سرشناسه : علامه حلی ، حسن بن یوسف ، 648 - 726ق.
عنوان و نام پديدآور : تحریر الاحکام الشرعیه علی مذهب الامامیه / جمال الدین ابی منصور الحسن بن یوسف بن المطهر المعروف بالعلامه الحلی ؛ اشراف جعفر السبحانی ؛ تحقیق ابراهیم البهادری .
مشخصات نشر : قم : موسسه الامام الصادق (ع )، 1421ق . = 1379.
مشخصات ظاهری : 6ج.
شابک : دوره 964-6243-91-6 : ؛ ج. 1 964-6243-65-7 : ؛ 21000 ریال : ج. 2 964-6243-66-5 : ؛ ج. 3 964-6243-66-5 : ؛ ج. 4 964-357-003-7 : ؛ ج. 5 964-357-018-5 :
يادداشت : عربی .
يادداشت : ج. 1 و 2 (چاپ اول: 1420ق. = 1378).
يادداشت : ج . 4 (چاپ اول : 1421ق . = 1379).
يادداشت : ج . 5 (چاپ اول: 1422ق . = 1380) .
موضوع : فقه جعفری -- قرن 8ق.
شناسه افزوده : سبحانی تبریزی ، جعفر، 1308 - ، مترجم
شناسه افزوده : بهادری ، ابراهیم
رده بندی کنگره : BP182/3 /ع8ت3 1378
رده بندی دیویی : 297/342
شماره کتابشناسی ملی : م 78-24069
تنظیم متن دیجیتال میثم حیدری
ص: 1
ص: 2
ص: 3
بِسْمِ اللّٰهِ اَلرَّحْمٰنِ اَلرَّحِيمِ
وَ مٰا كٰانَ اَلْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لاٰ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طٰائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي اَلدِّينِ وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذٰا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ
التوبة: 122
ص: 4
كتاب الصلح
ص: 5
ص: 6
و فيه ثلاثة و ثلاثون بحثا:
و هو على أنواع:
صلح بين المسلمين و أهل الحرب، أو بين أهل العدل و البغي، و قد سلف.
و صلح بين الزوجين إذا خيف الشقاق بينهما، و سيأتي.
و صلح بين المختصمين في الأموال، و هذا الباب معقود له.
ليس فرعا على غيره، و هو لازم من الطرفين لا يبطل إلاّ بالتقايل، و قد أجمع العلماء كافّة على تسويغه ما لم يؤدّ إلى تحريم حلال، أو تحليل حرام، و لا خيار بعد انعقاده لأحدهما، سواء افترقا من المجلس أو لا، و إن اشتمل على المعاوضة، و لا يحتاج إلى شرائط البيع.
و قول الشيخ في الخلاف: إذا أتلف ما يساوي دينارا، فصالحه مع الإقرار على دينارين لم يصحّ ، و إلاّ كان بيعا للدينار بأزيد، فيكون ربا،(1) ضعيف(2) عندي.
و إنّما يقع الصلح على
ص: 7
الإنكار إذا اعتقد المدّعي حقّية قوله، و المدّعى عليه براءة ذمّته، فيجوز للمدّعي أخذ ما يصالحه عليه المنكر، سواء كان من جنس المدّعى، أو من غيره، و سواء زاد عن المدّعى، أو نقص، فإن وجد بالمأخوذ عيبا، كان له ردّه، و الرجوع في دعواه، فلو وجد الدافع بالمصالح عنه عيبا لم يرجع به على المدّعي.
و لو كان المأخوذ شقصا، أو المصالح عنه لم تثبت الشفعة فيه. و لو كان أحدهما كاذبا، كان الصلح باطلا في نفس الأمر، و لا يحلّ للمنكر ما أخذه بالصلح إذا دفع الأقلّ مع كذبه، و لا للمدّعي إذا كان مبطلا، و يحكم عليهما في الظاهر بالصحّة.
و لو ادّعى على رجل أمانة، كالوديعة، و المضاربة، أو مضمونا، كالقرض، و التفريط في الوديعة، فأنكر، جاز الصلح.
سواء اعترف للمدّعي بصحّة دعواه، أو لم يعترف، و سواء كان بإذنه، أو بغير إذنه، و سواء كان في دين، أو عين، ثم إن لم يأذن المنكر في الصلح، لم يكن للأجنبيّ الرجوع عليه بشيء، و لو أدّى بإذنه على إشكال.
و إن أذن في الصلح و الأداء، رجع عليه، و إن أذن في الصّلح خاصّة، لم يرجع مع الأداء تبرّعا، و هل يرجع مع نيّة الرجوع(1)؟ الوجه أنّه لا يرجع أيضا.
فإن لم يعترف للمدّعي بصحّة دعواه، فالوجه عدم الجواز، و إن اعترف له بالصحّة،
ص: 8
فإن كان المدّعى دينا صحّ ، و تكون الخصومة بين الأجنبيّ و المدّعى عليه، و إن كان عينا، و صدّقه على دعواه، صحّ الصلح، فإن قدر على انتزاعه، استقرّ الصلح، و إن عجز قال الشيخ: تخيّر بين فسخ الصلح و الإقامة عليه.(1)
و هو مقرّ لك بها باطنا و يجحد ظاهرا، فالوجه صحّة الصّلح، فإن صدّقه المدّعى عليه، ملك العين و رجع الأجنبي عليه بما أدّاه، إن كان أذن له في الدفع.
و لو أنكر الإذن، فالقول قوله مع يمينه، و إن أنكر التوكيل، فالقول قوله مع يمينه، و ليس للأجنبيّ الرجوع عليه، ثمّ إن كان الأجنبيّ صادقا في دعوى الوكالة، ملك المدّعى عليه العين بالصلح، و إن لم يكن صادقا، احتمل عدم الملك، و احتمل أن يقف على الإجازة.
أمّا لو قال: ملّكني، كان إقرارا له، و كذا لو قال: بعني، أو هبني، أو أبرئني منه، أو قبضته.(2)
كان الصلح باطلا، سواء كان بلفظ الصلح، أو الهبة، أو الإبراء، و سواء شرط في الهبة و الإبراء أداء الباقي، أو أطلق. أمّا لو اعترف له و صالحه من غير منع، كان جائزا، سواء صالحه بالبعض، أو بأكثر في غير الرّبوي، و في الرّبوي إشكال، أقربه الجواز.
ص: 9
و يجوز بغير الجنس أقلّ ، أو أكثر، و سواء كان الصلح عن دين أو عين.(1)
فإذا اعترف له بدنانير فصالحه على دراهم، أو بالعكس جاز، و لم يكن صرفا، و لا يعتبر فيه شروطه، و كذا لو صالحه بالجنس.
و لو اعترف له بعوض، فصالحه بثمن، أو بالعكس صحّ ، و لم يكن بيعا، و لا يلحقه أحكامه.
و لو صالحه على سكنى دار، أو خدمة عبد، أو على أن يعمل له عملا صحّ ، و لم يكن إجارة، فإن تلفت الدار أو العبد قبل استيفاء شيء من المنفعة، بطل الصلح، و إن كان في الأثناء، بطل فيما تخلّف من المدّة، و رجع بقسطه.
و لو ادّعي بعين فاعترف، ثمّ صالحه على أن يزوّجه أمته صحّ ، و لا بدّ من تجديد عقد النكاح و جعل المصالح عليه مهرا، فإن انفسخ النكاح بما يسقط المهر قبل الدخول، و قلنا يكون المصالح عليه مهرا، يرجع الزّوج به، و لو طلّقها قبل الدخول، رجع بنصفه.
و لو اعترفت بدعوى العين، و صالحته على أن تزوّجه نفسها فتزوّجته(2) بها صحّ ، و لو اعترفت بعيب في مبيعها، فصالحته على نكاحها فتزوّجته بالأرش صحّ ، فإن زال العيب، رجعت بأرشه لا بمهر المثل، و إن لم يزل، لكن انفسخ نكاحها بالمسقط للمهر، رجع [على] الزوجة بأرشه.
صحّ ، و لو شرط في الإبراء ذلك لم يصحّ ، و لو صالحه على أن يدفع إليه البعض
ص: 10
و يبرئه من الباقي صحّ ، و إن كان ربويّا، فإن خرج ما قبضه مستحقّا، ردّه إلى مستحقّه، و رجع على الدافع بعوضه، و ليس له الرجوع في الإبراء إلاّ إذا كان بعقد الصلح.
و إن شرطه في الهبة، و كذا يصحّ لو صالحه على بعضها، و يكون الباقي في حكم الموهوب، لكن لا تلحقه أحكام الهبة.
و كذا لو صالحه على بناء غرفة عليه، أو على سكناه سنة، و لا يكون ذلك عارية، بل يجب عليه الإسكان من غير عوض، و للشيخ هنا قول ضعيف(1).
و يتخيّر المشتري مع عدم علمه، و لو أعتقه صحّ أيضا، و لا يبطل الصلح، و يجب على العبد الخدمة، و لا يرجع بها على السيّد.
و لو وجده معيبا، عيبا تنقص الخدمة به، كان له فسخ الصلح، و لو صالح على العبد نفسه صحّ ، و لم يكن بيعا، فإن خرج به عيب، كان له الفسخ.
مدّعيا. أمّا لو ظهر عيب في أحد العوضين، فانّ الصلح لا يبطل من رأس، بل للمصالح فسخه.
سواء بدأ صلاحه أو لا، و سواء شرط القطع أو لا، أمّا لو صالحه عليه قبل خروجه من الأرض، ففي الصحّة إشكال، و لو كان في يد اثنين فاعترف له أحدهما فصالحه عليه، صحّ ، و إن لم يبد صلاحه، سواء شرط القطع أو لا، فإن شرط القطع قاسمه الشريك، و قطع نصيبه، و إلاّ تركه إلى وقت أخذه.
و لو كان الزرع لواحد، فاعترف له بنصفه، و صالحه بنصف الأرض، ليصير الزّرع كلّه لواحد و الأرض بينهما نصفين، صحّ بشرط القطع و بغيره.
و إن صالحه على جميع الأرض بشرط القطع ليسلّم الأرض فارغة جاز.
فإن صالحه على ذلك جاز، و لم يكن مكروها، أمّا لو صالحه عن المؤجّل ببعضه حالاّ، و كان ربويّا، فالوجه عندي الجواز.
و لو صالحه على ألف حالة بنصفها مؤجّلا، فالوجه عندي الصحّة و إن كان ربويّا، و كذا يجوز لو أبرأه من النصف لكن لا يلزم الأجل، فإن شرطه في الإبراء بطل الجميع.
و لو علمه أحدهما و كان أكثر، لم يجز إلاّ أن يعرّفه إيّاه.
و لو اختلط قفيز حنطة بقفيز شعير، و طحنا بيعا، و أخذ كلّ منهما بنسبة قيمة ماله، إلاّ أن يصطلحا.
ص: 12
و لو أتلف صبرة طعام و لم يعلما مقدارها، فباعه إيّاها بثمن، لم يصحّ ، و لو صالحه عليها به، جاز.
و إذا كان العوض ممّا لا يحتاج إلى تسليمه، و لا سبيل إلى معرفته، كالمتنازعين في مواريث مجهولة و حقوق متقدّمة، أو في أرض، أو عين من المال لا يعلم كلّ واحد حقّه منها، جاز الصلح مع الجهالة من الطرفين.
و إن كان ممّا يحتاج إلى تسليمه، وجب أن يكون معلوما، و إن أمكنهما معرفة ما يصالحان عليه، بأن يكون عينا موجودة، وجب العلم بها، و كذا لو كان من عليه الحقّ يعلمه، وجب أن يعرّف صاحبه.
سواء جاز بيعه، كالأعيان المملوكة، أو لا، كأرش الجناية، و دم العمد، و سكنى الدار، و عيب المبيع، و لو صالح عمّا يوجب القصاص بأكثر من ديته أو أقلّ جاز، و لو صالح عن الخطاء بأكثر من ديته من جنسها، و كان ربويّا، ففيه إشكال.
و لو أتلف شيئا، فصالح عنه بأكثر من قيمته من جنسها جاز، و للشيخ قول بالمنع(1) ضعيف، و لو صالح عن القيمة، فالوجه ما قاله الشيخ، و لا خلاف في الجواز لو صالحه من غير الجنس بالأكثر أو الأقلّ .
و يلزم الأجل، و عن كلّ من الحالّ و المؤجّل بمثله.
ص: 13
بطل الصلح، و رجع بأرش القصاص لا بقيمة العبد، و كذا لو خرج حرّا.
و لو صالح على دار، أو عبد(1) فوجد العوض مستحقّا أو معيبا، رجع في الدار و العبد إن كان باقيا، و بقيمته إن كان تالفا، و لو صالح على العيب بعبد فبان مستحقّا، أو حرّا، رجع بأرش العيب، و لو صالحه عن القصاص بحرّ يعلمان حرّيته، أو يعلمان أنّه مستحقّ ، رجع بالدّية.
مثل ان يصالح امرأة لتقرّ له بالزّوجية، و لو دفعت إليه عوضا ليكفّ عن هذه الدعوى، فالوجه عدم الجواز، فإن اصطلحا على ذلك، ثمّ ثبتت الزّوجية بالبيّنة، أو بإقرارها، كان النكاح باقيا.
و لو ادّعت أنّ زوجها طلّقها ثلاثا، فصالحها على مال لتنزل عن دعواها لم يجز، و لو دفعت إليه عوضا، ليقرّ بطلاقها لم يملكه، بخلاف ما لو بذلت عوضا ليطلّقها.
لم يجز، فإن أقرّ لزمه، و لو دفع المنكر مالا صلحا عن دعواه، ففي عدم الصحة إشكال.
و لو ادّعى على رجل مالا، فأنكر، فدفع إليه شيئا ليقرّ له به، لم يصحّ فإن أقرّ لزمه ما أقرّ به، و يردّ ما أخذه، و لو دفع المنكر مالا صلحا عن الدعوى، جاز.
أو صالح الزّاني و السارق و الشّارب بمال على أن لا يرفعه إلى السلطان، أو
ص: 14
صالحه عن القذف، لم يصحّ ، و لو صالح عن حقّ الشفعة، فالوجه الجواز.
مثل أن يقولا: ورثناها(1) أو ابتعناها صفقة، فأقرّ المتشبّث لأحدهما بنصفها، اشتركا فيه، فإن صالح المقرّ له عمّا أقرّ به، مضى الصلح فيه أجمع إن كان بإذن صاحبه، و إلاّ ففي قدر نصيبه، و هو الرّبع خاصّة.
و لو ادّعياها مطلقا من غير قيد يقتضي الشركة، فأقرّ لأحدهما، لم يشاركه الآخر، و لو أقرّ بها أجمع لأحدهما، فإن صدّق المقرّ له الآخر سلّم إليه النصف، سواء سبق تصديقه أو تأخّر، و لو لم يصدّق الآخر، كان الجميع له إن ادّعاه بعد الإقرار، و لا يسقط حقّه من الجميع بدعوى النصف أوّلا. و لو لم يدّع الجميع بعد الإقرار، و لا اعترف للآخر بالنصف، ثبت النصف للمقرّ له، و احتمل إبقاء النصف الآخر في يد المقرّ، و [احتمل] دفعه إلى الحاكم حتّى يثبت المدّعي، و [احتمل] دفعه إلى الآخر، و منعه الشيخ.(2)
حكم به لصاحب الحمل.
و لو تنازعا عبدا و لأحدهما عليه ثياب قضي به لهما.
و لو تنازع راكب الدّابة و قابض لجامها، قضي بها للراكب مع يمينه، و قيل: يستويان(3).
ص: 15
و لو تنازعا ثوبا في يد أحدهما أكثره، تساويا فيه.
و لو تداعيا غرفة على بيت أحدهما و بابها إلى غرفة الآخر، فهي لصاحب البيت مع اليمين.
و ليس للآخر الأخذ بالشفعة، سواء كان الإنكار مطلقا، أو قال: هذه لنا ورثناها جميعا عن أبينا أو أخينا.
و الرّبح و الخسران و النقد و النّسيئة و العروض(1) للآخر و يسلّم إليه صحّ ، و هي رواية الحلبي و الكناني الصحيحة عن الصادق عليه السلام(2).
أعطي مدّعيهما درهما و نصفا، و للآخر النصف الآخر، و لو كانا في يد مدّعيهما، حلف للآخر و كان الجميع له، و لو كانا في يد مدّعي أحدهما، حلف للآخر و أخذ درهما.
و اشترى بكلّ منهما ثوبا و امتزجا و لم يتميّزا، فإن خيّر أحدهما صاحبه، فقد انصفه، و إن ماكسا بيعا و قسّم الثمن على خمسة أجزاء، فأعطي صاحب العشرين خمسيه(3) و للآخر الباقي، و هي رواية إسحاق بن
ص: 16
عمّار عن الصادق عليه السلام.(1) قال ابن إدريس: و الأولى استعمال القرعة(2).
4042. التاسع و العشرون: إذا استودع لرجل دينارين و للآخر دينارا، و امتزج المال من غير تفريط، و ضاع منها(3) دينار
ففي رواية السكوني عن الصادق عليه السلام: يعطى صاحب الدينارين دينارا منهما، و يقسّم الآخر بينهما نصفين.(4) و في السكوني ضعف.
و الأولى عندي قسمة التالف على قدر رأس المالين، فيعطى صاحب الدينارين دينارا و ثلث دينار، و للآخر ثلثي دينار، و لو فرّط المستودع في المزج لزمه الدينار.
و على دين بمثله أو عين، و بالعكس.
ففي صحّته إشكال، و جوّزه ابن الجنيد بشرط التقابض، فإن عيّن حصّة كلّ واحد و إلاّ بسطت على الألف و قيمة المائة بالنسبة.
و سقط الأجل، فإن ظهر العوض مستحقّا أو معيبا فردّه، قال ابن الجنيد: كان لصاحب الدّين مطالبته بتوفيته إيّاه معجّلا، و ليس بمعتمد.
ص: 17
4046. الثالث و الثلاثون: لو صالح الوصيّ المدّعي(1) على الميّت بغير بيّنة،
قال ابن الجنيد: بطل الصلح، و الوجه تقييده بانتفاء المصلحة. و لو كان لليتيم مال و به بيّنة، فصالح عنه وصيّه، قال: لا يصحّ الصلح بالبعض، و لو لم تكن بيّنة، جاز الصلح. قال: و لو وجد الوصيّ ، أو اليتيم بيّنة بحقّه(2) انتقض الصلح(3) و هو أشكل من الأوّل.
و قد بقي في الصلح مسائل تتعلّق بالأملاك و أشباهها، تذكر في كتاب إحياء الموات إن شاء اللّه تعالى.
ص: 18
كتاب الوكالة
ص: 19
ص: 20
و فيه فصول
و فيه ستة عشر بحثا:
و هي جائزة بالنصّ و الإجماع، و تفتقر إلى الإيجاب و القبول.
فالأوّل: كلّ لفظ دل على الإذن، مثل: وكّلتك و استنبتك، أو افعل كذا، أو أذنت لك في فعله، و لو قال: وكّلتني، فقال: نعم أو أشار بذلك مع العجز، كفى في الإيجاب.
و القبول: كلّ لفظ، أو فعل يدلّ على الرضا بذلك، مثل: قبلت و ما شابهه من الألفاظ، و لو لم يقل لفظا، و فعل ما يدلّ على الرضا كالتصرف و فعل ما أمر به، كان قبولا صحيحا.
ص: 21
بل لو وكّل جاز أن يقبل على التراخي قولا و فعلا، سواء كان حاضرا أو غائبا.
فلو علّقت على شرط، أو صفة، بطلت، و لو قال: مهما عزلتك فأنت وكيلي، لم ينعقد بعد العزل، و لو نجّز الوكالة، و علّق التصرف صحّ ، و لم يجز للوكيل التصرّف قبل وجود المعلّق.
4050. الرابع: يجوز التوكيل بجعل(1) و بغير جعل،
فإن كانت بجعل استحقّه الوكيل بتسليم ما وكّل فيه إلى الموكّل إن كان ممّا يمكن تسليمه، فإن وكّله في عمل، كثوب ينسجه، أو يقصره، أو يخيطه، فمتى سلّمه إلى الموكّل معمولا، استحقّ الأجر، و إن كان في منزل الموكّل.
و إن وكّل في بيع، أو شراء، استحقّه مع العمل، و إن لم يقبض الثمن في البيع، إلاّ أن يجعل الأجر في مقابلة البيع و القبض.
فلو وكّله في كلّ قليل و كثير، أو في كلّ تصرّف يجوز له، أو في كلّ ماله التصرّف فيه، قال الشيخ: لا يجوز؛ لعظم الغرر فيه المقتضي للضرر(2) و لو قيل: بالجواز كان حسنا، و يكون تصرف الوكيل منوطا بالمصلحة.
و لو قال: اشتر لي ما شئت، قيل: لا يجوز، لأنّه قد يشتري ما لا يقدر على ثمنه(3) و لو قيل: بالجواز مع اعتبار المصلحة كان وجها، فحينئذ لا يشتري إلاّ بثمن
ص: 22
المثل فما دون، و لا يشتري ما لا يقدر الموكّل على ثمنه، و لا ما انتفت المصلحة فيه.
و لو قال: بع مالي كلّه جاز إجماعا، و كذا: اقبض ديوني كلّها.
و لو قال: بع ما شئت من مالي، أو من عبيدي، و اقبض ما شئت من ديوني جاز، و كذا: اقبض ديني كلّه و ما يتجدّد في المستقبل.
و لو قال: اشتر لي عبدا، أو ثوبا، و أطلق، قال الشيخ: لا يجوز للجهالة(1) و لو قال: تركيّا، أو هنديّا(2) جاز إجماعا، و الوجه عندي جواز الأوّل أيضا، و لا يشترط ذكر قدر الثمن، أطلق، أو قيّد، بل له أن يشتري بثمن المثل.
فللموكّل عزل وكيله متى شاء، و للوكيل عزل نفسه، سواء كان الموكّل حاضرا، أو غائبا، فإذا فسخ الوكيل، بطلت وكالته، و بطل تصرّفه بعد الفسخ، و افتقر في التصرّف بعد الفسخ إلى تجدّد عقد الوكالة.
و كذا الإغماء، و بفعل الموكّل متعلّق الوكالة، و تلفه كموت العبد الموكّل في بيعه، و المرأة الموكّل في طلاقها، و لا تبطل بالنّوم و إن طال زمانا، و لا بالسهو و إن كثر، و لا السكر، و لا بالفسوق المتجدّد، و إن كان في الإيجاب في عقد النكاح.
و لو حجر الحاكم على الموكّل، لسفه، أو فلس، بطلت الوكالة أيضا في أعيان أمواله، بخلاف ما لو حجر على الوكيل.
ص: 23
و لو حجر على الموكّل، لم تبطل الوكالة بما لا يتعلّق بالمال، كالخصومة، و الشراء في الذمّة، و الطلاق، و القصاص، و الخلع.
و لو كان وكيلا فيما يشترط فيه الأمانة، كوكيل وليّ اليتيم، و وليّ الوقف على الفقراء و نحوه، انعزل بفسقه و فسق موكّله.
و لو كان وكيلا لوكيل من يتصرّف في مال نفسه، انعزل بفسقه لا بفسق موكّله.
فإن لم يعلمه، بل أشهد على عزله، فإن كان مع إمكان الإعلام، لم ينعزل، و هل يجوز لشاهد العزل الشراء من الوكيل حينئذ؟ فيه نظر(1).
و إن كان مع تعذّره، فقولان، أجودهما عدم العزل، و اختار الشيخ في النهاية العزل(2)، فعلى ما اخترناه، متى تصرّف قبل علمه مضى تصرّفه، فلو اقتصّ ، وقع موقعه، و على قول الشيخ يكون قصاص الوكيل بعد العزل خطأ.
و لو مات الموكّل فقد انعزل الوكيل، سواء علم بموته أو لا، فكلّ تصرّف فعله بعد الموت، كان باطلا و إن لم يعلم بالموت.
كلبس الثوب، و ركوب الدابّة، لكنّه يضمن بالتعدّي، فإذا باعه صحّ البيع و يبرأ من الضمان بالتسليم إلى المشتري، و هل يزول الضمان بمجرّد العقد؟ فيه نظر، منشؤه انتقال العين إلى المشتري،(3) فإذا قبض الثمن من المشتري كان أمانة غير مضمون، و كذا لو وكّله
ص: 24
في شراء شيء، فتعدّى في الثمن، فإنّه يبرأ بتسليمه إلى البائع، و لا يضمن المبيع، و لو وجد بالمبيع عيبا فردّه المشتري عليه، أو وجد هو بما اشترى عيبا، فردّه و قبض الثمن، فالوجه عود الضمان.
أمّا لو وكّل عبده ثمّ أعتقه، أو باعه، فالأقرب انعزاله، و كذا لو وكّل عبد غيره بإذنه ثمّ بيع، أمّا لو أعتق، فالوجه بقاء وكالته، و كذا لو اشتراه الموكّل.
سواء كان ذميّا، أو مستأمنا، أو حربيّا، أو مرتدّا، و لو وكّل مسلما فارتد، لم تبطل وكالته، سواء لحق بدار الإسلام، أو أقام بدار الحرب، و سواء تاب عن ارتداده أو لا.
و لو ارتدّ الموكّل لم تبطل الوكالة أيضا، إن لم يكن عن فطرة، و إلاّ بطلت، و كذا التفصيل لو وكّل في حال ردّته.
بطلت الوكالة.
بطلت الوكالة على ما تقدّم، فلو دفع إليه دينارا و وكّله في الشراء به، فهلك، أو ضاع، أو استقرضه الوكيل و تصرّف فيه، بطلت الوكالة، سواء وكّله في الشراء بالعين، أو مطلقا و ينقد الدينار، فإن اشترى حينئذ، وقف على إجازة الموكّل.
و لو اشترى الوكيل بعين ماله لغيره شيئا، فالوجه الوقوف على الإجازة لا وقوع الشراء للوكيل.
ص: 25
وجب عليه الدفع إليه، و لا اعتبار بحضور ورثة الغائب إذا لم يثبت موته.
أو فسخت، أو بطلت، أو نقضت، أو لا تتصرّف، أو امتنع من التصرّف، و لو أنكر الوكالة فأقام الوكيل البيّنة تثبت، و لم يكن الإنكار عزلا فيما مضى قطعا، و في المستقبل إشكال.
و لو عزله الخصم لم ينعزل.
و فيه أحد عشر بحثا:
و كلّ ما جعل ذريعة إلى غرض لا يختص بالمباشرة، جاز التوكيل فيه.
و شرطه: أن يكون مملوكا للموكّل، فلو وكّله في طلاق امرأة سينكحها، أو بيع عبد يشتريه، لم يجز، و أن يكون ممّا تصحّ فيه النيابة.
و لا
ص: 26
يجوز أن يوضّئه غيره في محلّه إلاّ مع الضرورة، و يجوز أن يستعين.
و يجوز التوكيل في تطهير بدنه و ثوبه من النجاسة.
4065. الثالث: الصلاة لا تصحّ النيابة فيها، إلاّ في ركعتي الطواف مع العذر،(1)
و يجوز مطلقا بعد الموت عندنا، و إن لم يكن توكيلا حقيقيّا.
و يجوز أن يستنيب في إخراجها من ماله و من مال النائب، و يستنيب الفقراء و الإمام أيضا في التسليم.
و أمّا الاعتكاف فلا تدخله النيابة.
و كذا الشراء، و الرهن و قبضه.
و أمّا الحجر فيصحّ أن يوكّل الحاكم من ينوب عنه.
و كذا الحوالة، و الضمان، و الشركة، و الوكالة، و الإقرار على إشكال، و العارية، و القراض، و المساقاة، و المطالبة بالشفعة و أخذها، و الإجارة، و الاصطياد، و الاحتطاب، و الاحتشاش، و إحياء الموات على إشكال، و الجعالة، و المزارعة، و العطايا، و الهبات، و الوقف، و قبض
ص: 27
الحقوق و دفعها كالميراث و غيره، و القسمة، و الوصايا، و الودائع، و النكاح إيجابا و قبولا من الوليّ و الخاطب و المرأة، و الخلع، و الطلاق، و الرجعة، و استيفاء القصاص بحضرة الموكّل و غيبته، و قتال أهل البغي، و الجهاد، و استيفاء الحدود دون إثباتها، إلاّ حدّ القذف، و عقد الجزية، و تسليمها و قبضها، و الذبح، و عقد السبق و الرمي، و القضاء، و الدعوى، و إثبات الحجج و الحقوق، و القرض، و الصلح، و الإبراء.
و لا يشترط علم الوكيل بالقدر المبرئ عنه، و لا من عليه الدّين. و في اشتراط علم الموكّل نظر، و العتق و التدبير و الكتابة.
فإذا غصب الوكيل، كان هو الغاصب لا الموكّل، و لا الميراث، و لا القسم بين الزوجات، و لا الإيلاء، و لا الظّهار، و لا اللعان، و لا العدة، و لا الرضاع، و لا الجناية، و لا القسامة، و لا الأشربة، بل يجب الحدّ على الشارب لا الموكّل، و لا الأيمان و النذور، و العهود، و أمّا الشهادة، فإذا استناب كان شاهد فرع لا وكيلا، و لا الاستيلاد.
4073. الحادي عشر: جوّز الشيخ الوكالة في الإقرار،(1)
فإن عيّن الموكّل لم يلزمه ما يزيده الوكيل في الإقرار، و إن أطلق، لم ينفذ إقرار الوكيل (بالمعيّن)(2)، فإذا أقرّ بالمطلق، رجع في التفسير إلى الموكّل، و إن منعنا من الوكالة، ففي كونها إقرارا من الموكّل نظر، فإن قلنا به، لزمه - إن وكّله في الإقرار بالمعيّن - ما عيّنه، و في المطلق ما يعيّنه، و يجبر على التعيين.
ص: 28
و فيه أربعة عشر بحثا:
فكلّ من صحّ تصرّفه في شيء بنفسه، و كان ممّا تدخله النيابة، جاز أن يوكّل فيه، رجلا كان أو امرأة، حرّا، أو عبدا، مسلما، أو كافرا، فلو وكّل المجنون و السكران و المغمى عليه لم يصحّ .
و كذا لا تصحّ وكالة الصبيّ ، مميّزا كان أو غير مميّز، و لو بلغ عشرا جاز أن يوكّل فيما له فعله بنفسه، كالوصيّة في المعروف، و الصدقة و الطلاق على رواية(1)ممنوعة، و ليس له أن يوكّل في غير ذلك و إن كان مراهقا بإذن الوليّ أو بغير إذنه.
سواء كان مطبقا، أو أدوارا، و كذا الإغماء، و أمّا السكر العارض، فلا يبطل الوكالة.
كالأموال، و يجوز فيما له التصرّف فيه بنفسه، كالطلاق، و الخلع، و استيفاء القصاص.
ص: 29
و لا يكفي فيه الإذن في التجارة فيما لا يتعلّق بها.
أمّا المكاتب فله أن يوكّل فيما يتولّى بنفسه ممّا تصحّ فيه النيابة، و يجوز للقنّ أن يوكّل فيما يتولاّه بنفسه، من غير إذن السيّد، كالطلاق، و الخلع، فلو وكّله أجنبيّ في شراء نفسه من مولاه صحّ .
سواء منعه، أو أطلق، إلاّ إذا كان الوكيل ممّن يترفّع عن متعلّق الوكالة(1)، أو كان كثيرا منتشرا يعجز عنه بنفسه، فيجوز له أن يستنيب، و هل يجوز للعاجز من حيث الكثرة الاستنابة في الجميع ؟ أو يجب أن يقتصر على الزيادة الّتي عجز عنها؟ الأقرب الأخير.
و لو أذن له في التوكيل جاز بلا خلاف، و لو قال: وكّلتك فاصنع ما شئت، ففي جواز التوكيل نظر، أقربه ذلك.
فإن عيّن، لم يجز التعدّي، و إن أطلق، وجب أن يعيّن على أمين، فلو وكّل فاسقا لم يجز، و لو وكّل أمينا، فصار خائنا، وجب عليه عزله.
و وليّ النكاح يجوز أن يوكّل في تزويج مولّيته، سواء كان أبا، أو جدّا، أمّا الوكيل، فيقف على الإذن.
ص: 30
و كان الوكيل الثاني وكيلا للموكّل لا ينعزل بموت الوكيل الأوّل و لا عزله، و لا يملك الأوّل عزل الثاني.
و لو أذن له أن يوكّل لنفسه، جاز، و كان وكيلا للوكيل، ينعزل بموته و عزله إيّاه و موت الموكّل و عزل الأوّل.
و لو وكّل الأوّل من غير الإذن نطقا بل عرفا، كان الثاني وكيلا للوكيل.
يجوز له أن يوكّل فيما تحتاج التجارة إلى التوكيل فيه من غير إذن، و لا يجوز في غير ذلك.
و لا شراء الصيد.
فإذا وقع الطلاق بحضور الموكّل وقع، خلافا للشيخ.(1)
4087. الرابع عشر: يكره لذوي المروّات مباشرة الحكومة(2)،
و ينبغي لهم أن يوكّلوا فيها.
ص: 31
و فيه اثنا عشر بحثا:
فلا تصحّ استنابة الصبيّ و لا المجنون و المغمى عليه، فلو وكّل الصبيّ لم يصحّ تصرّفه، و إن كان يعقل ما يقول.
صحّ أن يكون وكيلا فيه.
و كذا الكافر و المرتدّ، و تجوز استنابة المحجور عليه لسفه، أو فلس في الأموال و غيرها.
كابتياع الصيد، و عقد النكاح.
و كذا في غيره من العقود و غيرها، و لا يجوز من دون الإذن.
و يجوز أن تكون وكيلة في عقد النكاح إيجابا و قبولا، و كذا يجوز أن تكون
ص: 32
وكيلة في طلاق غيرها، و الأقرب جواز توكيلها في طلاق نفسها، و نقل الشيخ خلافا عن بعض علمائنا في ذلك و قوّى المنع.(1)
فلا يجوز للكافر أن يتوكّل في نكاح المسلمة، قاله الشيخ(2). و الأقرب عندي الجواز، و لا الطفل و لا المجنون في الحقوق أجمع، إلاّ فيما يجوز للطفل إيقاعه مباشرة على ما قلنا في الرّواية(3) و لا يشترط عدالة الوليّ و لا الوكيل في النكاح.
و ليس له أن يتوكّل لغيره بغير جعل إلاّ مع الإذن.
فلو وكّل اثنين جاز، و ليس لأحدهما الانفراد بالتصرّف في الجميع و لا في البعض إلاّ أن يجعل له ذلك، و لو جعله لأحدهما لم يكن للآخر ذلك، و لو وكّلهما في حفظ ماله حفظاه في حرز لهما، و لو غاب أحد الوكيلين لم يكن للآخر التصرّف، و لا للحاكم ضمّ آخر إليه.
و لو ادّعى أحد الوكيلين الوكالة، أثبتها الحاكم، و سمع البيّنة منه، و إن كان الآخر غائبا، و لم يملك الحاضر التصرّف إلاّ مع حضور الغائب، و لا يحتاج مع حضوره إلى إعادة البيّنة.
و لو جحد الغائب الوكالة، أو عزل نفسه، لم يكن للآخر التصرّف.
و لو وكّلهما في الخصومة، لم يكن لأحدهما الانفراد بها، كغيرها من الحقوق.
ص: 33
و يكره أن يتوكّل للذمّي على المسلم، و ليس بمحرّم، خلافا للشيخ في بعض أقواله(1)و يتوكّل للذمّي على الذمّي، و للمسلم على الذمّي. و كذا يتوكّل الذمّي لمثله على مثله و للمسلم على الذمّي، و لا يجوز أن يتوكّل على المسلم لا لذمّي و لا لمسلم.
ذا بصيرة تامّة، عارفا باللغة الّتي تنازع بها.
و فيه اثنا عشر بحثا:
سواء كذبه الغريم أو صدّقه، و إنّما تثبت بإقرار الموكّل أو البيّنة، - و هي شاهدان عدلان - و لا تثبت بشهادة النساء منفردات، و إن كثرن، و لا بشهادة رجل و امرأتين، و لا بشاهد و يمين، و إن كانت الوكالة بمال.
لم تثبت الوكالة إن كان قبل الحكم بالوكالة، و إن كان بعده لم تؤثر شهادته في العزل، و لو شهد ثالث بالعزل، لم يلتفت إلى شهادته قبل الحكم و لا بعده إلاّ أن يشهد معه آخر به.
ص: 34
و لو شهدا بالوكالة، ثمّ شهدا بالعزل بعد أن وكّله، فإن كان على وجه الرجوع عن الشهادة، بطلت الوكالة، إن شهدا بالعزل قبل الحكم، و إن كان بعده، لم تبطل.
أمّا لو شهدا لا على جهة الرجوع، فإنّه يثبت العزل بشهادتهما.
فلو شهد أحدهما أنّه وكّله يوم الجمعة، و الآخر يوم السبت، أو شهد أحدهما أنّه وكّله بالعجميّة و الآخر بالعربيّة، أو شهد أحدهما أنّه قال: وكّلتك، و الآخر أنّه قال:
استنبتك، او أذنت لك في التصرّف، أو ما أشبهه من ألفاظ الوكالة، أو شهد أحدهما على عقد الوكالة، و الآخر على الإقرار بها، أو شهد أحدهما أنّه وكّله في بيع عبده، و شهد الآخر أنّه وكّله و زيدا، أو شهد أحدهما أنّه وكّله في بيعه، و الآخر أنّه قال: لا تبعه حتى تستأمرني أو تستأمر فلانا، لم تثبت الوكالة.
و لو شهد أحدهما أنّه أقرّ بتوكيله يوم الجمعة و الآخر أنّه أقرّ بتوكيله يوم السبت، أو شهد أحدهما أنّه أقرّ بالعجميّة، و الآخر انّه أقرّ بالعربيّة، أو قال أحدهما: أشهد أنّه وكّله، و قال الآخر: أشهد أنّه استنابه، أو أذن له في التصرّف، من غير حكاية لفظه، أو شهد أحدهما أنّه أقرّ أنّه وكيله، و الآخر أنّه أقرّ أنّه نائبه، أو وصيّه في حياته في التصرّف تثبت الوكالة.
و لو شهد أحدهما أنّه وكّله في بيع عبده، و الآخر في بيع عبده و جاريته، تثبت الوكالة في العبد(1)، و كذا لو شهد أحدهما أنّه وكّله في بيعه لزيد، و الآخر أنّه وكّله في بيعه لزيد و إن شاء لعمرو.
ص: 35
و لا يجوز للوكيل التصرّف بمجرّد الخبر، و إن شرط الضمان مع إنكار الموكّل، و كذا لا يثبت العزل بخبر الواحد، و إن كان رسولا.
و لو شهد اثنان بالوكالة على الغائب، فقال الوكيل: ما علمت هذا و أنا أتصرّف الآن جاز، لأنّ القبول لا يجب على الفور، و لا يشترط في الوكالة أيضا حضور الوكيل عقد الوكالة، و لا علمه به، فلا يضرّ جهله به، أمّا لو قال: لم أعلم صدق الشاهدين، لم تثبت وكالته، و إن قال: ما علمت، و سكت، طلب منه التفسير، فإن فسّر بالأوّل تثبت وكالته، و إن فسّر بالثاني بطلت.
و حكم على الغائب، و لو قال من عليه الحق: احلف أنّك تستحقّ مطالبتي، لم يجز.
و لو ادّعى العزل و أقام بذلك بيّنة، سمعت و انعزل، و إن لم يقم بيّنة، لم يكن له إحلاف الوكيل إلاّ أن يدّعي عليه العلم بالعزل، فيحلف على نفيه.
إذا كان من أهل الشهادة، و تقبل شهادته له فيما ليس وكيلا فيه.
و لو شهد بعد العزل بما كان وكيلا فيه، سمعت فيه شهادته إن لم يكن قد شرع في الخصومة عليه، أو كان قد أقامها و ردّت، و إن كان قد شرع أو أقامها لم تقبل.
لم تسمع لجرّ النفع ببقاء البضع لهما، و لو شهدا بعزل الوكيل عن الطلاق لم تقبل، لتهمة إبقاء المئونة.
ص: 36
و لو شهد له أبناء الموكّل، لم تقبل، و تقبل لو شهد له أبواه، و لو ادّعى وكالة الغائب، فادّعى الخصم العزل، و شهد له ابنا الغائب، لم تقبل.
و لو قبض الوكيل محضر الموكّل، و ادّعى عزله و بقاء الحقّ عند الغريم، و شهد له ابناه، قبلت.
و لو ادّعى مكاتب الوكالة(1) فشهد له سيّده لم تقبل، و لو شهد له ابنا سيّده قبلت، و لو أعتق، و أعاد السيّد الشهادة قبلت.
فلو شهد بوكالة شخص، لم يفتقر إلى البيّنة.
و لم يفتقر إلى حضور خصم للموكّل.
و لو ادّعى رجل مالا على غائب(2) في وجه وكيله، و أقام [المدّعي] بيّنة، حكم له بعد الإحلاف على إشكال، فإن حضر الغائب و أنكر الوكالة، أو ادّعى العزل، لم يؤثّر في الحكم.(3)
و لو شهد له أب الموكّل قبلت، و لو شهد له ابناه، لم تقبل إن أنكر الموكّل ذلك، و كذا لو كان غائبا أو ساكتا.
ص: 37
و فيه عشرون بحثا:
إذا لم تكن للمدّعي بيّنة، و لو قال: وكّلتك، و دفعت إليك مالا، فأنكر الوكيل الجميع، فالقول قوله، و كذا لو قال: وكّلتك فأنكر.
فإن صدّقت المرأة الوكيل لم ترجع عليه بشيء، و إلاّ رجعت عليه بالمهر كملا، اختاره ابن إدريس(1) و روي بنصفه(2).
و قيل: يحكم ببطلان العقد في الظاهر، فإن كان الوكيل صادقا، وجب على الموكّل أن يطلّقها و يسوق إليها نصف المهر(3) و فيه قوّة.
و لو ضمن الوكيل المهر، رجعت عليه به أجمع، و على الرّواية ينبغي أن يرجع بالنصف، و الأوّل أجود، لأنّ الفرقة لم تقع بإنكاره، فيكون النكاح باقيا(4)في الباطن، فيجب الجميع.
ثمّ إن صدّقت المرأة الوكيل في دعوى الوكالة، لم يجز لها أن تتزوّج
ص: 38
إلاّ بعد أن يطلّقها، و الوجه وجوب الطلاق على الموكّل، و به شهدت الرّواية.(1)
لم ترثه المرأة إلاّ أن يصدّقها الورثة، أو يثبت بالبيّنة.
ففي تقديم قول الموكّل إشكال.
فالنكاح الأوّل باق بحاله، فإن صدّقت المرأة الوكيل، فهل يرجع على الضامن أم لا؟ فيه نظر، أقربه الرجوع، و إن لم تصدّقه، لم ترجع عليه بشيء.
فإذا ادّعى إذنه في شراء الجارية بعشرين، و قال الموكّل: أذنت بعشرة، قدّم قول الموكّل مع عدم البيّنة، فإن كان الوكيل اشترى بعين مال الموكّل و ذكر الشراء له في العقد(2) رجعت الجارية إلى البائع.
و إن اشتراها بعين مال الموكّل إلاّ أنّه لم يذكره في العقد، فإن صدّقه البائع في أنّ الشراء بعين مال الموكّل، فالحكم ما تقدّم، و إن كذّبه، حلف على نفي العلم، فتسقط دعوى الوكيل و يلزمه البيع، و يغرم الوكيل الثمن للموكّل، فإن كان الوكيل كاذبا، فالسلعة للبائع، و على البائع ما قبضه من الثمن للوكيل، و إن
ص: 39
كان صادقا، فالسلعة للموكّل و لا تحلّ له، فإن أراد استحلالها، اشتراها ممّن هي له باطنا.
و إن اشترى في الذمّة و أطلق، لزمه البيع، و إن ذكر أنّ الشراء لموكّله، بطل البيع، و لا يلزم الوكيل.
و كلّ موضع قلنا: يبطل فيه البيع، ترجع الجارية إلى البائع، و كلّ موضع حكم بصحّته، ثبت الملك للوكيل ظاهرا، [و أمّا في الباطن] فإن كان كاذبا في نفس الأمر، ثبت له أيضا باطنا، و إن كان صادقا، فالملك باطنا للموكّل، فيأمره الحاكم بالبيع على الوكيل، بأن يقول: إن كنت أذنت لك، فقد بعتك بعشرين، و يقبل الوكيل، ليحلّ له الفرج، و ليس ذلك شرطا حقيقيّا، و إن كانت بصيغته.
فإن أجاب الموكّل إلى البيع، ثبت الملك للوكيل باطنا أيضا، و إن امتنع، لم يجبر، و حينئذ فالأولى أنّ الوكيل لا يستحلّ استمتاعها، و يجوز له بيعها و استيفاء دينه من الثمن، فإن كان وفق(1) حقّه، و إلاّ توصّل إلى ردّ الفاضل إلى الموكّل و استيفاء الناقص منه.
و لو تولّى الحاكم بيعها، كان جائزا.
أو قال: وكّلتك في البيع بألفين، فقال بل بألف، أو قال: وكّلتك في بيعه نقدا، قال:
بل نسيئة، أو قال: وكّلتك في شراء عبد، فقال: بل في شراء أمة، فالقول في ذلك كلّه قول الموكّل مع يمينه و عدم البيّنة، سواء كانت السلعة باقية أو تالفة.
ص: 40
و إذا قال: وكّلتني في شراء هذه الجارية، فقال: بل في غيرها، فالقول قول الموكّل، و الحكم فيه كما قلنا فيما إذا اختلفا في ثمنها.
فإن صدّقه الوكيل و المشتري، كان له انتزاعه مع بقائه ممّن شاء منهما، و إن كان تالفا، رجع بالقيمة على من شاء، فإن رجع على الوكيل، رجع الوكيل بها على المشتري، و ان رجع على المشتري، لم يرجع المشتري على الوكيل بشيء.
و إن كذّباه، فالقول قوله مع يمينه، و يرجع بالعين مع وجودها و بقيمتها على من شاء منهما مع تلفها، فإن رجع على المشتري، رجع المشتري على الوكيل بما أخذه منه أوّلا، و إن رجع على الوكيل، لم يكن للوكيل الرجوع على المشتري في الحال، فإذا حلّ الأجل رجع بأقلّ الأمرين من قيمته و الثمن المسمّى.
و لو صدّقه أحدهما، كان له الرجوع على من صدّقه بغير يمين، و الحكم في المكذّب على ما تقدّم. و لو أنكر المشتري كون الوكيل وكيلا في البيع، و إنّما المبتاع(1) ملكه، فالقول قوله مع يمينه.
سواء ادّعى تلفه بسبب خفيّ ، أو ظاهر كالحريق، و كذا كلّ من في يده أمانة كالأب، و الجدّ و الوصيّ ، و الحاكم، و أمينه و المودع، و الشريك، و المضارب، و المرتهن، و المستأجر.
ص: 41
فالقول قوله مع يمينه، فإذا حلف فلا ضمان عليه، سواء كان التالف المتاع المأمور ببيعه، أو ثمنه، و سواء كان بجعل، أو غيره.
و لو باع الوكيل، و تلف الثمن في يده من غير تفريط، ثمّ استحقّت العين، رجع المشتري على المالك لا الوكيل.
فيقول الوكيل: بعت، أو قبضت الثمن فتلف، و يقول الموكّل: لم تبع أو لم تقبض، احتمل تقديم قول الوكيل، لإقراره بما له أن يفعله، و احتمل تقديم قول الموكّل، لإقرار الوكيل هنا على الموكّل، فلم يقبل، كما لو أقرّ عليه، و قوّى الشيخ الأوّل(1) و عندي فيه تردّد.
4123. الثاني عشر: إذا وكّله في الشراء(2) فقال: اشتريته بمائة، فقال الموكّل بخمسين، و هو يساوي المائة،
4123. الثاني عشر: إذا وكّله في الشراء(2) فقال: اشتريته بمائة، فقال الموكّل بخمسين، و هو(3) يساوي المائة،
فالقول قول الوكيل على ما اختاره الشيخ(4) و إن كان الشراء في الذمّة، و يحتمل تقديم قول الموكّل على ما تقدّم، و إن كان الشراء بالعين.
قال الشيخ: إن كان بغير جعل، فالقول قوله مع اليمين، و إن كان بجعل، فالقول قول الموكّل (مطلقا).(5) و لو قيل: إنّ القول قول الموكّل مطلقا كان حسنا، و كذا الوصيّ إذا ادّعى
ص: 42
الردّ على اليتيم، أو الأب، أو الجدّ، أو الحاكم و أمينه، و الشريك، و المضارب، و من حصل في يده ضالّة، أمّا إذا ادّعى الوصيّ أو الوليّ الإنفاق على الطفل، فالقول قوله مع اليمين، و لا فرق بين أن يدّعي الوكيل ردّ العين أو الثمن.
و لو أنكر الوكيل قبض المال، ثمّ ثبت ذلك ببيّنة، أو اعتراف، فادّعى الردّ، أو التلف، لم يقبل قوله، و لو أقام بيّنة بالردّ أو التلف، فالأقرب عدم القبول، أمّا لو قال: لا تستحقّ عليّ شيئا، أو ليس لك عندي أو قبلي شيء، فإنّه تقبل بيّنته، و تسمع دعواه.
فإن كان الوكيل ذكر الشراء له، بطل البيع مع يمين المنكر، و إن لم يذكره، قضي عليه بالثمن، فإن كان الوكيل صادقا، توصّل إلى بيع المتاع، كما تقدّم، و إن كان كاذبا، وقع الشراء له باطنا و ظاهرا.
أو قال:
ابتعت لنفسي، فقال: بل لي، فالقول قول الوكيل مع اليمين، و لو اشترى لموكّله قيل: يتخيّر البائع بين مطالبة الوكيل و الموكّل، و الوجه مطالبة الوكيل مع جهل البائع بالوكالة، و الموكّل مع العلم.
و لو قال: عزلك، أو أبرأني، أو قضيته، فإن ادّعى العلم على الوكيل، توجّهت اليمين عليه، و إلاّ فلا، و لو صدّقه، بطلت وكالته.
فالأقرب أنّ القول قول الموكّل على إشكال، و لو أمره ببيع
ص: 43
سلعة و تسليمها و قبض ثمنها، فتلفت من غير تفريط، فأقرّ الوكيل بالقبض، و صدّقه المشتري، و أنكر الموكّل، فالقول قول الوكيل، لأنّ الدعوى عليه، حيث سلّم المبيع و لم يقبض الثمن، و لو ظهر في المبيع عيب، ردّه على الوكيل، و لو قيل بردّه على الموكّل، كان أقرب.
4129. الثامن عشر: لو وكّله في قضاء دينه(1) فادعاه، و أنكر الغريم، فالقول قوله مع يمينه،
و يطالب الموكّل، ثمّ الوكيل إن كان قد قضاه بحضرة الموكّل، لم يرجع الموكّل عليه بشيء، و كذا إن لم يكن بحضرته لكن أشهد عليه شاهدين، ماتا، أو غابا، أو كان ظاهرهما العدالة، ثمّ ظهر فسقهما، و إن لم يشهد عليه، كان له الرجوع، سواء صدّقه الموكّل و أمره بالإشهاد أو لم يأمره، أو كذّبه، لتفريطه بترك الإشهاد، و إن لم يأمره، أمّا لو أذن في القضاء بغير إشهاد، أو اعترف الغريم، فلا ضمان.
و لو قال الوكيل: قضيت بحضرتك، أو قال: أذنت لي في قضائه بغير بيّنة، أو قال: أشهدت شاهدين ماتا، فأنكره الموكّل، فالقول قول الموكّل مع اليمين، و يحتمل تقديم قول الوكيل.
و لو دفع إلى الوكيل عينا ليودعها عند فلان، فأنكر المستودع، فالقول قوله مع اليمين، ثمّ الوكيل إن كان أودع بحضرة الموكّل لم يضمن، و إن كان بغيبته، احتمل عدم الرجوع، و قوّاه الشيخ(2) و ثبوته للتفريط بترك الإشهاد.
و لو اعترف المستودع، فإن كانت العين باقية، كان للموكّل استعادتها، أو
ص: 44
إبقاؤها، و إن كانت تالفة لم يضمنها المستودع، و في تضمين الوكيل إشكال، أقربه العدم.
و حينئذ يكون القول قول الوكيل مع يمينه و عدم البيّنة، و يستحقّ الجعل إن كان شرط له، و لو نكل، حلف الموكّل و يثبت الخيانة، و قاصّه،(1) فإذا كان له جعل على البيع، كان له المطالبة به من قبل أن يتسلّم الموكّل الثمن.
و لو قال: وكّلتك في بيع مالي، فإذا سلّمت الثمن إليّ فلك كذا، استحق الجعل بعد التسليم.
فإن أقام بيّنة، انتزعه، و إن لم يقم بيّنة، و أنكر الغريم لم يتوجّه عليه اليمين، و إن ادّعى عليه العلم، سواء كان الحقّ دينا، أو عينا، كالوديعة و شبهها، و لو صدّقه لم يؤمر بالتسليم إليه في الدين و العين معا على إشكال في الدين.
فإن دفع إليه مع التصديق أو عدمه، و صدّقه الموكّل برئ الدافع، و إن كذّبه، فالقول قوله مع اليمين، فإن كان الحقّ عينا موجودة في يد الوكيل، كان له أخذها، و له مطالبة من شاء بردّها، فإن طالب الدافع، فللدافع مطالبة الوكيل.
و إن تلفت العين، أو تعذّر ردّها، رجع صاحبها على من شاء (بردّها)(2)و على أيهما رجع، لم يكن للمأخوذ منه مطالبة الآخر إلاّ أن يكون الدافع دفع
ص: 45
العين إلى الوكيل من غير تصديقه في الوكالة، فحينئذ إن رجع المالك عليه، رجع هو على الوكيل، و كذا لو صدّقه، و تعدّى الوكيل، أو فرّط، استقرّ الضمان عليه، فإن رجع على الدافع، رجع الدافع على الوكيل لتفريطه دون العكس.
و لو كان الحقّ دينا، لم يكن للمالك الرجوع على الوكيل و إن كذّبه، بل يرجع على الدافع خاصّة، و يرجع الدافع بما أخذه الوكيل(1) و يكون قصاصا بما أخذ منه صاحب الحق.
و إن كان قد تلف في يد الوكيل، لم يرجع الدافع عليه إن كان قد صدّقه أوّلا و لم يفرّط، و لو تلف بتفريط، أو لم يكن قد صدّقه الدافع، رجع عليه.
و لو جاء رجل و ادّعى أنّه وارث صاحب الحقّ (خاصّة)(2) و أنّه قد مات، فأنكر من عليه الحقّ ، لزمه اليمين على نفي العلم، و كذا يلزم اليمين في كلّ موضع لو أقرّ لزمه الدّفع، و لو صدّقه، لزمه الدفع إليه في العين و الدين إجماعا.
و لو ادّعى أنّ صاحب الحقّ أحاله عليه، فصدّقه، فالوجه وجوب الدفع إليه، و لو كذّبه، توجّهت عليه اليمين.
ص: 46
و فيه سبعة و ثلاثون بحثا:
سواء كان الموكّل غائبا، أو حاضرا، صحيحا، أو مريضا، و ليس للخصم أن يمتنع من مخاصمة الوكيل، و إن كان الموكّل حاضرا.
سواء كان قصاصا، أو حدّ قذف، أو غيرهما، و كذا يجوز للوكيل في الطلاق و إيقاعه، و إن كان الموكّل حاضرا، خلافا للشيخ(1).
فإن وكّله عامّا، قام مقامه في جميع الأشياء، و إن كان خاصّا، فكذلك فيما عيّنه من غير تعدّ.(2)
و على التقديرين انّما يمضى تصرّف الوكيل مع اعتبار المصلحة للموكّل، و لا يملك الوكيل من التصرّف إلاّ ما يقتضيه إذن موكّله من جهة النطق، أو العرف، و لو وكّله في التصرّف في زمن معيّن، لم يملك(3) التصرّف في غيره.
فإن فعل، وقف تصرّفه
ص: 47
على الإجازة مع تعلّق الغرض بالتخصيص، فلو عيّن له السوق الّتي يبيع فيها، فباع في غيرها بذلك الثمن، أو أزيد، قال الشيخ: يصحّ (1) و الوجه إن كان للموكّل غرض في التخصيص، بأن يكون السوق معروفا بجودة النقد، أو كثرة الثمن، أو حلّه، أو صلاح أهله، أو المودّة(2) بين المالك و بينهم، وقف على الإجازة مع التعدّي، و إلاّ فالوجه ما قاله الشيخ.
و لو عيّن له المشتري، لم يجز له بيعه على غيره بذلك الثمن أو أزيد.
ثمّ إن كان قد اشترى بالعين(3)، فالوجه وقوفه على الإجازة، و لو قيل: بالبطلان(4)و كان قد ذكر الموكّل في العقد، أو صدّقه البائع، أو أقام بيّنة، لم يلزم الوكيل البيع، و ردّ البائع ما أخذه.
و إن لم يذكره، و لم يصدّقه، و لا بيّنة هناك، حلف البائع على انتفاء العلم، و لم يلزمه ردّ شيء.
و كذا لو ادّعى البائع أنّه باع مال غيره بغير إذنه، فالقول قول المشتري في الملكيّة للبائع لا في إذن الغير، و كذا القول قول البائع لو ادّعى المشتري أنّه باع مال غيره بغير إذنه، و قال البائع: بل ملكي أو ملك موكّلي.
و لو اتّفق البائع و المشتري على ما يبطل البيع و قال الموكّل: بل البيع صحيح، فالقول قوله مع اليمين، و لا يلزمه ردّ ما أخذه عوضا.
ص: 48
و إن كان الشراء في الذمّة، ثمّ نقد العين، فإن أطلق، لزمه البيع دون الموكّل، و إن ذكر الشراء للموكّل، بطل في حقّ الوكيل، و الوجه أنّ الموكّل إن أجازه، لزمه، و إلاّ بطل في حقّه أيضا، و كذا كلّ من اشترى شيئا في ذمّته لغيره بغير إذنه سواء كان وكيلا لذلك الغير أو لا.
و لو وكّله في تزويج امرأة، فزوّجه غيرها، فالوجه وقوف العقد على الإجازة، فإن أجازه لزمه، و إلاّ فلا، لكن يجب على الوكيل نصف المهر كما قلناه أوّلا.
و كذا لو قال:
اسلفه فيه، و انصرف إلى الحنطة، فإن أسلف في الشعير لم يجز.
و لو قال: اشتر لي خبزا، انصرف إلى المعتاد في موضعه، فلا ينصرف في بغداد إلى الأرز، و إن كان حقيقة فيه قضى للعادة.
إذا ثبت هذا، فإذا سلّم الوكيل الثمن إلى البائع برئ من الدّين، و إذا قبض الطعام كان أمانة في يده.
و لو لم يكن عليه دين، فقال: أسلف ألفا من مالك في كرّ طعام قرضا عليّ ، ففعل، فالأقرب الصحّة، فإذا أدّاها، كانت دينا على الآمر.
و كذا لو قال: اشتر به عبدا، سواء عيّنه أو لم يعيّنه، و كذا لو قال: أسلف ألفا في كرّ، و اقض الثمن عنّي من مالك، أو من الدّين الّذي لي عليك، صحّ ، و لو لم يسمّ الوكيل الموكّل، ثمّ قال: أسلمت لنفسي، و قال الموكّل: لي، فالقول قول الوكيل مع يمينه، و يدفع الألف إلى الموكّل.
ص: 49
و لو اتّفقا على الإطلاق من غير قصد له أو لموكّله، فالوجه أنّه للوكيل.
و لا يملك الصحيح أيضا.(1)
سواء عقد على البعض الآخر أو لا، إلاّ أن يأذن في تعدّد الصفقة، و كذا لو وكّله في بيعه.
و لو وكّله في شراء عبيد، و أطلق، ملك العقد جملة، و واحدا واحدا، و كذا لو أذن في بيعهم على إشكال، أمّا لو نصّ على التعيين في البيع أو الشراء، فإنّه لا يجوز له المخالفة.
و لو قال: اشتر [لي] عبدين صفقة، فاشترى عبدين لاثنين شركة بينهما، أو لكلّ منهما عبد منفرد من وكيلهما، أو من أحدهما، و أجاز الآخر صحّ ، و لو اشتراهما منهما صفقتين لم يجز، و إن قبل بلفظ واحد منهما، و يقع للوكيل إن لم يذكر الموكّل.
و لو أمره أن يشتري في الذمّة، لم يكن له أن يشتري بالعين، و لو أطلق انصرف إلى الشراء بهما.
و كذا الشراء، و لو كان في البلد نقدان، باع بأغلبهما، فإن تساويا، باع بما شاء منهما.
ص: 50
و لو عيّن النقد أو النسيئة لم يجز المخالفة، فلو أمره بالبيع نقدا، فباع نسيئة لم يجز، و كذا لو أمره بالبيع نسيئة فباع نقدا بثمن المثل، أو بما عيّنه المالك أو بأزيد منهما إن تعلّق بالتأجيل غرض صحيح، و إلاّ جاز.
و لو وكّله في الشراء نسيئة، فاشترى نقدا، لم يلزم الموكّل، و لو أذن في الشراء نقدا، فاشترى نسيئة بالثمن الّذي قدّره، أو أقلّ ، فالوجه الوقوف على الإجازة مع حصول الغرض و إلاّ صحّ مطلقا.
بل يقف على الإجازة، و كذا الشراء، و لو أطلق له البيع، انصرف إلى البيع بثمن المثل لأيّهما شاء، و كذا لو أذن في الشراء اقتضى أن يشتري بثمن المثل، و للشيخ قول بأنّ الوكيل يضمن تمام ما حلف عليه المالك، و يمضى البيع(1).
فعلى هذا لو أطلق، فباع بدون ثمن المثل، لزم الوكيل الباقي من ثمن المثل، و هل يضمن الوكيل التفاوت بين ما باعه به، و بين ثمن المثل، أو بين ما يتغابن النّاس به، و ما لا يتغابن ؟ الأقرب الأوّل، و هذا كلّه على قول الشيخ.
أمّا على ما اخترناه نحن أوّلا فلا، و لو قدّر له الثمن، لم يكن له بيعه بأقلّ منه، و إن كان يسيرا، و لو لم يقدّر فباع بدون ثمن المثل بما يتغابن الناس بمثله، فالوجه الصحّة.
و لو حضر من يشتري بأزيد من ثمن المثل، لم يجز للوكيل بيعه بثمن المثل على الدافع و لا على غيره، و لو باعه بثمن المثل، فجاء من يزيد عليه في مدّة الخيار للوكيل، فالوجه أنّه لا يجب عليه الفسخ.
ص: 51
سواء كانت الزيادة من جنس الثمن، أو لا، أمّا لو كان الثمن أو بعضه من غير جنس الثمن، افتقر إلى الإذن، فإن أمضاه، و إلاّ فسخ، و لو باع بأقلّ ، وقف على الإجازة.
و لو ادّعى الوكيل الإذن به، فأنكر المالك، فالقول قوله مع يمينه، ثمّ تستعاد العين إن كانت باقية، و مثلها أو قيمتها إن كانت تالفة، فإن تصادق الوكيل و المشتري على الثمن، و دفع الوكيل السلعة إلى المشتري، و تلفت في يده، رجع الموكّل على من شاء منهما، لكن إن رجع على المشتري، لم يرجع المشتري على الوكيل، و إن رجع على الوكيل، رجع الوكيل على المشتري بأقلّ الأمرين من ثمنه و ما اغترمه.
فالأقرب ثبوت الخيار للمالك بين الإجازة و الفسخ، مع قرب القول باللّزوم، فحينئذ يجوز له بمجرّد الوكالة الأولى بيع الباقي من العين ظاهرا.
و كذا لو وكّله في بيع عبدين بمائة، فباع أحدهما به، أمّا لو أمره ببيع عبده بمائة، فباع بعضه بأقلّ ، لم يلزم إجماعا.
و لو وكّله مطلقا، فباع بعضه بأقلّ من ثمن المثل لم يجز.
إلاّ أن يقول: لا تشتر بأقلّ ، فمتى اشتراه بالأقلّ بطل.
و لو قال: اشتره بمائة و لا تشتر بخمسين، لم يكن له شراؤه بخمسين،
ص: 52
و له أن يشتريه بأزيد من الخمسين، و أقلّ من المائة، و الأقرب أنّه يجوز أن يشتريه بأقلّ من الخمسين.
و لو قال: اشتره بمائة دينار، فاشتراه بمائة درهم، فالأقرب الوقوف على الإجازة.
و لو قال: اشتر نصفه بمائة، فاشتراه أجمع أو أكثر من النصف بها، صحّ البيع.
و لو قال: اشتر نصفه بمائة و لا تشتر الجميع، فاشترى أكثر من النصف و أقلّ من الجميع بالمائة، جاز كما تقدّم.
و إن خالف في الصفة، و اشتراه بأكثر منها، لم يلزم الموكّل، و لو اشترى ما هو بأزيد من تلك الصفة بالمائة أو أقلّ جاز، و لو اشترى ما دون الصفة بالمائة أو أقلّ لم يجز.
و لو قال: اشتر لي عبدا بمائة، فاشترى عبدا يساوي مائة بها أو بدونها جاز، و لو كان لا يساوي مائة لم يجز، و لو كان يساوي أكثر، و اشتراه بها جاز، و إن اشتراه بأكثر، لم يجز.
و إن ساويا المائة،(1) و إن ساوى كلّ واحد أو أحدهما المائة جاز، و لزم الموكّل، و لا يلزم أحدهما بالنصف، و يتخيّر في إمساك الآخر بالباقي، أو يردّه، و يرجع على الوكيل بالنصف،
ص: 53
و لا يلزمه أحدهما، و يلزم الوكيل الآخر، و يرجع الموكّل عليه بالنصف.
و لو باع الوكيل أحد العبدين بمائة، وقف على إجازة الموكّل، و لو كان وكيلا مطلقا، لزم البيع، و حديث(1) عروة البارقي(2) محمول على أحد هذين.
فلا يملك شراء المعيب، فإن اشترى المعيب لم يلزم الموكّل، و لو لم يعلم بالعيب، كان للوكيل الردّ مع العلم، و للموكّل أيضا، فإن رضي قبل ردّ الوكيل، لم ينفذ الردّ.
و لو قال البائع للوكيل: اصبر بالردّ حتّى يحضر الموكّل لم تلزمه الإجابة، فإن أخّره على ذلك ثمّ حضر الموكّل فلم يرض به، لم يسقط ردّه، و إن قلنا بثبوت الردّ على الفور.
و لو ادّعى البائع علم الموكّل و رضاه، افتقر إلى البيّنة، فإن فقدت، لم تتوجّه اليمين على الوكيل إلاّ أن يدّعي العلم، فيحلف على نفيه.
فإن ردّ الوكيل، و حضر الموكّل، و اعترف بقول البائع، أو قامت به البيّنة، بطل الردّ، و يسترجعه الموكّل، و للبائع ردّه عليه إن لم يشترط في عزل الوكيل علمه و إلاّ فلا على إشكال.
ص: 54
و لو رضيه الوكيل، كان للموكّل بعد حضوره الردّ، إلاّ أن ينكر البائع الشراء للموكّل، و لا بيّنة، فيحلف و يسقط ردّ الموكّل.
و لو أمره بشراء سلعة بعينها، فاشتراها ثمّ وجدها معيبة، ففي ملك الوكيل للردّ إشكال، أقربه ذلك، و لو علم الوكيل العيب قبل الشراء، فهل له الشراء؟ يبنى على ملك الردّ مع العلم به بعد البيع.
من غير أن يدخل في ملك الوكيل، فلو وكّل المسلم ذمّيا في شراء الخمر، أو خنزيرا فاشتراه، لم يصحّ الشراء.
و لو باع الوكيل بثمن معيّن، ثبت الملك للموكّل في الثمن، و لو كان الثمن في الذمّة فللوكيل و الموكّل المطالبة به، و ثمن ما اشتراه في الذمّة ثابت في ذمّة الموكّل لا الوكيل، و للبائع مطالبة الموكّل خاصّة، و لو أبرأ الوكيل لم يبرأ الموكّل، و لو أبرأ الموكّل برئ الوكيل أيضا.
و لو دفع الثّمن إلى البائع، فوجده معيبا، فردّه على الوكيل، كان أمانة في يده.
و لو وكّله في أن يستسلف ألفا في كرّ طعام، ملك الموكّل الثمن و لا يضمن الوكيل.
و لو دفع إلى رجل ثوبا ليبيعه، ففعل، فوهب له المشتري منديلا، فالمنديل للوكيل لا لصاحب الثوب.
كان للوكيل أجرة المثل، و الزيادة للمالك.
ص: 55
سواء أقرّ في مجلس الحكم بحدّ، أو قصاص، أو غيرهما، أو في غير مجلس الحكم، و لا يملك الإبراء على الحقّ ، و لا المصالحة عليه.
و لو أذن في إثبات الحقّ و المحاكمة عليه، لم يملك قبضه، و بالعكس، سواء كان دينا، أو عينا، و سواء علم الموكّل بجحود الغريم أو لا.
(و لا يملك الإبراء من ثمنه)(1)، و لا يملك قبض الثمن، لكن ليس له تسليم إلاّ بقبض الثمن للمالك، أو حضوره، فإن سلّمه من غير قبض، ضمنه، و لو قيل بالملك مع القرينة، - كما لو أذن في بيع الثوب في السوق الّذي يضيع الثمن بترك قبض الوكيل فيه - و عدمه(2) مع انتفائها، كان وجها.
لم يكن إذنا في التثبيت، و هل يملك المأذون له في البيع مطلقا جعل الخيار للمشتري ؟ الأقوى أنّه ليس له ذلك، بل إمّا لنفسه أو لموكّله.
و حكم قبض المبيع، كحكم قبض الثمن كما تقدّم، و لو اشترى عينا و سلّم الثمن، فخرجت مستحقّة، فالأقرب أنّه ليس له مخاصمة البائع في الثمن، و لو اشترى، و قبض السلعة، و أخّر التسليم من غير عذر، فهلك الثمن، ضمنه، و لا ضمان إلاّ مع التفريط.
ص: 56
4155. الرابع و العشرون: لو وكّله في قبض دين فلان(1) فمات،
نظر في لفظه، فإن وكّله في قبض الدين منه، لم يكن إذنا في القبض من الوارث، و إن وكّله في قبض الدّين الّذي على فلان، كان له مطالبة الوارث، و كذا لو قال:
اقبض حقّي من فلان، فوكّل فلان من يدفع إليه، كان للوكيل القبض من الوكيل.
إلاّ مع التعدّي أو التفريط، و لا يلزمه تسليمه قبل طلبه، و لو طلبه فأخّر دفعه مع انتفاء العذر ضمنه، و لو ادّعى الموكّل المطالبة، فالقول قول الوكيل مع عدم البيّنة، فإن نكل عن اليمين حلف المدّعي و ألزمه الضمان، و لو وعده بردّه، ثمّ أعاده قبل الطلب أو التلف كذلك لم تسمع دعواه و لا بيّنته على إشكال، و لو صدّقه الموكّل برئ، و لو لم يعده، بل منعه و مطله، ضمن مع التلف، و لو ادّعاه أو الردّ قبل الطلب، لم يقبل قوله، و لو أقام بيّنة سمعت.
كان من مال الباعث، و لو بعث دراهم كان من مال المالك، و لو أخبر الرسول الدافع بإذن المالك في قبض الدينار، كان من ضمان الرسول.
و لو وكّله في قبض ثوب، فقبض اثنين، فتلف الزائد، ضمنه الدافع، و يرجع به على الرسول، و يجوز الرجوع على الرسول، و لا يرجع به على أحد.
و لو وكّله في قبض الدّين، فأخذ به رهنا، لم يصحّ ، و لا يضمنه الوكيل لو
ص: 57
تلف من غير تفريط، لأنّ صحيح العقد و فاسده مستويان(1) في الضمان، و لو دفع إليه دراهم ليشتري بها شيئا، فمزجها بغيرها، ضمن لو تلفت، سواء تلف ماله معها أو لا، إلاّ أن يكون قد أذن في المزج، أو مزجها مزجا يتميّز بعضه عن الآخر.
فالأقرب عدم الضمان مع إمكانه، و لو ادّعى الوكيل الإيداع و أنكر الموكّل، فالقول قول الوكيل مع يمينه، و لو أنكر المودع فالقول قوله مع اليمين.
سواء كان به بيّنة أو لا، و سواء كان من عليه الحقّ يقبل قوله في الردّ من غير بيّنة كالمودع، أو لا كالغاصب، ما لم يؤدّ الإشهاد إلى تأخير الحقّ ، فإن أدّى، فالوجه وجوب الدّفع فيما يقبل قول الدافع فيه مع اليمين، فإن أخّر ضمن، و إذا أشهد على نفسه بالقبض، لم يجب عليه تسليم الوثيقة بالحقّ و لا تمزيقها، بل له إبقاؤها في يده.
الأب، و الجدّ له، و وصيّهما، و الحاكم و أمينه، و الوكيل، قال الشيخ: ليس لأحدهم أن يشتري لنفسه من نفسه مال من هو وليّ عليه، سوى الأب و الجدّ(2).
و كذا يجوز أن يبيع الأب و الجدّ عن أحد الولدين و يشتري للآخر، دون الأربعة الباقية، فليس للوصيّ أن يشتري مال اليتيم، و إن زاد في القيمة على مبلغ ثمنه في النداء، أو تولّى النداء غيره، و كذا الوكيل.
ص: 58
أمّا لو وكّله في شراء شيء، لم يجز له أن يعطيه من عنده إلاّ بعد إعلامه، و إن كان الّذي يعطيه أجود، و كذا ليس لغير الأب و الجدّ أن يبيع على وكيله، أو ولده الصغير، أو عبده المأذون. و يجوز أن يبيع على ولده الكبير، و والده، و زوجته، و مكاتبه، و طفل يلي عليه.
و لو وكّله في تزويج امرأة غير معيّنة، جاز له أن يزوّجه ابنته.
و لو أذنت له المرأة في تزويجها فهل له أن يزوّجها؟ الأقرب المنع، و الأولى أنّ له أن يزوّجها بابنه و إن كان صغيرا، و كذا بوالده.
و لو وكّله في بيع عبد و آخر في شراء عبد، فالأقرب جواز تولّيه طرفي العقد.
و لو وكّله المتداعيان في الخصومة عنهما، لم أستبعد جوازه، و قال الشيخ:
الأحوط المنع(1).
و لو وكّله، و أذن له في الشراء لنفسه، أو خيّره بين بيعه على غيره و على نفسه، جاز، أن يشتري لنفسه، سواء عيّن الثمن أو أطلق.
و كذا يجوز لو وكّل عبدا في شراء نفسه من مولاه، أو يشتري له عبدا غيره منه، و هل يجوز للعبد أن يشتري نفسه من مولاه لنفسه ؟ فيه نظر، لكن لو قلنا به سوّغناه بشرط إعلام المولى، و أن يكون الثمن ممّا يتجدّد ملكه بعد الإعتاق، و أن يكون للعبد أهليّة التملّك مع إذن المولى، فعلى هذا لو قال العبد: اشتريت نفسي لزيد، و صدّقه سيّده و زيد جاز، و لزم زيدا الثمن.
ص: 59
و لو قال السيّد: إنّما اشتريت نفسك لنفسك عتق العبد، و عليه دفع الثمن إلى مولاه، و لو اتّفق زيد و العبد على أنّ الشراء لزيد، فالوجه انتقاله إلى زيد، و ثبوت الثمن عليه، لكن ليس للسيّد مطالبته به، بل يأخذه العبد أو الحاكم منه، و يسلّمه إلى البائع، و لو صدّقه السيّد، و كذّبه زيد في الوكالة، حلف و برئ و استردّ السيّد العبد، و إن كذّبه في الشراء لنفسه مع اعترافه بالوكالة، فالقول قول العبد.
و لو وكّل العبد في إعتاق عبيده، و المرأة في طلاق نسائه، فالأقرب أنّ العبد يملك إعتاق نفسه، و المرأة طلاق نفسها عملا بالعموم، و يحتمل عدمه عملا بانصراف الإطلاق إلى التصرّف في غيره.
و لو وكّل غريما له في إبراء نفسه، صحّ ، سواء عيّن أو أطلق، و إن وكّله في إبراء غرمائه، فالاحتمال في دخوله و عدمه كما تقدّم.
و لو وكّله في حبس غرمائه، فالأقرب عدم دخوله. و كذا لو وكّله في خصومتهم، لم يملك خصومة نفسه.
و لو وكّل المضمون له المضمون عنه في ابراء الضامن، صحّ ، و يبرأ المضمون عنه.
و لو وكّل الضامن في إبراء المضمون عنه، لم يصحّ ، و لم يبرأ الضامن.
و لو وكّل الكفيل في إبراء المكفول، فأبرأه، برءا معا.
و لو وكّله في إخراج صدقة على المساكين، و هو منهم، جاز أن يأخذ مثل ما يعطي غيره، لا يفضل نفسه عليهم، و لو عيّن لم يجز الأخذ إذا لم يدخله، و كذا لو دفع إليه مالا ليفرّقه في قبيل و هو يدخل فيهم.
ص: 60
و لو قال: أعط غيرك، لم يجز له الأخذ منه، و يجوز أن يعطي منه ولده و والده و زوجته دون مملوكه.
أو يحصل أحد الأسباب الموجبة للفسخ، أو ما يدلّ على الرجوع عن الوكالة، فلو وكّله في طلاق زوجته، مع قيام الخصومة بينهما، ثمّ اصطلحا، فالأقرب بطلان الوكالة على إشكال، و كذا لو وطئها، أو قبّلها، أو لامسها، أو فعل بها ما يحرم على غير الزوج، فعلى هذا لو عادت الخصومة، افتقر إلى تجديد عقد الوكالة على تردّد.
و لو وكّله في بيع عبد، فأعتقه، أو باعه بيعا صحيحا، أو دبّره، أو كاتبه، بطلت الوكالة. و لو باعه فاسدا لم تبطل.
لزمه النصف و حكم النصف الآخر ما تقدّم، من أنّه إن ذكره، وقف على الإجازة، و إلاّ وقع لنفسه، و لو اشتراه و آخر بألف، كان مخالفا، و كذا لو قال: بعه بخمسمائة، فباعه مع عبد له بألف و قيمتهما سواء.
لم يصحّ . و كذا لو كان أقلّ ، و الوجه الجواز لو كان أكثر.
فالأقرب الصحّة، و ينعتق الجميع فيهما.
ص: 61
و لو وكّله في تزويج امرأة، و عيّن المهر لم يجز له التجاوز، فإن زوّجها بأكثر، لم يلزم الموكّل، و وقف على الإجازة، فإن لم يرض، ففي الرجوع إلى مهر المثل أو إلزام الوكيل بالزائد إشكال.
و لو اختلفا في الإذن، فالقول قول الموكّل مع يمينه، ثمّ إن صدّقت المرأة الوكيل، لم ترجع عليه بشيء، و إلاّ كان الحكم ما تقدّم من التردّد، و لو لم يسمّ انصرف الإطلاق إلى مهر المثل، فلو تجاوز بما فيه غبن فاحش، لم يجز.
و لو أذن له في التزويج مطلقا، انصرف إلى الكفؤ، فلو زوّجه من غيره، وقف على الإجازة، و لم يلزمه النكاح(1).
و لو زوّجه ابنته الكبيرة أو الصغيرة جاز، و لو زوّجه عمياء أو نحوها لم يجز مع انتفاء المصلحة، و لو أذن له في التزويج بفلانة، و هي حرّة، فارتدّت و لحقت بدار الحرب، فالأقرب عدم الجواز لتطرّق الملكيّة إليها.
فلو آجرها بالعروض، فالأقرب الوقوف على الإجازة، و لا تلزمه الإجارة، و إن زادت قيمتها.
و لو وكّله في استيجار أرض، فأخذها مزارعة لم يجز، و لو وكّله في المصالحة عمّا يستحقّه من دم العمد، فصالح على مال قليل، فالأقرب عدم الجواز، و لو صالح عن الموضحة و ما يحدث منها، بخمسمائة درهم، فبرأت سلّم المال كلّه للمجروح، لا نصف العشر خاصّة.
ص: 62
فلو اشتراه بكيليّ او وزنيّ في الذمّة، أو معيّنا، افتقر إلى الإجازة، و لم يلزم الموكّل.
و لم يجب عليه الحضور بنفسه، و كذا لو حضر، لم يجب عليه الجواب بنفسه، و جاز له الاستنابة فيه، و كذا البحث في المدّعي.
ص: 63
ص: 64
و فيه مقاصد
ص: 65
ص: 66
و فيه فصول:
و فيه أحد عشر بحثا:
و اشتقاقها من الأجر، و هو العوض.(1)
و هي جائزة بالنّص و الإجماع، و لا بدّ فيه من إيجاب و قبول، و ليست بيعا للمنافع.
و عبارة الإيجاب: آجرتك أو أكريتك، و القبول أن يقول: قبلت. و لا ينعقد بلفظ التمليك مجرّدا، و لو قرنه بالمنفعة المعيّنة، مثل أن يقول: ملّكتك سكنى هذه الدار سنة بكذا، انعقد، و في انعقادها بلفظ العارية إشكال.
و لو
ص: 67
قال: بعتك سكناها سنة، فالأقرب عدم الجواز، لاختصاص لفظ البيع بنقل الأعيان، و هل المعقود عليه المنافع أو العين ؟ فيه نظر.
فإن قلنا بالأوّل، جاز أن يقول: آجرتك منفعة داري، و في اشتراط تقديم الإيجاب نظر.
أو أحد الأسباب الموجبة للفسخ، كوجود عيب في الأجر المعيّن، أو إفلاس المستأجر به، أو وجود عيب في العين، كانهدام الدار، و لا ينفسخ بالعذر، فلو اكترى جملا للحجّ ثمّ بدا له، أو مرض و لم يخرج، لم يكن فسخ الإجارة، و كذا لو استأجر دكانا للتجارة، فاحترق قماشه أو تلف ماله، لم يكن له الفسخ، و كذا لو آجر جمله من إنسان ليحجّ عليه، ثم بدا للمؤجر أو آجر داره أو دكانه و أراد السفر ثم بدا له عنه، لم يكن له فسخ الإجارة.
و لو فسخ المستأجر الإجارة قبل انقضاء المدّة، لم تنفسخ، و كانت المنافع مملوكة له لم تزل عنه، و كذا لا تنفسخ لو ترك الانتفاع بها حتى خرجت المدّة اختيارا، و يجب عليه دفع الأجرة، إن لم يكن دفعها، و لو أراد استيفاء بقيّة المنافع، جاز في المدّة، أمّا لو خرجت، فليس له المطالبة بالانتفاع عوض ما تركه و لا أجرته.
سواء كان الميّت المستأجر أو الموجر.(1) و قال بعضهم: تبطل بموت
ص: 68
المستأجر دون الموجر.(1) و قال آخرون: لا تبطل بموت من كان منهما.(2) و هو الأقوى عندي سواء كان الموت قبل استيفاء المنفعة أو بعد استيفاء البعض.
و لو مات المستأجر و لا وارث له يستوفي المنفعة، أو يكون غائبا، كمن يكتري دابّة و يموت في طريق مكّة، و لا وارث معه، و ليس على جمله شيء يحمله، احتمل فسخ الإجارة هنا في باقي المدّة، لوجود ما يمنع المستأجر من استيفاء المنفعة، كالهدم، و الغصب و الأقرب عدم الفسخ. و لو كان له عليه متاع لم تبطل الإجارة، و كذا لو كان هناك وارث يستوفي المنفعة.
بطلت في الباقي خاصّة، فإن كان الموجر قبض مال الإجارة، أخذ المستأجر من تركته بحصّة الباقي.
بطلت في المتيقّن و صحّت في المحتمل، فلو آجر ابن عشر عشرا، فالوجه صحّة الإجارة في خمس و البطلان في الباقي، و لو آجره خمسا، فبلغ في أثنائها، فالأقرب ثبوت الخيار للصبي بين الفسخ و الإمضاء، و لا يلزمه العقد، و قوّى الشيخ رحمه اللّه انتفاء الخيار و لزوم العقد.(3) ثمّ بعد ذلك أثبت له الفسخ(4) كما قلناه.
ص: 69
أمّا مدّة الحجر عليه، فلا خيار له فيها بعد البلوغ، و لا فرق بين الأب و الجدّ له، و الوصيّ و غيرهم من الأولياء.
و إذا مات الوليّ لم تنفسخ الإجارة على ما اخترناه نحن، و كذا لو عزل أو انتقلت الولاية إلى غيره، و ليس للثاني فسخ ما عقده الأوّل.
و لا يبطل عقد الإجارة، و ليس للعبد رجوع على مولاه بأجرة المثل، و لا خيار للعبد في الفسخ، و نفقة العبد إن كانت مشروطة على المستأجر، فهي عليه كما كانت، و إلاّ فهي على العبد، و لو افتقر إلى السعي لأجلها، و كانت الإجارة مستوعبة، فالوجه أنّها على العبد أيضا، فإن أنفق عليه المستأجر، أو المعتق، أو استعان بالحاكم أو ببعض المسلمين، و إلاّ سعى في قدر النفقة كلّ يوم، و صرف باقيه إلى المستأجر، و الأقرب احتساب ذلك الزمان على المستأجر على إشكال.
و قال بعض الجمهور: النفقة على السيّد فيما اذا لم يشترطها على المستأجر، لأنّه باستيفاء عوض المنافع يكون كالباقي على ملكه، و لعدم قدرة العبد على نفقة نفسه لشغله بالإجارة(1) و لا نفقة على المستأجر فتتعيّن على المولى(2) و ليس بمستبعد.
سواء باعها للمستأجر أو لغيره، ثمّ إن علم المشتري بالإجارة لزمه البيع، و إلاّ تخيّر بين الفسخ، و الإمضاء بالجميع، فإن اختار الإمضاء، أو كان عالما، ملك العين مسلوبة المنفعة إلى حين انقضاء مدّة الإجارة، و لا يستحقّ
ص: 70
تسليم العين إلاّ حين الانقضاء، فلو فسخ المستأجر الإجارة لحدوث عيب، فالأقرب رجوع المنفعة إلى البائع لا المشتري.
و لو اشتراها المستأجر صحّ البيع، و الأقرب عدم بطلان الإجارة فيكون الأجر باقيا على المشتري و الثمن أيضا، فيجتمعان للبائع، فإن ردّها بعيب لم تنفسخ الإجارة بفسخ البيع.
و لو قيل بفسخ الإجارة مع شرائه العين، و عدم رجوع المشتري بالمال(1)، كان وجها.
فإن قلنا موت الموجر يبطل الإجارة بطلت في الباقي، و يرجع المستأجر بالأجر على التركة، و إن قلنا بعدم الإبطال، على ما اخترناه، فالأقرب هنا عدم البطلان إلاّ أنّه لا فرق في الحكم بين الفسخ و الإبقاء.
فلو مات الموجر و خلّف ابنين أحدهما المستأجر، كانت الرقبة بينهما، و المستأجر أحقّ بالجميع مدّة الإجارة، و عليه نصف الأجرة للآخر، فإن كان قد دفعها، لم يرجع بشيء على أخيه و لا على التركة.
و رجع المستأجر بأجرة الباقي، و لو خرجت معيبة، كان له الفسخ، و ليس له المطالبة ببدلها.
و لو خرجت مستحقّة تبيّنا(2) بطلان العقد، فيرجع المالك على من شاء
ص: 71
منهما بأجرة المثل، فإن رجع على المستأجر رجع على الموجر، إن كان دفع إليه، و إلاّ فلا على إشكال.
و لو علم المستأجر ففي رجوعه بما دفعه إشكال، و لو كان المدفوع أقلّ من الأجرة ففي رجوع المستأجر بما رجع عليه من التفاوت مع الجهل نظر، أقربه عدم الرجوع.
لم ينفسخ العقد، و لزم الموجر الإبدال، و لو خرجت مغصوبة، طالبه بالبدل، و كان الحكم في رجوع المالك ما تقدم، و لو وجدها معيبة فردّها، كان له الإبدال أيضا.
و فيه أربعة و عشرون بحثا:
بمعنى أنّ كلّ عين يمكن استيفاء منفعتها الحكميّة مع بقائها، تصحّ إجارتها، أمّا ما لا يمكن استيفاء المنفعة منه إلاّ بإتلافه، كالطعام، و الشّمع، فإنّه لا يصحّ عقد الإجارة فيه.
سواء كان بالذهب و الفضة، أو المطعوم غير الخارج منها، و سواء كان المطعوم من جنس ما يخرج منها أو لا، أمّا لو استأجرها بما يخرج منها، فإنّه لا يجوز.
ص: 72
و كذا يجوز أجرة الحمّام، سواء شرط على المكتري أن لا يدخله أحد بغير إزار أو لم يشترط، و يجوز استيجار القناة للزرع بمائها.
و الأقرب عندي جواز إجارة غير المعيّن مع الوصف الرافع للجهالة.
و يجب في الأعيان المشاهدة رؤية كلما يتعلّق الغرض به، فإن كانت دارا، احتاج إلى مشاهدة البيوت، ليعرف صغيرها و كبيرها و مرافقها، و إن كانت حمّاما، وجب مشاهدة قدره، ليعلم كبرها و صغرها، و معرفة مائه هل هو من قناة أو بئر، و يحتاج إلى مشاهدة البئر، و عمقها، و مئونة إخراج الماء منها، و مشاهدة الأتّون(1) و مطرح الرماد، و موضع الرّمل، و مصرف ماء الحمام.
و لو استأجر أرضا، وجب أن يشاهدها لانتفاء معرفتها بالوصف.
و كذا تجوز إجارة العبد، و البهيمة، و الثياب، و الفسطاط، و الخيام، و الحبال، و المحامل، و آلات الدوابّ ، كالسّرج، و اللجام، و البردعة(2) و آلات الحرب، كالسيف، و الرمح، و القوس، و النّشاب.
و سواء في الإباحة إجارة الحلي بجنسه أو بغير جنسه.
و لو أطلق إجارتهما، فالوجه جوازه، و انصرف الإطلاق إلى
ص: 73
استعمالهما في النظر و التحلّي، و لا يكون قرضا مع الإطلاق، خلافا للشيخ(1).
سواء كانت ثابتة، أو مقطوعة، و كذا يجوز استيجار الحبال لذلك.
و كذا غير الغنم، و يجوز استئجار الفحل للضراب على كراهية بشرط التقييد بالمرّة و المرّات المعيّنة، و في الاكتفاء بالمرّة نظر، أقربه العدم، إلاّ أن يكتري فحلا لإطراق ماشية كثيرة فيقدّره بالمدّة.
4188. التاسع: يجوز استئجار ما يبقى من الأطياب و الصندل(2) و أقطاع الكافور،
و الندّ(3) للشم للمرضى و غيرهم مدّة معيّنة، و كذا يجوز استئجار الحائط ليضع عليه خشبا معلوما مدّة معيّنة.
و كذا يجوز استئجار البئر ليستسقي منها أيّاما معلومة، و السطح للنوم عليه، و استئجار الفهد و البازي و الصّقر للصّيد مدّة معيّنة، و إجارة كتب العلم التي يجوز بيعها للقراءة فيها و النسخ منها، و استئجار درج(4) فيه خط حسن ليكتب عليه و يتمثّل منه.
ص: 74
و لو استاجرها ليتجمّل بها ثمّ يردّها من غير إشعال، ففي الجواز نظر، و كذا التردّد لو استأجر طعاما ليتجمّل به على مائدته من غير أكل، و الأقرب المنع.
و كذا يجوز استئجار الستور ليعلّقها يتجمّل بها، و ما أشبه ذلك.
و لا يجوز استئجار ما لا بقاء له من المشمومات، كالورد و الرياحين للشم، و في جواز استئجار الغنم و الإبل و البقر، ليأخذ لبنها، و يسترضعها لسخاله، أو ليأخذ صوفها أو شعرها أو وبرها، إشكال، و قد روى أصحابنا جواز أخذ الغنم بالضريبة مدّة من الزمان.
و لا يجوز استئجار شجرة ليأخذ ثمرها أو شيئا من أعيانها.
كالشطرنج، و النرد، و آلات القمار و اللّهو، من الزمر، و النّوح بالباطل، و الغناء كذلك، و لا بأس بأخذ الأجر على النوح بالحق، و الغناء في الأعراس.
و يجوز أن يستأجر من يكتب له غناء أو نوحا.
و لا يجوز أن يستأجر من يحمل له خمرا للشرب، أو ميتة للأكل، أو خنزيرا، و لو استأجره لحمل الخمر طلبا للتخليل، أو الإراقة، أو لنقل الميتة من منزله، أو محلّته إلى خارج البلد، لإزالة الرائحة، لم أستبعد جوازه.
و لا يجوز الاستئجار على كتابة شيء محرّم، أو بدعة، أو شعر باطل، أو كتب ضلال لغير النقض و الحجة، و حمل الخمر لأهل الذمّة.
و يجوز أن يؤجر نفسه لنظارة كرم الذمّي.
ص: 75
و يكره مع الشرط، و كذا يجوز استئجار من يكنس الكنيف، و لكنّه مكروه أيضا.
أو يحرز فيها الخمر و إن كان في السواد(1).
فإنّ هذه تجوز إجارتها و إن حرم بيعها، و ما عداها لا تجوز، كالعبد الآبق، و الجمل الشارد، و ما لا ينتفع به كسباع البهائم، و الطيور التي لا تصلح للصّيد، و الأقرب المنع من إجارة المغصوب لغير الغاصب إذا لم يتمكّن من تسليمه.
و لا تجوز إجارة الكلب العقور و الخنزير بحال، و يجوز استئجار كلب الصّيد، و الماشية، و الزّرع، و الحائط، و لو آجر ما غصب منفعته، فالأقرب المنع، كمن ادّعى إجارة الدار سنة، و انتزعها ظلما من مالكها، و الأولى عدم جواز إجارة هذه السنة لغير الغاصب.
و كذا يجوز أن يوجر داره لاثنين، و أن يوجر نصف داره لواحد و النصف الآخر طلق، أو يوجره له أو لغيره.
و كذا تجوز إجارة كتب العلم، و الفقه، و الأدب، و غير ذلك.
ص: 76
و هل يجوز لخدمته ؟ الأقرب الكراهية دون المنع، و لا فرق في جواز إجارة نفسه لعمل معيّن، أو مطلق في الذمّة مدّة من الزمان.
و يجوز استئجار السنّور لاصطياد الفأر.
و يجوز أخذ الرزق من بيت المال.
و يجوز أخذ الأجر على الحجّ و تعليم القرآن على كراهية شديدة.
و يجوز على بناء المساجد و القناطر و غيرهما، و على الرقية(1) و لو كان إمام المسجد قيّما له يفرش حصره، و كنسه، و يغلق فيه، جاز له أخذ الأجرة على ذلك، لا على الصلاة.
و يجوز الأجر على تعليم الشعر المباح، و الحساب، و الفقه و أشباهه و الخط.
و لا يجوز أخذ الأجرة على ما لا يتعدّى نفعه من العبادات المختصّة بصلاة الإنسان لنفسه، و حجّه لنفسه، و أداء زكاة نفسه، بلا خلاف.
و يجوز أخذ الأجر على الصّلاة عن الغير بشرط أن يكون ميتا.
إمّا لعمل معيّن، كخياطة ثوب، أو مدّة من الزمان معلومة، و كذا يجوز الاستئجار
ص: 77
لحفر الآبار و الأنهار و القنى(1) و العيون، و على ضرب اللّبن، و على البناء، و تطيين السطوح و الحيطان، و تجصيصها، مدّة معلومة.
و لا تجوز على عمل معيّن، لاختلاف الطين بالرقّة و الغلظ، و أجزاء السطح بالعلوّ و النزول، و كذا الحائط.
و يجوز أن يستأجر لنسخ كتب فقه أو حديث، أو شعر مباح، أو سجلّ ، أو مصحف، و لا يكره، و على حصاد زرعه، و رفعه، و تصفيته، و على استيفاء القصاص في النفس و ما دونها، و على الدلالة على الطريق، و على الكيل و الوزن المعلومين بالمدّة أو القدر، و على ملازمة غريم يستحقّ ملازمته، و على الثمرة، و على بيع ثياب بعينها، و على شراء ثياب معيّنة على إشكال، و على البيع على شخص معيّن على إشكال أيضا، و على خدمته، سواء كان الأجير رجلا، أو امرأة، حرّا، أو عبدا. و حكم النظر بعد الإجارة حكم قبلها، و على الإرضاع، سواء انضمّ إلى الحضانة أو لا، و على الختان و قطع السلع(2) و الكحل، و الطبيب للمداواة، و قلع الضرس، و الراعي للرعي، و بالجملة على كلّ عمل محلّل مقصود.
سواء رضي المالك أو لا، بشرطين: أحدهما أن يوجر لمثله أو دونه في الاستعمال، الثاني أن يتجرّد العقد عن شرط التخصيص، فلو آجره بشرط أن لا يسكن غيره، أو لا
ص: 78
يركبه لم تجز المخالفة، و استيجار الأرض(1) للزرع و الغراس، و القميص ليلبسه.
كما لو استأجر أرضا فيها ماء لا ينحسر عنها، أو ينحسر من غير معرفة بالوقت، و لو كان ينحسر عنها وقت الانتفاع جاز.
و لو كانت الزراعة ممكنة لكن يخشى عليها الغرق، و العادة غرقها، لم تجز إجارتها، و كذا لو استأجر الأخرس للتعليم و الأعمى للحفظ، و أرضا لا ماء لها للزراعة، و تجوز للسكون.
و لو أطلق و كان في محلّ تتوقّع الزراعة فيه، فكالمصرّح بالزراعة، و لو كان الماء متوقّعا لكن على الندور ففاسد، و لو كان يعلم وجود الماء فصحيح، و لو كان يغلب وجود الماء بالأمطار، فالوجه الصحّة.
و العمل منفردة و منضمّة إلى صاحبها أو آلتها أو إليهما، و لدياس الزرع، و إدارة الرّحى، و استقاء الماء عليها، و لعمل لم يخلق له مثل أن يستأجر البقر للركوب، و الإبل و الحمير للحرث، مع إمكانه، جاز.
و الأقرب جواز إجارة الحائط المزوّق(2) للنظر إليه، و التعلّم منه، و منعه الشيخ(3).
و في استئجار الدلاّل على كلمة تروج بها السلعة من غير نعت نظر.
ص: 79
و هي ستّة:
و يشترط فيهما: البلوغ، و العقل، و جواز التصرف.
فلا تصحّ إجارة الصبيّ و إن كان مميّزا، و لو أذن له الوليّ على إشكال إيجابا و قبولا، و كذا المجنون، و المغمى عليه، و السكران الّذي لا يعقل، و النائم، و الغائب، و الساهي، لانتفاء القصد فيهما، و المكره، و السفيه، و المحجور عليه للفلس، و يختصّ منع هذين بالإجارة المتعلّقة بأموالهما، فلو آجرا أنفسهما للعمل، كان جائزا، و لو آجر الراهن، أو المرتهن من دون رضا الآخر لم تجز.
و لو امتنع أحدهما أو هما معا، و كانت العين ممّا تصحّ إجارتها، آجرها الحاكم، و كذا حكم الشريكين، إذا تشاجرا في الإجارة، و للوليّ التسلط على مال الطفل و المجنون بالإجارة له، و كذا الوصيّ و الحاكم عنهما مع فقد أولئك و عن السفيه، و المحجور عليه، و الغائب.
و هي لازمة في العقد و ركن فيه، فلو أخلّ بها لم تصحّ ، و لزمه مع استيفاء المنفعة أجرة المثل، و كذا لو بطل العقد في كلّ موضع، فانّه تثبت أجرة المثل، سواء زاد على المسمّى، أو ساواه، أو نقص.
و يشترط كونها معلومة بالوزن أو الكيل فيما يدخلانه، و المشاهدة مطلقا على إشكال في الاكتفاء بها فيما يدخلانه، و جزم الشيخ بالجواز.(1)
ص: 80
و كلّما جاز أن يكون ثمنا في البيع جاز عوضا في الإجارة، فيجوز أن يكون عينا، أو منفعة أخرى، اتّفق جنسها، كسكنى دار بسكنى أخرى، أو اختلف كاستخدام عبد بالسكنى.
و يجوز، أن تكون مطلقة بشرط الوصف الرافع للجهالة، و معيّنة موصوفة معلومة المقدار، و لا يكره بالطعام الموصوف، و لو استأجر دارا بعمارتها، جاز مع التعيين، و إلاّ فلا، و كذا لو استأجر بدراهم و يشترط صرفها إلى العمارة.
و لو استأجر لسلخ الميتة بجلدها، لم يجز، و لو كان للمذكّى، قال الشيخ:
يجوز.(1) و عندي فيه نظر لجهالة الجلد، فلا يعلم خروجه سليما، أو معيبا، و ثخينا، أو رقيقا.
و لو استأجره لنقل الميتة بجلدها، ثبتت له أجرة المثل، و لو أستأجره لرعي الغنم مدّة معيّنة بنصفها أو جزء معلوم جاز، و النماء بينهما من حين العقد على النّسبة، و كذا لو استأجره لرعيها بشياه معيّنة منها، و لو كانت مجهولة لم تجز و تثبت أجرة المثل، و لو استأجره بدرّها، أو نسلها، أو صوفها، أو شعرها، أو بعض ذلك لم تجز، و كذا لو استأجره بطعامه، و شرابه، و كسوته، أو بأحدها لم تجز، سواء كان ظئرا أو غيرها، و لو عيّن الطعام و الشراب و الكسوة بما يرفع الجهالة، جاز بشرط تعيين وقت الدفع.
و لو استأجره بعوض، و شرط الإطعام، و الكسوة عليه(2) ففي الجواز نظر، فإن سوّغناه، و تشاحّا، رجع في القدر في الإطعام و الكسوة إلى قدر كفايته بمجرى عادته، و لا يقدّر الإطعام بمدّ.
ص: 81
و ليس له إطعام الأجير إلاّ ما يوافقه من الأغذية، و لو لم يشترط طعاما و لا كسوة كانا على نفسه، و لو شرط الأجير طعام غيره و كسوته، جاز بشرط العلم بالمقدار، و هل يكون ذلك للأجير إن شاء أطعمه و إن شاء تركه، أو للمشروط له ؟ فيه نظر.
و لو استأجر دابّة يعلفها، أو بأجر مسمّى و علفها، فإن عيّنه جاز، و إلاّ فلا.
و لو شرط طعاما معيّنا، و استغنى عنه بطعام نفسه، أو غيره، أو عجز عن الأكل لمرض، أو غيره، لم تسقط نفقته، و طالب بها.
و لو احتاج إلى دواء لمرضه، لم يلزم المستأجر، و يجب دفع قدر المشترط من الطعام، يشتري به ما يصلح له، و لو شرط الطعام مع الأجرة، و سوّغناه مع الإطلاق، لزمه بقدر طعام الصحيح، و لو استفضل من طعامه، فإن كان المؤجر دفع إليه أكثر من الواجب ليأكل قدر حاجته، و يستردّ الباقي، أو كان في تركه لأكله ضرر على المؤجر، بأن يضعف عن العمل، أو يقلّ لبن الظئر، منع منه، و لو لم يلحقه ضرر في الاستفضال، و دفع إليه الواجب خاصّة أو أزيد، و ملّكه الباقي جاز له الاستفضال.
و لو قدّم الطعام فنهب أو تلف قبل أكله، فإن كان بعد القبض، فهو من ضمان الأجير، و إلاّ فمن ضمان المستأجر. و لو كان على مائدة و لا يخصّه فيها بطعامه، فهو من ضمان المستأجر.
و لو قال: بع هذا الثوب بكذا، فما ازددت فهو لك، فالوجه عندي وجوب أجرة المثل للدلاّل، و الزيادة للمالك، و لا يلزمه الوفاء، و لو باعه بالقدر المسمّى، ثبتت له أجرة المثل أيضا، و لو باعه بنقص، لم يصحّ البيع، و لو تعذّر الردّ،
ص: 82
ضمن النقص، و للشيخ قول بضمان النقصان مطلقا(1). و لو باعه نسيئة لم يصحّ .
و لو استأجره لحصد الزرع أو صرام النخل بجزء منه معلوم كالسّدس و شبهه جاز، و كذا لو استأجر الطحان بالنخالة المتبرّعة أو بقفيز منها.
و لو شرط للمرضعة جزءا من المرتضع الرقيق بعد الفطام، و لقاطف(2)الثمار جزءا منها بعد الصرام جاز، و كذا في الحال.
فلو قال: إن خطته اليوم، فلك درهمان، و إن خطته غدا، فدرهم.
فللشيخ قولان أحدهما الجواز، و يلزمه إن عمله في الأوّل درهمان، و إن عمله في الثاني درهم(3) و الثاني الجواز أيضا، لكن إن عمله في الأوّل لزمه درهمان، و إن عمله في الثاني كإن له أجرة المثل، لكن لا يزاد عن درهمين و لا ينقص عن درهم(4) و لو قيل بالبطلان و ثبوت أجرة المثل كان وجها، و أوّل قول الشيخ لا يخلو من قوّة.
و لو قال: إن خطته روميّا - و هو ما يعمل بدرزين - فلك درهمان، و إن خطته فارسيّا - و هو ما يكون بدرز واحد - فلك درهم، جاز على إشكال.
و لو استأجره ليحمل متاعه إلى موضع معيّن بأجرة معيّنة في وقت معيّن، فإن قصّر عنه، نقّص من أجرته شيئا، جاز(5)، و لو شرط سقوط الأجرة مع التقصير، لم يجز، و له أجرة المثل عملا، برواية محمد بن مسلم الصحيحة عن الباقر عليه السلام(6) و هل يتعدّى الحكم ؟ الوجه ذلك، فلو استأجره إلى مصر
ص: 83
بأربعين، فإن نزل دمشق فثلاثون، فإن نزل الكوفة فعشرون، ففي الجواز نظر.
و لو اكترى دابّة و شرط، إن ردّها ليومها فدرهم، و لغدها درهمان، ففي الجواز نظر.
فلو استأجر عينا، جاز أن يؤجرها غيره ممّن يساويه أو يقصر عنه في استيفاء المنفعة، ما لم يشترط المالك عدم ذلك، قبل قبض العين، للمؤجر و غيره أيضا، أو الأقرب أنّه ليس له إبدال الثوب الّذي عيّن للخياطة، و الصبيّ الذي عيّن للارتضاع و التعليم.
ثمّ المستأجر إن أحدث في العين حدثا، كحفر النهر، و بناء الحائط، و عمل الباب، و غير ذلك، و إن قلّ العمل، جاز أن يؤجرها بأكثر ممّا استأجرها به، سواء كان من الجنس أو من غيره، و إن لم يحدث فيها حدثا، ففي جواز إجارتها بأكثر ممّا استاجرها من الجنس قولان أقربهما المنع، و لو آجرها بغير الجنس جاز، سواء كان بالزيادة أو النقصان، و لو آجرها من الجنس بأقلّ ، جاز أيضا.
و لو آجر بالجنس من غير حدث بأزيد، ففي بطلان العقد نظر، و مع القول بالصحة لا تجب الصدقة بالزيادة،(1) و لو سكن بعض الدار، و آجر الباقي بغير الجنس، جاز بالزيادة و النقصان، و لو كان من الجنس لم يجز أن يوجره بأزيد إلاّ أن يحدث فيه حدثا، و يجوز أن يؤجره بأكثر [من] مال الإجارة.
و الصانع إذا تقبّل عملا بشيء معلوم لم يجز أن يقبّله غيره بأقلّ من ذلك
ص: 84
ما لم يحدث فيه حدثا، كقطع الثوب، أو خياطة شيء منه، أو يعطيه خيوطا أو إبرة، و لو أحدث حدثا جاز أن يقبّله بأقلّ من ذلك الجنس و غيره، و كذا لو لم يحدث و قبّله بأقلّ من غير ذلك الجنس.
و لو شرط المؤجر استيفاء المنفعة بنفسه فآجرها، ضمن. و لا تجوز إجارة ما لا منفعة له، أو تكون له منفعة لا اعتبار بها في نظر الشرع، أو تكون له منفعة محرّمة، و لا يجوز أن يؤجر مال غيره إلاّ بإذنه، فإن فعل، فالأقرب وقوفه على الإجازة.
و فيه عشرون بحثا:
فلو كانت مجهولة، مثل أن يستأجر أحد الدارين لم يجز، و العلم يحصل إمّا بتقدير العمل، كخياطة الثوب، و بناء الجدار، و نسخ الكتاب، و إمّا بتقدير المدّة، كالخياطة شهرا، أو سنة مثلا.
و لو كانت العين ممّا له عمل، كالحيوان، جاز الوجهان، و إن لم يكن له عمل، كالدار و الأرض، لم يجز إلاّ على الوجه الثاني.
و هل يجوز تقييد المنفعة بالمدّة و العمل معا، كما لو استاجره ليخيط له هذا الثوب في هذا اليوم ؟
قال الشيخ: لا يجوز، لإمكان الفعل في أقلّ من ذلك الزمان و أكثر(1)
ص: 85
و يحتمل الجواز، لأنّ الإجارة وقعت على العمل، و المدّة ذكرت للتعجيل، فحينئذ إن فرغ قبل المدّة، لم يكن له إلزامه بالعمل في باقيها، و إن خرجت المدّة قبله، فللمستاجر فسخ العقد، فإن فسخ قبل عمل شيء، فلا أجرة، و إن كان بعده، كان عليه أجرة مثل ما عمل، و إن اختار الإمضاء ألزمه بباقي العمل خارج المدّة لا غير، و ليس للأجير الفسخ.
وجب أن تكون مضبوطة لا تتطرق إليها الزيادة و النقصان، كالسّنة، و الشهر، و اليوم.
و لو عقد على ما لا ينضبط، كإدراك الغلاّت، و قدوم الحاجّ ، لم يجز، و وجب أجرة المثل مع استيفاء المنفعة، و لو استأجر كلّ شهر بكذا، و لم يعيّن الأشهر، قال الشيخ: يصحّ و يكون له المسمّى في شهر واحد و أجرة المثل في الزائد(1) و الوجه عندي البطلان، و تكون له أجرة المثل في الجميع.
و لو قرنت بالعمل، كخياطة الثوب، و بناء الجدار، اقتضى ذلك التعجيل إن شرطاه، أو أطلقا.
و لو شرط مدة متأخرة عن العقد، قال الشيخ: لم يجز(2). و عندي فيه نظر.
قال: و لو كانت الإجارة في الذمّة، مثل أن يستأجر ظهرا للركوب، جاز أن تكون معجّلة و مؤخّرة. قال: و لو أستأجره لتحصيل خياطة خمسة أيّام بعد شهر لم يجز(3).
و لو قال: آجرتك من هذا الوقت شهرا بكذا(4) و ما زاد فبحسابه، صحّ في الشهر و كان في الزائد أجرة المثل.
ص: 86
وجب احتساب اثني عشر شهرا أهلّة، و لو شرط هلالية، كان تأكيدا، و لو قال: عددية، أو سنة بالأيّام، وجب ثلاثمائة و ستون يوما.
و لو استاجر هلالية من أوّل الهلال، عدّ اثني عشر شهرا هلاليّة، و لو كان في أثناء الشهر عدّ بعد كماله أحد عشر هلالا، ثمّ أخذ من الثاني عشر بإزاء ما خرج من الشهر الأوّل، و قيل يجب إكمال ثلاثين، و هو حسن، و لا يستوفي الأحد عشر بالعدد.
و هي الّتي سبعة أشهر منها أحد و ثلاثون، و أربعة ثلاثون، و واحد ثمانية و عشرون، و كانا عارفين بحسابها، صحّ ، و لو جهله أحدهما، أو كلاهما بطلت، و لو قيّداها بالقبطيّة: و هي التي كلّ شهر منها ثلاثون و يزيدونها خمسة، لتساوي الرومية، جاز أيضا مع العلم بالحساب، و مع هذين القيدين تكون مدّة الإجارة ثلاثمائة و خمسة و ستّين يوما.
و إن أطلق، حمل على الأقرب، و يحتمل البطلان، و تخرج المدّة بدخول أوّل جزء منه، و كذا لو علّقه بشهر يشترك، فيه اثنان ك «جمادى» و «ربيع» و لو علّقه ب «رجب» أو بشبهه من المنفرد، حمل على «رجب» سنته مع احتمال ما قلنا.
و لو علّقه بيوم، حمل على أقرب أيّام الأسبوع إليه، إلاّ أن يعيّن غيره، و لو علّقه بعيد من أعياد الكفّار، و هما يعلمانه، صحّ ، و إلاّ فلا.
ص: 87
(و لو قال: إلى العشيّ ، فكذلك مع احتمال الزوال على ضعف)(1) و لو قال:
إلى الليل، فهو إلى أوّله، و كذا إلى النهار، و لو استاجره نهارا، فهو إلى غروب الشمس، و ليلة إلى طلوع الفجر.
بطل العقد، و كذا كلّ ما يستأجر مدّة، و لم يعيّن ابتداءها.
فلو آجره «المحرّم» و هما في «رجب» صحّ سواء كانت العين مشغولة بغيره، أو لا، فإن كانت الإجارة على مدّة تلي العقد، لم يحتج إلى ذكر ابتدائها، و إن كانت لا تليه، وجب ذكر ابتدائها، و لو أطلق، فقال: آجرتك سنة أو شهرا، فالأقرب الصحة، و ابتداء المدّة من حين العقد، و إن لم يسمّ السنة و الشهر، فعلى هذا يجوز أن يؤجر العين الواحدة لاثنين في زمانين قبل أن تنقضي مدّة الأوّل.
بل يجوز على ما تراضيا عليه، و إن تجاوز سنة أو ثلاثين سنة أو أكثر، و لو استاجره شهرا، لم يجب تقسيط الأجر على الأيّام، و كذا لو استاجره سنة لم يحتج إلى تقسيط أجر كلّ شهر، و كذا لو استأجره سنتين فصاعدا، لم يجب تقسيط أجر كلّ سنة، و لو قسّط الأجر على أجزاء المدّة، جاز، فإن انهدمت الدار في بعض الأجزاء، سقط ما سمّاه في التقسيط، و إن لم يقسّط، لزم تقسيط المسمّى في أصل العقد، و رجع بحصّته.
ص: 88
و لا بدّ فيه من المشاهدة، أو الوصف الرافع للجهالة، إن أمكن ضبطه بوصف، و يثبت له خيار الرؤية.
و لو آجرها للزراعة، فإن كان بحرث جريب معلوم، وجب مشاهدته، أو وصفه بما يرفع الجهالة، و لا تصحّ إجارة العقار في الذمّة، بل يكون مشاهدا أو موصوفا.
فإن قدّره بمدّة، مثل أن يستأجره شهرا ليحفر له بئرا، أو نهرا، لم تجب معرفة القدر، و عليه أن يحفر المدّة، و هل يحتاج إلى معرفة الأرض ؟ فيه نظر، و إن قدّره بالعمل، مثل أن يستأجره لحفر بئر معيّنة، أو نهر معيّن، وجب مشاهدته، و معرفة دور البئر، و عمقها، و طول النهر، وسعته، و عمقه، و لو حفر بئرا، وجب أن يشيل(1) التراب، و لو انهار تراب من جوانبها. أو سقطت فيه بهيمة و شبهها، لم يجب عليه إخراجه، و لو وقع من التراب الذي أخرجه فيها لزم الحفّار إخراجه إلاّ أن يقع بعد تسليمها محفورة.
و لو حصل بصخرة(2) أو جماد يمنع الحفر، أو نبع ماء يمنعه، لم يلزمه حفره، و يتخيّر في الفسخ، فيثبت له من الأجر بنسبة ما عمل، فيقسط الأجرة عليه و على الباقي، و يأخذ بالنسبة، و لا يقسط على الأذرع.
و في رواية: من استأجر ليحفر بئرا عشر قامات بعشرة دراهم فحفر قامة و امتنع من الباقي، بسطت الأجرة على خمسة و خمسين جزءا فما أصاب واحدا فهو للقامة الأولى، و الاثنين للثانية، و هكذا(3) و الأوّل أقرب.
ص: 89
و لو كانت الصخرة ممّا يمكن حفرها أو ثقبها مع المشقة، قال الشيخ:
يجب عليه ذلك(1) و عندي فيه نظر.
افتقر إلى بيان العدد، و ذكر القالب، و موضع الضرب، و ما يؤخذ منه الماء، فإن كان هناك قالب معروف، جازت الحوالة عليه، و كذا لو عيّن أبعاده.
و لو شرط قالبا غير معروف، و هو مشاهد، فالوجه الجواز.
و لو قرنه بالزمان، لم يفتقر إلى ذلك، سوى موضع الضرب على إشكال.
فإن قدّره بالعمل، افتقر إلى معرفة المكان، و موضع الماء، و ذكر أبعاد الحائط، و آلة البناء من لبن أو حجر، أو طين.
و لو استأجره لبناء آجرّ(2) معروف العدد، أو لبن كذلك، ثم سقط الحائط بعد البناء، استحقّ الأجر، إن لم يكن بتفريطه، و بناه محكما، و لو فرّط، أو بناه محلولا، فعليه الإعادة، و غرامة ما تلف من الآلة.
و لو استأجره لبناء عشرة أذرع، فرفع بعضها ثم سقط، أعاده و أتمّ المقدّر.
وجب ذكر عدد الأوراق، و قدرها، و عدد السطور، و قدر الحاشية من كلّ جانب، و دقّة القلم و غلظه.
ص: 90
ثمّ الخطّ إن عرف بالمشاهدة، أو الوصف الرافع للجهالة، جاز و إلاّ افتقر إلى مشاهدته، و يجوز تقدير الأجر بأوراق الفرع و بأوراق الأصل، و لو قاطعه على نسخ الأصل بشيء معلوم جاز، و إذا غلط قليلا تجري به العادة، لم يكن عليه شيء، و ان تجاوز العادة، فهو عيب يردّ به.
و لو كان الكاغذ من المستأجر، كان عليه الأرش، و لا يجوز له التشاغل بما يقتضي غلطه، كالمحادثة وقت الكتابة، و كذا ما يشبه الكتابة كالنّساجة.
قرنه إمّا بمدّة معيّنة، أو عمل معلوم، و كذا في دوسه(1) أو تصفيته، و نقله إلى موضع معيّن.
و لو أستأجره للاحتطاب، أو الاحتشاش، جاز، و قرنه بالمدّة أو العمل، و لو آجر نفسه لنقل حطب، و قرنه بالعمل، جاز أن ينقل بغيره معه، و إن قرنه بالمدّة، فإن كان لا ضرر فيه، فالأقرب الجواز، و إن كان فيه ضرر، فالأقرب سقوط ما قابل فعله مع الثاني من الأجرة، و هكذا حكم كلّ أجير خاص عمل مع غير مستأجره.
جاز، و كذا إن قرنه بالمدّة مع كثرته، و على التقديرين فهل الأجرة على المقتصّ منه، أو على المستوفي ؟ نظر من حيث إنّ الاستيفاء واجب و لا يتم إلاّ بالأجرة، فتجب، كالوزان، و من حيث إنّ المقتصّ منه عليه التمكين، و قد حصل، و الأوّل فيه قوة.
و لو عيّن العمل، فجعل له من كلّ ألف درهم يشتري بها شيئا معلوما، صحّ ،
ص: 91
و لو قال: كلّما اشتريت ثوبا، فلك درهم أجرا، و كانت الثياب معلومة بصفة، أو مقدّرة بثمن، جاز و إن لم يكن كذلك ثبتت له أجرة المثل.
كالجمع، و الأعياد، و الآيات، و الأقرب أنّ له منعه عن النوافل، إن كانت في وقت الخدمة، و كذا العبد.
و لا يجب ذكر السكنى و لا صفتها، عملا بالإطلاق، و يجوز أن يسكنها بنفسه و عياله، و إن لم يذكر في العقد، و أن يسكنها غيره ممّن يقوم مقامه في الضرر أو دونه.
و يضع فيها ما جرت العادة به من الرحل، و الطعام، و الثياب، و لا يسكنها من هو أضر منه، كالقصّار، و الحدّاد.
و لا يجعل فيها الدّوابّ الخارجة عن العادة، و لا يجعل فيها شيئا لم يكن و لم تجر عليه موافقة و لا شاهد حال، مما هو مضرّ بها، كالرّحى، و وضع الأشياء الثقيلة فوق سطحها، و جعل الطعام في بيوتها على سبيل الإحراز فيها.
و لا يجب ذكر عدد السكان.
و لو اكترى ظهرا ليركبه، جاز أن يركبه غيره ممّن هو أخفّ ، و لا يركبه الأثقل، و لا يشترط التساوي في الطول، و القصر، و المعرفة بالركوب، و ليس للمالك منعه عن ذلك، و لو شرط في العقد اختصاص المستأجر باستيفاء المنفعة، لزم.
ص: 92
و لو أطلقا العقد(1) على الرضاع، فالأقرب عدم دخول الحضانة فيه.
و الحضانة: تربية الصبيّ و حفظه، و جعله في سريره، و أخذه منه، و كحله، و دهنه، و تنظيفه، و غسل خرقه و ثيابه و أشباه ذلك، و اشتقاقها من الحضن، و هو ما تحت الإبط تشبيها بحضانة الطير للفراخ و البيض.
و يجوز استئجار المرضعة على إرضاع من لها فيه نصيب، و لا بدّ في الرضاع من تعيين المدّة، و معرفة الصبيّ بالمشاهدة، و موضع الرضاع، و معرفة العوض.
و هل المعقود عليه في الرضاع، خدمة الصبيّ و حمله و وضع الثدي في فمه، و يكون اللّبن تابعا، كماء البئر في الدار، و الصبغ في الصباغة، أو اللّبن ؟ الأقرب الثاني، و لهذا تستحقّ الأجرة بالرضاع، و إن لم تخدمه دون العكس، و كون المنفعة عينا للرخصة(2).
و على المرضعة أن تأكل و تشرب ما يكثر به اللّبن و يدرّ، و يصلح به، و للمستأجر مطالبتها به، و عليها السقي(3) بمجرى العادة.
و لا يجب صرف اللّبن بأجمعه إلى الولد لئلاّ يتلف ولدها، أو يتضرّر، و لو اسقته لبن الغنم، لم تستحقّ أجرا، و لو دفعته إلى خادمتها، فأرضعته، فالوجه أنّه لا أجرة لها، و لو اختلفا في الإرضاع، فالقول قولها مع اليمين.
ص: 93
و يجوز أن يؤجر أمته، و مدبّرته، و أمّ ولده، و المأذون لها في التجارة، للرضاع، و ليس لواحدة منهنّ الامتناع، و لا إجارة نفسها من دون إذنه، و إنما تجوز الإجارة على الإرضاع إذا كان في اللّبن فضل عما يحتاج الولد إليه، و لو كان الولد مملوكا، لأنّ السيد إنّما يملك فاضل حاجة مملوكه.
و لو كانت الأمة مزوّجة، لم تجز إجارتها للرضاع.
إلاّ بإذن الزوج على إشكال فيما إذا لم يمنع شيئا من حقوقه، و لو زوّجها بعد الإجارة لم ينفسخ عقد الإجارة، و يكون للزوج الاستمتاع بها وقت فراغها، و يطؤها، و إن لم يأذن المستأجر.
و ليس له إجارة مكاتبته، و لها أن تؤجر نفسها، و يجوز أن يستأجر أمّه أو أخته و ابنته و سائر أقاربه لرضاع ولده، و لو استأجر زوجته لرضاع ولده صحّ ، و لزم العوض، سواء كانت في حباله أو لا، و ليس للزوجة أن تؤجر نفسها للرضاع إلاّ بإذن الزوج على إشكال، و لو تطوّعت بإرضاع ولدها منه، أو من غيره، لم يجبر الأب على القبول، و كان له منعها.
قال الشيخ: و لو تعاقدا عقد الإجارة على رضاع الولد، لم تجز ما دامت في حباله، و تجوز مع البينونة(1) و جوزه ابن إدريس مطلقا(2) و هو جيّد.
و تبطل الإجارة بموت المرضعة، أو الطفل، فإن كان قد مضى بعض المدّة، رجع المستأجر بما قابله، و إلاّ رجع بالجميع، و لا تبطل بموت المستأجر، و أجرة الرضاع على الصغير إن كان مؤسرا، و إن كان معسرا فعلى الأب، و ليس
ص: 94
للرجل إجبار امرأته على إرضاع ولده منها، و له إجبار مملوكته، و مدبّرته، و أمّ ولده، و مكاتبته المشروطة لا المطلقة.
4228. الخامس(1): أن تكون المنفعة مباحة،
فلو استأجر مسكنا ليحرز فيه خمرا، أو دكّانا ليبيع فيه شيئا محرّما، أو أجيرا ليحمل له حراما، لم يصحّ العقد، و كذا لو استأجر حائضا لكنس المسجد.
فلو استأجر الآبق للخدمة، لم تصحّ ، و لو ضمّ إليه غيره، ففيه نظر، و لا تجوز إجارة الأرض للزراعة ببعض ما يخرج منها سواء عيّن مقداره، أو جعله جزءا مشاعا.
و هي أربعة عشر بحثا:
و لا يجوز للمؤجر التصرّف فيها، و لو استأجر دارا سنة، فسكن شهرا مثلا، لم يكن للمالك إخراجه منها، فإن خرج بنفسه، لم يسقط عنه مال الإجارة، و كذا لو لم يسكنها أصلا، و لو منعه المالك من السكنى في ابتداء مدّة العقد، حتّى خرجت السنة، انفسخ العقد.
ص: 95
و لو مكّنه بعد المنع في الابتداء، انفسخ العقد فيما منعه، و كان عليه أجرة الباقي بالنسبة.
و لو خرج المستأجر بعد أن سكن شهرا من قبل نفسه، و تركها شهرا، فسكنها المالك باقي السنة، أو آجرها، فالأقرب عدم بطلان الإجارة في الباقي، و يجب على المالك أجرة المثل عن هذه المدة، سواء زادت عن المسمّى أو ساوته، أو قصرت عنه، و لو سكنها شهرا، ثمّ سكن المؤجر شهرين، ثم تركها، وجب على المؤجر أجرة مثل الشهرين، و على المستأجر إجارة الجميع.
كان له أجرة(1) ما سكنه المستأجر، و لا تسقط عنه الأجرة فيما مضى بإخراج المالك له قهرا، و هل تنفسخ الإجارة في الباقي ؟ الأقرب عدم البطلان، و تكون للمستأجر أجرة المثل إن زادت عن المسمّى، و لو نقصت عنه، فالأقرب أنّه لا يضمن الزائد.
و كذا لو آجر دابّة و منعه المالك عن استيفاء المنفعة بعد استعمالها بعض المدّة، أو آجر نفسه أو عبده للخدمة، ثمّ امتنع من إتمامها، أو آجر نفسه لبناء حائط، أو خياطة، أو حفر بئر، أو حمل شيء إلى موضع، فحمله بعض الطريق، أو بنى بعض الحائط، أو خاط بعض الثوب، أو حفر بعض البئر، فإنّه لا تسقط أجرة التالف في ذلك كلّه.
و لو آجر نفسه للخدمة فهرب، أو آجر دابّة فشردت، أو أخذ المؤجر العين و هرب بها، أو منعه من استيفاء المنفعة، تخيّر المستأجر بين الفسخ
ص: 96
و الإمضاء، فإن لم يفسخ انفسخت بمضي المدّة يوما فيوما، فإن عادت العين في الأثناء استوفى الباقي، و لو انقضت المدّة انفسخت الإجارة.
أمّا لو كانت الإجارة على موصوف في الذمّة، كخياطة الثوب، أو بناء حائط، فالوجه أنّه يستأجر من ماله من يعمله، و لو تعذّر كان للمستأجر الفسخ، و الصبر إلى وقت القدرة على المطالبة بالعمل.
4232. الثالث: إذا استأجر دارا، أو أرضا للزرع، فانهدمت الدار، و غرقت الأرض، أو انقطع ماؤها(1) في أثناء المدّة،
فإن لم يبق فيها نفع أصلا، فهي كالتالفة تنفسخ الأجرة فيما بقي، و ليس له الفسخ فيما مضى و الرجوع إلى أجرة المثل، على إشكال، و إن بقي فيها نفع غير ما استأجرها له مثل أن ينتفع بعرصة الدار لوضع حطب فيها، أو نصب خيمة(2) أو صيد السمك، فالأقرب ثبوت الخيار للمستأجر بين الفسخ و الإمضاء بالجميع، و لا تبطل الإجارة من دون الفسخ، و لو لم يختر أحدهما لجهله بأنّ له التخيير أو لغيره، كان له الفسخ بعد ذلك، و لو كان النفع الباقي لا يجوز استيفاؤه بالعقد، كما لو استأجر [دابّة] للركوب، فصارت لا تصلح إلاّ للحمل أو بالعكس، انفسخت الإجارة.
و لو أمكن الانتفاع مع قصوره، مثل أن يمكنه الزّرع بغير ماء، أو كان الماء ينحسر عن الأرض التي غرقت على وجه يمتنع معه بعض الزّرع، أو كان يمكنه سكنى ساحة الدار، لم تنفسخ الإجارة، بل يتخيّر المستأجر بين الفسخ و القبول بالجميع على إشكال.
ص: 97
و لو كان الحادث لا يضرّ، مثل انقطاع الماء وقت الغنى عنه، أو وقت الحاجة لكن يجيء به المؤجر من موضع آخر، و كان الغرق ممّا ينحسر سريعا من غير منع من الزرع و لا ضرر، لم يكن للمستأجر الفسخ.
و لو حدث الهدم، أو الغرق، أو انقطاع الماء ببعض العين، تخيّر المستأجر بين فسخ الجميع، أو البعض، و يمسك الباقي بحصّته لا بالجميع.
و لو ضاعت من المستأجر بغير تفريطه، وجب على المالك بدلها، و لو انهدم بعض المسكن، وجب عليه بناؤه، و كذا لو سقطت خشبة، وجب إبدالها، و عليه عمل الحمام إمّا بالقير أو الصاروج(1) و عمل أبوابه و بزله(2) و ليس عليه التحسين و التزويق، و أمّا الحبل و الدلو و البكرة(3) فعلى المستأجر، و على المالك تنقية البالوعة و الكنيف، إن احتيج إليه في ابتداء المدّة، أمّا لو احتيج إليه لامتلائها بفعل المستأجر، فالأقرب أنّه كذلك، و كذا البحث في تفريغ جيّة(4) الحمّام.
و لو خرجت المدّة و في الدار زبل أو قمامة، وجب على المستأجر تفريغها منه على إشكال.
ص: 98
و لا يجوز أن يشترط استيفاء ما قابل مدّة التعطيل بعد مدة الإجارة.
و لو شرط المالك سلفا، قائما يأخذه، يكون في يده بحاله على وجه الرّهن و يردّه على المستأجر بعد انقضاء المدّة، قال الشيخ: يبطل العقد.(1)
و ليس له الأرش، و لو لم يعلم بالعيب حتّى انقضت المدّة، فلا خيار و لا أرش.
مثل أن يشترط أنّ ما يحتاج الدار أو الحمّام إليه من العمارة فعلى المستأجر، ففي البطلان نظر، و أفتى به في المبسوط(2). و لو لم يشترط لكن أذن له في الإخراج ليحسب له من الأجرة، جاز، فإن اختلفا في الإخراج، فالقول قول المستأجر على إشكال، و لو اختلفا في القدر، فالقول قول المالك، و لو لم يأذن لم يلزمه ما أخرجه تبرعا.
و لو أذن الحاكم، لغيبة المالك، و حاجة الموضع، كان له الرجوع به، و لو تعذّر الحاكم، فالأقرب جواز الرجوع للضرورة.
وجب تعيين
ص: 99
أحدهما، فلو قال: آجرتكها للزرع أو الغرس، لم تصحّ حتّى تعيّن.
و لو قال: آجرتك لهما، جاز، و زرع النصف، و غرس الآخر على إشكال، و يحتمل البطلان، و هو قويّ ، و لو قال: لتزرعها ما شئت و تغرسها ما شئت، فالأقرب الجواز، و لا يجب التقسيط بينهما، بل يجوز زرع الجميع و غرسه، و التقسيط بالسويّة و متفاضلا.
و يتخيّر في أنواع المزروعات مع الإطلاق، و مع التخصيص لا يجوز التعدّي إلى ما هو. أكثر ضررا، أو أقلّ .
و لو آجرها لزرع نوع معيّن، فالأقرب جواز زرع غيره ممّا يساويه في الضرر أو يقصر عنه، و لا يجوز إلى ما هو أزيد، و لا إذا شرط المالك التخصيص، و كذا البحث لو أكراها للغراس في الإطلاق و التخصيص.
و لو آجرها للبناء، لم يكن له الزرع و لا الغرس، و بالعكس فيهما.
سواء كان الماء من نهر، أو عين، أو مصنع يكتفى به، و لو لم يكن الماء دائما، بل كان وقت الحاجة، مثل ماء الفرات الّذي يزيد وقت الحاجة إليه للزّرع، و مصر(1)و أشباه ذلك، فإنّه تجوز إجارة الأرض للزراعة قبل زيادة الماء و بعده، و لو كان مجيئه نادرا بحيث لا يتحقّق حصوله وقت الحاجة، لم تجز إجارتها للزرع و الغرس قبل وقت الحصول، و تجوز بعده.
ص: 100
و لو آجرها في غير وقت الماء مطلقا على أنّه لا ماء لها، جاز الانتفاع بها في غير الزرع، كالنزول بها و غيره، و مع حصول الماء يجوز له زرعها، و ليس له أن يبني و لا يغرس، و له زرعها قبل مجيء الماء لرجاء حصوله، و لو أطلق الاجارة لهذه الأرض مع علمهما بحالها، صحّت.
و لو كان لها ماء غير دائم، و ينقطع قبل الزرع، أو كان لا يكفيه، فهي كالعادمة.
و لو استأجرها للزرع، و لم يعلم بحالها، أو علم و ظنّ أنّ المالك يسوق الماء إليها، لم يصحّ العقد.
إلاّ أن يعلم انحسار الماء عنها وقت الحاجة.
فإن كان لتفريط من المستاجر، كما لو زرع ما لا يدرك في المدّة، فكالغاصب يتخيّر المالك بين قطعه و إبقائه بالأجرة و لو اختار المستأجر قطع زرعه في الحال، كان له ذلك، و ليس للمالك أخذه بالقيمة بدون رضا صاحبه.
و إن كان بغير تفريط، مثل تأخّره لبرد حصل، أو تأخّر الأهوية، أو المياه، أو غير ذلك، فعلى المؤجر تركه، و له المسمّى و أجرة المثل في الزائد، و يحتمل وجوب نقله لحصول التفريط منه، إذ قد كان يمكنه الاستظهار بزيادة المدّة، و الأوّل أقرب.
و لو أراد المستأجر زرع ما لا يدرك في المدّة، فالأقرب أنّه ليس للمالك
ص: 101
منعه، و قال الشيخ: له منعه(1) و فيه نظر، نعم له قلعه عند الانقضاء لا قبله.
و لو استأجر لزرع مدّة لا يكمل فيها، و شرط تفريغ الأرض عند الانتهاء، جاز، و لزمه النقل، و إن أطلق، فالوجه الجواز، سواء أمكنه الانتفاع بها في المدّة، بزرع(2) ما يساوي المشترط في الضّرر، أو يقصر عنه أو لا، على إشكال.
و حينئذ فالأقرب عدم وجوب الإبقاء على المالك و لو رضي بالأجرة عن الزيادة جاز، و لو اشترط التبقية إلى وقت البلوغ، بطل العقد.
سواء شرط قلع الغراس عند الانتهاء أو لا، و له الغرس قبل الانقضاء لا بعده، و يجب مع الانتهاء قلع الغرس مع الشرط، و هل مئونة القلع على الغارس أو المالك ؟ فيه تردّد، و لا أرش على المالك.
و لا يجب على المستأجر تسوية الحفر، و إصلاح الأرض، إلاّ أن يقلعه قبل المدّة، و لو اتّفقا على إبقائه بعوض، أو غيره، جاز، إن قرنه بمدّة معيّنة.
و لو أطلق العقد، فللمستأجر القلع، و عليه تسوية الحفر، و كذا إن قلعه قبل انتهاء المدّة.
و لو لم يقلعه، قال الشيخ: لم يجبر على قلعه مجّانا، و يتخيّر المالك بين أخذ الغرس بالقيمة، و يجبر المستأجر على القبول، و بين الإجبار على القلع مع دفع الأرش لنقص الغرس بالقلع، و بين التبقية بأجرة المثل(3).
ص: 102
و عندي في إجباره على قبول القيمة نظر، و لا يتخيّر المالك بين دفع قيمة الغراس و القلع مجانا، و الترك، فيكونان شريكين.
و لو باع الغارس غرسه على غير المالك، جاز، و قام المشتري مقام البائع، و لو شرط في العقد تبقية الغراس، فالأقرب البطلان، و تثبت أجرة المثل.
و له زرع ما هو أبلغ ضررا و أدناه و ما بينهما، و إن عيّن المزروع جاز أن يزرعه، و ما يساويه، أو يقصر عنه، في الضرر، سواء شرطه أو لا، و إن شرط أن لا يزرع غيره، صحّ الشرط و العقد، و مع التخصيص، لو زرع ما هو أضرّ به، كان للمؤجر قلعه، سواء بلغ إلى الضّرر الزائد على ما سمّاه أو لا.
ثمّ إن بقي من المدّة ما يمكن فيه زرع المسمّى، كان له ذلك، و إلاّ فلا، و عليه أجرة جميع المدّة.
و لو لم يعلم المالك حتّى استحصد، فالوجه أنّ له المسمّى و أجرة الزيادة، و يلوح من كلام الشيخ التخيير بين ذلك و بين أجرة المثل(1).
و كذا لو استأجر للسكنى فأسكن القصّار أو الحداد، فإنّ الوجه أن يأخذ المسمّى و أجرة الزائد من الضرر، و كذا لو استأجر غرفة ليجعل فيها وزنا من القطن، فوضع ذلك الوزن من الحديد.
و لو قال: ازرع ما شئت جاز، و ليس له أن يغرس، و لو استاجرها للبناء، جاز، و يشترط معرفة الموضع و العرض، و في العلوّ نظر.
ص: 103
و فيه سبعة عشر بحثا:
فلو استأجرها لحمل شيء معلوم، جاز أن يحملها ما يساويه في المقدار و الضرر، و ليس للمؤجر إبدال الدابّة بمثلها، أو أجود بدون رضى المستأجر، و لو كانت المنفعة الّتي يستوفيها أكثر ضررا، أو مخالفة للمعقود عليه في الضرر، لم يجز، فلو استأجر لحمل حديد، لم يحمل قطنا، و بالعكس، لكثرة مقدار الأوّل(1)، فيعاوق الهواء، فيكثر التعب، و ملازمة الثاني موضعا واحدا،(2) فإن خالف كان عليه المسمّى و أجرة الزائد، و يضمن.
و لو استأجر للركوب، لم يكن له أن يحمل و بالعكس.
و لو استأجره ليركبه عاريا، لم يكن له ركوبه بالسّرج، و بالعكس، و لو استأجره ليركبه بسرج، لم يكن له ركوبه بأثقل.
ص: 104
لم يجز أن يسلك بها في غيرها، سواء كان أكثر ضررا إمّا لخوف أو حزونة(1) أو أقلّ ، و لو فعل ضمن، و هل يجب المسمّى مع الزيادة إن كانت أو أجرة المثل ؟ فيه نظر.
كان عليه المسمّى و أجرة المثل للزائد، و يضمن من حين التعدّي، و لا خيار للمالك مع بقائها، بين المطالبة بالأجرة، و بالقيمة يوم التعدّي، و إن بعدت مسافة التجاوز.
و لا فرق في الضمان بين أن يتلف في الزيادة أو بعد ردّها إلى المسافة، هذا إذا كان صاحبها غائبا.
و إن كان حاضرا، و لم ينطق بشيء حتّى تعدّى فيها، لم تكن مضمونة ضمان اليد، فإنّ يد صاحبها عليها، فإن ماتت و المستأجر راكب، ضمن إمّا النصف، أو ما قابل الزائد على مسافة الإجارة بعد النسبة، على الاحتمالين، هذا ما قاله الشيخ(2) و الوجه عندي ضمان الجميع، و إن كان صاحبها ساكتا.
و إن تلفت بسبب سبع، أو سقوط في وهدة و شبهها، بعد نزوله عنها و تسليمها إلى صاحبها، لم يضمنها.
و لو كان التلف بسبب التعدّي، فإنّه يضمنها بأجمعها، و كذا الأوّل يضمن
ص: 105
الجميع لو كان التلف من الراكب بسبب الحمل أو السير، و لا يسقط الضمان بردّها إلى المسافة.
و يلزمه الضمان، و لو استأجره لحمل قفيز، فوجده قفيزين، فإن كان المستأجر تولّى الكيل من غير علم المالك، كان حكمه حكم من استأجر لحمل شيء فزاد، و إن كان المالك(1) من غير علم المستأجر فلا أجرة عليه للزائد، و للمستأجر مطالبته بردّ الزائد إلى موضعه و ليس للمؤجر إلزامه بذلك لو لم يردّه.
و لو رجعا إلى بلد الأجرة، ثمّ علما بالزيادة، فالأقرب أنّ للمستأجر المطالبة برد الزيادة، و لا يجب عليه قبول المثل، و لا ضمان.
و لو تلف الزائد من الطعام، ضمنه، سواء كاله أحدهما و وضعه الآخر على ظهر الدابة، أو كاله و وضعه، و إن تولاّه أجنبيّ من غير علم المستأجر، فهو متعدّ عليهما، يضمن الدابّة لصاحبها، و الطعام لمالكه.
و لو كاله المستأجر و وضعه المالك مع علمه بالزيادة، فلا ضمان، و في ثبوت الإجارة في الزائد نظر، و لو انعكس الحال، فعليه أجرة الزائد، و لو أمره بالحمل ففي الأجر نظر.
و إن كاله أحدهما، و حمله أجنبيّ بأمره، أو بأمر الآخر، فهو كما لو حمله أحدهما، و لو كان بغير أمرهما، تعلّق به الضمان.
ص: 106
إذا عرفت هذا، فإذا حملها أزيد، فقد قلنا انّه ضامن، و هل يضمن الجميع أو البعض بالتقسيط؟ الأقرب الثاني، و لو كانت الزيادة ممّا لا يقع غلطا، لم يضمن، و لا يوجب لها أجرة في ذلك كلّه.
هذا إذا تلفت من الحمل، و لو تلفت بسبب غيره، كافتراس السبع، و الوقوع في الوهدة، و أخذ ظالم لها، ففي الضمان إشكال.
و كذا مدّة سفره في تجارته، فإن فعل، فله أجرة المثل، و لو سمّى لكلّ يوم شيئا معلوما من غير تعيين الأيّام، لم يجز. و لو عيّنها صحّ ، و يلزمه الأجر، سواء كانت مقيمة أو سائرة، و لا بدّ من تعيين ما يستأجر له، من ركوب أو حمل.
و كذا لو اجر نفسه لسقي النخل كلّ دلو بتمرة، أو فلس، أو غيرهما، جاز بشرط تعيين الدلاء، و لو لم يعيّن، بطل، و كان له أجرة المثل مع العمل، و لا بدّ من معرفة الدلو و البئر و ما يستسقى به.
فإن حبسها أكثر من ذلك، فله بكلّ يوم درهم، لم يجز، فإن جعل ذلك شرطا في العقد، بطل العقد. و إلاّ فلا، فإن حبسها أكثر من المدّة، كان له أجرة المثل، و كذا البحث في الصبرة لو استأجره(1) لحملها على أنّها عشرة أقفزة بدرهم، فما زاد فبحسابه.
و لو قال: استأجرتك لتحملها كل قفيز بدرهم، فإن علما مقدار القفزان،(2) صحّ
ص: 107
إجماعا، و إلاّ فالأقرب البطلان، و تثبت أجرة المثل، و لا يلزم في قفيز واحد على إشكال(1).
و لو قال: لتحمل قفيزا بدرهم، و ما زاد فبحسابه، يريد به حمل الجميع صحّ في القفيز إن لم يجعل الزائد شرطا، و إلاّ بطل، و وجبت أجرة المثل.
و لو أراد مهما حملت عن باقيها فبحسابه، لم يصحّ ، و كذا لو قال: لتحمل قفيزا بدرهم على أن تحمل الباقي بحساب ذلك، أو قال: لتحمل هذه الصّبرة كلّ قفيز بدرهم، و تنقل لي صبرة أخرى في البيت بحساب ذلك، سواء علما الصّبرتين بالمشاهدة، أو لم يعلماهما، و لو علماهما بالكيل جاز، و لو علما إحداهما خاصّة، صحّ فيها خاصّة.
و لو قال: لتحمل هذه الصبرة و الّتي في البيت بعشرة، فإن علما الّتي في البيت بالمشاهدة، صحّ و إلاّ فلا، و لا يصحّ في المشاهدة بانفرادها.
و لو قال: لتحمل هذه الصبرة و هي عشرة أقفزة بدرهم فإن زادت على ذلك فبحسابه، صحّ في العشرة خاصّة إن لم يجعل الزائد شرطا.
و جنس غطائه، و معرفة الوطاء،(1) و إن كان مقتبا ذكره، و يحتاج إلى معرفة المعاليق كالقربة و السطيحة(2) و السفرة(3) و نحوها من جميع ما يحمل معه.
و يجب معرفة الدابّة الّتي يركب عليها، إمّا بالمشاهدة أو الوصف، فيذكر الجنس كإبل، أو فرس، أو حمار، و النوع، كبختيّ ، أو عربيّ ، أو برذون،(4) أو مصري، أو شامي، و الذكورة، و الأنوثة، و جودة مشيه و رداءته.
و إذا كان الكراء إلى مكّة أو ما يشبهها ممّا لا مدخل للمؤجر في السير، لم يحتج إلى ذكر وقته و قدره كلّ يوم.
و لو كان السير في كلّ وقت إلى المؤجر، فالأقرب عدم وجوب ذلك أيضا. لكنّه مستحبّ .
و إذا أطلق، و للطريق منازل معروفة، عمل على العرف مع اختلافهما، و كذا لو اختلفا في وقت السير من الليل أو النهار، و في موضع المنزل من داخل البلد أو خارجه، فإنّه يحمل على العادة.
و لو لم تكن للطّريق منازل معروفة، فالأولى صحّة العقد، و الرّجوع إلى العادة في غير تلك الطريق.
فالأقرب أنّه ليس له حمل بدله، و قوّى الشيخ أنّ له الإبدال(5) و ليس برديّ ، و لو
ص: 109
شرط ذلك فالأقرب الجواز، و كذا لو فنى الزاد بالأكل، أمّا لو نقص بالسّرقة أو بالأكل الخارج عن العادة، فالوجه جواز حمل العوض.
و على ما اخترناه، لو فقد الزاد، و كان بين يديه، مراحل يوجد الزاد فيها، كان له أن يشري ما يتزوّد به مرحلة مرحلة، و إن لم يوجد، أو وجد بثمن غال، كان له أن يحمل البدل مع نفسه، و لو شرط عدم إبدال ما نقص من الأكل، فنقص بسرقة، أو سقوط، فالوجه جواز الإبدال.
فله الركوب عليه إلى مكّة و من مكّة إلى عرفة، و الخروج عليه إلى منى.
و لو اكترى إلى مكّة فقط لم يكن له الخروج عليه إلى عرفات و منى.
من الحداجة(1)، و القتب، و الزمام. أو السرج و اللجام، أو البردعة(2) و المقود(3)، و على المستأجر الزائد على ذلك، كالمحارة، و الحبال الّتي تربط بها، و الوطاء الّذي يشدّ به فوق الحداجة تحت المحمل، و على المؤجر رفع المحمل، و حطّه، و شدّه على الجمل، و رفع الأحمال و شدّها و حطّها و عليه إعانة الراكب على الصعود و النزول، و عليه السائق و القائد هذا إذا اكتراه على أن يصحبه.
و لو استأجر على أن يأخذ الدابّة هو، و يمضي بانفراده كان، (ذلك)(4)، جميعه عليه.
ص: 110
و أمّا الدليل، فالأقرب أنّه على المستأجر إن كانت الأجرة على ظهر معيّن، و على المؤجر إن آجره للحمل إلى المشترط.
و أمّا السوق، فإن كان الكراء ليحمل المستأجر أو ليركب هو عليها، فالسّوق عليه، و إن استأجره لحمل المتاع، فعلى الموجر، و جميع ما قلناه على أحدهما لو شرطه على الآخر، جاز.
و على المؤجر إبراك البعير للمرأة، و العاجز لكبر أو مرض أو سمن، و ليس عليه ذلك لغير المعذور، و لو كان قويّا حال العقد، فضعف أو بالعكس، كان الاعتبار بحال الركوب.
و على الموجر إيقاف البعير لينزل(1) لصلاة الفريضة، و قضاء الحاجة، و الطّهارة، و يستمرّ على وقوفه حتّى يفعل المستأجر ذلك، ثمّ يركب، أمّا ما يمكنه فعله راكبا، كالأكل، و الشرب، و صلاة النافلة، فلا يجب إيقافه لذلك، و لا أن يبركه له. و لو كان في موضع يتخيّر بين التمام و القصر، فطلب المستأجر التمام، لم يكن للمؤجر مطالبته بالقصر، بل يقف معه حتّى يتمّ صلاته.
و لو آجره، و سلّمه إليه، ليركبه بنفسه، لم يلزمه شيء ممّا قلناه، و لو كانت العادة تقتضي النزول و المشي عند قرب بعض المنازل، لم يجب على الراكب النزول فيه، و إن كان جلدا(2) على المشي.
و أقام الحاكم عوضه من يقوم بما يجب عليه، من إطعام الدواب، و الشدّ و الحلّ ، و لو
ص: 111
لم يجد مالا سوى الجمال، و فيها فضلة، بيعت في حمل المستأجر(1)، و النفقة على الجمال، و إقامة عوضه(2).
و لو لم تكن فضلة، اقترض الحاكم عليه إمّا من بيت المال، أو غيره، و دفع إلى المستأجر ما يحتاج إليه، و لو استدان من المكتري و أنفق جاز، و إن أذن للمستأجر في الإنفاق ليرجع به، جاز.
و لو اختلفا في قدر النفقة، فان كان الحاكم قدّرها، قبل قوله في القدر مع اليمين دون الزائد، و كذا إن لم يقدّر في المعروف خاصّة.
و لو أنفق بغير إذن الحاكم مع القدرة عليه، لم يرجع بها، و كذا مع التعذّر و ترك شرط الرجوع و الإشهاد، و لا يقبل قوله في إيجاب الرّجوع له على غيره، و إن أشهد بشرط الرجوع فالأقرب ثبوت الرجوع.
فإن انقضت مدّة الإجارة، و رجع الجمّال، طولب بما عليه، و سلّم إليه الجمال، و إن لم يعد أو لم يؤدّ، باع الحاكم منها بقدر ما عليه، فان فضل، كان للحاكم الخيار في بيعه مع الغيبة و الاحتفاظ بالثمن، و في الإبقاء.
و إن هرب بجماله و كانت الإجارة في الذّمة، لم تنفسخ بالهرب، و يكتري الحاكم من مال الجمال له ظهرا، فإن فقد المال، اقترض عليه إمّا من بيت المال، أو بعض النّاس، أو المستأجر، و الأقرب أنّه ليس له أن يجعل الاستئجار إلى المستأجر.
و لو تعذّر الاقتراض، فللمستأجر الفسخ، و يبقى المال دينا على الجمّال،
ص: 112
و البقاء على العقد، و يطالب الجمّال مع عوده بظهر يركبه، إلاّ أن تكون مقيّدة بزمان، و ينقضى، فله مال الإجارة.
و إن كانت الإجارة على بهيمة معيّنة، لم يكن للحاكم أن يستأجر له غيرها، فإن فسخ المستاجر، رجع بمال الإجارة، و يدفع الحاكم العين، إن وجدها، و إلاّ المثل أو القيمة، و لو لم يكن له مال، فهل له أن يقرض عليه ؟ قال الشيخ: ليس له ذلك(1) و الوجه تخصيص المنع بالاقتراض من المستأجر، لانتفاء الفائدة(2) و إن لم يفسخ، و كانت الإجارة متعلّقة بمدّة، انفسخت بانقضائها.
و لو بقى من الزّمان شيء ثمّ عاد الجمّال بجماله، انفسخ فيما فات دون ما بقى (لكن له الخيار فيه، و لو هرب بعد العمل بعض المدّة. ثمّ عاد قبل الانقضاء، لم ينفسخ فيما بقي).(3) و لا فيما استوفاه، و إن كانت مقدّرة بالعمل، كان له المطالبة به مع رجوع الجمّال، سواء كان عوده بعد مضيّ مدّة يمكن فيها الانتفاع أو لا.
4256. الثالث عشر: يصحّ ذكر العقبة(4) و هو أن يركب البعض و يمشي الآخر،
بشرط أن يقدّرها بفراسخ معيّنة، أو زمان معلوم، مثل أن يركب إلى الزوال، و يمشي إلى آخره، و يعتبر في هذا زمان السير دون زمان النزول.
و لو اكترى على أن يركب يوما و يمشي آخر جاز، و لو أطلق العقبة من
ص: 113
غير تعيين، فان كانت هناك عادة معلومة، حمل عليها، و إلاّ بطل.
و لو اتّفقا على أن يركب ثلاثة، و يمشي مثلها، أو ما زاد على ذلك، أو نقص، جاز، و لو اختلفا لم يجبر الممتنع منهما.
و لو اكتراه اثنان للعقبة بينهما، يركب أحدهما ثمّ ينزل، فيركب الآخر، جاز، و تكون الإجارة متعلّقة بجميع المسافة، و يرجعان في التناوب إلى العادة، أو ما يتّفقان عليه، و لو اختلفا في البادي أقرع، و لو لم تكن للتناوب عادة، بطلت الإجارة، إلاّ أن يعيّنا في العقد التناوب إمّا بالزمان، أو بالفراسخ.
لم تجب معرفة الحمولة(1) من كونها فرسا أو إبلا أو غيرها إلاّ أن يكون المحمول يستضرّ بكثرة الحركة، كالفاكهة، و الزجاج، أو يكون الطريق ممّا يعسر على بعضها دون بعض، فيفتقر إلى تعيينه.
و لا بدّ من معرفة المحمول، فلو شرط أن يحمل ما شاء، لم يجز، و كذا لو قال: لتحمل(2) عليها طاقتها، بل تجب معرفته إمّا بالمشاهدة، أو الوصف بالقدر و الجنس، و الظرف إن دخل في الوزن، لم يحتج إلى ذكره و إلاّ وجب إن اختلف، و لو لم يختلف كالصوف و الشعر، لم يجب تعيينه.
و لو استأجر لمائة رطل من الحنطة، لم يدخل الظرف، و لو قال:
بمائة،(3) دخل.
ص: 114
و لو استأجر ظهرا للحمل موصوفا بجنس، مثل أن يشترط الخيل و البغال، أو الإبل، ليسرع(1) في السير، فلا تفوته الصحبة(2)، أو ليسكن(3) السير(4)، فلا يحصل من الخيل،(5) فأراد حمله على غير ذلك الجنس، لم يقبل منه سواء كان المستأجر أو المؤجر.
جاز (و افتقر إلى معرفة الأرض بالمشاهدة، و بقدر العمل، إمّا بالمدّة أو بالأرض، أو بالمساحة، و إذا قرن بالمدّة)(6) افتقر إلى معرفة البقر، و يجوز استئجارها بانفرادها، فالمتولّي للحرث المستاجر، و بانضمامها إلى مالكها، ليعمل بها، و إلى الآلات كالنّير(7) و بدون الآلة.
و لو استاجر البقر للدياس، افتقر إلى معرفة الزّرع إمّا بالمشاهدة أو بالمدّة(8)من غير تعيين الزرع، و متى شرط المدّة، افتقر إلى تعيين البقر.
افتقر إلى معرفة الحجر بالمشاهدة أو الوصف، و تقدير العمل، إمّا بالزمان، أو بتقدير المطحون و ذكر جنسه، و لو استأجر لدوران الدولاب، افتقر إلى مشاهدة الدّولاب، و تقدير العمل، إمّا بالزمان أو بامتلاء شيء معيّن كالحوض مثلا.
ص: 115
و لو استاجره للغرب(1) افتقر إلى معرفة الغرب، و تقدير الاستيفاء بالزمان، أو تعدّد الضروب، أو بامتلاء شيء معيّن، و لا يجوز التقدير بشرب الأرض و إن كانت معيّنة، و كذا لو قدّره بشرب الماشية.
و لو استأجر لاستقاء الماء، افتقر إلى معرفة الآلة، كالرواية و الجرة و القربة و تقدير العمل، إمّا بالوقت، أو عدد المرّات، أو امتلاء شيء معيّن، فإن قدّره بالمرّات، افتقر إلى معرفة الموضع الّذي يستقي منه، و يذهب إليه، و إن قدّره بملء شيء افتقر إلى معرفته و معرفة موضع الماء.
و لو استأجر الدابّة لنقل التراب، جاز، و لا بدّ من معرفتها في كلّ موضع وقع العقد فيه على المدّة، و إن وقع على العمل المعيّن، لم تجب(2).
فإن كان من قبله، مثل أن يكون قليل الركوب، فلا خيار له، و إن كان من قبلها، كالعثار و قلّة البصر، فإن رضي، فلا خيار، و إن لم يرض، فإن استاجرها بعينها، كان له الفسخ دون الإبدال، و إن كانت في الذمّة، كان له البدل، و لم يكن له فسخ العقد.
ص: 116
و فيه واحد و عشرون بحثا:
و إذا انقضت المدّة وجب عليه رفع يده، و ليس عليه الردّ إلاّ مع المطالبة، و لا يضمنها بعد المدّة بدون التفريط.
و لو طلبها صاحبها بعد المدّة، وجب ردّها مع المكنة، فإن امتنع، ضمنها، و عليه أجرة المثل وقت الإمساك، و إن لم يستعملها، و لو امتنع من الانتفاع من قبل نفسه لزمه الأجرة، و لا ضمان، و إن كان بوقوع الإصطبل على الدابّة.
و هل تبطل الإجارة ؟ فيه نظر.
و لو آجره شيئا و شرط عدم السير ليلا، أو وقت الظهيرة، أو لا يتأخر بها عن القافلة، أو لا يسير في الأعقاب، أو في الابتداء، أو لا يسلكها طريقا معيّنا، أو لا ينزل واديا، فخالف، ضمن.
لم تكن العين مضمونة أيضا، إلاّ بالتعدّي.
و تكبيحها
ص: 117
باللجام(1) للإصلاح و الحثّ على السير ليلحق الرفقة، و للرائض ضرب الدابّة للتأديب، و ترتيب المشي و العدو و السير، و للمعلّم ضرب الصبيان للتأديب إلاّ صغيرا لا يعقل.
و لو تلفت الدابّة بضرب المستأجر ما(2) يسوغ ضربها به لم يضمن، و كذا لا يضمن لو وضع عليها السرج، أو اللجام، أو البرذعة فماتت، و لو تعدّى في ذلك كلّه، ضمن.
و لو ضرب امرأته للتأديب فماتت، ضمن.
و الرائض لا يضمن مع ضربه موافق العادة.
و لو مات الصغير حتف أنفه، أو وقع عليه شيء من السقف لم يضمن المؤدّب، سواء كان الصبيّ حرّا أو عبدا.
و إن كانوا حاذقين، كما لو قطع الحشفة، أو يقطع الطبيب سلعة(3) فيتجاوزها، أو يقطع بآلة كالّة،(4) أو في وقت لا يصلح للقطع فيه، أمّا لو لم يتجاوزوا محلّ القطع(5) مع حذقهم في الصنعة، فاتّفق التلف، فإنّهم لا يضمنون.
و لو ختن صبيّا من غير إذن وليّه، أو قطع سلعة من إنسان بغير إذنه، فسرت جنايته، ضمن، و لو فعل بإذن من له الولاية لم يضمن إلاّ مع التعدّي.
ص: 118
ضمنه، و اقتصّ منه في العمد.
مثل أن ينام عنها، أو يغفل، أو يضعها في بعد منه، أو تغيب عن نظره و حفظه، أو يضربها كثيرا، أو في غير موضعه، أو من غير حاجة، أو يسلك بها طريقا مخوفا.
و لو اختلفا في التعدّي، فالقول قول الراعي، و لو اختلفا في كون الفعل تعدّيا، رجع إلى أهل الخبرة.
و لو ادّعى موت شاة، قبل قوله مع اليمين، و لا يضمن، و إن لم يأت بجلدها.
و لا يضمن ما يأخذه العرب اللصوص و الأكراد، أو يأخذه السباع إلاّ مع التعدّي بأن يخالف صاحب الغنم في المرعى، فإن أطلق، و لم يعيّن الموضع، فلا ضمان إلاّ مع التعدّي.
سواء كانوا في ملك المستأجر أو ملكهم، و سواء كان المستأجر حاضرا، أو غائبا.
و الحمّال يضمن ما يسقط من حمله عن رأسه أو يتلف من عثرته.
و الجمّال يضمن ما يتلف بقوده و سوقه، و انقطاع حبله الّذي يشدّ به الحمل.
و الملاّح يضمن ما تلف في يده أو جذفه(1) أو ما يعالج به السفينة.
ص: 119
سواء حصل منهم التعدّي أو لا، و سواء كان صاحب العمل حاضرا أو غائبا، و كذا كلّ من أعطي شيئا ليصلحه فأفسده أو أعابه.
و لو كان للمستأجر عبيد صغار أو كبار على جمله، ضمن المؤجر ما تلف من قوده و سوقه، و كذا الأجير الخاصّ يضمن ما يتلف بفعله، سواء كان عن تفريط أو لا.
تخيّر المالك بين تضمينه إيّاه معمولا، و عليه الأجر له إن لم يكن دفعه، و بين تضمينه إيّاه قبل عمله، و لا أجر له عليه، و كذا لو أتلف الحامل ما حمله، تخيّر بين تضمينه في موضع التلف، و عليه أجرة حمله إليه، و بين تضمينه إيّاه في موضع التسليم، و لا أجرة.
فلا أجرة له على الزيادة، ثمّ إن كانت الزيادة في الطول خاصّة، استحقّ المسمّى، و إن كان في العرض، فالأقرب أنّه كذلك على إشكال، و كذا الإشكال لو كانت الزيادة فيهما، و لو نسجه ناقصا في الطول، فالأقرب أنّه يستحقّ بنسبة عمله من الأجرة. و لو كان ناقصا في العرض فالإشكال فيه أقوى، و عليه الأرش في البابين.
و إن نسجه زائدا في أحدهما، ناقصا في الآخر، فلا شيء له عن الزيادة، و كان الحكم في النقصان ما ذكرنا، و ليس لصاحب الثوب دفعه إلى النسّاج و إلزامه بثمن الغزل.
و لو أثّرت الزيادة أو النقص [في] العين، مثل أن يأمره بعشرة [أذرع]
ص: 120
ليكون خفيفا فينسجه خمسة عشر صفيقا(1)، أو بالعكس، ضمن الأرش، و الوجه عدم الأجرة.
ضمن الخيّاط أرش القطع، و لو قال:
انظره يكفيني قميصا؟ قال: نعم، قال: اقطعه، لم يضمن.
احتمل الزامه بأرش ما بين قيمته صحيحا و مقطوعا، و ما بين قيمته مقطوعا قميص امرأة و رجل، و الأوّل أقوى، و على التقديرين لا يستحقّ أجرا.
فقال: بل في قميص رجل، أو في قميص أو في الصبغ أحمر(2)، فالوجه أنّ القول قول المالك مع يمينه على عدم الإذن بما ادّعاه الخيّاط و الصبّاغ، و لا أجرة عليه على قطع ما ادّعاه الخيّاط، و الوجه أنّه لا أجرة له أيضا في مقابلة القطع الّذي يصلح لما ادّعاه المالك، و له الأرش.
ثمّ الخيوط إن كانت له، لم يكن للخيّاط فتقه، و إن كانت للصّانع جاز له فتقه و انتزاع الخيوط منه، إلاّ أن يتّفقا على العوض.
و لو طلب المالك أن يشدّ في كلّ خيط خيطا ليقعد في مكانه عند سلّه، لم تجب إجابته، و كذا البحث في الصّبغ.
ص: 121
لم يضمن، سواء كان هلاكه بما يستطاع، أو بغيره، كالغرق أو القهر باليد الغالبة(1) عليه و لا أجرة له فيما عمل له فيها، إن كان العمل في ملكه و المستأجر غائب، و إن كان في ملك المستأجر و هو حاضر، قال الشيخ: له الأجرة، لأنّه يسلّم العمل جزءا فجزءا.(2)
و لو حبس الصانع الثوب على استيفاء الأجرة، ضمنه إلاّ أن يجعله المستأجر رهنا.
و لو دفع القصّار الثوب إلى غير المالك للاشتباه بثوب آخر، ضمنه، فإن قطعه ردّه مع الأرش، و في تضمين القصّار الأرش إشكال، و يطالب بثوبه، فإن كان موجودا، أخذه، و إن نقص فله الأرش، و لو هلك عند القصّار، ففي لزومه إشكال، أقربه ذلك.
و إن كان بغير تفريط لم يضمنه، سواء كان التنّور في ملك أحدهما أو أجنبيّ .
لم يضمنه. و إذا سرق الثياب من الحمّام لم يكن على صاحبه شيء، إلاّ أن يودع فيفرّط.
4277. السابع عشر: إذا حبس حرّا أو عبدا فسرقت ثيابه(3)
كان عليه الضمان.
و لو قال له الحرّ: اقطع يدي، فقطعها، لم يضمنها، و لو قال له عبد ضمنها.
ص: 122
فلا ضمان إلاّ مع التعدّي، مثل أن يلبس الثوب، ثمّ يسرق من حرزه، فعليه ضمانه بقيمته أكثر ما كانت من يوم التعدّي إلى يوم التلف، و إن كان التلف بسببه، ضمنه يوم الجناية.
لم يضمن إلاّ بالتعدّي.
و لو استأجره ليحمل شيئا، فتلف في الطريق، لم يضمنه إلاّ مع التعدّي أو التفريط، سواء كان صاحبه حاضرا معه أو لا.
و لو أخرج روشنا(1) أو جناحا إلى طريق، فتلف به شيء ضمنه.
و لو عزّر الإمام أو حدّ من يستحقّ ذلك فتلف لم يضمن.
4280. العشرون: إذا استأجر ثوبا ليلبسه فائتزر(2) به، ضمنه،
و له أن يقيل(3)فيه، و ليس له البيتوتة فيه.
استقرّت الأجرة عليه، فإذا أمسكها بعد المدّة، ففي وجوب الضمان و مئونتها و مئونة الردّ إشكال، و يلوح من كلام الشيخ وجوب ذلك كلّه عليه(4).
ص: 123
و فيه واحد و ثلاثون بحثا:
ملك المستأجر المنافع المعقود عليها إلى المدّة، و يكون حدوثها على ملكه لا ملك المؤجر، و يملك المؤجر مال الإجارة بمجرّد العقد مع الإطلاق، أو اشتراط التعجيل، و لا يشترط في ذلك استيفاء المنفعة و لا مضيّ وقتها، سواء كانت معيّنة، كالثوب و الدّار، و العبد، أو غير معيّنة.
و لو كانت الإجارة على عمل، ملك الأجير بالعقد أيضا مال الإجارة، و هل يستحقّ تسليمه قبل تسليم العمل ؟ فيه نظر، فإن قلنا به و كان العمل في ملك الصانع لم يبرأ من العمل، و لا يستحقّ الأجر حتّى يسلّم العين، و إن كان في ملك المستأجر، استحقّ الأجر بنفس العمل، و لو استأجر كلّ يوم بأجر معلوم، استحقّ أجر كلّ يوم فيه.
و لو شرطه منجّما يوما بيوم، أو شهرا بشهر، أو أقلّ من ذلك أو أكثر، جاز، و لو خالف في تقسيط الأجرة في النّجوم، صحّ بشرط الضبط.(1)
فإن سلّمت
ص: 124
العين إليه، و مضت المدّة من غير مانع له عن الانتفاع، استقرّ الأجر، و إن لم ينتفع المستأجر، و كذا لو استأجر للعمل و مضت مدّة يمكن استيفاؤه فيها، مثل أن يستأجر دابّة ليركبها إلى موضع، و مضت مدّة يمكن ركوبها فيها.
و لو بذل المؤجر العين، فامتنع المستأجر من أخذها مع إمكانه، و مضت مدّة الاستيفاء، استقرّت الأجرة.
و لو كانت الإجارة متعلّقة بعبد و شبهه على عمل موصوف، كخياطة ثوب، و بناء حائط، و قلع ضرس، و بذل المؤجر العين، و مضت مدّة يمكن استيفاؤه فيها، فامتنع من أخذها، ففي استقرار الأجرة نظر.
و لو كانت الإجارة فاسدة، و عرضها على المستأجر، فلم يأخذها، فلا أجر عليه، و إن مضت المدّة، و لو قبضها المستأجر، و مضت المدّة المشروطة، أو مدّة يمكن استيفاء العمل فيها، احتمل وجوب أجرة المثل و عدمه، أمّا لو استوفى المنفعة، فإنّه تلزمه أجرة المثل لا أقلّ الأمرين من المسمّى و الأجرة.
لا يثبت فيه خيار المجلس، و لو شرط الخيار فيه لهما، أو لأحدهما، أو لأجنبيّ ، جاز بشرط ضبطه بالمدّة المعلومة، سواء كانت معيّنة، مثل أن يستأجر هذا العبد، أو مطلقة في الذمّة، مثل أن يستأجر لخياطة ثوب.
و كذا لو تلفت بعد قبضها في ابتداء المدّة، و لو تلفت بعد مضيّ بعض المدّة، لم تنفسخ فيما مضى، و بطلت في المستقبل، و عليه من الأجر بقدر الماضي، فإن تساوت أجزاء المدّة بسطت الأجرة عليها، و إن اختلفت
ص: 125
كموضع تكثر إجارته في وقت دون آخر، بسطت الأجرة على قدر القيمتين في المدّتين لا على المدّتين، و كذا التفصيل لو أبق العبد.
لم تبطل الإجارة، و كان على المستأجر دفع الأجرة، و له مطالبة الغاصب بأجرة المثل، سواء زادت عن المسمّى، أو نقصت.
و إن كان قبل الإقباض، تخيّر المستأجر في الفسخ مع الرجوع على المالك بالمسمّى، و في الرجوع على الغاصب إن اختار الإمضاء، و إن اختار الفسخ، كان له، و يسقط عنه مال الإجارة، و يستردّه مع الدفع، و لو ردّت العين في الأثناء، و لم يكن قد فسخ، كان له استيفاء الباقي، و كان الخيار فيما مضى.
ثابتا، و ليس له مطالبة المالك بالانتزاع، و إن كان متمكّنا منه.
و لو أقرّ المالك بالرقبة تثبت في حقّه، و لم تثبت في حقّ المستأجر، بل كان له مخاصمة الغاصب، و لو كانت الإجارة على عمل كخياطة ثوب، أو حمل شيء، فمات العبد أو الخيّاط أو الجمل الحامل، لم تنفسخ الإجارة، و كان عليه إقامة من يعمل ذلك، و كذا لو غصب، و لو تعذّر البدل، تخيّر المستأجر في الفسخ و الصّبر حتّى يظفر بالعين المغصوبة.
و لو منعه المالك من استيفاء المنفعة في ابتداء المدّة، كان له الفسخ، و الأقرب أنّ له الإمضاء فيرجع بالتفاوت إن كان.
و لو غصب المستأجر العين المستأجرة، كان ذلك استيفاء للمنافع، و لو أبق العبد في الأثناء، كان للمستأجر البقاء، فإن رجع قبل الانقضاء، انفسخ فيما مضى حال الإباق، و لا ينفسخ في الباقي، و لو لم يرجع انفسخت في الباقي خاصّة.
ص: 126
أو يحصر البلد، فيمتنع من الخروج(1) إلى العين المستأجرة للزرع، ففي ثبوت الخيار للمستأجر إشكال.
و لو استأجر دابّة ليركبها، أو يحملها إلى موضع معيّن، فانقطعت تلك الطريق لخوف الناس، أو استأجر إلى مكّة فامتنع الناس من الحجّ تلك السنّة، فالأقرب ثبوت الخيار لكلّ منهما بين الفسخ و الإمضاء.
و لو كان الخوف مختصا بالمستأجر، كقرب عدوّه من ذلك المكان، أو حبس، أو مرض، أو ضاعت نفقته، أو تلف متاعه، لم يملك الفسخ.
تخيّر في الفسخ و الإمضاء بالجميع، و ليس له المطالبة بالبدل.
و لو تجدّد العيب بعد العقد، كان للمستأجر الفسخ في الباقي و الإمضاء بالجميع.
فلو انهدمت الدار كان على المالك عمارتها، و للساكن خيار الفسخ، و هل له إجبار المالك على العمارة ؟ فيه نظر.
و لو باع المالك العين كان عدم الإجبار أولى، سواء سبق البيع الهدم، أو تأخّر.
و لو اختلفا في كون الموجود عيبا، رجع إلى أهل الخبرة، و لو كانت الإجارة في الذمّة لم يكن له الفسخ، و كان له الإبدال.
ص: 127
و يفتقر إلى تقديره بالمدّة لا العمل، و لا بدّ من ذكر المرّة في كلّ يوم، أو المرّتين، و لو قدّره بالبرء، لم يجز إلاّ على وجه الجعالة، و الكحل على العليل، و لو شرطه على الكحّال، جاز، أمّا الخيوط، فعلى الخيّاط، و كذا المداد و الأقلام على الناسخ لا المستأجر.
و لو استأجره لبناء حائط، و شرط الآجر على الصّانع، فالوجه الجواز، و الصّبغ على الصبّاغ، و اللبن على المرضعة.
و إذا استأجره مدّة فكحله فيها و لم تبرأ عينه استحقّ الأجرة، و لو برأت عينه في أثناء المدّة، انفسخت الإجارة في الباقي، و كذا لو مات.
و لو امتنع من الاكتحال مع بقاء المرض، استحقّ الكحّال الأجر بمضيّ المدّة، أمّا لو قال أهل الطبّ : إنّ الكحل يضرّه، فحكمه حكم البرء.
و يجوز استئجار الطبيب للمداواة، و الحكم فيه كالكحل، و لو اشترط المريض الدواء على الطبيب، فالأقرب الجواز.
و لو استأجره لقلع ضرسه، جاز، فإن برأ قبل القلع، انفسخت الإجارة، و لو لم يبرأ و امتنع المستأجر من قلعه، لم يجبر عليه، و عليه الأجرة إذا مضت مدّة العمل.
فان عيّنها تعيّنت، و يبطل العقد لو ماتت، و لو مات بعضها بطل فيه، و ليس له إلزامه برعي البدل، و لو ولدت لم يجب عليه رعي السخال، و لو قرن الرعي بالمدّة،
ص: 128
وجب ذكر الجنس، كالإبل، أو البقر، أو الغنم، و النوع كالبخاتي(1) و الجواميس، أو العراب(2) و الضأن أو المعز.
و لو أطلق البقر، فالأقرب عدم دخول الجواميس، و في دخول البخاتي في إطلاق الإبل إشكال، و لو وقع العقد في موضع يقع الإطلاق عليهما بالسويّة افتقر إلى التعيين، و لا بدّ من ذكر الكبير و الصغير، فيقول: كبارا أو صغارا(3).
و إذا عيّن العدد لم يجب عليه الزيادة، و إن كان من سخالها، و لو لم يعيّن العدد، بل استأجره لرعي مدّة، قال الشيخ: يسترعيه القدر الّذي يرعاه الواحد عادة من العدد، فلو اقتضت مائة، لم يجب الزائد و لو تلف شيء منها كان له الإبدال، و لو نتجت كان عليه ان يرعى السخال معها للعادة(4) و لو قيل: بالبطلان كان وجها.
كان له الفسخ، أو المطالبة بالعوض، إن كانت الأجرة مضمونة، و إن كانت معيّنة، كان له الردّ أو الأرش لا المطالبة بالبدل.
و لو أفلس المستأجر بالأجرة، فسخ المؤجر إن شاء.
و لو استعمل قبل الشرط، كان له أجرة المثل، و لو شارطه و أعطاه بالمشترط عرضا، ثمّ تغيّر سعره، كان عليه بسعر وقت إعطاء المال، دون وقت المحاسبة.
ص: 129
و المشترك هو الّذي يستأجر للعمل مجرّدا عن المدّة، فالأوّل لا يجوز له العمل لغير المستأجر، إلاّ بإذنه في المدّة، و الثاني يجوز.
و لو اختلفا في القيمة، فالقول قول المستأجر مع يمينه، و قيل: قول المالك إن كانت دابّة، و الوجه الأوّل، و يجب على المستأجر سقي الدابّة و علفها بمجرى العادة، فلو أهمل ضمن.
إلاّ أن يشترطها على الأجير، قاله الشيخ(1) و منعه ابن إدريس(2) و فيه قوة.
كان لازما للمولى في كسب العبد.
و لو أسقط المستأجر النفقة المعيّنة، لم تسقط، أمّا لو أبرأه عما استحقّه في ذمّته من العمل، فإنّه يصحّ .
صغيرا كان أو كبيرا، و سواء كان حرّا أو عبدا.
فإن عقد معه
ص: 130
إجارة صحيحة، لزمه المسمّى، و إن كانت فاسدة، فأجرة المثل، و إن لم يعقد لكن صرّح له بإعطاء الأجر، فأجرة المثل أيضا، و كذا لو عرض له بإعطاء الأجرة، مثل أن يقول: خذ هذا فاعمله، و أنا أعلم أنك لا بدّ لك من أجرة.
و لو لم يعرض و لم يصرّح، فإن كان ممّن عادته أخذ الأجرة عليه، بأن يكون منتصبا لذلك، فله أجرة المثل أيضا، و إن لم تجر له عادة بالأجرة عليه، فإن كان الفعل ممّا يستحقّ عليه الأجر، كان له أجرة المثل، و إن لم تكن له أجرة، لم يلتفت إلى مدّعيها، و كذا البحث لو دفع سلعة ليبيعها.
و لو تلفت السلعة من حرزه من غير تفريط، لم يضمنها، و لو تلفت بفعله ضمنها.
استحقّ الأجر لذهابه و عوده.
فالقول قول المستأجر مع اليمين، و قال في الخلاف: الّذي يليق بمذهبنا استعمال القرعة(1) و لو تعارضت البيّنتان، حكم لبيّنة المؤجر معها.
مثل أن يقول: آجرتك سنة بدينار، فيقول: بل سنتين بدينارين، فالقول قول المالك مع يمينه و عدم البيّنة، و لو قال: بل سنتين بدينار، فها هنا اختلاف في العوض و المدّة، فالأقرب
ص: 131
فيه أن يتحالفا، و يفسخ العقد بينهما، و حلف كلّ واحد منهما على نفي ما ادّعاه الآخر(1) و لو رضى أحدهما بيمين صاحبه، أقرّ العقد.
و لو قال المالك: أجرتكها سنة بدينار، فقال: بل استأجرتني لحفظها سنة بدينار، فالقول قول المالك مع السكنى سنة.
فالقول قول المنكر، و كذا لو اختلفا في قدر المستأجر، و لو اختلفا في ردّ العين المستأجرة إلى مالكها، فالقول قول المالك.
فالقول قول من ينكره، و لو ادّعى المستأجر إباق العبد من عنده بغير تفريط، أو أنّ الدابّة قد شردت من غير انتفاع بهما، فالأقرب أنّ القول قوله مع يمينه، و كذا لو ادّعى التلف من غير تفريط.
و لو ادّعى أنّ العبد مرض في يده، فالأقرب التفصيل، فإن جاء به صحيحا، فالقول قول المؤجر، و إن جاء به مريضا، فالقول قوله، و كذا لو ادّعى إباق العبد في حال إباقه، أو جاء به غير آبق.
و لو هلكت العين فاختلفا في وقت هلاكها، أو أبق العبد، أو مرض، فاختلفا في وقت ذلك، فالأقرب أنّ القول قول المستأجر مع اليمين، لأنّ الأصل عدم العمل.
ص: 132
كلّفوا البيّنة، و مع عدمها، يلزمهم الضمان، و لو قيل:
ان القول قولهم مع اليمين كان أولى، و كذا البحث لو ادّعى المالك التفريط فأنكروا.
فإن ذكر بلفظ السلم، كان من شرطه قبض الأجرة في المجلس، و إن كان بلفظ الإجارة، مثل أن يقول: استأجرت منك ظهرا صفته كذا، قيل فيه وجهان:
أحدهما اشتراط القبض في المجلس، و الثاني عدمه(1) و لم يرجّح شيئا.
فقال المؤجر: وسّع قيد المحمل المقدّم و ضيّق المؤخّر، ليكون أسهل على الجمل، و طلب الراكب العكس، ليكون أسهل عليه، لم يقبل من أحدهما، و وضع مستويا.
بطلت الإجارة، و لو استأجرها للرّضاع و الحضانة، فانقطع اللبن، فالأقرب تخيّر المستأجر بين الفسخ و الإمضاء إمّا بالجميع أو بقدر الحصّة على إشكال.
لم يكن على المؤجر تجديده، فإن علم المستأجر، فلا خيار، و إلاّ فله الفسخ.
فإن تشاحّوا تناوبوا بمقدار من الزمان.
ص: 133
لم يجب الوفاء به، و لا يحلّ للمملوك أخذه، فإن أخذه، وجب عليه ردّه على مولاه، قاله الشيخ(1) و الوجه بقاؤه على الدافع.
ص: 134
كتاب المزارعة
ص: 135
ص: 136
و فيه فصلان
و فيه اثنا عشر بحثا:
و المزارعة مشتقّة من الزّرع، و المخابرة مشتقّة من الخبار، و هي الأرض الليّنة، و هي دفع الأرض إلى من يزرعها بحصّة مشاعة ممّا يخرج منها، و هي جائزة سواء كانت الأرض بيضاء، أو كان بينها نخل بقدر البياض.
و هي عقد لازم لا يبطل إلاّ بالتقايل، و لا يبطل بموت أحد المتعاقدين، و عبارته أن يقول: زارعتك على هذه الأرض مدّة معيّنة بحصّة معيّنة من حاصلها، و كذا ينعقد بقوله: ازرع هذه الأرض، على ما قلنا، أو سلّمت هذه الأرض للزراعة بالحصّة المعلومة.
أن يكون النماء مشاعا،
ص: 137
و أن يكون نصيب كلّ منهما معلوما، و تعيين المدّة،(1) و إمكان الانتفاع بالأرض، فلو شرط كلّ منهما الانتفاع بشيء منه معيّن، مثل أن يكون لأحدهما الأفل و للآخر الهرف،(2) أو ما يزرع على الجداول و الآخر ما يزرع في غيرها، أو يشترط أحدهما زرع ناحية و الآخر زرع أخرى، أو يشترط أحدهما الشتوي و الآخر الصيفي، أو أحدهما قدرا معيّنا و الآخر الباقي إمّا منفردا، أو مع نصيبه، بطلت.(3)
و اشتراط ذهب أو فضّة على كراهية، و كذا اشتراط قفيز معيّن من غير الأرض المزروعة، و لو شرط أحدهما قفيزا معلوما من الحاصل، و ما زاد بينهما، ففي البطلان نظر، و كذا لو شرط أحدهما إخراج بذره، و الباقي بينهما، فإنّ فيه خلافا، و الجواز حسن، فحينئذ إن شرط إخراج البذر (وسطا)(4) جاز، و إن لم يشترط لم يخرج، و قسم الحاصل على قدر الشرط.
مثل أن يشرط أحدهما نصيبا مجهولا، أو اشترط قفزان معلومة من الحاصل، فهذا يبطل المزارعة، و منها ما لا يقتضي ذلك، كعمل ربّ الأرض، أو غلامه، أو عمل العامل في شيء آخر، فهذا لا يبطل المزارعة.
و لو شرط أنّه إن سقى سيحا فله كذا، و إن سقى بدولاب و شبهه فكذا ففي الجواز إشكال.
ص: 138
و لو قال: إن زرعت حنطة فلي الربع، و إن زرعت شعيرا فالثلث، و إن زرعت باقلاء فلي النصف بطل، و كذا لو قال: ما زرعت فيه من حنطة فلي الربع، و ما زرعت فيه من شعير فالثلث، و ما زرعت من باقلاء فالنصف.
و لو قال: ما زرعتها من شيء فلي نصفه، صحّ ، و كذا يصحّ لو جعل له ثلث الحنطة و ربع الشعير و نصف الباقلاء إذا عيّن ما يزرع من كلّ واحد منها، إمّا بتقدير البذر، أو المكان بالمشاهدة أو المساحة.
و يجوز بحنطة أو شعير في الذمّة، أو من غيرها موجود.
و لو اقتصر على تعيين المزروع من غير ذكر المدّة، فوجهان أقربهما البطلان.
فالأقرب أنّه ليس للعامل زرع الأرض مرّة ثانية، و إن كان يدرك مع انتهاء تلك المدّة، هذا إذا عيّنا المزروع، و لو أطلقه، أو كانت العادة تقتضي زرعه مرّتين، فانّه يجوز كما لو شرط زراعة سنتين فصاعدا، و لو انتهت المدّة قبل إدراكه، فالأقرب أنّ للمالك إزالته، سواء كان بسبب العامل كالتفريط أو من قبل اللّه تعالى كتغيّر الهواء و تأخير(1) الماء عن وقت العادة.
و لو اتّفقا على التبقية بعوض أو بغير عوض، جاز، لكن مع شرط العوض يفتقر إلى تعيين المدّة.
ص: 139
و لو شرط في العقد تأخيره إن بقي بعد المدّة المشروطة، فالأقرب البطلان.
لزمته أجرة المثل، و لو كان قد استأجرها لزمته الأجرة.
بأن يكون لها ماء إمّا من نهر، أو بئر، أو عين، أو مصنع، أو غيث معتاد، و لو تعذّر وصول الماء إليها، لم تصحّ المزارعة. و لو زارع على ما لا ينحسر الماء عنه، أو ينحصر بعد المدّة، أو في أثنائها بعد فوات الوقت المعتاد للزرع، لم تصحّ ، و لو كان قليلا يمكن معه بعض الزّرع جاز، و لو كان ينحسر عنها بالتدريج، فالأقرب جواز المزارعة لا الإجارة للزرع، للجهل بوقت الانتفاع.
فإن كان الزرع يحتاج إليه تخيّر العامل في الفسخ و الإمضاء إن كان(1) قد زارع عليها، أو استأجرها للزراعة، و عليه أجرة ما سلف، و يرجع بما قابل المدّة المتخلّفة.
و إن عيّن المزروع، لم تجز المخالفة، فإن زرع ما هو أضرّ كان للمالك أجرة المثل إن شاء أو المسمّى مع الأرش، و لو كان أقلّ ضررا، جاز.
و كذا البحث لو استأجر لزرعين أو غرسين مختلفي الضّرر.
ص: 140
و فيه ثمانية عشر بحثا:
سواء قلّ بياض الأرض أو كثر، فإذا قال: ساقيتك على النخل، و زارعتك على الأرض مدّة كذا على النصف، جاز، و كذا لو قال:
عاملتك على الأرض و الشجر بالنصف.
و لو قال: زارعتك على الأرض بالنصف، و ساقيتك على الشجر بالربع، أو بالعكس، جاز.
و لو قال: ساقيتك على الأرض و الشجر بالنصف، ففي الجواز إشكال، من حيث إنّ المزارعة تستلزم السقي،(1) و إنّ شرط المساقاة المعاملة على أصل ثابت، و الأقرب الجواز، مع إرادة المجاز الشرعي(2)، و كذا البحث في الأرض البيضاء (و لو قال: ساقيتك على هذه الأرض بنصف ما يزرع فيها)(3).
و لو قال: ساقيتك على الشجر بالنصف، و لم يذكر الأرض لم تدخل في
ص: 141
العقد، و ليس للمالك أن يزرع، و لو شرط ربّ الأرض أن يزرع هو دون العامل، جاز.
و لو زارعه أرضا فيها نخلات يسيرة، جاز أن يشترط العامل ثمرتها، سواء كان الشجر بقدر الثلث فما دون، أو أزيد، و لو آجره بياض الأرض و ساقاه على الشجر الّذي فيها، جاز سواء فعلا ذلك حيلة على شراء الثمرة قبل وجودها أو لا.
و كذا تصحّ لو كان البذر و العوامل من العامل، أو كان من أحدهما الأرض و العمل، و من الآخر البذر، و لو كان بلفظ الإجارة لم تصحّ لجهالة العوض.
فهو بينهما كذلك و ليس لأحدهما الرجوع على الآخر بشيء، و كذا لو شرطا التفاضل، فإنّه يلزم الشرط، سواء كان الفاضل للمالك أو العامل، و كذا لو تفاضلا في البذر و تساويا في الحاصل، أو تفاضلا فيه.
فإن كان هو المالك، كان عليه أجرة المثل لعمل العامل، و إن كان هو العامل، كان عليه أجرة مثل الأرض لربّها، و لو كان البذر منهما فالزرع لهما و يترادّان الفاضل من أجرة مثل الأرض الّتي فيها نصيب العامل و أجرة العامل بقدر عمله في نصيب صاحب الأرض.
و لو قال: صاحب الأرض آجرتك نصف أرضي مدّة كذا بنصف بذرك و نصف منفعتك و منفعة عواملك و آلتك، و أخرج العامل البذر كلّه، لم تجز، لجهالة المنفعة، و لو أمكنت معرفة المنفعة و ضبطها و ضبط البذر، جاز.
ص: 142
جاز.
فالأقرب الجواز على إشكال بلفظ المزارعة لا الشركة، و كذا لو كانوا أربعة، و كان العوامل و العمل من اثنين، و لو كان شركة لم تصحّ ، و كان الزرع لصاحب البذر، و لصاحب الأرض و الفدّان(1) و العمل، الأجرة عليه و لا يجب عليه الصّدقة بالفاضل.
و لو كانت الأرض لثلاثة فاشتركوا على أن يزرعوها ببذرهم و دوابّهم و أعوانهم على الشركة في الحاصل على قدر مالهم، جاز.
فهو لصاحب البذر لا لصاحب الأرض، إلاّ أن يكون صاحب البذر أسقط حقّه منه.
فالقول قول منكر الزيادة، و لو اختلفا في قدر الحصّة، فالقول قول صاحب البذر مع يمينه، و لو أقاما بيّنة، قدّمت بيّنة العامل، و قيل: يرجع إلى القرعة.(2)
و يثبت لصاحب الأرض أجرة المثل، و قيل: القرعة،(3) إذا عرفت هذا فللزارع تبقية الزّرع إلى وقت أخذه.
ص: 143
فالقول قول المالك مع يمينه، و كان له أجرة المثل و أرش الأرض إن عابت و طمّ الحفر، و لا يجب على المالك تبقية الزرع إلى وقت أخذه، بل للمالك قلعه و إن لم يدرك بغير أرش عليه، و كذا لو ادّعى الإجارة، و ادّعى المالك الغصب.
و كذا له أن يشارك غيره في العمل، و لو شرط المالك العمل بنفسه لم تجز المشاركة و لا مزارعة الغير.
و لو شرطه على العامل أو بينهما، جاز.
و لا يجب على العامل القبول، فإن قبل، صحّ ، و عليه دفع حصّة الأرض، سواء زاد الخرص [عن الواقع]، أو نقص، و كان مشروطا بالسّلامة(1) فلو تلف الزرع بآفة سماويّة، أو أرضيّة من غير تفريط من العامل، لم يكن عليه شيء.
و قال ابن إدريس: إن كان ذلك بيعا إمّا بحاصلها أو بغيره، بطل، و إن كان صلحا من حاصلها، بطل، و إن كان من غيره، لزم، و إن تلفت الغلّة بالآفات السماويّة و غيرها(2) و فيه قوّة.
فلو بلغت النصاب وجبت الزكاة فيها عليه لا
ص: 144
على المالك، و كذا المالك إن بلغ نصيبه النصاب وجبت الزكاة فيه عليه و إلاّ فلا.
4339. الخامس عشر: إذا سوّغنا اشتراط إخراج البذر أولا على ما ذهب إليه الشيخ(1) و ابن إدريس فاختلفا في قدره،
4339. الخامس عشر: إذا سوّغنا اشتراط إخراج البذر أولا على ما ذهب إليه الشيخ(1) و ابن إدريس(2) فاختلفا في قدره،
فالقول قول العامل إن كان البذر من ربّ الأرض، و لو كان من العامل ففي تقديم قوله نظر.
و لو ادّعى أحدهما اشتراط حصّة معيّنة، و الآخر مجهولة، فالقول قول مدّعي الصحّة، و كذا البحث في الإجارة.
جاز، و كان لازما له، فإن زاد السلطان، كانت الزيادة على المالك، و لم يتعرّض الشيخ لطرف الجهالة، و في تسويغ اشتراطه إشكال، و معه يكون الخراج بأجمعه على العامل.
و وجب على المشتري الصبر إلى انقضاء المدّة إن كان عالما قبل العقد، و إن لم يكن عالما، تخيّر بين الصبر بغير عوض و لا أرش على إشكال، و بين الفسخ.
وجب عليه قلعه، و للمالك مع امتناعه قلعه بغير أرش، و له أجرة المثل و أرش الأرض إن عابت، و طمّ الحفر، و إن كان بإذنه، لم يكن له القلع إلاّ بالأرش.
ص: 145
ص: 146
كتاب المساقاة
ص: 147
ص: 148
فهاهنا فصلان:
و فيه أحد عشر بحثا:
و هي مفاعلة من السقي، و لا بدّ فيها من إيجاب كقوله: ساقيتك، أو عاملتك، أو سلّمت إليك، و ما أشبهه، و من قبول.
و هي عقد صحيح لازم من الطرفين، لا يبطل إلاّ بالتقايل، و لا ينفسخ بموت أحد المتعاملين، و لا بجنونه، و لا بالحجر عليه، و لو شرط المريض للعامل أزيد من أجرة المثل، ففي إخراج الزيادة من صلب المال إشكال.
و لو قال: استأجرتك لسقي البستان حتّى تكمل ثمرته بنصف الثمرة، لم تصحّ ، بخلاف ما لو قال: ساقيتك.
ص: 149
لاختصاصه بالبيع، و لا الشرط، لعدم إمكان ردّ المعقود عليه، و هو العمل مع الفسخ، على إشكال.
فتصحّ المساقاة على النخل و الكرم و شجر الفواكه، و لا تجوز المساقاة على ما لا ثمر له من الأشجار و لا ورق ينتفع به، كالصفصاف،(1) و لا على ما له ثمر غير مقصود كالصّنوبر، و لو كان له ورق ينتفع به كالتوت و الحنّاء، أو زهر مقصود كالورد، فالأقرب جواز المساقاة عليه.
4346. الرابع: لو ساقاه على وديّ (2) النخل مغروس، أو على صغار الشجر إلى مدّة يحمل فيها غالبا بجزء من ثمرها،
جاز ذلك، ثمّ إن حمل في تلك المدة، استحقّ العامل الحصّة، و إلاّ فلا شيء له.
فلو جعل للعامل مع النّصيب من الثمرة نصيبا من الأصل، لم تصحّ ، و كذا لو جعل له جزءا من ثمرها مدّة بقائها، فلو جعل له ثمرة عام بعد مدّة المساقاة، ففي البطلان نظر.
4348. السادس: يشترط أن تكون المعاملة(3) على أصل ثابت،
فلو ساقاه
ص: 150
على شجر يغرسه لم تجز، و إن قرنه بمدّة يمكن أن يحمل فيها غالبا، و لو قال:
اغرس أرضي فما كان من غلّة فلك بحقّ عملك كذا و كذا، ولي الباقي، لم يجز، و للمالك القلع مع الأرش و أخذ الغرس بالقيمة إن رضي العامل، و لو اختار العامل أخذ شجرة كان له ذلك، و لا أرش عليه للأرض، و لو اتفقا على إبقاء الغرس و دفع الأجرة، جاز، و كذا لو دفع الأرض ليغرسها على أنّ الغرس بينهما، أو على أنّ الأرض و الغرس بينهما.
و يكون وجود الثمرة فيها غالبا، و لا تقدير لأكثرها، أمّا أقلّها فيتقدّر بمدّة تكمل فيها الثمرة، فلو ساقاه أقلّ منها لم تصحّ ، و كان له أجرة المثل إن ظهرت الثمرة، و لو لم تظهر فالأقرب الأجرة أيضا، و لو ساقاه سنة فظهرت الثمرة في آخرها و لم تكمل، فالعامل شريك.
فلو أهمل بطلت المعاملة، و كذا لو شرط أحدهما الانفراد بالثمرة، و يجب كون الحصّة مشاعة، فلو شرط أحدهما ثمرة نخلات بعينها و الآخر الباقي لم يجز، و كذا لو شرط لنفسه أرطالا معيّنة، و للآخر الباقي، أو شرطا إخراج قدر معيّن من الثمرة لأحدهما و الباقي بينهما.
سواء قلّت أو كثرت، و سواء كانت جزءا واحدا كالثلث، أو أجزاء كالخمسين، أو سدس، و نصف سبع، فلو أبهما كالسهم و الحظّ و النصيب لم يصحّ ، و كذا لو قال: ساقيتك على أنّ نصف الثمرة لي، و سكت على إشكال، و لو قال: على أنّ نصف الثمرة لك و سكت،
ص: 151
صحّ ، و يجوز أن يجعل لكلّ صنف من الشجر حصّة على حدة، سواء ساوت الأخرى أو لا، لكن يشترط مع المفاوتة أن يكون العامل عارفا بكلّ نوع.
فالأقرب البطلان، و لو قال: لك الخمسان إن كان عليك خسارة، و إلاّ فالربع، فكذلك.
و يجب الوفاء بالشرط لو وقع، و لو تلفت من الثمرة لم يلزم.
و فيه سبعة و عشرون بحثا:
صحّ .
فإن أخلّ بشيء منه، تخيّر المالك بين فسخ العقد و إلزامه بأجرة العمل، و كذا لو أخلّ بجميعه.
و إن أطلق المساقاة، اقتضى الإطلاق قيام العامل بجميع ما فيه استزادة
ص: 152
النماء من الرفق، أو حرث الأرض تحت الشجر، و إصلاح الأجاجين(1) و سقي الشجر، و استقاء الماء، و إصلاح طرق الماء، و تنقية الأرض من الحشيش المضرّ بالشجر، و الشوك، و قطع الشجر اليابس، و تهذيب الجريد، و زبار الكرم(2) و قطع ما يحتاج إلى قطعة، و إدارة الدّولاب، و البقر الّتي تديره و تحرث الأرض(3)و التلقيح، و التعديل، و اللّقاط، و الجذاذ، و إصلاح موضع التشميس، و نقل الثمرة إليه، و حفظها على رءوس الشجر إلى وقت قسمتها.
و يجب على المالك القيام بما فيه حفظ الأصل، كبناء الجدار، و إنشاء النهر، و عمل الدولاب و حفر البئر، و إقامة الدالية، و هل كشّ (4) التلقيح على العامل أو المالك ؟ فيه إشكال ينشأ من كونه غير عمل، و من كون التلقيح لا يتمّ إلاّ به، فأشبه بقر الحرث، و اختار الشيخ الثاني(5) و ابن إدريس الأوّل(6).
و أمّا تسميد الأرض بالزبل، فعلى المالك شراؤه، و على العامل تفريقه على الأرض إن احتاجت الثمرة إليه.
فعلى كلّ منهما ما ذكرنا أنّه عليه، و إن شرطاه كان تأكيدا، و إن شرطا على أحدهما شيئا يلزم الآخر، صحّ إلاّ أن يشترط العامل على المالك القيام بجميع العمل، و لو
ص: 153
شرط القيام بأكثره جاز، و لا بدّ أن يكون ما يشترطه المالك على العامل ممّا قلنا انّه على المالك معلوما.
و لو شرط أن يكون عمل الغلمان لخاص العامل فالأقرب الجواز، و كذا الأقرب جواز اشتراط عمل المالك معه.
إذا ثبت هذا فإنّ نفقة الغلمان على مالكهم لا على العامل، و لو شرطها المالك على العامل جاز، و هل يشترط حينئذ تقديرها؟ فيه نظر، و لا بدّ من معرفة الغلمان المشروط عملهم برؤية أو صفة تحصل بها المعرفة.(1)
فالأقرب الجواز، و منعه الشيخ و أبطل معه العقد(2) و كذا لو شرطها على المالك، و لو لم يقدّر الأجرة، فالأقرب البطلان.
و الأقرب جوازها على الموجودة بشرط أن يكون في العمل ما يستزاد به الثمرة، و إن بقي ما لا يستزاد به الثمرة كالجذاذ لم يجز، و على هذا إن كانت الثمرة قد بدا إصلاحها قبل العقد، فالزكاة على المالك، و إلاّ فعليهما إن بلغ نصيب كلّ منهما النصاب و إلاّ فلا.
فإن كانت المعيّنة حصّة العامل، صحّت، و إلاّ فإشكال، و قد تقدّم، فلو اختلفا في الجزء
ص: 154
المشروط لمن هو منهما، فإن قلنا بالصحّة مع تعيين حصّة المالك خاصّة، فلا بحث و إلاّ فالقول قول العامل.
و لو قال: بالنصف من أحدهما و الثلث من الآخر، و لم يعيّن، بطل.
و لو قال: ساقيتك على هذا البستان نصفه بالنصف و النصف الآخر بالثلث، جاز، و إن لم يعيّنهما.
جاز مع معرفته بالنصيبين، و لو جهل بطل، و لو شرطا قدرا واحدا من النصيبين، جاز و إن جهلهما.
سواء شرط تساويهما في الحصّة، أو اختلافهما، و لو أطلق انصرف إلى التساوي.
جاز.
و لو شرط للعامل مثل نصيبه، أو أقلّ ، بطلت، و للعامل بقدر نصيبه من الأصل و لا أجرة له على عمله.
و لو ساقى شريكه و شرط أن يعملا معا، ففي الإبطال نظر مع الاختلاف في الحصّة و التساوي في الملك، أو بالعكس، و لو اتّفقا فيهما فلا فائدة للمساقاة
ص: 155
مع تساويهما في العمل، و لو تفاضلا فيه، فإن كان قد شرط له فضل في مقابلة عمله، استحقّ ما فضل له من أجرة المثل، و إن لم يشرط(1) له شيء فلا شيء له.
4366. الثالث عشر: تجوز المساقاة على البعل من الشجر(2)
كما تجوز على المفتقر إلى الماء.
فلو ساقاه على مجهول، أو على أحد بستانين من غير تعيين لم تصحّ .
4368. الخامس عشر: إذا ساقاه إلى سنة(3) يحمل فيها غالبا فلم يحمل تلك السنة،
لم يكن للعامل شيء، و لو ظهرت الثمرة و لم تكمل، فله نصيبه منها و عليه تمام العمل فيها على إشكال، و لو ساقاه إلى مدّة لا يحمل فيها غالبا، أو يحتمل وجود الثمرة و عدمها، فالأقرب البطلان و له أجرة المثل، و إن ظهرت الثمرة في تلك المدّة لم يكن للعامل فيها شيء.
و لو امتنع وارث العامل من العمل، لم يجبر عليه، فيستأجر الحاكم من التركة من يعمله، و لو لم تكن تركة، أو تعذّر الاستئجار فللمالك الفسخ، و عليه الأجرة إلى وقت الموت، و لو اختار الإمضاء صحّ ، فإن كانت الثمرة قد ظهرت بيع من نصيب العامل بأجرة ما بقي من العمل، و يستأجر عنه به، و لو احتيج إلى بيع
ص: 156
الجميع، بيع في ذلك، فإن كان قد بدا صلاحها خيّر المالك بين شراء حصّة العامل و بيع حصّته، و يبيع الحاكم حصّة العامل، و لو امتنع المالك، باع الحاكم حصّة العامل، و استأجر على باقي العمل، و الفاضل للورثة، و كذا لو لم يبد صلاحها.
و من يشترط(1) بدوّ الصّلاح، سوّغ بيع حصّة العامل بشرط القطع إن باع المالك أيضا، و لو امتنع، فالأقرب جواز بيع حصّته بانفراده على تقدير الاشتراط أيضا.
و للمالك البقاء على المعاملة، فيستأذن الحاكم على الإنفاق على الثمرة، و يسترجعه منها، فإن عجزت، فالأقرب أخذ الباقي من التركة، و لو عجز عن استئذان الحاكم، فالأقرب جواز الرجوع بما أنفقه مع الإشهاد على احتساب الرّجوع، و لو تمكّن من الحاكم و أنفق و أشهد على الرّجوع، فالأقرب عدم الرجوع، و كذا لو أنفق متبرّعا.
فإن لم يجد فمن بيت المال قرضا، فإن لم يجد اقترض(2) من أحد، فإن لم يجد استأجر من يعمل بأجرة مؤخّرة إلى الإدراك، فإن تعذّر استأذن الحاكم و أنفق، فإن تعذّر الاستئذان أشهد في الإنفاق و الرجوع.
و لو عمل المالك بنفسه كان متبرّعا، و للمالك الفسخ و عليه الأجرة إلى
ص: 157
وقت الهرب، و هل للمالك الفسخ مع وجود المتبرّع بالعمل ؟ فيه نظر، فإن عمل الأجنبيّ و لم يشعر به استحقّ العامل الأجرة، و كان الأجنبيّ متبرّعا.
و قوله مقبول مع اليمين في التلف و عدم الخيانة(1)، و لو ثبتت الخيانة بالإقرار أو البيّنة، أو النكول، لم يكن للمالك رفع يده عن حصّته، و له رفع يده عن حصّة المالك، و لو ضمّ المالك إليه من يحفظ نصيبه كانت أجرة الحافظ على المالك لا على العامل.
و لا ينتزع يده منه، و أجرة الآخر عليه، و لو عجز بالكليّة أقام من يعمل عوضه، و أجرته عليه أيضا.
و لا يتحالفان بل المالك، و كذا البحث لو اختلفا في قدر ما تناولته المساقاة من الشجر، و لو كان هناك بيّنة عمل بها، و إن تعارضتا، فالوجه تقديم بيّنة العامل، قال الشيخ: يقرع و لا يحلف من خرجت القرعة له(2).
و لو تعدّد المالك فصدّقه أحدهما دون الآخر، أخذ من نصيب المصدّق ما ادّعاه و من نصيب الآخر ما حلف عليه، و لو شهد المصدّق على المنكر، و كان عدلا، قبلت شهادته، و لو كان العامل اثنين و المالك واحدا، فشهد أحد العاملين على صاحبه، قبلت شهادته أيضا.
ص: 158
و تجب الزكاة على كلّ من بلغ نصيبه نصابا، سواء كان منفردا أو منضمّا إلى غير هذه الثمرة، و لا يضمّ حصّة أحدهما إلى الآخر، و لو كان أحدهما لا تصحّ الزكاة منه، كالنصرانيّ و المكاتب، وجبت على الآخر إن بلغت حصّته نصابا.
كان الخراج على المالك، و لو شرطه أو بعضه على العامل جاز.
و لو شرط العامل دراهم منفردة عن الجزء، أو المالك من الثمرة، لم يجز.
و كذا لا يجوز لو جعل له ثمرة السنة الّتي تلي سنة المساقاة، أو ثمرة بستان غير بستان المعاملة، و لو شرط عليه عملا في غير النخل الّذي ساقاه عليه، أو في غير السنة، ففي البطلان نظر.
لم يجز و إن جاء بأمين.(1)
و لا في الثمرة، و يرجع بأجرة مثله على المساقي.
و لو نقصت الثمرة بالتشميس، كان للمالك الرجوع بالنقص على من شاء منهما، و يستقرّ الرّجوع على الغاصب.
و لو اقتسماها و أكلاها، كان للمالك الرجوع على من شاء منهما بالجميع و بالتقسيط، و قوّى الشيخ أنّه لا يرجع على العامل بالجميع، بل بالنصيب(2).
ص: 159
فإن رجع بالجميع على الغاصب، ففي رجوع الغاصب على العامل بما أتلفه نظر، فإن رجع عليه، رجع العامل بأجرته فيه، فإن رجع على العامل بالجميع، رجع العامل بقدر نصيب الغاصب و بأجرة مثل نصيبه، و يحتمل بنصيبه على إشكال، و لو رجع عليهما، رجع العامل بأجرة مثله.
و لو تلفت الثمرة في الشجر، أو بعد الجذاذ قبل القسمة، فالوجه الرجوع على من شاء منهما.
بطلت المغارسة، و الغرس لصاحبه، و لصاحب الأرض قلعه إذا دفع أرش نقصه بالقلع، و له أجرة أرضه، و لو دفع القيمة ليكون الغرس له، لم يجبر الغارس، و كذا لو دفع الغارس أجرة التبقية لم يجبر صاحب الأرض عليها.
و عليه أجرة المثل للعامل.
و كذا لو استأجره قبل بدوّ الصلاح بها أجمع، أو ببعضها بشرط القطع أوّلا، أمّا لو استأجره قبل ظهورها بها، أو ببعضها، فإنّه لا يجوز.
ص: 160
كتاب السبق و الرّمي
ص: 161
ص: 162
و فيه فصلان
و فيه ثلاثة عشر بحثا:
قال اللّه تعالى وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اِسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَ مِنْ رِبٰاطِ اَلْخَيْلِ (1).
روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه قال:
«ألا إنّ القوّة الرمي»(2) قاله ثلاثا.
و قال تعالى: إِنّٰا ذَهَبْنٰا نَسْتَبِقُ (3) و قد وقع الإجماع على جواز المسابقة على النصل و الخفّ و الحافر، لقوله عليه السلام:
ص: 163
«إنّ الملائكة لتنفر عند الرهان، و تلعن صاحبه ما خلا الحافر و الخفّ و الريش و النّصل»(1).
و قال عليه السلام:
«لا سبق إلاّ في نصل أو خفّ أو حافر»(2).
و يدخل تحت النصل السهم و النشاب و المزاريق(3) و الحراب(4) و السّيف، و يدخل تحت الخفّ الإبل و الفيلة، و تحت الحافر الفرس، و الحمار، و البغل.
و لا تجوز المسابقة على غير هذه. كالمسابقة على الأقدام و السفن و الطّيور و المصارعة و رفع الحجر و غير ذلك، سواء كان بعوض، أو غير عوض.
و يجوز المسابقة على ما يتناوله الحديث بعوض و غير عوض.
و كذا الفيلة و البغال و الحمير، و لا تجوز على الأقدام إلى موضع جبل و غيره، بعوض و غيره، و لا على رمي الحجارة بعوض و غيره (و المصارعة بعوض و غيره)(5)، و لا الطير بعوض و غيره، و لا المراكب و السفن بعوض و غيره.
ص: 164
يفتقر إلى إيجاب و قبول، قال الأزهري(1): النّضال في الرمي و الرّهان في الخيل، و السباق فيهما(2).
و هو الخطر و الندب و القرع و الوجب(3)، فمن سبق أخذه و يقال فيه كلّه «فعّل» مشدّد العين إذا أخذه، يقال سبّق: إذا أخذ السبق، و سبّق: إذا أعطى السبق أيضا، و هو من الأضداد، و يقال سبّق بالتشديد: إذا أخرج السبق و إذا أحرزه.
و يوصف السهم(4) بأنّه:
ص: 165
خاسق: و هو الّذي يخرق الغرض أي يثقبه و يثبت فيه، و هو الخارق أيضا.
و الحابي: ما وقع على الأرض ثم زحف(1) إلى الهدف و جمعه حواب(2).
و إن أصاب الغرض و نفذ فيه و مضى و لم يؤثر، فهو صارد و جمعه صوارد، و قد صرد السهم يصرد صردا و أصردته أنا.
و أمّا الطامح و الفاخر: فهو الذي يشخص عن كبد القوس ذاهبا إلى السماء.
و الخاصل: هو الذي أصاب الغرض، و قد خصلة: إذا أصابه.
و المعظعظ(3): الذي يميل يمينا و شمالا.
و الزاهق: هو الذي يتجاوز الهدف من غير إصابة.
و الحابض: هو الذي يقع بين يدي الرامي(4).
و الدابر: الذي يخرج من الهدف،(5) و هو المارق أيضا، و جمعه موارق.
و المرتدع: الذي إذا أصاب الهدف، يشدخ عوده و يكسر.
ص: 166
و الخارم: الذي يصيب طرف القرطاس فلا يثقبه، و لكن يخرق الطرف و يخرمه.
و الخاصر: ما أصاب أحد جانبيه.
و الخاذق: ما خدشه و لم يثقبه.
و المزدلف: الذي يضرب الأرض ثم يثب إلى الغرض.
و الهدف: ما رفع و بني من الأرض، و القرطاس: ما وضع في الهدف ليرمى و الغرض: ما نصب في الهواء و يقصد، إصابته، و يسمّى القرطاس هدفا و غرضا.
و المناضلة(1): المسابقة و المراماة.
و الرّشق بكسر الراء: عدد الرمي و بالفتح: الرمي.
و المبادرة: هي أن يبادر أحدهما إلى الإصابة مع التساوي في الرّشق.
و المحاطّة: هي إسقاط ما تساويا فيه من الإصابة.(2)
ص: 167
و السابق: هو الذي يتقدّم بالهادي و هو العنق و بالكتد و هو الكاهل، و هو مجتمع الكتفين، و هو الناتي ما بين أصل العنق و الظهر، و هو من الخيل مكان السنام من البقر، فإن تساوت خلقة الفرسين في قدر العنق، فمن سبق به أو ببعضه، فهو سابق، و إن كان أحدهما أطول عنقا، فإن سبق القصير بالعنق، أو بعضه، فقد سبق، و ان سبق الطويل بالجميع، فقد سبق و كذا إن سبقه بأكثر ممّا بينهما في طول العنق، و إن كان أقلّ من قدر الزيادة، كان السابق هو القصير، لأنّه قد سبق بكاهله، و لا اعتبار بالأذن.
و المصلّي: هو الذي يحاذي رأسه صلوي السابق، و الصلوان ما عن يمين الذنب و شماله.(1)
و المحلّل: الذي يدخل بين المتسابقين إن سبق أخذ، و إن سبق لم يغرم.
و الغاية: مدى السباق.(2)
إمّا بالمشاهدة، أو الوصف الرافع للجهالة، و يجوز أن يكون دينا و عينا حالاّ و مؤجّلا، أو يكون بعضه حالاّ و بعضه مؤجّلا.
و يجوز أن يخرجه الإمام من [ماله] خاصّة و من بيت المال، و أن يخرجه أحدهما، أو كلاهما، أو أجنبيّ ، و إذا كان دينا و حلّ ، أجبر على تسليمه، و إذا أفلس به ضرب مستحقّه مع الغرماء.
و مع الإصابة المعقود عليها يستحقّ السابق السبق، سواء قلنا انّها عقد لازم أو جائز، و يجوز أخذ الرهن و الضمين على العوض إن كان دينا، و إذا أخرج السبق أحدهما كان للسابق منهما، و لو شرط أكثره للسابق و الباقي للمصلّي جاز، و لو شرط أن يطعم العوض أصحابه، احتمل صحّة الشرط، و لو قيل: بفساده، فالأقرب عدم فساد المسابقة، و هو اختيار الشيخ.(1) و الشروط الفاسدة إن اقتضت اختلال شرط الصحّة مثل جهالة العوض، أو المسافة، فالعقد فاسد، و إن لم يقتض مثل أن يشترط أن لا يرمي أبدا إن سبق، فالأقرب عدم فساد العقد بفساده.
و كان سبقه له، و إن كان الآخر، استحقّ على المخرج أجرة المثل، و لو كان العوض مستحقّا، كان على مخرجه قيمته أو مثله.
ص: 169
فإن سبق أحدهم استحقّ ، و إن جاءوا دفعة لم يستحقّوا شيئا.
و لو قال لاثنين: من سبق منكما فله عشرة، و من صلّى فله عشرة، لم يصحّ ، و لو قال: من صلّى فله خمسة جاز، و كذا يصحّ لو قال لجماعة: من سبق فله عشرة، و من صلّى فله عشرة، و لو قال: للمصلّي عشرة و للسابق خمسة، لم يصحّ .
و لو قال لعشرة: من سبق فله عشرة، فسبق واحد أخذ العشرة، و إن سبق اثنان فلهما العشرة، و لو سبق تسعة تساووا فيها، و لا شيء للأخير(1) و يحتمل أن يكون لكلّ واحد من التسعة عشرة كاملة(2) و لو قال: من سبق فله عشرة، و من صلّى فله خمسة فسبق خمسة، و صلّى خمسة، فعلى الأوّل(3) للسّابقين عشرة و للمصلّين خمسة، و على الثاني لكلّ من الخمسة الأول عشرة، و لكلّ واحد من الثانية خمسة و يتطرّق على الأوّل احتمال البطلان.(4)
فلو أخرجا عوضا و قالا: من سبق منّا فله العوضان، صحّ ، فإن سبق أحدهما أحرز مال نفسه، و أخذ عوض صاحبه، و إن لم يسبق أحدهما أحرز كلّ منهما مال نفسه، و لو
ص: 170
أدخلا محلّلا جاز، فإن سبق المحلّل، أخذ العوضين، و كذا إن سبق أحدهما، و لو سبقا معا أحرز كلّ منهما مال نفسه، و لو سبق أحدهما و المحلّل، أحرز السابق مال نفسه، و كان العوض الآخر بينه و بين المحلّل نصفين، و لو قالا: من كان مسبوقا، فعوضه للمحلّل جاز، و لو قال لخمسة: من سبق فله درهمان، و من صلّى فله درهم، فسبق واحد و صلّى ثلاثة، و تأخّر الخامس، فللسابق درهمان، و للثلاثة المصلّين درهم و لا شيء للمتأخّر.
تقدير المسافة ابتداء و انتهاء، فلو استبقا لينظر أيّهما يقف قبل صاحبه من غير غاية ينظران إليها لم يجز.
و تقدير العوض.
و تعيين ما يسابق عليه.
و تساوي ما به المسابقة في احتمال السبق، فلو كان أحدهما ضعيف الدابّة، أو مريضها يعلم أنّه مسبوق، لم يصحّ العقد، و كذا يشترط في دابّة المحلّل، و لا يشترط تساوي جنسها، فيجوز بين البغال و الحمير، و كذا الإبل و الخيل مع احتمال السبق.
و أن يجعل العوض لأحدهما أو للمحلّل، و لو جعله لاجنبيّ لم يجز، و في اشتراط تساوي الموقف إشكال.(1)
ص: 171
فلو شرط أحدهما المسابقة بثلاثة أقدام، أو أقلّ ، أو أكثر، ففي بطلان الشرط نظر.
فلو تسابقا على بعير و فرس لم يجز إلاّ مع احتمال السبق على إشكال، و لا يشترط تساويهما صنفا، فتجوز المسابقة بين العربي و البرذون، و بين البخاتي و العراب.
و لا أن يصيح به وقت العدو في سباقه، و لا يركض خلفه.(1)
ص: 172
و فيه ثلاثون بحثا:
الأوّل: أن يكون الرّشق(1) معلوما، و هو بكسر الراء عدد الرمي الّذي يتّفقان عليه، مطلقا عند الفقهاء، و يختص عند أهل اللغة بما بين العشرين إلى الثلاثين.
الثاني: أن يكون عدد الإصابة معلوما، فيقال الرشق عشرة، و الإصابة خمسة مثلا.
الثالث: صفة الإصابة، مثل أن يقول: حوابي، أو خواصر، أو خواسق، ممّا أشبه ذلك ممّا تقدّم.
الرابع: أن يكون قدر المسافة معلوما، إمّا بالذرع فيقال: مائة ذراع مثلا، و إمّا بالمشاهدة.
ص: 173
الخامس: قدر الغرض، و هو ما ينصب في الهدف، إمّا بالمشاهدة، أو التقدير، كالشبر و الشبرين.
السادس: العلم بالسّبق، و هو المال المخرج.
السابع: تساويهما في جميع أحوال الرّمي، فلو شرطا أن يرمي أحدهما عشرة، و الآخر عشرين، أو إصابة أحدهما خمسة، و الآخر ثلاثة، أو أنّ إصابة أحدهما خواسق، و الآخر موارق، أو يحطّ أحدهما من إصابته سهما، أو يرمي أحدهما من قرب و الآخر من بعد أو يرمي أحدهما و يده مشغولة أو رأسه حامل لشيء و الآخر خال عن ذلك، أو يحطّ أحدهما واحدا من خطائه لا له و لا عليه، لم يصحّ .
الثامن: تعيين الرماة، فلا يصحّ مع الإبهام، فلو شرطا أن يكون مع كلّ واحد منهما آخر أو اثنان أو أزيد من غير تعيينهم بالمشاهدة أو المعرفة لم يجز.
التاسع: أن تكون المسابقة على الإصابة لا على البعد، فلو قالا: السبق لأبعدنا رميا، لم يجز على إشكال، أقربه الجواز.(1)
العاشر: أن تكون المسابقة على الحذق، فلو جعلا العوض للمخطئ دون المصيب لم يجز.
ص: 174
أمّا المبادرة أو المحاطّة(1) ففي اشتراط ذكر أحدهما نظر، أقربه عدم الاشتراط.
من إخراج السبق منهما، أو من أحدهما، أو من أجنبي، في النّضال مثله، و لا يشترط المحلّل أيضا فيه، و ان كان السبق منهما، فلا بدّ في السباق من معرفة الفرس، و أمّا في النّضال فلا يشترط معرفة القوس، فلو نفق الفرس(2) بطل السباق، و لو أنكر القوس لم يبطل النّضال و كما لا يشترط تعيين القوس فكذا لا يشترط تعيين السهم، نعم الإطلاق يقتضي تساوي جنس الآلة، فإذا أطلقا النّضال جاز، و اقتضى أن يكون الرمي منهما بنوع واحد إمّا بالقوس العربيّة معا، أو بالعجميّة معا، و ليس لهما أن يختلفا فيرمي أحدهما بقوس و الآخر بغيرها، إلاّ أن يشترطا ذلك في العقد، فيجوز حينئذ أن يختلفا.
ص: 175
و لو عقد النّضال على نوع من القسيّ ، تعيّن، ما عقداه، مثل أن يقولا: نرمي معا بالعربيّة، أو بالعجميّة، و ليس لأحدهما العدول.
و لو عقدا على قوس معيّنة من النّوع، كان له العدول عنها إلى غيرها من ذلك النوع، لحاجة و غيرها، بخلاف الفرس، و لو قالا: نرمي بهذه القوس لا بغيرها من نوعها و شرطاه، بطل العقد.
و النشاب: هي سهام القوس الأعجمي، فلو اتّفقا على أن يرميا بالنشاب من غير تعيين القوس، انصرف إلى العجميّة.
و النبال: هي سهام العربي. و الحسبان قوس تكون سهامه صغارا تجمع في قصبة واحدة و يرمى بها، فتتفرق في الناس، فلا تمرّ بشيء إلاّ عقرته لشدّتها.
ففي الجواز نظر، و كذا لو شرط أن يكون في يد أحدهما سهام و الآخر لا شيء في يده يشغلها بحفظه، و لو شرطا أن يحسب خاسق أحدهما خاسق واحد، و الآخر كلّ خاسق بخاسقين، أو خاسق واحد بخاسقين، أو يحطّ من خواسق أحدهما خاسق واحد، فالجميع باطل.
و لو شرط حوابي على أن يعدّ الخاسق حابيتين، فالأقرب الجواز، لأنّ رميه في الخاسق أحذق.
فان شرطا المبادرة، و رمى كلّ عشرة فأصاب خمسة تساويا، و لم يجب الإكمال، و لو أصاب أحدهما دون الخمسة، فقد نصله صاحب الخمسة، و لو سأل الناقص
ص: 176
إكمال الرشق لم يجب، و إن شرطا المحاطّة، فأصاب كلّ واحد من العشرة خمسة، تحاطّا خمسة بخمسة، و أكملا الرشق، و لو أصاب أحدهما منها تسعة و الآخر خمسة تحاطّا خمسة بخمسة و أكملا العدد.
و لو تحاطّا و كان أحدهما قد أكمل العدد، فإن كان مع انتهاء العدد، فقد نصل بصاحبه، و إن كان قبله و طلب صاحب الأقلّ الإكمال أجيب مع الفائدة بأن يمكن رجحانه، أو مساواته، أو قصور صاحبه بعد المحاطّة عن إكمال الإصابة، و أجبر الآخر مع امتناعه، مثل ان يرمي أحدهما عشرة فيصيب ستّة، و يصيب الآخر واحدا، و يرجو صاحب الواحد إصابة العشرة الباقية دون صاحبه فيحصل له أحد عشر و لصاحبه ستّة، فيحصل له العدد بعد المحاطّة.
و إن لم تكن له فائدة، لم تجب الإجابة،(1) مثل أن يرمي أحدهما خمسة عشر، فيصيبها، و يصيب الآخر منها خمسة، فإذا تحاطّا لم يجب الإكمال، لأنّ الخمسة المتخلّفة إذا أخطأها صاحب الأكثر و أصابها صاحب الأقلّ ، انفرد الأوّل بالإصابة.
لأنّ المناصل لا يغرم، و لو قال: إن نصلتني فلك عليّ عشرة دنانير إلاّ دانقا جاز، و لو قال: الاّ درهما لم يجز للجهالة.
و إن كان في النّضال وجب أن يبدأ أحدهما قبل صاحبه، ليعلم المصيب و كيفيّة إصابته فإن شرطا البادئ صحّ .
ص: 177
و إن أطلقا فإن أخرج كلّ واحد السبق، فالأقرب القرعة، و يحتمل البطلان، و إن أخرجه أجنبيّ ، قدّم من شاء، و إن أخرجه أحدهما، احتمل تقديمه، لمزيّته، و البطلان لأنّ موضوع النضال على انتفاء المزيّة.
فاذا بدأ أحدهم بالرّمي من أحدهما بالقرعة أو الشرط، لم يكن له أن يبدأ من الآخر بل غيره بحسب ما يرتّبونه.
و هو أن يرمي أحدهما سهما و الآخر سهما، و لو شرطا أن يرمي أحدهما رشقه(1)، أو عددا معيّنا، و الآخر بعده جاز.
مثل أن أغرق النزع، فخرج، السهم من اليمين إلى اليسار، لأنّ من شأن السهم أن يمرّ على إبهام يسراه، فإذا أراد النزع غير السهم فمرّ على أصل سبابة يسراه، أو أنكر قوسه، أو انقطع وتره، أو أصابه ريح في كتفه، أو عرض في الطريق عارض، مثل أن وقع في بهيمة، أو غيرها فخرقه و خرج منه، أو استلبته الريح، فلم يصب الغرض لم يعدّ عليه خطأ، و لو أصاب مع بعض هذه العوارض، فالأقرب أنّه يعدّ له إصابة، و لو جاوز السهم الغرض، احتسب عليه خطأ، إلاّ مع العارض.
فإن ثقب وثبت النصل فيه، حسب له،
ص: 178
و إن لم يثقبه كان خطأ، و إن ثقبه ثقبا يصلح للخسق إلاّ أنّ السهم سقط، فالأقرب انّه لا يحتسب خاسقا، و لو شرطا الإصابة مطلقا حسب له و إن لم ينفذ، و لو شرطا الخاسق، فسقط السهم فادّعى الرامي أنّه خسق و إنّما سقط لغلظ لقيه، من حصاة و شبهها و أنكر الآخر، فإن علم موضع الإصابة بالبيّنة، أو الإقرار، فإن لم يكن فيه ما يمنع الثبوت، و كان قد خرقه، فالأقرب أنّه لا يعدّ خاسقا، بل خطأ، و إن لم يخرقه فهو خطأ قطعا، و إن كان في الموضع ما يمنعه من الثبوت، احتمل أن يعدّ خاسقا، و أن لا يعدّ خطأ و لا صوابا، و إن لم يعلم، و اتّفقا على الخرق، و لا مانع من الثبوت، فالقول قول المنكر من غير يمين، و إن كان هناك مانع، فالقول أيضا قوله لكن مع اليمين، و إن أنكر الخرق، فالقول أيضا قوله مع اليمين.
و لو أصاب ثقبا في الغرض، أو موضعا باليا و ثبت في الهدف احتمل أن يكون خاسقا مطلقا، أو مع قوّة الهدف، كالحائط و الخشب لا مع ضعفه كالتراب و شبهه، و لو أصاب طرف الغرض فخرقه و ثبت فيه بأن يقطع قطعة من طرفه و يثبت مكانها، أو يشقّه و يثبت في شقّه من غير أن يكون الغرض محيطا بالسهم، فالأقرب انّه خاسق، و لو مرق السهم منه و لم يثبت، فالأقرب انّه يعدّ إصابة، لأنّه أبلغ من الخسق.
و لو أصاب ثقبا في الغرض و ثبت في الهدف مع جلدة من الغرض، و ادّعى الخسق و قطع الجلد، لشدّة الرّمي، و أنكر الآخر و ادّعى ضعف الغرض، فالقول قول الآخر مع يمينه، و لو وقع في غير الثقب خسق.
و لو وقع دون الغرض ثمّ انقلب فأصاب الغرض بفوقه و هو الثلمة التي في
ص: 179
أسفل السهم يوضع الوتر فيها، عدّ عليه خطأ، و لو ازدلف و أصاب بنصله الغرض، فالأقرب الإصابة.
و لو تناصلا مع ريح ليّنة، و ميل رميه إلى الريح بحيث يكون قدر ما يميله يوافق الإصابة فأصاب، أو كانت الرّيح في وجه الغرض فنزع نزعا بقدر ما يكون قوة رميه مع مقاومة الرّيح يصل إلى الغرض فأصاب، حسب له و لو كانت الريح عاصفة، لم يحتسب الخطأ عليه و لا الإصابة له، و لو حوّلت الريح الغرض عن مكانه بعد الرّمي، و وقع السهم في الهدف، حسب له إن كان الشرط الإصابة، أو كان الشرط الخواسق، و كان الهدف بصلابة الغرض، أو أشدّ، و إلاّ لم يحتسب له و لا عليه. و لو أصاب الغرض موضع انتقاله، كان خطأ، و لو شرطا الخسق، فثبت في الغرض ثمّ سقط، حسب له.
فلو شرطا إصابة الشّن. و هي الجلدة، فأصاب الشنبر المحيط به(1) كإحاطة شنبر المنخل، أو العرى الّتي حول الشنّ ، أو المعاليق، و هي الخيوط الّتي يعلق بها، لم يصب.
و لو شرطا إصابة الغرض، اعتدّ بإصابة الشّن و الشنبر و العرى. و لو أصاب المعاليق، فالأقرب عدم الاعتداد.
فإن قلنا إنّه عقد لازم، لم يكن له ذلك إلاّ بعد أن يتفاسخاه و يعقداه على حسب ما
ص: 180
أرادا، و إن قلنا إنّه جائز، و لم يأخذا في الرمي، أو أخذا فيه، و تساويا رميا و إصابة، فلهما الزيادة و النقصان.
و لو طلب أحدهما الزيادة، فإن أجابه، و إلاّ كان له الفسخ، و إن تفاضلا، فإن طلب الزيادة صاحب الفضل، تخيّر المفضول في الإجابة و الفسخ، و إن طلب المفضول لم يكن له ذلك.
لم يجب الإكمال، و لا سبق، و لو أصاب أحدهما خمسة، و الآخر أربعة، فقد نضله الأوّل، و لو رمى أحدهما عشرا فأصاب خمسا، و الآخر تسعا فأصاب أربعا، لم يحكم بالسّبق قبل العاشر، فإن أخطأه، فهو مسبوق، و إلاّ فلا، و لو أصاب دون الأربع من التسعة، فهو مسبوق، و لا حاجة إلى الإكمال.
و لو قالا: أيّنا فضل صاحبه بثلاث من عشرين فهو سابق، فهو محاطّة، و يسمّى أيضا مفاضلة، و يلزم إتمام الرشق مع الفائدة كما قلنا لا بدونها، كما لو أصاب أحدهما اثني عشر و أخطأها الآخر.
و لو قالا: أيّنا أصاب خمسا من عشرين، فهو سابق، فمن أصاب خمسة منها قبل صاحبه، فهو سابق، و لو أصاب كلّ منهما خمسا، أو لم يصب واحد منهما خمسا، فلا سابق، و هذه كالمحاطّة في وجوب الإكمال مع الفائدة لا بدونها، كما لو رميا ستّة عشر فأخطئاها معا، لم يجب الإكمال.
و لو شرط أن يحسب كلّ واحد منهما خاسقه بإصابتين، فالأقرب الجواز.
ص: 181
فإن شرطا أن يرميا كلّ يوم قدرا منها، جاز، و لو أطلقا، حمل على التعجيل، و يرميان من أوّل النهار إلى آخره ما لم يحصل عارض من مرض، أو شبهه، فإذا جاء الليل قبل إكماله أخّراه إلى الغد ما لم يشترطا الرمي ليلا. و لو أراد أحدهما التطويل و التشاغل عن الرمي بمسح القوس و شبهه، منع من ذلك و لا يدهش بالاستعجال بالكلّية، و يمنع كلّ منهما من الكلام الرّدئي الذي يغيظ صاحبه، كالافتخار، و الارتجاز، و تعنيف صاحبه على الخطأ، و إظهار أنّه يعلمه، و كذا يمنع الحاضر معهما من ذلك كالشاهد، و الأمين، و لا يمدح السابق و لا يعنّف المسبوق.
و إذا تشاحّا في الموقف مع تساويه، كان الحكم للسابق، و لو اختلف كان الحكم لمن يختار الأصلح إلاّ مع الشرط.
4410. السابع عشر: لو رميا عشرة من عشرين، فأصاب كلّ واحد اثنين، فقال أحدهما: ارم سهمك هذا، فإن أصبت(1) سبقت، لم يجز،
و لو فسخا العقد، أو قال ابتداء: ارم سهمك فإن أصبت فلك كذا، جاز جعالة.
و لو قال: ارم هذا السهم فإن أصبت فلك كذا غير مال النضال، جاز جعالة أيضا، و يأخذ مع الإصابة لا مع عدمها، و لا يحتسب من الرشق.
و لو قال: ارم سهما فإن أصبت فلك كذا، و إن أخطأت فعليك كذا، لم يجز.
ص: 182
لم يجز، و كذا لو قال: ناضل نفسك، فإن كان صوابك أكثر، فقد نضلتني.
و لو قال: ارم عشرين، فإن كان صوابك أكثر، فلك كذا، جاز جعالة.
فإن أصاب بالنصل، أو بهما معا، فهو إصابة، و إن اصاب بالفوق، فهو خطأ، و لو أصاب فوق سهم ثابت نصله في الغرض، لم يحتسب له و لا عليه، و لو كان الثابت في الغرض قد نفذ فيه حتى بلغ فوقه الغرض، ثم أصابه، فإن كانت الإصابة مطلقة حسب له، و إن شرط الخاسق لم يحتسب له و لا عليه، و لو أصاب الفوق و شجّ على السهم حتى أصاب الغرض، فهو إصابة.
فإن امتنع حبس، فإذا امتنع عزّر، فإن فعل، و إلاّ ردّ إلى الحبس، فإن فعل و إلاّ عزّر، و إن قلنا انّه جائز، كان للفاضل أن يترك، و في المفضولة وجهان.
و لو شرطا أن يقعد أحدهما متى أراد، بطل العقد إن قلنا انّه لازم، و إلاّ فلا.
و لا يجوز أن يشترطا كون السبق على الجالس، و لا يجب في عقد النضال اشتراط قدر ارتفاع السهم، و لو سمّى قدر ذلك، فالوجه المنع، لعدم ضبطه، و حصول التنازع به، و كذا لا يشترط قدر ارتفاع الغرض عن وجه الأرض، و ينصرف الإطلاق إلى العرف، و لو شرطاه لم يجز خفضه و لا رفعه، إن قلنا بلزوم العقد و إلاّ جاز.
لم يكن لهما ذلك إلاّ بعد التفاسخ و إنشاء عقد على ما يريدانه، إن قلنا انه
ص: 183
لازم، و إلاّ جاز. و كذا البحث لو شرط إصابة الهدف أوّلا، ثمّ طلبا إصابة الغرض.
و لا يجوز اشتراط بعد تتعذر الإصابة معه، كأربعمائة ذراع، و يجوز على مائتين و خمسين فما دون، و كذا لا يجوز اشتراط الإصابة في عدد يتعذّر معه ذلك كما لو شرطا إصابة تسعة من عشرة، و كذا لو شرطا إصابة العشرة، و قوّى الشيخ الجواز فيهما(1) و هو جيّد.
و لو كان الرّشق عشرة و الإصابة خمسة، و شرط الإصابة من تسعة بمعنى أنّ العاشر لا يحسب له و إن أصابه، لم يجز.
و لو شرطا موضعا خاصّا، لزم، و لو قال أحدهما: نستقبل الشمس و الآخر: نستدبرها(2) أجيب طالب الاستدبار، و لو شرطا الاستقبال لزم.
و الأقرب جواز القرعة، و الأوّل أولى، فيختار رئيس أحد الحزبين واحدا، ثم يختار الآخر واحدا، و هكذا، و لا يختار أحدهما الجميع ثمّ الآخر الباقي، و يقرع في المبتدئ للاختيار من الزعيمين، و لو جعلوا الرئيس للحزبين واحدا، لم يجز، و لو قال أحد الزعيمين: أنا أختار أوّلا، على أن أخرج السبق أو على أن يكون السبق على حزبي لم يجز، و كذا لو قال للآخر: اختر أنت على أنّ عليك السبق، أو يقرع فمن أصابته كان السبق عليه، و لا نرمي معا، فأيّنا أصاب، كان السبق على الآخر.
ص: 184
فلو اختار ثلاثة لا يسمّيهم لصاحبه، و صاحبه ثلاثة لا يسمّيهم للأوّل، لم يجز.
و لو حضر غريب لا يعرفونه، فاختير في أحد الحزبين فخرج لا يحسن الرمي، بطل العقد فيه و في محاذيه الذي اختاره الزعيم الآخر في مقابلته، و لا يبطل في الباقين، بل لكلّ حزب خيار تفريق الصفقة، و لو ظهر راميا قليل الإصابة، فقال حزبه: ظننّاه كثيرها، أو بان كثيرها، فقالا الآخر: ظننّاه قليلها، لم يلتفت إليهم.
و لو شرطوا أن يكون فلان مقدّما و فلان معه من الحزب الآخر، ثمّ فلان ثانيا من الحزب الأوّل، و فلان معه، كان باطلا و إذا تعيّنت البدأة لواحد فرمى غيره، ردّ السهم عليه، و لم يحتسب له و لا عليه.
لم يرجع عليهم إلاّ مع الشرط، فيرجع بالسّوية، و يأخذه السابق بالسّوية و يحتمل قسمته على قدر الإصابة.
فلو كانوا ثلاثة وجب أن يكون له ثلث، و كذا لو كانوا أربعة وجب أن يكون له ربع.
4421. الثامن و العشرون: إذا قال أحد المتناضلين لصاحبه و قد فضله: اطرح الفضل و عليّ كذا(1) لم يجز،
و لو تفاسخا العقد و عقدا عقدا آخر، جاز. و لو
ص: 185
لم يفسخاه فتمّت الإصابة مع ما أسقطه، استحقّ السبق، و ردّ ما أخذه في مقابلة الطرح.
و لو سبّق أحدهما صاحبه عشرة، فقال: إن نضلتني فلك هذه العشرة، و إن نضلتك فلا شيء لك، فقال: ثالث للمسبق: أنا شريكك في الغنم و الغرم إن نضلك فنصف العشرة عليّ و إن نضلته فنصفها لي، لم يجز، لأنّ الغرم و الغنم للمناضل لا لغير الرامي، و كذا لو سبّق كلّ واحد منهما صاحبه عشرة و أدخلا محلّلا، فقال رابع لكلّ من المسبّقين: أنا شريكك في الغنم و الغرم.
صحّ جعالة، و لو قال: إن أصبت فلك درهم، و إن أخطأت فعليك درهم، لم يجز، و لو قال: ارم عشرة فإن كان صوابك أكثر من خطائك فلك درهم، صحّ جعالة، و كذا: إن كان صوابك أكثر، فلك بكلّ سهم أصبت به درهم، أو قال: ارم عشرة و لك بكلّ سهم أصبت به منها درهم، أو قال: فلك بكلّ سهم زائد على النصف من المصيبات درهم.
و لو قال: فإن كان خطائك أكثر فعليك درهم، لم يجز، لأنّ الجعل في مقابلة العمل، و لا عمل للقائل، و كذا لا يجوز لو قالوا: نقرع فمن خرجت قرعته فهو السابق، و لا من خرجت قرعته فالسّبق عليه، و لا نرمي فأيّنا أصاب فالسّبق على الآخر.
جاز، لأنّه نوع من المحاطّة، فإذا رمى أحدهما سهما فوقف في الهدف، و رمى الآخر خمسة فوقعت أبعد من سهم الأوّل، ثم رمى
ص: 186
الأوّل سهما فوقع أبعد من الخمسة سقطت الخمسة بالأوّل، و سقط الّذي بعد الخمسة بالخمسة.
و لو رمى أحدهما خمسة في الهدف بعضها أقرب من بعض، و رمى الثاني خمسة كلّها أبعد من الخمسة الأولى، سقطت الثانية أجمع، و تثبت الأولى أجمع، و لا يسقط الأقرب الأبعد، لأنّ الأقرب يسقط الأبعد من رمي الآخر لا من رمي نفسه.
و لو أصاب أحدهما الهدف، و الآخر الغرض، سقط ما أصاب الهدف بما أصاب الغرض.
و لو أصاب أحدهما الغرض و الآخر العظم الذي في وسطه، لم يسقط الأوّل، و لو أصابا الهدف و كانا في القرب سواء، تساقطا.
و لو رمى أحدهم ساقطا - و هو ما وقع بين يدي الغرض - و الآخر عاضدا - و هو ما وقع من أحد الجانبين - و الآخر خارجا - و هو ما جاوز الغرض - قبل الأقرب إلى الغرض من أيّ الجهات كان و سقط به الأبعد.
ص: 187
ص: 188
و فيه مقاصد
ص: 189
ص: 190
و النظر في فصول ثلاثة:
و فيه ثمانية مباحث:
و أتوا بالهاء لأنّهم ذهبوا بها إلى الأمانة(1) و هي مأخوذة من ودع يدع: إذا سكن و استقرّ.
قال الكسائي: أودعت الرّجل مالا: إذا دفعته إليه يكون وديعة عنده، و أودعته: قبلت وديعته(2).
و هي عقد جائز من الطرفين: و لها حكم في الشريعة بالنّص و الإجماع.
و يكفي فيهما كلّ عبارة دالّة
ص: 191
على معناهما، و يكفي في القبول الفعل مجرّدا عن اللفظ، و لو طرح الوديعة عنده لم يلزمه حفظها إذا لم يقبلها.
و لا بدّ في العاقدين من التكليف، فلو استودع من الصبيّ ، أو المجنون، ضمن. و لو أكره على القبول، لم تصر وديعة، و لو أهملها لم يضمن.
أمّا لو باشر الإتلاف فانّه يضمن، و لو أودع المجنون لم يضمن بالإتلاف مباشرة و تسبيبا.
و إذا انفسخ بقي أمانة شرعيّة في يده، كالثوب تطيّره الريح في داره.
4428. الخامس: الحرّيّة شرط في المتعاقدين(1) أو إذن المولى،
فلو استودع العبد فإن كان بإذن مولاه صحّ ، و إلاّ فلا، و على التقدير الأوّل لو فرّط العبد أو باشر الإتلاف، فالوجه تعلّق الضمان بكسبه، أمّا على التقدير الثاني، فالأقرب أنّه يتبع به بعد العتق.
فلو أودعا شيئا ضمن القابض. و لو ردّه إليهما لم يبرأ و إنّما يبرأ بردّه إلى وليّهما.
فلو أهمل المستودع ضمن، و لو لم يهمل لم يضمنها و إن تلفت، سواء تلف معها شيء من ماله أو لا، و كذا لو أخذت منه قهرا. و لو تمكّن من الدفع وجب. و لو أهمل حينئذ ضمن، و لو
ص: 192
خاف من الظالم لو منعها، جاز دفعها إليه و لا يجب تحمّل الضرر الكثير لأجل حفظها عنه، و لو أنكرها فطالبه الظالم باليمين ظلما، جاز الحلف و يورّي ما يخرج به عن الكذب.
فلو أهمل مع القدرة و المطالبة، ضمن.
و هي شيء واحد على الإجمال: هو التقصير
و للتقصير أسباب سبعة:
فإذا لبس الثوب، أو ركب الدابة، أو أخذ الدراهم ليصرفها في حاجته، ضمن، و لو نوى الأخذ و لم يأخذ، أو عزم على التعدّي و لم يفعله، لم يضمن، و فيه احتمال ضعيف، بخلاف الملتقط، و لا يعود أمينا لو ترك الخيانة، و لو ردّ الثوب بعد ما لبسه أو الدابّة، بعد ما ركبها إلى الحرز، لم يزل الضمان، و لو أعاده إلى المالك، سقط الضمان و إن جدّد الاستيمان، و لو لم يردّها لكن جدّد الاستيمان، أو أبرأه من الضمان، برئ أيضا، و لو أخرجها من الحرز للاستعمال و لم يستعملها ضمنها، و إن أعادها إلى الحرز لم يبرأ، و لو دفع إليه دراهم فوضعها في كيس، ثمّ أخرج منها درهما، ضمنه خاصّة، و لو ردّ ذلك الدرهم بعينه إلى الكيس و اختلط بالباقي و لم يتميّز، لم يتعدّ الضمان إلى الباقي و لم يزل الضمان عن الدرهم، و إن ردّ بدله و مزجه بالباقي ضمن الجميع، و لو
ص: 193
تميّز لم يتعدّ الضّمان إلى الباقي، و كذا لو مزج الوديعة بغيرها من ماله أو من غير ماله من غير استيذان بحيث لا يتميّز، فإنّه يضمنها.
و لو كانت الدراهم في كيس للمودع فإن لم يكن مشدودا، فكذلك، و إن كان مشدودا فحلّ الشدّ، أو كانت مختومة فكسر الختم، و إن لم يحلّ الشدّ فإنّه يضمنها أجمع، و إن لم يأخذ منها شيئا، و لا يختصّ ضمانه بالختم.
و لو خرق الكيس، فإن كان الخرق فوق الشدّ، ضمن ما خرقه دون الدراهم، و إن كان تحته، ضمن الدراهم، فلو أودع كيسين فمزجهما ضمن، و إن لم يكونا مشدودين.
و لو أتلف بعض الوديعة لم يضمن الباقي إلاّ إذا كان متّصلا به، كما لو قطع الثوب أو يد العبد، و لو كان الثوب مخيطا، فالأقرب انّه يضمن الجميع لو فتقه و أتلف بعضه.
فلو خلط المستودع الوديعة بماله خلطا لا يتميّز ضمنها، سواء كان المخلوط بها دونها، أو مثلها، أو أجود، و لو تميّز. كالدراهم و الدنانير لم يضمّن إلاّ أن يتضمّن التفريط بغير المزج، كحلّ الشد و فتح الختم، و كذا لا يضمن لو مزجها بإذن المالك.
و لو أنفق الوديعة ضمنها، و لو ردّ بدلها إلى موضعها، لم يتعيّن بذلك، و كانت في ضمانه.
بأن يلقيه إلى مضيعة، أو يدلّ عليه سارقا، أو يسعى به إلى ظالم، أو لا يحرزها في حرز مثلها، و لو ضيّع بالنسيان، فالأقرب الضمان،
ص: 194
و لو أكره على أخذ الوديعة لم يضمن، و كذا لو سلّمها مكرها، و للمالك الرجوع على من شاء من الودعي(1) و الظالم، و إذا طالبه الظالم، وجب إخفاؤها، و لو طلب منه الحلف و لم يحلف، فالأقرب الضمان.
فلو عيّن له موضعا للحفظ، تعيّن، فإن لم ينهه عن غيره، و نقلها، فإن كان الموضع ملكا للمودع، أو مستأجرا له، ضمن، لأنّه في الحقيقة وكالة لا استيداع، إلاّ أن يخاف عليها فينقلها، لأنّه مأمور بحفظها، و إن كان ملكا للمستودع، فنقلها منه، أو حفظها ابتداء في غيره، فإن كان أدون، ضمن قطعا، و إن كان مثله أو أحرز، قال الشيخ: لم يضمن(2) و عندي فيه نظر و يقوى الإشكال لو تلفت بالنقل، كانهدام البيت المنقول إليه.
و لو نهاه عن النقل، ضمن به، و إن كان إلى مساو أو أحرز، و لو لم يعيّن له موضعا، فنقلها بعد إيداعها في حرز إلى حرز مثلها، لم يضمن، سواء كان مثل الأوّل أو أدون.
كلّ موضع قلنا انّه يضمن بالنقل إنّما هو مع عدم خوف التلف، أمّا لو خاف التلف من حريق، أو غرق، أو نهب، أو لص، فإنّه يجوز نقلها و إن عيّن له حرزا، سواء نهاه عن نقلها عنه، أو لا، و لا ضمان عليه إذا نقلها إلى مثل المعيّن، أو أحرز.
و لو نقلها إلى أدون، فإن لم يتمكّن، من المساوي و الأجود فلا ضمان،
ص: 195
و إن تمكّن و لم يكن حرز مثلها، ضمن، و إن كان حرز مثلها ففي الضمان إشكال.
و لو لم ينقلها مع الخوف فتلفت، فالأقرب التفصيل، فإن لم يعيّن له موضعا ضمن، و إن عيّن و لم ينهه عن النقل فكذلك، و لو نهاه عن النقل ففي عدم الضمان إشكال.
إذا عرفت هذا فلا فرق في الضمان بين أن ينقلها من دار إلى أخرى، أو من بيت من دار إلى بيت آخر منها مع التعيين و النّهي عن التحويل.
و لو قال: لا تخرجها من المعيّن و إن خفت التلف، فأخرجها من غير خوف، ضمن. و إن أخرجها مع الخوف، أو تركها، فلا ضمان.
و لو أمره بوضعها في صندوق فوضعها في غيره، أو في خريطة، فوضعها في غيرها، فالتفصيل فيه كما قلنا في البيت سواء.
و لو أمره بوضعها في بيته، فتركها في ثيابه ضمن، و لو دفعها إليه في دكّانه و أمره بوضعها في بيته، فسارع فتلفت من غير تفريط، لم يضمن، و لو وضعها في دكّانه إلى وقت فراغه ليستصحبها إلى بيته مع المكنة من المسرعة، فالأقرب الضمان، و لو نهاه عن التأخير ضمن قطعا.
و لو أمره بوضعها في كمّه فوضعها. في جيبه، ففي الضمان إشكال، و بالعكس يضمن.
و لو أمره بوضع الخاتم في الخنصر، فوضعه في البنصر و كان متّسعا ينزل إلى أسفل لم يضمن، و إن كان ضيّقا يقف عند الأنملة ضمن، و بالعكس يضمن.
و لو قال: ضعها في جيبك أو كمك، فوضعها في يده، ضمن إن سقطت منه، و لو غصبت منه فكذلك على إشكال.
ص: 196
و لو أمره بحفظها مطلقا، فوضعها في جيبه أو يده، لم يضمن، إلاّ أن تسقط من يده، لاسترخائه بنوم أو نسيان و لو تركها في كمّه مشدودة لم يضمن، فان كانت غير مشدودة فسقطت ضمن إن كانت خفيفة، و كذا إن كانت ثقيلة على إشكال ضعيف.
و لو شدّها في عضده لم يضمن، سواء كان ممّا يلي الجيب أو لا، نعم لو أمره بشدّها ممّا يلي الجيب فعكس ضمن، و لو كان بالعكس لم يضمن، و لو شدّها على وسطه لم يضمن.
و لو دفع إليه صندوقا و قال: لا تنم عليه، أو لا تقفل عليه، أو لا تضع عليه رجلا، فخالفه، أو قال: لا تقفل عليه إلاّ قفلا واحدا، فقفل قفلين، لم يضمن.
و لو قال: اجعلها في هذا البيت و لا تدخله أحدا، فأدخل إليها فسرقها الداخل ضمن، سواء سرقها حال الإدخال أو بعده، و لو سرقها من لم يدخل البيت، فالأقرب الضمان.
و من استودع شيئا فأودعه من غير إذن المالك و لا ضرورة كان ضامنا، سواء أودع من جرت عادته بحفظ ماله كالمرأة و الغلام، أو غيرهما، و إن كان القاضي، و لو أراد السفر ردّها إلى المالك أو وكيله، فإن فقدهما فالى الحاكم، فإن تعذّر فإلى ثقة، فإن تعذّر جاز له السفر بها، و لو خالف هذا الترتيب، ضمن على إشكال ضعيف، و لو أودع في السفر جاز النقل، و لا ضمان عليه.
و لو دفنها في موضع و أعلم بها ثقة يده على الموضع، و كانت ممّا لا يغيّرها الدفن، فهو كإيداعها عنده و إن لم يعلم بها أحدا ضمنها إلاّ مع
ص: 197
خوف المعاجلة عليها و كذا يضمن لو أعلم بها غير الثقة، أو اعلم بها الثقة و لم يشعره بالمكان، أو أشعره و ليس ساكنا بالمكان، أو كانت ممّا يتغيّر بالدفن.
و لو أراد السفر بها و قد نهاه المالك، ضمنها إلاّ أن يخاف التلف مع المقام بها، و إن لم يكن نهاه و كان الطريق مخوفا، أو البلد المقصود كذلك، ضمنها و إن لم يكن كذلك احتمل جواز السفر بها مع القدرة على المالك و الوكيل و الحاكم و الثقة، و عدمه، و هو الأقوى.
و لو دفع إلى الحاكم للضرورة، ففي وجوب القبول على الحاكم وجهان، و لو دفعها إلى الحاكم من غير إرادة السفر، للضرورة كالحريق و النّهب و غيرهما، لم يضمن.
و إن تعذّر الحاكم و احتاج إلى إيداعها، أودعها الثقة، و لو وجد المالك أو وكيله، فتخطاهما إلى الحاكم أو الثقة، ضمنها، و لو جعلها في بيت المال بنفسه من دون الحاكم ضمن.
و لو جنّ المالك أو حجر عليه للسفه، كان على المودع ردّ الوديعة إلى الحاكم، و لو نقل الوديعة من قرية إلى أخرى، كان حكمه حكم المسافر بها، و إن لم يكن بينهما مسافة القصر.
فلو استودع دابّة وجب عليه القيام بعلفها و سقيها على قدر حاجتها، سواء أمره المالك أو لم يأمره، و لو نهاه المالك عن العلف و السقي، لم يجز له الامتثال، لكن لو امتثل لم يضمن، و كذا لو لم ينشر الثوب المحتاج إلى النشر، و لو افتقر إلى اللّبس وجب لبسه، و لو أهمل ضمن إلاّ مع نهي المالك.
ص: 198
فمن أودع شيئا وجب ردّه على مالكه مع المكنة، فإن طالبه المالك فجحد، ضمن، و لو طالبه غير المالك فجحد، لم يضمن، و لو سأله المالك من غير مطالبة فجحد، ففي الضمان إشكال.
و لو لم يمكن لبعدها، أو لمخافة في طريقها، أو للعجز عن حملها، أو غير ذلك، لم يكن متعدّيا بترك تسليمها، و ليس على المستودع مئونة لو حملها إلى مالكها إذا كان حملها يفتقر إلى المئونة قلّت، أو كثرت، بل عليه التمكين من أخذها، و لو سافر بها بغير إذن المالك، كان عليه الردّ، و لزمته مئونته.
و فيه تسعة عشر بحثا:
و ليس بواجب إجماعا.
و لو شرط الضمان في العقد لم يلزم و إن قبل الشرط، و كذا لو قال: أنا ضامن لها، و كذا كلّ ما أصله الأمانة.
مثل أن يمزج السمن بمثله أو بالزيت، و لو استودع من اثنين
ص: 199
و أذنا في المزج، جاز و لا ضمان، و لو أذن أحدهما ضمن حصّة(1) غير الآذن، و لو امتزجت بغير تفريط فلا ضمان، و لو مزجها غيره، فالضمان على المباشر.
و لو تعذّر وجب الإيصاء بها و الإشهاد، فإن أهمل مع القدرة حتّى مات، ضمن، و لو مات فجأة و لم يوص فالأقرب عدم الضمان، و لو أوصى إلى فاسق ضمن، و كذا لو أوصى و أجمل من غير تميّز، كما لو قال: عندي ثوب، و لم يميّزه، و عنده أثواب، و لو لم يكن عنده غيره لم يضمن.
و لو قال: عندي ثوب وديعة، و لم يوجد في تركته ثوب أصلا، فالأقرب عدم الضمان على إشكال، و لو وجد في تركته كيس مختوم عليه مكتوب أنّه وديعة فلان لم يسلمه إليه إلاّ مع البيّنة.
فالأقرب عدم الضمان. و لو أخرجها للسقي، و الطريق آمن، ففي الضمان إشكال، أمّا لو كان مخوفا، فإنّه يضمن.
و لو قال المالك: اربط الدراهم في كمّك، فوضعها في يده فأخذها غاصب، فالأقرب الضمان، و لو أمره بحفظها، فشدّها في كمّه الظاهر، أو وضعها(2) في جيبه الظاهر، فالوجه الضمان، بخلاف ما لو كانا باطنين.
فالقول قوله مع اليمين، فإن
ص: 200
أقيمت عليه البيّنة، فادّعى عليه الردّ أو التّلف من قبل، فإن كانت صيغة جحوده إنكار أصل الوديعة، لم يقبل قوله بغير بيّنة، و مع إقامة البيّنة، فالأقرب عدم قبوله أيضا، و إن كانت الصيغة انّه لا يلزمني تسليم شيء إليك، أو ليس في ذمّتي شيء، قبل قوله في الردّ و التلف.
فإن أخّر معها ضمن، و لو أخّر لضرورة لم يضمن، و إن كان لاستتمام غرض نفسه، مثل أن يكون في حمام، أو على طعام، أو على نوم، أو طلب الإمهال لينهضم الطعام.
ضمن، و لو لم يطلب و لكن تمكّن من الردّ فلم يردّ، فالأقرب الضمان على إشكال، و لو علم من حال الموكّل المسارعة، فأهمل ضمن قطعا.
و إذا ردّ على الوكيل، و لم يشهد، فأنكر الوكيل فالأقرب عدم الضمان، بخلاف الوكيل لقضاء الدين.
فالقول قوله مع يمينه، سواء ادّعى سببا ظاهرا، كالحريق و الغارة على إشكال، أو خفيّا، و لو ادّعى الرّدّ، فالقول قوله مع اليمين، إلاّ أن يدّعي الردّ على غير من ائتمنه، كدعوى الردّ على وارث المالك، أو دعوى وارث المستودع على المالك، أو دعوى من طير الريح ثوبا إلى داره، أو دعوى المستودع الرد على وكيل المالك.
و قال:
نسيت التعيين، فإن صدّقاه خلص منهما و تنازعا، و الأقرب انّه لا يجب نقلها إلى عدل غيره، و إن كذباه حلف على نفي العلم، و لا تكفي يمين واحدة على
ص: 201
إشكال، بل لا بدّ من يمينين، فإذا حلف احتمل استعمال القرعة، فمن خرج اسمه حلف، فإن نكل حلف صاحبه، فإن نكلا قسم بينهما، و احتمل القسمة بينهما و حينئذ لا يضمن المستودع نصفها لتفويت ما استودع بجهله، لأنّ الجهل عذر، و إن نكل، فحلفا على علمه، ضمن القيمة، و جعلت القيمة و العين في أيديهما، فإن سلّم العين بحجّة لأحدهما ردّ نصف القيمة إلى المودع، و لم يجب على الثاني الردّ، لأنّه استحقّها بيمينه، و لم يعد عليه البدل.
و قال الشيخ: لو حلفا، فيه قولان: أحدهما القسمة بينهما، و الثاني انّه يوقف حتّى يصطلحا، و الأوّل أقوى، ثمّ قال: و لو قلنا بالقرعة كان قويّا(1) و عندي في ذلك نظر.
و لو حلف أحدهما حكم له، و لو نكلا احتمل القسمة و القرعة، و لو كذّبهما معا، فالقول قوله مع يمينه، و لو كذّب أحدهما و صدّق الآخر فكذلك، و يدفعها إلى من اعترف له بها مع يمينه للمكذّب، و لو أقرّ لهما معا، كان إقرارا لكلّ واحد منهما بالنصف، و يكون الحكم في النصف الآخر ما تقدّم فيها إذا أقرّ بالجميع لغيره.
إمّا من حريق، أو غريق، أو نهب، أو غير ذلك، فأنكر المالك، فعلى المدّعي البيّنة على حصول السبب، و حينئذ يبقى القول قوله في التلف مع اليمين.
ص: 202
ضمن، و للمالك الرجوع على من شاء، فإن رجع على الأوّل برئ الثاني، و إن رجع على الثاني كان للثاني مطالبة الأوّل (مع الغرور).(1)
أخذت من التركة، و لو كان عليه دين سواها، فهي و الدين سواء، و لا فرق بين أن يوجد في تركته من جنس الوديعة أو لا، هذا إذا أقرّ المستودع أنّ عندي وديعة، أو عليّ وديعة لفلان، أو ثبت ببيّنة أنّه مات و عنده وديعة، و لو كانت عنده وديعة في حياته و لم يوجد بعينها، و لم يعلم هل هي باقية عنده أو تلفت، ففي وجوب ضمانها إشكال.
فعلى ورثته تمكين صاحبها من أخذها، و لو لم يعلم المالك بالموت، وجب على الورثة إعلامه بها، و ليس لهم إمساكها، و كذا لو أطارت الريح إلى داره ثوبا، و علم به، فعليه إعلام المالك.
و لو ادّعى ردّها إلى صاحبها، فالقول قوله أيضا، سواء أودعه إيّاها ببيّنة، أو بغير بيّنة.
4454. السادس عشر:(2) لو قال: دفعتها إلى فلان بأمرك، فأنكر مالكها الإذن في دفعها،
ص: 203
فالقول قول المالك، و لو صدّقه على الإذن، لم يضمن بترك الإشهاد، و لو اعترف المالك بالإذن و أنكر الدفع، فالقول قول المستودع، فإن أقرّ المدفوع إليه بالقبض، و كان الدفع إليه في دين، برئ الجميع، و إن أنكر فالقول قوله مع يمينه، و يضمن المأمور بترك الإشهاد، و إن كان الأمر بالدفع وديعة، فالوجه عدم الضمان، فإذا حلف برئ أيضا و كان الهلاك من المالك.
فإن قدر على المالك، أو وكيله، طالبه بالإنفاق، أو ردّها عليه، أو يأذن له ثم يرجع به، فإن تعذّر المالك و وكيله، رفع أمره إلى الحاكم فينفق عليها من مال صاحبها، و لو لم يجد [المال]، و رأى من الحظّ(1) بيعها، أو بيع بعضها و إنفاقه على الباقي، أو إجارتها، أو الاستدانة على صاحبها من بيت المال أو من غيره، و يدفعه إلى المودع، فعل، و إن رأى دفعه إلى غيره ليتولى الإنفاق عليها، جاز.
و لو استدان من المودع جاز، ثم يدفعه إليه إن شاء أو إلى غيره، و يجوز أن يأذن له في الإنفاق بقدر ما يراه المودع، و يرجع به على صاحبها، فإن اختلفا في قدر النفقة، فالقول قول المودع في المعروف و في الزائد قول المالك، و ان اختلفا في قدر المدّة التي أنفق فيها، فالقول قول المالك.
و لو تعذّر الحاكم و أنفق على نيّة الرّجوع و أشهد، فالأقرب الرجوع، و لو تمكّن من الحاكم فلم يستأذنه، فالأقرب عدم الرجوع و إن أشهد.
و لو عجز عن الحاكم و لم يشهد، فالأقرب عدم الرجوع.
ص: 204
فالقول قول الغارم، و قيل(1):
قول المالك، و فيه ضعف.
فإن كانوا جماعة سلّمت إلى الجميع أو من يقوم مقامهم، و لو سلّمها إلى بعضهم من غير إذن الباقين، ضمن حصص من لم يأذن.
ص: 205
ص: 206
كتاب العارية
ص: 207
ص: 208
و فيه فصول:
و فيه ثلاثة مباحث:
و شدّد الياء لأنّها منسوبة إلى العارة و هو اسم من قولك: أعرت المتاع إعارة و عارة، فالعارة الاسم، و الإعارة المصدر(1).
و العارية عقد يقتضي إباحة المنفعة خاصّة بغير عوض، فخرج عنه إباحة الأعيان كالبيع و الصدقة و الإجارة.
و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم:
«العارية مؤدّاة، و المنحة مردودة، و الدّين مقضيّ ، و الزّعيم غارم»(1).
و يفتقر إلى إيجاب و قبول، و عبارته الصريحة: أعرتك، فيقول: قبلت، و يقع بكلّ لفظ يشتمل على الإذن في الانتفاع، و قد يحصل القبول بالفعل.
و فيه سبعة مباحث:
و يشترط في المعير التكليف و جواز التصرّف، فلو أعار الصبيّ ، أو المجنون، أو المحجور عليه للسّفه أو الفلس، لم يجز، و لو كان الصبيّ مميّزا، أو أذن له الوليّ في الإعارة جاز مع المصلحة، و لا فرق بين أن يعير ما يملكه أو يكون نائبا عن غيره.
فلو أعار المستأجر صحّ ، و لو أعار غيره ممّن ليس بمالك لم يجز و إن كان مستعيرا، نعم للمستعير أن يستوفي المنفعة لنفسه بوكيله، و ليس له أن يؤجر.
ص: 210
فلو استعار المحرم صيدا لم يجز له إمساكه و إن كان من محلّ ، و لو أمسكه ضمنه و إن لم يشترط عليه الضمان، و عليه مع تلفه قيمته لصاحبه و الجزاء للّه تعالى، و هل يجوز للمشرك استعارة المصحف أو العبد المسلم للاستخدام ؟ فيه نظر.
كالثوب، و الدابّة، و تصحّ إعارة الأرض للزراعة، أو الغرس، أو البناء، و كذا تجوز إعارة الحيوان للركوب، و العبد و الجارية للخدمة، و إن كانت الجارية أجنبيّة، و تجوز أيضا عارية الفحل للضراب و عارية الكلب للصّيد، أو الحفظ.
كإعارة الدار لمن يشرب فيها الخمر.
و يستحبّ استعارتهما للترفّه، و لا تجوز استعارة الجواري للاستمتاع إلاّ بلفظ التحليل أو الإباحة، فلو وطئ بلفظ العارية مع علمه، بالتحريم، كان زانيا، و إلاّ فهو وطء شبهة، و تجوز استعارة الشاة للحلب، و يكون ذلك منحة، و تجوز استعارة العين للرّهن.
كالدّور، و العقار، و الثياب، و الحليّ ، و غير ذلك، و لو استعار الدراهم و الدنانير لمنفعة التزيّن(1) بها جاز، و لا يكون قرضا، و لو استعارها للإنفاق كان قرضا، و لو قال: أجرتك حماري لتعيرني فرسك، فالأقرب الجواز، فلو قال:
اغسل هذا الثوب، فهو استعارة لبدنه، فإن كان العمل ممّا يؤخذ الأجرة عليه، استحقّ الأجرة و إلاّ فلا.
ص: 211
و فيه خمسة و عشرون بحثا:
كالدابة في الركوب، و الدار في السكنى، و الثوب في اللبس، و لو أذن المالك في نوع من التصرف لم يجز التعدّي إلى ما ضرره أكثر، فإن أذن له في زرع الحنطة لم يكن له زرع ما هو أضرّ منها، و يزرع ما ضرره مثلها أو دونها، و لو نهاه عن التجاوز لم يجز مطلقا، و لو أذن في الغراس فبنى، أو في البناء فغرس، فالوجه المنع.
و له الانتفاع بمجرى العادة، فلو استعار أرضا من غير قيد جاز أن يبني و يغرس و يفعل كلّما هي معدّة من الانتفاع، و لو اذن له في الغراس، أو البناء جاز له الزرع دون العكس.
و لو أذن له في الزرع مرّة لم يكن له التكرار، و لو أطلق، فالأقرب الجواز.
و لو أذن له في الغرس مطلقا، فانقلعت الشجرة لم يكن له غرس أخرى، و كذا لو أذن له في وضع خشبة على حائط فانكسرت لم يكن له وضع أخرى.
و كذا لو لم يسمّ من يلبسه، و كذا غير الثوب من الأعيان إذا أعاره غيره من غير إذن ضمنه و إن كان الثاني لا يعمل بها إلاّ ما كان المستعير يعمل بها، إذا ثبت هذا
ص: 212
فللمالك أجرة المثل على من شاء منهما، فإن رجع على الأوّل رجع الأوّل على الثاني مع علمه، و إن رجع على الثاني لم يرجع الثاني على الأوّل، و لو كان جاهلا ففي رجوع الأوّل عليه و عدم رجوعه على الأوّل لو رجع عليه، نظر.
و لو تلفت العين في يد الثاني ضمنها الثاني، فإن رجع على الأوّل كان للأوّل الرجوع على الثاني، و إن رجع على الثاني لم يرجع الثاني على أحد.
و كان للمالك الأجرة إن شاء أجرة المثل، و إن شاء المسمّى، و له الرجوع على من شاء، و التفصيل هنا كما قلنا في العارية.
و لو أذن له المالك في الإجارة مدّة معلومة أو في الإعارة مطلقا، أو معيّنا، جاز فإذا عقد المستعير الإجارة لم يكن للمالك الرجوع حتّى تنقضي المدّة، و لا تكون العين مضمونة على المستعير و لا على المستأجر.
و للمعير الرجوع في العارية متى شاء، سواء كانت مطلقة أو مؤقّتة ما لم يأذن في الشغل بما لا يجوز معه الرجوع، و لا يلزمه في المطلقة الصبر إلى وقت يمكن للمستعير(1) الانتفاع في مثله بالعين، و لا في المقيّدة خروج الوقت، بل يجوز قبله، و كذا يجوز للمستعير الردّ متى شاء إجماعا.
و لو تصرف بعد المدّة كان غاصبا،
ص: 213
و عليه الأجرة، فإن كان قد غرس قلعه و عليه تسوية الحفر و نقص الأرض.
فان عيّن له قدر الدّين، أو جنسه، أو صفته من الحلول و التأجيل، تعيّن، و لا يجوز له المخالفة، فإن خالف كان للمعير فسخ الرّهن إلاّ أن يأذن له في الرّهن بمقدار فيرهنه على أقلّ ، و للمالك المطالبة بافتكاكه إن كان الدّين حالاّ، أو مؤجّلا حل أجله، و إن لم يحلّ فكذلك على إشكال، و إذا حلّ الدّين و لم يفكّه الراهن، جاز بيعه في الدّين، فإذا بيع بالدّين، أو تلف بتفريط، كان للمالك الرجوع على الراهن بالقيمة، و له الرجوع في صورة البيع بالثمن، و لو تلف من غير تفريط، لم يكن على أحدهما(1) ضمانه.
و لو استعار شيئا من اثنين فرهنه على مائة صفقة عند واحد ثمّ قضى خمسين ليفكّ حصّة أحدهما لم ينفكّ إلاّ بقضاء الجميع، و لا يضمن المعير الدّين في رقبة عبده إذا رهنه المستعير.
ففي جواز الرجوع إشكال، فلو استعار لوحا فرقّع به السفينة لم يكن له الرّجوع بعد إصلاحه فيها إذا لجج(2) في البحر، و يجوز الرجوع قبل دخول البحر و بعد الخروج منه.
و لو أعاره أرضا للدفن جاز الرّجوع ما لم يدفن، فيلزم حينئذ ما لم يبل الميّت.
ص: 214
و لو أعاره حائطا لطرح خشبة، جاز الرجوع ما لم يطرح و يبنى عليه، ففي الرجوع حينئذ مع الأرش إشكال، و لا يجوز الرجوع مجانا، و لو أزاله المستعير باختياره، أو سقط الحائط فبناه المالك بذلك اللّبن أو غيره لم يكن للمستعير الوضع ثانيا إلاّ مع تجدّد الإذن، و كذا لو سقط الخشب خاصّة.
فإن زرع بعد الرجوع، كان للمالك قلعه بغير شيء و على الزارع أرش الأرض و تسوية الحفر و الأجرة، و إن زرع قبله، ففي جواز الرّجوع إشكال، فإن سوّغناه، أوجبنا الأرش على الإذن فليس له القلع بدونه، و ان منعناه أوجبنا بقاءه في الأرض إلى وقت إدراكه بغير عوض. و لو بذل المالك قيمة الزرع لم يجب على ربّه القبول على التقديرين. و لو كان ممّا يمكن حصاده قصيلا، فالوجه التردّد أيضا.
و حينئذ لا يجوز للمستعير البناء و الغرس، فإن فعل كان للمالك قلعه و إلزامه بالأجرة و أرش الأرض و تسوية الحفر، فإن لم يرجع حتّى غرس أو بنى ثمّ رجع في الإذن، فإن كان قد شرط على المستعير القلع عند انقضاء مدّة العارية إن كانت مقدّرة، أو شرط القلع متى طالبه به، إن كانت مطلقة، فانّه يلزمه القلع، و ليس على المالك ضمان ناقص الغرس و البناء بالقلع، و لا يجب على المستعير طمّ الحفر و تسوية الأرض، و إن لم يشترط القلع، فإن اختار المستعير القلع، كان له ذلك، و إن كره المالك، و هل تلزمه تسوية الحفر و طمّها؟ فيه احتمال.
و إن لم يختر القلع و طالبه المعير به، لم يكن له ذلك إلاّ بعد ضمان
ص: 215
ما ينقص بالقلع، فحينئذ يجب عليه قلعها بعد غرم ما نقص، فيقوّم قائمه و مقلوعه(1) و يغرم ما بين القيمتين.
و لو قال المعير: أنا أغرم قيمة الغرس، قال الشيخ: يجبر المستعير على ذلك(2) و عندي فيه نظر.
و لو قال المستعير: أنا أدفع قيمة الأرض، لم يلزم المالك إجابته إجماعا، و لو طالبه المالك بالقلع من غير ضمان أرش النقص، لم يجبر صاحب الغرس عليه.
و لو أذن مقيّدا، فطالب بالقلع من غير ضمان الأرش قبل المدّة، لم يكن له ذلك، و إن كان بعد المدّة، فالأقرب أنّ له ذلك.
إذا عرفت هذا فإن لم يدفع المعير قيمة الغرس و لا ضمن أرش النقص، لم يكن له القلع، فإن اتفقا على البيع جاز، و يقسم الثمن على قدر القيمتين بأن يقوّم الغراس منفردا في أرض المعير، و الأرض مشغولة بزرع الغير، فيؤخذ بالنّسبة، و إن امتنعا من البيع، كان للمعير الدخول إلى أرضه و الاستظلال بالشجر دون الانتفاع به، من شدّ دابّته فيه و غيرها.(3)
و أمّا المستعير فليس له الدخول لغير حاجة قطعا، و في دخوله لحاجة(4)كسقي الغرس وجهان، قوّى الشيخ المنع(5).
ص: 216
و لو باع الغارس غرسه على المالك جاز، و لو باعه لغيره ابتني على جواز الدخول، فإن سوّغناه، جاز البيع و إلاّ فلا.
كان لصاحب الحبّ ، و له نقله عن أرض غيره، و إن طالب صاحب الأرض بالنقل، كان له ذلك، و لا أرش عليه، و هل على صاحب الغرس طمّ الحفر؟ الأقرب ذلك.
أو اشتراط الضمان، أو تكون العارية للذهب و الفضة، و إن لم يشترط الضمان، أو يكون المستعير محرما و العارية صيدا، أو يستعير من غير المالك، و لو اشترط في ذلك سقوط الضمان، سقط إلاّ في الصّيد و غير المملوك.
و كذا لو تلفت العين بجملتها بالاستعمال من غير تعدّ ما لم يشترط الضمان، و لو تلفت العين أو أبعاضها بغير الاستعمال، فإن فرّط ضمن، و إلاّ فلا.
و لو استعملها استعمالا مأذونا فيه فتلف بعض أجزائها ثم أتلفها بتفريط، ضمنها ناقصة، و كذا يضمنها ناقصة لو تلفت بغير تفريط مع شرط الضمان.
و كذا لا يضمن ولد العارية، أمّا ولد المغصوبة فإن كان مغصوبا ضمنه أيضا، و إلاّ فلا.
ضمنها بالمثل إذا كانت
ص: 217
من ذوات الأمثال، و إلاّ فالقيمة يوم التلف، و لو تلف من أجزائها شيء حال الضمان بالاستعمال، ثمّ تلفت ضمنها كاملة.
و يبرأ بذلك، و لا يبرأ لو ردّها إلى ملك صاحبها أو إلى الموضع الّذي أخذها منه، أو إذا أودعها مع عدم الضرورة، و كذا لو ردّها إلى من جرت العادة بحفظها كزوجة المالك و سائس الدابّة.
و عليه أجرة الزيادة، و كذا لو حملها أثقل من المأذون، أو سيّرها أكثر من المعتاد أو أشدّ.
و لو ادّعى المستعير الإذن في السير إلى المسافة البعيدة، فالقول قول المالك لو أنكر، و إن كان(1) يشبه ما قاله المستعير.
لكن مع رجوعه على المستعير يرجع المستعير على المعير، دون العكس، هذا(2) إذا كان المستعير جاهلا، و لو كان عالما فالرجوع عليه، و لا يرجع هو على أحد، و لو رجع على المعير كان للمعير الرجوع عليه، و كذا البحث في القيمة لو تلفت العين في يد المستعير بغير تفريط.
فإن لم
ص: 218
تمض مدّة يمكن الانتفاع فيها، فالقول قول المنتفع،(1) و كذا لو قال المالك:
أعرتك، و ادّعى المنتفع الإجارة، فالقول قول المالك مع يمينه.
و لو مضت مدّة ينتفع فيها فالأقرب(2) انّ القول قول المالك مع يمينه لا قول المنتفع، خلافا للشيخ،(3) و الوجه أنّ المالك يحلف على عدم الإعارة لا على المدّعى،(4) فحينئذ يثبت له أجرة المثل، و لو نكل ففي إحلاف الآخر نظر.
و لو اختلفا في أثناء المدّة، فالقول قول المالك فيما مضى، و قول المستعير فيما بقي، و لو ادّعى المالك هنا العارية و المنتفع الأجرة، فالمنتفع يدّعي استحقاق المنافع و يعترف بالأجر للمالك، و المالك ينكرها، فيحلف و يأخذ العين خاصّة.
و لو اختلفا في ذلك بعد تلف العين، فإن كان التلف عقيب القبض، فلا فائدة هنا، إلاّ فيما يكون مضمونا بالعارية، كالذّهب و الفضة، فالأقرب فيه أنّ القول قول المالك، سواء ادّعى الأجرة أو العارية، لأنّه بادّعاء الإجارة يعترف ببراءة ذمّة القابض، و بادّعاء الإعارة يلتجئ إلى الأصل، و هو ضمان القابض، فيحلف المالك و يأخذ القيمة، و القول في قدرها قول القابض.
و لو اختلفا بعد مضيّ مدّة لمثلها أجرة، فإن ادّعى المالك الإجارة، فالقول قوله مع يمينه في عدم العارية، و يثبت له أجرة المثل، و إن ادّعى الإعارة، فلا
ص: 219
ضمان على المستعير عندنا، و لو كانت العين ممّا يضمن بالإعارة، فالقول أيضا قوله مع اليمين إلاّ أن يكون الأجر بقدر القيمة أو أكثر، فلا يمين.
و لو اختلفا في القيمة أو القدر مع التفريط، فالقول قول منكر الزيادة، و لو ادّعى أنّه استعار الصّيد حالة إحرامه، و قال المستعير: بل بعده (حتّى يغرم)(1) ففي تقديم قول المالك نظر.
فإن كانت العين قائمة، و لم تمض مدّة، فلا فائدة للاختلاف، فيأخذ المالك عينه و إن مضت مدّة، لها أجرة، فالقول قول المالك مع اليمين، و يثبت له أجرة المثل، و لو تلفت فعلى القابض الضمان.
فلو ادّعى المالك الغصب و القابض الإجارة، فالاختلاف هنا في وجوب القيمة و قدر الأجرة، فالقول قول المالك مع اليمين، و إن نقص المسمّى عن أجرة المثل.
كان للمالك الرّجوع على من شاء بالأجرة و بالقيمة مع التلف، فإن رجع على المستعير رجع المستعير على الغاصب، و لو رجع على الغاصب لم يرجع الغاصب عليه، هذا إذا كان المستعير جاهلا لم يشترط عليه الضمان، و لو كان عالما لم يكن له الرجوع على الغاصب لو رجع عليه المالك، و للغاصب الرجوع عليه إن رجع عليه المالك.
ص: 220
و لو شرط الغاصب الضمان، ففي رجوع المستعير عليه مع الجهل بما أخذه المالك من القيمة و الأجرة إشكال، و يترتّب عليه رجوع الغاصب عليه لو رجع المالك على الغاصب.
و لو كانت القيمة زائدة في يد الغاصب، ثمّ نقصت، و استعارها بعد النقص، ضمنها المستعير ناقصة، و كانت الزيادة على الغاصب، و البحث في رجوع المستعير كما قلناه.
و كذا يضمن لو جحد العارية ثمّ ثبتت بالبيّنة أو بالإقرار، و يزول الاستئمان.
و لو ادّعى الردّ، فالقول قول المالك مع اليمين.
و إن كان لو استعمله مدّة الإذن، لتلف به(1) من غير تفريط على إشكال.
فإن كان في يد المحرم، ملكه المحلّ و لا قيمة عليه، و إن كان بعيدا عنه صحّت العارية و كان عليه ضمانه لصاحبه مع التفريط أو الشرط.
ص: 221
ص: 222
كتاب الشركة
ص: 223
ص: 224
و النظر في أمرين
و فيه ثمانية مباحث:
شركة في الأعيان إمّا بالميراث، أو عقد البيع، أو الهبة، أو الصدقة، أو الوصيّة، أو الحيازة، كالاغتنام و الاصطياد و الاحتطاب.
و شركة في المنافع بعقد الإجارة أو الوقف.
و شركة في الحقوق كالشركة في حق القصاص، و حدّ القذف، و خيار الشرط و العيب، و الرّهن، و الشفعة، و مرافق الطرق، و البحث هنا مقصور على الأوّل.
ص: 225
شركة العنان، و هي شركة الصّحيحة، و هي أن يخرج كلّ من المشتركين مالا و يمزجاه مزجا يرتفع معه التميّز، سمّيت بذلك لتساويهما في التصرّف كالفارسين إذا تساويا في السير، فإنّ عنانيهما يكونان سواء.
و قال الفراء: هي مأخوذة من «عنّ الشيء»: إذا عرض، يقال عنت لي حاجة: إذا عرضت و سمّيت بذلك، لأنّ كلّ واحد عنّ له شركة صاحبه، و قيل:
من المعاننة(1) يقال: عاننت فلانا: إذا عارضته بمثل ماله و فعاله، و كلّ من الشريكين عارض صاحبه بمثل ماله و فعاله(2).
و شركة المفاوضة: و هي أن يكون مالهما من كلّ شيء يملكانه بينهما، و هي باطلة، سواء كانا مسلمين أو لا، و سواء كان مالهما في الشركة، أو لا، و سواء أخرجا جميع ما يملكانه من جنس مال الشركة، و هو الدراهم و الدنانير، أو لا.
و شركة الأبدان: و هي أن يشترك الصانعان فيما يحصل به من كسب عملهما، و هي باطلة عندنا، سواء كانت في الاحتطاب و الاحتشاش و الاغتنام، أو في غيرها و سواء اتفقت الصنعتان، أو اختلفتا، بل يأخذ كلّ من الصانعين أجرة عمله بانفراده، و لو لم يتميّز العمل بأن يستأجرهما لخياطة الثوب، فيفعل كلّ منهما فيه شيئا غير معلوم اصطلحا في الأجرة.
ص: 226
و شركة الوجوه: و هي أن يتّفق رجلان على أن يشتركا و لا مال لهما، على أن يبتاعا بجاههما و يبيعا، و يكونان شريكين في الربح، و هي باطلة. و لو أذن أحدهما لصاحبه في الشراء عنهما فاشترى لهما، وقع الشراء لهما.
و هي جائزة من الطرفين، و يشترط فيه أهليّة كلّ من المتعاقدين للتوكيل و التوكّل، فإنّ كل واحد متصرّف في مال نفسه و مال صاحبه بإذنه، و يكفي في الصّيغة ما يدلّ على الرضا بالمزج.
4496. الرابع: إنّما تصحّ الشركة مع المزج الرافع(1) للامتياز،
سواء قصد المزج أو لا، فلو اختلط أحد المالين بالآخر من غير قصد المالكين، تحقّقت الشركة، و لو مزج الصّحيح بالقراضة، أو السمسم بالكتان، لم يصحّ ، و كذا كلّ اختلاط يمكن معه التميّز، فإنّ الشركة فيه باطلة، و لو تقدّم الخلط على العقد أو العكس، جاز، و لا يشترط تساوي المالين قدرا و لا العلم بالمقدار حالة العقد، و قد تقع الشركة في الأعيان المتميّزة بأن يبيع أحدهما نصف العين الّتي له، بنصف عين صاحبه.
و كذا في العروض عندنا، سواء كانت من ذوات الأمثال أو من غيرها، على وجه لا يمكن التميز معه، مثل أن يبيع أحدهما نصف سلعته بنصف سلعة صاحبه، أو يمزجهما مزجا يحصل معه الاختلاط.
و يكره بينهم
ص: 227
و بين أهل الذمّة إجماعا، فلو اشترى الذمّي بمال الشركة، أو باع بما يحرم على المسلم، وقع فاسدا، و عليه الضمان.
و أنّ لكلّ منهما أجرة عمله، و لو قال أحدهما للآخر: أنا أتقبل و أنت تعمل على الشركة في الأجرة كانت أجرة العمل للمتقبّل، و عليه أجرة المثل للعامل، إن كان المتقبّل قد استؤجر للعمل، و إلاّ كانت الأجرة للعامل، و عليه للمتقبّل أجرة السمسرة، و لو عمل أحد الشريكين في شركة الابدان دون صاحبه كانت الاجرة للعامل خاصّة.
فإن اتّحد الفعل بأن يقتلعا شجرة، أو يغترفا ماء دفعة، تحقّقت الشركة، و إن تعدّد العمل اختص كلّ واحد بما حازه.
و فيه سبعة و عشرون بحثا:
كان تابعا لأصل المال إجماعا. و لو اشترطا ذلك أيضا، جاز بلا خلاف.
و لو اشترطا التفاوت في الرّبح مع تساوي المالين، أو بالعكس، قال الشيخ:
لا يصحّ و كان الرّبح على قدر رأس المال، و لكلّ منهما أجرة مثل عمله في مال صاحبه.(1)
ص: 228
و قال السيد المرتضى: يلزم الشرط(1) و هو الأقوى عندي، سواء شرطت الزيادة للعامل أو لغيره.
و كذا يجوز في المغشوش من الأثمان مع العلم بالغشّ ، سواء قلّ الغشّ أو كثر بأن يزيد على النصف، و كذا تصحّ الشركة بالفلوس مع المزج الرافع للتميّز، سواء كانت ناقصة أو غير ناقصة.
و لا بالمال الغائب و لا الدّين.
سواء كان المال من الأثمان، أو غيرها، و سواء عيّنا المالين و أحضراهما، أو لا، و سواء جعلا في بيت لهما، أو في يد وكيلهما أو لا.
و لا يجوز له التعدّي عن محلّ الإذن، سواء كان في جنس، أو نوع، أو بلد، أو طريق. و لو أطلق له الإذن تصرّف كيف شاء مع اعتبار المصلحة، فيبيع و يشتري مرابحة، و مساومة، و مواضعة، و تولية، و يقبض المبيع و الثمن و يقبّضهما، و يطالب بالدّين و يحتال، و يردّ بالعيب.
و ليس له أن يكاتب و يعتق على مال إلاّ مع المصلحة. و لا يزوّج الرّقيق،
ص: 229
و لا يقرض و لا يحابي(1) و لا يشارك بمال الشركة، و لا يدفعه مضاربة، و لا يمزج مال الشركة بماله أو مال غيره، و لا يستدين على مال الشركة، و لا يقرّ على مال الشركة، فإن فعل لزمه في حصّته، سواء كان بعين، أو دين، و لو أقرّ بعيب في عين باعها لزم، و كذا يقبل لو أقرّ بثمن المبيع، أو بأجرة المنادي و الحمّال، و له دفع أرش المعيب فيما باعه، و الحطّ من ثمنه، و الصبر به إلى مدّة لأجل العيب، و لو حطّ من الثمن ابتداء أو أبرأ منه، لزم في حصّته.
و الأقرب جواز أن يبيع نسيئة و يشتري كذلك، سواء كان عنده نقد، أو من جنس الثمن، أو لا، و يودع مع الحاجة لا بدونها، و كذا يوكّل فيما لا يباشره بنفسه، و لو وكّل أحدهما ملك الآخر عزله، و الأقرب أنّ لأحدهما أن يرهن و يسترهن على مال الشركة، و في السفر بالمال إشكال، و الأقرب أنّ له الإقالة.
و لو قال: اعمل برأيك، اقتضى العمل برأيه في جميع أصناف التجارة، و هل يملك تمليك شيء بغير عوض، كالهبة و الحطيطة، و العتق، و الإبراء؟ فالأقرب المنع.
و لو أخذ أحدهما مالا مضاربة، كان الربح له دون شريكه، و لو أذن كلّ من الشريكين لصاحبه في التصرف، جاز منفردا، و لو شرطا الاجتماع لزم. و لو تعدّى المأذون ما عيّن، له ضمن، و كان الرّبح على ما اتّفقا عليه.
و إذا حصل الإذن لأحد الشركاء في التصرّف، لم يكن لغيره ذلك، و لكلّ من الشركاء الرّجوع في الإذن و المطالبة بالقسمة.(2)
ص: 230
و الشركة من العقود الجائزة، تبطل بموت أيّهما كان و جنونه و الحجر عليه لسفه أو فلس، و بفسخ أحدهما، على معنى أنّ الباقي على جواز التصرف لا يتصرّف(1).
و لو عزل أحدهما صاحبه انعزل المعزول خاصّة، فلا يتصرّف فيما زاد على نصيبه، و يبقى المال على الشركة، و للعازل التصرّف في الجميع ما لم يعزله المعزول، سواء كان المال ناضّا(2) أو به عروض.
و لا يجب على أحد الشريكين انضاض المال المأذون في الابتياع به، بل يقتسمان الأقمشة إن اتّفقا على القسمة، و إن اتّفقا على البيع جاز.
و لو طلب أحدهما القسمة و الآخر البيع، أجيب طالب القسمة.
و إذا مات أحد الشريكين كان لوارثه القيام على الشركة و المطالبة بالقسمة، و لو كان له وليّ كان له فعل المصلحة من أحد الأمرين.
و لو أوصى الميّت بمال الشركة لواحد معيّن، كان حكمه حكم الوارث، و لو أوصى لغير معيّن كالفقراء، لم يجز للوصيّ الإذن في التصرّف، فيعزل نصيبهم ليصرف إليهم.
ص: 231
و لو كان على الميّت دين لم يكن للوارث إمضاء الشركة إلاّ بعد قضائه.
و لكلّ منهما أن يرجع متى شاء، نعم لو شرطا الأجل لم يكن للمتصرف التصرف بعده إلاّ بإذن مستأنف.
و يرجع كلّ منهما على الآخر بأجرة عمله.
و يقبل قوله في دعوى التلف، سواء ادّعى سببا ظاهرا كالغرق و الحرق، أو خفيّا كالسرقة، و كذا القول قوله مع يمينه في عدم التفريط و عدم الخيانة.
لم يصحّ ، و كان لكل منهما أجرة دابته، و لو تقبّلا حمل شيء معلوم في ذمّتهما ثمّ حملاه على البهيمتين أو غيرهما، صحّ إن وقعت إجارة صحيحة.
و لو قال: بع عبدك و ثمنه بيننا لم يصحّ ، و كذا لو قال: آجره لتكون الأجرة بينك و بيني، و لو أعان أحدهما صاحبه بالنقل كان له أجرة مثله.(1)
و لو كان لقصّار آلة و لآخر بيت فاشتركا على أن يعملا بآلة هذا في بيت الآخر و الكسب بينهما، لم يصحّ ، و كان الحاصل لهما على قدر أجر عملهما و أجر البيت و الآلة.
ص: 232
و لو دفع دابّته إلى آخر ليعمل عليها و الحاصل بينهما لم يصحّ ، و كان الحاصل للعامل و عليه أجرة الدابّة إن تقبّل حمل شيء فحمله عليها، و إن كان قد آجرها بعينها فالأجرة للمالك و للعامل أجرة مثله إن رضي المالك بالأجرة، و إلاّ قسّما الحاصل على قدر أجرة المثل لهما لا على ما اشترطاه.
و لو دفع إلى نسّاج غزلا ليصنعه ثوبا بثلث ثمنه أو ربعه، لم يجز، و كان الثوب لصاحب الغزل، و عليه أجرة الصانع، و كذا لو قال له: إذا نسجته فبعه، و لك نصف الربح، و كذا لو دفع شبكة ليصطاد بها على النصف، لم يجز، و كان السمك للصائد، و عليه أجرة المثل للشبكة.
و لو اشترك صاحب الدابّة و الجوالقات في الحاصل، لم يصحّ ، و الأجرة لصاحب الدابّة، و عليه لصاحب الجوالقات أجرة المثل، سواء زادت عن المأخوذ أو نقصت، و لو آجر كلّ منهما ملكه منفردا، فلكل منهما أجرة ملكه.
4511. الحادي عشر: لو اشترك ثلاثة، من أحدهم دابّة و من الآخر رواية(1)و للآخر العمل، لم يصحّ ،
و كذا لو اشترك أربعة من أحدهم دكّان، و من الآخر رحى، و من الآخر دابّة، و من الرابع العمل.
و الأجرة بأجمعها في الأوّل للسقّاء، و عليه أجرة المثل للدابّة و الراوية، و قيل: يقسّم أثلاثا و لكلّ واحد منهم على صاحبه(2) ثلث اجرة مثله(3)
ص: 233
و يسقط الثلث الباقي، قال الشيخ: و الأوّل على وجه الصلح و الثاني مرّ الحكم(1).
و أمّا في الثانية فإن كان قد استأجرهم أجمع للطحن، فلكلّ ربع الأجرة، لأنّ كلّ واحد قد لزمه طحن ربعه و يرجع كلّ واحد منهم على أصحابه بربع أجرة مثله، و إن كان قد استأجر واحدا منهم و لم يذكر أصحابه و لا نواهم، فالأجر
ص: 234
كلّه له، و عليه لأصحابه أجرة المثل، و إن نوى أصحابه أو ذكرهم، كان كما لو استأجر منهم أجمع.
و لو كان قد قال: استأجرت هذا الدكّان و الدابّة و الرحى و الرجل بكذا و كذا، لطحن كذا من الطعام، صحّ ، و الأجر على قدر أجر مثلهم لا بالسوية.
لم يصحّ ، و كان الزّرع لصاحب البذر، و يرجع الباقون بأجرة المثل عليه.
و هل يفتقر في تملّكه إلى نيّة بمعنى أنّه يبقى على الإباحة لو أخذه لا بنيّة التملك ؟ فيه نظر أقربه ذلك على إشكال، و لو فعل أحد هذه بنيّة أنّه له و لغيره، لم يؤثر تلك النيّة في تملّك الغير، و كذا لو أخذه بنيّة أنّه للغير.
و كان الحاصل للمستأجر، و لو استأجره لصيد شيء بعينه، لم يصحّ إلاّ مع القدرة على تحصيله.
قال الشيخ: إن شرط الآخر عمل صاحب الأكثر معه لم تصحّ الشركة بناء على أصله، و ان لم يشترط صحّت، و كانت شركة قراض يستحق العامل الثلث بماله و السدس بعمله(1) و على ما اخترنا لو شرط معه العمل جاز.
ص: 235
لم يكن شركة، لانتفاء العمل من أحدهما و شركة العنان تقتضى الشركة في المال و العمل معا، و لا قراضا، لعدم اشتراط جزء من الربح، فتكون بضاعة(1).
تخيّرا بين ردّه و أرشه، قال الشيخ: و لو أراد أحدهما الأرش و الآخر الردّ كان له ذلك(2) فإن أراد مع تعدّد الصّفقة صحّ ، و إلاّ منع مع قوته.
قال: و لو اشترى احدهما بالمشترك ثمّ ظهرا على العيب فإن أعلم البائع أنّه يشتريه للشركة، كان لهما الافتراق(3) و إلاّ فلا(4) و هذا التفصيل عندي جيّد.
فالقول قول المشتري مع يمينه، و لو أقام الشريك البيّنة، كان عليه اليمين إن ادّعى المشتري عليه الرضا، و مع اليمين يتخيّر المشتري بين الفسخ و أخذ البعض بالحصّة.
و مع الإذن يقع لهما، و لو اشترى بالمال المشترك من غير إذن بطل
ص: 236
العقد في النصف، و لو أذن له في الشراء مطلقا فاشترى بأكثر من ثمنه ممّا(1) لا يتغابن الناس فيه، فإن كان الشراء في الذمّة، وقع الشراء له خاصّة، و إن كان بالعين المشتركة، صحّ في نصيبه، و بطل في نصيب الشريك.
فالقول قوله مع اليمين.
فالقول قول البائع مع يمينه، لكنّ المشتري يبرأ من حصّة الشريك.
و تقبل شهادة الشريك في حصّة البائع إذا كان من أهلها، و يحلف معه المشتري، و إن لم يكن من أهلها حلف البائع و رجع على المشتري بنصف الثمن و لا يرجع الشريك بشيء على المشتري ثمّ إن قامت البيّنة إمّا من المشتري أو من الشريك على البائع بالقبض لزمه حصّة الشريك، و إلاّ كان القول قوله مع اليمين، و لو نكل حلف الشريك، و أخذ منه.
و البيّنة تثبت الحكم في حقّ الشريك و المشتري، أمّا اليمين مع الشاهد، أو مع نكول البائع فيثبت الحكم في حقّ الحالف دون الآخر.
و لو أقرّ البائع أنّ الشريك قبض الثمن من المشتري، و صدّقه المشترى و أنكر الشريك، لم يبرأ المشتري من حصّة البائع، لدفعها إلى غير وكيله، و لا من حصّة الشريك، لأنّ المشتري مدّع، و تصديق البائع يتضمّن زوال الضمان عنه،
ص: 237
و لأنّ الشريك منكر فللشريك مطالبته بعد اليمين بحصّته، و للبائع مطالبته بحصّة نفسه أيضا من غير يمين، و ليس له مطالبته بحصّة الآخر، هذا إذا لم يأذن الشريك للبائع في الإقباض من غير قبض الثمن، و لو أذن في ذلك قبل تصديق البائع على الشريك إن كان قوله مقبولا مع اليمين، و إلاّ فلا.
بأن يغصب أحد الشريكين في عبد على أخذ حصّته و يمنعه من استخدامه دون الآخر، أو يخرج أحد المالكين من الدار المشتركة و يسكن مع الآخر، و يتعلّق الضمان بالغاصب، و لو باع الغاصب و الشريك العين، مضى في حقّ الشريك، و وقف في حقّ الآخر. و كذا لو باع الغاصب الجميع بوكالة الشريك، أو غصب أحد الشريكين الآخر و باع الجميع.
فإن تساوت قيمتهما صحّ البيع و قسّط الثمن بالسويّة، و إن تفاوتت، قال الشيخ: يبطل لجهالة ثمن كلّ واحد منهما(1) و قيل يصحّ . و هو قويّ . و لو كانا بينهما على الشياع، صحّ البيع قطعا و كذا لو كانا لواحد.
و لو باع واحد عبدين متفاوتي القيمة صفقة، ثم ادّعى أنّ أحدهما لغيره، فعلى ما اخترناه لا بحث، و على قول الشيخ إن صدّقه المشتري بطل البيع، و إلاّ حلف مع عدم البيّنة على عدم العلم، و كانا له و الثمن يأخذانه كما يؤخذ من الغاصب القيمة مع تعذّر المغصوب، فإن فضل منه فضلة عن قيمتها ردّت إلى الحاكم يحفظها لمن يدّعيها منهم.
ص: 238
فلكل منهما مطالبة المشتري بحصّته(1) فإن استوفاه أحدهما شاركه صاحبه فيه، و كان الباقي بينهما.
و غير متساوي الأجزاء إذا لم يكن في قسمته ضرر، كانت جائزة، لكن لا يجبر الممتنع عليها، كدارين يطلب أحدهما إحداهما و الآخر الأخرى، أو كدار يطلب أحدهما علوها و الآخر سفلها، أو تتضمّن القسمة ردّ مال من أحدهما ليجبر به حصّة الآخر، و ما تتضمّن قسمته الضّرر كالجوهرة(2) و الحجر الواحد، و الحمامات، لا تجوز قسمتها، و إن رضى بها الشركة.
و لو كان بين اثنين وقف لم تجز قسمته بينهما، و لو كانت حصّة أحدهما طلقا جاز قسمتها مع الوقف.
و القسمة تقتضي التمييز و ليست بيعا، و إنّما تصحّ مع اتّفاق الشركاء و تكون بتعديل السهام و القرعة، و لو طلب أحد الشركاء التمييز لم يجبر الباقون عليه، و لو جعل لهم التميز ففي إجبارهم نظر.
فإن اشتريا بهما ثوبا كان لهما، فإذا أراد القسمة نظر إلى نقد البلد، و قوّما الثوب به، و قوّما الآخر أيضا به، و يكون التقويم حين صرف الثمن فيه.
ص: 239
صحّ عملا بالإذن، و المال في يده أمانة، و الربح على قدر رأس المالين(1) و يرجع كلّ منهما بأجرة عمله في مال الآخر، و إن كانت شركة المفاوضة فحكمها كذلك و أمّا شركة الأبدان، فإنّها باطلة، و لكل منهما أجرة عمله، و لو امتزج العمل، كان الحكم فيه الصلح، و أمّا شركة الوجوه فإنّها باطلة كما تقدّم، فإن اشترى أحدهما لهما اشتركا فيه، و إن اشتراه لنفسه كان له خاصّة.
ص: 240
كتاب القراض
ص: 241
ص: 242
و فصوله ثلاثة:
و هي ستّة: الصّيغة، و المالك و الساعي، و رأس المال، و العمل، و الربح.
فهاهنا مطالب
و فيه بحثان:
و هو أن يدفع شخص إلى آخر مالا ليسعى به على الشركة في الكسب من غير أن يكون عليه شيء من الخسارة، و هذا تسمّيه أهل الحجاز بالقراض إمّا من القرض و هو القطع، لأنّ صاحب المال اقتطع بعض ماله و دفعه إلى العامل، و إمّا من المساواة، كما يقال:
تقارض الشاعران: إذا وازن كلّ منهما صاحبه بشعره، فكأنّ المالك بإخراج ماله
ص: 243
وازن العامل بعمله، و أهل العراق يسمّونه مضاربة، مأخوذة إمّا من الضرب في الأرض، أو من ضرب كلّ واحد منهما في الربح بسهم.
و المقارض بكسر الراء صاحب المال و بفتحها العامل، و المضارب بكسر الراء العامل، و لم يشتق لربّ المال من المضاربة اسما.
و هي إمّا قارضتك، أو ضاربتك، أو ما أدّى معناهما، فيقول العامل: قبلت، و ما أشبهه. و مع حصول الإيجاب و القبول يتمّ العقد، و هو جائز من الطرفين لكلّ منهما الفسخ، سواء نضّ المال، أو كان به عروض، و لا يلزم فيه التأجيل بأن يقول: قارضتك إلى سنة فإذا مضت فلا تبع و لا تشتر و إن شرطه، قاله الشيخ رحمه اللّه(1) و لو قيل: بالجواز كان وجها.
و لو قال: إن مرّت بك سنة فلا تشتر بعدها و بع، لزم، و لو قال: قارضتك سنة على أنّي لا أملك فيها منعك، لم يصحّ .(2)
و فيه ثلاثة مباحث:
فلو قارض الصبيّ ، أو المجنون، أو السفيه، أو المفلس، أو المملوك، لم يصحّ . و يجوز تعدّد العامل و اتحاده، و كذا المالك.
ص: 244
و تنفسخ المضاربة بموت العامل أو المالك و بجنون أحدهما.
و لو شرط للعامل ما يزيد على أجرة المثل صحّ ، و لزم من صلب المال، بخلاف ما لو حابى الأجير في الأجر، فإنّه تحتسب الزيادة من الثلث، و في المزارعة و المساقاة لو شرط الزائد نظر في احتسابه من الأصل أو من الثلث.
فإذا مات، انفسخ القراض، فإن كان المال ناضّا و لا دين، أخذ الوارث رأس المال، و اقتسما الربح على الشرط، و إن كان هناك دين انفرد العامل بنصيبه من الربح، و قضي من الباقي دين الميّت. و ان كان به عروض جاز للوارث أخذ نصيبه بالقيمة، و اقتسما الفاضل قال الشيخ: و له إلزام العامل بالبيع بجنس رأس المال، و الفاضل على الشرط(1) و إن كان دين(2) فعلى العامل بيع المتاع، و يصرف إلى الغرماء الدين، و يأخذ هو حصّته من الربح.
و تكون حصّته من الربح لمولاه، و لا يجوز أن يكون عاملا للمولى، لأنّ المولى يستحق العمل بدون عقد القراض.
يشترط في رأس المال أمور أربعة:
أن يكون نقدا، معيّنا، معلوما، مسلّما.
و أردنا بالنقد الدّراهم و الدنانير، فلا يجوز القراض بالعروض و لا بالنّقرة
ص: 245
و السبائك و الحلي، و لا بالفلوس، و لا بالدراهم المغشوشة، سواء كان الغشّ أكثر أو أقلّ أو مساويا.
و احترزنا بالمعيّن عن الدين، فلا تجوز المضاربة بما في الذمّة قبل قبضه، فإن قبضه جاز، و لو أذن للعامل في القبض من الغريم، لم يصحّ العقد ما لم يجدّده بعد القبض، و لو قال: أقرضتك هذه الألف شهرا، ثم هي قراض بعد ذلك، لم يصحّ ، و كذا لو عكس إن قلنا ببطلان القراض المؤجّل.
و لو عيّن و أبهم فقال: قارضتك على أحد هذين الألفين و الآخر عندك وديعة، و هما في كيسين متميّزين، لم يجز، و كذا لو قال: قارضتك بأيّهما شئت، أو قال: بع هذه السلعة، فإذا نضّ ثمنها فهو قراض، لم يصحّ .
و لو مات المالك و بالمال عروض، بطلت المضاربة، فلو أقرّه الوارث لم يصحّ .
و لو كان النقد في يد العامل وديعة، أو غصبا، و قارضه عليه، صحّ ، و لو تلفت الوديعة بالتفريط أو الغصب لم يصحّ بهما.
و أردنا بالمعلوم أن يكون معلوم القدر و الوصف، و لا تكفي المشاهدة، و قيل: لا يشترط علم المقدار، و يكون القول قول العامل مع التنازع في قدره.
و أردنا بالمسلّم أن يكون في يد(1) العامل، و لو شرط المالك أن يكون له فيه يد، و يراجع [إليه] في التصرف، أو يراجع مشرفه ففي الفساد نظر.
و لو شرط أن يعمل معه غلام المالك جاز.
و يجوز القراض بالمشاع كما يجوز بالمشترك.
ص: 246
و فيه تسعة مباحث:
و شرطه أن يكون تجارة، فإن عقد القراض على الحرف و الصنائع كالطبخ و الخبز، فالوجه البطلان.
و التجارة هي الاسترباح بالبيع و الشراء، و يدخل تحتها ما هو من توابعها، كالنقل، و الكيل، و الوزن، و ليس الإذن في التجارة إذنا في الزرع.
و لو شرط أن يشتري أصلا يشتركان في نمائه، كالشجر و الغنم، بطل، لأنّ مقتضاه التصرف في رأس المال، ثمّ إطلاق الإذن يوجب أن يتولّى العامل ما يتولاّه المالك من عرض القماش و نشره على المشتري و طيّه و إحرازه، و بيعه، و شرائه، و قبض ثمنه، و إقباضه، و إيداعه الصندوق.
و لا يجب عليه فعل ما لا يليه المالك، كالنداء على المتاع في الأسواق، و نقله إلى الخانات بل يستأجر له، و كذا له استئجار ما جرت العادة بالاستيجار فيه، كالدلاّل، و الوزّان، و الحمال، و المسكن. و لو تولّى ذلك بنفسه لم يستحق أجرة عليه، و لو استأجر لما يجب عليه مباشرة كان عليه الأجرة.
كما لو شرط النقد فباع نسيئة، أو بالعكس، أو نقد البلد، أو غيره، فإن خالف ضمن، و وقف التصرف على الإجازة، و لو أطلق كان الإذن مصروفا إلى البيع و الشراء نقدا بثمن المثل من نقد البلد، فلو باع نسيئة لم يجز، و كذا لو باع بدون ثمن المثل، أو بغير نقد البلد، و يسترد المبيع مع وجوده و مثله، أو قيمته مع تلفه،
ص: 247
و يتخير المالك في إلزام من شاء، فإن رجع على المشتري بالمثل أو القيمة، لم يرجع على العامل، و إن رجع على العامل، كان له الرجوع على المشتري، و إن اشترى نسيئة، فإن لم يذكر المالك، وقع الشراء له، و كان الثمن في ذمّته، و إن ذكره كان باطلا، هذا كلّه مع عدم الإجازة، و لو أجاز المالك في المواضع كلّها لزم.
قال الشيخ: حكمه حكم الإطلاق ليس له أن يبيع نسيئة(1) و الأقرب عندي جواز ذلك، فحينئذ إذا فات من الثمن شيء لم يلزمه ضمانه إلاّ أن يفرط ببيع المعسر، أو المجهول، أو من لا يثق به، أو يفرّط في ترك الإشهاد، (أو الضمين، أو الرهن، و ليس الأخيران واجبين إلاّ مع ترك الإشهاد).(2) و على قول الشيخ ينبغي أن يكون موقوفا على الإجازة لا باطلا من أصله(3) نعم يكون العامل ضامنا على التقديرين عنده.
فلا يجوز السفر بالمال إلاّ بإذن المالك، فإن خالف ضمن، و كان الربح على ما شرطاه، و إن أذن المالك جاز، و كان على العامل أن يعمل بنفسه ما كان المالك يباشره عادة كحمل المال، أو حطّه و حفظه، و الاحتياط في حراسته، و ليس عليه رفع الأحمال بنفسه و لا حطّها، بل له الاستيجار فيه من مال القراض.
و أمّا نفقة العامل من المأكول و المشروب و الملبوس و المركوب في حال السفر، فالأقرب أنّها تؤخذ من أصل مال القراض لا من حصّة العامل، و قوّى الشيخ انّها لا تؤخذ من مال القراض، بل تجب على العامل(4).
ص: 248
و على ما اخترناه هل يؤخذ كمال النفقة من مال القراض، أو الزائد عن نفقة الحضر؟ الأقرب الأوّل و قوّى الشيخ الثاني على تقدير القول بالنفقة(1).
أمّا النفقة في الحضر، فانّها على العامل في خاصّته، و لو كان مع العامل مال لنفسه ليسعى فيه، أو لغيره، قسّط النفقة على المالين، و أخذ من مال المضاربة بقسطه و من مال نفسه بقسطه، و لو أخذ المالك ماله من العامل في السفر، فالأقرب أنّ نفقة العامل في الرجوع على خاصّته.
و لو مات العامل لم يكن على المالك كفنه، و إذا أذن له في السفر مطلقا، لم يجز له أن يسلك طريقا مخوفا، و لا إلى بلد مخوف، فإن فعل ضمن.
فان شرط عليه أن لا يبيع إلاّ على شخص معيّن، أو لا يشتري إلاّ منه، أو لا يشتري إلاّ سلعة معيّنة لزم و لم يجز له التعدّي، سواء كانت السلعة عامّة الوجود في أيدي الناس كافّة كالطعام، أو غير عامّة كلحم الصّيد، أو يحصل في وقت دون آخر كالرطب، فإن خالف، وقف على الإذن، و كان ضامنا، و الربح على ما شرطاه، و لو لم يجز بطل البيع إن سمّاه عند العقد، و إلاّ وقع الشراء له.
فان كان الحظّ في الأخذ لم يردّ، و كذا العكس، و لو حضر المالك و اختلفا قدّم الحاكم قول من الحظّ معه.
ص: 249
و كذا لا يبيع بدونه، فإن باع، وقف على الإجازة، فإن لم يجز المالك استردّ العين، و إن تلفت كان له الرجوع على من شاء، فإن رجع على المشتري رجع بالقيمة، و لا يرجع على العامل، و إن رجع على العامل، فالوجه رجوعه بجميع القيمة لا بالتفاوت بين ثمن المثل محذوفا عنه ما يتغابن الناس به(1) و بين المسمّى، و إن اشترى بأكثر من ثمن المثل، فإن كان بالعين بطل، و إن كان في الذمّة وقع الشراء له إن لم يسمّ المالك، و إلاّ وقف على الإجازة.
كالخمر و الخنزير و إن كان العامل ذميّا، و إن كان في يده عصير فاستحال خمرا، لم يجز له بيعه، فلو اشترى العامل ذلك و دفع الثمن من مال القراض، ضمنه.
و ليس له أن يمزج مال القراض بغيره، فإن فعل بدون الاذن ضمن، و كان الربح على ما شرطاه.
و فيه تسعة مباحث:
أن يكون مخصوصا بالمتعاقدين،(2) مشتركا، معلوما بالجزئيّة لا بالتقدير، و عنينا بالخصوص
ص: 250
بالمتعاقدين صرفه إلى المالك و العامل، فلو أضيف جزء من الربح إلى غيرهما لم يجز، و بالاشتراك عدم تخصيص كلّ واحد منهما به، فلو اختص به المالك، بطل قراضا، و كان بضاعة، و لو اختصّ بالعامل كان قرضا، و بالعلم معرفة حصّة كلّ واحد منهما، و بالجزئيّة النسبة بالجزء المشاع كالنصف و الثلث. و لو قال: على أنّ لك من الربح(1) مائة ولي الباقي، أو يكون بيننا، أو بالعكس، بطل.
و للشيخ رحمه اللّه قول آخر ضعيف: انّ له أجرة المثل(2) و الأخبار الصحاح(3)واردة بالأوّل.
سواء كان المملوك عاملا، أو لا. و كذا العامل لو شرط لمملوكه، و يكون ما شرط لكلّ من العبدين لسيّديهما.
و إن شرط لغلامه الحرّ(4) أو ابنه، أو أجنبيّ ، فإن شرط على أحدهم العمل مع العامل، صحّ ، و كانا عاملين، و إن لم يشترط بطل، و لا يكون للمالك.
و لو قال للعامل: لك الثلثان على أن تعطي امرأتك حصّة، ففي اللزوم نظر.
لإمكان اختصاصها بالربح فينفرد المالك به، و لو شرط المالك الانتفاع
ص: 251
بالسلعة إلى وقت البيع، كاستخدام العبد و ركوب الفرس، قال الشيخ:
يبطل القراض(1).
و لو كانتا ممتزجتين و قال: لي ربح ألف و لك ربح ألف، صحّ . و لو قال: لك ربح إحدى السفرتين أو ربح تجارة في شهر أو عام بعينه، لم يجز.
و لا يتوقف على وجوده ناضّا على أقرب الوجهين، ملكا غير مستقرّ بل هو وقاية لرأس المال، فإن وقع خسران انحصر في الربح و إنّما يستقرّ بالقسمة، أو بإنضاض المال، و الفسخ قبل القسمة على إشكال.
فإن كان ممّا يجب فيه الزكاة، كانت زكاة الأصل و حصّة المالك على المالك نفسه، و زكاة حصّة العامل على خاصّ العامل، و لا يضمّ أحدهما إلى الآخر في الحول، بل للفائدة حول بانفرادها، و لو قلنا لا يملك كان له حقّ مؤكّد يورث عنه، و لو أتلف المالك أو غيره المال غرم حصّته.
و كذا لو قال: على أنّ الربح بيننا.
و لو قال: على أنّ لك النصف، و سكت عن الآخر، صحّ ، و لو قال: على أنّ
ص: 252
لي النصف و سكت بطل، و يحتمل الصحّة، و يكون الباقي للعامل، و لو قال: على أنّ لك ربح نصفه، أو نصف ربحه، صحّ .
و لو قال لاثنين: على أنّ لكما نصف ربحه، صحّ ، و تساويا في الحصّة، و إن اختلفا في العمل، و لو فضل أحدهما صحّ و إن تساويا في العمل.
و لو قال: خذه مضاربة على ما شرط فلان لعامله، صحّ إن كانا عالمين، و إن جهلاه أو أحدهما لم يصحّ ، و لو قال للعامل: لك ثلث ربحه و ثلثا باقي الربح صحّ و كان له سبعة أتساع(1) الربح.
و لو قال: لك ثلث الربح و ثلث ما بقي، كان له خمسة أتساعه.
و لو قال: ثلث الربح و ربع ما بقي، فالنصف.
و لو قال: ربع الربح و ربع الباقي، فله ثلاثة أثمان و نصف ثمن، سواء عرف بالحساب، أو لا.
و لو قال المالك: على أنّ لك النصف ولي الثلث، صحّ ، و كان السدس له أيضا، و لو قال: خذه على النصف، و لم يتبيّن صحّ ، و كان الشرط للعامل، لأنّ النماء للمالك فيصرف الشرط إلى من يفتقر إلى ذكره في حقه.
و لو اختلفا فقال العامل: شرطته لي، و قال المالك: شرطته لنفسي، احتمل تقديم قول العامل، لأنّه يدّعي الظاهر.
و كذا يبطل لو قال: كله لك، و لا يكون بضاعة و لا قرضا، و لو لم يذكر قراضا، كان الأوّل بضاعة و الثاني قرضا.
ص: 253
و لو قال: خذه و الربح كلّه لك، و لا ضمان عليك، كان قرضا قد شرط فيه نفي الضمان، و لا ينتفي بشرطه، و كذا لو قال: خذه و الربح كلّه لي كان بضاعة، فلو قال: و عليك الضمان، لم يلزمه.
و لو قال: خذه على أنّ لي نصف الربح إلاّ عشرة دراهم، لم يصحّ .
و لو قال: قارضتك على أنّ لك شركة في الربح، أو شركاء، لم يصحّ لعدم البيان، و لا يكون له مضاربة المثل.
و كذا لو اختلفا فشرط أحدهما أكثر و الآخر أقل، و لو شرط أحدهما النصف و الآخر الثلث على أن يكون الباقي بينهما بالسوية، احتمل المنع و الجواز، و قوّى الشيخ المنع.(1)
و فيه سبعة و ثلاثون بحثا:
و قوله مقبول في التلف مع اليمين، و هل يقبل في الردّ؟ قولان.
فإن كان بإذنه،
ص: 254
صحّ الشراء و انعتق، فإن لم يبق من مال القراض شيء بطل القراض، و إلاّ بطل في الثمن خاصّة، ثمّ العبد على التقديرين إن كان فيه فضل، قال الشيخ: ضمن المالك حصّة العامل(1) و الأقرب الأجرة، و إن لم يكن فيه فضل لم يضمن المالك على قول الشيخ شيئا، و على قولنا ففي الأجرة نظر.
و إن كان بغير إذنه فإن كان بالعين بطل الشراء، قاله الشيخ(2) و الأقرب وقوفه على الإجازة، و إن كان في الذمّة، فإن ذكر المالك، وقف على الإجازة، و إن لم يذكر، وقع له، و ليس له دفع الثمن من مال القراض، فإن خالف ضمن.
و الوكيل في شراء عبد مطلق، لو اشترى من ينعتق على المالك، فالأقرب وقوفه على إجازة الموكّل.
و لو أذن، صحّ و بطل النكاح، و لو قلنا بالصحّة مع الإطلاق، لو كان بعد الدخول، استحق المولى المهر، و إن كان قبله فإشكال.
و لو كان المالك امرأة، فاشترى العامل زوجها بإذنها، صحّ الشراء، و بطل النكاح، و كان العبد قراضا، و إن كان بغير إذنها، بطل الشراء إن كان بالعين، و إن كان في الذمّة وقع له إن لم يذكرها لفظا، و إلاّ بطل مع عدم الإجازة.
و الوجه أنّه يعتق على المولى و يأخذ المأذون القيمة من مولاه، ليصرفه في الثمن، و إن كان بغير إذنه، بطل، سواء اشتراه في الذمّة، أو بالعين، بخلاف العامل
ص: 255
إذا اشترى في الذمّة، و لا فرق بين أن يشتريه بدين على المأذون أو بغيره.
فإن لم يكن فيه ربح، صحّ الشراء للقراض، و جاز بيعه، فإن بيع قبل ظهور الربح، فلا بحث، و إن بقي في يده حتى ظهر ربح، و قلنا انّه يملك الحصّة بالظهور و هو الأقوى، عتق عليه قدر ما ملكه(1)و يستسعى العبد في الباقي، و هل يقوم على العامل مع يساره ؟
قال الشيخ: نعم(2) و الأقرب أنّه يستسعى العبد، و إن كان العامل موسرا، و إن اشتراه و كان فيه ربح، فالوجه صحّة الشراء أيضا.
و إن قلنا انّه يملك الحصّة بالقسمة، لم ينعتق عليه نصيبه
أخذ المالك المال أجمع، و هل للعامل أجرة المثل إلى ذلك الوقت مع العمل ؟ فيه نظر، و لو كان ربح اقتسماه على الشرط، و لو كان به عروض، قال الشيخ: للعامل بيعه، سواء ظهر فيه ربح، أو لا، لجواز أن يرغب فيه من يشتريه بربح إلاّ أن يدفع المالك قيمة العروض بقول مقوّمين، فليس له البيع حينئذ(3).
و الوجه أنّه ليس للعامل بيعه مع فسخ المالك بل يقتسمانه إن كان فيه ربح، و إن لم يكن، أخذه المالك.
و لو وجد العامل من يشتريه بربح، كان له بيعه، أو يتقبل به المالك بالربح،
ص: 256
قاله بعض الجمهور(1) و الأقرب أنّه ليس كذلك، لأنّ حدوث الزيادة بعد فسخ العقد، فلا يستحقها العامل، قال: فلو امتنع العامل من البيع الزمه المالك بانضاض المال(2) و فيه نظر.
أمّا لو كان المال دينا، فإن باع نسيئة، كان على العامل تحصيله ممّن هو عليه، و للمالك إجباره عليه مع الامتناع، و إن لم يكن فيه ربح، و فيه احتمال ضعيف، و كذا البحث لو كان الفاسخ العامل، و إذا قلنا بوجوب البيع على العامل لو باع برأس المال لم يجب بيع الباقي و انضاض ثمنه، و لو كان نسيئة وجب.
و لو طلب أحدهما قسمة الربح مع بقاء المضاربة، لم يجبر الآخر عليها سواء كان الممتنع المالك، أو العامل، و لو اتّفقا على القسمة، جاز، فإن خسر ردّ العامل أقلّ الأمرين من نصف الخسارة و من جميع ما أخذه.
أخذه الوارث، و إن كان فيه ربح، قاسمه، و إن كان عروض، قال الشيخ كان للعامل بيعه إلاّ أن يمنعه الوارث(3) و هل للعامل إجباره على البيع ؟ فيه ما تقدّم، و لو كان دينا كان على العامل تحصيله.
و لو أراد الوارث إقرار العامل، فإن كان المال ناضّا افتقر إلى تجديد عقد، و إن كان به عروض لم يجز.
و لو مات العامل، و كان المال ناضّا، و لا ربح، أخذه المالك، و إن كان به
ص: 257
ربح، قاسم الوارث، و إن كان به عروض، كان للمالك منع الوارث من البيع، و أخذه الحاكم باعه، أو قوّمه على المالك، فإن كان فيه ربح قسّمه بين المالك و الوارث، و إن طلب المالك إقرار الوارث، فإن كان المال ناضّا صحّ استيناف العقد و إلاّ فلا.
صحّ ، و كان الربح بين المالك و الثاني، و إن شرط بعضه لنفسه، بطل و كان الربح للمالك، و عليه أجرة مثل الثاني(1) و لا شيء للأوّل.
و إن كان بغير إذن المالك، و شرط الربح بينه و بين الثاني دون المالك، بطل، ثمّ إن ربح احتمل أن يكون الربح كلّه للمالك و نصفه، فيكون النصف الآخر للعامل الأوّل، و عليه للثاني الأجرة، و هو الأقرب.
و يحتمل كون النصف الثاني بين العاملين و يرجع الثاني على الأوّل بنصف أجرة عمله، و يحتمل عدم الرجوع.
و يحتمل أن لا يكون للمالك شيء من الربح، و يكون الربح كلّه بين العاملين، أو للأوّل، و عليه أجرة الثاني.
و للمالك تضمين من شاء منهما، فإن رجع على الأوّل لم يكن للأوّل الرجوع على الثاني و إن طالب الثاني احتمل رجوعه على الأوّل، لغروره، و عدمه، لحصول التلف في يده، و لو كان الثاني عالما كان للأوّل الرجوع
ص: 258
عليه إن رجع المالك عليه، و لا يرجع هو على الأوّل لو رجع عليه المالك.
اقتسماه على ما شرط، و إن كان من غير جنسه، كالدراهم مع الدنانير، أخذ المالك بقيمة رأس المال، إن شاء، و اقتسما الباقي، و إلاّ باع العامل بقدر رأس المال، و قسّما الباقي، و إن كان عرضا، تخيّر المالك في الأخذ بقيمة رأس المال و طلب البيع به، و لو تعذّر بيع البعض بيع الجميع، و أخذ المالك رأس المال، و قسّما الباقي.
و إن قال العامل: خذه أجمع، و قد تركت حقي، فإن قلنا يملك الحصّة بالظهور، لم يجب القبول، و إلاّ وجب.
إمّا بالعين، أو مطلقا، ثمّ اشترى عبدا آخر بألف، فإن كان بالعين، بطل الثاني. و إن كان بألف مطلقة، وقع الشراء له، و ليس له أن يدفع مال القراض فيها، فإن خالف، ضمن و الربح له.
4562. الثاني عشر: إذا كان في يده وديعة، أو غصب، فأمره المالك بالشراء (به).(1) قراضا
صحّ و هل يبرأ الغاصب بنفس العقد أو بالدفع إلى البائع ؟ قال الشيخ:
بالثاني(2)، و فيه احتمال.
فإذا فعلت فقد قارضتك عليه، قال الشيخ: لا يصحّ قبض المديون، و ذمّته مشغولة كما كانت(3) و لو قيل: بالصحّة كان وجها، فإن اشترى بعين المال، قال الشيخ: كان الشراء له، لأنّه لا يملك أن يشتري بعين ماله ملكا لغيره، و إن اشترى في الذمّة قيل: فيه وجهان، أحدهما انّه قراض فاسد، لتعليقه بالصّفة، فإذا دفع المال ثمنا برئت ذمّته، لأنّه قضى دين غيره بإذنه، و لا حصّة له بل الأجرة، و الثاني أنّه ليس بقراض صحيح و لا فاسد، بل الربح للعامل، و كذا الخسران(4) و لو قيل: بالأوّل كان وجها، و على القول بصحّة القبض، إذا اشترى بالعين كان قراضا فاسدا، له الأجرة و للمالك الربح، أمّا لو كان الدين على أجنبيّ فقال للعامل:
اقبضه و قد قارضتك عليه، كان القبض صحيحا، و القراض فاسدا، فالربح للمالك، و للعامل الأجرة.
فالأقوى أنّ السلعة لربّ المال، و يجب عليه ثمنها ثانيا، و يكوّنان معا رأس المال، و ليس للمالك الخيار بين دفع الثمن ثانيا، و يكون الثاني رأس المال دون الأوّل، و بين عدم الدفع، فيكون المبيع للعامل و الثمن عليه، و كذا لو تلف الثمن الثاني قبل
ص: 260
تسليمه، وجب على ربّ المال دفعه ثالثا، و هكذا، و يكون الجميع رأس ماله، و الأقرب عندي أنّه إن كان قد اشترى في الذمّة، فإن كان بإذن المالك فكذلك، و إلاّ كان الشراء باطلا، و لا يلزم الثمن أحدهما، و لو كان التلف قبل الشراء، احتمل القول بوقوع الشراء للعامل و وجوب الثمن عليه لانفساخ القراض.
و لا أن يأخذ منه بالشفعة، و كذا لا يشتري من عبده المأذون و إن كان السيد مدينا، و له أن يشتري من المكاتب و يأخذ منه بالشفعة.
و لو اشترى العامل من مال المضاربة شيئا و لا ربح، فالأقرب الجواز.
صحّ القراض و الشرط، لكنّه لا يلزمه الوفاء به.
فان كان قبل دوران الأولى في التجارة صح، و كانتا معا قراضا بالنصف، و إن كانت الثانية بعد دوران الأولى، قال الشيخ:
يبطل الثاني لاستقرار حكم الأوّل في الربح و الخسران المختصّين به، فإذا شرط ضمّ الثانية إليه لزم جبر خسران أحدهما بربح الآخر.(1)
قاله الشيخ، قال: و كذا لو
ص: 261
شرط الأكثر للعامل(1) و ليس بجيّد. قال: و لو دفع ألفين و قال: أضف من عندك ألفا أخرى على أنّ الألفين شركة، و الألف الأخرى قراضا، صحّ . (2)
فلو دفعه إلى غير الثقة ضمن.
لم يكن للمقرض الرجوع على المالك بما أخذه.
تشاركا في الجاريتين و بيعتا، و قسّما الثمن بينهما، و إن ظهر ربح، كان للعامل نصيبه، و إن خسر ضمن العامل إن فرّط في المزج و إلاّ فلا، و لا يملكهما العامل، و يرجعان برأس المال عليه. قال الشيخ:
و لو قلنا بالقرعة كان قويّا(3).
و تكون حصّته من الربح الثاني له، و لا يقاسم المالك الأوّل فيه.
ضمن لتفريطه في قبضه.
فإن لم يكن فضل، لم يكن للعامل حقّ ، فإن اقتصّ ، أو عفا
ص: 262
على غير مال، زال القراض، و إن عفا على مال كان قراضا، و إن كان فضل لم يكن للعامل الانفراد بالقصاص و لا للمالك، و يقتسمان الربح على الشرط إن عفوا على مال.
و لو أذن أحدهما لصاحبه فيه، جاز، و يعتبر في إذن المالك لفظ التحليل، و ليس لأحدهما أن يزوّجها بغيره، و لو اتّفقا عليه جاز.
و لو اذن المالك في وطئ ما يشتريه العامل له، لم يجز، و لو وطئ العامل من غير إذن كان عليه المهر، و إن كان هناك ربح، و ان علقت منه و لا ربح فالولد للمولى و عليه الحد، و إن ظهر ربح تحرّر الولد، و صارت أمّ ولد، و عليه قيمتها و قيمة الولد يوم سقوطه حيّا إن قلنا انّه يملك بالظهور و إلاّ فكالأوّل.
فإن اتّفقا جاز، فإن أعتق، كان الولاء للمولى إن لم يكن ربح، و إن كان، فهو بينهما على النسبة، هذا إذا شرطا الولاء عليه، و إلاّ فلا ولاء لواحد منهما.
كان رأس المال تسعة و ثمانين إلاّ تسعا لعدم انتقاص القراض بالخسران، و لهذا لو ربح ردّ إليه من الرّبح، حتى يجبر الذاهب فالخسران إذن كالموجود في يد العامل، فإذا أخذ المالك عشرة انتقص(1)
ص: 263
فيها القراض، كما لو أخذ الجميع، فحينئذ ينتقض(1) في الخسران ما يخصّه من العشرة، فتقسط العشرة المأخوذة على تسعين، فلكل عشرة واحد و تسع واحد، فيكون رأس المال ما بقى.
فقد ظهر أنّه لا يجب على العامل جبر ما يخصّ المستردّ من الخسران، فلو استردّ المال و كان فيه ربح، استقرّ ملك العامل على ما يخصّه من ذلك القدر، فلا يسقط بالنقصان، فلو كان المال مائة فربح عشرين، فأخذ منه ستّين، ثمّ خسر في الباقي فصار أربعين، ردّ الأربعين و كان له على المالك خمسة، لأنّ سدس ما أخذه ربح، و لا يجبر به الخسران، لأنّ المأخوذ انفسخت فيه المضاربة.
كان قراضا باطلا، و الحاصل للمالك و عليه أجرة المثل للعامل.
و لو دفع شبكة للصيد على الشركة، بطل، و كان الحاصل للعامل، و عليه أجرة الشبكة.
و لو دفع أرضا للغرس على الشركة منهما(2) لم يصحّ ، و للعامل غرسه، و للمالك أرضه، و للمالك على الغارس أجرة الأرض، ثمّ إن لم يستضرّ الغرس بالقلع، كان للمالك إلزام الغارس به، و إلاّ تخيّر بين قلعه(3) مع الأرش و دفع قيمة الغرس، و إبقائه بالأجرة.
و لو كان زرعا، لزمه إبقاؤه بالأجرة، فإن اختار المالك قلع الغرس بالأرش
ص: 264
و الغارس الإبقاء بالأجرة، قدّم قول المالك، و لو انعكس الفرض، قدّم قول الغارس.
و لو اختار المالك أخذ الغرس بالقيمة، و العامل القلع مع أخذ الأرش، قدّم قول العامل، و لو انعكس الفرض قدم قول المالك.
و لو قال المالك: خذ القيمة، و طلب الغارس الإبقاء مع الأجرة، أو بالعكس، لم يجبر أحدهما على ما طلبه الآخر.
و خلص الربح بأجمعه للمالك، و عليه أجرة المثل للساعي، و لا ضمان على الساعي إلاّ بتعدّ أو تفريط، و لو شرط المالك الربح كلّه، ففي استحقاق العامل الأجرة نظر، و الأجرة يستحقّها الساعي، سواء كان في المال ربح أو لا، و ليس للعامل قراض المثل.
و كذا بدل منافع الدّوابّ ، و مهر الجواري، و لو وطئ العامل وجب عليه العقر، و في المالك نظر.
و أمّا النقصان الحاصل بالعيب الطارئ، أو انخفاض السوق خسران يجب جبره بالربح، و ما يقع باحتراق، أو سرقة، و فوات عين، فالوجه أنّه كذلك.
فإن أذن في الشراء في الذمّة، جاز، و كذا لو أذن في التجارة في صنف واحد، لم يجز أن يتّجر في غيره، و إذا أذن له في التجارة لم يجز له أن يؤاجر نفسه.
ص: 265
و لو لم يأذن له لكن رآه يبيع و يشتري فلم يمنعه لم يكن ذلك إذنا في التجارة، و يكون بيعه باطلا، و كذا شراؤه إلاّ أن يجيز المولى، و في بطلان شرائه بمال في الذمّة نظر.
و إذا أبق المأذون لم يبطل الإذن.
و ليس للمأذون أن يتخذ دعوة بغير إذن مولاه، و كذا لا يهب بغير إذنه.
كان الربح على ما شرطاه، و لا يكون بأجمعه للمالك، و لا يتصدّقان به وجوبا.
فإن ترك ذلك مع غيبة المالك و إمكان التخليص، ففي الضمان نظر، و لو كان المالك حاضرا و علم بالحال، ففي لزوم العامل به نظر.
سواء كان الربح و الخسران في مرّة واحدة، أو الربح في صفقة و الخسران في أخرى، أو أحدهما في سفرة و الآخر في أخرى.
و ليس للعامل أن يأخذ من الربح شيئا بغير إذن المالك.
و لو نضّ المال خاسرا فدفعه إلى المالك، فردّه إليه و قال: اعمل به ثانيا، فهو عقد جديد، إن ربح لم يجبر الخسران الأوّل، أمّا لو لم يقبضه، بل أذن له في العمل بعد انضاضه، فالأقرب أنّه ليس عقدا ثانيا، بل يجبر من الربح الثاني ما خسره أوّلا.
ص: 266
فإن علم مال أحدهم بعينه، كان أولى به، و إن جهل، تساووا فيه، و إن جهل كونه مضاربة قضي به ميراثا، و لو مات و علم أنّ بيده مضاربة و لم توجد ففي أخذها من التركة إشكال.
ففي صحة القراض حينئذ إشكال، و لو شرط العامل نفقة نفسه في السفر صحّ ، و كذا في الحضر.
أحدها: ينافي مقتضى العقد، مثل أن يشترط ان لا يبيع إلاّ برأس المال، أو بالوضيعة، أو لا يبيع إلاّ ممّن اشترى منه، أو لا يشتري، أو لا يبيع، أو يولّيه ما يختاره من السلع.
و الثاني: ما يقتضي جهالة الربح، مثل أن يشترط للعامل جزءا من الربح مجهولا، أو ربح أحد الكسبين(1) أو العبدين، أو دراهم معلومة بجميع حقّه أو بعضه.
الثالث: اشتراط ما ليس من مصلحة العقد و لا مقتضاه، مثل اشتراط النفع ببعض السلع، مثل لبس الثوب، و استخدام العبد، و ركوب الدابّة، و وطء الجارية، و ضمان العامل المال أو بعضه، فهذه الشروط كلّها باطلة تفسد العقد إن اقتضت جهالة الربح و إلاّ فلا على إشكال.
ص: 267
و فيه أحد عشر بحثا:
فالقول قول العامل مع اليمين، و كذا القول قوله مع اليمين لو ادّعى الخسارة، أو التلف، أو ادّعى عليه الخيانة، أو التفريط، فأنكر.
فالقول قول العامل، لأنّه أبصر بنيّته(1) و كذا لو قال: اشتريت للقراض، و قال المالك: لنفسك.
لأنّ الأصل عدم النهي و عدم الخيانة.
فالوجه أنّ القول قول المالك، و لو ادّعى عموم الإذن و ادّعى المالك تخصيصه، أو ادّعى الإذن في شراء شيء بعينه، و أنكر المالك، فالأقرب تقديم قول المالك.
فالأقرب أنّ القول قول
ص: 268
المالك مع اليمين، و لا يتحالفان، و لا يصار إلى قول العامل فيما يساوي أجرة المثل، و لا إلى قول المالك فيما يزيد عليها.
فالأقرب أنّ القول قول المالك مع اليمين لا قول العامل.
أمّا لو قال: غلطت أو نسيت، لم يقبل و ألزم بما أقرّ به من الربح.
لم يلتفت إليه، و لو كانت صورة إنكاره بعدم الاستحقاق، قبل.
فقال المالك: رأس المال ثلثا الحاصل و الثلث الآخر ربح(1)، فصدّقه أحدهما، و قال الآخر: بل رأس المال ثلثه، و الثلثان ربح، فالقول قول المكذّب مع يمينه، فيأخذ حصّته ممّا ادّعاه فائدة و هو السدس، و يأخذ المالك بتصديق الآخر ما ادّعاه رأس ماله، و هو الثلثان، و يبقى السدس، لربّ المال ثلثاه، و للمصدّق ثلثه، لأنّ المأخوذة باليمين، و هو نصف السدس، أخذ من ربح المالك و المصدّق على نسبة استحقاقهما، و هي الثلث.
فالأقرب أنّهما يتحالفان، و يثبت للعامل أكثر الأمرين من أجرة المثل - إذا لم تزد على ما ادّعاه - و ممّا ادّعاه المالك من النصيب.
ص: 269
و قال بعض الجمهور: القول قول المالك(1) و فيه نظر، و لو أقام كلّ منهما بيّنة، قال بعض الجمهور: يتعارضان و يقسّم الربح نصفين(2).
و لو كان هناك خسران، فادّعى المالك القرض و العامل القراض، فالقول قول المالك مع اليمين، و لو ادّعى المالك الإبضاع، و ادّعى العامل القراض، ففي تقديم قول العامل من حيث إنّ العمل له، نظر، و يحتمل أنّهما يتحالفان، فحينئذ يأخذ العامل أقلّ الأمرين من أجرة المثل و ما ادّعاه نصيبا.
و لو ادّعى المالك الإبضاع و العامل القرض، أمكن إحلاف كلّ منهما على ما ينكره الآخر، فيثبت للعامل أجرة المثل ما لم تزد.
ففي الرجوع إشكال، و لو شرط النفقة ثمّ ادّعى الإنفاق من مال نفسه، و طلب الرّجوع، كان القول قوله مع اليمين، سواء كان المال في يده، أو ردّه إلى المالك.
ص: 270
و فيه مقاصد
ص: 271
ص: 272
و فيه فصلان:
و فيه ثمانية عشر بحثا:
و يسمّى النحلة و العطية، قال الشيخ رحمه اللّه: الهدية و الهبة و الصّدقة بمعنى واحد، و لهذا يحنث لو حلف ألاّ يهب فتصدّق على مسكين، غير أنّه إذا قصد الثواب و التقرّب إلى اللّه تعالى بالهبة، سمّيت صدقة، و إن قصد بها التودد و المواصلة سمّيت هدية(1).
و هي عقد يفتقر إلى الإيجاب و القبول و القبض، و هل يستغنى عن الإيجاب و القبول في هدية الأطعمة ؟ الأقرب عدمه، نعم يجوز التصرف عملا بالإذن المستفاد من العادة،
ص: 273
و للمالك الرجوع ما لم يتلف، و لا يكفي هنا التصرف. و مع التلف ليس للمالك مطالبته(1) بالعوض.
و لا يصحّ تعليقه بشرط و لا تأقيته، فالإيجاب كلّ لفظ قصد به التمليك المذكور، مثل: وهبتك و ملّكتك، و القبول كلّ لفظ دالّ على الرضا بالإيجاب.
فلو وهب الصبيّ ، أو المجنون، أو السفيه، أو المحجور عليه للفلس، أو المملوك، لم تصحّ .
الواهب، و هو كلّ مالك جائز التصرف، فلو وهب غير المالك لم تصحّ .
و الموهوب له، و هو القابل، و يشترط فيه البلوغ و العقل و جواز التصرف في ذلك، فلو وهب العبد لم تصحّ .
و الموهوب، هو كلّ عين مملوكة يصحّ نقلها، فلو وهب الدّين لم يجز، و كذا لو وهب ما لا يصحّ تملّكه من الأعيان، كالخمور و الخنازير، أو لا يصحّ نقله كالوقف و أمّ الولد.
و العقد، و هو الإيجاب و القبول على ما تقدّم.
و القبض، فلا تصحّ الهبة ما لم ينضمّ القبض إلى العقد، فلو مات الواهب، أو الموهوب له بعد العقد قبل القبض، بطلت الهبة، سواء مات قبل الإذن في القبض أو بعده.
ص: 274
و قال الشيخ: لا تبطل بموت الواهب، و يقوم الوارث مقامه في الإقباض(1)و فيه بعد.
و من شرط صحّة القبض إذن الواهب فيه، فلو قبض المتّهب بدون إذن الواهب لم يحصل الملك.
سواء كانت الهبة بشيء معين، أو غير معيّن، و سواء كان مكيلا، أو موزونا، أو لم يكن احدهما، و يكون الواهب قبل الإقباض بالخيار إن شاء أقبضه، و إن شاء منعه، و لو أذن له في القبض فقبض، صحّت الهبة. و لو رجع قبل القبض، بطلت الهبة، و لو قبض بغير إذن الواهب، لم تصحّ الهبة و إن كانا في المجلس.
فلو نمت كان النماء للواهب، و كذا تلحقها بقيّة أحكام الملك، و لو أتلفها المتّهب، كان له إلزامه بالضمان.
قال الشيخ: و يقوى في نفسي افتقاره إليه، ثمّ قوّى العدم(2) و هو يدلّ على تردّده.
و يكفي حصولها في يده عن القبض المتجدّد، و لا يفتقر إلى تجديد قبض و لا مضيّ زمان يمكن وقوعه فيه، و لا تجديد إذن في القبض.
ص: 275
و تصحّ هبة المشاع كالمقسوم، و يتحقّق فيه القبض بتسليم الجميع إليه، فإن أبى الشريك، أمر المتّهب بتوكيل الشريك في قبضه، فإن امتنع، نصب الحاكم من يكون في يده لهما فينقله.
سواء قبل القسمة كالعقار أو لم يقبلها كالجوهرة، و لو وهب واحد اثنين شيئا صحّ ، و إن كان ممّا لا يمكن(1) قسمته، و كذا يصحّ لو وهب اثنان اثنين شيئا ممّا يمكن قسمته أو لا يمكن، و إذا وهب الاثنين و أذن لهما في القبض فقبضاه، صحّت الهبة. و لو أذن لأحدهما دون صاحبه، صحّت الهبة في نصيب المأذون خاصّة.
كالطير في الهواء، و السمك في الماء، و العبد الآبق، و الجمل الشارد، و المغصوب لغير الغاصب مع عدم إمكان القبض منه، و لو أمكن و وهبه لغير الغاصب صحّ ، و لزم مع القبض و ليس للمتّهب القبض من الغاصب بدون إذن الواهب، و لو وكّل الواهب الغاصب في التقبيض جاز، و لو وكّل المتّهب الغاصب في القبض له، جاز أيضا، و يصير مقبوضا بذلك، و لا يفتقر إلى مضيّ زمان يتحقّق فيه القبض، و ملكه المتّهب، و برئ الغاصب من ضمانه.
و الوجه عندي جواز هبة الصوف على ظهر الغنم(2) لجواز بيعه كذلك، و إذا أذن
ص: 276
له في حلب الشاة، كان إباحة لا هبة. و لو وهبه زيت زيتونه(1) قبل استخراجه، أو دهن سمسمه(2) قبل عصره، لم تصحّ .
و لا تصحّ هبة المعدوم، كهبة ثمرة شجرته المتجدّدة، أو حمل دابته المتجدّد.
4611. الثالث عشر: لا تصحّ (3) هبة المجهول، مثل شاة من غنمه، أو عبد من خدمه،
و الأقرب جواز هبة المعلوم عند الواهب المجهول عند المتّهب، و يحتمل البطلان على ضعف، أمّا لو كان مجهولا عند الواهب معلوما عند المتّهب، بأن يكون في يد المتّهب مال للواهب و لا يعلم الواهب قدره و لا نوعه، فوهبه جميع ما في يده، فالأقرب البطلان على إشكال.
و لو وهبه صبرة مشاهدة صحّت الهبة، و إن كانت مجهولة القدر.
كقوله:
وهبتك بشرط ان لا تبيعه، أو لا تهبه، أو بشرط أن تبيعه، أو تهبه، بطل الشرط، و الأقرب صحّة الهبة.
صحّ بلفظ الإبراء و الهبة و الإسقاط و العفو و التمليك و الصّدقة.
و لا تصحّ هبة ما في ذمّة غيره له، قال الشيخ: الّذي يقتضيه مذهبنا جواز بيعه وهبته و رهنه(4) و يلوح من كلامه عدم اشتراط الإقباض هنا، و يجعله كالحوالة.
ص: 277
و يجوز بيعه بعين حاضرة، أو بموصوف بشرط قبضه في المجلس، سواء كان الدّين على مليّ باذل، أو معسر، أو جاحد، و تصحّ البراءة من المجهول إذا لم يكن طريق إلى معرفته، و لا يشترط أن يقول: أبرأتك من درهم إلى ألف مثلا.
و لو كان من عليه الحقّ يعلمه، و يكتمه، لئلاّ يطالبه صاحبه به لكثرته، فالأقرب المنع من جواز الإبراء.
و لو أبرأه من مائة، و هو يعتقد أن لا شيء له، و له عليه مائة(1)، ففي صحّة الإبراء نظر.
و لا يصحّ قبض غير الوليّ و لا قبوله، و إن عدم الوليّ ، و لا فرق بين المميّز في ذلك و غيره، و يفتقر المميّز في القبول و القبض إلى إذن الوليّ .
و لم يحتج إلى قبول، و لا قبض مستأنف، و لا مضيّ زمان له، و لا يجب على الأب وضع الموهوب على يد غيره، و إن كان من الأثمان، و كذا حكم الجدّ.
أمّا باقي الأولياء، فقال الشيخ: ليس لهم أن يتولّوا الإيجاب و القبول، بل ينصب الحاكم من يقبلها منهم.(2)
سواء كان الموهوب في يده أو يد المتّهب، و لو أنكر بعد ذلك لم يقبل، و له إحلافه لو
ص: 278
طلبه على عدم المواطاة. و لو أقرّ بالهبة مطلقا، فادّعى المتّهب الإقباض، فالقول قول الواهب، سواء كانت العين في يد الواهب، أو المتّهب، و لو قال: نعم، عقيب قوله: وهبتنيه و أقبضتنيه(1) كان إقرارا.
و فيه اثنان و عشرون بحثا:
و ليس بمحرّم، و يستحبّ العطيّة لذي الرحم و يتأكد في الولد، و التسوية بينهم في العطية، و هل تزول الكراهية لو خصّصه لمعنى مثل زيادة حاجته، أو زمانته، أو كثرة عائلته، أو اشتغاله بالعلم و نحوه من الفضائل ؟ أو فسق الآخر و استعانته بالعطيّة على المعصية ؟ الأقرب ذلك.
سواء كانوا ذكورا، أو إناثا، و لا نعني بالتسوية جعل الذكر ضعف الأنثى.
و لو امتنع كان له حبسه على كراهية شديدة.
ص: 279
فإن كان الموهوب له أحد الأبوين، لزمت الهبة إجماعا، و لم يكن للواهب الرجوع فيها، سواء أثاب عليها، أو لا، و كذا لو كان ذا رحم غيرهما، و إن كان أجنبيّا، كان له الرجوع فيها، ما دامت العين باقية، و لم يعوّض عنها، فإن تلفت، أو أثاب عنها، و إن كان العوض يسيرا، لم يكن له الرجوع فيها.
و لو كان المتّهب قد تصرف و لم يثب و العين باقية، ففي جواز الرجوع قولان.
أمّا الزوج و الزوجة، فقد أجراهما الشيخ مجرى ذي الرحم في أنّه ليس لأحدهما أن يرجع فيما يهبه لصاحبه(1) و فيه نظر.
و لو أقبض البعض ففي اللزوم فيه إشكال، أقربه اللزوم، و الأقرب أنّ موت المتّهب كالتصرف.
سواء كانت من الإنسان لمثله، أو لمن دونه، أو لمن هو أعلى، فإن أثاب لم يكن للواهب الرجوع في هبته، فإن شرط الثواب صحّ ، فإن عيّن لزمت الهبة بدفع المعيّن، و لم يكن ذلك بيعا، فلا يلحقه الخيار، و لا الشفعة، فلو ظهر العوض مستحقّا، كان للواهب الرجوع، و لو ظهر استحقاق الموهوب، كان للمتّهب الرجوع في العوض، و ليس إلزامه بالضمان، و ليس لكلّ منهما مع فساد ما أخذه أن يرجع في نماء ما دفعه إن كان منفصلا، و إن شرط ثوابا مجهولا، صحّ و لزمه دفع(2) ما يصدق عليه إطلاق
ص: 280
الاسم، و لو أثابه منها(1) فالأقرب الجواز، و لا يجب عليه دفع ما يرضى به الواهب و لا قيمة الموهوب و لا ما تقضي العادة أنّه هبة مثله(2) و قوى الشيخ لزوم الأخير(3).
و مع القبض لا رجوع، و لا يجبر المتّهب على دفع العوض، بل إن دفع لزمت الهبة، و إلاّ كان للواهب الخيار في الرجوع، فإن تلفت العين، أو عابت، بفعله أو بغير فعله قبل الإثابة ثمّ لم يثب، ففي رجوع الواهب بالأرش مع العيب، أو القيمة مع التلف، أو ما شرطه، نظر.
و لو لم يشرط الثواب، و كان أجنبيّا، فرجع الواهب قبل التصرف، كان له أخذ العين، فإن كانت بحالها فلا بحث، و إن زادت زيادة متّصلة، كانت الزيادة للواهب، و صحّ الرجوع، و إن كانت منفصلة، فهي للموهوب له، و إن نقصت أو عابت، لم يكن له الرجوع على المتّهب بالأرش، و إن نقصت بالاستعمال و قلنا التصرف لا يسقط الرجوع، فلا أرش أيضا لو استعاد العين.
فان قلنا التصرف يسقط الردّ، فلا بحث، و إن قلنا بجواز الرجوع معه، كان الموهوب له شريكا بقيمة الصبغ.
و لا يفتقر الرجوع إلى حكم حاكم، بل يصحّ ، و إن لم يقبض به حاكم.
ص: 281
و لو أخذ المشاع من الموهوب، لم يكن ذلك رجوعا بمجرده ما لم ينضمّ إليه قرينة تدلّ عليه، فلو مات و لم يعلم القرينة، لم يحكم بالرجوع، و لو حصلت القرينة كان رجوعا و لم يفتقر إلى التصريح على الأقرب.
و لو نوى الرجوع، و لم يأت به صريحا و لا كناية، فإنّه لا يقتضي الرجوع.
و لو علّق الرجوع على شرط، مثل أن يقول: إذا قدم زيد فقد رجعت في الهبة، لم يصحّ الرجوع، و كذا لو علّقه على صفة.
و لو وطئ الجارية ففي كونه رجوعا نظر.
ففي انتقال هذا الحقّ إلى الورثة إشكال، أقربه العدم، و لم أقف فيه على نصّ لنا، فلو فضّل ولده بشيء ثمّ مات بعد لزوم العطيّة، لم يكن للورثة استعادته.
صحّ البيع و إن كان يعتقد بطلانه، و لو كان بعد القبض، فإن كان الموهوب له رحما، أو من عوض، لم يصحّ البيع و إن كان أجنبيّا يجوز له الرجوع بما وهبه إياه، احتمل صحّة المبيع لجواز الرجوع، و عدمها لأنّه لم يصادف ملكا، و حكم الشيخ بالبطلان(1).
أمّا لو كانت الهبة فاسدة فإنّ البيع ماض، و كذا لو باع مال مورّثه فلم يعلم بموته، ثمّ بان أنّه ميّت قبل البيع، و كذا لو أوصى لزيد برقبة عتقها أو كاتبها، قبل الوصيّة(2) ثمّ ظهر فساد العتق و الكتابة.
ص: 282
أمّا الوصية فإنّه يحكم فيها بمجرد الموت و إن تأخّر القبول بشرط حصوله.
فإن برأ، أو شرط ثوابا يوازي(1) القيمة خرجت من صلب المال، و إن تبرّع بالهبة و مات في ذلك المرض، أخرجت من الثلث.
و كذا لو أقرّ بأنّه وهبه و لم يقبضه، و ادّعى المتّهب الإقباض، و لو قال: وهبته و ملّكته، و أنكر الإقباض، فإن كان مالكا، أو توهّم الملك بالعقد، كان القول قوله مع اليمين، و إلاّ حكم عليه.
و لو قال: وهبته و خرجت إليه منه، لم يكن صريحا في الإقباض، نعم إن كان الموهوب في يد المتّهب كان ذلك كناية عن الإقباض، و لو كان في يد الواهب لم يكن إقرارا بالقبض.
سواء كان ولده لصلبه، أو ولد ولده، و كذا ليس لذي الرحم الرجوع فيما يهبه لرحمه، سواء كان محرما كالخالة أو العمّة، أو غير محرم، كبنت العمّة و بنت الخالة.
فإن قلنا
ص: 283
التصرف مانع من الرجوع فلا بحث، و إلاّ كان له الرجوع، سواء تصرف الثالث أو لا، و إن رهنه المتّهب، أو كاتبه، و قلنا التصرف غير مانع من الرجوع ففي الرجوع هنا إشكال، أمّا لو انفسخت الكتابة، أو انفكّ الرهن، فإنّه يجوز الرجوع على ذلك التقدير، و لو باعه الموهوب له ثمّ عاد إليه، ففي جواز الرجوع إشكال أقوى من الأوّل.
فالأقوى أنّ للمالك استعادة العين، و لا يشاركه الغرماء، و لو باعها ثمّ اشتراها بثمن مؤجّل و أفلس به، و سوّغنا الرجوع بعد البيع، فالأقرب أنّ البائع أحق من الواهب.
فالأقرب جواز الرجوع، لكن لا يسقط حقّ المجني عليه، بل له الاقتصاص منه و تملّكه إن شاء، و لا يرجع الواهب على المتّهب بأرش و غيره. و لو أخذه(1) المجني عليه لم يكن للواهب حينئذ الرجوع فيه، و لو بذل أرش الجناية ليرجع في العين، ففي وجوب إجابته إلى ذلك نظر.
أمّا لو رهنه المتّهب فاراد الواهب الرجوع في العين و سوّغناه مع التصرف، لم يكن له ذلك هنا، فلو طلب فكّه ببذل الدّين ليرجع فيه، فالأقرب إجابته إلى ذلك على إشكال.
و لا يلزم الواطئ المهر، و لو حبلت ففي
ص: 284
جواز الرجوع إشكال، و معه لا يرجع في الولد، و يكون حرّا و لا قيمة له عنه.
جاز مع التفاضل و التساوي، و لا يشترط التقابض في المجلس و إن اتحد الجنس.
و لا يشترط الإذن في القبض و لا مضيّ زمان يتحقّق فيه، و لو وهبه لغيره جاز، فإن وكّل المعير المستعير في قبضه صحّ ، و إن لم يمض زمان يمكن فيه، و بطلت الإعارة، فلا يجوز له الانتفاع به إلاّ بإذن الموهوب له.
و إن وهبها لغيره فكذلك مع الإقباض، و لو امتنع المستأجر منه كان له ذلك، و لو أذن فيه كان له الانتفاع باقي المدّة.
فلو أنفذ هدية مع رسوله، وكّله في إيجاب الهبة، و يقبل المهدى إليه فان لم يفعل كان إباحة، و لو قيل بعدم اشتراط القبول نطقا كان وجها، قضاء للعادة بقبول الهدايا من غير نطق.
ص: 285
ص: 286
كتاب الوقف
ص: 287
ص: 288
و فيه فصول:
و فيه ثمانية مباحث:
يقال:
وقفت وقفا، و لا يقال: أوقفت إلاّ في شاذّ اللغة، و يقال: حبست و أحبست.
و لا بدّ فيه من الصيغة الدالة عليه إمّا صريحا، أو كناية مقترنة بما يدلّ عليه، فالصّريح ألفاظه ثلاثة: وقفت، و هو صريح فيه إجماعا، و في «حبّست» و «سبّلت» قولان أحدهما أنّه صريح، و الآخر أنّه كناية يفتقر إلى النيّة قال الشيخ: الّذي يقوى في نفسي أنّ صريح الوقف قول واحد و هو «وقفت» خاصّة و به يحكم بالوقف، فأمّا غيره من الألفاظ فلا يحكم به الاّ بدليل(1) و اختاره ابن إدريس(2)و هو الأقوى.
ص: 289
و أمّا الكناية فثلاثة «تصدّقت» و «حرّمت» و «أبّدت» فإن اقترن بها ما يدلّ على الوقف صرفت إليه مثل صدقة محرمة، أو محبوسة، أو مسبّلة، أو مؤبّدة، أو لا يباع و لا يوهب، و لو أطلق الكناية و نوى بها الوقف، حكم بما نواه باطنا دون الظاهر، إلاّ أن يعترف بما نواه، و يقبل قوله في نيّة الوقف و عدمها.
مثل أن يبني مسجدا و يأذن للناس بالصلاة فيه، أو مقبرة و يأذن بالدّفن فيها، أو سقاية و يأذن في دخولها، و إنّما يصير وقفا بالقول الدال عليه.
و لو سكت فالأقرب اعتبار قبوله، أمّا البطن الثاني فلا يشترط قبوله و لا يرتد عنه بردّه.
و لم يجز فسخه و لا إبطاله بمجرد الوقف، و ليس للواقف الرجوع فيه، سواء أوصى به بعد موته، أو لا، و سواء حكم به حاكم، أو لا، و قول المفيد رحمه اللّه: الوقف صدقة لا يجوز الرجوع فيها إلاّ أن يحدث الموقوف عليهم ما يمنع من معونتهم و القربة إلى اللّه تعالى بصلتهم، أو يكون تغيير الشرط في الوقف أدرّ(1) عليهم و أنفع من تركه على حاله(2)، متأوّل(3).
و الأقرب أنّ
ص: 290
الموقوف عليه يملكه ملكا غير تام فيثبت بشاهد و يمين، و من قال: بانتقاله إلى اللّه تعالى لا يثبت إلاّ بشاهدين.
4645. السابع: إذا وقف شاة دخل فيه الصوف و اللبن الموجودان حالة الوقف ما لم يخرجه(1) عنه بالاستثناء.
و لكن واحد من الأربعة شرائط نحن نذكرها في الفصول الآتية إن شاء اللّه تعالى.
مثل أن يقول: إذا جاء رأس الشهر فداري وقف، أو فرسي، أو إذا ولد لي ولد، أو قدم لي غائب، و لا نعلم فيه خلافا.
مثل أن يقفه على أولاده و أولاد أولاده ما تعاقبوا، فاذا انقرضوا فعلى الفقراء
ص: 291
و المساكين، أو المتعلّمين، أو بعض المساجد و الجوامع، أو المشاهد، أو يقفه ابتداء على هذه من غير ذكر الأولاد.
و لو علّقه بما ينقرض غالبا، مثل أن يقفه على أولاده و أولاد أولاده من غير بيان المصرف بعد الانقراض، ففيه قولان: أحدهما البطلان(1) و الثاني الصحّة(2)فحينئذ يعود إلى الواقف إن كان موجودا أو إلى ورثته إن كان معدوما، اختاره الشيخ رحمه اللّه(3) و قيل: إلى ورثة الموقوف عليه، اختاره المفيد رحمه اللّه(4) و ابن إدريس(5)و فيه قوّة، و لا يعاد على بيت مال المسلمين، و لا إلى الفقراء، و إذا عاد إلى ورثة الواقف اشترك الأغنياء فيه و الفقراء على ترتيب الميراث الأقرب فالأقرب للذكر مثل حظّ الأنثيين.
4649. الثالث: إذا علّقه بمدّة كأن يقفه سنة أو أكثر(6)
ففي البطلان نظر، أقربه أنّه يصحّ و يكون حبسا يرجع إليه بعد المدّة.
و كذا لو جنّ ، أو أغمي عليه، أمّا لو مات الموقوف عليه فأقبض البطن الثاني ففي صحّته نظر.
ص: 292
و لو كان الوقف على ولده الصغير، كان قبضه قبضا عنه، و لم يفتقر إلى نصب وكيل يقبض عنه، و لا إلى مضي زمان يمكن فيه الإقباض، و كذا الجدّ للأب و الوصيّ على إشكال.
و القبض إنّما يشترط في الطبقة الأولى، فإذا حصل تمّ الوقف، و لا يفتقر إلى قبض بقيّة الطبقات.
و لو وقف على الفقراء و الفقهاء افتقر إلى نصب قيّم يقبض الوقف، و لو وقف على مصلحة لم يفتقر إلى القبول، و كان المتولّي للوقف هو الناظر في تلك المصلحة من قبل الشرع.
و لو وقف مسجدا فكذلك لا يفتقر إلى القبول، و يلزم بصلاة واحدة فيه، و كذا يلزم وقف المقبرة بدفن واحد، و لا يلزم بدون ذلك.
و لو وقف على نفسه ثمّ على غيره، فقولان: أحدهما البطلان(1) و الثاني الصحة في الغير،(2) و لو وقف على الغير و شرط قضاء ديونه، أو الاستعانة منه، أو الإنفاق، لم يصحّ ، و لو وقفه على الغير و شرط عوده إليه مع حاجته، كان حبسا يورث عنه إذا مات، و لو وقفه على الفقراء أو الفقهاء، ثم صار منهم، جاز أن يتناول منه، و كذا لو وقفه على المسلمين جاز أن يأخذ منه، و منع ابن إدريس من ذلك(3).
قال الشيخ: إذا وقف مسكنا جاز أن يسكن مع من وقفه عليه، و ليس له أن
ص: 293
يسكن غيره معه(1) و ليس بجيّد، لأنّ الوقف إن كان عامّا للمسلمين، جاز أن يسكن غيره، و إن كان خاصّا بقوم لم يجز له السكنى بنفسه.
و لو شرط إدخال من يولد له معهم جاز، سواء كان الوقف على أولاده، أو غيرهم، و لو شرط نقله عنهم بالكليّة إلى من سيوجد، لم يجز.
قال الشيخ: لو كان الوقف على أولاده الأصاغر جاز أن يدخل معهم من يريد و إن لم يشترط(2) و ليس بجيّد.
قال اللّه تعالى: مٰا جَعَلَ اَللّٰهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَ لاٰ سٰائِبَةٍ وَ لاٰ وَصِيلَةٍ وَ لاٰ حٰامٍ (3).
فالبحيرة: هي الناقة الّتي تلد خمس بطون، فإذا وجدوا ذلك منها بحروا أذنها أي شقّوها، و البحر الشّق.
و السائبة: هي الّتي تلد عشرة بطون كلّها إناث، فيسيّبوها(4) إكراما لها، لا تركب، و لا يؤخذ و برها، و لا تحلب إلاّ لضيف.
و أمّا الوصيلة: فهي الناقة، أو الشاة تلد عشرة بطون في كلّ بطن ذكر و أنثى، فإذا كان منها(5) ذلك، قالوا: وصلت أولادها، و قيل: هي الشاة تلد خمس
ص: 294
بطون في كلّ بطن عناقان، فإذا ولدت بطنا سادسا ذكرا و أنثى قالوا وصلت اخاها(1) فما تلد بعد ذلك يكون حلالا للذكور و حراما على الإناث(2).
و أمّا الحام: فهو الفحل ينتج من ظهره عشر بطون فيسيّب، و يقال: حمى ظهره فلا يركب.
و الفقهاء يسمّون العبد الّذي يعتق بشرط عدم الولاء سائبة، و ذلك سائغ ليس مقصودا من الآية.(3)
و يشترط فيه أمور أربعة: كونه بالغا، عاقلا، جائز التصرّف، مالكا، متقرّبا إلى اللّه تعالى، فلا يصحّ وقف الصبيّ ، و لو بلغ عشرا ففي نفوذ وقفه إشكال ينشأ من عدم البلوغ المنوط به الأحكام، و من دلالة الرواية على الصّدقة(4) و الوقف نوع منها، و الأقرب عندي المنع.
و لو وقف المجنون، أو الساهي، أو الغافل، أو السكران، أو المحجور عليه للسفه أو الفلس، لم يصحّ ، و لو وقف المملوك بطل، و كذا الفضولي و إن أجاز
ص: 295
المالك، و لا يصحّ وقف المكره، و إجازته بعد زوال عذره كإجازة المالك وقف الفضولي على إشكال.
و لا بدّ من قصد القربة فلو وقف غير متقرب إلى اللّه تعالى، بطل الوقف.
أمّا المريض فإن برأ من مرضه صحّ وقفه، و إن مات أخرج من ثلث المال، و لو أجاز الورثة خرج من الأصل، و لو أجاز بعضهم نفذ من الأصل في قدر نصيب المجيز و من الثلث في الباقي، و قيل: يمضى من الأصل مطلقا،(1)و الوجه الأوّل.
و لو ضم الوقف إلى عطايا متبرع بها كالهبة، و العتق، و المحاباة بدئ بالأوّل فالأوّل إن قصر الثلث عن الجميع، و لم يجز الورثة إلى أن يستوفى الثلث ثمّ يدخل النقص على الأخير، و كذا البحث في الوصايا المتعدّدة، و لو جهل المتقدّم، قيل: يقسّم على الجميع بالحصص، و استعمال القرعة حسن.
و لو قال: وقفت(2) بعد موتي كذا، كان وصيّة بالوقف، يخرج من الثلث.
و لو قال: هو وقف بعد موتي، ففي كونه وصيّة بالوقف صحيحة، أو وقفا مشروطا بالموت باطلا نظر.
و لو وقف المريض على ولده، أو بعض ورّاثه شيئا، صحّ ، و يخرج من الثلث.
و لو وقف داره، و هي تخرج من الثلث، على ابنه و بنته(3) بالسويّة، صحّ الوقف على ما شرط، و كذا لو وقفه على ابنه و زوجته، و إن كانت الدار جميع
ص: 296
ملكه فإن أجاز الورثة فلا بحث، و إن منعوا، كان الثلث وقفا، و الثلثان طلقا، سواء زاد الورثة عن الموقوف عليه أو لا، فإن لم يكن غير الابن و البنت، و اختاروا الوقف دون التسوية، فالوجه أنّ النصف يكون وقفا على الابن، و الثلث على البنت، و يكون السدس طلقا للولد، و لو اختاروا التّسوية دون الوقف صحّ الوقف في الثلث، و كان الباقي ميراثا بينهما بالسويّة(1) على سبيل الهبة، و يعتبر فيه شرائطها.
و هي أربعة: وجوده، و تعيينه، و صحّة تملّكه، و تسويغ الوقف عليه.
فهاهنا اثنان و ثلاثون بحثا:
كما لو وقف على ولده و لا ولد له، أو على من سيولد له، سواء كان ممّا يصحّ وجوده، أو يمتنع، و لا يصحّ الوقف على حمل لم ينفصل، و لو وقف على المعدوم تبعا للموجود، صحّ ، مثل أن يقف على عقبه و عقب عقبه ما تعاقبوا، فإنّه يلزم و إن لم يكن باقي البطون موجودة.
تردّد الشيخ في الصحّة و البطلان و قوّى الصحّة على الموجود(2) و كذا لو وقف على من لا يصحّ الوقف عليه أوّلا ثمّ على من يصحّ عليه، كما لو وقف على المجهول ثمّ
ص: 297
المعلوم، أو على عبده ثمّ على أولاده، و مع الصحّة إن كان من لا يصحّ الوقف عليه لا يمكن انقراضه كالمجهول و المعدوم، انصرفت منافع الوقف في الحال إلى من يصحّ عليه، و إن أمكن انقراضه كالعبد و الحمل، ففي توقّف الانصراف على انقراضه عملا بالشرط، و عدمه لانتفاء المالك غيرهم إشكال. و قوّى الشيخ الثاني(1) و على الأوّل قيل: تصرف المنافع إلى الفقراء مدّة بقاء العبد و إلى الموقوف عليهم بعد انقراضه.
سواء كان عبد نفسه أو غيره، و لا يكون الوقف عليه وقفا على مولاه، و لا فرق في ذلك بين القنّ ، و المدبّر، و أمّ الولد، و المكاتب المشروط، و الّذي لم يؤدّ من مكاتبته شيئا، أمّا المطلق إذا أدّى شيئا من كتابته صحّ بمقدار ما فيه من الحرّية، و بطل في الباقي، و لو وقف على الدابّة بطل أيضا.
لم يصحّ في حقّ نفسه، و في صحّته في حقّ المساكين قولان تقدّما.
و لو شرط أن ينفق على نفسه منه، بطل الوقف أمّا لو شرط أن يأكل أهله أو من يليه، فإنّه يصحّ .
و لو شرط أن يهبه متى شاء، أو يبيعه، أو يرتجعه لم يصحّ .
و قال المرتضى: لو شرط أنّه إن احتاج إليه في حياته، كان له بيعه و الانتفاع بثمنه جاز(2) و ليس بجيّد، و قال الشيخ: لو شرط بيعه و التصرف فيه عند الحاجة، صحّ الشرط، و يرجع ميراثا عند الموت(3)، و لو شرط الخيار لنفسه فكذلك.
ص: 298
لم يصحّ ، و كذا لو ذكر مصرفا مجهولا، كأن يقول: على أحد هذين، أو على أحد المشهدين.
فإن قلنا بصحّة المنقطع، صحّ هنا، و صرف بعد انقراض من يصحّ الوقف عليه إلى من يصرف إليه نفع المنقطع.
و لو كان صحيح الطرفين منقطع الوسط، كأن يقف على أولاده ثمّ على عبيدهم ثمّ على الفقراء، احتمل الصحّة و البطلان، و على تقدير الصحّة ينظر فيما لا يجوز الوقف عليه، فإن لم يمكن انقراضه ألغيناه، و إلاّ ففي إلغائه و اعتبار انقراضه وجهان تقدّما.
و لو كان صحيح الوسط خاصّة، مثل أن يقف على عبده، ثمّ على أولاده، ثمّ على الكنيسة، احتمل الوجهان، و مع الصحّة فمصرفه(1) بعد من يجوز الوقف عليه مصرف المنقطع.
و كذا لو قال: على ولدي مدّة حياتي.
و لو قال: هذا وقف على المساكين، و بعد انقراضهم على ولدي، صحّ على المساكين و لغى على ولده(2) لامتناع انقراضهم.
و إن قلنا إنّه يملك، و الميّت، و الحمل، و الملك، و الجنّ ، و الشياطين، و المرتدّ عن فطرة، و الحربي، و هل يصحّ على الذمّي ؟ قيل: نعم مطلقا، و قيل: إن كان ذا رحم،
ص: 299
و قيل: إن كان أحد الأبوين(1). و هل يصحّ على المرتدّ عن غير فطرة ؟ فيه نظر.
و لو وقف على بعض المساجد، أو المشاهد، أو القناطر، أو المدارس، أو السقايات، أو كتب الفقه و الأحاديث و القرآن، صحّ ، لأنّ الوقف في الحقيقة على المسلمين، خصّص صرفه في بعض مصالحهم.
و كتابة التوراة، و الإنجيل و غيرهما من كتب الأنبياء السالفة الّتي غيّرت، لم يصحّ ، و لو لم تغيّر، صحّ و إن كانت منسوخة، و لو وقف الذمّي ذلك جاز.
و كذا لا يجوز أن يقف على معونة الزناة، و قطّاع الطريق، و غيرهما من الفسّاق، فلو وقف على من يمرّ بالبيع و الكنائس من المجتازين من أهل الذمّة، فالأقرب الجواز، و لو وقف على خادم الكنيسة، أو على مصالحها من الحصر و الأضواء لم يصحّ .
و كذا يجوز في غيرهم، سواء أمكن استيعابهم و حصرهم أو لا، مثل أن يقف على قريش، أو بني هاشم أو بني تميم، و كذا يجوز على أهل كلّ إقليم، أو مدينة كالعراق و بغداد، أو على أقاربه و عشيرته، و يدخل في الوقف كلّ من صدق عليه الاسم.
و لو وقف المسلم على الفقراء، انصرف إلى فقراء المسلمين خاصّة، عملا بقرينة الحال، و لو وقف الكافر على الفقراء انصرف إلى فقراء نحلته.
ص: 300
و لو وقف على المؤمنين، انصرف إلى الاثني عشرية، و هل يشترط مجانبة الكبائر؟ قال الشيخ: نعم(1) و منعه ابن إدريس(2) و هو حسن.
و لو وقف على الشيعة، اندرج فيه كل من قدّم عليا عليه السلام من الإماميّة، و الجاروديّة(3) من الزيدية(4) و الواقفيّة(5) و غيرهم من فرق الشيعة دون البتريّة(6)من الزيدية.
ص: 301
و لو وقف على الإماميّة فهو على الاثني عشرية، و لو وقفه على الزيدية فهو لكلّ من قال بإمامة زيد و كذا لو علّقهم بالنسبة إلى أب كان لكلّ من انتسب إليه بالأبوة، فالهاشميّين يصرف إلى من انتسب إلى هاشم بالأبوّة، و هل يدخل فيه من انتسب إليه بالأمومة ؟ قيل: نعم و قيل: لا(1) و كذا لو وقفه على العلويّين كان لمن انتسب إلى علي عليه السلام، و لو وقفه على الحسنيّين كان لأولاد الحسن بن علي عليهما السلام ليس للحسينيّين فيه شيء، و كذا بالعكس.
و لو وقفه على الفاطميّين كان لأولاد فاطمة عليهم السلام.
و يكونون سواء إلاّ أن يشترط التفضيل، و لو قال: على كتاب اللّه تعالى، كان لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ اَلْأُنْثَيَيْنِ ، و كذا لو وقف على والديه، تساويا ما لم يفضّل.
لأنّ التقرب إلى اللّه تعالى إنّما يحصل به، و هو شرط(2)، و قال الشيخ: يدخل فيه كلّ من صلّى إلى القبلة(3) و كذا لو وقف الإمامي على الزيدي لم يصحّ .
قال الشيخ: و لو وقف على الشيعة كان شاملا لجميع فرقهم من الكيسانيّة(4)
ص: 302
و الناووسية(1) و الفطحيّة(2) و الواقفيّة، و قال ابن إدريس: إن كان الواقف إماميّا اختصّ بالإماميّة، و إن كان من أحد هؤلاء حمل كلامه على شاهد حاله في اختصاص أهل نحلته بالوقف خاصّة.(3)
و كذا لو قال: على أولادي و لم يقل لصلبي، فإنّه يدخل فيه أولاد بنيه و أولاد بناته ما تعاقبوا و تناسلوا.
و لو قال: على أولادي لصلبي، كان لأولاده خاصّة.
و لو قال: على من انتسب إليّ ، ففي دخول أولاد البنات نظر.
و لو قال الهاشمي: على أولادي و أولاد أولادي الهاشميّين، لم يدخل في الوقف من أولاد بناته من كان غير هاشمي، و من كان هاشميا من غير أولاد بنيه، و هم من أولاد بناته دخلوا.
فلو قال: على عقبي أو نسلي، أو ذرّيتي، دخل أولاد البنين و أولاد البنات.
و لو قال: على عترتي، فهم أخصّ قومه و عشيرته، و لو وقف على قومه، قيل: يكون للذكور من أهل لغته دون الإناث(4) و قال ابن إدريس: يكون للرجال من قبيلته ممّن يطلق عليهم أنّهم أهله و عشيرته دون غيرهم(5).
و لو وقف على عشيرته كان لأقاربه.
ص: 303
و لا يقدّم بعضهم على بعض لقربه، و لو تجدّد حمل لم يشارك حتّى ينفصل حيّا.
و لو رتّب فقال: على أولادي ثمّ أولاد أولادي، أو قال: الأعلى(1) فالأعلى، أو الأقرب فالأقرب، أو الأوّل فالأوّل أو البطن الأوّل ثمّ البطن الثاني، أو قال:
على أولادي، فإذا انقرضوا فعلى أولادهم، ترتبوا بحسب الشرط، و لا يستحقّ البطن الثاني شيئا حتّى ينقرض البطن الأوّل كلّه، و لو لم يبق من البطن الأوّل إلاّ واحد، كان الوقف كلّه له، لا يشاركه البطن الثاني.
و لو قال: على أولادي و أولاد أولادي على أنّ من مات منهم عن ولد كان ما كان جاريا عليه جاريا على ولده، كان ذلك دليلا على الترتيب و إلاّ لم يحصل التسوية فحينئذ يترتّب بين كلّ والد و ولده، فإذا مات عن ولد انتقل إلى ولده سهمه، سواء بقي من البطن الأوّل أحد أو لم يبق.
و لو رتّب في البعض دون الباقي، عمل بقوله، كما لو قال: وقفت على ولدي و ولد ولدي ثمّ على أولادهما، أو على أولادي، ثمّ على أولاد أولادي و أولادهم ما تعاقبوا و على أولادي و أولاد أولادي ثمّ على أولادهم و أولاد أولادهم، فيشترك بين من شرّك بينهم بالواو و يترتب بين من رتّب بحرف الترتيب.
ص: 304
و لا يمنع الأقرب الأبعد، و لو صرح بما يصرفه عن الظاهر أو إليه(1) حمل على ما دلّت القرينة عليه، فلو قال: على أولادي لصلبي، أو الذين يلونني، صرف إلى البطن الأوّل.
و لو قال: على أولادي، و لا ولد له من صلبه، انصرف إلى أولاد أولاده، و كذا لو قال: على أولادي إلاّ أولاد البنات، أو على أولادي إلاّ بني فلان.
أو لإخوته، أو لأولاد إخوته، فهو على ما شرطه، و لو قال: على أنّ من مات منهم فنصيبه لولده، و من لا ولد له، فنصيبه لأهل الوقف، و مات أحد البنين الثلاثة عن ابنين، كان نصيبه لهما، فإن مات الثاني عن غير ولد، كان نصيبه لأخيه و ابني أخيه بالسوية، و لو مات أحد ابني الأخ عن غير ولد، كان نصيبه لأخيه و عمّه، و لو مات أحد الثلاثة و خلّف أخويه و ابني أخ له، فنصيبه لأخويه، و لا شيء لا بني الأخ ما دام أبوهما حيّا، فإن مات أبوهما صار نصيبه لهما، و هل يأخذان من عمهما سدس الثلث ؟ فيه احتمال، فلو مات الثالث، كان نصيبه لابني الأخ.
و لو خلّف ابنا كان له نصيب أبيه و هو النصف، و لكلّ واحد من ابني الأخ الربع، و على الاحتمال الّذي قلناه يكون لابنه الثلث و ثلثا السدس و لا بني الأخ الباقي.
و لو قال: على أنّ من مات منهم عن غير ولد كان نصيبه لمن هو في
ص: 305
درجته، و كان مرتبا، كان نصيب الميّت عن غير ولد لأهل البطن الّذي هو منه، و إن كان مشتركا، فالأقرب عود نصيبه إلى أهل البطن الّذي هو منه، و يستوي في ذلك إخوته و بنو عمه و بنو بني عمّ أبيه، فإن لم يكن في درجته أحد بطل الشرط.
و من لا ولد له فنصيبه إلى من هو في درجته، فمات أحدهم عن ابن، و مات الثاني عن ابنين، ثم مات أحد الابنين و ترك أخاه و ابن عمّه [المتوفى] و عمّه و ابن عمّه الحي(1)، فالأقرب أنّ نصيبه بين أخيه و ابن عمّه(2)و لو كان في درجته في النسب من لا يصل إليه الوقف بحال، ففي أخذه نظر، مثل أن يكون له أربعة أولاد فيقف على ثلاثة على هذا الوجه، ثم يموت أحد الثلاثة عن غير ولد، احتمل أن لا يأخذ الرابع شيئا، لأنّه ليس من أهل الوقف.
و قال: من مات من الذكور فنصيبه لأولاده، و من البنات فلأهل الوقف، لزم ما شرطه، و لو قال: على أولادي على أن يصرف إلى البنات ألف و الباقي للبنين، لم يستحق البنون شيئا حتّى تستوفي البنات الألف.
لم يكن لأولاد أولاده شيء، و لو كان له ثلاثة فقال: وقفت على ولدي
ص: 306
فلان و فلان و على ولد ولدي، لم يكن للثالث شيء، و كان للأوّلين و أولادهما و أولاد الثالث بالسويّة.
مثل أن يقول: من اشتغل بالعلم، أو حفظ القرآن فله، و من ترك فلا شيء له، و كذا لو قال: من كان على مذهب كذا فله، و من خرج منه فلا شيء له، و كذا لو فضّل الكبير على الصغير، أو بالعكس، و العالم على الجاهل، و الفقير على الغنيّ ، أو بالعكس.
و المستحبّ له التسوية بين الذكور و الإناث، و أن لا يفضّل في حال وقفه قوما على آخرين.
و إن نزلوا، و يشترك فيه الفقير و المسكين، لا يتميّز أحدهما عن الآخر إلاّ أن يجمعهما فيقفه على الفقراء و المساكين أثلاثا، فيجب التميز بينهما، و لا يجب تعميمهم بالعطية، و كذا كلّ وقف على منتشرين، و هل يجب صرفه إلى الثلاثة فما زاد؟ الأقرب ذلك، و يصرف إلى أهل البلد، و لا يجب تتبع من غاب، و ضابطه أنّ الوقف على من يمكن حصره يقتضي(1) التشريك و التسوية، فلا يجوز التخصيص و لا التفضيل.
أمّا لو وقف على من لا ينضبط، فلا يقتضي ذلك، فيجوز صرفه إلى الواحد، و التفضيل في الجماعة.
ص: 307
و لو وقفه على مستحقي الزكاة، كان للأصناف الثمانية المذكورة في القرآن(1) و الأقرب أنّه لا يجب التشريك و لا التسوية، و يجوز أن يخصّ بعضا من صنف و يفضّله، و لا يجب أن يعطى مثل ما يعطى في الزكاة، فلا يعطى الغارم بشرط أن يصرفه في الغرم، و لا المكاتب بشرط أن يصرفه في كتابته.
و قيل: كان لمن يلي داره إلى أربعين ذراعا من كلّ جانب(2) و هو جيّد، و قيل: إلى أربعين دارا(3) و هو بعيد، و هل يشترط تملّك الجار للدار حتّى لو كانت مستأجرا أو مستعيرا لم يتناوله الوقف ؟ فيه إشكال، أمّا الغاصب فالظاهر عدم تناول الوقف له، و لو قلنا بدخول المستأجر أو المستعير، لو خرجا عن الدار، خرجا عن الاستحقاق، و لو عادا ففي عدم عوده إليهما إشكال.
و لو باع صاحب الدار داره الّتي يسكنها، خرج عن الوقف، و دخل المشتري عوضه، فلو استعادها عاد الوقف إليه دون المشتري، و لو لم تكن الدار مسكونة، ففي استحقاق مالكها إشكال، أمّا لو كانت موطنه فاتّفق السفر له بنيّة العود، ثمّ
ص: 308
وقف الواقف، فالأقرب دخوله، و هل يشارك صاحب الدار من هو ساكن معه كولده و أهله ؟ فيه نظر.
و لا يخرج صاحب الدار عن الوقف بسفره المنقطع و لا بتردّده في السكنى بينها و بين غيرها، و على القول بحرمان المستأجر و المستعير، ففي استحقاق المالك إشكال.
كمعونة الغزاة، و الحاجّ ، و بناء القناطر، و المساجد، و لو قال: في سبيل اللّه، و سبيل الثواب، و سبيل الخير، فكذلك، و لا تجب قسمة الفائدة أثلاثا بين الغزاة، و أقرب الناس إليه و آخذ الزكاة لحاجته و هم من عدا العاملين و الغزاة و المؤلّفة.
و لو وقف على البرّ و لم يعيّن، صرف في كلّ ما يتقرّب به إلى اللّه، كمعونة الفقراء و غيرها.
اشترك(1) الذكورة و الإناث و الأقرب و الأبعد على التساوي، إلاّ أن يشترط التفضيل، أو التخصيص.
و لو وقف على أخواله و أعمامه تساووا. و لو وقف على أقرب الناس إليه، فهو للأبوين و الولد و إن نزلوا، ثمّ الأجداد و الإخوة ثمّ الأعمام و الأخوال
ص: 309
على ترتيب الميراث، و كلّ من منع في الميراث يمنع هنا، يتساوون ما لم يفضّل، و لو اجتمع الإخوة المتفرقون، أو الأخوال أو الأعمام كذلك، كان المتقرّب بالأبوين أولى من المتقرّب بأحدهما.
فالوقف لأولاده، فإذا انقرضوا، قال الشيخ: يأخذ أولاد أولاده فإذا انقرضوا فالفقراء، لأنّ اشتراط انقراضهم يدلّ على أنّ لهم نصيبا لكن لا يأخذون إلاّ بعد انقراض الأولاد(1). و قيل: إنّه لا يأخذ أولاد أولاده شيئا، لأنّ تخصيصهم بالذكر يعطي إخراجهم من لفظة الأولاد، و حينئذ يكون انقراضهم شرطا لصرفه إلى الفقراء. و حينئذ قيل: يرجع الوقف بعد أولاده إلى أقرب الناس إليه و إذا انقرض أولاد الأولاد، صرف إلى الفقراء.
فإذا انقطع بعد ذلك، أخذه عقب عمرو، فإن تجدّد عقب زيد بعد ذلك، رجع الوقف إليه، و النماء وقت انقطاع عقب زيد إلى وقت عوده، لعقب عمرو.
و كذا لو كان له موال من أسفل، فإنّه ينصرف إلى مواليه من أسفل، و لو اجتمعا فإن قرن بما يصرفه إلى أحدهما، حمل عليه، و إن أطلق، قال الشيخ:
يشترك بينهما(2) و لو قيل: بالبطلان للجهالة اذ المشترك لا يراد به كلا معنييه، كان وجها.
ص: 310
انصرف إلى كلّ من كان مشهورا بقرابته من قبل الرجال و النساء، و لو تجدّد له قرابة بعد الوقف، دخل فيه.
و لو قال: لأهل بيتي، انصرف إلى أقاربه من قبل الرّجال و النساء، فلو وقف على عشيرته صحّ و إن لم ينحصر كبني تميم.(1)
احتمل عود نصيبه إلى المساكين، و الأقرب عوده إلى الآخر.
و لو وقف على البنين و البنات، أو على أحدهما، لم يدخل الخناثى، و لا يدخل في أولاده المنفيّ باللعان، و لو اعترف بعده، دخل.
و فيه اثنا عشر بحثا:
و شروطه أربعة: أن يكون عينا مملوكة ينتفع بها مع بقائها، و تصحّ إقباضها، فلا يصحّ وقف ما ليس بعين كالدين، حالا كان أو مؤجّلا، على مليّ باذل كان أو معسر جاحد، و كذا لو وقف فرسا أو دارا و لم يعيّن لم يصحّ ، و لا
ص: 311
ينفذ وقف الخنزير و الخمر، و كلّ ما لا يصحّ تملّكه، و لا وقف الطعام و شبهه ممّا لا نفع له - كالشراب و الشّمع - إلاّ في استهلاكه، و لا وقف الآبق، و ما لا يمكن إقباضه.
و إن كان دنانير أو دراهم قيل: لا يصحّ لأنّ الانتفاع بها إنّما يصحّ بإخراجها، و لو قيل بالجواز لإمكان الانتفاع بها و لو في شيء قليل، كان وجها، و لو سوّغناه ففي جواز عمله حليّا للموقوف عليه، نظر.
كالمشمومات من النبات و الرّياحين، لا يصحّ وقفه.
كأمّ الولد و الرهن، و هل يصحّ وقف السباع من البهائم و الطيور؟ الأقرب جوازها إن كانت ممّا يصاد بها، و إلاّ فلا، و كذا الوقف لا يصحّ وقفه ثانيا.(1)
فلا اعتبار بإجازة المالك، و الصحّة، فإن اجاز المالك لزم، و إلاّ بطل، و هو أقربهما.
و لا تباع الحلية و يشترى(2) بثمنها سرج و لجام.
سواء كان
ص: 312
عقارا، أو حيوانا، أو سلاحا، أو كراعا، أو أثاثا، أو عروضا، أو رقيقا.
4693. الثامن: يصحّ وقف المشاع كالمقسوم، و قبضه كقبضه في البيع(1)،
و لا يثبت بالوقف شفعة للشريك، و لو أراد الموقوف عليه قسمته مع الطلق جاز إلاّ أن يتضمّن ردّا من الطلق ففيه نظر، لتضمّنه بيع جزء من الوقف، و لو كان الجميع وقفا، و أراد الموقوف عليهم قسمته لم يجز، و لو بيع الطلق فالأقرب أنّ لأرباب الوقف الشفعة مع شرائطها و لا يصير وقفا.
فإن أعتقه بعد ذلك الواقف أو الموقوف عليه، لم يصحّ ، و إن أعتق الطلق حصّته صحّ و لا يقوّم عليه الباقي.
كما لو وقف داره على ولده و المساكين، فإن عيّن نصيب كلّ واحد، عمل به، و إلاّ كان لولده النصف و للمساكين النصف. و لو قال: على زيد و عمرو و المساكين، كانت أثلاثا.
و لو وقف موضعا في وسط داره، جاز، و إن لم يذكر الاستطراق، و يكون للموقوف عليه حقّ الاستطراق، كما لو آجر بيتا من داره.
و الأقرب جواز وقف الكلب المنتفع به و السنّور، أمّا العقور فلا، و كذا لا يصحّ وقف ما لا منفعة له محلّلة كآلات اللهو و شبهها.
ص: 313
و فيه اثنا عشر بحثا:
فإذا شرط النظر فيه لنفسه، صحّ ، و ليس لغيره معارضته فيه، و إن شرطه للموقوف عليه أو لبعضهم، أو لأجنبي جاز، و إن أطلق و لم يبيّن فإن قلنا: إنّه ملك للموقوف عليه، كان له، و إن قلنا: للواقف، كان النظر له و بعده للحاكم، و إن قلنا للّه تعالى كان النظر للحاكم، و كذا البحث لو شرطه لأحد فمات.
و لو كان الوقف على المصالح، كالمساجد، أو على من لا ينحصر كالمساكين، كان النظر فيه مع الإطلاق أو مع موت المشروط(1) إلى الحاكم، و لو جعل النظر للأرشد، عمل بذلك، و لو كان الأرشد فاسقا، فالأقرب عدم ضمّ عدل إليه و لو أطلق، و كان الموقوف عليه واحدا رشيدا، فهو أولى بالنظر، رجلا كان أو امرأة، و لو تعدّدوا مع الرشد، فلكلّ منهم النظر في نصيبه، و لو كان [الموقوف عليه] غير رشيد فالنظر فيه لوليّه.
و لو جعل النظر لأجنبي عدل، ثمّ فسق، ضمّ إليه الحاكم أمينا، و يحتمل انعزاله بنفسه.
ص: 314
و إن أطلق، قال الشيخ: يكون نفقته في كسبه و لو عجز لكبر أو مرض، كانت نفقته على الموقوف عليهم(1) و لو قيل بثبوتها على الموقوف عليهم على التقديرين - إن كان ملكا لهم - كان وجها، و إن قلنا: إنّه ملك للّه تعالى كانت نفقته في بيت المال. و لو صار مقعدا عتق، و سقطت عنه الخدمة و عن مولاه النفقة، و كذا البحث لو كان غير حيوان، و احتاج إلى الإنفاق لعمارة و شبهها، فإن شرط عمل بالشرط، و إلاّ أخذ من نمائه أوّلا ما يصرف في عمارته، و الفاضل للموقوف عليه.
وجبت فيه الزكاة، و إن كانوا غير منحصرين كالمساكين، لم يكن عليهم زكاة ممّا حصل في أيديهم و إن حصل في يد كلّ واحد نصاب لأنّ الواحد لا يتعيّن لجواز حرمانه و الدّفع إلى غيره، و انّما يملك بالقبض.
فإن كانت [الجناية] نفسا، بطل الوقف بقتله، سواء كان المجنيّ عليه الموقوف عليه أو غيره، و ليس للمجنيّ عليه استرقاقه، و إن كانت دون النفس اقتصّ منه، و كان الباقي وقفا، و إن أوجبت المال(2) قيل: تعلّقت بمال الموقوف عليه بناء على ملكه، و قيل: بالواقف لأن ملكه لم يزل و هو الموجب لمنعه عن البيع، و قيل: في بيت المال لأنّه ملك للّه فصار كالحرّ المعسر(3) و الأقرب تعلّقها بكسبه.
ص: 315
فالأقرب أنّ للموجودين من الموقوف عليهم استيفاؤه، و في العفو إشكال إن قلنا بانتقال الوقف إليهم، و إن قلنا إلى اللّه تعالى، فالأمر إلى الإمام، و كذا لو قطع يده، أو جرح عمدا، و لو أوجبت أرشا فللموجودين من أرباب الوقف، و إن قيل وجبت القيمة(1) فالأقرب أنّه كذلك، و يحتمل أنّه يشترى بالقيمة عبد يكون وقفا، و على هذا فالأرش أيضا يشترى به عبد يكون وقفا إن احتمل و إلاّ تنقص منه.
و لو انهدمت الدار لم تخرج العرصة عن الوقف، و لم يجز بيعها، و لو وقع خلف بين أرباب الوقف بحيث يخشى خرابه، جاز بيعه على ما رواه أصحابنا(2) و قال ابن إدريس: لا يجوز بحال(3) ثمّ فصّل ما رواه أصحابنا إلى ما وقف على قوم معيّنين من غير تأبيد، و إلى مؤبّد، و قال في الأوّل بجواز بيعه للموقوف عليهم عند بعض أصحابنا، و قال في الثاني: لا يجوز بيعه إجماعا(4) و لو قيل بجواز البيع إذا ذهبت منافعه بالكليّة كدار انهدمت و عادت مواتا، و لم يتمكّن من عمارتها، و يشترى بثمنه ما يكون وقفا، كان وجها.
لم يعد إلى ملك الواقف، و لم تخرج العرصة عن الوقف، و لم يجز بيعه بحال، أمّا آلته فلا بأس باستعمالها في غيره من المساجد.
ص: 316
و لو أخذ السيل ميّتا، أو أكله السبع، عاد الكفن إلى الورثة لامتناع وصوله إليه بعد ذلك، بخلاف المسجد لإمكان عود عمارته.(1)
و هل يجوز غرس شجر في المسجد؟ الأقرب المنع مع الضرر و مع عدمه إشكال، و لو قلنا بالجواز منعناه من الغرس لنفسه، و لو غرس في أرضه ثمّ وقفها بعد الغرس، لم يزل حقّ الواقف من الشجرة، و لم يلزمه قلعها، و كان نفعها له.
و لو وقف النخلة مع المسجد، فإن عيّن المصرف لها صحّ ، و إلاّ بطل فيها دون المسجد، و لو وقفها على المسجد، صرف ثمنها إليه.
و ما يفضل من حصر المسجد و فرشه، جاز أن يصرف إلى مسجد آخر، و لا يجوز صرفه إلى المساكين.
فإن أولدها كان الولد حرّا، و لا قيمة عليه، و لا حدّ، قيل: و تصير أمّ ولد تعتق بموته و تؤخذ القيمة من تركته لمن يليه من البطون(2) و فيه نظر.
قال الشيخ: جاز بيعها لأرباب الوقف(3)، و الأقرب ذلك مع عدم الانتفاع بها في التسقيف و غيره، أمّا مع النفع بالأجرة للتسقيف و غيره، فالوجه المنع.
ص: 317
أو الواقف إن قلنا ببقاء ملكه، و إن قلنا بالانتقال إلى اللّه تعالى كان أمرها بيدها لأنّها ملكت رقبتها(1) فتزوّج نفسها، و المهر للموجودين من أرباب الوقف.
و أمّا الولد فإن تزوّجت بحر فهو حر و إن(2) شرطت رقيّته، أو كان عن مملوك كذلك، أو من زنا قيل اختصّ به البطن الّذين يولد معهم، فإن قتل فلهم قيمته، و قوّى الشيخ كونه وقفا كأمّه(3) و لو وطئها الحر بشبهة، كان ولده حرا و عليه قيمته للموقوف عليه، و لو كان من مملوك و لم يشترط رقيّته، كان بينهما، و يكون البحث في المتعلّق بنصيب الأمّ كما تقدّم.
و لو أكرهها أجنبيّ فوطئها، أو طاوعته، فعليه الحدّ مع انتفاء الشبهة و عليه المهر للموجودين من أرباب الوقف، و حكم الولد ما تقدّم، و لو وطئها الواقف كان كالأجنبيّ .
فإن قلنا: الموت يبطل الإجارة، فلا بحث، و إن قلنا: إنّه غير مبطل، فالأقرب أنّها تبطل هنا إلاّ ان يجيز البطن الثاني، و لو فسخوا، رجع المستأجر على ورثة البطن الأوّل بما قابل المتخلّف من المدّة.
ص: 318
كتاب السكنى و الحبس و الصدقات
ص: 319
ص: 320
و فيه أربعة عشر بحثا:
و فائدتهما التسلّط على استيفاء المنفعة مع بقاء الملك على صاحبه، فإن كانت السكنى مطلقة، أو يقول: أسكنتك عمرك، أو عمري، أو مدّة من الزمان، قيل:
سكنى. و إن قيّدت بالعمر، بأن يقول: أعمرتك مدّة عمرك، أو عمرى، قيل:
عمرى، و إن قرنت بالمدّة، قيل: رقبى، مثل أن يقول: أرقبتك هذه الدار مدّة كذا، إمّا من الارتقاب،(1) أو من رقبة الملك(2).
ص: 321
و صيغة الإيجاب، أسكنتك هذه الدار أو الأرض، أو أعمرتك، أو أرقبتك عمرك أو عمري أو مدّة معلومة.
و قيل: إن قصد القربة، و قيل: لا يلزم مطلقا، و الأوّل أقوى.
و كان له إخراجه متى شاء و إن أقبض، و لو قال: مدّة عمرك و عقبك، لزمه، و لم يملك المعمر بهذا القول، و إن قال: مدّة عمرك، أو عمري، رجعت بعد موت من قرنت العمرى به إلى صاحبها، و لو جعلها مدّة الساكن(1) و مات المالك، لم يكن لورثته إخراج الساكن و أهله إلاّ بعد موته، و لو قرنها بموته، فمات الساكن، لم يجز له إخراج أولاده إلى أن يموت، و كذا البحث في الرقبى في الإطلاق و الاقتران بعمر أحدهما.
و لو قال: لك سكنى هذه الدار ما بقيت، أو ما حييت، صحّ ، و لم يجز إخراجه مع الإقباض، و يرجع إلى المالك بعد موت الساكن.
لزم و جاز له بيع رقبة الملك، لكن لا يؤثّر ذلك في استحقاق السكنى للمعمر، فإذا كان المشتري قد علم أوّلا فلا خيار له، و إلاّ كان مخيّرا بين الفسخ و القبول.
و لو أعمره مدّة عمر أحدهما، فالأقرب عدم جواز البيع، لجهالة مدّة الانتفاع.
ص: 322
من عقار، و أثاث، و حيوان، و غير ذلك ممّا يصحّ الانتفاع به مع بقاء عينه، و الرقبى أيضا صحيحة لازمة كالعمرى.
و ليس له إسكان غيرهم معهم، و لا إجارة المسكن، و لو أذن المالك أو شرط في الموضعين جاز، و جوّز ابن إدريس مع الإطلاق جميع ذلك(1).
و غلامه أو جاريته في خدمة البيت الحرام، و بعيره في معونة الحاجّ و الزوار، فإذا فعل ذلك متقرّبا إلى اللّه تعالى، لزم و لم يجز له فسخه بحال، و لو عجزت الدابّة، أو الجارية، أو الغلام، سقطت الخدمة، فإن عادوا إلى الصحّة وجب عليهم الخدمة.
أو مدّة عمر أحدهما، و يعود إلى المالك بعد الانقضاء، بخلاف ما تقدّم من حبس الفرس و الغلام على بيت اللّه تعالى، و معونة الحاجّ ، فإنّه لا يعود أصلا.
و يجب على العبد الخدمة تلك المدّة، فإذا انقضت المدّة صار حرّا، و إن أبق العبد تلك المدّة، ثمّ ظفر به المجعول له الخدمة، لم يكن له عليه سبيل من خدمة و لا عوض، و لو كان المالك قد جعل الخدمة لنفسه مدّة
ص: 323
من الزمان، ثمّ هو حر بعد ذلك، فأبق العبد تلك المدّة بطل التدبير، فإذا وجده بعد المدّة، كان له ملكا يعمل به ما شاء، و منع ابن إدريس من صحّة التدبير فيهما و شرط تعليقه بالموت.(1)
و يجوز لبني هاشم أن يأخذوا المفروضة من أمثالهم مع الضرورة و قصور الخمس من كفايتهم.
و أمّا المندوبة فقد كان النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم يمتنع من أخذها، قال الشيخ: الأقرب أنّه على الاستحباب(2) و يجوز لأهله إجماعا.
فلو قبضها بغير إذن المالك، لم ينتقل إليه و يشترط فيها نيّة التقرّب، فلو خلت عنها لم تفد الملك، لكن لو أتلفها الآخذ بإقباض المالك، لم يضمنها لإباحته فيها.
فإن كانت واجبة لم يجز الرجوع فيها، و إن كانت نفلا فكذلك، سواء كانت على ذي رحم أو على أجنبي.
و قال الشيخ: يجوز الرجوع فيها(3) و ليس بمعتمد لأنها كالمعوّض عنها باستحقاق الثواب.
ص: 324
فيكون إظهارها أولى و كذا لو قصد بالإظهار تأسّي غيره به، كان أولى من الإسرار بها.
ص: 325
ص: 326
كتاب الوصايا
ص: 327
ص: 328
و فيه فصول:
و فيه اثنا عشر بحثا:
يقال أوصى يوصي، و وصّى يوصّي توصية، و الاسم الوصيّة و الوصاة، و هي تمليك العين أو المنفعة بعد الوفاة، و أطلق على هذا التصرّف الوصيّة، لأنّ الموصي يصل تصرفه بعد الموت بما قبله، و هي مشروعة بالنصّ و الإجماع، قال اللّه تعالى كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذٰا حَضَرَ أَحَدَكُمُ اَلْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً اَلْوَصِيَّةُ لِلْوٰالِدَيْنِ وَ اَلْأَقْرَبِينَ (1).
و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم:
«الوصيّة حق كل مسلم»(2).
ص: 329
و قال عليه السلام:
«ما حق امرئ مسلم له شيء يوصى به يبيت ليلتين إلاّ و وصيّته مكتوبة عنده»(1).
و قال عليه السلام:
«من مات بغير وصيّة مات ميتة جاهلية»(2).
و قال عليه السلام:
«من لم يحسن وصيّته عند موته كان نقصا في مروته و عقله»(3).
فالإيجاب كلّ لفظ دلّ على ذلك القصد، كقوله: اعطوا فلانا بعد موتي أو لفلان كذا بعد وفاتي، أو أوصيت له بكذا و كذا، أو جعلت له كذا.
و لو قال: هو له، كان إقرارا، إلاّ أن يقول: من مالي، فيكون وصيّة.
و لو قال: عنيت له كذا، فهو كناية تنصرف إلى الوصيّة مع النيّة.
و تقع بكلّ لغة يعرف منها قصد ذلك، و لو عجز عن النطق فأشار بيده إلى ما يفهم منه ذلك، أو كتب بخطه، و قرن به ما يحكم عليه به، جاز أمّا لو وجد
ص: 330
مكتوبا بخطه وصيّة لم يشهد عليها، لم يحكم بها وجوبا، و إن علم أنّها خطّه.
و لو سلّم وصيّة مختومة، لم يشهد عليه بها(1) إلاّ أن يسمعها الشهود منه، أو يقرأ عليه فيقرّ بما فيها، و كذا لو كتب وصيّة و قال: اشهدوا عليّ بما في هذه الورقة، أو قال: هذه وصيتي فاشهدوا عليّ بها، لم يجز ما لم يعلم الشهود ما فيها.
أمّا لو سلّم المكتوب إلى الشاهد، و قال: اشهد عليّ بما فيه، و أنا أعلم به، و ترك الشاهد في يده إلى أن مات ثمّ أخرجه، فالأقرب الشهادة عليه به.
فيجب عليه الوصيّة إجماعا، و من لا حقّ عليه، فيستحبّ له أن يوصي، و لا يجب عليه إجماعا، و إنّما يستحبّ إذا كان المتروك يفضل عن غنى الورثة و هو مفهوم من قول النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم:
«و الثلث كثير إنك إن تذر(2) ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكفّفون الناس»(3).
و عن علي عليه السلام:
«أربعمائة دينار ليس فيها فضل عن الورثة»(4).
و كلما قلّت الوصيّة كان أفضل.
ص: 331
و إن كانت لغير معيّن، كالفقراء و بني هاشم، أو على مصلحة كمسجد أو حجّ ، لم يفتقر إلى القبول، و لزمت بمجرد الوفاة، و ينتقل بها الملك إلى الموصى له، و لا ينتقل بالموت منفردا عن القبول، و لو قبل قبل الوفاة، جاز، و بعد الوفاة آكد.
و إن تأخر القبول عن الوفاة، جاز ما لم يردّ، فإن ردّ قبل موت الموصي، لم تبطل الوصيّة، فله القبول بعد ذلك، و إن ردّ بعد الموت، فإن كان قبل القبول، بطلت الوصيّة إجماعا، و كذا لو ردّ بعد القبض، و إن كان بعد القبول و القبض، فلا أثر له، و يكون هبة مجدّدة يفتقر إلى شروط الهبة، و إن كان بعد الموت و القبول، فقولان: أحدهما بطلان الردّ، و الثاني بطلان الوصيّة.
و لو ردّ البعض و قبل البعض، صحت الوصيّة فيما قبل خاصّة.
و يجوز على الفور و التراخي.
و يحصل الردّ بقوله: رددت الوصيّة، و ما أدّى هذا المعنى، مثل لا أقبلها و شبهه.
و كلّ موضع صحّ الردّ فيه، فإنّ الوصيّة تبطل بالردّ، و يرجع إلى التركة، فيكون ميراثا.
و لو عيّن بالردّ واحدا،(1) و قصد تخصيصه، بالمردود، لم يكن له ذلك، امّا
ص: 332
ما يمنع الرّدّ فيه لاستقرار ملكه عليه، فله أن يخص به من شاء من الوارث و الأجانب.
و لا تبطل الوصية بالموت، و لا تلزم الوصيّة في حقّ الوارث، بل له الردّ كما كان لمورثه، فإن ردّها الوارث، بطلت، و إن قبلها، صحّت، و ثبت بها الملك من حين قبوله، و لو تعدّد الورثة، فإن قبل بعضهم و ردّ بعض، لزمت في حقّ القابل، و بطلت في حق الرادّ، و إن قبلوا أجمع يثبت لهم، و كذا إن ردّوا أجمع بطلت بالكلية.
و لو كان فيهم مولّى عليه، قام وليّه مقامه في القبول و الردّ، و إنّما يفعل ما للمولّى عليه الحظّ فيه، فلو كان الحظّ في القبول فردّ لم يصحّ ، فكان له القبول بعد ذلك، و لو كان الحظّ في الردّ، فقبل، لم يصحّ .
فلو أوصى لصبيّ بمن ينعتق عليه، و عليه ضرر في القبول، بأن تلزمه نفقته لإعساره و إيسار الصبيّ ، لم يجز القبول، و لو كان الصبيّ فقيرا، أو كان الموصى به ذا كسب، لزمه القبول، لأنّ الحظّ، في عتق القرابة من غير ضرر.
و هي حامل منه، فمات قبل القبول، كان القبول للوارث، فإذا قبل ملك الوارث الولد و لا ينعتق على الموصى له، لانتفاء الملك بعد الموت، و لا يرث أباه لأنّه رقّ إلاّ أن يكون ممّن ينعتق على الوارث، و يكون الوارث جماعة فيرث بعتقه قبل القسمة، و لو كان حاجبا أخذ الجميع.
ص: 333
فلو حدث للموصى به نماء بعد الموت و قبل القبول، فإن كان متّصلا تبع الأصل، و إن كان منفصلا فهو للورثة.
و لو أوصى بأمة لزوجها فأولدها بعد موت الموصي قبل القبول، فالولد رقّ للوارث.
و لو أوصى لرجل بأبيه فمات الموصى له قبل القبول، فقبل ابنه صحّ ، و عتق عليه الجدّ و لم يرث من ابنه شيئا.
و إذا قبل الوارث، ثبت الملك له ابتداء من جهة الموصي لا من جهة مورّثه، و لا يثبت للموصى له شيء، فحينئذ لا تقضى ديونه، و لا تنفذ وصاياه، و لا يعتق من يعتق عليه.
انفسخ النكاح بالموت و القبول، و يعتق الولد، و إن ردّ، فالنكاح بحاله، و الولد رقّ كما كان.
و لو أوصى بجارية خاصّة، كان الولد باقيا على الرقيّة للموصي، و ينتقل إلى ورثته، إن كان موجودا حال الوصيّة، و يعلم ذلك بوضعه لدون ستّة أشهر منذ الوصيّة، و إن تجدّد بعد الوصيّة قبل الموت و وضعته قبل موت الموصي، فهو للموصي أيضا، و كذا إن انفصل بعد الموت و قبل القبول أو بعده.
و إن حملته بعد موت الموصي و قبل القبول، فهو للورثة، سواء وضعته قبل القبول أو بعده، و لا ينفذ فيه الوصيّة، لأنّ الحمل لا حكم له بمعنى أنّ الوصية لا تتناوله، و لا يتقسط الثمن في البيع(1) عليه و على أمّه، بل هو جار مجرى الثمن، و متى وضعت فكأنّما حدث في تلك الحالة، هذا إذا أخرجت الجارية من الثلث، و إن لم تخرج من الثلث، ملك بقدر الثلث و انفسخ النكاح.
ص: 334
فلو أوصى بمال للكنائس و البيع و كتب التوراة و الإنجيل و مساعدة الظالم، لا تنفذ، و لا يجوز العمل بها.
سواء كانت بمال أو ولاية، و يجوز الرجوع في بعضه أيضا و إن كان إعتاقا.
أو «أبطلتها» أو «غيّرتها» أو «ما أوصيت به لفلان فهو لفلان» أو «لورثتي» أو «في ميراثي».
و لو قال: ما أوصيت به لفلان فنصفه لفلان(1) كان رجوعا في النصف خاصّة.
و لا ينحصر الرجوع في لفظ معيّن، بل كلّ ما أدّى معناه فهو رجوع، و قد يكون بالفعل مثل أن يأكل ما أوصى به، أو يطعمه غيره، أو يتلفه، أو ينقله عن ملكه بهبة، أو بيع، أو صدقة، أو بحبل الجارية الموصى بها، أو يفصّل الثوب و يلبسه.
و لو عرضه للبيع، أو وهبه من غير إقباض، أو أوصى ببيعه، أو أوجب البيع أو الهبة، فلم يقبل الآخر، فالأقرب أنّه رجوع، و كذا لو أعتق العبد، أو دبّره، أو كاتبه، أو رهنه، و كذا لو تصرّف فيه فأخرجه عن مسمّاه كما لو أوصى بحبّ فطحنه، أو بدقيق فخبزه أو عجنه، أو مزج الطعام بغيره، بحيث لا يتميّز، أو الزيت بأجود منه، و لو تميّز الممزوج لم يكن رجوعا.
و لو أوصى بكتان، أو قطن، فغزله، كان رجوعا، و كذا لو أوصى بغزل
ص: 335
فنسجه، أو بشاة فذبحها، أو بنقرة فضربها أمّا لو دقّ الخبز فتيتا(1) فليس برجوع، و كذا لو أوصى بقفيز من صبرة ثمّ مزجها بغيرها بحيث لا يتميّز لم يكن رجوعا أيضا، سواء كان المزج بالأجود أو الأردإ أو المساوي، و لو زالت الصفات بغير فعل الموصي، فالوصيّة باقية إن بقي له اسم، كالدار إذا انهدم بعضها و لم يخرج عن الاسم، و لو صارت براحا(2) فزالت عنها الاسميّة. أو وقع الحبّ في الأرض فنبت زرعا، أو صارت البيضة فرخا، ففي بقاء الوصيّة نظر، و الأنقاض المتجدّدة بالهدم مع بقاء الاسم داخلة في الوصيّة.
و لو جحد الوصيّة، فالأقرب أنّه رجوع، و لو غسل الثوب، أو لبسه، أو جصّص الدار، أو سكنها، أو آجرها، أو زوّج الأمة، أو وطئها، أو علّمها، لم يكن رجوعا.
و فيه ثمانية مباحث
فلا تصحّ وصيّة الصبيّ ، و روي فيمن بلغ عشرا أنّه يجوز وصيّته بالمعروف،(3) و لا
ص: 336
تصحّ وصيّة المجنون و لا العبد، سواء كان قنّا، أو مدبّرا، أو مكاتبا مشروطا، أو لم يؤدّ، و لو أدّى المطلق شيئا نفذت وصيّته في قدر الحريّة، فلو أوصى العبد ثم أعتق و ملك، فالوجه البطلان ما لم تجدّد [الوصيّة] بعد الحريّة.
و لو أوصى بعمارة قبور أنبيائهم جاز.
و كذا المبرسم، و من يعتوره الجنون إن أوصى حال إفاقته، صحّت، و إلاّ فلا، و الضعيف في عقله إن منع ذلك رشده في ماله فكالسفيه، و إلاّ فكالعاقل، و لا تصحّ وصيّة السكران.
و من اعتقل لسانه إذا كتب وصيّته فعرضت عليه، فأشار بما يدلّ على قبولها، فإنّها تقبل وصيّته.
و لو أوصى الذمّي بأكثر من الثلث لوارثه أو لأجنبيّ وقف على الإجازة كالمسلم.
أمّا لو أوصى و هو عاقل، ثمّ قتل نفسه، فإنّها تقبل.
و ليس لغيرهما ذلك، فلو أوصت الأمّ بالولاية على أولادها الأصاغر لم تصحّ ، و لو أوصت لهم بمال، و نصبت وصيّا صحّت الوصيّة بالمال من ثلث تركتها، و بطلت بالولاية على الأولاد.
و لو أوصت بحق عليها، و نصبت وصيّا في إخراجه، صحّت الوصيّة فيهما معا، سواء كان من حقوق اللّه تعالى أو الآدميّين.
ص: 337
و فيه سبعة و ثلاثون بحثا:
سواء كان عينا أو منفعة بشرط أن لا يزيد على الثلث، فيفتقر حينئذ إلى الإجازة، و يشترط فيه الملك، فلا تصحّ الوصيّة بالخمر، و لا الخنزير، و لا كلب الهراش(1) و لا ما لا نفع فيه، و لا بالجرو الصغير إن منعنا من جواز تربيته للصيد أو الماشية، و لا بشيء من السباع إن منعنا من صحّة بيعها، و لا بجلد الميتة، و لا الزبل(2) و لا الوقف، و لا أمّ ولد.
فتصحّ الوصيّة بالحمل، و ثمرة البستان، و المنفعة، و لا كونه معلوما و مقدورا عليه، فتصحّ الوصيّة بالحمل، و المغصوب، و المجهول، و العبد الآبق، و الجمل الشارد، و الطير في الهواء، و السمك في الماء، و لا كونه معيّنا، فتصحّ الوصيّة بأحد العبدين، و تصحّ بالكلاب المملوكة، مثل كلب الصيد، و الماشية، و الحائط، و الزرع.
مسلما كان
ص: 338
الموصي، أو ذميّا، فلو أوصى ببناء كنيسة، أو بيت نار، أو عمارتها، و الإنفاق عليها، لم تصحّ ، و كذا لا تصحّ أن يوصي بشراء خمر أو خنزير للصدقة بها على أهل الذمّة، و لا بكتب التوراة و الإنجيل، و لا بالحصر و القناديل للكنائس و البيع، و إن لم يقصد إعظامها.
و لو أوصى ببناء بيت ليسكنه المجتازون من أهل الذمّة، صحّ على أحد القولين، و لو أوصى بما يقع اسمه على المحلّل و المحرّم، انصرف إلى المحلّل، كما إذا أوصى بعود من عيدانه و له عود لهو و غيره، انصرف إلى العود الّذي لغير اللهو، و لو لم يكن إلا عود اللهو، قيل: تبطل الوصيّة، و قيل: تصحّ ، و تزال عنه الصفة المحرّمة، و لو لم يكن فيه منفعة إلاّ المحرّمة، بطلت الوصيّة.
و لو أوصى بطبل حرب، صحت الوصيّة، و لو كان بطبل لهو، بطلت، إلاّ أن يقبل الإصلاح للحرب.
و لو أوصى له بدف، صحّت الوصيّة به، لجواز اتخاذه للعرس، و لو أوصى له بمزمار أو طنبور، بطلت الوصيّة، إلاّ أن يقبل زوال الصفة، فيجوز على خلاف تقدم، و لو كان له طبول تصحّ الوصيّة بها أجمع، فأوصى بأحدها، تخير الورثة.
تصرفه إلى أحدها، مثل أن يقول: اعطوه قوسا يندف به، أو يتعيّش [به] و شبهه، انصرف إلى قوس الندف، و لو قال: يغزو به، خرج قوس الندف و البندق، و لو كانت عادة الموصى له استعمال قوس معيّن لا غير، ففي كون ذلك قرينة للتخصيص به، نظر.
و لو انتفت القرائن، تخيّر الورثة في تخصيص ما شاءوا، ممّا يقع عليه عرف ذلك الموضع بالعطية، و يعطى القوس معموله، و الأقرب أنّه يستحق وترها، لعدم الانتفاع بدونه.
و كلّ لفظ يقع على أشياء وقوعا متساويا، فللورثة الخيار في تعيين ما شاءوا منها.
و بطلت في الخمر، و لو أوصى له بخمر في جرّة لم تصحّ الوصيّة.
سواء كانت الوصيّة بعين، أو منفعة، فإن أوصى بأزيد من الثلث، وقف على إجازة الورثة، فإن أجازوا صحّت، و إلاّ بطلت، و لو أجاز بعضهم نفذت الإجازة في قدر حصّته من الزيادة، و بطلت في قدر حصّة من لم يجز.
فلا يشترط فيها ما يشترط في الهبة، هذا إذا وقعت ابتداء، و لو وقعت عقيب ردّ، فهل هي كذلك أو تكون هبة يشترط فيها شرائط الهبة ؟ فيه نظر.
و لو أعتق عبدا لا مال له سواه في مرضه، أو وصّى بإعتاقه، فأعتقوه
ص: 340
بوصيّته، نفذ العتق في ثلثه، و وقف عتق باقيه على إجازة الورثة، فإن أجازوا عتق جميعه، و اختص عصبات الميّت بولائه كلّه، و لا يختص الورثة بثلثيه.
و لو وقف على ورثته في مرضه فأجازوا، صحّ الوقف.
سواء كانت في حال المرض أو الصحة، و لا تمضى من الأصل، و إن قد أوقعها من الصحة، و سواء أوصى بالجميع قبل أن يولد له، أو بعده، فإنّها تمضى من الثلث، و لا اعتبار لإجازة الورثة فيه، بل تصحّ من الثلث، و إن لم يرضوا، و إنّما تعتبر إجازتهم في الزائد عليه، و في اشتراط عدم سبق الردّ في صحّة الإجازة فيما زاد على الثلث نظر.
و لا يشترط في الإجازة الفوريّة، فلو قبل بعد الموت، ثمّ أجاز الوارث بعد مدّة، صحّ و يملك الموصى له الثلث بالقبول بعد الموت، فالنماء له حينئذ، أمّا الزائد، فهل يملكه حين القبول بعد الموت، أو حين الإجازة ؟ فيه نظر، و النماء فيه تابع، و الأقرب أنّه حين الإجازة.
و إن أجازوا قبله فقولان: أحدهما الصحّة، و ليس للورثة الرجوع حينئذ، و هو اختيار الشيخ رحمه اللّه(1) و الثاني المنع، اختاره المفيد(2) و ابن إدريس(3) و لو أجازوا في الصحّة، لم يكن لهم الرجوع كما لو أجازوا في المرض.
ص: 341
فإن كان للموصى له بيّنة تشهد باعترافهم بمعرفتهم قدر المال، أو كان المال ظاهرا لا يخفى عليهم، لم يلتفت إليهم، و إن لم يكن هناك بيّنة، و كان المال خفيّا، كان القول قولهم في الجهل به مع اليمين.
و لو كانت الوصيّة بعين، كدار، أو عبد، أو فرس يزيد على الثلث، فأجازوا الوصيّة، ثمّ قالوا: ظنّنا المال كثيرا، تخرج الوصيّة من الثلث، فبان قليلا، أو ظهر عليه دين و لم يعلمه، لم يلتفت إليهم لتضمن الإجازة شيئا معلوما، و لو قيل بمساواته الفرض الأول، كان وجها، لأنّ الوارث قد يسمح(1) بذلك ظنّا منه أنّه يبقى له من المال ما يكفيه، فإذا بان خلافه، لحقه الضرر في الإجازة.
و لو أجاز الصبيّ و المجنون و المحجور عليه للسفه، لم تصحّ ، و أمّا المفلّس فإنّ إجازته صحيحة.
فإن خالفه لم يجز إمضاؤه.
و لو كان له وارث(1) لم يكن له الوصية بأكثر من الثلث، و إن كان الوارث ذا فرض يأخذ ما يبقى بعده أكثر من الثلث، لأنّه يأخذ الباقي بالردّ عندنا، أو كان زوجا أو زوجة.
فلو أوصى الغنيّ بما يخرج من الثلث، ثمّ افتقر و مات، اعتبر الثلث حال الموت، فان لم يخرج الموصى به من الثلث، بطل الزائد، و لا اعتبار بيساره، و لو أوصى، و هو فقير، ثمّ أيسر حتّى خرج الموصى به من الثلث، صحّت وصيّته، و لا اعتبار بفقره، سواء علم الموصي ما تجدّد له أو لم يعلم.
و لو أوصى ثمّ قتل أو جرح، خرجت الوصيّة من ثلث ماله و ديته و أرش جراحه، سواء كان القتل عمدا أو خطاء.
و هل يشترط أن يكون من الثلث ؟ فيه نظر.
فإن كانت بأجمعها واجبة، أخرجت من صلب المال، و إن كان بعضها واجبا بدئ بالواجب من صلب المال، و الباقي من ثلث الباقي، و بدئ بالأوّل منه فالأوّل، و لو كان الكل غير واجب بدئ بالأوّل فالأوّل، حتّى يستوفى الثلث، و كان النقص داخلا على الأخير، و لو أجاز الورثة، عمل بالجميع.
ص: 343
كان الزائد للنائب، فإن عيّن أحدا، صرف إليه و إلاّ تخيّر الوارث أو الوصيّ - إن كان - في الدفع إلى من شاء، ثمّ إن كان الحجّ الموصى به تطوعا، أخرج من الثلث، و إن كان واجبا أخرج أجرة المثل من الأصل و الزائد من الثلث، و لو لم يف المعيّن بالحجّ الواجب، أخذ الباقي من صلب المال.
و لو عيّن فأبى المعيّن، بطل التعيين، و يستناب بأقلّ ما يكون ثقة يحج عنه، و يصرف الباقي إلى الورثة ان كان الحجّ واجبا، و إن كان تطوعا، ففي بطلان الوصيّة نظر، أحوطه إقامة نائب غير المعيّن.
و لو قال المعيّن: ادفعوا الحجّة إلى من يحجّ ، و اصرفوا الباقي إليّ ، لم تجب إجابته، و لو لم يعيّن القدر، حجّ عنه نائب ثقة بأقلّ ما يكون، و لو أوصى بإقامة نائب يحجّ عنه، لم يجز للوصيّ أن يحجّ بنفسه.
و لو قال: حجّ عني بمهما شئت، فحجّ عنه، فالوجه أجرة المثل.
و لو أوصى أن يحجّ عنه بمائة، و لزيد بتمام الثلث، و لعمرو بثلث آخر، فإن أجاز الورثة أمضى على ما قال، و إن لم يفضل عن المائة شيء، لم يكن لزيد شيء، و كان لعمرو الثلث، و لو ردّ الورثة بدئ بالأوّل فالأوّل، كما قلنا.
و لو امتنع النائب، و كان الحجّ واجبا، أقيم ثقة غيره بأقلّ ما يمكن، و كان تمام المائة للورثة، و باقي الثلث لزيد، و إن كان الحجّ تطوعا، ففي بطلانه بردّ النائب نظر.
ص: 344
و لو عيّن قدرا من المال يحجّ به تطوعا، و لم يعيّن المرّات، صرف جميعه إلى الحجّ إذا احتمل الثلث، و ليس للوصيّ أن يصرف إلى النائب أكثر من أجرة المثل، و لا أن يستأجر غير الثقة، فإن عجز عن الحجّ استؤجر به من أقرب المواضع، فإن لم يسع صرف في وجوه البرّ، و إن فضل عن الحجّة، دفع في حجّة ثانية و ثالثة، و إن قصر الثلث عن المعيّن، فإن كان الحجّ واجبا أخذ أكثر الأمرين من الثلث و أجرة المثل، فإن كان الثلث أكثر صرف في الفرض قدر الكفاية و حجّ بالباقي تطوّعا، و لو كان تطوعا أخذ الثلث خاصّة.
فإن أجاز الورثة عمل بها، و إن ردّوا بطل الأخير، و كذا البحث لو زاد على ذلك، و لو أوصى بالنصف لزيد، و الربع لعمرو، فإن أجازوا أخذا ثلاثة أرباع التركة، و إن امتنعوا كان لزيد الثلث موفّرا، و بطل الزائد عليه، و لا يقسّم الثلث على قدر السهام بين الموصى لهم، و ليس للورثة إجازة الأخيرة و إبطال الأولى.
و لو جازت الوصايا المال، فإن ردّ الورثة، بطلت في الزائد على الثلث، و أخذ الأوّل فالأوّل، و إن أجازوا فالوجه بدأة الأوّل فالأوّل، و دخل النقص على الأخير، كما لو لم تتجاوز الوصيّة المال.
و لو أوصى بثلثه لزيد و بثلثه لعمرو، كان ذلك رجوعا عن الأوّل إلى الثاني، فلو اشتبه الأوّل، استخرج بالقرعة، هكذا قاله علماؤنا، و فيه نظر، إذ لو أجاز الورثة صحّتا معا، و لو ردّ الثاني خرج على قول علمائنا انتقال الثلث إلى الورثة لا إلى الأوّل، و لو نصّ على عدم الرجوع، ففي كونه رجوعا إشكال، أقربه أنّه ليس رجوعا، فيعطى الأوّل إن لم يجز الورثة، و إن أجازوا أخذا ثلثي المال بينهما.
ص: 345
و لو أوصى بشيء واحد لاثنين، فإن كان بقدر الثلث أو أقلّ ، تساويا فيه، و إن زاد، و أجازت الورثة، فكذلك، و إن ردّوا كان لهما ما يحتمله الثلث، و بطل الزائد في حقّهما معا، و لو جعل لكل واحد منهما شيئا بدئ بعطيّة الأوّل، و دخل النقص على الثاني.
فيعتق نصيبه خاصّة، و هل يقوّم عليه حصّة الشريك ؟ قيل: نعم، و فيه نظر، هذا إن احتمل الثلث و إلاّ أعتق(1) منهم من يحتمله الثلث.
و لو أوصى بثلث عبده، فخرج ثلثاه، مستحقا، صحّت الوصيّة، و صرفت إلى الثلث الباقي له، و لو أوصى له بثلث ثلاثة أعبد،(2) فهلك عبدان أو استحقا، كان له ثلث الباقي خاصّة.
و لو أوصى له بشيء معيّن، فهلك قبل موت الموصي، أو بعده، من غير تفريط، بطلت الوصيّة، و لو تلفت التركة سواه فهو للموصى له، إن كان التلف بعد الموت و القبول، و إلاّ كان له ثلثه.
و إن أوصى بعين، و كان بقدر الثلث، ملكه الموصى له بالموت و القبول، و ليس للورثة دفع عوضه إلاّ برضاه، و لو كان له مال غائب، فإن خرجت العين من ثلث الحاضر، أخذها الموصى له، و إلاّ أخذ منها ما يحتمله الثلث من المال الحاضر، و كلما حصل من الغائب شيء أخذ من تلك العين بقدر ثلثه.
ص: 346
بأن يكون رقيقا، أو حمل دابّة مملوكة، فإن انفصل ميّتا، بطلت الوصيّة، و إن انفصل حيّا، و علمنا وجوده حال الوصيّة، أو حكمنا بوجوده، صحّت الوصيّة، و إلاّ فلا.
و لو قال: أوصيت لك بما تحمل جاريتي هذه، أو ناقتي، أو نخلتي، جاز، و إن لم يكن الحمل موجودا، و يقوم الحمل بعد انفصاله حيّا.
و لو أوصى بالحمل الموجود، اعتبر وجوده في حمل الأمة بما يعتبر وجود الحمل في غير الوصيّة، و ذلك بأن تأتي به لدون ستّة أشهر منذ الوصيّة، و إن أتت به لأكثر من ستّة أشهر إلى عشرة أشهر منذ مفارقة الزوج لها، أو غيبته عنها، صحّت الوصيّة أيضا، و إن كان حاضرا عندها ففي نفوذ الوصيّة به فيما بين العشرة و الستّة(1) إشكال، أقربه النفوذ إن علم وجوده و إلاّ فلا.
سواء كانت الثمرة و المنفعة موجودة أو لا، و يعتبر ذلك من الثلث كما قلنا في الأعيان، فإن قصر الثلث أجيز منها بقدر الثلث خاصّة، و بطل الزائد، و لا يتخيّر الورثة بين تسليم خدمة العبد المدّة و بين تسليم ثلث المال، و لا يحكم بخدمته العبد للموصى له يوما و للورثة يومين حتّى يستكمل المدّة.
أخرجت من الثلث فيقوّم الموصى بمنفعته مسلوب المنفعة تلك المدّة، ثمّ تقوّم المنفعة في
ص: 347
تلك المدّة، فينظركم قيمتها، و إن كانت مطلقة في الزمان كلّه، بأن أوصى بالمنفعة على التأبيد، قيل: تقوّم الرقبة بمنفعتها جميعا، و يعتبر خروجها من الثلث، لأنّ عبدا لا منفعة له و شجرا لا ثمرة لها، لا قيمة له غالبا، و قيل: تقوّم الرقبة على الورثة، و المنفعة على الموصى له، فيقوّم العبد بمنفعته، فإذا قيل: قيمته مائة، قيل:
كم قيمته و لا منفعة فيه ؟ فإذا قيل: عشرة، علم أنّ قيمة المنفعة تسعون، و قيل:
تقوّم المنفعة على الموصى له، و لا تقوّم العين على الورثة، و اختاره الشيخ رحمه اللّه(1).
و لو أراد الموصى له إجارة العبد أو الدار في المدّة، فله ذلك، و لو أراد الموصى له إخراج العبد من البلد، كان له ذلك على إشكال.
لم يملك الموصى له و لا الوارث إجبار الآخر على السقي، و لو أراد أحدهما السقي على وجه لا يضرّ الآخر، لا يملك الآخر منعه، و لو يبست الشجرة، كان الحطب للوارث.
و لو أوصى بحملها سنة معيّنة، فلم تحمل تلك السنة، فلا شيء للموصى له.
و لو قال: لك ثمرتها أوّل عام تثمر، صحّ ، و كان له أوّل عام ثمرها.
و لو أوصى لرجل بشجرة و لآخر بالحمل صحّ ، و قام صاحب الأصل مقام الوارث فيما قلناه.
و لو أوصى له بلبن شاته و صوفها، صحّ كالثمرة، و لو أوصى بأحدهما فكذلك، و يقومهما الموصى له دون العين.
ص: 348
سواء كانت الوصية مقيّدة بالزمان أو على التأبيد.
صحّ العتق، و المنفعة باقية للموصى له بها، و لا يرجع على المعتق بشيء، و لو أعتقه صاحب المنفعة لم تصحّ ، و لو وهب صاحب المنفعة منافع العبد له و أسقطها عنه، كان للورثة الانتفاع به، و هل تلزم هذه الهبة ؟ فيه نظر، و لو أراد الوارث بيع العبد، جاز، و يباع مسلوب المنفعة.
و لو أوصى لرجل برقبة عبد، و لآخر بمنفعته جاز، و قام الموصى له مقام الوارث، و لا ينقطع تصرّف الورثة في الرقبة الموصى بنفعها ببيع و هبة و عتق و غير ذلك، و لا يبطل حقّ الموصى له بذلك.
فهو لمالك الرقبة، و لو وطأ بشبهة وجب المهر، و هل يكون لمالك الرقبة أو المنفعة ؟ الأقرب، الأوّل.
و لو أتت بولد من الشبهة، فهو حرّ و تجب قيمته يوم وضعه لصاحب الرقبة، و هل للوارث وطئها؟ فيه إشكال، أمّا صاحب المنفعة، فليس له ذلك، فإن وطئها لشبهة، فلا حدّ عليه، و لا تصير أمّ ولد، و عليه قيمة ولدها يوم سقوطه حيّا لمالك الرقبة، و المهر أيضا.
و لو وطئها مالك الرقبة، فلا حدّ، و لا تصير أمّ ولد، و لا مهر عليه، و ليس لمالك المنفعة تزويجها، و هل لمالك الرقبة ذلك ؟ فيه نظر.
ص: 349
و هل يكون للمالك الرقبة خاصّة، أو يشترى بها عبد يقوم مقامه ؟ فيه إشكال.
و المنفقة عليهما، و لو امتنع أحدهما منه، أجبر عليه على إشكال.
و لا ينتفع أحدهما إلاّ بإذن الآخر، و أيّهما طلب قلع الفصّ أجبر الآخر الممتنع عليه.
و لو أوصى لرجل بدينار من غلّة داره، و أجرته ديناران صحّ ، فإن أراد الورثة بيع النصف و إبقاء النصف الّذي أجره دينار، كان له منعهم، و لو كانت الدار لا تخرج من الثلث فلهم بيع ما زاد عليه، و عليهم ترك الثلث، فإن كانت غلّته دينارا أو أقلّ ، فهو للموصى له، و إن كانت أكثر فله دينار، و الباقي للورثة.
تخيّر الورثة في التعيين، و يجوز أن يعطوا صغيرا، أو كبيرا، صحيحا، أو معيبا، و لا يكون له جزء مشاع من العبيد بنسبة العبد، فلو كان له عبدان فأوصى بعبد، كان للورثة أن يعطوه واحدا منهما، و لا يكون الموصى له شريكا للورثة بالنصف، و لو لم يكن له إلاّ واحد تعيّن للوصيّة، و كذا لو ماتوا و لم يبق إلاّ واحد.
و لو مات العبيد أجمع قبل موت الموصي، بطلت الوصية، و كذا لو قتلوا.
و لو ماتوا بعد موته بتفريط من الورثة، أو قتلهم قاتل، كان للورثة أن يعيّنوا له من شاءوا، و يجب عليهم أو على القاتل دفع قيمة من عيّنوه.
و لو ماتوا بعد موته بتفريط، بطلت الوصيّة، و لو قال: أوصيت لك بعبد من
ص: 350
عبيدي، و لا عبيد له، بطلت الوصيّة، و لو اشترى قبل موته عبيدا احتمل البطلان لوقوعها باطلة، لأنّها وصيّة بلا شيء، و الصحة، كما لو أوصى بثلث عبيده و له عبيد، ثم ملك آخرين، أمّا لو أوصى له بعبد من غير إضافة، فإنّه يصحّ و يشترى له عبد أيّ عبد كان.
و لو أوصى له بعبد، انطلق إلى الذكر، أمّا لو أوصى له بجارية أو أمة، كان له أنثى، لا ذكر و لا خنثى.
و لو أوصى بواحد من رقيقه أو برأس، تخيّر الورثة بين إعطاء الذكر و الأنثى و الخنثى.
فالحكم كما لو أوصى بعبد من عبيده، و يقع على الضأن، و المعز، و الصغير، و الكبير، و الأنثى، و الذكر، و لو أوصى بكبش، تناول الذكر الكبير من الضأن خاصّة، و التيس على الذكر الكبير من المعز.
و إن أوصى بعشرة من الغنم، تناول الذكور خاصّة، و الصغار و الكبار، و لو أوصى بجمل اختصّ بذكر الإبل و الناقة بالأنثى.
و إن قال: عشرة من الإبل تناول الذكور خاصّة، و لو حذف الهاء(1) تناول الإناث خاصّة.
و لو قال: أعطوه بعيرا، اشترك بين الذكر و الأنثى، و إن وصّى بثور، فهو ذكر البقر، و البقرة للأنثى.
ص: 351
و الدابّة واحدة من الخيل و البغال و الحمير الذكر و الأنثى، و لو قيّد بقرينة، انصرف إلى المقيّد كقوله دابّة يسهم لها [في الجهاد] انصرف إلى الخيل.
و لو قال: ينتفع بظهرها و نسلها، خرجت البغال و الذكور.
و إن وصّى بحمار فهو ذكر، و الأتان للأنثى، و الحصان للذكر من الخيل، و الفرس للذكر و الأنثى، و يتخيّر الورثة في تعيين ما شاءوا ممّا يقع عليه اسم الوصيّة في ذلك كله، و لا يستحقّ الدابة سرجا و لا البعير رحلا.
فإن امتنع أجبره الحاكم إذا خرج من الثلث و إلاّ فبقدره، فإذا اعتقه الوارث أو الحاكم، فهو حرّ من حين الإعتاق، و ولاؤه للموصي، و كذا لو أوصى إلى غير الوارث بعتقه.
أعتق ثلثهم بالقرعة، و لو رتّبهم أعتق الأوّل فالأوّل حتّى يستوفى الثلث، و تبطل الوصيّة في الزائد، و لو أوصى بعتق عدد مخصوص من عبيده استخرج العدد بالقرعة، و قيل يتخيّر الورثة بقدر ذلك العدد، و القرعة على استحباب، و هو أجود.
لم يجب الشراء، و توقّع الوجود، و لو وجده بأقل، اشترى و أعتق، و دفع الباقي إلى الرقبة(1).
فإن تزوّجت بعد ذلك لم يبطل عتقها، و لو أوصى بأمّ ولده بألف على أن لا تتزوّج، أو على أن تثبت(2) مع ولده ففعلت و أخذت الألف ثمّ تزوّجت و تركت ولده، احتمل بطلان الوصيّة و صحتها.
و فيه ثمانية عشر بحثا:
و قيل: العشر(3)، و لو قال:
بسهم كان ثمنا، و لا يتخيّر الورثة في إعطاء ما شاءوا، و لا يحكم له بأقلّ سهام الوارث، و لو أوصى له بشيء، كان له سدسا.
ص: 353
كما لو قال: أعطوه حظّا من مالي، أو قسطا، أو نصيبا، أو قليلا، أو جليلا، أو جزيلا، أو عظيما، أو خطيرا، بلا خلاف.
و لو قال: أعطوه كثيرا أعطي ثمانين درهما، و لو عيّن الموصى له شيئا، و ادّعى أنّ الموصي قصده من هذه الألفاظ و ادّعى علم الوارث، كان عليه البيّنة، و على الوارث اليمين على نفي العلم.
و قال مالك: إنّه وصيّة بالجميع(1) و ليس ببعيد من الأصول، لكن الأوّل أقرب، فعلى ما قلناه إن أجاز الوارث اقتسما التركة بالسويّة، و إن لم يجز كان للموصى له الثلث، و لو كان له ابنان فأوصى لثالث بمثل نصيب أحدهما، كان الموصى له بمنزلة ابن آخر، فيضاف إلى أولاده، فيكون له الثلث، و كذا لكل ابن، و لا يفتقر إلى الإجازة، و عند مالك(2) يكون له النصف مع الإجازة.
و لو كان له ذكور و اناث، و أوصى بمثل نصيب أحدهم على التعيين، أعطي مثل نصيبه، و إن كان من غير تعيين أعطي مثل نصيب أقلّهم ميراثا، فلو كان له ابن و أربع زوجات، كان له مثل نصيب زوجته، قال الشيخ رحمه اللّه: تكون الفريضة من اثنين و ثلاثين، للموصى له سهم، و لكل زوجة سهم، و للابن سبعة و عشرون(3)، و الحقّ أنّ الفريضة من ثلاثة و ثلاثين، فللابن ثمانية و عشرون، و لو قال: مثل نصيب ابني، كانت الفريضة من ستين، يأخذ الموصى له مثل الابن ثمانية و عشرين.
و لو كان له بنت فأوصى بمثل نصيبها، كان وصيّة بالنصف، و لو كان له
ص: 354
ابنتان، فأوصى بمثل نصيب إحداهما، فهو بالثلث، و لو كان ثلاث أخوات من أمّ و إخوة ثلاثة من أب، فأوصى بمثل نصيب أحدهم من غير تعيين، كان له مثل أقلّهم، فله سهم من عشرة، و لكل أنثى سهم، و لكل ذكر سهمان، و لو كان له زوجة و بنت، و قال: مثل نصيب بنتي، فأجاز الورثة، فالفريضة من خمسة عشر، للزوجة سهم و الباقي بينه و بين البنت.
فتكون وصيّته بمثل النصيب.
4784. الخامس: قال أبو عبيد ابن سلاّم(1): الضّعف: المثل،
لقوله تعالى:
يُضٰاعَفْ لَهَا اَلْعَذٰابُ ضِعْفَيْنِ (2) أي مثلين، و قوله فَآتَتْ أُكُلَهٰا ضِعْفَيْنِ (3) و إذا كان الضعفان مثلين، فالواحد مثل، فإذا أوصى بضعف نصيب ابنه، كان له مثله على ذلك، و قيل(4): مثلاه، لقوله تعالى: ضِعْفَ اَلْحَيٰاةِ وَ ضِعْفَ اَلْمَمٰاتِ (5) قال أبو عبيدة بن المثنى(6): ضعف الشيء هو مثله، و ضعفاه هو مثلاه(7).
و لو قال: ثلاثة أضعافه، فهو ثلاثة أمثاله على قول أبي عبيدة و على الآخر يكون له في
ص: 355
الأوّل ثلاثة أمثاله، و في الثاني أربعة أمثاله، قيل(1) في الأوّل أربعة أمثاله و في الثاني ستّة أمثاله، و هو قول مرذول في استعمال العرب.
كالقاتل، و العبد، و الكافر، و المحجوب، فلا شيء.
و لو أوصى لواحد بعشرة، و لآخر بستة، و لآخر بأربعة، و لآخر بمثل وصيّة أحدهم، كان له أربعة، و لو قال: فلان شريكهم، فله خمس ما لكلّ واحد.
و لو أوصى لأحدهم بمائة، و لآخر بدار، و لآخر بعبد، ثمّ قال: فلان شريكهم، قيل: كان له نصف ما لكل واحد منهم.
كأن يكون له ابنان، فيوصى بمثل نصيب ثالث لو كان، فله الربع، و لو أوصى بمثل نصيب خامس لو كان، فله السدس.
و إن لم يجيزوا فللموصى لهم ثلاثة من تسعة، و لو أجازوا لواحد خاصّة، فللمردود عليهما التسعان، و أمّا المجاز له فله السدس فيأخذ مخرج السدس و التسع و هو ثمانية عشر ثمّ تضرب ثلاثة في ثمانية عشر تكون أربعة و خمسين، للمجاز له تسعة، و لكل واحد من صاحبيه ستّة، و لكل ابن أحد عشر،
ص: 356
و قال بعض الجمهور: يضمّ المجاز له إلى البنين، فتضرب في تسعة، تصير ستّة و ثلاثين، للمجاز له سبعة، و كذا لكل ابن، و للآخرين ثمانية بينهما، فان أجازوا بعد ذلك للآخرين تمم لكل واحد منهم سدس المال، فيصير المال أسداسا على الأوّل، و على الوجه الثاني يضمّون ما حصل لهم، و هو أحد و عشرون من ستة و ثلاثين إلى ما حصل لهما، و هو ثمانية، و يقسّم بينهم على خمسة، فتضرب خمسة في ستّة و ثلاثين تكون مائة و ثمانين، و لو أجاز أحد البنين لهم دون الآخرين، كان للمجيز ثلاثة من ثمانية عشر، و للآخرين ثمانية بينهما، تبقى سبعة، ينكسر بضرب ثلاثة في ثمانية عشر، و لو أجاز واحد لواحد، دفع إليه ثلث ما في يده من الفاضل، و هو ثلث سهم من ثمانية عشر.
فإن أجازوا، أخذ زيد الثلث، و عمرو السدس، و إن ردّوا بطلت وصيّة عمرو(1)، و يحتمل مع الإجازة أن يكون لعمرو الربع على بعد.
و لو أوصى لزيد بالنصف و لعمرو بمثل النصيب، احتمل الأمران مع الإجازة، فيكون لعمرو الثمن على الأوّل، و هو الأقوى، و الربع على الثاني، و يحتمل ثالث، و هو أن يكون له السدس، لأنّ حقّ الورثة الثلثان لا ينقصون عنه(2)إلاّ بالإجازة، و هي غير ثابتة في حقّ عمرو، فلا ينقص عن السدس إلاّ بإجازته، و هو حسن.
ص: 357
و لو أوصى بالثلثين و أجازوا، فعلى الأوّل لزيد الثلثان، و لعمرو ربع الثلث، و على الثاني الربع لعمرو، فللورثة حينئذ نصف السدس، و على الثالث لعمرو السدس.
احتمل أن يعطى صاحب النصيب مثل نصيب الوارث إذا لم تكن هناك وصيّة أخرى، فيكون له الربع، و للآخر نصف الباقي، فيصحّ من ثمانية، و يحتمل أن يعطى مثل نصيبه من ثلثي المال، فله السدس، و للآخر نصف الباقي، و تصحّ من ستّة و ثلاثين، و يحتمل أن يعطى مثل نصيبه بعد أخذ صاحب الجزء وصيّته، فيدخلها الدور، و طريقه: أن نأخذ مخرج النصف فنسقط منه سهما، يبقى سهم هو النصيب، ثم نزيد على عدد البنين واحدا تصير أربعة، نضربها في المخرج تصير ثمانية، ننقصها سهما، فيبقى سبعة، فهي المال، للموصى له بالنصيب سهم، و للآخر ثلاثة، و لكل ابن سهم، أو نأخذ سهام البنين، و هي ثلاثة، فنقول: هذه بقيّة مال ذهب نصفه، فإذا أردت تكميله تزيد مثلها ثم تزيد مثل سهم ابن فتصحّ من سبعة.
و لو كانت الوصيّة الثانية بنصف ما يبقى من الثلث، أخذت مخرج النصف و الثلث، و هو ستّة، تنقص منه سهما، تبقى خمسة هي النصيب، ثم تزيد واحدا على سهام البنين يصير أربعة، تضربها في ستّة تصير أربعة و عشرين تنقصها ثلاثة يبقى أحد و عشرون، و هو المال، لصاحب النصيب خمسة، يبقى من الثلث اثنان، تدفع منهما سهما، إلى الآخر، يبقى خمسة عشر لكل ابن خمسة، أو تأخذ سهام البنين، و هي ثلاثة و تزيد عليها مثلها و سهما آخر و هو سهم ابن، تصير سبعة، ثمّ تضربها في ثلاثة.
ص: 358
و لو أوصى لثالث بربع المال فخذ المخارج و هي اثنان و ثلاثة و أربعة، و اضرب بعضها في بعض تبلغ أربعة و عشرين، و زد على عدد البنين واحدا تصير أربعة، و اضربها في أربعة و عشرين، تصير ستّة و تسعين، فانقص منها ضرب نصف سهم في أربعة و عشرين، و ذلك اثنا عشر، يبقى أربعة و ثمانون فهي المال، ثمّ انقص من الأربعة و العشرين سدسها لأجل الوصية الثانية. و ربعها لأجل الوصية الثالثة، تبقى أربعة عشر، فهي النصيب، فادفعها إلى الموصى له بالنصيب، ثم إلى الثاني نصف ما يبقى من الثلث، و هو سبعة، و إلى الثالث ربع المال إحدى و عشرين، يبقى اثنان و أربعون لكل ابن أربعة عشر، أو يأخذ سهام البنين و هي ثلاثة، و تزيد مثلها و مثل سهم ابن، تصير سبعة تضربها في ثلاثة لأجل وصيّة الثلث، تبلغ إحدى و عشرين، تضربها في الأربعة لأجل وصيّة الربع، تبلغ أربعة و ثمانين.
فخذ مخرج الكسر أربعة و زد عليها سهما تكون خمسة، فهو النصيب و زد على عدد البنين واحدا، و اضربه في مخرج الكسر تصير ستّة عشر، تدفع إلى الموصى له خمسة و تستثني منه أربعة يبقى له سهم، و لكل ابن خمسة، أو يخصص كل ابن بربع، و يقسّم الربع الباقي بينه و بينهم أرباعا.
و لو قال: إلاّ ربع الباقي بعد النصيب، فزد على سهام البنين سهما و ربعا، و اضربه في أربعة تصير سبعة عشر، للموصى له سهمان، و لكل ابن خمسة.
ص: 359
و لو قال: إلاّ ربع الباقي بعد الوصيّة، جعلت المخرج ثلاثة، و تزيد على الثلاثة واحدا، هو النصيب، تصير أربعة، و تزيد على عدد البنين نصيبا و ثلثا، و تضربه في ثلاثة تكون ثلاثة عشر هو المال، للموصى له سهم، أو تقول: المال كله ثلاثة أنصباء، و وصيّة، [و الوصيّة] هي نصيب إلاّ ربع الباقي بعدها، و ذلك ثلاثة أرباع نصيب، بقي ربع نصيب، هو الوصيّة، فيكون المال كلّه ثلاثة و ربعا تبسطها إلى ثلاثة عشر.
و لو قال: إلاّ ثلث ما يبقى من الثلث، فخذ مخرج ثلث الثلث، و هو تسعة، [و] زد عليها سهما تصير عشرة، فهي النصيب، و زد على سهام البنين سهما و ثلثا، و اضرب ذلك في تسعة، تصير تسعة و ثلاثين، للموصى له تسعة، و لكل ابن عشرة.
و لو قال: إلاّ ثلث ما يبقى من الثلث بعد الوصيّة، جعلت المال ستّة، و زدت عليها سهما، فهذا هو النصيب، و زدت عليها أنصباء البنين سهما و نصفا، و ضربته في ستّة، تصير سبعة و عشرين، دفعت إلى الموصى له سبعة، و أخذت منه نصف باقي الثلث، بقي معه ستّة، و بقي أحد و عشرون، لكل ابن سبعة، لأنّ الثلث بعد الوصيّة، هو النصف بعد النصيب.
و لو قال: إلاّ خمس ما بقي من المال بعد النصيب، و لآخر بثلث ما يبقى من المال بعد وصيّة الأوّل، فخذ الجميع خمسة و زد عليها خمسها، تصير ستّة، انقص منها ثلثها من أجل الوصيّة بالثلث، يبقى أربعة فهي النصيب، ثمّ خذ سهما و زد عليه خمسه و انقص من ذلك ثلثه، تبقى أربعة أخماس، زدها أيضا على [أنصباء] البنين و اضربها في خمسة تصير تسعة عشر، فهي المال، ادفع إلى الأوّل أربعة و استثن منه خمس الباقي ثلاثة يبقى معه سهم، و ادفع إلى الآخر ثلث الباقي ستّة، يبقى اثنا عشر، لكل ابن أربعة.
ص: 360
أو أوصى له بتكملة الثلث على نصيب أحدهم، فله التسع، و طريقه أن يدفع إلى الموصى له و ابن ثلث المال، يبقى ثلثاه لثلاثة بنين، لكل واحد تسعان، يبقى تسع للموصى له.
فإن ردّ الأوّل وصيّته، فللآخر تمام الثلث لا الثلث كملا، و لو أوصى للأوّل بالثلث، و للآخر بباقي الثلث، فلا شيء للآخر، سواء رضي الأوّل أو ردّ.
4795. السادس عشر: إذا أوصى بوصايا متعدّدة، فنسي الوصيّ (1) بابا منها،
قال الشيخ: يصرف في وجوه البرّ(2) و قال في جواب الحائريات(3): إذا نسي الوصيّ جميع أبواب الوصيّة عاد ميراثا.
دخل الجفن و الحلية في الوصيّة، و كذا لو أوصى بسفينة فيها متاع، دخل المتاع فيها، و كذا لو أوصى بجراب، أو صندوق، أو وعاء مختوم، دخل ما في الجراب و الصندوق و الوعاء في الوصيّة، و ذلك مأخوذ من الرواية(4) و فتوى الأصحاب(5).
و احتمل البطلان في الجميع و في ثلثي المال.
ص: 361
و فيه ثلاث و ثلاثون بحثا:
فلا تصحّ الوصيّة للمعدوم، و إن علّقها بوجوده، و لا للميّت، و لا لما تحمله المرأة، أو لمن يوجد من أولاد فلان، و لو أوصى لمن يظنّ وجوده، فبان ميّتا، لم تصحّ .
سواء أجاز الورثة أو لم يجيزوا، و يخرج من الثلث كغيرها من الوصايا.
و لو أسقط عن وارثه دينا، أو أوصى بقضاء دينه، أو أسقطت المرأة صداقها عن زوجها، أو عفا عن جناية يوجب المال، فهو كالوصيّة.
و لو عفا عن القصاص سقط إلى غير بدل، و كذا عن حدّ القذف.
و لو أوصى لغريم وارثه صحّت الوصيّة، و كذا إن وهب له، أو أوصى لولد وارثه، و إن قصد نفع الوارث.
و لو أوصى لكل وارث بشيء من ماله معيّن، كجارية قيمتها ضعف قيمة العبد، و لا تركة غيرهما، فأوصى لابنه بها، و لابنته بالعبد، وقف على إجازة فيما زاد على الثلث.
و لو أوصى لوارثه و أجنبيّ بثلثه، صحّ ، سواء أجاز الورثة أو لا، و كذا لو
ص: 362
أوصى بشيئين لهما قيمتهما الثلث، و لو أوصى لهما بما زاد على الثلث، بطلت في الزائد، فإن رتّب، دخل النقص على الأخير، سواء كان أجنبيّا أو وارثا، و إن شرك دخل النقص عليهما بالسوية، و لا يختص به الوارث، و لو أجازوا وصية احدهما و أبطلوا وصيّة الآخر، صحّ فيما زاد على الثلث، و لو رتّب الوصيّة بالثلثين فأجازوا الثانية بشرط إبطال الأولى لم تصحّ الإجازة، و صحّت الأولى خاصّة، و لو أوصى بالثلثين على الشريك، فأجازوا وصيّة الوارث و نصف وصيّة الأجنبيّ ، صحّ و كذا بالعكس، و لو أجازوا وصيّة أحدهما خاصّة، ففي التشريك بينهما في الثلث نظر.
صحّت من الأصل بالنسبة إلى المجيز و من الثلث بالنسبة إلى غيره، فلو خلّف عبدا لا غير و ثلاثة أولاد، فأوصى به لأحدهم، فأجاز واحد، فله الثلث بالوصية، و نصيب المجيز، و هو ثلث الباقي، و نصيبه بالميراث، و يخلف اثنان من تسعة لغير المجيز، و لو أجاز له نصف العبد، فله النصف خاصّة و الباقي ميراث بينهم.
و لو أوصى به لاثنين، كان للثالث أن يجيز لهما أو يردّ عليهما، أو يجيز لهما بعض وصيتهما إن شاء متساويا و متفاضلا، أو يرد على أحدهما و يجيز للآخر.
و كذا [لو قال:] أوصيت به لفلان، فإن قدم فلان الغائب، فهو له، صحّ ، فإن قدم الغائب قبل موت الموصي، بطلت وصيّة الأوّل، سواء عاد إلى الغيبة أو لا، و إن
ص: 363
مات الموصي قبل قدومه، فهو للحاضر، سواء قدم بعد ذلك أو لا، و يحتمل ثبوت الوصيّة لغائب مع قدومه بعد الموت أيضا.
و لو قال: هذا ثلثي لفلان، و يعطى زيد منه كلّ سنة مائة، صحّت الوصية، و يعطى زيد منه كلّ سنة مائة، فإن فضل شيء أعطي صاحب الثلث.
و لو أوصى لغيرهم، و تركهم صحّت وصيّته لمن أوصى له.
سواء حمله الثلث أو لا، و لا يسعى في باقي الثلث، و كذا لو ملكه بعوض، فلو وهب له ابنه و قيمته مائة، و خلّف ابنا و مائتين، أخذ نصف التركة، و لو ملك من ورثته من لا يعتق عليه فأعتقه في مرضه، كان وصيّة إن خرج من الثلث عتق و إلاّ فبقدره، و الأقرب أنّه يرث بقدر الحريّة أمّا لو أوصى بالعتق، فإنّه لا يرث.
و لو وهب لإنسان أبوه، أو أوصى له به، استحبّ له قبوله و لم يجب.
صحّت الوصيّة إجماعا، و كذا بالعكس عندنا، كما لو أوصى لإخوته ثم صار له ولدا، و كذا لو أوصى لأجنبية ثم تزوجها.
سواء علم أنّه ميّت أو لا، و ليس لورثة الميت شيء منها، فلو أوصى بثلثه لحيّ و ميت كان للحيّ السدس، سواء علم موت الميت أو جهله، و ليس للحيّ كمال الوصيّة، و كذا لو قال: هو بينهما، و كذا غير الميت ممّن لا يصحّ تملّكه(1) كالحائط و شبهه، و لو أوصى لحيّين فرد أحدهما، كان للآخر النصف إجماعا.
ص: 364
فإن انفصل ميّتا، بطلت الوصيّة، و رجع المال ميراثا لورثة الموصي، سواء مات لعارض من ضرب، أو شرب دواء، أو لغير عارض، و إن وضعته حيّا صحّت الوصيّة له إذا حكم بوجوده حال الوصيّة، و ذلك بأن يأتي لدون ستّة أشهر منذ الوصيّة، و إن أتت به لعشرة أشهر من حين الوصيّة، لم تصحّ ، و لو جاء لما بينهما، و كانت خالية من زوج أو مولى، صحّت الوصيّة، و إلاّ فلا، لاحتمال توهم الحمل في حال الوصيّة و تجدّده بعدها.
و لو أوصى لحمل امرأة من زوجها أو سيّدها، صحّت الوصيّة له، و لو كان منفيّا باللعان أو الإنكار لم تصحّ الوصيّة له، لعدم نسبه المشروط في الوصيّة، و لو كانت فراشا إلاّ أنّ الزوج لا يطأها لغيبوبته في بلد لا يمكن وصوله إليها في زمان الحمل، أو كان أسيرا أو محبوسا، لم تصحّ الوصيّة، و لو أوصى لما تحمل هذه المرأة لم تصحّ ، بخلاف الوصيّة به.
و لو فاضل بينهما جاز، و لو قال: إن كان في بطنها ذكر فله ديناران، و إن كانت فيها جارية فلها دينار، فولدتهما معا، كان لكل منهما ما وصّى له به، و لو قصر الثلث، فالأقرب دخول النقص على الأخير، و لو ولدت أحدهما خاصّة فله وصيّته، و لو كانا ذكرين، احتمل التوزيع و تخيّر الورثة في التعيين و اتفاقه حتّى يصطلحا بعد البلوغ.
و لو قال: إن كان حملها، أو كان ما في بطنها، أو الّذي في بطنها، أو جميع ما في بطنها، ذكرا فله ديناران، و إن كان أنثى فدينار، فولدت أحدهما منفردا، فله وصيّته و إن ولدتهما، فلا شيء لهما.
ص: 365
و منع بعض علمائنا من الأجنبي(1) و بعضهم من القريب أيضا(2) أمّا الحربي فالأقرب أنّه لا تصحّ الوصيّة له، و تصحّ وصيّة الذمّي لمثله و للمسلم، و إنّما تصحّ وصيّة المسلم للذمّي و بالعكس فيما تصحّ به وصيّة المسلم للمسلم.
و المرتدّ إن كان عن فطرة لم تصحّ الوصيّة له، لأنّه ليس أهلا للملك، و إن كان عن غير فطرة فقولان.
و لو أوصى لكافر بمصحف أو عبد مسلم، فالأقرب البطلان، و لو أوصى له بعبد كافر فأسلم قبل موت الموصي، بطلت الوصيّة، و كذا بعده قبل القبول، و لو كان بعد الوفاة و القبول، صحّت و بيع عليه من مسلم.
تناولت الوصيّة المسلمين(3) خاصّة، و لو صرّح بهم دخلوا على أحد القولين، و كذا لو كان أهل القرية كلّهم كفارا، و لو كان فيهم مسلم واحد فالأقرب دخول الكفّار إن سوّغنا الوصيّة لهم، و لو كان أكثرهم كفّارا يخصّص بها المسلمون، و كذا البحث في ألفاظ العموم كإخوته و أعمامه و اليتامى و الفقراء.
و لو أوصى الكافر تناولت الوصيّة أهل دينه، و يدخل في وصيّته المسلمون إن وجدت القرينة، و إلاّ فإشكال، و لو كان في القرية كافر من غير دين أهل الموصي، لم يدخل في وصيّته على إشكال.
ص: 366
أو الّذي لم يؤدّ من كتابته(1) شيئا و لا مدبّره و لا لأمّ ولده، سواء أجاز مولاه أو لم يجز، و لا لعبد واراه و إن أجاز الورثة، و سواء كان قليلا أو كثيرا، و تصحّ الوصيّة لعبده و مدبّره و مكاتبه و أمّ ولده، و إن أوصى لأحد هؤلاء بجزء مشاع، كثلث تركته أو ربعها، صحّت الوصيّة، و اعتبر القدر الموصى به بعد خروجه من الثلث، فإن كان بقدر قيمته أعتق و كان الموصى به للورثة، و إن قصرت قيمته أعتق و أعطي الفاضل، و إن كانت أكثر، أعتق منه بقدر الوصيّة و يستسعى للورثة فيما بقى، قال الشيخ: لو بلغت قيمته ضعف الوصيّة بطلت.(2) و ليس بمعتمد.
و لو أوصى له بمعيّن من ماله، كثوب، أو دار، أو مائة درهم، صحّت الوصيّة أيضا، و كان الحكم ما تقدم من اعتباره مع القيمة.
و إذا أوصى له برقبته، احتمل الصحة، و يعتق من الثلث، كالتدبير، و البطلان لأنّه لا يملك رقبته.
قال الشيخ: إن كانت قيمة العبد ضعف الدين أعتق العبد و يستسعى في خمسة أسداس قيمته: ثلاثة للديّان، و سهمان للورثة، و إن كانت قيمته أقل من الضعف بطلت الوصيّة(3).
ص: 367
و الوجه تقديم الدين على الوصيّة، فإن فضل بعده شيء عتق من الثلث، و كان الباقي للورثة.
و لو أوصى بعتق أمته على أن لا تتزوّج، فامتنعت من التزويج بعد الوفاة، عتقت، و إن تزوجت بعد العتق لم تعد في الرق.
و لو أوصى لأمّ ولده بألف على أن لا تتزوّج، ففعلت و أخذت الألف، ثمّ تزوّجت، احتمل بطلان الوصيّة، لفوات الشرط، بخلاف العتق الّذي لا يمكن رفعه،(1) و عدمه، لصحّة الوصيّة أوّلا، فلا تبطل بالمتجدد كالأولى.
كان له من الوصيّة بقدر ما عتق منه، و بطلت بقدر الرقيّة.
و لو أوصى لأمّ ولده، صحّت الوصيّة من الثلث، و هل تعتق من الوصيّة أو من نصيب الولد؟ قيل: بالأوّل(2) لترتب الميراث على الوصيّة، و قيل: بالثاني فتعتق من النصيب و تأخذ ما أوصى لها به(3) و الأقرب الأوّل.
و سواء وصّى له بعد جرحه أو قبله، و كذا لو دبّر عبده بعد جرحه إيّاه، فإنّه يصحّ تدبيره، أو دبّر عبده ثم قتل سيّده.
و لا فرق بين دابته و بين دابة غيره، و لا بين أن يطلق أو يقصد
ص: 368
التمليك، و لو فسر بالتصرف في علفها، صحّ ، و يفتقر في ذلك إلى قبول المالك، و مع القبول يصرف إلى ما عيّنه الموصي، و هل للمالك التصرف فيه بغيره ؟ فيه نظر، و كذا لو أوصى للعبد على هذا الوجه، و عندي في ذلك كلّه نظر.
و إن خصص كل واحد بعين هي قدر حصته، افتقر إلى الإجازة، و لو أوصى بأن يباع عين ماله من إنسان، افتقر فيما زاد على الثلث إلى الإجازة، و لو باع في مرض الموت عين ماله بثمن المثل نفذ.
و لو أوصى لأحدهما بشيء، و مات قبل التعيين، و قلنا بالاشتراط، بطل، و إلاّ احتمل التوزيع و تخيير الورثة في التعيين، و اتفاقه حتّى يصطلحا.
إما لامتناع سيّده من بيعه بالمعيّن، أو لموته، أو لعجز الثلث من الثمن، فالثمن للورثة و لا يلزمهم شراء غيره، فلو اشتروه بأقل، فالوجه صرف الباقي إلى العبد لا إلى الورثة، و لا إلى السيّد، على إشكال، و لا في العتق، و لو وجد منه ما يدلّ على صرف الفاضل إلى السيّد صريحا أو تعريضا، صرف إلى السيّد قطعا.
و لو أوصى أن يشترى عبد بألف فيعتق عنه، فقصر الثلث عنه، فالأقرب أنّه يشترى عبد بما يخرج من الثلث، و لا تبطل الوصيّة، و لو احتمله الثلث، فاشترى و أعتق ثمّ ظهر دين مستوعب، بطلت الوصيّة، و ردّ العبد في الرقّ إن كان الشراء بالعين، و إن كان في الذمّة صحّ العتق عن الموصي، و يغرم المشتري الثمن، و لا يرجع به على البائع، لأنّ التغرير من الموصي، و لا على الموصي لأنّه
ص: 369
لا تركة له، و لو قيل: بأنّه يشارك الغرماء في التركة، لأنّ الثمن لزمه بتغرير الموصي احتمل.
و لو أوصى بشراء عبد و أطلق، أو ببيع عبد و أطلق، بطلت الوصيّة، و لو أوصى ببيعه بشرط العتق صحّ ، و بيع كذلك، فإن تعذر مشتر بالشرط، بطلت الوصيّة، و لو أوصى ببيعه لشخص معيّن بثمن معلوم، صحّت الوصيّة، و لو لم يسم ثمنا بيع بالقيمة، فان امتنع من شرائه أو تعذر، بطلت الوصيّة.
فإذا أوصى لأولاده و هم ذكور و إناث تساووا، و كذا لإخوته و أخواته و أعمامه و عماته و غيرهم.
و لو أوصى للعمومة دخل العمّات دون العكس، و كذا الخئولة و الخالات، و لو أوصى لأخواته، فهو للإناث خاصّة.
و لو أوصى لإخوته، دخل فيه الذكر و الأنثى.
و لو أوصى لبنيه، لم تدخل البنات و بالعكس، و لو أوصى لأعمامه، و أخواله، تساووا أيضا، و قول الشيخ في النهاية يقسم أثلاثا(1)، مطّرح.
و لو أوصى لبني فلان فهو للذكور إلاّ في القبيلة، فتدخل الإناث و الخناثى أيضا عرفا.
و لو قال: لأولاده، دخل فيه الذكور و الإناث و الخناثى على السواء إلاّ ان يفصل.
ص: 370
و لو أوصى لبنات فلان، فهو للإناث خاصّة دون الذكور و الخناثى.
و أعطي كل من صدق عليه اسم القريب عرفا، سواء كان وارثا أو غير وارث، و هو أحد قولي الشيخ(1) و في الآخر: يعطى لكلّ من يتقرّب إليه إلى آخر أب و أمّ له في الإسلام(2) و هو اختيار المفيد(3) و يسوي(4) بين القريب و البعيد، و الصغير و الكبير، و الذكر و الأنثى، الغني و الفقير، و يدخل فيه القرابة من قبل الأمّ كالأخوال و الإخوة للأمّ ، سواء كان الموصي عربيا أو عجميّا، و لا يختص بالأقرب فالأقرب، و لا بذي الرحم المحرم.
و لو أوصى لأقرب الناس إليه أو أقرب قرابته، أو أقربهم إليه رحما، اختص بالأقرب، و منع الأبعد مع وجوده، و نزّل على الميراث فيشترك الآباء و الأولاد، فإن فقدوا فالأجداد و الإخوة، فإن فقدوا فالأعمام و الأخوال على مراتب الإرث.
و لو أوصى لجماعة من أقرب الناس إليه، أعطي ثلاثة نفر من الأقرب فما زاد، و لو لم يوجد من الطبقة الأولى سوى واحد أو اثنين، ففي تشريك الطبقة الثانية نظر.
و حكمه حكم القرابة، و لو أوصى لعترته قال الشيخ: كان ذلك في ذريته الذين هم أولاده و أولاد أولاده(5).
ص: 371
و لو أوصى لآله، فهو لقرابته أيضا، و كذا العشيرة.
و لو أوصى لجيرانه كان لمن يلي داره إلى أربعين ذراعا، و قيل:(1) إلى أربعين دارا، و لا يختص بالملاصق(2).
و لو أوصى لأهل دربه(3) أو سكّته فهو لأهل محلّته.
و إن كانوا من أسفل فكذلك، و لو اجتمعوا قيل: اشتركوا، و الأقرب البطلان، و لا شيء لابن العمّ ، و لا الناصر، و لا الحليف، و لا الجار، و لا يستحق موالي أبيه شيئا، سواء كان له مولى أو لم يكن على إشكال في العدم، و هل يدخل في الوصيّة لمواليه مدبّره و أمّ ولده ؟ الأقرب دخول المدبّر دون أمّ الولد.
4822. الخامس و العشرون: إذا أوصى لمستحقّي الزكاة، كان للأصناف الثمانية المذكورة في القرآن،(4)
4822. الخامس و العشرون: إذا أوصى لمستحقّي(5) الزكاة، كان للأصناف الثمانية المذكورة في القرآن،(5)
و ينبغي أن يجعل لكل صنف ثمن الوصيّة، و الأقرب الوجوب في ذلك، و يجوز الاقتصار من كلّ صنف على واحد، و لا يجب إعطاء ثلاثة من كلّ صنف و لا اثنين، و الأقرب أنّه لا يجب الاقتصار به على أهل بلده.
و لو أوصى للفقراء دخل المساكين و بالعكس، و يستحبّ تعميم من أمكن
ص: 372
منهم، و الدفع إليهم على قدر الحاجة، و لا يملك أحدهم شيئا إلاّ بالإقباض.
و لو أوصى بعبده للفقراء و كان أب العبد فقيرا لم يعتق عليه منه شيء.
و لو أوصى في سبيل اللّه صرف في كلّ ما يتقرب به إلى اللّه تعالى، كمعونة المجاهدين، و الحاج، و الزوّار، و بناء المساجد و القناطر، و تكفين الموتى و غير ذلك من القربات، هذا أجود قولي الشيخ(1) و لا يختص بالحجّ و لا المجاهدين خلافا للشيخ(2).
و لو أوصى المسلم للفقراء، انصرف إلى فقراء المسلمين، و كذا الكافر إذا أوصى للفقراء، انصرف إلى فقراء ملّته.
و قيل: الربع، و الأقرب الأوّل، و لو كان زيد فقيرا لم يدفع إليه من سهم الفقراء شيء، و لو ضم إلى زيد قوما منحصرين، كإخوته، احتمل أن يكون كالأوّل، و أن يكون زيد كأحدهم.
فإن اتسع الثلث لثلاثة، لم يجز الاقتصار على الأقلّ ، و لو أمكن أن يشترى به أزيد من ثلاثة، كان أولى من شراء ثلاثة غالية، و لو أوصى بثلث ماله في الرقاب صرف إلى المكاتبين و العبيد يشترون و يعتقون، و لا يختص بالمكاتبين و لا بالعبيد.
ص: 373
و لو أوصى أن يشترى بثلث ماله عبيد و يعتقوا اشتري ثلاثة، فإن وجد اثنان و بعض الثالث خاصّة، قال الشيخ: يشترى اثنان و يعتقان و يعطيان الفاضل(1)و لو قيل: بشراء بعض الثالث، كان وجها.
صرف إليه يعمل به ما شاء.
كإصلاح طريق، و فك أسير، و إعتاق رقبة، و لا تجب قسمته أثلاثا في الغزو و صدقة القرابة و الحج.
و لو قال: ضع ثلثي حيث يريد اللّه، جاز صرفه أيضا في كل قربة، و لا يختص بالفقراء و المساكين.
و لو أوصى بفرس في سبيل اللّه و ألف درهم ينفق عليه، فمات الفرس، فالأقرب عود الألف إلى الورثة، و إن أنفق البعض ثم ماتت، عاد الباقي إلى الورثة.
فإن قال الموصى له بالخدمة: لا أقبل، أو قد وهبت الخدمة له، فالأقرب أنّه لا يقع العتق في الحال بل بعد السنة.
فإن رجع الموصي، بطلت الوصية إجماعا، و إن مات و لم يرجع، قيل: بطلت أيضا، و قيل:
يكون الموصى به لورثة الموصى له، فإن لم يخلّف أحدا كان لورثة الموصي(2)و هو الأقوى.
ص: 374
و لم يجز الورثة، أعطي الأوّل الثلث، و سقط الآخران، و لو نسي المبدأ به، استعمل القرعة، فإن فضل كان لمن يليه بالقرعة.
و لو أوصى لرجل بجميع ماله، و لآخر بالثلث، و أجازت الورثة، أخذ الأوّل الجميع، و سقط الآخر، و ان بدأ بصاحب الثلث، و أجازوا، أخذ الثلث، و الثلثان لصاحب الكل، و لو اشتبها أقرع، و إن لم يجز الورثة فإن بدأ بصاحب الثلث، سقط صاحب الكل، و ان بدأ بصاحب الكل، أخذ الثلث، و سقط صاحب الثلث، و لو اشتبه أقرع.
فإن لم يحفظ عن ظهر القلب، فالأقرب الحرمان.
و لو أوصى للعلماء أعطي العالم بعلوم الشرع، فيدخل فيه الفقه، و التفسير، و الحديث، و لا يدخل فيه سامع الحديث فقط إذا لم تكن له معرفة بالطريق.
و لو أوصى لقبيلة عظيمة، كالعلويّين، و الهاشميّين، صحّ و أعطي الموجود في بلد الوصيّة، و لا يجب الاستيعاب، و لا التسوية، و يدخل الذكر و الأنثى إن كان اللفظ يشملهما(1) كالأولاد، و الذرية، و العالمين، و إلاّ اختص بالذكور إن لم يتناول الإناث، كالبنين، و الذكور، و الرجال، و الغلمان، أو بالإناث إن لم يتناول الذكور، كالنساء، و البنات، و المسلمات، و إن وضع للذكور أمكن دخول الإناث مع الاجتماع، كالمسلمين، و العلويّين، فالأقرب دخول الإناث على إشكال.
و الأرامل النساء اللاتي فارقن أزواجهنّ بموت أو غيره.
ص: 375
و الأيامى جمع أيّم، و هي المرأة الخالية من البعل، و العزاب الذين لا أزواج لهم، و هو مشترك بين الذكور و الإناث، و كذا يشترك بينهما الثيب و البكر، و أقل ما يجب في كلّ جنس ثلاثة.
أمّا لو أوصى لثلاثة معيّنين، فإنّه يجب التسوية بينهم.
و لو أوصى لزيد و لجبرئيل عليه السلام صحّ لزيد النصف، و بطل في حق جبرئيل عليه السلام، و كذا لو قال: لزيد و للريح، و لو قال: لزيد و للّه تعالى، احتمل أن يكون النصف لزيد و الباقي لغو، و أن يكون الباقي للفقراء.
و لو أوصى بثلث ماله لمفاداة أسارى المشركين من أيدي المسلمين، صحّ كما يصحّ العكس.
و لو أوصى لأعقل الناس، قال الشافعي: يصرف إلى الأزهد(1).
و فيه ثلاثة و عشرون بحثا:
فلا تصحّ الوصيّة إلى المجنون و لا السفيه، و لو طرأ الجنون على الوصيّ بطلت وصيّته، و لو كان الجنون يعتوره أدوارا، ففي صحّة الوصيّة إليه نظر.
ص: 376
فلا تصحّ الوصيّة إلى الطفل المنفرد، سواء كان عاقلا أو لا، و يجوز أن يوصي إليه منضمّا إلى البالغ العاقل.
فلا تصحّ وصيّة المسلم إلى الكافر، سواء كان حربيا أو ذمّيا، و سواء كان ذا رحم، أو أجنبيّا، و لو أوصى إليه مثله صحّ ، و لا تشترط عدالته في دينه، و تصحّ وصيّة الكافر إلى المسلم إلاّ أن تكون التركة خمرا أو خنزيرا.
4834. الرابع: اختيار الشيخ(1) أن العدالة شرط
فلا تصحّ الوصيّة إلى الفاسق و إن كان مؤمنا، و منعه ابن إدريس(2) و عندي فيه نظر.
و لو أوصى إلى عدل ففسق بعد موت الموصي، عزله الحاكم و استناب غيره.
مجنون، ثم مات بعد زوال الأوصاف، صحّ عند من يعتبر الشروط حال الوفاة.
و لو أوصى إلى عاقل فجنّ ثم مات بعد زوال جنونه، صحّ على القولين الأوّلين دون الأخير، و لو جنّ أو فسق بعد الموت، بطلت وصيّته، فإن عاد عقله أو تاب لم تعد وصيّته.
و إلى العدل العاجز، و يضم الحاكم إليه أمينا يعينه، و يكون الأوّل هو الوصيّ دون المعين، و كذا لو أوصى إلى عدل فتجدد العجز، فإنّ الحاكم يضم إليه ثقة، و ليس للحاكم نزع يد العدل في الموضعين.
فإن شرط الاجتماع أو أطلق، لم يكن لأحدهما الانفراد عن صاحبه بشيء من التصرف، و لو تشاحّا لم ينفذ تصرف أحدهما منفردا، إلاّ ما يحتاج إليه من الكسوة و شبهها، و يجبرهما الحاكم على الاجتماع، فإن تعذر استبدل بهما، و ليس لهما المقاسمة للمال، و لو تغيّرت حال أحدهما بموت أو فسق، لم يتصرف الآخر بانفراده، و يضم الحاكم معه أمينا، و هل يجوز للحاكم جعل الولاية له بأجمعها؟ فيه وجهان، و لو عجز، ضم الحاكم إليه من يعينه على التصرف، و لو تغيّرت حالهما معا بفسق، أو موت، أو جنون، أقام الحاكم عوضهما اثنين، و هل له أن يقيم واحدا؟ فيه وجهان.
و لو سوّغ لهما التصرف منفردين، جاز لكلّ منهما أن يتصرف في جميع المال، و ينفذ تصرفه، و إن لم يداخله الآخر، و لو اقتسما المال، و تصرف كل منهما في بعضه جاز.
ص: 378
و لو تغيرت حال أحدهما بعجز، ضم الحاكم معه أمينا، و لو كان بفسق، أو موت، كانت الولاية بأجمعها للثاني، و لا يضمن إليه الحاكم غيره.
و لا يشارك أحدهما الآخر، و إذا أوصى إليه في شيء لم يصر وصيّا في غيره.
و لو قال: قد أوصيت إلى زيد، فإن مات، فقد أوصيت إلى عمرو، صحّ ، و يكون كلّ منهما وصيّا، إلاّ أنّ وصيّة عمرو(1) موقوفة على موت زيد، و كذا لو قال: أوصيت إلى زيد، فإن كبر ابني، أو تاب من فسقه، أو اشتغل بالعلم، فهو وصيّي، صحّ .
و لو أوصى إلى زيد، ثمّ أوصى إلى عمرو، و قبلا معا، كانا شريكين، و لم ينفرد أحدهما بالتصرف، و لو قبل أحدهما دون الآخر، انفرد بالتصرف، و لو أوصى إلى زيد، ثم قال: ضممت عمرا إليك، فقبل عمرو دون زيد، لم يكن لعمرو الانفراد إلاّ أن يضم الحاكم إليه أمينا.
و ليس للصغير التصرف قبل البلوغ، و لا نقض شيء ممّا فعله الكبير قبل البلوغ بعده، إذا لم يخالف المشروع، و لا للكبير التصرف منفردا بعد البلوغ، و لو مات الصبيّ أو بلغ فاسد العقل، انفرد الكبير بالوصيّة، و لم يداخله الحاكم.
و له
ص: 379
الردّ في حياة الموصي و بعده، و قيل(1): لم يكن له الردّ بعد موت الموصي، و يجوز في حياته بشرط أن يعلم الردّ، فإن لم يعلم حتّى مات، لم يصحّ الردّ و وجب على الوصيّ القيام بها، فإن امتنع أجبره الحاكم على ذلك.
و لا يشترط في القبول وقوعه في حياة الموصي، فلو أوصى إلى غيره، و لم يقبل حتّى مات، صحّ القبول، و لزمته الوصية.
4842. الثاني عشر: إذا أوصى إلى الثقة، فظهرت (فيه)(2) الخيانة بعد الموت،
عزله الحاكم و أقام غيره، و لو عاد أمينا، لم تعد ولايته و لو ظهر منه عجز ضم إليه الحاكم من يساعده و لا يجوز له إخراج يده عن الوصيّة.
و لو أوصى إلى الخائن، فالأقرب، البطلان، و كان بمنزلة من لا وصي له، و لو قيل بالجواز و ضمّ أمين إليه، إن أمكن الحفظ و إلاّ فلا، كان وجها.
بأن جعل له التصرف بعد موته فيما كان له التصرف من قضاء ديونه و استيفائها، ورد الودائع و أخذها، و تفرقة أمواله، اشترط في الموصي أهليّة التصرف في المال، و هو العقل، و البلوغ، و الحرية، و زوال المانع من الفلس و السفه، فليس للمجنون و لا السفيه و لا الصبيّ و لا العبد و لا المحجور عليه للفلس، الوصيّة بالمال إلاّ في رواية لنا دالة على جواز وصيّة من بلغ عشرا في المعروف(3) و تصحّ وصيّة من عدا هؤلاء ذكرا أو
ص: 380
امرأة، و إن كانت بالولاية بأن جعله قيّما على أولاده، اشترط في الموصي الولاية عليهم، فيجوز للأب و الجد للأب الوصية على الأصاغر، و لا تصحّ ممن عداهما كالأخ و العلم و غيرهما.
و لو أوصى أحد هؤلاء بالنظر في المال الّذي تركه لهم لم يصحّ له التصرف، و لا في الثلث و كانت الولاية للورثة مع بلوغهم و للحاكم مع صغرهم.
و لو أوصى في إخراج حقّ ، أو تفرقة ثلثه جاز، و لو أوصى الأب على أولاده الأصاغر و له أب، كانت الولاية بعده للجد دون الوصيّ ، أمّا لو أوصى بالولاية في تفرقة ثلثه فإنه يصحّ من غير مداخلة الجد.
كان للوصيّ بيع نصيب الصغير دون نصيب الكبير إلاّ بإذنه، و إن كان بيع الجميع أوفق بهما، و كذا لو أوصى إليه بتفرقة ثلثه، و كان بيع الجميع أولى، لم يكن له البيع إلاّ بإذن الوارث.
فلو أوصى إليه بقضاء الدين أو تفرقة المال و أخّر مع المكنة، ضمن مع التلف.
من غير إذن الحاكم إذا لم تكن له حجّة، و هل له ذلك مع الحجّة ؟ الأقرب، نعم، و في جواز شرائه من مال اليتيم لنفسه من نفسه إشكال، الأقرب جوازه، و لا يشترط شراؤه بأكثر من ثمن المثل.
ص: 381
و لو قال له الموصي: جعلت لك أن تضع مالي حيث شئت و فيمن شئت، أو حيث رأيت، كان الخيار إليه في صرفه إلى من شاء، و هل يجوز له صرفه إلى نفسه ؟ فيه إشكال.
و إن شهد لهم لم تقبل إلاّ أن يكون الورثة كبارا، و تكون الوصيّة تخرج من الثلث من دون الشهادة.
و إن لم يأذن [أ] و منعه لم يكن له ذلك قطعا، و إن لم يمنعه فقولان، أقربهما أنّه ليس له أن يوصي، و تكون الولاية بعده إلى الحاكم، و إن أذن له في الوصيّة، فإن عيّن صحّ و كذا إن أطلق بأن يقول: أوص إلى من شئت فهو وصيّي.
و لو لم يكن هناك حاكم جاز أن يتولاّه من المؤمنين من يوثق به على إشكال.
و يجوز لمن يتولّى أموال اليتامى أن يأخذ أجرة المثل عن نظره في ماله، و قيل: يأخذ قدر كفايته، و قيل:
يأخذ بأقلّ الأمرين، و لا يكره الدخول في الوصيّة مع التمكن من القيام بها.
و إذا أوصى بتفريق ثلثه فامتنع الورثة من إخراج ثلث ما في أيديهم، جاز للوصيّ أن يخرج ثلث ما في يده، و هل له أن يخرج ممّا في يده بإزاء ما منعوه، أو يحبسه عليهم حتّى يدفعوا إليه ؟ فيه إشكال.
ففي جواز
ص: 382
قضائه من دون إذن الحاكم نظر، و لو صدق الورثة صاحب الدين جاز له الدفع مع امتناعهم منه، و يجوز للوصيّ أن يخرج من مال اليتيم ما يتعلّق به، كأرش ما يتلفه من المال، و كفّارة قتله، دون ديته، لأنّ خطاه على العاقلة، و كذا عمده، و ينفق عليه بالمعروف، و يضمن الوصيّ لو أنفق أزيد.
و لو ادّعى الصبيّ بعد بلوغه الزيادة على المعروف، فالقول قول الوصيّ ، و كذا لو ادّعى الخيانة عليه، و لو اختلفا في المدّة بأن يدّعي الصبيّ موت أبيه منذ سنتين، و الوصيّ منذ ثلاث، فالقول قول الصبيّ مع يمينه، و كذا لو أنكر دفع المال إليه بعد البلوغ.
و ليس للوصيّ أن يزوّج الصغيرة و لا الطفل، و إن أوصي إليه في ذلك، و له أن يزوّج عبيدهم و إماءهم مع المصلحة، و أن يزوّج من بلغ غير رشيد إذا احتاج إليه و مع بلوغه يدفع الوصي ماله إليه إن كان رشيدا، و إن بلغ مجنونا فكالصبيّ ، و إن بلغ سفيها لم ينفك الحجر عنه، و تكون ولاية الوصيّ على ما كانت و يخرج الوصيّ عنه الزكاة مع وجوبها، و إن جنى على مال أخرجه الوصيّ ، و إن كانت على نفس خطاء أخرج الكفّارة من ماله، و الدية على العاقلة، و إن كانت عمدا قيد به، و يزوّجه الوصيّ مع الحاجة.
و ما أدّى هذا المعنى، فإن لم يذكر التصرف نزل مطلق الإيصاء على مجرد الحفظ، و لو اعتقل لسانه فقرئ عليه كتاب الوصيّة فأشار برأسه أو بغيره إلى ما يدلّ على الرضا قبل.
فلو أوصى إلى رجل جاز له أن يرجع عن ذلك ما دام حيّا و يوصي إلى غيره، و أن يشترك معه غيره.
ص: 383
و فيه ستّة مباحث:
و كذا لو تمكن الوصيّ من فعل ما أوصي إليه وجب عليه، و إن لم يكن معه شاهد، نعم يستحبّ الإشهاد بها دفعا للتنازع.
أو رجل و يمين، و تقبل شهادة المرأة الواحدة في ربع الوصيّة، و اثنتين في النصف، و ثلاثة في ثلاثة أرباعها، و أربع (من النساء)(1) في الجميع من غير يمين في ذلك كلّه.
أمّا الوصيّة بالولاية، فلا تثبت إلاّ بشهادة رجلين، و لا تقبل فيها شهادة النساء منفردات و لا منضمات إلى الرجال، و لا الشاهد و اليمين على الأقوى.
و يجوز مع الضرورة و عدم عدول المسلمين قبول نفسين من أهل الذمّة ممّن ظاهرهما الأمانة عند أهل دينهما، و لا تقبل شهادة غير أهل الذمّة من الكفّار.
ص: 384
و حاز الميراث غيره، ثمّ أعتقا فشهدا قبلت شهادتهما، و رجع المولود بالتركة على آخذها، و رجعا عبدين كما كانا و يكره له استرقاقهما لأنّهما أحييا حقّه.
و لا تقبل شهادة الورثة بعزل الوصيّ ، و لا بانضمام غيره إليه، و لا بتخصيص ولايته.
و لو شهد ثقتان من الورثة على الميّت بعين أو دين لغيره، قبلت شهادتهما، و إن خرجت ولاية الوصيّ عمّا شهدا به.
حلف زيد معه إن كان وارث غيره، فإن أقام آخر شاهدين بالوصيّة له بالثلث، و لم يجز الورثة، فالأقرب تشاركهما مع اتحاد المجلس أو الإطلاق، و حكم للأخير، و لو لم يكن عدلا فالثلث لمن أقام البينة، و هل يأخذ المقر له من حصّة المقرّ شيئا؟ فيه إشكال، أقربه الأخذ به.
و فيه تسعة و عشرون بحثا:
فالمؤجلة: ما علّق بالموت، كالوصيّة بالمال، و التدبير، و هي تخرج من الثلث بالإجماع، و كذا لو علّق الصحيح تصرفه بما بعد الوفاة.
ص: 385
و المنجزة: كالهبة، و الوقف، و العتق، و الإبراء، و المحاباة في البيع(1) و غيره من عقود المعاوضات، إن وقعت من المريض، و يبرأ من مرضه ذلك ثمّ مات، أو وقعت من الصحيح، مضت من الأصل بلا خلاف، و إن وقعت في مرض الموت، فقولان أقربهما خروجها من الثلث، و كذا إذا وهب في الصحّة و أقبض في مرض الموت.
أمّا الإقرار فإن كان المريض متّهما كان من الثلث، و إن كان مأمونا أخرج من صلب المال، سواء كان لوارث أو لغيره.
فإن أبرأه من الثمن مضى الإبراء من الثلث، و كان على المشتري ثلثا الثمن للورثة، و لو باع بأقلّ من ثمن المثل مضى البيع فيما قابل ثمن المثل من الأصل و الزائد من السلعة يكون محاباة، إن خرجت من ثلث التركة، كانت للمشتري أيضا، و إلاّ كان له ما قابل الثلث.
فلو باع عبدا - هو التركة و قيمته ثلاثون - بعشرة فقد حابى بعشرين، فإن أجاز الورثة، صحّ البيع في الجميع، و إن لم يجيزوا كان للمشتري الفسخ أيضا، فإن اختار الإمضاء، أخذ ثلثي المبيع بالثمن أجمع(2).
ص: 386
و قال بعض الجمهور: يأخذ نصفه بنصف الثمن، لأنّ فيه مقابلة بعض المبيع بقسطه من الثمن عند تعذر الجميع، كما لو اشترى سلعتين بثمن و فسخ البيع في إحداهما لعيب أو غيره(1) و هو وجه أيضا.
و لا يتخيّر المشتري بين الفسخ في الجميع، و أداء عشرة ليأخذ الجميع(2)، و ليس للمشتري أيضا خلع الثلث، و هو أن يفسخ و يأخذ ثلث المبيع بالمحاباة(3).
و لو اشترى عبدا قيمته عشرة بثلاثين، فعلى ما قلناه يكون للمشتري عوض العبد عشرين إن لم يجز الورثة، و على الوجه الآخر يكون له نصف الثلثين و يسلّم له نصف العبد، و لو باعه و قيمته ثلاثون بخمسة عشر، فعلى ما قلناه يصحّ البيع في خمسة أسداسه بجميع الثمن، و على الوجه الآخر يصحّ في ثلثيه بثلثي الثمن، و طريق ما قلناه أن ينسب الثمن و ثلث المبيع إلى قيمته، فيصحّ البيع في قدر تلك النسبة، و هو خمسة أسداسه، و على الثاني يسقط الثمن من قيمة المبيع و ينسب الثلث إلى الباقي فيصحّ البيع في قدر تلك النسبة، و هو ثلثاه بثلثي الثمن، فإن خلّف البائع عشرة(4) أخرى، صحّ البيع في العبد إلاّ نصف تسعه بجميع الثمن، و على الثاني في ثمانية أتساعه بثمانية أتساع الثمن.
أمّا لو باع قفيز حنطة يساوي ثلاثين بقفيز منها يساوي عشرة، و لا تركة
ص: 387
سواه، فإنّه يتعيّن في الحكم الوجه الثاني، لأنّ المساواة في القدر شرط في الصحّة و إلاّ حصل الربا، فيمضى البيع في النصف بنصف الثمن، السدس في مقابلة النصف و الثلث بالمحاباة.
و لو باع قفيزا يساوي ستّة بآخر يساوي ثلاثة، فالمحاباة بالنصف فيردّ على الورثة ثلث قفيزهم، و على المشتري ثلث قفيزه، فيفضل معه درهمان هي قدر الثلث الّذي صحّت المحاباة فيه.
فإن شرط العوض، و كان بقدر ثمن المثل، صحّت أيضا مع دفع العوض، و إن لم يشترط العوض، صحّت من الثلث، سواء أقبض أو لا.
و لو وهب و حابى فإن وسعهما الثلث صحّا معا، و إلاّ بدئ بالأوّل فالأوّل، و كان النقص على الأخير.
و لو وهب مريض مريضا تركته أجمع، ثمّ وهب الموهوب له ما وهبه إيّاه، و لا شيء له سواه، دخله الدور، فإذا كانت التركة مائة تضرب ثلاثة في ثلاثة [و] تسقط منها سهما، تبقى ثمانية، فاقسم المائة عليها، لكل اثنين خمسة و عشرون، ثمّ خذ ثلثها ثلاثة اسقط منها سهما، يبقى سهمان، فهو(1) للموهوب الأوّل، و ذلك هو الربع، أو تقول: صحّت الهبة الثانية في ثلثه بقي للموهوب الأوّل ثلثا شيء، و للواهب مائة إلاّ ثلثي شيء يعدل شيئين أجبر و قابل يخرج الشيء سبعة و ثلاثين و نصفا، رجع إلى الواهب ثلثها اثنا عشر و نصف، [و] بقي للموهوب [له] خمسة و عشرون.
ص: 388
و لو وهب جارية و لا مال سواها، و قيمتها ثلاثمائة، فقبضها الموهوب [له] و وطئها و مهر مثلها مائة، و لم يجز الورثة، فقد صحّت الهبة في شيء، و سقط من مهر مثلها ثلث شيء، و بقى للواهب أربعمائة إلاّ شيئا و ثلثا يقابل شيئين، و هما مثلا ما صحّت فيه الهبة، فتجبر الأربعمائة بشيء و ثلث، فيكون أربعمائة تقابل ثلاثة أشياء و ثلثا، فنضربها في ثلاثة يكون عشرة، فالشيء ثلاثة أعشار أربعمائة، و ذلك مائة و عشرون، فقد صحّت الهبة في خمسي الجارية، و سقط خمسا العقر، و حصل للورثة ثلاثة أخماسها و ثلاثة أخماس العقر، و ذلك مائتان و أربعون مثلا ما صحّت فيه الهبة.
و لو وطئها أجنبيّ فكذلك، و يكون عليه مهرها ثلاثة أخماسه للواهب و خمساه للموهوب له إلاّ أنّ الهبة انّما تنفذ فيما زاد على الثلث بعد حصول المهر من الواطئ، فإن لم يحصل منه شيء لم تزد الهبة على ثلثها، و كلّما حصل للموهوب له من الجارية شيء بالهبة و ثلث شيء بالعقر و للورثة شيئان مثلا ما حصل له بالهبة، فتكون الجارية تعدل ثلاثة أشياء و ثلثا، فالشيء ثلاثة أعشارها، فالوصيّة من الجارية بقدر تسعين، و له من العقر ثلاثون، و يبقى للورثة مائة و ثمانون، و هما مثلا ما حصل بالوصيّة.
و لو وهب المريض عبدا لا يملكه سواه، فقتل العبد الواهب خطأ، فإن سلمه الموهوب له إلى الورثة، كان تسليم النصف بالجناية، و النصف لانتقاص الهبة فيه، لصيرورة العبد بأجمعه للورثة و هو مثلا نصفه، فيتعيّن أنّ الهبة جازت في نصفه، و إن فداه و كانت قيمته دية، قلت: صحّت الهبة في شيء و تدفع إليهم نصف العبد و قيمة نصفه، و ذلك يعدل شيئين، فتبيّن أنّ الشيء نصف العبد، و إن كانت قيمته نصف الدّية أو أقل، و قلنا: يفديه بأرش الجناية، نفذت الهبة في
ص: 389
جميعه، لأنّ الأرش ضعف القيمة أو أكثر، و لو كانت قيمته ثلاثة أخماس الدية، و فداه بالأرش، فقد صحّت الهبة في شيء، و يفديه بشيء و ثلثين، فصار مع الورثة عبد و ثلثا شيء يعدل شيئين، فالشيء ثلاثة أرباع، فتصحّ الهبة في ثلاثة أرباع العبد، و يرجع إلى الواهب ربعه مائة و خمسون و ثلاثة أرباع الدية سبعمائة و خمسون، صار الجميع تسعمائة و هو ضعف ما صحّت الهبة فيه.
سواء كان منجزا أو معلقا بالموت، و إذا أوصى بالعتق، وجب على الوارث الإعتاق إذا خرج من الثلث، و إلاّ فبإزائه، فان امتنع أجبره الحاكم، و يحكم بحريته من حين العتق، و ولاؤه للموصي، لأنّه السبب، و الوارث نائب عنه.
و لو أوصى إلى غير الوارث بالعتق، كان الإعتاق إليه.
و لو أوصى بوصايا من جملتها العتق، بدئ بالواجب أوّلا من صلب المال، و كان الباقي من الثلث، و لو كان الكل تطوعا كان بأجمعه من الثلث، يبدأ بالأوّل من وصيته فالأوّل، و لا أولويّة لتقديم العتق، و قد روى الشيخ أنّه إذا كانت من جملة الوصايا الحج بدئ به(1) و نحن نقول بذلك إن كان واجبا و إلاّ قدّم ما ذكره الموصي أوّلا.
كمن أعتق منجّزا، و أوصى بشيء، فإنّه يبدأ بالعتق، و كذا لو وهب ثم
ص: 390
أوصى بالعتق، فإنّه يبدأ بالهبة، ثمّ إن اتّسع الثلث للباقي صحّ ، و إلاّ صحّ فيما يحتمله الثلث، و بطل فيما قصر عنه.
و كذا لو أوصى بعتقهم، و لو أعتقهم بلفظ واحد من غير ترتيب، عتق ثلثهم و يستخرج بالقرعة.
و لو أعتق مملوكه و لا شيء سواه، عتق ثلثه و استسعي في باقي قيمته للورثة.
و وسع الثلث عتق الجميع عتق المختص و قدر ما يخصه من المشترك، قال الشيخ: و يقوّم حصص الشركاء عليه من الثلث، و يعتقون(1) و فيه نظر.
فإن لم يوجد قيل:(2) عتق من أفناء الناس من لا يعرف بنصب و عداوة و الأقرب التوقع، و إذا اشترى نسمة على أنها مؤمنة و أعتقها، ثمّ ظهر أنّها ليست كذلك، فقد أجزأت عن الموصي.
أقرع بينهم إمّا على الحرية أو الرقية، و إن
ص: 391
كان فيهم كسر كعبدين قيمة أحدهما مائتان و الآخر ثلاثمائة، أقرعت بينهما فأيّهما وقعت عليه قرعة الحرية، ضربت قيمته في ثلاثة أسهم، فما بلغ نسبت إليه قيمة العبدين معا، فمهما خرج بالنسبة، فهو القدر الذي يعتق منه، فإذا وقعت على الّذي قيمته مائتان ضربتهما في ثلاثة صارتا ستمائة و نسبت منها قيمة العبدين معا، و هي خمسمائة تجدها خمسة أسداسها، فيعتق منها خمسة أسداسه، و إن وقعت على الآخر عتق منه خمسة أتساعه.
و لو كان له عبدان اسمهما واحد، فقال: فلان حر بعد موتي، و له مائتا درهم، و لم يعيّنه، أقرع بينهما في العتق، و أمّا الدراهم، فيحتمل بطلان الوصيّة فيها، لوقوعها لغير معيّن، و الصحّة، لأنّ مستحقها حر في حال استحقاقها.
و لو أوصى بعتق أحد عبيده، احتمل تخيير(1) الوارث فيه.
و لو أوصى بعتق عبد من غير إضافة و لا تعيين وصفه، أعتق الوارث من يجزئ في الكفّارة.
فمهما خرج من الثلث علم أنّ العطية صحّت فيه حال العطيّة، فإن نما المعطى أو كسب شيئا، قسّم بين الورثة و بين صاحبه على قدر مالهما فيه، و ربّما أفضى إلى الدور، فإذا أعتق عبدا لا يملك غيره فكسب مثل قيمته في حال حياة سيده، فللعبد من كسبه بقدر ما عتق منه، و باقيه لسيّده، فيزداد به مال السيّد، فتزداد الحريّة بذلك، و يزداد حقّه من كسبه، فينقص به حق السيّد من الكسب، و ينقص
ص: 392
بذلك قدر المعتق منه، فيستخرج ذلك بالجبر، فيقال: عتق من العبد شيء و له من كسبه شيء، لأنّ كسبه مثله، و للورثة من العبد و كسبه، شيئان، لأنّ لهم مثلي ما عتق منه، و قد عتق منه شيء، و لا يحسب على العبد ما حصل له من الكسب، لأنّه استحقّه(1) بجزئه الحر لا من جهة سيّده، فصار للعبد شيئان و للورثة شيئان من العبد و كسبه، فيقسم العبد و كسبه نصفين، يعتق منه نصفه و له نصف كسبه، و للورثة نصفهما.
و لو كسب مثلي قيمته، فله من كسبه شيئان، فيصير له ثلاثة أشياء، و للورثة شيئان، فيقسم العبد و كسبه أخماسا، يعتق منه ثلاثة أخماسه، و له ثلاثة أخماس كسبه، و للورثة خمساه و خمسا كسبه.
و لو كسب ثلاثة أمثال قيمته، فله ثلاثة أشياء من كسبه مع ما عتق منه، و لهم شيئان، فيعتق منه ثلثاه، و له ثلثا كسبه، و لهم الثلث منهما.
و لو كسب نصف قيمته، عتق منه شيء، و له نصف شيء، و لهم شيئان، فالجميع ثلاثة أشياء و نصف، إذا بسطتها أنصافا صارت سبعة، له ثلاثة أسباعها، فيعتق ثلاثة أسباعه، و له ثلاثة أسباع كسبه، فالباقي لهم، فإذا كانت قيمته مائة، و كسب خمسين، فقد عتق من العبد شيء و تبعه من الكسب نصف شيء، لأنّ الكسب مثل نصف قيمته، و للورثة شيئان، فالعبد و كسبه و هما مائة و خمسون، يعدل ثلاثة أشياء و نصف تضربها في مخرج النصف، و هو اثنان يصير سبعة، و تضرب الاثنان في مائة و خمسين، يكون ثلاثمائة فالشيء(2) سبع ثلاثمائة، و هو ثلاثة أسباع مائة، فيعتق من العبد ثلاثة أسباعه، و يتبعه من الكسب ثلاثة أسباعه،
ص: 393
و قد حصل للورثة أربعة أسباع العبد و أربعة أسباع الكسب، و هما مثلا ثلاثة أسباع العبد، فيكون للورثة ستّة أسباع مائة، و للمعتق ثلاثة أسباع مائة.
و لو كان على السيّد دين يستغرق قيمته و قيمة كسبه، بطلت الوصيّة، و إن لم يستوعب صرف من العبد و كسبه ما يقضى به الدين، و الباقي يقسّم على ما يعمل في العبد الكامل و كسبه، فلو كان على السيّد دين كقيمته، صرف فيه نصف العبد و نصف كسبه، و قسّم النصف الباقي بين الورثة و المعتق نصفين.
و لو كسب العبد مثل قيمته، و للسيّد مال مثل قيمته، قسّمت العبد و مثلي القيمة، على الأشياء الأربعة، فلكل شيء ثلاثة أرباع، فيعتق من العبد ثلاثة أرباعه، و له ثلاثة أرباع كسبه.
و لو أعتق عبدا قيمته عشرون ثمّ أعتق آخر قيمته عشرة، و لا مال سواهما، و كسب كل واحد مثل قيمته، لم يكمل الحرية في الأوّل و إلاّ لتبعه كسبه(1)فيحصل له ضعف ما للورثة، بل طريقه أن نقول: عتق منه شيء، و له من كسبه شيء، و للورثة شيئان، فيقسّم العبدان و كسبهما على الأشياء الأربعة، فيكون لكلّ شيء خمسة عشر، فيعتق منه بقدر ذلك، و هو ثلاثة أرباعه، و له ثلاثة أرباع كسبه، و الباقي منه و من كسبه و العبد الآخر و كسبه أجمع للورثة.
و لو بدأ بعتق الأدنى، عتق كله، و أخذ كسبه، و يستحق الورثة من العبد الآخر و كسبه مثلي الأدنى، و هو نصفه و نصف كسبه، و يبقى نصفه و نصف كسبه بينهما نصفين، فيعتق ربعه، و له ربع كسبه، و يرق ثلاثة أرباعه، و يتبعه ثلاثة أرباع كسبه، و ذلك مثلا ما انعتق منهما.
ص: 394
و لو عتق العبدين دفعة، أقرع بينهما، فمن خرجت له قرعة الحرية، فحكمه كما لو بدأ بعتقه.
و لو كان له ثلاثة أعبد قيمة كل واحد مائة، و عليه دين مائة، و كسب أحدهم مائة، و أعتقهم، و لم يجز الورثة، أقرع لإخراج الدين، فإن وقعت على غير المكتسب بيع في الدين، ثمّ أقرع بين المكتسب و الآخر للحريّة، فان خرجت على غير المكتسب، عتق كلّه، و كان المكتسب و ماله للورثة، و إن وقعت قرعة الحرية على المكتسب، دخل ذلك الدور، فنقول(1): عتق منه شيء، و تبعه من كسبه شيء، و للورثة شيئان، فالعبدان و الكسب ثلاثمائة يعدل أربعة أشياء، فالشيء خمسة و سبعون، و ذلك ثلاثة أرباع العبد، فيعتق ثلاثة أرباعه، و يتبعه من الكسب خمسة و سبعون، و يبقى للورثة ربعه خمسة و عشرون، و من كسبه مثلها، و العبد الآخر قيمته مائة، فيحصل للورثة مائة و خمسون، و ذلك ضعف ما عتق من العبد.
و لو وقعت قرعة الدين على المكتسب أوّلا بيع نصفه في الدين، و صرف نصف كسبه فيه، و لو بعنا الجميع أبطلنا عليه العتق، و لم يقض الدين من كسبه خاصّة، لإمكان وقوع العتق عليه، فيكون الكسب له لا من مال الميت، فلا يجوز أن يقضى بماله دين الميت، و إنّما قضي الدين بما يتبع ما رقّ منه من الكسب، لبطلان العتق فيه، فإذا ثبت هذا أقرع بين باقيه و بين العبدين الآخرين في الحريّة، فإن وقعت على غيره، عتق بأجمعه، و للورثة الباقي، و إن وقعت عليه، عتق باقيه و أخذ باقي كسبه، ثمّ أقرع بين العبدين لإتمام الثلث، فمن وقعت عليه القرعة،
ص: 395
عتق ثلثه، و بقي ثلثاه و العبد الآخر للورثة، فيكون المعتق خمسة أسداس عبد، لأنّ مال الميّت بعد قضاء الدين عبدان و نصف، و لو لم يكن هناك دين أقرع بين الثلاثة، فإن خرجت قرعة العتق على المكتسب، عتق، و كان كسبه له، و رقّ العبدان الباقيان، و هما مثلا ما عتق، و إن خرجت على غير المكتسب، عتق و بقي من الثلث شيء، لأنّ قيمة العبيد و الكسب أربعمائة، فيقرع بين الباقيين، فإن خرجت القرعة على الّذي لم يكتسب، عتق ثلثه، و قد استوفى الثلث، و إن خرجت على المكتسب، قلنا: نفذ العتق في شيء و تبعه من الكسب شيء، و للورثة شيئان مثلا ما عتق، و قد نفذ العتق في عبد قيمته مائة، فيجعل للورثة مثلا ذلك مائتان، و في أيديهم عبدان قيمتهما مائتان و مائة الكسب، فيسقط من ذلك مائتان، و يبقى معهم مائة، تعدل أربعة أشياء، فالشيء خمسة و عشرون، و تبعه من الكسب خمسة و عشرون، و يبقى للورثة عبد قيمته مائة و ثلاثة أرباع المكتسب خمسة و سبعون، و كسب ذلك خمسة و سبعون، فيكون لهم مائتان و خمسون، و قد عتق عبد و ربع عبد بمائة و خمسة و عشرين.
أقرع بين الحيّ و الميت، فإن وقعت على الميت، فالحي رقيق، و تبين أنّ الميت نصفه حر، لأنّ الواصل إلى الورثة مثلا نصفه، و إن وقعت على الحيّ ، عتق ثلثه، و لا يحسب الميت(1) على الورثة.
استحقّها السيّد بالولاء، و تبين أنّه مات حرا، و لو خلف
ص: 396
عشرة دخله الدور، فنقول: تحرر منه شيء، و له من كسبه شيء، و لسيّده شيئان، و قد حصل في يد سيّده عشرة تعدل شيئين، فتبيّن أنّ نصفه حر و باقيه رقيق، و العشرة للسيّد، نصفها بالردّ، و نصفها بالولاء.
و لو خلف العبد ولدا، فله من رقبته شيء، و من كسبه شيء، يكون لولده بالميراث(1) و للسيّد شيئان، فتقسّم العشرة على ثلاثة، للابن ثلثها، و للسيّد ثلثاها، و تبيّن أنّه عتق من العبد ثلثه.
و لو خلف العبد عشرين و ابنا، فله من كسبه شيئان يكونان لابنه، و لسيّده شيئان، فالعشرون بين السيّد و الولد نصفين، و تبيّن أنّه عتق نصفه، و لو مات الابن قبل موت السيّد، و كان ابن معتقه، ورثه السيّد، لأنّا تبيّنا أنّ أباه مات حرا، إذا السيّد قد ملك عشرين هي مثلا قيمته، فعتق و جر ولاء ابنه إلى سيّده، فورثه، و إن لم يكن ابن معتقه لم ينجر ولاؤه، و لم يرثه سيّد أبيه، و كذا البحث لو خلف الولد عشرين، و لم يخلف الأب شيئا، أو ملك السيّد عشرين من أيّ جهة كانت، و لو لم يملك عشرين لم ينجر ولاء الابن إليه، لأنّ أباه لم يعتق، و لو عتق بعضه انجر من ولاء ابنه بنسبته.
فإن لم يدخل، بطل النكاح و لا مهر للمرأة و لا ميراث، و إن دخل صحّ النكاح، و ثبت لها الميراث، و كان لها المهر، فإن حابى فيه بأن كان مهر مثلها خمسة فأصدقها
ص: 397
عشرة، لا يملك سواها، كان لها مهر المثل و ثلث المحاباة، و لو أجاز الورثة، تثبت المحاباة، و لو ماتت قبله، فورثها و لم تخلّف سوى الصداق، دخلها الدور، فتصحّ المحاباة في شيء، فيكون لها خمسة بالصداق، و شيء بالمحاباة، و يبقى لورثة الزوج خمسة إلاّ شيئا، ثم رجع إليهم بالميراث نصف مالها، و هو اثنان و نصف و نصف شيء، صار لهم سبعة و نصف إلاّ نصف شيء يعدل شيئين أجبر و قابل، يخرج الشيء ثلاثة و كان لها ثمانية، رجع إلى ورثة الزوج نصفها أربعة، صار لهم ستّة، و لورثتها أربعة.
و لو ترك الزّوج خمسة أخرى بقي مع الورثة اثنا عشر و نصف إلاّ نصف شيء يعدل شيئين، فالشيء خمسة، فجازت لها المحاباة أجمع، و رجع جميع ما حاباها به إلى ورثة الزّوج، و بقي لورثتها صداق مثلها.
و لو كان للمرأة خمسة و لا شيء للزّوج، بقي مع ورثة الزوج عشرة إلاّ نصف شيء يعدل شيئين، فالشيء أربعة، فيكون لها بالصداق تسعة مع خمسها أربعة عشر، رجع إلى ورثة الزوج نصفها مع الدينار الّذي بقي لهم، صار لهم ثمانية، و لورثتها سبعة.
و ورثته إجماعا، و إن أعتقها في مرضه، ثمّ تزوّجها، و دخل، و كانت تخرج من الثلث، عتقت و ورثت.
و لو أعتق أمة لا يملك غيرها، ثم تزوّجها، صحّ النكاح، فإن مات ظهر فساد النكاح، و يسقط مهرها، و يعتق ثلثها، و يرقّ ثلثاها، و إن كان قد دخل بها، و مهرها نصف قيمتها، عتق منها ثلاثة أسباعها، و استرقّ أربعة أسباعها.
ص: 398
و طريقه أن تقول: عتق منها شيء، و لها بصداقها نصف شيء، و للورثة شيئان، فيجتمع ذلك، فيكون ثلاثة اشياء و نصف، تبسطها، فتكون سبعة، لها منها ثلاثة، و لهم أربعة، و لو أراد الورثة دفع حصّتها من مهرها، و هو سبعاه، و يعتق منها سبعاها و يسترقوا خمسة أسباعها، فلهم ذلك.
و لو قلنا: يحسب مهرها من قيمتها و تسعى فيما بقي، و هو ثلث قيمتها، كان وجها.
و لو أعتقها و قيمتها مائة و تزوّجها و مهرها كذلك، و خلّف مائة، صحّ النكاح، و بطل المسمّى، و إلاّ جاء الدور، لتوقفه على ثبوت العقد، المتوقف على العتق، المتوقف على بطلان المهر، لقصور الثلث(1) عن القيمة مع صحّته، و يثبت مهر المثل، لأنّه يجري مجرى أرش الجناية، و يبطل العتق في بعضها، لزيادتها عن الثلث.
و طريق تحصيل مقدار العتق و حصّته من مهر المثل، أن يقال: عتق منها شيء، و حصل لها من مهر المثل شيء آخر، و حصل للورثة شيئان في مقابلة ما عتق منها، فيكون التركة الّتي من جملتها الجارية، في تقدير أربعة أشياء، و التركة ثلاثمائة، و قيمة الجارية ثلثها(2) فتعتق ثلاثة أرباعها، و يحصل لها ثلاثة أرباع مائة من مهر المثل، تؤدّي منه خمسة و عشرين تمام قيمتها، يبقى لها خمسون، و للورثة مائة و خمسون.
ص: 399
فتكون هي التركة، فيرث النصف، و يبقى للورثة خمسة و خمسون، و لا يحسب عليه قيمته.
فإذا خالعت في مرضها، فإن كان بمهر المثل، صحّ له الفدية، و إن كان بأكثر كانت الزيادة على مهر المثل محاباة من الثلث، فإذا خالعت و مهر مثلها اثنا عشر بثلاثين لا مال لها سواها، فللزوج ثمانية عشر.
و لو تزوّج المريض امرأة على مائة، و لا يملك غيرها، و مهر أمثالها عشرة، ثمّ مرضت، فاختلعت منه بالمائة، و لا مال لها سواها، فلها مهر مثلها، و [لها] شيء بالمحاباة، و الباقي له، ثم رجع إليه صداق المثل و ثلث شيء بالمحاباة، فصار له مائة إلاّ ثلثي شيء يعدل شيئين، فالشيء ثلاثة أثمانها، و هو سبعة و ثلاثون و نصف، فصار لها ذلك و مهر المثل، يرجع إليه مهر المثل و ثلث الباقي اثنا عشر و نصف(1) فيصير بيده خمسة و سبعون، و هو مثلا محاباتها.
فقد صحّت الهبة في شيء، و الباقي للواهب، و رجع إليه بالميراث نصف الشيء الّذي جازت الهبة فيه، صار معه مائة إلاّ نصف شيء يعدل شيئين، فالشيء خمسا ذلك، أربعون، رجع إلى الواهب نصفها عشرون، صار معه ثمانون، و بقي لورثة الموهوبة عشرون.
و طريقه أن تأخذ عددا لثلثه نصف، و هو ستّة، فتأخذ ثلثها اثنين، و تلقى(2)
ص: 400
نصفه سهما، يبقى سهم فهو للموهوبة، و يبقى للواهب أربعة، فتقسم المائة بينهم على خمسته، و السهم الّذي أسقطته لا يذكر، لأنّه يرجع على جميع السهام الباقية بالسوية، فيطرح كالسهام الفاضلة عن الفروض في مسألة الردّ، مثل أن يخلّف أمّا و ابنين، فللابنين أربعة، و للأمّ سهم، و يسقط ذكر السهم الآخر.
عتق نصفه، و عليه نصف قيمته، و يصير للسيّد نصفه و نصف قيمته، و ذلك مثلا ما عتق منه، و إنّما وجب نصف القيمة عليه، لأنّ عليه من أرش الجناية بقدر ما عتق منه، و حساب ذلك أن تقول: عتق منه شيء، و عليه للسيّد شيء، فصار مع السيّد عبد إلاّ شيئا(1) و شيء يعدل شيئين، فأسقط شيئا بشيء، بقى ما معه من العبد يعدل شيئا مثل ما عتق منه، و لو كانت قيمته مائتين، عتق خمساه، لأنّه عتق منه شيء، و عليه نصف شيء للسيّد، فصار للسيّد نصف شيء و بقية العبد تعدل شيئين، فتكون بقيّة العبد تعدل شيئا و نصفا، و هو ثلاثة أخماسه و الشيء الّذي عتق خمساه، و لو كانت قيمته خمسين أو أقلّ عتق بأجمعه، لأنّه يلزمه مائة، و هي مثلاه، و لو كانت قيمته ستّين، قلنا: عتق منه شيء، و عليه شيء و ثلثا شيء للسيّد مع بقيّة العبد تعدل شيئين، فبقيّة العبد إذا ثلث شيء، فتعتق منه ثلاثة أرباعه، و على هذا القياس إلاّ أنّ ما زاد من العتق على الثلث، يقف على أداء ما يقابله من القيمة.
قيمة أحدهما مائة و الآخر مائة و خمسون، فجنى الأدنى على الأرفع جناية
ص: 401
نقصته ثلث قيمته، و أرشها كذلك، ثمّ مات السيّد، فإن وقعت قرعة الحرية على الجاني عتق منه أربعة أخماسه، و عليه أربعة أخماس أرش جنايته، و بقي لورثة سيّده خمسه و أرش جنايته و العبد الآخر، و ذلك مائة و ستون، هي مثلا ما عتق منه، و طريقه أن تقول: عتق منه شيء، و عليه نصف شيء، لأنّ جنايته بقدر نصف قيمته، بقي للسيّد نصف شيء و باقي العبدين يعدل شيئين، فعلمنا أنّ باقي العبدين شيء و نصف، فإذا أضفت إلى ذلك الشيء الّذي عتق صار جميعا يعدلان شيئين و نصفا، فالشيء الكامل خمساهما، و ذلك أربعة أخماس أحدهما.
و لو وقعت قرعة الحريّة على المجني عليه، عتق ثلثه، و له ثلث أرش جنايته، يتعلّق برقبة الجاني، و ذلك تسع الدية، لأنّ الجناية على من ثلثه حر تضمن بقدر ما فيه من الحرية و الرق، و الواجب له من الأرش يستغرق قيمة الجاني، فيستحقه بها، و لا يبقى لسيّده مال سواه، فيعتق ثلثه و يرق ثلثاه.
عتق من الأصل، لأن اعتبار الثلث(1) إنّما يكون لما يخرج من ملكه، و يرث، و قال الشافعي: يكون من الثلث(2) و هو قويّ .
و لو اشترى المريض أباه بألف لا يملك سواها، فعلى القول بإخراج المنجزات من الأصل، يصحّ البيع و ينعتق جميعه، و على ما اخترناه يعتق ثلثه، و يبقى ثلثاه رقا لورثة ابنه، فإن كان ممّن ينعتق عليهم عتق و إلاّ فلا، و يرث بقدر الحريّة فيه.
ص: 402
كان للموصى له ثلثا الجارية، و الثلث الباقي و الولد للورثة.
و لو أوصى له بجارية حامل منه، و مات قبل القبول، قام وارثه مقامه فيه، و يكره له الردّ، فإذا قبل الوارث ملك الجارية و حملها بالقبول من الموصي لا من المورث.
و هل تقضى ديون المورث من الجارية و حملها و ينفذ منهما وصاياه ؟ فيه نظر، ينشأ من كون الملك حصل من الموصي، و السبب و هو القبول لم يحصل من المورث، و من كون الوارث إنّما ملك بما ورث عنه من القبول، فهو مملوك بسبب(1) من جهته، كالدّية، و على كل تقدير فالولد لا يرث، لتوقفه على الحريّة المتوقفة على القبول من جميع الورثة، فلو كان، أحدهم دار.
و لو أوصى بأمة لرجل، و مات الموصي و الموصى له، و له ابن من الأمة و لم يجز الورثة، فقبلها الولد، عتق ثلثها و في تقويم الباقي عليه إشكال.
فإن خرج الأوّل بكماله من الثلث عتق، و إن فضل من الثلث شيء عتق من الثاني بقدر الفاضل، و لو خرج الثاني كلّه، عتق، و لو لم يفضل عن كمال الأوّل شيء لم يعتق من الثاني شيء، و نفذ العتق في الأوّل بأجمعه، و لو قصر الثلث عن الأوّل، عتق منه بقدره.
ص: 403
و لو أعتق الشقصين منهما دفعة، فإن خرج العبدان من الثلث عتقا، و إن خرج الشقصان خاصّة عتق الشقصان، و إن خرج أزيد منهما، فالأقرب القرعة، و يحتمل قسمة الفاضل بينهما.
عتق و ورث كالهبة و الميراث، و لو كان بعوض صحّ الشراء من الثلث، و عتق، و في إبطال الشراء في الزائد نظر، و على تقدير الصحّة لا يعتق على المريض، و أمّا الوارث فإن كان ممن يعتق عليه، عتق و إلاّ فلا، و مع عتق جميعه على المريض، يرث منه، و إن عتق بعضه ورث بقدر الحريّة، و إن عتق على الوارث لم يرث بالنسبة إلى نصيبه.
و لو اشترى أباه بألف لا يملك سواها [ثمّ مات] و خلّف ابنا، فعلى القول بصحّة البيع من الأصل يعتق على المريض، و على الآخر يعتق ثلثه، و يعتق باقيه على الابن.
و لو اشترى ابنه بألف من تركته، و قيمته ثلاثة آلاف، و خلّف ابنا آخر، عتق كله على أحد القولين، و على الآخر يملك أخوه تسعيه، و يعتق سبعة أتساعه، لأنّه ملك ثلثيه بالمحاباة، و لو ترك ألفين سواه، عتق كلّه و ورث ألفا، لأنّ التركة هي الثمن لا القيمة.
و لو اشترى ابني عمّه بألف لا يملك سواها و قيمة كل واحد ألف، فأعتق أحدهما ثمّ خلّف أبعد منهما في النسب، فعلى ما اخترناه يعتق ثلثاه إلاّ أن يجيز الوارث عتقه أجمع، ثمّ يرث بثلثيه ثلثي بقيّة التركة، فيعتق منه ثمانية أتساعه، و يبقى تسعة و ثلث أخيه للأبعد(1)، و يحتمل عتقه كلّه و يرث أخاه، لأنّه بالإعتاق
ص: 404
يصير وارثا لثلثي التركة، فتنفذ إجازته في إعتاق باقيه، فتكمل له الحريّة، ثمّ يكمل له الميراث.
و لو تبرّع بثلث تركته ثم اشترى أباه و له ابن، فإن قلنا بإخراج المنجّزات من الأصل، صحّ العتق للأب، و ورث، و إن قلنا إنّه من الثلث، قدمنا السابق من المنجّزات، فيصحّ الشراء و لا يعتق على المريض، لأنّه لم يبق من الثلث شيء، و يرثه الولد، فيعتق عليه و لا يرث، لأنّ العتق انما حصل له بعد الموت، و كذا البحث لو اشترى أباه ثم أعتقه.
أمّا لو وهب له أبوه أو ورثه، فإنّه يعتق عليه و يرث.
و لو ملك [المريض] من يرثه ممّن لا يعتق عليه، كابن عمّه، فأعتقه في مرضه، كان إعتاقه وصيّة من الثلث، على ما اخترناه، فإن خرج من الثلث عتق و ورث، و إن لم يخرج من الثلث، عتق منه بقدر الثلث، و ورث بقدر ما فيه من الحريّة.
كأرش الجناية، و جناية عبده، و ما عاوض عليه(1)بثمن المثل، و ما يتغابن الناس بمثله، و النكاح بمهر المثل، و شراء جارية للتسري كثيرة الثمن بثمن المثل، و كذا شراء طعام لا يأكله مثله بثمن مثله، بلا خلاف بين العلماء في ذلك.
و لو قضى [المريض] بعض غرمائه و وفّت تركته بسائر الديون، صحّ
ص: 405
قضاؤه، و لا سبيل للغرماء عليه، و إن لم يف فكذلك، لأنّه أدّى واجبا فصار كما لو اشترى بثمن المثل.
و لو اعتق [المريض] تبرعا، ثمّ أقرّ بدين مستوعب، ففي صحّة العتق نظر.
أحدها: أنّها تخرج من الثلث على ما اخترناه، و يقف نفوذها فيما زاد عليه على الإجازة.
الثاني: أنّ فضلها أنقص من فضل الصدقة في حال الصحّة.
الثالث: أنّ خروجها من الثلث يعتبر حال الموت لا قبله و لا بعده.
الرابع: أنّها إذا اجتمعت العطايا قدّم الأوّل منها فالأوّل، كالوصيّة.
و تفارقها في أحكام خمسة:
الأوّل: أنّها لازمة في حقّ المعطي، ليس له الرجوع فيها، و إن كثرت.
الثاني: أنّ قبولها على الفور في حياة المعطي، و كذا ردّها، بخلاف الوصيّة، فإنّه لا حكم لقبولها و لا ردّها إلاّ بعد الموت.
الثالث: أنّ العطية تفتقر إلى شروطها المعتبرة في الصحّة، من العلم بالقدر في البيع، و عدم التعليق على شرط في العتق، و غير ذلك من الأحكام، بخلاف الوصيّة.
الرابع: أنّ المرض إن اتصل بالوفاة، خرجت من الثلث، و إن برأ منه، ثمّ مات خرجت من الأصل، و الوصيّة تخرج من الثلث مطلقا.
ص: 406
الخامس: أنّها مقدّمة على الوصيّة فيبدأ بها، و يدخل النقص على الوصايا.
و لو اجتمعت العطايا، فإن ترتبت بدئ بالأوّل فالأول، و كان النقص داخلا على الأخير، و إن وقعت دفعة بأن وكل جماعة في إيقاعها، فأوقعوها دفعة، قسّم الثلث بينها على قدر الحقوق.
و لو نذر عتق سعيد عند عتق سعد، ثمّ أعتق سعدا عتق سعيد إن خرجا من الثلث، و إن لم يخرج [من الثلث] إلاّ أحدهما، قدم عتق سعد، و إن بقى من الثلث ما يعتق به بعض سعيد، عتق تمام الثلث منه.
و لو نذر عتق عبده إن تزوّج، فتزوّج بأكثر من مهر المثل، فالزيادة معتبرة من الثلث، فإن قصر الثلث عن المحاباة و العتق، قدمت المحاباة، لأنّ التزويج شرط في العتق، فيتقدم عليه، فوجوب المحاباة أسبق، و يحتمل التساوي، لأنّ التزويج سبب للمحاباة و شرط في العتق.
و الثاني كوجع العين و الضرس، و الصداع اليسير، و حمى ساعة، و هذا حكمه حكم الصحيح في عطاياه.
و الأوّل إمّا ممتدّ كالجذام، و حمى الرّبع،(1) و الفالج عند انتهائه، و السلّ في ابتدائه، و حمى الغب،(2) أو غير ممتد و يعلم تعجيل موته كالمذبوح، و من انتزعت
ص: 407
حشوته، أو لا يعلم لكنه يخاف منه ذلك، كالبرسام،(1) و الحمى الصالب(2)، و الرعاف اللازم، و ذات الجنب، و وجع القلب و الرئة، و القولنج، فهذه كلها يتحقّق معها الحجر في الوصايا و التبرعات عمّا زاد على الثلث، سواء كان معها حمى أو لا.
و الإسهال المنخرق الّذي لا يمكنه منعه و لا إمساكه،(3) مخوف و إن لم يكن منخرقا، بل ينقطع و يعود، فليس بمخوف إلاّ أن يكون معه زحير(4) أو يدوم عليه، أو يستصحب الدم.
و لو أشكل الحال في المخوف و غيره، رجع إلى الخبرة و هم الأطباء المسلمون العدول.
و لو هاج به الدم، فهو مخوف و إن لم يتغيّر عقله، و كذا الصفراء إذا هاجت به، أو البلغم الهائج، و الطاعون.
و الجراح النافذ إلى الدماغ أو إلى الجوف مخوف، و لو كان في يد أو ساق و شبههما و لم يرم الموضع، و لا يأتكل(5)، و لا حصل معه ضربان، فهو غير مخوف.
ص: 408
لم يتعلّق به الحجر، مثل حال التحام الحرب حال التحام الطائفتين، و كالأسير إذا وقع مع من يرى قتله، ركوب البحر وقت اضطرابه، و حضور مستوفي القصاص منه، و الطلق(1) إذا ضرب الحامل، فهذه الأسباب كلها لا يتعلّق بها حكم المرض، و تمضى التبرعات المنجزة معها من الأصل، و كذا لو حصل الطاعون ببلد، هو ساكن فيه.
ص: 409
ص: 410
و فيه مقدّمة و مقاصد
ص: 411
ص: 412
ففيها فصول
و فيه خمسة مباحث:
لورودهما معا في الكتاب العزيز، قال تعالى: إِذٰا نَكَحْتُمُ اَلْمُؤْمِنٰاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ (1) و قال تعالى: حَتّٰى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ (2).
و إنّما جعل حقيقة في الأوّل، لغلبة الاستعمال فيه، و صحّة نفيه عن الثاني، فيقال: هذا سفاح و ليس بنكاح، و أولويّة المجاز على الاشتراك، يدلان على مجازيته في الثاني، فيكون النكاح شرعا حقيقة في عقد التزويج مجازا في الوطء.
«يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنّه أغضّ للبصر و أحصن للفرج، و من لم يستطع فليصم فإنّ الصوم له و جاء»(1).
و أجمع المسلمون كافّة على مشروعيته.
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم:
«من تزوّج فقد أحرز نصف دينه»(2).
و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلم:
«ما بني في الإسلام بناء أحبّ إلى اللّه تعالى من التزويج»(3).
و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلم:
«تزوّجوا فإني مكاثر بكم الأمم غدا في القيامة حتّى أنّ السقط يجيء محبنطئا(4) على باب الجنة فيقال له: ادخل (الجنة)، فيقول: لا أدخل حتّى يدخل أبواي (الجنّة) قبلي»(5).
ص: 414
و عن الباقر عليه السّلام:
«ركعتان يصلّيهما متزوّج أفضل من سبعين ركعة يصلّيها أعزب»(1).
و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم:
«ركعتان يصلّيهما متزوّج أفضل من رجل عزب يقوم ليله و يصوم نهاره»(2).
و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلم:
«أراذل موتاكم العزّاب»(3).
و قال [صلّى اللّه عليه و آله و سلم]:
«أكثر أهل النار العزّاب»(4).
و قال عليه السلام:
«ما استفاد امرؤ (مسلم) فائدة بعد الإسلام أفضل من زوجة مسلمة تسرّه إذا نظر إليها، و تطيعه إذا أمرها، و تحفظه إذا غاب عنها في نفسها و ماله»(5).
ص: 415
خائف على نفسه من الوقوع في محظور إذا ترك النكاح، فهذا يجب عليه إعفاف نفسه بالنكاح.
و من له شهوة و يأمن معها الوقوع في محظور، فهذا يستحبّ له النكاح، و هو أفضل له من التخلّي للعبادة.
و من لا شهوة له كالعنّين، و الكبير، و المريض مرضا ملازما، فالأقرب في هذا عدم استحباب النكاح له، لانتفاء مصالحه، و لمنعه الزوجة من التحصين بغيره، و لاشتغاله عن العلم و العبادة بما لا فائدة فيه.
و لا ينبغي أن يترك مخافة العيلة، فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم زوّج فقيرا لم يقدر على خاتم حديد، و لا وجد له إلاّ إزاره، و لم يكن له رداء.(1) و قال:
«من سرّه أن يلقى اللّه طاهرا مطهّرا فليلقه بزوجة، و من ترك التزويج مخافة العيلة فقد أساء الظنّ باللّه عز و جل»(2).
و قال الصادق عليه السلام:
«من ترك التزويج مخافة العيلة فقد أساء الظنّ باللّه سبحانه، إنّ اللّه عزّ و جل يقول: إِنْ يَكُونُوا فُقَرٰاءَ يُغْنِهِمُ اَللّٰهُ مِنْ فَضْلِهِ »(3).
ص: 416
و هي: واجب، و محرّم، و مباح، و كرامة.
فالواجبات: السواك، و الوتر، و الأضحية، و تخيير النساء، فمن اختارت نفسها منهنّ بانت، و إذا لبس لامته - و هي الدرع و السلاح - لا ينزعها حتّى يلقى العدوّ، و قيام الليل، ثم نسخ بقوله: فَتَهَجَّدْ بِهِ نٰافِلَةً لَكَ (1).
و المحرّمات: الكتابة، و قول الشعر و تعليمه، و أخذ الصدقة الواجبة و المندوبة، و نكاح الكتابيّات، و خائنة الأعين، و هو الغمز بها، بل كان عليه السلام يصرّح بشيء من غير تعريض.
و المباحات: الوصال بمعنى أنّه كان يطوي الليل بلا أكل و شرب مع صيام النهار، لا أن يكون صائما، و أن يحمي لنفسه(2) و أبيح له الغنائم و الفيء، و أن يصطفي من الغنيمة، و أن يصلّي أين شاء من الأرض، و يتطهّر بأيّ تراب منها كان، و لم يكن لأحد قبله ذلك، و قيل: أبيح له أخذ الماء من العطشان(3) و أبيح له أن يتزوّج ما شاء بغير حصر، و أن يتزوّج بلا مهر.
و اختلف في خمس: أن يتزوّج بلا وليّ ، و لا شهود، و هما ثابتان عندنا
ص: 417
لكلّ أحد، و أن يتزوّج محرما على خلاف، قال الشيخ رحمه اللّه الظاهر أنّه محرّم عليه أيضا(1) و بلفظ الهبة، و إذا قسّم لواحدة من نسائه و بات عندها، هل يجب عليه القسمة للباقيات، خلاف.
و الكرامات: بعث إلى الجميع،(2) و اختص كلّ نبيّ ببعثه(3) إلى قوم، و ساوى الأنبياء كلّهم في معجزاتهم، و خصّ بالقرآن و بقائه إلى البعث، و نصر بالرعب، و جعلت زوجاته أمّهات المؤمنين، و حرمن على غيره من بعده، و كان ينام عينه و لا ينام قلبه، و يرى من خلفه كما يرى من قدامه.
و هي أحد عشر بحثا
سواء دخل بها أو لا، لكن زوجاته عليه السلام كلّهنّ دخل بهنّ ، أمّا من فارقها من حياته إمّا بفسخ كالمرأة الّتي وجد بكشحها بياضا ففسخ نكاحها، أو بطلاق كالّتي قالت له: أعوذ باللّه منك، فطلّقها، فهل للغير نكاحها؟ فالأصحّ تحريمها أيضا.
و لا بكونهنّ
ص: 418
أمّهات، بل بوحي من اللّه سبحانه إكراما له عليه السلام، و لهذا لا تحرم بناتهنّ و لا أمّهاتهنّ ، و لو كنّ أمّهات حقيقة لحرمن.
سواء ابتدأ بالقسمة أو لا، و الأقرب وجوبه انتهاء كغيره من الأمّة، و عدم وجوبه ابتداء كما في حقّ غيره من أمّته.
كالطبيب للعلاج، و إن كان إلى العورة، و كذا من يريد الشهادة على العيب الّذي يدّعيه الزوج، أو لحاجة كمن يريد أن يشهد على امرأة لا يعرفها إلاّ بالنظر إلى وجهها، و من يريد معاملتها، و كالحاكم المحتاج إلى رؤية وجهها، ليحكم عليها و بحليتها.
و يجوز أن ينظر إلى وجه امرأة يريد نكاحها، و إن لم يستأذنها، و كفّيها و شعرها، و أن يكرّر النظر إليها قائمة و ماشية، و لا يجوز النظر إلى غير الوجه و الكفّين من غير ساتر، و كذا يجوز أن ينظر إلى أمة يريد شراءها و إلى شعرها، و إلى الذمّية و شعرها، لأنّها بمنزلة الأمة، و لا يجوز للتلذّذ أو ريبة، و يجوز أن ينظر إلى وجه الأجنبيّة و كفّيها مرّة، و لا يجوز معاودة النظر.
و يكره إلى العورة، و ليس بمحرّم، و كذا المرأة في حقّ الزوج، و للزوج النظر إلى المحارم ما عدا العورة، و كذا المرأة.
كما قلناه أوّلا، و يقتصر الناظر على ما يفتقر إليه في النظر.
ص: 419
سواء كان شابّا أو شيخا، و سواء كان حسن الصورة أو قبيحها(1) ما لم يكن النظر لتلذّذ أو ريبة، فيحرم عليه النظر إليه حينئذ، و كذا المرأة يجوز لها النظر إلى مثلها، سواء كانت حسنة أو قبيحة ما لم يكن لريبة أو تلذّذ فيحرم.
و لا يجوز للخصيّ النظر إلى المرأة، سواء كانت مالكة له أو لا على إشكال، قال الشيخ: و الّذي يقوى في نفسي التحريم، و روى أصحابنا في تفسير قوله تعالى:
أَوْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُهُنَّ (2) المراد به الإماء.(3)
أمّا الخصيّ إذا كبر و هرم و ذهبت شهوته، فإنّه يجوز النظر له لقوله تعالى:
أَوِ اَلتّٰابِعِينَ غَيْرِ أُولِي اَلْإِرْبَةِ مِنَ اَلرِّجٰالِ (4) .
و لا يجوز للمرأة النظر إليه، لأنّ ابن أمّ مكتوم دخل على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و عنده عائشة و حفصة فلم تحتجبا عنه، فلمّا خرج، أنكر عليهما، فقالتا: إنّه أعمى، فقال:
أ فعمياوان أنتما(5).
أما الصبي و المجنون فلهما النظر إلى المرأة، بمعنى أنّ المرأة لا إثم عليها
ص: 420
في التبرج إليهما، و كذا الصغيرة من النساء يجوز للرجل النظر إليها إذا لم يكن في محل الشهوة.
فيه إشكال.
و يجوز لحاجة المعالجة كالنظر، و يجوز النظر إلى الفرج لتحمّل شهادة الزنا.
و فيه عشرة مباحث:
4905. الأوّل: يستحبّ لمن أراد العقد أن يتخيّر من النساء من تجمع كريم الأصل،(1)
و البكارة، و الولادة، و العفة، و لا يطلب الجمال و المال فانّه يحرمهما، بل تزوّجها لدينها ليرزقه اللّه تعالى الجمال و المال، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:
«ألا أخبركم بخير نسائكم ؟ قالوا: بلى يا رسول اللّه، قال: إنّ من خير نسائكم الولود الودود، الستيرة العفيفة، العزيزة في أهلها، الذليلة مع بعلها، المتبرّجة مع زوجها، الحصان مع غيره،(2) الّتي تسمع قوله، و تطيع أمره، و إذا خلا بها بذلت له ما أراد منها، و لم تبذل له كبذل
ص: 421
الرجل، و قال عليه السلام: ألا أخبركم بشرّ نسائكم ؟ قالوا: بلى يا رسول اللّه فأخبرنا، قال: من شرّ نسائكم الذليلة في أهلها، العزيزة مع بعلها، العقيم الحقود الّتي لا تتورّع عن قبيح المتبرّجة إذا غاب عنها زوجها، الحصان معه إذا حضر، الّتي لا تسمع قوله و لا تطيع أمره، فإذا خلا بها (بعلها)(1) تمنعت تمنّع الصعبة عند ركوبها، و لا تقبل له عذرا، و لا تغفر له ذنبا»(2).
و قام صلّى اللّه عليه و آله و سلّم خطيبا فقال: «أيّها الناس إيّاكم و خضراء الدّمن، قيل يا رسول اللّه: و ما خضراء الدّمن ؟ قال: المرأة الحسناء في منبت السوء»(3).
قال بعض الجمهور: الأولى ان لا يتزوّج الرجل في عشيرته. فإنّ من تزوّج فيهم كان الغالب على ولده الحمق(4).
قال «الشيخ رحمه اللّه: و قد ورد في الأحاديث الحث على التزويج بالأقارب، لأنّه من صلة الرحم(5) و هو حسن.
بأن يسأله
ص: 422
أن يخير له فيما قد عزم عليه، و يصنع ما رواه أبو بصير عن الصادق عليه السلام. قال:
«يصلّي ركعتين و يحمد اللّه عزّ و جل، و يقول: اللهم إنّي أريد التزويج اللهم فقدّر لي من النساء أعفّهنّ فرجا، و أحفظهنّ لي في نفسها و مالي، و أوسعهنّ رزقا، و أعظمهنّ بركة، و قيّض لي منها ولدا طيّبا تجعله لي خلفا صالحا في حياتي و بعد موتي»(1).
4907. الثالث: روى حمران عن الصادق عليه السلام قال: «من تزوّج و القمر في العقرب لم ير الحسنى»(2).
قال ابن بابويه: و روي أنّه يكره التزويج في محاق الشهر(3).
و ليس شرطا و إن تآمرا الكتمان،(4) و الخطبة أمام العقد، و ليست واجبة، و إيقاعه ليلا، و كذا الزفاف، أمّا الوليمة فبالنهار.
و يكره تخصيص الأغنياء بذلك، و لو كان الكافر لم تستحبّ إجابته إليها، و لو حضر لم يجز الأكل ممّا باشروه.
ص: 423
و لا بأس بأكل ما نثر في الأعراس، و لا يجوز أخذه إلاّ بإذن أربابه صريحا أو بشاهد الحال. و هل يملك بالأخذ؟ قال الشيخ: نعم(1) و النثر عنده ليس بمكروه. لكن يكره أخذه انتهابا إلاّ أن يعلم كراهية المالك فيحرم(2).
بأن تصلّي ركعتين و تكون على طهارة إذا دخلت عليه. و يصلّي أيضا مثل ذلك. و يكون متطهّرا، و يدعو اللّه تعالى عقيب الركعتين، و يسأله أن يرزقه إلفها و ودّها و رضاها، و يضع يده على ناصيتها، و يقول: اللّهم على كتابك تزوّجتها، و في أمانتك أخذتها و بكلماتك استحللت فرجها، فإن قضيت في رحمها نسبا، فاجعله مسلما سويّا و لا تجعله شرك شيطان(3).
فقد روى عن الصادق عليه السلام:
«إنّ من تركها فجاءه ولد كان شرك شيطان و يعرف ذلك بحبّنا و بغضنا»(4).
و كذا في أوّل الشهر و وسطه و آخره، قال الصادق عليه السلام:
«من فعل ذلك فليسلّم لسقط الولد، فإن تمّ أوشك أن يكون مجنونا».(5)
و استثني عن ذلك أوّل شهر رمضان، و يكره أيضا في ليلة خسوف القمر، و يوم الكسوف، و فيما بين غروب الشمس إلى أن يغيب الشفق، و من طلوع
ص: 424
الفجر إلى طلوع الشمس، و في الريح السوداء و الحمراء و الصفراء، و الزلزلة.
قال الباقر عليه السلام:
«و أيم اللّه لا يجامع أحد في هذه الساعات الّتي وصفت فيرزق من جماعه ولدا و يرى ما يحبّ »(1).
و قال الصادق عليه السلام:
«تكره الجنابة حين تصفرّ الشمس و حين تطلع و هي صفراء»(2).
و كذا يكره وقت الزوال و في السفر إذا لم يكن معه ماء يغتسل به، و الجماع و هو عريان، و عقيب الاحتلام قبل الغسل ليأمن الجنون على الولد.
و لا بأس ان يجامع مرّة عقيب أخرى من غير اغتسال.
و يكره الجماع مستقبل القبلة و مستدبرها، و في السفينة.
و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم:
«من جامع امرأته و هي حائض فخرج الولد مجذوما أو أبرص فلا يلومنّ إلاّ نفسه»(3).
و يكره أن يجامع و عنده من ينظر إليه، و النظر إلى فرج المرأة، و الكلام عند الجماع إلاّ بذكر اللّه تعالى، و أن يطرق أهله ليلا.
و اختلف
ص: 425
في العزل عن الحرّة إذا لم يشترط في العقد و لم تأذن، فقيل: هو محرّم، و يجب معه عشرة دنانير دية ضياع النطفة، و قيل: مكروه و إن وجبت الدية.(1)
ص: 426
و فيه فصلان:
و فيه تسعة عشر بحثا:
هما العقد، و لا بدّ فيهما من الصيغة الدالّة عليهما مع القدرة، و لو عجزا أو أحدهما عن النطق كفت الإشارة الدالّة على الرضا في حقّ العاجز.
و في متّعتك إشكال، و لا ينعقد بلفظ الهبة، و لا الصّدقة، و لا البيع، و لا الإجارة، سواء ذكر المهر في ذلك كلّه أو لا، و القبول أن يقول: قبلت النكاح أو التزويج، و لو اختلفا في الصيغة بأن يوجب بلفظ التزويج فيقبل بلفظ النكاح جاز، و لو اقتصر على ذكر قبلت من غير ذكر أحدهما جاز.
فلو عجزا أو
ص: 427
عجز أحدهما كفت الصيغة بغيرها، و لو عقد بالفارسية مع القدرة على العربية لم يصحّ ، و لو كان أحدهما يحسن بالعربية و الآخر بغيرها أتى كلّ بما يحسنه بشرط فهم أنّ الوليّ أوجب.
و لا ينعقد النكاح بالكنايات، و لا بالكتابة مجرّدة عن الإشارة الدالّة على الرضا و لا معها مع القدرة على النطق.
فلو قصد الإنشاء بلفظ الأمر كقوله زوّجنيها، فقال: زوّجتك، قال الشيخ: صحّ و إن لم يأت بلفظ القبول ثانيا(1) و لو أتى بلفظ الاستفهام كقولك: أ تزوّجني بنتك ؟ فقال زوّجتكها، لم ينعقد حتّى يقبل، و كذا لو قال: زوّجني(2) بنتك، أو جئتك خاطبا راغبا في بنتك، فقال: زوّجتكها.
و لو قال: أتزوّجك، بلفظ المستقبل فيقول: زوّجتك قيل: يصحّ من غير قبول ثان، و لو قيل له: زوّجت بنتك من فلان ؟
فقال: نعم، فقال الزوج: قبلت قال الشيخ: يقوى في نفسي الصحة.(3)
و عندي فيه نظر.
فلو قدّم القبول على الإيجاب انعقد، قال الشيخ: و كذا في البيع ينعقد لو تقدّم القبول.(4)
ص: 428
لم ينعقد.
بطل حكم الإيجاب، فلو قبل لم ينعقد، و كذا لو تقدّم القبول ثمّ جنّ قبل الإيجاب أو أغمي عليه، و كذا البحث في البيع.
فإن شرط الخيار فيه بطل العقد، و لو شرط الخيار في الصداق صحّ العقد و الشرط.
و كذا المجنون و السكران، و إن التزم به بعد الإفاقة، و بالجملة لا بدّ للقصد من المكلّف.
فلو قال: زوّجتك إحدى بناتي أو بنتي و له أكثر من واحدة، بطل، و كذا يبطل لو قال: زوّجتك حمل هذه الجارية.
و لو قال: زوّجتك بنتي هذه فلانة، أو بنتي هذه، أو بنتي، و له واحدة صحّ ، و كذا يصحّ لو قال: زوّجتك هذه، و هي حاضرة.
و لو قال: زوّجتك بنتي فاطمة، و اسمها خديجة، و لا بنت له غيرها، صحّ اعتبارا بالإضافة اللازمة و إلغاء الاسم المفارق، و لو قال زوّجتك فلانة، و أطلق، لم يصحّ .
و لو كانت الكبرى فاطمة و الصغرى خديجة، فقال: زوّجتك الكبرى، صحّ ، و كذا لو قال: فاطمة و كذا في الصغرى.
ص: 429
و لو قال: زوّجتك الكبرى خديجة، صحّ للكبرى اعتبارا باللازم، و لو قال:
زوّجتك بنتي، و نوى الكبرى، فقال الزّوج قبلت، و نواها صحّ ، و لو قال: زوّجتك ابنتي فاطمة، و نوى الصغرى، فقال: قبلت نكاح فاطمة، و نوى الكبرى، صحّ ظاهرا للكبرى لاتّفاقهما على الاسم، و يبطل باطنا، لأنّ الوليّ أوجب للصغرى، و الزوج قبل لغيرها، و لو صدّقه، بطل ظاهرا أيضا.
و لو كانت له عدة بنات فزوّج واحدة، و لم يسمّها عند العقد، فإن لم ينو واحدة معيّنة، بطل، على ما قلناه، و إن نوى معيّنة، صحّ ، فإن اختلف هو و الزوج في المعقود عليها، فان كان الزّوج قد رآهنّ كلّهنّ ، فالقول قول الأب، لأنّ الظاهر أنّه وكّل التعيين إليه، و على الأب أن يسوق إليه المنويّة، فإن لم يكن الزّوج قد رآهنّ كلّهنّ ، بطل العقد.
لم ينعقد.
و يشترط في غيرها، و أمّا الشاهدان فلا يشترطان في شيء من الأنكحة، و يجوز لو أوقعه الزوجان أو الأولياء سرّا، سواء تآمرا الكتمان أو لا.
قضي بالزّوجية بينهما ظاهرا، و توارثا، و لو ادّعاها أحدهما حكم عليه به، و قضي بمقتضى العقد في حقّه خاصّة دون صاحبه.
و لو ادّعى زوجيّة امرأة، و ادّعت أختها زوجيّته، و أقام كلّ منهما بيّنة، حكم
ص: 430
لبيّنته ما لم يسبق تاريخ الأخرى أو يكون قد دخل بالمدّعية، فإن حصل أحد الأمرين قضي لها.
كان العقد باقيا، و كذا ان اشتراها لنفسه على ما اخترناه، من أنّ العبد لا يملك شيئا، و على القول الآخر يبطل، و لو تحرّر بعضه فاشتراها، بطل العقد، سواء اشتراها بمال نفسه أو بالمشترك بينه و بين المولى.
فلو قال: إن كان ولدي أنثى فقد زوّجتكها، لم يصحّ و إن كانت أنثى، و لو قال: زوّجتك بنتي على أن تزوّجني بنتك، فالأقرب الصحّة، أما لو جعل بضع إحداهما نكاح الأخرى فإنّه يبطل قطعا.
4930. السادس عشر: الخطبة(1) مستحبّة،
و هي تصريح و تعريض، فالأوّل هو أن يخاطبها، بما لا يحتمل غير النكاح، مثل أن يقول: أريد أن أتزوّجك أو أنكحك، و الثاني أن يخاطبها بما يحتمل غيره، مثل أن يقول: ربّ راغب فيك، أو متطلع إليك أو حريص عليك أو لا تبقين بلا زوج أو أرملة.
ثمّ المرأة إن كانت خالية من بعل أو عدة، جاز التعريض لها بالخطبة و التصريح، و إن كانت ذات بعل أو ذات عدة رجعية، لم يجز التصريح لها بالخطبة و لا التعريض.
ص: 431
و إن كانت مطلّقة ثلاثا، جاز التعريض لها بالخطبة من الزوج و غيره، و لا يجوز التصريح منهما لها.
و إن كان الطلاق تسعا للعدّة حرمت الخطبة تعريضا و تصريحا من الزوج، و يجوز من غيره تعريضا لا تصريحا، و لو خرجت العدة جاز من الغير تصريحا.
و إن كان الطلاق بائنا غير محتاج إلى المحلّل كالخلع و شبهه، جاز التعريض من الزوج و غيره في العدّة و التصريح من الزّوج خاصّة، و يجوز بعد العدّة التصريح من الزّوج و غيره.
و المتوفّى عنها زوجها يجوز التعريض لها لا التصريح و بعد العدّة يجوز التصريح.
إذا عرفت هذا فإنّ جواب المرأة مثل الخطبة، فيجوز لها التعريض فيه.
و يكره أن يواعدها سرّا، و معناه أن يخطب بالفحش من القول و الهجر من الكلام، مثل أن يقول: عندي جماع يرضيك، و كذا لو عرّض به بأن يقول: ربّ جماع يرضيك، و لو صرّح بالخطبة فيما منع من التصريح به، أو واعدها سرّا، ثمّ انتقضت العدة و تزوّجها، صحّ النكاح.
قال الشيخ رحمه اللّه: حرم على غيره الخطبة عليها إلاّ أن يأذن له أو يتركها، فإن خطب و تزوّج على خطبة أخيه كان النكاح صحيحا، أمّا لو خطب فامتنعت، أو سكتت، أو رضيت به، و لم تصرّح بالإجابة، مثل أن تقول: ما أنت إلاّ رضا أو ما فيك عيب، لم يحرم على غيره خطبتها، و إذا أذنت المرأة لوليّها في تزويجها ممّن يشاء، كان لكلّ أحد خطبتها.
ص: 432
و فيه ثلاثون بحثا:
سواء كانت بكرا، أو ذهبت بكارتها بوطء أو غيره، فإن فقدا معا، كانت ولاية المجنونة إلى الحاكم، يزوّجها مع اعتبار المصلحة.
قال الشيخ: المراد بالحاكم هنا الإمام أو من يأمره الإمام خاصة،(1) و لا ولاية له على الصّغيرة، و لو فقد الحاكم انتفت الولاية عنها أيضا.
و إن كانت بالغة رشيدة، فإن كانت ثيّبا كانت الولاية لها خاصّة، تولّي أمرها من شاءت، و لو عقدت بنفسها صحّ ، و إن كانت بكرا فكذلك على أقوى القولين، و لا خلاف في أنّ لها أن تزوّج(2) نفسها مع عضل وليّها.
و لا فرق في جواز عقدها لنفسها بين أن تكون رفيعة أو وضيعة، بل يجوز للوضيعة ذلك، كما يجوز للرفيعة، و لا يشترط إذن الولي في ذلك كلّه.
لم يكن للمولّى عليه
ص: 433
فسخ النكاح بعد زوال عذره، في الذكر و الأنثى إلاّ الأمة إذا زوّجها مولاها ثمّ أعتقت، فإنّ لها خيار الفسخ.
فلو كان ميّتا سقطت ولايته في النكاح(1) و الأقرب عندي عدم الاشتراط.
بكرا أو ثيّبا، عاقلة أو مجنونة، و كذا العبد، و ليس لأحدهما أن يزوّج نفسه من دون إذن المولى، و له إجبارهما على النكاح لمن به عيب يوجب الفسخ و بغيره، و لا فرق في ذلك بين أن يكون المولى ذكرا أو أنثى.
و ان كان الأب أو الجدّ قد أسند إليه ذلك، سواء كان الموصى عليه ذكرا أو أنثى، و سواء كانت البنت صغيرة أو كبيرة، و سواء عيّن الأب زوج الصغيرة أو لا، نعم له أن يزوّج من بلغ فاسد العقل مع الحاجة إلى النكاح.
و لو فعل حينئذ، كان العقد باطلا، و لو دخل فالأقرب ثبوت مهر المثل، أمّا مع الحاجة فانّه يجوز له أن يتزوّج بمهر المثل، و ان لم يأذن له الحاكم، و إن زاد عليه بطل الزائد، و يجوز للحاكم أن يأذن له في النكاح بمهر المثل مع تعيين المرأة و إطلاقها.
ص: 434
و كذا لو كانت بكرا رشيدة، و لو كانت صغيرة كان لهما إجبارها على النكاح، سواء كانت ثيّبا أو بكرا، و سواء كانت صحيحة أو معتوهة، و ليس لغيرهما من العصبات كالأخ و العم ذلك.
لكن يكتفى في البكر بالسكوت الخالي عن قرينة الكراهية، و لا بدّ في الثيّب من النطق.
و هل تزول البكارة بوطء الزنا؟ «قال أبو حنيفة: لا، لقوله عليه السلام:
«البكر [بالبكر](1) جلد مائة و تغريب عام».
و لا دلالة فيه لأنهما حين الزنا كانا بكرين.
و يجوز للجدّ تولّي طرفي النكاح على حافديه(2)، و للأب تزويج موكّله، و لا يكفي الإيجاب فيهما مجرّدا عن القبول، و ليس للوكيل و لا للوليّ أن يزوّجها بدون مهر المثل، فإن فعلا كان لها فسخ المسمّى، و هل لها فسخ النكاح ؟ فيه نظر، و كذا لو زوّج الصغيرة بأكثر من مهر المثل، و لو زوّجها الوليّ بالمجنون أو الخصيّ ، صحّ لكن لها الفسخ، و كذا لو زوّج الطفل بذات عيب موجب للفسخ.
و لو زوّجه برتقاء لم يسقط خيار الفسخ مع الجبّ .
و لو زوّجها بمملوك، فلا خيار لها بعد البلوغ، أمّا الصبيّ لو زوّجه بمملوكة، ففي ثبوت الخيار له إشكال.
ص: 435
و لو تصادق الزوجان على إنكاح الأب أو الجدّ فأنكر لم يعتدّ بإنكاره، و ثبت النكاح، و كذا لو اتّفقا على النكاح بحضرة شاهدين، و أنكر الشاهدان، و لو بلغت بعد تزويج الوليّ فذكرت أنّ بينها و بين الزوج رضاعا، أو ما يوجب بطلان النكاح، ففي قبول قولها نظر، أقربه القبول بالنسبة إليها، أمّا لو أذنت البالغة في تزويجها من شخص بعينه، أو زوّجها و مكّنت الزوج من نفسها، ثمّ ادّعت التحريم، فإنّه لا يقبل منها.
فلو زوّجها الأجنبي كان العقد باطلا في نفسه لا يصحّ بالاجازة، و كذا في طرف الزوج و قال: لكن قد روى أصحابنا في تزويج العبد خاصّة أنّه موقوف على إجازة مولاه، فأمّا نكاح الأمة فمنصوص عليه أنّه زنا إذا كان بغير إذن سيّدها(1)و لو قيل بوقوفه على الإجازة كالبيع، كان وجها.
سواء كانت ولاية إجبار كالأب و الجدّ، أو اختيار كغيرهما أو هما في حقّ البالغة، و سواء كان الفسق متجدّدا أو لا أمّا الكافر فلا ولاية له على المسلمة، سواء كان حربيّا أو ذميّا، و سواء كان عدلا في دينه أو لا، قال الشيخ رحمه اللّه: لو زوّج الذمّي ابنته الذمية من مسلم، صحّ العقد عند من أجاز العقد عليهن من أصحابنا(2) فأثبت له الولاية، و هو جيّد، و تثبت ولاية المسلم على الكافرة، و الخرس لا يسلب ولاية النكاح إذا علمت إشارته، و كذا العمى و الصنائع الدنيّة، كالحارس و الكنّاس و الحجّام و الحائك.
ص: 436
بأن يراه يتبع النساء، و لو كان له حال إفاقة انتظرها(1) و كذا صاحب البرسام.
و لو زال المانع عن الأب، عادت ولايته، و لو اختار الأب زوجا و الجدّ آخر، فإن سبق عقد أحدهما، صحّ نكاحه، و لو اقترنا ثبت عقد الجدّ، و لو تشاحّا في إيقاع العقد، قدّم اختيار الجدّ.
فلو مات أحدهما ورثه الآخر، و لو عقد عليهما من لا ولاية له، وقف على الإجازة بعد البلوغ، فإن مات أحدهما قبل بلوغه، بطل العقد، و لا ميراث، سواء كان الآخر قد أجاز النكاح بعد بلوغه أو لا، و إن بلغ أحدهما و أجاز، ثمّ مات عزل ميراث الآخر منه، فإن أجازه بعد بلوغه، حلف أنّه لم يجز للطمع في الميراث، و ورث، فإن امتنع فلا ميراث له.
و سواء كان النكاح دائما أو منقطعا، و للشيخ هنا تفصيل ضعيف(2) و لو كانت لمن عليه ولاية، فنكاحها بيد الوليّ ، فإن زوّجها لم يكن للمولّى عليه الفسخ بعد زوال عذره.
فلا يجوز له إجباره على النكاح، و لو أذن المولى لعبده في العقد، صحّ ، فإن عيّن المهر
ص: 437
فزاد، كانت الزيادة في ذمّة العبد، يتبع بها بعد العتق، و إن أطلق، انصرف إلى مهر المثل، و البحث في الزيادة كما تقدّم، و هل يثبت مهر المثل مع الإطلاق أو المسمّى مع التعيين في ذمّة المولى أو في كسب العبد؟ الأقرب الأوّل، و كذا البحث في نفقة الزوجة.
فلا ولاية عليها مطلقا كما تقرّر، لكن يستحبّ لها أن تستأذن أباها في العقد و أن توكّل أخاها مع فقده.
و لو كان لها أخوان استحبّ أن تجعل الأمر إلى الأكبر، و لو اختار كلّ من الإخوة رجلا استحبّ لها اختيار خيرة الأكبر.
و لو زوّجها الأخوان بالوكالة، فالعقد للسابق، فلو دخلت بالأخير ردّت إلى الأوّل بعد العدّة، و كان لها المهر، و لحق به الولد لو حملت، و لو اقترن العقدان، فالأقرب، البطلان أمّا لو لم تأذن، فإنّ لها أن تخير عقد من شاءت منهما، و الأولى عقد الأكبر، و لو دخلت بأحدهما فهو إجازة له.
و لو زوّجت الأم ولدها فإن رضي، لزم، و إلاّ بطل قيل: و يلزمها المهر(1)و يحمل على ادّعائها الوكالة.
و لو زوّجها أجنبيّ فادّعت الإذن، و قال الزوج: زوّجك من غير إذن، فالقول قولها مع اليمين.
و كذا المدبّر أمّا
ص: 438
المكاتب المطلق أو المشروط و من انعتق بعضه، فليس له إجبارهما، و لو امتنع المولى مع طلب العبد لم يجبر على إنكاحه.
و لو كان العبد بين شريكين، كان لهما معا إجباره على النكاح، و ليس لأحدهما ذلك إلاّ بإذن الآخر، و لو طلب العبد النكاح لم يجبر الممتنع من الشريكين عليه، لكن يستحبّ له إجابته، و كذا لو كان لواحد.
و لو زوّج أمته من عبده جاز و لم يجب المهر فيه، لكن يستحبّ ذكره.
4951. العشرون: قد ذكرنا أنّ الأقرب أنّ مهر العبد المأذون له في التزويج(1)و نفقة زوجته على مولاه،
و قال الشيخ: يكونان في كسبه إن كان له كسب فيجب على مولاه إرساله نهارا للتكسب، و ليلا للاستمتاع، و لو تكفّل مولاه بالنفقة و المهر كان له استخدامه نهارا، و الوجوب يتعلّق بما يستأنف من الكسب لا بما مضى ممّا هو في يده لمولاه، و كذا لو تزوّج بمهر مؤجّل ثبت في كسبه بعد الأجل، قال: و لو لم يكن ذا كسب قيل فيه قولان: أحدهما في ذمّته يتبع به بعد العتق في المهر و النفقة و قيل: على المولى(2) و لم يرجّح أحدهما.
فإن نكح فاسدا فرّق بينهما، فإن دخل وجب المهر في ذمّته يتبع به بعد العتق لا في رقبته، و إلاّ فلا، و كذا لو تزوّج بغير إذن مولاه، و مع إطلاق الإذن يجوز أن ينكح حرّة أو أمة، و في أيّ بلد شاء، لكن لا يسافر إلى الزوجة إلاّ بإذن المولى.
و لو عيّن المالك فخالف، كان موقوفا إن أجازه مولاه(3) و إلاّ بطل، فلو
ص: 439
تزوّج أمة بإذن مولاه، ثمّ أمره بشرائها لم ينفسخ النكاح مطلقا إن قلنا: إنّ العبد لا يملك، و إلاّ كان فيه تفصيل.
و لو تزوّج من انعتق بعضه بأمة مع الإذن، صحّ ، فلو اشتراها بما ملكه(1)بانفراده من نصيب الحريّة، بطل النكاح، و كذا لو اشتراها بكسب جميعه.
و من انعتق بعضها، و لو طلبت إحداهما التزويج، فالأقرب أنّ لمولاهما منعهما عنه.
فلو ضمنه السيّد صحّ ، و لها مطالبة السيّد خاصّة، فإن طلّقها قبل الدخول سقط عن السيّد نصفه إن كان قد ضمن، و إن لم يكن قد ضمن، عاد النصف من الكسب إلى السيّد، و لو طلّقها بعد العتق عاد النصف من الكسب إليه.
و لو باعه السيّد عليها، بطل النكاح، فإن كان بعد الدخول تقاصّا بالمهر و الثمن، و إن كان قبله، احتمل سقوط جميع المهر، و قوّاه الشيخ(2) و احتمل سقوط نصفه و لو كان البيع بعين المهر، فإن كان قبل الدخول بطل البيع و إلاّ جاء الدور، و إن كان بعده، صحّ و انفسخ النكاح.
فإذا ضمنه كان له أن يسافر به و يمنعه من الكسب، و إلاّ فلا، و لو زوّج أمته وجب أن يرسلها ليلا للاستمتاع، و له إمساكها
ص: 440
نهارا للخدمة و السفر بها، فإذا أمسكها نهارا، فالأقوى سقوط النفقة عن الزّوج، و إن لم يمسكها وجبت.
و لا تفتقر الوكالة إلى شهود كالنكاح، و لا فرق في ذلك بين ولاية الإجبار كالأب و الجدّ، و بين ولاية الاختيار كالوكيل، و كما يجوز للوليّ أن يوكّل مع تعيين الزّوج فكذا يجوز مطلقا.
و لو زوّجت هي نفسها كان لازما.
و الكفاءة فسّرها الشيخ رحمه اللّه بالإيمان و القيام بالنفقة(1) و لو زوّجت نفسها بدون مهر المثل، لم يكن لأحد الاعتراض.
و لو ادّعى وكالة الغائب في التزويج، فزوّجها له(2)، و ضمن المهر، ثمّ حلف الموكّل، رجعت على الوكيل بنصف المهر لا بجميعه، و لو مات الغائب لم ترثه إلاّ مع البيّنة بالوكالة أو تصديق الورثة، و لو زوّجه بأكثر من المأمور لم يصحّ المهر، و كذا لو زوّجه بغير الجنس، و لو زوّجه بأقلّ منه جاز.
و لو قال لها: إنّ زوجك الغائب طلقك و وكّلني في استئناف العقد بألف، فعقد و ضمن، ثم أنكر الغائب، فالنكاح الأوّل بحاله، و هل يثبت في ذمّة الضامن ؟ فيه تردّد، ينشأ من براءة ذمّة الأصل، فالفرع أولى، و من اعتراف الفرع بثبوت الحقّ في ذمّته.
ص: 441
و إن دخل بها الثاني و تردّ إلى الأوّل بعد العدة، و لها مهر المثل، و لو لم يدخل، فلا مهر و لا عدّة.
و لو اقترنا، أو لم يعلم السبق و عدمه، أو لم يعلم عين السابق، بطل الجميع.
و لو علم سبق أحدهما، ثمّ أشكل، توقف أبدا حتّى يتبيّن.
و لو ادّعى كلّ منهما علمها بالسبق، فحلفت، أو نكلت، فحلفا أو نكلا، بطل النكاحان.
و لو اعترفت لهما قال الشيخ: فهو كلا اعتراف، و يبطل العقدان(1) و لو قيل:
ببقاء الدّعوى كان وجها، و لو نكلت فحلف أحدهما و نكل الآخر، صحّ نكاح الحالف.
و لو اعترفت لأحدهما، ثبت نكاحه، و قوّى الشيخ رحمه اللّه إحلافها على عدم العلم للثاني، لأنّها لو اعترفت لزمها مهر المثل، فإذا حلفت بقي التداعي بينهما (2)و كذا لو ادّعى زوجيّتها اثنان، فاعترفت لأحدهما، فإن اعترفت للثاني ففي إلزامها بمهر المثل وجهان، و إن نكلت أحلف الثاني، و لا يحكم بها له، و قوّى الشيخ عدم لزوم مهر المثل(3) فلا فائدة حينئذ في إحلافه، و الأقرب عدم سماع الدعوى على الوليّ (4).
و لو ادّعى وارث الزّوج أنّ أخاها زوّجها بغير إذنها، فالقول قولها،
ص: 442
و لو سمع من الرّجل ادّعاء زوجيّة المرأة، و كذا المرأة، حكم بالتوارث بينهما، و لو سمع من أحدهما دون الآخر، ورث الساكت المقرّ، دون العكس، و لو تزوّج امرأة في عقد و امرأتين في آخر، و ثلاثا(1) في آخر، و أشكل، صحّ عقد الواحدة خاصة، إن قلنا ببطلان العقد فيما إذا تزوّج رابعة و خامسة في عقد، و إلاّ فلا.
سواء كان على العبد دين مستغرق لقيمتها أو لا، و له أن يطأها، و لا يعتبر في ذلك كله رضا العبد، و لا ظهور الحجر على العبد، و ليس للعبد ولاية النكاح على ابنته، بل أمرها إلى مالكها، إن كانت مملوكة، و لو وكّل حر عبدا في عقد النكاح، جاز، سواء كان إيجابا أو قبولا.
و لو قال: قبلت، و سكت، فالأقرب، الانعقاد، و لو قبل الوكيل نكاحا و نواه لموكله، لم يقع له بخلاف البيع.
و لا يزيد على واحدة، و إن جاز أن يزوّج من الصغير أربعا، و كذا الجدّ، و هل يزوّج الصغير المجنون ؟ فيه نظر، أمّا المجنونة فيزوّجها مع المصلحة و إن كانت صغيرة، و لو بلغت عاقلة، ثم جنّت، عادت ولاية الأب، و هل للمعتقة في المرض(2) تزويج نفسها؟ فيه تردّد، ينشأ من إمكان عودها إلى الرق، و من حصول الحرية حالة العقد.
ص: 443
ص: 444
ذكر اللّه سبحانه و تعالى في كتابه خمس عشرة امرأة محرّمة،(1) منها ما هو بالنّسب، و منها ما هو بالسّبب.
فالنسب: الأمّ و البنت و الأخت و العمّة و الخالة و بنات الأخ و بنات الأخت.
و السبب ضربان: أحدهما يقتضي التأبيد، و الآخر على الجمع؛ فالأوّل الرضاع و المصاهرة و أسباب أخر، و نحن نذكر أحكام ذلك كلّه في فصول.
و فيه ثلاثة مباحث:
الأمّ حقيقة و مجازا، فالحقيقة الوالدة، و المجاز أمّهاتها و إن علون، و كذا أمّ الأب و أمهاتها و أم الجدّ و أمّ أبي أمّ الأب.
و البنت حقيقة و مجازا، فالحقيقة بنت الصلب، و المجاز بنت البنت و بنت الابن و إن نزلتا.
و الأخت سواء كانت لأب أو لأم أو لهما.
ص: 445
و العمة سواء كانت حقيقة أو مجازا، فالحقيقة أخت الأب لأبيه أو لأمه أو لهما، و المجاز أخت الجد و إن علا كذلك.
و الخالة حقيقة و مجازا، فالحقيقة أخت الأم، و المجاز أخت أم الأم و إن علت، و أخت أبي الأم، و إن علا، سواء كانت من أب أو أمّ أو منهما.
و بنات الأخ حقيقة و مجازا، فالحقيقة بنت الأخ، و المجاز بنت ابن الأخ، أو بنت بنت الأخ، و إن سفلن.
و بنات الأخت حقيقة و مجازا، فالحقيقة بنت الأخت، و المجاز كبنت ابن الأخت أو بنت بنت الأخت و إن سفلن، و هؤلاء يحرمن على التأبيد، و الضابط فيه أنّه يحرم على الرجل أصوله و فروعه و فروع أوّل اصوله و أوّل فرع من كل أصل بعد أصل و إن علا.
و لا يثبت بالزنا شرعا، فلو ولد من الزنا لم يلتحق به، و لا يحل له و لا لأولاده و آبائه و أعمامه وطؤه إن كان أنثى، و إن كان ذكرا لم يحل له بنت الزاني، و لا ينعتق عليه لو ملكه، أمّا المنفية باللعان، فإنها لا تحرم عليه إن لم يكن قد دخل بالأم، و لا على غيره مطلقا.
لم يلتحق بأحدهما، و لو كان بين العشرة و الستّة فهو له، و إن كان لستّة من الثاني و لأقلّ من عشرة من الأوّل احتمل القرعة و لحوقه بالثاني، و حكم اللبن تابع للنسب، و لو لاعن لنفي الولد بطل النسب عن صاحب الفراش، و كان اللبن تابعا أيضا، و لو اعترف به بعد ذلك، عاد نسبه، و ليس له ميراث منه، بل الولد يرثه.
ص: 446
و مطالبه أربعة
و هي ثلاثة: المرضعة و اللبن و المحلّ
فهاهنا أربعة مباحث:
و سواء كانت الولادة عن تمام أو سقط، فلا اعتبار بلبن البهيمة، و لا لبن الرجل، و لا الميتة، و لا من درّ لبنها من غير ولادة، و لا من لبنها من زنا، و يعتد بلبن المنكوحة بالشبهة على الأقوى.
و يستحبّ أن تكون عاقلة مسلمة عفيفة وضيئة،(1) و يكره استرضاع الكافرة فان اضطرّ استرضع الذمّية و منعها من شرب الخمر و أكل لحم الخنزير، و كره له تسليم الولد لتحمله إلى منزلها.
و يتأكد الكراهية في استرضاع المجوسيّة، و يكره أيضا استرضاع من ولدت أو ولدت من زنا و ذات البدعة في دينها و السوء في خلقها(2) و الحمق.
ص: 447
فلو طلق الحامل أو المرضع فأرضعت بعد مفارقته بلبنه نشر الحرمة، سواء أرضعته قبل انقضاء العدة أو بعدها، انقطع لبنها ثم عاد، أو ثبت و لم ينقطع، و سواء زاد أو نقص، و كذا لو تزوّجت بآخر و دخل بها و حملت، و لو انقطع اللبن ثمّ عاد في وقت إمكانه للثاني، كان له دون الأوّل، و لو اتصل حتّى وضعت من الثاني، كان ما قبل الوضع للأوّل و ما بعده للثاني.
فلو حصل منه جبن أو أقط(1) أو مزج بغيره من مائع أو غيره مؤثر في التغذية أو لا، لم ينشر الحرمة، و كذا لا اعتداد به لو وجر في حلقه، أو سعط به، أو حقن، أو قطر في إحليله أو جراحة بحيث يصل إلى المعدة، و إنّما الاعتبار بما يرتضعه من الثدي.
و لو جعل في فم الصبيّ مائع و رضع فامتزج حتّى خرج عن كونه لبنا، لم ينشر.
و لو رضع العدد إلاّ رضعة، فتمّ الحولان ثم أكمله بعدهما، أو أكمل الحولان و لم يرو من الأخيرة، لم ينشر، بخلاف ما لو تمّت الرضعة مع كمالهما، و لا اعتبار بإيصال اللبن إلى معدة الميّت.
ص: 448
و هي أربعة:
و قد تقدّم.
و هو ما أنبت اللحم و شدّ العظم، أو يرتضع يوما و ليلة، أو خمس عشرة رضعة فما زاد، فلو رضع دون العشرة، لم يعتدّ به، و في العشرة قولان.
و يشترط في الرضعات أمور ثلاثة: ان تكون الرضعة كاملة، و تواليها، و ارتضاعها من الثدي، و تقدير الرضعة عرفي، و قيل أن يروي الصبيّ و يصدر من قبل نفسه(1) فلو التقم الثدي و ترك ثم عاود، فإن كان تركه أوّلا للإعراض، فهي رضعة كاملة، و إن كان لا كذلك، كالتنفس، أو الالتفات إلى ملاعب، أو الانتقال من ثدي إلى آخر، فهما رضعة واحدة، و لو منع قبل إكمال الرضعة، سقطت من العدد، و نعني بتوالي الرضعات عدم الفصل برضاع أخرى، فلو رضع من واحدة بعض العدد، ثم رضع أخرى، بطل حكم الأوّل.
و لو كان للرجل خمس عشرة مرضعة أو أقلّ فارتضع منهنّ العدد لم يعتد ما لم يكمل من واحدة خمس عشرة رضعة متوالية، و لو فصل لا برضاع امرأة أخرى بل بوجور الصبيّ اللبن أو بحقنته أو بتسعطه(2) لم يعد فصلا، و لو شككنا في العدد، فلا تحريم، و لو شككنا في وقوعه بعد الحولين فكذلك، تغليبا لأصالة عدم التحريم على أصالة بقاء المدّة.
ص: 449
و هل يشترط في ولد المرضعة ذلك ؟ الأقرب عدمه، فلو كمل لولدها حولان، ثم أرضعت من اللبن من له دونهما نشر الحرمة.
فلو أرضعت اثنين بلبن فحلين، لم يحرم أحدهما على الآخر، و لو أرضعت واحدا كمال العدد من لبن فحلين فلا حرمة و لم تصر أمّا، و لو أرضعت بلبن فحل واحد جماعة حرم بعضهم على بعض، و لو أرضعت زوجاته جماعة كل واحدة واحدا حرم التناكح بينهم أيضا.
و فيه أربعة عشر بحثا:
فأمّا من جهته إليهما، فانّما يتعلّق به خاصّة و بنسله، دون من هو في طبقته، كإخوته و أخواته، أو أعلى منه، كأمّهاته و جدّاته و أخواله و خالاته، أو آبائه و أجداده و أعمامه و عمّاته، و يكون الحكم فيمن هو في طبقته أو أعلى حكم من لم يحصل معه رضاع، فيجوز للفحل نكاح أخت المرتضع و نكاح أمّهاته و جدّاته، و إن كان للمولود أخ حل له نكاح المرضعة و نكاح أمّهاتها و أخواتها، كذا ذكره في المبسوط ثمّ قال: و روى أصحابنا أنّ جميع أولاد هذه المرضعة و جميع أولاد الفحل يحرمون على هذا المرتضع
ص: 450
و على أبيه و جميع إخوته و أخواته و أنّهم صاروا بمنزلة الإخوة و الأخوات و خالف جميع الفقهاء في ذلك.
و أمّا الحرمة المنتشرة من جهتهما إليه فانّها تعلّقت بكل واحد منهما، و من كان من نسلهما و أولادهما، و من كان في طبقتهما من إخوتهما و أخواتهما، و من كان أعلى منهما من آبائهما و أمّهاتهما، و جملته: أنّك تقدّره بولدهما(1) من النسب، فكلّ ما حرم على ولدهما من النسب، حرم عليه، فالمرضعة أمّ رضاعا، و أختها خالة، و أخوها خال، و أمّها جدة كلّهنّ حرام عليه، و لو كان لأمّه من الرضاع بنت من غير أبيه من الرضاع، حرمت عليه إن كانت من النسب، و إن كانت من الرضاع لم تحرم، و زوج المرضعة أب من الرضاع، و أخوه عمّ المرتضع، و أخته عمّته، و آباؤه أجداده، و ان كان لهذا الفحل ولد من غير هذه المرضعة فهو أخ لأب يحرم على المرتضع سواء كان من الولادة أو من الرضاع، و لو أرضعت ذات الابن ذات الأخت جاز للابن نكاح الأخت، و هذه جملة أصول الرضاع يهتدى منها إلى تفاصيل فروعه(2).
و نازع ابن إدريس في بعضها فقال: لا يجوز للفحل ان يتزوّج بأخت المرتضع و لا بجدّته، كما لا يجوز في النسب أن يتزوج بأخت ابنه و لا بأمّ امرأته - قال -: و ليس التحريم في النسب لأجل المصاهرة، لأنّه لا مصاهرة هناك. و هو خطأ - قال -: و كذلك أمّ أمّ ولده من الرضاع تحرم كما حرمت من النسب(3) و فيه ضعف لأنّها حرمت في النسب للمصاهرة أيضا لا باعتبار النسب.
ص: 451
سواء كانوا أولادا نسبا أو رضاعا، و كل من ينتسب إلى المرضعة ولادة و إن نزلوا يحرمون عليه، و لا يحرم عليه من ينتسب إليها بالبنوّة رضاعا.
و لا في أولاد زوجته المرضعة ولادة، لأنّهم في حكم ولده، و قد تقدّم رواية أصحابنا في ذلك، أمّا أولاده الذين لم يرتضعوا من هذا اللبن، فهل لهم أن ينكحوا في أولاد هذه المرضعة و أولاد فحلها؟ الوجه، الجواز.
و لو أرضعت امرأة ابنا و بنتا لاثنين، جاز لإخوة كل منهما أن ينكح في إخوة الآخر.
فلو تزوّج رضيعة فأرضعتها امرأة محرّمة عليه، فإن كانت عمّته أو خالته لم تحرم، و إن أرضعتها أمّه أو أخته أو بنته حرمت عليه، و إن أرضعتها امرأة أبيه، فإن كان بلبن أبيه حرمت عليه، و إلاّ فلا، و كذا التفصيل لو أرضعتها امرأة ابنه أو أخيه.
و يثبت للمرضعة نصف المسمى إن تولّت المرضعة إرضاعها، و يرجع الزوج به على المرضعة إن قصدت الفسخ، و إن لم تقصد فلا رجوع على إشكال في تضمين البضع، و إن انفردت المرتضعة بالارتضاع، مثل أن سعت إليها فامتصت ثديها من غير شعور المرضعة، سقط مهرها.
و لو زوّج أمّ ولده بعبده الصغير، فأرضعته من لبن مولاه، حرمت على العبد و المولى، و كذا لو تزوجت كبيرة بصغير، ثمّ فسخت إمّا لعيب، أو لعتق متجدّد، أو لغيرهما، ثمّ تزوّجت و أرضعته بلبن الثاني، حرمت عليهما معا.
ص: 452
فإن كان بلبنه حرمتا مؤبّدا، و إن كان من غيره، فالأم كذلك و البنت أيضا إن كان دخل بالأم، و إلاّ حرمت جمعا، و للصغيرة نصف المسمى، و يرجع به الزوج على الكبيرة، و للكبيرة مهرها إن كان دخل بها، و إلاّ فلا شيء لها، لأنّ الفرقة جاءت منها قبل الدخول.
و لو أرضعت الكبيرة زوجتيه، حرمت إن كان دخل بالكبيرة، و إلاّ فالكبيرة مؤبدا و الصغيرتان جمعا.
و لو أرضعت زوجته الصغيرة إحدى الكبيرتين ثم الأخرى، حرمن كلّهنّ و قيل: تحرم المرتضعة و أولى المرضعتين و قوّاه الشيخ(1) و هو ضعيف، و لو أرضعت بعد طلاقه زوجته الأخرى حرمتا أيضا.
و لا يرجع به على الأمة، و لا يزول ملكه عنها، و لو كانت أمته غير موطوءة لم تحرم الزوجة، و لم ينفسخ نكاحها، و لو كانت مكاتبته رجع عليها، لأنّ السيد يثبت له حق على مكاتبته، و لو كانت موطوءة بالعقد رجع به عليها بعد العتق.
حرمت المرضعة عليهما معا، و المرتضعة على من دخل بالمرضعة.
ص: 453
و لو طلّق زوجتيه، فتزوّجهما آخر و أرضعت إحداهما الأخرى، حرمت الكبيرة عليهما معا مؤبدا و الصغيرة على من دخل بالكبيرة.
و لو زوّج ابنه الصغير بابنة أخيه الصغيرة، ثم أرضعت جدّتهما أحدهما، انفسخ النكاح، لأنّ المرتضع إن كان هو الذكر، فهو عم زوجته أو خالها، و إن كان الأنثى فهي عمته أو خالته.
بأن تعطي كلّ واحدة ثديا من الرضعة الأخيرة، حرمت الكبيرة عينا، و الصغيرتان كذلك، إن كان دخل بالكبيرة، و إلاّ جمعا، فإن أرضعت الثالثة حرمت عينا، إن كان دخل بالكبيرة، و إلاّ لم تحرم عينا و لا جمعا، و لو أرضعت إحدى الثلاثة ثمّ الأخيرتين دفعة، حرمت الكبيرة عينا، و الأولى كذلك إن كان دخل، و إلاّ جمعا، و الأخيرتان عينا إن كان دخل، و إلاّ جمعا أيضا، و لو أرضعتهن على التعاقب، حرمت عينا و الأولى إن كان دخل بها، و إلاّ جمعا، و أمّا الثانية، فإن كان دخل بالأم حرمت عينا، و إلاّ لم تحرم عينا و لا جمعا، و أمّا الثالثة فيحتمل تحريمها خاصة، كمن تزوّج بأخت امرأته، فإنّ التحريم يختص بها، و يحتمل تحريمها مع الثانية، لأنّهما بإرضاع الثالثة صارتا أختين في حالة واحدة، فانفسخ نكاحهما دفعة واحدة، و هو قويّ ، هذا إذا لم يدخل بالأم، فإن كان قد دخل حرمن كلّهن مؤبدا.
و الصغيرة كذلك إن كان قد دخل بإحداهن، و إلاّ جمعا، و لو أرضعت بنات زوجته الثلاث ثلاث زوجاته،(1) كلّ بنت زوجة دفعة بأن يرضعن الرضعة الأخيرة
ص: 454
في حالة واحدة، حرمت الكبيرة لأنّها جدّة زوجاته، فإن كان دخل بها حرمت الصغائر مؤبدا، و إلاّ انفسخ نكاحهن، و جاز له تجديد العقد عليهن جمعا، لأنّهن بنات خالات، و لكلّ من الصغائر نصف المسمّى، يرجع به الزّوج على المرضعات، و للكبيرة النصف إن لم يكن دخل، و الجميع مع الدخول، يرجع به الزوج أيضا على البنات، و لو تعاقب الإرضاع حرمت الكبيرة بالأولى، و حرمت الصغيرة إن كان دخل بالكبيرة عينا، و إلاّ جمعا، و أمّا الثانية و الثالثة فإن كان دخل بالكبيرة فإنّهما تحرمان مؤبّدا، و لهما نصف المسمّى، و يرجع على مرضعة كل واحدة به، و إن لم يكن دخل كان نكاحهما بحاله.
و لو أرضعت أمّ زوجته الكبيرة الزوجة الأخرى، انفسخ نكاحهما، لأنّ الصغيرة أخت، و لو أرضعتها جدّتها صارت خالة، و لو أرضعتها أخت الكبيرة، فالكبيرة خالة، فإن رضيت فلا فسخ، لأنّه يجوز الجمع بين المرأة و خالتها، و إن أرضعتها أمّ أبي الكبيرة، فالصغيرة عمّة للكبيرة، لأنّها أخت أبيها، و انفسخ النكاح هنا، إذ لا يمكن اعتبار رضا العمّة لصغرها.
و لو أرضعت امرأة أخ الكبيرة الصغيرة، فالكبيرة عمّة إن رضيت لم ينفسخ النكاح و ينفسخ النكاح في كلّ هذه المواضع للجمع، و لا تحرم للتأبيد سواء دخل بالكبيرة أو لا.
فمن تزوّج امرأة لها أمّ من الرضاع أو بنت، حرمتا عليه مؤبدا، و لو كان لها أخت من الرضاع، حرمت جمعا لا عينا، و لو كان لها بنت أخ أو بنت أخت حرمتا جمعا إن لم ترض العمّة و الخالة، و إلاّ فلا تحريم.
ص: 455
و لو نكح الأب من الرضاع أو الابن امرأة حرم على الآخر نكاحها، و لو زنى بامرأة حرم عليه أمّها من الرضاع، إن قلنا بالتحريم في النسب.
و لو لاط بغلام حرم عليه أمّه و أخته و بنته من الرضاع كالنسب، و بالجملة حكم الرضاع حكم النسب في التحريم سواء، و للابن أن ينكح أمّ البنت الّتي لم ترضعه.
و لو أرضعت امرأة صبيّين صارا أخوين، و لكلّ منهما أن ينكح أمّ أخيه من النسب، بخلاف الأخوين من النسب، لأنّ أمّ الأخ من النسب انّما حرمت لأنّها منكوحة الأب بخلاف أمّ الأخ من الرضاع، و كذا لو كان لأخيه من النسب أم من الرضاع، جاز له أن يتزوّج بها، و كذا لو أرضعت أمّه من النسب صبيّا صار أخاه، و كان له أن يتزوّج أمه.
منشؤه الآية(1)، و أصالة التحليل، و تردّد الشيخ فيه(2)، و الأقرب، التحليل، فعلى التحريم لو لم يعلم الولد فوطئها حرمت عليهما معا، و لها على الولد، المسمّى إن كان دخل قبل الفسخ، و إلاّ فالنصف و مهر المثل لوطئها بالشبهة، و على الأب مهر المثل أيضا، و لا يرجع الابن على الأب، و إن كان قد حال بينه و بينها، بخلاف ما لو أرضعتها أمّه، لأن الأب لزمه مهر المثل بالوطء، و لا يجب عليه ثانيا، أمّا الأم فلم يجب عليها للزوجة مهر بإرضاعها، و يحتمل الرجوع، لأنّ المهر ثبت على الأب بوطئه و إتلاف بضعها عليها، و وجب لولده
ص: 456
عليه لأجل الحيلولة، فلا يسقط أحدهما بالآخر، و قوّاه الشيخ تفريعا على التحريم(1) و هو قويّ .
فلو زنى بامرأة و أرضعت بلبنه مولودا، لم يصر أبا، و لا المرضعة أمّا، و لا الولد أخا، أمّا لو وطأ لشبهة فأتت بولد و رضعت من لبنه، كان المرتضع تابعا، فإن لحق الولد بالأوّل، فالمرتضع كذلك، و كذا الثاني، و لو انتفى عنهما، بأن أتت به لأقل من ستة اشهر من وطء الثاني و لأكثر من عشرة من وطء الأوّل، فالمرتضع منفيّ عنهما أيضا، و لو أمكن إلحاقه بهما ألحق بمن تخرجه القرعة، فمن خرج اسمه فهو له، و تبعه المرتضع، و ليس لولد الشبهة أن يتزوّج ببنت أحدهما قبل القرعة، و أمّا بعدها فيجوز له نكاح بنت من انتفى عنه بها، و لو نفى الرجل الولد باللعان، فأرضعت الأمّ بلبنه كانت أمّا للمرتضع، و لم يكن الزوج أبا، و لو استلحقه بعد اللعان لحق به، و ورثه الولد، و هو لا يرث الولد، و كان الرضيع تابعا أيضا.
دون أمّ الولد على الوالد، و للصغيرة نصف المسمّى على الولد، قال الشيخ: و يرجع به على سيّدها كما لو جنى عبده القنّ فاختار أن يفديه، و يضمن أقلّ الأمرين من القيمة أو نصف المسمّى.(2)
فإن أكملته انفسخ نكاحهما، و حرمت الكبيرة مؤبدا و الصغيرة كذلك إن كان دخل بالكبيرة، و إلاّ جدّد العقد إن شاء، و للصغيرة نصف المهر، و يرجع
ص: 457
الزوج به على الكبيرة، إن انفردت بإرضاعها، و للكبيرة المهر إن كان دخل بها، و إلاّ فالنصف إن لم تكن سببا في الفسخ و إلاّ فلا.
و فيه سبعة مباحث:
و قال بعض علمائنا:
يثبت بشهادة رجل و امرأتين و أربع نساء أيضا.(1) و هو متروك، و لو أقرّ الرجل قبل العقد أو المرأة، ثبت حكم التحريم، و لو أقرّ أحدهما بعد العقد، لم يلتفت إليه إلاّ بالبيّنة أو تصديق الآخر له، لكن إن كان المقرّ الزوج قبل الدخول، انفسخ النكاح، و كان لها نصف المهر، و لو كان معه بيّنة أو صدّقته فلا شيء عليه، و له إحلافها مع ادّعاء العلم، و إن كان بعد الدخول، ثبت لها المهر المسمّى كملا، سواء أقام بيّنة أو لا، صدّقته أو لا، و إن كان المرأة(2) لم يقبل قولها.
و يستحب له أن يطلّقها لتحل لغيره، و لا يندفع النكاح لو لم يطلّقها، لكنّها لا تقدر على طلب المهر، و لو كان مقبوضا لم يقدر الزوج على استرداده مع الإنكار، فإن ادّعت علمه بذلك، أحلف على نفي العلم، فإن حلف فهي على النكاح، و إلاّ حلفت على القطع و فرّق بينهما.
كمن أقرّ لأصغر سنّا منه أنّها أمّه من الرضاع، فإنّها لا تحرم عليه، و كذا لو أقرّ لعبده و هو أكبر سنّا منه، أنّه ابنه، لم يعتق عليه.
ص: 458
لم يقبل رجوعه في ظاهر الحكم، و يدين فيما بينه و بين اللّه تعالى، فإن كان صادقا في الأوّل، حرمت ظاهرا و باطنا، و إن كان كاذبا، حرمت ظاهرا خاصّة.
فلو شهد بأنّ هذا ابن هذا من الرضاع أو أخوه، لم يسمع حتّى يقولا: نشهد أنّها أرضعته خمسة عشر رضعة متفرقات، خلص اللبن منهنّ إلى جوفه في الحولين بمصّ الثدي، لم يفصل بينهنّ برضاع أخرى.
و يبني الشاهدان في وصول اللبن إلى الجوف على الظاهر من تحريك شفتيه عند التقام الثدي المعلوم وجود اللبن فيه مصا على العادة حتّى يصدر من قبل نفسه للشبع لا للعود، و لا يكفي أن يحكي القرائن فيقول: رأيته قد التقم الثدي و حلقه يتحرك، و لو أدخلته تحت ثيابها، و لم يشاهداه ملتقما ثديها لم يجز لهما أن يشهدا.
و هو إنّما يتحقق في المرأة، فالخنثى إذا ولدت حكم بأنّها امرأة إلاّ على ما يروى في الشواذ: انّ خنثى ولدت و أولدت فينشر لبنها الحرمة إن كانت امرأة، و إن كانت ذكرا لم ينشر، و إن كان مشكلا، وقف المولود على ما ينكشف منه، فإن كان رجلا لم ينشر و إلاّ نشر(1).
ص: 459
و لا لأحد من أولاده من غير المرضعة و منها، لأنّ أخواته و إخوته صاروا بمنزلة أولاده(1) و ليس بمعتمد، و الوجه جواز النكاح بين أخت المرتضع و أولاد صاحب اللبن، و قد تقدّم.
فإنّه يكره لحمه و لحم ما كان من نسله عليها، و ليس ذلك بمحظور(2).
و فيه تسعة مباحث:
حرم عليه أمّها و إن علت، و بناتها و إن نزلن، سواء كنّ بنات بنت أو بنات ابن، و سواء تقدمت ولادتهنّ أو تأخرت، و سواء كنّ ربائب في حجره أو لم تكن، تحريما مؤبدا بالعقد الدائم و المنقطع و ملك اليمين، و لو عقد و لم يدخل حرمت أمّ الزوجة و إن علت، تحريما مؤبّدا على أشهر الروايتين، و حرمت بناتها و إن نزلن تحريم جمع، بمعنى أنّه لو طلّق الأمّ قبل الدخول، جاز له العقد على البنات، لكن يكره له ذلك إذا نظر من الأم إلى ما يحرم على غيره النظر إليها.
و كذا تحرم على الجمع أخت الزوجة، سواء دخل بالزّوجة أو لم يدخل،
ص: 460
فإن طلّق الزوجة طلاقا بائنا، جاز له العقد على أختها في الحال، و إن كان رجعيّا، لم يجز حتّى تخرج من العدّة، فإن عقد على الأختين دفعة واحدة، كان عقدهما باطلا على ما اختاره في المبسوط(1) و هو مذهب ابن إدريس(2) و في النهاية يختار أيّهما شاء(3) و به رواية صحيحة(4) و إن عقد مرتّبا كان عقد الثانية باطلا دون الأولى، و يحرم أيضا على الجمع بين بنت أخت الزوجة و بنت أخيها إلاّ برضا العمّة و الخالة، فلا يجوز له الجمع بين العمّة و بنت الأخ و لا بين الخالة و بنت الأخت إلاّ برضا العمّة و الخالة، سواء تقدّم عقدهما أو تأخر، و سواء كانت العمّة و الخالة حقيقية كالعمّة الدنيا و الخالة الدنيا أو مجازا كالعمّة العليا و الخالة العليا، فإن عقد على بنت الأخ أو بنت الأخت و معه العمّة أو الخالة كان العقد موقوفا، إن أجازتاه صحّ و لم يكن لهما بعد ذلك اختيار، و إن فسختاه بطل.
و قال ابن إدريس: يكون العقد باطلا و لا بد من تجديده مع الرضا(5) و هل للعمّة و الخالة فسخ نكاحهما و اعتزال الزّوج ؟ قال الشيخ: نعم،(6) و اختاره ابن إدريس و جعل ذلك فسخا لا طلاقا، و لا نفقة لها فيه، و له أن يتزوّج بأختها في الحال.(7) و عندي فيه نظر، فإن طلّق واحدة منهما بائنا، جاز له العقد على بنت الأخ أو بنت الأخت في الحال، و ان كان رجعيّا لم يجز إلاّ برضاهما أو بعد العدّة، و هكذا حكم الرضاع في جميع ما تقدم.
ص: 461
و له أن يدخل العمّة و الخالة على بنت الأخ أو بنت الأخت، و لا يعتبر رضا المدخول عليها.
و لو عقد الابن و لم يدخل حرمت أيضا مؤبدا على الأب، و كذا تحرم منكوحة الأب على الولد، سواء كانت منكوحة بالعقد، أو الملك، أو الإباحة، تحريما مؤبدا، و سواء كانت المعقود عليها مدخولا بها أو لا.
و لا فرق بين الأب الحقيقي و المجازي، و كذا في طرف الولد، فتحرم على الولد منكوحة الجدّ لأبيه أو لأمّه و إن علا، و على الأب منكوحة ابن ابنه أو ابن بنته و إن نزل، و سواء كان أب النسب أو الرضاع، و كذا الولد و لا تحرم أمّ منكوحة أحدهما على الآخر، و إن علت، و لا بناتها و إن نزلن.
نعم يكره للرجل أن يتزوّج ابنه بنت امرأته المدخول بها إذا كان قد رزقت بعد مفارقتها له، و لو كانت ولادتها متقدمة على نكاح الأمّ لم يكن مكروها.
و لو وطأ أحدهما مملوكته حرمت على الآخر تحريما مؤبدا، و لا يجوز للولد أن ينكح مملوكة أبيه إلاّ بالإذن أو الملك، فإن فعل من غير شبهة كان زانيا، و عليه الحد و المهر مع الإكراه، و في المطاوعة إشكال، و قوّى الشيخ رحمه اللّه سقوطه، لعموم النهي عن مهر البغي(1) و لو حملت فالولد مملوك للمولى لا ينعتق عليه، و لو كان بشبهة(2) سقط الحدّ، فإن حملت من الشبهة عتق على الأب، و لا قيمة على الابن، و أمّا المهر فكما تقدم، و لا تصير
ص: 462
أمّ ولد، لأنّها علقت بمملوك ثم عتق بالملك لأجل النسب، و كذا لا يجوز للأب أن يطأ جارية ابنه من غير إذن أو عقد، فإن فعل فلا حد سواء وطئها الابن قبل ذلك أو لا، و عليه المهر مع الشبهة، و أمّا مع العلم فإن كانت مكرهة وجب، و إلاّ فالأقرب سقوطه، و لو حملت لم ينعتق، و على الأب فكّه إلاّ أن يكون أنثى، و الأقرب أنّها لا تصير أمّ ولد، و لو كان الولد صغيرا، جاز للأب أن يقوّم مملوكته على نفسه، ثمّ يطأها بالملك.
فإذا وطأ إحداهما حرمت الأخرى حتّى تخرج الموطوءة من الملك ببيع، أو هبة، أو كتابة، و كذا لا يجمع بينهما و بين عمّتها و لا خالتها في الوطء إلاّ برضا العمّة أو الخالة، و يجوز الجمع بينهما في الملك.
و لا يكفي في تحليل الأخرى رهن الأولى، لأنّ المنع من الوطء لحق المرتهن لا للتحريم و لا استبرائها أيضا، فإن باع الموطوءة أو كاتبها، فوطأ الأخرى ثم ردّت عليه الأولى بعيب أو فسخ كتابة لم تحل له المردودة حتّى يحرم التي وطئها، فإن وطأ الثانية بعد وطء الأولى قبل إخراجها عنه، و كان عالما بتحريم ذلك عليه، قال الشيخ رحمه اللّه حرمت عليه الأولى حتّى تموت الثانية، فإن أخرج الثانية عن ملكه ليرجع إلى الأولى، لم يجز له الرجوع إليها، و إن أخرجها من ملكه لا لذلك، جاز له الرجوع إلى الأولى - قال: - و إن لم يعلم تحريم ذلك عليه، جاز له الرجوع إلى الأولى على كلّ حال، إذا أخرج الثانية من ملكه(1).
ص: 463
و الأقرب عندي أنّ الثانية محرمة دون الأولى، لكن يستحب له التربص حتّى يستبرئ الثانية، و لو أخرج الأولى من ملكه، حلّت الثانية، و لا حدّ عليه على التقادير، و لو كان له أمتان أختان فوطأ إحداهما، حرمت الأخرى، و إن كاتب الموطوءة، حلّت له الأخرى، فإن فسخ الكتابة للعجز قبل وطء الأخرى، كان مخيّرا بين الأمتين.
سواء كان شراؤها متقدّما على النكاح، أو متأخرا، و لو كانت له أمة يطؤها بملك اليمين، جاز له أن يتزوّج بأختها، فتحرم عليه الأمة ما دامت الثانية في حبالته، و تحلّ له المنكوحة و إن لم يحرّم التي وطئها ببيع أو شبهه(1).
و يجوز أن يتزوّج بأخت أخيه إذا لم تكن أختا له(2) و روي أنّ تركه أفضل(3) و كذا يجوز للسيّد أن يتزوّج بأختي عبده إذا كانت إحداهما أخته من أبيه و الأخرى من أمّه.
و يجوز أن يجمع بين المرأة و زوجة أبيها،(4) أو وليدته إذا لم تكن أمّها، و بين امرأة الرجل و بنت امرأته إذا كانت من غيره، و يحلّ أن يزوّج الرجل
ص: 464
ابنه بأمّ امرأته أو ابنتها، و روي كراهية أن يتزوّج الرجل بضرّة أمّه مع غير أبيه(1).
لم يتعلّق به تحريم أختها، و كذا لو نظر إلى فرجها، و لا تحريم أمّها و لا بنتها، و قال الشيخ: تحرم(2)و هو ممنوع، و هل تحرم على أبيه و ابنه بمجرد النظر أو التقبيل أو اللمس من غير وطء؟ قال الشيخ: نعم(3) و نحن نمنع ذلك، و نحمل النهي(4) على الكراهية عملا بالأصل، و لو نظر إلى ما يسوغ لغير مالكها النظر إليه، أو قبّل أو لمس بغير شهوة لم ينشر الحرمة إجماعا.
فلو زنا بأمّ امرأته بعد العقد أو بابنتها، أو لاط بأخيها أو ابنها أو أبيها، لم تحرم امرأته عليه، و كذا لو زنى الأب بجارية الابن و بالعكس لم تحرم على مالكها، و قال الشيخ: تحرم سواء زنى بها قبل الوطء أو بعده.(5) و قال الشيخ إذا زنى بجارية أبيه قبل أن يطأها الأب حرم على الأب المالك وطؤها، و إن كان قد وطئها بعد وطء الأب لم تحرم(6)و ليس بمعتمد.
أمّا الزنا السابق على العقد، فالمشهور أنّ من زنى بعمّته أو خالته حرمت عليه ابنتاهما أبدا، و يلوح من كلام ابن إدريس المنع(7) و كذا لو لاط بغلام أو رجل فأوقب، فإنّه تحرم على اللائط أمّ المفعول به و أخته و بنته تحريما مؤبّدا، سواء
ص: 465
كان اللواط بإيقاب الحشفة بكمالها أو بجزئها بعد أن يتحقّق الإيقاب، و سواء كانا صغيرين، أو كبيرين، أو بالتفريق، و لا تحرم على المفعول به أقارب الفاعل، و لا تحريم مع عدم الإيقاب من الطرفين، و تحرم مع الإيقاب جدّة المفعول و إن علت و بناته و إن نزلن.
و لو كانت له أمّ أو أخت أو بنت من الرضاع، فالأقرب تحريمهنّ أيضا، و لا تحرم بنت أخيه و لا أخت أبيه.
و لو لاط المجنون، فالأقرب، التحريم عليه بعد زوال عذره، و لو لاط مكرها على إشكال أو تشبّه عليه بامرأته فكذلك.
أمّا الزنا السابق بغير ذلك ففيه روايتان: إحداهما أنّه ينشر حرمة المصاهرة كالوطء الصحيح(1) و الأخرى لا ينشر(2) و اختلف علماؤنا باعتبار الروايتين على قولين، فعند الشيخ تحرم أمّ المزنيّ بها و ابنتها، و يحرم على الأب من زنى بها الابن و بالعكس(3) و خالف المفيد(4) و السيّد المرتضى(5) في ذلك.
قال الشيخ: نعم(6)، و فيه إشكال أقربه أنّه لا ينشر، و إن سقط الحدّ معه، و لحق به الولد، و لا فرق بين شبهة العقد، كمن تزوّج فاسدا مثل نكاح الشغار مع عدم علمه بالتحريم، و بين شبهة الوطء، كمن وطأ امرأة اشتبهت عليه بزوجته، و بين شبهة الملك، كمن اشترى جارية شراء فاسدا، أو تشبّهت عليه أمة
ص: 466
الغير بأمته، الحكم في ذلك كله سواء، و حكم الرضاع في جميع ما تقدّم، حكم النسب.
مباح طلق، فيتعلّق به تحريم المصاهرة، سواء كان بعقد أو ملك يمين، أو إباحة، فتحرم به أمّ الموطوءة و إن علت على الواطئ و بناتها و إن نزلن، و تحرم الموطوءة خاصّة على أب الواطئ و إن علا، و على ابنه و إن نزل تحريما مؤبّدا، و تصير به هؤلاء المحرمات محرما، فيجوز له النظر إلى أمّ الموطوءة و ابنتها.
و حرام محض، كالزنا، فإنّه لا يتعلّق به تحريم المصاهرة على الأقوى، و لا يقتضي حرمة المحرم إجماعا.
و وطء شبهة، ففي اقتضائه تحريم المصاهرة خلاف، تقدم، و لا يقتضي حرمة المحرّم إجماعا، و لو أكره امرأة على الزنا، لم يثبت تحريم المصاهرة على الأقوى، لأنّ هذا الوطء زنا في حقّه.
و فيه ستّة مباحث:
فإن دخل، فعل حراما، ثمّ إن أفضاها فرّق بينهما، و لم تحلّ له أبدا، و عليه ديتها
ص: 467
و الإنفاق عليها حتّى يموت أحدهما، و إن لم يفضها ففي التحريم الأبدي إشكال، و الشيخان رحمهما اللّه أطلقا القول بالتحريم على من وطأ امرأته لدون تسع سنين، و لم يشترطا الإفضاء(1) و كذا أطلق ابن إدريس التحريم الأبدي بمجرد الوطء، قبل التسع، لكنّه قال: إنّها لا تبين منه إلاّ بطلاق أو موت، و لا يلزم من التفريق بينهما و التحريم أبدا بينونتها منه(2) و الظاهر أنّ مراد الشيخين بالتحريم و وجوب التفريق أبدا، البينونة، و في الحديث(3) ما يساعد قول ابن إدريس.
و لم تحل له أبدا، سواء دخل بها أو لم يدخل، و سواء كانت عدّة الطلاق الرجعي، أو البائن، أو عدّة الوفاة.
و إن كان عالما بأحدهما، فإن دخل بها حرمت أبدا، و عليه المهر، و عليها عدّتان: تمام العدّة من الزوج الأوّل و عدّة أخرى من الثاني، و إن لم يدخل، كان العقد فاسدا، و له استئنافه بعد الانقضاء.
و الدخول يتحقق بالوطء في القبل، أمّا الوطء في الدبر فالأقرب أنّه كذلك، و لو وطأ من غير استئناف عقد مع علمه ببطلان الأوّل، فالأقرب دخوله تحت الزاني بذات العدّة.
و إن كانت المرأة عالمة بذلك، لم يجز لها الرجوع إلى هذا الزوج بعقد آخر، و لا فرق بين تزويج الدوام و المتعة في ذلك.
و لو دخل مع الجهل، فحملت، لحق به الولد إن جاء لستّة أشهر فصاعدا منذ دخل بها، و لا يسقط مهرها عن الأوّل، و لو علمت بالتحريم فلا مهر لها على
ص: 468
الثاني، هذا إذا تغاير الزوج، أمّا لو تزوّج بها المطلّق ثلاثا في عدّتها من غير محلّل، ففي التحريم مؤبّدا نظر.
و لو تزوّج بذات بعل لشبهة، كمن طلّق رجعيا ثمّ راجع و لم يعلم المرأة فتزوّجت بآخر بعد قضاء العدة ظاهرا، و دخل بها الثاني، فإنّ النكاح الثاني باطل إجماعا، و هل تحرم مؤبدا؟ لا نعرف لعلمائنا فيه فتوى، و حمله على ذات العدة قياس، مع أنّ الأقرب ذلك، و ثبوت الحكم فيه بطريق التنبيه لا القياس، و كذا لو بلغها موت زوجها أو طلاقه، فتزوّجت على ظاهر الحال.
و لو تزوّج بذات بعل عالما، حرمت أبدا «و في رواية صحيحة عن عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد اللّه عليه السلام:
«إنّ من تزوّج امرأة و لها زوج و هو لا يعلم، فطلّقها الأوّل أو مات عنها، ثمّ علم الأخير، أ يراجعها؟ قال: لا حتّى تنقضي عدّتها»(1).
و عن زرارة عن الباقر عليه السلام في امرأة فقد زوجها أو نعي إليها فتزوّجت، ثمّ قدم زوجها بعد ذلك فطلّقها، قال: تعتدّ منهما جميعا ثلاثة أشهر عدّة واحدة، و ليس للآخر أن يتزوّجها أبدا.(2) و في طريقها ابن بكير، و هي تدلّ على مساواة النكاح للعدّة ؟
سواء علم في حال زناه كونها ذات بعل أو عدّة
ص: 469
رجعيّة، أو لم يعلم، و لو زنى بذات عدّة بائن، أو عدّة وفاة، فالوجه أنّه لا تحرم عليه، عملا بالأصل، و ليس لأصحابنا في ذلك نص و على ما قلناه من التنبيه يحتمل التحريم مع العلم، لأنّا قد بيّنا ثبوته مع العقد، فمع التجرّد عنه أولى، و هو الأقرب.
و لو زنى بمتمتّع بها في المدّة، حرمت أبدا، و لو انقضت المدّة قبل انقضاء العدّة، فالإشكال كما قلناه في عدّة البائن، و التحريم يحصل مع الزنا في القبل أو الدبر، لصدق اسم الزنا عليهما.
و لو زنى بذات بعل لشبهة، فالوجه التحريم، أمّا الأمة الموطوءة، فالوجه أنّها لا تحرم، و لو زنى بامرأة ليست ذات بعل و لا في عدّة، فإنّها لا تحرم عليه و إن لم تتب، و شرط الشيخ قدّس سرّه في بعض أقواله التوبة(1)، و كذا لو كانت مشهورة بالزنا، و لو زنت امرأته فكذلك لا تحرم عليه و إن أصرّت.
فإن كان عالما بالتحريم، حرمت عليه أبدا، سواء دخل بها أو لم يدخل، و إن لم يكن عالما بالتحريم، فسد عقده، و لا تحرم مؤبّدا، بل يجوز له العقد عليها بعد الإحلال و إن كان عالما بالإحرام، و لم يفرّق علماؤنا بين الدخول و عدمه، بل أطلقوا القول بجواز المراجعة مع الجهالة، إلاّ ابن إدريس، فإنّه قال: إنّها تحرم أبدا مع الدخول و إن كان جاهلا(2)، و لا نعرف مستنده في ذلك.
و لا فرق بين أن يكون الإحرام للحجّ أو العمرة، و لا بين الإحرام الواجب أو التطوّع، و الوجه أنّ الإحرام في الحجّ الفاسد كذلك، (إذ)(3) يحرم عليه ما يحرم
ص: 470
في الصحيح. و لو زنا بها في إحرامه، فالوجه أنّها لا تحرم مؤبدا، و لا فرق بين التزويج الدائم و المنقطع في ذلك.
و الظاهر أنّ مراد علمائنا بالعقد في المحرم، و العقد في ذات العدة، إنّما هو العقد الصحيح الّذي لو لا المانع ترتب عليه أثره، أمّا العقد الفاسد، فإن كان العاقد يعلم فساده، فلا اعتبار به، و إن لم يعلم فساده، كمن اعتقد تسويغ نكاح الشغار لشبهة، ففي الاعتداد به إشكال، أقربه أنّه كالصحيح.
و كذا لو قذف زوجته الصماء و الخرساء بما يوجب اللعان لو لم تكن صماء أو خرساء، و لو قذفها بما لا يوجب اللعان لو لا المانع لم تحرم عليه، و كذا لو قذف غيرهما من النساء، سواء كانت ذات عيب أو لا، و لو كانت صمّاء بغير خرس، فقذفها بما يوجب اللعان، حرمت أبدا على إشكال.
و ظاهر هذه الفتوى يتناول الحرة، لأنّ الأمة تفتقر إلى نكاح أربعة رجال، فحينئذ يحتمل تحريمها في الست إذ الطلقتان للأمة بمنزلة الثلاث للحرّة، و فيه ضعف، و تحريمها في التاسعة إذا نكحها بينها أربعة رجال لصدق التطليقات التسع، و نكاح رجلين عليها، و هو ضعيف أيضا، و عدم التحريم في طرف الأمة مطلقا، و هو أقواها، و إن كان لا يخلو عن نظر.
و لا فرق في التحريم في طرف الحرّة بين الزوج الحرّ و غيره، و لو تخلّل بين الطلقات التسع للحرّة طلقات للسنّة(1) و نكحها أكثر من رجلين، فالوجه ثبوت التحريم المؤبد.
ص: 471
و فيه أربعة عشر بحثا:
و بقي حكم المحرّمات في حال دون أخرى، و هذا الفصل مقصور على ذلك، فمن عقد على امرأة حرم على غيره نكاحها، سواء كان العقد دائما أو منقطعا ما دامت في حباله، فإذا فارقها بموت أو طلاق جاز نكاحها، و كذا لا يجوز الجمع بين الأختين في النكاح الدائم، و المنقطع، و ملك اليمين، و قد تقدّم ذلك، فإن عقد على إحدى الأختين حرمت الأخرى حتّى يطلّق الأولى، فإن طلّقها بائنا جاز له العقد على أختها في الحال، و كذا لو ماتت، و إن طلّقها رجعيا، لم تحل له الثانية حتّى تخرج الأولى من عدتها، فإن عقد على الثانية، و الأوّلى في حبالته، كان العقد باطلا، فإن وطأ الثانية فرق بينهما، قال الشيخ رحمه اللّه: و لا يرجع إلى الأولى حتّى تخرج الّتي وطأها من عدّتها، فإن جاءت بولد و كان جاهلا لحق به(1) و الأقرب عندي جواز الرجوع إلى الأولى من غير انتظار العدّة، و لا فرق في ذلك كلّه بين الدائم و المنقطع، و قد روي في المتمتعة إذا انقضى أجلها: أنّه لا يجوز [له] العقد على أختها حتّى تنقضي عدّتها،(2) و الوجه عندي الاستحباب في ذلك و جواز العقد على الأخت بعد انقضاء الأجل في الحال.
ص: 472
فإن عقد من غير استئذان، قال الشيخ: تتخيّر الحرّة في الفسخ و الإمضاء و الاعتزال،(1)و قال ابن إدريس: يقع باطلا لا يؤثّر الرضا في صحّته بل يفتقر إلى تجديده(2)و لو قيل بوقوعه موقوفا كان حسنا، أمّا القول بجواز فسخ عقد الحرّة المقدّم فضعيف.
و لو عقد عليهما في حالة واحدة كان العقد على الحرّة ماضيا، و عقد الأمة باطل عند الشيخ(3) و ابن إدريس(4) و لو قيل بوقوعه موقوفا كان وجها.
و لو عقد على الحرّة و عنده زوجة أمة، كان العقد ماضيا و لا خيار للأمة هنا، و لا فيما تقدّم، ثم إن كانت الحرّة عالمة، فلا خيار لها أيضا، و إن لم تكن عالمة بأنّ له زوجة أمة، كانت بالخيار في عقد نفسها بين الفسخ و الإمضاء، و لا خيار لها في عقد الأمة.
و متى اختارت الحرّة العقد على الأمة المتقدّمة أو المتأخرة، لم يكن لها بعد ذلك اختيار، و لا خيار للحرّة لو كانت له أمة ينكحها بالملك، و حكم المتمتّع بها حكم الدوام، فلو تمتّع بأمة على حرّة، كان للحرّة فسخ عقدها، أو يقع باطلا على الخلاف.
و لو جمعهما في عقد، صحّ عقد الحرّة، و بطل عقد الأمة.
و لو عقد على الحرّة، و عنده أمة متمتع بها، تخيّرت الحرّة في فسخ نكاحها.
ص: 473
و لو عقد على الحرّة دائما، و عنده أمة متمتع بها، فالوجه ثبوت الخيار للحرّة أيضا، و كذا لو عقد على حرّة دائما، ثم على أمة متمتع بها، فان الحرّة تتخيّر(1) و كذا لو جمعهما في عقد، و كذا البحث لو كانت الحرّة متمتعا بها، و الأمة دائما.
5011. الثالث: شرط بعض علمائنا(2) في نكاح الأمة دائما أمرين:
عدم الطّول و هو العجز(3) عن المهر و النفقة، و خوف العنت، و هو المشقّة من الترك، فمن وجد الطّول، أو أمن من العنت، لم يجز له نكاح الأمة، و من جمع الشرطين جاز له العقد على أمة واحدة لا غير، و الأقرب أنّهما شرطان في الندبيّة لا الجواز، فيكره لفاقدهما العقد على الأمة و إن كان سائغا.
فمن تزوّج أربعا من الحرائر بالدوام، حرم عليه ما زاد غبطة إلاّ أن يفارق إحدى الأربع بموت، أو طلاق، أو ما أشبهه من اللعان و شبهه، فإن ماتت إحداهنّ أو طلّقها بائنا جاز له العقد على أخرى في الحال و إن طلّقها رجعيّا لم يجز له العقد حتّى تخرج المطلّقة عن عدّتها.
و لو ادّعى إقرارها بانقضاء العدّة، فأنكرت، فالقول قولها، و عليه النفقة، و كان له أن يتزوّج بالرابعة أو بالأخت.
و لو كان له ثلاث، فتزوّج اثنتين في عقد واحد، قيل: يتخيّر أيّتهما شاء(4)
ص: 474
و قيل: يقع باطلا(1) و كذا لو تزوّج اثنتين عقيب طلاق الرابعة أو موتها، و لو رتّب ثبت عقد الأولى خاصّة.
و لو تزوّج خمسا في عقد واحد، فالأقرب البطلان مع احتمال التخيير، و يجوز له أن يعقد بالمتعة على من شاء من غير حصر في أربع، و إن كان الأفضل أن لا يتجاوزهنّ ، و كذا يجمع بين أيّ عدد كان في الوطء بملك اليمين.
و يجوز أن يعقد منقطعا على أكثر من اثنتين.
و يجوز للحرّ أن يجمع في الدائم بين حرّتين و أمتين، و بين ثلاث حرائر و أمة، و لا يجوز له أن يجمع بين ثلاث حرائر و أمتين، و لا بين أربع حرائر و أمة، و لا بين ثلاث إماء و إن لم تكن معهنّ حرّة، و لا فرق في الإماء بين القنّ ، و أمّهات الأولاد، و المكاتبات المشروطة، و المطلقات اللّواتي لم يؤدّين شيئا.
أمّا المطلقة إذا أدّت شيئا، و من انعتق بعضها، ففي تحريم ما زاد على اثنتين منهنّ إشكال، أقربه التحريم، تغليبا لجانب الحرمة، و يجوز أن يعقد على الإماء أيّ عدد شاء في المتعة و كذا ينكح بملك اليمين ما شاء، و كذا الإباحة.
و يجوز أن يعقد على أربع إماء كذلك، و على حرّة و أمتين، و لا يجوز له العقد على حرّة و ثلاث إماء، و لا على حرّتين و أمة، و لا حصر في المنقطع و التحليل في الحرائر و الإماء كالحرّ، و لو انعتق بعض الأمة فهي كالحرّة بالنسبة إليه، تغليبا للحرمة، و إن ألحقناها بالأمة في الحرّ للعلّة.
ص: 475
أمّا من انعتق بعضه، فالأقرب أنّه بحكم الحرّ في العدد.
و حكم العبد بحساب ما فيه من الجهتين، و لا يباح له أكثر من حرّتين أو أمتين أو حرّة و أمتين.
و لا يفتقر في إباحة العقد عليها إلى الوضع.
سواء كانت تحت حرّ أو عبد، فإذا طلّقها الثاني أو مات عنها، جاز للأوّل العقد عليها إن حصل شرائط المحلل الآتية فيما بعد، و هكذا دائما في طلاق السنّة تحرم بعد كلّ ثلاث و تحلّ مع المحلّل، أمّا طلاق العدّة فقد بينّا أنّها تحرم في تسع.
أمّا الأمة فإذا طلّقها زوجها الحرّ أو العبد طلقتين، حرمت على الزوج حتّى تنكح غيره، فإذا نكحت غيره و فارقها، جاز للأوّل العقد عليها، و هكذا تحرم بعد كلّ طلقتين، و تحلّ مع المحلّل، و الإشكال في الفرق بين طلاق العدّة و السنّة في الأمة تقدّم، و من انعتق بعضها ففي عدد طلاقها إشكال.
سوّغ نكاحها مع وجود من يقرضه المهر، و مع رضا الحرّة بتأخير صداقها، أو تفويض بعضها، لأنّ لها أن تطالبه بعرض(1) صداقها، فيجب في الذمّة، فيلحقه الضّرر، و كذا يجوز مع وجود واهب، و اقتصر في التسويغ على الواحدة، فإن تزوّج أمتين دفعة، بطل العقد عنده، و إن رتّب، ثبت عقد الأولى، و لو عقد دفعة على أربع حرائر و أمة، فسد عقد الأمة خاصّة.
ص: 476
و لو تزوّج الأمة ثمّ وجد الطول لم يفسد عقده إجماعا.
و لو قال بعد العقد: كنت واجدا للطول حين العقد، و صدّقه المولى، حكم بفساد العقد في حقّهما، و إن كذّبه ففي حقّه خاصة، و لو كان ذا مال فقال: استفدته بعد العقد، فالقول، قوله.
و لو تزوّج بأمة أبيه، ثم ورثها، بطل النكاح، فإن وصّى بها أبوه لغيره، و خرجت من الثلث، فان اختار الموصى له إمضاء العقد، صحّ ، و إلاّ كان له فسخه، و لو كان القبول بعد الوفاة، و قلنا الملك به بطل النكاح، و إن قلنا أنّه كاشف عن الملك حين الوفاة فلا بطلان، و هكذا التفصيل لو قلنا بانتقال الموصى به إلى الوارث، أمّا إذا قلنا ببقائه على حكم مال الميّت، و هو الحقّ ، فلا بطلان على التقديرين.
و كذا لا يجمع بينهما في عقد واحد من دون الرضا.
جاز له نكاح الأمة على القولين، و كذا لو كانت كبيرة غائبة لا يصل إليها على إشكال، و لو وجد ما يشتري به أمة جاز له العقد على الأمة إذا لم ترغب إليه حرّة.
و لها الصّداق عليه، و لا يرجع به على الوليّ ، و في رواية له الرجوع.(1)
ص: 477
بطل العقد، و قيل يلغو الشرط خاصّة.
و لو شرطت الطلاق، صحّ النكاح، و بطل الشرط و المهر، و لها مهر المثل مع الدخول، و لو لم تصرّح بالشرط و كان في نيّتهما ذلك، أو نيّة الزوجة أو الوليّ ، لم يفسد النكاح.
و كلّ موضع حكم فيه بصحّة العقد، فانّها تحلّ على الزوج الأوّل، مع الدخول، و الفرقة، و انقضاء العدّة، و كلّ موضع حكم فيه بفساد العقد فإنّها لا تحلّ .
و هو أن يزوّج بنته أو وليته برجل على أن يزوّجه الرجل بنته أو وليته، و يجعلا بضع كلّ واحدة مهرا للأخرى، و لو عقدا كذلك فلا نكاح بينهما.
و لو قال: زوّجتك بنتي على أن تزوّجني بنتك على أن يكون نكاح بنتي مهرا لبنتك، صحّ نكاح بنته، و بطل نكاح بنت المخاطب، و لو قال: على أن يكون نكاح بنتك مهرا لبنتي، بطل نكاح بنته، و صحّ نكاح بنت المخاطب.
و لو قال: زوّجتك بنتي على أن تزوّجني بنتك على أنّ صداق كلّ واحدة منهما مائة، صحّ النكاح و قال الشيخ رحمه اللّه و بطل المهر، لأنّه جعل صداق كلّ واحدة تزويج الأخرى و شيئا آخر، فيبطل الشرط فيبطل المهر(1) و لا فرق بين اختلافهما في المهر و اتّفاقهما، و انّما حكم بصحّة النكاح هنا لأنّه لم يشترك في البضع اثنان بخلاف الأولى الّتي جعل بضع كلّ واحدة منهما ملكا للرجل بالزوجيّة و للبنت بالمهر.
ص: 478
و لو قال: زوّجتك بنتي على أن تزوّجني بنتك على أنّ بضع كلّ واحدة منهما مع عشرة دراهم مهرا للأخرى، بطل أيضا.
و لو قال: زوّجتك بنتي على أن تزوّجني بنتك، و لم يعيّن مهرا، صحّ النكاحان، و وجب مهر المثل.
و لو قال: زوّجتك جاريتي على أن تزوّجني بنتك و تكون رقبة جاريتي صداقا لبنتك، صح النكاحان معا.
ص: 479
ص: 480
و فيه فصول
و فيه ثلاثة مباحث:
سواء كان بعقد دوام، أو متعة، أو ملك يمين، بلا خلاف، أمّا الكتابيّات من اليهود و النصارى و المجوس، فالمشهور تحريمهنّ بالعقد الدائم، و في المتعة و ملك اليمين روايتان(1) أقربهما الجواز على إشكال في المجوسيّة، هذا في الابتداء، و يجوز في الكتابيّات استدامته، كأن يسلم الذمّي و عنده كتابيّة، فإنّه يستديم نكاحها.
أمّا
ص: 481
المجوس «فقيل: كان لهم كتاب، ثمّ نسخ و رفع من بين أظهرهم، فلهم شبهة كتاب، فلحقوا بالكتابيين في أحكامهم.
أمّا السامرة فهم قوم من اليهود و يخالفونهم في بعض الفروع، فحكمهم حكم أهل الذمّة و قيل: ليسوا منهم، فحكمهم حينئذ حكم الحربيّين.
أمّا الصابئون، فقيل: هم نصارى، و قيل: انّهم يخالفونهم في الأصول، و يقولون إنّ الفلك ناطق، و يعبدون الكواكب، فحكمهم حكم الحربيّين أيضا.
و أمّا من له كتاب غير التوراة و الإنجيل من الكفّار، فحكمهم حكم الحربيّ أيضا، و ذلك مثل صحف إبراهيم و زبور داود.
و أمّا من انتقل إلى دين أهل الكتاب، فإن كان بعد النسخ، كانوا بحكم الحربيّين أيضا، و إن كان قبله، فحكمهم حكم أهل الذمّة.
كالسكنى، و النفقة، و الكسوة، و القسم، و أحكام الإيلاء من مطالبته بالفئة عند انتهاء المدّة أو الطلاق، و يثبت له عليها حقوق الأزواج، كالتمكين من الاستمتاع، و السكنى حيث شاء، و يجوز له وطؤها قبل الغسل من الحيض أو النفاس عند انقطاعهما، و لو قلنا بالمنع في المسلمة فكذا هاهنا، فيلزمها الغسل، و إن لم يصحّ منها النيّة، تحصيلا لحقّ الآدميّ و إن تعذّر تحصيل حقّ اللّه تعالى، و كذا لو كانت مسلمة مجنونة، فإنّه يجبرها على الغسل، و إن لم يصحّ منها النية، و أمّا الغسل من الجنابة، فالأقرب أنّه ليس له إجبارها عليه.
و الحاصل أنّ كلّ ما يمنع من الاستمتاع، فله إجبارها على إزالته، و كلّ ما
ص: 482
يمنع من كمال الاستمتاع ففي إجبارها عليه نظر، و ما لا يمنع منه و لا من كماله فليس له إجبارها عليه، فطول شعر البدن و الأظفار، إن منع من الاستمتاع أجبرت على إزالته، و إلاّ فلا.
و له منعها من البيعة و الكنيسة، و الخروج من بيتها، و شرب الكثير من الخمر، و فيما دون الإسكار احتمال.
فلو كانت مسلمة و أرادت شرب النبيذ على مذهب الحنفيّ ، منعت.
و في منع الكافرة من أكل لحم الخنزير احتمال، قوّى الشيخ رحمه اللّه عدم المنع(1) و كذا ليس له منع المسلمة عن أكل الثوم، و البصل، و أشباههما، و له منع المشركة من لبس جلد الميتة و من النجاسات الّتي تتعدّى إليه.
و فيه أربعة عشر بحثا:
فهو باق على نكاحها، سواء أسلم قبل الدخول أو بعده، و يجوز له نكاحها بالعقد السابق مع كفرها، و يكون حكمها ما تقدّم، سواء كانا في دار الإسلام، أو في دار الحرب، أو اختلفت الداران بهما.
ص: 483
و لو أسلمت الكتابيّة دون زوجها، فإن كان قبل الدخول، انفسخ العقد و لا مهر لها، و إن كان بعده انتظر عدّة الطلاق، فإن أسلم فيها، كان النكاح باقيا، و إن انقضت على كفره، بانت منه، و لها المهر، و قال الشيخ: إن كان الزوج بشرائط الذمّة، كان النكاح باقيا غير أنّه لا يمكن من الخلوة بها و لا من الدخول عليها ليلا(1) و ليس بمعتمد.
و العدّة للحرّة ذات الأقراء ثلاثة، و للأمة قرءان، و لغيرها ثلاثة أشهر، و لو كانت آيسة في سنّ من تحيض، انتظرت العدّة بالأشهر أيضا مع الدخول.
سواء خرجت العدّة و هو باق على الشرك، أو أسلم قبل الانقضاء.
فإن كان قبل الدخول، انفسخ النكاح في الحال، سواء كان المسلم الرجل أو المرأة، و لو كان بعد الدخول انتظرت العدّة، فإن أسلم الآخر فيها، كان النكاح باقيا، و إلاّ انفسخ العقد، و لا فرق بين أن يكون المسلم الرجل أو المرأة، و لا اعتبار بالدار في هذا الحكم، و على الزّوج نفقة العدّة مع الدخول، كما قلنا هاهنا إن كانت هي المسلمة، و لو كان المسلم هو، فإن انقضت العدّة قبل إسلامها، لم تكن لها نفقة، و إن أسلمت في الأثناء كان لها النفقة عن المستقبل، و فيما مضى وجهان، أقواهما السقوط.
فلو قال: أسلمت بعد شهرين من إسلامي، فلا نفقة فيهما عليّ ، و قالت: بل
ص: 484
بعد شهر، فالقول قوله مع اليمين، و كذا لو قالت: قبل انقضاء العدّة، فالزّوجية باقية، ولي النفقة، فقال: بل بعد الانقضاء، فلا نفقة، فالقول قوله.
و لو أسلم أحدهما و تخلّف الآخر حتّى انقضت العدّة، وقعت البينونة، و لو(1) اختلفا فقال الزوج: أنا أسلمت و تخلّفت أنت، فلا نفقة لك، و قالت: بل أسلمت أنا فلي النفقة، احتمل تقديم قوله، عملا بثبوت البينونة، و أصالة براءة الذمّة، و قولها، لوجوب النفقة عليه أوّلا، و الأصل البقاء.
أو كنّ كتابيّات و إن لم يسلمن، تخيّر أربعا، و فارق البواقي، سواء ترتّب عقده عليهنّ ، أو وقع دفعة واحدة، و سواء اختار الأوائل أو الأواخر في المرتّبات إن كان حرّا، و لو كنّ إماء و حرائر، تخيّر أمتين و حرّتين أو أربع حرائر، و لو كنّ أربعا لا أزيد، ثبت عقده عليهنّ ، و لا اختيار.
و لو أسلمت المرأة و قد تزوّجت باثنين، فإن كان مترتّبا، كان عقد الثاني باطلا، و إن وقعا دفعة، بطلا معا، و لا اختيار لها فيهما.
و لو أحرم عقيب إسلامه، كان له الاختيار حالة الإحرام، لأنّه ليس ابتداء عقد.
و العبد يستديم حرّتين، أو حرّة و أمتين، أو أربع إماء.
فإن كان قد دخل بهما، حرمتا معا أبدا، و إن كان قد دخل بالبنت خاصّة، ثبت عقدها و حرمت الأمّ
ص: 485
مؤبّدا، و إن كان قد دخل بالأمّ خاصّة، حرمت البنت مؤبّدا، و هل تحرم الأمّ مؤبّدا بمجرّد العقد على البنت هنا؟ قال الشيخ: نعم(1).
و إن لم يكن دخل بهما، قال الشيخ: يتخيّر أيّتهما شاء(2)، إذ عقد الشرك لا يحكم بصحّته إلاّ بانضمام الاختيار في حال الإسلام، و لهذا لو تزوّج عشرا، فاختار منهنّ أربعا، لم يجب للبواقي مهر و لا نفقة و لا متعة بمنزلة من لم يقع عليهنّ عقد، فإذا اختار الأمّ كان بمنزلة من لم يعقد على البنت، و يحتمل لزوم نكاح البنت، إذ عقد الشرك صحيح، كما لو تزوّج أختين، فإنّه يختار أيّتهما شاء، فيكون صحيحا فيهما، و صحّة النكاح في البنت، يقتضي التحريم المؤبّد في الأمّ ، و اختيار الشيخ هنا لا يجامع اختياره في الثالث.
و لو كانت الأمّ و البنت أمتين له، فإن كان وطئهما حرمتا معا أبدا، و إن وطئ إحداهما حرمت الأخرى كذلك، و إن لم يكن وطئ شيئا منهما تخيّر.
و خلّى سبيل الأخرى، سواء دخل بهما أولا، و كذا لو كان عنده امرأة و عمّتها أو خالتها إذا لم تجز العمّة و الخالة نكاح بنت الأخ أو بنت الأخت، و لو أجازتا صحّ نكاح الجميع، و كذا لو أسلم عن حرّة و أمة.
تخيّر اثنتين منهنّ ، ترتّب عقدهنّ أو اتّفق، و سواء دخل بهنّ أو لا، و سواء كان واجدا للطول أو لا، و لو أسلم عن حرّة و ثلاث إماء، فان أسلمن معه، ثبت نكاح الحرّة،
ص: 486
و بطل نكاح الإماء إن لم ترض الحرّة، و إن رضيت اختار اثنتين منهنّ ، و انفسخ نكاح الثالثة.
و لو أسلمت الحرّة خاصّة، ثبت نكاحها و وقف نكاح الإماء على رضاها، فإن أجازته اختار اثنتين، إن أسلمن في العدّة، أو كنّ كتابيّات.
و لو أسلمت الإماء خاصّة، فإن أسلمت الحرّة في العدّة ثبت نكاحها، و كان حكم الإماء ما تقدّم، و إن انقضت على الشرك، بطل نكاحها، و اختار اثنتين من الإماء.
و لو طلّق الحرّة قبل إسلامها بائنا، فإن انقضت العدّة على الشرك تبيّن أنّ الفرقة وقعت حين اختلاف الدين، و إن أسلمت في العدّة، ثبت الطلاق، و اختار من الإماء اثنتين، و من منع من نكاح الإماء مع الطول لا يبطل نكاح الإماء بثبوت نكاح الحرّة قبل الطلاق.
كان له اختيارهنّ و انتظار الباقيات، فإن خرجت العدّة و هنّ على الشرك، وقع الفسخ في المشركات، و ثبت نكاح الأربع، و الاعتداد من حين اختلاف الدين، و إن أسلمن في العدّة، كان له أن يختار أربعا من شاء منهنّ ، فينفسخ نكاح الآخر من حين الاختيار، و يعتددن من ذلك الوقت أيضا.
و لو أسلم أربع، و كانت البواقي كتابيّات، كان له أن يختار الكتابيّات، و إن بقين على الكفر، فينفسخ نكاح المسلمات من حين الاختيار.
كان
ص: 487
له اختيار المسلمة و انتظار الباقيات، فإن أسلمن قبل انقضاء العدّة، كان له أن يختار اثنتين، و انفسخ نكاح الباقيتين من حين الاختيار، و إن أقمن(1) على الكفر حتّى انقضت العدّة، حصلت البينونة باختلاف الدين، و كان نكاح الأولى لازما بغير اختياره.
و لو اختار فسخ نكاح المسلمة، لم يكن له لأنّ الباقيات قد لا يسلمن إلى انقضاء العدّة، فيكون نكاحها لازما، فلو فسخ نكاحها لم يصحّ الفسخ في الحال، إلاّ أن تسلم اثنتان، و يختار نكاحهما، فينفسخ نكاح الأولى و الزائد على الاثنتين، و لو اختار نكاح الأولى احتمل عدم صحّة الاختيار، لأنّ فسخه لم يصحّ ، و الصحّة لأنّ الفسخ إنّما لا يصحّ إذا قامت البواقي على الكفر إلى انقضاء العدّة، فأمّا إذا أسلمن فيها، فإنّ فسخ نكاح من شاء صحيح.
و كذا لو كان عنده ثماني حرائر فأسلمن أربع، لم يكن له فسخ نكاحهنّ إلاّ أن يسلمن الباقيات، فإن فسخ قبل إسلامهنّ ثمّ أسلمن، ففي جواز اختيارهنّ ما تقدّم من الاحتمال.
و منع بعض علمائنا من ذلك(2). فعلى المنع لو أسلم فأسلم بعضهنّ و هو معسر، ثمّ أسلم بعضهنّ و هو موسر، اختار نكاح من أسلم و هو معسر، لانفساخ نكاح من أسلم و هو موسر، إذ الاعتبار بحال اجتماع إسلامه و إسلامها، و هو حالة الاختيار، و اليسار لا يمنع من الاختيار للأولى لتجدّده.
ص: 488
فأسلم الإماء معه ثمّ أعتقن و تأخّرت الحرّة قال الشيخ: لم يكن له اختيار الإماء قبل العتق، لتمسّكه بالحرّة، و لا بعده، لأنّ وقت الاختيار وقت اجتماع إسلامه و اسلامهنّ و هنّ حينئذ إماء(1) فإن لم يختر و أسلمت الحرّة في العدّة، ثبت نكاحها، و انفسخ نكاحهنّ ، إلاّ أن تخيّر فله أن يختار اثنتين، و إن لم تسلم اختار اثنتين من الإماء لا أزيد، لأنّ المراعى وقت ملك الاختيار - و هنّ حينئذ إماء - لا وقت وجوده.
و لو خالف و اختار، فإن أسلمت الحرّة في العدّة، انفسخ نكاح البواقي و الّتي اختارها، إلا أن تخيّر الحرّة، و إن لم تسلم ففي صحّة نكاح الاثنتين اللتين اختارهما احتمال.
أما لو أعتقن قبل إسلام الزّوج و إسلامهنّ ، ثم أسلم و أسلمن، أو بعد إسلامه قبل إسلامهنّ ، ثمّ أسلمن، كان له أن يختار أربعا، لأنّ حالة الاختيار حالة اجتماع إسلامه و إسلامهنّ ، فإن اختارهنّ ، انفسخ نكاح الحرّة باختياره إن أسلمت في العدّة، و باختلاف الدين إن لم تسلم، و إن أخّر الاختيار حتّى تسلم الخامسة قال الشيخ: كان له ذلك(2) و يحتمل إلزامه باختيار ثلاث منهنّ و تأخير اختيار الرابعة، لينظر حال الخامسة، إذ يلزمه نكاح ثلاث منهنّ ، فلا معنى لتأخير الثلاث الأخر، فإن أسلمت في العدّة، تخيّر بينها و بين الرابعة، و إن انقضت عن الشرك، ثبت عقد الأربع.
كان له أن يختار أمتين و حرّة، أو حرّتين، و ليس للأمتين أن تختارا فراقه،
ص: 489
و هل للحرائر ذلك ؟ قال الشيخ: نعم(1) فيبقى عنده أمتان يثبت عقده عليهما.
كان لهنّ اختيار الفسخ، فيكملن عدّة الحرائر إن أسلم في العدّة، و إن بقي على الشرك حتّى انقضت العدّة، بن بالاختلاف و ظهر بطلان الفسخ، لمصادفته(2) البينونة و هل يكملن عدّة الحرائر؟ فيه وجهان، و المقام،(3)فإن أسلم في العدّة، اختار اثنتين، و إن انقضت على الشرك انفسخ النكاح من حين الاختلاف، و تثبت العدّة منه، و هل يكملن عدّة الحرائر؟ قوّى الشيخ عدم ذلك للبراءة(4). و لو اخترن المقام قبل إسلامه، لم يعتدّ به، و لا يسقط حقّهنّ من الفسخ عند إسلامه، و إن سكتن عن اختيار الفسخ و المقام، لم يبطل، لأنّه على التراخي، فإن أقام الزوج على الشرك حتّى انقضت العدّة، وقع الفسخ باختلاف الدين، و كان ابتداء العدّة من حين الفسخ، و قوّى الشيخ رحمه اللّه أنّهنّ لا يكملن عدّة الحرّة(5). و إن أسلم فيها، فإن اخترن فراقه، انفسخ النكاح و اعتددن حينئذ عدّة الحرائر، و إن اخترن المقام تخيّر اثنتين.
و لو أسلم العبد قبلهنّ ، ثمّ أعتقن، كان لهنّ اختيار الفسخ، فإن كنّ مشركات، فلا حكم لاختيارهنّ المقام معه، فإن انقضت العدّة على الشرك، انفسخ نكاحهنّ ، و إن أسلمن، تخيّر اثنتين.
و خيار المعتقة على الفور، و لو ادّعت عدم علمها بالعتق، و كان ممّا
ص: 490
يخفى عليها، كان القول قولها مع اليمين، و إلاّ فلا، و لو ادّعت جهالة الحكم، قوّى الشيخ القبول منها(1) و القول قولها مع اليمين.
و لو أعتق العبد و الأمة معا، قال الشيخ لا خيار لها(2) و لو اعتقت دونه و لم يعلم حتّى أعتق، ففي ثبوت الخيار وجهان، و قال بعض علمائنا بثبوت الخيار للمعتقة و إن كانت تحت حرّ فلا يسقط خيارها بعتقه هنا.
كان له أن يختار اثنتين، لأنّه حين ثبوت الاختيار كان عبدا، فإذا اختار اثنتين، و فارق اثنتين، كان له أن يتزوّجهما، لأنّه حرّ، و لو أسلم، ثمّ أعتق، و أسلمن، لزمه نكاح الأربع، لأنّه يجوز له نكاح الأربع وقت اجتماع الإسلام.
و فيه ثلاثة عشر بحثا:
و لو كنّ و ثنيّات أو مجوسيّات، انتظرت العدّة، فإن أسلمن ثبت عقده عليهنّ و لا خيار له، و إن انقضت العدّة على الشرك، انفسخ النكاح من حين الاختلاف، و لا خيار، أمّا
ص: 491
لو كنّ أكثر من أربع حرائر و ثنيّات، فأسلمن في العدّة مع الدخول، وجب عليه أن يختار أربعا، و يفارق البواقي من حين الاختيار، و يعتددن من تلك الحال، فإن امتنع من الاختيار سجنه الحاكم، فإن اختار، و إلاّ أخرجه و عزّره، فإن امتنع أعاده إلى السجن، فإن اختار، و إلاّ أخرجه ثانيا و عزّره، فإن اختار، و إلاّ أعاده إلى السجن، و هكذا إلى أن يختار، و ليس للحاكم أن يختار عنه، و لو جنّ بعد إسلامه اختار الوليّ عنه.
فإن مات قبل الاختيار و تحته ثماني نسوة، وجبت عدّة الوفاة على الجميع، فإن كنّ حوامل اعتددن بأبعد الأجلين، و إن كنّ آيسات أو صغائر اعتددن بأربعة أشهر و عشرة أيّام، و إن كنّ من ذوات الأقراء اعتددن بأبعد الأجلين أيضا، و هو أربعة أشهر و عشرة أيّام و ثلاثة أقراء، و يوقف سهم الزوجة لهنّ ، فان اصطلحن إمّا بالتخصيص لبعضهنّ ، أو بالتفضيل له، أو بالمساواة، دفع الثمن إليهنّ ، و ان لم يصطلحن، بقى موقوفا، فإن طلبت الأربع فما دون منه شيئا، لم يعطين، و إن طلبت خمس منهنّ أعطين ربع الثمن مع الولد، و ربع الربع مع عدمه، تضعن به ما اصطلحن عليه، و إن طلبت ستّ أعطين نصفه، و هكذا، و يوقف الباقي، و لا يسقط حقّ من أخذ ممّا تخلّف، و لو كان فيهنّ موليا عليها لم يكن للوليّ أن يأخذ أقلّ من ثمن الموقوف، لأنّه أقلّ نصيبها مع القسمة.
و لو كنّ أربع و ثنيّات و أربع كتابيّات، فأسلمت الوثنيّات مع إسلامه ثمّ مات قبل الاختيار، احتمل أن لا يوقف شيء، لأنّ الإيقاف(1) انّما يكون مع تيقّن
ص: 492
الوارثات، و يحتمل هنا أن يختار الكتابيّات، فلا يرثن و قوّاه الشيخ،(1) فيكون ميراثا لباقي الورثة، و يحتمل الإيقاف حتّى يصطلحن، كما يوقف الميراث مع الحمل، و إن شككنا في إرثه إلاّ أنّ نصيبهنّ لا يدفع إليهنّ مع اصطلاحهنّ حتّى يصطلحن مع بقيّة الورثة الذين يكون لهم نصيب الزوجات إن لم تكن وارثات، لتردّده بينهم،(2) بخلاف الأولى لتيقّن إرث الزوجات هناك.
و كذا الاختيار فلا يعد في الثلث، فإن أسلم و عنده وثنية أو مجوسيّة قبل الدخول، انفسخ النكاح، و كان لها نصف المسمّى إن كان مباحا، و إلاّ فنصف مهر المثل، و إن لم يسمّ شيئا فهي مفوّضة لها المتعة، و إن كان بعد الدخول، وجب المسمّى المباح كملا، و مهر المثل إن لم يسمّ أو سمّى حراما.
و لو أسلمت هي أوّلا، فإن كان قبل الدخول، سقط المهر بأجمعه، و إن كان بعده، ثبت الجميع.
و لو أسلما دفعة أو كانت كتابيّة، فالنكاح بحاله، و كذا الصّداق المباح، و لو قالا: سبق إسلام أحدنا قطعا، و لا نعلم التعيين، فإن لم تكن المرأة قبضت شيئا من المهر، فليس لها المطالبة، لإمكان سبقها، و إن كانت قبضته، رجع الزوج بنصفه خاصّة، و ليس له المطالبة بالباقي، لإمكان سبقه، فيوقّف حتّى يتبيّن.
و لو اختلفا في السابق، فالقول قولها استصحابا للمهر، و لو ادّعى الاستصحاب في الإسلام، و ادّعت سبق أحدهما فالأقوى تقديم قول الزّوج عملا باستصحاب النكاح.
ص: 493
أو اخترت «حبسك» أو «أمسكتك» أو «امسكت نكاحك» أو «ثبّتّك» أو «ثبّتّ نكاحك» و ما أشبه ذلك.
و قد يكون فعلا بأن يطأ، أو يقبّل، أو يلمس بشهوة على إشكال فيهما، و لو رتّب في الاختيار ثبت عقد الأربع الأولى و اندفع البواقي و لو قال لما زاد على الأربع: اخترت فراقكنّ ، اندفع و ثبت نكاح البواقي.
و لو قال للأربع: اخترتكنّ أو أمسكتكنّ صحّ نكاحهنّ ، و اندفع البواقي.
و لو قال للأربع: طلّقتكنّ ، ثبت نكاحهنّ و طلّقن، و انفسخ نكاح البواقي، و كذا لو طلّق واحدة، ثبت نكاحها، و طلّقت، و كان له اختيار ثلاث.
و إن قال للأربع: فارقتكنّ ، لم يكن اختيارا و اندفع نكاحهنّ ، و ثبت عقد البواقي.
و الظهار و الإيلاء ليسا اختيارا على إشكال، إذ لو حلف على الأجنبيّة ألاّ يطأها، ثمّ تزوّجها و وطئها وجبت الكفّارة، و الظهار يواجه به غير الزوجة، فإن اختار غير من ظاهر، أو آلى منها، سقط حكمهما، و إن اختار إحداهما تعلّق بها حكمهما و كان العود من حين الاختيار إن لم يفارقها، و مدّة الإيلاء من حين الاختيار.
و قال الشيخ رحمه اللّه: الّذي يقتضيه مذهبنا أنّ الظهار و الإيلاء اختيار، إذ لا يقعان بغير الزوجة(1) و فيه قوّة.
ص: 494
و لو قذف إحداهنّ ، فإن اختارها، سقط الحدّ بالبيّنة أو باللعان، و إن اختار غيرها، ثبت الحدّ إلاّ مع البيّنة، هذا إذا طلّق، أو ظاهر، أو آلى، أو قذف بعد إسلامهنّ ، و لو كان قبله، فإن انقضت العدّة، عزّر عن القذف، و له دفعه بالبيّنة خاصّة، و سقط حكم البواقي، فإن أسلمن فيها، فإن اختار غيرها، فلا حكم، و إن اختارها ثبت حكم الجميع، و في القذف التعزير أيضا، و له دفعه بالبيّنة و اللعان.
و ليس له اختيار ما دونهنّ ، كما أنّه ليس له اختيار الزائد، و لا يجب اختيارهنّ دفعة بل يجوز متعاقبا.
انفسخ عقدهنّ إن كان الباقي أربعا فما زاد، و لو كان الباقي أقلّ من أربع لم يجز، و هل يكون لاغيا حتّى يثبت الاختيار للأربع من الجميع أو يثبت نكاح البواقي و يتخيّر إتمام الأربع من اللواتي فسخ نكاحهنّ؟ الأقرب الثاني.
و لو قصد بالفسخ الطلاق، لم يقع الطلاق إلاّ أن يكون ممّن يعتقد ذلك، فيقع و أمّا في غيره فلا، و هل يكون اختيارا لمن قصدهنّ بالطلاق بلفظ الفسخ ؟ فيه إشكال، أقربه ذلك.
و لو كنّ أربعا لا غير، فأسلمن معه، ثبت نكاحهنّ ، و لا خيار له، فإن قال:
فسخت نكاحهنّ ، لم يصحّ ، سواء قصد حلّ النكاح أو الطلاق، لأنّ الفسخ انّما يكون بالعيب.
و إنّما هو تبيين لمن كان صحيح
ص: 495
النكاح منهنّ (1) و تصحيح العقد الأوّل فيهنّ ، فلو أسلم عن ثمان و أسلم معه أربع، فإن اختارهنّ انفسخ نكاح البواقي، و ان تربّص إسلام البواقي، فماتت المسلمات قبل إسلامهنّ ، ثم أسلمن، لم يبطل الاختيار، فإن اختار الأحياء لم يرث الموتى، و ان اختار الموتى ورثهنّ .
بل بينهما مخالفة في الحكم، فلو أسلم و تحته خمس فأسلمت واحدة فاختارها صحّ و لو أسلمت ثانية فاختارها أيضا صحّ ، و هكذا إلى الأربع فتنقطع(2) عصمة الخامسة، و لو اختار فسخ نكاح المسلمة أوّلا، لم يكن له ذلك، لأنّه لا يملك فسخ النكاح في واحدة حتّى يزيد عدد المسلمات على الأربع، فلو أسلمت البواقي، فالأقرب جواز اختيار نكاح من فسخ نكاحها أوّلا، لوقوع الفسخ لاغيا.
و لو قال حين أسلم: كلّما أسلمت واحدة فقد اخترت فسخ نكاحها لم يصحّ ، سواء قصد الفسخ، أو الطلاق، و لا يثبت اختيارها لو قصد الطلاق، لأنّه تعليق للفسخ بالشرط، و من شرطه التنجيز و علّق الطلاق به، فكان باطلا أيضا، و لا اعتداد به في الاختيار، لأنّه تعليق للنكاح على شرط، إذ تعليق الطلاق عليه يستلزمه.
أو أربع سواها في عقد واحد قبل انقضاء عدّتها، كان العقد فاسدا، لا موقوفا، و كذا لو كان تحته أربع وثنيّات، فتزوّج بالخامسة قبل انقضاء العدّة،
ص: 496
و لو أسلمت الوثنيّة دونه، فتزوّج بأختها، فإن انقضت العدّة و هو على الشرك، انفسخ نكاح الأولى حين اختلاف الدّين، و صحّ نكاح الثانية، و لو أسلم هو و الأخرى في العدّة، تخيّر من شاء من الأختين.
فلا نكاح بينهما، و إن أسلما قبلها، كان النكاح باقيا إلى حين الانقضاء، و لو أسلم الزّوج أوّلا بعد الدخول، انتظرت العدة، فإن أسلمت و قد بقى من الأجل شيء، كان أملك بها تلك المدّة، و إلاّ فلا نكاح، و هل يرجع من المهر بنسبة المدّة الفائتة بعد إسلامه ؟ الأقرب ذلك.
و لو أسلم قبل الدخول، فانقضت المدّة و العدّة و هي مشركة، فالأقرب، ثبوت نصف المهر لها.
و لو أسلمت دونه قبل الدخول، فالأقرب عدم المهر، و ينفسخ النكاح في الحال، فلو أسلم في المدّة لم يملك نكاحها، و إن كان بعد الدخول ثبت لها من المهر بقدر ما استوفاه من الأيّام، و الأقرب ثبوت الباقي، لأنّ الامتناع منه.
فإن أسلما لم يقرّا على النكاح إلاّ بعقد مستأنف، سواء كان الخيار لهما أو لأحدهما، و لو كان الخيار إلى مدّة، فإن أسلما قبل انقضائها أقرّا عليه.
لم يقرّا عليه، لأنّه لا يجوز ابتداؤه في حال الإسلام، و إن أسلما بعد انقضائها أقرّا عليه.
ص: 497
و لو تزوّج بحليلة أبيه أو ابنه أو امرأة طلّقها ثلاثا، أو لاعنها، ثمّ أسلما، لم يقرّا عليه، و لو غصبها حال الشرك ثمّ أسلما، لم يقرّا عليه، و لو غصبها حال الشرك، ثمّ أسلما لم يقرّا عليه، و كذا لو طاوعته على الوطء من غير عقد.
لم يكن له ذلك اعتبارا لصحّة طلاق المشرك، كما يصحّ نكاحه.
و لو أسلم و أسلمتا، ثم طلّقهما ثلاثا، يقال له: تطلّق من كنت تختار منهما، فإذا عيّن، جاز له العقد على الأخرى.
و لو أسلم عن ثماني نسوة، و أسلمن معه، فطلقهنّ ثلاثا، كلّف اختيار أربع، فإذا عيّنهنّ وقع بهنّ الطلاق، و حلّ له نكاح الباقيات.
و فيه ستّة مباحث:
انفسخ النكاح في الحال، فإن كان المرتدّ الرجل، ثبت لها نصف المسمّى الصحيح، و نصف مهر المثل إن كان سمّى فاسدا، و المتعة إن لم يسمّ ، و ان كان المرأة، سقط المهر، و إن كان بعد الدخول ثبت المهر.
ص: 498
ثمّ إن كان المرتد الرجل عن فطرة، انفسخ النكاح في الحال، و وجب قتله، و تعتدّ المرأة عدّة الوفاة، و لا تعاد عليه لو تاب، و إن كان عن غير فطرة، وقف الفسخ على انقضاء عدّة الطلاق، فإن انقضت و لم يرجع، فلا نكاح بينهما، و إن رجع في أثنائها، كان أملك بها.
و لو كان المرتدّ المرأة، انتظرت عدّة الطلاق، فإن رجعت، كان أملك بها، و إلاّ فلا نكاح بينهما، و يتبيّن انفساخ النكاح من حين الارتداد لا من حين انقضاء العدّة.
و لو ارتدّا معا فالتفصيل كما قلناه.
لأنّ النكاح موقوف على انقضاء العدّة، فإن وطئها و لم يرجع في العدّة، كان عليه مهر المثل، و كذا لو كانت هي المرتدّة فوطئها، أو ارتدّا معا، و إن رجعا أو رجع المرتدّ منهما في العدّة، فلا مهر لذلك الوطء عليه.
و لا للكافر لتحرّمها بالإسلام [السابق].
فإن أقامت الزوجة على الشرك حتّى انقضت العدّة من حين أسلم، فقد بانت منه من حين الإسلام باختلاف الدين، و إن أسلمت في الأثناء تبيّن عدم البينونة باختلاف الدين، و يضرب لها عدّة من حين ارتدّ، فإن عاد إلى الإسلام قبل انقضائها، فهما على الزوجيّة، و إن لم يعد حتّى انقضت، فقد بانت من حين الارتداد.
ص: 499
وقف النكاح على انقضاء العدّة، فإن أراد أن يختار أربعا حال ارتداده، لم يكن له ذلك، فإن عاد قبل الانقضاء، كان له الاختيار، و إن انقضت قبل رجوعه، حصلت البينونة منهنّ حين الارتداد.
كعبادة الأصنام، لم تقرّ عليه إجماعا، فيحتمل عدم قبول غير الإسلام منها و قبول الرجوع و قبول أيّ دين يقرّ أهله عليه، فإن كان الانتقال قبل الدخول، انفسخ النكاح، و إن كان بعده، فإن رجعت إلى دين الإسلام، أو دينها، أو دين يقرّ عليه على الخلاف في العدّة، فهما على النكاح، و إلاّ بانت بانقضاء العدّة.
و إن انتقلت إلى دين يقرّ عليه، فإن كان إلى اليهوديّة أو النّصرانيّة، فإن قلنا بقبوله، كان النكاح بحاله، و إلاّ انفسخ العقد إن كان قبل الدخول، و وقف على انقضاء العدّة إن كان بعده.
و إن انتقلت إلى المجوسيّة، انفسخ العقد قبل الدخول، و وقف على الانقضاء بعده، فإن رجعت في العدّة أو أسلمت، فهما على النكاح إن قلنا بقبول الرجوع، و إن خرجت العدّة، انفسخ النكاح.
و لو انتقلت زوجة الذمّي إلى غير دينها من ملل الكفر، وقع الفسخ في الحال، و لو عادت إلى دينها فكذلك، بناء على أنّه لا يقبل منها إلاّ الإسلام.
ص: 500
و فيه ستة مباحث:
فلو طلّق المشرك زوجته ثلاثا، ثمّ أسلما، لم يحلّ له مراجعتها إلاّ بالمحلّل، و لو كان للمسلم زوجة ذمّية فطلّقها ثلاثا، فتزوّجت بذمّي، و طلّقها، حلّت للأوّل.
اختار أربعا منهنّ ، كالحربي لا فرق بينهما إلاّ في شيء واحد، و هو أنّ الحربيّ إذا قهر امرأة منهم، و كان يعتقد ذلك نكاحا، و أسلموا، أقرّ على ذلك، بخلاف الذمّي، فإنّه لا يقرّ على مثل ذلك، لأنّ أهل الذمّة لا يجوز لهم ذلك، و على الإمام الذّبّ عنهم و دفع من قهرهم.
و المستأمن إذا قهر امرأة على نفسها، و كان يعتقد ذلك نكاحا، أقرّ عليه إذا أسلما، لأنّ المستأمنين لا يلزم الإمام(1) نصرتهم، و انّما هم آمنون من المسلمين و أهل الذمّة، و لهذا لو قصدهم أهل الحرب لم يلزم الإمام دفعهم بخلاف أهل الذمّة.
و كذا لو تزوّج ذميّ بمجوسيّة أو وثنيّة، و لو تزوّج مرتدّ بمرتدّة لم يقرّا عليه و إن تابا.
ص: 501
و يجوز للذمّي أن يتزوّج بحربيّة من أهل الكتاب و غيرهم، أمّا المسلم فلا يحلّ له ذلك و لا بالذمّيات من أهل الكتاب.
و لا نكاح نسائهم، و كذا المتولّد من الحربي و أهل الذمّة(1) قال الشيخ: و في أصحابنا من أجاز نكاح أهل الذمّة و أكل ذبائحهم(2).
و الولد يتبع المسلم من أبويه في الإسلام، و في الإقرار بالحريّة يتبع الأب إذا كان بين مشركين مختلفين، قال بعض الجمهور: و يتبع الأمّ في الحريّة و الرقّ .
و لا يجب على الحاكم الحكم بينهم، و إن كانوا أهل ذمّة، و لا يجب على الحاكم إعداء الخصم إن استعداه على خصمه.
و لا يجب على الخصم إذا استدعاه الحاكم الترافع إليه، لأنّه إذا لم يجب على الحاكم الحكم، لا يلزم الخصم أن يرتفع إليه.
فإذا أراد المشرك ابتداء نكاح مشركة عنده، عقده لهما كما يعقده للمسلمين، و إجبار المنكوحة و عدمه كما في المسلمين، و إن أراد استدامته، حكم بصحّته إن كان يسوغ له ابتداؤه عليها بعد أن يكون الواقع في الشرك يعتقدونه صحيحا لازما.
ص: 502
و الحاصل أن كلّ نكاح لو أسلما عليه أقرّا عليه، فإنّه يحكم بينهما بصحّته إذا ترافعا إلينا مشركين، و المهر الصحيح يحكم بصحّته، سواء كان مقبوضا أو لا، و إن كان فاسدا فإن كان مقبوضا لزم و استقرّ، و إلاّ سقط و قضى بمهر المثل، و إن قبض بعضه سقط من مهر المثل بإزائه، فإن كان خمرا عشرة أزقاق و قبضت منه خمسة، فإن كانت متساوية، وجب نصف مهر المثل، و إن كانت مختلفة، فالأقرب اعتباره بالقيمة عند مستحلّيه، و لو كان كلابا أو خنازير، فبالقيمة(1) من غير التفات إلى العدد، و لو كان للكافر ابن صغير كان له تزويجه كالمسلم.
و فيه ستة و عشرون بحثا:
فإن بادر أحدهما من غير إذن، قيل: يبطل(2) و الأقرب أنّه موقوف على إذن المولى، فإن أجازه صحّ ، و إلاّ بطل، و على المولى مهر عبده و نفقة زوجته، و له مهر أمته، و كذا لو كان كلّ واحد منهما لمالك أو أكثر، و أذن البعض لم يمض إلاّ بإذن الباقي، و كذا لا يحلّ وطء المكاتبة، مطلقة كانت أو مشروطة، و لا العقد عليها إلاّ بإذن المولى، و كذا المكاتب.
ص: 503
فإن كان مولاهما واحدا فالولد له، و إلاّ كان لهما بالسويّة، سواء شرطا الملك(1) أو أطلقا، و لو اشترطه أحدهما أو شرط زيادة فيه لزم.
و لو كان أحدهما حرّا، تبعه الولد، سواء الحرّ الأب أو الأمّ إلاّ أن يشترط المولى رقّ الولد، فيلزم.
كان عليه الحدّ، فإن كانت عالمة، فلا مهر لها، و إلاّ ثبت المهر للمولى، و الولد رقّ له، و لو كان الزّوج جاهلا، أو حصلت له شبهة، سقط الحدّ دون المهر، و انعقد الولد حرّا، و على الأب قيمته يوم سقوطه حيّا لمولاه، و كذا لو عقد عليها بمجرّد دعواها الحرّيّة، فيلزمه المهر و قيل: عشر قيمتها مع البكارة و نصفه مع الثيبوبة(2) و لو كان دفع إليها مهرا، استعاد ما وجد منه، و كان الولد رقا، و على الزّوج فكّهم(3) بالقيمة، و يجب على المولى دفعهم إليه، و لو لم يكن له مال سعى في قيمتهم، و إن امتنع قيل: وجب على الإمام أن يفديهم من سهم الرقاب(4).
تخيّرت المرأة بين الفسخ و الإمضاء، فإن فسخته قبل الدخول،
ص: 504
فلا مهر، و إن كان بعده، فلها المسمّى، و عليها العدّة، و لا نفقة لها، و لا سكنى، و إن كانت حاملا و قلنا النفقة للحمل، ثبت لها، و إلاّ فلا.
و إن كان غير مأذون، فالنكاح موقوف على الإذن، و لو شرطت نسبا فبان بخلافه أعلى أو أدون، أو صفة كالبياض، أو السواد، أو الطول، أو القصر، أو الحسن، أو القبح، فبان الخلاف، صحّ العقد، و ثبت لها الخيار في طرف العبوديّة، إذا شرطت حرّيته، و في طرف النسب إذا شرطت رفيعا فبان دونه، سواء كان مساويا لها، أو أدون، أو أرفع منها. و قوّى الشيخ رحمه اللّه سقوط خيارها، إذا بان دون الشرط أو كان مساويا لها أو أعلى(1).
و لو كان الغرور من جهتها، فإن كان في الحرّيّة، بأن تزوّج بها على أنّها حرّة، فبانت أمة، قال الشيخ: الأظهر في الروايات البطلان(2)، فإن لم يدخل فرّق بينهما، و لا مهر، و إن دخل فلها المهر، و يكون للسيّد، لأنّه من كسبها، و يرجع الزّوج به على المدلّس، فإن كان [المدلّس] الوكيل، استعاده منه مع يساره، و ينتظر اليسار مع عسره، و إن كان [المدلّس] الزوجة، تبعها به بعد العتق، و إن أحبلها فالولد حرّ، و على الأب قيمته يوم سقط حيّا، و يرجع به على الغارّ أيضا، قال: و قيل النكاح صحيح، و حينئذ هل يثبت الخيار للزوج ؟ المذهب نعم.
و إن كان الغرور بغير الحرّيّة من النسب، أو الصفات، كالحسن و غيره، ثمّ ظهر الخلاف، فالنكاح صحيح، و هل يثبت الخيار فيه ؟ احتمال.
و لو تزوّجها على أنّها مسلمة، فبانت كتابيّة، بطل العقد، و من قال هنا بصحّة العقد عليهنّ أوجب الخيار.
ص: 505
قيل: و يجب أن يعطيها المولى شيئا من ماله(1) و الأولى الاستحباب، و كان الفراق هنا بيد المولى، فيأمره باعتزالها و يأمرها باعتزاله، و إن لم يوقع طلاقا، و يكون ذلك فسخا بينهما.
و لو مات المولى، تخيّر الوارث في فسخ العقد و إبقائه.
و كان أولادها رقّا لمولاه، و لو كانت جاهلة، فالأولاد أحرار و لا قيمة عليها، و لها المهر يتبع به العبد بعد عتقه.
و لو تزوّج العبد بأمة غير مولاه، كان الولد لمولاه و مولى الجارية معا، سواء أذنا في النكاح أو لم يأذنا، و لو أذن أحدهما دون الآخر، كان الولد لمن لم يأذن، أمّا لو زنى العبد بأمة غير مولاه، فانّ الولد هنا لمولى الأمة خاصّة.
بطل العقد، و حرم وطؤها، سواء أجاز الشريك العقد بعد الابتياع على خلاف أو لا، و لو حلّلها له الشريك، ففي إباحة الوطء قولان.
و كذا لو ملك نصفها و كان الباقي حرّا لم يجز له وطؤها بالملك و لا بالعقد الدائم، و لو هاياها قيل: جاز له عقد المتعة عليها في زمانها المختصّ بها.
فيقول: تزوّجتك و أعتقتك و جعلت مهرك عتقك، فيلزمها عقد النكاح، قال
ص: 506
الشيخ رضي اللّه عنه: و لو قدّم العتق على التزويج عتقت و كانت بالخيار في النكاح، و منهم من منع ذلك و جعل المعتبر تقديم العتق، لأنّ العقد لا يتناول الأمة.(1) فعلى قول الشيخ، لو قدّم العتق عتقت، فإن اختارت النكاح فلا بحث، و إن امتنعت منه، فعليها قيمتها يوم العتق، فإن رضيت بأن يتزوّجها بالقيمة، و كانت معلومة، صحّ و إلاّ فلا، و لو تزوّجها بغير القيمة صحّ ، و لها عليه المسمّى، و له عليها قيمتها.
و لو طلّق الّتي جعل عتقها صداقها قبل الدخول، قال الشيخ: رجع نصفها رقا، و استسعت فيه، فان امتنعت، كان له من خدمتها يوم و لها يوم، و يجوز أن تشترى من الرقاب [الزكاة](2). و قال ابن البراج: يرجع بنصف القيمة و هي حرّة.(3) و اختاره ابن إدريس،(4) و هو عندي قويّ .
و لو قال لها: أعتقتك على أن أتزوّج بك، و لم يقل: و عتقك صداقك، نفذ العتق على تردّد، و الأقرب عدم وجوب قبول النكاح، فإن امتنعت فالوجه ثبوت القيمة.
و لو كان للحرّة مملوك فقالت له: أعتقتك على أن تتزوّج بي، وقع العتق، و لم يجب التزويج، قال الشيخ: و لا شيء لها، لأنّ النكاح حقّ له و الحظّ له فيه(5).
و لو قال لغيره: أعتق عبدك على أن أزوّجك بنتي، فأعتقه، نفذ العتق، و لم يجب على الباذل التزويج، و هل عليه للسيّد قيمة العبد؟ قال الشيخ:
فيه قولان(6) و الظاهر أنّ مراده للجمهور بناء على قول الرجل لسيّد العبد:
ص: 507
أعتق عبدك عن نفسك على أنّ عليّ مائة درهم، ففي وجوب البذل قولان، و قوّى الشيخ العدم، لأصالة براءة الذمّة.(1)
لم يسقط مهرها، و كذا لو قتلها السيّد، و لو قتلت نفسها قبل الدخول، أو قتلها سيّدها، لم يسقط المهر أيضا، و قوّى الشيخ سقوطه.(2) و كذا البحث في الحرّة.
فإن أجاز المشتري النكاح صحّ ، فإن فسخه كان مفسوخا، و خياره على الفور، فإن علم و لم يفسخ لزم العقد، و كذا العبد إذا بيع و كانت تحته أمة.
و لو كانت تحته حرّة فبيع، قال: الشيخ يثبت للمشتري الخيار أيضا(3) على رواية،(4) و منع ابن إدريس ذلك و حكم بلزوم النكاح(5)، و لو كانا لمالك فباعهما لاثنين، كان لكلّ واحد من المشتريين الخيار، و كذا لو باعهما على واحد.
و لو باع أحدهما دون الآخر، كان للمشتري الخيار بين الفسخ و الإمضاء، و كذا للبائع على من عنده.
و لو كان كلّ منهما لمالك فباع أحدهما أحد الزّوجين، تخيّر المشتري أيضا و المالك الآخر بين الفسخ و الإمضاء، و لو حصل بينهما أولاد كانوا لموالي الأبوين.
ص: 508
لم تكن لها نفقة، و كذا لو لم يرسلها إلى الزّوج ليلا و نهارا، أمّا لو مكّنه منها دائما، فإنّه تجب لها النفقة على الزّوج، و على المولى إرسالها ليلا للاستمتاع، و لا يجب إرسالها نهارا، فلا نفقة لها حينئذ.
فإن كان سمّى مهرا صحيحا، فهو له، فإن باعها قبل الدخول، سقط المهر، و لو أجاز المشتري كان المهر له، لأنّ الإجازة كالعقد المستأنف، و لو باعها بعد الدخول، فالمهر للأوّل، سواء أجاز الثاني أو فسخ و قال الشيخ: إن كان الأوّل قبض المهر فهو له، فإن كان بعد الدخول، فقد استقرّ له، و إن كان قبله، ردّ نصفه، و إن كان لم يقبضه، فلا مهر لها لا للأوّل و لا للثّاني، فإن اختار المشتري الإمضاء، و لم يكن قد قبض الأوّل المهر، كان للثاني، لأنّه يحدث في ملكه، فإن دخل بها بعد الشراء، استقرّ له الكلّ ، و إن طلّقها قبل الدخول، كان عليه نصف المهر للثاني، فإن كان الأوّل قد قبض المهر، و رضي الثاني بالعقد، لم يكن له شيء.
و إن باعها قبل الدخول، فرضي المشتري بالعقد، و دخل بها الزّوج بعد البيع، كان نصف المهر للسيّد الأوّل، و نصفه للثاني، و إن كان قد قبض الأوّل بعض المهر، ثمّ باعها، لم يكن له المطالبة بباقي المهر، سواء دخل بها أو لم يدخل، لأنّه حال بينه و بين الاستمتاع بها، و إن كان الثاني رضي بالعقد، كان له المطالبة بباقي المهر، و إن لم يرض لم يكن له ذلك.(1)
- و إن كرهه الزوج -
ص: 509
نهارا، و له المسافرة بها، و ليس للزوج ذلك، و للمولى أيضا إجازتها مدّة من الزمان من غير رضا الزّوج.
قال الشيخ: للمشتري الفسخ، و على المولى نصف المهر،(1) و منع بعض علمائنا من الأمرين.(2)
لم يقبل قوله في إفساد البيع، و هل يقبل في التحاق النسب ؟ قيل: نعم، لأنّه إقرار لا يتضرّر به الغير، و فيه نظر، ينشأ من حصول التضرّر به، كما لو مات المقرّ و لا وارث له سواه.
سواء كان الزوج قد دخل بها أو لا، و سواء كان الزوج عبدا للمولى أو لغيره، أو حرّا، و على كلّ تقدير يثبت للجارية خيار فسخ النكاح، و قيل: انّما يثبت لو كانت تحت عبد، و لو كانت تحت حرّ فلا، اختاره الشيخ(3) و هو قويّ .
و الخيار على الفور، و لو عتق العبد، لم يكن له خيار و لا لمولاه و لا لزوجته حرّة كانت أو أمة و لا لمولى الجارية.
و لو زوّج عبده أمته، ثمّ أعتق الأمة أو أعتقهما معا، كان لها الخيار، و كذا لو كانا لمالكين، ثمّ أعتقت الجارية أو أعتقا(4) معا فإنّ الخيار لها خاصّة، و لو عتقت و لم يعلم كان لها الخيار مع العلم، و إن وطئها قبله، و لو جهلت الحكم فالأقرب
ص: 510
ثبوت خيارها على إشكال، و لو طلّقها الزوج رجعيا ثمّ أعتقت، كان لها الفسخ أيضا، و الصبر حتّى تنقضي العدّة، و لا يدلّ على ذلك على الرضا بالنكاح، لجواز استناد الصّبر إلى رجاء الفرقة، فلو صبرت، فراجعها في العدّة، ففسخت النكاح، انفسخ، و عندي في ذلك إشكال.
بل هي باقية على الرقيّة، لكن لا يجوز بيعها ما دام ولدها حيّا، إلاّ في ثمن رقبتها إذا كان دينا على مولاها و لا مال له سواها، قيل: و يجوز بيعها بعد وفاة المولى في الدين
المحيط بالتركة و إن لم يكن ثمنا(1) و ليس بجيّد.
و لو مات الولد و أبوه حيّ بيعت مطلقا، و عادت إلى محض الرّقّ .
و لو مات المولى و الولد حيّ ، عتقت من نصيب الولد، و لو عجز النصيب قيل: يلزم الولد السعي في المتخلّف من قيمتها(2) و قيل: تستسعي هي فيه،(3)و هو أقرب.
و لو كان ثمنها دينا، فأعتقها مولاها و تزوّجها، و جعل عتقها صداقها، ثمّ أولدها و أفلس بثمنها، و مات نفذ العتق و النّكاح، و كان الولد حرّا و قال الشيخ:
تباع في الدّين و يعود الولد رقّا،(4) و ليس بمعتمد.
كان الطلاق بيد العبد، و لو طلّق مولاه لم يقع، و ليس للمولى إجباره على الطلاق، و لا منعه عنه، و لو زوّجه بأمته، صحّ العقد، و كان الطلاق بيد المولى، و له أن يفرّق
ص: 511
بينهما بغير لفظ الطلاق، فيأمرها باعتزاله، أو يأمره باعتزالها(1) أو يقول: فسخت عقدكما، سواء دخل العبد أو لا، و هل يكون ذلك طلاقا؟ قيل: نعم، حتّى لو كرّره مرّتين، و بينهما رجعة، حرمت إلاّ بالمحلّل، و قيل: يكون فسخا مجرّدا، و هو أقرب.
أمّا لو أتى بلفظ الطلاق، فإنّه يكون طلاقا حقيقة، و لو طلّقها الزّوج ثمّ باع مالك الجارية جاريته، أتمّت العدّة و هل يجب على المشتري استبراؤها زيادة على العدّة ؟ قيل: نعم، و ليس بجيّد.
كان لها الخيار إلاّ في صورة واحدة، و هي أنّه إذا زوّج أمته - و قيمتها مائة - بمائة، و يملك مائة فأعتقها في مرضه ثمّ مات، أو أوصى بعتقها، فإنّه لا خيار لها قبل الدخول، لأنّه يسقط مهرها فيزيد قيمتها على الثلث، فيسترقّ بعضها فيبطل خيارها، فيدور، و لو دخل بها قبل العتق ثبت الخيار، لاستقرار المهر بالدخول.
و لو كانت تحت حرّ فأعتقت، ففي ثبوت الخيار خلاف، فإن قلنا بسقوطه لو كانت تحت عبد فأعتق ثمّ أعتقت، لم يكن لها خيار، لأنّه يعتبر حين حرّيّتها، و في تلك الحال هي تحت حرّ، و لو أعتقت أوّلا و لم تعلم حتّى أعتق، ففي سقوط خيارها نظر.
فإن كانت نائية(2) في بلد آخر أو محلّة، قبل قولها مع اليمين، و إن كانت في موضع لا يخفى عنها، لم يقبل منها، و لو ادّعت جهالة الحكم، فالأقرب تصديقها مع اليمين.
ص: 512
سقط المهر، و إن كان بعده، فإن كان الدخول قبل العتق، ثبت المسمّى، لاستناد الفسخ إلى حالة العتق الحاصل بعد الدخول، و إن كان بعده، وجب مهر المثل، لاستناد الفسخ إلى حالة العتق، فصار الوطء كأنّه في نكاح فاسد، و إن اختارت المقام قال الشيخ: إن كان المهر مسمّى فهو للسيّد، و إن كانت مفوّضة، فالمهر لها، لأنّ المهر في المفوّضة يجب بالفرض حين الفرض، و هي حينئذ حرّة.(1)
كان لها الفسخ، و سقطت الرجعة، و لا تستأنف عدّة أخرى، بل تتمّ عدّة حرّة، و لو سكتت، لم يسقط خيارها، فإن راجعها في العدّة، كان لها خيار الفسخ، و تبتدئ بعدّة الحرّة من حين اختيار الفسخ هنا، و لو خرجت العدّة و لم يراجعها، انقطعت العصمة بينهما، و العدّة هنا عدّة حرّة، و إن اختارت المقام معه قبل مراجعتها، لم يعتدّ به، فإن لم يراجعها حتّى انقضت العدّة، فقد بانت، فإن راجعها كان لها اختيار الفسخ، فإن فسخت انقطع النكاح و عليها عدّة الحرّة من حين الفسخ، و لا يبطل اختيار المقام المتقدّم خيار الفسخ.
و انتظر بلوغها، فتختار على الفور، و للزوج الاستمتاع بها قبل البلوغ، و ليس لوليّها أن يختار عنها، و كذا المجنونة، و كذا لو زوّج الكافر ابنه الصغير بعشر ثم أسلم و أسلمن، تبعه ابنه، و كان النكاح موقوفا حتّى يبلغ و يختار، و يمنع الولد هنا من الاستمتاع بهنّ ، بخلاف العبد.
ص: 513
و إنّما يثبت لها مع كمال الحرّيّة، و كذا لا خيار للعبد إذا أعتق و تحته أمة.
و تعتدّ عدّة الحرّة للطّلاق من حين اختيار الفسخ، و يكون بائنا، ليس للزوج الرّجعة فيها إلاّ بعقد مستأنف.
قال الشيخ: الّذي يليق بمذهبنا عدم وقوعه أصلا،(1) لاستلزامه إبطال الاختيار، و يحتمل وقوعه، إذ العتق لا يزيل النكاح، فقد صادف ملكه، فيقع، و يحتمل وقوعه مراعى، فإن اختارت الفسخ لم يقع، لاستناد الفسخ بعد العتق إلى حالة العتق، فصار كأنّ النكاح انفسخ في تلك الحال، فيكون الطّلاق واقعا في نكاح مفسوخ، و إن اختارت النكاح وقع.
و فيه تسعة عشر بحثا:
العقد عليهنّ بإذن أهلهنّ ، و قد سلف.
و ملكهنّ .
و إباحة المولى لهنّ .
ص: 514
و هذا الثالث في الحقيقة داخل في الأوّلين، لأنّ الإجماع منعقد عليه فعند المرتضى قدّس سرّه أنّه من الأوّل(1) و عند الشيخ رحمه اللّه أنّه من الثاني(2) إذ الإباحة نوع تمليك للمنافع.
و الأوّل من الأقسام ينحصر في عدد، فالحرّ لا يستبيح أكثر من أمتين، و العبد لا يستبيح أكثر من أربع، و أمّا القسمان الباقيان فلا ينحصران في عدد، بل يجوز للحرّ و العبد معا أن يستبيحا بهما مهما شاءا من غير حصر.
و لا يجوز له النظر منها إلى ما لا يجوز لغير المالك، و ليس للمولى فسخ العقد إلاّ أن يكون الزوج مملوكه، و لو باعها، تخيّر المشتري في الفسخ و الإمضاء.
أو بخمسة و أربعين يوما، و لو كان لها زوج فأجاز نكاحها لم يكن له بعد ذلك فسخ النكاح، و كذا لو علم و لم يفسخ، و لو فارق الزوج حلّت عليه بعد العدّة، و لو لم يجز نكاحه كفاه الاستبراء عن العدّة.
حتّى يستبرئها بحيضة أو بخمسة و أربعين يوما، و لو ملكها حائضا، أو
ص: 515
كانت لعدل و أخبر باستبرائها، أو كانت لامرأة، خلافا لابن إدريس في الثلاثة(1) أو آيسة، أو حاملا، سقط استبراؤها، و لو ملك أمة فأعتقها، كان له العقد عليها و الوطء في الحال من غير استبراء، و الأفضل استبراؤها، و لو كان قد وطأها و أعتقها، لم يكن لغيره العقد عليها إلاّ بعد العدّة ثلاثة أشهر أو ثلاثة أقراء.
و لا تحلّ بلفظ العارية، و هل يحلّ بلفظ الاباحة ؟ قولان.
و لو قال: وهبتك وطأها، أو سوّغتك أو ملّكتك، ففي تسويغها بذلك إشكال.
و لو قال أجزتك وطأها، لم يجز.
و لو حلّل أمته لمملوكه، ففي تسويغها له روايتان، إحداهما الجواز مع التعيين للموطوءة، لأنّه نوع إباحة، و المملوك أهل لها،(2) و الثاني المنع، لأنّه تمليك، و العبد ليس بصالح له.(3)
و لو انعتق بعضها فأحلّته
ص: 516
لم تحلّ ، و لو هاياها(1) فعقد عليها متعة في يومها فالمرويّ الجواز(2) و لو كانت مشتركة فأحلّ أحد الشريكين لصاحبه حلّت.
فلو أحلّ له التقبيل و اللمس لم يحلّ له الوطء و لا الاستخدام، و لو أباحه الاستخدام لم يجز له سواه، و لو أباحه الوطء جاز له التقبيل و اللمس، و حرم عليه الاستخدام، و لو وطأ في موضع المنع كان عاصيا، و عليه عوض البضع، و كان الولد رقّا للمولى.
و لا يجوز للمملوك الوطء بدون الإذن.
و ان شرط الحريّة كان حرّا، و إن أطلق فروايتان إحداهما: أنّ الولد رقّ لمولى الجارية(3) و هي خيرة الشيخ،(4) و الثانية: أنّه حرّ،(5) و هو المعتمد.
و على قول الشيخ يجب على الأب فكّ الولد بالقيمة يوم سقوطه حيّا، و عندنا لا شيء عليه.
5101. الحادي عشر: اشترط الشيخ في بعض أقواله في التحليل ضبط المدّة(6)
و فيه نظر.
ص: 517
قال الشيخ في النهاية: لم يجز له وطؤها حتّى تضع أو تمضي عليه أربعة أشهر و عشرة أيّام، فإن أراد وطأها قبل ذلك وطئها فيما دون الفرج(1) و في الخلاف: أنّه مكروه(2) و هو الأجود عندي.
قال في المبسوط: و يجب عليها الاستبراء بعدها، لأنّهما حكمان لا يتداخلان(3) و الأقرب جواز وطئها للمشتري بعد العدّة.
بطل النكاح، و ليس لها أن تبيحه أو تعقد عليه، فإن أرادت ذلك لم يكن إلاّ بأن تعتقه و تتزوّج به.
فإن أبق المملوك قال الشيخ: سقطت النفقة، و بانت من الزوج، و عليها العدّة منه، فإن عاد قبل خروج العدّة، فهو أملك بها، و إن خرجت العدّة قبل عوده انقطعت العصمة(4) و ليس بجيّد، بل النفقة ثابتة، و كذا الزّوجية.
و يكره ذلك في الحرائر، و كذا يكره وطء الفاجرة، و من ولدت من الزّنا.
فإنّ المهر في ذمّة المولى، فإن
ص: 518
باعه قبل الدخول، قال الشيخ: وجب نصف المهر على المولى(1) و قال ابن إدريس: يجب الجميع(2).
و فيه نظر.
فلو علّق عتقها بموت الزّوج، قال الشيخ: لم يكن لها ميراث، و كان عليها عدّة الحرّة(3)و منع ابن إدريس من هذا العتق(4) لأنّ العتق بالشرط باطل و التّدبير إنّما يصحّ إذا علّق بموت المولى.
قال الشيخ: كان أولادها من الذمّي رقّا للّذي أعتقها، فإن لم يكن حيّا، كانوا رقّا لأولاده، و يعرض عليها الإسلام، فإن رجعت، و إلاّ وجب عليها ما يجب على المرتدّة عن الإسلام(5) و منع ابن إدريس رقيّة الأولاد.(6)
و فيه عشرون بحثا:
و هو أن يتزوّجها مدّة معيّنة كاليوم و الشهر و السنة و غير ذلك من الأزمنة المحصورة، و قد اتّفقت الإماميّة
ص: 519
على تسويغه عملا بنصّ القرآن(1) و بالمتواتر من النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه أباحها(2) و أجمع المسلمون على ذلك، و ادّعاء النسخ لم يثبت، لاستناده إلى عمر(3) و قوله ليس بحجّة.
و هو زوّجتك أو أنكحتك أو متّعتك مدّة كذا بمهر كذا، و القبول، و هو ما يدلّ على الرضا، مثل قبلت النكاح أو المتعة، و لو قال: قبلت أو رضيت، و اقتصر جاز، و لو بدأ بالقبول فقال: تزوّجت، فقالت: زوّجتك، صحّ .
و لا ينعقد بلفظ الهبة و التمليك و الإجارة و العارية.
و يشترط في الإيجاب و القبول الإتيان بصيغة الماضي، فلو قال: أقبل أو أرضى، و قصد الإنشاء لم يقع، و قيل: لو قال: أتزوّجك مدّة كذا بمهر كذا، و قصد الإنشاء، فقالت: نعم، أو زوّجتك صحّ .(4)
سواء طال أو قصر، لكن يجب أن يكون معيّنا لا يتطرّق إليه الزيادة و النقصان.
و لو عقد عليها بعض يوم صحّ إذا قدّره بالغاية المعيّنة، كالزوال و الغروب.
و لو ذكر أجلا مجهولا، بطل العقد على أصحّ القولين.
و لو قدّر المدّة بالفعل، كالمرّة و المرّتين، فإن قيّده بزمان معلوم، صحّ ، و لم يجز له الزيادة على المشترط في تلك المدّة، و إن أطلق بطل، و قيل: ينعقد دائما(1) و في رواية يصحّ ، و لا ينظر إليها بعد إيقاع ما شرطه(2) و هي ضعيفة.(3)
و لا يشترط في الأجل اتّصاله بالعقد، بل يجوز أن يعقد عليها شهرا متّصلا بالعقد أو متأخّرا عنه على إشكال، فلا يجوز لها نكاح غيره فيما بين العقد و المدّة، و لا نكاحه فيها إلاّ بعقد آخر، و لا له أن يتزوّج بأختها قبل حضور الشهر و انقضائه.
و لو ذكر شهرا و أطلق، اقتضى الاتّصال بالعقد، فلو تركها حتّى انقضى قدر الأجل المسمّى، خرجت من عقده، و استقرّ لها الأجر، و قال ابن إدريس:
يبطل للجهالة.(4)
بل يصحّ على ما يتّفقان عليه من كثير و قليل بشرط أن يكون معلوما بالكيل، أو الوزن أو المشاهدة أو
ص: 521
الوصف، مملوكا، فلو عقد على المجهول غير المشاهد، أو على ما لا يصحّ تملّكه، بطل العقد، و يجوز أن يعقد على صبرة من طعام أو كفّ منه.
و في المجوسيّة إشكال، و يمنعها من شرب الخمر و أكل لحم الخنزير، و استعمال المحرّمات، و لا يجوز التمتّع بالوثنيّة و لا الناصبة المعلنة بالعداوة، كالخوارج، و لا يجوز للمسلمة أن تتمتّع إلاّ بالمسلم، و لا للمؤمنة أن تتمتّع بالمخالف.
فلو تمتّع بامرأة حرم عليه أمّها مطلقا و بنتها مع الدخول، و إن علت الأولى و سفلت الثانية، و قد تقدّم.
و كذا لا يجوز أن يتمتّع بأمة و عنده حرّة على الدوام إلاّ بإذنها، فإن بادر من دون إذنها، وقف على رضاها، فإن أجازته صحّ ، و إلاّ بطل، و قيل: يبطل إلاّ مع الإذن(1) و الأقرب أنّ الحرّة لو كانت متعة كانت كالدائم.
و لو تمتّع بهما في عقد واحد صحّ على الحرّة و وقف على الأمة على الرضا، أو كان باطلا على الخلاف.
و لو أدخل الحرّة على الأمة كان للحرّة الخيار في فسخ عقدها و الرضا به.
و كذا لا يجوز أن يدخل عليها بنت أخيها و لا بنت أختها إلاّ مع رضا العمّة و الخالة، فإن فعل كان باطلا.
و يكره التمتّع بالزانية، فإن فعل منعها من الفجور، و ليس شرطا.
ص: 522
و يستحبّ له أن يسألها عن حالها مع التهمة، فإن كان لها زوج تركها، و لا يجب عليها السؤال، و يكره التمتّع بالبكر من دون إذن أبيها، فإن لم يكن لها أب كره ذلك، فإن فعل كره له اقتضاضها، و ليس بمحرّم، و لو شرطت عدمه حرم عليه.
و كذا لو كنّ أكثر، و لو أسلمت دونه مع الدخول، فإذا انقضت العدّة أو خرج الأجل و لم يسلم، انفسخ العقد، و ان لحق بها في العدّة مع بقاء الأجل فهو أحقّ بها، و لو لم يدخل بها انفسخ العقد من حين أسلمت.
و لو كانت غير كتابيّة فأسلم أحدهما بعد الدخول، وقف الفسخ على انقضاء العدّة أو خروج الأجل، أيّهما حصل قبل إسلام الآخر انفسخ النكاح، و إن اسلم الآخر مع بقاء العدّة و الأجل، كان العقد باقيا، و لو كان قبل الدخول، انفسخ النكاح في الحال.
و لو أسلم و عنده حرّة و أمة ثبت عقد الحرّة، و كان عقد الأمة موقوفا على رضا الحرّة.
سقط نصفه، فإن كان قد وهبته المهر ثمّ وهبها، رجع عليها بالنصف، و لو دخل استقرّ المهر بأجمعه إن وفت له بالمدّة، و لو أخلّت ببعضها، كان له أن يضع من المهر بنسبتها، و ينسب جميع المهر إلى المدّة لا نصفه، و لو منعته عن نفسها جميع المدّة، فلا مهر لها، بخلاف ما لو وهبها.
و لو بان فساد العقد بأن ظهر لها زوج، أو كانت أخت زوجته، و ما أشبه
ص: 523
ذلك، فإن لم يكن دخل بها، فلا مهر، و لو قبضته كان له استعادته، و إن كان قد دخل، كان لها ما أخذت، و ليس عليه تسليم ما بقي، و الوجه ثبوت المهر مع الجهالة منها و استعادة ما أخذت مع علمها.
و لو حصل لها عذر يمنع الوطء مدّة الأجل، كالحيض و المرض، ففي سقوط المهر إشكال.
و ما عداهما فمستحبّ ذكره، مثل أن يذكر ألاّ نفقة لها و لا ميراث، و أنّ عليها العدّة بعد الأجل، و لو أخلّ بشيء من ذلك، انعقد مع ذكر الشرطين.
و كلّ شرط يشرطه في العقد انّما يلزم لو قارن العقد لا ما يتقدّمه أو يتأخّر عنه، و لا يشترط مع ذكره في العقد إعادته بعده، و يجوز أن يشترط(1) عليها الإتيان ليلا أو نهارا أو في وقت معيّن، و ان يشترط(2) المرّة أو المرّات في الزمان المعيّن، فلا يجوز التعدية، و لو شرطت ألاّ يقربها في الفرج، لم يجز له وطؤها فيه، و لو أذنت له بعد ذلك جاز، على رواية.(3)
و يجوز العزل عنها، و لا يقف على إذنها، و لو عزل فأتت بولد لحق به، و لم يجز له نفيه لمكان العزل، و لو نفاه عن نفسه انتفى ظاهرا، و لم يفتقر إلى لعان.
ص: 524
و لا يقع بها إيلاء و لا لعان على الأقوى، و في الظهار إشكال أقربه الوقوع.
و لا يشترط إذن الوليّ و إن كانت بكرا.
سواء شرطا سقوطه أو أطلقا، و لو شرطا أو أحدهما التوارث، قال الشيخ: توارثا عملا بالشرط(1) و الأقرب عندي المنع، و لا نفقة لهذه الزوجة، و لا سكنى، و لا يجب لها القسمة.
و يجوز له أن يتمتّع بأكثر من أربع من غير حصر، سواء كنّ حرائر أو إماء، و الأفضل أن لا يتجاوز الأربع.
فإن كانت من ذوات الحيض، وجب عليها الاعتداد بحيضتين، و إن لم تكن من ذوات الأقراء، و هي في سنّهنّ اعتدّت بخمسة و أربعين يوما، و إن لم يكن دخل بها، فلا عدّة عليها.
و لو مات عنها في الأجل اعتدّت بأربعة أشهر و عشرة أيّام، سواء دخل بها أو لا إن كانت حائلا و قيل: شهران و خمسة أيّام(2) و المعتمد الأوّل، و إن كانت
ص: 525
حاملا اعتدّت بأبعد الأجلين، و لو كانت أمة اعتدّت حائلا بشهرين و خمسة أيّام.
لم يجز له وطؤها إلاّ بعقد جديد، سواء كان المنع منه أو منها، و لو منعته أيامه لم يكن له المطالبة بأيّام عوضها، بل يرجع عليها بالمهر إن كان سلّمه إليها.
و إن كانا مستحبّين في نكاح الغبطة، إلاّ أن يخاف التهمة بالزنا، فيستحبّ حينئذ الإشهاد.
إمّا الأب أو الجدّ له كالدوام.
و إن كانت أمة لم يجز إلاّ بإذن مالكها، و لو كان المالك امرأة افتقر إلى إذنها، و في رواية يجوز من غير إذنها(1) و أنكر المفيد رحمه اللّه ذلك، و تأوّلها بالوطء من غير إذنها مع العقد عليها بالاذن(2) و هو حسن.
و إن كانت حرّة بالغة رشيدة، كان لها العقد من غير وليّ .
و إن لم يخرج بعد من العدّة، و كذا يجوز أن يعقد على أختها بعد الأجل قبل خروج العدّة، و لا يجوز لغيره العقد عليها إلاّ بعد خروج عدّتها، و إذا عقد عليها مدّة و أراد الزيادة فيها قبل الانقضاء، و هبها أيّامها ثم استأنف عليها مهما(3) أراد من الزمان.
ص: 526
و هي ستّة مباحث:
فان قال:
تزوّجتك إلى أن أطأك أو حتّى أطأك، كان باطلا، و لو قال: تزوّجتك، فإذا وطأتك طلّقتك، صحّ النكاح، و بطل الشرط، و لها مهر المثل.
و لو نكحها معتقدا أنّه يطلّقها إذا أباحها، أو تعتقد الزوجة أو هما ذلك، أو شرطا ذلك قبل العقد، ثمّ تعاقدا، صحّ العقد، و وجب المسمّى.
و كلّ موضع حكمنا فيه بصحّة العقد، تعلّق به أحكام النكاح الصحيح، و كلّ موضع حكمنا فيه بالإفساد، فإنّ الإحصان لا يثبت بالوطء فيه، و هل يبيحها للزوج الأوّل ؟ يحتمل ذلك، لأنّه نكاح يثبت به الإحصان و يدرأ به الحدّ، و يجب به المهر، و يحتمل عدمه، لأنّه وطء لا يثبت به اللعان، فجرى مجرى ملك اليمين، و قوّى الشيخ الأخير.(1)
و هي التساوي في الإيمان من طرف الزوج خاصّة، فلا يجوز للمؤمنة أن تتزوّج بغير المؤمن و إن كان مسلما، و يجوز للمؤمن أن يتزوّج بمن شاء من المسلمات، لكن يستحبّ له أن يتزوّج بالمؤمنة أيضا، و هل يشترط تمكّن الزّوج من النفقة ؟ قيل: نعم، و الأقرب أنّه ليس شرطا،
ص: 527
و لو تجدّد عجز الزّوج عن النفقة، ففي ثبوت خيار الفسخ للمرأة روايتان(1)أقواهما سقوطه.
و العجم أكفاء العرب، و العرب أكفاء قريش، و يجوز للهاشمية التزوّج بغيره و بالعكس، و لا اعتبار بالصنائع عندنا، فيجوز لصاحب الصنعة الدنيّة كالحائك و الحجّام و الحارس و القيّم و الحمّامي أن يتزوّج بالمترفعة، و صاحبة النسب الشريف، و الصنعة الجليلة، كالتجارة و النقابة(2).
و لو رضيت المرأة بدون مهر المثل، لم يكن للأولياء الاعتراض عليها، و يجوز إنكاح الحرّة بالعبد و بالعكس.
و لو خطب المؤمن القادر على النفقة وجب إجابته، و إن كان أدون في النسب، و لو انتسب الرّجل إلى قبيلة فبان من غيرها، كان للزوجة الفسخ قاله الشيخ(3) و الأقرب عندي أنّه ليس لها ذلك.
و يكره ان يزوّج الفاسق، خصوصا إذا كان شارب خمر، و لو تزوّج امرأة، ثمّ علم أنّها كانت زنت، لم يكن له فسخ العقد و لا الرجوع على الوليّ بالمهر على الأقوى.
فإذا انقطع الدّم حلّ نكاحها،
ص: 528
و هل يشترط الغسل ؟ الأقرب عدمه، نعم يستحبّ متأكّدا، و لو وطأها حائضا استغفر اللّه تعالى، و عزّر، و في وجوب الكفارة قولان تقدّما.
و لو وطأ امرأة لم يكن له وطؤها ثانيا، و لا وطء غيرها من غير غسل.
يتعلّق به ما يتعلّق بالوطء في القبل من إفساد الصوم، و وجوب الكفارة و الغسل و المهر و العدّة إلاّ في شيئين: الإحصان، فإنّه لا يثبت به، و عدم التحليل للمطلّق ثلاثا.
ص: 529
ص: 530
و فيه فصول:
و فيه ثلاثة عشر بحثا:
فعيوب الرّجل:
الجنون، و الخصاء، و العنن، و الجبّ ، و في المرأة: الجنون، و الجذام، و البرص، و القرن، و الإفضاء، و العمى، و العرج.
و يثبت لكلّ من الزّوجين خيار الفسخ لو وجد الآخر مجنونا، سواء كان مطبقا أو لا، إلاّ أنّ المرأة إذا تزوّجت فوجدته مجنونا، فإن كان الجنون قبل العقد، كان لها الفسخ، و إن كان يعقل أوقات الصلاة، و إن حدث بعده كان لها الفسخ إلاّ أن يعقل أوقات الصلاة، فلا خيار لها، قاله بعض أصحابنا(1) و الأقرب عندي ثبوت الخيار،(2) سواء كان دائما أو
ص: 531
أدوارا، عقل معها أوقات الصلاة أو لا، و سواء حدث قبل الدخول أو بعده.
و لا يثبت الخيار لأحدهما مع السهو السريع زواله، و لا مع الإغماء العارض لمرض كالمرّة، فإن زال المرض و بقي الإغماء كان للآخر الفسخ.
و تتسلّط المرأة به على الفسخ إن سبق العقد، و إن حدث بعده فلا خيار لها، و قيل: لها الخيار(1). و الوجاء: هو رضّ الخصيتين، و هو في معنى الخصاء، فحكمه حكمه.
و لو تزوّجت فوجدته خصيّا أو موجوءا، و اختارت الصبر معه، لم يكن لها بعد ذلك خيار، و إن أبت فرّق بينهما، قال الشيخ: إن كان قد خلا بها، كان لها الصداق و على الإمام أن يعزّره لئلاّ يعود إلى مثل ذلك(2) و ليس بمعتمد.
ثبت لها الخيار، و إن قدر معه على الجماع بأن يبقى منه ما يولج بمثله بقدر ما يغيب منه في الفرج قدر حشفة الذكر، فلا خيار لها.
بحيث يعجز معه عن الإيلاج، و هو من عنّ أي أعرض و العنن الإعراض، لأنّ الذكر يعرض إذا أراد الإيلاج.
و يثبت به خيار الفسخ للمرأة إن كان قبل العقد، و كذا إن تجدّد بعده قبل الدخول، و لو تجدّد بعده، فلا خيار لها، و كذا لا خيار لها لو عجز عن وطئها و أمكنه وطء غيرها، و كذا لو وطأها دبرا و عنّ قبلا فلا خيار.
ص: 532
و فيه قول آخر(1) و لو بان خنثى و هو الّذي له الفرجان، و حكم له بالرجوليّة، لم يكن لها خيار، و كذا المرأة الخنثى إذا حكم لها بالأنوثية، فلا خيار للزوج.
أو كانت المرأة كذلك، فلا خيار للآخر.
و لا يكفي قوّة الاحتراق و لا تعجر الوجه و لا استدارة العين، فإن كان في المرأة كان للرجل خيار الفسخ، فإن كان في الرّجل لم يكن للمرأة الخيار، و لو كان بها علامات الجذام، لم يثبت بها الخيار ما لم يشهد عدلان عارفان بأنّه جذام، فإن لم يكن، فعلى المنكر اليمين.
فإن كان في المرأة، كان للرجل خيار الفسخ به، و إن كان في الرجل، لم يكن لها خيار، و لا يحكم بالفسخ مع الاشتباه، فلو ادّعت أنّه بهق،(2) فإن كان لمدّعي
ص: 533
البرص بيّنة، و إلاّ كان القول قولها مع اليمين، و قليل البرص و الجذام مثل كثيرهما.
و قيل: العظم لا يكون في الفرج لكن يلحقها عند الولادة حال ينبت اللحم في فرجها، و هو الّذي يسمّى العفل.(1)
و الرتق لحم ينبت في الفرج يمنع دخول الذكر، فالألفاظ الثلاثة مترادفة حينئذ، فإن كان هذا العيب لا يمنع من دخول الذكر، لم يكن له خيار، سواء كان لصغر آلته، أو لخلوّ المدخل عن المانع، و إن حصل في بعضه.
و إن منع من دخول الذكر ثبت له الخيار.
و إن أراد الزوج فتق الموضع، لم يكن له ذلك، و لو أرادته هي لم تمنع، فإن زال سقط خياره.
و لو حيط الشفران(2) كان الحكم فيه كالرتق أيضا، يثبت به الخيار مع المنع من دخول الذكر و امتناعها من المعالجة، و لو بانت عاقرا، فلا خيار له أيضا.
5146. الحادي عشر: الإفضاء قال ابن إدريس: هو تصيير مخرج البول و مدخل الذكر واحدا(3)
و قال غيره: هو صيرورة مدخل الذكر و مخرج
ص: 534
الغائط واحدا، و على كلا التقديرين، يثبت به الخيار، للزوج لعدم الانتفاع بها.
و يثبت به الخيار للزّوج خاصّة، نصّ الشيخ عليه في النهاية(1) و هي رواية داود بن سرحان الصحيحة عن الصادق عليه السلام.(2)
و قال في الخلاف و المبسوط بعد عدّ عيوب المرأة ستّة: و في أصحابنا من ألحق به العمى،(3) و لم يجعله معدودا في الستّة، و هو يشعر بأنّه ليس عيبا.
و لا خيار له لو كانت عوراء، أو على أحد عينيها بياض، أو كان ضوؤهما قاصرا إجماعا.
ثبت للرجل به الخيار و إلاّ فلا، و به روايتان صحيحتان(4) و هو الذي اختاره في النهاية(5) و التهذيب(6) و لم يجعله في الخلاف و المبسوط معدودا في العيوب.
و فيه أربعة عشر بحثا:
و قد روي أنّ من
ص: 535
انتسب إلى قبيلة فبان من غيرها ينفسخ نكاحه(1) و لا تردّ المرأة من عيب سوى السبعة المتقدّمة، و قيل: المحدودة في الزنا(2) إذا لم يعلم الزوج بذلك يثبت له خيار فسخ نكاحها.
ثبت لكلّ واحد منهما الخيار، سواء اتّفق العيب أو اختلف.
فلا مهر، و إن كان بعد الدخول، ثبت لها المسمّى كملا، و يرجع به الزّوج على المدلّس، و لو كان العيب بالرّجل ففسخت المرأة قبل الدخول، فلا مهر إلاّ في العنّة، فيثبت لها نصف المهر، و إن فسخت بعد الدخول، فلها المسمّى، و كذا لو كان بالخصاء بعد الدخول، فلها المهر كملا إن حصل الوطء.
و لو كان العيب بالمرأة و لم يعلم، فطلّقها قبل الدخول، وجب لها نصف المهر، و لا يسقط عنه لو ظهر بعد الطلاق، و إذا فسخ الزّوج أو الزّوجة بعد الدخول، وجبت العدّة، و لا نفقة لها فيها و لا سكنى إن كانت حائلا، و إن كانت حاملا فكذلك إن قلنا انّ النفقة للمرأة، و إن قلنا للحمل وجبت.
فإن كان ممّن يجوز له النظر إلى وليته، كالأب و الجدّ و العمّ ، كان له الرجوع مع علم الوليّ ، لتغريره، و مع عدمه، لتفريطه بترك الاستعلام.
و إن كان ممّن لا ينظر إليها كابن العمّ و الأجنبيّ ، فإن علم بالعيب، رجع
ص: 536
عليه، و إن لم يعلم، كان الرجوع على المرأة، فإن ادّعى الزوج علمه، فالقول قوله مع اليمين، لإنكاره، و كذا القول قوله مع اليمين لو ادّعت المرأة علمه و أنكر.
و كلّ موضع يرجع فيه على غير المرأة، فإنّ الزّوج يرجع بجميع المهر الّذي أدّاه، و إن كان الرجوع على المرأة، فالأقرب أنّه يرجع به إلاّ ما يجوز(1) أن يكون مهرا.
فالمتجدّد منها بعد الدخول إن كان خصاء أو جبّا أو عنّة، لم تتسلّط المرأة به على الفسخ، و كذا إن تجدّد بعد العقد قبل الدخول إلاّ العنّة، و إن كان جنونا ثبت لها الخيار و إن تجدّد بعد الوطء، و الأقرب في الجبّ المتجدّد بعد الوطء، ثبوت الخيار لها.
و أمّا عيوب المرأة، فإن تجدّدت بعد العقد و الوطء لا يفسخ بها(2)، و إن تجدّدت بعد العقد، و قبل الوطء، فالأقرب أنّه كذلك، و إنما يثبت لها الفسخ لو حصلت قبل العقد. قال الشيخ رحمه اللّه: و الأظهر في الأخبار ثبوت الخيار في المتجدّد(3) و أطلق ما يحتمل التجدّد قبل الوطء و بعده، قال: فإن فسخ أحدهما قبل الدخول، فلا مهر، و إن كان بعده، فإن كان العيب حدث بعد العقد [و] قبل الدخول، سقط المسمّى و وجب مهر المثل، لأنّ الفسخ استند إلى حال حدوث العيب، فصار كأنّه كان مفسوخا، و إن كان بعده، ثبت المسمّى.(4)
و كذا المرأة، و لو
ص: 537
حدث بها عيب آخر قبل العقد، و لم يعلم به، فإن كان مخالفا للأوّل، لم يسقط خياره، و إن كان من جنسه في موضع آخر، بأن يكون بها برص في موضع، و حدث بها في آخر، فكذلك، فإن كان في ذلك الموضع بأن اتّسع، فالأقرب سقوط خياره، لأنّ الرضا به رضاء بما يتولّد منه.
فلو علم أحد الزوجين بعيب صاحبه، و أخّر الفسخ بمقدار إيقاعه، لزم العقد، و لا يفتقر الفاسخ إلى الحاكم، و إنّما يحتاج إليه مع ثبوت العنّة لضرب الأجل، و لها التفرّد بعد انقضائه و تعذّر الوطء بالفسخ، خلافا للشيخ، فإنّه أوجب الحكم(1).
و لو لم يعلم أحدهما بسقوط خياره مع العلم، لم يكن عذرا، أمّا لو لم يعلم ثبوت الخيار له، فالأقرب عدم السقوط.
و لا يريد بالفور هنا أنّ له الفسخ بنفسه، و إنما يريد به أنّ المطالبة بالفسخ على الفور، يأتي إلى الحاكم و يطالب بالفسخ، فإن اتّفقا على العيب [فسخ الحاكم] و إلاّ كان على المدّعي البيّنة و على المنكر اليمين.(2)
فلا يطّرد معه تنصيف المهر، و لا يعدّ في الثلث، و لا يفتقر إلى ما يفتقر إليه الطّلاق من الشرائط، كالشهود و الطهارة من الحيض.
و لا يثبت العنن إلاّ بإقرار الزوج، أو [قيام] البيّنة على إقراره(3) أو نكوله مع
ص: 538
يمينها، و لو ادّعت العنن، فأنكر، فالقول قوله مع يمينه، و قيل: يقام في الماء البارد، فإن تقلّص حكم بقوله، و إن بقي مسترخيا، حكم لها(1) و ليس بمعتمد.
و لو ثبت العنن ثمّ ادّعى الوطء، فالقول قوله مع اليمين، و كذا القول قوله لو ادّعى وطأها دبرا، أو وطأ غيرها.
و لو ادّعى الإصابة قبلا و كانت بكرا، فإن شهد أربع نسوة بالبكارة، فقال الزّوج: كذبن، لم يسمع، و إن قال: وطئتها و عادت عذرتها، فالأقرب أنّ القول قول المرأة مع اليمين إمّا بعدم وطئه، أو بأنّ هذه بكارة الأصل.
و لو نكلت، حلف، و سقط خيارها، فلو نكل، فالوجه تقديم قولها، لأنّ الظاهر أنّ هذه بكارة الأصل.
و إن رفعت أمرها إلى الحاكم أجّلها سنة من حين الترافع، لتمرّ به الفصول الأربعة، فإن كان ذلك من رطوبة، زال في فصل اليبس، و إن كان من حرارة، زال في البرودة، فإن واقعها فيها أو بعدها أو واقع غيرها، فلا خيار لها، فإن لم يتمكّن، كان لها الفسخ و نصف المهر.
فإن ادّعت عدم إمكانه و أنكر، احتمل تقديم قوله، عملا بأصالة سلامة العقد، و تقديم قولها، عملا بالظاهر، إذ الظاهر عجز المقطوع ذكره، فان ثبت عجزه باعترافه أو نكوله مع يمينها، ثبت لها الخيار في الحال، و لا يفتقر إلى مدّة.
ص: 539
و لو اختلفا هل الباقي ممّا يمكن الوطء به ؟ احتمل تقديم قولها، لأنّ أصل السلامة زال، و الرجوع إلى اعتباره بالصّغر و الكبر لا إليهما.
و إن عنّ عن بعضهنّ ، لم يكن لها خيار، و لا حكم بانفرادها.
و أمّا مقطوعها فهل يخرج منها بغيبوبة الجميع أو بقدر الحشفة ؟ فيه تردّد و لو وطأها في الدّبر، خرج من العنّة، و كذا لو وطأها و هي حائض أو نفساء.
و لو كان الطلاق بائنا، فتزوّجها بعقد جديد، فالأقرب سقوط خيارها، و لو تزوّجها فادّعت عننه، فوطأ و سقطت دعواها، ثمّ طلّقها بائنا و تزوّجها بعقد جديد، فادّعت عننه، سمعت دعواها.
و فيه تسعة مباحث:
فإن كان قبل الدخول، فلا مهر، و إن كان بعده، فلمولاها المهر، و قيل: العشر مع البكارة
ص: 540
و نصفه مع الثيبوبة، و يبطل المسمّى(1) و الأوّل أقرب، و يرجع بما غرمه على المدلّس، فإن كان هو المولى، لم يكن لها المهر، و إن كان قد تلفّظ بما يقتضي الحريّة، كانت حرّة.
و لو كانت هي المدلّسة، كان المهر للمولى و يرجع به الزوج عليها بعد العتق بأجمعه، لأنّ السيّد قبض المهر، و لو كان دفع المهر إليها استعاده، و ان تلف بعضه، رجع عليها بالتالف بعد العتق.
و لو كان الزوج عبدا مأذونا له في النكاح، فالأقرب ثبوت الخيار له، فان اختار الإمساك ثبت لسيّدها المهر، و إن اختار الفسخ قبل الدخول، فلا مهر، و إن كان بعده، فلها المسمّى على السيّد.
و إن كان غير مأذون له، فإن قلنا ببطلان العقد، و كان قد دخل، تبعته بالمهر بعد عتقه، و إن لم يكن دخل فلا مهر، و إن قلنا بصحّته، وقف على إجازة المولى، فإن أجاز صحّ العقد، و كان للعبد الخيار في الفسخ، و يجب المهر على المولى بعد الدخول على إشكال، فإن فسخه كان باطلا، فإن أوجبنا المهر على العبد أو المولى، كان له الرجوع على الغارّ منهما أو من الوكيل، فإن غرّته هي و الوكيل، رجع بالنصف على الوكيل معجّلا و بالنصف عليها بعد العتق، قال الشيخ: و لو أتت بولد كان حرّا، لأنه دخل في العقد على ذلك، و عليه القيمة يوم سقوطه حيّا لسيّد الأمة، و في محلّها أقوال ثلاثة: أحدها في كسبه، و الثاني في رقبته، و الثالث في ذمّته، و يرجع بها على الغارّ و هذه الأقوال للجمهور.(2)
و الحكم في المدبّرة و أمّ الولد حكم الأمة القنّ .
ص: 541
قوّى الشيخ البطلان(1) و يحتمل الصحّة و ثبوت الخيار، فإن اختار الإمساك ثبت لها المسمّى لا للسيّد، و إن اختار الفسخ، فإن كان قبل الدخول فلا مهر، و إن كان بعده، ثبت لها المسمّى، و قال الشيخ: مهر المثل،(2) و كذا لو قلنا ببطلان العقد، و إذا رجعت بالمهر، رجع هو على المدلّس، فإن كان الوكيل رجع بالجميع، و إن كانت هي، رجع بالزائد عن أقلّ ما يكون مهرا و لو أتت بولد كان حرّا، و عليه قيمته، فإن قلنا قيمة ولد المكاتبة المقتول للسيّد، فالقيمة هنا له، فإن كان الغارّ الوكيل رجع عليه بكمالها، و إن كانت هي رجع عليها بما في يدها، لأنّه كالدّين، و إن قلنا للأمّ فكذلك هنا، فإن كان الغارّ هو الوكيل رجع عليه بالقيمة، و إن كانت هي تقاصّا.
و لو ضربها جان فألقته ميّتا وجب عليه الكفارة و عليه دية الجنين للأب إن لم يكن الجاني، و لمن يليه إن كان هو الجاني لا للسيد، لأنّه إنّما يأخذ مع خروجه حيّا، و لا للأمّ ، لأنّها مكاتبة لا ترثه.
فإن فسخت قبل الدخول فلا مهر لها، و ان كان بعده، فلها المسمّى.
ثمّ إن كان مأذونا له، كان لازما للسيّد، أو في كسبه، على الخلاف، و إن لم يكن مأذونا، كان ثابتا في ذمّته يتبع به بعد العتق.
5166. الرابع: لو تزوّج بامرأة على أنّها بنت مهيرة،(3) فكانت بنت أمة،
فإن
ص: 542
شرط كان له الخيار، فإن فسخ قبل الدخول، فلا مهر لها، و إن كان بعده، كان لها المهر، و يرجع به على المدلّس، أبا كان أو غيره، لكن إن كانت هي المدلّسة لم يرجع بأقلّ ما يصلح مهرا.
و يرجع به على السائق(1) و يردّ عليه امرأته، و لا يسقط عنه مهرها، و كذا كلّ من أدخل عليه غير زوجته فظنّها زوجته، سواء كانت أرفع أو أخفض، و يثبت مهر المثل للموطوءة بالشبهة.
ثبت لكلّ منهما على واطئها مهر المثل، و على زوجها المسمّى، و تردّ كلّ واحدة على زوجها، و ليس له وطؤها حتّى تنقضي عدّتها من الوطء، و يرجع كلّ غارم عن الوطء على السابق، و لو ماتت المرأتان في العدّة ورث كلّ واحد زوجته، و كذا لو مات الرجلان، ورثت كلّ زوجة زوجها، و تعتدّ بعد الفراغ من العدّة الأولى عدّة الوفاة، و لو حملتا من الوطء اعتدّتا بوضعه للواطئ ثمّ عدّة الوفاة بعدها للزّوج.
و كان له أن ينقص من مهرها شيئا، و هو ما بين مهر البكر و الثيّب، و يرجع فيه إلى العادة.
فلو استمتع امرأة فخرجت كتابيّة، لم يكن له الفسخ إلا بهبته المدّة و لا إسقاط
ص: 543
شيء من مهرها، و كذا لو تزوّجها دائما على القول الآخر، و لو اشترط إسلامها، فخرجت كتابيّة، كان له الفسخ في الموضعين، و يثبت لها المهر مع الدخول، و يسقط مع عدمه، و لو تزوّجها على أنّها كتابيّة متعة أو دواما، و قلنا بجوازه، فخرجت مسلمة، فالأقرب سقوط الخيار، و لو قلنا بتحريم الدوام في الكتابية لو تزوّجها دائما على أنّها كتابيّة فبانت مسلمة، قوّى الشيخ البطلان لإنشائه عقدا يعتقد بطلانه.(1)
و كلّ موضع حكم فيه بصحّته فلها المسمّى مع الوطء، و إن لحقه الفسخ، سواء كان الفسخ بعيب سابق على الوطء أو متجدّد، و لو لم يكن دخول لم يكن لها مهر في البطلان و الفسخ و لا نصفه إلاّ في الطلاق و الفسخ بالعنّة على ما سلف.
ص: 544
و فيه فصول:
المهر لها نحلة، أو لأنّ الصداق في الشرائع القديمة للأولياء، فهو لهنّ نحلة.
لكنّه مستحبّ ، و كلّ ما يملك يصحّ أن يكون مهرا، سواء كان عينا أو منفعة، فلو عقد على منفعة الحرّ، كتعليم الصنعة، أو شيء من القرآن، أو غير ذلك من الأعمال المحلّلة، صحّ ، و كذا على إجارة الزوج نفسه مدّة معيّنة خلافا للشيخ في بعض أقواله.(1)
لم يصحّ المسمّى، سواء كانت الزوجة مسلمة أو كتابيّة، و هل يبطل النكاح ؟ قيل: نعم(2) و قيل: لا،(3)و هو الأقرب.
و على تقدير الصحّة قيل: ثبت قيمة المسمّى عند مستحلّيه،(4) و قيل: مهر المثل(5) و هو أقرب و لو سمّاه الذمّي صحّ ، فلو أسلما أو أسلم أحدهما بعد القبض، برئت ذمّة الزّوج، و إن كان قبله، دفع القيمة، سواء كان عينا أو مضمونا.
ص: 546
بل ما تراضيا عليه الزوجان، من القليل و الكثير، صحّ أن يكون مهرا، فلو سمّى أقلّ من نصاب القطع في السرقة، لزم، بل جاز أن يكون كفّا من برّ أو مثقالا من سكّر ما لم يقصر عن التقويم، كحبّة من حنطة، و كذا في طرف الكثرة و لو سمّى أزيد من خمسين دينارا، مهما كانت الزيادة لزمت و لو بلغ مائة قنطار(1) و قول السيد المرتضى قدّس سرّه:
لو زاد على الخمسين ردّ إليها(2) غير معتمد، نعم الأفضل أن لا يتجاوز السنّة المحمّدية، و هي خمسمائة درهم، و تخفيف الصداق أفضل من زيادته.
فلا بدّ من تعيين المهر من السورة أو الآيات المشترطة، و يجوز أن يقدّره بالمدّة كاليوم و الشهر، و تتعلّم هي ما شاءت، و لو أبهم فسد المهر، و وجب مهر المثل مع الدخول، و الأقرب أنّه لا يشترط تعيين الحرف،(3) كقراءة حمزة أو غيره، بل يكفيها الجائز في السبعة دون الشاذة.
و لو أصدقها تعليم سورة معيّنة، و هو لا يحسنها، فإن قال: عليّ أن أحصّل لك تعليم ذلك جاز، لأنّها منفعة في الذمّة، و إن قال: عليّ أن أعلّمك أنا، احتمل الصحّة، كما لو أصدقها مالا، و لا شيء له، و البطلان لتعيّنه بفعله، و هو غير قادر، و الأوّل أقرب.
ص: 547
و لو طلبت منه تعليم غير السورة المشترطة، لم يجب عليه، سواء كانت أسهل أو أصعب.
و لو طلبت منه أن يعلّم المشترطة غيرها من الأشخاص، لم يجب عليه، لاختلاف الناس بالذكاء و البلادة.
و لو تعلّمت المشترطة من غيره، أو تعذّر تعلّمها(1) شيئا منها، فالأقرب ثبوت أجرة تعليم السورة.
و لو اختلفا فقالت: تعلّمتها من غيره، فقال: بل منّي، فالقول قولها مع اليمين، و كذا لو قالت: علّمني غير السورة، لأنّ الأصل عدم الإقباض، و إن لقّنها السورة فنسيتها، برئت ذمّته، لحصول القبض، و التفريط بسببها، و إن لقّنها البعض فنسيته، فإن كان بعض آية، لم يكن إقباضا، لأنّه مذاكرة، و إن كان آية فما زاد، كان إقباضا، و لا يجب عليه إعادة التعليم لما نسيته.
فإن قصدت به التفكّر، و طمع الزّوج في الاستبصار، صحّ ، و إن قصدت المباهاة بحفظ كتاب المسلمين، لم يصحّ ، قاله الشيخ و وجب مهر المثل مع الدخول.(2)
و لو أصدق الذمّي تعليم التوراة و الإنجيل، فترافعوا إلينا، أبطلنا المهر إن لم يكن علّمها، و أوجبنا مهر المثل، لأنّه مبدّل مغيّر لا يجوز جعله مهرا، و إن كان قد علّمها فقد استوفت، لأنّا لا ننقض ما تقابضوه.
ص: 548
و لو تزوّج المسلم بذمّية، و أصدقها تعليم التوراة أو الإنجيل،(1) لم يصحّ ، و وجب لها مهر المثل، سواء علّمها أو لا.
و لو أصدقها تعليم شعر يجوز تعليمه كالحكم و المواعظ و الآداب، جاز، و إن لم يجز تعليمه كهجاء المؤمنين و السخف، بطل المسمّى، و وجب مهر المثل و قيمة التعليم على إشكال.
و هل يعلّمها من وراء الحجاب ؟ قال الشيخ: الأقوى ذلك(2) كما يجوز سماع المرأة في المعاملات، و يحتمل المنع خوف الافتتان، فيثبت لها الأجرة، و إن كان قبل الدخول، فإن قلنا بالأجرة، استحقّت أجرة النصف، و إن قلنا بالتعليم، احتمل هنا الأجرة، لاختلاف الآيات في السهولة و ضدّها و قسمة الآيات بالحروف.
و إن طلّق بعد التعليم، فإن كان بعد الدخول، فلا بحث و إن كان قبله رجع عليها بنصف الأجرة.
و لو أصدقها ردّ عبدها الآبق و جملها الشارد، فإن كان الموضع معلوما صحّ ، فإن طلّقها قبل الدخول رجع عليها بنصف أجرة الردّ إن فعله، و إلاّ رجعت هي بنصف الأجرة، و هل لها إلزامه بردّه نصف المسافة ؟ الأقرب، عدمه.
ص: 549
أمّا لو طلّقها بعد الدخول قبل الردّ، فإنّه يلزمه الردّ قطعا، و لو لم يجده في ذلك الموضع، وجب عليه أجرة الردّ بعد إسقاط ما قابل فعله، و إن كان مجهولا بطل المسمّى، و وجب لها مهر المثل مع الدخول، لا الأجرة، لعدم العلم بمقدارها قبل العقد و بعده.
فإذا أصدقها خياطة ثوب بعينه(1) فتلف قبل الخياطة، كان لها أجر(2) مثل الخياطة، و كذا كلّ مهر تلف وجبت قيمته، و إن كان فاسدا فمهر المثل مع الدخول.
و إن تعطّل الخيّاط، و كان المهر خياطته بنفسه، وجب عليه الأجرة، و بطل المسمّى، و إن كان خياطة مطلقة لزمه عمله بغيره.
و إن كانا سليمين فطلّقها(3) بعد الدّخول، وجب عليه الخياطة إن لم يكن فعلها، و إن كان قبله، فالأقرب وجوب نصف الأجرة مع احتمال خياطة نفسه إن انضبطت، و لو اختار خياطة الجميع لم يكن لها المطالبة بغير ذلك على إشكال.(4)
و إن طلّق بعد الخياطة قبل الدخول، رجع عليها بنصف الأجرة.
فإن أبهمه ثبت مهر المثل مع الدخول، و المتعة مع الطلاق قبله، و يكفي في المهر مشاهدته إن كان حاضرا و لو جهل وزنه أو كيله، كقطعة من ذهب، و قبضة من فضّة، و قبة من طعام.
ص: 550
و لو تزوّجها على خادم و أطلق، أو دار كذلك، قيل: كان لها خادم وسط و دار كذلك(1) و عندي فيه نظر.
و لو تزوّج امرأتين فما زاد بمهر واحد، صحّ العقد و المهر، و قسط على مهور الأمثال.
و لو تزوّج امرأتين لإحداهما زوج، بألف لم يكن الألف للأخرى خاصّة، بخلاف ما لو تزوّجها و الحائط،(2) و يقسّم الألف على مهر مثلهما، فما يخصّها فهو مهرها لا مهر المثل.
كان مهرها خمسمائة درهم، و لو سمّى لها مهرا و لأبيها شيئا، لم يلزم ما سمّاه للأب، و ثبت لها المسمّى.
و لو تزوّجها بمهر معيّن، و شرط عليها أن تعطي أباها منه شيئا، قيل: صحّ المهر و الشرط، و فيه نظر، قال الشيخ: إن كان على سبيل الهبة، لم يلزمها الوفاء به، و كان بأجمعه لها، و إن كان على سبيل التوكيل في القبض، فكذلك.(3)
و لو بان حرّا، قال الشيخ رحمه اللّه: الأقوى قيمته لو كان عبدا،(4) و لو قيل بمهر المثل كان وجها.
و لو أصدقها عبدا مجهولا، فإنّه يجب مهر المثل قطعا، لعدم إمكان الرجوع إلى قيمته، و لو تزوّجها بخلّ فبان خمرا، قال الشيخ رضى اللّه عنه: كان لها مهر المثل أيضا(5) و قيل: لها قيمته عند مستحلّيه، و يحتمل قيمة الخلّ ، أمّا لو تزوّجها
ص: 551
بهذا الحرّ، أو بهذا الخمر، فالوجه هنا بطلان المهر و الرجوع إلى مهر المثل.
و لو تزوّجها على عبدين، فبان أحدهما حرّا، فسد فيه و وجبت قيمته لو كان عبدا، و صحّ في الآخر، و هل لها المطالبة بقيمتهما و دفع الآخر؟ إشكال.
و لو قال: بهذا الحرّ و هذا العبد، بطل في الحرّ، و كان لها قدر حصّته من مهر المثل و الآخر، و لا يكون العبد خاصّة هو كمال المهر في الموضعين.
كان الحكم للأوّل و لا اعتبار بالأخير.
5185. الرابع عشر: لو زوّجها الوليّ بدون مهر المثل، قيل: يبطل المهر، و لها مهر المثل و قيل: يصحّ المسمّى،(1)
و هو الأقرب مع المصلحة، و لو زوّجه الوليّ بأكثر من مهر المثل، فالأقرب لزوم المسمّى مع المصلحة.
و فيه ستّة مباحث:
و لا يتوقف في تملّك جميعه إلى الدخول، ثمّ إن طلّقها الزوج قبل الدخول، رجع بنصفه، و قبل الطلاق فالجميع ثابت، و يكون من ضمان الزوج حتّى تقبضه، و زيادته لها، سواء كان
ص: 552
في يده أو يدها، و لها أن تتصرّف فيه قبل قبضه بالبيع و الهبة و ما شاءت من أنواع التصرّفات.
و إلاّ قيمة يوم التلف إن تلفت في يده من غير مطالبة، و إن طالبته ثمّ تلفت وجب أكثر القيمة من وقت المطالبة إلى وقت التلف، هذا إذا تلف بسببه أو بأمر سماويّ ، و لو أتلفه أجنبيّ تخيّرت في إلزام الزّوج بما ذكرنا إمّا بالقيمة يوم الإتلاف أو بأكثر القيمة مع المطالبة، على ما قلنا من التفصيل، فيرجع الزوج على المتلف بقيمته يوم الإتلاف خاصّة و إلزام المتلف بقيمته يوم إتلافه، و حينئذ هل لها أن ترجع على الزّوج بتفاوت القيمة من يوم المطالبة إلى وقت الإتلاف لو رجعت على الأجنبيّ بالقيمة ؟ الأقرب ذلك.
و لو أتلفته هي، كان ذلك قبضا منها، و ليس لها الرجوع مع تلف المهر قبل القبض بمهر المثل بل بالقيمة.
لو تلف رجعت عليه بقيمته، و هل يضمنه بقيمته يوم التلف أو بأعلى القيم من حين العقد و ان لم يطالب به إلى حين التلف ؟ الأقرب الأوّل.
و لو حدث به العيب بعد العقد قبل القبض، كان لها الأرش، و هل لها الردّ و المطالبة بالقيمة ؟ قيل: نعم.
و لو أصدقها نخلا حائلا فأثمر في يدها أو يده بعد العقد، فالثمرة لها، و لو كانت في يده حتّى انتهت فجذها و وضعها في أواني، و جعل عليها سيلان
ص: 553
الرطب ليحفظ رطوبتها كما يصنعه أهل الحجاز، فإن لم ينقص قيمتها بذلك و لا بإخراجها، دفعها إليها و لا شيء عليه، و إن نقصت القيمة نقصانا متناهيا ردّها مع الأرش، و إن كان غير متناه بل حكم أهل الخبرة بنقصها كلّ وقت، فالوجه ردّها مع أرش النقصان الموجود، و كلّ ما نقصت رجعت عليه، و لو لم ينقص بوضعها في الأواني لكنّها ينقص بإخراجها، فللزوج إخراجها و دفع الأرش، و لو دفع الزوج الأواني مع الثمرة، ففي وجوب القبول على المرأة إشكال هذا إذا كان السيلان من ثمرتها، و إن كان من ثمرته، دفع الثمرة دونه، و عليه أرش النقصان، كما تقدّم، و كلّ موضع حكم فيه بإخراج الثمرة من الآنية، فالأجرة فيه على الزوج.
فإن فعل عالما بالتحريم حدّ، و الولد مملوك، و لا تصير أمّ ولد، فإن طاوعته فلا مهر، و إلاّ كان المهر للسيّدة، و ان كان جاهلا بأن يكون قريب العهد بالإسلام أو نائيا عن بلاده، كجفاة العرب، أو يكون مالكيّا يعتقد انتقال النصف خاصّة بالعقد، فلا حدّ، و الولد حرّ لاحق به، و عليه قيمته للسيّدة بيوم سقوطه حيّا و المهر، و لا تصير أمّ ولد في الحال، فإذا ملكها بعد ذلك ففي صيرورتها أمّ ولد إشكال، و الضابط أنّه إذا أحبل الأمة بحرّ في ملكه، فهي أمّ ولد، و في غير ملكه إشكال، و بمملوك في غير ملكه لا تصير أمّ ولد، و إن ملكها بعد، فإذا أحبلها الزّوج نقصت، فعليه الأرش، و لها الردّ و المطالبة بالقيمة لا بمهر المثل.
كبيع و صرف، مثل أن يبيع دراهم و ثوبا بذهب، و كذا إن اتّحد الجنس مثل
ص: 554
أن باع دراهم و ثوبا بدراهم، لكن يجب نقصان ما انضمّ إليه المتاع عن الآخر.
و كبيع و إجارة، مثل [أن يقول:] بعتك عبدي و آجرتك داري بكذا، أمّا لو قال: آجرتك داري و بعتكها بكذا، قال الشيخ: بطلا، لأنّ مالك الرقبة يملك المنافع(1) و عندي فيه نظر.
و كبيع و كتابة مثل [أن يقول:] بعتك عبدي هذا و كاتبتك بألف إلى نجمين، قال الشيخ: يبطل البيع، لأنّ بيع عبده من عبده باطل،(2) و فيه نظر، أمّا الكتابة فصحيحة، و يقسّط العوض.
و كبيع و نكاح مثل [أن يقول:] زوّجتك بنتي و بعتك عبدها بكذا، فانّهما يصحّان و يقسّط الثمن على مهر المثل و قيمة العبد.
و لو قال: زوّجتك بنتي و هذه الألف لك بعبدك هذا صحّا، و كان بعض العبد مهرا و بعضه مبيعا فيقسّط قيمته عليهما.
و لو قال: زوّجتك بنتي و بعتك هذا الألف بألف، بطل البيع و المهر، دون النكاح، و ثبت مهر المثل.
و لو قال: زوّجتك هذه الجارية و بعتكها بألف، صحّ البيع، و بطل النكاح و المهر، و كان عليه من الثمن بنسبة القيمة و مهر المثل، و هل يتخيّر البائع ؟ الوجه ذلك و لو اشترت المرأة زوجها، صحّ البيع و بطل النكاح، و سقط المهر، سواء كان قبل الدخول أو بعده، و ليس لها معاودته إلاّ بإعتاقه و العقد عليه ثانيا، أو ببيعها إيّاه ثمّ تجديد العقد.
ص: 555
و فيه أحد عشر بحثا:
فإن شرطا الحلول أو أطلقا، وجب دفعه إليها بالعقد مع المطالبة، و إن شرطا التأجيل، وجب أن يكون الأجل محروسا من الزيادة و النقصان، فإن شرطا أجلا مجهولا، فالوجه بطلان المسمّى و ثبوت مهر المثل، و يجب دفع مهر المثل مع الدخول من غير تأجيل.
و إذا سمّيا أجلا معيّنا، لم يجب دفعه قبل الأجل، سواء دخل بها أو لا، و ليس لها الامتناع من تسليم نفسها قبل حلوله.
و لو شرطا تأجيل بعضه و حلول الباقي صحّ .
و إن كانت قد سلمت نفسها، فإن لم يدخل بها كان لها الامتناع بعد ذلك، لأنّ التسليم هو القبض، و القبض في النكاح هو الوطء، و إن كان قد دخل بها، قال في الخلاف: ليس لها الامتناع و لها إجباره على الصداق(1) و قوّى في المبسوط جواز امتناعها حتّى تستوفيه.(2)
و هل
ص: 556
لها ذلك قبل الدخول ؟ قيل: نعم، و هو قويّ ، و يلوح من كلام ابن إدريس عدمه(1)و إذا سلّم الزوج المهر لم يجز لها بعد ذلك الامتناع، فإن امتنعت كانت ناشزا، إن كانت كبيرة، و لو طلبت إمهال يومين أو ثلاثة، قوّى الشيخ ثبوت ذلك لها لإصلاح أمرها، و الاستعداد لزوجها(2) و الأقرب عندي عدم وجوبه.
و إن كانت صغيرة دون البلوغ، لم يجب تسليمها إليه، و إن التزم بحضانتها و تربيتها، و لو امتنع من نقل(3) هذه [الصغيرة]، لم يجب عليه لو طلب أهلها نقلها إليه.
لم يكن لها الامتناع من تسليم نفسها حتّى يقبض، و لو كان بعضه حلاّ و بعضه مؤجّلا، وجب تعيين الأجل و تعيين قدر المؤجّل، و لها الامتناع حتّى تقبض الحالّ ، فاذا قبضته لم يجز لها أن تمنع قبل حلول الباقي و لا بعده على ما تقدّم.
قال الشيخ: الأقوى نصب عدل يأمر الزوج بتسليم الصداق إليه، فإذا فعل أمرها بتسليم نفسها إليه، فإذا فعلت أعطاها العدل الصّداق(4) فإذا امتنعت من تسليم نفسها قبل دفع الزّوج الصداق، كان لها ذلك على ما قلنا، و لا تسقط نفقتها في مدّة امتناعها، لأنّها بذلت نفسها إن دفع الواجب لها، فإذا امتنع لم يسقط نفقتها.
ص: 557
و لو كانت نضوا خلقة، فسلّم مهرها، لم يكن لها الامتناع، و لا يستمتع لها في الفرج مع تضرّرها، بل في غيره، و خيّر بين إمساكها كذلك و تطليقها مع استرجاع نصف المهر منها، و ليس له الفسخ، كالرتقاء، و ان لم تتضرّر كان له الاستمتاع في الفرج، فإن كان [نضوها] لعارض كان لها منع نفسها حتّى تبرأ، و لا نفقة لها حتّى تبرأ و تسلم نفسها، و لو سلّمت نفسها لزمته النفقة، و كذا لو سلّمت نفسها و هي صحيحة فمرضت و نحلت، فعليه النفقة، و لا يمكّن من جماعها مع الضرر.
و إن كانا صغيرين، لم يكن لها نفقة، و قوّى الشيخ عدم وجوب تسليم الصداق(1) و كذا لو كان كبيرا و هي صغيرة.
و إن كان صغيرا، و هي كبيرة، فبذلت نفسها، فالّذي قوّاه الشيخ عدم النّفقة و عدم وجوب تسليم المهر،(2) و فيه نظر.
مثل أن يشترط عليها في العقد أنّه لا يتزوّج عليها و لا يتسرّى، و أنّه لا نفقة لها، و لا ميراث، و العقد صحيح و كذا المسمّى، و لو شرط عليها أن يتزوّج عليها، أو يتسرّى، أو يسافر بها، أو ينفق عليها، فالشرط صحيح، لأنّه من مقتضيات العقد إجماعا.
و لو شرطت عليه أن لا يطأها في الفرج، قال الشيخ رحمه اللّه: بطل النكاح، لأنّه إخلال بالمقصود، قال: و روى أصحابنا: أنّ الشرط صحيح، و العقد صحيح، و لا
ص: 558
يكون له وطؤها، فإن أذنت له بعد ذلك كان له وطؤها، قال: و عندي أنّ هذا يختصّ عقد المتعة دون الدوام،(1) و في طريق الرواية(2) ضعف.
و لو شرطت أن يطأها ليلا خاصّة، أو شرط هو ذلك، قال: لا يفسد و له وطؤها متى شاء، و كذا لو شرط عليها أن لا يدخل عليها سنة أو شرطت هي ذلك، فإنّه يبطل الشرط و يصحّ العقد.(3)
و لو شرطت عليه أن لا يخرجها من بلدها، قال في الخلاف(4)و المبسوط(5): لا يلزم الشرط و يصحّ العقد و المهر، و هو اختيار ابن إدريس(6)و قال في النهاية: يلزم الشرط أيضا،(7) و به رواية صحيحة عن أبي العباس عن أبي عبد اللّه عليه السلام(8).
و في رواية حسنة عن ابن رئاب عن الكاظم عليه السلام في رجل تزوّج امرأة على مائة دينار على أن تخرج معه إلى بلاده، فقال: إن أراد أن يخرج بها إلى بلاد الشرك فلا شرط له عليها في ذلك، و لها مائة دينار الّتي أصدقها إيّاها، و إن أراد أن يخرج بها إلى بلاد المسلمين و دار الإسلام فله ما اشترط عليها، و المسلمون عند شروطهم، و ليس له أن يخرج بها إلى بلاده حتّى يؤدّي إليها صداقها أو ترضى
ص: 559
منه من ذلك بما رضيت و هو جائز له(1) و ابن إدريس منع هذه الرواية، و صحّح العقد و أوجب عليها الخروج معه أين شاء و لم يتعرّض بما يجب عليه من المهر(2) و الأقوى عندي ما تضمّنته الرواية لجودة سندها، و اختلاف الأغراض بذلك، فوجب أن يكون مشروعا.
و لو شرطت أنّ بيدها الجماع و الطلاق، صحّ العقد و المهر، و بطل الشرط.
و لو شرطت تأجيل المهر صحّ ، فإن شرطت فيه أنّه متى لم يأت بالمهر قبل الأجل، فلا نكاح بينهما، بطل الشرط و صحّ العقد، و هي رواية حسنة عن ابن قيس عن الباقر عليه السلام(3).
و لو أعتق عبده على أن يزوّجه ابنته(4)، فإن تزوّج عليها أو تسرّى فعليه مائة دينار، فتزوّج أو تسرّى عليها، ففي رواية محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام عليه ما شرطه(5) و لو شرط الرجل لامرأته إن تزوّج عليها، أو هجرها، أو اتخذ عليها سريّة [فهي طالق] ففي رواية محمد بن قيس عن الباقر عليه السلام يبطل الشرط و يصحّ العقد(6). و في رواية حسنة عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن الصادق عليه السلام فيمن تزوّج امرأة و شرط عليها أن يأتيها إن شاء أو ينفق عليها شيئا مسمّى، قال: لا بأس(7). و عن زرارة قال: سئل أبو جعفر عليه السلام عن الجارية يشترط
ص: 560
عليها عند عقد النكاح أن يأتيها متى شاء كلّ شهر أو جمعة يوما، و من النفقة كذا و كذا، [قال:] فليس ذلك الشرط بشيء(1) و عن ابن سنان عن الصادق عليه السلام في رجل قال لامرأته: إن نكحت عليك أو تسرّيت فهي طالق، قال: ليس ذلك بشيء، انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: من اشترط شرطا سوى كتاب اللّه تعالى فلا يجوز ذلك له و لا عليه.(2)
5198. السابع: إذا تزوّجها على عين، و شرط لها(3) الخيار مدّة من الزمان،
فإن كان في أصل العقد، بطل النكاح، فإن لم يدخل فلا شيء لها، و إن دخل، كان لها مهر المثل، و إن كان الخيار في المهر، صحّ العقد و المهر و الشرط.
و لا يتخيّر الزّوج بين دفع العين و دفع القيمة.
بالغا ما بلغ ما لم يتجاوز السنّة المحمديّة، و هي خمسمائة درهم، فإن تجاوز ردّ إليها، و لا اعتبار بالأقلّ من المسمّى و مهر المثل.
و لا يشترط العيب الفاحش.
أو سكت عن ذكره، وجب لها بالدخول مهر المثل، و كان لها بالعقد المطالبة بالفرض، و لو سمّى لها خمرا أو خنزيرا، ثمّ أسلما قبل التقابض، لزمه قيمة المسمّى عند مستحلّيه لا العين و لا مهر المثل.
ص: 561
و المرأة إذا فوّضت نفسها، فقد أسندته(2) إلى الزّوج، و لم يقدّر(3) معه مهرا.
و قيل: التفويض الإهمال، كأنّها أهملت أمر المهر فلم تسمّه(4).
و هو قسمان: تفويض بضع، و هو الّذي ينصرف إليه إطلاق التفويض، بأن يقول: تزوّجتك، و لا يذكر المهر، أو تقول هي: زوّجتك على أن لا مهر عليك.
و تفويض مهر، و هو أن يقول: تزوّجتك على أن تفرضين ما شئت أو ما شئنا أو ما شاء زيد، أو تقول هي: زوّجتك على أن تفرض ما شئت أو ما شئنا أو ما شاء زيد.
فلو تزوّجها و لم يذكر مهرا، أو شرط أن لا مهر، صحّ العقد، و لو قالت: زوّجتك على أن لا مهر عليك في الحال و لا في ثانيه، قال الشيخ: صحّ العقد، و كانت مفوّضة
ص: 562
و يلغو الشرط(1) و عندي فيه نظر، و كذا الإشكال عندي في كلّ شرط فاسد مقرون بالعقد.
أمّا الصغيرة و السفيهة فلا يتحقّق فيهما التفويض، فلو زوّجهما الوليّ مفوّضتين، كان لهما مهر المثل مع الدخول على إشكال ينشأ من استناد أمرهما إلى الوليّ مع المصلحة، و كذا لو زوّجهما الوليّ بدون مهر المثل، هل يثبت المسمّى مع المصلحة أو مهر المثل ؟ إشكال.
لأن المهر له، سواء كانت صغيرة أو كبيرة، و كذا المدبّرة و أمّ الولد، أمّا المكاتبة فلا إلاّ بإذنها.
و إذا زوّج الجارية مفوّضة، ثمّ باعها، كان فرض المهر(2) بين الزوج و المولى الثاني إن أجاز النكاح، و يكون المهر له دون الأوّل، و لو أعتقها الأوّل قبل الدخول، فرضيت بالعقد، كان لها المهر خاصّة.
و إنّما لها المطالبة بفرض المهر، و يجب المهر لها بالفرض منهما إن اتّفقا، أو فرض الحاكم إن اختلفا فترافعا إليه.
كان لها عليه المتعة واجبا، حرّة كانت أو مملوكة، و لا مهر، و إن طلّقها بعد الفرض قبل الدخول وجب لها نصف المفروض، لا المتعة، و إن دخل بها قبل الفرض،
ص: 563
وجب لها مهر المثل، و لا متعة، سواء طلّقها أو لا، و إن مات أحدهما، فإن كان بعد الفرض، ثبت ما فرضناه أجمع، و إن كان قبله توارثا و لا مهر لها، و لا متعة، سواء كان الميّت الرجل أو المرأة، لأنّ مهر المثل عندنا لا يجب بنفس العقد، و إنّما يجب بالدخول مع التفويض، أو فساد المسمّى، أو إكراه المرأة على الزنا، أو وطأها بشبهة، أو فوّضها(1) بغير إذنها مع الدخول، أو فوّضها(2) الوليّ لصغرها أو سفهها مع الدخول أيضا على إشكال.
و عادة أقاربها من الأمّ و الأخت و العمّة و الخالة و بناتهنّ و نظائرهنّ ما لم يتجاوز خمسمائة درهم، فإن تجاوز ذلك، ردّ إليها.
و يعتبر أيضا النساء اللواتي في بلدها، لاختلاف عادات البلاد في المهر، و يعتبر بمن هو في سنّها و عقلها و يسارها و ضدّه و بكارتها و ثيوبتها و صراحة نسبها في الطرفين، و بالجملة كلّ صفة يختلف المهر بها معتبرة، و لو لم يكن لها أقارب، ففي اعتبار أهل بلدها إشكال، و على تقديره لو فقدت، ففي اعتبار أقرب البلد إلى بلدها إشكال أيضا.
و لو كان الزوج من عشيرتها، و عادة نسائها تخفيف المهر إذا تزوّجن بالعشائر، خفّف، و كذا لو كانت العادة تخفيفه عن الأشراف، و كان الزوج منهم.
و إذا
ص: 564
اعتبرنا بنسائها من الطرفين، اعتبر الأقرب فالأقرب، و لو وطأ المفوّضة بعد سنين كثيرة و قد تغيّرت صفتها، اعتبر مهر المثل بحال العقد، لأنّه سبب وجوبه.
فقد بيّنا أنّ لها المتعة، قال الشيخ: المعتبر في حال المتعة إنما هو بالزّوج(1).
فالموسر يتمتّع بجارية أو ثوب مرتفع أو عشرة دنانير، و المتوسّط بخمسة دنانير و نحوها، و الفقير بدينار و نحوه.
و قال في المبسوط: الاعتبار بهما جميعا عندنا، و قال قوم: الاعتبار بالرّجل خاصّة، و هو الأقوى.(2) و هو يدلّ على تردّده في ذلك، و الاعتبار في اليسار و الإعسار بالعادة، و لا تستحق المتعة إلاّ المطلّقة الّتي لم يفرض لها مهر و لم يدخل بها، فلو حصلت البينونة بفسخ، أو موت، أو لعان، أو غير ذلك، سواء كان من قبله أو قبلها أو منهما، فلا مهر و لا متعة.
و لو اشترى المملوكة المفوّضة زوجها، بطل العقد، و لا مهر و لا متعة، و لو دخل ثبت مهر المثل لا المتعة.
و تثبت المتعة سواء كان الزّوج حرّا أو عبدا، و سواء كانت الزّوجة حرّة أو أمة.
و إن طلبت فرضه كان لها ذلك قبل الدخول أو بعده، فإن ترافعا إلى الحاكم، فرض لها مهر المثل من غير زيادة و لا نقصان بما لم يتجاوز السنّة، فيردّ(3) إليها، و لا يجوز له فرضه حتّى
ص: 565
يعلم قدر مهر مثلها و إن تراضيا بفرضه، فإن فرضا مهر المثل جاز و إن زاد على مهر السنّة، و إن فرضا أقلّ أو أكثر مع علمهما بمهر المثل لزم، و إن جهلاه صحّ الفرض أيضا.
و لو فرض لها أجنبيّ و دفعه إليها، ثمّ طلّقها الزّوج قبل الدخول، احتمل ردّ الجميع إلى الأجنبيّ و إلزام الزّوج بالمتعة، لعدم ثبوت الولاية و الوكالة، و كان فرضه كالعدم، و صحّة الفرض، إمّا مع ردّ النصف إلى الزّوج، لأنّه حقّ واجب على الزّوج، فصحّ أداء غيره له، و بالأداء ملكه الزّوج، و إمّا مع ردّ النصف إلى الأجنبيّ ، لأنّه قضى ما وجب عليه، و بالطلاق سقط النصف، فلم يسقط به حقّ عمّن قضاه عنه فعاد إليه، و كذا الإشكال لو تبرّع أجنبيّ بأداء المسمّى قبل الطلاق، ثمّ طلّق الزوج، هل يرجع النصف إلى المتبرّع أو الزّوج ؟
و لو فرض الزوج شيئا لم ترضه لم يصحّ الفرض إذا كان دون مهر المثل، و لم يلزمه، فإذا طلّقها قبل الدخول، كان لها المتعة، و لا اعتبار بما فرضه.
و كذا يستحبّ لمن سمّى مهرها أن لا يدخل بها حتّى يوفّيها، أو شيئا منه أو غيره و لو هديّة، و لو لم يسمّ مهرا و قدّم لها شيئا و دخل بها، قال الشيخ: كان ذلك مهرها(1) و ليس بمعتمد، بل يثبت لها مهر المثل، و يحتسب ما دفعه منه إن لم يهبها إيّاه.
5214. الثاني عشر: مفوّضة المهر: أن يتزوّجها(2) على حكمها أو حكمه فيصحّ ،
ص: 566
فإن كان الحاكم الزّوج، لزم ما يحكم به قلّ أو كثر، و جاز أن يحكم بمهما شاء ممّا يصحّ أن يكون مهرا، و إن كان الزّوجة، لزم ما تحكم به، قليلا كان أو كثيرا، ما لم يتجاوز مهر السنّة، و هو خمسمائة درهم، فيردّ إليها.
و لو جعلا الحكم إليهما، لزم ما يتّفقان عليه، قلّ أو كثر.
و إن اختلفا، وقف حتّى يصطلحا، و على التقادير الثلاثة لا يجب مهر المثل و لا المتعة، بل ما يحكم به الحاكم منهما.
و لو طلّق مفوّضة المهر قبل الدخول بعد الحكم، لزم نصف ما حكم به، و إن كان قبل الحكم أيضا ألزم من إليه الحكم أن يحكم، و كان لها النصف، فإن كانت هي الحاكمة لزمه نصف ما تحكم به ما لم تزد في الحكم عن مهر السنّة.
و لو مات الحاكم قبل الحكم و قبل الدخول، فالمرويّ ثبوت المتعة لها(1) و ابن إدريس قال: لا مهر لها و لا متعة.(2)
و فيه عشرون بحثا:
فإن لم يكن سمّى شيئا، ثبت لها المتعة كما تقدّم، و إن كان قد سمّى المهر ثبت لها نصفه و سقط عن الزوج نصفه.
و إن كان الطلاق بعد الدخول، فإن كان قد سمّى، ثبت ما سمّاه إن كان صحيحا، و إلاّ القيمة، و إن لم يكن سمّى، ثبت لها مهر المثل. إذا عرفت هذا فنقول:
إذا أصدقها عينا و طلّقها قبل الدخول بعد تسليم الصداق إليها، فإن كان بحاله، رجع في نصفه، و إن كان ناقصا نقصان عين، تخيّر بين الرجوع بنصف العين أو بالأقلّ من قيمة العين ما بين يوم العقد و الإقباض، و إن كان نقصان قيمة، لم يكن له الرجوع بالتفاوت، بل حقّه في العين خاصّة، و إن كان زائدا زيادة منفصلة، كالولد و الثمرة، كانت الزيادة بأجمعها لها، و رجع بنصف العين خاصّة.
و إن كانت متّصلة، كالسمن و تعلّم الصنعة، تخيّرت بين إعطائه نصف العين مع الزيادة، و بين إعطائه القيمة، فإن أعطته نصف العين، وجب عليه أخذها، لأنّه حقّه و زيادة، و إن امتنعت، تردّد الشيخ في إجبارها و عدمه، و الأقرب عندي عدم إجبارها و أخذ القيمة منها، و ليس هاهنا نماء لا يتبع الأصل و يمنع من الرجوع إلاّ في هذه المسألة.
ص: 568
و إن زاد من وجه و نقص من آخر، مثل أن سمنت و نسيت صنعة، تخيّر كلّ منهما، فإن اتّفقا على نصف العين جاز، و إن امتنعت من تسليم نصفها أو امتنع هو من الرجوع في النصف، كان لهما ذلك، و على تقدير الامتناع من أحدهما يرجع الزّوج بنصف القيمة خالية عن النقص و الزيادة.
و إن طلّقها بعد تلف العين في يدها، فإن كانت مثليّة، رجع بنصف المثل، و إن لم تكن مثليّة، رجع بأقلّ الأمرين من قيمتها حين العقد إلى حين التسليم.
و إن طلّقها و العين في يده بحالها، كان لها نصفها، و إن زادت زيادة منفصلة، فالزيادة بأجمعها لها، و لها نصف العين، و إن كانت متّصلة، تخيّرت بين أخذ النصف و دفع الآخر، و بين أخذ الكلّ و إعطائه قيمة النصف غير زائد، و إن نقصت، تخيّرت بين أخذ نصف العين ناقصة - و الأقوى أنّ لها الأرش - و بين أخذ نصف القيمة غير ناقص.
و إن زادت من وجه و نقصت من آخر، تخيّرت بين أخذ نصفه و إعطائه الآخر - فيجبر عليه(1) حينئذ، لأنّ النقص مضمون عليه - و بين فسخه و مطالبته بنصف القيمة، و الأقوى أنّ لها أيضا الرجوع في نصف العين مع أرش النقصان، و لا تجبر بالزيادة.
و كلّ موضع حكمنا فيه للزوج بالقيمة، فإنّما ثبت له أقلّ القيمتين من يوم العقد و يوم الإقباض.
قال الشيخ رحمه اللّه: الأقوى أنّه يملك
ص: 569
النصف بغير اختياره،(1) فنماء النصف من حين الطلاق له، و يحتمل أنّه يملك أن يملك(2) فالنماء المتجدّد بعد الطلاق بأجمعه لها إلى حين الاختيار، و لا يفتقر في تملّك الزّوج للنصف إلى حكم الحاكم، و لا في تضمينها(3) إيّاه.
و لو تجدّد العيب في يدها بعد الطلاق، فإن فرّطت بإهمالها بعد مطالبته، ضمنت النقصان قطعا، و كذا لو لم يطالب على إشكال ضعيف.
فإن طالبها بنصف النخل و نصف الثمرة، لم يكن له ذلك، و يكون حقّه في نصف قيمة النخل خاصّة.
و إن بذلت نصف العين و نصف الثمرة، لزمه القبول، سواء كان النخل مؤبّرا أو غير مؤبّر.
و إن طلب قطع الثمرة ليرجع في نصف العين فارغة، لم يلزمها ذلك.
و لو قالت: أنا أقطع الثمرة الآن ليرجع في النصف، أجبر على ذلك، و كذا لو كانت جارية فسمنت ثمّ هزلت، فعليه قبض النصف.
و لو طلبت الصبر منه لتدرك الثمرة، ثمّ يرجع في العين، لم يلزمه.
و لو بذل تأخير الرجوع إلى وقت الجذاذ ليرجع في نصف العين، لم يلزمها ذلك.
ص: 570
و لو قال: أنا أرجع في النصف و أقبضه ليزول عنك الضمان، ثمّ أدفعه إليك، و يكون حقّي أمانة في يدك، و الثمرة بأجمعها لك، فالأقوى إجبارها عليه.
و لو طلب الرجوع في نصف النخل دون الثمرة، و يكون النصف في يده، و تبقى الثمرة إلى الجذاذ، كان له ذلك، و كذا البحث في الشجرة المثمرة.
و لو أصدقها نخلا حاملا إمّا مؤبّرا أو غير مؤبّر، ثمّ طلّقها بعد الزيادة، كان حكمها حكم النماء المتّصل، و قد سلف.
لم يجب عليها دفع العين للزيادة بالحرث المتّصل، و لو اختارت تسليمها بالزيادة، لزمه القبول بخلاف النخل المثمر.
و لو زرعت الأرض أو غرستها، كان حكمهما حكم النخلة إذا أثمرت عندها و قد تقدّم إلاّ في شيء واحد، و هو أنّه إذا دفعت نصف الأرض المزروعة، لم يجب عليه القبول، لاشتغاله بما أودعته.
و لو طلّقها بعد الحصاد، لم يجبر على قبول العين إن كان قد أضرّ الزرع بها، و إلاّ أجبر، و كذا لو طلّقها أوان الحصاد.
كان الولد بأجمعه لها و نصف عين الأمّ ، و لو زادت الأمّ ، كان لها دفع نصف القيمة، و إن نقصت رجعت بأرش النقصان.
و إن تلف الولد في يده، رجعت بقيمته عليه، سواء منعهما أو لم تطالبه.
و لو تلفت الأمّ خاصّة أخذت الولد، و رجعت بنصف قيمة الأمّ .
ص: 571
و لو كانت حاملا بمملوك ثمّ طلّقها قبل الدخول، تخيّرت المرأة بين ردّ نصف الأمّ و نصف الولد، و بين ردّ قيمة نصفهما(1) و يقوّم الولد حين الوضع، و الزيادة في الرّحم غير معتبرة.
و لو كانت الأمة حاملا ثم طلّقها بعد الحمل قبل الوضع، كان لها إلزامه بنصف القيمة، لحدوث(2) النقص بالحبل، و أخذ الجميع و دفع نصف القيمة للزيادة أيضا به، و إذا رجعت بالقيمة، احتمل رجوعها بأكثر القيمة من حين العقد إلى حين الطلاق و بنصف المهر خاصّة.
فإن زاد زيادة منفصلة، كانت الزيادة لها، و إن كانت متّصلة، تخيّرت بين ردّ العين مع الزيادة، و بين ردّ القيمة من دون الزيادة.
فلو باعته أو وهبته ثمّ رجع إليها فطلّقها قبل الدخول، رجع في نصف العين.
رجع في نصف الجارية دون الولد، سواء كان للولد سبع سنين أو أقلّ ، لكن يكره التفرقة، و يستحبّ له أخذ قيمة النصف، و ليس واجبا، خلافا للشيخ في بعض أقواله.(3)
رجع الزوج بنصف العين، و يحتمل عدم الرجوع بشيء،
ص: 572
لأنّه زاد فسقط حقّه من العين، و لا قيمة للمسمّى، و لو استهلكت الخلّ ، ثم طلّقها، لم يرجع بشيء قطعا، لأنّ حقّه مع استهلاك العين في القيمة حين العقد.
سقط حقّه من العين، فإن بذلت نصفها، لم يلزمه القبول.
أمّا لو أصدقها سبيكة فصاغتها، فبذلت له النصف من العين، لزمه القبول.
و لو أصدقها حليّا، فكسرته و صاغته على ما كان عليه، لم يكن له الرجوع في العين، لأنّ صياغتها زيادة، و يحتمل رجوعه في نصف العين، لأنّه لم تحصل زيادة على ما ملكته منه، و كذا لو كانت الجارية سمينة فهزلت، ثمّ سمنت.
أمّا لو صاغتها على غير تلك الصفة الأولى، فللزوج المطالبة بنصف القيمة، و لها المنع من الرجوع في نصف العين.
و لو أصدقها صيدا برّيا - و هما حلالان - فأحرم، ثم طلّقها، عاد الصّيد إلى ملكه، و لزمه إرساله.
و كذا لو وهبته و أقبضت، و إن لم تقبض ففي إجبارها على الفسخ نظر، و كذا لو باعته بخيار لها، فطلّق في مدّة الخيار.
و لو آجرته، لم يكن له فسخ الإجارة، و رجع في نصف القيمة، و لو أمهلها حتّى تخرج المدّة، لم يلزمها ذلك، لأنّه يكون مضمونا عليها، و لها الامتناع منه على إشكال، إلاّ أن يقول: أنا أقبضه و أردّه إلى المستأجر أمانة، فله ذلك.
ص: 573
لم يرجع في النصف على إشكال، أمّا لو أوصت به، فإنّ له الرجوع في العين قطعا، و لو طلّقها بعد رجوعها في التدبير، فإنّه يرجع في العين قطعا، و لو طلّقها قبل الرجوع، ثمّ رجعت بعد أن أخذ الزوج القيمة، سقط حقّه من العين، و إن كان قبله، احتمل أن يأخذ حقّه من العين، و عدمه، لثبوت حقّه في القيمة، و قوّى الشيخ الأوّل(1) و لو طلّقها بعد عتقه، رجع بنصف القيمة خاصّة.
تعلّق المهر بذمّة الولد، و لزمه في ماله، و إن كان معسرا تعلّق بذمّته، و يكون الأب ضامنا، فإن مات الأب خرج المهر من أصل تركته، سواء بلغ الولد و أيسر، أو مات قبل ذلك، فلو دفع الأب المهر عن الصبيّ للضمان أو تطوّعا، و بلغ الصبيّ فطلّق قبل الدخول، أو ارتدّت المرأة، رجع المهر كلّه أو نصفه إلى الابن، لأنّ دفع الأب يتضمّن هبته للابن، و هذا كما لو قال: أعتق عبدك عنّي، ففعل، فإنّه يعتق عن الآمر، و ولاؤه له دون المأمور، و لا يحتاج الأب إلى استدعاء الابن، لولايته عليه بالصغر، فإن عاد إلى الابن لم يكن للأب الرجوع فيه، سواء عادت العين أو القيمة.
و لو قال الأب: إنّما دفعته لأرجع به، قبل قوله، لأنّه أمين عليه.
و لو أصدق الأب عينا من ماله عن ابنه الصغير، جاز، و ملكها الابن، فلو رجعت إليه كان الحكم ما تقدّم.
ص: 574
و لو طلّق الولد قبل دفع الصداق، فإن كان موسرا، لزمه نصف المسمّى، و إن كان معسرا، أو ضمن الأب عنه، وجب على الأب دفع النصف.
و لو أدّى الأب عن ولده الكبير المهر تبرّعا، أو أجنبيّ كذلك، برئ الولد، فإن طلّق، رجع إليه النصف، و لم يكن للأب انتزاعه و لا للأجنبيّ ، مع احتمال ثبوته لهما، لأنّ الكبير لا يملك إلاّ باختياره، و إنّما أسقط عنه الحقّ ، فإذا سقط نصفه رجع النصف إلى الدافع، و فيه قوّة.
و لو أجازه الوليّ فعلى بعض أقوال الشيخ لا تصحّ الإجازة، لوقوعه فاسدا، و كذا المجنون، و لا مهر هنا(1) فإن دخل أحدهم، قال الشيخ: عليه مهر المثل، لأنّه يجري مجرى الإتلاف، ثم قوّى عدمه أيضا، لأنّها رضيت ببذله فلا عوض لها. (2)
وجب المهر كملا، و إن طلّق قبل الدخول، وجب نصف المهر، و لا خلاف في التقديرين، أمّا لو لم يدخل بها و لكنّه خلا و أرخى الستر ثمّ طلّقها، فيه قولان: أحدهما يجب عليه نصف المهر، و الثاني يجب كملا، و بهما روايات(3)و الأقرب الأوّل.
و لو خلا بها و ادّعت الدخول، فالأقرب أنّ القول قول الزّوج مع اليمين.
ص: 575
و لو جامعها بين الفخذين و لم يولج، فالأقرب نصف المهر أيضا، فإن سبق الماء إلى فرجها أو استدخلته، فحملت منه، فإنّ العدّة تجب قطعا، و هل يجب كمال الصداق ؟ فيه إشكال.
و على هذا لو أتت بولد يمكن أن يكون منه، و لم ينفه، و لكنّه أنكر الوطء في الفرج، كان في المهر الإشكال.
و عند الشيخ التدبير باق، فإذا طلّقها قبل الدخول، صار بينهما نصفين،(1) فإذا مات المولى تحرّر، و المعتمد ما قلناه.
فإن طلّقها قبل الدخول بها، كان لها نصف المهر.
رجع عليها بنصف الموجود و نصف قيمة الميّت، و لو أعطاها عوضا عن المهر عبدا آبقا و شيئا آخر، ثم طلّقها قبل الدخول، رجع بنصف المسمّى دون العوض، و كذا لو أعطاها متاعا أو عقارا، فليس له إلاّ نصف ما سمّاه.
و يستحبّ لها ترك نصفه.
و لو ماتت هي قبل الدخول، قال الشيخ: كان لأوليائها نصف المهر.(2) و قال
ص: 576
المفيد في أحكام النساء(1): يكون لورثتها المهر كملا،(2) و هو اختيار ابن إدريس،(3)و هو قويّ .
و لو ماتت المرأة بعد الدخول، و لم تكن قبضت المهر، و لا طالبته به، كره لورثتها المطالبة به، و ليس بمحظور.
فإن تزوّج في مرضه و دخل، لزمه المهر كملا، و ورثته المرأة، و إن لم يدخل و مات في مرض العقد، بطل، و لا ميراث لها و لا مهر.
و فيه ستّة مباحث:
و كذا الّذي بيده عقدة النكاح، و هو الأب أو الجدّ للأب، أو وكيل المرأة على قول، إلاّ أنّ الّذي بيده عقدة النكاح ليس له أن يعفو عن جميع المهر و لا عن جميع النصف مع الطلاق قبل الدخول، بل له أن يعفو عن البعض من النصف قبل الدخول.
ص: 577
و انّما يصحّ عفوه بشرائط.
أن تكون المرأة صغيرة، سواء كانت بكرا أو ثيّبا.
و كان الوليّ أبا أو جدّا.
و لا يكون الزّوج قد وطأها، لأنّه بالوطء تلف بدل المهر.
و يكون بعد الطلاق، لأنّه قبله معرض لإتلافه.
أمّا المرأة الرشيدة فإنّها مالكة للعفو مطلقا، و كذا الزّوج له أن يعفو عن النصف الّذي يستحقّه بالطلاق، و ليس لوليّه ذلك إن حصل الطلاق.
فإن كان المهر موجودا، لم يخرج عن ملك أحدهما بمجرّد العفو، لأنّه هبة، فتفتقر إلى القبض، أمّا لو كان دينا على الزّوج، أو تلف في يد الزوجة، فإنّ العفو كاف، لأنّه إبراء، و لا يفتقر إلى القبول، و لو عفا الّذي عليه المال لم ينتقل عنه نصيبه إلاّ بالتسليم.
صحّ بلفظ العفو و الهبة و التمليك، دون الإبراء و الإسقاط،(1) و يفتقر إلى القبول لا إلى مضيّ زمان يمكن فيه القبض.
و إن كان العافي الزوج، و قلنا يملك بالطلاق، صحّ بلفظ العفو و الهبة و التمليك دون الإبراء و الإسقاط، و افتقر إلى القبول و الإقباض، و إن قلنا يملك أن يملك صحّ أيضا بلفظ الإسقاط و الإبراء.
ص: 578
و ان كان في يدها و عفت، افتقر إلى لفظ التمليك و القبول و الإقباض، و إن كان هو العافي، افتقر أيضا إلى ذلك عند الإقباض إن قلنا يملك بالطلاق، و إن قلنا يملك أن يملك، كفاه إسقاط حقّه قبل الاختيار.
و إن كان دينا في ذمّة الزوج، و عفت المرأة عن حقّها و نصفه، صحّ بلفظ العفو و الإسقاط و الإبراء و التمليك و أشباه ذلك، و لا يفتقر إلى القبول.
و إن عفا الزّوج لم يصحّ إن قلنا إنّه يملك بالطلاق، و إن قلنا إنّه يملك بالاختيار، و عفا قبل الاختيار، سقط حقّه، و ثبت المهر بأجمعه، و إن كان في ذمّتها، فإن عفا الزّوج صحّ ، و إن عفت هي لم يصحّ .
سواء كان دينا أو عينا، فإن طلّق بعد ذلك قبل الدخول، كان له المطالبة بحقّه، و لو عفت المرأة عنه أو عن بعضه صحّ عفوها دينا كان أو عينا، فإذا طلّقها قبل الدخول، فإن كانت قد عفت قبل الطلاق عن جميع المهر، رجع الزّوج عليها بنصفه، سواء كان دينا أو عينا، و إن كانت قد عفت عن النصف لم يردع عليها بشيء، و لا ترجع هي أيضا عليه بشيء، إن كان دينا غير مقبوض، و إن كان عينا كانت بينهما.
و لو وهبته صداقها قبل الدخول ثمّ ارتدّت، فالأقرب رجوعه عليها بجميع الصداق.
و لو خالعها قبل الدخول بجميع مهرها، رجع عليها بالنصف، سواء كان الصداق عينا أو دينا مقبوضا أو غير مقبوض، و إن خالعها على نصفه، فإن كان(1)
ص: 579
دينا برئت ذمّته منه أجمع، و لا يرجع عليها بشيء، و إن كان عينا كانت بينهما.
فإن كان بعد الدخول صحّ الإبراء، و إن لم يعلما كميّته، و إن كان قبله لم يصحّ ، لعدم ثبوته، و كذا لو أبرأته من حقّها من المطالبة بمهر المثل، و لو أبرأته عن المتعة قبل الطلاق، لم يصحّ ، و لو أبرأته منها بعده صحّ .
و لو تزوّجها و ذكر مهرا صحيحا ثمّ أبرأته منه، صحّ الإبراء، و لو أبرأته من غير جنسه، مثل أن كان دنانير فأبرأته من الدراهم لم يصحّ ، و إن كان مهرا فاسدا، و ثبت مهر المثل، فأبرأته منه صحّ ، و كذا لو أبرأته من بعضه إذا كان البعض معلوما، كالنصف و شبهه، و إن لم يعلما كميّة المهر.
و لو تزوّجها على مشاهدة غير معلوم المقدار، صحّ ، فلو تلف في يده فأبرأته منه، صحّ قبل الطلاق و بعده، لأنّ الإبراء لا يستدعي العلم بالمقدار، و كذا لو أبرأه(1) من مائة و هو لا يعلم بها، كأنّه أتلف عليه شيئا لا يعلم به، ففي صحّة الإبراء إشكال ينشأ من مصادقة الإبراء الثبوت في الذمّة فيصحّ ، و من أنّه أبرأ ممّا يعتقد أنّه ليس له عليه فلم يصحّ ، و كذا البحث لو باع مال مورّثه و قد انتقل إليه بموته و لم يعلم.
فإن دخل قبله كان دينا عليه، و لم يسقط بالدخول، سواء طالت المدّة أو لا، و سواء طالبت به أو لا.
ص: 580
و فيه عشرة مباحث:
بأن ادّعت استحقاق مهر في ذمّته، و أنكر هو، فإن كان قبل الدخول، فالقول قوله مع يمينه إذا لم تكن هناك بيّنة، عملا بالبراءة الأصلية مع إمكان تجرّد العقد عن المهر.
و لو كان بعد الدخول فالمشهور أنّ القول قوله أيضا، عملا بالبراءة، و عندي فيه إشكال، و الأقرب فيه أن يستفسر هل سمّى أم لا؟ فإن ذكر تسميته، كان القول قوله مع اليمين، و إن ذكر عدمها ألزم مهر المثل، و إن لم يجب بشيء حبس حتّى يبيّن.
و لا إشكال لو قدّره بأقلّ ما يصلح أن يكون مهرا.
و لو قال: هذا ابني منها، ففي وجوب مهر المثل نظر.
سواء كان قبل الدخول أو بعده، وافق أحدهما مهر المثل أو لا.
و لو أقام كلّ منهما بيّنة على ما يدّعيه، فالأقرب تقديم بيّنتها مع اليمين.
سواء كان قبل الدخول، أو بعده. و في رواية عندنا انّ القول قوله بعد الدخول،(1)
ص: 581
و لو دفع قدر المهر فقالت: دفعته هبة و قال: بل صداقا، فالقول قوله مع اليمين.
و كذا لو مات أحدهما و اختلف الآخر و ورثة الميّت.
فإن أمكن للزّوج إقامة البيّنة على الإنكار(1) بأن تدّعي المواقعة قبلا، و هي بكر، فيقيم بيّنة على بقاء البكارة، فالحكم للبيّنة، و إلاّ كان القول قوله مع اليمين، عملا بالأصل، و هو عدم المواقعة، و قيل: القول قولها، عملا بشاهد الحال في خلوة الصحيح بحليلته.(2)
و لا أجرة له على تعليمها ما ادّعته.
فالقول قولها مع اليمين، سواء اتّفق المهران جنسا و وصفا و قدرا، أو اختلفا، و هل يجب المهران كملا أو مهر و نصف ؟ فيه نظر، و كذا لو أقام بيّنة أنّه باعه الثوب بعشرين يوم الخميس، و بثلاثين يوم الجمعة، لزم المشترى الثمنان لإمكان رجوعه إلى البائع.
أمّا الكبيرة الرشيدة، فليس للأب و لا لغيره قبض مهرها، سواء كانت بكرا أو ثيّبا إلاّ بإذنها.
ص: 582
فإن كان قبل بلوغها، حرمت عليه أبدا، و لو لم يفضها لم تحرم، و يجب عليه المهر فيهما و الدية في الأوّل و الإنفاق حتّى يموت أحدهما.
و لو كان بعد بلوغها، لم تحرم، و وجب عليه المهر، و لها منعه حتّى يبرأ برأ تأمن معه النكاية(1) فإذا اندمل محكما لزمها تمكينه، فإن اختلفا فقال الزوج:
اندمل اندمالا محكما، و أنكرت، فالقول قولها مع اليمين، قال الشيخ: و لا دية، و عندي فيه نظر، ثمّ قال: هذا إذا كان في عقد صحيح أو عقد شبهة، فإن كان مكرها لها، فعليه الدية على كلّ حال و لا مهر،(2) و الأقرب وجوبه عليه.
حلف و عتق الأب.
و هي مشتقّة من الولم و هو القيد، سمّي بذلك، لأنّه يجمع و يضمّ ، و هي هاهنا كذلك، لأنّ فيها اجتماع الزّوجين.
و هي تقع على كلّ طعام يتّخذ لحادث سرور، و اشتهر استعمالها في طعام
ص: 583
العرس؛ و سمّي الطعام عند الولادة، الخرس؛ و عند الختان، العذيرة؛ و عند القدوم، النقيعة؛ و عند البناء، الوكيرة؛ و عند حلق رأس المولود يوم السابع، العقيقة؛ و عند حذاق الصّبي، الحذاق.(1)
و ليس شيء من هذه الأطعمة واجبا بالإجماع إلاّ عند السيّد المرتضى قدّس اللّه روحه في العقيقة، فإنّه أوجبها.(2) و ليس بمعتمد، بل هذه الأطعمة كلّها مستحبّة.
و إجابة الداعي إلى الوليمة و غيرها مستحبّة ليست واجبة على الأعيان و لا على الكفاية، سواء كان الداعي مسلما أو ذمّيا، و لو دعاه اثنان استحبّ إجابة السابق، فإن اتّفقا أجاب الأقرب إلى داره.
و لو كان المدعو صائما، فإن كان واجبا، استحبّ الحضور لا للأكل، و إن كان تطوّعا، كان إفطاره عنده أفضل.
و لا يجب على الحاضر الأكل، سواء كان صائما تطوّعا أو مفطرا بل يستحبّ .
و لو علم اشتمال الوليمة على المنكر كشرب الخمر و ضرب العود و المزامير، حرم عليه الحضور إلاّ أن يعلم أنّه يزول بإنكاره، فيحضر و ينكر، و لو لم يعلم فحضر و شاهد المنكر، فإن أمكنه إزالته وجب، و إن لم يمكنه، وجب عليه الخروج، و إن لم يتمكّن جلس و لا إثم عليه بالسماع و غيره ما لم يستمع.
ص: 584
و لو كان في الدّار صور منقوشة غير ذات أرواح، كالشجر و غيره، جاز له الحضور، و لو كان فيها صور الحيوان، فإن كان مما يوطأ جاز الحضور أيضا، و إن كان على الستور أو على غير موطوء أو ما يتكأ عليه، قال الشيخ رحمه اللّه لم يجز الحضور(1).
و لا يكره الدخول إلى دار مستّرة الجدران بالستور لغير حاجة.(2)
ص: 585
ص: 586
و فيه فصول:
و فيه واحد و عشرون بحثا:
فحقّ الرّجل على المرأة التمكين من الاستمتاع، و أن لا تخرج من بيته إلاّ بإذنه.
و حقّ المرأة المهر و النفقة و الكسوة و السكنى و الإخدام و القسمة، فيجب على كل واحد منهما أن يكفّ عمّا يكرهه صاحبه من قول أو فعل، و أن يوفّي الحقوق من غير استعانة بغيره و مرافعته إلى الحاكم، و أن لا يظهر الكراهية في تأدية الحقّ ، بل يؤدّيه باستبشار و انطلاق وجه، و أن لا يمطل صاحبه من حقوقه مع قدرته عليها، فإن مطل حينئذ أثم.
بل له أن يبيت عند
ص: 587
أصدقائه أو في المساجد إلاّ أن يريد أن يبتدئ بواحدة منهنّ في المبيت، فيجب عليه القسمة حينئذ(1) و هو حسن. و قيل: القسمة تجب ابتداء(2) إذا عرفت هذا فالقسمة حقّ على الزّوج، سواء كان حرّا أو عبدا، و سواء كان خصيّا، أو عنّينا، أو سليما، و سواء كان عاقلا، أو مجنونا، لكن المجنون يقسّم عنه الوليّ ، فمن كانت له زوجة واحدة كان لها ليلة من أربع ليال، و له ثلاث، يبيت فيها أين شاء.
و لو كانت له زوجتان، كان لهما ليلتان، و له ليلتان، إن شاء يبيتهما عند إحداهما، أو يقسمهما عليهما، أو عند غيرهما.
و لو كان له ثلاث، كانت الرابعة له يضعها أين شاء.
و لو كان له أربع، كان لكلّ واحدة ليلة، لا يجوز له الإخلال بها، إلاّ مع العذر، أو السفر، أو الإذن منهنّ ، أو من صاحبة الليلة.
جاز، و يضعها أين شاء، و له الامتناع من قبول ذلك، لأنّ القسمة حقّ مشترك بين الزوجين.
و لو وهبت لإحدى الأربع غير معيّنة، أو للباقيات، أو أسقطت حقّها من القسم، صارت الليلة منصرفة إليهنّ إلاّ في الأخيرة يبيت عند كلّ واحدة ليلة، ثمّ يرجع إلى الأولى بعد يومين، و قد كان يرجع إليها بعد ثلاثة أيّام.
و إن وهبت لواحدة معيّنة صحّ ، و لا يعتبر رضا الموهوبة لها و لا غيرها، فإن
ص: 588
كانت ليلة الموهوبة تلي ليلة الواهبة والى لها ليلتين، و ان لم تليها لم يكن له ان يوالي لها ليلتين، و لو وهبت ثلاث منهنّ لياليهنّ للرابعة، كان عليه أن يتوفّر عليها، و ليس له أن يبيت عند غيرها.
و لو رجعت في المستقبل جاز، حتّى لو رجعت في بعض الليل، كان عليه أن ينتقل إليها.
و لو رجعت و لم يعلم الزوج حتّى بات عند نسائه ليالي، لم يقض لها ما مضى قبل علمه.
قال الشيخ: لم يصحّ و كان عليه أن يعدل لها فيوفّيها ما ترك من القسم، لأنّها معاوضة على ما ليس بعين و لا منفعة، و إنّما هو مأوى.(1)
حتّى يأتي عليهنّ ، ثمّ تجب التسوية على الترتيب، و قيل: يبدأ بالقرعة،(2)و الوجه حمله على الاستحباب، فيقرع صاحب الزوجتين واحدة، و صاحب الثلاث اثنتين و صاحب الأربع ثلاثا.
و يجب عليه التسوية في ذلك، أمّا الجماع فليس بواجب، لكنّ الأولى التسوية بينهنّ فيه، و كذا الأولى التسوية في فاضل النفقة عن الواجب.
ص: 589
فليس له أن يدخل في ليلة إحداهما إلى الأخرى، و له أن يدخل بالنهار إلى من شاء منهنّ .
و لو كان معاشه بالليل، كالحارس، و البزار(1) و من أشبههما قسم نهارا و كان الليل في حقّه كالنهار في حقّ غيره.
قسّم للحرّة ليلتين و للأمة ليلة، و لا يسوّي بينهما في القسمة، و لو كانت الإماء ملك يمين لم تكن لهنّ قسمة، و كذا لو كانت الزوجات متعة، لم تكن لهنّ قسمة أيضا، فلو بات عند أمته أو متعته ليلة لم يقضها للزوجات، و الذمّية كالأمة.
فلو كانت له زوجات مسلمات و كتابيّات، قسم للمسلمة ليلتين و للكتابيّة ليلة، و لا يساوي بينهنّ .
و لو كانت له زوجتان ذمّية حرّة و أمة مسلمة، كانتا سواء في القسمة، و لو بات عند الحرّة ليلتين، فأعتقت الأمة، و رضيت بالعقد، كان لها ليلتان، سواء عتقت في أوّل الليل أو في أثنائه، و لو عتقت في آخر ليلتها، لم يبت عندها أخرى، لأنّها استوفت حقّها، و استأنف القسمة بينهما بالسويّة.
و لو بات عند الأمة ليلة، ثمّ أعتقت قبل استيفاء الحرّة، قيل: يقضي للأمة ليلة، لأنّها ساوت الحرّة.
و لو وهبت الأمة ليلتها للزوج أو لبعض الضرائر، جاز، و ليس للمولى فيه مدخل، كما لو وجدت الزوج عنّينا، أو خصيّا، أو مجبوبا فرضيت به، لم يكن للمولى الاعتراض.
ص: 590
لكن له أن يدخل فيه إلى غيرها لحاجة، كعبادة أو دفع نفقة، أو زيارتها، أو استعلام حالها، أو لغير حاجة، و ليس له الإطالة، و الأقرب جواز الجماع، و لو استوعب النهار، قضاه لصاحبه الليلة، و كذا لو جار في القسمة، فإنّه يقضي.
و لو جامع في الليل غير صاحبة الليلة، لم يقض الجماع، و كذا في النهار، و ليس له الدخول ليلا إلى غير صاحبة الليلة إلاّ لضرورة، فان استوعب الليلة قضى، و لو دخل لغير حاجة لم يطل، فإن جامع في الزمان اليسير، لم يقض الجماع و لا الليلة.
لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كذا فعله، و لأنّه أقرب لعهدهنّ به، فإذا أراد أن يقسم ليلتين أو ثلاثا أو أزيد، فالوجه اعتبار رضاهنّ ، لما فيه من الإضرار و التعزير، إذ قد يحصل لبعضهنّ القسم و يلحقه ما يقطعه عن القسم للباقيات.
المولى منها، و المظاهرة، لا الصغيرة، و الناشزة، و المجنونة المطبقة، بمعنى أنه لا يقضي لهنّ ما سلف، و كذا يجب على العنّين و المجبوب القسمة، فلو بات أحدهما عند إحداهنّ قضى للباقيات.
غير مشارك من زوجاته أو أقاربه، و ليس له أن يجبر إحدى زوجاته على السكنى مع الأخرى، و لو أسكنهما في خان أو دار كبيرة، و كان سكنى مثلهما جاز، و إلاّ فلا.
ص: 591
فإن نزل هو منفردا عنهنّ ، جاز، و يتخيّر بين المضيّ إليهنّ ، و هو الأولى، و الاستدعاء لهنّ ، و له أن يمضي إلى البعض، و يستدعي البعض.
فإن استدعى واحدة منهنّ فامتنعت، سقط حقّها من القسم و النفقة، حتّى تعود إلى طاعته، و كذا المجنونة يسقط حقّها من القسم إن خاف على نفسه منها، و إلاّ فلا، و على وليها أن يسلّمها للقسمة مع الأمن.
و لو سافرت بغير إذنه، فهي ناشز، لا نفقة لها و لا قسم.
و لو سافرت معه بإذنه، أو لحاجة لها، أو في حاجته بإذنه، و إن كانت منفردة، كان لها النفقة و القسم.
و لو سافرت بإذنه لحاجة لها، فالأقرب أنّ لها النفقة و القسم.
كان على الوليّ أن يطوف به على الباقيات ليوفّيهنّ حقوقهنّ ، و إن كان جنونه قبل القسمة، و رأى الوليّ ميله إليهنّ ، طاف به عليهنّ ، أو استدعاهنّ إليه، أو حمله إلى بعضهنّ ، و استدعى البعض، و إن لم ير ميلا إليهنّ ، لم يطف به عليهنّ ، فإن حمله إلى بعضهنّ ، فقد جار، و عليه القضاء للآخر، فإن أفاق المجنون، قضى ما جار فيه الوليّ .
قضى لها من الآتية مثل ذلك الزمان قدرا، و يتخيّر بين أن يقضي في النصف الأوّل أو الأخير، لكن المستحبّ قضاء مثل ما فات زمانا، فإذا قضى من أوّل اللّيل، لم يبت باقي الليل عندها و لا عند غيرها، بل ينفرد عنهنّ ،
ص: 592
و كذا، إن قضاه من آخره، لم يبت أوّله عند إحداهنّ إلاّ مع الضرورة، فيستمرّ عندها.
فيمنعه الحاكم من ظلمها، و كذا الزّوج.
و عن عيادة أهلها و أقاربها في مرض و غيره، و عن حضور تجهيزهم و إخراجهم و تعزيتهم، لكن يكره له منعها عن مثل هذه الحقوق.
5269. الثامن عشر: لو قسم للأربع ليلة (ليلة)(1) فنشزت الرابعة بعد استيفاء الثلاث، سقط حقّها،
فإذا عادت لم يقض بها، و لو طلّقها بعد حضور ليلتها من غير نشوز، أثم، لأنّه أسقط حقّها بعد وجوبه، فإذا راجعها، أو تزوّجها بعقد مستأنف، قضى لها تلك اللّيلة؛ قاله الشيخ،(2) و فيه نظر.
و لو قسم(3) لكلّ واحد من الأربع عشرا، فوفّى ثلاثا، ثمّ بات منفردا في العشر الأخرى، قضى للرابعة عشرا، و لو بات العشر عند الثلاث، قضى لها ثلاثة عشر ليلة و ثلث ليلة.
و لو قسم لكلّ واحدة منهنّ خمسة عشر، فنشزت واحدة، و ظلم أخرى، و أقام عند الأخريين ثلاثين يوما، فقدمت الناشزة، قسم للمظلومة ثلاثا، و للقادمة يوما، خمسة أدوار، فيحصل للمظلومة خمسة عشر يوما و خمسة للقادمة، ثم يقسم بعد ذلك بين الأربعة قسما مبتدأ.
ص: 593
و ليس له إسقاط حقّ إحداهما بعدها، فإمّا أن يحضرها أو يمضي إليها فيوفّيها قسمتها، و لا يحتسب غيبته في الطريق من حقّ إحداهما.
و لو قسم لثلاث زوجات من أربع، فحبس ليلة الرابعة، فإن أمكنه إيفاء حقّها في الحبس، بأن كان مسكن مثلها أو دونه و رضيت، استدعاها و وفّاها قسمتها، و إن لم يمكنه، قضاها بعد خروجه.
و لو حبس قبل القسمة، فاستدعى إحداهنّ ، لزمه استدعاء الباقيات، فإن امتنعت واحدة سقط حقّها.
و لا يقضي ذلك، و يقدّمهما على غيرهما، فيحصل لهما التخصيص و التقديم، فلو قسم لثلاث كلّ واحدة خمسة عشر، فوفّى اثنتين، و ظلم الثالثة، و تزوّج بكرا، خصّها بسبع، ثمّ قسم ثلاثا للمظلومة، و واحدة للجديدة خمسة أدوار.
و لو تزوّج امرأتين كره أن تزفّا إليه في ليلة واحدة، فان فعل قدّم السابقة في الدخول، و إن تساويا أقرع بينهما.
و لو كانت له امرأتان، قسم لهما ليلة فبات عند إحداهما، ثمّ زفّت الثالثة، بدأ بها، ثمّ قضى للعتيقة يوما، و نصفه للجديدة، ثمّ ابتدأ بالقسمة.
و التخصيص للبكر بالسبع، و الثيب بالثلاث، إنّما هو بالليل، و أمّا النهار، فتابع يأوي إليهما فيه عند قضاء حوائجه الواجبة، و المندوبة، و المباحة، و له صرف النهار أجمع في مهامّه، أمّا الليل فلا يخرج فيه إلاّ لضرورة.
ص: 594
و لو زفّت إليه زوجة أمة، فالأقرب تخصيصها(1) بنصف ما تخصّص به الحرّة، مع احتمال المساواة.
و ليس لهنّ منعه، لأنّ الحاضر يجوز له التفرّد عن الجميع، و إنّما عليه التسوية إذا قسم.
و لو أراد إخراجهنّ معه، لزمهنّ إجابته، و كنّ معه كما في الحضر.
و لو أراد السفر ببعضهنّ ، جاز، و له الخيار في التخصيص، لكن الأولى القرعة، و لا يلزمه المسافرة بمن يخرجها القرعة، لكن لو أراد استصحاب غيرها قال الشيخ: ليس له ذلك(2) و إذا سافر بها لم يقض للباقيات.
و لو زفّت إليه امرأتان في ليلة، و أراد أن يسافر بإحداهما، قال الشيخ: لا بدّ من القرعة(3) فمن خرج اسمها سافر بها و يدخل حقّ العقد، و هو التخصيص بسبع للبكر، و بثلاث للثيب، لكونها معه، فإذا رجع احتمل عدم قضاء حقّ العقد للأخرى، و ثبوته، و قوّاه الشيخ،(4) لوجوب حقّها قبل السفر، فصار كما لو قسم لبعض نسائه و سافر، فإنّه يقضي للباقيات.
و لو استصحب إحدى زوجاته بغير قرعة، قال الشيخ: يقضي لمن بقي بقدر غيبته مع الّتي خرج بها، و لو كان بقرعة لم يقض، طالت المدّة أو قصرت.(5)
و لو أراد النقلة من بلد إلى آخر، فحمل بعض نسائه، لم يقض للباقيات مدّة سفره إلى بلد النقلة، و لو أقام فيه مع الخارجة مع مدّة، قضاها لهنّ .
ص: 595
و لو أراد سفر غيبة و رجوع لا سفر نقلة، فسافر بإحداهن بقرعة، لم يقض مدّة قطع المسافة، و أيّ بلد أقام فيه إقامة مسافر لم يقض عنه.
و إن أقام أكثر من عشرة أيّام قضى للباقيات، و لو سافر بإحداهنّ بقرعة إلى بلد، ثمّ عزم على السفر بعد وصوله إلى آخر، سافر بها، و لم يقض للباقيات.
و لو تزوّج في طريقه، و أراد حملها، خصّصها بحقّ العقد إمّا بسبع أو بثلاث، ثمّ قسم بينها و بين القديمة معه.
و لو أراد حمل إحداهما أقرع، فإن خرجت الجديدة، سافر بها، و سقط حقّ العقد باستصحابها، قاله الشيخ،(1) و فيه إشكال من حيث إنّ السفر لا يدخل في القسم، و إن خرجت على القديمة، سافر بها، و قضى للجديدة حقّ العقد.
و هو الخروج عن الطاعة، و هو مأخوذ من الارتفاع، و قد يحصل من الزّوج و من الزوجة، فإن ظهرت أمارته منها، كأن تقطب في وجهه، و تتثاقل، و تدافع إذا دعاها، وعظها، و خوّفها، و لا يهجرها، و لا يضربها، فإن عادت، و إلاّ هجرها في المضجع، بأن يحوّل ظهره إليها في الفراش، أو يعزل فراشه عنها، و لا يضربها.
ص: 596
فإن صرّحت(1) بالنشوز و الامتناع عن طاعته فيما يجب له، بأن يدعوها إلى الفراش فتمتنع، و أصرّت عليه، جاز له ضربها إجماعا.
و لو صرّحت بالامتناع، و لم يحصل بعد إضرار، كان له هجرها، و يحتمل جواز ضربها، لعموم الآية(2) و عدمه، لجواز الرجوع بالهجر، و يصير تقدير الآية:
فَعِظُوهُنَّ إن وجدتم أمارات النشوز، «و اهجروهنّ » إن امتنعن «و اضربوهنّ » إن أصررن.
و الوعظ مثل أن يقول: اتّقي اللّه فإنّ حقّي عليك واجب، و ما أشبه ذلك، و الهجر أن يهجرها في المضاجع، لا عن الكلام، فإن فعل فلا يزيد على ثلاثة أيّام، و الضرب ما يرجى به عودها إلى طاعته، و لا يكون مبرحا(3) و لا مدميا، و يتّقي الوجه و المواضع المخوفة، و لا يوالي الضرب على موضع واحد، و لو حصل بالضرب تلف ضمن.
و لو حصل النشوز من الرّجل بمنع حقوقها، طالبه الحاكم و ألزمه بها.
و يجوز للمرأة ترك بعض حقوقها من قسمة و نفقة استمالة له، و يحلّ للزّوج قبوله.
و لو منعها بعض حقوقها(4) أو أغارها(5) فبذلت له مالا ليخلعها به صحّ ، و ليس إكراها، قاله الشيخ.(6)
ص: 597
الفصل الثالث: في الشقاق(1)
و هو فعال من الشقّ ، كأنّ كلّ واحد منهما في شقّ أي جانب و ناحية من الآخر.
فإن بان أنّه من المرأة فهو النشوز، و قد سبق.
و إن بان أنّه من الرجل، فهو نشوز أيضا، فيسكنها الحاكم إلى جنب ثقة يمنعه من الإضرار بها.
و إن بان أنّه منهما، سلّمهما إلى أمين ليمنع كلّ واحد منهما من التعدّي.
و إن اشتبه و ادّعى كلّ منهما ظلم صاحبه له، و لم يقع بينهما صلح على مقام، و لا على تفرقة و طلاق، بعث الحاكم حكمين من أهلهما لينظرا في أمرهما، و يفعلا المصلحة.
و يجوز أن يكون الحكمان من غير أهلهما، أو أحدهما من أهل أحدهما، و الآخر أجنبيّ ، لكن الأولى أن يكونا من أهلهما، و ليس واجبا، خلافا لابن إدريس(2).
ص: 598
و بعثهما على سبيل التحكيم لا التوكيل، فإن اتّفقا على الإصلاح فعلا، و إن لم يستأذنا، و إن اتّفقا على التفريق لم يصحّ إلاّ برضا الزوج في الطلاق، و رضا المرأة في البذل إن كان خلعا.
و لا بدّ في الحكمين من أن يكونا حرّين ذكرين عدلين، و يمضي حكمهما في الصلح مع حضور الزوجين و غيبتهما و غيبة أحدهما.
و إذا شرطا أمرا، وجب أن يكون سائغا، فلو شرطا ترك بعض النفقة أو القسمة، أو أن لا يسافر بها، لم يلزم الوفاء به.
قال المحقّق: تمّ الجزء الثالث من الكتاب - حسب تجزئتنا - و يتلوه الجزء الرابع أوله المقصد السابع في الولادة و العقيقة.
و الحمد للّه أوّلا و آخرا و ظاهرا و باطنا و صلّى اللّه على سيّدنا محمد و آله الطيبين الطاهرين.
ص: 599