيّة فقد زال عند الظهار و صارت زوجته، فلم يحصل المعلّق عليه (ظهار الأجنبيّة) فلا يقع ظهار الزوجة الأولى.
2- . المبسوط: 153/5-154.
3- . الجملة من توابع قوله: «و لو ظاهر زوجته» دون قوله: «و إن تزوّجها» و كأنّه جملة معترضة بين الفقرتين، و المقصود أنّه إذا نوى بقوله: «إذا تظاهرت من فلانة الأجنبيّة فأنت عليّ كظهر أمّي» مخاطبة الأجنبيّة بهذه الجملة و هي أجنبيّة، فلا يقع ظهارها لعدم كونها زوجة و يقع ظهار زوجته، لكون المحلّ قابلا أوّلا، و تحقّق الشرط (مخاطبة الأجنبيّة) ثانيا.
4- . كذا في «أ» و لكن في «ب»: لم يقع الظهاران إن ظاهر الأجنبيّة.

و لو قال: إن لم أتزوّج عليك فأنت عليّ كظهر أمّي، لم يتحقّق الظهار إلاّ عند الموت، و لا كفّارة في التركة.

5469. التاسع:

لا يقع الظهار إذا جعله يمينا، و لا في إضرار، و لا معلّقا بانقضاء الشهر، أو دخول الجمعة مثلا، و هل يقع موقّتا كأن يقول: أنت عليّ كظهر أمّي شهرا أو سنة مثلا؟ قال الشيخ: لا يقع،(1) و يلوح من كلام ابن الجنيد وقوعه،(2)و حينئذ إذا انقضت المدّة بطل الظهار و حلّت من غير تكفير.

5470. العاشر:

يقع الظهار مع التشبيه بالأمّ إجماعا، و لو علّقه بظهر غيرها من المحرّمات المؤبّدة، كما لو قال: كظهر أختي، أو بنتي، أو عمّتي أو خالتي، أو غيرها من المحرّمات نسبا أو رضاعا، فالذي نصّ الشيخ و ابن الجنيد و ابن أبي عقيل و جماعة وقوعه،(3) و قال ابن إدريس: لا يقع،(4) و الأقرب عندي الأوّل، و عليه دلّت رواية زرارة الصحيحة عن الباقر عليه السّلام(5).

و لو شبّهها بغير أمّه من المحرّمات بما عدا لفظة الظهر لم يقع، و كذا لو شبّهها بمحرّمة بالمصاهرة تحريم جمع أو تأبيد كأمّ الزوجة و أختها، و بنت أختها، و زوجة الأب و الابن.

ص: 106


1- . المبسوط: 156/5؛ الخلاف: 542/4، المسألة 26 من كتاب الظهار.
2- . نقله عنه المصنف أيضا في المختلف: 432/7.
3- . الشيخ في النهاية: 524، و الصدوق في الفقيه: 340/3 برقم 1640، و المفيد في المقنعة: 523 و الحلبي في الكافي: 303، و سلاّر في المراسم: 160، و ابن البراج في المهذب: 297/2، و ابن زهرة في الغنية: 366.
4- . السرائر: 708/2.
5- . الوسائل: 511/15، الباب 4 من أبواب الظهار، الحديث 1، و ذيله في ص 509، الباب 2 من أبواب الظهار الحديث 2.

و لو قال: كظهر أبي، أو أخي، أو عمّي لم يقع إجماعا، لأنّه ليس بمحلّ الاستحلال، و كذا لو قالت هي: أنت عليّ كظهر أبي أو أمّي.

الفصل الثاني: في أحكامه
اشارة

و فيه سبعة مباحث:

5471. الأوّل:

إذا وقع الظهار بشرائطه حرم عليه الوطء قبل الكفّارة، و هل يحرم ما دونه من التقبيل و الملامسة بشهوة؟ قال الشيخ: الأقوى عندنا التحريم، لقوله تعالى: مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّٰا (1) و هو صادق على ما دون الوطء(2) و فيه نظر، هذا إذا كان مطلقا، و إن كان مشروطا، لم يحرم حتّى يقع الشرط، سواء كان الشرط الوطء أو غيره.

5472. الثاني:

إذا ظاهر لم تجب الكفّارة إلاّ بالعود، و هو العزم على الوطء، فمتى أراد الوطء وجبت عليه الكفارة، و هل لها استقرار أو معنى وجوبها تحريم الوطء حتّى يكفّر؟ فيه نظر، أقربه الأوّل، لدلالة الآية عليه(3).

فإن وطأ قبل الكفّارة لزمه كفّارتان و كلّما كرّر الوطء قبل التكفير تكرّرت الكفّارة.

ص: 107


1- . المجادلة: 4.
2- . المبسوط: 155/5.
3- . إشارة إلى قوله سبحانه: ثُمَّ يَعُودُونَ لِمٰا قٰالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ المجادلة: 3.

و لو طلّقها بعد الظهار بائنا،(1) سقطت الكفّارة، و لا يعود عليه،(2) لو جدّد العقد، و كذا لو طلّقها رجعيّا و خرجت العدّة و تزوّجها بعدها، أو ارتدّ أحدهما، أو مات، أو لاعنها.

و لو طلّقها رجعيّا و راجعها في العدّة، عادت الكفّارة عليه، و الأقرب أنّ نفس الرجعة ليست عودا.

و لو اشتراها بطل العقد،(3) فلو وطئها بالملك لم تجب الكفّارة.

و لو ابتاعها غير الزّوج ففسخ، سقط حكم الظهار و لا كفّارة و إن تزوّجها ثانيا.

و لو باع أمته المظاهر منها سقط حكم الظهار، فإن اشتراها لم يعد.

و لو جنّ الزّوج ثمّ عاد، لم تسقط الكفّارة و لو طلّق بعد العود، ففي الكفّارة إشكال.

5473. الثالث:

الظهار محرّم، لأنّه تعالى وصفه بالمنكر،(4) و قيل: لا عقاب فيه لتعقيبه بالعفو.(5)

5474. الرابع:

لو ظاهر من أربع بلفظ واحد، مثل أن يقول: أنتنّ عليّ كظهر أمّي، كان عليه عن كلّ واحدة كفّارة و لا تجزئه كفّارة واحدة.

و لو ظاهر من واحدة مرارا، وجب بكلّ مرّة كفّارة، سواء فرّق الظهار أو تابعه ما لم يقصد التأكيد.

ص: 108


1- . في «ب»: بعد الظهار ثانيا.
2- . في «ب»: و لا يعود إليه.
3- . و المراد أنّه إذا كانت الزوجة المظاهر منها أمة فابتاعها الزوج المظاهر من مولاها بطل العقد.
4- . حيث قال تعالى: وَ إِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ اَلْقَوْلِ وَ زُوراً المجادلة: 2.
5- . حيث قال سبحانه: وَ إِنَّ اَللّٰهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ المجادلة: 2.

و لو وطئها قبل التكفير، لزمه عن كلّ وطء كفّارة واحدة.

5475. الخامس:

يحرم الوطء قبل الكفارة، سواء كفّر بالعتق أو الصيام أو الإطعام.

و لو وطئها في خلال الصوم، استأنف، سواء وطئها ليلا أو نهارا، و لو وطئ غيرها نهارا بطل التتابع لا ليلا.

و لو عجز عن الكفّارة قال الشيخ: تحرم عليه حتّى يكفّر،(1) و قال ابن إدريس: يجزئه الاستغفار،(2) و هو قويّ، و كذا لو ظاهر مائة مرّة مثلا، و عجز عن تعدّد الكفّارة.

5476. السادس:

إذا ظاهر فإن صبرت المرأة فلا بحث، فإن رافعته خيّره الحاكم بين الرّجعة مع التكفير و بين الطلاق، و ضرب له مدّة التخيير ثلاثة أشهر من حين المرافعة، فإن انقضت و لم يختر ضيّق عليه في المطعم و المشرب حتّى يختار أحدهما، و لا يجبره على الطلاق و لا يطلّق عنه.

و لو ظاهره لم ينو العود فكفّر، لم يجزئه.

5477. السابع:

لو ظاهرها و تركها أكثر من أربعة أشهر و لم يكفّر لم يكن موليا.

و لو قال: إن ظاهرت من زينب فعمرة عليّ كظهر أمّي، و هما زوجتان، ففي اختصاص الشّرط بذلك النكاح نظر.

ص: 109


1- . النهاية: 527.
2- . السرائر: 713/2.

ص: 110

المقصد الرابع: في الإيلاء

اشارة

و فيه فصلان:

الفصل الأوّل: في أركانه
اشارة

و فيه أربعة مباحث:

5478. الأوّل:

أركان الإيلاء(1) أربعة: الحالف، و المحلوف به، و المحلوف عليه، و المحلّ.

و يشترط في الحالف البلوغ، و كمال العقل، و الاختيار، و القصد، حرّا كان أو عبدا، مسلما أو كافرا، سليما أو خصيّا، صحيحا أو مريضا، و في المجبوب إشكال أقربه الجواز، و فئته كالعاجز.

ص: 111


1- . قال الشيخ في المبسوط: الإيلاء في اللغة عبارة عن اليمين عن كلّ شيء، يقال: آلى يؤلى إيلاء، فهو مول، و الأليّة: اليمين، و جمعه ألايا [مثل عطيّة و عطايا]... و يقال: ائتلى يأتلي ائتلاء فهو مؤتل، و منه قوله تعالى: وَ لاٰ يَأْتَلِ أُولُوا اَلْفَضْلِ مِنْكُمْ وَ اَلسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي اَلْقُرْبىٰ - النور: 22 - يعني لا يخلف. هذا وضعه في اللغة، و قد انتقل في الشرع إلى ما هو أخص منه، و هو إذا حلف ألاّ يطأ امرأته. المبسوط: 114/5، و لاحظ المسالك: 125/10.
5479. الثاني:

المحلوف به هو اللّه تعالى و أسماؤه المختصّة و العالية و صفاته، و لا يقع الإيلاء بغير ذلك من طلاق، أو عتاق، أو تحريم، أو التزام صوم أو صدقة، أو غير ذلك.

و يشترط في الإيلاء النطق باليمين مع القصد بأيّ لسان كان، و لو آلى من زوجته و قال للأخرى: شرّكتك معها، لم يقع بالثانية، و إن نواه.

و لو امتنع من وطئها بغير يمين، لم يكن موليا، و إن طال هجره لها، و لا تضرب له المدّة و إن قصد الإضرار.

5480. الثالث:

المحلوف عليه هو الجماع في القبل، و صريحه تغيّب الحشفة في الفرج، و إيلاج الذكر، و النيك. و المحتمل(1) الجماع و الوطء، فإن قصده بهما صحّ، و إلاّ فلا.

و لو قال: لا جمع رأسي و رأسك مخدّة(2) أو بيت، أو لا ساقفتك(3)و قصده، للشيخ قولان،(4) أقربهما الوقوع، و كذا لأسوأنّك، لأطيلنّ غيبتي عنك، لا باشرتك، لا لامستك، لا أصبتك، لا باضعتك.

و لا فرق بين الصريح و المحتمل عندنا في افتقارهما إلى النيّة و القصد.

ص: 112


1- . و في «أ»: «المحل» و هو مصحّف، ثمّ مثّل المصنّف بالمحتمل بلفظي الجماع و الوطء، فالأوّل مشترك بين العمل الجنسي و الوطء بالرّجل، كما أنّ الثاني مشترك بينه و بين اجتماع البشرتين.
2- . المخدّة - بالكسر -: الوسادة، لأنّها توضع تحت الخدّ. مجمع البحرين.
3- . أي لا اجتمعت أنا و أنت تحت سقف، كما في الشرائع.
4- . أحدهما عدم الوقوع ذهب إليه في الخلاف: 515/4، المسألة 7 من كتاب الإيلاء، و الآخر وقوعه، و اختاره في المبسوط: 116/5-117.

فلو قال في الصريح: لم أقصد، قبل منه، و لو قال: و اللّه لا أجنبت منك كان موليا، و كذا إن قال: لا أغتسل منك، و أراد لا أجامعك فلا يلزمني الغسل، بخلاف لا أغتسل من جماعك لأنّي لا أرى وجوب الغسل من التقاء الختانين، أو لأنّي أطأ غيرك بعدك فاغتسل من جماعها دونك، أو انّي أترك الغسل دون الجماع، أو لا أجامعك إلاّ جماعا ضعيفا، أو لا جامعتك في دبرك، أو في الحيض أو النفاس، أمّا لو قال: إلاّ في دبرك، كان موليا، و كذا إلاّ جماع سوء، و أراد في الدبر، أو لا أغيب الحشفة أجمع كان مؤليا، بخلاف لا جامعتك جماع سوء.

5481. الرابع:

يشترط في المؤلى منها أن تكون منكوحة بالعقد الدائم مدخولا بها، فلو آلى من مملوكته، أو المتمتّع بها، أو من غير المدخول بها، و إن كانت زوجة دوام، لم يقع.

و لا فرق بين الحرّة و الأمة إذا كانت زوجة في صحّة الإيلاء منها، و لا بين المسلمة و الذميّة.

و المرافعة للأمة و لا اعتراض للمولى.

و يقع بالمطلّقة رجعيّا في العدّة، و لا يحتسب عليه مدّة العدّة من مدّة الإيلاء، فإن تركها حتّى تنقضي عدّتها بانت، و إن راجعها فابتداء المدّة من حين المراجعة، و لا يقع في البائن و لا بالأجنبيّة و إن علّقه بالنكاح.

ص: 113

الفصل الثاني: في أحكامه
اشارة

و فيه أربعة عشر بحثا:

5482. الأوّل:

يشترط في وقوع الإيلاء النيّة، و لو تجرّد عنها لم يقع، و وقوعه في إضرار، فلو حلف لصلاح اللبن(1) لأجل الولد أو في صلاحه إمّا لتوفّره على العبادة أو الحرب أو غيرهما أو صلاحها، لم يقع.

و هل يشترط تجريده عن الشرط؟ الأقرب ذلك.

5483. الثاني:

لا يقع الإيلاء حتّى يكون الحلف مطلقا، أو مقيّدا بالدّوام، أو بمدّة تزيد على أربعة أشهر، أو مضافا إلى فعل لا يحصل إلاّ بعدها غالبا، كقوله:

ما بقيت، أو حتّى أمضي من بغداد إلى الهند و أعود.

فلو حلف أن لا يطأها أربعة أشهر فما دون لم يقع، و لا [معلّقا] بفعل(2)ينقضي لدونها غالبا أو محتملا.

و لو قال: لا وطأتك حتّى أدخل الدار لم يقع، لإمكان التخلّص من الكفّارة مع الوطء بالدخول، و كذا لا أصبتك سنة إلاّ مرّة،(3) فإن وطأ وقع

ص: 114


1- . في «أ»: إصلاح اللبن.
2- . أضفنا ما بين المعقوفتين لتكميل العبارة قال المحقّق: و لا يقع لأربعة أشهر فما دون و لا معلّقا بفعل ينقضي قبل هذه المدة يقينا أو غالبا أو محتملا على السواء. شرائع الإسلام: 85/3.
3- . أي لا يكون مؤليا في الحال، لأنّه لا يلزمه بالوطء شيء، لاستثنائه الوطء مرّة.

الإيلاء،(1) و كذا إلاّ عشر مرّات أو مائة مرّة مع(2) استيفاء العدد إن تخلّف قدر التربّص فصاعدا، و إلاّ بطل حكمه، لكن متى وطأ قبل السنة حنث، و كذا لا وطأتك سنة إلاّ يوما.

5484. الثالث:

إذا آلى و انعقد و قربها في المدّة، حنث، و وجبت عليه كفّارة اليمين، و انحلّ الإيلاء، و إن استمرّ اعتزاله تخيّرت بين الصّبر عليه حتّى يفيء أو يطلّق، و المرافعة إلى الحاكم بنفسها أو بوكيلها، فإن رافعته(3) خيّره الحاكم بين الفئة و التكفير و بين الطلاق، و ضرب لمدّة التخيير أربعة أشهر، قال الشيخ:

مبدؤها من حين المرافعة لا من حين الإيلاء(4) و فيه نظر.

فإن خرجت المدّة و لم يختر أحدهما، ألزمه و ضيّق عليه في المطعم و المشرب، فان امتنع حبسه حتّى يفيء إلى المباشرة أو يطلّق.

و المدّة في الحرّة و الأمة و الزّوج الحرّ و المملوك سواء أربعة أشهر، و هي حقّ للزّوج، و ليس للزوجة فيها مطالبته.

و مع انقضائها بغير وطء لا تطلّق من غير طلاق، و ليس للحاكم طلاقها عنه و لا إجباره على أحدهما تعيينا.

و إذا طلّق الزّوج خرج من حقّها و كانت المطلّقة رجعيّة، فإن وطأ في مدّة

ص: 115


1- . إن بقي من السنة أكثر من أربعة أشهر، و قد أشار المصنّف إلى هذا القيد في الفرع التالي «مع استيفاء العدد إن تخلّف قدر التربّص فصاعدا» و لعلّه اكتفى به عن ذكره في المقام، لاحظ المسالك: 170/10.
2- . في «ب»: «و مع» و لعلّ ما في المتن هو الأصحّ.
3- . في «أ»: فإن رافعت.
4- . المبسوط: 137/5.

التربّص، لزمته كفّارة اليمين إجماعا، و إن وطأ بعدها فللشيخ قولان أجودهما اللزوم(1).

و لو وطئ المؤلي ساهيا أو مجنونا، أو اشتبهت بغيرها من حلائله، انحلّ حكم الإيلاء، و لا كفّارة، و كذا لو حلف مدّة معيّنة و دافع بعد المرافعة حتّى انقضت المدّة.

5485. الرابع:

لو أسقطت حقّها من المطالبة لم يسقط في المستقبل(2)، و لا يضرب لها مدّة أخرى.

و لو اختلفا في انقضاء المدّة، قدّم قول مدّعي البقاء مع اليمين، و كذا يقدّم قول مدّعي تأخير الإيلاء.

و لو ادّعى الإصابة قدّم قوله مع اليمين، و كذا لو أنكر أصل الإيلاء و ادّعته، و إذا حلف على الإصابة و طلّق و أراد الرّجعة بدعوى الوطء الّذي حلف عليه، فالأقرب أنّه لا يمكّن [من الرجعة]، و كان القول قولها في نفي العدّة و الوطء على قياس الخصومات.(3)

ص: 116


1- . و هو خيرة الشيخ في الخلاف مدّعيا عليه الإجماع، لاحظ الخلاف: 520/4، المسألة 18 من كتاب الإيلاء. و قال في المبسوط: 135/5. إذا آلى منها ثمّ وطئها، عندنا عليه الكفّارة سواء كان في المدّة أو بعدها، و قال قوم: إن وطئها قبل المدّة فعليه الكفارة، و إن وطئها بعدها فلا كفّارة عليه، و هو الأقوى.
2- . علّله في الشرائع: بأنّه حقّ يتجدّد.
3- . و استدلّ في المسالك (155/10) بأنّ البيّنة على المدّعي و اليمين على من أنكر، و انّما خالفناه في دعوى الإصابة لما ذكر من العلة [يعني تعذّر إقامة البيّنة أو تعسّرها] و هي منتفية هنا، كما لو اختلفا في الرجعة ابتداء. ثم إنّ صاحب الجواهر خلط بين ما نقله عن التحرير و ما ذكره صاحب المسالك برهانا لما استقربه العلاّمة. لاحظ جواهر الكلام: 326/33.
5486. الخامس:

لو جنّ في المدّة بعد ضربها، احتسب زمان الجنون، و تربّص به حتّى يفيق أو استمرّ، و لو انقضت المدّة و هناك ما يمنع الوطء كالحيض و المرض، كان لها المطالبة بفئة العاجز على إشكال.

و لو تجدّدت أعذارها في أثناء المدّة، قال الشيخ: تنقطع الاستدامة(1) عدا الحيض(2) و لا تنقطع بأعذار الرّجل ابتداء و اعتراضا، و لا يمنع من المرافعة انتهاء.

فلو انتقضت [المدّة] و هو محرم ألزم بفئة العاجز، و كذا الصّائم، و لو جامعا(3) أثما و أتيا بالفئة، و كذا كلّ وطء محرّم كما في الحيض و النفاس.

أمّا لو ارتدّ في أثناء المدّة، أو طلّق رجعيّا، فإنّه ينقطع الاستدامة عند الشيخ فيهما(4) فإن تاب أو راجع استؤنفت العدّة.

و فئة القادر غيبوبة الحشفة في القبل، و هل يجزئ بروكها عليه أو تغيّب المكره؟ فيه نظر، و العاجز(5) إظهار العزم على الوطء مع القدرة.

و يمهل القادر لو طلبه بما جرت العادة، كالأكل و توقّع خفّته، و النوم، و الاستراحة، و صلاة النافلة.

ص: 117


1- . و المراد عدم احتسابها من المدّة، فإذا زال العذر ثبت على ما مضى من المدة قبل العذر. لاحظ المسالك: 146/10.
2- . المبسوط: 136/5.
3- . في النسختين «جامعها» و لعلّه مصحّف.
4- . المبسوط: 136/5.
5- . عطف على القادر في قوله: «و فئة القادر».
5487. السادس:

لو ترافع الذمّيان تخيّر الحاكم بين الحكم بينهما بموجب شرعنا و بين ردّهما إلى أهل نحلتهما.

5488. السابع:

لو ظاهر ثمّ آلى صحّا، فيوقف بعد انقضاء مدّة الظهار، فإن طلّق وفّى عنهما، و ان امتنع ألزم الوطء و التكفير للظهار، و تلزمه كفّارة الإيلاء.

5489. الثامن:

لو اشترى المؤلى منها و أعتقها و تزوّجها، لم يعد الإيلاء، و كذا لو [آلى العبد من الحرّة ثمّ] اشترته الحرّة و أعتقته و تزوّج بها.

و لو حلف على أجنبيّة ألاّ يطأها، انعقدت يمينه و لو لم يكن مؤليا و إن تزوّج بها، سواء بقي من مدّة اليمين أكثر من أربعة أشهر أو لا، لأنّ الإضرار شرط في الإيلاء، و هو منتف عن الأجنبيّة.

5490. التاسع:

لو قال لأربع: و اللّه لا وطأتكنّ، لم يكن مؤليا في الحال، و لا(1) يحنث إلاّ بوطء الجميع، و جاز له وطء ثلاث منهنّ، فتتعيّن الرابعة للتحريم، و ترافعه ثمّ تقفه بعد المدّة.

و لو ماتت إحداهنّ قبل الوطء انحلّ الإيلاء، بخلاف ما لو طلّقها أو طلّق اثنتين أو ثلاثا.

و لو قال: و اللّه لا وطئت واحدة منكنّ، تعلّق الإيلاء بالجميع، و ضربت المدّة لهنّ عاجلا، و يحنث بوطء واحدة، و ينحلّ الإيلاء في البواقي.

و لو طلّق بعضهنّ بقي الإيلاء في المتخلّف، و لو قصد هنا واحدة قبل.

و لو قال: لا وطئت كلّ واحدة منكنّ، كان مؤليا من كلّ واحدة، كالمنفردة،

ص: 118


1- . في «أ»: فلا.

فمن طلّقها وفّاها، و بقي الإيلاء في المتخلّف، و كذا لو وطئها قبل الطلاق، فتلزمه الكفّارة عنها، و يبقى الإيلاء في المتخلّف.

5491. العاشر:

لو كرّر الإيلاء لم تتكرّر الكفّارة، سواء قصد التأكيد أو المغايرة أو أطلق إلاّ أن يتغيّر الزمان، مثل و اللّه لا وطأتك خمسة أشهر، فإذا انقضت فو اللّه لا وطأتك سنة، فيتعدّد الإيلاء إن قلنا بوقوعه مشروطا، و لها المرافعة، فإن ماطل حتّى انقضت خمسة أشهر، انحلّت و يدخل وقت الإيلاء الثاني.

و على ما اخترناه من بطلان المشروط، لا يقع الثاني، و قال الشيخ: يقع الثاني عملا بالظاهر المتناول للإيلاء بصفته، و فرّق بينه و بين الطلاق و العتاق بالإجماع فيهما،(1) قال: فإن فاء بعد مدّة التربّص خرج من [الإيلاء] الأوّل، و إن طلّق رجعيّا فكذلك، راجع أو لا، و إذا انقضت الخمسة دخل وقت الثاني، فان كان في الأوّل فاء أو دافع حتّى انقضت، أو طلّق و راجع، كان في الثاني كأنّه آلى منها الآن، فيضرب له أربعة بعد الخمسة، فإن فاء بعدها خرج من حكمه، و إن دافع حتّى انقضت السنة أثم و خرج من حكمه، و إن طلّق [طلاقا] رجعيّا و راجع، و قد بقي أكثر من أربعة، تربّص و وقف بعد التربّص، و إلاّ لم يتربّص، و ينحلّ الإيلاء دون اليمين، فيحنث لو وطئ قبل الانقضاء، و لا يحتسب عليه الزمان من حين الطلاق إلى الرجوع(2).

ص: 119


1- . قال الشيخ: إذا قال: و اللّه لا أصبتك خمسة أشهر، فإذا انقضت فو اللّه لا أصبتك سنة، فهما إيلاءان و يمينان مختلفان إحداهما خمسة أشهر و الأخرى سنة، و الأولى مطلقة معجّلة و الثانية معلّقة بصفة فإذا وجدت الصفة انعقدت، و ليس هذا يجري مجرى الطلاق و العتاق الّذي قلنا لا يقعان بصفة، لأنّ هناك منعنا فيه إجماع الفرقة، و ليس هاهنا ما يمنع منه، و الظواهر تتناوله. المبسوط: 117/5.
2- . المبسوط: 118/5، نقله المصنّف بتلخيص.

و لو قال: و اللّه لا أصبتك خمسة أشهر و اللّه لا أصبتك سنة، كانا إيلاءين معجّلين يتداخلان خمسة أشهر، فيتربّص عقيب اليمين أربعة، فإن فاء خرج منهما، و كذا إن دافع حتّى انقضتا، و لو دافع حتّى انقضت القصيرة بقي المتخلّف من الطويلة، فإن طلّق انحلّت الأولى و كذا الثانية إن لم يراجع أو راجع و لم تبق مدّة التربّص، و يبقى حكم اليمين في الأخير، و إن بقي مدّة التربّص وقف و تربّص.

5492. الحادي عشر:

إذا طلّق المؤلي رجعيّا وفّى، فإن راجع ضربت له مدّة أخرى، و وقف بعد انقضائها، فإن فاء، أو طلّق وفّى، و إن راجع ضربت له أخرى و وقف بعد انقضائها، فإن طلّق ثالثا بانت.

5493. الثاني عشر:

إذا قال: و اللّه لا أصبتك أربعة فإذا انقضت فو اللّه لا أصبتك أربعة، قال الشيخ: لا يكون مؤليا، لأنّ المؤلي من يوقف بعد التربص للفئة أو الطلاق، و بعد الأولى لا يطالب بفئتها، لانقضائها، و لا بفئة الثانية، لأنّ التربّص لها ما وجد.(1)

5494. الثالث عشر:

لو قال: إن وطأتك فأنت زانية، لم يكن إيلاء و لا قذفا و إن وطئها، لانتفاء احتمال التصديق و التكذيب.

و لو قال: إن وطأتك فو اللّه لا وطأتك، لم يكن في الحال مؤليا، و على القول بجوازه مشروطا يقع عند غيبوبة الحشفة، فإن لم ينزع حنث و كفّر و انحلّ الإيلاء سواء بقى على حاله أو كمل له الإيلاج، و إن نزع لم يحنث به.

و لو قال: لا وطأتك إن شئت، و جوّزنا المشروط، فالصفة مشيئتها ألاّ

ص: 120


1- . المبسوط: 118/5-119.

يقربها، فإن لم تشأ أو شاءت في غير وقت المشيئة بحيث لا يكون كلامها جوابا لكلامه كالقبول في البيع، لم ينعقد [الإيلاء] و إن شاءت في وقتها انعقد.

و لو قال: و اللّه لا أقربك إن شئت أن أقربك، علّقه بضدّ الصفة الأولى، و معناه إن شئت أن أقربك فو اللّه لا فعلت، فإن شاءت في وقتها انعقد و إلاّ فلا.

و لو قال: و اللّه لا أقربك إلاّ أن تشائي، فهو [إيلاء] مطلق قد علّق حكمه و منع انعقاده بالصفة، فإنّه استثناء فهو في النفي، و كان معناه إلاّ أن تشائي أن أقربك، فإن شاءت في غير وقتها أو لم تشاء انعقد، و إن شاءت في وقتها انحلّ، بخلاف [المسألتين] الأوليين، لأنّ الصّفة موضوعة لانعقادها هناك، و هذه محلّها.

و لو قال: و اللّه لا وطأتك إلاّ برضاك، لم يكن مؤليا.

5495. الرابع عشر:

انّما تضرب المدّة مع المطالبة منها، فلو آلى و هو غائب صحّ الإيلاء، لكن لا يضرب الحاكم المدّة، فإذا بلغ المرأة فارتفعت إلى الحاكم، و ضرب لها المدّة صحّ.

فإذا انقضت كان لها المطالبة بنفسها أو وكيلها، فإن طالب الوكيل و طلّق وفّاها، و إن امتنع طولب بالفئة بحسب القدرة، فإذا فاء فئة العاجز طولب بالمسير إليها و استدعائها، و مع خوف الطريق يطالب بأحدهما مع القدرة.

و لو فاء و هو محرم حرم عليه الوطء لكن لو فعله انحلّ الإيلاء، و هل للمرأة الامتناع من تمكينه حينئذ؟ الأقرب ذلك و كذا في كلّ وطء محرّم كالحيض.

و لو وطأ المجنون حال جنونه أو جنونها، وفّاها، فلا مطالبة لها بعد الإفاقة و لا يحنث به.

ص: 121

ص: 122

المقصد الخامس: في اللعان

اشارة

و فيه فصلان:

الفصل الأوّل: في أركانه
اشارة

و فيه ثمانية عشر بحثا:

5496. الأوّل:

أركان اللعان(1) أربعة: السبب، و الملاعن، و الملاعنة، و الكيفيّة.

و السبب أمران: القذف و إنكار الولد.

و يشترط في الأوّل قذف الزوجة المحصنة المدخول بها السليمة من

ص: 123


1- . قال في المسالك: 175/10: اللعان لغة مصدر لاعن يلاعن، و قد يستعمل جمعا ل «اللّعن» و هو الطرد و الإبعاد. و شرعا كلمات معلومة جعلت حجّة للمضطرّ إلى قذف من لطخ فراشه و ألحق العار به، أو إلى نفي ولد، و سمّيت لعانا لاشتمالها على كلمة اللعن، و خصّت بهذه التسمية لأنّ اللّعن كلمة غريبة في مقام الحجج من الشهادات و الأيمان، و الشيء يشتهر بما يقع فيه من الغريب، و على ذلك جرى معظم تسميات سور القرآن، و لم يسمّ بما يشتقّ من الغضب، لأنّ لفظ الغضب يقع في جانب المرأة، و جانب الرجل أقوى، و أيضا فلعانه يسبق لعانها، و قد ينفكّ عن لعانها، أو لأنّ كلاّ من المتلاعنين يبعد عن الآخر بها، إذ يحرم النكاح بينهما أبدا.

الصمم و الخرس بالزنا قبلا أو دبرا مع دعوى المشاهدة و عدم البيّنة، و في الثاني لحوقه به ظاهرا بأن تضعه لستّة أشهر فصاعدا من حين وطئه، و كونها موطوءة له بالعقد الدائم، فيتعيّن الحدّ لو رمى الأجنبيّة أو الزّوجة الصمّاء أو الخرساء أو السليمة إذا لم يدّع المشاهدة و لا لعان، و كذا ينتفي اللعان بقذف المشهورة بالزنا و المحصنة مع البيّنة.

5497. الثاني:

إذا قذف زوجته حدّ، و له إسقاط الحدّ بالبيّنة أو اللعان، و مع فقد البيّنة إذا لم يلاعن حدّ و لا يحبس حتّى يلاعن، فإذا لاعن حدّت المرأة، و لها إسقاطه باللعان، فإن لم تفعله حدّت و لا تحبس على اللعان، و لا يكفي في سقوط الحدّ عنها لعان الزّوج.

5498. الثالث:

الأعمى لا يصحّ منه اللعان بالقذف، فيحدّ قطعا، لا مع البيّنة، لانتفاء المشاهدة، و يصحّ منه بنفي الولد.

أمّا الأخرس فان عقلت إشارته، أو كان يحسن الكتابة و كتبه صحّ لعانه و قذفه، مع احتمال العدم لافتقار اللّعان إلى لفظ الشهادة، و الإشارة ليست صريحة في القذف، و لا يصحّ القذف بالكتابة، و عندي في ذلك تردّد.

فإن جوّزنا لعانه فلاعن بالإشارة المفهومة، ثمّ تكلّم و أنكر اللعان، و قال:

لم أقصده، لم يقبل فيما له، و يقبل فيما عليه، فيطالب بالحدّ، و يلحقه النسب، و لا تعود الزّوجة، فلو قال: أنا ألاعن للحدّ و نفي النسب أجيب إليه، أمّا لو أنكر القذف و اللعان معا، فإنّه لا يقبل في القذف، لتعلّق حقّ الغير به، و حكم اللعان ما تقدّم.

و لو أصاب الصّحيح مرض بعد القذف، و قال مسلمان عارفان: إنّه

ص: 124

يزول، انتظر زواله، و إن قالا: لا يزول، لاعن بالإشارة، و كذا لو حكما بطوله.

5499. الرابع:

لو كان للزوج القاذف بيّنة، فللشيخ قولان في جواز العدول إلى اللعان، أقربه العدم.(1)

و لو قذفها بزنا أضافه إلى ما قبل الزوجيّة، تردّد الشيخ، ففي الخلاف:

ليس له اللّعان اعتبارا بحالة الزنا(2) و في المبسوط: له ذلك اعتبارا بحالة القذف.(3) و هو قويّ، و كذا له اللعان لنفي النسب لو أضافه إلى الزنا قبل زوجيّته بشهر أو شهرين، و حملت، و احتاج إلى رفع النسب، فله أن يلاعن.

و لو قذفها في العدّة الرّجعية، كان له اللعان، بخلاف البائن بل يحدّ و لو أضافه إلى زمان الزّوجية، إلاّ أن يريد نفي النسب، فله أن يلاعن أيضا، فإن كان الولد قد انفصل لاعن في الحال لنفيه، و إلاّ تخيّر بين الصّبر إلى الانفصال و بين اللعان في الحال، و كذا يتخيّر في الزّوجة الحامل بين ملاعنتها في الحال لنفي الولد، و إن لم يقذفها، و بين الصبر إلى الوضع، و لم يتعرّض الشيخ لتحريم الثانية على التأبيد(4) و الأقوى التحريم، لصدق اللعان عليها، مع احتمال عدمه، لأنّ التحريم يتعلّق بفرقة اللّعان، و هنا يتعلّق بالبينونة.

5500. الخامس:

لا يجوز له قذف الزوجة مع الشبهة، و لا مع غلبة الظّن، و لا مع إخبار الثقة، و لا مع الشياع أنّ فلانا زنى بها، و لا نفي الولد للشبهة، أو الظّن، أو

ص: 125


1- . و هو خيرة الشيخ في المبسوط: 183/5، و قال في الخلاف: إذا كان مع الزوج بيّنة، كان له أن يلاعن أيضا و يعدل عن البيّنة.. دليلنا: أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لاعن بين العجلاني و زوجته و لم يسأل هل له بيّنة أم لا. الخلاف: 8/5، المسألة 3 من كتاب اللعان.
2- . الخلاف: 16/5، المسألة 15 من كتاب اللعان.
3- . المبسوط: 193/5.
4- . لاحظ النهاية: 523.

لمخالفته إيّاه في الصفات، و لا بعد استلحاقه، فإن نفاه بعد الاعتراف حدّ و لا لعان، سواء كان منفصلا أو حملا.

و لو أنكر ولد الشّبهة انتفى و لا لعان، و مع العلم بانتفاء الحمل، لاختلال بعض شروط الالتحاق، يجب نفيه و اللعان، و لا يلحق بنسبه(1) من ليس منه.

5501. السادس:

لو قذفها بالسّحق فلا لعان، فإن ادّعى المشاهدة حدّ، و لو قذفها بالوطء في الدبر كان قذفا، يجب به الحدّ، و له إسقاطه بالبيّنة أو اللّعان.

5502. السابع:

لو قذف المجنونة في حال إفاقتها، أو في حال جنونها و أضافه إلى حال الصحّة، لزمه الحدّ، و لو أضافه إلى حال الجنون، لزمه التعزير، لكنّهما يتوقّفان على المطالبة، فإن كان هناك نسب يحتاج إلى نفيه، جاز له أن يلاعن لنفيه، و إن لم يكن نسب، فالأقرب أنّه ليس له ذلك.

فإن أفاقت و طالبت بالحدّ أو التعزير، كان له أن يلاعن لإسقاطهما، و إن كانت مجنونة لم يكن له أن يلتعن(2) إلاّ أن تطالبه المقذوفة.

فإذا لاعن لنفي النسب أو لإسقاط الحدّ، وجب على المقذوفة الحدّ بلعانه، إلاّ أنّه لا يقام عليها في حال جنونها، لكن ينتظر الإفاقة فإمّا أن تلاعن أو يقام عليها الحدّ.

و لو أبرأته قبل اللعان من الحدّ أو التعزير، كان له اللعان لنفي النسب، فإن لم يكن نسب، لم يكن له اللعان لإزالة الفراش، لإمكانه بالطلاق.

ص: 126


1- . قال المحقّق: «لئلاّ يلتحق بنسبه من ليس منه» شرائع الإسلام: 96/3.
2- . في «أ»: أن يلعن.

و ليس لوليّ المجنونة المطالبة بالحدّ ما دامت حيّة، و كذا ليس لسيّد الأمة و العبد مطالبة زوجها و القاذف بالتعزير في قذفهما، و إنّما المطالبة و العفو لهما، و الأقرب أنّ لهما مطالبة سيّدهما بالتعزير لو قذفهما على إشكال.

و لو ماتا ورث التعزير، و كان له المطالبة به على إشكال ضعيف.

و حدّ القذف حقّ آدميّ موروث يرثه الأنساب خاصّة دون الأسباب، و لا تختص العصبات به، و يسقط بالعفو.

و إذا ورثه جماعة، كان لهم استيفاؤه، فإن عفا بعضهم أو أكثرهم إلاّ واحدا كان له استيفاء الجميع.

5503. الثامن:

لو ولدت تامّا لأقلّ من ستّة أشهر، لم يلحق به و انتفى بغير لعان، و كذا لو وضعته لأزيد من عشرة أشهر أو سنة - على الخلاف - من وطئه، لكن في الأخير يفتقر إلى اللعان.

و لو اختلفا بعد الدخول في زمان الحمل، تلاعنا.

و إنّما يلحق الولد مع إمكان الوطء من الزوج، فلا يلحق الولد بالزّوج الصبيّ لدون تسع سنين، و يلحق إذا بلغ عشرا، فلو أنكر الولد أخّر اللعان حتّى يبلغ رشيدا، و لو مات قبله ورث الولد و الزوجة إن لم ينكره(1).

و لو كان الزوج خصيّا مجبوبا، فالأقرب أنّه لا يلحقه، بخلاف فاقد أحدهما و الواطئ في الدبر فلا ينتفي ولد أحدهما إلاّ باللعان.

ص: 127


1- . و في الشرائع: 94/3: و لو مات قبل البلوغ أو بعده و لم ينكره ألحق به و ورثته الزوجة و الولد.

و هل نفي الولد على الفور؟ قيل: نعم، فلو حضر الولادة و لا عذر و لم ينكر، لم يكن له إنكاره بعد ذلك، و عندي فيه نظر.

أمّا لو أخّر بما جرت العادة به، كالسعي إلى الحاكم، فإنّه لا يسقط إنكاره إجماعا، و كذا لو أمسك حتّى تضع لاحتمال الشكّ له في الحمل.

و لو قال: علمت الحمل و لم أنفه لجواز موته أو سقوطه، بطل نفيه.

و لا يسمع نفيه بعد الاعتراف به صريحا أو فحوى، كقوله: آمين أو إن شاء اللّه عقيب بارك اللّه في مولودك، هذا بخلاف بارك اللّه فيك أو أحسن [اللّه] إليك، فيحدّ مع النفي في الأوّل دون الثاني.

5504. التاسع:

لو طلّق، و ادّعت حملها منه، فأنكر الدخول، قال الشيخ: إن أقامت بيّنة بإرخاء الستر، لاعن، و حرمت، و عليه المهر؛ و إن لم تقم بيّنة، فعليه نصف المهر، و عليها مائة سوط.(1) و قال ابن إدريس: لا يثبت اللعان بإرخاء الستر.(2) و هو جيّد، و لا حدّ عليه، لأنّه لم يقذف، و لم ينكر ولدا يجب الإقرار به.

5505. العاشر:

لو قذف زوجته، و نفى الولد، سقط الحدّ بالبيّنة، و انتفى الولد باللعان لا بالبيّنة.

و لو تزوّجت [المطلّقة] و أتت بولد لدون ستّة أشهر من وطء الثاني، و لتسعة فما دون من فراق الأوّل، لحق بالأوّل، و لم ينتف [عنه] إلاّ باللعان.

5506. الحادي عشر:

يعتبر في الملاعن البلوغ، و العقل، و لا يشترط الإسلام

ص: 128


1- . النهاية: 523.
2- . السرائر: 702/2.

و لا الحريّة، و لا كونه سليما من حدّ القذف، فلو قذف الكافر، أو العبد، أو المحدود في الزنا زوجته، أو نفى ولده، كان له إسقاط الحدّ أو التعزير باللعان، و رواية ابن سنان عن الصادق عليه السّلام متأوّلة.(1)

5507. الثاني عشر:

يشترط في الملاعنة البلوغ و العقل و السّلامة من الصّمم و الخرس، و العقد الدائم، فلو قذف المجنونة أو الصبيّة، فلا لعان إلاّ أن تفيق المجنونة و تطالب بالحدّ، فله اللّعان، و كذا الصبيّة، إن لم يعتبر الدخول.

و لو قذف زوجته الصماء أو الخرساء حرمتا عليه أبدا، و لا لعان، و لو قذف المتمتّع بها أو المنكوحة بالملك أو التحليل، عزّر أو حدّ، و لا لعان، سواء كان بالزنا أو بنفي الولد، و في اعتبار الدخول قولان المرويّ اشتراطه.(2) و قال ابن إدريس: إنّه شرط في نفي الولد لا القذف.(3)

و هل يشترط حريّتها؟ قال المفيد: نعم(4) فلا لعان بين الحرّ و المملوكة، و اختاره ابن إدريس،(5) و قال الشيخ: لا يشترط،(6) و عليه أعتمد، لرواية جميل بن درّاج الحسنة عن الصادق عليه السّلام.(7) و كذا يثبت بين المملوك و زوجته الحرّة، عملا برواية الحلبي الحسنة عنه عليه السّلام،(8) و بين المملوك و زوجته

ص: 129


1- . الوسائل: 596/15، الباب 5 من أبواب اللعان، الحديث 4. قال المصنّف بعد نقل الرواية (لا يلاعن الحرّ الأمة و لا الذمّية، و لا الّتي يتمتّع بها) ما هذا نصّه: إنّه محمول على الأمة المملوكة له و كذا الذميّة إذا كانت جارية مملوكة له، أو أنّه يتزوّج الأمة من غير إذن مولاها. المختلف: 443/7.
2- . الوسائل: 590/15، الباب 2 من أبواب اللعان.
3- . السرائر: 698/2.
4- . المقنعة: 542.
5- . السرائر: 698/2.
6- . المبسوط: 182/5، النهاية: 523؛ الخلاف: 7/5، المسألة 2 من كتاب اللعان.
7- . الوسائل: 596/15، الباب 5 من أبواب اللعان، الحديث 2.
8- . الوسائل: 595/15، الباب 5 من أبواب اللعان، الحديث 1.

الأمة، عملا برواية محمد بن مسلم الصحيحة عن أحدهما عليهما السّلام(1).

و هل يشترط إسلام المرأة؟ قال المفيد: نعم،(2) و اختاره ابن إدريس،(3)و قال الشيخ: لا يشترط.(4) و هو الحقّ، لرواية جميل(5)، فلو قذف المسلم زوجته الذمّية، أو الكافر زوجته الكافرة أو نفى أحدهما الولد، كان عليه التعزير، أو يلاعن، أمّا الموطوءة بالملك فلا يفتقر في نفي الولد إلى اللعان و إن اعترف بالوطء بل ينتفي عنه.

و لا تصير الأمة فراشا بالملك و لا بالوطء.(6)

و يجوز لعان الحامل، لكن يؤخّر الحدّ حتّى تضع إن وجب.

و لو قذف زوجته المحدودة في القذف، حدّ أو لاعن، و كذا المحدود لو قذف زوجته.

5508. الثالث عشر:

لا يثبت اللعان بالقذف المطلق ما لم يقرنه بدعوى المشاهدة، و لا يجوز له اللعان حتّى يشاهد، و لا يحلّ له التعويل على إخبار الثقة أو الاشتهار بين الملأ، و لا نفي ولد يمكن أن يكون منه.

ص: 130


1- . الوسائل: 596/15، الباب 5 من أبواب اللعان، الحديث 3.
2- . المقنعة: 542.
3- . السرائر: 597/2-598.
4- . المبسوط: 182/5، الخلاف: 6/5، المسألة 2 من كتاب اللعان.
5- . الوسائل: 596/15، الباب 5 من أبواب اللعان، الحديث 2.
6- . لاحظ في توضيح هذه الفقرة الخلاف: 48/5، المسألة 67 من كتاب اللعان؛ و المسالك: 10 / 218.
5509. الرابع عشر:

لو ادّعى أنّ قذفه حال جنونه و ادّعته حال عقله، قدّم قول من له البيّنة، فإن لم يعلم له حالة جنون، فالقول قولها مع اليمين، و إن علم فالقول قوله مع اليمين.

و لو قذف الذمّي زوجته و ترافعا إلينا، عزّر، و له إسقاطه باللعان، و لو أنكر القذف، فالقول قوله إلاّ أن يشهد مسلمان بالقذف.

5510. الخامس عشر:

إذا ثبت زناها بالبيّنة أو بإقرارها فقذفها قاذف بذلك الزنا، وجب التعزير لا الحدّ، سواء كان زوجا أو أجنبيّا، و هل للزوج إسقاطه باللّعان؟ قوّى الشيخ العدم(1).

و إن كان قذفها الزوج و لاعنها، و امتنعت منه، تحقّق الزنا باللعان، فإن قذفها الزوج عزّر، و إن قذفها أجنبيّ حدّ، و إن لاعنته ثبت الحدّ على الزوج و غيره، سواء كان الزّوج نفى نسب ولدها أو لم ينف، أو كان الولد باقيا، أو قد مات، أو لم يكن لها ولد.

و لو قذف زوجته و امتنع عن اللعان فحدّ، ثمّ عاد و قذفها بذلك الزنا، لم يحدّ على إشكال، و عزّر للنسب، و ليس له إسقاطه باللعان.

و لو قذفها أجنبيّ و لا بيّنة فحدّ، ثمّ قذفها ثانيا بذلك الزنا، لم يحدّ أيضا، و عزّر للنسب.

5511. السادس عشر:

لو ادّعت على زوجها القذف فأنكر فأقامت بيّنة

ص: 131


1- . المبسوط: 192/5.

بالقذف، كان له أن يلاعن، و لو أنكر القذف و الزنا فقامت عليه بيّنة بالقذف حدّ، و لا تسمع بيّنته و لا لعانه.

5512. السابع عشر:

لو قذف الصبيّ عزّر و لا حدّ و لا لعان و إن بلغ.

و لو قال البالغ: ركبت رجلا فدخل ذاك منه في ذاك منك، حدّ أو يلاعن.

و لو قال: يا زانية بنت الزانية حدّ لكلّ واحدة حدّا كاملا، و له إسقاط حدّ البنت بالبيّنة و اللعان، و إسقاط حدّ الأمّ بالبيّنة خاصّة.

و أيّهما بدأ بالحدّ كان للآخر المطالبة بالآخر، و لا توالي بين الحدّين، بل يترك حتّى يبرأ.

و لو كان [القاذف] عبدا فكذلك، لأنّه يحدّ في القذف و الشرب كالحرّ.

5513. الثامن عشر:

لو قذف و لم يلاعن فحدّ بعض الحدّ فبذل اللعان، قبل منه، و لو قذف حدّ الرّجل فأراد أن يلاعن بعده مكّن منه إن كان هناك ولد، و إلاّ فلا.

و لو قذف المنكوحة للشبهة حدّ و لم يلاعن، سواء كان للزنا أو لنفي النسب.

ص: 132

الفصل الثاني: في كيفيّة اللّعان و أحكامه
اشارة

و فيه أربعة و ثلاثون بحثا:

5514. الأوّل:

إذا قذف الرجل زوجته و أراد لعانها، اشترط الحاكم أو من ينصبه لذلك، قال الشيخ: و لا يفتقر إلى حضوره بل إلى استدعائه و إلقائه على الزوجين، و يستوفي عليهما اللعان، قال: فلو بدأ به قبل أن يأمره الحاكم به، لم يعتدّ به، قال: و لو تراضيا برجل يلاعن بينهما جاز(1)، و يلزم بنفس الحكم، مثل الحاكم، و لا يفتقر في لزومه إلى تراضيهما.

و يبدأ الرّجل فيقول: أشهد باللّه إنّي لمن الصادقين فيما رميتها به، أربع مرّات، ثمّ يقول: لعنة اللّه عليّ إن كنت من الكاذبين، ثمّ تقول المرأة: أشهد باللّه إنّه لمن الكاذبين فيما رماني، أربع مرّات، ثمّ تقول: إنّ غضب اللّه عليّ إن كان من الصادقين.

و لو تراضيا برجل من العامّة(2) فلاعن بينهما، ففي الجواز نظر.

و يشتمل اللعان على واجب و ندب.

ص: 133


1- . المبسوط: 223/5.
2- . قال ثاني الشهيدين: و المراد بالرجل العامي الّذي يتراضى به الزوجان، الفقيه المجتهد حال حضور الإمام لكنّه غير منصوب من قبله، و سمّاه عاميّا بالإضافة إلى المنصوب، فانّه خاص بالنسبة إليه. المسالك: 228/10.

فالواجب: التلفّظ بالشهادة على ما قلناه، و قيام الرجل عند التلفّظ، و كذا المرأة، و قيل يكونان معا قائمين بين يدي الحاكم، و بدأة الرّجل بالشّهادة ثمّ اللعن، و بعده المرأة على الترتيب، و تعيّن المرأة بالإشارة - إن كانت حاضرة - من غير حاجة إلى اسمها و نسبها، أو الاسم و النسب مع الغيبة، أو الصفات المختصة بها، و التلفّظ بالعربية مع القدرة، و يجوز غيرها مع العجز، فيفتقر الحاكم إلى مترجمين لا أقلّ.

و الندب جلوس الحاكم مستدبر القبلة، و وقوف الرّجل عن يمينه و المرأة عن يمين الرّجل، و حضور سامع، و وعظ الحاكم و التخويف بعد الشهادات لهما قبل اللعن و الغضب.

5515. الثاني:

يجوز التغليظ بالمكان، بأن يلاعن الحاكم بينهما إن كان بمكّة بين الركن و المقام، و في المدينة بين القبر و المنبر، و إن كان ببيت المقدّس ففي المسجد عند الصخرة، و إن كان في غير ذلك، ففي الجامع، و بالزمان بإيقاعه بعد العصر، و باجتماع الناس، و بالقول، و هو تكرار الشهادات أربع مرّات، و هو شرط في اللعان، و الزمان و المكان و الاجتماع ليست شروطا و لا واجبة.

5516. الثالث:

الحائض لا تدخل المسجد، فيبعث الحاكم من يستوفي الشهادات منها، و يستحبّ أن يكون أربعة نفر و أقلّه واحد، و كذا لو كانت مخدّرة، و لا يكلّفها الخروج.

و لو كانا ذمّيّين، تلاعنا في الموضع الّذي يعتقدان تعظيمه من البيعة، و الكنيسة، و بيت النار.

و لو كانا وثنيّين لاعن بينهما في مجلسه.

ص: 134

5517. الرابع:

تجب بدأة الرّجل أوّلا باللعان، فلو بدأت المرأة لم يعتدّ به، و كذا يجب استيفاء الألفاظ على ترتيبها، فلو نقّص أحدهما(1) أو غيّر الترتيب، لم يعتدّ به أيضا، و لو حكم الحاكم بالفرقة في ذلك كلّه، لم ينفذ حكمه.

5518. الخامس:

يتعلّق بالقذف وجوب الحدّ على الزوج، و بلعانه سقوط الحدّ في حقّه و وجوبه في حقّها، و بلعانهما سقوط الحدّين، و انتفاء الولد عن الزوج دون المرأة، و زوال الفراش، و تأبيد التحريم.

و لا يكفي في هذه الأحكام الأربعة لعان الزّوج خاصّة، و لا يفتقر بعد اللعان إلى حكم الحاكم.

فلو أكذب نفسه في أثناء اللعان، أو نكل حدّ، و لا يثبت شيء من الأحكام.

و لو نكلت أو أقرّت رجمت، و لا حدّ عليه، و كان الفراش باقيا.

أمّا لو أكذب نفسه بعد اللعان، فإنّه لا يعود الفراش، و لا يزول التحريم المؤبّد، و لا يرث هو و لا من يتقرّب به الولد المنفيّ، و يرثه الولد، و الأقرب سقوط الحدّ عنه.

و لو اعترفت بعد اللعان لم تحدّ، إلاّ أن تقرّ أربعا على إشكال.

و فرقة اللعان فسخ لاطلاق، و لا يرتفع التحريم المؤبّد بالتكذيب.

5519. السادس:

يشترط في كلّ شهادة من الأربع أن يقول: أشهد باللّه إنّي لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا، و إن نفى الولد زاد: و إنّ هذا الولد من زنا

ص: 135


1- . و في الشرائع: 102/3 «إذا أخلّ أحدهما» و الضمير يرجع إلى الزوجين.

و ليس منّي، و لو اقتصر على أحدهما لم يجز، و كذا في اللعن، و لو لا عنها و سكت عن نفي النسب، حرمت، و له نفيه بعد ذلك باللعان، حملا كان أو منفصلا.

و تقول المرأة: أشهد باللّه إنّه لمن الكاذبين فيما رماني به، و لا تذكر نفي النسب، و تشير إليه مع حضوره، و تنسبه مع غيبته.

5520. السابع:

لو أتى بالغضب عوض اللّعن، أو أتت هي باللّعن عوضه لم يصحّ، و كذا لو أبدل لفظ الشهادة بالحلف أو القسم أو الإيلاء.

5521. الثامن:

لو قذفها برجل معيّن، أو برجال كذلك، حدّ للمرأة حدّا كاملا، و كذا لكلّ واحد، فإن لاعن سقط حدّ المرأة خاصّة، و إن أقام البيّنة سقط الحدّان، و لو صدّقته المرأة حدّت للزنا و للقذف، و حدّ هو للقذف.

و من قذف عند الحاكم غيره، و علم الحاكم جهل المقذوف بالقذف، أنفذ و أعلمه ليطالب الحدّ، بخلاف ما لو قال: سمعت ناسا يقولون: إنّ فلانا زنا بفلانة.

5522. التاسع:

إذا اعترفت قبل اللعان، سقط الحدّ عن الزّوج بالمرأة، و لا يجب عليها الحدّ إلاّ أن تقرّ أربعا، و لا ينتفي النسب إلاّ باللعان، لأنّ تصادقهما على الزنا لا ينفي النسب الثابت بالفراش، فللزوج أن يلاعن لنفيه، و فيه نظر، و ليس له أن يلاعن للزنا بعد التّصديق إجماعا، بل يجب عليها الحدّ، و لا يسقط الفراش، و لا يثبت التحريم.

و لو رجعت عن تصديقه، سقط الحدّ، و يحتاج إلى اللعان، لأنّ الرجوع عن إقرار الزنا مقبول.

5523. العاشر:

إذا مات الزوج قبل اللعان أو قبل إكماله، ورثته المرأة و ولدها

ص: 136

المنفي، و إن ماتت قبل لعانه أو قبل إكماله، ورثها هو، و عليه الحدّ للوارث، و لو أراد دفعه باللعان جاز على إشكال، و لو أراد نفي النسب كان له أن يلاعن لنفيه، و قال الشيخ: إن قام رجل من أهلها مقامها، و لا عنه، سقط ميراثه.(1)

و هو ضعيف.

5524. الحادي عشر:

لو نكل عن إكمال اللعان، حدّ للقذف، و كذا لو نكلت هي عن اللعان بعد لعانه، أو عن إكماله، رجمت.

و لو انقطع كلامه بعد القذف، لاعن بالإشارة و إن رجي عود نطقه.

5525. الثاني عشر:

إذا قال: هذا الولد ليس منّي، احتمل أنّه من زنا، فيكون قذفا، فيحدّ، إلاّ أن يلاعن.

و احتمل أنّه لا يشبه خلقي و خلقي، فلا حدّ، فالقول قوله في إرادته مع اليمين، فإن نكل حلفت المرأة على إرادته القذف، فيحدّ، أو يلاعن، أو يقيم البيّنة.

و احتمل أنّه من زوج غيري، فإن لم يعلم لها زوج لم يقبل هذا التفسير لو أراده، و ألزم بالمحتمل.

و إن علم، فإن عرف فراق الأوّل و نكاح الثاني و وقت الولادة، ألحق بالأوّل إن أتت به لأقلّ من ستّة أشهر من وطء الثاني و لدون عشرة من فراق الأوّل، و بالثاني إن أتت لأكثر من عشرة من فراق الأوّل و لستّة فما زاد من نكاح الثاني، إلاّ أن يلاعن، و بغيرهما إن أتت به لأكثر من عشرة و أقلّ من ستّة.

ص: 137


1- . النهاية: 523.

و ان احتمل منهما أقرع.

و إن احتمل أنّها التقطته أو استعارته فعليها البيّنة بالولادة، و تسمع فيه شهادة النّساء و إن انفردن.

فإن تعذّر حلف الزوج على نفي العلم بالولادة، و انتفى النسب بغير لعان.

و إن نكل حلفت و لحق النسب إلاّ أن يلاعن.

و إن نكلت تردّد الشيخ(1) بين إيقاف اليمين على بلوغ الصبيّ ليحلف و يثبت نسبه و بين عدمه، لأنّ اليمين حقّها و نكلت عنها فسقطته، و لا يثبت بعد ذلك.

فعلى الأوّل يحلف الصبيّ بعد بلوغه، و يثبت النسب، إلاّ أن يلاعن الأب.

و على الثاني لا يلحق الأمّ (2) النسب إلاّ بالبيّنة.

و لو قال لامرأته: هذا الولد ليس منّي بل زنى بك فلان، فله أن يلاعن و ينفي النسب، و كذا لو لم يعيّن المنسوب إليه.

و لو قال: ليس منّي و لا أصبتك، و لست بزانية، لم يكن قاذفا، لأنّه قد يكون ولده بأن يطأ دون الفرج فيسبق الماء إليه و إن لم يصبها، أو بأن تستدخل ماءه [ فتحبل] فلا يلاعن.

و لو قال: وطئك فلان بشبهة، و هذا ولده، فالقرعة هنا عندنا، و لا لعان، لأنّ كلّ موضع يمكن نفي النسب بغير لعان لم يجز نفيه باللّعان.

ص: 138


1- . المبسوط: 206/5.
2- . في «ب»: لا يلحق الأب.

و لو قال: غصبك [فلان]، فهو قاذف له دونها، و له أن يلاعن لنفي النسب، و عليه حدّ القذف له.

5526. الثالث عشر:

لو قال لابن الملاعنة: لست ابن فلان، و لو(1) قال:

أردت أنّ الشرع منع من نسبه، فليس بقذف فإن صدّقته المرأة، و إلاّ حلف، فإن نكل حلفت و حدّ، و إن قال: أردت أنّ أمّه أتت به من زنا، فهو قذف يحدّ له و كذا يحدّ لو قال له بعد إكذاب أبيه نفسه بعد اللعان.

5527. الرابع عشر:

لو لاعن لنفي النسب، فوضعت آخر قبل ستّة أشهر، فهما حمل واحد، فإن نفاه انتفى، و إن أمسكه لحقه، فيلحقه الأوّل، و إن وضعته لأكثر من ستّة أشهر، فهو حمل آخر، له حكم بانفراده، و له نفيه باللعان و إن كانت الزوجة قد بانت بالأوّل، و إن أمسكه لحق به دون الأوّل، و إن لاعن عن الحمل فوضعته، ثمّ وضعت آخر قبل ستّة أشهر انتفى باللّعان، لتناوله جميع الحمل، و إن كان بعدها انتفى الثاني بغير لعان لبينونتها بالأوّل، و حملت بالثاني وقت البينونة بخلاف ما إذا لاعن عن المنفصل، لاحتمال وطئها قبل اللعان، و إذا استلحق أحد الولدين التّوأمين لحقه الآخر إن كان بينهما دون ستّة أشهر، فإن صرّح بالقذف في نفي الآخر حدّ و لا يلاعن.

5528. الخامس عشر:

لو لاعن زوجته الأمة لنفي النسب أو للزنا، حرمت أبدا، فإن اشتراها لم يحلّ له وطؤها، و كذا لو طلّقها اثنتين ثم اشتراها لم يحلّ له، قال الشيخ: و قال شاذّ من أصحابنا: انّها تحلّ (2).

ص: 139


1- . يأتي شقه الآخر في كلامه.
2- . المبسوط: 211/5.

و لا نفقة للبائن باللّعان و لا سكنى إلاّ أن تكون حاملا و لم ينف حملها.

5529. السادس عشر:

يجوز اللّعان لنفي نسب الولد الميّت، سواء كان للولد ولد أو لا، فلو ولدت توأمين و مات أحدهما و بقي الآخر كان له أن يلاعن لنفيهما.

5530. السابع عشر:

لو قال لزوجته: يا زانية، فقالت: زنيت بك(1)، حدّ الرجل دون المرأة إن قصدت نفي الزنا عنهما، و إن قصدت زناهما معا، سقط الحدّ عنه، و وجب عليها حدّ قذفه و حدّ الزنا إن اعترفت أربعا، و لو قصدت زناها خاصّة بأن تقول: وطأتني للشبهة مع علمي بالتحريم، لم تحدّ للقذف(2)و حدّت للزنا إن اعترفت، أربعا.

و القول قولها في قصدها مع اليمين، و لو ادّعى قصد قذفها له، فإن نكلت حلف و حدّت.

و لو قالت: أنت أزنى منّي،(3) احتمل القذف و عدمه، و لو قال لها: انت أزنى من فلانة، و قصد انّ فلانة زانية، و هي أزنى منها، حدّ لهما،(4) و له إسقاط حدّ زوجته باللّعان، و إن لم يقصد التشريك حدّ لزوجته، لاحتماله(5)، كما في قوله تعالى: أَصْحٰابُ اَلْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَ أَحْسَنُ مَقِيلاً (6).

ص: 140


1- . أي قصدت ما زنيت أنا و لا أنت كما يقول القائل لغيره: يا سارق فيقول: معك سرقت، يعني ما سرقت أنا و لا أنت، لاحظ المبسوط: 213/5.
2- . في «أ»: لم يحد للقذف.
3- . في قبال قول الزوج: يا زانية.
4- . أي لأجلهما.
5- . احتمال عدم التشريك كما هو الحال في لفظة «خير» في الآية التالية حيث ليس في النار خير.
6- . الفرقان: 24.

و لو قصد نفيه عنهما قبل مع اليمين لو أنكرتاه.

و لو قال: أنت أزنى الناس، لم يكن قذفا، لانتفاء الزنا عن جماعة الناس، و لو قصد أزنى من زناة الناس، حدّ لها خاصّة.

و لو قال لها: أنت أزنى من فلانة، و ثبت زنا فلانة بالبيّنة، و كان عالما حدّ، و إن كان جاهلا لم يحدّ.

و لو قال لها: انت زان، قوّى الشيخ عدم الحدّ إن كان من أهل الإعراب و إلاّ وجب، و كذا قوّى العدم لو قالت له: يا زانية(1).

و لو قال لغيره: زنأت في الجبل، احتمل الصعود فلا حدّ، و الزنا فيه فيحدّ، و يقبل تفسيره مع اليمين، و لو نكل حلف مدّعي القذف و حدّ.

و لو قال: زنأت من غير قيد، فإن كان من أهل اللّغة رجع إليه في التفسير، و إن كان عامّيا حدّ، لأنّ العامّة لا تفرق بين زنأت و زنيت، و الوجه عندي قبول تفسير العامّي لو فسّره بغيره(2).

و لو صرّح بالياء فقال: زنيت في الجبل، و قال أردت الترقي، و تركت الهمزة، فالأقرب القبول.

و لو قال لزوجته: زنيت و أنت صغيرة، و فسّر الصغير بما لا يحتمل معه القذف كبنت سنتين أو ثلاث، عزّر للسبّ دون القذف، و لا يسقط باللعان، و لو فسّر بما يحتمل كبنت تسع أو عشر، حدّ للقذف، و له إسقاطه باللّعان.

و لو قال: زنيت و أنت نصرانيّة، فصدّقته في الثاني خاصّة، أو قامت بيّنة،

ص: 141


1- . المبسوط: 214/5.
2- . في «أ»: لغيره.

عزّر، و له إسقاطه باللّعان، و القول قوله مع اليمين لو ادّعت عدم إرادة قذفه حالة الكفر.

و إن كذبته فيهما، و ثبت ولادتها في الإسلام، حدّ، و له أن يلاعن، و إن لم يعلم حالها، فالقول قوله مع اليمين، و يعزّر و يلاعن لسقوطه إن شاء، و يحتمل تقديم قولها، فإن نكلت حلف و عزّر.

و لو قال لها: زنيت، ثم قال بعده: إنّما أردت في حال ما كنت نصرانيّة، و قالت: بل أردت الآن، و قدّم قولها مع اليمين.

و لو قال: زنيت و أنت أمة و عرفت الرّقيّة، عزّر و له اللعان، و إن عرفت الحريّة في الأصل حدّ، و إن جهل احتمل الأمرين.

و لو قال: أنت الآن أمة، فقالت: بل حرّة، و جهل الحال، احتمل الأمرين أيضا.

و لو قال: أكرهت على الزنا، لم يحدّ، و الأقوى تعزيره على السّب و كذا زنا بك نائمة أو زنا بك صبيّ لا يجامع مثله، و لو قال: يجامع مثله، حدّ.

5531. الثامن عشر:

لو طلّقها بعد القذف فتزوّجت بآخر فقذفها، وجب لها عليهما حدّان، فإن لاعنا و امتنعت حدّت حدّين.

و لو قذف أجنبيّة فحدّ، ثمّ قذفها به عزّر، و إن قذفها بآخر حدّ ثانيا، و إن قذفها ثانيا قبل حدّه بذلك، حدّ حدّا واحدا، و إن كان بعده فحدّان.

و لو تزوّجها بعد قذفه ثمّ قذفها ثانيا، فإن أقام بيّنة سقط الحدّان و إلاّ ثبتا و له إسقاط الثاني خاصّة باللعان.

ص: 142

و لو قذف زوجته ثمّ قذفها بآخر قبل اللعان، فعليه حدّ واحد، و يكفي لعان واحد، و يذكر في كلّ شهادة موجب الكثرة من الزمان(1) أو الفاعل و إن لم يعيّنهما بل أطلق قال: فيما رميتها به من الزناءين.

و لو لاعن ثمّ قذف ثانيا بزنا أضافه إلى ما قبل اللعان، حدّ.

و القول قوله لو قالت: قذفني قبل التزويج، و قال: بعده(2) أو بعد البينونة، و قال: قبلها، و قولها(3) لو قالت: قذفني و أنا أجنبيّة، فقال: بل أنت زوجتي، و أنكرت الزوجيّة.

5532. التاسع عشر:

لو قال لها: يا زانية، فقالت بل أنت زان عزّرا، و له إسقاطه باللّعان، و لا يسقط عن المرأة إلاّ بالبيّنة.

و لو قال للزّوجة و الأجنبيّة: زنيتما، و أقام البيّنة حدّتا، و إن لاعن سقط حدّ زوجته خاصّة، و إن لم يفعلهما حدّ لكلّ واحدة حدّا كاملا.

و لو قذف جماعة بلفظ واحد، فإن جاءوا به مجتمعين، فعليه حدّ واحد، و إن جاءوا به متفرّقين، حدّ لكلّ واحد حدّا كاملا، سواء كانوا ذكورا، أو إناثا، أو بالتفريق، و سواء كنّ زوجات، أو أجانب، أو بالتفريق، فإن أقام بيّنة حدّ من أقام البيّنة عليه، و له إسقاط حدّ الزوجات باللعان، و يفتقر إلى تعدّده، و لا يتحد برضاهنّ بلعان واحد، و يبدأ بلعان من تخرجه القرعة مع التشاحّ.

5533. العشرون:

إذا قذف زوجته بزنا في طهر جامعها فيه، و أتت بولد، كان

ص: 143


1- . في «ب»: من الزنا.
2- . في «أ»: و لو قال بعده.
3- . أي القول قولها.

له أن يلاعن لنفيه، و لو قذف محصنا حدّ، فإن ثبت زنا المقذوف قبل حدّه، سقط، قال الشيخ: و يقوي عدمه(1).

5534. الحادي و العشرون:

إنّما يجب الحدّ بقذف المحصن، و هو الحرّ المكلّف المسلم العفيف عن الزنا، و كذا المرأة، و يجب بقذف غيره(2) التعزير، و يخرج المحصن عن إحصانه بالوطء المحرّم الّذي لم يصادف ملكا، كالعاقد على المحارم، أو وطء جارية أبيه أو ابنه أو المرهونة عنده، و يجب به الحدّ، أمّا المصادف كالحائض و المحرمة و المظاهرة و المولى منها فلا حدّ للزنا بل للقذف، و لا خروج عن الإحصان، و كذا وطء الشبهة، و الوطء من الصبيّ و القبلة و الملامسة، و مقدّمات الزنا، و الردّة الطّارئة بعد القذف و لا الزنا الطّارئ.

و لو ادّعى القذف و أقام شاهدين، حبس القاذف حتى تثبت العدالة؛ قاله الشيخ(3)، بخلاف ما لو أقام واحدا، و يحبس في المال بالواحد، و لا تصحّ الكفالة بالبدن لحدّ اللّه تعالى أو لحدّ الآدميّ.

5535. الثاني و العشرون:

قول الرّجل لامراته: زنيت أو يا زانية أو زنى فرجك، صريح في القذف، و كذا النّيك و إيلاج الحشفة، دون زنت يدك أو رجلك أو عينك، و الأقرب في بدنك(4) الصريح، فلا يقبل قوله في الصريح لو فسّر بغيره، بخلاف الكناية(5) فيقبل قوله لو أراد العدم مع اليمين إن كذّبته.

و ليس له أن يحلف كاذبا على إخفاء نيّته، و إن لم يحلف فله أن لا يقرّ

ص: 144


1- . المبسوط: 219/5.
2- . أي غير المحصن.
3- . المبسوط: 221/5.
4- . أي لو قال: زنى بدنك.
5- . في النسختين «الكتابة» و هو مصحّف.

بالنيّة(1) حتّى لا يؤذي المقذوف، لكن يجب عليه الحدّ بينه و بين اللّه، مع احتمال وجوب الاعتراف لتوفية الحدّ.

و لو قال له: يا حلال ابن الحلال، أو ما أحسن ذكرك في الجيران، أو ما أنا بزان و لا أمّي زانية، أو للقرشي: يا نبطيّ، أو يا فاسقة، أو يا غلمة(2)، أو يا شبقة(3)، فإن قصد القذف حدّ و إلاّ عزّر، و لو قال: بارك اللّه لك، أو ما أحسن وجهك، لم يكن قذفا و إن قصده.

5536. الثالث و العشرون:

إذا شهد أربعة على امرأة بالزنا أحدهم زوجها، فإن كان قد تقدّم قذفه حدّوا أجمع و له خاصّة إسقاط حدّه باللعان، و إن لم يتقدّم القذف فيه روايتان(4) أقربهما أنّه كذلك، لقوله تعالى ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدٰاءَ (5) و استدلال الشيخ(6) بقوله: وَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدٰاءُ إِلاّٰ أَنْفُسُهُمْ (7) ليس بذلك القويّ.

5537. الرابع و العشرون:

لو قذفها و نفى الولد و أقام أربعة بالزنا لم ينتف النسب، و إنّما ينفيه باللعان، سواء كان حملا أو منفصلا.

5538. الخامس و العشرون:

يجب عليه الحدّ بالقذف، و يسقط باعترافها، فلو

ص: 145


1- . في «أ»: «بالبيّنة» و هو مصحّف.
2- . في مجمع البحرين: الغلمة - كغرفة - شدّة الشهوة، و اغتلم البعير: إذا هاج من شدّة شهوة الضراب.
3- . في مجمع البحرين: الشّبق - بالتحريك - شدّة الميل إلى الجماع.
4- . الوسائل: 606/15، الباب 12 من أبواب اللعان، الحديث 1 و 2؛ التهذيب: 282/6 برقم 776-777.
5- . النور: 4.
6- . التهذيب: 282/6.
7- . النور: 6.

ادّعاه و أنكرت فأقام شاهدين باعترافها، قال الشيخ: مذهبنا أنّه لا يثبت إلاّ بأربعة كالزنا(1) و لو أقام أربعة سقط الحدّ عنه إجماعا، و كذا يسقط عنها، لأنّ الرجوع عن الإقرار يسقط الرجم.

و لو عجز القاذف عن البيّنة، فهل له مطالبة المقذوف باليمين أنّه لم يزن؟ فيه نظر، و ليس دعوى الإقرار بمجرّدها قذفا، و لو عدم البيّنة كان له إحلافها إن كان قذف أوّلا، فإن نكلت حلف القاذف أنّها أقرّت فيسقط حدّه، و لا يجب عليها حدّ.

5539. السادس و العشرون:

لو ادّعى أنّ المقذوفة مشركة أو أمة حالة القذف، و قالت: قبله، قدّم قوله مع اليمين، و كذا لو أنكرته أصلا.

و لو قال: كنت مرتدّة حالة القذف، فأنكرت، فالقول قولها مع اليمين.

و لو أقام بيّنة بصغرها حالة القذف، و أقامت بالكبر، فإن كانتا مطلقتين ثبتتا معا، فإن اتّحد التاريخ تعارضتا، قال الشيخ: و تستعمل القرعة.(2) و فيه نظر.

5540. السابع و العشرون:

لو شهدا بأنّه قذف زوجته و قذفهما، لم تقبل شهادتهما لهما و لا للزوجة، فإن أسقطا حدّهما(3) و مضت مدّة عرف صلاح الحال بينهم، ثمّ أعادا الشهادة للزوجة، قال الشيخ: يقوى عندي قبولها(4).

ص: 146


1- . المبسوط: 224/5.
2- . قال الشيخ: فإن كانت البيّنتان مطلقتين، حكم ببيّنة المرأة، لأنّها أثبتت ما أثبتت البيّنة الأخرى و زيادة فقدّمت لزيادتها، و إن كانتا مؤرختين تاريخا واحدا فهما متعارضتان، و استعمل فيهما القرعة عندنا. المبسوط: 225/5.
3- . في المبسوط: 225/5: فإن عفوا عن قذفهما و أبرءاه عن الحدّ.
4- . المبسوط: 225/5-226.

و لو ادّعيا قذفهما و أبرءاه ثم شهدا بقذف الزوجة بعد زوال العداوة، فهاهنا القبول أولى، و كذا لو شهدا بقذفها فحكم ثمّ ادّعيا قذفهما، أمّا لو لم يحكم فالأقرب الردّ للعداوة.

و يقبل لو شهدا بأنّه قذف زوجته و قذفنا، لكن عفونا، و حسن الحال بيننا.

و لو شهدا بقذف زوجته و أمّهما قبلت لهما.

و لو شهدا بأنّه قذف ضرّة أمّهما قبلت، و كذا لو شهدا بطلاقها.

5541. الثامن و العشرون:

لا تثبت دعوى القذف إلاّ بشاهدين متّفقين، فلو شهد أحدهما بالقذف بالعربيّة أو يوم الخميس، و الآخر بالعجميّة أو يوم السبت، لم يثبت، أمّا لو شهدا بالإقرار بالصيغتين أو في الوقتين فإنّهما تقبلان(1) بخلاف ما لو شهد أحدهما بالقذف و الآخر بالإقرار به، أو شهد أحدهما أنّه أقرّ أنّه قذفها بالعربيّة و الآخر أقرّ أنّه قذفها بالعجميّة، لأنّ العربيّة و العجميّة هنا عائدتان إلى القذف لا إلى الإقرار به.

و لو شهد أحدهما أنّه قال: القذف الّذي كان منّي كان بالعربيّة، و شهد الآخر أنّه قال: القذف الّذي كان منّي كان بالعجميّة، احتمل عدم القبول، لأنّهما قذفان، و ثبوته لإقراره بالقذف، و قوله بالعربيّة أو العجميّة إسقاط لإقراره.

5542. التاسع و العشرون:

نفي الولد على الفور، فلو أخّر مع القدرة، بطل

ص: 147


1- . قال الشيخ في المبسوط: 227/5: إذا شهد شاهدان أحدهما بأنّه أقرّ بالعربيّة بأنّه قذفه، و شهد الآخر بأنّه أقرّ، بالفارسيّة بأنّه قذفه، أو شهد أحدهما بأنّه أقرّ يوم الخميس بأنّه قذفه، و شهد الآخر بأنّه أقرّ يوم الجمعة بأنّه قذفه، حكم بهذه الشهادة و ثبت القذف، لأنّ الإقرار و إن اختلف فالمقرّ به واحد.

نفيه، و لا يجب مخالفة العادة في مشيه إلى الحاكم، فإن أخّر و قال: لم أعرف ولادتها، قدّم قوله مع اليمين إن كان بعيدا عنها، و إن كانا في دار واحدة لم يقبل.

و لو قال: عرفت الولادة و لا أعرف أنّ لي النفي قدّم قوله مع اليمين إن احتمل الصدق، بأن يكون قريب عهد بالإسلام، أو نشأ في بلاد بعيدة عنه، و لو لم يكن كذلك لم يقبل.

و لو لم يتمكّن من النفي لمرض، أو حبس، أو حفظ مال، أو اشتغال بمطالبة غريم، كان له النفي عند زوال العذر، و يجب عليه الإشهاد على إقامته على النفي إن تمكّن، فإن لم يشهد مع المكنة بطل نفيه.

و لو كان بعيدا وجب عليه الحضور و النفي، فإن تأخّر بطل نفيه إلاّ لخوف في الطريق أو غيره من الأعذار، و الحكم مع التمكّن من الشهادة ما تقدّم.

و لو حضر و قال: لم أسمع بولادتها قدّم قوله مع اليمين، و كذا لو قال:

سمعت و لم أصدقه ما لم يبلغ التواتر.

5543. الثلاثون:

إنّما يلحق الولد مع إمكان الوطء، و لا يكفي العقد المجرّد للقادر على الوطء إذا لم يعلم إمكان وطئه، فلو تزوّج عند الحاكم و طلّقها في المجلس ثلاثا، ثمّ أتت بولد من حين العقد لستّة أشهر لم يلحقه، و كذا لو تزوّج مشرقيّ بمغربيّة، ثم أتت بولد لستّة أشهر من حين العقد، و كذا لو تزوّج ثمّ غاب و انقطع خبره، فقيل للمرأة: إنّه مات، فاعتدّت و تزوّجت و جاءت بأولاد، ثمّ جاء الأوّل، فلا ولد للأوّل.(1)

ص: 148


1- . هذه الفروع نقلها الشيخ في المبسوط: 232/5 عن أهل السنّة و وصف آراءهم بالبطلان، و نقلها المصنّف مع ذكر ما هو الحق فيها.
5544. الحادي و الثلاثون:

لو عفت عن الحدّ و لا نسب، انحصر غرض اللّعان في قطع النكاح و دفع عار الكذب و الانتقام منها، و الأقرب جواز اللعان بمجرّد هذه الأغراض، و أولى بالجواز لو سكتت عن الحدّ و ما عفت، و الأصل فيه أنّ طلبها هل يشترط في اللعان أم لا؟ و لو قصد نفي النسب لم يتوقّف اللعان على طلبها.

و لو قال: زنى بك ممسوح،(1) أو هي رتقاء، فلا لعان، للعلم بكذبه و يعزّر تأديبا.

5545. الثاني و الثلاثون:

من شرائط اللعان النكاح الدائم على ما تقدّم، فلو قذف الأجنبيّ حدّ و لا لعان، و الطلاق الرجعيّ لا يمنع اللّعان.

و لو ارتدّ الزّوج فإن كان عن فطرة فلا يلاعن و يحدّ بالقذف، و إن كان عن غير فطرة فلاعن و عاد إلى الإسلام تبيّن صحّة اللعان، و لو أصرّ تبيّنا فساده.

و لو وطئ في نكاح فاسد أو شبهة لم يصحّ اللّعان للقذف(2) و لا لنفي النسب.

و لو ظنّ صحّة النكاح فلاعن، ففي سقوط الحدّ نظر يترتّب على سقوطه باللعان الفاسد، و كذا البحث في سقوط حدّ المرتدّ إذا لاعن و أصرّ.

و لو اشترى زوجته فأتت بولد لا يمكن أن يكون بعد الشراء، فله اللّعان، و إن احتمل فلا لعان، فلو ادّعى الوطء في الملك و الاستبراء بعده، لم يلحقه

ص: 149


1- . في تهذيب اللّغة للأزهري: 352/4: خصي ممسوح: إذا سلتت مذاكيره.
2- . في «أ»: «للمقذوف» و هو مصحّف.

بسبب ملك اليمين(1) للاستبراء، و الأقرب لحوقه بالنكاح، فله النفي باللعان.

5546. الثالث و الثلاثون:

لو قذفها بأجنبيّ و ذكره في اللعان، لم يسقط حقّ الأجنبيّ، و أولى بعدم السقوط لو لم يذكره فيه.

5547. الرابع و الثلاثون:

إذا ولدت توأمين بينهما أقلّ من ستّة أشهر، فإن نفاهما ثم استلحق أحدهما، لحقه الثاني و لا يتبعّض، و يغلب جانب الإثبات.

و لو نفى الحمل فأتت بتوأمين انتفيا، و له أن ينفي أولادا عدّة بلعان واحد، و بين التوأمين المنفيّين إخوة الأمّ لا إخوة الأب.

و لو استلحق الولد المنفي لحق به، و إن كان اعترافه به بعد الموت و يرثه، و كذا لو نفى بعد الموت ورثه، و كذا لو نفى بعد الموت ثمّ استلحقه به.

و لو استلحقه بعد اللعان لم يعد النسب لكن يرثه الولد لو مات الأب، و لا يرث الأب لو مات الولد.

و الأقرب أنّه لا يشترط تصديق الولد في الاعتراف، نعم لو صدّقه في النّفي، ففي إرثه إشكال.

و لو قتل هذا الأب ولده، فالأقرب ثبوت القصاص، لانتفاء الحرمة من طرف الأب، و كذا لو قذفه ثبت له الحدّ عليه.

ص: 150


1- . في «أ»: لم يلحقه نسب ملك اليمين.

المقصد السادس: في العدّة

اشارة

و فيه فصول:

الفصل الأوّل: في من لا عدّة عليها
اشارة

و فيه ثلاثة مباحث:

5548. الأوّل:

الزوجة إن لم تكن مدخولا بها لم تكن عليها عدّة من الطلاق و الفسخ عدا الوفاة.

و الدخول يحصل بإيلاج الحشفة قبلا، و لا يشترط الإنزال، و لو خلا بها من غير وطء لم تجب العدّة على أقوى القولين، سواء وطئها فيما دون الفرج أو لا، و سواء كانت الخلوة تامّة بأن تكون في منزله، أو غير تامّة بأن تكون في منزل أبيها.

و لو اختلفا مع الخلوة في الإصابة، فالقول قوله مع اليمين في العدم، فإن أقامت شاهدين أو شاهدا و امرأتين، حكم بالبيّنة، و يقبل الشاهد و اليمين، لأنّ

ص: 151

القصد استحقاق كمال المهر، قال الشيخ: و الّذي يقتضيه أحاديث أصحابنا أنّه إن كان هناك ما يعلم صدق قولها مثل ان كانت بكرا فوجدت كما كانت فالقول قولها، و إن كانت ثيّبا فالقول قول الرّجل، لأنّ الأصل عدم الدخول.(1) و هذا القول مضطرب.

و لو كان طلّقها ثمّ ادّعى الدخول و أقام شاهدا واحدا لم يحلف معه، لأنّه يثبت الرجعة و ليست مالا.

و لو أتت من أنكر دخولها بولد لستّة أشهر من حين العقد، لحق نسبه لإمكان أن يكون منه، بأن يطأها فيما دون الفرج فيسبق الماء إلى الفرج، أو تستدخل ماءه فتحمل منه، و له نفيه باللعان.

و لا يجب المهر لو اتفقا على الوطء فيما دون الفرج أو استدخال الماء، و لو اختلفا فيه مع نفي الولد الملحق به، فالقول قول الزوج مع اليمين.

و لو لحقه نسب الولد و لم ينفه، و اختلفا في الإصابة، قال الشيخ: الأقوى أنّ عليه المهر كملا.(2)

5549. الثاني:

المجبوب إن بقي من ذكره ما يمكنه الوطء به بقدر الحشفة، فحكمه حكم الصّحيح، و إن لم يبق منه شيء، لحق به الولد لإمكان الحمل بالمساحقة، و تعتدّ بالحمل إن حملت و عدّة الوفاة، فأمّا عدّة الطلاق فلا يجب.

أمّا الخصيّ و هو من قطعت خصيتاه، و المسلول و هو من سلّت بيضتاه،

ص: 152


1- . المبسوط: 248/5.
2- . المبسوط: 248/5.

فإنّه يجب له العدّة بالدخول من الطلاق و غيره، و إن لم يكن هناك حمل.

5550. الثالث:

اليائسة و هي الّتي بلغت خمسين سنة أو ستّين إن كانت قرشيّة أو نبطيّة لا عدّة عليها إلاّ في الوفاة خاصّة، لا في طلاق و لا في غيره، و كذا الصغيرة و هي الّتي لها دون تسع سنين، سواء دخل بها أو لا، و هي رواية زرارة الحسنة عن الصادق عليه السّلام(1) و إليه ذهب معاوية بن حكيم(2) من قدماء علمائنا، قال الشيخ: و جميع فقهائنا المتأخرين(3).

و قال السيّد المرتضى رحمه اللّه: تجب العدّة عليهما مع الدخول ثلاثة أشهر، لعموم قوله: وَ اَللاّٰئِي يَئِسْنَ مِنَ اَلْمَحِيضِ إلى قوله وَ اَللاّٰئِي لَمْ يَحِضْنَ (4).(5)

و ليس فيه دلالة صريحة على مطلوبه، للتقييد بالرّيبة.

فقد تلخّص من ذلك أنّ غير المدخول بها لا عدّة عليها في الطلاق و الفسخ، و كذا اليائسة و الصبيّة، و تجب عدّة الوفاة عليهنّ.

ص: 153


1- . التهذيب: 137/8 برقم 479 - باب عدد النساء - الوسائل: 406/15، الباب 4 من أبواب العدد، الحديث 3. و فيه: عن جميل بن دراج عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما السّلام.
2- . قال النجاشي: ثقة جليل، من أصحاب الرضا عليه السّلام، و له كتب، و عدّه الكشي من أجلّ العلماء و الفقهاء.
3- . التهذيب: 138/8، في ذيل الحديث 481؛ الاستبصار: 338/3 في ذيل الحديث 1025.
4- . الطلاق: 4.
5- . الانتصار: 334-335، المسألة 188.
الفصل الثاني: في عدّة الحرائر في الطلاق
اشارة

و فيه ستّة مباحث:

5551. الأوّل:

المطلّقة الحرّة المدخول بها إن كانت من ذوات الأقراء، و هي الأطهار، فعدّتها ثلاثة أقراء، سواء كانت تحت حرّ أو عبد، و حكم كلّ فسخ عدا الموت حكم الطّلاق في العدّة.

و يحتسب الطّهر الّذي يقع فيه الطلاق من الثلاثة إن لم يتعقّب الحيض الطّلاق بلا فصل، فلو حاضت مع انتهاء اللّفظ الواقع في الطّهر بحيث لم يحصل زمان يتخلّل الطلاق و الحيض، صحّ الطّلاق، و لا يحتسب ذلك الطّهر من الثّلاثة، بل يفتقر إلى ثلاثة أقراء مستأنفة بعد الحيض.

و القول قولها لو ادّعت بقاء جزء من الطهر عقيب الطلاق فتكمل قرءين آخرين.

5552. الثاني:

إنّما يتحقّق حصول الأقراء الثلاثة إذا رأت الدّم الثالث، فحينئذ تنقضي العدّة بأوّل لحظة ترى الدّم فيها، فتكون دلالة لا جزءا(1) من العدّة، خلافا للشيخ(2) هذا إذا كانت عادتها مستقرة، و إن اختلفت صبرت إلى انقضاء أقلّ الحيض.

ص: 154


1- . أي تكون اللحظة الأخيرة دلالة على انقضاء العدة قبلها لا جزءا منها.
2- . المبسوط: 235/5-236.

و أقلّ زمان ينقضي فيه عدّة الحرّة ستّة و عشرون يوما و لحظتان، الأخيرة دلالة لا جزء على ما تقدّم. و تظهر الفائدة في الرّجعة.

فلو أخبرت بعد انقضاء هذه الأيّام بحصول الأقراء الثلاثة صدقت، سواء كانت لها عادة أكثر من ذلك أو لا، و عليها اليمين إن كذّبها الزّوج، فإن أخبرت بانقضاء العدّة في دون ذلك، لم يقبل، فإن مضى زمان الإمكان، و قالت: و همت في الإخبار و الآن انقضت عدّتي، قبل قولها، و إن كانت مقيمة على ما أخبرت به، فالوجه أنّه لا يحكم بالانقضاء.

و لو ادّعت الانقضاء بالوضع، قبل قولها إذا مضى بعد الوطء أو إمكانه [وقت] وضع أيّ شيء كان، و لا يشترط صيرورته مضغة.

و لو كانت معتدّة بالشهور، فإن اتّفقا على زمان الطلاق أو الوفاة، احتسب ثلاثة أشهر أو أربعة و عشرة أيّام، و إن اختلفا فالقول قول الزوج، لأنّ القول قوله في أصل الطلاق و كذا في وقته.

5553. الثالث:

الّتي لا تحيض، و هي في سنّ من تحيض، تعتدّ من الطلاق و الفسخ مع الدخول بثلاثة أشهر، أمّا اليائسة للكبر أو الصغيرة التي لم تبلغ، فالأصحّ أن لا عدّة عليهما و إن دخل بهما على ما تقدّم(1) خلافا للسيّد(2) و لو كان مثلها تحيض اعتدّت بثلاثة أشهر، فإن خرجت الثلاثة و لم تر دما خرجت من العدّة، و كذا لو رأت الأطهار الثلاثة و ان لم تنقض الأشهر.

ص: 155


1- . لاحظ المسألة الثالثة من الفصل الأوّل.
2- . الانتصار: 334-335، المسألة 188.

أمّا لو رأت الدّم في الشهر الثالث و تأخّرت الحيضة الثانية و الثالثة فإنّها تصبر سنة، لاحتمال الحمل، ثمّ تعتدّ بعد ذلك بثلاثة أشهر، و هذه هي المسترابة، و الشيخ رحمه اللّه قال في النهاية: إن تأخّرت الحيضة الثانية صبرت تمام تسعة أشهر، ثمّ تعتدّ بثلاثة أشهر، و إن رأت الحيضة الثانية صبرت سنة، ثمّ تعتدّ بثلاثة أشهر، و أيّهما مات ما بينه و بين خمسة عشر شهرا ورثه الآخر(1) و فيه إشكال، و الرواية(2) ضعيفة(3).

5554. الرابع:

إذا رأت الدّم بعد الطلاق مرّة، ثمّ بلغت سنّ اليأس اعتدّت بشهرين آخرين.

و لو طلّق المستحاضة و عرفت أيّام حيضها اعتدّت بالأقراء، و إن لم تعرفها اعتبرت صفة الدّم، و اعتدّت بما شابه دم الحيض، فان اشتبه رجعت إلى عادة نسائها، فإن اختلفن أو فقدن، اعتدّت بثلاثة أشهر إن قلنا إنّ هذه تتحيّض في كلّ شهر مرّة، و على قول بعض علمائنا إنّها تجعل عشرة أيّام طهرا و عشرة حيضا كانت عدّتها أربعين يوما و لحظتين.

ص: 156


1- . النهاية: 533.
2- . و هي ما رواه الشيخ باسناده عن عمار الساباطيّ قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل عنده امرأة شابّة و هي تحيض في كلّ شهرين أو ثلاثة أشهر حيضة واحدة كيف يطلّقها زوجها؟ فقال: أمر هذه شديد هذه تطلّق طلاق السنّة تطليقة واحدة على طهر من غير جماع بشهود، ثم تترك حتّى تحيض ثلاث حيض، متى حاضتها فقد انقضت عدّتها، قلت له: فإن مضت سنة و لم تحض فيها ثلاث حيض، فقال: يتربّص بها بعد السّنة ثلاثة أشهر ثمّ قد انقضت عدّتها، قلت: فإن ماتت أو مات زوجها؟ قال: أيّهما مات ورث صاحبه ما بينه و بين خمسة عشر شهرا. التهذيب: 119/8 برقم 410؛ الوسائل: 422/15، الباب 13 من أبواب العدد، الحديث 1.
3- . لأجل عمّار الساباطي.

و لو كان لها عادة مستقيمة ثمّ اضطربت، فصارت بعد أن كانت تحيض في كلّ شهر عشرة لا تحيض إلاّ في شهرين أو ثلاثة و صار عادتها(1) اعتدّت بالأقراء المتجدّدة لا بالعادة الأولى.

و لو صارت لا تحيض إلاّ بعد ثلاثة أشهر أو أزيد، اعتدّت بالأشهر.

و الضابطة(2) ما تقدّم من أنّ الاعتبار بالسابق من ثلاثة الأشهر البيض أو ثلاثة الأقراء.

و لو كانت لا تحيض إلاّ في كلّ أربعة أشهر فما زاد مرّة، اعتدّت بالأشهر أيضا.

5555. الخامس:

المعتدّة بالأشهر إن طلّقت في أوّل الهلال، اعتدّت بثلاثة أشهر أهلّة، و إن طلّقت في أثناء الشهر، اعتدّت بهلالين، و أخذت من الرّابع تكملة(3) ثلاثين للأوّل، و قوّى الشيخ تكملة الفائت من الأوّل(4) و تلفق الساعات و الأنصاف.

و لو ارتابت بالحمل بعد انقضاء العدّة و النكاح، لم يبطل إلاّ أن يظهر الحمل و يتحقّق أنّه من الأوّل.

و لو حدثت الريبة بعد العدّة و قبل النكاح، جاز لها أن تنكح الثاني.

أمّا لو ارتابت به قبل انقضاء العدّة، فإنّها لا تنكح و لو انقضت العدّة، حتّى يتحقّق الخلوّ أو تضع الحمل.

ص: 157


1- . في «ب»: و صار عادة.
2- . في «أ»: و الضابط.
3- . في «ب»: تكمله.
4- . المبسوط: 239/5.

قال الشيخ: إذا طلّقها فارتابت بالحمل بعد الطلاق، أو ادّعته، صبر عليها تسعة أشهر، ثمّ تعتدّ بعد ذلك بثلاثة أشهر، فإن ادّعت بعد ذلك حملا، لم يلتفت إليها.(1) و قال ابن إدريس: التّسعة كافية.(2) و هو جيّد.

5556. السادس:

الصغيرة عند السيّد المرتضى أو الّتي لم تحض و هي في سنّ من تحيض عندنا إذا اعتدّت بالشهور، ثمّ رأت الدم بعد العدّة، فإنّ عدّتها مضت، و لا يلزمها عدّة بالأقراء إجماعا، و إن رأت الدّم قبل انقضائها، فإنّها تنتقل إلى الأقراء، و هل يعدّ(3) لها بالطهر قبل الدّم قرء؟ الأقوى ذلك، لأنّه انتقال من طهر إلى حيض، و يحتمل عدمه، لأنّ القرء هو الطهر بين الحيضتين.

الفصل الثالث: في عدّة الحامل في الطلاق
اشارة

و فيه عشرة مباحث:

5557. الأوّل:

الحامل تعتدّ من الطلاق بوضع الحمل، سواء كانت حرّة أو أمة، و سواء وضعته بعد الطلاق بلا فصل، أو تأخّر أكثر زمان الحمل، و قال ابن بابويه:

تعتدّ بأقرب الأجلين، فإن مضت ثلاثة أشهر و لم تضع خرجت من العدّة و ان وضعت قبل ثلاثة أشهر خرجت أيضا من العدّة(4) و المعتمد الأوّل.

5558. الثاني:

لا فرق بين أن يكون الحمل تامّا، أو غير تامّ بعد أن يعلم أنّه

ص: 158


1- . النهاية: 534.
2- . السرائر: 743/2.
3- . في «أ»: و هل يعتدّ.
4- . المقنع: 346 - الطبعة الحديثة -

حمل و إن كان علقة، سواء ظهر فيه خلق آدميّ من عين أو ظفر أو يد أو رجل، أو لم يظهر، لكن تقول القوابل بأنّ فيه تخطيطا باطنا، لا يعرفه إلاّ أهل الصّنعة، أو تلقي دما مستجدا ليس فيه تخطيط ظاهر و لا باطن لكن شهدت القوابل انّه مبدأ خلق آدميّ، لو بقي لتخلّق و تصوّر، أمّا لو ألقت دما لا يعلم هل هو ما يخلق فيه الآدمي أو لا؟ فإنّ العدّة لا تنقضي به، و قال الشيخ: لو ألقت نطفة أو علقة انقضت بها العدة.(1)

5559. الثالث:

لو طلّقت فادّعت الحمل، صبر عليها تسعة أشهر، هي أقصى مدّة الحمل، ثمّ لا يلتفت إلى دعواها، و في رواية(2) سنة، و كذا لو وضعت ولدا فادّعت بقاء آخر على أحد القولين.

5560. الرابع:

لو كانت حاملا باثنين ولدتهما، و بينهما أقلّ من ستّة أشهر، للشيخ قولان: أحدهما أنّها تبين بوضع الأوّل، و لا تحلّ للأزواج حتّى تضع الجميع(3)، و الثاني أنّها إنّما تبين بوضع الجميع(4) و هو الأقوى، و كذا لو ارتجعها و قد خرج بعض ولدها صحّت الرجعة، و لا تبين إلاّ بوضع جملة الولد.

5561. الخامس:

لعلمائنا قولان في الحامل هل ترى دم الحيض أم لا؟ فإن قلنا بالأوّل لم تنقض العدّة به بل بوضع الحمل.

ص: 159


1- . المبسوط: 240/5.
2- . الوسائل: 441/15، الباب 25 من أبواب العدد، الحديث 1.
3- . ذهب إليه الشيخ في النهاية: 517 و 534.
4- . و هو خيرته في المبسوط: 241/5، مدّعيا عليه الإجماع إلاّ عن عكرمة فإنّه قال: تنقضي بوضع الأوّل.
5562. السادس:

تعتدّ الحامل من الزنا إذا طلّقها الزوج بالأشهر لا بالوضع من حين الطلاق، و لا اعتبار بالحمل، و من الشبهة تعتدّ بالوضع لمن التحق به، و بالأشهر بعدّة الطلاق، و لا تتداخل العدّتان.

و لو زنت امرأة خالية من بعل فحملت، لم تكن عليها عدّة من الزنا، و جاز لها التزويج، و لو لم تحمل، فالأقرب أنّ عليها العدّة.

5563. السابع:

إذا اتّفقا على زمان الوضع، ثمّ ادّعت وقوع الطلاق قبله، و ادّعى هو البعديّة، قدّم قوله مع اليمين.

و لو اتّفقا على زمان الطلاق، و ادّعى تقدّم الولادة عليه، و ادّعت تأخّرها، قدّم قولها مع اليمين.

و لو جهلا الزمانين(1)، لكن ادّعى سبق الولادة و ادّعت سبق الطلاق، قدّم قوله، لأصالة بقاء الرّجعة، و لو جهلا السبق أيضا، فللزّوج الرجعة، لأصالة البقاء، و يستحبّ له تركها لجواز الانقضاء(2) و لو ادّعى تأخّر الطلاق عن الولادة، فقالت: لا أعلم، لم يكن جوابا، و ألزمت التصديق أو التكذيب، فإن نكلت حلف، و كذا لو قالت: تأخّرت الولادة، فقال: لا أعلم، كلّف أحد الأمرين، فإن نكل حلفت.

5564. الثامن:

لو أتت بولد بعد الطلاق لتسعة فما دون من حين الطلاق، لحقه في البائن و الرّجعي، سواء أقرّت بانقضاء العدّة أولا، و استحقّت النفقة و السكنى

ص: 160


1- . مع العلم بسبق أحدهما على الآخر في مقابل ما يأتي من الجهل بالسبق أيضا.
2- . أي لاحتمال انقضاء العدة في الواقع.

حتّى تضع، و إن كان لأكثر و كان بائنا لم يلحقه، و ينتفي بغير لعان، و تنقضي العدّة بوضعه، لإمكان كونه منه.

و إن كان رجعيّا لحق به إن أتت به لدون أكثر زمان الحمل من وقت انقضاء العدّة، و إن أتت به لأكثر لم يلحقه.

و لو وضعته لأكثر من تسعة أشهر من حين الطلاق البائن أو من حين انقضاء عدّة الرجعيّ، فادّعت أنّه تزوّجها بعقد جديد، و صدّقها، حكم عليه بالمهر و النفقة، و ثبت الفراش، فإن اعترفت أو قامت البيّنة بولادة هذه الولد، لحقه، و إلاّ فالقول قوله مع اليمين على نفي العلم بولادتها.

و إن أنكر قبل قوله مع اليمين، فإن نكل، حلفت، و ثبت النكاح، فإن ثبتت الولادة [بالبيّنة]، لزمه الولد بالفراش، و لم ينتف إلاّ باللّعان، و إن نكلت لم يثبت النكاح، و في إلحاق الولد إشكال.

فلو مات الزّوج و خلّف ولدا واحدا، فحكمه حكم الزوج، إلاّ أنّه يحلف على نفي العلم بالنكاح، لا نفيه،(1) و ليس له أن يلاعن مع الاعتراف بالفراش و الولادة، و كذا لو كان أكثر، و صدّقوها.

و إن صدّقها واحد، و كذّبها آخر و حلف، أخذ من المصدّق بنسبة حصّته من الميراث، و لا يثبت النسب بإقراره، إلاّ أن يكونا عدلين.

و كذا المرأة تأخذ بالنّسبة من حصّة المقرّ، و لو كانا عدلين، أخذت من الجميع، و كذا البحث لو كان الوارث غير ولد.

ص: 161


1- . في «أ»: إلاّ أنّه يحلف على نفي العلم بالنكاح، و في إلحاق الولد إشكال لا نفيه.

و لو أنكر الوارث [ما ادّعته] حلف، و إن نكل حلفت و ثبت المهر و الفراش، و إن نكلت، قوّى الشيخ عدم إتيان اليمين إلى أن يبلغ الولد.(1)

5565. التاسع:

لو تزوّجت في عدّتها فرّق بينهما، و لا تنقطع العدّة للأوّل إن لم يدخل الثاني أو دخل مع علم التحريم و العدّة، و لو دخل مع جهل أحدهما لحقه النسب، و صارت فراشا، و انقطعت عدّة الأوّل، و يفرّق بينهما، و تكمل عدّة الأوّل، ثمّ تستأنف أخرى للثاني إن لم تكن حاملا، و إن كانت حاملا من الأوّل، بأن تأتي به لأقلّ من ستّة أشهر من وطء الثاني، و لتسعة فما دون من وطء الأوّل، اعتدّت بوضعه من الأوّل، و استأنفت ثلاثة أقراء بعده للثاني، فعلى الأوّل النفقة و له الرجعة مدّة الحمل، و إن التحق بالثاني اعتدّت بوضعه له، ثمّ استأنفت كمال العدّة للأوّل، و له مراجعتها بعد الوضع في كمال عدّته، و هل له الرّجعة في زمان الحمل؟ قوّى الشيخ ذلك،(2) و لا يمنع تحريم الوطء من الرجعة كالإحرام، و إن أمكن إلحاقه بهما أقرع، فمن خرج اسمه ألحق به، و اعتدّت بوضعه له، و للآخر بثلاثة أقراء بعده.

و إن لم يمكن إلحاقه بأحدهما، أكملت بعد وضعه عدّة الأوّل، ثمّ استأنفت أخرى للثاني.

5566. العاشر:

كلّ فسخ عدا اللّعان و الموت، فإنّ حكمه حكم الطلاق في الاعتداد بوضع الحمل منه.

ص: 162


1- . المبسوط: 245/5.
2- . المبسوط: 246/5.
الفصل الرابع: في عدّة الوفاة
اشارة

و فيه ستّة عشر بحثا:

5567. الأوّل:

الحرّة المنكوحة بالعقد الصحيح إذا مات زوجها لم تخل إمّا أن تكون حاملا منه أولا، فإن لم تكن حاملا اعتدّت بأربعة أشهر و عشرة أيّام، سواء كانت صغيرة أو لا، بالغا كان زوجها أو لا، دخل بها أو لا.

و إن كانت حاملا اعتدّت بأبعد الأجلين، فإن وضعت قبل انقضاء أربعة أشهر و عشرة أيّام، صبرت حتّى تنقضي، و إن انقضت قبل وضعها تصبر حتّى تضع.

5568. الثاني:

الحامل يكون أوّل عدّتها من حين الموت، فإن وافق أوّل الهلال اعتدّت بأربعة أشهر هلاليّة، ثمّ عشرة أيّام من الخامس، و تبين لغروب الشمس من عاشره.(1)

و إن كان في أثناء الشهر أو في بعض يوم، حسبت ما بقي من الشهر، و احتسبت بثلاثة أشهر بالهلال، و تتمّ من الخامس ثلاثين يوما إلى مثل ذلك الوقت الّذي مات فيه.

و لا فرق بالاعتداد بأربعة الأشهر و عشرة الأيّام بين أن تحيض فيها أو لا.

ص: 163


1- . في «ب»: من عاشرة.
5569. الثالث:

لو مات صبيّ له دون تسع سنين، و امرأته حامل، اعتدّت بالشهور دون الحمل، سواء ظهر الحمل بعد موته أو قبله، ثمّ إن كان الحمل لشبهة أو عقد فاسد، اعتدّت به عن الملحق به، ثمّ بعد الوضع تعتدّ بالأشهر عدّة الوفاة، و إن كان من زنا لم تعتدّ له، و اعتدّت بأربعة أشهر و عشرة أيّام من حين الموت.

5570. الرابع:

إذا وضعت بعد الشهور، خرجت من العدّة بمجرّد الوضع، و لا يشترط في ذلك خروجها من النفاس، و كذا في الطلاق، و إذا تزوّجت(1) لم يجز الدخول حتّى تطهر.

5571. الخامس:

المنكوحة بعقد الشبهة إن(2) لم يدخل بها و فرّق بينهما، فلا عدّة، سواء مات العاقد أو لا، و إن دخل و فرّق بينهما، اعتدّت بثلاثة أقراء من حين الفرقة إن كانت من ذوات الحيض، و إن كانت من ذوات الشهور اعتدّت بثلاثة أشهر، و إن كانت حاملا اعتدّت بوضع الحمل، و لا تعتدّ عدّة الوفاة، بل تعتدّ لو مات قبل أن يفرّق بينهما بما فصّلناه.

5572. السادس:

إذا طلّق زوجته بائنا، فإن مات في العدّة أكملت عدّة الطلاق، و إن كان رجعيّا استأنفت عدّة الوفاة، و انقطعت عدّة الطلاق، و إن كانت قد خرجت العدّة ثمّ مات، لم تكن عليها عدّة أخرى.

و لو راجعها في العدّة ثم طلّقها رجعيّا قبل المسيس ثانيا و مات، استأنفت عدّة الوفاة، و إن كان بائنا استأنفت عدّة الطلاق.

ص: 164


1- . في «أ»: و كذا في الطلاق إذا تزوّجت.
2- . في «ب»: و إن.

أمّا لو كان الطلاق الأوّل بائنا ثمّ جدّد عقدا آخر، و طلّقها قبل الدخول ثمّ مات، فإنّها تكمل عدّة الطلاق.

5573. السابع:

لو طلّق واحدة غير معيّنة، فإن قلنا: التعيين شرط فلا عبرة بذلك الطلاق، و إن لم نجعله شرطا و مات قبل التعيين، اعتدّت كلّ واحدة بعدّة الوفاة، سواء دخل بهنّ أو لا.

و لو كنّ حوامل اعتددن بأبعد الأجلين، و سواء أ كان الطلاق بائنا أو رجعيّا، تغليبا لجانب الاحتياط.

و لو عيّن قبل الموت انصرف إلى المعيّنة، و اعتدّت للطلاق من حين إيقاعه مبهما لا من حين تعيينه؛ قاله الشيخ(1).

و يحتمل من حين التعيين، فإن كان الطلاق بائنا و مات قبل إكمالها أكملت عدّة الطلاق، و إن كان رجعيّا استأنفت عدّة الوفاة.

و لو مات بعد مضيّ ثلاثة أشهر أو ثلاثة أقراء من حين إيقاع الطلاق، و قيل: ذلك من حين التعيين، فعلى قول الشيخ بانت و لا تستأنف أخرى، و على الاحتمال تستأنف عدّة الوفاة، و ترث.

و لو كان الطلاق معيّنا، ثمّ اشتبه و مات قبل أن يبيّن(2)، فإن لم يدخل بهما اعتدّت كلّ واحدة بأربعة أشهر و عشرا، و إن كانتا حاملتين اعتدّت كلّ واحدة بأبعد الأجلين، و إن كانتا حائلتين و مات عقيب الطلاق بلا فصل، اعتدّت كلّ واحدة بأبعد الأجلين من مضيّ ثلاثة أقراء أو أربعة أشهر و عشرا، فإن مضت مدّة

ص: 165


1- . المبسوط: 252/5.
2- . في «أ»: قبل أن يتعيّن.

حاضت فيها كلّ واحدة قرءا، اعتدّت كلّ واحدة بأبعد الأجلين من قرءين أو أربعة أشهر و عشر.

5574. الثامن:

المطلّق تعتدّ زوجته من حين الطّلاق، سواء كان حاضرا أو غائبا، فلو أوقع الطّلاق غائبا و لم يثبت(1) حتّى مضت مدّة العدّة، جاز لها التزويج من غير استئناف عدّة أخرى.

و لو علمت الطلاق و لم تعلم وقت إيقاعه، اعتدّت من حين البلوغ.

و لو مات الحاضر اعتدّت للوفاة من حين الموت، و لو كان غائبا اعتدّت من حين بلوغ الخبر، سواء كان المخبر عدلا أو لا، لكن لم تنكح إلاّ بعد ثبوت الوفاة و الفائدة الاكتفاء بتلك العدّة.

5575. التاسع:

المتمتّع بها إن كانت حرّة و مات زوجها قبل انقضاء أيامها، كانت عدّتها أربعة أشهر و عشرة أيّام، و قيل: شهران و خمسة أيّام، و هو ضعيف، سواء دخل بها أو لا إن كانت حائلا، و إن كانت حاملا كانت عدّتها أبعد الأجلين كالدائم، و لو مات بعد انقضاء الأجل أتمّت عدّة الفرقة إمّا حيضتان أو شهر و نصف، لأنّ انقضاء الأجل كالطلاق البائن.

و عدّة الأمة في الوفاة شهران و خمسة أيّام، و إن كانت حاملا فأبعد الأجلين.

5576. العاشر:

يجب على المتوفّى عنها زوجها دائما كان أو منقطعا، الحداد(2) و هو: صفة في العدّة، و هو أن تتجنّب المعتدّة كلّما تدعو النفس إليها،

ص: 166


1- . أي لم يثبت الطلاق عند الزوجة و لم تعلم به بقرينة قوله: «و لو علمت».
2- . قال في المسالك: 276/9: الحداد فعال من الحدّ، و هو لغة المنع، يقال: أحدّت المرأة تحدّ إحدادا، و حدّت تحدّ حدادا أي منعت نفسها من التزيّن.

مثل الطّيب و الزينة و لبس المطيّب و التزيين بخضاب و دهن و غيره، سواء كانت الزوجة صغيرة أو كبيرة مسلمة أو ذمّية.

و تردّد ابن إدريس في الصغيرة، لأنّ الحداد تكليف و ليست من أهله،(1)و على قول الشيخ يتولّى منها الوليّ (2) و للشيخ في الأمة المزوّجة قولان:

أحدهما أنّه لا حداد عليها(3) و الآخر عليها الحداد(4) و هو قول ابن إدريس(5)و عندي في ذلك نظر.

5577. الحادي عشر:

لا حداد على غير المتوفّى عنها زوجها من المعتدّات، سواء كانت عدّة رجعيّة(6) أو بائن أو فسخ أو ردّة أو لعان أو غير ذلك.

و الأقرب أنّ المفقود زوجها عليها الحداد، و لو مات الواطئ بالشبهة اعتدّت الموطوءة عدّة الطلاق حاملا كانت أو حائلا و لا حداد عليها، و كذا لا حداد على أمّ الولد لموت سيّدها.

5578. الثاني عشر:

الإحداد إنّما هو في البدن، و هو أن تجتنب كلّما يجلب الأبصار إليها و يدعوا إلى مباشرتها من تحسين و تطيّب و زينة، أمّا المسكن فلها ان تسكن حيث شاءت، حسنا كان أو غيره.

و الدّهن الطيب كدهن الورد و البان و البنفسج لا يجوز لها استعماله في

ص: 167


1- . السرائر: 739/2.
2- . قال الشيخ في المبسوط: 265/5: و الوليّ يأخذها بذلك. و قال في الخلاف: 73/5: و ينبغي لوليّها أن يجنّبها ما يجب على الكبيرة اجتنابه من الحداد.
3- . و هو خيرته في النهاية: 537.
4- . ذهب إليه الشيخ في المبسوط: 265/5.
5- . السرائر: 745/2.
6- . في «ب»: رجعيّ.

بدنها، و غير الطيب كالشيرج و السمن و البزر يجوز استعماله في غير الشعر.

و لو نبتت لها لحية منعت من دهنها.

و الكحل الأسود لا يجوز لها استعماله، فإن اضطرّت استعملته ليلا، و مسحته نهارا، و الأبيض كالتوتيا(1) يجوز استعماله ليلا و نهارا و تجتنب الكحل بالصبر، لما فيه من تحسين العين، و الدّمام(2) و هو الكلكون، و هو تحمير الوجه، لا يجوز لها استعماله، و كذا اسفيذاج(3) العرائس و الخضاب و الحليّ من ذهب أو فضّة، و تجتنب الطيب في ثيابها و بدنها و الغالية و إن ذهبت رائحتها، لأنّها تسوّد فهي خضاب، و لا يحرم تقليم الأظفار و لا حلق العانة، و لا يمنع من لبس الفاخر من الثياب كالمرويّ (4) المرتفع، و السابوري،(5) و الدّبيقي،(6)و القصب،(7) و غير ذلك ممّا يتّخذ من قطن، أو كتّان، أو صوف، أو وبر.

و ما يتّخذ من الإبريسم، قال الشيخ: الأولى تجنّبه سواء اتّخذ بصبغ أو غيره.(8)

ص: 168


1- . دواء يجعل في العين.
2- . قال الفيومي في المصباح المنير: الدمام - بالكسر - طلاء يطلى به الوجه، و يقال: الدمام: الحمرة الّتي تحمر النساء بها وجوههنّ.
3- . و في المجموع للنووي: 34/20؛ و الإسفيذاج: صبغ أبيض و هو لمسمّى بلغة العامّة اسبيذاج.
4- . منسوب إلى مرو بلد بخراسان.
5- . في المصباح المنير: السابري، نوع رقيق من الثياب قيل نسبة إلى سابور كورة من كور فارس. و في نسخة «أ»: «النيسابوري».
6- . في المصباح المنير: الدّبيقي بفتح الدال من دقّ: ثياب مصر، قال الأزهري: و أراه منسوبا إلى قرية اسمها دبيق.
7- . قال الفيومي في المصباح المنير: القصب: ثياب من كتّان ناعمة واحدها قصبي على النسبة.
8- . المبسوط: 264/5.

أمّا الثوب المصبوغ، فإن كان الصبغ لنفي الوسخ عنه، كالسواد فإنّه جائز، و كذا الديباج الأسود، و إن كان للزينة، كالحمرة و الصفرة و غيرهما، فإنّها يمنع منها.

و ما تردّد بين الزينة و غيرها كالأخضر و الأزرق، فإن كانت مشبعة يضرب إلى السواد، لم تمنع منه، و إن كانت صافية تميل إلى الحمرة منعت.

5579. الثالث عشر:

الذميّة تجب عليها العدّة و الحداد، سواء كان الزوج مسلما أو كافرا.

5580. الرابع عشر:

لا يجوز للمعتدّة أن تتزوّج قبل إكمال عدّتها، سواء كانت عدّة بائن أو رجعيّ، و سواء كانت عدّة وفاة أو طلاق، و سواء دخل الأوّل أو لا في الوفاة.

فإن تزوّجت وقع فاسدا، لا يتعلّق به حكم إلاّ سقوط نفقتها و سكناها، لنشوزها، و لا تنقطع العدّة، لأنّها لم تصر فراشا، فإن وطئها الثاني مع علم التحريم(1) أو علمه خاصّة، فلا عدّة له، و إن جهلا معا، أو جهل الرجل خاصّة، كان له عدّة بعد الأوّل إن كانت حائلا، و لا تتداخل العدّتان، و إن كانت حاملا فكذلك، لكن تقدّم عدّة الثاني هنا.(2)

و لو خالعها ثمّ عقد عليها قبل انقضاء العدّة، انقطعت العدّة، فإن طلّقها قبل الدخول لم يكن عليها عدّة، و قوّاه الشيخ(3) بعد حكمه بوجوبها.

و لو طلّقها بائنا ثمّ وطئها لشبهة، فالأقرب تداخل العدّتين، لأنّهما لواحد، سواء كانت حاملا أو حائلا.

ص: 169


1- . كذا في النسختين، و لعلّ الصحيح «مع علمهما بالتحريم» في مقابل قوله «و إن جهلا معا».
2- . أي إذا حملت من الثاني اعتدّت بالوضع من الثاني، و أكملت عدّة الأولى بعد الوضع.
3- . المبسوط: 269/5.

و لو اشترى الجارية بعد طلاقها و مضى بعض العدّة، فان لم يعلم، تخيّر في الفسخ، فإن اختار الإمضاء أو كان عالما، سقط خياره، و ليس له وطؤها حتّى تنقضي العدّة، فإذا انقضت قال الشيخ: لا تحلّ حتّى يستبرئها، و لا يدخل الاستبراء في العدّة، لأنّهما حقان لآدميّين.(1) و عندي في ذلك نظر.

5581. الخامس عشر:

لو ظنّ حرّة على فراشه زوجته فوطئها، فلا حدّ، و عليه مهر المثل، و يلحقه النسب، و عليها عدّة الحرّة، و لو كانت المرأة عالمة بالتحريم، و جهل الواطئ، لحقه النسب، و وجبت له العدّة، و حدّت المرأة، و لا مهر.

و لو كانت أمة فكذلك، إلاّ في العدّة فإنّها عدّة أمة، و المرويّ أنّ عليه عوض مهر الأمة العشر أو نصفه على التفصيل، و على الواطئ قيمة الولد يوم سقوطه حيّا للسيّد.

و لو اعتدّت من المحلّل، فتزوّجها الأوّل في العدّة، فكان حكمه حكم الأجنبيّ في التحريم المؤبّد و عدمه.

5582. السادس عشر:

المطلّقة رجعيّا لها النفقة و إن كانت حاملا مدّة العدّة يوما فيوما، و البائن لا نفقة لها إن كانت حائلا، و إن كانت حاملا فلها النفقة يوما فيوما، و لا ينتظر وضعها.

و نكاح الشبهة لا نفقة فيه، إلاّ أن تكون حاملا فتثبت النفقة للحمل.

فإذا تزوّجت في عدّتها و حملت و قلنا: النفقة للحامل، لم يجب لها نفقة، لاحتمال أن يكون من الأوّل، فتستحقّ النفقة، و من الثاني فلا تستحق، فلا تدفع

ص: 170


1- . المبسوط: 270/5.

إليها بالشكّ، فإن وضعته و له مال أنفق منه، و إلاّ منهما حتّى يلتحق بأحدهما بالقرعة، و يطالب الزّوج بنفقة أقصر المدّتين من مدّة الحمل و مدّة الأقراء.

و إن قلنا [النّفقة] للحمل، استحقّت النفقة عليهما نصفين مدّة الحمل، و مع الوضع ينفق من مال الولد إن كان له مال، و إلاّ وجبت نفقة أقصر المدّتين، لأنّها قد أخذت النفقة لمدّة الحمل، فلا تستحق المطالبة لغيره.

و لو كان الطلاق بائنا فكذلك، إلاّ أنّها لا ترجع بعد الوضع، كما قلنا هناك:

ترجع بنفقة أقلّ المدّتين.

الفصل الخامس: في المفقود
اشارة

و فيه ستّة مباحث:

5583. الأوّل:

الغائب إذا كانت غيبته غير منقطعة يعرف خبره، فالزّوجية باقية، و إن بعدت المسافة و طالت الغيبة، ما لم يثبت وفاته.

و إن كانت منقطعة لا يسمع خبره و لا يعلم حاله من حياة و موت، فإن صبرت المرأة فلا بحث.

و إن رفعت أمرها إلى الحاكم، أجّلها أربع سنين من حين الرفع، و بعث في طلبه و معرفة حاله في الآفاق، فإن عرفت حياته وجب عليها الصبر أبدا، و أنفق عليها الحاكم من بيت المال إن لم يكن له مال.

و إن لم يعرف خبره و مضت المدّة، فإن كان للغائب وليّ ينفق عليها،

ص: 171

وجب عليها الصبر أبدا، و إن لم يكن له وليّ، فرّق الحاكم بينهما، و اعتدّت عدّة الوفاة من حين التفريق، و جاز لها التزويج عند خروج العدّة.

5584. الثاني:

لو جاء الغائب و قد خرجت من العدّة و نكحت، فلا سبيل عليها، لأنّ عقده سقط اعتباره في نظر الشرع، و كذا إن جاء بعد خروج العدّة قبل النكاح على الأقوى.

أمّا لو جاء و هي في العدّة، فهو أملك بها إجماعا، و كذا لو ظهر موته بعد نكاح الثاني و لا عدّة ثانية عليها، سواء كان موته قبل العدّة أو معها أو بعدها.

5585. الثالث:

إذا صبرت وجبت لها النفقة دائما، و إن رفعت أمرها إلى الحاكم و أجّلها أربع سنين، وجبت النفقة فيها أيضا، أمّا في زمن العدّة فلا نفقة لها، سواء عاد زوجها قبل الانقضاء أو لا.

5586. الرابع:

لو ظاهر الغائب، أو آلى، أو قذف، أو طلّق فإن كان في زمن العدّة أو قبلها صحّ، و لزمه ما يلزم الزّوج الحاضر، و إن اتّفق بعدها لم يعتدّ به.

5587. الخامس:

لو أتت بولد بعد التزويج لستّة أشهر فصاعدا، حكم به للثاني، فإن ادّعاه الأوّل بسبب الزّوجية القديمة لم يسمع منه، و إن قال: إنّي دخلت سرّا و وطئتها، قال الشيخ: يستخرج بالقرعة(1) و ليس بمعتمد، بل الوجه لحوقه بالثاني.

و لو مات الغائب بعد العدّة لم ترثه و لم تعتدّ له ثانيا، و كذا لو ماتت هي، سواء عقد الثاني أو لا.

و لو مات أحدهما في العدّة، فالأقرب أنّ الآخر يرثه.

ص: 172


1- . المبسوط: 281/5.
الفصل السّادس: في عدة الإماء و الاستبراء
اشارة

و فيه ثلاثة عشر بحثا:

5588. الأوّل:

إذا كانت الزوجة أمة و طلّقت قبل الدخول، فلا عدّة عليها، و إن كان بعده و كانت حائلا، فعدّتها قرآن هما طهران إن كانت من ذوات الحيض، و أقلّ مدّة انقضائها ثلاثة عشر يوما و لحظتان، الأخيرة دلالة(1) كالحرّة، و إن كانت من ذوات الشهور، فعدّتها شهر و نصف، سواء كان زوجها حرّا أو عبدا.

و لو كانت حاملا، فعدّتها وضع الحمل إجماعا.

5589. الثاني:

لو اعتقت قبل الطلاق فعدّتها عدّة الحرّة، و لو اعتقت بعده، فإن كان الطلاق بائنا أتمّت عدّة الأمة، و إن كان رجعيّا أكملت عدّة الحرة، هذا إذا أعتقت في العدّة، فإن اعتقت بعدها، لم يجب الإكمال.

5590. الثالث:

لو طلّق العبد الأمة واحدة بعد الدخول، ثمّ اعتقت، فان اختارت الفسخ فلا رجعة له، و أكملت عدّة الحرّة، و لا يجب استئناف العدّة، و إن أمسكت من غير اختيار و انقضت العدّة من غير رجعة بانت، و العدّة عدّة الحرّة، و إن راجع ثبت لها الخيار على الفور، فإن اختارت الفسخ، فالأقرب أنّها تستأنف عدّة حرّة لا تكملها(2).

ص: 173


1- . أي دليل على انقضاء العدّة لا جزء منها.
2- . في «ب»: لا تكميلها.

و لو طلّق زوجته، حرّة أو أمة، رجعيّا، ثمّ راجعها، انقطعت العدّة، فإن طلّقها استأنفت العدّة، و لا تكملها قطعا، سواء وطئها بعد المراجعة أولا.

و لو خالعها، ثمّ تزوّجها، ثمّ طلّقها، ثمّ راجعها، ثمّ خالعها قبل الدخول، لم يكن عليها عدّة، قال الشيخ(1): و الأحوط استئناف العدّة، و كذا لو خالعها بعد الدخول، ثمّ تزوّجها، ثمّ طلّقها قبل الدخول.

5591. الرابع:

عدّة الذميّة كالحرّة في الطلاق و الوفاة.

5592. الخامس:

عدّة الأمة في الوفاة إن كانت حائلا، شهران و خمسة أيّام، و إن كانت حاملا فأبعد الأجلين.

و لو كانت أمّ ولد لمولاها، و مات زوجها، فعدّتها أربعة أشهر و عشرة أيّام، و إن كانت حاملا فأبعد الأجلين.

5593. السادس:

أمّ الولد من المولى إذا طلّقها زوجها و مات في العدّة، إن كان رجعيّا استأنفت عدّة الحرّة أربعة أشهر و عشرة أيّام، و إن كانت حاملا فأبعد الأجلين، و إن كان بائنا، أكملت عدّة الطلاق.

و لو كانت الأمة غير أمّ ولد، و مات زوجها في العدّة، استأنفت للوفاة عدّة الأمة إن كان الطلاق رجعيّا، و إن كان بائنا أتمّت عدّة الطلاق خاصّة.

5594. السابع:

لو مات زوج الأمة ثم اعتقت في العدّة، أتمّت عدّة الحرّة، و لو دبّر المولى جاريته الّتي يطأها ثمّ مات، اعتدّت بعد وفاته بأربعة أشهر و عشرة أيّام، و لو أعتقها في حياته اعتدّت بثلاثة أقراء لوطئه.

ص: 174


1- . المبسوط: 250/5.
5595. الثامن:

لا فرق بين انتقال الجارية بالبيع و غيره من وجوه الانتقالات كالاستغنام، و الصلح، و الميراث، و غير ذلك في الاستبراء، فمن يجب استبراؤها مع البيع يجب مع غيره، و من يسقط استبراؤها هناك يسقط هنا، فكلّ من اشترى جارية حرم عليه وطؤها إلاّ بعد الاستبراء بقرء واحد ما لم تكن صغيرة دون البلوغ، أو آيسة.

و لو كان له زوجة فابتاعها، بطل النكاح، و حلّ له وطؤها من غير استبراء، و استبراء المملوك كاف في حقّ المولى.

و يحرم وطء المكاتبة، فإذا انفسخت حلّ من غير استبراء.

و لو تاب المرتدّ من المولى أو الأمة، لم يجب الاستبراء.

و لو طلّقت الأمة بعد الدخول حرم على المولى الوطء قبل العدة، و كفت عن الاستبراء.

و لو ابتاع حربيّة فاستبرأها، لم يجز وطؤها حتّى تسلم، فإن أسلمت كفى الاستبراء الأوّل، و كذا لو ابتاع المحرم فاستبرأها، حلّ وطؤها بعد إحلاله من غير استبراء ثان.

5596. التاسع:

لو مات مولى الأمة الّذي كان يطأها اعتدّت بقرء واحد، سواء كانت أمّ ولد أو لا.

و لو زوّج السيّد أمّ ولده حرم عليه وطؤها، فإن مات السيّد لم يلزمها الاستبراء عنه.

و لو مات الزّوج أوّلا اعتدّت بأربعة أشهر و عشرة أيّام، و روي نصف

ص: 175

ذلك(1)، فإن مات السيّد قبل انقضاء عدّتها، لم يلزمها الاستبراء عنه أيضا، و لو انقضت العدّة قبل موت السيّد لم يكن عليها استبراء له.

و لو مات السيّد بعد الانقضاء لزمها الاستبراء عنه.

5597. العاشر:

إذا اشترى جارية وطئها بائعها، وجب عليه استبراؤها إن أراد وطئها أو تزويجها، و لو أراد أن يعتقها و يتزوّجها قبل الاستبراء، قال الشيخ: لم يكن له ذلك، و روي في بعض أخبارنا جوازه، و الأوّل أحوط، و لو لم يطئها البائع بأن كان صغيرا، أو مجبوبا، أو عنّينا، أو امرأة، أو كان قد وطئها و استبرأها، قال الشيخ: لم يجز له وطؤها قبل الاستبراء، و يجوز تزويجها قبل ذلك، و روي في بعض أخبارنا جواز وطئها إذا اشتراها من امرأة، أو ثقة أخبر باستبرائها، قال:

و الأوّل أحوط(2).

5598. الحادي عشر:

يجوز لمشتري الجارية و سابيها التلذّذ بمباشرتها، و النظر إليها بشهوة، و سائر أنواع الاستمتاع و اللمس و غير ذلك سوى الوطء في القبل، فإنّه لا يجوز قبل الاستبراء في صور وجوبه.

5599. الثاني عشر:

إذا ورث جارية و استبرأها قبل القبض، اعتدّ بذلك الاستبراء، قال الشيخ: و لو كان ابتاعها و لم يقبضها فاستبرئت بحيضة ثمّ قبضها، لم يعتدّ به.(3) و ليس بجيّد.

ص: 176


1- . الوسائل: 473/15، الباب 41 من أبواب العدد، الحديث: 6-11.
2- . المبسوط: 286/5؛ و لاحظ الوسائل: 503/14-504؛ الباب: 6-7 من أبواب نكاح العبيد و الإماء.
3- . المبسوط: 287/5.

و استبراء الحامل بوضع الحمل، و لو ادّعى المشتري سبق الحمل على البيع، صدّق إن وضعته لأقلّ من ستّة أشهر من حين الوطء، و إلاّ كان القول قول البائع مع اليمين إن اشتبه و إلاّ فلا.

و لو ظهر الحمل و ادّعى البائع أنّه منه، و صدّقه المشتري، بطل البيع، و إن أكذبه، و لم يكن البائع أقرّ به قبل البيع، لم تقبل دعواه في بطلان البيع و كونها أمّ ولد، قال الشيخ: و الأقوى قبوله في النسب لعدم تضرّر المشتري به(1) و فيه نظر.

و إن كان [البائع] قد أقرّ به أوّلا، و وضعته لأقلّ من ستة أشهر بعد الاستبراء، لحقه الولد، و بطل البيع، و إن أتت به لأكثر من ستّة أشهر من وطئه، أو لم يكن قد وطئها، لم يلحقه، و كان مملوكا له، و إن أتت به لستّة أشهر فصاعدا، لحق به، و كانت أمّ ولد.

5600. الثالث عشر:

توضع الأمة مدّة الاستبراء عند المشتري، سواء كانت حسنة أو قبيحة.

ص: 177


1- . المبسوط: 289/5.
الفصل السابع: في نفقة المطلّقات
اشارة

و فيه تسعة عشر بحثا:

5601. الأوّل:

المطلّقة رجعيّا تستحقّ النفقة و السكنى، فلا يجوز لها الخروج من منزل الرجل الّذي طلّقت فيه، و يحرم عليه إخراجها منه، إلاّ أن تأتي بفاحشة، و هي أن تفعل ما يوجب الحدّ، فتخرج لإقامته، و أدنى ما تخرج لأجله، أن تؤذي أهله.

و لو اضطرّت إلى الخروج، جاز لها بعد انتصاف الليل، و ترجع قبل الفجر، و لا يشترط إذنه، و كذا تخرج لأداء الحجّ الواجب و إن لم يأذن، و لا يجوز لها في الندب إلاّ بإذنه.

5602. الثاني:

لا سكنى للمطلّقة بائنا، و لها أن تخرج أين شاءت من غير إذن، و له إخراجها أيضا، إلاّ أن تكون حاملا، و كذا لا نفقة لها إلاّ مع الحمل، فلها السكنى و النفقة حتّى تضع.

5603. الثالث:

النفقة تجب يوما فيوما مدّة العدّة و كذا المسكن، سواء كانت الزوجة مسلمة أو ذميّة أو أمة يرسلها مولاها ليلا و نهارا، و لو منعها ليلا أو نهارا فلا نفقة لها و لا سكنى.

و لا نفقة للموطوءة بالشبهة مدّة العدّة، إلاّ أن تكون حاملا، فتثبت لها النفقة حتّى تضع عند الشيخ.(1)

ص: 178


1- . نسب المحقّق هذا القول إلى الشيخ في الشرائع: 43/3؛ و لاحظ المسالك: 322/9.
5604. الرابع:

الرجعيّة ليس لها أن تخرج، و ليس لزوجها إخراجها من المسكن الّذي طلّقت فيه، و لو اتّفقا على الانتقال عنه، فالأقرب الجواز.

و لو أتت بالفاحشة و هي شتمة أهله أو ما يوجب الحدّ، نقلت عن المسكن إلى أقرب المواضع إليه، و لو شتمها أهله نقلهم عنها.

هذا إذا اتّحد المسكن، و لو كانت في منفرد لم تنقل عنه لعدم الفائدة، و لو كان المسكن ضيّقا انتقل الزوج و أهله، و استقرّت هي فيه مدّة العدّة.

5605. الخامس:

إذا خرجت من المنزل لإقامة الحدّ ردّت إليه بعد استيفائه، و لو أخرجت للشتم لم تعد إليه، و أسكنها في غيره، و لا يسقط حقّها من الإسكان بالفاحشة و الإيذاء.

5606. السادس:

إنّما يجب إسكانها في منزل الطلاق لو كان ملكا للزوج أو كانت له فيه إجارة أو إعارة لم يرجع صاحبها إلى انقضاء العدّة، و لو انقضت مدّة الإجارة قبل انقضاء العدّة، أو رجع المعير، نقلها إلى أقرب المواضع، و كذا لو خرب المنزل.

و لو كان قبل الطلاق في ملكها و طلّقها فيه، فإن أقامت فيه بإجارة منه أو إعارة جاز، و إن طلبت سكنى غيره لزمه، و كذا لو كانت الدار لأبويها و هي تسكن معهما فالحكم كالأجنبيّ.

5607. السابع:

يجب عليه إسكانها في منزل مثلها، و يختلف بالنّسبة إليها، فالرفيعة في منزل متّسع، و الوضيعة في منزل ضيق، و المعتبر بحالها حالة الطلاق، فلو كانت قبله في منزل أدون، كان لها المطالبة بالواجب و الارتحال عن

ص: 179

مسكن الطلاق إليه، و لو كانت في أرفع كان للزوج نقلها إلى الملائم و إبقاؤها، و لو أراد السكنى معها جاز مع اتّساع المنزل.

5608. الثامن:

لو باع المنزل بعد الطلاق، فإن كانت معتدّة بالشهور صحّ البيع، و إن كانت بالأقراء أو الوضع بطل.

و لو حجر عليه قبل الطلاق ضربت بأجرة المثل مع الغرماء، و لو كان بعده و لا مسكن له فكذلك، و لو كان المسكن له كانت أحقّ بالسكنى فيه.

و يجوز البيع للحاكم إن كانت معتدّة بالشهور قبل الانقضاء، و المتخلّف لها من أجرة المسكن يكون في ذمّته إلى الميسرة.

5609. التاسع:

المعتدّة بالأشهر تضرب بأجرة المثل فيها، و تضرب الحامل بأجرة أقلّ الحمل، و ذوات الأقراء بالأقلّ أيضا، فإن اتّفق، و إلاّ أخذت نصيب الزائد و أعادت إن فسد الحمل قبل الأوّل، لتضرب فيه هي و الغرماء بحسب ما بقي لهم.

و هل تضرب في أوّل المدّة بالجميع أو كلّ يوم بأوّله؟ فيه نظر، فإن أمكنها استئجار مسكن الطلاق بما ضرب لها تعيّن سكناها فيه، و إلاّ سكنت في أقرب المواضع إليه.

5610. العاشر:

لو أمرها بالانتقال ثمّ طلّقها، فإن كان قبله اعتدّت فيه، و إن كان بعد استقرارها في الثاني اعتدّت فيه، و إن كان في الطّريق اعتدّت في الثاني.

و الاعتبار بانتقال البدن دون القماش و العيال، و لو صارت في الثاني ثمّ عادت لنقل قماشها و عيالها، طلّقها فيه، اعتدّت في الثاني.

ص: 180

و لو أمرها(1) بالسفر ثمّ فطلّقها قبل الخروج، لم يجز لها السفر، و اعتدّت في منزلها.

و إن خرجت و لم تفارق المنازل، قوّى الشيخ وجوب العود إلى الأوّل(2)، فإن فارقت بنيان البلد لم يلزمها العود، و جاز لها، و لو كان أذن لها في الحجّ أو الزيارة أو النزهة، لزمها العود بعد قضاء الحجّ و مضيّ ثلاثة أيّام للزيارة أو النزهة، فإن لم تجد رفقة و خافت فلها الإقامة، و إن وجدت رفقة و أمنت، لزمها العود مع الأمر به إن علمت وصولها إلى البلد و قضاء باقي العدّة، و إن علمت عدم تمكّنها، قال الشيخ: الأقوى وجوب العود أيضا، لأنّها مأمورة به(3)و هو حسن.

و لو أذن لها في مقام مدّة في البلد الثاني، جاز لها المقام فيه تلك المدّة.

5611. الحادي عشر:

إذا أذن لها في الإحرام و أحرمت ثمّ طلّقها، خرجت لأداء الحجّ إن خافت فواته، ثمّ تعود و تقضي باقي العدّة، و إن اتّسع لهما إن كانت محرمة بعمرة(4)، قال الشيخ: الأليق بمذهبنا أنّها تقيم و تقضي عدّتها ثمّ تحجّ و تعتمر(5).

ص: 181


1- . قال الشيخ: إذا أذن لزوجته في الخروج من بلدها إلى بلد آخر ثم طلّقها ففيه أربع مسائل. المبسوط 257/5. و قد ذكرها العلاّمة متداخلة من غير تفصيل، فلاحظ.
2- . المبسوط: 258/5.
3- . المبسوط: 258/5.
4- . يأتي عدله في قوله: «و ان كان لحجّة».
5- . المبسوط: 259/5.

و لو طلّقها ثمّ أحرمت، أتمّت العدّة ثمّ أكملت العمرة، و إن كان [الإحرام] لحجّة فكذلك إن لم يكن قد فات الوقت، و إن فات تحلّلت بعمرة، و قضت إن كان واجبا في القابل.

5612. الثاني عشر:

لو أذن لها في الخروج إلى بلد أو منزل فخرجت ثمّ طلّقها، و اختلفا فقالت: نقلتني إلى هذا، فأنكر، قدّم قوله، لأنّه أعرف بقصده.

5613. الثالث عشر:

لو طلّق البدويّة جاز لها الانتقال إن انتقل جميع أهل حلّتها(1) أو جميع أهلها، و إن كان في الباقي منعة(2) و لو انتقلوا دون أهلها و كان فيهم منعة لم يجز لها الانتقال، و كذا لو هرب أهلها لخوف اختصّوا به إلاّ أن تشاركهم في الخوف.

5614. الرابع عشر:

لو خافت المرأة انهدام المسكن أو اللصوص أو ما أشبه ذلك، جاز لها الانتقال، و لو وجب عليها حقّ و كانت برزة استدعاها الحاكم لاستيفائه و المحاكمة.

5615. الخامس عشر:

لو طلّقها و لا مسكن له، وجب عليه أن يستأجر لها مسكنا، و لو كان غائبا استأجر الحاكم لها من ماله، فإن لم يجد له [مالا] أقرض عليه(3) و يجوز له أن يقرض إليها لتقرض عليه ما تستأجر به مسكنا.

ص: 182


1- . قال الفيومي في المصباح المنير: الحلّة - بالكسر - القوم النّازلون.
2- . قوّة و عدد، قال الفيومي في المصباح المنير: و هو في منعة بفتح النون: أي في عزّ قومه فلا يقدر عليه من يريده.
3- . و في المبسوط: 261/5: و إن لم يكن له مال و رأى الحاكم أن يستقرض عليه و يكتري لها فعل.

و لو استأجرت أو اقترضت من غير إذن الحاكم، لم يكن لها الرجوع مع وجود الحاكم، و ترجع مع فقده.

و لو وجد الحاكم من يتطوّع ببذل المسكن، لم يكن له الاقتراض.

و لو طلّقها في منزلها، و انقضت العدّة، و لم تطالب بالأجرة، لم يكن لها الرجوع بها، و كذا لو اكترت و سكنتها و لم تطالب بالأجرة حتّى انقضت العدّة، و لو طالبت في الأثناء كان لها الأجرة من وقت المطالبة.

5616. السادس عشر:

لو طلّق الساكن في السفينة، فحكمها حكم الدار، و لو لم تكن مسكنا، أو كانت دون مسكن مثلها، أسكنها أين شاء.

5617. السابع عشر:

لو مات فورث المسكن جماعة لم يكن لهم قسمته إن كان بقدر مسكنها إلاّ بإذنها أو مع انقضاء عدّتها، هذا إذا كانت حاملا.

5618. الثامن عشر:

لا نفقة للمتوفّى عنها زوجها، و لا سكنى لها و لو كانت حاملا، و قال الشيخ رحمه اللّه يثبت لها النفقة من مال ولدها(1) و ضعّفه المفيد(2).

و الأقوى خيرة المفيد.

5619. التاسع عشر:

المرتدّ عن فطرة تبين زوجته في الحال، و تقسم أمواله بين ورثته و تعتدّ عدّة الوفاة من حين الارتداد، و عن غير فطرة تعتدّ من حينه عدّة الطلاق.

و الزنديق من يبطن الكفر و يظهر الإيمان، و لا تقبل توبته.

ص: 183


1- . النهاية: 537.
2- . حكاه ابن إدريس في السرائر عن كتاب التمهيد لشيخنا المفيد، لاحظ السرائر: 738/2.

ص: 184

كتاب العتق و توابعه

اشارة

ص: 185

ص: 186

و فيه مقاصد

المقصد الأوّل: في العتق

اشارة

و فيه فصول:

الفصل الأوّل: في فضيلته و ماهيّته و صيغته و شرائطه
اشارة

و فيه ثمانية مباحث:

5620. الأوّل:

العتق فيه فضل كثير و ثواب عظيم بالنصّ و الإجماع، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

«من أعتق رقبة مؤمنة كانت فداءه من النار».(1)

و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «من أعتق مؤمنا أعتقه اللّه بكلّ عضو منه عضوا من النار، و إن كانت أنثى أعتق اللّه بكلّ عضوين منها عضوا من النار».(2)

ص: 187


1- . مستدرك الوسائل: 449/15، الباب 1 من أبواب كتاب العتق، الحديث 13؛ جامع أحاديث الشيعة: 295/19، الحديث 12.
2- . الوسائل: 5/16-6، الباب 3 من كتاب العتق، الحديث 1.

و قال الصادق عليه السّلام: «يستحبّ للرّجل أن يتقرّب عشية عرفة و يوم عرفة بالعتق و الصدقة»(1).

و لا خلاف في القربة به.

5621. الثاني:

العتق لغة الخلوص، و منه عتاق الخيل و عتاق الطير، أي خالصتها، و سمّي البيت عتيقا لخلوصه من أيدي الجبابرة.

و شرعا تخليص الرّقبة من الرّق، يقال عتق العبد و أعتقته أنا، و هو عتيق و معتق.

5622. الثالث:

صيغة العتق إمّا صريحة، و هو لفظان: التحرير، و الإعتاق، و إمّا كناية، مثل فككت رقبتك أو أنت سائبة، أو لا سبيل لي عليك، أو لا سلطان، أو اذهب حيث شئت و قد خليّتك.

و إنّما يقع بالصريح خاصّة دون الكنايات، سواء نوى بها العتق أو لا.

5623. الرابع:

يشترط في العتق الإتيان باللفظ الصريح مع النيّة، فلا يقع بمجرّد النيّة منفكّة عن اللفظ، و لا باللفظ الّذي ليس بصريح و إن نوى العتق، و لا باللّفظ الصّريح مجرّدا عن النيّة.

و لا تكفي الإشارة مع القدرة على النطق و لا الكتابة.

و من شرطه التجريد عن الشرط و الصّفة(2)، فلو علّقه بأحدهما لم يقع، و كذا لو قال: يدك حرّة، أو رجلك، أو غيرهما من الأعضاء لم يقع، بخلاف

ص: 188


1- . الوسائل: 5/16، الباب 2 من كتاب العتق، الحديث 2.
2- . في «أ»: أو الصّفة.

الجزء المشاع مثل نصفك أو ثلثك أو غيرهما، و كذا يقع بما يعبّر به عن الجملة مثل بدنك أو جسدك، و لا يقع من الحالف به.

و لو قال [لأمته] يا حرّة، و قصد العتق، ففيه نظر، ينشأ من بعد احتمال الإنشاء.

و لو قال لمن اسمها حرّة: أنت حرّة، تحرّرت مع قصد الإنشاء، و يصدّق في قصد الإخبار، و لو جهل لم يحكم بالحرّية، سواء كان اسمها القديم ذلك أو الحادث.

و لو قال: يا سيّدي، أو يا مولاي أو أنت سيّدي أو مولاي، لم يتحرّر بذلك و إن قصده.

و لو قال لعبد غيره: أعتقتك منشأ لغى، و مخبرا ينتزع بعد شرائه.

5624. الخامس:

من شرائط العتق صدوره من البالغ العاقل المختار القاصد إلى العتق، المتقرّب به إلى اللّه تعالى، الجائز التصرّف، فلا يقع من الطّفل و إن بلغ عشرا على الأقوى، و لا من المجنون، و لا من المكره، و لا الساهي، و الغافل، و السكران، و لا من غير المتقرّب به إلى اللّه تعالى، كمن أعتق لغرض دنيويّ من جلب نفع أو دفع ضرر.

و يبطل باشتراط التقرّب عتق الكافر، سواء كان ذمّيا أو حربيّا، لأنّه لا يعرف اللّه تعالى، و جوّزه في الخلاف(1).

و لا يقع من المحجور عليه لسفه أو فلس.

ص: 189


1- . الخلاف: 371/6، المسألة 12 من كتاب العتق.
5625. السادس:

يشترط في العتق الملك، فلا يقع العتق قبله، سواء علّقه به أو لا، نعم لو نذر عتقه عند ملكه صحّ، و كذا في كلّ عتق مشروط، فإنّه يقع بالنذر خاصّة.

و لو أعتق عبد غيره لم ينفذ و إن اشتراه بعد ذلك، و كذا لو أجاز المالك، و لو كان العبد لولده الصغير لم يصحّ عتقه، فإن قوّمه على نفسه ثمّ أعتقه، صحّ عتقه.

5626. السابع:

الأقرب عدم اشتراط تعيين المعتق، و لو أعتق أحد مماليكه، كان التعيين إليه مع الاحتمال وجوب القرعة، و لو عدل عمّا عيّنه إلى غيره، لم يقبل رجوعه.

و التعيين يكون بالقول، مثل: اخترت تعيينه في هذا، و هل يقع بالفعل؟ الأقرب ذلك، مثل: أن يطأ إحدى الجاريتين فتتعيّن الأخرى للعتق على إشكال، و الإشكال في اللمس بشهوة و النظر كذلك آكد.

أمّا الاستخدام، فالوجه أنّه لا يعيّن، و لو مات قبل التعيين، فالأقرب القرعة دون تعيين الوارث.

و لو ادّعى إرادة معيّن من المطلق صدّق و حلف للغير إن ادّعاه.

و لو أعتق معيّنا ثمّ نسيه، وجب الصبر حتّى يذكر، و يعمل بقوله في الذكر مع اليمين و لو ادّعى غير المعيّن إرادته، و لا يقبل رجوعه، و الأقرب عتقهما، و إن لم يذكر لم يستعمل القرعة ما دام حيّا، و لو مات أقرع، و لو ادّعى الوارث العلم رجع إليه مع اليمين، و لو ادّعاه الغير، فإن نكل قضي عليه و لو ضمّه إلى من لا يصحّ عتقه، كما لو قال: عبدي أو حماري حرّ، ففي صحّة ذلك نظر.

ص: 190

5627. الثامن:

يشترط إسلام محلّ العتق، فلا يجوز عتق المملوك الكافر، و قيل: يصحّ، و قيل: مع النّذر.

و يكره عتق المخالف و العاجز عن التكسّب، فإن فعل استحبّ له إعانته.

و يستحبّ عتق المؤمن خصوصا إذا ملك سبع سنين، و يجوز عتق المستضعف و ولد الزنا، و قول ابن إدريس(1) ضعيف عندي.

الفصل الثاني: فيمن يصحّ استرقاقه
اشارة

و فيه تسعة مباحث:

5628. الأوّل:

إنّما يسترقّ أهل الحرب، و هم جميع الكفّار عدا اليهود و النصارى و المجوس القائمين بشرائط الذمّة، و لو أخلّوا بها صاروا حربيّا، ثمّ يسري الرّق في أعقابهم و إن أسلموا بعد الاسترقاق.

5629. الثاني:

يجوز استرقاق جميع الكفّار و إن كان السابي لهم كافرا أو فاسقا، و كذا يجوز شراء ما يسبيه بعض الكفار منهم و أن يشتري من الكافر بعض أولاده أو زوجته أو أحد ذوي أرحامه إذا كانوا مستحقّين للسبي، و كذا يجوز شراء ما يسبيه الظّالمون، و كذا سبي المؤمنين.

ص: 191


1- . قال الحلّي في السرائر: 10/3: و الأظهر بين الطائفة أنّ عتق الكافر لا يجوز، و ولد الزنا كافر بلا خلاف بينهم.
5630. الثالث:

كلّ من أقرّ على نفسه من البالغين العقلاء بالعبوديّة مع جهالة حريّته يحكم برقّه، و كذا من قامت عليه البيّنة بالعبوديّة و إن كان صبيّا أو مجنونا أو أنكر، و كذا الملتقط في دار الحرب.

و لو كان العبد يباع في أسواق المسلمين، و يد المالك عليه، جاز شراؤه، و لا تقبل دعواه بالحريّة إلاّ بالبيّنة.

5631. الرابع:

من ملك أحد أبويه و إن علا أو أحد أولاده و إن نزل ذكورا كانوا أو إناثا، عتق عليه في الحال، سواء كان المالك ذكرا أو أنثى، و كلّ ذكر ملك إحدى المحرّمات عليه نسبا عتقت عليه في الحال.

و بالجملة كلّ من ملك بعض أبعاضه أعني أصوله و فروعه عتق عليه، سواء كان الملك باختياره كالشراء و الاتّهاب أو بغيره كالإرث و الاستغنام.

و يجوز أن يملك من الذكور و الإناث من عدا من ذكرناه كالأخ و العمّ و بنت الخال، و كذا المرأة، سواء كان وارثا أو لا، نعم يستحبّ عتق الأخ لو ملك، و كذا باقي ذوي الأرحام، و يتأكّد في الوارث.

و يتحقّق العتق في العمودين و المحرّمات من الإناث حين استقرار البيع، فلو اشترى بخيار للبائع عتق حين العقد لا حين الانقضاء.

5632. الخامس:

اختلف علماؤنا في الرضاع، فالشيخ على أنّ العمودين منه و المحرّمات من الإناث كالأخت و بنتها و بنت الأخ و العمّة و الخالة كالنسب في العتق(1)، و المفيد(2) و ابن إدريس على جواز استرقاقهم(3). و الأوّل عندي أقوى.

ص: 192


1- . المبسوط: 68/6؛ النهاية: 540؛ و الخلاف: 367/6، المسألة 5 من كتاب العتق.
2- . عطف على قوله: «فالشيخ».
3- . المقنعة: 599؛ و السرائر: 8/3.
5633. السادس:

لو ملك بعضا ممّن يعتق عليه عتق ذلك البعض، فان كان معسرا أو ملكه بغير اختياره لم يقوّم عليه، و إن ملكه موسرا باختياره، قال الشيخ:

يقوّم عليه(1).

و للوليّ قبول الوصيّة للطفل أو المجنون بمن يعتق عليه مع انتفاء الضّرر لا معه، و أن يقبل الوصيّة بالبعض منه إن كان معسرا لا موسرا على قول الشيخ(2).

و لو اشترى المريض قريبه عتق من الثلث ما يحتمله، و لو ملكه بوصيّة أو هبة احتمل أن يحتسب من رأس المال أو من الثلث، فعلى الأوّل يعتق على المحجور عليه للفلس و المديون المريض.

و لو اشتراه بمحاباة، فقدر المحاباة يخرج على الاحتمالين، و الباقي لا يعتق.

و لو قهر الحربيّ مثله صحّ بيعه، و لو قهر أباه فإشكال ينشأ من دوام القهر المبطل للعتق مع فرضه و دوام القرابة الموجبة للعتق.

و لو اشترى وكيله من يعتق عليه فكشرائه.

و لو أوصى له ببعض ابنه فمات قبل القبول، فقبله أخوه له، سري على الميّت على قول الشيخ إن خرج من الثلث، كما لو قبله حيا.

و لو أوصى له ببعض ابن أخيه، فمات فقبل أخوه، احتمل على قوله عدم العتق على الأخ.

ص: 193


1- . المبسوط: 68/6.
2- . المبسوط: 68/6-69.

و لو باع على الأب و الأجنبيّ صفقة، عتق عن نصيب الأب و سري إلى نصيب الشريك، و وجبت عليه القيمة على ما اختاره الشيخ.

و لو قال لمن هو أكبر منه: هو ابني، لم يعتق عليه بملكه له.

و لو ملك من ولده من الزنا، فالوجه أنّه لا يعتق عليه.

و لو اشترى أمة و حملها، عتقت(1) عليه خاصّة، فإن وضعته أنثى عتقت أيضا، و إلاّ فلا.

و لو اشترى الابن و الزوج الأمّ الحامل منه مع الحمل صفقة، عتقت الأمّ على الابن و غرم حصّة الزّوج عند الشيخ، فإن كان الولد أنثى عتقت عليهما، و لا يرجع أحدهما على الآخر بشيء، و إلاّ عتق على الزّوج، و رجع الابن بقدر نصيبه منه عليه.

و لو زوّج الشريكان الجارية من ابن أحدهما فولدت، عتق نصيبه على الجدّ، و لا يسري إذ لا اختيار.

5634. السابع:

إذا عمي المملوك أو جذم أو أقعد أو نكّل به صاحبه(2) عتق، و نزاع ابن ادريس في الأخير(3) ضعيف، لرواية أبي بصير الصحيحة عن الباقر عليه السّلام(4).

ص: 194


1- . في «أ»: أعتقت.
2- . في مجمع البحرين: تنكيل المولى بعبده بأن يجدع أنفه أو يقطع أذنه و نحو ذلك.
3- . السرائر: 8/3-9.
4- . الوسائل: 26/16، الباب 22 من كتاب العتق، الحديث 1.
5635. الثامن:

إذا أسلم المملوك في دار الحرب سابقا على مولاه، و خرج إلينا قبله، عتق عليه.

5636. التاسع:

من مات و له وارث مملوك لا غير، و خلّف ما يفي بثمنه، دفع إلى مولاه و عتق.

الفصل الثالث: في عتق السراية
اشارة

و فيه ستّة عشر بحثا:

5637. الأوّل:

من أعتق بعض عبده قلّ أو كثر، سرى إلى الباقي إن كان مشاعا و لا يستسعى العبد، و لو أعتق عضوا معيّنا لم يصحّ، سواء كان أمكن حياته بدونه، كاليد و الرّجل، أو لا يمكن كالرأس و البطن.

5638. الثاني:

لو أعتق شركا له في عبد قوّم عليه الباقي بشروط ثلاثة.

أن يكون موسرا بمال فاضل عن قوت يوم و دست ثوب(1) فمن عليه دين بقدر ماله، ففي كونه معسرا إشكال، و المريض معسر بالزائد عن الثلث، و الميّت معسر، فلو قال: إذا متّ فنصيبي منك حرّ، لم يسر، لانتقال ماله إلى الورثة، و لو كان معسرا بالبعض، فالأقرب السراية بذلك القدر.

ص: 195


1- . قال الطريحي في مجمع البحرين: الدّست من الثياب: ما يلبسه الإنسان و يكفيه لتردّده في حوائجه، و قيل: كلّما يلبس من العمامة إلى النّعل.

و أن يعتق باختياره(1) فلو ورث نصف قريبه لم يسر، و لو اتّهب أو اشترى فعند الشيخ يسري و يقوّم عليه نصيب الشريك.(2) و عندي فيه نظر.

و أن يتمكّن العتق من نصيبه أوّلا(3) فلو أعتق نصيب شريكه أوّلا لغى، و لو قال: أعتقت نصف هذا العبد، عتق جميع نصيبه أوّلا، و قوّم عليه نصيب الشريك، و الأقرب أنّه فيما لو قال: بعت نصفه أو أقرّ بنصيبه(4) التخصيص بنصيبه فيهما.

5639. الثالث:

الشريك المعتق يقوّم عليه نصيب شريكه إن كان موسرا، و إن كان معسرا سعى العبد في فك باقية، فإن أيسر بعد العتق، لم يرجع العبد عليه بشيء، و قال الشيخ: إن قصد الإضرار، فكّه مع يساره، و بطل مع عسره، و إن قصد التقرّب سعى العبد في فكّ حصّة الشريك مع يسار المعتق و إعساره(5) و ما اخترناه أقرب، فإنّ العتق للإضرار باطل.

5640. الرابع:

لو امتنع العبد من السعي أو عجز، كان له من نفسه ما أعتق و للشريك حصّته، و الكسب بينهما و النفقة و الفطرة عليهما، و يجوز المهاياة، فيتناول المعتاد و غيره، و مع تمكّن العبد من السعي ليس للمولى استخدامه و لا مطالبته بالضريبة.

و لو ورث لم يشاركه المولى لأنّه يرث بجزئه الحرّ.

5641. الخامس:

الأقرب عدم اشتراط انتفاء تعلّق حقّ لازم أو غيره بمحلّ

ص: 196


1- . هذا هو الشرط الثاني.
2- . المبسوط: 68/6.
3- . هذا هو الشرط الثالث.
4- . في «أ»: بنصفه.
5- . النهاية: 542.

السراية، كالرهن و الكتابة و الاستيلاد و الجناية و التدبير، نعم لو كان وقفا فالأقوى عدم السريان.

5642. السادس:

لو تعدّد المعتق و اتّحد زمانه، قوّمت حصص، المتخلّف عليهم(1) بالسّوية و إن تفاوتت الحصص(2)، و لو كان أحدهم معسرا اختصّ بتقويم الجميع الباقي، و لو أعسر أحدهم بالبعض، قوّم عليه بمقدار يساره و على الموسر بباقي الجميع.

5643. السابع:

الأقوى أنّ حصّة الشريك تعتق بالأداء، و يحتمل بالعتق، و قوّى الشيخ أنّه إن وقع [الأداء] تبيّنا عتقه وقت العتق، و إلاّ لم يعتق(3) فعلى الأوّل لو اختلفا في القيمة قدّم قول الشريك، لأنّه ينتزع منه.

و لو أعتق الشريك بالأقوى نفوذه، لمصادفته الملك، بخلاف ما لو باع أو وهب لاستحقاق العتق.

و يجب على المعتق قيمة النصيب، فلو هرب أو فلس آخر حتى إذا وجد أدّى و عتق بالأداء.

و القول قوله في عدم العتق مع اليمين، فيبقى نصيب الشريك على الرّق على الثاني، و يتحرّر على الأوّل.

ص: 197


1- . الظرف متعلّق ب «قوّمت».
2- . قال الشيخ في المبسوط: 56/6: في المقام إذا كان العبد بين ثلاثة: لواحد النصف و لآخر الثلث و للآخر السدس، فأعتق صاحب النصف و صاحب السدس ملكهما معا في زمان واحد سرى إلى نصيب شريكهما و يكون عليهما قيمة الثلث بينهما نصفين و إن اختلف ملك المعتقين.
3- . المبسوط: 52/6.

و لو ادّعى كلّ عتق شريكه، تحالفا و استقرّ بينهما على الثاني، و يتحرّر(1)على الأوّل.

و لو كانا معسرين جاز له أن يحلف معهما إن كانا عدلين، و يتحرّر، أو يحلف مع أحدهما و يتحرّر نصفه.

و لو كان أحدهما فاسقا جاز أن يحلف مع العدل، و يتحرّر النصف.

و لو كانا فاسقين فالوجه أنّه يستسعي في قيمته لهما، لاعتراف كلّ منهما بعتق الشريك.

و لو اشترى أحدهما نصيب صاحبه، عتق عليه و لم يسر، و لا ولاء له.

و لو أكذب نفسه في شهادته لم يقبل.

و لو اشترى كلّ نصيب صاحبه تحرّر، و لا ولاء لأحدهما عليه، و إن أكذبا أنفسهما على إشكال، و تعتبر القيمة حين العتق، و القول قول الشريك في نفي العيب.

و لو مات المعتق أخذت القيمة من التركة من الأصل مع الصّحة(2) و إلاّ فمن الثلث، و لا تقويم مع الوصيّة بعتقه لو لم يخلّف سواه، و لا مع الوصيّة بعتق النصيب خاصّة و إن خلّف، و لا مع التدبير.

و لو مات العبد قبل دفع القيمة، فعلى الثاني يجب دفعها قطعا، و كذا على الأوّل على إشكال، و لا فرق بين أن يكون الشريكان مسلمين أو كافرين أو بالتفريق.

ص: 198


1- . في «ب»: و تحرّر.
2- . أعتق حال الصحة ثمّ مات.
5644. الثامن:

يقع الملك أوّلا ثم ينعتق على التقادير، و يكون الولاء كلّه للمعتق، هذا مع اليسار، و لا يملك مع الإعسار بل يستسعي العبد فله من الولاء بقدر ما أعتق.

5645. التاسع:

لو ادّعى الشريك صنعة تزيد بها القيمة، فالأقرب تقديم قول المعتق على التقادير.

5646. العاشر:

المعتق يجبر على دفع القيمة مع يساره، و الشريك على رفع يده مع أداء المعتق القيمة، و لو أوصى بعتق نصيبه لم يقوّم عليه نصيب شريكه و إن كان غنيّا، و أمّا لو أعتق عند الموت فإنّه يقوّم عليه ما يحتمله الثلث، و كذا لو أوصى بعتق النصيب في التكميل، و هل يعتبر في الأخير رضا الشريك؟ فيه إشكال.

5647. الحادي عشر:

لو أعتق نصيبه من حبلى، فلم تقوّم عليه حتّى وضعت و هو موسر قوّمت عليه حبلى، و عتق معها ولدها إن قلنا بالسراية بالإعتاق و تبعيّة الحمل، و إن قلنا بالأداء سرى العتق في الحمل، و قوّم النصيب منه يوم سقوطه.

5648. الثاني عشر:

لو كان المعتق معسرا لم يقوّم عليه و استسعى العبد، و هل يحكم بحرّيته أجمع و ثبوت قيمته في ذمّته يسعى فيها أو بالرقيّة في الباقي حتى يؤدي السعاية؟ الأقرب الثاني.

فلو مات و في يده مال كان لسيّده بقيّة السعاية، و الباقي ماله مورّث لورثته إن قلنا بالأوّل، و على الثاني يكون نصيب الرقيّة لمولاه، و يستسعى حين عتق الأوّل، فلو أعتق الثاني نصيبه صحّ على الثاني لا على الأوّل، و هل يستلزم إسقاط حقّ السّعاية؟ الأقرب ذلك.

ص: 199

5649. الثالث عشر:

إذا ادّعى المعسر عتق الموسر، و شهد عدل، جاز له الحلف، و إن امتنع العبد من اليمين فيثبت له قيمة نصيبه على الموسر.

و لو لم يكن شاهد عتق نصيب المدّعي لاعترافه بالحرّية بالسراية إن قلنا بالعتق بالإعتاق، و لا تقبل شهادته و لو كان عدلا، ثمّ يحلفه فإن نكل استحقّ باليمين المردودة قيمة نصيبه، و لم يعتق نصيب المدّعى عليه.

و لو ادّعى عتق المعسر لم يعتق منه شيء، و لو كان عدلا حلف معه العبد.

5650. الرابع عشر:

لو أعتق صحيحا نصف أحد العبدين المتساويين قيمة المشتركين بينه و بين غيره و لا تركة، سرى إلى نصيب شريكه، فإن أعتق النصف من العبد الآخر عتق و لا سراية لإعتاقه.

و إن أعتق الأوّل في مرض الموت عتق ثلثه خاصّة، و لا سراية، و يقف عتق الباقي على إجازة الورثة.

و لو أعتق الأوّل في الصّحة و أعتق الثاني في مرضه، لم ينفذ الثاني لاشتغال ذمّته بقيمة الأوّل.

5651. الخامس عشر:

لو شهدا بعتق نصيب الموسر ثمّ رجعا بعد العتق و الغرم، غرما قيمة العبد له أجمع.

و لو شهدا على مريض بعتق عبد [ه] ثلث التركة، فحكم الحاكم، ثمّ شهد آخران بعتق آخر هو الثلث و رجع الأوّلان، و تاريخهما أسبق، و كذّبهما الورثة في

ص: 200

الرجوع، عتق الأوّل، و لا يقبل رجوعهما و لم يغرما، و يحتمل إلزامهما بشراء الثاني و إعتاقه، لمنعهما عتقه بشهادتهما المرجوع عنها.

و لو صدّقهما الورثة عتق الثاني و رجعوا عليهما بقيمة الأوّل، و إن تأخّر تاريخهما بطل عتق المحكوم بعتقه، و لا غرم.

و لو أطلقتا أو إحداهما(1) أو اتّفق التاريخان أقرع، فيعتق الثاني إن خرجت عليه، و يبطل الأوّل، و لا غرم، و الأوّل إن خرجت عليه، ثمّ إن كذّبهما الورثة في الشهادة عتق الثاني و رجعوا عليهما بقيمة الأوّل، و إن كذّبوهما في الرجوع فلا غرم.

5652. السادس عشر:

لو وكّل شريكه في عتق نصيبه، فأعتق نصيب نفسه، سرى و قوّم عليه على إشكال، ينشأ من الإذن، و الولاء كلّه له، و إن أعتق نصيب الموكّل سرى أيضا و قوّم نصيب الوكيل على الموكّل على إشكال، ينشأ من تقديم المباشر في الإتلاف على السبب في الضمان، و الولاء كلّه للموكّل.

و إن أطلق و لم ينو شيئا، احتمل انصرافه إلى نصيبه و إلى نصيب الشريك، و انصرافه إليهما.

ص: 201


1- . المراد من إطلاق البيّنتين أو إحداهما خلوّهما من التاريخ.
الفصل الرابع: في الأحكام
اشارة

و فيه سبعة عشر بحثا:

5653. الأوّل:

لو شرط على المعتق شرطا في نفس العتق، وجب عليه الوفاء به، فإن شرط عوده إلى الرقّ عند المخالفة، قال الشيخ: يعاد عندها(1) و الوجه بطلان العتق.

و لو شرط خدمته سنة مثلا لزم، فإن مات المولى استحقّ الورثة الخدمة باقي المدّة، فإن أبق حتّى انقضت، فالوجه ثبوت الأجرة لهم عليه، و هل يشترط في وجوب الخدمة قبول العبد؟ الوجه ذلك، فلو لم يقبل فالوجه بطلان العتق، و مع القبول يعتق في الحال، و عليه الخدمة.

و لو قال: أنت حرّ، و عليك ألف، احتمل الصّحة كالخدمة فيفتقر إلى رضا العبد، و البطلان، لأنّه في الحقيقة شرط و الخدمة استثناء، و كذا أنت حرّ على ألف، و مع الصّحة لو قال: أحدكما حرّ على ألف فقبلا، عتق من يعيّنه(2)، و يحتمل وجوب المسمّى و عدمه، للإبهام فتجب قيمة رقبته، و كذا لو مات قبل البيان و أقرع.

5654. الثاني:

لا يجزي التدبير في كفّارة العتق، و لو أمر غيره بعتق عبده عن كفّارته، وقع عن الآمر و انتقل إليه عند الأمر.

ص: 202


1- . النهاية: 542؛ و في «أ»: «عندنا» و الصحيح ما في المتن.
2- . في «أ»: تعيّنه.
5655. الثالث:

لو نذر عتق أوّل ما تلده فولدت اثنين دفعة عتقا، و لو خرجا على التعاقب و اشتبه الأوّل منهما أقرع، و لو علم السابق اختصّ بالعتق، و لو خرج ميّتا و الآخر حيّا، احتمل عتق الحيّ منهما، و الأقوى البطلان.

و لو نذر عتق أوّل مملوك يملكه فملك جماعة دفعة قيل: بطل النذر(1)و قيل: يقرع(2) للرواية(3) و قيل: يتخيّر(4).

و لو قال: أوّل ما أملكه، عتقوا أجمع.

و لو نذر عتق كلّ ولد تلده أمته لزم، فإن باعها ثمّ ولدت لم يعتق.

و لو نذر عتق آخر عبد يملكه، لم يحكم بعتق أحد حتّى يموت، فيتحرّر أخيرهم، و في كسبه السابق على الموت إشكال، الأقرب أنّه للوارث، و لو كانت أمة فحكم أولادها حكم الكسب في الإشكال، و كذا المهر لو وطئها قبل الموت، و هل يحرم عليه وطؤها قبل ملك غيرها؟ إشكال.

و لو ملك اثنين دفعة، ثمّ مات عليهما، فكالأوّل في الاحتمالات.

و لو نذر عتق أمته إن وطئها صحّ، فإن أخرجها عن ملكه انحلّت اليمين، و لا تعود بعود ملكها.

و لو نذر عتق كلّ عبد له قديم عتق من مضى عليه في ملكه ستّة أشهر فصاعدا.

ص: 203


1- . لاحظ الأقوال في المختلف: 50/8، و المسالك: 298/10-300.
2- . ذهب إليه الشيخ في النهاية: 543.
3- . الوسائل: 58/16، الباب 57 من كتاب العتق، الحديث 1، و ج 190/18، الباب 13 من أبواب كيفيّة الحكم، الحديث 15.
4- . اختاره ابن الجنيد، لاحظ المختلف: 50/8.

و لو نذر عتقه عند أداء ألف إليه لزمه، فلو اتّفق السيّد و العبد على الإبطال لم يبطل، و لو لم يؤدّ العبد لم يعتق، و كذا لا يعتق لو أبرأه السيّد، و لا يبطل الشرط، و لو مات السيّد قبل الأداء انفسخ النذر.

و لو زال ملكه عنه ببيع و شبهه، زال النذر، فإن عاد إلى ملكه عاد على إشكال، إلاّ مع إرادة التخصيص بذلك الملك.

و ما يكسبه العبد قبل الأداء للسيّد، نعم يحتسب له ما يأخذه المولى من الألف، فإذا أكمل أداءها عتق، و الفاضل في يده لسيّده.

و لو ولدت الأمة قبل الأداء لم يتبعها في العتق.

5656. الرابع:

لو أعتق بعض عبيده، فقيل: هل أعتقت عبيدك؟ فقال: نعم، انصرف إلى من باشر عتقه خاصّة، و الوجه وجوب التعدّد في البعض، فلو كان المعتق واحدا حكم عليه، فعتق ما يفسّره من الأكثر في الظاهر، عملا بإقراره و لم يتعدّ في نفس الأمر الواحد.

5657. الخامس:

العبد لا يملك شيئا و إن ملّكه مولاه، فلو كان بيده مال ثمّ أعتق فهو لمولاه سواء علم به المولى أو لا، و سواء ملّكه مولاه إيّاه قبل العتق أولا، و سواء استثناه مولاه أولا و للشيخ هنا تفصيل روي(1).

5658. السادس:

لو أعتق ثلث عبيده [و هم ستّة] و لهم ثلث صحيح و قيمتهم متساوية، أقرع بينهم، فيجزّءون ثلاثة أجزاء، واحد للحرّية، و يكتب اسم كلّ

ص: 204


1- . النهاية: 542-543؛ التهذيب: 223/8-224 برقم 805؛ و الاستبصار: 10/4-11، باب من أعتق مملوكا له مال.

اثنين في رقعة، فإن خرج على الحرّية تحرّر الخارج، و إن أخرج على الرقية احتيج إلى إخراج ثانية، ثمّ يتحرّر الباقيان في الثالثة.

و لو اختلفت القيمة و أمكن التعديل بها عددا(1) فعل.

و إن لم يمكن [التعديل] بأن تكون قيمة اثنين مثل قيمة واحد و قيمة ثلاثة مثله أيضا، فالأولى إلغاء العدد و اعتبار القيمة.

و لو أمكن التعديل دون العدد بأن تساوي قيمة اثنين واحدا و قيمة أربعة مثله اعتبرت القيمة، و لو كان بالعكس بأن تكون قيمة اثنين ألفا و اثنين خمسمائة، و اثنين سبعمائة، فالتجزئة بالعدد، فيجعل كلّ اثنين جزءا و يضمّ كلّ واحد ممّن قيمتها قليلة إلى واحد ممّن قيمتهما كثيرة، و يجعل المتوسّطين جزءا، فإن وقعت قرعة الحرّية على جزء قيمته أكثر من الثلث، أعيدت بينهما، فيعتق من تقع له قرعة الحريّة، و من الآخر يتمّ الثلث، و إن وقعت على جزء أقلّ عتقا ثمّ كمل الثلث من الجزءين الباقيين بالقرعة.

و لو لم يمكن تعديلهما عددا و قيمة كخمسة: قيمة أحدهم ألف و اثنان ألف، و اثنان ثلاثة آلاف، احتمل تجزئتهم ثلاثة، فيجعل أكثرهم قيمة جزءا و يضمّ إلى الثاني أقلّ الباقيين قيمة و يجعلهما جزءا، و الباقيان جزءا، و يقرع بينهم بسهم حرّية و سهمي رقّ، و يعدل الثلث بالقيمة، و احتمل عدم التجزئة بل يخرج بالقرعة على واحد واحد حتّى يستوفى الثلث، فيكتب رقاع بعددهم.

ص: 205


1- . ذكر الشيخ كيفيّة التعديل في المبسوط 59:6 فليرجع إليه.

و لو كانوا ثمانية قيمتهم متساوية، احتمل(1) أن يكتب ثمان رقاع ثمّ يخرج على الحرّية حتّى يستوفي الثلث.

و تجزئتهم أربعة أجزاء فيقرع بسهم حرّية و ثلاثة رقّ، فيعتق من خرج للحرّية، ثمّ [يقرع] بين الستّة بسهم حرّية و سهمي رقّ، ثم يعاد بين من خرجت له الحريّة، فيعتق الخارج، ثمّ يكمل الثلث من الآخر.

و تجزئتهم ثلاثة، و يقرع، فإن خرج سهم الحرّية على الاثنين عتقا و كمل الثلث بالقرعة من الباقين، و إن خرجت لثلاثة أقرع بينهم بسهم رقّ و سهمي حرّية.(2)

5659. السابع:

لو أوصى بعتق عبد فإن خرج من الثلث وجب على الوارث إعتاقه، فإن امتنع أعتقه الحاكم، و يحكم بحرّيّته حين الإعتاق لا الوفاة، و ما اكتسبه بينهما يحتمل اختصاصه به، لاستقرار سبب العتق بالوفاة، و اختصاص الوارث لثبوت الرقيّة عند الكسب، و هو الوجه.

و العتق في مرض الموت من الثلث على الأقوى، فلو أعتق ثلاث إماء كلّ التركة عتقت واحدة بالقرعة، فإن كان بها حمل تجدّد بعد الإعتاق فهو حرّ إجماعا، و إن لم يمت [المعتق]، و إن كان سابقا على الإعتاق فالوجه رقّيّته.

و لو أعتق ثلاثة لا يملك غيرهم فمات أحدهم قبل سيّده، أقرع بينه و بين

ص: 206


1- . ذكر ثلاثة احتمالات، و أشار إلى الثاني بقوله: «و تجزئتهم أربعة» و إلى الثالث بقوله: «و تجزئتهم ثلاثة».
2- . هذا هو الصحيح، و ما في المغني لابن قدامة: 280/12 «من أنّه إن خرجت القرعة لثلاثة أقرع بينهم بسهم حرّية و سهمي رقّ» ليس بصحيح، فتدبّر.

الأحياء، فإن خرجت عليه حكم له بالحرّية، و إلاّ بالرّقيّة، و لا يحتسب من التركة، فيتحرّر من الباقيين ما يحتمله الثلث منهما بالقرعة.

و لو دبّر الثلاثة و هم التركة، أو أوصى بعتقهم فمات أحدهم قبله، بطل تدبيره و الوصيّة فيه، فأقرع بين الحيّين خاصّة، فأعتق من أحدهما ثلثهما.

و لو مات المدبّر بعد موت مولاه، أقرع بينه و بين الأحياء.

و موت العبد بعد موت السيّد قبل امتداد يد الوارث إليه هل يكون بمنزلة الموت قبل موت السيّد؟ احتمال، و كذا بعد ثبوت اليد قبل القرعة، من حيث إنّه محجور عن التصرّف فيه على ضعف.

5660. الثامن:

لو أعتق أمته و تزوّجها ثمّ مات و لا تركة و ثمنها دين عليه، لم تردّ في الرّقّ، و لو استولدها كان الولد حرّا كأمّه، و للشيخ هنا قول رديّ (1).

5661. التاسع:

لو أوصى بعتق بعض عبده أو بعتقه و لا مال سواه، لم يقوم عليه و لا على الورثة، و كذا لو أعتقه عند موته منجزا و لا شيء غيره عتق من الثلث و لا تقويم، و الاعتبار بقيمة الموصى به بعد الوفاة و بالمنجّز عند الإعتاق و بالتركة بأقلّ الأمرين من حين الوفاة إلى حين قبض الوارث.

و لو كان للمعتق مال غير العبد المنجّز عتقه مثلا قيمته فما زاد، عتق أجمع، و إن كان أقلّ من مثليه عتق بقدر ثلث المال كلّه، فإذا كان العبد نصف المال عتق ثلثاه، و إن كان ثلثي المال عتق نصفه، و إن كان ثلاثة أرباعه، عتق أربعة أتساعه.

و طريقه أن تضرب قيمة العبد في ثلاثة، ثم تنسب إليه مبلغ التركة، فما

ص: 207


1- . النهاية: 545 و هو انّ عتقه و نكاحه باطل.

خرج بالنسبة، عتق من العبد مثله، فلو كانت قيمته ألفا، و المال ألف، ضربت القيمة في ثلاثة تكون ثلاثة آلاف، ثمّ تنسب إليها الألفين، تكون ثلثيها، فينعتق ثلثاه.

و لو كانت قيمته ثلاثة آلاف، و التركة ألف ضربت قيمته في ثلاثة تبلغ تسعة، و تنسب إليها التركة أجمع يكون أربعة أتساعها.

و لو كانت القيمة أربعة آلاف و التركة ألف ضربت قيمته في ثلاثة يكون اثني عشر و نسبت إليها خمسة آلاف يكون ربعها و سدسها، فيعتق ربع العبد و سدسه، و هكذا.

و لو كان عليه دين مستوعب فلا عتق.

و لو تعدّد المعتق و الدّين قاصر بقدر نصف العبيد، جعلوا قسمين، و كتب رقعة للدّين و أخرى للتركة، فيباع من يخرج للدّين فيه، و يعتق ثلث الباقي بالقرعة.

و لو كان الدين ربع القيمة، كتب أربع رقاع واحدة للدّين و ثلاث للتركة، ثم يقرع للحرّية ثانية، و يجوز أن تكتب رقعة للدّين و أخرى للحرّية، و اثنتان للتركة.

و لو أعتق المريض عبده و هو يخرج من الثلث، فعتق ثمّ ظهر دين مستوعب، بيع في الدّين إن قلنا بحكم الوصيّة في المنجّزات.

5662. العاشر:

لو أعتق المريض ثلاثة متساوية و هي التركة، فعتق أحدهم بالقرعة، ثمّ ظهر عليه دين مستوعب، بطل العتق و القسمة، و لو دفع الوارث الدّين منه ليصحّا، قوّى الشيخ إجابته(1) و لو كان بقدر نصفهم احتمل بطلانها

ص: 208


1- . المبسوط: 61/6.

على ضعف، فيقضى الدّين بعد القرعة بين الدّين و التركة، ثمّ يقرع للحريّة، و صحّتها(1) على الأقوى فيباع نصف المعتق في الدّين، و يطالب الورثة بثلث الدّين إمّا من الباقين أو غيرهما.

و لو أعتقهم أو دبّرهم أو أوصى بعتقهم، فعتق أحدهم بالقرعة، ثمّ ظهر له ضعفهم، حكم بعتقهم من حين أعتقهم أو من حين موته، فيبطل التصرّف فيهم بالبيع و غيره، و الكسب لهم.

و لو ظهر بقدرهم عتق ثلثاهم، فيقرع بين الرقيقين، و يحكم بحريّة من تخرجه القرعة من حين الإعتاق أو الوفاة لا من حين القرعة على إشكال ضعيف.

و كلّما ظهر له مال عتق من العبدين اللّذين رقّا بقدر ثلثه.

5663. الحادي عشر:

إذا نذر المريض العتق، فالوجه أنّه من الثلث، و لو علّق نذره في صحّته على شرط فوجد في مرضه، احتمل خروجه من الأصل، لانتفاء التهمة وقت النذر، و من الثلث.

و لو نذر عتق ما تلده الحامل، ففي جواز بيعها مع الحمل قبل الولادة إشكال، فإن سوّغناه لم يبطل البيع بعد الولادة، و كذا لو نذر عتق عبده إذا فعل شيئا ثمّ باعه قبل فعله ثمّ فعله، أو عند مجيء السّنة فباعه قبلها.

و لو نذر إن لم يفعل الشيء الفلاني - و لم يعيّن وقتا - فهو حرّ، لم يتحرّر حتّى يموت، و لو باعه قبل ذلك صحّ.

ص: 209


1- . عطف على قوله: «بطلانها».

و لو نذر إن فعل فهو حرّ، فباعه قبل الفعل، ثمّ اشتراه ثمّ فعل، فالأقوى العتق مع احتمال عدمه.

5664. الثاني عشر:

إذا دفع العبد إلى الأجنبيّ مالا ليشتريه و يعتقه، ففعل، فإن كان بعين المال، فالبيع و العتق باطلان، و إن كان في الذمّة صحّا، و عليه دفع الثمن من عنده، لأنّ المدفوع أوّلا للمولى.

5665. الثالث عشر:

لو أعتق المريض عبدا، و أوصى بعتق آخر، فإن عيّنهما اعتبرنا قيمة المعتق حين الإعتاق و الموصى به عقيب الوفاة و التركة بأقلّ الأمرين من حين الوفاة إلى حين قبض الوارث لها، فإن خرجا من الثلث عتقا و إلاّ بدئ بعتق المنجّز، و دخل النقص على الثاني، و لو أبهم قوّمت التركة بعد الموت فالثلث للعتق، فيقرع بعد تعيين ثلث العتق بين المعتق و الموصى به، فإذا عرف المنجّز ألغي التقويم الأوّل، و اعتبرت قيمة المنجّز حين الإعتاق و الموصى به حين الوفاة.

و لو أوصى بعتق عبده و قيمته الثّلث أو أقلّ أو أزيد بما دون الضّعف صحّ إجماعا، و عتق ما يساوي الثلث، و لو كانت الزيادة بقدر الضّعف قال الشيخ: تبطل الوصيّة.(1) و ليس بمعتمد، و الحقّ المساواة.

و لو أوصى لعبده بالثلث فما دون، أعتق من الوصية، فإن قصرت قيمته أعطي الفاضل.

و لو أعتق عبده عند موته و عليه دين، قال الشيخ: إن كان ثمن العبد ضعفي

ص: 210


1- . النهاية: 610.

الدين صحّ العتق و استسعي العبد في قضاء الدين.(1) و الحقّ خلاف ذلك.

5666. الرابع عشر:

لو أعتق الحبلى بمملوك لم يسر إلى الحمل، سواء علم المولى أو لا، و سواء استثناه أو لا، و قول الشيخ: إن لم يستثنه كان حرّا(2)ليس بجيّد.

5667. الخامس عشر:

لو أمره بعتق عبده عنه، فأعتقه، صحّ العتق عن الآمر، و هل يستعقب القيمة؟ فيه إشكال.

و لو قال: و عليّ قيمته، لزم أداء القيمة أمّا لو قال: و عليّ كذا، ففي لزوم المعيّن إشكال.

و لو أذن له فيه، ثمّ رجع، فأعتقه المالك و لم يعلم بالرجوع، فالأقرب وقوعه عن الآمر، و عليه الضمان.

5668. السادس عشر:

لو شهدا بعتق العبد فأنكر العبد، فالوجه سماع البيّنة، و لو شهدا بالعتق فحكم به، ثمّ رجعا و ضمنا، ثمّ شهد آخران بالعتق قبل الشهادة، سقط الضمان.

ص: 211


1- . النهاية: 545.
2- . قال الشهيد في المسالك: 343/10: المشهور بين الأصحاب أنّ عتق الحامل لا يسري إلى الحمل و بالعكس، لأنّ السراية في الأشقاص لا في الأشخاص. ثمّ إنّ ما حكاه المصنّف عن الشيخ من التفصيل بين الاستثناء فلا يشمله العتق و عدمه فيشمله لا ينطبق على عبارة الشيخ في النهاية حيث قال: و إذا أعتق الرجل جارية حبلى من غيره، صار ما في بطنها حرّا كهيئتها، و إن استثناه من الحرّية لم يثبت رقّة مع نفوذ الحريّة في أمّه. النهاية: 545 و يؤيّد ما ذكرناه ما في المسالك: 343/10 حيث قال: و ذهب الشيخ في النهاية و جماعة إلى تبعية الحمل للحامل في العتق و إن استثناه.
5669. السابع عشر:

الولاء تابع للعتق تبرّعا إذا لم يتبرّأ المعتق من ضمان الجريرة، و هو لحمة كلحمة النسب، فانّ المعتق سبب لوجود الرقيق لنفسه، كما أنّ الأب سبب، و يستلزم الإرث كالنسب مع شرائطه، نذكرها في باب المواريث إن شاء اللّه تعالى، و له فروع و تفاصيل مسائل نذكرها هناك.

ص: 212

المقصد الثاني: في التدبير

اشارة

و فيه فصلان:

الفصل الأوّل: في ماهيّته و شرائطه
اشارة

و فيه سبعة مباحث:

5670. الأوّل:

التدبير تفعيل من الدّبر، و هو العتق المؤخّر إلى بعد الموت، و سمّي تدبيرا، لأنّه إعتاق في دبر الحياة.

و هو جائز بإجماع العلماء كافّة إذا قرن بموت المولى، و الأقرب جوازه مع اقترانه بموت غيره، كزوج المملوكة و من جعلت له الخدمة.

5671. الثاني:

يشترط في التدبير الصيغة، و لفظه الصريح:

أنت حرّ بعد موتي، أو عتيق، أو معتق، أو أنت رقّ في حياتي حرّ بعد وفاتي، أو إذا متّ فأنت حرّ.

و لو قال: دبّرتك، أو أنت مدبّر، لم يقع، و لو قال عقيبه: فإذا متّ فأنت حرّ، وقع بذلك لا بما تقدّم.

ص: 213

و لا ينعقد بالشرط و لا ما يعبّر به عن الذات بلفظ، فلو قال: متى(1) أو أيّ حين أو أيّ وقت قام مقام «إذا» و كذا لو قال: أنت(2) أو هذا أو فلان أو مملوكي.

5672. الثالث:

يشترط في الصيغة تجريدها عن الشرط، فلو قال: إن قدم المسافر أو إذا أهلّ الشهر فأنت حرّ بعد وفاتي، لم يقع، و كذا لو قال:

بعد وفاتي بسنة أو بشهر، أو إن أدّيت إليّ ولدي، أو إليّ كذا فأنت حرّ بعد وفاتي، أو أنت حرّ بعد وفاتي إن شئت أو متى شئت أو أيّ وقت أو أيّ حين أو أيّ زمان.

5673. الرابع:

تشترط النّية فلا عبرة بتدبير الساهي و الغالط و السكران و المكره، و قال ابن إدريس: لا بدّ فيه من نيّة القربة(3).

5674. الخامس:

إنّما يقع التدبير من البالغ العاقل القاصد المختار الجائز التصرف، فلا اعتبار بتدبير الصبيّ و إن كان مميّزا، و لا المجنون و لا الكافر و إن كان ذميّا إن اشترطنا(4) نيّة التقرّب، و يصحّ من السفيه و المفلّس، على إشكال في السفيه.

5675. السادس:

لو دبّر المسلم ثمّ ارتدّ لم يبطل تدبيره، و ينعتق لو مات على ردّته إن كانت عن غير فطرة، و إن كانت عنها لم ينعتق بموته، لخروجه عن ملكه.

و لو دبّر المرتدّ عن غير فطرة ففي صحة تدبيره إشكال، أمّا المرتدّ عنها فلا يصحّ تدبيره قطعا، و لو سوّغنا تدبير الكافر فدبّر مثله ثمّ أسلم العبد، بيع عليه و إن لم يرجع في تدبيره، و لو مات قبل البيع و قبل الرجوع، تحرّر من الثلث، و لو

ص: 214


1- . مثال الشرط.
2- . مثال للتعبير عن الذات.
3- . السرائر: 30/3.
4- . في «ب»: إن شرطنا.

قصر الثلث تحرّر بقدره و كان الباقي للوارث، فيستقرّ على المسلم، و يباع على الوارث الكافر.

و يصحّ تدبير الأخرس بالإشارة المعلومة، و كذا رجوعه، و لو خرس بعد التدبير فرجع بالإشارة صحّ.

5676. السابع:

لا يقع التدبير من الحالف به.

الفصل الثاني: في أحكامه
اشارة

و فيه ثمانية عشر بحثا:

5677. الأوّل:

التدبير ضربان:

مطلق كقوله: إذا متّ فأنت حرّ.

و مقيّد كقوله: إذا متّ في سفري هذا، أو مرضي، أو سنتي، أو شهر كذا، أو بمرض كذا، أو في موضع كذا، فأنت حرّ، و هو سائغ بقسميه.

5678. الثاني:

التدبير بمنزلة الوصيّة، يجوز الرجوع فيه و في بعضه، سواء كان عبدا كاملا أو بعضه، و ينعتق المدبّر بموت المولى من الثلث، فإن قصر عنه تحرّر ما يحتمله الثلث و كان الباقي رقّا للوارث، و لو لم يكن سواه تحرّر ثلثه، و رقّ الثلثان، و لو كان له مال غائب عتق ثلثه و يوقف الباقي، فكلّما حصل من الغائب شيء عتق من العبد بنسبة ثلثه(1).

ص: 215


1- . في «أ»: بنسبته ثلثه.

و مع قدوم الغائب يتبيّن تحرير العبد من حين الوفاة، فالكسب بعدها كلّه له، و لو تلف الغائب تتبيّن رقيّة الثلثين، و كذا لو كان عوض الغائب دينا.

و لو كان عليه دين مستوعب بطل التدبير، سواء كان التدبير سابقا أو لاحقا، خلافا للشيخ.(1)

و لو قصر الدين، تحرّر من المدبّر بقدر ثلث الباقي.

5679. الثالث:

المدبّر لا يخرج بتدبيره عن الملك، فللمولى كسبه و بيعه و هبته و التصرف فيه كيف شاء كالقنّ، و يبطل التدبير حينئذ.

و قال الشيخ رحمه اللّه: إن رجع في تدبيره ثمّ باعه، أو قصد ببيعه الرجوع صحّ البيع في رقبته، و إن لم يرجع و لا قصده بالبيع، تناول البيع الخدمة مدّة حياة المولى دون الرقبة، فإذا مات المولى تحرّر.(2) و ليس بمعتمد.

5680. الرابع:

لا فرق في جواز البيع بين أن يكون التدبير مطلقا أو مقيّدا، و لا بين كون المملوك ذكرا أو أنثى.

5681. الخامس:

لو قال الشريكان: إذا متنا فأنت حرّ، قوّى الشيخ صحّته، فإن ماتا عتق من ثلثهما، و إن مات أحدهما عتق نصيبه من ثلثه، و كان الآخر مدبّرا إلى أن يموت الثاني، فتكمل الحرّية فيه من الثلث، و كسبه بعد موت الأوّل إلى موت الثاني بين العبد و الثاني.(3)

ص: 216


1- . قال الشيخ في النهاية: 553؛ و إذا دبّر الإنسان عبده و عليه دين فرارا به من الدين ثمّ مات، كان التدبير باطلا، و بيع العبد في الدّين، و إن دبّر العبد في حال السلامة، ثمّ عليه دين و مات، لم يكن للديّان على المدبّر سبيل.
2- . النهاية: 552؛ المبسوط: 171/6-172؛ التهذيب: 263/8 في ذيل الحديث 958؛ الاستبصار: 29/4 في ذيل الحديث 100.
3- . المبسوط: 179/6.

و الوجه عندي البطلان إلاّ مع تجويز التعليق بموت الغير، نعم لو قال كلّ واحد منهما: إذا متّ فنصيبي حرّ، كان تدبيرا صحيحا، و كان الحكم فيه ما تقدّم، و لو خرج نصيب أحدهما خاصّة تحرّر أجمع و تحرّر من الثاني بنسبة الثلث.

5682. السادس:

يجوز وطء المدبّرة فإن حملت منه لم يبطل التدبير، فإذا مات عتقت من الثلث، فإن عجز الثلث عتق الفاضل عنه من نصيب ولدها.

و لو تجدّد حملها بمملوك إمّا من زنا أو شبهة أو عقد، كان الحمل مدبّرا، و للمولى الرجوع في تدبيرهما معا و في تدبير أحدهما دون الآخر، و قول الشيخ هنا غير معتمد.(1) و لو كان الحمل سابقا لم يلحقه التدبير بالسراية و إن علم به، خلافا للشيخ رحمه اللّه(2).

و لو ادّعت تجدّده، فالأقرب تقديم قول الوارث في سبقه على التدبير.

و لو رجع في تدبيرها فأتت بولد لستّة أشهر فصاعدا من حين الرجوع، لم يكن مدبّرا لإمكان تجدّده، و لو كان لدونها كان مدبّرا.

و المدبّر إذا أولد بعد التدبير مملوكا، فهو مدبّر كأبيه، و كذا يجوز وطء ابنة المدبّرة و المدبّر.

5683. السابع:

يجوز للمدبّر الرجوع في تدبيره إمّا قولا مثل رجعت أو فعلا كأن يهب و إن لم يقبض، أو يقف، أو يعتق، أو يوصي به، و إن ردّ الموصى له.

ص: 217


1- . ذهب الشيخ في النهاية: 553 إلى أنّه لا يجوز للمولى أن ينقض تدبير الأولاد، و انّما له أن ينقض تدبير الأمّ فحسب، فلاحظ.
2- . حيث أفتى في صورة العلم بتدبيرهما معا. فلاحظ النهاية: 552.

و إنكار التدبير ليس رجوعا و إن حلف المولى، و الدعوى به صحيحة، و يسمع فيه شاهدان، و الأقرب ثبوته بشاهد و امرأتين و شاهد و يمين.

و لو ادّعاه على الورثة و اعترفوا، حكم عليهم، و لو أنكر بعضهم كان له إحلافه، و لا يقوّم على المقرّ، و كذا إنكار الوصيّة و الوكالة. أمّا البيع الجائز ففي إنكاره إشكال، و لا إشكال في أنّ إنكار الرجعيّ رجعة.

و لو قال لمدبّره: إذا أدّيت إلى ورثتي ألفا فأنت حرّ، فالوجه أنّه رجوع، و كذا [لو قال:] إن دخلت الدار فأنت مدبّر، أو باعه بيعا فاسدا، أو أوصى به وصيّة باطلة.

5684. الثامن:

لو دبّر جماعة عتقوا بموته إن خرجوا من الثلث، و إلاّ بدئ بالأوّل فالأوّل، و كان النقص على الأخير، و لو جهل الترتيب استخرج بالقرعة، و كذا لو دبّرهم بلفظ واحد، و هل يشترط تعيين المدبّر؟ فيه إشكال، فعلى العدم هل يتخيّر الوارث أو يقرع؟ الأقرب الأخير.

5685. التاسع:

لو دبّر بعض عبده، صحّ و لم يسر التدبير و لا العتق لو حصل بعد الموت، و للمرتضى قول ضعيف(1) و لو كان له شريك لم يكلّف التقويم.

و لو دبّره أجمع ثمّ رجع في بعضه، صحّ الرّجوع.

و لو دبّر الشريكان ثمّ أعتق أحدهما، فالوجه التقويم عليه، و لو دبّر أحدهما ثمّ أعتق، قوّم عليه، و لو أعتق الآخر، فالوجه التقويم أيضا.

ص: 218


1- . نقله عنه الشهيد في المسالك: 397/10 و لم نعثر على مصدره، نعم حكم بالسراية في تدبير المملوك المشترك، و عتقه، لاحظ الانتصار: 378، المسألة 221 و ص 373، المسألة 217.
5686. العاشر:

يبطل التدبير بإباق المدبّر، فإن رزق أولادا بعد الإباق من أمة، كانوا رقّا و قبله على التدبير، و ارتداد المدبّر لا يبطل تدبيره إلاّ أن يلتحق بدار الحرب قبل الموت، و لو التحق بعده كان حرّا من الثلث.

و لو علّق التحرير بموت من جعلت الخدمة له، فأبق العبد، لم يبطل التدبير.

5687. الحادي عشر:

كسب المدبّر قبل الموت لمولاه و بعده له إن خرج من الثلث، فإن ادّعى الوارث تقدّمه، فالقول قول العبد مع اليمين، و لو أقاما بيّنة، حكم لبيّنة الوارث، و إن أقرّ المدبّر أنّه كان في يده في حياة سيّده ثمّ تجدّد ملكه عليه بعد موته، قدّم قول الوارث.

و لو أقام العبد بيّنة، قبلت و تقدّم على بيّنة الورثة.

و لو لم يخرج من الثلث كان له من الكسب بقدر ما تحرّر، و الباقي للورثة.

5688. الثاني عشر:

لو أعتق منجّزا و دبّر، قدم المنجّز. و إن كان في مرض الموت، و لو اجتمع التدبير و الوصيّة بالعتق أو بغيره، تساويا، و يبدأ بالأوّل فالأوّل، و ليس العتق المتوقّف على الإعتاق بعد الموت بمقتض لتأخيره عن التدبير.

5689. الثالث عشر:

لو دبّر ثمّ باع، أو وقف، أو وهب، كان ذلك رجوعا، و يصحّ ما فعله من العقود و شبهها، فلو عاد إلى ملكه ببيع أو غيره لم يعد التدبير، و كذا لو أوصى بشيء ثمّ أخرجه عن ملكه، بطلت الوصيّة، و لو عاد لم يعد.

و الأقرب أنّ رهن المدبّر ليس إبطالا له، فيعتق بعد الموت، و يؤخذ من التركة قيمته يكون رهنا.

ص: 219

5690. الرابع عشر:

لو دبّر عبدين دفعة، و له مال غائب، أقرع بينهما، فيعتق ممّن تخرجه القرعة ثلثاه، و يوقف الثلث و العبد الآخر، فإذا حصل من الغائب شيء كمل من عيّنته القرعة، فإذا حصل آخر عتق من الثاني من الثلث إلى أن يعتق، و لو تعذّر حضور الغائب لم يزد العتق على قدر ثلثهما.

و لو خرج الّذي وقعت له القرعة مستحقّا، بطل العتق فيه، و عتق من الآخر ثلثه، و لو كانت قيمة المدبّر مائة و له مائة غائبة، عتق ثلثه و رقّ ثلثه، و وقف الثلث.

و لو كان له ابنان على أحدهما مائتان له، عتق من المدبّر حصّة من عليه الدّين أجمع، و هي النصف و ثلث حصّة الآخر، و كلّما استوفى من أخيه شيئا عتق ثلثه، و لو كان الدّين عليهما عتق أجمع.

5691. الخامس عشر:

أرش ما يجنى على المدبّر لمولاه، و لا يبطل التدبير، و ديته.(1) لو قتل له، و هي قيمته مدبّرا.

و لو قتل المدبّر سيّده بطل تدبيره، أمّا أمّ الولد فلا يبطل حكمها بقتلها مولاها.

و لو جنى على غير مولاه، تعلّق أرش الجناية برقبته، و للمولى فكّه بأرش الجناية، و له بيعه فيها، فإن فكّه فالتدبير باق، و إن بيع بطل التدبير، و صرف الثمن إلى المجنيّ عليه.

و لو كانت الجناية غير مستوعبة فباع بعضه، بقي الباقي على التدبير.

ص: 220


1- . عطف على قوله: «أرش ما يجنى».

و لو مات المولى قبل فكّه انعتق، و لا يثبت أرش الجناية في تركة المولى، لكن إن أوجبت قصاصا اقتصّ منه، و إن أوجبت مالا أخذ منه.

5692. السادس عشر:

يصحّ تدبير المكاتب، فإن أدّى مال الكتابة، عتق بها، و بطل التدبير، و كان ما في يده له، و إن عجز و فسخت الكتابة، بطلت كتابته دون تدبيره، فإذا مات المولى عتق من الثلث، و ما في يده لسيّده، و إن مات المولى قبل الأداء و العجز، عتق بالتدبير من الثلث، فإن قصر الثلث، عتق منه ما يحتمله، و يسقط من مال الكتابة بإزائه، و كان الباقي مكاتبا.

و لو كاتب المدبّر، احتمل بطلان التدبير، أمّا لو قاطعه على مال ليعجّل عتقه، لم يبطل التدبير.

و يجوز تدبير الحمل و لا يسري إلى الأمّ فإن أتت به لدون ستّة أشهر من حين التدبير، حكم بالتدبير فيه، و إلاّ فلا، و يجوز الرجوع في تدبيره كالمنفصل.

5693. السابع عشر:

لا اعتبار بردّ المملوك تدبير مولاه، سواء ردّه في حياة المولى أو بعد وفاته.

5694. الثامن عشر:

قد بيّنّا أنّ التدبير بمنزلة الوصيّة يجوز الرجوع فيه، و يخرج من الثلث، و هذا إنّما هو في المندوب المتبرّع به، أمّا التدبير الواجب بالنذر و شبهه، فلا يجوز الرجوع فيه، و يخرج من صلب المال، و لا يخرج بالنذر عن الملك، فيجوز له استخدامه و وطؤه إن كانت جارية، نعم لا يجوز له بيعه و لا إخراجه عن ملكه، و يجوز له أن يوجره.

و له عتق المدبّر تبرّعا في كفّارة ظهار، أو قتل، أو نذر عتق، و إن لم يرجع لفظا، خلافا للشيخ(1) أمّا المدبّر واجبا فهل له ذلك؟ عندي فيه نظر.

ص: 221


1- . النهاية: 554.

ص: 222

المقصد الثالث: في الكتابة

اشارة

و فيه مطلبان

المطلب الأوّل: في أركانها
اشارة

و فصوله أربعة:

الفصل الأوّل: [في الماهيّة و الصيغة
اشارة

و فيه ستّة مباحث:

5695. الأوّل:

الكتابة(1) عقد مستقلّ بنفسه(2) يفتقر إلى الإيجاب و القبول،

ص: 223


1- . في المغني لابن قدامة: 338/12: الكتابة: إعتاق السيّد عبده على مال في ذمته يؤدّي مؤجّلا، سمّيت كتابة لأنّ السيّد يكتب بينه و بينه كتابا بما اتّفقا عليه، و قيل: سمّيت كتابة من الكتب و هو الضمّ، لأنّ المكاتب يضمّ بعض النجوم إلى بعض، و منه سمّي الخرز كتابا، لأنّه يضمّ أحد الطرفين إلى الآخر بخرزه، و سمّيت الكتيبة كتيبة لانضمام بعضها إلى بعض، و المكاتب يضمّ بعض نجومه إلى بعض، و النجوم هاهنا الأوقات المختلفة، لأنّ العرب كانت لا تعرف الحساب و انّما تعرف الأوقات بطلوع النجوم.
2- . قال الشهيد في المسالك: 414/10: و اعلم أنّ عقد الكتابة خارج عن قياس المعاملات من جهة أنّها دائرة بين السيّد و عبده، و أنّ العوضين للسيّد، و أنّ المكاتب على رتبة متوسّطة بين الرّقّ و الحريّة، و ليس له استقلال الأحرار و لا عجز المماليك، و كذلك تكون تصرّفاته متردّدة بين الاستقلال و نقيضه.

و ليست بيعا للعبد من نفسه، و لا عتقا بصفة، و هي جائزة بالنص(1) و الإجماع، مستحبّة مع أمانة العبد و قدرته على التكسّب، و تتأكّد مع التماس العبد، و لا تجب و لا تستحبّ مع فقد أحد الوصفين، و لا تكره كتابة غير المكتسب.(2)

5696. الثاني:

لو باع العبد من نفسه بثمن مؤجّل أو حالّ لم يصحّ على إشكال و لا يكون كتابة.

5697. الثالث:

الكتابة لا يثبت فيها خيار المجلس، لأنّها ليست بيعا، و يثبت فيها خيار الشرط.

5698. الرابع:

صيغة الكتابة أن يقول: كاتبتك على كذا، و يذكر أجلا معيّنا، و ينوي العتق عند الأداء، و لا يفتقر إلى أن يقول: فإذا أدّيت فأنت حرّ، مع النيّة له، و يقول العبد: قبلت، أو ما شابهه.

و لو قال: إن أدّيت إليّ ألفا، فأنت حرّ، لم يصحّ كتابة و لا عتقا.

5699. الخامس:

الكتابة ضربان:

مطلقة، و هي الّتي اقتصر فيها على الأجل و العوض و النيّة مع الصّيغة.

و مشروطة، و هي الّتي زيد فيها على ذلك الردّ في الرّقّ عند العجز، و هي لازمة إن كانت مطلقة إجماعا من الطّرفين، و إن كانت مشروطة فكذلك من طرف السيّد ما لم يحصل العجز، قال الشيخ: و جائزة من جهة العبد لأنّ له تعجيز نفسه(3) و فيه منع.

ص: 224


1- . قال اللّه تعالى وَ اَلَّذِينَ يَبْتَغُونَ اَلْكِتٰابَ مِمّٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُكُمْ فَكٰاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً النور: 33.
2- . في «أ»: غير المكتسب.
3- . الخلاف: 393/6، المسألة 17 من كتاب المكاتب. و لاحظ المبسوط: 91/6.
5700. السادس:

يجوز أن يشترط في الكتابة ما هو سائغ بخلاف غيره، فلو شرط الوطء بطل الشرط، و الأقوى بطلان العقد أيضا.

و يجب الوفاء بالشرط السائغ إذا وقع في العقد، و لو شرط خدمة شهر بعد العتق بالأداء، لم يستبعد جوازه.

الفصل الثاني: في السيّد
اشارة

و فيه أحد عشر بحثا:

5701. الأوّل:

يشترط فيه البلوغ، فلا تصحّ كتابة الصبيّ و إن بلغ عشرا، أو كان مراهقا، أو أذن له الوليّ.

5702. الثاني:

يشترط فيه العقل، فلو كاتب المجنون لم يصحّ، و لو كان الجنون يعتوره فكاتب في زمن صحّته صحّ.

و لو ادّعى العبد الكتابة فيها، و ادّعى المولى وقوعها حالة الجنون، قدّم قول المولى بخلاف دائم العقل.

و ليس لوليّ الطفل و المجنون كتابة عبدهما، سواء كان الوليّ أبا أو غيره، فان فعل كان ما يؤدّيه العبد للسيّد و لا(1) يعتق به، و لو قيل بالجواز مع المصلحة كان وجها.

ص: 225


1- . في «ب»: فلا.
5703. الثالث:

يشترط فيه الاختيار، فلو كاتب المكره لم يقع.

5704. الرابع:

يشترط فيه زوال الحجر بالفلس و السّفه، فلو كاتب أحدهما عبده لم يصحّ.

و لا بدّ من القصد، فلا اعتبار بعبارة الساهي و النائم و الغافل و السكران.

5705. الخامس:

تصحّ كتابة الذّميّ، فاذا كاتب مثله على خمر أو خنزير و تقابضا حال الكفر، حصل العتق لا بمعنى أنّ الحاكم يحكم بصحّته، بل لا يتعرّض له، كما يحكم ببقاء الزوجيّة لو تزوّجها على خمر و تقابضا ثم أسلما، و لو تقابضا بعد الإسلام قبل الترافع أبطل الحاكم الإقباض، و حكم على المكاتب بقيمته عند مستحلّيه، و لا يبطل الكتابة.

و لو ترافعا بعد الإسلام قبل التقابض فكذلك، و لو تقابضا البعض حالة الكفر، وجبت قيمة الباقي، و كذا الحكم لو أسلم أحدهما.

5706. السادس:

لو أسلم العبد خاصّة بيع على مولاه، و ليس للمولى كتابته، و لو اشترى الذّميّ مسلما لم يصحّ، و لو أسلم مكاتب الذّمي لم تبطل الكتابة على مولاه، فان عجز و رقّ بيع عليه حينئذ.

5707. السابع:

الحربيّ يصحّ أن يملك فتصحّ كتابته، سواء كان في دار الحرب أو الإسلام، فإن دخلا مستأمنين لم يتعرّض الحاكم لهما، فإن ترافعا إليه ألزمهما حكم الكتابة إن كانت صحيحة، و إلاّ بيّن لهما فسادها، و إن دخلا و قد أكره أحدهما الآخر، بطلت الكتابة، لأنّ العبد إن قهر سيّده ملكه، و إن قهره السيّد على ردّه رقيقا، بطلت، و إن دخلا من غير قهر و قهر أحدهما في دار الإسلام لم تبطل الكتابة، لأنّ القهر لا يؤثّر فيها إلا بالحقّ، و إن دخلا مستأمنين لم يمنعا

ص: 226

من الرجوع لو أراداه، و لو أراده السيّد فامتنع المكاتب، لم يجبر على طاعته، و تخيّر السيّد بين المقام للاستيفاء و عقد الذّمة مع طول المدّة، و بين التوكيل فيه، فيعتق مع الأداء، و تخيّر المكاتب مع الأداء بين عقد الأمان للإقامة و بين الرجوع، و لو عجز استرقّه السيّد، و يردّ إليه، لأنّ أمان المال لا يبطل ببطلان أمان النفس.

و لو كاتبه في دار الحرب، فهرب إلينا، بطلت الكتابة، سواء دخل مسلما أولا، و لا يبطل لو جاء بإذن مولاه، فإن سبي سيّده و قتل، انتقلت الكتابة إلى ورثته، و إن منّ عليه الإمام، أو فاداه، أو هرب، فالكتابة بحالها، و ان استرقّه فكذلك إن عتق، و إن مات أو قتل فالمكاتب للمسلمين يعتق بأداء المال إليهم و يسترقونه مع العجز.

و للمكاتب أداء المال إلى الحاكم أو أمينه قبل عتق سيّده أو موته، فيوقف على ما ذكر، و يعتق المكاتب بالأداء و السيّد رقيق.

5708. الثامن:

لو كاتب المسلم عبده ثمّ ظهر المشركون فأسروا المكاتب [و حملوه] من الدار(1) إلى دار الحرب، لم يملكوه، و الكتابة باقية، و كذا لو دخل الكافر بأمان و كاتب عبده، ثمّ ظهر المشركون فقهروا المكاتب، فانفلت منهم(2)، أو غلبهم المسلمون، فإنّ كتابته باقية و قوّى الشيخ وجوب تخليته مثل المدّة التي حبسه فيها المشركون ليكسب مالا، قال: و كذا لو كاتب عبده ثمّ حبسه.(3) و يقوى عندي في الأوّل العدم و في

ص: 227


1- . في «أ»: «فأسروا المكاتب فانقلب من الدار» ما بين المعقوفتين أخذناه من المبسوط.
2- . أي تخلّص منهم، و في المبسوط: 132/6: فإن انفلت المكاتب منهم أو ظهر المسلمون على الدار فأخذوه فهو على كتابته.
3- . المبسوط: 132/6.

الثاني لزوم الأجرة، فعلى ما اخترناه إن أدّى بعد الحلول، و إلاّ عجّزه مولاه.

و لو لم ينفلت(1) و حلّ عليه المال، فالوجه أنّ للمولى فسخ الكتابة و إن لم يراجع الحاكم، فإن جاء و لم يدّع مالا صحّ الفسخ، و إن ادّعاه و أقام البيّنة به عند الفسخ، أبطل الفسخ، و دفع المال إلى السيّد.

5709. التاسع:

لو كاتب في دار الحرب و جاء بإذن سيّده استمرّت الكتابة، و إن كان بغير إذنه فهو قاهر له على نفسه فيملكها و يعتق و يبطل الكتابة، ثم يتخيّر بين الإقامة مع عقد الذّمة و بين اللحوق بدار الحرب.

5710. العاشر:

المرتدّ عن فطرة يزول تصرّفه عن أمواله، فلو كاتب لم تصحّ، و أمّا المرتدّ عن غير فطرة، فإن كاتب قبل حجر الحاكم عليه، احتمل البطلان و الصحّة، فإن أدّى العبد قبل الحجر إليه عتق بالأداء، و إن أدّى بعده إلى الحاكم عتق، فإن دفع إلى مولاه لم يصحّ الدفع، و لا يعتق، فإن كان باقيا، أخذه و دفعه إلى الحاكم، و عتق حينئذ، و إن تلف هلك من ضمانه، فإن دفع غيره(2) إلى الحاكم، و إلاّ كان له تعجيزه.

فإن أسلم السيّد كان عليه أن يحتسب له بما دفع و يعتق عليه. و الوقف(3)فإن أسلم المولى علمت الصحّة و إلاّ البطلان.

و إن كاتب بعد الحجر، فالوجه البطلان، أمّا لو كاتب السيّد ثم ارتدّ، فإنّ الكتابة لا تبطل قطعا، لكنّ الدفع إلى الإمام، فإن دفع إلى المرتدّ، فالحكم كما تقدّم في المرتدّ قبل الكتابة.

ص: 228


1- . في النسختين «و لو لم ينقلب» و ما في المتن أخذناه من المبسوط: 133/6.
2- . في «أ»: فإن دفع حينئذ غيره.
3- . عطف على قوله: «البطلان» أي احتمل البطلان و الصحة و الوقف.
5711. الحادي عشر:

المريض تصحّ كتابته، فإن برأ ألزمت من الأصل، و إن مات فيه صحّت من الثلث، فالزائد موقوف على إجازة الوارث.

و لو كاتبه في الصحّة، و وضع النجوم في المرض، اعتبرنا خروج الأقلّ من الثلث، فإن كانت قيمة الرّقبة أقلّ فليس لهم سواها لو عجز نفسه، و إن كانت النجوم أقلّ فليس لهم غيرها، و كذا لو أوصى بوضع النجوم عنه أو بإعتاقه.

و لو أقرّ في المرض بقبض النجوم من مكاتبه في الصحّة، قيل: من الأصل مع انتفاء التهمة، و إلاّ فمن الثلث.

الفصل الثالث: في العبد
اشارة

و فيه أربعة مباحث:

5712. الأوّل:

يشترط فيه التكليف، فلا تصحّ كتابة الصبيّ و إن كان مميّزا، و لا المجنون، و لا ينعتق أحدهما مع الأداء، و تصحّ لمن يعتوره أدوارا في وقت إفاقته.

5713. الثاني:

قوّى الشيخ اشتراط إسلام العبد إذا كان السيّد مسلما(1) فلو كاتب السيّد عبده الكافر لم تصحّ، و إن كان ذميّا، و هو قول لا بأس به.

ص: 229


1- . المبسوط: 130/6.
5714. الثالث:

قوّى الشيخ أيضا اشتراط كتابة الجميع مع اتّحاد المالك(1)فلو كاتب نصف عبده لم تصحّ، و عندي فيه نظر.

و لو كان النصف الآخر حرّا، صحّ إجماعا، و كذا لو كان رقيقا لغيره و أذن، و لا تسري الكتابة إلى حصّة الشريك، و لو لم يأذن قال: لا يصحّ، و مع الإذن و الأداء قال: ينعتق و يقوّم عليه، و لا يرجع به على العبد، و يؤدّي العبد نصف كسبه إلى الشريك فإن دفعه في الكتابة لم يعتق به، و ليس له دفع جميع كسبه إلى المكاتب، و إن أذن الشريك في الكتابة.

و لو هاياه(2) الشريك فكسب في نوبته، أو أعطى من سهم الرقاب، فله أداء جميعه إلى المكاتب.

و لو كان ثلثه حرّا و ثلثه مكاتبا و ثلثه رقيقا، فورث بجزئه الحرّ، و أخذ بجزئه المكاتب من سهم الرقاب، فله صرف جميعه في الكتابة.

5715. الرابع:

لو كاتباه معا صحّ، سواء اتّفق العقدان أو تفرّقا، و سواء اتّفقت حصصهما(3) أو اختلفت، و سواء اتّفقا في العوض مع تساويهما في الحصص أو اختلفا، و سواء اتّفق أحدهما مع الاختلاف في البذل(4) أو اختلفا مع اتفاق البذل(5) أو اختلافه.

ص: 230


1- . المبسوط: 98/6.
2- . في مجمع البحرين: المهاياة في كسب العبد انّهما يقسمان الزمان بحسب ما يتّفقان عليه، و يكون كسبه في كلّ وقت لمن ظهر له بالقسمة.
3- . في «ب»: حصّتهما.
4- . في «أ»: البدل.
5- . في «أ»: البدل.

و لو كاتباه بعوض واحد قسط على قدر ملكهما(1) و لو كاتباه لم يكن له الدفع إلى أحدهما خاصّة، فإن دفع إليه وحده كان لهما.

و لو أذن أحدهما لصاحبه جاز.

و لو كاتباه ثمّ عجّزه أحدهما و أراد الثاني إبقاء الكتابة في نصيبه بالإنظار، صحّ.

و لو مات المولى فعجّزه أحد الوارثين و أنظره الآخر في نصيبه، صحّ.

الفصل الرابع: في العوض
اشارة

و فيه عشرة مباحث:

5716. الأوّل:

العوض شرط في الكتابة، فلو تجرّدت عنه لم يصحّ، و يشرط أن يكون دينا، فإنّ العين ملك غيره إذ لا مال له، و هل يشترط الأجل؟ قال الشيخ:

نعم(2) و الأقرب المنع، فعلى قول الشيخ لا يجب تعدّده، بل يجوز أن يكون واحدا، نعم يجب تعيينه، فلو كاتبه و شرط أجلا مجهولا لم يصحّ إجماعا.

5717. الثاني:

يشترط في العوض أن يكون معلوم الوصف و القدر و لو جهل أحدهما لم يصحّ، و لو كاتبه على عبد مطلق بطلت، و لم يجب عليه عبد وسط.

و لا بدّ و أن يكون وقت الأداء معلوما إمّا حالاّ أو مؤجّلا بأجل معيّن، فلو

ص: 231


1- . في «أ» ملكيهما.
2- . المبسوط: 73/6.

قال: كاتبتك إلى عشرة آجال كلّ أجل سنة جاز، و لو قال كاتبتك إلى عشرة سنين جاز.

فإن قال: تؤدّي إليّ في هذه العشر سنين و عني ظرفيّة المدّة للأداء، بطل لجهالة وقت الأداء.

و لو كاتبه إلى أجلين مختلفين كسنة و عشر سنين جاز، و هكذا نجم كلّ أجل يصحّ التساوي فيه و التفاضل، و الأقرب في العوض المطلق انصرافه إلى الحلول دون البطلان.

5718. الثالث:

العوض إن كان من الأثمان، فإن كان النقد واحدا، أو غالبا، كفى الإطلاق، و إلاّ وجب التعيين.

و إن كان من الأعواض وجب وصفه بما يصف المسلم، سواء كان حيوانا أو غيره، و لو كان منفعة جاز بشرط علمها كخدمة شهر، و خياطة ثوب، و بناء دار معلومين.

و يجوز أن يجمع بين منفعة و عين، فلو كاتبه على خدمة شهر و دينار صحّ، فإن أطلق كان الدينار حالاّ، و إن قيّده بأجل لزم، سواء كان عقيب الشهر أو متقدّما عليه، أو في أثنائه، أو متأخّرا عنه بأجل آخر.

فإن مرض العبد شهر الخدمة أو بعضه، بطلت الكتابة لتعذّر العوض.

5719. الرابع:

لا يشترط في مدّة المنفعة اتّصالها بالعقد، فلو كاتبه على خدمة شهر بعد هذا الشهر صحّ، و منع الشيخ(1) ضعيف.

ص: 232


1- . المبسوط: 74/6.

و لو قال على أن تخدمني شهرا من وقتي هذا ثمّ شهرا عقيب هذا الشهر صحّ، و كذا لو قال: على أن تخدمني شهرا أو خياطة كذا ثوبا(1) عقيب الشهر.

و إطلاق الخدمة يكفي، لأنّها معلومة بالعرف، و يلزمه خدمة مثله، و لو قال:

على منفعة شهر لم يجز، للجهالة.

5720. الخامس:

الأحكام المختلفة يجوز اجتماعها مع عدم التضادّ، كبيع و إجارة بشيئين لا بشيء واحد، فلو كاتبه و باعه شيئا بعوض واحد صحّ، و يقسط العوض عليهما بالنسبة، و كذا لو ضمّ إلى الكتابة غيرها من عقود المعاوضات.

5721. السادس:

لا يشترط في العوض قدرا خاصّا، بل يجوز على كلّ قليل و كثير بشرط العلم بقدره و وصفه وصفا يشتمل على كلّ ما يتفاوت الثمن لأجله.

و يكره أن يتجاوز به القيمة، و إذا كاتبه على جنس لم يلزمه قبض غيره، و إن أعطاه خيرا من النقد المشترط، فإن كان يتّفق في جميع ما يتّفق فيه المسمّى لزمه القبول، و إن كان لا يتّفق في بعض البلدان الّتي يتّفق فيه المسمّى لم يلزمه.

5722. السابع:

لو كاتب عبديه صفقة صحّ، و قسّط العوض على قدر القيمتين، و تعتبر القيمة وقت العقد، و من أدّى حصّته عتق و إن لم يؤدّ الآخر، و من عجز منهما رقّ خاصّة.

و لو شرط كفالة كلّ واحد منهما صاحبه و ضمان ما عليه صحّ.

و لو استوفى من أحدهما و نسي التعيين، فالوجه الصبر ما دام حيّا، لرجاء

ص: 233


1- . في «ب»: أثوابا.

التذكّر، فإن ذكره عتق المسمّى، فإن ادّعى الآخر الأداء حلف المولى و بقي عليه نجومه، فإن نكل عتق أيضا.

فإن مات المولى قبل الذكر، أقرع الورثة و حلفوا للآخر على نفي العلم إن ادّعاه عليهم، و يتعدّد اليمين بتعدّدهم.

فإن أقام أحدهما البيّنة بالأداء، أعتق إن كان قبل القرعة، و رقّ الآخر إن عجز، و إلاّ بقي على كتابته، و إن كان بعدها، احتمل ذلك أيضا، لأنّ القرعة ليست عتقا، بل هي كاشفة، و البيّنة أقوى منها، و أن يعتقا(1) معا، و كذا البحث لو ذكر السيّد المؤدّي منهما.

5723. الثامن:

لو ادّعى من قلّت قيمته من الثلاثة المكاتبين صفقة بمائة أداءها بالسّوية و كون الفاضل عن قيمته قرضا على الآخر أو وديعة عند السيّد، و ادّعى من كثرت قيمته الأداء على القيمة، قوّى الشيخ تقديم الأوّل، لأنّ يدهم على المال بالسويّة(2).

و يحتمل الثاني عملا بالظاهر المقتضي لأداء كلّ واحد ما عليه لا أزيد.

و يحتمل التفصيل، فإن كان المؤدّي جميع الحقّ فالأوّل، و إن كان البعض فالثاني.

و لو أدّى أحد المكاتبين عن صاحبه قبل العتق، و السيّد جاهل لم يصحّ، و صرف الأداء إلى المؤدّي إن حلّ عليه، و إلاّ استردّه، أو جعله أمانة، و إن كان

ص: 234


1- . عطف على اسم الإشارة في قوله: «احتمل ذلك».
2- . المبسوط: 78/6.

عالما، بأن قال: هذا عن صاحبي، فالوجه جوازه، و يرجع به على الرقيق إن كان بإذنه، و إلاّ فلا.

و إن كان بعد العتق صحّ، فإن أدّى ما عتق به بإذنه رجع، و إلاّ فلا، و إن أدّى ما لم يعتق به بإذنه، فهو قرض عليه، فإن كان معه ما بقي في القرض(1) و مال الكتابة، صرف فيها، و إلاّ قدّم مع التّشاحّ الدّين.

و لو كانا لسيدين فأدّى أحدهما عن رقيقه بعد العتق، صحّ مطلقا، و إن كان قبله لم يصحّ، و إن علم القابض ما لم يرض المالك، و له الرجوع على القابض، فإن أخّر حتّى عتق الدافع، احتمل الرجوع على القابض، لوقوع القبض فاسدا، و العدم لزوال الرقّية المقتضية للفساد.

5724. التاسع:

لو ظهر استحقاق العوض المدفوع، بطل الدفع و حكم بفساد العتق، فإن دفع غيره، عتق مع بقاء الأجل، و إن مات قبل الدفع ثانيا، مات عبدا، و إن ظهر معيبا، فإن رضي به المولى، استقرّ العتق، فإن اختاره(2) مع الأرش فله، و الأقرب أنّ له الردّ و إبطال العتق.

و لو تلفت العين عند السيّد، أو حدث فيها عيب، استقرّ الأرش، و عاد حكم الرّقّ في العبد، فإن عجز عن الأرش استرقّه المولى، و يحتمل مع تجدّد عيب آخر ردّه بالأوّل مع أرش الحادث.

و لو قال السيّد بعد قبض المستحقّ: هذا حرّ، أو أنت حرّ، لم يحكم بعتقه،

ص: 235


1- . في «ب»: بالقرض.
2- . في «ب»: و إن اختاره.

لأنّ ظاهره الإخبار، و لو ادّعى العبد العتق بذلك، قدّم قول السيّد.

5725. العاشر:

لو كان العوض مؤجّلا، فدفعه العبد قبله، لم يجب على المولى قبوله، سواء كان عليه ضرر في التقديم أو لا.

المطلب الثّاني: في الأحكام
اشارة

و فيه فصول:

الفصل الأول: في تصرّفاته
اشارة

و فيه ثمانية مباحث:

5726. الأوّل:

المكاتب كالحرّ في التصرفات إلاّ فيما فيه تبرّع أو خطر، فلا ينفذ عتقه و لا هبته و لا شراء قريبه بالمحاباة و لا بيعه بالعين، و لا يبيع بالنسيئة و إن تضاعف الثمن، و يحتمل الجواز مع الرهن و الضمين.

و يجوز أن يشتري نسيئة، و ليس له أن يدفع به رهنا، و لا أن يضارب بماله.

و يجوز أن يقبض مال غيره قراضا أو قرضا.

و يقبل إقراره بالبيع.

و ليس له إهداء طعام و لا إعارة دابّة.

و لا يدفع المبيع قبل قبض الثمن.

ص: 236

و لا يكاتب، لا يتزوّج، و لا يزوّج عبده و لا أمته، و إن كان على وجه النظر.

و لا يتسرّى خوفا من طلق الجارية.

و لا يقبل هبة من يعتق عليه مع انتفاء كسبه.

و لا يتزوّج المكاتبة، و لا يكفّر إلاّ بالصيام، و لو كفّر بغيره من عتق أو إطعام لم يجز، و في الإجزاء مع أذن المولى نظر، و لا يقرض ماله.

و لو فعل جميع ذلك بإذن مولاه صحّ.

5727. الثاني:

لو فعل أحد هذه العقود بغير إذن المولى وقع باطلا، فلو عتق بالأداء لم ينفذ منها شيء.

5728. الثالث:

لو أعتق تبرّعا بإذن مولاه نفذ، سواء أعاد إلى الملك للعجز أو لا، لكن مع العود، الولاء للمولى، و مع العتق له، فيكون موقوفا قبل الحالتين، فإن مات قبلهما رقيقا استقرّ للسيّد.

و لو مات العتيق فالوجه إيقاف الميراث حتّى يعتق فيكون له، أو يعجز أو يموت فللسيّد.

5729. الرابع:

لو اشترى من يعتق على سيّده صحّ، فإن عجز رجع إلى السيّد، و عتق عليه، و كذا لو قبله في الهبة أو الوصية.

و لو اشترى أباه لم يصحّ بدون إذن المولى، و لو أذن صحّ، و لا يملك بيعه، و يكون موقوفا على كتابته، و ينفق عليه بحكم الملك لا النسب، و كذا لو أوصى له به، فإذا قبله، و لا ضرر في قبوله بأن يكون مكتسبا، فالأقرب جواز قبوله، و إن

ص: 237

لم يأذن المولى، و على التقديرين إن عتق المكاتب عتق الأب بعتقه، و إن عجز استرقّهما المولى.

5730. الخامس:

كلّما يكتسب المكاتب فهو له قبل الأداء أو بعده، و لو سأل الناس لم يكن للمولى منعه، و إن شرط، فالوجه بطلان الشرط.

5731. السادس:

لو تزوّجت المكاتبة كان العقد موقوفا على رضا المولى، و إن كانت مطلقة، و مع الإذن تملك المهر هي.

و ليس للمكاتب وطء أمته بدون الإذن، و إن كان مطلقا، فإن استولد فولده كحكمه، ينعتق بعتقه، و يرقّ برقّه، و الأقرب أنّ أمته مستولدة مع العتق.

5732. السابع:

ليس له أن يحجّ مع حاجته إلى زائد النفقة، و لو لم يحتج جاز إذا لم يأت نجمه، و له البيع و الشراء إجماعا، و النفقة ممّا في يده على نفسه بالمعروف و على رقيقه و الحيوان المملوك، و تأديب عبيده و تعزيرهم، دون إقامة الحدّ على إشكال، و المطالبة بالشفعة و الأخذ بها من سيّده، و إقراره بالبيع و الشراء و العيب و الدّين، و الأقرب ثبوت الربا بينه و بين مولاه، و له السفر سواء بعد أو لا، فإن شرط المولى في الكتابة عدمه ففي بطلانه نظر، و معه يقوى الإشكال في صحّة الكتابة، و على الصحّة له ردّه، فإن عجز فالوجه أنّه ليس للمولى تعجيزه إلاّ مع العجز عن الأداء.

5733. الثامن:

لو جنى عبد المكاتب، كان له افتكاكه بالأرش مع الغبطة له لا بدونها.

و لو كان المملوك أب المكاتب، لم يكن له افتكاكه بالأرش و إن قصر عن قيمة الأب على إشكال.

ص: 238

الفصل الثاني: في تصرّفات السيّد
اشارة

و فيه ستّة مباحث:

5734. الأوّل:

ينقطع بالكتابة تصرّفات المولى عن رقبة العبد إلاّ أن يعجز مع اشتراط العود في الرقّ عنده، فليس له بيعه بدون ذلك و لا هبته و لا نقل الملك منه، و ليس له التصرّف في ماله إلاّ بما يتعلّق بالاستيفاء، سواء كانت الكتابة مطلقة أو مشروطة.

5735. الثّاني:

الأقرب عندي أنّ للسيّد بيع النجوم و إن كانت الكتابة مشروطة، و يتخرّج على قول الشيخ عدم الجواز، فحينئذ إن قبض المشتري النجوم، فالوجه العتق، لأنّ المشتري كالوكيل، فيردّ عليه، و العتق على قولنا ظاهر.

5736. الثالث:

لو أوصى السيّد بمال الكتابة لرجل صحّ، فإن سلّم مال الكتابة إلى الموصى له، عتق، و كذا لو أبرأه منه، و إن أعتقه لم يصحّ، و إن عجز فاسترقّه الوارث كان ما قبضه الموصى له ملكا له بالوصيّة، و الأمر في تعجيزه إلى الوارث، و إن أراد الموصى له إنظاره و يبطل حقّ الموصى له بالتعجيز، و لو أراد الوارث إنظاره لم يملك الموصى له(1) تعجيزه.

و لو أوصى به للمساكين، و نصب قيّما للتفرقة، لم يبرأ المكاتب بإبراء القيّم، و لا يدفع المال إلى المساكين، بل يدفعه إلى القيّم.

ص: 239


1- . في حاشية المطبوع: لم يكن للموصى له.

و لو أوصى بدفع المال إلى غرمائه، تعيّن القضاء منه.

و إن أوصى بقضاء ديونه مطلقا، كان على المكاتب الجمع بين الورثة و الوصيّ بقضاء الدّين، و يدفعه إليهم بحضرته.

5737. الرابع:

ليس للمولى وطء المكاتبة بالملك و لا بالعقد، سواء كانت مطلقة أو مشروطة، و سواء شرط النكاح في عقد الكتابة أو لا، فإن طاوعته عزّرت، و يعزّر للشبهة مع الشرط و عدمه، و الوجه ثبوت المهر عليه لها، سواء طاوعته أو أكرهها.

و لو كرّر الوطء، فإن كان قبل أداء المهر لم يتعدّد المهر، و إلاّ تعدّد.

و هل تصير أمّ ولد لو ولدت منه؟ الأقرب ذلك، فتعتق عند موت مولاها من نصيب ولدها مع العجز، و الولد حرّ، و لا قيمة عليه.

و ليس له وطء بنت المكاتبة، و يعزّر لو فعله، و المهر موقوف بملكه إن أعتقت بعتق أمّ الولد، و لو أحبلها فالأقرب أنّها أمّ ولد على إشكال، و الولد حرّ و لا قيمة عليه للبنت، لأنّ أمّها لا تملكها و لا لولدها.

و ليس له وطء جارية مكاتبه(1)، و يأثم لو فعل، و يعزّر، و عليه المهر للسيّد، و الولد حرّ، و تصير أمّ ولد، و عليه قيمتها للسيّد، و هل تجب قيمة الولد؟ إشكال.

و التعزير الّذي أوجبناه إنّما هو للعالم منهما، فلو جهلا فلا تعزير، و لو جهل أحدهما عزّر الآخر.

ص: 240


1- . في «أ»: مكاتبته.
5738. الخامس:

ليس للمولى إجبار المكاتبة على النكاح، و لا المكاتب و لا مملوك أحدهما، و ليس لواحد منهما التزويج بدون إذنه، و كذا البحث في بنت المكاتبة، و لو اتّفقوا على التزويج صحّ.

5739. السادس:

لو كاتب أحد الشريكين لم يكن لأحدهما وطؤها، فإن خالفا عزّرا مع العلم، و على كلّ منهما مهر مثلها كملا.

و لو وطئ أحدهما عزّر، و عليه مهر المثل، و يقاصّ بقدر نصيبه مع التماثل بين عوض الكتابة و مهر المثل و الحلول، و تأخذ نصف المهر تدفعه إلى غير الواطئ و لو عجزت و رقّت بعد قبض المهر من الواطئ اقتسماه بالسويّة مع بقائه، و ان كان قبله فإن كان في يدها مال بقدر مهر المثل دفعته إلى غير الواطئ، و إلاّ برئت ذمّة الواطئ عن النصف، و غرم للآخر النصف.

الفصل الثالث: في حكم ولد المكاتبة
اشارة

و فيه عشرة مباحث:

5740. الأوّل:

لا يجوز للمولى وطء المكاتبة على ما تقدّم، فإن وطأ فالولد حرّ، و الكتابة بحالها و هي أمّ ولد، فإن أدّت قبل موت السيّد عتقت، و إلاّ جعلت في نصيب ولدها لو مات قبل الأداء، و كذا لو استرقّها مولاها للعجز، و لو مات سيّدها و لا عجّز قبل الأداء لم تبطل الكتابة.

5741. الثاني:

لو ولدت بعد الكتابة من زنا أو من مملوك أو من حرّ مع شرط الرقيّة، لم تسر الكتابة إلى الولد، بل يكون موقوفا يعتق بعتقها و يسترق برقّها.

ص: 241

5742. الثالث:

ولد الحرّين حرّ، و لو كان أحد أبويه رقّا، فإن شرطت رقيّته تبعه، و إلاّ كان حرّا، سواء كان الرّقيق الأب أو الأمّ، و ولد الأمة من سيّدها حرّ و من زنا رقّ، و كذا من العبد، و ولد المدبّرة مدبّر، و ولد المكاتبة موقوف على ما تقدّم.

5743. الرابع:

لو قتل هذا الولد احتمل صيرورة القيمة للسيّد، لأنّ أمّه لو قتلت كانت قيمتها لسيّدها، و للأمّ لأنّه لا يملك التصرّف فيه مع كونه قنّا، فلا يستحقّ قيمته، و قوّاه الشيخ(1) و لو جني عليه أو كسب، فالأقوى أنّه موقوف يملكه إن عتق و إلاّ فلسيّده، فإن أشرفت أمّه على العجز، كان لها الاستعانة به.

و لو مات الولد قبل عتق الأمّ فكسبه كقيمته لو قتل.

و نفقته من كسبه، فإن قصرت فالأقوى على السيّد، لأنّه يسترقه مع العجز، و يحتمل أخذ الناقص من بيت المال.

و لو أعتقه مولاه، فإن قلنا كسبه للسيّد، أو أنّه موقوف، و ليس للأمّ الاستعانة به عند العجز صحّ، و إن قلنا للأمّ أو بالوقف مع جواز الاستعانة لم ينفذ، و الأقوى عندي نفوذه على التقديرين.

5744. الخامس:

ولد بنت المكاتبة كأمّه، و قد مضى، و ولد ابنها إن كان من حرّة فهو حرّ، و إن كان من أمة فهو موقوف، و ليس للسيّد وطؤها لو كانت أنثى، كما أنّه ليس له وطء الحرّة، فإن وطأ فالمهر موقوف.

و لو أحبلها لحقه النسب، و كانت أمّ ولد، و ليس عليه قيمة الولد.

ص: 242


1- . المبسوط: 108/6.

و لو اكتسب ولد بنت المكاتبة أو ابنها أنفق عليه منه، و وقف الباقي، و لم يكن للسيّد أخذه.

5745. السادس:

لو ولدت المكاتبة من مولاها، فقد تقدّم حكم ولدها، فإن ولدت بعد ذلك من زوج حرّ، فهو حرّ إلاّ أن يشترط المولى تبعيّته، فيكون كأمّه، و كذا لو كان من زنا فإن عتقت أمّه بالأداء عتق، و إن عجزت استرقّ.

و لو مات السيّد قبل الأداء و العجز، جعلت في نصيب ولدها، و عتقت و عتق ولدها بالتبعيّة لها.

5746. السابع:

لو ادّعى المولى تقدّم الولادة على الكتابة، و ادّعت المكاتبة تأخّرها ليتبعها الولد، قدّم قول المولى مع اليمين.

و لو ادّعى ملكيّة ولد المكاتب، و ادّعى المكاتب ملكيّته، فالقول قول المكاتب مع اليمين، لثبوت يده دون المولى، و صورته: أن يتزوّج المكاتب بأمة مولاه، ثم يشتريها، فالولد حال الزّوجية للمولى، و بعد الشراء للمكاتب، لأنّه ابن أمته.

و فارق الأولى، لأنّ اليد تدلّ على الملكيّة لا الوقف(1).

5747. الثامن:

إذا كاتباها ثمّ وطئها أحدهما فأتت بولد بعد الاستبراء من وطئه، لم يلحق بالسيّد، و هو ولد مكاتبه من زوج أو زنا، و قد تقدّم، و إن أتت

ص: 243


1- . قال الشيخ في المبسوط: 112/6 في مقام الفرق بين المسألتين: «فالقول قول المكاتب هاهنا لأنّهما اختلفا في الملك، و يد المكاتب عليه، كما لو تنازعا بهيمة و يد أحدهما عليها، و يفارق ولد المكاتبة و ان كانت يدها عليه، لأنّها لا تدّعي ملكا و انّما تدّعي انّه موقوف معها [سينعتق مع أمّه] و اليد تدلّ على الملك و لا تدلّ على الوقف.

قبله لحق به، و هو حرّ، و نصيبه من الأمّ أمّ ولد، و لا يقوّم على الواطئ نصيب الشريك و هي بأجمعها مكاتبة، تعتق بالأداء، فإن عجزت رقّت و نصفها أمّ ولد، و يعتق النصف من نصيب الولد، و لا يقوّم الباقي عليه و لا على الوارث.

و لو كان [الواطئ] موسرا قوّم عليه لمساواة الإحبال العتق، و حينئذ يحتمل التقويم في الحال فتبطل الكتابة فيه، و صار جميعها أمّ ولد و نصفها مكاتبا للواطئ، و يعتق بالأداء و يسري.

فإن(1) فسخ المولى للعجز كانت أمّ ولد تعتق بموته من نصيب ولدها، و التقويم عند العجز فإن أدّت عتقت، و إن عجزت قوّم على الواطئ نصيب الشريك، و صارت كلّها أمّ ولد، و الولد حرّ لاحق بالواطئ، و لا قيمة عليه إن وضعته بعد التقويم، و عليه النصف إن وضعت قبله.

و لو وطياها معا فلا حدّ و يعزّران مع العلم لا بدونه، و على كلّ واحد منهما مهر كامل يطالب به مع عدم الحلول، و معه تقاصّا، و إن كانت قد أدّت عتقت و طالبتهما، و إن فسخا الكتابة للعجز بعد قبض المهرين لم يطالب أحدهما الآخر، فإن كانا في يدها اقتسماهما، و إلاّ تلف منهما، و إن فسخا قبل القبض سقط عن كلّ منهما نصف ما عليه و قاصّ في الآخر، و إن تفاوتا في مهر المثل بأن وطئها أحدهما بكرا أو حسنة أو صحيحة و الآخر بالضدّ تقاصّا في المتساوي، و رجع صاحب الفضل على شريكه بنصيبه.

و لو أفضاها أحدهما رجع شريكه بنصف قيمتها عليه، و لو تداعياه تحالفا

ص: 244


1- . في «ب»: و إن.

و سقط حكمه، و إن نكل أحدهما لزمه نصف القيمة، و كذا لو اختلفا فى أصل الوطء.

5748. التاسع:

لو أتت بولد منتفى عنهما، بأن تأتي به لأكثر من عشرة أشهر من وطء الأوّل و لدون ستّة من وطء الثاني فهو موقوف معها.

و إن أمكن لأحدهما خاصّة، فهو له، و يكون حكمه في وجوب المهر و قيمة النصف من الأمّ و الولد على ما تقدّم فيما إذا أحبلها أحدهما.

و أمّا الّذي لم تحبل من وطئه، فإن كان هو الواطئ الثاني، فإن كان وطؤه بعد صيرورة جميعها أمّ ولد للأوّل، فعليه جميع المهر للأوّل إن كان قد فسخ الكتابة، و إلاّ بينه و بينها، و إن كان قبل الصيرورة، فعليه نصف المهر للأوّل إن كان فسخ الكتابة في نصيبه، و إلاّ فلها.

و إن كان هو الأوّل، وجب عليه المهر كملا، و نصف المهر لها مع بقاء الكتابة، و للمتولّد مع الفسخ.

و لو كان المستولد معسرا، فنصيبه أمّ ولد، و لا يسرى إلى نصيب شريكه، و الكتابة بحالها(1) في جميعها، و على كلّ منهما مهر كامل لها، فإن أدّت مال الكتابة عتقت و بطل حكم الاستيلاد، و إن عجزت و فسخا، فنصفها أمّ ولد، و الكسب و المهر بينهما، و يتقاصّان مع التساوي، و يردّ الفاضل من هو عليه.

ثمّ كلّ موضع أتت بولد بعد أن صارت أمّ ولد للأوّل، لم تجب على الأوّل قيمته عنه، و كلّ موضع أتت به قبل التقويم، فعليه نصف قيمته للثاني.

ص: 245


1- . في «ب»: بكمالها.

و أمّا الولد مع إعسار الأب فنصفه حرّ و نصفه رقّ، و يحتمل انعقاد جميعه حرّا.

و إن كان الّذي لم تحبل من وطئه هو الأوّل، فعلى الثاني ما قلنا أنّه على الأوّل إلاّ وجوب جميع المهر للأوّل، فإنّه ممتنع هنا إذ لا يمكن أن يكون وطؤه صادف كونها أمّ ولد للثاني.

و إن أمكن التحاقه بهما أقرع بينهما.

5749. العاشر:

لو ولدت من كلّ منهما ولدا اعترف به و اتّفقا عليه، فقسمان:

الأوّل أن يتّفقا على السابق منهما، فإن أدّت عتقت بالأداء، و إن عجزت و فسخت الكتابة و كانا موسرين،(1) فعلى السابق نصف المهر لشريكه، و نصفها أمّ ولد له، و يسري الإحبال بنفسه أو به و بأداء القيمة، فيجب عليه نصف قيمتها.

و أمّا الولد فإن وضعته بعد صيرورة جميعها أمّ ولد، فلا شيء عليه عنه، و إن وضعته قبل ذلك، بأن يجعل لدفع القيمة مدخلا في صيرورتها أمّ ولد و لم تدفع إلاّ بعد الوضع، وجب عليه نصف قيمته لشريكه.

و أمّا الثاني(2) فإن كان وطؤه بعد صيرورتها أمّ ولد، فقد وطئ أمة غيره

ص: 246


1- . للمسألة صور أربع أشار إلى الأوّل بقوله: «و كانا موسرين» و إلى الثاني بقوله: «و إن كان الأوّل موسرا..» و إلى الثالث بقوله: «و لو كانا معسرين..» و إلى الرابع بقوله: «و لو كان الأوّل معسرا..».
2- . المراد ثاني الشخصين اللّذين اتفقا على السابق منهما أي المتأخّر في الوطء.

بشبهة و أولدها حرّا، فعليه العقر(1) و قيمة الولد، و إن وطئها قبله، فعليه نصف مهرها و نصف قيمة الولد، و لا تصير أمّ ولد.

و إن كان الأوّل موسرا، فالحكم فيه ما مضى.

و أمّا الثاني [المعسر] فالوجه أنّ ولده حرّ أيضا، و عليه قيمته، تؤخذ منه مع يساره.

و لو كانا معسرين، فهي أمّ ولد لهما معا، نصفها أمّ ولد للأوّل، و نصفها للثاني، فإن كانت الكتابة باقية، فلها على كلّ واحد منهما مهر كامل، و ولد كلّ واحد منهما حرّ، و على أبيه نصف قيمته لشريكه.

و لو كان الأوّل معسرا [و الثاني موسرا]، فحكمه كما لو كانا معسرين.

الثاني(2): أن يختلفا فيدّعي كلّ السبق له، فلها المهر على كلّ واحد منهما، و كلّ واحد يقرّ بنصف قيمة الجارية لصاحبه، و يدّعي قيمة ولده عليه، فإن استوى ما يدّعيه و ما يقرّ به، تقاصّا و تساقطا، و إن زاد ما يقرّ به، فلا شيء عليه، لتكذيب خصمه إيّاه في إقراره، و إن زاد ما يدّعيه، فله اليمين على صاحبه في الزيادة، و تحتمل القرعة، فتكون أمّ ولد لمن تخرجه القرعة.

ص: 247


1- . في مجمع البحرين: العقر بالضمّ: دية فرج المرأة إذا غصبت على نفسها ثمّ كثر ذلك حتّى استعمل في المهر.
2- . هذا هو الشقّ الثاني لقوله «فقسمان».
الفصل الرابع: في جناية المكاتب و الجناية عليه
اشارة

و فيه ثمانية عشر بحثا:

5750. الأوّل:

إذا جنى المكاتب على سيّده عمدا في طرف، اقتصّ السيّد أو عفا على مال يثبت في رقبة العبد مع التراضي، و الكتابة بحالها على التقديرين.

و إن كانت خطأ ثبت المال، و إن كانت في نفس عمدا اقتصّ الوارث أو عفا على مال، و إن كانت خطأ فالمال، إذا تقرّر هذا فله أن يفدي نفسه في الخطأ بالأرش مهما كان، و كذا في العمد، لأنّه من مصلحته.

و يثبت المال في ذمّته، لأنّ السيّد معه كالأجنبيّ، يصحّ له معاملته، فإن و فى ما بيده بالأرش و مال الكتابة، أدّاهما، و إن قصر كان للمولى مطالبته بالأرش و تعجيزه، فإن عجّزه و فسخ الكتابة، سقط عنه المالان.

5751. الثاني:

لو كانت الجناية على أجنبيّ فله القصاص و العفو على مال إن كانت عمدا، و إلاّ وجب المال، و تعلّق برقبته، فإن فدا نفسه، لم يكن للمولى منعه.

قال الشيخ: و الفداء هنا بأقلّ الأمرين من قيمته و الأرش، و لو كان الأرش أكثر، افتقر إلى إذن المولى، لأنّه ابتياع لنفسه بأكثر من القيمة، و هو لا يملك التبرّع.(1)

ص: 248


1- . المبسوط: 137/6.

و الوجه عندي جواز دفع الأكثر، و إذا دفع الأرش أو الأقلّ برئت ذمّته، و بقي مال الكتابة، فإن عجز استرقّه السيّد إن شاء.

و إن عجز عن عوض الجناية، كان للأجنبيّ بيعه فيها إلاّ أن يختار السيّد افتكاكه و بقاء الكتابة، فله ذلك.

و لو جنى على النفس بما يوجب القصاص، فاقتص منه، كان كما لو مات.

5752. الثالث:

لو جنى عبد المكاتب اقتصّ منه في العمد، و بيع في الخطاء، و للمكاتب افتكاكه بالأرش إن ساوى القيمة أو قصر، و لو زاد لم يكن له ذلك إلاّ بإذن المولى.

5753. الرابع:

لو كان عليه حقّ غير مال الكتابة، كأرش الجناية، أو ثمن المبيع، أو عوض القرض، فإن كان الجميع حالاّ و في يده مال و لم يحجر عليه، تخيّر في تعجيل قضاء ما شاء، و إن كان البعض مؤجّلا، و أراد تعجيله، صحّ بإذن السيّد لا بدونه، لأنّ الثمن يزيد بالتعجيل، فإن دفع مال الكتابة أوّلا، عتق، و كان الباقي في ذمّته.

و لو حجر الحاكم عليه، لقصور ماله و سؤال الغرماء، فالنظر في ماله إلى الحاكم، فيبدأ بدفع عوض القرض و ثمن المبيع، فإن وسع لهما، و إلاّ بسط عليهما، و إن فضل شيء، دفع في الأرش، و للسيّد تعجيزه حينئذ.

و إن قصر عن الأرش، كان للسيّد فسخ الكتابة و بيعه في الجناية، فإن فضل شيء فللسيّد.

و لو امتنع السيّد من الفسخ، كان للحاكم بيعه في الجناية إلاّ أن يفديه السيّد.

ص: 249

و لو مات المكاتب انفسخت الكتابة، و يسقط حقّ السيّد من المال و حقّ المجنيّ عليه من الأرش، و يبقى ما في يده للقرض و ثمن المبيع، فإن فضل شيء كان للسيّد بالملك لا الكتابة.

و لو لم يكن في يده مال، فإن اختار أرباب الحقوق الصبر جاز، و لا يلزمهم الوفاء به، سواء ثبت بعقد المعاوضة أو بغيرها، كالقرض و سائر الديون، بل لهم الرجوع في ذلك متى شاءوا، و إن اختاروا المطالبة لم يكن لصاحب القرض و ثمن المبيع حقّ في رقبته، فليس له تعجيزه، و للسيّد و المجنيّ عليه التعجيز، فإن عجّزاه بطلت الكتابة، و قدّم حقّ المجنيّ عليه، و إن امتنع السيّد من تعجيزه، رفع المجنيّ عليه أمره إلى الحاكم ليفسخ الكتابة و يبيعه إلاّ أن يفديه السيّد.

5754. الخامس:

لو جنى [المكاتب] على جماعة عمدا اقتصّ لهم، و خطأ يثبت لهم الأرش، فإن قام ما في يده بالأرش افتكّ (1) رقبته به، فإن فضل شيء صرفه في الكتابة، و إلاّ عجّزه السيّد و استرقّه، و إن لم يكن بيده مال، بيع في الجنايات، و قسّط ثمنه على الجميع، سواء تعاقبت الجناية عليهم أو اتّفقت زمانا، و سواء كان بعضها قبل التعجيز و الباقي بعده أو الجميع قبله.

و لو أبرأه بعضهم وفّر(2) ثمنه على الباقين(3) و لو اختار السيّد الفداء بالأرش، أجيب إليه، و قيل: بأقلّ الأمرين من قيمته و الأرش، هذا إذا لم يستوعب

ص: 250


1- . في «ب»: افتيك.
2- . في «أ»: قسط.
3- . في المبسوط: 140/6: و إن أبرأه بعضهم عمّا وجب من الأرش، رجع حقّه إلى الباقين، و يقسط عليهم، و يتوفّر ذلك في حقوقهم، لأنّ المزاحمة قد سقطت.

كلّ واحدة من الجنايات، و لو كانت الجناية توجب القصاص في النفس، فإن جنى دفعة واحدة، فالحكم كما تقدّم، و إلاّ كان للأخير.

5755. السادس:

لو قطع يد سيّده عمدا اقتصّ في الحال، و لو عفا على مال، أو كانت الجناية خطأ، قيل: له المطالبة في الحال، فإن وسع ما بيده للأرش و مال الكتابة الحال أدّاهما و عتق، و إن قصر عجّزه السيّد إن شاء، فيسقط الأرش و مال الكتابة، و قيل: بعد الاندمال، فإن اندمل قبل أداء الكتابة، فالحكم ما تقدّم، و إن اندمل بعده، انعتق و لزم نصف الدية.

5756. السابع:

لو أعتقه السيّد قبل الاندمال، و لا مال في يده، سقط الأرش، لانتفاء المال، و الرّقبة قد أتلفها بعتقه، و لو كان في يده مال، احتمل أخذ الأرش منه، لأنّ له الاستيفاء قبل العتق، فكذا بعده، لأنّ العتق ليس إبراء عن المال.

و عدمه(1) لأنّ الأصل في محل الأرش الرقبة، و المال تابع، و قد تلف بالعتق.

5757. الثامن:

تجوز كتابة العبيد في عقد واحد، فيكون كلّ واحد مكاتبا على ما يخصّه من العوض، و لا يتحمّل أحدهم عن غيره، فإذا جنى بعضهم، لزمه حكم جنايته، و لا يلزم غيره شيء منها.

5758. التاسع:

يجوز أن يملك المكاتب أباه و ابنه، بأن يوهب أحدهما فيقبل، أو يطأ جاريته، إلاّ أنّه لا يتصرّف فيهما.

فإن جنى أحدهما، لم يكن له أن يفديه بغير إذن مولاه، ثمّ إن كان للجاني كسب دفع منه، و إلاّ بيع في الجناية ان استوعبت قيمته أو بقدرها إن لم

ص: 251


1- . عطف على قوله: «أخذ الأرش منه» أي احتمل عدم أخذ الأرش منه.

تستوعب، فإن لم يحصل راغب بيع الجميع، و دفع الفاضل عن الأرش إلى المكاتب، و كذا المكاتبة إذا أتت بولد و قلنا إنّه يكون موقوفا معها لا قنّا لمولاها.

5759. العاشر:

لو كان للمكاتب عبيد فجنى بعضهم على بعض جناية خطأ أو شبه عمد، سقط حكمها، و إن كانت عمدا فله القصاص، دفعا للإقدام، و له العفو، فإن عفا على مال لم يثبت، إذ لا يتحقّق للمولى على عبده مال.

و لو كان العبد القاتل أباه، لم يكن له القصاص، إذ لا يقتل [الأب] به، فلا يقتل بعبده. و لو كان [القاتل] ابنه، كان له قتله.

و لو كان المقتول من العبدين ابن القاتل لم يقتصّ، و لو كان أباه اقتصّ.

5760. الحادي عشر:

إذا جنى المكاتب خطأ أو عمدا و عفي عنه على مال، تعلّق برقبته، كالقنّ، فإن بادر مولاه بعتقه نفذ، و لزمه أرش الجناية، لمنعه بالعتق من البيع، و إن بادر العبد بأداء مال الكتابة، عتق و ضمن الأرش.

5761. الثاني عشر:

إذا جنى المكاتب جنايتين و أكثر ثمّ أدّى مال الكتابة و عتق، فعلى القول بضمان أرش الجناية مع العتق يضمن هنا أرش سائر الجنايات، لإتلافه الرقبة بالعتق، و على القول بضمان الأقلّ من قيمته و أرش الجناية قال الشيخ: فيه هنا قولان: أحدهما أنّه يضمن أقلّ الأمرين من قيمته و جناية كلّ واحد، لأنّ كلّ جناية اقتضت ذلك، و قد منع منه بأدائه و عتقه، فضمنه. و الثاني أنّه يضمن أقلّ الأمرين من قيمته و أرش(1) سائر الجنايات(2).

و الظاهر أنّ القولين للجمهور، ثمّ اختار الشيخ الثاني لتعلّق الجنايات

ص: 252


1- . في «ب»: أو أرش.
2- . المبسوط: 143/6.

أجمع برقبته، فإذا أتلفها بالعتق لم يضمن إلاّ الرقبة و كذا إن أعتقه سيّده.

و لو عجّزه السيّد و ردّه في الرقّ، صار قنّا، فللسيّد تسليمه ليباع في الجنايات، و فداؤه، فقيل: بالأقلّ من قيمته أو أرش الجنايات، و اختاره الشيخ(1)و قيل بأرش الجنايات بالغة ما بلغت.

و لو بقي على الكتابة من غير تعجيز، و اختار أن يفدي نفسه، فداها بأقلّ الأمرين من أرش كلّ جناية (بالغة ما بلغت)(2) أو القيمة و قيل: بالأقلّ من أرش جميع الجنايات أو القيمة، و اختاره الشيخ(3).

5762. الثالث عشر:

لو جنى عبد المكاتب عليه خطأ أو عمدا و عفي على مال سقط حكم الجناية، لأنّ المولى لا يثبت له على عبده مال، و لو كان العبد الجاني على المكاتب أباه أو ابنه قال الشيخ: الأصحّ أنّه لا يملك بيعه، لأنّه لا يثبت للمولى على عبده مال، و الأب هنا عبد(4).

و لو ملك المكاتب أباه ثمّ جنى عليه عمدا، كان للأب القصاص، لأنّ حكم الأب معه حكم الأحرار، و ليس له بيعه و التصرّف فيه، و الابن ثبت له حكم الحرّية بعقد الكتابة، فهما متساويان، و ليس للمملوك الاقتصاص من مالكه في غير هذا الموضع.

5763. الرابع عشر:

لو فعل عبد المكاتب ما يوجب تعزيرا، كان

ص: 253


1- . المبسوط: 143/6.
2- . ما بين القوسين يوجد في «أ».
3- . المبسوط: 143/6.
4- . المبسوط: 144/6.

للمكاتب تعزيره، و كذا لو فعل ما يوجب حدّا حدّه على ما رواه علماؤنا.(1)

5764. الخامس عشر:

إذا قتل المكاتب انفسخت الكتابة إن كانت مشروطة أو مطلقة مع عدم الأداء، و كان(2) للسيّد قيمته على القاتل و تركته، و لو كان القاتل السيّد، كان ما تركه(3) له.

و لو جني عليه بما دون النفس، فالأرش له، فإن كان الجاني السيّد، و اتّفق على مال الكتابة جنسا، تقاصّا بما حلّ، و أخذ المكاتب الباقي، و إلاّ أخذ الجميع.

و لو أخذ الأرش قبل الاندمال ثمّ سرت إلى النفس قبل العتق بالأداء، انفسخت الكتابة و للسيّد مطالبة الجاني بباقي القيمة، و إن سرت بعد العتق به، فعلى الجاني تمام الدية لورثة المكاتب.

و لو كان السيّد هو الجاني أخذ منه باقي الدّية لورثته، فإن لم يكن له وارث فللإمام.

5765. السادس عشر:

إذا جني على المكاتب المشروط عبد أو مكاتب مثله لم يملك السيّد منعه عن القصاص، سواء كان العبد للمولى أو لأجنبيّ، و قوّى الشيخ منع المكاتب عن القصاص في حقّ عبد مولاه إلاّ بإذنه(4) و له أن

ص: 254


1- . قال الشيخ في المبسوط: 144/6 إذا كان للمكاتب عبيد ففعل بعضهم شيئا يستحق به التعزير فله أن يعزّره، لأنّه مملوك له، فإن فعل شيئا يجب فيه الحدّ روى أصحابنا أنّ له إقامة الحدّ عليه، و قال المخالف: ليس، لأنّ طريقه الولاية، و ليس هو من أهل الولايات.
2- . في «أ»: و إن كان.
3- . في «أ»: كان ما يتركه.
4- . المبسوط: 147/6.

يعفو عن المال و على غير مال و مطلقا فيسقط المال، و لا اعتراض للمولى.

أمّا لو كانت الجناية خطأ و عفا عن المال، كان للمولى منعه، و كذا البحث فيما لو عفا على بعض الأرش أو صالح بعضه.

5766. السابع عشر:

إذا قتل المكاتب، فهو كما لو مات، فإن كان القاتل المولى لم يثبت عليه شيء، و إن كان أجنبيّا تثبت القيمة لا غير إن كان حرّا، و إلاّ كان للمولى القصاص.

و إن جني على طرفه، فان كان المولى فلا قصاص، و كذا إن كان أجنبيّا حرّا، و الأرش للمكاتب، و إن كان مملوكا فله القصاص.

5767. الثامن عشر:

المطلق إذا أدّى من مكاتبته شيئا تحرّر منه بحسابه، فإن جنى بعد تحرّر بعضه على حرّ أو مكاتب مساو له، أو كانت حرّية الجاني أقلّ اقتصّ منه، و إن جنى على مملوك أو على مكاتب أقلّ حرّية منه، لم يقتصّ منه، بل يلزم من أرش الجناية بقدر ما فيه من الحرّية، و تعلّق برقبته بقدر رقّيّته.

و لو كانت الجناية خطأ تعلّق بالعاقلة بقدر الحرّية و برقبته بقدر الرقّيّة، و للمولى أن يفدي قدر الرقّية بنصيبها من أرش الجناية، سواء كانت الجناية على عبد أو حرّ.

و لو جنى على هذا المكاتب حرّ أو من حرّيته أزيد، فلا قصاص عليه، بل الأرش، و إن كان رقّا اقتصّ منه.

ص: 255

الفصل الخامس: في الوصيّة له و به
اشارة

و فيه ثمانية مباحث:

5768. الأوّل:

لا تجوز الوصيّة برقبة المكاتب(1) و ان كان مشروطا، فإن عجز و رقّ قبل موت الموصي لم تصحّ الوصيّة، لوقوعها فاسدة.

و لو أوصى له برقبته(2) مع العجز و فسخ الكتابة صحّ، و كذا تصحّ الوصيّة بمال الكتابة.

و لو قال: إن عجز و رقّ فهو لك بعد موتي، صحّت الوصيّة إذا عجز في حياة الموصي، و إن عجز بعد موته لم يستحقّه.

و لو قال: إن عجز بعد موتي فهو لك، كان تعليقا للوصيّة على صفة توجد بعد الموت.

و لو أوصى له بما يعجّله المكاتب صحّ، فإن عجّل شيئا فهو للموصى له، و إن لم يعجّل حتّى حلّت نجومه، بطلت وصيّته.

5769. الثاني:

إذا أوصى برقبته مع العجز و الاسترقاق و بمال الكتابة لواحد صحّ، و كذا لاثنين، فإن أدّى إلى صاحب المال أو أبراه منه عتق و بطلت وصية الرّقبة، و إن عجز، فالوجه انّه ليس للموصى له بالرقبة استرقاقه، نعم إن

ص: 256


1- . في «ب»: برقّيّة المكاتب.
2- . في «أ»: برقبة.

عجّزه الوارث و استرقّه، انتقل إلى الموصى له بالرقبة، و بطلت الوصيّة بالمال.

و لو كان الموصى له بالمال قد قبض منه شيئا كان له.

و لو أوصى له بالرقبة إن عجز فعجز، فالوجه أنّ للموصى له استرقاقه.

و إن اختلف هو و الموصى له بالمال في فسخ الكتابة عند العجز، قدّم قول صاحب الرقبة، و كذا إن اختلف صاحب الرقبة و الوارث.

5770. الثالث:

إذا أوصى بمال الكتابة، صحّت الوصيّة من الثلث، فإذا أدّاه عتق، و إن عجز كان للوارث الفسخ، فتبطل الوصيّة معه، فلو طلب الموصى له الصبر قدّم قول الوارث.

5771. الرابع:

إذا كانت الكتابة فاسدة، فأوصى بما في ذمّته، بطلت الوصية.

و لو أوصى له برقبته أو بما يقبضه منه، صحّت.

5772. الخامس:

تصحّ الوصيّة للمكاتب مطلقا من مولاه، فإذا قال: ضعوا عنه أكثر ما عليه، وضع النصف و زيادة، و التعيين في قدر الزيادة إلى مشيئة الوارث.

و لو قال: ضعوا أكثر ما عليه و نصفه، وضع أكثر من ثلاثة أرباعه، و الزيادة إلى مشيئة الوارث.

و لو قال: ضعوا أكثر ما عليه و مثله، وضع الكلّ، و بطلت الزيادة، لانتفاء محلّها.

5773. السادس:

إذا قال: ضعوا عنه ما شاء من كتابته، فشاء الجميع لم يصحّ، و إن شاء الأكثر صحّ.

ص: 257

و لو قال: ضعوا عنه ما شاء و لم يقيّد بقوله «من كتابته» أو «من مال الكتابة» قوّى الشيخ أنّه كالأوّل عملا بالعرف(1) و يحتمل أنّه إن شاء هنا الجميع وضع عنه، لتناول اللّفظ له، بخلاف الأوّل، لأنّ «من» للتبعيض هناك.

و لو قال: ضعوا عنه بعض كتابته أو بعض ما عليه، وضع ما شاء الوارث و إن قلّ من أوّل نجومه أو من آخرها، و كذا لو قال: ضعوا عنه ما شئتم، أو ما يخفّ، أو ما يثقل، أو ما يكثر، أو ما يعظم، إلى غير ذلك.

5774. السابع:

لو قال: ضعوا عنه نجما من نجومه، يتخيّر الوارث في وضع أيّ نجم شاء، سواء كانت نجومه متّفقة أو مختلفة.

و لو قال: ضعوا عنه أيّ نجم شاء، كان ذلك إلى مشيئته، فيلزمهم وضع ما يختاره.

و لو قال: ضعوا عنه أكبر(2) نجومه، و ضعوا عنه أكثرها مالا.

و إن قال: ضعوا عنه أكثر نجومه، لزمهم وضع أكثر من نصفها، و يحتمل أن ينصرف ذلك إلى واحد منها أكثر مالا. كما قلنا في «أكبر نجومه».

و لو تساوت النّجوم تعيّن الأوّل.

و لو قال: ضعوا عنه أوسط نجومه، و لم يكن فيها إلاّ وسط واحد، تعيّن، بأن تكون متساوية القدر و الأجل، و عددها مفرد، كالثلاثة، فالأوسط الثاني، و الخمسة، الأوسط الثالث، و أوسط السّبعة الرابع، و هكذا.

ص: 258


1- . المبسوط: 161/6.
2- . في «ب»: «أكثر» و الظاهر أنّه مصحّف.

و إن كان عددها مزدوجا و هي مختلفة المقدار، فبعضها مائة، و بعضها مائتان، و بعضها ثلاثمائة، فالأوسط المائتان، فتعيّن، و إن كانت متساوية المقدار مختلفة الأجل، بأن يكون اثنان منها إلى شهر، و واحد إلى شهرين، و واحد إلى ثلاثة، تعيّنت الوصيّة فيما هو إلى شهرين، و إن اتّفقت هذه المعاني في واحدة، تعيّنت الوصيّة فيه.

و إن كان لها أوسط في القدر، و أوسط في الأجل، و أوسط في العدد، يخالف بعضها بعضا، اختار الوارث وضع ما شاء و القول قوله مع يمينه في عدم علمه بما أراد الموصي، ثمّ يعيّن ما شاء، و قوّى الشيخ هنا القرعة(1) و كذا يعيّن الوارث لو كان فيها أوسطان.

و الواحد أوسط كلّ عدد وتر، و الاثنان أوسط كلّ شفع، كالستّة أوسطه اثنان. و هما الثالث و الرابع، و أوسط الثمانية الرابع و الخامس، لأنّ الأوسط أن يكون ما بعده مثل السابق، و كذا لو أوصى للغير بأوسط نجومه.

5775. الثامن:

إذا أعتق مكاتبه في مرض الوفاة، أو أبرأه من مال الكتابة، خرج من الثلث على الأقوى، فإن كان الثلث بقدر الأوّل من قيمته و مال الكتابة، عتق، و إن قصر الثلث عنه عتق ما يحتمله الثلث، بطلت في الزائد، و استسعى في باقي الكتابة، فإن عجز استرقّ الورثة بقدر الباقي.

و لو برئ المريض بعد العتق أو الإبراء، لزم العتق و الإبراء.

و لو أوصى بعتق المكاتب، فمات و لا مال سواه، و لم يحلّ مال الكتابة،

ص: 259


1- . المبسوط: 162/6.

عتق ثلثه معجّلا، و لا ينتظر حلول الكتابة، لأنّه إن أدّى حصل للورثة المال، و إن عجز استرقّوا ثلثيه، و يبقى ثلثاه مكاتبا يتحرّر عند أداء ما عليه.

و المريض إذا كاتب عبده و برئ لزمت، و إن مات في مرضه اعتبر من الثلث، لأنّه بمنزلة الهبة، إذ هو معاملة بماله على ماله، فإن خرجت قيمته من الثلث، نفذت الكتابة فيه أجمع، و يعتق عند أداء المال، و إن لم يكن سواه، صحّت في ثلثه، فإن أدّى حصّته من مال الكتابة، عتق و بطلت الكتابة في الزائد، و لا يحتسب من الثلث مال الكتابة(1).

الفصل السادس: في أحكام المكاتب المطلق

قد بيّنا أنّ الكتابة مطلقة و مشروطة، فالمطلقة أن يكاتبه على نجوم مخصوصة، و لا يذكر فيه الردّ في الرقّ عند العجز، فإن أدّى شيئا من كتابته، عتق بحسابه، و لا سبيل إلى ردّه في الرقّ، فإن عجز فيما بعد كان على الإمام أن يؤدّي ما بقى عليه من سهم الرقاب، و إن لم يكن أو كان ما هو أهمّ كان لسيّده منه بقدر ما بقي، و له من نفسه بقدر ما تحرّر منه، فإن هاياه مولاه صحّ، و كان له كسب يومه(2)، و كسب يوم سيّده لسيّده.

فإن مات هذا المكاتب، و ترك مالا و أولادا، ورث منه مولاه بقدر ما بقي من العبوديّة، و كان الباقي لولده الأحرار.

ص: 260


1- . في «أ»: من مال الكتابة.
2- . في «أ»: و كان له كسبه يومه.

و لو كان المكاتب رزق الولد بعد الكتابة من أمة له، كان حكم ولده حكمه يسترقّ منه مولى الأب بقدر ما بقي على أبيه، فإن أدّى الابن ما كان بقي على الأب صار حرّا، لا سبيل لمولاه عليه، و إن لم يكن له مال استسعاه مولى الأب فيما بقي، فإن أدّاه صار حرّا.

و هذا المطلق يرث و يورث بحساب ما يعتق منه، و يمنع الميراث بقدر ما بقي من الرقّ، و كذا إن أوصي له صحّ له منها بقدر ما عتق منه.

و إن فعل ما يوجب حدّا أقيم عليه بقدر ما تحرّر حدّ الحرّية، و الباقي حدّ الرقيّة، و لا يقتصّ منه للعبد.

و عليه من الأرش بقدر ما تحرّر، و يتعلّق برقبته نصيب الرقيّة، فيفديه مولاه إن شاء، و لا يقتصّ له من الحرّ.

و له من الأرش بمقدار ما تحرّر منه بالنسبة إلى دية الحرّ، و بمقدار ما بقي من الرقّ بالنسبة إلى قيمة العبد.

و كلّما يتعلق بذمّته يطالب بكسبه.

و ما يجب عن خطائه فعلى الإمام، لأنّه عاقلته إلاّ أن يكون مولاه شرط ولاءه له.

و تنفذ وصيّة هذا المطلق بمقدار ما تحرّر منه في ثلثه، و الباقي للورثة، و مردودة في نصيب الرّقية، و يؤخذ من كسبه بمقدار ما تحرّر منه ما استدانه، و نصيب الرقيّة يؤخذ من مولاه إن استدانه بإذنه، و إن استدانه بغير إذن مولاه، تعلّق جميعه بكسبه، يقضى منه دين الغرماء، و الباقي بينه و بين السيّد.

ص: 261

و إن وطئ السيّد المطلقة حدّ بمقدار ما تحرّر منها، و درئ عنه(1) بمقدار الرّقّ، و يجب عليها مثل ذلك إذا لم يستكرهها.

و ليس لها أن تتزوّج إلاّ بإذن سيّدها، فإن فعلت بطل النكاح، فإن أذن و قد أدّت بعض مكاتبتها، و رزقت أولادا، كان حكم ولدها حكمها، و يسترقّ منهم بحساب ما بقي من ثمنها، و يعتق بحساب ما انعتق، إذا كان تزويجها بمملوك أو بحرّ شرط عليه رقّية الولد، و إن كان بحرّ من غير شرط، فالولد أحرار.

و الحكم في المهر على ما تقدّم.

و ليس للمطلق أن يتصرّف في نفسه بالتزويج، و لا بهبة المال، و لا بالعتق، بل يتصرّف بالبيع و الشراء خاصّة.

الفصل السّابع: في اللّواحق
اشارة

و فيه واحد و أربعون بحثا:

5776. الأوّل:

الكتابة الفاسدة لا يتعلّق بها حكم عندنا، بل تقع لاغية، و لا ينعتق المكاتب بأداء المال و لا بالإبراء، و لا يملك العبد الكسب(2) بل هو لمولاه.

5777. الثاني:

إذا جنّ المولى بعد انعقاد الكتابة لم تبطل، كما لو مات، و يتولّى قبض المال وليّه، فإن دفع العبد إليه حال جنونه، لم يعتدّ بذلك الدفع.

و لو جنّ العبد بعد العقد لم تبطل أيضا، لكن لو أدّى المال حال جنونه إلى مولاه عتق.

ص: 262


1- . في «ب»: و أدرئ عنه.
2- . في «أ»: و لا يملك العبد المكتسب.
5778. الثالث:

لو ادّعى العبد الكتابة فصدّقه الوارثان، ثبتت الكتابة، و إن كذّباه افتقر إلى شاهدين ذكرين، و لا يكفيه شاهد و يمين، لأنّ القصد الحرّيّة، فإن عدم البيّنة حلفا على نفي العلم، فإن حلفا ثبتت رقّيّته، و إن نكلا حلف العبد، و ثبتت كتابته، و إن نكل كان رقيقا.

و إن حلف أحدهما و نكل الآخر، حلف العبد في حصّة الناكل، و تثبت الكتابة في نصفه و الرقيّة في الآخر.

و إن صدّقه أحدهما و كذّبه الآخر، تثبت الكتابة في نصيب المصدّق، و كان الحكم مع المكذّب على ما تقدّم.

و لو كان المصدّق عدلا، و شهد معه آخر، ثبتت الكتابة فيه أجمع.

و إن لم يكن معه شاهد آخر، فالحكم ما تقدّم.

ثمّ كسبه قبل عقد الكتابة لسيّده، ينتقل إلى الوارثين، و ما تجدّد بعد العتق، يكون نصفه له و الآخر للمكذّب، و ما بعد ذلك يفرد في كلّ يوم من كسبه بنفقته و الباقي بينهما.

فإن اتّفقا على المهاياة فعلا، و إلاّ لم يجبر الممتنع عليها.

فإن قصر نصيبه عن مال الكتابة، كان للمصدّق فسخ الكتابة، و يكون ما في يده له خاصّة، لأنّ المكذّب أخذ حقّه من الكسب.

و لو ادّعى المكذّب بعد أخذ نصيبه من الكسب، أنّ ما في يد العبد، كان قبل الكتابة، أو قبل موت الأب، فالقول قول المصدّق، فإن أدّى و عتق لم يسر إلى نصيب الشريك، و لا يقوّم عليه.

ص: 263

و لو كان السيّد شرط الولاء استحقّ المصدّق جميعه، لسقوط حقّ المنكر بتكذيبه، فإذا مات، أخذ المصدّق نصيب الحرّية بكماله.

5779. الرابع:

لو صدّقه الوارثان في ادّعاء الكتابة، أو قامت البيّنة، عتق بالأداء، و كان الولاء للأب إن شرطه، و ليس له أن يؤدّي إلى أحدهما.

و لو أبرءاه من مال الكتابة، عتق و كان الولاء للأب مع الشرط.

و لو أعتقاه، قال الشيخ: كان الولاء للأب أيضا مع الشرط(1) و عندي فيه نظر.

و لو أبرأه أحدهما برئ من نصفه و عتق نصيبه، و لا يتوقّف عتقه على أداء حصّة شريكه، و الأقرب أنّه لا يقوّم عليه حصّة شريكه.

أمّا لو أعتق أحدهما حصّته، فالأقرب التقويم عليه في الحال لا بعد التعجيز، و حينئذ يكون ولاؤه له أجمع، و في صورة الإبراء لو عجز و رقّ الباقي و مات كان للمبرئ ولاء نصيب الحرّية مع شرط الأب، و يحتمل اشتراكهما في الولاء، و أما نصيب الرقيّة فللشريك.

5780. الخامس:

المكاتب المشروط لا ينعتق منه شيء حتّى يؤدّي جميع المال، و فطرته على مولاه.

و أما المطلق فإنّ كلّ جزء من المال يؤدّيه يعتق بإزائه منه، و الفطرة بالحصص، و الكسب كذلك، و لو طلب أحدهما المهاياة، قيل يجبر الممتنع عليها، و عندي فيه توقّف.

ص: 264


1- . المبسوط: 88/6.
5781. السادس:

إذا مات المشروط بطلت الكتابة، سواء كان ما بقي عليه قليلا أو كثيرا، و كان ما تركه من مال و ولد رقيقا لمولاه.

و المطلق إذا أدّى من مكاتبته شيئا، و خلّف ولدا حرّا في الأصل، كان له من تركته بإزاء ما عتق منه، و لمولاه الباقي.

و هل يأخذ السيّد ما يخلّف من مال الكتابة أم لا؟ فيه إشكال.

و على تقدير الأخذ، هل يأخذ من نصيب الوارث أو من أصل المال؟ فيه إشكال أيضا.

و لو كان الولد من جارية له رزق بعد عقد الكتابة، كان مكاتبا كأبيه، و ينعتق منه مثل ما انعتق من الأب، فيرث نصيب الحرّية، و للمولى نصيب ما يخلف عليه، ثمّ يأخذ المولى من الولد ما يخلف على أبيه، و ينعتق الولد أجمع بالأداء.

و هل ما يأخذ المولى من نصيب الولد خاصّة، أو من أصل المال، و يرث الولد الباقي أجمع؟ الظاهر في المذهب الأوّل، و بالثاني روايات صحيحة.(1)

و أنا في ذلك من المتوقّفين.

و لو مات قبل أن يؤدّي شيئا، فالّذي تعطيه عبارة علمائنا أنّ تركته للمولى و إن كان له ولد حرّ.

و لو كان له ولد رزق بعد الكتابة من جاريته، فهل يكون للمولى أو يكون مكاتبا ينعتق بأداء ما على أبيه؟ إشكال مع قوّة الثاني.

ص: 265


1- . الوسائل: 99/16-100، الباب 19 من كتاب المكاتبة.

و في صورة وجوب الأداء على الوارث، لو لم يخلّف المكاتب مالا، سعى الأولاد فيما بقي على أبيهم، و مع الأداء ينعتق الأولاد.

و لو امتنعوا من السعي أجبر الأولاد عليه على إشكال.

و هذا المطلق إذا أوصي له بوصيّة صحّ له منها بقدر ما فيه من حرّيّته، و بطل نصيب الرقيّة.

و لو كان الموصي المالك صحّت الوصيّة له أجمع.

و لو وجب عليه حدّ أقيم عليه من حدّ الأحرار بنسبة ما انعتق منه و بنسبة الرقيّة من حدّ العبيد.

و لو زنى المولى بمكاتبته، سقط عنه من الحدّ بقدر ماله فيها من الرقّ، و حدّ بالباقي.

5782. السابع:

لو جاء المكاتب بالنجم، فقال المولى: إنّه حرام لا أقبضه، افتقر إلى البيّنة، و يسمع منه الدّعوى لإمكان قيام البيّنة به، فيؤخذ منه، فإن أقامها طولب المكاتب بعوضه، و إن تعذّرت حلف المكاتب، فإن امتنع حلف المولى، و كان كالبيّنة، و إن نكل ألزم السيّد بقبوله أو الإبراء.

فإن قبضه، فكان دعواه التحريم المطلق، لم يمنع من إمساكه، و إن كان دعواه الغصب من فلان ألزم بدفعه إليه، و برئ العبد منه.

و لو أبرأه من مال الكتابة، لم يلزمه قبضه، و لو امتنع من الإبراء و القبض، كان للحاكم القبض عنه، و يعتق المكاتب.

5783. الثامن:

ليس للمكاتب وطء جاريته بغير إذن مولاه، فإن بادر فلا حدّ،

ص: 266

و يلحق به الولد، و لا مهر عليه، و الولد كالأب حكمه حكمه، لا يعتق عليه، و ليس له بيعه، و يكون موقوفا على كتابته، فإن عتق عتق الولد، و تصير الأمة أمّ ولد في الحال، فإن عجز رقّ هو و الجارية و الولد.

5784. التاسع:

لو كان في يد المكاتب مال، قوّى الشيخ عدم وجوب الزكاة فيه.(1) و هو قويّ عندي أيضا إن كان مشروطا،(2) و إن كان مطلقا، و ملك بنصيب الحرّية نصابا، وجبت عليه الزكاة.

5785. العاشر:

أوجب الشيخ الإيتاء،(3) و هو: إعانة المكاتب بحطّ شيء من مال الكتابة و إيتائه شيئا يستعين به على الأداء، للآية(4) و أطلق(5) و حمله بعض علمائنا على الندب(6) و ابن إدريس أوجب أن يعطى المطلق العاجز من مال الزكاة إن كان على المولى زكاة، و إن لم يكن عليه زكاة كان على الإمام أن يفكّه من سهم الرّقاب.(7) و هو عندي حسن.

ثمّ قال الشيخ: يجوز الإيتاء ما بين الكتابة و العتق، و يتعيّن إذا بقي عليه القدر الّذي يؤتيه، لا بعد العتق.

و لا يتقدّر بقدر بل يجزي ما يقع عليه الاسم.

ثمّ السيّد مخيّر بين أن يحطّ عنه بعض مال الكتابة، و بين أن يؤتيه من

ص: 267


1- . المبسوط: 92/6.
2- . في «ب»: مشروطا عليه.
3- . المبسوط: 93/6.
4- . إشارة إلى قوله سبحانه: وَ آتُوهُمْ مِنْ مٰالِ اَللّٰهِ اَلَّذِي آتٰاكُمْ. النور: 33.
5- . لاحظ المبسوط: 93/6-94.
6- . القاضي ابن البراج في المهذب: 377/2، و ابن حمزة في الوسيلة: 345.
7- . السرائر: 29/3.

جنس مال الكتابة أو من غير مال الكتابة الّذي يقبضه منه، و في هذين يلزم العبد القبول.

و إن آتاه من غير جنسه، قال الشيخ: لا يجب على العبد القبول، قال: و لو أدّى العبد مال الكتابة و عتق قبل الإيتاء، يتعلّق الإيتاء بتركة المولى.

و لو كان عليه(1) دين، و قصرت التركة، بسطت [التركة] على الدّين و مال الإيتاء بالحصص، و يقدّم على الوصايا كالدّين.

5786. الحادي عشر:

لو اختلفا فقال المولى: كاتبتك على ألفين أو إلى سنة في نجمين و قال المكاتب: بل على ألف أو إلى سنتين أو إلى سنة في ثلاثة نجوم، فالوجه عندي تقديم قول المكاتب في الأوّل و قول المولى في الآخرين.

5787. الثاني عشر:

الولاء عندنا لا يثبت إلاّ في العتق المتبرّع به إذا لم يتبرّأ المولى منه، أمّا العتق الواجب أو الحاصل عن الكتابة، فلا ولاء فيه، إلاّ أن يشترطه المولى، فإن شرط مولى المكاتب الولاء في عقد الكتابة، ثمّ تزوّج بمعتقة(2) كان الولد حرّا تبعا لأمّه، فإن تحرّر المكاتب انجرّ الولاء إليه.(3)

فإن مات [المكاتب] فادّعى سيّده أداء مال الكتابة و عتقه ليثبت الولاء على ولده، و أنكر مولى الأمّ ذلك، و لا بيّنة، قدّم قول مولى الأمّ عملا بالأصل من بقاء الولاء [و الكتابة] و عدم الأداء.

ص: 268


1- . أي المولى.
2- . قال الشيخ في المبسوط: 95/6: إذا تزوّج مكاتب معتقة لقوم فأولدها ولدا فهو تبع لأمّه و عليه الولاء لمولى أمّه، لأنّ عليها الولاء، فإن أدّى المكاتب و عتق جرّ الولاء الّذي على ولده لمولى أمّه إلى مولى نفسه، و إن عجز و رقّ استقرّ الولاء لمولى أمّه.
3- . أي انجرّ ولاء الولد إلى مولى أبيه.
5788. الثالث عشر:

لو ادّعى المكاتب دفع النجوم إلى المولى افتقر إلى البيّنة، و يسمع شاهدان، أو شاهد و امرأتان، أو شاهد و يمين، و إن كانت الكتابة لا تثبت إلاّ بشاهدين، فإن فقدت حلف المولى و طولب فإن دفع، و إلاّ عجّزه مولاه.

5789. الرابع عشر:

إذا اجتمع على المشروط ديون غير مال الكتابة، و حلّ مال الكتابة، فان قصر عن الجميع، قدّم الدّين، ثمّ إن شاء المولى عجّزه و استرقّه.

و المطلق يقسّط ما في يده على مال الكتابة و ديون الأجانب بالحصص.

و لو مات المشروط انفسخت الكتابة و برئت ذمّته من مال الكتابة، و أخذ الديّان تركته، و الفاضل للسيّد بحقّ الملك، و إن قصر لم يجب على السيّد الإكمال.

5790. الخامس عشر:

لو كان له موليان، فكاتباه على ألف، فادّعى التسليم إليهما، كان القول قولهما مع اليمين إذا لم تكن بيّنة، و لا يخرج عن الكتابة بحلفهما، فإن عجز استرقّاه.

فإن صدّقه أحدهما عتق نصيبه، و لم تسمع شهادته على المكذّب، فيحلف المكذّب مع عدم البيّنة.

ثمّ إنّ شاء طالب المكاتب بخمسمائة، و إن شاء طالب بنصفها، و طالب المصدّق بالباقي، لاعترافه بقبض خمسمائة من الكسب المشترك.

فإن رجع على العبد بخمسمائة، فلا بحث، و إن رجع على الشريك بنصفها، لم يكن للشريك الرجوع به على المكاتب، لاعترافه بأنّه ظلم و لا يرجع بالظلم إلاّ على الظالم.

ص: 269

فإن عجز المكاتب عمّا لزمه أداؤه، استرقّ نصيبه، و كان ما في يده بينهما نصفين، و كذا ما يكسبه.

فإن قلنا يقوّم على الشّريك إذا عتق نصيبه بالكتابة، احتمل(1) عدم التقويم هنا، لأنّ التقويم حقّ للعبد(2) لتكميل أحكامه، و هو يزعم أنّه بأجمعه حرّ، و أنّه لا يستحقّ التقويم على الآخر.

و لو ادّعى المكاتب دفع الألف إلى أحدهما ليقبض حقّه و يدفع الباقي إلى شريكه، فاعترف بأنّه قبض خمسمائة، و أنّ المكاتب دفع بنفسه إلى شريكه خمسمائة، و أنكر الشريك، فالقول قوله في عدم قبض ما زاد على خمسمائة مع اليمين و عدم البيّنة، فإذا حلف سقطت دعواه، و ليس له إحلاف الآخر، لأنّه لا يدّعي عليه شيئا، و يكون للآخر أن يأخذ من المكاتب نصف حقّه، و من الشريك الباقي، و لا يرجع الشريك على العبد بشيء، لاعترافه بالظلم.

فإن عجز المكاتب و فسخ المكذّب صار نصيب شريكه حرّا، و قوّم عليه، لأنّ المكاتب لا يدّعي حرّيّة هذا النصيب.

و لو اعترف أنّه قبض الألف منه، و ادّعى دفع نصيب المكذّب إليه، فالقول قول المكذّب مع يمينه ثمّ إن شاء طالب المكاتب بجميع حقّه، و إن شاء طالب المصدّق به أجمع، لاعترافه بقبض ألف من كسب العبد.

فإن رجع على المكاتب عتق، و للمكاتب الرجوع على المصدّق، و إن صدّقه في الدفع إلى الشريك، للتفريط حيث دفع دفعا غير مبرئ، و إن رجع على المصدّق لم يرجع على المكاتب، لاعترافه بالظلم.

ص: 270


1- . في «أ»: و احتمل.
2- . في «أ»: حقّ العبد.

و ليس للمكاتب إلزام المكذّب بالقبض من المقرّ، لأنّ له قبض حقّه ممّن عليه أصله.

و ليس للمكذّب إلزام المكاتب بالقبض من المقرّ، لأنّه يجرى مجرى الإجبار على الكسب.

و لو اختار المكذّب الرجوع على المكاتب فعجز عاد نصيبه رقيقا على المقرّ خمسمائة الّتي اعترف بقبضها، لأنّه مال مكاتب قد عجز و رقّ.

و لو تمحّل المكاتب فأدّى خمسمائة مال المكاتب إلى المنكر، عتق و كان للمكاتب مطالبة المقرّ بخمسمائة الّتي اعترف بقبضها.

5791. السادس عشر:

لو دفع إلى أحد مولييه حصّته من مال الكتابة بغير إذن شريكه، لم يصحّ القبض، و كان للشريك أن يأخذ منه بنسبة حصّته، و لا يعتق بنسبة حصّته من المكاتب، لعدم الاستيفاء.

و لو أدّى المكاتب إليهما الباقي عتق، و إن عجز رقّ لهما.

و لو كان بإذن شريكه صحّ الأداء، و عتق نصيب القابض، فان قلنا بالتقويم، قوّم هنا على القابض مكاتبا و عتق عليه، و ما في يده من الكسب يكون للّذي لم يقبض بقدر ما قبضه شريكه، لأنّ كسبه قبل عتقه لهما، فإن فضل في يده شيء كان بين المكاتب و بينه، لأنّ هذا الكسب كان في ملكهما، فما يخصّ شريكه انتقل إلى العبد بعتق حصّته بالكتابة، لأنّ الفاضل في يد المكاتب له، هذا إن قلنا بالتقويم في الحال.

ص: 271

و يحتمل التقويم(1) عند العجز، فإن فسخ مولاه قوّمناه رقيقا، و إلاّ مكاتبا، ثمّ إن كان في يده مال كان للآذن نصفه و الباقي للمكاتب.

فإن مات قبل التقويم، انفسخ عقد الكتابة بموته، فنصف ما ترك للآذن و الآخر لوارثه الحرّ.

5792. السابع عشر:

لو وطئ المكاتبة مولاها، فعل حراما، و صارت أمّ ولد بالإحبال، فإن أدّت عتقت و ملكت ما في يدها، و إن عجزت كان له الفسخ، و تصير أمّ ولد مطلقة، له وطؤها، و لمولاها ما في يدها.

و لو مات السيّد عتقت من نصيب ولدها.

و لو مات المولى قبل الأداء و قبل العجز، عتقت من نصيب ولدها.

قال الشيخ: و الّذي يقتضيه مذهبنا أنّ ما في يدها لها(2).

و لو أعتق المولى المكاتب و له مال، فالوجه أنّ المال للمكاتب.

5793. الثامن عشر:

لو دفع المكاتب بعض العوض قبل حلوله على أن يبرئه المولى من الباقي، قال الشيخ لم يجز لمضارعته ربا الجاهليّة الّذي هو الزيادة لزيادة الأجل(3) و الوجه عندي الجواز، قال، و لو دفع البعض قبل الأجل، و طلب إبراءه من الباقي ففعل المولى صحّ القبض و الإبراء(4).

ص: 272


1- . في «أ»: «و يحتمل عدم التقويم» و الصحيح ما في المتن.
2- . المبسوط: 111/6.
3- . المبسوط: 121/6.
4- . المبسوط: 121/6-122.
5794. التاسع عشر:

لو كان للمكاتب على سيّده مال، و حلّ عليه مال الكتابة، فإن اتّفقا جنسا تقاصّا، سواء كانا من الأثمان أو الأعواض، و إن اختلفا لم يقع التقاصّ إلاّ بالتراضي.

و هل يفتقر إلى أن يقبض أحدهما ماله، و يدفعه عوضا عن الحقّ الثابت في ذمّته؟ قال الشيخ: نعم(1). و عندي فيه نظر. قال: و لو كان المالان من الأعواض، اشترط قبض كلّ واحد منهما ثمّ يردّ كلّ واحد منهما إلى صاحبه ما قبضه عوضا عمّا له عليه.(2) و هو أشكل من الأوّل.

و لو باع المكاتب من مولاه دينه على الأجنبيّ بمال الكتابة، لم يجز، لأنّه بيع دين بدين، و لو أحال به صحّ.

5795. العشرون:

لو أعتق المكاتب بإذن مولاه(3)، صحّ، و كان الولاء له، فان استرقّه مولاه للعجز، صار الولاء للمولى، و كذا لو مات قبل الأداء.

فلو أعتقه مولاه بعد استرقاقه، فالوجه عود الولاء إليه.

و لو مات العبد قبل أداء المكاتب و تعجيزه و لا مناسب له، احتمل أن يكون موقوفا كالولاء، إن عتق المكاتب أخذ المال، و إن استرقّ أخذه المولى.

و احتمل انتقاله إلى المولى، لأنّ الولاء يمكن انتقاله من شخص إلى غيره، فجاز أن يكون موقوفا، و الميراث لا ينتقل فلا يقف.

5796. الحادي و العشرون:

الأقوى عندي جواز بيع المولى مال الكتابة قبل

ص: 273


1- . المبسوط: 124/6.
2- . المبسوط: 125/6.
3- . و المراد إذا كاتب المولى عبدا، ثم اشترى ذلك المكاتب عبدا بإذن مولاه فأعتقه صحّ.

قبضه، و قوّى الشيخ خلافه(1) فعلى قوله ليس للمشتري مطالبة المكاتب بشيء، و ليس للمكاتب الدفع إليه، فإن دفع لم يعتق، لأنّ المشتري قبضه لنفسه، و قبضه لنفسه باطل، فصار كالعدم.

و للمكاتب الرجوع على المشتري بما دفعه إليه، و للمشتري الرجوع على السيّد بما دفعه ثمنا، و مال الكتابة باق في ذمّة العبد، و يحتمل العتق مع تصريح المولى بإذن الإقباض فتبرأ ذمّة المكاتب من المال، و للسيّد مطالبة المشتري بما قبضه، و للمشتري الرجوع عليه بما دفعه ثمنا.

و لو كان للسيّد على المكاتب مال غير مال الكتابة كثمن مبيع، أو أرش جناية، جاز بيعه من الأجنبيّ.

5797. الثاني و العشرون:

لو مرض السيّد بعد الكتابة فأبرأه من مال الكتابة أو أعتقه، فإن برئ لزم، و إن مات في ذلك المرض، فقد بيّنا أنّه يعتبر الأقلّ من قيمته و مال الكتابة، فإن خرج من الثلث عتق، و إن قصر الأقلّ، بأن كان له سوى المكاتب مائة، و القيمة مائة و خمسون، و مال الكتابة مائة، فإنّا نضمّ الأقلّ إلى ماله، و ينفذ بحسابه، فيعتق ثلثاه، و يبقى ثلثه بثلث مال الكتابة.

و لو كانت القيمة مائة، و مال الكتابة مائة و خمسين، عتق ثلثاه بحكم القيمة و بقي ثلثه بثلث مال الكتابة، فإن أدّاه عتق.

و يحتمل أن يقال: يأتي هنا الدور لزيادة مال الميّت بالخمسين الّتي أدّاها، لأنّه حسب على الورثة بمائة و الزائد بمائة، و الزائد ثبت بعقد السيّد و ورث عنه، فيزيد ما يعتق منه.

ص: 274


1- . المبسوط: 126/6.

و الحاصل أنّ الورثة حصل لهم من كتابة العبد خمسون عن ثلث العبد المحسوب عليهم بثلث المائة فزاد لهم ثلث الخمسين الّتي أدّاها، فيعتق من العبد قدر ثلثها، و هو تسع الخمسين، و ذلك نصف تسعه، فصار العتق ثابتا في ثلثه و نصف تسعه، و حصل للورثة المائة و ثمانية أتساع الخمسين(1) و هو مثلا ما عتق منه.

و لو لم يؤدّ العبد الخمسين رقّ ثلثه.

و كذا لو أوصى بعتقه و كان يخرج من ثلثه الأقلّ من قيمته أو مال كتابته الحكم فيه كما تقدّم إلاّ أنّه هنا يحتاج إلى إيقاع العتق.

و لو لم يكن سواه و حلّ مال الكتابة، فإن كان معه وفاء بالباقي، أدّاه و عتق أجمع، و لو عجز عتق ما يخرج من الثلث، و استرقّ الباقي.

و لو لم يحلّ، عتق ثلثه معجّلا؛ قاله الشيخ(2) لحصول ثلثيه أو ثلثي المال للورثة قطعا.

و يحتمل الانتظار إلى الحلول، فإن أدّى عتق جميعه، و إن عجز عتق بعضه، و لا يعتق منه شيء معجّلا، لئلاّ يتنجّز للوصيّة ما يعتق و يتأخّر حق الوارث(3).

و في قول الشيخ قوّة.

ص: 275


1- . في «أ»: أتساع الخمسين رقّ.
2- . المبسوط: 149/6-150.
3- . قال الشيخ في المبسوط: 149/6: و إن لم يكن قد حلّ عليه مال الكتابة فقال قوم: إنّ العتق ينجّز للمكاتب في ثلثه، و يبقى الكتابة في ثلثيه إلى وقت حئول الحول، و قال بعضهم: لا يعتق منه شيء حتّى يؤدّي إلى الورثة مال الكتابة ثمّ يعتق ثلثه، لأنّ الوصية لا تنجّز للموصى له إلاّ بعد أن يحصل للورثة مثلاها.
5798. الثالث و العشرون:

لو كاتبه على دنانير فأبرأه دراهم أو بالعكس، لم تصحّ البراءة، و لو قال: أردت قيمة الدراهم من الدنانير، صحّت البراءة في قيمتها.

و لو ادّعى العبد ذلك و أنكر السيّد، فالقول قوله مع اليمين، و كذا القول قول ورثة السيّد لو مات في ذلك، و يحلفون على نفي العلم بأنّ مورّثهم أراده.

و لو قال السيّد: قبضت آخر كتابتك، لم يكن إقرارا باستيفاء الجميع، لاحتمال إرادة قبض النجم الأخير دون ما قبله، فالقول قوله مع يمينه لو ادّعى المكاتب إرادة الجميع.

و لو قال: قبضت آخر كتابتك إن شاء اللّه، بطل إقراره، لتعلّقه بالاستثناء(1)، و كذا لو قال: إن شاء زيد، لتعلّقه بالصّفة، و الإقرار لا يقبل التعليق بالاستثناء و لا الصّفة.

5799. الرابع و العشرون:

تصحّ الوصية بالكتابة، فإن خرجت قيمة العبد من الثلث أجبر الورثة على ذلك، إلاّ أن يردّ العبد، و لو طلب بعد الردّ الكتابة لم يجب.

ثمّ الموصي إن عيّن قدرا كوتب عليه، فان أدّى المال لم يحتسب من التركة، بل هو حقّ للورثة، كما لو أوصى بنخل فأثمر، أو بماشية فنتجت، و يعتق العبد و الولاء للسيّد إن شرطه، و إن لم يؤدّ المال استرقّه الوارث.

و لو لم يعيّن كوتب على ما جرت به العادة بكتابة مثله، و العرف يقتضي

ص: 276


1- . في «أ»: لتعليقه في الموضعين بالاستثناء.

الكتابة بأكثر من القيمة، و لو قصر الثلث عن قيمته كوتب القدر الّذي يحتمله الثلث.

و لو ضم إلى الكتابة غيرها، و قصر الثلث عن الجميع، قال الشيخ: يقدّم الكتابة كما لو أوصى بوصايا في جملتها عتق فانّه يقدّم العتق(1).

و يمكن الفرق بأنّ عقد الكتابة و إن قصد به العتق إلاّ أنّه معاوضة، و لهذا لو أوصى لرجل بعبد و لآخر بأبيه، فانّهما سواء، و إن كان القصد بوصيّة الأب العتق.

و لو أوصى بكتابة عبد من عبيده، تخيّر الورثة في التعيين، و ليس لهم كتابة أمة و بالعكس.

و لو كان له خنثى دخل في لفظ العبد و الأمة، إن ألحق بأحدهما و إلاّ فلا.

و لو أوصى بكتابة أحد رقيقه دخل الخنثى في التخيير.

5800. الخامس و العشرون:

لو زوّج بنته من مكاتبه ثمّ مات، لم تنفسخ الكتابة، فإن لم ترثه البنت، بأن تكون قاتلة أو كافرة، فالنكاح بحاله، و إن ورثته أو بعضه، انفسخ النكاح.

و يحتمل عدم الفسخ، لأنّها ترث الدّين لا الرقبة، إلاّ مع العجز، و لهذا لو أبرأته من الدّين عتق و كان الولاء المشترط للمولى دونها و لو اشترى المكاتب زوجته الأمة من سيّده أو من غيره فالأقوى انفساخ النكاح.

5801. السادس و العشرون:

لا تنفسخ الكتابة بموت المولى، و ينعتق العبد

ص: 277


1- . المبسوط: 152/6.

بدفع المال إلى الوارث، و لو تعدّد لم ينعتق بالدفع إلى البعض، و لو كانوا غير رشيدين وجب الدفع إلى الجدّ، فإن فقد فإلى الوصيّ إن كان، و إلاّ الحاكم.

و لو كان البعض غير رشيد دفع إلى الرشيد حقّه و الباقي إلى الوليّ.

و لو أوصى بدفعه إلى معيّن، دفعه المكاتب إلى الموصى له أو إلى الوصيّ ليدفعه إليه.

و لو أوصى بدفعه إلى غير معيّن، وجب على المكاتب دفعه إلى الوصيّ، فإن فرّقه بنفسه لم يعتق بذلك.

و لو أوصى بدفعه إلى غرمائه، تعيّن القضاء منه فيدفعه(1) المكاتب إلى من شاء من الوصيّ أو إلى الغرماء، و لا حقّ للورثة فيه.

و لو أوصى بقضاء الدّين، و لم يعيّن مال الكتابة للقضاء، كان على المكاتب الجمع بين الورثة و الوصيّ بقضاء الدّين، و يدفعه إليهم بحضرته.

5802. السابع و العشرون:

ليس للمولى مطالبة المكاتب بالمال قبل الحلول، و لا يجب على المولى قبضه لو دفعه المكاتب قبله، و يجب بعده.

فإن حلّ النجم وجب على المكاتب الدفع، فإن عجز تخيّر السيّد بين الصبر و الفسخ، و إن كان قادرا على الأداء و امتنع منه قال الشيخ: يفسخ المالك أيضا.(2)

و يحتمل عندي إجبار المكاتب على الأداء، فإن تعذّر فسخ المالك الكتابة.

ص: 278


1- . في «أ»: قيل فيدفعه.
2- . المبسوط: 156/6.

و إذا عجّز نفسه كان للمولى الفسخ بنفسه، و لا يحتاج إلى حاكم إن كان المكاتب حاضرا، و لو كان غائبا افتقر إلى الحاكم ليثبت المال و التعذّر(1)فيستحلفه الحاكم مع البيّنة، و يقضي له بالفسخ.

5803. الثامن و العشرون:

يستحبّ للمولى إنظار المكاتب حاضرا بعد الحلول، فإن أنظره لم يجب الوفاء، و لا يجبر على اختيار الفسخ، فإذا رجع المولى في التأجيل طالب، فإن عجز فسخ، و إن كان معه ما يؤدّي من جنس مال الكتابة، لم يكن له فسخ، و يجب الصبر إلى أن يحضره من منزله القريب، و كذا إن كان من غير الجنس و احتاج إلى المصارفة.

و إن كان في موضع بعيد يحتاج إلى مدّة طويلة، لم يجب الصبر.

و لو كان العبد غائبا رفع المولى أمره إلى الحاكم، و أثبت الحلول، و حلّفه على عدم القبض، ليكتب إلى حاكم البلد الّذي فيه المكاتب.

فإن كان المكاتب عاجزا، كتب إلى الحاكم الأوّل، ليجعل للسيّد الفسخ، و إن كان قادرا طالبه بالخروج إلى بلد السيّد، أو التوكيل في الأداء، فإن أخّر أحدهما مع الإمكان، كان للسيّد الفسخ.

فإن وكّل السيّد من يقبض في بلد المكاتب لزمه الدفع إليه، فإن امتنع ثبت خيار السيّد.

ص: 279


1- . قال الشيخ في المبسوط: 157/6: فأمّا إذا كان العبد غائبا فليس للسيّد أن يعجزه بفسخ الكتابة، بل يرفع الأمر إلى الحاكم و يثبت عنده الكتابة و حلول المال على المكاتب و أنّه لم يؤدّ إليه شيئا و يحلفه الحاكم على ذلك، فانّ هذا قضاء على الغائب فاحتاج إلى اليمين.

و لو جعل السيّد الخيار في الفسخ إلى وكيل القبض مع الامتناع، جاز.

و مع حصول الوكيل(1) لا يعتبر مدّة المسير إليه.

5804. التاسع و العشرون:

حدّ العجز أن يؤخّر نجما إلى نجم، أو يعلم من حاله العجز، و قيل: أن يؤخّر النجم عن محلّه.(2) و به رواية.(3)

5805. الثلاثون:

إذا جنّ المكاتب أثبت المولى الكتابة و الحلول، و حلف على عدم القبض، فإن وجد الحاكم حينئذ له مالا سلّمه إليه، و عتق، و إلاّ جعل له التعجيز مع عدم المال و ألزمه الإنفاق عليه بعوده رقّا، فإن وجد الحاكم بعد فسخ السيّد له ما لا يفي مال الكتابة، أبطل فسخ السيّد، و كذا لو أفاق و أقام بيّنة بالتسليم، إلاّ أن للسيّد أن يرجع بما أنفقه بعد الفسخ في الأولى دون الثانية.

5806. الحادي و الثلاثون:

لو ادّعى المكاتب التسليم و أقام شاهدا، جاز له الحلف معه، و لو ادّعى غيبة الشاهد أنظر ثلاثة أيّام فإن جاء، و إلاّ حلف السيّد.

و لو جاء به فجرح، فادّعى شاهد عدل، أنظر أيضا ثلاثة أيّام.

5807. الثاني و الثلاثون:

المكاتب المشروط رقّ ما لم يؤدّ جميع مال الكتابة، فلو تخلّف(4) عليه و لو درهم واحد و عجز عنه، كان رقيقا إن عجّزه مولاه، و لا يعيد عليه ما أخذه منه.

ص: 280


1- . المراد من «حصول الوكيل» هو وجوده و حضوره، و معه لا يعتبر مضيّ مدّة المسير إلى السيّد، فإنّ حضور الوكيل بمنزلة حضور السيّد، فيجوز له الفسخ فورا.
2- . ذهب إليه الحلّي في السرائر: 27/3، و الشيخ في الاستبصار: 33/4 - الباب 18 - و اعتمده المصنّف في المختلف: 114/8.
3- . الوسائل: 88/16، الباب 5 من كتاب المكاتبة.
4- . في «ب»: يخلف.

و يستحبّ للمولى الصبر عليه، و لو لم يعجز لم يكن للمولى الفسخ.

و لو اتّفقا على التقايل جاز(1).

و لا تبطل الكتابة بموت المالك، و للوارث المطالبة بالمال، فإن أدّى إليه عتق كالمولى.

5808. الثالث و الثلاثون:

لو كاتبه ثمّ حبسه مدّة، قيل: يجب أن يؤجّله مثل تلك المدّة، و الوجه عندي إلزامه بالأجرة عن تلك المدّة.(2)

5809. الرابع و الثلاثون:

لا يدخل حمل الموجود وقت الكتابة في كتابة الأمّ، و لو حملت بعد الكتابة من مملوك كان حكم الولد حكم الأمّ يعتق منه بحسابها، و لو كان من حرّ كان الولد حرّا.

و لو حملت من مولاها لم تبطل الكتابة، فإن مات مولاها و عليها شيء من مال الكتابة، عتقت من نصيب ولدها و لو لم يكن ولد سعت في مال الكتابة للوارث.

5810. الخامس و الثلاثون:

لو أبرأه أحد الورّاث من نصيبه من مال الكتابة، أو أعتق نصيبه صحّ، و عتق، و لا يقوّم عليه على الأقوى.

5811. السادس و الثلاثون:

العبد لا مال له عندنا و إن ملّكه مولاه، و عند الشيخ يملك مع التمليك فإذا كاتبه و له مال، فالأقوى على قول الشيخ أنّه للمولى ما لم يشترطه المكاتب، و لو كان له ولد فهو للمولى أيضا.

ص: 281


1- . في «أ»: جاز له.
2- . و كلا القولين للشيخ في المبسوط: 132/6.
5812. السابع و الثلاثون:

لا يعتق المكاتب إلاّ بالأداء إذا لم يبرأه المالك، سواء كان معه مال الكتابة أو لا، و لو كان بيده مال الكتابة، و لم يؤدّه إلى المالك كان باقيا على الرقية، و إن تلف و حلّ النجم و عجز لم يعتق، و لا يثبت المال في ذمّته إلاّ أن يشاء المالك بقاء الكتابة.

و لو كان المال باقيا، و حلّ مال الكتابة، و امتنع من الأداء، احتمل أن لا يكون عجزا، بل يؤدّيه الإمام منه، و احتمل أن يكون عجزا فيعجّزه المولى، و يسترقّه إن شاء.

5813. الثامن و الثلاثون:

لو كاتب بإذن مولاه صحّ، فإن شرط الولاء و عجز الأوّل و أدّى الثاني، فولاؤه للسيّد الأوّل، و لو أدّى الثاني قبل عجز الأوّل و قبل الأداء، فالوجه أنّ الولاء موقوف ليس للسيّد إلاّ أن يعجّز الأوّل، و لو مات الثاني قبل عتق المكاتب فميراثه موقوف أيضا.

5814. التاسع و الثلاثون:

لو أوصى بعتقه عند عجزه، فادّعى العجز قبل حلول النجم، لم يعتق، لأنّه لم يجب عليه شيء يعجز عنه، و إن ادّعاه بعد الحلول، و كان معه ما يؤدّيه، لم يلتفت إليه، لانتفاء العجز، و إن لم يكن معه مال ظاهر، فإن صدّقه الورثة عتق، و إن كذّبوه حلف و أعتق، و كان ما في يده للورثة.

5815. الأربعون:

العجز لا تنفسخ به الكتابة، بل يثبت به استحقاق الفسخ، فإن فسخ مولاه ملكه و ما معه، و إلاّ كان باقيا على الكتابة، و الوجه أنّ للمولى انتزاع ما في يده مع العجز و إبقاء الكتابة بحالها.

5816. الحادي و الأربعون:

لو اشترى المكاتب من يعتق عليه بإذن مولاه صحّ، و كسبه للمكاتب، و نفقته عليه، و إن أعتقهم السيّد لم يصحّ، كما لا يصحّ

ص: 282

لو أعتق مملوك المكاتب، و لو أعتقه المكاتب، فإن كان بإذن المولى صحّ، و إلاّ فلا.

و لو أعتق المولى المكاتب صحّ العتق، و عتق من يعتق عليه تبعا له.

و لو مات المكاتب و لم يخلف وفاء عادوا رقيقا.

و لو كانت الكتابة مطلقة، عتق منهم بنسبة ما عتق منه.

و لو اشترى المكاتب زوجته أو المكاتبة زوجها، صحّ الشراء، و بطل النكاح.

ص: 283

ص: 284

المقصد الرابع: في أمّهات الأولاد

اشارة

و فيه سبعة عشر بحثا:

5817. الأوّل:

أمّ الولد هي الّتي ولدت من سيّدها في ملكه، فإذا وطئ أمته فأتت له بولد بعد وطئه لستّة أشهر فصاعدا، لحق نسبه(1) و كان الولد حرّا، و صارت بذلك أمّ ولد، و لا تسري حرّية الولد إلى الأمّ، و إن أتت به تامّا لأقلّ من ذلك لم يلحقه النسب، و لم تصر أمّ ولد.

5818. الثاني:
اشارة

إنّما تصير الأمة أمّ ولد بشروط ثلاثة:

أحدها:

أن تعلق منه بحرّ، و ذلك بأن يطأ الحرّ جاريته، و يخلق من مائه ولد، سواء كان الواطئ مسلما أو ذميّا، فلو علقت أمة الذمّي منه، ثمّ أسلمت، بيعت عليه، و قيل: يحال بينه و بينها، و تجعل على يد امرأة ثقة(2). و لو لم تبع حتّى مات مولاها، فالوجه عتقها من نصيب الولد.

أمّا المملوك إذا ملّكه مولاه جارية، و قلنا إنّه يملك، فإنّه إذا وطئ أمته و استولدها، فولده مملوك، و لا يثبت للأمة حكم الاستيلاد، و إن أذن له المولى في التسرّي.

ص: 285


1- . في «أ»: ألحق نسبه.
2- . ذهب إليه الشيخ في الخلاف: 425/6، المسألة 2 من كتاب أمّهات الأولاد.

و لو اشترى المكاتب أمة للتجارة فأحبلها، كان الولد موقوفا، أمّا الأمّ فإنّها لا تنعتق بموت المكاتب قبل أداء ما عليه، و لا يثبت لها حكم الاستيلاد مع عجزه، و أطلق الشيخ صيرورتها أمّ ولد(1).

و هل يملك المكاتب بيعها و التصرف فيها؟ الوجه عدم ذلك، و لو عتق لحقها حكم الاستيلاد.

الشرط الثاني:

أن تعلق منه في ملكه، سواء كان الوطء مباحا أو محرّما، كالوطء في الحيض، أو النفاس، أو الصوم، أو الإحرام، أو الظهار.

و لو وطئ المولى المرهونة بغير إذن المرتهن فأحبلها، فإنّها تصير أمّ ولد في حقّ الراهن و المرتهن.

و لو علقت منه في غير ملكه، لم تصر بذلك أمّ ولد إذا علقت منه بمملوك، مثل أن يطأها(2) في ملك غيره بنكاح، و يشترط المولى الولد، أو يطئها زنا، سواء ملكها بعد ذلك أو لا، و سواء ملكها بعد انفصال الولد أو قبله.

و لو علقت منه في غير ملكه بحرّ، بأن يطئها للشبهة أو يغرّ من أمة فيتزوّجها على أنّها حرّة أو يشتريها فيظهر استحقاقها فلا تصير أمّ ولد في الحال فإن ملكها بعد ذلك قال الشيخ: تصير أمّ ولد.(3) و عندي فيه نظر.

الشرط الثالث:

أن تضع خلق آدميّ و يرجع في ذلك إلى أهل الخبرة من القوابل، فلو وضعت مضغة لم يظهر فيها شيء من خلق الآدميّ فشهد الثقات من القوابل أنّ فيها صورة خفيّة، تعلّقت بها أحكام أمّهات الأولاد، و لو لم يشهدن بذلك

ص: 286


1- . المبسوط: 187/6.
2- . في «ب»: قبل أن يطأها.
3- . المبسوط: 186/6.

لكن علم أنّه مبدأ خلق آدميّ إمّا بشهادتهنّ أو غير ذلك، تعلّق به الأحكام أيضا.

5819. الثالث:

أمّ الولد مملوكة لا تتحرّر بموت المولى، بل من نصيب ولدها، و يجوز للمولى التصرّف فيها بالوطء و الاستخدام و غير ذلك، إلاّ البيع و الهبة، و لا يجوز بيعها ما دام ولدها حيّا، إلاّ في ثمن رقبتها إذا كان دينا على مولاها، و ليس له سواها، و في اشتراط موت المولى حينئذ خلاف و السيّد رحمه اللّه منع من بيعها مطلقا(1).

و لو مات الولد قبل مولاها جاز بيعها و هبتها، و صارت ملكا طلقا.

5820. الرابع:

لو مات المولى و ولدها حيّ عتقت من نصيب ولدها و إن استوعبته، و لو لم يف أو لم يكن سواها عتق نصيبه منها، وسعت في الباقي.

و في رواية: إن كان الولد موسرا قوّمت عليه(2) و المعتمد الأوّل، و لا تعتق من أصل التركة عندنا.

5821. الخامس:

أمّ الولد هل تجوز كتابتها؟ فيه إشكال ينشأ من أنّها عقد على الرقبة فأشبه البيع، و من عدم التصادم لو سبقت الكتابة.

5822. السادس:

لو أوصى لأمّ ولده، فالأقرب عندي أنّها تعتق من الوصيّة، فإن فضل شيء عتق من نصيب ولدها، و قيل: تعتق من نصيب الولد و تعطى الوصيّة(3).

ص: 287


1- . الانتصار: 383، المسألة 226 في بيع أمّهات الأولاد.
2- . الوسائل: 108/16، الباب 6 من أبواب الاستيلاد، الحديث 4.
3- . ذهب إليه المحقّق في نكت النهاية. لاحظ النهاية و نكتها: 151/3.
5823. السابع:

لا فرق بين أن يكون الولد ذكرا أو أنثى، و لو تعدّد الولد عتقت من نصيبهما(1) معا على النسبة.

و لو أتت بولد من زوج أو زنا فالولد رقّ للمولى، و لا يثبت له حكم الاستيلاد، و لا ينعتق بموت السيّد، و كذا ما تكسبه أمّ الولد في حال حياة المولى، فإنّه لمولاها.

5824. الثامن:

لو تزوّج أمة فأحبلها، فالولد مملوك للبائع إن اشترط رقيّته، و إلاّ فهو حرّ، فإن اشتراهما معا، تحرّر الولد، قال الشيخ: و تصير الأمّ أمّ ولد(2)، و كذا تصير أمّ ولد لو اشتراها قبل الولادة.

5825. التاسع:

إذا جنت أمّ الولد خطأ تعلّقت الجناية برقبتها، و للمولى الخيار كالقنّ بين تسليمها للبيع، و بين فدائها إمّا بالأقلّ من أرش الجناية و القيمة أو بالأرش، على الخلاف.

و كذا يتخيّر المولى لو جنت على جماعة بين تسليمها إليهم أو إلى ورثتهم على قدر الجنايات و بين الفداء، و لو ماتت قبل الفداء، فلا شيء على المولى مع عدم التفريط.

و لو نقصت قيمتها قبل فدائها، وجب فداؤها بقيمتها يوم الفداء، فيسقط التالف(3) إن قلنا بالأقلّ، و لو زادت القيمة زاد الفداء.

و لو كسبت بعد جنايتها، فهو لسيّدها، و تقوّم معيبة بعيب الاستيلاد، و لو أتلفها سيّدها فعليه قيمتها.

ص: 288


1- . في «ب»: من نصيبها.
2- . المبسوط: 187/6.
3- . في «ب»: فيسقط بقدر التالف.
5826. العاشر:

أمّ الولد إذا أعتقها مولاها، وجب عليها الاستبراء بثلاثة أقراء إن كانت من ذوات الحيض، و إلاّ فثلاثة أشهر، و إن مات مولاها قبل العتق، استبرأت بأربعة أشهر و عشرة أيّام.

5827. الحادي عشر:

للمولى أن يزوّج أمّ الولد بغير رضاها و يملك المولى المهر، و كذا للمولى إجارتها للخدمة و جميع التصرّفات من الوطء و غيره إلاّ البيع، و له أرش ما يجنى عليها.

و لو تلفت في يد غاصب ضمن القيمة لمولاها.

5828. الثاني عشر:

لو شهد على إقراره بالاستيلاد رجلان و حكم به، ثمّ رجعا، غرما قيمة الولد إن استندت حرّيّته إلى الشهادة، و لم يغرما في الحال قيمة الجارية، لأنّهما أزالا تسلّط البيع خاصّة، و لا قيمة له، فإذا مات المولى فإن قلنا بوجوب التقويم على من ملك جزءا واحدا من أبويه مطلقا، فلا غرامة أيضا، و إلاّ غرما ما يقوّم على الولد.

5829. الثالث عشر:

إذا وطئ الأب جارية ابنه، فإن كان صغيرا و قوّمها، صارت أمّ ولد مع الإحبال، و إن كان كبيرا و لم يقوّمها كان زانيا، لكن لا حدّ عليه، و لا تصير الجارية أمّ ولد، و على الأب المهر، و لا تلزمه قيمتها.

و لو وطئ الابن جارية الأب حدّ مع عمله بالتحريم، و إلاّ تصير أمّ ولد له، و عليه المهر، و ولده يعتق على جدّه، و تحرم على الأب مؤبّدا على إحدى الروايتين(1)، و لا يجب على الابن قيمتها، لأنّه لم يمنعه من غير الاستمتاع، فإن

ص: 289


1- . الوسائل: 319/14-320، الباب 4 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.

وطئها الأب، فعل محرّما، و لا حدّ عليه، و لا تصير أمّ ولد، لأنّه وطء صادف ملكا.

و لو زوّج أمته ثمّ وطئها، فعل حراما، و تصير أمّ ولد إن أولدها تعتق بموته، و ما تلده بعد ذلك من الزوج حكمه حكم أمّه.

5830. الرابع عشر:

لو ملك أحد المحرّمات عليه بالرّضاع، فإن قلنا: إنّه كالنسب في العتق، فلا بحث، و إن قلنا: إنّه لا يقتضي العتق، لم يحلّ له الوطء إجماعا، فإن وطئ فالولد حرّ، و هي أمّ ولد، و كذا لو ملك أمة و ثنيّة فاستولدها.

و لو وطئ المرهونة فاستولدها، احتمل أن يقال: خرجت من الرّهن، و عليه قيمتها للمرتهن يجعل رهنا، و الأقوى خلافه.

و لو قذف أمّ الولد قاذف عزّر بغير حدّ، و لا يقتص من الحرّة لها، و تصلّي مكشوفة الرأس.

و لو قتلت سيّدها عمدا أو خطأ، عتقت من نصيب ولدها، و كان عليها موجب الجناية من دية أو قصاص.

5831. الخامس عشر:

لو باع أمّ ولده بطل الشراء، فإن تلفت في يد المشتري كان ضامنا، لأنّه بيع فاسد.

5832. السادس عشر:

قال الشيخ: لو أسقطت نطفة، كانت أمّ ولد.(1) و تظهر الفائدة هنا في الاعتداد(2) خاصّة.

ص: 290


1- . النهاية: 546.
2- . في «أ»: بالاعتداد.
5833. السابع عشر:

قال الشيخ: إذا مات المولى و لم يخلّف غيرها، و كان ثمنها دينا على مولاها، قوّمت على ولدها، و يترك إلى أن يبلغ، فإذا بلغ، أجبر على ثمنها، فإن مات قبل البلوغ، بيعت في ثمنها، و قضي به الدين.(1) و الحكم الأوّل غير معتمد.

ص: 291


1- . النهاية: 547.

ص: 292

كتاب الأيمان و توابعها

اشارة

ص: 293

ص: 294

و فيه مقاصد

المقصد الأوّل: في نفس اليمين

اشارة

و فيه ستّة عشر بحثا:

5834. الأوّل:

اليمين عبارة عن تحقيق ما يحتمل المخالفة بذكر اسم اللّه تعالى أو صفاته المختصّة أو الغالبة.

و مشروعيّتها ثابتة بالنصّ (1) و الإجماع.

5835. الثاني:

لا تنعقد اليمين إلاّ باللّه، كقوله: مقلّب القلوب، و الّذي فلق الحبّة و برأ النّسمة، و الّذي نفسي بيده، و الّذي أصلّي له و أصوم؛ أو بأسمائه المختصة به، كقوله: و اللّه، و الرحمن؛ أو الغالبة فيه، كقوله: و الرّبّ، و الخالق، و البارئ، و الرّازق، و الرّحيم، و كلّ هذه تنعقد بها اليمين مع القصد.

و لو أراد بهذه غير اللّه لم يكن يمينا، و لو حلف بما لا ينصرف إطلاقه إليه لم تنعقد، و إن نوى بها الحلف، لاشتراكها، فليس لها حرمة اليمين، كقوله:

و الموجود، و الحيّ، و السميع، و البصير، و القادر.

ص: 295


1- . كقوله تعالى: لاٰ يُؤٰاخِذُكُمُ اَللّٰهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمٰانِكُمْ وَ لٰكِنْ يُؤٰاخِذُكُمْ بِمٰا عَقَّدْتُمُ اَلْأَيْمٰانَ. المائدة: 89.

و تنعقد لو قال: و جلال اللّه، و عظمة اللّه، و كبرياء اللّه مع القصد.

و لو قال: و قدرة اللّه، و علم اللّه، انعقد إن قصد الصفات، و هو كونه قادرا عالما، و إن قصد المعاني لم تنعقد.

و لو قال: و كلام اللّه، لم تنعقد، و كذا لو قال: و خلق اللّه، و رزق اللّه، و معلوم اللّه.

و لو حلف بالقرآن لم تنعقد، و كذا لا تنعقد لو قال: و حقّ اللّه، مطلقا و تنعقد لو قصد به اليمين.

و لو قال: عهد اللّه عليّ، كان عهدا لا يمينا.

و لو قال: و ميثاق اللّه، و كفالته، و أمانته، لم تنعقد.

و لو قال: أستعين باللّه، أو أعتصم باللّه أو أتوكّل على اللّه، لم يكن يمينا و إن قصد بها الحلف إجماعا.

5836. الثالث:

لا تنعقد اليمين عندنا إلاّ بالقصد، سواء نطق بما ثبت له العرفان(1) كقوله: و اللّه، و الرّحمن، أو ثبت له العرف الشرعيّ، كقوله: أقسم باللّه، أو العاديّ كقوله: و حقّ اللّه، أو لم يثبت له عرف أصلا، كقوله: أعزم باللّه.

5837. الرابع:

ألفاظ القسم ثلاثة: باللّه، و تاللّه، و و اللّه، و ينعقد بما يتبعها، كقوله: اللّه لأفعلنّ (2)، مع قصد حذف حرف الخفض، و لو قال: اللّه، لم ينعقد.

و ينعقد لو قال: لعمر اللّه، و أيمن اللّه، و أيم اللّه، و م اللّه، أو أقسم باللّه، أو

ص: 296


1- . عرف الشرع و عرف العادة.
2- . في «أ»: اللّه تعالى لأفعلنّ.

أحلف باللّه، أو أقسمت باللّه، أو حلفت باللّه، و لو قال: أردت الإخبار عن الماضي، أو الوعد بالمستقبل، قبل، و لم يلزمه حكم اليمين.

و لو قال: أقسم أو أحلف، و لم يقل باللّه، أو حلفت، أو أقسمت، و لم يقل باللّه، لم ينعقد و ان قصد به اليمين.

و لو قال: أشهد باللّه، و أطلق لم ينعقد، و لو نوى به اليمين، قال الشيخ:

ينعقد.(1) و فيه قوّة للعرف.

و لو قال: أعزم باللّه، و لم يقصد اليمين لم ينعقد، و لو قصد اليمين فكذلك.

و لو قال: بلّه، و قصد الرطوبة فليس بيمين إجماعا، و لو قصد اليمين فالأقوى انعقاده، و حمل حذف الألف على اللحن.

و لو قال: لاها اللّه،(2) و نوى اليمين ففي الانعقاد نظر.

5838. الخامس:

لا ينعقد اليمين عندنا بغير اللّه تعالى و أسمائه و صفاته على ما تقدّم، فلو حلف بالقرآن، أو بكلام اللّه تعالى، لم ينعقد، و كذا بالمصحف، أو بالنبيّ، أو بأحد من الأئمة، أو بالصدقة، أو بالحج، أو بالتبرّي من اللّه، أو من رسوله، أو من القرآن، أو أحد الأئمة، أو قال: هو يعبد الصليب، أو غير اللّه، أو

ص: 297


1- . المبسوط: 197/6. و في «أ»: «لم ينعقد»، قال في المسالك: و للشيخ قولان: أحدهما في المبسوط أنّه إن أراد به اليمين كان يمينا. و إن أطلق و لم يرد لم يكن يمينا، و الثاني في الخلاف أنّه لا يكون يمينا مطلقا. مسالك الأفهام: 187/11؛ و لاحظ الخلاف: 128/6، المسألة 19 من كتاب الأيمان.
2- . قال ثاني الشهيدين في المسالك: 200/11؛ ممّا يقسم به لغة: ها اللّه، فإذا قيل: لاها اللّه ما فعلت ما فعلت، فتقديره: لا و اللّه، و «ها» للتنبيه يؤتى بها في القسم عند حذف حرفه، و يجوز فيها: ها اللّه بقطع الهمزة و وصلها.

هو مستحلّ الخمر، أو الميتة، أو حلف بالطّلاق، أو التحريم، أو الظّهار، أو العتاق، أو قال: أيمان البيعة تلزمني، و أيمان البيعة هي الّتي رتّبها الحجّاج ليستحلف بها عند البيعة و الأمر المهمّ للسلطان، و كانت البيعة على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالمصافحة، فلمّا ولي الحجّاج رتّبها أيمانا تشتمل على اليمين باللّه تعالى و الطلاق و العتاق و صدقة المال، سواء عرفها أو لم يعرفها، و لا يلزمه بذلك كفّارة.

و للشيخين (رحمهما اللّه) قول إنّ من حلف بالبراءة من اللّه أو من رسوله أو من أحد الأئمّة عليهم السّلام أثم إن خالف ما علّق البراءة به، و تجب عليه كفّارة ظهار(1).

و قول الرجل: يا هناه و لا بل شانيك، أي لا أب لشانيك، و غير ذلك من أيمان الجاهلية لا تنعقد به اليمين.

5839. السادس:

متعلّق اليمين إن كان واجبا، كما إذا حلف أنّه يصلّي الفرائض، أو يصوم شهر رمضان، أو يحجّ حجّة الإسلام، أو لا يزني، أو لا يظلم، أو لا يشرب الخمر، أو غير ذلك من الواجبات، انعقدت اليمين، و تجب بالحنث فيها الكفّارة.

و كذا إن كان مندوبا، كما إذا حلف أنّه يصلّي النافلة، أو يصوم تطوّعا، أو يتصدّق ندبا، أو يحجّ مستحبّا، لا فرق بينهما في الانعقاد و تعلّق الكفّارة مع الحنث.

ص: 298


1- . المقنعة: 558؛ النهاية: 570.

و إن كان مباحا، كما إذا حلف أنّه يدخل الدار أو لا يدخلها، أو يسلك طريقا دون آخر، و ما أشبه ذلك، فإن كان البرّ أرجح في الدنيا وجب الوفاء، فإن حنث، كفّر و أثم، و كذا إن تساوى الفعل و الترك، و إن كان الترك أولى في الدنيا، جاز الحنث و لا كفّارة و لم تنعقد اليمين(1).

و إن كان مكروها، مثل أن يحلف أن لا يفعل النوافل، و لا يتصدّق تطوّعا، لم تنعقد اليمين و لا كفّارة مع الحنث(2).

و إن كان محرّما، مثل أن يحلف ليقتلنّ مؤمنا، أو ليفعلنّ الزّنا، أو ليقطعنّ رحمه، أو ليهجون المسلمين، لم تنعقد اليمين، و يحرم البقاء عليها، و يجب الحنث و لا كفّارة.

5840. السابع:

قال بعض الناس: اليمين كلّها مكروهة(3) لقوله [سبحانه]:

وَ لاٰ تَجْعَلُوا اَللّٰهَ عُرْضَةً لِأَيْمٰانِكُمْ (4) ، و ليس بمعتمد، لما ثبت أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حلف، و الآية محمولة على ترك البرّ لقوله: وَ لاٰ يَأْتَلِ أُولُوا اَلْفَضْلِ مِنْكُمْ الآية(5).

فاليمين على الطاعة مستحبّة، و يمين اللغو غير منعقدة، و هي: أن يحلف من غير نيّة، و لا يجب بها كفّارة، سواء كان بصريح أو كناية، و سواء كان على الماضي أو على المستقبل.

5841. الثامن:

لا تنعقد اليمين على الماضي، سواء كان نفيا أو إثباتا، و سواء

ص: 299


1- . في «أ»: و لا ينعقد اليمين.
2- . في «ب»: «و كفّارة مع الحنث» و الصحيح ما في المتن.
3- . لاحظ المغني لابن قدامة: 164/11، و المسالك: 290/11.
4- . البقرة: 224.
5- . النور: 22.

كان صادقا في يمينه أو كاذبا، إمّا مع قصد الكذب و يسمّى الغموس(1) أو مع ظنّ الصدق.

و تكره اليمين عند الحاكم على الحقّ مع الصدق، و تحرّم مع الكذب إلاّ مع الضّرورة، فتجب التوراة إن عرفها.

5842. التاسع:

يمين المناشدة لا تنعقد، و هي أن يقسم عليه غيره، فلو قال:

أسألك باللّه، أو أقسم عليك باللّه، و قصد اليمين لم تنعقد، و لا تجب الكفّارة لو أحنثه المحلوف عليه لا على الحالف و لا على المحلوف عليه.(2)

5843. العاشر:

يجوز الاستثناء بمشيئة اللّه تعالى و ليس بواجب، فإذا استثنى به، رفع حكم اليمين، و يشترط فيه الاتّصال أو حكمه، بأن يستثني بعد القطع، لانقطاع النفس، أو الصوت، أو للعيّ، أو للسعال، أو للتذكر، و لو أخّر الاستثناء من غير عذر انعقدت اليمين، و سقط أثره، و رواية عبد اللّه بن ميمون عن الصادق عليه السّلام الصحيحة الدالّة على جواز استثناء الناسي إلى أربعين يوما(3) متأوّلة(4).

و يشترط في الاستثناء أيضا النطق، فلو حلف و نوى الاستثناء بالمشيئة انعقدت يمينه و لم يؤثّر الاستثناء.

ص: 300


1- . في مجمع البحرين: اليمين الغموس - بفتح العين -؛ هي اليمين الكاذبة الفاجرة الّتي يقطع بها الحالف ما لغيره مع علمه أنّ الأمر بخلافه، و ليس فيها كفّارة لشدّة الذنب فيها، سمّيت بذلك لأنّها تغمس صاحبها في الإثم ثمّ في النار فهي فعول للمبالغة.
2- . أمّا المحلوف عليه فلأنّه لم يوجد منه لفظ و لا قصد. و أمّا القائل الحالف فلأنّ اللفظ ليس صريحا في القسم، لأنّه عقد اليمين لغيره لا لنفسه، و لكن يستحب للمخاطب إبراره في قسمه. لاحظ المسالك: 212/11.
3- . الوسائل: 158/16، الباب 29 من كتاب الأيمان، الحديث 6.
4- . لاحظ في تأويلها المسالك: 194/11.

و لا بدّ في الاستثناء من القصد إليه، فلو تلفّظ به عقيب اليمين لسبق لسانه به، أو لأن عادته ذلك من غير قصد الاستثناء، لم يؤثّر أيضا، و انعقدت اليمين، و كذا لو لم يقصد الاستثناء بل قصد أنّ أفعاله لا تكون إلاّ بمشيئة اللّه تعالى.

و لا يشترط في الاستثناء نيّته مع ابتداء اليمين بل عند التلفّظ به.

5844. الحادي عشر:

لو علّق اليمين بشرط صحّ، و كانت موقوفة، فإن وجد الشرط انعقدت، و إلاّ فلا، فلو قال: و اللّه لا دخلت الدار إن شاء زيد، فإن قال زيد:

قد شئت أن لا تدخل فدخل، حنث، و لو قال: لم أشأ، انحلّت اليمين، و له الدخول قبل العلم بمشيئة زيد، و العلم بالمشيئة أن يقول بلسانه، و لو لم يعلم حال زيد إمّا لموت، أو غيبة، أو جنون، لم يمنع من الدخول.

5845. الثاني عشر:

لا فرق بين تقديم الشرط و تأخيره، فلو قال: و اللّه إن شاء اللّه لأفعلنّ، أو لافعلت، انحلّت اليمين.

و لو قال: و اللّه إن شاء زيد لأفعلنّ، كانت موقوفة على مشيئة زيد، فإن شاء وقعت اليمين، و إلاّ فلا.

و لو قال: و اللّه لأشربنّ إلا أن يشاء اللّه، أو لا أشرب إلاّ أن يشاء اللّه، لم يحنث بالشرب، و لا بتركه.

و لو قال: و اللّه لا أشرب إلاّ أن يشاء زيد، فقد منع نفسه من الشرب إلاّ أن يوجد مشيئة زيد، فإن شاء، فله الشرب، و إن لم يشأ لم يشرب، و لو لم يعلم مشيئة لغيبة، أو جنون، أو موت، لم يشرب، فإن شرب حنث.

و لو قال: و اللّه لأشربنّ إلاّ أن يشاء زيد، فقد التزم بالشرب إلاّ أن يشاء

ص: 301

زيد أن لا يشرب، لأنّ الاستثناء ضدّ المستثنى منه، و المستثنى منه إيجاب، فإن شرب قبل مشيئة زيد برّ، و إن قال: قد شئت ألاّ تشرب، انحلّت اليمين، لأنّها معلّقة بعدم مشيئته لترك الشرب، و إن قال: قد شئت أن يشرب أو ما شئت أن لا يشرب، لم تنحلّ اليمين، فإن خفيت مشيئته، لزمه الشرب.

و لو قال: و اللّه لا أشرب اليوم إن شاء زيد، فقال: قد شئت ألاّ تشرب فشرب حنث، و إن شرب قبل مشيئته لم يحنث.

و الاستثناء بمشيئة اللّه تعالى يوقف الطلاق و العتاق، فلا يقعان.

5846. الثالث عشر:

قد بيّنّا أنّه لا تنعقد اليمين على فعل الغير، كما لو قال:

و اللّه ليفعلنّ، لا في حقّ الحالف و لا المحلوف عليه.

و كذا لا تنعقد على المستحيل عادة، كما لو قال: و اللّه لأصعدنّ إلى السماء، و لا على المستحيل عقلا، كردّ أمس، و لا تجب بهما كفّارة.

و إنّما تنعقد على فعل الممكن الواجب أو المندوب، أو ترك الحرام، أو ترك المكروه، أو فعل المباح إذا تساوى، أو كان البرّ أرجح في مصلحة الدّين أو الدنيا.

و لا تنعقد على ترك هذه الأشياء، و لو حلف لم يكفّر، و لو حلفت أن لا تخرج مع زوجها، ثمّ احتاجت إلى الخروج، خرجت معه، و كذا لو حلف ألاّ يتزوّج عليها، أو لا يتسرّى لم تنعقد، و لو عجز عن المحلوف عليه بعد اليمين انحلّت اليمين.

5847. الرابع عشر:

يشترط في الحالف العقل، و البلوغ، و الاختيار،

ص: 302

و القصد إلى اليمين، فلا تصحّ من المجنون، و لا الصبيّ، و لا المكره، و لا النائم، و لا السكران.

و هل تصحّ من الكافر؟ الأقوى الصّحة، و منع الشيخ في الخلاف(1) بعيد، نعم الأقرب أنّه لا يصحّ منه التكفير، بل يجب عليه التكفير بتقديم الإسلام، و لا تصحّ يمين الغضبان مع زوال رشده بالغضب.

5848. الخامس عشر:

لا تنعقد يمين الولد بدون رضا الوالد، و لا يمين الزوجة بدون إذن الزوج، و لا يمين العبد بدون إذن المولى، و لو حلف أحد هؤلاء في فعل واجب، أو ترك قبيح، انعقدت، و لو حلف في غير ذلك، كان للأب حلّ يمين الولد و كذا الزّوج و المولى، و لا كفّارة.

5849. السادس عشر:

لو حلف و لم يقصد لم تنعقد و لو حلف بالصريح، و يقبل قوله في عدم القصد.

ص: 303


1- . الخلاف: 116/6، المسألة 9 من كتاب الأيمان.

ص: 304

المقصد الثاني: في متعلّق اليمين

اشارة

و فيه ثمانية و ثلاثون بحثا:

5850. الأوّل:

المرجع في الأيمان إلى النّية، فإذا نوى الحالف على ما يحتمله اللّفظ انصرفت اليمين إليه، سواء كان موافقا للظاهر، بأن ينوي الموضوع الأصلي كما لو نوى بالعامّ العموم و بالمطلق الإطلاق، و باللفظ حقيقته، أو مخالفا بأن ينوي بالعامّ الخاص أو بالعكس، و بالإطلاق المقيّد و بالعكس، و باللفظ مجازه، كما لو حلف أن لا يأكل اللحم، و يقصد معيّنا، أو لا يشرب ماء و يقصد ماء مقيّدا، أو يحلف ما رأيت فلانا، و يعني ما ضربت رئته أو لا سألته حاجة، و يعني بها الشجرة الصغيرة، أو يحلف لا شربت لفلان ماء من عطش، و ينوي به العموم، و كلّ هذا مقبول تصرف اليمين إليه.

و لو نوى ما لا يحتمله اللّفظ، كما لو حلف لا يأكل خبزا، و عنى لا يدخل بيتا، لم يتناول اليمين مفهوم اللفظ، لعدم النية، و لا ما نواه، لعدم الاحتمال، و لو لم ينو شيئا حمل اللفظ على حقيقته، كما لو حلف لا يلبس ثوبا من غزل امرأته، و لم ينو العموم و لا الخصوص.

و لو كان اللّفظ عامّا و السّبب خاصّا، فإن نواه قصر عليه، مثل من دعي إلى غذاء، فحلف أن لا يتغذّى أو لا يدخل بلدا لظلم رآه فيه، فزال الظلم، و لو لم ينو ففي الأخذ بعموم اللّفظ أو بخصوص السبب إشكال.

ص: 305

و لو حلف لعامل ألاّ يخرج إلاّ بإذنه فعزل، أو لا يرى منكرا إلاّ رفعه إلى فلان القاضي فعزل، فالأقرب انحلال اليمين، مع احتمال عدم الانحلال، فلو رأى المنكر في ولايته و أمكنه رفعه، و لم يرفعه حتّى عزل، فالأقرب الحنث.

و لو اختلف السّبب و النّية، مثل أن تمنّ عليه امرأته بغزلها، فحلف ألاّ يلبس ثوبا من غزلها، و نوى اجتناب اللبس خاصّة، دون الانتفاع بالثمن و غيره، قدّمت النّية.

5851. الثاني:

إذا حلف على فعل، حنث بابتدائه، ثمّ إن كان الفعل ينسب إلى الاستدامة كما ينسب إلى الابتداء، حنث بها كالابتداء، و إلاّ فلا، فلو حلف لاسكنت هذه الدار، حنث بابتداء السكنى و بالاستدامة، فيخرج منها لو كان فيها، و يبرّ(1) بخروجه عقيب اليمين، فإن أقام بعد اليمين زمانا يمكنه الخروج فيه، حنث، و إن أقام لنقل قماشه و رحله، أو أقام دون اليوم و الليلة.

و لو خرج عقيب اليمين ثم عاد لنقل رحله و عياله لا للسكنى لم يحنث، سواء ترك في الدار ما يمكن سكناها معه، أو لا.

و لو خرج عقيب اليمين بنيّة الانتقال و ترك أهله و ماله مع إمكان نقلهم، لم يحنث.

و لو حلف لا ساكنت فلانا، حنث في الابتداء و الاستدامة أيضا، فإذا كان ساكنا معه، فإن تحوّلا أو أحدهما في أوّل حال الإمكان، لم يحنث، فإن أقاما على المساكنة حنث.

ص: 306


1- . في «ب»: و يبرأ.

و الاعتبار في الانتقال بأن يزول عن المكان بنيّة الانتقال.

و لو كانا في خان فسكن كلّ واحد منهما بيتا، فليسا بمتساكنين، و كذا لو كانا في بيتين لدار كبيرة لكلّ منهما غلق منفرد.

و لو كانت الدار صغيرة، فهما متساكنان و إن انفرد كلّ منهما بغلق.

و لو كانت الدار صغيرة، فهما متساكنان و إن انفرد كلّ منهما بغلق.

و لو كان أحدهما في بيت الدار الكبيرة، و الآخر في الصّفّة. أو كانا في صفّتها أو في بيتها، و ليس لأحدهما غلق دون الآخر، فهما متساكنان، و لو جعل بينهما جدار و لكلّ من البيتين باب فليسا بمتساكنين، لكن يشترط انتقال أحدهما في الحال، و العود إلى البناء، فلو مكثا لبناء الجدار قبل الانتقال حنث، و لو انفرد بحجرة من دار طريقها على الدار، فالأقرب أنّه ليس بمساكنه.

و لو نوى أنّه لا يساكنه في درب أو بلد، فهو على ما نواه، و كذا لو نوى أن لا يساكنه في بيت واحد.

و لو حلف لا يساكنه في هذه الدار فقسّماها حجرتين، و بنيا بينهما حائطا، و فتح كلّ منهما لنفسه بابا، ثمّ سكنا فيهما، لم يحنث.

و لو حلف لاسكنت هذه الدار فأكره على المقام، لم يحنث، و كذا لو كان في جوف الليل، و لم يجد منزلا يتحوّل إليه، أو يحول بينه و بين المنزل حائلا من أبواب مغلقة، أو خوف على نفسه أو أهله، فأقام أيّاما، ناويا للنقلة متى قدر، و لو لم ينو النقلة حنث.

و لو حلف على نقل متاعه، بنى على العادة بحيث لا يترك النقل المعتاد، و لا يلزمه جمع دوابّ البلد، و لا النقل بالليل، و لا وقت الاستراحة عند التعب، و لا وقت الصلاة.

ص: 307

و لو حلف لا يسكن الدار فعاد مريضا بها، أو زار صديقا، لم يحنث.

و لو حلف لاسكنت هذه الدار، لم تتناول اليمين عياله و ماله، و كذا لو حلف ليخرجنّ من هذه الدار، لم تقتض اليمين إخراج أهله، كما لو حلف ليخرجنّ من البلد، و مع الخروج فالأقرب أنّ له العود ما لم ينو هجرانه، و هل يبرّ بالصعود على السطح؟ الأقرب العدم.

5852. الثالث:

لو حلف لا يدخل دارا، حنث إذا صار بحيث لو ردّ بابها لكان من ورائه، و يحنث بدخولها من بابها أو من غير بابها و لو(1) نزل إليها من السطح، أو بدخول شيء منها، أو غرفة من غرفها، أو الدهليز.

و لا يحنث لو نزل إلى سطحها، سواء كان محجّرا أو غير محجّر، و لو وقف على عتبة الدار في بدن الحائط، لم يحنث، و لو تعلّق بغصن شجرة في الدار لم يحنث، و لو صعد عليها، فإن كان يحيط لموضعه منها سور الدار، حنث، و إن كان أعلى من ذلك، أو كان يحيط به سترة السطح لم يحنث.

و لو كان في الدار نهر جار فدخل في النهر إلى الماء الذي في الدار حنث.

و لو قام على حائط الدار لم يحنث.

و لو حلف على الخروج من الدار لم يبرّ بالصعود إلى السطح.

و لو حلف أن لا يضع قدمه في الدار، فدخلها راكبا أو ماشيا، متنعّلا أو حافيا حنث.

و لو حلف لا أدخل، و هو في الدار لم يحنث بالمقام، و لو حمل فأدخل مع عدم تمكّنه من الامتناع، لم يحنث إجماعا، و لو حمل بإذنه فأدخل حنث،

ص: 308


1- . وصليّة.

و كذا لو أدخل بغير إذنه مع تمكّنه من الامتناع، و لو أكره بالضرب على الدخول فدخل لم يحنث.

5853. الرابع:

لو حلف لا يدخل هذه الدار من بابها فدخلها من غير الباب، لم يحنث، و لو حوّل الباب إلى مكان آخر فدخل به، حنث، و كذا لو قال: لا دخلت من باب هذه الدار، و إن جعل لها بابا آخر مع بقاء الأوّل فدخل من الثاني حنث.

و لو قلع الباب و نصب في دار أخرى، و بقي السلوك، حنث بدخوله، و لم يحنث بالدخول في الموضع الّذي نصب فيه الباب، لأنّ الدخول في السلوك لا في المصراع.

و لو حلف لا دخلت الدار من هذا الباب، ففتح باب آخر، لم يحنث بالدخول فيه، و إن ركب عليه مصراع الأوّل.

و لو حلف لا يدخل بيتا فدخل غرفته لم يحنث.

5854. الخامس:

لو حلف ألاّ يدخل دار زيد، أو لا يكلّم زوجته أو عبده، كانت اليمين تابعة للملك، و إن لم يسكن الدار، فإذا باع الدار، أو طلّق الزوجة، أو أعتق العبد، أو باعه، انحلّت اليمين، و لو دخل دارا يسكنها زيد بأجرة أو عارية أو غصب لم يحنث، أمّا لو حلف لا يدخل مسكن زيد، تعلّقت اليمين بالجميع، لا بالمملوك غير المسكون فيه.

و لو حلف لا دخلت دار زيد، فدخل دار عبده، حنث، بخلاف دار مكاتبه، و كذا لو حلف لا يلبس ثوبه، فلبس ثوب العبد.

و لو حلف لا دخلت دار العبد، أو لا يلبس ثوبه فدخل دارا جعلت

ص: 309

برسمه، أو لبس ثوبا جعل برسمه، فالأقوى عدم الحنث مع احتمال ثبوته، إذ يمتنع إضافة الملك فيتعيّن إضافة الاختصاص.

أمّا لو حلف لا يدخل دار المكاتب، حنث بدخول ما جعل برسمه، لانقطاع تصرّف المولى عنه، و فيه نظر.

و لو حلف لا يركب سرج دابّة حنث بما هو منسوب إليها.

و لو حلف أن يدخل الدار. لم يبرّ إلاّ أن يدخل بجملته.

و لو حلف ألاّ يدخل [الدار] فأدخل يده أو رجله لم يحنث.

و لو حلف لادخلت دار زيد هذه، ففي بقاء اليمين بعد زوال ملكه، تردّد ينشأ من اعتبار الإشارة المتعلّقة بالعين بعد زوال الإضافة، و من اعتبار النسبة.

و تتعلّق اليمين على البيت، للحضري ببيت الحاضرة خاصّة، و للبدويّ، به و ببيت الشعر و الأدم(1).

و لو حلف لا يدخل دارا، فدخل عرصة دار انهدمت، لم يحنث.

و لو حلف لادخلت هذه الدار، حنث بدخول العرصة بعد الانهدام، و كذا البحث في البيت المطلق و المعيّن إذا دخل عرصته بعد الانهدام.

و لو حلف لا يدخل بيتا، فالأقوى أنّه يحنث بدخول دهليز الدار و صفّتها و صحنها، و هل يحنث بدخول المسجد أو الحمام؟ قال الشيخ رحمة اللّه لا يحنث، لعدم تناول العرف له.(2)

ص: 310


1- . في مجمع البحرين: الأديم؛ الجلد المدبوغ، و الجمع أدم بفتحتين.
2- . المبسوط: 249/6.

و يحتمل الحنث لقوله تعالى: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اَللّٰهُ أَنْ تُرْفَعَ (1) و قوله عليه السّلام:

نعم البيت الحمام(2).

و لو حلف لا دخلت الدار، اقتضى التأبيد، و لو نوى مدّة صحّ و ديّن بنيّته.

5855. السادس:

إذا حلف ألاّ يدخل على زيد بيتا، فدخل عليه مع علمه بكونه فيه، حنث، و لو لم يعلم، أو علم و نسي، لم يحنث، و لو كان فيه زيد و عمرو فدخل مع العلم بكون زيد، حنث أيضا، سواء نوى الدّخول على زيد أو أطلق، و لو نوى الدخول على عمرو، قوّى الشيخ عدم الحنث(3)و الأقوى الحنث.

و لو دخل الحالف بيتا، ثمّ دخل فيه المحلوف عليه، فإن خرج الحالف في الحال لم يحنث، و كذا لو أقام معه.

و لو حلف لا يدخل الدار فدخلها مكرها أو ناسيا أو جاهلا بكونها هي المحلوف عليها، لم يحنث.

5856. السابع:

لو حلف لا يلبس ثوبا حنث بالابتداء و الاستدامة، فلو كان لابسا له قبل اليمين، وجب عليه نزعه عقيب اليمين أوّل حال الإمكان، فإن أخّر عن ذلك حنث، و كذا لو حلف لا يركب الدابّة، و كذا لا سكنت هذه الدار، و لا ساكنت زيدا أو لا ضاجعته، أمّا لو حلف لا تزوّجت و له زوجة، لم يحنث بالاستدامة، و كذا لو حلف لا تطيّبت.

ص: 311


1- . النور: 36.
2- . الوسائل: 361/1، الباب 1 من أبواب آداب الحمام، الحديث 1 و 4 (و هما مرويّان عن عليّ عليه السّلام).
3- . المبسوط: 227/6.

و لو حلف لا يصوم، و هو صائم، فأتمّ يومه، فالأقوى الحنث.

و لو حلف لا يسافر و هو مسافر، فرجع أو أقام لم يحنث، و إن مضى في سفره حنث.

5857. الثامن:

المسمّى إن اتّحد انصرفت اليمين إليه، كالرّجل و المرأة و الإنسان و الحيوان، و إن تعدّد حمل على الشرعيّ دون اللّغوي، و على الحقيقة دون المجاز الخفيّ، فإن اشتهر المجاز و خفيت الحقيقة على أكثر الناس، انصرف إطلاق اليمين إلى المجاز العرفيّ دون الحقيقة الخفيّة، كالرواية(1) و الغائط(2)، سواء كان المجاز بعض أفراد الحقيقة كالدابّة، أو لا.

و لو أضاف إلى العامّ ما تقضي العادة بتخصيصه بسبب الإضافة تخصّص، كمن حلف لا يأكل رأسا، انصرف إلى ما يتعارف عنده، فيدخل فيه الإبل و البقر و الغنم.

و لو كان في بلد كثير الصّيد بحيث يكثر فيه رأسه، حنث به، و هل يحنث برءوس الطير و الحيتان؟ قال الشيخ: لا،(3) و الضابط العرف هذا مع الإطلاق، و لو نوى ما يحتمله اللفظ انصرف إلى ما نواه و إن بعد.

و لو حلف لا شربت هذا النهر أو هذه البركة، حنث بالبعض، لقضيّة العرف، و كذا لو علّقه على اسم الجنس أو الجمع، كما لو حلف لا آكل الخبز و لا أشرب الماء، و لا أجالس الفقراء و المساكين، أو علّقه على اسم جنس مضاف، كماء النهر.

ص: 312


1- . هي في العرف: اسم المزادة، و في الحقيقة: اسم لما يستقى عليه من الحيوانات.
2- . هو في العرف: الفضلة المستقذرة، و في الحقيقة: المكان المطمئن.
3- . المبسوط: 238/6.

و لو حلف لا صمت يوما، لم يحنث حتّى يكمّله، و كذا لو حلف لا صلّيت صلاة.

و لو حلف لا صمت أو لا صلّيت، حنث في الصيام بطلوع الفجر مع نيّة الصّوم، و في الصلاة بتكبيرة الافتتاح، و لا يشترط السجدة.

5858. التاسع:

لو حلف لا لبست هذا الثوب، و كان رداء حالة اليمين، فارتدى به، أو ائتزر، أو اعتمّ، أو جعله قميصا، أو سراويل، أو قباء و لبسه، حنث، و إن كان قميصا فارتدى به، أو سراويل فائتزر به، حنث.

و لو قال: لا ألبسه و هو رداء، فغيّره عن كونه رداء، و لبسه، لم يحنث.

و لو قال: لا لبست شيئا حنث بكلّ ما يصلح إضافة اللبس إليه، كالقميص، و العمامة، و القلنسوة، و الدرع، و الجوشن، و الخفّ، و النّعل.

و لو حلف ليلبسنّ امرأته حليّا، برّ بالخاتم من الفضّة و المخنقة(1) من اللؤلؤ أو الجوهر، و لا يبرّ بالودع(2) و خرز الزجاج، و هل يبرّ بالعقيق و السبج؟(3) يحمل على عرفه، أو ذلك يسمّى حليّا في السواد(4) و لو حلف لا

ص: 313


1- . المخنقة - بكسر الميم -: القلادة، و سمّيت بذلك، لأنّها تطيف بالعنق و هو موضع الخنق. مجمع البحرين.
2- . الودع و الودع: مناقيف صغار تخرج من البحر تزيّن بها العثاكيل، و هي خزر بيض. لسان العرب: 249/15.
3- . السّبج: هو الخزر الأسود، فارسي معرب. الصحاح: 321/1.
4- . في لسان العرب: السواد ما حوالي الكوفة من القرى و الرساتيق و ما في المتن هو الصّحيح، و أمّا ما في الجواهر: 335/35 من التعبير عنه ب «السوار» نظير ما في تعليقة المسالك: 11 / 282؛ فبعيد عن الصواب. قال ابن قدامة في المغني: 296/11: و إن ألبسها عقيقا أو سبجا لم يبرّ، و قال الشافعي: إن كان من أهل السواد برّ، و في غيرهم وجهان، لأنّ هذا حلي في عرفهم.

يلبس حليّا فلبس دراهم أو دنانير في مرسلة(1) فالاقوى الحنث، لأنّه يسمّى حليّا.

و لا يحنث لو لبس سيفا محلّى أو منطقة محلاة.

و لو حلف لا يلبس خاتما، حنث بلبسه في غير الخنصر.

5859. العاشر:

لو حلف ألاّ يأكل طعاما اشتراه زيد، فأكل ما اشتراه زيد و عمرو صفقة واحدة، تردّد الشيخ في الحنث و عدمه(2) و الأقوى عندي العدم، و كذا لو اشترى أحدهما نصفه مشاعا ثمّ الآخر النصف الآخر، أمّا لو اشترى زيد نصفه معيّنا، ثمّ خلطه بالنّصف الآخر، فأكل الجميع أو أكثر من النصف، حنث إجماعا، و لو أكل أقلّ من النّصف لم يحنث.

و لو أكل من طعام اشتراه زيد ثمّ باع نصفه مشاعا، فأكل أكثر من النصف أو أقلّ على إشكال، حنث، و لو باعه أجمع أو اشتراه لغيره، ففي الحنث تردّد.

و لو حلف لا يلبس من غزل فلانة، فلبس ثوبا من غزلها و غزل غيرها، حنث، و لو حلف لا يلبس ثوبا من غزلها، فلبس من غزلها و غزل غيرها، فالأقوى عدم الحنث،(3) و كذا لو حلف لا يلبس ثوبا نسجه زيد، فلبس ما

ص: 314


1- . قال أبو هلال العسكري المتوفّى بعد سنة 395 في التلخيص: المرسلة: قلادة طويلة تقع على الصدر.
2- . المبسوط: 223/6.
3- . و الفرق بين المسألتين هو انّ المحلوف عليه في الأولى هو غزل فلانة و هو يصدق إذا لبس ثوبا من غزلها و غزل غيرها بخلاف الثانية فإنّ المحلوف عليه هو الثوب الكامل من غيرها، و المفروض أنّ الثوب نتيجة غزلها و غيرها.

نسجه زيد و غيره، أو حلف لا يأكل من قدر طبخها، فأكل ما طبخه هو و غيره، أو لا يدخل دارا اشتراها، فدخل ما اشتراها هو و غيره، أو لا يلبس ثوبا خاطه زيد، فلبس ثوبا خاطه هو و غيره.

أمّا لو حلف لا يلبس ما خاطه زيد، حنث بما يخيطه زيد و عمرو.

و لو حلف لا يدخل دارا لزيد، فدخل دارا له و لغيره، ففي الحنث إشكال.

و لو حلف لا كلّمتهما، و قصد الامتناع عن كلام كلّ واحد منهما، حنث بكلام أحدهما، و إن قصد الجمع لم يحنث إلاّ بكلامهما، اتّحد الزمان أو اختلف.

و لو قال: لا كلّمت زيدا و لا عمرا، حنث بكلام كلّ واحد منهما.

و لو حلف على فعل شيئين، فقال و اللّه لا آكل لحما و خبزا، لم يحنث بأكل أحدهما، إلاّ أن يقصد المنع من كلّ منهما.

5860. الحادي عشر:

لو حلف لا يشم ريحانا، فالأقرب انصرافه إلى الفارسي، لأنّه المتعارف، و يحتمل عودها إلى الحقيقة، و هو كلّ نبت أو زهر طيّب الريح كالورد و البنفسج و النرجس، و لا يحنث بشمّ الفاكهة.

و لو حلف لا يشمّ وردا و لا بنفسجا، لم يحنث بشمّ ماء الورد، و لا دهنه، و لا دهن البنفسج، و يحنث بشمّ يابس الورد و البنفسج.

و لو حلف لا يأكل شواء، حنث بأكل المشويّ دون غيره من البيض و شبهه.

و لو حلف لا يركب، حنث بركوب السفينة.

ص: 315

و لو حلف لا يأكل بيضا، دخل فيه النادر كبيض النعام لا بيض السمك أو الجراد، و لا يسمّى بيضا غير بيض الحيوان.

5861. الثاني عشر:

و لو حلف لا يأكل شيئا فشربه، و لا يشربه فأكله، لم يحنث.

و لو حلف لا يشرب، فمصّ قصب السكّر أو حبّ الرمان، و رمى بالتفل، لم يحنث.

و لو حلف لا يأكل سكّرا، فوضعه في فيه حتّى ذاب و ابتلعه، فالأقوى عدم الحنث.

و لو حلف لا يطعم شيئا، حنث بالأكل و الشرب و المصّ.

و لو حلف لا يأكله أو لا يشربه، فذاقه لم يحنث، و إن ازدرده.

و لو حلف لا يذوقه، فأكله أو شربه أو مصّه حنث.

و لو حلف ليأكلنّ أكلة بالفتح، لم يبرّ حتّى يأكل ما يعدّه الناس أكلة، و هي المرّة من الأكل، و لو ضمّ انصرف إلى اللقمة.

و لو حلف لا يأكل تمرة فامتزجت بغيرها، لم يحنث حتّى يتحقّق أنّه أكلها، فله أن يأكل حتّى يبقى من المشتبه واحدة.

5862. الثالث عشر:

إذا حلف ليفعلنّ شيئا، لم يبرّ إلاّ بفعل الجميع، و لو حلف ألاّ يفعله، لم يحنث بفعل البعض، فلو حلف ألاّ يشرب ماء هذا الإناء، لم يحنث بشرب بعضه، و لو حلف لا شربت ماء هذا النهر، حنث بالبعض، صرفا لليمين إلى الممكن.

ص: 316

و لو حلف لا شربت من الفرات، حنث بالكرع و بالاغتراف، ثم الشرب.

و لو حلف لا شربت من هذا الإناء، لم يحنث بصبّ الماء في غيره و الشرب.

و لو حلف لا شربت من ماء الفرات، فشرب من نهر يأخذ منه، حنث.

و لو حلف لا شربت من الفرات، فالأقوى الحنث بالشرب من النهر.

5863. الرابع عشر:

إذا حلف على شيء عيّنه بالإشارة، فتغيرت صفته، فإن استحالت أجزاؤه و تغيّر اسمه، لم يحنث، كمن حلف لا يأكل هذه البيضة، أو هذه الحنطة، فيصير فرخا أو زرعا.

و إن بقيت الأجزاء دون الاسم حنث، كما لو حلف لا أكلت هذا الرطب، فصار تمرا، أو لا كلّمت هذا الصبيّ فصار شيخا، أو لا آكل هذا الحمل، فصار كبشا، أو لا آكل هذا الرطب فيصير دبسا، أو ناطفا على إشكال، أو لا آكل هذه الحنطة، فتصير دقيقا، أو سويقا، أو خبزا، أو لا آكل هذا الدقيق، فيصير خبزا، أو لا آكل هذا اللبن، فيصير اقطا مصلا أو جبنا، أو لا أدخل هذه الدار فيصير مسجدا، أو حماما، أو براحا.

و لو تبدّلت الإضافة، كما لو حلف لا كلّمت زوجة زيد هذه، و لا دخلت داره هذه، أو لا كلّمت عبده هذا، أو لا كلّمت زيدا زوج هند، أو عمرا سيّد جوهر، فزالت النسب حنث.

و لو حلف لا ضربت عبد زيد فرهنه زيد أو جنى جناية تعلّق أرشها برقبته، فضربه، حنث، لأنّ الرهن و الجناية لم يخرجاه عن النسبة.

ص: 317

و لو زالت الصّفة، و تغيّر الاسم، ثمّ عادت، حنث أيضا، كما لو حلف لا يركب هذه السفينة، فنقضت ثمّ أعيدت، أو لا كتبت بهذا القلم، فكسر ثمّ برئ، أو لا قصصت بهذا المقص فكسر ثمّ أعيد.

و لو تغيّرت الصفة بما يبقى الاسم معه، حنث كاللحم إذا شوي أو طبخ، أو الرّجل يمرض، أو العبد يباع، و لو حلف لا يأكل تمرا، فأكل رطبا أو بسرا أو بلحا(1) لم يحنث.

و لو حلف لا يأكل رطبا لم يحنث بأكل التمر، أو البسر، أو البلح.

و لو حلف لا يأكل عنبا، فأكل زبيبا، أو دبسا، أو خلاًّ، أو ناطفا، أو لا يكلّم شابّا، فكلّم شيخا، أو لا يشتري جديا فاشترى تيسا، أو لا يضرب عبدا، فضرب عتيقا، لم يحنث.

و لو حلف لا يأكل رطبا، أو لا يأكل بسرا، فأكل منصفا(2) أو مذنبا(3)حنث، بخلاف ما لو حلف لا يأكل بسرة أو رطبة.

و لو حلف لا يأكل لبنا، حنث بلبن الأنعام، أو الصيد، أو الآدميّة، حليبا و رائبا(4) و مائعا و مجمّدا، لا بالجبن و السمن و الأقط و الكشك و الزبد إلاّ أن يظهر فيه لبن.

ص: 318


1- . قال الفيومي: البلح: ثمر النخل ما دام أخضر قريبا إلى الاستدارة إلى أن يغلظ النوى. المصباح المنير: 76/1.
2- . و هو الّذي بعضه بسر و بعضه تمر.
3- . و هو الّذي بدأ فيه الإرطاب من ذنبه و باقيه بسر.
4- . في «أ»: رابيا.

و لو حلف لا يأكل زبدا، فأكل سمنا، أو جبنا، أو لبنا، لم يظهر فيه الزّبد، لم يحنث، و كذا لا يحنث لو حلف لا يأكل سمنا، فأكل زبدا، أو لبنا، أو شيئا ممّا يصنع من اللبن، أو شيئا من الأدهان.

و يحنث بأكل السّمن منفردا في عصيدة أو حلواء أو طبيخ يظهر فيه طعمه، و كذا الحنث لو حلف لا يأكل خلاًّ فأكل طبيخا فيه خلّ يظهر طعمه فيه، أو حلف لا يأكل شعيرا، فأكل حنطة فيها حبات شعير إلاّ أن يقصد أن لا يأكله منفردا.

و لو حلف على الدهن، فالأقرب الحنث بالسمن.

و لو حلف لا يأكل من لحم شاة، و لا يشرب لبنها، لم يتعدّ التحريم إلى نسلها.

5864. الخامس عشر:

لو حلف لا يأكل فاكهة، حنث بكلّ ثمرة تخرج من الشجرة يتفكّه بها، كالعنب، و الرّطب، و الرّمان، و السفرجل، و التّفاح، و الأترج، و التّوت، و النبق، و الموز.

و الأقرب عدم الحنث بيابس هذه، كالتمر، و الزبيب، و التين، و المشمش، و الاجاص.

و لا يحنث بالزيتون و البطم و البلوط و سائر الشجر البرّي غير المستطاب كالزعرور الأحمر و حبّ الاس دون المستطاب كحبّ الصنوبر.

و القثاء ليس بفاكهة، و كذا الخيار، و القرع، و الباذنجان و غيرها، من الخضر، و في البطيخ إشكال أقربه أنّه فاكهة.

ص: 319

و لو حلف لا يأكل أدما حنث بكلّ ما جرت العادة بأكل الخبز به، سواء كان مما يصطبغ به، كالطبيخ(1)، و المرق، و الخلّ، و الزيت، أو من الجامدات كالشواء و الجبن و الباقلاء و الزيتون و البيض و التمر و الملح مع الخبز.

و لو حلف لا يأكل طعاما، حنث بكلّ ما يسمّى طعاما من قوت أو أدم أو حلواء أو تمر، سواء كان جامدا أو مائعا، و في الماء إشكال، ينشأ من قوله تعالى:

وَ مَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي (2) و من عدم الانصراف إليه عند الإطلاق، و كذا الإشكال في الدواء.

و يحنث بما جرت العادة بأكله من نبات الأرض، دون ما لم تجر به العادة، كورق الشجر.

و لو حلف لا يأكل قوتا، حنث بالخبز، و التمر، و الزّبيب، و اللحم، و اللبن، سواء اختص أهل بلده بقوت أحدها(3) أو لا، و كذا يحنث بأكل السويق، و الدقيق، و الحبّ الّذي يقتات خبزه، دون العنب، و الحصرم، و الخلّ.

و لو حلف لا يأكل لحما، لم يحنث بالشحم، و المخّ الّذي في العظام، و الدماغ، و الكبد، و الطحال، و الرئة، و الكرش و المصران(4) و في القلب إشكال، و كذا القانصة.

و الأقرب عدم الحنث بالألية و شحم البطن.

و في الشحم الّذي على الظهر، أو الجنب، و في تضاعف اللحم نظر، أقربه إلحاقه بالشحم.

ص: 320


1- . في «ب»: «كالبطيخ» و هو مصحف.
2- . البقرة: 249.
3- . في «أ»: بقوت أحدهما.
4- . المصران جمع المصير و هو المعى. مجمع البحرين، و المصباح المنير.

و لا يحنث بأكل المرق، و الأقرب الحنث بالرأس، و الكارع، و اللّسان.

و لو حلف لا يأكل الشحم، لم يحنث باللحم، و يحنث بما في الجوف من الشحم الّذي على الكلى و غيره، و الأقرب الحنث بشحم الظهر و ما في اللحم و الألية.

5865. السادس عشر:

لو حلف لا يأكل لحما، فإن نوى معيّنا انصرف إليه، و إلاّ انصرف إلى لحم الأنعام و الصيد و الطائر، و الأقوى عدم انصرافه إلى السمك.

و يحنث بأكل اللحم المحرّم، كالميتة، و الخنزير و المغصوب.

5866. السابع عشر:

لو حلف لا يلبس ثوبا، [معيّنا امتنّ عليه بذلك الثوب](1)فاشترى به أو بثمنه ثوبا و لبسه، أو انتفع بالثمن لم يحنث(2) و لو قصد قطع المنّة ففي الانصراف إلى هذه نظر، ينشأ من اعتبار السبب و عدمه، و الأقرب، العدم و كذا لا يحنث لو انتفع بغير الثوب من مال المحلوف عليه كأكل طعامه، و سكنى داره، و إن قصد قطع المنّة في لبس الثوب.

و لو حلف لا يلبس ثوبا منّ به عليه، قطعا للمنّة،(3) فاشتراه غيره، ثمّ كساه إيّاه، أو اشتراه الحالف و لبسه، ففي الحنث إشكال ينشأ من الأخذ بعموم اللّفظ أو بخصوص السبب، و الأقرب عدم الحنث.

ص: 321


1- . ما بين المعقوفتين لازم صحّة العبارة.
2- . لعدم تناول اليمين للبدل على اختلافه.
3- . كما إذا امتنّت عليه امرأته مثلا بثوب فحلف أن لا يلبسه، قطعا لمنّتها فاشتراه غيره.

و كذا لا يحنث لو حلف لا يأوي مع زوجته في دار، فأوى في غيرها و إن قصد الجفاء على إشكال.

و لو حلف لسبب فزال، مثل أن كان السبب المنّة عليه، فملك هو الدار، أو [ملك] غير من منّ عليه، لم يحنث.

5867. الثامن عشر:

لو حلف ليضربنّ عبده في غد فمات الحالف من يومه، لم يحنث، و كذا إن جنّ من يومه و لم يفق إلاّ بعد خروج الغد، و لو أمكنه ضربه في الغد، و مضى الغد متمكّنا و لم يضربه حنث.

و لو مات العبد من يومه لم يحنث، و كذا لو مات العبد في الغد قبل التمكّن من ضربه.

و لو مات [العبد] في غد بعد التمكن من ضربه (قبل ضربه)(1) حنث، و كذا لو مات الحالف في غد بعد التمكّن من ضربه قبل ضربه، حنث.

و يبرّ بضربه في غد أيّ وقت كان منه، و لا يبرّ بضربه في يومه و لا بضربه في غد و هو ميّت، و لا يضربه ضربا لا يؤلمه على إشكال، و لا بخنقه أو نتف شعره أو عصر ساقه، بحيث يتألّم.

و لا يحنث لو هرب العبد من يومه، و لو مرض أو مرض الحالف، فإن لم يتمكّن من ضربه لم يحنث، و إلاّ حنث.

و لو تلف العبد من يومه بفعله أو اختياره حنث، و هل يحنث في الحال أو الغد؟ فيه تردّد ينشأ من انعقاد يمينه حال حلفه، و قد تعذّر عليه الفعل، فيحنث

ص: 322


1- . ما بين القوسين يوجد في «أ».

في الحال، و من كون الحلف مخالفة ما عقد يمينه عليه، فلا يحصل إلاّ بترك الفعل في وقته، و كذا لو حلف ليشربنّ ماء الكوز غدا، فاندفق اليوم لم يحنث إلاّ أن يكون اندفاقه بفعله أو اختياره.

5868. التاسع عشر:

لو حلف ليصومنّ حينا، وجب عليه صوم ستّة أشهر، و كذا لو حلف لا يكلمه حينا، و الأقرب التوالي في الثاني لا الأوّل.

و لو حلف لا يكلّمه حقبا، فذلك ثمانون عاما.

و لو حلف ليصومنّ زمانا، انصرف إلى خمسة أشهر، و هل يتعدّى إلى غيره؟ كما لو حلف لا يكلّمه زمانا، فيه نظر.

و لو نوى في هذه المواضع شيئا معيّنا، انصرف إلى ما نواه.

و لو حلف لا يكلّمه دهرا أو عمرا طويلا، أو بعيدا، برّ بالقليل و الكثير.

و لو حلف لا يكلّمه الدّهر أو الأبد، اقتضى العموم، و في الزمان نظر، و الأقرب في العمر العموم.

و إن حلف لا يكلّمه أيّاما، فهي ثلاثة، و كذا لو قال: أشهرا أو شهورا.

5869. العشرون:

لو حلف أن يقضيه حقّه في وقت، فقضاه قبله، لم يحنث إن أراد أن لا يجاوز ذلك الوقت، و إلاّ حنث، و كذا في غيره من الأفعال، كأكل شيء أو بيعه، أو شرائه، إذا قيّد بوقت معيّن، ففعل قبله حنث، و كذا لو فعل بعضه قبل وقته، و الباقي في وقته.

و لو حلف أن يقضيه حقّه فقضاه عوضا عنه حنث، و لو أبرأه صاحب الحقّ لم يحنث.

ص: 323

و لو حلف ليقضيه عند رأس الهلال أو مع رأسه، أو إلى رأس الهلال، أو إلى استهلاله، أو عند رأس الشهر، أو مع رأسه، برّ بقضائه عند غروب الشمس من ليلة الشهر، و إن أخّر مع الإمكان حنث.

و لو شرع في عدّه أو وزنه أو كيله، فتأخّر القضاء لكثرته، فالأقرب عدم الحنث.

و لو حلف لا يبيع ثوبه بعشرة، فباعه بها حنث، و لو باعه بأقلّ أو أكثر لم يحنث، و لو كان سبب يمينه الامتناع عن البيع بالعشرة للنقص، حنث بالأقل.

و لو حلف لا أشتريه بعشرة، فاشتراه بأقلّ لم يحنث، و إن اشتراه بها أو بأكثر حنث.

و لو حلف أن يطلّق في غد و طلّقها قبله بائنا حنث، و لا يحنث بالرجعة.

5870. الحادي و العشرون:

لو حلف أن لا يفارقه حتّى يستوفي حقّه منه، ففارقه الحالف مختارا، حنث سواء أبرأه من الحقّ، أو فارقه و الحقّ عليه، و لو فارقه مكرها لم يحنث، سواء حمل مكرها حتّى فرّق بينهما أو أكره بالضرب و التهديد، و كذا لو كان ناسيا، أو هرب منه الغريم بغير اختياره.

و حدّ التفرّق أن يفترقا عن مجلسهما كالبيع.

و لو أذن له الحالف في الفرقة ففارقه، حنث، و كذا لو فارقه من غير إذن و لا هرب مع إمكان ملازمته و المشي معه أو إمساكه، و لم يفعل.

و لو قضاه قدر حقّه ففارقه ظنّا منه الوفاء، فخرج رديئا أو بعضه، لم يحنث، و كذا لو خرج مستحقا فأخذه المالك، و لو علم بالحال ففارقه حنث.

ص: 324

و لو فلّسه الحاكم ففارقه بإلزام الحاكم، لم يحنث، و إن لم يلزمه المفارقة، لكن فارقه للعلم بوجوب المفارقة، احتمل الحنث و عدمه.

و لو أحاله الغريم بحقّه ففارقه، احتمل الحنث لعدم الاستيفاء منه، و عدمه، للبراءة منه، أمّا لو كانت يمينه: لا فارقتك ولي قبلك حقّ، لم يحنث بعد الحوالة و الضمان و الإبراء، و يحنث بالكفيل و الرهن.

و لو قضاه عن حقّه عوضا [عنه] احتمل الحنث، لأنّ يمينه على الحقّ، و عدمه، للبراءة منه.

و لو كانت يمينه: لا فارقتك حتّى تبرأ من حقّي لم يحنث، و كذا لا يحنث لو قبض وكيله قبل مفارقته.

و لو قال: لا فارقتني حتّى أستوفي [حقّي منك]، ففارقه المحلوف عليه مختارا، أو فارقه الحالف كذلك، احتمل الحنث و عدمه.

و لو قال: لا افترقنا، فهرب منه المحلوف عليه قبل القبض، حنث، إن أمكنه الإلزام، و لو أكرها على الفرقة لم يحنث.

و لو حلف لا فارقتك حتّى أو فيك حقّك، فأبرأه الغريم لم يحنث، و لو كان الحقّ عينا، فوهبها له، فقبلها، حنث إن كان قبل أن يقبضها الغريم.

و لو قال: لا أفارقك و لك قبلي حقّ لم يحنث بالإبراء و الهبة.

5871. الثاني و العشرون:

لو قال لعبده و اللّه لأضربنّك ان خرجت إلاّ بإذني أو بغير إذني أو إلاّ أن آذن لك، أو حتى آذن لك أو إلى أن آذن لك، فمتى خرج بغير إذنه يحتم الضرب، و هل يقتضي التكرار؟ إشكال.

ص: 325

و لو خرج بإذنه لم يجب الضرب، و هل تنحلّ اليمين؟ فيه نظر.

فلو خرج بعدها بغير إذنه، احتمل تحتّم الضرب، و احتمل عدمه مطلقا، و يحتّم الضرب إن قال: إلاّ بإذني أو بغير إذني دون البواقي، لأنّها غايات، فإذا أذن انتهت غاية يمينه.

و لو أذن له في الخروج، ثمّ نهاه قبل الخروج، يحتّم الضرب بالخروج، و لو نهاه بعد الخروج بإذنه فخرج، لم يتحتّم الضرب إلاّ مع القول بالتكرار.

و لو حلف ليضربنّه إن خرج بغير إذنه لغير عيادة مريض، فخرج لعيادة مريض، ثمّ تشاغل لغيره، أو قال: إن خرجت إلى غير الحمّام بغير إذني، فخرج إلى الحمّام، و عدل إلى غيره، احتمل الحنث، إذ القصد عدم الذهاب إلى غير الحمّام و العيادة، و عدمه، لعدم خروجه إلى غيرهما، و لو خرج للعيادة و غيرها و للحمام و غيره، حنث.

و لو حلف ليضربنّه إن خرج لا لعيادة مريض، فخرج لعيادة مريض و غيره، يحتّم الضرب.

و لو حلف ليضربنّه إن خرج بغير إذنه، ثمّ أذن له و لم يعلم، فخرج، احتمل تحتّم الضرب، إذ الإذن الإعلام، و عدمه، لخروجه بعد الإذن.

و لو حلف أن لا يخرج عبده من هذه الدار إلاّ بإذنه، فصعد سطحها، أو خرج إلى صحنها، لم يحنث.

و لو حلف أن لا يخرج من البيت، فخرج إلى السّطح أو إلى صحنه، حنث.

ص: 326

و لو حلف ألاّ يخرج إلاّ بإذن زيد، فمات زيد قبل الإذن فخرج، حنث على إشكال.

5872. الثالث و العشرون:

لو حلف أن يتصدّق بماله، دخل فيه كلّ ما يسمّى مالا، سواء كان حيوانا أو صامتا، و سواء كان زكويّا أو غير زكويّ، و سواء كان عينا أو دينا حالاّ أو مؤجّلا، أو عبدا آبقا، أو أمة أو أمّ ولد، أو مكاتبا مشروطا، أو مدبّرا، دون حقّ الشفعة و استحقاق سكنى الدار أو زرع الأرض بالأجرة.

و لو حلف أن يضربه عشرة أسواط، قيل يجزي الضغث،(1) و يحتمل توجّه اليمين إلى الضرب بالآلة المعتادة كالسوط و الخشبة، و لو خاف على المضروب الضّرر العظيم أجزأ الضّغث، هذا مع اعتبار المصلحة كاليمين على الحدّ أو التعزير.

و لو كانت على التأديب للأمر الدنيويّ، لم يجب الوفاء، و لا كفّارة مع العفو.

و لو قلنا بإجزاء الضغث أو كان المضروب متضرّرا بالسوط، حتّى ضرب بالضغث، اشترط إصابة كلّ قضيب جسد المضروب، و يكفي الظنّ بالوصول، و يكفي ما يسمّى به ضاربا، و هو بما يؤلم، و أن يضربه بسوط واحد عشر مرّات، أو بعشرة أسواط إمّا مرّة إن قلنا بإجزاء الضغث، أو عشر مرّات.

أمّا لو حلف أن يضربه بعشرة أسواط، لم يكف السوط الواحد عشر مرّات، و كفى الضغث المشتمل على العدد مرّة واحدة.

ص: 327


1- . القائل هو الشافعي و ابن حامد. لاحظ المغني لابن قدامة: 325/11. و في نسخة «ب»: قيل يجزي القضيب.

و لو حلف أن يضربه عشرة ضربات، فهو كعشر مرّات.

و لو حلف ليضربنّه عشر مرّات لم يكف الضّغث.

5873. الرابع و العشرون:

لو حلف ألاّ يكلّم زيدا، فكتب إليه أو أرسل إليه رسولا، لم يحنث، و كذا لو أشار إليه، أو كلّم غير المحلوف عليه بقصد استماع المحلوف عليه، فإن ناداه بحيث يسمع فلم يسمع، لتشاغله أو غفلته، فالأقرب الحنث، و لو كان ميّتا، أو غائبا، أو مغمى عليه، أو أصمّ لا يعلم بتكليمه إيّاه، لم يحنث.

و لو سلّم عليه حنث، و لو سلّم على جماعة و هو أحدهم، أو كلّمهم، فإن قصد المحلوف عليه مع الجماعة، حنث، و إن قصدهم دونه لم يحنث، و إن أطلق حنث.

و لو لم يعلم أنّ المحلوف عليه فيهم لم يحنث.

و لو سلّم عليه وحده جاهلا به، لم يحنث أيضا.

و لو وصل يمينه بكلامه، مثل و اللّه لا كلّمتك، فاذهب أو فتحقّق ذلك، أو فاعلمه أو ما شابه ذلك، حنث إلاّ أن ينوي كلاما غير هذا.

و لو صلّى بالمحلوف عليه إماما، ثمّ سلّم من الصّلاة، لم يحنث.

و لو صلّى مأموما، فارتج عليه، ففتح عليه الحالف، لم يحنث(1)، لأنّ ذلك كلام اللّه تعالى لا كلام الآدميّين.

ص: 328


1- . في «ب»: و لو صلّى مأموما فارتج عليه الحالف لم يحنث.

و لو حلف أن لا يتكلّم لم تنعقد اليمين، و لو فرض المصلحة في المنع، انعقدت، فإن قرأ حينئذ، فالأقرب الحنث إلاّ أن يكون في الصّلاة، و كذا لو ذكر اللّه تعالى.

و لو استأذن عليه إنسان. فقال: اُدْخُلُوهٰا بِسَلاٰمٍ آمِنِينَ (1) حنث.

و لو حلف أن لا يفعل شيئا ثلاثة أيّام أو ثلاث ليال، لم يكن له الفعل في اللّيالي الّتي بين الأيّام و لا في الأيّام الّتي بين اللّيالي.

5874. الخامس و العشرون:

لو حلف أن لا يتكفّل بمال فكفل ببدن إنسان لم يحنث، و لو حلف أن لا يستخدم عبدا فخدمه و هو ساكت من غير أمر و لا نهي، احتمل عدم الحنث مطلقا، و الحنث إن كان عبده لا عبد غيره.

و لو حلف رجل أن لا يفعل شيئا، فقال الآخر: يميني في يمينك لم يلزمه شيء، و إن نوى أنّه يلزمني ما يلزمك.

5875. السادس و العشرون:

إذا حلف أن يعقد، انصرف إلى الصّحيح، سواء قيّده بالصحيح، أو أطلق، و لو حلف ليبيعنّ لم يبرّ إلاّ بالصحيح، و لو حلف لا نكحت فلانة فنكحها فاسدا، لم يحنث، و كذا لو حلف لا يشتري فابتاع فاسدا، و يحنث ببيع فيه الخيار.

و العقد اسم للإيجاب و القبول، و لو حلف لا يبيع أو لا يزوّج فأوجب البيع و النكاح، و لم يقبل المتزوّج و المشتري لم يحنث.

و لو حلف لا يهب أو لا يعير لم يحنث بالإيجاب خاليا عن القبول،

ص: 329


1- . الحجر: 46.

و في الوصيّة و الهديّة و الصّدقة إشكال، أقربه الحنث بمجرّد الإيجاب.

و لو حلف ليتزوّجنّ على امرأته برّ بالإيجاب و القبول الصحيح، و إن تزوّج دون زوجته في الشرف، أو لم يدخل بها، أو واطأ امرأته على نكاح لا يغبطها به ليبرّ في يمينه، كما لو تزوّج بعجوز.

و لو حلف لا تسرّيت، فوطئ جاريته حنث، و إن لم ينزل، أو لم يحصنها و يحجبها(1).(2)

5876. السابع و العشرون:

لو حلف لا يهب له فأهدى إليه أو أعمره، حنث، و لو أعطاه من الصّدقة الواجبة أو النذر أو الكفّارة لم يحنث، و يحتمل في الصّدقة المندوبة الحنث، لكونها نوع هبة، و لا يخرجها تخصيصها باسم عن جنسها، كالهديّة و العمرى، و العدم، لأنّه عليه السّلام كان يقبل الهديّة دون الصدقة، و لو أوصى له لم يحنث، و كذا إن أعاره أو أضافه أو باعه أو حاباه أو أسقط عنه دينا، و في الوقف عليه إشكال.

و لو حلف أن لا يتصدّق عليه، فوهب له لم يحنث.

5877. الثامن و العشرون:

إذا حلف أن لا يفعل شيئا، انصرف إلى المباشرة و إلى الأمر به مع صلاحيّة النسبة به.

ص: 330


1- . في «ب»: أو يحجبها.
2- . قال في المسالك: 283/11: اختلف في معنى التسرّي، فذهب بعضهم إلى أنّه يحصل بثلاثة أمور: ستر الجارية عن أعين الناس المعبّر عنه بالتخدير و الوطء، و الإنزال، و قيل: يكفي الوطء و الستر، و قيل: يكفي الوطء لأنّ اشتقاقه من السرّ و هو الوطء... و اختار الشيخ في المبسوط اعتبار الوطء و الإنزال، و في الدروس الاكتفاء بالوطء مطلقا، و الأقوى الرجوع فيه إلى العرف. و لاحظ المبسوط: 251/6.

فلو حلف التاجر لا يبيع، انصرف إلى المباشرة، فلو باع وكيله لم يحنث.

و لو حلف السّلطان لا يضرب، انصرف إلى الأمر به.

و لو حلف لا يحلق رأسه، فالأقرب الحنث بالأمر به.

و لو حلف لا يضرب امرأته، فلطمها أو لكمها(1) أو ضربها بعصا [أ] و غيرها، حنث، و لو عضّها أو خنقها أو جزّ شعرها جزّا يؤلمها قاصدا للإضرار لم يحنث.

و كذا تنصرف يمينه إلى العمد، فلو حلف لا يفعل شيئا ففعله ناسيا لم يحنث، و كذا لو فعله مكرها.

5878. التاسع و العشرون:

للحالف أن يتأوّل في يمينه مثل ما كاتبت فلانا، و يعني كتابة الرقيق، و لا عرّفته أي جعلته عرّيفا، و لا سألته حاجة أي شجرة صغيرة، و أن يورّي في يمينه مثل أن يدّعي عليه محقّ بشيء و هو غير قادر عليه، فيحلف انّك لا تستحقّ عندي شيئا، و ينوي في ضميره الآن، فهذا كلّه سائغ إن كان الحالف مظلوما، بأن يستحلفه ظالم على شيء لو صدّقه لظلمه أو ظلم غيره.

و إن كان الحالف ظالما لم تقبل نيّته و لا تأويله و لا توريته بل النّية نيّة المستحلف، و ينصرف اللفظ إلى ما عناه المستحلف.

و لو لم يكن ظالما و لا مظلوما، سمعت نيّته و قبل تأويله،(2) و انصرف اللفظ إلى ما عناه.

ص: 331


1- . لكمه: ضربه باليد مجموعة الأصابع.
2- . في «أ»: و قبل تأويله الصدق.
5879. الثلاثون:

لو حلف أن لا يتزوّج على زوجته، فتزوّج قبل أن يطلّقها حنث، و كذا لو طلّقها رجعيّا، و تزوّج قبل خروج العدّة.

و لو قال: و اللّه لا بعت لفلان شيئا، فدفع المحلوف عليه سلعته الى ثالث ليبيعها، فدفعها إلى الحالف فباعها لم يحنث إن كان دفعها بغير إذن الدافع إليه، لعدم صحّة البيع، و إن كان قد أذن له في التوكيل في بيعها، و علم، حنث، و إلاّ فلا.

و لو حلف لا بعت له ثوبا، فدفعه المحلوف عليه إلى و كليه فقال: بعه أنت، فدفعه الى الحالف فباعه لم يحنث، لأنّه لم يبع للّذي حلف إلاّ أن يكون نوى أن لا يبيع سلعة يملكها المحلوف عليه.

5880. الحادي و الثلاثون:

لو حلف على شيئين إثباتا لم يبرّ بأحدهما، فلو قال: و اللّه لأصلينّ و أصومنّ، وجبا معا، و لا يجب جمعهما في الإيجاد، و لو حلف عليهما نفيا، جاز له فعل أحدهما لا فعلهما، فلو قال: و اللّه لا أكلت هذين الرغيفين، جاز له أكل أحدهما، و يحنث بأكلهما.

5881. الثاني و الثلاثون:

إذا حلف ليعتقنّ مماليكه، دخل فيه العبيد و الإماء، سواء كانوا قنّا أو مدبّرا، أو أمّهات أولاد، أو مكاتبين مشروطين، و لو كان له أشقاص في عبيد(1)، عتق عليه الأشقاص، و لا يدخل المكاتب المطلق و إن لم يؤدّ شيئا من المال.

و لو حلف أن يعتق عبده إن لم يضربه غدا، فباعه اليوم ثمّ اشتراه بعد غد، لم يحنث، و إن اشتراه في الغد، وجب عليه عتقه.

ص: 332


1- . في «أ»: في عبيده.

و لو حلف أن يضربه غدا فباعه في يومه أو في غده، ثمّ خرج الغد و لم يضربه، حنث.

و لو حلف ليطأنّ امرأته اليوم، فحاضت بعد إمكان الوطء، فالأقرب عدم الحنث إذا وطئها حائضا.

5882. الثالث و الثلاثون:

قد بيّنا أنّ النفي يقتضي التأبيد إلاّ مع نيّة التقييد، فلو قيل له: كلّم زيدا اليوم، فقال: و اللّه لا كلّمته، فإن نوى المقيّد(1) في الأمر تخصّص، و إن أطلق احتمل التأبيد عملا بمقتضى اللّفظ، و التقييد للعرف.

و لو حلف أن لا يكلّم الناس، فكلّم واحدا، فالأقرب أنّه لا يحنث.

و لو حلف لا كلّمت زيدا و عمرا، لم يحنث بكلام أحدهما، و قول الشيخ هنا(2) مدخول.

5883. الرابع و الثلاثون:

لو حلف أن لا يرى منكرا إلاّ رفعه إلى الوالي فلان، فرآه و لم يرفعه مع إمكانه حتّى مات أحدهما، حنث، و لو لم يتمكّن حتّى مات لم يحنث، و لو عزل، فإن كان نيّة رفعه حال الولاية، لم يبرّ برفعه بعد العزل، و لا يتحقّق الحنث في الحال، لجواز عود الولاية فيرفعه إليه، و إن لم يكن له نيّة احتمل البرّ برفعه إليه معزولا، اعتبارا بالعين، و العدم اعتبارا بالعين و الصّفة.

ص: 333


1- . في «ب»: فإن نوى القيد.
2- . قال الشيخ في المبسوط: 231/6: فإن حلف لا كلّمت زيدا و عمرا فكلّم أحدهما حنث، و الفرق بينهما (أي بين هذه المسألة و مسألة الرّغيفين) أنّهما يمينان، لأنّه حلف لا كلّم زيدا و لا كلّم عمرا، و انّما دخلت الواو نائبة مناب تكرير الفعل، كأنّه أراد أن يقول: و اللّه لا كلّمت زيدا و لا كلّمت عمرا فقال: «و عمرا» فلهذا حنث، و ليس كذلك في الأوّل (أي حلف لا أكلت هذين الرغيفين) لأنّهما يمين واحد.

و لو حلف أن يرفعه إلى وال، لم يحنث بموت الأوّل.

و لو حلف أن يرفعه إلى الوالي، احتمل عوده إلى الموجود حال اليمين، فيبقى كالأوّل، و إلى الماهيّة الكلّية فيبقى كالثاني، و هو أقرب.

5884. الخامس و الثلاثون:

قد بيّنا أنّ إطلاق اليمين ينصرف إلى العرف، لكن يحتمل مراعاة عرف واضح اللسان و عرف الحالف و فهمه، فلو حلف البدوي لا يدخل بيتا، حنث ببيت الشعر و الجلد و الكلّة(1) و الخيمة، و في البلدي وجهان.

و لو قال: «در خانه نشوم» لم يحنث ببيت الشعر و الخيمة إذ لم يثبت هذا العرف بالفارسيّة.

و لو حلف على الجوز حنث بالهندي، و على التمر لا يحنث بالهندي.

و لو حلف لا يأكل البيض، ثمّ حلف أن يأكل ما في كمّ فلان و كان بيضا، فاتّخذ منه الناطف،(2) [فأكل] لم يأكل البيض، و برّ في اليمين.

و لو حلف على ما اشتراه زيد لم يحنث بما يملكه بهبة، أو رجع إليه بإقالة أو ردّ عيب أو قسمة، أو صلح عن دين أو شفعة.

و لو حلف أن لا يشتري فتوكّل لغيره في الشراء، لم يحنث فيما أضافه إلى الموكل.

و لو حلف لا يأكل ما اشتراه زيد لم يحنث بما اشتراه وكيله، و يحنث لو حلف على طعام زيد.

ص: 334


1- . قال الطريحي فى مجمع البحرين: الكلّة - بالكسر -: الستر يخاط كالبيت يتوقّى به من البق.
2- . قال الفيومي: الناطف: نوع من الحلوى يسمّى القبيطي. المصباح المنير: 319/2.

و لو حلف لا يبيع الخمر فباع لم يحنث إلاّ أن يريد صورة العقد.

و لو حلف أن لا يحجّ حنث بالفاسد لانعقاده.

و لو حلف لا آكل لحم هذه البقرة و أشار إلى سخلة حنث بلحمها تغليبا للإشارة.

و لو حلف لا يلبس ما غزلته فلانة، حمل على المغزول في الماضي.

و لو حلف لا يلبس ثوبا من غزلها، حمل على الماضي و المستقبل، و لو لبس ما خيط بغزلها لم يحنث.

و لو حلف لا يلبس ثوبا ففرشه و نام عليه، لم يحنث، و كذا لو تدثّر به على الأقوى.

و لو حلف لا لبست قميصا فارتدى بقميص، احتمل الحنث و عدمه، و لو فتقه و ائتزر به لم يحنث.

و لو حلف على مهاجرة زيد ففي الحنث بالمكاتبة نظر.

و لو حلف أن لا يتكلّم انصرف إلى النطق باللسان، و في الحنث بترديد الشعر مع نفسه نظر.

و لو حلف لأثنينّ على اللّه بأحسن الثناء، فليقل: لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك.

5885. السادس و الثلاثون:

الحالف إن قيّد فعله بوقت تعيّن، و إن أطلق لم يجب الفور، بل وقته العمر و يتضيّق(1) عند غلبة الظنّ بالوفاة، سواء أطلق أو قيّده بشرط على الأقوى.

ص: 335


1- . في «ب»: و يضيق.

و لو حلف ليقضينّ حقّه لم يحنث بالتأخير إلاّ أن يفوت بموت أحدهما، فيتحقّق الحنث.

و لو حلف لا رأيت منكرا إلاّ رفعته إلى القاضي، لم يجب البدار بل عمره و عمر القاضي مهلته، و لو رأى المنكر بعد اطّلاع القاضي احتمل وجوب الرفع إليه و عدمه.

5886. السابع و الثلاثون:

إذا حلف على شيء اقتضى التعلّق بما يصدق عليه ذلك الشيء فى الحال، فلو حلف لا يدخل دار فلان لم يحنث بدخول دار يملكها فلان بعد اليمين.

و لو حلف أن يعتق كلّ مملوك يملكه غدا، دخل فيه ما يملكه في الحال و ما سيملكه في باقي اليوم إذا بقي إلى الغد و ما يستحدث في ملكه في غد.

و لو حلف أن يعتق كلّ مملوك يشتريه في غد اختصّ بما يشتريه في الغد.

و لو حلف لا يدخل «بغداد» فمرّ بها في سفينة ففي الحنث إشكال ينشأ من كون دجلة من «بغداد» حقيقة، و من كون «بغداد» موضع يقع عليه اليد و دجلة لا يقع عليها يد «البغدادي».

و لو قال: و اللّه لا أكلّمك حتّى تكلّمني، فتكلّما معا، حنث.

و لو حلف لا يتزوّج «بالكوفة» فزوّجه الفضوليّ «بالكوفة» امرأة «بمكّة» و أجازت «بمكّة»، احتمل الحنث بوقوع العقد «بالكوفة»، و عدمه، لأنّ الإجازة من تتمّته(1) و قد وقعت «بمكّة».

ص: 336


1- . في «ب»: من تتمّة.
5887. الثامن و الثلاثون:

إذا حلف أن يعطي من يخبره، فأخبره جماعة، استحقّ كلّ واحد ما حلف عليه، سواء أخبروه دفعة أو على التعاقب.

و لو حلف أن يعطي من سرّه، فهو للمخبر الأوّل بالسارّ، فلا يستحق المخبر الثاني شيئا، و لو كان المخبر الأوّل جماعة استحقّ كلّ واحد منهم.

و لو حلف أن يعطي أوّل من يدخل داره، استحقّ من يدخل عقيب اليمين و إن لم يدخل غيره.

و لو حلف أن يعطي آخر داخل، فهو لآخر من يدخل قبل موته.

ص: 337

ص: 338

المقصد الثالث: في أحكام اليمين

اشارة

و فيه ثلاثة عشر بحثا:

5888. الأوّل:

إذا حلف على فعل موقّت وجب عليه الإتيان به في وقته، فلو تجدّد العجز قبل الوقت انحلّت اليمين، كما لو حلف ليعتقنّ غدا مملوكه فيموت اليوم، أو ليحجنّ في هذا العام فيعجز.

5889. الثاني:

قد بيّنا أنّ مبنى الأيمان على المتعارف، فإن كان حقيقة تعيّن الانصراف إليه، و كذا إن كان مجازا غلب على الحقيقة، و إلاّ فالحقيقة.

فلو حلف لا شربت لك ماء من عطش، احتمل عوده إلى الحقيقة و إلى المتعارف فيعمّ ما عداه.

5890. الثالث:

الحنث يتحقّق بالمخالفة اختيارا، و لا يتحقّق بالمخالفة مع الإكراه أو الجهل أو النسيان.

5891. الرابع:

تكره اليمين الصادقة على القليل من المال، و تجب الكاذبة مع المصلحة، كما إذا أراد تخليص مظلوم، و إن أحسن التوراة وجبت، و تحرم اليمين على المحرّم، و حلّت اليمين على الواجب و المندوب و الأصلح من المباح و المتساوي منه.

ص: 339

5892. الخامس:

لو حلف بالبراءة من اللّه تعالى أو من رسول اللّه أو من أحد الأئمة عليهم السّلام أثم في الماضي و المستقبل صدق أو كذب.

و قال الشيخ: لو حلف على المستقبل بها و خالف، وجب عليه كفّارة الظهار.(1)

5893. السادس:

لا بدّ في اليمين من النيّة و الضمير، ثمّ إن كان الحالف محقّا كانت النيّة نيّته، و إن كان مبطلا كانت النيّة نيّة المستحلف.

5894. السابع:

قد بيّنا أن اليمين إنّما تكون باللّه تعالى أو بأسمائه أو بصفاته، و لو رأى الحاكم استحلاف الكفّار بالتوراة و الإنجيل أو بشيء من كتبهم أردع لهم، جاز له استحلافهم بذلك.

5895. الثامن:

إذا حلف أن لا يمسّ جارية غيره أبدا، ثمّ ملكها، جاز له وطؤها، لأنّه حلف أن لا يمسّها حراما، و لو تعلّقت اليمين بالعين حرمت أبدا.

5896. التاسع:

إذا انعقدت اليمين على المستقبل، وجب الوفاء بها، فإن أخلّ وجبت الكفّارة، و لو كان الخلاف أرجح في الدّين أو الدّنيا جاز له الحلّ و لا كفّارة.

و لو حلف على ترك شيء ففعله، حنث و وجبت الكفّارة، و إن كانت على فعل شيء فتركه، فإن كانت اليمين مؤقّتة و خرج الوقت، وجبت الكفّارة أيضا، و إن كانت مطلقة لم يحنث إلاّ بفوات وقت الإمكان.

5897. العاشر:

إذا خالف مقتضى اليمين ناسيا أو جاهلا، لم تجب الكفّارة،

ص: 340


1- . النهاية: 570 - باب الكفّارات -.

و كذا لو فعله مكرها، كمن حلف أن لا يدخل دارا فأدخل مربوطا أو ضرب أو هدّد حتّى دخل.

و لا كفّارة في يمين الغموس(1) و لا يمين اللغو(2).

5898. الحادي عشر:

إذا حلف على شيئين يمينا واحدا، كما لو قال: و اللّه لأصلّين و أصومنّ، فحنث فيهما أو في أحدهما، فكفّارة واحدة، و كذا لو حلف أيمانا متكرّرة على شيء واحد إن قصد التأكيد، و كذا إن قصد تعدّد اليمين على إشكال.

و لو حلف أيمانا على أجناس متعدّدة فحنث في واحدة منها، فعليها الكفّارة، فإن حنث في أخرى فكفّارة أخرى، سواء أخرج الأوّل أو لا.

5899. الثاني عشر:

لا يحب التكفير قبل الحنث، فإن كفّر قبله لم يجز عن الكفّارة لو حنث، سواء كانت الكفّارة صياما أو غيره.

و لو ظاهر و لم ينو العود ثمّ كفّر لم يجز به عن كفّارة الظهار، لأنّه كفّر قبل الوجوب، و إذا وجبت الكفّارة في الظهار وجب تقديمها على الجماع، سواء كانت الكفّارة عتقا أو صياما، و لو جامع قبل التكفير وجب عليه كفّارة أخرى.

5900. الثالث عشر:

إذا قال: حلفت، و لم يكن قد حلف، كان كاذبا و لا كفّارة عليه.

و لو حلف على ترك شيء صار فعله حراما.

ص: 341


1- . قال الشهيد في المسالك: 292/11: المعهود بين الفقهاء و أهل اللغة أنّ اليمين الغموس هي الحلف على الماضي كاذبا متعمّدا، بأن يحلف أنّه ما فعل و قد كان فعل أو بالعكس، و أنّها محرّمة، و أنّها سمّيت غموسا، لأنّها تغمس الحالف في الذنب أو النار.
2- . قال الشيخ في المبسوط: 202/6؛ لغو اليمين: أن تسبق اليمين إلى لسانه لم يعقدها بقلبه كأنّه أراد أن يقول: بلى و اللّه، فسبق لسانه لا و اللّه، ثمّ استدرك فقال: «بلى و اللّه» فالأوّل لغو.

ص: 342

كتاب النذر

اشارة

ص: 343

ص: 344

المقصد الرابع: في النذر

اشارة

و فيه فصول

الفصل الأوّل: في ماهيّته
اشارة

و فيه ثمانية مباحث:

5901. الأوّل:

يشترط في النذر صدوره نطقا من البالغ العاقل المسلم المختار القاصد، فلو نذر الصبيّ أو المجنون أو الكافر أو المكره أو فاقد القصد بسكر أو غضب أو عدم نيّة أو غير ذلك لم يقع.

قال الشيخ: يكفي في النذر النيّة و الضمير عن النطق(1) و ليس بجيّد.

5902. الثاني:

لا بدّ في النذر من نيّة القربة، و لو نذر الكافر حال كفره ثمّ أسلم، استحبّ له الوفاء به.

و لو قصد بالنذر منع نفسه لا للّه لم ينعقد.

ص: 345


1- . النهاية: 562.

و يشترط في نذر المرأة بغير الواجب إذن زوجها، و في نذر المملوك بذلك إذن المالك، فإن بادر من غير إذن لم ينعقد و إن تحرّر، و لو أجاز المالك ففي صحّته إشكال، نعم لو أذن له في النذر فنذر انعقد، و كذا ينعقد لو علّقه بتحريره.

5903. الثالث:

المشهور عند علمائنا وقوع النذر المطلق، و قال السيّد المرتضى رحمة اللّه: لا يقع إلاّ معلّقا بشرط.(1) و ليس بمعتمد.

5904. الرابع:

صيغة النذر أن يقول: للّه عليّ كذا، و يسمّى تبرّعا إن خلا عن الشرط، و برّا إن قصد شكر النعمة أو دفع البليّة، و زجرا إن قصد المنع عن الفعل المجعول شرطا، مثل للّه عليّ كذا إن رزقت ولدا، أو شفاني اللّه من المرض، أو إن فعلت معصية، أو إن لم أفعل طاعة، و في التبرّع نازع المرتضى رحمه اللّه(2)و الإجماع على انعقاد البواقي.

5905. الخامس:

إن قصد بالنذر الشكر وجب أن يكون الشرط سائغا إمّا واجبا، أو ندبا، أو مباحا يتساوى طرفاه، أو يترجّح وجود الشرط على عدمه في الدّين أو الدنيا، و لو كان العدم أولى لم ينعقد النذر، كما قلنا في اليمين سواء، و يجب أن يكون الجزاء طاعة للّه تعالى.

5906. السادس:

لا ينعقد النذر بالطلاق و لا بالعتاق و لا مجرّدا من ذكر اللّه تعالى، نعم لو قال: عليّ كذا، استحبّ له الوفاء.

و إنّما يجب الوفاء لو قال: للّه عليّ كذا، و لو عقّب النذر بقوله إن شاء اللّه لم يلزمه شيء.

ص: 346


1- . الانتصار: 362؛ المسألة 203 - الاشتراط في النذر -.
2- . الانتصار: 362-363، المسألة 203.

و لو قال: للّه عليّ صوم إن شاء زيد، لم يلزمه شيء و إن شاء زيد.

5907. السابع:

قد بيّنا أنّ الملتزم بالنذر، يشترط فيه كونه طاعة كالصّوم، و الصّلاة، و الحجّ، و لو كان واجبا، فالأقوى انعقاد النذر فيه، لفائدة وجوب الكفّارة بالإخلال.

و لا ريب في انعقاد النذر بفروض الكفايات، كالجهاد، و تجهيز الموتى، و بصفات فروض الأعيان، كما لو نذر المشي في حجّة الإسلام، أو طول القراءة في الفرائض، أو زيادة الذكر في الركوع، و بالعبادة المندوبة، كصلاة النافلة، و بالقربات كعيادة المريض، و إفشاء السلام، و زيارة القادم، و تجديد الوضوء، دون المباحات كالأكل و النّوم.

نعم لو قصد بالأكل التقوّي على العبادة، فيثاب عليه لزم.

و لو نذر ما هو طاعة و ليس بطاعة لزمه الإتيان بالطاعة خاصّة.

و لو نذر الجهاد في جهة تعيّنت الجهة، و لم يجزه ما يساويها في المسافة و المئونة.

5908. الثامن:

لا يشترط كون الشرط مقدورا، و يشترط كون الجزاء مقدورا، فلو نذر الصوم العاجز عنه لم ينعقد، و لا يجب عليه كفّارة، و كذا لو تجدّد العجز مع عدم سبق الوجوب، و لو عجز لعارض يرجى زواله انتظر و لا كفّارة عليه، فإن استمرّ إلى أن صار غير مرجوّ الزّوال سقط، و لو زال العجز بعد فوات وقت النذر المعيّن، فلا قضاء.

ص: 347

الفصل الثاني: في أنواع الجزاء
الأوّل الصوم
اشارة

و فيه سبعة مباحث:

5909. الأوّل:

إذا نذر صوما، فإن أطلق أجزأه يوم واحد.

و لو نذر صوم أيّام، و أطلق، فأقلّه ثلاثة أيّام.

و لو عيّن عددا وجب، و لا يجب التتابع إلاّ أن يشترط فيتعيّن، نعم يستحبّ له المبادرة، و يصوم العدد في أيّ وقت شاء ممّا يصح صومه، فلو صامه في رمضان لم يجزه.

فإن عيّن الشهر تعيّن، فإن أخلّ به لغير عذر، وجب عليه القضاء و الكفّارة عن خلف النذر.

و لو نذر صوم سنة معيّنة و لم يشترط التّتابع، وجب عليه صيام تلك السنة إلاّ العيدين و أيّام التشريق إن كان بمنى، و إن كان بغير بمنى وجب صيام أيّام التشريق، و لا يقضي العيدين و لا أيّام التشريق إذا كان بمنى، و يجب عليه تتابع الصوم، فإن أفطر في أثناء السّنة لعذر قضاه، و إن كان لغير عذر وجب مع القضاء الكفّارة، و يا بني في الحالين.

ص: 348

و إن شرط التتابع لفظا ثمّ أفطر في الأثناء لغير عذر، وجب الاستئناف و الكفّارة، و ان كان لعذر وجب البناء و القضاء و لا كفّارة.

و قال بعض علمائنا: إذا تجاوز نصف السنة بيوم واحد جاز له التفريق.(1)

و ليس بجيّد.

و لو نذر صوم سنة مطلقة، و لم يشترط التتابع جاز صومها متتابعا و متفرّقا، و يصوم إمّا اثني عشر شهرا بالأهلّة أو بالعدد كلّ شهر ثلاثون يوما، فإن صام شوّالا قضى بدل العيد يوما، و لو كان ناقصا قضى يومين، لأنّه لم يصم ما بين الهلالين و قيل: يقضي يوما واحدا، و يصوم رمضان عن الفرض لا النذر، و يقضي شهرا بدله، و كذا يقضي يوم النحر و أيّام التشريق إن كان بمنى.

و لو شرط التتابع وجب، فإن أفطر لعذر لم يسقط التتابع و لا كفّارة و يصوم بدلا عن رمضان و العيدين شهرا و يومين، و لا ينقطع التتابع لأنّه عذر، و كذا الحيض عذر و السفر الضروريّ أيضا دون الاختياريّ.

و لو أفطر لغير عذر وجب الاستئناف و لا كفّارة هنا.

5910. الثاني:

إذا نذر الاعتكاف اقتضى وجوب الصوم، فإن عيّن زمانا و مكانا تعيّن إذا لم يقصر الزمان عن ثلاثة، و لا خرج المكان عن أحد المواطن الأربعة، و لو أطلقها تخيّر في إحدى المواطن الأربعة، و وجب عليه الاعتكاف ثلاثة أيّام.

ص: 349


1- . نسبه ثاني الشهيدين إلى الشيخ في المبسوط، كما حكاه عنه فخر المحققين في إيضاح الفوائد. لاحظ المسالك: 382/11. و الإيضاح: 56/4. و لم نعثر عليه في المبسوط، و يمكن أن يراد منه ما نقله الشيخ في صوم شهرين متتابعين. انظر المبسوط: 213/6-214.

و لو نذر أربعة أيّام و لم يشترط التتابع، فاعتكف ثلاثة، و خرج في الرابع، وجب عليه قضاؤه، فيضمّ إليه آخرين، و الأقرب نيّة الوجوب فيهما.

و الأقرب أنّه إذا شرع في اعتكاف مندوب فاعتكف يومين بنيّة الندب جوّز إيقاع الثالث عن المنذور، و لا يفتقر إلى آخرين و كذا لو نذر اعتكاف يوم و لم يشترط نفي الزائد.

5911. الثالث:

إنّما ينعقد نذر الصوم إذا كان طاعة، فلو نذر صوم العيد أو أيّام التشريق و هو بمنى لم ينعقد، و لا يجب عليه قضاء و لا كفّارة، و كذا لو نذرت صوم أيّام حيضها.

و لو نذر صوم يوم فاتّفق أن كان هو العيد، وجب الإفطار، و الأقوى عندي عدم وجوب القضاء و لو اتّفقت حائضا أفطرت و في القضاء نظر أقربه الوجوب.

و لو نذر صوم قدوم زيد لم ينعقد.

و لو نذر صوم أوّل يوم من رمضان قيل: لا ينعقد(1) لوجوب الصوم بغير النذر، و الأقوى عندي انعقاده.

و لو نذر صوم أيّام متفرقة فالأقوى جواز التتابع، و كذا لو نذر صوما في بلد معيّن، فالأقوى عندي جواز الصّوم في غيره.

و لو نذر أن يصوم حينا و لم يعيّن، وجب صوم ستّة أشهر.

ص: 350


1- . قال الشهيد في المسالك: 389/11: اختلف الأصحاب في صحّة نذر الواجب، سواء في ذلك أوّل يوم من شهر رمضان و غيره، فذهب جماعة منهم المرتضى و الشيخ و أبو الصلاح و ابن إدريس إلى المنع، لأنّه متعيّن بأصل الشرع فإيجابه بالنذر تحصيل للحاصل و ذهب أكثر المتأخرين إلى الصحة، لأنّ الواجب طاعة مقدورة للناذر فينعقد نذره - إلى أن قال - و هو الأقوى.

و لو نذر أن يصوم زمانا صام خمسة أشهر، و لو عيّن بالنيّة فيهما غير ذلك، لزم ما نواه و لو كان يوما واحدا.

5912. الرابع:

لو نذر أن يصوم يوم قدوم زيد دائما سقط اليوم الّذي يقدم فيه، سواء قدم ليلا أو نهارا، و سواء تناول الناذر قبل قدومه أو لا، و سواء قدم قبل الزّوال أو بعده، و وجب صوم ذلك اليوم فيما يأتي من الزمان دائما، و يصوم ذلك اليوم في رمضان عن رمضان، و لا يقضيه.

و لو اتّفق يوم عيد أفطره، و الوجه عدم القضاء، و ليس له أن يصوم فيه ما لا يتعيّن صومه لقضاء رمضان و النذر المطلق و كفّارة اليمين.

أمّا لو وجب عليه صوم شهرين متتابعين كفّارة عن قتل أو ظهار، قال الشيخ رحمه اللّه: الأقوى أنّه يصوم ذلك اليوم في الشهر الأوّل عن الكفّارة و يقضيه، و في الثاني عن النذر(1) و قال ابن إدريس: تسقط الكفّارة بالصوم، و تنقل إلى الإطعام.(2) و كلامهما رديء، و الأقرب صومه عن النذر في الشهر الأوّل و الثاني معا، و لا ينقطع به التتابع، لأنّه عذر، سواء تقدّم النذر الكفّارة أو تأخّر.

و لو نذر هذا صوم شهرين متتابعين، فالأقرب تداخل النذرين.

و لو نذر صيام شهر من يوم يقدم فلان، فقدم في أوّل رمضان، فإن قلنا بصحّة نذر رمضان أجزأه صيامه لرمضان و نذره، و ينوي عنهما، و إلاّ صام عن رمضان و سقط نذره.

5913. الخامس:

لو نذر أن يصوم شهرا متتابعا و لم يسمّه فمرض في بعضه، احتمل وجوب الاستئناف و البناء، و لا كفّارة على التقديرين.

و لو عيّن الشهر و جنّ جميعه، لم يجب القضاء و لا الكفّارة.

ص: 351


1- . نقله ابن ادريس عن الشيخ في مبسوطه، و لم نعثر عليه. لاحظ السرائر: 68/3.
2- . السرائر: 68/3.

و لو صام ناذر المعيّن قبل الوقت لم يجزه، و لو مات بعد إمكان الأداء، وجب على وليّه القضاء عنه.

5914. السادس:

من وجب عليه صوم شهرين متتابعين بنذر أو كفّارة، فصام شهرا و من الثاني شيئا، ثمّ فرّق الباقي، أجزأه و هل يأثم؟ قولان، و لا كفّارة قولا واحدا، و لو فطر في الأوّل لعذر بنى و لا كفّارة، و إن كان لغير عذر استأنف و كفّر إن كان النذر معيّنا و أثم، و الأحوط أنّ المفطر في الأوّل لعذر يصوم في أوّل أوقات الإمكان، و هل هو واجب؟ فيه نظر.

و من وجب عليه صوم شهر متتابع، فصام خمسة عشر يوما، جاز له تفريق الباقي على الخلاف، ما لم يكن الصوم معيّنا، سواء كان الوجوب بالنذر أو بالكفّارة إذا كان عبدا.

و لا يجب التتابع في قضاء المتتابع سواء كان رمضان أو نذرا قيّد بالتتابع.

5915. السابع:

لو نذر صوم يوم معيّن فعجز عن، سقط النذر، و استحبّ له الصّدقة عنه بمدّ، و لو ابتدأ بصوم تطوّع فنذر في أثناء النهار إتمام ذلك الصوم، لزم.

و لو نذر ابتداء صوم بعض يوم لغى و لم يجب يوم كامل.

و لو نذر صوم الاثنين و يوم يقدم زيد أبدا، فقدم يوم الاثنين لزمه الاثنين لا غير.

و لو نذر صوم الدهر سقط العيدان و أيّام التشريق إن كان بمنى، و صام رمضان عنه لا عن النّذر.

و لو حاضت المرأة أفطرت و لا قضاء، و كذا لو سافر أو مرض.

ص: 352

و لو أفطر عمدا كفّر و لا قضاء على إشكال، و لو قيل: يقضى من تركته كان وجها، و حينئذ ففي جواز الاستنابة مع الحياة إشكال، و كذا لو أفطر هذا الناذر يوما من شهر رمضان.

و لو صام بعض الأيّام قضاء عمّا أفطره إمّا من رمضان أو من النذر، فالوجه عدم وقوعه عمّا نواه و وجوب قضاء آخر، و كفّارة خلف النذر، حيث لم ينوه عمّا نذره.

و لو نذر الصوم المكروه كيوم عرفة لمن يضعّفه عن الدعاء، و مع الشك في الهلال، ففي الانعقاد نظر.

الثاني: في الحجّ
اشارة

و فيه ستّة مباحث:

5916. الأوّل:

من نذر الحجّ و أطلق، وجب عليه الإتيان به، و لا يشترط الفور، و لا تجب العمرة، و كذا لو نذر العمرة لم يجب الحجّ، و يكفي المرة، و يتعيّن الوقت و العدد إن عيّنهما.

و لو عيّن الوقت فأحصر أو صدّ سقط و لا قضاء.

و لو مات ناذر الحجّ بعد إمكان أدائه، خرج من صلب ماله أجرة الحجّ.

5917. الثاني:

لو نذر أن يحجّ ماشيا، لزمه الوفاء به، و كذا الاعتمار، فإن أطلق تعيّن المشي من بلد النذر، و قيل: من الميقات، فلو ركب أعاد، و لو ركب بعض الطريق بغير عذر، و كان النذر مقيّدا بوقت، وجب عليه كفارة خلف النذر، و إن

ص: 353

كان مطلقا قيل: يعيد الحجّ يمشي ما ركب، و الأقوى الإعادة ماشيا، و إن كان لعذر، فإن كان النذر مقيّدا أجزأ، و هل يجب سياق بدنة؟ المرويّ ذلك(1) و الأقرب عندي الاستحباب و إن كان مطلقا، فالأقوى توقّع المكنة، سواء قلنا إنّ المشي يجب من بلده أو من الميقات، فالإحرام من الميقات إلاّ أن ينذره متقدّما.

5918. الثالث:

لو نذر أن يحجّ ماشيا فعجز، لم يسقط عنه الحجّ، و يجب أن يحجّ راكبا، و هل يجب على ناذر المشي أن يقف مواضع العبور؟ الأقرب أنّه مستحبّ، و يسقط فرض المشي عن ناذره بعد طواف النساء.

و لو نذر أن يحجّ راكبا فمشى، فالأقرب أنّه يحنث فيكفّر عن خلف النذر.

و إذا أفسد الحجّ المنذور ماشيا، وجب القضاء مشيا، و كذا إن فاته الحجّ و يسقط عن من فاته توابع الوقوف من المبيت بمزدلفة و منى و الرمي، و يتحلّل بعمرة، و يمضي في الحجّ الفاسد حتّى يتحلّل منه، و هل يجب المشي إلى التحلّل؟ فيه نظر، أقربه عدم الوجوب، ثمّ يجب قضاء النذر إن كان مطلقا، أو فرّط في إتيان الموقّت.

5919. الرابع:

لو نذر أن يطوف على أربع، قال الشيخ: عليه طوافان ليديه و رجليه(2) و الأقرب بطلان النذر.

ص: 354


1- . الوسائل: 203/16، الباب 20 من كتاب النذر و العهد، الحديث 1.
2- . قال الشيخ في النهاية: 242 - كتاب الحج - و من نذر أن يطوف على أربع، كان عليه طوافان: أسبوع ليديه و أسبوع لرجليه. و لاحظ التهذيب: 135/5 في ذيل الحديث 445 من كتاب الحج باب الطواف.
5920. الخامس:

لو نذر أن يحجّ و ليس له مال، فحجّ عن غيره، قال الشيخ أجزأ عنهما(1) و ليس بمعتمد.

5921. السادس:

لو نذر إن رزق ولدا أن يحجّ به(2) أو يحجّ عنه، ثمّ مات، حجّ بالولد أو عنه من صلب المال.

الثالث: إتيان المساجد
اشارة

و فيه ثلاثة مباحث:

5922. الأوّل:

إذا نذر أن يمشي إلى بيت اللّه الحرام انصرف إلى بيت اللّه سبحانه و تعالى «بمكّة» و لزمه ذلك، و كذا يجب عليه لو نذر أن يمشي إلى المسجد الحرام و لو نذر المشي الى الحرم ففي الانعقاد نظر، و ينعقد لو نذر أن يمشي إلى «الصّفا» و إلى «المروة» أو «منى» و لا ينعقد لو نذر المشي إلى «عرفة» و إلى قريب من الحرم.

5923. الثاني:

لو نذر أن يمشي إلى بيت اللّه الحرام لا حاجّا و لا معتمرا، فالوجه عندي بطلان النذر، و لو نذر أن يمشي إلى بيت اللّه الحرام، فقد قلنا إنّه يجب عليه ذلك، و يجب الإتيان بنسك إمّا بحجّ أو عمرة.

و لو نذر أن يمشي إلى بيت اللّه تعالى، احتمل انصرافه إلى بيت اللّه الحرام، و عوده إلى أحد المساجد.

5924. الثالث:

إذا نذر المشي مطلقا لم يجب الوفاء به، لأنّه ليس فى نفسه

ص: 355


1- . النهاية: 567.
2- . في «أ»: أن يحج بالولد.

طاعة، و لو قصد إمّا بالنيّة أو اللفظ المشي إلى المسجد الحرام، أو مسجد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، أو المسجد الأقصى، وجب عليه ما نذره، و كذا لو نذر غير هذه الثلاثة من المساجد، قال الشيخ: و يجب أن يصلّي فيه ركعتين.(1) و عندي فيه نظر.

و لو قصد المشي إلى موضع لا مزيّة فيه لم ينعقد نذره.

و لو نذر القصد إلى أحد المشاهد وجب، و كذا لو نذر المشي إلى بعض المؤمنين.

و لو نذر المشي إلى مكّة فهو كما لو نذر و قصد مسجد الحرام.

و لو نذر أن يأتي إلى بيت اللّه الحرام، أو يذهب إليه لزمه، و وجب الحجّ أو العمرة إن كان ممّن يجب عليه الدخول بإحرام، و إلاّ فلا، و يتخيّر بين المشي و الركوب.

الرابع: الصلاة
اشارة

و فيه ثلاثة مباحث:

5925. الأوّل:

إذا نذر صلاة غير معيّنة القدر، قيل: لزمه ركعتان.(2) و قيل:

ركعة.(3) و هو الوجه عندي، و إن عيّن العدد لزمه.

و يجب عليه ما يجب في الفرائض اليوميّة من الشرائط، كالطهارة،

ص: 356


1- . نقله المصنّف عن الشيخ في المبسوط، و لم نعثر عليه. لاحظ المختلف: 222/8.
2- . ذهب إليه الشيخ في الخلاف: 201/6، المسألة 17 من كتاب النذور.
3- . و هو خيرة الحلّي في السرائر: 69/3.

و استقبال القبلة، و غيرهما، فإن كان العدد أزيد من ركعتين و أطلق، احتمل وجوب التشهد و التسليم عقيب كلّ ركعتين و عدمه، و إن عيّن انفصال كلّ ركعتين بتشهّد و تسليم وجب، و إن عيّن انفصال كلّ عشرة ركعات مثلا احتمل الوجوب.

5926. الثاني:

إذا لم يعيّن الوقت جاز له التأخير إلى قبل الوفاة بمقدار الأداء، و إن عيّنه تعيّن، فإن أخلّ به عامدا كفّر و قضى، و إلاّ وجب القضاء خاصّة.

و يجب أن يكون الوقت المعيّن(1) ممّا يصحّ إيقاعه فيه، فلو عيّنت الصلاة وقت الحيض أو النفاس، لم ينعقد النذر، و كذا لو عيّن وقتا لا يتّسع لها.

5927. الثالث:

إذا لم يعيّن مكانا صلّى أين شاء، و إن عيّن موضعا، فإن كان له مزيّة الفضيلة كالمسجد، تعيّن، فلو أوقعها في غيره لم يجز و وجب عليه الإعادة فيه.

و لو عيّن موضعا معيّنا من المسجد تعيّن، و إذا عيّن موضعا فيه مزيّة فصلّى فيما هو أفضل منه ففي الإجزاء نظر، و كذا في المساوي.

و لو عيّن أحد الأوقات المكروهة، فالوجه أنّه يتعيّن و لا يجزيه غيره.

و لو نذر صلاة النافلة وجبت على هيئتها، كما لو نذر صلاة عليّ عليه السّلام(2) أو صلاة جعفر(3).

ص: 357


1- . في «أ»: معيّنا.
2- . و هي ركعتان يقرأ في الأولى منهما الحمد مرة و القدر مائة مرّة، و في الثانية الحمد مرّة و التوحيد مائة مرّة. لاحظ المجلد الأوّل من هذا الكتاب: ص 295.
3- . لاحظ في كيفيّتها المجلد الأوّل من هذا الكتاب: ص 294.

و لو نذر صلاة الأعرابيّ (1) لم يجز له الإخلال بالصفة و لا الفصل بالتسليم في غير موضعه.

و لو نذر أن يصلّي مثل صلاة الكسوف أو العيد، أو يأتي بأكثر من سجدتين في ركعة أو بسجدة واحدة، أو بغير ركوع، ففي انعقاده نظر، و منع ابن إدريس من نذر خمس ركعات بتسليمة(2).

الخامس: الصّدقة
اشارة

و فيه ستة مباحث:

5928. الأوّل:

إذا نذر أن يتصدّق و لم يعيّن قدرا أجزأته الصدقة بأقلّ ما يتموّل و تصح الصدقة به، فلو تصدّق بدون ذلك لم يجزه، كما لو تصدق بحبّة من حنطة، و لو تصدّق بتمرة أجزأه.

و لو عيّن قدرا وجب عليه الوفاء به إلاّ أن يكون دون المجزيّ، فالوجه البطلان.

5929. الثاني:

لو نذر الصدقة على قوم بأعيانهم لم يجز العدول عنهم إذا كانوا من أهل الاستحقاق، و كذا لو نذر الصّدقة في موضع معيّن بعينه، فإن عدل عن ذلك وجبت الإعادة على من عيّنه.

و لو أطلق جاز صرفها إلى من شاء ممّن يستحقّ الصدقة، و إن كان كافرا على إشكال.

ص: 358


1- . لاحظ في كيفيّتها المجلد الأوّل من هذا الكتاب: ص 296.
2- . السرائر: 58/3.
5930. الثالث:

إذا نذر أن يتصدّق بمال كثير لزمه ثمانون درهما، قال ابن إدريس: إن كان العرف في بلد الناذر المعاملة بالدنانير وجب التصدق بثمانين دينارا(1).

و لو قال: بمال جليل، أو خطير، أو عظيم، أو نفيس، أو جمّ، عيّن ما شاء، و لو مات قبل التعيين عيّن الوارث.

5931. الرابع:

لو نذر أن يتصدّق بجميع ماله لزمه ذلك، فإن تضرر قوّم ماله، و يتصدّق على التدريج بقدره، و لا يجزيه الثلث، و لا المال الزكويّ.

5932. الخامس:

لو نذر الصدقة بنوع تعيّن، و لا تجزيه قيمته و لا ثلثه، و لو نذر الصدقة بقدر من المال فأبرأ غريمه من ذلك القدر يقصد به وفاء النذر، فالوجه عدم الإجزاء، و إن كان الغريم من أهل الصّدقة، حتّى يقبضه.

و لو نذر أن يتصدّق بمال(2) و في نيته أنّه ألف لزمه ما نواه، و كذا لو نذر أن يصلّي و نوى ركعات معيّنة، أو يصوم و نوى أيّاما بأعيانها، و إن لم يتلفّظ بالمقدار.

5933. السادس:

من نذر أن يخرج شيئا من ماله في سبيل من سبل الخير و لم يعيّن، تخيّر بين الصّدقة على فقراء المؤمنين، و جعله في الحجّ، أو الزيارة، أو بناء المسجد، أو قنطرة، أو غيره من المصالح.

ص: 359


1- . السرائر: 61/3.
2- . في «ب»: بماله.
السادس: العتق
اشارة

و فيه خمسة مباحث:

5934. الأوّل:

إذا نذر عتق عبد مسلم وجب عليه الوفاء، و لو نذر عتق كافر، فإن أطلق لم ينعقد، و إن عيّنه، ففي الانعقاد قولان.

و لو نذر عتق عبد و أطلق، لزمه عتق مسلم.

5935. الثاني:

إذا أطلق النذر أجزأه عتق الصغير و الكبير، الصّحيح و المعيب، الذكر و الأنثى، و الوجه إجزاء الشقص، أمّا لو قيّد العتق بالرقبة، وجب كمال الرقبة لا بعضها.

و لو عيّن رقبة بعينها لم يجزه غيرها و إن كان أكمل.

5936. الثالث:

لو نذر عتق كلّ عبد له قديم، لزمه عتق من مضى في ملكه ستّة أشهر.

و لو نذر أن يفعل قربة و لم يعيّنها، تخيّر بين الصوم يوما، و بين صلاة ركعة، و بين صدقة ما يتموّل و إن قلّ، و بين عتق رقبة، و بين غيرها من أنواع القرب.

و لو قال: للّه عليّ نذر، و أطلق، لم يلزمه شيء.

5937. الرابع:

لو نذر أن لا يبيع مملوكا لزمه النّذر، فإن اضطرّ إلى بيعه قال الشيخ رحمه اللّه ليس له بيعه.(1) و الوجه الجواز.

ص: 360


1- . النهاية: 567.
5938. الخامس:

لو نذر عتق رقبة بعينها، فمات قبل العتق فإن كان قد تمكّن منه لزمته الكفّارة، و إلاّ فلا شيء عليه، و على التقديرين لا يلزمه عتق عبد.

السابع: الهدي
اشارة

و فيه ثمانية مباحث:

5939. الأوّل:

إذا نذر أن يهدي إلى مكّة و أطلق، انصرف إلى أقلّ ما يسمّى من النّعم هديا، و قيل: يلزمه ما يجزي في الأضحيّة(1) و قيل: يجزي أقلّ ما يتموّل و لو بيضة.(2)

5940. الثاني:

لو نذر أن يهدي بدنة و أطلق، انصرف الإطلاق إلى الكعبة، و لو نوى منى لزمه.

و لو نذر الهدي إلى غير هذين الموضعين لم يلزم الوفاء به.

5941. الثالث:

لو نذر أن يهدي إلى بيت اللّه تعالى غير النّعم، قيل: يبطل(3)و قيل: يباع و يصرف في مصالح البيت(4) و يحتمل التفرقة في مساكينه.

و لو نذر أن يهدي عبده أو أمته إلى بيت اللّه أو إلى أحد المشاهد بيع ذلك

ص: 361


1- . ذهب إليه الشيخ في الخلاف: 197/6، المسألة 8 من كتاب النذور.
2- . نقله المصنف في المختلف: 225/8 عن الشيخ في المبسوط، و حكاه الشهيد في المسالك: 372/11 عن المبسوط أيضا. و لم نعثر عليه.
3- . اختاره القاضي ابن البراج في المهذب: 409/2.
4- . قال الشهيد الثاني قدّس سرّه في المسالك: 373/11: أمّا القول ببيعه و صرف ثمنه في مصالح البيت فنقله المصنّف عن بعضهم، و لم نعلم قائله.

و صرف ثمنه في مصالح البيت أو المشهد الّذي نذر له، و في معونة الحاجّ أو الزائرين، و لا يصرف إليهم ذلك إلاّ بعد تلبّسهم بالسّفر إلى الحجّ أو الزيارة، و تناول اسم الحاجّ أو الزائرين لهم، و الوجه تعميم الحكم، فلو نذر أن يهدي داره أو أرضه بيع و صرف ثمنه في ذلك.

5942. الرابع:

إذا نذر الإهداء إلى مكّة فالوجه وجوب الذبح بها أو النحر، و لو نذر نحر هدي بمكّة تعيّنت البدنة، و وجب النحر بها، و هل يتعيّن التفرقة(1)بها؟ الأقرب ذلك، و كذا البحث في منى.

و لو نذر نحره أو ذبحه بغير هذين، قال الشيخ: لا ينعقد(2)و الأقوى انعقاده.

5943. الخامس:

لو نذر(3) هدي بدنة، تعيّنت الأنثى من الإبل، فإن تعذّر عليه الإبل، وجب عليه بقرة، فإن تعذّر ذلك فسبع شياه، و لا تجزئ البقرة و لا الشياه مع التمكّن من البدنة.

5944. السادس:

لو نذر إهداء الشمع أو الزيت و أشباهه إلى المساكن المشرّفة، كالمشاهد، و المساجد، وجب عليه الوفاء به، و منع بعض الجمهور من إهداء ذلك إلى المشاهد، لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لعن المتخذات على القبور المساجد و السّرج.(4) و ليس بمعتمد.

ص: 362


1- . في «أ»: «الصدقة» بدل «التفرقة».
2- . حكاه الشهيد في المسالك: 376/11 عن الشيخ في المبسوط. و لم نعثر عليه.
3- . في «ب»: إذا نذر.
4- . المغني لابن قدامة: 355/11-356.
5945. السابع:

لو نذر أن يستر الكعبة أو يطيّبها لزمه، و يجوز ستر الكعبة بالحرير، و كذا لو نذر تطييب مسجد النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أو غيره من المساجد.

5946. الثامن:

لو نذر أن يضحي ببعض البلاد، فالوجه لزوم الذّبح به، و التفرقة على أهله فيه.

و لو نذر أن يهدي ظبية إلى مكّة لزمه التبليغ، و يتصدّق بها حيّة، و لا يجب الذبح، و كذا لو نذر ذلك في بعير معيب.

الفصل الثالث: في اللواحق
اشارة

و فيه سبعة مباحث:

5947. الأوّل:

العهد لازم كاليمين و النذر، و صورته أن يقول: عاهدت اللّه أو على عهد اللّه أنّه متى كان كذا فعليّ كذا، و إنّما يجب الوفاء به إذا كان ما عاهد عليه واجبا أو ندبا أو ترك حرام أو ترك مكروه أو مباحا يترجّح فعله إن عاهد على الفعل أو تركه إن عاهد على الترك على الطرف الآخر في الدنيا، أو يتساوى الطرفان، و لو ترجّح الطرف الآخر على ما عاهد عليه فليفعل الأرجح، و لا كفّارة عليه بمخالفة العهد، كما قلنا في اليمين و النذر.

5948. الثاني:

لا ينعقد العهد إلاّ من مكلّف مختار قاصد ناطق به لفظا مع النيّة، و لو تجرّدت النيّة عن النطق لم ينعقد، خلافا للشيخ.(1)

ص: 363


1- . النهاية: 562.
5949. الثالث:

اختلف علماؤنا في كفّارة خلف النذر، فقيل: كفّارة يمين(1)و به رواية حسنة(2) و قيل: كفّارة من أفطر يوما من شهر رمضان.(3) و الأقوى عندي الأوّل، و كذا الخلاف في كفّارة خلف العهد، و إنّما تجب الكفّارة مع المخالفة عمدا اختيارا، و لو خالف ناسيا أو مكرها لم تجب الكفارة.

5950. الرابع:

قد بيّنا أنّ نذر المعصية لا ينعقد، فلو نذر أن يذبح ولده كان لاغيا، و لا يجب به كفّارة، و كذا لو نذر أن يذبح نفسه أو أجنبيّا أو قريبا، و ما روي عن الباقر عليه السّلام(4) من تحقّق كفّارة اليمين في النذر لغير اللّه، فمحمول على الاستحباب، مع أنّ في الرّواية ضعفا [في السند] و في حديث السّكوني: ذبح كبش يتصدّق لحمه على المساكين فيمن نذر نحر ولده.(5) و هي محمولة على الاستحباب.

5951. الخامس:

روي(6) أنّ من نذر أن لا يتزوّج حتّى يحجّ، ثمّ تزوّج قبل الحجّ، وجب عليه الوفاء بالنذر، سواء كانت حجّته حجّة الإسلام أو حجّة التطوّع، لأنّه عدل عن طاعة إلى مباح.

ص: 364


1- . هو خيرة الصدوق في الفقيه: 232/3، في ذيل الحديث 1095.
2- . الوسائل: 575/15، الباب 23 من أبواب الكفارات، الحديث 4.
3- . ذهب إليه المفيد في المقنعة: 569، و الشيخ الطوسي في النهاية: 570، المبسوط: 207/6 و ابن البرّاج فى المهذب: 421/2، و الحلبي في الكافي في الفقه: 225، و ابن حمزة في الوسيلة: 353.
4- . الوسائل: 575/15، الباب 23 من أبواب الكفّارات، الحديث 6. و ضعف الرواية لأبي الجوزاء فانّه كان عامّيا.
5- . الوسائل: 206/16، الباب 24 من كتاب النذر و العهد، الحديث 2.
6- . الوسائل: 191/16، الباب 7 من كتاب النذر و العهد، الحديث 1.
5952. السادس:

إذا أطلق النذر لم يجب الفور فيه، سواء كان حجّا أو صوما أو غيرهما، لكنّه تستحبّ المبادرة.

و إن عيّنه بوقت لم يجز له التأخير عنه، فإن أخّره وجب عليه القضاء و كفّارة خلف النذر.

5953. السابع:

من نذر أنّه متى رزق ولدا حجّ به أو حجّ عنه ثمّ مات الناذر، وجب أن يحجّ بالولد أو عنه من صلب ماله.

و لو نذر ترك بيع ما الأولى ترك بيعه فباعه، ففي صحّة البيع إشكال، فإن قلنا بانعقاده وجبت الكفّارة، و إلاّ فلا.

ص: 365

ص: 366

المقصد الخامس: في الكفّارات

اشارة

و فيه فصول

الفصل الأوّل: في أقسامها
اشارة

و فيه اثنا عشر بحثا:

5954. الأوّل:

الكفّارة إمّا مخيّرة أو مرتّبة أو كفّارة الجمع.

فالمخيّرة: كفارة من أفطر يوما من شهر رمضان مع وجوبه بما تقدّم من موجبات التكفير، و هي عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستّين مسكينا، و كفّارة من أفطر يوما نذر صومه على الأقوى، و هي كفّارة رمضان، و كذا كفّارة الحنث في العهد على الأقوى.

و اختلف في كفّارة الحنث في النّذر غير الصوم، فالأقوى عندي أنّها كفّارة يمين.

و كفّارة اليمين هي عتق رقبة، أو إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، فإن عجز عن ذلك كلّه صام ثلاثة أيّام متتابعات.

ص: 367

و المرتّبة كفّارة الظهار، و هي عتق رقبة، فإن عجز صام شهرين متتابعين، فإن عجز أطعم ستّين مسكينا، و كذا كفّارة قتل الخطاء.

و كفّارة من أفطر يوما يقضيه من شهر رمضان بعد الزوال، إطعام عشرة مساكين، فإن عجز صام ثلاثة أيّام متتابعات، و لا كفّارة في قضاء النذر المعيّن و لا غيره من قضاء الواجبات.

و كفّارة الجمع كفّارة قتل العمد ظلما للمؤمن، و هي عتق رقبة و صوم شهرين متتابعين، و إطعام ستّين مسكينا.

و اختلف علماؤنا في كفّارة الإحرام، هل هي مرتّبة أو مخيّرة؟ عدا كفّارة الحلق، و قد سبق البحث في ذلك كلّه(1).

5955. الثاني:

قال الشيخ رحمه اللّه: من حلف بالبراءة من اللّه أو من رسوله أو من أحد الأئمة عليهم السّلام، كان عليه كفّارة ظهار، فإن عجز كان عليه كفّارة يمين(2) و قال ابن إدريس: يأثم و لا كفّارة عليه(3)، و روى ابن بابويه قال كتب محمد بن الحسن [الصفار] إلى العسكري عليه السّلام في رجل حلف بالبراءة من اللّه أو من رسوله فحنث ما توبته و كفّارته؟ فوقّع عليه السّلام: يطعم عشرة مساكين لكلّ مسكين مدّ، و يستغفر اللّه عزّ و جل.(4) و على هذه الرواية أعمل.

5956. الثالث:

لو جزّت المرأة شعرها في المصاب، قال الشيخ: كان عليها

ص: 368


1- . انظر الجزء الثاني من هذا الكتاب: ص 38، فيما يجب على المحرم من الكفّارات.
2- . النهاية: 570.
3- . السرائر: 40/3.
4- . الفقيه: 237/3 برقم 1127. و لاحظ الوسائل: 126/16، الباب 7 من كتاب الأيمان، الحديث 3.

كفّارة قتل الخطاء: عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستّين مسكينا(1) مع أنه أفتى بالترتيب في كفّارة القتل، فيحتمل إرادته هنا و إرادة المقدار مع التخيير، و الرواية دلّت على التخيير مع ضعف سندها(2) فقيل: تأثم و لا كفّارة.(3) و على تقدير الكفّارة لو جزّته في غير المصاب بغير ضرورة ففي إلحاقه بالمصاب نظر.

أمّا لو جزّته للحاجة فلا كفّارة.

و لو جزّت بعضه ففي إلحاقه بالجميع إشكال.

و الجزّ هو القصّ، فلو نتفته أجمع لم يلحق بالجزّ على إشكال.

و لو حلقته فالأقرب إلحاقه بالجزّ.

و لا فرق بين أن تفعل ذلك مباشرة أو تأمر بفعله على إشكال.

5957. الرابع:

لو نتفت المرأة شعرها في المصاب، وجب عليها كفّارة يمين، و يتساوى جميع الشعر و بعضه على إشكال، فالبحث في النتف بغير المصاب كالجزّ.

5958. الخامس:

لو خدشت وجهها في المصاب وجب عليها كفّارة اليمين، و لا يشترط استيعاب الوجه بالخدش و لا إخراج الدم، و في الرواية دلالة على

ص: 369


1- . النهاية: 573.
2- . الوسائل: 583/15، الباب 31 من أبواب الكفّارات، الحديث 1.
3- . كما في الشرائع: 68/3، و في جواهر الكلام: 185/33: «و أمّا ما في المتن من أنّه قيل: تأثم و لا كفّارة استضعافا للرواية و تمسّكا بالأصل، فلم نتحقّقه قبل المصنف، كما عن جماعة الاعتراف به أيضا».

اشتراط الدّم(1) و لا قطع الجلد بأسره، بل لو قطعت ظاهره تعلّق به الحكم.

و لو لطمت خدّها من غير خدش لم يجب عليها كفّارة.

و لو خدشت غير الوجه من سائر جسدها لم يتعلّق به حكم.

و لا كفّارة على الرّجل بالجزّ و الخدش و النّتف.

5959. السادس:

لو شقّ الرّجل ثوبه في موت ولده أو زوجته، وجب عليه كفّارة يمين، و لا كفّارة عليه لو شقّه على غيرهما من الأب و الأخ و غيرهما و إن كان أجنبيّا، بل يستغفر اللّه تعالى، و في إلحاق أمّ الولد و السّريّة بالزوجة إشكال، أمّا المتمتّع بها فإنّها زوجة، و كذا المطلّقة رجعيّا.

و لا تتعلّق الكفّارة بشقّ العمامة و غيرها.

و لا كفّارة على المرأة بالشقّ على من كان، بل تستغفر اللّه تعالى.

و لا فرق بين شقّ الثوب أجمع أو بعضه، و لا بين كون الولد للصلب أو ولد الولد ذكرا كان أو أنثى لذكر كان أو لأنثى على إشكال.

5960. السابع:

من تزوّج امرأة في عدّتها، فارقها و كفّر بخمسة أصوع من دقيق، و قال ابن إدريس: إنّه مستحبّ،(2) و لا فرق بين عدّة الموت و الطلاق، و لا بين كون الطلاق رجعيّا أو بائنا، و لا بين كونه عالما بالتحريم و العدّة أو جاهلا بهما أو بأحدهما على إشكال، و لا بين كون المرأة حرّة أو أمة، و لا بين كون التزويج دائما أو منقطعا، و لا بين كون العدة للنكاح الدائم أو المنقطع، و لا بين

ص: 370


1- . الوسائل: 583/15، الباب 31 من أبواب الكفّارات، الحديث 1.
2- . السرائر: 77/3.

كون الفرقة بالطلاق أو غيره كاللعان و الارتداد و الفسخ بالعيب، و لا بين كون التزويج منضمّا إلى الدخول أو لا.

و لو اشترى المدخول بها ففسخ أو لم يفسخ، ثمّ وطئ بالملك مع الجهل، لم يجب عليه الكفّارة، و كذا مع العلم.

و لو زنى بذات العدّة فلا كفّارة، عالما كان أو جاهلا، و في رواية أبي بصير عن الصادق عليه السّلام في رجل تزوّج امرأة و لها زوج فقال: إذا لم يرفع خبره إلى الإمام فعليه أن يتصدّق بخمسة أصوع دقيقا(1) هذا بعد أن يفارقها، و في هذه الرواية دلالة على وجوب الكفّارة على من تزوّج بذات البعل.

و قال السيّد المرتضى: من تزوّج امرأة و لها زوج و هو لا يعلم بذلك، فعليه أن يفارقها و يتصدّق بخمسة دراهم.(2) و لا يجزئ غير الدقيق من الحنطة و الشعير و غيرهما، و يجزئ الدّقيق من الحنطة و الشعير و الذرة و الدخن، و الأقرب إجزاء الخمسة من الخبز.

5961. الثامن:

من نام عن العشاء و لم يستيقظ حتّى يمضي نصف الليل، قضاها و أصبح صائما كفّارة عن ذلك الفعل، أفتى به الشيخ.(3) و الرواية به مقطوعة.(4) و قال ابن ادريس: إنّه مستحبّ (5).

ص: 371


1- . الوسائل: 585/15، الباب 36 من أبواب الكفّارات، الحديث 1.
2- . الانتصار: 366، المسألة 208.
3- . النهاية: 572.
4- . الوسائل: 157/3، الباب 29 من أبواب المواقيت، الحديث 8.
5- . السرائر: 77/3.

و الأقرب عدم إلحاق غير النائم به، و لا يجب الصوم على العامد و لا على السكران و لا على الناسي.

و مع القول بوجوب الصوم فالأقرب اختصاص النائم عمدا به، سواء نوى الصلاة بعد الانتباه أو لا.

أمّا ناسي الصّلاة إذا استوعب النوم الوقت، فلا صوم عليه، و كذا لا صوم على النائم من غير العتمة.

5962. التاسع:

قال الشيخ: من وجب عليه صوم يوم نذره، فعجز عن صيامه، أطعم مسكينا مدّين من طعام كفّارة لذلك اليوم، و قد أجزأه(1) و في رواية محمّد بن منصور عن الكاظم عليه السّلام في رجل نذر صياما فثقل الصوم عليه، قال:

تصدّق كلّ يوم بمدّ من حنطة(2)

و قال ابن إدريس: إن كان عجزه لكبر أو مرض لا يرجى برؤه كالعطاش الذي لا يرجى برؤه، فقول الشيخ صحيح، و إن كان لمرض يرجى برؤه كالحمى، وجب عليه الإفطار و القضاء من غير إطعام.(3)

5963. العاشر:

قال الصادق عليه السّلام: كفارة الضحك اللّهم لا تمقتني(4).

و قال عليه السّلام: كفارة عمل السّلطان قضاء حوائج الاخوان(5).

ص: 372


1- . النهاية: 571.
2- . الوسائل: 195/15، الباب 12 من كتاب النذر و العهد، الحديث 2.
3- . السرائر: 75/3.
4- . الوسائل: 584/15، الباب 34 من أبواب الكفّارات، الحديث 1.
5- . الوسائل: 584/15، الباب 33 من أبواب الكفّارات، الحديث 1.

و قال عليه السّلام: سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ما كفّارة الاغتياب؟ قال: تستغفر لمن اغتبته كلّما ذكرته(1).

و قال الصادق عليه السّلام: كفّارات المجالس أن تقول عند قيامك منها سبحان ربّك ربّ العزة عمّا يصفون و سلام على المرسلين و الحمد للّه ربّ العالمين.(2)

5964. الحادي عشر:

روى ابن بابويه في حديث صحيح عن الرضا عليه السّلام انّه سئل يا ابن رسول اللّه قد روي لنا عن آبائك عليهم السّلام فيمن جامع في شهر رمضان أو أفطر فيه، ثلاث كفّارات، و روي عنهم أيضا كفّارة واحدة، فبأيّ الخبرين نأخذ؟

فقال: بهما جميعا، متى جامع الرّجل حراما أو فطر على حرام في شهر رمضان فعليه ثلاث كفّارات: عتق رقبة، و صيام شهرين متتابعين، و إطعام ستين مسكينا و قضاء ذلك اليوم، و إن كان نكح حلالا، أو أفطر على حلال، فعليه كفّارة واحدة، و قضاء ذلك اليوم و إن كان ناسيا فلا شيء عليه.(3)

5965. الثاني عشر:

من ضرب مملوكه فوق الحدّ استحبّ التكفير بعتقه.

ص: 373


1- . الوسائل: 583/15، الباب 32 من أبواب الكفّارات، الحديث 1.
2- . الوسائل: 585/15، الباب 37 من أبواب الكفّارات، الحديث 1.
3- . الفقيه: 238/3 برقم 1128، و لاحظ الوسائل: 35/7، الباب 10 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1.
الفصل الثاني: في خصالها
اشارة

و هي خمسة: العتق و الصيام و الإطعام و الكسوة و الاستغفار.

فالنظر يتعلّق هنا بأمور خمسة:

النظر الأوّل: في العتق
اشارة

و فيه اثنا عشر بحثا:

5966. الأوّل:

يشترط في الرّقبة الإيمان و السلامة و كمال الرقّ و الخلوّ عن العوض.

و قد أجمع علماؤنا على اعتبار الإيمان في كفّارة القتل، و اختلفوا في اعتباره في غيرها من الكفّارات، فقال السيّد المرتضى(1) و أكثر علمائنا:

باعتباره و هو الأقوى عندي، و خالف فيه الشيخ.(2) و المراد بالإيمان الإسلام فيجزئ عتق المخالف عدا الناصب و الغلاة.

5967. الثاني:

يجزئ في الرّقبة الذكر و الأنثى و الكبير و الصغير و إن كان بعد سقوطه حيّا بلا فصل، و في رواية حسين بن سعيد عن رجاله عن الصادق عليه السّلام:

إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: كلّ العتق يجوز له المولود إلاّ في كفّارة القتل، فإنّ اللّه

ص: 374


1- . الانتصار: 372، المسألة 216، كتاب العتق و التدبير و المكاتبة.
2- . المبسوط: 212/6؛ الخلاف: 542/4، المسألة 27 من كتاب الظهار.

تعالى يقول: فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ (1) يعني بذلك مقرّة قد بلغت الحنث، و يجزئ في الظهار صبيّ ممّن ولد في الإسلام(2).

و مضمون الرواية جيّد، و يحكم بإسلام الصبيّ بإسلام أحد أبويه.

5968. الثالث:

يجب كون الرقبة منفصلة فلا يجزئ الحمل و إن كان أبواه مسلمين، و لا قبل كمال انفصاله، و لو أعتقه حين الولادة ثمّ مات أجزأ إن كان تحرّك بعد الولادة حركة الأحياء.

5969. الرابع:

يجزئ الأخرس إذا كان قد سبق منه الإسلام أو كان أحد أبويه مسلما، و لو كانا كافرين فبلغ و أسلم بالإشارة أجزأ، سواء صلّى أو لا.

و المسبيّ من أطفال الكفّار لا يجزئ و إن انفرد به السابي المسلم عن أبويه الكافرين.

و لو أسلم المراهق فالوجه عدم الإجزاء، نعم ينبغي أن يفرّق بينه و بين أبويه، لئلاّ يمنعاه عن عزم الإسلام.

5970. الخامس:

يكفي في الإسلام الإقرار بالشهادتين، و لا يشترط في الإجزاء الصلاة و لا التبرّي ممّا عدا الإسلام.

و يجزئ في ولد الزنا إذا كان مسلما، و حكم بعض علمائنا بكفره(3) ضعيف.

ص: 375


1- . النساء: 92.
2- . الوسائل: 556/15، الباب 7 من أبواب الكفّارات، الحديث 6.
3- . و هو السيد المرتضى قدّس سرّه. انظر الانتصار: 367، المسألة 209 - كتاب الكفّارات -.

و لو كانت أعجميّة و عرف مولاها أو الحاكم لغتها أجزأت، و إلاّ افتقرت إلى مترجمين عدلين يشهدان بالإسلام.

5971. السادس:

يشترط السلامة من العيوب الموجبة للعتق، و هي: العمى، و الجذام، و البرص، و الإقعاد، و تنكيل المولى به، و لا يشترط السلامة عن غير ذلك، فيجزئ الأصمّ، و الخصيّ، و أقطع اليدين، أو إحدى الرّجلين، لا مقطوعهما، و الأقرع، و الأعرج، و الأعور و أقطع الأذنين، و الرتقاء، و الهرم، و العاجز، و المريض، سواء رجي برؤه أو لا، و سواء مات في مرضه ذلك أو لا، و الأبرص.

و في إجزاء المجنون المطبق عندي إشكال إذا لم يسبق منه الإسلام و لا ولد عليه.

و لو أعتق المرتدّ حال ردّته لم يجز على ما اخترناه، سواء كان عن فطرة أو لا، و لو أعتقه بعد رجوعه إلى الإسلام، فإن كان عن غير فطرة أجزأ، و إن كان عن فطرة فالوجه عدم الإجزاء، و كذا لو أعتق من وجب قتله حدّا مع التوبة، و لو قتل عمدا فأعتقه في الكفّارة فللشيخ قولان أقواهما عدم الجواز(1)، و كذا القولان في الخطاء، و الأقرب الإجزاء(2)، و يضمن المولى الدّية.

و لو عفا الوليّ صحّ عتقه في الموضعين، و لا بدّ من تجديد العتق في

ص: 376


1- . و هو خيرة الشيخ في الخلاف: 546/4، المسألة 33 من كتاب الظهار و أمّا القول بالجواز فذهب إليه في المبسوط: 161/5.
2- . ذهب إليه الشيخ في الخلاف: 546/4، المسألة 33 من كتاب الظهار، و أمّا القول بعدم الجواز فخيرته في المبسوط: 161/5.

العمد لو سبق العتق على ما اخترناه، و كذا لا يجزئ لو جنى ما يجب العتق بالقصاص فيه، كالعينين، و يجزئ لو جنى غير ذلك، و لو جنى دون النفس على عبد عمدا، فالوجه الإجزاء، و إن تعذّر القصاص و يضمن المولى حينئذ.

5972. السابع:

المكاتب المطلق إذا أدّى من كتابته شيئا لم يجز عتقه لنقصان الملك، و لو لم يؤدّ شيئا أو كان مشروطا، فالوجه الإجزاء، و لو كانت الكتابة فاسدة أجزأ إجماعا.

أمّا المدبّر فإن أعتقه بعد نقض التدبير أجزأ إجماعا، و إن أعتقه قبله، فالأقوى الإجزاء خلافا للشيخ في نهايته(1). و يجزئ عتق أمّ الولد، سواء كان ولدها حيّا أو ميّتا، و ولدها المولود بعد كونها أمّ ولد، و لا يجزئ منذور العتق، سواء استقرّ الوجوب فيه بأن يكون مطلقا أو مقيّدا بشرط حصل، أو لم يستقر بأن تعلّق شرط يتوقّع وجوده، و لو فات الشرط أجزأ.

و يجزئ الآبق و الغائب إذا لم يعرف موته و إن انقطع خبره، و لو ظهرت وفاته قبل العتق لم يجزئه.

و لو كان في ظهار و وطئ ففي تكرير الكفّارة حينئذ إشكال.

و لو أعتق المرهون صحّ إن أجاز المرتهن و إلاّ فلا، و قال الشيخ: يصحّ مع عدم الإجازة إذا كان موسرا فيطالب بالمال إن كان حالاّ، و يرهن عوضه إن كان مؤجّلا(2).

ص: 377


1- . النهاية: 554.
2- . المبسوط: 160/5-161. و لاحظ الخلاف: 545/4، المسألة 32 من كتاب الظهار.

و لو أعتق المغصوب صحّ عتقه و أجزأ عن الكفّارة.

5973. الثامن:

لو أعتق جزءا من عبده المختصّ، و نوى به التكفير، صحّ و سرى العتق إليه أجمع، و لو نوى إعتاق الجزء الّذي باشره بالإعتاق عن الكفّارة دون غيره، ففي الإجزاء إشكال.

و لو كان مشتركا فأعتق نصيبه عن الكفّارة و هو موسر أجزأ.

و إن قلنا بعتقه أجمع بالإعتاق إذا نوى إعتاق جميعه عن الكفّارة (فالأقرب الإجزاء)(1).

و لو نوى عتق نصيبه خاصّة ففي الإجزاء إشكال و إن قلنا يعتق بأداء قيمة حصّة الشريك عتق نصيبه(2)، فإن نواه عن الكفّارة ثمّ دفع قيمته و نوى الإعتاق عن الكفّارة، فالأقرب الإجزاء.

و لو نوى عتق الجميع عند الإعتاق و لم ينو عند الأداء، ففي الإجزاء نظر.

و لو كان معسرا صحّ العتق في نصيبه و لم يجز عن الكفّارة و إن نواه، و لا يسري العتق إلى نصيب الشريك، و إن أيسر بعد ذلك.

و لو ملك النصيب فنوى إعتاقه عن الكفّارة فالأقرب الإجزاء، لتحقّق عتق الرقبة، و إن كان متفرّقا.

و لو أعتق نصفين من عبدين مشتركين لم يجزئه، لعدم تحقّق النسمة، و كذا لو كان نصف الرقيق حرّا.

ص: 378


1- . ما بين القوسين يوجد في «ب».
2- . أي عتق و لكن لا يحسب عن الكفّارة إلاّ إذا نوى كما في العبارة التالية.

و لو اشترى من يعتق عليه، و نوى إعتاقه عن الكفّارة، فالوجه عدم الإجزاء، لأنّ النسمة لم يصادف ملكا قبل الشراء و لا بعده، و للشيخ قولان أحدهما الإجزاء(1).

5974. التاسع:

لو قال له: أنت حرّ و عليك كذا، لم يجز عن الكفّارة، لاشتماله على العوض، فلم تتمحض القربة، و كذا لا يجزئ لو قيل له: أعتق عبدك عن كفّارتك و عليّ كذا، فأعتقه على ذلك، و في وقوع العتق حينئذ إشكال، فإن قلنا بوقوعه، وجب له العوض على الجاعل فإن ردّ المالك العوض لم يجزئ عن الكفّارة، و هل يقع العتق عن باذل العوض؟ الأقرب أنّه يقع عن المالك.

و لا فرق بين تقدّم ذكر العوض و تأخّره، مثل [أن يقول:] أعتقت عبدي على أنّ عليك كذا عن كفّارتي، أو أعتقت عبدي عن كفّارتي على أنّ عليك كذا، و لا فرق بين أن يقول عقيب الاستدعاء: أعتقته عن كفّارتي على أن عليك كذا، أو أعتقته عن كفّارتي، لابتناء الجواب على الاستدعاء.

فإن قال: رددت عليك العوض ليجزئ عن كفّارته لم يجزئه.

و لو قصد العتق مجرّدا عن العوض صحّ.

و لو قال: أعتق مستولدتك على ألف، فأعتق صحّ، و استحقّ العوض، و لا يجزئ عن الكفّارة.

ص: 379


1- . حكاه عنه المحقّق في الشرائع: 74/3 عن المبسوط، و لم نعثر عليه، و لاحظ المسالك: 10 / 74، و الجواهر: 243/33، و القول الآخر عدم الإجزاء، و هو خيرته في المبسوط: 162/5، و الخلاف: 547/4، المسألة 35 من كتاب الظهار.
5975. العاشر:

لو أعتق عنه غيره بمسألته، صحّ و أجزأ عن الكفّارة، سواء شرط عليه عوضا أو لم يشرط،(1) و مع شرط العوض يلزمه العوض عن العتق عنه(2) و لو لم يشترط أو شرط عدمه لم يلزمه.

و لو أعتق عنه متبرّعا، صحّ عن المعتق لا عن المعتق عنه لفقد النيّة.

و لو اعتق عن ميّت فإن كان وصيّا فيه صحّ، و كذا إن كان وارثا، سواء أعتق من مال الميّت أو من ماله عنه، و إن كان أجنبيّا لم يجزئ على إشكال.

و لا فرق بين الكفّارة المخيّرة و المرتّبة في ذلك.

و لو قال: أعتق مستولدتك عنّي على ألف، فأعتق، فالأقرب الإجزاء، لأنّ ذلك ليس بيعا.

و لو قال: إذا جاء الغد فأعتق عبدك عنّي بألف، و أعتق في الغد صحّ، و استحقّ.

و لو قال عبدي عنك(3) حرّ بألف إذا جاء الغد، فقال: قبلت لم يصحّ.

و لو قال له: أعتقه عنّي على خمر أو خنزير فأعتق، ففي نفوذ العتق إشكال، فإن قلنا بوقوعه، ففي نفوذه عن الآمر نظر، و مع النفوذ هل يستحقّ المالك عوض الخمر قيمته عند مستحلّيه أو قيمة العبد، لفساد العوض، أو لا يستحقّ شيئا؟ إشكال.

5976. الحادي عشر:

إذا أعتق عنه بمسألته، قيل: يملكه الآمر بشروع المالك

ص: 380


1- . في «أ»: أو لم يشترط.
2- . في «ب»: مع العوض عنه.
3- . في «أ»: عبدي عندك.

في الإعتاق، و قيل: يظهر مع الإعتاق أنّه ملك بالسؤال، و الأقرب أنّه يملكه بعد الإعتاق ثمّ ينعتق عنه، كما لو اشترى أباه، فإنّه يملكه بالشراء ثمّ ينعتق في ثاني الحال(1).

و كذا لو أباحه في أكل طعام قيل: يملكه المتناول بأخذه، فيجوز له أن يلقم غيره، و قيل: يملكه بوضعه في فيه، و قيل: يملكه بالابتلاع، و قوّى الشيخ الأوّل(2) و الوجه أنّه أذن في الإتلاف لا تمليك.

5977. الثاني عشر:

لو اشتراه بشرط العتق، فأعتقه عن الكفّارة صحّ و أجزأ عنه، لعدم تحقّق أخذ العوض هنا، قال الشيخ: لا يجزئ لأنّا إمّا أن نجبره على العتق، فلا إجزاء، لوجوبه عن غير الكفّارة، و إمّا أن يجعل للبائع الخيار، فيكون عتقه مستحقّا بسبب متقدّم(3).

و لو اشترى عبدا ينوي إعتاقه عن كفّارته، فوجد به عيبا لا يمنع من الإجزاء في الكفّارة، فأخذ أرشه و أعتقه عن الكفّارة، أجزأه و كان الأرش له.

و لو أعتقه قبل العلم بالعيب ثمّ ظهر عليه، فله أخذ الأرش أيضا، و لا يصرف الأرش في الرقاب.

النظر الثاني: الصوم

و يجب مع العجز عن العتق في الظهار و قتل الخطاء صوم شهرين متتابعين على الحرّ، و على العبد صوم شهر واحد.

و معنى التتابع: أن يوالي بين صوم أيّامهما، فلا يفطر فيهما، و لا يصوم

ص: 381


1- . لاحظ في تفصيل الأقوال المسالك: 58/10-60.
2- . المبسوط: 165/5.
3- . المبسوط: 213/6.

عن غير الكفّارة، فإن أفطر في الشهر الأوّل لعذر بنى عند زوال العذر، سواء كان العذر حيضا، أو مرضا، أو سفرا مضطرّا إليه، أو إغماء، أو جنونا.

و خوف الحامل و المرضع على أنفسهما عذر و كذا خوفهما على الولد، خلافا للشيخ في أحد قوليه(1).

و لو أكره بأن وجر الماء في حلقه، كان عذرا، و لو ضرب حتّى أكل فكذلك، خلافا للشيخ في بعض أقواله(2).

و هل تجب المبادرة إلى الإتمام بعد زوال العذر؟ فيه نظر.

و إن كان لغير عذر استأنف، فلو تمكّن من العتق قبل الشروع في الاستئناف تعيّن العتق، و كذا لو أفطر بعد الأوّل و لم يصم من الثاني شيئا.

و لو صام الأوّل و من الثاني و لو يوما واحدا، ثمّ أفطر جاز البناء، سواء

ص: 382


1- . قال الشيخ في المبسوط: 172/5: أمّا الحامل و المرضع إذا أفطرتا، فإن أفطرتا خوفا على أنفسهما فحكمهما حكم المريض بلا خلاف، و إن أفطرتا خوفا على الولد، منهم من قال: هو مثل المريض، و منهم من قال: يقطع التتابع على كلّ حال، و هو الّذي يقوى في نفسي. و قال في الخلاف: 555/4، المسألة 50 من كتاب الظهار: الحامل و المرضع إذا أفطرتا في الشهر الأوّل، فحكمهما حكم المريض بلا خلاف، و إن أفطرتا خوفا على ولديهما، لم يقطع التتابع عندنا، و جاز البناء.
2- . قال في المبسوط: 172/5: و أمّا العذر من قبل غيره، فهو أن يكرهه الغير على الفطر، فإنّه ينظر فيه، فإن صبّ الماء في حلقه و أوجر الطعام بغير اختياره، لم يفطر بلا خلاف، و إن ضرب حتّى أكل أو شرب، قال قوم: يفطر، و قال آخرون: لا يفطر، و الأوّل أقوى. و قال في الخلاف: 555/4، المسألة 51 من كتاب الظهار: إذا أدخل الطعام أو الشراب في حلقه بالإكراه لم يفطر بلا خلاف، و إن ضرب حتّى أكل أو شرب فعندنا لا يفطر، و لا يقطع التتابع.

كان لعذر أولا إجماعا منّا، و هل يأثم لو كان إفطاره لغير عذر؟ قولان.

و لو عرض في الشهر الأوّل ما لا يصحّ صومه عن الكفّارة، كرمضان أو عيد الأضحى، أو أيّام التشريق بمنى، بطل التتابع، و وجب الاستئناف بعد انقضاء هذه الأيّام، هذا مع العمد.

أمّا المحبوس بحيث لا يعلم الشهور، لو توخّى شهرين فعرض في أثناء الأوّل مثل هذه الأيّام، فالأقرب عدم انقطاع التتابع.

و لو نوى في الشهر الأوّل الصوم عن غير الكفّارة، وقع عمّا نواه، و لم يحصل بالتتابع.

و لو صام شعبان و رمضان عن الكفّارة لم يجزئه شعبان إلاّ أن يسبق منه و لو يوما في رجب ليزيد على الشهر، و لا رمضان عن الكفّارة و يجزئه عن رمضان، و لا يجب عليه أن ينوي التتابع، بل الواجب فعله.

و إذا صام من أوّل الشهر اعتبر بالهلالين، تامّين كانا أو ناقصين، و لو ابتدأ بالصوم بعد مضيّ بعض الشهر، سقط اعتبار الهلال فيه، و صام تمام الشهر، فإذا أهلّ الثاني و صامه أجمع، احتسب له عن شهر و إن كان ناقصا، ثمّ يصوم ما فات من أيّام الأوّل، و يكمله ثلاثين و إن كان ناقصا و قيل: يتمّ ما فات من الأوّل.

و لا بدّ فيه من نيّة الكفّارة منضمّة إلى نيّة الصوم، و لا يجب تعيين جهة الكفّارة.

و لا ينقطع التتابع بوطء المظاهر ليلا، لكن يعصي.

و لو وطئ بعد عتق النصف من المشترك لم يجزئه لو أعتق الباقي.

ص: 383

و الأقرب أنّ نسيان النيّة لا يقطع التتابع.

و بصوم(1) خمسة عشر يوما، للعبد يحصل تتابع الشهر، و كذا لو كان الشهر على حرّ؛ قاله الشيخ.(2) قال: و لو كان التتابع في ثلاثة فصام يومين بنى.(3)

النظر الثالث: الإطعام

إذا عجز من وجب عليه المرتّبة عن الصيام، وجب عليه الإطعام، ففي الظهار، و قتل الخطأ، و العمد إطعام ستّين مسكينا، كلّ مسكين مدّ من طعام على أقوى القولين(4) و كذا يجب إطعام الستّين في كفّارة إفطار رمضان أو النذر المعيّن.

و يجب في كفّارة اليمين إطعام عشرة مساكين لكلّ مسكين مدّ.

و يجوز إخراج الخبز و الدقيق و السويق و الحبّ لا السنبل، من كلّ ما يسمّى طعاما في جميع الكفّارات، إلاّ كفّارة اليمين، فإنّ الواجب فيها الإطعام من أوسط ما يطعم أهله، و لو أطعم ممّا يغلب على قوت البلد جاز.

و يستحبّ ضمّ الإدام إليه، و ليس واجبا، و أعلاه اللحم، و أوسطه الخلّ، و أدونه الملح.

و يجب صرف الكفّارة إلى العدد أجمع مع المكنة، فلو دفعها ستّين يوما

ص: 384


1- . في «ب»: يصوم.
2- . المبسوط: 214/6.
3- . المبسوط: 214/6.
4- . و القول الآخر مدّان لكلّ مسكين ذهب إليه الشيخ في كتبه الثلاثة الفروعيّة: النهاية: 569؛ المبسوط: 177/5؛ الخلاف: 560/4، المسألة 62 من كتاب الظهار.

إلى مسكين واحد لم يجز، و لا يجوز التكرار على ما دون العدد مع التمكّن من الكفّارة الواحدة، فإن لم يحصل العدد جاز أن يكرّر عليهم حتّى يستوفي الواجب.

و لا يجوز دفعها إليه في يوم واحد، بل يطعم إطعام عشرة مساكين في عشرة أيّام، و إطعام ستّين في ستّين يوما.

و لو وجد بعض العدد لم يجز له الاقتصار على أقلّ منه، فلو وجد خمسة أطعمهم يومين، و لو وجد أربعة فكذلك، و خصص بالمدّين في الثالث أي اثنين شاء، و الوجه أنّه ليس له دفعها إلى الأربعة، كما ليس له إطعام ما زاد على العدد من المقدار العدد(1) و لا يجب الجمع بل يجوز إعطاء العدد مجتمعين و متفرّقين.

و المدّ رطلان و ربع بالعراقي، فإن دفع مدّ الحبّ أجزأ، و الوجه الإجزاء لو طحنه و خبزه و إن نقص وزنه، و في إجزاء المدّ من الدقيق كيلا نظر ينشأ من انتشار أجزائه في المكيل بخلاف الحبّ.

و يجوز إطعامهم و التسليم إليهم، و أن يكون بعضهم صغارا، و لا يجوز أن يكونوا أجمع كذلك، و لو كانوا كذلك احتسب الاثنان بواحد.

و لا يجوز صرفها إلى غير المؤمنين و أولادهم، قال الشيخ: فإن لم يجد أحدا من المؤمنين أصلا و لا من أولادهم، أطعم المستضعفين ممّن خالفهم(2)

ص: 385


1- . في «ب»: من امداد العدد.
2- . النهاية: 570 - باب الكفّارات -.

و منع ابن ادريس ذلك(1) و قد وقع الاتفاق على منع الكافر و الناصب.

و الأقرب جواز إطعام المؤمن الفاسق، و لو دفعها إلى من يظنّه فقيرا، فبان غنيّا، فإن أمكن الارتجاع وجب و إلاّ أجزأه، و كذا لو بان كافرا أو عبدا، و لا فرق بين أن يكون الدافع الإمام أو غيره.

و يجوز أن يطعم واحدا في يوم واحد من كفّارتين.

و لا يجوز للمظاهر المسيس قبل التكفير، سواء في ذلك العتق و الصّيام و الإطعام، و لو وطئ في حال الإطعام لم يلزمه الاستئناف، و لا يعدل في المرتّبة إلى الإطعام إلاّ بعد العجز عن الصوم.

و الشبق(2) عذر إذا حصل منه المشقّة بالترك.

النظر الرابع: في الكسوة

و لا تجب في غير كفّارة اليمين، و يتخيّر الحانث بينها و بين العتق و الإطعام، و تجب كسوة العدد، و هو عشرة نفر لكلّ واحد ما يسمّى ثوبا إزارا أو سراويل أو قميصا، و لو تعذّر العدد كرّر عليهم كالإطعام، و الأقرب أنّه يكفي ما يواري الرضيع إن أخذ الوليّ له، و إن أخذ لنفسه، فالأقرب عدم الإجزاء.

ص: 386


1- . السرائر: 74/3. قال في المسالك: 99/10: «للأصحاب في اشتراط الإيمان في المستحقّ للكفّارة أقوال» ثمّ أنهاها إلى خمسة مع التصريح بأسماء قائليها فلاحظ.
2- . قال الطريحي في مجمع البحرين: الشّبق - بالتحريك - شدّة الميل إلى الجماع، يقال: شبق الرجل شبقا من باب تعب، فهو شبق: هاجت به شهوة الجماع.

و لا يشترط المخيط و لا الجديد بل يجزئ المستعمل إلاّ إذا تخرّق بالاستعمال، أو قارب الانمحاق.

و يجزئ الثوب من الصوف و الكتّان و الإبريسم، و لا يجزئ الشّمشك(1)و لا القلنسوة و لا الخفّ و لا النعل و لا المنطقة، و في الدرع إشكال.

النظر الخامس: في الاستغفار

و من عجز عن الكفّارة و أبعاضها كان فرضه الاستغفار، و يسقط عنه مع الإتيان به و ان تجدّدت له القدرة.

و كلّ من وجب عليه صوم شهرين متتابعين فعجز، صام ثمانية عشر يوما، فإن عجز تصدّق عن كلّ يوم بمدّ من طعام، فإن عجز استغفر اللّه تعالى، و لا شيء عليه.

و هل يدخل في ذلك ذو الكفّارات المرتّبة؟ الأقرب ذلك، لكن لا ينتقل إلى صوم ثمانية عشر يوما إلاّ بعد العجز عن الإطعام.

و في رواية لا شيء في اللطم على الخدود سوى الاستغفار و التوبة(2)و هو يؤذن بالوجوب.

ص: 387


1- . الشّمشك بضمّ الشين الأوّل و كسر الميم أو ضمّها و سكون الشين الثاني، ذكره الشيخ في النهاية: 98 و الخلاف: 296/2 المسألة 76 من كتاب الحجّ، و قال ثاني الشهيدين في المسالك: 165/1 في شرح كلام المحقّق: انّه نعل مخصوص. و فسّره المحقق السيّد البروجردي قدس سرّه بأنّه معرّب «چمشك» أو «چمش» و هما على ما حكاه بعض نوع من الأحذية له رأس مانع عن وصول الأصابع إلى الأرض. لاحظ نهاية التقرير في مباحث الصلاة: 397/1، و قال الطريحي في مجمع البحرين: قيل انّها المشاية البغدادية و ليس فيه نصّ من أهل اللغة.
2- . الوسائل: 583/15، الباب 31 من أبواب الكفّارات، الحديث 1.

و روى عاصم بن حميد عن أبي بصير عن الصادق عليه السّلام قال: كل من عجز عن الكفّارة الّتي تجب عليه من عتق أو صوم أو صدقة في يمين أو نذر أو قتل أو غير ذلك ممّا يجب على صاحبه فيه الكفّارة فالاستغفار له كفّارة ما خلا يمين الظهار، فإنّه إذا لم يجد ما يكفّر به حرمت عليه أن يجامعها، و فرّق بينهما إلاّ أن ترضى المرأة أن يكون معها و لا يجامعها(1).

و عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن بعض أصحابنا، عن الطيالسي، عن أحمد بن محمّد عن داود بن فرقد عن الصادق عليه السّلام في كفّارة الطمث أنّه يتصدّق إذا كان في أوّله بدينار، و في وسطه نصف دينار، و في آخره ربع دينار، قلت: فإن لم يكن عنده ما يكفّر به؟ قال: فليتصدّق على مسكين واحد، و إلاّ استغفر اللّه و لا يعود، فإنّ الاستغفار توبة و كفّارة لكلّ من لم يجد السّبيل إلى شيء من الكفّارة(2).

و هذا عامّ في المظاهر و غيره.

و روى محمد بن يعقوب عن [علي بن إبراهيم] عن أبيه، عن صفوان بن يحيى عن إسحاق بن عمّار عن الصادق عليه السّلام: انّ الظهار إذا عجز صاحبه عن الكفّارة فليستغفر ربّه و لينو أن لا يعود قبل أن يواقع ثمّ ليواقع، و قد أجزأ ذلك عنه من الكفّارة، فإذا وجد السّبيل إلى ما يكفّر به يوما من الأيّام فليكفّر، و إن تصدّق بكفّه و أطعم نفسه و عياله فإنّه يجزيه إذا كان محتاجا،

ص: 388


1- . الوسائل: 554/15، الباب 6 من أبواب الكفّارات، الحديث 1.
2- . الوسائل: 574/2، الباب 28 من أبواب الحيض، الحديث 1، و صدر الحديث نقله في الوسائل: 573/15، الباب 22 من أبواب الكفّارات، الحديث 1، و ذيله في الباب 6 من أبواب الكفّارات، الحديث 3.

و إلاّ يجد ذلك فليستغفر اللّه ربّه و ينوي أن لا يعود، فحسبه ذلك(1) - و اللّه - كفّارة.(2)

و هذا الحديث و ان كان جيّد السّند لكن فيه بحث ذكرناه في كتاب استقصاء الاعتبار(3).

و فيه دلالة على الاكتفاء في الاستغفار للمظاهر و حلّ الوطء له، و بعض علمائنا حرّم عليه الوطء(4) عملا بالحديث الأوّل،(5) و الأقرب عندي الجواز.

الفصل الثالث: في الأحكام
اشارة

و فيه أحد عشر بحثا:

5978. الأوّل:

من ملك رقبة أو ملك ثمنها و أمكنه الشراء، فهو واجد للعتق، لا ينتقل فرضه مع الترتيب، و لو ملك رقبة يفتقر إلى خدمتها لمرض أو منصبه الّذي لا يليق به مباشرة الأعمال، فله الصّوم، و كذا لو وجد الثمن و لم يتمكّن من الشراء، أو اضطرّ إليه(6) لنفقته و كسوته.

ص: 389


1- . في النسختين: بذلك.
2- . الوسائل: 555/15، الباب 6 من أبواب الكفّارات، الحديث 4.
3- . هذا الكتاب من تاليفاته الثمينة القيّمة، قال المصنف في الخلاصة: «إنّه كتاب لم يعمل مثله» و قال في الذريعة: 30/2: ذكر فيه المصنّف كلّ خبر وصل إليه، و بحث في أحوال سنده صحة و غيرها و دلالة متنه ظهورا و إجمالا مع بيان ما فيه من المباحث الأدبيّة و المسائل الأصولية و ما يستنبط منه من الأحكام الشرعية. و قال المصنّف في المختلف: 65/1 في مسألة سؤر ما لا يؤكل لحمه بعد كلام أنيق مشبع طويل «هذا خلاصة ما أوردناه في كتاب استقصاء الاعتبار في تحقيق معاني الأخبار».
4- . و هو خيرة الشيخ في النهاية: 525، و المبسوط: 155/5، و المفيد في المقنعة: 524.
5- . و هو رواية عاصم بن حميد عن أبي بصير عن الصادق عليه السّلام. تقدّم آنفا.
6- . في «أ»: «لو اضطرّ».

و لا يباع دار سكناه و لا ثياب الجسد، و لو كان في المسكن زيادة عن قدر الحاجة بيع الزائد، و لو كان العبد نفيسا، أو الدار كذلك، و أمكن الاستبدال بالأدون فيهما، فالوجه عدم الوجوب.

أمّا لو كان له رأس مال(1) أو ضيعة إذا بيعا التحق بالمساكين الّذين يأخذون الصدقة، فالوجه وجوب بيعهما، و قيل: حدّ العجز عن الإطعام أن لا يكون معه ما يفضل عن قوته و عن قوت عياله ليوم و ليلة.(2)

5979. الثاني:

لو كان له مال غائب لم يجز له العدول إلى الصوم في المرتّبة، بل يجب الصبر حتّى يصل أو يتحقّق اليأس من وصوله، فيجوز له الانتقال.

و لو كان الصبر يتضمّن مشقّة كما في الظهار، ففي وجوب التأخير إشكال.

5980. الثالث:

الاعتبار في المرتّبة بحال الأداء لا حال الوجوب، فلو وجد العتق حال الوجوب ثمّ أعسر قبل الإخراج انتقل إلى الصوم، و لم يستقر العتق في ذمّته، و لا يعدّ عاصيا، لعدم الفوريّة.

و لو كان عاجزا عن العتق فشرع في الصوم، لم يجب العدول عنه إلى العتق.

و لو صام يوما واحدا، لكن يستحبّ العدول، و كذا البحث لو عجز عن الصوم فشرع في الإطعام ثمّ أمكن الصوم.

5981. الرابع:

لو ملك الكفّارة و عليه دين مثلها و هو مطالب به، فهو عاجز، و لو لم يكن مطالبا به، فالوجه أنّه كذلك، و كذا لو ملك دابّة يضطرّ إلى ركوبها.

و لو تكلّف المعسر العتق أجزأه.

ص: 390


1- . في «أ»: رأس المال.
2- . هو خيرة الخرقي في متن المغني و ابن قدامة. لاحظ المغني لابن قدامة: 277/11.
5982. الخامس:

لا تدفع الكفّارة إلى الطفل بل إلى وليّه، و لا تدفع إلى من تجب نفقته على الدافع، كالأبوين و إن علوا و الأولاد و إن نزلوا، أو الزوجة و المملوكة، و لو قيل: يجوز دفعها إليهم إذا كان الدافع فقيرا كان وجها.

و يجوز دفعها إلى غير هؤلاء من الأقارب، و للزوجة الدفع إلى زوجها.

و بالجملة كلّ من يمنع الزكاة من الأقارب و الأغنياء و الكفّار و الرّقيق يمنع من الكفّارة، و الأقرب منع بني هاشم منها.

و لو دفع إلى من ظاهره الفقر فبان غنيّا أجزأه، و منع الشيخ رحمه اللّه من إعطاء المكاتب(1) و الأقرب تسويغه كما يجوز صرف الزكاة إليه، قال: و لو عتق بعضه و هو فقير جاز إعطاؤه(2) قال: و الغازي و الغارم و ابن السبيل الّذين يأخذون الزكاة مع الغنى يمنعون من الكفّارة(3).

5983. السادس:

لا يجوز إخراج القيمة في الكفّارة و إن دفع أضعافها، و لا تلفيقها بأن يعتق نصف عبد و يصوم شهرا، أو يتصدّق على ثلاثين مسكينا أو يطعم خمسة، و يكسو خمسة، سواء كانت الكفّارة مخيرة أو مرتّبة، و سواء في ذلك العتق و غيره.

و كذا لا يجوز إطعام المسكين بعض الطعام و كسوته بعض الكسوة إجماعا.

و لو أطعم بعض المساكين برّا و بعضهم تمرا، فالوجه عندي الإجزاء، و كذا لو كسى بعضهم كتانا، و بعضهم صوفا أو شعرا.

ص: 391


1- . المبسوط: 178/5، الخلاف: 560/4، المسألة 60 من كتاب الظهار.
2- . المبسوط: 178/5.
3- . المبسوط: 208/6.

و لا يجزئ إخراج المعيب، فلو كان الحبّ مسوّسا(1) أو متغيّر الطعم أو فيه تراب خارج عن العادة، أو زوان(2) لم يجز، و يجيء على القول بالمنع عن القيمة عدم إجزاء دفع المعيب مع الأرش.

5984. السابع:

كلّ من وجب عليه صوم شهرين متتابعين فعجز، صام ثمانية عشر يوما، فإن لم يقدر تصدّق عن كلّ يوم بمدّ من طعام، فإن عجز استغفر اللّه سبحانه و لا شيء عليه.

و لو قدر على صوم شهر، فالوجه وجوبه، و لو قدر على صومها متفرّقا، فالوجه وجوب الشهرين، و إن عجز، فالوجه التتابع في الثمانية عشر.

5985. الثامن:

يشترط في التكفير النّيّة، فلو أعتق أو أطعم أو صام أو كسا من غير نيّة لم يكن مجزئا.

و يشترط نيّة القربة، فلا يصحّ عتق الكافر أصليّا كان أو مرتدّا، حربيّا أو ذمّيّا، و كذا إطعامه و صومه.

و يشترط نيّة التكفير، فلو نوى العتق متقرّبا إلى اللّه تعالى و لم ينو عن الكفّارة لم يجزئه.

و هل يشترط تعيين الكفارة؟ الأقرب العدم إن لم تتعدّد أو تعدّدت من

ص: 392


1- . قال الطريحي في مجمع البحرين: السّوسة و السوس: دود يقع في الصوف و الطعام، و منه قولهم: حنطة مسوّسة.
2- . قال الفيومي في المصباح المنير: 316/1: الزوان: حبّ يخالط البرّ فيكسبه الرداءة، و فيه لغات: ضمّ الزاء مع الهمز و تركه، فيكون وزان «غراب» و كسر الزاء مع الواو الواحدة «زوانة» و أهل الشام يسمّونه «الشيلم».

جنس واحد كظهارين، و الاشتراط إن اختلف السّبب كظهار و قتل، خلافا للشيخ في بعض أقواله(1) فلو كان عليه ظهاران فأعتق عن أحدهما و لم يعيّن، ثمّ أعتق عن الآخر كذلك أجزأه، أمّا لو كان عليه ظهار و قتل فأعتق عن أحدهما و لم يعيّن، ثمّ أعتق عن الآخر من غير تعيين أجزأه عند الشيخ، و كذلك لو أعتق و نوى الكفّارة مطلقا، ثمّ عجز فصام شهرين متتابعين بنيّة الكفّارة من غير تعيين، و كذا لو أعتق عبديه و نوى إعتاق نصف كلّ منهما عن كفّارة صحّ، لسراية العتق في الجميع عند عتق النصف، و كذا لو أعتق نصف عبده عن كفّارة معيّنة.

و لو كان عليه كفّارة و جهل سببها من ظهار أو قتل، فأعتق و نوى التكفير صحّ، و لو شكّ بين النذر و الظهار فأعتق و نوى التكفير لم يجزئه، و لو نوى إبراء ذمّته أجزأه، و لو نوى العتق مطلقا لم يجزئه، لأنّ احتمال إرادة التطوّع أظهر عند الإطلاق، و كذا لو نوى الوجوب مطلقا، و قوّى الشيخ هنا الإجزاء(2).

و لو كان عليه كفّارتان فأعتق عبديه و نوى عتق كل منهما عنهما معا لم يجزئه، كما لو أعتق في الواحدة نصفي عبدين.

و لو أعتق أحدهما عن إحداهما لا بعينهما ثمّ أعتق الآخر عن معيّنة تعيّن الأوّل في الأخرى، و لو أعتق الأوّل عن معيّنة و أطلق الثاني، وقع عن الأخرى، و لو أطلق الأوّل ثم عيّنه تعيّن، و لو أراد بعد ذلك جعله عن الأخرى لم يصحّ، و كذا لو عيّنه وقت العتق، ثمّ أراد نقله إلى الأخرى.

ص: 393


1- . قال الشيخ في المبسوط: 209/6: - بعد التصريح بعدم لزوم التعيين إن كانت الكفّارات من جنس واحد - ما هذا نصّه: «و أمّا إن كانت أجناسا مثل أن حنث و قتل و ظاهر عن زوجته، و وطأ في رمضان، فالحكم فيها كلها كما لو كان الجنس واحدا، و أنّه لا يفتقر إلى تعيين النيّة».
2- . المبسوط: 167/5.

و وقت النّية وقت التكفير، فلا تصحّ قبله، و لو أعتق و نوى سببا و أخطأ فيه، لكون السّبب غيره، لم يجزئه(1).

5986. التاسع:

العبد لا يملك شيئا و إن ملكه مولاه على الأقوى، فهو عاجز ففرضه في الكفّارات مخيّرها و مرتّبها الصوم، فإن كفّر بغيره من دون إذن المولى لم يجزئه، و لو أذن له المولى فالأقوى الجواز، و كذا يجزئه لو أعتق عنه مولاه.

و لا تنعقد يمينه إلاّ بإذن مولاه، فإن حلف من دون إذن لم تلزمه الكفّارة و إن حنث بإذن مولاه، خلافا للشيخ رحمه اللّه(2).

و لو أعتق قبل الحنث، ففي لزوم حكم اليمين إشكال، و في انعقاد يمينه فيما لا يبطل حقّ السيّد نظر، فإن قلنا بالانعقاد و أذن له السيّد في الحنث جاز له الصوم من دون إذنه، و إن حنث من دون إذنه لم يكن له الصوم إلاّ بإذنه.

و لو حلف بإذن السيّد انعقدت يمينه، فإن حنث بإذنه كفّر بالصوم و لم يكن للمولى منعه، و إن حنث من غير إذنه قيل: كان له منعه من الصوم و إن لم يكن مضرّا(3) و فيه نظر.

و لو حلف بإذن مولاه و أعتق و أيسر قبل الشروع في الصوم، وجب عليه العتق، و لو حنث قبل الإعتاق ثمّ أعتق قبل الشروع في الصوم، اعتبر بحال الأداء، فإن كان موسرا، وجب العتق، و يلتحق من المعتق نصفه بالأحرار، فإن كان موسرا بما فيه من الحرّية وجب عليه العتق أو الإطعام أو الكسوة، و إلاّ كان عليه الصيام.

ص: 394


1- . في «أ»: لم يجزه.
2- . المبسوط: 217/6.
3- . نقله الشيخ في المبسوط عن بعض العامّة. لاحظ المبسوط: 217/6-218.
5987. العاشر:

من مات و عليه كفّارة واجبة مرتّبة، أخرجت أقلّ قيمة رقبة مجزئة من أصل المال.

و لو أوصى بما يزيد عن ذلك، و لم تجز الورثة، أخرج الزائد من الثلث بعد إخراج المجزئ من الأصل.

و إن كانت مخيّرة أخرج أقلّ الخصال قيمة من الأصل.

و إن أوصى بالأزيد و لم تجز الورثة، أخرج الزائد من الثلث، فإن قامت(1)الخصلة الدنيا و ما حصل من الوصيّة، بالعليا أخرجت،(2) و إلاّ بطلت الوصيّة بالزائد و أخرجت الدنيا من الأصل.

5988. الحادي عشر:

قد بيّنا وجوب نيّة القربة في التكفير، و إنّما يتحقّق ذلك من إباحة السّبب، فلا يجزئ لو كان السّبب محرّما، بأن نكل بعبده مثل أن يقلع عينيه، أو يقطع رجليه، و ينوي به التكفير، فإنّه ينعتق و لا يجزئ عن الكفّارة.

ص: 395


1- . في «أ»: فإن اقامت.
2- . لخصّ المصنّف عبارة الشيخ في المبسوط و إليك نصّه: «و إن كانت الكفّارة على التخيير مثل كفّارة الأيمان و غيرها نظرت فإن مات من غير وصية فالواجب الإطعام، لأنّه أقلّ ما يكفّر به عن نفسه حال حياته، فإن أطعموا أو كسوا جاز. و أما إن مات عن وصية فلا فصل بين أن يقول: اعتقوا من صلب مالي أو من الثلث أو يطلق، فإنّها من الثلث، لأنّ الواجب الإطعام، فإذا عدل إلى غيره علم أنّه أراد أن يكون من الثلث، فإن خرجت من الثلث أعتق عنه، و إن كان الثلث لا يفي أفرد من التركة قدر الطعام و أخرج ثلث ما بقي، و ضمّ الثلث إلى قيمة الإطعام، و نظرت فإن لم يف برقبة تجزئ عنه سقطت و أطعم عنه، و إن كان يفي برقبة تجزئ عنه، قال قوم: تعتق عنه الرقبة، و قال بعضهم: الوصية تسقط و يطعم عنه، و الأوّل أصحّ عندي» المبسوط: 216/6. و على هذا فقول المصنّف: «بالعليا» متعلّق بقوله: «قامت»، و الضمير في «أخرجت» يرجع إلى «العليا».

ص: 396

كتاب الإقرار

اشارة

ص: 397

ص: 398

و فيه مطالب

المطلب الأوّل: في الإقرار بالمال

اشارة

و فيه مقاصد

المقصد الأوّل: في المقرّ

يعتبر فيه البلوغ و العقل و الحريّة و الاختيار و القصد و جواز التصرّف، فلا اعتبار بإقرار الصبيّ و إن أذن وليّه، و إن كان مميّزا.

و لو أقرّ المراهق فادّعى المقرّ له البلوغ و أنكر، فالقول قوله، و لا يمين إلاّ أن يختلفا بعد البلوغ، فيحلف أنّه حين أقرّ لم يكن بالغا.

و من سوّغ من علمائنا وصيّته و صدقته سوّغ إقراره بها.

و لو ادّعى البلوغ بالاحتلام في وقت إمكانه، صدّق من غير بيّنة و لا يمين، و إلاّ لزم الدور.

و لو ادّعاه بالسنّ كلّف البيّنة.

ص: 399

و المجنون مسلوب القول مطلقا.

و المملوك لا ينفذ إقراره في حقّ مولاه، فلو أقرّ بمال تبع به بعد العتق، و لا يطالب به ما دام مملوكا، نعم لو كان مأذونا له(1) في التجارة، فإن أقرّ بما يتعلّق بها قبل و يؤخذ ما أقرّ به ممّا في يده، و لو كان أكثر، لم يضمنه المولى بل يتبع به بعد العتق، و كذا لو أقرّ بعد الحجر بدين أسنده إلى حالة الإذن.

و لا ينفذ إقرار المولى عليه بالمال، و لو أقرّ عليه بجناية توجب مالا قبل، و لو أوجبت قصاصا لم يجب، نعم يقضى بالمال فيباع أو يفديه أو يستعبده المجنيّ عليه.

و لو أقرّ برقبته لغير مولاه، لم يقبل. و كذا لو أقرّ به مولاه لرجل و أقرّ هو برقبته لآخر.

و لو أقرّ بجناية توجب أرشا أو قصاصا تبع به بعد العتق أيضا. و لا يقبل إقراره بالحدّ و لا ينفذ إقرار المكره بمال و لا حدّ أكره على الإقرار بهما.

و كذا غير القاصد كالساهي و النائم و السكران، و لا يمضى إقرار المحجور عليه له لسفه بالمال، و يقبل بما عداه كالخلع و الطلاق و الحدّ و موجب القصاص.

و لو أقرّ بالسرقة قبل في الحدّ لا المال، و لو زال الحجر، لم يحكم بما أقرّ به حال السفه.

و يقبل إقرار المريض بالمال مع التهمة من الثلث للأجنبي و الوارث، و من الأصل لهما مع انتفائها على الأقوى.

ص: 400


1- . في «أ»: مأذونا.

و أمّا المفلّس فإنّه يمضى إقراره، و في مشاركة المقرّ له الغرماء نظر.

و لا تعتبر عدالة المقرّ، فلو أقرّ الفاسق، حكم عليه بمقتضى إقراره.

و كلّ من لا يتمكّن من الإنشاء لا ينفذ إقراره.

و لو أقرّ المريض بأنّه وهب حالة الصحّة، لم ينفذ من الأصل.

و لو أقرّ بدين مستغرق و مات و أقرّ(1) وارثه بدين مستغرق، فإن جوّزنا الإقرار من الأصل أو لم يكن متّهما، قدّم إقرار الموروث، لوقوع إقرار الوارث بعد الحجر.

و لو كان متّهما، فالوجه نفوذ إقراره في الثلث، و إقرار الوارث في الباقي.

و لو أقرّ بعين ماله لشخص، ثمّ أقرّ بدين مستغرق، لم يكن للثاني شيء، و كذا لو أقرّ بالعين أخيرا، لم يكن للأوّل شيء.

و لو ادّعى المقرّ الإكراه، لم يقبل إلاّ ببيّنة، و لو كان هناك أمارة، كقيد أو حبس أو توكيل، ففي قبول قوله مع اليمين نظر.

و لو ادّعى الجنون حال الإقرار، افتقر الى البيّنة.

و المكاتب المشروط حكمه حكم القنّ، و كذا المطلق، إذا لم يتحرّر منه، و لو تحرّر منه شيء، قبل بإزاء ما تحرّر منه و كان الباقي موقوفا على العتق.

ص: 401


1- . في «ب»: فأقرّ.

ص: 402

المقصد الثاني: في المقرّ له

و يشترط فيه أمران: أهليّة التملّك و عدم التكذيب، فلو أقرّ للدابّة بطل، و لو قال: بسببها، صحّ للمالك، و حمل على الاستيجار، و لو فسّره بغير ذلك قبل، كما لو قصد أرش الجناية بالركوب، و عندي فيه نظر، و الأقرب بطلان الإقرار، لأنّه لم يذكر لمن هو.

و شرط صحّة الإقرار ذكر المقرّ له، نعم لو قال: بسببها لمالكها أو لزيد عليّ بسببها، صحّ.

و لو أقرّ لعبد، لزمه الحقّ لمولاه.

و لو أقرّ للحمل، صحّ أطلق السبب أو فصّله كالإرث أو الوصية.

و لو أسنده إلى سبب باطل، كالجناية عليه، لم يبطل الإقرار، و يملك الحمل ما أقرّ له إن خرج حيّا لدون ستّة أشهر من حين الإقرار، و إن سقط ميّتا، و كان المقرّ قد فسّره بالميراث، رجع إلى باقي الورثة، و إن فسر بالوصيّة. رجع إلى ورثة الموصي، و إن كان قد أطلق طولب بالتفسير، فإن تعذّر بموت أو غيره بطل، كمن أقرّ لرجل لا يعرف.

و إن ولدته بعد الإقرار بما يزيد عن أكثر مدّة الحمل بطل، و إن وضعته فيما بين الأكثر و الأقلّ، و لم يكن لها زوج و لا مالك، حكم له به.

ص: 403

و لو كان لها زوج أو مالك، لم يحكم له لإمكان تجدّده بعد الإقرار، و يمكن القول بالحكم بناء على العادة.

و لو تعدّد الحمل تساويا سواء كانا ذكرين أو ذكرا و أنثى إن أسنده إلى الوصيّة المطلقة، و إن أسنده إلى الميراث أو الوصيّة المفصّلة تفاوتا.

و لو سقط أحدهما ميّتا استحق الآخر جميع ما أقرّ به.

و لو قال: للمسجد أو لمقبرة المولّى عليّ كذا، قبل إن أضاف إلى من وقف عليه أو أطلق، و كذا إن أسنده إلى السبب الباطل على إشكال، و لو كذّب المقرّ له، لم يسلّم إليه، و يترك في يد المقرّ أو يحتفظه الحاكم.

و لو رجع المقرّ له عن الإنكار سلّم إليه، و لو رجع المقرّ في حال إنكار المقرّ له، فالوجه أنّه لا يقبل، لأنّه أثبت الحقّ لغيره، بخلاف المقرّ له، فإنّه اقتصر على الإنكار.

ص: 404

المقصد الثالث: في المقرّ به:
اشارة

و فيه ثلاثة عشر بحثا:

5989. الأوّل:

لا يشترط تعيين المقرّ به، بل يصحّ الإقرار بالمجهول، كما يصحّ بالمعلوم، و لا أن يكون ملكا للمقرّ بل لو كان ملكا له بطل إقراره، كما لو قال:

داري أو مالي لفلان.

و لو قال الشاهد: إنّه أقرّ له بدار و كانت ملكه إلى أن أقر، بطلت الشهادة.

و لو قال: هذه الدار لفلان، و كانت ملكي إلى وقت الإقرار، حكم عليه بأوّل إقراره، لكن يشترط كون المقرّ به تحت تصرّفه، فلو أقرّ بما في يد غيره، لم ينفذ.

و لو أقرّ بحرية عبد غيره، لم يقبل، فلو اشتراه، صحّ و عتق عليه، و كان فداء من جانبه و بيعا من جهة البائع، و لا يثبت هنا خيار الشرط و المجلس، كما لا يثبت في بيع العبد على من ينعتق عليه. و لا ولاء للمشتري عليه و لا للبائع.

فإن مات العبد و له كسب، فللمشتري أخذ قدر الثمن من تركته، لأنّه إن كذب فالتركة له، و إن صدق فللبائع من حيث الولاء، و قد استعاد ما ظلمه البائع به.

5990. الثاني:

إذا عيّن المقرّ به ألزم بما عيّنه، و إن أبهم فقال: له عليّ مال ألزم

ص: 405

التفسير بما يتموّل، و يقبل بما يفسّره و إن قلّ، و لو فسّر بما لا يملك عادة كالحبّة من الحنطة، و قشر الجوزة، و السرجين النجس، و كلب العقور، و ردّ السلام، لم يقبل و ألزم ببيان آخر.

و كذا لو فسّره بما لا يملك المسلم، كالخمر، و الخنزير، و جلد الميتة، و يقبل ذلك من الكافر لمثله.

و لو فسّره بكلب الصيد، أو الزرع، أو الماشية، أو الحائط قبل.

أمّا لو قال: له عليّ شيء و فسّره بجلد الميتة، أو السرجين النجس، أو الخمر، لم يقبل.

لعدم ثبوته في الذمّة، و كذا لو فسّر بحبّة الحنطة.

و لو فسّره بحدّ قذف أو حقّ شفعة قبل.

و لو قال: غصبتك أو غبنتك لم يلزمه شيء، لأنّه قد يغصبه نفسه و يغبنه في غير المال.

و لو قال: غصبتك شيئا و فسّره بنفسه، لم يقبل، لتغاير المفعول الأوّل و الثاني، و لو فسّره بمال قبل و إن قلّ.

و لو فسّره بكلب أو سرجين، احتمل القبول، و لو فسّره بما لا نفع فيه أو لا يباح الانتفاع به، لم يقبل.

5991. الثالث:

إذا عيّن الوزن، انصرف إلى ما عيّنه، و إن أطلق انصرف إلى ميزان البلد، و كذا الكيل و النقد، و لو تعدّد انصرف إلى الغالب.

و لو تساوى النقدان أو الوزنان في الاستعمال رجع إليه في التفسير.

ص: 406

و لو قال: له عليّ مال جليل، أو عظيم، أو نفيس، أو خطير، أو مال أي مال، أو عظيم جدّا، قبل تفسيره بالقليل.

و لو قال: مال كثير، قال الشيخ: يكون ثمانين.(1) و ليس بمعتمد بل يرجع إليه بالتفسير و إن قلّ.

و لو قال: غصبت شيئا لم يقبل تفسيره بالخمر و الخنزير و نفس المقرّ له على إشكال.

و لو قال: له عليّ أكثر ممّا لفلان ألزم بقدر ما لفلان و زيادة، و يرجع إليه في تعيين الزيادة.

و كذا يرجع إليه في ظنّه مقدار مال فلان، فلو قال: كنت أظنّه عشرة قبل و إن كان أزيد، و كذا لو قال: أكثر ممّا شهد به الشهود على فلان،(2) و لو قال: لم أراد الكثرة في المقدار بل أنّ الدّين أكثر بقاء من العين، و الحلال أكثر بقاء من الحرام، قبل و له التفسير بالأقل ممّا لفلان و ممّا يشهد به الشهود في المقدار.

5992. الرابع:

إذا امتنع من تفسير المبهم، حبس حتّى يبيّن، و لو مات فسّر الوارث. و لو قال: أنسيت احتمل الرجوع إلى المدّعي مع اليمين، و لو فسّر بدرهم، فقال المدعي: بل أردت عشرة، لم يقبل دعوى الإرادة بل عليه أن يدّعي نفس(3) العشرة، و القول قول المقرّ في عدم الإرادة و عدم اللزوم، و لو فسّر بالمستولدة، فالوجه القبول.

ص: 407


1- . المبسوط: 6/3؛ الخلاف: 359/3، المسألة 1 من كتاب الإقرار.
2- . في «أ»: أكثر ممّا يشهد به الشهود على فلان.
3- . في «أ» «تفسير» بدل «نفس».
5993. الخامس:

لو قال: له عليّ درهم من نقد الإسلام ألزم بدرهم فيه ستّة دوانيق، عشرة منه تساوي سبعة مثاقيل، و لو أطلق ألزم ما يتعامل به الناس، زاد أو نقص. و يقبل تفسيره لغيره.

و لو قال: له درهم درهم، لزمه واحد، و لو قال: له درهم و درهم أو فدرهم أو ثمّ درهم، لزمه درهمان، و لو قال، في «فدرهم:» أردت فدرهم لازم له لا يلزمه أكثر من واحد.

و لو قال: له درهم و درهمان لزمه ثلاثة.

و لو قال: له درهم و درهم و درهم، لزمه ثلاثة، فإن قال: أردت بالثالث تأكيد الثاني قبل منه، و لو قال: أردت تأكيد الأوّل، لم يقبل للفصل، و كذا لا يقبل التأكيد. و لو غاير في حروف العطف، مثل: له درهم فدرهم ثم درهم.

و لو قال: درهم مع درهم أو تحت درهم أو فوق درهم، لزمه واحد لاحتمال مع درهم لي.

و لو قال: درهم قبل درهم أو بعد درهم، احتمل الدرهم و الدرهمان، لأنّ التقدّم و التأخّر لا يحتمل إلاّ في الوجوب.

و لو قال: له درهم قبله درهم و بعده درهم، لزمه الثلاثة مع احتمال الواحد.(1)

5994. السادس:

لو قال: له درهم بل درهم لزمه واحد، و يحتمل إيجاب درهمين لتغاير ما بعد الإضراب و ما قبله، فيجبان، كما لو قال: بل دينار.

ص: 408


1- . في «أ»: مع احتمال للواحد.

و لو قال: له قفيز حنطة بل قفيز شعير، لزمه القفيزان.

و لو قال: درهم بل درهمان، لزمه درهمان لا غير، و كذا لو قال: قفيز شعير بل قفيزان.

أمّا لو قال: قفيز شعير بل قفيزان حنطة، لزمه ثلاثة، و الأصل أنّ الإضراب إن كان إلى ما يدخل فيه الأوّل لزمه الثاني، و إن كان إلى المخالف لزمه الأوّل و الثاني، فلو قال: له هذا الدرهم بل هذان لزمه الثلاثة، لأنّ الأوّل ليس بعض الثاني.

و لو قال: له درهمان بل درهم، لزمه الدرهمان بخلاف الاستثناء.

5995. السابع:

لو قال: له عليّ من واحد إلى عشرة، فإن قلنا بدخول الغاية في الغاية لزمته عشرة، و إلاّ تسعة، و يحتمل ثمانية(1)، و لو قال: أردت مجموع الأعداد، لزمته خمسة و خمسون، و اختصار حسابه أن يزيد الواحد على العشرة [فيصير أحد عشرة] ثمّ يضربها في نصف العشرة.

و لو قال: درهم في عشرة و لم يرد الضرب، لزمه واحد.

و لو قال: درهم ناقص و وصل، قبل، و يرجع إليه في قدر النقصان، و لو فصّل لم يقبل، و كذا لو كان التعامل بالناقص غالبا احتمل القبول، و كذا لو فسّر الدراهم بالمغشوشة، و لو فسّر بالفلس لم يقبل.

و لو قال: عليّ دريهمات أو دراهم صغار و فسّر بالناقص لم يقبل.

و لو قال: ما بين درهم و عشرة لزمه ثمانية.

ص: 409


1- . و ذلك لأنّ الأوّل و العاشر حدّان فلا يدخل في الإقرار.
5996. الثامن:

يحمل الجمع المنكّر و المعرّف على أقلّ مراتبه و هو الثلاثة، فلو قال: له عندي دراهم أو الدراهم لزمته ثلاثة، و لو قال: أردت بالجمع معنى الاجتماع، احتمل القبول.

و لو قال: له عليّ ثلاثة آلاف، و لم يعيّن طولب بتفسير الجنس، فإن فسّر بما يملك قبل، و لا فرق بين جمع القلّة و الكثرة في ذلك كلّه.

5997. التاسع:

لو قال: له عندي زيت في جرّة، أو سيف في غمد، أو غصبته ثوبا في منديل، أو حنطة في سفينة، لم يدخل الظرف في الإقرار(1) و لو قال: له عندي عبد عليه عمامة، كان إقرارا بالعمامة أيضا مع احتمال ضعيف، أمّا لو قال:

له عندي دابّة عليها سرج، لم يكن مقرّا بالسرج، لأنّ للعبد أهليّة اليد بخلاف الدّابّة.

و لو قال: له عندي جرة فيها زيت، أو غمد فيه سيف، فالوجه عدم دخول المظروف.

و لو قال: له دابّة بسرجها أو سفينة بطعامها، دخل الظرف و المظروف.(2)

و لو قال: له عندي خاتم، و جاء به و فيه فصّ، و قال: ما أردت الفصّ، ففي قبول قوله إشكال، و كذا الإشكال لو أقرّ بجارية، فجاء بها و هي حامل استثنى الحمل.

و لو قال: له ألف في هذا الكيس، و لم يكن فيه شيء، لزمه الألف، و لو

ص: 410


1- . لأنّه يمكن ان يكون الظرف للمقرّ.
2- . لأنّ الباء تعلّق الثاني بالأوّل.

كان الألف ناقصا، ففي لزومه الإتمام إشكال، و لو قال: الألف الّتي في الكيس، لم يلزمه الإتمام، فإن لم يكن فيه شيء، احتمل لزومه و عدمه.

و لو قال: له في هذا العبد ألف درهم، فإن فسّره بأرش الجناية قبل، و إن فسّر بكون العبد مرهونا بالألف، فالوجه القبول.

و لو قال: وزن في شراء عشرة ألفا و اشتريت جميع الباقي بألف قبل سواء وافق القيمة أو خالفها و لم يلزمه أكثر من عشر العبد(1).

و لو قال: نقد عنّي ألفا في ثمنه كان قرضا.

و لو قال: أوصي له بألف من ثمنه، بيع و صرف إليه من ثمنه ألف، و لو أراد أن يعطيه ألفا من ماله من غير ثمن العبد لم يلزمه القبول.

و إن قال جنى العبد بألف تعلّقت برقبته قبل.

و لو أنكر المقرّ له شيئا من تفسيره، كان القول قول المقرّ مع يمينه.

و لو قال: له في هذا المال ألف أو في ميراث أبي (أو من ميراث أبي)(2)ألف، قبل.

و لو قال: له في مالي، أو في ميراثي من أبي، أو من ميراثي من أبي، ألف، لم يلزمه، للتّناقض.

و لو قال في هذه المسائل: بحقّ واجب أو بسبب صحيح أو ما جرى مجراه، صحّ في الجميع.

ص: 411


1- . في «أ»: من عشرة العبد.
2- . ما بين القوسين يوجد في «ب».
5998. العاشر:

لو قال: له عشرة و درهم ألزم بدرهم، و رجع في تفسير العشرة إليه، و يقبل ما يفسّره و إن قل ممّا يتموّل من العشرات، و كذا عشرة و درهمان.

و لو قال: عشرة و ثلاثة دراهم، أو خمسة عشر درهما، أو مائة و خمسة عشر درهما، أو ألف و مائة و خمسة و عشرون درهما، أو خمسون و ألف درهم، أو خمسون و مائة درهم، فالجميع دراهم.

و لو قال: أردت بالألف و ما بعدها غير الدراهم و ميّزت بالدرهم العدد الأخير، فالوجه قبول قوله مع الاحتمال.

و لو قال: عليّ درهم و ألف، أو ثلاثة دراهم و ألف، كانت الألف مجهولة.

و لو قال: درهم و نصف، ففي النصف احتمال ضعيف للإجمال.

و لو قال: له عليّ معظم ألف، أو جلّ ألف، أو قريب من ألف، أو أكثر الألف، لزمه أكثر من النصف.

5999. الحادي عشر:

إذا أقرّ بالدراهم و أطلق، ألزم الوافية الجيّدة الحالّة، و لو فسّر بأضداد ذلك متّصلا قبل إلاّ في التأجيل، و إن كان منفصلا لم يقبل و إن كان وديعة أو غصبا، و لو قيل بمساواة التأجيل لغيره كان وجها، و إلاّ لزم سدّ باب الإقرار بها على صفتها لو كانت ثابتة على هذه الصفة.

و لو أطلق الإقرار في بلد دراهمه ناقصة أو مغشوشة، فالأقرب الحمل على دراهم البلد، و لو فسّر بسكّة غير البلد، و هي أجود قبل، و كذا مساويه أو أدون.

و لو قال: له عشرة معدودة لزمه وزنه، و لو كان في بلد يتعاملون به عددا حمل قوله عليه.

ص: 412

6000. الثاني عشر:

إذا قال: له عليّ كذا درهم بالرفع، لزمه درهم، و تقديره:

شيء و هو درهم، و بالجرّ يلزمه جزء درهم يرجع إليه في قدره، و قيل: يلزمه مائة درهم(1) و بالنّصب يلزمه درهم، و نصب على التمييز. و قيل: يلزمه عشرون درهما،(2) و لو لم يعربه قبل تفسيره بجزء الدرهم.

و كذا البحث لو قال: كذا كذا، كأنّه قال: شيء (شيء)(3) هو درهم، و تقديره بالجرّ جزء درهم.

و قيل: لو قال: كذا كذا درهما، لزمه أحد عشر(4).

و لو قال: كذا [و] كذا درهم بالرفع، لزمه واحد، لأنّه ذكر شيئين و أبدل منهما درهما تقديرهما درهم، و كذا لو نصب، لأنّ كذا يحتمل أقلّ من درهم، فإذا عطف مثله ثم فسّرها بدرهم جاز. و قيل: يلزمه أحد و عشرون.(5)

6001. الثالث عشر:

لو قال: له هذا الثوب، أو هذا العبد، ألزم بالبيان، و يقبل قوله، فإن أنكر المقرّ له كان القول قول المقرّ مع اليمين، و للحاكم انتزاع ما أقرّ به و حفظه عنده، و له إقراره في يد المقرّ، و لا يدفعه إلى المقرّ له، فلو عاد المقرّ له إلى تصديق المقرّ ففي القبول نظر.

و لو امتنع المقرّ من التعيين فعيّنه المقرّ له، طولب بالجواب، فإن أنكر حلف، و إن نكل عن اليمين قضي عليه مع يمين المدّعي.

ص: 413


1- . القائل هو الشيخ في المبسوط: 13/3.
2- . نسبة الشيخ إلى بعض العامة. لاحظ المبسوط: 13/3.
3- . ما بين القوسين يوجد في «ب».
4- . المغني لابن قدامة: 319/5.
5- . المصدر السابق.

ص: 414

المقصد الرابع: في الصيغة

و هي اللّفظ الدالّ على الإخبار عن حقّ ثابت، مثل لك عندي، أو عليّ، أو في ذمّتي، أو قبلي أو لك عندي فيما أعلم أو في علمي، و ما أشبه ذلك بأيّ لسان كان.

و لو قال المدّعي: لي عليك ألف فقال: نعم، أو أجل، أو بلى، أو صدقت، أو أنا مقرّ به أو بدعواك أو بما ادّعيت، أو لست منكرا له، فهو إقرار على إشكال في الأخير، لاحتمال السكوت المتوسط بين الإقرار و الإنكار.

و لو قال المدّعي: لي عليك ألف، فقال: زنها، أو خذها، أو زن، أو خذ، لم يكن إقرارا، و كذا لو قال: أنا مقرّ، و لم يقل به.

و لو قال: أنا أقرّ، فالوجه أنّه وعد و ليس بإقرار.

و لو قال: أ ليس عليك ألف لي؟ فقال: بلى لزمه، و لو قال: نعم، قيل لا يلزمه، و الوجه اللزوم.

و لو قال: اشتر منّي هذا العبد أو استوهب، فقال: نعم: فهو إقرار.

و لو قال: لي عليك ألف، فقال: قبضتها أو رددتها أو أبرأتني منها، كان إقرارا، و لو علّق الإقرار بشرط، بطل، فلو قال: لك كذا إن شئت أو شاء زيد، أو

ص: 415

إن شاء اللّه إلاّ أن يقصد هنا التبرك، لم يكن إقرارا، و كذا لو قال: إن قدم زيد أو رضي فلان أو شهد، أو إذا جاء رأس الشهر فلك عليّ كذا.

و لو قال: لك عليّ كذا إذا جاء رأس الشهر لزمه، و كذا يلزمه لو قال: إن شهد لك فلان فهو صادق في الحال و إن لم يشهد، بخلاف ما لو قال: إن شهد لك فلان صدقته، لأنّه قد يصدق الكاذب.

و لو قال: ملكت هذه الدار من فلان، أو غصبتها منه، أو قبضتها منه، كان إقرارا له بالدار بخلاف تملّكتها على يده، لاحتمال المعونة.

و لو قال: كان لفلان عليّ ألف، ألزم به، و كذا إن قال: كان له عليّ ألف و قضيته، و له اليمين، و كذا لو قال: و قضيته منها مائة.

و لو قال: لي عليك مائة، فقال: قضيتك منها خمسين، ألزم بالخمسين بعد اليمين، و لا يلزمه الخمسون الأخرى، لاحتمال رجوع الضمير إلى المائة الّتي يدّعيها.

و لو قال: له عليّ ألف و قضيته إيّاها، ألزم، و الوجه عدم توجّه اليمين في القضاء، لاعترافه في الحال، و كذا لو قال: و قضيته بعضها، و الإقرار بالإقرار إقرار.

ص: 416

المقصد الخامس: في الاستثناء
اشارة

و فيه ثمانية مباحث:

6002. الأوّل:

الاستثناء متّصل و منفصل، فالأوّل يخرج ما بعد الاستثناء عمّا قبله بشرطين: الاتّصال لفظا عادة، و بقاء شيء بعد الاستثناء، و شرط بقاء الأكثر ليس بجيّد. و الثاني يخرج قيمته المستثنى من المستثنى منه بالشرطين، و إن كان غير مكيل أو موزون منهما(1) كما لو قال: له عندي عشرة أقفزة إلاّ ثوبا، أو عشرون دينارا إلاّ عبدا.

فإذا أقرّ بشيء و استثني منه كان مقرا بالباقي بعد الاستثناء، و إذا قال: له عليّ مائة إلاّ عشرة، كان مقرا بتسعين.

و لا فرق بين أدوات الاستثناء، مثل له عشرة سوى درهم، أو ليس درهما، أو خلا، أو عدا، أو ما خلا، أو ما عدا، أو لا يكون، أو غيره.

و لو قال: له عشرة غير درهم، برفع غير، لزمته عشرة، و لو لم يكن من أهل العربية ألزم بتسعة.

6003. الثاني:

إنّما يصحّ الاستثناء لو اتّصل، فلو سكت للتنفس كان متّصلا،

ص: 417


1- . في «ب»: منها.

و لو سكت سكوتا يمكنه الكلام فيه، أو فصل بأجنبيّ بين المستثنى و المستثنى منه، بطل الاستثناء.

فلو قال: له عليّ كرّ شعير إلاّ كرّ حنطة و قفيز شعير، بطل استثناء الكرّ، لاستيعابه، و بطل أيضا استثناء القفيز، للفصل بالاستثناء الأوّل.

و لو قال: له كرّ حنطة و كرّ شعير إلاّ قفيز حنطة، قبل، لأنّ الفصل هنا ليس بأجنبيّ على إشكال.

6004. الثالث:

لا يصحّ الاستثناء المستوعب، فلو قال: له عشرة إلاّ عشرة بطل الاستثناء و لزمته عشرة.

و يصحّ استثناء الأكثر، فلو قال: له عشرة إلاّ تسعة لزمه واحد.

و كذا لو قال: عشرة إلاّ ثوبا، و فسّر قيمة الثوب بعشرة، فإنّه يبطل، و لو فسّر بتسعة صحّ و لزمه واحد.

و لو قال: له عشرة إلاّ درهم بالرفع، كان صفة، فتلزمه العشرة.

6005. الرابع:

الاستثناء من الإثبات نفي و من النفي إثبات، فإذا قال: له عشرة إلاّ واحدا لزمته تسعة، و لو قال: ما له عندي شيء إلاّ درهم، أو ماله عشرة إلاّ درهم لزمه الدرهم، و لو نصب هنا فقال: إلاّ درهما، لم يلزمه شيء.

6006. الخامس:

إذا كرّر الاستثناء فان كان بحرف العطف خرجا معا من المستثنى منه، فإذا قال: له عشرة إلاّ ثلاثة و إلاّ ثلاثة لزمته أربعة، و كذا لو كان الثاني مساويا للأوّل أو أكثر، مثل: له عشرة إلاّ ثلاثة و إلاّ ثلاثة، أو إلاّ ثلاثة و إلاّ أربعة، فيلزمه في الأوّل أربعة، و في الثاني ثلاثة، و لو كان الثاني أقلّ من الأوّل

ص: 418

خرج منه لا من المستثنى منه أوّلا، فإذا قال: له عشرة إلاّ اثنين إلاّ واحدا لزمته تسعة.

6007. السادس:

يصحّ الاستثناء من العين، فلو قال: له هذه الدار إلاّ هذا البيت، أو الخاتم إلاّ الفصّ، و كذا: له هذه الدار إلاّ ثلثها أو (إلاّ)(1) ربعها، و كذا لو قال: له هذه الدار، و هذا البيت لي صحّ، لأنّه في معنى الاستثناء إذا اتّصل كلامه.

و لو قال: له هذه العبيد إلاّ واحدا، صحّ استثناؤه المجهول كما يصحّ إقراره به، و يرجع إليه في تعيين المستثنى، فإن أنكر المقرّ له، كان القول قول المقرّ مع يمينه، و لو عيّن من عدا المستثنى(2) صحّ، و كان الباقي له.

و لو هلك العبيد إلاّ واحدا فذكر أنّه المستثنى قبل، و كذا لو قال: غصبتك هؤلاء العبيد إلاّ واحدا فهلكوا، إلاّ واحدا قبل تفسيره به.

و لو قال: له عليّ ثلاثة إلاّ ثلاثة إلاّ درهمين، احتمل بطلانهما، لأنّ الأوّل مستوعب و الثاني فرعه، و صحّتهما، و يكون مقرّا بدرهمين، لأنّه استثنى من ثلاثة الاستثناء درهمين، فبقي منها درهم مستثنى من الإقرار، و صحّة الاستثناء الثاني من الإقرار، لأنّ الأوّل باطل، لاستيعابه، و الثاني راجع إلى الأوّل لبطلان ما بينهما.

6008. السابع:

الظاهر أنّ المتّصل حقيقة دون المنفصل، فيحمل المطلق عليه، فإذا قال: له ألف إلاّ درهما، فالجميع دراهم، و لو فسّره بالمنفصل، قبل إذا بقي شيء بعد وضع الدرهم، و لو استوعبت قيمة الدرهم الألف، احتمل بطلان الاستثناء و صحّته، فيكلف تفسيرا يبقى معه شيء.

ص: 419


1- . ما بين القوسين يوجد في «أ».
2- . و حاصله: أنّه تارة يعيّن المستثنى، و قد أشار إليه بقوله: «و إليه يرجع في تعيين المستثنى» و أخرى يعيّن المستثنى منه، و يكون الباقي له، و إليه أشار بقوله: «و لو عيّن من عدا المستثنى».

و لو قال: له ألف درهم إلاّ خمسين، فالاستثناء دراهم، و لو قال: له ألف درهم إلاّ ثوبا، فالاستثناء منقطع، يطالب بالبيان لقيمة الثوب، فإن بقي بعد القيمة شيء صحّ الاستثناء، و إلاّ احتمل الوجهان.

و لو قال: له ألف إلاّ شيئا، كلّف بيان المستثنى و المستثنى منه، و يصحّ التفسير إن بقى بعد الاستثناء شيء و إلاّ فلا.

6009. الثامن:

الحقّ أنّ الاستثناء يرجع إلى الجملة الأخيرة إلاّ أن يكون هناك قرينة تصرفه إليهما، فإذا قال: له عشرة دنانير و عشرة دراهم إلاّ واحدا، رجع الواحد إلى الدراهم، و لو قال: أردت الاستثناء من الدنانير، لم يقبل، للفصل، و لو قال: إلاّ اثنين فكذلك، و لو قال: أردت الاستثناء منهما، فالوجه القبول.

و لو قال: له درهم و درهم إلاّ درهما، قبل، فإن جعلنا الاستثناء راجعا إلى الجملتين، لزمه درهم، و إن قلنا انّه راجع إلى الأخيرة، لزمه الدرهمان، و الحقّ عندي بطلان الاستثناء على التقديرين.

ص: 420

المقصد السادس: في اللواحق
اشارة

و فيه واحد و عشرون بحثا:

6010. الأوّل:

إذا أقرّ لميت دفع إلى ورثته، فإن قال: لا وارث له سوى هذا و لم يعرف له غيره، أمر بالتسليم إليه. و لو أقرّ لغائب و قال: هذا وكيله لم يؤمر بالتسليم إليه.

6011. الثاني:

إذا ادّعى مالك العبد بيعه على من ينعتق عليه فأنكر، فالقول قول المنكر مع يمينه، فإذا حلف سقط الثمن(1) عنه و عتق العبد.

6012. الثالث:

لو أقرّ بما في يده للمجهول، صحّ، فإذا قال: هذه الدار غصبتها من أحد هذين، أو قال: هي لأحدهما قبل، ثمّ يطالب بالبيان، فإن عيّن أحدهما دفعت إليه. و لو ادّعاها الآخر كانا خصمين، فإن ادّعى علم المقرّ فاعترف له غرم له، و إن أنكر فله اليمين عليه، و لا غرم.

و لو قال: لا أعرفه عينا فصدّقاه نزعت من يده و كانا خصمين، و إن كذّباه حلف على عدم العلم، و نزعت من يده و كانا خصمين، و لو تبيّن بعد ذلك مالكها، قبل منه، كما لو بيّنه ابتداء.

ص: 421


1- . في «أ»: «سقط اليمين» و الصحيح ما في المتن.

و يحتمل أنّه إذا ادّعى كلّ منهما أنّه المغصوب منه توجّهت عليه اليمين لكلّ واحد منهما، فإن حلف لأحدهما، لزمه دفعها(1) إلى الآخر، لأنّه يجري مجرى تعيّنه، و إن نكل عن اليمين لهما معا، فسلّمت إلى أحدهما بقرعة أو غيرها غرمها للآخر، لأنّه نكل عن يمين توجّهت عليه فقضي عليه.

و لو أقرّ للمجهول مطلقا مثل أن يقول: هذا العبد لرجل أو لامرأة، حكم عليه بانتفاء ملكه، فإن حضر المدّعي و أنكر المقرّ إرادته، فالقول قوله مع اليمين، فإن نكل و حلف المدّعي ثمّ حضر آخر و ادّعاه و صدّقه ففي التغريم نظر.

6013. الرابع:

إذا قال: له عندي دراهم ثم فسّر إقراره بأنّها وديعة، قبل تفسيره، سواء فسّر، بمتصل أو منفصل، فيثبت فيها أحكام الوديعة، من قبول ادّعاء التلف و الرّدّ و كذا لو فسّره بدين.

و لو قال: له عندي وديعة رددتها إليه أو تلفت، لزمه الضمان لمناقضة الإقرار، فإنّ المردود و التالف ليس عنده و لا هو وديعة.

أمّا لو قال: كان له عندي وديعة و تلفت، فإنّه يقبل قوله إجماعا.

و لو قال: له عليّ دراهم وديعة، لم يقبل قوله، فلو ادّعى تلفها لم يقبل.

و لو قال: لك عليّ مائة درهم ثمّ أحضرها و قال: هذه الّتي أقررت بها و هي وديعة كانت لك عندي، فقال المقرّ له: هذه وديعة و الّتي أقررت بها غيرها، و هي دين عليك، احتمل تقديم قول المقرّ و المقرّ له، و الثاني أقوى.

و لو قال: في إقراره: لك عليّ مائة في ذمّتي، فإنّ القول قول المقرّ له، و لو وصل كلامه الأوّل فقال: لك عليّ مائة وديعة قبل.

ص: 422


1- . في «ب»: لزمه و دفعها.

و لو قال: لك في ذمّتي ألف و جاء بها و قال: هي وديعة، و هذه بدلها، قبل قوله.

و لو قال: له عليّ ألف درهم، و دفعها و قال: كانت وديعة كنت أظنها باقية فبانت تالفة، لم يقبل، لتكذيب إقراره، أمّا لو ادّعى تلفها بعد الإقرار، قبل.

و لو قال: له عليّ مائة وديعة دينا أو مائة مضاربة صحّ، و لزمه ضمانها، لأنّه قد يتعدّى فيهما فيكون دينا، و لو قال: أردت أنّه شرط عليّ ضمانها، لم يقبل، لأنّها لا تصير بذلك دينا.

و لو قال: له عندي مائة وديعة شرط ضمانها عليّ، لم يلزمه الضمان، لأنّها لا تصير بالشرط مضمونة.

و لو قال: أودعني مائة فلم أقبضها، أو أقرضني مائة فلم آخذها، قبل متّصلا لا منفصلا.

6014. الخامس:

لا يقبل رجوع المقرّ عن إقراره إلاّ في حدّ الرجم، أمّا حقوق الآدميّين و حقوق اللّه تعالى، كالزكاة، و الكفّارة، فلا يقبل رجوعه، فإذا كان في يده دار و قال: هذه الدار لزيد لا بل لعمرو حكم، بها لزيد و غرم لعمرو القيمة، إلاّ أن يصدّقه زيد، و كذا لو ادّعى على ميّت بعين فصدّقه الوارث، ثم ادّعاها آخر فصدّقه، أو قال: غصبت هذه الدار من زيد لا بل من عمرو، أو لو قال: غصبتها من زيد و غصبها زيد من عمرو، و لا فرق بين اتّصال الكلام و انفصاله.

أمّا لو قال: غصبت هذه الدار من زيد و ملّكها لعمرو، فإنّها تدفع إلى زيد و لا يغرم لعمرو، لعدم تعارض الإقرارين، و لو قال: ملّكها لعمرو و غصبتها من زيد، فالأقرب دفعها إلى عمرو و يغرم لزيد.

ص: 423

و كذا البحث لو قال: هذه الألف دفعها إلى زيد و هي لعمرو أو هي لعمرو دفعها إلى زيد.

و لو قال: هذه لزيد و غصبها زيد من عمرو، دفعت إلى زيد، و في الغرم لعمرو احتمال. و لو قال: دفع إليّ ألف درهم و لم أقبض، أو نقد لي و لم أقبض، فالوجه القبول.

6015. السادس:

لو أقرّ لزيد بعبد في يده فأنكر المقرّ له، قال الشيخ: يعتق.(1)

و ليس بمعتمد، بل يبقى على الرقّية(2) المجهول المالك.

و لو أقرّ أنّ المولى أعتق عبده، فالقول قول المولى، و لا يمين إلاّ أن يدّعي العبد، فلو اشتراه المقرّ، صحّ في طرف البائع و عتق على المشتري، فإن مات هذا العبد، فللمشتري قدر الثمن من تركته، لأنّه مع صدقه يكون الولاء للمولى إذا لم يكن وارث سواه، و مع كذبه يكون المال للمشتري.

6016. السابع:

لو عقّب إقراره بما يقتضي السقوط، لم يؤثّر في الإقرار، فإذا قال: له عليّ عشرة من ثمن خمر، أو خنزير، أو ثمن مبيع فاسد، لم أقبضه، وجب العشرة، و كذا له عليّ ألف من ثمن عبد إن سلّم سلّمت، أو له عليّ ألف لا يلزمني.

و لو قال: له عليّ ألف، و قطع، ثمّ قال: من ثمن مبيع لم أقبضه، لزمه الألف، و كذا لو وصل على الأقوى، سواء كان المبيع معيّنا أو مطلقا.

و لو قال: له عليّ ألف قضيتها، ألزم، و لو قال: ألف مؤجّل من جهة

ص: 424


1- . المبسوط: 23/3.
2- . في «ب»: على الرقبة.

العقل(1) قبل، و لو قال من جهة القرض، لم يقبل، و لو أطلق، فالوجه قبول التأجيل.

و لو قال: ابتعت بخيار، أو ضمنت بخيار، قبل إقراره بالعقد، و لم يثبت الخيار، و لو قدّم الشرط، بطل الإقرار، و في تأخيره إشكال.

و لو قال: له عشرة لا بل تسعة، ألزم بعشرة بخلاف عشرة إلاّ واحدا.

و لو أقرّ ثم ادّعى أنه أشهد مواطأة للمقرّ له تبعا للعادة، توجّهت اليمين على المقرّ له، و كذا لو أقرّ بالبيع و قبض الثمن، ثمّ ادّعى أنّ الإشهاد بقبض الثمن مواطأة، و ليس هذا تكذيبا لإقراره على ما توهّمه بعض الناس.

أمّا لو شهد الشاهدان بالإقباض مشاهدة، لم يقبل إنكاره، و لا تثبت له اليمين، و كذا لو أقيمت البيّنة عليه بالإقرار فأنكر الإقرار، لم يلتفت إليه و لا يمين له.

و لو أقرّ الأعجميّ غير الفاهم و قال: لقّنت بالعربية، قبل دعواه بلا خلاف.

6017. الثامن:

إنّما يبطل إقرار المكره إذا كان الإكراه على الإقرار لا على غيره، فاذا أكره على الإقرار لزيد بشيء فأقرّ به لعمرو، صحّ إقراره، أو أقرّ لزيد بغيره، و لو أكره على أداء مال فباع متاعه ليؤدّي ذلك، صحّ البيع، لأنّه لم يكره على البيع.

6018. التاسع:

يصحّ الإقرار لكلّ من يثبت له الحقّ، فلو أقرّ للعبد بتعزير القذف، قبل سواء صدّقه المولى أو كذّبه، و للعبد المطالبة بذلك و العفو، دون السيد، و لو كذّبه العبد، لم يقبل.

ص: 425


1- . في مجمع البحرين: العقل: الدية.
6019. العاشر:

لو قال: له هذه الدار سكنى، أو هبة، أو عارية، احتمل الحكم بالإقرار بالدار و (إلغاء)(1) الضمائم. لأنّها رافعة ما أثبته، و الأقرب الحكم بالإقرار بالبدل، و لا يكون إقرارا بالدار، لأنّ البدل سائغ في كلام العرب، فيثبت فيها حكم ذلك، و له أن لا يسكنه إيّاها، و أن يعود في العارية و الهبة غير المعوّض عنها.

6020. الحادي عشر:

لو أقرّ بدرهم، ثم أقرّ به في مجلس آخر، فإن أطلق فيهما، أو وصفهما بصفة واحدة، أو بصفتين مختلفتين يمكن اجتماعهما، أو أطلق أحدهما و وصف الآخر، أو أسندهما إلى سبب واحد، فهما واحد.

و لو ادّعى المقرّ له التغاير، فله اليمين، و لو كان أحدهما أكثر، دخل الأقلّ في الأكثر.

و لو وصفهما بصفتين متضادّتين، أو أسندهما إلى سببين مختلفين تغايرا، مثل أن يقول: له درهم أبيض، ثمّ يقول في وقت آخر: له درهم أسود، أو له عليّ درهم من ثمن مبيع، ثمّ يقول: له عليّ درهم من قرض، و لا يدخل الأقلّ هنا الأكثر.

6021. الثاني عشر:

إذا قال: له عليّ درهمان في عشرة، و قال: أردت الحساب، لزمه عشرون، و إن قال: أردت درهمين مع عشرة على ما يستعمله العامّة، لزمه اثنا عشر و إن كان من أهل الحساب، و لو قال: أردت درهمين في عشرة لي قبل.

ص: 426


1- . ما بين القوسين يوجد في «ب».

و لو قال: درهمان في دينار، لم يحتمل الحساب، و سئل عن مراده، فإن عنى العطف لزمه الدرهمان و الدينار، و إن قال: أسلمتهما في دينار، فصدّقه المقرّ له، بطل إقراره، لبطلان السّلم في الصّرف، و إن كذّبه، فالقول قول المقرّ له مع اليمين.

و لو قال: له عليّ إمّا درهم أو دينار، أو له عليّ درهم أو دينار، كان مقرّا بأحدهما، و يرجع في التفسير إليه.

و لو قال: له إمّا درهم و إمّا درهمان، كان مقرّا بدرهم، و الثاني مشكوك فيه، لا يلزم به.

6022. الثالث عشر:

لو قال: داري هذه لفلان، كان متناقضا، و يحتمل الصحّة، لأنّ الإضافة قد يكون مع الاختصاص من دون التملّك كقوله تعالى: وَ لاٰ تُؤْتُوا اَلسُّفَهٰاءَ أَمْوٰالَكُمُ (1)لاٰ تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ (2)وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ،(3)

و كذا لو قال: له في داري نصفها أو من داري بعضها.

و لو قال: له في هذا العبد شركة صحّ، و قبل تفسيره بأقلّ من النصف.

6023. الرابع عشر:

إذا أقرّ الوارث بدين على الميّت قبل إقراره إجماعا، و تعلّق الدين بالتركة، فإن لم يخلّف تركة، لم يلزم الوارث شيء، و إن خلّف تخيّر الوارث بين القضاء من عين التركة(4) أو من ماله، و يلزمه أقلّ الأمرين من القيمة أو قدر الدّين.

ص: 427


1- . النساء: 5.
2- . الطلاق: 1.
3- . الأحزاب: 33.
4- . في «ب»: من غير التركة.

و كذا البحث لو تعدّد الوارث، و يثبت الدّين بإقرار الميّت، أو بالبيّنة، أو بإقرار جميع الورثة، فإن اختار الورثة قضاء الدّين من مالهم ألزم كلّ واحد من الدّين بقدر نصيبه من التركة.

و لو أقرّ أحدهم و أنكر الباقون، ألزم من الدّين بقدر ميراثه، و تخيّر في القضاء، فلو كانا اثنين، لزمه نصف الدّين أو يؤدّي نصف ما في يده، و لا يلزمه أداء الدّين أجمع أو جميع ميراثه.

6024. الخامس عشر:

لو ادّعى اثنان عينا بسبب يوجب الشركة، كالميراث، أو الابتياع معا، فأقرّ بنصفها لأحدهما، فذلك لهما جميعا، و إن لم يقتض السّبب الاشتراك، لم يشاركه الآخر، و كان على خصومة.

و لو أقرّ لأحدهما بالجميع، و كان المقرّ له يعترف للآخر بالنصف، سلّمه إليه.

و كذا إن كان قد تقدّم إقراره بذلك، و إن لم يكن اعترف للآخر، و ادّعى الجميع أو أكثر من النصف، فله ما ادّعاه، و لو لم يدّعه و لم يعترف به للآخر، احتمل دفعه إلى مدّعيه أو إلى الحاكم حتّى يثبت مدّعيه.

6025. السادس عشر:

قد بيّنا أنّ إقرار المريض من الأصل مع انتفاء التّهمة و من الثلث معها، و لا يبطل بالكليّة.

فلو أقرّ لزوجته بمهر مثلها أو دونه، لزمه، لانتفاء التهمة من حيث إنّه أقرّ لحقّ وجد سببه و لم يعلم البراءة منه، و كذا لو اشترى من وارث شيئا و أقرّ له بالثمن المثلي.

ص: 428

و لو أقرّ بإقرار واحد لمن يتّهم في طرفه و لمن لا يتّهم، مضى في حقّ غير المتّهم من الأصل و في حقّ المتّهم من الثلث.

و لو أقرّ لوارث، فالأقرب القبول، و يرث من الأصل، و لو أقرّ بعتق أخيه المملوك له، و هو أقرب الوارث إليه، فالوجه اعتبار التّهمة، فإن انتفت، صحّ العتق، و ورث المال، و إن وجدت عتق من الثلث، فإن قصر الثلث عتق ما يحتمله الثلث، و ورث من الباقي منه و من التركة بقدر ما فيه من الحريّة، و كان الباقي للأبعد منه.

6026. السابع عشر:

لو خلّف ألفا فادّعى شخص إيداعها، و ادّعى الآخر ألفا دينا، فقال الوارث: صدقتما، فالأقرب أنّ صاحب الوديعة أحقّ.

و لو ادّعى العبد العتق و آخر دينا، و لا تركة سواه، فقال الوارث صدقتما، فالأقرب عتق العبد.

6027. الثامن عشر:

لو قال: عليّ و على زيد كذا، قبل قوله في نصيبه، سواء فسّره بالنصف أو أقلّ أو أكثر، و لو قال: له عليّ أو على زيد كذا، لم يكن إقرارا، و لو قال: له عليّ و على الحائط كذا، فالوجه وجوب الجميع عليه، و كذا لو قال:

أو على الحائط.

6028. التاسع عشر:

لو أقرّ بسبق يد الغير على ما يملكه، لم يخرج عن ملكه، مثل أن يقول: فلان خاط ثوبي هذا بدرهم، ثمّ قبضته منه، أو أعرت فلانا ثوبي هذا ثمّ استعدته، أو أسكنته داري هذه، ثمّ استرجعتها، و ادّعى الآخر الثوب و الدار، و كذا لو قال: غصبني هذا العبد ثمّ استخلصته، و ادّعى الآخر ملكيّته.

ص: 429

أمّا لو قال: أخذت منك ألف درهم و كانت وديعة لي عندك، فأنكر الإيداع و ادّعى الملكيّة، فالقول قول المقرّ له.

6029. العشرون:

لو أقرّت بنكاح رجل و ماتت، ثمّ صدقها الزوج بعد الموت، جاز تصديقه، و عليه المهر، و له الميراث.

و لو ادّعى غلام في يد رجل أنّه ابن فلان و أمّه أمّ ولد له، فصدّقه المقرّ له و كذّبه ذو اليد، فالقول قول الغلام إذا جهلت رقيّته.

و لو قال: ماتت أختك أو بنتك و تركت هذا المال الّذي في يدي بيننا نصفين أو أرباعا، فأنكر الأخ الزوجيّة افتقر الزوج(1) إلى البيّنة.

6030. الواحد و العشرون:

لو أقرّ للحربيّ بعد إسلامه فقال: أخذت من مالك ألفا حالة الحرب، فقال الحربي: بل بعد الإسلام، فالوجه سقوط الضمان، و كذا لو أعتق عبده ثمّ قال: قطعت يدك، أو استهلكت مالك قبل العتق، فقال: بل بعده، أو قال للذّمّي بعد إسلامه: أتلفت عليك خمرا أو خنزيرا حالة الكفر، فقال: بل بعد الإسلام.

و لو تزوّج مجهولة النسب، فأقرّت أنّها أمة فلان، جاز إقرارها على نفسها لا في إبطال حقّ الزوج في النكاح، فإن ولدت بعد ذلك لأكثر من ستّة أشهر، فالأقرب أنّ الولد حرّ.

ص: 430


1- . في «أ»: الزوجيّة.

المطلب الثاني: في الإقرار بالنّسب

اشارة

و فيه أحد عشر بحثا:

6031. الأوّل:

إذا أقرّ بابن له ثبت نسبه بشروط أربعة:

أن يكون المقرّ به مجهول النسب، فلو عرف نسبه لم يصحّ الإقرار.

و أن لا يتنازعه غيره، فلو نازعه منازع، لم يثبت النسب إلاّ بالبيّنة أو القرعة.

و أن تكون البنوّة ممكنة، فلو أقرّ ببنوّة من هو مثله في السنّ أو أكبر منه أو أصغر بما لم تجر العادة بمثله، لم يلتفت إليه، و لو كان مملوكا لم يعتق عليه.

و أن يكون الولد ممّن لا قول له، كالصغير و المجنون، أو يصدّق المقرّ إن كان ذا قول، أمّا غير الولد من الأنساب، فلا يثبت نسبه إلاّ بتصديق المقرّ به.

فإذا أقرّ بنسب غير الولد للصلب، و لا وارث له، و صدّقه المقرّ به، توارثا بينهما، و لا يتعدّى التوارث إلى غيرهما إلاّ إلى أولادهما، و لو كان له ورثة مشهورون لم يقبل إقراره في النسب.

6032. الثاني:

إذا أقرّ بالولد الصغير فكبر و أنكر، لم يلتفت إلى إنكاره، لثبوت نسبه أوّلا، و لو طلب إحلافه لم يستحلف، لأنّ الأب لو جحد بعد إقراره، لم يقبل منه، و كذا لو أقرّ بالمجنون، ثمّ زال جنونه و أنكر.

و لو مات مجهول النسب فأقرّ إنسان ببنوّته، ثبت نسبه، صغيرا كان أم

ص: 431

كبيرا، و يسقط هنا اعتبار التصديق، سواء كان له مال أو لم يكن، و يكون ميراثه للمقرّ.

و لو أقرّ بابن ابنه، و ابنه ميّت، اعتبر فيه الشروط الأربعة مع التصديق.

6033. الثالث:

إذا خلّف ابنا فأقرّ بآخر، ثمّ أقرّ بثالث، فإن كانا عدلين، ثبت نسب الثالث، و إلاّ شاركهما من غير ثبوت النسب، فلو أنكر الثالث الثاني، لم يثبت نسب الثاني، و يأخذ الثالث نصف التركة و الأوّل الثلث و الثاني السدس، و هو تتمّة نصيب الأوّل.

و لو خلّف اثنين معلومي النسب، فأقرّ بثالث، ثبت نسبه مع العدالة، و لو أنكر الثالث أحدهما لم يلتفت إليه، و تساووا في التركة.

و لو كان المقرّ أحدهما و أنكر الآخر لم يثبت نسبه، لكن يشارك في الميراث، فيأخذ فضل ما في يد المقرّ عن ميراثه، فللمنكر النصف، و للمقرّ الثلث، و له السدس، و ليس له نصف ما في يد المقرّ.

و أصل ذلك أنّ الوارث إذا أقرّ بدين لم يجب عليه دفع جميعه بل قدر حصّته، فلو مات المنكر و ورثه المقرّ خاصّة، شاركه الآخر.

6034. الرابع:

لا يثبت النسب إلاّ بشاهدين ذكرين عدلين، و لا يثبت بشهادة رجل و امرأتين، و لا بشهادة النساء و إن كثرن، و لا بشهادة رجل و يمين، و لا بشهادة فاسقين و إن كانا وارثين، و لا بإقرار جميع الورثة، إذا لم يكن فيهم عدلان.

و لو شهد اثنان من الورثة و كانا عدلين، يثبت النسب في حقّ باقي الورثة، و لا يشترط تصديق باقيهم.

ص: 432

6035. الخامس:

إذا أقرّ الوارث في الظاهر بمن يحجبه، دفع إليه ما في يده، فلو خلّف الميّت أخا فأقرّ بابن دفع إليه التركة، و كذا الأخ من الأب إذا أقرّ بأخ من الأبوين، أو ابن الابن إذا أقرّ بابن الصلب.

و لو شهد الأخوان و كانا عدلين بابن للميّت، ثبت نسبه و أخذ الميراث، و لا يكون ذلك دورا،(1) و لو كانا فاسقين، أخذ الميراث و لم يثبت النسب.

و لو أقرّ أحد الأخوين(2) و أنكر الآخر، دفع المقرّ جميع ما في يده، و كان النصف للآخر.

و لو كانت معهما زوجة، فأقرّت بالابن، فإن صدّقاها أخذت الثمن و دفع الباقي الى الولد، و إن كذّباها دفع إليها ثمن و إلى الولد باقي نصيبها و هو ثمن الآخر، و إلى الأخوين الباقي، فكلّ وارث في الظاهر أقرّ بمن هو أولى منه، دفع إليه جميع ما في يده.

و لو أقرّ بمساو له دفع إليه من نصيبه بنسبة نصيبه، و لو أقرّ الأخ بولدين دفعة فصدّقاه، تقاسما التركة، و منع الأخ، و يثبت النسب.

و لو صدّقه كل واحد عن نفسه، لم يثبت النسب، و يثبت الميراث، و دفع إليهما ما في يده.

و لو تناكرا بينهما لم يلتفت الى إنكارهما، و لو صدّق أحدهما صاحبه دون الآخر، فالتركة بينهما نصفين.

ص: 433


1- . نبّه بقوله: «و لا يكون ذلك دورا» على ما حكاه الشيخ في المبسوط من توجّه الدور. لاحظ المبسوط: 39/3.
2- . في «أ»: «أحد الأبوين» و الصحيح ما في المتن.

و لو كانا توأمين، لم يلتفت الى إنكار المنكر منهما، سواء تجاحدا معا أو جحد أحدهما صاحبه، و لو أقرّ الأخ بنسب واحد منهما، ثبت نسب الآخر إن صدّقه و إلاّ شارك في الميراث.

6036. السادس:

لو أقرّ العمّ بأخ للميّت ثمّ أقرّ بابن، فإن صدّقه الآخر دفع المال إلى الولد، و إن كذّبه أخذ الأخ المال و غرم العمّ للابن مثله، و لو كان الثاني مساويا للثالث، بأن أقرّ العمّ بأخ آخر، فإن صدّقه الأخ الأوّل دفعت التركة إليهما بالسوية، و إن كذّبه دفعت التركة الى الأوّل و غرم العمّ للأخ الثاني نصف التركة.

و لو أقرّ الوراث بزوج للميّتة و لم يكن لها ولد، أعطاه نصف ما في يده، و ان كان لها ولد أعطاه ربع ما في يده، و لو أقرّ بزوج آخر لم يقبل، و لو أكذب إقراره الأوّل لم يقبل في حقّ الأوّل، و يغرم للثاني مثل ما حصل للأوّل.

و لو أقرّ بزوجة للميّت و ليس له ولد، أعطاها ربع ما في يده، و إن كان لها ولد أعطاها ثمن ما في يده.

و لو أقرّ بثانية أعطاها نصف الربع أو نصف الثمن، و لو أقرّ بثالثة أعطاها ثلث أحدهما، و لو أقرّ برابعة أعطاها ربع أحدهما، هذا مع تكذيبهنّ له، فإن صدّقته الأولى في الثانية، كان الربع أو الثمن بينهما، و لا يغرم شيئا، ثمّ إن صدّقتاه على الثالثة دفعتا إليها نصيبها، ثمّ إن صدّقته على الرابعة اقتسمن في نصيب الزوجية بالسويّة من غير غرم.

و لو أقرّ بهنّ دفعة واحدة ثبت لهنّ الربع أو الثمن بالسّوية من غير غرم، و لو أقرّ بخامسة، لم يلتف إليه، فإن، أنكر إحدى الأول، لم يلتفت إلى إنكاره و غرم لها ربع أحد النصيبين.

ص: 434

و لو كان للميّت زوجة فأقرّ الوارث بأخرى فإن صدّقته الأولى اقتسمتا نصيب الزوجية، و إن كذّبته لم يكن للثانية شيء، لأنّ الفضل الّذي تستحقّه في يد غير المقرّ.

و كذا ما يكون مثل ذلك: كأن يخلّف أخا من أب و أخا من أمّ، فيقرّ الأخ من الأمّ بأخ للميّت، فإن صدّقه الآخر شاركه، و إلاّ فلا شيء له، سواء أقرّ بأنّه أخاه من أبوين أو من أب أو من أمّ، لأنّ ميراثه في يد غير المقرّ.

و لو أقرّ بأخوين من أم دفع إليهما ثلث ما في يده، لاعترافه باشتراكهم في الثلث، فلكلّ واحد تسع و في يده سدس، و هو تسع و نصف تسع، فيفضل في يده نصف تسع، و هو ثلث ما في يده.

6037. السابع:

لو ادّعى نسب المكلّف، فأنكر لم يثبت النسب، فإن مات المقرّ ثمّ صدّقه المنكر ثبت نسبه و ورث.

و لو أقرّ رجل بزوجيّة امرأة، أو أقرّت امرأة بزوجيّة رجل فلم يصدّقه المقرّ به إلاّ بعد موته ورثه على إشكال.

و إذا ثبت النسب بالإقرار و التصديق في حقّ البالغ، أو بالإقرار في حقّ الطفل، ثمّ أنكر المقرّ له، لم يقبل إنكاره، و لو اتفقا على الرجوع عنه، لم يسقط النسب.

و لو أقرّت المرأة بولد قبل إقرارها، سواء كانت ذات زوج أو لا، فإذا أقرّ ببنوّة صغير لم يكن إقرارا بزوجيّة أمّه و إن كانت مشهورة بالحريّة، و لو أقرّ ببنوّة ولد أمته، و ليس لها زوج، لحق به، و حكم بحرّيته.

ص: 435

6038. الثامن:

لو كانت له أمتان لكل منهما ولد، فقال: أحد هذين ولدي من أمتي، فإن كان لكل منهما زوج يمكن إلحاق الولد به، لم يصحّ إقراره، و لحق الولد بالزوجين و لو كان لإحداهما زوج دون الأخرى انصرف الإقرار الى ولد الأخرى لأنّه الّذي يمكن إلحاقه به.

و إن لم يكن لواحدة منهما زوج، و أقرّ السيّد بوطئهما معا، لحق الولدان به إذا أمكن أن يولدا بعد وطئه، و لو أمكن في إحداهما دون الأخرى انصرف الإقرار الى من أمكن، و إن لم يكن أقرّ بوطئها صح إقراره، و ثبت(1) حريّة المقرّ به، فيكلّف البيان، و يقبل بيانه.

و لو ادّعت الأخرى أنّ ولدها هو الّذي أقرّ به، فالقول قوله مع اليمين.

و لو مات قبل التعيين، قال الشيخ: يعين الوارث. فان امتنع أقرع بينهما(2).

و لو كانت له أمة لها ثلاثة أولاد، و لا زوج لها، و لا أقرّ بوطئها، فقال: أحد هؤلاء ولدي، صحّ و طولب بالبيان، فإن عيّن أحدهم، ثبت نسبه و حريّته، و الآخران رقّ، و لو اشتبه المعيّن و مات، استخرج بالقرعة، و كذا لو لم يعيّن هو و لا الوارث.

6039. التاسع:

إذا خلّف ابنين فأقرّ أحدهما بثالث و أنكر الآخر، لم يثبت النسب، و أخذ المقرّ به ثلث ما في يد المقرّ، فلو مات المنكر و خلّف ابنا و صدّق عمّه على إقراره، ثبت النسب إذا كانا عدلين، و دفع ثلث ما أخذه أبوه.

ص: 436


1- . في «أ»: و يثبت.
2- . المبسوط: 46/3.

و لو أقرّ بشخص(1) فأنكر المقرّ له نسب المقرّ من الميّت، استحقّ المقرّ له الكلّ إلاّ أن يقيم المقرّ البيّنة بالنسب.

6040. العاشر:

إذا أقرّ بنسب البالغ شاركه في الميراث، و لم يثبت النسب، و لو مات المقرّ ورثه المقرّ له، و لو مات المقرّ له لم يرثه المقرّ إلاّ أن يكون قد صدّقه، فيثبت نسبه و يرثه، و لا يتعدّى إلى غيرهما إلاّ إلى أولادهما دون غيرهم من ذوي النسب إلاّ مع التصديق لهما.

6041. الحادي عشر:

لو أقرّ بعتق عبديه، تثبت حرّيتهما، فلو ادّعى آخر غصبهما و أنهما عبداه، فشهدا له، لم تقبل شهادتهما(2) و إلاّ لبطل العتق، فتبقى الشهادة على المولى، فتبطل، و ذلك دور.

ص: 437


1- . في «أ»: لشخص.
2- . و في المبسوط: 43/3: لا تقبل شهادتهما، لأنّا لو قبلناها لرجعا رقّين، و تكون شهادتهما على المولى، و شهادة العبد لا تقبل على مولاه، فلذلك بطل.

ص: 438

كتاب الجعالة

ص: 439

ص: 440

و صورتها: أن يقول: من ردّ عبدي مثلا (فلانا)(1) فله درهم.

و صيغتها اللفظ الدالّ على الإذن في الفعل بشرط عوض، فلو ردّه إنسان ابتداء من غير جعل فهو متبرّع لا شيء له، و كذا إذا ردّ من لم يسمع نداه، فإنّه قصد التبرّع.

و لو كذب الفضولي فقال: قال فلان: من ردّ فله درهم، لم يستحقّ الرادّ على المالك و لا على الفضولي شيئا، لأنّه لم يضمن، أمّا لو قال الفضولي: من ردّ عبد فلان فله درهم، لزمه لأنّه الجاعل.

و لا تفتقر إلى القبول، و تصحّ على كلّ عمل مقصود محلّل، سواء كان معلوما مثل من خاط ثوبي أو حجّ عنّي فله دينار، أو مجهولا مثل من ردّ عبدي، فإنّ مسافة الردّ مجهولة.

و يشترط في الجاعل أهليّة الاستئجار.

و لا يشترط تعيين العامل، أمّا العوض فلا بدّ و أن يكون معلوما بالكيل، أو الوزن، أو العدد إن كان من أحدها(2) و لو كان مجهولا مثل من ردّ عبدي فله شيء، أو ثوب، أو عبد، ثبت بالردّ أجرة المثل، و لو قيل بجواز الجعل المجهول إذا لم يمنع الجهالة التسليم، مثل من ردّ عبدي فله نصفه، و من ردّ ضالّتي فله ثلثها، كان حسنا.

ص: 441


1- . ما بين القوسين يوجد في «أ».
2- . في «أ»: من أحدهما.

و لو قال: من ردّ من بلد كذا فله دينار، فردّ من نصف الطريق، استحقّ النصف، و لو ردّ من أبعد من البلد لم يستحقّ عن الزيادة شيئا.

و لو عيّن الجعالة لواحد فردّه غيره، لم يستحقّ جعلا.

و لو قال: من ردّ فله دينار، فردّه اثنان، تشاركا في الجعل.

و لو عيّن واحدا فعاونه غيره لقصد معاونة العامل، احتمل أن يكون الكلّ للعامل، و أن يكون النصف، و لا شيء للمعاون، و إن قصد طلب أجرة فلا شيء له، و للعامل النصف.

و لو جعل لكلّ من الثلاثة جعلا أزيد من الآخر فجاءوا به جميعا، فلكلّ واحد ثلث ما جعل له، و لو كانوا أربعة فلكل واحد الربع، و على هذا، و كذا لو ساوى بينهم في الجعل.

و لو جعل لبعضهم معيّنا و لبعضهم مجهولا، فجاءوا به أجمع، فلصاحب المعلوم ثلث جعله، و للمجهول ثلث أجرة المثل.

و لو جعل على فعل يصدر عن كلّ واحد منهم استحقّ كل منهم جعلا كاملا، مثل أن يقول: من دخل داري فله درهم، فدخلها جماعة استحقّ كلّ واحد درهما، بخلاف من ردّ عبدي.

و يستحقّ العامل الجعل بالتسليم، فلو جاء به إلى البلد فهرب، لم يستحقّ الجعل.

و إنّما يستحقّ الجعل إذا بذله الجاعل أوّلا، فلو حصلت الضالّة في يد إنسان قبل الجعل، لزمه التسليم و لا أجرة له، و كذا لو تبرّع.

ص: 442

و الجعالة جائزة قبل التلبّس و بعده، فإن تلبّس العامل وجب على الجاعل دفع أجرة ما عمل، فلو أتمّ العامل العمل بعد رجوع الجاعل و علمه به، لم يستحقّ أجرة على التمام، سواء دفع الجاعل إليه أجرة ما عمل أو لا، و لو لم يعلم بالرجوع استحقّ الجعل كملا مع الفعل.

و لو رجع العامل عن العمل قبل إتمامه لم يستحقّ أجرة على ما عمل، و لو رجع الجاعل عن الجعالة الأولى إلى جعالة أزيد أو أنقص، عمل بالأخيرة.

و إذا بذل جعلا، فإن عيّنه، لزمه دفعه مع العمل، و إن لم يعيّنه، لزمه مع الردّ أجرة المثل.

و قد روي في ردّ الآبق إذا لم يعيّن المالك أربعة دنانير إن ردّ من غير المصر و دينار إن ردّ من المصر(1) و كذا قيل في البعير،(2) و لو نقصت قيمة العبد عن المقدر الشرعي وجب من غير نقصان درهم عن القيمة، سواء كان الرّادّ معروفا بردّ الإباق أو لم يكن.

و قال الشيخ رحمه اللّه: إنّه على الأفضل(3) و هو حسن.

و لو استدعى المالك الردّ و لم يبذل أجرة لم يكن للرادّ شيء لتبرّعه، و كذا لو ردّ العامل من غير جعل مطلق أو مقيّد من المالك، سواء في ذلك العبد و غيره.

ص: 443


1- . التهذيب: 398/6 برقم 1203.
2- . القائل هو الشيخ في النهاية: 323-324.
3- . المبسوط: 333/3.

و الأمة ليست كالعبد، فلو أطلق المالك الجعل فيها(1)، ثبتت أجرة المثل لا المقدّر الشرعي، أمّا البعير فشامل للذكر و الأنثى.

و يقف استحقاق الأجرة على تمام العمل، فلا يستحقّ بالبعض البعض حتّى لو مات العبد على باب الدار أو هرب قبل التسليم فلا أجرة.

و لو أنكر المالك شرط الأجرة، أو شرطه في عبد معيّن، أو سعي العامل في الردّ، بأن يقول العامل: حصل في يدي بعد الجعل، و قال المالك بل قبله، فالقول قوله.

و لو اختلفا في قدر الجعل أو جنسه، فالقول قول الجاعل أيضا مع يمينه.

و يثبت للعامل أقلّ الأمرين من أجرة المثل و مدّعاه، و قال الشيخ: تثبت له أجرة المثل.(2) و يحلف الجاعل على نفي ما ادّعاه العامل لا على ثبوت ما ادّعاه.

و لو قرن الجعالة بمدّة صحّ، مثل من ردّ عبدي اليوم فله كذا، أو من بنى هذا الحائط في شهر فله كذا، بخلاف الإجارة. و لو قال: من ردّ عبديّ فله دينار، فردّ أحدهما استحقّ نصف الدينار.

و لو قال: من ردّ عبدي من بلد كذا فله دينار، فردّه من غير ذلك البلد لم يستحقّ شيئا، و لو ردّه من بلد الشرط إلى نصف الطريق، و مات العبد، لم يستحقّ عوضا.

و لو قال: من وجد لقطتي(3) فله كذا، استحقّ العامل العوض بالرّدّ لا بمجرد الوجدان، عملا بقرينة الحال.

ص: 444


1- . في «ب»: الجعل منها.
2- . المبسوط: 333/3.
3- . في «أ»: ضالّتي.

القاعدة الرابعة: في الأحكام

اشارة

و فيها كتب

كتاب اللّقطة

اشارة

ص: 445

ص: 446

و فيه فصول:

الفصل الأوّل: في اللّقيط

اشارة

و فيه أربعة عشر بحثا:

6042. الأوّل:

اللقيط و الملقوط و المنبوذ واحد، و هو كلّ صبيّ ضائع لا كافل له، فلا يتعلّق الحكم بالتقاط البالغ العاقل، و لا بمن له كافل كالأب أو الجدّ أو الأم، فلو كان أحد هؤلاء موجودا أجبر على أخذه، و إنّما يتعلّق الحكم بالصبيّ غير المميّز على إشكال، أقربه جواز التقاطه، لعجزه عن القيام بدفع ضرورته.

6043. الثاني:

لو التقط الصّبيّ اثنان على التعاقب ألزم الأوّل بأخذه، و لو التقطاه دفعة ألزما معا بأخذه إن تساويا، و تحتمل القرعة، و لو ترك أحدهما لصاحبه جاز و إن لم يأذن الحاكم، لاختصاص ملك الحضانة بهما.

6044. الثالث:

لو كان اللقيط مملوكا وجب حفظه و إيصاله إلى المالك صغيرا كان أو كبيرا، ذكرا كان أو أنثى، فإن أبق أو ضاع أو هلك من غير تفريط فلا ضمان على الملتقط، و إن كان بتفريط يضمن، و القول قول الملتقط مع اليمين في عدم التفريط، و في القيمة معه، و له الرجوع بما أنفق عليه، و لو تعذّر استيفاء النفقة بيع فيها.

ص: 447

و يجوز أخذ الآبق لمن وجده، فإن وجد صاحبه دفعه إليه مع البيّنة أو اعتراف العبد بأنّه سيّده، و لو لم يجد سيّده، دفعه إلى الإمام أو نائبه، فيحفظه لسيّده أو يبيعه مع المصلحة.

و ليس للملتقط بيعه و لا تملّكه بعد تعريفه، لأنّ العبد يتحفّظ بنفسه، فهو كضوالّ الإبل، فإن باعه فالبيع فاسد، و لو باعه الإمام للمصلحة صحّ، و لو جاء صاحبه و اعترف أنّه كان قد أعتقه، فالوجه عدم القبول، و ليس للسيّد أخذ الثمن، و يصرف إلى بيت المال، و لو عاد السيّد و أنكر العتق و طلب، دفع إليه، إذ لا منازع له.

قال الشيخ رحمه اللّه: لا يجوز أخذ البالغ و المراهق، لأنّهما كالضالّة الممتنعة، و يجوز أخذ الصغير لأنّه معرض للتلف.(1)

6045. الرابع:

يشترط في ملتقط اللقيط البلوغ و العقل و الحريّة و الإسلام، فلا اعتبار بالتقاط الصبيّ و لا المجنون و لا العبد، فلو التقطه انتزع منه إلاّ أن يأذن له المولى، و لو أذن له في التقاطه جاز.

فإن رجع في الإذن بعد الالتقاط لم يجز، و إن كان قبله لم يلتقطه، و حكم المدبّر و المكاتب و أمّ الولد و المعتق بعضه كذلك.

و لو لم يجد العبد أحدا يلتقطه سواه، فالوجه وجوب التقاطه.

و ليس للكافر التقاط المحكوم(2) بإسلامه ظاهرا، فلو التقطه انتزع من يده، و لو كان الطفل محكوما بكفره، كان له التقاطه.

ص: 448


1- . المبسوط: 328/3.
2- . في «أ»: التقاط للمحكوم.

و هل تعتبر عدالة الملتقط؟ قيل: نعم، لأنّ الحضانة استئمان و لا يؤمن من ادّعاء رقّه، فينتزعه الحاكم و يدفعه إلى ثقة.

6046. الخامس:

أخذ اللّقيط واجب على الكفاية، و لا يجب الإشهاد عند أخذه، و لا نفقته على الملتقط، نعم يجب عليه الحضانة، و ينفق الملتقط عليه من ماله إذا كان ذا مال مع إذن الحاكم، فإن بادر و أنفق من مال اللقيط من دون إذن الحاكم، ضمن إلاّ عند الضرورة كأن يتعذّر الوصول إلى الحاكم مثلا، فينفق و لا ضمان، و لو لم يكن ذا مال أنفق عليه السلطان من بيت المال، فإن تعذّر استعان الملتقط بالمسلمين.

و يجب عليهم دفع النفقة على الكفاية، فإن تعذّر ذلك أيضا أنفق الملتقط عليه، و رجع عليه إذا أيسر إن نوى الرجوع، و لو لم ينو كان متبرّعا لا رجوع له، و كذا لو نوى الرجوع و وجد المعين و لم يستعن به، و كذا لو أنفق غير الملتقط مع نيّة الرجوع فله ذلك.

و هل يشترط الإشهاد؟ فيه نظر. و منع ابن إدريس من الرجوع و إن أشهد و نواه.(1)

6047. السادس:

لو التقط مستور الحال غير معروف بعدالة و لا ضدّها، فالأولى إقراره في يده بناء على الظاهر من حال المسلم، و لو أراد السفر به احتمل منعه لما لا يؤمن من ضياع نسبه، فإنّه إنّما يطلب موضع التقاطه فينتزعه الحاكم، و الجواز لأنّه أمين.

ص: 449


1- . السرائر: 107/2.

و كذا لو التقطه بدويّ لا استقرار له، احتمل الوجهان، و لو التقطه في البادية، جاز النقل إلى الحضر، لما فيه من الرفاهيّة.

و كلّ موضع قلنا بانتزاعه، فإنّما ينتزع مع وجود من هو أولى من الملتقط.

6048. السابع:

لو التقطه مسلم و كافر دفعة، فإن كان محكوما بإسلامه، فالمسلم أولى، و كذا البحث في العدل و الفاسق، و لو كان محكوما بكفره احتمل تساويهما، فالقرعة، و أولويّة المسلم، و كذا الاحتمال لو كان كلّ منهما يقرّ في يده لو انفرد إلاّ أنّ أحدهما انفع للّقيط من الآخر، كالموسر و المعسر.

و الرّجل و المرأة سواء، و لا تترجّح المرأة كما رجّحت في ولدها.

و لو رأياه معا فسبق أحدهما إلى أخذه، فهو أولى، و كذا لو رآه أحدهما قبل صاحبه فسبق الآخر إلى أخذه، فهو أولى من السابق في الرؤية.

و لو قال أحدهما للآخر: ناولنيه، فناوله إيّاه، فإن نوى أخذه لنفسه فهو أولى، و إن نوى النيابة، احتمل الوجهان في نيابة تملّك المباح.

و لو اختلفا في سبق التقاطه، حكم لمن هو في يده مع اليمين، و لو كان في يدهما أقرع بينهما فيحلف من خرجت له، و يحتمل عدم اليمين، و كذا لو لم يكن في يدهما، مع احتمال أن يسلّم الحاكم هناك إلى من شاء من الأمناء.

و لو وصف أحدهما شيئا مستورا فيه، كشامة في جسده لم يكن أولى، كما لو وصف مدّعي المتاع، و يحتمل تقديمه كما لو وصف اللقطة.

و لو اختصّ أحدهما بالبيّنة، حكم له، و لو أقاما بيّنة قدّم سابق التاريخ، و لو تعارضتا، أقرع، و لو كانت يد أحدهما عليه و أقاما بيّنة، حكم للخارج.

ص: 450

6049. الثامن:

اللقيط حرّ و يحكم بإسلامه إن التقط في دار الإسلام، أو في دار الكفر إذا كان فيها مسلم، و لو كان واحدا، و لو لم يكن في دار الكفر مسلم أصلا، حكم بكفره فيسترقّ، و كذا لو وجد في دار الإسلام بعد استيلاء الكفّار عليها، و لم يبق فيها مسلم واحد، و لو وجد في قرية ليس فيها مسلم، احتمل الحكم بكفره.

و إنّما يحكم بإسلامه ظاهرا في الموضع الّذي حكمنا فيه بالإسلام، فلو ادّعى كافر بنوّته و أقام بيّنة، حكم بكفره.

و إذا بلغ اللّقيط و أسلم، فهو مسلم، سواء كان ممّن حكم بإسلامه أو بكفره، و إن اعتقد الكفر و هو ممّن حكم بإسلامه فهو مرتدّ يستتاب، فإن تاب و إلاّ قتل إلاّ أن يوجد في دار الحرب، و فيها مسلم، و احتمال إلحاقه بالكافر الاصلي متّجه. و لو كان صبيّا مميّزا و وصف الإسلام، حيل بينه و بين الكافر.

و الصبيّ غير المميّز المجنون لا يتصوّر إسلامهما إلاّ تبعا، و للتبعيّة ثلاث جهات: إسلام الأبوين، فكلّ من ولد عن مسلم أو مسلمة فهو مسلم و إن طرأ إسلام أحدهما، حكم بإسلامه في الحال.

و كذا لو أسلم أحد الأجداد أو الجدّات، إذا لم يكن الأقرب حيّا. و لو كان حيّا ففي التبعيّة نظر.

و إسلام السابي(1) إذا كان منفردا عن الأبوين عند الشيخ،(2) و لو استرقّه

ص: 451


1- . هذه هي الجهة الثانية للتبعيّة.
2- . المبسوط: 342/3.

المسلم و معه أبواه لم يحكم بإسلامه، و لو باعه الكافر من مسلم، لم يحكم بإسلامه، لأنّ الأثر إنّما هو في ابتداء الملك.

و تبعيّة الدار،(1) فمن وجد في دار الإسلام حكم بإسلامه.

و اللّقيط لا ولاء عليه لأحد من المسلمين، بل هو سائبة يتولّى من شاء، فإن مات و لا وارث له، فميراثه للإمام.

6050. التاسع:

اللّقيط إن لم يتوال أحدا فعاقلته الإمام، فإذا جنى خطأ فديته على الإمام، و كذا لو كانت عمدا و هو صغير، و لو كان كبيرا وجب عليه القصاص، و لو جنى شبيه العمد، فالدية في ماله.

و لو قتل خطأ فالدّية للإمام، و لو قتل عمدا تخيّر الإمام بين القصاص و أخذ الدية مع بذل الجاني لها.

و لو جني عليه في الطرف عمدا، فإن كان بالغا اقتصّ أو عفا على مال أو مطلقا، و إن كان صغيرا، قال الشيخ: لا يقتصّ الإمام و لا يأخذ الدية، لعدم معرفة مراده وقت بلوغه كالطفل، و لا يقتصّ له أبوه و لا الحاكم.(2) و الوجه عندي جواز استيفاء الإمام ما هو أصلح له من القصاص أو الدّية مع بذل الجاني، و كذا وليّ الطفل.

و إن كانت الجناية خطأ و هو صغير، أخذ الإمام الدّية له، و لا يتولّى ذلك الملتقط إذ ولايته مختصّة بالحضانة، و على قول الشيخ رحمه اللّه: ينبغي حبس الجاني إلى وقت بلوغه.

ص: 452


1- . هذه هي الجهة الثالثة للتبعية.
2- . المبسوط: 346/3.

و لو بلغ فاسد العقل تولّى الإمام استيفاء حقّه إجماعا.

6051. العاشر:

اللّقيط يملك كغيره و يده قاضية(1) بالملك، فكلّما وقف عليه،(2)، أو أوصي له، و قبله الحاكم، أو وهب له، فهو ملكه، و كذا ما كان متّصلا به، أو كان متعلّقا بمنفعته فيده عليه، كثوبه الملبوس، و ما هو مشدود فيه، أو في بدنه، أو مجعول فيه، كالسرير و السفط(3) و البسط، و ما فيه من فرش، أو دراهم، و الثياب الّتي تحته و عليه، و الدابّة المشدودة في ثيابه، أو المشدود عليها، أو الخيمة، أو الدار الموجودة فيهما، و ما وجد فيهما.

أمّا ما يوجد بعيدا منه في غير داره أو خيمته، أو كان مدفونا تحته، - و إن كان معه رقعة مكتوبة بأنّه له على إشكال - فلا يد له عليه، و في القريب منه، مثل ما يوجد بين يديه أو إلى جانبه نظر، و كلّما حكم بأنّه ليس له، فهو كاللقطة.

6052. الحادي عشر:

إذا بلغ رشيدا فأقرّ على نفسه بالرّقّ، حكم عليه به إذا لم يعرف حرّيته، و لا كان مدّعيا لها، و لو لم يقرّ بذلك حكم له بالحريّة.

فلو قذفه قاذف بعد بلوغه حدّ ثمانين، فلو ادّعى القاذف أنّه رقّ و ادّعى المقذوف الحرّية، فللشيخ قولان(4): أحدهما الحد للحكم بحريّته ظاهرا، و هو الأقرب، و لهذا وجب القصاص له من الحرّ و التعزير لحصول الشبهة.

و لو قطع حرّ طرفه و تنازعا، وجب القصاص.

ص: 453


1- . في «أ»: «ماضية» بدل «قاضية».
2- . في «أ»: أوقف عليه.
3- . قال الطريحي في مجمع البحرين: السّفط محرّكة واحد الأسفاط الّتي يعبّى فيه الطيب و نحوه، و يستعار للتابوت الصغير.
4- . المبسوط: 347/3.

و لو قذف اللقيط حرّا، و ادّعى الرقية فمن أوجب من علمائنا كمال الحدّ على العبد، فلا بحث، و من أوجب نصفه، فالوجه سقوط نصف الحدّ.

6053. الثاني عشر:

إذا ادّعى واحد بنوّته و هو صغير، ألحق به، فإن كان حرّا مسلما دفع إليه و ألزم بالنفقة عليه، و إن كان عبدا لحق به و لا حضانة له، و لا نفقة عليه و لا على مولاه، و لا يحكم برقّه، و إن كان ذميّا لحق به و لا حضانة له، و عليه نفقته و لا يحكم بكفره، نعم لو أقام الكافر بيّنة، فالأقرب الحكم بكفره.

و كلّ موضع حكمنا بثبوت نسبه للرجل، فلا يثبت في طرف زوجته و إن عزاه إليها إلاّ أن تصدّقه المرأة.

و لو كان المدّعي امرأة، لم يثبت نسبه منها إلاّ أن يبلغ و يصدّقها، أو تقيم البيّنة.

و لو ادّعى بنوّته مسلم و كافر، أو حرّ و عبد، و لا بيّنة، قال الشيخ: يحكم به للمسلم و للحرّ.(1) و فيه نظر.

و لو تساويا و أقام أحدهما بيّنة، حكم له، و إن أقاما بيّنة أقرع بينهما.

و كذا لو عريت دعواهما عن بيّنة.

و لو كان الملتقط أحدهما، لم يحكم له به بمجرّد اليد، إذ الترجيح لليد إنّما هو في المال، و لو كان المدّعي واحدا، فألحق به، ثمّ جاء آخر فادّعاه، لم يزل نسبه عن الأوّل.

ص: 454


1- . المبسوط: 350/3.

و قيل: لو ادّعت الأمّ بنوّته، ثبت نسبه بها، فلا يلحق بزوجها.(1)

و لو ادّعتاه امرأتان حكم لذي البيّنة، فإن سقطتا أو تعارضتا، احتمل القرعة.

و لو ادّعاه رجل و امرأة، فلا تعارض، و ألحق بهما، لاحتمال حصوله منهما عن نكاح بينهما.

و لو قال الرجل: هذا ابني من زوجتي، و صدّقته الزوجة، و قالت امرأة أخرى: إنّه ابني فهو ابن الرجل. و لا تترجّح(2) دعوى الزوجة.

6054. الثالث عشر:

لو ادّعى رقّ اللقيط مدّع، افتقر إلى البيّنة، فإن فقدت، سقطت دعواه، و البيّنة إن شهدت بالملك أو باليد، لم يثبت إلاّ بشهادة رجلين أو رجل و امرأتين أو رجل و يمين، و إن شهدت بالولادة، سمعت فيه شهادة أربع نساء، فإن شهدت باليد، فإن كان للملتقط، لم تسمع، لعلمنا بسبب يده. و تسمع إن كانت لغيره.

و إن ادّعى الرقية مدّع بعد بلوغه، كلّف البيّنة، فإن أقامها، بطلت تصرّفات اللقيط، و إن فقدت و صدّقه اللقيط، حكم عليه بالرقية إذا لم يكن ادّعى الحرّية أوّلا، و لا تبطل تصرّفاته السابقة على الإقرار.

و لو أقرّ اللقيط بالرقيّة لرجل فكذّبه، انتفت الرقيّة عنه، فإن عاد أقرّ بها لآخر، فالوجه الحكم عليه بذلك إذا لم يكذّبه الثاني.

ص: 455


1- . المبسوط: 350/3.
2- . في «ب»: و لا يرجّح.

و لو أقرّ بالرقيّة بعد النكاح، فإن كان ذكرا قبل الدخول فسد(1) النكاح في حقّه، و عليه نصف المهر، و إن كان بعد الدخول، فسد و عليه المهر كملا، و ولده حرّ كأمّه، و هل يتبع بالمهر أو يتعلّق برقبته؟(2) فيه نظر.

و لو كان في يده مال استوفي المهر منه، لأنّه لم يثبت إقراره به لسيّده بالنّسبة إليها.

و لو كان اللّقيط أنثى، فالنكاح صحيح في حقّه، فإن كان قبل الدخول، فلا مهر و إن دخل، فللسيّد أقلّ الأمرين من المسمّى و العشر أو نصفه.

و إن طلّقها بعد الدخول اعتدّت عدّة الحرّة، لأنّ العدّة حقّ الزوج في الطلاق، و لهذا لا تجب إلاّ بالدخول، و إن مات اعتدّت عدّة الأمة، لأنّ المغلّب فيها، حقّ اللّه تعالى، و لهذا وجبت قبل الدخول، و الأولاد أحرار و لا يجب قيمتهم.(3)

و إن جنى ما يوجب القصاص، فعليه القود حرّا كان المجنيّ عليه أو عبدا، لأنّ اعترافه بالرقّ، يوجب القود، و إن كانت خطأ، تعلّقت برقبته، فإن كان الأرش أكثر من القيمة و الجناية سابقة على الإقرار، استوفي ممّا في يده إن كان ذا مال، و إن جني عليه و كان الجاني حرّا، سقط القصاص، و إن اوجبت مالا يقلّ بالرقّ، وجب أقلّ الأمرين.

ص: 456


1- . في «أ»: فسخ.
2- . في «ب»: «برقيته» و الصّحيح ما في المتن. قال الشيخ في المبسوط: 354/3: و يلزمه المهر، و من أين؟ قيل فيه قولان: أحدهما في ذمّته يتبع به إذا أعتق، و الثاني يكون في رقبته يباع فيه كالجناية.
3- . في «ب»: قسمتهم.
6055. الرابع عشر:

لو اختلف اللقيط و الملتقط في أصل الإنفاق، فالقول قول الملتقط، لأنّه أمينه، و كذا لو اختلفا في قدره و لم تزد دعوى الملتقط على المعروف، و لو زادت فالقول قول اللقيط في نفي الزائد.

و لو كان للّقيط مال و أنكر الإنفاق منه، فالقول قول الملتقط، لأنّه أمين، و الوجه أنّ الملتقط لا يستقل بحفظ مال اللقيط إلاّ بإذن الحاكم مع القدرة.

الفصل الثاني: في الملتقط من الحيوان

اشارة

و فيه ثلاثة عشر بحثا:

6056. الأوّل:

الملقوط من الحيوان، يسمّى ضالّة، و أخذه في صور الجواز مكروه، إلاّ مع تحقّق التلف فيصير طلقا.

و لا يجب الإشهاد به عند أخذه، نعم يستحبّ لجواز تطرّق الموت على الملتقط.

6057. الثاني:

البعير إذا وجده في كلإ و ماء، لم يجز أخذه، و كذا لو وجد في غيرهما إذا كان صحيحا، فإن أخذه ضمنه و يبرأ بالتسليم إلى مالكه إن وجده، و لو لم يجد سلّم إلى الحاكم، ليرسله في الحمى إن كان، و إلاّ باعه الحاكم و حفظ ثمنه لمالكه.

و لا يبرأ الملتقط لو أرسله في موضع التقاطه أو في غيره.

ص: 457

و لو وجده في غير كلإ و لا ماء، و تركه صاحبه من جهد، جاز أخذه و يملكه الآخذ و لا ضمان، لأنّه كالتالف، و ليس لصاحبه المطالبة به.

6058. الثالث:

الأقرب أنّ حكم الدابّة و البقرة، حكم البعير، فإن وجدها(1)في كلإ و ماء، أو كانت صحيحة لم يجز له أخذها، لأنّها تمتنع من صغار السباع، و إن وجدها في غير كلإ و لا ماء، و تركها صاحبها من جهد، جاز أخذها و تملّكها و لا ضمان.

و في الحمير إشكال من حيث عدم صبرها عن الماء و عدم امتناعها من الذئب، فأشبهت الشاة و فارقت البعير، فالوجه جواز أخذها.

6059. الرابع:

الشاة إن وجدت في الفلاة، جاز أخذها، لأنّها لا تمتنع من صغار السباع، فهي معرّضة للتلف، و يتخيّر الواجد بين التملّك و الضمان، و بين احتفاظها أمانة في يده لصاحبها و لا ضمان، و بين الدفع إلى الحاكم ليحفظها أو يبيعها على مالكها، و يوصل ثمنها إلى صاحبها و لا ضمان.

6060. الخامس:

حكم صغار الإبل و البقر و الدابّة و الحمير، حكم الشاة لوجود المعنى المسوّغ لأخذ الشاة فيها، أمّا ما يمتنع من صغار السباع لطيرانه، كالطيور، أو لسرعته كالظباء و الصيود إذا ملكت ثمّ ضلّت، أو لنابه كالكلاب و الفهود، فلا يجوز أخذها لمشاركتها ما يمتنع لكبر جثّته كالإبل في الامتناع.

و لو كانت الصيود مستوحشة، إذا تركت رجعت إلى الصحراء و عجز عنها صاحبها، فالوجه جواز التقاطها.

ص: 458


1- . في «أ»: «فإن وجدهما» و ما في المتن يناسب لما يأتي من الضمائر.
6061. السادس:

للإمام أو نائبه أخذ الضّالّة على وجه الحفظ لصاحبها، و لا يلزمه التعريف، بل يعرّف الملتقط، و لو كان الملتقط هو الإمام أو نائبه، فالوجه لزوم التعريف لهما مع احتمال العدم، لأنّ الضوالّ تطلب عندهم، أمّا لو أخذها غير الإمام أو غير نائبه ليحفظها لصاحبها، فإنّه يضمنها، لانتفاء الولاية له عن صاحبها.

أمّا لو وجدها في موضع يخاف عليها منه، مثل أن يجدها في أرض مسبعة يغلب على ظنّه افتراس الأسد لها إن تركها على حالها، أو قريبا من دار الحرب يخاف عليها منهم، أو في بريّة لا ماء لها و لا مرعى، فالوجه جواز أخذها للحفظ و لا ضمان، فإذا حصلت في يده دفعها إلى الإمام أو نائبه و لا يملكها بالتعريف، لعدم ورود الشرع بذلك فيها.

و كلّ ما يحصل من الضوالّ عند الإمام، فإنّه يشهد عليها و يسمها بأنّها ضالّة، فإن كان له حمى تركها فيه، و إن رأى المصلحة في بيعها، باعها و حفظ ثمنها بعد أن يحلّيها(1) و يحفظ صفاتها.

6062. السابع:

إذا وجد الضوالّ في العمران لم يجز أخذها، سواء كانت ممتنعة أو لا، و لو أخذها تخيّر بين إمساكها لصاحبها أمانة، و عليه نفقتها من غير رجوع بها على المالك، و بين دفعها إلى الحاكم، فإن لم يجد الحاكم أنفق و رجع بالنفقة.

و لو كان شاة حبسها ثلاثة أيّام، فإن جاء صاحبها دفعها إليه، و إن لم يأت

ص: 459


1- . في «أ»: «يجلّاها» و هو مصحّف، و الصّحيح ما في المتن، قال الطريحي في مجمع البحرين: حلاّه تحلية: وصفه و نعته.

باعها و تصدّق بثمنها، و الوجه عندي جواز إبقائها في يده، و الإنفاق عليها من غير رجوع، و على تقدير البيع فالوجه جواز احتفاظ الثمن لصاحبها، و مع الصدقة فالوجه الضمان.

6063. الثامن:

يجوز التقاط الكلب المنتفع به، و يلزمه التعريف سنة، فإن لم يجد صاحبه، انتفع به إن شاء مع الضمان، و إن شاء احتفظه أمانة من غير ضمان.

6064. التاسع:

يجوز لكلّ أحد أخذ الضالّة في موضع الجواز من بالغ و غيره، و عاقل و غيره، و حرّ و غيره، مسلم و كافر، و ينتزع وليّ الطفل و المجنون منهما ما يجدانه و يتولّى التعريف منهما سنة، فإن لم يأت المالك فعل المصلحة من الإبقاء أمانة أو التمليك لهما.

6065. العاشر:

إذا وجد الشاة في فلاة، جاز له أكلها في الحال بإجماع العلماء، لقوله عليه السّلام: خذها فإنّما هي لك أو لأخيك أو للذئب(1) و يلزمه حينئذ الضمان، و جاز إمساكها على صاحبها، و ينفق عليها من ماله، أو يبيعها و يحتفظ ثمنها لصاحبها، و له أن يتولّى البيع بنفسه من غير إذن الحاكم، لأنّه أولى من أكلها، و الوجه وجوب التعريف كغيرها.

6066. الحادي عشر:

إذا وجد آخذ الضالّة سلطانا، رفع أمره إليه لينفق عليها أو يبيعها، و إن لم يجده أنفق من نفسه، و هل يرجع به؟ قيل: لا(2) لأنّ الحفظ

ص: 460


1- . الوسائل: 365/17، الباب 13 من أبواب اللقطة، الحديث 5 و 7 باختلاف قليل.
2- . القائل هو الحلّي في السرائر: 110/2.

واجب عليه و لا يتمّ إلاّ بالنّفقة، و لأنّه ربما تكرّرت النفقة إلى أن يستغرق ثمنها، و قيل: نعم(1) دفعا للضرر الحاصل بالالتقاط.

و لو كان للضالّة نفع كالظهر و اللّبن و الخدمة، قال الشيخ: يكون بإزاء النفقة.(2) و الوجه التقاصّ.(3)

6067. الثاني عشر:

لا يضمن الواجد للضالّة بعد الحول و التعريف إلاّ أن يقصد التملك، و لو قصد الحفظ لم يضمن إلاّ مع التفريط أو التعدّي، و لو قصد التملّك ضمن، و لو نوى بعد ذلك الاحتفاظ لم يزل الضمان، و لو قصد الحفظ ثمّ نوى التملّك، ضمن.

6068. الثالث عشر:

إذا أكل ثمن الضالّة أو نفسها، لزمه الضمان لصاحبها، و لا يجب عزل ثمنها، و لو عزل عوضها شيئا ثمّ أفلس، كان صاحب الضالّة أسوة(4)للغرماء في المعزول.

أمّا لو باعها و حفظ ثمنها فجاء صاحبها، كان الثمن مختصا به من غير مشاركة.

ص: 461


1- . و هو خيرة الشيخ في النهاية: 324. و المحقّق في الشرائع: 290/3.
2- . النهاية: 324.
3- . و على هذا فيرجع ذو الفضل بفضل ماله.
4- . قال الطريحي في مجمع البحرين: المال أسوة بين الغرماء: أي شركة و مساهمة بين غرماء المفلّس، لا ينفرد به أحدهم دون الآخر.

الفصل الثالث: في الملتقط من المال

اشارة

في الملتقط من المال و يسمّى لقطة، قال الخليل(1): اللقطة بسكون القاف المال الملقوط، و بالتحريك الملتقط(2) و قال غيره: هما سواء في أنّه المال.

و فيه أربعة و عشرون بحثا:

6069. الأوّل:

يكره أخذ اللقطة مطلقا قلّت أو كثرت، فقد روي عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال:

«إيّاكم و اللّقطة فإنّها ضالّة المؤمن و هي حريق من حريق جهنم».(3)

و قال الباقر عليه السّلام:

«لا يأكل من الضّالّة إلاّ الضّالّون»(4).

و قال الصادق عليه السّلام:

«أفضل ما يستعمله الإنسان في اللقطة إذا وجدها أن لا يأخذها، و لا

ص: 462


1- . هو الخليل بن أحمد من أئمة اللغة و الأدب، و واضع علم العروض، و هو أستاذ سيبويه النحوي، و له كتاب العين في اللغة، ولد سنة 100 و توفّي سنة 175، لاحظ ترجمته في الأعلام للزركلي: 314/2.
2- . كتاب العين: 100/5.
3- . الوسائل: 349/17، الباب 1 من أبواب اللقطة، الحديث 8؛ الفقيه: 186/3 برقم 839.
4- . الفقيه: 186/3 برقم 838، باب اللقطة و الضالّة؛ لاحظ الوسائل: 348/17، الباب 1 من أبواب اللقطة، الحديث 5.

يتعرّض لها، فلو أنّ الناس تركوا ما يجدونه لجاء صاحبه فأخذه»(1).

و تشتدّ الكراهيّة للفاسق و بالخصوص للمعسر.(2)

6070. الثاني:

اللقطة قسمان: أحدهما يجوز أخذها و لا يلزمه التعريف، و هو ما كانت قيمته أقلّ من درهم، و كذا ما يجده في كلّ موضع خرب قد باد أهله و استنكر رسمه، فإن ظهر صاحبه و أقام بيّنة، كان له الرجوع به إن كان موجودا، و بمثله(3) أو قيمته إن كان تالفا، سواء في ذلك ما قلّت قيمته عن الدرهم و ما يجده في المواضع الخربة.

6071. الثاني:

ما تزيد قيمته على ذلك، فإن وجده في الحرم. قيل: يحرم التقاطه(4) و قيل: يكره(5) و على التقديرين إن أخذه وجب عليه الأخذ بنيّة الإنشاد، و لا يجوز له أخذه بنيّة التملّك قبل الحول و لا بعده، فإن أخذه على هذا الوجه كان ضامنا، و إن أخذه بنيّة الإنشاد وجب عليه التعريف سنة، فإن جاء صاحبه، و إلاّ تخيّر بين احتفاظه دائما و بين الصدقة به.

و لا يجوز له تملّكه، فإن تصدّق به، ففي الضمان قولان: أقربهما ثبوته.

و إن وجده في غير الحرم، وجب عليه التعريف سنة، فإن جاء المالك، و إلاّ تخيّر الملتقط بعد التعريف حولا بين ثلاثة أشياء: التملّك، و الاحتفاظ لمالكها، و الصدقة بها، فإن تملّكها أو تصدّق بها، وجب عليه الضمان، و إن احتفظها أمانة، فلا ضمان.

ص: 463


1- . الفقيه: 190/3 برقم 855، باب اللقطة و الضالّة.
2- . في «ب»: المعسر.
3- . في «أ»: أو مثله.
4- . و هو خيرة المحقّق في الشرائع: 318/1، و لاحظ الأقوال في المسالك: 510/12-511.
5- . ذهب إليه الشيخ في الخلاف: 579/3، المسألة 3 من كتاب اللقطة.
6072. الثالث:

التعريف حولا إنّما يجب فيما يبقى، كالثياب و الأمتعة و الأثمان، أمّا ما لا بقاء له كالطعام، فإنّه يتخيّر بين التقويم على نفسه، ثمّ ينتفع به، فإن جاء صاحبه، دفع إليه قيمته مع التلف، و بين دفعه إلى الحاكم ليبيعه و يحفظ ثمنه لصاحبه، و لا ضمان.

و لو كان بقاء اللقطة يفتقر إلى علاج كالرطب المفتقر إلى التجفيف، تخيّر الواجد بين فعل ذلك و بين الدفع إلى الحاكم ليبيع بعضها، و يصرف ثمنها في إصلاح الباقي، أو يبيعها أجمع، و يعرّف الثمن و لا ضمان.

6073. الرابع:

يكره أخذ ما تقلّ قيمته و تكثر منفعته كالعصا و الشّظاظ(1)و العقال و الوتد و الحبل. و كذا يكره التقاط النعلين و الإدواة(2) و السوط، و قيل: يحرم.(3)

6074. الخامس:

من وجد في داره أو صندوقه شيئا لا يعرفه، فإن كان ممّن يتصرّف فيهما غيره، كان لقطة، و إلاّ كان له.

و من وجد مالا مدفونا في أرض لا مالك لها، فهو له، يخرج خمسه إن بلغ النصاب، و لو كان لها مالك أو بائع عرّفهما، فإن عرفاه فهو لهما، و إلاّ فهو للواجد بعد الخمس إن بلغ نصاب الزّكاة.

و كذا لو وجد شيئا في جوف دابّة يعرّف البائع، فإن لم يعرفه، أخرج خمسه بعد إخراج مئونة السنة، لأنّه من جملة الفوائد، و كان الباقي له.

ص: 464


1- . الشّظاظ بالكسر: عود يشد به الجوالق. مجمع البحرين.
2- . الإدواة بالكسر: المطهرة. المصباح المنير: 14/1.
3- . و هو خيرة أبي الصلاح في الكافي في الفقه: 350، و الصدوق في الفقيه: 188/3 برقم 846.

أمّا لو وجد شيئا في جوف سمكة، فهو لواجده، و لم ينصّ أكثر علمائنا على تعريف البائع هنا، و هو يعطي افتقار تملّك المباح إلى النيّة.

و سلاّر(1) و ابن إدريس(2) أوجبا تعريف البائع كالشاة.

و لو أودعه لصّ مالا، فإن علم أنّه ملكه أو جهل حاله، وجب ردّه عليه، و لو علم أنّه ليس له، لم يردّه عليه مع القدرة، فإن ردّه حينئذ ضمن، سواء كان المودع مسلما أو كافرا، ثم المستودع إن عرف المالك، وجب عليه ردّه إليه، و إن جهله، كان حكمه حكم اللقطة.

6075. السادس:

لو عرف أنّ اللقطة تتلف بترك أخذها، فالوجه استحباب أخذها لا وجوبه، و لو لم يعلم ذلك و علم من نفسه الأمانة، لم تزل كراهية الالتقاط، و لو علم الخيانة من نفسه، فالأقرب شدّة الكراهية لا التحريم.

و يستحبّ لآخذ اللقطة الإشهاد عليها، و يعرّف الشهود بعض أوصاف اللقطة لتظهر فائدة الإشهاد، و لو ترك الإشهاد، لم يضمن.

6076. السابع:

كلّ من له أهليّة الاكتساب، جاز التقاطه، فلو التقط الصبيّ أو المجنون صحّ، و تولّى التعريف عنهما وليّهما، و كذا يصحّ التقاط الكافر، و لا يجوز لهؤلاء الثلاثة الالتقاط من الحرم، لأنّهم ليسوا أهلا للأمانة(3) و في الفاسق إشكال.

ص: 465


1- . المراسم: 206.
2- . السرائر: 106/2.
3- . في «أ»: لأنّهم ليس لهم أهليّة للأمانة.

أمّا العبد، فيجوز له أخذ اللقطتين(1) معا، و في رواية عن الصادق عليه السّلام: لا يعرض المملوك لها(2).

و كذا المدبّر و أمّ الولد، و أولى بالجواز المكاتب، و لم أقف لعلمائنا على نصّ في انتزاع اللقطتين من يد الفاسق أو ضم حافظ إليه مدّة التعريف.

6077. الثامن:

إذا التقط العبد بغير إذن مولاه، تخيّر للمولى مع علمه بين الأخذ لها و التعريف، فإذا مضى الحول تملّكها(3) إن شاء و عليه الضمان، و إن أراد حفظها لصاحبها و لا ضمان، و بين إبقائها في يد العبد و لا ضمان على المولى، و قيل(4): عليه الضمان لتفريطه بالإهمال إذا لم يكن أمينا. و الوجه الأوّل.

فإذا عرّفها العبد حولا و تخيّر مولاه التملّك، فله ذلك و عليه الضمان، و لو نوى العبد التملّك لم يصحّ، و الوجه أنّه حينئذ يكون ضامنا يتبع بها بعد العتق.

و لو أتلفها العبد من غير علم مولاه، تعلّق الضّمان بذمّة العبد، و للمولى الخيار إن شاء عرّف بنفسه، و إن شاء عرّف العبد و يملك، و من جوّز تمليك العبد(5) مع إذن المولى، لو أذن له مولاه في التملّك بعد الحول، ملك العبد و ضمن السيّد، و إن شاء المالك بيع العبد.

ص: 466


1- . أي لقطة الحرم و لقطة الحلّ.
2- . الوسائل: 370/17، الباب 20 من أبواب اللقطة، الحديث 1 (و فيه: فلا يعرض لها المملوك).
3- . في «ب»: ملكها.
4- . القائل هو الشيخ في المبسوط: 325/3.
5- . كذا في النسختين، و لعلّ الصحيح «تملّك العبد».

و لو تلفت اللقطة في يد العبد قبل الحول، فلا ضمان إلاّ مع التفريط فيتبع بها حينئذ، و كذا لو تلفت بعد الحول إذا لم ينو السيد التملّك.

6078. التاسع:

إذا التقط الصبيّ انتزعه الوليّ من يده، و يتملّك له بعد مدّة التعريف، و لو أتلف الصبيّ ضمن، و إن تلف من يده، احتمل الضمان، لأنّه ليس أهلا للأمانة، و لم يسلّطه المالك عليه بخلاف الإيداع.

فان قصّر الوليّ و لم ينتزعه من يد الصبيّ حتّى أتلفه، أو تلف في يده، فالضمان على الوليّ، و كذا البحث في المجنون.

6079. العاشر:

لو أعتق السيّد عبده بعد الالتقاط، كان له انتزاعها من يده، لأنّه اكتساب، و الأقرب أنّه لا يشترط في التقاط العبد إذن المولى.

و لو علم العبد الخيانة من مولاه سترها عنه، و سلّمها إلى الحاكم ليعرّفها، ثمّ يدفعها إلى سيّده بعد الحول بشرط الضمان.

و لو أعلم سيّده الخائن بها، فلم يأخذها، أو أخذها منه و عرّفها حولا ثمّ تلفت من غير تفريط من أحدهما، فلا ضمان.

و إن خان المولى في التعريف، تعلّق الضمان بمن شاء المالك منهما.

و المكاتب المشروط إذا عجز بعد التقاطه، فحكمه حكم العبد القنّ، أمّا قبل العجز، فحكمه حكم الحرّ، و كذا المطلق حكمه حكم الحرّ مطلقا.

و من انعتق بعضه إن كان بينه و بين مولاه مهاياة(1) دخلت في

ص: 467


1- . قال الطريحي في مجمع البحرين: المهاياة في كسب العبد انّهما يقسمان الزمان بحسب ما يتّفقان عليه، و يكون كسبه في كلّ وقت لمن ظهر له القسمة.

المهاياة، فتكون لمن التقطت في يومه، و إن لم تكن مهاياة، فهي بينهما.

و لو كان العبد مشتركا بين اثنين. فلقطته لهما.

6080. الحادي عشر:

لا يملك [الملتقط] اللقطة قبل الحول و إن نوى التملّك، و عليه الضمان مع النيّة و لا يبرأ بالرجوع إلى نيّة الحفظ، نعم لو نوى قبل الحول التملّك بعده، فلا ضمان قبل الحول، و عليه الضمان بعده.

و هل يدخل في ملكه بعد الحول بمجرد هذه النية السابقة أو يفتقر إلى نيّة أخرى؟ الأقوى الأوّل، و لو لم ينو قبل الحول ثم حال الحول، ففي دخول اللقطة في ملكه من غير نيّة التملّك قولان: أقواهما عندي عدم الدخول، فلا ضمان حينئذ ما لم يفرّط أو ينوي التملّك.

و النّماء الحاصل قبل النيّة و بعد الحول للمالك، و لا زكاة على المالك و لا على الملتقط.

و يثبت ضدّ هذه الأحكام، لو قلنا بالدخول بغير اختياره.

6081. الثاني عشر:

إذا عرّفها حولا جاز له أن يتملّكها، سواء كان غنيّا أو فقيرا. و لا تجب الصدقة بها، و لا يفتقر في تملّكها إلى قوله: اخترت تملّكها، بل تكفي النيّة، و لا يفتقر إلى التصرّف أيضا.

و يملك الملتقط اللّقطة ملكا مراعى يزول بمجيء صاحبها، فإن وجدها المالك، كان أحقّ بها، و ليس للملتقط دفع القيمة أو المثل إلاّ برضاه على إشكال.

و لو وجدها المالك معيبة، فإن كان الملتقط نوى التملّك، وجب عليه الأرش، سواء كان من قبله أو قبل غيره.

ص: 468

و لو طلب المالك المثل أو القيمة، فالوجه عدم الوجوب على الملتقط، و إن لم يكن نوى التملّك لم يجب عليه أرش إلاّ أن يكون بتفريطه.

و لو تعذّر ردّ اللقطة بعد التملّك، وجب على الملتقط المثل إن كان مثليّا و إلاّ القيمة، و الوجه أنّ القيمة المعتبرة هي قيمة وقت التملّك.

و هل يملك الملتقط اللقطة بعد التعريف و النيّة بغير عوض ثبت في ذمّته، و إنّما يتجدّد العوض في ذمّته بمطالبة المالك، كما يتجدّد ملك الزوج لنصف الصّداق بالطلاق، أو بعوض ثابت في ذمّته لصاحبها؟ فيه احتمال، قال الشيخ في بعض كتبه(1): يضمن بمطالبة المالك لا بنيّة التملك و في أكثر كتبه: الضمان يتعلّق به مع النيّة.(2)

و لو مات الملتقط بعد التعريف و نيّة التملّك، انتقلت إلى ورثته كذلك، و لو كان قبل التعريف عرّفوها و تعلّقت الأحكام بهم كتعلّقها بالمورّث.

6082. الثالث عشر:

التعريف واجب على الملتقط سواء نوى التملك بعد الحول أو الاحتفاظ، لعموم الأمر به، و لأنّ فائدة الحفظ وصولها إلى المالك، و إنّما يتمّ بالتعريف، و مدّة التعريف حول.

و يجب أن يكون الحول عقيب الالتقاط بلا فصل، لقولهم عليهم السّلام: فإن ابتليت فعرّفها سنة(3) عقب بالفاء.

ص: 469


1- . المبسوط: 330/3-331.
2- . لاحظ النهاية: 320؛ الخلاف: 581/3، المسألة 5 من كتاب اللّقطة.
3- . الوسائل: 350/17، الباب 2 من أبواب اللقطة، الحديث 3.

و وقته النّهار دون اللّيل، و ينبغي أن يكثر من التعريف في يوم الوجدان، و بعده على التدريج، و لا يجب التّوالي في السنة، و لو فرّق التعريف جاز، قيل(1):

و أقلّ ما يعرّف في الأسبوع دفعة.

و إيقاعه بالغدوات و العشيّات عند اجتماع الناس في أيّام المواسم و الأعياد و أيّام الجمع و مجتمعات الناس.

و مكانه الأسواق و أبواب المساجد و الجوامع و مجامع الناس، كالمشاهد و غيرها.

و ينبغي أن يكون في موضع الالتقاط إن كان في بلده،(2) و لو سافر به لزمه التعريف في السفر في أيّ بلد أراد، و كذا لو وجده في الصحراء، و يكره داخل المسجد.

و كيفيّته أن يذكر الجنس خاصّة، فيقول: من ضاع له ذهب أو فضّة، و لو أبهم أزيد كان أولى، فيقول من ضاع له مال أو شيء.

و له أن يتولّى التعريف بنفسه و بنائبه، فإن وجد متبرّعا، و إلاّ استأجر من مال الملتقط، و لا يرجع به على المالك، سواء قصد الحفظ [لصاحبها] أو التملّك بعد التعريف، و كذا لقطة ما لا يصحّ تملّكه بعد التعريف.

و لو دفع الملتقط من اللّقطة شيئا إلى من يعرّفها، لزمه ضمانه للمالك.

6083. الرابع عشر:

تأخير التعريف حرام، فلو أخّره عن الحول الأوّل مع

ص: 470


1- . القائل هو الحلّي في السرائر: 112/2.
2- . في «ب»: في بلد.

إمكانه، أثم، و لا يسقط التعريف عنه بالتأخير، و لو تركه بعض الحول عرّف باقيه و في الحول الثاني ما ترك من الأوّل.

و على كلّ التقديرين له التملّك بعد التعريف حولا، و كذا إذا صار ضامنا و عرّف سنة تملّكها إن شاء، و قيل: لا يجب التعريف إلاّ مع نيّته التملّك.(1)

و ليس بجيّد، لما فيه من خفاء حالها عن المالك.

و لا يجوز تملّكها إلاّ بعد التعريف و إن بقيت أحوالا، و هي في مدّة الحول أمانة لا يضمنها الملتقط إلاّ مع التعدّي أو نيّة التملّك، و لو أخّر التعريف لا بنيّة التملّك، ففي الضمان إشكال، أقربه العدم.

و لو تلفت في حول التعريف من غير تفريط، فهي من المالك، و لو زادت فيه فهي للمالك أيضا، سواء كانت الزيادة متّصلة أو منفصلة و بعد التعريف حولا إن نوى التملّك ضمن.

و لو جاء المالك [بعد نيّة التملّك] فهل له الانتزاع؟ قيل: لا، بل له المثل أو القيمة إن لم تكن مثليّة.(2) و عندي فيه نظر، أمّا الزّيادة المنفصلة فإنّها للملتقط إذا حصلت بعد الحول، و المتّصلة للمالك، و لو لم ينو التملّك، فالزيادة المنفصلة بعد الحول للمالك أيضا، فإن جدّد نيّة التملّك بعد النماء، ملك النماء، فإذا جاء المالك طالبه كالأصل.

6084. الخامس عشر:

لو كان الملتقط اثنين فعرّفاها حولا، ملكاها جميعا عند

ص: 471


1- . و هو خيرة الشيخ في المبسوط: 322/3.
2- . و هو خيرة المحقّق في الشرائع: 295/3.

بعض علمائنا.(1) و عندي انّهما يملكان بالاختيار و النيّة، فلو اختار أحدهما التملّك دون الآخر ملك نصفها و ضمنه، و لا ضمان على صاحبه.

و الاعتبار بالأخذ، فلو رأياها معا فبادر أحدهما فأخذها، أو رآها أحدهما فأعلم بها صاحبه فأخذها، فهي للآخذ.

و لو أمره بإعطائه إيّاها فأخذها، فإن كان قد أخذها لنفسه، فهي له دون الآمر، و إن كان قد أخذها للآمر فهي للآمر على إشكال.

6085. السادس عشر:

كلّما جاز التقاطه في غير الحرام جاز تملّكه، سواء كان من الأثمان أو العروض، و إذا التقط عازما على تملّكها بغير تعريف، فعل محرّما و ضمن، سواء كان عرّفها أو لا، و يملك مع التعريف حولا.

6086. السابع عشر:

لو جاء المالك و عرفها و وصف الأوصاف الخفيّة كالقدر و النقد، و الوكاء(2)، و العفاص(3)، لم يجب على الملتقط دفعها إليه، و لو أقام بيّنة وجب، فإن تبرّع الملتقط بالدفع إلى الواصف لم يمنع منه، و لو امتنع لم يجبر على التسليم، فإن دفعها بالوصف، فأقام آخر بيّنة بها، سلّمت إليه، فإن كانت تالفة تخيّر في مطالبة أيّهما شاء، فإن رجع على الملتقط، رجع الملتقط على الآخذ ما لم يكن قد اعترف له بالملك، و إن رجع على الآخذ لم يرجع الآخذ على الملتقط.

و لو أقاما بيّنتين و لا ترجيح، فالقرعة، فإن خرجت للثاني، انتزعت من

ص: 472


1- . الشيخ في المبسوط: 323/3.
2- . قال الطريحي في مجمع البحرين: الوكاء - بالكسر و المدّ - خيط يشدّ به السرة و الكيس و القربة و نحوها.
3- . في المصباح المنير: 79/2: العفاص: الوعاء الّذي تكون فيه النفقة من جلد أو خرقة أو غير ذلك.

الأوّل، و لو كانت تالفة لم يضمن الملتقط إن كان دفع بحكم الحاكم، و يضمن إن كان باجتهاده.

و لو أقام الأوّل بيّنة بعد تملّك الملتقط، فدفع العوض إليه ضمن الملتقط للثاني مطلقا، لأنّ الحقّ في ذمّته لم يتعيّن بالدفع إلى الأوّل، و يرجع الملتقط على الأوّل لتحقّق فساد الحكم، ما لم يكن قد اعترف له بالملكية، و ليس للثاني الرجوع على الأوّل، لأنّ مقبوضه مال الملتقط لا اللّقطة.

و لو وصفها الأوّل من غير بيّنة فدفعت إليه، ثمّ وصفها الثاني بغير بيّنة، أقرّت في يد الأوّل، و لا ضمان.

و لو جاء مدّع لها من غير وصف و لا بيّنة، لم يجز دفعها إليه، سواء ظنّ كذبه أو صدقه، لأنّها أمانة فلا تدفع إلى غير مالكها، فإن دفعها إليه الملتقط ضمن، و له استعادتها.

و لو أقام آخر بيّنة انتزعت له، فإن هلكت رجع على من شاء، فإن رجع على الدافع رجع على الآخذ، و إن رجع على الآخذ لم يرجع على الدافع.

6087. الثامن عشر:

إذا جوّزنا للمالك أخذ العين الملتقط بعد التملّك قهرا، فوجدها قد خرجت منه ببيع أو هبة أو غيرهما، لم يكن له الرجوع فيها، و له البدل: المثل أو القيمة، و لو رجعت إلى الملتقط بفسخ أو شراء أو غيرهما فللمالك أخذها إن لم يكن أخذ البدل، و إن كان قد أخذه استقرّ ملك الملتقط.

و إذا اختلف المالك و الملتقط في المثل أو القيمة، فالقول قول الملتقط مع يمينه.

ص: 473

6088. التاسع عشر:

لو أخذ اللّقطة(1) ثم ردّها إلى موضعها ضمنها، و لو دفعها إلى الحاكم فلا ضمان، و نقل ابن إدريس وجوب الضمان إذا دفع الحيوان إلى الحاكم.(2) و لقطة الحرم كذلك إذا ردّها إلى موضعها لم يبرأ.

و لو ضاعت اللّقطة من ملتقطها بغير تعريف فلا ضمان عليه، فإن التقطها آخر و عرف أنّها ضاعت من الأوّل وجب عليه ردّها إليه، و ان لم يعرف فعرّفها حولا كان له تملّكها، فإن تملّكها لم يكن للأوّل نزعها منه، و إن لم ينو التملّك، احتمل رجوع الأوّل بها على ضعف، فإن جاء صاحبها أخذها من الثاني، و ليس له مطالبة الأوّل، لعدم تفريطه.

و لو دفعها الثاني إلى الأوّل فامتنع و قال: عرّفها أنت، فعرّفها حولا ملكها، لأنّ الأوّل ترك حقّه، و لو قال: عرّفها و [يكون] ملكها لي، كان نائبا فيملكها الأوّل.

و لو قال: عرّفها و تكون بيننا صحّ، لأنّه أسقط حقّه من النصف، و وكّله في الباقي.

و لو قصد الثاني بالتعريف تملّكها لنفسه، احتمل أن يملكها الثاني أو الأوّل، و كذا لو علم الثاني بالأوّل فعرّفها و لم يعلمه بها.

و لو غصبها غاصب من الملتقط فعرّفها لم يملكها، لأنّه لم يوجد منه سبب الملك و هو الالتقاط، بخلاف الملتقط الثاني.

ص: 474


1- . في «أ»: «اللقيط» و الصحيح ما في المتن.
2- . لاحظ السرائر: 100/2.
6089. العشرون:

لو اصطاد سمكة فوجد فيها درّة فهي له، فإن باعها الصيّاد و لم يعلم، فقولان: أحدهما يعرّفها البائع، فإن طلبها، كان له أخذها، و هو الوجه عندي، و الثاني للمشتري، و كذا لو وجد في جوفها عنبرة أو شيئا ممّا يخلق في البحر، و لو وجد دراهم أو دنانير، فالوجه أنّها لقطة، لأنّها لا تخلق في البحر، و كذا الدّرة المثقوبة أو المتّصلة بذهب أو فضّة فهي لآدميّ، فإن وجدها الصيّاد لزمه التعريف، لأنّه الملتقط، و إن وجدها المشتري فعليه التعريف.

و أطلق علماؤنا القول في ذلك، فأوجبوا تعريف البائع، فإن عرفها فهي له، و إلاّ أخرج الخمس و حلّ له الباقي و لم يجعلوه كاللقطة.

و لو اصطاد غزالا فوجده مخضوبا، أو في عنقه حرزا، أو في أذنه قرطا، أو نحو ذلك، فهو لقطة.

و لو ألقى شبكة في البحر فوقعت فيها سمكة، فجذبت الشبكة فمرّت بها في البحر، فصادها رجل، فالسمكة له و الشبكة يعرّفها، و كذا لو نصب فخّا فوقع فيها صيد، فأخذه فذهب به و صاده آخر، فهو لمن صاده و الآلة لقطة.

و لو ذهب الكلب أو الفهد أو الصقر عن صاحبه، فدعاه فلم يجبه، و مشى في الأرض أيّاما فسقط في دار رجل، فدعاه فأجابه، ردّه إلى مالكه، و كذا لو دعاه فلم يجبه فصاده بشبكة.

و لو أخذت ثيابه من الحمّام فوجد بدلها، لم يكن له أخذها، فإن أخذها كانت لقطة، و لو وجد قرينة تدلّ على أنّ صاحبها تركها عوضا عمّا أخذه، بأن كانت المأخوذة أجود و لم يقع اشتباه، احتمل القول بإباحة التصرّف من غير تعريف، لأنّ مقصود التعريف إعلام صاحبها بها.

ص: 475

و لو دلّت القرينة على الاشتباه، بأن كانت المتروكة أجود، عرّفها، فإن باعها بعد الحول ملك من ثمنها قدر قيمة ثيابه، و كان الباقي لقطة يملكها و يغرمه للمالك، و لا فرق بين أن يبيعها بعد الحول بإذن الحاكم أو بدون إذنه، أمّا لو باع قبل الحول بإذن الحاكم، فالحكم فيه كذلك، و إن باعها بدون إذنه، لم يصحّ البيع و كان لصاحبها فسخه و إلزام من شاء بأرش النقص بالاستعمال و الأجرة.

و لو التقط في دار الحرب و ليس فيها مسلم، فالوجه أنّها له من غير تعريف، بناء على الظاهر إلاّ أن يكون دخل دارهم بأمان، فيلزمه التعريف، و كذا لو كان فيها مسلم، و يملكها دون الجيش.

6090. الواحد و العشرون:

إذا مات الملتقط قبل تمام التعريف، عرّفها الوارث باقي الحول. و لا يفتقر إلى الاستئناف، ثمّ يتخيّر في التملّك و الاحتفاظ، و إن مات بعده و بعد التملّك، ورثها الوارث، فإن جاء صاحبها أخذها من الوارث، و يحتمل وجوب القيمة أو المثل لا العين.

و لو كانت معدومة فالمالك غريم للميّت بمثلها أو بالقيمة، و يشارك الغرماء.

و لو لم ينو التملّك، كان للوارث نيّة ذلك، و يكون الغريم هو دون الميّت.

و لو لم ينو الوارث التملّك أيضا، فهي أمانة لا يضمنها إلاّ بالتعدّي.

و لو لم يعلم تلفها و لم توجد في تركة الميّت، فالمالك غريم، لأنّ الأصل البقاء، و يحتمل عدم اللزوم، لأنّ الأصل براءة الذمّة مع احتمال التلف بغير تفريط، و كذا البحث في الوديعة.

ص: 476

6091. الثاني و العشرون:

لو عرف اللّقطة، أو الضالّة، أو المنبوذ، أو العبد المغصوب أو الآبق في غير بلده، فأقام بيّنة تشهد على شهوده بالصّفة، لم تدفع إليه، لاحتمال التساوي في الأوصاف مع اختلاف الأعيان، و يكلّف إحضار الشهود ليشهدوا بالعين.

و لا يجب حمل العبد إلى بلد الشهود، سواء تعذّر حمل الشهود أو لا، و لا بيعه على من يحمله، و لو رأى الحاكم ذلك صلاحا جاز، فإن تلف العبد قبل الوصول أو بعده و لم يثبت دعواه، ضمن المدّعي القيمة و الأجرة.

6092. الثالث و العشرون:

لو ترك دابّة بمملكة من جهد، ملكها الآخذ لها، و لو تركها ليرجع إليها أو ضلّت عنه، فهي لمالكها، و عليه النفقة إذا نوى الآخذ الرجوع به، و لو ترك متاعا، لم يملكه آخذه، لأنّه لا يخشى عليه التلف كالحيوان، و كذا العبد للعادة بإمكان تخلّصه، و لو أخذ العبد أو المتاع ردّهما إلى المالك.

و هل يستحق أجرة تخلّصهما؟ فيه نظر، أقربه الثبوت إن كان قد جعل المالك له جعلا، و إلاّ فلا.

و ما ألقاه ركاب البحر فيه لتسلم السّفينة، فالأقرب أنّه لمخرجه إن أهملوه، و إن رموه بنيّة الإخراج له، فالوجه أنّه لهم، و لا أجرة لمخرجه مع التبرع.

و لو انكسرت السفينة فأخرج بعض المتاع بالغوص و أخرج البحر بعض ما غرق فيها، ففي رواية عن الصادق عليه السّلام: إنّ ما أخرجه البحر لأهله، و ما أخرج بالغوص، فهو لمخرجه(1). و ادّعى ابن إدريس الإجماع على هذا الحديث.(2)

ص: 477


1- . الوسائل: 362/17، الباب 11 من أبواب اللقطة، الحديث 2.
2- . السرائر: 195/2 - كتاب القضايا و الأحكام، باب النوادر -.
6093. الرابع و العشرون:

إذا وجد ما دون الدرهم حلّ له التصرّف فيه من غير تعريف، فإن أقام صاحبه البيّنة دفعه الملتقط إليه، و إن كان تالفا ضمن القيمة، و كذا ما يجده في المواضع الخربة.

و لو وجد ما زاد على الدرهم فاشترى به جارية، ثمّ جاء المالك، كان له المطالبة بالمال، و لا يجب عليه أخذ البنت(1)، فإن أجاز شراءه [لها] انعتقت بعد ذلك و لم يجز له بيعها.

و التحقيق أنّ الملتقط إن اشترى بعين المال قبل السّنة(2)، كان الحكم ما قاله الشيخ رحمه اللّه و إن اشترى في الذمّة أو بعد الحول لنفسه، كانت الجارية للملتقط و عليه المال.

و من وجد كنزا في دار انتقلت إليه بميراث، كان له و لشركائه في الميراث، و إن انتقلت إليه بالبيع، عرّف البائع، فإن عرفه و إلاّ أخرج خمسه إن بلغ النصاب، و كان الباقي له.

و إذا وجد الطعام فأكله لم يسقط عنه التعريف، و لا فرق في إباحة الطعام بين وجدانه في الصحراء أو البلدان، فلا يجب بيعه في البلد.

ص: 478


1- . كلام الشيخ في النهاية أوضح من كلام المصنف: قال رضي اللّه عنه: و متى اشترى بمال اللقطة جارية، ثمّ جاء صاحبها، فوجدها بنته، لم يلزمه أخذها، و كان له أن يطالبه بالمال الّذي اشترى به ابنته، و لا تحصل هذه البنت في ملكه، فتكون قد انعتقت به، بل هي حاصلة في ملك الغير، و هو ضامن لماله الّذي وجده، فإن أجاز شراءه لها انعتقت بعد ذلك و لم يجز له بيعها. النهاية: 321.
2- . في «أ»: قبل البيّنة.

كتاب إحياء الموات

اشارة

ص: 479

ص: 480

المشتركات أربعة: الأراضي، و المعادن، و المياه، و المنافع فها هنا فصول(1)

الفصل الأوّل: في أقسام الأراضي

اشارة

و فيه أحد عشر بحثا:

6094. الأوّل:
اشارة

قسّم علماؤنا الأرضين أربعة أقسام:

القسم الأوّل:

أرض من أسلم عليها أهلها طوعا من غير قتال، كأرض المدينة، و هي إمّا عامرة و إمّا موات، فالعامر لأربابه ملك لهم يصحّ لهم بيعه و وقفه و سائر أنواع التصرّفات. قال الشيخ رحمه اللّه: فإن تركوها خرابا، أخذها الإمام و قبّلها من يعمرها، و أعطى صاحبها طسقها،(2) و أعطى المتقبّل حصّته، و الباقي يترك في بيت مال المسلمين لمصالحهم.(3) و منع ابن إدريس ذلك و جعل الأرض لمالكها لا يتصرّف أحد فيها من غير إذنه.(4) و أمّا الموات فهي للإمام خاصّة لا

ص: 481


1- . في «ب»: و فيه فصول.
2- . قال الطريحي في مجمع البحرين: الطسق - كفلس - الوظيفة من خراج الأرض المقررة عليها. قال الحلّي في السرائر: 477/1: الطسق: الوضيعة توضع على صنف من الزرع، لكلّ جريب، و هو بالفارسية: تنسك، و هو كالأجرة للإنسان، فهذا حقيقة الطسق.
3- . لاحظ المبسوط: 235/1، كتاب الزكاة؛ النهاية: 194، كتاب الزكاة.
4- . السرائر: 477/1، كتاب الزكاة، باب أحكام الأرضين.

يملكه أحد بالإحياء ما لم يأذن له الإمام، و إذنه شرط، و مع الإذن يملكه المحيي.

القسم الثاني:

ما أخذ بالسيف عنوة، و هي إمّا عامرة وقت الفتح، و إمّا موات، فالعامرة للمسلمين قاطبة المقاتلة و غيرهم، و الإمام يقبّلها لمن يقوم بعمارتها بما يراه من النصف أو الثلث أو الربع أو غير ذلك، و على المتقبّل إخراج ما قبل به، يخرج منه الإمام الخمس لأربابه و الباقي يضعه في بيت مال المسلمين(1)يصرف في مصالحهم من سدّ الثغور، و تجهيز العساكر، و بناء القناطر، و غير ذلك من المصالح.

و لا زكاة فيما يؤخذ من حقّ الرقبة، لأنّ نصيب كلّ واحد من المسلمين لا يبلغ النصاب، و ما يبقى بعد ذلك للمتقبّل، يخرج منه الزكاة إن بلغ نصابا.

و ليس لأحد بيع شيء من رقبة هذه الأرض و لا وقفها و لا هبتها و لا غير ذلك، لاشتراك المسلمين فيها قاطبة، و للإمام أن يقبّلها من متقبّل إلى غيره عند انقضاء المدّة.

و لو ماتت لم يصحّ إحياؤها، لأنّ المالك لها معروف، و هو المسلمون قاطبة.

و أمّا الموات منها وقت الفتح فإنّها للإمام خاصّة.

القسم الثالث:

أرض الصلح، و هي أرض الجزية، صالح أهلها عليها، و يلزمهم ما صالح الإمام عليه من النصف أو الثلث أو غير ذلك، و ليس عليهم غيره.

فإذا أسلموا، كان حكم أرضهم حكم أرض من أسلم أهلها عليها طوعا،

ص: 482


1- . في «أ»: في بيت المال.

و يسقط عنهم الصلح، لأنّه يؤخذ جزية، و لو باعوا أرضهم من مسلم انتقلت الجزية إلى رءوسهم، و لو صولحوا على أنّ الأرض للمسلمين، كان حكمها حكم المفتوح عنوة.

و هؤلاء يملكون أرضهم، و يصحّ لهم التصرّف فيها بالبيع و الشراء و غيرهما من أنواع التصرّفات.

و للإمام أن يزيد و ينقص في مال الصلح بعد انقضاء مدّة الصّلح بحسب ما يراه من زيادة الجزية و نقصانها.

القسم الرابع:

كلّ أرض انجلى أهلها عنها، أو كانت مواتا فأحييت، فإنّها للإمام خاصّة، و له التصرّف فيها بالبيع و الهبة و الشراء و غير ذلك حسب ما يراه، و كان له أن يقبّلها من شاء بما شاء، و نقلها بعد مدّة القبالة من متقبّل إلى غيره إلاّ الأرض الّتي أحييت بعد مواتها، فان المحيي أولى بالتصرّف فيها ما دام يتقبّلها غيره بما يتقبّلها، فإن امتنع، كان للإمام نقلها عنه، و على المتقبّل الزكاة إن بلغ نصيبه النصاب، و كذا الإمام.

و تلخيص هذا: أنّ البلاد ضربان: بلاد الإسلام و بلاد الشرك، فبلاد الإسلام إمّا عامرة، و هي لأربابها خاصّة، و إمّا موات، فإن لم يجر عليها ملك مسلم، فهي للإمام خاصّة، و إن جرى عليها ملك ثمّ عطلت، فإن كان المالك أو وارثه معلوما، فهو أحقّ بها.

و لا تخرج بخرابها عن التملك لصاحبها، و لا يصحّ لغيره إحياؤها، و إن لم يكن صاحبها معيّنا، فهي للإمام خاصّة لا يملكها المحيي من دون إذن الإمام.

ص: 483

و بلاد الشرك عامرها لهم و مواتها للإمام إن لم يجر عليها ملك أحدهم، و إن جرى عليها ملك أحد، فإن تعيّن فهي له، و إن لم يكن معلوما، فهي للإمام.

و لا فرق بين القسمين إلاّ في شيء واحد، و هو أنّ بلاد الشرك تملك بالقهر و بلاد المسلمين لا تملك بذلك.

6095. الثاني:

الموات هو ما لا ينتفع به لعطلته، إمّا لانقطاع الماء عنه، أو لاستيلاء الماء عليه، أو لاستيجامه، أو لغير ذلك، و بالجملة الأرض الخراب الدارسة يقال لها موات، و تسمّى ميتة و موتانا بفتح الميم و الواو، و أمّا الموتان بضم الميم و سكون الواو، فهو الموت الذريع، و رجل موتان القلب بفتح الميم و سكون الواو فهو الّذي لا يفهم.

و يتعلّق بها أحكام ثلاثة: إحياء و حمى و إقطاع، و قد بيّنا أنّ هذه الأرض للإمام خاصّة ليس لأحد إحياؤها إلاّ بإذنه، و إذنه شرط في الإحياء، سواء كان قريبا من العمران أو لم يكن.

و الذمّي لا يملك بالإحياء، و لو أذن له الإمام فالوجه أنّه يملكه و إن كان في بلاد الإسلام، و لو بادر مبادر فأحياها، لم يملكها من دون إذنه.

و لو كان الإمام غائبا كان المحيي أحقّ بها ما دام قائما بعمارتها، فإن تركها فزالت آثاره فأحياها غيره، كان الثاني أحقّ، فإذا ظهر الإمام، كان له رفع يده عنها.

و ما هو بقرب العامر يصحّ إحياؤه إذا لم يكن مرفقا له.

6096. الثالث:

المرجع في الإحياء إلى العادة لعدم تنصيص الشارع عليه، و يختلف باختلاف الغايات، فما يطلب سكناه يفتقر إلى الحائط، و لو بخشب، أو

ص: 484

قصب، و السقف في بعضه، و ما يطلب حظيرة يفتقر إلى الحائط خاصّة، و لا يشترط فيه السقف و لا تغليق الباب.

و ما يطلب للزراعة يفتقر إلى التحجير بالمرز أو المسناة و سوق الماء إليها بساقية و شبهها، و لا يشترط الحرث و لا الزرع، و لو زرع أو غرس و ساق الماء، تحقّق الإحياء.

و لو عضد الشجر في المستأجمة أو قطع الماء عن المغارق.(1) و هيّأها للعمارة كان إحياء.

و لو نزل منزلا فنصب فيه شعرا أو خيمة لم يكن إحياء، و أمّا التحجير فيكون بنصب المروز أو حفر الخندق.

6097. الرابع:
اشارة

يشترط في التملك بالإحياء أمور ستّة:

الأمر [الأوّل:

أن لا يكون مملوكا لمسلم، فإنّ ذلك يمنع من مباشرة الإحياء، و الموات إذا ذبّ عنها الكفّار في أرضهم فاستولى عليها طائفة، لم يملكوا بالاستيلاء، و لا تحصل لهم الأولويّة من دون الإحياء.

الأمر الثاني:

أن لا يكون حريما للعامر، كالطريق، و الشرب، و حريم البئر، و العين، و الحائط.

الأمر الثالث:

أن لا يضعه الشارع موطنا للعبادة، كعرفة، و المشعر، و منى، و لو عمّر ما لا يتضرّر به المتعبّدون كاليسير، ففي الجواز نظر أقربه العدم.

ص: 485


1- . و في الشرائع: 276/3 مكان تلك الجملة: «و كذا لو قطع عنها المياه الغالبة، و هيّأها للعمارة» و على هذا فالمراد الأراضي الّتي يغلب عليها الماء، فتجفّف للعمارة.
الأمر الرابع:

أن لا يكون محجّرا، فلو سبق المحجّر لم يجز إحياؤه، و للمحجّر منعه من الإحياء، فإن قهره فأحياها، لم يملك.

الأمر الخامس:

أن لا يكون مقطعا من إمام الأصل، كما أقطع النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بلال بن الحرث العقيق، و أقطع الزبير حضر(1) فرسه يعني عدوه فأجرى فرسه حتّى قام [الفرس] و رمى بسوطه، فقال: «أعطوه من حيث وقع السوط»(2) و حكمه قبل الإحياء، حكم المتحجّر فليس لأحد إحياؤه.

الأمر السادس:

أن لا يكون قد حماه النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و لا إمام الأصل مع بقاء الحاجة، فإنّ ذلك يفيد المنع من المشاركة.

6098. الخامس:

التحجير لا يفيد ملكا بل أولويّة و اختصاصا، فإن نقله إلى غيره كان الثاني بمنزلته، و لو مات فوارثه أحقّ به، و لو باعه لم يصحّ، لأنّه لم يملكه.

و إذا اقتصر على التحجير و أهمل العمارة ألزمه الإمام بالإحياء أو التخلية بينها و بين غيره، فإن امتنع أخرجها من يده، و لو سئل الإمهال لعذر أنظر.

و لو أحياه غيره في مدّة الإنظار لم يملكه، و إن أحياه بعد المدّة ملكه المحيي.

6099. السادس:

حدّ الطريق في المواضع المبتكرة في أرض المباحة خمس

ص: 486


1- . الحضر بضم الحاء: العدو. تهذيب اللغة: 200/4، و المراد من حضر فرسه: أي قدر ما يعدو عدوة واحدة، و نصبه على تقدير مضاف، أي قدر حضر فرسه.
2- . لاحظ سنن أبي داود: 173/3-178، باب إقطاع الأرضين؛ و المبسوط للشيخ الطوسي: 3 / 274؛ و المسالك: 418/12؛ و مستدرك الوسائل: 122/17، الباب 12 من أبواب كتاب إحياء الموات، الحديث 4؛ و المغني لابن قدامة: 164/6-165.

أذرع، و قيل: سبع أذرع(1) و هو الأقوى فيتباعد الثاني عن الأوّل بهذا القدر.

و حريم الشرب مطرح ترابه و المجاز على جانبيه(2) و لو كان النهر في ملك آخر فتنازعا في حريمه، قضي به لصاحب النهر بناء على الظاهر على إشكال.

و حريم بئر المعطن و هي الّتي يستقى منها لشرب الإبل أربعون ذراعا، فلو أراد الثاني حفر بئر أخرى ليستقي إبله تباعد هذا القدر.

و حريم الناضح و هي الّتي يسقى منها بالناضح و هو الجمل لسقي الزرع ستّون ذراعا، فيتباعد الثاني في بئر ناضحه هذا القدر.

و حدّ ما بين العين إلى العين خمسمائة ذراعا في الأرض الصلبة، و ألف ذراع في الرخوة.

و روى محمد بن علي بن محبوب قال: كتب رجل إلى الفقيه عليه السّلام في رجل كانت له قناة في قرية فأراد رجل أن يحفر قناة أخرى فوقه فما يكون(3) بينهما في البعد حتّى لا تضرّ بالأخرى في أرض إذا كانت صعبة أو رخوة؟ فوقّع عليه السّلام:

على حسب أن لا يضرّ أحدهما بالآخر(4).

ص: 487


1- . و هو خيرة الشيخ في النهاية: 418.
2- . قال في المسالك: 410/12: المراد بالشرب هنا النهر و القناة و نحوهما ممّا يجري فيه الماء فإنّ حريمه مقدار ما يطرح فيه ترابه إذا احتيج إلى إخراجه منه، و مشي مالكه على حافّتيه، للانتفاع به لإصلاحه.
3- . في المصدر: كم يكون.
4- . التهذيب: 146/7 برقم 647؛ و لاحظ الوسائل: 342/17-343، الباب 14 من أبواب إحياء الموات، الحديث 1.

و قضى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أن يكون بين القناتين في العرض إذا كانت أرضا رخوة ألف ذراع. و إن كانت أرضا صلبة يكون خمسمائة ذراع(1).

و حريم الحائط في المباح مقدار مطرح ترابه للحاجة عند الاستهدام و للدار مقدار مطرح ترابها، و مصبّ مياهها، و مسلك الدخول و الخروج.

و هذه التقديرات كلّها إنّما هي في الأرض المباحة الموات، أمّا في الأملاك المعمورة فلا حريم لها، و لكلّ واحد أن يتصرّف في ملكه بحسب العادة و إن تضرّر صاحبه و لا ضمان، و لو اتّخذه حمّاما أو موطنا للقصّار و الحدّاد لم يمنع، و كذا لو كان يتأذّى الجار بالريح كالمدبغ.

و لو حفر إنسان في داره بئرا و أراد جاره أن يحفر لنفسه بئرا في ملكه بقرب تلك البئر لم يمنع منه، و كذا لو حفر بئرا في ملكه و أراد جاره أن يحفر في ملكه بالوعة أو كنيفا، لم يمنع منه و إن كان ماء البالوعة و الكنيف يتعدّى إلى بئر جاره، و لو حفر أحدهما في داره بئرا، و حفر الجار أعمق منها بحيث يسري ماء جاره إليه لم يمنع من ذلك.

و من كان له مصنع فأراد جاره غرس شجرة تسري عروقها فتشقّ حائط المصنع لم يمنع منه إن لم تدخل العروق في الحائط.

6100. السابع:

ما كان يتعلّق بمصالح القرى كمرعى ماشيتها و محتطبها و مسيل مائها و مطرح قمامتها و ترابها و آلاتها لا يجوز إحياؤه.

ص: 488


1- . الوسائل: 338/17، الباب 11 من أبواب إحياء الموات، ذيل الحديث 3، و لاحظ الفقيه: 3 / 58 برقم 207؛ و التهذيب: 145/7 برقم 644.

و لو كان لإنسان شجرة في موات، فله حريمها قدر ما تمدّ إليه أغصانها حواليها، و في النخل مدى جرائدها.

و لو أحيا أرضا و غرس في جانبها غرسا تبرز أغصانه إلى المباح أو تسري عروقه إليه لم يكن لغيره إحياؤه، و لو طلب الإحياء كان للغارس منعه، و لو سبق إلى شجر مباح فسقاه و أصلحه فهو أحقّ به.

6101. الثامن:

ما به صلاح العامر، كالطّرق و غيرها ممّا ذكرنا أنّه حريم العامر، الأقرب أنّه مملوك لصاحب العامر.

6102. التاسع:

الحمى أن يمنع الناس من رعي الشجر و الكلاء في أرض موات، و قد كان العزيز في الجاهليّة(1) إذا انتجع(2) بلدا مخصبا أصعد كلبا على جبل أو مرتفع، ثمّ استعوى الكلب، و وقف له من كلّ ناحية من يسمع صوته بالعواء، فحيث انتهى صوته حماه من كلّ ناحية لنفسه، و يرعى مع العامّة فيما سواه، فنهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن ذلك لما فيه من التضييق على الناس، و قال: لا حمى إلاّ للّه و لرسوله.(3)

إذا ثبت هذا، فإنّ للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أن يحمي لنفسه و للمسلمين كما حمى عليه السّلام

ص: 489


1- . كذا في النسختين و في المسالك: 421/12 «لأنّ العزيز من العرب» و في المغني لابن قدامة 166:6 «و كانت العرب في الجاهلية...».
2- . قال الطريحي في مجمع البحرين: النّجعة - بضم النون -: طلب الكلاء.
3- . صحيح البخاري: 148/3 - باب لا حمى الاّ للّه و لرسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم -؛ مسند أحمد بن حنبل: 4 / 38 و 71 و 73؛ سنن البيهقي: 146/6؛ سنن الدارقطني: 238/4؛ سنن أبي داود: 180/3 برقم 3083؛ مجمع الزوائد: 158/4؛ البحر الزخار: 77/4، كتاب الإحياء و التحجير.

النقيع لخيل المهاجرين بالنقيع(1) بالنون، و ليس لآحاد المسلمين أن يحموا لأنفسهم و لا لغيرهم إجماعا، و أمّا إمام الأصل فإنّ له أن يحمي لنفسه و للمسلمين عندنا.

6103. العاشر:

و للإمام أن يحمي لخيل المجاهدين و إبل الصدقة و نعم الضّوالّ و الجزية، و لا يضيّق على المسلمين في حماه، فإذا حمى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أو الإمام لمصلحة فزالت، جاز نقض الحمى، و لو نبت في ملك الإنسان كلأ جاز له منع غيره منه.

6104. الحادي عشر:

للإمام أن يقطع آحاد الناس قطائع من الموات، و هو يفيد الاختصاص لا التملّك، فإن أحياه المقطع ملكه بالإحياء، و إلاّ كان أولى من غيره بالإقطاع، ثمّ إن أحياه ملكه و إلاّ كان للإمام استرجاعه، و لو طلب الإمهال لعذر أمهل بقدر زواله، و لو سبق سابق فأحياه لم يملكه إلاّ أن يكون بإذن الإمام.

و لا ينبغي للإمام أن يقطع أحدا من الموات ما لا يمكنه عمارته(2) لما فيه من التضييق على الناس في مشترك بما لا فائدة فيه، و ليس له أن يقطع ما لا يجوز إحياؤه كالمعادن الظاهرة، و يجوز أن يقطع المعادن الباطنة.

ص: 490


1- . في المصباح المنير: 332/2: النقيع موضع بقرب مدينة الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، في صدر وادي العقيق.
2- . في «أ»: يمكنه عمارته.

الفصل الثاني: في المعادن

اشارة

و فيه ستّة مباحث:

6105. الأوّل:

المعادن قسمان: ظاهرة و باطنة، فالظاهرة ما لا يفتقر تحصيلها إلى طلب و استنباط، و يوصل إلى ما فيها من غير مئونة، كالملح، و النفط، و الكبريت، و القير، و المومياء و الكحل، و البرام(1) و الياقوت، و أحجار الرحى، و مقاطع الطين، و أشباه ذلك.

و الباطنة ما لا يوصل إليها إلاّ بالعمل و المئونة، كمعادن الذهب، و الفضّة، و الحديد، و النحاس، و الرصاص، و البلور و الفيروزج، و غير ذلك ممّا يكون في بطون الأرض و الجبال، و لا يظهر إلاّ بالعمل و المئونة عليها.

و قد اختلف علماؤنا في المعادن ظاهرها و باطنها، فقيل: إنّها للإمام خاصّة(2) و يجعلها من الأنفال، و على هذا القول لا يملك بالإحياء من دون إذن الإمام.

و قال آخرون(3): إنّها للمسلمين، لا يختص الإمام منها إلاّ بما يكون

ص: 491


1- . قال الطريحي في مجمع البحرين: البرمة: القدر من الحجر، و الجمع برم - كغرفة و غرف - و برام ككتاب.
2- . و هو خيرة المفيد في المقنعة: 278، باب الأنفال؛ و سلاّر في المراسم: 140.
3- . قال الشهيد قدس سرّه: و أكثر الأصحاب على أنّ المعادن مطلقا للناس شرع. المسالك: 441/12.

في الأودية الّتي هي ملكه، و أمّا ما كان في أرض المسلمين و يد مسلم عليه، فلا يستحقّه، و هذا عندي أقرب.

6106. الثاني:

المعادن الظاهرة لا تملك بالإحياء، و لا يختصّ بها أحد بإحيائها، و لا بالتحويط حولها، و لا بالتحجير، و لا بإقطاع السلطان، بل هي مباحة كالمياه الجارية، فمن سبق إلى موضع منه لم يزعج قيل قضاء وطره، و لو أقام يريد أخذ فوق حاجته، فالوجه أنّه لا يمنع.

و لو سبق إليه اثنان، أقرع بينهما إن لم يمكن الجمع بينهما، و يحتمل تمكينهما، و يقسّم الحاصل بينهما، و كلّ من أخذ شيئا من المعدن ملكه، و يجب عليه الخمس فيه.

6107. الثالث:

المعادن الباطنة تملك بالإحياء، و يجوز للإمام إقطاعها لمن شاء، و لو كانت ظاهرة، كان حكمها حكم المعادن الظاهرة.

و إنّما تملك و تحيى إذا كانت باطنة لا تظهر إلاّ بالعمل.

و إحياؤها يكون بالحفر عليها حتّى يبلغ نيلها و يظهرها و يملكها المحيي بذلك، و يجوز للإمام إقطاعها، و لا ينبغي له أن يقطع إلاّ ما يقدر المقطع على عمله، لئلاّ يضيق على الناس من غير فائدة.

و لو سبق إليها أحد كان أولى، فإن أحياها ملكها و ليس للإمام بعد ذلك إقطاعها لغيره، و إن عمل فيها عملا لا يبلغ به النيل فهو تحجير يفيد أولويّة لا تمليكا، فإن أهمل أجبره الإمام على إتمام العمل أو التخلية، و يمهل لو ذكر عذرا بقدر زواله ثمّ يطلب بأحد الأمرين.

ص: 492

6108. الرابع:

الأرض الموات إذا أحياها إنسان ملكها، فإن ظهر فيها معدن ملكه تبعا لها، لأنّه من أجزائها، سواء كان ظاهرا أو باطنا، بخلاف ما لو كان ظاهرا قبل إحيائه، و كذا لو اشترى أرضا فظهر فيها معدن فهو له دون البائع، بخلاف الكنز. و لو حجّر أرضا، أو أقطعها و ظهر فيها معدن قبل إحيائها، كان له إحياؤها و يملكها و يملك المعدن أيضا.

و لو كان له إلى جانب المملحة أرض موات إذا حفر بها بئر و سيق(1) إليه الماء، و صار ملحا صحّ تملّكها بالإحياء، و لو حجّرها إنسان كان أولى بها من غيره، و كذا لو أقطعه إيّاها الإمام كان أولى.

6109. الخامس:

لو شرع إنسان في حفر معدن و لم يصل إلى المنتهى، كان أولى به، و ليس للإمام إقطاعه لغيره، و لو حفر آخر من ناحية أخرى لم يكن للأوّل منعه، و لو وصل إلى ذلك العرق لم يكن له منعه، لأنّه إنّما يملك المكان الّذي حفره، و العرق الّذي في الأرض لا يملكه بذلك، فإذا وصل إليه غيره من جهة أخرى فله أخذه.

أمّا لو وصل الأوّل إلى العرق، فهل للثاني الأخذ منه من جهة أخرى؟

الوجه المنع، و انّ (2) الأوّل يملك حريم المعدن.

و لو ظهر في ملكه معدن بحيث يخرج النيل عن أرضه، فحفر إنسان من خارج أرضه، فهل له الأخذ ممّا خرج عن أرضه؟ فيه إشكال(3) ينشأ من أنّ الأوّل إنّما يملك ما هو من أجزاء أرضه.

ص: 493


1- . في «أ»: «و سبق».
2- . في النسختين: بالواو و في الجواهر: 113/38 «بالفاء» و هو الأصحّ.
3- . في «ب»: ممّا خرج عن أرضه منه إشكال.

و لو عمل جاهليّ في أرض المشركين حتّى وصل إلى المعدن ثمّ فتح البلد المسلمون، لم يكن المعدن غنيمة، و لا يملكه الغانمون، و يكون على الإباحة كالموات، لأنّه لا يعلم هل قصد الجاهليّ التملّك فيغنم، أو لا، فيبقى على أصل الإباحة.

6110. السادس:

لو ملك انسان معدنا، فعمل فيه غيره بغير إذنه، فالحاصل للمالك و لا أجر للعامل لتبرّعه بالعمل، و لو عمل بإذن المالك على أنّ ما يخرجه للعامل، قال الشيخ: لا يصحّ، لأنّها هبة مجهولة، و المجهول لا يصحّ تملّكه إلاّ أن يجدّد عقد الهبة بعد الإخراج و يقبضه إيّاه، و لا أجرة للعامل لأنّه عمل لنفسه، و إنّما يثبت الأجر إذا عمل لغيره بعمل صحيح أو فاسد، و ينزّل ذلك منزلة من وهب زرعه المجهول لغيره فنقله(1) الموهوب له و صفّاه، و لا شيء له من الزرع، و لا أجرة على عمله، و إن عمل بإذن المالك للمالك، و لم يعيّن أجرة، ثبت له أجرة المثل إذا كان العمل ممّا يستحقّ عليه أجرة، و إن عيّن أجرة معيّنة، صحّ، و كذا الجعالة إن كانت مجهولة، ثبت أجرة المثل و لا يثبت ما جعل له(2).

و الوجه عندي أنّ المالك إذا أذن له في العمل لنفسه، كان إباحة و له الرجوع فيما أخذه العامل ما دامت العين باقية، و لا أجرة له لو رجع المالك.

و لو قال: اعمل فيه كذا و لك الحاصل بشرط أن يعطيني ألفا لم يصحّ.

و لو استأجره لحفر عشرة أذرع في دور كذا بدينار، صحّ لأنّها إجارة معلومة، فإن ظهر عرق ذهب فقال: استأجرتك لتخرجه بدينار لم يصحّ لجهالة

ص: 494


1- . في «أ»: فقبله.
2- . المبسوط: 279/3-280، نقله المصنف بتلخيص.

العمل، و لو قال: إن استخرجته فلك دينار صحّ جعالة لصحّة الجعالة مع جهالة العمل إذا كان العوض معلوما.

الفصل الثالث: في المياه

اشارة

و فيه تسعة مباحث:

6111. الأوّل:

أقسام الماء ثلاثة:

محرز في الأواني فهو ملك لمحرزه بإجماع العلماء.

و ماء الأنهار.

و ماء الآبار.

و الأوّل(1) قسمان: إمّا نهر مملوك أو غيره؛ و الثاني إمّا أن يكون عظيما كالنيل و الفرات و الدجلة و غيرها ممّا يشاركها في عدم التضرر بالسقي منها، فهذا لا تزاحم فيه، و لكلّ أحد أن يسقي كيف شاء، أو يكون صغيرا يزدحم فيه الناس و يقع فيه التشاحّ، أو يكون سيلا يتشاجر أهل الأرض الشاربة منه، و يقصر عن كفايتهم، فيبدأ بمن في أوّل النهر، و هو الّذي يلي فوّهته(2) و يحبس عليه الماء

ص: 495


1- . المراد: ماء الأنهار.
2- . في المصباح المنير: 162/2: فوّهة الطريق - بضم الفاء و تشديد الواو مفتوحة: فمه و هو أعلاه، و فوّهة النهر: فمه.

للزرع إلى الشراك، و للشجر إلى القدم، و للنّخل إلى الساق، ثمّ يرسل إلى الّذي يليه، فيصنع كذلك إلى أن تنتهي الأراضي الّتي تليه.(1)

فإن(2) لم يفضل عن الأوّل شيء أو عن الثاني أو عمّن يليهم، فلا شيء للباقين، لأنّهم ليس لهم إلاّ ما فضل، و لا يجب إرساله قبل ذلك، و إن أدّى إلى تلف الأخير.

و الأصل في ذلك قصّة(3) الزبير مع الأنصاري في شراج الحرّة.(4)

و لو كانت أرض صاحب الأعلى مختلفة بالعلو و السفل سقي كلّ واحد على حدته.

و لو استوى اثنان من القرب من الفوّهة اقتسما الماء بينهما إن أمكن، و إلاّ أقرع فيقدّم من تقع له، و لو كان الماء لا يفضل عن أحدهما سقي من تقع له القرعة بقدر حقه(5) من الماء ثمّ تركه للآخر، و ليس له السقي بجميع الماء،

ص: 496


1- . في النسختين «عليه» و لعلّه مصحّف، و الصحيح بالنظر إلى سياق العبارة ما أثبتناه.
2- . في «أ»: و إن.
3- . في «ب»: قضية.
4- . أخرجها البخاري في صحيحه: 145/3 - باب سكر الأنهار - و البيهقي في سننه الكبرى: 6 / 153-154، قال الكرماني في شرح الرواية: الشرج مسيل الماء من الحزن إلى السهل، و الجمع شراج «و الحرّة» بفتح المهملة خارج المدينة، و هي لغة أرض ذات حجارة سود. قوله «الأنصاري» قيل: هو حاطب بن بلتعة، و أطلق عليه الأنصاري، لأنّه كان حليفا للأنصار، و قيل: هو ثعلبة بن حاطب، و قيل: حميد. صحيح البخاري بشرح الكرماني: 175/10 برقم 2205، و لاحظ فتح الباري في شرح صحيح البخاري: 26/5-29. و نقلها الشيخ الطوسي قدس سرّه في المبسوط: 283/3.
5- . في «أ»: بقدر حصّته.

لمساواة الآخر له في الاستحقاق، و القرعة للتقديم في استيفاء الحقّ لا في أصله، بخلاف الأعلى و الأسفل، فإنّ الأسفل لا حقّ له إلاّ في فاضل الأعلى.

و لو زادت أرض أحدهما قسّم الماء على قدر الأرض، لمساواة الزائد من الأرض في القرب، فاستحقّ جزءا من الماء.

و لو كان لجماعة رسم شرب من نهر غير مملوك أو سيل، فجاء آخر ليحيي مواتا أقرب إلى رأس النهر من أرضهم، لم يكن له أن يسقي قبلهم، لأنّهم أسبق، و من ملك أرضا ملك حقوقها و مرافقها، فلا يملك غيره إبطال حقّها، و الأقرب أنّه ليس لهم منعه من إحياء ذلك الموات، لأنّ جهة حقّهم في النهر لا في الموات، فلو سبق إنسان إلى مسيل ماء(1) أو نهر غير مملوك فأحيا في أسفله مواتا، ثمّ أحيا آخر فوقه، ثمّ أحيا ثالث فوقهما، كان للأوّل و هو الأسفل السقي أوّلا، ثمّ الثاني، ثمّ الثالث.

و أمّا النهر المملوك، فإن كان منبع الماء مملوكا: كأن يشترك جماعة في استنباط عين و إجرائها، فإنّهم يملكونها، لأنّ ذلك إحياء لها، فإنّ معنى الإحياء أن تنتهي العمارة إلى قصدها بحيث يتكرّر الانتفاع بها على صورتها، و يشتركون فيها و في ساقيتها على قدر نفقتهم عليها، و يملكون الماء، و ليس لأحد التصرّف فيه إلاّ بإذنهم صريحا أو عرفا، كالوضوء منه، و الشرب، و الغسل، و غسل الثوب، بخلاف شرب الماشية الكثيرة مع قلّة الماء، فإنّه ضرر على المالك.

و إن كان النهر يأخذ من الماء المباح،(2) بأن يأخذ من نهر كبير، فما لم

ص: 497


1- . في «ب»: إلى سيل ماء.
2- . في «ب»: يأخذ الماء المباح.

يتصل الحفر لا يملكه، و إنّما هو تحجير و شروع في الإحياء، فإذا اتّصل الحفر كمل الإحياء، و ملكه و إن لم يجر الماء فيه، لأنّ الإحياء يحصل بالتهيئة للانتفاع، و يصير مالكا لقرار النهر من كلّ جانب و لحريمه أيضا، و الماء الحاصل في هذا النهر لمالكه لأولويّته على غيره، و لا يملكونه بجريانه، بل يكونون أولى من غيرهم، قاله الشيخ رحمه اللّه.(1)

6112. الثاني:

لو كان النهر المملوك لجماعة، كان ماؤه بينهم على قدر النفقة على عمله و كذا أصله، فإن كفى الجميع فلا بحث، و إلاّ فإن تراضوا على قسمته بالمهاياة أو غيرها صحّ، و إن تشاحّوا [في قسمته] قسّمه الحاكم على قدر حقوقهم فيه، فتوضع خشبة صلبة أو حجر مستوي الطرفين و الوسط، فيوضع على موضع مستو من الأرض في مقدم الماء فيه ثقوب متساوية في السعة على قدر حقوقهم، يخرج من كلّ ثقب إلى ساقية مفردة لكلّ واحد منهم، فإذا حصل الماء في ساقيته انفرد به، فإن اختلفت الحقوق بأن يكون لأحدهم نصفه و للآخر ثلثه و للثالث سدسه، جعل فيه ستّة ثقوب، لصاحب النصف ثلاثة نصب في ساقيته، و لصاحب الثلث اثنان، و لصاحب السدس واحد.

و لو كان لواحد الخمسان، و الباقي لاثنين متساويين، جعل فيه عشرة ثقوب، لصاحب الخمسين أربعة نصب في ساقيته، و لكلّ واحد من الآخرين ثلاثة نصب في ساقية له.

و لو كان [النهر] لعشرة لخمسة منهم أراض قريبة، و لخمسة بعيدة، جعل لأصحاب القريبة خمسة ثقوب لكل واحد ثقب، و للباقين خمسة تجري في النهر إلى أن يصل إلى أرضهم ثمّ تقسم بينهم قسمة أخرى.

ص: 498


1- . المبسوط: 284/3-285.

و لو أراد احدهم أن يجري ماؤه في ساقية آخر ليقاسمه في موضع آخر لم يجز إلاّ برضاه. و لو قلنا بمقالة الشيخ رحمه اللّه في أنّ هذا الماء غير مملوك لأرباب النهر، بل يكونون أولى من غيرهم(1) يحتمل أن يكون الماء في هذا النهر حكمه في نهر غير مملوك، و أنّ الأسبق أحقّ بالسقي منه، ثم الّذي يليه، لأنّه غير مملوك، فكان السابق أولى.

6113. الثالث:

إذا حصل نصيب إنسان في ساقيته(2)، كان له أن يسقي به ما شاء، سواء كان لها رسم شرب من هذا النهر أو لم يكن، و له أن يعطيه من يسقى به.

و كذا لو كان له داران إحداهما إلى درب غير نافذ و ظهر إحداهما إلى ظهر الأخرى، جاز له فتح باب بينهما.

و كذا لو كان يسقي من هذا النهر بدولاب جاز له أن يسقي بذلك الماء أرضا لا رسم لها فيه، و كذا لو كان الدولاب يغرف من نهر غير مملوك جاز أن يسقي بنصيبه من الماء أرضا لا رسم لها فيه.

6114. الرابع:

لكلّ واحد من المشتركين في النهر المملوك أن يتصرّف في ساقيته المختصّة به بما أحبّ من إجراء غير هذا الماء فيها أو عمل رحى عليها أو دولاب أو عبّارة(3) و غير ذلك من التصرّفات. أمّا النهر المشترك فلا يتصرّف أحد منهم فيه بشيء من ذلك إلاّ برضا أربابه أجمع.

ص: 499


1- . المبسوط: 284/3-285.
2- . في «ب»: في ساقية.
3- . و هي خشبة تمدّ على طرفي النهر، أو قنطرة يعبر الماء فيها. كما في المغني لابن قدامة: 175/6.

و لو أراد أحد الشركاء أن يأخذ من ماء النهر قبل حقّه(1) شيئا يسقي به أرضا في أوّل النهر أو غيره، أو أراد غير الشركاء ذلك لم يجز.

و لو فاض ماء النهر المملوك إلى ملك إنسان فهو مباح إذا كان منبع الماء مباحا، كالطائر يعشش في ملك إنسان، فإنّه لا يملكه بذلك.

6115. الخامس:

إذا قسّم الشركاء ماء النهر المشترك بالمهاياة صحّ إذا جعل حقّ كلّ واحد منهم معلوما، كأن يجعلوا لكلّ واحد يومين أو أقلّ أو أكثر، و كذا لو قسّموا النهار بالساعات إذا ضبطت. و لو أراد أحدهم أن يسقي أرضا لا حقّ لها في النهر في نوبته أو يؤثر به غيره أو يقرضه إيّاه جاز إذا لم يضرّ بحافّة النهر.

و لو أراد أن يجري مع مائه في هذا النهر ماء آخر له في نوبته مع عدم الضرر، فالوجه الجواز.

6116. السادس:

إذا احتاج النهر المملوك إلى كري أو سدّ بثق(2) فيه أو إصلاح حاشيته أو شيء منه فعلى أربابه بحسب ملكهم فيه، فيشترك الجميع في الإنفاق إلى أن يصلوا إلى الأوّل، ثمّ لا شيء على الأوّل، و يشترك الباقون إلى أن يصلوا إلى الثاني، ثمّ يشترك من بعده، كذلك إلى آخره، كلّ ما انتهى العمل من أوّله إلى موضع واحد منهم لم يكن عليه فيما بعده شيء، لأنّ الأوّل إنّما ينتفع في موضع شربه، ثمّ يختص بالانتفاع من دونه بما بعده.

و يحتمل اشتراك الجميع في الأجرة و الإنفاق، فإنّ الأوّل ينتفع بالسقي بالحدّ الواصل إليه و بمصبّ مائه بما بعده.

ص: 500


1- . كذا في النسختين و لعلّ الصحيح «قبل قسمه» كما في المغني لابن قدامة: 174/6.
2- . في المصباح المنير: 47/1: بثقت الماء بثقا - من بابي ضرب و قتل - إذا خرقته.

و لو فضل عن جميعهم ما يحتاج إلى مصرف، فنفقته على الجميع.

6117. السابع:

أقسام الآبار ثلاثة: ما يحفر في ملك.

و ما يحفر في الموات للتملّك، و في هذين القسمين يملك الحافر البئر و ماءها، و يجوز بيعه إذا أحرزه في آنية، و عيّنه بالقدر، و لو باع ماء البئر، لم يجز لعدم التميّز.

و ما يحفر في الموات لا للتملك، قال الشيخ: إنّ الحافر لا يملكه، لأنّه لم يقصد به التملك(1). و انّما يملك بالإحياء ما يقصد تملّكه به، نعم يكون أولى من غيره مدّة مقامه، فإذا رحل كان السابق أولى فإن عاد المالك، فالوجه عدم أولويّته.

قال الشيخ رحمه اللّه: و كلّ موضع قلنا إنّه يملك البئر فإنّه أحقّ من مائها بقدر حاجته لشربه و شرب ماشيته و سقي زرعه، فإن فضل بعد ذلك شيء، وجب عليه بذله بلا عوض للمحتاج إليه لشربه و شرب ماشيته من السابلة(2) و غيرهم، و لا يجبل لسقي زرعه بل يستحبّ.(3) و الوجه عندي عدم الوجوب في الجميع.

6118. الثامن:

إحياء البئر حفرها إلى أن يظهر الماء، فإن لم يصل إليه فهو كالمحجّر، و البئر الّتي لها ماء ينتفع به المسلمون و ليست ملكا لأحد فلا يجوز

ص: 501


1- . المبسوط: 281/3.
2- . قال الفيومي: السابلة: الجماعة المختلفة في الطرقات في حوائجهم. المصباح المنير: 321/1.
3- . المبسوط: 281/3.

لأحد الاختصاص بها، و كذا العيون النابعة في المباحة، و ماء الغيوث و كلّ ما لم يظهر بعمل و لا جرى بحفر نهر، بل لكلّ أحد أخذ ساقية منه فيجري الماء إلى أرضه.

6119. التاسع:

القناة المشتركة كالنهر المملوك، يملكه الحافرون لها بحسب الاشتراك في العمل، و لهم القسمة بنصب خشبة فيها ثقب متساوية، و تصحّ المهاياة، و الوجه عدم لزومها.

الفصل الرابع: في المنافع

اشارة

و فيه ثلاثة عشر بحثا:

6120. الأوّل:

منفعة الطرق الاستطراق فيها، و الناس فيها شرع سواء، و لا يجوز الانتفاع فيها بغير الاستطراق مما يضرّ المارّة، و يجوز بما لا يفوت فيه منفعة الاستطراق، كالجلوس الّذي لا ضيق فيه، ثمّ السابق إلى الجلوس فى المباح أولى، فلا يجوز (له)(1) إزعاجه، فإن قام بطل حقّه، فإن عاد بعد أن سبق إلى مكانه، لم يكن له الدفع، و لو قام قبل استيفاء غرضه بعزم العود، فالوجه عدم الاختصاص.

و لو جلس للبيع و الشراء احتمل المنع إلى المواضع المتّسعة كالرحاب،

ص: 502


1- . ما بين القوسين يوجد في «أ».

و في موضع الجواز(1) لو قام و رحله باق فهو أولى من غيره، و لو رفعه بنيّة العود فالوجه عدم الأولويّة و إن استضرّ بتفريق معامليه.

و لو سافر أو قعد في موضع آخر، أو ترك الحرفة، أو طال مرضه، زال اختصاصه قطعا.

و لا يجوز إقطاع مثل هذه المواضع، إذ الملك ليس مطلوبا منه، و كذا لا يجوز تحجيره و لا إحياؤه.

6121. الثاني:

منفعة المساجد الكون للعبادة، و يجوز الجلوس فيها لغيرها، فمن سبق إلى مكان من مسجد، فهو أحقّ به مدّة جلوسه، فإن قام بطل اختصاصه، و لو عاد كان كغيره.

و لو قام بنيّة العود، فإن كان رحله باقيا فيه، فهو أولى، و إلاّ فلا، سواء قام لتجديد طهارة، أو إزالة نجاسة، أو غيرهما.

و لو سبق اثنان إلى موضع، فإن أمكن الاجتماع، و إلاّ أقرع.

و لو جلس في موضع منه ليقرأ عليه القرآن أو العلم و يألفه(2) أصحابه، فهو كمقاعد الأسواق.

6122. الثالث:

منفعة المدارس و الربط الاستيطان فيها كما اشترطه الواقف، فمن سكن بيتا ممّن له السكنى، فهو أحقّ به و إن طالت المدّة، و لو شرط الواقف سكنى مدّة لم يتجاوزها، و لو شرط الاشتغال بالعلم لزم، فإن أهمل أخرج، و إلاّ لم يجز إزعاجه.

ص: 503


1- . في «ب»: و في مواضع الجواز.
2- . في «أ»: و تألّفه.

و لو شرط الواقف في سكنى البيت عددا لم تجز الزيادة عليه، و إلاّ كان له المنع من المشاركة في السكنى ما دام متّصفا بما يستحقّ به السكنى، و لو فارق لعذر ففي الأولويّة مع عوده إشكال.

و لو طال الاستيطان على هذه الانتفاعات المشتركة، و صار كالتملّك الّذي أبطل أثر الاشتراك، ففي الإزعاج إشكال.

6123. الرابع:

الطرق النافذة هواؤها كالموات فيما لا يضرّ بالمارّة، فلكلّ أحد(1) أن يتصرّف في هوائه بما لا ضرر فيه على المارّة، كإخراج الرواشن و الأجنحة و الساباط إذا كانت عالية، و لو عارض فيه مسلم فالوجه عدم قلعه.

ثمّ الضّرر يحصل بمنع المحمل مع الكنيسة، و لو كانت مضرّة وجب إزالتها إجماعا، و هل يجب لو أظلم بها الطريق؟ الوجه ذلك.

و يجوز فتح الأبواب و الروازن و الشبابيك فيها، و لو علا الدرب بعد الوضع، وجب إزالته.

و لو أخرج بعض روشنا لم يكن لمقابله معارضته و إن استوعب عرض الدّرب، فإن سقط ذلك الروشن جاز لمقابله إخراج روشن، فإن سبق لم يكن للأوّل منعه، و لو سبق الأوّل إلى إعادة روشنه، لم يكن لمقابله منعه.

و لا يجوز غرس شجرة و لا بناء دكّة في الطرق النافذة و إن لم يضيّق الطريق، نعم لو بنى في الزائد عن المقدار الّذي حدّدناه لم أستبعد جوازه.

و لا يجوز أن يحفر في النافذة بئرا لنفسه، سواء جعلها لماء المطر أو ليستخرج منها ما ينتفع به.

ص: 504


1- . في «أ»: و لكلّ واحد.

و لو أراد حفرها للمسلمين و نفعهم، أو نفع الطريق مثل أن يحفرها ليستقي الناس من مائها و يشرب منه المارّة، أو لينزل فيها ماء المطر عن الطريق، فإن كان ممّا يضرّ بالمارّة لم يجز، و إن حفرها في زاوية من طريق واسع، و يجعل عليها ما يمنع السقوط فيها، و لا يضيق الممرّ على المسلمين جاز.

و يجوز نصب الميازيب إلى الطريق الأعظم لقضاء العادة به، و قد نصب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ميزاب العبّاس، و قلعه عمر فمنعه علي عليه السّلام، و أخبره بأنّه فعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فردّه كما كان.(1)

6124. الخامس:

الطّرق المرفوعة لا يجوز لأحد إحداث باب فيها متجدّدا إلاّ بإذن جميع أربابها، و كذا لا يجوز إخراج روشن، و لا ساباط، و لا إخراج جناح، و لا بناء دكّان، و لا حفر بالوعة، و لا نصب ميزاب فيها إلاّ بإذن جميع أربابها، سواء كان فاعل ذلك من أرباب الدّرب أو من غيرهم، و يجوز جميع ذلك بإذن أربابه، و لو صالحهم من ذلك على عوض معلوم، جاز بشرط كون ما يخرجه معلوم المقدار في الخروج و العلوّ، و كذا البحث فيما يخرجه إلى ملك إنسان معيّن، و لا فرق في الدّرب المرفوع بين إحداث ما يضرّ و ما لا يضرّ(2)

و لو أراد فتح باب لا يستطرق فيه منع دفعا للشبهة، و يجوز فتح الروازن و الشبابيك من غير إذنهم، و لو أذنوا في الممنوع جاز، و لم يكن لغيرهم المنع،

ص: 505


1- . قصّة ميزاب العباس مشهورة طويلة نقلها العلاّمة المجلسي رضي اللّه عنه في بحار الأنوار: 362/30 - 365، و سفينة البحار: 149/2 (مادة عبس) و في مستدرك سفينة البحار: 72/7-73، و لاحظ المغني لابن قدامة: 35/5.
2- . في «أ»: ما يضرّه و ما لا يضرّه.

و لو أراد حفر البالوعة في الدّرب المرفوع كان لأربابه المنع، سواء كان لنفعه أو لنفعهم.

و لو أحدث في الطريق المرفوع حدثا بغير إذن أربابه، جاز لكلّ أحد له فيه حقّ إزالته، و لو أذنوا في فتح الباب، أو حفر البالوعة، أو إخراج روشن أو جناح أو ميزاب، فالأقرب جواز الرجوع لهم بعد الوضع ما لم يكن بعقد صلح لازم، أمّا قبل الفعل فإنّه يجوز قطعا، و على تقدير الرجوع بعد الفعل، ففي لزوم الأرش لهم نظر، أقربه أنّه عارية.

6125. السادس:

إذا كان لاثنين بابان في درب مرفوع أحدهما أقرب إلى رأسه، فهما مشتركان فيه إلى باب الأوّل، و ينفرد الثاني بما بين البابين، و لو كان في الزقاق فاضل(1) إلى صدره و تداعياه، فهما سواء فيه.

و يجوز لكلّ منهما أن يقدّم بابه إلى رأس الدّرب، و لو أراد بعد النقل الرجوع إلى موضعه الأوّل جاز.

و لو أراد كلّ منهما نقل بابه إلى داخل الدرب، لم يكن له ذلك، و يحتمل ذلك، لأنّ له جعل بابه في أوّل البناء في أيّ موضع شاء، و الأوّل أولى، و لو قيل للثاني الدخول إلى صدر الدرب كان قويّا، لأنّه على ما اخترناه أوّلا لا منازع له فيه، و على الاحتمال لكلّ منهما ذلك.

و لو أراد كلّ منهما أن يفتح في داره بابا آخر، أو يجعل داره دارين يفتح لكلّ واحدة بابا، جاز إذا وضع البابين في موضع استطراقه.

ص: 506


1- . في «أ»: فاصل.

و لو كان ظهر دار أحدهما إلى شارع نافذ ففتح في حائطه بابا إليه جاز، أمّا لو كان بابه في الشارع و ظهر داره في الزقاق المرفوع، فأراد أن يفتح بابا في المرفوع، لم يكن له ذلك.

و لو كان له داران ظهر كلّ واحد منهما إلى ظهر الآخر، و لكلّ منهما باب في زقاق مرفوع جاز له فتح باب في الحائط الفاصل(1) بينهما.

6126. السابع:

الحائط المشترك لا يجوز فتح باب منه و لا طاق إلاّ بإذن شريكه، و كذا لا يغرز فيه وتدا، و لا يا بني عليه حائطا، و لا ستره و لا فتح روزنة و لا شباك، و لا يتصرّف فيه بشيء إلاّ بإذن شريكه، و لو فعل شيئا من ذلك بغير إذنه كان للشريك إزالة ما أحدثه، و إلزامه بالأرش، و كذا لا يجوز فعل شيء من ذلك في حائط الجار إلاّ بإذنه، و أمّا الاستناد إليه أو استناد ما لا يضرّ به فلا بأس، لعدم التحرّز منه، فصار كالاستظلال.

و لا يجوز وضع خشبة على الحائط المشترك و لا على حائط الجار إلاّ بإذن الشريك و المالك و لو كان خشبة واحدة، و لو التمس ذلك من الجار لم يجب عليه إجابته لكن يستحبّ، سواء كان مضرّا بالحائط أو لم يكن، و سواء مع عدم الضّرر الاحتياج إلى الوضع و عدمه و لو لم يمكن التسقيف إلاّ به مع الحاجة إليه.

و لو أذن الجار في الوضع، جاز له الرجوع قبل الوضع إجماعا، و بعد الوضع الجواز أولى مع الأرش، و لو انهدم لم يعد الطرح إلاّ بإذن مستأنف،

ص: 507


1- . في «ب»: الفاضل.

و يجوز له أن يصالحه ابتداء على الوضع، بشرط ذكر عدد الخشب و وزنه و طوله.

و لا يجوز وضعه على جدار المسجد أيضا، سواء كان مضرّا به أو نافعا له.

و لو إذن الجار في الوضع فوضعه أو صالحه على وضعه، ثمّ سقط، أو قلعه، أو أسقط الحائط ثمّ أعيد لم يكن له إعادة خشبة إلاّ أن يكون الصلح لمدّة باقية، فله الوضع إلى انتهائها.

و من استحقّ وضع خشبة على [حائط] جاره(1) فأراد إعارته أو إجارته لذلك، جاز إذا لم يكن الضرر أكثر، و لو أراد صاحب الحائط إعارة حائطه أو إجارته على وجه يمنع هذا المستحقّ عن وضع خشبة لم يكن له ذلك، و لو أراد هدم الحائط لغير حاجة لم يملك ذلك، و لو أراد هدمه للخوف من سقوطه، كان له ذلك و عليه إعادته، و لو أراد تحويل الحائط لم يملك ذلك إلاّ بإذن صاحب الخشبة.

و لو إعارة الحائط لوضع الخشب، فوضعه، ثمّ أراد صاحب الحائط هدمه بغير حاجة، فالوجه أنّه ليس له ذلك إلاّ مع الأرش، أمّا لو انهدم أو استهدم فنقضه، لم يجب عليه الإعادة، فإن أعاده لم يملك المستعير ردّ خشبته إلاّ بإذن مستأنف، و كذا لو انقلعت خشبة المستعير، لم يكن له إعادتها إلاّ بإذن جديد، و كذا لو أزالها أجنبيّ عدوانا.

و لو آجره الحائط مدّة من الزمان ليا بني عليه، جاز بشرط أن يكون البناء

ص: 508


1- . في «ب»: على جادّة، و الصحيح ما في المتن.

معلوم العرض و الطول و السمك و الآلات من الطين و اللبن و الآجر، و إذا زال قبل المدّة، فله إعادته، سواء زال بسقوطه أو سقوط الحائط.

و لو سقط الحائط سقوطا لا يعود، انفسخت الإجارة في الباقي، و رجع من الأجرة بنسبة ما يخلف من المدّة، و لو صالحه المالك على رفع بنائه أو خشبته جاز، كما يصحّ على الوضع، و كذا لو كان له مسيل ماء في أرض غيره، أو ميزاب، فصالح صاحب الأرض مستحقّ ذلك على إزالته بعوض جاز.

و لو سقط الخشب أو الحائط، فصالحه على أن لا يعيده بشيء جاز.

و لو وجد بناءه أو خشبته على حائط مشترك أو على حائط جاره، أو وجد ميزابه يقذف في ملك غيره، أو مجازه(1) فيه، و لم يعلم سببه، ففي استحقاقه الاستمرار نظر، و كذا الإشكال في إعادته بعد زواله.

و لو اختلفا في استحقاق ذلك، احتمل تقديم صاحب الخشب و البناء و الميزاب و المسيل، لأنّ الظاهر أنّه بحقّ (2) و عدمه، لأنّ الأصل عدم الاستحقاق.

6127. الثامن:

لو تداعيا جدارا و كان متّصلا ببناء أحدهما، فهو أولى مع اليمين و عدم البيّنة، و لو كان متّصلا بهما أو غير متّصل بأحدهما و لا بيّنة، قضي للحالف منهما، فإن حلفا أو نكلا، فهو لهما.

و لو كان لأحدهما عليه بناء، أو عقد معتمد عليه(3) أو قبّة، أو سترة، أو

ص: 509


1- . الظاهر أنّ «مجازه» عطف على «ميزابه» و الضمير في الظرف «فيه» يرجع إلى ملك الغير، و المراد: وجد مسير ماء الميزاب في ملك الغير.
2- . في «أ»: يجوز.
3- . في «أ»: أو عقد عليه أو معتمد.

كان في أصل الحائط خشبة طرفها الآخر تحت حائطه ينفرد به، فهو أولى، و كذا لو كان لأحدهما عليه خشب موضوع، فإنّه أرجح من الآخر و لو كان خشبة واحدة.

و لا اعتبار بالخوارج و وجوه الآجر و لا كون الآجرة الصّحيحة ممّا يلي [ملك] أحدهما، و لا التزويق، و لا التحسين، و لا الروازن.

فلو اختلفا في خصّ (1)، قضي لمن إليه معاقد قمطه على رواية(2).

و لو تنازع صاحب العلوّ و السّفل في جدران البيت، فهي لصاحب السفل.

و لو تنازعا في جدران الغرفة، فهي لصاحب العلوّ.

و لو تنازعا في سقف الغرفة، فهو لصاحبها، و كذا لو تنازعا في سطحها.

و لو تنازعا في الدرجة، فهي لصاحب العلو.

و لو تنازعا في الخزانة الّتي تحت الدرجة، فهي لهما و العرصة الّتي عليها الدّرجة لصاحب العلوّ.

و لو تنازع صاحب السفل في الخان، و صاحب العلوّ في الصحن، قضي بما يسلك فيه إلى العلوّ بينهما، و اختص صاحب السفل بالباقي.

و لو تنازعا مسناة(3) بين نهر أحدهما و صحراء الآخر، فهي لهما بعد التحالف.

ص: 510


1- . قال الطريحي قدس سرّه في مجمع البحرين: الخصّ - بالضم و التشديد - البيت من القصب، و منه الحديث: الخصّ لمن إليه القمط. يعني شدّ الحبل.
2- . الوسائل: 173/13، الباب 14 من أبواب الصلح، الحديث 2.
3- . في «أ»: في مسناة.

و لو تنازع راكب الدابّة و قابض لجامها، قيل(1): هي لهما و الأقوى الحكم بها للراكب مع اليمين.

و يتساويان لو تنازعا في ثوب في يد أحدهما أكثر، أو في عبد و لأحدهما عليه ثياب.

أمّا لو تنازعا دابّة و لأحدهما عليه حمل، فإنّه يحكم بها لصاحب الحمل مع يمينه.

و لو تداعيا غرفة على بيت أحدهما، و بابها إلى غرفة الآخر، حكم بها لصاحب البيت.

6128. التاسع:

لو انهدم الحائط المشترك لم يجبر الممتنع من الإعادة عليها، و لو طلب شريكه البناء لم يكن له منعه، و له بناؤه بأنقاضه أو بآلات من عنده، فإن بناه بأنقاضه، فالحائط على الشركة، و إن بناه بآلات من عنده، فالحائط للباني.

و لو أراد الشريك منعه من بنائه بآلات من عنده، فالوجه ذلك، فإذا بناه بأنقاضه، لم يكن للشريك نقضه و لا للباني، و إن بناه بآلات من عنده فللباني نقضه و ليس للشريك ذلك، و لا له وضع خشبته و رسومه عليه.

و لو أراد الباني النقض، فقال للشريك: أنا أدفع نصف قيمة البناء و لا تنقضه، لم يجبر.

ص: 511


1- . القائل هو الشيخ في الخلاف: 295/3، المسألة 4 من كتاب الصلح، و الحلّي في السرائر: 67/2.

و لو قال: إمّا أن تأخذ نصف قيمته لانتفع بوضع خشبي، أو تقلعه لنعيد البناء بيننا، لزمته الإجابة.

و لو لم يرد الشريك الانتفاع، فطالبه الباني بالغرامة أو القيمة، لم يلزمه ذلك، و لو كان قد أذن له في الإنفاق و ضمنه، كان له المطالبة.

و لو لم يكن بين ملكيهما حائط، و طلب أحدهما من الآخر بناء حاجز، لم يجبر الممتنع، و لو أراد البناء وحده، لم يكن له البناء إلاّ في ملكه.

و لو كان العلوّ لرجل و السّفل لآخر، فانهدم السقف، و طلب أحدهما المباناة من الآخر، لم يجبر الممتنع، و لو انهدمت حيطان السفل، لم يكن لصاحب العلوّ مطالبته بإعادتها.

و لو طلب صاحب العلوّ بناءه، لم يكن لصاحب السفل منعه، فإن بناه صاحب العلوّ بالإنقاض، فهو كما كان، و إن بناه بآلة من عنده لم يكن لصاحب السفل الانتفاع به من طرح الخشب و رسم الوتد، و له السكنى في السفل.

و لو طلب صاحب السفل البناء، فإن امتنع صاحب العلوّ لم يجبر على البناء.

6129. العاشر:

لو انهدم الحائط المشترك بفعل أحدهما، فإن كان قد خيف سقوطه، وجب هدمه، فلا شيء على الهادم، و إن كان لغير ذلك، وجب عليه إعادتها، سواء هدمه لحاجة أو غيرها.

و الشريك في الحائط لا يجوز له التصرّف فيه ببناء و غيره إلاّ بإذن شريكه، سواء قلّ الضّرر أو كثر، و لو هدمه بإذن شريكه، و شرط إعادته، وجب عليه الإعادة.

ص: 512

و لو أذن في الهدم و لم يشترط الإعادة، لم يلزم الهادم، و لو قيل بلزوم الأرش مع الهدم بغير الإذن لا الإعادة كان وجها.

و لو كان الحائط نصفين فاتّفقا على بنائه على الثلث جاز، و لو اصطلحا على أن يحمله كلّ واحد منهما ما شاء، بطل الصلح للجهالة.

6130. الحادي عشر:

لو كان بينهما نهر، أو قناة، أو دولاب، أو ناعورة، أو عين، فاحتاج إلى عمارة لم يجبر الممتنع، و لو أنفق أحدهما عليه، لم يكن له منع شريكه من الانتفاع بالماء.

و لو كان بينهما عرصة جدار فاتّفقا على قسمتها، جاز طولا و عرضا.

و لو اختلفا فطلب أحدهما القسمة طولا و الآخر عرضا، أجبر الممتنع على ما لا ضرر فيه، و لو كان فيهما ضرر لم تجز القسمة.

و لو طلب القسمة عرضا و لا يفي العرض بحائطين، لم يجبر الممتنع، و إن وفى بهما احتمل الإجبار، لانتفاء الضرر، و عدمه، لانتفاء القرعة [في هذه القسمة]، إذ معها ربّما يحصل لكلّ منهما ما يلي ملك جاره، فلا ينتفع به، فلو أجبرناه [على القسمة] لأجبرناه على أخذ ما يليه من غير قرعة، و لا مثل لذلك(1) في الشرع.

و لو اقتسماه عرضا فبنى كلّ منهما حائطا و بقيت بينهما فرجة لم يجبر أحدهما على سدّها، و لا يمنع منه لو أراده.

و لو كان بينهما حائط فاتّفقا على قسمته طولا جاز، و يعلم بين نصيبهما

ص: 513


1- . في «ب»: «كذلك».

بعلامة، و لو اتّفقا على القسمة عرضا، احتمل جوازه، لانحصار الحقّ فيهما، و عدمه، لعدم تميز نصيب أحدهما من الآخر، بحيث يمكنه الانتفاع بنصيبه دون صاحبه، فإنّه لو وضع خشبة على أحد جانبيه، كان ثقله على الحائط أجمع، و لو طلبا(1) قسمة الحائط لم يجبر الممتنع.

6131. الثاني عشر:

للرّجل أن يتصرّف في ملكه و إن استضرّ جاره، فله أن يا بني حمّاما بين الدور، و يفتح خبّازا بين العطّارين، و يجعله دكّان قصارة، و يحفر بئرا إلى جانب بئر جاره، و لو كان سطح أحدهما أعلى من سطح الآخر لم يجب على صاحب الأعلى بناء سترة، نعم يحرم عليه الشرف.(2)

و لو حصلت أغصان شجرته في هواء ملك غيره، أو هواء جدار له فيه شركة، أو على نفس الجدار، وجب على مالك الشجرة إزالة تلك الأغصان إمّا بردّها إلى ناحية أخرى، أو بالقلع، و لو امتنع من إزالته أجبر، و لو تلف بها شيء بعد الأمر بالإزالة ضمنه، و لصاحب الهواء إزالته إمّا بالقطع أو بالعطف، و ليس له القطع مع إمكان العطف، فإن أتلفها مع إمكان عدولها عنه بغيره ضمن، و لا يفتقر في ذلك إلى إذن الحاكم.

و لو صالحه على إبقائه على الجدار أو في الهواء صحّ، سواء كان الغصن رطبا أو يابسا، بشرط تقدير الزيادة و انتهائها و العوض.

و لو صالحه على ذلك بجزء من ثمرها أو بجميعه لم يجز، و كذا الحكم لو

ص: 514


1- . كذا في النسختين و لعل الصواب «و لو طلب أحدهما».
2- . في «ب»: التشرّف.

امتدّ من عروق شجرة إنسان إلى أرض جاره، سواء أثّرت ضررا أولا، أو مال حائطه إلى ملك جاره، أو زلق من أخشابه إليه.

6132. الثالث عشر:

لو صالحه على موضع قناة من أرضه يجري فيها ماء، و بيّنا موضعها و عرضها و طولها جاز، و لا حاجة إلى بيان العمق، لأنّ ملك الموضع يستلزم ملكه إلى تخومه، فله أن ينزل ما شاء، و إن صالحه على إجراء الماء في ساقية من أرض مالك الأرض مع بقاء ملكه عليها، جاز مع تقدير المدّة و العلم بالموضع الّذي يجري الماء منه، و كذا لو كانت الأرض التي فيها الساقية مستأجرة مع المصالح إذا لم يزد على مدّته، و كذا لو كانت الأرض وقفا على المصالح، و سواء كانت الساقية محفورة أولا.

و لو مات الموقوف عليه، كان لمن انتقل الوقف إليه فسخ ردّ الصلح، فإذا فسخه، رجع المصالح على ورثة الميّت بقسط ما بقي من المدّة.

و لو صالحه على إجراء ماء سطحه من المطر على سطحه، أو في أرضه عن سطحه، أو في أرضه عن أرضه، جاز إذا علما مقدار جريان الماء بالمشاهدة أو المساحة، لاختلاف الماء بصغر السطح و كبره، بشرط ذكر المدّة، و لا يملك صاحب الماء المجرى و لو كان السطح معه مستأجرا أو عارية لم يكن له المصالحة على إجراء الماء فيه، لأنّه يستضرّ بذلك، بخلاف الساقية في الأرض المستأجرة.

و لو أراد أن يجري ماء في أرض غيره بغير إذنه لم يجز، و إن انتفى الضرر، سواء كان هناك ضرورة أولا.

و لو صالحه على أن يسقي أرضه من نهره أو من عينه مدة معلومة جاز.

ص: 515

و لا يجوز بيع حقّ الهواء لإشراع جناح من غير أصل يعتمده البناء، و كذا بيع حقّ مسيل الماء و مجراه، و حقّ الممرّ، و كلّ الحقوق المقصودة على التأبيد، و إن جاز الصلح عليها، لأنّ الجهالة لا يمنع من الصلح بخلاف البيع، فلو صالحه على حقّ البناء على أرض، وجب ذكر قدر البناء و كيفيّة الجدار لاختلاف الأغراض(1) في تثاقله.(2)

ص: 516


1- . في «أ»: لاختلاف الأعراض.
2- . و لا يخفى أنّ البحث في أحكام النزاع في الأملاك و تزاحم الحقوق قد عنونه أكثر الفقهاء في آخر كتاب الصلح، و قد تعرّض له المصنّف في كتاب إحياء الموات، نعم في الدروس جعله كتابا، مستقلاّ سمّاه ب «كتاب تزاحم الحقوق» و الأمر في ذلك سهل.

كتاب الغصب

اشارة

ص: 517

ص: 518

و فيه مقصدان

المقصد الأوّل: في أسباب الضمان

اشارة

و فيه خمسة عشر بحثا:

6133. الأوّل:

أسباب الضمان ثلاثة:

مباشرة الإتلاف، و هو إيجاد علّة التّلف، كالقتل و الأكل و الإحراق.

و التسبّب، و هو إيجاد ملازم العلّة، بأن يوجد ما يحصل الهلاك عنده بعلّة أخرى، إذا كان السبب يقصد لتوقّع تلك العلّة، كالحافر في محلّ العدوان فيتردّى فيه إنسان.

و إثبات اليد، إمّا مع العدوان كالغصب، أو بدونه كاللّقطة.

6134. الثاني:

الغصب هو الاستيلاء على مال الغير بغير حقّ، و هو محرّم بالنصّ و الإجماع، قال اللّه تعالى: وَ لاٰ تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ (1) و قال اللّه تعالى: يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا لاٰ تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ (2).

و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حين قضى مناسكه و وقف بمنى في حجّة الوداع:

أيّها الناس اسمعوا ما أقول لكم و اعقلوه فإنّي لا أدري لعلّي لا ألقاكم في هذا

ص: 519


1- . البقرة: 188.
2- . النساء: 29.

الموقف بعد عامنا هذا، ثمّ قال: أيّ يوم أعظم حرمة؟ قالوا: هذا اليوم. ثمّ قال:

أيّ شهر أعظم حرمة؟ قالوا: هذا الشهر. ثمّ قال: أيّ بلدة أعظم حرمة؟ قالوا:

هذه البلدة. قال: فإنّ دماءكم و أموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا إلى يوم تلقونه، فيسألكم عن أعمالكم، ألا هل بلّغت؟ قالوا: نعم يا رسول اللّه، قال: اللهم اشهد، ألا و من كانت عنده أمانة فليردّها إلى من ائتمنه عليها، فإنّه لا يحلّ دم امرئ مسلم و لا ماله إلاّ بطيبة نفسه، فلا تظلموا أنفسكم و لا ترجعوا بعدي كفّارا.(1)

و قال عليه السّلام: من غصب شبرا من الأرض بغير حقّه طوق به يوم القيامة من سبع أرضين(2) و قد أجمع العقلاء كافّة على تحريم الغصب.

6135. الثالث:

لا يكفى في الغصب رفع يد المالك بل لا بدّ من إثبات يد الغاصب، فلو منع المالك عن إمساك دابّته المرسلة فتلفت، أو من القعود على بساطه فتلف، أو من بيع متاعه فتلف، أو نقصت قيمته السوقيّة، أو تعيّبت، لم يضمن، و كذا لو مدّ بمقود دابّة عليها مالكها فتلفت بغير المدّ.

و لو حبس صانعا مدّة عن عمله، فكذلك لا يضمن أجرته، و لا يضمن الحرّ لو غصبه و إن كان صغيرا، و لو تلف بسبب كالحرق، و لدغ الحيّة و العقرب، و وقوع الحائط، قال الشيخ رحمه اللّه يضمنه الغاصب إذا كان صغيرا، و إن لم يكن بسببه(3).

ص: 520


1- . دعائم الإسلام: 484/2 برقم 1729، مستدرك الوسائل: 87/17، الباب 1 من أبواب كتاب الغصب، الحديث 1.
2- . جامع أحاديث الشيعة: 72/19، الباب من أبواب الغصب، الحديث 2، (عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم).
3- . المبسوط: 18/7، كتاب الجراح؛ و لاحظ الخلاف: 421/3، المسألة 40 من كتاب الغصب - ذيل المسألة -.

و لو استأجر الحرّ و منعه عن العمل، لم تستقرّ الأجرة.

و لو سكن الضعيف عن مقاومة المالك معه لم يضمن، و لو كان المالك خارجا عن الدار، ضمن الضعيف.

و لو قعد على بساط غيره، أو ركب دابّته ضمن و إن لم يسر بها، و كذا لو مدّ بمقودها فقادها، إذا لم يكن المالك عليها، أو كان عليها، و تلفت بذلك الفعل.

6136. الرابع:

يمكن غصب العقار كالدار و المزارع و غير ذلك من الأراضي، فيضمنها الغاصب، و لو أتلفها ضمنها إجماعا، كهدم حيطانها، و تفريق أجزائها، و كشط ترابها، و إلقاء الحجارة فيها، و نقص ما يحصل بغرسه أو بنائه.

و لو دخل أرض إنسان أو داره، و المالك غائب، ضمنها، سواء قصد ذلك أو ظنّ أنّها داره أو دار من أذن له في الدخول إليها على إشكال، أقربه عدم الضمان إلاّ مع قصد الاستيلاء، ليتحقّق معنى الغصب (فيه)(1) الّذي هو الاستقلال بإثبات اليد عليه من دون إذن المالك.

و قد يتحقّق الغصب بأن يسكن غيره فيه، و لو سكن مع المالك قهرا، فالوجه أنّه يضمن النصف.

6137. الخامس:

لو غصب الأمة الحامل، كان غاصبا للحمل، فلو تلف الحمل ألزم بقيمته، بأن تقوّم الأمة حاملا أو غير حامل(2) و يلزم بالتفاوت، و لو

ص: 521


1- . ما بين القوسين يوجد في «ب».
2- . كذا في النسختين و لعلّ الصواب «و غير حامل».

تلف بعد الوضع ألزم بالأكثر من قيمته وقت الولادة إلى يوم التلف، و كذا البحث في الدابّة الحامل.

و لو اشترى بالبيع الفاسد الأمة الحامل أو الدابّة الحامل، ضمن الأصل و الحمل معا.

6138. السادس:

لو استخدم الحرّ لزمته الأجرة، و كذا لو استأجر دابّة فحبسها مدّة الانتفاع، أو حبسها من غير إجازة.

6139. السابع:

الخمر و الخنزير إن غصبا من مسلم لم يضمنا، سواء كان الغاصب مسلما أو كافرا، و لو غصبا من ذميّ مستتر بهما، ضمنهما الغاصب مسلما كان أو كافرا، و لو لم يكن الذميّ مستترا بهما لم يضمنا، و يضمنان في موضعه بالقيمة لا بالمثل و إن كان المتلف ذميّا، و لو كانت الخمر باقية ردّها على الذميّ لا المسلم.

و لو أمسكها حتّى صارت خلاًّ ردّها على مالكها، فإن تلفت ضمنها له، و لو أراقها فجمعها غيره فتخلّلت عنده لم يلزمه ردّ الخلّ، لأنّه أخذها بعد زوال اليد عنها.

و لو غصب كلبا يجوز اقتناؤه، وجب ردّه، و لو أتلفه ضمنه بالتقدير الشرعي، و لو حبسه كان عليه أجرته.

و لو غصب جلد ميتة لم يجب ردّه لو أتلفه، أو أتلف الميتة بجلدها لم يكن عليه شيء.

و لو كسر صنما، أو صليبا، أو مزمارا، أو طنبورا، لم يضمن، و يحتمل إن

ص: 522

كان إذا فصّل صلح لمباح و إذا كسر لم يصلح، لزمه ما بين قيمته مفصلا و مكسرا.

و لو كسر آنية ذهب أو فضّة لم يضمن، و لو كسر آنية الخمر ضمنها.

6140. الثامن:

لا يثبت الغصب فيما ليس بمال كالحرّ، و لا يضمن بالغصب، و إنّما يضمن بالإتلاف، فلو أخذ حرّا فحبسه فمات عنده لم يضمنه، و لو استعمله مكرها لزمته أجرة مثله.

و لو حبس الحرّ و عليه ثياب لم يضمنها، صغيرا كان أو كبيرا.

و أمّ الولد مضمونة بالغصب، و كذا ماله قيمة من الكلاب دون كلب الهراش، و يضمن منفعة الكلب.

و لو اصطاد الغاصب ملك الصيد و عليه الأجرة، و لو اصطاد العبد، فالصيد للمالك، و حينئذ فالوجه دخول أجرته تحته، و لو ضمن العبد المغصوب بعد إباقه ففي سقوط أجرته بعد الضمان احتمال.

6141. التاسع:

كلّ فعل يحصل به التلف فهو موجب للضمان، و إن لم يكن غصبا، كمن باشر الإتلاف لعين فقتل حيوانا مملوكا، أو خرق الثوب، أو لمنفعة كمن سكن الدار، أو ركب الدابّة، و كالمسبّب بأن يحفر بئرا في غير ملكه عدوانا، أو يطرح المعاثر في الطرق، و أشباه ذلك.

و لو اجتمع المباشر و السبب، فالضمان على المباشر، كمن أوقع غيره في بئر حفرها ثالث متعدّيا، فالضمان على الدافع.

و لو كان متلف المال مكرها فالضمان على المكره لضعف المباشرة بالإكراه من السبب.(1)

ص: 523


1- . في «ب»: عن السبب.
6142. العاشر:

لو فتح قفصا عن طائر أو حلّ دابّة فذهبا، ضمنهما، سواء أهاجهما حتّى ذهبا أولا، و سواء ذهبا عقيب الفتح و الحلّ، أو مكثا ثمّ ذهبا، و كذا لو فكّ قيدا عن عبد مجنون فأبق، أمّا لو كان العبد عاقلا، أو فتح بابا على مال فسرق، فلا ضمان.

و لو فتح القفص و حلّ الدابة، فوقفا، فجاء آخر فنفّرهما، فالضمان على المنفّر، لأنّ سببه أخصّ، فاختصّ به الضمان كالدافع مع الحافر.

و لو وقع طائر انسان على جدار فنفّره آخر فطار، لم يضمنه، لأنّ تنفيره لم يكن سبب فواته، لأنّه كان ممتنعا قبل ذلك، و لو رماه فقتله ضمنه و إن كان فى داره، لإمكان تنفيره بغير قتله.

6143. الحادي عشر:

لو حلّ زقّا فيه مائع فاندفق ضمنه، سواء خرج في الحال أو على التدريج، أو خرج بعضه فبلّ أسفله فسقط، أو ثقل أحد جانبيه فمال على التدريج حتّى سقط، أمّا لو قلبته الريح أو زلزلة الأرض أو كان جامدا فذاب بالشمس، ففي الضمان إشكال، من حيث حصول المباشر و ضعف السبب.

و لو قرّب آخر منه نارا فأذابه فسال، فالضمان على المقرّب، فإنّ سببه اختصّ بحصول التلف عقيبه.

و لو أذابه أحدهما أوّلا ثمّ فتح الثاني راسه فاندفق، فالضمان على الثاني.

و لو فتح زقّا مستعالى الرأس، فخرج بعضه، و استمرّ خروجه على التدريج فنكّسه آخر فاندفق، فضمان ما بعد التنكيس على الثاني، و ما قبله على الأوّل.

ص: 524

و لو دلّ السرّاق على المال ضمنه على إشكال، و كذا لو حلّ رباط سفينة فذهبت أو غرقت.

6144. الثاني عشر:

لو أوقد في ملكه نارا أو في موات فطارت شرارة إلى دار جاره فأحرقتها، أو سقى أرضه فسال الماء إلى [أرض] جاره فغرقها، لم يضمن إن لم يفرّط بخروج فعله عن العادة.

و لو علم أو غلب على ظنّه التعدّي إلى الإضرار اختيارا ضمن، بأن أجّج نارا تسري في العادة لكثرتها أو في ريح شديدة تحملها، أو فتح الماء في أرض غيره، أو أوقد في دار غيره، و لو سرى إلى غير الدار الّتي أو قد فيها و الأرض الّتي فتح الماء فيها ضمن، لأنّها سراية عدوان.

و لو أرسل الماء في ملكه بقدر حاجته و هو يعلم أنّه ينزل إلى ملك غيره، و أنّه لا حاجز يمنعه ضمن، و كذا لو طرح نارا في زرعه، و هو يعلم اتّصال زرعه بزرع غيره و أنّ النار تسري إليه ضمن.

6145. الثالث عشر:

لو ألقى صبيّا في مسبعة، أو حيوانا يضعف عن الفرار، فأكله السّبع ضمنه، و لو غصب شاة فمات ولدها جوعا ففي الضمان إشكال، و كذا لو غصب دابّة فتبعها الولد، أو حبس مالك الماشية عن حراستها فاتّفق التلف.

و لو ألقت الريح إلى داره ثوب غيره، لزمه حفظه، لأنّه أمانة حصلت تحت يده على إشكال، و إن لم يعرف صاحبه فهو لقطة، و لو عرف صاحبه لزمه إعلامه، فإن لم يفعل ضمنه.

ص: 525

و لو سقط طائر في داره لم يلزمه حفظه و لا إعلام صاحبه، لأنّه محفوظ بنفسه، و لو دخل برجه فأغلق عليه بنيّة إمساكه لنفسه، ضمنه، و لو لم ينو ذلك لم يضمنه، لأنّ له التصرّف في برجه كيف شاء.

6146. الرابع عشر:

المقبوض بالبيع الفاسد مضمون و كذا المقبوض بالسوم(1)، و لو استوفى المنفعة بالإجارة الفاسدة ضمن أجرة المثل.

و لو أكلت الدابّة حشيش غيره ضمن صاحب الدابّة مع تفريطه في حفظها، و لو استعار دابّة غيره فأكلت ضمن المستعير مع تفريطه، سواء أتلفت لمالكها أو لغيره.

و لو كانت البهيمة في يد الراعي ضمن الراعي مع تفريطه دون المالك، و إذا جحد المودع فهو غاصب من وقت الجحود، و لو غصب آخر من الغاصب، تخيّر المالك في الرّجوع على أيّهما شاء، و له إلزامهما بالبدل الواحد.

6147. الخامس عشر:

قال الشيخ رحمه اللّه: لو خشي سقوط حائط جاز أن يسند بجذع الغير بغير إذنه، و احتجّ عليه بالإجماع(2). و فيه نظر.

ص: 526


1- . و هو أن يقبضه ليشتريه.
2- . المبسوط: 86/3.

المقصد الثاني: في الأحكام

اشارة

و فيه عشرون بحثا:

6148. الأوّل:

يجب ردّ المغصوب مع بقاء عينه، و لو أخرجه من بلد الغصب، وجب عليه ردّه بعينه، و إن غرم عليه أضعاف قيمته، و لو دفع الغاصب أجرة الردّ و مكّنه منه فى موضعه، أو بذل له أكثر من قيمته، لم يجب على المالك القبول، و لو رضي المالك في موضعه بغير أجرة الردّ، أو طلب ردّه إلى بعض الطريق، وجب على الغاصب الإجابة، بخلاف ما لو طلب حمله إلى مكان آخر في غير طريق الردّ، و إن كان أقرب، أو طلب أجرة الرد.

و لو تعسر الردّ وجب مع إمكانه، كاللوح ترقع به السفينة، و هي على الساحل، أو في اللّجّة و اللوح في أعلاها، و لو خيف الغرق لم يجب، و للمالك أخذ القيمة، فإذا أمكن ردّ اللوح استرجعه، و ردّ القيمة، و لو خيف غرق مال الغاصب خاصّة قلعت.

و لو استدخل الخشبة في بنائه، وجب ردّها بعينها، و إن أدّى إلى خراب البناء، و كذا لو غصب حجرا فبنى عليه، أو خيطا فخاط به ثوبا، و لو بلي الخيط، أو انكسر الحجر، أو تلفت الخشبة، ردّ القيمة، و لو أمكن نزع الخيط من الثوب

ص: 527

وجب، و ضمن النقص، و لو خشي تلفه بانتزاعه، ضمن القيمة، و لو خاط به جرح حيوان لا حرمة له كالمرتدّ و الكلب العقور، و الخنزير، وجب ردّه، و لو كان له حرمة و خشي من نزعه تلف الحيوان أو الشّين(1) أو بطء البرء وجبت القيمة، و لو كان الحيوان مأكول اللّحم، فالأقرب أنّه كذلك.

و كلّ موضع يجب فيه ردّ العين لو دفع الغاصب القيمة لم يجب القبول، و كذا لو طلبها المالك.

6149. الثاني:

لو مزج المغصوب بما يمكن تمييزه كلّف التمييز و إن شقّ، كالحنطة بالشعير، أو الدخن بالذّرة، أو السمسم بالعدس، أو صغار الحبّ بكباره، أو أسود الزبيب بأحمره، و أجرة المميّز على الغاصب. و لو لم يمكن تمييز الجميع وجب تمييز ما أمكن.

و إن لم يمكن تمييزه(2) فإن خلطه بمثله كان شريكا، و لو مزجه بأدون أو أجود أو بغير جنسه، كالزّيت بالشيرج، ألزم الغاصب بالمثل، لاستهلاك العين، و لو بذل الغاصب مع المزج بالأجود حقّه منه، وجب القبول، و كذا لو رضي المالك مع المزج بالأدون بقدر حقّه منه، لزم الغاصب دفعه، و لو اتّفقا على أن يأخذ أكثر من حقّه من الرديء أو دون حقّه من الجيّد لم يجز، لأنّه ربا، و يجوز العكس، فيأخذ دون حقّه من الرديء، و أكثر من حقّه من الجيّد، إذ لا مقابل للزيادة، و إنّما هي تبرّع، و الوجه عندي المنع في الجميع مع البيع و الجواز في الجميع مع الصلح.

ص: 528


1- . في مجمع البحرين: الشّين خلاف الزّين، يقال: شانه: أي عابه.
2- . فهو على خمسة أقسام: الأوّل ما أشار إليه بقوله: «فإن خلط بمثله» و أشار إلى القسم الثاني و الثالث و الرابع بقوله: «و لو مزجه بأدون أو أجود أو بغير جنسه». و أمّا القسم الخامس فهو قوله: «و لو مزجه بما لا قيمة له».

و لو مزجه بما لا قيمة له كاللّبن بالماء، فإن أمكن تخليصه وجب، و إن لم يمكن فإن كان المزج يفسده رجع بمثله، و إلاّ بالعين و أرش النقصان.

6150. الثالث:

لو حدث في المغصوب عيب ضمن الغاصب الأرش، سواء كان النقص من الغاصب، أو من غيره، أو من قبل اللّه تعالى، إذا كان النّقص مستقرا، كتخريق الثوب، و تكسير الإناء، و تسويس الطعام، و خراب البناء، و تمزيق الثوب، سواء مزّقه قليلا أو كثيرا.

و لو كان النقص غير مستقرّ، كعفن الحنطة، قال الشيخ رحمه اللّه: يضمن قيمة المغصوب(1) و الوجه أنّه يضمن النقص، و كلّما تجدّد نقص ضمنه، و الأرش قدر نقص القيمة في جميع الأعيان، و روى علماؤنا في عين الدابّة ربع القيمة(2)، و قال الشيخ: في عين الدابّة نصف قيمته و في العينين كمال القيمة، و كذا كلّ ما في البدن منه اثنان(3) و تتساوى بهيمة القاضي و غيره في الأرش.

6151. الرابع:

لو تلف المغصوب أو تعذّر ردّه، فإن كان مثليّا - و هو ما يتماثل أجزاؤه و تتفاوت صفاته، كالحبوب و الأدهان - وجب ردّ مثله، فإن تعذّر المثل، ضمن قيمته يوم الردّ لا يوم الإعواز، سواء حكم الحاكم بالقيمة عند الإعواز فزادت قيمته أو نقصت، أو لم يحكم.

و لو قدر على المثل بعد دفع القيمة، لم يردّ عليه، و لو وجد المثل بأكثر من ثمن المثل، فالوجه وجوب الشراء، و إن لم يكن مثليّا وجبت قيمته، فإن لم يختلف من حين الغصب إلى حين الدّفع فلا بحث.

ص: 529


1- . المبسوط: 82/3-83.
2- . لاحظ النهاية: 781، و الوسائل: 271/19، الباب 4 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 3.
3- . المبسوط: 62/3؛ الخلاف: 397/3، المسألة 4 من كتاب الغصب.

و إن اختلف فإن كان لمعنى(1) في المغصوب من صغير و كبير و سمن و هزال و تعلّم و نسيان و نحوه، وجبت القيمة أكثر ما كانت، و إن كان الاختلاف فيها لتغيير الأسعار، فالأكثر على ضمان القيمة يوم الغصب، لأنّه الوقت الّذي أزال يده عنه.

و الوجه عندي ضمان القيمة يوم التلف، لأنّ الواجب بالذّمة مع بقاء العين ردّها و إنّما يصار إلى القيمة مع تعذّر الردّ و هو يوم التلف.

و قال الشيخ رحمه اللّه: يضمن أعلا القيمة من حين يوم الغصب إلى حين التلف، و لا عبرة بزيادة القيمة و لا بنقصانها بعد ذلك(2).

و الذهب و الفضة يضمنان بالمثل، و قال الشيخ: بالقيمة بنقد البلد، كما لا مثل له(3) و لو تعذّر المثل و كان نقد البلد بخلاف المضمون في الجنس، ضمنه بالنقد، و إن كان من الجنس و يساوي المضمون و النقد وزنا جاز، و إن تفاوتا قوّم بغير جنسه.

6152. الخامس:

القيمة السوقية لا يضمن نقصانها بتفاوت الأسعار مع ردّ العين، و يضمن الصنعة كالأصل، فلو غصبه حليّا فكسره وجب عليه أرشه، و كذا لو غصب آنية فكسرها.

و لو أتلف المعمول من الحديد و الرصاص و النحاس من الأواني و غيرها، و الحليّ من الذهب و الفضة، و المنسوج من الحرير و الكتّان و القطن، و المغزول من ذلك و شبهه، ضمن الأصل بمثله و قيمة الصنعة، و إن زادت على الأصل،

ص: 530


1- . في «أ»: بمعنى.
2- . المبسوط: 72/3 و 75.
3- . المبسوط: 61/3.

ربويّا كان أو غير ربويّ، بخلاف البيع، لأنّ الصناعة لا يقابلها العوض في العقود، و يقابلها (العوض)(1) في الإتلاف، و لهذا لا ينفرد بالعقد و ينفرد بالإتلاف.

و لو كانت الصنعة محرّمة، لم تكن مضمونة، سواء أتلفها خاصّة أو أتلفها مع الأصل.

6153. السادس:

لو غصب عبدا فمات في يده، ضمن قيمته و إن تجاوزت دية الحرّ، و لو قتله الغاصب، قيل: عليه قيمته ما لم تتجاوز دية الحرّ، فلا يضمن الزائد(2) و الوجه عندي ضمانه بسبب الغصب.

و لو قتله غير الغاصب، فعليه القيمة ما لم تتجاوز دية الحرّ، فلا يضمن الزائد، بل يكون الزائد على الغاصب، و الأصل على القاتل.

و لو جنى عليه الغاصب بما دون النفس، فإن كانت مقدّرة في الحرّ، فهي كذلك في العبد بالنّسبة إلى قيمته، و إلاّ ففيها الحكومة، و الأقرب عندي إلزام الغاصب بأكثر الأمرين من أرش النقص أو دية العضو، لأنّ سبب ضمان كلّ واحد منهما قد وجد، فعليه أكثرهما، فلو كان يساوي ألفا ثمّ زادت قيمته فساوى ألفين، ثمّ قطع يده فنقص ألفا، لزمه الألف و ردّ العبد، لأنّ زيادة السّوق مضمونة مع تلف العين، و يد العبد كنصفه، و إن نقص ألفا و خمسمائة فعلى ما اخترناه يضمن ألفا و خمسمائة، و يردّ العبد، و على القول الآخر يردّ ألفا و العبد، و إن نقص خمسمائة وجب عليه الألف و العبد معا.

ص: 531


1- . ما بين القوسين يوجد في «ب».
2- . ذهب إليه الشيخ في المبسوط: 62/3؛ الخلاف: 398/3، المسألة 5 من كتاب الغصب.

و لو جنى عليه غيره ضمن ما فيه مقدّر في الحرّ بقدره من القيمة، فإن زاد الأرش، فالزائد على الغاصب، و ما لا تقدير فيه، فالأرش على الجاني.

و لو مثّل الغاصب به، قال الشيخ رحمه اللّه: عتق و عليه القيمة(1) و الأقرب اختصاص العتق بالتمثيل بالمولى.

و لو جنى الغاصب عليه بكمال قيمته، قال الشيخ: يتخيّر المالك بين دفعه و أخذ القيمة، و بين إمساكه بغير شيء(2) تسوية بين الغاصب و غيره، و ليس بمعتمد، بل يجب دفعه مع القيمة.

و لو قطع غير الغاصب يده، تخيّر المالك في الرجوع على أيّهما شاء، فإن رجع على الجاني فله عليه نصف قيمته، و لا يرجع على أحد، و يضمن الغاصب الزيادة إن زاد الأرش، و لا يرجع على أحد، و إن رجع على الغاصب لزمه الأكثر من الأرش و نصف القيمة على ما اخترناه، فإن تساويا أو كان الأرش أقلّ، رجع الغاصب على الجاني، لأنّ التلف حصل بفعله، فاستقرّ الضمان عليه، و إن زاد الأرش رجع الغاصب على الجاني بنصف القيمة، لأنّه أرش جنايته، فلا يجب عليه الأكثر.

و لو جنى العبد المغصوب عمدا فقتل، ضمن الغاصب القيمة، و إن طلب وليّ الدّم الدّية ألزم الغاصب بأقلّ الأمرين من قيمته و الدية.

و لو جنى على الطرف عمدا فاقتصّ، ضمن الغاصب الأرش، و هو ما ينقص من قيمة العبد دون أرش العضو، لأنّه ذهب بسبب غير مضمون، فأشبه

ص: 532


1- . المبسوط: 62/3.
2- . المبسوط: 62/3.

سقوطه بغير جناية، و إن طلب منه الأرش تعلّق أرش العضو برقبته، و ضمن الغاصب أقلّ الأمرين.

و لو جنى على سيّده، فجنايته مضمونة على الغاصب أيضا، لأنّها من جملة جناياته الموجبة للنقص.

و لو زادت جناية العبد على قيمته ثمّ مات، فعلى الغاصب قيمته، يدفعها إلى سيّده، فإذا أخذها تعلّق بها أرش الجناية، فإذا أخذ وليّ الجناية القيمة من المالك رجع المالك على الغاصب بقيمة أخرى، لأنّ المأخوذة أوّلا استحقّت بسبب وجد في يده، فكانت من ضمانه.

أمّا لو كان العبد وديعة فجنى بما يستغرق قيمته، ثمّ قتله المستودع، وجب عليه قيمته، و تعلّق بها أرش الجناية، فإذا أخذها وليّ الجناية، لم يرجع المالك على المستودع، لأنّه جنى و هو غير مضمون.

و لو جنى العبد في يد المالك بما يستغرق قيمته، ثمّ غصبه غاصب فجنى في يده بالمستغرق أيضا، بيع في الجنايتين، و قسّم ثمنه بينهما، و رجع المالك على الغاصب بما أخذه الثاني، لأنّ الجناية في يده، و كان للمجنيّ عليه أوّلا أخذه دون الثاني، لأنّ الّذي أخذه المالك من الغاصب، هو عوض ما أخذه المجنيّ عليه ثانيا، فلا يتعلّق به حقّه، و يتعلّق به حقّ الأوّل، لأنّه بدل عن قيمة الجاني.

و لو مات العبد في يد الغاصب، فعليه قيمته بينهما، و يرجع المالك على الغاصب بنصف القيمة، لأنّه ضامن للجناية الثانية، و يكون للمجنيّ عليه أوّلا أن يأخذه كما قلناه.

ص: 533

6154. السابع:

لو نقصت عين المغصوب دون قيمته، فإن كان الذاهب جزءا مقدّر البدل، كعبد خصاه و زيت أغلاه، ضمن نقص العبد بقيمته، و هو دية ما أتلفه، و نقص الزّيت بمثله، مع ردّ العبد و الزيت، و إن كانت الجناية تستغرق قيمة العبد، و لو سقط ذلك العضو بآفة، فلا شيء له، لأنّه يزيد به قيمته.

و إن لم يكن مقدّرا كالسمن المفرط إذا ذهب و لم تنقص قيمته، فالواجب ردّه و لا شيء عليه، و لو كان النقص في مقدّر البدل(1) لكن الذاهب منه أجزاء غير مقصودة كعصير أغلاه حتّى ذهب ثلثاه، فنقصت عينه دون قيمته، قال الشيخ رحمه اللّه: لا يضمن شيئا، و يردّ الباقي، لأنّ الأجزاء الذاهبة لا قيمة لها، و يقصد إذهابها(2) و الوجه عندي وجوب الضمان.

و لو نقصت العين و القيمة معا، وجب ضمان النقصين، كرطل زيت قيمته دراهم، أغلاه فنقص ثلثه و صارت قيمة الباقي نصف درهم(3) وجب عليه ثلث رطل و سدس درهم، و لو كانت قيمة الباقي ثلثي درهم، فليس عليه أكثر من ثلث رطل.

و لو خصى العبد فنقصت قيمته، لم يكن عليه أكثر من ضمان خصيّه، و لو سمن العبد في يد الغاصب سمنا تنقص به القيمة، أو كان شابّا فصار شيخا، أو كانت الجارية ناهدا فسقط ثدياها، وجب أرش النقص إجماعا.

و لو كان العبد أمردا فنبتت لحيته فنقصت قيمته، ضمن النقصان،

ص: 534


1- . في «أ»: في مقدار البدل.
2- . المبسوط: 82/3.
3- . في «أ»: في نصف درهم.

و يحتمل عدم الضمان، لأنّ النابت لا يقصد قصدا صحيحا فكان كالصناعة المحرّمة.

و البحث في المدبّر و المكاتب المطلق الّذي لم يؤدّ شيئا و المشروط و أمّ الولد كالبحث في القنّ، و لو تحرّر بعض العبد كان حكم ذلك البعض حكم الأحرار.

6155. الثامن:

لو تعذّر ردّ العين كعبد أبق، أو دابّة شردت، وجب على الغاصب قيمته، و يملكها المغصوب منه، و لا يملك الغاصب العين، بل متى قدر عليها، وجب ردّها و يستردّ القيمة، و له حبسها إلى أن يأخذ القيمة، و يجب عليه ردّ نماء المغصوب المتّصل و المنفصل و أجرة مثله إلى حين دفع البدل إن كان ذا أجرة، و هل يجب عليه أجرة ما بين دفع بدله إلى ردّه؟ قيل(1): نعم، و الأقرب عدم الوجوب.

و يجب على المالك ردّ ما أخذه بدلا إلى الغاصب إن كان باقيا بعينه، و ردّ زيادته المتّصلة كالسّمن دون المنفصلة.

و لو غصب عصيرا فصار خمرا، وجب عليه قيمة العصير إن تعذّر المثل، فإن صار خلاًّ وجب ردّه و ما نقص من قيمة العصير، و يسترجع ما أدّاه من بدله.

و لو غصب شيئين فتلف أحدهما فنقصت قيمة الباقي بالتفريق، كالخفّين، ردّ الباقي و قيمة التالف مجتمعا و أرش النقص، فلو ساويا ستّة دراهم، و صار الباقي يساوي درهمين، ردّه و ردّ أربعة دراهم، و كذا لو شقّ ثوبا بنصفين،

ص: 535


1- . ذهب إليه الشيخ في أحد قوليه لاحظ المبسوط: 96/3.

فنقصت قيمة كلّ منهما بالشقّ، ثمّ تلف أحدهما و لو كانا باقيين ردّهما مع أرش الشقّ، و لو لم ينقصه الشق ردّهما بغير شيء، و لو تلف أحدهما ردّ الباقي و قيمة التالف(1).

و لو أخذ أحد الخفّين فأتلفه و نقصت قيمة الآخر في يد المالك بسبب الانفراد، ضمن التالف مجتمعا، و في ضمان نقص قيمة الآخر نظر.

6156. التاسع:

تصرّفات الغاصب لا تخرج العين عن ملك المالك، سواء بقي الاسم و الصّفة أو زالا و سواء حصل التغيّر من الغاصب أو من غيره، فلو غصب حنطة فطحنها، أو كتّانا فغزله أو نسجه، لم يملكه الغاصب، و للمالك أخذه و أرش نقصه إن نقص، و لا شيء للغاصب في زيادته.

و لو استأجر الغاصب على عمل شيء من ذلك، فالأجرة عليه، فإن حصل نقص كذبح الشاة تخيّر المالك في أرش النقص بين الرجوع على الغاصب أو على الذابح، فإن كان الذابح عالما بالغصب، استقرّ الضمان عليه، و إلاّ استقرّ الضمان على الغاصب، لغروره.

و لو غصب ثوبا فلبسه فابلاه فذهب نصف قيمته، ثمّ غلت الثياب فعادت قيمته، وجب ردّه و ردّ الأرش، فلو كان يساوي عشرة و نقص بالاستعمال خمسة ثمّ تغيّر سعره فساوى عشرة، ردّ الثوب و خمسة، و كذا لو رخصت الثياب فصارت قيمته ثلاثة، ردّ الثوب و خمسة لا غير.

و لو غصب الثوب و نقص بعض أجزائه فعليه أرش النقص، فإن أقام عنده

ص: 536


1- . في «أ»: و قيمة التلف.

مدّة لمثلها أجرة لزمته الأجرة أيضا، و لم يتداخلا، سواء استعمله أو تركه، و سواء كان ذهاب بعض الأجزاء بالاستعمال أو بغيره.

و لو نقصت العين عند الغاصب ثمّ باعه فتلف عند المشتري، تخيّر في تضمين من شاء، فإن ضمّن الغاصب، وجب أكثر ما كانت قيمته من حين الغصب إلى حين التلف، و إن ضمّن المشتري، ضمن أكثر ما كانت قيمته من حين قبضه إلى حين التلف.

و إن كان له أجرة، فله الرجوع على الغاصب بالجميع، و إن شاء رجع على المشتري بأجرة مقامه في يده، و بالباقي على الغاصب، و يرجع المشتري على الغاصب بما غرمه مع الجهل لا مع العلم.

و لو غصب طعاما فأطعمه غير المالك، تخيّر المالك في تضمين من شاء، فإن رجع على الآكل لم يرجع على الغاصب مع علمه، و يرجع مع الجهل، و إن رجع على الغاصب، رجع الغاصب على الآكل مع علمه، و لا يرجع مع الجهل.

و لو أطعمه المالك فأكله عالما بأنّه طعامه، برئ الغاصب، و إن لم يعلم فالضمان على الغاصب.

فلو وهب المغصوب لمالكه، أو أهداه إليه، فالوجه براءة ذمّته، و كذا إن باعه إيّاه أو أقرضه.

أمّا لو أودعه إيّاه، أو آجره، أو رهنه، أو أعاره، لم يبرأ من الضمان إلاّ أن يكون المالك عالما، لأنّه لم يعد إليه سلطانه، و إنّما قبضه أمانة.

و لو زوّج الجارية من المالك فاستولدها مع الجهل، نفذ الاستيلاد، و برئ الغاصب.

ص: 537

و لو قال الغاصب المعير لمالك العبد: هو عبدي فأعتقه، فالوجه عدم نفوذ العتق لغروره، و لو قيل بنفوذه، فالأقرب الرجوع بالغرم.

و لو غصب حبّا فزرعه، أو بيضا فاحتضنه، فالزرع و الفرخ لمالك الحبّ و البيض، و لا شيء للغاصب عن العلف(1) و السقي.

و لو غصب شاة فأنزى عليها فحلا، فالولد لصاحب الشاة، و لو غصب فحلا فأنزاه على شاته، فالولد له، و عليه أجرة الضراب لصاحب الفحل و أرش ما نقص من الفحل إن نقص، و قال الشيخ رحمه اللّه: لا يضمن أجرة الضراب(2).

و ليس بمعتمد.

6157. العاشر:

إذا زادت قيمة المغصوب بفعل الغاصب، فإن كانت أثرا، كتعليم الصّنعة، و خياطة الثوب، و نسج الغزل، ردّه بغير أجرة، و لو نقصت قيمته بشيء من ذلك، ضمن الأرش.

و لو صاغ النقرة حليّا ردّها كذلك، فلو كسره، ضمن الصنعة و إن كانت من جهته، لأنّها صارت تابعة للنقرة، فإن أجبره المالك على ردّه إلى النقرة وجب، و لا يضمن أرش الصنعة، و يضمن ما نقص من قيمة أصل النقرة بالكسر، و إن كانت عينا مثل أن صبغ الثوب بصبغ منه، كان له قلع الصبغ، و عليه أرش ما نقص من الثوب بالقلع، و للمالك قلع الصبغ عن الثوب، لأنّه في ملكه بغير حقّ.

ص: 538


1- . الإطعام على وجه اللفّ و النشر غير المرتّب.
2- . المبسوط: 96/3.

و لو أراد صاحب الثوب أخذ الصبغ بقيمته، أو الغاصب أخذ الثوب بقيمته، لم يجبر الآخر، و لو اتّفقا على التّبقية، فإن لم تتغيّر قيمة أحدهما بالاجتماع، كانا شريكين، فإن باعاه كان الثمن بينهما على النّسبة، و إن زادت قيمتهما لزيادة الثياب في السوق، فالزيادة للمالك، و إن كانت لزيادة الصّبغ في السوق، فالزيادة للغاصب، و إن كانت لزيادتهما معا، فهي بينهما على نسبة زيادة كلّ منهما.

و إن كانت الزيادة بالعمل، فهي بينهما، لأنّ زيادة الغاصب بالأثر للمغصوب منه، و لو نقصت القيمة لغير الاسعار، لم يضمن الغاصب، و إن نقصت للعمل، ضمن الغاصب إن نقص المجموع عن قيمة الثوب، و لو زاد كان الزائد للغاصب و لا شيء على المالك بنقص الصّبغ.

و لو كانت قيمة الثوب خمسة، و الصّبغ كذلك، ثمّ زادت قيمة الثوب في السّوق، فساوى سبعة، و نقص الصّبغ فساوى ثلاثة، و ساوى المجموع عشرة، فلصاحب الثوب سبعة، و الباقي للغاصب.

و لو ساوى اثني عشر، فلصاحب الثّوب نصفها و خمسها، و للغاصب خمسها و عشرها.

و لو صار قيمة الثوب في السوق ثلاثة، و الصبغ سبعة انعكس الحال، و لو أراد المالك بيع الثوب لم يملك الغاصب منعه، و لو أراد الغاصب بيع الثوب، كان للمالك منعه.

و لو كانا لمالك و لم ينقص أحدهما بالاجتماع ردّه و لا شيء عليه، و إن نقص بالصبغ، ضمن الغاصب، و لو نقص السعر لم يضمنه.

ص: 539

و لو كانا لمالكين و لم تنقص القيمة، فهما شريكان، و لو زادت فالزيادة لهما، و إن نقصت للصبغ، فالضمان على الغاصب، و إن نقصت قيمة أحدهما للسعر لم يضمنه.

و لو أراد صاحب الصبغ قلعه، أو المالك أجبر الممتنع، و على الغاصب أرش النقص من كلّ منهما.

6158. الحادي عشر:

زوائد المغصوب و فوائده مضمونة في يد الغاصب، فلو غصب عبدا أو أمة قيمته مائة، فسمن أو تعلّم صنعة، فساوى مائتين [ثمّ نقص] ضمن الغاصب ما ينقص من الزيادة، سواء طالب المالك بردّها زائدة أو لم يطالب، و كذا يضمن الغاصب ما يتجدّد من لبن، و ولد، و ثمر، و منافع كسكنى الدار، و ركوب الدّابّة، و كلّ منفعة لها أجرة بالعادة، سواء تلف منفردا أو مع الأصل، و سواء تجدّد في يد الغاصب، أو غصبها زائدة، ثمّ نقصت عنده.

و لو غصبها و قيمتها مائة، فسمنت فبلغت ألفا، ثمّ تعلّمت صنعة، فبلغت ألفين، ثمّ هزلت و نسيت، فبلغت مائة، ردّها و ردّ ألفا، و تسعمائة، و لو بلغت بالسّمن ألفا، ثمّ هزلت فبلغت مائة ثمّ تعلّمت فبلغت ألفا، ثمّ نسيت فعادت إلى مائة، ردّها و ردّ ألفا و ثمانمائة، لأنّها نقصت بالهزال تسعمائة و بالنسيان تسعمائة.

و لو سمنت فبلغت ألفا، ثمّ هزلت فعادت إلى مائة، ثمّ تعلّمت فعادت إلى ألف، ردّها و تسعمائة.

أمّا لو سمنت فبلغت ألفا، ثمّ هزلت فعادت إلى مائة، ثمّ سمنت فعادت إلى الألف، ردّها و لا شيء عليه، لأنّه عاد ما ذهب، و يحتمل وجوب ردّها زائدة

ص: 540

مع ضمان نقص الزيادة الأولى، كما لو كانا من جنسين، فإنّ ملك الإنسان لا ينجبر بملكه، و الزيادة الثانية غير الأولى.

أمّا لو تعلّمت فبلغت ألفا، ثمّ نسيت، ثمّ تعلّمت ما نسيته، و بلغت الألف مائة فإنّه يردّها بغير شيء، لأنّ العلم الثاني هو الأوّل.

و لو تعلّمت علما آخر غير الأوّل، أو صنعة غير الصنعة الّتي نسيتها أوّلا، ففي التّغاير نظر.

و لو مرض المغصوب ثمّ برأ، أو ابيضّت عينه ثمّ ذهب بياضها، ردّه و لا شيء عليه، و كذا لو حملت(1) فنقصت، ثمّ وضعت و زال نقصها.

و لو ردّ المغصوب ناقصا بمرض أو عيب، فعليه ارشه، فإن زال عيبه في يد مالكه، لم يلزمه ردّ ما أخذ من أرشه، و كذا إن أخذ المغصوب دون أرشه، ثمّ زال العيب قبل أخذ أرشه، لم يسقط ضمانه.

و لو زادت القيمة لزيادة الصفة، ثمّ زالت الصّفة، ثمّ عادت الصّفة ناقصة عن قيمة الأولى، ضمن التفاوت.

6159. الثاني عشر:

لو باع الغاصب فالأقرب أنّه كان كالفضوليّ، يقف على الإجازة، و يضمن المشتري العين و المنافع، و لا يرجع على الغاصب مع علمه، و يرجع مع الجهل.

و يتخير المالك في الرجوع على من شاء منهما، فإن رجع على الغاصب رجع الغاصب على المشتري العالم لا الجاهل.

ص: 541


1- . في «ب»: لو حبلت.

و إن رجع على المشتري، رجع المشتري على الغاصب بما دفعه من الثمن إن كان المشتري جاهلا، و إلاّ فلا، و للمالك مطالبته بالمثل أو القيمة، و لا يرجع بذلك على الغاصب.

و ما يغرمه المشتري ما لم يحصل له في مقابلته نفع كالنفقة و العمارة، فله الرّجوع على البائع، و ما يحصل له نفع في مقابلته، كسكنى الدار، و ثمرة الشجرة، و الصوف، و اللّبن، ففيه قولان:

أحدهما أنّ الضمان على الغاصب خاصّة، لأنّه سبب، و المباشرة ضعيفة بالغرور.

و الثاني التخيير، فإن رجع على الغاصب لمكان الحيلولة، رجع على المشتري، و إن رجع على المشتري لاستقرار التلف في يده، لم يرجع على الغاصب.

و لو وطئها المشتري فعليه العشر مع البكارة و نصفه مع الثيوبة، و أرش ما ينقص بالولادة، و ينعقد الولد حرّا و عليه فداؤه يوم سقوطه حيّا لا يوم المطالبة، و يفديه بقيمته لا بمثله، و يرجع بذلك كلّه على البائع.

و لو أقامت عنده مدّة لمثلها أجرة، فعليه الأجرة.

و كلّ ضمان يجب على المشتري فللمالك الرجوع على من شاء منهما، فإن رجع على المشتري و كان عالما بالغصب، لم يرجع على الغاصب على ما بيّناه، و إن كان جاهلا، فأقسامه ثلاثة:

قيمتها و أرش بكارتها و بدل جزء من أجزائها، فهذا لا يرجع به، لأنّه

ص: 542

دخل مع البائع على أن يكون ضامنا لذلك بالثمن، فإذا ضمنه لم يرجع به.

و بدل الولد، فهذا يرجع به، لأنّه دخل على أن لا يكون الولد مضمونا عليه، و لم يحصل من جهته إتلاف، و إنّما الشرع أتلفه بحكم بيع الغاصب، و كذا نقص الولادة.

و الثالث مهر مثلها و أجر نفعها، ففي الرّجوع به قولان: أحدهما يرجع به، لأنّه دخل في العقد على أن يتلفه بغير عوض. و الثاني لا يرجع به، لأنّه غرم ما استوفى بدله، كقيمة الجارية، و إن رجع بذلك كلّه على الغاصب، فكلّ ما لو رجع به على المشتري لم يرجع به على الغاصب، يرجع به الغاصب، و كلّ ما لو رجع على المشتري رجع به على الغاصب، لا يرجع به الغاصب، و قد تقدّم بيان ذلك كلّه و لو ردّها حاملا فماتت من الوضع، ضمن الغاصب.

و لا يملك المشتري ما يقبضه بالبيع الفاسد، سواء كان البائع المالك أو الغاصب أو غيرهما، و يضمنه و ما يتجدّد من نمائه و ما يزداد(1) به قيمته لزيادة صفته(2) فإن تلف عنده ضمن العين بأعلا القيم من حين قبضه إلى حين تلفه إن لم يكن مثليّا، و الوجه عندي أنّه يضمنه بقيمته يوم التلف.

6160. الثالث عشر:

لو وطئها الغاصب جاهلين بالتحريم لزمه مهر المثل، و قيل: العشر مع البكارة و نصفه مع عدمها، و لا يجب إلاّ مهر واحد و إن تعدّد الوطء، و لا حدّ عليه.

و لو افتضّها بإصبعه لزمه أرش البكارة، فإن وطئها بعد ذلك لزمه الأمران.

ص: 543


1- . في «أ»: و ما يزاد.
2- . في «أ»: كزيادة صفة.

و لو ذهبت البكارة بالوطء لم يجب عليه أكثر من المهر أو العشر، و إن حملت فالولد حرّ لا حقّ به للشبهة.

فإن وضعته ميّتا لم يضمنه، لأنّ التقويم إنّما يجب للحيلولة و لم تحصل هنا، و إن وضعته حيّا فعليه قيمته يوم الولادة و أرش ما ينقص منها بالولادة و أجرتها مدّة بقائها في يده.

و لو ضربها الغاصب فألقته ميّتا، ضمن لمولاها دية جنين أمة.

و لو ضربها أجنبيّ فألقته ميّتا، ضمن الضارب للغاصب دية جنين حرّ، و ضمن الغاصب للمالك دية جنين أمة.

و لو كانا عالمين بالتحريم، فإن طاوعته حدّا معا، و لا مهر، و قيل: يجب عوض الوطء للمالك، لأنّه حقّه، فلا يسقط برضا الأمة.

و لو كانت بكرا لزمه أرش البكارة على القولين، و لو أكرهها على الوطء اختصّ الحدّ به، و وجب المهر للمالك.

و هل يتعدّد المهر بتعدّد الوطء بالإكراه؟ نظر، فإن حملت فالولد رقّ لمولاها، و لا يلحق بالواطئ، فإن وضعته حيّا وجب ردّه معها، و إن أسقطته ميّتا، لم يضمن، لعدم العلم بحياته، و لو وضعته حيّا ضمنه الغاصب لو مات بقيمته، و عليه أرش ما نقص بالولادة، و لا يتخيّر بالولد.

و لو ضربها الغاصب فألقته ميتا ضمن عشر قيمة أمّه، و إن ضربها أجنبيّ فكذلك، و للمالك تضمين من شاء منهما، و يرجع الغاصب على الضارب إن يرجع عليه.

ص: 544

و لو كان الغاصب عالما و هي جاهلة، فعليه الحدّ و المهر، و لا يلحق به الولد، و لو كان بالعكس لحق به الولد، و سقط عنه الحدّ و المهر، و حدّت هي.

6161. الرابع عشر:

لو غصب أرضا فزرعها أو غرسها، فالزّرع و الغرس للغارس و الزارع، و عليه أجرة الأرض للمالك و إزالة الغرس و الزرع و طمّ الحفر و أرش الأرض إن نقصت، و لو بذل صاحب الأرض قيمة الغرس أو الزرع، لم يجب على الغاصب القبول، و كذا لو بذل الغاصب قيمة الأرض للمالك.

و لو وهب(1) الغاصب الزرع و الغرس لم يجب على المالك قبوله، سواء كان في قلعه غرض صحيح أو لم يكن.

و لو غصب الأرض و الغرس من واحد، فغرسها في الأرض، أجبر على قلعه إن طالبه المالك، و عليه تسوية الأرض و أرش النقصان و نقص الغرس و الأجرة، و إن لم يكن في قلعه غرض صحيح، فالوجه أنّه كذلك أيضا.

و لو أراد الغاصب قلعه و منعه المالك، لم يكن له القلع، و كذا البحث لو بنى في الأرض.

و لو جصّص الدار و زوّقها كان للمالك مطالبته بإزالة ذلك، سواء كان له فيه غرض صحيح أو لم يكن، و على الغاصب أرش النقصان، و لو طلب الغاصب قلعه، فله ذلك، سواء كان له قيمة بعد الكشط(2) أو لم يكن.

ص: 545


1- . في «أ»: و لو وهبه.
2- . قال الفيومي في المصباح المنير: 222/2: كشطت البعير كشطا من باب ضرب مثل سلخت الشاة إذا نحّيت جلده، و كشطت الشيء كشطا: نحّيته.

و لو كشط تراب الأرض، لزمه ردّه و فرشه على ما كان، و لو منعه المالك و كان في ردّه غرض من إزالة ضرر أو ضمان(1) فله فرشه و ردّه.

و لو ضرب التراب لبنا، لم يكن له أجرة، و لو جعل فيه تبنا، كان له حلّه و أخذ تبنه، و لو جعله آجرا أو فخّارا لزمه ردّه بغير أجرة، و للمالك إجباره على كسره، و يحتمل عدمه، لأنّه سفه.

و لو حفر في الأرض المغصوبة بئرا لزمه طمّها، و لو منعه المالك لم يكن له الطّم، و ضمان سقوط الغير فيها يزول برضا المالك، و على الغاصب أجرة الأرض منذ غصبها إلى وقت تسليمها، و كذا كلّ ماله أجرة، سواء استوفى المنفعة أو تركها.

و لو بناها من آلاته ضمن أجرة الأرض خاصّة، و لو بناها من الآلات المغصوب منه، ضمن أجرة دار مبنيّة.

و لو غصب دارا فنقصها فعليه أجرة دار إلى حين نقصها و أجرة مهدومة إلى حين ردّها و أرش النقص.

و لو لم يزرع الغاصب الأرض فنقصت لترك الزرع، كأرض البصرة، ضمن النقصان.

و لو أخذ المالك الأرض و هي مزروعة، كان له إجبار الغاصب على قلعه كالغرس، و لو أراد المالك إبقاء الزرع إلى وقت حصاده بأجرة، و رضي الغاصب صحّ، و لو أراد أخذ الزرع و دفع القيمة لم يجبر الغاصب على القبول.

ص: 546


1- . في «أ»: و ضمان.

و لو أثمرت الشجرة، كانت الثمرة للغاصب، و للمالك قلعها قبل إدراكها، و ليس للمالك شيء من الثمرة، و إن كانت موجودة في النخل، بل له الأجرة و الإلزام بقلع الغرس و طمّ الحفر و أرش النقص.

و لو غصب شجرا فالثمرة للمالك، و على الغاصب أرش ما ينقص من الثمرة بالتجفيف، و ليس عليه أجرة الشجرة، إذ لا أجرة له.

6162. الخامس عشر:

لو آجر الغاصب العين، فالإجارة باطلة، و للمالك إلزام من شاء بأجرة المثل، فإن ضمن المستأجر لم يرجع (المستأجر به)(1)، لأنّه دخل في العقد على أنّه يضمن المنفعة و يسقط عنه المسمّى، فإن كان دفعه إلى الغاصب رجع به إن كان جاهلا بالغصب، و لو تلفت العين في يده فإن غرمه المالك، رجع على الغاصب، و إن كان عالما لم يرجع على أحد.

و لو غرم الغاصب الأجر و القيمة، رجع بالأجر على المستأجر مطلقا، و بالقيمة مع العلم.

و لو أودع المغصوب أو وكّل وكيلا في بيعه فتلف، ضمّن المالك من شاء، فإن ضمّن الغاصب رجع على المستودع و الوكيل إن كانا عالمين، و لا يرجع أحدهما لو ضمنه المالك، و إن كانا جاهلين، و رجع على الغاصب، لم يرجع عليهما بقيمة و لا أجرة و إن رجع عليهما رجعا على الغاصب.

و لو أعاره فتلفت عند المستعير، تخيّر المالك، فإن غرم المستعير مع علمه لم يرجع، و إن غرم الغاصب رجع، و إن كان جاهلا رجع بقيمة العين على

ص: 547


1- . ما بين القوسين يوجد في «ب».

الغاصب إن غرمه، و لا يرجع الغاصب عليه بها إن رجع المالك عليه، و هل يرجع المستعير على الغاصب بالأجرة لو غرمها للمالك؟ فيه احتمال من حيث إنّه دخل على أنّ المنافع له غير مضمونة، و من حيث إنّه انتفع بما غرمه، و كذا البحث فيما يتلف من الأجزاء بالاستعمال.

و لو ردّها المستعير أو المستودع على الغاصب، فللمالك تضمينه، و يستقرّ الضمان على الغاصب.

و لو وهبه لعالم بالغصب استقرّ الضمان على المتّهب، و لو كان جاهلا تخيّر المالك، فإن ضمّن المتّهب، رجع على الغاصب بالقيمة و الأجر، لأنّه غيره، و إن ضمّن الواهب لم يرجع على المتّهب، و فيه احتمال.

و لو اتّجر بالمغصوب، فالربح للمالك إن اشترى بالعين و إلاّ فله و عليه الضمان، و لو ضارب به فكذلك، و عليه أجرة العامل إن كان العامل جاهلا.

و لو غصبه في بلد فطالبه في آخر، لزمه دفعه إليه، سواء كان أثمانا أو عروضا، و سواء كانت القيمة في البلدين واحدة أو اختلفت، بأن كانت أزيد في بلد الغصب أو أنقص، و سواء كان في حمله مئونة أو لم يكن.

و المتزوّج(1) من الغاصب لا يرجع بالمهر(2).

6163. السادس عشر:

لو غصب أمة حاملا، فالولد مضمون، و كذا الدّابّة، و لو غصبها حائلا فحملت عند الغاصب و ولدت، ضمن ولدها، فإن أسقطته

ص: 548


1- . في «ب»: و التزوج.
2- . في «ب»: به المهر.

ميّتا لم يضمنه، لعدم العلم بحياته على إشكال، نعم يجب ما نقص من الأمّ بالولادة، سواء ولدته حيّا أو ميّتا.

6164. السابع عشر:

لو غصب فصيلا فكبر في داره و لم يخرج من الباب، وجب نقضه و ردّ الفصيل و لا ضمان على صاحبه، و كذا لو دخلت دابّة دار آخر بسبب من صاحب الدار، و لم يمكن إخراجها إلاّ بالنقض، و إن كان بسبب من صاحب الدّابة، أو لم يمكن منهما تفريط، ضمن صاحب الدّابّة النقض، و كذا لو غصب خشبة و لم يمكن إخراجها إلاّ بالنقض، سواء كان النقض أقلّ ضررا من كسر الخشبة أو أكثر.

و لو غصب دارا فأدخلها فصيلا له أو خشبة و لم يمكن إخراجها إلاّ بالنقض أو الكسر، ذبح الفصيل و أخرج لحمه و كسرت الخشبة.

و لو أدخلت دابّة رأسها في قدر و لم يمكن إخراجه إلاّ بكسرها، كسرت، و ضمن صاحب الدّابّة إن كانت يده عليها أو فرّط في حفظها، و لو لم تكن يده عليها، و فرّط صاحب القدر بأن جعلها في الطريق، فلا ضمان، و لو لم يفرّط أحدهما و لم يكن المالك معها، ضمن صاحب الدّابة، لأنّ ذلك لمصلحته.

و لو باع دارا و فيها حيوان أو أوان(1) لا يخرج إلاّ بنقض الباب، نقض و ضمن البائع.

و لو غصب جوهرة فابتلعتها دابّة ذبحت و دفعت الجوهرة إلى مالكها، و ضمن الغاصب قيمة الدّابّة، و لو كان الحيوان آدميّا ضمن الغاصب قيمة الجوهرة.

ص: 549


1- . في «ب»: أو أواني.

و لو ابتلعت شاة رجل جوهرة غير مغصوبة، ذبحت و ضمن صاحب الجوهرة النقص، إلاّ ان يكون التفريط من صاحب الشاة، و لو قال من عليه الضمان: أنا أتلف مالي و لا أغرم شيئا فله ذلك.

6165. الثامن عشر:

لو اختلف المالك و الغاصب في القيمة بعد التلف و لا بيّنة، فالقول قول الغاصب، لأنّه الغارم مع يمينه، و قال أكثر علمائنا: القول قول المالك مع اليمين(1).

و لو ادّعى الغاصب ما يعلم كذبه بأن يدّعي: أنّ ثمن العبد حبّة، لم يلتفت إليه، و يطالب بالمحتمل.

و لو ادّعى المالك بعد تلفه صفة تزيد بها القيمة، كتعلّم صنعة، و أنكر الغاصب، فالقول قول الغاصب مع يمينه، إذا لم يكن للمدّعي بيّنة.

و لو ادّعى الغاصب عيبا، فأنكر المالك و لا بيّنة، فالقول قول المالك مع اليمين.

و لو اختلفا بعد زيادة قيمة المغصوب في وقت زيادته، فقال المالك:

زادت قبل تلفه، و قال الغاصب: بعد التلف، فالقول قول الغاصب.

و لو وجد معيبا، فقال الغاصب: كان معيبا قبل غصبه، و قال المالك:

تعيّب عندك، فالقول قول المالك، لأنّ الأصل الصّحة، و يحتمل تقديم قول

ص: 550


1- . قال المحقق في الشرائع: 249/3. إذا تلف المغصوب و اختلفا في القيمة، فالقول قول المالك مع يمينه، و هو قول الأكثر، و قيل: القول قول الغاصب، و هو الأشبه. لاحظ المسالك: 248/12، و جواهر الكلام: 223/37.

الغاصب، عملا بالبراءة، و بأنّ الظاهر عدم التغيّر. و لو غصب خمرا، فقال المالك: تخلّل عندك، و أنكر الغاصب، فالقول قوله، لأنّ الأصل بقاؤه على حاله.

و لو اختلفا في ردّ المغصوب أو ردّ مثله أو ردّ قيمته. فالقول قول المالك مع يمينه.

و لو اختلفا في التلف، فالقول قول الغاصب، فإذا خلف طالبه المالك بالبدل، لتعذّر العين.

و لو مات العبد، فقال المالك: رددته بعد موته، و قال الغاصب: قبل موته، فالقول قول المالك مع يمينه، و قال في الخلاف: لو عملنا في هذه بالقرعة كان جائزا(1).

و لو اختلفا فيما على العبد من ثوب أو خاتم، فالقول قول الغاصب مع يمينه، لأنّ يده على الجميع.

و لو باع شيئا ثمّ ادّعى أنّه كان غاصبا له وقت بيعه، و أنّه انتقل إليه بعد ذلك بسبب صحيح، إمّا ميراث أو بيع أو غيرهما، و أقام بيّنة، قيل: لا تسمع، لتكذيبه إيّاها بمباشرة البيع، و قيل(2): تسمع بيّنته إن لم يضمّ إلى لفظ البيع ما يدلّ على الملكيّة، و إلاّ ردّت، و كذا لو قال بعد البيع ما يدلّ على ذلك، كأن يقول: قبضت ثمن ملكي، أو اقبضته ملكي، أو نحو ذلك، و هو حسن.

ص: 551


1- . الخلاف: 418/3، المسألة 34 من كتاب الغصب.
2- . القائل هو الشيخ في المبسوط: 100/3.
6166. التاسع عشر:

لو باع عبدا فادّعى ثالث أنّ البائع غصبه، و أقام بيّنة، بطل البيع، و رجع المشتري على البائع بالثمن، و لو لم تكن بيّنة، فأقرّ له البائع و المشتري فكذلك، و إن أقرّ البائع وحده، لم يقبل في حقّ المشتري، و غرم القيمة، و للبائع إحلافه، فإن لم يكن قبض الثمن، فليس له المطالبة به، لأنّه لا يدّعيه، و الوجه المطالبة بأقلّ الأمرين من الثمن و قيمة العبد، و إن كان قبضه، لم يكن للمشتري استرجاعه.

فإن عاد العبد إلى البائع بفسخ أو غيره، وجب ردّه على المالك، و يسترجع ما أعطاه، و لو كان إقرار البائع في مدّة خياره انفسخ البيع.

و لو أقرّ المشتري وحده لم يقبل في حقّ البائع، و ردّ العبد، فإن كان قد دفع الثمن لم يكن له استرجاعه، و إن لم يكن دفعه، وجب ردّه عليه.

و لو ضمّ البائع وقت البيع إلى لفظه ما يدلّ على الملكيّة، لم تسمع بيّنته، فإن أقامها المدّعي قبلت، و لا تقبل شهادة البائع، و لو أنكراه جميعا، كان له إحلافهما ، و إن كان المشتري قد أعتق العبد لم يقبل إقرارهما.

و لو وافقهم العبد، احتمل القبول، لأنّه مجهول النسب أقرّ بالرقّ لمن يدّعيه، و عدمه لأنّ الحرّية حقّ اللّه تعالى، و لهذا لو اعترف بالحرّية إنسان ثمّ أقرّ بالرّق لم يقبل، و كذا لو شهد شاهدان بالعتق مع اعتراف العبد و السيّد بالرّق سمعت، و الأوّل أقوى.

و إذا حكم بالحرّية فللمالك تضمين أيّهما شاء بقيمة يوم العتق، فإن ضمّن البائع، رجع على المشتري، لأنّه أتلفه، و إن رجع على المشتري رجع على البائع بالثمن خاصّة.

ص: 552

و لو مات العبد و خلّف مالا، فهو للمدّعي إن لم يخلّف وارثا، و لا ولاء عليه.

و لو شهد بالغصب اثنان و اختلفا، فشهد أحدهما أنّه غصبه يوم الخميس، و الآخر يوم الجمعة، لم تتمّ البيّنة، و حلف مع من شاء منهما(1).

أمّا لو شهد أحدهما أنّه أقرّ بالغصب يوم الخميس، و شهد الآخر أنّه أقرّ به يوم الجمعة(2) تثبت البيّنة(3).

(و لو شهد أحدهما أنّه أقرّ أنّه غصبه يوم الخميس، و شهد الآخر أنّه أقرّ انّه غصبه يوم الجمعة، لم تثبت البيّنة)(4).

6167. العشرون:

لو بنى المشتري مع جهله بالغصب، فقلع بناءه، فالأقرب أنّه يرجع بأرش نقص الآلات على البائع، و لو تعيّب المبيع في يده، احتمل الرجوع على البائع بما يغرمه، لأنّ العقد لا يوجب ضمان الأجزاء بخلاف الجملة.

ص: 553


1- . في «ب»: و حلف على من شاء منهما.
2- . كذا في «ب» و لكن في «أ»: و شهد الآخر أنّه غصبه يوم الجمعة.
3- . و استدلّ الشيخ في المبسوط على الصّحة بأنّ المقرّ به واحد و لكن وقع الإقرار به في وقتين. لاحظ المبسوط: 101/3.
4- . ما بين القوسين يوجد في «ب» و ليس بموجود في «أ».

ص: 554

كتاب الشفعة

اشارة

ص: 555

ص: 556

و فصوله ثلاثة

الفصل الأوّل: [في المحلّ

اشارة

و فيه ستّة مباحث:

6168. الأوّل:

الشفعة استحقاق أحد الشريكين حصّة شريكه في عقار ثابت للقسمة بسبب انتقالها بالبيع، و إنّما تثبت في الأرضين: كالبساتين، و الدّور، و العراص(1) و أشباه ذلك.

و هل تثبت في المنقول؟ قولان: أقربهما السقوط، نعم تثبت في الشجر، و النخل، و الأبنية، و الأخشاب، تبعا للأرض، و لو بيع ذلك منفردا يا بنى على القولين.

و من علمائنا من أوجب الشفعة في العبد دون غيره من الحيوان(2).

و كذا لا شفعة في حجرة عالية مشتركة مبنيّة على سقف لصاحب السّفل، لأنّه لا أرض لها، فلا ثبات، و لو كان السقف للشريكين في العلوّ احتمل الشفعة و عدمها، لأنّ السّقف في الهواء، فلا ثبات له.

ص: 557


1- . العرصة: كلّ بقعة بين الدور واسعة ليس فيها بناء، و الجمع: العراص و العرصات. الصحاح: 3 / 1044.
2- . و هو خيرة المصنّف في المختلف قال: «و المعتمد أنّ الشفعة انّما تثبت فيما تصحّ قسمته خاصّة إلاّ المملوك» مختلف الشيعة: 349/5.
6169. الثاني:

لا شفعة فيما لا يقبل القسمة إلاّ بإبطال منفعة المقصودة، كالنهر، و الحمّام، و الطريق، و الطاحونة، و بئر الماء، و لو كان الحمّام، أو الطريق، أو النهر ممّا لا تبطل منفعته بعد القسمة تثبت الشفعة، و كذا لو كان مع البئر بياض أرض بحيث يسلم البئر لأحدهما، أو كانت البئر متّسعة يمكن أن يقسّم بئرين، يرتقي الماء منهما، أو كان للرّحى حصن يمكن قسمته، بحيث يحصل الحجران في أحد القسمين، أو كان فيها أربعة أحجار دائرة يمكن أن ينفرد كلّ منهما بحجرين.

6170. الثالث:

لا تثبت الشفعة في الزرع، و الثمرة الظاهرة، و إن بيع مع الأرض، أمّا الدولاب و الناعورة، فالأقرب دخوله في الشفعة إذا بيع مع الأرض، و لا تدخل الحبال الّتي تركّب(1) عليها الدلاء في الشفعة إلاّ عند القائلين بالتعميم.

و لو بيعت الشجرة مع قرارها من الأرض، مفردة عمّا يتخلّلها من الأرض، فحكمها حكم ما لا ينقسم من العقارات.

6171. الرابع:

تثبت الشفعة في الأرض المقسومة بالاشتراك في الطريق أو الساقية، إذا بيع معها، و لو بيعت الأرض منفردة عن الطريق أو الشرب فلا شفعة، و تثبت في الطريق و الشرب خاصة إن كانا قابلين للقسمة و إلا فلا.

و لا تثبت للجار(2) إلاّ بالاشتراك في الطريق و الشرب إذا بيع مع أحدهما، و لو باع المقسوم و المشترك بثمن واحد تثبت الشفعة في المشترك خاصّة بحصته من الثمن.

ص: 558


1- . في «ب»: «تركت» و هو مصحّف.
2- . في «ب»: فله تثبت الشفعة للجار.
6172. الخامس:

إنّما تثبت الشفعة إذا انتقلت الحصّة بالبيع، فلا تثبت فيما انتقلت بغيره من العقود، سواء كان بعوض معلوم كالصداق، و عوض الخلع و الصلح و غيرها من العقود، أو بغير عوض كالهبة، و الصّدقة، و غيرهما.

6173. السادس:

لو كان الشقص مشتركا مع الوقف، و بيع، لم يكن للموقوف عليه شفعة، و إن كان واحدا إن قلنا انّه غير مالك على الخصوص، و إن قلنا انّه يملك الرقبة تثبت الشفعة، و هو اختيار السيّد المرتضى(1) و هو جيّد.

و لو بيع الوقف لوقوع الخلف الموجب للخراب على ما اختاره بعض علمائنا(2) كان للشريك أخذه بالشفعة.

الفصل الثاني: في المستحقّ

اشارة

و فيه ثمانية مباحث:

6174. الأوّل:

إنّما يستحقّ الشفعة الشريك بالحصّة المشاعة القادر على الثمن، فلا تثبت الشفعة بالجوار، و لا فيما قسّم و ميّز إلاّ مع الاشتراك بالطريق و الشرب، و لا مع عجز الشفيع عن الثمن، و لو ماطل أو هرب بطلت شفعته.

و لو ادّعى غيبة الثمن أنظر ثلاثة أيّام، فإن لم يحضره بطلت شفعته، و لو

ص: 559


1- . الانتصار: 457، كتاب الشفعة، المسألة 260.
2- . و هو خيرة الشيخ في المبسوط: 287/3 و 300 كتاب الوقف.

قال: إنّ الثمن في بلد آخر، أنظر بقدر وصوله إليه و زيادة ثلاثة أيّام ما لم يتضرّر المشتري.

و لو دفع العاجز عن الثمن رهنا أو ضمينا، لم يجب على المشتري القبول، و كذا لو بذل عوضا عنه.

و إذا أخذ بالشفعة لم يلزم المشتري تسليم الشقص حتّى يقبض الثمن، و إذا أجّل مدّة، و لم يحضر الشفيع الثمن فيها، فسخ الحاكم الأخذ، و كذا لو هرب الشفيع بعد الأخذ، و للمشتري الفسخ من غير حكم حاكم.

6175. الثاني:

لا تثبت الشفعة للذّمّي على المسلم، و كذا الحربيّ، و تثبت للمسلم على الذّمّي و للذّمّي على مثله و على غيره من الكفّار، و كذا لغير الذّمّي على مثله و على الذّمي، فإن تبايعاه بخمر أو خنزير، و كان الشفيع مسلما، أخذ بالقيمة عندهم، و إن كان منهم و أخذ الشفيع المثل، لم ينقض ما فعلوه.

و إن تقابض المتبايعان دون الشفيع، و ترافعوا إلينا، فالوجه ثبوت الشفعة، و يأخذ بالقيمة لا المثل.

و تثبت لكلّ مسلم، و إن اختلفوا في الآراء و المذاهب، و تثبت للبدويّ على القرويّ و بالعكس.

6176. الثالث:

تثبت الشفعة للغائب، سواء قربت غيبته أو بعدت، فإن لم يعلم بالبيع إلاّ وقت قدومه، فله المطالبة، و إن طالت غيبته، و كذا لو علم و لم يتمكّن من المطالبة في الغيبة و لا من التوكيل، و لو تمكّن بطلت شفعته.

و حكم المريض و كلّ من لم يعلم بالبيع لعذر حكم الغائب.

ص: 560

و لو قدر الغائب على الإشهاد على المطالبة، فلم يفعل، لم تبطل شفعته، سواء سافر عقيب العلم أو أقام لعذر، و لا خلاف أنّه إذا عجز عن الإشهاد لا تبطل شفعته، و كذا لو قدر على إشهاد من لا يقبل قوله خاصّة، أو على من لا يقدم معه إلى بلد المطالبة على الأولى، و كذا لو لم يقدر إلاّ على إشهاد واحد أو على إشهاد من يفتقر إلى التزكية، لما فيه من المشقّة.

و لو أشهد على المطالبة ثم أخّر القدوم مع إمكانه، فالوجه بطلان شفعته، و كذا لو لم يقدر على المسير و قدر على التوكيل فترك، و لو عجز عن القدوم أو لحقه به ضرر لم تبطل شفعته بترك القدوم.

و لو لم يقدر على الإشهاد و تمكّن من القدوم أو التوكيل فلم يفعل، بطلت شفعته.

و لو كان المرض لا يمنعه من الطلب، كالصّداع اليسير، فهو كالصّحيح، و لو منعه من الطلب كالحمّى، فهو كالغائب في الإشهاد و التوكيل.

و المحبوس إن كان ظلما أو بدين يعجز عنه، فهو كالغائب، و إن كان محبوسا بحقّ يقدر عليه، فهو كالمطلق.

و لو كان للغائب وكيل عامّ الوكالة، فله الأخذ بالشفعة مع المصلحة للغائب، و كذا لو كان وكيلا في الأخذ و إن لم يكن مصلحة.

و لو ترك هذا الوكيل الأخذ كان للغائب المطالبة بها مع قدومه، سواء ترك الوكيل لمصلحة أو لا.

6177. الرابع:

تثبت الشفعة للصبيّ، و يتولّى الأخذ الولىّ، فإن ترك الوليّ

ص: 561

الأخذ، فإن كان الغبطة في الترك، بطلت الشفعة، و لم يكن للصبيّ بعد بلوغه المطالبة بها، و إن كانت الغبطة في الأخذ لم تبطل الشفعة بترك الوليّ، و كان للصبيّ بعد بلوغه المطالبة بها، و لا غرم على الوليّ.

و لو أخذ الوليّ مع الغبطة بالأخذ، لم يكن للصبيّ بعد بلوغه النقض، و إن كانت الغبطة في الترك لم يصحّ الأخذ، و يكون الملك باقيا على المشتري دون الصبيّ و الوليّ.

و لو كان وصيّا لاثنين فباع لأحدهما نصيبا في شركة الآخر، كان له الأخذ للآخر بالشفعة.

و لو كان الوصيّ شريكا، فباع حصّة الصغير، كان له الأخذ بالشفعة على الأقوى.

و لو باع الوصيّ نصيبه، كان له الأخذ للصغير بالشفعة مع الغبطة، و كذا الأب لو باع شقص الصبيّ المشترك معه كان له الأخذ بالشفعة.

و لو بيع شقص في شركة حمل لم يكن لوليّه أن يأخذ له بالشفعة، لأنّه لا يمكن تمليكه بغير الوصيّة و الميراث، فإذا ولد الحمل ثمّ كبر احتمل أن يأخذ بالشفعة كالصبيّ إذا اكبر.

و لو عفا وليّ الصّبي عن الشفعة، و كانت الغبطة في الأخذ لم يصحّ العفو، و كان للوليّ الأخذ بها، أمّا لو كانت الغبطة في الترك فعفا، ثمّ صار الحظّ في الأخذ لم يكن له الأخذ و لا للطفل إذا بلغ.

6178. الخامس:

حكم المجنون و حكم الصبيّ سواء، و كذا السّفيه،

ص: 562

و أمّا المغمى عليه فلا ولاية عليه، و حكمه حكم الغائب تنتظر إفاقته.

و أمّا المفلّس فله الأخذ بالشفعة و الترك، و ليس لغرمائه الأخذ بها و لا إجباره على الأخذ، و لا على العفو، لأنّه إسقاط حقّ، سواء كان الحظّ في الأخذ أو الترك، لأنّه يأخذ في ذمّته، و ليس بمحجور عليه في ذمّته، و لهم منعه من دفع ماله في ثمنها، و إذا ملك الشقص بالشفعة تعلّق حقوق الغرماء به، سواء أخذه برضاهم أو بدونه.

و للمكاتب الأخذ و الترك، و ليس لسيّده الاعتراض، و للمأذون له الأخذ بالشفعة، فإن أسقطها السيّد، سقطت، و إن كره العبد، و إن عفا العبد لم ينفذ عفوه.

و إذا بيع شقص في شركة مال المضاربة، فللعامل الأخذ بها مع الغبطة، فإن عفا فللمالك الأخذ.

و لو اشترى المضارب بمال القراض شقصا في شركة ربّ المال، فليس لربّ المال فيه شفعة على الأقوى، لأنّ الملك له، و لو كان فيه ربح فكذلك، سواء قلنا إنّ العامل يملك بالظهور أو بالإنضاض، لأنّه شراء مأذون فيه، و إن لم يكن ظهر فيه ربح لم يكن للعامل اعتراض، و كان له الأجرة من عمله.

و لو كان المضارب شفيعه و لا ربح في المال، فله الأخذ بها، لأنّ الملك لغيره، فإن كان فيه ربح، و قلنا لا يملك بالظهور فكذلك و إن قلنا يملك بالظهور، احتمل الشفعة و عدمها كربّ المال.

ص: 563

و إن باع المضارب شقصا في شركته(1) لم يكن له الأخذ بالشفعة، لأنّه متّهم على إشكال.

6179. السادس:

تثبت الشفعة بين شريكين باع أحدهما فيأخذ الآخر إجماعا، و لو زاد الشركاء على اثنين، قال أكثر علمائنا: تبطل الشفعة.(2) و قال بعضهم: تثبت مطلقا على عدد الرءوس.(3) و قال آخرون: تثبت في الأراضي، و لا تثبت في العبد إلاّ للواحد.(4) و الأقوى عندي الأوّل.

و على القول بثبوتها مع الكثرة إنّما تثبت على عدد الرءوس، لأنّ كلّ واحد لو انفرد لاستحقّ الجميع، فأشبه بالمعتقين في السراية، و خيّر ابن الجنيد أخذها على عدد الرءوس أو على قدر السهام(5).

و إذا كان الشفعاء أربعة، فباع أحدهم و عفا الآخر، فللباقين أخذ المبيع أجمع، و ليس لهما الاقتصار على حقّهما و قال ابن الجنيد: لهما ذلك(6).

و لو كانوا غائبين فحضر واحد أخذ الجميع أو ترك، فإن حضر الآخر أخذ النصف أو ترك، فإن حضر ثالث أخذ منهما الثلث أو ترك، فإن حضر الرابع أخذ الربع أو ترك.

ص: 564


1- . في «ب»: في شركة.
2- . هو خيرة المفيد في المقنعة: 618؛ و الشيخ في النهاية: 424، و المبسوط: 107/3، و الخلاف: 435/3 المسألة 11 من كتاب الشفعة؛ و ابن ادريس في السرائر: 386/2؛ و أبو الصلاح في الكافي في الفقه: 361؛ و القاضي في المهذب: 453/1؛ و السيد المرتضى في الانتصار: 450، المسألة 257؛ و قطب الدين الكيدري في إصباح الشيعة بمصباح الشريعة: 254.
3- . و هو خيرة ابن الجنيد على ما حكاه عنه المصنف في المختلف: 355/5.
4- . ذهب إليه الصدوق في غير الحيوان في الفقيه: 46/3 في ذيل الحديث 162.
5- . لاحظ المختلف: 357/5.
6- . نقله عنه المصنّف في المختلف: 375/5 في تذنيب الثاني من المسألة 328.

و لو نما الشقص في يد الأوّل نماء منفصلا، ثمّ حضر الثاني لم يشاركه في النماء، و كذا لو نما ما أخذ الثاني في يده، ثمّ حضر الثالث لم يشاركه في المنفصل.

و لو وهب بعضهم حصّته من الشفعة لبعض لم يصحّ، لأنّ ذلك عفو، فلا يصحّ لغير من هو عليه، كالقصاص.

و لو امتنع الحاضر من الأخذ حتّى يحضر الغائب، لم تبطل شفعته على إشكال، و لو عفا لم تبطل الشفعة، و كذا لو حضر ثلاثة و عفوا كان للرابع أخذ الجميع أو الترك.

و لو قال الحاضر: لا آخذ إلاّ قدر حقّي، احتمل بطلان شفعته، لقدرته على أخذ الجميع و تركه، فكان كالمنفرد، و ثبوتها لأنّ الترك لعذر، و هو قدوم الغائب.

فعلى هذا لو كانوا ثلاثة، فأخذ الأوّل الشقص كلّه بالشفعة، فقدم الثاني و أخذ نصيبه و هو الثلث، فإذا قدم الثالث أخذ من الثاني ثلث ما في يده، فيضيفه إلى ما في يد الأوّل و يقتسمانه نصفين، فيقسّم الشقص على ثمانية عشر، لأنّ الثالث أخذ من الثاني ثلث الثلث، و مخرجه تسعة، فضمّه إلى الثلثين(1)، و هي ستّة، صارت سبعة، ثمّ قسّما السبعة نصفين، و لا نصف لها، فتضرب اثنين في تسعة تكون ثمانية عشر، للثاني أربعة أسهم، و لكلّ من الشريكين سبعة، لأنّ الثاني ترك سدسا كان له أخذه، و حقّه منه ثلثاه، و هو التسع، فتوفّره على شريكه

ص: 565


1- . في «أ»: «إلى الثلث» و الصحيح ما في المتن.

في الشفعة، و الأوّل و الثالث سواء في الاستحقاق، و لم يترك أحدهما شيئا من حقّه، فيجمع ما معهما فيقسّمه، فيكون كما قلنا.

و لو حضر واحد و أخذ الجميع، ثمّ حضر الثاني قاسمه، فإن حضر الثالث و طالبه، فسخت القسمة، و لو ردّه الأوّل بعيب، كان للثاني الأخذ.

و لو ورث أخوان دارا أو اشترياها بينهما نصفين أو غير ذلك، فمات أحدهما عن اثنين، فباع أحدهما نصيبه، فالشفعة بين أخيه و عمّه، و لا يختصّ بها الأخ، و لو أخذ الحاضر الجميع دفع الثمن، و ليس له التأخير بحصص الغائبين من الثمن، فإذا دفع ثمّ حضر الثاني و طلب أخذ النصف، و دفع إلى الأوّل نصف الثمن، فإن خرج الشقص مستحقا، كان دركه على المشتري دون الشفيع الأوّل، لأنّه كالنائب عنه في الأخذ، فيرجعان معا على المشتري، و لا يرجع أحدهما على الآخر.

و إذا اقتسم الحاضران نصفين، فحضر الغائب و أحد الشريكين غائب، أخذ من الحاضر ثلث ما في يده، و يأخذ له الحاكم من حصّة الغائب الثلث، و لو لم يكن حاكم انتظر حتّى يقدم الغائب، لأنّه موضع عذر.

و لو باع أحد الثلاثة من شريكه، استحقّ الشفعة الثالث خاصّة، لأنّ المشتري لا يستحقّ على نفسه شيئا، و يحتمل استحقاقه، لأنّه شريك، و لا نقول يأخذ من نفسه بل يمنع الشريك من أخذ حقّه، و حينئذ يثبت لشريك المشتري قدر نصيبه لا غير أو العفو، و إن قال له المشتري: قد أسقطت شفعتي فخذ الجميع أو اترك، لم يصحّ، لاستقرار ملكه على قدر حقّه، فجرى

ص: 566

مجرى الشفيعين إذا أخذا بالشفعة، ثمّ عفا أحدهما عن حقّه، و كذا إذا أخذ الحاضر الجميع، ثمّ حضر الآخر فقال له الأوّل: خذ الكلّ أو دع، فقد أسقطت شفعتي، لم يكن له ذلك، و ليس للمشتري هنا خيار تبعيض الصفقة لو أخذ الشريك البعض.

و لو باع الشريك من ثلاثة صفقة، فللشفيع أخذ الجميع و الأخذ من الاثنين و من واحد، لأنّها بمنزلة عقود، فإذا أخذ نصيب واحد، لم يكن للآخرين مشاركته في الشفعة.

و لو باعه من ثلاثة في عقود متفرّقة، ثمّ علم الشفيع، فله أخذ الجميع (و أن يأخذ ما شاء، فإن أخذ نصيب الأوّل لم يكن للآخرين مشاركته في الشفعة)(1) و إن أخذ نصيب الثاني و عفا عن الأوّل شاركه الأوّل في الشفعة، و إن أخذ من الثالث و عفا عن الأوّلين شاركاه، و إن أخذ من الثلاثة(2) لم يشاركه أحد منهم، لأن أملاكهم قد استحقها بالشفعة، فلا يستحقّ عليه بها شفعة.

و يحتمل شركة الثاني في شفعة الثالث، لأنّ الشفعة تستحق بالملك لا بالعفو، و يشاركه الأوّل في شفعة الثاني و الثالث.

و لو باع اثنان من اثنين، فهو بمنزلة عقود أربعة، فللشفيع(3) أخذ الجميع و الرّبع و النصف و ثلاثة الأرباع، و ليس لبعضهم شفعة، لانتقال المبيع إليهم دفعة، فيتساوى الآخذ و المأخوذ منه.

ص: 567


1- . ما بين القوسين سقط من نسخة «أ».
2- . في «ب»: و إذا أخذ الثلاثة.
3- . في «أ»: و للشفيع.

و لو وكّل أحد الثلاثة شريكه في بيع نصيبه مع نصيبه، فباعهما لواحد فلشريكهما الشفعة فيهما و في أحدهما، و هذه الفروع إنّما تأتي على القول بثبوت الشفعة مع الكثرة.

6180. السابع:

لو باع الشريك الواحد نصف حصّته لواحد، ثمّ باع الباقي عليه أو على غيره، ثمّ علم الشفيع، كان له أخذ الجميع و الأوّل خاصّة، و الثاني خاصّة، و كذا لو باعه من أكثر من اثنين

6181. الثامن:

قال السيّد المرتضى: إنّ لإمام المسلمين و خلفائه المطالبة بشفعة الوقوف الّتي ينظرون فيها على المساكين أو على المساجد و مصالح المسلمين، و كذلك كلّ ناظر بحقّ في وقف من وليّ و وصيّ، له أن يطالب بشفعته(1)، مع أنّه قال: إنّ الشفعة لا تثبت مع الكثرة.(2)

قال ابن إدريس: إن كان الوقف على جماعة المسلمين، أو على جماعة، فمتى باع صاحب الطلق، فليس لأصحاب الوقف الشفعة، و لا لوليّه ذلك، لزيادة الشركاء على اثنين، و إن كان [الوقف] على واحد صحّ ذلك.(3)

ص: 568


1- . الانتصار: 457، المسألة 260.
2- . الانتصار: 450 المسألة 257.
3- . السرائر: 397/2.

الفصل الثالث: في كيفيّة الأخذ

اشارة

و فيه تسعة عشر بحثا:

6182. الأوّل:

يملك الشفيع الشقص بأخذه و بكلّ لفظ دلّ على أخذه، مثل:

أخذته بالثمن، أو تملّكته، أو نحو ذلك، و هل يملك بالمطالبة؟ الأقرب أنّه لا يملك، و إلاّ لم يسقط الشفعة بالعفو بعد المطالبة.

و لا يفتقر التملّك إلى حكم الحاكم، نعم يفتقر إلى أن يكون الثمن و الشقص معلومين، و لو كان أحدهما مجهولا، فقال: أخذت الشقص بمهما كان، أو أخذت الشّقص بالثمن مهما كان، لم يصحّ، و له المطالبة بالشفعة، ثمّ يتعرّف قدر الثمن و المبيع فيأخذه بثمنه.

6183. الثاني:

إنّما يستحق الشفيع الأخذ بالشفعة بعد العقد لا قبله إجماعا، و هل يتوقّف على انقضاء الخيار الّذي للبائع؟ قال الشيخ رحمه اللّه: نعم.(1) و فيه قوّة من حيث إنّ في الأخذ إسقاط حق البائع من الفسخ و إلزام البيع في حقّه بغير رضاه، و قال آخرون: لا يتوقّف.(2) لأنّ الملك انتقل بالعقد، و نحن في ذلك من المتوقّفين.

أمّا لو كان الخيار للمشتري خاصّة، فإنّ الشفعة تثبت، فإن باع الشفيع

ص: 569


1- . المبسوط: 123/3، و الخلاف: 445/3 المسألة 21 من كتاب الشفعة.
2- . و هو خيرة الحلّي في السرائر: 386/2.

حصّته في مدّة خيار البائع عالما بالبيع الأوّل، سقطت شفعته، و تثبت الشفعة فيما باعه للمشتري الأوّل، و يتخرّج على قول الشيخ ثبوتها للبائع، لعدم الانتقال عنده، و لو باعه قبل علمه بالبيع الأوّل، سقطت الشفعة أيضا إن قلنا بسقوطها فى حقّ من نقل ملكه جهلا على ما يأتي، و إلاّ كان له الشفعة على المشتري الأوّل، و للمشتري الأوّل الشفعة فيما باعه الشريك.

6184. الثالث:

اختلف علماؤنا في اشتراط الفور في الشفعة للعالم المتمكّن، فقال الشيخ رحمه اللّه: إنّه شرط(1) فلو أخّر المطالبة مع علمه و تمكّنه من المطالبة بطلت شفعته، و إلاّ لتضرّر المشتري، لعدم استقرار ملكه و منعه من التصرف بالعمارة.

و قال السيّد المرتضى رحمه اللّه(2) و ابن الجنيد(3) و ابن إدريس(4): لا تبطل الشفعة إلاّ بالإسقاط، و إن تطاول الزمان، لأنّه حقّ ماليّ فلا يسقط بترك طلبه كغيره من الحقوق، ثمّ أجاب السيّد بأنّ المشتري يبذل للشفيع تسليم المبيع فإمّا أن يتسلّم أو يترك شفعته، فيزول الضرر عن المشتري.(5) و نحن في ذلك من المتوقّفين.

فعلى قول الشيخ رحمه اللّه لو أخّر الطلب مع إمكانه بطلت شفعته و إن كانا في المجلس، و لو أخّرها لعذر مثل أن يعلم ليلا فيؤخّره إلى الصّبح، أو لشدّة جوع

ص: 570


1- . النهاية: 424؛ المبسوط: 108/3؛ الخلاف: 430/3، المسألة 4 من كتاب الشفعة.
2- . الانتصار: 454، المسألة 259.
3- . نقله عنه المصنّف في المختلف: 361/5.
4- . السرائر: 386/2-388.
5- . الانتصار: 457 في ذيل المسألة 259.

أو عطش حتّى يأكل أو يشرب، أو لطهارة، أو إغلاق باب، أو للخروج من الحمّام، أو ليؤذّن و يقيم و يصلّي متئدا(1) أو ليشهدها في جماعة يخاف فوتها، لم تبطل الشفعة، و كذا كلّ عذر يمنعه عن مباشرة الطلب و عن التوكيل.

و لا يجب أن يتجاوز عادته في المشي، و لا قطع العبادة الواجبة أو المندوبة، و جاز الصبر حتى يتمّها، و لو دخل الوقت صبر حتى يتطهّر و يصلّي الصّلاة بسنّتها.

و لو علم بالشّفعة مسافرا، و قدر على السعي أو التوكيل، فأهمل بطلت شفعته، و لو عجز عنهما لم تبطل، و إن لم يشهد بالمطالبة.

و لو كان المشتري حاضرا عنده في هذه الأحوال و أمكنه مطالبته من غير اشتغال عن إشغاله بطلت شفعته إن لم يطلب.

و إن كان المشتري غائبا، و فرغ من حوائجه مشى على عادته، فإذا لقيه بدأه بالسّلام، و دعا له عقيبه بمجرى العادة [ثمّ طالبه] و لو اشتغل بكلام آخر أو سكت لغير حاجة، بطلت شفعته.

و لو أخبره مخبر بالبيع و صدّقه لقرائن دلّت على صدقه، و لم يطالبه،

ص: 571


1- . و هو بمعنى المتثبّت من غير عجلة. قال الطريحي في مجمع البحرين: التّؤدة من الوئيد و هي السكون و الرزانة و التأنّي و المشي بثقل، و يقال: اتّئد في أمرك: أي تثبّت. و في النسختين «متأيدا». قال في المسالك: 319/12-320: «و المراد بالمتّئد: المتثبت من غير عجلة» ثم نقل كلاما عن نهاية ابن الأثير و قال: «و على هذا فيجب كتابة قوله: «متئدا» بالتاء المثناة المشدّدة ثمّ الهمزة، و تكتب بالياء لكونها مكسورة، و في كثير من النسخ مكتوب بالف بين التاء و الياء، و هو غلط.

بطلت شفعته، و لو قال: لم أصدّقه، و كان [المخبر] ممّن يحكم بشهادته، كرجلين عدلين، بطلت شفعته، و إن كان ممّن لا يعمل بقوله، كالصبيّ، و الفاسق، و الواحد العدل، لم تبطل.

و لو وجده في غير بلده و لم يطالبه، و قال: إنّما تركت لأطالبه في البلد الّذي فيه البيع أو المبيع، أو لأخذ الشقص في موضع الشفعة، بطلت شفعته، إذ ليس ذلك عذرا.

و لو قال: نسيت فلم أذكر المطالبة، أو نسيت البيع، بطلت، لأنّه خيار على الفور، إذا أخّره نسيانا بطل، و يحتمل عدم البطلان، لأنّه عذر، و كذا التردّد لو قال: جهلت استحقاق الشفعة، مع إمكانه في حقّه.

6185. الرابع:

لو أظهر المشتري له أنّ الثمن أكثر ممّا وقع عليه العقد، فترك، لم تبطل شفعته، و لا يفتقر إلى اليمين بأنّه لم يترك إلاّ لكثرة الثمن، و كذا لو أظهر أنّ المبيع سهام قليلة فبانت كثيرة أو بالعكس، أو أنّ الثمن دراهم فبان دنانير أو بالعكس، سواء تساوت قيمتها أولا، أو أنّ الثمن نقد فبان عرضا، أو بالعكس، أو نوع من العرض فبان غيره، أو أنّ المشتري اشتراه لنفسه فبان لغيره، أو بالعكس، أو أنّ الشراء لواحد فبان لاثنين، أو بالعكس، أو أنّه اشتراه لشخص فبان لآخر، أو أنّه اشترى الجميع بثمن فبان أنّه اشترى نصفه بنصفه، أو أنّه اشترى نصفه بثمن، فبان أنّه اشتراه أجمع بضعفه، أو أنّه اشترى الشقص وحده، فظهر أنّه اشتراه هو و غيره، أو بالعكس.

و لو أظهر أنّه اشتراه بثمن فترك، فبان بأكثر، أو أنّه اشترى الجميع بثمن فترك، فبان شراء البعض به، بطلت شفعته.

ص: 572

6186. الخامس:

الشفيع يأخذ الشّقص بالثمن الّذي وقع عليه العقد، و يسلّمه أوّلا، فإن امتنع لم يجب على المشتري التسليم حتّى يقبض، فإن كان الثمن مثليا كالذّهب و الفضّة و غيرهما أعطاه الشفيع مثله، و إن لم يكن مثليّا اختلف علماؤنا، فالأكثر على ثبوت الشفعة(1) و قال بعضهم: تسقط(2)، و عليه دلّت رواية علي بن رئاب الصّحيحة عن الصادق عليه السّلام(3) و لأنّها تجب بمثل الثمن و هذا لا مثل له.

و على القول الأوّل يأخذه بقيمة الثمن وقت العقد، و ليس للشفيع تبعيض حقّه، بل يأخذ الجميع بكلّ الثمن أو يدع، و لا يلزمه ما يغرم المشتري من دلالة، أو وكالة، أو أجرة حافظ، أو غير ذلك من المؤن، و يأخذ الثمن الّذي وقع عليه العقد، سواء كانت قيمة الشقص أكثر أو أقلّ.

و لو كان البائع مريضا، و باع بثمن المثل صحّ، سواء باع للوارث أو لغيره.

و لو باع بالمحاباة صحّ ما قابل الثمن، و كان الزائد من الثلث، فإن خرج صحّ البيع في الجميع، و للشفيع أخذه بالشفعة بذلك الثمن، و لا يمنعها كونه مسترخصا، و كذا إن لم يخرج و أجاز الورثة، و إن لم يجز صحّ بقدر الثلث، و بطل الزائد، فيتخيّر المشتري، فإن أخذه كان للشفيع أخذ ما حصل له بالبيع

ص: 573


1- . ذهب إليه الشيخ في المبسوط: 108/3 و 131، و المفيد في المقنعة: 619، و أبو الصلاح في الكافي في الفقه: 361، و الحلّي في السرائر: 385-386.
2- . و هو خيرة ابن حمزة في الوسيلة: 258، و الشيخ في الخلاف: 432/3، المسألة 7 من كتاب الشفعة.
3- . الوسائل: 324/17، الباب 11 من أبواب الشفعة، الحديث 1.

و المحاباة بالشفعة بمثل الثمن، و إن فسخ لتبعيض الصفقة، كان للشفيع الأخذ، كما لو ردّ المشتري بالعيب.

و لو زاد المشتري في الثمن أو نقصه البائع بعد العقد و انقضاء الخيار، فهو هبة، أو إبراء لا يثبت في حقّ الشفيع، بل يدفع كمال الثمن من غير زيادة و لا نقصان، و كذا لو كانت الزيادة في وقت الخيار أو النقيصة و قال الشيخ رحمه اللّه: يلحق بالعقد بناء على أنّ الانتقال بانقضاء الخيار(1) و ليس بمعتمد، و ينسحب على قول الشيخ - لو كان الثمن غير مثليّ - وجوب القيمة يوم انقضاء الخيار.

و لو كان الثمن مؤجّلا فللشيخ قولان: أحدهما تخيّر الشفيع بين دفع الثمن عاجلا و أخذ الشقص، و بين الصبر إلى الأجل و أخذه بالثمن في محلّه، و دفع الثمن بعد الأجل(2) و الثاني أخذ الشقص عاجلا و إقامة كفيل بالمال ليدفعه عند الأجل إن لم يكن مليّا(3) و هو الأقوى عندي.

و إذا أخذه الشفيع بالأجل، فمات الشفيع أو المشتري حلّ الدّين على الميّت منهما دون صاحبه.

و لا يجب على المشتري دفع الشقص ما لم يبذل الشفيع الثمن الّذي وقع عليه العقد.

و لو باع شقصا مشفوعا منضمّا إلى ما لا شفعة فيه، صفقة، تثبت الشفعة

ص: 574


1- . المبسوط: 127/3.
2- . ذهب إليه الشيخ في المبسوط: 112/3.
3- . و هو خيرة الشيخ في النهاية: 425.

في الشقص بحصّته(1) من الثمن، و لا تثبت في الآخر، و لا خيار للمشتري هنا، لأنّ تبعيض الصّفقة تجدّد في ملكه باستحقاق الشفعة.

و لو باع شقصين من موضعين، تجب فيهما الشفعة لو أخذ صفقة، و شريك أحدهما غير شريك الآخر، فلهما أن يأخذا، و يقسّم الثمن على قدر القيمتين، و لو أخذ أحدهما دون الآخر صحّ، و ليس له أخذ الحصّتين، و لو كان الشريك واحدا فله أخذهما و تركهما، و أخذ أحدهما دون الآخر.

و لو اشتراه بمائة و دفع عرضا يساوي عشرة، لزم الشفيع مائة أو يترك.

6187. السادس:

تصرّف المشتري في المبيع قبل الأخذ بالشفعة صحيح، فان باعه تخيّر الشفيع بين فسخ البيع و أخذه بالبيع الأوّل بثمنه، و بين إمضائه و الأخذ من الثاني، فلا ينفسخ الأوّل، و كذا لو باعه الثاني على ثالث، إن أخذ من الأوّل انفسخ الآخران، و إن أخذ من الثاني، انفسخ الثالث خاصّة، و إن أخذ من الثالث لم ينفسخ شيء.

فإذا أخذه من الثالث دفع إليه الثمن الّذي اشترى به، و لم يرجع على أحد.

و إن أخذه من الثاني، دفع إليه الثمن الّذي اشترى به، و رجع الثالث عليه بما أعطاه، لانفساخ عقده.

و لو تصرّف المشتري بما لا تجب فيه الشفعة(2) كالوقف، و الهبة، و الرهن، و جعله مسجدا، فللشفيع فسخ ذلك، و يأخذه بالثمن الّذي وقع عليه

ص: 575


1- . في «ب»: بحصّة.
2- . في «ب»: بما لا يجب في الشفعة.

العقد، و يأخذ الشفيع الشّقص ممّن هو في يده، و يفسخ عقده، و يدفع الثمن إلى المشتري لا الموهوب.

و لو تقايل المتبايعان، لم تسقط الشفعة، و للشفيع فسخ الإقالة و الدرك باق على المشتري، و كذا لو ردّ المشتري بعيب.

و لو رضي الشفيع بالبيع ثمّ تقايلا، لم يكن له بالإقالة شفعة، لأنّها فسخ لا بيع.

و لو سأل البائع الشفيع الإقالة فأقاله لم تصحّ، لأنّها انّما تثبت بين المتعاقدين، نعم لو باعه إيّاه صحّ.

6188. السابع:

الشفيع إنّما يأخذ من المشتري و دركه عليه، فلو ظهر الشقص مستحقّا، رجع بالثمن على المشتري، و يرجع المشتري على البائع، و إن أخذه(1) معيبا، فله ردّه على المشتري، أو أخذ أرشه منه، و المشتري يردّ على البائع، أو يأخذ منه الأرش، سواء كان الشفيع أخذ من البائع أو من المشتري.

و حكم الشفيع حكم المشتري في الردّ بالعيب، فإن علم المشتري بالعيب دونه، فللشفيع ردّه على المشتري، و يسقط الأرش، لأنّه يأخذ بالثمن الّذي استقرّ عليه العقد.

و إن علم الشفيع دون المشتري، فلا أرش لأحدهما و لا ردّ، لأنّ الشفيع أخذه عالما بعيبه، و المشتري زال ملكه عنه بأخذ الشفيع، فلا ردّ و لا أرش له،

ص: 576


1- . في «ب»: و إن وجده.

لأنّه استرجع جميع ثمنه، فأشبه بما لو ردّه على البائع، و يحتمل الأرش، لأنّه عوض الجزء الغائب، فان أخذ الأرش، سقط عن الشفيع من الثمن بقدره.

و لو علما معا فلا أرش لأحدهما و لا ردّ، و لو جهلا، فإن ردّه الشفيع تخيّر المشتري بين الأرش و الردّ، و إن أخذه الشفيع بالأرش فلا ردّ للمشتري، و له الأرش، و لو أخذه الشفيع بغير أرش، فالوجه أنّ للمشتري أخذ الأرش من البائع.

ثمّ إن كان الشفيع أسقطه عن المشتري، توفّر عليه، و إلاّ سقط من الثمن عن الشفيع بقدره، لأنّه الثمن الذي استقرّ عليه البيع و سكوته لا يسقط حقّه.

و لو اشتراه المشتري بالبراءة من العيوب، فان علم الشفيع بالشرط، فحكمه حكم المشتري، و إلاّ فحكمه حكم ما لو علم المشتري دون الشفيع.

و إذا كان الشقص في يد المشتري أخذه الشفيع، و إن كان في يد البائع، قيل له: خذ من البائع أو دع.

و لا يكلّف المشتري القبض من البائع لو امتنع، سواء طلبه الشفيع أو لا، و يكون قبض الشفيع من البائع كقبض المشتري، و الدرك مع ذلك على المشتري.

و ليس للشفيع فسخ البيع، و لو نوى الفسخ و الأخذ من البائع لم يصحّ.

6189. الثامن:

لو غرس المشتري أو بنى بأن يظهر للشفيع أنّه موهوب، أو اشتراه بأكثر من ثمن المثل، فيقاسمه، ثمّ يظهر الخلاف بعد الغرس و البناء، أو يكون غائبا فيقاسمه وكيله، أو مجنونا أو صبيّا، فيقاسمه الوليّ، ثمّ يقدم أو

ص: 577

يعقل، أو يبلغ بعد البناء و الغرس، فإذا طلب الشفيع بالشفعة، كان للمشتري قلع بنائه و غرسه، و ليس عليه تسوية الحفر و لا أرش النقص، لأنّه تصرّف في ملكه، فلا يقابله ثمن، و للشفيع أن يأخذ بجميع الثمن أو يدع.

و لو امتنع المشتري من الإزالة، كان للشفيع قلعه و يضمن ما نقص من الغرس و البناء بالقلع، و لو بذل قيمة الغرس و البناء، كانا له مع اختيار المشتري، و لو قيل بوجوب إلزام المشتري بالقلع و لا شيء له كان وجها.

و على قول أصحابنا لا تجب قيمة الغرس مستحقّا للبقاء في الأرض، لأنّه لا يستحقّ ذلك و لا قيمته مقلوعا، لأنّه لو وجبت قيمته مقلوعا، لملك قلعه من غير أرش، و لأنّه قد لا يكون له قيمة بعد القلع.

و إنّما طريق ذلك أن تقوّم الأرض و فيها الغرس و البناء، ثمّ تقوّم خالية عنهما، فيكون بينهما قيمة الغرس و البناء، فيدفعه الشفيع الى المشتري إن اتّفقا، أو ما نقص منه إن اختار القلع، و يحتمل أن يقوّم الغرس و البناء مستحقا للترك بالأجرة أو لأخذه بالقيمة إذا امتنعا من قلعه.

و لو كان للغرس وقت يقلع فيه، لو قلع قبله لم يكن له قيمة، أو تكون قيمته قليلة، جاز للشفيع قلعه، لأنّه يؤدّي الأرش.

و لو غرس أو بنى مع الشفيع أو وكيله، ثمّ أخذه الشفيع، فالحكم في أخذ نصيبه من ذلك كالحكم في الجميع.

و لو زرع المشتري، فللشفيع الأخذ، و ليس له قلع الزّرع، لقلّة لبثه في الأرض، و لا أجرة له، لأنّ المشتري زرعه في ملكه، و قيل يتخيّر الشفيع بين الأخذ في الحال، و الصبر إلى الحصاد(1) و ليس بمعتمد.

ص: 578


1- . و هو خيرة المحقّق في الشرائع: 262/3.

و كذا لو أثمر النخل في ملك المشتري ثمّ أخذ الشفيع، كان عليه التبقية إلى أو ان أخذه.

و إذا نما الشقص في يد المشتري نماء متصلا كالشجر يكبر، فللشفيع أخذه مع الزيادة، و لو كان النماء منفصلا، كالغلّة و الأجرة و الثمرة، فهي للمشتري و يجب بقاؤها إلى حين أخذها.

و لو اشتراه و فيه طلع غير مؤبّر، فأبّره المشتري، ثمّ أخذه الشفيع، فالثمرة للمشتري، و يأخذ الأرض و النخل بحصّتهما(1) من الثمن.

و لو تجدّد الطّلع في يد المشتري، فأخذه الشفيع قبل التأبير، قال الشيخ:

الطّلع للشفيع، لأنّه بمنزلة السعف(2) و ليس بمعتمد.

6190. التاسع:

لو تلف المبيع في يد المشتري سقطت الشفعة - سواء كان بفعله أو لم يكن - قبل المطالبة، أمّا لو أتلفه بعد المطالبة، فإنّه يكون مضمونا عليه، و لو تلف بعضه كانهدام المبيع أو تعيّب، فان كان بغير فعل المشتري أو بفعله قبل المطالبة، تخيّر الشفيع بين الأخذ بكلّ الثمن، و بين الترك لا بحصّته(3) الموجود من الثمن(4)، و إن كان بفعل المشتري بعد المطالبة، ضمن المشتري النقص، و يحتمل ضمانه إذا فعل ذلك قبل المطالبة، فيأخذ الشفيع بحصّته من الثمن، و كذا إن كان بفعل آدميّ غير المشتري، لأنّه يرجع بدله إلى المشتري فلا يتضرّر، و الأنقاض(5) على التقديرات كلّها للشفيع سواء كانت في المبيع أو منقولة عنه.

ص: 579


1- . في «ب»: بحصّتها.
2- . المبسوط: 119/3.
3- . في «ب»: لا بحصّة.
4- . ردّ لما يقوله بعض العامّة، قال ابن قدامة في المغني: 503/5: «ثمّ إن أراد الشفيع الأخذ بعد تلف بعضه، أخذ الموجود بحصّته من الثمن» و على ذلك ففي العبارة حزازة. و لاحظ المبسوط: 116/3.
5- . الأنقاض: هي آلات البناء من الخشب و الحجارة. كذا فسّره الشهيد في المسالك: 325/12.

و لو ظهر عيب سابق فأخذ المشتري أرشه، فللشفيع أخذه بما بعد الأرش، و لو أمسكه المشتري بغير أرش، أخذه الشفيع بغير أرش أو ترك.

6191. العاشر:

لو اشترى بثمن فظهر مستحقّا، فإن كان الشراء بالعين بطل البيع، و لا شفعة، و لو أجاز مالك الثمن الشراء صحّ البيع، و ثبتت الشفعة، و على تقدير عدم الإجازة لو كان الشفيع قد أخذ بالشفعة، لزمه ردّ ما أخذ على البائع، و إن كان قد اشترى بثمن في الذمة، ثمّ نقد الثمن فبان مستحقّا، ثبتت الشفعة، فإن تعذّر قبض الثمن من المشتري لإعسار أو غيره، فللبائع فسخ البيع و يقدّم حقّ الشفيع(1).

و لو دفع الشفيع الثمن فبان مستحقا، لم تبطل شفعته، و وجب عليه دفع عوضه.

و إنّما تثبت غصبيّة ما دفعه المشتري بالبيّنة أو بإقرار الشفيع و المتبايعين، فلو أقرّ المتبايعان و أنكر الشفيع، لم يقبل قولهما عليه، و يأخذ بالشفعة و يدفع الثمن إلى صاحبه، و يرجع البائع على المشتري بعوضه، إن كان الثمن في الذّمة، و إن كان بالعين رجع بقيمة الشقص.

و لو أقرّ الشفيع و المشتري دون البائع بطلت الشفعة، و وجب على المشتري ردّ مثل الثمن الّذي دفعه إلى البائع أو قيمته، و يبقى الشقص معه بزعم(2) أنّه للبائع، فيشتري الشقص منه و يتبارءان.

ص: 580


1- . في «ب»: و تقديم حقّ الشفيع.
2- . في «ب»: يزعم.

و لو أقرّ الشفيع و البائع و أنكر المشتري، ردّ البائع الثّمن على صاحبه، و بطلت الشفعة، و ليس للبائع مطالبة المشتري بشيء.

و إن أقرّ الشفيع خاصّة بطلت شفعته، و لا ينفذ في حقّ المتعاقدين، و لو كان الثمن غير مثليّ فوجد البائع به عيبا، فردّه قبل أخذ الشفيع، احتمل تقديم حقّه، لأنّ في أخذ الشفعة إبطال حقّ البائع من الشقص، و الشفعة تثبت لإزالة الضرر، فلا تزال(1) بالضرر، و تقديم حقّ الشفيع، لسبق حقّه.

و الأقرب الأوّل، لأنّ حقّ البائع أسبق، لاستناده إلى وجود العيب، و هو متحقّق حال البيع و الشفعة تثبت بالبيع، فإن لم يردّ البائع المعيب حتّى أخذ الشفيع، كان له ردّ الثمن، و ليس له استرجاع المبيع، لأنّ الشفيع ملكه بالأخذ، فلم يملك البائع إبطال ملكه، و لكن يرجع بقيمة الشقص، و يرجع بقيمته.

و هل يتراجعان؟ يحتمل ذلك، لأنّ الشفيع إنّما يأخذ بالثمن الّذي استقرّ عليه العقد، و ذلك قيمة الشقص، فأيّهما كان دفع أكثر، رجع بالفضل على صاحبه.

و لو لم يردّ البائع الثمن، و لكن أخذ أرشه، فإن كان الشفيع دفع قيمة الثمن معيبا، رجع المشتري عليه بما أدّى من أرشه، و إن كان دفع قيمته صحيحا، لم يرجع المشتري على الشفيع بشيء، لأنّه دفع ما وقع العقد عليه صحيحا.

و لو عفا البائع عن الأرش لم يرجع الشفيع على المشتري، لأنّه بمنزلة إسقاط بعض الثمن.

ص: 581


1- . في «أ»: فلا يزال.

و لو عاد الشقص إلى المشتري بملك مستأنف، كبيع، أو هبة، أو غيرهما، لم يكن للبائع أخذه، و ليس للمشتري ردّه على البائع بدون اختياره.

و لو تلف الثمن المعيّن قبل القبض، احتمل ثبوت الشفعة مطلقا، و رجوع البائع بقيمة الشقص، و سقوطها إن لم يكن الشفيع قبض الشقص، لبطلان البيع، حيث تعذّر التسليم، فتبطل الشفعة المتفرّعة عليه.

6192. الحادي عشر:

لو ادّعى بيع نصيب نفسه على أجنبيّ فأنكر، حلف الأجنبيّ مع عدم البيّنة، و هل يثبت للشريك الشفعة؟ قال الشيخ رحمه اللّه: نعم، لأنّ البائع أقرّ بحقّين فلا يسقط أحدهما بإنكار الآخر حقّه(1). و يحتمل سقوطها، لأنّها فرع البيع و لم يثبت.

و على الأوّل يأخذ الشفيع من البائع، و يسلّم الثمن إليه، و دركه على البائع، و يحتمل مع إنكار الأجنبيّ انتفاء استحقاق محاكمة الشفيع و البائع للمشتري، ليثبت البيع في حقّه و العهدة عليه، لأنّ مقصود البائع الثمن و قد حصل من الشفيع، و مقصود الشفيع أخذ الشقص و ضمان العهدة، و قد حصل من البائع، فلا فائدة في المحاكمة، و لكنّ الأقوى عندي الأوّل، فإن أقرّ البائع بقبض الثمن من المشتري، بقي الثمن الّذي على الشفيع لا يدّعيه أحد، فيأخذه الحاكم، فإن ادّعاه البائع أو المشتري دفع إليه، و إن تداعياه فأقرّ المشتري بالبيع، و أنكر البائع القبض، فهو للمشتري، لإقرار البائع له، و لأنّ البائع لا يدّعي هذا الثمن إنّما يستحق على المشتري، و قد اعترف بالقبض منه.

ص: 582


1- . الخلاف: 451/3، المسألة 34 من كتاب الشفعة.
6193. الثاني عشر:

لو ادّعى تأخير شراء شريكه عنه، طلب منه تحرير الدعوى بتعيين المكان الذي فيه الشفعة، و قدر الشقص و الثمن، و يدّعى الشفعة فيه، فإذا فعل سئل المدّعى عليه، فإن اعترف لزمه، و إن أنكر و قال: إنّما اتّهبته أو ورثته، فلا شفعة عليّ، فالقول قوله مع اليمين و عدم البيّنة، و لو نكل قضي عليه، إمّا مع يمين المدّعي أو بدونها.

و لو قال: لا يستحق عليّ شفعة، فالقول قوله مع اليمين، و يكفيه الحلف على قوله، و لا يكلّف اليمين على أنّه لم يشتر بعده، و لو نكل قضي عليه بالشفعة، و يعرض عليه الثمن، فإن أخذه دفع إليه، و إلاّ احتمل بقاؤه في يد الشفيع إلى أن يدّعيه فيدفع إليه، و أخذ الحاكم له، فمتى ادّعاه المشتري دفع إليه.

و لو اعترف بالشراء و أنكر التّأخير(1)، فالقول قوله مع اليمين.

و لو قال اشتريته لفلان و كان حاضرا، فإن صدّقه تثبت الشفعة عليه، و لو قال: هذا ملكي لم أشتره انتقلت الحكومة إليه، و ان كذّبه حكم بالشراء للمقرّ، و أخذ منه بالشفعة، و إن كان غائبا أخذه الحاكم و دفعه إلى الشفيع، و كان الغائب على حجّته، و يحتمل عدم الأخذ إلى أن يحضر الغائب.

و لو قال: اشتريته لولدي الصّغير، أو لمن له عليه ولاية، احتمل عدم الشفعة لثبوت الملك للطفل، و لا تجب الشفعة بإقرار الوليّ، و ثبوتها لأنّه ملك الشراء له، فصحّ إقراره فيه، و الأقرب الأوّل.

ص: 583


1- . في «ب»: التأخّر.

أمّا لو أقرّ بعد اعترافه لهما بشرائه لنفسه، لم تثبت فيه الشفعة إلاّ بالبيّنة، أو بإقرار الغائب بعد حضوره و الصبيّ بعد بلوغه.

و لو كان الشريك غائبا فادّعى الحاضر على من حصّة الغائب في يده أنّه اشتراه من الغائب، فصدّقه، احتمل أخذه بالشفعة، لأنّ من العين فى يده يصدق في تصرفه، و عدمه لأنّه إقرار على غيره، و الأوّل أقوى، و كذا لو باع القابض و ادّعى الشفيع إذن الغائب، فإن أوجبنا الشفعة و قدم الغائب فأنكر البيع أو الاذن، قدّم قوله مع اليمين، و يأخذ الشقص، و يطالب بالأجرة من شاء منهما، فإن طالب الوكيل، رجع على الشفيع، لتلف المنافع في يده، و إن طالب الشفيع لم يرجع على أحد.

أمّا لو ادّعى الوكيل الإذن، و باع فأخذ الشريك بالشفعة، استقرّ الضّمان على الوكيل، لأنّه عاد، فإن رجع الغائب على الشفيع، رجع الشفيع على الوكيل، و إن رجع على الوكيل، لم يرجع على الشفيع.

و لو ادّعى على الوكيل أنّه اشترى الشقص الّذي في يده، فقال: إنّما أنا وكيل، أو مستودع، قدّم قوله مع اليمين، و لو كان للمدّعي بيّنة حكم بها، و لو نكل احتمل القضاء عليه، لأنّه لو أقرّ يقضى عليه.

و لو ادّعى على رجل شفعة في شقص اشتراه، فأنكر المشتري ملكيّة المدّعي، فالوجه عدم الاكتفاء باليد، و يفتقر إلى البيّنة، فإن ادّعى علم المشتري حلف المشتري على نفي العلم، و لو نكل قضي عليه.

و لو ادّعى على شريكه شراء نصيبه من زيد فصدّقه زيد، و أنكر الشريك، و قال: بل ورثته من أبي، فأقام المدّعى بيّنة لسبق ملك زيد، لم تثبت

ص: 584

الشفعة، لأنّها لم تشهد بالبيع، و إقرار زيد على المنكر للبيع لا يقبل.

و لو ادّعى كلّ من الشريكين الشفعة على صاحبه، سئلا عن زمن التملّك، فإن قالا: دفعة فلا شفعة، انّما تثبت بملك سابق في ملك متجدّد، و إن ادّعى كلّ منهما السبق، حكم لمن أقام البيّنة.

و لو أقاما بيّنة تعارضتا، فيحتمل القرعة و سقوط البيّنتين، فيبقى الملك مشتركا، و إن لم يكن لهما بيّنة قدّمنا دعوى السابق، و سألنا خصمه، فإن أنكر حلف و سقطت دعوى الأوّل، ثمّ تسمع دعوى الثاني، فإن أنكر الأوّل و حلف، سقطت دعواه أيضا، و لو نكل الثاني عقيب دعوى الأوّل عن اليمين، قضي عليه إمّا مع يمين صاحبه أو بدونها على الخلاف، و لم تسمع دعواه، لأنّ خصمه قد استحقّ ملكه، و لو حلف الثاني و نكل الأوّل قضي عليه.

و لو أقام أحدهما بيّنة بالشراء مطلقا، لم يحكم بها، لعدم الفائدة.

و لو أقام بيّنة على شريكه بالابتياع، فأقام الشريك بيّنة بالإرث، قال الشيخ: يقرع بينهما(1) و لو ادّعى الشريك الإيداع، قدّمت بيّنة الشفيع، لعدم التنافي بين الإيداع و الابتياع.

و لو شهدت بالابتياع مطلقا، و شهدت الأخرى أنّ المودع أودعه ما هو ملكه في تاريخ متأخّر، قال الشيخ رحمه اللّه: قدّمت بيّنة الإيداع، لتفرّدها بالملك، و يكاتب المودع، فإن صدّق، قضي ببيّنته، و سقطت الشفعة، و إن أنكر قضي بالشفعة(2).

ص: 585


1- . المبسوط: 129/3.
2- . المبسوط: 129/3.

و لو شهدت بيّنة الشفيع أنّ البائع باع و هو ملكه، و شهدت بيّنة الإيداع مطلقا، قضي بالشفعة من غير مراجعة المودع.

6194. الثالث عشر:

لو اختلف المتبايعان في الثمن، فقال البائع: ألفان، و قال المشتري: ألف، قدّم قول البائع مع اليمين إذا لم تكن هناك بيّنة، فيأخذ الألفين من المشتري، و للشفيع أخذه بألف، سواء حكم الحاكم بألفين أو لا، و كذا البحث لو أقام البائع بيّنة.

و لو قال المشتري: صدقت البيّنة و كنت أنا كاذبا أو ناسيا، لم يقبل رجوعه.

و لو اختلف المشتري و الشفيع، فالقول قول المشتري، لأنّه الّذي ينتزع الشيء من يده.

و لو أقام أحدهما بيّنة، حكم له، و لا تقبل شهادة البائع لأحدهما.

و لو أقاما بيّنة، فالوجه القضاء ببيّنة الشفيع، لأنّه الخارج.

و لو كان الاختلاف بين المتبايعين، و أقام كلّ منهما بيّنة، قال الشيخ:

يقرع(1). و ليس بجيّد لأنّ القول قول البائع مع يمينه إذا كانت السلعة موجودة، فالبيّنة بيّنة المشتري.

و لو اشترى شقصا بعوض و اختلفا في قيمته و تعذّر إحضاره، فالقول قول المشتري، كما لو اختلف في قدر الثمن، و لو قال: لا أعلم قيمته، فالقول قوله مع اليمين، فإذا حلف سقطت الشفعة.

ص: 586


1- . المبسوط: 110/3.
6195. الرابع عشر:

الشفعة تورث كالأموال قاله السيّد رحمه اللّه(1) و كذا اختيار المفيد(2) و قال الشيخ(3): لا تورث لرواية طلحة بن زيد(4) و هو بتريّ (5)الأوّل أقوى، سواء كان الميّت قد طلب بها أولا.

و على ما اخترناه ينتقل الحقّ إلى جميع الورثة على حسب مواريثهم، فللزوجة الثمن مع الولد، فإن ترك بعض الورثة حقّه قدّم الحقّ على سائر الورثة، و لم يكن لهم إلاّ أخذ الجميع أو الترك.

و لو مات مفلس و له شقص قد باع شريكه، كان لورثته المطالبة بالشفعة.

و لو كان للميّت دار فبيع بعضها في قضاء دينه، لم يكن لوارثه الشفعة، لأنّه لا يستحقّ الشفعة على نفسه، و لو كان الوارث شريكا للمورّث فبيع نصيب المورّث في الدّين، لم يكن للوارث شفعة، لأنّ نصيب المورّث انتقل إلى الوارث، فلا يستحقّ على نفسه الشفعة.

و لو اشترى شقصا مشفوعا، و وصّى به، ثمّ مات، فللشفيع أخذه، لتقدّم

ص: 587


1- . المقنعة: 619.
2- . الانتصار: 451، المسألة 257.
3- . النهاية: 425-426؛ الخلاف: 436/3، المسألة 12.
4- . الوسائل: 325/17، الباب 12 من أبواب الشفعة، الحديث 1.
5- . قال الطريحي: البتريّة - بضم الموحدة فالسكون -: فرق من الزيديّة، قيل: نسبوا إلى المغيرة بن سعد، و لقبه الأبتر. و قيل: البتريّة: هم أصحاب كثير النوا الحسن بن أبي صالح و سالم بن أبي حفصة و الحكم بن عيينة و سلمة بن كهل و أبو المقدام ثابت الحداد، و هم الّذين دعوا إلى ولاية عليّ عليه السّلام فخلطوها بولاية أبي بكر و عمر، و يثبتون لهم الإمامة و يبغضون عثمان و طلحة و الزبير و عائشة، و يرون الخروج مع ولد عليّ عليه السّلام. مجمع البحرين مادّة (بتر).

حقّه، و يدفع الثمن إلى الورثة، فتبطل الوصيّة حينئذ، لتلف الموصى به.

و لو أوصى رجل بشقص ثمّ مات، فباع الشريك قبل قبول الموصى له، فالوجه أنّ للوارث الشفعة لا للموصى له، لعدم الانتقال قبل القبول، و لو كان قد قبل الوصيّة في حياة الموصي كان له المطالبة، و عند من يقول من علمائنا بانتقال الوصيّة بالموت خاصّة، فالشفعة للموصى له، فإذا قبل استحقّ المطالبة، و لا يستحقّ المطالبة قبل القبول، لعدم العلم بانتقال الملك إليه، و إنّما يعلم بقبوله، فإذا قبل عرف تملّكه، و إن ردّ تبيّن أنّه للوارث، و حينئذ فالأقرب أنّه للوارث المطالبة، لأنّ الأصل عدم القبول و بقاء الحقّ لهم، فإذا طالب الوارث ثمّ قبل الموصى له فالشفعة له، فلا بدّ من طلب من الموصى له، لأنّ الطّلب الأوّل قد ظهر أنّه من غير المستحقّ.

و على القول الأوّل، لو طالب الوارث بالشفعة، فلهم الأخذ فإذا قبل الموصى له أخذ الشقص الموصى به دون المشفوع، و لو لم يطالب الوارث حتّى قبل الموصى له، فلا شفعة للموصى له، لثبوت البيع قبل تملّكه، و هل يستحقّها الوارث؟ يبتني على ما لو باع الشريك قبل علمه ببيع الأوّل.

و المرتدّ عن فطرة تنتقل أمواله إلى ورثته، فلو اشترى شقصا لم يصحّ، و لا شفعة للشريك، أما لو كان عن غير فطرة، فإنّ تصرّفاته صحيحة، فلو اشترى ثبت لشريكه الشفعة، و لو بيع شقص في شركة المرتدّ، و كان المشتري كافرا، فله الشفعة.

و لو ارتدّ الشفيع المسلم عن فطرة قبل تمكّنه من الطلب، فالوجه انتقال الشفعة إلى وارثه، أمّا لو تمكّن و لم يطلب ثم مات، ابتني على الفورية، و لو كان

ص: 588

عن غير فطرة، كان له المطالبة من الشريك الكافر لا المسلم، و لو كان قد طالب بالشفعة قبل ارتداده، فالوجه أنّه يأخذ في الموضعين.

و إذا مات المسلم قبل المطالبة، فإن لم يتمكّن من الطلب، انتقلت الشفعة إلى ورثته، و إن كان قد تمكّن، فإن كان قد رضي بالبيع فلا شفعة، و إن لم يعلم حاله ابتني على الفوريّة.

و لو لم يخلف الشفيع وارثا طالب الإمام، فلو انتقلت الشفعة إلى وارثين فعفا أحدهما ثم طالب الآخر بها، ثمّ مات الطالب فورثه العافي، فله أخذ الشقص بها.

6196. الخامس عشر:

لو باع الشفيع نصيبه مع علمه ببيع شريكه بطلت شفعته، و كذا لو باع البعض إن قلنا ببطلان الشفعة مع الكثرة، و ان أثبتناها احتمل البطلان أيضا، لأنّه أسقط ما يتعلّق بذلك البعض، فيسقط الجميع، لأنّ الشّفعة لا تتبعّض، و الصّحة لأنّه قد بقي من نصيبه ما يستحقّ به الشفعة في جميع المبيع لو انفرد، و كذا لو بقي(1) و حينئذ للمشتري الأوّل على المشتري الثاني الشفعة في المسألتين(2) على تقدير سقوط شفعة البائع الثاني.

و إن قلنا بعدم السقوط فله أخذ الشقص من المشتري الأوّل، و هل للمشتري الأوّل شفعة على المشتري الثاني؟ فيه احتمال من حيث إنّه شريكه،

ص: 589


1- . فلو كان الشريك مالكا بمقدار ما بقي، من أوّل الأمر، كان له الشفعة، فهكذا إذا بقي له هذا المقدار بواسطة بيع شيء منه.
2- . إذا باع نصيبه كلّه أو بعضه.

و إنّ ملكه(1) يؤخذ بالشفعة فلا تؤخذ الشفعة به، و على تقدير الثبوت، له(2) الأخذ، سواء أخذ منه المبيع بالشفعة أو لا، و للبائع الثاني الأخذ من المشتري الأوّل.

أمّا لو باع الشفيع ملكه قبل علمه بالبيع الأوّل، قال الشيخ رحمه اللّه: لا يسقط شفعته(3). و يحتمل سقوطها لزوال السبب و هو الملك الّذي يخاف الضرر بسببه، و على قوله رحمه اللّه للبائع الثاني أخذ الشقص من المشتري الأوّل، فإن عفا عنه، فللمشتري الأوّل أخذ الشقص من المشتري الثاني، فإن أخذ منه، فهل للمشتري الأوّل الأخذ من الثاني؟ فيه احتمال.

و لو باع الشريك و شرط الخيار للمشتري، ثمّ باع الشفيع نصيبه، تثبت الشفعة للمشتري الأوّل، لتحقّق الانتقال بالعقد.

و لو كان الخيار للبائع أو لهما، فالشفعة للبائع الأوّل، بناء على أنّ الانتقال إنّما يحصل بانقضاء الخيار.

6197. السادس عشر:

لو قال الشفيع للمشتري: بعني ما اشتريت، أو هبني، أو ملّكني، أو قاسمني، بطلت شفعته، و لو قال: صالحني عن الشفعة على مال، فالوجه أنّها لا تسقط، لأنّه لم يرض بإسقاطها، و إنّما رضي بالمعاوضة عنها.

و لو صالحه عنها بعوض صحّ، و بطلت الشفعة، لأنّه من الحقوق الماليّة، فصحّت المعاوضة عليه.

ص: 590


1- . وجه سقوط شفعة المشتري الأوّل.
2- . أي للمشتري الأوّل.
3- . المبسوط: 132/3.

و لو قال: آخذ نصف الشقص بطلت شفعته، لأنّه ترك البعض فسقطت.

و لو قال الشريك قبل البيع: قد أذنت في البيع، أو أسقطت شفعتي، و ما أشبه ذلك، لم تسقط شفعته، و له المطالبة بها متى وجد البيع.

و لو توكّل الشفيع(1) في البيع لم تسقط شفعته أيضا سواء كان وكيلا للبائع أو للمشتري على إشكال، منشؤه الرضا، بالبيع.

و لو قال لشريكه: بع نصف نصيبي مع نصف نصيبك ففعل، ثبتت الشفعة لكلّ منهما في المبيع من نصف نصيب صاحبه.

و لو ضمن الشفيع الدرك عن البائع أو عن المشتري، أو شرطا له الخيار فاختار إمضاء البيع، لم تسقط شفعته على إشكال، منشؤه تمام العقد به، فأشبه البائع.

و لو شهد على البيع، أو بارك للمشتري فيما اشترى، أو للبائع فيما باع، أو أذن للمشتري في الشراء، أو للبائع في البيع، لم تبطل شفعته على إشكال.

و لو جهلا قدر الثمن بطلت الشفعة، لتعذّر تسليم الثمن.

و لو قال المشتري: نسيت الثمن و لا بيّنة، فالقول قوله مع اليمين، و بطلت الشفعة.

و لو قال: لم أعلم كميّة الثمن لم يكن جوابا صحيحا، و كلّف جوابا غيره، و قال الشيخ رحمه اللّه: تردّ اليمين على الشفيع(2).

ص: 591


1- . في «أ»: توكل للشفيع.
2- . لم نعثر عليه، و لكن نسبه إليه المحقّق في الشرائع: 266/3، و لاحظ جواهر الكلام: 37 / 443، و المسالك: 370/12، و مفتاح الكرامة: 417/6، و المبسوط: 151/3-152.

و لو كان المبيع في بلد ناء، فأخّر المطالبة توقّعا للوصول، بطلت الشفعة، و كذا لو تلف الثمن المعيّن قبل قبضه، لبطلان البيع.

6198. السابع عشر:

يجوز الاحتيال لإسقاط الشفعة، و تسقط الشفعة به، و ذلك مثل أن يشتري بألف و يبرئه من تسعمائة، فيبقى الّذي يزنه المشتري مائة، أو يدفع عوضا عنه يساوي مائة، فللشفيع الأخذ بألف أو الترك، أو يشتري البائع من المشتري عبدا قيمته مائة بألف ثمّ يبيعه الشقص بالألف، أو يشتري جزءا من الشقص بمائة ثمّ يهبه البائع الباقي أو يهب الشقص للمشتري، و يعوّضه المشتري عن الهبة بالثمن، فإن خالف أحدهما ما تواطئا عليه، و طالب صاحبه بما أظهر له، لزمه في ظاهر الحكم، و يحرم عليه في الباطن، لأنّ صاحبه إنّما رضي بالعقد للتواطؤ.

و لو تعاقدا في الباطن بثمن و أظهر [ا] أكثر منه لإسقاط الشفعة لم يجز إجماعا، و كذا لو باعه في الباطن و أظهر الانتقال بغير البيع، كصلح، أو هبة، أو إقرار لم يجز.

6199. الثامن عشر:

قد بيّنا أنّ الشفعة تسقط مع كثرة الشفعاء عند أكثر علمائنا و أثبتها آخرون(1)، فلو اشترى شقصا له شفيعان، فادّعى عفو أحدهما، و شهد له الآخر، لم تقبل، لأنّه يطلب توفّر(2) الشفعة عليه، فإن عفا الشاهد بعد ردّ شهادته ثمّ شهد، لم تقبل، لأنها ردّت للتهمة، فصار كالفاسق إذا ردّت شهادته ثمّ تاب و أعادها، و لو عفا قبل الشهادة ثمّ شهد، قبلت.

ص: 592


1- . قد تقدم نقل الأقوال في المسألة نفيا و إثباتا في المسألة السادسة من الفصل الثاني برقم 6179.
2- . في «أ»: توفير.

و لو ادّعى عليهما فأنكرا و حلفا بقيت الشفعة، و إن حلف أحدهما و نكل الآخر، فإن صدّق الحالف الناكل على عدم العفو، لم يفتقر إلى يمين، و كانت الشفعة بينهما، و لو ادّعى عفوه فنكل، قضي له بالشفعة، سواء ورثا الشفعة أو كانا شريكين.

و لو شهد أجنبي بعفو أحدهما، حلف الآخر معه، و أخذ الجميع، و إن عفا الآخر حلف المشتري.

و لو كانوا ثلاثة، فشهد اثنان بعد عفوهما بعفو الثالث قبلت، و لو شهد البائع بعفو الشفيع قبلت بعد قبض الثمن لا قبله، لاحتمال قصد استرجاع المبيع لو ثبت فلس المشتري.

و لو شهد لمدبّره أو مكاتبه المشروط بعفو شفعته، أو بشراء شيء لمكاتبه فيه شفعة لم تقبل، و لو كان مطلقا قبلت.

و لو باع اثنان لواحد، كان للشفيع أخذ نصيب أحدهما.

و لو قارض أحد الثلاثة الآخر فاشترى نصف حصّة الثالث، لم يكن لهما شفعة، لأنّ أحدهما ربّ المال، و الآخر العامل، فهما كالشريكين.

و لو باع الثالث باقي حصّته على أجنبيّ ثبتت لهما الشفعة.

و لو باع أحد الثلاثة حقّه على أجنبيّ فطالب أحد الشريكين، فقال المشتري: إنّما اشتريته لشريكك لم يؤثّر في استحقاق الطالب لثبوت الشفعة بينهما، سواء اشترى الأجنبيّ لنفسه أو لأحدهما، فإن ترك المطالبة بناء على ذلك، ثمّ ظهر الكذب لم تبطل شفعته.

ص: 593

و لو أخذ نصف المبيع للخبر ثمّ تبيّن الكذب، و عفا الشريك، كان له أخذ الباقي، لأنّ اقتصاره على أخذ النصف مبنيّ على الخبر.

و لو امتنع من أخذ الباقي، احتمل سقوط حقّه من الّذي أخذه، لأنّه لا يملك(1) تبعيض صفقة المشتري، و عدم السقوط، لإقرار المشتري بما يتضمّن استحقاقه للنصف، فلا يبطل برجوعه عن إقراره.

و لو أنكر الشريك كون الشراء له، و عفا عن شفعته، و أصرّ المشتري على الإقرار للشريك، فللشفيع أخذ الجميع لعدم المنازع، و الاقتصار على النصف، لإقرار المشتري.

و لو قال أحد الشريكين للمشتري: شراؤك باطل، و قال الآخر: إنّه صحيح، فالشفعة كلّها للمعترف، و كذا لو قال: لم تشتره بل اتّهبته، و صدّقه الآخر على الشراء.

و لو عفا أحد الشفيعين قبل البيع، أو ضمن عهدة الثمن، أو توكّل في البيع أو الشراء، و قال: لا شفعة لي لذلك، توفّرت على الآخر.

و لو اعتقد أنّ له شفعة فترافعا إلى حاكم فحكم بسقوط الشفعة، توفّرت على الآخر، لأنّها سقطت بحكم الحاكم.

فلو باع أحد الثلاثة نصيبه على الثاني، ثمّ باعه الثاني على أجنبيّ، ثمّ علم الثالث، فإن أخذ بالعقد الثاني أخذ جميع ما في يد مشتريه، لأنّه لا شريك له في

ص: 594


1- . في «أ»: «يملك» بدل «لا يملك» و الصحيح ما في المتن.

شفعته، و إن أخذ بالأوّل(1) أخذ نصف المبيع، و هو السدس، لأنّ المشتري شريكه، فيأخذ نصف السدس من المشتري الأوّل، و نصفه من الثاني، لأنّ الأوّل اشترى الثلث فكان بينهما نصفين، فلما باع الثلث و في يده ثلثان فقد باع نصف ما في يده، و الشفيع يستحقّ ربع ما في يده، و هو السّدس، فصار منقسما في يديهما نصفين، فيأخذ من كلّ نصف السّدس، و يدفع ثمنه إلى الأوّل، و يرجع المشتري الثاني على الأوّل بربع الثمن، فيصحّ من اثني عشر، و ترجع إلى أربعة، للشفيع النصف، و لكلّ منهما الربع.

و لو أخذ بالعقدين أخذ جميع ما في يد الثاني و ربع ما في يد الأوّل، فله ثلاثة أرباع الدار، و لشريكه الربع، و يدفع إلى الأوّل نصف الثمن الأوّل، و يدفع إلى الثاني ثلاثة أرباع الثمن، و يرجع الثاني على الأوّل بربع الثمن الأوّل، لأنّه يأخذ نصف مشتري الأوّل(2) و هو السّدس، فيدفع إليه نصف الثمن، و قد صار نصف هذا النصف في يد الثاني و هو ربع ما في يده، فيأخذه منه، و يرجع الثاني على الأوّل بثمنه، و بقي المأخوذ من الثاني ثلاثة أرباع ما اشتراه، فأخذها منه و دفع إليه ثلاثة أرباع الثمن، و إن كان المشتري الثاني هو البائع الأوّل لم يختلف الحكم.

و لو كانت الدار بين الثلاثة، لأحدهم النّصف، و للآخرين النصف، فاشترى صاحب النصف من أحدهما حقّه(3)، ثمّ باع ربعا ممّا في يده لأجنبيّ، ثمّ علم الشريك، فإن أخذ بالبيع الثاني، أخذ جميعه، و دفع إلى المشتري ثمنه،

ص: 595


1- . أي بالعقد الأوّل.
2- . أي نصف ما اشتراه الأوّل.
3- . و هو الربع.

و إن أخذ بالأوّل [وحده] فله ثلث المبيع، و هو نصف سدس، لأنّ المبيع كلّه ربع، فثلثه نصف سدس، يأخذ ثلثيه(1) من المشتري الأوّل و ثلثه من الثاني.

و مخرج ذلك من ستّة و ثلاثين، النصف ثمانية عشر، و لكلّ واحد منهما تسعة، فلما اشترى صاحب النصف تسعة، تثبت الشفعة بينه و بين شريكه أثلاثا، لشريكه ثلثها ثلاثة، فلمّا باع صاحب النصف ثلث ما في يده حصل في المبيع من الثلاثة ثلثها و هو سهم بقي في يد البائع منهما سهمان، و ردّ الثلاثة إلى الشريك يصير في يده اثنا عشر، و هي الثلث، و يبقى في يد المشتري الثاني ثمانية و هي تسعان، و في يد صاحب النصف ستّة عشر، و هي أربعة أتساع، و يدفع الشريك الثّمن إلى المشتري الأوّل، و يرجع المشتري الثاني عليه بتسع الثمن الّذي اشترى به، لأنّه قد أخذ منه تسع مبيعه.

و إن أخذ بالعقدين أخذ من الثاني جميع ما في يده و أخذ من الأوّل نصف التسع و هي سهمان من ستّة و ثلاثين، فيصير في يده عشرون سهما، و هي خمسة أتساع، و يبقى في يد الأوّل ستّة عشر سهما، و هي أربعة أتساع، و يدفع إليه ثلث الثمن الأوّل، و يدفع إلى الثاني ثمانية أتساع الثمن الثاني، و يرجع الثاني على الأوّل بتسع الثمن الثاني، و هذا البحث على قول من يجعل الشفعة على قدر الأنصباء.

و لو باع أحد الأربعة نصيبه على اثنين منهم، استحقّ الرابع الشفعة عليهما، و استحقّ كلّ من المشتريين الشفعة على صاحبه، فإن طلب كلّ واحد، قسّم المبيع بينهم أثلاثا، و صارت الدار بينهم كذلك. و إن عفا الرابع وحده،

ص: 596


1- . في بعض الكتب: يأخذ ثلثه.

قسّم المبيع بين المشتريين نصفين، و كذلك إن عفا الجميع عن شفعتهم، فيصير لهما ثلاثة أرباع الدار، و للرابع الربع بحاله.

و إن طالب الرابع وحده أخذ منهما نصف المبيع، لأنّ كلّ واحد منهما له من الملك مثل ما للمطالب، فشفعة مبيعه بينه و بين شفيعه نصفين، فيحصل للرابع ثلاثة أثمان الدار، و باقيها بينهما نصفين(1)، و تصحّ من ستّة عشر، (و إن طالب الرابع وحده أحدهما دون الآخر، قاسمه الثمن نصفين، فيحصل للمعفوّ عنه ثلاثة أثمان و الباقي بين الرابع و الآخر نصفين، و تصحّ من ستّة عشر)(2).

و إن عفا أحد المشتريين و لم يعف الآخر و لا الرابع، قسّم مبيع المعفوّ عنه بينه و بين الرابع نصفين، و مبيع الآخر بينهم أثلاثا، فيحصل للّذي لم يعف عنه ربع و ثلث ثمن و ذلك سدس و ثمن، و الباقي بين الآخرين نصفان، و تصحّ من ثمانية و أربعين.

و إن عفا الرابع عن أحدهما و لم يعف أحدهما عن صاحبه، أخذ ممّن لم يعف عنه ثلث الثمن و الباقي بينهما نصفين، و يكون الرابع كالعافي في الفرض المتقدّم، و تصحّ من ثمانية و أربعين.

و إن عفا الرابع و أحدهما من الآخر و لم يعف الآخر، فلغير العافي ربع و سدس، و الباقي بين العافيين نصفين لكلّ واحد منهما سدس و ثمن، فتصحّ من أربعة و عشرين.

ص: 597


1- . في «ب»: فيحصل للرابع ثلاثة أثمان و الباقي بين الرابع و الآخر نصفين.
2- . ما بين القوسين من نسخة «أ».

و لو كان لزيد النصف، و لعمرو الثلث، و لبكر السّدس، فاشترى بكر من زيد ثلث الدار، ثمّ باع عمرو سدسها، و لم يعلم عمرو بشرائه للثلث، ثمّ علم، فله المطالبة بحقّه من شفعة الثلث و هو ثلثاه، و ذلك تسعا الدار، فيأخذ من بكر ثلثي ذلك، و قد حصل ثلثه الباقي في يده بشرائه للسّدس، فينفسخ بيعه فيه، و يأخذه بشفعة البيع الأوّل، و يبقى من مبيعه خمسة أتساعه، لزيد ثلث شفعته، فيقسّم بينهما أثلاثا، و تصحّ المسألة من مائة و اثنين و ستّين، ثلث المبيع(1)أربعة و خمسون، لعمرو ثلثاها بشفعته ستّة و ثلاثون، يأخذ ثلثيها من بكر و هي أربعة و عشرون، و ثلثها في يده اثنا عشر بينهما، و السدس الذي اشتراه سبعة و عشرون، قد أخذ منها اثني عشر بالشفعة بقي منها(2) خمسة عشر، له ثلثاها عشرة، و يأخذ منها زيد خمسة، فحصل لزيد اثنان و ثلاثون و لبكر ثلاثون [سهما] و لعمرو مائة، و ذلك نصف الدار و تسعها و نصف تسع تسعها، و يدفع عمرو إلى بكر ثلثي الثمن في البيع الأوّل(3) و عليه و على زيد خمسة أتساع الثمن الثاني(4) بينهما أثلاثا.

و إن عفا عمرو عن شفعة الثلث، فشفعة السّدس الّذي اشتراه بينه و بين زيد أثلاثا، و يحصل لعمرو أربعة أتساع الدار، و لزيد تسعاها و لبكر ثلثها، و تصحّ من تسعة.

و إن باع بكر السدس لأجنبيّ، فهو كبيعه إيّاه لعمرو إلاّ أنّ لعمرو العفو عن

ص: 598


1- . في «ب»: الثلث المبيع.
2- . في «أ»: «منهما» و الصحيح ما في المتن.
3- . في «ب»: في المبيع الأوّل.
4- . كذا في النسختين و لعلّ الصواب «الثمن الباقي».

شفعته في السدس بخلاف ما إذا كان هو المشتري، فإنّه لا يصحّ عفوه عن نصيبه منها.

و إن باع بكر الثلث لأجنبيّ فلعمرو ثلثا شفعة المبيع الأوّل و هو التسعان، يأخذ ثلثهما من بكر و ثلثيهما(1) من المشتري الثاني، و ذلك تسع و ثلث تسع، و يبقى في يد الثاني سدس و سدس تسع [و هو عشرة] من أربعة و خمسين بين زيد و عمرو أثلاثا و تصحّ من مائة و اثنين و ستّين، و يدفع عمرو إلى بكر ثلثي ثمن مبيعه، و يدفع هو و زيد إلى المشتري الثاني ثمن خمسة أتساع مبيعه بينهما أثلاثا، و يرجع المشتري الثاني على بكر بثمن أربعة أتساع مبيعه.

و إن لم يعلم عمرو حتى باع ممّا في يديه سدسا لم تبطل شفعته في أحد الوجهين.

و هذه الفروع نقلناها من المخالفين(2)، و لا تتأتّى(3) على ما اخترناه نحن من بطلان الشفعة مع الكثرة.

6200. التاسع عشر:

لو باع المكاتب المشروط شقصا على مولاه بنجومه، ثمّ عجز، فالأقرب ثبوت الشفعة، مع احتمال بطلانها، لخروجه عن كونه مبيعا.

و الأخذ بالشفعة ليس بيعا، فلا يثبت فيه خيار المجلس.

ص: 599


1- . هكذا في النسختين، و لعلّ الصحيح «و ثلثهما».
2- . لاحظ المغنى لابن قدامة: 543/5-549.
3- . في «أ»: «و لا ينافي» و ما في المتن هو الصحيح أي لا موضوع لهذه الفروع على الأصل الّذي اخترناه و هو بطلان الشفعة مع الكثرة.

ص: 600

كتاب الصّيد و الذبائح

اشارة

ص: 601

ص: 602

و فيه فصول

الفصل الأوّل: في الآلة

اشارة

و فيه ستّة مباحث:

6201. الأوّل:

الاصطياد، إماتة الصيد بآلة، و هو كلّ جرح مقصود حصل به الموت، و أقسام الآلة ثلاثة: جوارح الحيوان، و جوارح الأسلحة و المثقلات، و إنّما يؤكل ما مات بالصّيد مقتول الكلب المعلّم من جوارح السباع و النصل، و إن أصاب معترضا أو بالمعراض إذا خرق اللحم، و كذا السهم الخالي من النصل إذا كان حادّا، و خرق اللحم.

و لا يحلّ أكل ما مات بغير ذلك كالفهد، و النمر، و غيرهما من جوارح السباع و الطير، فلو اصطاد بالفهد، أو النمر، أو غيرهما من السباع، أو البازي، و العقاب، و الباشق، و غير ذلك من جوارح الطير، لم يحلّ إلاّ ما يدرك ذكاته و يذكّيه، سواء كان شيء من ذلك معلّما أو غير معلّم.

6202. الثاني:

كلّما يقتله السيف و السهم و الرمح و كلّ ما فيه نصل حلال مع الشروط الآتية، و لا يفتقر إلى التذكية، سواء قتل بحدّه أو معترضا، أما المعراض

ص: 603

الخالي من الحديد، فإنّه يؤكل ما يخرق اللحم منه، و كذا السهم الحادّ الخالي من الحديد، و لو قتل شيء من ذلك معترضا لم يحلّ.

6203. الثالث:

كلّما مات بالمثقّلات حرام، كما لو رمى الطير ببندقية، أو حجارة، أو خشبة غير محدّدة، و لا خرقت.

و يجوز الاصطياد بجميع آلات الصّيد من الشّرك(1) و الحبالة و الشباك و غير ذلك، لكن لا يحلّ منه إلاّ ما يدرك ذكاته و لو كان فيه سلاح، و كذا الكلب غير المعلّم.

و هل يحرم أن يرمى الصيد بما هو أكثر منه؟ قال الشيخ رحمه اللّه: نعم(2)و قيل: مكروه(3).

6204. الرابع:

يشترط في إباحة ما يقتله الكلب أن يكون الكلب معلّما، بأن يسترسل إذا أرسله، و ينزجر إذا زجره، و يمتنع من أكل ما يمسكه إلاّ نادرا، و جرحه للصيد، و إسلام المرسل. و إرساله للاصطياد، و التسمية عند الإرسال، و عدم غيبوبة الصيد ذي الحياة المستقرّة.(4)

6205. الخامس:

التعليم يتحقّق بالاسترسال عند الإرسال و الانزجار عند الزجر و عدم الأكل عند الإمساك، فيتكرر منه ذلك مرّة بعد أخرى، و الأقوى عندي الحوالة في ذلك على العرف بأن يتكرّر الصّيد متّصفا بهذه الشرائط،

ص: 604


1- . في مجمع البحرين: الشّرك - بالتحريك - حبالة الصائد.
2- . النهاية: 580.
3- . و هو خيرة المحقّق في الشرائع: 201/3.
4- . في «أ»: ذوي الحياة المستقرة.

ليتحقق حصولها فيه من غير تقدير المرّات، و الانزجار بالزجر إنّما يعتبر قبل إرساله على الصّيد أو رؤيته، أمّا بعد ذلك فإنّه لا ينزجر بحال.

و إذا كان الكلب معتادا لأكل ما يصيده لم يحلّ مقتوله و إن أمسك عليه، أمّا لو كان ممتنعا من الأكل غالبا، فأكل نادرا لم يقدح في إباحة ما يقتله، و كذا لو شرب دم الصّيد و اقتصر، و كذا لا يحرم ما تقدّم(1) من صيوده، و لا يخرج عن أن يكون معلّما بالندرة، فلو صاد بعد الصيد الّذي أكل منه لم يحرم و لم يخرج عن أن يكون معلّما.

و لو أكل الكلب المعلّم و اعتاده، حرمت الفريسة الّتي بها ظهر عادته، و الأقرب أنّه لا يحرم ما أكل منه قبلها.

6206. السادس:

يشترط في المرسل أن يكون من أهل التذكية، بأن يكون مسلما أو في حكمه، كالصّبيّ، رجلا كان أو امرأة، و لو أرسله المجوسيّ، أو الوثنيّ أو الذميّ، لم يحلّ، و كذا المرتدّ و المجنون، و في الأعمى إشكال، إذ لا يتمكّن من قصد عين الصّيد، و أن يسمّي المرسل عند إرساله، فلو ترك التسمية عمدا لم يحلّ ما يقتله، و لو تركها نسيانا حلّ، و أن يرسل الكلب للاصطياد، فلو استرسل من نفسه فقتل، لم يحلّ، سواء سمّى عند إرساله أو لم يسمّ.

و لو زجره عقيب الاسترسال فوقف، ثمّ أغراه حلّت فريسته، لانقطاع الاسترسال بالوقوف عند الانزجار، و الإغراء إرسال مبتكر.

ص: 605


1- . أي ما صاده من ذي قبل ما ذكره إشارة إلى فتوى أبي حنيفة حيث حكم بتحريم ما صاده قبل ذلك معلّلا بأنّه لو كان معلّما ما أكل. (لاحظ المغني: 8/11).

و لو استرسل فأغراه فازداد عدوا، فالوجه أنّه لا يحلّ، و كذا لو أرسله بغير تسمية ثمّ أغراه ثمّ سمّى، و زاد في عدوه.

و لو أرسله لا للاصطياد فاصطاد، لم يحلّ.

الفصل الثاني: في أحكام الصّيد

اشارة

و فيه خمسة عشر بحثا:

6207. الأوّل:

لو أرسله واحد و سمّى آخر لم يحلّ الصيد إذا قتله، و كذا لو سمّى و أرسل كلبه، و أرسل آخر كلبه و لم يسمّ، و اشتركا في قتل الصّيد، فان كان الآخر ترك التسمية عمدا لم يحلّ، و إن كان سهوا حلّ، لأنّه يحلّ مع انفراده فمع المسمّى أولى.

و لو أرسل كلبه و أرسل مجوسيّ كلبه فقاتلا صيدا لم يحلّ، و كذا لو اختلف الآلة، بأن يرسل أحدهما كلبا و الآخر سهما، أو يرمياه بسهميهما فمات، سواء وقعت سهماهما دفعة أو على التعاقب، إلاّ أن يكون المسلم أوّلا قد ذبحه أو جعله في حكم المذبوح، و لو انعكس الحال حرم، و كذا لو اشتبه.

و لو أرسل المسلم و الكافر كلبا واحدا فقتل صيدا، لم يبح، و كذا لو أرسله مسلمان سمّى أحدهما دون الآخر، أو أرسل المسلم كلبين أحدهما معلّم و الآخر غير معلّم، أو أرسل المعلّم و استرسل معلّم آخر.

ص: 606

و لو أرسل مسلم كلبه و كافر كلبه، فردّ كلب الكافر الصّيد إلى كلب المسلم فقتله، حلّ، و لو أرسل المسلم كلبه فأثبت الصّيد، ثمّ أرسل الكافر كلبه فقتله، حرم و ضمن الكافر قيمة الصيد.

و لو أرسل جماعة كلابا و سمّوا، فوجدوا الصّيد قتيلا، لا يدرون من قتله، حلّ أكله، فإن اختلفوا [في قاتله] و كانت الكلاب متعلّقة به، فهو للجميع، و إن كان البعض متعلّقا به، فهو لصاحبه، و في الصورتين لا بدّ من اليمين، و لو كانت الكلاب ناحية، فالوجه القرعة.

6208. الثاني:

التسمية المعتبرة في الصيد و الذّبح، ذكر اللّه تعالى، فلا يجب الزائد، فلو قال: اللّه، و سكت كفاه، و لا يجب بسم اللّه و اللّه أكبر و شبهه، و يحتمل وجوب ما يفهم منه التعظيم مثل بسم اللّه، أو اللّه أكبر، أو سبحان اللّه، أو لا إله إلاّ اللّه (و اللّه أكبر)(1) أو الحمد للّه، لأنّه المفهوم من الذكر، و لو قال: اللّهم اغفر لي، كفاه و إن كان فيه طلب حاجة.

و لا تشترط العربيّة، بل لو سمّى بغيرها أجزأه و إن قدر عليها.

و تشترط التسمية عند إرسال الكلب أو السّهم، و لو تركها و سمّى عند عضّ الكلب، فالوجه الجواز.

6209. الثالث:

لو غاب الصّيد و حياته مستقرّة، ثمّ وجد مقتولا أو ميتا بعد الغيبة، لم يحلّ، لجواز استناد القتل إلى غير الكلب، سواء وجد الكلب واقفا عليه، أو بعيدا عنه، و كذا لو غاب الصّيد ثمّ وجده مقتولا و فيه سهمه، سواء كان

ص: 607


1- . ما بين القوسين يوجد في «أ».

نهارا أو ليلا، و سواء تشاغل عنه و ترك طلبه، أو لم يترك طلبه، و سواء وجد فيه أثرا غير سهمه(1) أولا.

و لو رمى الصّيد فتردّى من جبل، أو وقع في الماء فمات، لم يحلّ، لاحتمال استناد الموت إلى غير الآلة، نعم لو صيّر حياته غير مستقرّة حلّ، لأنّه يجري مجرى المذبوح، و كذا لو كان الوقوع في الماء غير قاتل، بأن يكون الحيوان من طير الماء، أو كان التردّي غير قاتل.

و لو رمى سهما فأرسله الريح إلى الصّيد فقتله حلّ، و إن كان لو لا الريح لم يصل، و كذا لو أصاب السهم الأرض ثمّ وثب فقتل.

و لو أصاب الطير في الهواء، أو على شجرة، أو جبل فوقع فى الأرض فمات، فالوجه أنّه إن كان لو لا السقوط(2) لم يمت لم يحلّ، و إن كان بحيث يموت و إن لم يسقط على الأرض حلّ.

6210. الرابع:

الاعتبار في حلّ الصّيد بالمرسل لا المعلّم، فلو علّمه الكافر و أرسله المسلم حلّ مقتوله، و لو علّمه المسلم و أرسله الكافر لم يحلّ، لأنّ الكلب آلة كالسكين.

و التسمية شرط عند إرسال الكلب، و رمي السهم، و طعن الرّمح، و قطع المذبوح و نحره، و لو تقدّمت بزمن يسير جاز، و لو سمّى على سهم ثمّ ألقاه و رمى بغيره حلّ.

و لا بدّ من قصد الصّيد، فلو رمى هدفا و سمّى، فأصاب صيدا لم يحلّ،

ص: 608


1- . في «أ»: غير سهم.
2- . في «ب»: لو لا السقطة.

و كذا لو قصد رمي إنسان، أو صيد غير محلل، أو عبثا، و لو قصد صيدا فأصابه و غيره حلاّ معا، و كذا لو أرسل كلبه على صيد فأخذ آخر في طريقه حلّ، و كذا لو عدل عن طريقه إليه أو أرسله على صيود كبار فتفرّقت عن صغار ممتنعة فقتلها حلّت، و لا فرق في ذلك بين السّهم و الكلب.

و لو لم ير صيدا و لا علمه، فرمى سهمه، أو أرسل كلبه فصاد، لم يحلّ و إن قصد الصيد، لأنّ القصد إنّما يتحقّق مع العلم.

و لو رأى سوادا، أو سمع صوتا فظنّه آدميّا، أو بهيمة، أو حجرا، فرماه فبان صيدا لم يحلّ، سواء أرسل سهما أو كلبا، و كذا لو ظنّه كلبا أو خنزيرا، و لو ظنّ أنّه صيد حلّ، و لو شكّ أو غلب على ظنّه أنّه ليس بصيد لم يحلّ.

و لو رمى حجرا بظنّه(1) صيدا فقتل صيدا، احتمل الحلّ، لأنّ صحّة القصد يبتني على الظنّ، و عدمه لأنّه لم يقصد صيدا على الحقيقة.

6211. الخامس:

يشترط في الكلب أن يجرح الصيد فيقتله، فلو خنقه، أو مات بصدمه، أو إتعابه، أو مات تحت الكلب غمّا لم يحلّ، بل إنّما يحلّ لو مات بعقر الكلب.

و إذا عضّ الكلب صيدا، كان موضع العضّة نجسا يجب غسله، و قول الشيخ في الخلاف(2)، ضعيف.

ص: 609


1- . في «أ»: و لو رمى حجرا فرماه بظنّه.
2- . الخلاف: 12/6، المسألة 8 من كتاب الصيد و الذبائح.

و يحلّ أكل صيد الكلب البهيم.(1)

6212. السادس:

الصيد الّذي يباح بعقر الكلب، أو السهم، في غير موضع التذكية، هو كلّ ممتنع، سواء كان وحشيّا أو إنسيا، و كذا ما يصول من البهائم، أو يسقط في بئر و شبهها، و لا يمكن تذكيته، فإنّه يكفي عقره، سواء كان العقر في موضع التذكية أو غيرها، و يحلّ بذلك.

و لو كان رأس المتردّي في الماء، فالوجه التحريم لما فيه من إعانة الماء على القتل، فاجتمع المبيح و المحرّم.

و لو رمى فرخا لم ينهض بسهم، لم يحلّ، و كذا لو رمى طائرا و فرخا لم ينهض، فقتلهما، حلّ الطائر دون الفرخ.

و لو تقاطعت الكلاب الصّيد قبل إدراكه لم يحرم.

و لو أخذ الصيد جماعة فتناهبوه و وزّعوه قطعة قطعة، حلّ أكله(2) إن كانوا جميعا قد صيّروه في حكم المذبوح أو أوّلهم، فإن كان الأوّل لم يصيّره في حكم المذبوح، بل أثبته، و صار غير ممتنع، و فيه حياة مستقرّة، وجب أن يذكّوه في موضع التذكية، فإن يوزّعوه قبل ذلك حرم.

و لو أقطعت الآلة منه شيئا، كان المقطوع ميتة، و يذكّى الباقي إن كانت حياته مستقرّة.

ص: 610


1- . البهيم: الذي لا يخالط لونه شيء سوى لونه، و منه الأسود البهيم. مجمع البحرين. و المقصود في المقام هو الكلب الأسود الّذي قال أحمد بحرمة صيده. لاحظ المغني لابن قدامة: 11/11-12.
2- . في «ب»: جاز أكله.

و لو قطعته بنصفين فلم يتحرّكا حلاّ، و لو تحرّك أحدهما حلّ خاصّة(1)، و الأقرب عندي أنّهما يؤكلان إن لم يكن في المتحرّك حياة مستقرّة، و إن كان فيه حياة مستقرّة - و هو الّذي يمكن أن يعيش مثله اليوم و اليومين و نصف اليوم - وجب تذكية ما فيه الحياة، و حرم الباقي، في رواية يؤكل ما فيه الرأس(2) و في أخرى يؤكل الأكبر(3) و كلاهما شاذ.

و لو نصب منجلا(4) للصيد فعقرت صيدا لم يحلّ، كما لو نصب سكّينا فذبحت شاة، فكذا يحرم ما قتله الشباك و الحبالة.

6213. السابع:

يحرم الاصطياد بالآلة المغصوبة، و لا يحرم الصّيد، بل يملكه الصائد دون مالك الآلة، و عليه الأجرة لصاحبها، سواء كانت الآلة كلبا أو سلاحا.

أمّا السهم المسموم فيحرم مقتوله، لإعانة السمّ على قتله، و لو علم أنّ السمّ لم يعن على قتله، لكون السهم أوحى(5) منه، حلّ.

و لو أرسل كلبه على صيد فوجده ميّتا، و وجد مع كلبه كلبا لا يعرف حاله، هل سمّي عليها أم لا، و لم يعلم القاتل منهما، حرم، و كذا لو غاب الصيد عن العين، ثمّ وجد مقتولا، إلاّ أن يكون الكلب قد عقره و صيّر حياته غير مستقرّة إمّا بأن أخرج حشوته، أو فلق قلبه، أو قطع الحلقوم و المري و الودجين، ثمّ غاب بعد ذلك، و كذا السهم.

ص: 611


1- . و هو قول الشيخ في النهاية: 581.
2- . الوسائل: 243/16، الباب 35 من كتاب الصيد و الذبائح، الحديث 2.
3- . الوسائل: 244/16، الباب 35 من كتاب الصيد و الذبائح، الحديث 4.
4- . المنجل: بكسر الميم: ما يحصد به الزرع. مجمع البحرين.
5- . أي أسرع ذكاة، و حيّة أي سريعة. مجمع البحرين.
6214. الثامن:

إذا أرسل الكلب أو الآلة فجرحه، و أدركه المرسل حيّا، فإن لم تكن حياته مستقرّة، فهو بحكم المذبوح، و في الرواية أدنى ما يدرك ذكاته أن يجده تطرف عينه أو يركض رجله أو يحرّك ذنبه أو يده(1).

و إن كانت مستقرّة، و الزّمان يتّسع لذبحه، لم يحلّ أكله حتّى يذبح، و إن لم يتّسع لذبحه، فالوجه عندي أنّه لا يحلّ، و قيل: يحلّ (2)، و كذا لا يحلّ لو وجده ممتنعا، فجعل يعدو خلفه فوقف له، و قد بقي من حياته زمان لا يتّسع لذبحه.

و قال الشيخ رحمه اللّه: إذا أخذ الكلب المعلّم صيدا فأدركه صاحبه حيّا، وجب أن يذكّيه، فإن لم يكن معه ما يذكّيه به، فليتركه حتّى يقتله ثمّ ليأكل إن شاء(3)و قال ابن إدريس: يجب التذكية، و لا يحلّ قتيل الكلب، لأنّه بعد القدرة عليه غير ممتنع(4)، و هو حسن، و كذا البحث لو ذبحه كافر ثمّ ذبحه مسلم، فإن كان الأوّل صيّر حياته غير مستقرّة حرم، و إلاّ حلّ، و بالعكس لو انعكس الفرض.

و على قول الشيخ لو كان به حياة يمكن بقاؤه إلى أن يأتي به منزله، لم يبح إلاّ بالذكاة، لأنّه مقدور على تذكيته.

6215. التاسع:
اشارة

إذا رماه فأثبته و صار غير ممتنع، ملكه و إن لم يقبضه، فإن أخذه غيره وجب عليه ردّه إلى الأوّل، و لو رماه فجرحه و لم يثبته، و رماه آخر فأثبته، ثمّ رماه الثالث فقتله، فليس على الأوّل شيء و لا له، و مالكه الثاني، فإن

ص: 612


1- . الوسائل: 220/16، الباب 9 من كتاب الصيد و الذبائح، الحديث 4.
2- . و هو خيرة المحقّق في الشرائع: 203/3.
3- . النهاية: 580-581.
4- . السرائر: 93/3.

كان بإثباته صيّره في حكم المذبوح حلّ، و لا شيء على الثالث إذا لم يفسد من أجزائه شيء بسببه.

و إن لم يصيّره الأوّل في حكم المذبوح، فإن كان الثالث قد أصاب (بذبحه)(1) فذبحه، حلّ و عليه أرش ذبحه، و إن أصاب غير المذبح(2) لم يحلّ، و ضمنه مجروحا بجرحين.

و لو رماه الأوّل فأثبته، ثمّ رماه الثاني، فإن كان الأوّل موحيا بأن يذبحه أو يقع في قلبه، فالثاني لا ضمان عليه، إلاّ أن ينقصه برميه شيئا، فيضمن نقصه، و يحلّ.

و إن كان الأوّل غير موح، فالثاني إن وحاه حرم، إلاّ أن يكون قد ذبحه، و إن لم يوحه، فإن ذكى بعد ذلك حلّ، و إن لم يدرك ذكاته، فإن كان الأوّل لم يقدر عليها، فعلى الثاني كمال قيمته معيبا بالعيب الأوّل، لأنّ جرحه هو الّذي حرّمه، فكان الضمان عليه، و إن قدر على ذكاته، و أهمل حتّى مات بالجرحين، فعلى الثاني نصف قيمته معيبا للأوّل.

و لو كانت الجناية على حيوان مملوك لغيرهما فكذلك، و في تقسيط الضمان ستّة أوجه:

أحدهما:

أنّ على كلّ واحد أرش جنايته و نصف قيمة الصيد بعد الجنايتين، فإذا كانت قيمته عشرة، و نقص بجناية الأوّل درهما و كذا بجناية

ص: 613


1- . ما بين القوسين يوجد في «أ».
2- . في «أ»: و إن أصاب غير المذبوح.

الثاني، فعلى كلّ واحد خمسة، و لو نقّص بالأوّل درهمين و بالثاني درهما فعلى الأوّل خمسة و نصف و على الثاني أربعة و نصف، و بالعكس لو انعكس الفرض.

و يشكل بأنّ الثاني جنى عليه و قيمته دون قيمة ما جنى عليه الأوّل، و أنّه لم يدخل أرش الجناية في بدل النفس.

و جوابه أنّ كلّ واحد منهما قد انفرد بإتلاف ما قيمته درهم، و تساويا في إتلاف الباقي بالسراية، فتساويا في الضمان، و الدخول(1) إنّما يكون في بدل نفس لا ينقص بدلها بإتلاف بعضها، كالآدمي أمّا البهائم فلا، فإنّه لو جني عليها ما أرشه درهم، نقص ذلك من قيمتها، فإذا سرى إلى النفس أوجبنا ما بقي من قيمة النفس، و لا يدخل الأرش [فيها].

الوجه الثاني:

أن يدخل نصف جناية كلّ منهما فيما ضمنه من نفسه، لأنّ الجناية إذا صارت نفسا سقط حكمها، فكلّ منهما قد أتلف بجنايته نصف نفس، فدخل نصف جنايته فيها، فعلى الأوّل نصف درهم و نصف قيمته يوم جنايته، فعليه خمسة و نصف، و على الثاني خمسة دراهم، ثمّ يرجع الأوّل على الثاني بنصف أرش جنايته، لأنّه جنى على النصف الّذي ضمنه الأوّل و قوّمناه عليه بقيمته قبل جناية الثاني، و هو نصف درهم، فيحصل على الأوّل خمسة، و على الثاني خمسة.

الوجه الثالث:

على الأوّل خمسة و نصف، و على الثاني خمسة، و لا رجوع، بل يقسّم عشرة و نصف على عشرة، فما يخصّ خمسة و نصف على الأوّل، و ما يخصّ خمسة على الثاني، فتضرب خمسة و نصف في عشرة يكون خمسة

ص: 614


1- . أي دخول أرش الجناية.

و خمسين يقسمها على عشرة و نصف يخصّها خمسة و سبع و ثلثا سبع، لأنّ خمسة في عشرة و نصف اثنان و خمسون و نصف، و يبقى اثنان و نصف، و هي سبع و ثلثا سبع من عشرة و نصف، لأنّ سبعها واحد و نصف ثمّ يضرب ما على الثاني و هو خمسة في عشرة يكون خمسين يقسمها على عشرة و نصف، يكون أربعة و خمسة أسباع و ثلث سبع.

الوجه الرابع:

لا يدخل أرش جناية الأوّل في بدل النفس، و يدخل الثاني، لأنّ الأوّل انفرد بالجناية، و الثاني وجدت جنايته مع جناية الأوّل، فعلى الأوّل أرش جنايته درهم و نصف قيمته بعدها، و هو أربعة و نصف، و على الثاني نصف قيمته أربعة و نصف خاصّة.

الوجه الخامس:

يدخل أرش جناية كلّ منهما في بدل النفس، فعلى الأوّل نصف قيمته يوم جنى عليه و هو خمسة، و على الثاني نصف قيمته يوم جنى عليه، و هو أربعة و نصف، لأنّ الجناية صارت نفسا و سقط اعتبارها.

الوجه السادس:

يدخل جناية كلّ منهما في بدل النفس و يضمّ قيمته صحيحا و معيبا بالأوّل، و تبسط القيمة عليها، فالأوّل جنى عليه و قيمته عشرة، فيفرض كأنّه انفرد بقتله، و الثاني جنى عليه و قيمته تسعة، فيفرض انفراده بقتله، و يضمّ (1) المجموع يكون تسعة عشرة، فتقسم على قيمة الصّيد و هي عشرة، فعلى الأوّل عشرة أجزاء من تسعة عشر من عشرة، و على الثاني تسعة من تسعة عشر من عشرة.

و هذه الوجوه لا تخلو من ضعف، فإنّ الأوّل سوّي فيه بين الجنايتين، مع أنّ الثاني جنى و قيمته أقلّ، و لم يدخل أرش الجناية في بدل النفس، و الثاني

ص: 615


1- . في «ب»: «و يضمّه» و لعلّ الأصحّ «و بضمّ».

لهذين أيضا، و الثالث للثاني، فإنّه أوجب نصف أرش جنايته، و الرابع فاسد لإسقاط حكم جناية الثاني، لأنّها صارت نفسا، و أوجب أرش جناية الأوّل، و قد صار نفسا، و الخامس فاسد، لأنّه لم يوجب لصاحب الصيد كمال قيمته.

و أقربها السادس، و يرد عليه أنّه أوجب على كلّ منهما أكثر من قيمة نصف الصيد، و إنّما أتلف نصفه.

و لو جنى(1) ثلاثة، نقص بجناية كلّ واحد درهمان، و مات فعلى الوجه الأوّل يجب على كلّ واحد أرش جنايته و ثلث قيمته بعد الجنايات، و قيمته أربعة، فعلى كلّ واحد ثلاثة و ثلث، و كذا على الوجه الثاني إلاّ أنّه يدخل فيه ثلث جناية كلّ واحد منهم في النفس، فعلى الأوّل درهم و ثلث أرش جنايته و ثلاثة دراهم و ثلث قيمة الثلث، و على الثاني درهم و ثلث أرش جنايته و درهمان و ثلثا قيمة ثلثه، و على الثالث درهم و ثلث أرش جنايته و درهمان قيمة ثلثه، فعلى الأوّل أربعة و ثلثان، و على الثاني أربعة، و على الثالث ثلاثة و ثلث، و يرجع الأوّل على الثاني بثلثي درهم و على الثالث بثلثي درهم، فيبقى عليه ثلاثة و ثلث، و يرجع الثاني على الثالث بثلثي درهم، و يبقى عليه ثلاثة و ثلث، منها ثلثان ممّا كان على الأوّل، و على الثالث ثلاثة و ثلث، منها ثلثان ممّا كان على الأوّل، و ثلثان ممّا كان على الثاني.

و على الوجه الثالث على الأوّل أربعة و ثلثان، و على الثاني أربعة، و على الثالث ثلاثة و ثلث، يكون اثني عشر، يقسط على عشرة، فيسقط من نصيب كلّ واحد السدس.

ص: 616


1- . في «ب»: فلو جنى.

و على الوجه الرابع على الأوّل أرش جنايته درهمان، و يكون الباقي بين الثلاثة، فعلى الأوّل أربعة دراهم و ثلثان، و على كلّ منهما درهمان و ثلثان.

و على الوجه الخامس يدخل أرش الجنايات في النفس، فعلى الأوّل ثلاثة و ثلث، و على الثاني درهمان و ثلثان، و على الثالث درهمان، فذلك ثمانية، و يسقط درهمان.

و على السادس على الأوّل عشرة، و على الثاني ثمانية، و على الثالث ستّة، يكون أربعة و عشرين، يقسّم على عشرة، فمن عليه عشرة، فهي من أربعة و عشرين ربع و سدس، فعليه ربع قيمة الصّيد و سدسها أربعة و سدس، و من عليه ثمانية، فهو ثلثها، فعليه ثلث قيمة الصيد ثلاثة و ثلث و على الثالث ستّة هي ربعها، فعليه ربع القيمة درهمان و نصف.

و لو كان الصيد مباحا فرماه الأوّل فأثبته، ثمّ رماه الثاني، و أدرك الأوّل ذكاته و لم يذكّه، فلا ضمان على الأوّل، و على الثاني للأوّل ما أوجبناه لو كانا ضامنين(1) و قد تقدّم، و كذا لو كانت الجنايتان على حيوان مملوك لأحدهما، سقط ما قابل جناية المالك، و كان له مطالبة الآخر بنصيب جنايته.

6216. العاشر:

ما يثبت من الصيود في آلات الصيد كالحبالة و الشبكة و الشرك، يملكه ناصبها، و كذا كلّ ما يعتاد الاصطياد به، فإن أخذه آخذ ردّه عليه، و إن لم تمسكه الشبكة بل انفلت منها، لم يملكه، لأنّه لم يثبته، و كذا إن أخذ الشبكة و انفلت بها، فإن صاده غيره ملكه، و ردّ الشبكة على الأوّل.

ص: 617


1- . في «أ»: و لو كانا ضامنين.

و لو مشى بالشبكة على وجه لا يقدر على الامتناع، فهو لصاحبها، لأنّها أزالت امتناعه، و لو انفلت بعد إثباته لم يخرج عن ملكه، و كذا لو أمسكه الصائد بيده، ثمّ انفلت منه، لأنّه امتنع منه بعد ثبوت يده عليه، فلم يزل ملكه عنه.

و لو أطلقه من يده لم يخرج ملكه عنه، و لو نوى إطلاقه و قطع نيّته عن تملّكه، فالأقرب أنّه لا يملكه غيره، و لا يخرج عن ملكه، و قيل: يخرج(1)، كما لو وقع منه شيء حقير و أهمله، فإنّه يكون كالمبيح له.

و لو رماه فأصابه و لم يخرجه عن الامتناع، فدخل دار قوم، فأخذه صاحبها، ملكه بأخذه لا بدخوله الدار، و كذا لو رماه فتحامل طائرا أو عاديا، بحيث لا يقدر عليه إلاّ بسرعة العدو، لم يملكه، و كان لمن أمسكه.

و لو رماه الأوّل و لم يثبته، فرماه الثاني فأثبته، فهو للثاني، فإن رماه بعد ذلك الأوّل فقتله، فإن أصاب محلّ الذكاة حلّ، و عليه ما نقص بذلك، و إن أصاب غير محلّ الذكاة حرم، و عليه كمال قيمته مجروحا بجرحين، لأنّ الجرح الأوّل كان مباحا، و الثاني من المالك.

و لو رمياه معا فقاتلاه حلّ و ملكاه، سواء تساوى الجرحان أولا، و لو سبق جرح أحدهما فأثبته فهو له، و لو كان ممّا يمتنع بأمرين كرجله و جناحه، فكسر الأوّل رجله، و كسر الثاني جناحه، احتمل التسوية بينهما فيه، لأنّ إثباته بهما، و اختصاص الثاني به، لأنّه المثبت، و هو الأجود عندي.

6217. الحادي عشر:

لو رمى الصيد اثنان فعقراه على التعاقب، و وجد ميّتا،

ص: 618


1- . نسبه في المسالك إلى الشيخ في المبسوط و لكن لم نعثر عليه، لاحظ المسالك: 524/11.

و لم يعلم السابق، فإن صادفا مذبحه فذبحاه، فهو حلال، و كذا لو أدرك ذكاته و ذكّى، و لو لم يدرك ذكاته لم يحلّ، لاحتمال أن يكون الأوّل أثبته و لم يصيّره فى حكم المذبوح ثمّ قتله الثاني.

فلو قال كلّ منهما: أنا أثبتّه أوّلا و أنت قتلته، فعليك ضمانه، حلف كل منهما للآخر، و لم يثبت لأحدهما على الآخر شيء، و إن حلف أحدهما و نكل الآخر، حلف مع نكوله على ما ادّعاه و استحقّه.

و لو قال الأوّل: أنا رميته أوّلا فأثبته و أنت قتلته، فقال الآخر: إنّك أصبته و لم تثبته، و بقي على امتناعه، و أنا أثبتّه، فإن كان يعلم أنّه لا يبقى معها امتناع، كأنّها كسرت جناح ما يمتنع بالطيران، فالقول قول الأوّل، و إن كان ممّا يجوز أن يمتنع معها، فالقول قول الثاني مع يمينه، لأنّ الأصل الامتناع، فلا يزول بجرح الأوّل.

و لو أصابا صيدا دفعة، فإن أثبتاه معا فهو لهما، و لو كان المثبت أحدهما خاصّة فهو له، و لا ضمان على الجارح، لأنّ جنايته صادفت مباحا لا مملوكا.

و لو جهل المثبت منهما، فالصيد بينهما، و يحتمل القرعة.

6218. الثاني عشر:

لو توحّل الصيد في أرض إنسان لم يملكه بذلك، و لو اتّخذ موحلة للصيد، فتوحل بحيث لا يمكنه التخلّص لم يملكه أيضا، لأنّها ليست آلة معتادة للصّيد، على إشكال، و كذا لا يملك الصّيد بتعشيشه في داره.

و لو و ثبت سمكة إلى سفينة لم يملكها صاحب السفينة ما لم يقبضها، و لو وثبت سمكة فسقطت في حجر إنسان فهي له دون صاحب السفينة، و لو قصد صاحب السفينة الصيد بها، بأن جعل في السفينة ضوءا بالليل و دقّ بشيء

ص: 619

كالجرس، ليثبت السّمك فيها، فوثبت في السفينة، فالوجه أنّه يملكها، و لو وقعت في حجر إنسان فكذلك دون من وقعت في حجره على إشكال.

و لو أغلق عليه بابا و لا مخرج له، ففي تملّكه بذلك نظر، و كذا لو ألجأه الى مضيق لا يمكنه الخروج منه، و الوجه عندي أنّه لا يملكه ما لم يقبضه باليد أو بالآلة.

6219. الثالث عشر:

لو صاد طيرا و عليه أثر ملك بأن كان مقصوصا لم يملكه الصائد، و كذا لو صاد غيره و عليه أثر ملك بأن وجد في عنق الصيد قلادة أو في أذنه قرطا، سواء كان ممتنعا أولا.

و لو انتقلت الطيور من برج إلى آخر لم يملكها الثاني.

6220. الرابع عشر:

يكره صيد الوحش و الطير ليلا، و صيد السمك يوم الجمعة قبل الصلاة، و أخذ الفراخ من أعشاشهنّ، و ليس ذلك بمحظور.

6221. الخامس عشر:

صيد السمك إخراجه من الماء حيّا، سواء كان المخرج له مسلما أو كافرا، و من أيّ أجناس الكفّار كان، لكن يشترط في الكافر مشاهدة إخراجه حيّا سواء مات في يده بعد إخراجه قبل أخذ المسلم له منه، أو لم يمت إلاّ بعد أخذ المسلم.

و للشيخ رحمه اللّه قول في الاستبصار يقتضي اشتراط أخذه منه حيّا(1). و ليس بجيّد، و لا يشترط في المسلم ذلك، بل لو وجد في يده ميّتا حلّ أكله، سواء كان عدلا أو فاسقا.

ص: 620


1- . الاستبصار: 64/4 في ذيل الحديث 228.

و لو وثب فأخذه قبل موته حلّ، و كذا لو حرز(1) الماء عنه فأخذه حيّا من الجدّة(2) أو نبذه البحر إلى الساحل فأخذه حيّا.

و لا يكفي مشاهدته له دون أخذه بيده أو بآلته، و قيل، يكفي إدراكه بنظره(3). و ليس بجيّد.

و لا يشترط فيه التسمية، و لو وجد ميّتا في يد كافر لم يحلّ، و إن أخبر بإخراجه حيّا، ما لم يعلم أنّه مات بعد إخراجه حيّا.

و لو أخذ السمك حيّا ثمّ أعيد في الماء فمات فيه، لم يحلّ و إن كان ناشبا(4) في الآلة، لأنّه مات فيما فيه حياته.

قال الشيخ رحمه اللّه: لو نصب شبكة في الماء، فاجتمع فيها سمك كثير، و مات بعضه في الماء و اشتبه، حلّ أكل الجميع، و كذا ما يصاد في الحظائر و يجتمع فيها جاز أكل الجميع مع فقد الطّريق إلى تمييز الميّت من الحيّ.(5) و الحقّ عندي تحريم الجميع.

و إذا صيد السمك و جعل في شيء و أعيد في الماء، فمات فيه، حرم، و إن أعيد إلى غير الماء حتّى مات حلّ.

و هل يحلّ أكل السمك حيّا؟ قيل: لا(6)، و الأقرب الجواز، لأنّه مذكّى.

ص: 621


1- . كذا في النسختين، و لعلّ الصواب «لو حسر».
2- . الجدّة و الجدّ و الجدّ: شاطئ النهر: المنجد: 80.
3- . ذهب إليه المحقّق في نكت النهاية لاحظ النهاية و نكتها: 80/3.
4- . قال في مجمع البحرين: نشب الشيء في الشيء: علق به، فهو ناشب.
5- . النهاية: 578.
6- . القائل هو الشيخ في المبسوط: 277/6.

و ما يقطع من السمك بعد إخراجه من الماء ذكيّ، سواء ماتت أو وقعت في الماء مستقرّة الحياة، لأنّه قطع بعد التذكية.

و لا يحرم السمك لو صيد بشيء نجس يأكله السّمك فيصاد به، سواء كان ممّا يتفرّق كالدم، أو لا كالميتة.

الفصل الثالث: في الذباحة

اشارة

و فيه ثلاثة عشر بحثا:

6222. الأوّل:

يشترط في الذابح الإسلام أو حكمه كالصبيّ، فلو ذبح الوثنيّ كان ميتة، سواء سمعت منه التسمية أو لا، و في أكل ذبيحة اليهود و النصارى روايتان(1) أصحّهما المنع، سواء سمعت تسميته أولا، و في رواية ثالثة يؤكل ما سمعت تسميته عليه(2).

و يحرم أكل ما ذبحه الناصب و هو المعلن بالعداوة لأهل البيت عليهم السّلام، كالخوارج سمّى أولا و إن أظهر الإسلام، و ذبيحة أطفال المشركين و إن أحسنوا و سمّوا.

و اشترط ابن إدريس رحمه اللّه أن لا يكون مخالفا للحقّ، و جوّز أكل ذبيحة المستضعف الّذي لا يعرف الحقّ، و لا يعتقد ضدّه(3).

ص: 622


1- . لاحظ الوسائل: 282/16، الباب 27 من أبواب الذبائح.
2- . لاحظ الوسائل: 284/16، الباب 27 من أبواب الصيد و الذبائح، الحديث 11 و 14 و 18.
3- . السرائر: 106/3.

و يؤكل ذبيحة الصبيّ ولد المسلم المميّز إذا أحسن، و المرأة المسلمة، و الخصيّ، و الخنثى، و الجنب، و الحائض، و الأعمى، و الأخرس إن أشار بالتسمية، و العدل، و الفاسق، و الأغلف، و ولد الزنا، و ما يذبحه المسلم لكنائس أهل الكتاب و أعيادهم مع التسمية، و المجنون الذي بحكم المسلم.

و لو اشترك في الذبح مسلم و غيره لم يحلّ، و كذا لا يحلّ أكل ما ذبحه الصبيّ غير المميّز، و عندي في المجنون نظر، أقربه المنع، و كذا السّكران الّذي لا يحصّل(1) شيئا.

6223. الثاني:

لا تصحّ التذكية إلاّ بالحديد، فإن ذبح بغيره مع التمكّن منه لم يحلّ، و يجوز في حال الضّرورة الذبح بكلّ ما يفري الأوداج و باقي الأعضاء من زجاج و ليطة و قصب(2) و خشب و مروة(3) حادّة و غير ذلك.

و هل يجوز مع الضرورة الذبح بالسّن و الظفر؟ قال الشيخ رحمه اللّه: لا، و يحرم لو فعل،(4) و جوّزه ابن إدريس،(5) و هو الأقوى، سواء كانا منفصلين أو متّصلين و كذا ما عداهما من العظام و غيرها إذا حصل به قطع الأعضاء.

6224. الثالث:

يجب نحر الإبل خاصّة و ذبح باقي الحيوانات، و النحر هو الطعن بحربة و شبهها في وهدة اللّبة الّتي بين أصل عنق البعير و صدره، و الذبح

ص: 623


1- . أي لا يميّز كما في تهذيب اللغة: 241/4.
2- . قال الحلّي: الليط هو القشر اللاصق بها الحادّ، مشتقّ من لاط الشيء بقلبه إذا لصق به، و القصبة واحدة القصب. السرائر: 107/3.
3- . قال الطريحي في مجمع البحرين: المرو: حجارة بيضاء براقة تقدح منها النار، الواحد منها مروة.
4- . المبسوط: 263/6؛ و الخلاف: 22/6، المسألة 22 من كتاب الصيد و الذبائح.
5- . السرائر: 86/3-87.

في الحلق تحت اللّحيين، بأن يقطع أعضاء الذبح، فلو نحر المذبوح، أو ذبح المنحور مختارا لم يحلّ إذا مات بذلك، و لو أدرك ذكاته فذكّاه، قيل: حلّ (1)و فيه نظر، من حيث عدم استقرار الحياة.

و يجب في التذكية قطع الأعضاء الأربعة: المريء و هو مجرى الطعام و الشراب، و الحلقوم و هو مجرى النفس، و الودجان و هما العرقان المحيطان بالحلقوم، و لو قطع البعض لم يحلّ، و يجب قطع كلّ واحد بكماله.

6225. الرابع:

يجب في التذكية استقبال القبلة بالذبح و النحر مع الإمكان، فلو أخلّ بذلك عامدا، كان ميتة، و لو كان ناسيا حلّ، و لو لم يتمكّن من استقبال القبلة إمّا للجهل بها، أو لسقوط المذبوح و المنحور في بئر مثلا، حلّ الذبح و النحر الى غير القبلة.

و يجب فيها التسمية، و هي ذكر اللّه تعالى عند التذكية، فلو أهمل عامدا كان ميتة، و إن كان ناسيا حلّ، و لو قال: بسم محمّد، أو بسم اللّه و محمّد لم يحلّ، و لو قال بسم اللّه و محمّد رسول اللّه جاز.

6226. الخامس:

اشترط الشيخ المفيد رحمه اللّه في إباحة المذكّى أمرين: الحركة القويّة إمّا بيده أو رجله أو شيء من أعضائه، و خروج الدّم المسفوح لا المتثاقل،(2) و الأقرب الاكتفاء بأحدهما أيّهما كان، و لو خرج الدّم متثاقلا و لم يتحرّك حركة تدلّ على الحياة لم يحلّ إجماعا.

6227. السادس:

يكره إبانة الرأس من الجسد في التذكية قبل الموت عامدا،

ص: 624


1- . القائل هو الشيخ في النهاية: 583.
2- . المقنعة: 580.

قال الشيخ في بعض كتبه: يحرم، فإن فعل حرمت الذّبيحة.(1) و ليس بجيّد، و كذا يكره قطع النخاع، و هو العرق الأبيض الّذي ينظم الخرز من الرقبة إلى الذنب و قيل: يحرم،(2) و كذا يكره قطع شيء منها قبل الموت، و لو فعل لم يحرم المقطوع، و كذا يكره سلخ الذبيحة قبل موتها، و قال الشيخ: يحرم. و لو سلخت قبل البرد لم يحلّ أكلها،(3) و ليس بجيّد.

و لو انفلت الطير قبل التذكية جاز أن يرميه بنشّاب أو رمح أو سيف، فان صيّر حياته غير مستقرّة حلّ و إلاّ ذبحه.

6228. السابع:

لو قطع رقبة المذبوح من قفاه و بقيت أعضاء الذبح، فان كانت حياته مستقرّة، ذبحت و حلّت، و إن لم تبق حياته مستقرّة لم يحلّ، و كذا البحث لو عقرها السبع.

و كلّما يتعذّر ذبحه أو نحره من الحيوان إمّا لاستعصائه، أو لوقوعه في مضيق لا يمكن معه التذكية في موضعها، و خيف موته، جاز عقره بالسيوف و غيرها ممّا يجرح، و يحلّ، و إن لم يتّفق العقر في موضع التذكية و لا استقبال القبلة.

6229. الثامن:

يكره أن يقلّب السّكّين فيذبح إلى فوق، بل ينبغي أن يبتدئ من فوق إلى أن يقطع الأعضاء.

و يستحبّ ربط يدي الغنم و رجله، و إطلاق الأخرى، و أن يمسك على

ص: 625


1- . النهاية: 584.
2- . لاحظ النهاية: 584.
3- . النهاية: 584.

صوفه أو شعره إلى أن يبرد، و لا يمسك على شيء من أعضائه، و عقل يدي البقر و رجليه، و إطلاق ذنبه، و شدّ أخفاف يدي الإبل إلى آباطه(1)، و إطلاق رجليه، و إرسال الطير بعد الذبح من غير إمساك و لا عقل.

و يكره الذّبح صبرا، و هو أن يذبح حيوان و آخر ينظر إليه، و الذبح ليلا إلاّ لضرورة، و يوم الجمعة قبل الزوال.

6230. التاسع:

ما يباع في أسواق المسلمين، من الذبائح و اللّحوم، حلال، يجوز شراؤه و أكله، و لا يجب التفتيش عن حاله، سواء كان البائع مؤمنا أو مخالفا يعتقد إباحة ذبائح أهل الكتاب على إشكال، و كذا ما يوجد في يد المخالف من الجلود و إن كان يعتقد إباحة استعمال جلد الميتة بعد الدبغ على إشكال، أقربه عندي المنع في الموضعين.

و لو وجد ذبيحة مطروحة لم يحلّ له أكلها ما لم يعلم أنّها تذكية مسلم، أو توجد في يده.

6231. العاشر:

تجب متابعة الذبح حتّى يقطع الأعضاء الأربعة، فلو قطع بعض الأعضاء، ثمّ أرسله، فصارت حياته غير مستقرّة، ثمّ قطع الباقي، ففي إباحته نظر، من حيث إنّ حياته غير مستقرّة، و إنّ إزهاق الروح حصل بالتذكية لا غير.

و لو شرع الذابح في الذبح فانتزع آخر حشوته، أو فعل ما لا يستقرّ معه الحياة معا، لم يحلّ.

و إذا تيقّن بقاء الحياة بعد الذبح، فهو حلال، و إن تيقّن الموت قبله، فهو

ص: 626


1- . قال الشهيد في المسالك: 487/11: و المراد بتشديد أخفافه إلى آباطه: أن يجمع يديه و يربطهما فيما بين الخفّ و الركبة.

حرام، و إن اشتبه، اعتبر بالحركة القويّة أو خروج الدم المسفوح المعتدل لا المتثاقل، فإن لم يعلم ذلك حرم.

و إذا قطع الأعضاء فوقع المذبوح في الماء قبل خروج الروح أو وطئه بما خرج الروح به لم يحرم.

6232. الحادي عشر:

ذكاة السمك إخراجه من الماء حيّا على ما تقدّم، و كذا إن وجده على الجدّة(1) فأخذه بيده أو آلته، و لا تكفي مشاهدته.

و ذكاة الجراد أخذه حيّا، سواء كان آخذه مسلما أو كافرا، و لا يراعى فيه التسمية، و لو مات قبل أخذه لم يحلّ.

و لو احترق أجمّة و احترق الجراد فيها لم يحلّ، سواء قصد ذلك أو لا.

و يحرم من الجراد ما مات في الماء أو الصحراء قبل أخذه، و يحرم الدّبا(2)منه، و هو الّذي لم يستقلّ بالطّيران بعد، فإن أخذ لم يحلّ أكله، و يباح أكل الجراد حيّا و أكله بما فيه.

6233. الثاني عشر:

ذكاة الجنين ذكاة أمّه بشرطين: أحدهما تمام خلقته، بأن يشعر أو يوبر. و الثاني أن لا تلجه الروح، فلو لم تتمّ خلقته لم يحل أصلا، و لو تمّت خلقته و ولجته الروح لم يكن بدّ من تذكيته، و قيل: إذا لم يشعر أو يوبر

ص: 627


1- . الجدّة: شاطئ النهر.
2- . الدّبا - بفتح الدال المهملة و تخفيف الباء الموحّدة و القصر -: الجراد قبل أن يطير، الواحدة دباة. مجمع البحرين.

و ولجته الروح لم يحلّ الاّ بالتذكية،(1) و فيه بعد، و قيل أيضا، لو خرج حيّا و لم يتّسع الزّمان للتذكية حلّ.(2) و فيه إشكال.

6234. الثالث عشر:

كلّ حيوان مأكول تقع عليه التذكية على معنى أنّه يصير بعد الذبح طاهرا، و تقع من غير مأكول اللحم على السباع، كالأسد و النمر و الفهد و الثعلب، و لا يشترط في استعمال جلدها بعد التذكية الدباغ، خلافا للشيخ.(3)

و في المسوخ كالفيل و الدّب و القرد، قولان أقواهما قول المرتضى رحمه اللّه، و هو الوقوع(4).

و الأقوى في الحشرات كالفأر و ابن عرس و الضبّ عدم الوقوع، أمّا الآدميّ و كلّ نجس العين، كالكلب و الخنزير فلا تقع عليه الذكاة إجماعا.

ص: 628


1- . القائل هو الشيخ في النهاية: 584-585.
2- . ذهب إليه الشيخ في المبسوط: 282/6 - كتاب الأطعمة -.
3- . النهاية: 586-587.
4- . لم نعثر عليه، و لكن نسبه إليه المحقق في الشرائع: 210/3؛ و الشهيد في المسالك: 11 / 516، و فخر المحققين في الإيضاح: 130/4.

كتاب الأطعمة و الأشربة

اشارة

ص: 629

ص: 630

و فيه مطلبان

المطلب الأوّل: في حال الاختيار

اشارة

و فيه فصلان

الفصل الأوّل: في الحيوان
اشارة

و أقسامه ثلاثة

الأوّل: في البهائم
اشارة

و فيه أربعة مباحث:

6235. الأوّل:

يباح من حيوان الحضر الإبل و البقر و الغنم، و يكره الخيل و أشدّ منه كراهة الحمر الأهليّة، و أشدّ منها كراهة البغل، و قيل: إنّ الحمار أشدّ كراهة،(1) و يحرم ما سوى ذلك مثل الكلب و الخنزير و السّنّور.

ص: 631


1- . القائل هو القاضي ابن البراج على ما نسبه إليه في الجواهر، لاحظ جواهر الكلام: 269/36، و قال الشهيد في المسالك: 24/12: و قيل: إنّ الحمار آكد كراهة من البغال، لأنّه متولّد من مكروهين قويي الكراهة، بخلاف البغل فانّه متولّد من ضعيف و قويّ.

و يباح من حيوان البرّ البقر الوحشيّة، و الكباش الجبليّة،(1) و الغزلان، و اليحامير، و الحمار الوحشي، على كراهة.

و يحرم السباع أجمع سواء كانت ذوات أنياب قويّة تعدو على الناس كالسّبع و النمر و الذئب و الفهد، أو ذوات أنياب ضعيفة لا تعدو على الناس، كالضبع و الثعلب و الأرنب و ابن آوى.

و يحرم اليربوع، و الضّب، و القنفذ، و السّنور بريّا و إنسيّا، و الوبر - بفتح الواو و سكون الباء - فهي دويبة سوداء أكبر من السنور دون الأرنب لا أذناب لها، و الخزّ و هي دابّة صغيرة تخرج من البحر تشبه الثعلب، ترعى في البرّ و تنزل البحر، لها و بر يعمل منه ثياب، و الفنك، و السّمور، و السّنجاب، و العظاءة،(2)و اللحكة(3) و هي دويبة كالسّمكة تسكن الرّمل، فإذا رأت الإنسان غاصت و تغيّبت فيه، و هي صقيلة تشبه بها أنامل العذارى(4) و الوزغ و الحرباء.(5)

ص: 632


1- . في الجواهر: 293/36: الّتي هي على ما قيل الضأن و المعز الجبليّان.
2- . في مجمع البحرين: العظاء ممدود: دويبة أكبر من الوزغة، الواحدة عظاءة و عظاية.
3- . و في التلخيص لأبي هلال العسكري (المتوفّى 395 ه) ص 391: الحلكاء: دويبة تغوص في الرّمل كما يغوص الطير في الماء، و في كتاب سيبويه: اللحكاء ممدودة. و قال الجوهري في الصحاح: 1606/4: اللّحكة: دويبة أظنّها مقلوبة من الحلكة، و قال ابن السكيت: اللحكة: دويبة شبيهة بالعظاية تبرق زرقاء، و ليس لها ذنب طويل مثل ذنب العظاية، و قوائمها خفيّة. و قال: الحلكة - مثال همزة - ضرب من العظاء و يقال: دويبة تغوص في الرمل. و كذلك الحلكاء مثل العنقاء.
4- . في المبسوط: 281/6: و هي صقيلة و لهذا تشبه أنامل العذارى بها، و في الجواهر: 297/36: يشبه بها أصابع العذارى.
5- . قال أبو هلال العسكري في التلخيص: 391: الحرباء: دابّة تستقبل الشمس و تدور معها حيث دارت، و هي فارسيّة معرّبة، و أصلها خوربا أي حافظ الشمس.

و الحشار كلّها حرام، كالحيّة و الفأرة(1) و العقارب و الجرذان و الخنافس و الصراصر و بنات وردان و القمل و البراغيث و الديدان و الجعلان.

و المسوخ كلّها حرام كالفيل و الدّبّ و القردة.

6236. الثاني:

الحيوان المحلّل قد يعرض له التحريم بالجلل، و هو أن يتغذى عذرة الإنسان لا غير، فإن كان مختلطا بأكل العذرة و غيرها، كان مكروها لا محظورا.

و يحلّ الجلاّل بالاستبراء، فتستبرأ الناقة بأربعين يوما، بأن تربط و تطعم علفا طاهرا هذه المدّة، و البقرة بعشرين يوما، و الشاة بعشرة أيّام.

و لو جلّ أحد البهائم غير هذه الثلاثة، حرم و وجب استبراؤه بمدّة يخرجه عن اسم الجلل، بأن يصير غذاؤه أجمع ممّا يجوز أكله.

6237. الثالث:

لو شرب الحيوان المحلّل لبن خنزيرة و اشتدّ، حرم لحمه و لحم نسله، و لو رضع دفعة أو دفعتين فما زاد بحيث لا يشتدّ لحمه كان مكروها غير محظور، و يستحبّ استبراؤه بسبعة أيّام، فإن كان ممّا يأكل العلف كبشا و غيره أطعم ذلك، و إلاّ سقي من لبن ما يجوز شرب لبنه سبعة أيّام.

و لو شرب خمرا لم يحرم لحمه بل يغسل و يؤكل،(2) و لا يؤكل ما في جوفه، و قوّى ابن إدريس الكراهية(3).

ص: 633


1- . قال أبو هلال العسكري في التلخيص: 288: يقال للفأرة الغفّة، و أصل الغفّة القوت، و سمّيت الفأرة بذلك، لأنّها قوت السّنّور.
2- . في «أ»: و يطهر بالغسل و يؤكل.
3- . السرائر: 97/3.

و لو شرب بولا لم يحرم و غسل ما في بطنه و أكل.

و لو شرب لبن امرأة و اشتدّ، كره لحمه و لم يكن محظورا.

6238. الرابع:

لو وطئ الإنسان حيوانا حرم أكل لحمه و لحم نسله، و وجب إحراقه بالنار، فإن اشتبه بغيره، قسّمه قسمين، و أقرع و هكذا حتّى تبقى واحدة.

الثاني: في الطيور
اشارة

و فيه تسعة مباحث:

6239. الأوّل:

يحرم من الطيور كلّ ذي مخلاب قوي به على الطائر، كالبازيّ و الصقر و العقاب و الشاهين و الباشق، أو ضعف كالنسر و الحدأة(1) و الرخمة(2)و البغاث(3) و الغداف من الغربان، و هو الكبير الأسود الّذي يأكل الجيف، و يفرس، و يسكن الخربان، و كذا الأغبر الكبير الّذي يفرس و يصيد الدراج، و كذا الأبقع طويل الذنب، و أمّا الزّاغ و هو غراب الزّرع الصغير الأسود، ففيه قولان أقربهما الكراهية.

و يحرم الخفاش و الطاوس، و في الخطّاف روايتان.(4) و جزم ابن إدريس بتحريمه.(5)

ص: 634


1- . في مجمع البحرين: الحدأة: طائر خبيث.
2- . في المصباح المنير: 271/1: الرخمة: طائر يأكل العذرة و هو من الخبائث، و ليس من الصيد.
3- . في مجمع البحرين: البغاث - بالباء الموحّدة المثلّثة -: طائر أبيض، بطيء الطيران أصغر من الحدأة.
4- . الوسائل: 343/16، الباب 17 من أبواب الأطعمة المحرّمة، الحديث 1 و 2 (و الحديث الأوّل يدلّ على الحرمة و الثاني يدلّ على الحلّ).
5- . السرائر: 104/3.
6240. الثاني:

يحرم من الطير كلّ ما كان صفيفه أكثر من دفيفه، و لو تساويا، أو كان الدفيف أكثر حلّ، و يحرم أيضا ما ليس له قانصة و لا حوصلة و لا صيصيّة، و يحلّ ما وجد فيه أحدها ما لم ينصّ على تحريمه.

6241. الثالث:

يكره الهدهد و الفاختة، و القبّرة، و الحبارى، على رواية شاذّة(1) و الشّقرّاق - بكسر الشين و القاف -، و الصّرد و الصوّام - بضم الصاد - و هو أغبر اللون طويل الرقبة أكثر ما يبيت في النخل.

6242. الرابع:

الحمام كلّه حلال كالقماريّ، و الدباسيّ، و الورشان، و الحجل، و الدّرّاج، و القبج، و القطا، و الطيهوج، و الكروان، و الكركيّ، و كذا جميع الدجاج حبشيّا كان أو غير حبشيّ، و الصّعو(2)، و العصافير، و القنابر، و الزرازير.

6243. الخامس:

يعتبر في طير الماء ما يعتبر في طير المجهول، فإن غلب دفيفه، أو ساوى الصفيف، أو كان له قانصة أو حوصلة أو صيصيّة، حلّ، سواء كان يأكل السّمك أو لا، و إن لم يكن فيه شيء من ذلك كان حراما.

6244. السادس:

لو كان الطير جلاّلا، حرم حتّى يستبرأ، فالبطّة و شبهها بخمسة أيّام، و الدّجاجة و شبهها بثلاثة أيّام، و ما عدا ذلك يستبرأ بما يزيل حكم الجلل.

ص: 635


1- . و كذا في السرائر: 103/3، لاحظ الوسائل: 350/16، الباب 21 من أبواب الأطعمة المحرّمة، الحديث 1 و 2 و 3 - قال في الجواهر: 315/36 بعد نقل الروايات: و هي غير دالة على الكراهة بل لعلّ صحيح كردين دال على الندب. و قال في المسالك: 47/12: و أمّا الحبارى فما وقفت على ما يقتضي كراهتها، و في التحرير: «انّ به رواية شاذّة». ثم نقل الحديث الأوّل من الباب 21 من أبواب الأطعمة المحرمة و قال: و كأنّ نفي البأس يشعر بالكراهة.
2- . في «أ»: و الصّعوة.
6245. السابع:

يحرم الزنابير، و الذباب، و البقّ، و البراغيث، و غير ذلك من المستخبثات.

6246. الثامن:

البيض تابع، فكلّ طير يؤكل لحمه حلّ أكل بيضه، و يحرم بيض ما يحرم أكله، فإن اشتبه، أكل ما اختلف طرفاه، و اجتنب ما اتّفق.

6247. التاسع:

المجثّمة حرام، و هي الدّابّة أو الطير تجعل غرضا و ترمى بالنشّاب حتّى تموت، و كذا المصبورة، و هي الّتي تجرح و تحبس حتّى تموت.

الثالث: حيوان البحر
اشارة

و فيه خمسة مباحث:

6248. الأوّل:

إنما يحلّ من حيوان البحر السّمك الّذي له فلس خاصّة، و هو القشر، و يحرم ما عدا ذلك، سواء كان سمكا ليس له فلس أو لم يكن سمكا، و الجرّيّ بكسر الجيم حرام، و كذا الجرّيث، و في الزّمّار و المارماهي و الزّهو روايتان: إحداهما التحريم و هو قول ابن إدريس،(1) و الآخر الكراهية، و هو قول الشيخ رحمه اللّه(2).

و يحرم السّلحفاة و الضفادع و الرقاق(3) و السّرطان(4) و جميع حيوان

ص: 636


1- . السرائر: 99/3.
2- . النهاية: 576.
3- . قال أبو هلال العسكري في التلخيص: 392: السّلحفاة، بفتح اللام و سكون الحاء، و الجمع سلاحف، و هي فارسيّة معربة، و أصلها سولاح با؛ و في لسان العرب: 288/5: الرّقّ: ضرب من دوابّ الماء شبه التّمساح.
4- . قال في المسالك: 16/12: و السّرطان بفتح أوّله و ثانيه، و يسمّى عقرب الماء.

البحر، كخنزيره و كلبه، و ما عدا غير السمك ذي الفلس على ما تقدّم.

6249. الثاني:

يجوز أكل الكنعت(1) و الرّبيثا بفتح الراء، و الإربيان بكسر الألف، و هو أبيض كالدود و الجراد، و الطّمر - بكسر الطاء و تسكين الميم -، و الطّبراني - بفتح الطاء -، و الإبلامي - بكسر الهمزة -، لأنّها أسماك ذات فلوس.

6250. الثالث:

يحرم الجلاّل من السمك إلاّ بعد استبرائه يوما إلى الليل في ماء طاهر، يطعم شيئا طاهرا، و يحرم ما نضب(2) عنه الماء و مات قبل أخذه، و الطافي و هو ما يموت في الماء، سواء مات بسبب كضرب العلق(3) و حرارة الماء، أو بغير سبب، أو يموت في شبكة الصائد أو حظيرته.

و لو اختلط الميّت بالحيّ و لم يتميّز، فالصحيح تحريم الجميع.

و لو وجد سمكة على الساحل و لم يعلم أ ذكيّة أم ميتة، فليرمها في الماء، فإن طفت على ظهرها، فهي ميتة، و إن طفت على وجهها فهي ذكيّة.

6251. الرابع:

إذا شقّ جوف سمكة فوجد فيها أخرى، حلّت إن كانت ذات فلس، و إلاّ فلا، و اشترط ابن إدريس حياتها وقت الأخذ(4) و هو جيّد، أما لو شقّ جوف حيّة فوجد فيها سمكة ذات فلس، قال الشيخ: إن لم تكن منسلخة حلّ أكلها و إلاّ فلا(5) و قال ابن إدريس: إنّما تحلّ لو كانت حيّة، سواء انسلخت

ص: 637


1- . في مجمع البحرين: «الكنعد بالدال المهملة: ضرب من سمك البحر. و في السرائر: 99/3: و لا بأس بأكل الكنعت، و يقال أيضا: الكنعد، بالدال غير المعجمة.
2- . نضب الماء نضوبا من باب قعد: غار في الأرض. المصباح المنير: 316/2.
3- . العلق: دويبة حمراء تكون في الماء، تعلق بالبدن و تمصّ الدم. النهاية لابن الأثير: 290/3.
4- . السرائر: 100/3.
5- . النهاية: 576.

أو لم تنسلخ، و لو كانت ميتة فإنّها لا تحلّ على التقديرين(1) و هو جيّد.

6252. الخامس:

بيض السمك تابع، فما كان مباحا فبيضه مباح، و ما كان حراما فبيضه حرام، و لو اشتبه، أكل الخشن لا الأملس.

الفصل الثاني: في غير الحيوان
اشارة

فهو إمّا جامد أو مائع

النظر الأوّل: في الجامد
اشارة

و يحرم منه خمسة أشياء:

6253. الأوّل:

الأعيان النجسة إمّا بالذات كالعذرات، و إمّا بالامتزاج كالأعيان الطاهرة إذا عرض لها التنجيس بملاقاة النجاسة، فإن قبلت الطهارة حلّت بعد التطهير، و إلاّ فلا.

و لو باشر الكافر طعاما برطوبة، نجس و حرم استعماله، حربيّا كان أو ذميّا.

6254. الثاني:

الميتة و في حكمها كلّ ما أبين من حيّ يحرم أكله و استعماله و الاستصباح به مطلقا، أمّا الدهن إذا عرض له التنجيس فإنّه يجوز الاستصباح به تحت السماء خاصّة.

ص: 638


1- . السرائر: 100/3.

و يحلّ من الميتة ما لا تحلّ له الحياة، كالصوف، و الشعر، و الوبر، و الريش، بشرط الجزّ أو غسل موضع الاتّصال، و كالقرن، و العظم، و الظلف، و السّن، و البيض إن اكتسى القشر الأعلى، و الإنفحة مستثناة مما تحلّه الحياة من الميتة.

و سوّغ الشيخ رحمه اللّه استعمال لبس الميتة(1) للرّواية.(2) و الوجه المنع.

و لو امتزج الذكيّ بالميّت اجتنب الجميع حتّى يعلم الذكيّ منه، و لو بيع على مستحلّ الميتة، جاز مع قصد بيع الذكيّ، و الرواية الحسنة(3) دالّة على الإطلاق.

و لو وجد لحما لا يدري أ ذكيّ هو أو ميتة، قال الشيخ: يطرح في النار، فإن انقبض فهو ذكيّ و إن انبسط فهو ميتة للرواية.(4)

6255. الثالث:

يحرم من الذبائح تسعة أشياء: الدم، و الفرث، و القضيب، و الفرج ظاهره و باطنه، و الطحال، و الأنثيان، و المثانة، و المرارة، و المشيمة، و أضاف أكثر علمائنا(5) النخاع، و هو الخيط الأبيض الّذي ينظم الخرز ممتدّا من

ص: 639


1- . النهاية: 585.
2- . الوسائل: 365/16-366، الباب 33 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 3 و 9 و 10.
3- . الوسائل: 370/16، الباب 36 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 1 و 2.
4- . التهذيب: 48/9 برقم 200، و لاحظ الوسائل: 370/16، الباب 37 من أبواب الأطعمة المحرمة، ذيل الحديث الأوّل.
5- . منهم الشيخ في النهاية: 585، و ابن إدريس في السرائر: 111/3، و القاضي في المهذّب: 441/2.

الرقبة إلى الذّنب، و العلباء، و هي عصبتان عريضتان صفراوان، ممدودتان من الرقبة على الظهر إلى الذنب، و الغدد، و ذات الأشاجع، و هي أصول الأصابع الّتي تتّصل بعصب ظاهر الكفّ، و الحدق الّذي هو السواد، و الخرزة الّتي في وسط الدّماغ الّذي هو المخّ، و لونها يخالف لونه، و هي بقدر الحمّصة، إلى الغبرة ما يكون»(1).

و تكره الكلى، و أذنا القلب، و العروق، و إذا شوي الطّحال مثقوبا حرم ما تحته من اللحم و غيره، و لو كان اللحم فوقه، حلّ خاصّة، و لو لم يكن مثقوبا لم يحرم ما تحته.

6256. الرابع:

الطين، و كلّه حرام، طاهرا كان أو نجسا، و يجوز أكل الطين الأرمنيّ (2) للمنفعة، و كذا يجوز تناول قدر الحمّصة من تربة الحسين عليه السّلام للاستشفاء.

6257. الخامس:

السموم القاتلة قليلها، حرام، أمّا ما لا يقتل قليله و يقتل كثيره كالأفيون و السقمونيا و شحم الحنظل، فانّه يجوز تناول القليل الّذي يؤمن معه التلف، أمّا ما يخاف التّلف كالمثقال من السقمونيا، فإنّه يحرم استعماله، و كذا لو خيف تغيّر المزاج.

ص: 640


1- . هكذا أيضا في السرائر: 111/3، و في المسالك: 62/12 مكان تلك الجملة: «تميل إلى الغبرة».
2- . قال الشهيد الثاني رحمه اللّه: و هو طين مخصوص يجلب من إرمينية يترتّب عليه منافع، خصوصا في زمن الوباء و الإسهال و غيره ممّا هو مذكور في كتب الطبّ. المسالك: 69/12.
النظر الثاني: في المائعات
اشارة

و يحرم منها خمسة أشياء:

6258. الأوّل:

المسكرات أجمع، كالخمر، و النبيذ، و البتع و هو المتّخذ من العسل، و النقيع و هو المتّخذ من الزبيب، و المرز المتّخذ من الذّرة، و الفضيخ المتّخذ من التمر و البسر، و كلّ ما أسكر كثيره فالقليل منه حرام، و حكم الفقّاع حكم المسكر بالإجماع.

و يحرم العصير إذا غلى، بأن يصير أسفله أعلاه، سواء غلى من نفسه أو بالنار، فإن غلى بالنار و ذهب ثلثاه حلّ، و لا يحلّ لو ذهب أقلّ، و لو انقلب خلاًّ، حلّ الجميع مطلقا، و كذا الخمر يحلّ لو انقلب خلاًّ، سواء انقلب بعلاج أو بغير علاج، و إن كان العلاج مكروها، و لا فرق بين استهلاك(1) ما يعالج به أو لا، و لو عولج بنجاسة، أو بشيء نجس، أو باشره كافر لم يطهر بالانقلاب.

و لو ألقى في الخمر خلاًّ حتّى استهلكه الخلّ أو بالعكس، لم يحلّ و لم يطهر، و قول الشيخ رحمة اللّه: إذا وقع قليل خمر في خلّ لم يجز استعماله حتّى يصير ذلك الخمر خلاًّ،(2) ليس بجيّد.

و لا يعوّل على قول من يستحلّ شرب العصير مع الغليان في ذهاب ثلثيه(3) من المسلمين، و الوجه الكراهة، و يقبل قول من لا يستحلّ شربه إلاّ بعد ذهابهما فيه.

و بصاق شارب المسكر و غيره من النجاسات طاهر ما لم يكن متغيّرا بها، و كذا دمع المكتحل بالنجس طاهر ما لم يتلوّن به.

ص: 641


1- . في «أ»: بين استهلاكه.
2- . النهاية: 592-593.
3- . مقول قول من يستحلّ.

و أواني الخمر طاهرة بعد الاستظهار بالغسل حتّى يزول العين، سواء كانت خشبا، أو قرعا، أو خزفا غير مغضور، أو كانت مدهونة، و المنع الوارد(1)في ذلك [يحمل] على الكراهية.

و الذمّي إذا باع خمرا أو خنزيرا، ثمّ أسلم حلّ له قبض الثمن.

و لا يحرم شيء من الربوبات و الأشربة و إن شمّ منها رائحة المسكر، كربّ الرّمان و الأترج و السكنجبين و غيرها، لأنّه لا يسكر كثيره.

و يكره الإسلاف في العصير، و الاستشفاء بمياه الجبال الحارّة، و أكل ما باشره الجنب و الحائض المتّهمان، و ما يعالجه غير المتوقّي(2) من النّجاسات، و سقي الدّوابّ المسكر.

6259. الثاني:

الدّم المسفوح حرام نجس، سواء كان المذبوح مأكولا أو لم يكن، و غير المسفوح كدم الضفادع و البراغيث كذلك، إلاّ ما يستخلف في لحم المأكول المذكّى ممّا لا يدفعه الحيوان، فإنّه طاهر سائغ.

و لو وقع شيء من الدّم المسفوح في غيره حرم، و قيل: لو وقع يسير الدّم في قدر تغلي على النار، حلّ المرق إذا ذهب الدم بالغليان.(3) و ليس بمعتمد، و الحقّ تحريمه، و غسل اللحم و التوابل(4).

ص: 642


1- . لاحظ الوسائل: 1075/2، الباب 52 من أبواب النجاسات، الحديث 2؛ و التهذيب: 115/9 برقم 499.
2- . في «ب»: «غير المستولي» و هو مصحّف و الصّحيح ما في المتن.
3- . القائل هو الشيخ المفيد في المقنعة: 582، و الشيخ الطوسي في النهاية: 588.
4- . قال الفيومي في المصباح المنير: 90/1: التابل، بفتح الباء و قد تكسر، هو الابزار، و يقال: انّه معرب، يقال: توبلت القدر: إذا أصلحته بالتابل، و الجمع التوابل.

و لو وقع غير الدّم من النجاسات أريق المائع، و غسل الجامد إجماعا.

6260. الثالث:

البول، و هو حرام من كلّ حيوان يحرم أكله، كالكلب، و الخنزير، و الأسد، أو يحلّ أكله، كبول الشاة، و سوّغ بول الإبل خاصّة للاستشفاء، و قيل: يحلّ بول كلّ مأكول اللحم،(1) و ليس بمعتمد، و كذا يحرم المني و غيره من الأعيان النجسة.

و يحرم استعمال شعر الخنزير، فإن اضطرّ استعمل ما لا دسم فيه، و غسل يده.

و يجوز الاستقاء بجلد الميتة لغير الصلاة(2).

6261. الرابع:

لبن محرّم الأكل حرام، كلبن الهرّة و الذئبة، و يحلّ لبن كلّ مأكول اللحم، و يكره لبن مكروه اللّحم كالأتن، و ليس محرّما.

6262. الخامس:

كلّ مائع عرض له التنجيس بملاقاة النجاسة، حرام أكله، و لا يقبل التطهير، و يجوز الاستصباح بالدّهن النجس تحت السماء، و يحرم تحت الظّلال، لا لنجاسة الدخان، فإنّ دخان النجس طاهر،(3) و كذا ما أحالته النار من الأعيان النجسة إلى الرماد و الدخان.

و يجوز بيع الدهن النجس، و يجب الإعلام بالنجاسة.

ص: 643


1- . ذهب إليه السيد المرتضى في الانتصار: 424، المسألة 242، و ابن إدريس في السرائر: 3 / 125.
2- . قال الشيخ في النهاية: 587: و يجوز أن يعمل من جلود الميتة دلو يستقى به الماء لغير وضوء الصلاة و الشرب، و تجنّبه أفضل.
3- . لم يذكر وجه التحريم و لعلّه من باب التّعبّد كما صرّح به الشهيد في المسالك، لاحظ المسالك: 84/12.

و لو وقعت النجاسة في الجامد، كالسمن و الدّبس حال جمودهما، ألقيت النجاسة و ما يحيط بها، و حلّ الباقي.

و لو عجن الخمير(1) بماء نجس لم يطهر إلاّ أن يصير رمادا.

المطلب الثاني: في حال الاضطرار

اشارة

و فيه سبعة مباحث:

6263. الأوّل:

المضطرّ هو الّذي يخاف التلف أو المرض أو الضعف المؤدّي إلى التّخلّف عن الرّفقة مع خوف العطب بدونها، أو ضعف الركوب المؤدّي إلى ظنّ التّلف، و هذا يحلّ له تناول ما حكمنا بتحريمه، و لا يشترط أن يصبر حتّى يشرف على الموت، لعدم انتفاعه بالأكل حينئذ، ثمّ إذا جاز الأكل وجب.

و لا يترخّص الباغي، و هو الخارج على الإمام العادل، و قيل: طالب الميتة(2) و لا العادي و هو القاطع الطريق، و قيل الّذي يعدو شبعه(3).

6264. الثاني:

المأذون فيه للمضطرّ تناول ما يسدّ به الرّمق من المحرّمات، فلو تجاوز حرم إلاّ أن يكون في بادية و يخاف إن لم يشبع أن لا يتقوّى على المشي و يهلك، فيشبع، و يجب قصد الحفظ بالتناول، فلو قصد التنزّه حرم،

ص: 644


1- . و في الشرائع: «العجين» مكان «الخمير» لاحظ الشرائع: 226/3.
2- . القائل على ما في الجواهر: الحسن و قتادة و مجاهد. لاحظ جواهر الكلام: 428/36-429.
3- . نفس المصدر.

و الأقرب تسويغ التزوّد من الميتة، فإن وجد مضطرّا آخر لم يجز له بيعه عليه، فإن استويا في الضرورة، فهو أحقّ، و إلاّ وجب عليه دفع الفاضل عنه إلى المضطرّ.

6265. الثالث:

يباح الخمر لتسكين العطش، و للشيخ قولان(1) و لا يجوز التّداوي به و لا بشيء من المسكرات، سواء مازجها غيرها أو لا.

و لا يحلّ تناول الترياق للتّداوي، و يجوز عند الضرورة التّداوي بالمسكر مطلقا للعين.

6266. الرابع:

يباح للمضطرّ أكل كلّ حرام إلاّ ما فيه سفك دم معصوم، فليس له قتل ذمّي، و لا معاهد، و لا قتل عبد و ولده، و تحلّ له الميتة من الآدميّ و غيره مطلقا، و له قتل مباح الدّم كالمرتدّ و الزاني المحصن و إن كان ذلك منوطا بالإمام، و قتل الحربيّة و ولد الحربيّ.

و لو لم يجد إلاّ نفسه، قيل: يقطع من فخذه و شبهه،(2) و الوجه المنع.

6267. الخامس:

لو وجد خمرا و بولا، تناول البول.

و لو وجد طعام من ليس بمضطرّ و لا ثمن له، وجب على مالكه بذله و لا عوض له، و لو وجد الثمن، فإن طلب المالك ثمن مثله، وجب دفعه إليه، و لم تحلّ له الميتة، و لا يجب على صاحب الطعام بذله بدونه، و إن طلب

ص: 645


1- . احدهما الجواز، ذهب إليه في النهاية: 591-592، و الثاني عدم الجواز، و هو خيرته في المبسوط: 288/6.
2- . ذهب إليه بعض أصحاب الشافعيّ. لاحظ المغني لابن قدامة: 79/11.

أكثر، فالوجه وجوب الدفع مع حصوله، و قال الشيخ: لا تجب الزيادة(1).

و لو امتنع المالك من بذله بالأكثر من ثمن المثل، حلّ للمضطرّ قتاله، و كان دم المالك هدرا و دم المضطرّ مضمونا.

و لو كان قادرا على سلبه فاشتراه من المالك بأكثر من ثمن المثل، وجب عليه المسمّى على قولنا و هو ظاهر و على ما اختاره الشيخ أيضا، لأنّه صار مختارا.

6268. السادس:

لو وجد طعام الغير فله أخذه لكنّ الوجه أنّه يستأذن المالك أوّلا، فإن منعه قهره عليه، و لو أوجر المالك المضطرّ الطّعام، ففي استحقاق القيمة عليه إشكال.

و لو واطأه فاشتراه بأزيد من ثمن المثل كراهة لإراقة الدماء، قال الشيخ رحمه اللّه:

لا تلزمه الزيادة، لأنّه مكره في بذلها.(2)

6269. السابع:

لو وجد الميتة و طعام الغير، فإن بذل الغير طعامه بغير عوض أو بعوض مقدور عليه، لم تحلّ الميتة، و لو كان صاحب الطعام غائبا أو حاضرا و امتنع من بذله، و قوي على دفع المضطرّ أكل الميتة، و إن ضعف المالك عن المنع أكله المضطرّ و ضمن، و لا تحلّ له الميتة.

و الصّيد في حقّ المحرم كطعام الغير، و لو كان الصيد مذبوحا فهو أولى من الميتة، لعموم تحريم الميتة.

ص: 646


1- . المبسوط: 286/6.
2- . المبسوط: 286/6.
تتمّة:

لا يجوز تناول مال الغير إلاّ بإذنه، و يجوز مع عدم الإذن الأكل من بيت تضمّنته الآية(1) إلاّ إذا عرف منه الكراهية فيحرم عليه الأكل حينئذ، و ليس له أن يحمل منه شيئا و إن لم يعلم الكراهية.

و هل يحلّ أكل ما يمرّ به الإنسان من ثمر النخل و الزرع و الشجر؟ فيه روايتان.(2)

و يستحبّ للآكل غسل يده قبل الأكل و بعده، و مسح اليد بالمنديل، و التسمية عند الشروع، فإن تعدّدت الألوان سمّى عند تناول كلّ واحد منها، و إن قال بسم اللّه على أوّله و آخره، أجزأه، و الحمد عند الفراغ، و الأكل و الشرب باليمين اختيارا، و يكره باليسار إلاّ لضرورة.

و ينبغي أن يبدأ صاحب الطعام بالأكل و أن يكفّ أخيرا، و يبدأ بغسل يد من على يمينه، ثمّ يدور حتّى ينتهي إليه، و تجمع غسالة الأيدي في إناء واحد، فإذا فرغ استلقى على قفاه، و وضع رجله اليمنى على اليسرى، و التخلل، و لفظ فتات(3) الخبز، و البدأة بالصلاة إلاّ مع انتظار غيره له.

و يكره الاتّكاء عند الأكل، و التملّي، و ربما حرم، و الأكل على الشّبع،

ص: 647


1- . النور: 61.
2- . إحداهما تدلّ على الجواز، و الأخرى على المنع. لاحظ الوسائل: 14/13-15، الباب 8 من أبواب بيع الثمار.
3- . قال الطريحي في مجمع البحرين: فتات الشيء: ما تكسّر منه، فتّ الرجل الخبز فتا من باب قتل: كسره بالأصابع.

و الأكل ماشيا، و الشرب بنفس واحد، بل ينبغي أن يكون بثلاثة أنفاس، و الأكل من طعام لم يدع إليه، و قطع الخبز بالسكين، و الشرب من عروة الكوز و من ثلمته، و التخلل بعود ريحان أو قصب.

قال المحقّق: تمّ الجزء الرّابع من الكتاب - حسب تجزئتنا - و يتلوه الجزء الخامس أوّله كتاب الميراث.

و الحمد للّه أوّلا و آخرا و ظاهرا و باطنا و صلّى اللّه على سيّدنا محمد و آله الطيّبين الطاهرين.

ص: 648

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.