سرشناسه : علامه حلی ، حسن بن یوسف ، 648 - 726ق.
عنوان و نام پديدآور : تحریر الاحکام الشرعیه علی مذهب الامامیه / جمال الدین ابی منصور الحسن بن یوسف بن المطهر المعروف بالعلامه الحلی ؛ اشراف جعفر السبحانی ؛ تحقیق ابراهیم البهادری .
مشخصات نشر : قم : موسسه الامام الصادق (ع )، 1421ق . = 1379.
مشخصات ظاهری : 6ج.
شابک : دوره 964-6243-91-6 : ؛ ج. 1 964-6243-65-7 : ؛ 21000 ریال : ج. 2 964-6243-66-5 : ؛ ج. 3 964-6243-66-5 : ؛ ج. 4 964-357-003-7 : ؛ ج. 5 964-357-018-5 :
يادداشت : عربی .
يادداشت : ج. 1 و 2 (چاپ اول: 1420ق. = 1378).
يادداشت : ج . 4 (چاپ اول : 1421ق . = 1379).
يادداشت : ج . 5 (چاپ اول: 1422ق . = 1380) .
موضوع : فقه جعفری -- قرن 8ق.
شناسه افزوده : سبحانی تبریزی ، جعفر، 1308 - ، مترجم
شناسه افزوده : بهادری ، ابراهیم
رده بندی کنگره : BP182/3 /ع8ت3 1378
رده بندی دیویی : 297/342
شماره کتابشناسی ملی : م 78-24069
تنظیم متن دیجیتال میثم حیدری
ص: 1
ص: 2
ص: 3
بِسْمِ اللّٰهِ اَلرَّحْمٰنِ اَلرَّحِيمِ
وَ مٰا كٰانَ اَلْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لاٰ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طٰائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي اَلدِّينِ وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذٰا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ
التوبة: 122
ص: 4
و فيه فصول
و فيه ثمانية مباحث:
من الرمي و الذبح و الحلق أو التقصير، رجع إلى مكّة و طاف طواف الزيارة إمّا يوم النحر أو في غده للمتمتّع، و لا يجوز له التأخير عن ذلك. و يجوز للقارن و المفرد.
و له وقتان: وقت فضيلة، و هو يوم النحر بعد أداء مناسك منى، و وقت إجزاء، و آخره اليوم الثاني من أيّام النحر للمتمتّع، فلا يجوز التأخير عنه، فلو أخّره عنه أثم و لا كفّارة عليه، و طوافه صحيح.
و يجوز للقارن و المفرد تأخيره مع السعي إلى آخر ذي الحجّة لكن الأفضل المبادرة كالمتمتّع.
ص: 5
من الغسل و تقليم الأظفار و أخذ الشارب و الدعاء و غير ذلك من الوظائف، و لا بأس أن يغتسل من منى، و يطوف بذلك الغسل، و كذا يغتسل نهارا و يطوف ليلا، ما لم ينقضه بحدث أو نوم، فإن نقضه أعاده استحبابا، و يستحبّ للمرأة الغسل كما يستحب للرجل.
و يدعو عند باب المسجد، و يأتي الحجر الأسود فيستلمه و يقبّله، فإن لم يستطع استلمه بيده و قبّل يده، فإن لم يتمكّن استقبله و كبّر. و قال(1) ما ذكرناه أوّلا، ثمّ يطوف واجبا سبعة أشواط، و يبدأ بالحجر، و يختم به، ثمّ يصلّي ركعتين في المقام واجبا، ثمّ يرجع إلى الحجر، فاستلمه إن استطاع، و إلاّ استقبله و كبّر مستحبا، ثمّ يخرج إلى الصفا واجبا للسعي، فيصنع كما صنع يوم دخل مكّة، ثمّ يسعى سبعة أشواط، يبدأ بالصفا، و يختم بالمروة، فإذا فعل ذلك، فقد أحلّ من كلّ شيء، إلاّ النساء، ثمّ يرجع إلى البيت، فيطوف طواف النساء اسبوعا، يبدأ بالحجر و يختم به واجبا، ثمّ يصلّي ركعتيه في المقام واجبا، و قد حلّ له كلّ شيء.
و هل يشترط فيه السعي ؟ الأقرب العدم.
ص: 6
و الخصيان من البالغين و غيرهم، العبد و الحرّ، سواء في الحجّ و العمرة المفردة، فلو ترك طواف النساء ناسيا حرمن عليه، و وجب عليه العود و الطواف مع المكنة، فإن لم يتمكّن من الرجوع، أمر من يطوف عنه طواف النساء، و قد حللن له، و لو مات و لم يكن قد طاف، قضاه وليّه عنه.
و فيه خمسة مباحث:
من طواف الحجّ و سعيه و طواف النساء و ركعات الطوافين، وجب عليه العود يوم النحر إلى منى و المبيت بها ليالي التشريق - و هي: ليلة الحادي عشر و الثاني عشر و الثالث عشر - و يسقط ليلة الثالث عشر بالنفر يوم الثاني عشر قبل الغروب.
و لو ترك المبيت بمنى وجب عليه عن كلّ ليلة شاة إلاّ أن يخرج من منى بعد نصف الليل.
قيل: يشترط أن لا يدخل مكة الاّ بعد طلوع الفجر، أو يبيت بمكّة مشتغلا بالعبادة(1).
ص: 7
فلا يجب المبيت ليلة الثالث عشر، و لا كفّارة لو أخلّ بها، و لو أخلّ بالمبيت في الليالي الثلاث، للشيخ قولان: أحدهما وجوب ثلاثة شياه و الثاني، شاتان.
و لو بات بغير مكّة وجبت الكفارة و إن كان مشتغلا بالعبادة، و كذا لو بات بمكّة غير مشتغل بالعبادة.
و لا يجب عليه في الليل ما يزيد على سائر الأوقات.
و إن كان الأفضل المقام بها إلى انقضاء أيّام التشريق، و إذا جاء إلى مكّة وجب الرجوع إلى منى للمبيت بها.
فانّه يلزمهم المبيت بها، و كذا يجوز لأهل سقاية العباس، ترك المبيت بمنى، و إن غربت الشمس، و كذا لغيرهم ممّن شاركهم في الضرورة، كمن له عنده(1) مريض يحتاج إلى المبيت عنده، أو من له مال يخاف ضياعه بمكّة.
ص: 8
و فيه أحد عشر بحثا:
و أوّل الرمي يوم النحر، و هو مختص برمي جمرة العقبة بسبع حصيات، و في الحادي عشر و هو أوّل أيّام التشريق يجب رمي الجمار الثلاث، كلّ جمرة بسبع حصيات و كذا في الثاني عشر و الثالث عشر إن لم ينفر في الأوّل.
يبدأ بالرمي من الجمرة الأولى، و هي أبعد الجمرات من مكّة، و ليرمها(1)عن يسارها من بطن الميل بسبع حصيات يرمهنّ خذفا(2) يكبّر مع كل حصاة، و يدعو، ثمّ يقوم عن يسار الطريق، و يستقبل القبلة، و يحمد اللّه، و يثني عليه، و يصلّي على النبي صلّى اللّه عليه و آله، ثمّ ليتقدّم قليلا، و يدعو و يسأله القبول، ثم يتقدّم و يرمي الجمرة الثانية، و يصنع عندها كما صنع أوّلا، و يقف و يدعو بعد الحصاة السابعة، ثمّ يمضي إلى الثالثة، و هي جمرة العقبة، فيختم به الرمي، و لا يقف عندها.
و في
ص: 9
الخلاف لا يجوز إلاّ بعد الزوال(1). و ليس بمعتمد، نعم الأفضل فعله عند الزوال.
و قد رخّص للعليل و الخائف و الرعاة و العبيد الرمي ليلا للضرورة.
و لو نسي رمي بعض الجمرات أو جميعها حتّى غربت الشمس، قضاه من الغد وجوبا، و يستحبّ أن يرمي الذي لأمسه بكرة، و الذي ليومه عند الزوال، و يجب الترتيب بين الفائت و الحاضر، فيرمي ما فاته أوّلا و الّذي ليومه بعده، فلو رمى ما ليومه أوّلا لم يصحّ .
و لو رمى جمرة واحدة بأربع عشرة حصيات(2). سبعا ليومه و سبعا لأمسه بطلت الأولى و كانت الثانية لأمسه، و لو فاته رمي يومين قضاه يوم الثالث مرتّبا على ما قلناه، و لا شيء عليه، و لو فاته حصاة أو حصاتان أو ثلاث قضاها، و لو خرجت أيّام التشريق لم يكن عليه شيء و إن قضاها في القابل كان أحوط.
فلو بدأ بجمرة العقبة ثمّ الوسطى ثمّ الأولى، أعاد على الوسطى ثمّ جمرة العقبة، و كذا لو بدأ بالوسطى، و لو بدأ بجمرة العقبة ثمّ الأولى ثمّ الوسطى، أعاد على جمرة العقبة خاصّة.
فلو أخلّ بواحدة لم يجز. و لو أخل ناسيا أتمّ الناقص، و يحصل الترتيب إذا أخلّ بثلاث حصيات فما دون، و لو أخلّ بأربع فما زاد، لم يحصل الترتيب(3) فانّه يجب الإكمال و الإعادة على ما بعدها.
ص: 10
و لو رمى ستّ حصيات و ضاعت واحدة، فليعدها و إن كان من الغد، و لا يسقط وجوبها و لو علم أنّه أخلّ بحصاة و لم يعلم من أيّ الجمار هي، رمى الثلاث بثلاث حصيات.
و يجب رمي كلّ جمرة بسبع مرّات، فلو رمى السبع دفعة أو أقلّ من سبع مرّات لم يجز.
و يستحبّ ان يضع الحصى(1) في كفّه و يأخذ منها، و يرمي و يكبّر عند كل حصاة و يرميها، و المقام بمنى أيّام التشريق، و أن يرمي الجمرة الأولى عن يمينه و يقف و يدعو، و كذا الثانية، و يستدبر القبلة في الثالثة و يستقبلها و لا يقف عندها.
و من ماثلهم من المعذورين.
وجب عليه الرجوع إلى منى و إعادة الرمي إن لم تخرج أيّام التشريق، و إلاّ قضاه من قابل، أو يأمر من يقضي عنه، و لا دم عليه، و لو أخّر رمي جمرة العقبة يوم النحر، أعادها يوم الثاني من أيام النحر(2).
و لا يشترط في المريض كونه مأيوسا منه.
و يستحبّ للنائب عن المريض و الصّبي و غيرهما أن يستأذنه، و أن يضع
ص: 11
المنوب الحصى في كفّ النائب، و له أن يرمي عن المغمى عليه و إن لم يأذن له، فلو زال عذر هؤلاء و الوقت باق لم يجب عليهم الإعادة.
و في سائر الأمصار عقيب عشر، أوّل الصلوات الظهر يوم النحر. و أوجبه المرتضى(1)، و لا يستحبّ عقيب النوافل.
و صورته: اللّه اكبر اللّه اكبر (اللّه اكبر)(2) لا إله إلاّ اللّه و اللّه أكبر على ما هدانا اللّه أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام.
و هو الثاني من أيّام التشريق، و هو النفر الأوّل، فيودع الحاجّ و يعلّمهم تسويغ التعجيل لمن اتّقى.
و فيه ثمانية مباحث:
و في الثاني منها، جاز أن ينفر من منى و يسقط عنه رمي اليوم الثالث إن كان قد اتّقى النساء و الصيد في إحرامه، فلو جامع في إحرامه أو قتل صيدا فيه، لم يجز له
ص: 12
النفر في الأوّل، و وجب عليه المقام بمنى و النفر في الثاني.
فيجوز للمكّي النفر في الأوّل و إن لم يكن له عذر، و يجوز لمن أراد المقام بمكّة أن يتعجّل.
فلا ينفر قبله إلاّ لضرورة أو حاجة تدعوه، و يجوز أن ينفر في الأخير قبل الزوال.
أمّا لو دخل عليه وقت العصر فانّه يجوز أن ينفر في الأوّل، و لو رحل من منى فغربت الشمس و هو راحل قبل انفصاله، ففي وجوب المقام إشكال.
أمّا لو كان مشغولا بالتأهّب فغربت الشمس فالوجه لزوم المقام.
و لو رحل قبل الغروب ثمّ عاد لزيارة إنسان أو أخذ متاع، لم يلزمه المقام، فلو أقام هذا و بات، فالأقرب وجوب الرمي عليه(1)، و إذا نفر في الأوّل بعد الزوال، جاز أن ينفذ رحله قبله.
و يستحبّ للإمام إذا نفر في الأخير أن ينفر قبل الزوال، و أن يصلّي الظهر بمكّة، ليعلم الناس كيفيّة الوداع.
و يجوز للإنسان المقام بمنى بعد النفر أو يذهب حيث شاء، لكنّ
ص: 13
المستحبّ العود إلى مكّة للوداع.
و كان مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عند المنارة الّتي في وسط المسجد، و فوقها إلى القبلة نحوا من ثلاثين ذراعا، و عن يمينها و يسارها مثل ذلك، فمن استطاع أن يكون مصلاّه فيه فليفعل.
و يستحبّ أن يصلّي ستّ ركعات به.
و يستلقي على قفاه، و ليس للمسجد أثر اليوم، و انّما المستحبّ النزول بالمحصّب و الاستراحة فيه، و حدّ المحصّب من الأبطح ما بين الجبلين إلى المقبرة، و سمّي محصّبا لاجتماع الحصى فيه، و هي الحصى التي يحملها السيل من الجمار إليه.
و فيه ثمانية أبحاث:
و يستحبّ له دخول الكعبة، و يتأكّد للصرورة، و يغتسل لدخولها، و يتحفّى، و يدعو، و يصلّي بين الاسطوانتين على الرخامة الحمراء ركعتين، يقرأ
ص: 14
في الأولى منهما حم السجدة، و في الثانية عدد آيها، ثمّ ليصلّي(1) في زوايا الكعبة كلّها، ثم يقوم فيستقبل الحائط بين الركن اليماني و الغربي يرفع يديه عليه و يلتصق به، و يدعو، ثمّ يتحوّل إلى الركن اليماني. فيفعل به مثل ذلك، ثمّ يفعل ذلك بباقي الأركان، ثم ليخرج.
و لا بأس بالنافلة.
و لو نوى الإقامة فالأقرب انّه لا وداع عليه.
و وقته بعد الفراغ من جميع حوائجه، ليكون البيت آخر عهده.
و لو أخّر طواف الزيارة حتّى يخرج، لم يسقط استحباب طواف الوداع، و لو خرج و لم يودّع لم يكن عليه شيء، فإن رجع للتوديع جاز، فإن كان قد تجاوز الميقات، وجب عليه الإحرام إذا وصل إلى الميقات و طواف العمرة لإحرامه و سعيها، و لا يجب طواف الوداع، و إن كان قد خرج من الحرم و لم يصل إلى الميقات، أحرم من موضعه، و إن لم يخرج من الحرم، لم يجب عليه العمرة.
بل يستحبّ لها أن تودّع من أدنى باب من أبواب المسجد، و لا تدخله إجماعا، و يستحبّ
ص: 15
للمستحاضة، و لو عدمت الماء تيمّمت و طافت كما تفعل في الصلاة.
و أن يشتري بدرهم تمرا، و يتصدق به كفّارة لما دخل عليه(1) في حال الإحرام من فعل محرّم أو مكروه.
ص: 16
و فيه فصول
يجب على المحرم اجتناب عشرين شيئا:
صيد البرّ، و النساء، و الطيب، و لبس المخيط للرجال، و الاكتحال بالسواد و بما فيه طيب، و النظر في المرآة، و لبس الخفين و ما يستر ظهر القدم، و الفسوق و هو الكذب، و الجدال و هو قول: لا و اللّه و بلى و اللّه، و قتل هوامّ الجسد، و لبس الخاتم للزينة، و لبس المرأة الحلّي للزينة و ما لم يعتدّ لبسه منه، و استعمال دهن فيه طيب، و إزالة الشعر، و تغطية الرأس، و التظليل سائرا، و إخراج الدم، و قصّ الأظفار، و قطع الشجر و الحشيش، و تغسيل المحرم الميت بالكافور، و لبس السلاح.
ص: 17
و فيه أربعة و عشرون بحثا:
2255. الأوّل: الصيد حرام على المحرم(1)
في حجّ كان أو في عمرة، واجبين كانا أو نفلين، صحيحين كانا أو فاسدين.
و صيد الحلّ حرام على المحرم خاصّة.
و قيل: بشرط أن يكون حلالا(2).
سواء كان في الحل أو الحرم، و كذا المحلّ يضمنه في الحرم، و كلّ ما يحرم و يضمن في الإحرام يحرم و يضمن في الحرم للمحلّ إلاّ القمّل و البراغيث، فإنّ قتلهما حال الإحرام حرام و لا يحرم على المحلّ في الحرم.
لا للمحلّ و لا للمحرم، و لا الدجاج و إن كان حبشيا.
طائرة كانت كالبازي و الصقر، أو ماشية كالفهد و النمر، إلاّ الأسد، فانّ أصحابنا رووا انّ في قتله كبشا إذا لم يرده و لو أراده فلا شيء(3).
ص: 18
و لا كفارة في الضبع و لا المتولّد منه و من الذئب، و يراعى في المتولّد بين الوحشي و الإنسي الاسم. و يرمي الغراب رميا، و كذا الحدأة(1) و الزنبور. لا كفّارة في قتله خطاء، و في العمد يتصدّق بشيء من الطعام، و يجوز إخراج ما أدخله إلى الحرم أسيرا من السباع.
و المحلّ في الحرم.
أمّا صيد البحر فإنّه حلال و لا فدية في أكله بالإجماع، و المراد بصيد البحر، ما يعيش في الماء، و يبيض فيه، و يفرخ، كالسمك ممّا يحلّ ، و السلحفاة و السرطان و نحوهما ممّا يحرم.
و لو كان ممّا يعيش في البرّ و البحر، اعتبر بالبيض و الفرخ، فإن كان يبيض و يفرخ في الماء، فهو بحريّ ، و إلاّ فبريّ . و أمّا طير الماء كالبط و شبهه، فإنّه برّيّ ، لأنّه يبيض و يفرخ فيه، و لو كان لجنس من الحيوان نوعان برّيّ و بحريّ ، فلكلّ نوع حكم نفسه.
و الإشارة إليه و الدلالة و الإغلاق عليه، و كذا فرخه و بيضه، و لا يحلّ الإعانة على الصيد، و لو تشارك محرمان وجب على كلّ منهما جزاء كامل.
و لو دلّ المحرم عليه فقتل ضمنه أجمع و إن كان القاتل محلاّ، و لا فرق بين كون المدلول عليه ظاهرا أو خفيّا، أمّا لو رأى المدلول الصيد قبل الدلالة أو
ص: 19
الإشارة، فالأقرب عدم تعلّق الضمان به، و كذا لو فعل فعلا عند رؤية الصيد، كما لو ضحك أو أشرف(1) على الصيد، فرآه غيره و فطن للصيد فصاده.
فالجزاء كلّه على المحرم، و لو كان في الحرم فعلى كلّ منهما جزاء كامل، و لو كان الدالّ محلاّ و المدلول محرما أو محلاّ في الحرم، ضمنه المدلول كملا، و هل يضمن الدالّ؟ فيه نظر.
و لو كان الدالّ محلاّ و المدلول محرما في الحلّ ، ضمنه المحرم، و في ضمان الدالّ إشكال.
قال الشيخ رحمه اللّه: لا نصّ لأصحابنا فيه(2).
و الأقرب عندي عدم الضمان إن أعاره ما هو مستغن عنه، كأن يعيره رمحا و معه رمح، و الضمان إن أعاره ما لا يتمّ القتل إلاّ به.
و لو أعاره آلة ليستعملها في غير الصيد فصاد بها، فلا ضمان على المعير قطعا.
سواء كان في الحلّ أو في الحرم.
و لو كان
ص: 20
الصيد في منزله لم يزل ملكه عنه.
و كذا لو ذبحه المحلّ في الحرم، و هل يكون حكم الجلد حكم الميتة أو المذكى ؟ إشكال أقربه الأوّل.
و لا يحرم لو ذبحه المحلّ في الحلّ و أدخله الحرم على المحلّ ، سواء كان من المحرم فيه إعانة أو إشارة أو دلالة أو لا؛ و يحرم على المحرم.
و لو صاده المحرم من أجل المحلّ لم يحلّ إجماعا، و كذا لو صاده المحلّ لأجل المحرم لم يبح للمحرم و حلّ للمحلّ .
و لو صاد المحرم صيدا في الحلّ فذبحه المحلّ فيه، حلّ للمحلّ خاصّة.
و استحبّ دفنه.
جاز أن يتناول من الصيد بقدر ما يمسك به الرمق و يحفظ به الحياة، و يحرم عليه التجاوز عنه، و لو وجد الميتة، أكل الصيد و فداه، و لو لم يتمكّن من الفداء، أكل الميتة.
و يجب عليه إرساله، فإن لم يفعل ضمنه و إن بقي سليما حتّى يحلّ .
ضمن للذبح فداء كاملا، و للأكل فداء آخر.
زال ملكه عنه،
ص: 21
و وجب إرساله، و لو تلف في يده أو أتلفه ضمنه، و لو كان مقصوص الجناح أمسكه حتّى ينبت ريشه، و يخلّي سبيله، أو يودعه من ثقة حتّى ينبت ريشه.
و لو أخرجه، وجب عليه إعادته، فإن تلف كان عليه قيمته، و كذا غيره من صيود الحرم.
و الحرّ و العبد و الرجل و المرأة.
أو أرسل كلبه عليه فقتله، أو قتل صيدا على فرع شجرة في الحرم، أصلها في الحلّ ، ضمنه في جميع هذه الصور.
و لو قتل صيدا على غصن في الحلّ أصله في الحرم، ضمنه.
و لو كان الصيد في الحلّ ، و رماه الصائد في الحلّ بسهم، أو أرسل عليه كلبه، فدخل السهم أو الكلب الحرم ثمّ رجع فقتل الصيد، لم يضمنه.
و لو رمى من الحلّ صيدا في الحلّ فقتل صيدا في الحرم ضمنه، و لو أرسل كلبه على صيد في الحلّ ، فدخل الكلب الحرم، و قتل صيدا غيره فيه، لم يضمنه.
و لو أرسل كلبه على صيد، فدخل الصيد الحرم، فتبعه الكلب فقتله في الحرم، فالوجه الضمان.
و لا يجوز له أكل الصيد في هذه المواطن أجمع، سواء ضمنه أو لا، و لو وقف صيد بعض قوائمه في الحلّ و بعضها في الحرم، و قتله قاتل، ضمنه،
ص: 22
سواء أصاب ما هو في الحلّ أو في الحرم، و لو نفّر صيدا(1) من الحرم، فأصابه شيء حال نفوره، ضمنه، و لو سكن من نفوره فأصابه شيء، فالوجه عدم الضمان.
كان عليه الفداء كملا، و لو رآه بعد كسر يده أو رجله سليما، كان عليه ربع قيمته.
2278. الرابع و العشرون: يكره للمحلّ قتل الصيد في الحلّ إذا كان يؤمّ (2)الحرم،
و حرّمه الشيخ(3) و ليس بمعتمد. و لو أصابه فدخل الحرم و مات فيه، ضمنه على إشكال.
و كذا يكره الصيد فيما بين البريد و الحرم، و حرّمه الشيخ(4) و ليس بجيّد.
و فيه اثنا عشر بحثا:
و كذا يحرم عليه أن يعقد على نفسه نكاحا، أو يزوّج غيره، أو يكون وليّا في النكاح، أو وكيلا، سواء كان رجلا أو امرأة، و لو أفسد إحرامه. لم يجز له أن يتزوج فيه، و لو تزوّج محرما بطل النكاح، و كان مأثوما، و يفرّق بينهما، سواء كانا محرمين أو أحدهما،
ص: 23
و لو عقد لغيره كان باطلا و إن كان الغير محلاّ.
سواء كان رجلا أو امرأة و إن يخطب للمحلّين.
و لو شهد انعقد النكاح، و لا يجوز للإمام أن يعقد في إحرامه لأحد.
فرّق بينهما و لم تحلّ له أبدا، و إن لم يكن عالما، فرّق بينهما و يجدّد العقد مع الإحلال، و لو وكّل محلّ مثله فعقد الوكيل بعد إحرام الموكّل بطل النكاح سواء حضره الموكّل أم لا، علم الوكيل أو لا. و لو وكّل محرم حلالا فعقد الوكيل بعد إحلال موكّله صحّ العقد و إلاّ بطل.
بطل العقد، و لا مهر قبل الدخول. و يثبت بعده مع جهل المرأة بالتحريم.
و لو ادّعى أحدهما وقوعه حال الإحرام و أنكر الآخر، حكم لذي البيّنة، و لو فقدت و كان المنكر الرجل، فالقول قوله مع يمينه و صحّ العقد، و لو كان المرأة، فالقول قولها مع اليمين، و يحكم بفساد العقد في حقّ الزوج، و يثبت عليه أحكام النكاح الصحيح، فإن كان قد دخل بها، وجب المهر كملا، و إن لم يكن دخل، قال الشيخ: يجب عليه نصف المهر(1).
و لو أشكل الأمر فلم يعلم هل وقع في الإحلال أو الإحرام صحّ
ص: 24
العقد. و قال الشيخ رحمه اللّه: و الأحوط تجديده(1).
و لو أقامها بعد الإحلال، فالوجه الحكم بها.
و لو تحمّلها محلاّ.
لزمه المسمّى مع التسمية، و إلاّ مهر المثل، و يلحق به الولد، و يفسد حجّه إن كان قبل الوقوف بالموقفين، و يجب إتمامه و القضاء من قابل و بدنة، و يلزمها العدّة، و إن لم يكن دخل، لم يلزمه شيء من ذلك.
و شراء الإماء، لكن لا يقربهنّ ، سواء قصد به التسرّي أو لم يقصد.
من طلاق أو خلع أو ظهار أو لعان أو غير ذلك من أسباب الفرقة.
و يتعلّق به الإفساد، كما يتعلّق بالقبل، و كذا يحرم عليه التقبيل للنساء، و ملاعبتهنّ بشهوة، و النظر إليهن بشهوة، و الملامسة و إن لم يكن جماعا.
و يجوز أن يقبّل أمّه و أخته و باقي المحرّمات المؤبّدة.
ص: 25
و فيه ثلاثة عشر بحثا:
أكلا و شمّا و اطلاء و بخورا و ملامسة. و لو مات لم يجز ان يحنّط بالكافور و لا يغسّل به و لا بشيء من طيب.
و اختلف علماؤنا، فالشيخ اقتصر في النهاية(1) على تحريم المسك و العنبر و الزعفران و الكافور و العود و الورس(2) - و هو نبت أحمر يشبه الزعفران المسحوق، يوجد على قشور شجرة ينحت منها - و في غيرها(3) عمّم تحريم كل الطيب و هو الأقوى.
شمّه، و منه ما يقصد شمّه و يتخذ منه الطيب، كالياسمين و الورد و النيلوفر، و الوجه تحريم شمّه و وجوب الفدية به، و منه ما ينبته الآدميون للطيب و لا يتّخذ منه طيب، كالريحان و النرجس و المرزجوش، و الأقرب تحريمه أيضا.
و لا يجب باستعماله فدية، و يكره استعماله للزينة.
و يجوز للمحرم لبس المعصفر، و لا يجب به الفدية، و يكره إذا كان مشبعا.
و لا بأس بخلوق الكعبة و شمّ رائحته، سواء كان عالما أو جاهلا أو عامدا أو ناسيا.
سواء أصبغه(1) به أو غمّسه فيه، و لو غسله حتّى ذهب الطيب، جاز لبسه إجماعا.
و لو انقلعت رائحة الثوب لطول الزمن عليه، أو لكونه صبغ بغيره بحيث أخفى رائحته إذا رشّ بالماء، جاز.
و لو فرش فوق الثوب المطيّب ثوبا صفيقا يمنع الرائحة و المباشرة، فلا فدية عليه بالجلوس و النوم، و لو كان الحائل ثياب بدنه، فالوجه المنع.
ص: 27
صرفه في الإزالة، و تيمّم، و لو أمكنه قطع رائحة ثوب الطيب بشيء من غير الماء(1) فعله، و توضّأ.
و هو المصبوغ بالمغرة(2) و كذا المصبوغ بالريحان و سائر الأصباغ عدا السواد و الطيب.
كان عليه الفداء.
2300. العاشر: قال الشيخ رحمه اللّه: يكره له الجلوس عند العطارين، الذين يباشرون العطر(3)
و يمسك على أنفه لو جاز في زقاق فيه طيب، و لا يقبض على أنفه من الروائح الكريهة.
قال الشيخ: و لو كان الطيب يابسا مسحوقا، فإن علق ببدنه منه شيء، وجب الفدية، و إن لم يعلق فلا فدية عليه، و إن كان يابسا وجبت الفدية إن علق ببدنه رائحته(4).
و لو مس الطيب المبلول بأيّ موضع من بدنه كان، وجب الفداء،(5) و كذا لو ابتلعه أو ربط جراحته به أو احتقن و لو داس بنعله طيبا فعلق بها، فان تعمّد وجب الفداء و إلاّ فلا، و لو اضطرّ المحرم إلى سعوط فيه مسك، قال ابن بابويه: لا بأس أن يتسعط(6).
ص: 28
و يجب به الفدية، سواء مسّه النار أو لا، بقيت أوصافه أو عدمت.
أكله أو مسّه، و قبض على أنفه.
لا استعماله»(1).
و فيه عشرة مباحث:
بلا خلاف.
و يجوز اضطرارا.
فإن لم يجد ثوبا غيره لبسه مقلوبا، و لا فدية عليه، و لا يدخل يديه في كمّيه، و يجوز له لبس السراويل إذا لم يجد إزارا، و لا فدية عليه.
و منعه ابن إدريس(1)، و لا يجوز له لبس المقطوع من الخفّين مع وجود النعلين، فلو لبسه وجبت الفدية.
كالجورب(2) إلاّ مع الضرورة.
و لا يجب قطع القيد في النعل على العقب.
فله لبس الخف، و لا فدية.
إلاّ الإزار و الهميان.
2313. التاسع: يجوز للمرأة لبس المخيط و الغلالة(3)
إذا كانت حائضا و السراويل مطلقا.
و الوجه أنّ الخنثى المشكل لا تجب عليه اجتناب المخيط.
و فيه ثلاثون بحثا:
سواء كان رجلا أو امرأة، و تجب به الفدية.
و يجوز بغيره.
رجلا أو امرأة.
و ما لم يعتدّ لبسه في حال الإحرام، و يجوز لها ما عدا ذلك، و لا يجوز لها أن تظهره لزوجها.
و يجوز للسنّة.
و الوجه أنّ الأذنين منه، و يحرم تغطية بعض الرأس كما يحرم تغطية جميعه، و المعتاد و غيره سواء في التحريم، و يجوز تعصّب الرأس بعصابة عند الحاجة.
بحيث يعلو الماء رأسه، و يجوز أن يغسّله بالماء، و يفيضه عليه، و يلبد شعره.
2323. التاسع: لو حمل على رأسه مكتلا(1) أو طبقا أو نحوه،
وجبت
ص: 31
الفدية، و كذا لو خضب رأسه و إن كان رقيقا، أو وضع عليه مرهما يستر رأسه، أو طلى بعسل أو لبن ثخين.
و لو ستر رأسه بيده أو ببعض أعضائه، ففي الجواز إشكال.
بل يجوز ستره و كشفه.
و قال الشيخ رحمه اللّه: يجوز تغطية الوجه مع نيّة الكفّارة لا مع عدمها(1).
و لا يجوز لها تغطيته، و يجوز لها أن تسدل ثوبها من فوق رأسها على وجهها إلى طرف أنفها.
قال الشيخ: و يكون الثوب متجافيا عن وجهها بحيث لا يصيب البشرة، فإن أصابها ثمّ زال أو أزالته بسرعة فلا شيء عليه و إلاّ وجب الدم(2). و فيه نظر.
2327. الثالث عشر: الخنثى المشكل لا يجوز(3) له تغطية رأسه
و ان(4) يغطّي وجهه. و لو جمع بينهما لزمته الفدية. و كذا لو غطّى رأسه و لبس المخيط(5).
و يجوز حال نزوله، و لو اضطرّ السائل إلى التظليل، بأن لا يتمكّن من ملاقاة الشمس، أو
ص: 32
يكون مريضا، أو يخاف المطر المضرّ به، جاز و يفدي.
و يجوز للمرأة التظليل، و كذا الصبيان، أمّا المريض فيجوز مع الفدية.
و لو زامل الصحيح امرأة أو مريضا، اختصّا بجواز التظليل دونه.
سواء كان شعر الرأس أو اللحية أو البدن، و لو احتاج جاز مع الفدية إن كان الأذى من غير الشعر كالقمل و القروح و الصداع، و إن كان منه كالنابت في عينه فلا فدية.
و لا فرق في وجوب الفدية بين حلق الجميع أو البعض، و لو نبت الشعر في عينه أو نزل شعر حاجبه فغطّى عينه، جاز له قلع النابت في عينه و قصّ المسترسل، و الأقرب عدم الفدية.
و لو قطع يده و عليها شعر لم يضمن الشعر، و لو نتف إبطه وجب الفداء.
و لا فدية، و لا يجوز أن يحلق للمحرم و لا للمحلّ ذلك، و لو فعلا ذلك أثما، و لا كفّارة، سواء كان بإذنه أو بغير إذنه، لكن المحلوق المحرم إن أذن، لزمه الفداء، و إلاّ فلا.
و إن احتاج جاز و وجب الفداء، و كذا بعض الظفر، و لو انكسر ظفره كان له إزالته، و الأقرب وجوب الفدية.
و منعها المفيد(1) و للشيخ قولان(2)، و يجوز مع الضرورة، فلو احتاج حينئذ إلى قطع شعر جاز، و تجب الفدية.
و لو قلّم ظفره فأدمى إصبعه وجب الفداء، و لو أفتاه غيره وجب على المفتي دم مع الإدماء، و يجوز له أن يبطّ جراحته(3) و يشق الدمل مع الحاجة، و لا فدية، و أن يقلع ضرسه كذلك، و لو لم يحتج إلى قلعه وجب الدم بالقلع.
لئلاّ يدميه، أو يقلع بعض شعره، و لا يستقصي في سواكه، و لا يدلك وجهه في وضوء و غيره لئلاّ يسقط شيء من شعر لحيته، و يجوز غسل رأسه بالسدر و الخطمى، و بدنه برفق، لئلاّ يسقط شيء من شعر رأسه أو لحيته، و دخول الحمام و لا يدلك جسده فيه بعنف، و الأفضل تركه.
قال الشيخ رحمه اللّه: ليس له أن يلقي الحلم عن بعيره بل القراد(1).
و إن كان يحرم على غير المحرم أيضا، لكنّه في حق المحرم آكد.
و هو قوله لغيره: لا و اللّه و بلى و اللّه، و يستحبّ له قلّة الكلام إلاّ فيما ينفع به.
كدهن الورد و البنفسج و البان(2) للمحرم، و تجب به الفدية.
و نصّ الشيخ على تحريم الأدهان بما ليس بطيب، كالشيرج و السمن لا على أكله، قال: و لا فدية في الادهان به(3)، و لا يجوز الادهان قبل الإحرام بالطيب إذا كانت رائحته تبقى إلى بعد الإحرام، و لو اضطرّ المحرم إلى استعماله، جاز مع الفدية.
و يجوز استعمال ما ليس بطيب حال الإحرام مع الضرورة و لا فدية.
و كذا قطع الشوك و العوسج و أخذ ورق الشجر و قطع أغصانها و قطع حشيش الحرم إلاّ الإذخر و ما أنبته الآدميّون.
و يجوز قلع شجر الفواكه و النخل و عودي المحالة(4) و ما ينبت في منزله
ص: 35
بعد بنائه لا قبله، و يجوز قطع يابس الشجر و الحشيش و ما انكسر و لم يبن، و أخذ الكمأة(1) و الفقع(2)، و لو انكسر غصن شجرة، أو سقط ورقها بغير فعل الآدمي، جاز استعماله، و الوجه أنّ ما يحصل من ذلك بفعل الآدمي كذلك.
و يجوز أن يترك إبله ليرعى في حشيش الحرم، و لا يجوز له قلعه و إعلافه الإبل.
2339. الخامس و العشرون: الشجرة إذا كان أصلها في الحرم و فرعها في الحل حرم قطعها(3) و قطع غصنها،
و كذا بالعكس، و لو كان الأصل في الحلّ و الغصن في الحرم، فقطع الغصن، فالوجه جواز قلع الأصل بعد ذلك.
و لو قلع شجرة من الحرم فغرسها في مكان آخر منه فيبست ضمنها، و لو نبتت فلا ضمان، و لو غرسها في الحلّ وجب ردّها، و لو تعذّر أو يبست ضمنها.
و لو غرسها في الحلّ ، فقلعها غيره منه، فالوجه أنّ الضمان على الأوّل.
2340. السادس و العشرون: أوجب الشيخ الضمان في قطع شجر الحرم(4)
و منعه ابن إدريس مع التحريم(5)، و لو قطع غصنا، أو قلع حشيشا فنبت عوضه، لم يزل الضمان.
و هو واد بالطائف، أمّا المدينة فلها حرم كحرم مكّة، لا يجوز قطع شجره و لا قتل صيده إلاّ أنّه لا جزاء
ص: 36
فيه، و يباح من شجره ما تدعو الحاجة إليه من الحشيش للعلف(1) و لا يجب دخوله بإحرام، و لا يجب إرسال الصيد إذا دخل مع صاحبه إليها.
و حدّ حرم المدينة بريد في بريد، و هو من ظلّ عائر إلى و عير. و لا يعضد(2)شجرها، و لا بأس بصيده إلاّ ما صيد بين الحرتين، و عبارة الشيخ في النهاية رديّة(3).
و عدمها معها، و كذا يكره النوم على الفرش المصبوغة، و الإحرام في الثياب المصبوغة بالسواد، أو المعصفر و شبهه، و يتأكد في السواد، و النوم عليه، و في الثياب الوسخة و إن كانت طاهرة، و لبس الثياب المعلمة، و استعمال الحنّاء للزينة، و النقاب للمرأة على إشكال، و دخول الحمام، و تدليك الجسد فيه، و استعمال الرياحين، و أن يلبّي من دعاه، بل يقول: يا سعد، و يجوز أن يؤدّب عبده مع الحاجة.
لم يكن عليه شيء، و لو علمه صيدا، و شك في أيّ صنف هو، لزمه دم شاة.
و يستحبّ إخراج ماء زمزم للتبرك.
ص: 37
و فيه مطالب
و النظر فيه يتعلّق بأمور
و فيه سبعة مباحث:
منه ما لكفّارته بدل معيّن، و منه ما ليس كذلك، و الأوّل خمسة: النعامة، و بقرة الوحش، و حمار الوحش، و الظبي، و بيض النعامة، و بيض القطا و القبج، و الثاني خمسة أقسام يأتي.
سواء قتله عمدا أو سهوا أو خطاء، و لو تكرّر منه القتل فإن كان ناسيا، تكرّرت الكفّارة إجماعا، و كذا إن كان عامدا على الأقوى.
و إن كان قتله باعتبارها مباحا.
ص: 38
جاز قتله إجماعا، و الوجه عدم الضمان.
كان عليه الضمان.
2350. السادس: يجب الجزاء بقتل الصيد المملوك للّه تعالى و القيمة للمالك(1).
في عمرة كان أو حجّ ، متمتّعا كان أو قارنا أو مفردا، واجبين أو نفلين، صحيحتين أو فاسدتين، و لو كان الصيد في الحرم، و تجرّد عن الإحرام ضمن، و لو كان محرما يضاعف الجزاء.
و فيه عشرة مباحث:
لا بالقيمة.
إمّا من النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أو من أحد الأئمة عليهم السّلام، و لا يجب استئناف الحكم.
و لو عجز، قوّم البدنة لا الصيد، و فضّ ثمنها على البرّ، و أطعم كلّ مسكين نصف صاع، و لو زاد على ستّين مسكينا، كان الزائد له، و لو نقص لم يجب عليه الإكمال، و لو عجز عن الإطعام،
ص: 39
قوّم الجزور بدراهم، و الدراهم بطعام، و صام عن كلّ نصف صاع يوما، و لا يجب عليه أن يصوم أكثر من شهرين و إن زادت القيمة، و لا يجب عليه إكمال ستّين يوما مع نقص القيمة.
فقال المفيد: إنّها على الترتيب(1)، و آخرون على التخيير(2)، و للشيخ قولان(3).
صام ثمانية عشر يوما.
أحدهما من صغار الإبل، قاله المفيد(4)؛ و الثاني مثل ما في النعامة سواء، قاله الشيخ(5). و في الأوّل قوّة.
و لو لم يجد البقرة، قوّمها و فضّ ثمنها على الحنطة، و أطعم كلّ مسكين نصف صاع، و لا يجب عليه إطعام ما زاد على ثلاثين مسكينا، و لا إتمام ما نقص عنه، و لو لم يتمكّن من الإطعام، صام عن كلّ نصف صاع يوما، و لا يجب عليه صيام ما زاد على ثلاثين و إن زادت القيمة، و لا إكمال العدد، و لو عجز صام تسعة أيّام.
و كذا في الثعلب و الأرنب، و لو عجز عن الشاة في الظبي قوّم ثمنها، و فضّه على البرّ، و أطعم عشرة مساكين، لكلّ مسكين
ص: 40
نصف صاع، و لو زاد الطعام عن العشرة، كانت الزيادة له، و لو نقصت لم يجب عليه الإكمال.
و لو عجز عن الإطعام صام عن كلّ نصف صاع يوما، و لو زاد التقويم عن خمسة أصوع لم يجب عليه الصوم عن الزائد، و لو نقص لم يجب عليه إلاّ بقدر التقويم، و لو نقص التقويم ربع صاع مثلا، فالوجه وجوب يوم كامل، و لو عجز عن ذلك كلّه صام ثلاثة أيّام.
أمّا الثعلب و الأرنب فقيل فيهما الابدال كالظبي(1)، و نحن فيه من المتوقّفين.
فإن كان قد حرّك فيه الفرخ، كان عليه عن كلّ بيضة بكارة من الإبل، و إن لم يكن تحرّك كان عليه أن يرسل فحولة الإبل في إناثها بعدد البيض، فما نتج كان هديا لبيت اللّه تعالى، و الاعتبار في العدد بالإناث، و لا فرق بين أن يكسره بنفسه أو بدابّته.
و لو لم يتمكّن من الإبل كان عليه عن كلّ بيضة شاة، فإن عجز، كان عليه عن كلّ بيضة إطعام عشرة مساكين لكلّ مسكين مدّ، فإن عجز كان عليه صيام ثلاثة أيّام.
و لو كسر بيضة فيها فرخ ميّت أو كانت فاسدة لم يكن عليه شيء.
و لو باض الطير على فراش محرم فنقله إلى موضعه، فنفر الطير فلم يحضنه، قال الشيخ: يلزمه الجزاء(2).
ص: 41
فإن كان قد تحرّك فيه الفرخ، كان عليه عن كلّ بيضة مخاض من الغنم، و إن لم يكن قد تحرّك، كان عليه أن يرسل فحولة الغنم في إناثها بعدد البيض، فما نتج كان هديا لبيت اللّه تعالى.
و لو عجز عن الإرسال، قال الشيخ: كان حكمه حكم بيض النعام(1)، قال ابن إدريس: يريد وجوب الشاة عن كل بيضة مع العجز عن الإرسال(2)، و لا استبعاد فيه، و الأقرب أنّ مقصوده وجوب الصدقة على عشرة مساكين، أو الصيام ثلاثة أيّام.
و فيه تسعة مباحث:
بأن يواتر صوته، و يعبّ الماء بأن يضع منقاره فيه، فيكرع كما تكرع الشاة، و قال الكسائي: كل مطوّق حمام(3).
إذا عرفت هذا، ففي كلّ حمامة شاة إن كان القاتل محرما في الحلّ ، و إن كان محلاّ في الحرم كان عليه درهم، و إن كان محرما في الحرم اجتمع عليه الأمران.
كان عليه حمل قد فطم و رعى من
ص: 42
الشجر، و لو كان القاتل محلاّ في الحرم، كان عليه نصف درهم، و لو كان محرما في الحرم، اجتمع عليه الأمران.
و لم يكن قد تحرّك فيه الفرخ، وجب عليه عن كلّ بيضة درهم، و إن كان قد تحرّك فيه الفرخ، كان عليه عن كلّ بيضة حمل، و لو كسره المحلّ في الحرم، كان عليه عن كلّ بيضة ربع درهم، و لو كان محرما في الحرم لزمه درهم و ربع.
إلاّ أنّ حمام الحرم يشترى بقيمته علف لحمامه، و الأهلي يتصدّق بثمنه على المساكين.
و حدّه ما مضى عليه أربعة أشهر.
2367. السادس: في كلّ من العصفور و الصعوة(1) و القبّرة و ما أشبهها مدّ من الطعام،
و قال ابن بابويه: في الطائر جميعه دم شاة ما عدا النعامة، فإنّ فيها جزورا»(2). و هو ضعيف.
و لا شيء في الخطاء.
قال المفيد: فإن قتل زنابير كثيرة تصدق بمدّ من طعام أو تمر(3)، و هو حسن.
و لا شيء في قتل الهوامّ من الحيّات و العقارب و غيرها، و لا بأس بقتل
ص: 43
القمل و البق و أشباهها للمحلّ في الحرم. و لو كان محرما لزمته الكفارة كفّ من طعام.
و إن قتل جرادا كثيرا كان عليه دم شاة، و لو كان في طريقه و لم يتمكّن من التحرز عن قتله، لم يكن عليه شيء.
و فيه ستة مباحث:
و تجب القيمة الّتي يقدّرانها فيه.
و يشترط في الحكمين العدالة و المعرفة، و أن يكونا اثنين فما زاد، و يجوز أن يكون القاتل أحدهما إذا كان عدلا.
و كذلك البيوض الّتي لم ينصّ فيها على مقدّر.
و إن ضمنه بكبير كان أولى، و الذكر بمثله و الأنثى بمثلها، و الصحيح بالصحيح و المعيب بالمعيب، و إن ضمنه بصحيح كان أولى.
و لو اختلف العيب، فضمن الأعور بأعوج لم يجز، أمّا لو فدى الأعور من إحدى العينين بأعور من الأخرى، فالوجه الجواز، و كذا أعرج إحدى الرجلين يضمن بأعرج الأخرى، و لو فدى الذكر بالأنثى جاز. و جوّز الشيخ: العكس(1).
و لو قتل ماخضا، ضمنها بماخض مثلها لا بالقيمة، قاله الشيخ(2). و لو ضمنها بغير ماخض، ففي الإجزاء نظر.
فإن خرج حيّا و ماتا، لزمه فداؤهما، فيفدي الأمّ بمثلها و الصغير بمثله أو كبير، و إن عاشا و لا عيب فلا شيء، و إن حصل عيب ضمن الأرش، و لو مات أحدهما دون الآخر، ضمن الميّت خاصّة، و لو خرج ميّتا لزمه الأرش، و هو ما بين قيمتها حاملا و مجهضا.
و هو أمران: المباشرة و التسبيب.
و هنا ثلاثة و عشرون بحثا:
و لو أكله، لزمه فداء
ص: 45
آخر، و الرواية دلّت على وجوب الجزاء الثاني(1).
و قال بعض أصحابنا: إنّما يجب جزاء ما قتل و قيمة ما أكل(2). و هو حسن سواء أدّى جزاء القتل أو لا، و لا يتداخلان.
سواء كسره هو أو محرم آخر أو حلال. و لو كسره المحرم فالوجه أنّه لا يحرم على المحلّ أكله.
قال الشيخ: يحرم(3) و ليس بمعتمد.
كان على المحرم عن كلّ بيضة شاة، و على المحلّ عن كلّ بيضة درهم.
أمّا بيض ما يباح أكله كبيض الدجاج الحبشي فإنّه حلال لا يجب بكسره شيء.
فلو كسر قرني الغزال، قال الشيخ: عليه نصف قيمته، و في كل واحد ربع قيمته، و في عينيه كمال قيمته، و في كسر إحدى رجليه نصف قيمته، و كذا في كسر إحدى يديه، و لو كسر يديه معا، فكمال القيمة، و كذا في رجليه، و لو قتله، كان عليه فداء واحد(4).
و أن يسلّمها باليد الّتي نتف بها، و لو نتف ريشا متعددا، فإن كان بالتفريق، فالوجه
ص: 46
تكرار الفدية(1)، و إن كان دفعة فالوجه الأرش، و لو حفظه حتّى ينبت ريشه لم تسقط الفدية.
ثم إن رآه سويّا بعد ذلك، وجب الأرش، و لو أصابه و لم يؤثّر فيه، لم يكن عليه شيء.
قال الشيخ: لو كسر يده أو رجله، ثمّ رآه و قد صلح و رعى وجب ربع الفداء(2). و لو جرح الصيد فاندمل و صار غير ممتنع، فالوجه الأرش؛ و قال الشيخ:
يضمن الجميع(3).
و لو جرحه فغاب عن عينه و لم يعلم حاله، ضمنه أجمع، و لو رآه ميّتا و لم يعلم هل مات من الجناية أو غيرها ضمنه.
و لو رماه و لم يعلم هل أثّر فيه أم لا، لزمه الفداء.
و لو صيّرته الجناية غير ممتنع، فلم يعلم أ صار ممتنعا أو لا، ضمنه بأعلى الأرشين.
و لو كان شريك المحرم حلالا في الحلّ ، لم يكن عليه شيء، و على المحرم جزاء كامل.
و لو أصابه الحلال أوّلا ثمّ الحرام، فالأقرب أنّ على المحرم جزاؤه مجروحا.
ص: 47
و لو كان السابق محرما فعليه جزاؤه سليما.
و لو اتفقا في حالة واحدة، فعلى المحرم جزاء كامل، و لا شيء على المحلّ .
و لو اشتركا في قتل صيد حرميّ ، وجب على المحلّ القيمة كملا، و على المحرم الجزاء و القيمة معا.
و قال في التهذيب: على المحرم فداء كامل و على المحلّ نصف الفداء(1).
2385. التاسع: لو رمى اثنان صيدا فقتله أحدهما و أخطأ الآخر(2)،
فعلى كلّ منهما فداء كامل.
و لو قتله واحد و أكله جماعة، كان على كلّ واحد منهم فداء كامل.
قيمته للحرم و الأخرى لاستصغاره إيّاه، و عليه التعزير.
كان عليه الجزاء و قيمة اللبن.
قال الشيخ: يلزم كل واحد منهما الفداء(3).
ص: 48
لم يكن عليه ضمان، و كذا لا شيء عليه لو جعل في رأسه ما يقتل القمل، ثم أحرم فقتله.
زال ملكه عنه إذا كان حاضرا معه، و وجب عليه إرساله، و يضمنه لو أمسكه، و يزول ملكه، و لو لم يمكنه الإرسال، و تلف قبل إمكانه، فالوجه عدم الضمان.
و لو أرسله إنسان من يده، لم يكن عليه ضمان، و لو أمسكه حتّى يحلّ ، لم يملكه، و لم يعد ملكه الأوّل إليه إلاّ بسبب مبيح.
و لو كان الصيد في منزله، لم يزل ملكه عنه، و كذا لو كان في يد وكيله في غير الحرم، و لا يضمنه لو مات بالإمساك، و له بيعه و هبته.
و لا ينتقل الصيد إلى المحرم بابتياع و لا هبة و لا غيرهما من أسباب التمليكات، و لو أخذه بأحد الأسباب، ضمنه، و لو انتقل إليه، بالبيع، لزمه مع الجزاء القيمة لمالكه، و كذا لو أخذه رهنا، و لو لم يتلف، لم يجز له ردّه على مالكه، لدخوله الحرم.
و لو باع الحلال الصيد بخيار، لم يجز استرجاعه بعد الإحرام، و لو ردّه المشتري بعيب أو خيار فله ذلك، و لا يدخل في ملك المشتري و يجب عليه إرساله، هذا إذا كان الصيد في الحرم، و لو كان في الحلّ ، جاز ذلك كلّه، و لو ورث صيدا، لم يملكه في الحرم، و وجب عليه إرساله.
و لو باع المحلّ صيد المحلّ ، ثمّ أفلس المشتري بعد إحرامه، لم يكن للبائع أن يختار عين ماله من الصيد، لأنّه لا يملكه.
ص: 49
فعلى كلّ منهما فداء كامل، و لو كانا في الحرم يضاعف الفداء ما لم يبلغ البدنة، و لو كانا محلّين في الحرم، وجب على كلّ منهما فداء كامل من غير تضاعف.
و لو كان أحدهما محلاّ و الآخر محرما، تضاعف في حق المحرم خاصّة.
و لو أمسكه المحرم في الحلّ ، فذبحه المحلّ ، ضمنه المحرم خاصّة. و لو نقل بيض صيد ففسد، ضمنه.
و لو أحضنه فخرج الفرخ سليما، لم يضمنه.
فإن هلكت و كان الإغلاق قبل الإحرام، ضمن الحمامة بدرهم، و الفرخ بنصف، و البيضة بربع؛ و إن كان بعد الإحرام، ضمن الحمامة بشاة، و الفرخ بحمل، و البيضة بدرهم.
و لو كان الإغلاق من المحرم في الحرم، وجب الجزاء و القيمة.
و لو أرسلها بعد الإغلاق سليمة، فالوجه عدم الضمان.
و لو أغلق على غير الحمام من أنواع الصيود، ضمن إذا تلفت بالإغلاق.
فإن رجع، فعليه دم شاة، و إن لم يرجع فعن كلّ طائر شاة.
فإن كان قصدهم ذلك وجب على كلّ واحد منهم فداء كامل، و إلاّ كان على الجميع فداء واحد.
ص: 50
ضمنهما معا.
ضمنه، و لو كان راكبا عليها سائرا، كان عليه ضمان ما تجنيه بيديها و فمها، و لا ضمان في ما تجنيه برجلها.
و لو كان واقفا أو سائقا غير راكب، ضمن جميع جناياتها، و لو انقلبت فأتلفت صيدا، لم يضمنه.
و لو نصب شبكة، أو حفر بئرا فوقع فيها صيد، ضمنه.
أمّا لو حفر البئر بحقّ ، كما في ملكه أو موضع متّسع ينتفع بها المسلمون، فالوجه سقوط الضمان، و لو نصب شبكة قبل إحرامه، فوقع فيها صيد بعد إحرامه، لم يضمنه.
ضمنه، و كذا لو نفّره فتلف في حال نفوره، و لو سكن في مكان و أمن من نفوره، ثمّ تلف، ففي الضمان إشكال.
و لو نتف المحرم ريش طير أو جرحه، و بقي ممتنعا، ثمّ أهلك نفسه بوقوعه في بئر أو صدم حائط، ضمن الجرح، و لو امتنع و غاب عنه، ضمنه كملا؛ قاله الشيخ(1).
و لو أمسك صيدا له طفل، فتلف بإمساكه، ضمن، و كذا لو أمسك المحلّ
ص: 51
صيدا له طفل هلك في الحرم، و لا ضمان عليه في الأمّ لو تلفت إلاّ أن يمسكها في الحرم، و لو تلفت فراخها في الحلّ ، قال الشيخ: ضمنها(1). و فيه نظر.
ضمنه، سواء كان في الحلّ أو الحرم. و لو أرسله و لا صيد، فعرض له صيد فقتله، ففي الضمان إشكال.
و لو نفّر صيدا فهلك بمصادمة شيء أو أخذه جارح، ضمنه. و كذا لو ضرب صيدا بسهم، فمرق السهم، فقتل آخر، أو رمى غرضا فأصاب صيدا، ضمنه. و كذا لو وقع الصيد في شبكة أو حبالة فأراد تخليصه، فتلف أو عاب، ضمنه.
فعلى السيّد الفداء. و لو كان الغلام محرما بإذن السيد و قتل صيدا بغير إذن، وجب على السيّد الفداء.
و فيه ثمانية عشر بحثا:
أو قوّم المثل و اشترى به طعاما، و تصدّق به، أو صام كما قلناه، و غير المثلي يقوّم الصيد و يشتري بالثمن طعاما أو يصوم عن كل مدّين يوما. و لا يجوز إخراج القيمة بحال،
ص: 52
و هل هي مخيّرة أو مرتبة ؟ قولان.
و لو جرح الصيد، ضمن أرش الجراح، بأن يقوّم صحيحا و معيبا، فإن كان ما بينهما مثلا عشر لزمه عشر مثله.
2401. الثاني: إذا أخرج المثل(1)، ذبحه و تصدّق به على مساكين الحرم،
و لا يجزئه أن يتصدّق به حيّا، و له ذبحه متى شاء، فإن كان الإحرام للحجّ ، وجب نحره أو ذبحه بمنى، و إن كان للعمرة، فبمكة، و يستحبّ أن يكون بفناء الكعبة بالحزورة.
و لو اختار الإطعام قوّم المثل و أخرج بقيمته طعاما إمّا بمكّة أو بمنى على التفصيل. و لا يجزئ إخراج القيمة، و يجزئ كلّ ما يسمّى طعاما، و يتصدّق على كلّ مسكين بنصف صاع، و يقوّم المثل يوم يريد التقويم، و لا يلزمه تقويمه وقت الإتلاف.
و ما لا مثل له فإن قدّره الشارع، أخرجه، و إلاّ قوّم الصيد وقت الإتلاف.
و لو اختار الصيام، صام عن كلّ نصف صاع يوما. فإن بقي ما لا يعدل يوما، صام يوما كاملا.
و لا يجوز أن يصوم عن بعض الجزاء و يطعم عن البعض، و لا يتعيّن صومه بمكان دون غيره.
تخيّر قاتله بين أن يشتري بقيمته طعاما، فيطعمه المساكين، و بين الصوم، و لا يجوز له إخراج القيمة، و يقوّم في
ص: 53
محلّ الإتلاف، أمّا المثلي فيعتبر في قيمته النّعم في مكّة(1).
فلو قتل المحلّ صيدا في الحرم، وجب عليه الفداء. و لو كان محرما في الحرم كان عليه جزاءان(2).
و قال السيد: «إذا صاد متعمّدا و هو محرم في الحلّ كان عليه جزاءان، و لو كان في الحرم، و هو محرم عامدا إليه، تضاعف ما كان يجب عليه في الحل»(3).
و الأقوى قول الشيخ(4).
و لا يتضاعف ما فيه بدنة(5) و أوجب ابن إدريس التضاعف مطلقا(6).
كان عليه القيمة، و لو كان محرما في الحرم، كان عليه قيمتان.
أطعم ستّين مسكينا، فإن لم يقدر صام شهرين، فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوما، و لو كان
ص: 54
عليه بقرة و لم يجد، أطعم ثلاثين مسكينا، فإن لم يقدر صام شهرا، فإن عجز صام تسعة أيّام.
و إن كان عليه شاة و لم يجد، أطعم عشرة مساكين فإن لم يجد صام ثلاثة أيّام.
2408. التاسع: منع الشيخ من صيد حمام الحرم حيث كان للمحلّ و المحرم(1).
و جوّزه ابن إدريس للمحلّ في الحلّ (2). و الأقرب الأوّل.
و لو أكل لحم صيد و لم يعلم ما هو، وجب عليه دم شاة.
و يتركه إلى وقت إحلاله إذا كان قد صاده محلّ .
قال الشيخ:
لزم كلّ واحد منهم القيمة، و إن قلنا: يلزمهم جزاء واحد كان قويّا(3).
و لو اشترك محلّون و محرمون في قتل صيد في الحلّ ، لزم المحرمين الجزاء دون المحلّين، و إن اشتركوا في الحرم، فعلى المحرمين الجزاء و القيمة، و على المحلّين جزاء واحد.
ص: 55
و المعتبر في المثل هو ما نصّ الشارع على مقابله حيوانا من النعم، كالبدنة في النعامة، و البقرة في بقرة الوحش، و الشاة في الظبي، و لا اعتبار بالصورة و لا بالقيمة في المنصوص، و [في] غيره المعتبر القيمة.
فعلى كلّ منهما جزاء، و لا يرجع كلّ منهما على الآخر بما ضمن من الجزاء.
لم يعتبر تأويله، و يلزمه بكلّ محظور كفّارة على حدة.
2417. الثامن عشر: لو قتل حمامة مسرولة(1)
وجب عليه الضمان.
و فيه ثمانية و عشرون بحثا:
فسد حجّه، و عليه بدنة و إتمام الفاسد، و القضاء في السنة المستقبلة على الفور، و يجب على المرأة مثل ذلك من المضيّ (2) في الفاسد و البدنة و الحجّ من قابل مع المطاوعة، و لا شيء عليها مع الإكراه.
ص: 56
و يجب على المكره بدنتان، و لا يجزئ بدنة الرجل عن بدنتها مع المطاوعة.
و لو كانت محلّة، لم يتعلّق بها شيء، و لا يجب عليها كفّارة، و لا عليه بسببها، و نفقتها للحجّ مع المطاوعة، عليها، و كذا ثمن ماء غسلها.
و يجب عليهما أن يفترقا في القضاء إذا بلغا المكان الّذي وطئها فيه إلى أن يقضيا المناسك، لا من حيث يحرمان، و الروايات(1) تدلّ على التفريق في الحجّة الأولى من ذلك المكان أيضا، و هو حسن.
و معنى الافتراق أن لا يخلوا بأنفسهما بل متى اجتمعا كان معهما ثالث.
قال ابن بابويه: لو حجّا على غير ذلك الطريق لم يفرق بينهما(2)، و هو قريب.
2419. الثاني: قال الشيخ: الحجّة الأولى هي حجّة الإسلام و الثانية عقوبة(3).
و ابن إدريس عكس الحال(4)، و هو الأقوى عندي.
صحّ حجّه و عليه بدنة لا غير.
فسد حجّه، و وجبت البدنة و الإتمام.
لم يفسد حجّه،
ص: 57
و لا شيء عليه، و كذا لو أكره على الجماع.
على التفصيل الّذي ذكرناه، و كذا دبر الغلام على إشكال.
أمّا إتيان البهيمة، فالأقرب عدم الإفساد به.
و لو استمنى بيده، قال الشيخ: حكمه حكم المجامع سواء، فإن كان قد فعله قبل الوقوف بالموقفين، فسد حجّه، و وجب عليه بدنة(1)، و ابن إدريس منع من الإفساد خاصّة(2)، و نحن من المتوقّفين.
و لو وطئ في ما دون الفرجين، وجب عليه بدنة مع الإنزال و لا يفسد حجّه و إن كان قبل الموقفين عالما، و لو لم ينزل ففي البدنة تردّد.
لم يكن عليه شيء و إن تلبس بالإحرام، إذا لم يعقده، بأحد الثلاثة.
فعن كلّ وطء بدنة، سواء كفّر عن الأوّل أو لم يكفّر. و تردّد الشيخ في الخلاف في وجوب الثانية مع عدم التكفير(3)، و جزم الشيخ في المبسوط بالتكرار(4).
لم يفسد حجّه، و وجب عليه جزور إن كان غنيّا، و إن لم يتمكّن فبقرة، فإن عجز فشاة، و لو
ص: 58
جامع في أثنائه وجبت البدنة أيضا.
وجب عليه بدنة، و الحجّ صحيح، سواء كان قد فرغ من سعي الحجّ أو لم يفرغ.
و لو جامع في أثناء طواف النساء، فإن كان قد طاف خمسة أشواط أتمّه و لا شيء عليه، و إن طاف أقلّ من أربعة، وجب عليه بدنة و إعادة الطواف من أوّله، و لو طاف أربعة، قال الشيخ: لا كفارة(1)، و ليس بمعتمد، و ابن إدريس(2)أخطأ هنا.
فلو وطئ في المندوب قبل الموقفين فسد حجّه، و وجب إتمامه و الحجّ من قابل و بدنة. و لو كان بعد الموقفين، فبدنة لا غير.
و كذا لا فرق بين أن يطأ امرأته الحرّة، أو جاريته المحرمة أو المحلّة.
و لو كانت محرمة بغير إذنه أو محلّة، فإنّه لا تتعلّق بها كفّارة و لا به عنها.
و لو كانت محرمة بإذنه، و طاوعته، ففي تعلّق الكفارة بها إشكال، أقربه الثبوت، فحينئذ يبقى حكمها حكم العبد المأذون له في الحجّ إذا أفسد حجّه، و سيأتي.
و لو أكرهها، فالوجه أنّه مبنيّ على حكم المطاوعة، إن قلنا بوجوب الكفّارة عنها، تحمّلها السيد، و إلاّ فلا.
ص: 59
فلا كفّارة، و إن كان بإذنه وجبت عليه بدنة أو بقرة أو شاة، فإن لم يجد كان عليه شاة أو صيام ثلاثة أيّام، و لو كان محلاّ، و هي محرمة، بإذنه، وجبت عليه بدنة، سواء كان قبل الموقفين أو بعدهما، و سواء طاوعته أو أكرهها، لكن مع المطاوعة يفسد حجّها و يجب عليه أن يأذن لها في القضاء.
فلا كفّارة، و إن كانت محرمة بإذنه، كان حكمه حكم الواجب.
فناسب العقوبة بالأحكام المذكورة في وطء الزوجة، و من عدم التنصيص، فنحن فيه من المتوقّفين.
فإن لم يجد، فسبع شياه على الترتيب، فإن لم يجد فقيمة البدنة دراهم أو ثمنها طعاما يتصدق به، فإن لم يجد فصام عن كلّ مدّ يوما(1)، قال:
و في أصحابنا من قال: هو مخيّر(2).
و قال ابن بابويه: «من وجبت عليه بدنة في كفّارة فلم يجدها، فعليه سبع شياه، فإن لم يقدر، صام ثمانية عشر يوما بمكّة أو بمنزله»(3).
ص: 60
فإن كان بعد الطواف، فسدت عمرته و وجبت عليه بدنة و قضاؤها.
و ليس عليه دم القران.
و في قضاء العمرة من أدنى الحلّ .
وجبت عليه بدنة أخرى، و إتمام القضاء الفاسد، و الحجّ من قابل، و لا يتكرّر عليه بل يكفيه حجّة واحدة صحيحة، و كذا لو تكرّر إفساد القضاء.
وجبت على العاقد كفّارة، كما تجب على الواطئ. و كذا لو كان العاقد محلاّ على إشكال.
لم يفسد حجّه، و وجبت عليه بدنة، و إن لم يكرّر النظر. فإن عجز فبقرة، فإن عجز فشاة.
و لو كرّر النظر حتّى أمذى، لم يجب عليه شيء، و لو كرّره و لم يقترن به مني و لا مذي، لم يكن عليه شيء، و إن جرّدها(1) و لو فكّر فأنزل، لم يكن عليه شيء.
لم يكن عليه
ص: 61
شيء و إن أمنى، و لو كان بشهوة فأمنى، كانت عليه بدنة.
كان عليه دم شاة، سواء أمنى أو لا، و إن كان بغير شهوة، لم يكن عليه شيء و إن أمنى، و الحجّ صحيح على كلّ التقادير، سواء كان قبل الموقفين أو بعدهما.
كان عليه جزور، و إن كان بغير شهوة، كان عليه شاة، و لا يفسد حجّه على كلّ تقدير، سواء كان قبل الموقفين أو بعده، أنزل أو لم ينزل.
و لم يشترط الشيخ في البدنة الإنزال(1)، و شرطه ابن إدريس(2). و لو لم ينزل كان عليه دم شاة، كما لو قبّلها بغير شهوة. و عندي في ذلك تردّد.
و قال المفيد: من قبّل امرأته و هو محرم، فعليه بدنة أنزل أو لم ينزل، فإن هويت المرأة ذلك، كان عليها مثل ما عليه(3). و يكره للمحرم أن يأكل من يد امرأته أو جاريته شيئا تلقمه إيّاه.
لم يكن عليه شيء، و لو كان برؤية، وجبت عليه الكفّارة.
و لا يجعل الحجّة(1) عمرة، و لا يحلّ من الفاسد، بل يجب عليه أن يفعل بعد الإفساد كما يفعله لو كان صحيحا، و لا يسقط عنه توابع الوقوف من المبيت بمزدلفة و الرمي و غيرهما، و يحرم عليه بعد الإفساد كلّ ما كان محرما عليه قبله من الوطء ثانيا و قتل الصيد و الطيب و غير ذلك من المحرمات.
و لو جنى في الإحرام الفاسد، وجب عليه ما يجب في الإحرام الصحيح.
و يجب القضاء من قابل، سواء كانت الفاسدة واجبة بأصل الشرع أو بالنذر و شبهه، أو تطوّعا، و يجب على الفور.
و لو أفسد القضاء لم يجب قضاؤه، بل يقضي عن الحجّ الأوّل.
و لو جامع قبل عرفة، ثم بعده قبل مزدلفة، وجب قضاء واحد و بدنتان.
فلو حلّ ثمّ زال الحصر و في الوقت سعة، فله أن يقضي في ذلك العام. و لا يتصور القضاء في العام الّذي فسد فيه الحجّ في غير هذه الصورة.
و لو حجّ تطوعا فأفسده ثمّ أحصر، كان عليه بدنة للإفساد و دم للإحصار، و كفاه قضاء واحد في القابل.
ص: 63
و فيه خمسة مباحث:
سواء استعمله اطلاء أو صبغا أو بخورا أو في الطعام، و سواء استعمله في عضو كامل أو بعضه، و سواء مسّت الطعام النار أو لا.
و لا بأس بخلوق الكعبة و زعفرانها و الفواكه، كالاترج و التفاح و الرياحين، على ما بيّناه، و لو كان ناسيا أو جاهلا بالتحريم، لم يكن عليه شيء.
فلو تطيّب ناسيا ثمّ ذكر، وجبت الإزالة، و لو لم يزله، وجب الدم.
و تجب الكفّارة بنفس الفعل، فلو أزاله بسرعة، وجبت الكفّارة مع فعله عمدا و إن لم يستدم الطيب.
و يستحبّ أن يستعين في غسله بحلال لئلاّ يباشره. و لو غسله بيده جاز.
و لو فقد الماء، مسحه بالتراب أو بالحشيش، أو ورق الشجر(1).
و كذا يشتري المخيط و الجواري.
ص: 64
وجب عليه دم شاة مع العمد، و لا شيء مع النسيان. و تجب الكفّارة للمضطر عند الشيخ(1).
و فيه تسعة مباحث:
وجب عليه دم شاة، و لا فرق بين قليل اللبس و كثيره، فلا يشترط لباس يوم و ليلة.
فلو لبس ناسيا ثمّ ذكر، وجب خلعه فإن لم يفعل، وجب الفداء، و ينزعه من أسفله لا من رأسه.
و إن لم يستدمه، و لو نزعه من رأسه، فعل حراما، و تجب الفدية إن قلنا انّه تغطية و إلاّ فلا.
و لو كان في مرّات متعدّدة، وجب لكلّ ثوب دم من غير تداخل مع تعدّد المجلس.
و لو اضطرّ إلى لبس الخفين و الجوربين لبسهما. قال الشيخ: و لا شيء عليه(2).
وجب عليه لكلّ واحد فدية.
ص: 65
وجب عليه عن كلّ لبسة فدية، سواء كفّر عن الأولى أو لا.
لم يكن عليه شيء(1)، و المكره لا فدية عليه أيضا.
و كذا لو ظلّل على نفسه حال سيره. و لو فعلهما للحاجة أو الضرورة، وجبت الفدية، و لا شيء على الناسي و الجاهل و المكره إذا أزاله بعد زوال الأعذار.
و فيه اثنا عشر بحثا:
سواء كان لأذى أو لغيره، و لو فعله ناسيا، لم يكن عليه شيء؛ و كذا النائم لو قلع شعره أو قرّبه إلى النار فأحرقه، أمّا الجاهل، فأوجب الشيخ عليه الفدية(2). و عندي فيه نظر.
لكلّ مسكين نصف صاع. و قيل: عشرة، لكلّ مسكين مدّ(3). و يتخيّر المكفّر بين الثلاثة، سواء كان لعذر أو غيره.
ص: 66
و تجب الفدية بما يطلق عليه اسم حلق الرأس.
و ان اختلفت مقاديرهما، فلو نتف إبطيه جميعا، وجب عليه دم شاة، و لو نتف إبطا واحدا، وجب عليه إطعام ثلاثة مساكين، و لا يجب به الدم.
و لو مسّ رأسه أو لحيته فسقط منهما شيء من الشعر، أطعم كفّا من طعام، و لو فعله في وضوء الصلاة، لم يكن عليه شيء.
فجوّزه في الخلاف(1) و لا ضمان، و منعه في التهذيب(2).
و لو خلّل شعره فسقطت شعرة، فإن كانت ميتة فلا ضمان، و كذا لو شكّ ، و لو كانت ثابتة، وجبت الفدية.
و يتخيّر في التكفير(3)قبل الحلق و بعده.
و يدفعها إلى المساكين.
ص: 67
و تجب به الفدية مع العمد، ففي الظفر الواحد مدّ من طعام، و في الظفرين مدّين، و في الثلاثة ثلاثة أمداد، و كذا فيما زاد إلى العشرة فيجب بها دم، و لا شيء على الناسي و الجاهل.
وجب عليه ما يجب في جميعه، طال أو قصر.
فإن اتّحد المجلس، وجب دم واحد، و إن كان في مجلسين، وجب دمان.
وجب على المفتي دم شاة.
و فيه ستّة مباحث:
وجب عليه كفّ من طعام، سواء كان عمدا أو سهوا أو خطأ.
و في الصغيرة شاة، و في أبعاضها قيمة، و عندي نظر.
و يجب عليه التوبة، فإن جادل ثلاثا، وجب عليه دم شاة، و لو جادل مرّة كاذبا، وجب عليه دم شاة، فإن جادل مرّتين، وجب عليه بقرة،
ص: 68
فإن جادل ثلاثة فجزور، و لا شيء حال النسيان في الصدق و الكذب.
و يتحقّق الجدال بواحدة منهما لا بمجموع اللفظين.
و لا في لبس السلاح مع الخوف.
لزم كل واحد منهما دم(1).
و فيه سبعة مباحث:
اتّحد الوقت أو تكرّر، كفّر عن الأوّل أو لا، و لو اتّحد الفعل فأقسامه ثلاثة:
1 - إتلاف على وجه التعديل، كقتل الصيد، فانّه يعدل به، و يجب فيه مثله، و يختلف بالصغر و الكبر(2) فتتكرر الكفّارة بتكرره.
2 - إتلاف مضمون لا على وجه التعديل، كحلق الشعر و قلم الأظفار، فإن فعل أحدهما دفعة واحدة في وقت واحد، وجبت فدية واحدة، و إن فعل ذلك
ص: 69
في أوقات كأن يحلق بعض رأسه غدوة و بعضه عشية، وجبت فديتان.
3 - الاستمتاع باللباس و الطيب و القبلة، فإن فعله دفعة فكفّارة واحدة، و إلاّ تعدّدت، كفّر عن الأوّل أو لا.
لم يفسد حجّه، و لو صاد لزمه الضمان بخلاف غيره.
و إن تطيب أو لبس ناسيا، لم يكن عليه شيء، و إن كان عامدا فإن قلنا: عمده و خطاؤه واحد فكذلك، و إلاّ وجبت الكفّارة، و قد تردد الشيخ(1). و مع وجوبها هل يجب في ماله أو على الوليّ؟ إشكال.
و لو جامع بشهوة فإن قلنا: انّ عمده عمد فسد حجّه إن كان قبل الوقوف، و إلاّ فبدنة(2) على الولي أو في ماله على التردد. و إن قلنا: انّه خطاء لم يكن عليه شيء.
و مع القول بإفساد الحجّ ففي وجوب القضاء وجهان، أقربهما السقوط، و مع القول بوجوبه ففي إجزائه حال صغره تردّد.
و إذا أوجبنا عليه القضاء لو قضى حال البلوغ فهل يجزئه عن حجّة الإسلام ؟ الوجه التفصيل، و هو أن يقال: إن كانت الحجّة الّتي أفسدها لو صحّت أجزأته - بأن يكون قد بلغ قبل مضيّ وقت الوقوف - أجزأه القضاء، و إلاّ فلا.
ص: 70
لم يصر محرما بإحرام غيره عنه.
فإن كانت قد طافت هي فليس عليهما شيء، و إن كانت لم تطف، فقد روى معاوية بن عمار في الحسن عن الصادق عليه السّلام: انّ على الرجل دما يهرقه عنها(1).
ص: 72
و فيه فصول
و فيه أربعة و عشرون بحثا:
و الصدّ بالعدوّ.
و لا طريق سواه، أو كان لكن قصرت نفقته عنها، تحلّل سواء كان الإحرام للحجّ أو العمرة.
وجب عليه سلوكها، و لم يجز له التحلّل، سواء بعدت أو قربت، خاف الفوات أو لا، لأنّه انّما يجوز التحلّل بالصدّ لا بخوف الفوات، و هو غير مصدود عن الأبعد، فيسلكه و يمضي في إحرامه، فإن كان محرما بعمرة لم يفت، و إن كان بحجّ ،
ص: 73
صبر حتّى يتحقق الفوات، ثمّ يتحلّل بعمرة، فليس له التحلّل و الإتيان بالعمرة بمجرّد خوف الفوات.
فإذا مضى على تلك الطريق و أدرك الحجّ أتمّه، و إن فاته تحلّل بعمرة، و لو قصرت نفقته، جاز له التحلّل، و كذا لو لم يكن طريق سوى موضع الصدّ، فانّه يحلّ و يرجع إلى بلده.
و لو نوى التحلّل قبل الهدي لم يتحلّل، و كان على إحرامه حتّى ينحر الهدي، و لا فدية عليه في نيّة التحلّل، فإن فعل شيئا من المحظورات قبل الهدي، فعليه الفداء.
فلو عجز عنه و عن ثمنه، لم ينتقل إلى غيره، و بقي على إحرامه، و لو تحلّل لم يحلّ .
فيه تردّد مع قرب الوجوب.
و قوّاه ابن إدريس(1) و الأقرب الأوّل.
قولان: أحدهما الإجزاء، و هو الأقرب.
بل يجوز
ص: 74
نحره موضع الصدّ، سواء كان حلاّ أو حرما، و لو قدر على الحرم، ففي وجوب البعث إليه تردّد.
بل متى صدّ جاز الذبح في الحال و الإحلال.
و كذا لو صدّ عن الوقوف بالموقفين. قال الشيخ: و كذا لو منع من إحدى الموقفين(1). أمّا لو منع عن رمي الحجار و المبيت بمنى، لم يكن مصدودا، و تمّ (2)حجّه فيتحلّل و يستنيب من يرمي عنه.
و لو منع بعد الموقفين قبل طواف الزيارة و السعي، كان له أن يتحلّل و أن يبقى على إحرامه، فإن بقي و لحق أيّام منى، رمى و حلق و ذبح، و إلاّ أمر من ينوب عنه، فإذا تمكّن، رجع إلى مكّة فطاف طواف الحجّ و سعيه، و قد تمّ حجّه و لا قضاء، و إن تحلّل كان عليه الحجّ من قابل.
و لو تمكّن من البيت(3) و صدّ عن الموقفين أو أحدهما، جاز له التحلّل و البقاء، فإن أقام على إحرامه حتّى فاته الوقوف، فاته الحجّ ، و تحلّل بعمرة، و لا دم عليه لفوات الحجّ ، و هل يجوز له أن يفسخ نيّة الحجّ و يجعل عمرة قبل الفوات ؟ فيه إشكال.
و لو طاف و سعى للقدوم، ثم صدّ حتى فاته الحجّ ، طاف و سعى ثانيا لعمرة
ص: 75
أخرى، و لا يجتزئ بالطواف الأوّل و سعيه، لأنّه لم يقصد به طواف العمرة و لا سعيها، و يجتزئ بالإحرام الأوّل.
وجب عليه القضاء في العام القابل إن كان الفائت واجبا، و إلاّ فلا، و كذا العمرة.
2497. الثالث عشر: لا فرق بين الصدّ العامّ و الخاص(1)،
و لو حبس بدين، و هو قادر على أدائه، لم يكن مصدودا، و لم يجز له التحلّل، و لو كان عاجزا عنه، تحلّل و كان مصدودا. و كذا يتحلّل لو حبس ظلما.
و لو كان عليه دين يحلّ قبل قدوم الحاجّ ، فقدم الحاجّ فمنعه صاحب الدين من الحجّ ، كان له التحلّل.
كان للمولى أو الزوج منعهما من إتمام الحجّ ، و لا دم عليهما.
فإذا أخّر و زال العذر قبل تحلّله، وجب عليه المضيّ في إتمام نسكه، و لو خشي الفوات لم يتحلّل و صبر، حتّى يتحقّق ثمّ يتحلّل بعمرة، و لو صابر ففات الحجّ ، لم يكن له أن يتحلّل بالهدي، و وجب عليه أن يتحلّل بعمرة، و عليه القضاء إن كان واجبا و إلاّ فلا.
و لو فات الحجّ ثمّ زال الصدّ بعده، فعليه أن يتحلّل بعمرة و لا دم
ص: 76
عليه لفوات الحجّ .
جاز له التحلّل (و يجب عليه دم التحلّل)(1) و يستحبّ البقاء على الإحرام، فإن انكشف العدوّ أتمّ ، و لو اتّفق الفوات أحلّ بعمرة.
جاز له التحلّل، و وجب عليه دم التحلّل و بدنة للإفساد و القضاء.
فإذا شرط أن يحلّ متى مرض أو ضاعت نفقته أو نفدت أو منعه ظالم أو غير ذلك من الموانع، فانّه يحلّ متى وجد ذلك إجماعا.
و هل يسقط الهدي ؟ قال الشيخ: لا(2)، و قال المرتضى: «يسقط»(3). و لا تأثير للشرط في سقوط الحجّ من قابل مع وجوبه.
مثل أن يقول: إن مرضت أو فنى مالي، أو ضاق عليّ الوقت، أو منعني العدوّ، و لو قال: أن تحلّني حيث شئت، فليس له ذلك.
و لو قال: أنا أرفض إحرامي و أحلّ ، فلبس الثياب و ذبح الصيد، و عمل ما يعمل الحلال من غير صدّ أو حصر أو إتمام، لم يحلّ ، و وجبت عليه عن
ص: 77
كلّ فعل كفّارة، و ليس عليه لرفضه للإحرام شيء.
إلاّ ان يدعو الإمام أو من نصبه إلى قتالهم، و يجوز من غير دعاء، و إن كانوا مشركين، لم يجب قتالهم.
قال الشيخ: و لا يجوز أيضا، سواء كانوا قليلين أو كثيرين، أو المسلمون أقلّ أو أكثر(1)، مع أنّه قال: في جانب المسلمين: الأولى ترك قتالهم(2)، و هو مشعر بجوازه.
و الأولى استحبابه مع الظنّ بالظفر.
جاز و عليه الفدية. و لو قتلوا أنفسا أو أتلفوا أموالا، فلا ضمان.
فإن كان هناك صيد فقتله الحاجّ ، فإن كان لأهل الحرب، ففيه الجزاء دون القيمة، و إن كان لمسلم أو لا لمالك، كان فيه الجزاء و القيمة.
جاز الانصراف، و إلاّ وجب السلوك، و لو طلب العدوّ مالا على بذل الطريق و هم غير مأمونين، لم يجب قطعا.
و إن كانوا ممّن يوثق بقولهم، فإن كان المال كثيرا، كره بذله، و إن كان
ص: 78
قليلا، قال الشيخ: لا يجب بذله و جاز التحلل(1).
فإن كان حجّا، لم يجب عليه عمرة بل الحجّ ، و كذا بالعكس.
و فيه ثمانية مباحث:
فمتى منع الحاج، بعث هديه مع أصحابه ليذبحوه عنه في موضع الذبح، فإن كان قد ساق هديا، بعث ما ساقه، و إلاّ بعث هديا أو ثمنه.
و لا يحلّ حتّى يبلغ الهدي محلّه، و هو منى إن كان حاجّا، و مكّة إن كان معتمرا، فإذا بلغ الهدي محلّه، قصّر من شعر رأسه، و أحلّ من كل شيء إلاّ من النساء إلى أن يطوف للنساء في القابل إن كان واجبا، أو يأمر من يطوف عنه إن كان الحجّ ندبا، فتحلّ له النساء حينئذ.
2510. الثاني: لو وجد المحصور من نفسه خفّة بعد أن يبعث هديه، و أمكنه المسير إلى مكّة، فليلحق(2) بأصحابه،
فإن أدرك أحد الموقفين في وقته، فقد
ص: 79
أدرك الحجّ ، و ليس عليه الحجّ من قابل، و إن لم يدركهما، فاته الحجّ ، و قضاه.
و واعد أصحابه ليشتروه و يذبحوه يوم المواعدة، و يبقى على إحرامه إلى ذلك اليوم، فيقصّر و يحلّ من كلّ شيء إلاّ النساء، فلو ردّوا عليه الثمن، و لم يكونوا وجدوا الهدي، أو وجدوه و لم يشتروه، و لا ذبحوه عنه، لم يبطل تحلّله، و وجب عليه أن يبعث به في العام المقبل، ليذبح عنه في موضع الذبح، قال الشيخ: و يجب عليه أن يمسك عمّا يمسك عنه المحرم إلى أن يذبح عنه(1). و منع ابن إدريس ذلك كل المنع(2).
قال الشيخ: و من بعث بهدي تطوعا من أفق من الآفاق، فليواعد أصحابه يوما بعينه بإشعاره و تقليده و ذبحه، ثم ليجتنب ما يجتنبه المحرم من النساء و الثياب و الطيب و غيرها يوم المواعدة، إلاّ أنّه لا يلبّي(3)، فإن فعل شيئا ممّا يحرم عليه، كانت عليه الكفارة، كما يجب على المحرم سواء، فإذا كان يوم المواعدة بالذبح، أحلّ (4) و منع ابن إدريس ذلك(5).
و يقضيان الحجّ و العمرة مع وجوبهما، و إلاّ نفلا.
و لو كان المحصور قد أحرم بالحجّ قارنا، لم يكن له أن يحجّ في القابل إلاّ
ص: 80
كذلك. و جوّزه ابن إدريس(1). و الأقرب الإتيان بما هو واجب عليه، و إن كان نفلا أحرم بأيّهما شاء،(2) و إن كان الأفضل الإتيان بمثل ما خرج عنه.
و أوجب ابنا بابويه(3) و ابن إدريس(4) هديا آخر للإحصار.
جاز له أن يحلّ وقت بلوغ الهدي محلّه، و هو يوم العيد، إلاّ من النساء من دون إنفاذ هدي و لا ثمنه، إلاّ أن يكون ساقه و أشعره أو قلّده.
كما دخل في الإحرام بنيّته(5).
و فيه عشرة أبحاث:
فإذا فات الحجّ ، تحلّل بطواف و سعي و حلق، و هو عمرة مفردة، و يسقط عنه بقيّة أفعال الحجّ من الرمي و المبيت، و لا يمضي في حجّ فائت، و لا بدّ من نيّة الاعتمار.
ص: 81
و ليس بفرض.
و نقل الشيخ عن بعض أصحابنا الوجوب(1).
و لو كان قد ساق هديا، نحره بمكّة لتعيّنه للإهداء، و مع القول بالوجوب لو لم يسق لا يجوز تأخيره إلى القابل، فلو أخّره عصى، فإذا قضى وجب عليه ذبحه، و لا يجزئه عن هدي القضاء.
و لا تجزئه عمرة التحلّل، و إن لم يكن واجبا، لم يجب القضاء، و لو كان حجّة الإسلام، وجب القضاء على الفور.
تمتّعا أو قرانا أو إفرادا.
إن كانت الفائتة حجّة الإسلام.
لم يجز له و وجب عليه التحلّل بالعمرة.
ص: 82
بخلاف دم التمتع.
ص: 84
و فيه فصول
و فيه ستة عشر بحثا:
و ليس للزوج منعها عن الواجب، كحجّة الإسلام، و النذر و شبهه، و ما وجب بالإفساد، و له منعها عن التطوع إجماعا.
و لو أذن لها فيه، جاز له الرجوع، ما لم تتلبّس بالإحرام، فلو تلبّست بعد رجوعه، جاز له أن يحلّلها، و هل يلزمها الهدي كالمحصور، الوجه عدمه، و لو تلبّست بإذنه، لم يكن له الرجوع في الإذن: و لو تلبّست من غير إذنه في التطوع، جاز له أن يحلّلها.
ص: 85
جاز له منعها من الخروج إليها و التلبّس بها، فلو أحرمت بغير إذنه و الحال هذه، ففي جواز تحليلها تردّد.
و لو كان بإذنه لزم، و كان كحجّة الإسلام.
فلو خرجت منها أو كانت الطلقة بائنة، كان أمرها بيدها.
و كذا لو حجّت بغير إذن الزوج في الواجب، أو بإذنه في التطوّع.
و لو أفسدت حجّها بأن مكّنت زوجها من وطئها مختارة قبل الوقوف بالمشعر، لزمها القضاء و الكفّارة في مالها، و كذا ما زاد على نفقة الحضر، و لو خرجت في التطوّع بغير إذنه، كانت النفقة أجمع عليها.
و لا يجوز لها تأخير الإحرام عن وقته لمكان الحيض، بل تحرم و إن كانت حائضا، و تحتشي و تتوضّأ و لا تصلّي.
و المستحاضة تفعل ما يلزمها من الأغسال إن وجبت عليها ثمّ تحرم عند الميقات، و النفساء كالحائض.
رجعت
ص: 86
مع المكنة و أحرمت منه، و لو عجزت أو ضاق الوقت، خرجت إلى أدنى الحلّ و أحرمت، و إن عجزت، أحرمت من موضعها.
و لو حاضت قبل الطواف، انتظرت الموقفين، فإن طهرت و تمكّنت من الطواف و السعي و التقصير و إنشاء الإحرام للحجّ و إدراك عرفة، صحّ لها التمتّع، و إلاّ بطلت متعتها و صارت حجّتها مفردة، و لا يجب عليها تجديد الإحرام و لا الدم.
و كلّ متمتّع خشي فوات الحجّ باشتغاله بالعمرة رفض العمرة، و صارت حجّته مفردة.
فإن كانت قد طافت أربعة أشواط، قطعته، وسعت و قصّرت ثمّ أحرمت بالحجّ ، و صحّت متعتها، فإذا فرغت من المناسك و طهرت، تمّمت الطواف، و منع ابن إدريس من ذلك(1).
و لو طافت أقلّ من أربعة، كان حكمها حكم من لم يطف عند الشيخ(2).
و قال ابن بابويه: لو حاضت بعد الثلاثة أو أقل جاز البناء، و صحّت متعته(3)، و به رواية صحيحة(4).
ص: 87
و لو حاضت بعد الطواف قبل الصلاة، سعت و قضتها بعد المناسك، و ليس عليها إعادة الطواف.
أقامت بمكّة حتّى تطهر وجوبا، و تطوف، و كذا لو كان قبل طواف النساء، و لو كانت قد طافت من طواف النساء أربعة أشواط، جاز لها الخروج من مكّة.
و لا يجوز لها دخوله.
و منعه ابن إدريس(1).
و لو عجزت طاف عنها وليّها، و يحرم عنها وليّها إذا لم تعقل عند الإحرام، و لو كان على الحجر زحام، جاز لها ترك الاستلام.
و يكره لها دخول الكعبة.
وجب عليها العدّة، فإن ضاق الوقت، خرجت لقضاء الحجّ ثمّ عادت فأتمّت العدّة إن بقي عليها شيء، و إن كان الوقت متّسعا، أو كانت محرمة بعمرة، فإنّها تقيم و تقضي عدّتها، ثم تحجّ و تعتمر؛ قاله الشيخ(2). و الوجه التفصيل، فإن كانت
ص: 88
حجّة الإسلام مضت فيها في أيّام العدّة(1).
و إن كان تطوّعا.
و فيه خمسة مباحث:
و كذا المكاتب و المدبّر و أمّ الولد و من انعتق بعضه، و مع الإذن لا يجزئه عن حجّة الإسلام لو انعتق ما لم يدركه العتق قبل أحد الموقفين.
و الزوجة المملوكة ليس لها أن تخرج للحجّ إلاّ بإذن مولاها و زوجها معا، فلو كره أحدهما وجب الامتناع، و لو انعتق بعضه و هاياه مولاه، قال الشيخ:
يمكن القول بانعقاد إحرامه فيها و صحّة حجّه بغير إذن سيّده(2).
و كذا الصبيّ ، فلو بلغ أو اعتق العبد فإن كان بعد فوات الموقفين، أتمّا حجّهما و لم يجزئهما عن حجّة الإسلام، و إن كملا قبل الموقفين أجزأهما عن حجّة الإسلام، و لا يحتاج الصبيّ إلى تجديد إحرام.
ص: 89
و ان كان البلوغ و العتق بعد الوقوف و قبل فوات وقته بأن كملا قبل فجر النحر، رجعا إلى عرفات و المشعر إن أمكنهما، و إلاّ أجزأهما المشعر.
ثمّ كلّ موضع يجزئهما عن حجّة الإسلام، فانّه يلزمهما الدم إذا كانا متمتعين، و إلاّ فلا.
فلو مرّ الكافر على الميقات مريدا للنسك و أحرم منه، لم يصحّ إحرامه، و لو مات على كفره فلا حكم له.
و لو أسلم بعد مضيّ زمان الوقوف، سقط في تلك السنة، و إلاّ وجب مع المكنة.
فإن كان قد أتى بأركان الحجّ و أفعاله، أجزأ عنه، و يستحبّ له إعادته حينئذ، و إن كان قد أخلّ بشيء من أركانه، وجب عليه الإعادة.
و المراد بالركن هنا ما يعتقد أهل الحقّ انّ الإخلال به مبطل للحجّ ، و كذا باقي العبادات إذا أوقعها على وجهها، لا يجب عليه قضاؤها سوى الزكاة، إلاّ أن يدفعها إلى أهل الحقّ .
و وجب عليه الإعادة، و إن كان محصّلا إتيانها على وجهها، فالوجه الإجزاء.
و الشيخ أطلق عدم الإجزاء(1). و الظاهر أنّ مراده التفصيل.
ص: 90
و فيه أربعة و ثلاثون بحثا:
أمّا التطوع فإن كان المستأجر صرورة جاز أن يستنيب، و كذا إن كان غير صرورة مع العجز عن التطوّع و القدرة عليه.
2549. الثاني: لو عجز عن أداء الحجّ (1) الواجب بنفسه، و أمكنه إقامة غيره ليحجّ عنه،
ففي وجوب الاستنابة قولان تقدّما، و لو لم يجد مالا يقيم به غيره، سقط إجماعا، و كذا لو وجد مالا (يقيم به غيره)(2) و لم يجد النائب.
و يقع حجّ النائب عن المستأجر لا الأجير.
و الأقرب اشتراط العدالة.
و يجوز أن يحجّ الرجل عن مثله و عن المرأة، و المرأة عن مثلها و عن الرجل، سواء كانت المرأة أجنبيّة أو من أقارب الرجل، و سواء أخذت أجرة أو لا، و سواء كانت صرورة أو لم تكن.
ص: 91
و منع الشيخ في كتابي الأخبار من نيابة المرأة الصرورة(1) و ليس بمعتمد.
و فاقد الاستطاعة يجوز أن يحجّ عن غيره و إن لم يحجّ حجّة الإسلام، سواء تمكّن من الحجّ من غير استطاعة أو لم يتمكّن و يستحق (الأجير)(2) الأجرة.
جاز له ذلك، و يقع عن التطوع(3) و لو نوى حجّا منذورا عليه صحّ عن النذر(4) و لا يقع عن حجّة الإسلام.
و لو أحرم بحجّة التطوع، و عليه منذورة، فإن تعلّق النذر بزمان معيّن لم يجز إيقاع التطوّع فيه، فإن أوقعه بنيّة التطوع بطل و لم يجزئ عن المنذورة، و إن لم يتعلّق بزمان معيّن لم يقع عن المنذورة، و هل يقع تطوّعا فيه إشكال.
و يستحبّ له أن يذكره لفظا في الأفعال كلّها، و كذا من طاف عن غيره يستحبّ أن يذكره عند الطواف.
سواء كان الحجّ فرضا أو نفلا، و يجوز عن الميّت مطلقا.
فإن كان بعد الإحرام و دخول الحرم، أجزأ عن المنوب عنه، و إن كان قبل ذلك لم يجزئ، و اجتزأ في الخلاف بالإحرام خاصّة(1). و هو اختيار ابن إدريس(2). و الأوّل أقوى. و لا يجب على الورثة ردّ شيء من الأجرة.
و لو مات قبل دخول الحرم فللشيخ قولان: أحدهما: انّه تستعاد منه الأجرة بكمالها. و الثاني: يستحقّ من الأجرة بقدر ما عمل، و يستعاد الباقي(3). و اختاره ابن إدريس ثمّ رجع عنه إلى الأوّل(4).
قال الشيخان: عليه ممّا أخذ بقدر نصيب ما بقي من الطريق الّتي يؤدّى فيها الحجّ . إلاّ أن يضمن العود لأداء ما وجب(5). و الأقوى عندي الرجوع بالمتخلّف إن وقعت الإجارة على تلك السنة، و لا يجب على المستأجر الإجابة في قضاء الحجّ ثانيا، و إن
ص: 93
وقعت مطلقة، وجب عليه الإتيان بالمتخلّف بها مرّة ثانية، و ليس للمستأجر فسخ الإجارة، و كانت الأجرة بكمالها للأجير.
قال الشيخ: إذا أحصر الأجير تحلّل بالهدي و لا قضاء عليه، أمّا المستأجر فإن تطوّع فكذلك، و إلاّ وجب أن يستأجر مرّة ثانية. و يلزم الأجير ردّ باقي الأجرة أو يضمن الحجّ ثانيا(1).
و يظهر من كلام الشيخ وقوعه من المحصر(2). و الدم على الأجير، و لو أقام محرما حتّى فات الحجّ تحلّل بعمرة، و لا يستحقّ الأجرة على ما فعله من وقت الوقوف إلى التحلّل.
قال الشيخ: وجب قضاؤها عن نفسه، و كانت الحجّة باقية عليه، ثمّ إن كانت الحجّة معيّنة، انفسخت الإجارة(3) و لزم المستأجر الاستيجار ثانيا، و إن كانت مطلقة، لم ينفسخ، و على الأجير أن يأتي بحجّة أخرى في المستقبل عن المستأجر بعد أن يقضي الحجّة الّتي أفسدها عن نفسه، و ليس للمستأجر فسخ الإجارة عليه، و الحجة الّتي أفسدها انقلبت عن المستأجر إليه و صار محرما بحجّة عن نفسه فاسدة، فعليه قضاؤها عن نفسه في العام الثاني، ثم يحج عن المستأجر في الثالث(4).
و نحن نقول: إن كانت الفاسدة حجّة الإسلام، و الثانية عقوبة، برئت ذمّة
ص: 94
المستأجر بإكمالها، و القضاء في القابل عقوبة على الأجير، و لا تنفسخ الإجارة، و إن قلنا،: الأولى فاسدة، و الثانية قضاء، لزم النائب الجميع، و لا يجزئ عن المستأجر، و يستعيد الأجرة إن تعلّقت بزمان معيّن، و إلاّ وجب على الأجير الحجّ عن المستأجر بعد حجّة القضاء، و لو قيل بأنّ حجّة القضاء مجزئة كان وجها.
كانت الكفّارة عليه في ماله.
و يستحقّ به الأجرة، لا ردّها. و يقع الحجّ عن المستأجر، و يسقط به الفرض، سواء كان حيّا، أو ميّتا استأجر عنه وليّه.
سواء كان للبلد ميقات واحد أو ميقاتان، و لو شرط عليه أن يحرم من قبل الميقات، لم يلزمه ذلك، و لو عيّن له دون الميقات لم يصحّ .
و لو كان المستأجر وجب عليه بنذر الإحرام قبل الميقات، ثمّ عجز و استأجر، فالوجه وجوب الاستنابة على هذه الهيئة، فلو أخّره الأجير مع الشرط رجع و أحرم إن تمكّن، و إلاّ من حيث المكنة.
استحقّ الأجرة، و هي رواية صحيحة عن حريز عن الصادق عليه السّلام(1)و لو تعلّق بالمسافة المعيّنة غرض مقصود، و شرطه المستأجر، فعدل عنها،
ص: 95
صحّ الحجّ ، و برئت ذمّتها منه، و رجع المستأجر بنسبة التفاوت من الطريق.
و قال الشيخ: لا يرجع(1)، و فيه نظر.
اختاره علي بن رئاب(2) و قال الشيخ: إذا استأجره للقران، فتمتع، أجزأه، و إن أفرد لم يجزئه، و إن استأجره للتمتّع فقرن أو أفرد لم يجزئه، و إن استأجره للإفراد فتمتّع أو قرن أجزأه(3).
و المختار انّه إن كان الحجّ واجبا، فلا بدّ من تعيينه عليه، فيجب على الأجير متابعته، و إن كان تطوّعا، و علم من قصد المستأجر الإتيان بالأفضل، جاز العدول إلى الأفضل و إن لم يصرّح به في العقد، فعلى قول الشيخ لو استأجره لغير التمتّع فتمتّع استحقّ الأجرة، و على المختار، إن علم منه التخيير، استحقّ الأجرة بأيّ الأنواع أتى، و إن لم يعلم، وقع الحجّ عن المستأجر، و في استحقاق الأجرة إشكال.
و لو استأجره للقران فقرن كان هدي السياق على الأجير، و لو شرطه على المستأجر جاز.
ص: 96
فإن كان قد خرج إلى ميقات العراق و أحرم و فعل باقي المناسك، صحّ حجّه، و إن أحرم من مكّة، فإن كان لعدم تمكّنه من الرجوع إلى الميقات، صحّ حجّه، و لا دم عليه، و إن تمكّن لم يجزئه؛ قاله الشيخ(1).
و الوجه عندي إجزاء الحجّ مطلقا، و ردّ التفاوت إن عيّن له الميقات، و إلاّ فلا.
و في ردّ التفاوت إشكال بين أن يقال: حجّة من العراق، أحرم بها من الميقات و حجّة من العراق، أحرم بها من مكّة، و يؤخذ بنسبة التفاوت، أو يقال:
حجّة من العراق، و حجّة من مكّة، و الأوّل أقوى.
تعيّن على الأجير إيقاعها مباشرة، و إن كانت مطلقة، كأن يستأجره ليحصل له حجّة، و يقصد النيابة مطلقا، فيجوز للأجير الاستنابة، و لو أمره بالاستيجار لم يكن له أن يحجّ عنه بنفسه.
و إلاّ بطلت، سواء وقع العقد في أشهر الحجّ أو في غير أشهره، إمّا مع الحاجة إلى التقدّم بالشروع أو بدونها، فإن فعل الأجير في السّنة المعيّنة برئت ذمّته، و إلاّ بطلت الإجارة.
و لو لم يعيّن بأن يقول: استأجرتك لتحجّ عنّي من غير تعيين الوقت، فانّه
ص: 97
يصحّ ، و يقتضي التعجيل، و لو أخّرها الأجير لم تنفسخ الإجارة، و ليس للمستأجر الفسخ، سواء قبض مال الإجارة أو لا، و سواء كان المستأجر حيّا معضوبا،(1) أو وصيّ ميّت، و يجب عليه الإتيان بالحجّ في أوّل أوقات الإمكان، و لو عيّن له سنة بعد سنة الإجارة، بأن يستأجره ليحجّ عنه في العام الثاني أو الثالث صحّ .
لم يكن له أن يؤجر نفسه لغيره تلك السنّة بعينها، و إن أطلق الأوّل، فإن استأجره الثاني للسّنة الأولى، فالأقرب عدم الصحة، و إن استأجره للثانية أو مطلقا جاز، و إن استأجره الأوّل للثانية، جاز للثاني استيجاره للأولى، و مطلقا.
و الشيخ رحمه اللّه قال: إذا أخذ الأجير حجة عن غيره لم يكن له أن يأخذ أخرى حتّى يقضي الّتي أخذها(2). فإن أراد ما ذكرناه من التفصيل فهو جيّد، و إلاّ فهو ممنوع.
و يجوز للغائب و للحاضر غير المتمكّن كالمبطون و المغمى عليه.
و ليس بلازم، و كذا يستحبّ للمستأجر أن يتمّمه للأجير لو أعوزته الأجرة(3).
فلو
ص: 98
قال: حجّ عنّي بنفقتك، بطلت الإجارة، و كذا: حجّ عنّي بما شئت، و يجب أجرة المثل إن حجّ ، و صحّت الحجّة عن المستأجر، و لو قال: أوّل من يحجّ عنّي، فله مائة، كانت جعالة صحيحة.
و لو قال: حجّ عنّي أو اعتمر بمائة، قال الشيخ: كان صحيحا، فمتى حجّ أو اعتمر استحق المائة(1) و نحن نقول: إن كان جعالة صحّ ، و إن كان إجارة بطل، و لو قال: من حجّ عنّي فله عبد أو دينار أو عشرة دراهم، صحّ جعالة لا أجرة.
لم يصحّ إحرامه عنهما، و لا عن واحد منهما، و لا عن نفسه، و لو قيل: إن كان الحجّ ندبا صحّ عنهما، كان وجها.
قال الشيخ: لا ينعقد إحرامه عنهما و لا عن واحد منهما(2).
انصرف الزمان إلى حجّ النيابة دون حجّة الإسلام، فلو أحرم عن نفسه لم يقع عنها، و الوجه عدم وقوعه عن المستأجر، و لو استأجره، مطلقا فانّه يجوز الحجّ عن نفسه على إشكال.
ثمّ نقل الحجّ إلى نفسه، لم يصحّ ، فإذا أتمّ الحجّ استحق الأجرة.
ص: 99
قال الشيخ: لا يقع عن المستأجر، سواء كان حيّا أو ميّتا، و لا يستحقّ أجرة(1)، و الوجه عندي وقوع ما فعله عن المستأجر، و لا يستحقّ أجرة.
و يبقى المستأجر على ما كان عليه، إن كان الحجّ واجبا، وجبت الاستنابة، و إلاّ فلا، و لو فاته الموقفان بتفريط، لزمه التحلّل بعمرة لنفسه، و يعيد الأجرة إن كان الزمان معيّنا، و إن كان بغير تفريط، قال الشيخ: يستحق أجرة المثل إلى حين الفوات(2).
و لو قيل: له من الأجرة بنسبة ما فعله من أفعال الحجّ و يستعاد الباقي، كان وجها.
و لو أفسد الحجّ ، وجب القضاء، و لو أفسد القضاء، وجب آخر.
وجب عليه حجّة الإسلام عن نفسه إذا كان صرورة، و لم يجزئه ما فعله عن غيره.
جاز له أن ينوب عن غيره في الآخر، و يفعل هو ما وجب عليه عن نفسه، و لا يجب عليه ردّ شيء من الأجرة، و كذا لو لم يجب عليه أحدهما، جاز أن يؤجر نفسه عن شخصين لأدائهما في عامّ واحد.
ص: 100
و فيه اثنان و عشرون بحثا:
وجب أن يخرج عنه من يحجّ عنه من صلب ماله، و لا يسقط بالموت، و كذا البحث في العمرة.
و هل يجب أن يحجّ عنه من بلده أو من الميقات، سواء كثرت التركة أو قلّت ؟ الوجه عندي الثاني، و هو اختيار الشيخ في الخلاف(1) و المبسوط(2)، و في النهاية الأوّل(3)، و لو قصرت التركة حجّ عنه عن الميقات؛ و هو اختيار ابن إدريس(4).
و لو كان عليه دين، فإن نهضت التركة بهما، صرف فيهما ما يقوم بهما، و الفاضل يكون ميراثا، و إن قصرت التركة، قسّمت على أجرة المثل للحجّ من الميقات، و على الدين بالحصص، و لو قصرت عن ذلك، صرفت
ص: 101
في الدين و إن لم يقصر المجموع.
أخرجتا معا من صلب المال، و للشيخ قول غير معتمد(1).
و لو عيّن الموضع الذي ينشئ منه السفر للحجّ تعيّن، و قضى عنه منه، و مع ضيق التركة، من أقرب الأماكن.
فالأقرب صرفها إلى حجّة الإسلام، و إذا صرفت إلى حجّة الإسلام، فالأقرب عدم وجوب قضاء النذر على الوليّ ، لكن يستحبّ .
قال الشيخ: إن كان قبل بلوغ الحرم، وجب على وليّه القضاء عنه من تركته، و إن كان بعد دخول الحرم أجزأه(2).
و الأقرب توجّه الوجوب على من استقرّ الحجّ في ذمّته و فرّط في أدائه، فانّه يقضى عنه من التركة إذا لم يدخل الحرم، أمّا من لم يجب عليه إلاّ في عامه الّذي مات فيه، فانّه لا يقضى عنه.
و لو تبرّع الابن أو غيره بالحجّ عن الميّت، برئت ذمة الميّت من حجّة
ص: 102
الإسلام، و إذا حجّ عن غيره، وصل ثواب الحجّ إلى ذلك الغير من غير أن ينقص من ثواب الحاجّ شيء.
2588. السابع: من وجب عليه الحجّ ، و فرّط فيه، ثمّ عجز عنه بنفسه و نيابته(1)،
وجب أن يوصي به، و لو لم يكن حجّ واجب و وصّى أن يحجّ تطوّعا، صحّت الوصيّة، و أخرجت من ثلث المال.
و لو أوصى بحجّة الإسلام و لم يعيّن قدر الأجرة، انصرف إلى أجرة المثل من صلب المال، و لو عيّنه أخرج أجرة المثل من الأصل و الزائد من الثلث. و لو قصّر المعيّن عن أجرة المثل، وجب على الورثة الإتمام من التركة.
و لو مات و لا شيء له سوى ما يحجّ به عنه، صرف في الحجّ و لا ميراث.
فإن كان الجميع واجبا، أخرج من صلب المال، و إن لم يف قسّم بالحصص و يبدأ بالحجّ ، و إن كان الجميع غير واجب أخرج من الثلث، فإن و فى الثلث عمل بوصيّته و إلاّ بدأ بالأوّل فالأوّل، و لو كان البعض واجبا، أخرج من أصل المال و الباقي من الثلث.
فإن لم يعلم منه إرادة التكرار، حجّ عنه مرّة واحدة، و إن علم منه قصد التكرار، حجّ عنه مرّات بقدر الثلث، و الشيخ أطلق الحجّ عنه بقدر الثلث(2) و الوجه ما قلناه.
ص: 103
جاز أن يقطع أجرة الحجّ ، و يدفع إلى الورثة ما بقي.
جمع نصيب سنتين فما زاد لسنة واحدة.
حجّ عنه بأقلّ ما يوجد من يحجّ عنه من الميقات، و إن عيّنهما معا، أعطي المعيّن أجرة المثل من الأصل و الزائد من الثلث، فإن رضى المعيّن، و إلاّ استؤجر غيره بالمعيّن إن ساوى أجرة المثل أو كان أقلّ ، و إن كان أكثر، فالوجه انّ الزيادة للوارث و لا شيء للمعيّن وارثا كان أو غيره، و إن عيّن الأجير، صرف إليه أقلّ ما يوجد من يحجّ عنه به، و لا يجوز العدول عنه مع الرضا، و إن لم يرض فهل يجب على الوارث دفع ما يرضى به حتّى يبلغ الثلث، أو حتّى يبلغ أجرة المثل أو يحجّ عنه غيره بأقلّ ما يوجد من يحجّ عنه ؟ الأقرب الثاني.
و إن عيّن الأجرة صرفه الوارث إلى من يختاره إن ساوى أجرة المثل أو كان أقلّ ، و إن كان أزيد أخرج مساوي أجرة المثل من صلب المال و الباقي من الثلث، و كذا البحث في التطوّع إلاّ أنّه يخرج من الثلث.
و لو أوصى أن يحجّ الواجب من الثلث و قصر، حجّ من الأصل، و إن أوصى بحجّ تطوّع أخرجت من الثلث فإن وسع ما عيّنه من موضعه حجّ عنه و إلاّ فمن بعض الطريق، و لو لم يتّسع الثلث للحجّ أصلا، صرف في وجوه البرّ، و قيل: يصير ميراثا و ليس بجيّد.
و لو خلّف ما لا يقوم بالحجّ الواجب من أقرب المواضع، فالوجه انّه
ص: 104
يكون ميراثا، و لو كان هناك دين صرف فيه.
فإن فعل الأجير ما شرط عليه، استحقّ الأجرة، و إن خالف، قال الشيخ:
يستحقّ أجرة المثل. و هو مشكل.
و يشترط في صحّة النذر و شبهه كمال العقل و الحرية، فلا ينعقد نذر الصبيّ و لا المجنون و لا من غلب على عقله بمرّة أو مسكر(1) أو ما شابه ذلك و لا العبد و المكاتب المطلق و إن تحرّر بعضه، و لا أمّ الولد و لا المدبّر، فلو نذر العبد كان لمولاه فسخ النذر، و لو أذن له مولاه في النذر، انعقد و وجب على المولى تمكينه من فعله و إعانته بالحمولة مع الحاجة.
و لو أذن لها الزوج في النذر صحّ و لزم و وجب على الزوج تمكينها من الحجّ و لا يجب عليه الإعانة بالمال، و ينعقد نذر المطلّقة بائنا و المتوفّى عنها زوجها.
و الأمة المزوّجة لا ينعقد نذرها إلاّ بإذن مولاها و زوجها.
فإن كان مطلقا استحبّ فعله في أوّل أوقات الإمكان، و إن كان معيّنا، وجب وقت تعيينه، فإن أهمل وجب القضاء و كفّارة خلف النذر، و إن فاته لعذر كمرض أو عدوّ(2)
ص: 105
و شبه ذلك، لم يلزمه في ما بعد.
فإن قصد بالنذر غير حجّة الإسلام، لم يتداخلا إجماعا، و إن قصد حجّة الإسلام تداخلا، و إن أطلق قال الشيخ: إن حجّ بنيّة النذر أجزأ عن حجّة الإسلام، و إن نوى حجّة الإسلام، وجب عليه الإتيان بالمنذورة(1)، و له قول آخر هو عدم الاكتفاء بواحدة منهما عن الأخرى(2)، و هو الوجه عندي.
و إذا احتاج إلى عبور بحر(3)، قام في السفينة استحبابا، و لو ركب طريقه اختيارا أعاد، و لو ركب بعضه، قال الشيخ: يقضي، فيمشي ما ركب و يركب ما يمشي(4). و قال ابن إدريس:
يقضي ماشيا(5) و هو جيّد.
و لو عجز ركب إجماعا، قال المفيد: و لا يسوق شيئا(6). و الشيخ أوجب سياق بدنة كفّارة عن ركوبه.(7) و قيل: إن نذر معينا، و ركب مختارا، قضاه، و كفّر لخلف النذر، و إن ركب للعجز لم يجبره بشيء، و إن نذر مطلقا، وجب القضاء ماشيا مع المكنة و لا كفّارة(8)، و هو حسن، و عندي في
ص: 106
إبطال الحجّ بالركوب مختارا إشكال.
و كذا يجب ما تعلّق به النذر من المرّة الواحدة أو التكرار، و لو نذر الحجّ و عليه حجّة الإسلام، قضاهما معا، و بدأ بحجّة الإسلام، و لو مات استوجر عنه من صلب المال.
و يجوز استيجار اثنين لأدائهما في عام واحد، و لو قصرت التركة استوجر لحجّة الإسلام، و استحب لوليّه قضاء النذر، و لو نذر الحجّ أو أفسده و هو مغصوب، قيل وجب ان يستنيب(1)، و فيه نظر.
و لو نذر أن يمشي إلى بيت اللّه الحرام انصرف إلى مكّة، و لو قال: إلى بيت اللّه و اقتصر، قيل: ينصرف إلى مكّة، و قيل: يبطل(2)، و لو قال: إلى بيت اللّه لا حاجا و لا معتمرا، فالأقرب بطلان النذر، و لو نذر إن رزق ولدا حجّ به أو حجّ عنه، ثم مات، حجّ بالولد أو عنه من صلب ماله.
و لو نذر أن يحجّ و لم يكن له مال فحجّ عن غيره، قيل: أجزأ عنهما(3)، و فيه نظر.
ص: 107
ص: 108
و فيه فصول
و فيه اثنا عشر بحثا:
على الفور على أهل مكّة و غيرهم.
فالأولى واجبة على القارن و المفرد، و الثانية على المتمتّع، و يجزئ الثانية عن الأولى.
فإن كان اعتماره في أشهر الحجّ ، جاز كنقلها إلى التمتّع، و إن كان في غيرها لم يجز.
و لو اعتمر في أشهر الحجّ للتمتّع، لم يجز له أن يخرج من مكّة حتّى يقضي مناسك الحجّ .
و يستحبّ في
ص: 109
كلّ عشرة أيّام مع القدرة، و قيل: لا يكره في كلّ يوم(1).
و أفضل ما يكون في رجب، و هي تلي الحجّ في الفضل، و لو أدرك إحرام العمرة في آخر أيّام رجب، فقد أدرك العمرة في رجب، و لا يكره إيقاعها في يوم عرفة و لا يوم النحر و لا أيّام التشريق.
فإن أحرم بعمرة التمتّع فضاق الوقت أو حاضت المرأة، جعله حجّة مفردة و مضى فيه، و إن أحرم بالحجّ مفردا ثمّ أراد التمتّع جاز له أن يتحلّل (بأن يطوف و يسعى و يقصّر للعمرة)(2) ثمّ ينشئ الإحرام بعد ذلك للحجّ ، فيصير متمتّعا، فأمّا ان يحرم بالحجّ قبل أن يفرغ من مناسك العمرة، أو بها قبل أن يفرغ من مناسكه، فإنّه لا يجوز على حال.
و لو قرن في إحرامه بين الحجّ و العمرة، قال الشيخ: انعقد بالحجّ خاصّة، فإن أتى بأفعال الحجّ لم يلزمه دم، و إن أراد أن يأتي بأفعال العمرة و يحلّ و يجعلها متعة، جاز و يلزمه الدم(3).
فلو أحرم بها في غيرها و فعل باقي أفعالها في أشهر الحجّ لم يكن متمتّعا، و لا يلزمه دم.
إذا
ص: 110
قصد مكّة، أمّا أهل مكّة أو من فرغ من الحجّ و أراد الاعتمار، فانّه يخرج إلى أدنى الحلّ ، و ينبغي أن يكون أحد المواقيت الّتي وقّتها النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم للعمرة المبتولة.
و يجب مرة بأصل الشرع، و قد يجب بالنذر و اليمين و العهد و الاستيجار و الإفساد و الفوات، فإنّ من فاته الحجّ بعد شروعه فيه، يجب عليه أن يتحلّل بعمرة، و يجب أيضا بالدخول إلى مكّة، إذ لا يجوز دخولها بغير إحرام إمّا بالعمرة أو بالحجّ (1) مع انتفاء العذر و عدم تكرار الدخول، و يتكرّر وجوبها بتكرّر السبب.
ثمّ يدخل مكّة فيطوف و يصلّي ركعتيه، ثمّ يسعى بين الصفا و المروة و يقصّر، ثمّ إن كانت عمرة التمتّع فقد أحلّ من كلّ شيء أحرم منه، و يجب عليه بعد ذلك الإتيان بالحجّ ، و إن كانت مبتولة، طاف بعد التقصير أو الحلق طواف النساء ليحللن له، و يصلّي ركعتيه.
و التمتّع بها يجب على من ليس من أهل مكّة و حاضريها، و المفردة على أهل مكّة و حاضريها، و لا تصحّ الأولى إلاّ في أشهر الحجّ ، و تسقط المفردة معها، و تصحّ الثانية في جميع أيّام السنة.
و لو دخل مكّة متمتّعا، لم يجز له الخروج حتّى يأتي بالحجّ ، و لو خرج بحيث لا يحتاج إلى استئناف إحرام جاز، و لو خرج فاستأنف عمرة، تمتّع بالأخيرة.
ص: 111
و يتحلّل من المفردة بالتقصير، و الحلق أفضل، و يحتاج في تحليل النساء إلى طواف النساء.
و طواف النساء واجب في المفردة بعد السعي على كلّ معتمر من رجل أو امرأة [أ] و خصيّ [أ] و خنثى [أ] و صبيّ (1).
و المتمتّع إذا فاتته عمرة المتعة، وجب أن يعتمر بعد الحجّ عمرة مفردة، و ينبغي له أن يعتمر إذا أمكن الموسى [من] رأسه، و إن أخّره إلى استقبال الشهر جاز.
2614. الحادي عشر: التقصير معيّن(2) في عمرة التمتع،
و الحلق في المفردة أفضل، و لا يجب في العمرة هدي، فلو ساق هديا، نحره قبل أن يحلق بفناء الكعبة بالموضع المعروف بالحزورة، و لو جامع قبل السعي، فسدت عمرته، و وجب عليه قضاؤها و التكفير ببدنة.
و ينبغي إذا أحرم المعتمر أن يذكر في دعائه انّه يحرم بالعمرة المفردة، و إذا دخل الحرم، قطع التلبية.
ص: 112
و فيه أربعة و ثلاثون بحثا:
ضيّق عليه في المطعم و المشرب حتّى يخرج فيقام عليه الحد.
و لو أحدث في الحرم قوبل فيه بجنايته.
و الأقرب انّ المنع غير محظور.
و مع الأخذ يعرّف سنة، فإن جاء صاحبها، و إلاّ تخيّر الآخذ بين احتفاظها لصاحبها أمانة، و بين الصدقة بها عن صاحبها، و في الضمان مع الصدقة قولان.
ثمّ يمضي إلى مكّة.
ص: 113
و لو تركوا زيارة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، قال الشيخ: يجبرهم الإمام عليها(1) و منعه ابن إدريس(2).
البيداء(3) و ذات الصلاصل(4) و ضجنان(5) و وادي الشقرة(6).
و إن لم ينو المقام عشرة أيّام، و لو قصّر لم يكن عليه شيء، و كذا في جامع الكوفة و الحائر، على ساكنه السّلام.
و الزائرين إذا لم يكن لهم مال.
و لو لم يكن له مال كره له الاستدانة.
و يكره ترك العزم.
ص: 114
فإن جاورها(1) أو كان من أهل مكّة كانت الصلاة له أفضل.
و المعلومات: أيّام التشريق.
2634. التاسع عشر: صرف المال في الحجّ المفروض أفضل من الصدقة به على أولاد(2) فاطمة عليها السّلام،
بل لو افتقر في الحجّ إلى ذلك المال، لم يجز صرفه في غيره.
و لا يتأكّد في حقهنّ كالرجال.
و يستحبّ لمن أدّى مناسكه الخروج منها.
أمّا ثياب الكعبة، فقد روى الشيخ: انّه ينبغي لمن تصل إليه أن
ص: 115
يتّخذها للمصاحف أو الصبيان أو المخدّة للبركة(1).
لم تجب عليه إعادته.
و لو وجب عليه الحجّ قدّم الختان عليه.
و لو أضعفه كان الركوب أفضل.
و يوم عرفة شريف يستحبّ فيه الغسل و صلاة مائة ركعة، و التعريف في الأمصار، و يستحبّ ان لا يقف فيه الإنسان إلاّ بوضوء.
ص: 116
وجب عليه الصوم، و إن ذبح عنه مولاه أجزأه، رواه معاوية بن عمار في الصحيح عن الصادق عليه السّلام(1).
روى السكوني عن الصادق عليه السّلام، عن أبيه، عن علي عليه السّلام: في الرجل يقول: عليّ بدنة. قال: «تجزئ عنه بقرة إلاّ أن يكون عنى بدنة من الإبل»(2). و هي ضعيفة السند، و يكره أن يطعم المشرك لحوم الأضاحي.
2649. الرابع و الثلاثون: روى زرارة عن الباقر عليه السّلام قال: من أقام بمكّة سنتين فهو من أهل مكّة لا متعة له(3).
و فيه اثنا عشر بحثا:
قال عليه السّلام:
«من زار قبري بعد موتي كمن هاجر إليّ في حياتي، فإن لم تستطيعوا فابعثوا إليّ بالسلام فانّه يبلغني»(4).
ص: 117
و الأخبار في ذلك كثيرة.(1)
و يستحبّ أن يغتسل و يزوره بالمنقول، فإذا فرغ من زيارته أتى المنبر و مسحه و مسح رمّانتيه، و صلّى بين القبر و المنبر ركعتين، ثمّ يأتي مقام جبرئيل عليه السّلام و يدعو بالمنقول، و إذا خرج من المدينة ودّعه.
و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، هو محمد بن عبد اللّه بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، كنيته أبو القاسم، ولد بمكّة يوم الجمعة سابع عشر ربيع الأوّل في عام الفيل، و بعث يوم السابع و العشرين من رجب و له أربعون سنة، و قبض بالمدينة مسموما يوم الاثنين لليلتين بقيتا من صفر سنة عشرة من الهجرة، و له ثلاث و ستّون سنة. أمّه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لؤي بن غالب، قبره عليه السّلام بالمدينة في الحجرة الّتي توفّي فيها.
و مكّة حرم اللّه، و المدينة حرم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و الكوفة حرم أمير المؤمنين عليه السّلام، و يستحبّ المجاورة بالمدينة، و الإكثار من الصلاة في مسجد الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فقد روى إسحاق بن عمّار في الصحيح عن الصادق عليه السّلام عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:
«ان الصلاة في مسجده مثل ألف صلاة في غيره إلاّ المسجد الحرام»(2).
و يكره النوم في المساجد و يتأكّد فيه.
و يستحبّ لمن أقام بالمدينة أن يصوم ثلاثة أيّام للحاجة: الأربعاء
ص: 118
و الخميس و الجمعة، و يكون معتكفا في المسجد، و يصلّي ليلة الأربعاء عند اسطوانة أبي لبابة(1)، و هي اسطوانة التوبة و يقيم عندها يوم الأربعاء، و يأتي ليلة الخميس الاسطوانة الّتي تلي مقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و مصلاّه، يصلّي عندها.
و يصلّي ليلة الجمعة عند مقام النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
و يستحبّ لمن جاء المدينة النزول بالمعرس(2) و الاستراحة و الصلاة فيه.
و يستحبّ إتيان المساجد كلّها بالمدينة، مثل مسجد قبا، و مشربة أمّ إبراهيم عليه السّلام، و مسجد الأحزاب - و هو مسجد الفتح -، و مسجد الفضيخ(3)، و قبور الشهداء كلّهم، خصوصا قبر حمزة بأحد، فلا يتركه مع الاختيار، و مسجد غدير خم، موضع شريف نصب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عليّا إماما للأنام، فيستحبّ الصلاة فيه و الإكثار من الدعاء.
روت عليها السّلام قالت:
«أخبرني أبي و هو ذا، هو أنّه من سلّم عليه و عليّ ثلاثة أيّام، أوجب اللّه له الجنة».
ص: 119
قال الراوي: قلت لها: في حياته و حياتك ؟ قالت: «نعم و بعد موتنا»(1).
و اختلف في قبرها، فقيل: إنّه في الروضة بين القبر و المنبر(2)، و روي في بيتها الّذي في المسجد الآن(3)، و روي في البقيع. قال الشيخ: و الروايتان الأولتان متقاربتان، و الأفضل زيارتها في الموضعين، و من قال: إنّها دفنت في البقيع فبعيد من الصواب(4). قال ابن بابويه: و الصحيح عندي انّها دفنت في بيتها(5).
ولد بمكّة في نفس الكعبة يوم الجمعة لثلاثة عشر ليلة خلت من رجب بعد عام الفيل بثلاثين سنة(6)، و قبض عليه السّلام قتيلا بالكوفة ليلة الجمعة لتسع ليال بقين من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة، و له يومئذ ثلاث و ستون سنة.
و أمّه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف. و هو أوّل هاشميّ ولد في الإسلام من هاشميّين، و قبره بالغريّ من نجف الكوفة، و في زيارته فضل كثير، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم للحسين عليه السّلام و هو في حجره و قد سأله يا أبة ما لمن زارك بعد موتك ؟ فقال:
«من أتاني زائرا بعد موتي فله الجنة، و من أتي أباك زائرا بعد موته فله الجنة، و من أتي أخاك زائرا بعد موته فله الجنة، و من
ص: 120
أتاك زائرا بعد موتك فله الجنة»(1).
و قال الصادق عليه السّلام: «من زار أمير المؤمنين عليه السّلام ماشيا، كتب اللّه له بكلّ خطوة حجّة، فإن رجع ماشيا كتب اللّه له بكلّ خطوة حجّتين و عمرتين»(2).
و الأحاديث في ذلك كثيرة(3).
ولد بالمدينة في شهر رمضان، سنة اثنين من الهجرة، و قبض في المدينة مسموما في صفر سنة تسع و أربعين من الهجرة، و له سبع و أربعون سنة.
أمّه فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، دفن بالبقيع.
و في زيارته فضل كثير، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم للحسين عليه السّلام:
«من زارني حيّا أو ميتا، أو زار أباك حيّا أو ميّتا، أو زار أخاك حيّا أو ميّتا، أو زارك حيّا أو ميّتا، كان حقّا عليّ ان استنقذه يوم القيامة»(4).
ولد بالمدينة آخر شهر ربيع الأوّل سنة ثلاث من الهجرة، و قبض عليه السّلام بكربلاء من أرض العراق قتيلا يوم الاثنين و قيل: الجمعة،
ص: 121
و قيل: السبت(1) عاشر المحرّم قبل الزوال سنة إحدى و ستّين من الهجرة، و له ثمان و خمسون سنة.
أمّه فاطمة سيدة نساء العالمين بنت محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، قبره بالطف بكربلاء و نينوى و الغاضرية في قرى النهروان.
و في زيارته فضل كثير، روى محمد بن مسلم عن الباقر عليه السّلام، قال:
«مروا شيعتنا بزيارة الحسين عليه السّلام، فأنّ إتيانه يزيد في الرزق و يمدّ في العمر، و يدفع مواقع السوء. و إتيانه مفترض على كل مؤمن يقرّ بالإمامة من اللّه»(2).
و عن أبي الحسن عليه السّلام، قال: «من أتى قبر الحسين عليه السّلام في السنة ثلاث مرّات أمن من الفقر»(3).
و يستحبّ زيارته في يوم عرفة و العيدين و أوّل رجب و نصفه و نصف شعبان و ليلة القدر و يوم عاشوراء و العشرين من صفر و في كلّ شهر.
و يستحبّ زيارة الشهداء عنده و زيارة ولده عليّ عليه السّلام المقتول معه و زيارة العباس.
و قد تقدم، و عليّ بن الحسين زين العابدين عليه السّلام، كنيته أبو محمد، ولد بالمدينة سنة ثلاث و ثلاثين(4) من الهجرة، و قبض عليه السّلام بالمدينة سنة خمس و تسعين، و له
ص: 122
سبع و خمسون سنة، أمّه شاه زنان بنت يزد جرد بن كسرى، و قبره مع عمّه الحسن عليه السّلام بالبقيع.
و محمد بن عليّ بن الحسين عليه السّلام، باقر علم الأوّلين و الآخرين، كنيته أبو جعفر، ولد بالمدينة سنة سبع و خمسين من الهجرة، و قبض بالمدينة سنة أربع عشر و مائة، و سنّه سبع و خمسون سنة، أمّه أمّ عبد اللّه بنت الحسن بن علي عليه السّلام، و هو هاشميّ من هاشميّين، علويّ من علويّين. و قبره بالبقيع مع أبيه و عم أبيه عليهما السّلام.
و جعفر بن محمد الصادق عليه السّلام، كنيته أبو عبد اللّه، ولد بالمدينة سنة ثلاث و ثمانين من الهجرة و قبض بالمدينة في شوّال سنة ثمان و أربعين و مائة، و له خمس و ستّون سنة، أمّه أمّ فروة بنت القاسم بن محمد النجيب بن أبي بكر، و قبره مع أبيه وجده و عمّه الحسن بن عليّ عليهم السّلام.
و في زيارتهم فضل كثير، قال الصادق عليه السّلام:
«من زار الأئمة بالبقيع غفر له ذنوبه و لم يمت فقيرا»(1).
و قال العسكري عليه السّلام: «من زار جعفرا و أباه لم يشتك عينه و لم يصبه سقم و لم يمت قتيلا»(2).
و يكنّى أبا إبراهيم و أبا علي و أبا الحسن عليه السّلام، ولد
ص: 123
بالأبواء(1) سنة ثمان و عشرين و مائة من الهجرة، و قبض مسموما ببغداد في حبس السندي بن شاهك، لستّ بقين من رجب ثلاث و ثمانين و مائة، و له خمس و خمسون سنة.
أمّه أمّ ولد، يقال لها: حميدة البربرية، قبره ببغداد من مدينة السلام في المقبرة المعروفة بمقابر قريش.
في زيارته فضل كثير: قال الرضا عليه السّلام:
«من زار قبر أبي ببغداد كمن زار قبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قبر أمير المؤمنين عليه السّلام، إلاّ أنّ لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و لأمير المؤمنين عليه السّلام فضلهما»(2).
و يكنّى أبا الحسن، ولد بالمدينة سنة ثمان و أربعين و مائة من الهجرة، و قبض بطوس في سناباد من أراضي خراسان في سنة ثلاث و مائتين، و له خمس و خمسون سنة. أمّه أمّ ولد، يقال لها أمّ أنس.
و في زيارته فضل كثير: قال الرضا عليه السّلام:
«من زارني على بعد داري و مزاري أتيته يوم القيامة في ثلاثة مواطن حتّى أخلّصه من أهوالها: إذا تطايرت الكتب يمينا و شمالا، و عند الصراط، و الميزان»(3).
ص: 124
ولد بالمدينة في شهر رمضان سنة خمس و تسعين و مائة من الهجرة، و قبض ببغداد في آخر ذي القعدة سنة عشرين و مائتين، و له خمس و عشرون سنة.
أمّه أمّ ولد يقال لها: خيزران، دفن ببغداد في مقابر قريش عند جدّه الكاظم عليه السّلام.
و في زيارته فضل كثير، روى إبراهيم بن عقبة قال: كتبت إلى أبي الحسن الثالث عليه السّلام، أسأله عن زيارة أبي عبد اللّه عليه السّلام و زيارة أبي الحسن و أبي جعفر عليهما السّلام، فكتب إليّ : أبو عبد اللّه المقدم و هذا أجمع و أعظم أجرا(1).
ولد بالمدينة منتصف ذي الحجّة سنة اثنتي عشرة و مائتين للهجرة، و قبض بسرّ من رأى في رجب سنة أربع و خمسين و مائتين، و له إحدى و أربعون سنة و تسعة أشهر.
أمّه أمّ ولد يقال لها: سمانة، قبره بداره في سرّ من رأى.
و في زيارته فضل كثير، روى زيد الشحام، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ما لمن زار أحدا منكم ؟ قال: كمن زار رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم(2).
ص: 125
ولد بالمدينة في ربيع الآخر سنة اثنين و ثلاثين و مائتين، و قبض بسرّ من رأى لثمان خلون من ربيع الأوّل سنة ستين و مائتين، و له ثمان و عشرون سنة.
أمّه أمّ ولد يقال لها: حديثة، قبره إلى جانب قبر أبيه في الدار الّتي لأبيه بسرّ من رأى.
و في زيارته فضل كثير، قال عليه السّلام: «قبري بسرّ من رأى أمان لأهل الجانبين»(1).
قال المفيد: إذا أردت زيارة الإمامين بسرّ من رأى فقف بظاهر الشباك(2).
قال الشيخ: هذا المنع من دخول الدار أحوط، و لو دخلها لم يكن مأثوما(3).
و يستحبّ زيارة القائم عجل اللّه تعالى فرجه الشريف في كلّ وقت في كلّ مكان.
و كذا زيارة المؤمنين، قال الرضا عليه السّلام:
«من أتي قبر أخيه المؤمن من أيّ ناحية يضع يده و يقرأ إنّا أنزلناه سبع مرات أمن من فزع الأكبر(4)».
ص: 126
ص: 127
ص: 128
و فيه فصول
و فيه اثنان و عشرون بحثا:
و فيه ثواب عظيم، قال اللّه تعالى: لاٰ يَسْتَوِي اَلْقٰاعِدُونَ مِنَ اَلْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي اَلضَّرَرِ وَ اَلْمُجٰاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اَللّٰهِ بِأَمْوٰالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اَللّٰهُ اَلْمُجٰاهِدِينَ بِأَمْوٰالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ عَلَى اَلْقٰاعِدِينَ دَرَجَةً وَ كُلاًّ وَعَدَ اَللّٰهُ اَلْحُسْنىٰ وَ فَضَّلَ اَللّٰهُ اَلْمُجٰاهِدِينَ عَلَى اَلْقٰاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً .(1)
و قال رسول اللّه: «و الّذي نفسي بيده، لغدوة في سبيل اللّه، أو روحة خير من الدنيا و ما فيها»(2).
و قال عليه السّلام: «فوق كلّ ذي برّ برّ حتّى يقتل في سبيل اللّه، فإذا قتل في سبيل اللّه، فليس فوقه برّ، و فوق كل ذي عقوق عقوق حتّى يقتل أحد والديه فليس فوقه عقوق»(3).
ص: 129
و الأخبار في ذلك كثيرة.
و هو واجب بالنصّ و الإجماع، و وجوبه على الكفاية، إذا قام به من في قيامه كفاية و غنا، سقط عن الباقين، و هو سائغ في كلّ وقت، إلاّ في الأشهر الحرم: - هي رجب و ذو القعدة و ذو الحجّة و المحرّم - فانّه لا يسوغ القتال فيها لمن يرى لها(1) حرمة، و من لا يرى لها حرمة، جاز قتاله فيها، و يجوز في كلّ مكان، و قد كان محرّما في الحرم فنسخ.
و الناس فيها على أقسام ثلاثة:
أحدها: من يجب عليه، و هو من أسلم في بلاد الشرك، و كان مستضعفا فيهم، لا يمكنه إظهار دينه، و لا عذر له من مرض، و غيره.
الثاني: من يستحبّ له، و هو من أسلم بين المشركين، و له عشيرة تحميه عنهم، و يمكنه إظهار دينه، و لا ضرر عليه في المقام عندهم، كالعباس.
الثالث: من يسقط عنه وجوبا و استحبابا، و هو الممنوع بمرض(2) أو ضعف أو عدم نفقة.
و الهجرة باقية ما دام الشرك باقيا.
فلا يجب على المرأة، و لا الخنثى المشكل، و من التحق بالرجال وجب عليه الجهاد.
فلا يجب الجهاد على الصبيّ حتّى يبلغ.
ص: 130
فلا يجب على المجنون.
فلا يجب على العبد و لا المدبّر و لا المكاتب المشروط، و لا المطلق، و إن انعتق أكثره.
بل يجب على الكفّار.
جاز الانتفاع بهم، و لا يخرج المجنون لعدم الانتفاع به.
و عن الأعمى، و الأعرج(1)، إذا لم يقدر على المشي أو الركوب، و عن المريض إذا كان يضرّ به.
سقط عنه فرض الجهاد، فإذا كانت المسافة قصيرة، لم يجب عليه حتّى يكون له زاد و نفقة عياله في غيبته، و سلاح يقاتل به، و إن كانت طويلة، افتقر مع ذلك إلى وجود الراحلة. و الضابط، الحاجة إليها، سواء قصرت المسافة أو طالت. و الشيخ اعتبر مسافة التقصير(2)و ليس بمعتمد.
وجب أن يخرج بنفسه، أو يستأجر غيره عنه إلاّ أن يعيّنه الإمام.
بأن يدهم المسلمين عدوّ، و يشترط في الأوّل إذن الإمام العادل أو من يأمره الإمام، و الثاني: يجب مطلقا، و كذا لو كان المسلم في أرض العدوّ من الكفّار ساكنا بينهم بأمان، فدهمهم قوم من المشركين و خشى على نفسه ان يتخلّف(1)، جاز له مساعدة الكفّار، و يقصد بالجهاد الدفع عن نفسه لا معاونة المشركين، و كذا من خشي على نفسه مطلقا، أو ماله إذا غلبت السلامة، جاز أن يجاهد للدفع.
صحت الإجارة، و لزم الأجير الجهاد، و لا يلزمه ردّ الأجرة.
و لو عيّنه الإمام للخروج، لم يجز له الاستنابة، و لا يجوز لمن وجب عليه الجهاد، أن يجاهد عن غيره بجعل، فإن فعل وقع عنه و وجب عليه ردّ الجعل إلى صاحبه.
قال الشيخ: «للنائب ثواب الجهاد و للمستأجر ثواب النفقة. و أمّا ما يأخذه أهل الديوان من الأرزاق، فليس بأجرة، بل هم يجاهدون لأنفسهم، و يأخذون حقّا جعله اللّه لهم، فإن كانوا أرصدوا أنفسهم للقتال، و أقاموا في الثغور، فهم أهل الفيء، لهم سهم من الفيء يدفع إليهم، و إن كانوا مقيمين في
ص: 132
بلادهم، يغيرون إذا حفّوا(1)، فهم أهل الصدقات، يدفع إليهم سهم منها»(2).
و يستحبّ إعانة المجاهدين و مساعدتهم، فيها فضل كثير، من السلطان و العامة و كل أحد.
وجب عليه الجهاد حينئذ، و لو كان على سبيل الأجرة لم يجب، و لو عجز عن الجهاد بنفسه، و كان موسرا، ففي وجوب إقامة غيره قولان.
لم يجز له الخروج إلى الجهاد إلاّ بإذن صاحبه، أو بترك وفاء، أو يقيم كفيلا يرضى به(3)، أو يوثقه برهن، و إن لم يكن متمكّنا منه، فالأقرب جواز خروجه بغير إذن صاحب الدين، و إن كان مؤجّلا فالوجه انّه ليس لصاحبه المنع.
و لو تعيّن عليه الجهاد، وجب عليه الخروج و إن كان حالا، أذن غريمه أو لا.
و يستحبّ له أن لا يتعرّض لمظانّ القتل: بأن يبارز، أو يقف في أوّل المقاتلة.
و لهما منعه، و لو كانا كافرين، جاز له مخالفتهما و الخروج مع كراهتهما.
و لو تعيّن عليه بأحد الأسباب السائغة خرج مع منع أبويه المسلمين،
ص: 133
و لا يجوز لهما منعه، و كذا جميع الواجبات، و حكم أحدهما حكمهما معا.
و لو كان أبواه رقيقين، ففي اعتبار إذنهما إشكال، و لو كانا مجنونين لم يعتبر إذنهما، و لو سافر لطلب العلم أو التجارة استحبّ له أن يستأذنهما(1)، و لو منعاه لم يحرم عليه مخالفتهما، بخلاف الجهاد.
و لو خرج في جهاد تطوّعا بإذنهما، فمنعاه منه بعد مسيره و قبل وجوبه، كان عليه أن يرجع إلاّ أن يخاف، أو يمرض، أو يذهب نفقته، أو نحو ذلك، فيقيم في الطريق إن أمكنه، و إلاّ مضى مع الجيش، فإذا حضر الصفّ ، تعيّن بحضوره، و لم يبق لهما إذن، و لو رجعا في الإذن بعد وجوبه عليه و تعيّنه، لم يؤثّر رجوعهما.
و لو كانا كافرين، فأسلما و منعاه، فإن كان بعد تعيّنه لم يعتدّ بمنعهما، و إن كان قبله وجب عليه الرجوع مع المكنة، و كذا البحث إذا أذن المدين له ثمّ رجع.
و لو أذن في الغزو والداه و شرطا عدم القتال فحضر، تعيّن عليه القتال، و لو خرج بغير إذنهما فحضر القتال، لم يجز له الرجوع، و حكم المولى إذا رجع في الإذن للعبد حكم الأبوين.
تخيّر في الرجوع و المقام إن كان العذر في نفسه كالمرض، و إن كان في غيره كرجوع المدين، و الأبوين أو المولى في الإذن، وجب الرجوع، و إن كان بعد التقاء الزحفين، جاز الرجوع في الأوّل دون الثاني.
ص: 134
2680. التاسع عشر: يستحبّ أن يتجنب قتل أبيه المشرك(1)،
و يجوز قتله.
و هو الإقامة عند الثغر لحفظ المسلمين، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:
«رباط ليلة في سبيل اللّه خير من صيام شهر و قيامه، فإن مات، جرى عليه عمله الّذي كان يعمل، و أجري عليه رزقه و أمن الفتّان»(2).
و أقلّه ثلاثة أيّام و أكثره أربعون يوما، فإن زاد كان جهادا و ثوابه ثواب المجاهدين.
و يتأكّد استحباب المرابطة حال ظهور الإمام، و أفضل الرباط المقام بأشدّ الثغور خوفا لشدة الحاجة هناك.
فإن سوّغ له القتال جاز له، و إن كان مستترا أو لم يسوّغه له، لم يجز ابتداء، بل يحفظ الكفّار من الدخول إلى بلاد الإسلام، و يعلم المسلمين بأحوالهم، و يقاتلهم إن قاتلوه و يقصد الدفاع(3) عن نفسه و عن الإسلام لا الجهاد.
و يكره له نقل الأهل و الذريّة إلى الثغور المخوفة، و لو عجز عن المرابطة
ص: 135
بنفسه، فرابط فرسه(1)، أو غلامه أو جاريته أو أعان المرابطين، كان له في ذلك ثواب عظيم.
سواء كان الإمام ظاهرا أو مستترا، إلاّ أنّه لا يبدأ العدوّ بالقتال، و لا يجاهدهم إلاّ على وجه الدفع.
و لو نذر أن يصرف من ماله شيئا إلى المرابطين في حال ظهور الإمام، وجب عليه الوفاء به، و إن كان في حال استتاره قال الشيخ: لا يجب الوفاء به بل يصرفه في وجوه البرّ(2)، و الوجه وجوب الوفاء به. قال الشيخ: و لو خاف الشنعة من تركه، وجب عليه حينئذ صرفه إلى المرابطة(3). و الوجه وجوب الصرف مطلقا.
و لو آجر نفسه لينوب عن غيره في المرابطة، فإن كان الإمام ظاهرا وجب عليه الوفاء به، و إن كان غائبا، قال الشيخ: «لا يلزمه الوفاء به. و يردّ عليه ما أخذه.
فإن لم يجده فعلى ورثته، فإن لم يكن له ورثة لزمه الوفاء به»(4)، و الوجه لزوم الإجارة مطلقا، و إذا قتل المرابط كان شهيدا، و ثوابه ثواب الشهيد(2).
ص: 136
و فيه خمسة و عشرون بحثا:
البغاة، و أهل الذّمة إذا أخلّوا بالشرائط، و غيرهم من أصناف الكفّار، و كلّ من يجب جهاده يجب على المسلمين النفور إليهم، إمّا لكفّهم(1)، أو لنقلهم إلى الإسلام، فإن بدءوا بالقتال، وجب جهادهم، و إلاّ فحسب المكنة، و أقلّه في كلّ عام مرة، و لو اقتضت المصلحة التأخير عن ذلك، جاز بهدنة و غيرها، و يجوز فعله في السنة مرّتين و أكثر، و يجب مع المصلحة.
2685. الثاني: إنّما يجوز قتال المشركين بعد دعائهم إلى محاسن الإسلام و إلزامهم بشرائعه(2).
و الداعي هو الإمام أو من نصبه، و صورة الدّعاء: أن يطلب منهم الانقياد إلى الالتزام بالشريعة و العمل بها و الإسلام و ما تعبدنا اللّه به.
و انّما يشترط الدعاء في من لم تبلغه الدعوة، و لا عرف بالبعثة، أمّا العارفون بها و بالتكليف بتصديقه، فإنّه يجوز قتالهم ابتداء من غير أن يدعوهم الإمام سواء كان الكافر حربيّا أو ذميّا، و الدعاء أفضل.
و لو بدر إنسان فقتل كافرا قبل بلوغ الدعوة إليه أساء و لا قود عليه و لا دية، قاله الشيخ رحمه اللّه.(3)
ص: 137
من له كتاب، و هم اليهود و النصارى، لهم التوراة و الإنجيل. فهؤلاء يطلب منهم أحد الأمرين: إمّا الإسلام أو الجزية، و من لهم شبهة كتاب، و هم المجوس، و حكمهم، حكم أهل الكتاب.
و من لا كتاب له، و لا شبهة كتاب، كعبّاد الأوثان، و من لا دين له يتديّن به، و بالجملة كلّ من عدا الأصناف الثلاثة، فانّه لا يقبل منهم إلاّ الإسلام، فإن أجابوا، و إلاّ قتلوا، و لا يقبل منهم الجزية، و إن كانوا عجما(1)، أو كانوا من كفّار قريش.
و لا يجوز لأحد التخلف إلاّ مع الحاجة، إمّا لحفظ المكان و الأهل و المال(2)، أو لمنع الإمام من الخروج، فإن أمكن استخراج إذن الإمام في الخروج إليهم، وجب إذنه و إلاّ فلا.
و لو نودي بالنفير و الصلاة، فان أمكن الجمع بأن يكون العدوّ بعيدا، صلّوا ثمّ خرجوا، و إلاّ كان النفير أولى و صلّوا على ظهور دوابّهم، و لو كانوا في الصلاة أو خطبة الجمعة أتمّوها.
و لا ينبغي أن تنفر الخيل إلاّ عن حقيقة الأمر، و لا أن يخرجوا مع قائد معروف بالهرب، بل يخرجوا مع شفيق على المسلمين شجاع، و إن كان معروفا بالمعصية.
و لا ينبغي للإمام ان يخرج معه من يخذل الناس، و يزهدهم في الجهاد، كمن يقول: الحرّ شديد، أو لا يؤمن هزيمة هذا الجيش، و لا الموجف، و هو الّذي يقول: قد هلكت سريّة المسلمين، و لا مدد لهم، و لا طاقة لكم بالكفّار
ص: 138
لكثرتهم و قوّتهم، و لهم مدد و صبر، و لا من يعين على المسلمين بالتجسّس للكفّار، و مكاتبتهم بأخبار المسلمين، و اطلاعهم على عوراتهم و إيواء جاسوسهم، و لا من يوقع العداوة بين المسلمين، و يسعى بينهم بالفساد.
و لو خرج أحدهم لم يكن له سهم و لا رضخ(1).
و لو كان الأمير أحد هؤلاء قعد الناس عنه.
رجل تلف آخر لموت دابّته، قيل: يجب بذل فاضل مركوبه، ليجيء به صاحبه.
و يلزم الرعية طاعته فيما يراه سائغا، و ينبغي له أن يرتّب قوما على أطراف البلاد رجالا يكفّون من بإزائهم من المشركين، و يأمر بعمل حصون(1) لهم و خنادق، و يجعل في كلّ ناحية أميرا يقلّده أمر الحرب و تدبير الجهاد(2) شجاعا ناصحا عارفا، و لو احتاجوا إلى المدد، استحبّ للإمام ترغيب الناس في الترداد إليهم كلّ وقت، و المقام عندهم.
و لو كان الأبعد أشدّ خطرا و أعظم ضررا، كان الابتداء بقتاله أولى، و كذا لو كان قريبا، و أمكنه الفرصة من الأبعد، أو كان الأقرب مهادنا، أو منع من قتاله مانع، و يستحبّ له أن يتربّص بالمسلمين مع القلّة و يؤخّر الجهاد حتّى يشتدّ أمر المسلمين.
أن لا يزيد الكفّار على الضعف من المسلمين، و أن يقصد بفراره الهرب من الحرب، و لا يحرم لو قصد التحرّف لقتال، كأن يطلب الأمكن للقتال، كاستدبار الشمس أو الرّيح، أو يرتفع عن هابط، أو يمضي إلى موارد المياه، أو ليستند إلى جبل، و كذا لا يحرم لو قصد التحيّز إلى فئة، سواء بعدت المسافة أو قصرت(3)، و قلّت الفئة أو كثرت.
و لو غلب على ظنّه الهلاك لم يجز الفرار، و قيل: يجوز، و لو غلب
ص: 140
الأسر فالأولى أن يقاتل حتّى يقتل، و لا يسلّم نفسه للأسر.
لم يجب الثبات إجماعا، و لو غلب على ظن المسلمين الظفر، استحبّ الثبات و لا يجب.
و لو غلب على ظنّه العطب(1) قيل: يجب الانصراف إذا أمنوا معه، و قيل: لا يجب.(2) و هو حسن.
و كذا القول فيمن قصده رجل، فغلب في ظنّه أنّه إن ثبت له قتله، فعليه الهرب، و لو غلب الهلاك في الانصراف و الثبات، فالأولى لهم الثبات، و في وجوبه إشكال.
لم يجب الثبات، و قيل: يجب.
جاز لأهله التحصين منهم و إن كانوا أزيد من النصف ليلحقهم(3) المدد و النجدة، و لو لقوهم خارج الحصن، جاز التحيّز إلى الحصن، و ذهاب الدابة ليس عذرا في جواز الفرار.
و لو تحيّزوا إلى جبل ليقاتلوا فيه، و هم رجّالة جاز، و لو تلف سلاحهم فالتجئوا(4) إلى مكان يمكنهم القتال فيه بالحجارة و التستّر بالشجر و نحوه، جاز، و لو ولّوا حينئذ لا بنيّة القتال بالحجارة و الخشب،(5) فالأقرب عدم الإثم.
و لو ألقى الكفّار نارا في سفينة فيها مسلمون، فاشتعلت، فان غلب ظنّ
ص: 141
سلامتهم بالمقام أقاموا، و إن غلب بالإلقاء في الماء ألقوا أنفسهم، و إن استوى الأمران، فالوجه التخيير.
و أن لا يحملهم على مهلكة، و لا يكلّفهم نقب حصن يخاف من سقوطه عليهم و لا دخول مطمورة(1) يخشى من قتلهم تحتها، فإن فعل شيئا من ذلك أساء و استغفر اللّه، و لا كفّارة عليه و لا دية.
جاز له محاصرته بمنع السابلة دخولا و خروجا، و أن ينصب عليهم المنجنيق، و يرميهم بالحجارة، و يهدم الحيطان و الحصون و القلاع و إن كان فيهم نساء أو صبيان للضرورة، و لو لم يحتج إلى ذلك فالأولى تركه، و لو فعله جاز.
و لو كان فيهم أسارى مسلمون، و خاف الإمام إن رموهم على الأسارى جاز رميهم، و يجوز إلقاء النار إليهم و قذفهم بها، و رميهم بالنفط مع الحاجة، و يكره لا معها.
و يجوز قتالهم بجميع أسباب القتل، من رمي الحيّات القواتل و العقارب، و كلّ ما فيه ضرر عظيم، و تغريقهم بالماء و فتح الأنهار عليهم، و يكره مع القدرة بغيره.
و هل يجوز إلقاء السمّ في بلادهم ؟ الأولى الكراهية.
و لو احتيج جاز،
ص: 142
و تبييت العدوّ ليلا، و انما يقاتلون بالنهار، و لو احتيج جاز.
و يستحبّ القتال بعد الزوال، و لو اقتضت المصلحة تقديمه جاز، و لا ينبغي قتل دوابّهم في غير حال الحرب لمغايظتهم و الإفساد عليهم سواء خفنا أخذهم لها أو لم يخف، و يجوز في حال الحرب قتل دوابّهم، و كذا يجوز عقرها للأكل مع الحاجة، سواء كان مما لا يتخذ إلاّ للأكل كالدجاج، أو يحتاج إليه للقتال كالخيل، أو لا يحتاج إليه في القتال كالبقر و الغنم.
فإن كانت الحرب ملتحمة، جاز قتالهم، و لا يقصد قتل الصبيّ و لا المرأة، و إن لم تكن ملتحمة بل كان الكفّار متحصّنين في حصن أو من وراء خندق كافّين عن القتال، قال الشيخ:
يجوز رميهم. و الأولى تجنّبهم(1).
و لو تترّسوا بمسلم فإن لم تكن الحرب قائمة لم يجز الرمي، و كذا لو أمكنت القدرة عليهم بدون الرمي، أو أمن شرّهم، فإن خالفوا و رموهم، وجب القود بقتل المسلم مع العمد و الكفّارة، و إلاّ فالدية على العاقلة مع الخطأ و الكفّارة عليه، و إن كانت الحرب قائمة جاز رميهم، و يقصد بالرمي المشركين، هذا إذا خيف منهم لو تركوا، و لو لم يخف لكن لا يقدر عليهم إلاّ بالرّمي فالوجه الجواز.
و لو علمه مسلما و رمى قاصدا للمشركين و لم يمكنه التوقّي فقتله فلا قود و لا دية، و هل تجب الكفّارة فيهما؟ نصّ الشيخ على وجوبها(2).
ص: 143
و إن قاتلت المرأة أو أسرت إلاّ مع الضرورة، و لو وقعت امرأة في صفّ الكفّار أو على حصنهم فشتمت المسلمين أو تكشّفت لهم جاز رميها.
و لو لم يكن له قتال و لا رأي لم يجز قتله، و كذا الرهبان و أصحاب الصوامع، و الأولى إلحاق الزمن و الأعمى بالشيخ الفاني، أمّا العبيد فإن قاتلوا مع ساداتهم قتلوا، و إلاّ فلا، و لو قاتل من ذكرناه جاز قتلهم إلاّ النساء إلاّ مع الضرورة، و المريض إن آيس من برئه، فكالزمن و إلاّ قتل، و الفلاّح الّذي لا يقاتل يقتل.
لم يكن له الانصراف إلاّ بإسلامهم، أو يبذلوا مالا على الترك مع المصلحة، أو كانوا أهل ذمّة يقبل منهم الجزية، أو بفتحه و ملكه، أو اقتضاء المصلحة الانصراف، بأن يتضرّر المسلمون بالإقامة أو بأن يحصل اليأس منه أو ينزلوا على حكم حاكم.
و ينبغي أن لا يطلبها المسلم إلاّ بإذن الإمام، و تجوز بغير إذنه، و لو منع منها حرمت، و لو خرج كافر يطلب البراز استحبّ لمن فيه قوة من المسلمين مبارزته بإذن الإمام، و يستحبّ للإمام أن يأذن له في ذلك.
فانقسمت المبارزة إلى واجبة إذا ألزم الإمام بها، و مستحبّة كما إذا
ص: 144
طلب المشرك المبارزة، و مكروهة بأن يخرج الضعيف من المسلمين للمبارزة، و مباحة بأن يخرج ابتداء فبارزه، و حرام إذا منع الإمام منها.
و إذا خرج المشرك يطلب البراز جاز لكلّ أحد رميه إلاّ أن تكون العادة جرت بينهم انّ من خرج بطلب المبارزة لا يعرض له، فيجري مجرى الشرط، فإن خرج إليه أحد يبارزه بشرط أن لا يعينه عليه سواه، وجب الوفاء له بالشرط.
و لو انهزم المسلم تاركا للقتال أو مثخنا بالجراح جاز قتال المشرك إلاّ أن يشترط أن لا يقاتل حتّى يرجع إلى صفّه، فيجب الوفاء له إلاّ أن يترك المسلم أو يثخنه بالجراح فيرجع فيتّبعه ليقتل، أو يخشى عليه منه، فيمنع و يدفع عن المسلم، فإن امتنع قوتل.
و لو أعان المشركون صاحبهم كان على المسلمين معونة صاحبهم، و يقاتلون من أعان عليه و لا يقاتلونه، فإن كان قد شرط أن لا يقاتله غير مبارزه(1)وجب الوفاء له، فإن استنجد أصحابه، فأعانوه فقد نقض أمانه يقتل معهم، و لو منعهم فلم يمتنعوا، فأمانه باق، و يقاتل أصحابه، و لو سكت عن نهيهم عن المعاونة نقض أمانه. و لو استنجدهم جاز قتاله مطلقا.
و لو طلب المبارزة و لم يشترط جاز معونة قرنه، و لو شرط ان لا يقاتله غيره، وجب الوفاء له، فإن فرّ المسلم، فطلبه الحربيّ جاز دفعه على ما قلناه، سواء فرّ المسلم مختارا، أو لإثخانه بالجراح، و يجوز لهم معاونة المسلم مع إثخانه، و لو لم يطلبه المشرك لم تجز محاربته، و قيل يجوز ما لم يشترط الأمان حتّى يعود إلى فئته(2).
ص: 145
و للمبارز أن يخدع قرنه ليتوصّل به إلى قتله.
2708. الخامس و العشرون: يكره القتال قبل الزوال و تعرقب(1) الدابة،
و لو وقعت عليه ذبحها و لا يعرقبها.
و فيه عشرون بحثا:
و هو جائز مع اعتبار المصلحة، و لو اقتضت المصلحة عدم إجابتهم لم يفعل، سواء كان العقد لمشرك واحد أو أكثر، و لو طلب الأمان ليسمع كلام اللّه(2) و يعرف شرائع الإسلام وجب إجابته.
أو بلد، أو إقليم، أو لجميع الكفّار بحسب ما يراه من المصلحة، و كذا يجوز لنائبه عقد الأمان لمن كان تحت ولايته، و أمّا في غيرها فكغيره من الرعايا.
ص: 146
و يصحّ لآحاد الرعيّة أمان الواحد من المشركين و العدد اليسير منهم كالعشرة و القافلة القليلة، و الحصن الصغير، و لا يمضي للعدد الكثير، و لا لأهل بلد، و لا لإقليم.
و لا ينعقد أمان المجنون، و لا الصبيّ و إن كان مميزا، و لا المكره، و لا زائل العقل بنوم، أو سكر، أو إغماء، و لا أمان الكافر، و إن كان ذميّا. و يصحّ أمان الأسير إذا لم يكن مكرها و أمان التاجر و الأجير في دار الحرب.
ما لم يتضمّن ما يخالف المشروع، و لو انعقد فاسدا لم يجب الوفاء به، لكن يجب ردّ الحربي إلى مأمنه(1) و كذا كلّ حربي دخل دار الإسلام بشبهة الأمان، كمن يسمع لفظا فيعتقده أمانا، أو يصحب رفقة فيتوهّمها أمانا، و كذا لو طلبوا الأمان، فقال لهم المسلمون: لا نذمّكم، فاعتقدوا أنّهم أذمّوهم، فانّهم في جميع ذلك يردّون إلى مأمنهم، و لا يجوز قتلهم.
فبأي العبارتين أتى انعقد الأمان.
و كذا كلّ لفظ يدلّ على هذا المعنى صريحا، مثل: أذممتك أو أنت في ذمّة الإسلام، و كذا كلّ كتابة علم بها ذلك من قصد العاقد سواء كان بلغة العرب أو بغيرها، فلو قال بالفارسية «مترس» فهو آمن، و كذا لو أشار بما يدلّ على الأمان قطعا أو اصطلاحا مع البيان(1).
أمّا قوله: لا بأس عليك، أو لا تخف، أو لا تذهل، أو لا تحزن، أو ما شابه ذلك، فإن علم من قصده الأمان كان أمانا.
و ان لم يقصد فلا، غير أنّهم يردّون إلى مأمنهم إذا اعتقدوه أمانا، ثمّ يصيرون حربا.
و لو قال له: قف، أو قم، أو ألق سلاحك، لم يكن أمانا، و يرجع فيه إلى المتكلّم، فإن قال: أردت به الأمان، فهو أمان، و إن قال: لم أرده، سئل الكافر فإن توهّمه أمانا أعيد إلى مأمنه، و إلاّ فلا.
و لو أشار المسلم إليهم بما يرونه أمانا، و قال: أردت به الأمان، فهو أمان، و إن قال: لم أرد منه الأمان، فالقول قوله، و يردّون إلى مأمنهم.
و لو مات المسلم أو غاب و لم يبين، كانوا آمنين و يردّون إلى مأمنهم ثم يصيرون حربا إلاّ(2) ان يجدّد لهم الوالي أمانا.
و لا يجوز بعده، و للإمام أن يؤمّن الأسير بعد الاستيلاء عليه و الأسر، و لو أقرّ المسلم انّه أمّن المشرك، فإن كان في
ص: 148
وقت يصحّ فيه منه إنشاء الأمان، قبل إقراره، و إن كان في وقت لا يصحّ ، كما بعد الأسر، لم يقبل إلا بالبيّنة.
و لو شهد جماعة من المسلمين أنّهم أمّنوه، فالوجه عدم القبول، و لو ادّعى المسلم أنّه أسره فادّعى المشرك أنّه أمّنه، فالقول قول المسلم.
جاز مع نظر المصلحة(1)، و لو استذمّوا بعد حصولهم في الأسر، فاذمّ لهم، لم يصحّ .
و لو ادّعى الحربيّ الأمان، فأنكر المسلم، فالقول قول المسلم، فلو حيل بينه و بين الجواب بموت أو إغماء لم يسمع دعوى الحربي، و في الحالتين يردّ إلى مأمنه ثمّ هو حرب.
و لا يجوز له الغدر، فإن نقضه أثم و وجب على الإمام منعه من النقض إن عرف بالأمان، فلو عقد الحربيّ الأمان ليسكن في دار الإسلام، وجب الوفاء له، و دخل ماله تبعا في الأمان و إن لم يذكره، و لو دخل دار الإسلام بغير أمان و معه متاع، فهو حرب و لا أمان له في نفسه و لا ماله.
و لو اعتقد أنّ دخوله بمتاعه على سبيل التجارة أمانا، لم يكن أمانا، و ردّ إلى مأمنه و يعامل بالبيع و الشراء، و لا يسأل عن شيء، و لو لم تكن معه تجارة و قال: جئت مستأمنا لم يقبل منه. و تخيّر الإمام فيه، و لو كان ممّن ضلّ الطريق أو حملته الريح في المركب إلينا ففي كونه فيئا أو يكون لمن أخذه ؟ تردّد.
ص: 149
فلو عاد إلى دار الحرب فإن كان لتجارة، أو رسالة، أو تنزّه، و في نيّته العود، فالأمان باق، و إن كان للاستيطان بدار الحرب، بطل الأمان في نفسه دون ماله، و لو نقله معه إلى دار الحرب، انتقض فيه أيضا، و لو لم ينقله و تصرّف فيه ببيع أو هبة، أو غيرهما، صحّ تصرّفه، و لو طلبه بعث به إليه.
و لو مات في دار الحرب انتقل إلى وارثه، فإن كان مسلما ملكه، و إن كان حربيّا انتقل إليه، و انتقض الأمان فيه، و يكون للإمام خاصّة.
و لو دخل دار الإسلام فعقد أمانا لنفسه، ثمّ مات عندنا انتقل ماله إلى وارثه المسلم، و إن لم يكن إلاّ كافرا في دار الحرب، انتقل إليه و صار فيئا للإمام، و كذا لو لم يكن له وارث.
و لو كان له أمان، فترك ماله و نقض الأمان و لحق بدار الحرب، لم يبطل أمان ماله، فإن رجع ليأخذ ماله، جاز سبيه.
و لو أسر الحربيّ الّذي لماله أمان، لم يزل الأمان عن ماله، فإن قتل، انتقل إلى وارثه المسلم إن كان، و إلاّ إلى الحربيّ و صار فيئا، و إن فاداه، أو منّ عليه، ردّ ماله إليه، و إن استرقّه زال ملكه عنه، و إن اعتق لم يعد إليه، و إن مات لم يردّ على ورثته و إن كانوا مسلمين.
وجب عليه ردّه إلى أربابه، و لو أسره المشركون و أطلقوه بأمان على أن يقيم في دارهم و يترك خيانتهم، حرمت عليه أموالهم بالشرط، و لا يجوز له المقام مع القدرة على المهاجرة.
ص: 150
و لو لم يأمنوه بل أسروه و استخدموه، كان له الهرب، و أخذ ما أمكنه من مالهم، و لو أطلقوه على مال لم يجب الوفاء به.
و لو دخل المسلم دار الحرب بأمان فاقترض من حربي مالا و عاد إلينا و دخل صاحب المال بأمان، كان عليه ردّه إليه. و لو اقترض حربيّ من حربيّ مالا(1) ثمّ دخل المقترض إلينا بأمان، كان عليه ردّه إليه.
وجب عليه ردّه إليها(2)، و كذا لو أسلما معا و ترافعا إلينا فانّا نلزم الزوج المهر إن صحّ للمسلم تملّكه، و إلاّ القيمة.
و لو تزوّج الحربيّ بحربيّة، ثمّ أسلم الحربيّ خاصّة، و المهر في ذمّته، لم تكن للزوجة مطالبته به، و كذا لو ماتت و لها ورثة كفّار، لم يكن لهم أيضا المطالبة به، و لو كانوا مسلمين كان لهم المطالبة.
و لو ماتت الحربيّة ثم أسلم الزوج بعد موتها كان لوارثها المسلم مطالبة الزوج بالمهر، و ليس للحربيّ مطالبته به، و كذا لو أسلمت قبله ثمّ ماتت، طالبه وارثها المسلم دون الحربيّ .
و لو خرج الحربيّ المستأمن بمال من أموال دار الحرب ليشتري به شيئا لم يتعرّض له، و لو دفع الحربيّ إلى الذمّي شيئا وديعة في دار الإسلام كان آمنا.
ص: 151
فإن كان ذلك كرها له لم يلزمه الوفاء لهم برجوع و لا فدية، و إن كان مختارا لم يجب الوفاء بالمال و لا يعود(1) إليهم مع المكنة على المال و العجز، سواء في ذلك المرأة و الرجل.
فإن طلبوا أمانا لأنفسهم ففعل الإمام، كانوا آمنين على أنفسهم، و إن طلبوه لأهلهم خاصّة، فهم فيء و أهلهم آمنون.
و لو أمنوهم على ذريّتهم فهم آمنون و أولادهم و أولاد أولادهم و إن نزلوا، و الوجه دخول أولاد البنات، و لو أمنوهم على إخوتهم، دخل الذكور و الاناث، و كذا الأبناء يدخل فيهم الذكور و الاناث، أمّا البنات و الاخوات فتختص بالاناث.
و لو أمنوا آبائهم دخل الآباء و الأمّهات، و الأقرب دخول الأجداد، و لو أمنوا أبناءهم دخل أبناء الأبناء.
فلو دخل الرسول بكتاب أمان، و شهد جماعة من المسلمين بصحّته، ثمّ فتح المشركون الباب و دخل المسلمون، لم يجز لهم السبي إذا كان الكتاب باطلا(2).
ص: 152
و لو ادّعى كلّ واحد من أهل الحصن انّه الآمن حرم استرقاقهم مع الاشتباه.
و لو قال: اعقدوا الأمان على أهل حصني أفتحه لكم، فأمنوه على ذلك فهو آمن و أهل الحصن و أموالهم.
و لو قال: آمنوني على ألف درهم من مالي على أن أفتح لكم الحصن فهو آمن على ما طلب، و يكون الباقي فيئا، و لو لم يف ماله بالألف لم يكن له زيادة على ماله، و لو لم يكن له دراهم و كان له عروض أعطى من ذلك ما يساوي ألفا، أمّا لو قال: ألف درهم من دراهمي و لا دراهم له كان لغوا.
فإذا حصر الإمام بلدا جاز له أن يعقد عليهم أن ينزلوا على حكمه، فيحكم فيهم بما يرى هو أو بعض أصحابه، و ليس له أن ينزلهم على حكم اللّه، و يجوز أن ينزلوا على حكم الإمام أو حكم بعض أصحابه.
و يشترط في الحاكم سبعة أمور: الحريّة، و الإسلام، و البلوغ، و العقل، و الذكوريّة، و الفقه، و العدالة، و لا يشترط علمه بالفقه أجمع، بل بما يتعلّق بهذا الحكم و ما يجوز فيه و يعتبر له.
و يجوز أن يكون الحاكم أعمى و محدودا في القذف، و على حكم أسير معهم مسلم إلاّ أن يكون حسن الرأي فيهم فيكره، و إن لم يكن أسيرا.
و لو نزلوا على حكم رجل غير معيّن على أنّهم يعيّنون ما يختارونه
ص: 153
لأنفسهم جاز، فإن اختاروا من يجوز حكمه قبل منهم و إلاّ فلا، و لو جعلوا اختيار التعيين إلى الإمام جاز إجماعا.
و يجوز أن يكون الحاكم اثنين و أكثر، فإن اتفقا جاز، و لو مات أحدهما لم يحكم الآخر إلاّ بعد الاتفاق عليه أو يعيّنوا غيره، و لو اختلفا لم يمض الحكم حتّى يتفقا.
و لو نزلوا على حكم اثنين أحدهما مسلم و الآخر كافر لم يجز، و لو مات من اتّفقوا على تعيينه لم يحكم فيهم غيره إلاّ مع الاتفاق، و يردّون إلى مأمنهم.
و لو حكموا من لا يجتمع فيه شرائط الحكم و نزلوا إلينا ثمّ ظهر انّه لا يصلح، لم يحكم، و ردّوا إلى مأمنهم(1).
و انّما يمضى الحكم إذا كان الحظّ للمسلمين، فإن حكم بقتل الرجال و سبي النساء و الذريّة و غنيمة المال نفذ، و إن حكم باسترقاق الرجال و سبي النساء و الولدان و أخذ الأموال جاز، و إن حكم بالمنّ و ترك السبي بكل حال جاز مع الحظّ. و إن حكم بعقد الذمّة و أداء الجزية جاز، و لزمهم النزول على حكمه، و إن حكم بالفداء جاز، و إن حكم بالمنّ على الذريّة جاز، و كذا إن حكم بالاسترقاق.
و لو حكم على من أسلم بالاسترقاق، و على من أقام على الكفر بالقتل جاز، فلو أراد استرقاق من أقام على الكفر بعد ذلك، لم يكن له، و إن أراد أن يمنّ
ص: 154
عليه جاز، و لو حكم بالقتل و أخذ الأموال و سبي الذريّة و رأى الإمام المنّ على الرّجال أو على بعضهم جاز.
عصموا أموالهم و دماءهم و ذراريهم من الاستغنام و القتل و السبي.
و لو أسلموا بعد الحكم عليهم، فإن كان قد حكم بقتل الرجال و سبي الذراري و نهب الأموال، مضى الحكم عليهم إلاّ القتل، و لو أراد الإمام استرقاقهم بعد الإسلام لم يجز، و يستغنم المال و يسترق الذريّة.
و لو حكم بقتل الرجال و سبي النساء و الذريّة و أخذ المال، كان المال غنيمة و يجب فيه الخمس.
و لو نزلوا على أن يحكم فيهم بكتاب اللّه تعالى أو القرآن كره، لأنّه ليس بمنصوص، فيحصل الاختلاف.
جاز أن يأخذ منه الجزية.
و لو قال له: اخرج إلى دار الحرب، فإن أقمت عندنا صيّرت نفسك ذميّا، فأقام سنة ثمّ قال: أقمت لحاجة، قبل قوله، و لم يجز أخذ الجزية منه، بل يردّ إلى مأمنه. قال الشيخ: و لو قلنا: انّه يصير ذميا لأنّه خالف الإمام كان قويّا(1).
و إذا اتّفقوا على حاكم لم
ص: 155
يجب عليه الحكم، بل جاز، سواء كان قبل التحكيم أو لم يقبله، بل يجوز أن يخرج نفسه من الحكومة.
و إذا حكم الحاكم بما لا يجوز، لم ينفذ، و لو حكم بعد ذلك بالسائغ فالوجه النفوذ.
و هي الفائدة المكتسبة، سواء اكتسبت برأس مال كأرباح التجارات و الزراعات و غيرهما، أو اكتسبت بالقتال.
و البحث انّما هو عن الثاني، و أقسامه ثلاثة: ما ينقل و يحول كالأقمشة و الحيوان، و ما لا ينقل كالعقارات، و ما هو سبي كالأطفال و النساء.
و فيه عشرة مباحث:
و إن كان مما يصحّ تملّكه من الاشياء المملوكة فهو للغانمين خاصّة، بعد إخراج الخمس و الجعائل.
و الاشياء المباحة في الأصل كالصيود و الأحجار و الأشجار، فإن لم
ص: 156
يكن عليه أثر تملّك، فهو للواجد، و ليس غنيمة و إلاّ فغنيمة.
و لو وجد ما يحتمل أن يكون لهم و للمسلمين كالسّلاح، فالأقرب انّ حكمه حكم اللقطة، و قيل(1): يعرف سنة ثم يلحق بالغنيمة، و لو ادّعاه مسلم فالأقرب انّ عليه البينة.
و لو اخذ من بيوتهم أو من خارجها ما لا قيمة له في أرضهم كالمسنّ (2)و الأدوية فهو أحقّ به، و لو صارت له قيمة بنقله أو معالجته فكذلك.
كان جائزا و يصير لآخذه، و لو وجد في أرضهم ركازا، فإن كان في موضع يقدر عليه، فهو كما لو وجده في دار الإسلام يخرج منه الخمس، و الباقي له، و إن لم يقدر عليه إلاّ بجماعة من المسلمين، فالأقرب انّه غنيمة.
كالطعام و علف الدوابّ مع الحاجة لا بدونهما، و يجوز ذبح الحيوان المأكول مع الحاجة، و لا تجب عليه القيمة، و يردّ جلودها إلى المغنم، و لو استعمله في سقاء أو نعل أو شراك ردّه إلى المغنم، و عليه أجرة المدّة و ارش ما نقص،(3) و لو زادت القيمة بالصنعة لم يكن له شيء.
ص: 157
و لا يجوز تناول ما عدا الطعام و العلف و اللحم و لا استعماله و لا الانفراد به، و يجوز استعمال الدهن المأكول في الطعام عند الحاجة، و لو لم يكن مأكولا، فاحتاج إلى أن يدهن به، أو يدهن به دابته لم يكن له ذلك إلاّ بالقيمة على إشكال.
و يجوز أن يأكل ما يتداوى به أو يشربه كالجلاب و السكنجبين و غيرهما عند الحاجة، و ليس له أن يغسل ثوبه بالصابون، و لا ينتفع بالجلود و لا اتخاذ النعال منها و لا الجورب و لا الخف و لا الحبال من الشعر.
و الكتب الّتي لهم إن انتفع بها كالطبّ و الأدب، فهي غنيمة، و إن لم ينتفع بها كالتوراة و الإنجيل، فإن أمكن الانتفاع بجلودها أو ورقها بعد الغسل، كانت غنيمة، و إلاّ فلا.
و جوارح الصيد و البزاة غنيمة، و كذا كلاب الصيد، و لو لم يرغب فيها أحد من الغانمين جاز إرسالها و اعطاؤها غير الغانم، و لو رغب فيها بعض الغانمين دفعت إليه، و لا تحتسب عليه من نصيبه، و لو رغب الجميع قسّمت، و لو تعذّرت القسمة أو تنازعوا في الجيد، أقرع بينهم، أمّا الخنازير فليست غنيمة، و لا تعطى أحدا.
و لا يجوز لبس الثياب و لا ركوب دابّة من المغنم، و لو كان للغازي دوابّ أو رقيق جاز أن يطعمهم ممّا يجوز له الأكل منه، سواء كانت للغنيمة أو للتجارة.
و لو كان معه بزاة أو صقورة لم يكن له أن يطعمها من المغنم بخلاف الخيل.
ص: 158
لم يجز التصرّف فيها، و لا في بعضها حتّى الطعام إلاّ مع الضرورة، سواء أحازوها في دار الإسلام أو في دار الحرب على إشكال، و لو كان معه من الطعام فضلة، فأدخله في دار الإسلام ردّه إلى المغنم، سواء كان قليلا أو كثيرا.
و لا يجوز وطء جارية المغنم، و إذا حاز المسلمون الغنائم و جمعوها، ثبت حقّهم فيها و ملكوها، سواء جمعوها في دار الحرب أو دار الاسلام، و ثبت لكلّ واحد من الغانمين حق الملك في جزء مشاع غير معيّن. و إنّما يتعيّن باختيار الإمام.
سواء كان آلة السلاح أو لا، و سواء كان الرحل ثياب بدنه أو لا، و سواء كان كتب الأحاديث و العلم أو لا، و سواء كان آلة الدابّة أو لا، و سواء اتخذت متاعا آخر أو لا، و سواء رجع إلى بلده أو لا. و سواء مات أو لا. و سواء باع متاعه، أو وهبه، أو نقله عنه أو لا، و سواء كان الغالّ صبيّا أو لا، حرّا كان أو عبدا ذكرا كان أو لا، مسلما كان أو لا، أنكر الغلول أو اعترف به.
و لا يحرم سهمه من الغنيمة، سواء كان صبيّا أو بالغا.
و إن بلغ النصاب قطع.
و لو كان السارق عبدا أو امرأة و سرق أكثر من قدر ما يرضخ له بقدر النصاب قطع، و إلاّ فلا.
و لو ادّعى الشبهة المحتملة سقط القطع.
و لو سرق عبد الغنيمة منها لم يقطع.
و لو كان أحد الغانمين ابن السارق غير الغانم لم يقطع، إلاّ إذا زاد ما سرقه عن نصيب ولده بقدر النصاب.
و لو كان السارق سيّد عبد في الغنيمة، كان حكمه حكم من له نصيب.
فإن غلّ على وجه السرقة قطع، و إلاّ فلا، و لا يحرق رحل السارق كما قلناه في الغالّ .
فإن كان المشتري من الغانمين، لم يصحّ البيع، و يقرّ في يد المشتري، و ليس له ردّه إلى البائع و لا للبائع قهره عليه، و إن لم يكن من الغانمين لم يقرّ يده عليه.
و لو كان المبيع طعاما لم يصحّ البيع أيضا، و المشتري أحقّ به، فلو باع أحدهما صاعين من برّ بصاع منه من الغنيمة، لم يثبت الرّبا.
و لو أقرض غانم غانما طعاما أو علفا في بلاد العدوّ صحّ ، و ليس
ص: 160
بقرض حقيقة، و يكون الثاني أحقّ باليد، و ليس على المقترض ردّه على المقرض، فإن فعل كان المردود عليه أحقّ به.
و لو خرج المقرض إلى بلاد الإسلام لم يكن للمقترض ردّه عليه، بل يردّ إلى المغنم، و لو خرج المقترض من دار الحرب و الطعام في يده، ردّه إلى المغنم و لا يردّ على المقرض الأوّل.
و لو أقرضه الغانم لمن لا سهم له في الغنيمة لم يصحّ قرضه، و استعيد من القابض(1)، و كذا لو باعه منه، و كذا لو جاء رجل من غير الغانمين و أخذ(2) من طعام الغنيمة، و لو باعه من غير الغانمين بطل البيع و استعيد.
و لو باعه من غانم كان الغانم أولى به، و لا يكون بيعا صحيحا.
فلو عاد الكفّار و أخذوا المبيع من المشتري في دار الحرب، فإن كان لتفريط من المشتري، مثل أن خرج به من العسكر وحده، فضمانه عليه، و إن حصل بغير تفريط فالتلف منه أيضا، و لا ينفسخ البيع.
و إذا قسمت الغنائم في دار الحرب جاز لكلّ من أخذ سهمه التصرّف فيه كيف شاء بالبيع و غيره، فلو باع بعضهم شيئا فغلب المشتري عليه لم يضمنه البائع.
و يجوز لأمير الجيش أن يشتري من مال الغنيمة شيئا قبل القسمة و بعده.
ص: 161
و فيه اثنان و عشرون بحثا:
و الذكور: بالغون و أطفال و هم من لم يبلغ خمس عشرة سنة، فالنساء و الأطفال يملكون بالسبي، و لا يحلّ قتلهم، و لو أشكل أمر الصبيّ في البلوغ و عدمه اعتبر بالإنبات، فإن كان قد أنبت الشعر الخشن على عانته حكم ببلوغه، و إلاّ فلا.
و أمّا البالغون من الذكور فإن أسروا قبل تقضّي الحرب و انقضاء القتال، تخيّر الإمام بين قتلهم و قطع أيديهم و أرجلهم من خلاف و تركهم حتّى ينزفوا و يموتوا، و لا يجوز إبقاؤهم بفداء و لا بغيره.
و إن أسروا بعد أن وضعت اَلْحَرْبُ أَوْزٰارَهٰا و انقضاء القتال لم يجز قتلهم، و كان الإمام مخيّرا بين المنّ و الفداء و الاسترقاق، و هذا التخيير ثابت في كلّ كافر سواء كان ممّن يقرّ على دينه بالجزية أو لا.
و قال الشيخ: إن كان من عبدة الاوثان تخيّر الإمام بين المنّ و الفداء خاصّة(1)، و ليس بمعتمد.
و لا فرق بين العرب و العجم في ذلك، و هذا التخيير تخيير مصلحة و اجتهاد لا تشهيا إلاّ أن يستوي الثلاثة في المصلحة فيختار تشهّيا، و لا يكون القتل أولى.
سواء أخذ قبل
ص: 162
تقضي الحرب أو بعدها، قال الشيخ: و يتخير الإمام بين المنّ و الفداء و الاسترقاق،(1) و لا يجب الاسترقاق عينا، فإن اختار الإمام أن يفادي به مالا أو رجالا جاز بشرط أن يكون له عشيرة تحميه من المشركين، و إن لم يكن له عشيرة لم يجز ردّه إليهم، و مال الفداء غنيمة للغانمين.
و لو أسلم الأسير قبل أن يقع في الأسر، لم يجز قتله و لا استرقاقه و لا المفاداة به، سواء أسلم في حصن محصورا أو مصبورا أو رمى نفسه في بئر، و يكون دمه محقونا، و كذا ماله و ذريّته الأطفال، و أمّا البالغون فحكمهم حكم الكفّار، و أمّا الدور و الأرضون الّتي له، فهي فيء، فلا يكون له.
فإن منّ عليه الإمام، أو فاداه، لم ينفسخ النكاح، و إن استرقّه انفسخ.
و لو أسر الزوجان معا انفسخ النكاح، و كذا ينفسخ لو كان الزوج صغيرا، أو أسرت الزوجة، سواء سبي الزوج أو لا، و كذا لو سبي بعدها بيوم أو بأزيد أو بأنقص، و سواء سباهما رجل واحد أو اثنان، و الوجه انّه إذا سباهما واحد و ملكهما معا، كان النكاح باقيا ما لم يفسخه.
و لو كان الزوجان مملوكين، قيل: لا ينفسخ النكاح(2) و الوجه تخيّر الغانم.
حقن ماله و دمه و أولاده الصغار من السبي، و المال المعصوم هنا انّما هو ما ينقل و يحول، أمّا ما لا ينقل فانّه فيء للمسلمين.
ص: 163
و لو دخل دار الإسلام فأسلم فيها و له أولاد صغار في دار الحرب صاروا مسلمين، و لم يجز سبيهم، و لو أسلم و له حمل تبعه في الإسلام.
و لو سبيت المرأة، و هي حامل و قد أسلم أبوه، أو كانت الحربيّة حاملا من مسلم بوطء مباح، كانت رقّا دون الحمل.
و لو أسلم في دار الحرب، و له فيها عقار، ثمّ غنمها المسلمون، سلّمت عليه أمواله المنقولة، دون الأرضين و العقارات، فانّها تكون غنيمة.
و لو استاجر مسلم من حربيّ أرضه في دار الحرب، صحّت الإجارة، فلو غنمها المسلمون كانت غنيمة، و كانت المنافع للمستأجر، و لا تبطل الاجارة.
ففي جواز استرقاقه وجهان نشأ(1) من مطلق الإذن في الاسترقاق، و من ثبوت حق الولاء للمعتق المسلم، فصار كالآبق المملوك.
و لو أعتق الذمّي عبده الّذي صحّ عتقه، فإن لحق بدار الحرب فأسر جاز استرقاقه.
فإن خرج إلينا قبل مولاه تحرّر، و إلاّ فهو على الرّقية، قال الشيخ: و لو قلنا انّه يصير حرا على كل حال كان قويّا(2).
و لو كان المولى صبيّا أو امرأة لم يسلم حتّى غنمت و قد حارب العبد المسلم معنا، جاز أن يملك مولاه.
ص: 164
عتقت و استبرأت نفسها.
انتقل إلى المسلمين، و لو عقد المولى لنفسه أمانا لم يقرّ المسلم على ملكه، و كذا حكم المدبّر و المكاتب المشروط و المطلق و أمّ الولد.
كره التفرقة بينهما، بل ينبغي للإمام أن يدفعهما إلى واحد، و لو قصر سهمه دفعهما إليه و استعاد الفاضل، أو يجعلهما في الخمس، فإن لم يفعل باعهما و ردّ ثمنهما في المغنم، و حرّم بعض أصحابنا التفرقة(1) و الأقوى ما قلناه.
و لا تزول الكراهية برضى الإمام بالتفرقة، و حكم البيع هذا الحكم، فيكره للمالك التفرقة بين الأمّ و ولدها.
و إذا بلغ الصبيّ سبع سنين جازت التفرقة، و لو باع الأمّ بانفرادها أو الولد بانفراده، كان مكروها عندنا، و صحّ البيع، و عند الشيخ يحرم و يصحّ البيع(2).
2748. العاشر: قال الشيخ(3): يجوز التفرقة بين الولد و الوالد،
و بينه و بين الجدة أمّ الأمّ (1) و بين الأخوين و الأختين، و بين من خرج من عمود الأبوين من فوق و أسفل. مثل الإخوة و أولادهم، و الأعمام و أولادهم، و سائر الأقارب.
و لا خلاف في جواز التفرقة بينه و بين الرحم غير المحرم، و بينه و بين الأمّ
ص: 165
من الرضاعة أو الأخت منها، و في جواز التفرقة بينهما في العتق.
بناء على انّهما أقارب يحرم التفريق بينهم، فظهر أنّه(1) لا نسب بينهم، وجب عليه ردّ الفضل الّذي فيهم على المغنم.
قال الشيخ: لم يجز بيعها منفردة عن ولدها، بل يباعان معا و يعطى المجنيّ عليه ما يقابل قيمة جارية ذات ولد منفردة عنه، و الباقي للسيد، و لو كانت حاملا و لم يفدها السيّد، لم يجز بيعها إن كانت حاملا بحرّ، و يصبر حتّى تضع، و يكون الحكم كما لو كان منفصلا، و لو كانت حاملا بمملوك جاز بيعهما معا إذا كان منفصلا(2).
ففي جواز رجوعه فيها دون ولدها، وجهان، و لو ابتاع جارية فأتت بولد مملوك في يد المشتري، و علم بعيبها، لم يكن له ردّها بالعيب، و لو كانت حاملا تخيّر بين الأرش و الردّ(3).
فإن سبي مع أبويه الكافرين فهو على دينهما، و إن سبي منفردا عنهما، قال الشيخ: يتبع السابي في الإسلام، فلو بيع من كافر بطل البيع(4).
ص: 166
و لو سبي مع أحدهما، قال الشيخ: يتبع أحد أبويه في الكفر، و لو مات أبو الطفل المسبي معهما لم يحكم بإسلامه، و كره بيعه على الكافر(1).
فإن جلب قوم، و تعارف اثنان [منهم](2) بما يوجب الإرث قبل ذلك، سواء كان قبل العتق أو بعده، و يورّثون على ذلك سواء كان النسب نسب الوالدين و الولد أو من يتقرّب بهما.
فلو اخذ الطفل من بلاد الشرك كان رقيقا، فإذا أعتقه السابي نفذ عتقه و ثبت عليه الولاء، فإن أقرّ المعتق بنسب كأب أو جد أو ابن عمّ فالوجه انّه لا يقبل إلاّ بالبيّنة أو تصديق المقرّ به، و لو أقر بولد فالأقرب انّه كذلك.
لم يجب قتله، و لو بدر مسلم فقتله كان هدرا.
و يجب أن يطعم الأسير و يسقى و إن اريد قتله بعد لحظة.
و هو الحبس للقتل.
درئ عنه من الحدّ بمقدار نصيبه منها، و يقام عليه الحدّ بمقدار نصيب باقي الغانمين، سواء قلّوا أو كثروا.
و لو وطئها جاهلا بالتحريم سقط عنه الحدّ، قال الشيخ: و لا يجب على واطئ جارية المغنم المهر، و لو أحبلها قال: حكم ولدها حكمها له منه بقدر
ص: 167
نصيبه من الغنيمة، و يقوّم بقيّة سهم الغانمين عليه. فان كانت القيمة قدر حقه فقد استوفي. و ان كان أقلّ أعطي تمام حقه، و إن كان أكثر ردّ الفضل(1)، و يلحق به الولد لحوقا صحيحا، و الجارية أمّ ولده في الحال.
و تقوّم الجارية عليه، و يلزم سهم الغانمين، فإن كانت القيمة بقدر النصيب احتسب عليه، و إن كانت أقلّ أعطي تمام حقه، و إن كانت أكثر ردّ الفاضل، و انّما يقوّم الولد إذا قوّمت الجارية بعد وضعه فيقوّمان معا، و يأخذ الغانمون الفاضل من القيمتين عن النصيب، و لو قوّمت قبل وضعه لم يقوّم الولد عليه.
2757. التاسع عشر: لو وطئ بعد القسمة و حصولها في نصيبه بتعيين الإمام و لم نشترط الرضا(2)
كان الوطء مصادقا للملك، و إن عيّنت لغيره وجب عليه ما يجب على واطئ أمة غيره من الحدّ و المهر و رقيّة الولد مع العلم.
و لو توهّم أنّ تعيين الإمام غير كاف في التمليك فوطئ، كان شبهة في سقوط الحدّ.
قوّمت عليه مع ولدها و استسعى في نصيب الباقين، فإن امتنع كان له من الجارية بقدر نصيبه، و يتحرّر من الولد بقدر النصيب، و الباقي للغانمين، و الجارية أمّ ولد.
قال الشيخ: الّذي يقتضيه المذهب انّه ينعتق منه نصيبه، و يكون الباقي للغانمين، و لا يلزمه قيمة الباقين، و لو جعله الإمام في نصيبه أو نصيب جماعة هو أحدهم،
ص: 168
فانّه ينعتق نصيبه(1) و الأقرب انّه لا يجب عليه شراء حصص الباقين. و لو رضى بالقسمة(2) فالأقرب التقويم عليه مع اليسار.
و لو أسر أباه منفردا، فالأقرب عدم عتقه عليه، و لو أسر أمّه أو ابنه الصغير صار رقيقا و عتق عليه.
فإن كان ممّن(3) لا يثبت فيه الملك كالرجل، لم يصحّ عتقه، و إن كان ممّن يملك كالمرأة و الصبيّ ، فالأقرب صحّة عتق نصيبه و تقويم الباقي عليه، فيطرح في الغنيمة إن كان موسرا، و إن كان معسرا صحّ عتق نصيبه، فإن كان بقدر نصيبه من الغنيمة لم يسهم له من الغنيمة شيء، و إن كان أقلّ ، يعطى التمام، و إن كان أكثر ردّ الفاضل.
و فيه ثمانية مباحث:
فانّها للمسلمين قاطبة، و لا يختص بها المقاتلة، و لا يفضلون على غيرهم، و لا يتخيّر الإمام بين قسمتها و وقفها و تقرير أهلها عليها بالخراج.
و يقبّلها الإمام لمن يقوم بعمارتها بما يراه من النصف أو الثلث، و على
ص: 169
المتقبّل إخراج مال القبالة و حق الرقبة، و فيما يفضل في يده إذا كان نصابا العشر أو نصف العشر.
و لا يصحّ التصرّف في هذه الأرض بالبيع و الشراء و الوقف و غير ذلك.
و للإمام أن ينقله من متقبّل إلى غيره إذا انقضت مدّة القبالة، و له التصرّف فيه بحسب ما يراه من مصلحة المسلمين، و ارتفاع هذه الأرض يصرف إلى المسلمين بأجمعهم و إلى مصالحهم، و ليس للمقاتلة فيها إلاّ مثل ما لغيرهم من النصيب في الارتفاع.
فيترك في أيديهم ملكا لهم، يصحّ لهم التصرّف فيها بالبيع و الشراء و الوقف و سائر أنواع التصرّف إذا عمروها و قاموا بعمارتها، و يؤخذ منهم العشر أو نصف العشر زكاة إذا بلغ النصاب.
فان تركوا عمارتها و تركوها خرابا كانت للمسلمين قاطبة، و جاز للإمام أن يقبّلها ممّن يعمرها بما يراه من النصف أو الثلث أو الربع، و كان على المتقبّل بعد إخراج حقّ القبالة و مئونة الأرض إذا بقي معه النصاب، العشر أو نصف العشر، و على الإمام أن يعطي أربابها حقّ الرقبة.
و هي كلّ أرض صالح أهلها عليها، و هي أرض الجزية يلزمهم ما يصالحهم الإمام عليه من نصف أو ثلث أو ربع أو غير ذلك، و ليس عليهم غير ذلك.
و إذا أسلم أربابها كان حكم أراضيهم(1) حكم أرض من أسلم طوعا ابتداء،
ص: 170
و يسقط عنهم الصلح، لأنّه جزية، و يصحّ لأربابها التصرّف فيها بالبيع و الشراء و الهبة و غير ذلك.
و للإمام أن يزيد و ينقص ما يصالحهم عليه بعد انقضاء مدّة الصلح بحسب ما يراه من زيادة الجزية و نقصانها.
و لو باعها المالك من مسلم صحّ و انتقل ما عليها إلى رقبة البائع، هذا إذا صولحوا على أنّ الأرض لهم، أمّا لو صولحوا على أنّ الأرض للمسلمين، و على أعناقهم الجزية، كان حكمها حكم الأرض المفتوحة عنوة، عامرها للمسلمين و مواتها للإمام.
و هي كلّ أرض انجلى أهلها عنها و تركوها، أو كانت مواتا لغير مالك فأحييت، أو كانت آجاما و غيرها ممّا لا يزرع فاستحدثت مزارع، فانّها كلّها للإمام خاصّة، لا نصيب لأحد معه فيها، و له التصرّف فيها بالقبض و الهبة و البيع و الشراء بحسب ما يراه، و كان له أن يقبّلها بما يراه من نصف أو ثلث أو ربع.
و يجوز نزعها من يد متقبّلها إذا انقضت مدّة الضمان إلاّ ما أحييت بعد موتها، فانّ من أحياها أولى بالتصرف فيها إذا تقبّلها بما يتقبّلها غيره، فإن أبى كان للإمام نزعها من يده و تقبيلها لمن يراه، و على المتقبّل بعد إخراج مال القبالة فيما يحصل في حصته العشر أو نصف العشر.
وجب عليه فيما بقي بعد ذلك الخمس لأهله(1).
ص: 171
يصرف الإمام حاصلها في المصالح مثل سدّ الثغور، و معونة الغزاة، و بناء القناطير، و أرزاق القضاة و الولاة و صاحب الديوان(1) و غير ذلك من مصالح المسلمين.
و أمّا الموات وقت الفتح، فهي للإمام خاصّة، و لا يجوز لأحد إحياؤه إلاّ بإذنه مع ظهوره، و لو تصرّف كان عليه طسقها له، و لو كان غائبا ملكها المحيي من غير إذن.
و مع ظهوره يجوز له نقلها من يد من أحياها إذا لم يقبلها بما يقبلها غيره، و لا يجوز بيع هذه الأرض على ما تقدّم، بل البيع يتناول التصرّف من البناء و الغرس، و حقّ الاختصاص بالتصرّف لا الرقبة.
2767. الرابع: كلّما يخصّ (2) الإمام من الأرضين الموات و رءوس الجبال و بطون الأودية و الآجام، ليس لأحد التصرّف فيها مع ظهور الإمام عليه السّلام إلاّ بإذنه.
و سوّغوا لشيعتهم حال الغيبة التصرّف فيها بمجرّد الإذن منهم.
ثم أمنهم بعد ذلك لا صلحا.
و هي سواد العراق، و حدّه في العرض من منقطع الجبال بحلوان إلى طرف القادسيّة المتصل بعذيب من أرض العرب، و من تخوم الموصل طولا إلى ساحل البحر ببلاد عبادان من شرقي دجلة.
ص: 172
فأمّا الغربي الّذي تليه البصرة، فانّما هو إسلامي مثل شطّ عثمان بن أبي العاص و ما والاها كانت سباخا و مواتا فأحياها عثمان بن أبي العاص.
و سمّيت هذه الأرض سوادا، لأنّ الجيش لما خرجوا من البادية رأوا التفاف شجرها، فسمّوها سوادا.
و بعث عمر إليها بعد فتحها ثلاثة أنفس: عمّار بن ياسر على صلواتهم أميرا، و ابن مسعود قاضيا [و](1) واليا على بيت المال، و عثمان بن حنيف على مساحة الأرض.
قال أبو عبيدة مبلغ مساحتها ستّة و ثلاثون ألف ألف جريب: و ضرب على كلّ جريب نخل عشرة دراهم، و على الكرم ثمانية دراهم، و على جريب الشجر و الرطبة ستّة دراهم، و على الحنطة أربعة دراهم، و على الشعير درهمين. ثمّ كتب إلى عمر بذلك فأمضاه، و كان ارتفاعها مائة و ستين ألف ألف درهم، و لما انتهى الأمر إلى أمير المؤمنين عليه السّلام أمضى ذلك، و رجع ارتفاعها في زمن الحجّاج إلى ثمانية عشر ألف ألف درهم.
قال الشيخ: و الّذي يقتضيه المذهب، انّ هذه الأراضي و غيرها من البلاد الّتي فتحت عنوة يخرج خمسها لأربابه و أربعة الأخماس الباقية للمسلمين قاطبة، لا يصحّ التصرّف فيه ببيع و لا هبة و لا إجارة و لا إرث، و لا يصحّ أن يبنى دورا و منازل و مساجد و سقايات و لا غير ذلك من أنواع التصرّف الّذي يتبع الملك، و متى فعل شيء من ذلك كان التصرّف باطلا و هو باق على الأصل.(2)
ص: 173
قال: و على الرواية الّتي رواها أصحابنا انّ كل عسكر أو فرقة غزت بغير أمر الإمام تكون الغنيمة للإمام خاصة تكون هذه الأرضون و غيرها ممّا فتحت بعد الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلاّ ما فتح في أيّام أمير المؤمنين عليه السّلام إن صحّ شيء من ذلك، يكون للإمام خاصّة و يكون من جملة الأنفال الّتي له خاصّة لا يشركه فيها غيره.
جاز له أن يصالحهم بشروط ثلاثة: أن يبذلوا الجزية، و أن يجري عليهم أحكام المسلمين، و أن لا يجتمعوا مع مشرك على قتال المسلمين، فإذا بذلوا ذلك عقد معهم الصلح، و لزم ما داموا على الشرط، و تكون أرضهم ملكا لهم يصحّ لهم التصرّف فيها كيف شاءوا.
و يجوز للمسلم استيجارها منهم، و تكون الأجرة له و الخراج عليه، و لو باعها من مسلم صحّ البيع و انتقل ما عليها من الخراج إلى رقبة الذمي، و لا يبقى متعلّقا بالأرض.
كان للإمام تقبيلها ممّن يقوم بها، و عليه طسقها لأربابها، و كل أرض موات سبق إليها سابق فعمرها و أحياها كان أحقّ بها إذا لم يكن لها مالك معروف، فإن كان لها مالك معروف، وجب عليه طسقها لمالكها.
ص: 174
و فيه مطالب:
و فيه سبعة عشر بحثا:
كطريق سهل، أو ماء في مفازة، أو قلعة يفتحها، أو مال يأخذه، أو عدوّ يغير عليه، أو ثغر يدخل به.
و يستحقّ المجعول له الجعل بنفس الفعل الّذي جعل له الجعل، سواء كان مسلما أو كافرا.
ثمّ الجعالة يجب أن تكون معلومة إن كانت في يد الجاعل إمّا بالمشاهدة أو الوصف، و إن كانت في يد المشركين(1) جاز أن تكون مجهولة كجارية و ثوب.
ثم إن كانت في يده بأن قال: من دلّنا على ثغر القلعة فله كذا، فانّه يجب عليه دفع الجعل بنفس الدلالة، و لا يتوقّف على فتح البلد، و إن كانت من مال الغنيمة، بأن قال: من دلّنا على ثغر القلعة فله الجارية المعيّنة منها، أو جارية مطلقة منها، فانّه انّما يستحق بالدلالة و الفتح معا.
ص: 175
سلّمت الجارية إليه إن بقيت على الكفر، و إن كانت قد أسلمت قبل الأسر لم يجز استرقاقها، و دفع إلى الدالّ القيمة، و لو أسلمت بعد الأسر سلّمت إليه إن كان مسلما، و إن كان كافرا دفع إليه القيمة.
و إن فتحت صلحا(1) و لم تكن الجارية داخلة في الهدنة، فكذلك، و إن دخلت، صحّ الصلح، فإن اختار الدالّ قيمتها مضى الصلح، و سلّم إليه القيمة، و إن أبى و اختار صاحب القلعة دفعها إلى الدالّ و أخذ القيمة فعل ذلك، و إن أبى كلّ واحد منهما، قال الشيخ: يفسخ الصلح(2) و لو قيل بمضيّ الصلح و يدفع إلى المجعول له القيمة كما لو أسلمت قبل الصلح، كان حسنا.
و لو ماتت الجارية المجعولة قبل الظفر أو بعده، قال الشيخ: لا يدفع القيمة إليه(3) و هو جيّد.
و لو كان الدليل جماعة كانت الجارية بينهم.
لم يقتل بذلك، بل يعزّر و لا يسهم له إلاّ أن يتوب قبل تحصيل الغنيمة.
فلو بعث الإمام أو نائبه وقت دخوله دار الحرب للغزو سريّة يغير على العدوّ و يجعل لهم الربع بعد الخمس جاز، فما قدمت به السريّة يخرج خمسه، و الباقي يعطي السريّة منه الربع، و هو خمس آخر، ثمّ يقسم الباقي بين الجيش و السرية.
ص: 176
و كذلك إذا نفل من دار الحرب مع الجيش و أنفذ سريّة، و جعل لهم الثلث بعد الخمس جاز، فإذا قدمت السرية بشيء أخرج خمسه الإمام ثمّ أعطى السريّة ثلث ما بقى، ثمّ قسم الباقي بين الجيش و السريّة معه، و لا يشترط في النفل أن يكون من الخمس و لا من خمس الخمس.
و لو لم يشترط الإمام(1)نفلا لم يكن لأحد فضله عن سهمه.
بأن يقلّ المسلمون و يكثر المشركون، و لو كانوا مستظهرين فلا حاجة به، و مع الحاجة إن رأى ان ينفلهم دون الثلث أو الربع فله ذلك، و الأقرب انّه يجوز أن ينفل أكثر من الثلث أو الربع.
و النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نفل في البداءة الثلث و في الرجعة الربع، فالبداءة السريّة عند دخول الجيش دار الحرب، و الرجعة عند الخروج، و قيل البداءة السريّة الأولى، و الرجعة الثانية.
و كما يجوز التنفيل للسريّة كذا يجوز لبعض الجيش.
كان للوالي تخصيص من جاء بشيء دون الآخرين مع الشرط لا بدونه.
أو
ص: 177
نقب(1) هذا البيت، أو فعل كذا، فله كذا، و من جاء بأسير فله كذا، جاز، و لم يكن مكروها.
و لا يختصّ النفل بنوع من المال، و لو قال: من رجع إلى الساقة فله دينار جاز، و كذا لو قال:
من يعمل في سياقه المغنم.
و لو نفل السريّة استوى فيه الفارس و الراجل، إلاّ أن يشترط التفضيل، و كذا لو بعث سريّة من أهل الذمة جاز له أن ينفلهم مع المصلحة.
ثمّ انّ أمير السريّة نفل قوما منهم لفتح الحصن أو للمبارزة بغير إذن الإمام، نظر فإن نفلهم من سهم السريّة أو من سهامهم بعد النفل جاز، و لو نفلهم من سهم العسكر لم يجز.
و لو بعث أمير السريّة سريّة من سريّته، و نفل لهم أقلّ من النفل الأوّل أو أكثر فهو جائز من حصّة أصحاب السريّة لا من حصّة العسكر إلاّ أن يكون أمير العسكر اذن له في التنفيل، فيجوز تنفيله للسريّة الثانية في حقّ جميع العسكر.
و لو تفرّقت السريّة قسمين و بعد أحدهما عن الآخر بحيث لا يقدر على معونته، ثمّ أصاب كلّ قسم غنيمة، أو أصاب أحدهما دون صاحبه، فالنفل من جميع ذلك بينهم بالسويّة، و لو لم يلتقوا إلاّ عند العسكر، فلكلّ فريق النفل ممّا أصابوا خاصة.
و لو قال الإمام: من أخذ شيئا فهو له، فالوجه عندي الجواز.
كان جائزا، فلو ذهب رجل ممّن بعثه الإمام في سريّة الربع مع الأخرى، احتمل وجهين: احدهما حرمانه، و الثاني أن يجعل له مع سرية الثلث مقدار ما سمّى له و هو الربع، أمّا لو ضلّ و وقع في الأخرى، فالوجه مشاركتهم.
فلحقهم الثانية بعد الاستغنام، ثم غنموا معهم أخرى، فنفل الثانية لهم جميعا، و الأولى للسريّة الأولى.
قال ابن الجنيد: لو غنمت السريّة المنفّلة، فاحاط بها العدوّ، فأنجدهم المسلمون، شركوهم في النفل ما لم يحرزوه في العسكر(1).
فلو قال: من جاء بشيء فله منه طائفة، فجاء رجل بمتاع، نفله الإمام بما يراه، و لو قال: فله منه قليل، أو يسير، أو شيء منه، فله أقلّ من النصف، و لو قال: فله جزء منه، نفله النصف فما دونه.
ص: 179
و لو قال: من جاء بشيء فله سهم رجل(1) أعطاه سهم راجل لا فارس.
و لو قال: من جاء بألف درهم فله ألفا درهم، فجاء بالألف لا غير، لم يكن له أكثر من ألف.
و لو قال: من جاء بالأسير فله الأسير و ألف، لزمه دفعهما.
و لو قال: من جاء بأسير فله مائة درهم، كان ذلك من الغنيمة، أو في رقبة الأسير أو بيت مال المسلمين.
كان الذهب و الفضّة له دون السيف و الجفن، و لو أصاب خاتما نزع فصّه للغنيمة.
و لو ظهر مشرك على السور يقاتل المسلمين، فقال الإمام: من صعد السور فأخذه فهو له و خمس مائة، فصعد رجل و أخذه كان له مع خمس مائة.
و لو سقط الرجل من السور، فبادر إليه رجل فقتله خارج الحصن لم يكن له شيء.
و لو رماه فطرحه من السور فالأقرب انّه لا يستحقّ النفل أيضا.
و لو التقى الصفّان فقال: من جاء برأس فله كذا، انصرف إلى رءوس الرجال دون الصبيان، و لو انهزم الكفّار فقال: من جاء برأس فله
ص: 180
كذا، فجاء رجل بسبي أو برأس، فله النفل.
و لو جاء برأس فقيل: انّه كان ميّتا، فقال: أنا قتلته، ففي القبول مع اليمين نظر، و لو لم يعلم رأس مسلم أو كافر، لم يستحقّ النفل.
و لو جاء آخر و ادّعى انّه القاتل، فالقول قول الآتي [به](1) مع اليمين، فلو نكل لم يعط النفل، و هل يستحقّه المدعي ؟ فيه إشكال.
فاقتحم قوم من المسلمين فدخلوها، استحقّ كلّ واحد منهم ألفا، سواء ترتّبوا أو اجتمعوا.
و لو قال: من دخل فله الربع، فدخل عشرة، استحقوا بأجمعهم الربع.
و لو قال: من دخل فله جارية، فدخلها جماعة، و ليس هناك سوى جارية واحدة، فلكلّ واحد قيمة جارية وسط، و لو قال: جارية من جوارهم، كان لهم ما وجد لا غير.
و لو قال: من دخل أوّلا فله ثلاثة، و من دخل ثانيا فله اثنان، و من دخل ثالثا فله واحد، فدخلوا على التعاقب، كان لهم ما سمّاه، و لو دخلوا دفعة بطل نفل الأوّل و الثاني، و كان لهم جميعا نفل الثالث.
و لو قال: من دخل منكم خامسا فله درهم، فدخل خمسة معا، استحق كل واحد النفل، و لو دخلوا على التعاقب استحق الأخير خاصّة.
ص: 181
و فيه ستة عشر بحثا:
فيختصّ به مع الشرط، و لو لم يشترط الإمام لم يستحقّه على الخصوص، و اختار ابن الجنيد تخصيص القاتل به و ان لم يشترط الإمام(1).
جاز له أخذه و إن لم يأذن الإمام، و يستحبّ له استيذانه.
فلو قتل امرأة أو صبيّا أو شيخا فانيا و نحوهم ممّن لا يقاتل، لم يستحقّ سلبه، و لو قتل أحد هؤلاء و هو مقاتل، استحقّ .
فلو قتل أسيرا له أو لغيره أو من اثخن له بالجراح و عجز عن المقاومة لم يستحقّ سلبه.
و لو قطع يدي رجل و رجليه، و قتله آخر، فالسلب للقاطع، و لو قطع يديه أو رجليه، ثمّ قتله آخر، قال الشيخ: السلب للقاتل لا للقاطع(2).
و لو عانق رجل رجلا، فقتله آخر، فالسلب للقاتل، و لو كان الكافر مقبلا على رجل يقاتله، فجاء آخر من ورائه فقتله، فالسلب للقاتل.
ص: 182
2793. الخامس: يشترط في استحقاق السلب أيضا القتل أو الإثخان بالجراح(1)
بحيث يجعله معطّلا في حكم المقتول، و لو أسر رجلا لم يستحقّ سلبه و إن قتله الإمام.
بأن يبارز إلى صفّ المشركين أو إلى مبارزة من يبارزهم، فلو لم يغرّر بنفسه، بل رمى سهما في صفّ المشركين من صفّ المسلمين فقتل، لم يستحقّ سلبه.
و لو حمل جماعة من المسلمين على مشرك فقتلوه، فالسلب في الغنيمة، و لو اشترك في قتله اثنان، مثل أن جرحاه فمات، أو ضرباه فقتلاه، كان السلب لهما و إن كان أحدهما أبلغ في ضربه، على إشكال.
سواء قتله مقبلا أو مدبرا، و لو انهزم المشركون فقتله، لم يستحقّ السلب.
و لو لم يكن له نصيب لارتياب به بأن يكون مخذلا(2)، أو معينا على المسلمين، أو مرجفا لم يستحق السلب، و إن كان لنقص فيه كالمرأة و المجنون، فالوجه استحقاق السلب. و الصبيّ يستحقّ السلب، و كذا العبد و المرأة و الكافر.
أمّا العاصي بالقتال، كمن يدخل بغير إذن الإمام، أو يمنعه أبواه مع عدم تعيّنه عليه، فانّه لا يستحقّ السلب، و العبد إذا قتل قتيلا استحق سلبه
ص: 183
مولاه، و لو خرج من غير إذنه، فالأقرب استحقاق مولاه أيضا.
فقيل: يجب فيه الخمس، و قيل:
خمّس عليه.
و لا يتقدّر بقدر، بل هو موكول إلى الإمام، قلّ أو كثر، و النفل يكون إمّا بأن يبذل الإمام(3) من سهم نفسه من الأنفال، أو يجعله من جملة الغنيمة، فلو جعل الإمام نفلا لمن ينتدب إلى فعل مصلحة، فتبرّع قوم بتلك المصلحة، لم يكن للإمام أن ينفل، و كذا لو وجد من يفعل ذلك بنفل أقلّ .
2801. الثالث عشر: المنفصل عن المشرك كالرّحل و العبد(4) و الدوابّ الّتي عليها أحمال المشرك و السلاح الّذي ليس معه، غنيمة لا سلب.
ص: 184
و المتّصل به إن احتاج إليه في القتال، كالثياب، و العمامة، و الدرع، و السلاح، كالسيف، فهو سلب، و إن لم يحتج إليه كالخاتم، و المنطقة(1)، و الهميان الّذي للنفقة، و التاج، و السوار، فقد تردّد الشيخ فيه، و قوى كونه سلبا(2).
و الدابة الّتي يركبها من السلب، سواء كان راكبا لها أو نازلا عنها إذا كانت بيده، و جميع ما على الدابّة من سرج و لجام و جميع آلاتها، و الحلية الّتي على الآلات سلب.
و انّما تكون الدابة سلبا لو كان راكبا عليها أو في يده، و لو كانت في منزله أو مع غيره أو منفصلة لم تكن سلبا. و لو كان ماسكا بعنانها فهي سلب.
و الجنيب الّذي يساق خلفه ليس من السلب، و لو كان بيده قال ابن الجنيد:
يكون سلبا(3).
و يكره تجريدهم: و لم يأخذ أمير المؤمنين عليه السّلام سلبا عند مباشرته الحرب.
و الأقرب الاكتفاء بشاهد واحد.
2804. السادس عشر: لو قال الإمام: من أخذ شيئا(4) فهو له، جاز.
ص: 185
و فيه تسعة أبحاث:
بل يرضخ لهنّ و إن احتيج إليهنّ للطبخ و المداراة، و معناه أن تعطى شيئا من الغنيمة يقصر عن السهم بحسب ما يراه الإمام.
و لا فرق بين العبد المأذون و غيره في عدم الإسهام.
و قال ابن جنيد: يسهم للمأذون(1)، و إن كره مولاه الغزو لم يرضخ له أيضا، و لو عرف منه الإباحة استحقّ الرضخ كالمأذون، و المدبّر و المكاتب كالقنّ . و لو اعتق(2) العبد قبل تقضّي الحرب اسهم للسيد.
و لو قتل سيّد المدبّر قبل تقضّي الحرب، و هو يخرج من الثلث، عتق و اسهم له إذا كان حاضرا، و من انعتق نصفه قيل يرضخ له بقدر الرقيّة، و يسهم له بقدر الحريّة. و قيل: يرضخ له.
و قيل: له نصف سهم و نصف الرضخ، و لو انكشف حاله، و علمت رجوليّته أتمّ (3) له سهم الرجل سواء انكشف قبل تقضّي الحرب أو بعده، و قبل القسمة أو بعدها، على إشكال.
ص: 186
سواء كان من أهل القتال أو لم يكن حتّى انّه لو ولد بعد الحيازة قبل القسمة أسهم كالرجل المقاتل، و لو ولد بعد القسمة لم يسهم له.
و انّما يستحقّ سهم المؤلّفة أو الرضخ إذا خرج إلى القتال بإذن الإمام.
و يجوز الاستعانة في الجهاد بالمشركين بشرط أن يكون حسن الرأي في المسلمين مأمون الضرر.
و ليس للرضخ قدر معيّن بل هو موكول إلى نظر الإمام لكن لا يبلغ للفارس سهم الفارس و لا للراجل سهم الراجل، و ينبغي تفضيل بعضهم على بعض بحسب مراتبهم و كثرة النفع بهم.
و لو أعطاهم الإمام ذلك من ماله من الأنفال و حصّة من الخمس، جاز ذلك.
فان لم يكن قتال لم يستحقّوا شيئا، و إن كان و قاتلوا استحقّوا الأجرة، و إن لم يقاتلوا فالأقرب عدم الاستحقاق.
و لو زادت الأجرة على سهم الراجل و الفارس، احتمل أن يعطى ما يكون رضخا من الغنيمة و ما زاد من سهم المصالح، و احتمل دفع ذلك كلّه من الغنيمة، و هو الأقوى عندي.
ص: 187
و إن كان ذا فرس، و لا لفرسه.
و لو غزا رجل بغير إذن الإمام، أخطأ و سهمه من الغنيمة للإمام، و لو غزا بغير إذن أبويه أو بغير إذن من له الدين استحقّ السهم.
و إن قاتلوا مع المهاجرين، بل يرضخ لهم الإمام ما يراه(1) و نعني بالأعراب من أظهر الإسلام و لم يصفه و صولح على أعقابه عن المهاجرة و ترك النصيب. قال: و يجوز أن يعطهم من سهم ابن السبيل من صدقة(2) و أوجب ابن إدريس لهم النصيب (3)و فيه قوّة.
و فيه ثلاثة و عشرون بحثا:
2814. الأوّل: أوّل ما يبدأ الإمام يدفع(4) السلب إلى من جعله له،
ثمّ يخرج من الغنيمة أجرة الحمال و الحافظ و الناقل و الراعي و كلّ ما تحتاج إليه الغنيمة من النفقة مدة بقائها، ثمّ يخرج الرضخ، ثمّ يقسم، فيفرد(5) الخمس لأهله، و يقسّم أربعة الأخماس الباقية بين الغانمين، و يقدّم قسمة الغنيمة على قسمة الخمس لحضورهم و غيبة أولئك.
أو
ص: 188
ثوب مرتفع أو جارية حسناء أو سيف قاطع و غير ذلك ما لم يضرّ بالعسكر.
و لم يبطل الاصطفاء بموت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، بل هو ثابت للإمام بعده، و هل هو قبل الخمس أو بعده ؟ قولان.
لا يشرك غيرهم فيه، و أمّا الأرضون و العقارات فهي للمسلمين قاطبة.(1)
و يقسّم ما ينقل و يحول بين الغانمين، للراجل سهم واحد و للفارس سهمان. و قال ابن الجنيد: له ثلاثة أسهم. و هو رواية(2) لنا.
و لو كان معه أفراس جماعة، كان له سهم و لأفراسه سهمان و إن تعدّدت.
و لو غزا العبد بإذن مولاه على فرسه رضخ للعبد و أسهم للفرس، و كان الجميع للمولى، و لو كان معه فرسان رضخ له و أسهم لفرسين، سواء حضر السيّد القتال أو لا.
و لو غزا الصبيّ على فرس أسهم له و لفرسه، و لو غزت المرأة أو الكافر، فالأقرب انّهما يرضخان أزيد من رضخ الراجل من صنفهما و أقلّ من سهم الفارس.
و لو غزا المرجف أو المخذل على فرس لم يسهم له و لا لفرسه.
و يكون
ص: 189
سهم الفرس للمستعير، و لو استعاره لغير الغزو فغزا عليه، استحقّ السهم له، و أمّا سهم الفرس فكالمغصوب.
و لو استاجره ليغزو عليه، فسهم الفرس للمستأجر، و لو استاجره لغير الغزو فغزا عليه فكالمغصوب.
و لو غصب فرسا، فقاتل عليه، لم يسهم للغاصب إلاّ عن نفسه، و صاحب الفرس إن كان حاضرا كان سهم الفرس له، و إلاّ فلا شيء للفرس(1)، و على الغاصب أجرة المثل، سواء كان صاحبه حاضرا أو غائبا.
و لو كان الغاصب لا يسهم لهم كالمرجف، كان سهم الفرس لصاحبه مع الحضور، و إلاّ فلا شيء له، و كذا لو غزا العبد بغير إذن مولاه على فرس مولاه.
قال ابن الجنيد:
يعطى كلّ واحد سهم راجل، ثمّ يفرق بينهم سهم فرس واحدة(2) و هو جيّد.
و منع ابن الجنيد من إسهام ذلك كلّه. و هو حسن.
و لو خرج به عن كونه من أهل الجهاد، قال الشيخ: يسهم له عندنا(1) كالزمن و الأشل، و لو نكس الفرس بصاحبه في حملته أو مبارزته أو سربه(2) أسهم له، و لم يمنع بذلك من الإسهام.
و لو استاجر [أجيرا] للحرب ثمّ دخلا معا دار الحرب أسهم للأجير و المستاجر، سواء كانت الإجارة في الذمّة أو معيّنة، و يستحق الأجير مع ذلك الأجرة، و لو لم يحضر المستأجر استحقّ الموجر السهم و الأجرة.
فلو ذهب فرسه قبل تقضّي الحرب لم يسهم لفرسه، و لو دخل راجلا فاحرزت الغنيمة و هو فارس، فله سهم فارس.
فإن كان قبل إحراز الغنيمة و تقضّي القتال، فلا سهم له، و إن كان بعده، فسهمه لورثته.
بل تقسّم الغنيمة للفارس سهمان، و للراجل سهم، و لذي الأفراس ثلاثة،(3)سواء حاربوا أو لا، إذا حضروا للحرب، لا للإرجاف و التخذيل. و لا يفضل أحد لشرفه و لا لشدّة بلائه و كثرة حربه، و لا يعطى من لم يحضر الوقعة
ص: 191
و لا القسمة، و ليس للإمام أن يقول: من أخذ شيئا فهو له.
فلو غنم المسلمون ثمّ لحق بهم مدد، فإن كان قبل تقضّي الحرب أسهم لهم إجماعا، و إن كان بعد القسمة لم يسهم لهم إجماعا، و إن كان بعد تقضّي الحرب و احراز الغنيمة قبل القسمة، أسهم لهم عندنا.
و لو لحق الأسير المسلمين بعد تقضّي الحرب و قسمة الغنيمة، لم يسهم له، و إن لحق قبل انقضاء الحرب فحارب مع المسلمين استحقّ السهم، و إن لم يقاتل أسهم له، و كذا لو لحقهم بعد الانقضاء قبل القسمة.
و لو دخل تاجر مع المجاهدين دار الحرب كالبزاز و الخياط و البيطار و الخباز و الشواء و غيرهم من أتباع العسكر فإن قصدوا الجهاد مع التجارة أسهم لهم، و كذا إن جاهدوا و لم يقصدوا، و لو لم يقصدوا و لم يجاهدوا لم يسهم لهم، و لو لم يعلم لأيّ شيء حضروا، فالظاهر انّه يسهم لهم.
و كذا لو غنم الجيش شاركهم السريّة، و لو بعث منه سريّتين إلى جهة واحدة فغنمتا اشترك الجيش و السّريّتان جميعا، و لو بعثهما إلى جهتين فكذلك.
و لو بعث سريّة و هو مقيم ببلاد الإسلام فغنمت اختصّت بالغنيمة، و لم يشاركهم أهل البلد و لا الإمام و لا جيشه، و كذا لو بعث جيشا و هو مقيم ببلده.
و لو بعث سريّتين أو جيشين و هو مقيم، فكلّ واحد منهما مختصّ بما غنمه.
ص: 192
و لو اجتمعت السريّتان أو الجيشان في موضع فغنما كانا جيشا واحدا.
و لو بعث الأمير رسولا لمصلحة الجيش أو دليلا أو جاسوسا، لينظر عددهم و ينقل أخبارهم، فغنم الجيش قبل رجوعه إليهم، اسهم له.
2826. الثالث عشر: قال ابن الجنيد(1) إذا وقع النفير، فخرج أهل البلد متقاطرين، فانهزم العدوّ، و غنم أوائل المسلمين،
2826. الثالث عشر: قال ابن الجنيد(1) إذا وقع النفير(2)، فخرج أهل البلد متقاطرين، فانهزم العدوّ، و غنم أوائل المسلمين،
كان كلّ من خرج أو تهيأ للخروج أو اقام في المدينة من المقاتلة لحراستها من العدوّ شركاء في الغنيمة، و كذا لو حاصرهم العدوّ فباشر حربه بعض أهل المدينة إلى أن ظفروا و غنموه(3)إذا كانوا مشتركين في المعونة و الحفظ للمدينة.
و لو كان الذين هزموا العدوّ على ثمانية فراسخ من المدينة، فقاتلوه و غنموه اختصّوا بالغنيمة.
و يكره تأخيرها إلاّ لعذر من خوف المشركين أو قلّة علف أو انقطاع ميرة(4).(5)
و قال ابن الجنيد: الأولى أن لا يقسّم إلاّ بعد الخروج من دار الحرب، و يجوز فيها.
و لا يسقط الحدّ، سواء كان هناك إمام أو نائبه أو لا. و لو رأى من
ص: 193
المصلحة تقديمه في دار جاز، سواء كان مستحق الحدّ أسيرا، أو اسلم فيهم و لم يخرج إلينا، أو خرج من عندنا لتجارة و غيرها.
و لو قتل مسلما اقتصّ منه في دار الحرب إن قتل عمدا، و لا يسقط القصاص و إن لم يكن الإمام أو نائبه حاضرا.
فإذا أغار المشركون على المسلمين، فأخذوا ذراريهم و عبيدهم و أموالهم، ثمّ ظفر بهم المسلمون، فاستعادوا ما اخذ منهم، فانّ أولادهم تردّ إليهم بالبيّنة و لا يسترقّون.
و أما العبيد و الأموال فإن أقاموا البيّنة قبل القسمة ردّت عليهم، و لا يغرم الإمام للمقاتلة شيئا. و إن أقاموها بعد القسمة، فللشيخ قولان: أحدهما انّه يردّ على أربابه، و يردّ الإمام قيمة ذلك للمقاتلة من بيت المال(1) و الثاني انّه يكون للمقاتلة و يعطى الإمام أربابهما أثمانها(2) و الأوّل أحقّ ، و لو أخذ المال أحد الرعية بعوض أو غيره، فصاحبه أحقّ به بغير شيء.
و لو أسلم المشرك الّذي في يده مال المسلم أخذ منه بغير قيمة، و لو دخل مسلم دار الحرب فسرقه أو اشتراه ثمّ أخرجه إلى دار الإسلام فصاحبه أحقّ به و لا قيمة عليه، و لو أعتقه من هو في يده أو باعه أو تصرّف فيه بطل.
و لو غنم المسلمون من المشركين شيئا عليه علامة المسلمين، و لم يعلم صاحبه، فهو غنيمة، و لا يوقف حتّى يجيء صاحبه.
ص: 194
و لو قال العبد في بلاد الشرك: أنا لفلان من بلاد الإسلام، ففي قبول قوله نظر، و كذا لو اعترف المشرك بما في يده لمسلم بعد الاستغنام، و يقبل قبله.(1)
و لو كان المال الموجود في يد الكافر اخذ من مسلم و كان في يد المسلم مستأجرا أو مستعارا من مسلم ثمّ وجده المستاجر أو المستعير كان له المطالبة به قبل القسمة و بعدها.
و لو دخل حربيّ دار الإسلام بأمان، فابتاع عبدا مسلما، ثمّ لحق بدار الحرب فغنمه المسلمون، كان باقيا على ملك البائع، و يردّ المسلم الثمن الّذي أخذه، و لو تلف العبد كان للسيّد القيمة، و عليه ردّ ثمنه، و يرادّان الفضل.
و لو أسلم الحربيّ في دار الحرب و له مال أو عقار، أو دخل مسلم دار الحرب و اشترى منها عقارا و مالا، ثم غزاهم المسلمون، فظهروا على ماله و عقاره لم يملكوه، و كان باقيا عليه إن كان ممّا ينقل و يحول، و أمّا العقار فانّه غنيمة.
و لو أحرز المشركون جارية مسلم، فوطئها المحرز، ثمّ ظهر المسلمون عليها، فهي و أولادها لمالكها، و لو أسلم عليها المشرك لم يزل ملك صاحب الجارية عن أولادها(2) إلاّ أن يسلم ثمّ يطأها بعد الإسلام ظنّا انّه ملكها، ثمّ يحمّل(3) بعد الإسلام، فانّ الولد يقوّم على الأب و يلزمه العقر(4).
ص: 195
لم يكن له ذلك في النساء و الذراري.
ما لم يعد قبل القسمة، و لو فرّوا بعد القسمة لم يزل ملكهم، و لو فرّوا قبل القسمة و قالوا: كنّا متحرّفين لقتال أو متحيّزين إلى فئة، فالوجه انّ لهم سهامهم فيما غنم قبل الفرار لا بعده ما لم يلحقوا القسمة.
2833. العشرون: إذا استاجر أجيرا لعمل في الذمة(1) كخياطة ثوب أو غيره، فحضر الأجير الوقعة، أسهم له،
و إن استاجره مدّة معلومة، فحضر فيها بغير إذنه، فالوجه انّه لا يستحقّ سهما إلا أن يتعيّن عليه فيملك السهم، و لو استوجر(2)للخدمة في الغزو أو آجر دوابّه له، و خرج معها و شهد الوقعة، استحقّ السهم، و لو آجر نفسه لحفظ الغنيمة أو سوق الدوابّ الّتي من المغنم أو رعيها جاز و حلّت له الأجرة.
لم يملكها الموجر بذلك.
لزمه دفع ما أدّاه المشتري إلى البائع من الثمن، و إن كان بغير إذنه لم يجب، و لو اتفقا على الإذن و اختلفا في قدر الثمن فالقول قول الأسير.
ص: 196
وجب ردّهم إلى ذمّتهم و لم يجز استرقاقهم، و أموالهم بحكم أموال المسلمين، إذا علم صاحبها قبل القسمة ردت إليه(1)، و إن كان بعد القسمة فعلى ما تقدم من الخلاف، و هل يجب فداؤهم ؟ فيه نظر.
و يجب فداء الأسارى من المسلمين مع المكنة.
و فيه ثمانية مباحث:
المطوّعة، و هم الذين إذا نشطوا غزوا، و إذا لم ينشطوا اشتغلوا بمعايشهم، فهؤلاء لهم سهم في الصدقات، و إذا غنموا في دار الحرب شاركوا الغانمين و أسهم لهم.
الثاني: الذين أرصدوا أنفسهم للجهاد، فلهم من الغنيمة أربعة الأخماس، و يجوز أن يعطوا من الصدقة من سهم ابن السبيل.
و هو الدفتر الّذي فيه أسماء القبائل قبيلة قبيلة، و يكتب عطاياهم، و يجعل لكلّ قبيلة عريفا، و يجعل لهم علامة بينهم، و يعقد لهم ألوية.
ص: 197
فإن استووا قدّم أقدمهم هجرة، فإن استووا قدّم الأسنّ ، فإذا فرغ من عطاياهم بدأ بالأنصار، فإذا فرغ منهم بدأ بالعرب، فإذا فرغ قسّم على العجم، هذا كله مستحبّ لا واجب.
فإذا مات المجاهد أو قتل و له ذريّة و امرأة، أعطوا من بيت المال كفايتهم لا من الغنيمة، فإذا بلغوا فإن أرصدوا أنفسهم للجهاد كانوا بحكمهم(1).
و يحصي الفرسان و الرجّالة(2) و الذريّة و النساء ليعلم قدر الكفاية، و يقسّم في السنة مرّة، و يعطي المولود، و يحتسب مئونته من كفاية أبيه إلاّ انّه يفرد بالعطاء و كلّما زادت سنّه زاد في عطاء أبيه، و يعطي كلّ قوم قدر كفايتهم بالنسبة إلى بلدهم.
و يجوز تفضيل بعضهم من سبيل اللّه و ابن السبيل لا من الغنيمة.
و إلاّ كان حكمه حكم الذريّة بعد موت المجاهد، و لو مات المجاهد بعد الحول طالب ورثته بالسهم(3).
و كذلك رزق الحكّام و الولاة، و المصالح يخرج من ارتفاع الأراضي المفتوحة عنوة و من سهم سبيل اللّه، و من جملة ذلك ما يلزمه فيما
ص: 198
يخصّه من الأنفال و الفيء و هو جنايات من لا عقل له و دية من لا يعرف قاتله و غير ذلك ممّا نقول انّه يلزم من بيت المال.
فالأقرب اختصاص المهدى بها، و لا يكون غنيمة.
و فيه مطالب:
و فيه سبعة عشر بحثا:
2845. الأوّل: الجزية واجبة بالنصّ (1) و الإجماع،
و تعقد لكلّ كتابيّ عاقل بالغ ذكر، و نعني بالكتابي من له كتاب حقيقة، و هم اليهود و النصارى، و من له شبهة كتاب و هم المجوس، فتؤخذ الجزية من هؤلاء الثلاثة، سواء كانوا من المبدّلين أو غير المبدّلين(2) و سواء كانوا عربا أو عجما.
و تؤخذ ممّن دخل في دينهم من الكفّار إن كانوا دخلوا قبل النسخ
ص: 199
و التبديل و من نسله(1) و ذراريه، و يقرّون بالجزية و لو ولدوا بعد النسخ و إن دخلوا في دينهم بعد النسخ، لم يقبل منهم إلاّ الإسلام، و لا فرق بين أن يكون المنتقل ابن كتابيّين أو وثنيّين أو ابن كتابي و وثنيّ في التفصيل الّذي ذكرناه.
و لو ولد بين أبوين أحدهما تقبل منه الجزية و الآخر لا تقبل ففي قبول الجزية منه تردّد.
مثل اليهود و النصارى.
و لا يقبل منهم إلاّ الإسلام من ساير أصناف الكفّار، و لو بذلوها لم تقبل و إن لم يكونوا عربا و لم يكونوا من عبّاد الأوثان من العرب أو لم يكونوا من مشركي قريش، سواء كان لهم كتاب كمصحف إبراهيم و صحف آدم و إدريس أو لم يكن.
و النسطورية(1) و الملكية و الفرنج و الروم و الأرمن و غيرهم ممّن يتدين بالإنجيل و يعمل بشريعة عيسى عليه السّلام.
و انتقل أيضا من العرب قبيلتان أخريان و هم تنوخ، و بهراء فصارت القبائل الثلاث من أهل الكتاب تؤخذ منهم الجزية كما تؤخذ من غيرهم و لا تؤخذ منهم الزكاة مضاعفة.
و إن كانوا من بني تغلب.
2852. الثامن: لو غزا الإمام قوما فادّعوا انّهم أهل كتاب(2)
دخلوا فيه قبل نزول القرآن، أخذ منهم الجزية، و لم يكلّفهم البيّنة، و يشترط عليهم نبذ العهد و المقاتلة إن بان كذبهم، فإن ظهر كذبهم وجب قتالهم، و انّما يظهر باعترافهم بأجمعهم انّهم عبّاد وثن.
و لو اعترف بعضهم انتقض عهد المعترف، و لو شهدوا على الآخرين لم تقبل، و لو أسلم منهم اثنان و عدلوا ثمّ شهدوا(3) انّهم ليسوا من أهل الذمّة انتقض العهد و قوتلوا.
ص: 201
و لو دخل عابد وثن في دين أهل الكتاب قبل نزول القرآن، و له ولد صغير و كبير، فأقاما على عبادة الاوثان، ثمّ جاء الإسلام، فإن الصغير يقرّ على دين الذمة إن بذل الجزية دون الكبير(1).
أشهرهما انّه لا يسقط، بل ينتظر بها إلى وقت يساره، و يؤخذ منه ما قرّر عليه في كلّ عام حال فقره؛ اختاره الشيخ(2) و أسقط الجزية المفيد(3).
فإذا بلغ طولب بالإسلام أو بذل الجزية، فإن امتنع منهما صار حربا، فإن اختار الجزية عقدها الإمام بحسب ما يراه، و لا اعتبار بجزية أبيه.
و لو كان الصبي ابن عابد وثن و بلغ، طولب بالإسلام خاصّة، فإن امتنع صار حربا، و لو بلغ الصبي مبذّرا لم يزل الحجر عنه، و يكون ماله في يد وليّه.
و لو أراد عقد الأمان بالجزية، أو المصير إلى دار الحرب، كان له ذلك، و ليس لوليّه منعه عنه، و لو أراد أن يعقد أمانا ببذل جزية كثيرة، فالوجه عندي انّ لوليّه منعه عن ذلك.
ص: 202
فان كانوا يؤدّون الزائد من أموالهم جاز، و يكون زيادة في جزيتهم، و إن كان من أموال أولادهم لم يجز.
فإن اتّفق هو و وليّه على بذل الجزية و عقداها جاز، و إن اختلفا قدّم قول وليّه و إن لم يعقد أمانا صار حربا.
فإذا بلغ أولاده لم يدخلوا في ذمّة أبيهم و جزيته إلاّ بعقد مستأنف.
و لو كان أحد أبويه وثنيّا، فإن كان الأب، لحق به و لم تقبل منه الجزية بعد البلوغ بل يقهر على الإسلام، فإن امتنع ردّا إلى مأمنه و صار حربا(1)، و إن كانت الأمّ ، لحق بالأب و اقرّ في دار الإسلام ببذل الجزية.
فإن لم ينضبط، اعتبر حاله بالأغلب، و إن انضبط احتمل اعتبار الأغلب و التلفيق.
فإن ذكرت أنّها تعلمه، و طلبت دفعها، جاز أخذها هبة، و لو شرطته على نفسها لم يلزمها و جاز لها الرجوع في ما يجوز الرجوع في الهبة.
و لو بعثت من دار الحرب تطلب عقد الذمّة و تصير إلى دار الإسلام، عقد
ص: 203
لها الذمّة و مكنت بشرط التزام أحكام الإسلام، و لا يؤخذ منها شيء.
و لو كان في حصن رجال و صبيان و نساء، فامتنع الرجال من أداء الجزية، و طلبوا الصلح على أنّ الجزية على النساء و الصبيان [دون الرجال] لم يجز، و بطل الصلح إن فعل.(1)
و لو طلب النساء ذلك، و دعوا(2) أن تؤخذ منهنّ الجزية، و يكون الرجال في أمان، لم يصحّ ، و لو قتل الرجال أو لم يكن في الحصن سوى النساء فطلبن عقد الذمّة بالجزية لم يجز ذلك، و يتوصّل إلى فتح الحصن و يسبين.
و قال الشيخ: يلزمه عقد الذمّة لهنّ ، على أن يجري عليهنّ أحكام الإسلام و لا يأخذ منهن شيئا، فإن أخذه ردّه(3) و لو دخلت الحربيّة دار الإسلام للتجارة بأمان، لم يكن عليها أن تؤدي شيئا.
و الأقرب مساواة الأعمى لهما، و تؤخذ من أهل الصوامع و الرهبان.
و اختار الشيخ سقوطها(4) و لا فرق بين أن يكون لذميّ أو لمسلم، و يؤدّيها مولاه عنه، و لو كان نصفه حرّا و نصفه رقّا، اخذ منه نصيب الحريّة و من مولاه نصيب الرقيّة، و لو اعتق فإن كان حربيّا لم يقرّ بالجزية بل يقهر على الإسلام. قال ابن الجنيد: و لا يمكن من اللحوق بدار الحرب بل يسلم أو يحبس(5) و إن كان ذمّيا لم يقرّ في دار الإسلام إلاّ ببذل الجزية أو يسلم.
ص: 204
و فيه ثلاثة عشر بحثا:
و هو ما قدّره علي عليه السّلام على الفقير اثنا عشر درهما، و على المتوسّط أربعة و عشرون، و على الغنيّ ثمانية و أربعون درهما في كلّ سنة(1) و قال آخرون: إنّها مقدّرة في طرف القلة دون الكثرة، فلا يؤخذ من كل كتابي اقلّ من دينار واحد، و لا يقدّر في طرف الزيادة؛ قاله ابن الجنيد(2).
الثالث ما ذهب إليه الشيخان انّها غير مقدّرة لا في طرف القلة و لا في طرف الكثرة بل هي منوطة بنظر الإمام(3) و هو الأقوى عندي.
و يجوز أخذها سلفا، و لا تجب بأوّله.
و لا يلزمهم الإمام بعين من ذهب أو فضّة. و مع بذل الجزية يحرم قتالهم إجماعا.
ص: 205
بل إذا اجتمعت عليه جزية سنتين أو أكثر، استوفيت منه أجمع.
و هل يجوز له أن يجمع بينهما: عن رءوسهم شيئا و عن أرضيهم شيئا؟ منع الشيخان من ذلك(1) و قال أبو الصلاح: يجوز(2) و هو الأقوى عندي.
و لو لم يشترطها لم تكن واجبة عليهم. و يجب أن تكون الضيافة المشترطة زائدة عن أقلّ ما يجب عليهم من الجزية، و أن تكون معلومة، بأن يشترط عددا معلوما للضيافة في كلّ سنة.
و الأقرب جواز ان يشترط ضيافة ما زاد على ثلاثة أيام لكلّ واحد، و تعيين القوت قدرا و جنسا، و تعيين جنس الادم من لحم و سمن أو زيت و شيرج و قدره، و تعيين علف الدوابّ من الشعير و التبن و القتّ (3) لكلّ دابّة شيء معلوم.
و لا يكلّفوا الذبيحة و لا ضيافتهم بأرفع من طعامهم إلاّ مع الشرط، و ينبغي أن تكون الضيافة على قدر الجزية، فيكثرها على الغنيّ ، و يقلّلها على الفقير، و يوسطها على المتوسّط، و لو تساووا ساوى بينهم.
و ينبغي أن يكون نزول المسلمين في فواضل منازلهم و في بيعهم و كنائسهم، و يؤمرون بأن يوسعوا أبواب البيع و الكنائس، و أن يعلوها لمن يجتاز
ص: 206
بهم من المسلمين، فيدخلونها(1) ركبانا، فإن لم تسعهم بيوت الأغنياء نزلوا بيوت الفقراء و لا ضيافة عليهم، و إن لم تسعهم لم يكن لهم إخراج أرباب المنازل منها، و لو كثروا فمن سبق إلى منزل كان أحقّ به، و لو جاءوا دفعة استعملوا القرعة.
فإن وفوا بها فلا بحث، و إن امتنع بعضهم أجبر عليه، و لو امتنعوا أجمع قهروا عليه، و لو احتاجوا إلى المقاتلة قوتلوا، فإذا قاتلوا نقضوا العهد و خرقوا الذمّة، فإن طلبوا منه بعد ذلك، العقد على أقلّ ما يراه الإمام أن يكون جزية لهم، لزمه إجابتهم و لا يتقدّر بقدر.
سواء اتّجروا في بلاد الإسلام أو لم يتّجروا إلاّ في أرض الحجاز.
فقال ابن الجنيد: عندي أن يكون مشروطا عليهم وقت العقد أن تكون أحكام المسلمين جارية عليهم إذا كانت الخصومات بين المسلمين و بينهم، أو تحاكموا إلينا في خصوماتهم، و أن تؤخذ منهم و هم قيّام على الأرض(2) و قال الشيخ: هو التزام أحكامنا و جريانها عليهم(3).
و لا يعذّبون إذا أعسروا عن أدائها.
و أخذت من تركته، و لو مات في أثنائه ففي مطالبته بالقسط نظر، أقربه المطالبة.
ص: 207
و تقدّم الجزية على الوصايا، و الوجه مساواتها للدين، و لو لم يخلّف شيئا لم يطالب الورثة بشيء، و لو أفلس كان الإمام غريما يضرب مع الغرماء بقدر الجزية، و لو سلفها الإمام، ردّ على ورثته بقدر ما بقي من السنة.
فإن كان قبل الحول سقطت، و لا يؤخذ منه القسط، و إن كان بعده فقولان: أحدهما السقوط، و الثاني عدمه، و الأوّل أقوى.
و لا فرق بين أن يسلم ليسقط عنه الجزية أو يسلم لا لذلك.
ردّ عليه قسط باقي الحول، و الأولى عدم ردّ ما مضى.
و فيه ستة أبحاث:
أن يلتزموا عطاء الجزية في كلّ حول، و أن يلتزموا أحكام الإسلام، و لا يصحّ عقد الهدنة إلاّ للإمام أو نائبه، فلو شرط عليهم في الهدنة شرطا فاسدا مثل أن يشترط عدم الجزية، أو إظهار المناكير، أو إسكانهم الحجاز، أو إدخالهم المساجد أو الحرم، فسد الشرط.
و في فساد العقد إشكال.
و جملة ما يشترط عليهم ستّة أقسام:
ص: 208
[أحدها:] يجب شرطه و لا يجوز تركه، و هو شرط الجزية عليهم و التزام أحكام الإسلام، فلو أخلّ بهما أو بأحدهما عمدا أو نسيانا لم ينعقد الهدنة.
[الثاني:] و ما لا يجب شرطه و الإطلاق يقتضيه، و هو أن لا يفعلوا ما ينافي الأمان، من العزم على حرب المسلمين، أو إمداد المشركين بالمعونة، و هذان القسمان ينتقض العهد بمخالفتهما، سواء شرط ذلك في العقد أو لم يشترط.
[الثالث:] و ما ينبغي اشتراطه ممّا يجب عليهم الكف عنه، من ترك الزنا بالمسلمة و عدم إصابتها باسم النكاح، و لا يفتنوا مسلما عن دينه، و لا يقطع عليه الطريق، و لا يؤوي للمشركين عينا، و لا يعين على المسلمين بدلالة أو بكتبة كتاب إلى أهل الحرب فيخبرهم بأحوال المسلمين، و لا يقتلوا مسلما و لا مسلمة، فمتى فعلوا شيئا من ذلك، كان تركه شرطا في العقد، نقضوا العهد، و إلاّ فلا، بل يحدّهم الإمام إن أوجبت الجناية حدّا، و إلاّ يعزّرهم.
[الرابع:] و ما فيه غضاضة على المسلمين مثل ذكر ربّهم أو كتابهم أو نبيّهم أو دينهم بسوء، فإن نالوا بالسبّ للّه تعالى أو لرسوله وجب قتلهم، و كان نقضا للعهد، و إن ذكروهما بدون السب أو نالوا كتاب اللّه أو دين الإسلام بما لا ينبغي، نقضوا العهد إن شرط عليهم الكفّ ، و إلاّ فلا.
[الخامس:] و ما يتضمّن المنكر و لا ضرر على المسلمين فيه، و هو أن لا يحدثوا كنيسة و لا بيعة في دار الإسلام، و لا يرفعوا أصواتهم بكتبهم، و لا يضربوا ناقوسا، و لا يطيلوا أبنيتهم على بناء المسلمين، و لا يظهروا الخمر و الخنزير في بلاد الإسلام، فهذا كلّه يجب عليهم الكفّ و إن لم يشترط، فإن خالفوا و كان تركه
ص: 209
مشترطا نقضوا العهد، و إلاّ فلا، و قوبلوا بما تقتضيه الجناية. و قال الشيخ: لا يكون نقضا للعهد و ان شرط عليهم(1).
[السادس:] أن يتميّزوا عن المسلمين، و ينبغي للإمام أن يشترط عليهم في عقد الهدنة التميز في لباسهم و شعورهم و ركوبهم و كناهم، فيلبسوا ما يخالف لونه سائر ألوان الثياب، و يأخذهم بشدّ الزنار(2) في وسطهم إن كانوا نصارى، و إلاّ فبعلامة كخرقة يجعلها فوق عمامة.
و ينبغي أن يختم في رقبته خاتم رصاص أو نحاس أو حديد أو يضع فيه جلجلا(3) أو جرسا ليمتاز به(4)، و كذا يأمر نساءهم بلبس شيء يفرق بينهنّ و بين المسلمات، بأن يشددن الزنّار و تغيّر أحد الخفّين بأن يكون أحدهما أحمر و الآخر أبيض.
و لا يمنعوا من فاخر الثياب. و لا يفرقون شعورهم، و لا يركبون الخيل بل ما عداها بغير سروج، و يركبون عرضا رجلاه إلى جانب و ظهره إلى آخر، و يمنعون تقليد السيوف و حمل السلاح و اتّخاذه، و لا يكنّوا بكنى المسلمين كأبي القاسم و أبي عبد اللّه و أبي محمد، و لا يمنعون من الكنى بالكليّة.
فيجوز للإمام أن يؤمّنه دون الحول بعوض و غيره، و لو أراد أن يقيم حولا وجب عليه العوض، فإذا عقد له الأمان، فإن خاف الإمام الخيانة، نبذ
ص: 210
إليه الأمان و ردّه إلى دار الحرب.
2878. الرابع: ينبغي للإمام إذا عقد الذمّة أن يكتب أسماءهم و أسماء آبائهم و عددهم و حليتهم(1)
و يعرّف على كل عشرة عريفا(2) و إذا عقدوا الذمة عصموا أنفسهم و أولادهم الأصاغر من القتل، و السبي و النهب ما داموا على الذمّة، و لا يتعرّضوا لكنائسهم و بيعهم و خمورهم و خنازيرهم ما لم يظهروها.
و لو ترافعوا إلينا تخيّر الحاكم بين الحكم عليهم بحكم المسلمين، و بين ردّهم إلى حاكمهم.
و من أراق لهم من المسلمين خمرا أو قتل خنزيرا، فإن كان مع التظاهر فلا شيء عليه، و إن كان مع استتارهم به وجب عليه القيمة عند مستحلّيه.
كالخمر و الخنزير، و يجوز أخذها من ثمن ذلك.
وجب على القائم بعده إمضاء ذلك.
و فيه اثنا عشر بحثا:
ص: 211
و يجوز له الإذن للمصلحة بعوض و غير عوض مع الحاجة، كنقل الميرة و أداء الرسالة.
و لو كان تاجرا لا يحتاج المسلمون إلى تجارته كالعطر و شبهه، لم يأذن له إلاّ بعوض يراه مصلحة، سواء كان عشر أموالهم أو لم يكن، و لو أذن بغير عوض لمصلحة جاز.
و لو أطلق الإذن و لم يشترط العوض و لا عدمه ففي العوض إشكال.
و قوّى الشيخ عدمه(1) فإن شرط الإمام شرطا دائما بأن يأخذ منهم العشر كلّ سنة أو أقلّ أو أكثر أخذ منهم، و إلاّ أخذ ما يراه مصلحة.
و لو دخل الحربيّ بغير أمان و قال: أتيت برسالة، قبل قوله، و لو قال: أمّنني مسلم، لم يقبل إلاّ بالبينة، و لو لم يدّع شيئا كان للإمام قتله و استرقاقه و أخذ ماله.
و نعني بالحجاز مكّة و المدينة و اليمامة و خيبر و ينبع و فدك و مخاليفها يسمى حجازا لحجزه بين نجد و تهامة، قال الأصمعي(2) و أبو عبيدة(3): جزيرة العرب ما بين عدن إلى ريف العراق طولا، و من جدّة و السواحل إلى أطراف الشام عرضا، و قد تطلق جزيرة العرب على الحجاز.
و يجوز لهم دخول الحجاز بإذن الإمام للتجارة، و يجوز للإمام أن يأذن لهم
ص: 212
في مقام ثلاثة أيّام، فإذا اقام في بلد ثلاثة أيّام انتقل عنه إلى بلد آخر، و انّما يأذن الإمام مع المصلحة كحمل الميرة.
و إن كان جاهلا لم يعزّر و ينهى عن المعاودة، و لو دخل بإذن و أقام ثلاثة أيّام، جاز أن ينتقل إلى غيره من بعض مواضع الحجاز ثلاثة أيّام، و هكذا لو مرض بالحجاز جازت له الإقامة، و لو مات دفن في مكانه.
قاله الشيخ(1)فإن اجتاز لم يمكّن من المقام أكثر من ثلاثة أيّام، و لو كان له دين على رجل فأراد الإقامة لاقتضائه لم يكن له ذلك، و وكّل فيه.
قال الشيخ: لا يمنعون من ركوب بحر الحجاز، و لو كان فيه جزائر و جبال منعوا من سكناها، و كذا سواحل بحر الحجاز(2).
فإن قدم بميرة لأهل الحرم منع من الدخول إليه، و إن أراد أهل الحرم الشراء منه خرجوا إلى الحلّ (3) و ابتاعوا منه.
و لو جاء رسولا إلى الإمام بعث إليه ثقة يسمع رسالته، و لو امتنع من أدائها إلاّ مشافهة خرج الإمام إليه من الحرم، و لو دخل الحرم عالما بالتحريم عزّر، و لو كان جاهلا لم يعزّر إلاّ أن يعاود بعد النهي.
فإن مرض في الحرم نقله منه، و لو مات لم يدفن فيه.
ص: 213
فان دفن فيه، قال الشيخ: ترك على حاله(1) و الوجه نبشه و إخراجه إلاّ ان يتقطّع.
و لو صالحهم الإمام على دخول الحرم بعوض، قال الشيخ: جاز ذلك، و وجب دفع العوض، و إن كان خليفته و كان العوض فاسدا، بطل [المسمّى] و له أجرة المثل(2).
و لو صالح الرجل أو امرأة على الدخول إلى الحجاز بعوض جاز، و لو صالح المرأة على سكنى دار الإسلام غير الحجاز بعوض، لم يلزمها.
و كذا غيره من المساجد عندنا، و لا يجوز للمسلم أن يأذن له في ذلك.
فإن لم يكن لهم فضول منازل جاز أن ينزلهم في دار ضيافة إن كانت، و إلاّ أسكنهم في أفنية الدور و الطرقات، و لا يمكّنهم من دخول المساجد.
أحدها: ما أنشأه المسلمون و أحدثوه و اختطوه كالبصرة و بغداد و الكوفة، فلا يجوز إحداث كنيسة فيها و لا بيعة و لا بيت لصلاتهم و لا صومعة راهب إجماعا، و يجوز إبقاء ما وجد من البيع و الكنائس.
الثاني: ما فتحه المسلمون عنوة فهو للمسلمين، و لا يجوز إحداث بيعة
ص: 214
و لا كنيسة و لا صومعة لراهب فيه، و ما كان قبل الفتح فإن هدمه المسلمون وقت الفتح، لم يجز استجداده أيضا، و إن لم يهدموه قال الشيخ: لا يجوز إقراره(1).
الثالث: ما فتح صلحا على أنّ الأرض لهم، فلهم تجديد ما شاءوا فيها و اظهار الخمور و الخنازير و ضرب الناقوس، و إن صولحوا على أنّ الأرض للمسلمين و يؤدّون الجزية، فالحكم في البيع و الكنائس على ما يقع عليه الصلح، إن شرط إقرارهم عليها أو على إحداث ذلك و إنشائه جاز، و إن شرط عليهم أن لا يحدثوا شيئا أو يخربوها جاز أيضا، و لو لم يشترطوا شيئا لم يجز تجديد شيء، و إذا شرطوا التجديد ينبغي أن يعيّن مواضع البيع و الكنائس.
و كلّ موضع لهم إقراره لا يجوز هدمه، فلو انهدم تردّد الشيخ في جواز إعادته(2) و يجوز رمّ (3) ما تشعّث منها و إصلاحه.
فليس له أن يعلوا على بناء المسلمين و لا أن يساويه، بل يجب أن يقصر عنه، و إن كانت مبتاعة تركت على حالها و إن كانت أعلى من المسلمين، و كذا لو كان للذمّي دار عالية فاشترى المسلم دارا إلى جانبها أقصر منها، فإنّه لا يجب على الذمّي هدم علوه.
و لو انهدمت دار الذمّي العالية فأراد تجديدها، لم يجز له العلو على المسلم و لا المساواة، و كذا لو انهدم ما ارتفع لم يكن له إعادته، و لو تشعّث منه
ص: 215
شيء و لم ينهدم جاز رمّه و إصلاحه، و لا يجب أن يكون أقصر من بناء المسلمين بأجمعهم في ذلك البلد، و انما يلزمه أن يقصره عن بناء محلّته.
و إذا سلّموا على المسلم اقتصر في الردّ على قوله: و عليكم.
2892. الثاني عشر: مصرف(1) الجزية مصرف الغنيمة
سواء للمجاهدين و كذلك ما يؤخذ منهم على وجه المعاوضة لدخول بلاد الاسلام.
و فيه مطالب:
و فيه اثنان و عشرون بحثا:
و هي مشروعة بالنصّ و الإجماع، و انما يجوز مع المصلحة للمسلمين إمّا لضعفهم عن المقاومة أو لرجاء الإسلام أو لبذل الجزية
ص: 216
و التزام أحكام الإسلام، و لو لم تكن المصلحة للمسلمين لم تجز مهادنتهم.
و لا يجوز مطلقا إلاّ أن يشترط الإمام الخيار لنفسه متى شاء، و كذا لا يجوز إلى مدّة مجهولة، و إذا اشترط مدّة معلومة لم يجز أن يشترط نقضها من شاء منهما، و يجوز أن يشترط الإمام لنفسه، و أن يشترط لهم أن يقرّهم ما شاء، و لا يجوز ما أقرّهم اللّه (به)(1).
و يجوز أن يهادنهم أربعة أشهر فما دون، و هل يجوز أقلّ من سنة و أكثر من أربعة ؟ قال الشيخ: الاظهر انه لا يجوز(2)، و لو قيل بالجواز مع المصلحة كان قويا، و لو لم يكن في المسلمين قوّة، و اقتضت المصلحة مهادنتهم أكثر من سنة لمكيدة يثبت بها إعداد قوّة، أو ليتفرّغ لعدوّ و هو أشدّ نكاية من الّذي يهادنه، أو لغيره جاز.
قال الشيخ: و ابن الجنيد: تتقدّر الزيادة بعشر سنين، فلا يجوز الزيادة عليها. فلو عقده أزيد من عشر سنين بطل الزائد خاصة(3).
فإن كان لقضاء حاجة من نقل ميرة أو تجارة أو أداء رسالة يحتاج إليها المسلمون، جاز للإمام الإذن بعوض و غيره يومين و ثلاثة، و إن أراد الإقامة قال الشيخ: يجوز إلى أربعة أشهر لا أزيد(4)، و الوجه عندي الجواز مع المصلحة.
سواء كان بالمسلمين
ص: 217
قوّة أو ضعف، و يجوز على غير مال، و لو صالحهم الإمام على مال يدفعه إليهم جاز مع الضرورة لا بدونها، و هل دفع المال مع الضرورة واجب ؟ الأقرب عدمه، و إذا بذل المال لم يملكه الآخذ.
و يجوز أن يهادنهم عند الحاجة على وضع شيء من حقوق المسلمين في أموال المهادنين، و أن يضع بعض ما يجوز تملكه من أموال المشركين بالقدرة عليهم حفظا لأصحابهم و تحرّزا من دوائر الحروب.
أمّا عقد الأمان، فيجوز لآحاد الرعايا أن يؤمّنوا آحاد المشركين.
و لا يجب من أهل الحرب و لا حماية بعضهم من بعض، و لو أتلف مسلم أو ذمّي عليهم شيئا ضمنه، و لو أغار عليهم قوم من أهل الحرب فسبوهم لم يجب عليه استنقاذهم. و الوجه انّه يجوز للمسلمين شراؤهم.
مثل، أن يشترط عليهم مالا أو معونة للمسلمين، و الفاسد يبطل العقد مثل أن يشترط ردّ النساء و السلاح.
و لو شرط ردّ من جاء مسلما من الرجال فجاء مسلم فأرادوا أخذه، فإن كان ذا عشيرة يحفظونه من الافتتان، جاز ردّه بمعنى انّه لا يمنعهم من أخذه إذا طلبوه، و لا يجبره على المضيّ معهم، و لا يمنعه من الرجوع إليهم إن اختار ذلك و له أن يأمره سرّا بالهرب أو المقاتلة، و إن كان مستضعفا لم يجز ردّه.
و لو شرط في الصلح ردّ الرجال مطلقا لم يجز، و يبطل الصلح، و مع
ص: 218
بطلانه لا يردّ من جاء منهم رجلا كان أو امرأة، و لا يردّ البدل عنها بحال.
و لو جاء صبيّ و وصف الإسلام لم يردّ، و لا يردّ المجنون و لو بلغ أو أفاق، فإن وصفا الإسلام كانا مع المسلمين، و ان وصفا الكفر، فإن كان ممّن لا يقرّ أهله عليه، الزما بالإسلام أو ردّا إلى مأمنهما، و إن كان ممّن يقرّ أهله عليه، الزما بذلك أو الجزية.
و لو جاء عبد (مسلم)(1) حكمنا بحريّته، و لو جاء سيّده لم يردّ عليه هو و لا ثمنه.
فلو صالحهم الإمام على ردّ من جاء من النساء مسلمة لم يجز الصلح، و لو طلبت امرأة أو صبيّة الخروج من عند الكفّار جاز لكلّ مسلم إخراجها، و تعيّن عليه ذلك مع المكنة.
و لا يجوز ذلك، سواء كان حرّا أو عبدا أو رجلا أو امرأة.
و لو أطلق الهدنة ثمّ جاءت امرأة مسلمة أو جاءت كافرة و أسلمت لم يجز ردّها، فإن جاء أبوها أو أخوها أو أحد أنسابها لم تدفع إليه، و لو طلب احدهم مهرها(2) لم يدفع إليه.
و لو جاء زوجها أو وكيله بطلبها لم تسلم إليه، و إن طلب مهرها و لم يكن قد سلّمه إليها فلا شيء له و كذا لو لم يسمّ شيئا، و إن كان قد سلّمه ردّ عليه ما
ص: 219
دفعه، و لو سمّى مهرا فاسدا و أقبضها كالخمر لم يكن له المطالبة به و لا بقيمته.
و كل موضع يجب فيه ردّ المهر فانّه يكون من بيت مال المسلمين المعدّ للمصالح، و انّما يردّه لو قدمت إلى بلد الإمام أو بلد خليفته و منع من ردّها إليه و لو قدمت إلى بلد غيرهما وجب على المسلمين منعه من أخذها، و لا يلزم الإمام أن يعطيهم شيئا، سواء كان المانع من ردّها العامّة أو رجال الإمام، و لا يردّ عليه ما أنفقه في العرس و لا ما يهديه إليها أو يكرمها به.
و لو اشتبه وقوع الإسلام في السلامة أو الجنون لم تردّ و لا يردّ مهرها، فإن أفاقت فأقرّت بالإسلام ردّ مهرها عليه، و إن أقرّت بالكفر ردّت عليه.
و لو جاءت مجنونة و لم يعلم حالها لم يردّ عليه، و لا يردّ مهرها، فإن أفاقت و ذكرت أنّها أسلمت ردّ عليه مهرها، و منع منها. و إن ذكرت انّها لم تسلم ردّت عليه.
قال الشيخ: و لا يجب ردّ المهر إلاّ أن تبلغ و تقيم على الإسلام، و إن لم تقم ردّت(1).
فإن امتنعت حبست دائما، و ضربت أوقات الصلوات، و لا تقتل، فإن جاء زوجها و طلبها لم تردّ عليه، و يردّ عليه مهرها.
ص: 220
وجب ردّ المهر عليه إن كان الميّت هي، و على ورثته إن كان الميّت هو، و لو مات أحدهما قبل المطالبة لم يكن له شيء.
لم يجب ردّ المهر إليه، و إن كان بعد المطالبة وجب، و إن كان رجعيّا لم يكن له المطالبة، و لو راجعها ردّ عليه المهر مع المطالبة.
فإن أسلم قبل انقضاء عدّتها، كان على النكاح، فإن كان قد أخذ مهرها قبل إسلامه، ثمّ أسلم في العدة، ردّت إليه(1) و وجب عليه ردّ مهرها إليها(2).
و لو أسلم بعد انقضاء عدّتها بانت منه، فإن كان قد طالب بالمهر قبل انقضاء عدّتها، كان له المطالبة، و إلاّ فلا.
و لو كانت غير مدخول بها فأسلمت ثمّ أسلم، لم يكن له المطالبة بمهرها.
فإن جاء سيّدها بطلبها لم تدفع إليه و لا قيمتها، و لو جاء زوجها لم تردّ عليه، و لو طلب مهرها و كان حرّا ردّ عليه و إن كان عبدا(3) لم يدفع إليه المهر حتّى يحضر مولاه فيطالب به.
و لو حضر المولى دون العبد لم يدفع إليه شيء، و عندي في وجوب ردّ مهر الأمة نظر.
ص: 221
فإن اعترفت ثبت، و إلاّ أقام مسلمين عدلين. و لا يقبل الواحد مع امرأتين و لا مع يمين.
و إذا ثبت بالبيّنة أو الاعتراف، و ادّعى تسليم المهر إليها ثبت إن صدّقته، و إلاّ فعليه البيّنة، و يقبل شاهد و امرأتان أو مع يمين، و لا يقبل قول الكفّار و إن كثروا، و لو عدم البيّنة فالقول قولها مع اليمين.
و لو اختلفا في المقبوض كان القول قولها مع اليمين و عدم البيّنة.
وجب على من بعده من الأئمة العمل بموجب ما شرطه الأوّل إلى أن يخرج مدة الهدنة.
و يضرب خراجا على أرضهم بقدر الجزية(1) و يلتزمون أحكامنا جاز، و يكون ذلك في الحقيقة جزية، فلو أسلم منهم واحد، سقط و صارت الأرض عشرية.
فإن شرط أن يأخذ العشر من زرعهم جاز إذا غلبت على ظنّه أنّه لا يقصر عن أقلّ ما تقتضي المصلحة أن يكون جزية، و لو ظنّ القصور لم يجز، فإن لم يظنّ القصور و عدمه، قال الشيخ: الظاهر من المذهب انّه يجوز لأنّ فعل الإمام حجة(2).
ص: 222
يجوز ذلك الشرط معه مبتدأ، لم يجز عندي فسخ ذلك الشرط و لا الهدنة لأجل الحادث.
و فيه ثلاثة مباحث:
كاليهوديّ يصير نصرانيّا أو بالعكس أو مجوسيّا أو النصرانيّ مجوسيّا و بالعكس، قال ابن الجنيد: يجوز ذلك، و يقرّ عليه بالجزية، و قال الشيخ: الّذي يقتضيه المذهب [أنّه يجوز ان يقرّ عليه](1) انّ الكفر كالملّة الواحدة، و لو قيل: انّه لا يقرّ عليه كان قويّا(2) و ذلك يدلّ على تردّده. قال: فإذا قلنا يقرّ و انتقل أقرّ على جميع أحكامه، و إن انتقل إلى المجوسية فكذلك(3).
و إن قلنا لا يقرّ فبأي شيء يطالب ؟ منهم من يقول يطالب بالإسلام خاصّة، و منهم من يقول يطالب بالإسلام أو بدينه الأوّل، و تردّد الشيخ هنا(4).
لا يقرّ عليه إجماعا، و قوى الشيخ أنّه لا يقبل منه إلاّ الإسلام(5) و قيل:
يطالب بالإسلام أو بالرجوع إلى دينه الأوّل، و قيل: أو دين يقرّ أهله عليه،
ص: 223
و استضعفه الشيخ(1) و ابن الجنيد، فإن أقام على الامتناع قتل.
و أمّا أولاده الكبار فلهم حكم نفوسهم، و أمّا الصغار، فإن كانت أمّهم على دين يقرّ أهله عليه ببذل الجزية، أقرّوا في بلاد الإسلام، سواء ماتت الأمّ (2) أولا.
و إن كانت على دين لا يقرّ أهله عليه، فانّهم يقرّون أيضا لما سبق لهم من الذمّة.
و فيه ستة مباحث:
فإن شرعوا في نقضه، فإن كان الجميع وجب قتالهم، و إن كان البعض، فإن أنكر الباقون ما فعله الناقضون بقول أو فعل ظاهر،(3) أو اعتزلوهم، أو راسلوا الإمام يعرّفونه إنكارهم و إقامتهم على العهد، كان العهد باقيا في حقّهم، و إن سكتوا كانوا ناقضين أيضا.
و إن نقض البعض غزاهم الإمام خاصّة دون المقيمين على العهد، فلو اختلطوا أمرهم(4) الإمام بالتمييز، و لو لم يتميّزوا فمن اعترف بالنقض قتل، و من أنكر قبل قوله و ترك.
ص: 224
و لو نقضوا العهد ثمّ تابوا، قال ابن الجنيد: أرى القبول منهم.
جاز له نقض العهد، و لا يكفي وقوع ذلك في قلبه حتّى تدلّه أمارة على ما خافه، و لا تنتقض الهدنة بنفس الخوف، بل للإمام نقضها، بخلاف الذمّي إذا خيف منه الخيانة، فإنّ عقده لا ينقضه الإمام بذلك.
فإن لم يتضمّن النقض حقّا مثل أن يأوي عين المشركين، أو يطلعهم على عوراتهم، ردّه إلى مأمنه و لا شيء عليه، و إن تضمّن حقّا كقتل مسلم، أو إتلاف مال، استوفي ذلك منه، و كذا إن كان للّه محضا كالزنا، أو مشتركا كالسرقة.
فإن عقد الذمّة كان عليه أن يذبّ عنهم أهل الحرب و غيرهم، فإن شرط في عقد الذمة أن لا يدفع عنهم أهل الحرب، فإن كانوا في بلاد الإسلام بطل الشرط، و إن كانوا في دار الحرب أو بين الدارين صحّ الصلح.
و متى لم يدفع عنهم أهل الحرب حتّى مضى حول، لم تكن عليهم جزية، و إن سباهم أهل الحرب فعليه أن يستردّ ما سبي منهم من الأموال إلاّ الخمر و الخنزير.
احتمل وجوب الردّ عليهم و عدمه.
ص: 225
و فيه تسعة مباحث:
وجب على الحاكم أن يحكم بينهما على ما يقتضيه حكم الإسلام، و إن تحاكم أهل الذمّة بعضهم مع بعض، تخيّر الإمام بين الحكم بينهم و الإعراض عنهم(1) و لا يجب الحكم بينهم، و كذا لو كانوا مستأمنين.
فإذا استدعى خصمه وجب عليه الحضور إلى مجلس الحاكم.
و لو جاءت امرأة ذمّية تستعدي على زوجها الذمّي في طلاق أو ظهار أو ايلاء، تخيّر الإمام في الحكم بينهم حكم المسلمين و الردّ على أهل نحلتهم ليحكموا بينهم بمذهبهم.
فإن حكم بينهم منعه في الظهار من الوطء قبل الكفارة، و لا يكفّر بالصوم و لا بالعتق بل بالإطعام.
و يكره له أن يدفع إلى النصرانيّ مالا للمضاربة، و ينبغي أن يشترط عليه ألاّ يتصرّف إلاّ بما يسوغ في شرع الإسلام.
ص: 226
فإذا شرط و اشترى خمرا بطل الشراء، سواء كان بعين المال أو في الذمة، فإن قبض الثمن ضمنه، و إن لم يشترط و اشترى الخمر، بطل البيع أيضا.
و إذا نضّ المال فإن علم المالك انّه تصرّف في محظور أو خالط محظورا، لم يجز له قبضه، و إن علم انّه مباح، قبضه، و إن شكّ كره.
سواء كانت في الذمّة أو معيّنة، و تكون أوقات العبادة مستثناة.
كان الحكم في ذلك كالحكم بين المسلمين في إقامة الحدود، و إن كان ممّا يجوز في شرعهم، كشرب الخمر و نكاح المحارم، لم يتعرّض لهم مع الاستتار، و إن أعلنوه أدّبهم الإمام على إظهاره.
قال الشيخ: و روي أنّه يقيم عليهم الحدّ، و هو الصحيح(1).
أبطلنا البيع و إن تقابضا، و رددنا الثمن إلى المشتري، سواء كان مسلما أو مشركا، و أرقنا الخمر.
و لو كان العبد مشركا فأسلم قبل موت الموصي ثمّ مات فقبله الموصى له لم يملكه.
فإن اشترى لم يصحّ البيع، قال الشيخ: و حكم أحاديث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و آثار السلف
ص: 227
و أقاويلهم حكم المصحف(1)، و الأقوى عندي الكراهية، أمّا كتب النحو و اللغة و الآداب، فإنّ شراءها جائز لهم.
و كذا لو أوصى أن يستأجر خادما للبيعة و الكنيسة أو يعمل صلبانا.
و لو أوصى ببناء كنيسة ينزلها المارّة من أهل الذمّة أو من غيرهم، أو وقفها على قوم يسكنونها، أو جعل أجرتها للنصارى جازت الوصية، و كذا لو أوصى للرهبان و الشمامسة(2) بشيء.
و لو أوصى ببناء كنيسة لنزول المارّة و الصلاة، قيل بطلت في الصلاة، فتبنى كنيسة بنصف الثلث لنزول المارّة، فإن لم يمكن بطلت، و قيل تبنى بالثلث لنزول المارّة، و يمنعون من الاجتماع للصلاة، و كلاهما قويّ .
و لو أوصى بشيء يكتب به التوراة أو الإنجيل أو الزبور أو غير ذلك من الكتب القديمة بطلت الوصيّة.
و لو أوصى أن يكتب طبّ أو حساب أو غيره، و يوقف عليهم أو على غيرهم جاز.
و يكره للمسلم أجرة رمّ ما يستهدم من الكنائس و البيع من بناء و نجارة و غير ذلك، و ليس بمحرّم.
ص: 228
و فيه أربعة و ثلاثون بحثا:
و يثبت حكم البغي بشرائط ثلاثة:
[الأوّل] أن يكونوا في منعة و كثرة لا يمكن كفّهم و تفريق جمعهم إلاّ باتفاق و تجهيز جيوش و قتال، و لو كانوا نفرا يسيرا كالواحد و العشرة لم يكونوا أهل بغي و كانوا قطاع طريق؛ اختاره الشيخ(1) و ابن إدريس(2)، و عندي فيه نظر.
الثاني: أن يخرجوا عن قبضة الإمام منفردين عنه في بلد أو بادية، و لو كانوا معه أو في قبضته لم يكونوا أهل بغي.
الثالث: أن يكونوا على المباينة بتأويل سائغ عندهم لحصول شبهة اقتضت خروجهم على الإمام، و لو لم يكن لهم تأويل سائغ و باينوا بغير شبهة، فهم قطّاع الطريق، حكمهم حكم المحاربين.
بل كلّ من خرج على إمام عادل و نكث بيعته و خالفه في أحكامه فهو باغ، و حكمه حكم البغاة، سواء نصبوا لأنفسهم إماما أو لا.
ص: 229
و كلّ من خرج على إمام منصوص على إمامته، وجب قتاله بعد البعث إليه و السؤال عن سبب خروجه و إيضاح الصواب له، إلاّ أن يخاف كلبهم(1) فان رجعوا و إلاّ قاتلهم.
و يجب تعريفهم(2) مع المكنة قبل القتال.
و ينالون من عليّ عليه السّلام و من عثمان، فهؤلاء بغاة.
أو من نصبه الإمام على الكفاية(3)، ما لم يستنهضه الإمام على التعيين، فيجب، و لا يكفيه قيام غيره.
و التأخير عنه كبيرة، و الفرار في حربهم كالفرار في حرب الكفار.
و يجب مصابرتهم إلى أن يفيئوا إلى طاعة الإمام أو يقتلوا.
و لم يصلّوا معهم، و امتنعوا من الجماعات، و قالوا: لا نصلّي خلف إمام، إلاّ انّهم في قبضة الإمام، و لم يخرجوا عن طاعته، لم يجز(4) قتلهم بمجرّد ذلك، و لا يكونوا بغاة ما داموا في قبضة الإمام، فإن بعث الإمام إليهم واليا
ص: 230
فقتلوه أو قتلوا غير الوالي من أصحاب الإمام أقيد منهم حتما.
قوتلوا مع الرجال إذا لم يكن التحرّز عنهم و إن أتى القتل عليهم، و إذا أرادت امرأة أو صبيّة(1) قتل إنسان كان له دفعهما و إن أتى على أنفسهما.
و يقتلهم الإمام مقبلين و مدبرين، و إذا وقعوا في الأسر تخيّر الإمام بين المنّ و الفداء و الاسترقاق و القتل، و ليس لأهل البغي أن يتعرّضوا لهم، لبذلهم الأمان، و ان كان فاسدا.
و إن استعانوا بأهل الذمّة فعاونوهم، راسلهم الإمام، فإن ادّعوا الشبهة المحتملة من اعتقادهم تسويغ القتل مع الطائفة من المسلمين أو الإكراه، قبل قولهم بغير بيّنة، و كان عهدهم باقيا، و إن لم يدّعوه انتقض عهدهم، و جاز قتالهم مقبلين و مدبرين.
و لو أتلفوا أموالا و أنفسا ضمنوها، و كذا يضمن أهل البغي ما يتلفونه من مال أهل العدل و أنفسهم حال الحرب في قبلها و بعدها، و إن استعانوا بالمستأمنين انتقض أمانهم، و لو ادّعوا الإكراه، افتقروا إلى البيّنة.
و منع الشيخ في المبسوط ذلك(2) و ليس بجيّد.
ص: 231
و لو استعان من المسلمين بمن يرى قتلهم مقبلين و مدبرين في موضع لا يجوز، لم يجز إلاّ مع الضرورة، أو يتمكّن الإمام من دفعهم عنهم حالة الإدبار.
و كذا يجوز أن يستعين على أهل الحرب بأهل الذمّة ممّن هو حسن الرأي في المسلمين مع أمن الإمام من صيرورتهم مع أهل الحرب.
فإن قدر الإمام على قهرهما فعل، و لا يعاون إحداهما على الأخرى، بل يقاتلهما حتّى يعودوا إلى الطاعة.
و إن لم يتمكّن تركهما، و يدعوا القاهرة إلى الطاعة، فإن أبت قاتلها.
و ان خاف اجتماعهما عليه ضمّ احداهما إليه، و قاتل الأخرى قاصدا كسرها لا معونة الأخرى.
و ينبغي أن يقاتل مع الّتي هي أقرب إلى الحق، فإن تساويا، فمع الّتي، المصلحة أكثر بالقتال معها، فإن انهزمت الّتي قاتلها أو رجعت إلى طاعته، كفّ عنها، و لم يجز قتال الّتي ضمّها إليه إلاّ بعد دعائها إلى طاعته.
كالنار و المنجنيق و التغريق إلاّ مع الضرورة.
و لا شيء على القاتل، و لا ضمان على أهل العدل فيما يتلفونه من مال أهل البغي حال الحرب، و لو قتل العادل كان شهيدا و لا يغسّل و لا يكفن، و يصلّى عليه و يدفن.
و لو أتلف أهل العدل مال أهل البغي أو أنفسهم قبل الشروع في الحرب أو بعد انقضائه، ضمنوه.
ص: 232
قال الشيخ: و لا خلاف انّ الحربي إذا أتلف شيئا من أموال المسلمين و نفوسهم، ثمّ أسلم فإنّه لا يضمن و لا يقاد به. و أمّا المرتدون فانّهم يضمنون ما يتلفونه من الأموال و الأنفس قبل الحرب و بعدها و فيها(1) و لا فرق بين الواحد و الجمع من أهل البغي في التضمين.
أحدهما: أن لا يكون لهم فئة يرجعون إليها، و لا رئيس يجتمعون عنده.
الثاني: أن يكون لهم رئيس يجمعهم و فئة يرجعون إليها، فالأوّل لا يجتاز على جريحهم، و لا يتبع مدبرهم، و لا يقتل أسيرهم؛ و الثاني يجتاز على جريحهم، و ينبع مدبرهم، و يقتل أسيرهم، سواء كانت الفئة حاضرة أو غائبة، قريبة أو بعيدة.
و الوجه سقوط القصاص.
حبس حتّى يبايع أو ينهزم أصحابه إلى غير فئة و يرموا سلاحهم و لو ولّوا مدبرين إلى فئة، لم يطلق و جاز قتله، و لو كان الأسير من غير أهل القتال كالصبيّ و المرأة أطلق على إشكال.
جاز فداء أسارى أهل العدل بأسارى أهل البغي، و لو أبى أهل البغي، حبس أهل
ص: 233
العدل من معهم، و لو قتل أهل البغي أسارى أهل العدل لم يجز لأهل العدل قتل أساراهم إذا لم تكن لهم فئة.
أحدهما: ما لم يحوه العسكر، و الإجماع على بقائه على ملكهم.
الثاني: ما حواه العسكر من سلاح و كراع(1) و خيل و أثاث و غير ذلك، فللشيخ قولان: احدهما انها تقسم بين أهل العدل للراجل سهم و للفارس سهمان و لذي الافراس ثلاثة(2) و به قال ابن الجنيد:(3) و الثاني انّها باقية على ملك أهل البغي لا يجوز استغنامها و لا قسمتها(4) و هو اختيار المرتضى(5) و ابن ادريس(6)و هو قويّ .
سواء كان لهم فئة أو لا و لا تملك نساؤهم.
فإن سألوا [به](1) الإنظار أبدا لم يصحّ ، و إن كان مدّة معلومة، ليجتمعوا و يتقوّوا، لم يجبهم إلى ذلك، و إن كان للتفكر و العود إلى الطاعة قبل، و لو بذلوا مالا لينظرهم فيما لا يسوغ لهم إنظاره لم يجز.
و لو كان في أيديهم أسارى أهل العدل و سألوا الإنظار و الكفّ ليطلقوا أسارى أهل العدل و أخذ منهم الرهائن، جاز، فإن أطلقوا أسارى أهل العدل، أطلق الإمام رهائنهم، و إن قتلوا من عندهم لم يقتل رهائنهم، فإذا انقضت الحرب أطلقت الرهائن مع الأمن.
و لو خاف الإمام على أهل العدل الضعف عنهم، فالوجه تأخيرهم إلى وقت المكنة.
2953. الواحد و العشرون: لو تعوّذ أهل البغي عند النكاية(2) فيهم برفع المصاحف أو الدعوة إلى حكم الكتاب بعد أن دعوا إلى ذلك فأبوا،
لم يرفع عنهم الحرب إلاّ بما يكون رجوعا إلى الحقّ مصرّحا من غير تأويل.
ففي جواز قتله إشكال.
ص: 235
لم يقع موقعه، و للإمام أن يجيزه.
و إذا أقاموا الحدود، قال الشيخ: لا يعاد مرّة أخرى للمشقة(1) و لو طالبهم الإمام بالصدقات، فذكروا أنّ أهل البغي استوفاها منهم، فإن لم يجز الإمام طالبهم ثانية، و لو أجازه فالأقرب القبول من غير بينة و لا يمين.
قال الشيخ: لو ادعوا أداء الخراج لم يقبل قولهم(2) و لو ادّعى أهل الذمة أداء الجزية إلى أهل البغي، لم يقبل منهم.
فلو نصب أهل البغي قاضيا لم ينفذ قضاؤه مطلقا في حقّ أو باطل، سواء كان القاضي من أهل البغي أو من أهل العدل، و لو كتب بحكمه إلى قاض آخر لم ينفذه(3).
فلا تقبل شهادتهم و إن كان عدلا في مذهبه، سواء شهد لهم أو عليهم، و سواء كان على طريق التديّن أو لا على وجه التديّن.
و المقتول من أهل البغي لا يغسّل و لا يكفن و لا يصلّى عليه، و لا فرق بين الخوارج و غيرهم.
أقيم فيهم الحدّ و إن امتنعوا بدار الحرب.
ص: 236
فإن قتله كان جائزا(1) و ورثه إن كان وارثا، و لو قتل الباغي العادل، منع من الميراث.
قال ابن الجنيد: لا يستحبّ للوالي أن يبدأ بقتالهم لجواز الهدنة(2). و لا بيات أحد من أهل البغي و لا قتله غيلة، قال: و يستحبّ للواليّ إذا أراد إنفاذ سريّة إلى عدو أن يأمر فيطاف باللواء في المساجد الجامعة و أسواق المسلمين، و يأمر الناس بالدعاء له بالنصر على أعداء المسلمين.
و لو عرض بالسبّ عزّر، و كذا لو عرض بالشتم.
و مانع الزكاة ليس بمرتدّ، و يجب قتاله حتّى يدفعها، فإن دفعها، و إلاّ قتل إن كان محرّما للترك(3)، و لا تركها مع التحليل للترك كان مرتدا.
و إذا أتلف المرتدّ مالا أو نفسا حال ردّته، ضمنه سواء تحيّز و صار في منعة أو لا.
ص: 237
كان له أن يقاتله دفعا عن نفسه أو حريمه بأقلّ ما يمكن دفعه به، و لو لم يندفع إلاّ بالقتل جاز، و لا دية له، و لا قود، و لا كفّارة.
و هل يجب على الإنسان أن يدافع عن نفسه ؟ قال الشيخ: الأقوى الوجوب، و لا يجوز الاستسلام(1) أمّا المال فلا يجب أن يدافع عنه، و لا أعلم فيه خلافا.
و المرأة يجب عليها أن تدافع من أراد فرجها، و لو قتل لم تكن له دية.
و لو تمكّن من الصياح وجب إذا حصل المساعد(2).
يجب عليه تناوله لحفظ الرمق.
و فيه ثلاثة عشر بحثا:
و المعروف: كلّ فعل حسن اختصّ بوصف زائد على حسنه، إذا عرف فاعله ذلك أو دلّ عليه.
ص: 238
و المنكر: كلّ فعل قبيح عرف فاعله قبحه أو دلّ عليه.
و الحسن: ما للقادر عليه المتمكّن من العلم بحاله أن يفعله.
و القبيح: هو الّذي ليس للمتمكّن منه و من العلم بقبحه أن يفعله.
و الحسن شامل للواجب و الندب و المباح و المكروه.
و القبيح: هو الحرام خاصّة.
فالأمر بالواجب واجب، و بالندب ندب، و المنكر كلّه قبيح، و النهي عنه واجب.
قال اللّه تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّٰاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ تَنْهَوْنَ عَنِ اَلْمُنْكَرِ (1).
و قال: لُعِنَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرٰائِيلَ - إلى قوله - كٰانُوا لاٰ يَتَنٰاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ (2).
و روي عن الصادق عليه السّلام: قال: «جاء رجل من خثعم إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال: يا رسول اللّه: أخبرني ما أفضل الإسلام ؟ فقال: الإيمان باللّه، قال: ثمّ ما ذا؟ قال: صلة الرحم، قال: ثمّ ما ذا؟ قال: الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، فقال الرجل: فأيّ الأعمال أبغض إلى اللّه ؟ قال: الشرك باللّه، قال: ثمّ ما ذا؟ قال:
قطيعة الرحم، قال: ثمّ ما ذا؟ قال: ترك الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر»(3).
و قال الكاظم عليه السّلام: «لتأمرون بالمعروف و لتنهون عن المنكر أو
ص: 239
ليستعملنّ عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم»(1).
و عن الباقر عليه السّلام: قال: «ويل لقوم لا يدينون اللّه بالامر بالمعروف و النهي عن المنكر»(2).
و قال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لا يزال الناس بخير ما أمروا بالمعروف و نهوا عن المنكر، و تعاونوا على البرّ، فإذا لم يفعلوا ذلك نزعت منهم البركات، و سلّط بعضهم على بعض، و لم يكن لهم ناصر في الأرض و لا في السماء(3). و الأخبار في ذلك كثيرة(4).
و اختلفوا في وجوبهما في مقامين.
أحدهما: هل هو عقليّ أو سمعيّ؟ و الثاني أقوى.
الثاني: هل هما واجبان على الكفاية أو على الأعيان ؟ السيّد على الأوّل(5)و هو الأقوى. و الشيخ على الثاني(6).
أن يعلم المعروف معروفا و المنكر منكرا، ليأمن الغلط في الإنكار و الأمر.
ص: 240
و أن يجوّز تأثير إنكاره، فلو غلب على ظنّه أو علم عدم التأثير لم يجب، و قد جعله أصحابنا شرطا على الإطلاق، و الأولى أن يكون شرطا لما يكون باليد و اللسان دون القلب.
و أن لا يكون المأمور أو المنهيّ مصرا على الاستمرار، فلو ظهر منه أمارة الامتناع سقط الوجوب.
و أن لا يكون على الآمر و الناهي و لا على أحد من المؤمنين بسببه مفسدة، فلو ظنّ توجّه الضرر إليه أو إلى أحد من المؤمنين بسببه، سقط الوجوب.
فالأوّل يجب مطلقا و هو أوّل المراتب، فإذا علم أنّ فاعل المنكر ينزجر بإظهار الكراهية وجب، و كذا لو عرف احتياجه إلى الهجر وجب، و لم يجب الزائد.
و لو لم يؤثر انتقل إلى الإنكار باللسان بالوعظ و الزجر، و يستعمل الأيسر أوّلا، فإن أفاد، و إلاّ انتقل إلى ما فوقه، و لو لم ينزجر و افتقر إلى اليد كالضرب و شبهه جاز.
و لو افتقر إلى الجراح، قال السيّد: يجوز ذلك بغير إذن الإمام(1) و قال الشيخ:
ظاهر مذهب شيوخنا الإمامية أنّ هذا الجنس من الانكار لا يكون إلاّ للأئمّة أو لمن يأذن له الإمام. قال و كان المرتضى يخالف في ذلك و يقول: يجوز فعل ذلك بغير إذنه(2) و أفتى به الشيخ في التبيان(3) و هو الأقوى عندي.
ص: 241
و قد رخّص في حال غيبة الإمام أن يقيم الإنسان الحدّ على مملوكه إذا لم يخف ضررا على نفسه و لا ماله و لا على أحد من المؤمنين، و قال الشيخ: و قد رخّص أيضا في حال الغيبة إقامة الحدّ على الولد و الزوجة مع الأمن(1) و منعه ابن إدريس ذ(2).
و هل يجوز للفقهاء إقامة الحدود حال الغيبة ؟ جزم به الشيخان(3)، و هو قويّ عندي، و يجب على الناس مساعدتهم على ذلك.
و قد فوّض الأئمّة عليهم السّلام ذلك إلى فقهاء شيعتهم المأمونين، المحصّلين لمدارك الأحكام، الباحثين عن مآخذ الشريعة، القيمين بنصب الأدلّة و الأمارات في حال الغيبة.
فينبغي لمن عرف الاحكام، و استجمع شرائع الحكم الآتية في باب القضاء من الشيعة الحكم و الإفتاء، و له بذلك أجر جزيل و ثواب عظيم مع الأمن على نفسه و ماله و المؤمنين، فإن خاف على أحدهم لم يجز له التعرض له على حال.
مرتكبا للمآثم مخالفا للإمام و يجب على كلّ متمكّن منعه عن ذلك و مساعدة غريمه على الترافع إلى قضاة الحقّ .
ص: 242
وجب عليه الحكم بينهما على مذهب أهل الحقّ ، و لا يجوز أن يحكم بينهما بمذاهب أهل الخلاف، فإن اضطرّ إلى الحكم بينهما على مذاهب أهل الخلاف، جاز له ذلك ما لم يبلغ الدماء، فانّه لا تقية فيها على حال.
و يجتهد في تنفيذ الأحكام على الوجه الحقّ ، ما أمكن.
و لم يخف على نفسه و لا على أحد من المؤمنين.
و يجب عليه أن يفتي عن معرفة لا عن تقليد. روى الشيخ في الصحيح عن الباقر عليه السّلام: من أفتى الناس بغير علم و لا هدى من اللّه لعنته ملائكة الرحمة و ملائكة العذاب و لحقه و زر من عمل بفتياه(1).
و لو خاف على نفسه من الإفتاء بالحقّ ، جاز له مع الضرر و خوفه الإفتاء بمذاهب أهل الخلاف لهم أو السكوت للضرورة مع المكنة.
إلاّ أن يعلم أنّه لا يتعدّى الواجب و لا يرتكب القبيح، و يتمكّن من وضع الأشياء مواضعها، فإن غلب على ظنّه خلاف ذلك لم يجب التعرّض له، فإن أكره على الدخول جاز حينئذ، و يجتهد على إنفاذ الأحكام بالحقّ .
تمّت القاعدة الأولى و هي العبادات من كتاب التحرير و هو آخر جزء الأوّل منه، و يتلوه في الثاني إن شاء اللّه تعالى القاعدة الثانية في المعاملات.
[و فرغ من تسويده مصنّفه حسن بن يوسف بن المطهر في ليلة الثلاثاء عاشر ربيع الأوّل من سنة تسعين و ست مائة](1).
و الحمد للّه رب العالمين و صلّى اللّه على سيد المرسلين محمد النبي و آله الطاهرين
ص: 244
و فيه كتب:
ص: 245
ص: 246
و فيه مقدّمة و مقاصد
ففيها مباحث:
قال اللّه تعالى: فَامْشُوا فِي مَنٰاكِبِهٰا وَ كُلُوا مِنْ رِزْقِهِ (1).
و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «من المروّة استصلاح المال»(2)، و فيه فضل كثير و ثواب عظيم.
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «الكادّ على عياله كالمجاهد في سبيل اللّه»(3).
و قال عليه السّلام: «نعم العون على تقوى اللّه الغنى»(4).
و قال أمير المؤمنين عليه السّلام: «إنّ اللّه يحبّ المحترف الأمين»(5).
و قال عليه السّلام: «اتّجروا بارك اللّه لكم فإنّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: إنّ
ص: 247
الرزق عشرة أجزاء تسعة في التجارة و واحد في غيرها»(1).
و قال عليه السّلام: «تعرضوا للتجارة، فانّ لكم فيها غنى عمّا في أيدي الناس»(2).
و قال الصادق عليه السّلام: «إنّ اللّه تبارك و تعالى ليحبّ الاغتراب في طلب الرزق»(3).
و عنه عليه السّلام قال: أوحى اللّه عزّ و جلّ إلى داود عليه السّلام: «إنّك نعم العبد لو لا انّك تأكل من بيت المال و لا تعمل بيدك شيئا، فبكى داود عليه السّلام فأوحى اللّه عزّ و جلّ إلى الحديد: أن لن لعبدي داود. فألان اللّه تعالى له الحديد، فكان يعمل كلّ يوم درعا و يبيعها بألف درهم، فعمل عليه السّلام ثلاث مائة و ستّين درعا، فباعها بثلاث مائة و ستّين ألفا، و استغنى عن بيت المال»(4).
و قال عليه السّلام: «غنى يحجزك عن الظلم خير من فقر يحملك على الإثم»(5).
و قال عليه السّلام: «لا خير فيمن لا يحبّ جمع المال من حلال، فيكفّ به وجهه، و يقضي به دينه و يصل به رحمه»(6).
و قال عليه السّلام: ما فعل عمر بن مسلم ؟ قيل: أقبل على العبادة و ترك التجارة. قال:
ص: 248
ويحه أما علم أنّ تارك الطلب لا يستجاب له، انّ قوما من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لما نزل وَ مَنْ يَتَّقِ اَللّٰهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَ يَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاٰ يَحْتَسِبُ (1) أغلقوا الأبواب، و أقبلوا على العبادة، و قالوا: قد كفينا، فبلغ ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فأرسل إليهم [فقال:](2) ما حملكم على ما صنعتم ؟ فقالوا: يا رسول اللّه تكفّل اللّه عزّ و جلّ بأرزاقنا فأقبلنا على العبادة، فقال: انّه من فعل ذلك لم يستجيب اللّه له، عليكم بالطلب، إنّي لأبغض الرجل فاغرا فاه(3) إلى ربّه يقول: ارزقني، و يترك الطلب(4).
و قال الصادق عليه السّلام: «كفى بالمرء إثما ان يضيّع من يعول»(5).
قال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «ملعون ملعون من يضيع من يعول»(6).
و روي عن الكاظم عليه السّلام انّه قال:
«اعمل لدنياك كأنّك تعيش أبدا، و اعمل لآخرتك كأنّك تموت غدا»(7).
و الأخبار في ذلك كثيرة(8).
و يميّز صحيح العقد و فاسده، و يسلم من الربا. و كان أمير المؤمنين عليه السّلام يغتدي كلّ
ص: 249
يوم بكرة من القصر يطوف في الأسواق، و معه الدّرّة على عاتقه، فيقف على أهل كل سوق فينادي: «يا معشر التجار اتّقوا اللّه عزّ و جلّ » فإذا سمعوا صوته عليه السّلام ألقوا ما في أيديهم، و ارعوا إليه بقلوبهم، و سمعوا(1) بآذانهم، فيقول:
«قدّموا الاستخارة، و تبرّكوا بالسهولة، و اقربوا(2) من المبتاعين، و تزيّنوا بالحلم، و تناهوا عن اليمين، و جانبوا الكذب، و تجافوا عن الظلم، و انصفوا المظلومين، و لاٰ تَقْرَبُوا اَلزِّنىٰ (3)وَ أَوْفُوا اَلْكَيْلَ وَ اَلْمِيزٰانَ ، و لاٰ تَبْخَسُوا اَلنّٰاسَ أَشْيٰاءَهُمْ ، وَ لاٰ تَعْثَوْا فِي اَلْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ».
فيطوف عليه السّلام في جميع الأسواق بالكوفة ثمّ يرجع فيقعد للناس(4).
فيكون الصبيّ بمنزلة الكبير، و الساكت بمنزلة المماكس، و المستحيي بمنزلة البصير المداقّ .
و كذلك إذا عامله مؤمن، فليجتهد ألاّ يربح عليه، فإن اضطرّ قنع باليسير منه.
لم يجز أن يعطيه من عنده و إن كان أجود، إلاّ بعد البيان.
و يكره لمن لا يعرف الكيل و الوزن أن يتولاّهما.
ص: 250
و من سبق إلى مكان من السوق غير مملوك كان أحقّ به إلى الليل.
و أن يكبّر اللّه تعالى ثلاثا إذا اشترى، و أن يتشهّد الشهادتين و يسأل اللّه أن يبارك له فيما يشتريه و يخير له فيما يبيعه.
و إذا تعسّر عليه نوع من التجارة انتقل إلى غيره، و لو ربح في نوع منها، داوم عليه، و إذا حصل المشتري بادر إلى البيع، و لا يترك الشراء للغلاء، و لا يطلب الغاية في ما يبيع و يشتري من الربح، بل يقنع باليسير.
مدح البائع، و ذمّ المشتري، و كتمان العيوب، و اليمين على البيع، و الربا.
و معاملة سفلة الناس و الأدنين منهم، و ذوي العاهات و المحارفين و الأكراد و مخالطتهم و مناكحتهم و معاملة أهل الذمّة و تزيين المتاع بإظهار جيّده و إخفاء رديّه، بل يمزجه، و لو كان الرديّ ممّا لا يظهر للحسّ حرم.
و يكره الاستحطاط من الثمن بعد العقد قبل التفرق و بعده.
و إن زاد في قيمته على ما يطلب في الحال إلاّ بإذن مالكه.
ص: 251
و هو إظهار الجيّد و إخفاء الرديّ فيما لا يمكن معرفته، كشوب اللبن بالماء، و لهذا يكره البيع في المواضع المظلمة الّتي يخفى فيها العيوب.
و حرّمه في المبسوط(1)، و أن يزيد وقت النداء، بل يزيد وقت سكوت المنادي، و لو دخل على سوم أخيه و تعاقد البيع، صحّ و إن فعل حراما أو مكروها.
2995. السادس عشر: روي انّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: «لا يبع بعضكم على بيع بعض»(2).
و معناه النهي عن قول الرجل للمشتري في مدة الخيار: أنا أبيعك مثل هذه السلعة بأقلّ أو خيرا منها بالثمن أو أقلّ ، و كذا يتناول النّهي من(3) جاء إلى البائع في مدّة الخيار فدفع إليه أكثر من الثمن، و لو خالف، انعقد البيع مع فسخ أحد المتعاقدين و إن فعل حراما.
كذا، فاشتراها به، ثمّ بان كذبه، كان للمشتري الخيار مع الغبن.
2997. الثامن عشر: بيع التلجئة(1) باطل.
و هو المواطاة على الاعتراف بالبيع من غير بيع خوفا من ظالم.
2998. التاسع عشر: نهى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ان يبيع حاضر لباد(2)،
و هو من يدخل البلدة من غير أهلها، سواء كان بدويّا أو من بلدة أخرى، و معناه النهي عن أن يكون سمسارا له يعرفه السعر، بل ينبغي أن يتولّى البدويّ البيع لنفسه، ليشتريها الناس برخص، و يتّسع عليهم السعر.
و هل هو تحريم قال في المبسوط: نعم(3) و هو قول ابن إدريس(4). و قال في النهاية بالكراهية(5).
و انما يحرم بأن يقصد الحاضر تولّي البيع للبادي، و أن يكون البادي جاهلا بالسعر، و أن يجلب السلعة للبيع، و لو خالف انعقد البيع، و لو أشاد(6)الحاضر على البادي من غير أن يباشر البيع، فالوجه الكراهة؛ و لا بأس بالشراء للبادي.
الكراهية(1). و هو أن يخرج إلى الراكب القاصد للبلد، فيشتري منهم قبل معرفتهم بالسعر في البلد، و لو خالف و اشترى، انعقد البيع، و مع الغبن يتخيّر المغبون، و لا خيار مع عدمه، و الخيار انّما هو للبائع خاصّة.
و الأقرب انّ الخيار فيه و في النجش ليس على الفور.
و لو تلقّاهم و باعهم، فهو بمنزلة الشراء، يثبت لهم الخيار مع الغبن الفاحش، و لو خرج غير قاصد للشراء، فلقي الركب اتّفاقا، لم يكره الشراء و لا البيع، و لو تلقّى الجلب في أوّل السوق بعد دخوله، لم يكن به بأس.
و حدّ التلقّي أربعة فراسخ، فإن زاد كان تجارة و جلبا و لم يكن تلقّيا.
3000. الواحد و العشرون: نهى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن الاحتكار(2)
و في تحريمه للشيخ قولان: أحدهما التحريم(3) و هو قول أبي الصلاح(4) و ابن إدريس(5) و ابن بابويه(6) و الثاني الكراهية(7) هو قول المفيد(8) و سلاّر(9). و الأوّل أقوى.
و معنى الاحتكار هو حبس الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و السمن - و في الملح قولان - مع احتياج الناس و عدم الباذل سوى المحتكر، و لا احتكار في ما عداها.
ص: 254
و قال ابن بابويه: يثبت في الزيت، و به رواية حسنة(1).
و لو استبقاها للقوت أو الزرع لم يكن محتكرا.
و قال الشيخ: حدّه في الرخص أربعون يوما، و في الغلاء ثلاثة أيام(2). و الحقّ ما قلناه، و هل له اجبارهم على التسعير؟ قال المفيد(3) و سلاّر(4): نعم.
و قال أكثر علمائنا: ليس له ذلك، و هو الوجه عندي.
عسيب الفحل و هو نطفته، و عن الملاقيح و هو ما في بطون الأمّهات، و المضامين و هي ما في أصلاب الفحول، و عن الملامسة و هو أن يبيعه غير مشاهد، على أنّه متى لمسه وقع البيع، و عن المنابذة و هو أن يقول: أن نبذته إليّ فقد اشتريته بكذا، و عن بيع الحصاة و هو أن يقول: ارم هذه الحصاة فعلى أيّ ثوب وقعت فهو لك بكذا.
ص: 256
و فيه فصلان
و فيه تسعة و عشرون بحثا:
و ما يعرض له، و هو ضربان: أحدهما ما لا يمكن تطهيره.
كالمائعات الّتي عرضت النجاسة، و الثاني يمكن تطهيره، كالثياب. فالأوّل و أوّل الثاني لا يجوز بيعه و لا شراؤه و لا التكسّب به، إلاّ الأدهان النجسة لفائدة الاستصباح تحت السماء.
و ثاني الأخير يجوز التكسب به.
و أبوال ما لا يؤكل لحمه نجسة يحرم التكسّب بها، و في بول ما يؤكل
ص: 257
لحمه قولان: أحدهما الجواز؛ قاله السيّد(1) و الشيخ منع إلاّ بول الإبل خاصّة للاستشفاء به(2).
أقربهما الجواز، و غير ذلك من الكلاب يحرم التكسّب به إجماعا منّا. و كذا يجوز إجارة الكلاب المنتفع بها، و الوصية بها، وهبتها.
و يحرم إتلاف المعلّم، و على المتلف الغرم، و إن كان أسود بهيما(3). و يباح قتل العقور.
و يحرم اقتناء ما عدا الكلاب الأربعة، و يجوز تربية الجرو الصغير لأحد الأمور المذكورة، و اقتناء أحد الأربعة، و لو هلكت ماشية فأراد شراء غيرها أو حصد زرعه، ابيح له اقتناؤه إلى ان يشتري او يستجد زرعا آخر. و يجوز لمن لا يصيد أن يقتني كلب الصيد.
و لو كان فيه منفعة جاز اقتناؤه كالكلب و السرجين لتربية الزرع، و الخمر للردّ إلى الخلّ ، و كذا يحرم اقتناء الموذيات كالحيّات و العقارب و السباع.
كآلات اللهو مثل العود و الزمر، و هياكل العبادة، كالصليب و الصنم، و آلات القمار،
ص: 258
كالشطرنج و النرد و الأربعة عشر، و بيع العنب ليعمل خمرا، و كذا العصير، و لو باعه كذلك بطل العقد، و كذا بيع الخشب ليعمل صنما، و يجوز بيع ذلك كلّه على من يعمله إذا لم يبعه لذلك على كراهية.
و يحرم التوكيل في بيع الخمر، و إن كان الوكيل ذميّا و كذا الشراء، و كذا يحرم إجارة السفن و المساكن للمحرّمات و اتّخاذها للمناكير.
و لو آجرها لمن يعمل ذلك لا بشرطه جاز، و لو آجر سفينته أو دابّته لحمل الخمر جاز، ما لم يحملها للشرب فيحرم، و لو كان البيت في السواد حرم إجارته لذلك، كما لو كان في المدينة.
و لو استأجر ذمّي دار مسلم و أراد بيع الخمر فيها سرّا، لم يكن للمالك منعه، و لو آجره لذلك، فالأقرب التحريم للعموم.
و يجوز بيع ما يكن(1) من السلاح كالدروع و الخفاف، و لا فرق في التحريم بين جميع آلات الحرب و لا بين إسلام العدوّ و كفره.
و قد وردت رخصة بإباحة أجر المغنّية في العرائس إذا لم تتكلّم بالباطل، و لا تلعب بالملاهي كالعيدان و القصب، بل تكون ممّن تزفّ العروس، و تتكلّم عندها بإنشاد الشعر و القول البعيد من الفحش و الباطل، و ما عدا ذلك حرام في العرس و غيره.
و لا بأس بأجر النائحة إذا لم
ص: 259
تعتمد قول الباطل، و إن كان مكروها خصوصا مع الشرط.
و كذا ما يؤخذ بسببه، حتّى لعب الصبيان بالجوز و الخاتم و الشطرنج.
كشوب اللبن بالماء، و كذا تدليس الماشطة و تزيين الرجل بالحرام.
و كذا أخذ الأجرة عليه.
و كذا استماعها، و هجاء المؤمنين، و الكذب عليهم، و النميمة، و سبّ المؤمنين، و السعي في القبيح، و مدح من يستحقّ الذم و بالعكس، و الأمر بشيء من ذلك، و أخذ الأجرة عليه، و التشبيب بنساء المؤمنين.
و نسخ التوراة و الإنجيل و تعليمهما و أخذ الأجرة عليه.
و أخذ الأجرة عليه، و السحر كلام يتكلّم به أو يكتبه، [أ] و رقيّة، أو يعمل شيئا يؤثّر في بدن المسحور أو قلبه أو عقله من غير مباشرة. قال الشيخ: لا حقيقة له و انّما هو تخييل(1) و قيل: له حقيقة. و على الوجهين، إن استحلّه، فالوجه انّه يكفر، و إلاّ فلا.
ص: 260
و من يحلّ (1) السحر، فإن كان بشيء من القرآن أو الذكر و الاقسام و الكلام المباح فلا بأس به، و إن كان بشيء من السحر فهو حرام.
و الكاهن (قيل:)(2) هو الّذي له رئيّ من الجنّ (3) يأتيه بالأخبار، فانّه يقتل ما لم يتب.
و التنجيم حرام، و كذا تعلّم النجوم مع اعتقاد انّها مؤثّرة، أولها مدخل في التأثير، و أخذ الأجرة عليه، و لو تعلّم ليعرف قدر سير الكواكب و بعدها و أحوالها من التربيع و الكسف و غيرها فلا بأس به.
و الشعبذة، هي الحركات السريعة جدّا بحيث يخفى على الحسّ التميز بين الشيء و شبهه لسرعة انتقاله منه الى شبيهه، و هي حرام و كذا الأجرة عليها، و كذا القيافة و كلّ ما يشاكلها.
و كذا أكل ثمنه، و ثمن ما ليس بمملوك للإنسان. و لا يصحّ تملّكه له.
و يجوز بيع الجلد و الورق لا بيع كلام اللّه تعالى و لو اشترى المصحف و عقد البيع على الجلد و الورق جاز، و إلاّ حرم كالبيع، و لو اشترى الكافر مصحفا لم ينعقد البيع. و قال بعض أصحابنا:
يجوز و يجبر على بيعه.
و يجوز أخذ الأجرة على كتابة القرآن.
ص: 261
و لا تحريم مع الجهل بكونها سرقة، و لو اشتبهت السرقة بغيرها جاز الشراء ما لم يعلم العين المسروقة، و من وجد عنده سرقة كان ضامنا لها، إلاّ أن يقيم البيّنة بشرائها، فيضمن و يرجع به على البائع مع جهله بالغصبيّة.
و لو اشترى بالمال المسروقة ضيعة أو جارية، فإن كان بالعين، بطل البيع، و إن كان في الذمّة، حلّ له وطء الجارية و التصرّف في الضيعة، و عليه ردّ المال خاصّة(1)، و لو حجّ به برأت ذمّته مع وجوبه عليه.
سواء كان حكم لباذله أو عليه بحقّ أو باطل.
فإن بيع تصدّق بثمنه، و لم يملكه البائع.
مثل الفأرة، و الحيّات، و العقارب، و الخنافس، و الجعلات، و بنات وردان(2)، و سباع البهائم الّتي لا يصلح للاصطياد، كالأسد و الذئب، و ما لا يؤكل، و ما لا يصاد به من الطير، كالرخم(3) و الحدأة(4) و الغراب الأبقع و الأسود، و بيضها، لا يجوز(5) بيعه و لا شراؤه،
ص: 262
و لا يحلّ ثمنه، و كذا المسوخ كلّها، بحريّة كالجرّي، و المارماهي، و التمساح، و السلاحف، و الرقاق(1) أو بريّة كالدبّ و القرد، و إن قصد بالبيع حفظ المتاع و الدكان.
و جوّز ابن إدريس(2) بيع السباع كلّها، سواء كان ممّا يصاد عليها أو لا يصاد، و هو جيّد.
أحدهما الإباحة، و هو الأقوى. و يجوز بيع الهرّ و ما يتّخذ للصيد، كالفهد و الصقر و نحوهما، و إن لم يكن معلّما و لا يقبل التعليم، و هل يجوز بيع ما يصاد عليه كالبوهة(3) توضع ليجتمع الطير عليها فيصيده الصائد؟ فيه إشكال، و كذا العلق.
من الكلب و الوقف و المكاتب و أمّ الولد و غيرها ممّا يأتي في موضعه، و كذا يجوز بيع جميع السباع الّتي يصاد بها و ينتفع بها في الصيد، كالفهد و الصقر و الشاهين و العقاب، و منع الشيخ منه في النهاية(4) و هو ضعيف، لرواية عيسى بن القاسم الصحيحة عن الصادق عليه السّلام(5).
و بيض ما لا يؤكل لحمه من الطير، إن كان ممّا لا ينتفع به، كالغراب
ص: 263
و الحدأة و الرخم و أشباهها، لم يجز بيعه، و إن كان طاهرا، و إن كان ممّا ينتفع به بأن يصير فرخا جاز.
و في العلق الّتي ينتفع بها، كالّتي تعلق على وجه صاحب الكلف(1) فيمصّ الدم، و الديدان الموضوعة في آلة الصيد، تردّد، و أقربه المنع، من حيث عموم النهي عن بيع الحشرات.
و وبره و إن لم يكن معه قزّ، و كذا بيع النحل مع المشاهدة، و إمكان التسليم، بأن تكون محبوسة و إن كانت منفردة، و لو تعذّرت مشاهدته، بأن يكون مستورا في أقراصه(2) لم يجز.
و يجوز بيع الماء و التراب و الحجارة و إن كثر وجودها، و ماله منفعة ساقطة في نظر الشرع كآلات الملاهي و شبهها لا يجوز بيعه.
لاشتماله على لحوم الأفاعي و الخمر، و لا يجوز التداوي به و لا بسمّ الأفاعي، أمّا السمّ من الحشائش و النبات فيجوز بيعه إن كان ممّا ينتفع به، و إلاّ فلا.
و في جواز بيع لبن الآدميّات تردّد.
جاز البيع، و لا يجوز بيع الأرض المفتوحة عنوة.
ص: 264
و على كلّ ما يجب عليه فعله، و أخذ الأجرة على الأذان، و يجوز أخذ الرزق فيه(1) من بيت المال، و كذا يحرم أخذ الأجرة على القضاء، و يجوز أخذ الرزق فيه من بيت المال، و كذا الصلاة بالناس، و يجوز أخذ الأجرة على عقد النكاح و الخطبة في الاملاك.
و فيه ثلاثة و ثلاثون بحثا:
و اتّخاذ الذبح و النحر صنعة، و الحياكة و النساجة، لقول الصادق عليه السّلام لأبي إسماعيل الصيقل:
حائك انت ؟ قلت: نعم، قال: لا تكن حائكا. قلت: فما أكون ؟ قال: كن صيقلا(2).
و ليس بمحرم في البابين، و رواية سماعة(3) ضعيفة.
و لو أعطى صاحب الفحل هدية أو كرامة لم يكن حراما، و ينبغي أن يوقع العقد
ص: 265
على العمل و تقديره بالمرّة و المرّتين من غير ذكر مدّة، و لو اكترى فحلا لإطراق ماشية كثيرة، قرنه بالمدة.
و لو غصب فحلا، فأنزاه إبله، كان الولد لصاحب الإبل، و عليه أجرة المثل.
و يكره انزاء الحمار على العتيق، و ليس بمحرّم.
و تأوّل الشيخ الروايات بما يدل على التحريم مع الشرط(1). و نحن لا نقول به، نعم لو تعيّن التعليم وجب عليه لوجوب حفظه لئلاّ تنقطع المعجزة، و لا بأس بأخذ الأجرة على تعليم الحكم و الآداب، امّا ما يجب تعلّمه على الكفاية، كالفقه، فانّه يحرم أخذ الأجرة على تعليمه مع تعيّنه عليه.
و يجوز استيجار ناسخ لينسخ له كتب الفقه و الأحاديث و الأشعار المباحة و السجلات و غيرها ممّا يباح كتابته كالحكم و الآداب. و كذا يستأجر من يكتب له مصحفا. و يكره تعشير(2) المصاحف(3) بالذهب، فيكره الأجرة عليه. و لا يجوز أخذ الأجرة على نسخ كتب الضلال لغير الحجّة و النقض.
و ينبغي للمعلّم
ص: 266
التسوية بين الصبيان في التعليم و الأخذ عليهم، إذا استوجر لتعليم(1) الجميع على الإطلاق، تفاوتت أجرتهم أو اتّفقت. و لو آجر نفسه لبعضهم لتعليم مخصوص و الآخرين لتعليم مخصوص، جاز التفضيل بحسب ما وقع العقد عليه.
3040. السابع: يجوز الاستيجار للختان و خفض الجواري و المداواة و قطع السلع(2) و الكحل،
سواء كان من العليل أو الطبيب، و أخذ الأجرة عليه، فإذا استأجر للكحل مدّة استحقّ الأجرة بالفعل و إن لم يؤثّر.
و لو فعل حلّت الأجرة.
و يجوز أن يوجر نفسه لكلّ عمل مباح منتفع به، و لا بأس بأجر القابلة و الماشطة مع عدم الغشّ ، و لو فعلته حرم، كوصل الشعر بالشعر، و وشم الخدود و تحميرها، و نقش الأيدي و الأرجل.
و يكره الصياغة و القصابة.
فإن عيّن أشخاصا، لم يجز له المخالفة، فإن خالف أثم و ضمن، و إن لم يعيّن تخيّر في إعطاء من شاء من المحاويج كيف شاء.
و يجوز له أن يأخذ هو مع حاجته بقدر ما يعطي غيره، و لا يفضّل نفسه بشيء، و في رواية عبد الرّحمن بن الحجاج الصحيحة عن الصادق عليه السّلام المنع(3).
ص: 267
و حمله الشيخ على التقدير الأوّل(1). و في رواية صحيحة: جواز أن يعطي عياله مع حاجتهم(2).
فإن تميّز، وجب دفع الحرام إلى أربابه مع وجودهم، و الصدقة به مع عدمهم و عدم وارثهم، و إن لم يتميّز أخرج خمسه و حلّ له الباقي.
مع علم الإباحة لفظا أو بشاهد الحال، و يكره أخذه انتهابا، و لو لم يعلم قصد الإباحة حرم أخذه.
و كذا بيع عظام الفيل. و قال ابن براج: إنّه مكروه،(3) و لا أعلم سنده.
و يحرم مع أمارة الخوف، و كذا يحرم كلّ سفر يظهر فيه أمارة الخوف.
و يجوز لغيره(4)، و لا بأس للمرأة ان تأخذ أجرا على الغزل.
ص: 268
و لا يحمل منها شيئا على حال(1)، و شرط ابن إدريس: عدم قصد المضيّ للأكل(2)، و في الزرع و الفواكه إشكال.
و كذا يجوز أخذ الأجرة على البدرقة(3).
كالحياكة و النساجة، امّا ما يحتاج فيه إليه كالذباحة فلا.
و تجوز التجارة في الجارية و النصرانية و المغنّية بالبيع و الشراء.
لم يضمن المولى، بل يستسعي العبد في ذلك، أو يرجع عليه بعد العتق قاله الشيخ(4). و منع ابن إدريس من الاستسعاء(5) و بقول الشيخ رواية صحيحة(6).
و كذا معدن الفضّة بغيرها.
ص: 269
3055. الثاني و العشرون: نقل ابن إدريس عن بعض علمائنا تحريم خصاء الحيوان و رجّح كراهيّته(1).
و إن وجب التغسيل و التكفين.
قال الشيخ: إذا وجد الماء لغسل الميّت بالثمن، وجب شراؤه من تركته، فإن لم يخلّف شيئا لم يجب على أحد ذلك(2).
و يحرم أخذ الأجرة على حمل الموتى إلى المواضع الّتي يجب حملها إليها، كظواهر البلدان و الجبّانة المعروفة(3)، و أمّا ما بعد عن ذلك من المشاهد، فيجوز أخذ الأجرة عليه.
و يجوز أخذ جوائزه.
أمّا الجائر فلا تجوز الولاية منه اختيارا إلاّ مع العلم بالمكنة من الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر، و مع انتفاء العلم و الظنّ بذلك تحرم الولاية من قبله، و مع العلم بالتمكّن من الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و وضع الأشياء من الصدقات و المواريث و غيرها مواضعها، تجوز الولاية من قبل الجائر، معتقدا انّه يفعل ذلك من قبل سلطان الحقّ على سبيل النيابة.
و لو قهره على الولاية مع عدم العلم جازت الولاية، و لا يعمل بغير الحقّ ما أمكن، فإن اضطرّ إلى ظلم جاز للضرورة ما لم يبلغ الدماء، فلا يجوز التقية فيها
ص: 270
على حال، و لو أمكنه دفع الجائر في عدم الولاية وجب، و يستحبّ مع تحمل الضرر اليسير.
و لو خاف على نفسه أو ماله أجمع، أو على بعض المؤمنين، جازت الولاية.
و جوائز الجائر إن علمت حراما وجب دفعها إلى أربابها مع المكنة، و مع عدمه يتصدق بها عنه، و لو لم يعلم تحريمها جاز تناولها، و ينبغي إخراج الخمس منها، و يصل إخوانه من الباقي.
و لو دفع الظالم شيئا له يعلمه حراما، لم يحلّ أخذه و إن كان بعوض، فإن قبضه أعاده على المالك مع العلم، و لو جهله أو تعذر الوصول إليه، تصدّق به. قال ابن إدريس: روى أصحابنا ذلك(1). و يكون ضامنا مع عدم رضا صاحبه، قال: و روي انّه بمنزلة اللقطة و هو بعيد عن الصواب(2). و ليس هو عندي بعيدا من الصواب.
و اختار ابن إدريس إبقاءه أمانة حتّى يجد المالك(3). و لا يجوز إعادته على الظالم مع الإمكان.
و كذا يكره كلّ مال محتمل للحظر و الإباحة، كمال المرابي و غيره، فإن علمه حراما حرم، و لا يقبل قول المشتري في ذلك.
ما أصله التحريم، كالذبيحة في بلد الكفّار، لا يجوز شراؤه ما لم يوجد في يد مسلم، و لو كانت في بلد الإسلام حلّت.
ص: 271
و ما أصله الإباحة، كالماء المتغيّر، طاهر و إن جاز إسناد تغيّره إلى النجاسة.
و ما لا يعرف له أصل، كرجل في يده حرام و حلال و لا يعلم أحدهما، فالأولى اجتنابه.
و ما يأخذه عن حقّ الأرض بشبهة الخراج، و ما يأخذه من الغلاّت باسم المقاسمة، حلال، و إن لم يستحقّ أخذ ذلك، و لا يجب إعادته على أربابه و إن عرفهم، إلاّ أن يعلم في شيء منه بعينه انّه غصب، فلا يجوز تناوله و لا شراؤه.
و لو كان الظالم قد أودعه، ففي جواز الأخذ من الوديعة بقدر ماله قولان، أقربهما الكراهية، و لو استخلفه لم تجز المقاصة في الوديعة و غيرها.
و لو أودعه الظالم شيئا، فإن عرف أنّه له، أو لم يعرف انّه لغيره، فانّه يجب عليه ردّه مع المطالبة إليه، و لو عرف أنّها لغيره، لم يجز ردّها إلى الظالم، و يجب ردّها إلى صاحبها مع الأمن، فإن ردّها إلى الظالم مختارا ضمن.
و لو لم يعرف صاحبها، تركها إلى أن يعرفه، و لو حلفه الظالم جاز الحلف، و لو مزجها الظالم بماله و لم يتميّز، دفع الجميع إليه.
إلاّ مع الضرورة يخاف منها على نفسه التلف، فيأخذ ما يمسك به رمقه، إن كان الوالد ينفق على الولد، أو كان الولد غنيّا، و لو لم ينفق مع وجوب النفقة، أجبره الحاكم، فإن فقد الحاكم، جاز أخذ الواجب، و إن كره الأب.
ص: 272
أو انفاق الولد عليه قدر الواجب، و لو كان الولد صغيرا، جاز للأب أخذ ماله قرضا عليه، مع يساره و إعساره، و منع ابن إدريس من الاقتراض(1).(2)
و لو كان للولد مال و الأب معسر، قال الشيخ: يجوز أن يأخذ منه ما يحجّ به حجّة الإسلام دون التطوع إلاّ مع الإذن(3)، و منع ابن إدريس في الواجب أيضا بغير إذن(4).
و يجوز أن يشتري من مال ولده الصغير بالقيمة العدل، و يبيع عليه كذلك، و لو كانت للولد جارية لم يكن له وطؤها و لا مسّها بشهوة.
قال الشيخ: يجوز للأب تقويمها عليه و وطؤها(5)، و قيّده في الاستبصار بالصغير(6). و هو جيّد.
و يجوز للأب المعسر أن يتناول قدر الكفاية من مال ولده الصغير و البالغ مع الامتناع من الإنفاق عليه، و لو كان موسرا حرم ذلك إلاّ من جهة القرض من الصغير على ما قلناه، و ان كان ابن إدريس قد خالف فيه(7).
و كذا الولد لا يجوز له أن يأخذ من مال والدته شيئا، و لو كانت معسرة و هو موسرا أجبر على نفقتها على ما يأتي.
ص: 273
و هل لها أن تقترض من مال الولد؟ جوّزه الشيخ(1) و منعه ابن إدريس(2).
و عندي فيه توقّف، و بقول الشيخ رواية حسنة(3).
و يجوز لها أخذ المأدوم إذا كان يسيرا أو تتصدق به مع عدم الإضرار بالزوج، و لو منعها لفظا حرم.
و لا يترخص(4) في ذلك من يقوم مقام المرأة في المنزل، كالجارية و البنت، و الأخت و الأم و الغلام.
و المرأة الممنوعة من التصرّف في طعام، لا تجوز لها الصدقة بشيء منه.
و يقتصر على المأذون.
و لو دفعت إليه مالا، و شرطت له الانتفاع به، جاز التصرف فيه، و يكره أن يشتري به جارية يطأها، و لو أذنت فلا كراهية.
و لو شرطت له شيئا من الربح، كان قراضا، و لو شرطت جميعه، كان قرضا، و لو شرطت الربح لها بأجمعه، كان بضاعة.
ص: 274
و فيه اثنان و عشرون بحثا:
و مشروعيته مستفادة بالنصّ و الإجماع.
و لا بدّ فيه من عقد يشتمل على إيجاب و قبول.
فالإيجاب: اللفظ الدالّ على النقل، مثل بعتك، أو ملّكتك، أو ما يقوم مقامهما. و القبول: اللفظ الدالّ على الرضا، مثل قبلت، أو اشتريت و نحوهما.
و الأقوى عندي انّ المعاطاة غير لازم، بل لكلّ منهما فسخ المعاوضة ما دامت العين باقية، فإن تلفت إحدى العينين لزمت، و لا يحرم على كلّ واحد منهما الانتفاع بما قبضه، بخلاف البيع الفاسد.
و لا تكفي الإشارة و لا الكتابة مع القدرة، و إن كان غائبا، و تجزئ الأخرس و شبهه الإشارة.
و الأقرب عدم اشتراط تقديم الإيجاب.
فلا يصحّ بيع الصبيّ و لا
ص: 275
شراؤه، و إن أذن له الوليّ ، و سواء كان مميّزا أو غير مميّز. و في رواية لنا، صحّة بيعه إذا بلغ عشر سنين رشيدا(1) و لا فرق بين اليسير و الكثير.
فلا يصحّ بيع المجنون و لا شراؤه، و إن أذن له الوليّ ، سواء كان مطبقا او أدوارا، إلاّ أن يعقد صحيحا، و كذا لا ينعقد بيع المغمى عليه و لا شراؤه و لا السكران غير المميّز.
و لو رضي كلّ واحد من هؤلاء أو الصبيّ بعد زوال العذر بما فعله، لم يعتدّ به.
و لو أجاز ما فعله بعد زوال عذره، صحّ العقد.
و بغير إذنه يقف على الإجازة، و كذا لو اشترى بما في يده.
و لو اشترى في الذمة، قال الشيخ: الأولى انّه لا يصحّ شراؤه(2) و لو أمره آمر أن يبتاع له نفسه من مولاه، فالأقرب الجواز.
و نعني بحكم الملك أن يكون البائع وليّا عن المالك، بأن يكون وليّا أو وكيلا أو مأذونا له فيه، أو
ص: 276
وصيّا، أو حاكما، أو أمينا لحاكم، أو أبا، أو جدّا مع صغر المالك.
فلو باع غير المالك من غير ولاية، وقف على الإجازة، فإن أجازه المالك، صحّ و لزم، و إلاّ بطل، و قيل: يبطل من رأس(1)، و ليس بمعتمد.
و قد نهى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن بيع ما ليس عندك(2) و هو أن يبيع سلعة معيّنة و ليس بمالك لها، ثمّ يمضي إلى المالك ليشتريها منه و يدفعها.
و لو باع ما ليس معيّنا صحّ و ان لم يكن عنده.
لم يلزمه البيع، و إن كان حاضرا.
فالعقد للسابق في العقد لا القبض، و لو اتّفقا دفعة، فالوجه البطلان، و يجوز للمالك أن يبيع بنفسه مع انتفاء الموانع، و كذا الوكيل المأذون و الوصيّ و الحاكم و أمينه و الأب و الجدّ مع المصلحة للمولّى عليه.
و لو باع ما لا يملكه، و فسخ المالك، انتزع من المشتري، و رجع المشتري على البائع بما دفعه إليه و بما اغترمه، من نفقة، أو عوض عن أجرة، أو نما على قول، اذا لم يعلم، او ادّعى البائع إذن المالك، و إلاّ فلا رجوع مع العلم بالقضيّة.
و لو باع ما يملك و ما لا يملك صفقة، صحّ في ما يملك، و وقف الآخر،
ص: 277
فإن أجاز المالك، صحّ العقد، و إلاّ بطل، فتخيّر المشتري في المملوك بين أخذه بقدر نصيبه من الثمن و بين الفسخ.
و لو باع ما يملك و ما لا يصحّ تملّكه، كالخمر و الخنزير، صحّ في ما يملك خاصّة، بقدر حصّته من الثمن، و لا خيار مع عدم الغشّ .
أمّا لو بلغ رشيدا، زالت الولاية عنه، و لكلّ منهما أن يتولّى طرفي العقد.
و للوكيل التصرّف في ما جعل له ما دام الموكّل جائز التصرف، و في جواز توليته طرفي العقد إشكال، المرويّ الجواز مع الإعلام(1).
و الوصيّ يمضي تصرّفه بعد موت الموصي على الصبيّ و المجنون، و يجوز توليته طرفي العقد على خلاف(2) و في جواز اقتراضه قولان، منع ابن إدريس منه(3). و جوّزه الشيخ(4)، و جوّز أيضا ان يقوّم على نفسه(5) و الحاكم و أمينه يليان على المحجور عليه للسفه و الفلس مطلقا، و للصغير مع عدم الأب و الجدّ له و الوصيّ ، و يحكمان على الغائب.
فلو اشترى الكافر مسلما، لم ينعقد و قيل: يجوز و يجبر على بيعه(6) و لو وكّل الكافر مسلما في
ص: 278
شراء مسلم لم يصحّ ، و لو و كلّ مسلم كافرا في شراء مسلم، فالوجه الصحّة.
و لو قال كافر لمسلم: اعتق عبدك عنّي عن كفّارتي، فأعتقه، فالوجه عدم الصحّة. و لو اشترى الكافر مسلما في شراء ينعتق عليه، كالاب، ففي البطلان إشكال.
و لو استأجر الكافر مسلما لعمل في الذمة، صحّ ، و لو استأجر مدّة كشهر، ففي الجواز نظر.
من شعره، و ظفره، و قد سلف، و الأقرب جواز بيع لبن الآدميّات.
و كذا لا يجوز بيع ما يشترك فيه المسلمون قبل الحيازة، كالماء و الكلاء، و السمك.
و لو استولى على شيء منها جاز بيعه.
و لا يصحّ بيع الأرض المفتوحة عنوة، بل يجوز بيع آثاره فيها، كالبناء، و الغراس، و ماء البئر لمن استنبطه، و ماء النهر لمن حفره، يجوز بيعه على كراهية.
و ما يظهر من المعادن في الأرض المملوكة، لمالكها يجوز بيعها و التصرّف فيها.
و لو أدّى بقاؤه الى خرابه، جاز بيعه، و كذا يباع لو خشي وقوع فتنة بين أربابه مع بقائه، على خلاف.
إلاّ في
ص: 279
ثمن رقبتهنّ اذا كان دينا على مولاها و لا شيء سواها، و في اشتراط موت المالك إشكال، و لو مات ولدها جاز بيعها مطلقا.
أو يكون المرتهن وكيلا، و كذا ليس للراهن بيعه إلاّ بإذن المرتهن، و لو باع كلّ منهما من دون إذن صاحبه، جاز للآخر الفسخ، إلاّ أن يبيح المرتهن الوكيل.
سواء كانت الجناية عمدا أو خطأ، و منع الشيخ في العمد(1) و الوجه ما قلناه. ثمّ المجنيّ عليه أو وليّه إن عفا أو صالح على مال، التزمه المالك، لزم البيع، و إن قتله قصاصا رجع المشتري بالثمن الّذي دفعه على البائع، إن لم يكن عالما باستحقاقه القتل.
و لو كانت الجناية خطإ، فإن أخذه المجنيّ عليه، بطل البيع، و إلاّ كان له مطالبة المولى بأرش الجناية أو قيمة العبد.
و إن عفي على مال، أو كانت الجناية خطأ، تعلّق المال برقبة العبد، و يتخيّر المولى بين تسليمه للبيع، و بين أن يفديه من ماله، فإن اختار المولى بيعه فزادت القيمة على الأرش، كان الزائد للمولى، و لا رجوع عليه في النقصان.
و لو اختار الفداء جاز؛ قال الشيخ بأقلّ الأمرين من قيمته و أرش الجناية، و روي جميع الأرش أو تسليم العبد(2).
و بيع الجاني خطاء دلالة على اختيار أداء الأرش أو القيمة عنه، و يزول
ص: 280
الحقّ عن رقبة العبد، قال الشيخ: ينبغي أن نقول في ما يوجب الأرش: إنّ بيعه إيّاه بعد ذلك دلالة على التزام المال في ذمته(1). و يلزمه أقلّ الأمرين من الأرش و قيمة العبد. فإن كان السيّد موسرا الزم بما قلناه، و لا خيار للمشتري هنا. و لو كان معسرا لم يسقط حقّ المجنيّ عليه عن رقبة العبد، و للمشتري الفسخ مع عدم علمه، فإن فسخ رجع بالثمن، و إن لم يفسخ و استوعبت الجناية قيمته و انتزعت، رجع المشتري بالثمن أيضا، و إن لم تستوعب رجع بقدر الأرش.
و لو علم المشتري بتعلّق الحقّ برقبة العبد، لم يرجع بشيء، و لو اختار المشتري أن يفديه جاز، و يرجع به على البائع مع الإذن، و إلاّ فلا.
و لو كانت الجناية عمدا، فاختار وليّ الدم المال، فإن رضي المالك أو المشتري بذلك، فالحكم كما تقدّم، و إن قتله قبل القبض، بطل البيع، و كذا لو كان بعده.
و لو قطع العبد يد غيره عمدا، فبيع، و قطعت يده عند المشتري، كان له الردّ أو الأرش. و لو كان المشتري عالما قبل العقد، فلا شيء له، و لم يسقط الردّ، لوجوب القطع في ملك البائع.
و يتخيّر المشتري مع عدم العلم، و لو كان عن فطرة فالوجه عدم صحّة بيعه، على إشكال، و كذا كلّ من
ص: 281
وجب قتله، كالعبد في المحاربة، إذا لم يتب قبل القدرة عليه، و لو تاب قبلها، صحّ بيعه.
فلو باع الآبق منفردا، لم يصحّ ، سواء علم مكانه أو لا، و لو كان المشتري بحيث يقدر عليه، قال السيّد المرتضى رحمه اللّه: يجوز بيعه منفردا(1) و كذا لو حصل في يد إنسان، فإنّه يجوز بيعه عليه، و قال ابن الجنيد: يجوز بيعه على التقدير الأوّل أو يضمنه البائع(2). و كذا الجمل الشارد، و الطائر قبل صيده، و السمك في الاجمّة، و لو ضمّ الى هذه غيرها صحّ بيعه، و لو باع ما يمكن تسليمه في ثاني الحال لا فيه، فالوجه جوازه، و يتخيّر المشتري.
و مع جهل أحدهما يبطل، و قال ابن الجنيد: لو كان الثمن مجهولا لأحدهما جاز، كأن يقول: بعني كرّ طعام بسعر ما بعت، و لو جهلا معا لم يجز، و الوجه ما قلناه.
و كذا يبطل لو باعه بحكم أحدهما أو بحكم ثالث من غير تعيين الثمن.
ص: 282
و فصوله اثنان
و هي ستّة
و فيه تسعة مباحث:
و هو يثبت في كلّ مبيع، و يبطل لو تفرّقا بالأبدان و لو كان بأدنى انتقال، سواء كان في الصحراء أو في المنازل، و كذا يبطل بالتصرّف و بالتخاير قبل العقد، بأن يقول:
بعتك و لا خيار بيننا و يقبل الآخر، أو بعده، بأن يقول كلّ منهما بعد العقد:
اخترت إمضاء العقد و ما أشبه ذلك.
لم يبطل خيار الساكت و لا القائل.
ص: 283
عملا بالأصل السالم عن معارضة النصّ ، لو روده بصيغة التثنية مقرونة بالافتراق(1) و شرطهما الكثرة، و قيل: لا يسقط. و يعتبر مفارقة مجلس العقد، و عندي في ذلك نظر.
و كذا لو هرب أحدهما من صاحبه.
و لا يقف لزوم العقد على رضاهما في التفرّق، و يجوز لكلّ واحد منهما بعد العقد مفارقة مجلسه، ليبطل الخيارين، و ليس بمحرّم.
لم يسقط خيارهما، و لو قاما معا مصطحبين، و لم يتفرّقا، فالوجه بقاء الخيار، و إن طالت المدّة.
فإن منعا من التخاير، لم يسقط خيارهما، و يثبت لهما الخيار في مجلس زوال الإكراه، ما لم يتفرّقا عنه. و لو لم يمنعا من التخاير سقط.
و لو أكره أحدهما لم يسقط خياره، و خيار الآخر باق ما دام في المجلس، فإن فارقه، بطل الخياران، و كذا لو زال الإكراه عن الآخر، و فارق مجلس زوال الإكراه، و لم يختر، أو أكره على التفرّق دون التخاير.
ص: 284
سقط خيارهما، و لو التزم به أحدهما خاصّة، سقط خياره، و بقي خيار صاحبه.
و لو خرس أحدهما، قامت إشارته مقام لفظه، و لو لم يفهم، أو جنّ ، أو أغمي عليه، قام وليّه مقامه، فلو زال عذره لم يعترض على الوليّ فيما فعله.
فإن فارق الحيّ مكانه، بطل الخياران معا، و كذا إن أخذ الميّت.
و لو تصرّف المشتري ببيع أو هبة أو عتق أو غير ذلك، كان إبطالا لخياره.
و كذا البائع لو تصرّف، كان دلالة على الفسخ، و لو تصرّف أحدهما و رضي الآخر، بطل خيارهما معا.
بأن يكون حيوانا، أو يشترطا مدّة، أو يجد به عيبا، أو تدليسا أو يجده بخلاف الصفة، أو يظهر الخيانة في المرابحة.
و لو ألحقا في العقد خيارا بعد لزومه، لم يلحقه.
و فيه بحثان:
فإن خرجت و لم يختر، وجب البيع، و له الفسخ في الثلاثة سواء شرطاه في العقد أو لا، و لو شرطا سقوطه، أو أسقطه المشتري بعد العقد، أو تصرّف
ص: 285
فيه إمّا تصرّفا لازما، كالبيع و العتق، أو غير لازم، كالهبة و الوصيّة، سقط.
و قال المرتضى: يثبت للبائع أيضا إلى ثلاثة أيّام كالمشتري(1) و المعتمد الأوّل.
و فيه عشرة مباحث:
سواء زادت على ثلاثة أيّام أو لا، و سواء كان بقدر الحاجة أو لا.
و لا يجوز اشتراط ما يحتمل الزيادة و النقصان، كقدوم الحاجّ ، و إدراك الغلاّت، و هبوب الرياح، و نزول المطر، و الحصاد، و الجذاذ، فإن شرطا ذلك، بطل العقد، سواء أسقط الشرط قبل مضيّ الثلاث، أو حذفا الزائد عليها.
و لو شرطا الخيار أبدا، أو ما بقيا، أو ما شاءا، بطل العقد.
بطل العقد؛ قاله الشيخ رحمه اللّه(2).
و هو جيّد. و قال المرتضى رحمه اللّه: يثبت الخيار ما بينه و بين ثلاثة أيّام، ثم لا خيار بعد ذلك. و احتجّ بأنّ خيار المعهود متقدّر بالثلاثة، و مع الإطلاق
ص: 286
ينصرف إلى المعهود(1). و هو جيّد إن أراد الشرط في الحيوان، و إلاّ فلا.
و يبطل لو كان مجهولا، أو أراد [ا] الفعل.(2)
احتمل الصحّة في اليوم الأوّل و البطلان في ما عداه، و بطلان العقد و صحّته مع الشرط بحسبه، و هو أقرب الاحتمالات.
سواء تعدّد الثالث أو اتّحد، و أن يشترط لأحدهما مدّة و للآخر دونها.
و لو اشترى شيئين، و جعل الخيار في أحدهما معيّنا، صحّ البيع، فإن فسخ في ما شرط، صحّ ، و رجع بقسطه من الثمن، و إن ابهم، بطل العقد فيهما.
تخيّر كلّ منهما في الفسخ و الإمضاء، و لو جعل الخيار للأجنبيّ دونه، صحّ أيضا، و يكون بمنزلة الوكيل و لا خيار هنا لمن جعل الخيار للأجنبيّ .
و لو كان المبيع عبدا، فجعل الخيار له، فالوجه الصحّة، و لو كان البائع وكيلا، فشرط الخيار لنفسه أو للمالك أو لهما صحّ ، و لو شرطه لأجنبيّ ، و كان وكيلا في التوكيل، أو عامّا صحّ ، و إلاّ فلا.
ص: 287
صحّ إن قرناها بمدّة معيّنة، و له الفسخ قبل الاستيمار.
و النماء في مدّة الخيار للمشتري، و لو جاء ببعض الثمن في المدّة، لم يجب القبول، و لم ينفسخ البيع، إلاّ أن يشترط الإتيان بذلك البعض.
ثمّ إن كانت المدّة ظرفا للأداء و الاسترجاع، كان له الفسخ متى جاء بالثمن في أثنائها، و يجب على المشتري قبضه، و لو جعلها غاية لم يجب قبضه إلاّ بعد مضيّها.
و لو جعل البائع الخيار لنفسه مدّة معلومة، كان له الفسخ في جميع المدة، و إن لم يحضر الثمن و لا بعضه، بخلاف الصورة الأولى.
و يثبت للمغبون خيار الفسخ، سواء كان بائعا أو مشتريا، و إنّما يثبت مع الغبن الفاحش وقت البيع، و جهالة المغبون، و إن استندت جهالته إلى عجلته، فلو كان عالما بالقيمة، لم يثبت له خيار و إن قلّ العوض.
و لا حدّ للغبن بل يرجع إلى العادة. فما يقع التغابن له حال المعاملة لا يثبت به خيار، و ما لا يتغابن به يوجب الخيار، و ليس الثلث شرطا.
و لا يسقط الخيار بالتصرّف مع إمكان الردّ، و لو نقله ببيع و شبهه، بطل خياره و كذا لو استولد الأمة.
ص: 288
و لا يثبت بهذا الغبن أرش بل يتخيّر بين الردّ و الإمساك بجميع الثمن، و مع امتناع الردّ، يلزمه الثمن أجمع.
و فيه ثلاثة مباحث:
لزم البيع ثلاثة أيّام، فإن جاء المشتري بالثمن في الثلاثة، كان أحقّ بالمبيع، و إن خرجت المدة، تخيّر البائع بين الفسخ و الإمضاء.
و لو كان الثمن مؤجّلا، سقط خياره، و إن خرج الأجل و لم يقبض الثمن، و كذا لا خيار للبائع لو كان في المبيع خيار لأحدهما.
و لو قبض المشتري المتاع، و أودعه البائع، فلا خيار،(1) و كذا لو مكّنه من المتاع، أو قبض الثمن، و أودعه المشتري، و لو قبض بعض المتاع، أو قبض البائع بعض الثمن، فالخيار باق.
سواء هلك في الثلاثة أو بعدها.
و قال المفيد و المرتضى رحمهما اللّه: التلف في الثلاثة من المشتري(2).
ص: 289
و لو هلك بعد القبض و الايداع، فهو من مال المشتري قبل الثلاثة و بعدها إجماعا.
كالخضر و غيرها من البقول و شبهها، كان الخيار يوما إلى الليل، إن جاء المشتري بالثمن فيه لزم البيع، و إلاّ تخيّر البائع على ما قلنا من الشروط.
و فيه اثنا عشر بحثا:
و يسمّى بيع خيار الرؤية، و هو بيع صحيح، ثمّ إن وجده على الصفة، لزم البيع، و لا خيار، و إن لم يجده على الصفة، تخيّر بين الفسخ و الإمضاء، و لو اختلفا في اختلاف الصفة، فالقول قول المشتري.
و لو وجدها دونه، تخيّر، و ليس له المطالبة بالعوض، و لو اختار الإمساك، لم يكن له المطالبة بالأرش.
بخلاف ما لو ادّعى بأنّ الوصف ضدّ الموجود.
تخيّر في المبيع كلّه.
ص: 290
بطل البيع، و إن كان المبيع معيّنا، بخلاف النكاح.
ذكر الجنس و الوصف، فلو أخلّ بأحدهما بطل، و لو باع المشاهد، وجب رؤية كلّ ما هو مقصود بالبيع، و لو شاهد بعضها و وصف له الباقي، صحّ ، و تخيّر مع عدم المطابقة، و لو نسج بعض الثوب و باعه على أن ينسج الباقي و يدفعه، بطل العقد.
و يثبت بعد الرؤية إن كان على غير الوصف لا مطلقا، و لو اختار إمضاء العقد قبل العقد، ففي عدم اللزوم إشكال، و كذا لو تبايعا على أنّه لا يثبت الخيار للمشتري.
سواء كان البائع أو المشتري.
و لو لم يكونا رأياه، ثبت لهما معا الخيار، و يثبت مع الزيادة في الوصف للبائع و مع النقصان للمشتري.
و لو شرط البائع خيار الرؤية لنفسه، فلو لم يكن قد رآه، صحّ الشرط، و إن كان قد رآه، فلا وجه للشرط.
فإن لم يتطرّق التغيّر إليه، صحّ البيع، و إن كان غائبا، فإن وجداه كما كان، لزم البيع، و إن تغيّر إلى الزيادة تخيّر البائع، و إلى النقصان تخيّر المشتري، و لو اختلفا في التغيّر، فالقول قول المشتري.
و إن باعه بعد مدّة يعلم تلفه فيها، بطل إجماعا، و لو تساوى الأمران، صحّ البيع، فإن وجد على الوصف، لزم، و إلاّ ثبت الخيار.
مثل بعتك عبدي
ص: 291
التركيّ ، و يصفه(1) و يثبت للمشتري الخيار مع خلاف الوصف، و ليس له المطالبة بالعوض على ما قلنا، و كذا لو تلف قبل قبضه، بل يبطل البيع، و مع عدمه(2) مثل بعتك عبدا تركيّا، و يصفه من غير إشارة إلى عين معهودة، و لو وجده على الوصف، وجب قبضه، و إلاّ طالبه بالبدل.
و يجوز التفرّق قبل القبض، و لا يجوز العقد في هذا على ما يتعذّر وجوده، و لو قرنه بالمدّة كان سلما.
كأن يقول: بعتك هذا الثوب، على أنّ طوله كذا، و عرضه كذا، و غيره من الصفات، على أنّه إن لم يكن كذا فعليّ بدله على هذا الصفات.
و يجوز بيع العين الحاضرة بالحاضرة و بالدين بلا خلاف.
و فيه تسعة و ثلاثون بحثا:
و إن كان حيوانا، دخله خيار الحيوان أيضا.
ص: 292
و إن كان غائبا دخله خيار الرؤية و الشرط.
و إن كان صرفا، دخله خيار المجلس، قال الشيخ: و لا يدخله خيار الشرط إجماعا(1) و عندي فيه نظر.
و إن كان سلما دخله خيار المجلس و الشرط.
و في الراهن إشكال.
- فلا خيار فيه، و إن كان معاوضة، لم يدخله خيار المجلس، و الوجه عندي دخول خيار الشرط فيه.
و الأقرب دخول خيار الشرط، و كذا الضمان.
سواء كانت معيّنة أو مطلقة.
و الصداق يدخله خيار الشرط دون المجلس.
ص: 293
و كذا العتق و الخلع.
و يدخله خيار الشرط.
و له خيار الشرط، و للعبد الخياران، و المطلقة(1) لا خيار فيها لهما.
فظهر أنّ خيار المجلس لا يدخل في شيء من العقود سوى البيع، و خيار الشرط يثبت في كلّ عقد سوى النكاح و الوقف و الإبراء و الطلاق و العتق.
و خيار الشرط بالتصرّف، و لو مات صاحب الخيار انتقل إلى الوارث من أيّ أنواع الخيار كان، سواء طالب بالفسخ قبل موته أو لا، و لو جنّ ، قام وليّه مقامه، و ليس له الاعتراض بعد زوال العذر في ما فعل الوليّ .
و لو كان صاحب الخيار مملوكا فمات، فالخيار للمولى، سواء كان الشراء للعبد أو لأجنبيّ و شرط له الخيار على إشكال.
و لو جعل الخيار لأجنبيّ فمات، فالوجه عدم سقوط الخيار، بل ينقل إلى الوارث لا إلى المتعاقدين.
و إن كان في مدّة الخيار، و لو أتلفه المشتري فهو من ضمانه، و يبطل
ص: 294
خياره، و الأقرب عدم بطلان خيار البائع.
و لو تلف بعد القبض و القضاء الخيار فمن المشتري. و إن كان في مدّة الخيار، و فسخا البيع أو أحدهما سقط الثمن و وجبت القيمة على المشتري، و إن اختار الإمضاء، أو سكتا حتّى مضت مدّة الخيار وجب الثمن.
كالعتق، و الوطء، و الوقف، و الركوب، و السكنى، بطل خياره، و كذا لو عرضه للبيع، أو باعه بيعا فاسدا، أو عرضه للرهن، أو وهبه فلم يقبل الموهوب، أو استخدمه.
و لو ركب الدابة لينظر سيرها، أو طحنها ليعرف قدره، أو حلب الشاة ليعلم مقداره فقد قيل: لا يبطل خياره، و لو قبّلت الجارية المشتري، قال الشافعي: لا يبطل خياره(1) و الوجه بطلانه مع الرضا.
و لو تصرّف بما يفتقر إلى الملك، كان فسخا.
و الوجه عدم بطلان خيار البائع.
الأقرب جوازه، فلا مهر عليه و لا حدّ، و ينعقد الولد حرّا بغير قيمة.
قال الشيخ: و لو فسخ البائع، لزمه قيمة الولد، و لو لم يكن ولد، لزمه عشر
ص: 295
قيمتها إن كانت بكرا، أو نصف عشر ان كانت ثيّبا، و لا يبطل خيار البائع بوطء المشتري مع علمه و بدونه الا مع رضاه(1).
و الوجه عندي انّ البائع إذا فسخ رجع بالقيمة و لا يرجع بقيمة الولد و لا عقر عليه، أمّا وطء البائع فالتحريم فيه قويّ إلاّ بعد الفسخ، و معه ينفسخ العقد و لا حدّ عليه و إن علم بالتحريم، و يحصل الفسخ بأوّل جزء من الوطء فيقع تمامه في الملك، فلا حدّ و لا مهر، و ينعقد الولد حرّا، و لا قيمة له، و الأمة أمّ ولد.
و للشيخ قول بانتقاله به و بالقضاء الخيار، سواء كان لهما أو لأحدهما أيّهما كان(2).
سواء أمضيا العقد أو فسخاه.
و كان من ضمان البائع، و إن كان بعد القبض، و الخيار للبائع، فالتلف من المشتري، و إن كان للمشتري فالتلف من البائع، و لو كان مشتركا فالتلف من المشتري.
و لو كان بتفريط، فالضمان على المفرّط، و يجب على المشتري فطرته في الخيار مع الشرائط.
لزمه ردّ الولد أيضا.
ص: 296
و الوجه صحّة تصرّفه، سواء كان البائع أو المشتري على إشكال.
و لو تصرّف المشتري بإذن البائع أو البائع بوكالة المشتري صحّ التصرّف و انقطع خيارهما، و لو أعتقه المشتري نفذ العتق، و كذا لو أعتقه البائع في خياره على إشكال، و ينفسخ البيع قطعا، و لو أعتقه ثانيا زال الإشكال.
و لو اشترى جارية بعبد، ثمّ اعتقهما معا، نفذ عتق الجارية خاصّة، و لو قدّم عتق الأمة، صحّ و بطل خياره، و يبطل عتق العبد، و لو قدّم عتق العبد انفسخ البيع و صحّ العتق على إشكال، و بطل عتق الأمة.
و قال الشيخ: من حين التفرّق(1). و لو شرطاه من حين التفرّق بطل.
فلو باعه بخيار إلى الليل لم يدخل الليل، و لو شرطا إلى طلوع الشمس أو غروبها، صحّ ، و لو شرطا إلى طلوعها من تحت السحاب أو غروبها عنه، بطل.
و لو شرط المؤامرة، بأن يبيعه بشرط أن يستأمر فلانا أو يستشيره لذلك، لم يكن له الردّ حتّى يستأمره. قال الشيخ: ليس للاستيمار حدّ إلاّ أن يشترط مدّة معيّنة(2). و يقوي عندي وجوب التعيين.
ص: 297
و كذا فسخ المعيب، و لو انقضت المدّة و لم يفسخ أحدهما، لزم العقد، و بطل الخيار.
3153. التاسع و العشرون: إذا قال أحد المتبايعين: لا خلابة(1) جاز،
و له الخيار إن غبنه صاحبه، و إلاّ فلا، سواء خدعه أو لا، و لو شرط الخيار في العقد حيلة على الانتفاع بالقرض، ليأخذ غلّته في مدّة انتفاع المقترض بالثمن، ثم يردّ بالخيار عند ردّ الثمن، جاز و حلّ لأخذ الثمن الانتفاع به في مدّة الخيار.
و إلاّ فلا بيع بيننا، صحّ البيع، و لو باعه على أن يسلّمه المبيع بعد شهر، صحّ أيضا.
فلو باعه جارية بشرط أن يطأها المشتري، صحّ البيع.
و إن أبهم بطل، و لكلّ منهما قسط من الثمن، سواء عيّنه، بأن يقول: ثمن هذا ألف و الآخر الباقي أو لا.
لم ينقطع الخيار.
فالوجه جواز فسخ الآخر، بخلاف ما لو ظهر معيبا و اختلفا.
ص: 298
إلاّ عند من جوّز تجهيله.
و لا يبطل خياره إذا لم يوكّله في التزام البيع.(1)
و إن كان مقبوضا.
كان الخيار في الباقي للصبيّ .
و إن شرط لأجنبيّ لم يصحّ ، و الإطلاق ليس بجيّد بل إن كان وكيلا مطلقا صحّ ، و إلاّ فلا.
و لو شرط أحد المتعاقدين خيارا أزيد صحّ ، فإذا انقضت مدّة الأقصر لزم من جهته دون الآخر.
ص: 299
ص: 300
و فيه فصول
و فيه ثلاثة مباحث:
و في الشرع بيع أحد المتساويين جنسا بالآخر مع التفاضل قدرا مع شرائط تأتي:
و هو حرام بالنصّ و الإجماع، قال تعالى: وَ أَحَلَّ اَللّٰهُ اَلْبَيْعَ وَ حَرَّمَ اَلرِّبٰا (1).
اِتَّقُوا اَللّٰهَ وَ ذَرُوا مٰا بَقِيَ مِنَ اَلرِّبٰا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (2) لاٰ تَأْكُلُوا اَلرِّبَوا أَضْعٰافاً مُضٰاعَفَةً (3) .
و قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: اجتنبوا السبع الموبقات، قيل: يا رسول اللّه! ما هي ؟ قال: الشرك باللّه، و السحر، و قتل النفس الّتي حرّم اللّه إلاّ بالحقّ ، و أكل الربا،
ص: 301
و أكل مال اليتيم، و التولّي يوم الزحف، و قذف المحصنات الغافلات المؤمنات(1).
و لعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الربا و آكله و بايعه و مشتريه و كاتبه و شاهديه(2).
و قال الصادق عليه السّلام: درهم ربا أشدّ من سبعين زنية كلّها بذات محرم(3).
ربا الفضل، كبيع درهم بدرهمين نقدا، و ربا النسيئة، كبيع قفيز حنطة بقفيزين منها نسيئة، و هو حرام بنوعيه إجماعا.
- و في العدد خلاف - و اتّفاق الثمن و المثمن في الجنس، و لا يجري ربا الفضل إلاّ في الجنس الواحد.
و انّما يثبت الربا بالنصّ ، و لم ينصّ الشارع على العلّة فيه عندنا(4).
ص: 302
و فيه عشرون بحثا:
كالحنطة بمثلها، و الارز بمثله، فإن كان مكيلا أو موزونا جاز بيع المتجانس وزنا بوزن نقدا، و لا يجوز مع زيادة، و لا إسلاف أحدهما في الآخر، و لا يشترط التقابض إلاّ في الصرف.
و لو اختلفا، جاز التفاضل نقدا إجماعا، و في النسيئة خلاف.
و إن اختلفت أصنافه، و كذا الزبيب.
فلحم الإبل جنس واحد عرابها(1)و بخاتيّها(2)، و لحم البقر العراب و الجواميس جنس بانفراده، و لحم المعز و الضأن جنس واحد، فيجوز بيع لحم الإبل بلحم الغنم متفاضلا.
و الوحوش أصناف، فلحم البقر الوحشي جنس بانفراده، و كذا الظباء و الكباش جنسان، يجوز بيع أحدهما بالآخر متفاضلا، و الوحشي من كلّ جنس مخالف لأهليه، فبقر الوحش مخالف للبقر الانسي.
و كلّ ما انفرد منها باسم و صفة، فهو صنف، فلحم «الكراكي»، و لحم «الحباري»، و لحم «الحجل»، و لحم «الفواخت»، و لحم «القماري»، و لحم «الدجاج»، و لحم «القطا»، و لحم «العصافير»، أجناس مختلفة، يجوز بيع بعضها ببعض متفاضلا، و بجنسه متماثلا.
و قوّى الشيخ رحمه اللّه كون الحيتان جنسا واحدا و لا يدخل في اللّحمان(3).
يجوز التفاضل فيهما نقدا.
فلبن الغنم ضأنها و ماعزها
ص: 304
جنس بانفراده، و لبن البقر العراب و الجواميس جنس، و لبن الإبل عرابها و بخاتيّها جنس، و بالجملة فاللبن تابع.
فخلّ العنب جنس بانفراده، و خلّ التمر جنس بانفراده، يباع أحدهما بالآخر متفاضلا.
فدهن الشيرج جنس بانفراده، و دهن الجوز جنس، و دهن اللوز جنس بانفراده.
و أقسامه أربعة: ما يتّخذ للأكل، كالزيت، و الشيرج. و للدواء، كدهن الخروع، و اللوز المرّ. و للطيب كدهن البنفسج و الورد. و لا للطيب و لا للدواء كالبزر(1) و دهن السمك، و يجري الربا في جميع ذلك.
و يجوز بيع الشيرج بمثله متماثلا نقدا، و بيع زيت الزيتون بزيت الفجل متفاضلا.
فلو كان شيئان من أصلين فهما جنسان، كدبس التمر و دبس العنب، و كل شيئين أصلهما واحد فهما جنس واحد، و الذهب و الفضة جنسان.
كدقيق الحنطة معها،
ص: 305
و السمن و اللبن، لا يجوز التفاضل فيهما نقدا و لا نسيئة، فيجوز بيع الحنطة بالدقيق متماثلا نقدا لا نسيئة، و كذا يجوز بيع الحنطة بالخبز متماثلا نقدا لا نسيئة، و التفاضل فيهما لا يجوز نقدا و لا نسيئة، و كذا ما يتّخذ من الحنطة كالهريسة و شبهها.
و يجوز بيع بعض فروع الحنطة ببعضها متماثلا نقدا، لا نسيئة، و لا يجوز التفاضل نقدا، و لا نسيئة، و لا يشترط تساويهما في النعومة(1).
و يجوز بيع الدقيق بالسويق متماثلا نقدا، و لا يجوز نسيئة، و لا متفاضلا مطلقا، و يجوز بيع الخبز بمثله مع تساويهما في الأصل، و لو اختلفا جاز التفاضل، كخبز الحنطة بخبز الذرة، سواء كان أحدهما رطبا أو يابسا، و يعتبر التساوي وزنا فيه، و لا يجوز عددا و لا التفاضل فيه.
لا يجوز التفاضل بينهما نقدا، و لا نسيئة، فيباع الفضّة المصوغة بالمكسرة مع تساويهما وزنا.
و يجوز بيع المطبوخ بمثله، و كذا المشويّ بالمطبوخ(1) و بالعكس، و لا يشترط في بيع اللحم بمثله نزع العظام.
سواء صفّي بالشمس أو بالنار.
تساويا عددا أو اختلفا، سواء كانا صحيحين أو كسيرين أو أحدهما.
و الماء لا ربا فيه، و العقاقير كالاهليلج، يثبت فيه الربا، و كذا طين التداوي كالأرمني و شبهه.
و إن تعذّر فيه ذلك إمّا لقلّته كالحبّة من الحنطة، و ما دون الارزة من الذهب، أو لكثرته كالزبرة العظيمة، و لا فرق في ذلك بين المكيل و الموزون.
كالثوب بالثوبين، و إلاّ فلا.
فلو اختلفا، جاز متفاضلا نقدا، و في النسيئة للشيخ قولان(1).
و الأقرب عندي المنع، و لو كان أحد العوضين ثمنا جاز إجماعا.
و في النسيئة للشيخ قولان(2)، أقربهما عندي الكراهية، و الأفضل أن يذكر كلّ واحد منهما بثمنه.
مع اتّفاقهم على المنع منه نسيئة و متفاضلا مطلقا، فجوّزه بعض، و منعه آخرون(3)، و هو الأقوى.
و هل تطّرد العلّة في كلّ رطب مع يابسه ؟، حتّى لا يجوز بيع العنب بالزبيب و ان تساويا، و كذا الحنطة المبلولة باليابسة، و التين الرطب باليابس، و اللبن بالجبن ؟ الأقرب عندي ذلك لقول الصادق عليه السّلام في الرواية الصحيحة: لا
ص: 308
يصلح التمر اليابس بالرطب من أجل أنّ اليابس يابس و الرطب رطب، فإذا يبس نقص(1).
أمّا الرطب بالرطب، و العنب بالعنب، فيجوز متماثلا قطعا، و كذا الحديث بالعتيق.
3193. السابع: يجوز بيع العصير بالبختج(2) متساويا نقدا
و لا يجوز نسية مطلقا و العصير ماء العنب الّذي لم تمسّه النار، و البختج ما مسّته النار.
تساويا في الجنس أو اختلفا، و لا المكيل بالكيل وزنا مع تساويهما جنسا، و لا الموزون كيلا، و لو كان المعدود يتعذّر عدّه، أو الموزون يتعذّر وزنه لكثرته، جاز أن يكال(3) فيه مكيال ثم يعدّ أو يوزن، و يؤخذ الباقي بحسابه.
و قسمة الثمار خرصا، و قسمة(4) ما لا يجوز بيع بعضه ببعض.
فما ثبت(5) انّه مكيل أو موزون في عصره عليه السلام في الحجاز، عمل عليه، و لا التفات حينئذ إلى البلدان، و لو جهل حاله بالحجاز، فلكلّ بلد حكم نفسه إذا عرف حاله في زمنه
ص: 309
عليه السلام، و ما لم يعرف حاله أصلا رجع فيه إلى عادة البلد.
و لو اختلفت البلدان، فلكلّ بلد حكم نفسه، و قيل: يغلب فيه التقدير، و المكيل يباع بغير جنسه وزنا، و لو بيع بجنسه، فالأقرب جوازه إن علمت المساواة أو غلب على الظن، و إلاّ فلا، و الموزون لا يباع بالكيل إلاّ مع العجز عن وزنه.
و لو كانا في حكم الجنس الواحد و احدهما مكيل كالحنطة، و الآخر موزون كالدقيق، جاز بيع أحدهما بالآخر وزنا، و في الكيل إشكال، و الأحوط الوزن.
فلو ضمّ مع الناقص من غير الجنس، و باعهما بالفاضل، جاز، كما لو باع مدّ عجوة و درهما، بمدّ و درهمين، أو بدرهمين، أو بمدّين، أو بدرهم و مدّين، أو بمدّين و درهمين.
و كذا، يخلص من الربا بأن يبيع الناقصة بجنس آخر، ثمّ يشتري الزيادة(1)بذلك الجنس، أو يهب الناقصة و يستوهب الزيادة، أو يستوهب الزيادة، و يتبايعا في المثلين.
و لو باع نوعين مختلفي القيمة من جنس، بنوع واحد من ذلك الجنس، كدينار صحيح و آخر مكسّر بصحيحين أو مكسّرين، جاز مع التساوي وزنا، و لا يشترط تساوي القيمة.
ص: 310
و لو باع ما لا ربا فيه، مع ما فيه الربا غير مقصود بذلك الجنس، جاز، كالدار المموّهة بالذهب به، و لو اشترى عبدا له مال و اشترطه بجنسه و هو ربويّ ، بطل إن ساواه الثمن أو قصر.
و لو اشترى شاة ذات لبن، بلبن، أو عليها صوف بصوف، أو خالية من لبن، بذات لبن، جاز سواء كانت الشاة مذكّاة أو حيّة.
فإن كان يسيرا كحبّات الشعير في الحنطة، لم يمنع تحريم التفاضل، و إن كان كثيرا لمصلحة المقصود، كالماء في الخلّ ، فهذا لا يمنع من بيعه بمثله و بالخالي، و إن كان لغير مصلحته، كالماء المشوب باللبن و الأثمان المغشوشة، ففي جواز بيع بعضها ببعض إشكال، و الأقرب تحريم التفاضل مع بقاء الاسم، و إلاّ فلا.
و لو باعه بجنس غير المقصود، كما لو باع الدينار المغشوش بالفضة، بالدراهم، فانّه يجوز إن كان الثمن أكثر، و لو باع الدينار المغشوش بمثله، و الغش فيهما متفاوت أو غير معلوم المقدار، جاز. و يجوز بيع مكوك(1) من الحنطة بمكوك و في إحداهما عقد التبن أو «شيلم»(2).
ص: 311
و فيه ستّة مباحث:
إلاّ في الصرف، فلو تفرّقا قبل التقابض في غيره، لم يبطل البيع.
قاله الشيخ رحمه اللّه(1) و قال المفيد(2)و المرتضى(3) و ابن بابويه(4) رحمه اللّه لا يثبت، و أجمعنا على انتفائه بين المسلم و أهل الحرب.
لأنّ مال الولد في حكم مال الوالد، و لا بين السيّد و عبده المختص، و لا بين الرجل و زوجته، و لو كان العبد مشتركا يثبت الربا بينه و بين كلّ واحد من مواليه.
فإنّ لكلّ منهما ان يأخذ الفضل و يعطيه، إلاّ أهل الحرب فانّا نأخذ الفضل و لا نعطيهم إيّاه.
ص: 312
و وجب عليه ردّه إلى صاحبه، و لو لم يعرفه تصدّق به عنه، و لو عرفه دون المقدار صالحه، و لو جهلهما معا، أخرج خمسه على مستحقّيه، و حلّ الباقي.
و لو فعله جاهلا لم يأثم، و يجب الاستغفار مع العلم، و يجب عليه ردّ الربا إلى مالكه، قاله ابن إدريس(1) و منعه الشيخ رحمه اللّه(2) لأحاديث صحيحة(3)، لكن قول ابن إدريس لا يخلو عن قوة.
و فيه خمسة و عشرون بحثا:
و هو جائز بالنصّ و الإجماع، و يشترط فيه التقابض في المجالس بلا خلاف، فلو تفرّقا قبله، بطل، و لو تقابض البعض صحّ فيه خاصّة.
و لو فارقا المجلس مصطحبين، و تقابضا قبل التفرّق، صحّ ، و لا يشترط التقابض في الحال، فلو طال مقامهما في المجلس، أو اصطحبا(4) بهما ثمّ تقابضا صحّ .
ص: 313
و لو وكّل أحدهما في القبض، فقبض الوكيل قبل تفرّقهما صحّ ، سواء فارق الوكيل المجلس قبل القبض أو لا. و لو افترقا قبل قبض الوكيل بطل.
لم يبطل البيع.
و لو استعار الخمسة قرضا، و دفعها عن باقي الثمن قبل التفرّق صحّ ، و لو أعطاه أكثر من عشرة ليزن له حقّه بعد وقت صحّ و إن تأخّر الوزن، و يكون الزائد أمانة يضمنه مع التفريط خاصّة.
و لو أخذ منه دراهم، و أعطاه دنانير و أكثر من قيمة الدراهم أو مثلها، أو أخذ منه دنانير و أعطاه الدراهم مثل ماله أو أكثر من ذلك، و ساعره، كان جائزا، و إن لم يوازنه و يناقده في الحال، لأنّ ذلك في حكم الوزن و النقد.
و لو أعطاه أقلّ ، صحّ فيه خاصّة، و الأحوط أن يوازنه و يناقده في الحال، أو يجدّد العقد في حال الوزن و النقد.
أو الدراهم إلى الدنانير، و ساعره جاز و إن لم يوازنه في الحال و لا يناقده، لأنّ النقدين من عنده. قاله الشيخ رحمه اللّه(1) و قال ابن إدريس: إن تفرّقا قبل التقابض بطل(2).
و لو كان لإنسان على غيره دراهم، جاز أن يأخذ بها دنانير، و كذا العكس،
ص: 314
و لو تغيّرت الأسعار، كان له سعر(1) يوم قبض الدراهم دون يوم المحاسبة إذا لم يكن قد ساعره، و لو كان له عنده دينار وديعة، فصارفه و هو معلوم البقاء أو مظنونه، صحّ الصرف، و لو ظنّ العدم بطل، و لو شك فيه، فالأقرب الصحة، إلاّ أن يعلم أنّه كان تالفا.
و لو اشترى منه دراهم ثم ابتاع بها دنانير قبل قبض الدراهم، لم يصحّ الثاني، و لو افترقا بطل العقدان.
و إن انضمّ إلى أحدهما زيادة صنعة، فلو اشترى خلخالا وزنه مائة و قيمة صنعته عشرة، بأزيد من مائة بطل.
و يستوي في وجوب المساواة المصوغ و المكسور و الجيّد و الردي و التبر(2) و المضروب.
و لو كان في الفضة غشّ لم تبع بالفضّة، و كذا الذهب المغشوش لا يباع بالذهب، و لو كان الغشّ معلوما، جاز بيعه بجنسه مع زيادة تقابل الغش، و لو باع المغشوش بوزنه خالصا، لم أستبعده.
و جوهر الذهب و الفضّة يباع بهما أو بما يغايرهما، و يجوز بيع الرصاص بالفضّة، و الصفر بالذهب، و إن كان فيهما فضّة أو ذهب.
ص: 315
فإن بيع، ردّ إلى أرباب التراب، فإن لم يعلموا تصدّق به عنهم.
و لو كانت مجهولة الصرف وجب الإعلام.
جاز بيعه بجنسه مماثلا(1) و بغيره مطلقا، و إن لم يعلم و أمكن التخليص، لم تبع بأحدهما، و بيعت بهما أو بغيرهما، و إن تعذّرت، بيعت بالأقلّ ، و لو تساويا تغليبا، بيعت بهما.
3214. العاشر: السيوف المحلاّة و المراكب المحلاّة، إن علم مقدار الحلية، بيعت بها(2) مع زيادة الثمن،
أو بغير الجنس مطلقا، و إن لم يعلم، و تعذّر نزعها، بيعت بغير الجنس، أو به مع غيره.
و لا يتعدّى (الحكم)(3).
و لو قال: صغ لي خاتما وزنه درهم، و أعطيك درهمين، من غير بيع، جاز.
فلو اشترى ذهبا بذهب، أو فضّة بفضّة، و كانا معيّنين، ثمّ وجد أحدهما فيما قبضه عيبا، بطل الصرف
ص: 316
و إن كان من غير الجنس، و إلاّ تخيّر المشتري بين الإمساك و فسخ العقد، و ليس له الإبدال.
و لو كان العيب في البعض، و كان من غير الجنس، بطل فيه خاصّة، و له ردّ الجميع و أخذ الجيّد بحصّته دون الإبدال، و لو كان منه له ردّ الجميع و إمساكه، و ليس له ردّ المعيب وحده و لا إبداله.
و لو أراد أخذ أرش المعيب، فإن اتّحد العوضان لم يجز، و لو اختلفا فله الأرش في المجلس، فلو فارقاه لم يجز أن يأخذ من الأثمان، و يجوز من غيرها، و يجوز الردّ، و إن نقصت قيمة ما أخذه من النقد عن قيمته يوم الصرف، أو زادت.
و لو تلف العوض بعد القبض، ثمّ علم العيب، و كان التالف المبيع، لم يكن له الفسخ، و إن كان الباقي(1) و فسخ البيع، ردّه و أخذ قيمة التالف، و على التقديرين لا أرش إن اتّحدا أو فارقا المجلس.
و كذا لو عرفه أحدهما و أخبر به الآخر، فلو وجد ما أخذه ناقصا بعد التفرّق، بطل، و لو كان زائدا و قال: بعتك هذا الدينار بطل، و إن قال: بعتك دينارا بدينار، صحّ و كان الزائد أمانة، فإن أراد دفع عوضه مع رضا صاحبه، جاز بجنسه و بغيره، و لو أراد أحدهما الفسخ، كان له ذلك.
و إن كانت العينان غائبتين، يشترط قبضهما في المجلس، فلو
ص: 317
وجد القابض عيبا، فله المطالبة بالبدل قبل التفرّق، سواء كان العيب من جنسه أو من غيره، و لو كان العيب من جنسه و رضيه، جاز، و لو طلب الأرش لم يجز مع اتّحاد العوضين و يجوز مع عدمه.
و لو افترقا بعد القبض، ثم وجد العيب من جنسه، قال الشيخ: له الإبدال(1)و لو كان من غير الجنس، بطل الصرف، و لو كان البعض، صحّ في السليم خاصّة، و لو طلب واجد العيب الفسخ، فعلى قول الشيخ، ينبغي انّه ليس له مع ذلك الإبدال.
إمّا بصفة يتميزان بها، أو بأن يكون للبلد نقد غالب أو معلوم، فيصرف إليه الإطلاق.
و لو قال: بعتك دينارا مصريّا بعشرين من نقد عشرة بدينار، لم يصحّ إلاّ أن لا يكون في البلد نقد عشرة بدينار سوى واحد.
لم يصحّ ،(2) و لو كان لرجل عليه دنانير فقضاه دراهم على التفريق، فإن كان يعطيه كلّ درهم بحسابه من الدينار، صحّ ، و إلاّ فإن صارفه بها وقت المحاسبة، لم يصحّ ، و لو تباريا صحّ ، و لو قبض أحدهما ماله، ثم صارفه بما في ذمّته صحّ ، و لو أعطاه لا على جهة القضاء فاحضرها(3) و قوّماها، احتسب بقيمتها يوم القضاء لا يوم الدفع، فلو بلغت أو نقصت حينئذ، فهي من ضمان المالك و لو قبضها القابض بنيّة الاستيفاء، فالوجه انّه يضمنها.
ص: 318
فلو كان المقضي الذي في ذمّته مؤجّلا جاز، و كذا لو كان حالا.
و لو كان لرجل عشرة دراهم، فدفع إليه دينارا و قال: استوف حقّك منه، فاستوفاه بعد يومين جاز، و لو كان عليه دراهم، فوكّل غريمه في بيع داره، و استيفاء حقّه منها، فباعها بذهب لم يكن له أن يأخذ منها قدر حقّه، و لو باع جارية بدنانير فأخذ بها دراهم ثمّ ردّت الجارية بعيب أو إقالة، لم يكن للمشتري إلاّ الدنانير.
وجب عليه قضاء ما نقده عنه، و يجوز أن يشتري أحدهما نصيب الآخر بزيادة أو نقصان.
و يقبضها قبل التفرّق، و كذا لو كانت غير معيّنة، و قول ابن إدريس بالمنع ضعيف(1).
مع معرفة المقدار و زيادة الثمن على ما في الحلية نقدا، و لا يجوز نسيئة فإن باعه نسيئة وجب أن ينقد بقدر ما في الحلية.
لأنّ التقدير استثناء قيمة الدرهم من الدينار، فيحصل الجهالة.(2)
ص: 319
و الوجه الصحة على تقدير معرفة قيمة الدرهم من الدينار، أمّا لو كان الثمن مؤجّلا، فالوجه ما قاله الشيخ رحمه اللّه مطلقا.
و ابن الجنيد فصّل ذلك، فجوّزه في الحاضر و منعه في النسيئة(1) و به دل الحديث.(2) و هكذا كلّ ما اختلف فيه المستثنى من المستثنى منه.
لا المتعامل بها وقت سقوط الأولى.
و رواية يونس عن الكاظم عليه السّلام ضعيفة السند(3).
و يشترط عليه أن ينقدها إيّاه بأرض أخرى مثلها في العدد أو الوزن من غير تفاضل قرضا لا بيعا، و لو اقترض عددا، و أعطاه وزنا أو بالعكس، أو أعطاه أكثر في الوصف و القدر من غير شرط جاز، و يحرم لو شرط.
و يجوز اسقاط بعض المؤجّل لتعجيل الباقي، و لا يجوز لتأخير الحال بزيادة فيه.
و لو اشترى من غيره عشرين درهما بدينار، فقال له رجل: ولّني نصفها
ص: 320
بنصف الثمن صحّ ، و لو قال له: اشتر عشرين درهما (نقرة)(1) بدينار لنفسك ثم ولّني نصفها بنصف الثمن لم يجز.
قال الشيخ: و لو قال رجل لصائغ: صغ لي خاتما من فضة لأعطيك وزنه فضّة و أجرتك للصياغة، فعمل الصائغ ذلك لم يصحّ ، فإذا صاغه و أراد أن يشتريه مستأنفا بغير جنسه كيف شاء، أو بجنسه مثل وزنه، جاز(2).
و يقرض عشرة صحاحا و يتباريان، أو يشتري المثل و يستوهب الزيادة، أو يضمّ إلى الناقص ما يقلّ قيمته من غير الجنس، و لو توصّل بها إلى المحرّم، كان حراما، و تتمّ الحيلة، كمن تحمّل ولدها على الزنا بامرأة ليحرّمها على أبيه.
و لا يلزمه صحيح، إلاّ أن يريد نصف المثقال. و لو اشترى شيئا(3) آخر منه بنصف دينار، لزمه شقّ ، و لا يلزمه صحيح عنهما.
و لو شرط في الثاني أن يعطيه صحيحا، قال الشيخ: إن كان الأوّل قد لزم، صحّ و بطل الثاني، و إن كان الخيار باقيا، بطلا معا(4).
و الوجه عندي الصحّة فيهما على التقديرين.
ص: 321
ص: 322
و فيه فصول
و فيه تسعة مباحث:
و لو شرط التأخير كان نسيئة، و يجب كون المدّة مضبوطة من احتمال الزيادة و النقصان، و لو لم يعيّن أجلا أو ذكره و كان محتملا لهما، كقدوم الحاجّ و إدراك الغلاّت، بطل البيع.
قال الشيخ: كان له أقلّ الثمنين في أبعد الأجلين(1). و الوجه عندي البطلان.
و لو باعه بثمنين إلى أجلين، بأن يقول: بعتك بدينار إلى شهر و بدينارين إلى شهرين، بطل قولا واحدا، و لو قال: إن خطته اليوم فلك درهم و إن خطته غدا فنصف، احتمل الصحّة بخلاف البيع.
ص: 323
كان له أخذ الثمن، و لا أجل له بعد سنة.
و يجوز بيعه بمثل الثمن الّذي وقع عليه العقد، و أكثر، حالاّ و مؤجّلا إذا لم يشترط، و لم يكن قد حلّ ، و لو حلّ ، فابتاعه بالجنس من غير زيادة جاز، و كذلك بغيره مطلقا، و في جوازه بالجنس مع زيادة أو نقيصة، قولان أقربهما الجواز.
و لو تغيّرت السلعة عن حالة البيع، كالهزال، أو نسيان الصنعة، أو تمزيق الثوب، جاز شراؤه بما شاء إجماعا. و لو اشتراها بعرض(1) أو كان بيعه الأوّل بعرض فاشتراها بنقد جاز أيضا.
و أن يكون ما يبيعه بالنسيئة أكثر ثمنا ممّا لو باعه نقدا، إذا عرف المتبايعان القيمة، من غير كراهة.
سواء تغيّرت السلعة أو لا.
و لو تبرّع قبله لم يجب على البائع قبوله، و لو حلّ فمكّنه منه، وجب على البائع قبضه، و لو امتنع ثم هلك من غير تفريط و لا تصرّف من المشتري كان من مال البائع.
و كذا الحكم في طرف البائع لو(1) باع سلما، و كذا كلّ من عليه حقّ حالّ أو مؤجّل فحلّ ، ثمّ دفعه و امتنع صاحبه من أخذه، فإنّ تلفه من صاحبه.
قاله الشيخ رحمه اللّه(2).
و قال ابن إدريس: يرفع من عليه الحق أمره إلى الحاكم ليطالبه بالقبض أو الإبراء، فإن لم يفعل تسلّمه الحاكم و جعله في بيت المال. و ليس للحاكم إجباره على القبض أو الإبراء، بل يأخذه و يحفظه مع الامتناع من أحد الأمرين(3).
و إن لم يكن عند البائع، و إن لم يكن ممكن الحصول، لم يجز بيعه حالاّ.
ص: 325
و فيه تسعة عشر بحثا:
فتدخل في البستان، الأرض و الشجر و البنيان، و لو باعه شجرا أو نخلا. لم تدخل الأرض و إن افتقرت(1) إليها، إلاّ بالشرط.
فإن قال: بحقوقها؛ قال الشيخ:
يدخلان(2). و عندي فيه نظر. و لو قال: و ما اغلق عليه بابها، دخلا قطعا، و لو لم يقل: بحقوقها، لم يدخلا.
و لو كان فيها زرع لم يدخل إلاّ أن يقول: و ما اغلق عليه بابه، أو يشترط لفظا، فإن كان ممّا يحصل مرّة، كالحنطة، و الشعير من البارزة، و الفجل، و البصل، من المستترة، دخل في المبيع بالشرط، سواء كان قصيلا أو حصيدا، أو قائما معلوما أو مجهولا.
و لو لم يشترطه، كان للبائع، و له التبقية بغير أجرة إلى حين الحصاد، و لو حصده قبل وقته ليزرعها غيره، لم يملك الانتفاع بها.
و لو بقيت العروق، لم تجب على البائع إزالتها. إذا لم تضرّ بالأرض
ص: 326
كالحنطة، و لو كانت مضرّة بها كالقطن و الذرّة وجبت إزالتها، و عليه تسوية الأرض إذا نقل العروق.
و إن كان ممّا يحصد مرّة بعد أخرى كالقتّ و النعناع، فإن كان مجزوزا، قال الشيخ: يدخل الأصول(1). و الأقرب عندي عدمه، و لو لم يكن مجزوزا، فالجزّة الأولى للبائع، و الباقي للمشتري عند الشيخ(2) و لو اشترطه دخل قطعا، و لو كان ممّا تتكرّر ثمرته، كالقثاء و الخيار، لم يدخل.
قال الشيخ: يكون للمشتري، و كذا لو غرس، و باع الأرض قبل أن ترسخ عروقه(3). و الأقرب عندي عدم دخوله.
و إن كان ممّا يحصد واحدة، كالحنطة لم يدخل، و يتخيّر المشتري مع عدم علمه بالبذر، بين الردّ، و الأخذ بالجميع،(4) و لو نقله البائع في مدّة يسيرة، فلا خيار.
و لو اشتراه مع الأرض، فالوجه الصحّة و هو اختيار الشيخ(5)، لأنّ جهالة التبع لا تؤثّر في الصحّة، كاللبن في الضرع مع الشاة، و أساسات الحيطان.
فإن كانت مؤبّرة، فهي للبائع.
و يتخيّر المشتري إن لم يعلم بالتأبير، و لا خيار لو تركها البائع، و لا يبطل الخيار
ص: 327
بقطعها في الحال، و إن لم تكن مؤبّرة فهي للمشتري، و لو اشترى أرضا فيها بذر للبائع، أو شجرا فيه ثمر للبائع، و ظن المشتري أنّ الزرع أو الثمرة له، فليس له الخيار.
و لو باعه نخلا يستحقّ ثمرته غير البائع سنة فما زاد، كان للمشتري الردّ إن جهله، لا الأرش، كما لو باعه دارا، يستحقّ سكناها غير البائع.
كما لو ساومه عليها مع المزارع، و اتّفقا على ثمن، ثمّ اشتراها به.
و لو كان فيها نخل أو شجر، و قال: بحقوقها؛ قال الشيخ: يدخل(1) و عندي فيه إشكال.
و يدخل في البنيان(2) الحيطان و السقوف و الدرجة المعقودة و الأعلى و الأسفل، إلاّ ان تستقلّ الأعلى أو الأسفل بالسكنى عادة، فلا يدخل إلاّ بالشرط.
و يدخل في الدار ما هو متّصل بها من مصالحها، كالأبواب المنصوبة، و الخوابي المدفونة، و الرفوف المسمّرة، و الاوتاد المثبتة، و الأغلاق في الأبواب المنصوبة، و السلّم المثبت، و بئر الماء، و الآجر، و الماء فيها.
قال الشيخ: و يدخل فيها الرحى المنصوبة.(3) و عندي فيه نظر.
و لا يدخل ما هو متّصل بها ممّا ليس من مصالحها، كالأحجار المدفونة، و الكنوز المودّعة، و هل يدخل المفتاح ؟ الأقرب نعم.
ص: 328
و لو استثنى البائع نخلة، كان له الممرّ إليها، و الخروج منها، و مدى جرائدها من الأرض.
فإن كانت مخلوقة فيها دخلت، و لا يتخيّر المشتري إن لم يضرّ بالغرس و لا بالزرع، أو علم بها، و لو جهل مع ضرر أحدهما تخيّر بين الرد و الإمساك. قال الشيخ: و لا ارش له(1). و عندي فيه نظر.
و إن كانت مبنيّة(2) كالاساسات و الدكة المبنيّة(3) دخلت. و إن كانت مودعة للنقل و التحويل، لم تدخل، و للبائع نقلها، و للمشتري مطالبته به في الحال، و عليه تسوية الأرض، و ليس للمشتري أجرة عن زمان النقل و إن كان طويلا مع علمه.
و لو جهل الحجارة أو ضررها، فهو عيب يثبت له الخيار، إلاّ أن ينقلها البائع في زمان يسير من غير ضرر، و كذا لو غصب المبيع من يد البائع فاستخلصه في الزمان اليسير.
و لو طال زمان النقل، تخيّر المشتري بين الردّ و الأخذ بالثمن أجمع، و لا أجرة له؛ قاله الشيخ.(4)
و لو لم تضرّ، كان للبائع نقلها أيضا، و يتخيّر المشتري إن طال الزمان، و لو تركها لم يتخيّر المشتري، و لا ينتقل ملكها إليه.
و لو كانت الأرض ذات شجر، و كان ترك الحجارة و قلعها لا يضرّان، فهي
ص: 329
كالأرض البيضاء، إذا كان فيها حجارة لا يضرّ بقاؤها الزرع، و إن كان تركها يضرّ و قلعها لا يضرّ، فكالبيضاء، و إن كانا يضرّان فلا خيار للمشتري مع علمه، و للبائع نقل الحجارة، و للمشتري مطالبته به، و لا أرش له، و لا أجرة.
و إن كان جاهلا بالحجارة أو الضرر، تخيّر بين الردّ - و لا بحث - و بين الإمساك، فللبائع نقلها و عليه التسوية، و أمّا أرش النقص بقطع العروق، قال الشيخ: لا يجب قبل القبض و لا بعده(1).
و إن كان تركها لا يضرّ و قلعها يضرّ، و أراد البائع قلعها، تخيّر المشتري، و لو علم المشتري بالحجارة بعد الغرس، فلا خيار له لتصرّفه، و لو كان الترك و القلع يضرّان. فللبائع القلع، و للمشتري المطالبة به، و على البائع أرش النقص.
و إن كان قلعها يضرّ و تركها لا يضرّ، و رضي بتركها، فلا خيار للمشتري، و إن أراد قلعها، كان ذلك له، و له تسوية الأرض و أرش نقص الشجر.
و لو لم يعلم به البائع تخيّر إن ملكها بالإحياء، و إن ملكها بالبيع، احتمل عدم الخيار، لأنّ الحقّ لغيره، و احتمل ثبوته، كما لو اشترى معيبا ثمّ باعه و لم يعلم بعيبه، فانّه يستحقّ الأرش.
و كذا يدخل الماء المحقون فيهما، و كذا العيون الجارية في الأملاك تدخل في بيعها.
و المياه الجارية إذا كانت نابعة في غير ملك، لم تملك إلاّ بالإجازة في
ص: 330
الإناء و شبهه، و لو دخلت أرض رجل لم يملكها إلاّ أن يجعل لها مستقرّا في أرضه، كالحوض، أو يحفر ساقية يأخذ فيها من ماء النهر.
و المصانع المتّخذة لمياه الأمطار تجتمع فيها، الوجه انّه يملك ماءها و يصحّ بيعه.
و إلاّ فإن كان قد أبّر لم تدخل، و إن لم يكن قد أبّر دخلت.
و التأبير: التلقيح، و هو يحصل و لو تشقّقت من نفسها، فأبّرتها اللواقح، و لو اشترط أحد المتبايعين الثمرة فهي له، سواء كان البائع قبل التأبير أو المشتري بعده، و كذا لو اشترط جزءا مشاعا، كالثلث و شبهه.
و لا يجب تفريغ النخل منها، و يرجع فيه إلى ما جرت العادة به، فيقطع ما يؤخذ بسرا وقت استحكام الحلاوة في بسره، و إن كان إبقاؤه أجود. و ان كان ممّا يخترف(1) تمرا يترك إلى وقت اخترافه، و إن كان عنبا أو فاكهة، ترك حتّى يتناهى إدراكه و يقطع مثله، و كذا لو اشترى الثمرة خاصّة، وجب على البائع وضعها على نخله إلى وقت إدراكها.
و لو أبّر بعض ثمرة النخلة الواحدة دون بعض، ففي تبعيّة ما لم يؤبّر للمؤبّر نظر، و لو اشتمل على نوعين أبّر أحدهما دون الآخر فالمؤبّر للبائع و غيره للمشتري.
ص: 331
و لو أبّر بعض البستان فبيع غير المؤبّرة خاصّة، فالثمرة للمشتري، و لو بيع المؤبّر خاصّة، فالثمرة للبائع. و لو باع أحدهما لشخص، و الآخر لآخر، فثمرة غير المؤبّر لمشتريه، و المؤبّر للبائع.
فلو باع الفحل و قد أطلع، فثمرته للبائع و كذا لا يعتبر التأبير في غير النخل، بل الثمرة للبائع إن ظهرت، و إلاّ فللمشتري.
و لو كان بغيره من العقود لم تدخل بل كانت باقية على ملك الناقل، فلو أصدق امرأة نخلا مثمرا، فالثمرة للزوج سواء كانت مؤبّرة أو لا، و سواء كان العقد عقد معاوضة، كالنكاح و الصلح، أو غير معاوضة كالهبة. قال الشيخ: يثبت في عقود المعاوضات حكم البيع.
سواء قصد نوره كالورد و الياسمين، و ان لم ينفتح جنبذه(1) فللشيخ قول بالدخول(2)، أو كان ممّا تظهر ثمرته بارزة كالعنب مع ظهورها، أو كانت مستترة في قشر يبقى فيه كالرمان، أو في قشرين كالجوز، أو يظهر نوره ثم يتناثر فتظهر الثمرة كالتفاح بعد تفتّحه و ظهور ثمرته، أو لم يظهر على إشكال.
ص: 332
و لو لم تحتج كان له. و لو تضرّر الشجر مع حاجة الثمرة، أو احتياج الشجر إلى السقي مع تضرّر الثمرة، قيل: أيّهما طلب السقي لحاجته اجبر الآخر عليه. و قيل: ترجّح مصلحة المشتري لكن لا يزيد عن قدر الحاجة، و لو اختلفا فيه رجع إلى أهل الخبرة.
و كلّ من التمس السقي كانت المئونة عليه، و لو خيف على الشجرة تبقية الثمرة عليها لعطش أو غيره، فإن كان يسيرا لم يقطع، و إن كان كثيرا فخيف على الأصول اليبس أو نقص حملها، قيل: لا يجبر لذلك، و قيل: يجبر على القطع.
فإن تميّزتا فلكل ثمرته، و إلاّ اشتركا، و مع الجهل يصطلحان، و لا يبطل العقد.
و هل يدخل ما يستر عورته من الثياب الّتي عليه ؟ فيه نظر.
و فيه اثنان و عشرون بحثا:
فإن امتنع أحدهما، أجبر، و إن امتنعا أجبرا معا من غير أولويّة في تقديم الإجبار، سواء
ص: 333
كان دينا أو عينا. و قال الشيخ رحمه اللّه: يجبر البائع أوّلا ثمّ المشتري ثانيا(1) فإن كان موسرا أجبر على التسليم، و إن كان غائبا قريبا في بيته أو بلده، قال الشيخ: حجر عليه في أمواله حتّى يسلّم الثمن(2). و إن كان غائبا عن البلد احتفظ عن السلعة حسب. فإن تأخر فللبائع فسخ البيع و الصبر. و إن كان معسرا، فللبائع الفسخ.
و كلّ موضع قلنا بحجر عليه، فذلك إلى الحاكم.
و إن كان موسرا، قضاه الحاكم من ماله.
و لو اشترطا تأخير أحد العوضين، وجب دفع الحال على الآخر. و لو بذل بعض العوضين، أجبر على بذل الباقي.
سواء كانت حسنة أو قبيحة، و ليس للمشتري مطالبة البائع بعد العقد بكفيل لئلاّ يظهر حاملا.
و كذا لو شرط سكنى الدار أو ركوب الدابّة مدّة معلومة، صحّ .
و القبض باليد فيما ينقل و يحول، و النقل في الحيوان، و التخلية
ص: 334
فيما لا ينقل و لا يحول، و لو باع ثمرة على رءوس النخل، فالقبض فيها التخلية لا النقل.
و وجب على البائع ردّ ما قبضه من الثمن، سواء كان التلف من قبل اللّه تعالى أو من البائع، فإن كان من قبل المشتري، استقرّ الثمن في ذمّته إن لم يكن البائع قبضه، و إن كان قبضه، لم يرجع به المشتري.
و ان كان من أجنبيّ ، قال في المبسوط: يتخيّر المشتري بين فسخ البيع و الرجوع على البائع بالثمن، و بين إمضائه و إلزام الأجنبيّ بالقيمة(1)، و هو حسن، و القول بجواز تضمين البائع القيمة مع مباشرة الإتلاف، لا يخلو من قوة.
و هل له الإمساك مع الأرش ؟ فللشيخ قولان: أحدهما ليس له ذلك(2). و اختاره ابن إدريس(3)، فلو تراضيا على الارش، جاز.
و لو قطع المشتري يده قبل القبض، استقرّ البيع، فإن تلف بعد ذلك في يد البائع قبل القبض، انفسخ البيع، و رجع البائع بأرش النقص، فيقوّم سليما و مقطوعا. و يرجع بالنقصان بالنسبة إلى الثمن لا القيمة.
فكلّ من كانت
ص: 335
في يده من المتبايعين أو الأجنبيّ ، فالتلف بسببه، و ان لم تكن في يد أحد، بطل البيع.
و لو اشتري شاة أو شقصا بطعام، فقبض الشاة و باعها، أو أخذ الشقص بالشفعة، ثمّ تلف الطعام قبل القبض، بطل البيع الأوّل دون الثاني و دون الأخذ بالشفعة، و يرجع مشتري الطعام على مشتري الشاة، أو الشقص بقيمة ذلك لتعذر ردّه، و على الشفيع مثل الطعام، لأنّه عوض الشقص.
و المبيع بصفة أو برؤية متقدّمة، من ضمان البائع حتّى يقبضه المشتري، و لو طلبه فمنعه البائع، ضمن قيمته حين العطب، و لو حبسه ببقيّة الثمن، فهو غاصب، و لا يكون رهنا إلاّ أن يشترطه في نفس البيع.
فلو تلف الأصل قبل القبض، بطل البيع، و سقط الثمن عن المشتري، و لو تلف النماء ضمنه البائع مع التفريط لا بدونه.
و لو اختلط المبيع بغيره اختلاطا لا يمكن تمييزه، فإن دفع البائع الجميع، جاز، و إلاّ تخيّر المشتري بين الفسخ و الشركة، و قيل ينفسخ مطلقا.
تخيّر المشتري بين الفسخ و أخذ الموجود بحصّته من الثمن، فما(1) يتقسّط على القيمة كالعبدين، قسط عليهما، و ما يتقسّط على الأجزاء، كالحبوب أمسكه بحصّته، قال الشيخ: و الأولى انّه لا خيار
ص: 336
للبائع(1). و إن قلنا له الاختيار، كان قويّا.
و لو اختار إمساكه بكل الثمن، فلا خيار للبائع قطعا، و إن لم يكن للتالف قسط من الثمن كيد العبد إذا قطعت بعد البيع و قبل القبض، يتخيّر المشتري بين الردّ و الإمساك، و هل له الأرش ؟ قولان تقدّما.
و لو دفع الجميع لم يكن له قبض حصّة الغائب، فإن كان شريكه أذن في القضاء، رجع إليه. و إلاّ فلا.
فيجب نقل ما فيه من المتاع و الزرع إذا حصد، و العروق المضرّة، و الأحجار المدفونة، و تسوية الأرض، و لو احتيج إلى تغيير شيء، فعل و أخرج و أصلح الفاسد، و لو كان المبيع مغصوبا، و علم المشتري قبل العقد، فلا خيار، و كذا لو قصر زمان استعادته، و لو طال تخيّر في الفسخ و الإمساك بغير أجرة على البائع، و لو منعه البائع تثبت الأجرة.
و لو نقصت بالوطء، كذهاب البكارة مثلا، وجب أرش النقصان، و يدخل في الأوّل، لأنّه يثبت عندنا للبضع عشر قيمة الجارية مع البكارة، و نصفه مع عدمها، و لو اكتسب المبيع ثم تلف قبل القبض، بطل البيع، و الكسب للمشتري.
ص: 337
فالوجه بطلان البيع، و يرجع بالثمن، فلو تخلّلت الخمر، فالوجه عدم العود إلى القيمة.
و لو اشترى عبدا و لم يتقابضا ثمّ مات المشتري مفلّسا، تخيّر البائع بين الفسخ بعد ثلاثة و بين الإمساك، و يكون من جملة الغرماء، و لا يكون أحقّ بالعين إذا لم يكن وفاء.
و يحرم إذا كان طعاما إلاّ تولية، و يجوز بيع ما لا يكال و لا يوزن قبل قبضه إجماعا منّا و إن كان ممّا ينقل أو يحول، و يصحّ إجارة ما لا يصحّ بيعه قبل القبض قبله، خلافا للشيخ(1). و يصحّ رهنه مطلقا و الشركة فيه و التولية و الحوالة به و تزويج الأمة قبل القبض و الكتابة، و للمرأة بيع المهر قبل قبضه، و ما يملك بغير البيع كالإرث و الوصية و الغنيمة، يجوز بيعه قبل القبض.
و يتخيّر المشتري إن لم يعلم. أو لم يتمكّن من الانتزاع سريعا.
فقال لغريمه: اقبض من غريمي لنفسك. قال الشيخ لم يجز، و يردّه من أخذه على صاحبه، و يكتاله إمّا عن الآمر بقبضه أو يكتاله الآمر، فيصحّ ثمّ يقبضه منه(2).
و لو دفع إلى غريمه مالا، و قال: اشتر لك من مثل الطعام الّذي لك عليّ ، ففعل. قال الشيخ لم يصحّ ، فإن اشترى بالعين بطل البيع، و ان اشترى في الذمّة ملك الطعام و ضمن الدراهم(3).
ص: 338
و لو قال: اشتر لي طعاما ثمّ اقبضه لنفسك، صحّ الشراء، و منع الشيخ من صحة القبض. لأنّه بيع الطعام قبل قبضه(1).
و لو قال: اقبضه لنفسك من نفسك منع الشيخ منه. لأنّه لا يجوز أن يتولّى طرفي القبض(2)، و عندي فيه نظر، و لو كان الطعامان أو المحال به قرضا، جاز قولا واحدا.
و لو قبضا طعاما اشترياه فباع أحدهما نصيبه قبل القسمة، صحّ ، و لو باعه بعد القسمة بذلك الكيل الّذي كاله، جاز.
فإذا قال للمشتري: اشركني في نصفه، فشركه صحّ ، و كذا لو قال: ولّني ما اشتريته بالثمن، فقال: ولّيتك، مع علمهما بالثمن، و يبطل مع جهل أحدهما به.
و لو اشتريا عبدا، فقال ثالث اشركاني صحّ ، و كان له الثلث، و لو اشترى قفيز طعام، فقبض نصفه، ثمّ باع نصف القفيز، ففي توجّه البيع إلى المقبوض كلّه نظر.
و كذلك على غيره بحاضر أو حال قبل قبضه و منع منه بعض علمائنا.
و لو كان له طعام دينا، فباع طعاما على الغريم ليقضيه الدين من المبيع، قال الشيخ: لم يجز الشرط و لا البيع، قال: و لو قلنا بفساد الشرط خاصّة كان قويّا(3)، و الوجه عندي صحّتهما، قال: و لو باع منه طعاما بعشرة على أن يقضيه الطعام الّذي عليه أجود منه، لم يصحّ ، و لو قضاه أجود ليبيعه طعاما بعشرة لم يجز، و لو
ص: 339
باع طعاما بعشرة مؤجّلة، فلمّا حلّ الأجل أخذ بها طعاما مثل ما أعطاه، جاز، و إن كان أكثر لم يجز، و قد روي الجواز مطلقا(1) و هو الأقوى.
قال الشيخ: و في أصحابنا من روى أنّ ذلك لا يجوز(2).
3279. الثاني و العشرون: الإقالة فسخ(3) لا بيع في حقّ المتعاقدين و غيرهما،
فلا تثبت أحكام البيع في حقّهما، بل يجوز في السلم، و في المبيع قبل قبضه، و كذا في غيرهما، فلا يثبت حكم البيع في حقّ الشفيع بمعنى أنّه لا يأخذ الشقص بالإقالة، و تجوز قبل القبض و بعده من غير حاجة إلى كيل ثان، و لا تصحّ إلاّ بمثل الثمن فتبطل لو أقاله بأزيد أو أنقص.
و فيه اثنا عشر بحثا:
سواء كانت أثمانا أو غيرها، فلو باع الصبرة، و عرفا مقدارها أو أحدهما و أخبر به الآخر، صحّ
ص: 340
و إن لم يشاهد باطنها، و كذا يصحّ بيع الجزء المشاع منها إذا كان معلوم النسبة و العلم بمقدارها، و إلاّ فلا.
فإن فعل و باعها و أخبر بمقدارها ثمّ وجد العيب، يتخيّر بين الفسخ و أخذ الأرش، و لو كانت تحتها حفرة، أو كان باطنها أجود، تخيّر البائع إن لم يعلم.
و إلاّ بطل، و كذا يبطل في القفيز الواحد على إشكال، و لو قال: بعتك منها عشرة أقفزة، صحّ مع العلم بتحقّق العشرة فيها.
صحّ البيع، و إلاّ فلا، و كذا لو قال: على أن أنقصك قفيزا منها، مع العلم بمقدارها، و كذا كلّ متساوي الأجزاء.
صحّ مع المشاهدة و إن لم يعرف الذرع و لا عدد الغنم، و كذا بيع أبعاضها بالجزء المشاع.
و لو قال: بعتك كلّ ذراع منها بدرهم، و علما الذراع، صحّ ، و إلاّ فلا.
و لو قال: بعتك منها عشرة أذرع، و كانت أزيد، فإن عيّنها، صحّ ، و إن أبهم، و كانت الدار معلومة الذراع، قال الشيخ رحمه اللّه: صحّ البيع(1) و له بنسبة العددين(2) لأنّ
ص: 341
الذراع مكيال كالقفيز، و قيل: يبطل، لأنّ الذراع عبارة عن بقعة بعينها، و موضعه مجهول، و عندي فيه تردّد.
و لو قال: بعتك من هاهنا إلى هاهنا، صحّ إجماعا، و لو قال: عشرة من هاهنا إلى حيث ينتهي، قال الشيخ: يصحّ لتعيّنه بالذرع و المشاهدة(1). و قيل: لا يصحّ ، لاختلاف أجزاء الأرض و عدم العلم بالمنتهى(2).
صحّ ، و إلاّ بطل، و كذا يبطل لو قال: نصيبا أو سهما و أبهم، و كذا لو قال: بعتك شاة من هذا القطيع، و لم يعيّنها.
و الثوب حكمه حكم الأرض في جميع ما تقدّم.
3286. السابع: لو باعه أرضا على أنّها جربان(3) معلومة، فنقصت،
تخيّر المشتري بين الردّ و الإمساك، و لا يبطل البيع من رأس، فإن ردّ استرجع الثمن، و إن أمسك للشيخ قولان: أحدهما الإمساك بجميع الثمن(4) و الثاني بقسطه(5)، فقيل: يتخيّر البائع حينئذ، و فيه قوّة، و لو أمسكه المشتري بالجميع، سقط خيار البائع. و لو كان للبائع أرض ملاصقة، قال الشيخ: وجب عليه أن يوفّيه تمام
ص: 342
المبيع منها(1) تعويلا على رواية عمر بن حنظلة عن الصادق عليه السّلام(2) و منعه ابن إدريس(3)، و هو جيّد.
و لو زادت الأرض، فالّذي قوّاه الشيخ صحّة البيع(4)، و هو حسن، فحينئذ قيل: لا تكون الزيادة هنا للبائع، بل يتخيّر بين تسليم الجميع بالثمن و الفسخ.
و قيل: تكون له، و يتخيّر بين تسليمه زائدا و تسليم المقدّر، و يسترجع الزيادة، و مع تسليم الجميع، لا خيار للمشتري، و يتخيّر مع استرجاع الزيادة، فإن اختار مع الاسترجاع الإمساك، احتمل أن يثبت للبائع الخيار، لتضرّره بالشركة، و عدمه لرضاه بالثمن عوض الجميع، فعوض البعض أولى.
و لو طلب المشتري الزيادة بعوض، أو طلب البائع عوضها لم يتخيّر الآخر، و لو اتّفقا جاز.
و حكم الثوب و ما لا تتساوى أجزاؤه كذلك، و كذا لو باعه قطيعا على أنّه مائة، فزاد أو نقص.
أخذ البائع الزيادة، و رجع المشتري بثمن النقصان، و لا خيار للمشتري لو أخذ البائع الزيادة، و الوجه ثبوته له مع النقصان.
فإن باعه المشتري فكاله الثاني ردّ الزائد، و استرجع ثمن الناقص، و لو اختلفا بعد التلف، فالقول قول المشتري مع يمينه و عدم البيّنة قلّ أو كثر.
ص: 343
و لو أعلمه بالكيل و باعه بثمن سواء زاد أو نقص لم يجز، و لو نظر أجنبيّ إلى الكيل جاز أن يشتريه بغير كيل.
و لو كاله البائع للمشتري، ثمّ اشتراه منه لم يحتج إلى كيل ثان، و كذا لو اشترى الشريكان طعاما، ثمّ باع أحدهما حصّته شريكه قبل تفرّقهما بعد أن اكتالاه.
إن لم يكن حضر كيله و لا وزنه، و إن حضر فالقول قول البائع إن ادّعى نقصا كثيرا، و الوجه قبول قوله في قليل يمكن وقوعه في الكيل.
لم يجب عليه دفعه، و لو طلب القيمة؛ قال الشيخ: لم يجز لأنّه بيع الطعام قبل قبضه(1).
و عندنا انّه مكروه، فيجوز مع التراضي، و كذا لو كان قرضا، و لو طالبه بقيمته بسعر العراق، وجب دفعها.
و لو تبرّع المقترض بدفع المثل في المدينة لم يجبر المقرض على القبض، و لو غصبه بالعراق، و أتلفه، فطالبه به في المدينة، قال الشيخ: لا يجب دفع المثل(2)، و لو طلب القيمة وجب دفعها بسعر العراق، و لا يجبر على سعر المدينة، و الوجه عندي مطالبته بالمثل، فإن تعذّر، فالقيمة بسعر المدينة.
بطل البيع الأوّل لا الثاني.
ص: 344
و فيه واحد و أربعون بحثا:
و لو كان مطلقا موصوفا جاز و إن لم يكن في ملكه.
و لو باع الأمّ و شرط وضعها بعد مدّة معيّنة بطل، و لا يجوز بيع حبل الحبلة، فقيل:
نتاج النتاج، و قيل: جعل حمل النتاج أجلا(1)، و هو باطل بمعنييه، و لو شرط الأوّل في عقد، ففي صحّته إشكال.
سواء كانت أيّاما معلومة أو لا، و لو باعه مع ما احتلب منه. قال الشيخ: يجوز، لرواية سماعة(2)، و الوجه عندي البطلان.
3295. الرابع: اختار المفيد رحمه اللّه(3) و ابن إدريس جواز بيع أصواف الغنم و شعورها على جلودها منفردة مع المشاهدة،
3295. الرابع: اختار المفيد رحمه اللّه(3) و ابن إدريس(4) جواز بيع أصواف الغنم و شعورها على جلودها منفردة مع المشاهدة،
و منعه الشيخ(5)، و الأوّل أقوى.
و كذا يصحّ لو باع الغنم، و استثنى الأصواف، و لو باع الصوف على ظهر
ص: 345
الحيوان مع ما في بطنه، قال الشيخ يجوز(1). و الوجه المنع.
و لو ضم إليه قصب الأجمة. قال الشيخ جاز،(2) و ليس بمعتمد، و كذا لا يصحّ لو اصطاد شيئا منه، و باعه مع ما في الأجمة، و انّما يصحّ بيعه في الماء مع مشاهدته أجمع و ملكه و إمكان اصطياده.
جزية رءوس أهل الذمّة، و خراج الأرضين، و ثمرة الأشجار، و ما في الآجام من السّموك، إذا كان قد أدرك شيء من هذه الأجناس، و كان البيع في عقد واحد، و إن لم يدرك شيء من هذه الأجناس لم يجز،(3) و منعه ابن إدريس مطلقا(4)، و هو الأقوى.
و يجوز أن يستأجر برك الحيتان ليحبسها فيها، و شبكة الصيد ليصطاد بها، و لو استاجر أرضا للزراعة فيدخل فيها سمك، و نصب الماء، فالمستأجر أحقّ به من غير تملّك.
و لو وثبت سمكة إلى سفينة فأخذها بعض الركاب، كانت ملكا له، أمّا السفن المعدّة لذلك، كالّتي يجعل فيها الضوء و يضرب فيها صواني(5) الصفر
ص: 346
ليثب السمك [فيها]، فانّ صاحبها يملك ما يحصل فيها كالشبكة.
و لو عشش طائر في داره، و فرخ، أو توحّل ظبي لم يملكه، و كان أحقّ ، و كذا لو دخل الماء داره، و لو نصب شبكة فوقع فيها صيد ملكه، و كذا لو اغترف الماء بآنية، و لو اتّخذ لمياه الأمطار و السيول مصانع، ليحصل فيها الماء، ملكه بالحصول، و لو أعدّ أرضا للملح، فجعلها ملاحة، ليحصل فيها الماء فيصيد ملحا، ملكه، و لو لم يعدها لذلك لم يملكه.
و كذا لا يملك لو وقع الصيد في شبكة غير منصوبة و لا مقصودة للصيد، و يكون أحقّ ، و لو حصل صيد في (فم)(1) كلب إنسان أو فهده أو صقره، و كان قد استرسل بإرسال صاحبه، ملكه، و لو استرسل من نفسه كان أحقّ من غير ملك، و كذا ما يحصل في فم البهيمة من الحشيش.
سواء كان مملوكا، أو غيره، و سواء كان ممّا يألف الرجوع أو لا، و لو كان في البرج و الباب مفتوح، لم يجز، و إن كان مغلقا، جاز و إن افتقر تسليمه إلى مشقّة.
و لا يكفي حضور المالك و لا سكوته، و لا يقع باطلا في نفسه، خلافا للشيخ في بعض أقواله(2)، فلو اشترى الوكيل أو باع غير المأذون في بيعه أو شرائه، ضمن ما فوّت على المالك أو تلف، فإن اشترى غير المعيّن بثمن في الذمّة، صحّ ، فإن أجاز الموكّل، و إلاّ لزمه الثمن.
ص: 347
و لو اشتراها على أنّها حامل، صحّ ، و كذا على أنّها لبون، و لو شرط حلب قدر معيّن لم يجز.
و لو اشترط في بيع الدجاجة، جاز، و لو انفصل من الحيوان بعد موته حلّ بيعه إن كان قد اكتسى الجلد الأبيض الفوقاني، و إلاّ فلا.
و يصحّ بيع بيض ما لا يؤكل لحمه إن أمكن أن يصير فرخا، و إلاّ فلا.
و منعه الشيخ(1)، و ابن البراج في الجواهر(2)، و هو ضعيف. و لو لم يشترطه كان له أيضا ما لم يشترطه المشتري.
و إن لم يفتق و يشاهد، و فتقه أحوط.(3)
و إلاّ وجب، و يجوز أن يندر للظروف ما يحتمل زيادته و نقصانه ممّا تجري العادة بمثله، و لا يجوز إندار ما يزيد دائما أو ينقص، و لو باعه السلعة مع الظرف، جاز من غير اندار.
ص: 348
و لو قال: بعتك هذا السمن(1) بظرفه كلّ رطل بدرهم، صحّ إذا عرف وزنهما جملة، و إن لم يعرف التفصيل على إشكال.
و لو باعه بصاع مجهول، لم يجز، و لو قبض من غيره دراهم ففرّقها بالوزن، فزادت يسيرا يتفاوت الموازين في مثله، لم يجب ردّ الزيادة، و لا يجوز لمن عليه الحقّ إعطاء الناقص و إن قلّ .
بطل البيع، فإن هلك في يده، كانت عليه قيمته يوم ابتاعه، قاله الشيخ(2)، و قال ابن إدريس يضمن بالمثل، فإن أعوز فثمن المثل يوم الإعواز، و إن لم يكن مثليا فقيمته أكثر ما كانت إلى يوم الهلاك(3).
و لو كان قائما بعينه، انتزعه من يد المبتاع و رجع بأرش نقصه في يده بحدثه.(4)
و لو زادت القيمة بالحدث، قال الشيخ ردّ قيمة الزيادة(5). و هو قوي. و قال ابن إدريس بذلك ان كانت الزيادة عينا و إلاّ فلا(6).
و لو باعه بحكم البائع قال الشيخ: إن حكم بأقلّ من القيمة مضى، و لم يكن له أكثر، و إن حكم بأكثر كانت له القيمة وقت البيع إلاّ ان يتبرّع المشتري(7).
ص: 349
و الوجه عندي بطلان البيع أيضا، فإن كان باقيا انتزعه، و إن كان تالفا، فله المثل، و إلاّ فالقيمة. قال ابن إدريس: أكثر القيم إلى يوم الهلاك لا قيمة حال لبيع(1).
فإن وجد كما وصف، و إلاّ تخيّر المشتري، و لو بيع بشرط السلامة من غير اختبار و لا وصف، فالأقرب جوازه، فإن خرج معيبا تخيّر بين الأرش و الرّد، و لو تصرّف سقط الردّ.
و لو كان المبيع يؤدّي اختباره إلى فساده، كالجوز و البطيخ، جاز مطلقا و بشرط الصحّة، فإن وجد صحيحا فيهما و إلاّ كان له الأرش و الردّ إن لم يتصرّف، و لو تصرف سقط الردّ.
و لو لم تكن لمكسوره قيمة كالبيض، بطل البيع و استرجع الثمن، و لو غاب بعد مشاهدته ثمّ اشتراه، صحّ ، فإن لم يتغير، لزم و إلاّ كان له الردّ، و لو اختلفا في التغيّر، فالقول قول المشتري على إشكال.
و لا فرق بين أن يولد أعمى أو يتجدّد له، و لا بين بيع الحاضر السلف.
و لا يلزم التنصيف.
أن يبيع معلوما و مجهولا، فيبطل، و معلومين يتقسّط(2) الثمن عليهما بالأجزاء، كعبد مشترك يبيعه أجمع فيصحّ في نصيبه بقسطه، و يقف الباقي على الإجازة، فإن
ص: 350
أجاز المالك صحّ ، و أخذ نصيبه من الثمن، و إلاّ فلا، و لا يبطل نصيب الشريك من رأس، و معلومين لا يتقسّط بالأجزاء، كعبد و حرّ، و خلّ و خمر، و عبد نفسه و عبد غيره فيصحّ فيما يصحّ بيعه بقسطه، و يبطل في الآخر إلاّ في ملك غيره، فيقف على رضاه، ثمّ إن ضمّ مملوك غيره فيقسط الثمن بالنسبة إلى القيمة، و إن لم يكن مملوكا قسط بالنسبة إلى مستحلّه. و كذا حكم رهن ما يملك و ما لا يملك و هبته، و سائر العقود.
و يأخذ بحصّته من الثمن، و له الفسخ، و لو كان لكلّ رجل عبد، فباعاهما صفقة بثمن واحد، صحّ ، و قسط الثمن على قدر القيمتين.
و لو جهله فله الخيار دون البائع.
و هو بيع الثوب برقمه المكتوب عليه إذ كان معلوما حال العقد، من غير كراهيته.
و إن شرط له الخيار.
و الذهب و الفضة أحوط، قاله الشيخ(1)، و قال ابن إدريس: يمكن العمل بهذه الرواية بأن يحلب بعض اللبن و يبيعه مع ما
ص: 351
في الضرع، مدّة من الزمان(1). و الوجه عندي البطلان إن كان بيعا، و إلاّ كان هذا بمنزلة الإباحة.
و إن لم يكل بعد الطعام(2) لرواية زرارة الصحيحة عن الباقر عليه السّلام(3). و ابن إدريس منع من ذلك(4).
كان من مال البائع، لأنّ الّذي اشتري منه في ذمّته(5)، و في التعليل نقد.
و يرجع على بائعها مع قيام البيّنة بالبيع بما دفعه إلى البائع و بما غرمه و أنفقه ممّا لم يحصل في مقابلته نفع، إلاّ أن يعلم أنّها سرقة، فلا رجوع.
و لا يجوز أن يشتري من الظالم ما يعلمه ظلما بعينه إذا لم يكن مأخوذا على وجه الخراج و الزكاة، و يجوز فيهما و فيما لا يعلم أنّه ظلم و إن علم إجمالا أنّ في ماله غصبا، و تركه أفضل.
و كذا بيع جلود السباع و كلّ حيوان سوى الآدمي و نجس العين إذا علم أنّه مذكّى أو شراه من المسلمين.
ص: 352
للرواية الصحيحة عن الصادق عليه السّلام(1)، و رواية النفي متأوّلة(2) و يجوز أخذ ثمن ما باعه الذمّي من الخمور في الدين، و لو أسلم الذمّي بعد بيعه، جاز له قبض ثمنه، و لو أسلم قبل بيعه، حرم بيعه بنفسه أو بوكيله المسلم أو الذمّي.
و كان عليه وزر المال إذا كان الشراء في الذمّة، و إن نقد الغصب، و لو كان بالعين بطل الشراء، و كان الفرج حراما، و لو حجّ به من غير سبق وجوب لم يجزئ عن الوجوب المتجدّد، و لو سبق وجوب حجّة الإسلام، أجزأه إلاّ الهدي، و عليه وزر المال.
و لو أجاز بعد زوال الإكراه، جاز.
و فيه ستّة عشر بحثا:
و لزم الشرط، اتّحد الشرط أو تعدّد، و لو شرط ما ليس بسائغ، بطل الشرط إجماعا، و البيع إن اقتضى الشرط جهالة المبيع، و إلاّ فالأقرب انّه كذلك، خلافا للشيخ(3). و مع القول
ص: 353
بالصحة ليس للبائع الرجوع بما نقصه الشرط من الثمن، و لا للمشتري الرجوع بزيادة الثمن إن كان هو المشترط، و مع البطلان لا يحصل به ملك سواء اتّصل به القبض أو لا، و لا ينفذ تصرّف المشتري فيه ببيع و غيره.
و خيار المجلس، لم يفد حكما زائدا في وجوده و عدمه.
و إن تعلّقت به مصلحة المتعاقدين، كالأجل، و الخيار، و الشهادة، و الضمين، و الرهن، و اشتراط صفة مقصودة كالكتابة، جاز، و لزم الوفاء.
و إن لم يكن من مقتضاه، و لا من مصلحة، و لا منافيا لمقتضاه، جاز أيضا، سواء اقتضى منفعة البائع في المبيع، أو يشترط عقدا في عقد، مثل أن يبيعه بشرط أن يشتري آخر أو يزوّجه.
و إن اقتضى ما ينافيه، صحّ إن بني(1) على التغليب و السراية، مثل أن يشترط البائع عتق العبد، و إن اشترط غير العتق مثل أن لا يبيع أو لا يهب أو لا يطأ، بطل الشرط، دون البيع، عند الشيخ(2).
قال الشيخ صحّ البيع، لقوله عليه السلام: المؤمنون عند شروطهم(3)، و هذا شرط سائغ.
و لو قال: بع عبدك منه بألف على أنّ على فلان خمسمائة، فإن سبق
ص: 354
الشرط العقد، و عقد البيع مطلقا، لزم البيع، و لم يكن على الضامن من شيء، و إن قرنه بأن يقول: بعتك بألف على أن يضمن فلان خمسمائة، صحّ البيع بشرط الضمان، فإن ضمن فلان لزم، و إلاّ تخيّر البائع.
3326. الرابع: بيع العربون(1) باطل،
و هو أن يدفع بعض الثمن، على أنّه إن أخذ السلعة احتسبه من الثمن و إلاّ كان للبائع.
فإن أعتقه المشتري، و إلاّ ففي إجباره وجهان: أقربهما عدم الإجبار. فيتخير البائع حينئذ.
و لو مات العبد قبل عتقه، احتمل استقرار الثمن عليه، و لا شيء عليه، و احتمل أن يكون للبائع الرجوع بما يقتضيه الشرط من النقصان. و احتمل تخيّر البائع بين إجازة البيع بجميع الثمن و بين فسخه، فيرجع بالقيمة.
و لو شرط الولاء، بطل الشرط خاصّة، و في بطلان البيع وجه قويّ ، و لو باعه بشرط العتق بعد شهر أو سنة، فالوجه عندي الجواز.
فالوجه بطلان الثاني.
و لو اشتراها بشرط العتق فأحبلها، فإنّه كعتقها(2).
و كذا لو باعه شيئا بشرط أن يتصدّق به.
ص: 355
و بيع القماش، و النكاح، و البيع و الاجارة، صحّ ، و لو جمع بين البيع و الكتابة مثل:
كاتبتك و بعتك كذا بدينار قيل: لم يجز، لأنّه قبل تمام الكتابة عبد قنّ ، و مع بطلان البيع، ففي فساد الكتابة و صحّتها بقسطها، وجهان.
و كذا ما يجزّ و يخرط، و لو شرطه على البائع، صحّ .
إمّا بتقدير العمل، كخياطة الثوب، و نساجة الغزل، أو بتقدير المدّة، كالعمل شهرا، و لو تعذّر العمل إمّا بتلف المبيع قبله، أو بموت البائع، ففي الإبطال نظر، و كذا يجوز أن يشترط البائع نفع المبيع مدّة معلومة، و لو باع أمة و استثنى وطأها مدّة، لم يصحّ .
و تكون المنفعة مستثناة في يد المشتري الثاني، فيتخير مع عدم العلم لا معه، و لو أتلفه، ضمن أجرة المثل، و لو تلف بغير تفريط، فلا ضمان.
لم يجب على البائع القبول، و كان له التصرّف في عين المبيع باستيفائه المنفعة، و لو تراضيا جاز.
و لو أراد البائع إعارة العين أو إجارتها لمن يقوم مقامه، فالأقرب جوازه، و لو اشترط المشتري منفعة البائع في المبيع، فأقام البائع مقامه من يعمل، فالأقرب جوازه، إلاّ أن يشترط المباشرة، و لو دفع العوض لم يجب القبول، سواء البائع و المشتري.
ص: 356
و لو قال: بعتك هذه الدار، و أجرتكها شهرا بكذا، فالوجه الصحّة.
ففي الجواز إشكال.
قال الشيخ: صحّ العقد دون الشرط(1).
إن كان الرهن معلوما بالمشاهدة أو الوصف، و الضمين بالإشارة أو بذكر النسب(2)و لو كانا مجهولين لم يصحّ ، و مع الصحة لو دفع الرهن أو ضمن، لزم، و إلاّ تخيّر البائع، و لا يجب على الضمين الضمان و إن وعد به.
و لو دفع غير الرهن أو غير الضمين، لم يلزم البائع قبوله، و إن كان المدفوع أجود.
و لو شرط رهنا فاسدا، كالمحرّم و المجهول، بطل الشرط، و في بطلان البيع حينئذ نظر.
و لو علم بالعيب بعد قبضه، لم يبطل خياره، و لا أرش له و لا المطالبة بالبدل، و لو غاب بعد القبض أو تلف، فلا خيار.
و لو اختلفا في زمن حدوث العيب، حكم لمن لا يحتمل إلاّ قوله من غير
ص: 357
يمين، و لو جاز الأمران احتمل تقديم قول الراهن، عملا بصحّة العقد، و المرتهن لعدم ثبوت قبض المرتهن للجزء الفائت.
و لو قال الراهن: تلف بعد القبض و المرتهن قبله، فالقول قول منكر القبض.
و لو اختلفا في زمن انقلاب العصير الرهن خمرا. قيل: القول قول الراهن، لاتّفاقهما على العقد و القبض الصحيحين، و اختلافهما في المفسد، فالقول قول النافي، و قيل: قول المرتهن، لأصالة عدم القبض(1).
و لو وجد بالرهن عيبا بعد أن حدث عنده عيب آخر، فله الردّ و فسخ البيع، و لا ضمان على المرتهن في الحادث عنده بغير تفريط.
و لو هلك في يد المرتهن، ثمّ علم أنّه كان معيبا. قيل: لا يملك فسخ البيع، لتعذّر الردّ.(2)
و لو شرط استرهان المبيع على ثمنه، قال الشيخ: لا يصحّ (3). و الوجه عندي صحّتها.
و لو شرط لا بيع بينهما(4) إن لم ينقده في مدّة معلومة، صحّا معا و إن زاد عن عشرين ليلة.
ص: 358
و لو قال: بعنيه على أن أقضيك دينك منه، ففعل صحّا معا، و لو قال:
أقضني حقّي على أن أبيعك كذا، صحّ القضاء و الشرط، و كذا أقضني أجود من مالي على أن أبيعك كذا.
و لو باعه بشرط تأجيل الحالّ ، صحّ ، سواء باعه بثمن المثل أو أزيد أو أنقص مع علمه بالقيمة.
و فيه سبعة مباحث:
سواء اتّصل به قبض أو لا، و يجب على القابض بالبيع الفاسد ردّ المبيع مع نمائه المتّصل و المنفصل و أجرة مثله مدّة بقائه في يده إن كان ذا أجرة، و ردّ أرش النقصان إن نقصت العين، و القيمة إن تلفت، فقيل: يوم التلف، و قيل: الأكثر من يوم القبض إلى التلف، و اختار الشيخ، الأوّل(1).
و كذا في غيرها، و يجب عليه عشر القيمة مع البكارة، و نصفه مع الثيوبة، و لا يجب المهر مع ذلك. و ينعتق الولد حرّا لا ولاء عليه، و يلحق به، و يجب على الواطئ قيمته
ص: 359
يوم سقط حيّا، لا يوم المحاكمة، و أرش النقصان بالولادة، و لا يجبر قيمة الولد النقصان، و إن ساواه في القيمة، و لو سقط ميّتا لم يضمنه.
أمّا لو ضرب أجنبي بطنها، فألقته ميّتا تامّا، وجب على الضارب مائة دينار، و للسيّد منها أقل الأمرين من دية الجنين أو قيمته حين سقوطه، و باقي الدية لورثته، و أمّا حكم الأمة فيجب ردّها مع أرش النقص بالولادة، كما قلناه.
و لو ماتت بالولادة، ضمن قيمتها. و لو كان الضارب الواطئ فألقته ميّتا فعليه دية الجنين يأخذ السيّد منها أقلّ الأمرين، و الباقي لورثته غير الواطئ.
و لو ملك الواطئ هذه الجارية فيما بعد، قال الشيخ رحمه اللّه: تصير أمّ ولد(1).
و كذا سائر تصرّفاته، و لو باعه وجب على المشتري الثاني ردّه إلى البائع الأوّل، و لو تلف في يده، تخيّر المالك في مطالبة من شاء بقيمته، و يرجع المشتري الثاني بثمنه على الأوّل، و الأوّل على المالك بما دفعه إليه، و في القيمة وجهان: قال الشيخ: يعتبر أكثر ما كانت من حين القبض إلى حين التلف، و قيل: يوم التلف(2). ثمّ ينظر، فإن تساوت في يدهما، رجع على من شاء، فإن رجع على الثاني لم يرجع الثاني على الأوّل، و إن رجع على الأوّل، رجع الأوّل على الثاني.
و ان اختلف و كانت الزيادة في يد الأوّل و رجع عليه بالجميع، رجع الأوّل على الثاني بالناقص، و إن رجع على الثاني رجع بالناقص، و يرجع بالزيادة على الأوّل، و لا يرجع بها الأوّل على الثاني، و إن كانت في يد الثاني فحكمها حكم ما لم يزد.
ص: 360
و إلاّ فالقيمة، فإن أفلس ردّ المشتري السلعة و كان من جملة الغرماء، و ليس له إمساك المبيع، و لا يتخصّص باستيفاء ثمنه منه.
سواء كان من الأثمان أو لا.
فإن بان العبد مستحقا، ردّ المائة إلى الدافع، و لو ردّه المشتري بعيب أو إقالة، فالوجه الردّ على المشتري، و لو أذن في الدفع، كان الردّ عليه قطعا، و كذا البحث لو تزوّج، فدفع الصداق غيره، ثمّ طلّق قبل الدخول.
كان الضمان على السيّد، سواء حضر قول العبد أو لا، و كذا لو كان مغصوبا أو معيبا.
و فيه سبعة مباحث:
و لو أطلقا، انصرف إلى نقد البلد، و لو كان فيه نقدان، انصرف إلى الغالب، و لو تساويا و لم يحصل ترجيح المعاملة بأحدهما، بطل البيع، و كذا الوزن، و لو اختلفا في النقد، رجع إلى نقد البلد،
ص: 361
و على مدّعيه اليمين، و لو تساوى النقدان، فالوجه تحالفهما.
قال الشيخ: ان كانت السلعة قائمة فالقول قول البائع مع يمينه، و إن كانت تالفة، فالقول قول المشتري مع يمينه(1)و قال ابن الجنيد(2) و أبو الصلاح: القول قول من كانت السلعة في يده مع يمينه، فإن كانت في يد البائع، فالقول قوله، و إن كانت في يد المشتري، فالقول قوله(3)و اختاره ابن إدريس(4)، و عندي في ذلك تردّد.
و لو مات المتبايعان، و اختلف ورثتهما في مقدار الثمن، فالقول قول ورثة المشتري بكلّ حال، سواء كانت تالفة أو باقية.
و لو تقايلا، أو ردّه بالعيب بعد قبض الثمن ثمّ اختلفا، فالقول قول البائع.
قال الشيخ: القول قول البائع مع يمينه(5).
فقال بعتك هذا العبد بألف، فقال:
بل هذه الجارية بألف، تحالفا، و تنتزع الجارية من يد المشتري إن كانت في يده، و إلاّ اقرّت في يد البائع، و يقرّ العبد في يد البائع، و ليس للمشتري طلبه و للبائع إحلافه، و إن كان في يد المشتري ردّه على البائع.
ص: 362
و ليس للبائع طلبه إذا أخذ ثمنه، و لو طلب المشتري الثمن، أو لم يسلّمه، كان للبائع فسخ البيع و استرجاعه، و لو أقام كلّ منهما بيّنة، ثبت العقدان، و لو أقام أحدهما بيّنة بدعواه، حكم على الآخر، و كان عليه اليمين.
أو في قدر الأجل، أو في اشتراط رهن من البائع على الدرك، أو ضمين عنه، فالقول قول البائع مع يمينه و عدم البيّنة، و لو اختلفا في شرط خيار البائع، أو ضمين عن المشتري بعهدة الثمن، أو في قدر الرهن المشترط، فالقول قول المشتري، و كذا لو اختلفا في غير ذلك، فالقول قول المنكر و لا يتحالفان، و كذا لو اختلف ورثتهما، فالقول قول ورثة البائع في المبيع، و ورثة المشتري في الثمن.
و لو ادّعى الإكراه، فالقول قول المشتري، و كذا لو ادّعى الصغر على إشكال.
و لو ادّعى الجنون و لم تعلم له حالة به، فالقول قول المشتري، و لو ثبتت له حالة جنون فكذلك على إشكال، و لو قال العبد: بعتك و أنا غير مأذون في التجارة، فالوجه انّ القول قول المالك، و لو قال: تفرّقنا عن فسخ، فقال: بل عن تراض، فالقول قول مدّعي اللزوم.
ص: 363
ص: 364
و فيه فصول
و فيه عشرون بحثا:
كالجنون، و الجذام، و البرص، و العور، و ما يوجب نقص الصفات، كخروج المزاج عن المجرى الطبيعي، مستمرّا كالممراض، أو عارضا(1) كحمّى يوم، و الإصبع الزائدة و غيرها، و بالجملة كلّ ما زاد أو نقص عن أصل الخلقة.
أمّا تزويج الأمة، فالوجه انّه ليس بعيب.
سواء(1). و الأقرب عندي أنّه عيب فيهما.
قال الشيخ: لا يثبت الخيار فيهما، سواء كانا صغيرين أو كبيرين(2). و عندي فيه نظر.
قال الشيخ: إنّه ليس بعيب في الأمة و العبد.(3) و الوجه انّه عيب من الكبيرين.
و الأقرب اعتبار التمييز.
و لا نعلم فيه خلافا في الأمة و العبد في الصغير و الكبير.
فالأقرب انّه عيب، و كذا الحمق الشديد و الاستطالة على الناس على إشكال.
صغيرين أو كبيرين.
و لا نعلم فيه خلافا.
أمّا الإحرام و الصيام فليسا عيبا قطعا، و كذا عدة البائن و الرجعية.
و كذا الكفر و كونه ولد زنا من الأمة و العبد، و كذا كون الجارية لا تحسن الطبخ و لا الخبز و لا غيرهما من الصنائع.
و كذا استحقاق القتل بالجناية أو الردة، أو استحقاق ذهاب بعض أعضائه بسرقة، أو جناية، أو استحقاق الحدّ إمّا بزنا أو شبهة.
أو قبله في زمان طويل، أو في يسير و عليه مئونة أو بنقص المحلّ أو قيمته، و إلاّ فلا.
يوجب الردّ أو الأرش مع عدم علم المشتري.
و لا يلزم البائع أن يعطيه سمنا بإزاء الناقص و إن كان سمّانا.
و هي: جمع اللبن في الضرع، يثبت به خيار الفسخ للمشتري.
فلو اشترى من غيره شيئا فظهر أنّ للبائع شريكا و لم يجز، بطل في نصيبه، و تخيّر المشتري بين الردّ و أخذ الحصّة بالقسط من الثمن، و لو أجاز، فالوجه ذلك أيضا على إشكال.
ص: 367
و لها أحكام تأتي، و كذا القرن، و كذا العور و الحدب، سواء كان في الصدر أو الظهر، و كذا السلع.
و فيه واحد و ثلاثون بحثا:
فلو باع و أطلق، أو شرط السلامة، ثمّ ظهر عيب سبق وجوده عقد البيع، تخيّر المشتري بين الفسخ و أخذ الأرش، مع عدم التصرف، و لا خيار للبائع، بل للمشتري خاصّة، سواء كان البائع عالما بعيب أو لا، فإن اختار الردّ استرجع الثمن، و ان اختار الإمساك و أخذ الارش، كان له ذلك، سواء تعذّر ردّ المبيع أو لا.
و ليتولّى التقديم أهل المعرفة بذلك المتاع، فإن اختلفوا عمل على الأوسط، قال الشيخ: و يعتبر التقويم في أقلّ الحالين قيمة من وقت العقد و وقت القبض(1).
لئلاّ
ص: 368
يكون غاشا، فإن لم يفعل أحدهما، صحّ البيع، و كان الحكم على ما تقدّم.
و لا يعتبر رضا البائع، و لا حضوره، و لا حكم الحاكم قبل القبض و بعده.
و إن أخّر المطالبة مختارا.
فإن تصرّف سقط الردّ، سواء كان قبل العلم بالعيب أو بعده، و سواء تصرّف بنفسه أو بوكيله، و سواء كان التصرّف لازما، كالبيع، و العتق، أو غير لازم، كالهبة و الوصية، و التدبير. و قال الشيخ رحمه اللّه: إن وجده بعد التدبير، أو الهبة، تخيّر بين الأرش و الردّ، لأنّ له الرجوع فيهما، و إن كان بعد العتق فلا(1). و ليس بمعتمد.
و لا يسقط الأرش بالتصرّف، سواء علم بالعيب قبل التصرّف أو بعده، و سواء كان التصرّف لازما أو غير لازم.
و لو باع(2) ما اشتراه معيبا، سقط ردّه، فإن عاد إليه لم يعد جواز الردّ، سواء علم بالعيب أو لا، و سواء فسخه المشتري بحكم الحاكم أو بغير حكمه.
و كذا لو علم به بعد العقد و أسقط حقّه منه، و كذا يسقطان لو تبرّأ البائع من العيوب وقت العقد، و تصحّ هذه البراءة، سواء علم المشتري بالعيب أو لا، و سواء علم البائع بالعيب أو لا.
ص: 369
و نقل ابن إدريس عن بعض علمائنا وجوب تفصيل العيوب، و لا يكفي في إسقاط الردّ التبري من العيوب إجمالا و الأوّل أصحّ .(1)
سقط الردّ، و وجب الأرش عن القديم، و ليس له الردّ مع الأرش الحادث، و لو زال العيب الحادث عند المشتري و لم يكن بسببه، كان له الردّ و الأرش، و لو كان العيب الحادث قبل القبض، لم يمنع الردّ أيضا.
فقد ظهر أنّ الردّ يسقط بالتبري من العيوب، و بعلم المشتري بالعيب قبل العقد، و بإسقاطه بعده، و بإحداثه فيه حدثا، إلاّ في الشاة المصرّاة، و الأمة الحامل، على ما يأتي، و بحدوث عيب فيه عند المشتري في غير الحيوان، و أمّا الأرش فانّه يسقط بالثلاثة الأول خاصّة.
سواء باعه عالما بعيبه أو غير عالم، و لو باع بعض المعيب ثمّ ظهر على المعيب، فله الأرش لما بقى في يده و لما باعه، و ليس له ردّ ما بقي بحصته من الثمن.
لم يكن له ردّ المعيب و إمساك الآخر، بل يتخيّر في ردّهما معا أو أخذ الارش، سواء كانا ممّا ينقصهما التفريق، كمصراعي الباب أو لا، و سواء حصل القبض أو لا، و لو اشتراهما صفقتين، كان له ذلك.
لم يكن لهما
ص: 370
الاختلاف: فيأخذ أحدهما الأرش و يرد الآخر، بل يتّفقان على أحد الأمرين.
و لو اشترياه صفقتين، كان لهما ذلك، و لو ورث اثنان عن أبيهما خيار عيب، فرضي أحدهما، سقط حقّ الآخر من الردّ لا من الأرش.
فله ردّه عليهما، و لو كان أحدهما غائبا، ردّ على الحاضر حصّته بقسطها من الثمن، و يبقى نصيب الغائب في يده، و كذا لو باع أحدهما جميع العين بوكالة الآخر، سواء كان الحاضر الوكيل أو الموكّل، و لو أراد ردّ نصيب أحدهما و إمساك نصيب الآخر، كان له ذلك.
و لو اشترى عبدين صفقة، و شرط الخيار في أحدهما أكثر من ثلاث، كان له الفسخ في الّذي شرط فيه الخيار دون الآخر.
فلو ظهر فيه عيب، لم يكن له أرش، و جاز الردّ ما لم يتصرّف، و لو حدث عنده عيب آخر، سقط الردّ أيضا، و الوجه انّه لا يسقط حكم العيب السابق، فحينئذ يحتمل أن يتخيّر المشتري بين الإمساك بغير شيء، و أن يفسخ الحاكم البيع و يردّ البائع الثمن، و يطالب بقيمة الحليّ من غير الجنس، و يكون بمنزلة التالف.
و يحتمل أن يفسخ البيع، و يردّ الحليّ على البائع مع أرش النقصان المتجدّد، و يكون بمنزلة المأخوذ على جهة السوم إذا حدث فيه العيب، و لو تلف الحليّ ، فسخ البيع، و ردّ قيمته من غير الجنس، و استرجع الثمن، و الأخير عندي قويّ .
ص: 371
و كذا لو باع قفيزا ممّا فيه الربا بمثله، فوجد أحدهما بما أخذه عيبا ينقص القيمة دون الكيل، لم يملك أخذ الأرش، بل الحكم ما تقدّم.
أو تعذّر الردّ لاستيلاد و نحوه، كان له الأرش، سواء كان قبل العلم بالعيب أو بعده. و لو أكل الطعام أو لبس الثوب، فأتلفه، ثمّ علم بالعيب، رجع بأرشه أيضا.
و كذا لو استعمل المبيع أو عرضه للبيع أو تصرّف بما يدلّ على الرضا قبل علمه بالعيب و بعده، فإنّ الردّ يسقط، و يثبت الأرش، و لو اشترى من يعتق عليه ثمّ ظهر على عيب سابق، فالوجه أنّ له الأرش خاصّة.
فإن كان الإباق غير متجدّد، أخذ الأرش أو صبر حتّى يحصل العبد و يردّه، و لو كان متجدّدا كان له الأرش خاصّة.
فإن كان الإباق غير متجدّد، أخذ الأرش أو صبر حتّى يحصل العبد و يردّه، و لو كان متجدّدا كان له الأرش خاصّة.
فلو اختاره البائع جاز، و لو أراد المشتري الأرش حينئذ. قال الشيخ: ليس له ذلك(1). و الوجه عندي أنّ له الأرش إن اختاره.
و لو امتنع البائع من قبوله معيبا، كان للمشتري حقّ الأرش قولا واحدا، و لو ردّه برضا البائع لم تكن له المطالبة بعد الردّ بأرش العيب أيضا.
و لا فرق بين أن يكون العيب الحادث عند المشتري المانع من الردّ نقصا
ص: 372
في العين، أو الصفة، كنسيان الصنعة، و لا فرق أيضا بين أن يكون البائع دلّس على المشتري، و كتم العيب القديم، و بين عدمه، و سواء كان العيب الحادث عند المشتري من فعله، أو فعل أجنبيّ ، أو فعل اللّه تعالى في المنع من الردّ.
سواء كان متبرّعا في عتقه أو أعتقه في كفّارة و غيرها من الواجبات.(1)
كالبيض الفاسد، و الرمان الأسود، رجع بكلّ الثمن، و ليس عليه ردّ المعيب على البائع، و إن كانت له قيمة، سقط الردّ، و وجب الأرش.
و لو كان الثوب ينقص بالنشر، فنشره، فوجده معيبا، ثبت له الأرش خاصّة، و إلاّ كان له الردّ أيضا.
و لو صبغ الثوب، ثمّ ظهر العيب، سقط الردّ، و وجب الأرش، و لو اختار البائع أخذه و ردّ قيمة الصبغ لم يجبر المشتري، و يثبت الأرش.
و وجب الأرش، و لو كانت دابّة جاز الردّ، لأنّه زيادة.
و لو علم بالعيب بعد الوضع، و لم تنقصه الولادة، كان له إمساك الولد و ردّ الأمّ مع عدم التصرّف، و لا فرق بين حملها قبل القبض و بعده.
و لو اشتراها حاملا، ثمّ ظهر العيب، ردّها و ردّ الولد، و لو تلف الولد، فهو كعيب عند المشتري، و كذا لو نقصت بالولادة.
ص: 373
كان له ردّها على البائع، و يردّ معها نصف عشر قيمتها، و لو ظهر عيب غير الحبل، لم يكن له ردّها بعد الوطء، بل كان له الأرش خاصّة، و لو تصرّف فيها بغير الوطء، ثمّ ظهر عيب الحبل، فالأقرب عدم الردّ، و ثبوت الأرش.
و لو اشترى أمة ذات زوج، و ظهر بها عيب الحبل بعد أن وطئها الزوج، و كان المشتري قد أجاز النكاح، فالوجه سقوط الردّ أيضا.
و لا يقوم نكاح الزوج مقام نكاح المشتري على إشكال، و لو زنت في يد المشتري من غير شعور(1)، ثمّ ظهر الحبل عند البائع فعلى قول الشيخ: من أنّ الزنا ليس بعيب(2) يثبت له الردّ، و يأتي على قولنا سقوطه.
و لو وطئها بكرا، ثمّ ظهر الحبل السابق، كان له الردّ، و في قدر المردود إشكال، إذ الظاهر أنّ المراد بنصف العشر في النصّ انّما هو للثيّب مع احتمال عمومه، فعلى هذا هل يردّ العشر أو أرش البكارة ؟ قال ابن إدريس بالأوّل، و ادّعى عليه الإجماع(3): و لو كان العيب غير حبل، فله الأرش.
و إن كانت منفصلة، فإن كانت كسبا من جهته، كتجارة، أو إجارة عمل، أو يوهب له شيء، أو يصطاد، أو يحتطب، أو يحتش، ردّ المعيب خاصّة، و كذا إن كان نتاجا و ثمرة، فانّه يردّ المعيب دون النماء، و لا يمنع النماء ردّه، هذا
ص: 374
إذا حملت عند المشتري، و لو اشتراها حاملا، ثمّ ولدت عند المشتري، ردّ الولد أيضا.
و لو حصل النماء قبل القبض و أراد الردّ، قال الشيخ رحمه اللّه: يكون النماء للبائع(1). و عندي فيه نظر.
3394. الثاني و العشرون: تردّ الشاة المصرّاة(2)
و هي الّتي جمع بائعها اللّبن في ضرعها ليدلّسها على المشتري فيظنّ أنّه قدر حلبها في كلّ يوم، و يردّ معها قيمة اللبن، و إن شاء أمسكها بغير أرش، و لو كان المشتري عالما بالتصرية لم يكن له خيار.
و لو صار لبنها عادة و استمرّ على كثرته، لم يكن له الردّ، و قال بعض الجمهور: لا يسقط الردّ(3) و قوّاه الشيخ. لظاهر الخبر الذي أورده(4)، فإنّا لم نقف في المصرّاة على حديث من طرقنا.
و إذا ردّ الشاة، قال الشيخ: يردّ معها عوض اللبن، و هو صاع من تمر أو برّ(5)و قال آخرون: يردّ معها ثلاثة أمداد من طعام(6) و الوجه انّ اللبن يردّ إن كان باقيا، و إلاّ مثله.
و لو تعذر فالقيمة بعد إسقاط ما أنفق عليها. و هو اختياره رحمه اللّه في النهاية.(7)
ص: 375
و لو أوجبنا صاع التمر، وجب أن يدفعه غير معيب، و لا يجب الأجود، بل الواجب صاع من أدنى اسم الجيّد.
و لا فرق بين أن تكون قيمة التمر مثل قيمة الشاة أو أقلّ أو أكثر، و كذا عندنا في دفع قيمة اللّبن مع تعذر المثل.
و لو عدم التمر في موضعه، كان عليه قيمته في موضع العقد، و لا اعتبار بفضل الأقوات، بل الواجب صاع من تمر أو برّ في جميع البلدان.
و لو كان عين اللّبن موجودا لم يتغيّر، فردّه مع الشاة لم يجبر البائع على قبوله قال: و لو قلنا يجبر كان قويّا(1) و لو تغيّر احتمل عدم القبول و وجوبه، و كلّ ذلك لا يتأتّى على ما اخترناه.
و لو علم بالتصرية قبل حلبها، إمّا بالإقرار أو البيّنة، ردّها من غير شيء، و لو رضي بالتصرية فظهر [عيب] آخر غيرها، فالوجه سقوط الرد للتصرّف و المطالبة بأرش العيب، و قال الشيخ رحمه اللّه: له الردّ و يردّ صاعا من تمر أو برّ بدل لبن التصرية.(2)
و لو لم تكن مصرّاة و ظهر بها عيب بعد الحلب، لم يكن له الردّ بل الأرش.
و يثبت على الفور، و لا يسقط بالتصرّف، و لا يثبت قبل انقضاء الثلاثة على إشكال(3).
ص: 376
و لا تثبت في الأمة و لا الأتان(1) و لا الفرس، و قال ابن الجنيد: يثبت في كلّ حيوان آدميّ و غيره(2).
دفع مع كلّ مصرّاة صاعا، و عندنا قيمة اللبن أو مثله.
و لا بيّنة، عمل بما يدلّ عليه شاهد الحال، و لو انتفى، فالقول قول البائع مع يمينه.
و القول قول الموكّل في تجدّد العيب عند المشتري، و الأقرب انّه لا يقبل إقرار الوكيل في ذلك، فلو ردّه على الوكيل، لم يكن للوكيل ردّه على الموكّل.
و لو أنكر الوكيل، و نكل عن اليمين، فردّه عليه لنكوله، و في ردّه على الموكّل وجهان: أحدهما الردّ، لرجوعه إليه بغير اختياره، و الثاني عدمه، لأنّ نكوله كالإقرار، و الأوّل أقوى.
و لو اشترى جارية على أنّها بكر، فقال المشتري: إنّها ثيّب، أمر النساء بالنّظر إليها، و يقبل قول امرأة ثقة في ذلك، و لو وطئها، و قال: لم أجدها بكرا، كان القول قول البائع مع اليمين.
ص: 377
فالقول قوله مع يمينه، و لو أنكر كون المردودة بالخيار سلعته، قيل: القول قول المشتري.
قال الشيخ: جاز له ركوبها في طريق الردّ، و علفها، و حلبها، و أخذ لبنها، و إن نتجت، كان له نتاجها، لأنّ الردّ إنّما يسقط بالرضاء بالعيب أو ترك الردّ مع العلم، أو بأن يحدث عنده عيب، و هي منفيّة هنا(1) و نحن نتابعه إلاّ في الركوب أو الحلب، فإنّه إن وقع قبل الفسخ، بطل الردّ، لتصرّفه، و ان وقع بعده، لم يمنع الردّ، إذ لا يفتقر الردّ إلى حضور الخصم.
قال الشيخ: لم يصحّ .(2) و الأقرب الصحة، و على قوله، يردّ المشتري، و يسترجع الثمن، و تبقى الحكومة بين المجنيّ عليه و سيّد الجاني، فإن اقتصّ ، استوفى حقّه، و إن عفا على مال أو كانت الجناية توجب المال، تعلّق برقبة العبد، و تخيّر المولى بين تسليمه للبيع و افتدائه.
فإن بيع بأقلّ ، لم تلزم السيّد القيمة، و إن فضل فللمولى، و إن فداه، فبأقلّ الأمرين من أرش الجناية و القيمة، و روي لزوم جميع الارش أو تسليم العبد(3).
و لو قتل العبد قصاصا قبل التسليم إلى المشتري، انفسخ البيع، و إن كان بعده، رجع المشتري بجميع الثمن. قال الشيخ: و الأولى فيما يوجب الأرش انّ بيعه بعده، دلالة على التزام المال في ذمّته، و يلزمه أقلّ الأمرين،(4) فلا خيار
ص: 378
للمشتري، و لو قيل: لا يلزم السيّد فداؤه، و إن التزم كان قويّا.
و لو كان السيّد معسرا، لم يسقط حق المجنيّ عليه من رقبة العبد، فيتخيّر المشتري مع عدم علمه، فإن فسخ، رجع بالثمن. و كذا إن كانت الجناية مستوعبة، و إن لم تستوعب، رجع بالأرش.
و لو علم قبل البيع فلا ردّ له و لا أرش، و لو اختار المشتري أن يفديه كان له.
و لو كانت الجناية على بعض الاطراف، فإن كان المشتري عالما قبل العقد، فلا ردّ و لا أرش، و إن لم يكن عالما تخيّر بين الردّ و الأرش.
و لو قطعت يده عند المشتري قصاصا، لم يسقط الردّ. قاله الشيخ رحمه اللّه(1).
و حكم المرتدّ حكم القاتل في صحّة بيعه، فإن علم المشتري، سقط خياره، و إلاّ تخيّر بين الردّ و الأرش.
فإن قتل في يد المشتري، رجع بجميع الثمن، و كذا القاتل في المحاربة.
إذا تاب قبل القدرة عليه، فإن لم يتب حتّى قدر عليه، ففي جواز بيعه إشكال.
إن كان حدوثه في الثلاثة من غير فعل المشتري، و لو كان بعدها، سقط الردّ و وجب الأرش كغيره، و كذا لو باع الحيوان سليما، ثمّ حدث عيب عند المشتري في الثلاثة من غير فعله، كان له الردّ، و لو كان بعد الثلاثة لم يكن له ردّ إلاّ في الجنون و الجذام و البرص، فانّها إذا تجدّدت من حين العقد إلى
ص: 379
تمام السنة عند المشتري، كان له الردّ بها ما لم يتصرّف، و في رواية إلحاق القرن بها(1) و أفتى بها ابن الجنيد.
و لا فرق بين ظهور هذه العيوب في السنة في يد البائع أو المشتري، و لو ظهرت بعد السنة، فلا ردّ إلاّ أن يظهر قبل القبض، و لو تصرّف المشتري و ظهرت في السنة، فالوجه عدم الردّ، بل يثبت الأرش على إشكال.
و فيه اثنا عشر بحثا:
و إن لم يكن فقدها عيبا، و يتخيّر بين الردّ و الإمساك بغير شيء لو لم يجدها كذلك، مثل اشتراط الجعودة في الشعر، و الزّجج(2) في الحواجب، و الصنعة، و الصيد في الفهد، و ما أشبه ذلك، و لو اشترط ما ليس بمقصود، فبان بخلافه، كما لو اشترط كون الشعر سبطا، فبان جعدا، أو كونها جاهلة فبانت عالمة، فلا خيار.
فلو رآه جعدا ثمّ ظهر التدليس،
ص: 380
و أنّه سبط، ثبت الخيار. لأنّه عيب، و كذا لو بيّض وجهها بالطلاء ثمّ اسمرّ، أو حمّر خدّيها ثمّ اصفرّ، كان له الخيار، و لو قلنا بانتفاعه، كان قويّا(1) و الّذي قوّاه هو الأقوى عندي إلاّ أن يشترط هذه الصفات فيخرج الخلاف.
و لو كان بالعكس، قال الشيخ: له الردّ أيضا.(2) و الأقوى أنّه لا ردّ.
و لو شرط البكارة و لم يحصل، قال الشيخ: روى أصحابنا: انّه ليس له الخيار و له الأرش بين كونها بكرا و ثيبا(3). اختاره في الاستبصار(1). و ابن إدريس(2) و قال في النهاية: لا ردّ له و لا أرش(3). و الوجه عندي انّه إن ثبت أنّها ثيّب عند البائع، كان له الردّ أو الأرش، و إلاّ فلا، و لو شرط العكس، فلا خيار.
و إن شرط الإسلام، فبان الكفر، فله الردّ، و بالعكس قال الشيخ: لا خيار(4)، و لو قيل به، كان قويّا.
و إن كان خصيّا، ثبت الخيار، و لو شرط فبان فحلا، فله الخيار.
و لو شرط انّها تحلب كلّ يوم
ص: 381
قدرا معلوما، لم يصحّ ، و كذا لو شرطها غزيرة اللّبن، أو شرط البيض في الدجاجة.
و لو شرط أنّها تضع الولد في وقت معيّن، لم يصحّ ، و لو شرط أنّها لا تحمل، ففي الصحّة نظر، و لو اشترط أنّها حائل، فبانت حاملا(1)، ثبت الخيار، إن كانت أمة، فالوجه أنّ الدابّة كذلك.
و كذا لو اشترط في الديك انّه يوقظه للصلاة أو انّه يصيح في الأوقات المعلومة، أو شرط في الحمام مجيئه من مسافة بعيدة أو معيّنة، أو كون الجارية مغنّية، أو الكبش نطاحا أو الديك مقاتلا.
كان جوابا صحيحا، و وجب على الحاكم إحلافه عليه، و إن قال:
بعته بريئا من هذا العيب، جاز إحلافه على عدم استحقاق الردّ و على جوابه. و لو امتنع على الأخير قيل: له ذلك و إن لم يحلف على عدم الاستحقاق.
و مع التصرّف الأرش، و مع العلم ينتفيان، و إن حدث بعده و بعد القبض، سقط الردّ إلاّ في الحيوان في الثلاثة ما لم يتصرّف، أو العيوب الثلاثة إلى سنة. و لا يثبت الارش فيما يحدث بعد القبض مطلقا الا في الحيوان. و ان حدث قبل القبض،
ص: 382
قال الشيخ: لا أرش.(1) و اختاره ابن إدريس.(2) و الأقوى عندي ثبوته.
و لو قبض بعضه، ثم حدث في الباقي عيب، كان الحكم كذلك فيما لا يقبض، و لو وهب البائع المشتري الثمن بعد قبضه، ثمّ وجد المشتري بالمبيع عيبا، كان له الردّ و استرجاع مثل الثمن أو قيمته، لأنّ الثمن عاد إليه بغير الوجه الّذي يعود إليه بالردّ، و له الأرش إن اختاره.
لم ينعقد، لعدم مطابقة الجواب، و كذا لو قال: قبلت نصف كلّ واحد منهما بنصف الثمن، أو قبلت نصف أحد العبدين بحصّته من الثمن.
و لو قال: بعتكما هذين بألف هذا العبد منك، و هذا الآخر منك فقبله أحدهما بخمسمائة، لم يصحّ ، أمّا لو قال: هذا منك بخمسمائة، و هذا من الآخر بخمسمائة، فقبل أحدهما بخمسمائة، فإنّه يصحّ .
ص: 383
ص: 384
و يشترط العلم برأس المال و قدر الربح، فلو جهدا، أو أحدهما رأس المال أو قدر الربح، بطل، و يجب ذكر الصرف و الوزن مع اختلافهما، دون ذكر البائع و إن كان ولده أو غلامه، و الاخبار عن الغبن.
بأن يقول: رأس مالي مائة، بعتك به، و ربح كل عشرة واحد، بل يقول: بعتكه بمائة و ربح عشرة.
فيقول:
اشتريته بكذا، أو رأس مالي فيه كذا، أو يقوم عليّ ، أو هو عليّ ، و إن تغيّرت بأن تزيد أثمانها، كالسمن، و تعلّم الصنعة، و الثمرة، و النتاج، أخبر بالثمن من غير زيادة و إن كان قد استخدم، أو أخذ النماء، و إن زادت بعمله، كقصارة الثوب، قال:
رأس مالي فيه كذا، و عملت فيه بكذا.
ص: 385
بشرط أن يقول: يقوم عليّ : أو هو عليّ ، و لا يجوز أن يقول: اشتريته بكذا، و يريد المجموع، و إن نقصت بمرض، أو جناية، أو غير ذلك، أو تلف بعضه، أخبر بالحال.
اسقط من رأس المال، و أخبر بالباقي، فيقول: رأس مالي كذا، أو يقوم عليّ بكذا، و لا يقول: اشتريته بكذا، و لو أخبر بالحال فيقول: اشتريته بكذا، و استعدت أرشه كذا، جاز.
و لو جني على العبد، فأخذ أرش الجناية، لم يجب وضعها، و لو قيل:
بوجوبه، كان وجها، و لو جنى العبد، ففداه المشتري، لم يلحق الفداء بالثمن.
و كذا لا يخبر بما يعمل في السلعة بنفسه أو بغيره بغير أجرة. و لا ما يخسره من الأدوية، و المئونة، و الكسوة، و لو أخبر بصورة الحال جاز.
و لو قال: بعتك بما قام عليّ ، استحقّ مع الثمن ما بذله للدلاّل، و الكيّال، و أجرة البيت إن لم يكن ملكه.
و لو حطّ البائع بعض الثمن عن المشتري، أو استزاده، فإن كان بعد لزوم العقد، لم يخبر به، و لو كان في مدّة الخيار أخبر بالأصل أيضا، لأنّه هبة من أحدهما للآخر، و لا يكون عوضا، و قال الشيخ: يلحق بالعقد(1) فيخبر بالناقص مع إسقاط البعض، و بالزائد مع الضميمة، و ليس بجيّد، و لو تغيّر سعرها دونها، بأن رخصت أو غلت، أخبر بالثمن لا غير.
ص: 386
كان البيع صحيحا، و يتخيّر المشتري بين الردّ و الأخذ بجميع الثمن، و هو مائة و عشرة.
و قيل(1) يكون للمشتري الرجوع على البائع بما زاد في رأس المال، و هو عشرة و حصّتها من الربح، و هو درهم، فيصير الثمن تسعة و تسعين. و قواه الشيخ رحمه اللّه(2)، فحينئذ يحتمل الخيار للمشتري، لجواز الخيانة في الإخبار الثاني، و يتعلّق غرضه بالشراء بالثمن كملا(3) لكونه حالفا، أو وكيلا، أو غير ذلك، و عدمه(4) لأنّه رضيه بالأزيد، و لا خيار للبائع عندنا، و كذا يتأتى على ما قوّاه الشيخ، لأنّه باعه برأس ماله و حصّته من الربح، و إذا اختار المشتري الردّ، كان له مع بقاء السلعة، و لو هلكت أو تصرّف لم يكن له الرّدّ. قال الشيخ: و له الرجوع بالنقصان(5) و هو بناء على ما قوّاه أوّلا.
لم يقبل منه و إن ادّعى الغلط، و لو(6) عرف باعتقاد الصدق. و ان أقام بيّنة لم تسمع، و ليس له إحلاف المشتري إلاّ أن يدّعي عليه العلم، و لو قال: كان وكيلي قد اشتراه بمائة و عشرة، و أقام البيّنة، قبل، قال الشيخ: و لو قلنا: لا يقبل كان قويّا(7).
جاز إذا لم يشرط و إن كان من قصدهما، و يكون مكروها، فلو باع غلامه الحرّ سلعة، ثمّ اشتراها من غير شرط
ص: 387
بثمن زائد جاز، أن يخبر بالزائد ان لم يكن شرط الإعادة، و إلاّ فلا، و كذا لو باعه على أبيه، أو ابنه، أو من لا تقبل شهادته له، ثمّ اشتراه منهم و إن لم يخبر بالحال، و كذا لو اشترى من مكاتبه.
جاز أن يخبر بالحال على وجهه، و أن يخبر أنّه اشتراه بعشرة من غير بيان.
للشيخ قولان: أحدهما انّه يكون للمشتري من الأجل مثل ماله.(1) و الثاني يتخيّر بين الفسخ و الأخذ بما وقع عليه العقد حالا(2) و هو الأقوى عندي، و كذا لو اشتراه إلى سنة فأخبر انه اشتراه إلى نصفها، و كذا يتخيّر المشتري لو ابتاعه بدينار، فأخبر أنّه اشتراه بدراهم، أو بالعكس، أو كان قد اشتراه بعرض، فأخبر أنّه اشتراه بنقد أو بالعكس، و ما أشبه ذلك في الردّ و الأخذ بما وقع العقد عليه.
و كلّما قلنا: إنّه يجب الإخبار به في المرابحة، لو لم يفعل تخيّر المشتري بين الردّ و الأخذ بما اشتراه هو، و لا يقع البيع فاسدا.
و لو اشتريا ثوبا بعشرين، فبذل لهما زيادة درهمين، فاشترى أحدهما نصيب صاحبه بأحد عشر، أخبر بأحد و عشرين.
و يجب الإخبار في التولية كما يخبر في المرابحة، و يجوز بلفظ البيع و التولية، و كذا يجب الإخبار في المواضعة بما يجب في المرابحة.
ص: 388
و لو أقام بيّنة بالزائد عن إخباره لم تسمع على ما قلناه و إن ادّعى الغلط، أمّا لو أقامها على المشتري بإقراره بالعلم بالغلط، فانّها تسمع، و لو طلب المشتري من البائع الحلف على عدم العلم بالزائد وقت البيع، كان له ذلك فإن نكل قضي عليه، و إن حلف تخيّر المشتري بين الأخذ بالزيادة على إشكال و الفسخ، و لو قيل: انّ الزيادة لا تلحق العقد، فيتخيّر البائع، كان وجها.
و هل يلزمه مع القبول نصيب الزيادة من الربح ؟ الوجه ذلك، لأنّ نسب الربح إلى الثمن، مثل أن يقول: بربح كلّ عشرة درهما، و لو قال: بربح عشرة لا غير، لم يثبت، و لو أخذها بالزائد و نصيبه من الربح، لم يكن للبائع خيار، و كذا لو أسقط الزيادة عن المشتري.
سواء قوّمهما، أو بسط الثمن عليهما بالسويّة، و باع خيارهما، إلاّ أن يخبر بالحال.
و كذا لو اشترى اثنان شيئا صفقة، و اقتسماه، لم يكن لأحدهما بيع نصيبه مرابحة إلاّ بعد إعلام المشتري بالحال تماثلت أجزاء أو اختلفت.
و قال له: «بعه فما زدت على رأس المال فهو لك، و القيمة لي» قال الشيخ رحمه اللّه:
جاز و إن لم يواجبه البيع، فإن باع الواسطة بزيادة، كان له، و إن باعه برأس المال لم يكن له على التاجر شيء، و إن باعه بأقلّ ، ضمن تمام ما قوّم عليه، و لو ردّ المتاع و لم يبعه، لم يكن للتاجر الامتناع من قبوله، و ليس للواسطة
ص: 389
أن يبيعه مرابحة، و لا يذكر الفضل على القيمة في الشراء.(1)
و الوجه أنّ الزيادة لصاحب المتاع و له الأجرة، و كذا إن باع برأس المال، و إن باع بأقلّ بطل البيع.
قال الشيخ: و لو قال الواسطة للتاجر: خبّرني بثمن هذا المتاع و اربح عليّ فيه كذا، ففعل التاجر ذلك، غير أنّه لم يواجبه البيع و لا ضمن هو الثمن، ثمّ باع الواسطة بزيادة على رأس المال و الثمن، كان ذلك للتاجر، و له أجرة المثل لا أكثر من ذلك، و لو كان قد ضمن الثمن، كان له ما زاد على ذلك من الربح، و لم يكن للتاجر أكثر من رأس المال الّذي قرّره.(2)
و لو قال: بوضيعة درهم من كلّ عشرة، و كان مكروها. و يصحّ ، و يطرح من كلّ عشرة درهما.
و لو قال: الثمن مائة، و بعتك بوضيعة درهم من كلّ عشرة، لزمه تسعون، و يكون الحطّ عشرة، و قيل: تسعة و جزءا من أحد عشر جزءا من درهم، فيكون الثمن أحدا و تسعين إلاّ جزءا من أحد عشر جزءا من درهم، و قوّاه الشيخ،(3) لأنّ عقد الباب هنا في معرفة الثمن أن يضيف الوضيعة إلى رأس المال، ثمّ ينظر قدرها، فما اجتمع فأسقطه من رأس المال، و هو الثمن، فإذا قال: رأس المال عشرون، بعتك به مواضعة العشرة درهمان و نصف، فيضيف إلى العشرين
ص: 390
خمسة فيصير خمسة و عشرين. و قدر الوضيعة الخمس، فأسقطه من عشرين، فيبقى ستّة عشر.
ثمّ جعل الشيخ الّذي اخترناه أقوى(1) لأنّه إذا قال: مواضعة كلّ عشرة واحدا، أضاف المواضعة إلى رأس المال، فيحذف منه عشرة، فيبقى تسعون.(2)
و لو قال: بوضيعة درهم لكلّ عشرة، كانت الوضيعة من كلّ أحد عشر درهما درهما.
فهو بينهما نصفان، و كذا مرابحة أو مواضعة أو تولية، و لا يقسم على رأس المال.
أو التولية، أو أحدهما، أو جهلا، أو أحدهما قدر الربح، أو الوضيعة، بطل البيع.
لم يلزم الآمر أخذه، و لو أخذ من تاجر مالا، و اشترى به متاعا يصلح له، ثمّ جاء به إلى التاجر، فاشتراه منه، لم يكن به بأس، إذا كان قد ناب في الشراء، و لا يخبر التاجر على بيعه إيّاه، و لو كان اشتراه لنفسه، ثمّ نقد مال التاجر، كان المتاع له، لا سبيل للتاجر عليه، و للتاجر مثل ماله.
إلاّ
ص: 391
أن يكون له بارنامج يوقفه منه على صفة المتاع في ألوانه و أقداره، فيجوز بيعه حينئذ، فإذا وجده كما وصف لزم، و إلا كان له الفسخ.
فاشتراه المأمور، و نقد عنه، ثمّ سرق المتاع أو هلك، كان من مال الأمر دون المبتاع.
ص: 392
و فيه: خمسة و ثلاثون بحثا:
بشرط القطع و التبقية، منفردة و منضمّة إلى غيرها.
و لو لم يبد صلاحها، قيل: يجب ضمّها إلى غيرها، أو تباع أكثر من عام واحد، أو بشرط القطع، فيبطل لو خلا عن هذه، و قيل: يجوز، و هو الأقوى(1).
و لو باعها قبل الظهور عاما منفردة، بطل قولا واحدا، و لو باعها كذلك عامين، أو منضمّة، فالوجه البطلان، و لا فرق عندنا بين بيعها على مالك الأصل و الأجنبيّ .
لم يبطل البيع، و هل يشتركان في الزيادة ؟ منع أصحابنا منه، و أوجبوا الثمرة للمشتري، و عليه أجرة التبقية، و عند الجمهور يحتمل ذلك(2) لحصولها في ملكهما، لأنّ المشتري ملك الثمرة، و البائع مالك الأصل، و هو سبب الزيادة، و الزيادة ما بين قيمتها حين الشراء و قيمتها يوم أخذها و يحتمل ما بين قيمتها
ص: 393
قبل بدوّ الصلاح و قيمتها بعده، لأنّ الثمرة قبل بدوّ الصلاح للمشتري بتمامها، لا حقّ للبائع فيها(1)، و لا يبطل البيع لو قصد تأخيره وقت الشراء.
بشرط القطع و التبقية مطلقا.
و فيما له ورد تساقط ورده عنه، و في الكرم انعقاد الحصرم، و إن كان غير ذلك فحين يخلق و يشاهد، و لا اعتبار في ذلك بطلوع الثريّا، و لا يشترط تناهي عظمه.
سواء كان من نوع ذلك الجنس، أو من غير نوعه، و لو أدرك ثمرة بستان دون آخر، جاز بيعها تجاورا، أو تباعدا، و اختار الشيخ رحمه اللّه عدم الجواز(2) و ليس بجيّد.
3443. السابع: لا يجوز بيع الخضر كالقثاء و الخيار و شبههما، قبل ظهورها،(3)
و يجوز بعده إذا انعقد لقطة واحدة و لقطات منفردة عن أصولها و منضمّة، و يجوز بيع أصول هذه البقول المتكرّرة من غير شرط القطع، و لا فرق بين هذه الأصول، و هي صغار أو كبار، و لا بين كونها مثمرة أو لا، و لو باع ما فيه ثمرة ظاهرة فهي للبائع، و يجب على المشتري تركها إلى وقت بلوغها، و لو اشترطها المبتاع جاز.
و لو تجدّدت بعد العقد ثمرة، فالمتجدّد للمشتري، فإن لم يتميّز، اشتركا.
ص: 394
بشرط القطع و غيره، سواء كان قصيلا أو غيره من البقول، و لو اشترى الرطبة و ما أشبهها جزّة واحدة بشرط القطع، وجب في الحال، فلو أخّر فكالثمرة إذا بيعت(1)و قد سلف.
و لو اشترى قصيلا من شعير جزّة على أن يقطعه، ففعل ثمّ عاد فنبت، فهو لصاحب الأرض، و لو اشترى جزّتين، كان لصاحب الأرض ما ينبت في الثالثة.
و لو اشتراه بأصوله فقطعه، ثمّ نبت، كان لصاحب الزرع خاصّة لا لصاحب الأرض، و لو سقط من الزرع حبّ فنبت في العام المقبل، فهو لصاحب الحبّ لا لصاحب الأرض.
كالتوت، و الحناء، منفردة، و مع الأصول.
سواء كانت بارزة، كالتفاح و المشمش، أو في قشر يحتاج إليه لادّخاره، كالجوز في القشر الأسفل، أو لا يحتاج كالقشر الأعلى.
سواء كان بارزا كالشعير، أو مستترا كالحنطة، منفردة، و منضمّة مع أصوله، سواء شرط القطع أو لا.
و يجوز بيعه قبل أن يسنبل بشرط القطع و التبقية، و لو أطلق، فالوجه وجوب التبقية إلى وقت الحصاد ما لم يقصد القصل(2) فيجب على المشتري
ص: 395
حينئذ قطعه، و لو شرط القطع و لم يقطعه، تخيّر البائع بين قطعه و إبقائه، و على المشتري أجرة مثل الأرض، و الزكاة إن بلغ النصاب، هذا إذا كانت الأرض عشريّة.
و إن كانت خراجيّة، فعلى المشتري الخراج، قاله الشيخ(1) و ابن إدريس(2)و فيه نظر، و لو أطلق أو شرط التبقية، على البائع إبقاؤه إلى وقت الحصاد و لا أجرة.
و منعه ابن الجنيد، و لا فرق بين أن يبيعه قبل بدوّ الصلاح بشرط القطع أو بشرط التبقية في الجواز، و لو باعه قبل بدوّ الصلاح مع الأرض، جاز إجماعا، و كذا يجوز منفردا لمالك الأرض و غيره على الأقوى.
فلو شرطا في البيع قطع جميع الزرع، فالأقرب الصحّة، و لا يلزم الوفاء بالشرط.
لم يصحّ ، و إن علما مقداره، و كذا لو خرج و باعه البذر، و لو باعه مع الأرض صحّ ، و إن لم يخرج بعد، و لو باع ما المقصود منه مستور، كالجوز، لم يصحّ حتّى يقلع و يشاهد، و لو كان الظاهر مقصودا كالبصل، فالوجه جوازه منفردا و مع أصوله، و كذا لو كان معظم المقصود مستورا على إشكال.
ص: 396
سواء كان مقطوعا أو في شجرة، و كذا يجوز بيع الحبّ المشتد(1) في سنبله.
لم تدخل في البيع إلاّ أن يشرطها المشتري، و يجب على المشتري التبقية إلى أوان أخذه بمجرى العادة، و لو باع الثمرة، جاز أن يستثنى أرطالا معلومة، و لا فرق بين البستان، و النخلة الواحدة، أو الشجرة.
و يجوز أن يستثني ثمرة شجرة بعينها، أو شجرات بأعيانها، أو نخلة، أو نخلات معيّنة، و لو استثنى نخلة أو نخلات مجهولة، أو أرطالا كذلك، بطل البيع، و كذا لو استثنى أرطالا معلومة، و لم يعيّن الجنس، إذا كان أكثر من واحد.
و يجوز أن يستثني جزءا مشاعا معلوم النسبة كالثلث، و لو كان مجهولا لم يصحّ .
صحّ ، و لو قال: بعتك من هذه الصبرة قفيزا إلاّ مكوكا(2) صح أيضا.
و لو قال: بعتك هذه الثمرة بأربعة دراهم إلاّ بقدر درهم، صحّ لأنّه بمنزلة بعتك ثلاثة أرباعها بأربعة، و لو قال: إلاّ ما يساوي درهما، لم يصحّ .
و لو استثني من الحيوان جزءا معلوما مشاعا، جاز، و لو باع قطيعا، و استثنى شاة معيّنة، صحّ البيع، و كذا لو استثنى جزءا مشاعا معلوم النسبة، و لو كانت مجهولة، لم يصحّ .
ص: 397
و لو كان مأكولا، فاستثنى الرأس أو الجلد، فللشيخ قولان(1) و لو استثني الحمل، جاز.
قيل: يبطل، للجهالة، و إن وجب له ذلك حكما.
و لو باعه دارا الاّ ذراعا معيّنا، فان عيّن موضعه، صحّ ، و إلاّ فلا، علما بذرعان(2) الدار أو جهلها أحدهما أوهما.
و لو استثنى الكسب من السمسم، أو الحبّ من القطن، لم يصحّ ، و كذا لو استثنى الشيرج، و كذا لو باعه بدينار إلاّ درهما، أو قفيزا، لأنّ قصده رفع قيمة المستثنى من المستثنى منه و هي مجهولة.
ثمّ تلف بعض الثمرة، سقط من المستثنى بحسابه.
3456. العشرون: لو تلفت الثمرة بجائحة(3) قبل القبض، فهي من مال البائع،
و إن كان بعده، فمن المشتري، سواء كان التالف الثلث أو أقل أو أكثر.
و لو كان التلف بفعل البائع فمن ضمانه، و إن كان من المشتري ضمنه، و إن كان من غيرهما، فإن كان بعد القبض، فله الرجوع على المتلف بالقيمة، و إن كان قبله، تخيّر بين الفسخ و الرجوع على المتلف، و لو تلف البعض، فالحكم فيه
ص: 398
ذلك، لكنه إن اختار الإمساك، فالأقرب تخيّر البائع، هذا إذا تلف قبل القبض.
و لو كان بعده، فالتلف من المشتري، قال الشيخ: و لو قلنا إنّه ينفسخ في مقدار التالف كان قويّا(1). و الوجه ما قلناه: تخيّر.
قال الشيخ رحمه اللّه: و إذا عجز البائع عن سقي الثمرة أو تسليم الماء، ثبت للمشتري الخيار، لعجز البائع عن تسليم بعض ما تناوله العقد(2).
بزيادة عمّا اشتراه، أو نقصان، قبل القبض و بعده.
3458. الثاني و العشرون: لو باع الثمرة و احتاجت(3) إلى السقي،
قيل: يجب على البائع ذلك، لوجوب تسليم الثمرة عليه كاملة، بخلاف ما لو باع الأصل و استثنى الثمرة، فإنّ المشتري لا يجب عليه السقي، فلو أهمل البائع حتّى تلفت، ضمن، و الأقرب عدم انفساخ البيع، كالعبد المقبوض إذا كان مريضا قبل القبض و مات.
3459. الثالث و العشرون: قال الشيخ: إذا اشترى نخلا على أن يقطعه أجذاعا،(4) فتركه حتّى أثمر، كانت الثمرة له، دون صاحب الأرض
فإن كان صاحب الأرض ممن قام بسقيه و مراعاته، كان له أجرة المثل(5). و ينبغي التقييد بإذن صاحب النخل، و الوجه وجوب رجوع البائع على المشتري بأجرة الأرض.
ص: 399
3460. الرابع و العشرون: لو باع أصل الحناء و الآس(1) و فيه ورق
كان الورق للبائع. و لو باع أصل «التوت» كان الورق للمشتري.
و هي بيع الزرع بحنطة، أو شعير، لا كيلا، و لا جزافا، و لا نقدا، و لا نسيئة، و هل يشترط كون الحنطة من تلك الغلة ؟ قال الشيخ: نعم، حتّى لو باعه الزرع بحنطة من غيرها جاز(2) و قوّى في المبسوط المنع(3) و هو الأقوى عندي.
و هي بيع الثمرة بثمرة لا نقدا و لا نسيئة، لا كيلا، و لا جزافا، قال الشيخ: و يشترط في التحريم كون التمر من تلك الثمرة. فلو باعه ثمرة النخل من غيرها جاز(4). و الأقوى عندي المنع.
و استثنيت من هذه العريّة،(5) و هي النخلة تكون في بستان غيره أو داره، فيشتري ثمرتها صاحب الدار أو البستان دفعا لمشقّة التهجّم، بخرصها تمرا، سواء كانت خمسة أوسق، أو أزيد، أو أقلّ ، و لا يجوز أن يبيع جميع تمر حائطه عرايا من رجل واحد أو من رجال في عقود متكرّرة.
نعم لو كانت له عدّة نخلات في عدة مواضع، جاز بيعها عرايا من رجل واحد أو رجال في عقود متكرّرة.
و نمنع اشتقاقها من الإعراء، و هو أن يجعل الرجل لغيره ثمرة نخلة عامها
ص: 400
ذلك(1) بل سمّيت عريّة لتعرّيها من غيرها و إفرادها بالبيع.
و يجب كون التمر الّذي يشتري به معلوما بالكيل، و لا يجوز جزافا، و هل يجوز بخرصها رطبا؟ فيه نظر، و يشترط مساواة الثمرة وقت صيرورتها تمرا للتمر المدفوع ثمنا.
و هل يشترط التقابض في المجلس ؟ قال الشيخ: نعم(2) و منعه ابن إدريس.(3) و القبض في التمر، النقل، و في الثمرة، التخلية.
و لا يشترط حضور التمر(4) عند التخلية، فلو تبايعا و عرفا الثمرة و التمر،(5)ثمّ مضيا إلى النخلة، فسلّمها إلى المشتري ثمّ مضيا إلى التمر، فسلّمه إلى صاحبه جاز.
سواء(6) كان معه ثمن غير التمر أو لم يكن، و سواء باعها لواهبها تحرّزا من دخول صاحب العريّة حائطه أو لغيره، و لو تركها المشتري حتّى صارت تمرا لم يبطل البيع، سواء تركه مع الحاجة أو عدمها، و سواء كان الترك لعذر أو لغيره.
مثل العنب و سائر الفواكه.
ص: 401
لم يصحّ إلاّ أن يعلم المقدار وقت العقد، سواء تساويا عند الاعتبار أو لا، و كذا لو كانت الأخرى من غير الجنس.
و الظاهر أنّ ذلك ليس على وجه البيع، للنهي عنه، بل يحمل على الصلح.
فإن كانتا عريّتين صحّ بيعهما، و إن لم يكونا عريّتين لم يجز.
لم يجز إجماعا، و كذا لو قال: عدّ قثّاءك أو بطّيخك، فإن زاد على مائة فلي، و ما نقص فعليّ ، أو اطحن حنطتك، فما زاد على كذا فلي، و ما نقص فعليّ .
ص: 402
و فيه فصول:
و فيه سبعة مباحث:
و لو استثني الرأس أو الجلد، فإن لم يكن الحيوان مأكولا، لم يصحّ البيع، و إن كان مأكولا، قال ابن إدريس: يجوز ذلك، و يكون له الرأس و الجلد(1) و نقله عن السيد المرتضى(2)، و قال الشيخ: يكون شريكا للمبتاع بمقدار الرأس و الجلد(3)، و كذا لو اشترك اثنان فما زاد في شراء حيوان، أو شرط أحدهم لنفسه الرأس و الجلد، و لو استثني شحم الحيوان، ففي الصحّة إشكال.
و لا بأس باستثناء الحمل الموجود لا المعدوم، و استثناء خدمة العبد مدّة
ص: 403
من الزمان، و ركوب الدابّة مسافة معلومة أو أيّاما معلومة.
و يسري الرقّ في عقبه، و إن زال الكفر، و لقيط دار الحرب مملوك بخلاف دار الإسلام.
و لو بلغ الملتقط في دار الإسلام، فأقرّ بالعبوديّة، حكم عليه. و قال ابن إدريس: لا يحكم عليه بالرقّ (1) و ليس بمعتمد.
الآباء، و الأمّهات، و الأجداد، و الجدّات، و إن علوا، و الأولاد، و أولادهم، ذكورا و إناثا، و إن نزلوا، و الأخوات، و العمّات، و الخالات، و بنات الأخ، و بنات الأخت.
و بالجملة النسب ضربان: ذكور و إناث، فالذكور يملكون عدا العمودين و هما الأبوان و إن علوا، و الأولاد، و إن نزلوا، كالابن، و ابن الابن، و ابن البنت، و هكذا، و يملك من عدا هؤلاء من العمّ ، و الخال، و الأخ، و غيرهم. و الإناث يصحّ إن يملكن عدا المحرّمات عليه في النكاح تحريما مؤبّدا بالنّسب، و من عداهنّ يجوز تملّكها، كبنت العمّ ، و بنت الخال، و معنى عدم تملّك هؤلاء، انتفاء استقراره لا انتفاء ابتدائه، فلو ملك إحدى هؤلاء(2) عتق عليه في الحال. و كذا المرأة يصحّ أن تملك كلّ أحد عدا الآباء، و إن علوا، و الأولاد، و إن نزلوا.
عن المفيد(1) و الوجه ما قاله الشيخ رحمه اللّه.
صحّ لكن يبطل النكاح.
و لو كان له مملوك كافر، فأسلم المملوك، أجبر على بيعه من المسلم و أخذ ثمنه مولاه.
مع شرائط الإقرار، و عدم شهرته بالحريّة و لا يقبل رجوعه، سواء كان إقراره لكافر أو مسلم، و لو أقرّ المشهور بالحرّية، لم يحكم عليه بالرقّ ، و لو اشترى عبدا فادّعى الحرّية، لم يقبل إلاّ بالبينة.
و فيه خمسة عشر بحثا:
ثبت له الخيار خاصّة ثلاثة أيّام، فإن حدث فيه عيب بعد العقد و قبل القبض، تخيّر المشتري بين الردّ و الأرش، و لو تلف كان من البائع، و لو قبضه، ثمّ تلف أو حدث فيه عيب في الثلاثة، كان من مال البائع أيضا، ما لم يحدث فيه المشتري حدثا، و لو حدث فيه عيب عند المشتري من غير جهته، لم يسقط حقّه من الردّ
ص: 405
بأصل الخيار، و في الأرش مع الإمساك نظر، و لو حدث العيب بعد انقضاء الثلاثة بطل الردّ بالخيار و بالعيب السابق.
فإن اطلق، لم يدخل الحمل، و لو اشترطه المشتري، صحّ ، فلو سقط قبل القبض، رجع المشتري بحصّة الولد من الثمن، بأن تقوّم الأمّ حاملا و مجهضا و يرجع بنسبة التفاوت من الثمن.
و الثمن عليهما، فإن أذن له في أداء نصيبه عنه جاز و يرجع عليه، و لو تبرّع، لم يرجع، و لو تلف المبيع كان بينهما، و للمأمور الرجوع على الآمر بما نقد عنه.
إلاّ أن يشترطه المشتري، سواء علم به أو لا، و للشيخ تفصيل ضعيف(1) و لو اشتراه مع ماله و كان ربويّا اشترط المخالفة في الجنس أو زيادة الثمن أو انضمام غير جنسه إليه و ان قل.
قولان ففي الخلاف تسويغه(1) و اختاره ابن إدريس(2) و منع في غيره(3).
و لو لم يرد [شراءها] لم يجز.
و أن يتصدّق عنه بشيء، و يكره أن يريه ثمنه في الميزان، فانّه لا يصلح، و أن يطأ من ولدت من الزنا بالعقد و الملك.
سواء ملّكه مولاه، أو لا، و قيل: يملك فاضل الضريبة و أرش الجناية و ما يملّكه مولاه، و ليس بمعتمد، فلو باعه و ماله كان الحكم ما تقدم، فلو ردّ العبد للعيب ردّ المال أيضا، فلو تلف ماله ثم أراد ردّه، كان بمنزلة العيب المتجدّد عند المشتري.
حتّى يستبرئها بحيضة أو خمسة و أربعين يوما، إن كان مثلها تحيض و لم تحض.
و يجب على البائع استبراؤها قبل بيعها بما قلناه، إن كان قد وطئها، و مع استبراء البائع يسقط وجوب استبراء المشتري، و كذا يسقط لو أخبر الثقة باستبرائها، خلافا لابن إدريس(4) أو كانت لامرأة، أو كانت صغيرة ليست في سنّ من تحيض، أو كانت يائسة أو حاملا أو حائضا.
ص: 407
3489. الحادي عشر: قال الشيخ: لو ملك الجارية بهبة، أو إرث، أو استغنام، لم يجز له وطؤها إلاّ بعد الاستبراء(1)
و منع ابن إدريس ذلك، و اقتصر بوجوب الاستبراء على عقد البيع(2).
و يكره بعده حتّى تضع، و لو وطئها استحب أن يعزل عنها، فإن لم يفعل كره له بيع ولدها، و ليس بمحرّم، و يستحبّ أن يعزل له من ميراثه قسطا.
لم يصحّ بيعه بهذا الشرط، لأنّ الثمن يجب على المشتري أجمع، فإذا شرط بعضه على غيره، ملك الثمن و المثمن، و قال في المبسوط: يصحّ ، لقوله عليه السّلام: المؤمنون عند شروطهم.(3) و فيه قوّة، بخلاف ما لو قال: طلّق زوجتك و عليّ خمسمائة، أو اعتق عبدك و عليّ خمسمائة، لأنّه عوض في مقابلته(4) فكّ ، و لو قاله على جهة الضمان، جاز في الجميع.
سواء كانت حسنة أو قبيحة، و لا يلزمه وضعها عند غيره، فإن جعل ذلك عند من يثق به، كان جائزا، و لو باعها بشرط المواضعة صحّ ، و كذا لو أطلق ثمّ اتّفقا على المواضعة.
و لو هلكت أو غابت، فمن ضمان المشتري، إن كان قبضها، و إلاّ فمن
ص: 408
البائع، و النفقة في مدّة الاستبراء على البائع مع المواضعة.
و قيل: بلوغ مدّة الرضاع، و قيل: تحرم التفرقة(1) و الأقرب الأوّل، و الوجه عدم كراهية التفريق بين الولد و الأب، أو بين غيره من ذوي الأرحام و بينه، سواء قرب أو بعد، ذكرا كان أو أنثى، و لو فرّق بين الأمّ و الولد قبل السبع، صحّ البيع.
و هي اثنا عشر بحثا:
انتزعها المالك، و على الواطئ عشر قيمتها، إن كانت بكرا، و نصف العشر إن كانت ثيّبا. و قال ابن إدريس: مهر أمثالها(2) و ينعتق الولد حرّا، و على الأب قيمته يوم ولد و أجرة مثلها مدّة بقائها في يده، و يرجع على البائع بما اغترمه على أنّه له بعوض، و هو ثمن الرقبة، أو على أنّه له بغير عوض، و لم يحصل في مقابلته نفع، و هو قيمة الولد.
و هل يرجع بما دخل على أنّه بغير عوض، و حصل له في مقابلته نفع، و هو مهر المثل في مقابلة الاستمتاع، أو العشر أو نصفه عند آخرين ؟ قيل: نعم، لأنّ البائع أباحه بغير عوض، و قيل: لا، لمحصول عوض في مقابلته، و فيه قوّة.
ص: 409
إلاّ في ثمن رقبتهنّ مع عدم غيرهنّ ، و لو مات السيّد، و خلّف أمّ ولد، و ولدها و أولادا، جعلت في نصيب ولدها، و تعتق في الحال، و إن لم يخلّف سواها، انعتقت بنصيب ولدها، و استسعت في نصيب باقي الورثة.
و إن كانت للإمام، و كذا كلّ ما يؤخذ من دار الحرب بغير إذن الإمام يجوز تملّكه في حال الغيبة.
و كذا يجوز شراء المماليك من الكفّار إذا أقرّوا لهم بالعبوديّة، أو قامت لهم البيّنة بذلك، أو كانت أيديهم عليهم.
فأبق أحدهما من المشتري. قال الشيخ: يردّ الباقي، و يسترجع نصف الثمن المدفوع، و يطلب الآبق، فإن وجده، اختار (حينئذ أيّهما شاء)(1) و ردّ النصف، و إن لم يجده كان العبد بينهما(2) و هي رواية السكوني عن الصادق(3) و الطريق ضعيف(4)، و الوجه أنّ البيع إن وقع على عبد من عبدين بطل، و ضمن المشتري الآبق بقيمته، و إن وقع على موصوف في الذمة، صحّ البيع، و ضمن التالف بالقيمة و له المطالبة بالعبد الثابت في الذمّة.
ص: 410
و إلاّ فبقدر نصيبه، و تقوّم الأمة و يلزمها إن كانت أكثر من ثمنها الّذي اشتريت به، و إلاّ فبالثمن، قاله الشيخ(1) و الوجه إلزامه بأرش البكارة بعد إسقاط نصيبه منه خاصّة، إلاّ أن يحبلها، فيغرم ثمنها يوم الجناية، و ثمن ولدها يوم سقوطه حيّا بعد إسقاط نصيبه منها.
فإن اتّفقا معا، قال في النهاية: يقرع بينهما فمن خرج اسمه، كان البيع له، و يكون الآخر مملوكه و قد روي أنّه إذا اتّفق أن يكون العقدان في حالة واحدة كانا باطلين. و الأحوط ما قدّمناه(2) و ابن إدريس أفتى بهذه الرواية(3) و هي رواية أبي خديجة عن الصادق عليه السّلام:(4).
و الوجه عندي صحّة البيعين معا إن كانا وكيلين، إذ كلّ منهما مملوك لمولى الآخر، أمّا لو قلنا: إنّ الموليين ملكاهما شيئا، فاشترى كلّ منهما صاحبه به لنفسه، و قلنا: إنّ العبد يملك، فالوجه البطلان.
و فتوى الشيخ في النهاية، يعطي الحمل على ذلك بقوله «و كان الآخر مملوكه»(5) و كذا إن اشتريا بالإذن.
قال الشيخ:
إن كان للمملوك مال حال القول، لزمه دفع ما شرطه و إلاّ فلا(6) و هو بناء على
ص: 411
قاعدته من أنّ العبد قد يملك فاضل الضريبة، و أرش الجناية، و ما يملّكه مولاه.
و الحجّ بثمنه، و الصدقة به، و إنفاقه، و لو كانت أنثى، جاز له وطؤها على كراهية، و ينبغي له العزل، و منع ابن إدريس من وطئها بناء على كفرها(1) و ليس بشيء.
3503. العاشر: إذا دفع إلى النخاس(2) ثلاث جوار للبيع، و شرط له نصف الربح، فباع اثنتين، و أحبل المالك الثالثة،
قال الشيخ: لزمه دفع ما شرط فيما باع خاصّة،(3) و الأقرب دفع أجرة المثل.
و لو لم يخلّف وارثا استسعيت في ثمنها. قاله الشيخ(4). و الوجه دفعها إلى الحاكم، ليجتهد على ردّها على من سرقت منه.
ثمّ اختلف مولى المملوك و ورثة الآمر و مولى الأب فادّعى كلّ منهم شراء الأب بماله، قال الشيخ رحمه اللّه يردّ المعتق على مولاه الّذي كان عنده، يكون رقّا كما كان، ثمّ أيّ الفريقين أقام البيّنة أنّه اشترى بماله سلّم إليه، و إن كان المعتق قد حجّ لم يكن إلى ردّ الحجّة سبيل قاله الشيخ رحمه اللّه(5) و الوجه أنّ القول قول سيّد المأذون، و العبد المبتاع لسيّد المأذون، و عتقه باطل.
ص: 412
ففي ماهيّته و شروطه السلّم و السلف شيء واحد، يقال: «أسلم» و «أسلف» و «سلف»، و لا يستعمل الفقهاء «سلم» و ان كان جائزا.
و هو بيع عوض موصوف في الذمّة إلى أجل معلوم بثمن حاضر، و هي نوع من البيع، ينعقد بما ينعقد به البيع، و بلفظ السلم و السلف، و يتحقّق فيه شروط البيع، و في جواز انعقاد البيع بلفظ السلم إشكال، و إن جاز العكس قطعا و هو جائز بلا خلاف.
ص: 413
و شروط السلف ستّة: ذكر الجنس، و الوصف، و الأجل و قبض الثمن قبل التفرق، و تقدير المسلم فيه بالكيل أو الوزن، و وجوده غالبا وقت حلوله.
و فيه اثنان و عشرون بحثا:
3506. الأوّل: يجوز إسلاف الأعراض(1) فيها إذا اختلفا،
و في الأثمان و بالعكس، و لا يجوز إسلاف الأثمان في مثلها و إن اختلفا.
و نعني بالجنس اللفظ الدالّ على الحقيقة، كالحنطة مثلا أو الارز أو العبد، و لو ذكر الجنس، و أخلّ بالوصف، أعني اللقط المميّز، بطل.
بحيث لا يتغابن الناس بمثله في السلم، فيصحّ السلم في الحبوب، و الحيوان، و الثمار، و الرقيق، و الخضرة، و الرمّان، و باقي الفواكه، و ما تنبته الأرض، و البيض، و الكاغذ، و الجوز، و اللوز، و الألبان، و السمون، و الشحوم، و الأطياب، و الثياب، و الأشربة، و الأدوية البسيطة و المركبة، إذا عرف مقدار
ص: 414
بسائطها، و الحديد، و الرّصاص، و الصفر، و النحاس، و الطعام، و جميع الحيوان.
و لا يصحّ فيما لا يضبط و صفه، كالآلي، و الجواهر الّتي يتحلّى بها، كالياقوت، و الزبرجد، و العقيق، و الفيروزج، و اللحم طريّة و مشويّة، و الخبز، و الجلود، و النبل المعمول، و العقار، و الأرض، و القسيّ المعمولة.
و قال الشيخ: لا يجوز السلف في القزّ، و يجوز في قز قد خرج منه الدود(1).
[و هي على أقسام أربعة](2):
1 - إن تميّزت أجزاؤها، و هي مقصودة، كالثياب المنسوجة من قطن و كتان، يصحّ السلم فيها.
2 - ما يركّب من مقصود و غيره لمصلحة المقصود، كالانفحة في الجبن، و الملح في الخبز، و الماء في الخلّ ، يصحّ فيه أيضا.
3 - أجزاؤه مقصودة غير متميّزة، كالغالية و المعاجين، يصحّ السّلم فيها، إن علمت مقاديرها، و إلاّ فلا.
4 - بغير مقصود و لا مصلحة فيه، كالماء المشوب في اللبن، لا يصحّ فيه لعدم ضبطه.
و في
ص: 415
الخبز إشكال، أقربه العدم، لتعذّر ضبطه بالوصف، و جواز إقراضه للعادة دفعا للضرورة، لا يستلزم جواز السلف.
و يجوز في عيدانهما(1) قبل نحتها.
و كذا لا يجوز في الجلود، لتفاوتها، فالورك ثخين قويّ ، و الصدر ثخين رخو، و البطن رقيق ضعيف، فلا يمكن ضبطه، قال الشيخ: يجوز إذا عيّن الغنم و شوهد الجلود(2) و هو ليس بسلم في الحقيقة.
و الإجماع واقع على ذكر الجودة و الرداءة، و يجب ذكر ما عداه بعد ذكر الجنس و النوع، ممّا يختلف الثمن باختلافه.
و يجب في الوصف المميّز أن يؤتى فيه بلفظ يعرفه غير المتعاقدين، و لا يكفي الجنس و النوع و الجودة، و لا يجوز أن يستقصى في الأوصاف بحيث يندر وجود المسلم فيه، و كذا لا يصحّ اشتراط الأجود بخلاف الجودة، و لو شرط الأردأ، فالأقرب جوازه، لعدم العجز عن تسليم ما يجب قبوله، و يترك كلّ وصف مذكور على أقلّ الدرجات.
و لو أسلف في ثوب على صفة خرقة أحضراها، لم يجز لإمكان تلفها، فيحصل جهالة الوصف.
ص: 416
و كذا جارية و أختها أو عمّتها أو خالتها، و في جارية حبلى أو شاة كذلك، و عندي في ذلك كلّه إشكال، أمّا لو أسلف في جارية معها ولد أو شاة كذلك، جاز قطعا.
3515. العاشر: لا يجوز السلم في الحطب حزما(1)
و لا في الماء قربا و روايا، و يجوز إذا عيّن صنف الماء و قدره بالوزن.
و يختصّ كلّ جنس بعد ذلك بصفات تميّزه،(2) فيذكر في التمر بعدهما النوع من برنيّ أو معقليّ ، و البلد من بصريّ أو كوفيّ ، و القدر من كبار و صغار، و الزمان من الحديث و العتيق، و اللون من الأسود و الأحمر، و لو كان النوع واحد اللون، اكتفى بالنوع عنه.
و إذا أطلق العتيق، أجزأ(3) ما يصدق عليه اسم العتيق، ما لم يكن مسوسا، و لا حشفا، و لا متغيّرا، و لو قال: عتيق عام أو عامين صحّ .
و يذكر في الرطب هذه الأوصاف إلاّ بالحديث و العتيق، و لا يأخذ من الرطب إلاّ ما أرطب كلّه لا النصف(4)، و لا قديما قارب أن يتمر و لا المشدخ، و هو ما لا يترطب فيشدخوه(5) و كذا البحث في العنب و الفواكه.
البلد،
ص: 417
كالشامي و العراقي، و قدر الحبّ من الصغار و الكبار، و الحديث أو العتيق، و اللّون، كالحمرة و الصفرة و البياض، و الأحوط أن يقال: حصاد عام أو عامين، و ليس شرطا، و إنّما يأخذ المشتري مع شرط الجودة ما كان سليما من العيوب مثل تسويس(1) أو ماء أصابها، أو عفونة، و انّما يأخذه مصفى قد أزيل عنه قشره، و كذلك الحكم في الشعير و جميع القطنيّات(2) من العدس و الحمص و شبههما.
و له المطالبة بعسل مصفّى من الشمع، و لو صفي بالنار لم يجبر على أخذه، لأنّها تغيّر طعمه.
و يرجع في السنّ إلى قول السيد إن كان صغيرا، و لو كان كبيرا رجع إلى قول الغلام على إشكال، و مع الاشتباه يرجع إلى أهل الخبرة، فيؤخذ بالتقريب.
و لا بدّ في الرقيق من النوع إن اختلف، كالزنجيّ منه، و النوبيّ و غيره.
و لا بدّ من ذكر القدّ كالسداسي و الخماسي يعني ستة أشبار أو خمسة، و لا يشترط وصف آحاد الأعضاء، لأنّه يقضي اجتماعها إلى عزّة الوجود(3) فيؤدّي إلى عسرة التسليم(4).
ص: 418
و لا يحتاج في الجارية إلى ذكر السبوطة و الجعودة، و لو شرطه لزم، و في اشتراط ذكر البكارة و الثيوبة إشكال، نعم لو ذكرهما لزم، و لا يجب ذكر جميع الشكل، مثل مقرون الحواجب، أدعج العينين، فإن ذكر لزم.
قال الشيخ: لا يجوز أن يسلف في خنثى، لأنّه ربّما لا يتّفق، و لا في جارية معها ولدها، و لو اشترط في العبد أن يكون خبّازا أو في الجارية أن تكون ماشطة، صحّ ما يقع عليه الاسم، و كذا منع من جارية حبلى(1).
مثل بنت لبون، أو حقّة، و الذكورة و الأنوثة، و الجيّد، و الرّديء، و اللون الأحمر و الأسود، و النتاج، و هو كونها من نتاج بني فلان، و النوع مثل بختيّة أو عربيّة. و يستحبّ ذكر بريء من العيوب، و كذا أوصاف الخيل كأوصاف الإبل.
و أمّا البغال و الحمير، فلا نتاج لهما، فيجعل بدل ذلك نسبتهما إلى بلدهما، و البقر و الغنم، كالإبل إن كان لهما نتاج، و إلاّ فكالبغال.
و يذكر في الخيل، و البقر، و الغنم، النوع، فيقول: عربية أو هجين أو برذونة، و ضأن أو ماعز، و لا يجب التعرّض في الحيوان كلّه للشياه(2) كالأغر و المحجل.
3521. السادس عشر: يذكر في السمك النوع كالشبوط،(3)، و البياح، و الكبير،
ص: 419
و الصغير، و السمن، و الهزل، و الطري و المالح.
بأن يقول: من ضأن، أو ماعز، أو بقر، و اللون، من الصفرة و البياض، و إطلاقه يقتضي الحديث، فلا يحتاج إلى شرط، و يصف الزبد بذلك، و يذكر زبد يومه أو أمسه، و لا يلزمه أخذ الرقيق منهما إلاّ للحرّ(1).
و يذكر في اللبن المرعى و النوع، و لا يجب ذكر اليوم، لأنّ إطلاقه يقتضي لبن يومه، و الوجه أنّه يصحّ في اللبن المخيض مع ضبطه.
و يذكر في الجبن النوع، و المرعى، و الرطوبة، و اليبوسة، و كونه حديثا، أو عتيقا، و يصف اللباء بصفات اللبن، و يزيد اللون، و الطبخ، أو عدمه.
النوع من قطن، أو كتان، و البلد، و الطول و العرض، و الصفاقة(2) و الرقاقة، و الغلظة و الدّقة، و النعومة و الخشونة(3)، و لو ذكر الوزن لم يجز، و لا يحتاج إلى الخام و المقصور، بل ينصرف الإطلاق إلى الأوّل، و ان ذكر المقصور لزم، و لو ذكر مغسولا أو ملبوسا لم يجز، و لو قال مصبوغا جاز، إن كان مما يصبغ غزله، و إن كان ممّا يصبغ بعد نسجه، قيل: لم يجز، لعدم الوقوف على النعومة و الخشونة(4) و لو اختلف الغزول، كالقطن و الابريسم صحّ إن علم قدر كلّ واحد، بأن يقول: السدى(5)
ص: 420
الابريسم، و اللحمة القطن، أو بالعكس، و إلاّ فلا، و لا يشترط غزل امرأة بعينها.
و لا نساجة رجل معيّن.
و الغلظ و الدّقة، و النعومة و الخشونة، و لو أسلف في القطن لم يحتج إلى الغلظ و الدقة.
و في الصوف البلد، و اللون، و الطول و القصر، و الزمان، من الخريفي و الربيعي، و الأقرب عدم اشتراط الذكورة و الأنوثة، فإن شرط الأنوثة لزم، و يجب تسليمه نقيّا من البعر(1) و غيره، و يذكر فيه الجنس(2). و الشعر و الوبر كالصوف.
و يضبط الكاغذ بالطول و العرض، و الغلظ، و استواء الصنعة، و ما يختلف الثمن معه، و الرصاص، و النحاس، و الحديد، بالنوع، و النعومة و الخشونة، و اللون، إن كان يختلف، و يزيد في الحديد الذكر و الأنثى، فإنّ الذكر أحدّ و أمضى.
و يضبط أقداح الخشب بالنوع، و القدر، و الثخن أو الرقّة، و السيف بنوع حديده، و طوله و عرضه، و رقّته و غلظه، و بلده، و قدمه أو حدوثه، و يصف القبضة و الجفن.
فيدفع ما هو بذلك العرض المشترط، و الثخن(3) من طرفه إلى طرفه، أو
ص: 421
يكون أحد طرفيه أغلظ من المشترط، و له [سمح](1) خال من العقد و للوقود، الغلظ، و اليبس، و الرطوبة و الوزن.
و يذكر في الحجارة للبناء، النوع و اللّون و القدر و الوزن، و للأرحية الدور، و الثخن، و البلد، و النوع، و للآنية النوع و اللون و القدر، و يصف الآجر و اللبن بموضع التربة، و اللون، و القدر، و الثخانة.
و في الجصّ ، و النورة، اللون و الوزن، و لا يقبل ما أصابه الماء فجفّ ، و لا ما يقادم عهده، و التراب يضبط بمثل ذلك، و يقبل الطين الّذي قد جفّ إن لم يذهب بعض منافعه به.
و في العنبر، اللون و البلد، و إن شرط قطعة أو قطعتين جاز، و إن لم يشترط فله أن يعطيه صغارا أو كبارا، و يضبط الهندي منه ببلده، و بالجملة يضبط كلّ جنس مما يجوز السلف فيه بما يختلف به.
و إن كان شرطا في النوع لا سلما في اللبن، و لا يلزمه تسليم اللبن في الضرع، بل له حلبها و تسليم الشاة من غير لبن.
و النوع، كالإبريق، و القمقمة، و السطل، و غيرها، و القدر، و الطول، و السمك، و السعة، و كونه مضروبا أو مفرغا، و الأحوط ذكر الوزن، قال الشيخ: لو لم يذكر جاز(2).
ص: 422
و فيه ستّة مباحث:
و يجب أن يقدره بمكيال أو أرطال معلومة عند الناس، فإن قدره بإناء معيّن و صنجة(1) معيّنة غير معلومة المقدار لم يصحّ ، و إن كانت معلومة المقدار صحّ ، و لا يشترط الوزن و لا الكيل بتلك المعيّنة.
و الحبوب كلّها مكيلة، و كذا التمر، و الزبيب، و الفستق، و البندق، و الملح، و لا يسلم في اللباء إلاّ وزنا، و يجوز الوزن و الكيل في السمن، و الزبد، و اللبن، و لا يجوز السلم في الجوز، و البيض، و الرمان، و البطيخ، و البقول كلّها إلاّ وزنا.
و لو كان المسلم فيه يتعذّر وزنه لثقله، وزن بالسفينة، فيوضع فيها، ثمّ يوضع رمل أو شبهه إلى أن يساوي الأوّل في الغوص و يوزن الرمل، فيكون قدر ذلك.
يجوز السلم فيه عددا، و المتباين كالرمان، لا يجوز بيعه عددا بل وزنا، و كذا ما ليس بمعدود من البطيخ و البقول.
ص: 423
و لا في الحطب حزما، و لا في المجزور جزرا(1).
و يكون معلوم المقدار، و لا تكفي مشاهدته مع جهالة مقداره.
و فيه: خمسة مباحث:
فلو تفرّقا قبل قبضه، بطل. سواء كان التأخير شرطا أو لم يكن.
صحّ السلم في القدر المقابل للمقبوض خاصّة، و بطل ما قابل غير المقبوض.
و كذا لو شرط أن يكون الثمن بأجمعه من دين له عليه، فالوجه الكراهية، و قيل بالمنع، لأنّه بيع دين بمثله.
بطل العقد، و لو كان في الذمّة، فله إبداله في المجلس. و لو تفرّقا ثمّ علم بالعيب، فالأقرب الإبطال مع الردّ. و لو وجد بعضه رديّا، فالحكم ما تقدّم، لكن مع البطلان في الرديّ لا يبطل في غيره.
و لو كان المعيب من غير جنس الثمن، بطل العقد، و لو كان من جنسه، جاز له أخذ الأرش أو الردّ.
بطل العقد، و لو كان مطلقا فله المطالبة ببدله في المجلس، و لو تفرّقا قبله، بطل العقد، و لو خرج بعضه مستحقّا، بطل في المستحقّ خاصّة.
و فيه: عشرة مباحث:
فلا ينعقد في العين، لأنّ لفظ السلم للدّين، و الوجه انعقاده فيه بيعا، بخلاف ما لو قال: بعت بلا ثمن، فانّه لا ينعقد هبة. و لو أسلم بلفظ الشراء انعقد، و الوجه انعقاده سلما، فيجب تسليم رأس المال في المجلس.
ص: 425
و لا يشترط في المسلم فيه كونه مؤجّلا، و يصحّ السلم الحالّ لكن يصرّح بالحلول، فإن أطلق، فالوجه البطلان، سواء ذكر الأجل قبل التفرّق أو لا.
كالسنة، و الشهر، و اليوم، و لا يجوز أن يكون ممّا يقبل التفاوت، كالحصاد و الجذاذ(1).
و لو شرط العطاء و أراد الفعل بطل(2) و إن أراد وقته، و هو معلوم، صحّ .
كالشهر و ما قاربه، بل يجوز تقديره، و لو بنصف يوم. و لا يتقدر في الكثرة بحدّ، بل يجوز اشتراط سنين كثيرة، و قال ابن الجنيد: لا أختار أن يبلغ بالمدّة ثلاث سنين، لنهي النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن بيع السنين(3) و ما قلناه أولى.
و هو آخر نهار الشهر الّذي قبله، و لو قال: إلى يوم كذا، حلّ بأوّل فجره، و لو كان يتناول شيئين كجمادى و ربيع و نفر الحجيج، تعلّق بأوّلهما، و لو قال: إلى ثلاثة أشهر، كان إلى انقضائها، و لو قال: إلى شهر، كان إلى آخره.
و ينصرف إطلاق الأشهر إلى الهلالية، و الشهر إمّا عدّة بين هلالين أو
ص: 426
ثلاثون يوما، و لو قال في أثناء الشهر: إلى ثلاثة، كمّلنا شهرين بالهلال و شهرا بالعدد ثلاثين.
حلّ بأوّله.
و هو أن يسلم إلى وقت يعلم بالهلال، نحو أوّل الشهر، أو وسطه، أو آخره، أو يوم معلوم منه، و كذا يجوز إلى الفطر، أو النحر، أو عاشوراء، أو الغدير، أو عرفة(1).
و كذا يجوز إذا كان الأجل بغير الأهلّة بشرط معرفته، مثل كانون(2) و شباط(3)و لو قال: إلى يوم النيروز، و كانا يعرفانه جاز، بخلاف عيد الشعانين(4) و عيد الفطير(5) لأنّه يتقدّم و يتأخّر، و المسلمون لا يعلمونه، و لا يجوز تقليد أهل الذمّة فيه.
و لو قال:
محلّه في الجمعة و في رمضان، قال الشيخ صحّ (6) و ربّما احتمل البطلان لأنّه
ص: 427
جعله ظرفا و كان مجهولا(1). و لو قال إلى أوّل الشهر أو إلى آخره صحّ ، و لا يكون مشتركا بين المتعارف و بين النصف الأوّل أو الأخير.
فلا يجوز السلم في الفواكه إذا جعل الأجل وقت تعذرها، و كذا لا يجوز لو جعله إلى محلّ لا يعمّ وجودها فيه، كوقت أوّل العنب فيه، أو آخر وقته.
و كذا لا يجوز أن يكون الغزل من امرأة بعينها، أو الغلّة من زرع بعينه.
لجواز السلم أوان الشتاء في الرطب.
و فيه واحد و عشرون بحثا:
المسلم إليه حتّى تعدم العين، أو لم تحمل الثمار تلك السنة، تخيّر المسلم بين الصبر إلى أن توجد الثمار في العام المقبل، أو يفسخ العقد، و يرجع بالثمن، إن كان موجودا، أو مثله أو قيمته، إن لم يكن مثليا.
و لو قبض البعض، و تعذّر الباقي، تخيّر بين الفسخ في الكلّ و في البعض، و الرجوع بما قابل المفسوخ من الثمن، و بين الصبر إلى القابل، فإن فسخ، فالوجه أنّ البائع يتخيّر أيضا، و لو اختار المشتري أخذ البعض بجميع الثمن، سقط خيار البائع، و ابن إدريس منع من ثبوت الخيار للمشتري في الكلّ و في البعض(1)و هو خطأ.
بطل البيع، سواء كان المسلم المشتري أو البائع.
لم يجب كونه ممّا يضبط وصفه، فيجوز كون الثمن جوهرة أو لؤلؤا(2) و ما يشاكله مع المشاهدة.
تحالفا، و فسخ العقد.
فيجوز أن يكون رأس المال ثمنا و عرضا(3) مخالفا للثمن إن كان ربويّا، و إلاّ فلا، و لو أسلم عرضا في عرض موصوف بصفات الثمن، فأتاه عند الحلول بذلك العرض، فالوجه لزوم قبوله، لأنّه أتاه بالمسلم فيه على صفاته، و يحتمل عدم
ص: 429
الوجوب، لإفضائه إلى كون الثمن هو المثمن، و الأقرب الأوّل.
و كذا لو أسلم جارية صغيرة في كبيرة، فعند حلول الأجل صارت بصفة المثمن و أحضرها، فالوجه وجوب القبول، و لا يجب عليه العقر(1) أو وطؤها، و لو فعل ذلك حيلة صحّ أيضا.
سواء كان في حمله مئونة أولا، و سواء كانا في بريّة أو لا، و للشيخ رحمه اللّه قول في الخلاف باشتراطه، إذا كان في حمله مئونة(2) و هو عندي جيّد، و أنكره ابن إدريس(3). و لو شرطه، جاز و لزم.
و مع الإطلاق ينصرف إلى بلد العقد، و لو عيّنا موضعا، و دفع في غيره، جاز مع التراضي، و لو لم يرض الآخر لم يجز.
و إن لم يعيّن ثمن كل جنس، و يجوز أيضا أن يكون الثمن جنسين، كخمسة دنانير و عشرين درهما، في كرّ طعام(4) و إن لم يعيّن حصّة كلّ واحد منهما.
و يجوز أيضا الشركة فيه بعد الحلول قبل القبض، و الحوالة به، طعاما كان أو غيره، و كذا الإقالة في الجميع و في البعض، و كذا الصلح عليه و على بعضه، و مع الإقالة يردّ الثمن إن كان موجودا و إلاّ مثله، و لو لم يكن مثليّا فالقيمة.
و لو أراد أن يعطيه عوضا(1) عنه، جاز مع التراضي، و لا يجوز جعله عوضا عن سلم آخر إلاّ بعد قبضه.
و كذا لو أسلم في شيئين، و لو كان الأجزاء غير معلومة لم يصحّ .
سواء كان عليه في قبضه ضرر أو لا، فإن امتنع ألزم بالقبض أو الإبراء، فإن امتنع، قبضه الحاكم، و برئت ذمّة البائع، و ليس للحاكم أن يبرئ.
و لو أتاه قبل محلّه، لم يجب قبوله، سواء كان عليه ضرر أو خوف أو مئونة، أو لم يكن.
و إن أتى به دون الصفة، لم يجب إلاّ مع التراضي، سواء كان من الجنس أو من غيره، و لو اتّفقا على أن يعطيه دون الصفة، و يزيده شيئا في الثمن، جاز، و لو دفع الدون بشرط(2) التعجيل، أو بغير شرطه جاز، و إن أتى به أجود من الموصوف، وجب قبوله، إن كان من نوعه، و إن كان من غير نوعه لم يلزم، و لو تراضيا عليه جاز، سواء كان الجنس واحدا أو مختلفا.
ص: 431
و لو جاء بالأجود فقال: خذه و زدني درهما، لم يلزمه، و لو اتّفقا جاز، و لو جاء بأزيد في القدر، لم يلزم قبول الزيادة، و لو قال: زدني بالأزيد درهما و اتّفقا جاز.
و يسلّم الحنطة خالية من الشعير و التبن، و لو كان التراب قليلا جاز، بخلاف الكثير، و لا يلزمه أخذ الثمرة(1) إلاّ جافا، و لا يلزم أن يتناهى جفافه، و لا يلزمه قبول المعيب.
فإن وجد به عيبا فردّه، زال ملكه عنه، و عاد الحق إلى ذمّة البائع سليما، و لو وجد البائع بالثمن عيبا، فإن كان من غير جنس الثمن(2) بطل العقد، و إن كان من جنسه، تخيّر بين الأرش و الردّ.
و لا يقبضه جزافا، و لا بغير ما قدّره به، فإن قبضه كذلك، ردّ الفاضل و طلب الناقص، و لو اختلفا في قدره، فالقول قول القابض.
و إذا كال دفع ما يسعه المكيال و يحتمله،(3) لا ممسوحا و لا مدقوقا لتتداخل أجزاؤه.
و لو أقاما بيّنة، فكذلك، و لو اختلفا في قبضه، فالقول
ص: 432
قول البائع، و كذا القول قول البائع، لو قال قبضته ثمّ رددت إليك، و ذلك كلّه مع اليمين مراعاة للصحّة.
و لو أسلف في غنم و شرط أصواف نعجات معيّنة، ففي الصحّة قولان:
أقربهما الجواز.
فلو تقايلا السلم أو فسخ لتعذر المسلم فيه، بطل الرهن و برأ الضامن، و على المسلم إليه ردّ مال المسلم في الحال.
و لا يشترط قبضه في المجلس، و لو أقرضه ألفا و أخذ بها رهنا، ثمّ صالحه منها على طعام في الذمة، صحّ ، و زال الرهن، أمّا لو اشترى بها طعاما سلما لم يصحّ ، و بقى الرهن على حاله.
كان للمشتري مطالبة الضامن، فإن سلّم البائع المال إلى الضامن. ليدفعه إلى المشتري جاز، و لو قال:
خذه عن الّذي ضمنت عنّي لم يجز، لأنّه لا يستحقّ الأخذ إلاّ بعد الإيفاء، و يكون قبضا فاسدا مضمونا، فإن دفعه إلى المشتري برأ، و لو صالح المشتري الضامن عن المتاع بثمنه جاز، و كذا لو صالحه البائع، و كذا لو كان بغير الثمن فيهما.
و لو اختلفا في أداء المسلم فيه، فالقول قول المشتري.
ص: 433
فالوجه الجواز.
و يجوز قبضه بالوزن بعد ركوده، إن كان ممّا يختلف به الوزن، و إلاّ جاز قبله.
ص: 434
و فيه فصول:
و فيه أحد عشر بحثا:
لأنّ عليه توفية المتاع و تسليمه إلى المشتري، و أجرة الناقد للثمن و وزّانه على المبتاع.
و من انتصب للشراء، كان له الأجر على المبتاع، و لو كان ممّن يبيع و يشتري، كان له أجر ما يبيع على البائع، إن كان وكيلا له، و أجر ما يشتري على المبتاع إن كان وكيلا، و ليس له أن يأخذ عن سلعة واحدة أجرتين من البائع و المشتري، بل يأخذ ممّن يكون عاقدا له و وكيلا.
انعقد
ص: 435
صحيحا، و كان للمالك الخيار في الفسخ و الإمضاء. و ابن إدريس لم يصب هنا(1).
و لو أمره ببيعه و لم يعيّن الثمن، انصرف إلى ثمن المثل، فلو باعه بالأقلّ ، وقف على الإجازة، و لو لم يعيّن نقدا و لا نسيئة، انصرف إلى النقد، فإن باعها نسيئة أو أمره ببيعها نقدا، فباع نسيئة تخيّر المالك أيضا.(2)
ثبت الخيار للمالك، و كذا لو قال: بعها نسيئة بدراهم، فباعها نقدا بمثل تلك الدراهم أو أزيد.
فالقول قول المالك مع اليمين و عدم البيّنة، فإن وجد المتاع استعاده.
و إن أحدث فيه المشتري ما ينقصه، أو هلكت عينه، تخيّر صاحبه في الرجوع على من يشاء من المشتري و الواسطة بقيمته أكثر ما كانت إلى يوم التلف.
فإن رجع على الواسطة لم يكن للواسطة الرجوع على المشتري، و إن رجع على المشتري، فللمشتري الرجوع إلى الواسطة بما خسره ممّا لم يحصل له في مقابلته نفع، و لا يرجع بالثمن، و لو اختلفا في القيمة، فعلى المالك البيّنة.
ص: 436
3575. السادس: لو اختلفا في النقد(1)
فالقول قول المالك مع اليمين.
فلو ادّعاه المالك فعليه البيّنة، و على الواسطة اليمين، و لو ثبت، ضمن القيمة يوم التفريط، و لو اختلفا فالقول قول الغارم مع اليمين.
و لا خيار للمالك، و لو باعه بأقلّ ، تخيّر المالك في الفسخ و الإمضاء. و قال الشيخ:
يضمن الواسطة تمام القيمة(2). و قال ابن إدريس: يبطل البيع(3) و هما رديّان.
و كذا الدرك على البائع لو كان المبيع مستحقا. و قال الشيخ: كل وكيل باع شيئا، فاستحق وضاع الثمن في يد الوكيل، فانّه يرجع المشتري على الوكيل، و الوكيل على الموكّل(4). و ليس بمعتمد.
و إن أجاز المالك.
ص: 437
و فيه سبعة أبحاث:
جاز له بيعه بذهب، أو فضّة، أو غلّة، أو عرض(1) غيرها، و كذا إن أخذ الماء من نهر عظيم في ساقية يعملها، و يلزم عليها مئونة، ثمّ استغنى عنه، جاز له بيعه، و المراد بذلك إجارة النهر لهذه المنفعة أيّاما معلومة، و يسمّى بيعا مجازا، لكن ذلك مكروه، بل الأفضل أن يعطيه للمحتاج من غير عوض. و هذا البيع هو النّطاف و الأربعاء الّتي نهى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عنهما(2) فالنطاف جمع نطفة، و هي الماء قلّ أو كثر، و الأربعاء جمع ربيع، و هو النهر.
3582. الثاني: قضى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في سيل وادي مهزور(3)
و هو وادي بني قريظة أن يحبس الأعلى على الّذي هو أسفل منه للنخل إلى الكعب، و للزّرع إلى الشّراك، ثم يرسل الماء إلى من هو دونه، ثم كذلك يعمل من دونه مع من هو أدون منه.(4)
و الكلاء إذا كان
ص: 438
في أرضه و سقاه بمائه فيبيعه حينئذ، و لا يجوز بيعه في غير ذلك.
قال الشيخ: من اشترى مراعي، جاز أن يبيع شيئا منها بأكثر ماله، و يرعى هو بالباقي ما يبقى منها، و ليس له أن يبيع بمثل ما اشترى أو أكثر، و يرعى معهم إلاّ أن يحدث فيه حدثا، و يكون ذلك أيضا برضا صاحب الأرض، فإن لم يرض لم يجز، و إنّما له أن يرعاه بنفسه(1) و المعتمد جواز البيع بمهما أراد و إن لم يحدث حدثا و سواء رضي المالك أو لا، أمّا لو شرط المالك المرعى بنفسه، فانّه يفتقر إلى رضاه.
كان له الممرّ إليها و المخرج منها، و له مدى(2) جرائدها من الأرض.
3585. الخامس: روي عن الصادق عليه السّلام انّه سئل عن النزول على أهل الخراج، فقال: ثلاثة أيام(3)
و عن السّخرة في القرى، و ما يؤخذ من العلوج و الأكراد إذا نزلوا القرى، قال اشترط عليهم ذلك فما اشترطت عليهم من الدراهم و السّخرة و ما سوى ذلك، فيجوز لك(4)، و ليس لك أن تأخذ منهم شيئا حتى تشارطهم، و ان كان كالمستيقن أنّ من نزل تلك الأرض أو القرية أخذ منه ذلك(5).
و لا يجوز أيضا بيعه و لا شراء شيء يعلم أنّ فيه من الطريق، فان اشترى
ص: 439
و علم بعد ذلك أنّ البائع قد أخذ شيئا من الطريق، وجب عليه ردّه إليها مع تميّزه، و يتخيّر بين الفسخ و الرجوع على البائع بالدرك، و إن لم يتميز لم يكن عليه شيء.
و لا يجوز بيع جميع الماء، و لو حفرت في الموات لا للتمليك، لم يملكها و اشترك الناس فيها، و أمّا المباح من المياه كالأنهار الكبار، فانه غير مملوك ما لم يتحيّز به في إناء أو بركة أو مصنع، فيجوز بيعه بعد التحيّز لا قبله، و كلّ ماء نبع في ملكه فهو له يجوز بيعه.
و فيه سبعة مباحث:
سواء كان قبل القبض أو بعده، و ليست بيعا لا في حقهما و لا في حقّ غيرهما، فلا تجب بها الشفعة.
فلو أقاله بأزيد أو بأنقص، بطلت الإقالة، و كان الملك باقيا للمشتري، و لا يجب ردّ الثمن.
ص: 440
سواء كان سلما أو غيره.
و قيمته إن لم يكن مثليّا، و لو دفع عرضا(1) عنه لم أستبعد جوازه مع التراضي، سواء كان باقيا أو تالفا، بخلاف ما لو أقاله بغير الجنس.
وجب القبض قبل التفرّق، لأنّه صرف، و إن أخذ عرضا آخر، جاز أن يفارقه قبل القبض(2).
3594. السابع: لو تقايلا بالثمن رجع كلّ عرض(3) مالكه،
فلو كان العوض تالفا، فالوجه صحّتها، و كان الحكم كما قلناه في الثمن، و لو اختلفا في قدر الثمن بعد الإقالة، فالوجه قبول قول المشتري مع اليمين. و عدم البيّنة، و لم أظفر فيهما بكلام لأحد سبق.
ص: 441
ص: 442
و فيه مقاصد
ص: 443
ص: 444
و فيه فصول
و فيه عشرة مباحث:
قال أمير المؤمنين عليه السّلام:
«إياكم و الدّين فإنّه مذلّة بالنّهار، و مهمة بالليل، و قضاء في الدنيا، و قضاء في الآخرة»(1).
و في الصحيح عن عبد الرّحمن بن الحجّاج عن الصادق عليه السّلام: قال:
«نعوذ باللّه من غلبة الدّين، و غلبة الرجال، و بوار الأيّم»(2). و قال الباقر عليه السّلام: «كل ذنب يكفّره القتل في سبيل اللّه عزّ و جل إلاّ الدّين
ص: 445
لا كفّارة له إلاّ أداؤه، أو يقضي صاحبه(1)، أو يعفو الّذي له الحق»(2).
و في الصحيح عن معاوية بن وهب قال: قلت: لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّه ذكر لنا أنّ رجلا من الأنصار مات و عليه ديناران، فلم يصلّ عليه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و قال:
صلّوا على صاحبكم حتّى ضمنهما عنه بعض قرابته، فقال أبو عبد اللّه:
ذلك الحقّ ، ثمّ قال: «إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إنّما فعل ذلك ليتّعظوا و ليردّ بعضهم على بعض، و لئلاّ يستخفّوا بالدّين»(3).
و زالت الكراهية، فقد روي في الصحيح عن الصادق عليه السّلام انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مات و عليه دين، و كذلك الحسن و الحسين عليهما السّلام(4) و عن الكاظم عليه السّلام قال:
«من طلب هذا الرزق من حلّه ليعود به على عياله و نفسه كان من المجاهدين(5) في سبيل اللّه عزّ و جل، فإن غلب عليه فليستدن على اللّه عزّ و جل و على رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ما يقوت به عياله، فإن مات و لم يقضه، كان على الإمام قضاؤه فإن لم يقضه كان عليه وزره، انّ اللّه عزّ و جل يقول:
إِنَّمَا اَلصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ اَلْمَسٰاكِينِ وَ اَلْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا وَ اَلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ
ص: 446
وَ فِي اَلرِّقٰابِ وَ اَلْغٰارِمِينَ (1) فهو فقير مسكين مغرم»(2).
و إن كان الأولى تركه، و كذا لو استدان مع الحاجة و كان له وليّ يقضيه عنه، جاز أن يستدين أيضا، روى الشيخ عن سلمة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل منّا يكون عنده الشيء يتبلغ به و عليه دين أ يطعمه عياله حتّى يأتي اللّه عزّ و جل بيسره(3) فيقضي دينه ؟ أو يستقرض على ظهره في خبث الزمان و شدّة المكاسب ؟ أو يقبل الصدقة ؟ قال:
«يقضي بما عنده دينه، و لا يأكل أموال الناس إلاّ و عنده ما يؤدّي إليهم حقوقهم، إنّ اللّه تعالى يقول و لاٰ تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلاّٰ أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ مِنْكُمْ (4) و لا يستقرض على ظهره إلاّ و عنده وفاء، و لو طاف على أبواب الناس فردّوه باللقمة و اللقمتين و التمرة و التمرتين إلاّ أن يكون له وليّ يقضي من بعده، و ليس منّا من ميّت يموت إلاّ جعل اللّه عزّ و جل له وليّا يقوم في عدته و دينه فيقضي عدته و دينه»(5).
روى الشيخ
ص: 447
في الصحيح عن ابن رباط قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:
«من كان عليه دين فنوى(1) قضاءه كان معه من اللّه عزّ و جلّ حافظان يعينانه على الأداء عن أمانته، فإن قصرت نيّته عن الأداء، قصر عنه من المعونة بقدر ما نقص من نيّته»(2).
و عن أبي حمزة الثمالي عن الباقر عليه السّلام قال:
«من حبس حقّ امرئ مسلم و هو يريد(3) أن يعطيه إيّاه مخافة إن خرج ذلك الحقّ من يديه أن يفتقر كان اللّه أقدر على أن يفقره منه، أن يغني نفسه بحبس ذلك الحق(4).
فإن لم يجب عليه أوّلا، لم يستحبّ له الاستدانة للحجّ ، و لو استدان ثمّ حجّ به من غير تقدّم وجوب، لم يجزئه على ما تقدّم.
فإن فعل فلا يقيم عنده أكثر من ثلاثة أيّام.
3601. السابع: من لا يجد(5) شيئا، كان قبول الصدقة له أفضل من الاستدانة.
ص: 448
3602. الثامن: إذا أهدى المدين شيئا للمدين(1) لم تكن تجري عادته به،
استحبّ له احتسابه من الدّين، و ليس بواجب.
لم تجز لصاحب الدّين ملازمته فيه، و لو وجده في الحرم، و هو موسر مليّ ، فالوجه جواز مطالبته فيه.
و لا يجب عليه التقتير، و مع مطالبة المدين يجب عليه دفع جميع ما يملكه إليه، عدا دار سكناه، و ثياب بدنه و خادمه، و قوت يومه و ليلته له و لعياله.
و فيه أربع و عشرون بحثا:
بعشر أمثالها، و القرض بثمانية عشر»(1).
و قال الصادق عليه السّلام في قوله تعالى: لاٰ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوٰاهُمْ إِلاّٰ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاٰحٍ بَيْنَ اَلنّٰاسِ (2) قال: يعني بالمعروف القرض.(3)
و قال الباقر عليه السّلام:
«من أقرض قرضا إلى ميسرة كان ماله في زكاة و (كان)(4) هو في صلاة من الملائكة عليه حتّى يقضيه(5).
و هو مستحبّ بالنسبة إلى المقرض، جائز بالنسبة إلى المقترض، و قد يكره مع الغنى، و ليس الإقراض بواجب، و يستحبّ للمقترض إعلام المقرض بحاله.
مثل أقرضتك أو تصرّف
ص: 450
فيه، أو انتفع به و عليك ردّ عوضه، أو ما أشبه ذلك، و على قبول كقوله: قبلت، أو ما دلّ على الرضا بالإيجاب من غير حصر في عبارة.
و لا يصحّ إلاّ من جائز التصرّف، و لو قال: ملّكتك على أن تردّ عوضه، فهو قرض، و لو قال: ملّكتك، و أطلق، ففي كونه هبة نظر، و لو اختلفا فالوجه أنّ القول قول الواهب.
فإن شرط في القرض الزيادة حرم، و لم يفد الملك، سواء شرط زيادة عين أو منفعة، و لو ردّ عليه أزيد في العين أو الصفة من غير شرط، لم يكن به بأس، سواء كان العرف يقتضي ذلك أو لا، و لا تقوم العادة في التحريم مقام الشرط، و لا فرق في التحريم مع الشرط بين الرّبوي و غيره.
و لو شرط في القرض، أن يوجره داره، أو يبيعه شيئا، أو يقرضه المقترض مرّة أخرى، جاز أيضا، أمّا لو شرط أن يوجره داره بأقلّ من أجرتها، أو يستأجر منه بأكثر، أو على أن يهدي له هدية، أو يعمل له عملا، فالوجه التحريم و لو فعل ذلك من غير شرط كان جائزا.
و لو شرط رهنا على القرض، أو كفيلا به جاز، بخلاف ما لو شرط رهنا على قرض آخر أو كفيلا، و لو شرط أن يقرضه شيئا آخر صحّ ، و لم يلزم الوعد.
3609. الخامس: قال الشيخ(1) إذا أعطاه الغلة و أخذ منه الصحاح،
شرط ذلك
ص: 451
أو لم يشرط، لم يكن به بأس(1) و فيه إشكال مع الشرط.
و قد كان النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم معروفا بحسن القضاء، و لم يكره إقراضه.
سواء كان ممّا يجري فيه الرّبا، أو لا، و لو شرط المكسر عوض الصحيح(2)، أو تأجيل الحالّ ، لغى الشرط و صحّ القرض.
و قال: نصفه قضاء و نصفه وديعة، أو سلما في شيء صحّ ، و للمقرض الامتناع من قبوله.
و لو اشترى بالنصف الباقي من الدينار سلعة جاز، إلاّ أن يشرط فيقول:
أقرضتك صحيحا بشرط أن آخذ منك بنصفه الباقي سلعة، فالوجه عدم الجواز.
و لو لم يشرط(3) جاز، و لو ترك النصف الآخر وديعة، جاز و اشتركا فيه.
فلو أرادا كسره جاز، و لو اختلفا لم يجبر الممتنع على كسره.
بل للمقرض المطالبة في الحالّ ، و للمقترض الدفع عاجلا، و ليس لأحدهما الامتناع من حقّ صاحبه.
و هو عقد لازم من
ص: 452
جهة المقرض، جائز من جهة المقترض على معنى أن للمقترض ردّ العين أو المثل، و لو طلب المقرض العين لم يجبر المقترض على دفعها، و قول الشيخ في الخلاف(1) ضعيف.
فإن ردّ المقترض العين سليمة، وجب على المقرض القبول و إن تغيّر سعرها، و إن ردّها ناقصة لم يجب، سواء كان النقص في عين، أو صفة، و في وجوب قبول العين على المقرض في غير المثل إشكال.
و كذا كلّ دين حالّ لم يتأجّل، سواء كان بزيادة فيه أو لا، و كذا لو كان مؤجّلا فحلّ ، لم يصحّ تأجيله إلى آخر، و سواء في ذلك القرض و بدل المتلف(2) و ثمن المبيع، و الأجرة و الصداق و عوض الخلع، نعم يستحبّ له الوفاء، و يجوز تعجيل المؤجّل بإسقاط بعضه و بدونه مع التراضي.
و كذلك يجوز قرض غيرهما ممّا يثبت في الذّمة، سلما، و كذا يجوز إقراض غير المثلي كالجواهر و الحيوان و أشباههما، و للشيخ رحمه اللّه قول بالمنع في إقراض ما ليس بمثليّ (3) و يجوز إقراض الرقيق، سواء كان عبدا أو أمة، و سواء أقرض الأمة لمحرم لها، كالأب و الأخ، أو لغيره.
و كذا لو قدّره
ص: 453
بمكيل معيّنة، أو بصنجة(1) معيّنة غير معروفين عند العامة. و لو كانت الدراهم ممّا يتعامل بها عددا، اشترط تعيين العدد و يردّ عددا، و إن استقرض(2) وزنا ردّ وزنا، و كذا كل معدود، و يجب معرفة عدده وقت الإقراض.
سواء كان ممّا يكال أو يوزن، أو لا، و سواء رخص أو غلا، أو لا، و لو تعذّر المثل ردّ القيمة يوم تعذّر المثل، و لو لم يكن مثليّا، وجب ردّ القيمة يوم الإقراض، و لو اختلفا في القيمة، فالقول قول الغارم.
فإن استقرض عددا، ردّه عددا، و إن استقرض وزنا، ردّه وزنا،(3) و لو شرط أن يعطيه أكثر، أو أجود، حرم.
و لو كان لجماعة ماء فاحتاج بعضهم أن يسقي في غير نوبته، فاستقرض من نوبة غيره ليردّ عليه بدله في يوم نوبته، لم يكن به بأس.
و لو استقرض جارية، جاز له وطؤها بعد الاستبراء إن وجب.(4)
و لو كانت له عليه حنطة، فأقرضه ما يشتري به حنطة، و يوفّيه إياها،
ص: 454
جاز أيضا. و لو أراد أن يبعث نفقة لعياله، فأقرضها رجلا على أن يدفعها إلى عياله جاز.
و لو أقرض أكّاره(1) ما يشتري به عاملة يعمل في أرضه، أو بذرا يبذره فيها من غير شرط جاز.
3622. الثامن عشر: لو اقترض من غيره دراهم فاشترى بها منه سلعة، فطلعت زيوفا(2) لزم البيع،
و لا يرجع عليه بشيء، إن وقع الشراء بالعين و كان البائع عالما بالعيب، و لو باعه بدراهم في الذّمة، ثم قبض هذه عوضها(3) و لم يعلم بالعيب، وجب له دراهم خالية من العيب، و يردّ هذه على المشتري، و يردّها المشتري عليه وفاء عن القرض، و يبقى الثمن في الذّمة سليما، و لو حسبها على البائع وفاء عن القرض، و دفع الثمن جيّدا، جاز.
و لو قال: إن متّ فأنت في حلّ ، لم يصحّ .(4)
جاز، إذا كانت لا تنفق في مكان إلاّ بالوزن، و كذا لو كانت تنفق برءوسها.
و لو قال: اقترض لي من فلان مائة و لك عشرة، فلا بأس، لأنّه جعالة على مباح.
ص: 455
و لو قال: اكفل عنّي و لك ألف قيل: لم يجز(1)، لأنّ الكفيل يلزمه الدّين، و يجب على المكفول عنه قضاؤه مع الأداء كالقرض، و مع العوض يكون جارا للمنفعة.
و لا يردّها بسكّة مخالفة لسكّة القرض(2)، و لو سقطت تلك الدراهم و جاءت غيرها لم يكن عليه إلاّ الدراهم الّتي اقترضها، أو سعرها بقيمة الوقت الّذي اقترضها فيه، كذا؛ قاله الشيخ(3)، و به رواية صحيحة.(4)
و لا يجب على المقترض ردّ النقد الحادث. و في رواية ضعيفة السند عن الرضا عليه السّلام ان عليه دراهم تجوز بين الناس كما اخذ ما ينفق بين الناس(5). و جمع الشيخ بينهما بأنّه يأخذ منه ما ينفق بين الناس يعني بقيمة الدراهم الأولى مما ينفق بين الناس، لأنّه يجوز أن تسقط الدراهم الاولة(6) حتى لا يكاد تؤخذ أصلا، فلا يلزمه أخذها و هو لا ينتفع بها، و انّما له قيمة دراهمه الأولة، و ليس له المطالبة بالدراهم الّتي تكون في الحال(7).
لم يجب عليه حمله إلى بلد المطالبة. و لو طالبه بالقيمة لزم، و لو تبرّع المستقرض(8)
ص: 456
بدفع المثل و امتنع المقرض، كان له ذلك و إن لم تكن في حمله مئونة.
و لم يجب على المقترض شيء، سواء كان هو المسلم أو الآخر.
و لو شرط الزكاة على القارض، قال الشيخ: صحّ و لزمت الزكاة القارض(1) و الوجه خلافه.
و فيه ثمانية مباحث:
و الحالّ يجوز بيعه على من هو عليه و على غيره بحالّ و إن لم يكن معيّنا، و لا يجوز بيعه بدين آخر.
و إن لم يكن ربويّا جاز بيعه بمثله، أو أزيد أو أنقص بجنسه أو بغيره، و قال الشيخ: لو باع الدّين بأقلّ ممّا له على المدين، لم يلزم المدين أكثر ممّا وزن المشتري من المال(2) و ليس بمعتمد.
ص: 457
و كذا لا يجوز بيع أهل الزكوات و الأخماس قبل قبضها.
احتسب بقيمتها يوم القبض، و لا يلزمه ردّ المثل، أمّا لو أعطاه قرضا عليه، فانّه يردّ مثله.
فلو جعله مضاربة قبل قبضه، لم يصحّ .
فلو كان لأثنين مال في ذمم جماعة، ثمّ تقاسما به، كان ما يحصل لهما، و ما يتوى(1) منهما.
و لو كان البائع مسلما لم يجز.
فإن وفّى الّذي عليه الدّين المشتري، و إلاّ رجع على البائع بالدّرك؛ قاله الشيخ رحمه اللّه(2).
ص: 458
و فيه أحد عشر بحثا:
و لا يجوز له أن يتصرّف في نفسه بإجارة، و لا استدانة، و لا غير ذلك من وجوه التصرّفات، و لا فيما في يده ببيع، و لا هبة، و لا إقراض، و لا غير ذلك، إلاّ بإذن مولاه.
ثمّ هو قسمان: مأذون له، و غير مأذون، فغير المأذون لا يتصرّف إلاّ بإذن مولاه، على ما تقدّم، إلاّ في الطلاق و الخلع، و ليس له أن يقبل الهبة، و لا الوصيّة، و لا يصحّ ضمانه و لا شراؤه.
و أمّا المأذون له في التجارة، فيجوز له كلّ ما يندرج تحت اسم التجارة، أو كان من لوازمه، فليس له أن ينكح و لا يؤاجر نفسه، و لا يتعدّى النوع الّذي رسم له الاتّجار فيه، و لا يأذن لعبده في التجارة إلا بالأذن.
يتبع به إذا أعتق و أيسر. و إلاّ فلا، و لا يتعلّق برقبته. و لو استدان المأذون له في الدّين، تعلّق بذمّة المولى إن استبقاه أو أراد بيعه، و إن أعتقه فللشيخ قولان:
أحدهما أنّه يتبع به العبد(1) و الآخر يلزم المولى(2) و عندي في ذلك تردّد.
و لو استدان المأذون له في التجارة لأجلها، لزم المولى أداؤه، و إن كان لا
ص: 459
لأجلها كان كغير المأذون، و قيل: يستسعى العبد(1) و ليس بمعتمد.
فإن ضاقت التركة، شارك غريم العبد غرماء المولى بالحصص.
كان ما يستدينه عليه في ذمّته.
و يرجع البائع و المقرض في العين، سواء كانت في يد العبد أو المولى، و لو تلفت في يد العبد، كان له المثل في ذمّته، يتبعه به بعد العتق، و إلاّ فالقيمة، و ان تلفت في يد المولى، كان له المثل أو القيمة على السيّد في الحال، و إن شاء طالب به العبد مع عتقه و يساره.
و عند القائلين بالتمليك، ينبغي صحّة البيع و القرض، و للبائع و المقرض الرجوع فيه، إذا كان في يد العبد. و إن تلف تبعه بالمثل أو القيمة بعد العتق، و إن كان في يد سيّده، لم يكن للبائع و لا للمقرض أخذه، و يرجع البائع و المقرض على العبد مع عتقه و يساره.
و لو أذن له في النسيئة جاز، و كان الثمن في ذمّة المولى، و لو تلف الثمن، وجب على المولى عوضه.
احتمل تعلّقه بكسبه أو بذمّته.
كان لوليّ الجناية استيفاء القصاص
ص: 460
إن أوجبت، و إن عفا على مال تعلّق برقبته، أو يفديه مولاه، و كذا إن أوجبت مالا كالخطإ، و قيم المتلفات في ذمّته.
و إن لم تقم بيّنة، لم يقبل إقراره في حقّ المولى، فلا يقتصّ منه، و لا يؤخذ منه شيء ما دام عبدا، فإذا أعتق استوفى منه، و كذا لا يقبل إقراره فيما دون النفس، سواء كان إقراره بما يوجب القصاص أو المال.
سواء اعترف بما في يده أو غيره، و يتبع بها إذا أعتق.
ثمّ إن كان ما في يده بقدر الإقرار، قضي منه، و إلاّ كان الفاضل في ذمّته، يتبع به بعد العتق.
فلو اتّجر و لم ينهه مولاه، لم يكن مأذونا، و الأقرب أنّه لا ينعزل بالإباق، و ينعزل بالبيع.
ص: 461
ص: 462
و فيه فصول
و فيه أربعة عشر بحثا:
و ذكر السفر في الآية(1)خرج مخرج الغالب، إذ الغالب عدم الكاتب في السفر، و لا يشترط أيضا عدم الكاتب إجماعا.
و المقصود في الآية الإرشاد لا الأمر.
و هو كلّ لفظ دالّ على الارتهان، كقوله: رهنتك، أو هذا وثيقة عندك، أو ما استفيد منه ذلك، و يفتقر إلى القبول، و هو اللفظ الدالّ على الرّضا، كقوله: قبلت، و ما أشبهه، و لو عجز عن النطق، كفت الإشارة الدالّة عليهما، و إن كانت كتابة.
و جائز من جهة المرتهن.
و لا يفتقر إلى القبض، و هو أحد قولي الشيخ(2) و في الآخر يفتقر إليه(3) و هو اختيار ابن الجنيد، و كذا يلزم بالإيجاب و القبول و إن لم يكن مكيلا أو موزونا، و يجبر الراهن على تسليمه بمجرّد العقد.
و التفريع على قول الشيخ(4) انّه لو قبضه من غير إذن الراهن لم ينعقد، و كذا لو أذن في قبضه ثمّ رجع قبله، و كذا لو جنّ ، أو أغمي عليه أو مات قبل القبض.
ص: 464
و ليس استدامة القبض شرطا، فلو عاد إلى الراهن أو تصرّف فيه، لم يخرج عن الرهانة، و لو رهن ما هو في يد المرتهن، لزم، و لو كان غصبا، و لو رهن غائبا لم يصر رهنا حتّى يحضر المرتهن أو القائم مقامه، و يقبض الرهن.
و لو أقرّ الراهن بالإقباض، حكم به عليه مع انتفاء علم الكذب، و لو رجع لم يقبل رجوعه، و لو ادّعى المواطاة على الإشهاد بالإقباض توجهت له اليمين إلاّ أن تشهد البيّنة بالإقباض لا بالإقرار به، نعم لو شهدت بالإقرار فقال: لم أقرّ، لم يلتفت إليه.
وجب تسليم الرهن إلى من رهنه عنده قبل الحجر، و على قول الشيخ ليس له ذلك إذا لم يسبق القبض الحجر.
و يقبضه المرتهن كما يقبض المشاع، و لو كان دار بين شريكين فرهن احدهما نصيبه من بيت بعينه جاز.
و القبض في الرهن كالقبض في البيع، فلو رهن ما لا ينقل، كان قبضه بالتّخلية، و لو كان له فيه شريك، افتقر إلى إذنه، و كذا يفتقر إلى إذن الشريك في قبض ما ينقل و يحول، فإن اتّفقا على إقباض المرتهن أو الشريك، جاز، و يكون الشريك نائبا له في القبض، و إن اتّفقا على عدل فكذلك.
و لو تعاسرا، نصب الحاكم عدلا من جهته يقبضه لهما، و لو كانت له منفعة، آجره لأربابه بمدّة تقصر عن محلّ الحقّ لتمكّن بيعه. و لو رهن دارا و هما فيها، فخلّى بينه و بينها، ثمّ خرج الراهن، صحّ القبض، و لا يفتقر إلى التّخلية بعد الخروج.
ص: 465
3657. العاشر: إذا جعل(1) القبض شرطا، وجب أن يكون القابض المرتهن أو وكيله،
و لا يجوز أن يقبضه الراهن من نفسه للمرتهن، و لو وكّله المرتهن، فالوجه الجواز، و لو رهنه دارا فيها قماش للراهن، فخلّى بينه و بين الدار، فالوجه صحّة التسليم في الدار، و كذا لو رهنه دابّة عليها حمل له، ثمّ سلّمه الجميع، و كذا لو رهنه الحمل دون الدابّة أو معها و سلّمها إليه، صحّ القبض.
و سلّم إلى الوارث وثيقة، أو إلى الحاكم، و كذا لو مات الراهن قبل القبض، عندنا، و لو جنّ المرتهن، تخيّر الراهن في تسليمه إلى وليّه، و لو خرس قبل الإقباض صحّ عندنا و عند الشيخ في بعض أقواله إن كان له إشارة مفهومة أو كتابة، فأذن في القبض، جاز و إلاّ فلا(2)، و كذا لو أذن في القبض ثمّ خرس، و لو أفلس الراهن، أو زال عقله، و لم يكن أقبض الرهن، و لا سلّط على قبضه، كان للمرتهن القبض.
لم ينفذ إلاّ بإذن المرتهن عندنا، و عند المشترطين للقبض يصحّ التصرّف، و يبطل الرهن، سواء كان التصرّف لازما كالبيع، أو غير لازم كالهبة غير المقبوضة، و لو زوّج الأمة لم يبطل الرهن عند الفريقين.
و إن لم تمض مدّة يمكنه القبض فيها، و لا يفتقر إلى إذن الراهن في القبض، سواء كان ممّا يزول بنفسه كالعبد و الدابّة، أو لا يزول، كالثوب و الدّار.
ص: 466
احتمل تقديم قول المرتهن مع يمينه عملا بالصّحة، و احتمل تقديم قول الراهن، إذ الأصل عدم القبض، و احتمل تقديم قول صاحب اليد، فإن كان في يد المرتهن (فالقول قوله في قبضه بالإذن لا بعد الرجوع، و إن كان في يد الراهن فالقول قوله في عدم عوده إليه بعد قبض المرتهن)(1) و هذا كلّه ساقط عندنا، لأنّ القبض ليس شرطا.
و فيه تسعة عشر بحثا:
سواء في ذلك المشاع و المنفرد، فلا يصحّ رهن الدّين و لا المنفعة، كسكنى الدار و خدمة العبد، و قول الشيخ رحمه اللّه في أنّ (2) رهن المدبّر منصرف إلى الخدمة،(3) ليس بمعتمد، بل رهن المدبّر إبطال للتدبير.
و لو رهن ما لا يملك: وقف على إجازة المالك، و لو رهن ما يملك و ما لا يملك، مضى في ملكه، و وقف في حصّة الشريك على الإجازة.
ص: 467
و لو رهن أرض الخراج لم يصحّ ، و لو كان فيها بناء و غرس، جاز رهنه دون رقبة الأرض، و لو رهن الجميع صحّ في الآلات خاصّة، و الخراج على صاحب الأرض دون المرتهن و المستأجر، فلو أداه أحدهما بدون إذن المالك، لم يكن له الرجوع، و لو قضاه بأمره و شرط الرجوع وجب، و كذا لو لم يشترط.
و كذا لا يصحّ رهنها عند المسلم لذمّي و لا لمسلم، و لو رهنها الذمّي عند المسلم، و وضعها على يد ذمّي، لم يصحّ أيضا.
و يجوز رهن العصير، فإن استحال حلوا، أو حامضا، فالرهن بحاله، و إن استحال خمرا، خرج عن كونه رهنا، و يزول ملك الراهن عنه، و لو تلف بعد صيرورته خمرا، لم يكن للمرتهن خيار، و لو استحال خلاًّ عاد إلى ملك الراهن و عاد الرهن.
ففي بقاء ملك الأوّل إشكال، من حيث إنّه أزال يده و أسقط حقّه بإراقته، و كذا في تمليك الثاني، لأنّ الأوّل فعل المأمور به شرعا، و الجامع ممنوع محرّم عليه، و لا تثبت يده عليه، فلا يصحّ تملك الخلّ به، و الأوّل أقوى إلاّ مع نيّة التخليل بالجمع، و كذا لو كان عنده خمر فرهنها عند إنسان، فانقلبت خلاًّ عند المرتهن، ملكها المرتهن.
فلو دبغ الراهن جلدها لم يعد ملكه عندنا،(1) و عند ابن الجنيد ينبغي عوده، و في إعادة
ص: 468
الرهن حينئذ إشكال ينشأ من كون الراهن ملكها بالدّباغ، بخلاف الخمر المتخلّل من نفسه.
و لا خيار للمرتهن في البيع الّذي شرط فيه ارتهانه عندنا، و من اشترط القبض أثبت الخيار، و لو صار بعده بطل الرهن و لا خيار.
و لو اختلفا فقال المرتهن: قبضته و هو خمر، و قال الراهن: كان عصيرا، قال الشيخ: القول قول المرتهن، لأنّه ينكر قبض الرهن، و قيل: قول الراهن، لاتّفاقهما على العقد و التسليم، و ادّعاء المرتهن فساد القبض(1) و هذا عندي أقوى، و كذا لو رهنه عبدا حيّا فوجده ميّتا في يد المرتهن، ثمّ اختلفا، فقال الراهن: مات بعد القبض، و قال المرتهن: قبله.
و لو قال: رهنتك عصيرا و قبضته عصيرا، و قال المرتهن: رهنتنيه خمرا، و قبضته خمرا، قيل: القول قول المرتهن لإنكاره العقد. و قيل: الراهن،(2) و لو رهن عصيرا، فانقلب خمرا قبل قبضه، بطل الرهن، فإن عاد خلاًّ عاد الرّهن عندنا، و من يشترط القبض لم يعد عنده.
و لو اشترى عصيرا، فصار خمرا في يد البائع، فسد العقد، فإن عاد خلاًّ، لم يعد ملك المشتري.
سواء انقلبت من نفسها، أو بالتخليل، و ليس التخليل حراما.
ص: 469
فإن حلّ الحقّ ، جاز بيعها دون ولدها، و إن كان له أقلّ من سبع سنين على كراهية، و الشيخ منع ذلك(1) بل يباعان معا، فما قابل الجارية يكون المرتهن أحقّ به من باقي الغرماء فتقوّم و هي ذات ولد بدون ولدها، و يقوّم الولد، و يؤخذ من الثمن بالنسبة، و لو لم يعلم المرتهن بالولد حال الارتهان، لم يكن له خيار عندنا، و أثبت الشيخ له الخيار(2) في البيع المشروط فيه إذا فسخ الرهن، بناء على تحريم التفريق، لأنّ ذلك نقص في القيمة.
و عند الشيخ يباعان معا(3) و يكون المرتهن أحقّ بما يقابلها من الثمن، فتقوّم خالية من الولد، ثمّ يقوّم الولد، و يأخذ بالنسبة، بخلاف الأولى الّتي رضي بكونها أمّ ولد.
و عند الشيخ لا يجوز(4) بناء على قوله بعدم الانتقال إلاّ بعد الخيار، و لو رهنه المشتري في مدّة خياره لزمه البيع، و لو باع شيئا و أفلس المشتري بالثمن، كان للبائع أخذ العين، فلو رهنه قبله، ففي كونه فسخا للبيع، نظر، و كذا لو رهن الموهوب فيما يصحّ رجوعه فيه، هل يكون رجوعا إشكال.
فإن تاب زال العيب إن قبلت توبته، و إن كان عن فطرة، أو لم
ص: 470
يتب فقتل، فالوجه سقوط الخيار. و لو لم يكن عالما ثمّ علم، كان له ردّه و الخيار في البيع المشروط به، و لو أمسكه حتّى قتل، فلا خيار.
و لو تجدّد العلم بعد القتل، احتمل أن يكون كالمستحقّ ، فيثبت للمرتهن الخيار في البيع، و أن يكون كالمعيب فلا خيار.
أمّا لو باع المرتدّ عن فطرة أو لم يتب، و لم يعلم المشتري حتّى قتل، ففيه الوجهان، لكن على الثاني يثبت له الأرش.
و كان كالمعيب(1) إذا لم يجب قتله، و لو رهن قاطع الطريق فتاب قبل قدرة الإمام عليه، صحّ الرهن، لقبول التوبة منه، و لو كان بعدها لم يصحّ .
سواء كانت الجناية عمدا أو خطأ، فإن افتكّه(2) مولاه بقى رهنا، و إلاّ بطلت الرهانة فيما قابل الجناية. و أبطل الشيخ في الخلاف الرهن في العمد و الخطاء معا(3).
فإن صدّقه المرتهن، كان الحكم ما تقدّم في رهن الجاني، و إن كذّبه، نفذ إقراره في حقّ نفسه لا حقّ المرتهن، و على المرتهن اليمين على نفي العلم، و كذا لو أقرّ أنّه كان غصبه أو أعتقه، و كذا لو باعه أو كاتبه مطلقا، ثم أقرّ بأحد هذه الأشياء إلاّ العتق، فينفذ في الكتابة، و كذا لو آجره ثمّ اعترف بالجناية، فإذا حلف المرتهن بقي الرهن بحاله، و في رجوع المجنيّ عليه على الراهن إشكال، من حيث منع
ص: 471
تصرّفه من الاستيفاء، و إمكان عدم علمه بالجناية قبله، و مع القول بعدم الضمان لو عاد إليه ببيع أو افتكاك أو غيرهما نفذ الإقرار فيه، و مع التضمين يحتمل الرجوع بالأرش و بالأقلّ منه و من القيمة، و لو نكل المرتهن حلف المجني عليه لا الراهن، فإن نكل لم يحلف الراهن أيضا.
و بيع في الجناية ان استغرقت، و إلاّ بقدرها، و الباقي رهن، و لو تعذّر، بيع الجميع، و كان باقي الثمن رهنا، و لو فداه السيّد بقي رهنا كما كان.
و لو فداه المرتهن على أن يكون رهنا بهما بإذن الراهن، جاز، و رجع بالفداء، و لا يضمن المرتهن جناية الرهن، و لا يسقط دين المرتهن لو بيع في الجناية، أو فداه السيّد، سواء كان بقدر الفداء، أو أقلّ أو أكثر.
و لو كانت الجناية عمدا، كان الخيار في القصاص و الاسترقاق إلى المجنيّ عليه أو ورثته، و لو جنى على مولاه عمدا اقتصّ منه، و لا يخرج عن الرهانة و ليس له العفو على مال، و لو كانت نفسا جاز قتله، و لو كانت خطأ، لم يكن لمولاه عليه شيء، و بقى رهنا، و لو جنى على من يرثه المالك ثبت للمالك ما ثبت لمورّثه من القصاص، أو الانتزاع في الخطأ إن استوعبت الجناية قيمته، و إلاّ أطلق ما قابل الجناية.
و لو جنى على مكاتب السيّد المشروط، ثبت للمكاتب القصاص أو العفو على مال، فإن عجز نفسه، ثبت للسيّد القصاص أو العفو على مال، و كذا إن قتل المكاتب.
قال الشيخ:
ص: 472
و لو قلنا بصحّتهما معا كان قويّا(1). فإن قضى المالك من غير الرهن جاز، و إن باعه فله، و إن امتنع قضى الحاكم الدّين من ماله، و لو لم يكن [له] مال، باع(2) الحاكم العبد، و بطل التدبير و الرهن معا.
و يوضع عند أمين إلى وقت الأجل(3) و قيل: لا يصحّ (4)و الأقرب كراهية رهن أحاديث النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و كتب الفقه.
و كذا البحث في الآبق منفردا.
و فيه ثمانية أبحاث:
و يجوز لوليّ الطفل أن يرهن ماله إذا افتقر إلى الاستدانة مع المصلحة، مثل ان يستهدم عقاره فيحتاج في إصلاحه إلى الاستدانة، أو يكون له ما يحتاج إلى الإنفاق عليه، أو تكون به حاجة إلى نفقة و كسوة، أو يخاف من تلف بعض ماله، فيستدين الوليّ لحفظه و يرهن ما يراه مصلحة، و له أن يقبض الرهن مع المصلحة أيضا.
و لو رهن الطفل أو المجنون لم يصحّ و لو أجاز الوليّ ، أمّا لو عقد العاقل الكامل الرهن، ثمّ جنّ قبل الإقباض، فإنّه يصحّ عندنا، خلافا لمن اشترط الإقباض.
و لو أوجب ثمّ جنّ قبل القبول، بطل، و كذا الحكم في المغمى عليه و الميّت.
3682. الثاني: لا فرق في اشتراط كمال العقل و جواز التصرّف بين الراهن و المرتهن في ذلك(1)،
فلو ارتهن الصبيّ أو المجنون لم ينعقد، و إن قبضا، لكن يتولّى عنهما وليّهما الارتهان و القبض.
و ليس للوليّ أن يسلف مالهما إلاّ مع الغبطة، بأن يزيد مالهما لأجل الأجل.
ص: 474
و لا يجوز له إقراض مالهما إلاّ مع خوف التلف من غرق أو نهب أو حرق، و ما أشبه ذلك، و يأخذ عليه الرهن، فإن تعذّر أقرضه من الثقة المليّ .
و لو زال الإكراه فأجاز ما فعله، صحّ .
و لو تجدّد الحجر بعد العقد، لزم الرهن، و إن لم يحصل القبض عندنا، و له إقباضه، و من اشترط القبض منع من الإقباض بعد الحجر، و إن كان الرهن متقدّما.
كما لا يصحّ عقدهم، نعم للمرتهن قبضه بمجرّد العقد.
الأب، و الجدّ، و ينفذ تصرّفهما مع اعتبار المصلحة، و لكلّ منهما أن يشتري لنفسه من مال الطفل، و يبيع عليه، فيكون موجبا قابلا و قابضا مقبضا، و الوصيّ ، و الحاكم، و أمينه، لهم الولاية مع المصلحة، و ليس لهم تولّي طرفي العقد.
فلو باع أحد الخمسة ما يساوي مائة نقدا بمائة نسيئة، و أخذ الرهن، جاز مع المصلحة من خوف النهب و غيره من أسباب التلف لا بدونه، و لو باعه بمائة و عشرين، و أخذ الرهن صحّ ، سواء كانت المائة نقدا و الرهن على العشرين، أو كان الجميع نسيئة.
كالمولّى عليه، لا بدونها، و كذا العبد المأذون له في التجارة.
ص: 475
فلو رهن اثنان شيئا بدين عليهما عند رجل صحّ ، و كان بمنزلة عقدين، فإذا قضى أحدهما نصيبه من الدّين، أو برئ، صارت حصّته طلقا إلاّ أن يكون كلّ واحد رهن حصّته على جملة الدّين، فلا يخلص من الرهن إلاّ بإيفاء الجميع، و إذا صارت حصّة احدهما طلقا، و أراد قسمتها مع المرتهن، لم يجز إلاّ بإذن الشريك، سواء كان ممّا تتساوى أجزاؤه كالطعام، أو لا كالحيوان.
و لو كان الرهن حجرتين فطالب بالقسمة على أن يفرد نصيبه في إحدى الحجرتين كان للمرتهن الامتناع من ذلك، و لو أذن المرتهن كان للشريك الامتناع أيضا.
و لو كان الرهن واحدا عند اثنين، كان بمنزلة عقدين أيضا، و يكون نصفه رهنا عند أحدهما بحصّته، و الآخر رهنا عند الآخر بحصّته من الدّين، فإذا قضى أحدهما أو أبرأه، خرج نصفه من الرهن، و كان له مطالبة المرتهن الآخر بالقسمة.
و فيه ثلاثة عشر بحثا:
مثل ثمن المبيع، و أجرة العقار، و المهر، و عوض الخلع، و القرض، و أرش الجناية، و قيمة المتلف.
ص: 476
سواء حصل سبب الوجوب، كالجعالة قبل الفعل، أو لا، و الدية على العاقلة لا يجوز أخذ الرهن عليها قبل الحول، و يجوز بعده على الثلث و في الثاني على الثلثين و في الثالث على الجميع.
سواء كان مشروطا أو مطلقا، و إذا فسخ المشروطة للعجز، بطل الرهن، و منع الشيخ من أخذ الرهن على مال الكتابة(1) و ليس بمعتمد.
و إن جعلناه إجارة صحّ .
و كذا يجوز أخذه على الإجارة.
3695. السابع: يجوز أخذ الرهن(2) بعد الحق و معه،
و لا يجوز قبل الحق، كالرهن على ما يستدينه و على ثمن ما يشتريه.
كالإجارة المتعلقة بعين الموجر مثل خدمته، و يصحّ فيما يمكن، كالعمل المطلق، فإذا هرب جاز بيع الرهن و استيجار غيره بذلك لتحصيل ذلك العمل.
مثل الرهن على عهدة الثمن
ص: 477
و الإجارة إن خرجا مستحقّين، أخذ المشتري من الرهن الثمن، و كذا المغصوب يجوز أخذ الرهن به، و كلّ ما أشبهه من الحقوق الّتي تثبت في العين على إشكال.
و كان رهنا عليهما معا، و جاز للشاهد أن يشهد بالرهن على المجموع، و إن لم يفصّل ذلك، سواء فسخ الرهن الأوّل و عقد لهما أو لا، و كذا له أن يجعله على دين ثالث و رابع إلى ما شاء.
و لو رهن شيئا على حقّ ثمّ رهن آخر على ذلك الحقّ أيضا، جاز، و كانا جميعا رهنين، سواء فسخا الرهن الأوّل و عقداه عليهما ثانيا، أو لا.
و لو مات و عليه دين مستوعب، فالأقرب عدم جواز رهن الوارث لتركته.
فإن كان باتّفاق المرتهنين من غير إبطال الأوّل، كان رهنا على الحقّين، و لو لم يعلما تخيّر الأوّل في الفسخ و الإمضاء، و كذا لو لم يعلم الأوّل، و لو أذن الأوّل على أن يكون رهنا عند الثاني، ففي إبطال رهنه نظر.
بلا خلاف.
فقال المقترض: اقرضني ألفا أخرى على أن ارهنك شيئا على الألفين، جاز، و كذا لو قال: بعني عبدك على أن ارهنك شيئا على الثمن و القرض.
ص: 478
و فيه سبعة و عشرون بحثا:
و الشرط قسمان: صحيح لا ينافي مقتضى الرهن، و فاسد.
فالأوّل مثل أن يشترط كون الرهن في يد المرتهن أو عدل، أو بيعه عند محلّ الدّين، و هذا القسم لازم.
و الثاني مثل أن يشترط كونه مبيعا عند حلول الأجل بالدّين، و هل يفسد الرهن بفساد الشرط؟ فيه نظر، و الّذي قوّاه الشيخ عدم الفساد(1) و هو جيّد، و إذا لم يفسد، لم يبطل البيع الّذي اشترط فيه الرهن، و لا يثبت فيه خيار.
فإن كان الرهن على الدّين لم يجز، سواء كان الدّين مستقرّا في الذمّة، أو قرضا مستأنفا، لكن في الدّين المستقرّ يبطل الشرط خاصّة دون الرهن، و في القرض المستأنف يبطل القرض و الشرط معا دون الرهن، و لا فرق بين أن تكون المنافع أعيانا، كالنماء المنفصل، أو منافع كالمتّصل.
و إن كان في بيع، بأن يرهن على الثمن، و يشترط المرتهن المنافع لنفسه،
ص: 479
فإن كانت معلومة، كسكنى الدّار سنة، صحّ البيع و الرهن و الشرط، و إن كانت مجهولة بطل الجميع.
و لو لم يشترط، لم يدخل في الرهن على أقوى القولين.
أو حتّى يبلغ كذا، أو بعد محلّ الحقّ بشهر، لم يفسد الرهن، و الوجه صحّة الشروط، سواء كان ذلك في قرض أو غيره من الحقوق.
بطل الرهن فيه خاصّة، و صحّ في الصندوق، و كذا لو قال: رهنتك الصندوق دون ما فيه، و لو قال: رهنتك الصندوق، و أطلق، صحّ فيه خاصّة، و لم يدخل ما فيه.
أمّا لو قال: رهنتك الخريطة(1) بما فيها، صحّ في الخريطة خاصّة، إن كانت مقصودة بالارتهان، و كذا لو أطلق، و لو لم تكن مقصودة لم يصحّ فيهما.
فلو شرط الراهن ضمانه على المرتهن، بطل الشرط و صحّ الرهن.
3708. السابع: إذا رهنه(2) إلى مدّة معيّنة على أنّه إن لم يقضه فيه، كان مبيعا بالدّين،
بطل الرهن و البيع، و لا يكون مضمونا في المدّة، و يكون مضمونا بعدها، لأنّ فاسد كلّ من الرهن و البيع كصحيحه، فإن غرس المرتهن في مدّة الرهن، أمر
ص: 480
بقلعه، و إن كان في مدّة البيع، كان له قلعه، فإن لم يفعل قال الشيخ: تخيّر الراهن بين إبقائه في أرضه و بين إعطائه ثمن الغرس، و بين مطالبته بالقلع على أنّه يضمن ما نقص الغراس بالقلع، و كذا البحث في البناء(1).
و كذا لو كانت غير مؤبّرة، أو لم تكن موجودة، و كذا لو رهنه غنما عليها صوف، و أرضا فيها بناء أو غرس، لم يدخل ما فيهما إلاّ بالشرط، و لو رهن شجرا أو بناء صحّ ، و لا يدخل قرار البناء و لا معارش الشجر فيه.
و لو رهن الشجر أو البناء، لم يدخل البياض الّذي بينه، و كذا لو كانت بيضاء ثمّ صار فيها نخل و شجر، سواء أنبته الراهن، أو حمله السيل، و لا يجبر الراهن على قلعه على إشكال، فإن قام ثمن الأرض خاصّة بالدّين، بيعت دون النابت بها مع امتناعه من القضاء، و لو شرط دخول النخل ثمّ اختلفا في تجدّد بعضه بعد الرهن، حكم لمن يشهد له الظاهر، و لو احتمل الأمران، قدّم قول الراهن.
و صحّ البيع، سواء كان الراهن حاضرا أو غائبا، و كذا لو شرط الوكالة لغيره، و ليس للراهن فسخ الوكالة، و لو مات، بطلت دون الرهانة، و لو مات المرتهن، لم تنتقل الوكالة إلى الوارث إلاّ مع الشرط.
و كذا لو
ص: 481
شرط(1) وضعه على يد عدل و يكون قبض العدل قبضا للرهن، و كذا لو شرط أن يبيعه العدل عند محلّه، و لا يكون شرطا في الوكالة، و هل للراهن عزل العدل عن الوكالة ؟ الّذي قوّاه الشيخ نفي ذلك،(2) و كذا البحث في المرتهن لو عزل العدل عن البيع، لكن النفي هنا أقوى، و مع الحلول يفتقر العدل في بيعه إلى تجديد إذن المرتهن، أمّا الراهن فلا يفتقر إلى تجديد إذنه.
فإن اتّفقا على وضعه عند أحدهما أو آخر، جاز، و إلاّ وضعه الحاكم عند من يرتضيه، و لو كان في يد المرتهن فمات، لم يجبر الراهن على تركه في يد الورثة، و يضعه الحاكم مع التشاجر عند من يختاره.
و إن أطلقا، باع بثمن المثل حالاّ من نقد البلد، فإن خالف، كان لكلّ منهما فسخه، و تستعاد العين.
و لو كانت تالفة، تخيّر الراهن في الرجوع على العدل بكمال القيمة، فيرجع بها على المشتري، و على المشتري بالكمال، فلا يرجع على العدل، و لو كان النقص ممّا يتغابن الناس بمثله، صحّ البيع، و لا ضمان.
و لو زيد فيما باعه بثمن المثل أو بما يتغابن الناس به، بعد اللّزوم، لم ينفسخ(3) البيع، و إن كان في مدّة الخيار، فالوجه عدم الفسخ.
ص: 482
كان في ضمان الراهن إلى أن يقبضه المرتهن.
و يلزم الوارث بالقضاء أو بيع الرهن، و لو امتنع منهما، نصب الحاكم بائعا يقضي من ثمنه الدّين، فلو تلف الثمن في يده، و استحقّ الرهن، نزعه الحاكم إلى المستحقّ من يد المشتري بعد إحلافه، و لا ضمان على العدل.
فإن كان الرهن شرطا في بيع. تخيّر المرتهن في فسخه، و يضرب المشتري في تركة الراهن كغيره من الغرماء، و لا يرجع على العدل، و كذا يرجع المشتري على الراهن لو كان حيّا، و باع الوكيل، و قبض الثمن، و استحقّ الرهن في يد المشتري.
و كذا كلّ وكيل باع و قبض الثمن و استحقّ المتاع، مع علم المشتري بالوكالة، و ليس للمشتري الرجوع على الوكيل، ثمّ يرجع الوكيل على الموكّل.
و لو استحقّ بعد دفع الثمن إلى المرتهن، رجع المشتري على المرتهن، و لو ردّه المشتري بعيب، رجع على الراهن، و لو لم يعلم المشتري بوكالة العدل، رجع عليه، و رجع هو على الراهن إن أقرّ، و لو أنكر، فإن لم تكن مع العدل بيّنة، حلف الراهن.
فلو ضاع الثمن منه كان القول قوله مع اليمين في عدم التفريط، و يتلف من ضمان الراهن لا المرتهن، و لو ادّعى تسليم الثمن إلى المرتهن، كان القول قول المرتهن مع يمينه إذا لم تكن للعدل بيّنة، فإذا حلف المرتهن،
ص: 483
تخيّر في الرجوع على العدل بأقلّ الأمرين من القيمة و الدّين، و لا رجوع للعدل على الراهن، و في الرجوع على الراهن، فيرجع الراهن على العدل إلاّ أن يكون الدفع بحضرته أو يكون قد أشهد اثنين فغابا أو ماتا.
و لو باع بدين ضمن إلاّ أن يأذنا له(1).
سواء كان من جنس الدّين أو لا، و سواء وافق قول أحدهما أو لا، و لو كانا من نقد البلد، بيع بأغلبهما(2) فإن تساويا، بيع بأوفرهما حظّا، فإن تساويا بيع بجنس الحقّ ، و لو خالفهما، بيع بالأسهل صرفا إلى جنس الحقّ ، فإن تساويا عيّن الحاكم.
أجيب طالب إخراجه من يده، و كذا لو ظهرت عداوته لأحدهما، ثمّ إن اتّفقا على رجل وضع عنده، و إلاّ وضعه الحاكم، و لو اختلفا في تغيّر حاله بحث الحاكم، فإن ثبت نقله، و إلاّ أقرّه في يده، و كذا لو كان في يد المرتهن فادّعى الراهن تغيّر حاله، و لو مات العدل، لم يكن لورثته إمساكه إلاّ بالتراضي.
فإن امتنعا أجبرهما الحاكم، فان امتنعا، نصب الحاكم أمينا، و ليس له ردّه إلى الحاكم قبل ردّه عليهما، و يضمن بذلك، و كذا يضمن الحاكم، و كذا لو تركه العدل عند أمين مع وجودهما، يضمن هو و الأمين، و لو امتنعا و لا حاكم، جاز له وضعه عند أمين، و لو امتنع أحدهما، فدفعه إلى الآخر، ضمن هو و إيّاه.
ص: 484
و لو كانا غائبين، و للعدل عذر من مرض، و سفر و غيرهما، قبضه الحاكم أو من ينصبه، و لو تعذر الحاكم، جاز إيداعه من ثقه، و لو أودعه الثقة مع وجود الحاكم ضمن، و لو لم يكن له عذر، لم يجز له التسليم إلى الحاكم، و لو كان أحدهما غائبا، لم يسلّم إلى الحاضر.
و لو اختلفا، لم ينقل بقول أحدهما، و يجوز جعل الرهن في يد عدلين، و لهما إمساكه، فإن رضي أحدهما بإمساك الآخر وحده لم يجز، و كذا لا يجوز أن يقتسما الرهن، سواء كان ممكن القسمة من غير ضرر أو معه.
وجبت القيمة على الجاني، و كانت رهنا، و يحفظها العدل، و ليس له بيعها مع الحلول.
و يبرأ بالتسليم إلى العدل، و لو كان في يد المرتهن، فتعدّى فيه، ثمّ زال(1) التعدي، أو سافر به ثمّ ردّه، لم يسقط الضمان.
و إن وضعها على يد ذمّي، فإن باعها الذمّي من ذمّي، و جاءه بالثمن، أجبر على قبضه أو الإبراء، و لو جعلت على يد مسلم، فباعها على ذمّي، أو باعها الذمّي من مسلم، لم يجبر على قبض الثمن.
لم يصحّ إلاّ بإذن
ص: 485
مولاه، سواء كان بجعل أو لا. و لو اتّفقا على الوضع عند المكاتب صحّ ، إن كان بجعل، و إلاّ فلا.
جاز إذا كان معلوما بالمشاهدة أو الصفة، كالسلم، فإن و فى المشتري، و إلاّ تخيّر البائع بين الفسخ و الإمضاء بغير رهن، و كذا يصحّ لو شرط الحميل(1) مع العلم بالإشارة أو الاسم، و في الصّفة بأن يقول: رجل غنيّ ثقة، إشكال.
و لو امتنع الحميل من الضمان، تخيّر البائع في الفسخ و الإمضاء، و لو جاء المشتري بغير الرهن أو الحميل المشترطين، لم يجبر البائع على القبول، و إن كان أكثر من قيمة المشروط.
و لو شرط شهادة اثنين، فأتاه بمثلهما(2) فالأقرب عدم اللزوم، و لو جهلا الحميل أو الرهن، بطل الرهن، و تخيّر البائع في الفسخ و الإمضاء.
و لو شرط رهن أحد الشيئين من غير تعيين، لم يصحّ .
3726. الخامس و العشرون: لو لم يشترطا(3) رهنا، و تبرّع المشتري به،
لزمه.
قاله الشيخ،(1) و عندي فيه تردّد.
و فيه أربعة و أربعون بحثا:
بطل الرهن، و كان أمانة في يد المرتهن، لا يجب ردّه إلاّ مع المطالبة، و لو قضاه بعض الدّين أو أبرأه من بعضه، لم ينفسخ شيء من الرهن، و كان جميعه محبوسا على باقي الدّين و إن قلّ .
و لا يزول الضمان، و إن أذن له في القبض على إشكال، و لو قبضه المالك، ثمّ دفعه إلى الغاصب رهنا، برئ من الضمان، و كذا لو أبرأه من الضمان من غير قبض، و لو باعه عليه، سقط الضمان، و كذا البحث لو كان في يده بشراء فاسد.
و لو كان في يده عارية، فلا ضمان إلاّ أن تكون العارية مضمونة، فلا يزول إلاّ بالإبراء، و على التقديرين يسقط انتفاع المرتهن.
بطل الرهن فيها
ص: 487
خاصّة، و كانت الأخرى رهنا على جميع الدّين، و يتخيّر المرتهن إن كان الرهن شرطا في البيع، و إن كان بعد القبض، بطل فيها أيضا، و صحّ في الباقية، و لا خيار، و ليس له المطالبة بالعوض.
فإن ظهر بها حمل، و ولدت لدون ستّة أشهر أو لأكثر من عشرة أشهر من حين الوطء، استقرّ الرهن، و كان الولد رقّا، و إن كان لستّة أشهر إلى تمام عشرة، كان حرّا، و لم تخرج الأمة عن الرهن.
و لو أقرّ الراهن بالوطء قبل العقد، فإن منعنا من رهن أمّ الولد، لم يصحّ رهنها، و إلاّ جاز، و لو كان بعد العقد، لم يؤثّر في فساد الرهن، و الوجه صيرورتها أمّ ولد، لا يجوز بيعها ما دام الولد حيّا.
فليس لكلّ واحد منهما التصرف فيه ببيع، و لا هبة، و لا إجارة، و لا سكنى و لا وطء، و لا غير ذلك، فلو وطئ الراهن، فعل حراما، سواء كانت من ذوات الحمل أو لا، لكن لا حدّ عليه و لا مهر.
و لو أتلف بوطئه جزءا كالافتضاض أو الإفضاء، ضمن الأرش، و جعل رهنا، و لو أحبلها، صارت أمّ ولد، و لم تخرج من الرهانة، سواء كان موسرا أو معسرا، لكن لا تباع ما دام الولد حيّا.
و لو ماتت بالولادة، ضمن الراهن القيمة، [و] تكون رهنا، و هل تعتبر القيمة حين التلف، أو حين الإحبال، أو أكثر ما كانت منهما؟ فيه إشكال، و لو نقصت قيمتها، كان عليه الأرش، يكون رهنا، و لو بقيت على حالها، لم يجز بيعها مع حياة ولدها.
ص: 488
و قيل: يجوز، لسبق حقّ المرتهن، فإن استوعب الدين القيمة، بيعت، و إلاّ لم يجز بيع الفاضل إلاّ أن يوجد(1) من يشتري المقابل للدّين خاصّة، فإن بيع مقابل الدّين، انفكّ الباقي من الرهن، فإن مات الراهن عتق، و كان الباقي رقّا للمشتري لا يقوّم على الميّت، و لو رجعت إلى الراهن، ثبت لها حكم الاستيلاد.
أمّا لو وطئها بإذن المرتهن، فانّها تصير أمّ ولد مع الحبل، و لا تخرج من الرهن، و لا يجب عليه أرش و لا قيمة، لو نقصت أو ماتت بالولادة، و لو رجع بعد الوطء لم ينفع، و لو رجع قبله، و علم الراهن، فالحكم كما لو لم يأذن، و لو لم يعلم، فالحكم كما لو لم يرجع.
و بدونه يضمن العيب و العين، و لو أذن المرتهن، فلا ضمان لو عابت أو تلفت.
سواء كان موسرا أو معسرا، فإن فسخه، بطل العتق، و استقرّ الرهن، و إن أجازه، صحّ العتق، و بطل الرهن، و ليس له المطالبة بالعوض، و لو انتفت الإجازة و الفسخ، استقرّ الرهن، فإن بيع بطل العتق، و إن فك ففي نفوذ العتق حينئذ إشكال.
و لو أعتقه بإذن المرتهن، صحّ ، و بطل الرهن، و لو رجع في الإذن، كان حكمه ما تقدّم في رجوعه في الإحبال، أمّا المرتهن لو أعتقه لم ينفذ، و إن أجاز المالك، و لو سبق الإذن جاز.
ص: 489
فالقول قول المرتهن مع اليمين و عدم البيّنة، فإن حلف كان كما لو لم يأذن، و إن نكل، حلف الراهن، و كان كما لو أذن، و لو نكل ففي إحلاف الجارية إشكال.
و لو اختلف الراهن و ورثة المرتهن، حلفوا على نفي العلم، و لو اختلف المرتهن و ورثة الراهن، حلف المرتهن على نفي الإذن، أو الورثة على إثباته قطعا.
لم يقبل إنكاره كون الولد منه، و لا يمين على الراهن، و لو أنكر أحد الأربعة(1) فالقول قوله مع اليمين.
حد مع العلم، و الولد رقيق للرّاهن، و عليه مهر المثل إن أكره الجارية، أو كانت نائمة، و لو طاوعته، فلا مهر على إشكال.
و لو ادّعى الجهل بالتحريم، صدّق مع إمكانه، و يسقط الحدّ، و لحقه الولد حرّا، و عليه قيمته وقت سقوطه حيّا، و المهر مع الإكراه لا مع المطاوعة، و لو كانت جاهلة، ثبت المهر أيضا.
ص: 490
و الأقرب عندي ثبوت العشر مع البكارة و نصفه مع الثيوبة في كلّ موضع أوجبنا المهر فيه.
و لو أذن الراهن، جاز الوطء و لا حدّ، و لا مهر، سواء طاوعته أو أكرهها، و الولد حرّ و لا قيمة على الأب، و قول الشيخ في المبسوط: إذا أذن الراهن لم يجز الوطء(1) محمول على انتفاء لفظ التحليل، و لا تصير أمّ ولد في الحال، و لو ملكها المرتهن صارت أمّ ولده.
و لم يجب جعل الثمن رهنا، إلاّ أن يشترط في الإذن، فيصحّ البيع، و يلزمه الشرط، و لا يجب التعجيل(2).
و لو قال المرتهن: أردت بإطلاق الإذن أن يكون ثمنه رهنا، لم يلتفت إلى قوله، و لو اختلفا، فقال المرتهن: أذنت بشرط أن يعطيني حقّي، و قال الراهن: بل مطلقا، قال الشيخ: القول قول المرتهن، لأنّ القول قوله في أصل الإذن فكذا في صفته(3) و عندي فيه إشكال، و كذا لو قال: أذنت بشرط جعل الثمن رهنا، و قال الراهن: بل مطلقا.
و لو أذن الراهن للمرتهن في البيع قبل الأجل، لم يجز للمرتهن التصرّف في الثمن إلاّ بعد الأجل، و لو كان بعد حلوله، جاز.
و لو كان
ص: 491
قبله، و علم الراهن لم يصحّ ، و إن لم يعلم قال الشيخ: الأولى صحة الرجوع و بطلان البيع(1).
و لو قال: بعت بعد رجوعي، فقال: بل قبله، فالقول قول المرتهن.
3741. الثالث عشر: لو كان الحقّ حالا أو مؤجلا ثم حلّ فأذن(2) المرتهن في البيع، كان الثمن رهنا،
إلاّ أن يقضيه منه أو من غيره.
3742. الرابع عشر: لو رهن عبدا ثمّ دبّره، قال الشيخ: يبطل التدبير(3)
و لو قيل بكونه موقوفا على إذن المرتهن، كان وجها، فإن انفكّ قبل موت المولى بقي مدبّرا، و إن باعه في الدّين، بطل التدبير، و ان امتنع من البيع و الرجوع في التدبير، بيع عليه، و إن مات و قضى من غيره عتق من الثلث، و إن لم يكن غيره و كان الدّين مستغرقا بيع به، و إن فضل من قيمته، عتق ثلث الفاضل.
فالقول قول الراهن مع يمينه و عدم البيّنة، ثمّ الرسول إن صدّق الراهن، فالغريم الراهن، و ليس على الرسول يمين، و إن صدّق المرتهن، فكذلك، و لا يرجع المرتهن عليه بشيء، و لا تقبل شهادة الرسول لأحدهما.
خرج ما أنكره المرتهن عن الرهن، و حلف الراهن عن الآخر، و بقي الدّين بلا رهن، و كذا لو قال: أذنت في رهن هذا، فقال: بل في هذا.
ص: 492
و لو أقام المرسل بيّنة انّه أذن في رهن ما ادّعاه و النهي عن رهن الآخر، و أقام المرتهن البيّنة بالعكس، ثبت ما ادّعاه المرتهن.
و لو أنكر الإذن للرسول في الرهن، فالقول قوله مع اليمين.
و لو قال: لم أرهن الثوب، أو لم آذن في رهنه، و انّما رهنت عندك عبدا و قد قتلته، و عليك قيمته، فالقول قوله في الثوب، و قول المرتهن في براءة ذمّته.
فإن قضاه من غيره، انفك، و إلاّ طولب ببيعه، فإن امتنع، كان للمرتهن بيعه إن كان وكيلا، و إلاّ رفع أمره إلى الحاكم، و للحاكم حبسه و تعزيره حتّى يبيع، و بيعه بنفسه.
فان لم يكن رهنا، كان للمولى القصاص، إلاّ أن يكون المقتول ابن القاتل، و ليس له العفو على مال، سواء كان المقتول قنّا، أو مدبّرا، أو أمّ ولد للمولى.
و إن كان مرهونا عند غير المرتهن، كان للمولى القصاص أيضا، و له العفو على مال، فإن قصر أرش الجناية عن قيمة القاتل، بيع بقدر الأرش يكون رهنا عند مرتهن المجنيّ عليه، و لو لم يرغب أحد في شراء البعض، بيع الجميع، و كان باقي أرش الجناية رهنا عند مرتهنه، و إن تساويا، أو كان الأرش أكثر، بيع الجميع، و كان الثمن رهنا عند مرتهن المجنيّ عليه.
و يحتمل انّه ينقل إلى يد مرتهن المجنيّ عليه رهنا، و ينفكّ من رهن مرتهنه مع عدم راغب في شرائه بالأزيد من القيمة.
ص: 493
و لو كان رهنا عند مرتهن الجاني، فإن اتّحد الحقّ ، فالجناية هدر، و إن تعدّد، فإن تساوت القيمتان، و تساوى الحقّان قدرا و جنسا، فالجناية هدر، إلاّ أن يكون دين المقتول أصحّ و أثبت من دين القاتل، بأن يكون مستقرّا، و دين القاتل عوض شيء يردّ بعيب، أو صداقا قبل الدخول فيحتمل نقله و عدمه، و مع النقل يباع، و يكون الثمن رهنا، أو يتّفقا على التّبقية.
و إن اتّفقت القيمتان و اختلف الحقّان، بأن تكون قيمة كلّ منهما مائة، و دين أحدهما مائة و الآخر مائتين، لم ينقل إن كان دين القاتل أكثر، و إلاّ نقل.
و إن انعكس الفرض(1) لم ينقل إن كانت قيمة المقتول أكثر، و إن كانت قيمة القاتل أكثر، بيع بقدر الجناية يكون رهنا بدين المجنيّ عليه، و يبقى الباقي رهنا بدينه، و لو اتّفقا على التّبقية، و جعله رهنا بالدينين، جاز.
و لو كان أحد الدينين مؤجّلا و الآخر معجّلا، بيع القاتل بكلّ حال، فإن كان دين المقتول معجّلا، بيع القاتل ليستوفى دية المقتول منه، و إن بقى منه شيء كان رهنا بدينه، و إن كان دين القاتل معجّلا، بيع و استوفى المعجّل، فإن بقى منه شيء، كان رهنا بدين المقتول.
سواء كان مرهونا أو غير مرهون.
و يبقى رهنا على حاله، و بين تسليمه للبيع، و للمرتهن حينئذ افتكاكه بالأرش
ص: 494
أيضا، و يرجع على الراهن إن أذن له، و إن لم يأذن، قال الشيخ: يرجع أيضا(1)و عندي فيه نظر.
تعلّق الإثم بالمولى و الجناية برقبة العبد، و الحكم كما تقدّم. و إن أكرهه فكذلك عندنا تتعلّق الجناية برقبة العبد، و لو لم يكن بالغا و كان مميّزا، فكذلك على ما روي من ثبوت القصاص على من بلغ عشر سنين(2) على إشكال. و لو لم يكن مميّزا كان الجاني هو المولى، و القصاص عليه، و المال في ذمّته، فإن كان له غير العبد دفع منه، و إن لم يكن قال الشيخ. الأحوط أن لا يباع العبد في الجناية.(3)
و إن بيع بالأكثر كان له المطالبة بما بيع به، و هل يرجع بأعلى القيم أو بالقيمة وقت الإقباض أو التلف ؟ إشكال.
و لو رجع عن الإذن قبل العقد، لم ينعقد الرهن، و إن كان بعده، لم يصحّ الرجوع، و الأقرب جواز إذنه في الرهن مطلقا، إلاّ أنّه إن عيّن الحقّ و القدر و الحلول أو التأجيل، لم يجز للمستعير المخالفة، إلاّ أن يرهنه بالأدون، و لو رهنه بالأزيد، بطل في الزائد، و صحّ في المأذون فيه، على إشكال.
و لو أذن في الحالّ ، فرهن مؤجّلا، أو بالعكس، لم يصحّ ، فإن رهنه على
ص: 495
دين حالّ بإذنه، كان له المطالبة بفكاكه، و لو أذن في المؤجّل، فالأقرب انّه ليس له المطالبة بافتكاكه قبل الأجل.
و لو تلف العبد في يد المرتهن بغير تفريط، أو جنى فبيع في الجناية، رجع صاحبه على الراهن بالقيمة، و لو طالب المالك الراهن بفكاكه، فامتنع، ففكّه صاحبه بغير إذنه، لم يرجع، و إن كان بإذنه رجع و إن لم يشترط الرجوع، و لو اختلفا في الإذن، فالقول قول الراهن، فإن أقام السيّد البيّنة بالإذن رجع، و لو شهد له المرتهن، فالوجه قبول شهادته.
و لو استعار من اثنين، فرهن عند واحد، و قضاه نصف الدين عن أحد النصفين، احتمل الأوّل و أن ينفكّ نصفه، فإن علم المرتهن تعدّد المالك فلا خيار، و إلاّ احتمل ثبوته و عدمه.
و لو كان هذا العبد رهنا عند اثنين، فقضى أحدهما، انفكّ نصف نصيب كلّ واحد منهما، و لو جعل الرهن رهنا على كلّ جزء من الدّين، لم ينفكّ من الرهن شيء في هذه الصور كلّها.
و له أن يحضر الخصومة ليأخذ ما يحصل للمالك، و كذا العبد المستأجر و المودع، الخصم فيهما المالك، فإن قامت البيّنة، و إلاّ حلف المنكر، فإن نكل، ردّت على الراهن لا المرتهن، و إن نكل الراهن، سواء كانت عمدا أو خطاء، فإن كانت عمدا، كان للمولى القصاص، و إن لم يرض المرتهن، و لو عفا على مال تعلّق به حق المرتهن و لو عفا مطلقا أو على غير مال، فلا قصاص
ص: 496
و لا دية، فإن عفا على مال أو كانت الجناية خطأ، يثبت من نقد البلد، و لو أراد أخذ العوض افتقر إلى إذن المرتهن، و يكون المأخوذ رهنا، و لو أبرأ الراهن الجاني من الأرش لم يصحّ ، و إن سقط حقّ المرتهن بعد ذلك.
و لو قال المرتهن: أسقطت حقّي من ذلك، سقط حقّه، و كان للراهن، و لو قال المرتهن: أسقطت الأرش، أو أبرأت منه، لم يصحّ ، و هل يسقط حقّه بذلك من الوثيقة فيه ؟ يحتمل الأمرين، و أقربهما السقوط.
لزم الجاني عشر قيمة أمة للراهن، إلاّ أن يشترط المرتهن رهانة النماء، و لا يجب أرش ما نقص بالولادة، و لو كانت دابّة، وجب أرش ما نقص بوضعه يكون رهنا، و لا يجب بدل الجنين.
و لو ألقت حيّا ثمّ مات، وجب قيمة الولد دون النقص و القيمة للراهن، لا حقّ للمرتهن فيها، قال الشيخ: و لا يجب أكثر الأمرين من قيمة الولد أو أرش ما نقصت الأمّ (1).
فإن كذّباه، سقط حقّهما، و إن صدّقه الراهن خاصّة، سقط حقّ المرتهن من الوثيقة، و كان للراهن، و إن صدّقه المرتهن، سقط حقّ الراهن، و تعلّق حقّ المرتهن بالأرش، ثمّ إن قضاه الراهن من ماله، أو أبرأه المرتهن، رجع الأرش إلى المقرّ.
لم
ص: 497
يضمنه إلاّ مع التعدي أو التفريط، و لا يثبت له خيار في البيع الّذي شرط فيه الرهن.
و لو اختلفا فقال الراهن: حدث عندك، و قال المرتهن: قبل القبض، فان كان في قرض أو ثمن لم يشترط فيه الرهن، لم يكن للاختلاف معنى، و إن كان مشروطا في البيع، قدّم قول من يشهد الحال له، و لو تساويا في الاحتمال، فالقول قول الراهن، عملا بصحّة العقد.
و لو قتل الرهن بردّة، أو قطع في سرقة قبل القبض، كان له فسخ البيع المشروط به.
و لو وجد المرتهن عيبا في يد الراهن، فله الردّ و فسخ البيع، و لو مات الرهن، أو حدث فيه عيب قبل ردّه، لم يكن له ردّه و فسخ البيع؛ قاله الشيخ:(1)
و الأقرب عندي جواز ردّه مع العيب المتجدّد بالعيب القديم، و لو رهن عبدين فسلّم أحدهما، فمات في يد المرتهن، و امتنع من تسليم الآخر، لم يكن للمرتهن خيار فسخ البيع، قاله الشيخ:(2) و كذا لو تجدّد فيه عيب و امتنع من تسليم الآخر(3) و الأقوى عندي ثبوت الخيار له في الموضعين.
لزم الرهن، و إن أنكر العدل، سواء قلنا باشتراط القبض أو لا، ثمّ إن اتّفقا على تركه في يد من شاءا جاز، و إلاّ دفعه الحاكم إلى الثقة.
أحدهما حلول
ص: 498
الدّين المؤجّل بموت من عليه، و الثاني امتناع الراهن من تركه في يد الوارث إذا لم يشترط المرتهن.
فالقول قول الراهن، و لو قال: رهنتك على خمسمائة من الألف الّتي لك عليّ ، فقال: بل على الجميع فالقول قول الراهن، و كذا القول قول الراهن في قدر الدّين.
و لو قال لاثنين: رهنتماني عبدكما على الدّين الّذي عليكما، فالقول قولهما مع اليمين، و لو صدّقه أحدهما، ثبت الرهن في حقّه، و حلف الآخر، و لو شهد عليه شريكه، قبل مع اليمين، و لو أنكراه، و شهد كلّ على صاحبه، فالوجه جواز حلف صاحب الدّين مع كلّ واحد، و يثبت ما ادّعاه، و لا يقتضي الإنكار فسقا، لاحتمال الشبهة، كالمتخاصمين.
و القول قول الراهن في دعوى قضاء الدّين بالرّهن، لو كان عليه آخر بغير رهن، سواء ادّعى التّلفظ بذلك أو لا، مع النيّة.
و لو اتّفقا على الإطلاق و لم يدّع القاضي نيّته، احتمل أن يعيّنه بأيّ الدّينين شاء. و أن يكون بينهما، و كذا لو أبرأه المرتهن عن أحد الدّينين ثمّ اختلفا، فالقول قول المرتهن، و مع الإطلاق يحتمل الأمران.
و لو قال: لم أسلّم الرهن إليك بل آجرتك، أو غصبتنيه، أو آجرته لغيرك فحصل في يدك، و ادّعى المرتهن الإقباض، فالقول قول الراهن في عدم الإقباض.
سواء كانت منفصلة أو
ص: 499
متّصلة، لكن المتّصلة تتبع الرهن، كالسّمن، أمّا المنفصلة مثل سكنى الدّار، و خدمة العبد، و ثمرة الشجرة، و حمل الدّابة - سواء كانت موجودة حال الارتهان أو بعده - فلا تكون رهنا، سواء كانت ولدا أو غيره، و ليس للرّاهن سكنى الدّار و لا إسكانها بإجارة و لا عارية، لكنّه إن آجر كانت الأجرة له.
و لو كان الرهن أمة لم يجز للرّاهن استخدامها، و توضع على يد امرأة أو عدل، و ليس للرّاهن وطؤها، و إن لم تكن من ذوات الحبل.
و ليس له أن يغرس في الأرض، فإن غرس لم يقلع، و لو رهن شجرا يقصد ورقه كالتوت و الحنّاء و الآس، لم يدخل في الرهن.
و يجوز له تزويج العبد المرهون و الجارية المرهونة، لكن لا يسلّم الجارية الاّ بعد الانفكاك.
و لو جنى عليه، كان عليه المداواة، و كذا لو مات المرهون كان عليه مئونة تجهيزه و دفنه، و كذا أجرة مسكنه و حافظه على الراهن، و كذا أجرة من يردّ العبد من الإباق.
و لو كان الرهن ماشية، لم يكن للراهن إنزاء فحولتها على إناثه أو إناث غيره، و كذا لا ينزي عليها لو كانت إناثا، سواء ظهر الحمل قبل حلول الدّين أو لا، و قال الشيخ: لا يجوز للمرتهن منعه من ذلك في الذكور و الإناث(1).
و لو أراد الراهن رعي الماشية لم يكن للمرتهن منعه، و تأوى ليلا إلى من هي في يده، و ليس له الانتقال بها مع وجود المرعى؛ و لو لم يوجد، كان له ذلك،
ص: 500
و ليس للمرتهن منعه، لكنّها تأوى ليلا إلى يد عدل يرتضيانه، أو الحاكم، و لو أراد المرتهن نقلها مع الجدب، جاز، و لو أراد الانتقال، و اختلفا، كان قول الراهن أولى.
و للراهن ختن العبد و خفض الجارية في الزمان المعتدل، و ليس للمرتهن منعه إلاّ أن يكون الدّين يحلّ قبل برئهما، و ينقص ثمنهما بذلك، فله المنع.
و لا يجبر الراهن على مداواة العبد، لعدم تحقّق أنّه سبب لبقائه، و قد يبرأ بغيره، و لو أراد المداواة بما لا ضرر فيه، لم يكن للمرتهن منعه، و إلاّ كان له ذلك.
و لو أراد المرتهن مداواته مع عدم الضرر لم يكن للراهن منعه و ليس له الرجوع على الراهن، و لو تحقّق الضرر، لم يكن له.
و لو أراد الراهن تأبير النخل لم يكن للمرتهن منعه، و ما يحصل من ليف و سعف يابس(1) لا يتعلّق به حقّ الرهن، لقيام المتجدّد منهما مقامه، و لو كانت النخل و الشجر مزدحمة، و حكم أهل الخبرة بالتحويل، جاز، و لو جفّ منها شيء، كان رهنا، بخلاف السّعف.
فالقول قول الراهن مع يمينه، سواء كان في يده أو يدهما أو يد أحدهما، و لو كانت مع أحدهما بيّنة حكم بها، و إن كانت معهما بيّنتان متساويتان، أقرع بينهما. و لو صدّق أحدهما كان رهنا عنده و يحلف للآخر، فإن نكل أحلف الآخر و أخذت القيمة رهنا.
و لو صدّقهما و أقرّ بالسبق لأحدهما، فإن كان في يده، أو يد عدل، أو يد
ص: 501
المقرّ له، كان رهنا عند المقرّ له، و الأقرب إحلافه للآخر، فإن نكل أحلف الآخر، و أخذ القيمة رهنا، و لو كان في يد الآخر فالمقرّ له أولى أيضا، و لو كان في يدهما فكذلك.
و إن قال: لا أعلم، و صدّقاه، انفسخ العقد مع عدم البيّنة، و إن كذّباه، فالقول قوله مع اليمين، فيكون كما لو صدّقاه، و لو نكل حلفا، و ينفسخ العقد، و يحتمل القسمة.
و إن كان الدّين مؤجّلا تدرك الثمرة قبل حلوله، فإن كانت تجفّف، فعل بها ذلك، و إلاّ باعها، و كان الثمن رهنا، و كذا لو رهن الثمرة منفردة، سواء كانت مؤبّرة أو لا، و سواء شرط القطع أو لا، و كذا كلّ زرع قبل إدراكه أو بعده.
و لو رهن ما يخرج على التعاقب، كالباذنجان و الخيار، صحّ رهن الخارج، سواء كان الدّين حالا، أو مؤجّلا إلى أجل يحلّ قبل حدوث الثانية، أو بعده مع التميّز و عدمه، فإذا طرأت الثانية و اختلطت، فإن سمح الراهن برهن الجميع، أو اتّفقا على قدر الرهن، فلا بحث، و إلاّ كان القول قول الراهن مع يمينه، و كذا البحث في رهن الخرطة(1) ممّا يخرط، و الجزّة ممّا يجزّ.
و مئونة الثمرة من السقي، و الحافظ، و أجرة الصلاح و الجذاذ و التشميس على الراهن، مثل مئونة الحيوان، و ليس لأحدهما قطعها قبل بدوّ صلاحها إلاّ باتفاق صاحبها(2) إلاّ أن يريد قطع بعضها للتخفيف عن الأصول، أو لدفع الفساد،
ص: 502
أو لازدحام بعضها مع بعض، و إن كان بعد إدراكها جاز، و أجبر الممتنع إذا كان فيه مصلحة لها.
و لو احتاجت إلى موضع تجفّف فيه، كانت أجرة ذلك الموضع على الراهن، و لو أراد المرتهن دفع ما يخرج عليها و يكون الرهن على الجميع جاز مع الاتّفاق، و لو كان الراهن غائبا تولّى الحاكم أمرها، فإن أنفق المرتهن بغير إذنه، لم يرجع مع القدرة عليه، و إلاّ فالأقرب الرجوع مع إشهاد عدلين.
و لا يسقط بتلفه شيء من حقّه، و لو كان الدّين أقلّ من قيمته لم يضمن الفاضل، و سواء كان ممّا يخفى هلاكه، كالذهب و الفضّة، أو لا يخفى، كالحيوان أو العقار.
و لو قضاه الدّين و طالبه باستعادة الرّهن، فإن أخّره لعذر، لم يضمن، و إن كان لغيره، ضمن أكثر ما كانت قيمته من حين المنع إلى حين التلف، و مع القضاء أو الإبراء من الدّين، يبقى أمانة غير مضمونة.
و لو استعار المرتهن الرهن من الراهن لينتفع به، لم يضمنه، و لو أتلفه المرتهن أو أجنبيّ ألزم القيمة، و لا يكون وكيلا في القيمة لو كان وكيلا في الأصل.
فالقول قوله مع اليمين، و لو ادّعى ردّه على الراهن، لم يقبل إلاّ بالبيّنة، و لو بان استحقاق الرهن، ردّه المرتهن على مالكه، و بطل الرهن، و لو تلف ضمنه المرتهن لمستحقّه مع التعدّي أو التفريط، و لا يرجع على الراهن بما يأخذه المالك، و للمالك الرجوع
ص: 503
على الراهن فيرجع على المرتهن، و لو لم يفرط المرتهن فالوجه جواز رجوع المالك عليه، و يرجع على الراهن، لغروره، و لو رجع على الراهن لم يرجع عليه.
و لو أسلم في طعام، و أخذ به رهنا، و تقايلا، برئت ذمّة المسلم إليه من الطعام، و وجب عليه ردّ مال المسلم، و بطل الرّهن، و ليس له حبسه على رأس المال، و لو أعطاه به عينا أخرى جاز، و لو أقرضه ألفا برهن، فأخذ بالقرض عينا، سقط الدين عن ذمّته، و بطل الرهن، فإن تلفت العين في يد المقترض، انفسخ العقد، و عاد القرض و الرهن.
كان كسبيل ماله حتّى تقوم البيّنة به، و لو مات الراهن أو أفلس، كان المرتهن أحقّ باستيفاء دينه من غيره من الغرماء، و لو أعوز ضرب مع الغرماء بالفاضل.
ضمن و عليه الأجرة، و لو كان للرهن مئونة كالدّابة، أنفق عليها و تقاصّا.
و لو اعترف بالرهن، و ادّعى دينا، لم يقبل قوله إلاّ بالبيّنة، و له إحلاف الوارث إن ادّعى علمه.
كان الملك و الرهن باقيين.
و للراهن الامتناع من تسليمه إليه، فإن اتّفقا على أمين، و إلاّ دفعه الحاكم إلى من يرتضيه.
ص: 504
فالقول قول المالك على خلاف.
سواء كان قبل القبض أو بعده، و كذا لو كان من غير صاحبه، لكنّه يكون حراما إلاّ بإذن الراهن، و الأجرة للراهن، و لو اكترى شيئا ثمّ ارتهن الرقبة، ثمّ أكراه، أو أوصى له بمنفعة عين ثمّ ارتهنها، ثمّ آجرها، لم ينفسخ الرهن، و كان الكراء صحيحا.
و لو رهن عند شريكه، ثمّ باع، فطلب الشريك الشفعة، ففي كونه إجازة للبيع نظر، ينشأ من كون الطلب موقوفا على صحّة البيع المتوقّفة على الإجازة، و من كون الإجازة رضا بالبيع، فتبطل الشفعة.
فإن شرط البيع جاز، و إلاّ بطل عند الشيخ(1) و الأقوى عندي الجواز، و يجبر على بيعه، و يكون الثمن رهنا.
ص: 505
ص: 506
و فيه فصول
و فيه سبعة مباحث:
و في الشرع اسم لمن عليه ديون لا يفي ماله بها، و منع من التصرّف في ماله.
و لا يتحقّق الحجر إلاّ بشروط أربعة: ثبوت ديونه عند الحاكم، و حلولها، و قصور أمواله عنها، و التماس الغرماء أو بعضهم الحجر.
و يثبت بالبيّنة أو اعترافه، فإذا ثبتت الديون لم يحجر عليه حتّى ينظر في ماله هل يفي بديونه أم لا؟ فينظركم عليه من الدّيون، و يقوّم ماله بذلك، فإذا قصرت حجر عليه، و يستحبّ أن يظهر الحجر عليه لتجتنب معاملته.
و إن كان لأربابها الرجوع فيها، لأنّ أربابها بالخيار فيه.
ص: 507
سواء كان بعض الغرماء أو جميعهم، و لو كانت أمواله تفي بالدّيون، و لم تظهر أمارات الفلس، مثل أن تكون نفقته في كسبه، أو ربح رأس ماله، لم يحجر عليه إجماعا، بل يؤمر بقضاء الدّيون، فإن امتنع حبسه، أو باع عليه ماله، و إن ظهرت أمارات الفلس، مثل أن تكون نفقته من رأس ماله، لم يحجر عليه، و إن سأل الغرماء.
و لو سأل المفلّس الحجر عليه، لم يجز للحاكم إجابته إلى ذلك، إلاّ بعد مسألة الغرماء.
فلو وفت أمواله بالحالّة و قصرت عنها(1) لم يحجر عليه، و لو قصرت عن الحالّة، فحجر عليه، لم يشارك صاحب الدين المؤجّل، و لا قسم له، إلاّ أن يحلّ قبل القسمة، و لا تحلّ الدّيون المؤجّلة بالحجر، و إن حلّت بالموت.
منعه عن التصرّف في ماله، و بيع أمواله و قسمتها، و المنع عن حبسه، و اختصاص كلّ غريم بعين ماله.
ص: 508
و فيه ثلاثة عشر بحثا:
كالعتق، و الرهن، و البيع، و الكتابة، أمّا ما لا يصادف المال، كالنكاح، و الخلع، و استيفاء القصاص، و العفو عنه، و الإقرار بالنسب، و نفيه باللّعان، و الاحتطاب، و الاستيهاب، و قبول الوصيّة، فانّه ماض.
و لم يكن موقوفا، و لا فرق في البطلان بين التصرّف بعوض، كالبيع، و الإجارة، أو بغير عوض، كالهبة، و العتق، و الوقف، و سواء كان العوض مثل المعوّض، أو أزيد، أو أقصر.
و لو أقرضه إنسان بعد الحجر، أو باعه بثمن في الذمّة، كان المال ثابتا في ذمّته، و لم يشارك صاحبه الغرماء.
و شارك المقرّ له الغرماء، و هل يفتقر إلى يمين ؟ فيه إشكال، و لو كذّبه الغرماء، و قلنا بوجوب اليمين، حلف، فإن نكل ففي إحلاف الغرماء على المواطاة، أو المقرّ له إشكال، و لو أقرّ بعين في يده، دفعت إلى المقرّ له، سواء كان هناك وفاء للباقين أو لا.
ص: 509
لم يضرب به مع الغرماء، سواء علم صاحب المال بالحجر أو لا، و إن لم يكن باختياره، كإتلاف مال، أو جناية، شارك من وجب له باقي الغرماء، و لو ادّعى عليه مال فجحده، فأقام المدّعي بيّنة، شارك، و لو عدم البيّنة كان على المفلّس اليمين، فإن نكل حلف المدّعي و ثبت الدّين، و شارك، كالإقرار.
و لو كان عمدا ثبت له القصاص، و له العفو على غير مال، و ليس للغرماء منعه، و له العفو على مال، فتتعلّق به الدّيون، و لو عفا مطلقا، سقط القصاص و المال.
و لو امتنع لم يكن للغرماء أن يحلفوا، و كذا لا يحلف غرماء الميّت مع الشاهد الواحد بحقّ له.
3786. السابع: لو وهب قبل الحجر، و شرط الثواب(1)
جاز، فإن عيّنه، فلا بحث، و إن أطلق، احتمل(2) وجوب قيمة الموهوب، فلا يمضى قبول المفلّس للأقلّ ، و ما جرت به العادة أن يثاب بمثله، فليس له أن يرضى بدونه، و ما يرضى به الواهب فيكون له ما يرضاه و إن قلّ ، و لا اعتراض للغرماء.
كان لكلّ منهما إجازة البيع و فسخه من غير اعتراض، و كذا لو حجر على أحدهما و له خيار، سواء كان الحظّ في تصرّفه أو لا، و لو كان له حقّ من سلم و غيره، لم يكن له قبضه أقلّ أو أدون صفة إلاّ برضاء الغرماء.
ص: 510
فإن اختار الغرماء الصّبر في البيع حتّى تنقضي مدّة الإجارة جاز، فلو انهدمت الدار في الاثناء، انفسخت الإجارة في المتخلّف، و يرجع المستأجر بحصّته من الأجرة يشارك الغرماء، إن لم يجد عين ماله، و لو كان الغرماء قد اقتسموا، ففي فسخ القسمة إشكال.
و لو طلب الغرماء البيع في الحال جاز، و تمّت الإجارة على حالها، و لو اختلف الغرماء في البيع و الصبر، قدّم طالب البيع.
و لا يشارك البائع الغرماء، و لا يتعلّق بعين متاعه، سواء علم بالحجر أو لا.
و لو اشترى قبل الحجر، جاز له ردّه بعده بالعيب، مع الغبطة لا بدونها.
لم يشارك المقرّ له الغرماء، و لو قال: هذا المال مضاربة لغائب، احتمل قبول قوله مع اليمين، و يقرّ في يده، و لو قال: لحاضر، و صدّقه، كان للمقرّ له، و إن كذّبه، كان للغرماء.
تعلّق الحجر به ما لم يف بالحقوق.
و لا حقّ لصاحبه في أعيان أمواله، بل تقسّم على باقي الغرماء، فإذا حلّ الأجل بعد فكّ الحجر عليه، ابتدئ الحجر عليه إن كان في يده شيء لا يفي بما عليه.
و لو مات و عليه دين مؤجّل، حلّ أجل ما عليه، سواء كان الميّت محجورا عليه أو لا، و سواء وثق الورثة أو لا، و لو كان له مال مؤجّل، لم يحلّ بموته.
ص: 511
و فيه سبعة و عشرون بحثا:
سواء كان هناك وفاء للباقين أو لم يكن، و لصاحب السلعة أن يضرب مع الغرماء، فلو اشترى سلعة، و أفلس بثمنها، و حجر الحاكم، كان البائع أحقّ بسلعته، إن شاء أخذها، و إن شاء ضرب مع الغرماء بالثمن.
و لو مات المفلّس(1) فإن كان هناك وفاء كان لصاحب المال أن يأخذ عين ماله، و أن يضرب مع الغرماء، و إن لم يكن هناك وفاء لم يكن له الاختصاص، و لا فرق بين أن يموت بعد الحجر عليه أو قبله، فإنّ الموت بمنزلة الحجر مع الوفاء.
3794. الثاني: تخيير المالك بين أخذ العين و الضرب مع الغرماء، قيل: على الفور(2)
و لو قيل: إنّه على التراخي كان وجها، و مع اختيار العين، يثبت له، سواء كانت السلعة متساوية لثمنها، أو أكثر، أو أقلّ .
و لا يفتقر الفسخ إلى حكم حاكم، و لا معرفة المبيع، و لا القدرة على تسليمه، و لا امتيازه من غيره، فلو رجع في الغائب بعد مضيّ مدّة يمكن التغيّر فيها، صحّ ، فإن بان تالفا وقت الرجوع بطل، و ضرب بالثمن مع الغرماء، و لو رجع
ص: 512
في الآبق، أو البعير الشارد، صحّ ، فإن قدر عليه، أخذه، و ان تلف، كان من ماله، إلاّ أن يكون التلف قبل الرجوع، و لو رجع و اشتبه بغيره، فقال البائع: هذا المبيع، فقال المفلس: هذا، فالقول قول المفلّس.
ثمّ علم الشريك بالبيع، و أراد الأخذ بالشفعة، و أراد البائع الرجوع في الشقص، دفع إلى الشفيع، و كان الثمن أسوة بين الغرماء لا يختصّ به البائع.
لم يجبر البائع على القبول، و كان له الرجوع في العين، و لو دفعوا إلى المفلّس ثمنا، فبذله للبائع، لم يكن له الفسخ، و كذا لو أسقط سائر الغرماء حقوقهم، فملك أداء الثمن، أو وهب له مال أمكنه الأداء منه، أو غلت أمواله حتّى وفت بالدّيون.
تخيّر بين تركها و الضرب مع الغرماء بثمنها لا بقيمتها، و بين أخذها، و إن وجدها ناقصة نقصا يقابله عوض، و يصحّ إفراده بالبيع - كما لو وجد عبدا من عبدين، أو بعض الثوب - تخيّر بين ترك الباقي و الضرب مع الغرماء، و بين أخذ الباقي بحصّة من الثمن و الضرب بما يبقى من الثمن، و إن لم يقابله عوض، مثل أن يسقط بعض أطراف العبد، فان لم يجب في مقابلته الأرش بأن يسقط بفعل اللّه تعالى، أو بفعل المشتري تخيّر بين أخذ العين ناقصة بجميع الثمن، و بين تركها و الضرب بجميعه.
و إن وجب في مقابلته الارش، بأن يحصل بجناية أجنبيّ ، تخيّر بين تركه و الضرب بجميع الثمن، و بين الرجوع فيه و الضرب بحصّة ما نقص من
ص: 513
الثمن، فينظر كم نقص من قيمته، فيرجع بذلك الجزء من الثمن، لا من القيمة.
و إن وجدها زائدة زيادة منفصلة، تخيّر بين الرجوع في العين خاصّة دون الزيادة، و بين الضرب بالثمن، و إن كانت متّصلة، قال الشيخ: تكون تابعة للأصل إن تخيّر المالك العين كان له مع الزيادة، و إن تخيّر الثمن، كان له ذلك(1). و عندي فيه نظر.
فإذا أفلس بعد ما أتلف الثمرة، أو تلفت الثمرة، تخيّر البائع بين الضرب بجميع الثمن، و بين الرجوع في النخل و الضرب بحصّة الثمرة من الثمن و تقوّم الثمرة بأقلّ الأمرين من يوم البيع و يوم قبض المشتري. و قال الشيخ: يعتبر يوم القبض(2).
و لو لم يكن النخل مؤبّرا، و رجع البائع في الأصل و لم توجد الثمرة، قال الشيخ: يضرب بحصّتها من الثمن، و لو كانت مثمرة، و تلفت في يد المشتري و أفلس بعد بدوّ الصلاح أو التجفيف، رجع البائع فيه مع النخل(3) على إشكال عندي.
كان للبائع الرجوع في الأرض دون الزرع، و كذا لو اشترى بيضا فأحضنه ثمّ أفلس بعد أن صار فرخا، لم يكن له الرجوع فيه بل بالثمن.
كان له الرجوع في الأرض و الحائط دون الثمرة
ص: 514
و الزرع، و ليس له المطالبة بقطع الثمرة و لا قلع الزرع قبل الجذاذ و الحصاد، و لا أجرة له في ذلك، فإن طلب المفلّس، أو الغرماء أو بعضهم قطعه، قال الشيخ:
يجاب الطالب(1) و لو قيل: يعمل ما فيه الحظّ كان حسنا.
و لو اتفق المفلّس و الغرماء على القطع، جاز، و لو رجع في النخل قبل التأبير، لم يتبعه الطلع في الرجوع.
لم يتبعها الحمل، و إن أفلس بعدها، فكذلك، و يكره له أخذ الأم بانفرادها عندنا، و عند الشيخ يحرم قبل سبع سنين(2).
فإن دفع إلى المفلّس قيمة الولد ليأخذهما معا، قال الشيخ: يجبر المفلس(3)و عندي فيه نظر، و لو امتنع البائع بيعت الأمّ و الولد، فما أصاب قيمة الولد فللمفلّس، و يسلّم إلى البائع ما أصاب قيمة أمة لها ولد بلا ولد.
و لو باعها حاملا و رجع قبل الولادة، استعادها مع الحمل، فإن كانت قد ولدت، فالوجه انّه لا يتبعها الولد، و لو كان الحبل من المشتري كان للبائع الرجوع فيها دون ولدها، و لو طالب بثمنها، بيعت فيه دون الولد.
فالّذي لم يظهر من كمامه بمنزلة الطلع غير المؤبّر، و الظاهر بمنزلة المؤبّر، و ما يظهر من الورد، حكمه حكم المؤبّر إن ظهر(4) من ورده و انتثر عنه. و غير المؤبّر إن لم ينثر.
ص: 515
و إن كانت الثمرة وردا كالمشمومات، كانت كالمؤبرة إن تفتحت عن الجنبذ و إلا فكغيره.
فإن صدّق الغرماء المفلّس، لم تقبل شهادتهم، و يحلف المفلّس على إشكال، و يأخذ الثمرة، و يقسّمها على الغرماء، و لو نكل، لم يحلف الغرماء بل يحلف البائع، و يثبت الطلع له، و إن نكل، سقط حقّه، و كان للمفلّس، و لو صدّق الغرماء البائع، قبلت شهادتهم مع الشرائط، و لو اختلف، حلف المفلّس، و لا تجب قسمته بينهم، فإن طلب المفلّس ذلك، فالوجه انّهم لا يجبرون على قبضه، و لو صدّقه بعضهم، و كان مقبول القول، صحّت شهادته، و إلاّ حلف المفلّس، و قسم على المكذّب للبائع، و حكم المصدّق ما تقدّم، و لو صدّق المفلّس البائع، فإن صدّقه الغرماء، فالثمرة له، و إن كذّبوه، فالأقرب قبول قول المفلّس.
فإن اتّفق المفلّس و الغرماء على الإزالة، جاز له الرجوع في العين، و عليهم تسوية الحفر من مال المفلّس، و لو نقصت الأرض بذلك، فله أرش النقصان، و لو منعوه من القلع لم يجب قلعه، فإن دفع البائع قيمة البناء و الغرس، جاز الرجوع في العين، و كذا لو دفع ما ينقص بالقلع، و هل يجبرون على ذلك ؟ قال الشيخ: نعم(1) و عندي فيه نظر. و إن امتنع من ضمان القيمة، أو أرش النقص بالقلع، فالوجه جواز رجوعه في العين، سواء كانت الأرض أقلّ من قيمة
ص: 516
الغراس أو أكثر، فإن اتّفقوا على البيع قسّم الثمن على قدر القيمتين.
و لو امتنع صاحب الأرض من بيعها فالوجه عدم إجباره على ذلك، بل يباع البناء و الغراس خاصّة يقسّم على الغرماء.
و لو كانت الأرض من رجل، و الغرس من آخر، و غرسه ثمّ أفلس، كان لكلّ منهما الرجوع في عينه، فإن أراد صاحب الغرس قلعه، كان له ذلك، و لا يجبر على أخذ القيمة من صاحب الأرض.
و لو أراد صاحب الأرض قلعه و يضمن النقصان، كان له، و لو أراد بغير ضمان احتمل أن لا يكون له ذلك، لأنّه غرس بحقّ ، و لأنّه لو كان للمفلّس، لم يجبر على قلعه بغير ضمان، و احتمل أن يكون له ذلك، لأنّه ابتاعه منه مقلوعا، فكان عليه أن يأخذه و ليس له تبقيته في ملك غيره، بخلاف المفلّس، لأنّه غرسه في ملكه.
و لا يشترط في رجوعه في العين ردّ ما قبضه ليرجع في الجميع، و لو طلبه لم تجب إجابته، و لو تلف بعض المبيع، احتمل أن يرجع في جميع الباقي مع تساوي نسبة التالف و المقبوض من الثمن، و أن يرجع في بعضه، و يقسط المقبوض من الثمن على التالف و الباقي، فيضرب مع الغرماء بالباقي.
و إن كان قبل مضيّ شيء من المدّة، تخيّر المؤجر بين الرجوع فيها و الضرب مع الغرماء، و إن مضى بعضها، تخيّر بين
ص: 517
الضرب بالجميع و بين الضرب بأجرة ما مضى و الرجوع فيما بقي.
فإن كانت الأرض مشغولة بزرع قد استحصد، طالب بحصاده و تفريغ الأرض، و إن لم يستحصد، فإن كانت له قيمة إذا قطع، و اتّفق المفلّس و الغرماء على قطعه، كان لهم، و إن اتّفقوا على التبقية و بذلوا لصاحب الأرض أجرة مثله، لزمه قبوله و تركه، و إن أرادوا التبقية بغير عوض، لم يكن لهم ذلك.
و لو اختلفوا أجيب من طلب القطع، و يحتمل إجابة من يطلب الأنفع، و على تقدير بقائه إذا احتاج إلى السقي و سقاه الغرماء بأمر الحاكم أو المفلّس، رجعوا بأجرة السّقي مقدّمة على سائر الديون، و إن لم يأذن الحاكم و لا المفلّس، لم يرجعوا بشيء.
و لو كان للمفلّس مال لم يقسّم، و طلبوا الإنفاق منه، احتمل عدم الإجابة، لئلاّ يتلف المعلوم في المظنون، و ثبوتها(1) لأنّه من المصالح، و بقاء الزرع معتاد، و لو لم تكن له قيمة مع القطع، فإن اتفق الغرماء و المفلّس على قطعه، لم يجبرهم الحاكم على التبقية. و إن اتفقوا على التبقية، كان الحكم كما تقدّم فيما له قيمة، و إن اختلفوا قدّم قول من يطلب التبقية.
فإن كان مساويا، تخيّر البائع بين الضرب بالثمن و بين الرجوع في العين، و يقاسم، و لو طلب البيع، فالوجه عدم وجوب إجابته إلى ذلك، و إن كان مال المفلّس أردأ، تخيّر أيضا بين الضرب بالثمن و الرجوع في العين فيقاسم، و له المطالبة بالبيع، فيأخذ ما يساوي
ص: 518
ماله، و يدفع الباقي إلى الغرماء، و إن كان أجود سقط حقّه من العين، و ضرب بالثمن مع الغرماء.
كان للبائع الضرب بالثمن مع الغرماء و أخذ العين، و كان للمفلّس أجرة ما فعله، بخلاف ما لو سمن من قبله تعالى أو تعلم صنعة من قبل نفسه.
و لو لم تزد القيمة، أو نقصت بالعمل، سقط حكم العمل، و مع الزيادة إن كان المفلّس عمل بنفسه أو بأجرة وفاها كان شريكا للبائع، فإن دفع البائع الزيادة بالعمل أجبر المفلّس على قبوله للغرماء، و إن لم يدفع، بيع الجميع، و دفع ثمن الأصل بغير الزيادة إلى البائع، و ما قابل الزيادة إلى الغرماء.
و إن كان العامل أجيرا لم يستوف أجرته، كان له حبس العين على الاستيفاء، و قدّم في أجرته على سائر الغرماء، فإن كانت أجرته بقدر الزيادة، دفعت إليه، و إن كانت أكثر، أخذ بقدر الزيادة، و ضرب بالباقي، و إن كانت أقلّ ، كان له بقدر أجرته، و الباقي للغرماء.
و لو صبغ الثوب بصبغ من عنده، و رجع البائع في العين، فإن بقيت قيمة الثوب و الصبغ، تشاركا بالنسبة، و إن نقصت قيمة الثوب، جعل النقصان من قيمة الصبغ، و يكون شريكا في الثوب بقدر ما بقي، و إن زاد، كانت الزيادة للمفلّس، و يكون شريكا في الثوب بقدر قيمة الصبغ و الزيادة.
و لو كان الصبغ من غيره، و ثمنهما باق، فإن بقيت القيمتان، كان صاحب الثوب و الصّبغ شريكين بالنسبة، و إن نقصت القيمة، ضرب صاحب الصبغ
ص: 519
بقدر الناقص مع الغرماء، و إن زادت، كانت الزيادة للمفلّس.
و لو كان الصّبغ و الثوب من واحد، و بقيت القيمتان، رجع فيه إن شاء، و إن نقصت، ضرب بالنقص من القيمة مع الغرماء، و إن زادت، كانت الزيادة للمفلّس.
و لو كان الثوب للمفلّس و الصبغ لغيره و لم تزد القيمة، كان صاحب الصّبغ شريكا بقدره، و إن نقصت كان النقصان من الصّبغ، و ضرب بالباقي مع الغرماء.
و إن زادت كان لصاحب الصّبغ بقدر صبغه، و الباقي للمفلّس.
فإن بيع بقدر الدين أو أكثر، استوفى المرتهن، و كان الفاضل الباقي للغرماء، و إن بيع بأقلّ ، ضرب المرتهن بالباقي مع الغرماء، و لو كان الرهن مبيعا لم يكن للبائع الرجوع في العين، لتعلّق حقّ المرتهن به و تقدّم حقّ المرتهن على حقوق الغرماء، فإن كان الدين أكثر من قيمته أو مثله بيع فيه، و إن كان أقلّ بيع منه بقدر الدين، و كان للبائع الرجوع في الباقي.
فإن وجد المشتري عين ماله كان أحقّ من سائر الغرماء. و ان لم يجده قال الشيخ: يضرب بالمسلم فيه(1) و لو قيل:
انّه يتخيّر بين ذلك و بين فسخ البيع، فيضرب بالثمن، كان وجها.
قال الشيخ: و كيفيّة الضرب بالمسلم فيه، أن يقوّم و يضرب بالقيمة مع الغرماء، و إن كان في مال المفلّس من جنس المتاع، أعطى منه بقدر ما يخصّه من القيمة إن كان مثليا، و إن لم يكن اشترى له بقدر الّذي يخصّه من القيمة مثل
ص: 520
المتاع و سلّم إليه، و ليس له أخذ بدل المتاع القيمة الّتي تخصّه، لأنّه لا يجوز صرف المسلم فيه إلى غيره قبل قبضه(1) و الأقوى(2) عندي الكراهية.
و على قولنا بجواز الفسخ، يضرب بقيمة رأس المال، و يأخذ ما يخصّه من جنس القيمة، و مع عدم الفسخ، لو عزل له نصيبه من جنس القيمة، فنقص السعر اشترى له ما يساوي المتاع قدرا، و قسّم الباقي من القيمة بين الغرماء، لأنّ حظّه في المتاع لا القيمة.
و ليس لهما الرجوع في العين.
فإن كان الموضع أمينا، كان له فسخ الإجارة في باقي المسافة، و وضع المتاع عند الحاكم أو ثقة مع تعذّره، و إن كان مخوفا، وجب حمله إلى موضع الأجرة أو دونه ممّا هو مأمون.
و لو استأجر ظهرا بعينه ليركبه شهرا، ثمّ أفلس المالك، كان المستأجر أحقّ به، و لو كان الظهر في الذمّة، كان أسوة الغرماء.
و لو حمل بعض المتاع إلى البلد ثم أفلس المستأجر، كان له الفسخ في إجارة ما بقي.
فلو كان مؤجّلا، و حجر عليه قبل الحلول، لم يختصّ بالعين، و لا يشارك
ص: 521
الغرماء، و لا يحلّ المال بالفلس، و لا يجب إيقاف السلعة حتّى يخرج الأجل بل تقسّم على الحالّ ، و لو حلّ أجله قبل انفكاك الحجر، فإن كان قسّم المال و بيعت العين، فلا رجوع، و إن لم تبع كان له الرجوع فيها.
كالبيع، و الإجارة، و السّلم، و الصلح، فيثبت الرجوع إلى رأس المال عند الإفلاس إن كان باقيا و المضاربة(1) بالقيمة مع التلف، و لا يثبت الفسخ في النكاح، و الخلع بتعذّر استيفاء العوض، لأنّه ليس محض المعاوضة.
فلا يثبت فيما جرى سبب وجوبه بعد الحجر، كما لو باع من المفلّس المحجور عليه بعد الحجر، فليس له الرجوع في العين، و لا الضّرب، بل يصبر حتّى يوسّع اللّه عليه.
و لو أفلس المكري، و الدار في يد المستأجر فانهدمت، فله الرجوع إلى الأجرة، و يضرب مع الغرماء، و كذا لو باع جارية بعبد فتلفت الجارية في يد المحجور عليه، فردّ البائع العبد بالعيب، فله طلب قيمة الجارية، و هل يقدّر بالقيمة أو يضارب ؟ فيه احتمال.
فلو تلفت، ضرب بالثمن، و كذا لو زادت القيمة على الثمن، أو خرجت عن ملكه، أو تعلّق بها حقّ الرهن أو الكتابة.
و لو عاد إلى ملكه، فالوجه صحّة الرجوع فيه، إن كان بفسخ، كالإقالة و الردّ
ص: 522
بالعيب، و إن كان بسبب جديد، كبيع، أو هبة، أو إرث، فلا.
و لو أصدق امرأة عينا ثمّ فسخت النكاح، أو طلّق قبل الدخول، فاستحقّ المهر أو بعضه، كان أحقّ به مع وجوده.
فالوجه جواز رجوعه في العين ناقصة، و يضرب بالأرش.
و لو كان حلالا، و الصيد في الحلّ ، جاز الرجوع، و إن كان المشتري محرما، أو كان البائع في الحرم.
و فيه سبعة عشر بحثا:
و ينبغي للحاكم إحضار المفلّس البيع لضبط الثمن، و لأنّه أعرف بجيّد متاعه من رديّه، و لتكثر رغبة المشترين منه، و لتسكن نفسه، و إحضار الغرماء، لأنّ البيع لهم، و ربّما رغبوا في شراء البعض، و للبعد عن التهمة.
و لو باعه الحاكم حال غيبة المفلّس و الغرماء جاز.
ص: 523
فان اتّفقوا على خائن، ردّه الحاكم، و لو عيّن المفلّس رجلا و الغرماء آخر، عيّن الحاكم على الثقة منهما، فإن تساويا عيّن على المتطوّع(1) و لو تساويا ضمّهما، و لو كانا غير متطوّعين، اختار أوثقهما و أعرفهما.
و أجرة الواسطة على المفلّس إن لم يوجد متبرّع و لا حصل شيء في بيت المال.
و إذا بيع بثمن المثل، لم يقبل الزيادة بعد لزوم البيع و انقطاع الخيار، لكن يستحبّ للمشتري الإقالة أو بذل الزيادة.
فإن امتنع المشتري أجبر على التسليم و الأخذ.
3824. الخامس: ينبغي أن يبدأ ببيع الرهون و صرفها إلى المرتهنين و بالجاني(2)
و صرف ثمنه إلى المجنيّ عليه، و لو كان في ماله ما يخشى تلفه، بيع أوّلا.
ثمّ إن كان فيه حيوان يحتاج إلى الإنفاق عليه، باعه سابقا على غيره، ثمّ يبيع السلع و القماش و جميع ما ينقل و يحول، ثمّ يبيع العقار.
و ينبغي النداء على الأقمشة و الأمتعة، و كذا العقار، ليتوفّروا على الشراء.
فإن كان من غير جنس حقّ الغرماء، دفع إليهم بالقيمة.
ص: 524
نقض القسمة، و شاركهم معه، و يحتمل عدم النقض، بل يرجع على كلّ واحد بحصّة تقتضيها الحساب، و الأوّل أولى.
فإن كان الغريم واحدا، دفع الثمن إليه من غير تأخير، و إن تعدّد و أمكنت القسمة من غير تأخّر، لم يؤخّر، و إن تعذّرت القسمة بسرعة، و وجد المقترض الثقة أقرضه، و إن لم يجد، أودعه عند الثقة.
و الكسوة له و لهم على الاقتصاد، بحسب حاله في النفقة و الكسوة، و يستمرّ الإنفاق عليه إلى يوم القسمة، فتدفع إليه نفقة ذلك اليوم خاصّة له و لعياله، و ينبغي أن يكون ذلك ممّا لا يتعلّق بعض الغرماء بعينه، هذا إذا لم يكن له كسب، و لو كان ذا كسب، قيل: ينفق من كسبه، و لو زاد، ردّ الفاضل إلى الغرماء، و لو قصر تمّمت النفقة من ماله.
و هو ثلاثة أثواب، و حنّط و دفن. و إن ماتت زوجته لزمه كفنها من ماله أيضا، و كذا لو مات عبده.
و لو كان له في بعضها كفاية، بيع الفاضل عن الحاجة، و لو كانت دار السكنى و عبد الخدمة أعيان أموال أفلس بأثمانها، و وجد أصحابها لم يكن لهم أخذها على إشكال، و لو كانا رهنا بيعا، و لو قصر الدين، فالوجه الاقتصار في البيع على مساويه.(1)
ص: 525
و لو كانت له دار غلّة، أو دابّة وجب أن يؤاجرها، و كذا المملوكة، و إن كانت أمّ ولد.
و كذا لو باع الوكيل مال الموكّل. و الوليّ مثل الأب، و الجدّ، و أمين الحاكم، فإنّ العهدة على من بيع عليه، لا الوكيل و الأمين.
رجع بالدرك على المفلّس، و هل يأخذ المشتري الثمن من مال المفلّس، أو يضرب مع الغرماء؟ قال الشيخ: الصحيح الأوّل(1).
و كان ذلك مقدّما على حقوق الغرماء، فيباع العبد في الجناية فإن زادت قيمته، ردّ الفاضل إلى الغرماء، و لو كانت أقلّ ، لم يكن(2) للمجنيّ عليه غيرها، و لو أراد مولاه فكّه، كان للغرماء منعه.
و لا يكلّف الحاكم الغرماء حجّة على أن لا غريم سواهم، و يعوّل على أنّه لو كان لظهر مع إشاعة الحجر.
ثمّ إن لم يبق له مال، و اعترف به الغرماء، ففي احتياج فكّ الحجر إلى حكم الحاكم نظر، أقربه الفكّ بمجرّد قسمة ماله، و كذا لو تطابقوا على رفع الحجر.
و لو باع ماله من غير إذن الغرماء، لم يصحّ ، و إن كان بإذنهم صحّ ، و كذا يصحّ لو باع من الغريم بالدين، و لا دين سواه.
و فيه سبعة مباحث:
و إن امتنع، حبسه الحاكم و غرّره، و إن شاء باع عليهن و قضى الدين عنه.
و إن لم يكن له مال ظاهر، و ادّعى الإعسار، و كذّبه الخصم، فإن ثبت الحقّ عليه من معاوضته، كالبيع، و القرض، و بالجملة إذا كانت الدعوى مالا أو ثبت له أصل مال، فإذا ادّعى تلفه، و لا بيّنة، كان القول قول الغرماء مع اليمين، و إن كانت الدعوى جناية أو عن اتلاف مال و لم يعرف له أصل مال، كان القول قوله مع اليمين و عدم البيّنة، و تسقط المطالبة.
و ان أقام بيّنة بالإعسار، و طلب غريمه مع البيّنة اليمين، حلف، و الوجه أنّ الحلف واجب مع طلب الغرماء.
و إن عرف له أصل مال، و ادّعى تلفه، كان عليه البيّنة، فإن شهدت بالتلف ثبت، و إن لم يكونوا من أهل المعرفة الباطنة، و لو طلب غريمه يمينه على
ص: 527
ذلك لم يجب. و لو شهدت بالإعسار الآن، لم تقبل إلاّ أن يكونوا من أهل الخبرة الباطنة و المعرفة المتقادمة.
لأنّها تثبت حالة تظهر، و يقف عليها الشاهد، كما في نفي الوارث، و تسمع في الحال، فلا يحلّ حبس المفلّس بعد ثبوت إعساره شهرا و لا أقل.
لم يكن للغرماء ملازمته.
فالقول قوله مع اليمين و عدم البيّنة.
و إن صدّقهم و كان وافيا بالدّيون، لم يحجر عليه، و إلاّ حجر مع سؤالهم، و لو تجدّد له غرماء قبل الحجر الثاني، قسّم بينهم و بين الاوائل، و لا يختصّ به المتأخرون، و إن استفاده من جهتهم.
و إن صدّقهم و ادّعى أنّه مضاربة، فإن كان لغائب، فالقول قوله مع اليمين، و إن كان لحاضر و صدّقه، فكذلك، و لو طلبوا يمين المقرّ له احلف، و إن كذّبه قسّم بين الغرماء.
لم يكن لصاحبه منعه من سفر يزيد على الأجل، و لا المطالبة بكفيل، و كذا لو سافر إلى الجهاد.
و لا يحلّ حبسه، و لو يوما بل يجب إنظاره إلى أن يوسّع اللّه تعالى عليه، و لا يجبر على التكسّب و إن كان ذا صنعة، و لا على قبول الهبة، و لا الصدقة، و لا الوصية، و لا القرض، و لا تجبر المرأة على التزويج ليقبض مهرها.
ص: 528
و الإغلاظ في القول، مثل يا ظالم يا متعدّي(1) و لو مات فظهر أنّه مفلّس لم يكن للبائع استرجاع العين، بل يشارك الغرماء.
و فيه عشرة مباحث:
فإن كان حالاّ، وجب عليه قضاؤه عند المطالبة في الحال مع القدرة، و لو أخّر معها أثم، و لا تقبل صلاته في أوّل وقتها، بل تجب إعادتها، و إن كان مؤجّلا، وجب قضاؤه عند الحلول مع المطالبة.
فيبيع الحاكم و يقضى ما عليه من الدّيون الثابتة عنده بعد مطالبة صاحب الدين، و لا يسلّمه إلاّ بكفيل، فإن حضر الغائب و لا حجّة معه، برئت ذمّة القابض و الكفيل، و إن كانت له بيّنة تبطل حجّة الخصم، ردّ الكفيل المال، و بطل البيع إن كان الحاكم باع له شيئا.
جاز الحلف، و إن كان كاذبا، و يؤرّي وجوبا مع علمه ما يخرجه من الكذب، و ينوي القضاء وجوبا مع المكنة.
ص: 529
و لو حلف مع تمكّنه، كان آثما، و يجب عليه دفع الحقّ إلى صاحبه، لكن لا يجوز للغريم بعد إحلافه مطالبته، لكن إذا جاء ثانيا و ردّ ماله، جاز له قبوله.
فإن ردّ معه ربحا، قال الشيخ: يأخذ رأس المال و نصف الربح،(1) و حمل ابن إدريس(2) على المضاربة على النصف، أمّا لو كان قرضا أو دينا أو غصبا، و اشترى في الذمّة، فالربح للحالف كلّه، و إن اشترى بالعين في الغصب، بطل البيع، و الربح لأرباب السلعة.
و إن لم يحلّفه، و لم يتمكّن من أخذه، و حصل عنده مال له، جاز له أن يأخذ منه من غير زيادة، فإن كان من الجنس، و إلاّ أخذ بالقيمة.
و إن كان ما عنده على سبيل الوديعة، كره له الأخذ منها، قاله الشيخ في الاستبصار(3) و منع في النهاية(4) و الأوّل أقرب.
خلافا للشيخ،(5) فإن مات سلّمه إلى ثقة، و لو مات صاحبه سلّمه إلى ورثته، و يجتهد في طلبهم فإن لم يجدهم سلّمه إلى الحاكم، و لو علم نفي الوارث قال الشيخ: تصدّق به عنه،(6) و الوجه انّه للإمام.
وجب على الزّوج دفعه إليها لتقضيه، و إن لم يأذن في الاستدانة.
ص: 530
يبدأ بالكفن المفروض، ثم يصرف في الدّين، و الفاضل في الوصيّة من الثلث، و الباقي ميراث.
و يجب على من أقام البيّنة على الميّت الحلف معها على بقاء الحقّ ، فإن امتنع عن اليمين، سقطت بيّنته، و لو لم تكن بيّنة، أو لم يحلف، و طلب اليمين من الورثة، كان له ذلك إن ادّعى عليهم العلم، و إلاّ فلا.
و لو أقام شاهدا واحدا، حلف معه، و لا تلزمه يمين أخرى، و لو لم يخلف الميّت شيئا، لم يجب على الورثة القضاء من مالهم، فإن تبرّعوا أو أحدهم كان مثابا، و يجوز احتسابه من الزّكاة، و إن كان ممّن تجب نفقته، و لو أقرّ بعض الورثة، لزمه في حصّته بقدر ما يصيبه من أصل التركة، و إن شهد اثنان منهما عدلان أجيزت شهادتهما على الورثة، و حلف المدّعي، و لا يلزم المقرّ دفع جميع الدّين من نصيبه.
فإن لم يقض و لم يخلّف شيئا، سقط الدّين، و إن خلّف قدر ما يكفّن به خاصّة، كفّن، و سقط الدّين، فإن تبرّع إنسان بكفنه، دفع ما خلّفه إلى الديّان، و لو دفع آخر كفنا ثانيا، قال ابن بابويه في الرسالة: يكون للورثة دون الديّان(1)، و ينبغي تقييده بإقراضه لهم على سبيل الصّدقة، و إلاّ فهو على ملكه.
وجب قضاء دينه من ديته إن لم يكن غيرها، أو كان قاصرا، إن كان خطأ، و إن كان عمدا، قال الشيخ: لم يكن لأوليائه
ص: 531
القود إلاّ بعد أن يضمنوا الدّين عن صاحبهم، فإن لم يفعلوا لم يكن لهم القود، و جاز لهم العفو بمقدار ما يصيبهم(1).
و الحقّ عندي أنّ لهم المطالبة بالقود و تضييع المال، سواء دفع القاتل عوضا أو لا، نعم لو عفوا على [دفع] مال، و رضي القاتل به، تعلّقت الدّيون به.
3852. التاسع: إذا مات و عليه ديون لجماعة تحاصّوا(2) ما وجدوا من تركته بقدر ديونهم من غير تفضيل،
نعم يختصّ صاحب الرّهن به دون غيره، و لو وجد واحد متاعه بعينه، فإن كان في باقي التركة وفاء، كان أحقّ بعينه، و إلاّ شارك.
و تبرأ ذمّته، إذا أعلمهم مقدار ما عليه، و متى لم يعلمهم مقدار ما صالحوا عليه، و أعلمهم بعد الصلح و لم يرضوا، كان الصلح باطلا.
ص: 532
و فيه فصول
و فيه أربعة عشر بحثا:
و منه سمّي الحرام حجرا، قال اللّه تعالى:
حِجْراً مَحْجُوراً (1) أي حراما محرّما، و سمّي العقل حجرا، قال اللّه تعالى: [هَلْ فِي ذٰلِكَ ] قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (2) لمنعه من ارتكاب القبيح، و حجر البيت مانع من الطواف فيه.
و في الشرع: منع الإنسان عن التصرّف في ماله، و هو ثابت بالنصّ و الإجماع، قال اللّه تعالى: وَ لاٰ تُؤْتُوا اَلسُّفَهٰاءَ أَمْوٰالَكُمُ اَلَّتِي جَعَلَ اَللّٰهُ لَكُمْ قِيٰاماً (3).
و هو قسمان: حجر على الإنسان لحقّ غيره، كالمفلّس، و المريض،
ص: 533
و المكاتب، و العبد، و الراهن، و قد مضى بعضها.
و حجر لحقّ نفسه، و هم ثلاثة: الصبي، و المجنون، و السفيه، و الحجر على هؤلاء عامّ بالنسبة إلى أموالهم و ذممهم.
و يعرف البلوغ بأمور خمسة، ثلاثة مشتركة بين الذكر و الأنثى و اثنان مختصّان بالأنثى. فالمشتركة: خروج المنيّ من القبل، و السنّ ، و الإنبات. و المختصّة:
الحيض و الحمل.
سواء خرج يقظة، أو نوما، بجماع أو احتلام أو غير ذلك، و سواء قارن شهوة أو لا.
3857. الرابع: الخنثى المشكل إن خرج المنيّ من فرجيه(1) حكم ببلوغه.
و كذا إن خرج المنيّ من الذكر و الحيض من الرحم، و لو خرج المنيّ من أحدهما خاصّة قال الشيخ: لا يحكم ببلوغه لجواز أن يكون زائدا(2) و عندي في ذلك نظر.
و هو في الذكر خمس عشرة سنة، و في الأنثى تسع سنين، لا كما قلنا في الذكر.
و كذا الحمل(3)، و لا اعتبار بغلظ الصوت و لا بشقّ الغضروف، و هو رأس الأنف.
ص: 534
و لا اعتبار بالزّغب(1) الضعيف، و هو معتبر يحصل به البلوغ في حقّ المسلمين و الكفّار، و الأقرب أنّ إنبات اللحية دليل على البلوغ، أمّا باقي الشعور فلا.
و روي: انّ الصبيّ إذا بلغ عشر سنين، أو خمسة أشبار جازت وصيّته بالمعروف، و عتقه، و أقيمت عليه الحدود التّامة(2). و عندي في ذلك نظر.
فلا ينفذ تصرّف المجنون، و لا السّفيه، و هو الّذي يصرف أمواله في غير الأغراض الصحيحة، و لا يدفع ماله إليه و ان طعن في السّن، و لا يكفي في دفع ماله إليه بلوغ خمس و عشرين سنة(3) مع فساد رأيه، و لا ينفك عنه الحجر.
و الحجر على السفيه عامّ في تصرّفاته في ماله، فلا يصحّ بيعه، و لا إقراره، و لا غير ذلك من التصرّفات، سواء وقعت منه مباشرة، أو أقام في ذلك وكيلا.(4)
فإذا بلغ رشيدا بهذا المعنى، سلّم إليه ماله، و إن كان غير رشيد في دينه، إذا كان فسقه غير مستلزم للتبذير مثل ترك صلاة، أو منع زكاة، أو إقدام على كذب، فهذا يسلّم إليه ماله إذا كان مصلحا له.
ص: 535
و إن استلزم التبذير كشراء الخمور و آلات اللهو، و النفقة على الفساق، فهذا لا يسلّم إليه شيء لأجل تبذيره، و اشترط الشيخ العدالة(1) و عندي فيه نظر.
و صرف أكثر المال إلى صنوف الخير مع قناعته بالباقي، ليس بتبذير و لا سرف، و صرفه إلى الأطعمة النفيسة الّتي لا تليق بحاله تبذير.
فإن سلم من المغابنة، عرف رشده، و ولد الكبار الذين يصان أمثالهم عن الأسواق، يدفع إليه نفقة مدّة ليضعها في مصالحه، فإن كان قيّما حافظا، يستوفي على وكيله و يستقضي، كان رشيدا.
و المرأة يعلم رشدها بملازمتها لصلاح شأنها، و الاعتناء(2) بما يلائمها من الغزل، و الاستغزال، و غيرهما من حرف النساء، فإن وجدت حافظة لما في يديها، قادرة على التكسّب من غير مغابنة فهي رشيدة.
و مع إذن الوليّ يصحّ تصرّفه و بيعه.
و بشهادة النساء في النساء.
سواء كان التصرّف في عين المال، كالبيع و الهبة، أو بالمنافع كالإسكان، و سواء كان بعوض، كالبيع و الإجارة، أو بغيره، كالصدقة و شبهها.
ص: 536
كالهبة، و الصدقة، و العتق، و لو اشتمل البيع على المحاباة، مضى ما قابل رأس المال من الأصل، و الزيادة من الثلث، و لو أجازت الورثة، صحّ جميع ما أجازوا فيه.
و فيه عشرون بحثا:
و كذا لو زال سفه السّفيه، أو جنون المجنون، و لا يفتقر في ذلك إلى حكم الحاكم.
و وجب تسليم مالها إليها، و لا يشترط تزويجها، و لا ولادتها، و لا لبثها عند الزوج سنة،(1) و لا دخول الزّوج بها.
و لا يشترط إذن الزوج فيما تتصرّف فيه زائدا عن الثلث بغير عوض.
ص: 537
و للمرأة أن تتصدّق من مال زوجها بالشيء اليسير، و تتصرّف في المأدوم بما لا ضرر فيه، من غير إذنه، بالهبة، و العطيّة إلاّ أن تكون ممنوعة من ذلك أو تعرف كراهيته.
و ليس لمن يقوم مقام المرأة كالجارية، و الأخت، و الغلام، ذلك إلاّ بالإذن.
و كذا السفيه، و لا يثبت الحجر بظهور الفلس، و لا بظهور السّفه من دون الحكم.
و هل يشترط حكم الحاكم في زوال حجر السفيه ؟ قال الشيخ: نعم(1) و فيه نظر.
أمّا حجر الصّبي، فانّه يزول عنه ببلوغه رشيدا، و لا يحتاج إلى الحاكم.
ليظهر أمره، فتجتنب معاملته، و لا يشترط الإشهاد عليه، و إذا حجر عليه الحاكم لم يمض بيعه، و لا شراؤه، و لا غيره من التصرّفات في ماله، و يسترجع الحاكم ما باع من ماله، و يردّ الثمن إن كان باقيا، و إن أتلفه السّفيه، أو تلف في يده، فهو من ضمان المشتري، و لا شيء على السّفيه، و كذا كلّ ما يأخذه من أموال الناس برضاهم، إن كان باقيا دفعه الحاكم إلى أربابه، و إن كان تالفا كان ضائعا، سواء علم بالحجر، أو لا، هذا إذا كان صاحبه قد سلّطه عليه، فأما إن حصل في يده باختيار صاحبه من غير تسلّط، كالعارية، و الوديعة، اذا أتلفه، أو تلف بتفريطه، احتمل عدم الضمان، لتعريض مالكه.
ص: 538
أمّا ما أخذه بغير اختيار صاحبه، أو أتلفه، كالغصب و الجناية فانّه ضامن.
فانّهما يضمنانه، و لو حصل في أيديهما باختيار صاحبه و تسليطه، كالبيع، و القرض، و الثمن، لم يضمنا لو أتلفاه، أو تلف بتفريطهما، و كذا ما حصل في أيديهما على جهة الوديعة و العارية، فتلف بتفريطهما، و لو أتلفاه، فالأقرب أنّه كذلك.
سواء كان عينا، أو دينا، أو إتلاف مال للغير(1) و لا يلزم به و إن فكّ حجره، بخلاف المفلّس، ثمّ إن كان محقّا، وجب عليه فيما بينه و بين اللّه تعالى الخروج عنه بعد الفكّ (2) و إلا فلا.
كالقتل عمدا، و الجرح، و الزنا، و القذف، حكم عليهما و استوفي منهما في الحال، و لو أقرّا بسرقة، قبل في القطع لا المال، و يصحّ إقرارهما بالنّسب، و ينفق على ولد السّفيه المقرّ به من بيت المال لا من ماله، قاله الشيخ(3).
و كذا لو ظاهرها، أو خالعها، سواء كان بمهر المثل، أو بدونه، لكن لا يسلم إليه العوض بل إلى الوليّ ، و لو سلّمته المرأة إليه فهو من ضمانها.
و كذا لو دبّر أو كاتب.
ص: 539
فإن أمضى صحّ ، و إلاّ فلا، و كذا لو باع أو اشترى فأجاز الوليّ ، فالوجه الصحّة و قوّى الشيخ البطلان(1)و ليس بجيّد.
و له الاستيلاد، فلو أولد جارية عتقت بموته مع وجود الولد كغيره.
و يجوز له العفو على مال، لكن لا يسلّم المال إليه بل إلى وليّه، و له العفو على غير مال في العمد، و يجوز قبوله للوصيّة و الهبة.
و لو كان للتطوّع، و استوت(2) نفقته سفرا و حضرا، أو أمكنه تحصيل الفاضل في الطريق بالاكتساب، فكذلك، و لو زادت نفقته في السفر و لا كسب له، كان لوليّه أن يحلله بالصّيام.
و كذا لو عاد في ظهاره، أو لزمته كفّارة قتل الخطاء أو الإفطار في رمضان، و شبهه، و لو نذر عبادة بدنيّة، لزمته، و لو نذر صدقة، لم يصحّ .
فإن عاد سفهه أعيد الحجر، فان زال فكّ حجره، فإن عاد السّفه عاد الحجر و هكذا.
ص: 540
صحّ لأنّ السّفه لم يسلبه أهلية التصرف مطلقا.
فإن لم يكونا، فالوصيّ لأحدهما، فإن لم يكن فالحاكم أو أمينه، و لا ولاية للأمّ ، أمّا السفيه، فالولاية في ماله للحاكم، أو أمينه خاصّة.
قال الشيخ: الظاهر أنّه يحجر عليه.(1) و الوجه عندي خلافه.
و لو مات و قد بلغ الصبيّ ، لم يكن يتيما، و كذا لو ماتت الأمّ قبل بلوغه لم يكن يتيما، إذا كان أبوه باقيا.
و لا يداخلهما الحاكم و لا غيره في ذلك، أمّا الأمّ فلا ولاية لها، و إن كان الأب و الجدّ مفقودين، فإذا لم يكن أب و لا جدّ، كان وليّه من أوصى أحدهما إليه بالنظر في أمره، و إن لم يكن وصيّ ، فالنظر إلى الحاكم، و لا يتصرّف الحاكم مع وجود الوصيّ .
ص: 541
و ينبغي له أن يشتري العقار، و يكون مأمون التلف بحيث لا يكون قريبا من الماء يخشى غرقه، و لا بين طائفتين متعاندتين بحيث يخشى عليه الحريق.
و يستحبّ له أن يبني عقاره بالآجر و الطّين، لا الجصّ و اللّبن(1)، لأنّه أعود في النفع(2) من غيره، و لو اقتضت المصلحة بناءه باللّبن و الجصّ ، فعل.
و اقتضاء المصلحة، و إذا كان البائع أبا أو جدّا، جاز للحاكم إسجاله و إن لم يثبت عنده أنّه مصلحة، أمّا غيرهما كالوصيّ و شبهه، فإنّ الحاكم لا يسجل على بيعه إلاّ بعد ثبوت أنّه مصلحة عنده.
و إذا بلغ الصبيّ ، و أنكر كون بيع الأب أو الجدّ مصلحة، كان القول قول الأب و الجدّ، و لو أنكر بعد بلوغه كون بيع الوليّ أو الوصيّ أو غيرهما مصلحة، افتقر البائع إلى البيّنة، و كان القول قول الصبيّ .
سواء كان أبا، أو جدّا، أو وصيّا، أو غيرهم في الإنفاق و قدره بالمعروف، و لا يلتفت إلى إنكار الصبيّ . و لو قال الوصيّ : أنفقت منذ ثلاث سنين، فقال الصبيّ : لم يمت أبي إلاّ منذ سنتين، فالقول قول الصبيّ .
و يكون للعامل ما يشترطه الوليّ من الربح، و يجب أن يكون العامل أمينا، فإن دفعه إلى غير الثقة
ص: 542
ضمن، و لو كان الوليّ هو العامل، فالأقرب أنّه لا تصحّ المضاربة، و تكون له أجرة المثل.
و هو: دفعه إلى ثقة يتّجر به، و يكون الربح بأجمعه لليتيم، و لا يجوز بيع عقاره لغير حاجة، و يجوز له كتابة عبده مع المصلحة. و لو اقتضت المصلحة عتقه، فالوجه جوازه.
3895. الثامن: يجوز للوليّ (1) تسليم اليتيم إلى معلّم الصنعة،
و تركه في المكتب أيضا.
و أن يخلطه بعائلته، و يحسبه كأحدهم، فيأخذ من ماله بإزاء ما يقابل مئونته، و لا يفضله على نفسه، بل يستحبّ أن يفضل نفسه عليه، و لو كان إفراده أرفق به، أفرده، و كذا لو كان الرفق في مزجه، أمزجه استحبابا.
و إن كان فقيرا، قال الشيخ: يأخذ بأقلّ الأمرين من أجرة المثل و قدر الكفاية(2) و هو حسن. و قال ابن إدريس: يأخذ قدر كفايته(3) إذا عرفت هذا، فلو استغنى الوليّ لم يجب عليه إعادة ما أكل إلى اليتيم، سواء كان أبا، أو غيره.
قال الشيخ: يستحبّ
ص: 543
له أن يخرج الزكاة، و الربح بأجمعه لليتيم(1) و منع ابن إدريس من إخراج الزكاة(2).
و يجوز للوليّ مع اعتبار المصلحة من غير قيد، و لو اتّجر الوليّ بالمال لنفسه، قال الشيخ:
إن كان متمكّنا من ضمان المال، كان الربح له و الخسارة عليه.(3) و منع ابن إدريس ذلك، و حرّم اقتراض مال اليتيم على الوليّ .(4) قال الشيخ: و لو لم يكن متمكّنا من ضمانه، كان عليه ما يخسر، و الربح لليتيم.(5)
و حلّ للمصالح ما يأخذه من باقي المال، قال الشيخ(6) و الوجه ما قاله ابن إدريس [من] ان الصلح جائز للوليّ مع المصلحة، أمّا من عليه الحقّ ، فلا يجوز له منعه من باقي المال إذا كان ثابتا في ذمّته، و ليس للوليّ إسقاطه بحال(7).
و إن لم يعلمه أنّه حقّ عليه، بل على جهة الصّلة و الجائزة، و ينوي براءة ذمّته.
أمّا المأكول فالتفاوت بينهم فيه يسير، لا يجب إفراد كلّ واحد منهم بشيء، بل يجوز مزجهم و تسويتهم في الحساب عليه.
ص: 544
مثل أن يكون له مال يحتاج إلى نقله إلى غير ذلك البلد، و يخاف الطريق، فيقرض الثقة، و إن استرهن كان أحوط، و كذا لو خاف على المال النهب أو الحريق، جاز إقراضه من الثقة، و كذا لو كان ممّا يتلف بتطاول مدّته، أو حديثه خير من قديمه.
و لو لم تكن لليتيم مصلحة، بل قصد إرفاق المقترض(1) و قضاء حاجته، لم يجز، و لو أراد الوليّ السفر، لم يصحبه، بل ينبغي إقراضه من الثقة، و لو لم يجد المقترض، أودعه، و له إيداعه مع وجود المقترض، و لا ضمان عليه.
سواء كان حاضرا، أو غائبا، و سواء كانت حقوقهم مشتركة بينهم و بين الصغار في عقار يتضرر بالقسمة أو لا، و سواء بيع فيما لا بدّ في الصغار و الكبار منه، أو فيما منه بدّ.
الأقرب العدم، و كذا لو تصرّف من غير إذن الوليّ ، الأقرب عدم توقّفه على الإجازة، بل يقع باطلا على إشكال.
ص: 545
ص: 546
كتاب الضمان
ص: 547
ص: 548
و هو التعهّد بالمال أو النفس و أقسامه ثلاثة: ضمان، و حوالة، و كفالة.
فهاهنا فصول ثلاثة.
و مطالبه أربعة
و فيه ثمانية مباحث:
سواء كان رجلا، أو امرأة، و لا يصحّ من غيره، فلو ضمن المجنون، أو المغمى عليه، أو المبرسم(1)، أو الطفل كان باطلا، و لو ادّعى وقوع الضمان بعد البلوغ، أو بعد الإفاقة، فالقول قول المنكر، هذا إذا عرف له حال جنون، و لو لم يعرف و ادّعى الضامن أنّه كان
ص: 549
مجنونا وقت الضمان. قال الشيخ: إنّ القول قوله(1).
امّا المحجور عليه للفلس فيصحّ ، و يتبع به بعد فكّ الحجر، و لا يشارك المضمون له الغرماء.
سواء كان مأذونا له في التجارة أو لا. و إن أذن له مولاه صحّ ، و تعلّق مال الضمان برقبته لا بكسبه، و لو شرط أن يكون الضمان ممّا في يده أو كسبه، و أذن المالك صحّ ، كما لو شرط في ضمان الحرّ أن يكون من مال بعينه.
كما قلنا في العبد، و حكمه حكم القنّ في تعلّق الضمان برقبته أو كسبه، و في اشتراط إذن السيّد في اشتراط الضمان بالكسب، و لو ضمن ما على العبد في ذمّته، فالوجه الصحّة.
ثمّ إن توفّي في مرضه، صحّ ما ضمنه من ثلث تركته، و لو أجاز الورثة صحّ في الجميع. و كذا لو برئ من مرضه سواء مات بعد برئه، أو لم يمت.
و لا تكفي كتابته بالضمان منفردة عن إشارة يفهم فيها قصده للضمان، و لو لم تعلم إشارته لم يصحّ ضمانه.
ص: 550
3914. الثامن: يشترط في الضامن(1) الملاءة وقت الضمان، أو علم المضمون له بإعساره،
فلو ضمن المعسر و لم يعلم المضمون له، كان له فسخ الضمان عند العلم بالإعسار، و العود على المضمون عنه، و هل يشترط الفسخ على الفور؟ إشكال.
و لا يشترط استمرار الغنى، فلو ضمن و هو مليّ ، ثمّ أعسر لم يبطل الضمان و برأ المضمون عنه، و يشترط في الضامن الاختيار، فلو ضمن مكرها، لم يصحّ إجماعا.
و فيه خمسة عشر بحثا:
سواء كان مستقرّا، كثمن المبيع بعد انقطاع الخيار، أو معرضا للبطلان كالثمن بعد قبضه في مدّة الخيار، و لو كان قبل القبض لم يصحّ .
و كذا يصحّ ضمان ما ليس بلازم، لكن يؤول إلى اللزوم، كما في الجعالة قبل الفعل، و كذا مال السبق و المناضلة، أمّا لو ضمن العمل في الجعالة أو السبق، فانّه لا يصحّ قطعا.
مثل ضمان الدين قبل تحقّقه، بأن يقول: ضمنت عنه ما يستدينه منك، أو ما تعطيه فهو من ضماني، سواء أطلق أو عيّن، مثل ضمنت ما تعطيه من درهم إلى عشرة.
ص: 551
و قد نصّ الشيخ على لزوم من قال: الق متاعك في البحر و عليّ ضمان قيمته، و يكون ذلك بدل ماله، و يكون غرضه التخفيف عن السفينة و تخليص النفوس، و كذا قال: يصحّ لو قال لغيره: طلّق امرأتك و عليّ ألف، ففعل، و يلزمه الألف لجواز أن يعلم أنّه على فرج حرام، يستنزله ببذل ماله، و كذا لو قال: أعتق عبدك و عليّ ألف، أو قال للكافر: فكّ هذا الأسير و عليّ ألف.(1)
و هذا إن صحّ ، فلأنّه في محلّ الحاجة، بخلاف غيره.
فلو ضمن ما في ذمّته صحّ ، و يلزمه ما يقوم به البيّنة أنّه كان ثابتا في ذمّته وقت الضمان، لا ما يوجد في كتاب، و لا ما يقرّ به المضمون عنه، و لا ما يحلف عليه المضمون له بردّ اليمين من المضمون عنه، أمّا لو كان الردّ من الضامن، فإنّه يلزمه، و لو ضمن ما تقوم البيّنة عليه، لم يصحّ لعدم العلم بثبوته في الذمّة وقت الضمان.
و قال الشيخ في النهاية: لو قال: أنا أضمن له ما يثبت لك عليه، إن لم آت به إلى وقت كذا، ثمّ لم يحضره، وجب عليه ما قامت به البيّنة للمضمون عنه، و لا يلزمه ما لم تقم به البيّنة ممّا يخرج به الحساب في دفتر أو كتاب، و انّما يلزمه ما قامت به البيّنة، أو يحلف خصمه عليه، فإن حلف على ما يدّعيه، و اختار هو ذلك وجب عليه الخروج منه(2).
ص: 552
و قال في المبسوط: لا يصحّ ضمان المجهول، سواء كان واجبا حال الضمان، أو غير واجب، و لا يصحّ ضمان ما لم يجب سواء كان معلوما أو مجهولا، فالمجهول غير الواجب مثل أن يقول: ضمنت لك ما تعامل به فلانا، أو (ما)(1) تقرضه، فهذا لا يصحّ ، لجهالته، و لعدم وجوبه، و المجهول الواجب مثل أن يقول: أنا ضامن لما يقضي لك به القاضي على فلان، أو ما تشهد لك به البيّنة من المال عليه، أو ما يكون مثبتا في دفترك، فهذا لا يصحّ لجهالته، و إن كان واجبا في الحال، و قال قوم من أصحابنا(2): إنّه يصحّ أن يضمن ما تقوم به البيّنة دون ما يخرج به دفتر الحساب، و لست أعرف به نصّا.(3)
و كلامه في النهاية مشكل، و ما ذكره في المبسوط لا ينافي ما اخترناه إن قصد ما قلناه، و الظاهر أنّ قصده هنا أنّ ضمان المجهول مطلقا لا يصحّ ، و الأقوى ما فصّلناه نحن أوّلا.
لأنّها تجب بأوّله، و لا يصحّ ضمان نفقة المستقبل، لتوقّفها على التمكين، و في الفرق بين مال الجعالة قبل العمل، و بين النفقة المستقبلة إشكال.
و لا فرق في صحّة ضمان الماضية بين أن يحكم بها حاكم أو لا، و لا بين
ص: 553
أن تكون معلومة أو مجهولة، على ما اخترناه في جواز ضمان المجهول خلافا للشيخ في بعض أقواله(1) و لا بن إدريس(2) و إذا ضمن النفقة الماضية، وجب على الضامن نفقة مثل المرأة على قدر حال الرجل، و قال الشيخ: تجب نفقة المعسر.(3)
إذ للمكاتب إسقاطه بتعجيز نفسه، و لا يؤول إلى اللزوم، لأنّ المكاتب إذا أدّى المال عتق، و خرج من كونه مكاتبا، فلا يتصوّر أن يلزمه مال الكتابة بحيث لا يكون له الامتناع من أدائه(4) و الأقرب عندي جواز ضمانه، و يمنع جواز تعجيز المكاتب نفسه، و ينعتق بالضمان.
- كالمغصوب في يد الغاصب، و المستعار في يد المستعير مع شرط الضمان، و المقبوض بالبيع الفاسد - يصحّ ضمانها.
و لو ضمن من هي في يده بتفريط أو تعدّ، صحّ ضمانها، أمّا قبل ذلك فلا، و لو ضمنها إن تعدّى فيها، لم يصحّ .
أمّا عن البائع فعهدة المثمن متى خرج المبيع مستحقّا، و إنّما يصحّ هذا الضمان إذا
ص: 554
قبض البائع الثمن، أمّا قبله فلا، و أمّا عن المشتري فضمان الثمن الواجب بالبيع قبل تسليمه، أو إن ظهر مستحقّا.
و العهدة اسم للكتاب الّتي يكتب فيه وثيقة البيع، و يذكر فيه الثمن، فنقل إلى الثمن المضمون، و الوجه أنّ ضمان العهدة ناقل، فلو خرج المبيع مستحقّا كان للمشتري الرجوع على الضامن دون البائع(1).
أو يقول للمشتري: خلاصك منه، و لو ضمن خلاص المبيع لم يصحّ ، لأنّه إذا خرج حرّا، لم يحل تخليصه، و إن خرج مستحقّا لم يستطع إلاّ بالبيع، و ذلك ضمان ما لم يجب فلم يصحّ ، و إن ضمن عهدة المبيع و خلاصه، بطل في الخلاص، و صحّ في العهدة.
إن كان لسبب حادث بعد العقد مثل تلف المبيع قبل قبضه، أو غصبه منه، أو يحصل التقايل بينه و بين البائع، فانّ المشتري يرجع على البائع خاصّة دون الضامن، و إن كان بسبب مقارن، فإن كان بغير تفريط من البائع، كأخذه بالشفعة، فإنّ المشتري يأخذ الثمن من الشفيع دون البائع و الضامن، و إن كان بتفريط من البائع. فإن كان باستحقاق أجرته، كان له الرجوع على الضامن، و إن كان بالردّ بالعيب، فالوجه أنّه لا يرجع على الضامن.
و لو أراد أخذ أرش العيب، فالوجه أنّه لا يرجع على الضامن أيضا، بل يرجع في ذلك كلّه على البائع.
ص: 555
و لو خرج بعض المبيع مستحقّا، أو حرّا، فاختار المشتري الفسخ، كان له الرجوع على الضامن بما قابل المستحقّ و الحريّة من الثمن خاصّة، و يرجع على البائع بالباقي.
لعدم وجوبه، قال الشيخ: لا يصحّ لأنّه ضمان ما لم يجب(1) و يحتمل الجواز للزومه بالعقد على ضعف.
قال الشيخ: و لو شرط في البيع ذلك بطل البيع. و كذا لو شرطاه في مدّة الخيار لا بعد انقضائه(2) و هو بناء على قوله بعدم انتقال الملك قبل الخيار.
أقربه الجواز، و كذا الأقرب جواز ضمان أرش العيب و عهدة تلحق بالمبيع، إمّا بالعيب، أو بالفساد من جهة أخرى غير كونه مستحقّا على إشكال، لكن ذلك كلّه لا يندرج تحت ضمان مطلق العهدة على تردّد.
و الأقرب جواز «ضمنت» من واحد إلى عشرة.
و هي ثلاثة: المضمون عنه، و المضمون له، و عقد الضمان و فيه خمسة مباحث:
و لا يشترط رضاه
ص: 556
في الضمان، فلو ضمن عنه لزم الضمان، و إن كره المضمون عنه، أو ردّه بعد الضمان. أمّا المضمون له، فإنّه يشترط رضاه، فلو ضمن من غير رضا المضمون له، لم يصحّ ، و كذا يعتبر رضا الضامن، و قد تقدّم.
3931. الثاني: لا يشترط في صحّة الضّمان معرفة الضامن للمضمون عنه(1)
و للشيخ قولان(2) هذا أجودهما، نعم يجب تمييزه بما يصحّ معه القصد إلى الضمان عنه بخصوصيّته.
سواء ترك وفاء أو لا، و سواء ترك ضامنا ضمن عنه في حياته أو لا، و كذا يصحّ الضمان عن المفلّس.
بل يصحّ ضمانه و إن جهل المضمون له، و للشيخ قولان(3) و يشترط رضاه قولا واحدا، و الأقرب اعتبار قبوله.
و لا خلاف بين العلماء كافّة في جوازه، و هو عقد لازم من جهة الضامن.
و اشتقاقه إمّا من الضمّ بمعنى أنّ ذمّة الضامن ينضمّ إلى ذمّة المضمون عنه، أو من التضمين، لأنّ ذمّة الضامن تتضمّن الحقّ ، و يقال: ضمين، و كفيل، و قبيل، و حميل، و زعيم، و صبير، بمعنى واحد.
و عبارته: ضمنت، و تكفّلت، و تحمّلت، و ما ينبئ عن اللزوم. و لو كتب و انضمّت (إلى كتابه)(1) القرينة الدالة، انعقد الضمان، و إلاّ فلا. و لا ينعقد بقوله أؤدّي. أو أحضر.
و لا يقع إلاّ منجّزا، فلو علّقه بمجيء الشهر فسد، بخلاف ما لو نجّزه و علّق الاداء.
و لا يدخله الخيار. و لو شرط فيه الخيار، ففي إبطال الضمان إشكال.
و فيه عشرون بحثا:
و كان للمضمون له مطالبته بلا خلاف، و لا اعتبار بتعذّر مطالبة المضمون عنه.
و لا يجوز للمضمون له مطالبة المضمون عنه، و لا فرق في ذلك بين أن يكون المضمون عنه حيّا، أو ميّتا، و يبرأ المضمون عنه بالضمان، و إن لم يؤدّ الضّامن،
ص: 558
و لو أبرأ المضمون له ذمّة المضمون عنه، لم يبرأ الضامن. و لو أبرأ ذمّة الضامن، برءا جميعا، و لم يكن للضّامن مطالبة المضمون عنه بشيء.
و إن كان مؤجّلا صحّ أيضا، و لو كان الدّين حالاّ فضمنه مؤجّلا صحّ ، و كذا لو كان الدّين مؤجّلا فضمنه حالاّ على إشكال، و الأقرب أنّه ليس له مطالبة المضمون عنه قبل الأجل، و إن ضمن بإذنه و أدّى حالاّ.
و لو كان مؤجّلا فضمنه إلى أجل أزيد أو أنقص على إشكال صحّ .
و للشيخ قول بالمنع من الضمان الحالّ مطلقا(1) و قول آخر: بالمنع من ضمان المؤجّل حالاّ(2).
و ليس للضّامن مطالبة المضمون عنه إلاّ بعد الأداء، و ليس للمضمون له مطالبة الضّامن قبل الأجل، و لو قضاه الضامن قبل الأجل، فالوجه أنّه ليس له مطالبة المضمون عنه إلاّ بعد الأجل، و لو كان الدّين مؤجّلا فضمنه حالاّ، وجب عليه الدفع في الحال، و ليس له مطالبة المضمون عنه إلاّ بعد الحلول و الأداء.
و ليس لورثته الرجوع على المضمون عنه إلاّ بعد الأداء و انقضاء الأجل إن كان الأصل مؤجّلا، و لا اعتبار بموت المضمون عنه.
ص: 559
فيجوز الضمان عن الضامن و يتحوّل الحقّ إلى ذمّة الأخير، و متى أدّى أحدهم، أو المضمون عنه، برئ الجميع، و إن أبرأ المالك الضامن الأخير، فكذلك، و لو أبرأ من قبله من الضمناء، أو المضمون عنه، لم يبرأ أحد، و لو أدّى الضامن الأخير، رجع على الضامن الّذي قبله، و هكذا إلى أن يرجع الحال إلى المضمون عنه، و ليس للفرع مطالبة السابق على أصله، و إن تعذّر الاستيفاء من الأصل.
فيتحوّل الحقّ إلى ذمّته كما كان قبل الضمان، و منع الشيخ من ذلك لئلاّ يصير الفرع أصلا(1)و ليس بشيء، و تابعه ابن البرّاج. و لو ضمن المضمون عنه عن الضامن من غير مال الضمان، جاز قولا واحدا.
فإن ضمن كلّ واحد منهما بعض الدّين صحّ ، و برئ المضمون عنه، و كان على كلّ واحد منهما قدر ما ضمنه، سواء تساويا، أو اختلفا، و إن ضمن كلّ واحد منهما جميع ما عليه، صحّ ضمان السابق.
و لو اقترنا بأن يضمنا من المالك و الوكيل في وقت واحد، فيه تردّد بين البطلان، لتحقّق ضمان كلّ واحد منهما حال ضمان الآخر، أعني حالة براءة الذمّة، و بين الصحّة مع القرعة أو التنصيف، و بين بطلان ضمان الوكيل، من حيث إنّه فعل حين فعل الموكّل متعلّق الوكالة، أعني حالة بطلان الوكالة.
ص: 560
و لو ضمن أحدهما صاحبه(1) صحّ و انتقل ما على المضمون عنه إلى ذمّة الضامن، و لو ضمن كلّ واحد منهما صاحبه انتقل ما كان على كلّ واحد إلى ضامنه و برئ الضامن من الدّين الأصلي، و ليس للمالك مطالبة كلّ واحد بالجميع، و لا مطالبة أحدهما به.
و لو قال كلّ واحد منهما: ضمنت ما عليه دفعة، فقال: ضمنتكما، فالوجه صحّة الضمان، لكن يتعلّق بذمّة كلّ واحد النصف.
سواء قال المضمون عنه: اضمن عنّي و انقد عنّي، أو قال: انقد، و أطلق، و كذا يرجع لو ضمن بإذنه و نقد بغير إذنه، و لا يشترط تعذّر الرجوع على المضمون عنه، لأنّ الضمان عندنا ناقل، و لو ضمن بغير إذنه، و نقد بإذنه، لم يرجع، و لو ضمن بغير إذنه و نقد بغير إذنه(2) لم يرجع.
و لو أبرأه غريمه لم يرجع، و لو دفع عوض الدّين عرضا، رجع بأقلّ الأمرين من قيمته و قدر الدّين، و لو أحاله، فهي بمنزلة الإقباض يرجع بأقل الأمرين من الدّين و القدر المحال به، سواء قبض الغريم من المحال عليه، أو أبرأه أو تعذّر الاستيفاء لفلس أو مطل.
و أجاز المالك ضمانهما، فقد قلنا إنّ ذمّة كلّ منهما مشغولة بالضمان لا
ص: 561
بالأصل، فإذا ضمن آخر عن أحدهما المائة، صحّ ضمان الخمسين، فإذا نقد المائة، سقط الحقّ عن الجميع، و رجع على المضمون عنه بالنصف مع الإذن في الضمان، و لا يرجع على الآخر إلاّ مع إذنه في الإنقاد عنه.
و لو ضمن عنهما معا صحّ ، و لزمه المائة، و رجع على كلّ واحد بالنصف مع إذنهما بالضمان، و إلاّ فعلى الآذن خاصّة.
و قوّى الشيخ جواز المطالبة و إن لم يطالب الضامن(1) و ما قلناه أولى.
و لو ضمن بغير إذنه، لم تكن له مطالبته مطلقا، و ليس للمأذون في الضّمان مطالبة المضمون عنه بتسليم المال إليه قبل أدائه، و لا مطالبة المضمون عنه بقبض المال منه ليتولّى المضمون عنه الدفع.
و كذا لو قضى الضامن من المتبرّع، أمّا المأذون فيبرأ بأدائه، و يطالب المضمون عنه، و لو ضمن تبرّعا فقضى المضمون عنه، فإن كان بمسألة الضّامن، فالوجه رجوعه عليه و إلاّ فلا.
فعلم المضمون له، كان له أن يجيز ضمان من شاء منهما، فيلزمه الدّينان معا، و يبرأ الآخر، فإن ضمن ثالث الدّينين معا عمّن أجيز ضمانه صحّ ، و رجع
ص: 562
عليه خاصّة إن كان بإذنه، و إن ضمن عن الآخر من المالك لم يلزمه شيء، و إن أجازهما معا انتقل ما في ذمّة كلّ منهما إلى الآخر، و استقرّ الدّين عليهما كما كان.
كان له إلزامه بالجميع إن لم يرض بضمان الغائب، و القول قوله بعدم الرضا مع يمينه، فإن حضر الغائب فاعترف، ألزم بقدر نصيبه، إن كان الحاضر ضمن بمسألته، و إلاّ فلا، و إن انكر فالقول قوله مع يمينه.
و لو أنكر الحاضر و لا بيّنة، فالقول قوله مع يمينه، فإن قامت عليه بيّنة و استوفى منه، لم يكن له الرجوع على الغائب، و لو اعترف الغائب، و رجع الحاضر عن إنكاره، كان له الرجوع بما أدّى عنه.
و لو أنكر الحاضر و حلف، ثمّ حضر الغائب و اعترف، لم يكن للمضمون له الرجوع عليه بشيء(1) مع رضاه بضمان الحاضر أوّلا.
كان القول قول المضمون له مع يمينه، فإن شهد المضمون عنه، قبلت شهادته مع انتفاء التهمة، و لو لم يكن مقبول القول، حلف المضمون له، و رجع على الضّامن ثانيا، و يرجع الضامن بما أدّاه أوّلا، و لو لم يشهد رجع بما أدّاه أخيرا.
و لو اعترف المضمون له بالقضاء، فأنكر المضمون عنه، ففي رجوع
ص: 563
الضامن بمجرّد اعتراف المضمون له على المضمون عنه إشكال، أقربه الرجوع.
وجب على الضّامن الثالث نصيبه.
و لو كان بنيّة الرجوع، أمّا لو قضى بأمره مع نيّة الرجوع، فإنّه يرجع بما أدّى عنه، و الوجه أنّه كذلك مع عدم نيّة الرجوع.
و لو أذن لغيره في قضاء دينه عنه، فصالح المأذون على غير جنس الحقّ ، فالوجه رجوعه على الآمر بأقلّ الأمرين.
فإن قصّر لم يرجع إن كذبه الآذن، و لو صدّقه، احتمل ذلك أيضا، لأنّ المراد قضاء مبرئ و أداؤه لم ينفعه، و إن صدّقه القابض، رجع قطعا.
و المعتبر شهادة من يثبت به الحقّ ، فلو أشهد رجلا، أو امرأتين جاز، و لو أشهد واحدا ليحلف معه، فالوجه الجواز أيضا، و لو أشهد من ظاهره الفسق لم يعتدّ بتلك الشهادة.
و لو أشهد من فسقه مستور، ففي الاعتداد به احتمال، و لو ادّعى موت الشاهدين و أنكر الآذن أصل الإشهاد، ففي تقديم قوله إن كان(1) قد دفع إليه مالا للقضاء، نظر.
ص: 564
فقد قلنا إنّه ينتقل ما في ذمّة كلّ منهما إلى الآخر، و لا يجتمع المالان في ذمّة كلّ واحد منهما، و لا يقع هذا الضمان باطلا في نفسه.
و تظهر له فوائد.
منها: أنّ المضمون له إذا أجاز ضمان أحدهما دون الآخر، اجتمع المالان في ذمّته، و برئ الآخر من مطالبته.
و منها: أنّ الحقّ قد يكون حالاّ، فإذا ضمن كلّ منهما مؤجّلا، لزمه الأجل بعد أن كان حالاّ.
و منها: أن يكون مؤجّلا، فإذا ضمناه حالاّ انحل الأجل، و كان له المطالبة في الحال.
و منها: انفكاك الرهن، لو كان بهما رهنان.
و هل ضمان كلّ واحد منهما يجري مجرى الأداء؟ الأقرب أنّه ليس كذلك، فحينئذ لو أبرأ أحدهما، أو دفع أقلّ ممّا ضمنه، ففي رجوع الآخر عليه، نظر.
و لو ضمن أحدهما صاحبه، تحوّل المالان عليه، فإن ضمن المضمون عنه الضامن، انتقل المالان إلى ذمّته.
ص: 565
و فيه ثلاثة و ثلاثون بحثا:
فإن تكفّل المال كان ضامنا، و الكفالة بنوعيها صحيحة، قال الشيخ: و لا بدّ فيها من الأجل،(1) و الأقرب جوازها حالّة، و مؤجّلة، و مع الإطلاق تكون معجّلة. فإذا اشترط الأجل وجب أن يكون معلوما لا يتطرّق إليه الزيادة و النقصان.
و يفسد لو شرط، و في فساد الكفالة حينئذ نظر.
كان كفيلا به أجمع، لأنّ هذه الأشياء، يعبر بها عن الجملة، فلو قال: أنا كفيل برأسه، أو كبده، أو قلبه، أو جزء لا يمكن حياته بدونه، فالأقرب الصحّة، و كذا لو كفل بجزء مشاع منه، كثلثه و ربعه.
و لو قال: أنا كفيل بيده، أو رجله(2) أو بجزء يمكن أن يعيش بدونه، ففي الصحّة إشكال، و أبطله الشيخ(3)، و هو حسن.
ص: 566
بدين لازم، أو حقّ تصحّ المطالبة به، سواء كان الدّين معلوما، أو مجهولا، و سواء كان المكفول بالغا، أو صبيّا، أو عاقلا، أو مجنونا، و إذن الوليّ قائم مقام إذنهما إن اشترط إذن المكفول به.
و من عليه عقوبة لآدميّ ، و المدّعى عليه و إن لم تقم عليه البيّنة.
سواء كان للّه تعالى أو لآدميّ ، نعم تجوز الكفالة على إحضار الجاني عمدا، أو خطأ في النفس و ما دونها.
و منع الشيخ(1) ليس بجيّد.
و لا عبرة برضاء المكفول به، و في المبسوط يعتبر رضاه(2) و اختاره ابن إدريس(3) و فيه قوّة.
كان له مطالبته بإحضاره في الحال، فإن أحضره و هناك يد ظالمة تمنعه من استيفاء ما عليه، لم يبرأ الكفيل، و لم يلزم المكفول له تسليمه في تلك الحال، و إن لم تكن هناك يد حائلة، لزمه قبوله، على إشكال، فإن قبله برئ الكفيل، و لا يفتقر إلى أن يقول:
برئت إليك منه، أو قد سلمته إليك، أو قد أخرجت نفسي من كفالته، و إن امتنع من تسليمه برئ الكفيل على إشكال. و لا يفتقر إلى إشهاد رجلين(4) و لا اذن
ص: 567
الحاكم و في المبسوط: إذا امتنع من تسليمه أشهد رجلين و برئ،(1) فإن قصد شرط الإشهاد كان ممنوعا.
و إن كانت مؤجّلة، لم يجب الإحضار قبل الأجل، و لو أحضره قبله، لم يجب على المكفول له القبول و إن انتفى الضرر في التسليم على الأقوى، و لا تبرأ ذمّة الكفيل، فإن حلّ الأجل و أحضره و سلّمه برئ.
فإن كان في حبس الحاكم وجب تسليمه، لإمكانه بأمر الحاكم، أو بأمر الحابس، ثمّ يردّ إلى السجن و يحبس على الحقّين معا، و إن كان في حبس ظالم لم يجب قبوله.
أجّل بمقدار وصوله إليه و عوده. و إن كفل مؤجّلا أجّل ذلك بعد الحلول، و لو امتنع من إحضاره مع وجوبه و إمكانه، وجب عليه حقّ المكفول له.
انصرف إلى بلد العقد، و إن سلّمه في غيره لم يبرأ، و ليس له أن يسلّمه إيّاه محبوسا في حبس الظالم، كما قلنا. و له أن يسلّمه محبوسا في حبس الحاكم، فإن طالب الحاكم بإحضاره، أحضره مجلس الحكم، و حكم بينهما، ثمّ ردّه إلى السجن.
و إن عيّن المكان في الكفالة لم يبرأ بتسليمه في غيره، سواء كان بمكان آخر من البلد أو لا، و سواء كان فيه سلطان أو لا.
ص: 568
أو على أداء ما عليه أبدا، إلاّ أن يحضره، أو يموت المكفول به.
و لو قال: إذا جاء زيد فأنا ضامن لك ما عليه، أو إذا قدم الحاجّ فأنا كفيل بفلان، لم يصحّ ، و كذا لو قال: إذا جاء رأس الشهر، أو خرجت السنة الفلانية.
فلو قال: أنا كفيل بفلان شهرا، على معنى أنّه يحضره متى شاء المكفول له في مدّة الشهر، جاز.
و إلاّ لزمه ما عليه، فالوجه الصحّة، لأنّ ذلك مقتضى الكفالة.
أمّا لو قال: إن لم آت به كان عليّ كذا، و حضر الأجل، لم يلزمه إلا إحضار الرّجل، و لو قال: عليّ كذا إلى كذا إن لم يحضره، ثمّ لم يحضره، وجب عليه ما ذكره من المال.
و لو قال: إن جئت به في وقت كذا، و إلاّ فأنا كفيل ببدن فلان، أو ضامن ما على فلان، لم يصحّ .
ضمن إحضاره، أو أداء ما عليه، فلو كان قاتلا لزمه إحضاره، أو دفع الدّية، و مع الدفع، إذا حضر القاتل، هل يقتل و يستعيد الدافع من الأولياء؟ فيه إشكال، فليس للدافع قتل القاتل، و هل له إلزامه بما أدّى عنه على تقدير انتفاء جواز قتله ؟ فيه نظر.
فلو قال: كفلت أحد هذين،
ص: 569
أو كفلت بزيد أو عمرو، أو كفلت بزيد فإن لم آت به فبعمرو، لم يصحّ .
قال الشيخ: لم يصحّ ، لفساد الشرط إذ لا يصحّ أن يبرأه(1). و الوجه عندي الصحّة إن جوّزنا الشرط في الكفالة، و حينئذ لا تلزمه الكفالة، إلاّ أن يبرأ المكفول له الكفيل الأوّل.
و كذا يصحّ لو قال: كفلت لك هذا الغريم على أن تبرئني من الكفالة بفلان، أو ضمنت هذا الدّين لك بشرط أن تبرئني من ضمان الدّين الآخر، أو على أن تبرئني من الكفالة لفلان، و كذا لو شرط في الكفالة و الضمان أن يتكفّل المكفول له، أو المكفول به بآخر، أو يضمن دينا عليه، أو يبيعه شيئا معيّنا، أو يؤجره إيّاه.
و لا يجب عليه غرم المال و لا بعضه إن كان كفيلا بالبدن، و إن كان كفيلا بالمال لزمه، لأنّه يكون ضمانا، و كذا يبرأ الكفيل لو أبرأ المكفول له المكفول أو الكفيل، أو قضاه الكفيل، أو سلّم المكفول نفسه تسليما تامّا، أو هرب المكفول بحيث لا يعلم خبره، أو اختفى كذلك على إشكال، و لو أبرأ الكفيل لم يبرأ الأصيل.
و لو كفل اثنان بواحد صحّ ، فإن قضى أحدهما الدّين برئ الآخر، و كذا لو قضاه المكفول برءا معا، و كذا لو سلّم نفسه إلى المكفول منه تسليما تامّا. و لو سلّمه أحدهما قال الشيخ: لا يبرأ الآخر(2) و عندي فيه نظر.
لم يبرأ بتسليمه
ص: 570
إلى أحدهما و لا بإبراء أحدهما له(1).
وجب على المكفول الحضور معه عند المطالبة به، فإن كفل بغير إذنه، و طلبه للحضور، فإن كان المكفول له طلبه منه، وجب عليه الحضور، و إلاّ فلا، و لو قال المكفول له: أحضر مكفولك، كان توكيلا (له)(2) بإحضاره فيجب عليه الحضور معه. و لو قال: خلّص نفسك من الكفالة لم يكن توكيلا، و لم يجب على المكفول الحضور معه، إلاّ أن يكون قد أذن له في الكفالة.
كان الكفيل و الضامن هو المباشر، و لا شيء على الآمر.
كان القول قوله مع يمينه، فإن حلف بقيت الكفالة، و إن نكل حلف الكفيل، و برئ من الكفالة، و لم يبرأ المكفول به من الدّين.
و لو قال: كفلت و لا حقّ لك عليه، فأنكر المكفول له، فالقول قوله كما قلنا، و هل يفتقر إلى اليمين ؟ الأقرب ذلك، و لو نكل، فالوجه إحلاف الكفيل مع احتمال بعيد.
و كذا لو قال قد برئت إليّ منه، أو رددته إليّ ، و كذا لو قال: برئت من الدّين الّذي كفلت به، و يبرأ الكفيل في هذه المواضع دون المكفول به، و لا
ص: 571
يكون ذلك اعترافا بالقبض، إلاّ في الصورة الأخيرة، فإنّه يبرأ المكفول به، لأنّ كفالة المال عندنا ناقلة.
و لو قال للمكفول به: قد أبرأتك من الدّين الّذي كفلك عليه فلان، أو برئت إليّ منه، برئ الكفيل و المكفول به، و كذا لو قال له: أبرأتك من الدّين الّذي لي قبلك، أو برئت إليّ من الدّين الّذي قبلك، لأنّه من ألفاظ العموم، و لو قال:
قصدت (من)(1) غير دين الكفالة، قبل قوله مع يمينه.
برئ الكفيل و المكفول به معا، و لو أسلم المكفول عنه فكذلك، و لو أسلم الكفيل خاصّة، برئ من الكفالة دون المكفول عنه، إلاّ أن يكون كفيلا بالمال.
فإذا أعطاه كان الغريم الآخذ لا الآمر، و لا يلزم الآمر شيء و إن كان خليطا، و لو قال:
أعطه عنّي، كان كفيلا.
3983. التاسع و العشرون: إذا خاف بعض الركاب فألقى بعض متاعه أو جميعه في البحر لتخف(2) السفينة،
لم يرجع به على أحد، سواء ألقاه بنيّة الرجوع، أو متبرّعا،(3) و كذا لو قال بعضهم: ألق متاعك فألقاه، و لو قال: ألقه و عليّ ضمانه، ضمنه القائل خاصّة، و إن كان ضمان ما لم يجب للضرورة.
ص: 572
و لو قال: ألقه أنا و الركبان له ضمناء، فإن قصد ضمان الاشتراك و الانفراد(1)ضمن الجميع، و لا يلزم باقي الركبان شيء، سواء سمعوا و سكتوا، أو أنكروا، أو لم يسمعوا، و إن قصد ضمان الاشتراك لزمه ضمان حصّته، و لا يضمن الباقون شيئا، و أمّا الّذي يضمن يحتمل النصف و يحتمل أن يكون كأحدهم إلاّ أن يقصد الثاني، و القول قوله مع يمينه في إرادته، و لو أذنوا له في ذلك لزم الجميع المال.
و قد تقدّم، و إن كانت بالنفس لزم الأخير احضار من كفله، و يلزم السابق عليه إحضار من تقدّمه(2) و هكذا إلى أن ينتهي إلى المديون، فإن مات المديون، أو أبرأه المكفول له برءوا جميعا.
و كلّ كفيل مات مكفوله برئ هو دون مكفول الميّت، فلو مات أوسط الكفلاء الثلاثة، برئ الميّت و كفيله معا، دون المديون و كفيله.
و لو كفل كلّ من الكفيلين بدن صاحبه جاز، فإن مات الأصليّ ، أو برئ من الدّين برءا معا، و إن مات أحدهما لم يبرأ الآخر.
جاز أن يكفل الراهن على التسليم، و لو لم يشرطه(3) لم يجز إلاّ مع القول بوجوب التسليم.
لم أعرف لأصحابنا فيه نصّا، و جوّزه بعض الجمهور، إذ قد يستحقّ إحضاره لأداء
ص: 573
الشهادة على صورته، و عندي فيه نظر.
فالأقرب عدم بطلان الكفالة، و ينتقل الحقّ إلى ورثته.
و فيه مطلبان
و فيه أحد عشر بحثا:
و اشتقاقها من التحويل، و ليست بيعا، فلا يدخلها خيار المجلس، و إنّما هي عقد إرفاق بنفسه، ليس محمولا على غيره.
و لا تجوز بلفظ البيع، و تجوز في الرّبويين، و تلزم بمجرّد العقد، و يجب الوفاء بها، و هي معاملة صحيحة في قول العلماء كافّة.
و تتعلق بثلاثة أشخاص:
المحيل: و هو الّذي عليه الحق.
و المحتال: الّذي يقبل الحوالة.
ص: 574
و المحال عليه: و هو الّذي عليه الحق للمحيل، يقال أحاله بالحقّ عليه يحيله إحالة، و احتال الرجل: إذا قبلها، و المحال به هو الدّين نفسه.
و هل يشترط أن يكون على المحال عليه دين أو لا؟ قال الشيخ: الأقوى عدم الاشتراط،(1)و هو جيّد.
و إن لم يكن مثليّا كالحيوان و الثياب، قال الشيخ: لا تصحّ الحوالة به(2) إذا ثبت في الذمّة بالقرض، و يجوز إذا كان في ذمّته حيوان وجب عليه بالجناية، كأرش الموضحة و غيرها، أن يحيل بها.(3) و الوجه عندي جواز الحوالة بكلّ حقّ ماليّ ، و إن لم يكن مثليّا.
و قد بيّنا أنّ المثليّة ليست شرطا، و على قول الشيخ إذا كان له إبل من الدّية و عليه لآخر مثلها صحّت الحوالة بها، و إن كان عليه إبل من دية و له على آخر مثلها قرضا فأحاله عليه، فإن قلنا القرض يضمن بالقيمة لم تصحّ الحوالة، لاختلاف الجنس، و إن قلنا بالمثل هنا، صحّت الحوالة، و كذا العكس.
قال الشيخ رحمه اللّه: يشترط تماثل
ص: 575
الحقّين جنسا و وصفا و قدرا(1) فيحيل على من عليه ذهب بذهب، و من عليه فضّة بفضّة، دون العكس، و كذا يحيل من عليه صحاح بمثلها، و من عليه مكسّرة بمثلها، و من عليه مضروبة بمثلها. و عندي في ذلك إشكال، لأنّا سوّغنا الحوالة على بريء الذمّة. فعلى مشغولها بالمخالف أولى، و الوجه جواز ذلك كلّه. ثم إنّ الشيخ اختار ما ذهبنا إليه(2).
و هل يشترط التساوي في التأجيل و الحلول ؟ فيه إشكال، أقربه عدم الاشتراط، فلو أحال من عليه(3) دين مؤجّل أو حالّ بدين مخالف له في الحلول و التأجيل، أو مساو له في التأجيل لكنّه مخالف له في زيادة الأجل و نقصانه، لم أستبعد جوازه، فلو احتال(4) من دينه حالّ بدين مؤجّل و شرط تعجيله، فالوجه الجواز، و كذا يجوز لو شرط بقاءه على صفته.
و لو احتال على من دينه حالّ و شرط تأجيله، فالأقرب الصحّة، و لزوم الشرط، كما قلنا في الضمان، و لا خلاف في أنّه لو ردّ المحال عليه فوق الصفة، أو دونها مع رضا المحتال، أو عجّل ما شرط تأجيله من غير شرط، كان سائغا، و لو احال مؤجّلا، فمات المحيل أو المحتال، لم يبطل التأجيل، و إن مات المحال عليه، حلّ الدّين.
قال فلا تصحّ الحوالة بمال السّلم، لأنّه لا تجوز المعاوضة
ص: 576
عليه قبل قبضه(1) و عندي فيه نظر.
فلو أحاله بما يعرضه في المستقبل لم تصحّ إجماعا، و تصحّ الحوالة بمال الكتابة. و قيل:
بالمنع(2) و قد تقدّم في الضمان، و كذا تصحّ الحوالة على المكاتب بغير مال الكتابة، فلو حلّ نجم جاز للعبد أن يحيل مولاه بقسطه من الكتابة إجماعا.
و إن كان قبل الدخول، و كذا لو أحالت المرأة به أجمع قبل الدخول، و لو أحالت به بعد الدخول صحّ إجماعا.
و كذا يجوز بلا خلاف لو أحال المشتري به البائع في المدّة.
و ليس حوالة تثبت فيها أحكام الوكالة، و لو أحال من عليه دين على من لا دين عليه، فقد بينّا جواز ذلك، و أنّه حوالة صحيحة، و قيل: ليس حوالة، و انّما هو اقتراض، فإن قبض المحتال منه(3) الدّين، رجع على المحيل، لأنّه قرض، و إن أبرأه منه، و لم يقبض شيئا، لم تصحّ البراءة، لأنّها براءة لمن لا دين عليه، و إن قبض منه الدين ثمّ وهبه إيّاه، رجع المحال عليه على المحيل، لأنّه قد غرم عنه، و إنّما عاد المال بعقد مستأنف، و يحتمل عدم الرجوع.
ص: 577
و إن أحال من لا دين عليه على من لا دين عليه، فهي وكالة في اقتراض، و ليست حوالة، لأنّ الحوالة إنّما هي بدين على دين، و لم يوجد واحد منهما.
فلو أحاله على معسر و لم يعلم المحتال بإعساره، كان له فسخ الحوالة و الرجوع على المحيل، سواء شرط المحتال الملاءة أو لا، و على تقدير عدم الشرط فسواء مات المحال عليه مفلسا أو لا، و سواء جحده و حلف عند الحاكم أو لا.
و ليس استدامة الغنى شرطا، فلو أحاله على مليّ و رضي ثمّ أعسر، لم يكن له فسخ الحوالة، و لو لم يرض المحتال بالحوالة، ثمّ بان المحال عليه مفلسا أو ميّتا، رجع على المحيل إجماعا، و لو أحيل على مليّ فلم يقبل حتى أعسر، فله الرجوع على المحيل.
و فيه خمسة عشر بحثا:
و يبرأ المحيل إذا تمّت بأركانها من دين المحتال، سواء أبراه المحتال أو لا، و للشيخ رحمه اللّه هنا قول آخر ضعيف(1) و سواء ضمن المحال عليه المال أو لم يضمن.
ص: 578
قال الشيخ: و لو لم يقبل المحتال الحوالة إلاّ بعد ضمان المحال عليه و لم يضمن (من أحيل عليه ذلك)(1) كان له مطالبة المحيل، و لم تبرأ ذمّته بالحوالة(2)و هو جيّد، لأنّه شرط ما لم يحصل له، فكان له فسخ الحوالة، لكن هذا الشرط لا فائدة فيه، لاقتضاء الحوالة الانتقال، سواء حصل الضمان أو لا، و كذا(3) يبرأ المحالّ عليه من دين المحيل.
لم يعد الحقّ إلى المحيل أبدا، إلاّ أن يكون المحال عليه معسرا، و لا يعلم المحتال، أمّا في غير هذه الصورة فلا، سواء أمكنه استيفاء الحقّ ، أو تعذّر لمطل، أو فلس متجدّد، أو سابق معلوم، أو موت، أو غير ذلك.
و لو شرط المحتال الرجوع على المحيل مع تعذّر الاستيفاء، فالوجه بطلان الشرط، و في بطلان الحوالة حينئذ إشكال.
لأنّا قد اعتبرنا رضا المحتال، و لو قبل المحتال لم يجب على المحال عليه قبول الحوالة، لأنّا اعتبرنا رضاه أيضا، و إن لم يكن المحتال عدوّه، و مع قبول الثلاثة تلزم(4) الحوالة.
ص: 579
بطلت الحوالة، فإن كان البائع قد قبض، برئ المحال عليه من دين المشتري، و كان له الرجوع عليه إن لم يكن له عليه دين، و يكون الثمن في يد البائع للمشتري يجب ردّه إليه، و إن لم يقبض بقي الحقّ كما كان في ذمّة المحال عليه إن كان عليه حقّ .
و تثبت حرّية العبد بالبيّنة، أو اتّفاقهم، و كذا لو أحال البائع الأجنبيّ على المشتري بالثمن، و قبل الحوالة، ثمّ ظهرت الحرّية، أو الاستحقاق، بطلت الحوالة. و تثبت الحريّة بالبيّنة أيضا، أو الاتّفاق، و إن(1) أقرّ المحيل و المحال عليه، و كذّبهما المحتال و لا بيّنة، لم يقبل قولهما.
و لو أقاما بيّنة لم تسمع لتكذيبهما إيّاها بالتبايع، أمّا لو أقامها العبد، فإنّها تقبل، و تبطل الحوالة.
و لو صدّقهما المحتال، و ادّعى أنّ الحوالة بغير ثمن العبد، فالقول قوله مع يمينه، و لو أقاما بيّنة بأنّ الحوالة بالثمن، قبلت لعدم التكذيب.
لو اتّفق المحيل و المحتال على حرّية العبد و كذّبهما المحال عليه، لم يقبل قولهما عليه في حرّية العبد، و تبطل الحوالة، و ليس للمحيل و لا للمحتال مطالبة المحال عليه بشيء.
و لو اتّفق المحتال و المحال عليه على الحرّية، عتق العبد، و بطلت الحوالة بالنسبة إليهما، و لم يكن للمحتال الرجوع على المحيل.
ص: 580
برئ المحال عليه، و يرجع المشتري على البائع. و لو ردّه قبل القبض ففي الإبطال نظر، و معه يرجع المحيل على المحال عليه بدينه، و لم يبق بينهما و بين البائع معاملة، و مع الصحّة يرجع المشتري على البائع بالثمن، و يأخذه البائع من المحال عليه، فإن أحال البائع المشتري بالثمن على من أحاله المشتري عليه صحّ ، و عاد المشتري إلى غريمه، و برئ البائع.
و لو كانت المسألة بحالها إلاّ أنّ البائع أحال أجنبيّا بالثمن على المشتري ثم ردّه بالعيب، احتمل بطلان الحوالة إن كان الردّ قبل القبض، لسقوط الثمن، فيعود على البائع بدينه و يبرأ المشتري منهما، و إن كان بعد القبض، برئ المشتري و البائع، و رجع المشتري على البائع بما دفعه إلى الأجنبيّ ، و احتمل الصحّة، و ذكر الشيخ انّه وفاق، بخلاف الأولى، لتعلّق الحوالة هنا بغير المتعاقدين(1) فإن أحال المشتري الأجنبي بالثمن على البائع صحّ ، و برئ المشتري منهما، و لو ثبت بطلان البيع من أصله، بطلت الحوالة في الموضعين.
فإن كان بمسألة المحال عليه، رجع عليه، و إن تبرّع لم يرجع، و يبرأ المحال عليه.
فالقول قول مدّعي الوكالة منهما مع يمينه، و لو أقام أحدهما بينة حكم بها.
و لو اتّفقا على أن قال: أحلتك بالدّين الّذي لي قبل زيد، ثمّ اختلفا، فقال
ص: 581
المحيل: قصدت الوكالة، و قال القابض: بل أحلتني، فالقول قول مدّعي الحوالة، عملا بالأصل في الوضع،(1) و يحتمل تقديم قول المحيل، عملا بأصالة بقاء الحقّ ، و اختاره الشيخ رحمه اللّه(2). فعلى الأوّل يحلف المحتال و يثبت حقّه في ذمّة المحال عليه، و يسقط عن المحيل، و على الثاني يحلف المحيل و يبقى حقّه في ذمّة المحال عليه.
و على التقديرين إن كان المحتال قبض الحقّ ، و تلف في يده، فقد برئ كلّ منهما من صاحبه من غير ضمان و إن كان بتفريط، لأنّ المحتال إن كان محقّا فقد أتلف ماله، و إن كان مبطلا. ثبت لكلّ منهما في ذمّة الآخر مثل ما في ذمّته له، فيتقاصّان، و يسقطان.
و إن تلف من غير تفريط، فالمحتال يقول: قبضت حقّي، و برئ منه المحيل بالحوالة، و المحال عليه بالتسليم، و المحيل يقول: تلف المال في يد وكيل بغير تفريط، فلا ضمان.
و إن لم يتلف لم يملك المحيل طلبه، لاعترافه أنّ عليه من الدّين مثل ماله في يده، و هو مستحقّ لقبضه، فلا فائدة في أن يقبضه منه.
و يحتمل أن يملك أخذه منه، و يملك بالمحتال مطالبته بدينه، و هو الوجه.
و لا موضع للبيّنة هنا، لعدم اختلافهما في لفظ يسمع أو فعل يرى، و إنّما اختلافهما في القصد.
و إن لم يقبض المحتال من المحال عليه، لم يكن له القبض بعد ذلك مع
ص: 582
يمين المحيل، و لو حلف المحتال، كان له أن يقبض.
و لو قال: أحلتك بدينك، فقال: بل وكّلتني، احتمل ما تقدّم من الوجهين، فإن قدّمنا قول المحيل مع يمينه، فحلف برئ من حقّ المحتال، و يقبض المحتال من المحال عليه لنفسه.
و إن قدّمنا قول المحتال، حلف، و طالب المحيل بحقّه، و له مطالبة المحال عليه، إمّا بالوكالة، أو بالحوالة، فإن قبض منه قبل قبضه من المحيل، فله أخذ ما قبض لنفسه، و إن قبض من المحيل، رجع المحيل على المحال عليه.
و ان كان قد قبض الحوالة و تلفت بتفريط سقط حقه، و كذا إن تلفت بغير تفريط.
و لو اتّفقا على أنّ المحيل قال: أحلتك بدينك، ثمّ اختلفا، فقال أحدهما:
هي حوالة بلفظها، و قال الآخر: بل هي وكالة بلفظ الحوالة، فالقول قول مدّعي الحوالة قطعا، و لو أنكر المحيل دين المحتال لم يلتفت إليه بعد اعترافه.
أمّا لو قال: أحلتك، و لم يقل بدينك، ثمّ ادّعى قصد الوكالة، أو سبق الغلط بأن أراد أن يقول: وكّلتك فسبق: أحلتك، احتمل سماع إنكاره الدّين.
فالقول قوله مع يمينه، فإذا حلف استوفى الدّين، فإذا حضر الغائب و كذّبه برئ منه، و إن صدّقه، كان له المطالبة بمال الحوالة ثانيا، و إن أقام مدّعي الحوالة البيّنة، حكم بها في حقّ سقوط المطالبة، و لا يقضى بها للغائب، فإذا حضر و ادّعى احتاج إلى إعادة البيّنة.
و لو ادّعى أنّ فلانا الغائب أحاله عليه فأنكر، فالقول قول المنكر مع يمينه، فإن أقام المدّعي بيّنة، ثبت في حقّه و حقّ الغائب، و يجب الدفع إلى المحتال، و إن لم يقم بيّنة، ترتّبت اليمين على وجوب الدفع مع الاعتراف، فإن قلنا به وجبت، و إلاّ فلا، فإذا حلف على الأوّل برئ، و ليس للمحتال الرجوع على المحيل و إن لم يحلف.
ثمّ المحيل إن صدّق المدّعي لم تثبت الحوالة عندنا، لأنّ رضاء المحال عليه معتبر إلاّ أن يعترف برضاء المحال عليه، فيبطل دينه عنه، و لا يقبل قوله في حقّ المحال عليه، و لا يمكن إبطال الدّين عن المحال عليه، فيؤخذ منه و يسلّم إلى المحتال.
و إن أنكر الحوالة، حلف و سقط حكم الحوالة، و إن نكل المحال عليه، فقضي عليه، و صدّقه المحيل، لم يكن له مطالبة المحال عليه ثانيا.
و إن أنكر المحيل فالقول قوله، و له أن يستوفي ثانيا، و ليس للمحتال مطالبة المحيل، لكن ينبغي أن يقبضه المحتال و يسلّمه إلى المحال عليه، أو يأذن المحتال للمحيل في دفعه إلى المحال عليه، لاعتراف كل من المحيل و المحتال بظلم صاحبه للمحال عليه.
ص: 584
و لو صدّق المحالّ عليه المحتال في الحوالة، و دفع فأنكر المحيل، حلف، و رجع على المحال عليه ثانيا.
و برئ هو و المضمون عنه، و كانت الحوالة بمنزلة الإقباض في الرجوع على المضمون عنه في الحال، و إن لم يقبض المحتال.
و لو أحاله على من لا دين عليه صحّ و برئ الضامن، و لا يرجع على المضمون عنه، فإن قبض المحتال من المحال عليه و رجع على الضامن، رجع الضامن على المضمون عنه، و إن لم يرجع أو أبرأه، لم يرجع الضامن على المضمون عنه، و لو قبضه ثمّ وهبه، رجع على الضامن.
و لو كان الدّين على اثنين كلّ منهما كفيل لصاحبه بما عليه، فأحاله أحدهما بالدّين أجمع، صحّ فيما عليه، لأنّ كفالة المال ناقلة عندنا.
و إن أحال صاحب الدّين رجلا على أحدهما به أجمع، صحّت الحوالة فيما عليه خاصّة، إن قلنا باشتراط الدّين في ذمّة المحال عليه، أو قال: أحلتك بما عليه.
أمّا لو قال: أحلتك بالمال أجمع على فلان، و لم يشترط في الحوالة ثبوت الحقّ في ذمّة المحال عليه، فإنّها تصحّ أجمع، لكن ليس للمحال عليه الرجوع على شريكه في الكفالة بما يخصّه، إلاّ أن يحتال بإذنه، فإن أحاله عليهما جميعا، ثبت له على كلّ واحد بقدر ما عليه.
و لو أحاله عليهما ليستوفي منهما، أو من أيّهما شاء جميع الدّين،
ص: 585
فالوجه بطلان الحوالة، و كذا لو أحاله على اثنين بالجميع من غير تكافل، ليستوفي من أيّهما شاء، و لو لم يكونا متكافلين، فأحاله عليهما معا، طالب كلّ واحد بما عليه من الدّين.
كما قلنا في العبد المعيب، و لو طلّقها قبل الدخول، صحّت الحوالة في النصف، و بقي النصف محتملا للأمرين.
فإن قضاه المحال عليه قبل أن يخلصه، قال الشيخ: إن كان بأمره رجع على المحيل و إن لم يكن بأمره لم يرجع(1) فإن قصد الشيخ اشتراط الإذن في الحوالة، فهو حقّ ، و إن كان في الأداء فلا، و الأقرب أنّ هذه الحوالة كالضّمان، ليس للمحال عليه أن يرجع إلاّ بما أدّى.
فالقول قول المنكر مع يمينه، فيرجع على المحيل.
قال الشيخ:
الأقوى جواز الهبة.(2) و ليس بمعتمد.
ص: 586
قال المحقّق: تمّ الجزء الثاني من الكتاب - حسب تجزئتنا - و يتلوه الجزء الثالث أوله المقصد السادس في الصلح.
و الحمد للّه أوّلا و آخرا و ظاهرا و باطنا و صلّى اللّه على سيّدنا محمد و آله الطيبين الطاهرين.
ص: 587