مرآة العقول المجلد 25

اشارة

سرشناسه : مجلسي، محمد باقربن محمدتقي، 1037 - 1111ق.

عنوان قراردادي : الكافي .شرح

عنوان و نام پديدآور : مرآه العقول في شرح اخبار آل الرسول عليهم السلام/ محمدباقر المجلسي. مع بيانات نافعه لاحاديث الكافي من الوافي/ محسن الفيض الكاشاني؛ التحقيق بهراد الجعفري.

مشخصات نشر : تهران: دارالكتب الاسلاميه، 1389-

مشخصات ظاهري : ج.

شابك : 100000 ريال: دوره 978-964-440-476-4 :

وضعيت فهرست نويسي : فيپا

يادداشت : عربي.

يادداشت : كتابنامه.

موضوع : كليني، محمد بن يعقوب - 329ق. . الكافي -- نقد و تفسير

موضوع : احاديث شيعه -- قرن 4ق.

موضوع : احاديث شيعه -- قرن 11ق.

شناسه افزوده : فيض كاشاني، محمد بن شاه مرتضي، 1006-1091ق.

شناسه افزوده : جعفري، بهراد، 1345 -

شناسه افزوده : كليني، محمد بن يعقوب - 329ق. . الكافي. شرح

رده بندي كنگره : BP129/ك8ك20217 1389

رده بندي ديويي : 297/212

شماره كتابشناسي ملي : 2083739

اشاره

ص:1

ص: 1

ص: 2

ص: 3

ص: 4

كتاب الروضة

اشارة

كتاب الروضة

قوله:" محمد بن يعقوب" كلام أحد رواة الكليني النعماني أو الصفواني أو غيرهما.

الحديث الأول

الحديث الأول

: رواه بثلاثة أسانيد أولها مجهول. و ثانيها ضعيف عند القوم بابن سنان و عندي معتبر.

و قوله:" محمد بن إسماعيل" معطوف على ابن فضال لأن إبراهيم بن هاشم من

ص: 5

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* أَمَّا بَعْدُ فَاسْأَلُوا رَبَّكُمُ الْعَافِيَةَ وَ عَلَيْكُمْ بِالدَّعَةِ وَ الْوَقَارِ وَ السَّكِينَةِ وَ عَلَيْكُمْ بِالْحَيَاءِ وَ التَّنَزُّهِ عَمَّا تَنَزَّهَ عَنْهُ الصَّالِحُونَ قَبْلَكُمْ وَ عَلَيْكُمْ بِمُجَامَلَةِ أَهْلِ الْبَاطِلِ تَحَمَّلُوا الضَّيْمَ مِنْهُمْ وَ إِيَّاكُمْ وَ مُمَاظَّتَهُمْ دِينُوا فِيمَا بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ إِذَا أَنْتُمْ جَالَسْتُمُوهُمْ وَ خَالَطْتُمُوهُمْ وَ نَازَعْتُمُوهُمُ الْكَلَامَ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ لَكُمْ مِنْ مُجَالَسَتِهِمْ وَ مُخَالَطَتِهِمْ وَ مُنَازَعَتِهِمُ الْكَلَامَ بِالتَّقِيَّةِ الَّتِي أَمَرَكُمُ اللَّهُ أَنْ تَأْخُذُوا بِهَا فِيمَا بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ فَإِذَا ابْتُلِيتُمْ بِذَلِكَ مِنْهُمْ فَإِنَّهُمْ سَيُؤْذُونَكُمْ وَ تَعْرِفُونَ فِي وُجُوهِهِمُ الْمُنْكَرَ وَ لَوْ لَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَدْفَعُهُمْ عَنْكُمْ لَسَطَوْا بِكُمْ وَ مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنَ الْعَدَاوَةِ وَ الْبَغْضَاءِ أَكْثَرُ مِمَّا يُبْدُونَ لَكُمْ مَجَالِسُكُمْ وَ مَجَالِسُهُمْ وَاحِدَةٌ وَ أَرْوَاحُكُمْ وَ أَرْوَاحُهُمْ مُخْتَلِفَةٌ لَا تَأْتَلِفُ لَا تُحِبُّونَهُمْ أَبَداً وَ لَا يُحِبُّونَكُمْ غَيْرَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَكْرَمَكُمْ بِالْحَقِّ وَ بَصَّرَكُمُوهُ وَ لَمْ يَجْعَلْهُمْ مِنْ أَهْلِهِ فَتُجَامِلُونَهُمْ وَ تَصْبِرُونَ عَلَيْهِمْ وَ هُمْ لَا مُجَامَلَةَ لَهُمْ وَ لَا صَبْرَ لَهُمْ عَلَى شَيْ ءٍ وَ حِيَلُهُمْ وَسْوَاسُ بَعْضِهِمْ إِلَى

رواته، و السند الثالث ضعيف، و قائل- حدثني- فيه أيضا إبراهيم و المجموع في قوة مجهول كالحسن.

قوله عليه السلام:" و عليكم بالدعة" إلخ الدعة: الخفض و السكون و الراحة أي ترك الحركات و الأفعال التي توجب الضرر في دولة الباطل، و الوقار: الرزانة و الحلم" و السكينة" إما سكون الجوارح و ترك التسرع و العجلة في الأمور، أو سكون القلب بالإيمان، و عدم تزلزله بمضلات الفتن، و الوقار أيضا يحتمل ذلك.

قوله عليه السلام:" و عليكم بمجاملة" في بعض النسخ بالجيم أي المعاملة بالجميل و في بعضها بالحاء المهملة، و لعله بمعنى الحمل بمشقة و تكلف كالتحمل و" الضيم" الظلم، و المماظة: المنازعة.

قوله عليه السلام:" بالتقية" متعلق بقوله:" دينوا" أي اعملوا بالتقية، و اعبدوا الله بعبادة التقية إذا أنتم جالستموهم و خالفتموهم، فإنه لا يمكنكم ترك مخالطتهم.

قوله عليه السلام:" و حيلهم وسواس" إلخ. لعل المراد أن حيلتكم في دفع ضررهم

ص: 6

بَعْضٍ فَإِنَّ أَعْدَاءَ اللَّهِ إِنِ اسْتَطَاعُوا صَدُّوكُمْ عَنِ الْحَقِّ فَيَعْصِمُكُمْ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ كُفُّوا أَلْسِنَتَكُمْ إِلَّا مِنْ خَيْرٍ وَ إِيَّاكُمْ أَنْ تُزْلِقُوا أَلْسِنَتَكُمْ بِقَوْلِ الزُّورِ وَ الْبُهْتَانِ وَ الْإِثْمِ وَ الْعُدْوَانِ فَإِنَّكُمْ إِنْ كَفَفْتُمْ أَلْسِنَتَكُمْ عَمَّا يَكْرَهُهُ اللَّهُ مِمَّا نَهَاكُمْ عَنْهُ كَانَ خَيْراً لَكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ مِنْ أَنْ تُزْلِقُوا أَلْسِنَتَكُمْ بِهِ فَإِنَّ زَلَقَ اللِّسَانِ فِيمَا يَكْرَهُ اللَّهُ وَ مَا يَنْهَى عَنْهُ مَرْدَاةٌ لِلْعَبْدِ عِنْدَ اللَّهِ وَ مَقْتٌ مِنَ اللَّهِ وَ صَمٌّ وَ عَمًى وَ بَكَمٌ يُورِثُهُ اللَّهُ إِيَّاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَتَصِيرُوا كَمَا قَالَ اللَّهُ- صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ يَعْنِي لَا يَنْطِقُونَ وَ لا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ وَ إِيَّاكُمْ وَ مَا نَهَاكُمُ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ تَرْكَبُوهُ وَ عَلَيْكُمْ بِالصَّمْتِ إِلَّا فِيمَا يَنْفَعُكُمُ اللَّهُ بِهِ مِنْ أَمْرِ

المجاملة و الصبر على أذاهم و التقية، و هم لا يقدرون على الصبر و لا على صدكم عن الحق فليس لهم حيلة إلا وسوسة بعضهم إلى بعض في إيذائكم و الإغراء بكم ثم اعلم أنه يظهر من بعض النسخ المصححة أنه قد اختل نظم هذا الحديث و ترتيبه بسبب تقديم بعض الورقات و تأخير بعضها، و فيها قوله:" و لا صبر لهم على شي ء" متصل بقوله: فيما بعد" من أموركم" هكذا:" و لا صبر لهم على شي ء من أموركم تدفعون أنتم السيئة" إلى آخر ما سيأتي، و هو الصواب، و سيظهر لك مما سنشير إليه في كل موضع من مواضع الاختلاف صحة تلك النسخة، و اختلال النسخ المشهورة.

قوله عليه السلام:" و إياكم أن تزلقوا" بالزاء المعجمة في القاموس: زلق كفرح و نصر: زل و فلانا أزله كأزلقه، و في بعض النسخ بالذال المعجمة، و زلاقة اللسان: زرابته و حدته و طلاقته، و الأول أظهر، و قول الزور: الكذب.

قوله عليه السلام:" مرادة" بغير همز مفعلة من الردى بمعنى الهلاك قوله تعالى:" فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ" في بعض النسخ" لا يَعْقِلُونَ" و كلاهما في سورة البقرة، و التفسير بالأول أنسب أي لا يرجعون إلى النطق و الكلام، و قال البيضاوي: أي لا يعودون إلى الهدي الذي باعوه و ضيعوه، أو عن الضلالة التي اشتروها، أو فهم متحيرون لا يدرون

ص: 7

آخِرَتِكُمْ وَ يَأْجُرُكُمْ عَلَيْهِ وَ أَكْثِرُوا مِنَ التَّهْلِيلِ وَ التَّقْدِيسِ وَ التَّسْبِيحِ وَ الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ وَ التَّضَرُّعِ إِلَيْهِ وَ الرَّغْبَةِ فِيمَا عِنْدَهُ مِنَ الْخَيْرِ الَّذِي لَا يَقْدِرُ قَدْرَهُ وَ لَا يَبْلُغُ كُنْهَهُ أَحَدٌ فَاشْغَلُوا أَلْسِنَتَكُمْ بِذَلِكَ عَمَّا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ مِنْ أَقَاوِيلِ الْبَاطِلِ الَّتِي تُعْقِبُ أَهْلَهَا خُلُوداً فِي النَّارِ مَنْ مَاتَ عَلَيْهَا وَ لَمْ يَتُبْ إِلَى اللَّهِ وَ لَمْ يَنْزِعْ عَنْهَا وَ عَلَيْكُمْ بِالدُّعَاءِ فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يُدْرِكُوا نَجَاحَ الْحَوَائِجِ عِنْدَ رَبِّهِمْ بِأَفْضَلَ مِنَ الدُّعَاءِ وَ الرَّغْبَةِ إِلَيْهِ وَ التَّضَرُّعِ إِلَى اللَّهِ وَ الْمَسْأَلَةِ لَهُ فَارْغَبُوا فِيمَا رَغَّبَكُمُ اللَّهُ فِيهِ وَ أَجِيبُوا اللَّهَ إِلَى مَا دَعَاكُمْ إِلَيْهِ لِتُفْلِحُوا وَ تَنْجُوا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ وَ إِيَّاكُمْ أَنْ تَشْرَهَ أَنْفُسُكُمْ إِلَى شَيْ ءٍ مِمَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَإِنَّهُ مَنِ انْتَهَكَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ هَاهُنَا فِي الدُّنْيَا حَالَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَ نَعِيمِهَا وَ لَذَّتِهَا وَ كَرَامَتِهَا الْقَائِمَةِ الدَّائِمَةِ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ أَبَدَ الْآبِدِينَ

أ يتقدمون أم يتأخرون و إلى حيث ابتدءوا منه كيف يرجعون، قوله (عليه السلام)" و التقديس" هو و التسبيح مترادفان، أو متقاربان، و يمكن حمل التسبيح على قول سبحان الله، و التقديس على قول الله أكبر و لا حول و لا قوة إلا بالله، و سائر ما يدل على تنزيهه.

تعالى من أن يكون له شريك في الكبرياء أو في العظمة أو في القوة و الحول، و الثناء يشمل الحمد لله و غيره، قوله:" لا يقدر" على البناء للمجهول أو المعلوم على التنازع، أي لا يقاس بغيره و لا يوصف حق وصفه، و لا يبلغ إلى رفعة شأنه، كقوله تعالى" وَ ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ*" و المراد نعيم الآخرة أو الأعم منه و من درجات القرب و الكمال.

قوله عليه السلام:" فاشغلوا" في القاموس: شغله كمنعه شغلا و بضم و أشغله لغة جيدة أو قليلة أو رديئة.

قوله عليه السلام:" و لم ينزع منها" في القاموس: نزع عن الأمر نزوعا: انتهى عنها.

قوله عليه السلام:" إلى ما دعاكم إليه" أي الدعاء، و يحتمل التعميم قوله" و إياكم أن تشره" في القاموس: شره كفرح: غلبه حرصه.

قوله عليه السلام:" فإنه من انتهك" في النهاية: انتهكوا: أي بالغوا في خرق محارم الشرع و إتيانها.

ص: 8

وَ اعْلَمُوا أَنَّهُ بِئْسَ الْحَظُّ الْخَطَرُ لِمَنْ خَاطَرَ اللَّهَ بِتَرْكِ طَاعَةِ اللَّهِ وَ رُكُوبِ مَعْصِيَتِهِ فَاخْتَارَ أَنْ يَنْتَهِكَ مَحَارِمَ اللَّهِ فِي لَذَّاتِ دُنْيَا مُنْقَطِعَةٍ زَائِلَةٍ عَنْ أَهْلِهَا عَلَى خُلُودِ نَعِيمٍ فِي الْجَنَّةِ وَ لَذَّاتِهَا وَ كَرَامَةِ أَهْلِهَا وَيْلٌ لِأُولَئِكَ مَا أَخْيَبَ حَظَّهُمْ وَ أَخْسَرَ كَرَّتَهُمْ وَ أَسْوَأَ حَالَهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ

قوله عليه السلام:" بئس الحظ" إلخ، في القاموس: خطر بباله و عليه يخطره، و يخطر خطورا: ذكره بعد نسيان، و أخطره الله تعالى و الخطر بالفتح و يحرك: الشرف، و بالتحريك: الإشراف على الهلاك، و السبق: يتراهن عليه، و قدر الرجل، و تخاطروا تراهنوا، و خاطر بنفسه أشفاها على خطر هلك أو نيل ملك. و قال في النهاية:" فيه لعبد الرحمن خطر أي حظ و نصيب، و منه حديث النعمان بن مقرن قال يوم نهاوند: إن هؤلاء- يعني المجوس- قد أخطروا لكم رثة و متاعا و أخطرتم لهم الإسلام، فنافحوا عن دينكم، الرثة: ردي ء المتاع، يعني أنهم قد شرطوا لكم ذلك، و جعلوه رهنا من جانبهم، و جعلتم رهنكم دينكم أراد أنهم لم يعرضوا للهلاك إلا متاعا يهون عليهم، و أنتم عرضتم لهم أعظم الأشياء قدرا و هو الإسلام. أقول: الأظهر أن المراد بالخطر هو ما يتراهن عليه، و خاطر الله أي راهنه، فكأنه جرى مراهنة بين العبد و الرب تعالى، و السبق الذي يحوزه العبد لذات الدنيا الفانية، و السبق الذي للرب تعالى عقاب العبد، فبئس الحظ و النصيب، الحظ و السبق الذي يحوزه عند مخاطرته و مراهنته مع الله بأن يترك طاعته و يرتكب معصيته. و يحتمل على بعد أن يكون الخطر في الموضعين بمعنى الإشراف على الهلاك، أو بمعنى الخطور بالبال، أو على التوزيع و الله يعلم.

قوله عليه السلام:" و أخسر كرتهم" الكرة: الرجوع، و المراد الرجوع إلى الأبدان في الحشر أو الرجوع إلى الله للحساب.

و قال الله تعالى:" تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ" و نسبة الخسران إلى الكرة و الخيبة

ص: 9

يَوْمَ الْقِيَامَةِ اسْتَجِيرُوا اللَّهَ أَنْ يُجِيرَكُمْ فِي مِثَالِهِمْ أَبَداً وَ أَنْ يَبْتَلِيَكُمْ بِمَا ابْتَلَاهُمْ بِهِ وَ لَا قُوَّةَ لَنَا وَ لَكُمْ إِلَّا بِهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ أَيَّتُهَا الْعِصَابَةُ النَّاجِيَةُ إِنْ أَتَمَّ اللَّهُ لَكُمْ مَا أَعْطَاكُمْ بِهِ فَإِنَّهُ لَا يَتِمُّ الْأَمْرُ حَتَّى يَدْخُلَ عَلَيْكُمْ مِثْلُ الَّذِي دَخَلَ عَلَى الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ وَ حَتَّى تُبْتَلَوْا فِي أَنْفُسِكُمْ

أي الحرمان- إلى الحظ على الإسناد المجازي.

قوله عليه السلام:" استجيروا الله" كأنه على الحذف و الإيصال، أي استجيروا بالله و في بعض النسخ أن يجريكم و هو الظاهر، و في بعضها" أن يجيركم" و المعنى حينئذ استعيذوا من أن يكون إجارته تعالى إياكم على مثال إجارته لهم، فإنه لا يجيرهم عن عذابه في الآخرة، و إنما أجارهم في الدنيا، و في بعض النسخ" من مثالهم" فالمراد استجيروا بالله لأن يجيركم من مثالهم، أي من أن تكونوا مثلهم.

قوله عليه السلام:" إن أتم الله" لعل المراد اتقوا الله و لا تتركوا التقوى عن الشرك و المعاصي عند إرادة الله إتمام ما أعطاكم من دين الحق، ثم بين عليه السلام الإتمام بأنه إنما يكون بالابتلاء و الافتتان و تسليط من يؤذيكم عليكم، فالمراد الأمر بالتقوى عند الابتلاء بالفتن، و ذكر فائدة الابتلاء بأنه سبب لتمام الإيمان، فلذا يبتليكم، و يحتمل على بعد أن يكون" أن" بالفتح مخففة أي اتقوا لإتمام الله تعالى دينكم و يحتمل أن يكون التعليق للنجاة، أي النجاة إنما يكون بعد الإتمام، و لما كان هذا التعليق مشعرا بقلة وقوع هذا الشرط، بين ذلك بأنه موقوف على الامتحان، و التخلص عنه مشكل و الأول أظهر.

قوله عليه السلام:" في أنفسكم" أي بما يرد عليها من الخوف من الأعادي، و الضرب و القطع و القتل، أو بالتكليف بالجهاد أيضا، أو بالأمراض و المتاعب في العبادات أيضا" و أموالكم" بغصب أعادي الدين أو بما يصيبه من الآفات أو بتكليف الإنفاق أيضا، و هذه إشارة إلى قوله تعالى في أواخر سورة آل عمران" لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ وَ لَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَ مِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَ إِنْ

ص: 10

وَ أَمْوَالِكُمْ وَ حَتَّى تَسْمَعُوا مِنْ أَعْدَاءِ اللَّهِ أَذىً كَثِيراً فَتَصْبِرُوا وَ تَعْرُكُوا بِجُنُوبِكُمْ وَ حَتَّى يَسْتَذِلُّوكُمْ وَ يُبْغِضُوكُمْ وَ حَتَّى يُحَمِّلُوا عَلَيْكُمُ الضَّيْمَ فَتَحَمَّلُوا مِنْهُمْ تَلْتَمِسُونَ بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ وَ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَ حَتَّى تَكْظِمُوا الْغَيْظَ الشَّدِيدَ فِي الْأَذَى فِي اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ يَجْتَرِمُونَهُ إِلَيْكُمْ وَ حَتَّى يُكَذِّبُوكُمْ بِالْحَقِّ وَ يُعَادُوكُمْ فِيهِ وَ يُبْغِضُوكُمْ عَلَيْهِ فَتَصْبِرُوا عَلَى ذَلِكَ مِنْهُمْ وَ مِصْدَاقُ ذَلِكَ كُلِّهِ فِي كِتَابِ اللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَهُ جَبْرَئِيلُ ع عَلَى نَبِيِّكُمْ ص سَمِعْتُمْ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ لِنَبِيِّكُمْ ص- فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَ لا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ ثُمَّ قَالَ وَ إِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ ... فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَ أُوذُوا فَقَدْ كُذِّبَ نَبِيُّ اللَّهِ وَ الرُّسُلُ مِنْ قَبْلِهِ وَ أُوذُوا مَعَ التَّكْذِيبِ بِالْحَقِّ فَإِنْ سَرَّكُمْ أَمْرُ اللَّهِ فِيهِمُ الَّذِي خَلَقَهُمْ لَهُ فِي الْأَصْلِ صْلِ الْخَلْقِ] مِنَ الْكُفْرِ الَّذِي سَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ أَنْ يَخْلُقَهُمْ لَهُ فِي الْأَصْلِ

تَصْبِرُوا وَ تَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ.

قوله عليه السلام:" و تعركوا بجنوبكم" في القاموس: عركة كهمزة: يعرك الأذى بجنبه أي يحتمله.

قوله عليه السلام:" فتحملوه" على التفعل في القاموس: حمله الأمر فتحمله" و حتى تكظموا" في القاموس كظم غيظه يكظمه: رده و حبسه.

قوله عليه السلام:" يجترمونه" بالجيم قال في القاموس: اجترم عليهم و إليهم جريمة: جنى جناية، و في بعض النسخ بالخاء المعجمة و لعله تصحيف.

قوله عليه السلام:" فإن سركم أمر الله فيهم" أقول: في النسخة المصححة التي أومأنا إليها قوله عليه السلام: فإن سركم" متصل بما سيأتي في آخر الرسالة" أن تكونوا مع نبي الله هكذا" فإن سركم أن تكونوا مع نبي الله محمد صلى الله عليه و آله و سلم" إلى آخر الرسالة، و هو الأصوب، قوله:" الذي سبق في علم الله أول هذا و أمثاله بأن الله كان يعلم أنهم يكونون كذلك بعد خلقهم باختيارهم فكأنه خلقهم لذلك و قد مر الكلام فيه في كتاب التوحيد.

ص: 11

وَ مِنَ الَّذِينَ سَمَّاهُمُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ فِي قَوْلِهِ- وَ جَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ فَتَدَبَّرُوا هَذَا وَ اعْقِلُوهُ وَ لَا تَجْهَلُوهُ فَإِنَّهُ مَنْ يَجْهَلْ هَذَا وَ أَشْبَاهَهُ مِمَّا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي كِتَابِهِ مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَ نَهَى عَنْهُ تَرَكَ دِينَ اللَّهِ وَ رَكِبَ مَعَاصِيَهُ فَاسْتَوْجَبَ سَخَطَ اللَّهِ فَأَكَبَّهُ اللَّهُ عَلَى وَجْهِهِ فِي النَّارِ وَ قَالَ أَيَّتُهَا الْعِصَابَةُ الْمَرْحُومَةُ الْمُفْلِحَةُ إِنَّ اللَّهَ أَتَمَّ لَكُمْ مَا آتَاكُمْ مِنَ الْخَيْرِ وَ اعْلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ وَ لَا مِنْ أَمْرِهِ أَنْ يَأْخُذَ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ فِي دِينِهِ بِهَوًى وَ لَا رَأْيٍ وَ لَا مَقَايِيسَ قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ الْقُرْآنَ وَ جَعَلَ فِيهِ تِبْيَانَ كُلِّ شَيْ ءٍ وَ جَعَلَ لِلْقُرْآنِ وَ لِتَعَلُّمِ الْقُرْآنِ أَهْلًا لَا يَسَعُ أَهْلَ عِلْمِ الْقُرْآنِ الَّذِينَ آتَاهُمُ اللَّهُ عِلْمَهُ أَنْ يَأْخُذُوا فِيهِ بِهَوًى وَ لَا رَأْيٍ وَ لَا مَقَايِيسَ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ بِمَا آتَاهُمْ مِنْ عِلْمِهِ وَ خَصَّهُمْ بِهِ وَ وَضَعَهُ عِنْدَهُمْ كَرَامَةً مِنَ اللَّهِ أَكْرَمَهُمْ بِهَا وَ هُمْ أَهْلُ الذِّكْرِ الَّذِينَ أَمَرَ اللَّهُ هَذِهِ الْأُمَّةَ بِسُؤَالِهِمْ وَ هُمُ الَّذِينَ مَنْ سَأَلَهُمْ وَ قَدْ سَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ أَنْ يُصَدِّقَهُمْ وَ يَتَّبِعَ أَثَرَهُمْ أَرْشَدُوهُ وَ أَعْطَوْهُ مِنْ عِلْمِ الْقُرْآنِ مَا يَهْتَدِي بِهِ إِلَى

قوله عليه السلام:" و من الذين" كأنه معطوف على قوله خلقهم بتقدير جعلهم، أو على الظرف بعده بتضمين الجعل.

قوله عليه السلام:" فتدبروا" و الظاهر أنه جزاء الشرط في قوله" سركم" و يحتمل أن يكون جزاء الشرط مقدرا، أي إن سركم فاشكروا أو لا تجزعوا مما يصل منهم إليكم و لعل اسم الإشارة و الضمير راجعة إلى ما يفهم من الكلام السابق من لزوم التقية، و الصبر على المكاره في الدين، و الرضا بقضائه تعالى فيهم، و في أعدائهم و في القاموس: كبه: قلبه: و صرعه، كأكبه و كبكبه فأكب و هو لازم متعد.

قوله عليه السلام:" إن الله أتم" الظاهر أنه بالتشديد، و هو بشارة بأن الله يتم هذا الأمر أي أمر التشيع لخواص الشيعة، و يحتمل أن يكون بالتخفيف حرف شرط، و تكون قيدا للفلاح: أي فلا حكم مشروط بأن يتم الله لكم الأمر، و لا تضلوا بالفتن على قياس ما مر قوله:" من علم الله" أي مما علم الله حقيته.

قوله عليه السلام:" أرشدوه" خبر أو جزاء لقوله" من سألهم".

ص: 12

اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَ إِلَى جَمِيعِ سُبُلِ الْحَقِّ وَ هُمُ الَّذِينَ لَا يَرْغَبُ عَنْهُمْ وَ عَنْ مَسْأَلَتِهِمْ وَ عَنْ عِلْمِهِمُ الَّذِي أَكْرَمَهُمُ اللَّهُ بِهِ وَ جَعَلَهُ عِنْدَهُمْ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ فِي عِلْمِ اللَّهِ الشَّقَاءُ فِي أَصْلِ الْخَلْقِ تَحْتَ الْأَظِلَّةِ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ يَرْغَبُونَ عَنْ سُؤَالِ أَهْلِ الذِّكْرِ وَ الَّذِينَ آتَاهُمُ اللَّهُ عِلْمَ الْقُرْآنِ وَ وَضَعَهُ عِنْدَهُمْ وَ أَمَرَ بِسُؤَالِهِمْ وَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ بِأَهْوَائِهِمْ وَ آرَائِهِمْ وَ مَقَايِيسِهِمْ حَتَّى دَخَلَهُمُ الشَّيْطَانُ لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا أَهْلَ الْإِيمَانِ فِي عِلْمِ الْقُرْآنِ عِنْدَ اللَّهِ كَافِرِينَ وَ جَعَلُوا أَهْلَ الضَّلَالَةِ فِي عِلْمِ الْقُرْآنِ عِنْدَ اللَّهِ مُؤْمِنِينَ وَ حَتَّى جَعَلُوا مَا أَحَلَّ اللَّهُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ حَرَاماً وَ جَعَلُوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ حَلَالًا فَذَلِكَ أَصْلُ ثَمَرَةِ أَهْوَائِهِمْ وَ قَدْ عَهِدَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ ص قَبْلَ مَوْتِهِ فَقَالُوا نَحْنُ بَعْدَ مَا قَبَضَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ رَسُولَهُ يَسَعُنَا أَنْ نَأْخُذَ بِمَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ رَأْيُ النَّاسِ بَعْدَ مَا قَبَضَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ رَسُولَهُ ص وَ بَعْدَ عَهْدِهِ الَّذِي عَهِدَهُ إِلَيْنَا وَ أَمَرَنَا بِهِ مُخَالِفاً لِلَّهِ وَ لِرَسُولِهِ ص فَمَا أَحَدٌ أَجْرَأَ عَلَى اللَّهِ وَ لَا أَبْيَنَ ضَلَالَةً مِمَّنْ أَخَذَ بِذَلِكَ وَ زَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ يَسَعُهُ وَ اللَّهِ إِنَّ لِلَّهِ عَلَى خَلْقِهِ أَنْ يُطِيعُوهُ وَ يَتَّبِعُوا أَمْرَهُ فِي حَيَاةِ مُحَمَّدٍ ص وَ بَعْدَ مَوْتِهِ هَلْ يَسْتَطِيعُ أُولَئِكَ أَعْدَاءُ اللَّهِ أَنْ يَزْعُمُوا أَنَّ أَحَداً مِمَّنْ أَسْلَمَ مَعَ مُحَمَّدٍ

قوله عليه السلام:" و من سبق" جملة حالية معترضة و الفرض أنه ليس كل من يسألهم يرشد، و يهتدي بقولهم، بل من قد سبق في علمه تعالى أنه يصدقهم، و يتبع أثرهم.

قوله عليه السلام:" تحت الأظلة" أي عالم الأرواح قوله (ع): حتى دخلهم الشيطان أي استولى عليهم، و دخل مجاري صدرهم و استولى على قلبهم.

قوله عليه السلام:" في علم القرآن" أي الذين هم بحسب ما يعلم من علم القرآن مؤمنون متصفون بصفات الإيمان، أو المراد المؤمنون بما يعلمون من علم القرآن علما مطابقا لمراد الله تعالى.

قوله عليه السلام:" فذلك" أي ترك سؤال أهل الذكر، و جعل أهل الإيمان كافرين أصل ترتب على ذلك سائر أهوائهم و آرائهم.

قوله عليه السلام:" ما يستطيع أولئك" إلخ. الظاهر الظاهر أن هذا احتجاج عليهم بأنكم،

ص: 13

ص أَخَذَ بِقَوْلِهِ وَ رَأْيِهِ وَ مَقَايِيسِهِ فَإِنْ قَالَ نَعَمْ فَقَدْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً* وَ إِنْ قَالَ لَا لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَ بِرَأْيِهِ وَ هَوَاهُ وَ مَقَايِيسِهِ فَقَدْ أَقَرَّ بِالْحُجَّةِ عَلَى نَفْسِهِ وَ هُوَ مِمَّنْ يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ يُطَاعُ وَ يُتَّبَعُ أَمْرُهُ بَعْدَ قَبْضِ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ قَدْ قَالَ اللَّهُ وَ قَوْلُهُ الْحَقُّ- وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَ مَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَ سَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ وَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُطَاعُ وَ يُتَّبَعُ أَمْرُهُ فِي حَيَاةِ مُحَمَّدٍ ص وَ بَعْدَ قَبْضِ اللَّهِ مُحَمَّداً ص وَ كَمَا لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ مَعَ مُحَمَّدٍ ص أَنْ يَأْخُذَ بِهَوَاهُ وَ لَا رَأْيِهِ وَ لَا مَقَايِيسِهِ خِلَافاً لِأَمْرِ مُحَمَّدٍ ص فَكَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ بَعْدَ مُحَمَّدٍ ص أَنْ يَأْخُذَ بِهَوَاهُ وَ لَا رَأْيِهِ وَ لَا مَقَايِيسِهِ- وَ قَالَ دَعُوا رَفْعَ أَيْدِيكُمْ فِي الصَّلَاةِ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً حِينَ تُفْتَتَحُ الصَّلَاةُ فَإِنَّ النَّاسَ قَدْ شَهَرُوكُمْ بِذَلِكَ وَ اللَّهُ الْمُسْتَعانُ وَ لَا حَوْلَ وَ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ

لا تجوزون الاستبداد بالرأي و مخالفة الرسول صلى الله عليه و آله و سلم لأن هذا كفر بين و مخالفة للآيات الصريحة، فلا بد من أن تقولوا بعدم جواز ذلك في حياته، و إذا اعترفوا بذلك يلزمهم أن لا يجوز ذلك بعد وفاته صلى الله عليه و آله و سلم، لما يظهر من الآية إلا يجوز ترك ما أخذ في حياته صلى الله عليه و آله و سلم و إن ترك ذلك ارتداد عن الدين، و انقلاب عن الحق، فقوله عليه السلام:" و هو ممن يزعم" أي يلزمه ذلك بما أقر به، و يصير ممن يزعم ذلك للإقرار بملزومه.

قوله عليه السلام:" دعوا رفع أيديكم" اعلم أن رفع اليدين في تكبير الافتتاح لا خلاف في أنه مطلوب للشارع بين العامة و الخاصة، و المشهور بين الأصحاب الاستحباب، و ذهب السيد من علمائنا إلى الوجوب، و أما الرفع في سائر التكبيرات فالمشهور بين الفريقين أيضا استحبابه، و قال الثوري و أبو حنيفة و إبراهيم النخعي:

لا يرفع يديه إلا عند الافتتاح، و ذهب السيد إلى الوجوب في جميع التكبيرات، و لما كان في زمانه عليه السلام عدم استحباب الرفع أشهر بين العامة فلذا منع الشيعة عن ذلك، لئلا يشتهروا بذلك فيعرفوهم به.

ص: 14

وَ قَالَ أَكْثِرُوا مِنْ أَنْ تَدْعُوا اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَدْعُوهُ وَ قَدْ وَعَدَ اللَّهُ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِالاسْتِجَابَةِ وَ اللَّهُ مُصَيِّرٌ دُعَاءَ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَهُمْ عَمَلًا يَزِيدُهُمْ بِهِ فِي الْجَنَّةِ فَأَكْثِرُوا ذِكْرَ اللَّهِ مَا اسْتَطَعْتُمْ فِي كُلِّ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ اللَّيْلِ وَ النَّهَارِ فَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِكَثْرَةِ الذِّكْرِ لَهُ وَ اللَّهُ ذَاكِرٌ لِمَنْ ذَكَرَهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَذْكُرْهُ أَحَدٌ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَّا ذَكَرَهُ بِخَيْرٍ فَأَعْطُوا اللَّهَ مِنْ أَنْفُسِكُمُ الِاجْتِهَادَ فِي طَاعَتِهِ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُدْرَكُ شَيْ ءٌ مِنَ الْخَيْرِ عِنْدَهُ إِلَّا بِطَاعَتِهِ وَ اجْتِنَابِ مَحَارِمِهِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ فِي ظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَ بَاطِنِهِ فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى قَالَ فِي كِتَابِهِ وَ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَ ذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَ باطِنَهُ وَ اعْلَمُوا أَنَّ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ تَجْتَنِبُوهُ فَقَدْ حَرَّمَهُ وَ اتَّبِعُوا آثَارَ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ سُنَّتَهُ فَخُذُوا بِهَا وَ لَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَكُمْ وَ آرَاءَكُمْ فَتَضِلُّوا فَإِنَّ أَضَلَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ وَ رَأْيَهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ وَ أَحْسِنُوا إِلَى أَنْفُسِكُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ فَ إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ

قوله عليه السلام:" من عباده المؤمنين" أي من أعمالهم.

قوله عليه السلام:" إلا ذكره بخيره" أي يقرر و يعد له ثواب ذلك، أو يذكره في الملإ الأعلى و يثني عليه و يشكره، و في بعض النسخ" بخير" بغير ضمير.

قوله تعالى:" ظاهِرَ الْإِثْمِ" ظاهر كلامه عليه السلام أنه فسر ظاهر الإثم بما تظهر حرمته من ظاهر القرآن، وَ باطِنَهُ

بما تظهر حرمته من باطنه، و قال البيضاوي: أي ما يعلن و يسر، و ما بالجوارح و ما بالقلب، و قيل: الزنا في الحوانيت و اتخاذ الأخدان ثم اعلم أن ما في القرآن هو" وَ ذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ" كما في بعض نسخ الكتاب و في أكثرها" فاجتنبوا" فهو إما نقل مضمون الآية أو في قرآنهم عليه السلام كان كذلك.

قوله:" و اعلموا أن ما أمر الله" ظاهره أن أوامر القرآن للوجوب خصوصا ما كان بلفظ الاجتناب، و كذا نواهيه للحرمة.

قوله عليه السلام:" فإن أحسنتم" بيان لمعنى الإحسان إلى النفس، بأن المراد فعل الحسنات، و يحتمل أن يكون المراد بقوله:" و أحسنوا إلى أنفسكم" الإحسان إلى الغير كما قيل في قوله تعالى:" وَ لا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ" و قوله:" فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ"

ص: 15

لِأَنْفُسِكُمْ وَ إِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها وَ جَامِلُوا النَّاسَ وَ لَا تَحْمِلُوهُمْ عَلَى رِقَابِكُمْ تَجْمَعُوا مَعَ ذَلِكَ طَاعَةَ رَبِّكُمْ وَ إِيَّاكُمْ وَ سَبَّ أَعْدَاءِ اللَّهِ حَيْثُ يَسْمَعُونَكُمْ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ قَدْ يَنْبَغِي لَكُمْ أَنْ تَعْلَمُوا حَدَّ سَبِّهِمْ لِلَّهِ كَيْفَ هُوَ إِنَّهُ مَنْ سَبَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ فَقَدِ انْتَهَكَ سَبَّ اللَّهِ وَ مَنْ أَظْلَمُ عِنْدَ اللَّهِ مِمَّنِ اسْتَسَبَّ لِلَّهِ وَ لِأَوْلِيَاءِ اللَّهِ فَمَهْلًا مَهْلًا فَاتَّبِعُوا أَمْرَ اللَّهِ وَ لَا حَوْلَ وَ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ وَ قَالَ أَيَّتُهَا الْعِصَابَةُ الْحَافِظُ اللَّهُ لَهُمْ أَمْرَهُمْ عَلَيْكُمْ بِآثَارِ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ سُنَّتِهِ وَ آثَارِ الْأَئِمَّةِ الْهُدَاةِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ ص مِنْ بَعْدِهِ وَ سُنَّتِهِمْ فَإِنَّهُ مَنْ أَخَذَ بِذَلِكَ فَقَدِ اهْتَدَى وَ مَنْ تَرَكَ ذَلِكَ وَ رَغِبَ عَنْهُ ضَلَّ لِأَنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ أَمَرَ اللَّهُ بِطَاعَتِهِمْ وَ وَلَايَتِهِمْ وَ قَدْ قَالَ أَبُونَا رَسُولُ اللَّهِ ص الْمُدَاوَمَةُ عَلَى الْعَمَلِ فِي اتِّبَاعِ الْآثَارِ وَ السُّنَنِ وَ إِنْ قَلَّ أَرْضَى لِلَّهِ وَ أَنْفَعُ عِنْدَهُ فِي الْعَاقِبَةِ مِنَ الِاجْتِهَادِ فِي الْبِدَعِ وَ اتِّبَاعِ الْأَهْوَاءِ أَلَا إِنَّ اتِّبَاعَ

فالمعنى فليحسن كل منكم إلى أخيه، فإن من أحسن إلى غيره فقد أحسن لنفسه و الأول أظهر.

قوله عليه السلام:" يجمعوا مع ذلك" جواب للأمر أي إنكم إذا جاملتم الناس جمعتم- مع الأمن و عدم حمل الناس على رقابكم بالعمل بطاعة ربكم فيما أمركم به من التقية و في بعض النسخ" تجمعون" فيكون حالا عن ضميري الخطاب أي إن اجمعوا طاعة الله مع المجاملة لا بأن تتابعوهم في المعاصي و تشاركوهم في دينهم، بل بالعمل بالتقية فيما أمركم الله فيه بالتقية. قوله:" حيث يسمعونكم" بفتح الياء أي" يسمعون منكم" بل سبوا أعداء الله في الخلوات، و في مجامع المؤمنين، و يحتمل أن يقرأ بضم الياء يقال: أسمعه أي شتمه، أي إن شتموكم لا تسبوا أئمتهم، فإنهم يسبون أئمتكم، ثم فسر عليه السلام معنى سب الله بأنهم لا يسبون الله، بل المراد بسب الله سب أولياء الله، فإن من سبهم فقد سب الله، و من أظلم ممن فعل فعلا يعلم أنه يصير سببا لسب الله و سب أوليائه فمهلا مهلا" أي لتسكنوا سكونا و أخروا تأخيرا و اتركوا هذه الأمور إلى ظهور دولة الحق.

قوله عليه السلام:" أرضى لله" هذا من قبيل المماشاة مع الخصم لترويج الحجة،

ص: 16

الْأَهْوَاءِ وَ اتِّبَاعَ الْبِدَعِ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ضَلَالٌ وَ كُلُّ ضَلَالَةٍ بِدْعَةٌ وَ كُلُّ بِدْعَةٍ فِي النَّارِ وَ لَنْ يُنَالَ شَيْ ءٌ مِنَ الْخَيْرِ عِنْدَ اللَّهِ إِلَّا بِطَاعَتِهِ وَ الصَّبْرِ وَ الرِّضَا لِأَنَّ الصَّبْرَ وَ الرِّضَا مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَ اعْلَمُوا أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ عَبْدٌ مِنْ عَبِيدِهِ حَتَّى يَرْضَى عَنِ اللَّهِ فِيمَا صَنَعَ اللَّهُ إِلَيْهِ وَ صَنَعَ بِهِ عَلَى مَا أَحَبَّ وَ كَرِهَ

أي لو كان ينفع البدع و يرضى الرحمن به على الفرض المحال كان اتباع السنة أنفع و أرضى و إن قل.

قوله عليه السلام:" و كل ضلال بدعة" الغرض بيان التلازم و التساوي بين المفهومين و يظهر منه أن قسمة البدع بحسب انقسام الأحكام الخمسة كما فعله جماعة من الأصحاب تبعا للمخالفين ليس على ما ينبغي، إذ البدعة ما لم يرد في الشرع لا خصوصا، و لا في ضمن عام.

و ما ذكروه من البدع الواجبة و المستحبة و المكروهة و المباحة هي داخلة في ضمن العمومات، و لتحقيق ذلك مقام آخر.

قوله:" من طاعة الله" أي من شرائط قبول طاعة الله، و يمكن أن يكون المراد أنهما من جملة الطاعات و يضم إليه مقدمة خارجة، و هي أن قبول بعض الطاعات مشروط بالإتيان بسائرها كما قال تعالى:" إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ" و على الوجهين يتم التعليل، و يمكن أن يوجه أول الكلام بأن المراد لا ينال شي ء من الخير عند الله كما ينبغي، و على وجه الكمال إلا بالإتيان بجميع طاعاته، و حينئذ يكون قوله:

" و الصبر و الرضى" من قبيل التخصيص بعد التعميم، و حينئذ ينطبق التعليل أيضا لكنه بعيد.

قوله عليه السلام:" فيما صنع الله إليه" في القاموس: صنع إليه معروفا كمنع صنعا بالضم، و صنع به صنيعا قبيحا فعله، انتهى.

فقوله:" على ما أحب و كره" على سبيل اللف و النشر، و في الأخير مما أحب أظهر مما في بعض النسخ" فيما أحب" كما لا يخفى قوله تعالى:" وَ قُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ" قيل: المراد القنوت بالمعنى المصطلح، و قيل المراد" خاشعين" و خاضعين.

ص: 17

وَ لَنْ يَصْنَعَ اللَّهُ بِمَنْ صَبَرَ وَ رَضِيَ عَنِ اللَّهِ إِلَّا مَا هُوَ أَهْلُهُ وَ هُوَ خَيْرٌ لَهُ مِمَّا أَحَبَّ وَ كَرِهَ وَ عَلَيْكُمْ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى الصَّلَواتِ وَ الصَّلاةِ الْوُسْطى وَ قُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ فِي كِتَابِهِ مِنْ قَبْلِكُمْ وَ إِيَّاكُمْ وَ عَلَيْكُمْ بِحُبِّ الْمَسَاكِينِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُ مَنْ حَقَّرَهُمْ وَ تَكَبَّرَ عَلَيْهِمْ فَقَدْ زَلَّ عَنْ دِينِ اللَّهِ وَ اللَّهُ لَهُ حَاقِرٌ مَاقِتٌ وَ قَدْ قَالَ أَبُونَا رَسُولُ اللَّهِ ص أَمَرَنِي رَبِّي بِحُبِّ الْمَسَاكِينِ الْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ وَ اعْلَمُوا أَنَّ مَنْ حَقَّرَ أَحَداً مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَلْقَى اللَّهُ عَلَيْهِ الْمَقْتَ مِنْهُ وَ الْمَحْقَرَةَ حَتَّى يَمْقُتَهُ النَّاسُ وَ اللَّهُ لَهُ أَشَدُّ مَقْتاً فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي إِخْوَانِكُمُ الْمُسْلِمِينَ الْمَسَاكِينِ فَإِنَّ لَهُمْ عَلَيْكُمْ حَقّاً أَنْ تُحِبُّوهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ رَسُولَهُ ص بِحُبِّهِمْ فَمَنْ لَمْ يُحِبَّ مَنْ أَمَرَ اللَّهُ بِحُبِّهِ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ مَنْ عَصَى اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ مَاتَ وَ هُوَ مِنَ الْغَاوِينَ وَ إِيَّاكُمْ وَ الْعَظَمَةَ وَ الْكِبْرَ فَإِنَّ الْكِبْرَ رِدَاءُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَمَنْ نَازَعَ اللَّهَ رِدَاءَهُ خَصَمَهُ اللَّهُ وَ أَذَلَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَ إِيَّاكُمْ أَنْ يَبْغِيَ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ خِصَالِ الصَّالِحِينَ فَإِنَّهُ مَنْ بَغَى صَيَّرَ اللَّهُ بَغْيَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَ صَارَتْ نُصْرَةُ اللَّهِ لِمَنْ بُغِيَ عَلَيْهِ وَ مَنْ نَصَرَهُ اللَّهُ غَلَبَ

قوله عليه السلام:" من حقرهم" بالتخفيف كضرب و بالتشديد كلاهما بمعنى الإذلال" و المحقرة" بفتح الميم و القاف: الذلة.

قوله عليه السلام:" أن تحبوهم" بيان للحق قوله عليه السلام:" و هو من الغاوين في الصحاح الغي:

الخيبة و الضلال.

قوله عليه السلام:" فإن الكبر رداء الله" قال الجزري: في الحديث" قال الله تعالى:

العظمة إزاري و الكبرياء ردائي" ضرب الرداء و الإزار مثلا في انفراده بصفة العظمة و الكبرياء، أي ليستا كسائر الصفات التي قد يتصف بها الخلق مجازا كالرحمة، و شبههما بالإزار و الرداء لأن المتصف بهما يشملانه كما يشمل الرداء الإنسان، و لأنه لا يشاركه في إزاره و ردائه أحد، فكذلك الله تعالى لا ينبغي أن يشركه فيهما أحد، انتهى.

قوله عليه السلام:" قصمه" أي كسره قوله عليه السلام:" و إياكم أن يبغي" في القاموس:

بغى عليه بغيا: علا و ظلم، و عدل عن الحق و استطال و كذب.

ص: 18

وَ أَصَابَ الظَّفَرَ مِنَ اللَّهِ وَ إِيَّاكُمْ أَنْ يَحْسُدَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَإِنَّ الْكُفْرَ أَصْلُهُ الْحَسَدُ وَ إِيَّاكُمْ أَنْ تُعِينُوا عَلَى مُسْلِمٍ مَظْلُومٍ فَيَدْعُوَ اللَّهَ عَلَيْكُمْ وَ يُسْتَجَابَ لَهُ فِيكُمْ فَإِنَّ أَبَانَا رَسُولَ اللَّهِ ص كَانَ يَقُولُ إِنَّ دَعْوَةَ الْمُسْلِمِ الْمَظْلُومِ مُسْتَجَابَةٌ وَ لْيُعِنْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَإِنَّ أَبَانَا رَسُولَ اللَّهِ ص كَانَ يَقُولُ إِنَّ مَعُونَةَ الْمُسْلِمِ خَيْرٌ وَ أَعْظَمُ أَجْراً مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَ اعْتِكَافِهِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَ إِيَّاكُمْ وَ إِعْسَارَ أَحَدٍ مِنْ إِخْوَانِكُمُ الْمُسْلِمِينَ أَنْ تُعْسِرُوهُ بِالشَّيْ ءِ يَكُونُ لَكُمْ قِبَلَهُ وَ هُوَ مُعْسِرٌ فَإِنَّ أَبَانَا رَسُولَ اللَّهِ ص كَانَ يَقُولُ لَيْسَ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُعْسِرَ مُسْلِماً وَ مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِراً أَظَلَّهُ اللَّهُ بِظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ

قوله عليه السلام:" فإن الكفر أصله الحسد فإن أول الكفر نشأ من إبليس، و كان باعثه عليه الحسد، و أيضا كل أكثر أفراد الكفر ينشأ من حسد من فضله الله و أوجب متابعته.

قوله عليه السلام:" أن تعينوا على مسلم" يقال أعانه: أي نصرة و أعان عليه: أي أضر به و أعان على إضراره.

قوله عليه السلام:" و إياكم و إعسار" في القاموس: عسر الغريم يعسره: طلب منه على عسرة كأعسره.

قوله عليه السلام:" أظله الله بظله" أي بظل عرشه أو بظل رحمته مجازا، قوله (ع):

" و إن استطعتم" جزاء الشرط محذوف أي فافعلوا و لا يبعد أن يكون في الأصل ما استطعتم و لعله هو الصواب.

قوله عليه السلام:" محرج الإمام" في الصحاح أحرجه إليه: ألجأه، و فيه سعى به إلى الوالي إذا وشى به يعني نمه و ذمه عنده.

أقول: الظاهر أن المراد لا تكونوا محرج الإمام، أي بأن تجعلوه مضطرا إلى شي ء لا يرضى به ثم بين عليه السلام بأن المحرج هو الذي يذم أهل الصلاح عند الإمام، و يشهد عليهم بفساد، و هو كاذب في ذلك فيثبت ذلك بظاهر حكم الشريعة عند الإمام، فيلزم الإمام أن يلعنهم، فإذا لعنهم و هم غير مستحقين لذلك، تصير اللعنة عليهم

ص: 19

وَ إِيَّاكُمْ أَيَّتُهَا الْعِصَابَةُ الْمَرْحُومَةُ الْمُفَضَّلَةُ عَلَى مَنْ سِوَاهَا وَ حَبْسَ حُقُوقِ اللَّهِ قِبَلَكُمْ يَوْماً بَعْدَ يَوْمٍ وَ سَاعَةً بَعْدَ سَاعَةٍ فَإِنَّهُ مَنْ عَجَّلَ حُقُوقَ اللَّهِ قِبَلَهُ كَانَ اللَّهُ أَقْدَرَ عَلَى التَّعْجِيلِ لَهُ إِلَى مُضَاعَفَةِ الْخَيْرِ فِي الْعَاجِلِ وَ الْآجِلِ وَ إِنَّهُ مَنْ أَخَّرَ حُقُوقَ اللَّهِ قِبَلَهُ كَانَ اللَّهُ أَقْدَرَ عَلَى تَأْخِيرِ رِزْقِهِ وَ مَنْ حَبَسَ اللَّهُ رِزْقَهُ لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَرْزُقَ نَفْسَهُ فَأَدُّوا إِلَى اللَّهِ حَقَّ مَا رَزَقَكُمْ يُطَيِّبِ اللَّهُ لَكُمْ بَقِيَّتَهُ وَ يُنْجِزْ لَكُمْ مَا وَعَدَكُمْ مِنْ مُضَاعَفَتِهِ لَكُمُ الْأَضْعَافَ الْكَثِيرَةَ الَّتِي لَا يَعْلَمُ عَدَدَهَا وَ لَا كُنْهَ فَضْلِهَا إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ أَيَّتُهَا الْعِصَابَةُ وَ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا يَكُونَ مِنْكُمْ مُحْرِجُ الْإِمَامِ فَإِنَّ مُحْرِجَ الْإِمَامِ هُوَ الَّذِي يَسْعَى بِأَهْلِ الصَّلَاحِ مِنْ أَتْبَاعِ الْإِمَامِ الْمُسَلِّمِينَ لِفَضْلِهِ الصَّابِرِينَ عَلَى أَدَاءِ حَقِّهِ الْعَارِفِينَ لِحُرْمَتِهِ وَ اعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ نَزَلَ بِذَلِكَ الْمَنْزِلِ عِنْدَ الْإِمَامِ فَهُوَ مُحْرِجُ الْإِمَامِ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْرَجَ الْإِمَامَ إِلَى أَنْ يَلْعَنَ أَهْلَ الصَّلَاحِ مِنْ أَتْبَاعِهِ الْمُسَلِّمِينَ لِفَضْلِهِ الصَّابِرِينَ عَلَى أَدَاءِ حَقِّهِ الْعَارِفِينَ بِحُرْمَتِهِ فَإِذَا لَعَنَهُمْ لِإِحْرَاجِ أَعْدَاءِ اللَّهِ الْإِمَامَ صَارَتْ لَعْنَتُهُ رَحْمَةً مِنَ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَ صَارَتِ اللَّعْنَةُ مِنَ اللَّهِ وَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَ رُسُلِهِ عَلَى أُولَئِكَ-

رحمة، و ترجع اللعنة إلى الواشي الكاذب الذي ألجأ الإمام إلى ذلك. أو المراد أنه ينسب الواشي إلى أهل الصلاح عند الإمام شيئا بمحضر جماعة يتقي منهم الإمام فيضطر الإمام إلى أن يلعن من نسب إليه ذلك تقية و يحتمل أن يكون المراد أن محرج الإمام هو من يسعى بأهل الصلاح إلى أئمة الجور، و يجعلهم معروفين عند أئمة الجور بالتشيع، فيلزم أئمة الحق لرفع الضرر عن أنفسهم و عن أهل الصلاح أن يلعنوهم و يتبرءوا منهم فتصير اللعنة إلى الساعين و أئمة الجور معا، و على هذا، المراد بأعداء الله أئمة الجور.

و قوله عليه السلام:" إذا فعل ذلك عند الإمام" يؤيد المعنى الأول هذه هي من الوجوه التي خطرت بالبال، و الله أعلم و من صدر عنه صلى الله عليه و آله و سلم.

قوله عليه السلام:" في الصالحين قبل" أي جرت السنة فيهم إن كانوا مقهورين مرعوبين و كذلك تجري في الصالحين منكم، أو بأن يلعنهم الناس و تصير اللعنة عليهم رحمة.

ص: 20

وَ اعْلَمُوا أَيَّتُهَا الْعِصَابَةُ أَنَّ السُّنَّةَ مِنَ اللَّهِ قَدْ جَرَتْ فِي الصَّالِحِينَ قَبْلُ وَ قَالَ مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ حَقّاً حَقّاً فَلْيَتَوَلَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ لْيَبْرَأْ إِلَى اللَّهِ مِنْ عَدُوِّهِمْ وَ يُسَلِّمُ لِمَا انْتَهَى إِلَيْهِ مِنْ فَضْلِهِمْ لِأَنَّ فَضْلَهُمْ لَا يَبْلُغُهُ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَ لَا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ وَ لَا مَنْ دُونَ ذَلِكَ- أَ لَمْ تَسْمَعُوا مَا ذَكَرَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِ أَتْبَاعِ الْأَئِمَّةِ الْهُدَاةِ وَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ قَالَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحِينَ وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً فَهَذَا وَجْهٌ مِنْ وُجُوهِ فَضْلِ أَتْبَاعِ الْأَئِمَّةِ فَكَيْفَ بِهِمْ وَ فَضْلِهِمْ وَ مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُتِمَّ اللَّهُ لَهُ إِيمَانَهُ حَتَّى يَكُونَ مُؤْمِناً حَقّاً حَقّاً فَلْيَفِ لِلَّهِ بِشُرُوطِهِ الَّتِي اشْتَرَطَهَا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّهُ قَدِ اشْتَرَطَ مَعَ وَلَايَتِهِ وَ وَلَايَةِ رَسُولِهِ وَ وَلَايَةِ أَئِمَّةِ الْمُؤْمِنِينَ إِقامَ الصَّلاةِ وَ إِيتاءَ الزَّكاةِ وَ إِقْرَاضَ اللَّهِ قَرْضاً حَسَناً* وَ اجْتِنَابَ الْفَوَاحِشِ ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ* فَلَمْ يَبْقَ شَيْ ءٌ مِمَّا فُسِّرَ مِمَّا حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا وَ قَدْ دَخَلَ فِي جُمْلَةِ قَوْلِهِ فَمَنْ دَانَ اللَّهَ فِيمَا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ اللَّهِ مُخْلِصاً لِلَّهِ وَ لَمْ يُرَخِّصْ لِنَفْسِهِ فِي تَرْكِ شَيْ ءٍ مِنْ هَذَا- فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ فِي حِزْبِهِ الْغَالِبِينَ- وَ هُوَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ حَقّاً- وَ إِيَّاكُمْ وَ الْإِصْرَارَ عَلَى شَيْ ءٍ مِمَّا حَرَّمَ اللَّهُ فِي ظَهْرِ الْقُرْآنِ وَ بَطْنِهِ وَ قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى- وَ لَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَ هُمْ يَعْلَمُونَ إِلَى هَاهُنَا رِوَايَةُ الْقَاسِمِ بْنِ رَبِيعٍ يَعْنِي الْمُؤْمِنِينَ قَبْلَكُمْ إِذَا نَسُوا شَيْئاً مِمَّا اشْتَرَطَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ عَرَفُوا أَنَّهُمْ قَدْ عَصَوُا اللَّهَ فِي تَرْكِهِمْ ذَلِكَ الشَّيْ ءَ فَاسْتَغْفَرُوا وَ لَمْ يَعُودُوا إِلَى تَرْكِهِ فَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ- وَ لَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَ هُمْ يَعْلَمُونَ

قوله (ع)" في جملة قوله" أي في الفواحش فقوله تعالى:" و اجتناب الفواحش" يشمل اجتناب جميع المحرمات.

قوله عليه السلام" فمن دان الله" أي عبد الله فيما بينه و بين ربه أي مختفيا و لا ينظر إلى غيره و لا يلتفت إلى من سواه.

قوله:" إلى هنا رواية" إلى آخره. أي ما يذكر بعده لم يكن في رواية القاسم بل كان في رواية حفص و إسماعيل قوله (ع):" ملك مقرب" يمكن أن يكون بدل من الخلق و هو الأظهر، و أن يكون

ص: 21

وَ اعْلَمُوا أَنَّهُ إِنَّمَا أَمَرَ وَ نَهَى لِيُطَاعَ فِيمَا أَمَرَ بِهِ وَ لِيُنْتَهَى عَمَّا نَهَى عَنْهُ فَمَنِ اتَّبَعَ أَمْرَهُ فَقَدْ أَطَاعَهُ وَ قَدْ أَدْرَكَ كُلَّ شَيْ ءٍ مِنَ الْخَيْرِ عِنْدَهُ وَ مَنْ لَمْ يَنْتَهِ عَمَّا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ فَقَدْ عَصَاهُ فَإِنْ مَاتَ عَلَى مَعْصِيَتِهِ أَكَبَّهُ اللَّهُ عَلَى وَجْهِهِ فِي النَّارِ وَ اعْلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ اللَّهِ وَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَ لَا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ وَ لَا مَنْ دُونَ ذَلِكَ مِنْ خَلْقِهِ كُلِّهِمْ إِلَّا طَاعَتُهُمْ لَهُ فَاجْتَهِدُوا فِي طَاعَةِ اللَّهِ إِنْ سَرَّكُمْ أَنْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ حَقّاً حَقّاً وَ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ وَ قَالَ وَ عَلَيْكُمْ بِطَاعَةِ رَبِّكُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ فَإِنَّ اللَّهَ رَبُّكُمْ وَ اعْلَمُوا أَنَّ الْإِسْلَامَ هُوَ التَّسْلِيمُ وَ التَّسْلِيمَ هُوَ الْإِسْلَامُ فَمَنْ سَلَّمَ فَقَدْ أَسْلَمَ وَ مَنْ لَمْ يُسَلِّمْ فَلَا إِسْلَامَ لَهُ وَ مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْلِغَ إِلَى نَفْسِهِ فِي الْإِحْسَانِ فَلْيُطِعِ اللَّهَ فَإِنَّهُ مَنْ أَطَاعَ اللَّهَ فَقَدْ أَبْلَغَ إِلَى نَفْسِهِ فِي الْإِحْسَانِ

و لا غيرهم بين الخلق و بين الله توسطا مستقلا، بدون الطاعة بل شفاعتهم و توسطهم مشروط بقدر من الطاعة.

قوله عليه السلام:" فإن الله ربكم" هو الله القادر القاهر المستجمع لجميع صفات الكمال المستحق لأشرف العبادات فيلزمكم بذل وسعكم و طاقتكم و في عبادته قوله (ع)" هو التسليم" أي انقياد الله في أوامره و نواهيه، و التسليم لأئمة الحق و متابعتهم و إذعان ما يصدر عنهم و إن كان بعيدا عن أفهام الخلق.

قوله عليه السلام:" أن يبلغ إلى نفسه في الإحسان" يقال: بالغ في أمره أي اجتهد و لم يقصر، و كان الإبلاغ هنا بمعنى المبالغة و قوله:" إلى نفسه" متعلق بالإحسان أي يبالغ و يجتهد في الإحسان إلى نفسه هذا هو الظاهر بحسب المعنى.

و يؤيده ما ذكر في الإساءة و في تقديم معمول المصدر عليه إشكال، و يجوز بتأويل كما هو الشائع، و لعل التقديم و التأخير من النساخ.

و يحتمل أن يكون الإبلاغ بمعنى الإيصال أي أراد أن يوصل إلى نفسه أمرا كاملا في الإحسان، و الأول أظهر، و الشائع في مثل هذا المقام بلغ من المجرد يقال بلغ في الكرم أي حد الكمال فيه.

ص: 22

وَ إِيَّاكُمْ وَ مَعَاصِيَ اللَّهِ أَنْ تَرْكَبُوهَا فَإِنَّهُ مَنِ انْتَهَكَ مَعَاصِيَ اللَّهِ فَرَكِبَهَا فَقَدْ أَبْلَغَ فِي الْإِسَاءَةِ إِلَى نَفْسِهِ وَ لَيْسَ بَيْنَ الْإِحْسَانِ وَ الْإِسَاءَةِ مَنْزِلَةٌ فَلِأَهْلِ الْإِحْسَانِ عِنْدَ رَبِّهِمُ الْجَنَّةُ وَ لِأَهْلِ الْإِسَاءَةِ عِنْدَ رَبِّهِمُ النَّارُ فَاعْمَلُوا بِطَاعَةِ اللَّهِ وَ اجْتَنِبُوا مَعَاصِيَهُ وَ اعْلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ يُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ شَيْئاً لَا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَ لَا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ وَ لَا مَنْ دُونَ ذَلِكَ فَمَنْ سَرَّهُ أَنْ تَنْفَعَهُ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ عِنْدَ اللَّهِ فَلْيَطْلُبْ إِلَى اللَّهِ أَنْ يَرْضَى عَنْهُ- وَ اعْلَمُوا أَنَّ أَحَداً مِنْ خَلْقِ اللَّهِ لَمْ يُصِبْ رِضَا اللَّهِ إِلَّا بِطَاعَتِهِ وَ طَاعَةِ رَسُولِهِ وَ طَاعَةِ وُلَاةِ أَمْرِهِ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ ص وَ مَعْصِيَتُهُمْ مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَ لَمْ يُنْكِرْ لَهُمْ فَضْلًا عَظُمَ أَوْ صَغُرَ- وَ اعْلَمُوا أَنَّ الْمُنْكِرِينَ هُمُ الْمُكَذِّبُونَ وَ أَنَّ الْمُكَذِّبِينَ هُمُ الْمُنَافِقُونَ وَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ قَالَ لِلْمُنَافِقِينَ وَ قَوْلُهُ الْحَقُّ إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَ لَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً وَ لَا يَفْرَقَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ أَلْزَمَ اللَّهُ قَلْبَهُ طَاعَتَهُ وَ خَشْيَتَهُ مِنْ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ مِمَّنْ أَخْرَجَهُ اللَّهُ

قوله عليه السلام" ليس يغني عنكم" قال في النهاية أغن عني شرك: أي أصرفه و كفه و منه" لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً" قوله:" فليطب إلى الله" يقال: طلب إليه أي رغب.

قوله عليه السلام:" أن المنكرين هم المكذبون" يحتمل أن يكون المراد بالإنكار عدم الإقرار، و المعرفة كما قاله تعالى:" فَعَرَفَهُمْ وَ هُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ" و الغرض أن عدم المعرفة أيضا تكذيب، و أن يكون المراد أن إنكار الأئمة داخل في التكذيب الذي ذكر الله تعالى في القرآن، و حكم بكفر من يرتكبه.

قوله عليه السلام:" و لا يعرفن" كأنه سن باب التفعيل و مفعوله الأول مقدر أي لا يعرف أحد منكم نفسه أحدا من الناس أي العامة و" من" زائدة لتأكيد النفي أي لا تجعلوا أنفسكم معروفين عند العامة بالتشيع، أو المراد لا تعرفوهم دين الحق فإنهم شياطين لا ينفعهم ذلك، و يصل ضررهم إليكم، أو بالتخفيف من المعرفة كناية عن المحجة و المواصلة أي ينبغي لكم أن لا تعرفوهم فضلا عن أن تحبوهم و تتخذوهم أولياء، و على هذا يحتمل أن لا يكون" من" زائدة بل ابتدائية أي لا تعرفوا و لا تتعرفوا شيئا منهم فإنهم يريدون إضلالكم، و في بعض النسخ المصححة" لا يفرقن" من

ص: 23

مِنْ صِفَةِ الْحَقِّ وَ لَمْ يَجْعَلْهُ مِنْ أَهْلِهَا فَإِنَّ مَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ مِنْ أَهْلِ صِفَةِ الْحَقِّ فَأُولَئِكَ هُمْ شَيَاطِينُ الْإِنْسِ وَ الْجِنِّ- وَ إِنَّ لِشَيَاطِينِ الْإِنْسِ حِيلَةً وَ مَكْراً وَ خَدَائِعَ وَ وَسْوَسَةً بَعْضِهِمْ إِلَى بَعْضٍ يُرِيدُونَ إِنِ اسْتَطَاعُوا أَنْ يَرُدُّوا أَهْلَ الْحَقِّ عَمَّا أَكْرَمَهُمُ اللَّهُ بِهِ مِنَ النَّظَرِ فِي دِينِ اللَّهِ الَّذِي لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ شَيَاطِينَ الْإِنْسِ مِنْ أَهْلِهِ إِرَادَةَ أَنْ يَسْتَوِيَ أَعْدَاءُ اللَّهِ وَ أَهْلُ الْحَقِّ- فِي الشَّكِّ وَ الْإِنْكَارِ وَ التَّكْذِيبِ فَيَكُونُونَ سَوَاءً كَمَا وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ مِنْ قَوْلِهِ- وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً ثُمَّ نَهَى اللَّهُ أَهْلَ النَّصْرِ بِالْحَقِّ أَنْ يَتَّخِذُوا مِنْ أَعْدَاءِ اللَّهِ وَلِيّاً وَ لَا نَصِيراً فَلَا يُهَوِّلَنَّكُمْ وَ لَا يَرُدَّنَّكُمْ عَنِ النَّصْرِ بِالْحَقِّ الَّذِي خَصَّكُمُ اللَّهُ بِهِ مِنْ حِيلَةِ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ وَ مَكْرِهِمْ مِنْ أُمُورِكُمْ تَدْفَعُونَ أَنْتُمُ السَّيِّئَةَ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ- فِيمَا بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ تَلْتَمِسُونَ بِذَلِكَ وَجْهَ رَبِّكُمْ بِطَاعَتِهِ وَ هُمْ لَا خَيْرَ عِنْدَهُمْ لَا يَحِلُّ لَكُمْ

الفرق بمعنى الخوف أي لا تخافوهم، فإنهم كالشياطين و إن كيد الشيطان كان ضعيفا.

قوله عليه السلام:" فلا يهولنكم" يحتمل معنيين الأول: أن تكون حيلة فاعلا للفعلين، و تكون من زائدة لتأكيد النفي، و قوله:" من أموركم" متعلقا بالمكر، يقال:

مكره من كذا أو عنه أي احتال أن يرده عنه.

و الثاني: أن يكون يهولنكم و يردنكم بضم اللام و الدال على صيغة الجمع أي لا يردنكم شياطين الجن و الإنس عن النصر الرباني، الذي هو حاصل لكم بسبب الحق الذي خصكم الله به، من حيلة: أي بسبب حيلة شياطين الإنس أي بسبب حيلتهم فيكون من قبيل وضع المظهر موضع المضمر، و على هذا قوله من أموركم- كما ذكرنا في الوجه الأول متعلق بالمكر، أو من سببية أي جيلهم ناشئة مما يرون من أموركم، و هذا أحد مواضع الاختلاف بين النسخة التي أشرنا إليها و النسخ المشهورة و في تلك النسخة قوله و مكرهم متصل بما مر في أوائل الرسالة من قوله و حيلهم كما أومأنا إليه هكذا" من حيلة شياطين الإنس، و مكرهم و حيلهم و وساوس بعضهم إلى بعض" و هو الصواب كما لا يخفى.

قوله عليه السلام:" أن تظهروهم" أي لا تطلعوهم كما في بعض النسخ.

ص: 24

أَنْ تُظْهِرُوهُمْ عَلَى أُصُولِ دِينِ اللَّهِ فَإِنَّهُمْ إِنْ سَمِعُوا مِنْكُمْ فِيهِ شَيْئاً عَادَوْكُمْ عَلَيْهِ وَ رَفَعُوهُ عَلَيْكُمْ- وَ جَهَدُوا عَلَى هَلَاكِكُمْ وَ اسْتَقْبَلُوكُمْ بِمَا تَكْرَهُونَ وَ لَمْ يَكُنْ لَكُمُ النَّصَفَةُ مِنْهُمْ فِي دُوَلِ الْفُجَّارِ فَاعْرِفُوا مَنْزِلَتَكُمْ فِيمَا بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَ أَهْلِ الْبَاطِلِ- فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِأَهْلِ الْحَقِّ أَنْ يُنْزِلُوا أَنْفُسَهُمْ مَنْزِلَةَ أَهْلِ الْبَاطِلِ- لِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ أَهْلَ الْحَقِّ عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ أَهْلِ الْبَاطِلِ أَ لَمْ يَعْرِفُوا وَجْهَ قَوْلِ اللَّهِ فِي كِتَابِهِ إِذْ يَقُولُ أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ أَكْرِمُوا أَنْفُسَكُمْ عَنْ أَهْلِ الْبَاطِلِ وَ لَا تَجْعَلُوا اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى وَ لَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى- وَ إِمَامَكُمْ وَ دِينَكُمُ الَّذِي تَدِينُونَ بِهِ عُرْضَةً لِأَهْلِ الْبَاطِلِ فَتُغْضِبُوا اللَّهَ عَلَيْكُمْ فَتَهْلِكُوا فَمَهْلًا مَهْلًا يَا أَهْلَ الصَّلَاحِ لَا تَتْرُكُوا أَمْرَ اللَّهِ وَ أَمْرَ مَنْ أَمَرَكُمْ بِطَاعَتِهِ فَيُغَيِّرَ اللَّهُ ما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ أَحِبُّوا فِي اللَّهِ مَنْ وَصَفَ صِفَتَكُمْ وَ أَبْغِضُوا فِي اللَّهِ مَنْ خَالَفَكُمْ وَ ابْذُلُوا مَوَدَّتَكُمْ وَ نَصِيحَتَكُمْ مَنْ وَصَفَ صِفَتَكُمْ] وَ لَا تَبْتَذِلُوهَا لِمَنْ رَغِبَ عَنْ صِفَتِكُمْ وَ عَادَاكُمْ عَلَيْهَا وَ بَغَى لَكُمُ الْغَوَائِلَ هَذَا أَدَبُنَا أَدَبُ اللَّهِ فَخُذُوا بِهِ

قوله عليه السلام:" و رفعوه عليكم" لعل المراد بالرفع الإفشاء و الإظهار، أو الرفع إلى السلطان، و يحتمل أن يكون المراد أنكم إن علمتموهم شيئا يجعلونه حجة عليكم في المناظرة، قوله (ع):" و لم يكن لكم" النصف هو بالتحريك العدل: أي إذا آذوكم و ترافعتم إلى حكامهم لا يعدلون فيكم، بل يجورون عليكم.

قوله عليه السلام:" عرضة" يقال: هو عرضة للناس بالضم أي لا يزالون يقعون فيه كما في القاموس أي لا تجعلوا ربكم و إمامكم و دينكم في معرض ذم أهل الباطل، بأن تعارضوهم في الدين و هم يعارضونكم بأشياء لا تليق بربكم و إمامكم و دينكم.

قوله عليه السلام:" من وصف صفتكم" أي أهل دينكم، و من يقول بقولكم، قوله (ع):

" و ابذلوا مودتكم" أي لأهل دينكم و في بعض النسخ بعد قوله و نصيحتكم [لمن وصف صفتكم] و هو الظاهر.

قوله عليه السلام:" و بغا لكم الغوائل" الغوائل: الدواهي أي طلب لكم البلايا و المصائب و المكاره.

ص: 25

وَ تَفَهَّمُوهُ وَ اعْقِلُوهُ وَ لَا تَنْبِذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ مَا وَافَقَ هُدَاكُمْ أَخَذْتُمْ بِهِ وَ مَا وَافَقَ هَوَاكُمْ طَرَحْتُمُوهُ وَ لَمْ تَأْخُذُوا بِهِ وَ إِيَّاكُمْ وَ التَّجَبُّرَ عَلَى اللَّهِ وَ اعْلَمُوا أَنَّ عَبْداً لَمْ يُبْتَلَ بِالتَّجَبُّرِ عَلَى اللَّهِ إِلَّا تَجَبَّرَ عَلَى دِينِ اللَّهِ فَاسْتَقِيمُوا لِلَّهِ وَ لَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ أَجَارَنَا اللَّهُ وَ إِيَّاكُمْ مِنَ التَّجَبُّرِ عَلَى اللَّهِ وَ لَا قُوَّةَ لَنَا وَ لَكُمْ إِلَّا بِاللَّهِ وَ قَالَ ع إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا كَانَ خَلَقَهُ اللَّهُ فِي الْأَصْلِ أَصْلِ الْخَلْقِ مُؤْمِناً لَمْ يَمُتْ حَتَّى يُكَرِّهَ اللَّهُ إِلَيْهِ الشَّرَّ وَ يُبَاعِدَهُ عَنْهُ وَ مَنْ كَرَّهَ اللَّهُ إِلَيْهِ الشَّرَّ وَ بَاعَدَهُ عَنْهُ عَافَاهُ اللَّهُ مِنَ الْكِبْرِ أَنْ يَدْخُلَهُ وَ الْجَبَرِيَّةِ فَلَانَتْ عَرِيكَتُهُ وَ حَسُنَ خُلُقُهُ وَ طَلُقَ وَجْهُهُ وَ صَارَ عَلَيْهِ وَقَارُ الْإِسْلَامِ وَ سَكِينَتُهُ وَ تَخَشُّعُهُ وَ وَرِعَ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ وَ اجْتَنَبَ مَسَاخِطَهُ وَ رَزَقَهُ اللَّهُ مَوَدَّةَ النَّاسِ وَ مُجَامَلَتَهُمْ وَ تَرْكَ مُقَاطَعَةِ النَّاسِ وَ الْخُصُومَاتِ وَ لَمْ يَكُنْ مِنْهَا وَ لَا مِنْ أَهْلِهَا فِي شَيْ ءٍ وَ إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا كَانَ اللَّهُ خَلَقَهُ فِي الْأَصْلِ صْلِ الْخَلْقِ] كَافِراً لَمْ يَمُتْ حَتَّى يُحَبِّبَ إِلَيْهِ الشَّرَّ وَ يُقَرِّبَهُ مِنْهُ فَإِذَا حَبَّبَ إِلَيْهِ الشَّرَّ وَ قَرَّبَهُ مِنْهُ ابْتُلِيَ بِالْكِبْرِ وَ الْجَبَرِيَّةِ فَقَسَا قَلْبُهُ وَ سَاءَ خُلُقُهُ وَ غَلُظَ وَجْهُهُ وَ ظَهَرَ فُحْشُهُ وَ قَلَّ حَيَاؤُهُ وَ كَشَفَ اللَّهُ سِتْرَهُ وَ رَكِبَ الْمَحَارِمَ فَلَمْ يَنْزِعْ عَنْهَا وَ رَكِبَ

قوله عليه السلام:" أخذتم به" أمر في صورة الخبر أي خذوا به، و يحتمل أن يكون اسم الإشارة في قوله:" هذا أدبنا" راجعا إلى هذا الكلام، و يحتمل إرجاعه إلى ما مر من المواعظ و الآداب.

قوله عليه السلام:" إلا تجبر على دين الله" لعل المراد أن التجبر على دين الله بترك ما ورد في الدين ينجر، إلى التجبر على الله و هو الكفر، أو المراد بالتجبر على الله التكبر عن إطاعة أئمة الحق، أو ترك أوامره تعالى، و المراد أنه ينجر إلى التجبر على دين الله و الخروج من الدين.

قوله عليه السلام:" و الجبرية" هي بكسر الجيم و الراء، و سكون الباء و بكسر الباء أيضا و بفتح الجيم، و سكون الباء التكبر، و العريكة الطبيعة.

قوله عليه السلام:" خلقه في الأصل" أي علم عند خلقه أنه يصير كافرا، و" يحبب إليه الشر" كناية عن منع اللطف عقوبة عما فعل من الشرور التي استحق بها ذلك، قوله:" فبعد"

ص: 26

مَعَاصِيَ اللَّهِ وَ أَبْغَضَ طَاعَتَهُ وَ أَهْلَهَا فَبُعْدٌ مَا بَيْنَ حَالِ الْمُؤْمِنِ وَ حَالِ الْكَافِرِ سَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ وَ اطْلُبُوهَا إِلَيْهِ وَ لَا حَوْلَ وَ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ صَبِّرُوا النَّفْسَ عَلَى الْبَلَاءِ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّ تَتَابُعَ الْبَلَاءِ فِيهَا وَ الشِّدَّةَ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَ وَلَايَتِهِ وَ وَلَايَةِ مَنْ أَمَرَ بِوَلَايَتِهِ خَيْرٌ عَاقِبَةً عِنْدَ اللَّهِ فِي الْآخِرَةِ مِنْ مُلْكِ الدُّنْيَا وَ إِنْ طَالَ تَتَابُعُ نَعِيمِهَا وَ زَهْرَتِهَا وَ غَضَارَةُ عَيْشِهَا فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَ وَلَايَةِ مَنْ نَهَى اللَّهُ عَنْ وَلَايَتِهِ وَ طَاعَتِهِ- فَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِوَلَايَةِ الْأَئِمَّةِ الَّذِينَ سَمَّاهُمُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ فِي قَوْلِهِ- وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَ هُمُ الَّذِينَ أَمَرَ اللَّهُ بِوَلَايَتِهِمْ وَ طَاعَتِهِمْ وَ الَّذِينَ نَهَى اللَّهُ عَنْ وَلَايَتِهِمْ وَ طَاعَتِهِمْ وَ هُمْ أَئِمَّةُ الضَّلَالَةِ الَّذِينَ قَضَى اللَّهُ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ دُوَلٌ فِي الدُّنْيَا عَلَى أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْأَئِمَّةِ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ يَعْمَلُونَ فِي دُولَتِهِمْ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ وَ مَعْصِيَةِ رَسُولِهِ ص لِيَحِقَّ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ وَ لِيَتِمَّ أَنْ تَكُونُوا مَعَ نَبِيِّ اللَّهِ مُحَمَّدٍ ص وَ الرُّسُلِ مِنْ قَبْلِهِ فَتَدَبَّرُوا مَا قَصَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فِي كِتَابِهِ مِمَّا ابْتَلَى بِهِ أَنْبِيَاءَهُ وَ أَتْبَاعَهُمُ الْمُؤْمِنِينَ ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ أَنْ يُعْطِيَكُمُ الصَّبْرَ عَلَى الْبَلَاءِ فِي السَّرَّاءِ وَ الضَّرَّاءِ وَ الشِّدَّةِ وَ الرَّخَاءِ مِثْلَ الَّذِي أَعْطَاهُمْ وَ إِيَّاكُمْ وَ مُمَاظَّةَ أَهْلِ الْبَاطِلِ وَ عَلَيْكُمْ بِهُدَى الصَّالِحِينَ وَ وَقَارِهِمْ وَ سَكِينَتِهِمْ وَ حِلْمِهِمْ وَ تَخَشُّعِهِمْ وَ وَرَعِهِمْ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ وَ صِدْقِهِمْ وَ وَفَائِهِمْ وَ اجْتِهَادِهِمْ لِلَّهِ فِي الْعَمَلِ بِطَاعَتِهِ فَإِنَّكُمْ إِنْ لَمْ تَفْعَلُوا ذَلِكَ لَمْ تُنْزَلُوا عِنْدَ رَبِّكُمْ مَنْزِلَةَ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ إِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ خَيْراً شَرَحَ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَإِذَا أَعْطَاهُ ذَلِكَ أَنْطَقَ

ككرم أو بضم الباء، و على الثاني إما بالتنوين أو بالإضافة فيقدر خبره أي كثير.

قوله عليه السلام:" و زهرتها" زهرة الدنيا: بهجتها و نضارتها و حسنها، و الغضارة بالفتح:

النعمة و السعة و الخصب.

قوله عليه السلام:" و الذين نهى الله" خبره قوله" يعملون" و الدول مثلثة: جمع دولة بالضم: و هي الغلبة.

قوله عليه السلام:" ليحق" أي ليثبت و يجب و يستقر كلمة العذاب أي حكم الله عليهم بالشقاوة و الكفر و استحقاق العذاب، و قيل: هو قوله" لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ أَجْمَعِينَ*".

ص: 27

لِسَانَهُ بِالْحَقِّ وَ عَقَدَ قَلْبَهُ عَلَيْهِ فَعَمِلَ بِهِ فَإِذَا جَمَعَ اللَّهُ لَهُ ذَلِكَ تَمَّ لَهُ إِسْلَامُهُ وَ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ إِنْ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ الْحَالِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ حَقّاً وَ إِذَا لَمْ يُرِدِ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْراً وَكَلَهُ إِلَى نَفْسِهِ وَ كَانَ صَدْرُهُ ضَيِّقاً حَرَجاً فَإِنْ جَرَى عَلَى لِسَانِهِ حَقٌّ لَمْ يُعْقَدْ قَلْبُهُ عَلَيْهِ وَ إِذَا لَمْ يُعْقَدْ قَلْبُهُ عَلَيْهِ لَمْ يُعْطِهِ اللَّهُ الْعَمَلَ بِهِ فَإِذَا اجْتَمَعَ ذَلِكَ عَلَيْهِ حَتَّى يَمُوتَ وَ هُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْمُنَافِقِينَ وَ صَارَ مَا جَرَى عَلَى لِسَانِهِ مِنَ الْحَقِّ الَّذِي لَمْ يُعْطِهِ اللَّهُ أَنْ يُعْقَدَ قَلْبُهُ عَلَيْهِ وَ لَمْ يُعْطِهِ الْعَمَلَ بِهِ حُجَّةً عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ سَلُوهُ أَنْ يَشْرَحَ صُدُورَكُمْ لِلْإِسْلَامِ وَ أَنْ يَجْعَلَ أَلْسِنَتَكُمْ تَنْطِقُ بِالْحَقِّ حَتَّى يَتَوَفَّيكُمْ وَ أَنْتُمْ عَلَى ذَلِكَ وَ أَنْ يَجْعَلَ مُنْقَلَبَكُمْ مُنْقَلَبَ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ وَ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ .. وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ* وَ مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُ فَلْيَعْمَلْ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَ لْيَتَّبِعْنَا أَ لَمْ يَسْمَعْ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ لِنَبِيِّهِ ص قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَ اللَّهِ لَا يُطِيعُ اللَّهَ عَبْدٌ أَبَداً إِلَّا أَدْخَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي طَاعَتِهِ اتِّبَاعَنَا وَ لَا وَ اللَّهِ لَا يَتَّبِعُنَا عَبْدٌ أَبَداً إِلَّا أَحَبَّهُ اللَّهُ وَ لَا وَ اللَّهِ لَا يَدَعُ أَحَدٌ اتِّبَاعَنَا أَبَداً إِلَّا أَبْغَضَنَا وَ لَا وَ اللَّهِ لَا يُبْغِضُنَا أَحَدٌ أَبَداً

قوله عليه السلام:" و ليتم أن يكونوا" في بعض النسخ بالياء، فالمراد الأئمة عليهم السلام و في بعضها بالتاء أي أنتم يا معشر الشيعة بما يصل إليكم منهم من الجور و الظلم.

أقول: هذا أيضا أحد مواضع الاختلاف، و في تلك النسخة قوله" و ليتم" متصل بقوله عليه السلام:" أمر الله فيهم" هكذا" ليحق أمر الله فيهم الذي خلقهم له في الأصل" و هو الظاهر كما لا يخفى.

قوله عليه السلام:" يهدي الصالحين" في القاموس: الهدي بضم الهاء و فتح الدال:

الرشاد و الدلالة، و الهدى و يكسر: الطريقة و السيرة.

قوله عليه السلام:" و عقد قلبه عليه" على بناء المجهول و يحتمل المعلوم أي أيقنه و اعتقد به كأنه معقود عليه لا يفارقه.

قوله عليه السلام:" و أن يجعل منقلبكم" الانقلاب: الرجوع، و المنقلب بفتح اللام للمصدر و للمكان معا، و المراد الرجوع إلى الله تعالى في القيامة، أي يجعل رجوعكم

ص: 28

إِلَّا عَصَى اللَّهَ وَ مَنْ مَاتَ عَاصِياً لِلَّهِ أَخْزَاهُ اللَّهُ وَ أَكَبَّهُ عَلَى وَجْهِهِ فِي النَّارِ وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ*

صَحِيفَةُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ع وَ كَلَامُهُ فِي الزُّهْدِ

2 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى وَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ جَمِيعاً عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ قَالَ مَا سَمِعْتُ بِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ كَانَ أَزْهَدَ مِنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ع إِلَّا مَا بَلَغَنِي مِنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ع قَالَ أَبُو حَمْزَةَ كَانَ الْإِمَامُ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ع إِذَا تَكَلَّمَ فِي الزُّهْدِ وَ وَعَظَ أَبْكَى مَنْ بِحَضْرَتِهِ قَالَ أَبُو حَمْزَةَ وَ قَرَأْتُ صَحِيفَةً فِيهَا كَلَامُ زُهْدٍ مِنْ كَلَامِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ع وَ كَتَبْتُ مَا فِيهَا ثُمَّ أَتَيْتُ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ ص فَعَرَضْتُ مَا فِيهَا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُ وَ صَحَّحَهُ وَ كَانَ مَا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* كَفَانَا اللَّهُ وَ إِيَّاكُمْ كَيْدَ الظَّالِمِينَ وَ بَغْيَ الْحَاسِدِينَ وَ بَطْشَ الْجَبَّارِينَ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الطَّوَاغِيتُ وَ أَتْبَاعُهُمْ مِنْ أَهْلِ الرَّغْبَةِ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا الْمَائِلُونَ إِلَيْهَا الْمُفْتَتِنُونَ بِهَا الْمُقْبِلُونَ عَلَيْهَا وَ عَلَى حُطَامِهَا الْهَامِدِ وَ هَشِيمِهَا الْبَائِدِ غَداً وَ احْذَرُوا مَا حَذَّرَكُمُ اللَّهُ مِنْهَا وَ ازْهَدُوا فِيمَا زَهَّدَكُمُ اللَّهُ فِيهِ مِنْهَا وَ لَا تَرْكَنُوا إِلَى مَا فِي هَذِهِ

أو محل رجوعكم كرجوع الصالحين قبلكم، أو كمحل رجوعهم.

[الحديث الثاني] صحيفة علي بن الحسين عليهما السلام و كلامه في الزهد

[الحديث الثاني] صحيفة علي بن الحسين عليهما السلام و كلامه في الزهد

الحديث الثاني: صحيح.

قوله عليه السلام:" و على حطامها الهامد" الحطام بالضم: المنكسر من الخشب و النبات و الهامد: البالي المسود المتغير، و الهشيم من النبات أيضا، اليابس المتكسر و البائد: الذاهب المنقطع الهالك، و" غدا" ظرف للبائد أي عن قريب عنكم أو في القيامة عن كل أحد.

و في القاموس: ركن إليه كنصر و علم و منع ركونا مال و سكن، و في النهاية

ص: 29

الدُّنْيَا رُكُونَ مَنِ اتَّخَذَهَا دَارَ قَرَارٍ وَ مَنْزِلَ اسْتِيطَانٍ وَ اللَّهِ إِنَّ لَكُمْ مِمَّا فِيهَا عَلَيْهَا لَدَلِيلًا وَ تَنْبِيهاً مِنْ تَصْرِيفِ أَيَّامِهَا وَ تَغَيُّرِ انْقِلَابِهَا وَ مَثُلَاتِهَا وَ تَلَاعُبِهَا بِأَهْلِهَا إِنَّهَا لَتَرْفَعُ الْخَمِيلَ وَ تَضَعُ الشَّرِيفَ وَ تُورِدُ أَقْوَاماً إِلَى النَّارِ غَداً فَفِي هَذَا مُعْتَبَرٌ وَ مُخْتَبَرٌ وَ زَاجِرٌ لِمُنْتَبِهٍ إِنَّ الْأُمُورَ الْوَارِدَةَ عَلَيْكُمْ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَ لَيْلَةٍ مِنْ مُظْلِمَاتِ الْفِتَنِ وَ حَوَادِثِ الْبِدَعِ وَ سُنَنِ الْجَوْرِ وَ بَوَائِقِ الزَّمَانِ وَ هَيْبَةِ السُّلْطَانِ وَ وَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ لَتُثَبِّطُ الْقُلُوبَ عَنْ تَنَبُّهِهَا وَ تُذْهِلُهَا عَنْ مَوْجُودِ الْهُدَى وَ مَعْرِفَةِ أَهْلِ الْحَقِّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ عَصَمَ اللَّهُ فَلَيْسَ يَعْرِفُ تَصَرُّفَ أَيَّامِهَا وَ تَقَلُّبَ حَالاتِهَا وَ عَاقِبَةَ ضَرَرِ فِتْنَتِهَا إِلَّا مَنْ عَصَمَ اللَّهُ وَ نَهَجَ سَبِيلَ الرُّشْدِ وَ سَلَكَ طَرِيقَ الْقَصْدِ ثُمَّ اسْتَعَانَ عَلَى ذَلِكَ بِالزُّهْدِ- فَكَرَّرَ الْفِكْرَ وَ اتَّعَظَ بِالصَّبْرِ فَازْدَجَرَ وَ زَهِدَ فِي عَاجِلِ بَهْجَةِ الدُّنْيَا وَ تَجَافَى عَنْ لَذَّاتِهَا وَ رَغِبَ فِي دَائِمِ نَعِيمِ الْآخِرَةِ وَ سَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَ رَاقَبَ الْمَوْتَ وَ شَنَأَ الْحَيَاةَ مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ نَظَرَ إِلَى مَا فِي الدُّنْيَا بِعَيْنٍ نَيِّرَةٍ حَدِيدَةَ الْبَصَرِ وَ أَبْصَرَ حَوَادِثَ الْفِتَنِ وَ ضَلَالَ الْبِدَعِ وَ جَوْرَ الْمُلُوكِ الظَّلَمَةِ فَلَقَدْ لَعَمْرِي اسْتَدْبَرْتُمُ الْأُمُورَ الْمَاضِيَةَ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ مِنَ الْفِتَنِ الْمُتَرَاكِمَةِ وَ الِانْهِمَاكِ فِيمَا تَسْتَدِلُّونَ بِهِ عَلَى تَجَنُّبِ الْغُوَاةِ وَ أَهْلِ الْبِدَعِ وَ الْبَغْيِ وَ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ فَ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَ ارْجِعُوا إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَ طَاعَةِ مَنْ هُوَ أَوْلَى بِالطَّاعَةِ مِمَّنِ اتُّبِعَ فَأُطِيعَ-

المثلة: بفتح الميم و ضم الثاء العقوبة، و الجمع المثلات. و في القاموس: خمل ذكره و صوته خمولا خفي.

قوله عليه السلام:" لمنتبه" أي لكل من تنبه و اتعظ.

قوله عليه السلام:" من مظلمات الفتن" و في بعض النسخ [من ملمات الفتن] أي نوازلها، و البوائق: الدواهي.

قوله عليه السلام:" لتثبط" خبر إن و في القاموس: ثبطه عن الأمر: عوقه و بطؤ به عنه كثبطه فيهما.

قوله عليه السلام:" تذهلها" الذهول: النسيان، و الغفلة و قوله (ع):" موجود الهدى" من إضافة الصفة إلى الموصوف.

قوله عليه السلام:" و نهج" يقال نهج الطريق: كمنع أي سلكه، و القصد استقامة الطريق

ص: 30

فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ مِنْ قَبْلِ النَّدَامَةِ وَ الْحَسْرَةِ وَ الْقُدُومِ عَلَى اللَّهِ وَ الْوُقُوفِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَ تَاللَّهِ مَا صَدَرَ قَوْمٌ قَطُّ عَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ إِلَّا إِلَى عَذَابِهِ وَ مَا آثَرَ قَوْمٌ قَطُّ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ إِلَّا سَاءَ مُنْقَلَبُهُمْ وَ سَاءَ مَصِيرُهُمْ وَ مَا الْعِلْمُ بِاللَّهِ وَ الْعَمَلُ إِلَّا إِلْفَانِ مُؤْتَلِفَانِ فَمَنْ عَرَفَ اللَّهَ خَافَهُ وَ حَثَّهُ الْخَوْفُ عَلَى الْعَمَلِ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَ إِنَّ أَرْبَابَ الْعِلْمِ وَ أَتْبَاعَهُمُ الَّذِينَ عَرَفُوا اللَّهَ فَعَمِلُوا لَهُ وَ رَغِبُوا إِلَيْهِ وَ قَدْ قَالَ اللَّهُ- إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ فَلَا تَلْتَمِسُوا شَيْئاً مِمَّا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ وَ اشْتَغِلُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا بِطَاعَةِ اللَّهِ وَ اغْتَنِمُوا أَيَّامَهَا وَ اسْعَوْا لِمَا فِيهِ نَجَاتُكُمْ غَداً مِنْ عَذَابِ اللَّهِ فَإِنَّ ذَلِكَ أَقَلُّ لِلتَّبِعَةِ وَ أَدْنَى مِنَ الْعُذْرِ وَ أَرْجَى لِلنَّجَاةِ فَقَدِّمُوا أَمْرَ اللَّهِ وَ طَاعَةَ مَنْ أَوْجَبَ اللَّهُ طَاعَتَهُ بَيْنَ يَدَيِ الْأُمُورِ كُلِّهَا وَ لَا تُقَدِّمُوا الْأُمُورَ الْوَارِدَةَ

و البهجة: الحسن، و التجأ في: البعد و الاجتناب.

قوله عليه السلام:" سعيها" أي ما هو حقها من السعي إشارة إلى قوله تعالى" وَ مَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَ سَعى لَها سَعْيَها" الآية و" راقب الموت" أي انتظره و لم ينسه، و كان دائما متذكرا لوروده متهيأ له.

قوله عليه السلام:" و شنأ الحياة" كمنع و سمع أي أبغضها لكراهة مخالطة الظالمين.

قوله عليه السلام:" و الانهماك" و الانهماك: التمادي في الشي ء و اللجاج فيه، و كأنه معطوف على الفتن، أي انهمكوا في أشياء فانية، و دولات باطلة يمكنكم الاستدلال بها، و بفنائها على تجنب الغواة، و عدم الاعتماد على ملكهم و عزهم و في تحف العقول" و الانهماك فيها ما تستدلون" و هو الصواب.

قوله عليه السلام:" ممن اتبع فأطيع" أي من كان إطاعة الناس له بمحض إن جماعة من أهل الباطل اتبعوه و بايعوه كخلفاء الجور.

قوله عليه السلام" ما صدر قوم" أي كان رجوعهم إلى الآخرة في حال اشتغالهم بالمعاصي.

قوله عليه السلام:" إلفان" بكسر الهمزة و سكون اللام أو على وزن فاعل [فاعلان] قوله عليه السلام:" الذين عرفوا الله" هي خبر" إن".

ص: 31

عَلَيْكُمْ مِنْ طَاعَةِ الطَّوَاغِيتِ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَ طَاعَتِهِ وَ طَاعَةِ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ وَ اعْلَمُوا أَنَّكُمْ عَبِيدُ اللَّهِ وَ نَحْنُ مَعَكُمْ يَحْكُمُ عَلَيْنَا وَ عَلَيْكُمْ سَيِّدٌ حَاكِمٌ غَداً وَ هُوَ مُوقِفُكُمْ وَ مُسَائِلُكُمْ فَأَعِدُّوا الْجَوَابَ قَبْلَ الْوُقُوفِ وَ الْمُسَاءَلَةِ وَ الْعَرْضِ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ يَوْمَئِذٍ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يُصَدِّقُ يَوْمَئِذٍ كَاذِباً وَ لَا يُكَذِّبُ صَادِقاً وَ لَا يَرُدُّ عُذْرَ مُسْتَحِقٍّ وَ لَا يَعْذِرُ غَيْرَ مَعْذُورٍ لَهُ الْحُجَّةُ عَلَى خَلْقِهِ بِالرُّسُلِ وَ الْأَوْصِيَاءِ بَعْدَ الرُّسُلِ فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ وَ اسْتَقْبِلُوا فِي إِصْلَاحِ أَنْفُسِكُمْ وَ طَاعَةِ اللَّهِ وَ طَاعَةِ مَنْ تَوَلَّوْنَهُ فِيهَا لَعَلَّ نَادِماً قَدْ نَدِمَ فِيمَا فَرَّطَ بِالْأَمْسِ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَ ضَيَّعَ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ وَ اسْتَغْفِرُوا اللَّهَ* وَ تُوبُوا إِلَيْهِ* فَإِنَّهُ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ وَ يَعْفُو عَنِ السَّيِّئَةِ وَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ وَ إِيَّاكُمْ وَ صُحْبَةَ الْعَاصِينَ وَ مَعُونَةَ الظَّالِمِينَ وَ مُجَاوَرَةَ الْفَاسِقِينَ احْذَرُوا فِتْنَتَهُمْ

قوله عليه السلام:" من طاعة" من ابتدائية، و قوله عليه السلام:" من زهرة" بيانية أي لا تقدموا على طاعة الله الأمور التي تحصل لكم بسبب طاعة الطواغيت، و الأمور هي زهرات الدنيا أي بهجتها و نضارتها و حسنها.

قوله عليه السلام:" عذر مستحق" أي لقبول العذر قوله عليه السلام:" و لا يعذر" كيضرب أي لا يقبل عذر غير معذور.

قوله عليه السلام:" و استقبلوا في إصلاح" و في بعض النسخ" من إصلاح" لعل المراد استقبلوا و استأنفوا العمل في إصلاح أنفسكم، و يحتمل أن يكون في بمعنى إلى أي أقبلوا إلى إصلاح أنفسكم و قوله (ع):" لعل نادما على سبيل المماشاة" أي يمكن أن يندم نادم يوم القيامة على ما قصر بالأمس أي في الدنيا في جنب الله أي في قربه و جواره أو في أمره و طاعته أو مقربي جنابه أعني الأئمة عليهم السلام و إطاعتهم كما ورد في الأخبار الكثيرة، و الحاصل إن إمكان وقوع ذلك الندم كاف في الحذر، فكيف مع تحققه، أو لأن بالنسبة إلى كل شخص غير متحقق، و في تحف العقول:" من إصلاح أنفسكم و طاعة الله و طاعة من تولونه فيما لعل نادما" و هو أظهر.

ص: 32

وَ تَبَاعَدُوا مِنْ سَاحَتِهِمْ وَ اعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ خَالَفَ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ وَ دَانَ بِغَيْرِ دِينِ اللَّهِ وَ اسْتَبَدَّ بِأَمْرِهِ دُونَ أَمْرِ وَلِيِّ اللَّهِ كَانَ فِي نَارٍ تَلْتَهِبُ تَأْكُلُ أَبْدَاناً قَدْ غَابَتْ عَنْهَا أَرْوَاحُهَا وَ غَلَبَتْ عَلَيْهَا شِقْوَتُهَا فَهُمْ مَوْتَى لَا يَجِدُونَ حَرَّ النَّارِ وَ لَوْ كَانُوا أَحْيَاءً لَوَجَدُوا مَضَضَ حَرِّ النَّارِ- وَ اعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ وَ احْمَدُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَ اعْلَمُوا أَنَّكُمْ لَا تَخْرُجُونَ مِنْ قُدْرَةِ اللَّهِ إِلَى غَيْرِ قُدْرَتِهِ وَ سَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَ رَسُولُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ* فَانْتَفِعُوا بِالْعِظَةِ وَ تَأَدَّبُوا بِآدَابِ الصَّالِحِينَ

3 أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْكُوفِيُّ وَ هُوَ الْعَاصِمِيُّ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ الصَّوَّافِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْهَمْدَانِيِّ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ مُوسَى ع قَالَ كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع يُوصِي أَصْحَابَهُ وَ يَقُولُ أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ فَإِنَّهَا غِبْطَةُ الطَّالِبِ الرَّاجِي وَ ثِقَةُ الْهَارِبِ اللَّاجِي

قوله عليه السلام:" و استبد" قال في النهاية: و في حديث علي عليه السلام: كنا نرى أن لنا في هذا الأمر حقا فاستبددتم علينا. يقال: استبد بالأمر يستبد به استبدادا إذا تفرد به دون غيره.

قوله عليه السلام:" في نار تلتهب" الظاهر أن المراد أنهم في الدنيا في نار البعد و الحرمان و السخط و الخذلان، لكنهم لما كانوا بمنزلة الأموات لعدم العلم و اليقين، لم يستشعروا ألم هذه النار، و لم يدركوها كما قال تعالى:" وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ*" و قال:" أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ وَ ما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ" و يحتمل أن يكون المراد بالنار أسباب دخولها تسمية للسبب باسم المسبب، و" المضض" بالتحريك الألم و" التأدب" تعلم الآداب و قبولها.

الحديث الثالث

الحديث الثالث

: مجهول.

قوله عليه السلام:" فإنها غبطة" قال الفيروزآبادي: الغبطة بالكسر: حسن الحال و المسرة، و قد اغتبط، و الحسد كالغبطة، و قد غبطه كضربه و سمعه، و تمنى نعمة على أن لا تتحول عن صاحبها انتهى، و المعنى أن الطالب لثواب الله الراجي لرحمته يغبط و يتمنى، و يطلب التقوى و الهارب عن عذاب الله اللاجئ إلى الله إنما يثق بالتقوى

ص: 33

وَ اسْتَشْعِرُوا التَّقْوَى شِعَاراً بَاطِناً وَ اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً خَالِصاً- تَحْيَوْا بِهِ أَفْضَلَ الْحَيَاةِ وَ تَسْلُكُوا بِهِ طَرِيقَ النَّجَاةِ- انْظُرُوا فِي الدُّنْيَا نَظَرَ الزَّاهِدِ الْمُفَارِقِ لَهَا فَإِنَّهَا تُزِيلُ الثَّاوِيَ السَّاكِنَ وَ تَفْجَعُ الْمُتْرَفَ الْآمِنَ- لَا يُرْجَى مِنْهَا مَا تَوَلَّى فَأَدْبَرَ وَ لَا يُدْرَى مَا هُوَ آتٍ مِنْهَا فَيُنْتَظَرَ وُصِلَ الْبَلَاءُ مِنْهَا بِالرَّخَاءِ وَ الْبَقَاءُ مِنْهَا إِلَى فَنَاءٍ فَسُرُورُهَا مَشُوبٌ بِالْحُزْنِ وَ الْبَقَاءُ فِيهَا إِلَى الضَّعْفِ وَ الْوَهْنِ فَهِيَ كَرَوْضَةٍ اعْتَمَّ مَرْعَاهَا وَ أَعْجَبَتْ مَنْ يَرَاهَا- عَذْبٌ شُرْبُهَا طَيِّبٌ

لا بالأماني.

قوله عليه السلام:" و استشعروا التقوى" الشعار بالكسر و قد يفتح: ما تحت الدثار من اللباس، و هو ما يلي شعر الجسد و استشعره لبسه، و هو كناية عن غاية الملابسة و الملازمة، و كونها خالصة لله مخفية عن الخلق لا يشوبها رياء كما أن الشعار يكون غالبا مستورا بالدثار و أشعر عليه السلام بقوله" شعارا باطنا".

قوله عليه السلام:" تحيوا به أفضل الحياة" إذ حياة القلوب و الأرواح بذكر الله و في بعض النسخ بالباء الموحدة فيهما من الحبوة و هي العطية.

قوله عليه السلام:" فإنها تزيل الثاوي" يقال: ثوى بالمكان إذا أقام فيه.

قوله عليه السلام:" و تفجع" إلخ. قال الفيروزآبادي: فجعه كمنعه: أوجعه كفجعه أو الفجع أن يوجع الإنسان بشي ء يكرم عليه فيعدمه.

و قال أترفته النعمة، أطغته، و المترف كمكرم المتروك يصنع ما يشاء لا يمنع و المتنعم لا نمنعه من تنعمه، و الجبار.

قوله عليه السلام:" لا يرجى منها ما تولى" أي أدبر فقوله:" فأدبر" مبالغة فيه أو أعرض و انقضى زمانه فأدبر، و الحاصل أن ما ذهب منها من العمر و القوة و الشباب و الغرة و غيرها لا يرجى رجوعها و لا يدري و لا يعلم أي شي ء يأتي بعد ذلك فينتظر وروده قوله (ع):" وصل" على المجهول قوله (ع):" إلى الضعف" أي آئل و منته إليه.

قوله عليه السلام:" اعتم مرعاها" اعتم بتشديد الميم، يقال: اعتم النبت: أي اكتهل [اكتمل] و تم طوله و ظهر نوره.

ص: 34

تُرْبُهَا تَمُجُّ عُرُوقُهَا الثَّرَى وَ تَنْطُفُ فُرُوعُهَا النَّدَى حَتَّى إِذَا بَلَغَ الْعُشْبُ إِبَّانَهُ وَ اسْتَوَى بَنَانُهُ هَاجَتْ رِيحٌ تَحُتُّ الْوَرَقَ وَ تُفَرِّقُ مَا اتَّسَقَ فَأَصْبَحَتْ كَمَا قَالَ اللَّهُ- هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَ كانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ مُقْتَدِراً انْظُرُوا فِي الدُّنْيَا فِي كَثْرَةِ مَا يُعْجِبُكُمْ وَ قِلَّةِ مَا يَنْفَعُكُمْ

خُطْبَةٌ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع وَ هِيَ خُطْبَةُ الْوَسِيلَةِ

4 مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مَعْمَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عُكَايَةَ التَّمِيمِيِّ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ النَّضْرِ الْفِهْرِيِّ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى

قوله عليه السلام:" تمج عروقها الثرى" قال في مصباح اللغة: مج الرجل الماء من فيه مجا من باب قتل رمى به، و قال: الثرى: وزان الحصى ندي الأرض و الثرى أيضا التراب الندى انتهى.

أقول: إذا حملت الثرى على الندى، فالمعنى ظاهر أي يترشح من عروقها الماء لكثرة طراوتها و ارتوائها و إذا حملت على التراب الندى، فالمعنى تقذف عروقها الماء في الثرى. أو المراد أن عروقها لقوتها و كثرتها تقذف التراب و تدفعها إلى فوق و ترفعها.

قوله عليه السلام:" و تنطف فروعها الندى" تنطف كتضرب و تنصر أي تصب، و المعنى كما مر، و إبان الشي ء بكسر الهمزة و تشديد الباء حينه أي أو أنه، و قوله:" تحت" بضم الحاء أي يسقط قوله:" هَشِيماً" أي مهشوما مكسورا" تَذْرُوهُ الرِّياحُ" أي تفرقه.

[الحديث الرابع] خطبة لأمير المؤمنين عليه السلام و هي خطبة الوسيلة

[الحديث الرابع] خطبة لأمير المؤمنين عليه السلام و هي خطبة الوسيلة

الحديث الرابع: ضعيف. لكن هذه الأخبار قوة مبانيه و رفعة معانيها تشهد بصحتها و لا تحتاج إلى سند مع أن هذه الخطبة من الخطب المشهورة عنه صلوات الله

ص: 35

أَبِي جَعْفَرٍ ع فَقُلْتُ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ قَدْ أَرْمَضَنِي اخْتِلَافُ الشِّيعَةِ فِي مَذَاهِبِهَا فَقَالَ يَا جَابِرُ أَ لَمْ أَقِفْكَ عَلَى مَعْنَى اخْتِلَافِهِمْ مِنْ أَيْنَ اخْتَلَفُوا وَ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ تَفَرَّقُوا قُلْتُ بَلَى يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ فَلَا تَخْتَلِفْ إِذَا اخْتَلَفُوا يَا جَابِرُ إِنَّ الْجَاحِدَ لِصَاحِبِ الزَّمَانِ كَالْجَاحِدِ لِرَسُولِ اللَّهِ ص فِي أَيَّامِهِ يَا جَابِرُ اسْمَعْ وَ عِ قُلْتُ إِذَا شِئْتَ قَالَ اسْمَعْ وَ عِ وَ بَلِّغْ حَيْثُ انْتَهَتْ بِكَ رَاحِلَتُكَ إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ع خَطَبَ النَّاسَ بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ سَبْعَةِ أَيَّامٍ مِنْ وَفَاةِ

عليه قوله:" أرمضني" أي أحرقني.

قوله عليه السلام:" أ لم أقفك" يدل على أنه كان أوقفه سابقا على سبب الاختلاف.

قوله عليه السلام:" قلت: إذا شئت" أي إذا شئت أن أسمع تقول فاسمع، أو" إذا" بالتنوين و شئت على صيغة المتكلم قوله عليه السلام:" منع الأوهام" الظاهر أن المراد ما يشمل العقول أيضا أي منع تقدسه و علو شأنه عن أن يصل العقول إلى غير الإذعان بوجوده من معرفة كنه ذاته و صفاته تعالى،" و حجب العقول أن تتخيل ذاته" أي كنه ذاته، إن كان المراد بالتخيل الارتسام في الخيال كما هو المصطلح، فالمراد بالتعليل أن التخيل إنما يكون في المحسوسات و الماديات فلو كان تعالى متخيلا كان شبيها بها مشاكلا لها مشتركا معها في الصفات الإمكانية، و هو متعال عن ذلك، و لو كان المراد الارتسام في العقل كما هو الأظهر أنه تعالى لا يشبه شيئا حتى يكون له ما به الاشتراك و ما به الامتياز، حتى يتصور بهما، أو أنه لا يشبه شيئا من الممكنات، و هذه الصورة الحاصلة في العقل لافتقارها إلى المحل، و كون حصولها بعلة ممكنة فكيف يكون عين حقيقة ذاته تعالى، أو أنه إذا كان متعقلا كان في كونه متعقلا شبيها بما يتعقل من الممكنات، أو أنه لا بد من مناسبة بين العاقل و المعقول ليمكن التعقل و لا مناسبة و لا مشابهة بينه و بين خلقه.

قوله (ع):" بل هو الذي لم يتفاوت في ذاته" أي ليس بذي أجزاء متفاوتة مختلفة:

لا خارجية و لا عقلية كالجنس و الفصل، و يحتمل أن يكون المراد نفي اختلاف العوارض و التعقل يستلزم ذلك.

ص: 36

رَسُولِ اللَّهِ ص وَ ذَلِكَ حِينَ فَرَغَ مِنْ جَمْعِ الْقُرْآنِ وَ تَأْلِيفِهِ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي مَنَعَ الْأَوْهَامَ أَنْ تَنَالَ إِلَّا وُجُودَهُ وَ حَجَبَ الْعُقُولَ أَنْ تَتَخَيَّلَ ذَاتَهُ لِامْتِنَاعِهَا مِنَ الشَّبَهِ وَ التَّشَاكُلِ بَلْ هُوَ الَّذِي لَا يَتَفَاوَتُ فِي ذَاتِهِ وَ لَا يَتَبَعَّضُ بِتَجْزِئَةِ الْعَدَدِ فِي كَمَالِهِ فَارَقَ الْأَشْيَاءَ لَا عَلَى اخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ وَ يَكُونُ فِيهَا لَا عَلَى وَجْهِ الْمُمُازَجَةِ وَ عَلِمَهَا لَا بِأَدَاةٍ لَا يَكُونُ الْعِلْمُ إِلَّا بِهَا وَ لَيْسَ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ مَعْلُومِهِ عِلْمُ غَيْرِهِ بِهِ كَانَ عَالِماً بِمَعْلُومِهِ إِنْ قِيلَ كَانَ فَعَلَى تَأْوِيلِ

قوله عليه السلام:" و لم يتبعض بتجزية العدد في كماله" لعله إشارة إلى نفي زيادة الصفات الموجودة.

قوله عليه السلام:" لا على اختلاف الأماكن" و بأن يكون هو في مكان و الأشياء في مكان آخر.

قوله عليه السلام:" و يكون فيها" أي بالعلم و القدرة و الحفظ و التربية لا بالممازجة و علمها أي علم الأشياء لا بأداة، بل بذاته تعالى إذ الافتقار إلى الآلة يوجب الإمكان.

قوله (ع):" علم غيره" يحتمل الإضافة و التوصيف، فعلى الأول: فالمراد أنه لا يتوسط بينه و بين معلومه علم عالم آخر به، أي يعلم ذلك العالم و بتعليمه كان الله تعالى عالما بمعلومه، و يحتمل أن يكون المراد نفي ما ذهب إليه جماعة من الحكماء بأن علمه تعالى بحصول الصور في العقول و النفوس الفلكية، و حضورهما عنده تعالى، و أما على الثاني: فالمراد أن ذاته المقدسة كافية للعلم و لا يحتاج إلى علم أي صورة علمية غيره، أي غير ذاته تعالى بهذه الصورة العلمية، و بارتسامها كان عالما بمعلومه كما في الممكنات.

قوله عليه السلام:" إن قيل كان" إلخ أي ليس كونه موجودا في الأول عبارة عن مقارنته للزمان أزلا لحدوث الزمان، بل بمعنى أن ليس لوجوده ابتداء، أو أنه تعالى ليس بزماني و كان يدل على الزمانية فتأويله أن معنى كونه أزلا أن وجوده يمتنع عليه العدم، و في الفقرة الثانية لعل المعنى الأخير متعين، و يحتمل أن يكون المراد أنه إن قيل: كان فليس كونه من قبيل كون الممكنات لحدوثها،

ص: 37

أَزَلِيَّةِ الْوُجُودِ وَ إِنْ قِيلَ لَمْ يَزَلْ فَعَلَى تَأْوِيلِ نَفْيِ الْعَدَمِ فَسُبْحَانَهُ وَ تَعَالَى عَنْ قَوْلِ مَنْ عَبَدَ سِوَاهُ وَ اتَّخَذَ إِلَهاً غَيْرَهُ عُلُوّاً كَبِيراً نَحْمَدُهُ بِالْحَمْدِ الَّذِي ارْتَضَاهُ مِنْ خَلْقِهِ وَ أَوْجَبَ قَبُولَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ شَهَادَتَانِ تَرْفَعَانِ الْقَوْلَ وَ تُضَاعِفَانِ الْعَمَلَ- خَفَّ مِيزَانٌ تُرْفَعَانِ مِنْهُ وَ ثَقُلَ مِيزَانٌ تُوضَعَانِ فِيهِ وَ بِهِمَا الْفَوْزُ بِالْجَنَّةِ وَ النَّجَاةُ مِنَ النَّارِ وَ الْجَوَازُ عَلَى الصِّرَاطِ وَ بِالشَّهَادَةِ تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَ بِالصَّلَاةِ تَنَالُونَ الرَّحْمَةَ- أَكْثِرُوا مِنَ الصَّلَاةِ عَلَى نَبِيِّكُمْ إِنَّ اللَّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا

فإن في العرف يفهم من الكون الحدوث، بل معناه أزلية وجوده تعالى، و إن قيل لم يزل فليس على ما يطلق في الممكنات، يقولون لم يزل هو كذلك، و يعنون به الكون على هذه الحال مدة حياتهم أو مدة طويلة، بل معناه نفي العدم أبدا، أو المعنى أنه إذا قيل: في الممكنات لم يزل فمعناه استمرار وجودهم، مع طريان أنحاء العدم و التغير و التبدل عليهم، و معنى لم يزل في حقه تعالى نفي جميع أنحاء العدم و التغيرات عنه، و قد ورد هذا المعنى في تفسير آخريته تعالى في الخبر، و يحتمل أيضا أن يكون المراد في المقامين نفي تعقل كنه وجوده تعالى، و كيفية كونه أي إن قيل: كان أو لم يزل فمعناه نفي العدم عنه أزلا و أبدا، و أما تعقل كنه ذلك فلا يمكن للبشر، هذه هي الوجوه التي خطرت بالبال و الله أعلم و حججه عليهم السلام.

قوله عليه السلام:" ترفعان القول" أي لا ترتفع قول من الأقوال الحسنة إليه تعالى إلا بمقارنتهما، و بالإقرار بهما، و التكلم بهما يوجب تضاعف الأعمال أو الإذعان بهما يوجب ترتب الثواب على الأعمال و الثواب لا يكون إلا مضاعفا، و يحتمل أن يكون المراد أشهد شهادة خاصة مقرونة بالشرائط، حتى يترتب عليها رفع القول و مضاعفة العمل.

قوله عليه السلام:" و بالصلاة" أي على النبي و آله،

ص: 38

صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ تَسْلِيماً أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ لَا شَرَفَ أَعْلَى مِنَ الْإِسْلَامِ وَ لَا كَرَمَ أَعَزُّ مِنَ التَّقْوَى وَ لَا مَعْقِلَ أَحْرَزُ مِنَ الْوَرَعِ وَ لَا شَفِيعَ أَنْجَحُ مِنَ التَّوْبَةِ وَ لَا لِبَاسَ أَجْمَلُ مِنَ الْعَافِيَةِ وَ لَا وِقَايَةَ أَمْنَعُ مِنَ السَّلَامَةِ وَ لَا مَالَ أَذْهَبُ بِالْفَاقَةِ مِنَ الرِّضَا بِالْقَنَاعَةِ وَ لَا كَنْزَ أَغْنَى مِنَ الْقُنُوعِ وَ مَنِ اقْتَصَرَ عَلَى بُلْغَةِ الْكَفَافِ فَقَدِ انْتَظَمَ الرَّاحَةَ وَ تَبَوَّأَ خَفْضَ الدَّعَةِ وَ الرَّغْبَةُ مِفْتَاحُ التَّعَبِ وَ الِاحْتِكَارُ مَطِيَّةُ

قوله عليه السلام" أعز من التقوى" العز، خلاف الذل و العزة أيضا القلة و ندرة الوجود، و يكون بمعنى الغلبة، و العزيز الغالب، و لا يخفى مناسبة جميع المعاني و إن احتاج الأخير إلى تكلف.

قوله:" و لا معقل" المعقل بالكسر: الملجإ و الحصن و الورع، أمنع الحصون و أحرزها عن وساوس الشياطين في الدنيا، و عن عذاب الله في الآخرة.

قوله عليه السلام:" و لا شفيع أنجح" النجح و النجاح: الظفر بالحوائج أي لا يظفر الإنسان بشفاعة شفيع بالنجاة من العذاب كما يظفر بالتوبة.

قوله عليه السلام:" و لا لباس أجمل من العافية" الجمال الحسن و البهاء و الزينة، و العافية من البلايا و السلامة من الكفر و الشرك و المعاصي أو بالعكس، و يحتمل التعميم فيهما.

قوله عليه السلام:" من الرضا بالقناعة" في نهج البلاغة من الرضا بالقوت.

قوله عليه السلام:" و لا كنز أغنى" لعل اسم التفضيل هنا مشتق من الغناء بالفتح ممدودا، بمعنى النفع أي أنفع أو من غني بالمكان أي أقام أي أثبت أو يقال: نسبة الغناء إلى الكنز إسناد مجازي و المراد غنى صاحب الكنز.

قوله عليه السلام:" و من اقتصر" إلخ قال الجوهري: البلغة: ما يتبلغ به من العيش و تبلغ بكذا اكتفى به فإضافة البلغة إلى الكفاف للتوضيح. و قال ابن ميثم: أي البلغة التي تكف عن الناس.

ص: 39

النَّصَبِ وَ الْحَسَدُ آفَةُ الدِّينِ وَ الْحِرْصُ دَاعٍ إِلَى التَّقَحُّمِ فِي الذُّنُوبِ وَ هُوَ دَاعِي الْحِرْمَانِ وَ الْبَغْيُ سَائِقٌ إِلَى الْحَيْنِ وَ الشَّرَهُ جَامِعٌ لِمَسَاوِي الْعُيُوبِ رُبَّ طَمَعٍ خَائِبٍ وَ أَمَلٍ كَاذِبٍ وَ رَجَاءٍ يُؤَدِّي إِلَى الْحِرْمَانِ وَ تِجَارَةٍ تَئُولُ إِلَى الْخُسْرَانِ أَلَا وَ مَنْ تَوَرَّطَ فِي الْأُمُورِ غَيْرَ نَاظِرٍ فِي الْعَوَاقِبِ فَقَدْ تَعَرَّضَ لِمُفْضِحَاتِ النَّوَائِبِ وَ بِئْسَتِ الْقِلَادَةُ الذَّنْبُ لِلْمُؤْمِنِ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ لَا كَنْزَ أَنْفَعُ مِنَ الْعِلْمِ وَ لَا عِزَّ أَرْفَعُ مِنَ الْحِلْمِ وَ لَا حَسَبَ أَبْلَغُ مِنَ

قوله عليه السلام:" فقد انتظم الراحة" أي مع الراحة في سلك أو في سلك الراحة فالنصب على التقديرين برفع الخافض، و يقال: طعنه فانتظمه أي اختله في رمحه فيحتمل أن يكون المراد أنه اصطاد الراحة و انتظمها في سهمه.

قوله عليه السلام:" و تبوأ خفض الدعة" الخفض و الدعة متقاربان في المعنى، و كلاهما بمعنى السكون، و أن يكون الإضافة للمبالغة، أي اتخذ غاية السكون و الراحة أي مع منزلا لنفسه، قوله عليه السلام:" و الرغبة" أي إلى الدنيا.

قوله عليه السلام:" و الاحتكار مطية النصب" الاحتكار جمع المال و حبسه. و النصب بالتحريك: التعب، قيل: المراد أن الاحتكار كمطية يتعب ركوبها، و الأظهر أن المراد أنه مركوب للتعب يركبها، فإذا أقبل الاحتكار إليك أقبل راكبه معه، أو أنه يسهل وصول المتاعب إليك كما أن المركب يسهل وصول الراكب إلى مقصوده قوله عليه السلام:" إلى التقحم" التقحم الدخول في الأمر من غير روية، و هو أي التقحم في الذنوب داعي الحرمان، و عن السعادات و الخيرات، أو الرزق الحلال المقدر فإن بقدر ما يتصرف من الحرام يقاص منه من الرزق الحلال كما ورد في الأخبار و يحتمل إرجاع الضمير إلى الحرص أيضا لكنه بعيد.

قوله عليه السلام:" و البغي" إلخ البغي الظلم و الاستطالة، و مجاوزة الحد، و الحين بالفتح: الهلاك و الشره غلبة الحرص.

قوله عليه السلام:" و لا حسب أبلغ" أي أكمل من الأدب بحسب الشرف الذي يكون من جهة الانتساب بالآباء، و الآداب الحسنة تشرف الإنسان بالانتساب بالآباء

ص: 40

الْأَدَبِ وَ لَا نَصَبَ أَوْضَعُ مِنَ الْغَضَبِ وَ لَا جَمَالَ أَزْيَنُ مِنَ الْعَقْلِ وَ لَا سَوْأَةَ أَسْوَأُ مِنَ الْكَذِبِ وَ لَا حَافِظَ أَحْفَظُ مِنَ الصَّمْتِ وَ لَا غَائِبَ أَقْرَبُ مِنَ الْمَوْتِ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ مَنْ نَظَرَ فِي عَيْبِ نَفْسِهِ اشْتَغَلَ عَنْ عَيْبِ غَيْرِهِ وَ مَنْ رَضِيَ بِرِزْقِ اللَّهِ لَمْ يَأْسَفْ عَلَى مَا فِي يَدِ غَيْرِهِ وَ مَنْ سَلَّ سَيْفَ الْبَغْيِ قُتِلَ بِهِ وَ مَنْ حَفَرَ لِأَخِيهِ بِئْراً وَقَعَ فِيهَا وَ مَنْ هَتَكَ حِجَابَ غَيْرِهِ انْكَشَفَ عَوْرَاتُ بَيْتِهِ وَ مَنْ نَسِيَ زَلَلَهُ اسْتَعْظَمَ زَلَلَ غَيْرِهِ وَ مَنْ أُعْجِبَ بِرَأْيِهِ ضَلَّ وَ مَنِ اسْتَغْنَى بِعَقْلِهِ زَلَّ وَ مَنْ تَكَبَّرَ عَلَى النَّاسِ ذَلَّ- وَ مَنْ سَفِهَ عَلَى النَّاسِ شُتِمَ وَ مَنْ خَالَطَ الْأَنْذَالَ حُقِّرَ وَ مَنْ حَمَلَ مَا لَا يُطِيقُ عَجَزَ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ لَا مَالَ هُوَ أَعْوَدُ مِنَ الْعَقْلِ وَ لَا فَقْرَ هُوَ أَشَدُّ مِنَ الْجَهْلِ وَ لَا وَاعِظَ هُوَ أَبْلَغُ مِنَ النُّصْحِ وَ لَا عَقْلَ كَالتَّدْبِيرِ وَ لَا عِبَادَةَ كَالتَّفَكُّرِ وَ لَا مُظَاهَرَةَ

العقلانية التي توسطوا في الحياة المعنوية بالإيمان و العلوم و الكمالات.

قوله عليه السلام:" و لا نصب" بالصاد في أكثر النسخ أي التعب الذي يتفرع على الغضب من أخس المتاعب، إذ لا ثمرة له و لا داعي إليه إلا عدم تملك النفس، و في بعض النسخ بالسين أي نسب صاحب الغضب الذي يغضب على الناس بشرافته نسبا، أوضع الأنساب في الكلام تقدير و الظاهر أنه تصحيف.

قوله عليه السلام:" و لا سوءة" السوءة: الخلة القبيحة.

قوله عليه السلام:" من نظر في عيب نفسه" اشتغل عن عيب غيره إما لكثرة ما يظهر عليه من عيوب نفسه فيحزنه ذلك، أو يشتغل بدفعها فلا يتوجه إلى عيوب غيره أو لأنه يظهر عليه من عيوب نفسه ما هو أشنع مما يرى في غيره، فلا يعظم عنده عيب غيره و لا يعيبهم عليها لما يرى في نفسه.

قوله:" و من خالط الأنذال" النذل" الخسيس من الناس المحتقر في جميع أحواله، أي ذوي الأخلاق الدنية.

قوله عليه السلام:" أعود" أي أنفع.

قوله عليه السلام:" و لا واعظ" لعل المراد أن من ينصح الناس و لا يغشهم و يأمرهم

ص: 41

أَوْثَقُ مِنَ الْمُشَاوَرَةِ وَ لَا وَحْشَةَ أَشَدُّ مِنَ الْعُجْبِ وَ لَا وَرَعَ كَالْكَفِّ عَنِ الْمَحَارِمِ وَ لَا حِلْمَ كَالصَّبْرِ وَ الصَّمْتِ أَيُّهَا النَّاسُ فِي الْإِنْسَانِ عَشْرُ خِصَالٍ يُظْهِرُهَا لِسَانُهُ شَاهِدٌ يُخْبِرُ عَنِ الضَّمِيرِ حَاكِمٌ يَفْصِلُ بَيْنَ الْخِطَابِ وَ نَاطِقٌ يُرَدُّ بِهِ الْجَوَابُ وَ شَافِعٌ يُدْرَكُ بِهِ الْحَاجَةُ وَ وَاصِفٌ يُعْرَفُ بِهِ الْأَشْيَاءُ وَ أَمِيرٌ يَأْمُرُ بِالْحَسَنِ وَ وَاعِظٌ يَنْهَى عَنِ الْقَبِيحِ وَ مُعَزٍّ تُسَكَّنُ بِهِ

بما يصلحهم يتعظ هو أيضا بما يعظ غيره، فذاك واعظه، أو من يعظ رجلا على وجه النصح يؤثر فيه، و إن لم يبالغ في ذلك و لم يطل الكلام، و من لم يكن غرضه النصح لا يؤثر كثيرا، و إن أكثر و أطنب فيما يناسب المقام.

قوله عليه السلام:" و لا عقل كالتدبير" التدبير النظر في عواقب الأمور، و يطلق غالبا في الأخبار على تدبير أمر المعاش و الاقتصاد فيه، و المظاهرة: المعاونة.

قوله عليه السلام:" و لا وحشة أشد من العجب" العجب: إعجاب المرء بنفسه و بفضائله و أعماله، و هو موجب لتحقير الناس فيحترز عن مخالطة عامتهم لذلك، و موجب للترفع و التطاول عليهم، فيصير سببا لوحشة الناس عنه، و أيضا يستلزم عدم إصلاح معائبه و تدارك ما فات منه فتنقطع عنه مواد رحمة الله و لطفه و هدايته فينفرد عن ربه و عن الخلق، فلا وحشة أوحش منه.

قوله عليه السلام:" و لا ورع" إلخ هذا لبيان أن الورع عن المحارم مقدم على الورع عن الشبهات و المكروهات، فإن أكثر الناس يتنزهون عن كثير من المكروهات لإظهار الورع، و لا يبالون بارتكاب أكثر المحرمات.

قوله عليه السلام:" و لا حلم" بضم الحاء بمعنى العقل، و يحتمل الكسر أيضا و في بعض النسخ" و لا حكم" أي و لا حكمة.

قوله عليه السلام:" يفضل بين الخطاب" أي يميز الحق من الباطل، قوله:" و معز" من التعزية بمعنى التسلية.

ص: 42

الْأَحْزَانُ وَ حَاضِرٌ تُجْلَى بِهِ الضَّغَائِنُ وَ مُونِقٌ تَلْتَذُّ بِهِ الْأَسْمَاعُ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ لَا خَيْرَ فِي الصَّمْتِ عَنِ الْحُكْمِ كَمَا أَنَّهُ لَا خَيْرَ فِي الْقَوْلِ بِالْجَهْلِ وَ اعْلَمُوا أَيُّهَا النَّاسُ أَنَّهُ مَنْ لَمْ يَمْلِكْ لِسَانَهُ يَنْدَمْ وَ مَنْ لَا يَعْلَمْ يَجْهَلْ وَ مَنْ لَا يَتَحَلَّمْ لَا يَحْلُمْ وَ مَنْ لَا يَرْتَدِعْ لَا يَعْقِلْ وَ مَنْ لَا يَعْلَمْ يُهَنْ وَ مَنْ يُهَنْ لَا يُوَقَّرْ وَ مَنْ لَا يُوَقَّرْ

قوله عليه السلام:" و حاضر تجلى به الضغائن" الضغينة الحقد أقول: هكذا فيما عندنا من النسخ، و لعل المراد أنه حاضر دائم الحضور يجلي به الضغائن عن النفس و يدفع به الخصوم، و لا يحتاج إلى عدة و مدة بخلاف سائر ما تجلى به الضغائن، من المحاربات و المغالبات، و يمكن أن يكون المراد رفع ضغينة الخصم بلين الكلام و اللطف، و يحتمل أن يكون المراد بالحاضر: القوم و الجماعة.

كما قال في النهاية: في حديث عمرو بن سلمة الجرمي" كنا بحاضر يمر بنا الناس" الحاضر: القوم النزول على ماء يقيمون به، و لا يرحلون عنه، و قال في المغرب: الحاضر و الحاضرة: الذين حضروا الدار التي بها مجتمعهم، و في تحف العقول" و حامد".

قوله عليه السلام:" و من لا يعلم يجهل" إن قرأ يعلم محمد صيغة المجرد فيمكن أن يقرأ الفعلان على المعلوم، و المراد بالجهل حينئذ مقابل العقل، أي من لا يكون عالما لا يكون عاقلا، أو المراد بالعلم الكامل منه أي ما دون كمال العلم مراتب الجهل، و يمكن أن يقرأ" يجهل" على المجهول أي العلم سبب لرفعة الذكر، و من لا يعلم يكون مجهولا خامل الذكر و يمكن أن يقرأ يعلم من باب التفعيل، إما على صيغة المعلوم أي تعليم العلم سبب لوفوره، و تركه سبب لزواله، أو على المجهول، أي طريق العلم التعلم، فمن لا يتعلم يكون جاهلا و الله يعلم.

قوله عليه السلام:" و من لا يتحلم لا يحلم" أي لا يحصل ملكة الحلم إلا بالتحلم أي

ص: 43

يَتَوَبَّخْ وَ مَنْ يَكْتَسِبْ مَالًا مِنْ غَيْرِ حَقِّهِ يَصْرِفْهُ فِي غَيْرِ أَجْرِهِ وَ مَنْ لَا يَدَعْ وَ هُوَ مَحْمُودٌ يَدَعْ وَ هُوَ مَذْمُومٌ وَ مَنْ لَمْ يُعْطِ قَاعِداً مُنِعَ قَائِماً وَ مَنْ يَطْلُبِ الْعِزَّ بِغَيْرِ حَقٍّ يَذِلَّ وَ مَنْ يَغْلِبْ بِالْجَوْرِ يُغْلَبْ وَ مَنْ عَانَدَ الْحَقَّ لَزِمَهُ الْوَهْنُ وَ مَنْ تَفَقَّهَ وُقِّرَ وَ مَنْ تَكَبَّرَ حُقِّرَ وَ مَنْ لَا يُحْسِنْ لَا يُحْمَدْ-

تكلف الحلم بمشقة.

قوله عليه السلام:" و من لا يرتدع لا يعقل" أي من لا ينزجر عن القبائح بنصح الناصحين لا يكون عاقلا أو لا يكمل عقله، أو لا يعقل قبح القبائح، و من كان كذلك يهينه الناس و يعدونه هينا، و من كان كذلك لا يوقرونه، و إذا لم يوقروه يوبخونه على أفعاله.

قوله عليه السلام:" في غير أجره" أي فيما لا يؤجر عليه في الدنيا و الآخرة.

قوله عليه السلام:" و من لا يدع و هو محمود" أي من لا يترك القبيح بالنصح، أو بالتفكر و التنبه يدعه إما بزجر زاجر أو بالموت و لا يحمد بهذا الترك.

قوله عليه السلام:" و من لم يعط قاعدا منع قائما" الفعل الثاني على صيغة المجهول و يمكن أن يكون الأول أيضا على المجهول، أي من لم يأته رزقه بلا طلب و كد لم ينفعه الطلب و السعي، فالقيام كناية عن الطلب و السعي، و القعود عن تركهما كذا ذكره ابن أبي الحديد. أقول: و يحتمل وجوها أخر: الأول: أن يكون المراد من لم يعطه الناس مع عدم السؤال لم يعطوه إذا سأل، و قام عند غيره للسؤال.

الثاني: أن يقرأ الفعل الأول على صيغة المعلوم، أي من لم يعط السؤال و المحتاجين في حالكونه قاعدا يقوم عنده الناس، و يسألونه يبتلي بأن يفتقر إلى السؤال غيره فيقوم بين يديه، و يسأله و لا يعطيه، و هو عندي أظهر الوجوه.

الثالث: أن يكون قاعدا مفعول الإعطاء أي من لم يعط قاعدا زمنا محتاجا ابتلي بسؤال الناس مع الحرمان و فيه بعد.

قوله عليه السلام:" و من تكبر" أي عن طلب الفقه بقرينة المقابلة أو الأعم.

ص: 44

أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ الْمَنِيَّةَ قَبْلَ الدَّنِيَّةِ وَ التَّجَلُّدَ قَبْلَ التَّبَلُّدِ وَ الْحِسَابَ قَبْلَ الْعِقَابِ وَ الْقَبْرَ خَيْرٌ مِنَ الْفَقْرِ وَ غَضَّ الْبَصَرِ خَيْرٌ مِنْ كَثِيرٍ مِنَ النَّظَرِ وَ الدَّهْرَ يَوْمٌ لَكَ وَ يَوْمٌ عَلَيْكَ فَإِذَا كَانَ لَكَ فَلَا تَبْطَرْ وَ إِذَا كَانَ عَلَيْكَ فَاصْبِرْ فَبِكِلَيْهِمَا تُمْتَحَنُ وَ فِي نُسْخَةٍ وَ كِلَاهُمَا سَيُخْتَبَرُ] أَيُّهَا النَّاسُ أَعْجَبُ مَا فِي الْإِنْسَانِ قَلْبُهُ وَ لَهُ مَوَادُّ مِنَ الْحِكْمَةِ وَ أَضْدَادٌ مِنْ

قوله عليه السلام:" إن المنية قبل الدنية" الدنيئة مهموزا، و قد يخفف النقيصة و الحالة الخسيسة أي ينبغي تحمل الموت، و المنية قبل أن تنتهي الحال إلى الدنية كما إذا أرادك العدو فتترك الجهاد و تصير له أسيرا فالجهاد و الموت قبله أفضل من تركه إلى أن يرد عليك الدنيئة، و قيل: المراد أن المنية متقدم و خير من الدنية، فالمراد القبلية في الشرف، و فيه بعد، و يؤيد أحد المعنيين ما في نسخ نهج البلاغة" المنية و لا الدنية" كما يقولون: النار، و لا العار، و قيل: المراد أن المنية ينبغي أن يكون قبل الموت الاضطراري الذي هو الدنية، لقوله:" موتوا قبل أن تموتوا، و منهم من قرأ المنية بالتخفيف بمعنى الأمنية أي ينبغي أن تكون المني قبل العجز عن تحصيلها، و ما ذكرنا أو لا هو الظاهر كما لا يخفى.

قوله عليه السلام:" و التجلد قبل التبلد" التبلد: التردد و التحير و العجز و التجلد ضده أي ينبغي أن يكون السعي في الطاعات قبل العجز و التحير، و كذا الحساب ينبغي أن يكون في الدنيا، أي محاسبة النفس قبل حلول العقاب في الآخرة.

قوله عليه السلام:" و القبر خير من الفقر" أي الافتقار إلى الناس، لا قلة المال، فإنه ممدوح.

قوله عليه السلام:" و غض البصر" و في بعض النسخ" و عمى البصر" و لعله أظهر.

قوله عليه السلام:" فلا تبطر" البطر الطغيان عند النعمة.

قوله عليه السلام:" و له مواد من الحكمة" إلخ. قال ابن أبي الحديد: ليست الأمور التي عدها شرحا للكلام المجمل المتقدم، و إن ظن قوم أنه أراد ذلك، أ لا ترى أن

ص: 45

خِلَافِهَا فَإِنْ سَنَحَ لَهُ الرَّجَاءُ أَذَلَّهُ الطَّمَعُ وَ إِنْ هَاجَ بِهِ الطَّمَعُ أَهْلَكَهُ الْحِرْصُ وَ إِنْ مَلَكَهُ الْيَأْسُ قَتَلَهُ الْأَسَفُ وَ إِنْ عَرَضَ لَهُ الْغَضَبُ اشْتَدَّ بِهِ الْغَيْظُ وَ إِنْ أُسْعِدَ بِالرِّضَى

الأمور التي عدها عليه السلام ليس فيها شي ء من باب الحكمة و خلافها، بل هو كلام مستأنف إنما هو بيان أن كل شي ء مما يتعلق بالقلب يلزمه لازم آخر انتهى. و لا يخفى ضعفه، بل الظاهر أنه شرح، و يمكن أن يوجه بوجهين. أحدهما: أن يكون المراد بمواد الحكمة العدل و التوسط في الأمور الذي هو الكمال، و كل إفراط و تفريط داخل في الأضداد التي هي من الرذائل الخلقية، و بين عليه السلام الأضداد و نفاها، ليعلم أن الحكمة هي الوسط بينهما.

قال: الأشياء إنما تعرف بأضدادها، و الثاني: أن يحمل في كل منها أحد المذكورين على ما هو الكمال.

و الآخر على إفراطه المذموم، ففي الأول: الرجاء إنما وضع في النفس ليرجو الإنسان من فضله تعالى ما لا يضر في دنياه و آخرته، فإذا سنح له رجاء ينجر إلى الإفراط فيطمع فيما لا حاجة له إليه في دنياه، و ممن لا ينبغي الطمع منه من المخلوقين العاجزين فيحصل فيه رذيلة الحرص. و قد يترك الرجاء رأسا فينتهي إلى اليأس من روح الله فيموت أسفا على ما فات منه لفقد رجاء التدارك من فضله تعالى فعلى الأول الرجاء هو القدر الباطل منه، و على الثاني المراد الوسط الممدوح، و الثاني هنا أظهر.

قوله عليه السلام:" و إن أسعد بالرضا" و في نهج البلاغة" إن أسعده الرضا" و على الأول تكون الملكة المحمودة الحالة المتوسطة التي هي عدم الإفراط في الرضا، و عدم التفريط بالغضب و هي المسمى بالعدل، و رعاية الحق في الأمور، بأن لا يدعوه رضاه [مرضات] عن أحد و لا سخطه [و السخيمة] عن آخر إلى الخروج عن الإنصاف و العدل، فإن أسعده الرضا الذي هو المطلوب نسي أن يتحفظ و يربط نفسه على الحق، فيطغى رضاه عن أخيه في الدين أو قرابته و حميمه إلى أن يرتكب خلاف الحق لأجله، و كذا الغض [الغضب] عن

ص: 46

نَسِيَ التَّحَفُّظَ وَ إِنْ نَالَهُ الْخَوْفُ شَغَلَهُ الْحَذَرُ وَ إِنِ اتَّسَعَ لَهُ الْأَمْنُ اسْتَلَبَتْهُ الْعِزَّةُ فِي نُسْخَةٍ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ] وَ إِنْ جُدِّدَتْ لَهُ نِعْمَةٌ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ وَ إِنْ أَفَادَ مَالًا أَطْغَاهُ الْغِنَى وَ إِنْ عَضَّتْهُ فَاقَةٌ شَغَلَهُ الْبَلَاءُ فِي نُسْخَةٍ جَهَدَهُ الْبُكَاءُ] وَ إِنْ أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ فَضَحَهُ الْجَزَعُ وَ إِنْ أَجْهَدَهُ الْجُوعُ قَعَدَ بِهِ الضَّعْفُ وَ إِنْ أَفْرَطَ فِي الشِّبَعِ كَظَّتْهُ الْبِطْنَةُ فَكُلُّ تَقْصِيرٍ بِهِ مُضِرٌّ وَ كُلُّ إِفْرَاطٍ لَهُ مُفْسِدٌ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ مَنْ فَلَّ ذَلَّ وَ مَنْ جَادَ سَادَ وَ مَنْ كَثُرَ مَالُهُ رَأَسَ وَ مَنْ كَثُرَ حِلْمُهُ

خلاف الحق داخل في العدل ممدوح، و إفراطه ينتهي إلى الحمية و العصبية، و على الثاني يكون الغرض بيان الرضا و الغضب الممدوحين و المذمومين و كذلك في سائر الفقرات.

قوله عليه السلام:" شغله الحذر" أي شغله شدة الخوف عن العمل لرفع ما يخاف منه فينجر إلى اليأس، أو المراد شغله عن الحذر، الخوف من مخاوف الدنيا و المراد يشغله الحذر عن مخاوف الدنيا عن العمل للآخرة، و لعل الأخير أظهر، و العزة: الاغترار و الغفلة، أو العزة: التكبر و الغلبة، و على الثاني يومئ إلى قوله تعالى:" أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ".

قوله عليه السلام:" و إن عضته" العض المسك بالأسنان، و في بعض النسخ بالظاء المعجمة، وعظ الزمان و الحرب شدتهما و في النهج بالضاد و هو أظهر.

قوله عليه السلام:" كظته البطنة" قال الجوهري: الكظة بالكسر: شي ء يعتري الإنسان عن الامتلاء من الطعام، يقال كظة كظا و كظني هذا الأمر أي جهدني من الكرب، و قال: البطنة: الكظة.

قوله عليه السلام:" من قل ذل" أي من قل في الإحسان و الجود أو في كل ما هو كمال إما في الآخرة أو في الدنيا، فهو ذليل، أو من قل أعوانه ذل.

قوله عليه السلام:" و من كثر ماله رأس" بفتح الهمزة أي هو رئيس للقوم.

ص: 47

نَبُلَ وَ مَنْ أَفْكَرَ فِي ذَاتِ اللَّهِ تَزَنْدَقَ وَ مَنْ أَكْثَرَ مِنْ شَيْ ءٍ عُرِفَ بِهِ وَ مَنْ كَثُرَ مِزَاحُهُ اسْتُخِفَّ بِهِ وَ مَنْ كَثُرَ ضِحْكُهُ ذَهَبَتْ هَيْبَتُهُ فَسَدَ حَسَبُ مَنْ لَيْسَ لَهُ أَدَبٌ إِنَّ أَفْضَلَ الْفِعَالِ صِيَانَةُ الْعِرْضِ بِالْمَالِ لَيْسَ مَنْ جَالَسَ الْجَاهِلَ بِذِي مَعْقُولٍ مَنْ جَالَسَ الْجَاهِلَ فَلْيَسْتَعِدَّ لِقِيلٍ وَ قَالٍ لَنْ يَنْجُوَ مِنَ الْمَوْتِ غَنِيٌّ بِمَالِهِ وَ لَا فَقِيرٌ لِإِقْلَالِهِ أَيُّهَا النَّاسُ لَوْ أَنَّ الْمَوْتَ يُشْتَرَى لَاشْتَرَاهُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا الْكَرِيمُ الْأَبْلَجُ وَ اللَّئِيمُ الْمَلْهُوجُ

قوله عليه السلام:" و من كثر حلمه نبل" النبالة: الفضل و الشرف، و الفعل نبل بضم الباء.

قوله عليه السلام:" و من أفكر" إلخ. أفكر في الشي ء و فكر فيه و تفكر، بمعنى و تزندق أي صار زنديقا و يطلق الزنديق على الثنوي و على المنكر للصانع و على كل ملحد كافر.

قوله عليه السلام:" بذي معقول" قال الجوهري: عقل يعقل عقلا و معقولا أيضا و هو مصدر، و قال سيبويه: هو صفة، و كان يقول إن المصدر لا يأتي على وزن مفعول البتة، و يتأول المعقول فيقول كأنه عقل له شي ء أي حبس و أيد و شدد.

قوله عليه السلام:" لقيل و قال" قال الفيروزآبادي: القول في الخير، و القال و القيل و القالة في الشر أو القول مصدر، و القال و القيل: اسمان له، و القال الابتداء، و القيل بالكسر الجواب.

قوله عليه السلام:" لو أن الموت يشتري" إلخ، الأبلج الوجه: مشرقه، و الأبلج هو الذي قد وضح ما بين حاجبيه فلم يقترنا، و هذه من علامات اليمن و البركة و الكرم في المشهور، و الملهوج لم يأت في اللغة، و اللهج بالشي ء الولوع به، و هو لازم. نعم قال الجوهري: شواء ملهوج بضم الميم و فتح اللام و الواو إذا لم ينضج، و هو لا يناسب المقام إلا بتكلف، و الظاهر أن المراد به الحريص، و يمكن أن يوجه حاصل هذا الكلام بوجوه.

ص: 48

أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ لِلْقُلُوبِ شَوَاهِدَ تُجْرِي الْأَنْفُسَ عَنْ مَدْرَجَةِ أَهْلِ التَّفْرِيطِ وَ فِطْنَةُ الْفَهْمِ لِلْمَوَاعِظِ مَا يَدْعُو النَّفْسَ إِلَى الْحَذَرِ مِنَ الْخَطَرِ وَ لِلْقُلُوبِ خَوَاطِرَ لِلْهَوَى وَ الْعُقُولُ تَزْجُرُ وَ تَنْهَى وَ فِي التَّجَارِبِ عِلْمٌ مُسْتَأْنَفٌ وَ الِاعْتِبَارُ يَقُودُ إِلَى الرَّشَادِ وَ كَفَاكَ

الأول: أن يكون المراد أنه لو كان الموت مما يمكن أن يشتري لاشتراه الكريم لشدة حرصه في الكرم و قلة بضاعته، كما هو الغالب في أصحاب الكرم، فلا يجد ما يجود به و هو محزون دائما لذلك، و يتمنى الموت و يشتريه إن وجده، و اللئيم يشتريه لأنه لا يحصل له ما هو مقتضى حرصه، و قد ينقص من ماله شي ء بالضرورة و هو مخالف لسجيته، و يرى الناس في نعمه فيحسدهم عليها، فهو في شدة لازمة لا ينفك عنها بدون الموت فيتمناه.

الثاني: أن يكون المراد أنه يشتري الكريم لنفسه ليتخلص منه البائع، و اللئيم لأنه حريص على جمع جميع الأشياء حتى الموت.

الثالث: أن يقال: أنه يشتري الكريم ليرفع الموت من بين الخلق، و اللئيم ليميت جميعهم و يستبد بأموالهم، قوله عليه السلام:" عن مدرجة" قال الجوهري: المدرجة: المذهب و المسلك، و الحاصل أن للقلوب شواهد مما يفيض عليها من أنوار حكمة الله، أو مما جبلها الله عليه من معرفة الحق أو مما يشاهده و يعتبر به في عالم الخلق تجري تلك الشواهد، و تخرج الأنفس عن مسالك أهل التقصير في العبادة إلى منازل المتعبدين و درجات المقربين.

قوله عليه السلام:" و فطنة الفهم" يحتمل أن يكون مبتدأ و خبره قوله:" ما يدعو" بأن تكون ما موصولة، أو يكون مع خبره ما مطرفا فتنحسب عليه كلمة" إن" أي إن فطنة الفهم هي ما يدعو النفس إلى الحذر من مخاطرات الآخرة لا مجرد فهمها مع عدم العمل بها. و يحتمل أن يكون معطوفا على قوله" شواهد" أي إن للقلوب فطنة الفهم للمواعظ ما دام يدعو النفس أو مقدار ما يدعو النفس إلى الحذر و الله أعلم.

ص: 49

أَدَباً لِنَفْسِكَ مَا تَكْرَهُهُ لِغَيْرِكَ وَ عَلَيْكَ لِأَخِيكَ الْمُؤْمِنِ مِثْلُ الَّذِي لَكَ عَلَيْهِ لَقَدْ خَاطَرَ مَنِ اسْتَغْنَى بِرَأْيِهِ وَ التَّدَبُّرُ قَبْلَ الْعَمَلِ فَإِنَّهُ يُؤْمِنُكَ مِنَ النَّدَمِ وَ مَنِ اسْتَقْبَلَ وُجُوهَ الْآرَاءِ عَرَفَ مَوَاقِعَ الْخَطَإِ وَ مَنْ أَمْسَكَ عَنِ الْفُضُولِ عَدَلَتْ رَأْيَهُ الْعُقُولُ وَ مَنْ حَصَّنَ شَهْوَتَهُ فَقَدْ صَانَ قَدْرَهُ وَ مَنْ أَمْسَكَ لِسَانَهُ أَمِنَهُ قَوْمُهُ وَ نَالَ حَاجَتَهُ وَ فِي تَقَلُّبِ الْأَحْوَالِ عِلْمُ جَوَاهِرِ الرِّجَالِ وَ الْأَيَّامُ تُوضِحُ لَكَ السَّرَائِرَ الْكَامِنَةَ وَ لَيْسَ فِي الْبَرْقِ الْخَاطِفِ مُسْتَمْتَعٌ

قوله عليه السلام:" و العقول" تزجر و تنهى أي عن خواطر الهوى.

قوله عليه السلام:" ما تكرهه لغيرك" و في نهج البلاغة" اجتناب ما تكرهه" و هو المراد، أو المعنى كفاك مؤدبا لنفسك ملاحظة ما تكرهه لغيرك و التأمل فيها.

قوله عليه السلام:" مثل الذي لك عليه" أي ينبغي أن تفعل به ما تأمل و ترجو منه.

قوله عليه السلام:" لقد خاطر" في الأخبار الآخر" خاطر بنفسه" و هو مراد هيهنا، قال الجوهري: الخطر: الإشراف على الهلاك، يقال: خاطر بنفسه.

قوله عليه السلام:" و التدبر قبل العمل" أي يجب أن يكون التدبر قبل العمل ليؤمن من الندم بعده.

قوله عليه السلام:" من استقبل وجوه الآراء" أي استشار الناس و أقبل نحو آرائهم و تفكر فيها و لا يبادر بالرد أو تفكر في كل أمر ليقبل إليه الآراء و الأفكار.

قوله عليه السلام:" عدلت رأيه العقول" أي حكم العقول بعدالة رأيه و صوابه.

قوله عليه السلام:" أمنه قومه" بالفتح أي أمن قومه من شره أو بالمد له أمن من شر قومه أو علا قومه أمينا و نال الحاجة التي توهم حصولنا في إطلاق اللسان.

قوله عليه السلام:" و ليس في البرق الخاطف" إلخ. لعل المراد أنه لا ينفعك ما يقرع سمعك من العلوم النادرة كالبرق الخاطف، بل ينبغي أن تواظب على سماع المواعظ و تستضي ء دائما بأنوار الحكم لتخرجك من ظلم الجهالات، و يحتمل أن يكون المراد لا ينفع سماع العلم مع الانغماس في ظلمات المعاصي و الذنوب.

ص: 50

لِمَنْ يَخُوضُ فِي الظُّلْمَةِ وَ مَنْ عُرِفَ بِالْحِكْمَةِ لَحَظَتْهُ الْعُيُونُ بِالْوَقَارِ وَ الْهَيْبَةِ وَ أَشْرَفُ الْغِنَى تَرْكُ الْمُنَى وَ الصَّبْرُ جُنَّةٌ مِنَ الْفَاقَةِ وَ الْحِرْصُ عَلَامَةُ الْفَقْرِ وَ الْبُخْلُ جِلْبَابُ الْمَسْكَنَةِ وَ الْمَوَدَّةُ قَرَابَةٌ مُسْتَفَادَةٌ وَ وَصُولٌ مُعْدِمٌ خَيْرٌ مِنْ جَافٍ مُكْثِرٍ وَ الْمَوْعِظَةُ كَهْفٌ لِمَنْ وَعَاهَا وَ مَنْ أَطْلَقَ طَرْفَهُ كَثُرَ أَسَفُهُ وَ قَدْ أَوْجَبَ الدَّهْرُ شُكْرَهُ عَلَى مَنْ نَالَ سُؤْلَهُ وَ قَلَّ مَا يُنْصِفُكَ اللِّسَانُ فِي نَشْرِ قَبِيحٍ أَوْ إِحْسَانٍ وَ مَنْ ضَاقَ خُلُقُهُ مَلَّهُ أَهْلُهُ وَ مَنْ نَالَ

قوله:" و الصبر" أي على الفقر أو مطلقا قوله:" جلباب المسكنة" قال الفيروزآبادي: الجلباب كسرداب و سنمار: القميص و ثوب واسع للمرأة دون الملحفة أو ما تغطي به ثيابها من فوق كالملحفة أو هو الخمار.

قوله عليه السلام:" قرابة مستفادة" أي استفدتها بالمودة.

قوله عليه السلام:" و وصول معدم" أي من يصل الناس بحسن الخلق و المودة مع فقره، خير ممن يكثر في العطاء و هو جاف أي سيئ الخلق غليظ، و في الفقيه مكان مكثر" مثر" يعني ذا ثروة من المال، فالمعنى أن الفقير المتودد خير من الغني المتجافي، و عبارة الكتاب أيضا يحتمل ذلك.

قوله:" و من أطلق طرفه" الطرف بسكون الراء و العين و بالتحريك اللسان و الخبر يحتملهما كما لا يخفى.

قوله عليه السلام:" و قد أوجب الدهر شكره" أي يجب شكر المنعم سواء كان هو سبحانه أو غيره، و يحتمل أن يكون كناية عن قلة نيل السؤال في الدهر.

قوله:" و قل ما ينصفك اللسان" أي إذا مدحت أحدا لا ينصفك اللسان بل يطري و يتجاوز عن حده، و إذا سخطت على أحد تذمه أكثر مما هو فيه، و الزائد مما يستحقه أو أنه في مدح الناس و شكرهم يقصر، و هو في ذمهم يفرط، و الأول أظهر.

قوله عليه السلام:" من نال استطال" النيل: إصابة السي ء، و في القاموس: رجل نال جواد أو كثير النائل و نال ينال نائلا و نيلا و نال: ما أكثر نائله فالمعنى من أصاب ملكا أو عزا

ص: 51

اسْتَطَالَ وَ قَلَّ مَا تَصْدُقُكَ الْأُمْنِيَّةُ وَ التَّوَاضُعُ يَكْسُوكَ الْمَهَابَةَ وَ فِي سَعَةِ الْأَخْلَاقِ كُنُوزُ الْأَرْزَاقِ كَمْ مِنْ عَاكِفٍ عَلَى ذَنْبِهِ فِي آخِرِ أَيَّامِ عُمُرِهِ وَ مَنْ كَسَاهُ الْحَيَاءُ ثَوْبَهُ خَفِيَ عَلَى النَّاسِ عَيْبُهُ وَ انْحُ الْقَصْدَ مِنَ الْقَوْلِ فَإِنَّ مَنْ تَحَرَّى الْقَصْدَ خَفَّتْ عَلَيْهِ الْمُؤَنُ وَ فِي خِلَافِ النَّفْسِ رُشْدُكَ مَنْ عَرَفَ الْأَيَّامَ لَمْ يَغْفُلْ عَنِ الِاسْتِعْدَادِ أَلَا وَ إِنَّ مَعَ كُلِّ جُرْعَةٍ شَرَقاً وَ إِنَّ فِي كُلِّ أُكْلَةٍ غَصَصاً- لَا تُنَالُ نِعْمَةٌ إِلَّا بِزَوَالِ أُخْرَى وَ لِكُلِّ ذِي رَمَقٍ قُوتٌ

أو مالا أو علما أو غيرها من أسباب الشرف، يلزمه غالبا الفخر و الاستطالة، فحذف المفعول للإبهام و التعميم، أو المراد أن الجود و الكرم غالبا يوجبان الفخر و المن و الاستطالة.

قوله عليه السلام:" و قل ما تصدقك" على المجرد أي في الغالب أمنيتك كاذبة فيما تعدك.

قوله عليه السلام:" كم من عاكف" إلخ. أي من ينبغي الحذر عن الذنوب في جميع الأوقات لاحتمال كل وقت أن يكون آخر عمره و هو لا يعلم.

قوله عليه السلام:" و انح القصد" أي اقصد الوسط العدل من القول، و جانب التعدي و الإفراط و التفريط، ليخف عليك المؤن، فإن من قال جورا أو ادعى أمرا باطلا يشتد عليه الأمر لعدم إمكان إثباته.

قوله عليه السلام:" و إن مع كل جرعة شرقا" الشرق و الغصة اعتراض الشي ء في الحلق، و عدم إساغته، و الأول يطلق في المشروبات، و الثاني في المأكولات غالبا.

قوله عليه السلام:" لا تنال نعمة إلا بزوال أخرى" قال ابن ميثم: فإن نعمها لا تجتمع أشخاصها كلقمة و لقمة بل و أنواعها كالأكل و الشرب و الجماع انتهى.

أقول: ظاهر أن عادة الدنيا أن نعمها متناوبة، فإن من ليس له مال يكون آمنا صحيحا غالبا، و إذا حصل له الغنى يكون خائفا أو مريضا لا ينتفع بما له، بل كل حالة من جهة نعمة، و من جهة بلاء كالمرض، فإنه نعمة لتكفيره السيئات، فإذا ورد عليه نعمة الصحة زالت تلك النعمة الحاصلة بالبلاء.

ص: 52

وَ لِكُلِّ حَبَّةٍ آكِلٌ وَ أَنْتَ قُوتُ الْمَوْتِ اعْلَمُوا أَيُّهَا النَّاسُ أَنَّهُ مَنْ مَشَى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ إِلَى بَطْنِهَا وَ اللَّيْلُ وَ النَّهَارُ يَتَنَازَعَانِ تَسَارَعَانِ] فِي هَدْمِ الْأَعْمَارِ- يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُفْرُ النِّعْمَةِ لُؤْمٌ وَ صُحْبَةُ الْجَاهِلِ شُؤْمٌ إِنَّ مِنَ الْكَرَمِ لِينَ الْكَلَامِ وَ مِنَ الْعِبَادَةِ إِظْهَارَ اللِّسَانِ وَ إِفْشَاءَ السَّلَامِ إِيَّاكَ وَ الْخَدِيعَةَ فَإِنَّهَا مِنْ خُلُقِ اللَّئِيمِ لَيْسَ كُلُ

قوله عليه السلام:" و لكل ذي رمق" و في بعض النسخ" و لكل رمق" الرمق محركة:

منه الحياة، أي لكل ذي حياة قوت مقرر أو لكل قدر من الحياة قوت مقدر، فلا ينفع الحرص في طلبه، و لا ينبغي ارتكاب الإثم في تحصيله، و لكل حبة آكل، قدر الله تعالى أن يأكلها، فإن قدر أن تأكلها تصل إليك بلا تعب، و إن قدر أن يأكلها غيرك فلا ينفع تعبك في تحصيلها، مع أنك قوت الموت، و تموت البتة فلأي شي ء تجمع ما لا تحتاج إليه.

قوله عليه السلام:" يتنازعان" أي كأنهما لسرعة انقضائهما و تواليهما يتسارعان في هدم الأعمار و يتسارعان يريد كل منهما أن يسبق صاحبه في ذلك.

قوله عليه السلام:" كفر النعمة لؤم" اللؤم بالضم مهموزا: ضد الكرم، و اللوم بالفتح غير مهموز: العذل و الملامة، و العبارة تحتملهما و إن كان الأول أنسب و الشؤم بالضم مهموزا: ضد اليمن.

قوله عليه السلام:" إن من الكرم" أي الجود أو الكرامة.

قوله عليه السلام:" و من العبادة إظهار اللسان" في أكثر النسخ بالمعجمة بالإضافة إلى المفعول أو الفاعل، و المراد ما يظهره اللسان من المواعظ و النصائح و المداراة مع الخلق و لين الكلام معهم، و في بعضها بالطاء المهملة أي تطهير اللسان عن الكذب و الغيبة و النميمة و الفحش و أمثالها.

قوله عليه السلام:" ليس كل طالب يصيب" الغرض ترك الحرص في طلب الأمور الدنيوية فإنه ليس كل ما يطلب يدرك، و لا كل غائب يرجع إليك.

ص: 53

طَالِبٍ يُصِيبُ وَ لَا كُلُّ غَائِبٍ يَئُوبُ لَا تَرْغَبْ فِيمَنْ زَهِدَ فِيكَ رُبَّ بَعِيدٍ هُوَ أَقْرَبُ مِنْ قَرِيبٍ سَلْ عَنِ الرَّفِيقِ قَبْلَ الطَّرِيقِ وَ عَنِ الْجَارِ قَبْلَ الدَّارِ أَلَا وَ مَنْ أَسْرَعَ فِي الْمَسِيرِ أَدْرَكَهُ الْمَقِيلُ اسْتُرْ عَوْرَةَ أَخِيكَ كَمَا تَعْلَمُهَا فِيكَ اغْتَفِرْ زَلَّةَ صَدِيقِكَ لِيَوْمِ يَرْكَبُكَ عَدُوُّكَ مَنْ غَضِبَ عَلَى مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى ضَرِّهِ طَالَ حُزْنُهُ وَ عَذَّبَ نَفْسَهُ مَنْ خَافَ رَبَّهُ كَفَّ ظُلْمَهُ نْ خَافَ رَبَّهُ كُفِيَ عَذَابَهُ] وَ مَنْ لَمْ يَزِغْ فِي كَلَامِهِ أَظْهَرَ فَخْرَهُ وَ مَنْ لَمْ يَعْرِفِ الْخَيْرَ مِنَ الشَّرِّ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْبَهِيمَةِ إِنَّ مِنَ الْفَسَادِ إِضَاعَةَ الزَّادِ مَا أَصْغَرَ الْمُصِيبَةَ

قوله عليه السلام:" لا ترغب فيمن زهد فيك" أو لا تطلب صحبة من لا يريد صحبتك و يتنفر عنك من أبناء الدنيا، و يمكن أن يكون المراد ترك الدنيا، أن يكون المراد ترك الدنيا فإنها تفر عن كل من رغب إليها.

قوله عليه السلام:" رب بعيد هو أقرب من قريب" إذ كثير من الأمور التي يعدها الإنسان بعيدا عنه كالموت و المصائب بل بعض النعم أيضا قريب منه و هو لا يعلم حتى يرد عليه، و كذا رب أمر يظنه قريبا منه و لا يأتيه و إن بذل جهده في تحصيله.

قوله عليه السلام:" أدركه المقيل" أي النوم و الاستراحة في القائلة و هي نصف النهار، فكذا من أسرع في سفر الآخرة يدرك الراحة بعد انتهاء السفر.

قوله عليه السلام:" استر عورة أخيك" أي عيوبه" كما تعلمها فيك" و تسترها على نفسك، و تبغض من يفشيها عليك، و لعل هتكك سر أخيك يوجب هتك سرك.

قوله عليه السلام:" من لم يرع" بالمهملة من رعى يرعى أي عدم الرعاية في الكلام يوجب إظهار الفخر و يمكن أن يكون بضم الراء من الروع بمعنى الخوف، و في بعض النسخ بالمعجمة يقال:" كلام مرغ" إذا لم يفصح عن المعنى فالمراد أن انتظام الكلام و الفصاحة فيه إظهار للفخر و الكمال، فيكون مدحا لازما، و في أمالي الصدوق (ره)" من لم يرع في كلامه أظهر هجره" و الهجر: الفحش و كثرة الكلام فيما لا ينبغي و لعله أظهر.

قوله عليه السلام:" إضاعة الزاد" أي الإسراف فيه و صرفه في غير مصارفه.

ص: 54

مَعَ عِظَمِ الْفَاقَةِ غَداً هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ وَ مَا تَنَاكَرْتُمْ إِلَّا لِمَا فِيكُمْ مِنَ الْمَعَاصِي وَ الذُّنُوبِ فَمَا أَقْرَبَ الرَّاحَةَ مِنَ التَّعَبِ وَ الْبُؤْسَ مِنَ النَّعِيمِ وَ مَا شَرٌّ بِشَرٍّ بَعْدَهُ الْجَنَّةُ وَ مَا خَيْرٌ بِخَيْرٍ بَعْدَهُ النَّارُ وَ كُلُّ نَعِيمٍ دُونَ الْجَنَّةِ مَحْقُورٌ وَ كُلُّ بَلَاءٍ دُونَ النَّارِ عَافِيَةٌ وَ عِنْدَ تَصْحِيحِ الضَّمَائِرِ تُبْدُو الْكَبَائِرُ تَصْفِيَةُ الْعَمَلِ أَشَدُّ مِنَ الْعَمَلِ وَ تَخْلِيصُ النِّيَّةِ مِنَ الْفَسَادِ أَشَدُّ عَلَى الْعَامِلِينَ مِنْ طُولِ الْجِهَادِ هَيْهَاتَ لَوْ لَا التُّقَى لَكُنْتُ أَدْهَى الْعَرَبِ

قوله:" مع عظم الفاقة غدا" أي في القيامة إلى أجر المصيبة.

قوله عليه السلام:" و ما تناكرتم" أي ليس تناكركم و تباغضكم إلا لذنوبكم إذ لا منازعة في الطاعات، و يحتمل أن يراد بالذنوب الأخلاق الذميمة التي هي ذنوب القلب، و تورث التناكر كالحسد و الكبر و الحقد و حب الدنيا، و يحتمل أن يكون المراد بالتناكر الجهل بالحق و فضل الطاعات.

قال الفيروزآبادي: تناكر: تجاهل و القوم تعادوا و تناكره جهله.

قوله عليه السلام:" فما أقرب الراحة" أي في الذنوب و المعاصي من التعب في الآخرة أو المراد سرعة تقلب أحوال الدنيا.

قوله عليه السلام:" كل نعيم دون الجنة" أي غيرها أو عندها أي بالنسبة إليها و كذا في الفقرة الثانية.

قوله عليه السلام:" و عند تصحيح الضمائر" أي إذا أراد الإنسان تصحيح ضميره عن النيات الفاسدة و الأخلاق الذميمة تبدو له العيوب الكبيرة العظيمة الكامنة في النفس و الأخلاق الذميمة الجليلة التي خفيت عليه تحت أستار الغفلات.

قوله عليه السلام:" من طول الجهاد" أي المجاهدة مع الأعادي الظاهرة أو السعي في الطاعات.

قوله عليه السلام:" لكنت أدهى العرب" الدهى: الفكر و جودة الرأي و المراد هنا المكر و الحيل الباطلة.

ص: 55

أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَعَدَ نَبِيَّهُ مُحَمَّداً ص الْوَسِيلَةَ وَ وَعْدُهُ الْحَقُّ وَ لَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ أَلَا وَ إِنَّ الْوَسِيلَةَ عَلَى دَرَجِ الْجَنَّةِ وَ ذِرْوَةِ ذَوَائِبِ الزُّلْفَةِ وَ نِهَايَةِ غَايَةِ الْأُمْنِيَّةِ لَهَا أَلْفُ مِرْقَاةٍ مَا بَيْنَ الْمِرْقَاةِ إِلَى الْمِرْقَاةِ حُضْرُ الْفَرَسِ الْجَوَادِ مِائَةَ عَامٍ وَ هُوَ مَا بَيْنَ مِرْقَاةِ دُرَّةٍ إِلَى مِرْقَاةِ جَوْهَرَةٍ إِلَى مِرْقَاةِ زَبَرْجَدَةٍ إِلَى مِرْقَاةِ لُؤْلُؤَةٍ إِلَى مِرْقَاةِ يَاقُوتَةٍ إِلَى مِرْقَاةِ زُمُرُّدَةٍ إِلَى مِرْقَاةِ مَرْجَانَةٍ إِلَى مِرْقَاةِ كَافُورٍ إِلَى مِرْقَاةِ عَنْبَرٍ إِلَى مِرْقَاةِ يَلَنْجُوجٍ إِلَى مِرْقَاةِ ذَهَبٍ إِلَى مِرْقَاةِ غَمَامٍ إِلَى مِرْقَاةِ هَوَاءٍ إِلَى مِرْقَاةِ نُورٍ قَدْ أَنَافَتْ عَلَى كُلِّ الْجِنَانِ وَ رَسُولُ اللَّهِ ص يَوْمَئِذٍ قَاعِدٌ عَلَيْهَا مُرْتَدٍ بِرَيْطَتَيْنِ رَيْطَةٍ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ وَ رَيْطَةٍ مِنْ نُورِ اللَّهِ عَلَيْهِ تَاجُ

قوله عليه السلام:" و ذروة ذوائب الزلفة" قال الجوهري: ذرى الشي ء بالضم أعاليه، الواحدة ذروة و ذروة أيضا بالضم و هي أعلى السنام، و قال الفيروزآبادي:

الذؤابة: الناصية أو منبتها من الرأس و شعر في أعلى ناصية الفرس، و من العز و الشرف و من كل شي ء أعلاه انتهى.

أقول: المراد أعلى أعالي درجات القرب، و الغاية: النهاية، و قد تطلق على المسافة أي منتهى نهايات الأماني التي تنتهي إليها أماني الخلق، أو منتهى مسافتها الممتدة الطويلة المدى، و الحضر بالضم: العدو، أي مائة عام بقدر عدو الفرس الجواد أي النجيب الكثير العدو.

قوله عليه السلام:" ما بين مرقاة درة" هي اللؤلؤة العظيمة، و لعل المراد منها نوع من اللؤلؤة نوع آخر، و ليست الدرة في رواية ابن سنان و رواية أبي سعيد الخدري في وصف الوسيلة كما ذكرهما الصدوق (ره)، و المراد بالجوهر نوع آخر غير ما ذكرنا كالبلور مثلا، و" يلنجوج" عود البخور.

قوله عليه السلام:" قد أنافت" أي ارتفعت و أشرفت.

قوله عليه السلام:" بريطتين" الريطة بفتح الراء: كل ثوب رقيق لين، و الإكليل شبه عصابة تزين بالجواهر، يزين به التاج، و المراد بتاج النبوة التاج الذي يكسى

ص: 56

النُّبُوَّةِ وَ إِكْلِيلُ الرِّسَالَةِ قَدْ أَشْرَقَ بِنُورِهِ الْمَوْقِفُ وَ أَنَا يَوْمَئِذٍ عَلَى الدَّرَجَةِ الرَّفِيعَةِ وَ هِيَ دُونَ دَرَجَتِهِ وَ عَلَيَّ رَيْطَتَانِ رَيْطَةٌ مِنْ أُرْجُوَانِ النُّورِ وَ رَيْطَةٌ مِنْ كَافُورٍ وَ الرُّسُلُ وَ الْأَنْبِيَاءُ قَدْ وَقَفُوا عَلَى الْمَرَاقِي وَ أَعْلَامُ الْأَزْمِنَةِ وَ حُجَجُ الدُّهُورِ عَنْ أَيْمَانِنَا وَ قَدْ تَجَلَّلَهُمْ حُلَلُ النُّورِ وَ الْكَرَامَةِ لَا يَرَانَا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَ لَا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ إِلَّا بُهِتَ بِأَنْوَارِنَا وَ عَجِبَ مِنْ ضِيَائِنَا وَ جَلَالَتِنَا وَ عَنْ يَمِينِ الْوَسِيلَةِ عَنْ يَمِينِ الرَّسُولِ ص غَمَامَةٌ بَسْطَةَ الْبَصَرِ يَأْتِي مِنْهَا النِّدَاءُ يَا أَهْلَ الْمَوْقِفِ طُوبَى لِمَنْ أَحَبَّ الْوَصِيَّ وَ آمَنَ بِالنَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الْعَرَبِيِّ وَ مَنْ كَفَرَ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ وَ عَنْ يَسَارِ الْوَسِيلَةِ عَنْ يَسَارِ الرَّسُولِ ص ظُلَّةٌ يَأْتِي مِنْهَا النِّدَاءُ يَا أَهْلَ الْمَوْقِفِ طُوبَى لِمَنْ أَحَبَّ الْوَصِيَّ وَ آمَنَ بِالنَّبِيِّ الْأُمِّيِّ وَ الَّذِي لَهُ الْمُلْكُ الْأَعْلَى لَا فَازَ أَحَدٌ وَ لَا نَالَ الرَّوْحَ وَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ لَقِيَ خَالِقَهُ بِالْإِخْلَاصِ لَهُمَا وَ الِاقْتِدَارِ بِنُجُومِهِمَا- فَأَيْقِنُوا

لأجل النبوة أو هو علامة النبوة و كذا إكليل الرسالة.

قوله عليه السلام:" من أرجوان النور" هو معرب أرغوان، و يطلق على كل لون يشبهه" و أعلام الأزمنة" الأوصياء و سائر الأئمة صلوات الله عليهم.

قوله عليه السلام:" بهت" أي تحير من العجب. قوله عليه السلام:" بسطة البصر" أي قدر مد البصر.

قوله:" طوبى لمن أحب الوصي" قال الجزري: فيه" فطوبى للغرباء" طوبى:

اسم الجنة، و قيل: هي شجرة فيها، و أصلها: فعلى من الطيب، فلما ضمت الطاء انقلبت الياء واوا. و فيه: طوبى للشام، المراد بها هيهنا فعلى من الطيب انتهى.

أقول: ورد في أخبارنا المتواترة أن طوبى شجرة في الجنة أصلها في دار النبي صلى الله عليه و آله و سلم و الأئمة عليهم السلام و في دار كل مؤمن غصن منها.

قوله عليه السلام:" ظلمة" و في بعض النسخ ظلة و هي أظهر و هي بالضم السحاب، و ما أظلك من شجر و غيرها، قوله:" و لا نال الروح" الروح بالفتح: الراحة و الرحمة.

قوله عليه السلام:" و الاقتداء بنجومهما" أي الأئمة من أولادهما أو آثارهما و علومهما.

ص: 57

يَا أَهْلَ وَلَايَةِ اللَّهِ بِبَيَاضِ وُجُوهِكُمْ وَ شَرَفِ مَقْعَدِكُمْ وَ كَرَمِ مَآبِكُمْ وَ بِفَوْزِكُمُ الْيَوْمَ عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ* وَ يَا أَهْلَ الِانْحِرَافِ وَ الصُّدُودِ عَنِ اللَّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ وَ رَسُولِهِ وَ صِرَاطِهِ وَ أَعْلَامِ الْأَزْمِنَةِ أَيْقِنُوا بِسَوَادِ وُجُوهِكُمْ وَ غَضَبِ رَبِّكُمْ جَزَاءً بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ وَ مَا مِنْ رَسُولٍ سَلَفَ وَ لَا نَبِيٍّ مَضَى إِلَّا وَ قَدْ كَانَ مُخْبِراً أُمَّتَهُ بِالْمُرْسَلِ الْوَارِدِ مِنْ بَعْدِهِ وَ مُبَشِّراً بِرَسُولِ اللَّهِ ص- وَ مُوصِياً قَوْمَهُ بِاتِّبَاعِهِ وَ مُحَلِّيَهُ عِنْدَ قَوْمِهِ لِيَعْرِفُوهُ بِصِفَتِهِ وَ لِيَتَّبِعُوهُ عَلَى شَرِيعَتِهِ وَ لِئَلَّا يَضِلُّوا فِيهِ مِنْ بَعْدِهِ فَيَكُونَ مَنْ هَلَكَ أَوْ ضَلَّ بَعْدَ وُقُوعِ الْإِعْذَارِ وَ الْإِنْذَارِ عَنْ بَيِّنَةٍ وَ تَعْيِينِ حُجَّةٍ فَكَانَتِ الْأُمَمُ فِي رَجَاءٍ مِنَ الرُّسُلِ وَ وُرُودٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَ لَئِنْ أُصِيبَتْ بِفَقْدِ نَبِيٍّ بَعْدَ نَبِيٍّ عَلَى عِظَمِ مَصَائِبِهِمْ وَ فَجَائِعِهَا بِهِمْ فَقَدْ كَانَتْ عَلَى سَعَةٍ مِنَ الْأَمَلِ وَ لَا مُصِيبَةٌ عَظُمَتْ وَ لَا رَزِيَّةٌ جَلَّتْ كَالْمُصِيبَةِ بِرَسُولِ اللَّهِ ص لِأَنَّ اللَّهَ خَتَمَ بِهِ الْإِنْذَارَ وَ الْإِعْذَارَ وَ قَطَعَ بِهِ الِاحْتِجَاجَ وَ الْعُذْرَ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ خَلْقِهِ وَ جَعَلَهُ بَابَهُ الَّذِي بَيْنَهُ وَ بَيْنَ عِبَادِهِ وَ مُهَيْمِنَهُ الَّذِي لَا يَقْبَلُ إِلَّا بِهِ- وَ لَا قُرْبَةَ إِلَيْهِ إِلَّا بِطَاعَتِهِ وَ قَالَ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ- مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ وَ مَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً فَقَرَنَ طَاعَتَهُ بِطَاعَتِهِ

قوله عليه السلام:" و محليه" أي يذكر حليته و وصفه و فضائله يقال: حلاه تحلية أي نعته و وصفه.

قوله عليه السلام:" عن بينة" أي بعد بينة" فعن" تكون بمعنى" بعد" أو معرضا عن بينة.

قوله عليه السلام:" لأن الله حسم" أي قطع، و في بعض النسخ" ختم" قوله عليه السلام" و مهيمنه" أي شاهده قوله تعالى:" فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً*" أي تحفظ عليهم أعمالهم و تحاسبهم عليها" فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَ عَلَيْنَا الْحِسابُ أو حفيظا تسأل عن أعمالهم و تعاقب عليها، بل إنما عليك البلاغ المبين.

قوله عليه السلام:" فكان ذلك" أي ما بين في هذه الآية من وجوب طاعته.

ص: 58

وَ مَعْصِيَتَهُ بِمَعْصِيَتِهِ فَكَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى مَا فَوَّضَ إِلَيْهِ وَ شَاهِداً لَهُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَهُ وَ عَصَاهُ وَ بَيَّنَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنَ الْكِتَابِ الْعَظِيمِ فَقَالَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى فِي التَّحْرِيضِ عَلَى اتَّبَاعِهِ وَ التَّرْغِيبِ فِي تَصْدِيقِهِ وَ الْقَبُولِ بِدَعْوَتِهِ- قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ فَاتِّبَاعُهُ ص مَحَبَّةُ اللَّهِ وَ رِضَاهُ غُفْرَانُ الذُّنُوبِ وَ كَمَالُ الْفَوْزِ وَ وُجُوبُ الْجَنَّةِ وَ فِي التَّوَلِّي عَنْهُ وَ الْإِعْرَاضِ مُحَادَّةُ اللَّهِ وَ غَضَبُهُ وَ سَخَطُهُ وَ الْبُعْدُ مِنْهُ مُسْكِنُ النَّارِ وَ ذَلِكَ قَوْلُهُ وَ مَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ يَعْنِي الْجُحُودَ بِهِ وَ الْعِصْيَانَ لَهُ فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ اسْمُهُ امْتَحَنَ بِي عِبَادَهُ وَ قَتَلَ بِيَدِي أَضْدَادَهُ وَ أَفْنَى بِسَيْفِي جُحَّادَهُ وَ جَعَلَنِي زُلْفَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَ حِيَاضَ مَوْتٍ عَلَى الْجَبَّارِينَ وَ سَيْفَهُ عَلَى الْمُجْرِمِينَ وَ شَدَّ بِي أَزْرَ رَسُولِهِ وَ أَكْرَمَنِي بِنَصْرِهِ وَ شَرَّفَنِي بِعِلْمِهِ وَ حَبَانِي بِأَحْكَامِهِ وَ اخْتَصَّنِي بِوَصِيَّتِهِ وَ اصْطَفَانِي بِخِلَافَتِهِ فِي أُمَّتِهِ فَقَالَ ص وَ قَدْ حَشَدَهُ الْمُهَاجِرُونَ وَ الْأَنْصَارُ وَ انْغَصَّتْ بِهِمُ

قوله عليه السلام:" و شاهدا" أي حجة و برهانا.

قوله عليه السلام:" و رضاه" معطوف على محبة الله و" غفران الذنوب" عطف بيان له، أو بدل أي اتباعه يوجب رضى الله الذي هو غفران الذنوب، أو رضاه مبتدأ و ضميره راجع إلى الرسول و غفران الذنوب خبره، و الأخير أظهر.

قوله عليه السلام:" محادة الله" المحادة: المخالفة و المنازعة. قوله عليه السلام:" و البعد" هو مبتدأ" و مسكن النار" على صيغة اسم الفاعل خبره.

قوله عليه السلام:" و جعلني زلفة" الزلفة بالضم القرب و المنزلة، أي جعلني وسيلة قرب المؤمنين.

قوله عليه السلام:" و شد بي أزر رسوله" قال الجوهري: الأزر: القوة، و قوله تعالى" اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي" أي ظهري.

قوله:" و حباني بأحكامه" في النهاية: يقال: حباه كذا و بكذا: إذا أعطاه، و الحباء: العطية.

قوله عليه السلام:" و قد حشده" يقال: حشد القوم: أي اجتمعوا و كان فيه

ص: 59

الْمَحَافِلُ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ عَلِيّاً مِنِّي- كَهَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي فَعَقَلَ الْمُؤْمِنُونَ عَنِ اللَّهِ نَطَقَ الرَّسُولُ إِذْ عَرَفُونِي أَنِّي لَسْتُ بِأَخِيهِ لِأَبِيهِ وَ أُمِّهِ كَمَا كَانَ هَارُونُ أَخَا مُوسَى لِأَبِيهِ وَ أُمِّهِ وَ لَا كُنْتُ نَبِيّاً فَاقْتَضَى نُبُوَّةً وَ لَكِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ اسْتِخْلَافاً لِي كَمَا اسْتَخْلَفَ مُوسَى هَارُونَ ع حَيْثُ يَقُولُ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَ أَصْلِحْ وَ لا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ وَ قَوْلُهُ ع حِينَ تَكَلَّمَتْ طَائِفَةٌ فَقَالَتْ نَحْنُ مَوَالِي رَسُولِ اللَّهِ ص فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ص إِلَى حَجَّةِ الْوَدَاعِ ثُمَّ صَارَ إِلَى غَدِيرِ خُمٍّ فَأَمَرَ فَأُصْلِحَ لَهُ شِبْهُ الْمِنْبَرِ ثُمَّ عَلَاهُ وَ أَخَذَ بِعَضُدِي حَتَّى رُئِيَ بَيَاضُ إِبْطَيْهِ رَافِعاً صَوْتَهُ قَائِلًا فِي مَحْفِلِهِ مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ فَكَانَتْ عَلَى وَلَايَتِي وَلَايَةُ اللَّهِ وَ عَلَى عَدَاوَتِي عَدَاوَةُ اللَّهِ وَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ- الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً فَكَانَتْ وَلَايَتِي كَمَالَ الدِّينِ وَ رِضَا الرَّبِّ جَلَّ ذِكْرُهُ وَ أَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى اخْتِصَاصاً لِي وَ تَكَرُّماً نَحَلَنِيهِ وَ إِعْظَاماً وَ تَفْصِيلًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ص مَنَحَنِيهِ وَ هُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى- ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ

حذفا و إيصالا أي حشدوا عنده، أو معه أو له.

قوله عليه السلام:" و أنغصت بهم المحافل" أي تضيقت بهم قال الفيروزآبادي:

منزل غاص بالقوم: ممتلئ و أغص علينا الأرض ضيقها، و قال: المحفل كمجلس:

المجتمع.

قوله عليه السلام:" عن الله" الظاهر تعلقه بقوله:" عقل" أي فهموا عن ربهم بتوسط الرسول أو بتوفيق ربهم، و يحتمل تعلقه بالنطق و هو بعيد، و عقل عن الله شائع في الأخبار. قوله:" فاقتضى" على صيغة المتكلم أو الغائب أي فاقتضى كلام النبي صلى الله عليه و آله و سلم نبوة.

قوله عليه السلام:" فأصلح" و في بعض النسخ [فاصطلح] بمعناه، و لعله تصحيف.

قوله عليه السلام:" و أنزل الله" إلى آخره يحتمل وجهين:

الأول: أن يكون المراد إنزال الآية السابقة، فالمراد بقوله عليه السلام و هو قوله

ص: 60

مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَ هُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ فِيَّ مَنَاقِبُ لَوْ ذَكَرْتُهَا لَعَظُمَ بِهَا الِارْتِفَاعُ فَطَالَ لَهَا الِاسْتِمَاعُ وَ لَئِنْ تَقَمَّصَهَا دُونِيَ الْأَشْقَيَانِ وَ نَازَعَانِي فِيمَا لَيْسَ لَهُمَا بِحَقٍّ وَ رَكِبَاهَا ضَلَالَةً وَ اعْتَقَدَاهَا جَهَالَةً فَلَبِئْسَ مَا عَلَيْهِ وَرَدَا وَ لَبِئْسَ مَا لِأَنْفُسِهِمَا مَهَّدَا يَتَلَاعَنَانِ فِي دُورِهِمَا وَ يَتَبَرَّأُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ يَقُولُ لِقَرِينِهِ إِذَا الْتَقَيَا يا لَيْتَ بَيْنِي وَ بَيْنَكَ بُعْدَ

أن المولى الذي أثبت لي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم هو بالمعنى الذي أثبته الله لنفسه، في قوله" مَوْلاهُمُ الْحَقِّ*" أي السيد المطاع، و الأولى بالنفس و المال. و الثاني: أن يكون المراد إنزال الآية اللاحقة بأن يكون مولاهم مبتدأ، و الحق خبره، و يكون المراد بالمولى أمير المؤمنين عليه السلام كما ورد به بعض الأخبار في تفسيرها، و يكون في قراءة أهل البيت عليهم السلام الحق بالرفع، و يمكن توجيهه على القراءة المشهورة التي هي بالجر أيضا بهذا المعنى، بأن يكون مولاهم بدل اشتمال للجلالة، و الرد إليه تعالى يكون على المجاز، و المعنى الرد إلى حججه للحساب، و قد شاع أن الملوك ينسبون إلى أنفسهم ما يرتكبه خدمهم كما ورد في تفسير قوله تعالى:" إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ" أنهم عليهم السلام قالوا: إلينا إياب الخلق، و علينا حسابهم، و الحق خلاف الباطل، و الثابت الباقي، و قيل: هو بمعنى المحق.

قوله عليه السلام:" في مناقب" متعلق بأول الكلام أي قائلا في محفلة هذا في جملة مناقب، و يمكن أن يقرأ" في" بالتشديد و مناقب بالضم بأن يكون مبتدأ و الظرف خبره.

قوله عليه السلام:" و لئن تقمصها" يقال: تقمص القميص أي لبسه، و الضمير راجع إلى الخلافة أي لبسوها كالقميص.

قوله عليه السلام:" و اعتقداها" أي حفظاها و شداها على أنفسهما أو اعتقدا و ظنا أنها لهما، قال الجوهري: اعتقد ضيعة و مالا أي اقتناهما و اعتقد كذا بقلبه.

قوله عليه السلام:" يتلاعنان في دورهما" أي في نار البرزخ و نار الخلد أقول

ص: 61

الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ فَيُجِيبُهُ الْأَشْقَى عَلَى رُثُوثَةٍ يَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْكَ خَلِيلًا لَقَدْ أَضْلَلْتَنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي وَ كانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولًا فَأَنَا الذِّكْرُ الَّذِي عَنْهُ ضَلَّ وَ السَّبِيلُ الَّذِي عَنْهُ مَالَ وَ الْإِيمَانُ الَّذِي بِهِ كَفَرَ وَ الْقُرْآنُ الَّذِي إِيَّاهُ هَجَرَ وَ الدِّينُ الَّذِي بِهِ كَذَّبَ وَ الصِّرَاطُ الَّذِي عَنْهُ نَكَبَ وَ لَئِنْ رَتَعَا فِي الْحُطَامِ الْمُنْصَرِمِ وَ الْغُرُورِ الْمُنْقَطِعِ وَ كَانَا مِنْهُ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ لَهُمَا عَلَى شَرِّ وُرُودٍ فِي أَخْيَبِ وُفُودٍ وَ أَلْعَنِ مَوْرُودٍ يَتَصَارَخَانِ بِاللَّعْنَةِ وَ يَتَنَاعَقَانِ بِالْحَسْرَةِ مَا لَهُمَا مِنْ رَاحَةٍ وَ لَا عَنْ عَذَابِهِمَا

ظاهر هذه الفقرات أن هذه الخطبة كانت بعد انقضاء دولتهما و وصولهما إلى عذاب الله و هو ينافي ما مر في أول الخبر أنها كانت بعد سبعة أيام من وفاة الرسول صلى الله عليه و آله و سلم فيحمل على أنها إخبار عما يكون من حالهما بعد ذهابهما إلى عذاب الله" يقول لقرينة" أي أبو بكر لعمر، و الأشقى هو عمر، و الرثوثة: البذاذة و سوء الحال، و قد ورد في الأخبار أن المراد" بغلان" في الآية أبو بكر، و الذكر هو ولاية علي عليه السلام.

قوله عليه السلام:" و الحطام" الحطام المتسكر من الخشب، و الحشيش و النبات و يشبه به الدنيا، لعدم ثباتها و كونها مشوبة بما يكدرها.

قوله عليه السلام:" لهما" في موضع جزاء الشرط، و اللام لجواب القسم المقدس قوله عليه السلام:" في أخيب وفود" الوفود: الورود، و جمع الوافد، و المراد هنا الثاني، قوله عليه السلام:" و ألعن مورود" و الظاهر أن" ألعن" هنا مشتق من المبني للمفعول على خلاف القياس كأعذر و أشهر و أعرف: أي يدخلون في قوم مورود عليهم هم أكثر الناس استحقاقا للعن، و يحتمل أن يكون مشتقا من المبني للفاعل أي القوم الذين هم يردون عليهم يلعنونهم أشد اللعن.

قوله عليه السلام:" و يتناعقان" النعيق: صوت الغراب، و الصوت الذي يزجر به الغنم و قد شاع في عرف العرب و العجم تشبيه الصوت الذي يصدر عند غاية الشدة بصوت البهائم.

ص: 62

مِنْ مَنْدُوحَةٍ إِنَّ الْقَوْمَ لَمْ يَزَالُوا عُبَّادَ أَصْنَامٍ وَ سَدَنَةَ أَوْثَانٍ يُقِيمُونَ لَهَا الْمَنَاسِكَ وَ يَنْصِبُونَ لَهَا الْعَتَائِرَ وَ يَتَّخِذُونَ لَهَا الْقُرْبَانَ وَ يَجْعَلُونَ لَهَا الْبَحِيرَةَ وَ الْوَصِيلَةَ وَ السَّائِبَةَ

قوله عليه السلام:" من مندوحة" المندوحة السعة.

قوله عليه السلام:" و سدنة أوثان" قال الجوهري: السادن: خادم الكعبة و بيت الأصنام، و الجمع السدنة.

قوله عليه السلام:" يقيمون لها المناسك" أي الذبائح و القرابين و يحتمل مناسك الحج و سائر العبادات أيضا.

قوله عليه السلام:" و ينصبون لها العتائر" قال في النهاية: و فيه على كل مسلم أضحاة و عتيرة كان الرجل من العرب ينذر النذر، يقول إذا كان كذا و كذا، أو بلغ شاءه كذا، فعليه أن يذبح من كل عشرة منها في رجب كذا، و كانوا يسمونها العتائر، و قد عتر يعتر عترا إذا ذبح العتيرة، و هكذا كان في صدر الإسلام و أوله ثم نسخ، و قد تكرر ذكرها في الحديث، قال الخطابي: العتيرة تفسيرها في الحديث أنها شاة تذبح في رجب، و هذا هو الذي يشبه معنى الحديث، و يليق بحكم الدين و أما العتيرة التي كانت تعترها الجاهلية فهي الذبيحة التي كانت تذبح للأصنام فيصب دمها على رأسها.

قوله عليه السلام:" و يجعلون لها البحيرة" قال الشيخ الطبرسي (ره): البحيرة الناقة إذا نتجت خمسة أبطن، فإن كان آخرها ذكرا بحروا أذنها أي شقوها، و حرموا ركوبها، و لا تطرد عن ماء و لا مرعى، و لو لقيها المعيي لم يركبها، و السائبة ما كانوا يسيبونه كان الرجل يقول إذا قدمت من سفري أو برئت من مرضي فناقتي سائبة، فكانت كالبحيرة في تحريم الانتفاع بها، و كان الرجل إذا أعتق عبدا قال: هو سائبة و لا عقل بينهما و لا ميراث، و كانوا يسيبونهما لطواغيتهم، و لسدنة الأصنام و الوصيلة في الغنم كانت الشاة إذا ولدت أنثى، فهي لهم و إذا ولدت ذكرا ذبحوه لآلهتهم، فإن ولدت ذكرا و أنثى قالوا وصلت أخاها فلم يذبحوا الذكر لآلهتهم. و الحامي: هو

ص: 63

وَ الْحَامَ وَ يَسْتَقْسِمُونَ بِالْأَزْلَامِ عَامِهِينَ عَنِ اللَّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ حَائِرِينَ عَنِ الرَّشَادِ مُهْطِعِينَ إِلَى الْبِعَادِ وَ قَدِ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ وَ غَمَرَتْهُمْ سَوْدَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ وَ رَضَعُوهَا جَهَالَةً وَ

الفحل إذا أنتجت من صلبه عشرة أبطن، قالوا: قد حمي ظهره فلا يركب و لا يحمل عليه، و لا يمنع من ماء و لا مرعى انتهى، و قد ذكر المفسرون و اللغويون لكل منها معاني أخرى لا طائل في ذكرها.

قوله عليه السلام:" و يستقسمون بالأزلام" قال الشيخ الطبرسي (ره): هي قداح كانت لهم مكتوب على بعضها أمرني ربي و على بعضها نهاني ربي، و على بعضها غفل، فمعنى الاستقسام بالأزلام طلب معرفة ما يقسم له بالأزلام مما لم يقسم له بالأزلام، و قيل: هو الميسر و قسمتهم الجزور على القداح العشرة فالقذ له سهم و التوأم له سهمان، و المسبل له ثلاثة أسهم و النافس له أربعة أسهم، و الحلس له خمسة أسهم، و الرقيب له ستة أسهم، و المعلى له سبعة أسهم و السفيح و المنيح و الوعد لا أنصباء لها و كانوا يدفعون القداح إلى رجل يقسمها، و كان ثمن الجزور على من لم يخرج هذه الثلاثة التي لا أنصباء لها، و هو القمار الذي حرمه الله تعالى، و قيل هو الشطرنج و النرد.

قوله عليه السلام:" عامهين عن الله" قال الجزري: العمة في البصيرة كالعمى في البصر.

قوله عليه السلام:" مهطعين إلى العباد" يقال: أقطع في عدوه أي أسرع أي سرعين إلى ما يبعدهم عن الله، و عن الحق و الرشاد.

قوله عليه السلام:" قد استحوذ" قال الجوهري: استحوذ عليه الشيطان أي غلب و هذا جاء بالواو على أصله كما جاء استروح و استصوب، و قال أبو زيد: هذا الباب كله يجوز أن يتكلم به على الأصل تقول العرب استصاب و استصوب، و استجاب و استجوب، و هو قياس مطرد عندهم.

قوله عليه السلام:" و غمرتهم سوداء الجاهلية" لعلمه من قبيل إضافة الصفة إلى الموصوف أي الجاهلية السوداء، و يشبه الجهل و الكفر و الضلال بالسواد، و يحتمل أن يكون

ص: 64

انْفَطَمُوهَا ضَلَالَةً فَأَخْرَجَنَا اللَّهُ إِلَيْهِمْ رَحْمَةً وَ أَطْلَعَنَا عَلَيْهِمْ رَأْفَةً وَ أَسْفَرَ بِنَا عَنِ الْحُجُبِ نُوراً لِمَنِ اقْتَبَسَهُ وَ فَضْلًا لِمَنِ اتَّبَعَهُ وَ تَأْيِيداً لِمَنْ صَدَّقَهُ فَتَبَوَّءُوا الْعِزَّ بَعْدَ الذِّلَّةِ وَ الْكَثْرَةَ بَعْدَ الْقِلَّةِ وَ هَابَتْهُمُ الْقُلُوبُ وَ الْأَبْصَارُ وَ أَذْعَنَتْ لَهُمُ الْجَبَابِرَةُ وَ طَوَائِفُهَا وَ صَارُوا أَهْلَ نِعْمَةٍ مَذْكُورَةٍ وَ كَرَامَةٍ مَيْسُورَةٍ وَ أَمْنٍ بَعْدَ خَوْفٍ وَ جَمْعٍ بَعْدَ كَوْفٍ وَ أَضَاءَتْ بِنَا مَفَاخِرُ

السوداء كناية عن البدع المظلمة أو الملل الباطلة المضلة مضافة إلى الجاهلية.

قوله عليه السلام:" و رضعوها جهالة و انفطموها ضلالة" أي كانوا في صغرهم و كبرهم في الجهالة و الضلالة أو أنها تمكنت الضلالة و الجهالة فيهم كأنهما كانتا غذاء هم الذي اشتد عليهم عظمهم، و نبت عليه لحمهم أو أنهم جاهلون في كل أمر شرعوا فيه ضالون عند إقلاعهم عنه، أي مبنى كل أمورهم على الجهل و الضلال، و في بعض النسخ و انتظموها ضلالة، فالضمير راجع إلى الجهالة أي انتظموا مع الجهالة في سلك، أو الضمير مبهم يفسره قوله ضلالة، أي صاروا ضلالة و لعله تصحيف.

قوله عليه السلام:" و أسفر بنا عن الحجب" إلى آخره. أي ظهر بسببنا كاشفا عن حجب الغيب التي أحاطت بنا فقوله: نورا مفعول للأسفار، و المراد أنه أظهر بكل منا نورا، و المراد بالنور ذواتهم عليهم السلام على سبيل التجريد من قبيل لقيت بزيد أسدا أو علومهم و بركاتهم و آثارهم، و يحتمل أن يكون المراد بالنور الرسول، صلى الله عليه و آله و سلم، و على الأخير يحتمل أن يكون الباء للمعية، و يحتمل أن يكون الباء للتعدية إذ الغالب أن الأسفار يستعمل لازما بمعنى الإضاءة فقوله نورا، حال و إنما أفرد للإشعار بأنهم نور واحد تنزيلا للجميع منزلة شخص واحد.

قوله عليه السلام:" فتبوءوا العز بعد الذلة" أي اسكنوا و استقروا في العز.

قوله عليه السلام:" أهل نعمة مذكورة" أي يذكرها الناس على وجه التعظيم.

قوله عليه السلام:" و كرامة ميسورة" أي حصلت بهم بالسير قوله:" بعد كوف" أي تفرق و تقطع قال الفيروزآبادي: كوفت الأديم: قطعته.

ص: 65

مَعَدِّ بْنِ عَدْنَانَ وَ أَوْلَجْنَاهُمْ بَابَ الْهُدَى وَ أَدْخَلْنَاهُمْ دَارَ السَّلَامِ وَ أَشْمَلْنَاهُمْ ثَوْبَ الْإِيمَانِ وَ فَلَجُوا بِنَا فِي الْعَالَمِينَ وَ أَبْدَتْ لَهُمْ أَيَّامُ الرَّسُولِ آثَارَ الصَّالِحِينَ مِنْ حَامٍ مُجَاهِدٍ وَ مُصَلٍّ قَانِتٍ وَ مُعْتَكِفٍ زَاهِدٍ يُظْهِرُونَ الْأَمَانَةَ وَ يَأْتُونَ الْمَثَابَةَ حَتَّى إِذَا دَعَا اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ نَبِيَّهُ ص وَ رَفَعَهُ إِلَيْهِ لَمْ يَكُ ذَلِكَ بَعْدَهُ إِلَّا كَلَمْحَةٍ مِنْ خَفْقَةٍ أَوْ وَمِيضٍ مِنْ بَرْقَةٍ إِلَى أَنْ رَجَعُوا عَلَى الْأَعْقَابِ وَ انْتَكَصُوا عَلَى الْأَدْبَارِ وَ طَلَبُوا بِالْأَوْتَارِ وَ أَظْهَرُوا الْكَتَائِبَ وَ رَدَمُوا الْبَابَ وَ فَلُّوا

قوله عليه السلام:" معد بن عدنان" هو أبو العرب أي ظهر بنا فخر العرب و عزهم عليه السلام.

قوله عليه السلام:" و أولجناهم" أي أدخلناهم قوله:" دار السلام" أي الجنة لسلامة من من يدخلها عن الآفات أو بيت السلامة و الأمن في الدنيا.

قوله عليه السلام:" و أشملناهم" أي ألبسناهم و أعطيناهم.

قوله عليه السلام:" و فلجوا" الفلج الظفر و الفوز.

قوله عليه السلام:" من حام" أي من يحمى الدين بالجهاد.

قوله عليه السلام:" و يأتون المثابة" أي الكعبة لقوله تعالى:" وَ إِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ" أي مرجعا لهم أو محلا لتحصيل الثواب.

قوله عليه السلام:" إلا كلحة من خفقة" اللمح سرعة الإبصار و الخفقة النفسة و الاضطراب، و يقال: خفق السراب أي اضطرب و لمع، و الحاصل المبالغة في سرعة ارتدادهم عن الدين بعد فوت النبي صلى الله عليه و آله و سلم و وميض البرق لمعانه.

قوله عليه السلام:" و انتكصوا" أي رجعوا قهقرى.

قوله عليه السلام:" و طلبوا بالأوتار" الأوتار جمع وتر بالكسر، و هي الجناية أي طلبوا دعاء من قتل من الكفار بسيف أمير المؤمنين و سائر المؤمنين و طلبوا تدارك ما وصل من الرسول إلى عشائرهم في أهل بيته.

قوله عليه السلام:" و أظهروا الكتائب" هي جمع كتيبة بمعنى الجيش أي رتبوا الجيوش لغزاء أهل بيت الرسول صلى الله عليه و آله و سلم إن خالفوهم.

قوله عليه السلام:" و ردموا الباب" و الردم السد سدوا باب بيت الرسول صلى الله عليه و آله و سلم

ص: 66

الدِّيَارَ وَ غَيَّرُوا آثَارَ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ رَغِبُوا عَنْ أَحْكَامِهِ وَ بَعُدُوا مِنْ أَنْوَارِهِ وَ اسْتَبْدَلُوا بِمُسْتَخْلَفِهِ بَدِيلًا اتَّخَذُوهُ وَ كانُوا ظالِمِينَ وَ زَعَمُوا أَنَّ مَنِ اخْتَارُوا مِنْ آلِ أَبِي قُحَافَةَ أَوْلَى بِمَقَامِ رَسُولِ اللَّهِ ص مِمَّنِ اخْتَارَ رَسُولُ اللَّهِ ص لِمَقَامِهِ وَ أَنَّ مُهَاجِرَ آلِ أَبِي قُحَافَةَ خَيْرٌ مِنَ الْمُهَاجِرِيِّ الْأَنْصَارِيِّ الرَّبَّانِيِّ نَامُوسِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ أَلَا وَ إِنَّ أَوَّلَ شَهَادَةِ زُورٍ وَقَعَتْ فِي

كناية عن منع إتيان الناس إلى باب بيته و رجوعهم إلى أهل بيته.

قوله عليه السلام:" و فلوا" بالفاء و اللام المشددة أي كسروا إشارة إلى ما فعله قنفذ بأمر عمر أو كناية عن السعي في تزلزل بنيانهم، و بذل الجهد في خذلانهم و في بعض النسخ بالقاف أي أبغضوا داره و أظهروا عداوة صاحب البيت.

قوله عليه السلام:" و بعدوا" من أنواره أي علومه و أحكامه أو الأئمة المنشعبين عن نوره.

قوله عليه السلام:" من المهاجري الأنصاري" أي المنسوب إلى طائفة المهاجرين الداخل في الأنصار، لنصرة الرسول صلى الله عليه و آله و سلم معهم، و في بعض النسخ من مهاجر الأنصاري فيكون بفتح الجيم مصدرا في الموضعين و هو أظهر.

قوله عليه السلام:" ناموس هاشم" أي صاحب أسرار الله و أسرار الرسول صلى الله عليه و آله و سلم من بني هاشم، قال الفيروزآبادي: الناموس: صاحب السر المطلع على باطن أمرك، أو صاحب سر الخير، و جبرئيل عليه السلام و الحاذق و من يلطف مدخله، و قال الجزري: في حديث المبعث" أنه ليأتيه الناموس الأكبر" الناموس: صاحب سر الملك، و قيل الناموس:

صاحب سر الخير، و الجاسوس صاحب سر الشر، و أراد به جبرئيل، لأن الله تعالى خصه بالوحي و الغيب اللذين لا يطلع عليهما غيره.

قوله عليه السلام: ألا و إن أول شهادة زور" إلخ، لم أر دعواهم النص على أبي بكر في غير هذا الخبر، و هو غريب.

قوله عليه السلام:" عن قليل يجدون غب ما يعملون" عن: هنا بمعنى بعد كما صرح به الفيروزآبادي، و الغب بالكسر: عاقبة الشي ء.

ص: 67

الْإِسْلَامِ شَهَادَتُهُمْ أَنَّ صَاحِبَهُمْ مُسْتَخْلَفُ رَسُولِ اللَّهِ ص فَلَمَّا كَانَ مِنْ أَمْرِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ مَا كَانَ رَجَعُوا عَنْ ذَلِكَ وَ قَالُوا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص مَضَى وَ لَمْ يَسْتَخْلِفْ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ص الطَّيِّبُ الْمُبَارَكُ أَوَّلَ مَشْهُودٍ عَلَيْهِ بِالزُّورِ فِي الْإِسْلَامِ وَ عَنْ قَلِيلٍ يَجِدُونَ غِبَّ مَاعْلَمُونَ وَ سَيَجِدُونَ التَّالُونَ غِبَّ مَا أَسَّسَهُ الْأَوَّلُونَ وَ لَئِنْ كَانُوا فِي مَنْدُوحَةٍ مِنَ الْمَهْلِ وَ شِفَاءٍ مِنَ الْأَجَلِ وَ سَعَةٍ مِنَ الْمُنْقَلَبِ وَ اسْتِدْرَاجٍ مِنَ الْغُرُورِ وَ سُكُونٍ مِنَ الْحَالِ وَ إِدْرَاكٍ مِنَ الْأَمَلِ فَقَدْ أَمْهَلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ شَدَّادَ بْنَ عَادٍ وَ ثَمُودَ بْنَ عَبُّودٍ وَ بَلْعَمَ بْنَ بَاعُورٍ وَ أَسْبَغَ عَلَيْهِمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَ باطِنَةً وَ أَمَدَّهُمْ بِالْأَمْوَالِ وَ الْأَعْمَارِ وَ أَتَتْهُمُ الْأَرْضُ بِبَرَكَاتِهَا لِيَذَّكَّرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَ لِيَعْرِفُوا الْإِهَابَةَ لَهُ وَ الْإِنَابَةَ إِلَيْهِ وَ لِيَنْتَهُوا عَنِ الِاسْتِكْبَارِ فَلَمَّا بَلَغُوا الْمُدَّةَ وَ اسْتَتَمُّوا الْأُكْلَةَ أَخَذَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ وَ اصْطَلَمَهُمْ فَمِنْهُمْ مَنْ حُصِبَ وَ مِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَ مِنْهُمْ مَنْ أَحْرَقَتْهُ الظُّلَّةُ وَ مِنْهُمْ مَنْ أَوْدَتْهُ الرَّجْفَةُ وَ مِنْهُمْ مَنْ أَرْدَتْهُ الْخَسْفَةُ- فَما كانَ

قوله عليه السلام:" و لئن كانوا في مندوحة من المهل" أي سعة من المهلة.

قوله عليه السلام:" و شفاء" أي قليل قوله عليه السلام": و سعة من المنقلب" أي الانقلاب و الرجوع إلى الله بالموت.

قوله عليه السلام:" و ثمود بن عبود" عبود كتنور و ثمود اسم قوم صالح النبي عليه السلام.

قوله عليه السلام:" و ليعترفوا الإهابة له" الإهابة لعلها، بمعنى الهيبة و المخافة و ما وجدته فيما عندي من كتب اللغة.

قوله عليه السلام:" فلما بلغوا المدة" أي آخرها.

قوله عليه السلام:" و استتموا الأكلة" أي الرزق المقدر لهم.

قوله عليه السلام:" فمنهم من حصب" على البناء للمفعول من المجرد أي رمي بالحصباء، و هي الحصى من السماء. و الظلة: السحاب، و في بعض النسخ الظلمة قوله عليه السلام:" و منهم من أودته الرجفة" أي أهلكته الزلزلة.

قوله عليه السلام:" و منهم من أردته الخسفة" أي أهلكته الخسف و السوخ في الأرض كقارون.

ص: 68

اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَ لكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ أَلَا وَ إِنَّ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَاباً فَإِذَا بَلَغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ لَوْ كُشِفَ لَكَ عَمَّا هَوَى إِلَيْهِ الظَّالِمُونَ وَ آلَ إِلَيْهِ الْأَخْسَرُونَ لَهَرَبْتَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ مِمَّا هُمْ عَلَيْهِ مُقِيمُونَ وَ إِلَيْهِ صَائِرُونَ أَلَا وَ إِنِّي فِيكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ كَهَارُونَ فِي آلِ فِرْعَوْنَ وَ كَبَابِ حِطَّةٍ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ وَ كَسَفِينَةِ نُوحٍ فِي قَوْمِ نُوحٍ إِنِّي النَّبَأُ الْعَظِيمُ وَ الصِّدِّيقُ الْأَكْبَرُ وَ عَنْ قَلِيلٍ سَتَعْلَمُونَ مَا تُوعَدُونَ وَ هَلْ هِيَ إِلَّا كَلُعْقَةِ الْآكِلِ وَ مَذْقَةِ الشَّارِبِ وَ خَفْقَةِ الْوَسْنَانِ ثُمَّ تُلْزِمُهُمُ الْمَعَرَّاتُ خِزْياً فِي الدُّنْيَا وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ ... وَ مَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ فَمَا جَزَاءُ مَنْ تَنَكَّبَ مَحَجَّتَهُ وَ أَنْكَرَ حُجَّتَهُ وَ خَالَفَ هُدَاتَهُ وَ حَادَّ عَنْ نُورِهِ وَ اقْتَحَمَ فِي ظُلَمِهِ وَ اسْتَبْدَلَ بِالْمَاءِ السَّرَابَ وَ بِالنَّعِيمِ الْعَذَابَ وَ بِالْفَوْزِ الشَّقَاءَ

قوله عليه السلام:" لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ" أي مكتوب كتب فيه ذلك الأجل فإذا بلغ الكتاب أجله يحتمل أن يكون بدلا من الكتاب، أي إذا بلغ أجل الكتاب، و أن يكون كتاب مفعولا، أي إذا بلغ الأجل و العمر الحد الذي كتب في الكتاب، و يحتمل أن يكون المراد بالكتاب الكتاب الذي فيه جميع تقديرات الشخص، فإذا تحقق جميع ما قدر عليه و بلغ الأجل الذي هو آخر التقادير.

قوله عليه السلام:" فلو كشف لك عما هوى" أي نزل إليه الظالمون بعد انقضاء آجالهم و موتهم.

قوله عليه السلام:" و هل هي" أي دنياهم و ما يتمتعون فيها في سرعة انقضائها و قلة تمتعهم بها إلا كلعقة لعقها آكل بإصبعه مرة أو كشربة شربها جرعة، أو كنعسة نعسها و الوسنان أي النائم الذي لم يستغرق في النوم، و المعرة: الإثم و الأذى و الغرم و الدية و الجناية، و تلزمهم على باب الأفعال" و المعرات" فاعله، و خزيا أو جزاء على اختلاف النسخ مفعوله، و يحتمل أن يكون على بناء المجرد، و يكون جزاء مفعولا لأجله.

قوله عليه السلام:" من تنكب محجته" أي عدله عن طريقه الواضح.

قوله عليه السلام:" و حاد" أي مال.

ص: 69

وَ بِالسَّرَّاءِ الضَّرَّاءَ وَ بِالسَّعَةِ الضَّنْكَ إِلَّا جَزَاءُ اقْتِرَافِهِ وَ سُوءُ خِلَافِهِ- فَلْيُوقِنُوا بِالْوَعْدِ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَ لْيَسْتَيْقِنُوا بِمَا يُوعَدُونَ يَوْمَ تَأْتِي الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَ نُمِيتُ وَ إِلَيْنَا الْمَصِيرُ يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً إِلَى آخِرِ السُّورَةِ

خُطْبَةُ الطَّالُوتِيَّةِ

5 مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مَعْمَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَيُّوبَ الْأَشْعَرِيُّ عَنْ عَمْرٍو الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ بْنِ التَّيِّهَانِ أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ع خَطَبَ النَّاسَ بِالْمَدِينَةِ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كَانَ حَيّاً بِلَا

قوله عليه السلام:" و اقتحم" الاقتحام الدخول في الأرض من غير روية.

قوله عليه السلام:" إلا جزاء" استثناء من النفي المفهوم من قوله:" فما جزاء".

[الحديث الخامس] خطبة الطالوتية

[الحديث الخامس] خطبة الطالوتية

الحديث الخامس: ضعيف. على مصطلح القوم لكن بلاغة الكلام، و غرابة الأسلوب و النظام تأبى عن صدوره عن غير الإمام عليه السلام، و إنما سميت بالطالوتية لذكره فيها.

قوله عليه السلام:" كان حيا بلا كيف" أي بلا الحياة زائدة يتكيف بها، و لا كيفية من الكيفيات التي تتبع الحياة في المخلوقين، بل حياته علمه و قدرته و هما غير زائدتين على ذاته.

قوله عليه السلام:" و لم يكن له كان" الظاهر أن" كان" اسم" لم يكن" لأنه لما قال عليه السلام" كان" أو هم العبارة زمانا، فنفى عليه السلام ذلك، بأنه كان بلا زمان، أو لأن الكون يتبادر منه الحدوث عرفا، و يخترع الوهم للكون مبدأ نفي عليه السلام ذلك بأن وجوده تعالى أزلي لا يمكن أن يقال حدث في ذلك الزمان، فالمراد بكان على التقديرين ما يفهم و يتبادر أو يتوهم منه.

ص: 70

كَيْفٍ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كَانٌ وَ لَا كَانَ لِكَانِهِ كَيْفٌ وَ لَا كَانَ لَهُ أَيْنٌ وَ لَا كَانَ فِي شَيْ ءٍ وَ لَا كَانَ عَلَى شَيْ ءٍ وَ لَا ابْتَدَعَ لِكَانِهِ مَكَاناً وَ لَا قَوِيَ بَعْدَ مَا كَوَّنَ شَيْئاً وَ لَا كَانَ ضَعِيفاً قَبْلَ أَنْ يُكَوِّنَ شَيْئاً وَ لَا كَانَ مُسْتَوْحِشاً قَبْلَ أَنْ يَبْتَدِعَ شَيْئاً وَ لَا يُشْبِهُ شَيْئاً وَ لَا كَانَ خِلْواً عَنِ الْمُلْكِ قَبْلَ إِنْشَائِهِ وَ لَا يَكُونُ خِلْواً مِنْهُ بَعْدَ ذَهَابِهِ كَانَ إِلَهاً حَيّاً بِلَا حَيَاةٍ وَ مَالِكاً قَبْلَ أَنْ

قوله عليه السلام:" و لا كان لكانه" يحتمل أن يكون المراد لكونه، و يكون القلب على لغة أبي الحرث بن كعب حيث جوز قلب الواو و الياء الساكنتين أيضا مع انفتاح ما قبلهما ألفا أي ليس له وجود زائد يتكيف به الذات أو ليس وجوده كوجود الممكنات مقرونا بالكيفيات، و يؤيده ما رواه في كتاب التوحيد في خبر شبيه بصدر هذه الخطبة عن أبي جعفر عليه السلام:" كان لم يزل حيا بلا كيف، و لم يكن له كان، و لا كان لكونه كون كيف و لا كان له أين، و لا كان في شي ء و لا كان على شي ء و لا ابتدع لكونه [لكانه] مكانا إلى آخر الخبر. و يحتمل أن يكون من الأفعال الناقصة، و المعنى أنه ليس بزماني أو ليس وجوده مقرونا بالكيفيات المتغيرة الزائدة. و إدخال اللام و الإضافة بتأويل الجملة مفردا، أي هذا اللفظ كقولك لزيد قائم معنى.

قوله عليه السلام:" و لا كان له أين" أي مكان، و لا كان في شي ء لا كون الجزئي في الكلي، و لا كون الجزء في الكل، و لا كون الحال في المحل و لا كون المتمكن في المكان.

قوله عليه السلام:" و لا كان على شي ء" هو نفي المكان العرفي كالسرير، كما أن الأول كان لنفي المكان الذي هو مصطلح المتكلمين و الحكماء.

قوله عليه السلام:" و لا ابتدع لكانه مكانا" يجري فيه ما ذكرنا من الوجهين و فيما نقلنا من الخبر سابقا" لمكانة" أي ليكون مكانا له أو لمنزلته أو لمكانة بالتنوين.

قوله عليه السلام:" و لا كان خلوا عن الملك قبل إنشائه" الملك بالضم و الكسر يكون بمعنى السلطنة و المالكية و العظمة، و بمعنى ما يملك، و الضم في الأول أشهر فيحتمل أن يكون المراد عند ذكره و عند إرجاع الضمير إليه معا هو الأول، أي كان سلطانا

ص: 71

يُنْشِئَ شَيْئاً وَ مَالِكاً بَعْدَ إِنْشَائِهِ لِلْكَوْنِ وَ لَيْسَ يَكُونُ لِلَّهِ كَيْفٌ وَ لَا أَيْنٌ وَ لَا حَدٌّ يُعْرَفُ وَ لَا شَيْ ءٌ يُشْبِهُهُ وَ لَا يَهْرَمُ لِطُولِ بَقَائِهِ وَ لَا يَضْعُفُ لِذُعْرَةٍ وَ لَا يَخَافُ كَمَا تَخَافُ خَلِيقَتُهُ مِنْ شَيْ ءٍ وَ لَكِنْ سَمِيعٌ بِغَيْرِ سَمْعٍ وَ بَصِيرٌ بِغَيْرِ بَصَرٍ وَ قَوِيٌّ بِغَيْرِ قُوَّةٍ مِنْ خَلْقِهِ لَا تُدْرِكُهُ حَدَقُ النَّاظِرِينَ وَ لَا يُحِيطُ بِسَمْعِهِ سَمْعُ السَّامِعِينَ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً كَانَ بِلَا مَشُورَةٍ وَ لَا

عظيما قبل خلق السلاطين و سلطنتهم و عظمتهم، و يحتمل أن يكون المراد عند ذكره المعنى الأول، و عند إرجاع الضمير إليه المعنى الثاني على طريقة الاستخدام، و هو أظهر معنى، و يحتمل أن يكون الضمير راجعا إلى الله بالإضافة إلى الفاعل أي قبل إنشائه الأشياء، لكنه لا يناسب الفقرة الثانية كما لا يخفى، و الحاصل على التقادير إن سلطنته تعالى ليس لخلق الأشياء لغناه عنها، و عدم تقويه بها بل بقدرته على خلقها، و خلق أضعاف أضعافها، و هذه القدرة لا تنفك عنه تعالى، و فيه رد على القائلين بالقدم، و دلالة هذه الفقرات على الحدوث ظاهرة.

قوله عليه السلام:" بلا حياة" أي بذاته.

قوله عليه السلام:" و لا حد" أي من الحدود الجسمية يوصف و يعرف بها، أو من الحدود العقلية المركبة من الجنس و الفصل ليعرف به، إذ كنه الأشياء يعرف بحدودها كما هو المشهور، ففيه استدلال على عدم إمكان معرفة كنهه تعالى، و الأول أظهر.

قوله عليه السلام:" و لا يضعف" و في بعض النسخ" و لا يصعق" قال الجوهري: صعق الرجل أي غشي عليه، و الذعر بالضم: الخوف، و بالتحريك: الدهش.

قوله عليه السلام:" بغير قوة من خلقه" أي بأن يتقوى بمخلوقاته كما يتقوى المملوك بجيوشهم و حراسهم [و خزائنهم] أو بغير قوة زائدة قائمة به، و هذه القوة تكون مخلوقة له فيكون محتاجا إلى مخلوق ممكن، و هو ينافي وجوب الوجود.

قوله عليه السلام:" حدق الناظرين" قال الجوهري: حدقة العين: سوادها الأعظم و الجمع حدق و حداق.

قوله:" و لا يحيط بسمعه" كأنه مصدر مضاف إلى المفعول، و المعنى أنه تعالى

ص: 72

مُظَاهَرَةٍ وَ لَا مُخَابَرَةٍ وَ لَا يَسْأَلُ أَحَداً عَنْ شَيْ ءٍ مِنْ خَلْقِهِ أَرَادَهُ لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَ هُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ وَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ أَرْسَلَهُ بِالْهُدى وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ* فَبَلَّغَ الرِّسَالَةَ وَ أَنْهَجَ الدَّلَالَةَ ص- أَيُّهَا الْأُمَّةُ الَّتِي خُدِعَتْ فَانْخَدَعَتْ وَ عَرَفَتْ خَدِيعَةَ مَنْ خَدَعَهَا فَأَصَرَّتْ عَلَى مَا عَرَفَتْ وَ اتَّبَعَتْ أَهْوَاءَهَا وَ ضَرَبَتْ فِي عَشْوَاءِ غَوَايَتِهَا وَ قَدِ اسْتَبَانَ لَهَا الْحَقُّ فَصَدَّتْ عَنْهُ

ليس من المسموعات، كما أن الفقرة السابقة دلت على أنه ليس من المبصرات، و يمكن أن يراد أنه لا يحيط سمع جميع السامعين بمسموعاته.

قوله عليه السلام:" و لا مظاهرة" أي معاونة، قوله عليه السلام:" و لا مخابرة" المخابرة في اللغة المزارعة على النصف، و لعل المراد نفي المشاركة أي لم يشاركه أحد في الخلق، و يحتمل أن يكون مشتقا من الخبر بمعنى العلم أو الاختبار.

قوله عليه السلام:" أرسله بالهدي" أي بالحجج و البينات و الدلائل و البراهين" وَ دِينِ الْحَقِّ*" و هو الإسلام و ما تضمنه من الشرائع" لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ*" و الضمير في ليظهره للدين الحق، أي ليعلى دين الإسلام على جميع الأديان بالحجة و الغلبة و القهر لها، أو للرسول أي يجعله غالبا على جميع أهل الأديان و ورد في أخبارنا أنه يكون تمام هذه الوعد عند قيام القائم عليه السلام.

قوله عليه السلام:" و أنهج الدلالة" أي أوضحها.

قوله عليه السلام:" و ضربت في عشواء غوائها" و في بعض النسخ" غوايتها" و هو أصوب، و الضرب في الأرض السير فيها، و العشواء بالفتح: ممدودا الظلمة، و الناقة التي لا تبصر أمامها فهي تخبط بيديها كل شي ء، ركب فلان العشواء إذا خبط أمره و يقال: أيضا خبط خبط عشواء، و الظاهر أن المراد هنا الظلمة، أي سارت الأمة في ظلمة غوايتها و ضلالتها، و إن كان بالمعنى الثاني فيحتمل أن يكون في بمعنى على

ص: 73

وَ الطَّرِيقُ الْوَاضِحُ فَتَنَكَّبَتْهُ أَمَا وَ الَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَ بَرَأَ النَّسَمَةَ لَوِ اقْتَبَسْتُمُ الْعِلْمَ مِنْ مَعْدِنِهِ وَ شَرِبْتُمُ الْمَاءَ بِعُذُوبَتِهِ وَ ادَّخَرْتُمُ الْخَيْرَ مِنْ مَوْضِعِهِ وَ أَخَذْتُمُ الطَّرِيقَ مِنْ وَاضِحِهِ وَ سَلَكْتُمْ مِنَ الْحَقِّ نَهْجَهُ لَنَهَجَتْ بِكُمُ السُّبُلُ وَ بَدَتْ لَكُمُ الْأَعْلَامُ وَ أَضَاءَ لَكُمُ الْإِسْلَامُ فَأَكَلْتُمْ رَغَداً وَ مَا عَالَ فِيكُمْ عَائِلٌ وَ لَا ظُلِمَ مِنْكُمْ مُسْلِمٌ وَ لَا مُعَاهَدٌ وَ لَكِنْ سَلَكْتُمْ

أي سار راكبا على عشواء غوايتها.

قوله عليه السلام:" فصدعت" و في بعض النسخ" فصدت" و الصد: المنع، و يقال: صدع عنه أي صرفه.

قوله عليه السلام:" فلق الحبة" أي شقها. و أخرج منها أنواع النبات" و برأ النسمة" أي خلق ذوات الأرواح، و التخصيص بهذين لأنهما عدة المخلوقات المحسوسة المشاهدة، و يظهر آثار الصنع فيهما أكثر من غيرهما.

قوله عليه السلام:" لو اقتبستم العلم من معدنه" يقال اقتبست النار و العلم أي استفدته، و شربتم الحكم بعذوبته، شبه العلم و الإيمان بالماء لكونهما سببين للحياة المعنوي، و عذوبته خلوصه عن التحريفات و البدع و الجهالات.

قوله:" و سلكتم من الحق نهجه" قال الفيروزآبادي: النهج: الطريق الواضح كالمنهج، و المنهاج و أنهج وضح و أوضح و نهج كمنع وضح و أوضح، و الطريق سلكه و استنهج الطريق سار نهجا كأنهج، و في بعض النسخ" لنهجت بكم السبيل" أي وضحت لكم أو بسببكم أي كنتم هداة للخلق، و في بعضها لتنهجت و هو قريب مما سبق، أي اتضحت و في بعضها لابتهجت، و الابتهاج: السرور أي كانت سبل الحق راضية عنكم مسرورة بكم، حيث سلكتموها حق سلوكها.

قوله عليه السلام:" و أضاء" يتعدى و لا يتعدى و كلاهما مناسب.

قوله عليه السلام:" فأكلتم رغدا" قال الجوهري: عيشة رغد و رغد أي واسعة طيبة.

قوله عليه السلام:" و ما عال" يقال: عال يعيل عيلة و عيولا إذا افتقر.

ص: 74

سَبِيلَ الظَّلَامِ فَأَظْلَمَتْ عَلَيْكُمْ دُنْيَاكُمْ بِرُحْبِهَا وَ سُدَّتْ عَلَيْكُمْ أَبْوَابُ الْعِلْمِ فَقُلْتُمْ بِأَهْوَائِكُمْ وَ اخْتَلَفْتُمْ فِي دِينِكُمْ فَأَفْتَيْتُمْ فِي دِينِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ اتَّبَعْتُمُ الْغُوَاةَ فَأَغْوَتْكُمْ وَ تَرَكْتُمُ الْأَئِمَّةَ فَتَرَكُوكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ تَحْكُمُونَ بِأَهْوَائِكُمْ إِذَا ذُكِرَ الْأَمْرُ سَأَلْتُمْ أَهْلَ الذِّكْرِ فَإِذَا أَفْتَوْكُمْ قُلْتُمْ هُوَ الْعِلْمُ بِعَيْنِهِ فَكَيْفَ وَ قَدْ تَرَكْتُمُوهُ- وَ نَبَذْتُمُوهُ وَ خَالَفْتُمُوهُ رُوَيْداً عَمَّا قَلِيلٍ تَحْصُدُونَ جَمِيعَ مَا زَرَعْتُمْ وَ تَجِدُونَ وَخِيمَ مَا اجْتَرَمْتُمْ وَ مَا اجْتَلَبْتُمْ وَ الَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَ بَرَأَ النَّسَمَةَ لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي صَاحِبُكُمْ وَ الَّذِي بِهِ أُمِرْتُمْ وَ أَنِّي عَالِمُكُمْ وَ الَّذِي بِعِلْمِهِ نَجَاتُكُمْ وَ وَصِيُّ نَبِيِّكُمْ وَ خِيَرَةُ رَبِّكُمْ وَ لِسَانُ نُورِكُمْ وَ الْعَالِمُ بِمَا يُصْلِحُكُمْ فَعَنْ قَلِيلٍ رُوَيْداً يَنْزِلُ

قوله عليه السلام:" أو معاهد" بفتح الهاء أي من هو في عهد و أمان كأهل الذمة.

قوله عليه السلام:" دنياكم برحبها" دنياكم: فاعل أظلمت، و الرحب: بالضم السعة أي مع سعتها.

قوله عليه السلام:" فكيف و قد تركتموه" أي كيف ينفعكم هذا الإقرار و الإذعان و قد تركتم متابعة قائله، أو كيف تقولون هذا مع أنه مخالف لأفعالكم؟ و الضمائر إما راجعة إلى الإمام أو إلى علمه، و رويدا: أي مهلا.

قوله عليه السلام:" عما قليل" أي بعد زمان قليل، و ما زائدة، لتوكيد معنى القلة أو نكرة موصوفة.

قوله عليه السلام:" وخيم ما اجترمتم" قال في النهاية: يقال هذا الأمر وخيم العاقبة: أي ثقيل ردي ء و الاجترام: اكتساب الجرم و الذنب، و الاجتلاب: جلب الشي ء إلى النفس و في بعض النسخ" اجتنيتم" من اجتناء الثمرة، أو بمعنى كسب الجرم و الجناية، و الأخير أنسب لكنه لم يرد في اللغة.

قوله عليه السلام:" صاحبكم" أي أمامكم و الذي به أمرتم" أي بمتابعته.

قوله عليه السلام:" و خيرة" بكسر الخاء و فتح الياء و سكونها أي مختار ربكم من بين سائر الخلق بعد النبي صلى الله عليه و آله و سلم.

قوله عليه السلام:" و لسان نوركم" المراد بالنور إما الرسول، أو الهداية و العلم أو

ص: 75

بِكُمْ مَا وُعِدْتُمْ وَ مَا نَزَلَ بِالْأُمَمِ قَبْلَكُمْ وَ سَيَسْأَلُكُمُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ عَنْ أَئِمَّتِكُمْ مَعَهُمْ تُحْشَرُونَ وَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ غَداً تَصِيرُونَ أَمَا وَ اللَّهِ لَوْ كَانَ لِي عِدَّةُ أَصْحَابِ طَالُوتَ أَوْ عِدَّةُ أَهْلِ بَدْرٍ وَ هُمْ أَعْدَاؤُكُمْ لَضَرَبْتُكُمْ بِالسَّيْفِ حَتَّى تَئُولُوا إِلَى الْحَقِّ وَ تُنِيبُوا لِلصِّدْقِ فَكَانَ أَرْتَقَ لِلْفَتْقِ وَ آخَذَ بِالرِّفْقِ اللَّهُمَّ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَ أَنْتَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ- قَالَ ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ فَمَرَّ بِصِيرَةٍ فِيهَا نَحْوٌ مِنْ ثَلَاثِينَ شَاةً فَقَالَ وَ اللَّهِ لَوْ أَنَّ لِي رِجَالًا يَنْصَحُونَ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ لِرَسُولِهِ بِعَدَدِ هَذِهِ الشِّيَاهِ لَأَزَلْتُ ابْنَ آكِلَةِ الذِّبَّانِ عَنْ مُلْكِهِ

نور الأنوار تعالى.

قوله عليه السلام:" عدة أصحاب طالوت" أي الذين لم يشربوا الماء و حضروا لجهاد جالوت، و روي عن الصادق عليه السلام أنهم ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا عدة أهل بدر، فكلمة" أو" بمعنى الواو للتفسير.

قوله عليه السلام:" و هم أعداؤكم" أي لم يكونوا مثلكم منافقين، بل كانوا ناصرين للحق محبين له معاندين لكم لكفركم، و في بعض النسخ و هم أعدادكم و لم أعرف له معنى، و لعله كان أعدادهم أي أصحاب بدر كانوا بعدد أصحاب طالوت، و إنما كررت للتوضيح فصحف.

قوله:" حتى تؤولوا" أي ترجعوا و تنيبوا من الإنابة، و هي الرجوع، و في بعض النسخ و تنبأوا على البناء للمفعول، أي تخبروا بالصدق، و تذعنوا به.

قوله عليه السلام:" فكان ارتق للفتق" الفتق: الشق و الرتق ضده، أي كان تنسد الخلال و الفرج التي حدثت في الدين، و كان الأخذ بالرفق و اللطف للناس أكثر.

قوله عليه السلام:" فمر بصيرة" الصيرة بالكسر: حظيرة الغنم.

قوله عليه السلام:" لأزلت ابن أكلة الذبان" و في بعض النسخ" الذباب" بكسر الذال و تشديد الياء جمع الذباب، و المراد به أبو بكر، و لعله إشارة إلى واقعة كذلك كان اشتهر بها، و يحتمل أن يكون كناية عن دناءة أصله و رداءة نسبه و حسبه.

ص: 76

قَالَ فَلَمَّا أَمْسَى بَايَعَهُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَ سِتُّونَ رَجُلًا عَلَى الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع اغْدُوا بِنَا إِلَى أَحْجَارِ الزَّيْتِ مُحَلِّقِينَ وَ حَلَقَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع فَمَا وَافَى مِنَ الْقَوْمِ مُحَلِّقاً إِلَّا أَبُو ذَرٍّ وَ الْمِقْدَادُ وَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ وَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ وَ جَاءَ سَلْمَانُ فِي آخِرِ الْقَوْمِ فَرَفَعَ يَدَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ- اللَّهُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي كَمَا اسْتَضْعَفَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ

قوله عليه السلام:" على الموت" أي على أن يلتزموا الموت و يقتلوا في نصرة، و قال الفيروزآبادي: أحجار الزيت موضع بالمدينة.

قوله عليه السلام:" أما و البيت و المفضي إلى البيت" قال الجوهري: الفضاء: الساحة و ما اتسع من الأرض، يقال أفضيت: إذا خرج إلى الفضاء، و أفضيت إلى فلان بسري و أفضى الرجل إلى امرأته باشرها، و أفضى بيده إلى الأرض إذا مسها بباطن راحته في سجوده انتهى.

فيحتمل أن يكون المراد القسم بمن يدخل في الفضاء أي الصحراء متوجها إلى البيت أي الحاج و المعتمر. أو من يفضي إسراره إلى البيت أي إلى ربه، و يدعو الله عند البيت. أو من يفضي الناس إلى البيت و يوصلهم إليه، و هو الله تعالى. أو على صيغة المفعول أي الحاج الواصلين إلى البيت، أو على بناء الفاعل أيضا من الإفضاء بمعنى مس الأرض بالراحة، أي المسلمين بأحجار البيت، أو من يفضي إلى الأرض بالسجود في أطراف الأرض متوجها إلى البيت.

و قال في النهاية: في حديث دعائه للنابغة" لا يفضي الله فاك" و معناه أن لا يجعله فضاء لا سن فيه، و الفضاء: الخالي الفارغ الواسع من الأرض انتهى: فيحتمل أن يكون المراد من جعل من أربعة جوانب فضاء غير معمور إلى البيت ليشق على الناس قطعها، فيكثر ثوابهم و هو الله تعالى.

قوله عليه السلام:" و الخفاف إلى التجمير" التجمير: رمي الجمار، و الخفاف إما جمع الخف، أي خف الإنسان إذ خف البعير لا يجمع على خفاف، بل على أخفاف، و المراد أثر الخفاف و أثر أقدام الماشين إلى التجمير. أو جمع الخفيف أي السائرين بخفة و شوق

ص: 77

هَارُونَ اللَّهُمَّ فَ إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَ ما نُعْلِنُ وَ ما يَخْفى عَلَيْكَ شَيْ ءٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي السَّماءِ ... تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَ أَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ أَمَا وَ الْبَيْتِ وَ الْمُفْضِي إِلَى الْبَيْتِ- فِي نُسْخَةٍ وَ الْمُزْدَلِفَةِ] وَ الْخِفَافِ إِلَى التَّجْمِيرِ- لَوْ لَا عَهْدٌ عَهِدَهُ إِلَيَّ النَّبِيُّ الْأُمِّيُّ ص لَأَوْرَدْتُ الْمُخَالِفِينَ خَلِيجَ الْمَنِيَّةِ وَ لَأَرْسَلْتُ عَلَيْهِمْ شَآبِيبَ صَوَاعِقِ الْمَوْتِ وَ عَنْ قَلِيلٍ سَيَعْلَمُونَ

6 عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو بَصِيرٍ وَ قَدْ خَفَرَهُ النَّفَسُ فَلَمَّا أَخَذَ مَجْلِسَهُ قَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع يَا أَبَا مُحَمَّدٍ مَا هَذَا النَّفَسُ الْعَالِي فَقَالَ جُعِلْتُ فِدَاكَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ كَبِرَ سِنِّي وَ دَقَّ عَظْمِي وَ اقْتَرَبَ أَجَلِي مَعَ أَنَّنِي لَسْتُ أَدْرِي مَا أَرِدُ عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِ آخِرَتِي فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع يَا أَبَا مُحَمَّدٍ وَ إِنَّكَ لَتَقُولُ هَذَا قَالَ جُعِلْتُ فِدَاكَ وَ كَيْفَ لَا أَقُولُ هَذَا فَقَالَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ أَ مَا عَلِمْتَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُكْرِمُ الشَّبَابَ مِنْكُمْ- وَ يَسْتَحْيِي مِنَ الْكُهُولِ قَالَ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ فَكَيْفَ يُكْرِمُ الشَّبَابَ

إلى التجمير، و فيه دلالة على جواز الحلف بشعائر الله و حرماته، و قد مر الكلام فيه في كتاب الأيمان.

قوله عليه السلام:" لو لا عهد عهده" و هو ما ورد في الأخبار المتواترة أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم أوصى إليه عليه السلام أنك إن لم تجد ناصرا فوادعهم و صالحهم حتى تجد أعوانا و أيضا نزل كتاب من السماء مختوم بخواتيم بعدة الأئمة كان يعمل كل منهم بما يخصه.

قوله عليه السلام:" خليج المنية" و الخليج: شعبة من البحر و النهر، و المنية: الموت و الشآبيب جمع شؤبوب بالضم مهموزا، و هو الدفعة من المطر و غيره.

الحديث السادس

الحديث السادس

: ضعيف.

قوله عليه السلام:" و قد حفزه النفس" قال الجزري: الحفز الحث و الإعجال و منه حديث أبي بكرة إنه دب إلى الصف راكعا و قد حفزه النفس".

قوله عليه السلام:" يكرم الشباب منكم" الشباب بالفتح جمع شاب، و قال الفيروزآبادي: الكهل: من وخطه الشيب، و رأيت له بجالة، أو من جاوز الثلاثين أو أربعا و ثلاثين إلى إحدى و خمسين.

ص: 78

وَ يَسْتَحْيِي مِنَ الْكُهُولِ فَقَالَ يُكْرِمُ اللَّهُ الشَّبَابَ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ وَ يَسْتَحْيِي مِنَ الْكُهُولِ أَنْ يُحَاسِبَهُمْ قَالَ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ هَذَا لَنَا خَاصَّةً أَمْ لِأَهْلِ التَّوْحِيدِ قَالَ فَقَالَ لَا وَ اللَّهِ إِلَّا لَكُمْ خَاصَّةً دُونَ الْعَالَمِ قَالَ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ فَإِنَّا قَدْ نُبِزْنَا نَبْزاً انْكَسَرَتْ لَهُ ظُهُورُنَا وَ مَاتَتْ لَهُ أَفْئِدَتُنَا وَ اسْتَحَلَّتْ لَهُ الْوُلَاةُ دِمَاءَنَا فِي حَدِيثٍ رَوَاهُ لَهُمْ فُقَهَاؤُهُمْ قَالَ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع الرَّافِضَةُ قَالَ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ لَا وَ اللَّهِ مَا هُمْ سَمَّوْكُمْ وَ لَكِنَّ اللَّهَ سَمَّاكُمْ بِهِ أَ مَا عَلِمْتَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ أَنَّ سَبْعِينَ رَجُلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ رَفَضُوا فِرْعَوْنَ وَ قَوْمَهُ لَمَّا اسْتَبَانَ لَهُمْ ضَلَالُهُمْ فَلَحِقُوا بِمُوسَى ع لَمَّا اسْتَبَانَ لَهُمْ هُدَاهُ فَسُمُّوا فِي عَسْكَرِ مُوسَى الرَّافِضَةَ لِأَنَّهُمْ رَفَضُوا فِرْعَوْنَ وَ كَانُوا أَشَدَّ أَهْلِ ذَلِكَ الْعَسْكَرِ عِبَادَةً وَ أَشَدَّهُمْ حُبّاً لِمُوسَى وَ هَارُونَ وَ ذُرِّيَّتِهِمَا ع فَأَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَى مُوسَى ع أَنْ أَثْبِتْ لَهُمْ هَذَا الِاسْمَ فِي التَّوْرَاةِ فَإِنِّي قَدْ سَمَّيْتُهُمْ بِهِ وَ نَحَلْتُهُمْ إِيَّاهُ فَأَثْبَتَ مُوسَى ع الِاسْمَ لَهُمْ ثُمَّ ذَخَرَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لَكُمْ هَذَا الِاسْمَ حَتَّى نَحَلَكُمُوهُ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ رَفَضُوا الْخَيْرَ وَ رَفَضْتُمُ الشَّرَّ افْتَرَقَ النَّاسُ كُلَّ فُرْقَةٍ وَ تَشَعَّبُوا كُلَّ شُعْبَةٍ فَانْشَعَبْتُمْ مَعَ أَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّكُمْ ص وَ ذَهَبْتُمْ حَيْثُ ذَهَبُوا وَ اخْتَرْتُمْ مَنِ اخْتَارَ اللَّهُ لَكُمْ وَ أَرَدْتُمْ مَنْ أَرَادَ اللَّهُ فَأَبْشِرُوا ثُمَّ أَبْشِرُوا فَأَنْتُمْ وَ اللَّهِ الْمَرْحُومُونَ الْمُتَقَبَّلُ مِنْ مُحْسِنِكُمْ وَ الْمُتَجَاوَزُ عَنْ مُسِيئِكُمْ مَنْ لَمْ يَأْتِ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ بِمَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْهُ حَسَنَةٌ وَ لَمْ يُتَجَاوَزْ لَهُ عَنْ سَيِّئَةٍ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ فَهَلْ سَرَرْتُكَ قَالَ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ زِدْنِي- فَقَالَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ إِنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ مَلَائِكَةً يُسْقِطُونَ الذُّنُوبَ عَنْ ظُهُورِ شِيعَتِنَا كَمَا يُسْقِطُ الرِّيحُ الْوَرَقَ فِي أَوَانِ سُقُوطِهِ وَ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَ جَلَّ- الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَ مَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَ يَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا اسْتِغْفَارُهُمْ وَ اللَّهِ لَكُمْ دُونَ هَذَا الْخَلْقِ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ فَهَلْ سَرَرْتُكَ قَالَ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ زِدْنِي قَالَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ لَقَدْ ذَكَرَكُمُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا

قوله عليه السلام:" و قد نبزنا نبزا" النبز بالتحريك: اللقب، و النبز بالتسكين المصدر، يقال: نبزه و نبزه نبزا أي لقبه.

قوله عليه السلام:" فأبشروا" قال الجوهري: يقال: بشرته بمولود، فأبشر إبشارا

ص: 79

اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَ ما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا إِنَّكُمْ وَفَيْتُمْ بِمَا أَخَذَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِيثَاقَكُمْ مِنْ وَلَايَتِنَا وَ إِنَّكُمْ لَمْ تُبَدِّلُوا بِنَا غَيْرَنَا وَ لَوْ لَمْ تَفْعَلُوا لَعَيَّرَكُمُ اللَّهُ كَمَا عَيَّرَهُمْ حَيْثُ يَقُولُ جَلَّ ذِكْرُهُ- وَ ما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَ إِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ فَهَلْ سَرَرْتُكَ قَالَ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ زِدْنِي فَقَالَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ لَقَدْ ذَكَرَكُمُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ وَ اللَّهِ مَا أَرَادَ بِهَذَا غَيْرَكُمْ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ فَهَلْ سَرَرْتُكَ قَالَ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ زِدْنِي فَقَالَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ- الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ وَ اللَّهِ مَا أَرَادَ بِهَذَا غَيْرَكُمْ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ فَهَلْ سَرَرْتُكَ قَالَ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ زِدْنِي فَقَالَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ لَقَدْ ذَكَرَنَا اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ وَ شِيعَتَنَا وَ عَدُوَّنَا فِي آيَةٍ مِنْ كِتَابِهِ فَقَالَ عَزَّ وَ جَلَّ- هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ فَنَحْنُ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَ عَدُوُّنَا الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ وَ شِيعَتُنَا هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ فَهَلْ سَرَرْتُكَ قَالَ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ زِدْنِي فَقَالَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ وَ اللَّهِ مَا اسْتَثْنَى اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِأَحَدٍ مِنْ أَوْصِيَاءِ الْأَنْبِيَاءِ وَ لَا أَتْبَاعِهِمْ مَا خَلَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ع وَ شِيعَتَهُ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ وَ قَوْلُهُ الْحَقُّ- يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً وَ لا هُمْ يُنْصَرُونَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ يَعْنِي بِذَلِكَ عَلِيّاً ع وَ شِيعَتَهُ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ فَهَلْ سَرَرْتُكَ قَالَ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ زِدْنِي قَالَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ لَقَدْ ذَكَرَكُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ إِذْ يَقُولُ- يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَ اللَّهِ مَا أَرَادَ بِهَذَا غَيْرَكُمْ فَهَلْ سَرَرْتُكَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ قَالَ قُلْتُ

قوله تعالى:" فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ" النحب: المدة و و الوقت، يقال قضى فلان نحبه: إذا مات، كذا ذكره الجوهري.

قوله تعالى:" أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ" أي أفرطوا في الجناية عليها بالإسراف

ص: 80

جُعِلْتُ فِدَاكَ زِدْنِي فَقَالَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ لَقَدْ ذَكَرَكُمُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ وَ اللَّهِ مَا أَرَادَ بِهَذَا إِلَّا الْأَئِمَّةَ ع وَ شِيعَتَهُمْ فَهَلْ سَرَرْتُكَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ قَالَ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ زِدْنِي فَقَالَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ لَقَدْ ذَكَرَكُمُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحِينَ وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً فَرَسُولُ اللَّهِ ص فِي الْآيَةِ النَّبِيُّونَ وَ نَحْنُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الصِّدِّيقُونَ وَ الشُّهَدَاءُ وَ أَنْتُمُ الصَّالِحُونَ فَتَسَمَّوْا بِالصَّلَاحِ كَمَا سَمَّاكُمُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ فَهَلْ سَرَرْتُكَ قَالَ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ زِدْنِي قَالَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ لَقَدْ ذَكَرَكُمُ اللَّهُ إِذْ حَكَى عَنْ عَدُوِّكُمْ فِي النَّارِ بِقَوْلِهِ- وَ قالُوا ما لَنا لا نَرى رِجالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ وَ اللَّهِ مَا عَنَى وَ لَا أَرَادَ بِهَذَا غَيْرَكُمْ صِرْتُمْ

في المعاصي.

قوله تعالى:" لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ*" بالنسبة إلى الشيعة عدم سلطانه بمعنى أنه لا يمكنه أن يخرجهم من دينهم الحق أو يمكنهم دفعه بالاستعاذة و التوسل به تعالى.

قوله عليه السلام:" فتسموا" قال في القاموس: تسمى بكذا: انتسب أي كونوا من أهل الصلاح و انتسبوا إليه قوله تعالى:" وَ قالُوا" أي المخالفون" ما لَنا لا نَرى رِجالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ" أي الشيعة" أَتَّخَذْناهُمْ" صفة أخرى ل" رجالا" و قرأ الحجازيان و ابن عامر و عاصم بهمزة الاستفهام على أنه إنكار على أنفسهم، و تأنيب لها في الاستسخار منهم، و قرأ نافع و حمزة و الكسائي" سِخْرِيًّا" بالضم" أَمْ زاغَتْ" أي مالت" عَنْهُمُ الْأَبْصارُ" فلا نراهم" و أم" معادل ل" ما لنا لا نرى" على أن المراد نفي رؤيتهم لغيبتهم أي ليسوا هيهنا أم زاغت عنه أبصارنا، أو لاتخذناهم على القراءة الثانية بمعنى أي الأمرين فعلنا بهم الاستسخار منهم أم تحقيرهم، فإن رفع الأبصار كناية عنه على معنى إنكارهما على أنفسهم أو منقطعة، و المراد الدلالة على أن

ص: 81

عِنْدَ أَهْلِ هَذَا الْعَالَمِ شِرَارَ النَّاسِ وَ أَنْتُمْ وَ اللَّهِ فِي الْجَنَّةِ تُحْبَرُونَ وَ فِي النَّارِ تُطْلَبُونَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ فَهَلْ سَرَرْتُكَ قَالَ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ زِدْنِي قَالَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ مَا مِنْ آيَةٍ نَزَلَتْ تَقُودُ إِلَى الْجَنَّةِ وَ لَا تَذْكُرُ أَهْلَهَا بِخَيْرٍ إِلَّا وَ هِيَ فِينَا وَ فِي شِيعَتِنَا وَ مَا مِنْ آيَةٍ نَزَلَتْ تَذْكُرُ أَهْلَهَا بِشَرٍّ وَ لَا تَسُوقُ إِلَى النَّارِ إِلَّا وَ هِيَ فِي عَدُوِّنَا وَ مَنْ خَالَفَنَا فَهَلْ سَرَرْتُكَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ قَالَ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ زِدْنِي فَقَالَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ لَيْسَ عَلَى مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا نَحْنُ وَ شِيعَتُنَا وَ سَائِرُ النَّاسِ مِنْ ذَلِكَ بُرَآءُ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ فَهَلْ سَرَرْتُكَ وَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى فَقَالَ حَسْبِي

حَدِيثُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع مَعَ الْمَنْصُورِ فِي مَوْكِبِهِ

7 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ وَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ جَمِيعاً عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ حُمْرَانَ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع وَ ذُكِرَ هَؤُلَاءِ عِنْدَهُ وَ سُوءُ حَالِ الشِّيعَةِ عِنْدَهُمْ فَقَالَ إِنِّي سِرْتُ مَعَ أَبِي جَعْفَرٍ الْمَنْصُورِ وَ هُوَ فِي مَوْكِبِهِ وَ هُوَ عَلَى فَرَسٍ وَ بَيْنَ يَدَيْهِ خَيْلٌ وَ مِنْ خَلْفِهِ خَيْلٌ وَ أَنَا عَلَى حِمَارٍ إِلَى جَانِبِهِ فَقَالَ لِي يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ قَدْ كَانَ فَيَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَفْرَحَ بِمَا أَعْطَانَا اللَّهُ مِنَ الْقُوَّةِ وَ فَتَحَ لَنَا مِنَ الْعِزِّ-

استرذالهم، و الاستسخار منهم كان كزيغ أبصارهم و قصور أنظارهم على رثاثة حالهم كذا ذكره البيضاوي.

قوله عليه السلام:" في الجنة تحبرون" قال الجوهري قال تعالى" فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ" أي ينعمون و يكرمون و يسرون.

قوله عليه السلام:" براء" بكسر الباء ككرام، و في بعض النسخ" برآء" كفقهاء، و كلاهما جمع بري ء.

س

[الحديث السابع] حديث أبي عبد الله عليه السلام مع المنصور في موكبه

[الحديث السابع] حديث أبي عبد الله عليه السلام مع المنصور في موكبه

الحديث السابع: حسن.

قوله عليه السلام:" و هو في موكبه" الموكب جماعة الفرسان، قوله" فتغرينا"

ص: 82

وَ لَا تُخْبِرَ النَّاسَ أَنَّكَ أَحَقُّ بِهَذَا الْأَمْرِ مِنَّا وَ أَهْلَ بَيْتِكَ فَتُغْرِيَنَا بِكَ وَ بِهِمْ قَالَ فَقُلْتُ وَ مَنْ رَفَعَ هَذَا إِلَيْكَ عَنِّي فَقَدْ كَذَبَ فَقَالَ لِي أَ تَحْلِفُ عَلَى مَا تَقُولُ قَالَ فَقُلْتُ إِنَّ النَّاسَ سَحَرَةٌ يَعْنِي يُحِبُّونَ أَنْ يُفْسِدُوا قَلْبَكَ عَلَيَّ فَلَا تُمَكِّنْهُمْ مِنْ سَمْعِكَ فَإِنَّا إِلَيْكَ أَحْوَجُ مِنْكَ إِلَيْنَا فَقَالَ لِي تَذْكُرُ يَوْمَ سَأَلْتُكَ هَلْ لَنَا مُلْكٌ فَقُلْتَ نَعَمْ طَوِيلٌ عَرِيضٌ شَدِيدٌ فَلَا تَزَالُونَ فِي مُهْلَةٍ مِنْ أَمْرِكُمْ وَ فُسْحَةٍ مِنْ دُنْيَاكُمْ حَتَّى تُصِيبُوا مِنَّا دَماً حَرَاماً فِي شَهْرٍ حَرَامٍ فِي بَلَدٍ حَرَامٍ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ قَدْ حَفِظَ الْحَدِيثَ فَقُلْتُ لَعَلَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ أَنْ يَكْفِيَكَ فَإِنِّي لَمْ أَخُصَّكَ بِهَذَا وَ إِنَّمَا هُوَ حَدِيثٌ رَوَيْتُهُ ثُمَّ لَعَلَّ غَيْرَكَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِكَ يَتَوَلَّى ذَلِكَ فَسَكَتَ عَنِّي فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى مَنْزِلِي أَتَانِي بَعْضُ مَوَالِينَا فَقَالَ جُعِلْتُ فِدَاكَ وَ اللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُكَ فِي مَوْكِبِ أَبِي جَعْفَرٍ

الإغراء: التحريص على الشر، يقال: أغريت الكلب بالصيد.

قوله عليه السلام:" و من رفع هذا إليك" أي حكاه عني على وجه المرافعة و الإضرار.

قوله عليه السلام:" إن الناس سحرة" قال الجزري: فيه" إن من البيان لسحرا" أي منه ما يصرف قلوب السامعين، و إن كان غير حق، و السحر في كلامهم صرف الشي ء عن وجهه.

أقول: و في بعض النسخ" شجرة بغي" مكان، سحرة يعني.

قوله عليه السلام:" و فسحة" بالضم أي سعة.

قوله عليه السلام:" حتى يصيبوا منا" إلخ. لعل المراد دم رجل من السادات، و أولاد الأئمة سفكوها عند انقضاء دولتهم.

و يحتمل أن يكون مراده عليه السلام هذا الملعون خاصة و دولته، و المراد بسفك الدم القتل، و لو بالسم مجازا و البلد الحرام مدينة الرسول، صلى الله عليه و آله فإن هذا الملعون سمه على ما روي و لم يبق بعده عليه السلام إلا قليلا.

ص: 83

وَ أَنْتَ عَلَى حِمَارٍ وَ هُوَ عَلَى فَرَسٍ وَ قَدْ أَشْرَفَ عَلَيْكَ يُكَلِّمُكَ كَأَنَّكَ تَحْتَهُ فَقُلْتُ بَيْنِي وَ بَيْنَ نَفْسِي هَذَا حُجَّةُ اللَّهِ عَلَى الْخَلْقِ وَ صَاحِبُ هَذَا الْأَمْرِ الَّذِي يُقْتَدَى بِهِ وَ هَذَا الْآخَرُ يَعْمَلُ بِالْجَوْرِ وَ يَقْتُلُ أَوْلَادَ الْأَنْبِيَاءِ وَ يَسْفِكُ الدِّمَاءَ فِي الْأَرْضِ بِمَا لَا يُحِبُّ اللَّهُ وَ هُوَ فِي مَوْكِبِهِ وَ أَنْتَ عَلَى حِمَارٍ فَدَخَلَنِي مِنْ ذَلِكَ شَكٌّ حَتَّى خِفْتُ عَلَى دِينِي وَ نَفْسِي قَالَ فَقُلْتُ لَوْ رَأَيْتَ مَنْ كَانَ حَوْلِي وَ بَيْنَ يَدَيَّ وَ مِنْ خَلْفِي وَ عَنْ يَمِينِي وَ عَنْ شِمَالِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ لَاحْتَقَرْتَهُ وَ احْتَقَرْتَ مَا هُوَ فِيهِ فَقَالَ الْآنَ سَكَنَ قَلْبِي ثُمَّ قَالَ إِلَى مَتَى هَؤُلَاءِ يَمْلِكُونَ أَوْ مَتَى الرَّاحَةُ مِنْهُمْ فَقُلْتُ أَ لَيْسَ تَعْلَمُ أَنَّ لِكُلِّ شَيْ ءٍ مُدَّةً قَالَ بَلَى فَقُلْتُ هَلْ يَنْفَعُكَ عِلْمُكَ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ إِذَا جَاءَ كَانَ أَسْرَعَ مِنْ طَرْفَةِ الْعَيْنِ إِنَّكَ لَوْ تَعْلَمُ حَالَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ كَيْفَ هِيَ كُنْتَ لَهُمْ أَشَدَّ بُغْضاً وَ لَوْ جَهَدْتَ أَوْ جَهَدَ أَهْلُ الْأَرْضِ أَنْ يُدْخِلُوهُمْ فِي أَشَدِّ مَا هُمْ فِيهِمْ مِنَ الْإِثْمِ لَمْ يَقْدِرُوا فَلَا يَسْتَفِزَّنَّكَ الشَّيْطَانُ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ لكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ أَ لَا تَعْلَمُ أَنَّ مَنِ انْتَظَرَ أَمْرَنَا وَ صَبَرَ عَلَى مَا يَرَى مِنَ الْأَذَى وَ الْخَوْفِ هُوَ غَداً فِي زُمْرَتِنَا فَإِذَا رَأَيْتَ الْحَقَّ قَدْ مَاتَ وَ ذَهَبَ أَهْلُهُ وَ رَأَيْتَ الْجَوْرَ قَدْ شَمِلَ الْبِلَادَ وَ رَأَيْتَ الْقُرْآنَ قَدْ خَلُقَ وَ أُحْدِثَ فِيهِ مَا لَيْسَ فِيهِ وَ وُجِّهَ عَلَى الْأَهْوَاءِ وَ رَأَيْتَ الدِّينَ قَدِ انْكَفَأَ كَمَا يَنْكَفِئُ الْمَاءُ وَ رَأَيْتَ أَهْلَ الْبَاطِلِ قَدِ اسْتَعْلَوْا عَلَى أَهْلِ الْحَقِّ وَ رَأَيْتَ الشَّرَّ ظَاهِراً لَا يُنْهَى عَنْهُ وَ يُعْذَرُ أَصْحَابُهُ وَ رَأَيْتَ الْفِسْقَ قَدْ ظَهَرَ وَ اكْتَفَى الرِّجَالُ بِالرِّجَالِ وَ النِّسَاءُ بِالنِّسَاءِ وَ رَأَيْتَ الْمُؤْمِنَ صَامِتاً لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَ رَأَيْتَ الْفَاسِقَ يَكْذِبُ وَ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ كَذِبُهُ وَ فِرْيَتُهُ وَ رَأَيْتَ الصَّغِيرَ يَسْتَحْقِرُ بِالْكَبِيرِ وَ رَأَيْتَ الْأَرْحَامَ قَدْ تَقَطَّعَتْ وَ رَأَيْتَ مَنْ يَمْتَدِحُ بِالْفِسْقِ يَضْحَكُ مِنْهُ وَ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ وَ رَأَيْتَ الْغُلَامَ يُعْطِي مَا تُعْطِي الْمَرْأَةُ وَ رَأَيْتَ النِّسَاءَ

قوله عليه السلام:" أو متى الراحة" الترديد من الراوي.

قوله عليه السلام:" أن هذا الأمر" أي انقضاء دولتهم أو ظهور دولة الحق.

قوله عليه السلام:" فلا يستفزنك الشيطان" قال الجوهري: استفزه الخوف أي استخفه.

قوله عليه السلام:" في زمرتنا" الزمرة: الجماعة من الناس.

قوله عليه السلام:" قد انكفأ" إلخ، أي انقلب يقال: كفأت الإناء: أي قلبته.

قوله عليه السلام:" يعذر أصحابه" على البناء للمجهول، أي يعدونهم معذورين في ما هم فيه من الشر و الفساد.

قوله:" يمتدح بالفسق" أي يفتخر و يطلب المدح، قال الفيروزآبادي: امتدح

ص: 84

يَتَزَوَّجْنَ النِّسَاءَ وَ رَأَيْتَ الثَّنَاءَ قَدْ كَثُرَ وَ رَأَيْتَ الرَّجُلَ يُنْفِقُ الْمَالَ فِي غَيْرِ طَاعَةِ اللَّهِ فَلَا يُنْهَى وَ لَا يُؤْخَذُ عَلَى يَدَيْهِ وَ رَأَيْتَ النَّاظِرَ يَتَعَوَّذُ بِاللَّهِ مِمَّا يَرَى الْمُؤْمِنَ فِيهِ مِنَ الِاجْتِهَادِ وَ رَأَيْتَ الْجَارَ يُؤْذِي جَارَهُ وَ لَيْسَ لَهُ مَانِعٌ وَ رَأَيْتَ الْكَافِرَ فَرِحاً لِمَا يَرَى فِي الْمُؤْمِنِ مَرِحاً لِمَا يَرَى فِي الْأَرْضِ مِنَ الْفَسَادِ وَ رَأَيْتَ الْخُمُورَ تُشْرَبُ عَلَانِيَةً وَ يَجْتَمِعُ عَلَيْهَا مَنْ لَا يَخَافُ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ وَ رَأَيْتَ الْآمِرَ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِيلًا وَ رَأَيْتَ الْفَاسِقَ فِيمَا لَا يُحِبُّ اللَّهُ قَوِيّاً مَحْمُوداً وَ رَأَيْتَ أَصْحَابَ الْآيَاتِ يُحْتَقَرُونَ وَ يُحْتَقَرُ مَنْ يُحِبُّهُمْ وَ رَأَيْتَ سَبِيلَ الْخَيْرِ مُنْقَطِعاً وَ سَبِيلَ الشَّرِّ مَسْلُوكاً وَ رَأَيْتَ بَيْتَ اللَّهِ قَدْ عُطِّلَ وَ يُؤْمَرُ بِتَرْكِهِ وَ رَأَيْتَ الرَّجُلَ يَقُولُ مَا لَا يَفْعَلُهُ وَ رَأَيْتَ الرِّجَالَ يَتَسَمَّنُونَ لِلرِّجَالِ وَ النِّسَاءَ لِلنِّسَاءِ وَ رَأَيْتَ الرَّجُلَ مَعِيشَتُهُ مِنْ دُبُرِهِ وَ مَعِيشَةُ الْمَرْأَةِ مِنْ فَرْجِهَا وَ رَأَيْتَ النِّسَاءَ يَتَّخِذْنَ الْمَجَالِسَ كَمَا يَتَّخِذُهَا الرِّجَالُ وَ رَأَيْتَ التَّأْنِيثَ فِي وُلْدِ الْعَبَّاسِ قَدْ ظَهَرَ وَ أَظْهَرُوا الْخِضَابَ وَ امْتَشَطُوا كَمَا تَمْتَشِطُ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا وَ أَعْطَوُا

تكلف أن يمدح و افتخر و تشبع بما ليس عنده.

قوله:" مرحا" المرح بالتحريك: شدة الفرح و النشاط، و قد مرح بالكسر فهو مرح.

قوله عليه السلام:" و رأيت أصحاب الآيات" أي العلامات و المعجزات أو الذين نزلت فيهم الآيات، و هم الأئمة أو المفسرين، و القراء و في بعض النسخ أصحاب الآثار و هم المحدثون.

قوله عليه السلام:" و رأيت الرجال يتسمنون" أي يستعملون الأغذية و الأدوية للسمن ليعمل معهم القبيح، قال في النهاية فيه:" يكون في آخر الزمان قوم يتسمنون" أي يتكثرون بما ليس عندهم، و يدعون ما ليس لهم من الشرف، و قيل:

أراد جمعهم الأموال، و قيل يحبون التوسع في المأكل و المشارب، و هي أسباب السمن، و منه الحديث الآخر" و يظهر فيهم السمن" و فيه" ويل للمسمنات يوم القيامة" من فترة في العظام" أي اللاتي يستعملن السمنة، و هو دواء يتسمن به النساء انتهى.

قوله عليه السلام:" و أظهروا الخضاب" أي خضاب اليد و الرجل، إذ خضاب

ص: 85

الرِّجَالَ الْأَمْوَالَ عَلَى فُرُوجِهِمْ وَ تُنُوفِسَ فِي الرَّجُلِ وَ تَغَايَرَ عَلَيْهِ الرِّجَالُ وَ كَانَ صَاحِبُ الْمَالِ أَعَزَّ مِنَ الْمُؤْمِنِ وَ كَانَ الرِّبَا ظَاهِراً لَا يُعَيَّرُ وَ كَانَ الزِّنَا تُمْتَدَحُ بِهِ النِّسَاءُ وَ رَأَيْتَ الْمَرْأَةَ تُصَانِعُ زَوْجَهَا عَلَى نِكَاحِ الرِّجَالِ وَ رَأَيْتَ أَكْثَرَ النَّاسِ وَ خَيْرَ بَيْتٍ مَنْ يُسَاعِدُ النِّسَاءَ عَلَى فِسْقِهِنَّ وَ رَأَيْتَ الْمُؤْمِنَ مَحْزُوناً مُحْتَقَراً ذَلِيلًا وَ رَأَيْتَ الْبِدَعَ وَ الزِّنَا قَدْ ظَهَرَ وَ رَأَيْتَ النَّاسَ يَعْتَدُّونَ بِشَاهِدِ الزُّورِ وَ رَأَيْتَ الْحَرَامَ يُحَلَّلُ وَ رَأَيْتَ الْحَلَالَ يُحَرَّمُ وَ رَأَيْتَ الدِّينِ بِالرَّأْيِ وَ عُطِّلَ الْكِتَابُ وَ أَحْكَامُهُ وَ رَأَيْتَ اللَّيْلَ لَا يُسْتَخْفَى بِهِ مِنَ الْجُرْأَةِ عَلَى اللَّهِ وَ رَأَيْتَ الْمُؤْمِنَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنْكِرَ إِلَّا بِقَلْبِهِ وَ رَأَيْتَ الْعَظِيمَ مِنَ الْمَالِ يُنْفَقُ فِي سَخَطِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ رَأَيْتَ الْوُلَاةَ يُقَرِّبُونَ أَهْلَ الْكُفْرِ وَ يُبَاعِدُونَ أَهْلَ الْخَيْرِ وَ رَأَيْتَ الْوُلَاةَ يَرْتَشُونَ فِي الْحُكْمِ وَ رَأَيْتَ الْوِلَايَةَ قَبَالَةً لِمَنْ زَادَ وَ رَأَيْتَ ذَوَاتِ الْأَرْحَامِ يُنْكَحْنَ وَ يُكْتَفَى بِهِنَّ وَ رَأَيْتَ الرَّجُلَ يُقْتَلُ عَلَى التُّهَمَةِ وَ عَلَى الظِّنَّةِ وَ يَتَغَايَرُ عَلَى الرَّجُلِ الذَّكَرِ فَيَبْذُلُ لَهُ نَفْسَهُ وَ

الشعر ممدوح للرجال مستحب، و قد ورد خبر آخر أيضا يدل على كراهة خضاب اليد للرجال.

قوله عليه السلام:" و أعطوا الرجال الأموال على فروجهم" أي أعطي ولد العباس الناس أموالا ليطؤوهم أو المراد أنهم يعطون السلاطين و الحكام الأموال لأجل فروجهم أو فروج نسائهم للدياثة، و يمكن أن يقرأ الرجال بالرفع و أعطوا على المعلوم أو المجهول من باب أكلوني البراغيث و الأول أظهر.

قوله عليه السلام:" و تنوفس في الرجل" التنافس: الرغبة في الشي ء و الإفراد به، و المنافسة: المغالبة على الشي ء و هي المراد هيهنا.

قوله عليه السلام:" و رأيت المرأة تصانع زوجها" المصانعة: الرشوة و المداهنة، و المراد إما المصانعة لترك الرجال، أو للاشتغال بهم لتشتغل هي بالنساء أو تصانعه لمعاشرتها الرجال، قوله" يعتدون" من الاعتداد أو الاعتداء.

قوله عليه السلام:" و رأيت الليل لا يستخفى به" أي لا ينتظرون للمعاصي دخول الليل ليستتروا به، بل يعملونها في النهار علانية.

ص: 86

مَالَهُ وَ رَأَيْتَ الرَّجُلَ يُعَيَّرُ عَلَى إِتْيَانِ النِّسَاءِ وَ رَأَيْتَ الرَّجُلَ يَأْكُلُ مِنْ كَسْبِ امْرَأَتِهِ مِنَ الْفُجُورِ يَعْلَمُ ذَلِكَ وَ يُقِيمُ عَلَيْهِ وَ رَأَيْتَ الْمَرْأَةَ تَقْهَرُ زَوْجَهَا وَ تَعْمَلُ مَا لَا يَشْتَهِي وَ تُنْفِقُ عَلَى زَوْجِهَا وَ رَأَيْتَ الرَّجُلَ يُكْرِي امْرَأَتَهُ وَ جَارِيَتَهُ وَ يَرْضَى بِالدَّنِيِّ مِنَ الطَّعَامِ وَ الشَّرَابِ وَ رَأَيْتَ الْأَيْمَانَ بِاللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ كَثِيرَةً عَلَى الزُّورِ وَ رَأَيْتَ الْقِمَارَ قَدْ ظَهَرَ وَ رَأَيْتَ الشَّرَابَ يُبَاعُ ظَاهِراً لَيْسَ لَهُ مَانِعٌ وَ رَأَيْتَ النِّسَاءَ يَبْذُلْنَ أَنْفُسَهُنَّ لِأَهْلِ الْكُفْرِ وَ رَأَيْتَ الْمَلَاهِيَ قَدْ ظَهَرَتْ يُمَرُّ بِهَا لَا يَمْنَعُهَا أَحَدٌ أَحَداً وَ لَا يَجْتَرِئُ أَحَدٌ عَلَى مَنْعِهَا وَ رَأَيْتَ الشَّرِيفَ يَسْتَذِلُّهُ الَّذِي يُخَافُ سُلْطَانُهُ وَ رَأَيْتَ أَقْرَبَ النَّاسِ مِنَ الْوُلَاةِ مَنْ يَمْتَدِحُ بِشَتْمِنَا أَهْلَ الْبَيْتِ وَ رَأَيْتَ مَنْ يُحِبُّنَا يُزَوَّرُ وَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَ رَأَيْتَ الزُّورَ مِنَ الْقَوْلِ يُتَنَافَسُ فِيهِ وَ رَأَيْتَ الْقُرْآنَ قَدْ ثَقُلَ عَلَى النَّاسِ اسْتِمَاعُهُ وَ خَفَّ عَلَى النَّاسِ اسْتِمَاعُ الْبَاطِلِ وَ رَأَيْتَ الْجَارَ يُكْرِمُ الْجَارَ خَوْفاً مِنْ لِسَانِهِ وَ رَأَيْتَ الْحُدُودَ قَدْ عُطِّلَتْ وَ عُمِلَ فِيهَا بِالْأَهْوَاءِ وَ رَأَيْتَ الْمَسَاجِدَ قَدْ زُخْرِفَتْ وَ رَأَيْتَ أَصْدَقَ النَّاسِ عِنْدَ النَّاسِ الْمُفْتَرِيَ الْكَذِبَ وَ رَأَيْتَ الشَّرَّ قَدْ ظَهَرَ وَ السَّعْيَ بِالنَّمِيمَةِ وَ رَأَيْتَ الْبَغْيَ قَدْ فَشَا وَ رَأَيْتَ الْغِيبَةَ تُسْتَمْلَحُ وَ

قوله:" و رأيت الولاية قبالة" أي يزيدون المال و يأخذون الولايات، قال الجزري: في حديث ابن عباس" إياكم و القبالات فإنها صغار و فضلها ربا" هو أن يتقبل بخراج أو جباية أكثر مما أعطى، و في بعض النسخ [لمن زاد] و في بعضها [لمن أراد] قوله عليه السلام:" على الزور" أي على الكذب قوله:" يمر بها" على المجهول أو على المعلوم بتقدير.

قوله عليه السلام:" يزور" أي ينسب إلى الزور و الكذب، قوله عليه السلام" و رأيت الزور من القول" قال في النهاية: الزور: الكذب و الباطل و التهمة.

قوله عليه السلام:" و رأيت المساجد قد زخرفت" الزخرفة النقش بالذهب، و المشهور بين الأصحاب الحرمة، و أطلق جماعة من الأصحاب تحريم النقش مطلقا، لأن ذلك بدعة، و فيه إشكال.

قوله عليه السلام:" تستملح" قال الفيروزآبادي: استملحه عده مليحا.

ص: 87

يُبَشِّرُ بِهَا النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً وَ رَأَيْتَ طَلَبَ الْحَجِّ وَ الْجِهَادِ لِغَيْرِ اللَّهِ وَ رَأَيْتَ السُّلْطَانَ يُذِلُّ لِلْكَافِرِ الْمُؤْمِنَ وَ رَأَيْتَ الْخَرَابَ قَدْ أُدِيلَ مِنَ الْعُمْرَانِ وَ رَأَيْتَ الرَّجُلَ مَعِيشَتُهُ مِنْ بَخْسِ الْمِكْيَالِ وَ الْمِيزَانِ وَ رَأَيْتَ سَفْكَ الدِّمَاءِ يُسْتَخَفُّ بِهَا وَ رَأَيْتَ الرَّجُلَ يَطْلُبُ الرِّئَاسَةَ لِعَرَضِ الدُّنْيَا وَ يَشْهَرُ نَفْسَهُ بِخُبْثِ اللِّسَانِ لِيُتَّقَى وَ تُسْنَدَ إِلَيْهِ الْأُمُورُ وَ رَأَيْتَ الصَّلَاةَ قَدِ اسْتُخِفَّ بِهَا وَ رَأَيْتَ الرَّجُلَ عِنْدَهُ الْمَالُ الْكَثِيرُ ثُمَّ لَمْ يُزَكِّهِ مُنْذُ مَلَكَهُ وَ رَأَيْتَ الْمَيِّتَ يُنْبَشُ مِنْ قَبْرِهِ وَ يُؤْذَى وَ تُبَاعُ أَكْفَانُهُ وَ رَأَيْتَ الْهَرْجَ قَدْ كَثُرَ وَ رَأَيْتَ الرَّجُلَ يُمْسِي نَشْوَانَ وَ يُصْبِحُ سَكْرَانَ لَا يَهْتَمُّ بِمَا النَّاسُ فِيهِ وَ رَأَيْتَ الْبَهَائِمَ تُنْكَحُ وَ رَأَيْتَ الْبَهَائِمَ يَفْرِسُ بَعْضُهَا بَعْضاً وَ رَأَيْتَ الرَّجُلَ يَخْرُجُ إِلَى مُصَلَّاهُ وَ يَرْجِعُ وَ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْ ءٌ مِنْ ثِيَابِهِ وَ رَأَيْتَ قُلُوبَ النَّاسِ قَدْ قَسَتْ وَ جَمَدَتْ أَعْيُنُهُمْ وَ ثَقُلَ الذِّكْرُ عَلَيْهِمْ وَ رَأَيْتَ السُّحْتَ قَدْ ظَهَرَ يُتَنَافَسُ فِيهِ وَ رَأَيْتَ الْمُصَلِّيَ إِنَّمَا يُصَلِّي لِيَرَاهُ النَّاسُ وَ رَأَيْتَ الْفَقِيهَ يَتَفَقَّهُ لِغَيْرِ الدِّينِ يَطْلُبُ الدُّنْيَا وَ الرِّئَاسَةَ وَ رَأَيْتَ النَّاسَ مَعَ مَنْ غَلَبَ وَ رَأَيْتَ طَالِبَ الْحَلَالِ يُذَمُّ وَ يُعَيَّرُ وَ طَالِبَ الْحَرَامِ يُمْدَحُ وَ يُعَظَّمُ وَ رَأَيْتَ

قوله عليه السلام:" و يبشر بها الناس" كما هو الشائع في زماننا يقول بعضهم لبعض أتيتك بغيبة مليحة حسنة، فيستبشر السامع نعوذ بالله منها.

قوله عليه السلام:" و رأيت الخراب قد أديل من العمران" الأدلة: الغلبة، و يقال:

أدالنا الله من عدونا أي غلبنا عليهم، و لعل المراد كثرة الخراب و قلة العمران.

قوله عليه السلام:" و يسند إليه الأمور" أي توكل إليه الولايات.

قوله عليه السلام:" و رأيت الميت" لعل بيع الأكفان بيان للإيذاء أي يخرج من قبره لكفنه، و يحتمل أن يكون المراد إخراجه و ضربه و حرقه لمن له عليه دين مثلا.

قوله عليه السلام:" و رأيت الهرج" أي الفتنة و الفساد قوله عليه السلام:" و رأيت الرجل" أي السلطان أو الأعم" يمسي نشوان" أي سكران و قد يطلق على مبدء السكر.

قوله عليه السلام:" و ليس عليه شي ء من ثيابه" لكثرة السارقين و المختلسين.

قوله عليه السلام:" و رأيت السحت" أي المكاسب المحرمة.

ص: 88

الْحَرَمَيْنِ يُعْمَلُ فِيهِمَا بِمَا لَا يُحِبُّ اللَّهُ لَا يَمْنَعُهُمْ مَانِعٌ وَ لَا يَحُولُ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ الْعَمَلِ الْقَبِيحِ أَحَدٌ وَ رَأَيْتَ الْمَعَازِفَ ظَاهِرَةً فِي الْحَرَمَيْنِ وَ رَأَيْتَ الرَّجُلَ يَتَكَلَّمُ بِشَيْ ءٍ مِنَ الْحَقِّ وَ يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ فَيَقُومُ إِلَيْهِ مَنْ يَنْصَحُهُ فِي نَفْسِهِ فَيَقُولُ هَذَا عَنْكَ مَوْضُوعٌ وَ رَأَيْتَ النَّاسَ يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ وَ يَقْتَدُونَ بِأَهْلِ الشُّرُورِ وَ رَأَيْتَ مَسْلَكَ الْخَيْرِ وَ طَرِيقَهُ خَالِياً لَا يَسْلُكُهُ أَحَدٌ وَ رَأَيْتَ الْمَيِّتَ يُهْزَأُ بِهِ فَلَا يَفْزَعُ لَهُ أَحَدٌ وَ رَأَيْتَ كُلَّ عَامٍ يَحْدُثُ فِيهِ مِنَ الشَّرِّ وَ الْبِدْعَةِ أَكْثَرُ مِمَّا كَانَ وَ رَأَيْتَ الْخَلْقَ وَ الْمَجَالِسَ لَا يُتَابِعُونَ إِلَّا الْأَغْنِيَاءَ وَ رَأَيْتَ الْمُحْتَاجَ يُعْطَى عَلَى الضَّحِكِ بِهِ وَ يُرْحَمُ لِغَيْرِ وَجْهِ اللَّهِ وَ رَأَيْتَ الْآيَاتِ فِي السَّمَاءِ لَا يَفْزَعُ لَهَا أَحَدٌ وَ رَأَيْتَ النَّاسَ يَتَسَافَدُونَ كَمَا يَتَسَافَدُ الْبَهَائِمُ لَا يُنْكِرُ أَحَدٌ مُنْكَراً تَخَوُّفاً مِنَ النَّاسِ وَ رَأَيْتَ الرَّجُلَ يُنْفِقُ الْكَثِيرَ فِي غَيْرِ طَاعَةِ اللَّهِ وَ يَمْنَعُ الْيَسِيرَ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَ رَأَيْتَ الْعُقُوقَ قَدْ ظَهَرَ وَ اسْتُخِفَّ بِالْوَالِدَيْنِ وَ كَانَا مِنْ أَسْوَإِ النَّاسِ حَالًا عِنْدَ الْوَلَدِ وَ يَفْرَحُ بِأَنْ يَفْتَرِيَ عَلَيْهِمَا وَ رَأَيْتَ النِّسَاءَ وَ قَدْ غَلَبْنَ عَلَى الْمُلْكِ وَ غَلَبْنَ عَلَى كُلِّ أَمْرٍ لَا يُؤْتَى إِلَّا مَا لَهُنَّ فِيهِ هَوًى وَ رَأَيْتَ ابْنَ الرَّجُلِ يَفْتَرِي عَلَى أَبِيهِ وَ يَدْعُو عَلَى وَالِدَيْهِ وَ يَفْرَحُ بِمَوْتِهِمَا وَ رَأَيْتَ الرَّجُلَ إِذَا مَرَّ بِهِ يَوْمٌ وَ لَمْ يَكْسِبْ فِيهِ الذَّنْبَ الْعَظِيمَ مِنْ فُجُورٍ أَوْ بَخْسِ مِكْيَالٍ أَوْ مِيزَانٍ أَوْ غِشْيَانِ حَرَامٍ أَوْ شُرْبِ مُسْكِرٍ كَئِيباً حَزِيناً يَحْسَبُ أَنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ عَلَيْهِ وَضِيعَةٌ مِنْ عُمُرِهِ وَ رَأَيْتَ السُّلْطَانَ يَحْتَكِرُ الطَّعَامَ وَ رَأَيْتَ أَمْوَالَ ذَوِي الْقُرْبَى تُقْسَمُ فِي الزُّورِ وَ يُتَقَامَرُ بِهَا وَ تُشْرَبُ بِهَا الْخُمُورُ وَ رَأَيْتَ الْخَمْرَ يُتَدَاوَى بِهَا وَ يُوصَفُ لِلْمَرِيضِ وَ يُسْتَشْفَى

قوله عليه السلام:" و رأيت المعازف" أي الملاهي كالعود و الطنبور و نحوهما.

قوله عليه السلام:" كما يتسافد البهائم" أي جهرة في الطرق و الشوارع، و السفاد:

نزو الذكر على الأنثى.

قوله عليه السلام:" و ضيعة" أي خسران و نقص.

قوله عليه السلام:" و رأيت الخمر يتداوى بها" يدل على عدم جواز التداوي بالخمر كما يدل عليه كثير من الأخبار و ذهب إليه جماعة من العلماء الأخيار.

قوله عليه السلام:" و رأيت رياح المنافقين" تطلق الريح على الغلبة و القوة، و الرحمة و النصرة و الدولة و النفس، و الكل محتمل، و الأخير أظهر كناية عن كثرة تكلمهم

ص: 89

بِهَا وَ رَأَيْتَ النَّاسَ قَدِ اسْتَوَوْا فِي تَرْكِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَ النَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ تَرْكِ التَّدَيُّنِ بِهِ وَ رَأَيْتَ رِيَاحَ الْمُنَافِقِينَ وَ أَهْلِ النِّفَاقِ قَائِمَةً وَ رِيَاحَ أَهْلِ الْحَقِّ لَا تَحَرَّكُ وَ رَأَيْتَ الْأَذَانَ بِالْأَجْرِ وَ الصَّلَاةَ بِالْأَجْرِ وَ رَأَيْتَ الْمَسَاجِدَ مُحْتَشِيَةً مِمَّنْ لَا يَخَافُ اللَّهَ- مُجْتَمِعُونَ فِيهَا لِلْغِيبَةِ وَ أَكْلِ لُحُومِ أَهْلِ الْحَقِّ وَ يَتَوَاصَفُونَ فِيهَا شَرَابَ الْمُسْكِرِ وَ رَأَيْتَ السَّكْرَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ وَ هُوَ لَا يَعْقِلُ وَ لَا يُشَانُ بِالسُّكْرِ وَ إِذَا سَكِرَ أُكْرِمَ وَ اتُّقِيَ وَ خِيفَ وَ تُرِكَ لَا يُعَاقَبُ وَ يُعْذَرُ بِسُكْرِهِ وَ رَأَيْتَ مَنْ أَكَلَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى يُحْمَدُ بِصَلَاحِهِ وَ رَأَيْتَ الْقُضَاةَ يَقْضُونَ بِخِلَافِ مَا أَمَرَ اللَّهُ وَ رَأَيْتَ الْوُلَاةَ يَأْتَمِنُونَ الْخَوَنَةَ لِلطَّمَعِ وَ رَأَيْتَ الْمِيرَاثَ قَدْ وَضَعَتْهُ الْوُلَاةُ لِأَهْلِ الْفُسُوقِ وَ الْجُرْأَةِ عَلَى اللَّهِ يَأْخُذُونَ مِنْهُمْ وَ يُخَلُّونَهُمْ وَ مَا يَشْتَهُونَ وَ رَأَيْتَ الْمَنَابِرَ يُؤْمَرُ عَلَيْهَا بِالتَّقْوَى وَ لَا يَعْمَلُ الْقَائِلُ بِمَا يَأْمُرُ وَ رَأَيْتَ الصَّلَاةَ قَدِ اسْتُخِفَّ بِأَوْقَاتِهَا وَ رَأَيْتَ الصَّدَقَةَ بِالشَّفَاعَةِ لَا يُرَادُ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ وَ يُعْطَى لِطَلَبِ النَّاسِ وَ رَأَيْتَ النَّاسَ هَمُّهُمْ بُطُونُهُمْ وَ فُرُوجُهُمْ لَا يُبَالُونَ بِمَا أَكَلُوا وَ مَا نَكَحُوا وَ رَأَيْتَ الدُّنْيَا مُقْبِلَةً عَلَيْهِمْ وَ رَأَيْتَ أَعْلَامَ الْحَقِّ قَدْ دَرَسَتْ فَكُنْ عَلَى حَذَرٍ وَ اطْلُبْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ النَّجَاةَ وَ اعْلَمْ أَنَّ النَّاسَ فِي سَخَطِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ إِنَّمَا يُمْهِلُهُمْ لِأَمْرٍ يُرَادُ بِهِمْ فَكُنْ مُتَرَقِّباً وَ اجْتَهِدْ لِيَرَاكَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ فِي خِلَافِ مَا هُمْ عَلَيْهِ فَإِنْ نَزَلَ بِهِمُ الْعَذَابُ وَ كُنْتَ فِيهِمْ عَجَّلْتَ

و قبول لهم.

قوله عليه السلام:" و لا يشان" من الشين أي العيب أي لا يعاب أو من الشأن بالهمز بمعنى القصد أي لا يقصد لأن ينهى عنه.

قوله عليه السلام:" و رأيت الميراث" أي ميراث اليتيم بأن يولوا عليها خائنا يأكل بعضها و يعطيهم بعضها، أو يحكمون لكل ميراث للفاسق من الورثة لما يأخذون منه من الرشوة.

قوله عليه السلام:" و رأيت الصدقة بالشفاعة" أي لا يتصدقون إلا لمن يشفع له شفيع فيعطون لوجه الشفيع لا لوجه الله أو يعطون لطلب الناس و إبرامهم.

قوله عليه السلام:" لا يبالون بما أكلوا" أي من حرام أو حلال.

ص: 90

إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ وَ إِنْ أُخِّرْتَ ابْتُلُوا وَ كُنْتَ قَدْ خَرَجْتَ مِمَّا هُمْ فِيهِ مِنَ الْجُرْأَةِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ وَ أَنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ

حَدِيثُ مُوسَى ع

8 عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عِيسَى رَفَعَهُ قَالَ إِنَّ مُوسَى ع نَاجَاهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى فَقَالَ لَهُ فِي مُنَاجَاتِهِ يَا مُوسَى لَا يَطُولُ فِي الدُّنْيَا أَمَلُكَ فَيَقْسُوَ لِذَلِكَ قَلْبُكَ وَ قَاسِي الْقَلْبِ مِنِّي بَعِيدٌ- يَا مُوسَى كُنْ كَمَسَرَّتِي فِيكَ فَإِنَّ مَسَرَّتِي أَنْ أُطَاعَ فَلَا أُعْصَى فَأَمِتْ قَلْبَكَ بِالْخَشْيَةِ وَ كُنْ خَلَقَ الثِّيَابِ جَدِيدَ الْقَلْبِ تُخْفَى عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ وَ تُعْرَفُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ حِلْسَ الْبُيُوتِ مِصْبَاحَ اللَّيْلِ وَ اقْنُتْ بَيْنَ يَدَيَّ قُنُوتَ الصَّابِرِينَ وَ صِحْ إِلَيَّ مِنْ كَثْرَةِ الذُّنُوبِ صِيَاحَ الْمُذْنِبِ الْهَارِبِ مِنْ عَدُوِّهِ وَ اسْتَعِنْ بِي عَلَى ذَلِكَ فَإِنِّي نِعْمَ الْعَوْنُ وَ نِعْمَ الْمُسْتَعَانُ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ فَوْقَ الْعِبَادِ وَ الْعِبَادُ دُونِي وَ كُلٌّ لِي دَاخِرُونَ فَاتَّهِمْ نَفْسَكَ عَلَى نَفْس

الحديث الثامن [حديث موسى عليه السلام]

الحديث الثامن [حديث موسى عليه السلام]

: مرفوع مجهول موقوف.

قوله تعالى:" كن خلق الثياب" الخلق محركة البالي، قوله تعالى:" حلس البيوت" قال الجوهري: أحلاس البيوت: ما يبسط تحت الحر من الثياب، و في الحديث" كن حلس بيتك" أي لا تبرح، و في القاموس: الحلس بالكسر و يحرك.

قوله تعالى:" مصباح الليل" أي بأن تقوم و تنور بنور العبادة ليلك كالمصباح قوله تعالى:" و اقنت" القنوت: الخضوع أو الدعاء في الصلاة.

قوله تعالى:" و استعن بي على ذلك" أي على العدو أو على الهرب منه.

قوله تعالى:" و كل لي داخرون" الدخور: الصغار و الذل.

قوله عليه السلام:" فاتهم نفسك على نفسك" فإن الإنسان كثيرا ما يختدع من

ص: 91

الصَّالِحِينَ- يَا مُوسَى اغْسِلْ وَ اغْتَسِلْ وَ اقْتَرِبْ مِنْ عِبَادِيَ الصَّالِحِينَ يَا مُوسَى كُنْ إِمَامَهُمْ فِي صَلَاتِهِمْ وَ إِمَامَهُمْ فِيمَا يَتَشَاجَرُونَ وَ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلْتُ عَلَيْكَ فَقَدْ أَنْزَلْتُهُ حُكْماً بَيِّناً وَ بُرْهَاناً نَيِّراً وَ نُوراً يَنْطِقُ بِمَا كَانَ فِي الْأَوَّلِينَ وَ بِمَا هُوَ كَائِنٌ فِي الْآخِرِينَ أُوصِيكَ يَا مُوسَى وَصِيَّةَ الشَّفِيقِ الْمُشْفِقِ- بِابْنِ الْبَتُولِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ صَاحِبِ الْأَتَانِ وَ الْبُرْنُسِ وَ الزَّيْتِ وَ الزَّيْتُونِ وَ الْمِحْرَابِ وَ مِنْ بَعْدِهِ بِصَاحِبِ الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ الطَّيِّبِ الطَّاهِرِ الْمُطَهَّرِ فَمَثَلُهُ فِي كِتَابِكَ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ مُهَيْمِنٌ عَلَى الْكُتُبِ كُلِّهَا وَ أَنَّهُ رَاكِعٌ

نفسه بأن لا يرى مساويه: بل يراها محاسن، و يكمن فيه كثير من الصفات الذميمة و هو غافل عنها.

قوله تعالى:" فيما يتشاجرون" التشاجر: التنازع و التخالف.

قوله تعالى:" وصية الشفيق" الشفقة: الخوف و حرص الناصح على صلاح المنصوح، و الشفيق و المشفق مترادفان أتى بهما للتأكيد.

قوله تعالى:" بابن البتول" البتل: القطع، و إنما سميت مريم عليها السلام بالبتول لانقطاعها من الأزواج، أو من الخلق إلى الله تعالى" صاحب الأتان" الأتان: بالفتح الحمارة" و البرنس" بالضم قلنسوة طويلة، و كان النساك يلبسونها في صدر الإسلام، و المراد بالزيتون و الزيت الثمرة المعروفة و دهنها، لأنه عليه السلام كان يأكلهما، أو نزلتا له في المائدة من السماء، أو المراد بالزيتون مسجد دمشق أو جبال الشام كما ذكره الفيروزآبادي أي أعطاه الله بلاد الشام و بالزيت الدهن الذي روي أنه كان في بني إسرائيل و كان غليانها من علامات النبوة، و المحراب أي لزومه و كثرة العبادة فيه.

قوله تعالى:" الطيب" أي من الذنوب" الطاهر" من كل دنس و خلق سيئ" المطهر" من الجهل، و كل شين و عيب.

قوله تعالى:" فمثله" المثل بالتحريك الصفة، قوله تعالى:" أنه مؤمن" أي بجميع

ص: 92

سَاجِدٌ رَاغِبٌ رَاهِبٌ إِخْوَانُهُ الْمَسَاكِينُ وَ أَنْصَارُهُ قَوْمٌ آخَرُونَ وَ يَكُونُ فِي زَمَانِهِ أَزْلٌ وَ زِلْزَالٌ وَ قَتْلٌ وَ قِلَّةٌ مِنَ الْمَالِ اسْمُهُ أَحْمَدُ مُحَمَّدٌ الْأَمِينُ مِنَ الْبَاقِينَ مِنْ ثُلَّةِ الْأَوَّلِينَ الْمَاضِينَ يُؤْمِنُ بِالْكُتُبِ كُلِّهَا وَ يُصَدِّقُ جَمِيعَ الْمُرْسَلِينَ وَ يَشْهَدُ بِالْإِخْلَاصِ لِجَمِيعِ النَّبِيِّينَ أُمَّتُهُ مَرْحُومَةٌ مُبَارَكَةٌ- مَا بَقُوا فِي الدِّينِ عَلَى حَقَائِقِهِ لَهُمْ سَاعَاتٌ مُوَقَّتَاتٌ يُؤَدُّونَ فِيهَا الصَّلَوَاتِ أَدَاءَ الْعَبْدِ إِلَى سَيِّدِهِ نَافِلَتَهُ فَبِهِ فَصَدِّقْ وَ مِنْهَاجَهُ فَاتَّبِعْ فَإِنَّهُ أَخُوكَ يَا مُوسَى إِنَّهُ أُمِّيٌّ وَ هُوَ عَبْدٌ صِدْقٌ يُبَارَكُ لَهُ فِيمَا وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَ يُبَارَكُ عَلَيْهِ كَذَلِكَ كَانَ فِي عِلْمِي وَ كَذَلِكَ خَلَقْتُهُ بِهِ أَفْتَحُ السَّاعَةَ وَ بِأُمَّتِهِ أَخْتِمُ مَفَاتِيحَ الدُّنْيَا فَمُرْ ظَلَمَةَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ لَا يَدْرُسُوا اسْمَهُ وَ لَا يَخْذُلُوهُ وَ إِنَّهُمْ لَفَاعِلُونَ وَ حُبُّهُ لِي حَسَنَةٌ فَأَنَا مَعَهُ

الأنبياء و الكتب كما هو حق الإيمان، أو يؤمن الناس من ضره و لا يؤذيهم" مهيمن" أي مشاهد أو مؤتمن.

قوله تعالى:" و أنصاره قوم آخرون" أي ليسوا من قومه و عشيرته، و الأذل: الضيق و الشدة به.

قوله تعالى:" من ثلة الأولين" الثلة بالضم الجماعة من الناس، أي أنه من سلالة أشارف الأنبياء و بقيتهم.

قوله:" مباركة" أي يبارك و يزاد عليهم العلم و الرحمة.

قوله تعالى:" نافلة" أي يؤدون الصلاة زائدة على ما وجبت عليهم، و في بعض النسخ [نافلته] و النافلة: الغنيمة و العطية، فالضمير راجع إما إلى العبد أو إلى السيد.

قوله تعالى:" إنه أمي" أي من قوم لا يكتبون و لا يقرءون أو من أم القرى و هي مكة.

قوله تعالى:" يبارك فيما وضع يده عليه" البركة من معجزاته صلى الله عليه و آله و سلم المتواترة و قد وقع ذلك في مواقع لا تحصى حيث وضع يده على ماء قليل أو طعام قليل أو أشبع و أروى بهما خلقا كثيرا، أو مال قليل فأعطى منه كثيرا و قد أوردناها في أبواب معجزاته صلى الله عليه و آله و سلم من كتاب بحار الأنوار.

ص: 93

وَ أَنَا مِنْ حِزْبِهِ وَ هُوَ مِنْ حِزْبِي وَ حِزْبُهُمُ الْغَالِبُونَ فَتَمَّتْ كَلِمَاتِي لَأُظْهِرَنَّ دِينَهُ عَلَى الْأَدْيَانِ كُلِّهَا وَ لَأُعْبَدَنَّ بِكُلِّ مَكَانٍ وَ لَأُنْزِلَنَّ عَلَيْهِ قُرْآناً فُرْقَاناً شِفَاءً لِما فِي الصُّدُورِ مِنْ نَفْثِ الشَّيْطَانِ فَصَلِّ عَلَيْهِ يَا ابْنَ عِمْرَانَ فَإِنِّي أُصَلِّي عَلَيْهِ وَ مَلَائِكَتِي يَا مُوسَى أَنْتَ عَبْدِي وَ أَنَا إِلَهُكَ لَا تَسْتَذِلَّ الْحَقِيرَ الْفَقِيرَ وَ لَا تَغْبِطِ الْغَنِيَّ بِشَيْ ءٍ يَسِيرٍ وَ كُنْ عِنْدَ ذِكْرِي خَاشِعاً وَ عِنْدَ تِلَاوَتِهِ بِرَحْمَتِي طَامِعاً وَ أَسْمِعْنِي لَذَاذَةَ التَّوْرَاةِ بِصَوْتٍ خَاشِعٍ

قوله:" به أفتح الساعة" الباء للملابسة و الغرض اتصال أمته و دولته، و نبوته بقيام الساعة.

قوله:" و بأمته أختم مفاتيح الدنيا" هي ما يفتح بها على صاحبها شي ء من قتال أو عبادة أو تعلم، و المراد أن هذه المفاتيح تنتهي بانقضاء أمته كأنها وضعت في كيس و ختم عليها، و يحتمل أن يكون الختم كناية عن التمام و الكمال فإن الشي ء بعد الكمال يختم عليه، و يمكن أن يكون المراد أن ما فتح لغيرهم يختم بهم.

قوله تعالى:" أن لا يدرسوا" يقال درسته الريح: أي محت أثره أي لا يمحو اسمه.

قوله" و حبه لي" أي خالصا لوجهي حسنة عظيمة قوله تعالى:" و أنا من حزبه" أي أنصره و أعينه.

قوله تعالى:" فتمت كلماتي" أي تقديراتي و" لأظهرن" بيان لما قدر له، أو المراد بالكلمات الأنبياء و الحجج أي به و بأوصيائه تتم حججي.

قوله تعالى:" و لأنزلن عليه قرآنا" أي كتابا جامعا لجميع العلوم فرقانا أي فارقا بين الحق و الباطل.

قوله:" و لا تغبط الغني بشي ء يسير" أي لا تتمن ما أعطيت الأغنياء من الدنيا و إن كان كثيرا، فإن متاع الدنيا كلها يسير حقير.

قوله:" و كن عند ذكري" أي تلاوة التوراة أو الأعم.

قوله تعالى:" و أسمعني لذاذة التوراة" أي صوتها اللذيذ أو التذاذك بها، قال

ص: 94

حَزِينٍ اطْمَئِنَّ عِنْدَ ذِكْرِي وَ ذَكِّرْ بِي مَنْ يَطْمَئِنُّ إِلَيَّ وَ اعْبُدْنِي وَ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَ تَحَرَّ مَسَرَّتِي إِنِّي أَنَا السَّيِّدُ الْكَبِيرُ إِنِّي خَلَقْتُكَ مِنْ نُطْفَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ* مِنْ طِينَةٍ أَخْرَجْتُهَا مِنْ أَرْضٍ ذَلِيلَةٍ مَمْشُوجَةٍ فَكَانَتْ بَشَراً فَأَنَا صَانِعُهَا خَلْقاً فَتَبَارَكَ وَجْهِي وَ تَقَدَّسَ صَنِيعِي لَيْسَ كَمِثْلِي شَيْ ءٌ وَ أَنَا الْحَيُّ الدَّائِمُ الَّذِي لَا أَزُولُ يَا مُوسَى كُنْ إِذَا دَعَوْتَنِي خَائِفاً مُشْفِقاً وَجِلًا عَفِّرْ وَجْهَكَ لِي فِي التُّرَابِ وَ اسْجُدْ لِي

الجوهري: لذذت الشي ء بالكسر لذاذا و لذاذة أي وجدته لذيذا.

قوله:" اطمأن" عند ذكري الاطمئنان: السكون و المراد طمأنينة القلب عما يزعجه من الشكوك و الشبهات و دواعي الشهوات.

قوله:" و تحر" التحري: الطلب قوله تعالى:" مِنْ ماءٍ مَهِينٍ*" المهين: الحقير و القليل و الضعيف.

قوله:" ممشوجة" أي مخلوطة من أنواع، و المراد إني خلقتك من نطفة و أصل تلك النطفة حصل من شخص خلقته من طينة الأرض و هو آدم عليه السلام و أخذت طينته من جميع وجه الأرض المشتملة على ألوان و أنواع مختلفة كما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أن الله تعالى بعث جبرئيل و أمره أن يأتيه من أديم الأرض أي وجهها بأربع طينات، طينة بيضاء و طينة حمراء و طينة غبراء و طينة سوداء، و ذلك من سهلها و حزنها. الخبر، و في خبر ابن سلام عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم أنه سأله عن آدم لم سمي آدم عليه السلام؟ قال: لأنه خلق من طين الأرض و أديمها. قال: فآدم خلق من الطين كله أو من طين واحد؟ قال: بل من الطين كله. و لو خلق من طين واحد لما عرف الناس بعضهم بعضا، و كانوا على صورة واحدة قال: فلهم في الدنيا مثل؟ قال: التراب فيه أبيض و فيه أخضر و فيه أشقر و فيه أغبر و فيه أحمر، و فيه أزرق و فيه عذب، و فيه ملح، و فيه خشن، و فيه لين، و فيه أصهب فلذلك صار الناس فيهم لين و فيهم خشن، و فيهم أبيض، و فيهم أصفر و أحمر و أصهب و أسود و هو على ألوان التراب. تمام الخبر، و يحتمل أن يكون المراد التراب الذي يذر في النطفة في الرحم على ما ورد به الأخبار.

ص: 95

بِمَكَارِمِ بَدَنِكَ وَ اقْنُتْ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الْقِيَامِ وَ نَاجِنِي حِينَ تُنَاجِينِي بِخَشْيَةٍ مِنْ قَلْبٍ وَجِلٍ وَ احْيَ بِتَوْرَاتِي أَيَّامَ الْحَيَاةِ وَ عَلِّمِ الْجُهَّالَ مَحَامِدِي وَ ذَكِّرْهُمْ آلَائِي وَ نِعْمَتِي وَ قُلْ لَهُمْ لَا يَتَمَادَوْنَ فِي غَيِّ مَا هُمْ فِيهِ فَإِنَّ أَخْذِي أَلِيمٌ شَدِيدٌ يَا مُوسَى إِذَا انْقَطَعَ حَبْلُكَ مِنِّي لَمْ يَتَّصِلْ بِحَبْلِ غَيْرِي فَاعْبُدْنِي وَ قُمْ بَيْنَ يَدَيَّ مَقَامَ الْعَبْدِ الْحَقِيرِ الْفَقِيرِ ذُمَّ نَفْسَكَ فَهِيَ أَوْلَى بِالذَّمِّ وَ لَا تَتَطَاوَلْ بِكِتَابِي عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فَكَفَى بِهَذَا وَاعِظاً لِقَلْبِكَ وَ مُنِيراً وَ هُوَ كَلَامُ رَبِّ الْعَالَمِينَ جَلَّ وَ تَعَالَى يَا مُوسَى مَتَى مَا دَعَوْتَنِي وَ رَجَوْتَنِي فَإِنِّي سَأَغْفِرُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ مِنْكَ السَّمَاءُ تُسَبِّحُ لِي وَجَلًا وَ الْمَلَائِكَةُ مِنْ مَخَافَتِي مُشْفِقُونَ وَ الْأَرْضُ تُسَبِّحُ لِي طَمَعاً وَ كُلُّ الْخَلْقِ يُسَبِّحُونَ لِي دَاخِرُونَ ثُمَّ عَلَيْكَ بِالصَّلَاةِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا مِنِّي بِمَكَانٍ وَ لَهَا عِنْدِي عَهْدٌ

قوله تعالى:" و احي بتوراتي" أي حصل الحياة المعنوية التي هي بالعلم و اليقين بالتوراة و قرأتها و العمل بها أو كن ملازما لها في مدة الحياة، و يمكن أن يقرأ على باب الأفعال.

قوله تعالى:" لا يتمادون" التمادي: بلوغ المدى و الغاية، و الغي الضلالة أي لا يبالغوا في الغي الحاصل مما هم فيه من الجهالة، و سائر الصفات الذميمة و تخصيص النهي بالتمادي، لعله لبيان أن الدخول في الغي ينجر لا محالة إلى التمادي، فالمراد النهي عن مطلق الدخول، أو المراد الإقلاع عن الغي الذي هم فيه، و عدم تماديهم فيه.

قوله تعالى:" إذا انقطع حبلك" أي قوتك و وصلتك مني لم ينفعك التوصل و التقوى بغيري.

قوله تعالى:" و لا تتطاول" التطاول: الترافع و الاستعلاء و قوله" تعالى" بهذا" راجع إلى الكتاب.

قوله تعالى:" السماء" تسبح أي تنقاد، أو تدل على عظمتي و جلالي، أو المراد أهل السماء.

قوله تعالى:" بمكان" أي مكانة و منزلة رفيعة.

ص: 96

وَثِيقٌ وَ أَلْحِقْ بِهَا مَا هُوَ مِنْهَا زَكَاةَ الْقُرْبَانِ مِنْ طَيِّبِ الْمَالِ وَ الطَّعَامِ فَإِنِّي لَا أَقْبَلُ إِلَّا الطَّيِّبَ يُرَادُ بِهِ وَجْهِي وَ اقْرُنْ مَعَ ذَلِكَ صِلَةَ الْأَرْحَامِ فَإِنِّي أَنَا اللَّهُ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ وَ الرَّحِمُ أَنَا خَلَقْتُهَا فَضْلًا مِنْ رَحْمَتِي لِيَتَعَاطَفَ بِهَا الْعِبَادُ وَ لَهَا عِنْدِي سُلْطَانٌ فِي مَعَادِ الْآخِرَةِ وَ أَنَا قَاطِعُ مَنْ قَطَعَهَا وَ وَاصِلُ مَنْ وَصَلَهَا وَ كَذَلِكَ أَفْعَلُ بِمَنْ ضَيَّعَ أَمْرِي يَا مُوسَى أَكْرِمِ السَّائِلَ إِذَا أَتَاكَ بِرَدٍّ جَمِيلٍ أَوْ إِعْطَاءٍ يَسِيرٍ فَإِنَّهُ يَأْتِيكَ مَنْ لَيْسَ بِإِنْسٍ وَ لَا جَانٍّ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَنِ يَبْلُونَكَ كَيْفَ أَنْتَ صَانِعٌ فِيمَا أَوْلَيْتُكَ وَ كَيْفَ مُوَاسَاتُكَ فِيمَا خَوَّلْتُكَ وَ اخْشَعْ لِي بِالتَّضَرُّعِ وَ اهْتِفْ لِي بِوَلْوَلَةِ الْكِتَابِ وَ اعْلَمْ أَنِّي أَدْعُوكَ دُعَاءَ السَّيِّدِ مَمْلُوكَهُ لِيَبْلُغَ بِهِ شَرَفَ الْمَنَازِلِ وَ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِي عَلَيْكَ وَ عَلَى آبَائِكَ الْأَوَّلِينَ يَا مُوسَى لَا تَنْسَنِي عَلَى كُلِّ حَالٍ وَ لَا تَفْرَحْ بِكَثْرَةِ الْمَالِ فَإِنَّ نِسْيَانِي يُقْسِي الْقُلُوبَ وَ مَعَ كَثْرَةِ الْمَالِ كَثْرَةُ الذُّنُوبِ الْأَرْضُ مُطِيعَةٌ وَ السَّمَاءُ مُطِيعَةٌ وَ الْبِحَارُ مُطِيعَةٌ وَ عِصْيَانِي

قوله تعالى:" ما هو منها" أي لاشتراط قبول الصلاة بالزكاة كأنها جزء منها.

قوله تعالى:" من طيب المال" أي الحلال أو من أشرف المال.

قوله تعالى:" و لها عندي سلطان" أي للرحم عندي سلطنة أقبل شفاعتها لمن وصلها و على من قطعها.

قوله تعالى:" لمن ضيع أمري" كل أمر من أوامري.

قوله تعالى:" كيف مواساتك فيما خولتك" قال في النهاية: المواساة: المشاركة و المساهمة في المعاش و الرزق، و قال: التخويل: التمليك.

قوله تعالى:" بولولة الكتاب" الولولة: رفع الصوت بالبكاء و الصياح.

قوله تعالى:" و كيف يخفى على ما مني مبتدأة" إذ يحكم العقل بديهة أن.

خالق شي ء عالم به و بخواصه و أحكامه، و تنزيله على ما قالته الحكماء من أن العلم بالعلة يستلزم العلم بالمعلول بعيد.

ص: 97

شَقَاءُ الثَّقَلَيْنِ وَ أَنَا الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ رَحْمَانُ كُلِّ زَمَانٍ آتِي بِالشِّدَّةِ بَعْدَ الرَّخَاءِ وَ بِالرَّخَاءِ بَعْدَ الشِّدَّةِ وَ بِالْمُلُوكِ بَعْدَ الْمُلُوكِ وَ مُلْكِي دَائِمٌ قَائِمٌ لَا يَزُولُ وَ لَا يَخْفَى عَلَيَّ شَيْ ءٌ فِي الْأَرْضِ وَ لَا فِي السَّمَاءِ وَ كَيْفَ يَخْفَى عَلَيَّ مَا مِنِّي مُبْتَدَؤُهُ وَ كَيْفَ لَا يَكُونُ هَمُّكَ فِيمَا عِنْدِي وَ إِلَيَّ تَرْجِعُ لَا مَحَالَةَ يَا مُوسَى اجْعَلْنِي حِرْزَكَ وَ ضَعْ عِنْدِي كَنْزَكَ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَ خَفْنِي وَ لَا تَخَفْ غَيْرِي إِلَيَّ الْمَصِيرُ يَا مُوسَى ارْحَمْ مَنْ هُوَ أَسْفَلُ مِنْكَ فِي الْخَلْقِ وَ لَا تَحْسُدْ مَنْ هُوَ فَوْقَكَ فَإِنَّ الْحَسَدَ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ- يَا مُوسَى إِنَّ ابْنَيْ آدَمَ تَوَاضَعَا فِي مَنْزِلَةٍ لِيَنَالا بِهَا مِنْ فَضْلِي وَ رَحْمَتِي فَ قَرَّبا قُرْباناً وَ لَا أَقْبَلُ إِلَّا مِنَ الْمُتَّقِينَ فَكَانَ مِنْ شَأْنِهِمَا مَا قَدْ عَلِمْتَ فَكَيْفَ تَثِقُ بِالصَّاحِبِ بَعْدَ الْأَخِ وَ الْوَزِيرِ يَا مُوسَى ضَعِ الْكِبْرَ وَ دَعِ الْفَخْرَ وَ اذْكُرْ أَنَّكَ سَاكِنُ الْقَبْرِ فَلْيَمْنَعْكَ ذَلِكَ مِنَ الشَّهَوَاتِ يَا مُوسَى عَجِّلِ التَّوْبَةَ وَ أَخِّرِ الذَّنْبَ وَ تَأَنَّ فِي الْمَكْثِ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الصَّلَاةِ وَ لَا تَرْجُ غَيْرِي اتَّخِذْنِي جُنَّةً لِلشَّدَائِدِ وَ حِصْناً لِمُلِمَّاتِ الْأُمُورِ

قوله تعالى:" في منزلة" أي في عبادة واحدة، و هي القربان، أو كانا بحسب الظاهر في درجة و منزلة واحدة.

قوله تعالى:" و الوزير" هو معطوف على الصاحب أي كيف تثق بالصاحب و الوزير بعد صدور مثل هذه الخيانة من الأخ الذي هو ألصق منهما، قوله تعالى:" لملمات الأمور" أي نوازلها.

قوله تعالى:" كيف تخشع" إلخ حاصله: أن الركون إلى الدنيا و الميل إليها و اتخاذها وطنا و مأوى ينافي الخشوع لله تعالى، إذ الركون ملزوم لعدم رجاء الآخرة، إذ من يرجو الآخرة رجاء صادقا و يعرف حقيقة ما فيها يحقر الدنيا في جنب نعم الآخرة، و لا يتوجه إليها و عدم الرجاء ملزوم لعدم الإيمان بالله و رسوله و بالدار الآخرة، و عدم الإيمان ملزوم لعدم النظر في فضل الله تعالى و نعمه عليه، و عدم

ص: 98

يَا مُوسَى كَيْفَ تَخْشَعُ لِي خَلِيقَةٌ لَا تَعْرِفُ فَضْلِي عَلَيْهَا وَ كَيْفَ تَعْرِفُ فَضْلِي عَلَيْهَا وَ هِيَ لَا تَنْظُرُ فِيهِ وَ كَيْفَ تَنْظُرُ فِيهِ وَ هِيَ لَا تُؤْمِنُ بِهِ وَ كَيْفَ تُؤْمِنُ بِهِ وَ هِيَ لَا تَرْجُو ثَوَاباً وَ كَيْفَ تَرْجُو ثَوَاباً وَ هِيَ قَدْ قَنِعَتْ بِالدُّنْيَا وَ اتَّخَذَتْهَا مَأْوًى وَ رَكَنَتْ إِلَيْهَا رُكُونَ الظَّالِمِينَ يَا مُوسَى نَافِسْ فِي الْخَيْرِ أَهْلَهُ فَإِنَّ الْخَيْرَ كَاسْمِهِ وَ دَعِ الشَّرَّ لِكُلِّ مَفْتُونٍ يَا مُوسَى اجْعَلْ لِسَانَكَ مِنْ وَرَاءِ قَلْبِكَ تَسْلَمْ وَ أَكْثِرْ ذِكْرِي بِاللَّيْلِ وَ النَّهَارِ تَغْنَمْ وَ لَا تَتَّبِعِ الْخَطَايَا فَتَنْدَمَ فَإِنَّ الْخَطَايَا مَوْعِدُهَا النَّارُ يَا مُوسَى أَطِبِ الْكَلَامَ لِأَهْلِ التَّرْكِ لِلذُّنُوبِ وَ كُنْ لَهُمْ جَلِيساً وَ اتَّخِذْهُمْ لِغَيْبِكَ إِخْوَاناً وَ جِدَّ مَعَهُمْ يَجِدُّونَ مَعَكَ يَا مُوسَى الْمَوْتُ يَأْتِيكَ لَا مَحَالَةَ فَتَزَوَّدْ زَادَ مَنْ هُوَ عَلَى مَا يَتَزَوَّدُ وَارِدٌ عَلَى الْيَقِينِ

النظر في ذلك ملزوم لعدم الخشوع، إذ الخشوع إنما يحصل يتذكر نعمه تعالى، و توقع إحسانه و فضله و انتظار رحمته، و استجلاب نعمته في الدنيا و الآخرة بالدعاء و التضرع و البكاء.

قوله تعالى:" فإن الخير" المراد أن الخير لما دل بحسب أصل معناه في اللغة على الأفضلية و ما يطلق عليه في العرف و الشرع من الأعمال الحسنة هي خير الأعمال فالخير كاسمه، أي إطلاق هذا الاسم على تلك الأمور على الاستحقاق، و المعنى المصطلح مطابق للمدلول اللغوي، أو المراد أن الخير لما كان كل أحد يستحسنه إذا سمعه فهو حسن واقعا، و حسنه حسن واقعي. و الحاصل: أن ما يحكم به عقول عامة الناس في ذلك مطابق للواقع، و يحتمل أن يكون المراد باسمه ذكره بين الناس، أي إن الخير ينفع في الآخرة كما يصير سببا لرفعة الذكر في الدنيا.

قوله تعالى:" اجعل لسانك من وراء قلبك" أي كلما أردت أن تتكلم به فابدأ أولا باستعمال القلب و العقل فيه، و التفكر في أنه هل ينفعك التكلم به ثم تكلم به، فيكون اللسان بعد القلب و وراءه و يمر الكلام أولا بالقلب ثم باللسان، و يحتمل أن يكون المراد لا تتكلم بما لا يعتقده قلبك و يحتمل الأعم.

ص: 99

يَا مُوسَى مَا أُرِيدَ بِهِ وَجْهِي فَكَثِيرٌ قَلِيلُهُ وَ مَا أُرِيدَ بِهِ غَيْرِي فَقَلِيلٌ كَثِيرُهُ وَ إِنَّ أَصْلَحَ أَيَّامِكَ الَّذِي هُوَ أَمَامَكَ فَانْظُرْ أَيُّ يَوْمٍ هُوَ فَأَعِدَّ لَهُ الْجَوَابَ فَإِنَّكَ مَوْقُوفٌ وَ مَسْئُولٌ وَ خُذْ مَوْعِظَتَكَ مِنَ الدَّهْرِ وَ أَهْلِهِ فَإِنَّ الدَّهْرَ طَوِيلُهُ قَصِيرٌ وَ قَصِيرُهُ طَوِيلٌ وَ كُلُّ شَيْ ءٍ فَانٍ فَاعْمَلْ كَأَنَّكَ تَرَى ثَوَابَ عَمَلِكَ لِكَيْ يَكُونَ أَطْمَعَ لَكَ فِي الْآخِرَةِ لَا مَحَالَةَ فَإِنَّ مَا بَقِيَ مِنَ الدُّنْيَا كَمَا وَلَّى مِنْهَا وَ كُلُّ عَامِلٍ يَعْمَلُ عَلَى بَصِيرَةٍ وَ مِثَالٍ فَكُنْ مُرْتَاداً لِنَفْسِكَ يَا ابْنَ عِمْرَانَ لَعَلَّكَ تَفُوزُ غَداً يَوْمَ السُّؤَالِ فَهُنَالِكَ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ يَا مُوسَى أَلْقِ كَفَّيْكَ ذُلًّا بَيْنَ يَدَيَّ كَفِعْلِ الْعَبْدِ الْمُسْتَصْرِخِ إِلَى سَيِّدِهِ فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ رُحِمْتَ وَ أَنَا أَكْرَمُ الْقَادِرِينَ- يَا مُوسَى سَلْنِي مِنْ فَضْلِي وَ رَحْمَتِي فَإِنَّهُمَا بِيَدِي لَا يَمْلِكُهُمَا أَحَدٌ غَيْرِي وَ انْظُرْ حِينَ تَسْأَلُنِي كَيْفَ رَغْبَتَكَ فِيمَا عِنْدِي لِكُلِّ عَامِلٍ جَزَاءٌ وَ قَدْ يُجْزَى الْكَفُورُ بِمَا سَعَى يَا مُوسَى طِبْ نَفْساً عَنِ الدُّنْيَا وَ انْطَوِ عَنْهَا فَإِنَّهَا لَيْسَتْ لَكَ وَ لَسْتَ لَهَا مَا لَكَ وَ لِدَارِ الظَّالِمِينَ إِلَّا لِعَامِلٍ فِيهَا بِالْخَيْرِ فَإِنَّهَا لَهُ نِعْمَ الدَّارُ

قوله عليه السلام:" و اتخذهم لغيبك إخوانا" أي اتخذهم إخوانا ليحفظوك في غيبتك بأن لا يذكروك في غيبتك بسوء، و يدفعوا عنك الغيبة و يكونوا ناصحين لك عند ما تغيب عنهم، و يحتمل أن يكون المراد بالغيب القيامة لغيبتها عن الحس، و في بعض النسخ [لعيبك] بالعين المهملة أي لستر معائبك.

قوله تعالى:" و جد معهم" أي ابذل معهم غاية السعي في الطاعة، و قوله تعالى:" يجدون" حال عن الضمير المجرور.

قوله تعالى:" طويله قصير" أي لسرعة انقضائه" و قصيره طويل" لإمكان تحصيل السعادات العظيمة في القليل منه.

قوله تعالى:" و كل عامل" أي كل من يعمل ما هو حق العمل إنما يكون عمله على بصيرة و يقين و علم بكيفية العمل و حقيته، و ما يعمل له و على مثال يتمثله في الذهن من الثمرة المقصودة لعمله، أو على مثال من سبقه من العالمين و المقربين،

ص: 100

يَا مُوسَى مَا آمُرُكَ بِهِ فَاسْمَعْ وَ مَهْمَا أَرَاهُ فَاصْنَعْ خُذْ حَقَائِقَ التَّوْرَاةِ إِلَى صَدْرِكَ وَ تَيَقَّظْ بِهَا فِي سَاعَاتِ اللَّيْلِ وَ النَّهَارِ وَ لَا تُمَكِّنْ أَبْنَاءَ الدُّنْيَا مِنْ صَدْرِكَ فَيَجْعَلُونَهُ وَكْراً كَوَكْرِ الطَّيْرِ

و يحتمل أن يكون المراد بالعامل أعم ممن يعمل لحق أو باطل، فقوله تعالى" عَلى بَصِيرَةٍ" المراد به أعم مما هو باليقين أو بالجهل المركب، و المراد بالمثال أعم من المضي على سبيل أهل الحق، و طريق أهل الضلال، و يحتمل أن يكون الواو في قوله:" و مثال" بمعنى أو أي كل عامل إما يعمل على بصيرة في الحق أو على مثال من سبق على وجه الضلال، فاختر لنفسك أيهما أخرى و أولى و" الارتياد": الطلب و" المبطلون" الذين يتبعون الباطل أو يبطلون أعمالهم بترك شرائطها أو فعل ما يحبطها.

قوله تعالى:" ألق كفيك" أي في السجود على الأرض أو عند القيام بمعنى إرسالها.

قوله تعالى" من فضلي و رحمتي" يطلق الفضل غالبا على النعم الدنيوية، و الرحمة على المثوبات الأخروية.

قوله تعالى:" كيف رغبتك" أي رجاؤك و شوقك إلى ما تطلبه، ثم قوي الله تعالى رجاءه بأن لكل عامل جزاء، و لا ينبغي أن ييأس الكفور أيضا فإنه أيضا قد يجزى بما سعى.

قوله تعالى:" عن الدنيا" أي معرضا عنها أو بالإعراض عنها، و الانطواء عنها: الاجتناب و الإعراض عنها، يقال: طوى كشحه عني: أي أعرض مهاجرا.

قوله تعالى:" و مهما أراه فاصنع" أي كل وقت أرى و أعلم ما آمرك حسنا فافعل فيه أي أفعل الأوامر في أوقاتها التي أمرتك بأدائها فيها، أو المراد أفعلها في كل وقت، فإني أراه في كل حين أو كل شي ء أراه لك خيرا فافعل.

قوله تعالى:" و تيقظ بها" أي كن متيقظا متنبها متذكرا بحقائق التوراة في جميع الساعات أو أترك النوم لتلاوتها في ساعات الليل و النهار.

ص: 101

يَا مُوسَى أَبْنَاءُ الدُّنْيَا وَ أَهْلُهَا فِتَنٌ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ فَكُلٌّ مُزَيَّنٌ لَهُ مَا هُوَ فِيهِ وَ الْمُؤْمِنُ مَنْ زُيِّنَتْ لَهُ الْآخِرَةُ فَهُوَ يَنْظُرُ إِلَيْهَا مَا يَفْتُرُ قَدْ حَالَتْ شَهْوَتُهَا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ لَذَّةِ الْعَيْشِ فَادَّلَجَتْهُ بِالْأَسْحَارِ كَفِعْلِ الرَّاكِبِ السَّائِقِ إِلَى غَايَتِهِ يَظَلُّ كَئِيباً وَ يُمْسِي حَزِيناً فَطُوبَى لَهُ لَوْ قَدْ كُشِفَ الْغِطَاءُ مَا ذَا يُعَايِنُ مِنَ السُّرُورِ

قوله تعالى:" و لا تمكن أبناء الدنيا" أي لا تخطرهم ببالك و لا تشغل قلبك بالتفكر فيهم، و فيما هم فيه من نعيم الدنيا، فإنه إذا اعتدت ذلك و مكنت الشيطان من نفسك فيه يصير صدرك و كرا لذكرهم، و لا يمكنك إخراج حب أطوارهم عن صدرك، فيصير ذلك سببا لرغبتك إلى دنياهم، فتصير إلى مأواهم، و يحتمل أن يكون المراد عدم الإصغاء إلى كلام المفتونين بالدنيا الذاكرين لها فيجعلون الصدر وكرا لكلامهم الذي يوجب الافتتان بالدنيا.

قوله:" ما يفتر" كلمة" ما" نافية، و ضمير شهوتها راجع إلى الآخرة.

قوله تعالى:" فأدلجته" الإدلاج: السير بالليل و ظاهر العبارة أنه استعمل هنا متعديا بمعنى التسيير بالليل، و لم يأت فيما عندنا من كتب اللغة، قال الفيروزآبادي: الدلج محركة و الدلجة بالضم و الفتح: السير من أول الليل، و قد أدلجوا فإن ساروا من آخره فأدلجوا بالتشديد انتهى. و يمكن أن يكون على الحذف و الإيصال أي أدلجت الشهوة معه، و سيرته بالأسحار كالراكب الذي يسابق قرنه إلى الغاية التي يتسابقان إليها، و الغاية هنا الجنة و الفوز بالكرامة، و القرب و الحب و الوصال أو الموت و هو أظهر.

قوله تعالى:" يظل كئيبا" الكآبة: الغم و سوء الحال و الانكسار من الحزن و المعنى أنه يكون في نهاره مغموما و في ليله محزونا لطلب الآخرة، و لما فاته من الطاعات و لكن لو كشف له الغطاء حتى يرى ما أعد له في الآخرة يحصل له من السرور ما لا يحصى.

ص: 102

يَا مُوسَى الدُّنْيَا نُطْفَةٌ لَيْسَتْ بِثَوَابٍ لِلْمُؤْمِنِ وَ لَا نَقِمَةٍ مِنْ فَاجِرٍ فَالْوَيْلُ الطَّوِيلُ لِمَنْ بَاعَ ثَوَابَ مَعَادِهِ بِلَعْقَةٍ لَمْ تَبْقَ وَ بِلَعْسَةٍ لَمْ تَدُمْ وَ كَذَلِكَ فَكُنْ كَمَا أَمَرْتُكَ وَ كُلُّ أَمْرِي رَشَادٌ- يَا مُوسَى إِذَا رَأَيْتَ الْغِنَى مُقْبِلًا فَقُلْ ذَنْبٌ عَجِلَتْ لِي عُقُوبَتُهُ وَ إِذَا رَأَيْتَ الْفَقْرَ مُقْبِلًا فَقُلْ مَرْحَباً بِشِعَارِ الصَّالِحِينَ وَ لَا تَكُنْ جَبَّاراً ظَلُوماً وَ لَا تَكُنْ لِلظَّالِمِينَ قَرِيناً يَا مُوسَى مَا عُمُرٌ وَ إِنْ طَالَ يُذَمُّ آخِرُهُ وَ مَا ضَرَّكَ مَا زُوِيَ عَنْكَ إِذَا حُمِدَتْ مَغَبَّتُهُ يَا مُوسَى صَرَخَ الْكِتَابُ إِلَيْكَ صُرَاخاً بِمَا أَنْتَ إِلَيْهِ صَائِرٌ فَكَيْفَ تَرْقُدُ عَلَى هَذَا الْعُيُونُ

قوله تعالى:" الدنيا نطفة" أي ماء قليل مكدر، قال في القاموس: النطفة بالضم: الماء الصافي قل أو كثر، أو قليل ماء يبقى في دلو أو قربة، أي الدنيا شي ء قليل لا يصلح نعمتها لحقارتها أن تكون ثوابا للمؤمن، و لا بلائها و شدتها لقلتها أن تكون عذابا و انتقاما من فاجر، و" اللعقة" بالفتح ما تلعقه و تلحسه بإصبعك أو بلسانك مرة واحدة، و" اللعس" بالفتح العض، و المراد هنا ما يقطعه بأسنانه من شي ء مأكول مرة واحدة.

قوله تعالى:" ما عمر و إن طال" إلخ. في بعض النسخ" و إن طال يدوم آخره" و هو ظاهر، و في بعضها" و إن طال ما يذم آخره" أو ليس عمر بذم آخره، و يكون آخره مذموما محسوبا من العمر، و على هذا كان الأظهر عمرا بالنصب بأن يكون خبر ما، و اسمه ما يذم، و في بعض النسخ" يذم" بدون كلمة" ما" فيحتمل أن تكون كلمة" ما" استفهامية أي أي شي ء عمر يذم آخره و إن طال، أو نافيته بتقدير الخير، أي ليس عمر يذم آخره بعمر، و على الأول يحتمل أن تكون كلمتا" ما" كلتاهما نافيتين، أي لا يكون عمر لا يذم آخره بالانقطاع و الفناء.

قوله تعالى:" و ما ضرك ما زوى عنك" أي أخذ منك و نقص من العمر أو الأعم إذا حمدت مغبته أي عاقبته أي كانت عاقبته محمودة.

قوله تعالى:" فكيف ترقد" أي تنام قوله:" و من دون هذا" أي أقل من هذا

ص: 103

أَمْ كَيْفَ يَجِدُ قَوْمٌ لَذَّةَ الْعَيْشِ لَوْ لَا التَّمَادِي فِي الْغَفْلَةِ وَ الِاتِّبَاعُ لِلشِّقْوَةِ وَ التَّتَابُعُ لِلشَّهْوَةِ وَ مِنْ دُونِ هَذَا يَجْزَعُ الصِّدِّيقُونَ يَا مُوسَى مُرْ عِبَادِي يَدْعُونِي عَلَى مَا كَانَ بَعْدَ أَنْ يُقِرُّوا لِي أَنِّي أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ مُجِيبُ الْمُضْطَرِّينَ وَ أَكْشِفُ السُّوءَ وَ أُبَدِّلُ الزَّمَانَ وَ آتِي بِالرَّخَاءِ وَ أَشْكُرُ الْيَسِيرَ وَ أُثِيبُ الْكَثِيرَ وَ أُغْنِي الْفَقِيرَ وَ أَنَا الدَّائِمُ الْعَزِيزُ الْقَدِيرُ فَمَنْ لَجَأَ إِلَيْكَ وَ انْضَوَى إِلَيْكَ مِنَ الْخَاطِئِينَ فَقُلْ أَهْلًا وَ سَهْلًا يَا رَحْبَ الْفِنَاءِ بِفِنَاءِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَ كُنْ لَهُمْ كَأَحَدِهِمْ وَ لَا تَسْتَطِلْ عَلَيْهِمْ بِمَا أَنَا أَعْطَيْتُكَ فَضْلَهُ وَ قُلْ لَهُمْ فَلْيَسْأَلُونِي مِنْ فَضْلِي وَ رَحْمَتِي فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا أَحَدٌ غَيْرِي وَ أَنَا ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ طُوبَى لَكَ يَا مُوسَى كَهْفُ الْخَاطِئِينَ وَ جَلِيسُ الْمُضْطَرِّينَ وَ مُسْتَغْفَرٌ لِلْمُذْنِبِينَ إِنَّكَ

لتذكار الذي صرح و صاح به الكتاب، يكفي لجزع الصديقين، أي الكاملين في تصديق الأنبياء.

قوله تعالى:" على ما كان" أي لأي أمر كان سواء كان حقيرا أو خطيرا.

قوله تعالى:" و أثيب الكثير" صفة للمصدر المحذوف أي أثيب الثواب الكثير، من قبيل رجعت القهقرى أو أثيب على العمل الكثير.

قوله تعالى:" انضوى إليك" قال الجزري: فيه" ضوى إليه المسلمون" أي مالوا، يقال: ضوى إليه ضيا و ضويا و انضوى إليه و يقال ضواه إليه و أضواه.

قوله:" أهلا" أي صادفت أهلا لا غرباء، و وطأت سهلا لا حزنا.

قوله تعالى:" يا رحب الفناء" الرحب: الواسع و فناء الدار ككساء: ما اتسع من أمامها أي يا من فناؤه الذي نزل به رحب، و قوله" بفناء" متعلق بمقدر أي نزلت بفناء، و في كتاب تحف العقول" يا رحب الفناء، نزلت بفناء رب العالمين" و هو الأصوب، و ليس في ذلك الكتاب بعد قوله- العظيم. قوله- طوبى لك يا موسى- فيكون- قوله- كهف الخاطئين إلى آخره من أوصافه تعالى.

قوله:" بما ليس منك مبتدأة" أي لا تتكبر على العباد بما أعطاكه غيرك.

ص: 104

مِنِّي بِالْمَكَانِ الرَّضِيِّ فَادْعُنِي بِالْقَلْبِ النَّقِيِّ وَ اللِّسَانِ الصَّادِقِ وَ كُنْ كَمَا أَمَرْتُكَ أَطِعْ أَمْرِي وَ لَا تَسْتَطِلْ عَلَى عِبَادِي بِمَا لَيْسَ مِنْكَ مُبْتَدَاهُ وَ تَقَرَّبْ إِلَيَّ فَإِنِّي مِنْكَ قَرِيبٌ فَإِنِّي لَمْ أَسْأَلْكَ مَا يُؤْذِيكَ ثِقَلُهُ وَ لَا حَمْلُهُ إِنَّمَا سَأَلْتُكَ أَنْ تَدْعُوَنِي فَأُجِيبَكَ وَ أَنْ تَسْأَلَنِي فَأُعْطِيَكَ وَ أَنْ تَتَقَرَّبَ إِلَيَّ بِمَا مِنِّي أَخَذْتَ تَأْوِيلَهُ وَ عَلَيَّ تَمَامُ تَنْزِيلِهِ يَا مُوسَى انْظُرْ إِلَى الْأَرْضِ فَإِنَّهَا عَنْ قَرِيبٍ قَبْرُكَ وَ ارْفَعْ عَيْنَيْكَ إِلَى السَّمَاءِ فَإِنَّ فَوْقَكَ فِيهَا مَلِكاً عَظِيماً وَ ابْكِ عَلَى نَفْسِكَ مَا دُمْتَ فِي الدُّنْيَا وَ تَخَوَّفِ الْعَطَبَ وَ الْمَهَالِكَ وَ لَا تَغُرَّنَّكَ زِينَةُ الدُّنْيَا وَ زَهْرَتُهَا وَ لَا تَرْضَ بِالظُّلْمِ وَ لَا تَكُنْ ظَالِماً فَإِنِّي لِلظَّالِمِ رَصِيدٌ حَتَّى أُدِيلَ مِنْهُ الْمَظْلُومَ يَا مُوسَى إِنَّ الْحَسَنَةَ عَشَرَةُ أَضْعَافٍ وَ مِنَ السَّيِّئَةِ الْوَاحِدَةِ الْهَلَاكُ لَا تُشْرِكْ بِي لَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تُشْرِكَ بِي قَارِبْ وَ سَدِّدْ وَ ادْعُ دُعَاءَ الطَّامِعِ الرَّاغِبِ فِيمَا عِنْدِي النَّادِمِ عَلَى

قوله تعالى:" فإن فوقك فيها ملكا عظيما" بفتح الميم و كسر اللام أي العظيم تعالى شأنه، نسبته إلى السماء، لأن ثوابه و جنته و تقديراته و عجائب صنعه فيها، أو بضم الميم و سكون اللام أي ملك السماء ملك عظيم يستدل. بها على عظمة مالكها و صانعها.

قوله تعالى:" و تخوف العطب" هو بالتحريك: الهلاك.

قوله تعالى:" رصيد" أي رقيب منتظر لجزائه، و في تحف العقول" بمرصد".

قوله تعالى:" حتى أديل منه المظلوم" أي أغلب المظلوم عليه.

قوله تعالى:" و من السيئة الواحدة الهلاك" المراد أن الله تعالى يعطي للحسنة عشرة أضعافها، و يجازي بالسيئة واحدة، و مع ذلك أكثر الناس يهلكون بفعل السيئات، بأن يزيد سيئاتهم على عشرة أمثال حسناتهم، كما ورد في الخبر، ويل لمن غلب آحاده أعشاره.

قوله تعالى:" قارب و سدد" قال في النهاية: و فيه" سددوا و قاربوا" أي اقتصدوا

ص: 105

مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ فَإِنَّ سَوَادَ اللَّيْلِ يَمْحُوهُ النَّهَارُ وَ كَذَلِكَ السَّيِّئَةُ تَمْحُوهَا الْحَسَنَةُ وَ عَشْوَةُ اللَّيْلِ تَأْتِي عَلَى ضَوْءِ النَّهَارِ وَ كَذَلِكَ السَّيِّئَةُ تَأْتِي عَلَى الْحَسَنَةِ الْجَلِيلَةِ فَتُسَوِّدُهَا

9 عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ عَمَّنْ ذَكَرَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ وَ حُمَيْدُ بْنُ زِيَادٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْكِنْدِيِّ جَمِيعاً عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ الْمِيثَمِيِّ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ قَالَ قَرَأْتُ جَوَاباً مِنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ ضَمِنَ لِمَنِ اتَّقَاهُ أَنْ يُحَوِّلَهُ عَمَّا يَكْرَهُ إِلَى مَا يُحِبُّ وَ يَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ فَإِيَّاكَ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَخَافُ عَلَى الْعِبَادِ مِنْ ذُنُوبِهِمْ وَ يَأْمَنُ الْعُقُوبَةَ مِنْ ذَنْبِهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ لَا يُخْدَعُ عَنْ جَنَّتِهِ وَ لَا يُنَالُ مَا عِنْدَهُ إِلَّا بِطَاعَتِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ

في الأمور كلها، و اتركوا الغلو فيها، و التقصير يقال: قارب فلان في الأمور إذا اقتصد، و قال: في السين و الدال فيه" قاربوا" و سددوا أي اطلبوا بأعمالكم السداد و الاستقامة، و هو القصد في الأمر و العدل فيه.

قوله تعالى:" و عشوة" بالعين المهملة مفتوحة و هي ما بين أول الليل إلى ربعه، أو مضمومة و هي ظلمة الليل أو بالمعجمة مثلثة أي غطاء الليل بالإضافة البيانية.

الحديث التاسع

الحديث التاسع

: مرسل.

قوله عليه السلام:" يخاف على العباد من ذنوبهم" يخاف على المعلوم أي يعلم قبح ذنوب العباد و يحكم بكونهم في معرض العقاب، و يغفل عن ذنوب نفسه و لا يخاف العقوبة على ما يعلم منها، و يمكن أن يقرأ على البناء للمفعول أي له ذنوب يخاف على الناس العقوبة بذنوبه، و هو آمن، لكن يأبى منه إفراد الضمائر في الفقرة الثانية.

قوله عليه السلام:" لا يخدع عن جنته" أي لا يمكن دخول الجنة بالخدعة، بل بالطاعة الواقعية.

ص: 106

10 عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ عَيْثَمِ بْنِ أَشْيَمَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ خَرَجَ النَّبِيُّ ص ذَاتَ يَوْمٍ وَ هُوَ مُسْتَبْشِرٌ يَضْحَكُ سُرُوراً فَقَالَ لَهُ النَّاسُ أَضْحَكَ اللَّهُ سِنَّكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَ زَادَكَ سُرُوراً فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ يَوْمٍ وَ لَا لَيْلَةٍ إِلَّا وَ لِيَ فِيهِمَا تُحْفَةٌ مِنَ اللَّهِ أَلَا وَ إِنَّ رَبِّي أَتْحَفَنِي فِي يَوْمِي هَذَا بِتُحْفَةٍ لَمْ يُتْحِفْنِي بِمِثْلِهَا فِيمَا مَضَى إِنَّ جَبْرَئِيلَ أَتَانِي فَأَقْرَأَنِي مِنْ رَبِّيَ السَّلَامَ وَ قَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ اخْتَارَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ سَبْعَةً لَمْ يَخْلُقْ مِثْلَهُمْ فِيمَنْ مَضَى وَ لَا يَخْلُقُ مِثْلَهُمْ فِيمَنْ بَقِيَ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ سَيِّدُ النَّبِيِّينَ وَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَصِيُّكَ سَيِّدُ الْوَصِيِّينَ وَ الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ سِبْطَاكَ سَيِّدَا الْأَسْبَاطِ وَ حَمْزَةُ عَمُّكَ سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ وَ جَعْفَرٌ ابْنُ عَمِّكَ الطَّيَّارُ فِي الْجَنَّةِ يَطِيرُ مَعَ الْمَلَائِكَةِ حَيْثُ يَشَاءُ وَ مِنْكُمُ الْقَائِمُ يُصَلِّي عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ خَلْفَهُ إِذَا أَهْبَطَهُ اللَّهُ إِلَى الْأَرْضِ مِنْ ذُرِّيَّةِ عَلِيٍّ وَ فَاطِمَةَ مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْنِ ع

11 سَهْلُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ الدَّيْلَمِيِّ الْمِصْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي

الحديث العاشر

الحديث العاشر

: ضعيف.

قوله عليه السلام:" سبعة لم يخلق مثلهم" لعل هذا الخبر لما كان مشهورا بين العامة كما رويته بأسانيد من طرقهم في كتاب بحار الأنوار، ذكره عليه السلام للاحتجاج عليهم و إن لم يكن ذكره النبي صلى الله عليه و آله و سلم، و يحتمل أن يكون المراد بقوله:" لا يخلق مثلهم فيمن بقي" من سوى الأئمة عليهم السلام مع أن سائر الأئمة لما كانوا متشعبين من أنوار هؤلاء المذكورين من الأئمة، و أنهم من نور واحد، فكأنهم مذكورون معهم، و تخصيص القائم بالذكر لخفائه و كثرة الاختلاف و الشبهة فيه عليه السلام، و قيل: المراد الموجودين في ذلك الزمان، و أسقطت فاطمة عليها السلام من الرواية، و قوله عليه السلام:" و فيكم القائم عليه السلام" كلام مستأنف و لا يخفى ما فيه.

الحديث الحادي عشر

الحديث الحادي عشر

: ضعيف.

و في النسخ هنا" المصري" و في رجال الشيخ" البصري" و ذكر ابن داود محمد بن سليمان النصري بالنون و عده مغايرا للديلمي.

ص: 107

بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ قُلْتُ لَهُ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ قَالَ فَقَالَ إِنَّ الْكِتَابَ لَمْ يَنْطِقْ وَ لَنْ يَنْطِقَ وَ لَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص هُوَ النَّاطِقُ بِالْكِتَابِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ- هَذَا كِتَابُنَا يُنْطَقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ قَالَ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنَّا لَا نَقْرَؤُهَا هَكَذَا فَقَالَ هَكَذَا وَ اللَّهِ نَزَلَ بِهِ جَبْرَئِيلُ عَلَى مُحَمَّدٍ ص وَ لَكِنَّهُ فِيمَا حُرِّفَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ

12 جَمَاعَةٌ عَنْ سَهْلٍ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- وَ الشَّمْسِ وَ ضُحاها قَالَ الشَّمْسُ رَسُولُ اللَّهِ ص بِهِ أَوْضَحَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لِلنَّاسِ دِينَهُمْ قَالَ قُلْتُ الْقَمَرِ إِذا تَلاها قَالَ ذَاكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع تَلَا رَسُولَ اللَّهِ ص وَ نَفَثَهُ بِالْعِلْمِ نَفْثاً قَالَ قُلْتُ وَ اللَّيْلِ إِذا يَغْشاها قَالَ ذَاكَ أَئِمَّةُ

قوله عليه السلام:" هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ" الظاهر أنه عليه السلام قرأ ينطق على البناء للمفعول، و كان يقرأ بعض مشايخنا رضي الله عنه" عليكم" بتشديد الياء المضمومة و الأول أظهر.

الحديث الثاني عشر

الحديث الثاني عشر

: ضعيف.

قوله:" عن أبي محمد" هو أبو بصير، لأنه روي عن علي بن إبراهيم هذا الخبر، عن أبيه، عن سليمان الديلمي، عن أبي بصير.

قوله عليه السلام:" الشمس رسول الله" و على هذا يكون" ضحاها" أي ضوؤها أو غاية ارتفاعها عبارة عن دينه و علمه و ارتفاع ملته، و انتفاع الناس بهدايته.

قوله عليه السلام:" و نفثه بالعلم" نفثا النفث: النفخ بالفم و الضمير المرفوع، راجع إلى الرسول و المنصوب إلى أمير المؤمنين و المراد ما أسر إليه من العلوم، و لعل فيه بيان سر [لتشبيهه] عليه السلام بالقمر إذ نور القمر مستفاد من الشمس، فكذلك علوم أمير المؤمنين و كمالاته مقتبسة من الرسول صلى الله عليه و آله و سلم.

قوله تعالى:" وَ اللَّيْلِ إِذا يَغْشاها" قيل: الضمير راجع إلى الشمس، و قيل: إلى الآفاق أو الأرض المعلومتين بقرينة المقام، و لما كانت الشمس على هذا التأويل كناية عن الرسول، و الليل عن أئمة الجور، فعلى الأول المراد أنهم ستروا و غطوا

ص: 108

الْجَوْرِ الَّذِينَ اسْتَبَدُّوا بِالْأَمْرِ دُونَ آلِ الرَّسُولِ ص وَ جَلَسُوا مَجْلِساً كَانَ آلُ الرَّسُولِ أَوْلَى بِهِ مِنْهُمْ فَغَشُوا دِينَ اللَّهِ بِالظُّلْمِ وَ الْجَوْرِ فَحَكَى اللَّهُ فِعْلَهُمْ فَقَالَ وَ اللَّيْلِ إِذا يَغْشاها قَالَ قُلْتُ وَ النَّهارِ إِذا جَلَّاها قَالَ ذَلِكَ الْإِمَامُ مِنْ ذُرِّيَّةِ فَاطِمَةَ ع يُسْأَلُ عَنْ دِينِ رَسُولِ اللَّهِ ص فَيُجَلِّيهِ لِمَنْ سَأَلَهُ فَحَكَى اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ قَوْلَهُ فَقَالَ وَ النَّهارِ إِذا جَلَّاها

13 سَهْلٌ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ قُلْتُ هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ قَالَ يَغْشَاهُمُ الْقَائِمُ بِالسَّيْفِ قَالَ قُلْتُ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ قَالَ خَاضِعَةٌ لَا تُطِيقُ الِامْتِنَاعَ قَالَ قُلْتُ عامِلَةٌ قَالَ عَمِلَتْ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالَ قُلْتُ ناصِبَةٌ قَالَ نَصَبَتْ غَيْرَ وُلَاةِ الْأَمْرِ قَالَ قُلْتُ

بظلمة جهلهم و جورهم ضوء شمس الرسالة، و دينها و علمهما، و على الأخيرين المراد أنه أظلمت الآفاق أو الأرض بسواد جهلهم و ظلمهم، و لعل الأول أظهر من الخبر، و القسم لعله على سبيل التهكم.

قوله تعالى:" وَ النَّهارِ إِذا جَلَّاها" أي جلي الشمس، فإنها تتجلى إذا انبسط النهار و الأئمة يجلون ضوء شمس الرسالة، و علومها و آثارها، و قال بعض المفسرين: إن الضمير راجع إلى الظلمة أو الدنيا أو الأرض، و إن لم يجز ذكرها للعلم بها، و الأول أظهر من الخبر.

الحديث الثالث عشر

الحديث الثالث عشر

: ضعيف، و محمد و هو ابن سليمان الديلمي.

قوله:" هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ" قال البيضاوي الداهية: التي تغشى الناس بشدائدها، يعني يوم القيامة أو النار من قوله تعالى:" تَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ" أقول:

المراد على تأويله عليه السلام الداهية: الحادثة، للمخالفين عند قيام القائم عليه السلام.

قوله:" وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ" إلخ قال البيضاوي: أي ذليلة تعمل ما تتعب فيه كجر السلاسل و خوضها في النار خوض الإبل في الوحل و الصعود و الهبوط في تلالها و وهادها أو عملت و نصبت في أعمال لا تنفعها يومئذ،" تَصْلى ناراً" تدخلها و قرأ أبو عمرو و يعقوب و أبو بكر تصلى من أصلاه الله، و قرئ تصلى بالتشديد

ص: 109

تَصْلى ناراً حامِيَةً قَالَ تَصْلَى نَارَ الْحَرْبِ فِي الدُّنْيَا عَلَى عَهْدِ الْقَائِمِ وَ فِي الْآخِرَةِ نَارَ جَهَنَّمَ

14 سَهْلٌ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَوْلُهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى- وَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ قَالَ فَقَالَ لِي يَا أَبَا بَصِيرٍ مَا تَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ قُلْتُ إِنَّ الْمُشْرِكِينَ يَزْعُمُونَ وَ يَحْلِفُونَ لِرَسُولِ اللَّهِ ص أَنَّ اللَّهَ لَا يَبْعَثُ الْمَوْتَى قَالَ فَقَالَ تَبّاً لِمَنْ قَالَ هَذَا سَلْهُمْ هَلْ كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ أَمْ بِاللَّاتِ وَ الْعُزَّى قَالَ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ فَأَوْجِدْنِيهِ قَالَ فَقَالَ لِي يَا أَبَا بَصِيرٍ لَوْ قَدْ قَامَ قَائِمُنَا بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِ قَوْماً مِنْ شِيعَتِنَا قِبَاعُ سُيُوفِهِمْ عَلَى عَوَاتِقِهِمْ فَيَبْلُغُ ذَلِكَ قَوْماً مِنْ شِيعَتِنَا لَمْ يَمُوتُوا فَيَقُولُونَ بُعِثَ فُلَانٌ وَ فُلَانٌ وَ فُلَانٌ مِنْ قُبُورِهِمْ وَ هُمْ مَعَ الْقَائِمِ فَيَبْلُغُ ذَلِكَ قَوْماً مِنْ عَدُوِّنَا فَيَقُولُونَ يَا مَعْشَرَ الشِّيعَةِ مَا أَكْذَبَكُمْ هَذِهِ دَوْلَتُكُمْ وَ أَنْتُمْ تَقُولُونَ فِيهَا الْكَذِبَ لَا وَ اللَّهِ مَا عَاشَ هَؤُلَاءِ

للمبالغة" حامِيَةً" متناهية في الحر، انتهى. و تفسيره عليه السلام واضح.

الحديث الرابع عشر

الحديث الرابع عشر

: ضعيف.

قوله تعالى:" جَهْدَ أَيْمانِهِمْ" قال البيضاوي: جهد الأيمان أغلظها و هو في الأصل مصدر، و نصبه على الحال على تقدير" وَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ" يجهدون جهد أيمانهم فحذف الفعل، و أقيم المصدر مقامه و لذلك ساغ كونها معرفة أو على المصدر لأنه بمعنى أقسموا" بَلى، أي يبعثهم" وَعْداً" مصدر مؤكد لنفسه، و هو ما دل عليه بلى، فإن يبعث موعد من الله" عَلَيْهِ" إنجازه، لامتناع الخلف في وعده أو لأن البعث مقتضى حكمته" حَقًّا" صفة أخرى للوعد" وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ" أنهم يبعثون، إما لعدم علمهم، بأنه من الحكمة التي جرت عادته بمراعاتها، و إما لقصور نظرهم على المألوف، فيتوهمون امتناعه.

قوله عليه السلام:" تبا لمن قال هذا" قال الجوهري: تقول تبا لفلان تنصبه على المصدر بإضمار فعل أي ألزمه الله هلاكا و خسرانا، قوله:" فأوجدنيه" في القاموس

ص: 110

وَ لَا يَعِيشُونَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ قَالَ فَحَكَى اللَّهُ قَوْلَهُمْ فَقَالَ وَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ

15 عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ بَدْرِ بْنِ الْخَلِيلِ الْأَسَدِيِّ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ ع يَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ لا تَرْكُضُوا وَ ارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَ مَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ قَالَ إِذَا قَامَ الْقَائِمُ وَ بَعَثَ إِلَى بَنِي أُمَيَّةَ بِالشَّامِ فَهَرَبُوا إِلَى الرُّومِ فَيَقُولُ لَهُمُ الرُّومُ لَا نُدْخِلَنَّكُمْ حَتَّى تَتَنَصَّرُوا فَيُعَلِّقُونَ فِي أَعْنَاقِهِمُ الصُّلْبَانَ فَيُدْخِلُونَهُمْ فَإِذَا نَزَلَ بِحَضْرَتِهِمْ أَصْحَابُ الْقَائِمِ طَلَبُوا الْأَمَانَ وَ الصُّلْحَ فَيَقُولُ أَصْحَابُ الْقَائِمِ لَا نَفْعَلُ حَتَّى تَدْفَعُوا إِلَيْنَا مَنْ قِبَلَكُمْ مِنَّا قَالَ فَيَدْفَعُونَهُمْ إِلَيْهِمْ فَذَلِكَ قَوْلُهُ- لا تَرْكُضُوا

أوجد فلانا مطلوبه أظفره به.

قوله:" قباع سيوفهم على عواتقهم" قال الجوهري: قبيعة السيف ما على طرف مقبضه من فضة أو حديد، و قال العاتق: موضع الرداء من المنكب.

الحديث الخامس عشر

الحديث الخامس عشر

: مجهول.

قال البيضاوي:" فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا" فلما أدركوا شدة عذابنا إدراك المشاهد المحسوس،" إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ" أي يهربون مسرعين راكضين دوابهم أو مشبهين بهم من فرط إسراعهم" لا تَرْكُضُوا" على إرادة القول، أي قيل لهم استهزاء: لا تركضوا إما بلسان الحال أو المقال، و القائل ملك أو من ثم من المؤمنين" وَ ارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ

" من التنعم و التلذذ، و الإتراف: إبطار النعمة،" وَ مَساكِنِكُمْ" التي كانت لكم" لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ" غدا عن أعمالكم أو تعذبون فإن السؤال من مقدمات العذاب أو تقصدون للسؤال، و التشاور في المهام و النوازل" قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ" لما رأوا العذاب و لم يروا وجه النجاة فلذلك لم ينفعهم" فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ" فما زالوا يرددون ذلك، و إنما سماه دعوى لأن المولول كأنه يدعو الويل و يقول:

يا ويل تعال فهذا أوانك، و كل من" تلك" و" دعواهم" يحتمل الاسمية و الخبرية" حَتَّى

ص: 111

وَ ارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَ مَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ قَالَ يَسْأَلُهُمُ الْكُنُوزَ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِهَا قَالَ فَيَقُولُونَ يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ بِالسَّيْفِ

رِسَالَةُ أَبِي جَعْفَرٍ ع إِلَى سَعْدٍ الْخَيْرِ

16 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ بَزِيعٍ عَنْ عَمِّهِ حَمْزَةَ بْنِ بَزِيعٍ وَ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَشْعَرِيِّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ

جَعَلْناهُمْ حَصِيداً" مثل الحصيد و هو النبت المحصود، و لذلك لم يجمع" خامِدِينَ

ميتين من خمدت النار، و هو مع حصيدا بمنزلة المفعول الثاني، كقولك: جعلته حلوا حامضا إذ المعنى جعلناهم جامعين لمماثلة الحصيد، و الخمود أو صفة له أو حال من ضميره.

قوله:" يسألهم الكنوز" أي الأموال التي كنزوها و دفنوها في الأرض مع أنه أعلم بتلك الكنوز، لكن يسألهم ليكون أشد عليهم.

قوله:" و هو سعيد بن عبد الملك" الظاهر أن قوله:" و هو سعيد" إلخ كان مكتوبا على الهامش لبيان نسب سعد الخير، و كان سعدا فصحف السعيد أو كان اسمه سعيدا، و سعد الخير لقيه فأدخلته النساخ في المتن كما سيأتي ذكره من كتاب الاختصاص، و على تقدير كونه جزء الخبر فالظاهر أن الضمير راجع إلى الهارب إلى الشام أعني رئيس الهاربين.

[الحديث السادس عشر] رسالة أبي جعفر عليه السلام إلى سعد الخير

[الحديث السادس عشر] رسالة أبي جعفر عليه السلام إلى سعد الخير

الحديث السادس عشر:

السعد الأول: صحيح على الظاهر، لتوثيق العلامة لحمزة بن بزيع، و إن كان ما يظن أن يكون مأخذه ضعيفا، لكن في رواية حمزة عن أبي جعفر الثاني عليه السلام

ص: 112

عَبْدِ اللَّهِ عَمَّنْ حَدَّثَهُ قَالَ كَتَبَ أَبُو جَعْفَرٍ ع إِلَى سَعْدٍ الْخَيْرِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ فَإِنَّ فِيهَا السَّلَامَةَ مِنَ التَّلَفِ وَ الْغَنِيمَةَ فِي الْمُنْقَلَبِ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَقِي بِالتَّقْوَى عَنِ الْعَبْدِ مَا عَزَبَ عَنْهُ عَقْلُهُ وَ يُجْلِي بِالتَّقْوَى عَنْهُ عَمَاهُ وَ جَهْلَهُ وَ بِالتَّقْوَى نَجَا نُوحٌ وَ مَنْ مَعَهُ فِي السَّفِينَةِ وَ صَالِحٌ وَ مَنْ مَعَهُ مِنَ الصَّاعِقَةِ وَ بِالتَّقْوَى فَازَ الصَّابِرُونَ وَ نَجَتْ تِلْكَ الْعُصَبُ مِنَ الْمَهَالِكِ وَ لَهُمْ إِخْوَانٌ عَلَى تِلْكَ الطَّرِيقَةِ يَلْتَمِسُونَ تِلْكَ الْفَضِيلَةَ نَبَذُوا طُغْيَانَهُمْ مِنَ الْإِيرَادِ بِالشَّهَوَاتِ لِمَا بَلَغَهُمْ فِي الْكِتَابِ مِنَ الْمَثُلَاتِ حَمِدُوا رَبَّهُمْ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ وَ هُوَ أَهْلُ

إشكال، لأن الشيخ في الرجال عده من رجال الرضا عليه السلام، و لم يذكر روايته عن الجواد عليه السلام، و روى الكشي ما يدل على أنه لم يدرك زمانه عليه السلام حيث قال: ذكر بين يدي الرضا حمزة بن بزيع فترحم عليه، فقيل له: كان يقول بموسى فترحم عليه ساعة الخبر، فيحتمل أن يكون أبو جعفر هو الأول عليه السلام ففي هذا السند أيضا إرسال و يؤيده ما رواه المفيد (ره) في كتاب الاختصاص بإسناده عن أبي حمزة الثمالي قال:

دخل سعد بن عبد الملك- و كان أبو جعفر عليه السلام يسميه سعد الخير، و هو من ولد عبد العزيز بن مروان- على أبي جعفر عليه السلام فبينا ينشج كما تنشج النساء قال فقال له أبو جعفر: ما يبكيك يا سعد؟ قال: و كيف لا أبكي و أنا من الشجرة الملعونة في القرآن فقال له: لست منهم أنت أموي منا أهل البيت أما سمعت قول الله عز و جل يحكي عن إبراهيم:" فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي" و السند الثاني: مرسل قوله عليه السلام:" ما عزب عنه عقله" قال الجوهري: عزب عني فلان يعزب، و يعزب أي بعد و غاب و عزب عن فلان حلمه.

قوله عليه السلام:" و نجت تلك العصب" هي جمع عصبة بالضم، و هي من الرجال و الخيل، و الطير ما بين العشرة إلى الأربعين.

قوله عليه السلام:" و لهم إخوان" أي في هذه الأمة أو في هذا الزمان.

قوله عليه السلام:" من الالتذاذ بالشهوات" الظاهر أن لفظة" من" بيانية، و يحتمل

ص: 113

الْحَمْدِ وَ ذَمُّوا أَنْفُسَهُمْ عَلَى مَا فَرَّطُوا وَ هُمْ أَهْلُ الذَّمِّ وَ عَلِمُوا أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى الْحَلِيمَ الْعَلِيمَ إِنَّمَا غَضَبُهُ عَلَى مَنْ لَمْ يَقْبَلْ مِنْهُ رِضَاهُ وَ إِنَّمَا يَمْنَعُ مَنْ لَمْ يَقْبَلْ مِنْهُ عَطَاهُ وَ إِنَّمَا يُضِلُّ مَنْ لَمْ يَقْبَلْ مِنْهُ هُدَاهُ ثُمَّ أَمْكَنَ أَهْلَ السَّيِّئَاتِ مِنَ التَّوْبَةِ بِتَبْدِيلِ الْحَسَنَاتِ دَعَا عِبَادَهُ فِي الْكِتَابِ إِلَى ذَلِكَ بِصَوْتٍ رَفِيعٍ لَمْ يَنْقَطِعْ وَ لَمْ يَمْنَعْ دُعَاءَ عِبَادِهِ- فَلَعَنَ اللَّهُ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَ كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ فَسَبَقَتْ قَبْلَ الْغَضَبِ فَتَمَّتْ صِدْقاً

الابتدائية، أي الطغيان الحاصل من الالتذاذ، و في بعض النسخ" من الإيراد بالشهوات" و لعل المراد إيراد الأنفس على المهالك بسبب الشهوات.

قوله:" من المثلات" بفتح الميم و ضم الثاء أي العقوبات قوله" رضاه" أي ما يرضيه من الطاعات.

قوله عليه السلام:" من التوبة بتبديل الحسنات" الظاهر أن الباء تعليلية أي جعل أهل السيئات قادرين على التوبة، متمكنين منها، لأن يبدلوا بها سيئاتهم حسنات أو لأن يبدل الله سيئاتهم حسنات، و يحتمل أن تكون" من" سببية، و الباء بمعنى من أي مكنهم من تبديل سيئاتهم بالتوبة، و هو إشارة إلى قوله تعالى" فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ" و التبديل إما بأن يمحو سوابق معاصيهم بالتوبة، و يثبت مكانها لواحق طاعاتهم أو يبدل ملكة المعصية في النفس، بملكة الطاعة، و قيل: بأن يوفقه لأضداد ما سلف منه أو بأن يثبت له مكان كل سيئة حسنة، و بهذا المعنى الأخير ورد بعض أخبارنا.

قوله عليه السلام:" و لم يمنع دعاء عباده" أي يمنعهم عن الدعاء.

قوله عليه السلام:" فلعن الله الذين يكتمون ما أنزل الله" لعل المراد المجبرة المنكرين لما تقدم.

قوله عليه السلام:" كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ" أي ألزمها على نفسه.

قوله:" فتمت" أي الرحمة أي كتابتها و الوعد بها و تقديرها كما قال" وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ*" و فسرت بتقديرات الله تعالى و مواعيده.

ص: 114

وَ عَدْلًا فَلَيْسَ يَبْتَدِئُ الْعِبَادَ بِالْغَضَبِ قَبْلَ أَنْ يُغْضِبُوهُ وَ ذَلِكَ مِنْ عِلْمِ الْيَقِينِ وَ عِلْمِ التَّقْوَى وَ كُلُّ أُمَّةٍ قَدْ رَفَعَ اللَّهُ عَنْهُمْ عِلْمَ الْكِتَابِ حِينَ نَبَذُوهُ وَ وَلَّاهُمْ عَدُوَّهُمْ حِينَ تَوَلَّوْهُ وَ كَانَ مِنْ نَبْذِهِمُ الْكِتَابَ أَنْ أَقَامُوا حُرُوفَهُ وَ حَرَّفُوا حُدُودَهُ فَهُمْ يَرْوُونَهُ وَ لَا يَرْعَوْنَهُ وَ الْجُهَّالُ يُعْجِبُهُمْ حِفْظُهُمْ لِلرِّوَايَةِ وَ الْعُلَمَاءُ يَحْزُنُهُمْ تَرْكُهُمْ لِلرِّعَايَةِ وَ كَانَ مِنْ نَبْذِهِمُ الْكِتَابَ أَنْ وَلَّوْهُ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ فَأَوْرَدُوهُمُ الْهَوَى وَ أَصْدَرُوهُمْ إِلَى الرَّدَى وَ غَيَّرُوا عُرَى

قوله عليه السلام:" و ذلك من علم اليقين" من قبيل إضافة الموصوف إلى الصفة أي ما سبق من العلم بعدله تعالى و رأفته و رحمته، هو من العلم المتيقن الذي لا شك فيه، و هو علم التقوى، أي علم يتقى به من عذاب الله إذ من لم يقل به فهو كافر مستحق لعذابه تعالى، أو هو العلم الذي يبعث النفس على التقوى، أو يحصل من التقوى، قوله" و كل أمة" مبتدأ و قوله" قد رفع الله" خبره.

قوله عليه السلام:" و ولاهم عدوهم حين تولوه" الضمير المنصوب في قوله" تولوه" راجع إلى العدو يقال ولاه: أي جعله واليا، و تولاه أي اتخذوه وليا. أي سلط عليهم عدوهم، حين اتخذوه وليهم، و خلي بينه و بينهم كما أنهم بايعوا بعد النبي صلى الله عليه و آله و سلم في صدر الإسلام من ليس بأهله، و من هو عدوهم في الدنيا و الآخرة فوكلهم الله إليهم و خلي بينهم، و بين هؤلاء المضلين، و فيه إشارة إلى قوله تعالى" وَ مَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَ يَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ، نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى" أي نجعله واليا لما تولى من الضلال. و نخلي بينه و بين ما اختاره" وَ نُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَ ساءَتْ مَصِيراً".

قوله عليه السلام:" و حرفوا حدوده" أي أحكامه و أولوها بآرائهم.

قوله:" و كان من نبذهم الكتاب أن ولوه" إلخ. أي جعلوا ولي الكتاب و القيم عليه، و الحاكم به الذين لا يعلمونه.

قوله:" فأوردوهم الهوى" أي ما يحكم به أهواؤهم" و صدورهم" أي أرجعوهم إلى الردى و الهلاك.

قوله:" و غيروا عرى الدين" أي ما يتمسك به من أحكام الدين و شرائعه.

ص: 115

الدِّينِ ثُمَّ وَرَّثُوهُ فِي السَّفَهِ وَ الصِّبَا فَالْأُمَّةُ يَصْدُرُونَ عَنْ أَمْرِ النَّاسِ بَعْدَ أَمْرِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى وَ عَلَيْهِ يُرَدُّونَ فَ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا وَلَايَةُ النَّاسِ بَعْدَ وَلَايَةِ اللَّهِ وَ ثَوَابُ النَّاسِ بَعْدَ ثَوَابِ اللَّهِ وَ رِضَا النَّاسِ بَعْدَ رِضَا اللَّهِ فَأَصْبَحَتِ الْأُمَّةُ كَذَلِكَ وَ فِيهِمُ الْمُجْتَهِدُونَ فِي الْعِبَادَةِ عَلَى تِلْكَ الضَّلَالَةِ مُعْجَبُونَ مَفْتُونُونَ فَعِبَادَتُهُمْ فِتْنَةٌ لَهُمْ وَ لِمَنِ اقْتَدَى بِهِمْ وَ قَدْ كَانَ فِي الرُّسُلِ ذِكْرى لِلْعابِدِينَ إِنَّ نَبِيّاً مِنَ الْأَنْبِيَاءِ كَانَ يَسْتَكْمِلُ الطَّاعَةَ ثُمَّ يَعْصِي اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى فِي الْبَابِ الْوَاحِدِ فَخَرَجَ بِهِ مِنَ الْجَنَّةِ وَ يُنْبَذُ بِهِ فِي بَطْنِ الْحُوتِ ثُمَّ لَا يُنَجِّيهِ إِلَّا الِاعْتِرَافُ وَ التَّوْبَةُ فَاعْرِفْ أَشْبَاهَ الْأَحْبَارِ وَ الرُّهْبَانِ الَّذِينَ سَارُوا بِكِتْمَانِ الْكِتَابِ وَ تَحْرِيفِهِ فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَ ما كانُوا مُهْتَدِينَ ثُمَّ اعْرِفْ

قوله عليه السلام:" ثم ورثوه" أي جعلوه ميراثا يرثه كل سفيه جاهل، أو صبي غير عاقل، قال الجوهري: يقال: صبي بين الصبا و الصباء، إذا فتحت الصاد مددت و إذا كسرت قصرت.

قوله عليه السلام:" بعد أمر الله" أي صدوره أو الاطلاع عليه أو تركه، و الورود و الصدور كنايتان عن الإتيان، للسؤال و الأخذ و الرجوع بالقبول.

قوله عليه السلام:" ولاية الناس" هو المخصوص بالذم.

قوله عليه السلام:" معجبون" بفتح الجيم أي يعجبهم أعمالهم.

قوله عليه السلام:" ثم يعصي الله" أي يترك الأولى و الأفضل و إطلاق العصيان عليه مجاز لكونه في درجة كمالهم، بمنزلة العصيان.

قوله عليه السلام:" فاعرف أشباه الأحبار و الرهبان" أي الذين كانوا يتشبهون بالأحبار و الرهبان من الأمم السالفة، و لم يكونوا منهم ضالين مبتدعين كتموا الكتاب و أحكامه و حرفوه و أولوه بآرائهم.

قوله عليه السلام:" فهم مع السادة و الكبرة" الكبرة بكسر الكاف و سكون الباء و الكبر بالضم: جمع الأكبر أي هم مع أهل السيادة و العظمة و الدولة في الدنيا، و في بعض النسخ الكثرة و هو أظهر.

ص: 116

أَشْبَاهَهُمْ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ الَّذِينَ أَقَامُوا حُرُوفَ الْكِتَابِ وَ حَرَّفُوا حُدُودَهُ فَهُمْ مَعَ السَّادَةِ وَ الْكُبُرَّةِ- فَإِذَا تَفَرَّقَتْ قَادَةُ الْأَهْوَاءِ- كَانُوا مَعَ أَكْثَرِهِمْ دُنْيَا وَ ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ- لَا يَزَالُونَ كَذَلِكَ فِي طَبَعٍ وَ طَمَعٍ لَا يَزَالُ يُسْمَعُ صَوْتُ إِبْلِيسَ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ بِبَاطِلٍ كَثِيرٍ يَصْبِرُ مِنْهُمُ الْعُلَمَاءُ عَلَى الْأَذَى وَ التَّعْنِيفِ وَ يَعِيبُونَ عَلَى الْعُلَمَاءِ بِالتَّكْلِيفِ وَ الْعُلَمَاءُ فِي أَنْفُسِهِمْ خَانَةٌ إِنْ كَتَمُوا النَّصِيحَةَ إِنْ رَأَوْا تَائِهاً ضَالًّا لَا يَهْدُونَهُ أَوْ مَيِّتاً لَا يُحْيُونَهُ فَبِئْسَ مَا يَصْنَعُونَ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى أَخَذَ عَلَيْهِمُ الْمِيثَاقَ فِي الْكِتَابِ أَنْ

قوله عليه السلام:" و ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ" إشارة إلى قوله تعالى:" فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَ لَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ" أي أمر الدنيا أو كونها تسمية مبلغهم من العلم، لا يتجاوزه علمهم، و ما في الخبر يحتمل أن يكون المراد به" هذا ما بلغوه بسبب علمهم" أي لم يحصل سوى ذلك من العلم.

قوله عليه السلام:" في طبع" قال الجزري: الطبع بالسكون: الختم، و بالتحريك:

الدنس، و أصله من الوسخ و الدنس يغشيان السيف، يقال: طبع السيف يطبع طبعا ثم استعمل فيما يشبه ذلك من الأوزار و الآثام و غيرهما من القبائح، و منه الحديث" أعوذ بالله من طمع يهدى إلى طبع" أي يؤدى إلى شين أو عيب.

قوله عليه السلام:" يعيبون على العلماء بالتكليف" أي بسبب أنهم يكلفونهم الطاعات و العدول عن الباطل، أو يكلفون الخلق و يدعونهم إلى الحق.

قوله عليه السلام:" و العلماء في أنفسهم خانة" هي جمع خائن أي و الحال أن العلماء المحقين خائنون إن كتموه و تركوا نصيحتهم.

قوله عليه السلام:" إن رأوا" إلخ يحتمل أن يكون جزاؤه فبئس ما يصنعون، و يكون مجموع جملة الشرط و الجزاء تأكيدا للجملة السابقة، و بيانا لها، و لذا ترك العاطف بينهما، و يحتمل أن يكون هذا الشرط بيانا لكتمان النصيحة، و تفسيرا له، و يكون قوله:" فبئس ما يصنعون" جزاء لشرط محذوف، أي إن فعلوا ذلك فبئس ما يصنعون

ص: 117

يَأْمُرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَ بِمَا أُمِرُوا بِهِ وَ أَنْ يَنْهَوْا عَمَّا نُهُوا عَنْهُ وَ أَنْ يَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوى وَ لَا يَتَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ فَالْعُلَمَاءُ مِنَ الْجُهَّالِ فِي جَهْدٍ وَ جِهَادٍ إِنْ وَعَظَتْ قَالُوا طَغَتْ- وَ إِنْ عَلَّمُوا الْحَقَّ الَّذِي تَرَكُوا قَالُوا خَالَفَتْ وَ إِنِ اعْتَزَلُوهُمْ قَالُوا فَارَقَتْ وَ إِنْ قَالُوا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ عَلَى مَا تُحَدِّثُونَ قَالُوا نَافَقَتْ وَ إِنْ أَطَاعُوهُمْ قَالُوا عَصَتِ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَ

و يحتمل أن يكون" و رأوا" بيانا لقوله" و يعيبون على العلماء" و تعليلا له، و يكون ضمير الفاعل راجعا إلى أشباه الأحبار أي إنهم يعيبون على العلماء تكليفهم الخلق بالطاعات، لكونه خلاف طريقتهم، فإنهم إن رأوا تائها أي متحيرا ضالا عن سبيل الحق لا يهدونه و الأول أظهر.

قوله عليه السلام:" فالعلماء من الجهال" أي علماء الحق من أشباه الأحبار أو من أتباعهم الضالين، و يحتمل أن يكون المراد علماء السوء من أتباعهم، لكن تطبيق الفقرات عليه، يحتاج إلى تكلف.

قوله عليه السلام:" في جهد" بالفتح أي مشقة" و جهاد" بالكسر أي مجاهدة، و سعي و اهتمام" إن وعظت" العلماء،" قالوا طغت" أي جاوزوا الحد في ذلك و بالغوا أكثر مما ينبغي أو حصل لهم الطغيان، بسبب علمهم و عملهم فيعيبون الناس أو يدعون الرئاسة" و إن علموا" الجهال" الحق" الذي تركه الجهال، قالوا:" خالفت" أي كبراءنا أو عامة الناس لشيوع الباطل بينهم، و على الاحتمال الثاني المراد إن علم علماء سوء الجهال شيئا من الحق الذي يتركه أنفسهم، قالت الجهال لهم: خالفت في قولك فعلك،" و إن اعتزلوهم قالوا: فارقت" الجماعة.

قوله عليه السلام:" قالوا نافقت" أي أظهرت خلافنا و لم تعتقد لحقية ما نحن عليه.

قوله عليه السلام:" و إن أطاعوهم قالوا: عصيت الله" ليس في بعض النسخ المصححة" قالوا" و الظاهر أنه زيد من النساخ، و المعنى أنه لا يمكنهم إطاعة هؤلاء، لأنها

ص: 118

فَهَلَكَ جُهَّالٌ فِيمَا لَا يَعْلَمُونَ أُمِّيُّونَ فِيمَا يَتْلُونَ يُصَدِّقُونَ بِالْكِتَابِ عِنْدَ التَّعْرِيفِ وَ يُكَذِّبُونَ بِهِ عِنْدَ التَّحْرِيفِ فَلَا يُنْكِرُونَ أُولَئِكَ أَشْبَاهُ الْأَحْبَارِ وَ الرُّهْبَانِ قَادَةٌ فِي الْهَوَى سَادَةٌ فِي الرَّدَى وَ آخَرُونَ مِنْهُمْ جُلُوسٌ بَيْنَ الضَّلَالَةِ وَ الْهُدَى لَا يَعْرِفُونَ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ مِنَ الْأُخْرَى يَقُولُونَ مَا كَانَ النَّاسُ يَعْرِفُونَ هَذَا وَ لَا يَدْرُونَ مَا هُوَ وَ صَدَّقُوا تَرْكَهُمْ رَسُولَ اللَّهِ

معصية الله تعالى، و على نسخة [قالوا] لعل المراد أنهم يقولون: عصيت الله بزعمك حيث عملت بما لم تعتقده، كما أن المخالفين لعنهم الله يشنعون في التقية علينا و على أئمتنا عليهم السلام.

قوله عليه السلام:" أميون فيما يتلون" أي إنهم كالأميين لعدم علمهم بمعاني الكتاب و الأمي من لا يحسن الخط و الكتابة.

قوله:" يصدقون بالكتاب" أي بألفاظه عند تعريف الخلق ألفاظه، و يكذبون بالكتاب عند تحريف معانيه، إذ تحريف معناه تكذيب للمعنى المراد به، فقوله يصدقون و يكذبون من باب التفعيل على البناء للفاعل، و قوله ينكرون على البناء للمفعول، أي لا ينكر تكذيبهم عليهم أحد، و يحتمل العكس بأن يكون الأولان على البناء للمفعول، و الثالث على البناء للفاعل، أي لا يمكنهم إنكار ذلك لظهور تحريفهم، و على الاحتمال الأول يمكن أن يقرأ الفعلان بالتخفيف أيضا، و الأول أظهر.

قوله عليه السلام:" يقولون ما كان الناس يعرفون هذا" إلخ. هذا يحتمل وجوها:

الأول: أن يكون هذا إشارة إلى الاختلاف الذي حدث بين الأمة، أي لم يكن هذا الاختلاف بين الأمة في زمن الرسول ما كان الناس يدرونه، و إنما حدث هذا بعده، فيعرفون أن الاختلاف ليس بحق، لكن لا يعرفون الحق من بينهما فتحيروا، فيكون قوله:" و صدقوا" بالتخفيف من كلامه غير محكي عنهم، بل تصديقا لهم فيما قالوا من أن الاختلاف مبتدع، و يحتمل أن يكون" و لا يدرون" أيضا من كلامه عليه السلام أي لا يدري هؤلاء المتحيرون الحق ما هو بين هذا الاختلاف الذي اعترفوا بكونه

ص: 119

ص عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا مِنْ نَهَارِهَا لَمْ يَظْهَرْ فِيهِمْ بِدْعَةٌ وَ لَمْ يُبَدَّلْ فِيهِمْ سُنَّةٌ لَا خِلَافَ عِنْدَهُمْ وَ لَا اخْتِلَافَ فَلَمَّا غَشِيَ النَّاسَ ظُلْمَةُ خَطَايَاهُمْ صَارُوا إِمَامَيْنِ دَاعٍ إِلَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى وَ دَاعٍ إِلَى النَّارِ فَعِنْدَ ذَلِكَ نَطَقَ الشَّيْطَانُ فَعَلَا صَوْتُهُ عَلَى لِسَانِ أَوْلِيَائِهِ وَ

مبتدعا.

الثاني: أن يكون هذا إشارة إلى ما ابتدعه المخالفون، كخلافة أبي بكر مثلا، أي يقولون لم يحدث هذه الأمور في عصر الرسول صلى الله عليه و آله، و إنما ابتدعت بعده و على هذا الاحتمال يمكن أن يقرأ صدقوا بالتخفيف كما مروا بالتشديد أيضا، و على الثاني فقوله:" تركهم": إما مصدر مفعول للتصديق، أي صدقوا أن الرسول تركهم على الأمر الواضح، و إما فعل، أي مع اعترافهم بكون هذه الأمور بدعة صدقوا بها تصديقا مشوبا بالشك، فيكون قوله:" تركهم" كلامه عليه السلام للرد عليهم.

الثالث: أن يكون هذا إشارة إلى مذهب أهل الحق، أي سبب عدم إطاعتهم للحق هو أنهم يقولون إن الناس في الزمان السابق كان أكثرهم على خلاف هذا الرأي، و لا يدرون حقيته فنحن تبع لهم كما قال الكفار" إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَ إِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ" و صدقوا بالتشديد، و تركهم على صيغة المصدر فهذا رد عليهم بأنهم يصدقون بأن الرسول صلى الله عليه و آله و سلم أوضح لهم السبيل، و أقام لهم الخليفة، و أوضح لهم الحجة، و مع ذلك يتبعون أسلافهم في الضلالة، أو بيان لأحد طرفي شكهم و أحد سببي تحيرهم.

الرابع: أن يكون اسم الإشارة إشارة إلى خليفتهم الباطل، و بدعهم الفاسدة و يكون الكلام مسوقا على الاستفهام الإنكاري، أي إن الناس هل كانوا لا يعرفون حقية هذه الخليفة و كانوا ينصبونه.

قوله عليه السلام:" و صدقوا" يكون ردا عليهم.

قوله عليه السلام:" على البيضاء" أي على الملة البينة الواضحة الممتازة" ليلها من نهارها" أي باطلها من حقها.

ص: 120

كَثُرَ خَيْلُهُ وَ رَجْلُهُ وَ شَارَكَ فِي الْمَالِ وَ الْوَلَدِ مَنْ أَشْرَكَهُ فَعُمِلَ بِالْبِدْعَةِ وَ تُرِكَ الْكِتَابُ وَ السُّنَّةُ وَ نَطَقَ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ بِالْحُجَّةِ وَ أَخَذُوا بِالْكِتَابِ وَ الْحِكْمَةِ فَتَفَرَّقَ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ أَهْلُ الْحَقِّ وَ أَهْلُ الْبَاطِلِ وَ تَخَاذَلَ وَ تَهَادَنَ أَهْلُ الْهُدَى وَ تَعَاوَنَ أَهْلُ الضَّلَالَةِ حَتَّى كَانَتِ الْجَمَاعَةُ مَعَ فُلَانٍ وَ أَشْبَاهِهِ فَاعْرِفْ هَذَا الصِّنْفَ وَ صِنْفٌ آخَرُ فَأَبْصِرْهُمْ رَأْيَ الْعَيْنِ نُجَبَاءُ وَ الْزَمْهُمْ حَتَّى تَرِدَ أَهْلَكَ فَ إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَ أَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ لَى هَاهُنَا رِوَايَةُ الْحُسَيْنِ وَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى زِيَادَةٌ

قوله عليه السلام:" و كثر خيله و رجله" الخيل: جماعة الفرسان، و الرجل: المشاة أي أعوانه القوية و الضعيفة.

قوله عليه السلام:" من أشركه" أي الشيطان باتباعه، و عدم الاستعاذة منه.

قوله عليه السلام:" و تخاذل" أي تركوا نصرة الحق، و في بعض النسخ" تخادن" من الخدن، و هو الصديق و تهادن من المهادنة بمعنى المصالحة، و في بعض النسخ و" تهاون" أي عن نصرة الحق، و هذا أنسب بالتخاذل، كما أن التهادن أنسب بالتخادن.

قوله:" مع فلان" يعني أبا بكر.

قوله عليه السلام:" حتى ترد أهلك" أي في الآخرة من الأنبياء و الأئمة و المؤمنين و أشار عليه السلام بذلك إلى تفسير خسران أهليهم في الآية و أن المراد خسران مرافقة هؤلاء في القيامة، و في الجنة و شفاعتهم. قوله عليه السلام:" فإن كان دونهم بلاء" أي كان عندهم ابتلاء و امتحان للخلق من مظلوميتهم و مغلوبيتهم، فلا تجعل ذلك دليلا على عدم حقيتهم، و لا تحقرهم بذلك، فإن ذلك علامة حقيتهم، و عما قليل تنقضي بلاياهم، ثم تصير و تنقلب تلك البلايا إلى رخاء لا يوصف في الآخرة، أو في الدنيا عند قيام القائم عليه السلام و" العسف" الظلم و" الخسف" كناية عن الخمول و عدم الذكر.

قوله عليه السلام:" ثم اعلم أن إخوان الثقة" تحريص على تحصيل الإخوان في الله

ص: 121

لَهُمْ عِلْمٌ بِالطَّرِيقِ فَإِنْ كَانَ دُونَهُمْ بَلَاءٌ فَلَا تَنْظُرْ إِلَيْهِمْ فَإِنْ كَانَ دُونَهُمْ عَسْفٌ مِنْ أَهْلِ الْعَسْفِ وَ خَسْفٌ وَ دُونَهُمْ بَلَايَا تَنْقَضِي- ثُمَّ تَصِيرُ إِلَى رَخَاءٍ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ إِخْوَانَ الثِّقَةِ ذَخَائِرُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ وَ لَوْ لَا أَنْ تَذْهَبَ بِكَ الظُّنُونُ عَنِّي لَجَلَيْتُ لَكَ عَنْ أَشْيَاءَ مِنَ الْحَقِّ غَطَّيْتُهَا وَ لَنَشَرْتُ لَكَ أَشْيَاءَ مِنَ الْحَقِّ كَتَمْتُهَا وَ لَكِنِّي أَتَّقِيكَ وَ أَسْتَبْقِيكَ وَ لَيْسَ الْحَلِيمُ الَّذِي لَا يَتَّقِي أَحَداً فِي مَكَانِ التَّقْوَى وَ الْحِلْمُ لِبَاسُ الْعَالِمِ فَلَا تَعْرَيَنَّ مِنْهُ وَ السَّلَامُ

رِسَالَةٌ مِنْهُ ع إِلَيْهِ أَيْضاً

17 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ بَزِيعٍ عَنْ عَمِّهِ حَمْزَةَ بْنِ بَزِيعٍ قَالَ كَتَبَ أَبُو جَعْفَرٍ ع إِلَى سَعْدٍ الْخَيْرِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ جَاءَنِي كِتَابُكَ تَذْكُرُ فِيهِ مَعْرِفَةَ مَا لَا يَنْبَغِي تَرْكُهُ وَ طَاعَةَ مَنْ رِضَا اللَّهِ رِضَاهُ فَقُلْتَ مِنْ ذَلِكَ لِنَفْسِكَ مَا كَانَتْ نَفْسُكَ مُرْتَهَنَةً لَوْ تَرَكْتَهُ تَعْجَبُ أَنَّ رِضَا اللَّهِ وَ طَاعَتَهُ وَ نَصِيحَتَهُ لَا تُقْبَلُ وَ لَا تُوجَدُ وَ لَا تُعْرَفُ إِلَّا فِي عِبَادٍ غُرَبَاءَ أَخْلَاءً

الموثوق بهم و بأخوتهم.

قوله:" و لو لا أن تذهب بك الظنون عني" أي يصير ظنك السي ء بي سببا لانحرافك عني، و عدم إصغائك إلى بعد ذلك، و كأنه عليه السلام كان يعلم أنه لا يقبل صريح الحق دفعة، فأراد أن يقربه من الحق شيئا فشيئا لئلا ينفر عن الحق و أهله، قوله:" في مكان التقوى" أي في محل التقية.

[الحديث السابع عشر] رسالة أيضا منه إليه

[الحديث السابع عشر] رسالة أيضا منه إليه

الحديث السابع عشر: صحيح على الظاهر.

قوله عليه السلام:" ما كانت نفسك مرتهنة" بفتح الهاء أي مرهونة، و الأنفس مرهونة عند الله بما لله عليها من الحقوق و الطاعات، و ترك المعاصي فإذا عمل بما يجب عليه و ترك ما نهى عنه، فقد فك رهانها و إلا فيؤخذ منها بتعذيبها كما أن صاحب الدين

ص: 122

مِنَ النَّاسِ قَدِ اتَّخَذَهُمُ النَّاسُ سِخْرِيّاً لِمَا يَرْمُونَهُمْ بِهِ مِنَ الْمُنْكَرَاتِ وَ كَانَ يُقَالُ لَا يَكُونُ الْمُؤْمِنُ مُؤْمِناً حَتَّى يَكُونَ أَبْغَضَ إِلَى النَّاسِ مِنْ جِيفَةِ الْحِمَارِ وَ لَوْ لَا أَنْ يُصِيبَكَ مِنَ

يأخذ من الرهن حقه كما قال تعالى" كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ" فإنهم فكوا رهانها.

قوله عليه السلام:" فعجب" أي كون رضى الله و طاعته منحصرة في هؤلاء القوم الذين يستحقرهم الناس محل للتعجب يستبعده الناس، و تأبى عنه أوهامهم و عقولهم الفاسدة التي ألفت بالدنيا و زينتها، و في بعض النسخ [بعجب] بضم العين، فيكون متعلقا بالترك أي إن تركته بسبب الإعجاب بالنفس و التكبر عن قبول الحق و إطاعة أهله قال الفيروزآبادي: العجب بالضم: الزهو و الكبر، و في بعضها [تعجب] على صيغة الخطاب و على هذا كأنه كان تعجب في نفسه أو أظهر تعجبه في رسالته فرد عليه السلام ذلك عليه، قوله:" و نصيحته" أي نصح عبادة أو طاعته مجازا.

قوله عليه السلام:" في عباد غرباء" الغربة عبارة عن قلة الأعوان و قلة الموافقين لهم فيما هم فيه من دين الحق، كما قال النبي صلى الله عليه و آله و سلم" إن الإسلام بدأ غريبا فطوبى للغرباء".

قوله عليه السلام:" أخلاء من الناس" الإخلاء: جمع خلو بالكسر، و هو الخالي عن الشي ء و يكون بمعنى المنفرد، و يقال: أخلاء إذا انفرد أي هم أخلاء من أخلاق عامة الناس و أطوارهم الباطلة أو منفردون عن الناس معتزلون عن شرارهم.

قوله عليه السلام:" لما يرمونهم به من المنكرات" أي يتخذهم الناس سخرية و استهزاء بسبب ما يرميهم الناس و يتهمهم به من المنكرات التي هم براء منها، أو من أشياء يزعمونها من المناكير، و ليست بها، و يحتمل أن يكون ضمير الفاعل راجعا إلى العباد المحقين أي إنما يتخذون هؤلاء العباد سخريا لأنهم ينسبونهم إلى المنكرات أي يبينون أن أفعالهم و أديانهم منكرة و ينهونهم عنها.

قوله عليه السلام:" و كان يقال" أي يقول النبي و أهل هذا البيت عليهم السلام و هذا رد

ص: 123

الْبَلَاءِ مِثْلُ الَّذِي أَصَابَنَا فَتَجْعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللَّهِ وَ أُعِيذُكَ بِاللَّهِ وَ إِيَّانَا مِنْ ذَلِكَ لَقَرُبْتَ عَلَى بُعْدِ مَنْزِلَتِكَ وَ اعْلَمْ رَحِمَكَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا تُنَالُ مَحَبَّةُ اللَّهِ إِلَّا بِبُغْضِ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ وَ لَا وَلَايَتُهُ إِلَّا بِمُعَادَاتِهِمْ وَ فَوْتُ ذَلِكَ قَلِيلٌ يَسِيرٌ لِدَرْكِ ذَلِكَ مِنَ اللَّهِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ

للعجب و الاستبعاد.

قوله عليه السلام:" مثل الذي أصابنا" أي من أذى الخلق و تحقيرهم و استهزائهم.

قوله عليه السلام:" فتجعل فتنة الناس كعذاب الله" الفتنة هنا البلية، و الأذى أي تجعل أذى الناس كعذاب الله في الضرر و تساوي بينهما، فتختار عذاب الله بالرجوع عن الحق للاحتراز عن ضررهم، و هو إشارة إلى قوله تعالى:" وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللَّهِ" أي بأن عذبهم الكفرة على الإيمان." جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ" أي ما يصيبهم من أذيتهم في الصرف عن الإيمان" كَعَذابِ اللَّهِ" في الصرف عن الكفر.

قوله عليه السلام:" لقربت" جزاء الشرط و هو إما بتشديد الراء على صيغة المتكلم المعلوم أي لجعلتك قريبا من الحق مع غاية بعدك عنه، أو على صيغة المخاطب المجهول أو بتخفيف الراء إما بصيغة المتكلم أي لقربت إليك ببيان الحق و التصريح به، أو بصيغة الخطاب أي لصرت قريبا بما ألقي إليك من الحق.

قوله عليه السلام:" و فوت ذلك" أي ما يفوتك بسبب معاداة الناس قليل حقير بالنظر إلى ما تدركه من المنافع الأخروية من الله، ف قوله عليه السلام:" لدرك" علة للقلة و الحقارة.

قوله عليه السلام:" ذلك" ثانيا إما راجع إلى الثواب المعلوم بقرينة المقام، أو إلى ما رجع إليه اسم الإشارة أولا أي عوضه، و جزاء تركه.

قوله:" لقوم يعلمون" أي لا يعلم حقيقة هذه الحقارة و ذلك الشرف إلا العالمون بضعة الدنيا و دناءة منزلتها و حقارتها، و العارفون برفعته درجات الآخرة و شرفها.

ص: 124

يَا أَخِي إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ جَعَلَ فِي كُلٍّ مِنَ الرُّسُلِ بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَدْعُونَ مَنْ ضَلَّ إِلَى الْهُدَى وَ يَصْبِرُونَ مَعَهُمْ عَلَى الْأَذَى يُجِيبُونَ دَاعِيَ اللَّهِ وَ يَدْعُونَ إِلَى اللَّهِ فَأَبْصِرْهُمْ رَحِمَكَ اللَّهُ فَإِنَّهُمْ فِي مَنْزِلَةٍ رَفِيعَةٍ وَ إِنْ أَصَابَتْهُمْ فِي الدُّنْيَا وَضِيعَةٌ إِنَّهُمْ يُحْيُونَ بِكِتَابِ اللَّهِ الْمَوْتَى وَ يُبَصِّرُنَّ بِنُورِ اللَّهِ مِنَ الْعَمَى كَمْ مِنْ قَتِيلٍ لِإِبْلِيسَ قَدْ أَحْيَوْهُ وَ كَمْ مِنْ تَائِهٍ ضَالٍّ قَدْ هَدَوْهُ يَبْذُلُونَ دِمَاءَهُمْ دُونَ هَلَكَةِ الْعِبَادِ وَ مَا أَحْسَنَ أَثَرَهُمْ عَلَى الْعِبَادِ وَ أَقْبَحَ آثَارَ الْعِبَادِ عَلَيْهِمْ

18 عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ص ذَاتَ يَوْمٍ جَالِساً إِذْ أَقْبَلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ص إِنَّ فِيكَ شَبَهاً مِنْ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَ لَوْ لَا أَنْ تَقُولَ فِيكَ طَوَائِفُ مِنْ أُمَّتِي مَا قَالَتِ النَّصَارَى فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ لَقُلْتُ فِيكَ قَوْلًا لَا تَمُرُّ بِمَلَإٍ مِنَ النَّاسِ إِلَّا أَخَذُوا التُّرَابَ مِنْ تَحْتِ قَدَمَيْكَ يَلْتَمِسُونَ بِذَلِكَ الْبَرَكَةَ قَالَ فَغَضِبَ الْأَعْرَابِيَّانِ وَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ وَ عِدَّةٌ مِنْ قُرَيْشٍ مَعَهُمْ فَقَالُوا مَا رَضِيَ أَنْ يَضْرِبَ لِابْنِ عَمِّهِ مَثَلًا إِلَّا عِيسَى

قوله عليه السلام:" في كل من الرسل" أي في أمة كل من الرسل أو لكل منهم بأن يكون" في" بمعنى اللام، قوله:" يصبرون معهم" أي مع الأمة و بينهم أو مع الرسل.

قوله عليه السلام:" دون هلكة العباد" أي عند أشرافهم على الهلاك لئلا يهلكوا.

قوله عليه السلام:" ما أحسن أثرهم" أي ما يصل منهم إلى العباد و أثر الشي ء بقيته و ما يحصل منه.

الحديث الثامن عشر

الحديث الثامن عشر

: ضعيف.

قوله صلى الله عليه و آله:" إن فيك شبها من عيسى بن مريم عليه السلام" لزهده و عبادته و افتراق الناس فيه ثلاث فرق، قوله صلى الله عليه و آله و سلم:" لو لا أن تقول فيك" إلخ. أي لو لا تحقق هذا الأمر و كون قولي سببا لزيادة رسوخ الناس في هذا الباطل لقلت.

قوله عليه السلام:" فغضب الأعرابيان" أي أبو بكر و عمر إذ هما لم يهاجرا إلى الإسلام، و كانا على كفرهما و كان إسلامهما نفاقا و هجرهما شقاقا فهم داخلون، في

ص: 125

ابْنَ مَرْيَمَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ ص فَقَالَ- وَ لَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ وَ قالُوا أَ آلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ إِنْ

قوله تعالى:" الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَ نِفاقاً".

قوله عليه السلام:" فأنزل الله على نبيه صلى الله عليه و آله و سلم" إلخ. و لنذكر ما قاله المفسرون في الآية، ثم لنرجع إلى الخبر" و لما ضرب ابن مريم مثلا" أي ضربه ابن الزبعرى لما جادل رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في قوله تعالى:" إِنَّكُمْ وَ ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ" أو غيره بأن قال: النصارى أهل كتاب، و هم يعبدون عيسى، و يزعمون أنه ابن الله، و الملائكة أولى بذلك، و على قوله:" وَ سْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا" أو أن محمدا يريد أن نعبده كما عبد المسيح" إِذا قَوْمُكَ" قريش" مِنْهُ" من هذا المثل" يَصِدُّونَ" يضجون فرحا لظنهم أن الرسول صلى الله عليه و آله و سلم صار ملزما به، و قرأ نافع و ابن عامر و الكسائي بالضم من الصدود أي يصدون من الحق، و يعرفون عنه، و قيل:

هما لغتان نحو بعكف و يعكف و قالوا" آلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ" أي آلهتنا خير عندك أم عيسى، فإن كان في النار، فلتكن آلهتنا معه، أو آلهتنا الملائكة خير أم عيسى، فإن جاز أن يعبد و يكون ابن الله كانت آلهتنا أولى بذلك، أو آلهتنا خير أم محمد، فنعبده و ندع آلهتنا" ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا" ما ضربوا هذا المثل إلا لأجل الجدل و الخصومة لا لتمييز الحق من الباطل" بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ" شداد الخصومة، حراص على اللجاج" إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ" بالنبوة،" وَ جَعَلْناهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرائِيلَ" أمرا عجيبا، كالمثل السائر لبني إسرائيل، و هو كالجواب المزيح لتلك الشبهة" وَ لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ" لولدنا منكم يا رجال كما ولدنا عيسى من غير أب أو لجعلنا بدلكم" مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ" يخلفونكم في الأرض، و المعنى أن حال عيسى و إن كانت عجيبة، فإنه تعالى قادر على ما هو أعجب من ذلك، و أن الملائكة مثلكم من حيث إنها ذوات ممكنة، يحتمل خلقها توليدا كما جاز خلقها إبداعا فمن أين لهم استحقاق الألوهية و الانتساب إلى الله سبحانه، كذا فسرها البيضاوي.

ص: 126

هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَ جَعَلْناهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرائِيلَ وَ لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ يَعْنِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ- مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ قَالَ فَغَضِبَ الْحَارِثُ بْنُ عَمْرٍو الْفِهْرِيُّ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ أَنَّ بَنِي هَاشِمٍ يَتَوَارَثُونَ هِرَقْلًا بَعْدَ هِرَقْلٍ فَأَمْطِرْ

و روى علي بن إبراهيم عن أبيه عن وكيع عن الأعمش عن سلمة بن كهيل عن أبي صادق عن أبي الأعز عن سلمان الفارسي قال: بينما رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم جالس في أصحابه إذ قال إنه يدخل عليكم الساعة شبيه عيسى بن مريم، فخرج بعض من كان جالسا مع رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ليكون هو الداخل، فدخل علي بن أبي طالب عليه السلام فقال الرجل لبعض أصحابه: أما رضي محمد أن فضل عليا علينا حتى يشبهه بعيسى بن مريم، و الله لآلهتنا التي كنا نعبدها في الجاهلية أفضل منه، فأنزل الله في ذلك المجلس و لما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يضجون: فحرفوها" يصدون" و قالوا" آلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ" عليا" إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ" إن علي إلا عبد" أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَ جَعَلْناهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرائِيلَ" فمحا اسمه عن هذا الموضع، ثم ذكر الله خطر أمير المؤمنين، فقال" وَ إِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِها وَ اتَّبِعُونِ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ" يعني أمير المؤمنين عليه السلام فهذا الخبر المروي من رجال العامة يؤيد التفسير الوارد في هذا الخبر و يبينه، و على هذا فيكون المراد بقوله" ما ضَرَبُوهُ لَكَ" تفضيل الآلهة فإنه تشبيه مع تفضيل، و قوله" وَ جَعَلْناهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرائِيلَ" أي شبيها بنبي بني إسرائيل، و هو عيسى عليه السلام و قوله:" وَ لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ" أي من بني هاشم" مَلائِكَةً" أي أئمة كالملائكة في التقدس و الطهارة، و العصمة" فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ" أي يكونوا خلفاء في الأرض و لعل كلمة" لو" استعمل على هذا التفسير مقام" إذا" أي متى تعلقت مشيتنا و أردنا، نجعل في الأرض منهم خلفاء.

قوله:" هرقلا بعد هرقل" بكسر الهاء و القاف اسم ملك الروم أي ملكا بعد ملك، و كأنه عبر عنهم هكذا كفرا و عنادا و إظهارا لبطلانهم قوله تعالى:" وَ ما

ص: 127

عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ مَقَالَةَ الْحَارِثِ وَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ- وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ وَ ما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ثُمَّ قَالَ لَهُ يَا ابْنَ عَمْرٍو إِمَّا تُبْتَ وَ إِمَّا رَحَلْتَ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ بَلْ تَجْعَلُ لِسَائِرِ قُرَيْشٍ شَيْئاً مِمَّا فِي يَدَيْكَ فَقَدْ ذَهَبَتْ بَنُو هَاشِمٍ بِمَكْرُمَةِ الْعَرَبِ وَ الْعَجَمِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ص لَيْسَ ذَلِكَ إِلَيَّ ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ قَلْبِي مَا يُتَابِعُنِي عَلَى التَّوْبَةِ وَ لَكِنْ أَرْحَلُ عَنْكَ فَدَعَا بِرَاحِلَتِهِ فَرَكِبَهَا فَلَمَّا صَارَ بِظَهْرِ الْمَدِينَةِ أَتَتْهُ جَنْدَلَةٌ فَرَضَخَتْ هَامَتَهُ ثُمَّ أَتَى الْوَحْيُ إِلَى النَّبِيِّ ص فَقَالَ سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ لِلْكافِرينَ بِوَلَايَةِ عَلِيٍّ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعارِجِ قَالَ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنَّا لَا نَقْرَؤُهَا هَكَذَا فَقَالَ هَكَذَا وَ اللَّهِ

كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ" يحتمل أن يكون المراد ترك عذاب الاستئصال ببركته صلى الله عليه و آله و سلم: فلا ينافي ورود هذا العذاب عليه.

و يحتمل أن يكون المراد بأول الآية نفي عذاب الاستئصال، و بقوله:" وَ ما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ" نفي العذاب الوارد على الأشخاص، فلذا أمره صلى الله عليه و آله و سلم بالتوبة لرفعه، فلما لم يتب نزل عليه.

قوله:" جندلة" أي حجارة.

قوله عليه السلام:" فرضت" و في بعض النسخ فرضخت و الرض: الدق، و الرضخ، الكسر و الدق.

قوله تعالى:" سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ" أي دعا داع به بمعنى استدعائه، و لذلك عدي الفعل بالباء قال البيضاوي: السائل نضر بن الحرث، فإنه قال" إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً" و أبو جهل فإنه قال:" فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ" سأله استهزاء: أو الرسول صلى الله عليه و آله و سلم استعجل بعذابهم. قوله تعالى:" ذِي الْمَعارِجِ" أي ذي المصاعد، و هي الدرجات التي يصعد فيها الكلم الطيب و العمل الصالح، أو يترقى فيها المؤمنون في سلوكهم، أو في دار ثوابهم أو مراتب الملائكة أو في السماوات، فإن الملائكة يعرجون فيها.

ص: 128

نَزَلَ بِهَا جَبْرَئِيلُ عَلَى مُحَمَّدٍ ص وَ هَكَذَا هُوَ وَ اللَّهِ مُثْبَتٌ فِي مُصْحَفِ فَاطِمَةَ ع فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص لِمَنْ حَوْلَهُ مِنَ الْمُنَافِقِينَ انْطَلِقُوا إِلَى صَاحِبِكُمْ فَقَدْ أَتَاهُ مَا اسْتَفْتَحَ بِهِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ- وَ اسْتَفْتَحُوا وَ خابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ

19 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ النُّعْمَانِ عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَ جَلَّ- ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ بِما

قوله عليه السلام:" إنا لا نقرؤها هكذا" كأنه سقط من بين الآية شي ء، و قد روي هذا الخبر في الأصول عن محمد بن سليمان بسند آخر هكذا علي بن إبراهيم، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن خالد، عن محمد بن سليمان، عن أبيه عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله تعالى:" سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ لِلْكافِرينَ" بولاية علي" لَيْسَ لَهُ دافِعٌ" ثم قال:

هكذا و الله نزل بها جبرئيل على محمد صلى الله عليه و آله و سلم.

قوله تعالى:" وَ اسْتَفْتَحُوا" ظاهر الخبر أن المراد بالاستفتاح استفتاح العذاب و قال البيضاوي: أي سألوا من الله الفتح على أعدائهم أو القضاء بينهم و بين أعاديهم من الفتاحة كقوله" رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَ بَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ".

الحديث التاسع عشر

الحديث العشرون

: صحيح على الظاهر، إذ الظاهر أن محمد بن علي هو ابن محبوب، و يحتمل أبا سمينة فيكون ضعيفا.

قوله عليه السلام:" كانت فاسدة" أي بالكفر و الجهل و الضلال و الظلم و الجور.

ص: 129

ص: 130

خُطْبَةٌ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع

21 عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ سُلَيْمِ بْنِ قَيْسٍ الْهِلَالِيِّ قَالَ خَطَبَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ ص ثُمَّ قَالَ أَلَا إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ خَلَّتَانِ اتِّبَاعُ الْهَوَى وَ طُولُ الْأَمَلِ أَمَّا اتِّبَاعُ الْهَوَى فَيَصُدُّ عَنِ الْحَقِّ وَ أَمَّا طُولُ الْأَمَلِ فَيُنْسِي الْآخِرَةَ أَلَا إِنَّ الدُّنْيَا قَدْ تَرَحَّلَتْ مُدْبِرَةً وَ إِنَّ الْآخِرَةَ قَدْ تَرَحَّلَتْ مُقْبِلَةً وَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ بَنُونَ فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الْآخِرَةِ وَ لَا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا- فَإِنَّ الْيَوْمَ عَمَلٌ وَ لَا حِسَابَ وَ إِنَّ غَداً حِسَابٌ وَ لَا عَمَلَ وَ إِنَّمَا بَدْءُ وُقُوعِ الْفِتَنِ

[الحديث الحادي و العشرون] خطبة لأمير المؤمنين عليه السلام

[الحديث الحادي و العشرون] خطبة لأمير المؤمنين عليه السلام

الحديث الحادي و العشرون:

الخبر مختلف فيه بسليم، و على هذه النسخة لعل فيه إرسالا إذ لم يعهد برواية إبراهيم بن عثمان و هو أبو أيوب الخراز عن سليم، و قد مر مثل هذا السند مرارا عن إبراهيم بن عمر اليماني عن أبان بن أبي عياش عن سليم، و لعله سقط من النساخ، فالخبر ضعيف على المشهور، لكن عندي معتبر، لوجوه ذكرها محمد بن سليمان في كتاب منتخب البصائر و غيره.

قوله عليه السلام:" إن أخوف" مشتق من المبني للمفعول على خلاف القياس كأشهر.

قوله عليه السلام:" عمل" قال ابن ميثم قائم مقام الخبر من قبيل استعمال المضاف إليه مقام المضاف أي اليوم يوم عمل أو وقت عمل.

قوله عليه السلام:" قد ترحلت" قال الفيروزآبادي: ارتحل القوم عن المكان انتقلوا كترحلوا شبه عليه السلام انقضاء العمر شيئا فشيئا و نقص لذاتها بترحلها و إدبارها، و قرب الموت يوما فيوما بترحلها و إقبالها.

قوله عليه السلام:" إنما بدء وقوع الفتن" إلخ، قد مر في كتاب العقل هذا الجزء

ص: 131

مِنْ أَهْوَاءٍ تُتَّبَعُ وَ أَحْكَامٍ تُبْتَدَعُ يُخَالَفُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ يَتَوَلَّى فِيهَا رِجَالٌ رِجَالًا أَلَا إِنَّ الْحَقَّ لَوْ خَلَصَ لَمْ يَكُنِ اخْتِلَافٌ وَ لَوْ أَنَّ الْبَاطِلَ خَلَصَ لَمْ يُخَفْ عَلَى ذِي حِجًى لَكِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا ضِغْثٌ وَ مِنْ هَذَا ضِغْثٌ فَيُمْزَجَانِ فَيُجَلَّلَانِ مَعاً فَهُنَالِكَ يَسْتَوْلِي الشَّيْطَانُ عَلَى أَوْلِيَائِهِ وَ نَجَا الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ الْحُسْنَى إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص يَقُولُ كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا لَبَسَتْكُمْ فِتْنَةٌ يَرْبُو فِيهَا الصَّغِيرُ وَ يَهْرَمُ فِيهَا الْكَبِيرُ يَجْرِي النَّاسُ عَلَيْهَا وَ يَتَّخِذُونَهَا سُنَّةً فَإِذَا غُيِّرَ مِنْهَا شَيْ ءٌ قِيلَ قَدْ غُيِّرَتِ السُّنَّةُ وَ قَدْ أَتَى النَّاسُ مُنْكَراً ثُمَّ تَشْتَدُّ الْبَلِيَّةُ وَ تُسْبَى الذُّرِّيَّةُ وَ تَدُقُّهُمُ الْفِتْنَةُ كَمَا تَدُقُّ النَّارُ الْحَطَبَ وَ كَمَا تَدُقُّ الرَّحَى بِثِفَالِهَا وَ يَتَفَقَّهُونَ

من الخبر بسند صحيح عن الباقر عليه السلام، و فيه" أيها الناس إنما بدء وقوع الفتن أهواء تتبع، و أحكام تبتدع يخالف فيها كتاب الله".

قوله عليه السلام:" من هذا ضغث" الضغث: ملأ الكف من الشجر و الحشيش و الشماريخ، قوله:" فيجليان" و فيما مر فيجيئان معا فهنالك استحوذ الشيطان على أوليائه، و نجا الذين سبقت لهم من الله الحسنى" و هو الأظهر، و على ما في هذا الخبر لعل المراد نجا الذين قال الله فيهم" سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى" أي سبقت لهم في علم الله و قضائه و مشيته الخصلة الحسنى، و هي السعادة أو التوفيق للطاعة أو البشرى بالجنة أو العاقبة الحسنى.

قوله عليه السلام:" لبستم" كذا في بعض النسخ و هو ظاهر، و في بعضها" ألبستم" على بناء المجهول من الأفعال و هو أظهر و في أكثرها" ألبستكم" فيحتمل المعلوم و المجهول بتكلف إما لفظا و إما معنى.

قوله عليه السلام" يربو فيها الصغير" قال الفيروزآبادي: ربا ربوا كعلو و رباء زاد و نما، و الغرض بيان كثرة امتدادها، قوله:" و قد أتى الناس منكرا" لعله داخل تحت القول و يحتمل العدم.

قوله عليه السلام:" و كما تدق الرحى بثقالها" في أكثر النسخ بالقاف و لعله تصحيف و الظاهر الفاء قال الجزري: و في حديث علي عليه السلام:" و تدقهم الفتن دق الرحى

ص: 132

لِغَيْرِ اللَّهِ وَ يَتَعَلَّمُونَ لِغَيْرِ الْعَمَلِ وَ يَطْلُبُونَ الدُّنْيَا بِأَعْمَالِ الْآخِرَةِ ثُمَّ أَقْبَلَ بِوَجْهِهِ وَ حَوْلَهُ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَ خَاصَّتِهِ وَ شِيعَتِهِ فَقَالَ قَدْ عَمِلَتِ الْوُلَاةُ قَبْلِي أَعْمَالًا خَالَفُوا فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ ص مُتَعَمِّدِينَ لِخِلَافِهِ نَاقِضِينَ لِعَهْدِهِ مُغَيِّرِينِ لِسُنَّتِهِ وَ لَوْ حَمَلْتُ النَّاسَ عَلَى تَرْكِهَا وَ حَوَّلْتُهَا إِلَى مَوَاضِعِهَا وَ إِلَى مَا كَانَتْ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ص لَتَفَرَّقَ عَنِّي جُنْدِي حَتَّى أَبْقَى وَحْدِي أَوْ قَلِيلٌ مِنْ شِيعَتِيَ الَّذِينَ عَرَفُوا فَضْلِي وَ فَرْضَ إِمَامَتِي مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ص أَ رَأَيْتُمْ لَوْ أَمَرْتُ بِمَقَامِ إِبْرَاهِيمَ ع فَرَدَدْتُهُ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي وَضَعَهُ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ ص وَ رَدَدْتُ فَدَكاً إِلَى وَرَثَةِ فَاطِمَةَ ع وَ رَدَدْتُ صَاعَ رَسُولِ اللَّهِ ص كَمَا كَانَ وَ أَمْضَيْتُ قَطَائِعَ أَقْطَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ ص- لِأَقْوَامٍ لَمْ تُمْضَ لَهُمْ وَ لَمْ تُنْفَذْ وَ رَدَدْتُ دَارَ جَعْفَرٍ إِلَى وَرَثَتِهِ وَ هَدَمْتُهَا مِنَ الْمَسْجِدِ وَ رَدَدْتُ قَضَايَا مِنَ الْجَوْرِ قُضِيَ بِهَا وَ نَزَعْتُ نِسَاءً تَحْتَ رِجَالٍ بِغَيْرِ حَقٍّ فَرَدَدْتُهُنَّ إِلَى أَزْوَاجِهِنَ

بثقالها" الثقال بالكسر: جلدة تبسط تحت رحا اليد ليقع عليها الدقيق، و يسمى الحجر الأسفل ثقالا بها و المعنى أنها تدقهم دق الرحى للحب إذا كانت مثقلة، و لا تثفل إلا عند الطحن، و قال الفيروزآبادي: و قول زهير بثقالها أي على ثقالها أي حال كونها طاحنة لأنهم لا يثقلونها إلا إذا طحنت انتهى.

و على ما في أكثر النسخ لعل المراد مع ثقالها أي إذا كانت معها ما يثقلها من الحبوب، فيكون أيضا كناية عن كونها طاحنة.

قوله عليه السلام:" أو قليل" أي لا يبقى معي إلا قليل.

قوله عليه السلام:" لو أمرت بمقام إبراهيم" إشارة إلى ما فعله عمر من تغيير المقام عن الموضع الذي وضعه فيه رسول الله إلى موضع كان فيه في الجاهلية، رواه الخاصة و العامة.

قوله:" و نزعت نساء" إلخ، كالمطلقات ثلاثا في مجلس واحد و غيرها مما خالفوا فيه حكم الله.

ص: 133

وَ اسْتَقْبَلْتُ بِهِنَّ الْحُكْمَ فِي الْفُرُوجِ وَ الْأَحْكَامِ وَ سَبَيْتُ ذَرَارِيَّ بَنِي تَغْلِبَ وَ رَدَدْتُ مَا قُسِمَ مِنْ أَرْضِ خَيْبَرَ وَ مَحَوْتُ دَوَاوِينَ الْعَطَايَا وَ أَعْطَيْتُ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ص

قوله عليه السلام:" و سبيت ذراري بني تغلب" لأن عمر رفع عنهم الجزية فهم ليسوا بأهل ذمة فيحل سبي ذراريهم كما روي عن الرضا عليه السلام أنه قال:" إن بني تغلب من نصارى العرب أنفوا و استنكفوا من قبول الجزية، و سألوا عمر أن يعفيهم عن الجزية و يؤدوا الزكاة مضاعفا فخشي أن يلحقوا بالروم فصالحهم على أن صرف ذلك عن رؤوسهم و ضاعف عليهم الصدقة فرضوا بذلك".

و قال محيي السنة: روي أن عمر بن الخطاب رام نصارى العرب على الجزية فقالوا: نحن عرب لا نؤدي ما يؤدي العجم، و لكن خذ منا كما يأخذ بعضكم من بعض يعنون الصدقة، فقال عمر: هذا فرض الله على المسلمين، قالوا: فزد ما شئت بهذا الاسم لا باسم الجزية، فراضاهم على أن ضعف عليهم الصدقة.

قوله:" و محوت دواوين العطايا" أي التي بنيت على التفضيل بين المسلمين في أزمن الثلاثة.

قوله عليه السلام:" و لم أجعلها دولة" قال الجزري: في حديث أشراط الساعة" إذا كان المغنم دولا" جمع دولة بالضم، و هو ما يتداول من المال، فيكون لقوم دون قوم.

قوله عليه السلام:" و ألقيت المساحة" إشارة إلى ما عده الخاصة و العامة من بدع عمر أنه قال، ينبغي مكان هذا العشر و نصف العشر دراهم، نأخذها من أرباب الأملاك فبعث إلى البلدان من مسح على أهلها فألزمهم الخراج، فأخذ من العراق يوما يليها ما كان أخذه منهم ملوك الفرس على كل جريب درهما واحدا، و قفيزا من أصناف الحبوب، و أخذ من مصر و نواحيها دينارا و أردبا عن مساحة جريب كما كان يأخذ منهم ملوك الإسكندرية.

و قد روى محيي السنة و غيره عن علمائهم عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم" أنه قال: منعت العراق درهمها و قفيزها، و منعت الشام مدها و دينارها، و منعت مصر إردبها و

ص: 134

يُعْطِي بِالسَّوِيَّةِ وَ لَمْ أَجْعَلْهَا دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ وَ أَلْقَيْتُ الْمِسَاحَةَ وَ سَوَّيْتُ بَيْنَ الْمَنَاكِحِ وَ أَنْفَذْتُ خُمُسَ الرَّسُولِ كَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ وَ فَرَضَهُ وَ رَدَدْتُ مَسْجِدَ رَسُولِ اللَّهِ ص إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ وَ سَدَدْتُ مَا فُتِحَ فِيهِ مِنَ الْأَبْوَابِ وَ فَتَحْتُ مَا سُدَّ مِنْهُ وَ حَرَّمْتُ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَ حَدَدْتُ عَلَى النَّبِيذِ وَ أَمَرْتُ بِإِحْلَالِ الْمُتْعَتَيْنِ وَ أَمَرْتُ بِالتَّكْبِيرِ عَلَى الْجَنَائِزِ خَمْسَ تَكْبِيرَاتٍ وَ أَلْزَمْتُ النَّاسَ الْجَهْرَ بِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*- وَ أَخْرَجْتُ مَنْ أُدْخِلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ص فِي مَسْجِدِهِ مِمَّنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ص أَخْرَجَهُ

دينارها" و الأردب لأهل مصر أربعة و ستون منا، و فسره أكثرهم بأنه قد محي ذلك شريعة الإسلام، و كان أول بلد مسحه عمر بلد الكوفة و تفصيل الكلام في ذكر هذه البدع موكول إلى الكتب المبسوطة التي دونها أصحابنا لذلك، كالشافي للسيد المرتضى و عسى الله أن يوفقنا لبسط الكلام في بدع أهل الكفر و الجور في شرح كتاب الحجة.

قوله عليه السلام:" و سويت بين المناكح" بأن يزوج الشريف و الوضيع كما فعله رسول الله صلى الله عليه و آله و زوج بنت عمه مقداد.

قوله عليه السلام:" و أمرت بإحلال المتعتين" أي متعة النساء و متعة الحج اللتين حرمهما عمر.

قوله عليه السلام:" خمس تكبيرات" أي لا أربعا كما ابتدعته العامة.

قوله عليه السلام:" و ألزمت الناس" إلخ. يدل ظاهرا على وجوب الجهر بالبسملة مطلقا و إن أمكن حمله على تأكد الاستحباب.

قوله عليه السلام:" و أخرجت" إلخ. و يحتمل أن يكون المراد إخراج جسدي الملعونين الذين دفنا في بيته بغير إذنه، مع أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم لم يأذن لهما لخوخة في مسجده، و إدخال جسد فاطمة عليها السلام و دفنها عند النبي صلى الله عليه و آله و سلم أو رفع الجدار من بين قبريهما.

و يحتمل أن يكون المراد إدخال من كان ملازما لمسجد الرسول صلى الله عليه و آله و سلم في

ص: 135

وَ أَدْخَلْتُ مَنْ أُخْرِجَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ ص مِمَّنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ص أَدْخَلَهُ وَ حَمَلْتُ النَّاسَ عَلَى حُكْمِ الْقُرْآنِ وَ عَلَى الطَّلَاقِ عَلَى السُّنَّةِ- وَ أَخَذْتُ الصَّدَقَاتِ عَلَى أَصْنَافِهَا وَ حُدُودِهَا وَ رَدَدْتُ الْوُضُوءَ وَ الْغُسْلَ وَ الصَّلَاةَ إِلَى مَوَاقِيتِهَا وَ شَرَائِعِهَا وَ مَوَاضِعِهَا وَ رَدَدْتُ أَهْلَ نَجْرَانَ إِلَى مَوَاضِعِهِمْ وَ رَدَدْتُ سَبَايَا فَارِسَ وَ سَائِرِ الْأُمَمِ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَ سُنَّةِ نَبِيِّهِ ص إِذاً لَتَفَرَّقُوا عَنِّي وَ اللَّهِ لَقَدْ أَمَرْتُ النَّاسَ أَنْ لَا يَجْتَمِعُوا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ إِلَّا فِي

حياته كعمار و أضرابه، و إخراج من أخرجه الرسول صلى الله عليه و آله من المطرودين، و يمكن أن يكون تأكيدا لما مر من فتح الأبواب و سدها.

قوله عليه السلام:" و رددت أهل نجران إلى مواضعهم" لم أظفر إلى الآن بكيفية إخراجهم و سببه و بمن أخرجهم.

قوله عليه السلام:" و رددت سبايا فارس" لعل المراد الاسترداد ممن اصطفاهم و أخذ زائدا من حظه.

قوله عليه السلام:" ما لقيت" من كلام مستأنف للتعجب.

قوله عليه السلام:" و أعطيت" رجوع إلى الكلام السابق، و لعل التأخير من الرواة.

قوله تعالى:" إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ" هذه من تتمة آية الخمس حيث قال تعالى:

" وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَ ما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ وَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ" قال: البيضاوي:" إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ" متعلق بمحذوف دل عليه" وَ اعْلَمُوا" أي إن كنتم آمنتم بالله فاعلموا أنه جعل الخمس لهؤلاء فسلموه إليهم، و اقتنعوا بالأخماس الأربعة الباقية، فإن العلم المتعلق بالعمل إذا أمر به لم يرد منه العلم المجرد، لأنه مقصود بالعرض، و المقصود بالذات هو العمل،" وَ ما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا" محمد من الآيات و الملائكة و النصر" يَوْمَ الْفُرْقانِ" يوم

ص: 136

فَرِيضَةٍ وَ أَعْلَمْتُهُمْ أَنَّ اجْتِمَاعَهُمْ فِي النَّوَافِلِ بِدْعَةٌ فَتَنَادَى بَعْضُ أَهْلِ عَسْكَرِي مِمَّنْ يُقَاتِلُ مَعِي يَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ غُيِّرَتْ سُنَّةُ عُمَرَ يَنْهَانَا عَنِ الصَّلَاةِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ تَطَوُّعاً وَ لَقَدْ خِفْتُ أَنْ يَثُورُوا فِي نَاحِيَةِ جَانِبِ عَسْكَرِي مَا لَقِيتُ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ مِنَ الْفُرْقَةِ وَ طَاعَةِ أَئِمَّةِ الضَّلَالَةِ وَ الدُّعَاةِ إِلَى النَّارِ وَ أَعْطَيْتُ مِنْ ذَلِكَ سَهْمَ ذِي الْقُرْبَى الَّذِي قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ- إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَ ما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَنَحْنُ وَ اللَّهِ عَنَى بِذِي الْقُرْبَى الَّذِي قَرَنَنَا اللَّهُ بِنَفْسِهِ وَ بِرَسُولِهِ ص فَقَالَ تَعَالَى فَلِلَّهِ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ فِينَا خَاصَّةً- كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ وَ ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَ اتَّقُوا اللَّهَ فِي ظُلْمِ آلِ مُحَمَّدٍ- إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ لِمَنْ ظَلَمَهُمْ رَحْمَةً مِنْهُ لَنَا وَ غِنًى أَغْنَانَا اللَّهُ بِهِ وَ وَصَّى بِهِ نَبِيَّهُ ص وَ لَمْ يَجْعَلْ لَنَا فِي سَهْمِ الصَّدَقَةِ نَصِيباً أَكْرَمَ اللَّهُ رَسُولَهُ ص وَ أَكْرَمَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ أَنْ يُطْعِمَنَا مِنْ أَوْسَاخِ النَّاسِ فَكَذَّبُوا اللَّهَ وَ كَذَّبُوا رَسُولَهُ وَ جَحَدُوا كِتَابَ اللَّهِ النَّاطِقَ بِحَقِّنَا وَ مَنَعُونَا فَرْضاً فَرَضَهُ اللَّهُ لَنَا مَا لَقِيَ أَهْلُ بَيْتِ نَبِيٍّ مِنْ أُمَّتِهِ مَا لَقِينَا بَعْدَ نَبِيِّنَا ص وَ اللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا وَ لَا حَوْلَ وَ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ

بدر، فإنه فرق فيه بين الحق و الباطل" يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ" المسلمون و الكفار.

أقول: لعل نزول حكم الخمس كان في غزاة بدر،" وَ ما أَنْزَلْنا" إشارة إليه كما يظهر من بعض الأخبار، و فسر عليه السلام ذي القربى بالأئمة عليهم السلام كما دلت عليه الأخبار المستفيضة، و عليه انعقد إجماع الشيعة.

قوله تعالى:" لِكَيْلا يَكُونَ

دُولَةً" هذه تتمة لآية أخرى، ورد في فيئهم عليه السلام حيث قال:" ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ" أي الفي ء الذي هو حق الإمام عليه السلام" دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ" الدولة بالضم: ما يتداوله الأغنياء، و تدور بينهم كما كان في الجاهلية.

قوله:" رحمة لنا" أي فرض الخمس و الفي ء لنا رحمة منه لنا، و ليغنينا بهما عن أوساخ أيدي الناس.

ص: 137

خُطْبَةٌ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع

22 أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكُوفِيُّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُحَمَّدِيِّ عَنْ أَبِي رَوْحٍ فَرَجِ بْنِ قُرَّةَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مَسْعَدَةَ بْنِ صَدَقَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ خَطَبَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع بِالْمَدِينَةِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ وَ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ وَ آلِهِ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى لَمْ يَقْصِمْ جَبَّارِي دَهْرٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ تَمْهِيلٍ وَ رَخَاءٍ وَ لَمْ يَجْبُرْ كَسْرَ عَظْمٍ مِنَ الْأُمَمِ إِلَّا بَعْدَ أَزْلٍ وَ بَلَاءٍ أَيُّهَا النَّاسُ فِي دُونِ مَا اسْتَقْبَلْتُمْ مِنْ عَطَبٍ وَ اسْتَدْبَرْتُمْ مِنْ خَطْبٍ مُعْتَبَرٌ

الحديث الثاني و العشرون [خطبة لأمير المؤمنين عليه السلام]

الحديث الثاني و العشرون [خطبة لأمير المؤمنين عليه السلام]

: ضعيف قوله:" لم يقصم" أي لم يكسر" جباري دهر إلا من بعد تمهيل" أي تأخير" و رخاء" أي نعمة و سعة عيش،" و لم يجبر كسر عظم من الأمم" أي يدفع الجبابرة، و استيلاء أهل الحق عليهم، و في نهج البلاغة" و لم يجبر عظم أحد من الأمم إلا بعد أزل و بلاء" الأزل: الضيق و الشدة،" أيها الناس في دون ما استقبلتم من خطب و استدبرتم من خطب، معتبر" الخطب: الشأن و الأمر.

و يحتمل أن يكون المراد بما استدبروه ما وقع في زمن الرسول صلى الله عليه و آله و سلم من استيلاء الكفرة، أولا و غلبة الحق و أهله ثانيا، و انقضاء دولة الظالمين و نصرة الله رسوله على الكافرين، و المراد بما استقبلوه ما ورد عليهم بعد الرسول صلى الله عليه و آله و سلم من الفتن، و استبداد أهل الجهالة و الضلالة بأمور المسلمين بلا نصر من رسول رب العالمين، و كثرة خطائهم في أحكام الدين، ثم انقضاء دولتهم، و ما وقع بعد ذلك من الحروب، و الفتن كل ذلك محل للاعتبار لمن عقل و فهم، و ميز الحق عن الباطل فإن زمان الرسول صلى الله عليه و آله و سلم و غزواته و مصالحته و مهادنته مع المشركين كانت منطبقة على أحوال أمير المؤمنين عليه السلام من وفاة الرسول صلى الله عليه و آله و سلم إلى شهادته عليه السلام.

و يحتمل أن يكون المراد بما يستقبل و ما يستدبر شيئا واحدا، فإن ما يستقبل قبل وروده يستدبر بعد مضيه، و المراد التفكر في انقلاب أحوال الدنيا. و سرعة

ص: 138

وَ مَا كُلُّ ذِي قَلْبٍ بِلَبِيبٍ وَ لَا كُلُّ ذِي سَمْعٍ بِسَمِيعٍ وَ لَا كُلُّ ذِي نَاظِرِ عَيْنٍ بِبَصِيرٍ عِبَادَ اللَّهِ أَحْسِنُوا فِيمَا يَعْنِيكُمُ النَّظَرُ فِيهِ ثُمَّ انْظُرُوا إِلَى عَرَصَاتِ مَنْ قَدْ أَقَادَهُ اللَّهُ بِعِلْمِهِ كَانُوا عَلَى سُنَّةٍ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ أَهْلَ جَنَّاتٍ وَ عُيُونٍ وَ زُرُوعٍ وَ مَقامٍ كَرِيمٍ ثُمَّ انْظُرُوا بِمَا خَتَمَ اللَّهُ لَهُمْ بَعْدَ النَّضْرَةِ وَ السُّرُورِ وَ الْأَمْرِ وَ النَّهْيِ وَ لِمَنْ صَبَرَ مِنْكُمُ الْعَاقِبَةُ فِي الْجِنَانِ وَ اللَّهِ

زوالها و كثرة الفتن فيها فيحث هذا التفكر العاقل اللبيب على ترك الأغراض الدنيوية و السعي لما يوجب حصول السعادات الأخروية. و يحتمل على بعد أن يكون المراد بما يستقبلونه ما أمامهم من أحوال البرزخ و أهوال القيامة، و عذاب الآخرة و مثوباتها، و بما استدبروه ما مضى من أيام عمرهم و ما ظهر لهم من آثار فناء الدنيا و حقارتها، و قلة بقائها،" و ما كل ذي قلب بلبيب" أي عاقل،" و لا كل ذي سمع بسميع" أي يفهم الحق و يؤثر فيه و يعمل به،" و لا كل ذي ناظر عين ببصير" أي يبصر الحق و يعتبر بما يرى، و ينتفع بما يشاهد، و ليس لفظ" عين" في نسخ النهج، و في بعض نسخ الكتاب" عباد الله أحسنوا فيما يعنيكم" أي يهمكم و ينفعكم، و في بعض النسخ" يعينكم النظر فيه" الظاهر أنه بدل اشتمال لقوله:" فيما يعينكم" و يحتمل أن يكون فاعلا لقوله يعينكم، بتقدير النظر قبل الظرف أيضا" ثم انظروا إلى عرصات" قال الفيروزآبادي: العرصة كل بقعة بين الدور واسعة ليس فيها بناء، و الجمع عراص و عرصات" من قد أقاده الله بعلمه" يقال: أقاده خيلا أي أعطاه ليقودها، و لعل المراد من مكنه الله من الملك بأن خلى بينه و بين اختياره، و لم يمسك يده عما أراده بعلمه و حكمته أي بما يقتضيه علمه من عدم إجبارهم على الطاعات و ترك المنهيات.

و يحتمل أن يكون من القود و القصاص، و يؤيده أن في بعض النسخ بعمله بتقديم الميم على اللام، فالضمير راجع إلى الموصول" كانوا على سنة" أي طريقة و حالة مشبهة، و مأخوذة من آل فرعون من الظلم و الكفر و الطغيان، أو من الرفاهية و النعمة كما قال:" مِنْ جَنَّاتٍ وَ عُيُونٍ وَ زُرُوعٍ وَ مَقامٍ كَرِيمٍ" فعلى الأول: حال، و على

ص: 139

مُخَلَّدُونَ وَ لِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ فَيَا عَجَباً وَ مَا لِي لَا أَعْجَبُ مِنْ خَطَإِ هَذِهِ الْفِرَقِ عَلَى اخْتِلَافِ حُجَجِهَا فِي دِينِهَا لَا يَقْتَصُّونَ أَثَرَ نَبِيٍّ وَ لَا يَقْتَدُونَ بِعَمَلِ وَصِيٍّ وَ لَا يُؤْمِنُونَ بِغَيْبٍ وَ لَا يَعْفُونَ عَنْ عَيْبٍ الْمَعْرُوفُ فِيهِمْ مَا عَرَفُوا وَ الْمُنْكَرُ عِنْدَهُمْ مَا أَنْكَرُوا- وَ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ إِمَامُ نَفْسِهِ آخِذٌ مِنْهَا فِيمَا

الثاني: بدل، من قوله على سنة، أو عطف بيان له" ثم انظروا بما ختم الله لهم" الباء بمعنى في أو إلى أو زائدة، أو صلة للختم قدم عليه، أي انظروا بأي شي ء ختم لهم بعد النضرة. و السرور و الأمر و النهي، النضرة: الحسن و الرونق" و لمن صبر منكم العاقبة في الجنان و الله مخلدون" قوله:" مخلدون" خبر لمبتدء محذوف، و الجملة مبينة، و مؤكدة للجملة السابقة، يسأل عن عاقبتهم فيقال: هم و الله مخلدون في الجنان،" وَ لِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ" أي مرجعها إلى حكمه كما قيل أو عاقبة الدولة، و الملك و العز لله و لمن طلب رضاه كما هو الأنسب بالمقام" فيا عجبا" بغير تنوين و أصله فيا عجبا ثم قلبوا الياء ألفا، فإن وقفت قلت يا عجباه، أي يا عجبي أقبل فهذا أوانك، أو بالتنوين أي يا قوم أعجبوا عجبا أو أعجب عجبا، و الأول أشهر و أظهر" و ما لي لا أعجب من خطإ هذه الفرق على اختلاف حججها في دينها" الظرف الأخير إما متعلق بالاختلاف أو بالخطإ أو بهما على التنازع، و قوله:" على اختلاف حججها" أي مذاهبها أو طرقها أو دلائلها على مذاهبهم الباطلة أو على الحق، مع عدولهم عنها" لا يعتقون أثر نبي" و في بعض النسخ" لا يقتصون" من قولهم اقتص أثره أي تتبعه" و لا يقتدون بعمل وصي" يعني نفسه عليه السلام و لا يؤمنون بغيب، أي بأمر غائب عن الحس، مما أخبر به النبي صلى الله عليه و آله و سلم من الجنة و النار و غيرهما" و لا يعفون عن عيب" بكسر العين و تشديد الفاء من العفة، و بسكون العين و تخفيف الفاء من العفو، أي عن عيوب الناس" المعروف فيهم ما عرفوا، و المنكر عندهم ما أنكروا" أي المعروف و الخبر عندهم يعرفونه، و يعدونه معروفا، و يستحسنونه بعقولهم الناقصة، و إن كان منكرا في نفس الأمر، و المراد أن المعروف و المنكر تابعان لإراداتهم و ميولهم

ص: 140

يَرَى بِعُرًى وَثِيقَاتٍ وَ أَسْبَابٍ مُحْكَمَاتٍ فَلَا يَزَالُونَ بِجَوْرٍ وَ لَنْ يَزْدَادُوا إِلَّا خَطَأً لَا يَنَالُونَ تَقَرُّباً وَ لَنْ يَزْدَادُوا إِلَّا بُعْداً مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ أُنْسُ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ وَ تَصْدِيقُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ كُلُّ ذَلِكَ وَحْشَةً مِمَّا وَرَّثَ النَّبِيُّ الْأُمِّيُّ ص وَ نُفُوراً مِمَّا أَدَّى إِلَيْهِمْ مِنْ أَخْبَارِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ أَهْلُ حَسَرَاتٍ وَ كُهُوفُ شُبُهَاتٍ وَ أَهْلُ عَشَوَاتٍ وَ ضَلَالَةٍ وَ رِيبَةٍ مَنْ

الطبيعية، فما أنكرته طباعهم كان هو المنكر بينهم، و إن كان معروفا في الشريعة، و ما اقتضته طباعهم و مالت إليه شهواتهم كان هو المعروف بينهم، و إن علموا أنه منكر في الذين" و كل امرء منهم إمام نفسه" و في نهج البلاغة هكذا:" مفزعهم في المعضلات إلى أنفسهم، و تعويلهم في المبهمات على آرائهم، كان كل امرئ منهم إمام نفسه"" أخذ منها فيما يرى بعرى وثيقات" أي يظنون أنهم تمسكوا بدلائل و براهين فيما يدعون من الأمور الباطلة" و أسباب محكمات" أي زعموا أنهم تعلقوا بوسائل محكمة فيمن يتوسلون بهم من أئمة الجور" فلا يزالون بجور، و لم يزدادوا إلا خطأ لا ينالون تقربا" أي إلى ربهم" و لن يزدادوا إلا بعدا من الله" لخطائهم في أديانهم و أعمالهم آنس بعضهم ببعض" على صيغة المصدر و يحتمل الفعل و الفقرة التالية يؤيد الأول" و تصديق بعضهم لبعض" و في بعض النسخ" و تصدق" أي يعطي بعضهم صدقاتهم بعضا و لعله تصحيف" كل ذلك، وحشة مما ورث النبي الأمي صلى الله عليه و آله و سلم" أي يفعلون كل ذلك لوحشتهم و نفرتهم عن العلوم التي ورثها النبي لأهل بيته و الأمي: نسبة إلى أم القرى، أو لأنه صلى الله عليه و آله و سلم لم يتعلم الخط و القراءة، و إن كان عالما بهما بإلهامه تعالى" و نفورا مما أدى إليهم من إخبار فاطر السماوات و الأرض" أي خالقهما، و مبدعهما" أهل حسرات" بعد الموت و في القيامة" و كهوف شبهات" أي تأدى إليهم الشبهات لأنهم يقبلون إليها و يقتلون بها، و في بعض النسخ" و كفر و شبهات" فيكونان معطوفين على حسرات" و أهل عشوات" قال الجوهري: العشوة أن يركب أمرا على غير بيات، و يقال أخذت عليهم بالعشوة، أي بالسواد من الليل" و ضلالة و ريبة" أي شك" من

ص: 141

وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى نَفْسِهِ وَ رَأْيِهِ فَهُوَ مَأْمُونٌ عِنْدَ مَنْ يَجْهَلُهُ غَيْرُ الْمُتَّهَمِ عِنْدَ مَنْ لَا يَعْرِفُهُ فَمَا أَشْبَهَ هَؤُلَاءِ بِأَنْعَامٍ قَدْ غَابَ عَنْهَا رِعَاؤُهَا وَ وَا أَسَفَى مِنْ فَعَلَاتِ شِيعَتِي مِنْ بَعْدِ قُرْبِ مَوَدَّتِهَا الْيَوْمَ كَيْفَ يَسْتَذِلُّ بَعْدِي بَعْضُهَا بَعْضاً وَ كَيْفَ يَقْتُلُ بَعْضُهَا بَعْضاً الْمُتَشَتِّتَةِ غَداً عَنِ الْأَصْلِ النَّازِلَةِ بِالْفَرْعِ الْمُؤَمِّلَةِ الْفَتْحَ مِنْ غَيْرِ جِهَتِهِ كُلُّ حِزْبٍ مِنْهُمْ آخِذٌ مِنْهُ بِغُصْنٍ أَيْنَمَا مَالَ الْغُصْنُ مَالَ مَعَهُ مَعَ أَنَّ اللَّهَ وَ لَهُ الْحَمْدُ سَيَجْمَعُ هَؤُلَاءِ لِشَرِّ يَوْمٍ لِبَنِي أُمَيَّةَ كَمَا يَجْمَعُ

وكله الله إلى نفسه و رأيه" أي بسبب إعراضه عن الحق، و تركه لأهله" فهو مأمون عند من يجهله" و" غير المتهم عند من لا يعرفه" خبر للموصول، و الغرض بيان أن حسن ظن الناس و العوام بهم إنما هو لجهلهم بضلالتهم و جهالتهم، و يحتمل أن يكون المراد بالموصول أئمة من قد ذمهم سابقا، لا أنفسهم" فما أشبه هؤلاء" أي هذه الفرق الضالة المختلفة" بإنعام قد غاب عنها رعاؤها" هي جمع الراعي" و وا أسفا من فعلات شيعتي" أي من تتبعني اليوم ظاهرا" من بعد قرب مودتها اليوم" ظرف للقرب" كيف يستذل بعدي بعضها بعضا" كما تفرقوا عن أئمة الحق، و توسلوا بأئمة الجور" و كيف يقتل بعضها بعضا المتشتتة غدا عن الأصل" أي هم الذين يتفرقون عن أئمة الحق و لا ينصرونهم" النازلة بالفرع" أي يتعلقون بالأغصان، و الفروع التي لا ينفع التعلق بها بدون التشبث بالأصل كما أنهم بعد تفرقهم عن الأئمة عليهم السلام تبعوا كل من ادعى حقا، و إن لم يكن محقا، كمختار و أبي مسلم، و زيد و يحيى، و محمد، و إبراهيم، و غيرهم" المؤملة الفتح من غير جهته" أي من غير الجهة التي يرجى منها الفتح، إذ صاروا بعد خروجهم مغلوبين مقتولين، أو من غير الجهة التي أمروا بالاستفتاح منها، فإنه كان خروجهم بغير إذن الأئمة عليهم السلام معصية" كل حزب منهم آخذ بغصن، أين ما مال الغصن مال معه" أي لتفرقهم عن أئمة الحق صاروا شعبا شتى كل منهم آخذ بغصن من أغصان شجرة الحق بزعمهم، ممن يدعي الانتساب إلى أهل البيت عليهم السلام مع تركهم الأصل" مع أن الله و له الحمد سيجمع هؤلاء" أي هؤلاء الأحزاب المتشتتة" لشر يوم لبني أمية"

ص: 142

قَزَعَ الْخَرِيفِ يُؤَلِّفُ اللَّهُ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَجْعَلُهُمْ رُكَاماً كَرُكَامِ السَّحَابِ ثُمَّ يَفْتَحُ لَهُمْ أَبْوَاباً يَسِيلُونَ مِنْ مُسْتَثَارِهِمْ كَسَيْلِ الْجَنَّتَيْنِ سَيْلَ الْعَرِمِ حَيْثُ بَعَثَ عَلَيْهِ قَارَةً فَلَمْ يَثْبُتْ

إشارة إلى اجتماعهم على أبي مسلم الخراساني لدفع بني أمية، و قد ظفروا بذلك، لكن دفعوا لفاسد بالأفسد و سلطوا أولاد العباس على أئمة الحق" كما يجمع قزع الخريف، يؤلف الله بينهم ثم يجعلهم ركاما كركام السحاب" في نهج البلاغة" كما تجتمع" قال الجزري في حديث الاستسقاء" و ما في السماء قرعة" أي قطعة من الغيم و جمعها قزع، و منه حد على" فتجتمعون إليه كما يجتمع قزع الخريف" أي قطع السحاب المتفرقة، و إنما خص الخريف لأنه أول الشتاء، و السحاب يكون فيه متفرقا غير متراكم و لا مطبق، ثم يجتمع بعضه إلى بعض بعد ذلك، و قال: الركام:

السحاب المتراكب بعضه فوق بعض.

أقول: نسبة هذا التأليف إليه تعالى مع أنه لم يكن برضاه على سبيل المجاز تشبيها لعدم منعهم عن ذلك و تمكينهم من أسبابه، و تركهم و اختيارهم بتأليفهم، و حثهم عليه، و مثل هذا كثير في الآيات و الأخبار" ثم يفتح لهم أبوابا يسئلون من مستثارهم، كسيل الجنتين سيل العرم، حيث بعث عليه فأرة فلم يثبت عليه أكمة" فتح الأبواب كناية عما هيئ لهم من أسبابهم، و ما سنح لهم من تدابيرهم المصيبة، و من اجتماعهم و عدم تخاذلهم، و المستثار موضع ثوراتهم، أي هيجانهم و وثبهم و نهوضهم، و شبه عليه السلام تسلط هذا الجيش عليهم بسوء أعمالهم بما سلط الله على أهل سبأ بعد إتمام النعمة عليهم، لكفرانهم و عصيانهم، كما قال تعالى:" لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ" لأولاد سبأ بن يسحب بن يعرب بن قحطان" فِي مَسْكَنِهِمْ" في موضع سكناهم، و هو باليمن يقال له مأرب" آيَةٌ" علامة دالة على وجود الصانع المختار، و أنه قادر على ما يشاء" جَنَّتانِ" بدل من آية، أو خبر محذوف تقديره الآية جنتان" عَنْ يَمِينٍ وَ شِمالٍ" جماعة عن يمين بلدهم، و جماعة عن شماله، كل واحدة منهما في تقاربهما و تضايقها كأنه جنة واحدة، أو بستانا كل رجل منهم عن يمين مسكنه و عن شماله

ص: 143

" كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَ اشْكُرُوا لَهُ" حكاية لما قال لهم نبيهم أو لسان الحال أو دلالة بأنهم كانوا أحقاء بأن يقال لهم ذلك" بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَ رَبٌّ غَفُورٌ" استئناف للدلالة على موجب الشكر" فَأَعْرَضُوا" عن الشكر" فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ" سيل الأمر العرم:

أي الصعب من عرم الرجل فهو عارم إذا شرس خلقه و صعب، أو المطر الشديد أو الجرد أضاف إليه لأنه نقب عليهم سكرا ضربت لهم بلقيس، كما رواه البغوي" أن بلقيس لما ملكت سبأ كانوا يقتتلون على ماء واديهم، و كان يأتيهم السيل من بعيد، فيؤذيهم سدت بلقيس ما بين الجبلين، بسد فيه أبواب بعضها فوق بعض، و جعلت بركة لها اثني عشر مخرجا كعدد أنهارهم التي يسقون بها بساتينهم، و إذا استغنوا سدوها فإذا جاء السيل احتبس وراء السد، فأخصبت بلادهم و كثرت نعمتهم، حتى قيل: إن المرأة كانت تخرج و على رأسها المكتل فتعمل بيديها و تسير بين تلك الشجر فيمتلي المكتل مما يتساقط فيه من الثمر، و كان الرجل يمر ببلدهم في ثيابه القمل فتموت القمل كلها من طيب الهواء".

و قال علي بن إبراهيم: كانت لهم جنات عن يمين، و شمال مسيرة عشرة أيام، فمن يمر لا تقع عليه الشمس من التفافها، فلما عملوا بالمعاصي و عتوا عن أمر ربهم و نهاهم الصالحون، فلم ينتهوا بعث الله على ذلك السد الجرذ، و هي الفأرة الكبيرة فكانت تقلع الصخرة التي لا يستقلها الرجل، و ترمي به فلما رأى ذلك قوم منهم هربوا و تركوا البلاد، فما زال الجرذ تقلع الحجر حتى خرب ذلك السد، فلم يشعروا حتى غشيهم السيل، و خرب بلادهم و قلع أشجارهم و قيل العرم: اسم للمسناة التي عقدت سكرا، على أنه جمع عرمة، و هي الحجارة المركومة، و قيل اسم واد جاء السيل من قبله" وَ بَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ" أي ثمر بشع و قيل: الأراك أو كل شجر لا شوك له" وَ أَثْلٍ وَ شَيْ ءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ" و الأثل: هو الطرفاء فعلى ما في الكتاب من قوله:" حيث بعث عليه فأرة" إشارة إلى ما فسر، و ضمير

ص: 144

" عليه" إما راجع إلى السيل فعلى تعليلية أو إلى العرم، إذا فسر بالسد و في بعض النسخ نقب بالنون و القاف و الباء الموحدة فقوله فأرة مرفوع بالفاعلية، و في نهج البلاغة كسيل الجنتين حيث لم تسلم عليه فأرة، و لم تثبت له أكمة. و الفأرة:

الجبل الصغير، و الأكمة هي الموضع الذي يكون أشد ارتفاعا مما حوله، و هو غليظ لا يبلغ أن يكون حجرا، أو التل من حجارة واحدة أو هي دون الجبال. و الحاصل: بيان شدة السيل المشبه به بأنه أحاط بالجبال، و ذهب بالتلال و لم يمنعه شي ء" و لم يرد سننه رص طود" السنن: الطريق و الرص: التصاق الأجزاء بعضها ببعض، و الطود: الجبل أي لم يرد طريقه طود مرصوص، أي جبل اشتد التصاق أجزائه بعضها ببعض، و في النهج بعد ذلك: و لا حداب أرض هي جمع حدبة، و هي المكان المرتفع، و لما بين عليه السلام شدة المشبه به أخذ في بيان شدة المشبه فقال:" يذعذعهم الله في بطون أو دية" الذعذعة بالذالين المعجمتين، و العينين المهملتين: التفريق أي يفرقهم الله في السيل متوجهين إلى البلاد" ثم يسلكهم يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ" من ألفاظ القرآن أي كما أن الله تعالى ينزل الماء من السماء فيستكن في أعماق الأرض ثم يظهره ينابيع إلى ظاهرها كذلك هؤلاء يفرقهم الله في بطون الأودية، و غوامض الأغوار ثم يظهرهم بعد الاختفاء، كذا ذكره ابن أبي الحديد، و الأظهر أنه بيان لاستيلائهم على البلاد و تفرقهم فيها و ظهورهم في كل البلاد، و حصول أعوانهم من سائر العباد فكما أن مياه الأنهار و وفورها توجب وفور مياه العيون و الآبار، فكذلك يظهر أثر هؤلاء في كل البلاد و تكثر أعوانهم في جميع الأقطار، و كل ذلك ترشيح لما سبق من التشبيه" يأخذ بهم من قوم" أي بني أمية" حقوق قوم" أي أهل البيت عليهم السلام للانتقام من أعدائهم، و إن لم يصل إليهم" و يمكن لقوم" أي لبني العباس" لديار قوم" أي بني أمية و في بعض النسخ [و يمكن لهم قوما ديار قوم] و في النهج" و يمكن لقوم في ديار قوم" و المال واحد

ص: 145

الْأَرْضِ يَأْخُذُ بِهِمْ مِنْ قَوْمٍ حُقُوقَ قَوْمٍ وَ يُمَكِّنُ بِهِمْ قَوْماً فِي دِيَارِ قَوْمٍ تَشْرِيداً لِبَنِي أُمَيَّةَ وَ لِكَيْلَا يَغْتَصِبُوا مَا غَصَبُوا يُضَعْضِعُ اللَّهُ بِهِمْ رُكْناً وَ يَنْقُضُ بِهِمْ طَيَّ الْجَنَادِلِ مِنْ إِرَمَ وَ يَمْلَأُ مِنْهُمْ بُطْنَانَ الزَّيْتُونِ فَوَ الَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَ بَرَأَ النَّسَمَةَ لَيَكُونَنَّ ذَلِكَ وَ كَأَنِّي

في الكل" تشريدا لبني أمية.

و لكيلا يغتصبوا ما غصبوا" التشريد: التفريق و الطرد" و الاغتصاب بمعنى الغصب، و لعل المراد أن الغرض من استيلاء هؤلاء ليس إلا تفريق بني أمية و دفع ظلمهم" يضعضع الله بهم ركنا" قال الفيروزآبادي: ضعضعه: هدمه حتى الأرض أي يهدم الله بهم ركنا وثيقا عظيما هو أساس دولة بني أمية" و ينقض بهم طي الجنادل من إرم" الجنادل: جمع جندل و هو ما يقله الرجل من الحجارة، أي ينقض الله و يكسر بهم البنيان التي طويت، و بنيت بالجنادل و الأحجار من بلاد إرم، و هي دمشق و الشام، إذ كان مستقر ملكهم في أكثر الأزمان تلك البلاد لا سيما زمانه عليه السلام.

قال الفيروزآبادي: إرم ذات العماد: دمشق أو الإسكندرية، أو موضع بفارس، و في بعض النسخ [على الجنادل]" و يملأ منهم بطنان الزيتون" قال الجزري:

فيه" ينادي مناد من بطنان العرش" أي من وسطه، و قيل: من أصله، و قيل:

البطنان جمع بطن: و هو الغامض من الأرض، يريد من دواخل العرش.

و قال الفيروزآبادي: الزيتون: مسجد دمشق أو جبال الشام، و بلد بالصين، و المعنى إن الله يملأ منهم وسط مسجد دمشق أو دواخل جبال الشام، و الغرض من الفقرتين بيان استيلاء هؤلاء القوم على بني أمية في وسط ديارهم و الظفر عليهم في محل استقرارهم، و أنه لا ينفعهم بناء و لا حصن في التحرز منهم" فو الذي فلق الحبة" فأخرج منها أنواع النبات" و برء النسمة" أي أصناف ذوي الحياة ليكونن ذلك و كأني أسمع صهيل خيلهم" الصهيل: كأمير صوت الفرس" و طمطمة رجالهم" قال الفيروزآبادي رجل طمطم، و طمطمي بكسرهما و طمطماني بالضم: في لسانه عجمة، و قال الجزري في

ص: 146

أَسْمَعُ صَهِيلَ خَيْلِهِمْ وَ طَمْطَمَةَ رِجَالِهِمْ وَ ايْمُ اللَّهِ لَيَذُوبَنَّ مَا فِي أَيْدِيهِمْ بَعْدَ الْعُلُوِّ وَ التَّمْكِينِ فِي الْبِلَادِ كَمَا تَذُوبُ الْأَلْيَةُ عَلَى النَّارِ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ مَاتَ ضَالًّا وَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ يُفْضِي مِنْهُمْ مَنْ دَرَجَ وَ يَتُوبُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ عَلَى مَنْ تَابَ وَ لَعَلَّ اللَّهَ يَجْمَعُ شِيعَتِي بَعْدَ التَّشَتُّتِ لِشَرِّ يَوْمٍ لِهَؤُلَاءِ وَ لَيْسَ لِأَحَدٍ عَلَى اللَّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ الْخِيَرَةُ بَلْ لِلَّهِ الْخِيَرَةُ وَ الْأَمْرُ جَمِيعاً أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ الْمُنْتَحِلِينَ لِلْإِمَامَةِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا كَثِيرٌ وَ لَوْ لَمْ تَتَخَاذَلُوا عَنْ مُرِّ الْحَقِ

صفة قريش (ليس فيهم طمطمانية حمير) شبه كلام حمير لما فيه من الألفاظ المنكرة بكلام العجم يقال رجل أعجم طمطمي و قد طمطم في كلامه و أشار عليه السلام بذلك إلى أن أكثر عسكرهم من العجم، لأن عسكر أبي مسلم كان من خراسان" و أيم الله ليذوبن ما في أيديهم بعد العلو و التمكين في البلاد كما تذوب الألية على النار" الظاهر أن هذا أيضا من تتمة بيان انقراض ملك بنو أمية، و سرعة زواله، و يحتمل أن يكون إشارة إلى انقراض هؤلاء الغالبين من بني عباس" من مات منهم مات ضالا و إلى الله تعالى يقضي منهم من درج" و في النسخ يفضي بالفاء، أي يوصل، و بالقاف بمعنى القضاء و المحاكمة أو الإنهاء و الإيصال كما في قوله تعالى:" وَ قَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ" و درج الرجل أي مشى و درج أيضا بمعنى مات، و يقال: درج القوم أي انقرضوا، و الظاهر أن المراد به هنا الموت، أي من مات ضالا و أمره إلى الله يعذبه كيف يشاء، و يحتمل المشي أيضا أي من بقي منهم فعاقبة الفناء، و الله يقضي فيه يعلمه" و يتوب الله عز و جل على من تاب" أي من أعوانهم و أحزابهم" و لعل الله يجمع شيعتي بعد التشتت لشر يوم لهؤلاء" إشارة إلى زمان القائم عليه السلام" و ليس لأحد على الله عز و جل الخيرة بل لله الخيرة و الأمر جميعا" أي ليس لأحد أن يشير بأمر على الله إن هذا خير ينبغي أن تفعله، بل له أن يختار من الأمور ما يشاء بعلمه، و له الأمر يأمر بما يشاء في جميع الأشياء" أيها الناس إن المنتحلين للإمامة من غير أهلها كثير" أي فلا تصدقوا كل مدع و لا تتبعوه، و لو لم تتخاذلوا عن مر الحق، أي

ص: 147

وَ لَمْ تَهِنُوا عَنْ تَوْهِينِ الْبَاطِلِ لَمْ يَتَشَجَّعْ عَلَيْكُمْ مَنْ لَيْسَ مِثْلَكُمْ وَ لَمْ يَقْوَ مَنْ قَوِيَ عَلَيْكُمْ وَ عَلَى هَضْمِ الطَّاعَةِ وَ إِزْوَائِهَا عَنْ أَهْلِهَا لَكِنْ تِهْتُمْ كَمَا تَاهَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ عَلَى عَهْدِ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ ع وَ لَعَمْرِي لَيُضَاعَفَنَّ عَلَيْكُمُ التِّيهُ مِنْ بَعْدِي أَضْعَافَ مَا تَاهَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَ لَعَمْرِي أَنْ لَوْ قَدِ اسْتَكْمَلْتُمْ مِنْ بَعْدِي مُدَّةَ سُلْطَانِ بَنِي أُمَيَّةَ لَقَدِ اجْتَمَعْتُمْ عَلَى السُّلْطَانِ الدَّاعِي إِلَى الضَّلَالَةِ وَ أَحْيَيْتُمُ الْبَاطِلَ وَ خَلَّفْتُمُ الْحَقَّ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَ قَطَعْتُمُ الْأَدْنَى

الحق الذي هو مر أو خالص الحق فإنه مر و اتباعه صعب، و في النهج: عن نصر الحق" و لم تهنوا عن توهين الباطل" أي لم تضعفوا عن تحقير الباطل و أضعافه،" لم يتشجع عليكم من ليس مثلكم" و في النهج: لم يطمع فيكم" و لم يقومن قوي عليكم، و على هضم الطاعة" أي كسرها" و إزوائها عن أهلها" يقال زوى الشي ء عنه: أي صرفه و نحاه، و لم أظفر بهذا البناء فيما اطلعت عليه من كتب اللغة" لكن تهتم كما تاهت بنو إسرائيل على عهد موسى" أي كما تاهوا في خارج المصر أربعين سنة، يتيهون و يتحيرون في الأرض، ليس لهم مخرج بسبب عصيانهم، و تركهم الجهاد، فكذا أصحابه تحيروا في أديانهم و أعمالهم لما لم ينصروه و لم يعينوه على عدوه كما روي عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم أنه قال: لتركبن سنين من كان قبلكم حذو النعل بالنعل و القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه. و في النهج: و لكنكم تهتم متاه بني إسرائيل و لعمري ليضاعفن عليكم التيه من بعدي أضعاف ما تاهت بنو إسرائيل. يحتمل أن يكون المراد بالمشبه به هنا تحير قوم موسى بعده في دينهم و يمكن أن يراد به تحيرهم في الأرض في حياته عليه السلام كالسابق، و على التقديرين المراد بالمضاعفة إما المضاعفة بحسب الشدة، و كثرة الحيرة، أو بحسب الزمان، فإن حيرتهم كانت أربعين سنة و الناس إلى الآن متحيرون تائهون في أديانهم و أحكامهم" و لعمري أن لو قد استكملتم مدة سلطان بني أمية لقد اجتمعتم على سلطان الداعي إلى الضلالة، أي الداعي إلى بني عباس" و أحييتم الباطل" أي مرة ثانية" و خلفتم الحق وراء ظهوركم" أي متابعة أئمة أهل البيت عليهم السلام" و قطعتم

ص: 148

مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ وَ وَصَلْتُمُ الْأَبْعَدَ مِنْ أَبْنَاءِ الْحَرْبِ- لِرَسُولِ اللَّهِ ص وَ لَعَمْرِي أَنْ لَوْ قَدْ ذَابَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ لَدَنَا التَّمْحِيصُ لِلْجَزَاءِ وَ قَرُبَ الْوَعْدُ وَ انْقَضَتِ الْمُدَّةُ وَ بَدَا لَكُمُ النَّجْمُ ذُو الذَّنَبِ

الأدنى من أهل بدر" أي الأدنين إلى الرسول صلى الله عليه و آله و سلم نسبا الناصرين له في غزوة بدر و هي أعز غزوات الإسلام، يعني نفسه و أولاده صلوات الله عليهم" و وصلتم إلا بعد من أبناء الحرب لرسول الله" أي أولاد العباس، فإنهم كانوا أبعد نسبا عن الرسول من أهل البيت عليهم السلام، و كان جدهم العباس ممن حارب الرسول صلى الله عليه و آله في غزوة بدر، حتى أسر.

" و لعمري أن لو قد ذاب ما في أيديهم" أي لو ذهب ملك بني العباس، لدنى التمحيص للجزاء أي قرب قيام القائم و التمحيص الابتلاء و الاختبار، أي يبتلي الناس و يختبرون بقيامه عليه السلام ليجزي الكافرين، و يعذبهم في الدنيا قبل نزول عذاب الآخرة بهم.

و يمكن أن يكون المراد تمحيص جميع الخلق لجزائهم في الآخرة إن خيرا فخيرا، و إن شرا فشرا، و قرب الوعد أي وعد الفرج، و انقضت المدة أي قرب انقضاء مدة دولة أهل الباطل" و بدا لكم النجم ذو الذنب" و هو من علامات ظهور القائم عليه السلام، و يحتمل أن يكون إشارة إلى ذات ذنب ظهرت في سنة تسع و ثلاثين و ثمانمائة هجرية، و الشمس في أوائل الميزان بقرب الإكليل الشمالي كانت تطلع و تغيب معه لا تفارقه، ثم بعد مدة ظهر أن لها حركة خاصة بطيئة فيما بين المغرب و الشمال، و كان يصغر جرمها و يضعف ضوؤها بالتدريج حتى انمحت بعد ثمانية أشهر تقريبا، و قد بعدت عن الإكليل في الجهة المذكورة، قدر ذراع، لكن قوله عليه السلام:" من قبل المشرق" يأبى عنه إلا بتكلف، و قد ظهر في زماننا في سنة خمس و سبعين و ألف ذو ذؤابة فيما بين القبلة و المشرق، و مكث أشهرا ثم ظهر أول الليل في جانب المشرق و قد ضعف ثم بعد أيام انمحى، و كانت له حركة على التوالي لا على نظام معلوم،

ص: 149

مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ وَ لَاحَ لَكُمُ الْقَمَرُ الْمُنِيرُ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَرَاجِعُوا التَّوْبَةَ وَ اعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِنِ اتَّبَعْتُمْ طَالِعَ الْمَشْرِقِ سَلَكَ بِكُمْ مَنَاهِجَ الرَّسُولِ ص فَتَدَاوَيْتُمْ مِنَ الْعَمَى وَ الصَّمَمِ وَ الْبَكَمِ وَ كُفِيتُمْ مَئُونَةَ الطَّلَبِ وَ التَّعَسُّفِ وَ نَبَذْتُمُ الثِّقْلَ الْفَادِحَ عَنِ الْأَعْنَاقِ وَ لَا

و تطبيق ما في الخبر عليه يحتاج إلى تكلف آخر أيضا" و لاح لكم القمر المنير" لعل المراد ظهور قمر آخر أو شي ء شبيه بالقمر في السماء، أو كناية عن القائم عليه السلام و يؤيد الأخير ما رواه المفيد (ره) في إرشاده مرسلا عن مسعدة، و فيه و أشرق لكم قمركم كملاء شهر، و كليلة تم" فإذا كان ذلك فراجعوا التوبة" أي ارجعوا إلى التوبة أو إلى الله بالتوبة، و اعلموا أنكم إن اتبعتم طالع المشرق، أي المهدي عليه السلام إذ مكة شرقية بالنسبة إلى المدينة، أو لأن اجتماع العساكر عليه و توجهه إلى فتح البلاد إنما يكون من الكوفة، و هي شرقية بالنسبة إلى الحرمين، و لا يبعد أن يكون ذكر المشرق ترشيحا للاستعارة أي القمر الطالع من مشرقه، و يحتمل على بعد أن يكون إشارة إلى السلطان إسماعيل أنار الله برهانه" سلك بكم مناهج الرسول صلى الله عليه و آله و سلم و في بعض النسخ [منهاج] كما في النهج" فتداويتم من العمى و الصمم و البكم" أي ليفيض الله تعالى به عليه السلام و بمتابعته نور الإيمان على جوارحكم، فترون الحق، و تسمعونه و تقبلونه، و تنطقون به" و كفيتم به مؤنة الطلب و التعسف" التعسف هنا الظلم، أي لا تحتاجون في زمانه عليه السلام إلى طلب الرزق، و الظلم على الناس لأخذ أموالهم" و نبذتم الثقل الفادح عن الأعناق" يقال: فدحه الدين، أي أثقله، أي طرحتم الديون المثقلة، و مظالم العباد، أو إطاعة أهل الجور و ظلمهم عليكم عن أعناقكم،" و لا يبعد الله" أي في ذلك الزمان أو مطلقا" إلا من أبي" عن طاعته عليه السلام أو طاعة الله،" و ظلم" على نفسه، و على الناس" و اعتسف" أي مال عن طريق الحق إلى غيره،" أو ظلم على غيره،" و أخذ ما ليس له" من الأموال و الحقوق و الولايات،

ص: 150

يُبَعِّدُ اللَّهُ إِلَّا مَنْ أَبَى وَ ظَلَمَ وَ اعْتَسَفَ وَ أَخَذَ مَا لَيْسَ لَهُ- وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ

خُطْبَةٌ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع

23 عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ رِئَابٍ وَ يَعْقُوبَ السَّرَّاجِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ع لَمَّا بُويِعَ بَعْدَ مَقْتَلِ عُثْمَانَ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَلَا فَاسْتَعْلَى وَ دَنَا فَتَعَالَى وَ ارْتَفَعَ فَوْقَ كُلِّ مَنْظَرٍ وَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ

" وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ" عند انقلابهم و رجوعهم بعد الموت إلى الله.

الحديث الثالث و العشرون [خطبة لأمير المؤمنين عليه السلام]

الحديث الثالث و العشرون [خطبة لأمير المؤمنين عليه السلام]

: حسن.

قوله عليه السلام:" علا فاستعلى" الاستعلاء هنا مبالغة في العلو، أي علا عن رتبة المخلوقين، فاستعلى عن التشبه بصفاتهم أو كان عاليا بالذات و الصفات، فأظهر و بين علوه بالإيجاد أو طلب علوه من العباد، بأن يخضعوا عنده و يعبدوه، و على الأخيرين يكون الاستفعال للطلب بتقدير أو تجوز.

قوله عليه السلام:" و دنى فتعالى" أي دنى من كل شي ء، فتعالى أن يكون في مكان إذ لا يمكن للمكاني الدنو من كل شي ء، أو دنوة دنو علم و قدرة و إيجاد و تربية و هو عين علوه و شرافته و رفعته، فليس دنوة دنوا منافيا للعلو بل مؤيد له، و يحتمل في الفقرتين أن يكون الفاء بمعنى الواو أي علا و كثر علاوة، و دنى و تعالى أن يكون دنوة كدنو المخلوقين.

قوله عليه السلام:" و ارتفع فوق كل منظر" المنظر: النظر، و الموضع المرتفع، و كلما نظرت إليه فسرك أو ساءك، و المراد أنه تعالى ارتفع عن كل محل يمكن أن ينظر إليه أي ليس بمرئي و لا مكاني، أو ارتفع عن كل نظر، فلا يمكن لبصر الخلق النظر إليه، أو ارتفع عن محال النظر و الفكر، فلا يحصل في وهم و لا خيال و لا عقل

ص: 151

إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَ حُجَّةُ اللَّهِ عَلَى الْعَالَمِينَ مُصَدِّقاً لِلرُّسُلِ الْأَوَّلِينَ وَ كَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفاً رَحِيماً فَصَلَّى اللَّهُ وَ مَلَائِكَتُهُ عَلَيْهِ وَ عَلَى آلِهِ أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا النَّاسُ فَإِنَّ الْبَغْيَ يَقُودُ أَصْحَابَهُ إِلَى النَّارِ وَ إِنَّ أَوَّلَ مَنْ بَغَى عَلَى اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ- عَنَاقُ بِنْتُ آدَمَ وَ أَوَّلَ قَتِيلٍ قَتَلَهُ اللَّهُ عَنَاقُ وَ كَانَ مَجْلِسُهَا جَرِيباِنَ الْأَرْضِ] فِي جَرِيبٍ وَ كَانَ لَهَا عِشْرُونَ إِصْبَعاً فِي كُلِّ إِصْبَعٍ ظُفُرَانِ مِثْلُ الْمِنْجَلَيْنِ فَسَلَّطَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ عَلَيْهَا أَسَداً كَالْفِيلِ وَ ذِئْباً كَالْبَعِيرِ وَ نَسْراً مِثْلَ الْبَغْلِ فَقَتَلُوهَا وَ قَدْ قَتَلَ اللَّهُ الْجَبَابِرَةَ عَلَى أَفْضَلِ أَحْوَالِهِمْ وَ آمَنِ مَا كَانُوا وَ أَمَاتَ هَامَانَ- وَ أَهْلَكَ فِرْعَوْنَ وَ قَدْ قُتِلَ عُثْمَانُ أَلَا وَ إِنَّ بَلِيَّتَكُمْ

و يحتمل معنى دقيقا بأن يكون المراد بالارتفاع فوقه الكون عليه، و التمكن فيه مجازا أي ظهر لك في كل ما نظرت إليه بقدرته و صنعه و حكمته.

قوله عليه السلام:" خاتم النبيين" بفتح التاء و كسرها أي آخرهم.

قوله عليه السلام:" فإن البغي" أي الظلم و الفساد و الاستطالة.

قوله عليه السلام:" و إن أول من بغى" كأنها كانت مقدمة على قابيل.

قوله عليه السلام:" و أول قتيل قتله الله" أي بالعذاب.

قوله عليه السلام:" في جريب" لعل المراد أنها كانت تملأ مجموع الجريب بعرضها و تحتها، و في تفسير علي بن إبراهيم" و كان مجلسها في الأرض موضع جريب" و فيما رواه ابن ميثم بتغيير ما:" كان مجلسها من الأرض جريبا".

قوله عليه السلام:" مثل المنجلين" المنجل: كمنبر ما يحصد به.

قوله عليه السلام:" و أمات هامان" أي عمر" و أهلك فرعون" يعني أبا بكر و يحتمل العكس، و يدل على أن المراد هذان الأشقيان.

قوله عليه السلام:" و قد قتل عثمان" و يمكن أن يقرأ قتل على بناء المعلوم و المجهول، و الأول أنسب بما تقدم. قوله عليه السلام:" ألا و إن بليتكم" أي ابتلاؤكم و امتحانكم بالفتن.

ص: 152

قَدْ عَادَتْ كَهَيْئَتِهَا يَوْمَ بَعَثَ اللَّهُ نَبِيَّهُ ص وَ الَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ لَتُبَلْبَلُنَّ بَلْبَلَةً وَ لَتُغَرْبَلُنَّ غَرْبَلَةً وَ لَتُسَاطُنَّ سَوْطَةَ الْقِدْرِ حَتَّى يَعُودَ أَسْفَلُكُمْ أَعْلَاكُمْ وَ أَعْلَاكُمْ أَسْفَلَكُمْ وَ لَيَسْبِقَنَ

قوله عليه السلام:" لتبلبلن بلبلة" البلبلة: الاختلاط، و تبلبلت الألسن أي اختلطت و قال ابن ميثم: و كنى بهما عما يوقع بهم بنو أمية و غيرهم من أمراء الجور من الهموم المزعجة، و خلط بعضهم ببعض و رفع أراذلهم و حط أكابرهم عما يستحق كل من المراتب، و قال الجزري: فيه دنت الزلازل و البلابل هي الهموم و الأحزان و بلبلة الصدر وسواسه، و منه الحديث إنما عذابها في الدنيا البلابل و الفتن، يعني هذه الأمة و منه خطبة علي: لتبلبلن بلبلة و لتغربلن غربلة انتهى و الأظهر أن المراد اختلاطهم و اختلاف أحوالهم و درجاتهم في الدين، بحسب ما يعرض لهم من الفتن.

قوله عليه السلام:" و لتغربلن غربلة" و الظاهر أنها مأخوذة من الغربال، الذي يغربل به الدقيق، و يجوز أن تكون من قولهم غربلت اللحم أي قطعته، فعلى الأول الظاهر أن المراد تميز جيدهم من رديئهم، و مؤمنهم من منافقهم، و صالحهم من طالحهم بالفتن التي تعرض لهم، كما أن في الغربال يتميز اللب من النخالة، و قيل: المراد خلطهم، لأن غربلة الدقيق تستلزم خلط بعضه ببعض.

و قال ابن ميثم: هو كناية عن التقاط آحادهم و قصدهم بالأذى و القتل كما فعل بكثير من الصحابة و التابعين،. و لا يخفى ما فيه، و على الثاني فلعل المراد تفريقهم و قطع بعضهم عن بعض.

قوله عليه السلام:" و لتساطن سوطة القدر" قال الجزري: ساط القدر بالمسوط، و هو خشية يحرك بها ما فيها ليختلط، و منه حديث علي (رضي الله عنه):" لتساطن سوط القدر".

قوله عليه السلام:" حتى يعود أسفلكم أعلاكم" أي كفاركم مؤمنين، و فجاركم

ص: 153

سَابِقُونَ كَانُوا قَصَّرُوا وَ لَيُقَصِّرَنَّ سَابِقُونَ كَانُوا سَبَقُوا وَ اللَّهِ مَا كَتَمْتُ وَشْمَةً وَ لَا كَذَبْتُ كَذِبَةً وَ لَقَدْ نُبِّئْتُ بِهَذَا الْمَقَامِ وَ هَذَا الْيَوْمِ أَلَا وَ إِنَّ الْخَطَايَا خَيْلٌ شُمُسٌ حُمِلَ عَلَيْهَا أَهْلُهَا وَ خُلِعَتْ لُجُمُهَا فَتَقَحَّمَتْ بِهِمْ فِي النَّارِ أَلَا وَ إِنَّ التَّقْوَى مَطَايَا ذُلُلٌ حُمِلَ عَلَيْهَا أَهْلُهَا وَ أُعْطُوا

متفقين، و بالعكس، أو ذليلكم عزيزا، و عزيزكم ذليلا، موافقا لبعض الاحتمالات السابقة.

قوله عليه السلام:" و ليسبقن سابقون كانوا قصروا" يعني عليه السلام به قوما قصروا في أول الأمر في نصرته، ثم نصروه و اتبعوه، أو قوما قصروا في نصرة الرسول صلى الله عليه و آله و سلم و أعانوه صلوات الله عليه.

قوله عليه السلام:" و ليقصرن سابقون كانوا سبقوا" يجري فيه الاحتمالان السابقان و الأول فيهما أظهر كطلحة و الزبير و أضرابهما، حيث كانوا عند غصب الخلافة يدعون أنهم من أعوانه صلوات الله عليه و عند البيعة أيضا ابتدءوا بالبيعة، و كان مطلوبهم الدنيا، فلما لم يتيسر لهم كانوا أول من خالفه و حاربه.

قوله عليه السلام:" و الله ما كتمت وشمة" أي كلمة مما أخبرني به الرسول في هذه الواقعة، أو مما أمرت بأخباره مطلقا، و يمكن أن يقرأ على البناء للمجهول أي لم يكتم عني رسول الله شيئا، و الأول أظهر.

قال الجزري: و في حديث علي: و الله ما كتمت وشمة أي كلمة انتهى و قد سبق هذا الجزء من الخبر في كتاب الحجة، و فيه" وسمة" بالسين المهملة، أي ما كتمت علامة تدل على سبيل الحق، و لكن عميتم عنها و لا يخفى لطف ضم الكتم مع الوسمة، إذ الكتم بالتحريك نبت يخلط بالوسمة يختضب به.

قوله عليه السلام:" و لقد نبئت بهذا المقام" أي أنبأني الرسول صلى الله عليه و آله و سلم بهذه البيعة و بنقض هؤلاء بيعتي.

قوله عليه السلام:" خيل شمس" هو بالضم جمع شموس، و هي الدابة تمنع ظهرها و لا تطيع راكبها، و هو مقابل الذلول فشبه عليه السلام الخطايا بخيل صعاب إذا ركبها

ص: 154

أَزِمَّتَهَا فَأَوْرَدَتْهُمُ الْجَنَّةَ وَ فُتِحَتْ لَهُمْ أَبْوَابُهَا وَ وَجَدُوا رِيحَهَا وَ طِيبَهَا وَ قِيلَ لَهُمْ ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ أَلَا وَ قَدْ سَبَقَنِي إِلَى هَذَا الْأَمْرِ مَنْ لَمْ أُشْرِكْهُ فِيهِ وَ مَنْ لَمْ أَهَبْهُ لَهُ وَ مَنْ لَيْسَتْ لَهُ مِنْهُ نَوْبَةٌ إِلَّا بِنَبِيٍّ يُبْعَثُ أَلَا وَ لَا نَبِيَّ بَعْدَ مُحَمَّدٍ ص أَشْرَفَ مِنْهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ

الناس، و لا يستطيعون منعها، عن أن توردهم المهالك،" و التقوى بمطاياه ذلل" مطيعة منقادة أزمتها بيد ركابها، يوجهونها حيث ما يريدون.

قوله عليه السلام": و أعطوا أزمتها" على البناء للمفعول أي أعطاهم من أركبهم أزمتها، و يحتمل أن يقرأ على البناء للفاعل، أي أعطي الركاب أزمة المطايا إليها فهن لكونهن ذللا لا يخرجن عن طريق الحق، إلى أن يوصلن، ركابهن إلى الجنة و التقحم: الدخول في الشي ء مبادرة عن غير تأمل، قوله تعالى" بِسَلامٍ" أي سالمين من العذاب أو مسلما عليكم" آمِنِينَ" من الآفة و الزوال.

قوله عليه السلام:" لم أشركه فيه" أي في الخلافة و لم أهب كله له أو لم أهب جرم هذا الغصب له.

قوله عليه السلام:" و من ليست له توبة إلا بنبي يبعث" أي لا يعلم قبول توبة من فعل مثل هذا الأمر القبيح و أضل هذه الجماعات الكثيرة، إلا بنبي يبعث فيخبره بقبول توبته، و في بعض النسخ نوبة أي ليست له نوبة في الخلافة إلا بنبي يبعث فيخبر عن الله أن له حصة في الخلافة، و في أكثر النسخ إلا نبي بدون الباء، فالمراد بالتوبة ما يوجب قبولها أي ليس له سبب قبول توبة إلا بنبي و لعله من تصحيف النساخ.

قوله عليه السلام:" أشرف منه" أي بسبب غصبه الخلافة.

قوله عليه السلام:" على شفا جرف" قال الجوهري: شفا كل شي ء جرفه قال الله تعالى" وَ كُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ" و قال: و الجرف و الجرف مثل عسر و عسر: ما تجرفته السيول و أكلته من الأرض و منه قوله تعالى" عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ

" و قال: هار الجرف يهور هورا و هؤورا فهو هائر، و يقال: أيضا جرف هار خفضوه في موضع

ص: 155

فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ حَقٌّ وَ بَاطِلٌ وَ لِكُلٍّ أَهْلٌ فَلَئِنْ أَمِرَ الْبَاطِلُ لَقَدِيماً فَعَلَ وَ لَئِنْ قَلَّ الْحَقُّ فَلَرُبَّمَا وَ لَعَلَّ وَ لَقَلَّمَا أَدْبَرَ شَيْ ءٌ فَأَقْبَلَ وَ لَئِنْ رُدَّ عَلَيْكُمْ أَمْرُكُمْ أَنَّكُمْ سُعَدَاءُ وَ مَا عَلَيَّ إِلَّا الْجُهْدُ وَ إِنِّي لَأَخْشَى أَنْ تَكُونُوا عَلَى فَتْرَةٍ مِلْتُمْ عَنِّي مَيْلَةً كُنْتُمْ فِيهَا عِنْدِي

الرفع، و أرادوا هائر، و قال: هائر و هو مقلوب من الثلاثي إلى الرباعي كما قلبوا شائك السلاح شاكي السلاح، و هورته فتهور و أنهار أي الهدم.

قوله عليه السلام:" حق و باطل" أي في الدنيا أو هنا أو بين الناس حق و باطل.

قوله عليه السلام:" فلئن أمر الباطل" أي كثر قال الفيروزآبادي: أمر كفرح أمرا و أمرة: كثر.

قوله عليه السلام:" فلقديما فعل" أي فو الله لقد فعل الباطل ذلك في قديم الأيام أي ليس كثرة الباطل ببديع، حتى تستغرب أو يستدل بها على حقية أهله.

قوله عليه السلام:" و لئن قل الحق فلربما" أي فو الله كثيرا يكون الحق كذلك" و لعل" أي لا ينبغي أن يؤيس من الحق لقلته، فلعله يعود كثيرا، بعد قلته و عزيزا بعد ذلته.

قوله عليه السلام:" و لقلما أدبر شي ء فأقبل" لعل المراد أنه إذا أقبل الحق و أدبر الباطل فهو لا يرجع، إذ رجوع الباطل بعد إدباره قليل. أو المراد بيان أن رجوع الحق إلينا بعد الأدبار أمر غريب، يفعله الله بفضله و لطفه و حكمته، أو المراد بيان أنه لا يرجع عن قريب، بل إنما يكون في زمان القائم عليه السلام.

قوله عليه السلام:" و لئن رد إليكم أمركم" أي في هذا الزمان.

قوله عليه السلام:" و ما علي إلا الجهد" أي بذل الطاقة، قال الجوهري: الجهد و الجهد: الطاقة، و قرئ (وَ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ) و (جهدهم) قال الفراء:

الجهد بالضم الطاقة، و الجهد بالفتح من قولك أجهد جهدك في هذا الأمر أي أبلغ غايتك، و لا يقال أجهد جهدك و الجهد: المشقة.

قوله عليه السلام:" أن تكونوا على فترة" قال في النهاية: في حديث ابن مسعود

ص: 156

غَيْرَ مَحْمُودِي الرَّأْيِ وَ لَوْ أَشَاءُ لَقُلْتُ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ سَبَقَ فِيهِ الرَّجُلَانِ وَ قَامَ الثَّالِثُ كَالْغُرَابِ هَمُّهُ بَطْنُهُ وَيْلَهُ لَوْ قُصَّ جَنَاحَاهُ وَ قُطِعَ رَأْسُهُ كَانَ خَيْراً لَهُ شُغِلَ عَنِ الْجَنَّةِ وَ النَّارُ أَمَامَهُ ثَلَاثَةٌ وَ اثْنَانِ خَمْسَةٌ لَيْسَ لَهُمْ سَادِسٌ مَلَكٌ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ وَ نَبِيٌّ أَخَذَ اللَّهُ

" إنه مرض فبكى، فقال: إنما أبكي لأنه أصابني على حال فترة، و لم يصبني في حال اجتهاد" أي في حال سكون و تقليل من العبادات و المجاهدات، و الفترة في غير هذا ما بين الرسولين من رسل الله تعالى من الزمان، الذي انقطعت فيه الرسالة انتهى، فالمعنى أخشى أن تكونوا على فترة و سكون و فتور عن نصرة الحق، و أن تكونوا كأناس كانوا بين النبيين، لا يظهر فيهم الحق، و يشتبه عليهم الأمور.

قوله عليه السلام:" ملتم عني ميلة" أي في أول الأمر بعد الرسول صلى الله عليه و آله و سلم.

قوله عليه السلام:" و لو أشاء لقلت" أي بينت بطلان الرجلين الذين اتبعتموهما و كفرهما، لكن لا يقتضيه مصلحة الحال.

قوله عليه السلام:" عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ" أي لمن تاب في هذا الزمان.

قوله عليه السلام:" كان خيرا له قص الجناحين" كناية عن منعه و رفع استيلائه و قبض يده عن أموال المسلمين و دمائهم و فروجهم،" و قطع رأسه" كناية عن قطع ما هو بمنزلة رأسه من الخلافة، أو المراد قتله ابتداء قبل ارتكاب هذه الأمور.

قوله عليه السلام:" شغل" أي بالدنيا عن تحصيل الجنة، و الحال أن النار كانت أمامه، فكان ينبغي أن لا يشتغل مع هذا بشي ء آخر سوى تحصيل الجنة، و التخلص من النار.

قوله عليه السلام:" ثلاثة و اثنان" الحاصل أن أحوال المخلوقين المكلفين تدور على خمسة، و إنما فصل الثلاثة عن الاثنين لأنهم من المقربين المعصومين الناجين من غير شك، فلم يخلطهم بمن سواهم، الأول: ملك أعطاه الله جناحين يطير بهما في درجات الكمال صورة و معنى.

و الثاني:" نبي أخذ الله بضبعيه" الضبع بسكون الباء: وسط العضد، و قيل: هو

ص: 157

بِضَبْعَيْهِ وَ سَاعٍ مُجْتَهِدٌ وَ طَالِبٌ يَرْجُو وَ مُقَصِّرٌ فِي النَّارِ الْيَمِينُ وَ الشِّمَالُ مَضَلَّةٌ وَ الطَّرِيقُ الْوُسْطَى هِيَ الْجَادَّةُ عَلَيْهَا يَأْتِي الْكِتَابُ وَ آثَارُ النُّبُوَّةِ هَلَكَ مَنِ ادَّعَى وَ خابَ مَنِ افْتَرى إِنَّ اللَّهَ أَدَّبَ هَذِهِ الْأُمَّةَ بِالسَّيْفِ وَ السَّوْطِ وَ لَيْسَ لِأَحَدٍ عِنْدَ الْإِمَامِ فِيهِمَا هَوَادَةٌ

ما تحت الإبط، أي رفعه الله بقدرته و عصمته من بين الخلق و اختاره و قربه، كأنه أخذ بعضده و قربه إليه، و يحتمل أن يكون كناية عن رفع يده و أخذها عن المعاصي بعصمته، و أن يكون كناية عن تقويته، و الأول أظهر.

و الثالث: ساع مجتهد في الطاعات غاية جهده، و المراد إما الأوصياء عليهم السلام أو أتباعهم الخلص، فالأوصياء داخلون في الثاني على سبيل التغليب، أو المراد بالثالث أعم منها.

و الرابع: عابد طالب للآخرة بشي ء من السعي مع صحة إيمانه، و بذلك يرجو فضل ربه.

و الخامس: مقصر ضال عن الحق كافر فهو في النار.

قوله عليه السلام:" اليمين و الشمال مضلة" أي كلما خرج عن الحق فهو ضلال أو المراد باليمين ما يكون بسبب الطاعات و البدع فيها، و باليسار ما يكون بسبب المعاصي.

قوله عليه السلام:" عليها يأتي الكتاب" أي على هذه الجادة أتى كتاب الله و حث على سلوكها، و في بعض النسخ [ما في الكتاب] و في نسخ نهج البلاغة" باقي الكتاب" و لعل المراد ما بقي من الكتاب في أيدي الناس.

قوله:" هلك" أي من ادعى مرتبة ليس بأهل لها كالإمامة.

قوله:" و ليس لأحد عند الإمام فيها هوادة" قال الجزري: فيه: لا تأخذه في الله هوادة" أي لا يسكن عند وجوب حدود الله، و لا يحابي فيها أحدا، و الهوادة:

السكون و الرخصة و المحاباة انتهى.

ص: 158

فَاسْتَتِرُوا فِي بُيُوتِكُمْ وَ أَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَ التَّوْبَةُ مِنْ وَرَائِكُمْ مَنْ أَبْدَى صَفْحَتَهُ لِلْحَقِّ هَلَكَ

حَدِيثُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ع

24 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ هِلَالِ بْنِ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ع قَالَ كَانَ يَقُولُ إِنَّ أَحَبَّكُمْ

قوله عليه السلام:" و التوبة من ورائكم" قال ابن ميثم: تنبيه للعصاة على الرجوع إلى التوبة عن الجري في ميدان المعصية، و اقتفاء أثر الشيطان، و كونها وراء، لأن الجواذب الإلهية إذا أخذت بقلب العبد فجذبته عن المعصية حتى أعرض عنها، و التفت بوجه نفسه إلى ما كان معرضا عنه من الندم على المعصية، و التوجه إلى القبلة الحقيقية، فإنه يصدق عليه أن التوبة وراؤه، أي وراء عقليا، و هو أولى من قول من قال من المفسرين إن" ورائكم" بمعنى" أمامكم".

قوله عليه السلام:" من أبدي صفحته للحق هلك" قال في النهاية: صفحة كل شي ء: وجهه و ناحيته، أقول: المراد مواجهة الحق و مقابلته و معارضته، فالمراد بالهلاك الهلاك في الدنيا و الآخرة. أو المراد إبداء الوجه للخصوم و معارضتهم لإظهار الحق في كل مكان و موطن من غير تقية و رعاية مصلحة، فيكون مذموما، و الهلاك بالمعنى الذي سبق، و يؤيد هذا.

قوله عليه السلام:" و استتروا في بيوتكم" أو المراد معارضة أهل الباطل على الوجه المأمور به، و المراد بالهلاك مقاساة المشاق و المفاسد و المضار من جهال الناس، و يؤيده ما في نسخ نهج البلاغة" هلك عند جهلة الناس".

الحديث الرابع و العشرون [حديث علي بن الحسين عليهما السلام]

الحديث الرابع و العشرون [حديث علي بن الحسين عليهما السلام]

: حديث علي بن الحسين عليه السلام: مجهول. و في الفقيه مالك بن عطية، و هو الظاهر فيكون صحيحا.

ص: 159

إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ أَحْسَنُكُمْ عَمَلًا وَ إِنَّ أَعْظَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَمَلًا أَعْظَمُكُمْ فِيمَا عِنْدَ اللَّهِ رَغْبَةً وَ إِنَّ أَنْجَاكُمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَشَدُّكُمْ خَشْيَةً لِلَّهِ وَ إِنَّ أَقْرَبَكُمْ مِنَ اللَّهِ أَوْسَعُكُمْ خُلُقاً وَ إِنَّ أَرْضَاكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَسْبَغُكُمْ عَلَى عِيَالِهِ وَ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَلَى اللَّهِ أَتْقَاكُمْ لِلَّهِ

25 عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُمَرَ الصَّيْقَلِ عَنْ أَبِي شُعَيْبٍ الْمَحَامِلِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يُظَرَّفُ فِيهِ الْفَاجِرُ وَ يُقَرَّبُ فِيهِ الْمَاجِنُ وَ يُضَعَّفُ فِيهِ

قوله عليه السلام:" أعظمكم فيما عند الله رغبة" أي علامة عظم الرغبة و كثرة الرجاء كثرة العمل، و يكذب من يدعي الرجاء و لا يعمل.

الحديث الخامس و العشرون

: ضعيف.

في نهج البلاغة هكذا: قال عليه السلام: يأتي على الناس زمان لا يقرب فيه إلا الماحل و لا يظرف فيه إلا الفاجر، و لا يضعف فيه إلا المنصف، يعدون الصدقة فيه غرما، و صلة الرحم منا، و العبادة استطالة على الناس، فعند ذلك يكون السلطان بمشورة الإماء، و إمارة الصبيان.

قوله عليه السلام:" يظرف فيه الفاجر" في بعض نسخ الكتاب، و أكثر نسخ النهج بالظاء المعجمة، أي يعد الفاجر ظريفا، من الظرافة بمعنى الكياسة، و في أكثر نسخ الكتاب و في بعض نسخ النهج" بالطاء المهملة" من الطريف ضد التألد، و هو الأمر المستطرف الذي يعده الناس حسنا لأن الناس راغبون إلى المستحدثات، أي يعده الناس طريفا، و يميلون إليه، أو على البناء للمفعول من باب الأفعال من قولك أطرفت فلانا إذا أعطيته ما لم يعطه أحد قبلك أي يهبون الطرف للفاجرين.

قوله عليه السلام:" و يقرب فيه الماجن" كذا في أكثر النسخ و بعض نسخ النهج، قال الجوهري: المجون: أن لا يبالي الإنسان ما صنع، و قد مجن بالفتح يمجن فهو ماجن، و قال الفيروزآبادي: الماجن: من لا يبالي قولا و لا فعلا، و في بعض النسخ

ص: 160

الْمُنْصِفُ قَالَ فَقِيلَ لَهُ مَتَى ذَاكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ إِذَا اتُّخِذَتِ الْأَمَانَةُ مَغْنَماً وَ الزَّكَاةُ مَغْرَماً وَ الْعِبَادَةُ اسْتِطَالَةً وَ الصِّلَةُ مَنّاً قَالَ فَقِيلَ مَتَى ذَلِكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ إِذَا تَسَلَّطْنَ النِّسَاءُ وَ سُلِّطْنَ الْإِمَاءُ وَ أُمِّرَ الصِّبْيَانُ

26 عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْعَقَبِيِّ رَفَعَهُ قَالَ خَطَبَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ آدَمَ لَمْ يَلِدْ عَبْداً وَ لَا أَمَةً وَ إِنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ أَحْرَارٌ وَ لَكِنَّ اللَّهَ خَوَّلَ بَعْضَكُمْ بَعْضاً فَمَنْ كَانَ لَهُ بَلَاءٌ فَصَبَرَ فِي الْخَيْرِ فَلَا يَمُنَّ بِهِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ أَلَا وَ قَدْ حَضَرَ شَيْ ءٌ وَ نَحْنُ مُسَوُّونَ فِيهِ بَيْنَ الْأَسْوَدِ وَ الْأَحْمَرِ فَقَالَ مَرْوَانُ لِطَلْحَةَ وَ الزُّبَيْرِ- مَا أَرَادَ بِهَذَا غَيْرَكُمَا قَالَ

كما في أكثر نسخ النهج [الماحل] قال الجوهري: المحل: المكر و الكيد يقال:

محل به إذا سعى به إلى السلطان، فهو ماحل و محول.

قوله عليه السلام:" و يضعف فيه المنصف" قال ابن ميثم: أي إذا رأوا إنسانا عنده ورع و إنصاف في معاملة الناس عدوه ضعيفا، و نسبوه إلى الوهن و الرخاوة أو يستصغرون عقله، و يعدونه ضعيف العقل كأنه تارك حق ينبغي له أن يأخذه.

الحديث السادس و العشرون

الحديث السادس و العشرون

: ضعيف.

قوله عليه السلام:" و لكن الله خول" قال الجزري: في حديث العبيد: هم إخوانكم و خولكم جعلهم الله تحت أيديكم، الخول: حشم الرجل و أتباعه و أحدهم خائل و قد يكون واحدا و يقع على العبد و الأمة، و هو مأخوذ من التخويل: التمليك، و قيل: من الرعاية.

قوله عليه السلام:" فمن كان له بلاء" أي نعمة و مال، فصير في الخير أي جعله في مصارف الخبر، و في أكثر النسخ" فصبر" بالباء أي من كان له نعمة على الإسلام بأن صبر على الشدائد في سبل الخير، كالجهاد و الفقر و أذى الأعادي فلا يمن به على الله، بل الله يمن عليه، لكن يعطيه الله أجره في الآخرة و الغرض أنه لا ينبغي أن يطلب الإنسان بسبب أعماله فضلا في القسم التي حكم الله فيها، أن يقسم بالسوية بين المسلمين، بل ينبغي أن يرضى بقسم الله.

ص: 161

فَأَعْطَى كُلَّ وَاحِدٍ ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ وَ أَعْطَى رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ وَ جَاءَ بَعْدُ غُلَامٌ أَسْوَدُ فَأَعْطَاهُ ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَذَا غُلَامٌ أَعْتَقْتُهُ بِالْأَمْسِ تَجْعَلُنِي وَ إِيَّاهُ سَوَاءً فَقَالَ إِنِّي نَظَرْتُ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَلَمْ أَجِدْ لِوُلْدِ إِسْمَاعِيلَ عَلَى وُلْدِ إِسْحَاقَ فَضْلًا

حَدِيثُ النَّبِيِّ ص حِينَ عُرِضَتْ عَلَيْهِ الْخَيْلُ

27 أَبُو عَلِيٍّ الْأَشْعَرِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ وَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ جَمِيعاً عَنْ أَحْمَدَ بْنِ النَّضْرِ وَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ جَمِيعاً عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ص لِعَرْضِ الْخَيْلِ فَمَرَّ بِقَبْرِ أَبِي أُحَيْحَةَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لَعَنَ اللَّهُ صَاحِبَ هَذَا الْقَبْرِ فَوَ اللَّهِ إِنْ كَانَ لَيَصُدُّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَ يُكَذِّبُ رَسُولَ اللَّهِ ص فَقَالَ خَالِدٌ ابْنُهُ بَلْ لَعَنَ اللَّهُ أَبَا قُحَافَةَ فَوَ اللَّهِ مَا كَانَ يَقْرِي الضَّيْفَ وَ لَا يُقَاتِلُ الْعَدُوَّ فَلَعَنَ اللَّهُ أَهْوَنَهُمَا عَلَى الْعَشِيرَةِ فَقْداً فَأَلْقَى رَسُولُ اللَّهِ ص خِطَامَ رَاحِلَتِهِ عَلَى غَارِبِهَا- ثُمَّ قَالَ إِذَا أَنْتُمْ تَنَاوَلْتُمُ الْمُشْرِكِينَ فَعُمُّوا وَ لَا تَخُصُّوا

قوله:" أعتقه" يحتمل التكلم و الخطاب، قوله" على ولد إسحاق" لعل العبد كان من بني إسرائيل كما هو الأغلب فيهم، و يحتمل أن يكون المراد عدم الفضل في القسمة، لا مطلقا مع أنه لا استبعاد في أن لا يكون بينهما فضل مطلقا إلا بالفضائل.

الحديث السابع و العشرون: حديث النبي صلى الله عليه و آله و سلم حين عرضت عليه الخيل

الحديث السابع و العشرون: حديث النبي صلى الله عليه و آله و سلم حين عرضت عليه الخيل

ضعيف.

و علي بن إبراهيم و محمد بن يحيى كلاهما معطوفان على أبي علي الأشعري.

قوله:" أهونهما على العشيرة" أي من يكون فقده و موته أهون و أسهل على عشيرته و لا يبالون بموته.

قوله عليه السلام:" على غاربها" الغارب ما بين السنام و العنق، و كأنه صلى الله عليه و آله و سلم ألقاه

ص: 162

فَيَغْضَبَ وُلْدُهُ ثُمَّ وَقَفَ فَعُرِضَتْ عَلَيْهِ الْخَيْلُ فَمَرَّ بِهِ فَرَسٌ فَقَالَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ إِنَّ مِنْ أَمْرِ هَذَا الْفَرَسِ كَيْتَ وَ كَيْتَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص ذَرْنَا فَأَنَا أَعْلَمُ بِالْخَيْلِ مِنْكَ فَقَالَ عُيَيْنَةُ وَ أَنَا أَعْلَمُ بِالرِّجَالِ مِنْكَ فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ ص حَتَّى ظَهَرَ الدَّمُ فِي وَجْهِهِ فَقَالَ لَهُ فَأَيُّ الرِّجَالِ أَفْضَلُ فَقَالَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ رِجَالٌ يَكُونُونَ بِنَجْدٍ يَضَعُونَ سُيُوفَهُمْ عَلَى عَوَاتِقِهِمْ وَ رِمَاحَهُمْ عَلَى كَوَاثِبِ خَيْلِهِمْ ثُمَّ يَضْرِبُونَ بِهَا قُدُماً قُدُماً فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص كَذَبْتَ بَلْ رِجَالُ أَهْلِ الْيَمَنِ أَفْضَلُ الْإِيمَانُ يَمَانِيٌّ وَ الْحِكْمَةُ يَمَانِيَّةٌ وَ لَوْ لَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً

للغضب لأن يسير البعير.

قوله:" على كواثب خيولهم" قال الجزري فيه:" يضعون رماحهم على كواثب خيولهم" الكواثب: جمع كاثبة و هي من الفرس مجتمع كتفيه قدام السرج.

قوله:" يضربون بها قدما" قال الفيروزآبادي: معنى قدما بضم الدال: لم يعرج و لم ينثن.

قوله صلى الله عليه و آله و سلم:" الإيمان يماني" قال الجزري: فيه الإيمان يمان و الحكمة يمانية، إنما قال ذلك، لأن الإيمان بدأ من مكة. و هي من تهامة من أرض اليمن، و لهذا يقال: الكعبة اليمانية، و قيل: إنه قال هذا القول للأنصار، لأنهم يمانون، و هم نصروا الإيمان و المؤمنين و آووهم، فنسب الإيمان إليهم.

و قال الجوهري: اليمن بلاد للعرب، و النسبة إليها يمني، و يمان مخففة و الألف عوض من ياء النسب، فلا يجتمعان. قال سيبويه: و بعضهم يقول: يماني بالتشديد و قال في محيي السنة: هذا ثناء على أهل اليمن لإسراعهم إلى الإيمان و حسن قبولهم إياه.

قوله صلى الله عليه و آله:" لو لا الهجرة" لعل المراد لو لا أني هجرت عن مكة لكنت اليوم من أهل اليمن، إذ مكة منها، أو المراد أنه لو لا أن المدينة كانت أولا دار هجرتي و اخترتها بأمر الله لاتخذت اليمن وطنا، أو المراد أنه لو لا أن الهجرة أشرف

ص: 163

مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ الْجَفَاءُ وَ الْقَسْوَةُ فِي الْفَدَّادِينَ أَصْحَابِ الْوَبَرِ- رَبِيعَةَ وَ مُضَرَ مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ

لعددت نفسي من الأنصار، و يؤيد الأخير ما رواه الطبرسي في مجمع البيان في قصة حنين" أن النبي صلى الله عليه و آله قال: فو الذي نفسي بيده لو أن الناس سلكوا شعبا و سلكت الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار و لو لا الهجرة لكنت امرءا من الأنصار إلى آخر الخبر.

قوله صلى الله عليه و آله:" إن الجفاء و القسوة" قال الجزري: فيه" إن الجفاء و القسوة في الفدادين" الفدادون بالتشديد: الذين تعلو أصواتهم في حروثهم و مواشيهم، واحدهم. فداد يقال: فد الرجل يفد فديدا إذا اشتد صوته، و قيل: هم المكثرون من الإبل، و قيل: هم الجمالون، و البقارون و الحمارون و الرعيان، و قيل: إنما هو الفدادين مخففا، واحدها فدان مشددا، و هو البقر التي يحرث بها و أهلها أهل جفاء و قسوة.

قوله صلى الله عليه و آله:" أصحاب الوبر" أي أهل البواري، فإن بيوتهم يتخذونها منه.

قوله صلى الله عليه و آله:" من حيث يطلع قرن الشمس" قال الجوهري: قرن الشمس أعلاها، و أول ما يبدو منها في الطلوع، لعل المراد أهل البواري من هاتين القبيلتين الكائنتين في مطلع الشمس أي في شرقي المدينة.

و روي في محيي السنة بإسناده عن عقبة بن عمر" و قال: أشار رسول الله صلى الله عليه و آله بيده نحو اليمن، فقال: الإيمان يمان، هيهنا إلا أن القسوة و غلظ القلوب في الفدادين عند أصول أذناب الإبل، حيث يطلع قرنا الشيطان في ربيعة و مضر" و بإسناده عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: رأس الكفر نحو المشرق، و الفخر و الخيلاء في أهل الخيل و الإبل و الفدادين أهل الوبر، و السكينة في أهل الغنم، و بإسناده عن ابن عمر أنه قال: رأيت رسول الله، يشير إلى المشرق و يقول: إن الفتنة هيهنا، إن الفتنة هنا من حيث يطلع قرن الشيطان. و قال النووي: قرنا الشيطان قبل المشرق، أي جمعاه المغويان اللذان يغريهما بإضلال الناس و قيل: شيعتاه من

ص: 164

قَرْنُ الشَّمْسِ وَ مَذْحِجُ أَكْثَرُ قَبِيلٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَ حَضْرَمَوْتُ خَيْرٌ مِنْ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ وَ رَوَى بَعْضُهُمْ خَيْرٌ مِنَ الْحَارِثِ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَ بَجِيلَةُ خَيْرٌ مِنْ رِعْلٍ وَ ذَكْوَانَ وَ إِنْ يَهْلِكْ لِحْيَانُ فَلَا أُبَالِي ثُمَّ قَالَ لَعَنَ اللَّهُ الْمُلُوكَ الْأَرْبَعَةَ- جَمَداً وَ مَخْوَساً وَ مَشْرَحاً وَ أَبْضَعَةَ وَ أُخْتَهُمُ الْعَمَّرَدَةَ لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَ الْمُحَلَّلَ لَهُ

الكفار، يريد مزيد تسلطه في المشرق، و كان ذلك في عهده صلى الله عليه و آله، و يكون حين يخرج الدجال من المشرق، و هو فيما بين ذلك منشأ الفتن العظيمة، و مثار الترك العاتية. انتهى، و لا يبعد أن يكون في هذا الخبر أيضا قرن الشيطان فصحف.

قوله صلى الله عليه و آله و سلم:" و مذحج" كمسجد أبو قبيلة من اليمن، و قال: حضرموت اسم بلد و قبيلة أيضا، و قال: عامر بن صعصعة أبو قبيلة، و هو عامر بن صعصعة بن معاوية ابن بكر بن هوازن. و في القاموس: بجيلة كسفينة: حي باليمن من معد، و قال: رعل و ذكوان قبيلتان من سليم، و قال: لحيان أبو قبيلة، و قال: مخوس كمنبر: و مشرح، و جمد، و أبضعة: بنو معديكرب، الملوك الأربعة الذين لعنهم رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و لعن أختهم العمردة، وفدوا مع الأشعث، فأسلموا ثم. ارتدوا فقتلوا يوم النجير، فقالت نائحتهم يا عين بكي لي الملوك الأربعة.

قوله صلى الله عليه و آله و سلم:" لعن الله المحلل و المحلل له" قال في النهاية: و فيه" لعن الله المحلل و المحلل له" و في رواية المحل و المحل له، و في حديث بعض الصحابة" لا أوتي بحال و لا محلل إلا رجمتهما" جعل الزمخشري هذا الأخير حديثا لا أثرا، و في هذه اللفظة ثلاث لغات: حللت و أحللت و حللت، فعلى الأولى جاء الحديث الأول يقال: حلل فهو محلل و محلل له، و على الثانية جاء الثاني: تقول أحل فهو محل و محل له، و على الثالثة جاء الثالث تقول حللت فأنا حال، و هو محلول له، و قيل أراد بقوله لا أوتي بحال: أي بذي إحلال مثل قولهم ريح لاقح أي ذات إلقاح، و المعنى في الجميع: هو أن يطلق الرجل امرأته ثلاثا فيتزوجها رجل آخر على شريطة أن يطلقها بعد وطئها، لتحل لزوجها الأول، و قيل: سمي محللا بقصده إلى التحليل كما

ص: 165

وَ مَنْ يُوَالِي غَيْرَ مَوَالِيهِ وَ مَنِ ادَّعَى نَسَباً لَا يُعْرَفُ وَ الْمُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ وَ الْمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ وَ مَنْ أَحْدَثَ حَدَثاً فِي الْإِسْلَامِ أَوْ آوَى

يسمى مشتريا إذا قصد الشراء. انتهى، و قال الطيبي في شرح المشكاة: و إنما لعن لأنه هتك مروة و قلة حية و خسة نفس، و هو بالنسبة إلى المحلل له ظاهر، و أما المحلل فإنه كالتيس يعير نفسه بالوطء لغرض الغير. أقول: مع الاشتراط ذهب أكثر العامة إلى بطلان النكاح، فلذا فسروا التحليل بقصد التحليل، و لا يبعد القول بالبطلان على أصول أصحابنا أيضا، ثم اعلم أنه يمكن أن يحمل هذا الكلام على معنى آخر غير ما حملوه عليه، بأن يكون المراد النسي ء في الأشهر الحرم.

قال الزمخشري: كان جنادة بن عوف الكناني مطاعا في الجاهلية، و كان يقوم على جمل في الموسم، فيقول بأعلى صوته إن آلهتكم قد أحلت لكم المحرم فأحلوه، ثم يقوم في القابل فيقول: إن آلهتكم قد حرمت عليكم المحرم، فحرموه.

و قال علي بن إبراهيم: كان رجل من كنانة يقف في الموسم فيقول: قد أحللت دماء المحلين من طيئ و خثعم في شهر المحرم و أنسأته، و حرمت بدله صفر، فإذا كان العام المقبل يقول: قد أحللت صفر أو أنسأته، و حرمت بدله شهر المحرم انتهى.

و لعل هذا أوفق بروايات أصحابنا و أصولهم، و يحتمل أن يكون المراد مطلق تحليل ما حرم الله.

قوله صلى الله عليه و آله:" و من يوالي غير مواليه" فسر أكثر العامة بالانتساب إلى غير من انتسب إليه من ذي نسب، أو معتق، و بعضهم خصه بولاء العتق فقط، و هو هنا أنسب، لعطف. من ادعى نسبا عليه، و فسر في أخبارنا بالانتساب إلى غير أئمة الحق و تركهم و اتخاذ غيرهم أئمة، قوله صلى الله عليه و آله و سلم:" يعرف" يحتمل البناء للفاعل و المفعول.

قوله صلى الله عليه و آله و سلم:" و المتشبهين من الرجال بالنساء" بأن يلبس الثياب المختصة بهن، و يتزين بما يختصهن، و بالعكس و المشهور بين علمائنا الحرمة فيهما.

ص: 166

مُحْدِثاً وَ مَنْ قَتَلَ غَيْرَ قَاتِلِهِ- أَوْ ضَرَبَ غَيْرَ ضَارِبِهِ وَ مَنْ لَعَنَ أَبَوَيْهِ فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَ يُوجَدُ رَجُلٌ يَلْعَنُ أَبَوَيْهِ فَقَالَ نَعَمْ يَلْعَنُ آبَاءَ الرِّجَالِ وَ أُمَّهَاتِهِمْ فَيَلْعَنُونَ أَبَوَيْهِ لَعَنَ اللَّهُ رِعْلًا وَ ذَكْوَانَ وَ عَضَلًا وَ لِحْيَانَ وَ الْمُجْذَمِينَ مِنْ أَسَدٍ وَ غَطَفَانَ وَ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ وَ شَهْبَلًا ذَا الْأَسْنَانِ وَ ابْنَيْ مَلِيكَةَ بْنِ جَزِيمٍ وَ مَرْوَانَ وَ هَوْذَةَ وَ هَوْنَةَ

قوله عليه السلام:" و من أحدث حدثا" إلخ. أي بدعة أو أمرا منكرا، و ورد في بعض الأخبار تفسيره بالقتل، قال الجزري: في حديث المدينة" من أحدث فيها حدثا، أو آوى محدثا" الحدث: الأمر الحادث المنكر الذي ليس بمعتاد و لا معروف في السنة، و المحدث يروي بكسر الدال و فتحها على البناء للفاعل أو المفعول فمعنى الكسر: من نصر جانيا أو آواه و أجاره من خصمه، و حال بينه و بين أن يقتص منه، و الفتح: هو الأمر المبتدع نفسه، و يكون معنى الإيواء فيه الرضا به، و الصبر عليه فإنه إذا رضي بالبدعة و أقر فاعلها، و لم ينكرها عليه فقد آواه.

قوله صلى الله عليه و آله و سلم:" و من قتل غير قاتله" أي غير مريد قتله أو غير قاتل من هو ولي دمه، فكأنما قتل نفسه.

قوله عليه السلام:" أو ضرب غير ضاربه" أي مريد ضربه أو من يضربه.

قوله صلى الله عليه و آله و سلم:" و من لعن أبويه" لعن النبي صلى الله عليه و آله هيهنا أبا بكر فإنه- لعنه الله- تسبب إلى اللعن لأبيه كما مر.

قوله صلى الله عليه و آله و سلم:" و عضلا" هو بالتحريك أبو قبيلة، قوله صلى الله عليه و آله و سلم:" و المجذمين" لعل المراد المنسوبين إلى الجذيمة، و لعل أسدا و غطفان كلتيهما منسوبتان إليها.

قال الجوهري: جذيمة قبيلة من عبد القيس ينسب إليهم جذمي بالتحريك، و كذلك إلى جذيمة أسد، و قال الفيروزآبادي: غطفان محركة حي من قيس، قوله صلى الله عليه و آله و سلم:" و شهبلا" بالشين المعجمة و الباء الموحدة و في بعض النسخ بالسين المهملة و الياء المثناة، و لعله اسم رجل و كذا ما ذكر بعده إلى آخر الخبر.

ص: 167

28 عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ يُونُسَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ إِنَّ مَوْلًى لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع سَأَلَهُ مَالًا فَقَالَ يَخْرُجُ عَطَائِي فَأُقَاسِمُكَ هُوَ فَقَالَ لَا أَكْتَفِي وَ خَرَجَ إِلَى مُعَاوِيَةَ فَوَصَلَهُ فَكَتَبَ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع يُخْبِرُهُ بِمَا أَصَابَ مِنَ الْمَالِ فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ مَا فِي يَدِكَ مِنَ الْمَالِ قَدْ كَانَ لَهُ أَهْلٌ قَبْلَكَ وَ هُوَ صَائِرٌ إِلَى أَهْلِهِ بَعْدَكَ وَ إِنَّمَا لَكَ مِنْهُ مَا مَهَّدْتَ لِنَفْسِكَ فَآثِرْ نَفْسَكَ عَلَى صَلَاحِ وُلْدِكَ فَإِنَّمَا أَنْتَ جَامِعٌ لِأَحَدِ رَجُلَيْنِ إِمَّا رَجُلٌ عَمِلَ فِيهِ بِطَاعَةِ اللَّهِ فَسَعِدَ بِمَا شَقِيتَ وَ إِمَّا رَجُلٌ عَمِلَ فِيهِ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ فَشَقِيَ بِمَا جَمَعْتَ لَهُ وَ لَيْسَ مِنْ هَذَيْنِ أَحَدٌ بِأَهْلٍ أَنْ تُؤْثِرَهُ عَلَى نَفْسِكَ وَ لَا تُبَرِّدَ لَهُ عَلَى ظَهْرِكَ فَارْجُ لِمَنْ مَضَى رَحْمَةَ اللَّهِ وَ ثِقْ لِمَنْ بَقِيَ بِرِزْقِ اللَّهِ

كَلَامُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ع

29 حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى وَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ جَمِيعاً عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ غَالِبٍ الْأَسَدِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ع يَعِظُ النَّاسَ وَ يُزَهِّدُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَ يُرَغِّبُهُمْ فِي أَعْمَالِ الْآخِرَةِ بِهَذَا الْكَلَامِ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ حُفِظَ عَنْهُ وَ كُتِبَ كَانَ يَقُولُ أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا اللَّهَ وَ اعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ* فَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ فِي

الحديث الثامن و العشرون

الحديث الثامن و العشرون

: مرسل.

قوله:" فأقاسمك هو" الظاهر فأقاسمكه، و لعله تصحيف.

قوله:" فلا تبرد" قال الجوهري: يقال: ما برد لك على فلان أي ما ثبت و وجب. انتهى، أي لا تثبت له وزرا على ظهرك، و في بعض نسخ نهج البلاغة و تحمل له على ظهرك، و في بعض النسخ و لا تحمل له على ظهرك.

قوله عليه السلام:" فارج لمن مضى" أي من أولادك.

[الحديث التاسع و العشرون] كلام علي بن الحسين عليهما السلام

[الحديث التاسع و العشرون] كلام علي بن الحسين عليهما السلام

الحديث التاسع و العشرون: مجهول.

قوله عليه السلام:" فتجد كل نفس" إلى آخره إشارة إلى قوله تعالى:" يَوْمَ تَجِدُ

ص: 168

هَذِهِ الدُّنْيَا مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَ ما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَ بَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَ يُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَيْحَكَ يَا ابْنَ آدَمَ الْغَافِلَ وَ لَيْسَ بِمَغْفُولٍ عَنْهُ- يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّ أَجَلَكَ أَسْرَعُ شَيْ ءٍ إِلَيْكَ قَدْ أَقْبَلَ نَحْوَكَ حَثِيثاً يَطْلُبُكَ وَ يُوشِكُ أَنْ يُدْرِكَكَ وَ كَأَنْ قَدْ أَوْفَيْتَ أَجَلَكَ وَ قَبَضَ الْمَلَكُ رُوحَكَ وَ صِرْتَ إِلَى قَبْرِكَ وَحِيداً فَرَدَّ إِلَيْكَ فِيهِ رُوحَكَ وَ اقْتَحَمَ عَلَيْكَ فِيهِ مَلَكَانِ- نَاكِرٌ وَ نَكِيرٌ لِمُسَاءَلَتِكَ وَ شَدِيدِ امْتِحَانِكَ أَلَا وَ إِنَّ أَوَّلَ مَا يَسْأَلَانِكَ عَنْ رَبِّكَ الَّذِي كُنْتَ تَعْبُدُهُ وَ عَنْ نَبِيِّكَ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكَ و عَنْ دِينِكَ الَّذِي كُنْتَ تَدِينُ بِهِ وَ عَنْ كِتَابِكَ الَّذِي كُنْتَ تَتْلُوهُ وَ عَنْ إِمَامِكَ الَّذِي كُنْتَ تَتَوَلَّاهُ ثُمَّ عَنْ عُمُرِكَ فِيمَا كُنْتَ أَفْنَيْتَهُ وَ مَالِكَ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبْتَهُ وَ فِيمَا أَنْتَ أَنْفَقْتَهُ فَخُذْ حِذْرَكَ وَ انْظُرْ لِنَفْسِكَ وَ أَعِدَّ الْجَوَابَ قَبْلَ الِامْتِحَانِ وَ الْمُسَاءَلَةِ وَ الِاخْتِبَارِ فَإِنْ تَكُ

كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَ ما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَ بَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَ يُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَ اللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ" قال البيضاوي" يوم" منصوب بتود، أي تتمنى كل نفس يوم تجد صحائف أعمالها أو جزاء أعمالها من الخير و الشر حاضرة لو أن بينها و بين ذلك اليوم و هو له أمدا بعيدا، أو بمضمر نحو" أذكر" و تود حال من الضمير في عملت، أو خبر لما عملت من سوء، و تجد مقصور على ما عملت من خير، و لا تكون ما شرطية لارتفاع تود. و قرئ ودت و على هذا يصح أن تكون شرطية و لكن الحمل على الخبر أوقع معنى لأنه حكاية كائن و أوفق للقراءة المشهورة أقول: الخبر ينفى الوجه الأول.

قوله عليه السلام:" حثيثا" أي سريعا.

قوله عليه السلام:" كان قد أوفيت" مخفف كان أو هو من الأفعال الناقصة.

قوله عليه السلام:" ثم عن عمرك" إلى آخره يدل على أنه يسأل عن الأعمال أيضا في القبر و قد سبق الكلام فيه في كتاب الجنائز.

قوله عليه السلام:" فخذ حذرك" قال الزمخشري في قوله تعالى:" خُذُوا حِذْرَكُمْ*"

ص: 169

مُؤْمِناً عَارِفاً بِدِينِكَ مُتَّبِعاً لِلصَّادِقِينَ مُوَالِياً لِأَوْلِيَاءِ اللَّهِ لَقَّاكَ اللَّهُ حُجَّتَكَ وَ أَنْطَقَ لِسَانَكَ بِالصَّوَابِ وَ أَحْسَنْتَ الْجَوَابَ وَ بُشِّرْتَ بِالرِّضْوَانِ وَ الْجَنَّةِ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ اسْتَقْبَلَتْكَ الْمَلَائِكَةُ بِالرَّوْحِ وَ الرَّيْحَانِ وَ إِنْ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ تَلَجْلَجَ لِسَانُكَ وَ دَحَضَتْ حُجَّتُكَ وَ عَيِيتَ عَنِ الْجَوَابِ وَ بُشِّرْتَ بِالنَّارِ وَ اسْتَقْبَلَتْكَ مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ بِنُزُلٍ مِنْ حَمِيمٍ وَ تَصْلِيَةِ جَحِيمٍ وَ اعْلَمْ يَا ابْنَ آدَمَ أَنَّ مِنْ وَرَاءِ هَذَا أَعْظَمَ وَ أَفْظَعَ وَ أَوْجَعَ لِلْقُلُوبِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ- ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَ ذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ يَجْمَعُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ فِيهِ الْأَوَّلِينَ وَ الْآخِرِينَ ذَلِكَ يَوْمٌ

الحذر و الحذر بمعنى كالأثر و الأثر يقال: أخذ حذره إذا تيقظ و احترز من الخوف كأنه جعل الحذر آلته التي يقي بها نفسه و يعصم بها روحه.

قوله عليه السلام:" لقاك الله حجتك" أي يرسلها إليك قبال وجهك كناية عن التلقين و الإفهام و الإلهام، قال الفيروزآبادي: لقاه الشي ء: ألقاه إليه.

قوله عليه السلام:" بالروح" قال الفيروزآبادي: الروح بالفتح: الراحة و الرحمة و نسيم الريح.

قوله عليه السلام:" تلجلج لسانك" قال الجوهري: اللجلجة و التلجلج: التردد في الكلام.

قوله عليه السلام:" و دحضت حجتك" قال الفيروزآبادي: و دحضت الحجة دحوضا:

بطلت.

قوله عليه السلام:" و عييت" أي عجزت.

قوله عليه السلام:" بنزل من حميم" النزل بضمتين: ما هيئ للضيف قبل أن ينزل عليه، أطلق هنا على سبيل التهكم، و الحميم: الشراب المغلي في قدور جهنم، و" تصلية جحيم" إما بإدخال نار البرزخ أو بشارة نار الخلد.

قوله عليه السلام:" وَ ذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ" أي مشهود فيه، يشهد و يحضر فيه الخلائق

ص: 170

يُنْفَخُ فِي الصُّورِ* وَ تُبَعْثَرُ فِيهِ الْقُبُورُ وَ ذَلِكَ يَوْمُ الْآزِفَةِ- إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ وَ ذَلِكَ يَوْمٌ لَا تُقَالُ فِيهِ عَثْرَةٌ وَ لَا يُؤْخَذُ مِنْ أَحَدٍ فِدْيَةٌ وَ لَا تُقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ مَعْذِرَةٌ وَ لَا لِأَحَدٍ فِيهِ مُسْتَقْبَلُ تَوْبَةٍ لَيْسَ إِلَّا الْجَزَاءَ بِالْحَسَنَاتِ وَ الْجَزَاءَ بِالسَّيِّئَاتِ فَمَنْ كَانَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ عَمِلَ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ وَجَدَهُ وَ مَنْ كَانَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ عَمِلَ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ شَرٍّ وَجَدَهُ- فَاحْذَرُوا أَيُّهَا النَّاسُ مِنَ الذُّنُوبِ وَ الْمَعَاصِي مَا قَدْ نَهَاكُمُ اللَّهُ عَنْهَا وَ حَذَّرَكُمُوهَا فِي كِتَابِهِ الصَّادِقِ وَ الْبَيَانِ النَّاطِقِ وَ لَا تَأْمَنُوا مَكْرَ اللَّهِ وَ تَحْذِيرَهُ وَ تَهْدِيدَهُ عِنْدَ مَا يَدْعُوكُمُ الشَّيْطَانُ اللَّعِينُ إِلَيْهِ مِنْ عَاجِلِ الشَّهَوَاتِ وَ اللَّذَّاتِ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَقُولُ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ

للحساب أو يشهد فيه على الخلائق بما عملوا.

قوله عليه السلام:" و تبعثر فيه القبور" قال الجوهري: يقال: بعثرت الشي ء و بعثرته إذا استخرجته و كشفته. و قال أبو عبيدة في قوله تعالى:" بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ" أثير و أخرج و قال تقول: بعثرت حوضي: أي هدمته و جعلت أسفله أعلاه.

قوله عليه السلام:" و ذلك يوم الآزفة" سميت القيامة بها لأزوفها: أي لقربها" إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ" فإنها ترتفع عن أماكنها فتلتصق بحلوقهم، فلا تعود فيتروحوا فلا تخرج فيستريحوا" كاظِمِينَ" على الغم حال من أصحاب القلوب على المعنى، لأنه على الإضافة أو منها و من ضميرها في لدي و جمعه كذلك، لأن الكظم من أفعال العقلاء كقوله تعالى:" فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ".

قوله عليه السلام:" لا تقبل من أحد معذرة" أي عذر ليس صاحبه فيه صادقا أو توبة.

قوله عليه السلام:" من الذنوب و المعاصي" بيان للموصول بعده، أو الموصول بدل من الذنوب، قوله تعالى:" طائِفٌ" قال البيضاوي: أي لمة منه و هو اسم فاعل من طاف

ص: 171

وَ أَشْعِرُوا قُلُوبَكُمْ خَوْفَ اللَّهِ وَ تَذَكَّرُوا مَا قَدْ وَعَدَكُمُ اللَّهُ فِي مَرْجِعِكُمْ إِلَيْهِ مِنْ حُسْنِ ثَوَابِهِ كَمَا قَدْ خَوَّفَكُمْ مِنْ شَدِيدِ الْعِقَابِ فَإِنَّهُ مَنْ خَافَ شَيْئاً حَذِرَهُ وَ مَنْ حَذِرَ شَيْئاً تَرَكَهُ وَ لَا تَكُونُوا مِنَ الْغَافِلِينَ الْمَائِلِينَ إِلَى زَهْرَةِ الدُّنْيَا الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ- فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ- أَ فَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ فَاحْذَرُوا مَا حَذَّرَكُمُ اللَّهُ بِمَا فَعَلَ بِالظَّلَمَةِ فِي كِتَابِهِ وَ لَا تَأْمَنُوا أَنْ يُنْزِلَ بِكُمْ بَعْضَ مَا تَوَاعَدَ بِهِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ فِي الْكِتَابِ وَ اللَّهِ لَقَدْ وَعَظَكُمُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ بِغَيْرِكُمْ فَإِنَّ السَّعِيدَ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ وَ لَقَدْ أَسْمَعَكُمُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ مَا قَدْ فَعَلَ بِالْقَوْمِ الظَّالِمِينَ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى قَبْلَكُمْ حَيْثُ قَالَ وَ كَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً وَ إِنَّمَا عَنَى بِالْقَرْيَةِ أَهْلَهَا حَيْثُ يَقُولُ وَ أَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ فَقَالَ عَزَّ وَ جَلَّ فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ يَعْنِي يَهْرُبُونَ قَالَ لا تَرْكُضُوا وَ ارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَ مَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ فَلَمَّا أَتَاهُمُ الْعَذَابُ قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ

يطوف، كأنها طافت بهم و دارت حولهم فلم تقدر أن تؤثر فيهم، أو من طاف بهم الخيال يطيف طيفا.

قوله عليه السلام:" و أشعروا" الشعار: الثوب الملاصق للجلد و الشعر، أي اجعلوا خوف الله شعار قلوبكم ملازما لها غير مفارق عنها، قوله تعالى:" أَ فَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ" أي المكراة السيئات، و هم الذين احتالوا لهلاك الأنبياء، أو الذين مكروا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و راموا صد أصحابه عن الإيمان" أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ" كما خسف بقارون، أو" يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ" بغتة من جانب السماء كما فعل بقوم لوط" أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ" أي متقلبين في معائشهم و متاجرهم" فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ" لله عما أراد بهم" أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ" على مخافة بأن يهلك قوما قبلهم فيتخوفوا" فيأتيهم العذاب" و هم متخوفون، أو على تنقص شيئا بعد شي ء في أنفسهم و أموالهم، حتى يهلكوا من تخوفته إذا انتقصته قوله تعالى:" فَلَمَّا

ص: 172

حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ وَ ايْمُ اللَّهِ إِنَّ هَذِهِ عِظَةٌ لَكُمْ وَ تَخْوِيفٌ إِنِ اتَّعَظْتُمْ وَ خِفْتُمْ ثُمَّ رَجَعَ الْقَوْلُ مِنَ اللَّهِ فِي الْكِتَابِ عَلَى أَهْلِ الْمَعَاصِي وَ الذُّنُوبِ فَقَالَ عَزَّ وَ جَلَّ وَ لَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ فَإِنْ قُلْتُمْ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ إِنَّمَا عَنَى بِهَذَا أَهْلَ الشِّرْكِ فَكَيْفَ ذَلِكَ وَ هُوَ يَقُولُ وَ نَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَ إِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَ كَفى بِنا حاسِبِينَ اعْلَمُوا عِبَادَ اللَّهِ أَنَّ أَهْلَ الشِّرْكِ لَا يُنْصَبُ لَهُمُ الْمَوَازِينُ وَ لَا يُنْشَرُ لَهُمُ الدَّوَاوِينُ وَ

أَحَسُّوا بَأْسَنا" مر تفسيرها في الحديث الخامس عشر قوله تعالى:" وَ لَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ" قال البيضاوي: أي أدنى شي ء، و فيه مبالغات ذكر المس و ما في النفحة من معنى القلة، فإن أصل النفح هبوب رائحة الشي ء، و البناء الدال على المرة" من عذاب ربك" من الذي ينذرون به" ليقولن يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ*" لدعوا على أنفسهم بالويل و اعترفوا عليها بالظلم قوله تعالى:" وَ نَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ" قال البيضاوي: أي العدل يوزن بها صحائف الأعمال، و قيل: وضع الموازين تمثيل لإرصاد الحساب السوي، و الجزاء على حسب الأعمال بالعدل، و إفراد القسط، لأنه مصدر وصف به للمبالغة" لِيَوْمِ الْقِيامَةِ" لجزاء يوم القيامة أو لأهله، أو فيه كقولك جئت لخمس خلون من الشهر" فَلا تُظْلَمُ" فلا تنقص" نَفْسٌ شَيْئاً" من حقه أو لا تظلم شيئا من الظلم،" وَ إِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ" أي و إن كان العمل أو الظلم مثقال حبة و رفع نافع- مثقال حبة- على كان التامة" أَتَيْنا بِها" أحضرناها، و الضمير للمثقال، و تأنيثه لإضافته إلى الحبة" وَ كَفى بِنا حاسِبِينَ" إذ لا مزيد على علمنا و عدلنا.

قوله عليه السلام:" لا تنصب لهم الموازين" لا ينافي ذلك معاقبتهم على سيئات أعمالهم، و كونهم مكلفين بالفروع، و إذ يعاملهم الله بعلمه، و إنما يوضع الموازين للمسلمين تشريفا لهم، أو لأنهم لما كانوا مطيعين في أصول الدين، أو بعضها يوضع لهم

ص: 173

إِنَّمَا يُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً وَ إِنَّمَا نَصْبُ الْمَوَازِينِ وَ نَشْرُ الدَّوَاوِينِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ لَمْ يُحِبَّ زَهْرَةَ الدُّنْيَا وَ عَاجِلَهَا لِأَحَدٍ مِنْ أَوْلِيَائِهِ وَ لَمْ يُرَغِّبْهُمْ فِيهَا وَ فِي عَاجِلِ زَهْرَتِهَا وَ ظَاهِرِ بَهْجَتِهَا وَ إِنَّمَا خَلَقَ الدُّنْيَا وَ خَلَقَ أَهْلَهَا لِيَبْلُوَهُمْ فِيهَا أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا لآِخِرَتِهِ وَ ايْمُ اللَّهِ لَقَدْ ضَرَبَ لَكُمْ فِيهِ الْأَمْثَالَ وَ صَرَّفَ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ وَ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ فَازْهَدُوا فِيمَا زَهَّدَكُمُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ فِيهِ مِنْ عَاجِلِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَقُولُ وَ قَوْلُهُ الْحَقُّ- إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَ الْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَ ازَّيَّنَتْ وَ ظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلًا أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ

الميزان، لئلا يزعم زاعم أنهم ظلموا في عقوبتهم.

قوله عليه السلام:" زمرا" قال الفيروزآبادي الزمرة بالضم: الفوج، و الجماعة في تفرقة، و الجمع زمر.

قوله عليه السلام:" زهرة الدنيا" أي بهجتها و نضارتها و حسنها.

قوله عليه السلام:" و صرف الآيات" قال الفيروزآبادي: تصريف الآيات تبيينها.

قوله عليه السلام:" فإن الله يقول" إلى آخره. قال البيضاوي:" إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا" حالها العجيبة في سرعة تقضيها و ذهاب نعيمها بعد إقبالها و اغترار الناس بها" كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ" فاشتبك بسببه حتى خالط بعضه بعضا" مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَ الْأَنْعامُ" من الزروع و البقول و الحشيش" حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَ ازَّيَّنَتْ" بأصناف النبات و إشكالها و ألوانها المختلفة كعروس أخذت من ألوان الثياب و الزينة" فتزينت بها و ازينت: أصله تزينت فأدغم و قد قرئ على الأصل و ازينت على أفعلت من غير إعلال كأغيلت، و المعنى صارت ذات زينة، و ازيانت كابياضت" وَ ظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها" متمكنون من حصدها و رفع غلتها" أَتاها أَمْرُنا" ضرب زرعها ما يحتاجه" لَيْلًا أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها" جعلنا زرعها" حَصِيداً" شبيها بما حصد من أصله" كَأَنْ لَمْ تَغْنَ" كان لم يغن زرعها أي لم تنبت،

ص: 174

بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ فَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ يَتَفَكَّرُونَ وَ لَا تَرْكَنُوا إِلَى الدُّنْيَا فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ قَالَ لِمُحَمَّدٍ ص- وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَ لَا تَرْكَنُوا إِلَى زَهْرَةِ الدُّنْيَا وَ مَا فِيهَا رُكُونَ مَنِ اتَّخَذَهَا دَارَ قَرَارٍ وَ مَنْزِلَ اسْتِيطَانٍ فَإِنَّهَا دَارُ بُلْغَةٍ وَ مَنْزِلُ قُلْعَةٍ وَ دَارُ عَمَلٍ فَتَزَوَّدُوا الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ فِيهَا قَبْلَ تَفَرُّقِ أَيَّامِهَا وَ قَبْلَ الْإِذْنِ مِنَ اللَّهِ فِي خَرَابِهَا فَكَانَ قَدْ أَخْرَبَهَا الَّذِي عَمَرَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ ابْتَدَأَهَا وَ هُوَ وَلِيُّ مِيرَاثِهَا فَأَسْأَلُ اللَّهَ الْعَوْنَ لَنَا وَ لَكُمْ عَلَى تَزَوُّدِ التَّقْوَى وَ الزُّهْدِ فِيهَا جَعَلَنَا اللَّهُ وَ إِيَّاكُمْ مِنَ الزَّاهِدِينَ فِي عَاجِلِ زَهْرَةِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا الرَّاغِبِينَ لآِجِلِ ثَوَابِ الْآخِرَةِ فَإِنَّمَا نَحْنُ بِهِ وَ لَهُ وَ صَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ وَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَكَاتُهُ

و المضاف محذوف في الموضعين للمبالغة، و قرأ بالياء على الأصل" بِالْأَمْسِ" لا فيما قبله، و هو مثل في الوقت القريب، و الممثل به مضمون الحكاية، و هو زوال خضرة النبات فجأة و ذهابه حطاما بعد ما كان غضا، و التف و زين الأرض حتى طمع فيه أهله و ظنوا أنه قد سلم من الحوائج، لا الماء، و إن وليه حرف التشبيه، لأنه من التشبيه المركب" كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" فإنهم المنتفعون به.

قوله:" وَ لا تَرْكَنُوا" قال الفيروزآبادي: ركن إليه كنصر و علم و منع ركونا:

مال و سكن.

قوله عليه السلام:" دار بلغة" البلغة بالضم: ما يتبلغ به من العيش أي دار ينبغي أن يكتفي فيها بقدر الكفاية أو ينبغي أن يؤخذ منها ما يبلغ به إلى نعيم الآخرة و درجاتها، و قال الجوهري: هذا منزل قلعة أي ليس بمستوطن و مجلس قلعة إذا كان صاحبه يحتاج إلى أن يقوم مرة بعد مرة، و يقال أيضا: هم على قلعة أي على رحلة.

قوله عليه السلام:" فإنما نحن به و له" الظاهر أن الضمير راجع إلى ثواب الآخرة أي نحن متلبسون به كناية عن قربه، و له أي خلقنا و كلفنا لأجله، و يحتمل إرجاع

ص: 175

حَدِيثُ الشَّيْخِ مَعَ الْبَاقِرِ ع

30 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ قَالَ بَيْنَا أَنَا مَعَ أَبِي جَعْفَرٍ ع وَ الْبَيْتُ غَاصٌّ بِأَهْلِهِ إِذْ أَقْبَلَ شَيْخٌ يَتَوَكَّأُ عَلَى عَنَزَةٍ لَهُ حَتَّى وَقَفَ عَلَى بَابِ الْبَيْتِ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ وَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَكَاتُهُ ثُمَّ سَكَتَ فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع وَ عَلَيْكَ السَّلَامُ وَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَكَاتُهُ ثُمَّ أَقْبَلَ الشَّيْخُ بِوَجْهِهِ عَلَى أَهْلِ الْبَيْتِ وَ قَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ ثُمَّ سَكَتَ حَتَّى أَجَابَهُ الْقَوْمُ جَمِيعاً وَ رَدُّوا عَلَيْهِ السَّلَامَ ثُمَّ أَقْبَلَ بِوَجْهِهِ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ ع ثُمَّ قَالَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ أَدْنِنِي مِنْكَ جَعَلَنِيَ اللَّهُ فِدَاكَ فَوَ اللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكُمْ وَ أُحِبُّ مَنْ يُحِبُّكُمْ وَ وَ اللَّهِ مَا أُحِبُّكُمْ وَ أُحِبُّ مَنْ يُحِبُّكُمْ لِطَمَعٍ فِي دُنْيَا وَللَّهِ] إِنِّي لَأُبْغِضُ عَدُوَّكُمْ وَ أَبْرَأُ مِنْهُ وَ وَ اللَّهِ مَا أُبْغِضُهُ وَ أَبْرَأُ مِنْهُ لِوَتْرٍ كَانَ بَيْنِي وَ بَيْنَهُ وَ اللَّهِ إِنِّي لَأُحِلُّ حَلَالَكُمْ وَ أُحَرِّمُ حَرَامَكُمْ وَ أَنْتَظِرُ أَمْرَكُمْ فَهَلْ تَرْجُو لِي جَعَلَنِيَ اللَّهُ فِدَاكَ فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع إِلَيَّ إِلَيَّ حَتَّى أَقْعَدَهُ إِلَى جَنْبِهِ ثُمَّ قَالَ أَيُّهَا الشَّيْخُ إِنَّ أَبِي عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ ع أَتَاهُ رَجُلٌ فَسَأَلَهُ عَنْ مِثْلِ الَّذِي سَأَلْتَنِي عَنْهُ فَقَالَ لَهُ أَبِي ع إِنْ تَمُتْ تَرِدُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ص وَ عَلَى عَلِيٍّ وَ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ وَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَ يَثْلَجُ قَلْبُكَ وَ يَبْرُدُ فُؤَادُكَ وَ تَقَرُّ عَيْنُكَ وَ تُسْتَقْبَلُ بِالرَّوْحِ

الضمير إلى الله تعالى أي نحن موجودون به، و باستعانته تعالى، و ينبغي أن نخلص أعمالنا له تعالى، و الأول أظهر.

الحديث الثلاثون حديث الشيخ مع الباقر عليه السلام: حديث الشيخ مع الباقر عليه السلام

الحديث الثلاثون حديث الشيخ مع الباقر عليه السلام: حديث الشيخ مع الباقر عليه السلام

ضعيف.

قوله عليه السلام:" و البيت غاص" قال الجوهري: المنزل غاص بالقوم: أي ممتلئ بهم، قوله" عنزة" العنزة بالتحريك: أطول من العصا و أقصر من الرمح، قوله:

" لوتر" الوتر: الجناية التي يجنيها الرجل على غيره من قتل أو نهب أو سبي.

قوله:" إلى إلى" أي أقبل أو أقرب إلى.

قوله عليه السلام:" و يثلج قلبك" أي يطمئن قلبك و تفرح فؤادك، و تسر عينك،

ص: 176

وَ الرَّيْحَانِ مَعَ الْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ لَوْ قَدْ بَلَغَتْ نَفْسُكَ هَاهُنَا وَ أَهْوَى بِيَدِهِ إِلَى حَلْقِهِ وَ إِنْ تَعِشْ تَرَى مَا يُقِرُّ اللَّهُ بِهِ عَيْنَكَ وَ تَكُونُ مَعَنَا فِي السَّنَامِ الْأَعْلَى فَقَالَ الشَّيْخُ كَيْفَ قُلْتَ يَا أَبَا جَعْفَرٍ فَأَعَادَ عَلَيْهِ الْكَلَامَ فَقَالَ الشَّيْخُ اللَّهُ أَكْبَرُ يَا أَبَا جَعْفَرٍ إِنْ أَنَا مِتُّ أَرِدُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ص وَ عَلَى عَلِيٍّ وَ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ وَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ع وَ تَقَرُّ عَيْنِي وَ يَثْلَجُ قَلْبِي وَ يَبْرُدُ فُؤَادِي وَ أُسْتَقْبَلُ بِالرَّوْحِ وَ الرَّيْحَانِ مَعَ الْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ لَوْ قَدْ بَلَغَتْ نَفْسِي إِلَى هَاهُنَا وَ إِنْ أَعِشْ أَرَى مَا يُقِرُّ اللَّهُ بِهِ عَيْنِي فَأَكُونُ مَعَكُمْ فِي السَّنَامِ الْأَعْلَى ثُمَّ أَقْبَلَ الشَّيْخُ يَنْتَحِبُ يَنْشِجُ هَا هَا هَا حَتَّى لَصِقَ بِالْأَرْضِ وَ أَقْبَلَ أَهْلُ الْبَيْتِ يَنْتَحِبُونَ وَ يَنْشِجُونَ لِمَا يَرَوْنَ مِنْ حَالِ الشَّيْخِ وَ أَقْبَلَ أَبُو جَعْفَرٍ ع يَمْسَحُ بِإِصْبَعِهِ الدُّمُوعَ مِنْ حَمَالِيقِ عَيْنَيْهِ وَ يَنْفُضُهَا ثُمَّ رَفَعَ الشَّيْخُ رَأْسَهُ فَقَالَ لِأَبِي جَعْفَرٍ ع يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ نَاوِلْنِي

و العرب تعبر عن الراحة، و الفرح و السرور بالبرد، قال الفيروزآبادي: ثلجت نفسي كنصر و فرح: اطمأنت كأثلجت، و قال: عيش بارد هني ء، و قال الجزري: فيه" ول حارها من تولى قارها" جعل الحر كناية عن الشر و الشدة، و البرد كناية عن الخير و الهين، و قال الجوهري: قرت عينه: تقر و تقر نقيض سخنت، و أقر الله عينه: أي أعطاه حتى تقر فلا تطمح إلى من هو فوقه، و يقال: حتى تبرد و لا تسخن، فللسرور دمعة باردة، و للحزن دمعة حارة.

قوله عليه السلام:" و إن تعش ترى ما تقر به عينك" أي في ظهور دولتهم عليهم السلام.

قوله عليه السلام:" و تكون معنا في السنام الأعلى" أي في أعلى درجات الجنان، قال الجزري: سنام كل شي ء أعلاه.

قوله عليه السلام:" ينتحب" قال الجوهري: النحيب رفع الصوت بالبكاء، و الانتحاب مثله، و قال: نشج الباكي ينشج نشجا إذا غص بالبكاء في حلقه من غير انتحاب.

قوله عليه السلام:" من حماليق عينيه" قال الفيروزآبادي: حملاق: العين بالضم و الكسر و كعصفور: باطن أجفانها الذي تسود بالكحل، أو ما غطته الأجفان من بياض المقلة، أو باطن الجفن الأحمر الذي إذا قلب للكحل بدت حمرته، أو ما لزم بالعين من موضع

ص: 177

يَدَكَ جَعَلَنِيَ اللَّهُ فِدَاكَ فَنَاوَلَهُ يَدَهُ فَقَبَّلَهَا وَ وَضَعَهَا عَلَى عَيْنَيْهِ وَ خَدِّهِ ثُمَّ حَسَرَ عَنْ بَطْنِهِ وَ صَدْرِهِ ثُمَّ قَامَ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ- وَ أَقْبَلَ أَبُو جَعْفَرٍ ع يَنْظُرُ فِي قَفَاهُ وَ هُوَ مُدْبِرٌ ثُمَّ أَقْبَلَ بِوَجْهِهِ عَلَى الْقَوْمِ فَقَالَ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا فَقَالَ الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ لَمْ أَرَ مَأْتَماً قَطُّ يُشْبِهُ ذَلِكَ الْمَجْلِسَ

قِصَّةُ صَاحِبِ الزَّيْتِ

31 عَنْهُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ كَانَ رَجُلٌ يَبِيعُ الزَّيْتَ وَ كَانَ يُحِبُّ رَسُولَ اللَّهِ ص حُبّاً شَدِيداً كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَذْهَبَ فِي حَاجَتِهِ لَمْ يَمْضِ حَتَّى يَنْظُرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ص وَ قَدْ عُرِفَ ذَلِكَ مِنْهُ فَإِذَا جَاءَ تَطَاوَلَ لَهُ حَتَّى يَنْظُرَ إِلَيْهِ حَتَّى إِذَا كَانَتْ ذَاتُ يَوْمٍ دَخَلَ عَلَيْهِ فَتَطَاوَلَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ص حَتَّى نَظَرَ إِلَيْهِ ثُمَّ مَضَى فِي حَاجَتِهِ فَلَمْ يَكُنْ بِأَسْرَعَ مِنْ أَنْ رَجَعَ فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ ص قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ أَشَارَ إِلَيْهِ بِيَدِهِ اجْلِسْ فَجَلَسَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ مَا لَكَ فَعَلْتَ الْيَوْمَ شَيْئاً

الكحل من باطن، جمعه حماليق.

قوله عليه السلام:" ثم حسر" أي كشف الشيخ الثوب عن بطنه و صدره، فوضع يده عليه السلام عليهما للتيمن و البركة و التخلص من العذاب.

قوله:" لم أر مأتما" أي لكثرة بكاء الناس.

الحديث الحادي و الثلاثون [قصة صاحب الزيت]

الحديث الحادي و الثلاثون [قصة صاحب الزيت]

: مرسل.

قوله عليه السلام:" قد عرف" على المعلوم أي الرسول صلى الله عليه و آله و سلم، أو على المجهول أي صار بذلك معروفا بين الناس.

قوله عليه السلام:" تطاول" أي كان إذا جاء هذا الرجل تطاول الرسول صلى الله عليه و آله و سلم، و رفع رأسه و مد عنقه من بين الناس ليراه الرجل.

ص: 178

لَمْ تَكُنْ تَفْعَلُهُ قَبْلَ ذَلِكَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَ الَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ نَبِيّاً لَغَشِيَ قَلْبِي شَيْ ءٌ مِنْ ذِكْرِكَ حَتَّى مَا اسْتَطَعْتُ أَنْ أَمْضِيَ فِي حَاجَتِي حَتَّى رَجَعْتُ إِلَيْكَ فَدَعَا لَهُ وَ قَالَ لَهُ خَيْراً ثُمَّ مَكَثَ رَسُولُ اللَّهِ ص أَيَّاماً لَا يَرَاهُ فَلَمَّا فَقَدَهُ سَأَلَ عَنْهُ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا رَأَيْنَاهُ مُنْذُ أَيَّامٍ فَانْتَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ ص وَ انْتَعَلَ مَعَهُ أَصْحَابُهُ وَ انْطَلَقَ حَتَّى أَتَوْا سُوقَ الزَّيْتِ فَإِذَا دُكَّانُ الرَّجُلِ لَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ فَسَأَلَ عَنْهُ جِيرَتَهُ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَاتَ وَ لَقَدْ كَانَ عِنْدَنَا أَمِيناً صَدُوقاً إِلَّا أَنَّهُ قَدْ كَانَ فِيهِ خَصْلَةٌ قَالَ وَ مَا هِيَ قَالُوا كَانَ يَرْهَقُ يَعْنُونَ يَتْبَعُ النِّسَاءَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص رَحِمَهُ اللَّهُ وَ اللَّهِ لَقَدْ كَانَ يُحِبُّنِي حُبّاً لَوْ كَانَ نَخَّاساً لَغَفَرَ اللَّهُ لَهُ

32 عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى عَنْ مُيَسِّرٍ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فَقَالَ كَيْفَ أَصْحَابُكَ فَقُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ لَنَحْنُ عِنْدَهُمْ أَشَرُّ مِنَ الْيَهُودِ وَ النَّصَارَى وَ الْمَجُوسِ وَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا قَالَ وَ كَانَ مُتَّكِئاً فَاسْتَوَى جَالِساً ثُمَّ قَالَ كَيْفَ قُلْتَ قُلْتُ وَ اللَّهِ لَنَحْنُ عِنْدَهُمْ أَشَرُّ مِنَ الْيَهُودِ وَ النَّصَارَى وَ الْمَجُوسِ وَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا فَقَالَ أَمَا وَ اللَّهِ لَا تَدْخُلُ النَّارَ مِنْكُمُ اثْنَانِ لَا وَ اللَّهِ وَ لَا وَاحِدٌ وَ اللَّهِ إِنَّكُمُ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ- وَ قالُوا ما لَنا لا نَرى رِجالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ ثُمَّ قَالَ طَلَبُوكُمْ وَ اللَّهِ فِي النَّارِ فَمَا وَجَدُوا مِنْكُمْ أَحَداً

قوله عليه السلام:" لغشي" قال الجوهري: غشيه شي ء: جاءه و المعنى أنه ورد على قلبي شي ء من ذكرك و حبك حتى تركت حاجتي و رجعت إليك.

قوله:" كان يرهق" قال الفيروزآبادي: رهقه كفرح: غشيه و لحقه أو دنا منه، سواء أخذه أو لم يأخذه، و الرهق محركة: ركوب الشر و الظلم، و غشيان المحارم، و كعظم الموصوف بالرهق و من يظن به السوء، قوله صلى الله عليه و آله و سلم:" لو كان نخاسا لغفر الله له" فيه ذم عظيم للنخاس، و لعل المراد من يبيع الأحرار عمدا.

الحديث الثاني و الثلاثون

الحديث الثاني و الثلاثون

: موثق على الظاهر، و قد مر تفسيره في خبر أبي بصير.

ص: 179

وَصِيَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع

33 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ النُّعْمَانِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع يَقُولُ كَانَ فِي وَصِيَّةِ النَّبِيِّ ص لِعَلِيٍّ ع أَنْ قَالَ يَا عَلِيُّ أُوصِيكَ فِي نَفْسِكَ بِخِصَالٍ فَاحْفَظْهَا عَنِّي ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ أَعِنْهُ أَمَّا الْأُولَى فَالصِّدْقُ وَ لَا تَخْرُجَنَّ مِنْ فِيكَ كَذِبَةٌ أَبَداً وَ الثَّانِيَةُ الْوَرَعُ وَ لَا تَجْتَرِئْ عَلَى خِيَانَةٍ أَبَداً وَ الثَّالِثَةُ الْخَوْفُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ كَأَنَّكَ تَرَاهُ وَ الرَّابِعَةُ كَثْرَةُ الْبُكَاءِ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ يُبْنَى لَكَ بِكُلِّ دَمْعَةٍ أَلْفُ بَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ وَ الْخَامِسَةُ بَذْلُكَ مَالَكَ وَ دَمَكَ دُونَ دِينِكَ وَ السَّادِسَةُ الْأَخْذُ بِسُنَّتِي فِي صَلَاتِي وَ صَوْمِي وَ صَدَقَتِي أَمَّا الصَّلَاةُ فَالْخَمْسُونَ رَكْعَةً وَ أَمَّا الصِّيَامُ فَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فِي الشَّهْرِ- الْخَمِيسُ فِي أَوَّلِهِ وَ الْأَرْبِعَاءُ فِي وَسَطِهِ وَ الْخَمِيسُ فِي آخِرِهِ وَ أَمَّا الصَّدَقَةُ فَجُهْدَكَ حَتَّى تَقُولَ قَدْ أَسْرَفْتُ وَ لَمْ تُسْرِفْ وَ عَلَيْكَ بِصَلَاةِ اللَّيْلِ وَ عَلَيْكَ بِصَلَاةِ الزَّوَالِ وَ عَلَيْكَ بِصَلَاةِ الزَّوَالِ وَ عَلَيْكَ بِصَلَاةِ الزَّوَالِ وَ عَلَيْكَ بِتِلَاوَةِ

الحديث الثالث و الثلاثون

الحديث الثالث و الثلاثون

: صحيح.

قوله صلى الله عليه و آله:" أوصيك في نفسك" أي هذه أمور تتعلق بنفسك لا بمعاشرة الناس.

قوله عليه السلام:" دون دينك" أي عند حفظ دينك أو غيره.

قوله صلى الله عليه و آله و سلم:" فجهدك" أي كلما تطيقه و تقدر عليه.

قوله صلى الله عليه و آله و سلم:" و عليك بصلاة الزوال" الظاهر أن المراد نافلة الزوال قوله صلى الله عليه و آله:" و عليك برفع يديك" أي في التكبيرات، و المراد بتقليبها إما ردهما بعد الرفع أو تقليبهما في أحوال الصلاة بأن يضعهما في كل حال على ما ينبغي أن تكونا عليه، و يحتمل أن يكون المراد رفعهما في القنوت، و تقليبهما بالتضرع و التبتل

ص: 180

الْقُرْآنِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَ عَلَيْكَ بِرَفْعِ يَدَيْكَ فِي صَلَاتِكَ وَ تَقْلِيبِهِمَا وَ عَلَيْكَ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ وَ عَلَيْكَ بِمَحَاسِنِ الْأَخْلَاقِ فَارْكَبْهَا وَ مَسَاوِي الْأَخْلَاقِ فَاجْتَنِبْهَا فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَلَا تَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَكَ

34 عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ بَكْرِ بْنِ صَالِحٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ قَالَ حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ إِبْرَاهِيمْ نِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ الطَّيَّارِ] عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ ع قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص حَسَبُ الْمَرْءِ دِينُهُ وَ مُرُوءَتُهُ وَ عَقْلُهُ وَ شَرَفُهُ وَ جَمَالُهُ وَ كَرَمُهُ تَقْوَاهُ

35 عَنْهُمْ عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عُقْبَةَ وَ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَيْمُونٍ وَ غَالِبِ بْنِ عُثْمَانَ وَ هَارُونَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ ع فِي فُسْطَاطٍ لَهُ بِمِنًى فَنَظَرَ إِلَى زِيَادٍ الْأَسْوَدِ مُنْقَلِعَ الرِّجْلِ

و الابتهال كما مر في كتاب الدعاء، قوله صلى الله عليه و آله:" و عليك بالسواك عند كل وضوء" يدل ظاهرا على أنه من مستحبات الوضوء.

الحديث الرابع و الثلاثون

الحديث الرابع و الثلاثون

: ضعيف.

قوله عليه السلام:" حسب المرء دينه" قال الجوهري: الحسب: ما يعده الإنسان من مفاخر آبائه، و يقال: حسبه دينه، و يقال: ماله، انتهى. و الحاصل: إن الشرف إنما هو بالدين و كماله، لا بمفاخر الآباء، و شرافة الأجداد.

قوله عليه السلام:" و مروءته و عقله و شرفه" المروءة مهموزا بضم الميم و الراء:

الإنسانية مشتق من المرء و قد يخفف بالقلب و الإدغام، أي الإنسانية و العقل إنما يظهران بالتقوى، و الشرف و الجمال: أي الحسن، و الكرم: أي الكرامة عند الله إنما تكون بالتقوى، و يحتمل أن يكون" الواو" في قوله- و عقله- زيد من النساخ، و في بعض النسخ" و عقله" مقدم على قوله" و مروته" فيحتمل أن يكون معطوفا على دينه.

الحديث الخامس و الثلاثون

الحديث الخامس و الثلاثون

: ضعيف.

قوله:" منقطع الرجلين" أي انقطع بعض أجزائهما عن بعض، و لعله كان

ص: 181

فَرَثَى لَهُ فَقَالَ لَهُ مَا لِرِجْلَيْكَ هَكَذَا قَالَ جِئْتُ عَلَى بَكْرٍ لِي نِضْوٍ فَكُنْتُ أَمْشِي عَنْهُ عَامَّةَ الطَّرِيقِ فَرَثَى لَهُ وَ قَالَ لَهُ عِنْدَ ذَلِكَ زِيَادٌ إِنِّي أُلِمُّ بِالذُّنُوبِ حَتَّى إِذَا ظَنَنْتُ أَنِّي قَدْ هَلَكْتُ ذَكَرْتُ حُبَّكُمْ فَرَجَوْتُ النَّجَاةَ وَ تَجَلَّى عَنِّي- فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع وَ هَلِ الدِّينُ إِلَّا الْحُبُّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى- حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَ زَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَ قَالَ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَ قَالَ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ إِنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ ص فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أُحِبُّ الْمُصَلِّينَ وَ لَا أُصَلِّي وَ أُحِبُّ الصَّوَّامِينَ وَ لَا أَصُومُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ وَ لَكَ مَا اكْتَسَبْتَ وَ قَالَ مَا تَبْغُونَ وَ مَا تُرِيدُونَ أَمَا إِنَّهَا لَوْ كَانَ فَزْعَةٌ مِنَ السَّمَاءِ فَزِعَ كُلُّ قَوْمٍ إِلَى مَأْمَنِهِمْ وَ فَزِعْنَا إِلَى نَبِيِّنَا وَ فَزِعْتُمْ إِلَيْنَا

36 سَهْلٌ عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عُقْبَةَ وَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع يَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ صَارَتْ فِرْقَةٌ مُرْجِئَةً وَ صَارَتْ فِرْقَةٌ

متقطع الرجلين بالتاء.

قوله:" فرثا" قال الجوهري: رثى له: أي رق له، قوله:" على بكر لي نضو" قال الجوهري: البكر: الفتى من الإبل، و قال: النضو بالكسر: البعير المهزول.

قوله:" إني ألم" قال الجوهري: الإلمام: النزول، و قد ألم به أي نزل به، و ألم الرجل من اللمم، و هو صغار الذنوب.

قوله:" و تجلى عني" أي ارتفع و انكشف عني الهم الحاصل بسبب ذلك الظن.

قوله:" و لا أصلي" لعل المراد النوافل.

الحديث السادس و الثلاثون

الحديث السادس و الثلاثون

: ضعيف.

قوله عليه السلام:" مرجئة" الإرجاء: التأخير، و قد يطلق المرجئة على كل من أخر أمير المؤمنين عليه السلام عن مرتبته إلى الرابع، و قال الجزري: هم فرقة من فرق الإسلام يعتقدون، أنه لا يضر مع الأيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة، سموا مرجئة

ص: 182

حَرُورِيَّةً وَ صَارَتْ فِرْقَةٌ قَدَرِيَّةً وَ سُمِّيتُمُ التُّرَابِيَّةَ وَ شِيعَةَ عَلِيٍّ أَمَا وَ اللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَ رَسُولُهُ ص وَ آلُ رَسُولِ اللَّهِ ع وَ شِيعَةُ آلِ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ مَا النَّاسُ إِلَّا هُمْ كَانَ عَلِيٌّ ع أَفْضَلَ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ أَوْلَى النَّاسِ بِالنَّاسِ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثاً

37 عَنْهُ عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبَانٍ الْكَلْبِيِّ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْوَاسِطِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ قُلْتُ لَهُ أَصْلَحَكَ اللَّهُ لَقَدْ تَرَكْنَا أَسْوَاقَنَا انْتِظَاراً

لاعتقادهم أن الله تعالى أرجأ تعذيبهم على المعاصي أي أخره عنهم، و المرجئة تهمز و لا تهمز، و كلاهما بمعنى التأخير.

قوله عليه السلام:" حرورية" قال الجزري: الحرورية: طائفة من الخوارج، نسبوا إلى حروراء بالمد و القصر، و هو موضع قريب من الكوفة، كان أول مجتمعهم، و تحكيمهم فيها و هم أحد الخوارج الذين قاتلهم علي كرم الله وجهه.

قوله عليه السلام:" قدرية" قد تطلق القدرية على القائلين بقدرة العبد و استقلاله، و أن لا مدخل لله في أفعال العباد بوجه و هم أكثر المعتزلة، و قد تطلق على الأشاعرة القائلين بضد ذلك، و أن أفعال العباد مخلوقة لله، و تقع بتقديره تعالى بلا مدخلية لقدرة العبد ذلك، و الأول أكثر استعمالا في أخبارنا و هما باطلان، و الواسطة التي هي الأمر بين الأمرين هي الحق و قد مر تحقيق ذلك في كتاب التوحيد.

قوله عليه السلام:" ما هو إلا الله" أي ليس الحق و العارف بالحق إلا الله، و رسوله و الأئمة و شيعتهم.

الحديث السابع و الثلاثون

الحديث السابع و الثلاثون

: ضعيف.

قوله:" لقد تركنا أسواقنا" كانوا عليهم السلام أبهموا الأمر على شيعتهم لصلاحهم، و عدم يأسهم فكانوا يرجون أن يكون ظهور الإيمان و غلبة الحق، و الخروج بالسيف على يد غير الإمام الثاني عشر، و كانوا منتظرين لذلك، و لعله كان ترك الأسواق إما لتهيئهم للحرب، و اشتغالهم بما يورث ممارستهم في ذلك، أو لقوة رجائهم و تقريبهم هذا الأمر فكانوا تركوا التجارات لظنهم أنهم لا يحتاجون

ص: 183

لِهَذَا الْأَمْرِ حَتَّى لَيُوشِكُ الرَّجُلُ مِنَّا أَنْ يَسْأَلَ فِي يَدِهِ فَقَالَ يَا بَا] عَبْدِ الْحَمِيدِ أَ تَرَى مَنْ حَبَسَ نَفْسَهُ عَلَى اللَّهِ لَا يَجْعَلُ اللَّهُ لَهُ مَخْرَجاً بَلَى وَ اللَّهِ لَيَجْعَلَنَّ اللَّهُ لَهُ مَخْرَجاً رَحِمَ اللَّهُ عَبْداً أَحْيَا أَمْرَنَا قُلْتُ أَصْلَحَكَ اللَّهُ إِنَّ هَؤُلَاءِ الْمُرْجِئَةَ يَقُولُونَ مَا عَلَيْنَا أَنْ نَكُونَ عَلَى الَّذِي نَحْنُ عَلَيْهِ حَتَّى إِذَا جَاءَ مَا تَقُولُونَ كُنَّا نَحْنُ وَ أَنْتُمْ سَوَاءً فَقَالَ يَا عَبْدَ الْحَمِيدِ صَدَقُوا مَنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَ مَنْ أَسَرَّ نِفَاقاً فَلَا يُرْغِمُ اللَّهُ إِلَّا بِأَنْفِهِ وَ مَنْ أَظْهَرَ أَمْرَنَا أَهْرَقَ اللَّهُ دَمَهُ يَذْبَحُهُمُ اللَّهُ عَلَى الْإِسْلَامِ كَمَا يَذْبَحُ الْقَصَّابُ شَاتَهُ قَالَ قُلْتُ فَنَحْنُ يَوْمَئِذٍ وَ النَّاسُ فِيهِ سَوَاءٌ قَالَ لَا أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ سَنَامُ الْأَرْضِ وَ حُكَّامُهَا لَا يَسَعُنَا فِي دِينِنَا إِلَّا ذَلِكَ قُلْتُ فَإِنْ مِتُّ قَبْلَ أَنْ أُدْرِكَ الْقَائِمَ ع قَالَ إِنَّ الْقَائِلَ مِنْكُمْ إِذَا قَالَ إِنْ أَدْرَكْتُ قَائِمَ آلِ مُحَمَّدٍ نَصَرْتُهُ كَالْمُقَارِعِ مَعَهُ بِسَيْفِهِ وَ الشَّهَادَةُ مَعَهُ شَهَادَتَانِ

بعد ظهور الحق إلى ذلك، أو لاهتمامهم بطلب العلم، و هداية الخلق و عدم اعتنائهم بالتجارة، رجاء لما ذكر.

قوله عليه السلام:" على الله" أي على إطاعة أمر الله أو في طاعته متوكلا عليه، و يحتمل أن تكون" على" بمعنى اللام، أي حبس نفسه لله و طاعته.

قوله:" و من أظهر أمرنا" أي من ترك التقية في هذا الزمان، و أظهر التشيع عند المخالفين، يمكنهم الله من قتله مع كونه على الإسلام بتركه أمر الله في التقية، و يحتمل أن يكون المراد من ادعى الإمامة بغير حق، و خرج بغير إذن الإمام.

قوله عليه السلام:" سنام الأرض" المرتفع من كل شي ء و المراد رفعتهم و دولتهم و عزتهم.

قوله عليه السلام:" لا يسعنا" أي لا يجوز لنا في ديننا إلا أن نفضلكم بسبق إيمانكم على غيركم.

قوله عليه السلام:" كالمقارع معه" قال الجوهري: قرع رأسه بالعصا: ضربه و مقارعة الأبطال: قرع بعضهم بعضا.

قوله عليه السلام:" و الشهادة معه شهادتان" يحتمل أن يكون المراد أن للتمني

ص: 184

38 عَنْهُ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْوَلِيدِ الْكِنْدِيِّ قَالَ دَخَلْنَا عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فِي زَمَنِ مَرْوَانَ فَقَالَ مَنْ أَنْتُمْ فَقُلْنَا مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ فَقَالَ مَا مِنْ بَلْدَةٍ مِنَ الْبُلْدَانِ أَكْثَرَ مُحِبّاً لَنَا مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَ لَا سِيَّمَا هَذِهِ الْعِصَابَةِ إِنَّ اللَّهَ جَلَّ ذِكْرُهُ هَدَاكُمْ لِأَمْرٍ جَهِلَهُ النَّاسُ وَ أَحْبَبْتُمُونَا وَ أَبْغَضَنَا النَّاسُ وَ اتَّبَعْتُمُونَا وَ خَالَفَنَا النَّاسُ وَ صَدَّقْتُمُونَا وَ كَذَّبَنَا النَّاسُ فَأَحْيَاكُمُ اللَّهُ مَحْيَانَا وَ أَمَاتَكُمَ للَّهُ] مَمَاتَنَا فَأَشْهَدُ عَلَى أَبِي أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ مَا بَيْنَ أَحَدِكُمْ وَ بَيْنَ أَنْ يَرَى مَا يُقِرُّ اللَّهُ بِهِ عَيْنَهُ وَ أَنْ يَغْتَبِطَ إِلَّا أَنْ تَبْلُغَ نَفْسُهُ هَذِهِ وَ أَهْوَى بِيَدِهِ إِلَى حَلْقِهِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ فِي كِتَابِهِ وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَ جَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَ ذُرِّيَّةً فَنَحْنُ ذُرِّيَّةُ رَسُولِ اللَّهِ ص

39 حُمَيْدُ بْنُ زِيَادٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْكِنْدِيِّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عُدَيْسٍ عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أَبِي الصَّبَّاحِ قَالَ سَمِعْتُ كَلَاماً يُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ ص وَ عَنْ عَلِيٍّ ع وَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَعَرَضْتُهُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فَقَالَ هَذَا قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ ص أَعْرِفُهُ قَالَ

ثواب شهادة واحدة، و لمن أدركها ثواب شهادتين، و أن يكون المراد أن للتمني ثواب الشهادة معه، و للشهادة معه ثواب شهادتين، مع غيره فللمتمني ثواب شهادتين.

الحديث الثامن و الثلاثون

الحديث الثامن و الثلاثون

: ضعيف.

قوله عليه السلام:" و لا سيما هذه العصابة" لعل المراد بالمحب أعم من الشيعة أي محبنا في الكوفة أكثر من غيرها، و فضل عدد الشيعة فيها على غيرها أكثر من فضل عدد المحب.

قوله عليه السلام:" و أن يغتبط" الاغتباط: السرور و حسن الحال و التبهج بالحال الحسنة.

الحديث التاسع و الثلاثون

الحديث التاسع و الثلاثون

: مجهول، و رواه الصدوق في أماليه بسند حسن.

هكذا حدثنا أبي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن صفوان بن يحيى عن أبي الصباح الكناني قال: قلت للصادق جعفر بن محمد عليهما السلام: أخبرني عن هذا القول قول من هو؟ و ذكر هذا الخبر مع زيادات، و قال في آخره: قال: فقال لي الصادق

ص: 185

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص الشَّقِيُّ مَنْ شَقِيَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ وَ السَّعِيدُ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ وَ أَكْيَسُ الْكَيْسِ التُّقَى وَ أَحْمَقُ الْحُمْقِ الْفُجُورُ وَ شَرُّ الرَّوِيِّ رَوِيُّ الْكَذِبِ وَ شَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَ أَعْمَى الْعَمَى عَمَى الْقَلْبِ وَ شَرُّ النَّدَامَةِ نَدَامَةُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَ أَعْظَمُ الْخَطَايَا عِنْدَ اللَّهِ لِسَانُ الْكَذَّابِ وَ شَرُّ الْكَسْبِ كَسْبُ الرِّبَا وَ شَرُّ الْمَآكِلِ أَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَ أَحْسَنُ الزِّينَةِ زِينَةِ الرَّجُلِ هَدْيٌ

جعفر بن محمد:" هذا قول رسول الله" و رواه في الفقيه أيضا بسند حسن هكذا قوله صلى الله عليه و آله:" الشقي من شقي في بطن أمه" أي الشقي هو من علم الله أنه يكون في عاقبة أمره شقيا، و إن كان بحسب ظاهر أحواله في أكثر عمره عند الناس سعيدا، قوله صلى الله عليه و آله:" و أكيس الكيس التقي" الظاهر أنهما مصدران، و إسناد الكيس إلى الكياسة إسناد مجازي، و يمكن أن يقرأ الكيس بتشديد الياء، و كذا التقي بتشديد الياء على وزن فعل، أي أكيس الأكياس المتقي، و الأول أظهر بقرينة الفقرة الثانية.

قوله صلى الله عليه و آله:" أعمى العمى" ظاهره بناء اسم التفضيل من العيوب الظاهرة، و هو خلاف القياس، و هو يستقيم على غير جهة التفضيل أيضا كما لا يخفى، و إن بعد، و أما الأحمق فيصح بناء التفضيل منه، لأنه من العيوب الباطنة.

قوله صلى الله عليه و آله و سلم:" و شر الروي روي الكذب" لعله من الروية بمعنى التفكر أو من الرواية، و الروي: الشرب التام كما ذكره الفيروزآبادي، أي شر الارتواء الارتواء من الكذب، و كثرة سماعه، و في كتابي الصدوق و شر الرواية رواية الكذب و هو أظهر، و في روايات العامة شر الروايا روايا الكذب، قال الجزري: في حديث عبد الله" شر الروايا روايا الكذب" هي جمع روية، و هو ما يروي الإنسان في نفسه من القول و الفعل، أي يزور و يفكر، و أصلها الهمزة. يقال: روأت في الأمر و قيل:

هي جمع راوية للرجل الكثير الرواية، و الهاء للمبالغة، و قيل: جمع رواية أي الذين يروون الكذب، أو تكثر رواياتهم فيه.

قوله:" و شر الخطايا" الحمل للمبالغة، و في الفقيه: و شر المخطئين، و هو أظهر، قوله صلى الله عليه و آله و سلم:" و شر الكسب كسب الزنا" و في الكتابين" الربا" بالراء المهملة و الباء.

ص: 186

حَسَنٌ مَعَ إِيمَانٍ وَ أَمْلَكُ أَمْرِهِ بِهِ وَ قِوَامُ خَوَاتِيمِهِ وَ مَنْ يَتَّبِعِ السُّمْعَةَ يُسَمِّعِ اللَّهُ بِهِ

قوله صلى الله عليه و آله و سلم:" و أحسن الزينة زينة الرجل" إلى آخره قوله: زينة الرجل بدل أو عطف بيان للزينة، و الهدى السيرة و الطريقة، و قوله:" و أملك أمره به" معطوف على أحسن الزينة أي الهدى الحسن أملك الأمور له فيفكه عن أسر الشرور، و الشهوات، و هو سبب لقوام خواتيم أموره و صلاحها، و يحتمل أن يكون الواو في قوله:

" و قوام" زيدت من النساخ، و في الكتابين" أحسن زينة الرجل السكينة مع الإيمان و من يتبع السمعة يسمع إلى آخره".

قوله صلى الله عليه و آله و سلم:" و من يتبع السمعة يسمع الله به" في أكثر نسخ الفقيه و من يتبع الشمعة يشمع الله به، و في الأمالي كما هنا، قال الجزري: فيه" من سمع الناس بعمله سمع الله به سامع خلقه" و في رواية أسامع خلقه، يقال: سمعت بالرجل تسميعا و تسمعة إذا شهرته، و نددت به و سامع: اسم فاعل من سمع و أسامع: جمع أسمع، و أسمع: جمع قلة لسمع، و سمع فلان بعمله إذ أظهره ليسمع، فمن رواه سامع خلقه بالرفع جعله من صفة الله تعالى أي سمع الله الذي هو سامع خلقه به الناس، و من رواه أسامع أراد أن الله تعالى يسمع به أسامع خلقه يوم القيمة، و قيل: أراد من سمع الناس بعمله، سمعه الله و أراه ثوابه من غير أن يعطيه، و قيل: من أراد بعمله الناس أسمعه الله تعالى الناس، و كان ذلك ثوابه.

و قيل: أراد أن من يفعل فعلا صالحا في السر ثم يظهره ليسمعه الناس، و يحمد عليه فإن الله تعالى يسمع به، و يظهر إلى الناس غرضه، و أن عمله لم يكن خالصا، و قيل: يريد من نسب إلى نفسه عملا صالحا لم يفعله، و ادعى خيرا لم يصنعه، فإن الله تعالى يفضحه و يظهر كذبه، و قال الطيبي: و من نصب سامع يريد سمع الله به من كان له سمع من خلقه. و قال في النهاية فيه" من يتبع المشمعة يشمع الله به" المشمعة: المزاح و الضحك، أراد من استهزأ بالناس أصاره الله تعالى إلى حالة يعبث به، و يستهزأ منه فيها. و قال الجوهري: المشمعة اللعب و المزاح، و قد شمع يشمع

ص: 187

الْكَذِبَةَ وَ مَنْ يَتَوَلَّ الدُّنْيَا يَعْجِزْ عَنْهَا وَ مَنْ يَعْرِفِ الْبَلَاءَ يَصْبِرْ عَلَيْهِ وَ مَنْ لَا يَعْرِفْهُ يَنْكُلْ وَ الرَّيْبُ كُفْرٌ وَ مَنْ يَسْتَكْبِرْ يَضَعْهُ اللَّهُ وَ مَنْ يُطِعِ الشَّيْطَانَ يَعْصِ اللَّهَ وَ مَنْ يَعْصِ اللَّهَ يُعَذِّبْهُ اللَّهُ وَ مَنْ يَشْكُرْ يَزِيدُهُ اللَّهُ وَ مَنْ يَصْبِرْ عَلَى الرَّزِيَّةِ يُعِنْهُ اللَّهُ وَ مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَحَسْبُهُ اللَّهُ لَا تُسْخِطُوا اللَّهَ بِرِضَا أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ وَ لَا تَقَرَّبُوا إِلَى أَحَدٍ مِنَ الْخَلْقِ تَتَبَاعَدُوا مِنَ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ لَيْسَ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنَ الْخَلْقِ شَيْ ءٌ يُعْطِيهِ بِهِ خَيْراً وَ لَا يَدْفَعُ بِهِ عَنْهُ شَرّاً إِلَّا بِطَاعَتِهِ وَ اتِّبَاعِ مَرْضَاتِهِ وَ إِنَّ طَاعَةَ اللَّهِ نَجَاحٌ مِنْ كُلِّ خَيْرٍ يُبْتَغَى وَ نَجَاةٌ مِنْ كُلِّ شَرٍّ يُتَّقَى- وَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ ذِكْرُهُ يَعْصِمُ مَنْ أَطَاعَهُ وَ لَا يَعْتَصِمُ بِهِ مَنْ عَصَاهُ وَ لَا يَجِدُ الْهَارِبُ

شمعا و شموعا و مشمعة و في الحديث" من تتبع المشمعة" أي من عبث بالناس أصاره الله إلى حالة يعبث به فيها.

أقول: لا يخفى عليك توجيه النسختين بعد ما نقلنا. قوله صلى الله عليه و آله و سلم:" و من يتولى الدنيا يعجز عنها" أي لا يمكن لأحد تحصيل ما هو مطلوبه من الدنيا.

قوله صلى الله عليه و آله و سلم:" و من يعرف البلاء" أي فوائده و منافعه و فضله و ثوابه، و في الكتابين" من لا يعرفه ينكره" و الإنكار ضد المعرفة، أي لا يرضى به و يعده منكرا غير معروف، و في نسخ الكتاب" ينكل" و النكول الجبن و الامتناع.

قوله صلى الله عليه و آله:" و الريب كفر" أي الارتياب في أصول الدين و ترك اليقين فيها كفر كالجحود و الإنكار.

قوله صلى الله عليه و آله و سلم:" يزيد الله" فعلى الأول كلمة" من" موصولة و على الثاني شرطية.

قوله صلى الله عليه و آله و سلم:" يعنه الله" في الأمالي يغيثه الله، قوله صلى الله عليه و آله و سلم:" تتباعدوا من الله" أي لا تتقربوا إلى الخلق بمعصية الله فيصير سببا للبعد عن قربه و رحمته و في الكتابين يتباعد من الله و هو أظهر.

قوله صلى الله عليه و آله و سلم:" ليس بينه و بين أحد من الخلق شي ء" أي عهد و سبب و وسيلة.

قوله:" نجاح من كل خير" كلمة" من" ليست في الكتابين، و لعلها زيدت من النساخ و لا يخفى توجيهها.

قوله صلى الله عليه و آله و سلم:" و لا يعتصم به" و في الكتابين" و لا يعتصم منه" و هو الأصوب

ص: 188

مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ مَهْرَباً وَ إِنَّ أَمْرَ اللَّهِ نَازِلٌ وَ لَوْ كَرِهَ الْخَلَائِقُ وَ كُلُّ مَا هُوَ آتٍ قَرِيبٌ- مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَ مَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ فَ تَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوى وَ لا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ وَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ

40 وَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ أَبَانٍ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع- عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَقَالَ كَانَ النَّاسُ قَبْلَ نُوحٍ أُمَّةَ ضَلَالٍ فَبَدَا لِلَّهِ فَبَعَثَ الْمُرْسَلِينَ وَ لَيْسَ كَمَا يَقُولُونَ لَمْ يَزَلْ وَ كَذَبُوا يَفْرُقُ اللَّهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ مَا كَانَ مِنْ شِدَّةٍ أَوْ رَخَاءٍ أَوْ مَطَرٍ بِقَدْرِ مَا يَشَاءُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ أَنْ يُقَدِّرَ إِلَى مِثْلِهَا مِنْ قَابِل

حَدِيثُ الْبَحْرِ مَعَ الشَّمْسِ

41 عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ مَعْرُوفِ بْنِ خَرَّبُوذَ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ الْمُسْتَوْرِدِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ع قَالَ إِنَّ مِنَ

أي لا يتأنى من عصاه أن يعصم و يحفظ نفسه عن عذاب الله بغيره، و على ما في الكتاب لعل المراد أن العاصي قد قطع سبب العصمة بينه و بين الله فلا يعصمه الله من الشرور في الدنيا و الآخرة.

قوله صلى الله عليه و آله و سلم:" و كلما هو آت" أي من الموت و العذاب و سائر ما قدره الله تعالى.

الحديث الأربعون

الحديث الأربعون

: مجهول.

قوله عليه السلام:" و ليس كما يقولون لم يزل" أي ليس الأمر كما يقولون إن الله تعالى قدر الأمور في الأزل، و قد فرغ منها، فلا يتغير تقديراته تعالى، بل لله البداء فيما كتب في لوح المحو و الإثبات، كما قال (يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ)" و قد مضى تحقيق ذلك في كتاب التوحيد.

الحديث الحادي و الأربعون [حديث البحر مع الشمس]

الحديث الحادي و الأربعون [حديث البحر مع الشمس]

: مجهول.

قوله عليه السلام:" إن من الأقوات" أي أسبابها، و في الفقيه" الآيات" و هو أظهر.

ص: 189

الْأَقْوَاتِ الَّتِي قَدَّرَهَا اللَّهُ لِلنَّاسِ مِمَّا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ الْبَحْرَ الَّذِي خَلَقَهُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ قَالَ وَ إِنَّ اللَّهَ قَدْ قَدَّرَ فِيهَا مَجَارِيَ الشَّمْسِ وَ الْقَمَرِ وَ النُّجُومِ وَ الْكَوَاكِبِ وَ قَدَّرَ ذَلِكَ كُلَّهُ عَلَى الْفَلَكِ ثُمَّ وَكَّلَ بِالْفَلَكِ مَلَكاً وَ مَعَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ فَهُمْ يُدِيرُونَ الْفَلَكَ فَإِذَا أَدَارُوهُ دَارَتِ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ وَ النُّجُومُ وَ الْكَوَاكِبُ مَعَهُ فَنَزَلَتْ فِي مَنَازِلِهَا الَّتِي قَدَّرَهَا اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ فِيهَا لِيَوْمِهَا وَ لَيْلَتِهَا فَإِذَا كَثُرَتْ ذُنُوبُ الْعِبَادِ وَ أَرَادَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى أَنْ يَسْتَعْتِبَهُمْ بِآيَةٍ مِنْ آيَاتِهِ أَمَرَ الْمَلَكَ الْمُوَكَّلَ بِالْفَلَكِ أَنْ يُزِيلَ الْفَلَكَ الَّذِي عَلَيْهِ مَجَارِي الشَّمْسِ وَ الْقَمَرِ وَ النُّجُومِ وَ الْكَوَاكِبِ فَيَأْمُرُ الْمَلَكُ أُولَئِكَ السَّبْعِينَ أَلْفَ مَلَكٍ أَنْ يُزِيلُوهُ عَنْ مَجَارِيهِ قَالَ فَيُزِيلُونَهُ فَتَصِيرُ الشَّمْسُ فِي ذَلِكَ الْبَحْرِ الَّذِي يَجْرِي فِي الْفَلَكِ- قَالَ فَيَطْمِسُ ضَوْؤُهَا وَ يَتَغَيَّرُ لَوْنُهَا فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ أَنْ يُعَظِّمَ الْآيَةَ طَمَسَتِ الشَّمْسُ فِي الْبَحْرِ عَلَى مَا يُحِبُّ اللَّهُ أَنْ يُخَوِّفَ خَلْقَهُ بِالْآيَةِ قَالَ وَ ذَلِكَ عِنْدَ انْكِسَافِ الشَّمْسِ قَالَ وَ كَذَلِكَ يَفْعَلُ بِالْقَمَرِ قَالَ فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُجَلِّيَهَا أَوْ يَرُدَّهَا إِلَى مَجْرَاهَا أَمَرَ الْمَلَكَ الْمُوَكَّلَ بِالْفَلَكِ أَنْ يَرُدَّ الْفَلَكَ إِلَى مَجْرَاهُ فَيَرُدُّ الْفَلَكَ فَتَرْجِعُ الشَّمْسُ إِلَى مَجْرَاهَا قَالَ فَتَخْرُجُ مِنَ الْمَاءِ وَ هِيَ كَدِرَةٌ قَالَ وَ الْقَمَرُ مِثْلُ ذَلِكَ قَالَ ثُمَّ قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ع أَمَا إِنَّهُ

قوله عليه السلام:" قدر فيها" أي عليها و محاذيا لها، أو جعلها بحيث يمكن أن تجري الكواكب فيها عند الحاجة.

قوله عليه السلام:" و قدر ذلك كله" أي الحركات.

قوله عليه السلام:" أن يستعتبهم" لعله مأخوذ من العتب، بمعنى الوجدة و الغضب أي يظهر عليهم غضبه، و لكن الاستعتاب في اللغة بمعنى الرضا، و طلب الرضا و كلاهما غير مناسبين في المقام.

قوله عليه السلام:" طمست الشمس" أي كلها أو أكثرها بحسب ما يراه في تأديبهم من المصلحة.

قوله عليه السلام:" و هي كدرة" أي بعد ما كانت كدرة أو تبقى فيها كدورة قليلة بعد الخروج أيضا في زمان قليل.

ص: 190

لَا يَفْزَعُ لَهُمَا وَ لَا يَرْهَبُ بِهَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ إِلَّا مَنْ كَانَ مِنْ شِيعَتِنَا فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَافْزَعُوا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ ثُمَّ ارْجِعُوا إِلَيْهِ

42 عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْهَاشِمِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ شَكَوْتُ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع مَا أَلْقَى مِنْ أَهْلِ بَيْتِي مِنِ

قوله عليه السلام:" إلا من كان من شيعتنا" لإيمانهم بهذا" و إلا فأكثر الخلق يسندونهما إلى حركات الأفلاك فلا يرهبون لهما.

أقول: التسليم في أمثال هذا الخبر من صعاب الأخبار علامة المؤمنين التابعين للأئمة الأبرار إذ نفيها إنما يكون للاعتماد على أفواههم القاصرة و عقولهم الناقصة أو لتقليد جمع من ملحدة الفلاسفة في عدم تجويز الخرق و الالتئام على الفلك، و عدم الاختلاف في حركات الأفلاك، و عدم تجويز الحركة المستقيمة عليها و أمثالها، و لم يثبتوها إلا بشبهات واهية، و خرافات فاسدة، و التشبث بتلك الأصول يستلزم إنكار كثير من الآيات و الأخبار، و ردها فإن الآيات الكثيرة ناطقة بقطع حركات الأفلاك وطيها و خرقها، و انكساف الشمس و القمر في جميع يوم القيامة و وقوفها عن الحركة، و أما استبعاد الوهم مما حصل لهم بالتجربة من كون الانكساف عند حيلولة القمر و الانخساف عند حيلولة الأرض فلا ينافي أن يكون وقوعها في ذلك البحر عند هاتين الحالتين، على أنه يمكن أن يجمع بينهما بوجه آخر ذكره الصدوق (ره) في الفقيه، حيث قال: إن الذي يخبر به المنجمون من الكسوف فيتفق على ما يذكرونه ليس من هذا الكسوف في شي ء، و إنما يجب الفزع فيه إلى المساجد و الصلاة لأنه آية تشبه آيات الساعة. انتهى. و يؤيد كلامه ما روي من الكسوف و الخسوف في يوم عاشوراء و ليلتها، و ورد أيضا في الأخبار أن من علامات قيام القائم عليه السلام كسوف و خسوف في غير زمانهما، و عند ذلك يختل، و ينقطع حساب المنجمين و الله يعلم.

الحديث الثاني و الأربعون

الحديث الثاني و الأربعون

: ضعيف.

ص: 191

اسْتِخْفَافِهِمْ بِالدِّينِ فَقَالَ يَا إِسْمَاعِيلُ لَا تُنْكِرْ ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِكَ فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى جَعَلَ لِكُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ حُجَّةً يَحْتَجُّ بِهَا عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ فِي الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ لَهُمْ أَ لَمْ تَرَوْا فُلَاناً فِيكُمْ أَ لَمْ تَرَوْا هَدْيَهُ فِيكُمْ أَ لَمْ تَرَوْا صَلَاتَهُ فِيكُمْ أَ لَمْ تَرَوْا دِينَهُ فَهَلَّا اقْتَدَيْتُمْ بِهِ فَيَكُونُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ فِي الْقِيَامَةِ

43 عَنْهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُثَيْمٍ النَّخَّاسِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع يَقُولُ إِنَّ الرَّجُلَ مِنْكُمْ لَيَكُونُ فِي الْمَحَلَّةِ فَيَحْتَجُّ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى جِيرَانِهِ هِ] فَيُقَالُ لَهُمْ أَ لَمْ يَكُنْ فُلَانٌ بَيْنَكُمْ أَ لَمْ تَسْمَعُوا كَلَامَهُ أَ لَمْ تَسْمَعُوا بُكَاءَهُ فِي اللَّيْلِ فَيَكُونُ حُجَّةَ اللَّهِ عَلَيْهِمْ

44 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ جَمِيلِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- وَ أَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ قَالَ كَانَ طَيْرٌ سَافٌّ جَاءَهُمْ مِنْ قِبَلِ

قوله عليه السلام:" لا تنكر ذلك" أي لا تتعرض لهم بما يوجب استخفافهم بك و إهانتهم إياك، فإن كونك فيهم و مشاهدتهم أطوارك حجة عليهم، أو المراد لا تسأم و لا تضجر من دعوتهم، فإنك في القيامة حجة عليهم، فيكون ذلك تسلية له و تحريصا على هدايته لهم، أو المراد محض التسلية و رفع الاستبعاد من وقوعه بينهم، و ابتلائه بهم، و بيان أن الحكمة في ذلك كونه حجة عليهم، و الأول أظهر.

الحديث الثالث و الأربعون

الحديث الثالث و الأربعون

: مجهول" و عيثم" في بعض النسخ بتقديم الثاء المثلثة على الياء كما في كتب الرجال، و في بعضها بتأخيرها، و على التقديرين هو مجهول الحال.

الحديث الرابع و الأربعون

الحديث الرابع و الأربعون

: صحيح.

قوله تعالى:" طَيْراً أَبابِيلَ" قال البيضاوي: أبابيل: أي جماعات جمع إبالة، و هي الحزمة الكبيرة شبهت بها الجماعة من الطير في تضامها و قيل: لا واحد لها كعباديد، و شماطيط" تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ" و قرأ بالياء على تذكير الطير، لأنه اسم جمع أو إسناده إلى ضمير ربك" مِنْ سِجِّيلٍ" من طين متحجر معرب (سنگ كل)

ص: 192

الْبَحْرِ رُءُوسُهَا كَأَمْثَالِ رُءُوسِ السِّبَاعِ وَ أَظْفَارُهَا كَأَظْفَارِ السِّبَاعِ مِنَ الطَّيْرِ مَعَ كُلِّ طَائِرٍ ثَلَاثَةُ أَحْجَارٍ فِي رِجْلَيْهِ حَجَرَانِ وَ فِي مِنْقَارِهِ حَجَرٌ فَجَعَلَتْ تَرْمِيهِمْ بِهَا حَتَّى جُدِّرَتْ أَجْسَادُهُمْ فَقَتَلَهُمْ بِهَا وَ مَا كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ رُئِيَ شَيْ ءٌ مِنَ الْجُدَرِيِّ وَ لَا رَأَوْا ذَلِكَ مِنَ الطَّيْرِ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَ لَا بَعْدَهُ قَالَ وَ مَنْ أَفْلَتَ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ انْطَلَقَ حَتَّى إِذَا بَلَغُوا حَضْرَمَوْتَ وَ هُوَ وَادٍ دُونَ الْيَمَنِ أَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ سَيْلًا فَغَرَّقَهُمْ أَجْمَعِينَ قَالَ وَ مَا رُئِيَ فِي ذَلِكَ الْوَادِي مَاءٌ قَطُّ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ بِخَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً قَالَ فَلِذَلِكَ سُمِّيَ حَضْرَمَوْتَ حِينَ مَاتُوا فِيهِ

و قيل: من السجل، و هو الدلو الكبير أو الإسجال، و هو الإرسال، أو من السجل، و معناه من جملة العذاب المكتوب المدون.

قوله عليه السلام:" كان طير ساف" بتشديد الفاء من المضاعف أو بتخفيفها من المعتل قال الجزري: أسف الطائر إذا دنا من الأرض، و قال الجوهري: سفا يسفو سفوا أسرع في المشي، و في الطيران. قوله:" كأمثال رؤوس السباع" أي من الطير بقرينة ذكر المنقار.

قوله عليه السلام:" حتى جدرت أجسادهم" قال الفيروزآبادي: الجدر: خروج الجدري بضم الجيم و فتحها القروح في البدن تنفط و تقيح، و قد جدر و حدر كعني و يشدد و هو مجدور و مجدر.

أقول: ظاهر الخبر أنها ضربت على كل رجل أحجارا كثيرة حتى جدرت أجسادهم و ظاهر غيره من الأخبار و التواريخ إنما ضربت على كل رجل حصاة واحدة ماتوا بها، و يمكن أن يكون تجدر أجسادهم من حصاة واحدة تصيبهم من حر تحدثه في أجسادهم.

قوله عليه السلام:" فلذلك" سمي حضرموت أي لأنه حضر موتهم في ذلك الوادي.

قال الفيروزآبادي: حضر موت و تضم الميم، بلد و قبيلة: و يقال: هذا حضر موت و يضاف فيقال حضر موت بضم الراء، و إن شئت لا تنون الثاني.

ص: 193

45 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ وَ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَيْمُونٍ وَ عَلِيِّ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ وَقَعَ بَيْنَ أَبِي جَعْفَرٍ وَ بَيْنَ وَلَدِ الْحَسَنِ ع كَلَامٌ فَبَلَغَنِي ذَلِكَ فَدَخَلْتُ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ ع فَذَهَبْتُ أَتَكَلَّمُ فَقَالَ لِي مَهْ لَا تَدْخُلْ فِيمَا بَيْنَنَا فَإِنَّمَا مَثَلُنَا وَ مَثَلُ بَنِي عَمِّنَا كَمَثَلِ رَجُلٍ كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ لَهُ ابْنَتَانِ فَزَوَّجَ إِحْدَاهُمَا مِنْ رَجُلٍ زَرَّاعٍ وَ زَوَّجَ الْأُخْرَى مِنْ رَجُلٍ فَخَّارٍ ثُمَّ زَارَهُمَا فَبَدَأَ بِامْرَأَةِ الزَّرَّاعِ فَقَالَ لَهَا كَيْفَ حَالُكُمْ فَقَالَتْ قَدْ زَرَعَ زَوْجِي زَرْعاً كَثِيراً فَإِنْ أَرْسَلَ اللَّهُ السَّمَاءَ فَنَحْنُ أَحْسَنُ بَنِي إِسْرَائِيلَ حَالًا ثُمَّ مَضَى إِلَى امْرَأَةِ الْفَخَّارِ فَقَالَ لَهَا كَيْفَ حَالُكُمْ فَقَالَتْ قَدْ عَمِلَ زَوْجِي فَخَّاراً كَثِيراً فَإِنْ أَمْسَكَ اللَّهُ السَّمَاءَ فَنَحْنُ أَحْسَنُ بَنِي إِسْرَائِيلَ حَالًا فَانْصَرَفَ وَ هُوَ يَقُولُ اللَّهُمَّ أَنْتَ لَهُمَا وَ كَذَلِكَ نَحْنُ

46 مُحَمَّدٌ عَنْ أَحْمَدَ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ جَمِيلِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ ذَرِيحٍ قَالَ سَمِعْتُ

الحديث الخامس و الأربعون

الحديث الخامس و الأربعون

: حسن أو موثق.

قوله:" فإن أرسل الله السماء" قال الجوهري: السماء: المطر قال الشاعر:

إذا سقط السماء بأرض قوم رعيناه و إن كانوا غضابا

قوله عليه السلام:" و قد عمل زوجي فخارا" الفخار في الأول بمعنى عامل الخزف و هنا بمعنى الخزف. قال الفيروزآبادي: الفخارة كجبانة: الجرة: و الجمع الفخار أو هو الخزف.

قوله:" أنت لهما" أي المقدر لهما تختار لكل منهما ما يصلحهما، و لا أشفع لأحدهما لأنك أعلم بصلاحهما، و لا أرجح أحدهما على الآخر.

قوله عليه السلام:" و كذلك نحن" أي ليس لكم أن تحاكموا بيننا لأن الخصمين كليهما من أولاد الرسول، و يلزمكما احترامهما لذلك، فليس لكم أن تدخلوا بينهم فيما فيه يختصمون كما أن ذلك الرجل لم يرجح جانب أحد صهريه و وكل أمرهما إلى الله تعالى.

الحديث السادس و الأربعون

الحديث السادس و الأربعون

: صحيح.

ص: 194

أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع يُعَوِّذُ بَعْضَ وُلْدِهِ وَ يَقُولُ عَزَمْتُ عَلَيْكِ يَا رِيحُ وَ يَا وَجَعُ كَائِناً مَا كُنْتِ بِالْعَزِيمَةِ الَّتِي عَزَمَ بِهَا- عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ ص

قوله:" عزمت عليك" قال الجوهري: و يقال: أيضا عزمت عليك بمعنى أقسمت عليك.

قوله عليه السلام:" كائن ما كنت" لعله خبر مبتدإ محذوف، و الجملة حال و الظاهر كائنا كما في بعض النسخ.

قوله عليه السلام:" على جن وادي الصبرة" لعل هذا إشارة إلى ما رواه الشيخ المفيد في إرشاده بإسناده عن ابن عباس قال: لما أخرج النبي صلى الله عليه و آله و سلم إلى بني المصطلق جنب عن الطريق فأدركه الليل و نزل بقرب واد وعر فلما كان في آخر الليل هبط جبرئيل عليه يخبره أن طائفة من كفار الجن قد استبطنوا الوادي، يريدون كيده عليه السلام و إيقاع الشر بأصحابه عند سلوكهم إياه، فدعا أمير المؤمنين عليه السلام فقال له: اذهب إلى هذا الوادي فسيعرض لك من أعداء الله الجن من يريدك، فادفعه بالقوة التي أعطاك الله و تحصن منهم بأسماء الله عز و جل التي خصك بعلمها، و أنفذ معه مائة رجل من أخلاط الناس، و قال لهم: كونوا معه و امتثلوا أمره، فتوجه أمير المؤمنين عليه السلام إلى الوادي فلما قرب من شفيره أمر المائة الذين صحبوه أن يقفوا بقرب الشفير، و لا يحدثوا شيئا حتى يؤذن لهم ثم تقدم، فوقف على شفير الوادي و تعوذ بالله من أعدائه، و سمى الله عز اسمه، و أومأ إلى القوم الذين تبعوه أن يتقربوا منه فقربوا و كان بينه و بينهم فرجة مسافتها غلوة، ثم رام الهبوط إلى الوادي فاعترضت ريح عاصف كاد أن تقع القوم على وجوههم لشدتها، و لم تثبت أقدامهم على الأرض من هول الخصم، و من هول ما لحقهم فصاح أمير المؤمنين عليه السلام أنا علي بن أبي طالب بن عبد المطلب، وصي رسول الله و ابن عمه اثبتوا إن شئتم فظهر للقوم أشخاص على صور الزط يخيل في أيديهم شعل النيران، قد اطمأنوا و أطافوا بجنبات الوادي، فتوغل

ص: 195

عَلَى جِنِّ وَادِي الصَّبْرَةِ فَأَجَابُوا وَ أَطَاعُوا لَمَّا أَجَبْتِ وَ أَطَعْتِ وَ خَرَجْتِ عَنِ ابْنِي فُلَانٍ ابْنِ ابْنَتِي فُلَانَةَ السَّاعَةَ السَّاعَةَ

47 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ عَنِ ابْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص مَنْ يَتَفَقَّدْ يَفْقِدْ وَ مَنْ لَا يُعِدَّ الصَّبْرَ لِنَوَائِبِ الدَّهْرِ يَعْجِزْ وَ مَنْ قَرَضَ النَّاسَ قَرَضُوهُ وَ مَنْ تَرَكَهُمْ لَمْ يَتْرُكُوهُ قِيلَ

أمير المؤمنين عليه السلام بطن الوادي، و هو يتلو القرآن و يومئ بسيفه يمينا و شمالا فما لبثت الأشخاص حتى صارت كالدخان الأسود، و كبر أمير المؤمنين (عليه السلام)، ثم صعد من حيث هبط، فقام مع القوم الذين اتبعوه حتى أسفر الموضع عما اعتراه، فقال له أصحاب رسول الله: ما لقيت يا أبا الحسن فلقد كدنا أن نهلك خوفا و أشفقنا عليك مما لحقنا فقال عليه السلام لهم: إنه لما تراءى إلى العدو جهرت فيهم بأسماء الله فتضاءلوا و علمت ما حل بهم من الجزع. فتوغلت الوادي غير خائف منهم و لو بقوا على هيئاتهم لأتيت على آخرهم، و قد كفى الله كيدهم و كفى المؤمنين شرهم، و سيسبقني بقيتهم إلى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يؤمنون به، و انصرف أمير المؤمنين عليه السلام بمن معه إلى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و أخبره الخبر فسري عنه، و دعا له بخير، و قال له: قد سبقك يا علي من أخافه الله بك و أسلم و قبلت إسلامه، ثم ارتحل بجماعة المسلمين، حتى قطعوا الوادي آمنين غير خائفين، و هذا الحديث قد روته العامة كما روته الخاصة، و لم يتناكروا شيئا انتهى.

الحديث السابع و الأربعون

الحديث السابع و الأربعون

: ضعيف.

قوله صلى الله عليه و آله و سلم:" من يتفقد يفقد" قال الجزري: حديث أبي الدرداء" من يتفقد يفقد" أي من يتفقد أحوال الناس و يتعرفها فإنه لا يجد ما يرضيه لأن الخير في الناس قليل انتهى. و يحتمل أن يكون المراد تفقد موضع الصديق قوله صلى الله عليه و آله و سلم:" و من قرض الناس قرضوه" قال الفيروزآبادي: قرضه يقرضه: قطعه، و جازاه كقارضة و قال الجزري: و منه حديث أبي الدرداء" إن قارضت الناس قارضوك" أي إن

ص: 196

فَأَصْنَعُ مَا ذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَقْرِضْهُمْ مِنْ عِرْضِكَ لِيَوْمِ فَقْرِكَ

48 عَنْهُ عَنْ أَحْمَدَ عَنِ الْبَرْقِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ قَالَ بَيْنَا مُوسَى بْنُ عِيسَى فِي دَارِهِ الَّتِي فِي الْمَسْعَى يُشْرِفُ عَلَى الْمَسْعَى إِذْ رَأَى أَبَا الْحَسَنِ مُوسَى ع مُقْبِلًا مِنَ الْمَرْوَةِ عَلَى بَغْلَةٍ فَأَمَرَ ابْنُ هَيَّاجٍ رَجُلًا مِنْ هَمْدَانَ مُنْقَطِعاً إِلَيْهِ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِلِجَامِهِ وَ يَدَّعِيَ الْبَغْلَةَ فَأَتَاهُ فَتَعَلَّقَ بِاللِّجَامِ وَ ادَّعَى الْبَغْلَةَ فَثَنَى أَبُو الْحَسَنِ ع رِجْلَهُ فَنَزَلَ عَنْهَا وَ قَالَ لِغِلْمَانِهِ خُذُوا سَرْجَهَا وَ ادْفَعُوهَا إِلَيْهِ فَقَالَ وَ السَّرْجُ أَيْضاً لِي فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ ع كَذَبْتَ عِنْدَنَا الْبَيِّنَةُ بِأَنَّهُ سَرْجُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ وَ أَمَّا الْبَغْلَةُ فَإِنَّا اشْتَرَيْنَاهَا مُنْذُ قَرِيبٍ وَ أَنْتَ أَعْلَمُ وَ مَا قُلْتَ

49 عَنْهُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُرَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع حَيْثُ خَرَجَ مِنْ عِنْدِ أَبِي جَعْفَرٍ الْمَنْصُورِ مِنَ الْحِيرَةِ فَخَرَجَ سَاعَةَ أُذِنَ لَهُ وَ

ساببتهم و نلت منهم سبوك و نالوا منك، و منه حديثه الآخر" أقرض من عرضك ليوم فقرك" أي إذا نال أحد من عرضك فلا تجازه و لكن اجعله قرضا في ذمته لتأخذه منه يوم حاجتك إليه أي يوم القيامة.

الحديث الثامن و الأربعون

الحديث الثامن و الأربعون

: صحيح.

قوله:" منقطعا إليه" أي إلى هذا الموالي الشقي.

قوله:" و يدعى البغلة" أي كذبا و افتراء لإيذائه عليه السلام قوله:" فثنى" الثني:

العطف و الميل.

قوله عليه السلام:" و أما البغلة" إلخ لعله عليه السلام معلم البغلة مع علمه عليه السلام بكذب المدعي إما صونا لعرضه عن الترافع إلى الوالي أو دفعا لليمين، أو تعليما ليتأسى به الناس فيما لم يعلموا كذب المدعي احتياطا و استحبابا.

الحديث التاسع و الأربعون

الحديث التاسع و الأربعون

: صحيح.

قوله:" من الحيرة" هي بلدة كانت بقرب الكوفة، قوله:" و انتهى إلى السالحين" رجل سالح: معه سلاح.

ص: 197

انْتَهَى إِلَى السَّالِحِينَ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ فَعَرَضَ لَهُ عَاشِرٌ كَانَ يَكُونُ فِي السَّالِحِينَ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ فَقَالَ لَهُ لَا أَدَعُكَ أَنْ تَجُوزَ فَأَلَحَّ عَلَيْهِ وَ طَلَبَ إِلَيْهِ فَأَبَى إِبَاءً وَ أَنَا وَ مُصَادِفٌ مَعَهُ فَقَالَ لَهُ مُصَادِفٌ جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنَّمَا هَذَا كَلْبٌ قَدْ آذَاكَ وَ أَخَافُ أَنْ يَرُدَّكَ وَ مَا أَدْرِي مَا يَكُونُ مِنْ أَمْرِ أَبِي جَعْفَرٍ وَ أَنَا وَ مُرَازِمٌ أَ تَأْذَنُ لَنَا أَنْ نَضْرِبَ عُنُقَهُ ثُمَّ نَطْرَحَهُ فِي النَّهَرِ فَقَالَ كُفَّ يَا مُصَادِفُ فَلَمْ يَزَلْ يَطْلُبُ إِلَيْهِ حَتَّى ذَهَبَ مِنَ اللَّيْلِ أَكْثَرُهُ فَأَذِنَ لَهُ فَمَضَى فَقَالَ يَا مُرَازِمُ هَذَا خَيْرٌ أَمِ الَّذِي قُلْتُمَاهُ قُلْتُ هَذَا جُعِلْتُ فِدَاكَ فَقَالَ إِنَّ الرَّجُلَ يَخْرُجُ مِنَ الذُّلِّ الصَّغِيرِ فَيُدْخِلُهُ ذَلِكَ فِي الذُّلِّ الْكَبِيرِ

50 عَنْهُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحَجَّالِ عَنْ حَفْصِ بْنِ أَبِي عَائِشَةَ قَالَ بَعَثَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع غُلَاماً لَهُ فِي حَاجَةٍ فَأَبْطَأَ فَخَرَجَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع عَلَى أَثَرِهِ لَمَّا أَبْطَأَ عَلَيْهِ فَوَجَدَهُ نَائِماً فَجَلَسَ عِنْدَ رَأْسِهِ يُرَوِّحُهُ حَتَّى انْتَبَهَ فَلَمَّا انْتَبَهَ قَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع يَا فُلَانُ وَ اللَّهِ مَا ذَاكَ لَكَ تَنَامُ اللَّيْلَ وَ النَّهَارَ لَكَ اللَّيْلُ وَ لَنَا مِنْكَ النَّهَارُ

51 عَنْهُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ حَسَّانَ عَنْ أَبِي عَلِيٍ

قوله:" في السالحين أول الليل" أي الذين يدورون في أول الليل من أهل السلاح، كذا قيل. و الأصوب أن السالحين في الموضعين اسم موضع، قال في المغرب: السالحون: موضع على أربعة فراسخ من بغداد إلى المغرب، و أما السلحون فهي مدينة باليمن. و قول الجوهري- سيلحون قرية، و العامة تقول سالحون- فيه نظر.

قوله:" و ما أدري ما يكون من أمر أبي جعفر" أي إن ردوك إلى الخليفة الفاسق في هذا الوقت لا ندري ما يصنع بك، و أنا و مرازم معك و نقوى على دفعه.

الحديث الخمسون

الحديث الخمسون

: مجهول.

و يدل على أن الليل حق للمماليك، ينبغي أن لا يتعرض لهم فيه. و النهار حق الموالي لا يجوز لهم ترك خدمتهم فيه.

الحديث الحادي و الخمسون

الحديث الحادي و الخمسون

: مجهول.

ص: 198

قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع يَقُولُ لَا تَذْكُرُوا سِرَّنَا بِخِلَافِ عَلَانِيَتِنَا وَ لَا عَلَانِيَتَنَا بِخِلَافِ سِرِّنَا حَسْبُكُمْ أَنْ تَقُولُوا مَا نَقُولُ وَ تَصْمُتُوا عَمَّا نَصْمُتُ إِنَّكُمْ قَدْ رَأَيْتُمْ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ لَمْ يَجْعَلْ لِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ فِي خِلَافِنَا خَيْراً إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَقُولُ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ

حَدِيثُ الطَّبِيبِ

52 مُحَمَّدٌ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ زِيَادِ بْنِ أَبِي الْحَلَّالِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ قَالَ مُوسَى ع يَا رَبِّ مِنْ أَيْنَ الدَّاءُ قَالَ مِنِّي قَالَ فَالشِّفَاءُ قَالَ مِنِّي قَالَ فَمَا يَصْنَعُ عِبَادُكَ بِالْمُعَالِجِ قَالَ يَطِيبُ بِأَنْفُسِهِمْ فَيَوْمَئِذٍ سُمِّيَ الْمُعَالِجُ الطَّبِيبَ

قوله:" لا تذكروا سرنا" أي لا تذكروا من أحوالنا عند الناس ما نخفيه عنهم، إما تقية و إما لعدم احتمالهم ذلك لضعف عقولهم، أو لا تغلوا فينا و لا تثبتوا لنا ما يأبى عنه ظواهر أحوالنا كالربوبية.

[الحديث الثاني و الخمسون] حديث الطبيب

[الحديث الثاني و الخمسون] حديث الطبيب

الحديث الثاني و الخمسون: صحيح.

قوله عليه السلام:" يطيب بأنفسهم" في بعض النسخ بالباء الموحدة و في بعضها بالياء المثناة من تحت، قال الفيروزآبادي: طب: تأنى للأمور و تلطف أي إنما سموا بالطبيب لرفع الهم عن نفوس المرضى بالرفق و لطف التدبير، و ليس شفاء الإبداء منهم، و أما على الثاني فليس المراد أن مبدأ اشتقاق الطبيب الطيب و التطييب. فإن أحدهما من المضاعف، و الآخر من المعتل بل المراد أن تسميتهم بالطبيب ليست بسبب تداوي الأبدان عن الأمراض، بل لتداوي النفوس عن الهموم و الأحزان فتطيب بذلك، قال الفيروزآبادي: الطب مثلثة الطاء: علاج الجسم و النفس انتهى على أنه يمكن أن يكون هذا مبينا على الاشتقاق الكبير.

ص: 199

53 عَنْهُ عَنْ أَحْمَدَ عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ عَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ مَا مِنْ دَاءٍ إِلَّا وَ هُوَ سَارِعٌ إِلَى الْجَسَدِ- يَنْتَظِرُ مَتَى يُؤْمَرُ بِهِ فَيَأْخُذَهُ وَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى إِلَّا الْحُمَّى فَإِنَّهَا تَرِدُ وُرُوداً

54 عَنْهُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ الْمُهْتَدِي عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ دَاوُدَ بْنِ زُرْبِيٍّ قَالَ مَرِضْتُ بِالْمَدِينَةِ مَرَضاً شَدِيداً فَبَلَغَ ذَلِكَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع فَكَتَبَ إِلَيَّ قَدْ بَلَغَنِي عِلَّتُكَ فَاشْتَرِ صَاعاً مِنْ بُرٍّ ثُمَّ اسْتَلْقِ عَلَى قَفَاكَ وَ انْثُرْهُ عَلَى صَدْرِكَ كَيْفَمَا انْتَثَرَ وَ قُلِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الَّذِي إِذَا سَأَلَكَ بِهِ الْمُضْطَرُّ كَشَفْتَ مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَ مَكَّنْتَ لَهُ فِي الْأَرْضِ وَ جَعَلْتَهُ خَلِيفَتَكَ عَلَى خَلْقِكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ-

الحديث الثالث و الخمسون

الحديث الثالث و الخمسون

: موثق.

قوله عليه السلام:" إلا و هو شارع إلى الجسد" أي له طريق إليه من قولهم شرعت الباب إلى الطريق أي أنفذته إليه، و لعل المراد أن غالب الأدواء لها مادة في الجسد تشتد ذلك حتى ترد عليه بإذن الله بخلاف الحمى، فإنها قد ترد بغير مادة بل بالأسباب الخارجة كورود هواء بارد أو حار عليه مثلا.

الحديث الرابع و الخمسون

الحديث الرابع و الخمسون

: صحيح.

قوله عليه السلام:" فاشتر" لعل الأمر به لعلمه صلى الله عليه و آله و سلم بأنه ليس مالكا له، و الأولى أن يشتري هذا المقدار عند إرادة ذلك، و إن كان حاضرا عنده، قوله:" و انثره على صدرك" يدل على أنه يلزم أن يتولى ذلك بنفسه.

قوله عليه السلام:" إذا سألك به المضطر" إشارة إلى قوله تعالى:" أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَ يَكْشِفُ السُّوءَ وَ يَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ" بأن ورثهم سكناها و التصرف فيها ممن قبلهم، و إما جعلهم خلفاء على الخلق كما ورد في الدعاء، فلعله من حيث أن لكل إنسان خلافة على أهله، و ما ملكه الله، و على أعضائه و جوارحه و قواه، و روى علي بن إبراهيم عن أبيه عن الحسن بن علي بن فضال عن صالح بن

ص: 200

وَ أَنْ تُعَافِيَنِي مِنْ عِلَّتِي ثُمَّ اسْتَوِ جَالِساً وَ اجْمَعِ الْبُرَّ مِنْ حَوْلِكَ وَ قُلْ مِثْلَ ذَلِكَ وَ اقْسِمْهُ مُدّاً مُدّاً لِكُلِّ مِسْكِينٍ وَ قُلْ مِثْلَ ذَلِكَ قَالَ دَاوُدُ فَفَعَلْتُ مِثْلَ ذَلِكَ فَكَأَنَّمَا نَشِطْتُ مِنْ عِقَالٍ وَ قَدْ فَعَلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ فَانْتَفَعَ بِهِ

حَدِيثُ الْحُوتِ عَلَى أَيِّ شَيْ ءٍ هُوَ

55 مُحَمَّدٌ عَنْ أَحْمَدَ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ جَمِيلِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ سَأَلْتُهُ عَنِ الْأَرْضِ عَلَى أَيِّ شَيْ ءٍ هِيَ قَالَ هِيَ عَلَى حُوتٍ قُلْتُ فَالْحُوتُ عَلَى أَيِّ شَيْ ءٍ هُوَ قَالَ عَلَى الْمَاءِ قُلْتُ فَالْمَاءُ عَلَى أَيِّ شَيْ ءٍ هُوَ قَالَ عَلَى صَخْرَةٍ قُلْتُ فَعَلَى أَيِّ شَيْ ءٍ الصَّخْرَةُ قَالَ عَلَى قَرْنِ ثَوْرٍ أَمْلَسَ قُلْتُ فَعَلَى أَيِّ شَيْ ءٍ الثَّوْرُ قَالَ عَلَى الثَّرَى قُلْتُ فَعَلَى أَيِّ شَيْ ءٍ الثَّرَى فَقَالَ هَيْهَاتَ عِنْدَ ذَلِكَ ضَلَّ عِلْمُ الْعُلَمَاءِ

عقبة عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال:" نزلت في القائم عليه السلام هو و الله المضطر إذا صلى في المقام ركعتين و دعا الله فأجابه و يكشف السوء، و يجعله خليفة في الأرض" و هذا التفسير أنسب بالدعاء كما لا يخفى، قوله:" فكأنما نشطت من عقال" قال الجزري:

في حديث السحر" فكأنما أنشط من عقال" أي حل و قد تكرر في الحديث و كثيرا ما يجي ء في الرواية" كأنما نشط من عقال" أي حل و قد تكرر في الحديث و كثيرا ما يجي ء في الرواية" كأنما نشط من عقال" و ليس بصحيح، يقال: نشطت العقدة إذا عقدتها و أنشطتها إذا حللتها، أقول: لما كان هذا في كلام الراوي لا نحتاج إلى تصحيحه و توجيهه.

الحديث الخامس و الخمسون [حديث الحوت على أي شي ء هو]

الحديث الخامس و الخمسون [حديث الحوت على أي شي ء هو]

: صحيح.

قوله عليه السلام:" على ثور أملس" أي صحيح الظهر.

قوله عليه السلام:" على الثرى" هي التراب الندى.

قوله عليه السلام:" عند ذلك ضل علم العلماء" لعل المراد إنا لم نؤمر ببيانه للخلق.

ص: 201

56 عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَحَدِهِمَا ع قَالَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ خَلَقَ الْأَرْضَ ثُمَّ أَرْسَلَ عَلَيْهَا الْمَاءَ الْمَالِحَ أَرْبَعِينَ صَبَاحاً وَ الْمَاءَ الْعَذْبَ أَرْبَعِينَ صَبَاحاً حَتَّى إِذَا الْتَقَتْ وَ اخْتَلَطَتْ أَخَذَ بِيَدِهِ قَبْضَةً فَعَرَكَهَا عَرْكاً شَدِيداً جَمِيعاً ثُمَّ فَرَّقَهَا فِرْقَتَيْنِ فَخَرَجَ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عُنُقٌ مِثْلُ عُنُقِ الذَّرِّ فَأَخَذَ عُنُقٌ إِلَى الْجَنَّةِ وَ عُنُقٌ إِلَى النَّارِ

حَدِيثُ الْأَحْلَامِ وَ الْحُجَّةِ عَلَى أَهْلِ ذَلِكَ الزَّمَانِ

57 بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْعَبَّاسِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ

الحديث السادس و الخمسون

الحديث السادس و الخمسون

: حسن.

قوله عليه السلام:" أخذ بيده" أي بيد من أمره من الملائكة أو بقدرته.

قوله عليه السلام:" جميعا" أي الطينتين معا من غير أن يفرقهما قبل العرك، و العرك:

الدلك.

قوله عليه السلام:" ثم فرقها فرقتين" قال الفاضل الأسترآبادي: يعني أمر الله تعالى الحصة التي كانت مبلولة بالماء العذب أن تفارق الحصة التي كانت مبلولة بالماء المالح، و أن يصير كل واحدة منهما قطعا صغارا في هيئة الذر، ليكون كل قطعة بدنا لروح مخصوصة من الأرواح التي قالوا يوم الميثاق بلى في جواب قوله تعالى:

" أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ" و يكون القطع الحاصلة من الحصة المبلولة بالماء العذب أبدانا لأرواح ثبتت طاعتهم في ذلك اليوم، و القطع الحاصلة من الحصة المبلولة بالماء المالح أبدانا لأرواح ثبتت معصيتهم في ذلك اليوم، و يفهم من أحاديثهم عليهم السلام أن جعله تعالى الأبدان في هيئة الذر وقع مرتين مرة قبل خلق آدم عليه السلام، و مرة بعد خلقه انتهى.

أقول: أشبعنا الكلام في أمثال تلك الأخبار في كتاب الكفر و الإيمان.

الحديث السابع و الخمسون [حديث الأحلام و الحجة على أهل ذلك الزمان]

الحديث السابع و الخمسون [حديث الأحلام و الحجة على أهل ذلك الزمان]

: مجهول.

ص: 202

أَبِي الْحَسَنِ ع قَالَ إِنَّ الْأَحْلَامَ لَمْ تَكُنْ فِيمَا مَضَى فِي أَوَّلِ الْخَلْقِ وَ إِنَّمَا حَدَثَتْ فَقُلْتُ وَ مَا الْعِلَّةُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ ذِكْرُهُ بَعَثَ رَسُولًا إِلَى أَهْلِ زَمَانِهِ فَدَعَاهُمْ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ وَ طَاعَتِهِ فَقَالُوا إِنْ فَعَلْنَا ذَلِكَ فَمَا لَنَا فَوَ اللَّهِ مَا أَنْتَ بِأَكْثَرِنَا مَالًا وَ لَا بِأَعَزِّنَا عَشِيرَةً فَقَالَ إِنْ أَطَعْتُمُونِي أَدْخَلَكُمُ اللَّهُ الْجَنَّةَ وَ إِنْ عَصَيْتُمُونِي أَدْخَلَكُمُ اللَّهُ النَّارَ فَقَالُوا وَ مَا الْجَنَّةُ وَ النَّارُ فَوَصَفَ لَهُمْ ذَلِكَ فَقَالُوا مَتَى نَصِيرُ إِلَى ذَلِكَ فَقَالَ إِذَا مِتُّمْ فَقَالُوا لَقَدْ رَأَيْنَا أَمْوَاتَنَا صَارُوا عِظَاماً وَ رُفَاتاً فَازْدَادُوا لَهُ تَكْذِيباً وَ بِهِ اسْتِخْفَافاً فَأَحْدَثَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ فِيهِمُ الْأَحْلَامَ فَأَتَوْهُ فَأَخْبَرُوهُ بِمَا رَأَوْا وَ مَا أَنْكَرُوا مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ أَرَادَ أَنْ يَحْتَجَّ عَلَيْكُمْ بِهَذَا هَكَذَا تَكُونُ أَرْوَاحُكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَ إِنْ بُلِيَتْ أَبْدَانُكُمْ تَصِيرُ الْأَرْوَاحُ إِلَى عِقَابٍ حَتَّى تُبْعَثَ الْأَبْدَانُ

58 عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ رَأْيُ الْمُؤْمِنِ وَ رُؤْيَاهُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ عَلَى سَبْعِينَ جُزْءاً

قوله عليه السلام:" و رفاقا قال الجزري: الرفات: كلما دق و كسر قوله عليه السلام:" و ما أنكروا من ذلك" أي استغرابهم ذلك أو ما أصابوا من المنكر و العذاب في النوم أو ما أنكروا أولا من عذاب البرزخ، و الأول أظهر.

قوله عليه السلام:" هكذا تكون أرواحكم" أي كما أن في النوم تتألم أرواحكم بما لم يظهر أثره على أجسادكم و لا يطلع من ينظر إليكم عليه، فكذلك نعيم البرزخ و عذابه، و قد تقدم الكلام فيه في كتاب الجنائز

الحديث الثامن و الخمسون

الحديث الثامن و الخمسون

: حسن.

قوله عليه السلام:" رأى المؤمن و رؤياه" لما غيب الله في آخر الزمان عن الناس حجتهم تفضل عليهم و أعطاهم رأيا قويا في استنباط الأحكام الشرعية مما وصل إليهم من أئمتهم عليهم السلام، و لما حجب عنهم الوحي و خزانة أعطاهم الرؤيا الصادقة أزيد مما كان لغيرهم، ليظهر عليهم بعض الحوادث قبل حدوثها، و قيل إنما يكون هذا في زمان القائم عليه السلام.

قوله عليه السلام:" على سبعين جزء" لعل المراد أن للنبوة أجزاء كثيرة سبعون

ص: 203

مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ

59 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُعَمَّرِ بْنِ خَلَّادٍ عَنِ الرِّضَا ع قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص كَانَ إِذَا أَصْبَحَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ هَلْ مِنْ مُبَشِّرَاتٍ يَعْنِي بِهِ الرُّؤْيَا

60 عَنْهُمْ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ عَنْ أَبِي جَمِيلَةَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ قَالَ رَجُلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ ص فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ-هُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ

منها، من قبل الرأي، أي الاستنباط اليقيني لا الاجتهاد و التظني، و الرؤيا الصادقة فهذا المعنى الحاصل لأهل آخر الزمان على نحو تلك السبعين و مشابه لها، و إن كان في النبي أقوى، و يحتمل أن يكون المراد على نحو بعض أجزاء السبعين كما ورد أن الرؤيا الصادقة جزء من سبعين جزء من النبوة، و روى العامة بأسانيدهم عن أنس عن النبي صلى الله عليه و آله أنه قال: الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزء من ستة و أربعين جزء من النبوة، قال: محيي السنة أراد تحقيق أمر الرؤيا و تأكده، و إنما كانت جزء من النبوة في حق الأنبياء دون غيرهم، و قيل: إنما جزء من أجزاء علم النبوة و علم النبوة باق، و النبوة غير باقية، أو أراد به أنها كالنبوة في الحكم بالصحة، و هو معنى قوله صلى الله عليه و آله و سلم: ذهبت النبوة و بقيت المبشرات الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو يرى له.

و قيل: معناه إن مدة الوحي على رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم كان ثلاثا و عشرين سنة و كان ستة أشهر منها في أول الأمر يوحى إليه في النوم، فكان مدة وحيه في النوم جزء من ستة و أربعين جزء من جملة أيام الوحي، و رووا أيضا عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم" أنه قال:

في آخر الزمان لم يكد رؤيا المؤمن يكذب".

الحديث التاسع و الخمسون

الحديث التاسع و الخمسون

: صحيح.

و روى العامة بإسنادهم عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله يقول: لم يبق من النبوة إلا المبشرات، قالوا: و ما المبشرات؟ قال: الرؤيا الصالحة.

الحديث الستون

الحديث الستون

: ضعيف.

ص: 204

ُّنْيا قَالَ هِيَ الرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ يَرَى الْمُؤْمِنُ فَيُبَشَّرُ بِهَا فِي دُنْيَاهُ

61 عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي خَلَفٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ الرُّؤْيَا عَلَى ثَلَاثَةِ وُجُوهٍ بِشَارَةٍ مِنَ اللَّهِ لِلْمُؤْمِنِ وَ تَحْذِيرٍ مِنَ الشَّيْطَانِ وَ أَضْغَاثِ أَحْلَامٍ

62 عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ دُرُسْتَ بْنِ أَبِي مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع جُعِلْتُ فِدَاكَ

قوله عليه السلام:" هي الرؤيا الحسنة" و ظاهر رواية عقبة بن خالد عن أبي عبد الله" أنها هي البشارة عند الموت" و لا تنافي بينهما، فإن كلا منهما بشارة في الدنيا و قيل: البشرى في الحياة الدنيا هي ما بشرهم الله تعالى به في القرآن على الأعمال الصالحة.

و روى محيي السنة بإسناده عن عبادة بن الصامت" قال: سألت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم عن قوله تعالىَ هُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا)

قال: هي الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو ترى له".

الحديث الحادي و الستون

الحديث الحادي و الستون

: حسن.

قوله عليه السلام:" و تحذير من الشيطان" أي يحذر و يخوف من الأعمال الصالحة و يحتمل أن يكون المراد الرؤيا الهائلة المخوفة، و يحتمل أن يكون" تحزين من الشيطان" بالنون، فصحف لقوله تعالى" إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا" و روى محيي السنة و بإسناده عن أبي هريرة عن النبي أنه قال الرؤيا ثلاثة رؤيا بشرى من الله، و رؤيا: مما يحدث به الرجل نفسه، و رؤيا: من تحزين الشيطان.

قوله عليه السلام:" و أضغاث أحلام" الحلم: ما يراه النائم في نومه، و الضغث فما جمع من أخلاط النبات، و أضغاث الأحلام: الرؤيا المختلطة التي تركبها المتخيلة، و لا أصل لها، و ليس من الله و لا من الشيطان.

الحديث الثاني و الستون

الحديث الثاني و الستون

: ضعيف.

ص: 205

الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ وَ الْكَاذِبَةُ مَخْرَجُهُمَا مِنْ مَوْضِعٍ وَاحِدٍ قَالَ صَدَقْتَ أَمَّا الْكَاذِبَةُ الْمُخْتَلِفَةُ فَإِنَّ الرَّجُلَ يَرَاهَا فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ فِي سُلْطَانِ الْمَرَدَةِ الْفَسَقَةِ وَ إِنَّمَا هِيَ شَيْ ءٌ يُخَيَّلُ إِلَى الرَّجُلِ وَ هِيَ كَاذِبَةٌ مُخَالِفَةٌ لَا خَيْرَ فِيهَا وَ أَمَّا الصَّادِقَةُ إِذَا رَآهَا بَعْدَ الثُّلُثَيْنِ مِنَ اللَّيْلِ مَعَ حُلُولِ

قوله عليه السلام:" مخرجهما من موضع واحد" لعل المراد ارتسامهما في محل واحد، و أن علتهما معا الارتسام، لكن علة الارتسام فيهما مختلفة، و قيل: يعني إن كليهما صور علمية يخلقهما الله تعالى في قلب عباده بأسباب روحانية، أو شيطانية أو طبيعية.

قوله عليه السلام:" في سلطان المردة و الفسقة" أي في أول الليل يستولي على الإنسان شهوات ما رآه في النهار، و كثرت في ذهنه الصور الخيالية، و اختلطت بعضها ببعض و بسبب كثرة مزاولة الأمور الدنيوية بعد عن ربه، و غلبت عليه القوي النفسانية و الطبيعية، فبسبب هذه الأمور تبعد عنه ملائكة الرحمن، و تستولي عليه جنود الشيطان فإذا كان وقت السحر سكنت قواه و نزلت عنه ما اعتراه من الخيالات الشهوانية، فأقبل عليه مولاه بالفضل و الإحسان، و أرسل عليه ملائكته ليدفعوا عنه أحزاب الشيطان. فلذا أمر الله تعالى في ذلك الوقت بعبادته و مناجاته و قال:" إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَ أَقْوَمُ قِيلًا" فما يراه في الحالة الأولى فهو من التسويلات و التخييلات الشيطانية، و من الوساوس النفسانية، و ما يراه في الحالة الثانية فهو من الإفاضات الرحمانية بتوسط الملائكة الروحانية.

ثم ذكر عليه السلام علة تخلف بعض الرؤيا مع كونها في السحر، فقال: إنه إما بسبب جنابة أو حدث أو غفلة عن ذكر الله تعالى فإنها توجب البعد عن الله و استيلاء الشيطان.

و لما كان أمر الرؤيا و صدقها و كذبها مما اختلفت فيه أقاويل الناس فلا بأس

ص: 206

الْمَلَائِكَةِ وَ ذَلِكَ قَبْلَ السَّحَرِ فَهِيَ صَادِقَةٌ لَا تَخَلَّفُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ جُنُباً أَوْ يَنَامَ

أن نذكر هيهنا بعض أقوال المتكلمين و الحكماء، ثم نبين ما ظهر لنا فيه من أخبار أئمة الأنام. فأما الحكماء: فقد بنوا ذلك على ما أسسوه من انطباع صور الجزئيات في النفوس المنطبعة الفلكية، و صور الكليات في العقول المجردة، و قالوا:

إن النفس في حالة النوم قد تتصل بتلك المبادئ العالية، فتحصل لها بعض العلوم الحقة الواقعة، فهذه هي الرؤيا الصادقة، و قد يركب المتخيلة بعض الصور المخزونة في الخيال ببعض، فهذه هي الرؤيا الكاذبة.

و قال بعضهم: إن للنفوس الإنسانية اطلاعا على الغيب في حال المنام، و ليس لأحد من الناس إلا و قد جرب ذلك من نفسه تجارب أوجبته التصديق، و ليس ذلك بسبب الفكر، و إن الفكر في حال اليقظة التي هو فيها أمكن، يقصر عن تحصيل مثل ذلك، فكيف كان في حال النوم، بل بسبب أن النفوس الإنسانية لها مناسبة الجنسية إلى المبادئ العالية المنتقشة بجميع ما كان و ما سيكون و ما هو كائن في الحال و لها أن تتصل بها اتصالا روحانيا، و أن تنتقش بما هو مرتسم فيها لأن اشتغال النفس ببعض أفاعيلها يمنعها عن الاشتغال بغير تلك الأفاعيل، و ليس لنا سبيل إلى إزالة عوائق النفس بالكلية عن الانتقاش بما في المبادئ العالية، لأن أحد العائقين هو اشتغال النفس بالبدن، و لا يمكن لنا إزالة هذا العائق بالكلية ما دام البدن صالحا لتدبيرها، إلا أنه قد يسكن أحد الشاغلين في حالة النوم فإن الروح ينتشر إلى ظاهر البدن بواسطة الشرائين و ينصب إلى الحواس الظاهرة حالة الانتشار و يحصل الإدراك بها و هذه الحالة هي اليقظة، فتشتغل النفس بتلك الإدراكات، فإذا انحبس الروح إلى الباطن تعطلت هذه الحواس، و هذه الحالة هي النوم و بتعطلها يخف أحد شواغل النفس عن الاتصال بالمبادئ العالية و الانتقاش ببعض ما فيها فيتصل حينئذ بتلك المبادئ اتصالا روحانيا و يرتسم في النفس بعض ما انتقش في تلك المبادئ مما استعدت هي لأن تكون منتقشة به كالمرايا إذا حوذي بعضها ببعض ما يتسع له مما انتقش في البعض

ص: 207

عَلَى غَيْرِ طَهُورٍ وَ لَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ حَقِيقَةَ ذِكْرِهِ فَإِنَّهَا تَخْتَلِفُ وَ تُبْطِئُ عَلَى صَاحِبِهَا

الآخر و القوة المتخيلة جبلت محاكية لما يرد عليها، فتحاكى تلك المعاني المنتقشة في النفس بصور جزئية، مناسبة لها ثم تصير تلك الصور الجزئية في الحس المشترك فتصير مشاهدة و هذه هي الرؤيا الصادقة.

ثم إن الصور التي تركبها القوة المتخيلة إن كانت شديدة المناسبة لتلك المعاني المنطبعة في النفس، حتى لا يكون بين المعاني التي أدركتها النفس و بين الصور التي ركبتها القوة المتخيلة تفاوت إلا في الكلية و الجزئية كانت الرؤيا غنية عن التعبير، و إن لم تكن شديدة المناسبة إلا أنه مع ذلك تكون بينهما مناسبة بوجه ما كانت الرؤيا محتاجة إلى التعبير، و هو أن يرجع من الصورة التي في الخيال إلى المعنى الذي صورته المتخيلة بتلك الصورة، و أما إذا لم تكن بين المعنى الذي أدركته النفس و بين الصورة التي ركبتها القوة المتخيلة مناسبة أصلا لكثرة انتقالات المتخيلة من صورة إلى صورة لا تناسب المعنى الذي أدركته النفس أصلا، فهذه الرؤيا من قبيل أضغاث الأحلام، و لهذا قالوا: لا اعتماد على رؤيا الشاعر و الكاذب، لأن قوتهما المتخيلة قد تعودت الانتقالات الكاذبة الباطلة انتهى. و لا يخفى أن هذا رجم بالغيب، و تقول بالظن و الريب و لم يستند إلى دليل و برهان، و لا إلى مشاهدة و عيان، و لا إلى وحي إلهي مع ابتنائه على العقول و النفوس الفلكية اللتين نفتهما الشريعة المقدسة.

و قال المازري في شرح قول النبي صلى الله عليه و آله و سلم:" الرؤيا من الله، و الحلم من الشيطان": مذهب أهل السنة في حقيقة الرؤيا أن الله تعالى يخلق في قلب النائم اعتقادات كما يخلقها في قلب اليقظان، و هو سبحانه تعالى يفعل ما يشاء لا يمنعه النوم و اليقظة، فإذا خلق هذه الاعتقادات فكأنه جعلها علما على أمور آخر يخلقها في ثاني الحال أو كان قد خلقها، فإذا خلق في قلب النائم الطيران و ليس بطائر

ص: 208

فأكثر ما فيه أنه اعتقد أمرا على خلاف ما هو، فيكون ذلك الاعتقاد علما على غيره كما يكون خلق الله تعالى الغيم علما على المطر، و الجميع خلق الله تعالى، و لكن يخلق الرؤيا و الاعتقادات التي جعلها علما على ما يسر بغير حضرة الشيطان و خلق ما هو علم على ما يضر بحضرة الشيطان فنسب إلى الشيطان مجازا لحضوره عندها، و إن كان لا فعل له حقيقة.

و قال محيي السنة: ليس كلما يراه الإنسان صحيحا و يجوز تعبيره، بل الصحيح ما كان من الله يأتيك به ملك الرؤيا من نسخة أم الكتاب، و ما سوى ذلك أضغاث أحلام لا تأويل لها، و هي على أنواع: قد تكون من فعل الشيطان، يلعب بالإنسان أو يريه ما يحزنه، و له مكائد يحزن بها بني آدم كما قال تعالى:" إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا" و من لعب الشيطان به الاحتلام الذي يوجب الغسل، فلا يكون له تأويل، و قد يكون من حديث النفس كما يكون في أمر أو حرفة يرى نفسه في ذلك الأمر، و العاشق يرى معشوقه و نحوه، و قد تكون من مزاج الطبيعة كمن غلب عليه الدم يرى الفصد و الحجامة و الحمرة و الرعاف و الرياحين و المزامير و النشاط و نحوه، و من غلب عليه الصفراء يرى النار و الشمع و السراج و الأشياء الصفر، و الطيران في الهواء و نحوه، و من غلب عليه السوداء يرى الظلمة و السواد و الأشياء السود و صيد الوحش، و الأهوال و الأموات و القبور و المواضع الخربة، و كونه في مضيق لا منفذ له، أو تحت ثقل و نحوه، و من غلب عليه البلغم يرى البياض و المياه و الأنداء و الثلج و الوحل، فلا تأويل لشي ء منها.

و قال السيد المرتضى (ره) في كتاب الغرر و الدرر في جواب سائل سأله ما القول في المنامات أ صحيحة هي أم باطلة؟ و من فعل من هي؟ و ما وجه صحتها في الأكثر؟ و ما وجه الإنزال عند رؤية المباشرة في المنام، و إن كان فيها صحيح و باطل

ص: 209

فما السبيل إلى تمييز أحدهما من الآخر؟

الجواب: أعلم أن النائم غير كامل العقل، لأن النوم ضرب من السهو، و السهو ينفى العلوم، و لهذا يعتقد النائم الاعتقادات الباطلة، لنقصان عقله و فقد علومه، و جميع المنامات إنما هي اعتقادات يبتدئ بها النائم في نفسه، و لا يجوز أن تكون من فعل غيره فيه، لأن من عداه من المحدثين سواء كانوا بشرا أو ملائكة أو جنى أجسام، و الجسم لا يقدر أن يفعل في غيره اعتقادا ابتداء، بل و لا شيئا من الأجناس على هذا الوجه، و إنما يفعل ذلك في نفسه على سبيل الابتداء، و إنما قلنا أنه لا يفعل في غيره جنس الاعتقادات متولدا، لأن الذي يعدي الفعل من محل القدرة إلى غيرها من الأسباب إنما هو الاعتمادات، و ليس في جنس الاعتمادات ما يولد الاعتقادات، و لهذا لو اعتمد أحدنا على قلب غيره الدهر الطويل ما تولد فيه شي ء من الاعتقادات و قد بين ذلك و شرح في مواضع كثيرة، و القديم تعالى هو القادر أن يفعل في قلوبنا ابتداء من غير سبب أجناس الاعتقادات، و لا يجوز أن يفعل في قلب النائم اعتقادا لأن أكثر اعتقادات النائم جهل و يتأول الشي ء على خلاف ما هو به، لأنه يعتقد أنه يرى و يمشي و أنه راكب و على صفات كثيرة، و كل ذلك على خلاف ما هو به، و هو تعالى لا يفعل الجهل، فلم يبق إلا أن الاعتقادات كلها من جهة النائم.

و قد ذكر في المقالات: أن المعروف- بصالح قبة كان يذهب إلى أن ما يراه النائم في منامه على الحقيقة، و هذا جهل منه، يضاهي جهل السوفسطائية، لأن النائم يرى أن رأسه مقطوع، و أنه قد مات و أنه قد صعد إلى السماء و نحن نعلم ضرورة خلاف ذلك كله، و إذا جاز عند صالح هذا أن يعتقد اليقظان في السراب أنه ماء.

و في المردي إذا كان في الماء أنه مكسور، و هو على الحقيقة صحيح، لضرب من الشبهة و اللبس، فإلا جاز ذلك في النائم، و هو من الكمال أبعد، و من النقص أقرب.

ص: 210

و ينبغي أن يقسم ما يتخيل النائم أنه يراه إلى أقسام ثلاثة منها: ما يكون من غير سبب يقتضيه، و لا داع يدعو إليه اعتقادا مبتدأ و منها: ما يكون من وسواس الشيطان يفعل في داخل سمعه كلاما خفيا يتضمن أشياء مخصوصة فيعتقد النائم إذا سمع ذلك الكلام أنه يراه، فقد نجد كثيرا من النيام يسمعون حديث من يتحدث بالقرب منهم، فيعتقدون أنهم يرون ذلك الحديث في منامهم، و منها: ما يكون سببه و الداعي إليه خاطرا يفعله الله تعالى أو يأمر بعض الملائكة بفعله، و معنى هذا الخاطر أن يكون كلاما يفعل في داخل السمع فيعتقد النائم أيضا أنه ما يتضمن ذلك الكلام و المنامات الداعية إلى الخير و الصلاح في الدين، يجب أن تكون إلى هذا الوجه مصروفة، كما أن ما يقتضي الشر منها الأولى أن تكون إلى وسواس الشيطان مصروفة، و قد يجوز على هذا فيما يراه النائم في منامه ثم يصح ذلك حتى يراه في يقظته على حد ما يراه في منامه، و في كل منام يصح تأويله أن يكون سبب صحته أن الله تعالى يفعل كلاما في سمعه لضرب من المصلحة بأن شيئا يكون أو قد كان على بعض الصفات، فيعتقد النائم أن الذي يسمعه هو يراه، فإذا صح تأويله على ما يراه. فما ذكرناه إن لم يكن مما يجوز أن تتفق فيه الصحة اتفاقا فإن في المنامات ما يجوز أن يصح بالاتفاق، و ما يضيق فيه مجال نسبته إلى الاتفاق، فهذا الذي ذكرناه يمكن أن يكون وجها فيه.

فإن قيل: أ ليس قد قال أبو علي الجبائي في بعض كلامه في المنامات: إن الطبائع لا يجوز أن تكون مؤثرة فيها، لأن الطبائع لا يجوز على المذاهب الصحيحة أن تؤثر في شي ء، و أنه غير ممتنع مع ذلك أن يكون بعض المأكل يكثر عندها المنامات بالعادة، كما أن فيها ما يكثر عنده بالعادة تخييل الإنسان- و هو مستيقظ- ما لا أصل له. قلنا: قد قال ذلك أبو علي و هو خطأ، لأن تأثيرات المأكل بمجرى العادة على المذاهب الصحيحة إذا لم تكن مضافة إلى الطبائع، فهو من فعل

ص: 211

الله تعالى، فكيف نضيف التخيل الباطل و الاعتقادات الفاسدة إلى فعل الله تعالى، فأما المستيقظ الذي استشهد به فالكلام فيه و الكلام في النائم واحد، و لا يجوز أن نضيف التخيل الباطل إلى فعل الله تعالى في نائم و لا يقظان، فأما ما يتخيل من الفاسد و هو غير نائم فلا بد من أن يكون ناقص العقل في الحال، و فاقد التميز بسهو و ما يجري مجراه فيبتدئ اعتقادا لا أصل له، كما قلناه في النائم.

فإن قيل: فما قولكم في منامات الأنبياء و ما السبب في صحتها حتى عد ما يرونه في المنام، مضاهيا لما يسمعونه من الوحي، قلنا: الأخبار الواردة بهذا الجنس غير مقطوع على صحتها و لا هي مما توجب العلم، و قد يمكن أن يكون الله تعالى أعلم النبي بوحي يسمعه من الملك على الوجه الموجب للعلم، إني سأريك في منامك في وقت كذا ما يجب أن تعمل عليه فيقطع على صحته من هذا الوجه، لا بمجرد رؤيته له في المنام، و على هذا الوجه يحمل منام إبراهيم عليه السلام في ذبح ابنه، و لو لا ما أشرنا إليه كيف كان يقطع إبراهيم عليه السلام بأنه متعبد بذبح ولده.

فإن قيل: فما تأويل ما يروى عنه عليه السلام من قوله:" من رآني فقد رآني فإن الشيطان لا يتخيل بي" و قد علمنا أن المحق و المبطل و المؤمن و الكافر قد يرون النبي صلى الله عليه و آله و سلم في النوم، و يخبر كل واحد منهم عنه بضد ما يخبر به الآخر، فكيف يكون رائيا له في الحقيقة، مع هذا.

قلنا: هذا خبر واحد ضعيف من أضعف أخبار الآحاد، و لا معمول على مثل ذلك، على أنه يمكن مع تسليم صحته أن يكون المراد به: من رآني في اليقظة فقد رآني على الحقيقة، لأن الشيطان لا يتمثل بي لليقظان، فقد قيل: إن الشيطان ربما تمثلت بصورة البشر، و هذا التشبيه أشبه بظاهر ألفاظ الخبر، لأنه قال:" من رآني فقد رآني" فأثبت غيره رائيا له و نفسه مرئية، و في النوم لا رأيي له في الحقيقة و لا مرئي: و إنما ذلك في اليقظة، و لو حملناه على النوم لكان تقدير الكلام

ص: 212

من اعتقد أنه يراني في منامه، و إن كان غير راء له على الحقيقة فهو في الحكم كأنه قد رآني، و هذا عدول عن ظاهر لفظ الخبر، و تبديل لصيغته، و هذا الذي رتبناه في المنامات و قسمناه أسد تحقيقا من كل شي ء قيل في أسباب المنامات.

و ما سطر في ذلك معروف غير محصل و لا محقق، فأما ما يهذي به الفلاسفة في هذا الباب فهو مما يضحك الثكلى، لأنهم ينسبون ما صح من المنامات لما أعيتهم الحيل في ذكر سببه إلى أن النفس اطلعت إلى عالمها فأشرفت على ما يكون، و هذا الذي يذهبون إليه في حقيقة النفس غير مفهوم، و لا مضبوط، فكيف إذا أضيف إليه الاطلاع على عالمها، و ما هذا الاطلاع و إلى أي شي ء يشيرون بعالم النفس، و لم يجب أن تعرف الكائنات عند هذا الاطلاع، فكل هذا زخرفة و مخرقة و تهاويل، لا يتحصل منها شي ء، و قول صالح قبة- مع أنه تجاهل محض أقرب إلى أن يكون مفهوما من قول الفلاسفة انتهى كلامه قدس الله روحه.

و لنكتف بذكر هذه الأقوال و لا نشتغل إلى نقدها و تفصيلها، و لا إلى ردها و تحصيلها، لأن ذلك مما يؤدي إلى التطويل الخارج عن المقصود في الكتاب.

و لنذكر ما ظهر لنا في هذا الباب من الأخبار المنتهية إلى الأئمة الأخيار عليهم السلام، فهو أن الرؤيا تستند إلى أمور شتى فمنها: أن للروح في حالة النوم حركة إلى السماء إما بنفسها بناء على تجسمها كما هو الظاهر من الأخبار، أو بتعلقها بجسد مثالي إن قلنا به في حال الحياة أيضا بأن يكون للروح جسدان أصلي و مثالي يشتد تعلقها في حال اليقظة بهذا الجسد الأصلي، و يضعف تعلقها بالآخر، و ينعكس الأمر في حال النوم أو بتوجهها و إقبالها إلى عالم الأرواح بعد ضعف نعلقها بالجسد بنفسها من غير جسد مثالي.

و على تقدير التجسم أيضا يحتمل ذلك كما يومئ إليه بعض الأخبار بأن يكون حركتها كناية عن إعراضها عن هذا الجسد و إقبالها إلى عالم آخر، و توجهها إلى

ص: 213

نشأة أخرى.

و بعد حركتها بأي معنى كانت ترى أشياء في الملكوت الأعلى و تطالع بعض الألواح التي أثبتت فيها التقديرات، فإن كان لها صفاء و لعينها ضياء يرى الأشياء كما أثبتت فلا يحتاج رؤياه إلى تعبير، و إن استدلت على عين قلبه أغطية أرماد التعلقات الجسمانية و الشهوات النفسانية فيرى الأشياء بصور شبيهة لها، كما أن ضعيف البصر و مؤف العين يرى الأشياء على غير ما هي عليه.

و العارف بعلته يعرف أن هذه الصورة المشبهة التي اشتبهت عليه صورة لأي شي ء فهذا شأن المعبر العارف بداء كل شخص و علته، و يمكن أيضا أن يظهر الله علة الأشياء في تلك الحالة بصور يناسبها لمصالح كثيرة، كما أن الإنسان قد يرى المال في نومه بصورة حية، و قد يرى الدراهم بصورة عذرة ليعرف أنهما يضران، و هما مستقذران واقعا، فينبغي أن يتحرز عنهما و يتجنبهما، و قد ترى في الهواء أشياء فهي الرؤيا الكاذبة التي لا حقيقة لها.

و يحتمل أن يكون المراد بما يراه في الهواء ما أنس به من الأمور المألوفة و الشهوات، و الخيالات الباطلة.

و يدل على هذين النوعين ما رواه الصدوق في أماليه عن أبيه عن سعد عن أحمد و عبد الله ابني محمد بن عيسى و محمد بن الحسين عن الحسن بن محبوب عن محمد بن القاسم النوفلي قال:" قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) المؤمن قد يرى الرؤيا فتكون كما رآها، و ربما رأى الرؤيا فلا يكون شيئا؟ فقال: إن المؤمن إذا نام خرجت من روحه حركة ممدودة صاعدة إلى السماء، فكلما رآه روح المؤمن في ملكوت السماء في موضع التقدير و التدبير فهو الحق، و كلما رآه في الأرض فهو أضغاث أحلام فقلت له:

و تصعد روح المؤمن إلى السماء قال: نعم قلت: حتى لا يبقى منها شي ء في بدنه.

فقال: لا لو خرجت كلها حتى لا تبقى منها شي ء إذا لمات، فقلت: فكيف تخرج؟

ص: 214

فقال: أ ما ترى الشمس في السماء في موضعها و ضوءها و شعاعها في الأرض فكذلك الروح أصلها في البدن، و حركتها ممدودة" و روي أيضا عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن يعقوب بن يزيد عن بعض أصحابه عن زكريا بن يحيى عن معاوية بن عمار عن أبي جعفر عليه السلام" قال: إن العباد إذا ناموا خرجت أرواحهم إلى السماء، فما رأت الروح في السماء فهو الحق، فما رأت في الهواء فهو الأضغاث ألا و إن الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف، و ما تناكر منها اختلف، فإذا كانت الروح في السماء تعارفت و تباغضت، فإذا تعارفت في السماء تعارفت في الأرض، و إذا تباغضت في السماء تباغضت في الأرض".

و روي أيضا عن أبيه عن سعد عن محمد بن الحسين عن عيسى بن عبد الله عن أبي عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن جده عن علي عليه السلام" قال: سألت رسول الله صلى الله (عليه و آله و سلم) عن الرجل ينام فيرى الرؤيا فربما كانت حقا، و ربما كانت باطلا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: يا علي ما من عبد ينام إلا عرج بروحه إلى رب العالمين، فما رأى عند رب العالمين فهو حق، ثم إذا أمر الله العزيز الجبار برد روحه إلى جسده فصارت الروح بين السماء و الأرض فما رأته فهو أضغاث أحلام".

و منها: ما هو بسبب إفاضة الله تعالى عليه في منامه، إما بتوسط الملائكة أو بدونه كما يومئ إليه خبر أبي بصير و خبر سعد بن أبي خلف.

و منها: ما هو بسبب وساوس الشياطين و استيلائهم عليه بسبب المعاصي التي عملها في اليقظة، أو الطاعات التي تركها أو الكثافات و النجاسات الظاهرية و الباطنية التي لوث نفسه.

كما رواه الصدوق في أماليه عن أبيه بإسناده عن علي بن الحكم عن أبان ابن عثمان عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن محسن بن أحمد عن أبان بن عثمان عن أبي بصير عن أبي جعفر قال: سمعته يقول: إن لإبليس شيطانا يقال له هزع،

ص: 215

حَدِيثُ الرِّيَاحِ

63 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ رِئَابٍ وَ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ ع- عَنِ الرِّيَاحِ الْأَرْبَعِ الشَّمَالِ وَ الْجَنُوبِ وَ الصَّبَا وَ الدَّبُورِ وَ قُلْتُ إِنَّ النَّاسَ يَذْكُرُونَ أَنَّ الشَّمَالَ مِنَ الْجَنَّةِ وَ الْجَنُوبَ مِنَ النَّارِ فَقَالَ إِنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ جُنُوداً مِنْ رِيَاحٍ يُعَذِّبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِمَّنْ عَصَاهُ وَ لِكُلِّ رِيحٍ مِنْهَا مَلَكٌ مُوَكَّلٌ بِهَا فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ أَنْ يُعَذِّبَ قَوْماً بِنَوْعٍ مِنَ الْعَذَابِ أَوْحَى إِلَى الْمَلَكِ الْمُوَكَّلِ بِذَلِكَ النَّوْعِ مِنَ الرِّيحِ الَّتِي يُرِيدُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا

يملأ المشرق و المغرب في كل ليلة يأتي الناس في المنام.

و روى البرقي في كتاب المحاسن عن أبيه عن صفوان عن داود عن أخيه عن عبد الله" قال: بعثني إنسان إلى أبي عبد الله زعم أنه يفزع في منامه من امرأة تأتيه قال: فصحت حتى سمع الجيران، فقال أبو عبد الله: اذهب فقل: إنك لا تؤدي الزكاة قال: بلى و الله إني لأؤديها، فقال: قل له إن كنت تؤديها لا تؤديها إلى أهلها".

و يدل عليه أيضا خبر أبي بصير و خبر سعد بن أبي خلف.

و منها: ما هو بسبب ما بقي في ذهنه من الخيالات الواهية و الأمور الباطلة و يومئ إليه خبر سعد و غيره، و تفصيل الكلام في ذلك يقتضي مقاما آخر و قد أوردنا الكلام فيه مفصلا في كتاب بحار الأنوار.

الحديث الثالث و الستون [حديث الرياح]

الحديث الثالث و الستون [حديث الرياح]

: صحيح.

قوله:" الشمال" قال الفيروزآبادي: الشمال بالفتح و يكسر: الريح التي تهب من قبل الحجر أو ما استقبلك عن يمينك، و أنت مستقبل، و الصحيح أنه ما مهبه بين مطلع الشمس و بنات نعش أو من مطلع النعش إلى مسقط النسر الطائر، و يكون اسما و صفة، و قال: الجنوب: ريح تخالف الشمال مهبه من مطلع

ص: 216

قَالَ فَيَأْمُرُهَا الْمَلَكُ فَيَهِيجُ كَمَا يَهِيجُ الْأَسَدُ الْمُغْضَبُ قَالَ وَ لِكُلِّ رِيحٍ مِنْهُنَّ اسْمٌ أَ مَا تَسْمَعُ قَوْلَهُ تَعَالَى- كَذَّبَتْ عادٌ فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَ نُذُرِ إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ وَ قَالَ الرِّيحَ الْعَقِيمَ وَ قَالَ رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ وَ قَالَ فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ وَ مَا ذُكِرَ مِنَ الرِّيَاحِ الَّتِي يُعَذِّبُ اللَّهُ بِهَا

سهيل إلى مطلع الثريا، و قال: الصبا ريح مهبها من مطلع الثريا إلى بنات نعش، و قال: الدبور: ريح تقابل الصبا.

و قال الشهيد (ره) في الذكرى: الجنوب: محلها ما بين مطلع سهيل إلى مطلع الشمس في الاعتداليين، و الصبا: محلها ما بين مطلع الشمس إلى الجدي، و الشمال:

محلها من الجدي إلى مغرب الشمس في الاعتدال، و الدبور: محلها من مغرب الشمس إلى سهيل، قوله تعالى:" وَ نُذُرِ" أي إنذار أتى لهم بالعذاب قبل نزولها أو لمن بعدهم في تعذيبهم" إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً" أي باردا أو شديد الهبوب" فِي يَوْمِ نَحْسٍ" أي شؤم" مُسْتَمِرٍّ" استمر شؤمه، أو استمر عليهم حتى أهلكتهم، أو على جميعهم كبيرهم و صغيرهم، فلم يبق منهم أحدا، أو اشتد مرارته، أو استمرت نحوسته بعدهم، و فسر في بعض الأخبار بيوم الأربعاء، و في بعضها بأربعاء لا يدور.

قوله عليه السلام:" و قال: الريح العقيم" إشارة إلى قوله تعالى:" وَ فِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ" و إنما سماها عقيما، لأنها أهلكتهم و قطعت دابرهم، أو لأنها لا تتضمن منفعة، و هي الدبور أو الجنوب أو النكباء، كما قيل: قوله تعالى:" فَأَصابَها إِعْصارٌ" قال الجوهري: الأعصار: ريح تهب تثير الغبار إلى السماء كأنه عمود، قال تعالى:" فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ" و يقال: هي ريح تثير سحابا ذات رعد و برق.

ص: 217

مَنْ عَصَاهُ قَالَ وَ لِلَّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ رِيَاحُ رَحْمَةٍ لَوَاقِحُ وَ غَيْرُ ذَلِكَ يَنْشُرُهَا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ مِنْهَا مَا يُهَيِّجُ السَّحَابَ لِلْمَطَرِ وَ مِنْهَا رِيَاحٌ تَحْبِسُ السَّحَابَ بَيْنَ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ وَ رِيَاحٌ تَعْصِرُ السَّحَابَ فَتَمْطُرُهُ بِإِذْنِ اللَّهِ وَ مِنْهَا رِيَاحٌ مِمَّا عَدَّدَ اللَّهُ فِي الْكِتَابِ فَأَمَّا الرِّيَاحُ الْأَرْبَعُ الشَّمَالُ وَ الْجَنُوبُ وَ الصَّبَا وَ الدَّبُورُ فَإِنَّمَا هِيَ أَسْمَاءُ الْمَلَائِكَةِ الْمُوَكَّلِينَ بِهَا فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُهِبَّ شَمَالًا أَمَرَ الْمَلَكَ الَّذِي اسْمُهُ الشَّمَالُ فَيَهْبِطُ عَلَى الْبَيْتِ الْحَرَامِ فَقَامَ عَلَى الرُّكْنِ الشَّامِيِّ فَضَرَبَ بِجَنَاحِهِ فَتَفَرَّقَتْ رِيحُ الشَّمَالِ حَيْثُ يُرِيدُ اللَّهُ مِنَ الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَ إِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ جَنُوباً أَمَرَ الْمَلَكَ الَّذِي اسْمُهُ الْجَنُوبُ فَهَبَطَ عَلَى الْبَيْتِ الْحَرَامِ فَقَامَ عَلَى الرُّكْنِ الشَّامِيِّ فَضَرَبَ بِجَنَاحِهِ فَتَفَرَّقَتْ رِيحُ الْجَنُوبِ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ حَيْثُ يُرِيدُ اللَّهُ وَ إِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ رِيحَ الصَّبَا أَمَرَ الْمَلَكَ الَّذِي اسْمُهُ الصَّبَا فَهَبَطَ عَلَى الْبَيْتِ الْحَرَامِ فَقَامَ عَلَى الرُّكْنِ الشَّامِيِّ فَضَرَبَ بِجَنَاحِهِ فَتَفَرَّقَتْ رِيحُ الصَّبَا حَيْثُ يُرِيدُ اللَّهُ جَلَّ وَ عَزَّ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَ إِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ دَبُوراً أَمَرَ الْمَلَكَ الَّذِي اسْمُهُ الدَّبُورُ فَهَبَطَ عَلَى الْبَيْتِ الْحَرَامِ فَقَامَ عَلَى الرُّكْنِ الشَّامِيِّ فَضَرَبَ بِجَنَاحِهِ فَتَفَرَّقَتْ رِيحُ الدَّبُورِ حَيْثُ يُرِيدُ اللَّهُ مِنَ الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ ثُمَّ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع أَ مَا تَسْمَعُ لِقَوْلِهِ رِيحُ الشَّمَالِ

قوله عليه السلام:" لواقح" إشارة إلى قوله تعالى:" وَ أَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ" قال البيضاوي: أي حوامل، شبه الريح التي جاءت بخير من إنشاء سحاب ماطر بالحامل كما شبه ما لا يكون كذلك بالعقيم أو ملقحات للشجر أو السحاب، و نظيره الطوائح بمعنى المطيحات في قوله: و مختبط مما تطيح الطوائح، قوله:" بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ*" أي المطر.

قوله عليه السلام:" فتفرقت ريح الشمال" لا يتوهم أنه يلزم من ذلك أن يكون مهب جميع الرياح جهة القبلة، لأنه لعظمة الملك و جناحه يمكن أن يحرك رأس جناحه بأي موضع أراد و يرسلها بأي جهة أمر بالإرسال إليها، و إنما أمر بالقيام على الكعبة لشرافتها و كونها محل رحماته تعالى و مصدرها.

قوله عليه السلام:" أ ما تسمع لقوله" أي لقول القائل، و كأنه عليه السلام استدل بهذه العبارة الشائعة على ما ذكره من أنها أسماء الملائكة، إذ الظاهر من الإضافة كونها

ص: 218

وَ رِيحُ الْجَنُوبِ وَ رِيحُ الدَّبُورِ وَ رِيحُ الصَّبَا إِنَّمَا تُضَافُ إِلَى الْمَلَائِكَةِ الْمُوَكَّلِينَ بِهَا

64 عَنْهُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ مَعْرُوفِ بْنِ خَرَّبُوذَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ إِنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ رِيَاحَ رَحْمَةٍ وَ رِيَاحَ عَذَابٍ فَإِنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ الْعَذَابَ مِنَ الرِّيَاحِ رَحْمَةً فَعَلَ قَالَ وَ لَنْ يَجْعَلَ الرَّحْمَةَ مِنَ الرِّيحِ عَذَاباً قَالَ وَ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَرْحَمْ قَوْماً قَطُّ أَطَاعُوهُ وَ كَانَتْ طَاعَتُهُمْ إِيَّاهُ وَبَالًا عَلَيْهِمْ إِلَّا مِنْ بَعْدِ تَحَوُّلِهِمْ عَنْ طَاعَتِهِ قَالَ كَذَلِكَ فَعَلَ بِقَوْمِ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا رَحِمَهُمُ اللَّهُ بَعْدَ مَا كَانَ قَدَّرَ عَلَيْهِمُ الْعَذَابَ وَ قَضَاهُ ثُمَّ تَدَارَكَهُمْ بِرَحْمَتِهِ فَجَعَلَ الْعَذَابَ الْمُقَدَّرَ عَلَيْهِمْ رَحْمَةً فَصَرَفَهُ عَنْهُمْ وَ قَدْ أَنْزَلَهُ عَلَيْهِمْ وَ غَشِيَهُمْ وَ ذَلِكَ لَمَّا آمَنُوا- بِهِ وَ تَضَرَّعُوا إِلَيْهِ قَالَ وَ أَمَّا الرِّيحُ الْعَقِيمُ

لامية، و البيانية نادرة، و إن كان القائلون لا يعرفون هذا المعنى، لكنهم سمعوا ممن تقدمهم، و هكذا إلى أن ينتهي إلى من أطلق ذلك على وجه المعرفة.

الحديث الرابع و الستون

الحديث الرابع و الستون

: صحيح.

قوله عليه السلام:" إلا من بعد تحولهم" لعل المراد أن الله تعالى لما أمر بإرسال رياح غضب ثم تحولوا إلى طاعته، يحول عذابه عليهم رحمة، كما فعل بقوم يونس، و إذا قدر و قضاء و أمر بهبوب رياح رحمة، ثم تحولوا عن طاعته إلى معصيته، فإنه لا يرجع في هبته، و لا يقلب تلك الرياح عليهم عذابا، إلا أن يأمر بإنشاء أمر آخر بعد تحولهم و إرسال ريح أخرى بعد طغيانهم.

و أما قصة قوم يونس فروى علي بن إبراهيم في تفسيره عن أبيه عن ابن أبي عمير عن جميل قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام:" ما رد الله العذاب إلا عن قوم يونس، و كان يونس يدعوهم إلى الإسلام فأبوا ذلك، فهم أن يدعو عليهم، و كان فيهم رجلان عابد و عالم، و كان اسم أحدهما مليخا و الآخر اسمه روبيل فكان العابد يشير على يونس بالدعاء عليهم، و كان العالم ينهاه، و يقول: لا تدع عليهم، فإن الله يستجيب لك و لا يحب هلاك عباده، فقبل قول العابد، و لم يقبل من العالم فدعا عليهم فأوحى الله إليه يأتيهم العذاب في سنة كذا و كذا في شهر كذا و كذا في يوم كذا و كذا، فلما

ص: 219

فَإِنَّهَا رِيحُ عَذَابٍ لَا تُلْقِحُ شَيْئاً مِنَ الْأَرْحَامِ وَ لَا شَيْئاً مِنَ النَّبَاتِ وَ هِيَ رِيحٌ تَخْرُجُ مِنْ تَحْتِ الْأَرَضِينَ السَّبْعِ وَ مَا خَرَجَتْ مِنْهَا رِيحٌ قَطُّ إِلَّا عَلَى قَوْمِ عَادٍ حِينَ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فَأَمَرَ الْخُزَّانَ أَنْ يُخْرِجُوا مِنْهَا عَلَى مِقْدَارِ سَعَةِ الْخَاتَمِ قَالَ فَعَتَتْ عَلَى الْخُزَّانِ فَخَرَجَ مِنْهَا عَلَى مِقْدَارِ مَنْخِرِ الثَّوْرِ تَغَيُّظاً مِنْهَا عَلَى قَوْمِ عَادٍ قَالَ فَضَجَّ الْخُزَّانُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّهَا قَدْ عَتَتْ عَنْ أَمْرِنَا إِنَّا نَخَافُ أَنْ تُهْلِكَ مَنْ لَمْ يَعْصِكَ مِنْ خَلْقِكَ وَ عُمَّارِ بِلَادِكَ قَالَ فَبَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَيْهَا جَبْرَئِيلَ ع فَاسْتَقْبَلَهَا بِجَنَاحَيْهِ فَرَدَّهَا إِلَى مَوْضِعِهَا وَ قَالَ لَهَا اخْرُجِي عَلَى مَا أُمِرْتِ بِهِ قَالَ فَخَرَجَتْ عَلَى مَا أُمِرَتْ بِهِ وَ أَهْلَكَتْ قَوْمَ عَادٍ وَ مَنْ كَانَ بِحَضْرَتِهِمْ

قرب الوقت خرج يونس من بينهم مع العابد، و بقي العالم فيها، فلما كان في ذلك اليوم نزل العذاب فقال العالم لهم: يا قوم افزعوا إلى الله فلعله يرحمكم و يرد العذاب عنكم، فقالوا: كيف نصنع قال: أخرجوا إلى المفازة و فرقوا بين النساء و الأولاد و بين الإبل و أولادها و بين البقر و أولادها، و بين الغنم و أولادها، ثم ابكوا و ادعوا فذهبوا و فعلوا ذلك و ضجوا و بكوا فرحمهم الله و صرف عنهم العذاب، و فرق العذاب على الجبال، و قد كان نزل و قرب منهم، فأقبل يونس لينظر كيف أهلكهم الله، فرأى الزارعين يزرعون في أرضهم، قال لهم: ما فعل قوم يونس؟ فقالوا له و لم يعرفوه: إن يونس دعا عليهم، فاستجاب الله له و نزل العذاب عليهم، فاجتمعوا و بكوا فدعوا فرحمهم الله و صرف ذلك عنهم، و فرق العذاب على الجبال. فهم إذا يطلبون يونس ليؤمنوا به، فغضب يونس عليه السلام، و مر على وجهه مغاضبا به كما حكى الله، حتى انتهى إلى ساحل البحر فإذا سفينة قد شحنت و أرادوا أن يدفعوها فسألهم يونس أن يحملوه، فحملوه، فلما توسطوا البحر بعث الله حوتا عظيما فجنس عليهم السفينة، فنظر إليه يونس ففزع، فصار إلى مؤخر السفينة فدار إليه الحوت و فتح فاه فجزع أهل السفينة فقالوا: فينا عاص فتساهموا فخرج سهم يونس، و هو قول الله عز و جل" فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ

" فأخرجوه و القوة في البحر فالتقمه الحوت

ص: 220

65 عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّوْفَلِيِّ عَنِ السَّكُونِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص مَنْ ظَهَرَتْ عَلَيْهِ النِّعْمَةُ فَلْيُكْثِرْ ذِكْرَ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَ مَنْ كَثُرَتْ هُمُومُهُ فَعَلَيْهِ بِالاسْتِغْفَارِ وَ مَنْ أَلَحَّ عَلَيْهِ الْفَقْرُ فَلْيُكْثِرْ مِنْ قَوْلِ لَا حَوْلَ وَ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ يَنْفِي عَنْهُ الْفَقْرَ وَ قَالَ فَقَدَ النَّبِيُّ ص رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ مَا غَيَّبَكَ عَنَّا فَقَالَ الْفَقْرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَ طُولُ السُّقْمِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ص أَ لَا أُعَلِّمُكَ كَلَاماً إِذَا قُلْتَهُ ذَهَبَ عَنْكَ الْفَقْرُ وَ السُّقْمُ فَقَالَ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ إِذَا أَصْبَحْتَ وَ أَمْسَيْتَ فَقُلْ- لَا حَوْلَ وَ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ لْعَلِيِّ الْعَظِيمِ] تَوَكَّلْتُ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَ كَبِّرْهُ تَكْبِيراً فَقَالَ الرَّجُلُ فَوَ اللَّهِ مَا قُلْتُهُ إِلَّا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ حَتَّى ذَهَبَ عَنِّي الْفَقْرُ وَ السُّقْمُ

66 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع يَقُولُ لِأَبِي جَعْفَرٍ الْأَحْوَلِ وَ أَنَا أَسْمَعُ أَتَيْتَ

و مر به في الماء" و قد أوردنا القصة بتمامها بروايات مختلفة في كتاب بحار الأنوار.

الحديث الخامس و الستون

الحديث الخامس و الستون

: ضعيف على المشهور.

قوله تعالى:" وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ" أي ولي يواليه من أجل مذلة ليدفعها بموالاته قوله تعالى:" وَ كَبِّرْهُ تَكْبِيراً" في الآية معطوفا على القول، و المخاطب به النبي صلى الله عليه و آله و سلم، و يشكل نظمه هيهنا مع الجمل السابقة فيحتمل أن يكون معطوفا على الجمل السابقة، بأن يكون خبر مبتدإ محذوف بتأويل مقول في حقه، أو يكون خطابا عاما لكل من يستحق الخطاب، لبيان أنه يستحق من كل أحد أن يصفه بالكبرياء، و يمكن أن يقرأ على صيغة الماضي أي كبره كل شي ء تكبيرا، و لا يبعد أن يكون في الأصل و أكبره تكبيرا على صيغة المتكلم، فصحفه النساخ ليكون موافقا للقرآن.

الحديث السادس الستون

الحديث السادس الستون

: صحيح.

ص: 221

الْبَصْرَةَ فَقَالَ نَعَمْ قَالَ كَيْفَ رَأَيْتَ مُسَارَعَةَ النَّاسِ إِلَى هَذَا الْأَمْرِ وَ دُخُولَهُمْ فِيهِ قَالَ وَ اللَّهِ إِنَّهُمْ لَقَلِيلٌ وَ لَقَدْ فَعَلُوا وَ إِنَّ ذَلِكَ لَقَلِيلٌ فَقَالَ عَلَيْكَ بِالْأَحْدَاثِ فَإِنَّهُمْ أَسْرَعُ إِلَى كُلِّ خَيْرٍ- ثُمَّ قَالَ مَا يَقُولُ أَهْلُ الْبَصْرَةِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ- قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّهَا لِأَقَارِبِ رَسُولِ اللَّهِ ص فَقَالَ كَذَبُوا إِنَّمَا نَزَلَتْ فِينَا خَاصَّةً فِي أَهْلِ الْبَيْتِ فِي عَلِيٍّ وَ فَاطِمَةَ وَ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ أَصْحَابِ الْكِسَاءِ ع

حَدِيثُ أَهْلِ الشَّامِ

67 عَنْهُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ دَاوُدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَطِيَّةَ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ ع مِنْ أَهْلِ الشَّامِ مِنْ عُلَمَائِهِمْ فَقَالَ يَا أَبَا جَعْفَرٍ جِئْتُ أَسْأَلُكَ عَنْ مَسْأَلَةٍ قَدْ أَعْيَتْ عَلَيَّ أَنْ أَجِدَ أَحَداً يُفَسِّرُهَا وَ قَدْ سَأَلْتُ عَنْهَا ثَلَاثَةَ أَصْنَافٍ مِنَ النَّاسِ فَقَالَ كُلُّ صِنْفٍ مِنْهُمْ شَيْئاً غَيْرَ الَّذِي قَالَ الصِّنْفُ الْآخَرُ فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ ع مَا ذَاكَ قَالَ فَإِنِّي أَسْأَلُكَ عَنْ أَوَّلِ مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ خَلْقِهِ فَإِنَّ بَعْضَ مَنْ سَأَلْتُهُ قَالَ الْقَدَرُ وَ قَالَ بَعْضُهُمُ الْقَلَمُ

قوله عليه السلام:" في أهل البيت" أقول: قد وردت الأخبار المستفيضة في نزول هذه الآية فيهم عليه السلام، و قد روتها العامة أيضا في كتبهم بأسانيد و قد مرت في شرح كتاب الحجة، و قال البيضاوي، روي أنها لما نزلت قيل: يا رسول الله من قرابتك من هؤلاء قال: علي و فاطمة و ابناهما.

الحديث السابع و الستون [حديث أهل الشام]

الحديث السابع و الستون [حديث أهل الشام]

: مجهول.

قوله عليه السلام:" عن أول ما خلق الله من خلقه" اعلم أن الأخبار اختلفت في تعيين أول المخلوقات فأكثر الأخبار يدل على أنه الماء كهذا الخبر، و الخبر الذي بعده، لكن لا يدل الخبر الآتي على تقدمه على العرش، و نقل عن ناليس الملطي الإسكندراني و هو من مشاهير الحكماء القدماء، أنه قال بعد أن و حد الصانع و نزهة: لكنه أبدع العنصر الذي فيه صور الموجودات و المعلومات كلها، و هو المبدع الأول، و هو

ص: 222

وَ قَالَ بَعْضُهُمُ الرُّوحُ فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع مَا قَالُوا شَيْئاً- أُخْبِرُكَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى كَانَ وَ لَا شَيْ ءَ غَيْرُهُ وَ كَانَ عَزِيزاً وَ لَا أَحَدَ كَانَ قَبْلَ عِزِّهِ وَ ذَلِكَ قَوْلُهُ سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَ كَانَ الْخَالِقُ قَبْلَ الْمَخْلُوقِ وَ لَوْ كَانَ أَوَّلُ مَا خَلَقَ مِنْ خَلْقِهِ الشَّيْ ءَ مِنَ الشَّيْ ءِ إِذاً لَمْ يَكُنْ لَهُ انْقِطَاعٌ أَبَداً وَ لَمْ يَزَلِ اللَّهُ إِذاً وَ مَعَهُ شَيْ ءٌ لَيْسَ هُوَ يَتَقَدَّمُهُ وَ لَكِنَّهُ كَانَ إِذْ لَا شَيْ ءَ غَيْرُهُ وَ خَلَقَ الشَّيْ ءَ الَّذِي جَمِيعُ الْأَشْيَاءِ مِنْهُ وَ هُوَ الْمَاءُ الَّذِي خَلَقَ الْأَشْيَاءَ مِنْهُ فَجَعَلَ نَسَبَ كُلِّ شَيْ ءٍ إِلَى الْمَاءِ وَ لَمْ يَجْعَلْ لِلْمَاءِ نَسَباً يُضَافُ إِلَيْهِ وَ خَلَقَ الرِّيحَ مِنَ الْمَاءِ

الماء، و منه أنواع الجواهر كلها من السماء و الأرض و ما بينهما، و ذكر أن من جمود الماء تكونت الأرض، و من انحلاله تكون الهواء، و من صفوته تكونت النار و من الدخان و الأبخرة تكونت السماء، و قيل: جوهر تكون منه الماء كما نقل أنه جاء في السفر الأول من التوراة أن مبدأ الخلق جوهر خلقه الله تعالى، ثم نظر إليه نظر الهيبة فذابت أجزاؤه فصارت ماء فثار من الماء بخار كالدخان، فخلق منه السماوات، و ظهر على وجه الماء مثل زبد البحر، فخلق منه الأرض، ثم أرساها بالجبال.

و ذكر علي بن إبراهيم في تفسيره قوله تعالى:" وَ كانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ" قال:

و ذلك في مبدء الخلق إن الرب تعالى خلق الهواء، ثم خلق القلم، فأمره أن يجري فقال: يا رب بما أجري فقال: بما هو كائن ثم خلق الظلمة من الهواء، و خلق النور من الهواء، و خلق الماء من الهواء، و خلق العرش من الهواء، و خلق العقيم من الهواء و هو الريح الشديد، و خلق النار من الهواء، و خلق الخلق كلهم من هذه الستة التي خلقت من الهواء. و الظاهر أنه أخذه من خبر، لكن لا يعارض الأخبار المسندة، و على تقدير صحته يمكن الجمع بحمل أولية الماء على التقدم الإضافي بالنسبة إلى الأجسام المشاهدة المحسوسة التي يدركها جميع الخلق، فإن الهواء ليس منها، و لذلك أنكر طائفة وجوده.

ص: 223

ثُمَّ سَلَّطَ الرِّيحَ عَلَى الْمَاءِ فَشَقَّقَتِ الرِّيحُ مَتْنَ الْمَاءِ حَتَّى ثَارَ مِنَ الْمَاءِ زَبَدٌ عَلَى قَدْرِ مَا شَاءَ أَنْ يَثُورَ فَخَلَقَ مِنْ ذَلِكَ الزَّبَدِ أَرْضاً بَيْضَاءَ نَقِيَّةً لَيْسَ فِيهَا صَدْعٌ وَ لَا ثَقْبٌ وَ لَا صُعُودٌ وَ لَا هُبُوطٌ وَ لَا شَجَرَةٌ ثُمَّ طَوَاهَا فَوَضَعَهَا فَوْقَ الْمَاءِ ثُمَّ خَلَقَ اللَّهُ النَّارَ مِنَ الْمَاءِ فَشَقَّقَتِ النَّارُ مَتْنَ الْمَاءِ حَتَّى ثَارَ مِنَ الْمَاءِ دُخَانٌ عَلَى قَدْرِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَثُورَ فَخَلَقَ مِنْ ذَلِكَ الدُّخَانِ سَمَاءً صَافِيَةً نَقِيَّةً لَيْسَ فِيهَا صَدْعٌ وَ لَا ثَقْبٌ وَ ذَلِكَ قَوْلُهُ- السَّماءُ بَناها رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها وَ أَغْطَشَ لَيْلَها وَ أَخْرَجَ ضُحاها قَالَ وَ لَا شَمْسٌ وَ لَا قَمَرٌ وَ لَا نُجُومٌ وَ لَا سَحَابٌ ثُمَّ طَوَاهَا

و يدل على تقدم خلق الماء على الهواء و على المخلوقات طرا سوى العرش، و الملائكة ما رواه الصدوق بإسناده عن أبي الصلت الهروي" قال: سأل المأمون أبا الحسن الرضا عليه السلام عن قول الله عز و جل:" وَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَ كانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا" فقال: إن الله تبارك و تعالى خلق العرش و الماء و الملائكة قبل خلق السماوات و الأرض، و كانت الملائكة تستدل بأنفسها، و بالعرش و الماء على الله عز و جل ثم جعل عرشه على الماء، ليظهر بذلك قدرته للملائكة، فتعلم أنه على كل شي ء قدير، ثم رفع العرش بقدرته و نقله فجعله فوق السماوات السبع، ثم خلق السماوات و الأرض في ستة أيام، و هو مستولي على عرشه، و كان قادرا على أن يخلقها في طرفة عين، و لكنه عز و جل خلقها في ستة أيام ليظهر للملائكة ما يخلقه منها شيئا بعد شي ء، فتستدل بحدوث ما يحدث على الله تعالى ذكره". و روى الصدوق في كتاب عيون أخبار الرضا عليه السلام بإسناده عن الحسين بن علي عليهما السلام" قال: كان علي بن أبي طالب عليه السلام بالكوفة في الجامع إذ قام إليه رجل من أهل الشام فقال يا أمير المؤمنين: إني أسألك عن أشياء فقال:

أخبرني عن أول ما خلق الله؟ فقال: النور، و روي في بعض الأخبار عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم أنه قال: أول ما خلق الله نوري، و في بعضها: أول ما خلق الله روحي، و روى الكليني و غيره بأسانيدهم عن أبي عبد الله أنه قال: إن الله خلق العقل، و هو أول خلق من

ص: 224

الروحانيين عن يمين العرش من نوره، فالخبر الأخير لا يدل على تقدم العقل على جميع الموجودات، بل على خلق الروحانيين، و يمكن أن يكون خلقها متأخرا عن خلق الماء و الهواء، و أما الخبران الآخران فيمكن حملهما على الأولية الإضافية و الجمع بينهما ظاهر، لجواز اتحادهما و يمكن حمل أخبار الماء على الأولية الإضافية أيضا بأن يكون خلق الروحانيين مقدما على خلق الماء، و الأول أظهر و يؤيده ما سننقله من خبر الأبرش و قد فصلنا الكلام في هذا المراد في كتاب بحار الأنوار في كتاب العقل و كتاب السماء و العالم. قوله:" فإن بعض من سألته قال القدر" لعل هذا القائل زعم أن تقديره تعالى جوهر، و يحتمل أن يكون مراده بالقدر اللوح المثبت فيه تقديرات الأمور، و في توحيد الصدوق" القدرة" و هو مبني على قول من قال بزيادة صفاته تعالى و أنها مخلوقة له.

قوله: و قال بعضهم:" القلم" أقول: و قد ورد ذلك في بعض أخبارنا أيضا رواه علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال:" أول ما خلق الله القلم، فقال له اكتب فكتب ما كان و ما هو كائن إلى يوم القيامة" و لعل المراد الأولية بالإضافة إلى جنسه من الملائكة، أو بعض المخلوقات و غيرهم، و يؤيده ما رواه علي بن إبراهيم أيضا عن أبيه عن ابن أبي عمير عن عبد الرحيم القصير عن أبي عبد الله عليه السلام: قال:" سألته عن ن و القلم؟ قال: إن الله خلق القلم من شجرة في الجنة يقال لها الخلد، ثم قال: لنهر في الجنة كن مدادا فجمد النهر و كان أشد بياضا من الثلج و أحلى من الشهد، ثم قال للقلم: اكتب، قال:

يا رب و ما اكتب؟ قال: اكتب ما كان و ما هو كائن إلى يوم القيامة، فكتب القلم في ورق أشد بياضا من الفضة و أصفى من الياقوت، ثم طواه فجعله في ركن العرش، ثم ختم على فم القلم، فلم ينطق بعد و لا ينطق أبدا فهو الكتاب المكنون الذي منه النسخ كلها أو لستم عربا، فكيف لا تعرفون معنى الكلام، و أحدكم يقول لصاحبه

ص: 225

انسخ ذلك الكتاب أو ليس ينسخ من كتاب آخر من الأصل و هو قوله (إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).

و روى الصدوق في كتبه مثل هذا الخبر بأسانيد أخر، و روى العياشي أيضا بإسناد آخر مثله، فظهر أن أوليته و إضافيته لتقدم الجنة و غيرها عليه، و في التوحيد" و قال بعضهم العلم" و هو أيضا مبني على ما مر.

قوله عليه السلام:" و لا أحد كان قبل عزه" أي لم تكن قبل عزه أحد يكون عزه به و استدل عليه بقوله:" رب العزة" إذ هو يدل على أنه تعالى سبب كل عزة، فلو كان عزه بغيره كان ذلك الغير رب العزة، و في التوحيد" و كان عزيزا و لا عز" لأنه كان قبل عزه و ذلك.

قوله عليه السلام:" إلخ و لعل المراد أنه كان غالبا و عزيزا قبل أن يظهر عزه و غلبته على الأشياء بخلقها، و لذا قال:" رب العزة" إذ فعلية العزة و ظهورها مسبب عنه، قوله:" و لو كان أول ما خلق من خلقه الشي ء من الشي ء" أي لو كان كما تقوله الحكماء كل حادث مسبوق بمادة، فلا يتحقق شي ء يكون أول الأشياء من الحوادث فيلزم وجود قديم سوى الله تعالى، و هو محال، و في التوحيد" و كان خالقا و لا مخلوق" فأول شي ء خلقه من خلقه الشي ء الذي جميع الأشياء منه، و هو الماء، فقال السائل فالشي ء خلقه من شي ء أو من لا شي ء، فقال: خلق الشي ء لا من شي ء كان قبله و لو خلق الشي ء من شي ء إذا لم يكن له انقطاع، و لعل هذه الزوائد سقطت من نساخ الكتاب، و لا يخفى صراحة هذا الخبر في حدوث العالم بالمعنى الذي اتفق عليه المليون، لا بالحدوث الذاتي الذي تأوله الملحدون.

قوله:" فجعل نسب كل شي ء إلى الماء" بأن خلق جميعها منه لآيات قال:" وَ جَعَلْنا

ص: 226

مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْ ءٍ حَيٍّ" لأنه ظاهرا مختص بذوي الحياة، و لا يشمل كل شي ء.

قوله عليه السلام:" فخلق من ذلك الزبد أرضا بيضاء" يدل على أن الأرض مخلوق من زبد البحر، و قد دلت عليه أخبار كثيرة، منها ما رواه الصدوق في خبر الشامي" أنه سأل أمير المؤمنين مم خلقت الأرض؟ قال: من زبد الماء" و روى علي بن إبراهيم في تفسيره أنه قال أبو عبد الله عليه السلام لأبرش الكلبي:" يا أبرش هو كما وصف نفسه كان عرشه على الماء، و الماء على الهواء، و الهواء لا يحد، و لم يكن يومئذ خلق غيرهما، و الماء يومئذ عذب فرات، فلما أراد أن يخلق الأرض أمر الرياح فضربت الماء حتى صار موجا ثم أزبد فصار زبدا واحدا فجمعه في موضع البيت، ثم جعله جبلا من زبد، ثم دحى الأرض من تحته، فقال الله تبارك و تعالى:" أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً" و في تفسير علي بن إبراهيم فسلط العقيم على الماء فضربته فأكثرت الموج و الزبد، و جعل يثور دخانه في الهواء، فلما بلغ الوقت الذي أراد: قال للزبد: اجمد فجمد، و قال للموج: اجمد فجمد، فجعل الزبد أرضا و جعل الموج جبالا رواسي للأرض. قوله عليه السلام:" حتى ثار من الماء دخان" يدل على أن السماوات خلقت من الدخان كما هو ظاهر قوله تعالى:" ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَ هِيَ دُخانٌ" و يدل عليه خبر الأبرش حيث قال له أبو عبد الله عليه السلام:" ثم مكث الرب تبارك و تعالى ما شاء، فلما أراد أن يخلق السماء أمر الرياح فضربت البحور حتى أزبدتها فخرج من ذلك الموج و الزبد من وسطه دخان ساطع من غير نار فخلق منه السماء، و جعل فيها البروج و النجوم و منازل الشمس و القمر، فأجراهما في الفلك و كانت السماء خضراء

ص: 227

فَوَضَعَهَا فَوْقَ الْأَرْضِ ثُمَّ نَسَبَ الْخَلِيقَتَيْنِ فَرَفَعَ السَّمَاءَ قَبْلَ الْأَرْضِ فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ ذِكْرُهُ-

على لون الماء الأخضر، و كانت الأرض غبراء على لون الماء العذب و كانتا مرتوقتين ليس لهما أبواب، و لم تكن للأرض أبواب و هو النبت و لم تقطر السماء عليها فتنبت ففتق السماء بالمطر، و الأرض بالنبات و ذلك قوله عز و جل (أَ وَ لَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما).

فقال الأبرش: و الله ما حدثني بمثل هذا الحديث أحد قط أعد علي فأعاد عليه و كان الأبرش ملحدا فقال: و أنا أشهد أنك ابن نبي الله ثلاث مرات، و لعل مراده عليه السلام بقوله:" من غير نار" كون ارتفاع الدخان بعد خمود النار أو المراد أنه لم يرتفع مع الدخان أجزاء نارية، قوله تعالى:" السَّماءُ بَناها".

قال البيضاوي: ثم بين البناء فقال:" رَفَعَ سَمْكَها" أي جعل مقدار ارتفاعها من الأرض أو ثخنها الذاهب في العلو رفيعا" فَسَوَّاها" فعدلها أو فجعلها مستوية أو فتممها بما يتم به كمالها من الكواكب و التداوير و غيرها، من قولهم سوى فلان أمره إذا أصلحه" وَ أَغْطَشَ لَيْلَها" أظلمه منقول من غطش الليل إذا أظلم، و إنما أضافه إليها لأنه يحدث بحركتها" وَ أَخْرَجَ ضُحاها" و أبرز ضوء شمسها كقوله تعالى وَ الشَّمْسِ وَ ضُحاها يريد النهار" وَ الْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها" بسطها و مهدها.

للسكنى.

قوله عليه السلام:" و لا شمس و لا قمر" أي لم يكن لها في أول خلقها شمس و لا قمر و لا نجوم، و لذا" رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها وَ أَغْطَشَ لَيْلَها وَ أَخْرَجَ ضُحاها" فكان حصول هذه الأمور لها بعد خلقها، و كانت في بدو خلقها قبل رفعها و وضعها و ترتيبها خالية عن جميع ذلك.

قوله عليه السلام:" ثم نسب الخليقتين" أي رتبهما في الوضع، و جعل إحداهما

ص: 228

وَ الْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها يَقُولُ بَسَطَهَا فَقَالَ لَهُ الشَّامِيُّ يَا أَبَا جَعْفَرٍ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى-

فوق الأخرى، أو بين نسبة خلقهما في كتابه بقوله" وَ الْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها" فبين أن دحو الأرض بعد رفع السماء، و لنذكر هنا وجه الجمع بين الآيات التي وردت في تقدم خلق الأرض على السماء و تأخره، إذ زعم بعض الملاحدة أن فيها تناقضا.

فأما الآيات الواردة في ذلك فالأولى منها قوله تعالى:" قُلْ أَ إِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَ تَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ وَ جَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَ بارَكَ فِيها وَ قَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ، ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَ هِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَ لِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ" و الثانية قوله تعالى" هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَ هُوَ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَلِيمٌ" فهاتان الآيتان تدلان على أن خلق الأرض قبل السماء، و الثالثة قوله تعالى" أَ أَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها وَ أَغْطَشَ لَيْلَها وَ أَخْرَجَ ضُحاها وَ الْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَ مَرْعاها وَ الْجِبالَ أَرْساها" و ظاهرها تأخر خلق الأرض عن السماء.

و أجيب عن هذا الإشكال بوجهين: أحدهما: إن خلق الأرض قبل السماء، إلا أن دحوها متأخر عن خلق السماء و استشكل بوجهين:

الأول: إن الأرض جسم عظيم فامتنع انفكاك خلقها عن التدحية، فإذا كانت التدحية متأخرة عن خلق السماء كان خلقها لا محالة أيضا متأخرا عن خلق السماء.

و الثاني: إن الآية الثانية تدل على أن خلق الأرض و خلق كل ما فيها مقدم خلق السماء، و خلق الأشياء في الأرض لا يكون إلا بعد ما كانت مدحوة.

ص: 229

و أجيب عن الأول: بأنا لا نسلم امتناع انفكاك خلق الأرض عن دحوها و المناقشة في إطلاق خلق الأرض على إيجادها غير مدحوة، مناقشة لفظية و عن الثاني بأن قوله تعالى:" وَ الْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها" يقتضي تقدم خلق السماء على دحو الأرض، و لا يقتضي تقدم تسوية السماء على دحو الأرض فجاز أن تكون تسوية السماء متأخرة عن دحو الأرض، فيكون خلق الأرض قبل خلق السماء، و خلق السماء قبل دحو الأرض، و دحو الأرض قبل تسوية السماء فارتفع التنافي.

و يرد عليه: أن الآية الثالثة تقتضي تقدم تسوية السماء على دحو الأرض، و الثانية تقتضي تقدم خلق الأرض بما فيها عن تسويتها سبع سماوات و خلق ما في الأرض قبل دحوها مستبعد.

و يمكن أن يجاب: بأن المراد بالخلق في الثانية التقدير، و هو شائع في العرف و اللغة أو بأن المراد بخلق ما في الأرض خلق موادها كما أن خلق الأرض قبل دحوها عبارة عن مثل ذلك، فتكون تسوية السماء متقدمة على دحو الأرض كما هو ظاهر الآية الثالثة، و هذا الخبر، أو بأن يفرق بين تسويتها المذكورة في الثالثة و بين تسويتها سبع سماوات كما في الثانية، و حينئذ فتسويتها مطلقا متقدمة على دحو الأرض و تسويتها سبعا متأخرة عنه، و لعل هذا أوفق في الجمع.

أو بأن يقال: الفاء في قوله تعالى:" فَسَوَّاها" بمعنى ثم، و المشار إليه بذلك في قوله تعالى:" وَ الْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها" هو بناء السماء و خلقها، لا مجموع ما ذكر قبله، أو بأن يقال: كلمة ثم في الثانية للترتيب الذكري، و تقديم خلق ما في الأرض في معرض الامتنان لمزيد الاختصاص، فيكون خلق ما في الأرض بعد دحوها كما هو الظاهر، و تسوية السماء متقدمة عليه و على دحو الأرض كما هو ظاهر الآية الثالثة، لكن هذا لا يخلو عن نوع منافرة لظاهر الآية الأولى، و قد أوردنا بعض التوجيهات لها في شرح الحديث السابع عشر بعد المائة.

ص: 230

أَ وَ لَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ ع فَلَعَلَّكَ تَزْعُمُ أَنَّهُمَا كَانَتَا رَتْقاً مُلْتَزِقَتَيْنِ مُلْتَصِقَتَيْنِ فَفُتِقَتْ إِحْدَاهُمَا مِنَ الْأُخْرَى فَقَالَ نَعَمْ فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع اسْتَغْفِرْ رَبَّكَ فَإِنَّ قَوْلَ اللَّهِ جَلَّ وَ عَزَّ كانَتا رَتْقاً يَقُولُ كَانَتِ السَّمَاءُ رَتْقاً لَا تُنْزِلُ الْمَطَرَ وَ كَانَتِ الْأَرْضُ رَتْقاً لَا تُنْبِتُ الْحَبَّ فَلَمَّا خَلَقَ اللَّهُ تَبَارَكَ

و قال البيضاوي: كلمة ثم في آيتي البقرة و السجدة أي الأولى و الثانية لتفاوت ما بين الخلقين، و فضل خلق السماء على خلق الأرض كقوله تعالى:" ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا" لا للتراخي في المدة، فإنه يخالف ظاهر قوله تعالى:" وَ الْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها" فإنه يدل على تأخر دحو الأرض المتقدم على خلق ما فيها عن خلق السماء و تسويتها، إلا أن يستأنف بدحاها مقدرا لنصب الأرض فعلا آخر دل عليه" أَ أَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً" مثل تعرف الأرض و تدبر أمرها بعد ذلك، لكنه خلاف الظاهر انتهى.

و الوجه الثاني: مما قد أجيب به عن أصل الإشكال أن يقال كلمة بعد في الآية الثالثة ليست لتأخر الزمان، إنما هو على جهة تعداد النعم و الأذكار لها، كما يقول القائل أ ليس قد أعطيتك و فعلت بك كذا و كذا، و بعد ذلك خلطتك، و ربما يكون بعض ما تقدم في اللفظ متأخرا بحسب الزمان، لأنه لم يكن الغرض الإخبار عن الأوقات و الأزمنة، بل المراد ذكر النعم و التنبيه عليها و ربما اقتضت الحال إيراد الكلام على هذا الوجه.

قوله تعالى:" أَ وَ لَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا" قال البيضاوي: أي أو لم يعلموا و قرأ ابن كثير بغير واو" أَنَّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً" ذات رتق أو مرتوقتين، و هو الضم و الالتحام أي كانتا شيئا واحدا، و حقيقة متحدة ففتقنا هما بالتنويع و التميز أو كانت السماوات واحدة ففتقت بالتحريكات المختلفة، حتى صارت أفلاكا و كانت الأرضون واحدة، فجعلت باختلاف كيفيتها و أحوالها طبقات أو أقاليم.

ص: 231

وَ تَعَالَى الْخَلْقَ وَ بَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ* فَتَقَ السَّمَاءَ بِالْمَطَرِ وَ الْأَرْضَ بِنَبَاتِ الْحَبِّ فَقَالَ الشَّامِيُّ أَشْهَدُ أَنَّكَ مِنْ وُلْدِ الْأَنْبِيَاءِ وَ أَنَّ عِلْمَكَ عِلْمُهُمْ

68 مُحَمَّدٌ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ رَزِينٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ وَ الْحَجَّالِ عَنِ الْعَلَاءِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ قَالَ لِي أَبُو جَعْفَرٍ ع كَانَ كُلُّ شَيْ ءٍ مَاءً وَ كانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ فَأَمَرَ اللَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ الْمَاءَ فَاضْطَرَمَ نَاراً ثُمَّ أَمَرَ النَّارَ فَخَمَدَتْ فَارْتَفَعَ مِنْ خُمُودِهَا دُخَانٌ فَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ مِنْ ذَلِكَ الدُّخَانِ وَ خَلَقَ الْأَرْضَ مِنَ الرَّمَادِ ثُمَّ اخْتَصَمَ الْمَاءُ وَ النَّارُ وَ الرِّيحُ فَقَالَ الْمَاءُ أَنَا جُنْدُ اللَّهِ الْأَكْبَرُ وَ قَالَتِ الرِّيحُ أَنَا جُنْدُ اللَّهِ الْأَكْبَرُ وَ قَالَتِ النَّارُ أَنَا جُنْدُ اللَّهِ الْأَكْبَرُ فَأَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَى الرِّيحِ أَنْتِ

و قيل: كانتا بحيث لا فرجة بينهما ففرج، و قيل: كانتا رتقا لا تمطر، و لا تنبت ففتقناهما بالمطر و النبات، فيكون المراد بالسماوات سماء الدنيا و جمعها باعتبار الآفاق أو السماوات بأسرها، على أن لها مدخلا في الأمطار، و الكفرة و إن لم يعلموا ذلك فهم متمكنون من العلم به نظرا، فإن الفتق عارض يفتقر إلى مؤثر واجب ابتداء أو بواسطة أو استفسارا من العلماء و مطالعة الكتب، و إنما قال: كانتا و لم يقل كن لأن المراد جماعة السماوات، و جماعة الأرض انتهى.

أقول: يظهر من بعض خطب أمير المؤمنين أن المراد بالفتق جعل الفرج بين كل منهما، حيث قال:" ثم فتق ما بين السماوات العلى فملأهن هن أطوارا من ملائكته" لكنه ليس بصريح في كونه تفسيرا لهذه الآية.

الحديث الثامن و الستون

الحديث الثامن و الستون

: صحيح.

قوله عليه السلام:" و خلق الأرض من الرماد، لعل المراد أن بقية الأرض التي حصلت بعد الدحو كانت مادتها الدخان، و يحتمل أيضا أن يكون الزبد المذكور في الأخبار الأخر مادة بعيدة للأرض بأن يكون الرماد حصل من الزبد، و من الرماد تكونت الأرض، أو يكون الرماد أحد أجزاء الأرض مزج بالزبد، فجمد الزبد بذلك المزج و تصلب.

ص: 232

جُنْدِيَ الْأَكْبَرُ

حَدِيثُ الْجِنَانِ وَ النُّوقِ

69 عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الْمَدَنِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص سُئِلَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً فَقَالَ يَا عَلِيُّ إِنَّ الْوَفْدَ لَا يَكُونُونَ إِلَّا رُكْبَاناً أُولَئِكَ رِجَالٌ اتَّقَوُا اللَّهَ فَأَحَبَّهُمُ اللَّهُ وَ اخْتَصَّهُمْ وَ رَضِيَ أَعْمَالَهُمْ فَسَمَّاهُمُ الْمُتَّقِينَ ثُمَّ قَالَ لَهُ يَا عَلِيُّ أَمَا وَ الَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَ بَرَأَ النَّسَمَةَ إِنَّهُمْ لَيَخْرُجُونَ مِنْ قُبُورِهِمْ وَ إِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَسْتَقْبِلُهُمْ بِنُوقٍ مِنْ نُوقِ الْعِزِّ عَلَيْهَا رَحَائِلُ الذَّهَبِ مُكَلَّلَةً بِالدُّرِّ وَ الْيَاقُوتِ وَ جَلَائِلُهَا الْإِسْتَبْرَقُ وَ السُّنْدُس

الحديث التاسع و الستون [حديث الجنان و النوق]

الحديث التاسع و الستون [حديث الجنان و النوق]

: حديث الجنان و النوق: مجهول.

قوله تعالى:" وَفْداً" أي وافدين، عليه، كما تفد الوفاد على الملوك، منتظرين لكرامتهم، و إنعامهم قوله صلى الله عليه و آله و سلم:" من نوق العز" النوق بالضم: جمع ناقة أي النوق التي يعز من يركب عليها، أي نسبت إلى عزه تعالى لرفعتها، و ظهور قدرة الله فيها، أو هي عزيزة في نفسها.

قوله صلى الله عليه و آله و سلم:" رحائل الذهب" كأنه جمع رحالة ككتابة، و هي السرج أو من جلود لا خشب فيه، يتخذ للركض الشديد، قوله صلى الله عليه و آله:" مكللة" أي محفوفة مزينة.

قوله صلى الله عليه و آله و سلم:" و جلائلها" كأنه كان جلالها بالكسر جمع جل بالضم، كما هو في تفسير علي بن إبراهيم" و جلائل" إنما هو جمع جليلة بمعنى الثمام: و يمكن أن يكون جليلة بمعنى الجل أيضا، أو يكون جمع جمع، و الإستبرق: الديباج الغليظ فارسي معرب. و السندس: الديباج الرقيق.

ص: 233

وَ خُطُمُهَا جُدُلُ الْأُرْجُوَانِ تَطِيرُ بِهِمْ إِلَى الْمَحْشَرِ مَعَ كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ أَلْفُ مَلَكٍ مِنْ قُدَّامِهِ وَ عَنْ يَمِينِهِ وَ عَنْ شِمَالِهِ يَزُفُّونَهُمْ زَفّاً حَتَّى يَنْتَهُوا بِهِمْ إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ الْأَعْظَمِ وَ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ شَجَرَةٌ إِنَّ الْوَرَقَةَ مِنْهَا لَيَسْتَظِلُّ تَحْتَهَا أَلْفُ رَجُلٍ مِنَ النَّاسِ وَ عَنْ يَمِينِ الشَّجَرَةِ عَيْنٌ مُطَهِّرَةٌ مُزَكِّيَةٌ قَالَ فَيُسْقَوْنَ مِنْهَا شَرْبَةً فَيُطَهِّرُ اللَّهُ بِهَا قُلُوبَهُمْ مِنَ الْحَسَدِ وَ يُسْقِطُ مِنْ أَبْشَارِهِمُ الشَّعْرَ وَ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- وَ سَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً مِنْ تِلْكَ الْعَيْنِ الْمُطَهِّرَةِ قَالَ ثُمَّ يَنْصَرِفُونَ إِلَى عَيْنٍ أُخْرَى عَنْ يَسَارِ الشَّجَرَةِ فَيَغْتَسِلُونَ فِيهَا وَ هِيَ عَيْنُ الْحَيَاةِ فَلَا يَمُوتُونَ أَبَداً قَالَ ثُمَّ يُوقَفُ بِهِمْ قُدَّامَ الْعَرْشِ وَ قَدْ سَلِمُوا مِنَ الْآفَاتِ وَ الْأَسْقَامِ وَ الْحَرِّ وَ الْبَرْدِ أَبَداً قَالَ فَيَقُولُ الْجَبَّارُ جَلَّ ذِكْرُهُ لِلْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ مَعَهُمْ احْشُرُوا أَوْلِيَائِي إِلَى الْجَنَّةِ وَ لَا تُوقِفُوهُمْ مَعَ الْخَلَائِقِ فَقَدْ سَبَقَ رِضَايَ عَنْهُمْ وَ وَجَبَتْ رَحْمَتِي لَهُمْ وَ كَيْفَ أُرِيدُ أَنْ أُوقِفَهُمْ مَعَ أَصْحَابِ الْحَسَنَاتِ وَ السَّيِّئَاتِ قَالَ فَتَسُوقُهُمُ الْمَلَائِكَةُ إِلَى الْجَنَّةِ فَإِذَا انْتَهَوْا بِهِمْ إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ الْأَعْظَمِ ضَرَبَ الْمَلَائِكَةُ الْحَلْقَةَ ضَرْبَةً

قوله صلى الله عليه و آله و سلم:" جدل الأرجوان" قال الجوهري: يقال جدلت الحبل أجد له جدلا: أي فتلته فتلا محكما، و قال: الأرجوان صبغ أحمر شديد الحمرة. قال:

أبو عبيد و هو الذي يقال له النشاستج، قال: و البهرمان دونه، و يقال: أيضا الأرجوان معرب، و هو بالفارسية أرغوان، و كل لون يشبهه فهو أرجوان، و الخطم بضمتين جمع خطام بالكسر: و هو الزمام، أي أزمتها من حبل مفتول أرغواني.

قوله صلى الله عليه و آله و سلم:" يزفونهم زفا" أي يذهبون بهم على غاية الكرامة كما يزف العروس إلى زوجها، أو يسرعون بهم.

قوله صلى الله عليه و آله و سلم:" ثم يوقف بهم" ظاهره أنهم يردون أولا باب الجنة ثم إلى الموقف ثم يرجعون إلى الجنة.

ص: 234

فَتَصِرُّ صَرِيراً يَبْلُغُ صَوْتُ صَرِيرِهَا كُلَّ حَوْرَاءَ أَعَدَّهَا اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لِأَوْلِيَائِهِ فِي الْجِنَانِ فَيَتَبَاشَرْنَ بِهِمْ إِذَا سَمِعْنَ صَرِيرَ الْحَلْقَةِ فَيَقُولُ بَعْضُهُنَّ لِبَعْضٍ قَدْ جَاءَنَا أَوْلِيَاءُ اللَّهِ فَيُفْتَحُ لَهُمُ الْبَابُ فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَ تُشْرِفُ عَلَيْهِمْ أَزْوَاجُهُمْ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ وَ الْآدَمِيِّينَ فَيَقُلْنَ مَرْحَباً بِكُمْ فَمَا كَانَ أَشَدَّ شَوْقَنَا إِلَيْكُمْ وَ يَقُولُ لَهُنَّ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ مِثْلَ ذَلِكَ- فَقَالَ عَلِيٌّ ع يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنَا عَنْ قَوْلِ اللَّهِ جَلَّ وَ عَزَّ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ بِمَا ذَا بُنِيَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ يَا عَلِيُّ تِلْكَ غُرَفٌ بَنَاهَا اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لِأَوْلِيَائِهِ بِالدُّرِّ وَ الْيَاقُوتِ وَ الزَّبَرْجَدِ سُقُوفُهَا الذَّهَبُ مَحْبُوكَةٌ بِالْفِضَّةِ لِكُلِّ غُرْفَةٍ مِنْهَا أَلْفُ بَابٍ مِنْ ذَهَبٍ عَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْهَا مَلَكٌ مُوَكَّلٌ بِهِ فِيهَا فُرُشٌ مَرْفُوعَةٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ مِنَ الْحَرِيرِ وَ الدِّيبَاجِ بِأَلْوَانٍ مُخْتَلِفَةٍ وَ حَشْوُهَا الْمِسْكُ وَ الْكَافُورُ وَ الْعَنْبَرُ وَ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- وَ فُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ إِذَا أُدْخِلَ الْمُؤْمِنُ إِلَى مَنَازِلِهِ فِي الْجَنَّةِ وَ وُضِعَ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْمُلْكِ وَ الْكَرَامَةِ أُلْبِسَ حُلَلَ الذَّهَبِ وَ الْفِضَّةِ وَ الْيَاقُوتِ وَ الدُّرِّ الْمَنْظُومِ فِي الْإِكْلِيلِ

قوله:" و الآدميين" يظهر منه سبق دخول النساء على دخول الرجال، و لعله أيضا لكرامة الرجال، ليتهيأن لهم قوله صلى الله عليه و آله و سلم:" غرف مبنية" في القراءات المشهورة" غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ" و لعلها كانت في قراءة أهل البيت عليهم السلام، هكذا قوله صلى الله عليه و آله و سلم:

" محبوكة" قال الفيروزآبادي: الحبك: الشد و الأحكام. و تحسين أثر الصنعة في الثوب، يحبكه و حبكه كأحبكه فهو حبيك و محبوك، و التحبيك: التوثيق و التخطيط.

قوله تعالى:" وَ فُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ" فسرها عليه السلام بنضد بعضها فوق بعض، كما ذكره أكثر المفسرين، و قيل: المراد رفيعة القدر، و قيل: هي كناية عن النساء و ارتفاعها هو كونها على الأرائك.

ص: 235

تَحْتَ التَّاجِ قَالَ وَ أُلْبِسَ سَبْعِينَ حُلَّةَ حَرِيرٍ بِأَلْوَانٍ مُخْتَلِفَةٍ وَ ضُرُوبٍ مُخْتَلِفَةٍ مَنْسُوجَةً بِالذَّهَبِ وَ الْفِضَّةِ وَ اللُّؤْلُؤِ وَ الْيَاقُوتِ الْأَحْمَرِ فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَ جَلَّ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَ لُؤْلُؤاً وَ لِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ فَإِذَا جَلَسَ الْمُؤْمِنُ عَلَى سَرِيرِهِ اهْتَزَّ سَرِيرُهُ فَرَحاً فَإِذَا اسْتَقَرَّ لِوَلِيِّ اللَّهِ جَلَّ وَ عَزَّ مَنَازِلُهُ فِي الْجِنَانِ اسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِجِنَانِهِ لِيُهَنِّئَهُ بِكَرَامَةِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ إِيَّاهُ فَيَقُولُ لَهُ خُدَّامُ الْمُؤْمِنِ مِنَ الْوُصَفَاءِ وَ الْوَصَائِفِ مَكَانَكَ فَإِنَّ وَلِيَّ اللَّهِ قَدِ اتَّكَأَ عَلَى أَرِيكَتِهِ وَ زَوْجَتُهُ الْحَوْرَاءُ تَهَيَّأُ لَهُ فَاصْبِرْ لِوَلِيِّ اللَّهِ قَالَ فَتَخْرُجُ عَلَيْهِ زَوْجَتُهُ الْحَوْرَاءُ مِنْ خَيْمَةٍ لَهَا تَمْشِي مُقْبِلَةً وَ حَوْلَهَا وَصَائِفُهَا وَ عَلَيْهَا سَبْعُونَ حُلَّةً

قوله صلى الله عليه و آله و سلم:" بألوان مختلفة" قيل: كأنه إشارة إلى أن التحتاني يسع كل الغرفة و الذي فوقه لا يسع كلها، بل يظهر من جوانبها لون التحتاني، و على هذا القياس.

قوله صلى الله عليه و آله و سلم:" و الياقوت" مبتدأ و الإكليل بالكسر: شبه عصابة تزين بالجواهر.

قوله:" اهتز" أي تحرك و استبشر.

قوله صلى الله عليه و آله و سلم:" من الوصفاء" قال الفيروزآبادي: الوصيف كأمير: الخادم و الخادمة، و الجمع وصفاء كالوصيفة، و الجمع وصائف.

قوله:" مكانك" أي ألزم مكانك.

قوله صلى الله عليه و آله و سلم:" على أريكته" قال الفيروزآبادي: الأريكة كسفينة: سرير في حجلة أو كل ما يتكأ عليه من سرير، و منصة و فراش، أو سرير منجد مزين في قبة أو بيت، فإذا لم يكن فيه سرير فهو حجلة.

قوله صلى الله عليه و آله:" تهيأ له" على صيغة المضارع بحذف إحدى التائين.

ص: 236

مَنْسُوجَةً بِالْيَاقُوتِ وَ اللُّؤْلُؤِ وَ الزَّبَرْجَدِ وَ هِيَ مِنْ مِسْكٍ وَ عَنْبَرٍ وَ عَلَى رَأْسِهَا تَاجُ الْكَرَامَةِ وَ عَلَيْهَا نَعْلَانِ مِنْ ذَهَبٍ مُكَلَّلَتَانِ بِالْيَاقُوتِ وَ اللُّؤْلُؤِ شِرَاكُهُمَا يَاقُوتٌ أَحْمَرُ فَإِذَا دَنَتْ مِنْ وَلِيِّ اللَّهِ فَهَمَّ أَنْ يَقُومَ إِلَيْهَا شَوْقاً فَتَقُولُ لَهُ يَا وَلِيَّ اللَّهِ لَيْسَ هَذَا يَوْمَ تَعَبٍ وَ لَا نَصَبٍ فَلَا تَقُمْ أَنَا لَكَ وَ أَنْتَ لِي قَالَ فَيَعْتَنِقَانِ مِقْدَارَ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ مِنْ أَعْوَامِ الدُّنْيَا لَا يُمِلُّهَا وَ لَا تُمِلُّهُ قَالَ فَإِذَا فَتَرَ بَعْضَ الْفُتُورِ مِنْ غَيْرِ مَلَالَةٍ نَظَرَ إِلَى عُنُقِهَا فَإِذَا عَلَيْهَا قَلَائِدُ مِنْ قَصَبٍ مِنْ يَاقُوتٍ أَحْمَرَ وَسَطُهَا لَوْحٌ صَفْحَتُهُ دُرَّةٌ مَكْتُوبٌ فِيهَا أَنْتَ يَا وَلِيَّ اللَّهِ حَبِيبِي وَ أَنَا الْحَوْرَاءُ حَبِيبَتُكَ إِلَيْكَ تَنَاهَتْ نَفْسِي وَ إِلَيَّ تَنَاهَتْ نَفْسُكَ ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ إِلَيْهِ أَلْفَ مَلَكٍ يُهَنِّئُونَهُ بِالْجَنَّةِ وَ يُزَوِّجُونَهُ بِالْحَوْرَاءِ قَالَ فَيَنْتَهُونَ إِلَى أَوَّلِ بَابٍ مِنْ جِنَانِهِ فَيَقُولُونَ لِلْمَلَكِ الْمُوَكَّلِ بِأَبْوَابِ جِنَانِهِ اسْتَأْذِنْ لَنَا عَلَى وَلِيِّ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ بَعَثَنَا إِلَيْهِ نُهَنِّئُهُ فَيَقُولُ لَهُمُ الْمَلَكُ حَتَّى أَقُولَ لِلْحَاجِبِ فَيُعْلِمَهُ بِمَكَانِكُمْ قَالَ فَيَدْخُلُ الْمَلَكُ إِلَى الْحَاجِبِ وَ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ الْحَاجِبِ ثَلَاثُ جِنَانٍ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى أَوَّلِ بَابٍ فَيَقُولُ لِلْحَاجِبِ إِنَّ عَلَى بَابِ الْعَرْصَةِ أَلْفَ مَلَكٍ أَرْسَلَهُمْ رَبُّ الْعَالَمِينَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى لِيُهَنِّئُوا وَلِيَّ اللَّهِ وَ قَدْ سَأَلُونِي أَنْ آذَنَ لَهُمْ عَلَيْهِ فَيَقُولُ الْحَاجِبُ إِنَّهُ لَيَعْظُمُ عَلَيَّ أَنْ أَسْتَأْذِنَ لِأَحَدٍ عَلَى وَلِيِّ اللَّهِ وَ هُوَ

قوله صلى الله عليه و آله و سلم:" هي من مسك و عنبر" لعل المراد أن أصل تلك الثياب من نوع من المسك و العنبر، يمكن نسجها و لبسها أو من شي ء عطرة كالمسك و العنبر لكنها نظمت و نسجت بالياقوت و اللؤلؤ، و في تفسير علي بن إبراهيم صبغن بمسك و عنبر.

قوله صلى الله عليه و آله و سلم:" و شراكهما" هو ككتاب سير النعل.

قوله:" تناهت نفسي" التناهي: بلوغ النهاية أي بلغت محبتي و شوقي إليك إلى النهاية، و في بعض النسخ تاقت في الموضعين أي اشتاقت، و هو أظهر قوله:

عز و جل" وَ دانِيَةً" قال البيضاوي: حال أو صفة أخرى معطوفة على ما قبلها،

ص: 237

مَعَ زَوْجَتِهِ الْحَوْرَاءِ قَالَ وَ بَيْنَ الْحَاجِبِ وَ بَيْنَ وَلِيِّ اللَّهِ جَنَّتَانِ قَالَ فَيَدْخُلُ الْحَاجِبُ إِلَى الْقَيِّمِ فَيَقُولُ لَهُ إِنَّ عَلَى بَابِ الْعَرْصَةِ أَلْفَ مَلَكٍ أَرْسَلَهُمْ رَبُّ الْعِزَّةِ يُهَنِّئُونَ وَلِيَّ اللَّهِ فَاسْتَأْذِنْ لَهُمْ فَيَتَقَدَّمُ الْقَيِّمُ إِلَى الْخُدَّامِ فَيَقُولُ لَهُمْ إِنَّ رُسُلَ الْجَبَّارِ عَلَى بَابِ الْعَرْصَةِ وَ هُمْ أَلْفُ مَلَكٍ أَرْسَلَهُمُ اللَّهُ يُهَنِّئُونَ وَلِيَّ اللَّهِ فَأَعْلِمُوهُ بِمَكَانِهِمْ قَالَ فَيُعْلِمُونَهُ فَيُؤْذَنُ لِلْمَلَائِكَةِ فَيَدْخُلُونَ عَلَى وَلِيِّ اللَّهِ وَ هُوَ فِي الْغُرْفَةِ وَ لَهَا أَلْفُ بَابٍ وَ عَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِهَا مَلَكٌ مُوَكَّلٌ بِهِ- فَإِذَا أُذِنَ لِلْمَلَائِكَةِ بِالدُّخُولِ عَلَى وَلِيِّ اللَّهِ فَتَحَ كُلُّ مَلَكٍ بَابَهُ الْمُوَكَّلَ بِهِ قَالَ فَيُدْخِلُ الْقَيِّمُ كُلَّ مَلَكٍ مِنْ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْغُرْفَةِ قَالَ فَيُبَلِّغُونَهُ رِسَالَةَ الْجَبَّارِ جَلَّ وَ عَزَّ وَ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى- وَ الْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْغُرْفَةِ- سَلامٌ عَلَيْكُمْ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ قَالَ وَ ذَلِكَ قَوْلُهُ جَلَّ وَ عَزَّ- وَ إِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَ مُلْكاً كَبِيراً يَعْنِي بِذَلِكَ وَلِيَّ اللَّهِ وَ مَا هُوَ فِيهِ مِنَ الْكَرَامَةِ وَ النَّعِيمِ وَ الْمُلْكِ الْعَظِيمِ الْكَبِيرِ إِنَّ الْمَلَائِكَةَ مِنْ رُسُلِ اللَّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ يَسْتَأْذِنُونِ ي الدُّخُولِ] عَلَيْهِ فَلَا يَدْخُلُونَ عَلَيْهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَلِذَلِكَ الْمُلْكُ الْعَظِيمُ الْكَبِيرُ قَالَ وَ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِ مَسَاكِنِهِمْ وَ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ وَ الثِّمَارُ دَانِيَةٌ مِنْهُمْ وَ هُوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَ جَلَّ- وَ دانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها وَ ذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلًا مِنْ قُرْبِهَا مِنْهُمْ يَتَنَاوَلُ الْمُؤْمِنُ مِنَ النَّوْعِ

أو عطف على جنة، أي و جنة أخرى دانية، عنى أنهم وعدوا جنتين كقوله تعالى:

" وَ لِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ" و قرأت بالرفع على أنها خبر ظلالها، و الجملة حال أو صفة،" وَ ذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلًا" معطوف على ما قبله أو حال من دانية، و تذليل القطوف أن تجعل سهلة التناول، و لا تمتنع على قطافها كيف شاءوا.

و قال الطبرسي (ره):" وَ دانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها" يعني أن أفياء أشجار تلك الجنة قريبة منهم، و قيل: إن ظلال الجنة لا تنسخها الشمس كما تنسخ ظلال الدنيا" وَ ذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلًا" أي و سخرت و سهل أخذ ثمارها تسخيرا، إن قام ارتفعت

ص: 238

الَّذِي يَشْتَهِيهِ مِنَ الثِّمَارِ بِفِيهِ وَ هُوَ مُتَّكِئٌ وَ إِنَّ الْأَنْوَاعَ مِنَ الْفَاكِهَةِ لَيَقُلْنَ لِوَلِيِّ اللَّهِ يَا وَلِيَّ اللَّهِ كُلْنِي قَبْلَ أَنْ تَأْكُلَ هَذَا قَبْلِي قَالَ وَ لَيْسَ مِنْ مُؤْمِنٍ فِي الْجَنَّةِ إِلَّا وَ لَهُ جِنَانٌ كَثِيرَةٌ مَعْرُوشَاتٌ وَ غَيْرُ مَعْرُوشَاتٍ وَ أَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ وَ أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ وَ أَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ وَ أَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ فَإِذَا دَعَا وَلِيُّ اللَّهِ بِغِذَائِهِ أُتِيَ بِمَا تَشْتَهِي نَفْسُهُ عِنْدَ طَلَبِهِ الْغِذَاءَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسَمِّيَ شَهْوَتَهُ قَالَ ثُمَّ يَتَخَلَّى مَعَ إِخْوَانِهِ وَ يَزُورُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً وَ يَتَنَعَّمُونَ فِي جَنَّاتِهِمْ فِي ظِلٍّ مَمْدُودٍ فِي مِثْلِ مَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ وَ أَطْيَبُ مِنْ ذَلِكَ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ سَبْعُونَ زَوْجَةً حَوْرَاءَ وَ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ مِنَ الْآدَمِيِّينَ وَ الْمُؤْمِنُ سَاعَةً مَعَ الْحَوْرَاءِ وَ سَاعَةً مَعَ الْآدَمِيَّةِ وَ سَاعَةً يَخْلُو بِنَفْسِهِ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئاً يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ وَ إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيَغْشَاهُ شُعَاعُ نُورٍ وَ هُوَ عَلَى أَرِيكَتِهِ وَ يَقُولُ لِخُدَّامِهِ مَا هَذَا الشُّعَاعُ اللَّامِعُ لَعَلَّ الْجَبَّارَ لَحَظَنِي فَيَقُولُ لَهُ خُدَّامُهُ قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ جَلَّ جَلَالُ اللَّهِ بَلْ هَذِهِ حَوْرَاءُ مِنْ نِسَائِكَ مِمَّنْ لَمْ تَدْخُلْ بِهَا بَعْدُ قَدْ أَشْرَفَتْ عَلَيْكَ مِنْ خَيْمَتِهَا شَوْقاً إِلَيْكَ وَ قَدْ تَعَرَّضَتْ لَكَ وَ أَحَبَّتْ لِقَاءَكَ فَلَمَّا أَنْ رَأَتْكَ مُتَّكِئاً عَلَى سَرِيرِكَ تَبَسَّمَتْ نَحْوَكَ شَوْقاً إِلَيْكَ فَالشُّعَاعُ الَّذِي رَأَيْتَ وَ النُّورُ الَّذِي غَشِيَكَ هُوَ مِنْ بَيَاضِ ثَغْرِهَا وَ صَفَائِهِ وَ نَقَائِهِ وَ رِقَّتِهِ قَالَ فَيَقُولُ وَلِيُّ اللَّهِ ائْذَنُوا لَهَا فَتَنْزِلَ إِلَيَّ فَيَبْتَدِرُ إِلَيْهَا أَلْفُ وَصِيفٍ وَ أَلْفُ وَصِيفَةٍ يُبَشِّرُونَهَا بِذَلِكَ فَتَنْزِلُ إِلَيْهِ مِنْ خَيْمَتِهَا وَ عَلَيْهَا سَبْعُونَ حُلَّةً مَنْسُوجَةً بِالذَّهَبِ وَ الْفِضَّةِ مُكَلَّلَةً بِالدُّرِّ وَ الْيَاقُوتِ وَ الزَّبَرْجَدِ صِبْغُهُنَّ الْمِسْكُ وَ الْعَنْبَرُ بِأَلْوَانٍ مُخْتَلِفَةٍ يُرَى مُخُّ سَاقِهَا مِنْ وَرَاءِ سَبْعِينَ حُلَّةً طُولُهَا سَبْعُونَ

بقدره و إن قعد نزلت عليه حتى ينالها، و إن اضطجع تدلت حتى تنالها يده.

قوله صلى الله عليه و آله و سلم:" و معروشات" أي مرفوعات على ما يحملها، و غير معروشات أي ملقيات على وجه الأرض قوله صلى الله عليه و آله و سلم:" لعل الجبار لحظني" لعل مراده أنه أفاض علي من أنواره فتقديس الخدام، إما لما يوهمه ظاهر كلامه، أو أنه أراد نوعا من اللحظ المعنوي، لا يناسب رفعة شأنه تعالى.

قوله صلى الله عليه و آله و سلم:" يرى مخ ساقها" روي في كتاب الاحتجاج عن هشام بن الحكم

ص: 239

ذِرَاعاً وَ عَرْضُ مَا بَيْنَ مَنْكِبَيْهَا عَشَرَةُ أَذْرُعٍ فَإِذَا دَنَتْ مِنْ وَلِيِّ اللَّهِ أَقْبَلَ الْخُدَّامُ بِصَحَائِفِ الذَّهَبِ وَ الْفِضَّةِ فِيهَا الدُّرُّ وَ الْيَاقُوتُ وَ الزَّبَرْجَدُ فَيَنْثُرُونَهَا عَلَيْهَا ثُمَّ يُعَانِقُهَا وَ تُعَانِقُهُ فَلَا يَمَلُّ وَ لَا تَمَلُّ قَالَ ثُمَّ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع أَمَّا الْجِنَانُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْكِتَابِ فَإِنَّهُنَّ جَنَّةُ عَدْنٍ وَ جَنَّةُ الْفِرْدَوْسِ وَ جَنَّةُ نَعِيمٍ وَ جَنَّةُ الْمَأْوَى قَالَ وَ إِنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ جِنَاناً مَحْفُوفَةً بِهَذِهِ الْجِنَانِ وَ إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيَكُونُ لَهُ مِنَ الْجِنَانِ مَا أَحَبَّ وَ اشْتَهَى يَتَنَعَّمُ فِيهِنَّ كَيْفَ يَشَاءُ وَ إِذَا أَرَادَ الْمُؤْمِنُ شَيْئاً أَوِ اشْتَهَى إِنَّمَا دَعْوَاهُ فِيهَا إِذَا أَرَادَ أَنْ يَقُولَ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ فَإِذَا قَالَهَا تَبَادَرَتْ إِلَيْهِ الْخَدَمُ بِمَا اشْتَهَى مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ طَلَبَهُ مِنْهُمْ أَوْ أَمَرَ بِهِ وَ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وَ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ يَعْنِي الْخُدَّامَ قَالَ وَ آخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ يَعْنِي بِذَلِكَ عِنْدَ مَا يَقْضُونَ مِنْ لَذَّاتِهِمْ

أنه سأل زنديق أبا عبد الله عن مسائل و كان فيما سأل أخبرني عن الحوراء كيف تلبس سبعين حلة، و يرى زوجها مخ ساقها من وراء حللها و بدنها، فقال عليه السلام: نعم كما يرى أحدكم الدراهم إذا ألقيت في ماء صاف قدره قيد رمح.

قوله تعالى:" سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ" قال أمين الدين الطبرسي: يقولون ذلك لا على وجه العبادة، لأنه ليس هناك تكليف بل يلتذون بالتسبيح، و قيل: إنهم إذا مر بهم الطير في الهواء يشتهونه قالوا" سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ" فيأتيهم الطير فيقع مشويا بين أيديهم، و إذا قضوا منه الشهوة قالوا الحمد لله رب العالمين، فيطير الطير حيا، كما كان، فيكون مفتتح كلامهم في كل شي ء التسبيح، و مختتم كلامهم التحميد، و يكون التسبيح في الجنة بدل التسمية في الدنيا عن ابن جريح" وَ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ" أي تحيتهم من الله سبحانه في الجنة سلام، و قيل: معناه تحية بعضهم لبعض فيها سلام، أو تحية الملائكة لهم فيها سلام يقولون: سلام عليكم، أي سلمتم من الآفات و المكاره التي ابتلي بها أهل النار" وَ آخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ".

ص: 240

مِنَ الْجِمَاعِ وَ الطَّعَامِ وَ الشَّرَابِ يَحْمَدُونَ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ عِنْدَ فَرَاغَتِهِمْ وَ أَمَّا قَوْلُهُ أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ قَالَ يَعْلَمُهُ الْخُدَّامُ فَيَأْتُونَ بِهِ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ قَبْلَ أَنْ يَسْأَلُوهُمْ إِيَّاهُ وَ أَمَّا قَوْلُهُ عَزَّ وَ جَلَّ- فَواكِهُ وَ هُمْ مُكْرَمُونَ قَالَ فَإِنَّهُمْ لَا يَشْتَهُونَ شَيْئاً فِي الْجَنَّةِ إِلَّا أُكْرِمُوا بِهِ

70 الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَشْعَرِيُّ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْوَشَّاءِ عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ قِيلَ لِأَبِي جَعْفَرٍ ع وَ أَنَا عِنْدَهُ إِنَّ سَالِمَ بْنَ أَبِي حَفْصَةَ وَ أَصْحَابَهُ يَرْوُونَ عَنْكَ أَنَّكَ تَكَلَّمُ عَلَى سَبْعِينَ وَجْهاً لَكَ مِنْهَا الْمَخْرَجُ فَقَالَ مَا يُرِيدُ سَالِمٌ مِنِّي

ليس المراد أن ذلك يكون آخر كلامهم حتى لا يتكلمون بعده بشي ء، بل المراد أنهم يجعلون هذا آخر كلامهم في كل ما ذكروه عن الحسن و الجبائي انتهى، و" الدعوى" في تفسيره عليه السلام: بمعنى الدعاء، أي طلب ما يشتهون، و فسره البيضاوي بالدعاء أيضا لكن لا بهذا المعنى، قوله تعالى:" أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ" قال البيضاوي: أي معلوم خصائصه من الدوام، و تمحض اللذة، و لذلك فسره بقوله" فَواكِهُ" فإن الفاكهة ما يقصد للتلذذ، دون التغذي، و القوت بالعكس، و أهل الجنة لما أعيدوا على خلقة محكمة محفوظة عن التحلل كانت أرزاقهم فواكه خالصة" وَ هُمْ مُكْرَمُونَ" في نيله يصل إليهم من غير تعب و سؤال لا كما عليه رزق الدنيا. انتهى، و لا يخفى أن تفسيره عليه السلام للمعلوم أظهر و أشد انطباقا على اللفظ.

الحديث السبعون

الحديث السبعون

: ضعيف.

قوله عليه السلام:" على سبعين وجها" أي على وجه المصلحة و التقية.

قوله عليه السلام:" ما يريد سالم مني" الظاهر أن سالما كان يروي هذا على سبيل الذم و الإنكار، فقال عليه السلام: ما يريد سالم مني فقد أريته المعجزات الباهرات، أ يريد

ص: 241

أَ يُرِيدُ أَنْ أَجِي ءَ بِالْمَلَائِكَةِ وَ اللَّهِ مَا جَاءَتْ بِهَذَا النَّبِيُّونَ وَ لَقَدْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ ع- إِنِّي سَقِيمٌ وَ مَا كَانَ سَقِيماً وَ مَا كَذَبَ وَ لَقَدْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ ع بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا

أن أجي ء بالملائكة يشهدون لي حتى يصدقني، و الله لم يأت النبيون مع كثرة احتياجهم إلى ظهور الأمر و وفور المعجزات بمثل هذا، فلأي شي ء لا يصدق بإمامتي، و لا يصدقني في كل ما أقول: ثم أجاب عليه السلام عما توهم سالم من كون هذا النوع من الكلام فيه شوب كذب لا يليق بالإمام، بأن مثل هذا صدر عن النبيين، و ليس هذا بكذب و لا قبيح، بل واجب في كثير من مقامات الضرورة و المصلحة مثل قوله:" إِنِّي سَقِيمٌ" فإنه عليه السلام قال هذا على جهة المصلحة، و أراد معنى آخر غير ما فهموه من كلامه، و المشهور أنه عليه السلام نظر نظرة في النجوم فراعى مواقعها و اتصالاتها أو علمها أو كتابها و لا منع مع أن قصده إبهامهم، و ذلك حين سألوه أن يعبد معهم، و قال: إني سقيم أراهم أنه استدل بها- لأنهم كانوا منجمين- على أنه مشارف للسقم، لئلا يخرجوه إلى معبدهم فإنه كان أغلب أسقامهم الطاعون، و كانوا يخافون العدوي، أو أراد إني سقيم القلب لكفركم، أو خارج المزاج عن الاعتدال خروجا قل من يخلو منه، أو بصدد الموت، و منه المثل كفى بالسلامة داء، و كذا. قوله عليه السلام:" بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ" و قد قيل فيه وجوه.

قال البيضاوي: أسند الفعل إليه تجوزا لأن غيظه لما رأى من زيادة تعظيمهم له تسبب لمباشرته إياه، أو تقريرا لنفيه مع الاستهزاء، و التكبيت على أسلوب تعريضي كما لو قال لك من لا يحسن الخط فيما كتبته بخط رشيق أ أنت كتبت هذا؟ فقلت: بل كتبته، أو حكاية لما يلزم من مذهبهم جوازه، و قيل إنه في المعنى متعلق بقوله:" إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ" و ما

ص: 242

وَ مَا فَعَلَهُ وَ مَا كَذَبَ وَ لَقَدْ قَالَ يُوسُفُ ع- أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ وَ اللَّهِ مَا كَانُوا سَارِقِينَ وَ مَا كَذَبَ

بينهما اعتراض، أو إلى ضمير فتى أو إبراهيم، و قوله:" كَبِيرُهُمْ هذا" مبتدأ و خبر و لذا وقف على فعله، و أما قول يوسف عليه السلام" إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ" فقال الشيخ الطبرسي:

قيل: إنما قال ذلك بعض من فقد الصاع من قوم يوسف من غير أمره، و لم يعلم بما أمر به يوسف من جعل الصاع في رحالهم عن الجبائي، و قيل إن يوسف أمر المنادي أن ينادي به، و لم يرد سرقة الصاع و إنما عنى به أنكم سرقتم يوسف من أبيه، و ألقيتموه في الجب عن أبي مسلم، و قيل: إن الكلام يجوز أن يكون خارجا مخرج الاستفهام، كأنه قال أ إنكم لسارقون؟ فأسقطت الهمزة انتهى، و قد روى الصدوق في كتاب معاني الأخبار عن أبيه عن محمد بن يحيى عن محمد بن أحمد بن يحيى عن إبراهيم بن هاشم عن صالح بن سعيد عن رجل من أصحابنا عن أبي عبد الله قال:" سألته عن قول الله تعالى في قصة إبراهيم عليه السلام" قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ" قال: ما فعله كبيرهم، و ما كذب إبراهيم عليه السلام فقلت و كيف ذاك؟ قال: إنما قال إبراهيم عليه السلام" فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ" إن نطقوا فكبيرهم فعل، و إن لم ينطقوا فلم يفعل كبيرهم شيئا. فما نطقوا و ما كذب إبراهيم عليه السلام فقلت قوله عز و جل في يوسف عليه السلام،" أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ" قال: إنهم سرقوا يوسف من أبيه، أ لا ترى أنه قال لهم حين قال" ما ذا تَفْقِدُونَ" قالُوا" نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ" و لم يقل سرقتم صواع الملك إنما عنى سرقتم يوسف من أبيه فقلت:

قوله:" إِنِّي سَقِيمٌ" قال: ما كان إبراهيم سقيما و ما كذب، إنما عنى سقيما في دينه مرتادا. و قد روي أنه عنى بقوله إني سقيم إني سأسقم، و كل ميت سقيم، و قد

ص: 243

حَدِيثُ أَبِي بَصِيرٍ مَعَ الْمَرْأَةِ

71 أَبَانٌ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ كُنْتُ جَالِساً عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع إِذْ دَخَلَتْ عَلَيْنَا أُمُّ خَالِدٍ الَّتِي كَانَ قَطَعَهَا يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ تَسْتَأْذِنُ عَلَيْهِ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع أَ يَسُرُّكَ أَنْ تَسْمَعَ كَلَامَهَا قَالَ فَقُلْتُ نَعَمْ قَالَ فَأَذِنَ لَهَا قَالَ وَ أَجْلَسَنِي مَعَهُ عَلَى الطِّنْفِسَةِ قَالَ ثُمَّ دَخَلَتْ فَتَكَلَّمَتْ فَإِذَا امْرَأَةٌ بَلِيغَةٌ فَسَأَلَتْهُ عَنْهُمَا فَقَالَ لَهَا تَوَلَّيْهِمَا قَالَتْ فَأَقُولُ لِرَبِّي إِذَا لَقِيتُهُ إِنَّكَ أَمَرْتَنِي بِوَلَايَتِهِمَا قَالَ نَعَمْ قَالَتْ فَإِنَّ هَذَا الَّذِي مَعَكَ عَلَى الطِّنْفِسَةِ يَأْمُرُنِي بِالْبَرَاءَةِ مِنْهُمَا وَ كَثِيرٌ النَّوَّاءُ يَأْمُرُنِي بِوَلَايَتِهِمَا فَأَيُّهُمَا خَيْرٌ وَ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ هَذَا وَ اللَّهِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كَثِيرٍ النَّوَّاءِ وَ أَصْحَابِهِ إِنَّ هَذَا تَخَاصَمَ فَيَقُولُ وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ

قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه و آله:" إِنَّكَ مَيِّتٌ" أي إنك ستموت، و قد روي أنه عنى سقيم بما يفعل بالحسين بن علي صلوات الله عليهما.

الحديث الحادي و السبعون [حديث أبي بصير مع المرأة]

الحديث الحادي و السبعون [حديث أبي بصير مع المرأة]

: ضعيف.

قوله عليه السلام:" على الطنفسة" قال الجزري: الطنفسة هي بكسر الطاء و الفاء و بضمهما و بكسر الطاء و فتح الفاء: البساط الذي له خمل رقيق.

قوله عليه السلام:" هذا و الله أحب إلى" أمرها أولا بولاية أبي بكر و عمر تقية ثم لما بلغت في السؤال أثبت عليه السلام لعنهما كناية بأن لم يتعرض لقول الرجلين الذين سألت عنهما، بل قال هذا أي أبو بصير أحب إلى من كثير النواء، لأن كلامه موجه يقول إن كثير النواء يفتي و يحكم بين الناس بغير الحق، و يثبت بالآيات كفره و ظلمه و فسقه، فأشار عليه السلام في كلامه هذا ضمنا إلى كفر الملعونين و وجوب البراءة منهما بوجهين.

الأول: أن محبوبية أبي بصير يستلزم صدقه في أمره بالبراءة منهما.

ص: 244

اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ

72 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبَانٍ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْوَابِشِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ

و الثاني: إن العلة التي بها أثبت كفر النواء مشترك بينه و بينهما، فبها تثبت أيضا كفرهما و ظلمهما و فسقهما، و هذا نوع من معاريض الكلام التي أشار أبو جعفر عليه السلام إليها في الخبر السابق.

و يحتمل أن يكون مراده عليه السلام أن قول هذا أحب إلى لأنه يستدل على كفر أبي بكر و عمر بهذه الآيات و يخاصم في ذلك كثيرا و يغلب عليه و يخصمه، لكنه عليه السلام أدى ذلك بعبارة يكون له منها المخرج بالحمل على المعنى الأولى عند الضرورة.

و قال الفاضل الأسترآبادي: معناه أن أبا بصير يخاصم علماء العامة من جهتنا بهذه الآيات الشريفة، و ملخص خصومته أن هذه الآيات صريحة في أن من أفتى في واقعة بغير ما أنزل الله فيها كافر ظالم فاسق، فعلم من ذلك أن لله تعالى في الأرض دائما رجلا عالما بما أنزله الله في كل واقعة، و من المعلوم أن أرباب الاجتهادات الظنية غير عالمين بما أنزله الله في كل واقعة، و من المعلوم أن أرباب الاجتهادات الظنية غير عالمين بما أنزله الله في كل واقعة، و من ثم تقع بينهم الاختلافات في الفتاوى و الأحكام، فتعين أن يكون في الأرض دائما رجل لم يكن حكمه من باب الاجتهاد، بل يكون من باب الوحي في كل واقعة، و باتفاق الخصمين غير الأئمة الاثني عشر عليهم السلام لم يعلم ما أنزله الله في كل واقعة، فتعين أن يكون منصوبين من عنده تعالى لأجل الإفتاء و الحكم، و الحدود، و غير ذلك.

الحديث الثاني و السبعون

الحديث الثاني و السبعون

: مجهول.

ص: 245

قُلْتُ لَهُ إِنَّ لَنَا جَاراً يَنْتَهِكُ الْمَحَارِمَ كُلَّهَا حَتَّى إِنَّهُ لَيَتْرُكُ الصَّلَاةَ فَضْلًا عَنْ غَيْرِهَا فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَ أَعْظَمَ ذَلِكَ أَ لَا أُخْبِرُكُمْ بِمَنْ هُوَ شَرٌّ مِنْهُ قُلْتُ بَلَى قَالَ النَّاصِبُ لَنَا شَرٌّ مِنْهُ أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَبْدٍ يُذْكَرُ عِنْدَهُ أَهْلُ الْبَيْتِ فَيَرِقُّ لِذِكْرِنَا إِلَّا مَسَحَتِ الْمَلَائِكَةُ ظَهْرَهُ وَ غُفِرَ لَهُ ذُنُوبُهُ كُلُّهَا إِلَّا أَنْ يَجِي ءَ بِذَنْبٍ يُخْرِجُهُ مِنَ الْإِيمَانِ وَ إِنَّ الشَّفَاعَةَ لَمَقْبُولَةٌ وَ مَا تُقُبِّلَ فِي نَاصِبٍ وَ إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيَشْفَعُ لِجَارِهِ وَ مَا لَهُ حَسَنَةٌ فَيَقُولُ يَا رَبِّ جَارِي كَانَ يَكُفُّ عَنِّي الْأَذَى فَيُشَفَّعُ فِيهِ فَيَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى أَنَا رَبُّكَ وَ أَنَا أَحَقُّ مَنْ كَافَى عَنْكَ فَيُدْخِلُهُ الْجَنَّةَ وَ مَا لَهُ مِنْ حَسَنَةٍ- وَ إِنَّ أَدْنَى الْمُؤْمِنِينَ شَفَاعَةً لَيَشْفَعُ لِثَلَاثِينَ إِنْسَاناً فَعِنْدَ ذَلِكَ يَقُولُ أَهْلُ النَّارِ- فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ وَ لا صَدِيقٍ حَمِيمٍ

73 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ بَزِيعٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ أَبِي هَارُونَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ قَالَ لِنَفَرٍ عِنْدَهُ وَ أَنَا حَاضِرٌ مَا لَكُمْ تَسْتَخِفُّونَ بِنَا قَالَ فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ خُرَاسَانَ فَقَالَ مَعَاذٌ لِوَجْهِ اللَّهِ أَنْ نَسْتَخِفَّ بِكَ أَوْ بِشَيْ ءٍ مِنْ أَمْرِكَ فَقَالَ بَلَى إِنَّكَ أَحَدُ مَنِ اسْتَخَفَّ بِي فَقَالَ مَعَاذٌ لِوَجْهِ اللَّهِ

قوله عليه السلام:" ينتهك المحارم" الانتهاك: المبالغة في أخذ الشي ء و إتيانه، أي يبالغ في خرق محارم الشرع، و إتيانها.

قوله:" و أعظم ذلك" أي عد فعل هذا الرجل عظيما و تعجب منه.

قوله عليه السلام:" و ماله حسنة" أي سوى العقائد الحقة، و يدل على ثبوت الشفاعة للمؤمنين أيضا كما تدل عليه كثير من الأخبار.

الحديث الثالث و السبعون

الحديث الثالث و السبعون

: ضعيف.

قوله عليه السلام:" معاذ لوجه الله" المعاذ بفتح الميم: مصدر بمعنى التعوذ و الالتجاء أي أمرنا و شأننا تعوذ بالله من هذا، فاللام بمعنى الباء.

و يحتمل أن يكون في الكلام تقدير، أي نتعوذ بالله خالصا لوجهه من أن نستخف بك.

ص: 246

أَنْ أَسْتَخِفَّ بِكَ فَقَالَ لَهُ وَيْحَكَ أَ وَ لَمْ تَسْمَعْ فُلَاناً وَ نَحْنُ بِقُرْبِ الْجُحْفَةِ وَ هُوَ يَقُولُ لَكَ احْمِلْنِي قَدْرَ مِيلٍ فَقَدْ وَ اللَّهِ أَعْيَيْتُ وَ اللَّهِ مَا رَفَعْتَ بِهِ رَأْساً وَ لَقَدِ اسْتَخْفَفْتَ بِهِ وَ مَنِ اسْتَخَفَّ بِمُؤْمِنٍ فِينَا اسْتَخَفَّ وَ ضَيَّعَ حُرْمَةَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ

74 الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَشْعَرِيُّ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْوَشَّاءِ عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ مَنَّ عَلَيْنَا بِأَنْ عَرَّفَنَا تَوْحِيدَهُ ثُمَّ مَنَّ عَلَيْنَا بِأَنْ أَقْرَرْنَا- بِمُحَمَّدٍ ص بِالرِّسَالَةِ ثُمَّ اخْتَصَّنَا بِحُبِّكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ نَتَوَلَّاكُمْ وَ نَتَبَرَّأُ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَ إِنَّمَا نُرِيدُ بِذَلِكَ خَلَاصَ أَنْفُسِنَا مِنَ النَّارِ قَالَ وَ رَقَقْتُ فَبَكَيْتُ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع سَلْنِي فَوَ اللَّهِ لَا تَسْأَلُنِي عَنْ شَيْ ءٍ إِلَّا أَخْبَرْتُكَ بِهِ قَالَ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَعْيَنَ مَا سَمِعْتُهُ قَالَهَا لِمَخْلُوقٍ قَبْلَكَ قَالَ قُلْتُ خَبِّرْنِي عَنِ الرَّجُلَيْنِ قَالَ ظَلَمَانَا حَقَّنَا فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ مَنَعَا فَاطِمَةَ ص مِيرَاثَهَا مِنْ أَبِيهَا وَ جَرَى ظُلْمُهُمَا إِلَى الْيَوْمِ قَالَ وَ أَشَارَ إِلَى خَلْفِهِ وَ نَبَذَا كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمَا

قوله عليه السلام:" ما رفعت به رأسا" كناية عن عدم التوجه إليه و الاعتناء بقوله.

قوله عليه السلام:" فبنا استخف" هذا نوع من الاستخفاف يستلزمه ارتكاب الكبائر و ترك الفرائض و الإخلال بتعظيم ما عظمه الله و لا ينتهي إلى حد الكفر بالله.

الحديث الرابع و السبعون

الحديث الرابع و السبعون

: ضعيف.

قوله عليه السلام:" إلا أخبرتك" أي لا أتقيك لعلمي بإخلاصك و صدقك.

قوله:" قال: فقال له عبد الملك" أي قال أبان: قال عبد الملك لعبد الرحمن عند ما كان يروي لنا الحديث بعد وصوله إلى هذا الموضع: ما سمعت الصادق عليه السلام، قال مثل هذا الكلام لغيرك، و إنما خصك به تشريفا و إكراما.

قوله:" و أشار" أي أشار عليه السلام بيده إلى خلفه لبيان كيفية النبذ و الطرح وراء ظهورهما، و هو كناية عن الإعراض عن الكتاب و ترك العمل به.

ص: 247

75 وَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ أَبَانٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ بَشِيرٍ الْأَسَدِيِّ عَنِ الْكُمَيْتِ بْنِ زَيْدٍ الْأَسَدِيِّ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ ع فَقَالَ وَ اللَّهِ يَا كُمَيْتُ لَوْ كَانَ عِنْدَنَا مَالٌ لَأَعْطَيْنَاكَ مِنْهُ وَ لَكِنْ لَكَ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص لِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ لَنْ يَزَالَ مَعَكَ رُوحُ الْقُدُسِ مَا ذَبَبْتَ عَنَّا قَالَ قُلْتُ خَبِّرْنِي عَنِ الرَّجُلَيْنِ قَالَ فَأَخَذَ الْوِسَادَةَ فَكَسَرَهَا فِي صَدْرِهِ ثُمَّ قَالَ وَ اللَّهِ يَا كُمَيْتُ مَا أُهَرِيقَ مِحْجَمَةٌ مِنْ دَمٍ وَ لَا أُخِذَ مَالٌ مِنْ غَيْرِ حِلِّهِ وَ لَا قُلِبَ حَجَرٌ عَنْ حَجَرٍ إِلَّا ذَاكَ فِي أَعْنَاقِهِمَا

76 وَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ أَبَانٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ الْمَكِّيِّ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ ع يَقُولُ إِنَّ عُمَرَ لَقِيَ عَلِيّاً ص فَقَالَ لَهُ أَنْتَ الَّذِي تَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ- بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ وَ تُعَرِّضُ بِي وَ بِصَاحِبِي قَالَ فَقَالَ لَهُ

الحديث الخامس و السبعون

الحديث الخامس و السبعون

: ضعيف.

قوله عليه السلام:" معك روح القدس" يدل على أن روح القدس ينفث أحيانا في أرواح غير المعصومين عليه السلام.

قوله عليه السلام:" ما ذببت عنا" أي رفعت بمدحك عنا استخفاف الجاحدين، و فيه إشعار برجوع حسان عن ذلك كما نقل عنه.

قوله عليه السلام:" محجمة" المحجمة بالكسر: ما يحجم به أي قدر ما يملأها من الدم أي كل قليل و كثير أهريق من الدم ظلما فهو بسبب ظلمهما أولا، و قلب الحجر عن الحجر كناية عن وضع الأشياء في غير مواضعها، و تغيير الأحكام الشرعية و إحداث الأمور المبتدعة.

الحديث السادس و السبعون

الحديث السادس و السبعون

: ضعيف.

قوله تعالى:" بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ" أي أيكم الذي فتن بالجنون، و الباء مزيدة أو بأيكم الجنون، على أن المفتون مصدر كالمعقول و المجلود، أي بأي الفريقين منكم

ص: 248

الجنون أ بفريق المؤمنين أو بفريق الكافرين؟ أي في أيهما يوجد من يستحق هذا الاسم، كذا ذكره البيضاوي.

أقول: تعريضه عليه السلام بهما لنزول الآية فيهما، حيث نسبا النبي صلى الله عليه و آله و سلم إلى الجنون، حيث قال صلى الله عليه و آله و سلم في أمير المؤمنين ما قال، كما رواه محمد بن عباس بن علي ابن مروان البزاز عن حسن بن محمد عن يوسف بن كليب عن خالد عن حفص، عن عمرو ابن حنان عن أبي أيوب الأنصاري قال:" لما أخذ النبي صلى الله عليه و آله و سلم بيد علي عليه السلام فرفعها، و قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، قال أناس: إنما افتتن بابن عمه، فنزلت الآية" فَسَتُبْصِرُ وَ يُبْصِرُونَ بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ".

و روى أمين الدين الطبرسي عن أبي القاسم الحسكاني بإسناده عن الضحاك بن مزاحم قال: لما رأت قريش تقديم النبي صلى الله عليه و آله و سلم عليا عليه السلام و إعظامه له، نالوا من علي، و قالوا: قد افتتن به محمد صلى الله عليه و آله، فأنزل الله تعالى" ن وَ الْقَلَمِ" إلى قوله" بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ" و هم النفر الذين قالوا ما قالوا.

و روى الصدوق عن حسان الجمال" قال: حملت أبا عبد الله عليه السلام من المدينة إلى مكة فلما انتهينا إلى مسجد الغدير نظر في ميسرة المسجد فقال: ذاك موضع قدم رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم حيث قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، ثم نظر إلى الجانب الآخر فقال: ذاك موضع فسطاط المنافقين عمر و أبي بكر و سالم مولى أبي حنيفة و أبي عبيدة بن الجراح فلما رأوه رافعا يده قال بعضهم: انظروا إلى عينيه تدوران كأنهما عينا مجنون، فنزل جبرئيل بهذه الآية" وَ إِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا" الآية و يحتمل أن يكون

ص: 249

أَ فَلَا أُخْبِرُكَ بِآيَةٍ نَزَلَتْ فِي بَنِي أُمَيَّةَ- فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَ تُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ فَقَالَ كَذَبْتَ بَنُو أُمَيَّةَ أَوْصَلُ لِلرَّحِمِ مِنْكَ وَ لَكِنَّكَ أَبَيْتَ إِلَّا عَدَاوَةً لِبَنِي تَيْمٍ وَ بَنِي عَدِيٍّ وَ بَنِي أُمَيَّةَ

77 وَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ عَنِ الْحَارِثِ النَّصْرِيِّ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ ع عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً قَالَ مَا تَقُولُونَ فِي ذَلِكَ

التعريض بأنه عليه السلام كان يقرأ هذا عليهم، لبيان نظير مورد الآية أي سيعلمون بعد موتهم، أنهم المجانين حيث فعلوا ما يستحقون به عذاب الأبد أم أنا؟ قوله تعالى:" فَهَلْ عَسَيْتُمْ" أي فهل يتوقع منكم" إِنْ تَوَلَّيْتُمْ" أمور الناس و تأمرتم عليهم أو أعرضتم و توليتم عن الإسلام" أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَ تُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ" تناحرا على الولاية و تجاذبا لها أو رجوعا إلى ما كنتم عليه في الجاهلية من التغاور و المقاتلة مع الأقارب، و المعنى أنهم لضعفهم في الدين و حرصهم على الدنيا أحقاء بأن يتوقع ذلك من عرف حالهم، و يقول لهم: هل عسيتم و هذا على لغة أهل الحجاز، فإن بني تميم لا يلحقون به الضمير و خبره أن تفسدوا، و إن توليتم اعتراض، كذا ذكره البيضاوي، و قد وردت أخبار كثيرة في نزول تلك الآية في بني أمية لعنهم الله.

و روى محمد بن العباس بإسناده عن ابن عباس أنه قال: نزلت هذه الآية في بني هاشم و بني أمية.

الحديث السابع و السبعون

الحديث السابع و السبعون

: ضعيف.

قوله تعالى:" بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً". قال البيضاوي: أي شكر نعمته كفرا

ص: 250

قُلْتُ نَقُولُ هُمُ الْأَفْجَرَانِ مِنْ قُرَيْشٍ- بَنُو أُمَيَّةَ وَ بَنُو الْمُغِيرَةِ قَالَ ثُمَّ قَالَ هِيَ وَ اللَّهِ قُرَيْشٌ قَاطِبَةً إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى خَاطَبَ نَبِيَّهُ ص فَقَالَ إِنِّي فَضَّلْتُ قُرَيْشاً عَلَى الْعَرَبِ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْهِمْ نِعْمَتِي وَ بَعَثْتُ إِلَيْهِمْ رَسُولِي فَبَدَّلُوا نِعْمَتِي كُفْراً وَ أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ

بأن وضعوه مكانه، أو بدلوا نفس النعمة كفرا، فإنهم لما كفروها سلبت منهم فصاروا تاركين لها محصلين الكفر بدلها- ثم قال- و عن عمرو على هم الأفجران من قريش بنو المغيرة و بنو أمية، أما بنو المغيرة فكفيتموهم يوم بدر، و أما بنو أمية فمتعوا إلى حين" وَ أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ" الذين شايعوهم في الكفر" دارَ الْبَوارِ" دار الهلاك بحملهم على الكفر.

أقول: قد ورد في الأخبار الكثيرة أن نعمة الله محمد و أهل بيته صلوات الله عليهم فإنهم أعظم نعم الله على الخلق، و ببركتهم وصل جميع النعم الدنيوية و الأخروية إليهم- و الكفر أعداؤهم، فإنه منهم نشأ جميع أنواع الكفر و الفساد في الأرض، فأكثر الأمة اختاروا الكفر بدل الإيمان و النعمة العظمى.

قوله عليه السلام:" هم الأفجران من قريش" روى علي بن إبراهيم في تفسيره عن أبيه عن ابن أبي عمير عن عثمان بن عيسى عن أبي عبد الله عليه السلام" قال: سألته عن قول الله تعالى:" أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً" قال: نزلت في الأفجرين من قريش بني أمية و بني المغيرة، فأما بنو المغيرة فقطع الله دابرهم، و أما بنو أمية فمتعوا إلى حين. و يمكن الجمع بحمل هذه الرواية على أنها ابتداء نزلت فيهما ثم جرت في غيرهما ممن فعل مثل فعالهما، أو إنهما العمدة في ذلك، فلا ينافي دخول غيرهم أيضا فيها، و بنو المغيرة هم أولاد المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي و قد آذوا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم كثيرا، لكن أكثرهم قتلوا و أسروا في غزاة بدر، و آذى من بقي منهم بعده صلى الله عليه و آله و سلم أهل بيته عليهم السلام كخالد بن الوليد، و ممن قتل

ص: 251

78 وَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ أَبَانٍ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ وَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع أَنَّهُمَا قَالا إِنَّ النَّاسَ لَمَّا كَذَّبُوا بِرَسُولِ اللَّهِ ص هَمَّ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى بِهَلَاكِ أَهْلِ الْأَرْضِ إِلَّا عَلِيّاً فَمَا سِوَاهُ بِقَوْلِهِ فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ ثُمَّ بَدَا لَهُ فَرَحِمَ الْمُؤْمِنِينَ ثُمَّ قَالَ لِنَبِيِّهِ ص- وَ ذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ

79 عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ رِئَابٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ الْحَذَّاءِ عَنْ ثُوَيْرِ بْنِ أَبِي فَاخِتَةَ قَالَ سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ ع يُحَدِّثُ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ ص- قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ- عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ع يُحَدِّثُ النَّاسَ قَالَ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ بَعَثَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى النَّاسَ مِنْ حُفَرِهِمْ

منهم في بدر أبو جهل عمرو بن هشام بن المغيرة، و العاص بن هاشم بن المغيرة خال عمر، و أبو قيس بن الوليد أخو خالد، و أبو قيس بن الفاكه بن المغيرة و مسعود بن أبي أمية بن المغيرة، و ممن أسر منهم في بدر خالد بن حسام بن المغيرة، و أمية بن أبي حذيفة بن المغيرة، و الوليد بن الوليد بن المغيرة.

الحديث الثامن و السبعون

الحديث الثامن و السبعون

: ضعيف.

قوله عليه السلام:" فما سواه" أي هالكون و حكم بهلاكهم، أو فما سواه من أهل البيت.

قوله عليه السلام:" ثم بدا له" هذا الخبر يدل على أن آخر الآية ناسخ لأولها، و المشهور بين المفسرين أن المراد بالتولي الإعراض عن مجادلتهم و منازعتهم بعد تكرر الدعوة عليهم و الاقتصار على التذكير و الموعظة:" فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ" أي من قدر الله إيمانه أو من آمن، فإنه يزداد بصيرة.

الحديث التاسع و السبعون

الحديث التاسع و السبعون

: ضعيف.

ص: 252

عُزْلًا بُهْماً جُرْداً مُرْداً فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ يَسُوقُهُمُ النُّورُ وَ تَجْمَعُهُمُ الظُّلْمَةُ حَتَّى يَقِفُوا عَلَى عَقَبَةِ الْمَحْشَرِ فَيَرْكَبُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً وَ يَزْدَحِمُونَ دُونَهَا فَيُمْنَعُونَ مِنَ الْمُضِيِّ فَتَشْتَدُّ أَنْفَاسُهُمْ

قوله عليه السلام:" غرلا" قال الجزري: فيه" يحشر الناس يوم القيامة عراة حفاة غرلا" الغرل: جمع الأغرل و هو الأقلف و الغرلة: القلفة.

قوله عليه السلام:" بهما" قال الجزري: فيه" يحشر الناس يوم القيامة عراة حفاة بهما" البهم جمع بهيم، و هو في الأصل الذي لا يخالط لونه لون سواه يعني ليس فيهم شي ء من العاهات و الأعراض التي تكون في الدنيا كالعمى و العور و العرج، و غير ذلك و إنما هي أجساد مصححة لخلود الأبد في الجنة أو النار.

و قال بعضهم: في تمام الحديث: قيل: و ما البهم؟ قال: ليس معهم شي ء يعني من أعراض الدنيا، و هذا لا يخالف الأول من حيث المعنى.

أقول: و في أكثر نسخ الكتاب" مهلا" و لعل المراد تأنيهم و تأخرهم و حيرتهم و الظاهر أنه تصحيف.

قوله عليه السلام:" جردا مردا" قال الجزري: في صفته صلى الله عليه و آله و سلم:" أنه أجرد الأجرد: الذي ليس على بدنه شعر، و منه الحديث أهل الجنة جرد مزد انتهى و مرد بالضم جمع أمرد، و هو الشاب الذي لم ينبت لحيته.

قوله عليه السلام:" يسوقهم النور" و يجمعهم الظلمة يحتمل وجوها: الأول أن

ص: 253

وَ يَكْثُرُ عَرَقُهُمْ وَ تَضِيقُ بِهِمْ أُمُورُهُمْ وَ يَشْتَدُّ ضَجِيجُهُمْ وَ تَرْتَفِعُ أَصْوَاتُهُمْ قَالَ وَ هُوَ أَوَّلُ هَوْلٍ مِنْ أَهْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ قَالَ فَيُشْرِفُ الْجَبَّارُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى عَلَيْهِمْ مِنْ فَوْقِ عَرْشِهِ فِي ظِلَالٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ فَيَأْمُرُ مَلَكاً مِنَ الْمَلَائِكَةِ فَيُنَادِي فِيهِمْ يَا مَعْشَرَ الْخَلَائِقِ أَنْصِتُوا وَ

يكون المراد أن من خلفهم نور يسوقهم، لكن ممشاهم في الظلمة، أو تحيط بهم الظلمة في مواقفهم.

و يؤيده ما روته العامة بإسنادهم عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم أنه قال: يحشر معهم النار يبيت معهم حيث باتوا، و يقيل معهم حيث قالوا، و يصبح معهم حيث أصبحوا، و يمسي معهم حيث أمسوا.

و في رواية أخرى- في ذكر أشراط الساعة- عنه صلى الله عليه و آله و سلم: أنه قال: و آخر ذلك نار يخرج من قعر عدن يرحل الناس، و في رواية تطرد الناس إلى محشرهم.

و الثاني: أن يكون المراد بالنور الملائكة أي تسوقهم الملائكة و هم في الظلمة.

و الثالث: أن يكون المراد أنه إذا حصل لهم نور يمشون فيه، و إذا أحاطت بهم الظلمة يتحيرون و يقفون.

قوله عليه السلام:" و يشتد ضجيجهم" أي صياحهم و أصواتهم.

قوله عليه السلام:" في ظلال من الملائكة" يمكن أن يكون إشراف الله تعالى كناية عن توجهه إلى محاسبتهم، فالإشراف في حقه تعالى مجاز و في الملائكة حقيقة.

و يحتمل أن يكون- في- سببية أي يشرف عليهم بسبب إرسال طائفة كثيرة من الملائكة يظلون الناس فوق رؤوسهم.

و يحتمل أيضا أن يكون المراد بالإشراف أمر الملك بالنداء أي يأمر ملكا

ص: 254

اسْتَمِعُوا مُنَادِيَ الْجَبَّارِ قَالَ فَيَسْمَعُ آخِرُهُمْ كَمَا يَسْمَعُ أَوَّلُهُمْ قَالَ فَتَنْكَسِرُ أَصْوَاتُهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ وَ تَخْشَعُ أَبْصَارُهُمْ وَ تَضْطَرِبُ فَرَائِصُهُمْ وَ تَفْزَعُ قُلُوبُهُمْ وَ يَرْفَعُونَ رُءُوسَهُمْ إِلَى نَاحِيَةِ الصَّوْتِ- مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ قَالَ فَعِنْدَ ذَلِكَ يَقُولُ الْكَافِرُ- هذا يَوْمٌ عَسِرٌ قَالَ فَيُشْرِفُ الْجَبَّارُ عَزَّ وَ جَلَّ الْحَكَمُ الْعَدْلُ عَلَيْهِمْ فَيَقُولُ أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا الْحَكَمُ الْعَدْلُ الَّذِي لَا يَجُورُ الْيَوْمَ أَحْكُمُ بَيْنَكُمْ بِعَدْلِي وَ قِسْطِي لَا يُظْلَمُ الْيَوْمَ عِنْدِي أَحَدٌ الْيَوْمَ آخُذُ لِلضَّعِيفِ مِنَ الْقَوِيِّ بِحَقِّهِ وَ لِصَاحِبِ الْمَظْلِمَةِ بِالْمَظْلِمَةِ بِالْقِصَاصِ مِنَ الْحَسَنَاتِ وَ السَّيِّئَاتِ وَ أُثِيبُ عَلَى الْهِبَاتِ وَ لَا يَجُوزُ هَذِهِ الْعَقَبَةَ الْيَوْمَ عِنْدِي ظَالِمٌ وَ لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ إِلَّا مَظْلِمَةً يَهَبُهَا صَاحِبُهَا وَ أُثِيبُهُ عَلَيْهَا وَ آخُذُ لَهُ بِهَا عِنْدَ الْحِسَابِ فَتَلَازَمُوا أَيُّهَا الْخَلَائِقُ وَ اطْلُبُوا مَظَالِمَكُمْ عِنْدَ مَنْ ظَلَمَكُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَ أَنَا شَاهِدٌ لَكُمْ عَلَيْهِمْ وَ كَفَى بِي شَهِيداً قَالَ فَيَتَعَارَفُونَ وَ يَتَلَازَمُونَ فَلَا يَبْقَى أَحَدٌ لَهُ عِنْدَ أَحَدٍ مَظْلِمَةٌ أَوْ حَقٌّ إِلَّا لَزِمَهُ

في ظلال من الملائكة.

قوله عليه السلام:" فرائصهم" قال الفيروزآبادي: الفريص أوداج العنق، و الفريصة واحدته، و اللحمة بين الجنب و الكتف و لا تزال ترعد.

قوله عليه السلام:" مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ" أي يمدون أعناقهم لسماع صوته، قال الجوهري: أهطع: إذا مد عنقه، و صوب رأسه و أهطع في عدوه أسرع.

قوله تعالى:" و أثيب على الهبات" أي أثيب و أجزي من وهب في هذا اليوم مظلمته لمن ظلمه.

قوله تعالى:" إلا مظلمة يهبها صاحبها" و في أكثر النسخ لصاحبها، و لعله من النساخ، و عليه فالمراد بصاحب المظلمة الظالم، و ضمير الفاعل في قوله يهبها راجع إلى أحد.

قوله تعالى:" و آخذ له بها" عطف على جملة، و لا يجوز أي إن لم يهب

ص: 255

بِهَا قَالَ فَيَمْكُثُونَ مَا شَاءَ اللَّهُ فَيَشْتَدُّ حَالُهُمْ وَ يَكْثُرُ عَرَقُهُمْ وَ يَشْتَدُّ غَمُّهُمْ وَ تَرْتَفِعُ أَصْوَاتُهُمْ بِضَجِيجٍ شَدِيدٍ فَيَتَمَنَّوْنَ الْمَخْلَصَ مِنْهُ بِتَرْكِ مَظَالِمِهِمْ لِأَهْلِهَا قَالَ وَ يَطَّلِعُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ عَلَى جَهْدِهِمْ فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى يَسْمَعُ آخِرُهُمْ كَمَا يَسْمَعُ أَوَّلُهُمْ يَا مَعْشَرَ الْخَلَائِقِ أَنْصِتُوا لِدَاعِي اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى وَ اسْمَعُوا إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى يَقُولَ كُمْ] أَنَا الْوَهَّابُ إِنْ أَحْبَبْتُمْ أَنْ تَوَاهَبُوا فَتَوَاهَبُوا وَ إِنْ لَمْ تَوَاهَبُوا أَخَذْتُ لَكُمْ بِمَظَالِمِكُمْ قَالَ فَيَفْرَحُونَ بِذَلِكَ لِشِدَّةِ جَهْدِهِمْ وَ ضِيقِ مَسْلَكِهِمْ وَ تَزَاحُمِهِمْ قَالَ فَيَهَبُ بَعْضُهُمْ مَظَالِمَهُمْ رَجَاءَ أَنْ يَتَخَلَّصُوا مِمَّا هُمْ فِيهِ وَ يَبْقَى بَعْضُهُمْ فَيَقُولُ يَا رَبِّ مَظَالِمُنَا أَعْظَمُ مِنْ أَنْ نَهَبَهَا قَالَ فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنْ تِلْقَاءِ الْعَرْشِ أَيْنَ رِضْوَانُ خَازِنُ الْجِنَانِ جِنَانِ الْفِرْدَوْسِ قَالَ فَيَأْمُرُهُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ أَنْ يُطْلِعَ مِنَ الْفِرْدَوْسِ قَصْراً مِنْ فِضَّةٍ بِمَا فِيهِ مِنَ الْأَبْنِيَةِ وَ الْخَدَمِ قَالَ فَيُطْلِعُهُ عَلَيْهِمْ فِي حِفَافَةِ الْقَصْرِ الْوَصَائِفُ وَ الْخَدَمُ قَالَ فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى يَا مَعْشَرَ الْخَلَائِقِ ارْفَعُوا رُءُوسَكُمْ فَانْظُرُوا إِلَى هَذَا الْقَصْرِ قَالَ فَيَرْفَعُونَ رُءُوسَهُمْ فَكُلُّهُمْ يَتَمَنَّاهُ قَالَ فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى يَا مَعْشَرَ الْخَلَائِقِ هَذَا لِكُلِّ مَنْ عَفَا عَنْ مُؤْمِنٍ قَالَ فَيَعْفُونَ كُلُّهُمْ إِلَّا الْقَلِيلَ قَالَ فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لَا يَجُوزُ إِلَى جَنَّتِيَ الْيَوْمَ ظَالِمٌ وَ لَا يَجُوزُ إِلَى نَارِيَ الْيَوْمَ ظَالِمٌ وَ لِأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ حَتَّى يَأْخُذَهَا مِنْهُ عِنْدَ الْحِسَابِ أَيُّهَا الْخَلَائِقُ اسْتَعِدُّوا لِلْحِسَابِ قَالَ ثُمَّ يُخَلَّى سَبِيلُهُمْ فَيَنْطَلِقُونَ إِلَى الْعَقَبَةِ يَكْرُدُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً حَتَّى يَنْتَهُوا إِلَى الْعَرْصَةِ وَ الْجَبَّارُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى عَلَى

آخذ له بها عند الحساب.

قوله عليه السلام:" أن يطلع" من باب الأفعال أي يظهره لهم.

قوله عليه السلام:" في حفافة القصر" أي جوانبه و أطرافه، قال الجزري: و فيه ظلل الله، مكان البيت غمامة، فكانت حفاف البيت أي محدقة به، و حفافا الجبل:

جانباه.

قوله عليه السلام:" يكرد بعضهم بعضا" الكرد: الطرد و الدفع.

ص: 256

الْعَرْشِ قَدْ نُشِرَتِ الدَّوَاوِينُ وَ نُصِبَتِ الْمَوَازِينُ وَ أُحْضِرَ النَّبِيُّونَ وَ الشُّهَدَاءُ وَ هُمُ الْأَئِمَّةُ يَشْهَدُ كُلُّ إِمَامٍ عَلَى أَهْلِ عَالَمِهِ بِأَنَّهُ قَدْ قَامَ فِيهِمْ بِأَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ دَعَاهُمْ إِلَى سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ إِذَا كَانَ لِلرَّجُلِ الْمُؤْمِنِ عِنْدَ الرَّجُلِ الْكَافِرِ مَظْلِمَةٌ أَيَّ شَيْ ءٍ يَأْخُذُ مِنَ الْكَافِرِ وَ هُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ قَالَ فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ع يُطْرَحُ عَنِ الْمُسْلِمِ مِنْ سَيِّئَاتِهِ بِقَدْرِ مَا لَهُ عَلَى الْكَافِرِ فَيُعَذَّبُ الْكَافِرُ بِهَا مَعَ عَذَابِهِ بِكُفْرِهِ عَذَاباً بِقَدْرِ مَا لِلْمُسْلِمِ قِبَلَهُ مِنْ مَظْلِمَةٍ قَالَ فَقَالَ لَهُ الْقُرَشِيُّ فَإِذَا كَانَتِ الْمَظْلِمَةُ لِلْمُسْلِمِ عِنْدَ مُسْلِمٍ كَيْفَ تُؤْخَذُ مَظْلِمَتُهُ مِنَ الْمُسْلِمِ قَالَ يُؤْخَذُ لِلْمَظْلُومِ مِنَ الظَّالِمِ مِنْ حَسَنَاتِهِ بِقَدْرِ حَقِّ الْمَظْلُومِ فَتُزَادُ عَلَى حَسَنَاتِ الْمَظْلُومِ قَالَ فَقَالَ لَهُ الْقُرَشِيُّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلظَّالِمِ حَسَنَاتٌ قَالَ إِنْ لَمْ يَكُنْ لِلظَّالِمِ حَسَنَاتٌ فَإِنَّ لِلْمَظْلُومِ سَيِّئَاتٍ يُؤْخَذُ مِنْ سَيِّئَاتِ الْمَظْلُومِ فَتُزَادُ عَلَى سَيِّئَاتِ الظَّالِمِ

80 أَبُو عَلِيٍّ الْأَشْعَرِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ يُوسُفَ بْنِ ثَابِتِ بْنِ أَبِي سَعِيدَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع أَنَّهُمْ قَالُوا حِينَ دَخَلُوا عَلَيْهِ إِنَّمَا أَحْبَبْنَاكُمْ لِقَرَابَتِكُمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ لِمَا أَوْجَبَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ مِنْ حَقِّكُمْ مَا أَحْبَبْنَاكُمْ لِلدُّنْيَا نُصِيبُهَا مِنْكُمْ إِلَّا لِوَجْهِ اللَّهِ وَ الدَّارِ الْآخِرَةِ وَ لِيَصْلُحَ لِامْرِئٍ مِنَّا دِينُهُ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع صَدَقْتُمْ صَدَقْتُمْ ثُمَّ قَالَ مَنْ أَحَبَّنَا كَانَ مَعَنَا- أَوْ جَاءَ مَعَنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ هَكَذَا ثُمَّ جَمَعَ بَيْنَ السَّبَّابَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ وَ اللَّهِ لَوْ أَنَّ رَجُلًا صَامَ النَّهَارَ

قوله عليه السلام:" و الجبار تبارك و تعالى على العرش" أي على عرش العظمة و الجلال أو مستولي على العرش أي يأتي أمره من قبل العرش.

الحديث الثمانون

الحديث الثمانون

: موثق.

قوله:" و ليصلح لامرء" أي لكل امرء.

قوله:" أو جاء معنا" الترديد من الراوي.

قوله:" بين السبابتين" يحتمل أن يكون المراد السبابة و الوسطى على سبيل

ص: 257

وَ قَامَ اللَّيْلَ ثُمَّ لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ بِغَيْرِ وَلَايَتِنَا أَهْلَ الْبَيْتِ لَلَقِيَهُ وَ هُوَ عَنْهُ غَيْرُ رَاضٍ أَوْ سَاخِطٌ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ وَ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- وَ ما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَ بِرَسُولِهِ وَ لا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَ هُمْ كُسالى وَ لا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَ هُمْ كارِهُونَ فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَ لا أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ تَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَ هُمْ

التغليب.

قوله:" أو ساخط" الترديد من الراوي.

قوله تعالى:" وَ ما مَنَعَهُمْ" قال أمين الدين الطبرسي أي ما يمنع هؤلاء المنافقين أي أن يثابوا على نفقاتهم إلا كفرهم بالله و برسوله، و ذلك مما يحبط الأعمال و يمنع من استحقاق الثواب عليها" وَ لا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَ هُمْ كُسالى" أي متثاقلين و المعنى لم يؤدوها على الوجه الذي أمروا أن يؤدوها على ذلك الوجه" وَ لا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَ هُمْ كارِهُونَ" لذلك لأنهم إنما يصلون و ينفقون للرياء و التستر بالإسلام، لا لابتغاء مرضات الله تعالى، و في هذا دلالة على أن الكفار مخاطبون بالشرائع، لأنه سبحانه ذمهم على ترك الصلاة و الزكاة، و لو لا وجوبهما عليهم لم يذموا بتركهما" فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَ لا أَوْلادُهُمْ" الخطاب للنبي صلى الله عليه و آله و سلم، و المراد جميع المؤمنين، و قيل: يريد لا تعجبك أيها السامع أي لا تأخذ بقلبك ما تراه من كثرة أموال هؤلاء المنافقين، و كثرة أولادهم و لا تنظر إليهم بعين الإعجاب" إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا" قد ذكر في معناه وجوه.

أحدهما: أن فيه تقديما و تأخيرا، أي لا يسرك أموالهم و أولادهم في الحياة الدنيا إنما يريد الله ليعذبهم بها في الآخرة عن ابن عباس و قتادة، فيكون الظرف على هذا متعلقا بأموالهم و أولادهم، و مثله قوله تعالى:" فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ

ص: 258

كافِرُونَ ثُمَّ قَالَ وَ كَذَلِكَ الْإِيمَانُ لَا يَضُرُّ مَعَهُ الْعَمَلُ وَ كَذَلِكَ الْكُفْرُ لَا يَنْفَعُ مَعَهُ الْعَمَلُ

فَانْظُرْ ما ذا يَرْجِعُونَ" و التقدير فألقه إليهم، فانظر ما ذا يرجعون ثم تول عنهم.

و ثانيها: إن معناه إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الدنيا بالتشديد عليهم في التكليف و أمرهم بالإنفاق في الزكاة و الغزو فيؤدونها على كره منهم و مشقة إذ لا يرجون به ثوابا في الآخرة، فيكون ذلك عذابا لهم عن الحسن و البلخي.

و ثالثها: إن معناه إنما يريد الله ليعذبهم في الدنيا بسببي الأولاد، و غنيمة الأموال عند تمكن المؤمنين من أخذها، و غنمها فيتحسرون عليها، و يكون ذلك جزاء على كفرهم عن الجبائي.

و رابعها: إن المراد يعذبهم بجمعها و حفظها و حبها، و البخل بها و الحزن عليها و كل هذا عذاب، و كذلك خروجهم عنها بالموت، لأنهم يفارقونها و لا يدرون إلى ما ذا يصيرون.

و خامسها: إن معناه إنما يريد الله ليعذبهم بحفظها، و المصائب فيها مع حرمان المنفعة بها، عن ابن زيد، و اللام في قوله:" لِيُعَذِّبَهُمْ" يحتمل أن تكون العاقبة بمعنى أن و يحتمل أن يكون لام العاقبة و التقدير إنما يريد الله أن يملي لهم فيها ليعذبهم" وَ تَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ" أي تهلك و تذهب بالموت" وَ هُمْ كافِرُونَ" جملة في موضع الحال، أي حالكونهم كافرين و الإرادة تعلقت بزهوق أنفسهم لا بالكفر، و هذا كما تقول أريد أن أضربه و هو عاص، فالإرادة تعلقت بالضرب لا بالعصيان.

قوله عليه السلام:" لا يضر معه العمل" أي بحيث يصير سببا لخلوده في النار أو لعدم استحقاق الشفاعة و الرحمة.

قوله عليه السلام:" لا ينفع معه العمل" أي نفعا يوجب خلاصه عن العذاب أو استحقاقه للشفاعة و المغفرة.

و يحتمل أن يكون المراد بالعمل هنا العبادات لاشتراطها بالإيمان.

ص: 259

ثُمَّ قَالَ إِنْ تَكُونُوا وَحْدَانِيِّينَ فَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ص وَحْدَانِيّاً يَدْعُو النَّاسَ فَلَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُ وَ كَانَ أَوَّلَ مَنِ اسْتَجَابَ لَهُ- عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ع وَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي

81 عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ يُونُسَ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع لِعَبَّادِ بْنِ كَثِيرٍ الْبَصْرِيِّ الصُّوفِيِّ وَيْحَكَ يَا عَبَّادُ غَرَّكَ أَنْ عَفَّ بَطْنُكَ وَ فَرْجُكَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ قُولُوا قَوْلًا سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْكَ شَيْئاً حَتَّى تَقُولَ قَوْلًا عَدْلًا

82 يُونُسُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ شَجَرَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فِي بِلَادِهِ خَمْسُ حُرَمٍ حُرْمَةُ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ حُرْمَةُ آلِ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ حُرْمَةُ كِتَابِ اللَّهِ

قوله عليه السلام:" أن تكونوا وحدانيين" أي منفردين في هذا الأمر لا يشارككم فيه الناس، فقد كان رسول الله في كثير من الأزمنة متفردا بالحق ما كان معه إلا قليل.

قوله عليه السلام:" و قد قال: أي عند استجابته له في أول الأمر.

الحديث الحادي و الثمانون

الحديث الحادي و الثمانون

: صحيح ظاهرا.

لكن فيه شائبة إرسال إذ الظاهر أنه يونس بن عبد الرحمن و لم تعهد روايته عن الصادق عليه السلام، و يحتمل على بعد أن يكون ابن يعقوب فيكون الخبر موثقا لكن رواية محمد بن عيسى عنه غير معهودة.

قوله عليه السلام:" حتى تقول قولا عدلا" فسر عليه السلام القول السديد بالاعتقاد الصحيح و لما كان هذا الصوفي المبتدع منحرفا عن ناحية أهل البيت عليهم السلام غير قائل بإمامتهم نبهه عليه السلام على أنه لا ينفعه أعماله مع تلك العقيدة، فإن قبول الأعمال مشروط بصحة العقائد.

الحديث الثاني و الثمانون

الحديث الثاني و الثمانون

: صحيح.

و الحرمة: ما يجب احترامه و إكرامه على الخلق لوجهه تعالى

ص: 260

عَزَّ وَ جَلَّ وَ حُرْمَةُ كَعْبَةِ اللَّهِ وَ حُرْمَةُ الْمُؤْمِنِ

83 عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجْرَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ إِذَا بَلَغَ الْمُؤْمِنُ أَرْبَعِينَ سَنَةً آمَنَهُ اللَّهُ مِنَ الْأَدْوَاءِ الثَّلَاثَةِ الْبَرَصِ وَ الْجُذَامِ وَ الْجُنُونِ فَإِذَا بَلَغَ الْخَمْسِينَ خَفَّفَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ حِسَابَهُ فَإِذَا بَلَغَ سِتِّينَ سَنَةً رَزَقَهُ اللَّهُ الْإِنَابَةَ فَإِذَا بَلَغَ السَّبْعِينَ أَحَبَّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ فَإِذَا بَلَغَ الثَّمَانِينَ أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِإِثْبَاتِ حَسَنَاتِهِ وَ إِلْقَاءِ سَيِّئَاتِهِ فَإِذَا بَلَغَ التِّسْعِينَ غَفَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَ مَا تَأَخَّرَ وَ كُتِبَ أَسِيرَ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ وَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى فَإِذَا بَلَغَ الْمِائَةَ فَذَلِكَ أَرْذَلُ الْعُمُرِ

84 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ دَاوُدَ عَنْ سَيْفٍ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع إِنَّ الْعَبْدَ لَفِي فُسْحَةٍ مِنْ أَمْرِهِ مَا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ أَرْبَعِينَ سَنَةً فَإِذَا بَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً أَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَى مَلَكَيْهِ قَدْ عَمَّرْتُ عَبْدِي هَذَا عُمُراً فَغَلِّظَا وَ شَدِّدَا وَ تَحَفَّظَا وَ اكْتُبَا عَلَيْهِ قَلِيلَ عَمَلِهِ وَ كَثِيرَهُ وَ صَغِيرَهُ وَ كَبِيرَهُ

85 عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ عَنِ الْحَلَبِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عَنِ الْوَبَاءِ يَكُونُ فِي نَاحِيَةِ الْمِصْرِ فَيَتَحَوَّلُ

الحديث الثالث و الثمانون

الحديث الثالث و الثمانون

: مجهول.

قوله عليه السلام:" آمنه الله من الأدواء الثلاثة" لعل هذا محمول على الغالب، أو مخصوص بالمؤمن الكامل.

قوله عليه السلام:" فذلك أرذل العمر" أي أخسه، يعني سن الهرم الذي يشابه الطفولية في نقصان القوة و العقل و حده بعض المفسرين بخمس و تسعين، و بعضهم بخمس و سبعين.

الحديث الرابع و الثمانون

الحديث الرابع و الثمانون

: مجهول.

قوله عليه السلام:" لفي فسحة" أي في سعة من عفو الله و غفرانه.

الحديث الخامس و الثمانون

الحديث الخامس و الثمانون

: حسن.

ص: 261

الرَّجُلُ إِلَى نَاحِيَةٍ أُخْرَى أَوْ يَكُونُ فِي مِصْرٍ فَيَخْرُجُ مِنْهُ إِلَى غَيْرِهِ فَقَالَ لَا بَأْسَ إِنَّمَا نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ص عَنْ ذَلِكَ لِمَكَانِ رَبِيئَةٍ كَانَتْ بِحِيَالِ الْعَدُوِّ فَوَقَعَ فِيهِمُ الْوَبَاءُ فَهَرَبُوا مِنْهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص الْفَارُّ مِنْهُ كَالْفَارِّ مِنَ الزَّحْفِ كَرَاهِيَةَ أَنْ يَخْلُوَ مَرَاكِزُهُمْ

86 عَلِيٌّ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْحَضْرَمِيِّ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ حُمْرَانَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ ثَلَاثَةٌ لَمْ يَنْجُ مِنْهَا نَبِيٌّ فَمَنْ دُونَهُ التَّفَكُّرُ فِي الْوَسْوَسَةِ فِي

قوله عليه السلام:" لمكان ربيئة" على وزن فعيلة بالهمز و هي العين، و الطليعة الذي ينظر للقوم لئلا يدهمهم عدو، و في أكثر النسخ" الربية" و هو تصحيف.

قوله عليه السلام:" أن يخلو مراكزهم" قال الجوهري: مركز الرجل: موضعه.

الحديث السادس و الثمانون

الحديث السادس و الثمانون

: مجهول.

قوله عليه السلام:" التفكر في الوسوسة في الخلق" الظاهر أن المراد التفكر فيما يحصل في نفس الإنسان من الوساوس في خالق الأشياء و كيفية خلقها و خلق أعمال العباد و التفكر في الحكمة في خلق بعض الشرور في العالم من غير استقرار في النفس، و حصول شك بسببها.

كما رواه المؤلف عن محمد بن حمران" قال: سألت أبا عبد الله عن الوسوسة فقال:

لا شي ء فيها تقول: لا إله إلا الله".

و روي عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه السلام" قال: قلت له: إنه يقع في قلبي أمر عظيم فقال قل لا إله إلا الله" فقال جميل: فكلما وقع في قلبي شي ء، قلت لا إله إلا الله فذهب عني.

و روي عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه و آله و سلم فقال: يا رسول الله: هلكت، فقال له صلى الله عليه و آله و سلم: أتاك الخبيث فقال لك من خلقك؟ فقلت:

الله، فقال لك: الله من خلقه؟ فقال: إي و الذي بعثك بالحق لكان كذا، فقال

ص: 262

الْخَلْقِ وَ الطِّيَرَةُ وَ الْحَسَدُ إِلَّا أَنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَسْتَعْمِلُ حَسَدَهُ

رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: ذاك و الله محض الإيمان" قال ابن أبي عمير: فحدثت بذلك عبد- الرحمن بن الحجاج فقال: حدثني أبو عبد الله (عليه السلام) أن رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) إنما عني بقوله هذا" و الله محض الإيمان" خوفه أن يكون قد هلك، حيث عرض له ذلك في قلبه.

و قد روت العامة في صحاحهم" أنه سئل النبي صلى الله عليه و آله و سلم، عن الوسوسة فقال:

تلك محض الإيمان" و في رواية أخرى يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا و كذا حتى يقول من خلق ربك فإذا بلغ فليستعذ بالله و بنبيه، و قيل: المراد بالخلق المخلوقات، و بالتفكر فيهم بالوسوسة التفكر، و حديث النفس بعيوبهم و تفتيش أحوالهم و الأول أصوب كما عرفت. لكن يؤيد الثاني ما سننقله عن الجزري.

قوله عليه السلام:" و الطيرة" قال الجوهري: الطيرة مثال العنبة: هو ما يتشاءم به من الفال الردي ء.

و في الحديث" إنه كان يحب الفال، و يكره الطيرة" و قال الجزري:

و فيه" لا عدوى و لا طيرة" الطيرة بكسر الطاء و فتح الياء، و قد تسكن: هي التشاؤم بالشي ء، و هو مصدر تطير يقال: تطير طيرة و تخير خيرة، و لم يجي ء من المصادر، هكذا غيرهما، و أصله فيما يقال: التطير بالسوانح و البوارح من الطير و الظباء و غيرهما.

و كان ذلك يصدهم عن مقاصدهم، فنفاه الشرع، و أبطله و نهى عنه، و أخبر أنه ليس له تأثير في جلب نفع أو دفع ضر، و قد تكرر ذكرها في الحديث اسما و فعلا.

و منه الحديث ثلاث لا يسلم أحد منهن الطيرة و الحسد و الطن. قيل فما

ص: 263

87 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِي إِبْرَاهِيمَ ع قَالَ قَالَ لِي إِنِّي لَمَوْعُوكٌ مُنْذُ سَبْعَةِ أَشْهُرٍ وَ لَقَدْ وُعِكَ ابْنِي اثْنَيْ عَشَرَ شَهْراً وَ هِيَ تَضَاعَفُ عَلَيْنَا أَ شَعَرْتَ أَنَّهَا لَا تَأْخُذُ فِي الْجَسَدِ كُلِّهِ وَ رُبَّمَا أَخَذَتْ فِي أَعْلَى الْجَسَدِ وَ لَمْ تَأْخُذْ فِي أَسْفَلِهِ وَ رُبَّمَا أَخَذَتْ فِي أَسْفَلِهِ وَ لَمْ تَأْخُذْ فِي أَعْلَى الْجَسَدِ كُلِّهِ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنْ أَذِنْتَ لِي حَدَّثْتُكَ

نصنع؟ قال: إذا تطيرت فامض، و إذا حسدت فلا تبغ، و إذا ظننت فلا تحقق" انتهى. أقول: فالمراد بها هاهنا إما انفعال النفس عن ما يتشاءم به، أو تأثيرها واقعا، و حصول مقتضاها، و يظهر من الأخبار أنها إنما تؤثر مع تأثر النفس بها، و عدم التوكل على الله.

قوله عليه السلام:" و الحسد" ظاهره أن الحسد المركوز في الخاطر إذا لم يظهره الإنسان ليس بمعصية. و إلا فلا يمكن اتصاف الأنبياء به، و يمكن أن يكون المراد به ما يعم الغبطة، و قيل: المراد أن الناس يحسدونهم، و كذا في الأوليين و ظواهر الأخبار تأبى عنه كما لا يخفى.

الحديث السابع و الثمانون

الحديث السابع و الثمانون

: ضعيف.

قوله عليه السلام:" إني لموعوك" قال الجزري: الوعك: الحمى، و قيل ألمها.

و قد وعكه المرض فهو موعوك.

قوله عليه السلام:" أ شعرت على البناء" للمجهول أو على صيغة الخطاب المعلوم مع همزة الاستفهام، أي هل أحسست بذلك، و لعل مراده عليه السلام أن الحرارة قد تظهر آثارها في أعالي الجسد، و قد تظهر في أسافلها.

ص: 264

بِحَدِيثٍ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ جَدِّكَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا وُعِكَ اسْتَعَانَ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ فَيَكُونُ لَهُ ثَوْبَانِ ثَوْبٌ فِي الْمَاءِ الْبَارِدِ وَ ثَوْبٌ عَلَى جَسَدِهِ يُرَاوِحُ بَيْنَهُمَا ثُمَّ يُنَادِي حَتَّى يُسْمَعَ صَوْتُهُ عَلَى بَابِ الدَّارِ يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ فَقَالَ صَدَقْتَ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ فَمَا وَجَدْتُمْ لِلْحُمَّى عِنْدَكُمْ دَوَاءً فَقَالَ مَا وَجَدْنَا لَهَا عِنْدَنَا دَوَاءً إِلَّا الدُّعَاءَ وَ الْمَاءَ الْبَارِدَ إِنِّي اشْتَكَيْتُ فَأَرْسَلَ إِلَيَّ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بِطَبِيبٍ لَهُ فَجَاءَنِي بِدَوَاءٍ فِيهِ قَيْ ءٌ فَأَبَيْتُ أَنْ أَشْرَبَهُ لِأَنِّي إِذَا قُيِّئْتُ زَالَ كُلُّ مَفْصِلٍ مِنِّي

88 الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَشْعَرِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الْأَشْعَرِيِّ عَنْ بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَزْدِيِّ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع حُمَّ رَسُولُ اللَّهِ ص فَأَتَاهُ جَبْرَئِيلُ ع فَعَوَّذَهُ فَقَالَ بِسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ يَا مُحَمَّدُ وَ بِسْمِ اللَّهِ أَشْفِيكَ وَ بِسْمِ اللَّهِ مِنْ كُلِّ دَاءٍ يُعْيِيكَ بِسْمِ اللَّهِ

قوله:" ثم ينادي" لعل نداءه عليه السلام كان لاستشفائه بها صلى الله عليها.

قوله عليه السلام:" قيئت" على البناء للمجهول من باب التفعيل، يقال: قاء الرجل و قياه غيره، قوله عليه السلام" زال كل مفصل مني" أي لا أقدر لكثرة الضعف على القي ء.

أقول: هذا الخبر يدل: على أن بيان كيفية المرض و مدته و شدته ليس بشكاية.

الحديث الثامن و الثمانون

الحديث الثامن و الثمانون

: مجهول.

لكن الظاهر [أنه] أحمد بن إسحاق، إذ هو يروي عن بكر بن محمد كثيرا، فالخبر صحيح على الظاهر، و يؤيده أن الحميري، رواه في قرب الإسناد، عن أحمد بن إسحاق عن بكر بن محمد، قوله:" بسم الله أرقيك" قال في المصباح المنير: رقيته أرقيه رقيا من باب رمي عوذته بالله.

قوله:" و بسم الله من كل داء يعنيك" أي أعيذك أو أرقيك أو أشفيك من كل داء.

ص: 265

وَ اللَّهُ شَافِيكَ بِسْمِ اللَّهِ خُذْهَا فَلْتَهْنِيكَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ لَتَبْرَأَنَّ بِإِذْنِ اللَّهِ قَالَ بَكْرٌ وَ سَأَلْتُهُ عَنْ رُقْيَةِ الْحُمَّى فَحَدَّثَنِي بِهَذَا

89 أَبُو عَلِيٍّ الْأَشْعَرِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ النَّضْرِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص مَنْ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* لَا حَوْلَ وَ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كَفَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ تِسْعَةً وَ تِسْعِينَ نَوْعاً مِنْ أَنْوَاعِ الْبَلَاءِ أَيْسَرُهُنَّ الْخَنْقُ

90 حُمَيْدُ بْنُ زِيَادٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْكِنْدِيِّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ الْمِيثَمِيِّ عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ نُعْمَانَ الرَّازِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ انْهَزَمَ النَّاسُ يَوْمَ

قال في النهاية: فيه" أتاه جبرئيل فقال: بسم الله أرقيك من كل داء يعنيك" أي يقصدك يقال: عنيت فلانا عنيا إذا قصدته، و قيل: معناه من كل داء يشغلك، يقال: هذا أمر لا يعنيني، أي لا يشغلني و يهمني انتهى. و في بعض النسخ يعييك من الإعياء.

قوله عليه السلام:" بِمَواقِعِ النُّجُومِ" أي بمساقطها و تخصيص المغارب لما في غروبها من زوال أثرها، و الدلالة على وجود مؤثر لا يزول تأثيره، أو بمنازلها و مجاريها، و قيل النجوم القرآن، و مواقعها أوقات نزولها.

قوله:" عن رقية الحمى" قال الجزري: الرقية: العوذة التي يرقى بها صاحب الآفة، كالحمى و الصرع و غير ذلك من الآفات.

الحديث التاسع و الثمانون

الحديث التاسع و الثمانون

: ضعيف.

قوله صلى الله عليه و آله و سلم:" أيسرهن الخنق" أي الموت بالخناق.

الحديث التسعون

الحديث التسعون

: مجهول.

ص: 266

أُحُدٍ- عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ص فَغَضِبَ غَضَباً شَدِيداً قَالَ وَ كَانَ إِذَا غَضِبَ انْحَدَرَ عَنْ جَبِينِهِ مِثْلُ اللُّؤْلُؤِ مِنَ الْعَرَقِ قَالَ فَنَظَرَ فَإِذَا عَلِيٌّ ع إِلَى جَنْبِهِ فَقَالَ لَهُ الْحَقْ بِبَنِي أَبِيكَ مَعَ مَنِ انْهَزَمَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لِي بِكَ أُسْوَةٌ قَالَ فَاكْفِنِي هَؤُلَاءِ فَحَمَلَ فَضَرَبَ أَوَّلَ مَنْ لَقِيَ مِنْهُمْ فَقَالَ جَبْرَئِيلُ ع إِنَّ هَذِهِ لَهِيَ الْمُوَاسَاةُ يَا مُحَمَّدُ فَقَالَ إِنَّهُ مِنِّي وَ أَنَا مِنْهُ فَقَالَ جَبْرَئِيلُ ع وَ أَنَا مِنْكُمَا يَا مُحَمَّدُ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع

قوله عليه السلام:" لي بك أسوة" قال في المصباح: الأسوة بكسر الهمزة و ضمها:

القدوة، و تأسيت به اقتديت، و آسيته بنفسي بالمد سويته، و يجوز إبدال الهمزة واوا في لغة اليمن، فيقال: واسيته.

أقول: مضمون تلك الرواية من المشهورات بين الخاصة و العامة، قال ابن أبي الحديد: روى أبو عمر و محمد بن عبد الواحد الزاهد اللغوي غلام ثعلب و رواه أيضا محمد بن حبيب في أماليه أن رسول الله لما فر معظم أصحابه عنه يوم أحد كثرت عليه كتائب المشركين و قصدته كتيبة من بني كنانة، ثم من بني عبد مناف بن كنانة فيها بنو سفيان بن عويف و هم خالد بن ثعلب و أبو الشعثاء بن سفيان و أبو الحمراء بن سفيان و غراب بن سفيان فقال رسول الله صلى الله عليه و آله:، يا علي اكفني هذه الكتيبة، فحمل عليها و إنها لتقارب خمسين فارسا، و هو عليه السلام راجل فما زال يضربها بالسيف فتفرق عنه ثم تجتمع عليه، هكذا مرارا حتى قتل بني سفيان بن عويف الأربعة و تمام العشرة منها ممن لا يعرف بأسمائهم فقال جبرئيل عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: إن هذه المواساة، لقد عجبت الملائكة من مواساة هذا الفتى، فقال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: و ما يمنعه و هو مني و أنا منه: فقال جبرئيل: و أنا منكما، قال: و سمع

ص: 267

فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ ص إِلَى جَبْرَئِيلَ ع عَلَى كُرْسِيٍّ مِنْ ذَهَبٍ بَيْنَ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ وَ هُوَ يَقُولُ لَا سَيْفَ إِلَّا ذُو الْفَقَارِ وَ لَا فَتَى إِلَّا عَلِيٌ

91 حُمَيْدُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ الدِّهْقَانِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ الطَّاطَرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادِ بْنِ عِيسَى بَيَّاعِ السَّابِرِيِّ عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ قَالَ حَدَّثَنِي فُضَيْلٌ الْبُرْجُمِيُّ قَالَ كُنْتُ بِمَكَّةَ وَ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَمِيرٌ وَ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ عِنْدَ زَمْزَمَ فَقَالَ ادْعُوا لِي قَتَادَةَ قَالَ فَجَاءَ شَيْخٌ أَحْمَرُ الرَّأْسِ وَ اللِّحْيَةِ فَدَنَوْتُ لِأَسْمَعَ فَقَالَ خَالِدٌ يَا قَتَادَةُ أَخْبِرْنِي بِأَكْرَمِ وَقْعَةٍ كَانَتْ فِي الْعَرَبِ وَ أَعَزِّ وَقْعَةٍ كَانَتْ فِي الْعَرَبِ وَ أَذَلِّ وَقْعَةٍ كَانَتْ فِي الْعَرَبِ فَقَالَ أَصْلَحَ اللَّهُ الْأَمِيرَ أُخْبِرُكَ بِأَكْرَمِ وَقْعَةٍ كَانَتْ فِي الْعَرَبِ وَ أَعَزِّ وَقْعَةٍ كَانَتْ فِي الْعَرَبِ وَ أَذَلِّ وَقْعَةٍ كَانَتْ فِي الْعَرَبِ وَاحِدَةٌ قَالَ خَالِدٌ وَيْحَكَ وَاحِدَةٌ قَالَ نَعَمْ أَصْلَحَ اللَّهُ

ذلك اليوم صوت من قبل السماء لا يرى شخص الصارخ به ينادي مرارا" لا سيف إلا ذو الفقار، و لا فتى إلا علي" فسئل رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم عنه فقال هذا جبرئيل عليه السلام" قلت: و قد روى هذا الخبر جماعة من المحدثين، و هو من الأخبار المشهورة، و وقفت عليه في بعض نسخ مغازي محمد بن إسحاق، و رأيت بعضها خاليا عنه، و سألت شيخي عبد الوهاب بن سكينة عن هذا الخبر، فقال: خبر صحيح، فقلت له: فما بال الصحاح لم تشتمل عليه، قال: أو كلما كان صحيحا تشتمل عليه كتب الصحاح؟

كم قد أهمل جامعوا الصحاح من الأخبار الصحيحة. انتهى كلامه.

الحديث الحادي و التسعون

الحديث الحادي و التسعون

: ضعيف.

قوله:" ادعوا لي قتادة" هو من أكابر محدثي العامة من تابعي العامة البصرة، روي عن أنس و أبي الطفيل و سعد بن المسيب و الحسن البصري، قوله:" إن كان في العرب يومئذ من هو أعز منهم" لعله لعنه الله حملته الحمية و الكفر على أن يتعصب للمشركين بأنهم لم يذلوا بقتل هؤلاء، بل كان فيهم أعز منهم، أو غرضه الحمية لأبي سفيان و سائر بني أمية، و خالد بن الوليد فإنهم

ص: 268

الْأَمِيرَ قَالَ أَخْبِرْنِي قَالَ بَدْرٌ قَالَ وَ كَيْفَ ذَا قَالَ إِنَّ بَدْراً أَكْرَمُ وَقْعَةٍ كَانَتْ فِي الْعَرَبِ بِهَا أَكْرَمَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ الْإِسْلَامَ وَ أَهْلَهُ وَ هِيَ أَعَزُّ وَقْعَةٍ كَانَتْ فِي الْعَرَبِ بِهَا أَعَزَّ اللَّهُ الْإِسْلَامَ وَ أَهْلَهُ وَ هِيَ أَذَلُّ وَقْعَةٍ كَانَتْ فِي الْعَرَبِ فَلَمَّا قُتِلَتْ قُرَيْشٌ يَوْمَئِذٍ ذَلَّتِ الْعَرَبُ فَقَالَ لَهُ خَالِدٌ كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ إِنْ كَانَ فِي الْعَرَبِ يَوْمَئِذٍ مَنْ هُوَ أَعَزُّ مِنْهُمْ وَيْلَكَ يَا قَتَادَةُ أَخْبِرْنِي بِبَعْضِ أَشْعَارِهِمْ قَالَ خَرَجَ أَبُو جَهْلٍ يَوْمَئِذٍ وَ قَدْ أَعْلَمَ لِيُرَى مَكَانُهُ وَ عَلَيْهِ عِمَامَةٌ حَمْرَاءُ وَ بِيَدِهِ تُرْسٌ مُذَهَّبٌ وَ هُوَ يَقُولُ

مَا تَنْقِمُ الْحَرْبُ الشَّمُوسُ مِنِّي- بَازِلُ عَامَيْنِ حَدِيثُ السِّنِ

لِمِثْلِ هَذَا وَلَدَتْنِي أُمِّي

-

كانوا يومئذ بين المشركين، و يحتمل أن يكون مراده أن غلبة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم:

و هو سيد العرب كان يكفي لعزهم و لم يذلوا بفقد هؤلاء.

قوله:" و قد أعلم" أي جعل لنفسه أو لفرسه علامة يعلم بها، قال الفيروزآبادي:

أعلم الفرس: أي علق عليه صوفا ملونا في الحرب و نفسه و سمها بسيماء الحرب كعلمها.

و قال الجوهري: أعلم الفارس جعل لنفسه علامة الشجعان، فهو معلم.

قوله:" ما تنقم" إلى آخره، قال الجوهري: نقمت على الرجل أنقم بالكسر فأنا ناقم إذا عتبت عليه، يقال: ما نقمت منه إلا الإحسان.

و قال الكسائي: نقمت بالكسر لغة، و نقمت الأمر أيضا و نقمته إذا كرهته و انتقم الله منه أي عاقبه، و قال: شمس الفرس شموسا و شماسا أي منع ظهره، و هو فرس شموس و به شماس و رجل شموس صعب الخلق.

ص: 269

فَقَالَ كَذَبَ عَدُوُّ اللَّهِ إِنْ كَانَ ابْنُ أَخِي لَأَفْرَسَ مِنْهُ يَعْنِي خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ وَ كَانَتْ أُمُّهُ قُشَيْرِيَّةً وَيْلَكَ يَا قَتَادَةُ مَنِ الَّذِي يَقُولُ أُوفِي بِمِيعَادِي وَ أَحْمِي عَنْ حَسَبْ فَقَالَ أَصْلَحَ اللَّهُ الْأَمِيرَ لَيْسَ هَذَا يَوْمَئِذٍ هَذَا يَوْمُ أُحُدٍ خَرَجَ طَلْحَةُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ وَ هُوَ يُنَادِي مَنْ

و قال الفيروزآبادي: نقم منه كضرب و علم و انتقم: عاقبه.

أقول: الظاهر أن كلمة" ما" للاستفهام، و يحتمل على بعد أن تكون نافية، و ما لهما واحد، أي لا يقدر عليها بسهولة، و لا تطيع المرء فيما يريد منها أن تنتقم مني أو أن تعييني أو تظهر عيبي، قوله:" بازل عامين حديث السن" الظاهر أنهما حالان عن الضمير المجرور في قوله مني.

و قد روي هذا عن أمير المؤمنين أيضا هكذا

قد عرف الحرب العوان أني بازل عامين حديث السن

سنحنح الليل كأني جني أستقبل الحرب بكل فن

معي سلاحي و معي مجني و صارم يذهب كل ضغن

أمض به كل عدو عني لمثل هذا ولدتني أمي

و قال الجزري: و منه حديث علي بن أبي طالب" بازل عامين حديث السن" البازل من الإبل، الذي تم لها ثمان سنين و دخل في التاسعة، و حينئذ يطلع نابه و تكمل قوته، ثم يقال له بعد ذلك: بازل عام و بازل عامين يقول:

أنا مستجمع الشباب مستكمل القوة.

قوله عليه السلام:" و كانت أمه قشيرية" أي لذلك قال ابن أخي، لأن خالدا كانت أمه من قبيلته، و الأصوب ما في بعض النسخ قسيرية، لأن خالد بن عبد الله مشهور

ص: 270

يُبَارِزُ فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِ أَحَدٌ فَقَالَ إِنَّكُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّكُمْ تُجَهِّزُونَّا بِأَسْيَافِكُمْ إِلَى النَّارِ وَ نَحْنُ نُجَهِّزُكُمْ بِأَسْيَافِنَا إِلَى الْجَنَّةِ فَلْيَبْرُزَنَّ إِلَيَّ رَجُلٌ يُجَهِّزُنِي بِسَيْفِهِ إِلَى النَّارِ وَ أُجَهِّزُهُ بِسَيْفِي إِلَى الْجَنَّةِ فَخَرَجَ إِلَيْهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ع وَ هُوَ يَقُولُ

أَنَا ابْنُ ذِي الْحَوْضَيْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ وَ هَاشِمِ المُطْعِمِ فِي الْعَامِ السَّغِبْ

أُوفِي بِمِيعَادِي وَ أَحْمِي عَنْ حَسَبْ

- فَقَالَ خَالِدٌ لَعَنَهُ اللَّهُ كَذَبَ لَعَمْرِي وَ اللَّهِ أَبُو تُرَابٍ مَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَالَ الشَّيْخُ أَيُّهَا الْأَمِيرُ ائْذَنْ لِي فِي الِانْصِرَافِ قَالَ فَقَامَ الشَّيْخُ يُفَرِّجُ النَّاسَ بِيَدِهِ وَ خَرَجَ وَ هُوَ يَقُولُ زِنْدِيقٌ وَ رَبِّ الْكَعْبَةِ زِنْدِيقٌ وَ رَبِّ الْكَعْبَةِ

بالقسري كما مر في صدر الحديث أيضا.

قوله:" إنكم تجهزونا" التجهيز إعداد ما يحتاج إليه المسافر أو العروس أو الميت، و يحتمل أن يكون من قولهم أجهز على الجريح أي أثبت قتله و أسرعه و تمم عليه.

قوله عليه السلام:" أنا ابن ذي الحوضين" يعني اللتين صنعهما عبد المطلب عند زمزم لسقاية الحاج.

قوله عليه السلام:" في العام السغب" الظاهر أنه بكسر الغين أي عام القحط و المجاعة: قال الفيروزآبادي: سغب كفرح و نصر: جاع أو لا يكون إلا مع تعب، فهو ساغب و سغبان و سغب.

قوله عليه السلام:" أو في بميعادي" أي مع الرسول في نصرة.

قوله عليه السلام:" و أحمي عن حسب" أدفع العار عن أحسابي، و أحساب آبائي، و يحتمل على بعد أن يقرأ بكسر السين أي عن ذي حسب هو الرسول صلى الله عليه و آله و سلم.

ص: 271

حَدِيثُ آدَمَ ع مَعَ الشَّجَرَةِ

92 عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى عَهِدَ إِلَى آدَمَ ع أَنْ لَا يَقْرَبَ هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَلَمَّا بَلَغَ الْوَقْتُ الَّذِي كَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا نَسِيَ فَأَكَلَ مِنْهَا وَ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ

حديث آدم عليه السلام مع الشجرة

حديث آدم عليه السلام مع الشجرة

الحديث الثاني و التسعون: مجهول.

قوله عليه السلام:" نسي فأكل منها" اعلم أن أقوى شبه المخطئين لأنبياء الله الظواهر الدالة على عصيان آدم و حملوها على ظواهرها بناء على أصلهم من عدم وجوب عصمة الأنبياء عليهم السلام، و ضبط القول في ذلك أن الاختلاف في هذا الباب يرجع إلى أقسام أربعة.

أحدها: ما يقع في باب العقائد، و ثانيها: ما يقع في التبليغ، و ثالثها: ما يقع في الأحكام و الفتيا، و رابعها: في أفعالهم و سيرهم، أما الكفر و الضلال في الاعتقاد فقد أجمعت الأمة على عصمتهم عنهما قبل النبوة و بعدها، غير أن الأزارقة من الخوارج جوزوا عليهم الذنب، و كل ذنب عندهم كفر، فلزمهم تجويز الكفر عليهم، بل يحكى عنهم أنهم قالوا: يجوز أن يبعث الله نبيا علم أنه يكفر بعد نبوته، و أما النوع الثاني و هو ما يتعلق بالتبليغ، فقد اتفقت الأمة بل جميع أرباب الملل و الشرائع على وجوب عصمتهم عن الكذب و التحريف فيما يتعلق بالتبليغ عمدا و سهوا، إلا القاضي أبا بكر فإنه جوز ما كان من ذلك على سبيل النسيان، و فلتأت اللسان.

و أما النوع الثالث: و هو ما يتعلق بالفتياء، فأجمعوا على أنه لا يجوز خطاؤهم فيه عمدا و سهوا إلا شر ذمة قليلة من العامة.

ص: 272

و أما النوع الرابع: و هو الذي يقع في أفعالهم فقد اختلفوا فيه على خمسة أقوال.

الأول: مذهب أصحابنا الإمامية و هو أنه لا يصدر عنهم الذنب لا صغيرة و لا كبيرة، و لا عمدا و لا نسيانا و لا لخطأ في التأويل، و لا للإسهاء من الله تعالى، و لم يخالف فيه إلا الصدوق و شيخه محمد بن الحسن الوليد رحمهما الله تعالى، فإنهما جوزا الإسهاء، لا السهو الذي يكون من الشيطان، و كذا القول في الأئمة الطاهرين.

الثاني: أنه لا يجوز عليهم الكبائر، و يجوز عليهم الصغائر إلا الصغائر الخسيسة المنفرة كسرقة حبة و لقمة، و كل ما ينسب فاعله إلا الدناءة و الضعة، و هذا قول أكثر المعتزلة.

الثالث: أنه لا يجوز أن يأتوا بصغيرة و لا كبيرة على جهة التأويل أو السهو و هو قول أبي على الجبائي.

الرابع: أنه لا يقع منهم الذنب إلا على جهة السهو و الخطإ، لكنهم مأخوذون بما يقع منهم سهوا و إن كان موضوعا عن أمتهم لقوة معرفتهم و علو مرتبتهم، و كثرة دلالتهم و إنهم يقدرون من التحفظ على ما لا يقدر عليه غيرهم و هو قول النظام و جعفر بن مبشر و من تبعهما.

الخامس: أنه يجوز عليهم الكبائر و الصغائر عمدا و سهوا و خطأ، و هو قول الحشوية و كثير من أصحاب الحديث من العامة، ثم اختلفوا في وقت العصمة على ثلاثة أقوال: الأول: أنه من وقت ولادتهم إلى أن يلقوا الله سبحانه و هو مذهب أصحابنا الإمامية.

الثاني: أنه من حين بلوغهم، و لا يجوز عليهم الكفر و الكبيرة قبل النبوة

ص: 273

و هو مذهب كثير من المعتزلة.

الثالث: أنه وقت النبوة، و أما قبله فيجوز صدور المعصية عنهم، و هو قول أكثر الأشاعرة، و منهم الفخر الرازي، و به قال أبو هذيل و أبو علي الجبائي من المعتزلة.

إذا عرفت هذا فاعلم أن العمدة فيما اختاره أصحابنا من تنزيه الأنبياء و الأئمة عليهم السلام عن كل ذنب و دناءة و منقصة قبل النبوة و بعدها قول أئمتنا" سلام الله عليهم" بذلك، المعلوم لنا قطعا بإجماع أصحابنا مع تأيده بالنصوص المتظافرة، حتى صار ذلك من قبيل الضروريات في مذهب الإمامية. و قد استدل عليه أصحابنا بالدلائل العقلية و قد أوردنا بعضها في شرح كتاب الحجة، و من أراد تفصيل القول في ذلك فليرجع إلى كتاب الشافي و كتاب تنزيه الأنبياء و غيرهما من كتب أصحابنا.

و الجواب مجملا: عما استدل به المخطئون من إطلاق لفظ العصيان و الذنب فيما صدر عن آدم عليه السلام هو أنه لما قام الدليل على عصمتهم نحمل هذه الألفاظ على ترك لمستحب و الأولى، أو فعل المكروه مجازا، و النكتة فيه كون ترك الأولى و مخالفة الأمر الندبي و ارتكاب النهي التنزيهي منهم، مما يعظم موقعه لعلو درجتهم و ارتفاع شأنهم، و أما النسيان الوارد في هذه الآية فقد ذكر جماعة من المفسرين أن المراد به الترك، و قد ورد في كثير من الأخبار أيضا.

منها ما رواه علي بن إبراهيم عن أبيه عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن المفضل بن صالح عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله" وَ لَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ"

ص: 274

وَ لَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَ لَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً فَلَمَّا أَكَلَ آدَمُ ع مِنَ الشَّجَرَةِ أُهْبِطَ إِلَى الْأَرْضِ فَوُلِدَ لَهُ هَابِيلُ وَ أُخْتُهُ تَوْأَمٌ وَ وُلِدَ لَهُ قَابِيلُ وَ أُخْتُهُ تَوْأَمٌ ثُمَّ إِنَّ آدَمَ ع أَمَرَ هَابِيلَ وَ قَابِيلَ أَنْ يُقَرِّبَا قُرْبَاناً وَ كَانَ هَابِيلُ صَاحِبَ غَنَمٍ وَ كَانَ قَابِيلُ صَاحِبَ زَرْعٍ فَقَرَّبَ هَابِيلُ كَبْشاً مِنْ أَفَاضِلِ غَنَمِهِ وَ قَرَّبَ قَابِيلُ مِنْ زَرْعِهِ مَا لَمْ يُنَقَّ فَتُقُبِّلَ قُرْبَانُ هَابِيلَ وَ لَمْ يُتَقَبَّلْ قُرْبَانُ قَابِيلَ وَ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- وَ اتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَ لَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ وَ كَانَ الْقُرْبَانُ تَأْكُلُهُ النَّارُ فَعَمَدَ قَابِيلُ إِلَى النَّارِ فَبَنَى لَهَا بَيْتاً وَ هُوَ أَوَّلُ مَنْ بَنَى بُيُوتَ النَّارِ فَقَالَ لَأَعْبُدَنَّ هَذِهِ النَّارَ حَتَّى تَتَقَبَّلَ مِنِّي قُرْبَانِي ثُمَّ إِنَّ إِبْلِيسَ لَعَنَهُ اللَّهُ أَتَاهُ وَ هُوَ يَجْرِي مِنِ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ فِي الْعُرُوقِ فَقَالَ لَهُ يَا قَابِيلُ قَدْ تُقُبِّلَ قُرْبَانُ هَابِيلَ وَ لَمْ يُتَقَبَّلْ قُرْبَانُكَ وَ إِنَّكَ إِنْ تَرَكْتَهُ يَكُونُ لَهُ عَقِبٌ يَفْتَخِرُونَ عَلَى عَقِبِكَ وَ يَقُولُونَ نَحْنُ أَبْنَاءُ الَّذِي تُقُبِّلَ قُرْبَانُهُ فَاقْتُلْهُ كَيْلَا يَكُونَ لَهُ عَقِبٌ يَفْتَخِرُونَ عَلَى عَقِبِكَ فَقَتَلَهُ فَلَمَّا رَجَعَ قَابِيلُ إِلَى آدَمَ ع قَالَ لَهُ يَا قَابِيلُ أَيْنَ هَابِيلُ فَقَالَ اطْلُبْهُ حَيْثُ قَرَّبْنَا الْقُرْبَانَ فَانْطَلَقَ آدَمُ ع فَوَجَدَ هَابِيلَ قَتِيلًا فَقَالَ آدَمُ ع لُعِنْتِ مِنْ أَرْضٍ كَمَا قَبِلْتِ دَمَ هَابِيلَ وَ بَكَى آدَمُ ع عَلَى هَابِيلَ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ إِنَّ آدَمَ سَأَلَ رَبَّهُ وَلَداً فَوُلِدَ لَهُ غُلَامٌ فَسَمَّاهُ هِبَةَ اللَّهِ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ وَهَبَهُ لَهُ وَ أُخْتُهُ تَوْأَمٌ

الآية، قال: عهد إليه في محمد و الأئمة من بعده، فترك و لم يكن له عزم فيهم أنهم هكذا و أنهم سموا أولي العزم لأنه عهد إليهم في محمد و أوصيائه من بعده و القائم عليه السلام و سيرته، فأجمع عزمهم أن ذلك كذلك.

و قال الجزري و أصل النسيان الترك. و قال البيضاوي:" وَ لَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ" و لقد أمرناه يقال: تقدم الملك إليه أوعز إليه و عزم عليه و عهد إليه إذا أمره، و اللام جواب قسم محذوف" مِنْ قَبْلُ" هذا الزمان" فَنَسِيَ" العهد، و لم

ص: 275

فَلَمَّا انْقَضَتْ نُبُوَّةُ آدَمَ ع وَ اسْتَكْمَلَ أَيَّامَهُ أَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَيْهِ أَنْ يَا آدَمُ قَدِ انْقَضَتْ نُبُوَّتُكَ وَ اسْتَكْمَلْتَ أَيَّامَكَ فَاجْعَلِ الْعِلْمَ الَّذِي عِنْدَكَ وَ الْإِيمَانَ وَ الِاسْمَ الْأَكْبَرَ وَ مِيرَاثَ الْعِلْمِ وَ آثَارَ عِلْمِ النُّبُوَّةِ فِي الْعَقِبِ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ عِنْدَ هِبَةِ اللَّهِ فَإِنِّي لَنْ أَقْطَعَ الْعِلْمَ وَ الْإِيمَانَ وَ الِاسْمَ الْأَكْبَرَ وَ آثَارَ النُّبُوَّةِ مِنَ الْعَقِبِ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَ لَنْ أَدَعَ الْأَرْضَ إِلَّا وَ فِيهَا عَالِمٌ يُعْرَفُ بِهِ دِينِي وَ يُعْرَفُ بِهِ طَاعَتِي وَ يَكُونُ نَجَاةً لِمَنْ يُولَدُ فِيمَا بَيْنَكَ وَ بَيْنَ نُوحٍ وَ بَشَّرَ آدَمَ بِنُوحٍ ع فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى بَاعِثٌ نَبِيّاً اسْمُهُ نُوحٌ وَ إِنَّهُ يَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ وَ يُكَذِّبُهُ قَوْمُهُ فَيُهْلِكُهُمُ اللَّهُ بِالطُّوفَانِ وَ كَانَ بَيْنَ آدَمَ وَ بَيْنَ نُوحٍ ع عَشَرَةُ آبَاءٍ أَنْبِيَاءُ وَ أَوْصِيَاءُ كُلُّهُمْ وَ أَوْصَى آدَمُ ع إِلَى هِبَةِ اللَّهِ أَنَّ مَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ فَلْيُؤْمِنْ بِهِ وَ لْيَتَّبِعْهُ وَ لْيُصَدِّقْ بِهِ فَإِنَّهُ يَنْجُو مِنَ الْغَرَقِ ثُمَّ إِنَّ آدَمَ ع مَرِضَ الْمَرْضَةَ الَّتِي مَاتَ فِيهَا فَأَرْسَلَ هِبَةَ اللَّهِ وَ قَالَ لَهُ إِنْ لَقِيتَ جَبْرَئِيلَ أَوْ مَنْ لَقِيتَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ فَأَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلَامَ وَ قُلْ لَهُ يَا جَبْرَئِيلُ إِنَّ أَبِي يَسْتَهْدِيكَ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ فَقَالَ لَهُ جَبْرَئِيلُ يَا هِبَةَ اللَّهِ إِنَّ أَبَاكَ قَدْ قُبِضَ وَ إِنَّا نَزَلْنَا لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ فَارْجِعْ فَرَجَعَ فَوَجَدَ آدَمَ ع قَدْ قُبِضَ فَأَرَاهُ جَبْرَئِيلُ كَيْفَ يُغَسِّلُهُ فَغَسَّلَهُ حَتَّى إِذَا بَلَغَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ قَالَ هِبَةُ اللَّهِ يَا جَبْرَئِيلُ تَقَدَّمْ فَصَلِّ عَلَى آدَمَ فَقَالَ لَهُ جَبْرَئِيلُ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ أَمَرَنَا أَنْ نَسْجُدَ لِأَبِيكَ آدَمَ وَ هُوَ فِي الْجَنَّةِ فَلَيْسَ لَنَا أَنْ نَؤُمَّ شَيْئاً مِنْ وُلْدِهِ فَتَقَدَّمَ هِبَةُ اللَّهِ فَصَلَّى عَلَى أَبِيهِ

يعن به حتى غفلة أو ترك ما وصى به من الاحتراز عن الشجرة" وَ لَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً" تصميم رأي و ثبات على الأمر إذ لو كان ذا عزم و تصلب لم يزله الشيطان، و لم يستطع تغريره، انتهى. قوله تعالى:" قد قضيت" على صيغة الخطاب المعلوم أو على صيغة الغيبة المجهول و الأول أظهر، و كذا الفعل الثاني يجري فيه الاحتمالان قوله تعالى:" و الاسم الأكبر" أي الأسماء العظام أو كتب الأنبياء و علومهم كما فسر به في خبر تقدم في كتاب الحجة.

ص: 276

وَ جَبْرَئِيلُ خَلْفَهُ وَ جُنُودُ الْمَلَائِكَةِ وَ كَبَّرَ عَلَيْهِ ثَلَاثِينَ تَكْبِيرَةً فَأَمَرَ جَبْرَئِيلُ ع فَرَفَعَ خَمْساً وَ عِشْرِينَ تَكْبِيرَةً وَ السُّنَّةُ الْيَوْمَ فِينَا خَمْسُ تَكْبِيرَاتٍ وَ قَدْ كَانَ يُكَبَّرُ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ تِسْعاً وَ سَبْعاً ثُمَّ إِنَّ هِبَةَ اللَّهِ لَمَّا دَفَنَ أَبَاهُ أَتَاهُ قَابِيلُ فَقَالَ يَا هِبَةَ اللَّهِ إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ أَبِي آدَمَ قَدْ خَصَّكَ مِنَ الْعِلْمِ بِمَا لَمْ أُخَصَّ بِهِ أَنَا وَ هُوَ الْعِلْمُ الَّذِي دَعَا بِهِ أَخُوكَ هَابِيلُ فَتُقُبِّلَ قُرْبَانُهُ وَ إِنَّمَا قَتَلْتُهُ لِكَيْلَا يَكُونَ لَهُ عَقِبٌ فَيَفْتَخِرُونَ عَلَى عَقِبِي فَيَقُولُونَ نَحْنُ أَبْنَاءُ الَّذِي تُقُبِّلَ قُرْبَانُهُ وَ أَنْتُمْ أَبْنَاءُ الَّذِي تُرِكَ قُرْبَانُهُ فَإِنَّكَ إِنْ أَظْهَرْتَ مِنَ الْعِلْمِ الَّذِي اخْتَصَّكَ بِهِ أَبُوكَ شَيْئاً قَتَلْتُكَ كَمَا قَتَلْتُ أَخَاكَ هَابِيلَ فَلَبِثَ هِبَةُ اللَّهِ وَ الْعَقِبُ مِنْهُ مُسْتَخْفِينَ بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَ الْإِيمَانِ وَ الِاسْمِ الْأَكْبَرِ وَ مِيرَاثِ النُّبُوَّةِ وَ آثَارِ عِلْمِ النُّبُوَّةِ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ نُوحاً ع وَ ظَهَرَتْ وَصِيَّةُ هِبَةِ اللَّهِ حِينَ نَظَرُوا فِي وَصِيَّةِ آدَمَ ع فَوَجَدُوا نُوحاً ع نَبِيّاً قَدْ بَشَّرَ بِهِ آدَمُ ع فَآمَنُوا بِهِ وَ اتَّبَعُوهُ وَ صَدَّقُوهُ وَ قَدْ كَانَ آدَمُ ع وَصَّى هِبَةَ اللَّهِ أَنْ يَتَعَاهَدَ هَذِهِ الْوَصِيَّةَ عِنْدَ رَأْسِ كُلِّ سَنَةٍ فَيَكُونَ يَوْمَ عِيدِهِمْ فَيَتَعَاهَدُونَ نُوحاً وَ زَمَانَهُ الَّذِي يَخْرُجُ فِيهِ وَ كَذَلِكَ جَاءَ فِي وَصِيَّةِ كُلِّ نَبِيٍّ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّداً ص- وَ إِنَّمَا عَرَفُوا نُوحاً بِالْعِلْمِ الَّذِي عِنْدَهُمْ وَ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ وَ كَانَ مَنْ بَيْنَ آدَمَ وَ نُوحٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ مُسْتَخْفِينَ وَ لِذَلِكَ خَفِيَ ذِكْرُهُمْ فِي الْقُرْآنِ فَلَمْ يُسَمَّوْا كَمَا

قوله عليه السلام:" فرفع خمسا و عشرين تكبيرة" أي وجوبه، أو عموم مشروعيته فلا ينافي ما فعله الرسول صلى الله عليه و آله و سلم في بعض الموارد، لبعض الخصوصيات، و يحتمل أن يكون السبع و التسع للتشريك في الصلاة لجنازة أخرى أحضرت بعد الرابعة أو بعد الثانية.

قوله عليه السلام:" أن يتعاهد" التعاهد المحافظة، و تجديد العهد و المواظبة، و أما أولها كي لا تندرس و لا تنسى.

قوله عليه السلام:" فيتعاهدون" أي المؤمنون بعضهم مع بعض مستخفين من قابيل و أتباعه.

قوله عليه السلام:" من الأنبياء" أي كثير منهم أو جماعة منهم.

ص: 277

سُمِّيَ مَنِ اسْتَعْلَنَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ وَ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- وَ رُسُلًا قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَ رُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ يَعْنِي لَمْ أُسَمِّ الْمُسْتَخْفِينَ كَمَا سَمَّيْتُ الْمُسْتَعْلِنِينَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ ع فَمَكَثَ نُوحٌ ع فِي قَوْمِهِ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً لَمْ يُشَارِكْهُ فِي نُبُوَّتِهِ أَحَدٌ وَ لَكِنَّهُ قَدِمَ عَلَى قَوْمٍ مُكَذِّبِينَ لِلْأَنْبِيَاءِ ع الَّذِينَ كَانُوا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ آدَمَ ع وَ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ يَعْنِي مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ آدَمَ ع إِلَى أَنِ انْتَهَى إِلَى قَوْلِهِ عَزَّ وَ جَلَّ- وَ إِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ثُمَّ إِنَّ نُوحاً ع لَمَّا انْقَضَتْ نُبُوَّتُهُ وَ اسْتُكْمِلَتْ أَيَّامُهُ أَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَيْهِ أَنْ يَا نُوحُ قَدْ قَضَيْتَ نُبُوَّتَكَ وَ اسْتَكْمَلْتَ أَيَّامَكَ فَاجْعَلِ الْعِلْمَ الَّذِي عِنْدَكَ وَ الْإِيمَانَ وَ الِاسْمَ الْأَكْبَرَ وَ مِيرَاثَ الْعِلْمِ وَ آثَارَ عِلْمِ النُّبُوَّةِ فِي الْعَقِبِ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ فَإِنِّي لَنْ أَقْطَعَهَا كَمَا لَمْ أَقْطَعْهَا مِنْ بُيُوتَاتِ الْأَنْبِيَاءِ ع الَّتِي بَيْنَكَ وَ بَيْنَ آدَمَ ع وَ لَنْ أَدَعَ الْأَرْضَ إِلَّا وَ فِيهَا عَالِمٌ يُعْرَفُ بِهِ دِينِي وَ تُعْرَفُ بِهِ طَاعَتِي وَ يَكُونُ نَجَاةً لِمَنْ يُولَدُ فِيمَا بَيْنَ قَبْضِ النَّبِيِّ إِلَى خُرُوجِ النَّبِيِّ الْآخَرِ وَ بَشَّرَ نُوحٌ سَاماً بِهُودٍ ع وَ كَانَ فِيمَا بَيْنَ نُوحٍ وَ هُودٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ ع وَ قَالَ نُوحٌ إِنَّ اللَّهَ بَاعِثٌ نَبِيّاً يُقَالُ لَهُ هُودٌ وَ إِنَّهُ يَدْعُو قَوْمَهُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَيُكَذِّبُونَهُ وَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ مُهْلِكُهُمْ بِالرِّيحِ فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ فَلْيُؤْمِنْ بِهِ وَ لْيَتَّبِعْهُ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يُنْجِيهِ مِنْ عَذَابِ الرِّيحِ وَ أَمَرَ نُوحٌ ع ابْنَهُ سَاماً أَنْ يَتَعَاهَدَ هَذِهِ الْوَصِيَّةَ عِنْدَ رَأْسِ كُلِّ سَنَةٍ فَيَكُونَ يَوْمُئِذٍ عِيداً لَهُمْ فَيَتَعَاهَدُونَ فِيهِ مَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَ الْإِيمَانِ وَ الِاسْمِ الْأَكْبَرِ وَ مَوَارِيثِ الْعِلْمِ وَ آثَارِ عِلْمِ النُّبُوَّةِ- فَوَجَدُوا هُوداً نَبِيّاً ع وَ قَدْ بَشَّرَ بِهِ أَبُوهُمْ

قوله عليه السلام:" فإن الله ينجيه" أي هودا أو من اتبعه، قوله:" لنجعلها" في بعض النسخ بصيغة الغيبة و هو الأظهر، و في أكثرها بصيغة المتكلم أي هديناه لتعيين الخليفة لنجعل الخلافة في أهل بيته.

قوله:" و أمن العقب" و في بعض النسخ و" أمر" أي أمر هودا العقب بتعاهد الوصية لإبراهيم.

ص: 278

نُوحٌ ع فَآمَنُوا بِهِ وَ اتَّبَعُوهُ وَ صَدَّقُوهُ فَنَجَوْا مِنْ عَذَابِ الرِّيحِ وَ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- وَ إِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً وَ قَوْلُهُ عَزَّ وَ جَلَّ كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَ لا تَتَّقُونَ وَ قَالَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى وَ وَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَ يَعْقُوبُ وَ قَوْلُهُ وَ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنا لِنَجْعَلَهَا فِي أَهْلِ بَيْتِهِ- وَ نُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ لِنَجْعَلَهَا فِي أَهْلِ بَيْتِهِ فَآمَنَ الْعَقِبُ مِنْ ذُرِّيَّةِ الْأَنْبِيَاءِ ع مَنْ كَانَ قَبْلَ إِبْرَاهِيمَ لِإِبْرَاهِيمَ ع وَ كَانَ بَيْنَ إِبْرَاهِيمَ وَ هُودٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ ص وَ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- وَ ما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ وَ قَوْلُهُ عَزَّ ذِكْرُهُ- فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَ قالَ إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي وَ قَوْلُهُ عَزَّ وَ جَلَّ وَ إِبْراهِيمَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَ اتَّقُوهُ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ فَجَرَى بَيْنَ كُلِّ نَبِيَّيْنِ عَشَرَةُ أَنْبِيَاءَ وَ تِسْعَةُ وَ ثَمَانِيَةُ أَنْبِيَاءَ كُلُّهُمْ أَنْبِيَاءُ وَ جَرَى لِكُلِّ نَبِيٍّ مَا جَرَى لِنُوحٍ ص وَ كَمَا جَرَى لآِدَمَ وَ هُودٍ وَ صَالِحٍ وَ شُعَيْبٍ وَ إِبْرَاهِيمَ ص حَتَّى انْتَهَتْ إِلَى يُوسُفَ بْنِ يَعْقُوبَ ع ثُمَّ صَارَتْ مِنْ بَعْدِ يُوسُفَ فِي أَسْبَاطِ إِخْوَتِهِ حَتَّى انْتَهَتْ إِلَى مُوسَى ع فَكَانَ بَيْنَ يُوسُفَ وَ بَيْنَ مُوسَى مِنَ الْأَنْبِيَاءِ ع فَأَرْسَلَ اللَّهُ مُوسَى وَ هَارُونَ ع إِلَى فِرْعَوْنَ وَ هَامَانَ وَ قَارُونَ ثُمَّ أَرْسَلَ الرُّسُلَ تَتْرا

قوله عليه السلام: و هو قوله تعالى" وَ ما قَوْمُ لُوطٍ" ظاهره أنه لبيان أنه قد كان بين هود و إبراهيم أنبياء و منهم لوط عليه السلام و هو مخالف لغيره من الأخبار الدالة على أن لوطا عليه السلام كان بعثته بعد بعثة إبراهيم عليه السلام و كان معاصرا له، و يحتمل أن يكون الغرض الإشارة إلى الآيات الدالة على بعثة إبراهيم عليه السلام و من آمن به من الأنبياء و غيرهم.

قوله عليه السلام:" و جرى لكل نبي ما جرى لنوح" أي الوصية و الأمر بتعاهدها و كتمانها.

قوله عليه السلام:" ثم أرسل الرسل تترى" أي متواترين واحدا بعد واحد من الوتر و هو الفرد و التاء بدل من الواو، كتولج، و الألف للتأنيث، لأن الرسل جماعة قوله

ص: 279

كُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً وَ جَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ وَ كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَقْتُلُ نَبِيّاً وَ اثْنَانِ قَائِمَانِ وَ يَقْتُلُونَ اثْنَيْنِ وَ أَرْبَعَةٌ قِيَامٌ حَتَّى أَنَّهُ كَانَ رُبَّمَا قَتَلُوا فِي الْيَوْمِ الْوَاحِدِ سَبْعِينَ نَبِيّاً وَ يَقُومُ سُوقُ قَتْلِهِمْ آخِرَ النَّهَارِ فَلَمَّا نَزَلَتِ التَّوْرَاةُ عَلَى مُوسَى ع بَشَّرَ بِمُحَمَّدٍ ص وَ كَانَ بَيْنَ يُوسُفَ وَ مُوسَى مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَ كَانَ وَصِيُّ مُوسَى يُوشَعَ بْنَ نُونٍ ع وَ هُوَ فَتَاهُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ فِي كِتَابِهِ فَلَمْ تَزَلِ الْأَنْبِيَاءُ تُبَشِّرُ بِمُحَمَّدٍ ص حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ فَبَشَّرَ بِمُحَمَّدٍ ص وَ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى- يَجِدُونَهُ يَعْنِي الْيَهُودَ وَ النَّصَارَى- مَكْتُوباً يَعْنِي صِفَةَ مُحَمَّدٍ ص عِنْدَهُمْ يَعْنِي فِي التَّوْراةِ وَ الْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ يُخْبِرُ عَنْ عِيسَى- وَ مُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ وَ بَشَّرَ مُوسَى وَ عِيسَى بِمُحَمَّدٍ ص كَمَا بَشَّرَ

تعالى:" فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً" أي في الإهلاك قوله تعالى:" وَ جَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ" لم يبق منهم إلا حكايات يسمر بها، و هو اسم جمع للحديث أو جمع أحدوثة، و هو ما يتحدث به تلهيا و تعجبا.

قوله عليه السلام:" و اثنان قائمان" أي نبيان و لا ينصرانه تقية، أو لعدم قدرتهم على ذلك، أو رجلان من القوم واقفان، فلا يزجرانه لعدم مبالاتهم.

قوله عليه السلام:" و يقوم سوق قتلهم آخر النهار" الظاهر سوق" بقلهم" كما روي في غيره أي كانوا لا يبالون بذلك، بحيث كان يقوم بعد قتل سبعين نبيا جميع أسواقهم حتى سوق بقلهم إلى آخر النهار، و على ما في أكثر النسخ، لعل المراد أن السوق الذي قتلوا فيه كان قائما إلى آخر النهار، لعدم اعتنائهم بذلك، أو المراد أنه ربما كان يمتد زمان قتلهم إلى آخر النهار، أو ربما يأخذون في قتلهم آخر النهار فيقتلون في هذا الزمان القليل مثل هذا العدد الكثير، و على الأخيرين يكون القتل كناية عن المعركة التي أقاموها لقتلهم، و لا يخفى بعدهما.

قوله عليه السلام:" يعني في التوراة" الظاهر أن قوله:" يعني" زيد من النساخ.

ص: 280

الْأَنْبِيَاءُ ع بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ حَتَّى بَلَغَتْ مُحَمَّداً ص فَلَمَّا قَضَى مُحَمَّدٌ ص نُبُوَّتَهُ وَ اسْتُكْمِلَتْ أَيَّامُهُ أَوْحَى اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى إِلَيْهِ يَا مُحَمَّدُ قَدْ قَضَيْتَ نُبُوَّتَكَ وَ اسْتَكْمَلْتَ أَيَّامَكَ فَاجْعَلِ الْعِلْمَ الَّذِي عِنْدَكَ وَ الْإِيمَانَ وَ الِاسْمَ الْأَكْبَرَ وَ مِيرَاثَ الْعِلْمِ وَ آثَارَ عِلْمِ النُّبُوَّةِ فِي أَهْلِ بَيْتِكَ عِنْدَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ع فَإِنِّي لَمْ أَقْطَعِ الْعِلْمَ وَ الْإِيمَانَ وَ الِاسْمَ الْأَكْبَرَ وَ مِيرَاثَ الْعِلْمِ وَ آثَارَ عِلْمِ النُّبُوَّةِ مِنَ الْعَقِبِ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ كَمَا لَمْ أَقْطَعْهَا مِنْ بُيُوتَاتِ الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ كَانُوا بَيْنَكَ وَ بَيْنَ أَبِيكَ آدَمَ وَ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى- إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ وَ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى لَمْ يَجْعَلِ الْعِلْمَ جَهْلًا وَ لَمْ يَكِلْ أَمْرَهُ إِلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ لَا إِلَى مَلَكٍ مُقَرَّبٍ وَ لَا نَبِيٍّ مُرْسَلٍ- وَ لَكِنَّهُ أَرْسَلَ رَسُولًا مِنْ مَلَائِكَتِهِ فَقَالَ لَهُ قُلْ كَذَا وَ كَذَا فَأَمَرَهُمْ بِمَا يُحِبُّ وَ نَهَاهُمْ عَمَّا يَكْرَهُ فَقَصَّ إِلَيْهِمْ أَمْرَ خَلْقِهِ بِعِلْمٍ فَعَلِمَ ذَلِكَ الْعِلْمَ وَ عَلَّمَ أَنْبِيَاءَهُ وَ أَصْفِيَاءَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ

قوله عليه السلام:" حتى بلغت" أي سلسلة الأنبياء أو النبوة أو البشارة، قوله عليه السلام:

" و ذلك قول الله" أي آل إبراهيم هم آل محمد عليهم السلام، و هم الذرية التي بعضها من بعض و قد وردت به الأخبار المستفيضة عنهم عليه السلام.

قوله عليه السلام:" و إن الله لم يجعل العلم جهلا" أي لم يجعل العلم مبنيا على الجهل بأن يكون أمر الحجة مجهولا لا يعلمه الناس، و لا بينة لهم. أو لم يجعل العلم مخلوطا بالجهل، بل لا بد أن يكون العالم عالما بجميع ما يحتاج إليه الخلق، و لا يكون اختيار مثله إلا منه تعالى، و قيل: المراد إن الله تعالى لم يبين أحكامه على ظنون الخلق، و إلا لكان العلم جهلا، إذ الظن قد يكون باطلا فيكون جهلا لعدم مطابقته للواقع، و أمر عباده باتباع العلم، و اليقين المطابق للواقع.

قوله تعالى:" و لقد آتينا" أقول في القرآن" فَقَدْ آتَيْنا" في سورة النساء و لعله من النساخ و أما ما سيأتي من قوله" و لقد آتينا آل إبراهيم الكتاب و الحكم و النبوة" فليس في القرآن أصلا فهو أيضا إما من الرواة أو في قرآنهم عليهم السلام كان على هذا

ص: 281

وَ الْإِخْوَانِ وَ الذُّرِّيَّةِ الَّتِي بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ فَذَلِكَ قَوْلُهُ جَلَّ وَ عَزَّ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ آتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً فَأَمَّا الْكِتَابُ فَهُوَ النُّبُوَّةُ وَ أَمَّا الْحِكْمَةُ فَهُمُ الْحُكَمَاءُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ مِنَ الصَّفْوَةِ وَ أَمَّا الْمُلْكُ الْعَظِيمُ فَهُمُ الْأَئِمَّةَلْهُدَاةُ] مِنَ الصَّفْوَةِ وَ كُلُّ هَؤُلَاءِ مِنَ الذُّرِّيَّةِ الَّتِي بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ الْعُلَمَاءُ الَّذِينَ جَعَلَ اللَّهُ فِيهِمُ الْبَقِيَّةَ وَ فِيهِمُ الْعَاقِبَةَ وَ حِفْظَ الْمِيثَاقِ حَتَّى تَنْقَضِيَ الدُّنْيَا وَ الْعُلَمَاءَ وَ لِوُلَاةِ الْأَمْرِ اسْتِنْبَاطُ الْعِلْمِ وَ لِلْهُدَاةِ فَهَذَا شَأْنُ الْفُضَّلِ مِنَ الصَّفْوَةِ وَ الرُّسُلِ وَ الْأَنْبِيَاءِ وَ الْحُكَمَاءِ وَ أَئِمَّةِ الْهُدَى وَ الْخُلَفَاءِ الَّذِينَ هُمْ وُلَاةُ أَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ اسْتِنْبَاطِ عِلْمِ اللَّهِ وَ أَهْلُ آثَارِ عِلْمِ اللَّهِ مِنَ الذُّرِّيَّةِ الَّتِي بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ مِنَ الصَّفْوَةِ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ ع مِنَ الْآبَاءِ وَ الْإِخْوَانِ وَ الذُّرِّيَّةِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ فَمَنِ اعْتَصَمَ بِالْفُضَّلِ انْتَهَى بِعِلْمِهِمْ وَ نَجَا بِنُصْرَتِهِمْ وَ مَنْ وَضَعَ وُلَاةَ أَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ أَهْلَ اسْتِنْبَاطِ عِلْمِهِ فِي غَيْرِ الصَّفْوَةِ مِنْ بُيُوتَاتِ الْأَنْبِيَاءِ ع فَقَدْ خَالَفَ أَمْرَ

الوجه أيضا، قوله: عليه السلام" جعل الله فيهم البقية" أي بقية علو الأنبياء و آثارهم، و يحتمل أن يكون إشارة إلى قوله تعالى:" بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ" و فسرت في الأخبار الكثيرة بالأئمة عليهم السلام، قوله:" و فيهم العاقبة" كما قال تعالى" وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ*".

قوله عليه السلام:" و العلماء و لولاة الأمر" لعل قوله" و العلماء" معطوف على العاقبة و قوله و للهداة" معطوف على قوله" لولاة الأمر" و في بعض النسخ و" للعلماء" و هو أظهر و في إكمال الدين و غيره هكذا" فهم العلماء و ولاة الأمر و أهل استنباط العلم و الهداة" و هو أصوب.

قوله عليه السلام:" فهذا شأن الفضل" بضم الفاء و تشديد الضاد المفتوحة جمع فاضل كخلص و غيب.

ص: 282

اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ جَعَلَ الْجُهَّالَ وُلَاةَ أَمْرِ اللَّهِ وَ الْمُتَكَلِّفِينَ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ زَعَمُوا أَنَّهُمْ أَهْلُ اسْتِنْبَاطِ عِلْمِ اللَّهِ فَقَدْ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ رَغِبُوا عَنْ وَصِيِّهِ ع وَ طَاعَتِهِ وَ لَمْ يَضَعُوا فَضْلَ اللَّهِ حَيْثُ وَضَعَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى فَضَلُّوا وَ أَضَلُّوا أَتْبَاعَهُمْ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ حُجَّةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّمَا الْحُجَّةُ فِي آلِ إِبْرَاهِيمَ ع لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- وَ لَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَ الْحُكْمَ وَ النُّبُوَّةَ وَ آتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً فَالْحُجَّةُ الْأَنْبِيَاءُ ع وَ أَهْلُ بُيُوتَاتِ الْأَنْبِيَاءِ ع حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ لِأَنَّ كِتَابَ اللَّهِ يَنْطِقُ بِذَلِكَ وَصِيَّةُ اللَّهِ بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ الَّتِي وَضَعَهَا عَلَى النَّاسِ فَقَالَ عَزَّ وَ جَلَّ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَ هِيَ بُيُوتَاتُ الْأَنْبِيَاءِ وَ الرُّسُلِ وَ الْحُكَمَاءِ وَ أَئِمَّةِ الْهُدَى فَهَذَا بَيَانُ عُرْوَةِ الْإِيمَانِ الَّتِي نَجَا بِهَا مَنْ نَجَا قَبْلَكُمْ وَ بِهَا يَنْجُو مَنْ يَتَّبِعُ الْأَئِمَّةَ وَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ فِي كِتَابِهِ وَ نُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ وَ أَيُّوبَ وَ يُوسُفَ وَ مُوسى وَ هارُونَ وَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَ زَكَرِيَّا وَ يَحْيى وَ عِيسى وَ إِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ وَ إِسْماعِيلَ وَ الْيَسَعَ وَ يُونُسَ وَ لُوطاً وَ كلًّا فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ وَ مِنْ آبائِهِمْ وَ ذُرِّيَّاتِهِمْ وَ إِخْوانِهِمْ وَ اجْتَبَيْناهُمْ وَ هَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَ الْحُكْمَ وَ النُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ فَإِنَّهُ وَكَّلَ بِالْفُضَّلِ

قوله عليه السلام:" و المتكلفين" عطف على الجهال، أي جعل المتكلفين ولاة أمر الله.

قوله عليه السلام:" وصية الله" أي هذه الأمور المذكورة سابقا وصية من الله أخذها كل إمام و نبي عمن قبله، و وجب على الناس قبولها، و قوله:" فقال عز و جل" بيان لما ينطق به الكتاب، فقوله وصية الله مرفوع خبر مبتدإ محذوف، و يحتمل أن يكون منصوبا حالا عن اسم الإشارة، و في إكمال الدين هكذا" و وصية الله جرت بذلك في العقب من البيوت التي رفعها الله تعالى على الناس، فقال" إلى آخر ما في المتن و لعله أظهر.

قوله عليه السلام:" فإنه وكل بالفضل" يحتمل أن يقرأ وكل بالتخفيف، و يكون

ص: 283

مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ- وَ الْإِخْوَانِ وَ الذُّرِّيَّةِ وَ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى إِنْ تَكْفُرْ بِهِ أُمَّتُكَ فَقَدْ وَكَّلْتُ أَهْلَ بَيْتِكَ بِالْإِيمَانِ الَّذِي أَرْسَلْتُكَ بِهِ فَلَا يَكْفُرُونَ بِهِ أَبَداً وَ لَا أُضِيعُ الْإِيمَانَ الَّذِي أَرْسَلْتُكَ بِهِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِكَ مِنْ بَعْدِكَ عُلَمَاءِ أُمَّتِكَ وَ وُلَاةِ أَمْرِي بَعْدَكَ وَ أَهْلِ اسْتِنْبَاطِ الْعِلْمِ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ كَذِبٌ وَ لَا إِثْمٌ وَ لَا زُورٌ وَ لَا بَطَرٌ وَ لَا رِيَاءٌ فَهَذَا بَيَانُ مَا يَنْتَهِي إِلَيْهِ أَمْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِنَّ اللَّهَ جَلَّ وَ عَزَّ طَهَّرَ- أَهْلَ بَيْتِ نَبِيِّهِ ع وَ سَأَلَهُمْ أَجْرَ الْمَوَدَّةِ وَ أَجْرَى لَهُمُ الْوَلَايَةَ وَ جَعَلَهُمْ أَوْصِيَاءَهُ وَ أَحِبَّاءَهُ ثَابِتَةً بَعْدَهُ فِي أُمَّتِهِ فَاعْتَبِرُوا يَا أَيُّهَا النَّاسُ فِيمَا قُلْتُ حَيْثُ وَضَعَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ وَلَايَتَهُ وَ طَاعَتَهُ وَ مَوَدَّتَهُ وَ اسْتِنْبَاطَ عِلْمِهِ وَ حُجَجَهُ فَإِيَّاهُ فَتَقَبَّلُوا وَ بِهِ فَاسْتَمْسِكُوا تَنْجُوا بِهِ وَ تَكُونُ لَكُمُ الْحُجَّةُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَ طَرِيقُ رَبِّكُمْ

الباء بمعنى أي و كل الإيمان و العلم إلى الأفاضل من أهل بيته، و بالتشديد على سبيل القلب أو بتخفيف الفضل، فيكون قوله من أهل بيته مفعولا لقوله وكل أي و كل جماعة من أهل بيته بالفضل، و هو العلم و الإيمان، و إنما احتجنا إلى هذه التكلفات، لأن الظاهر من كلامه عليه السلام بعد ذلك أنه عليه السلام فسر القوم بالأئمة و لعل الباء في قوله بالفضل من زيادة النساخ.

قوله عليه السلام:" من أهل بيتك" هو مبتدأ و خبره. قوله عليه السلام:" علماء أمتك" و في إكمال الدين هكذا" و جعلت أهل بيتك بعدك أعلم أمتك" قوله عليه السلام:" و سألهم أجر المودة" كان فيه حذفا و إيصالا أي سأل لهم و في إكمال الدين" و جعل لهم أجر المودة" فلا يحتاج إلى تكلف.

قوله عليه السلام:" و طريق ربكم" كأنه معطوف على الحجة، أي يكون لكم طريق إلى ربكم في الدنيا أو الطريق الموصل إلى الجنة في الآخرة، و يحتمل أن يكون خبر مبتدإ محذوف أي هم طريق ربكم، و في إكمال الدين هكذا" و تكون لكم به حجة يوم القيامة، و الفوز فإنهم صلة ما بينكم و بين ربكم، و لا تصل الولاية إلى الله

ص: 284

جَلَّ وَ عَزَّ وَ لَا تَصِلُ وَلَايَةٌ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَّا بِهِمْ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ حَقّاً عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكْرِمَهُ وَ لَا يُعَذِّبَهُ وَ مَنْ يَأْتِ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ بِغَيْرِ مَا أَمَرَهُ كَانَ حَقّاً عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ أَنْ يُذِلَّهُ وَ أَنْ يُعَذِّبَهُ

93 عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ ثَابِتِ بْنِ دِينَارٍ الثُّمَالِيِّ وَ أَبِي مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ قَالَ حَجَجْنَا مَعَ أَبِي جَعْفَرٍ ع فِي السَّنَةِ الَّتِي كَانَ حَجَّ فِيهَا هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ وَ كَانَ مَعَهُ نَافِعٌ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَنَظَرَ نَافِعٌ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ ع فِي رُكْنِ الْبَيْتِ وَ قَدِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ فَقَالَ نَافِعٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَنْ هَذَا الَّذِي قَدْ تَدَاكَّ عَلَيْهِ النَّاسُ فَقَالَ هَذَا نَبِيُّ أَهْلِ الْكُوفَةِ هَذَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ فَقَالَ اشْهَدْ لآَتِيَنَّهُ فَلَأَسْأَلَنَّهُ عَنْ مَسَائِلَ لَا يُجِيبُنِي فِيهَا إِلَّا نَبِيٌّ أَوِ ابْنُ نَبِيٍّ أَوْ وَصِيُّ نَبِيٍّ قَالَ فَاذْهَبْ إِلَيْهِ وَ سَلْهُ لَعَلَّكَ تُخْجِلُهُ فَجَاءَ نَافِعٌ حَتَّى اتَّكَأَ عَلَى النَّاسِ ثُمَّ أَشْرَفَ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ ع فَقَالَ يَا مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ إِنِّي قَرَأْتُ التَّوْرَاةَ وَ الْإِنْجِيلَ وَ الزَّبُورَ وَ الْفُرْقَانَ وَ قَدْ عَرَفْتُ حَلَالَهَا وَ حَرَامَهَا وَ قَدْ جِئْتُ أَسْأَلُكَ عَنْ مَسَائِلَ لَا يُجِيبُ فِيهَا إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ وَصِيُّ نَبِيٍّ أَوِ ابْنُ نَبِيٍّ قَالَ فَرَفَعَ أَبُو جَعْفَرٍ ع رَأْسَهُ فَقَالَ سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ فَقَالَ أَخْبِرْنِي كَمْ بَيْنَ عِيسَى وَ بَيْنَ

إلا بهم" قوله عليه السلام:" لا تصل ولاية إلى الله إلا بهم" لعل المراد أنه لا يقبل ولاية الله إلا بولايتهم أو لا يصل ولاية إلى الله، إلا إذا تعلقت بهم فلا يقبل إلا ولايتهم.

الحديث الثالث و التسعون

الحديث الثالث و التسعون

: مجهول.

قوله عليه السلام:" و كان معه نافع" بن سرجس مولى عبد الله بن عمر بن الخطاب كان ديلميا و هو من التابعين المدنيين و العامة رووا عنه أخبارا كثيرة و معظم رواياته عن ابن عمرو هو من الثقات عندهم و كان ناصبيا خبيثا معاندا لأهل البيت و يظهر من أخبارنا أنه كان يميل إلى رأي الخوارج كما يدل عليه هذا الخبر أيضا.

قوله:" قد تداك عليه الناس" أي ازدحموا.

ص: 285

مُحَمَّدٍ ص مِنْ سَنَةٍ قَالَ أُخْبِرُكَ بِقَوْلِي أَوْ بِقَوْلِكَ قَالَ أَخْبِرْنِي بِالْقَوْلَيْنِ جَمِيعاً قَالَ أَمَّا فِي قَوْلِي فَخَمْسُمِائَةِ سَنَةٍ وَ أَمَّا فِي قَوْلِكَ فَسِتُّمِائَةِ سَنَةٍ قَالَ فَأَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ لِنَبِيِّهِ- وَ سْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَ جَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ مَنِ الَّذِي سَأَلَ مُحَمَّدٌ ص وَ كَانَ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ عِيسَى خَمْسُمِائَةِ سَنَةٍ قَالَ فَتَلَا أَبُو جَعْفَرٍ

قوله عليه السلام:" أما في قولي فخمسمائة سنة" أقول: هذا هو الذي دلت عليه أكثر أخبارنا في قدر زمان الفترة.

و قد روى الصدوق في كتاب إكمال الدين عن أبيه عن محمد بن يحيى العطار عن يعقوب بن يزيد عن محمد بن أبي عمير عن سعد بن أبي خلف عن يعقوب بن شعيب، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:" كان بين عيسى و بين محمد صلى الله عليه و آله و سلم خمسمائة عام" و هذا هو الصحيح.

و روي عن إسماعيل بن أبي رافع عن أبيه عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم" أنه قال كانت الفترة بين عيسى و بين محمد أربعمائة سنة و ثمانين سنة" و هذا الخبر و إن كان عاميا يمكن حمله على أنه لم يحسب فيه بعض زمان الفترة منها لقرب العهد بعيسى، و أما العامة فقد اختلفوا فيه على أقوال: فقيل: ستمائة سنة، عن الحسن، و قتادة و قيل:

خمسمائة و ستون سنة، عن قتادة في رواية أخرى، و قيل: أربعمائة و بضع و ستون سنة، عن الضحاك و قيل: خمسمائة و شي ء، عن ابن عباس، و قيل: كان بين ميلاد عيسى و محمد صلى الله عليه و آله و سلم خمسمائة و تسع و ستون سنة، و كان بعد عيسى أربعة من الرسل فكان من تلك المدة مائة و أربع و ثلاثون سنة نبوة، و سائرها فترة عن الكلبي، قوله تعالى:" وَ سْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا" ذكر أكثر المفسرين أن المراد

ص: 286

ع هَذِهِ الْآيَةَ سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا فَكَانَ مِنَ الْآيَاتِ الَّتِي أَرَاهَا اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى- مُحَمَّداً ص حَيْثُ أَسْرَى بِهِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَنْ حَشَرَ اللَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ الْأَوَّلِينَ وَ الْآخِرِينَ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الْمُرْسَلِينَ ثُمَّ أَمَرَ جَبْرَئِيلَ ع فَأَذَّنَ شَفْعاً وَ أَقَامَ شَفْعاً وَ قَالَ فِي أَذَانِهِ حَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ ثُمَّ تَقَدَّمَ مُحَمَّدٌ ص فَصَلَّى بِالْقَوْمِ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ لَهُمْ عَلَى مَا تَشْهَدُونَ وَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ قَالُوا نَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ أَخَذَ عَلَى ذَلِكَ عُهُودَنَا وَ مَوَاثِيقَنَا فَقَالَ نَافِعٌ صَدَقْتَ يَا أَبَا جَعْفَرٍ فَأَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- أَ وَ لَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما قَالَ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى لَمَّا أَهْبَطَ آدَمَ إِلَى الْأَرْضِ وَ كَانَتِ السَّمَاوَاتُ رَتْقاً لَا تَمْطُرُ شَيْئاً وَ كَانَتِ الْأَرْضُ رَتْقاً لَا تُنْبِتُ شَيْئاً فَلَمَّا أَنْ تَابَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ عَلَى آدَمَ ع أَمَرَ السَّمَاءَ فَتَقَطَّرَتْ بِالْغَمَامِ ثُمَّ أَمَرَهَا فَأَرْخَتْ عَزَالِيَهَا ثُمَّ أَمَرَ الْأَرْضَ فَأَنْبَتَتِ الْأَشْجَارَ وَ أَثْمَرَتِ الثِّمَارَ وَ تَفَهَّقَتْ بِالْأَنْهَارِ فَكَانَ ذَلِكَ رَتْقَهَا وَ هَذَا فَتْقَهَا قَالَ نَافِعٌ صَدَقْتَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ فَأَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَ السَّماواتُ أَيُّ أَرْضٍ تُبَدَّلُ يَوْمَئِذٍ فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع أَرْضٌ تَبْقَى خُبْزَةً يَأْكُلُونَ مِنْهَا

السؤال عن أممهم و علماء دينهم، و لا يخفى انطباق ما ورد في الخبر و عدم احتياجه إلى التكلف.

قوله عليه السلام:" و أقام شفعا" يدل على تكرار التهليل في آخر الإقامة كما يدل عليه بعض الأخبار، و يمكن حمله على أن المراد كون أكثره شفعا ردا على بعض العامة القائلين بأن فصولها كلها وتر.

قوله عليه السلام:" فتفطرت بالغمام" التفطر التشقق أي تشققت السماء بسبب الغمام، أو عنه بأن يكون الباء بمعنى عن، و ظاهره أن الغمام أو لا نزل من السماء و نظيره ما قاله تعالى في وصف يوم القيامة" وَ يَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَ نُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلًا" و يحتمل أن يكون المراد بالغمام المطر مجازا.

قوله عليه السلام:" فأرخت عزاليها" قال في مصباح اللغة العزلاء و زان حمراء

ص: 287

فم المزادة الأسفل: و الجمع العزالي بفتح اللام و كسرها و أرسلت السماء عز إليها إشارة إلى شدة وقع المطر على التشبيه، بنزوله عن أفواه المزادات.

قوله عليه السلام:" و تفقهت" قال الفيروزآبادي: فهق الإناء كفرح فهقا و يحرك امتلأ، و في أكثر النسخ و تقيهت، و لعل المراد أنها فتحت أفواهها لكن كان القياس تفوهت و لعله تصحيف.

قوله عليه السلام" أرضا بيضاء خبزة" رواه علي بن إبراهيم في تفسيره عن أبيه عن ابن محبوب عن الثمالي عن أبي الربيع و فيه فقال أبو جعفر عليه السلام:" بخبزة بيضاء يأكلون منها حتى يفرغ الله من حساب الخلائق" أقول: هذا التفسير ورد في أخبار كثيرة منها ما رواه الطبرسي في كتاب الاحتجاج عن عبد الرحمن بن عبد الله الزهري قال:" حج هشام بن عبد الملك فدخل المسجد الحرام متكئا على يد سالم مولاه، و محمد بن علي بن الحسين جالس في المسجد، فقال له سالم: يا أمير مؤمنين هذا محمد بن علي بن الحسين فقال له هشام:

المفتون به أهل العراق؟ قال: نعم، قال: اذهب إليه فقل له يقول لك أمير المؤمنين:

ما الذي يأكل الناس و يشربون إلى أن يفصل بينهم يوم القيامة؟ فقال أبو جعفر عليه السلام: يحشر الناس على مثل قرصة البر النقي فيها أنهار منفجرة يأكلون و يشربون حتى يفرغ من الحساب، قال: فرأى هشام أنه قد ظفر به، فقال: الله

ص: 288

حَتَّى يَفْرُغَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ مِنَ الْحِسَابِ فَقَالَ نَافِعٌ إِنَّهُمْ عَنِ الْأَكْلِ لَمَشْغُولُونَ فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع أَ هُمْ يَوْمَئِذٍ أَشْغَلُ أَمْ إِذْ هُمْ فِي النَّارِ فَقَالَ نَافِعٌ بَلْ إِذْ هُمْ فِي النَّارِ قَالَ فَوَ اللَّهِ مَا شَغَلَهُمْ إِذْ دَعَوْا بِالطَّعَامِ فَأُطْعِمُوا الزَّقُّومَ وَ دَعَوْا بِالشَّرَابِ فَسُقُوا الْحَمِيمَ قَالَ صَدَقْتَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ وَ لَقَدْ بَقِيَتْ مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ قَالَ وَ مَا هِيَ قَالَ أَخْبِرْنِي عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى مَتَى كَانَ قَالَ وَيْلَكَ مَتَى لَمْ يَكُنْ حَتَّى أُخْبِرَكَ

أكبر: اذهب إليه فقل له: ما أشغلهم عن الأكل و الشرب يومئذ؟ فقال له أبو جعفر عليه السلام: هم في النار أشغل و لم يشغلوا عن أن قالوا:" أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ" فسكت هشام لا يرجع جوابا.

و روى البرقي في كتاب المحاسن عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام عن زرارة أنه سأل أبرش الكلبي أبا جعفر عن ذلك؟ فأجاب نحوا مما في الكتاب.

و روي أيضا عن أبيه عن القاسم بن عروة عن عبد الله بن بكير عن زرارة" قال:

سألت أبا جعفر عن قول الله تعالى" يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ" قال: تبدل خبزة نقية يأكل الناس منها حتى يفرغ الناس من الحساب، فقال له: قائل إنهم لفي شغل يومئذ عن الأكل و الشرب، قال: إن الله خلق ابن آدم أجوف فلا بد له من الطعام و الشراب أهم أشد شغلا يومئذ أم من في النار؟ فقد استغاثوا و الله يقول:

" وَ إِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ" و روى العياشي في تفسيره عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام مثله، و روي بسند آخر سؤال الأبرش عن أبي جعفر عليه السلام.

ص: 289

مَتَى كَانَ سُبْحَانَ مَنْ لَمْ يَزَلْ وَ لَا يَزَالُ فَرْداً صَمَداً لَمْ يَتَّخِذْ صاحِبَةً وَ لا وَلَداً ثُمَّ قَالَ يَا نَافِعُ أَخْبِرْنِي عَمَّا أَسْأَلُكَ عَنْهُ قَالَ وَ مَا هُوَ قَالَ مَا تَقُولُ فِي أَصْحَابِ النَّهْرَوَانِ فَإِنْ قُلْتَ إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَتَلَهُمْ بِحَقٍّ فَقَدِ

و روي عن زرارة عن أبي جعفر قال: سألته عن قول الله" يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ" قال تبدل خبزة نقية يأكل الناس منها حتى يفرغ من الحساب قال الله" ما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ". و روي عن ثوير بن أبي فاختة عن علي بن الحسين عليهما السلام قال:" تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ يعني بأرض لم تكتسب عليها الذنوب، بارزة ليس عليها جبال و لا نبات كما دحاها أول مرة" فيمكن أن يحمل هذا الخبر على التقية أو على أن هذا بيان حال غير أرض المحشر من سائر أجزاء الأرض.

و روى الشيخ في التهذيب عن الحسين بن سعيد عن فضالة عن داود بن فرقد عن رجل عن سعيد بن أبي الخطيب" أن أبا عبد الله عليه السلام قال لابن أبي ليلى: ما تقول إذا جي ء بأرض من فضة و سماوات من فضة ثم أخذ رسول الله بيدك فأوقفك بين يدي ربك، و قال: يا رب إن هذا قضى بغير ما قضيت" تمام الخبر. و يمكن حمله على أنه عليه السلام قال ذلك موافقا لما كان يعتقده ابن أبي ليلي إلزاما عليه، أو على أن هذا مختص بجماعة من المجرمين يعذبون بذلك، هذا ما ورد في أخبارنا.

و أما العامة فقد رووا عن أمير المؤمنين أنهما تبدلان أرضا من فضة، و سماء من ذهب، و عن ابن مسعود و أنس يحشر الناس على أرض بيضاء لم يخطئ عليها

ص: 290

ارْتَدَدْتَ وَ إِنْ قُلْتَ إِنَّهُ قَتَلَهُمْ بَاطِلًا فَقَدْ كَفَرْتَ قَالَ فَوَلَّى مِنْ عِنْدِهِ وَ هُوَ يَقُولُ أَنْتَ وَ اللَّهِ أَعْلَمُ النَّاسِ حَقّاً حَقّاً فَأَتَى هِشَاماً فَقَالَ لَهُ مَا صَنَعْتَ قَالَ دَعْنِي مِنْ كَلَامِكَ هَذَا وَ اللَّهِ أَعْلَمُ النَّاسِ حَقّاً حَقّاً وَ هُوَ ابْنُ رَسُولِ اللَّهِ ص حَقّاً وَ يَحِقُّ لِأَصْحَابِهِ أَنْ يَتَّخِذُوهُ نَبِيّاً

أحد خطيئة، و عن ابن عباس هي تلك الأرض و إنما تغير صفاتها، و رووا عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم" إنه قال تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ فتبسط: و تمد مد الأديم العكاظي لا تَرى فِيها عِوَجاً وَ لا أَمْتاً".

قوله:" أخبرني متى لم يكن" الظاهر أن السائل سأل عن ابتداء وجوده تعالى فأجاب عليه السلام بأن ابتداء الوجود إنما يكون لمن كان له عدم قبل الوجود، و الله تعالى أزلي لا يجوز عليه العدم، أو أنه سأل عن مدة زمان وجوده، فأجاب عليه السلام بأنه ليس لوجوده نهاية في الأزل، و إلا كان معدوما قبلها.

قوله عليه السلام:" ما تقول في أصحاب النهروان" أراد عليه السلام الاحتجاج عليه فيما كان يعتقده من رأي الخوارج، فقال: إن قلت: إن الخوارج قتلهم أمير المؤمنين عليه السلام بحق فقد ارتددت و رجعت عن مذهبك، و إن قلت: إن قتلهم كان باطلا فقد نسبت البطلان و القتل بغير حق إلى علي عليه السلام و كفرت بذلك. و كان هذا منه عليه السلام أخذا في الاحتجاج، و أراد أن يثبت بالبرهان عليه كفره بهذه العقيدة، فلم يقف ليتم عليه الحجة، إما لعلمه بأنه عليه السلام يغلب عليه في الحجة، و يفتضح بذلك، أو لأنه كان لا يظهر هذا الرأي لكل أحد و كان يخفيه فخاف أن يشتهر بذلك و يكفره الناس، و يحتمل أن يكون غرضه عليه السلام الاحتجاج عليه بأن عامة المسلمين يحكمون بكفره بذلك، سوى شذاذ من الخوارج حتى الخليفة الذي أذعن ظاهرا بحقيته، فإنهم لم يكونوا يخطئون أمير المؤمنين عليه السلام ظاهرا في قتال الخوارج.

ص: 291

حَدِيثُ نَصْرَانِيِّ الشَّامِ مَعَ الْبَاقِرِ ع

94 عَنْهُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبَانٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ قَالَ أَخْرَجَ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ أَبَا جَعْفَرٍ ع مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى الشَّامِ فَأَنْزَلَهُ مِنْهُ وَ كَانَ يَقْعُدُ مَعَ النَّاسِ فِي مَجَالِسِهِمْ فَبَيْنَا هُوَ قَاعِدٌ وَ عِنْدَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ النَّاسِ يَسْأَلُونَهُ إِذْ نَظَرَ إِلَى النَّصَارَى يَدْخُلُونَ فِي جَبَلٍ هُنَاكَ فَقَالَ مَا لِهَؤُلَاءِ أَ لَهُمْ عِيدٌ الْيَوْمَ فَقَالُوا لَا يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ وَ لَكِنَّهُمْ يَأْتُونَ عَالِماً لَهُمْ فِي هَذَا الْجَبَلِ فِي كُلِّ سَنَةٍ فِي هَذَا الْيَوْمِ فَيُخْرِجُونَهُ فَيَسْأَلُونَهُ عَمَّا يُرِيدُونَ وَ عَمَّا يَكُونُ فِي عَامِهِمْ فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع وَ لَهُ عِلْمٌ فَقَالُوا هُوَ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ قَدْ أَدْرَكَ أَصْحَابَ الْحَوَارِيِّينَ مِنْ أَصْحَابِ عِيسَى ع قَالَ فَهَلْ نَذْهَبُ إِلَيْهِ قَالُوا ذَاكَ إِلَيْكَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ فَقَنَّعَ أَبُو جَعْفَرٍ ع رَأْسَهُ بِثَوْبِهِ وَ مَضَى هُوَ وَ أَصْحَابُهُ فَاخْتَلَطُوا بِالنَّاسِ حَتَّى أَتَوُا الْجَبَلَ

[الحديث الرابع و التسعون] حديث نصراني الشام مع الباقر عليه السلام

[الحديث الرابع و التسعون] حديث نصراني الشام مع الباقر عليه السلام

الحديث الرابع و التسعون: مجهول.

و ضمير عنه راجع إلى أحمد بن محمد بن خالد.

و رواه علي بن إبراهيم عن أبيه عن إسماعيل بن أبان مثله بأدنى تغيير، و رواه السيد ابن طاوس في كتاب أمان الأخطار عن كتاب دلائل النبوة لمحمد بن جرير الطبري الإمامي بإسناده عن الصادق (عليه السلام) في خبر طويل مشتمل على معجزات كثيرة منه عليه السلام و أورده الراوندي أيضا في كتاب الخرائج و الجرائح، و قد أوردناها جميعا في كتاب بحار الأنوار في أبواب تاريخ الباقر عليه السلام.

قوله:" فأنزله معه" أي في بيته أو المراد أنه أجلسه معه على سريره، و يؤيده أن في التفسير و كان ينزله معه، و في أمان الأخطار لما دخل عليه، قال له: إلى يا محمد فصعد أبي إلى السرير و أنا أتبعه فلما دنى من هشام قام إليه و اعتنقه و أقعده عن يمينه.

قوله:" فقنع أبو جعفر" عليه السلام و لعله عليه السلام إنما فعل ذلك لئلا يعرفوه، قوله

ص: 292

فَقَعَدَ أَبُو جَعْفَرٍ ع وَسْطَ النَّصَارَى هُوَ وَ أَصْحَابُهُ وَ أَخْرَجَ النَّصَارَى بِسَاطاً ثُمَّ وَضَعُوا الْوَسَائِدَ ثُمَّ دَخَلُوا فَأَخْرَجُوهُ ثُمَّ رَبَطُوا عَيْنَيْهِ فَقَلَّبَ عَيْنَيْهِ كَأَنَّهُمَا عَيْنَا أَفْعًى ثُمَّ قَصَدَ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ ع فَقَالَ يَا شَيْخُ أَ مِنَّا أَنْتَ أَمْ مِنَ الْأُمَّةِ الْمَرْحُومَةِ فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع بَلْ مِنَ الْأُمَّةِ الْمَرْحُومَةِ فَقَالَ أَ فَمِنْ عُلَمَائِهِمْ أَنْتَ أَمْ مِنْ جُهَّالِهِمْ فَقَالَ لَسْتُ مِنْ جُهَّالِهِمْ فَقَالَ النَّصْرَانِيُّ أَسْأَلُكَ أَمْ تَسْأَلُنِي فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع سَلْنِي فَقَالَ النَّصْرَانِيُّ يَا مَعْشَرَ النَّصَارَى رَجُلٌ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ يَقُولُ سَلْنِي إِنَّ هَذَا لَمَلِي ءٌ بِالْمَسَائِلِ ثُمَّ قَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَنْ سَاعَةٍ مَا هِيَ مِنَ اللَّيْلِ وَ لَا مِنَ النَّهَارِ أَيُّ سَاعَةٍ هِيَ فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع مَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ فَقَالَ النَّصْرَانِيُّ فَإِذَا لَمْ تَكُنْ مِنْ سَاعَاتِ اللَّيْلِ وَ لَا مِنْ سَاعَاتِ النَّهَارِ فَمِنْ أَيِّ السَّاعَاتِ هِيَ فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع مِنْ سَاعَاتِ الْجَنَّةِ وَ فِيهَا تُفِيقُ مَرْضَانَا فَقَالَ النَّصْرَانِيُّ فَأَسْأَلُكَ أَمْ تَسْأَلُنِي فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع سَلْنِي فَقَالَ النَّصْرَانِيُّ يَا مَعْشَرَ النَّصَارَى إِنَّ هَذَا لَمَلِي ءٌ بِالْمَسَائِلِ أَخْبِرْنِي عَنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ كَيْفَ صَارُوا يَأْكُلُونَ وَ لَا يَتَغَوَّطُونَ

" ثم ربطوا عينيه" لعلهم ربطوا حاجبيه فوق عينيه كما في الخرائج فرأينا شيخا سقط حاجباه على عينيه من الكبر و في أمان الأخطار قد شد حاجبيه بحريرة صفراء و يحتمل أن يكون المراد ربط أشفار عينيه فوقهما لتنفتحا أو ربط ثوب شفيف على عينيه بحيث لا يمنع رؤيته من تحته، لئلا يضره نور الشمس لاعتياده بالظلمة و الأول أظهر معنى و إن كان تطبيق اللفظ عليه يحتاج إلى تقدير و تكلف، قوله:

" لملي ء" أي جدير بأن يسأل عنه.

قوله عليه السلام" ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس" هذا لا ينافي ما نقله العلامة و غيره من إجماع الشيعة على كونها من ساعات النهار، لأن الظاهر أن المراد بهذا الخبر إنها ساعة لا تشبه شيئا من ساعات الليل و النهار، بل هي شبيهة بساعات الجنة، و إنما جعلها الله في الدنيا ليعرفوا بها طيب هواء الجنة و لطافتها و اعتدالها على أنه يحتمل أن يكون عليه السلام أجاب السائل على ما يوافق غرضه و اعتقاده و مصطلحه.

ص: 293

أَعْطِنِي مَثَلَهُمْ فِي الدُّنْيَا فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع هَذَا الْجَنِينُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُ أُمُّهُ وَ لَا يَتَغَوَّطُ فَقَالَ النَّصْرَانِيُّ أَ لَمْ تَقُلْ مَا أَنَا مِنْ عُلَمَائِهِمْ فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع إِنَّمَا قُلْتُ لَكَ مَا أَنَا مِنْ جُهَّالِهِمْ فَقَالَ النَّصْرَانِيُّ فَأَسْأَلُكَ أَوْ تَسْأَلُنِي فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع سَلْنِي فَقَالَ يَا مَعْشَرَ النَّصَارَى وَ اللَّهِ لَأَسْأَلَنَّهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ يَرْتَطِمُ فِيهَا كَمَا يَرْتَطِمُ الْحِمَارُ فِي الْوَحَلِ فَقَالَ لَهُ سَلْ فَقَالَ أَخْبِرْنِي عَنْ رَجُلٍ دَنَا مِنِ امْرَأَتِهِ فَحَمَلَتْ بِاثْنَيْنِ حَمَلَتْهُمَا جَمِيعاً فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ وَ وَلَدَتْهُمَا فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ وَ مَاتَا فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ وَ دُفِنَا فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ عَاشَ أَحَدُهُمَا خَمْسِينَ وَ مِائَةَ سَنَةٍ وَ عَاشَ الْآخَرُ خَمْسِينَ سَنَةً مَنْ هُمَا فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع عُزَيْرٌ وَ عَزْرَةُ كَانَا حَمَلَتْ أُمُّهُمَا بِهِمَا عَلَى مَا وَصَفْتَ وَ وَضَعَتْهُمَا عَلَى مَا وَصَفْتَ وَ عَاشَ عُزَيْرٌ وَ عَزْرَةُ كَذَا وَ كَذَا سَنَةً ثُمَّ أَمَاتَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى عُزَيْراً مِائَةَ سَنَةٍ ثُمَّ بُعِثَ وَ عَاشَ مَعَ عَزْرَةَ هَذِهِ الْخَمْسِينَ سَنَةً وَ مَاتَا كِلَاهُمَا فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَالَ النَّصْرَانِيُّ يَا مَعْشَرَ النَّصَارَى مَا رَأَيْتُ بِعَيْنِي قَطُّ أَعْلَمَ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ لَا تَسْأَلُونِي عَنْ حَرْفٍ وَ هَذَا بِالشَّامِ رُدُّونِي قَالَ فَرَدُّوهُ إِلَى كَهْفِهِ وَ رَجَعَ النَّصَارَى مَعَ أَبِي جَعْفَرٍ ع

قوله عليه السلام" هذه الخمسين سنة" أي تتمة الخمسين، و في التفسير كان عمل أمهما على ما وصفت، و وضعتهما على ما وصفت، و عاش عزرة و عزير ثلاثين سنة ثم أمات الله عزيرا مائة سنة، و بقي عزرة يحيى ثم بعث الله عزيرا فعاش مع عزرة عشرين سنة، و في أمان الأخطار إنه عاش قبل موته خمسا و عشرين سنة، و بعده أيضا مثل ذلك، و في الخرائج بعد ذلك فخر الشيخ مغشيا عليه، فقام أبي و خرجنا من الدير فخرج إلينا جماعة من الدير، و قالوا: يدعوك شيخنا فقال أبي: ما لي بشيخكم من حاجة، فإن كان له عندنا حاجة فليقصدنا، فرجعوا ثم جاءوا به و أجلس بين يدي أبي. فقال: ما اسمك؟ قال: محمد قال: أنت محمد النبي؟ قال: لا أنا ابن ابنته، قال: ما اسم أمه قال: أمي فاطمة، قال: من كان أبوك؟ قال: اسمه علي قال: أنت ابن إليا بالعبرانية؟ و علي بالعربية قال: نعم، قال ابن شبر أو شبير؟

قال إني ابن بشير قال الشيخ: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أن محمدا

ص: 294

حَدِيثُ أَبِي الْحَسَنِ مُوسَى ع

95 عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ الْخُزَاعِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ سُوَيْدٍ وَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ بَزِيعٍ عَنْ عَمِّهِ حَمْزَةَ بْنِ بَزِيعٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ سُوَيْدٍ وَ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ النَّهْدِيِّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ سُوَيْدٍ قَالَ كَتَبْتُ إِلَى أَبِي الْحَسَنِ مُوسَى ع وَ هُوَ فِي الْحَبْسِ كِتَاباً أَسْأَلُهُ عَنْ حَالِهِ وَ عَنْ مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ فَاحْتَبَسَ الْجَوَابُ عَلَيَّ أَشْهُراً ثُمَّ أَجَابَنِي بِجَوَابٍ هَذِهِ نُسْخَتُهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ الَّذِي بِعَظَمَتِهِ وَ نُورِهِ أَبْصَرَ قُلُوبَ الْمُؤْمِنِينَ وَ بِعَظَمَتِهِ وَ نُورِهِ عَادَاهُ

رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم

الحديث الخامس و التسعون [حديث أبي الحسن موسى عليه السلام]

الحديث الخامس و التسعون [حديث أبي الحسن موسى عليه السلام]

: رواه بثلاثة أسانيد في الأول ضعف، و الثاني حسن كالصحيح، و في الثالث ضعف أو جهالة، لكن مجموع الأسانيد لتقوي بعضها ببعض في قوة الصحيح، و رواه الصدوق بسند صحيح.

قوله:" بعظمته و نوره أبصر قلوب المؤمنين" أي أبصار قلوب المؤمنين و إدراكهم للمعارف الربانية إنما هو بما جعل فيها من نوره و أفاض عليها بقدرته و تجلى عليها من عظمته.

قوله عليه السلام:" و بعظمته و نوره عاداه الجاهلون" أي نوره و دوام ظهوره صار سببا لإنكار الجاهلين لأن وجود الشي ء بعد عدمه و عدمه بعد وجوده سبب لعلم القاصرين، بإسناد ما يعدم عند عدمه إليه، كما أن الشمس لو لم يكن لها غروب لأنكر الجاهل كون نور العالم بالشمس، فلما صار الهواء بعد غروبها مظلما حكم بكون النور منها فكذلك شمس عالم الوجود، لاستمرار إفاضته، و بقاء ذلك النظام المستمر به، يقول الجاهل لعل هذا الصنع حدث بلا صانع، و هذا النظام بلا مدبر، و كذا عظمته منعت العقول عن الإحاطة به، فتحيروا فيه و أثبتوا له

ص: 295

الْجَاهِلُونَ وَ بِعَظَمَتِهِ وَ نُورِهِ ابْتَغَى مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ بِالْأَعْمَالِ الْمُخْتَلِفَةِ وَ الْأَدْيَانِ الْمُتَضَادَّةِ فَمُصِيبٌ وَ مُخْطِئٌ وَ ضَالٌّ وَ مُهْتَدٍ وَ سَمِيعٌ وَ أَصَمُّ وَ بَصِيرٌ وَ أَعْمَى حَيْرَانُ فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَرَفَ وَ وَصَفَ دِينَهُ مُحَمَّدٌ ص أَمَّا بَعْدُ

ما لا يليق بذاته و صفاته تعالى، و يحتمل أن يكون المراد أن كثرة النور تمنع عن إدراك القاصرين، و فرط الظهور يغلب على مدارك العاجزين، فكما أن الخفاش لضعف بصره لا ينتفع بنور الشمس فكذا الأذهان القاصرة لضعفها نوره الباهر يغلب عليها فلا تحيط به.

و بعبارة أخرى: لما كان تعالى في غاية الرفعة و النور و العظمة و الجلال، و الجاهلون في نهاية الانحطاط و النقص و العجز، فلذا بعدوا عن معرفته لعدم المناسبة فأنكروه و حصل بينهم و بينه تعالى بون بعيد، فجحدوه فضعف بصيرتهم حجبهم عن أنوار جلاله و نقصهم منعهم عن إدراك كماله.

قوله عليه السلام:" و بعظمته و نوره ابتغى من في السماوات" إلى آخره- و هذه الفقرة قريبة في المال من الفقرة السابقة، و الحاصل أن عظمته و نوره و ظهوره دعت العباد إلى الإقبال إلى جنابه، لكن لفرط نوره و عظمته و جلاله، و وفور جهلهم و قصورهم و عجزهم صاروا حيارى، فيما يتوسلون به إليه من الأعمال و الأديان، فمنهم مصيب برشده، و منهم مخطئ بغيه فكل منهم يطلبونه، لكن كثير منهم أخطأ و السبيل، و ضلوا عن قصد الطريق، فهم يسعون على خلاف جهة الحق عامهين، و يتوسلون بما يبعدهم عن المراد جاهلين.

قوله عليه السلام:" عرف و وصف دينه محمد صلى الله عليه و آله و سلم" كذا في بعض النسخ فقوله عرف بتخفيف الراء أي عرف محمد دينه و وصفه، و في بعض النسخ عز و وصف أي عز هو تعالى و وصف للخلق دينه محمد، و في بعض النسخ محمدا بالنصب فعرف بتشديد الراء و الأول أظهر و أصوب.

ص: 296

فَإِنَّكَ امْرُؤٌ أَنْزَلَكَ اللَّهُ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ بِمَنْزِلَةٍ خَاصَّةٍ وَ حَفِظَ مَوَدَّةَ مَا اسْتَرْعَاكَ مِنْ دِينِهِ وَ مَا أَلْهَمَكَ مِنْ رُشْدِكَ وَ بَصَّرَكَ مِنْ أَمْرِ دِينِكَ بِتَفْضِيلِكَ إِيَّاهُمْ وَ بِرَدِّكَ الْأُمُورَ إِلَيْهِمْ كَتَبْتَ تَسْأَلُنِي عَنْ أُمُورٍ كُنْتُ مِنْهَا فِي تَقِيَّةٍ وَ مِنْ كِتْمَانِهَا فِي سَعَةٍ فَلَمَّا انْقَضَى سُلْطَانُ الْجَبَابِرَةِ وَ جَاءَ سُلْطَانُ ذِي السُّلْطَانِ الْعَظِيمِ بِفِرَاقِ الدُّنْيَا الْمَذْمُومَةِ إِلَى أَهْلِهَا الْعُتَاةِ عَلَى خَالِقِهِمْ رَأَيْتُ أَنْ أُفَسِّرَ لَكَ مَا سَأَلْتَنِي عَنْهُ مَخَافَةَ أَنْ يَدْخُلَ الْحَيْرَةُ عَلَى ضُعَفَاءِ شِيعَتِنَا مِنْ قِبَلِ جَهَالَتِهِمْ فَاتَّقِ اللَّهَ عَزَّ ذِكْرُهُ وَ خُصَّ لِذَلِكَ الْأَمْرِ أَهْلَهُ وَ احْذَرْ أَنْ تَكُونَ سَبَبَ بَلِيَّةٍ عَلَى الْأَوْصِيَاءِ أَوْ حَارِشاً عَلَيْهِمْ بِإِفْشَاءِ مَا اسْتَوْدَعْتُكَ وَ إِظْهَارِ مَا اسْتَكْتَمْتُكَ وَ لَنْ تَفْعَلَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ إِنَّ أَوَّلَ مَا أُنْهِي إِلَيْكَ أَنِّي أَنْعَى إِلَيْكَ نَفْسِي فِي لَيَالِيَّ هَذِهِ غَيْرَ جَازِعٍ وَ لَا نَادِمٍ

قوله عليه السلام:" و حفظ مودة" كأنه معطوف على قوله:" منزلة" أي جعلك تحفظ مودة أمر استرعاك، و هو دينه، و يمكن أن يقرأ حفظ على صيغة الماضي، ليكون معطوفا على قوله:" أنزلك".

قوله عليه السلام:" كنت منها" على صيغة المتكلم.

قوله:" و جاء سلطان ذي السلطان" أي كنت أتقي هذه الظلمة في أن أكتب جوابك، لكن في تلك الأيام دنى أجلي و انقضت أيامي و لا يلزمني الآن التقية و جاء سلطان الله فلا أخاف من سلطانهم.

قوله عليه السلام:" المذمومة إلى أهلها" لعل المراد أنها مذمومة بما يصل منها إلى أهلها الذين ركنوا إليها كما يقال استذم إليه أي فعل ما يذمه على فعله و يحتمل أن تكون إلى بمعنى اللام، أو بمعنى عند، أي إنما هي لهم بئست الدار، و أما للصالحين فنعمت الدار فإن فيها يتزودون لدار القوام.

قوله عليه السلام:" أو حارشا عليهم" التحريش: الإغراء على الضرر و الحرش الصيد، و يطلق على الخديعة، و المعنى الأول هنا أنسب، و لعل الحرش أيضا جاء بهذا المعنى و إن لم يذكر فيما عندنا من كتب اللغة.

ص: 297

وَ لَا شَاكٍّ فِيمَا هُوَ كَائِنٌ مِمَّا قَدْ قَضَى اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ وَ حَتَمَ فَاسْتَمْسِكْ بِعُرْوَةِ الدِّينِ آلِ مُحَمَّدٍ وَ الْعُرْوَةِ الْوُثْقَى الْوَصِيِّ بَعْدَ الْوَصِيِّ وَ الْمُسَالَمَةِ لَهُمْ وَ الرِّضَا بِمَا قَالُوا وَ لَا تَلْتَمِسْ دِينَ مَنْ لَيْسَ مِنْ شِيعَتِكَ وَ لَا تُحِبَّنَّ دِينَهُمْ فَإِنَّهُمُ الْخَائِنُونَ الَّذِينَ خَانُوا اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ خَانُوا أَمَانَاتِهِمْ وَ تَدْرِي مَا خَانُوا أَمَانَاتِهِمُ ائْتُمِنُوا عَلَى كِتَابِ اللَّهِ فَحَرَّفُوهُ وَ بَدَّلُوهُ وَ دُلُّوا عَلَى وُلَاةِ الْأَمْرِ مِنْهُمْ فَانْصَرَفُوا عَنْهُمْ فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَ الْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ وَ سَأَلْتَ عَنْ رَجُلَيْنِ اغْتَصَبَا رَجُلًا مَالًا كَانَ يُنْفِقُهُ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَ الْمَسَاكِينِ وَ أَبْنَاءِ السَّبِيلِ وَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَمَّا اغْتَصَبَاهُ ذَلِكَ لَمْ يَرْضَيَا حَيْثُ غَصَبَاهُ حَتَّى حَمَّلَاهُ إِيَّاهُ كُرْهاً فَوْقَ رَقَبَتِهِ إِلَى مَنَازِلِهِمَا فَلَمَّا أَحْرَزَاهُ تَوَلَّيَا إِنْفَاقَهُ أَ يَبْلُغَانِ بِذَلِكَ كُفْراً فَلَعَمْرِي لَقَدْ نَافَقَا قَبْلَ ذَلِكَ وَ رَدَّا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ كَلَامَهُ وَ هَزِئَا بِرَسُولِهِ ص وَ هُمَا الْكَافِرَانِ عَلَيْهِمَا لَعْنَةُ اللَّهِ وَ الْمَلائِكَةِ وَ النَّاسِ أَجْمَعِينَ* وَ اللَّهِ مَا دَخَلَ قَلْبَ أَحَدٍ مِنْهُمَا شَيْ ءٌ مِنَ الْإِيمَانِ مُنْذُ خُرُوجِهِمَا مِنْ حَالَتَيْهِمَا وَ مَا ازْدَادَا إِلَّا شَكّاً

قوله عليه السلام:" و لا شاك" بالتخفيف من الشكاية أو بالتشديد أي لا أشك في وقوع ما قضى و قدر، بل أعلمه يقينا أو لا أشك في خيريته.

قوله عليه السلام:" و سألت عن رجلين" يعني أبا بكر و عمر عليهما اللعنة" اغتصبا رجلا" يعني أمير المؤمنين عليه السلام" مالا" يعني الخلافة و ما يتبعها من الأموال و الغنائم و الولايات و الأحكام؟.

قوله عليه السلام:" حتى حملاه إياه" لعل المراد تكليفه عليه السلام بالبيعة، فإن معناه أن يحمل الخلافة التي هي حقه على ظهره، و يسلمها إليهم في منازلهم، و يحتمل أن يكون المراد تكليفهم إياه عليه السلام حمل ما كانوا يعجزون عنه من أعباء الخلافة من حل المشكلات، و رد الشبهات و فصل القضايا التي أشكلت عليهم.

قوله:" أ يبلغان بذلك كفرا" استفهام من تتمة نقل كلام السائل، و قوله:

" فلعمري" ابتداء الجواب، و في بعض النسخ [ليبلغان] باللام المفتوحة، أي و الله ليكفران بذلك، فهذا ابتداء الجواب، قوله عليه السلام:" منذ خروجهما من جاهليتهما"

ص: 298

كَانَا خَدَّاعَيْنِ مُرْتَابَيْنِ مُنَافِقَيْنِ حَتَّى تَوَفَّتْهُمَا مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ إِلَى مَحَلِّ الْخِزْيِ فِي دَارِ الْمُقَامِ وَ سَأَلْتَ عَمَّنْ حَضَرَ ذَلِكَ الرَّجُلَ وَ هُوَ يُغْصَبُ مَالَهُ وَ يُوضَعُ عَلَى رَقَبَتِهِ مِنْهُمْ عَارِفٌ وَ مُنْكِرٌ فَأُولَئِكَ أَهْلُ الرِّدَّةِ الْأُولَى مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ فَعَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَ الْمَلائِكَةِ وَ النَّاسِ أَجْمَعِينَ* وَ سَأَلْتَ عَنْ مَبْلَغِ عِلْمِنَا وَ هُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ وُجُوهٍ مَاضٍ وَ غَابِرٌ وَ حَادِثٌ- فَأَمَّا الْمَاضِي فَمُفَسَّرٌ وَ أَمَّا الْغَابِرُ فَمَزْبُورٌ وَ أَمَّا الْحَادِثُ فَقَذْفٌ فِي الْقُلُوبِ وَ نَقْرٌ فِي الْأَسْمَاعِ وَ هُوَ أَفْضَلُ عِلْمِنَا وَ لَا نَبِيَّ بَعْدَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ص وَ سَأَلْتَ عَنْ أُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِمْ وَ عَنْ نِكَاحِهِمْ وَ عَنْ طَلَاقِهِمْ فَأَمَّا أُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِمْ فَهُنَّ عَوَاهِرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ نِكَاحٌ بِغَيْرِ وَلِيٍّ وَ طَلَاقٌ

أي ظاهرا و في بعض النسخ [حالتيهما] أي خروجهما عن حالتي الكفر الصريح إلى النفاق الذي هو أشد الكفر و الشقاق قوله عليه السلام:" منهم عارف و منكر" أي و منهم منكر، و المراد بالعارف من علم حقيقته عليه السلام، و ترك نصره كفرا و عنادا و بالمنكر من ضل. لجهالته فظنهم محقين في ذلك، و يحتمل أن يكون المراد بالعارف العارفين العاجزين عن نصره كسلمان و أبي ذر و المقداد، ف قوله عليه السلام" فأولئك" على هذا راجع إلى المنكرين.

قوله عليه السلام:" أهل الردة الأولى" أي هم أول المرتدين من هذه الأمة.

قوله عليه السلام:" ماض" أي علم ما مضى من الأمور" و غابر" أي علم ما سيأتي،" و حادث" أي ما يحدث لهم في كل ساعة من العلوم الفائضة منه تعالى عليهم، بتوسط الملك و بدونه، و قد سبق شرحه و تفسيره في كتاب الحجة.

قوله عليه السلام:" و لا نبي بعد نبينا، أي لا يتوهم أن إلقاء الملك مستلزم للنبوة بل يكون للأئمة عليهم السلام، و لا نبوة بعد نبينا و له عليه السلام:" فهن عواهر" أي زواني لأن تلك السبايا لما سبين بغير إذن الإمام فكلهن أو خمسهن للإمام، و لم يرخص الإمام لغير الشيعة في وطئهن فوطئ المخالفين لهن زناء و هم زناة و هن عواهر.

قوله عليه السلام:" نكاح بغير ولي" أي نكاحهم للإماء نكاح بغير ولي، لأن أولياءهن

ص: 299

فِي غَيْرِ عِدَّةٍ وَ أَمَّا مَنْ دَخَلَ فِي دَعْوَتِنَا فَقَدْ هَدَمَ إِيمَانُهُ ضَلَالَهُ وَ يَقِينُهُ شَكَّهُ وَ سَأَلْتَ عَنِ الزَّكَاةِ فِيهِمْ فَمَا كَانَ مِنَ الزَّكَاةِ فَأَنْتُمْ أَحَقُّ بِهِ لِأَنَّا قَدْ حَلَّلْنَا ذَلِكَ لَكُمْ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ وَ أَيْنَ كَانَ وَ سَأَلْتَ عَنِ الضُّعَفَاءِ فَالضَّعِيفُ مَنْ لَمْ يُرْفَعْ إِلَيْهِ حُجَّةٌ وَ لَمْ يَعْرِفِ الِاخْتِلَافَ فَإِذَا

و ملاكهن الأئمة عليهم السلام، و يحتمل أن يكون إخبارا عما كان قضاتهم يفعلون بادعاء الولاية الشرعية من نكاح غير البالغات، و لعله أظهر لأن السؤال عنه وقع بعد السؤال عن الإماء.

قوله عليه السلام:" و طلاق بغير عدة" أي طلاقهم طلاق في غير الزمان الذي يمكن فيه إنشاء العدة، أي طهر غير المواقعة، مع أنه تعالى قال:" فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَ أَحْصُوا الْعِدَّةَ".

قوله عليه السلام:" فقد أحللنا ذلك لكم" أي لفقراء الشيعة لا لفقراء المخالفين و هو موافق للمشهور بين الأصحاب، و قد سبق القول فيه، و يدل ظاهرا على عدم اشتراط العدالة في المستحق، و يحتمل أن يكون المراد سقوط الزكاة عند فقدان المستحق من أهل الحق بأن يكون السائل سأل عن ما إذا لم يجد المستحق من الشيعة، و لا يبعد أن يكون المراد بالزكاة الخمس عبر بها عنه تقية.

قوله عليه السلام:" و سألت عن الضعفاء" أي المستضعفين المرجون لأمر الله، فقال:

" من لم ترفع إليه حجة" أي دليل و برهان، أو ما يوجب عليهم حجة، و إن كان محض العلم بالاختلاف، فإنه يحكم حينئذ عقلهم بلزوم التجسس حتى يظهر عليهم الحق في ذلك، فإن لم يفعلوا فقد ثبتت عليهم الحجة.

قوله عليه السلام:" و لم يعرف الاختلاف" أي أصلا أو على وجه الكمال بأن عرف أن بين الأمة اختلافا لكن ظن أن ذلك اختلاف يسير، و كلهم على الحق كما هو شأن كثير من ضعفاء المخالفين، الذين ليس لهم عصبية في الدين و لا يبغضون

ص: 300

عَرَفَ الِاخْتِلَافَ فَلَيْسَ بِضَعِيفٍ وَ سَأَلْتَ عَنِ الشَّهَادَاتِ لَهُمْ فَأَقِمِ الشَّهَادَةَ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ لَوْ عَلَى نَفْسِكَ وَ الْوَالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ فِيمَا بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُمْ فَإِنْ خِفْتَ عَلَى أَخِيكَ ضَيْماً فَلَا وَ ادْعُ إِلَى شَرَائِطِ اللَّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ بِمَعْرِفَتِنَا مَنْ رَجَوْتَ إِجَابَتَهُ وَ لَا تَحَصَّنْ بِحِصْنِ رِيَاءٍ وَ وَالِ آلَ مُحَمَّدٍ وَ لَا تَقُلْ لِمَا بَلَغَكَ عَنَّا وَ نُسِبَ إِلَيْنَا هَذَا بَاطِلٌ وَ إِنْ كُنْتَ تَعْرِفُ مِنَّا خِلَافَهُ-

المؤمنين، و يحبون الأئمة و لا يتبرءون من أعدائهم، و قد مر تحقيق ذلك في شرح كتاب الإيمان و الكفر.

قوله عليه السلام:" فيما بينك و بينهم" لعل المراد أنه و إن كانت الشهادة فيما بينك و بينهم و لم يعلم بها أحد يلزمك أيضا إقامتها، و يدل ظاهرا على جواز إقامة الشهادة عند المخالفين و قضاة الجور، و قيل: المراد بقوله:" فيما بينك و بينهم" أنه لا يلزمك إقامة الشهادة عند قضاتهم، بل يلزمك إظهار الحق فيما بينك و بينهم و لا يخفى بعده.

قوله عليه السلام:" و إن خفت على أخيك ضيما" أي ظلما بأن كان يعلم مثلا أن المدعى عليه معسر، و يعلم أنه مع شهادته يجبره الحاكم على أدائه فلا يلزم إقامة تلك الشهادة.

قوله عليه السلام:" و ادع إلى شرائط الله تعالى بمعرفتنا" أي إلى الشرائط التي اشترطها الله على الناس بسبب معرفة الأئمة من ولايتهم و محبتهم و إطاعتهم، و التبري من أعدائهم و مخالفيهم، و يحتمل أن يكون المراد بالشرائط الوعد و الوعيد و التأكيد و التهديد الذي ورد في أصل المعرفة و تركها.

قوله عليه السلام:" و لا تحصن بحصن رياء" أي لا تتحصن من ملامة الخلق بحصن الأعمال الريائية، و في بعض النسخ" و لا تحضر حصن زناء" فالمراد به النهي عن ارتكاب الزنا بأبلغ وجه و فيه بعد.

ص: 301

فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي لِمَا قُلْنَاهُ وَ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ وَصَفْنَاهُ آمِنْ بِمَا أُخْبِرُكَ وَ لَا تُفْشِ مَا اسْتَكْتَمْنَاكَ مِنْ خَبَرِكَ إِنَّ مِنْ وَاجِبِ حَقِّ أَخِيكَ أَنْ لَا تَكْتُمَهُ شَيْئاً تَنْفَعُهُ بِهِ لِأَمْرِ دُنْيَاهُ وَ آخِرَتِهِ وَ لَا تَحْقِدَ عَلَيْهِ وَ إِنْ أَسَاءَ وَ أَجِبْ دَعْوَتَهُ إِذَا دَعَاكَ وَ لَا تُخَلِّ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ عَدُوِّهِ مِنَ النَّاسِ وَ إِنْ كَانَ أَقْرَبَ إِلَيْهِ مِنْكَ وَ عُدْهُ فِي مَرَضِهِ لَيْسَ مِنْ أَخْلَاقِ الْمُؤْمِنِينَ الْغِشُّ وَ لَا الْأَذَى وَ لَا الْخِيَانَةُ وَ لَا الْكِبْرُ وَ لَا الْخَنَا وَ لَا الْفُحْشُ وَ لَا الْأَمْرُ بِهِ فَإِذَا رَأَيْتَ الْمُشَوَّهَ الْأَعْرَابِيَّ فِي

و يمكن أن يقرأ زناء بالتشديد، أي هؤلاء المرتكبين للزناء بغصب حقوق أهل البيت عليهم السلام، و في بعض النسخ" و لا تحضر حصن زناد آل محمد عليهم السلام" الزناد جمع الزند و هو العود الذي يقدح به النار، و زند تزنيدا كذب و عاقب فوق حقه فالمعنى لا تحضر حصنا، توقد فيه نار الفتنة على أهل البيت عليهم السلام.

و لعل الكل تصحيف قوله (عليه السلام):" إن كان أقرب إليه منك"، لعل المراد بالعدو العدو في الدين من أهل الباطل المضلين، و يحتمل الأعم أيضا و إن كان ذلك العدو أقرب إليه منك في النسب، فلا تكله إليه، و يحتمل أن يكون- كان- تامة أي و إن وجد من هو أقرب إليه منك و يقدر على نصره فلا تكله إليه، و انصره بنفسك.

قوله عليه السلام:" آمر به" أي ليس تلك من أخلاق المؤمنين لآمر بها أن توقعوها بالنسبة إلى المخالفين، أو آمر بتركها و إفراد الضمير باعتبار إرجاعه إلى كل واحد و لعل فيه تصحيفا و في بعض النسخ" و لا الأمر به" قوله عليه السلام:" في جحفل" هو كجعفر الجيش الكبير، و يقال: كتيبة جرارة أي ثقيلة السير لكثرتها، و يمكن أن يكون المراد بالأعرابي السفياني، و قد يطلق الأعرابي على من يسكن البادية من العجم أيضا، و يمكن أن يكون المراد إشارة إلى هلاكو.

ص: 302

جَحْفَلٍ جَرَّارٍ فَانْتَظِرْ فَرَجَكَ وَ لِشِيعَتِكَ الْمُؤْمِنِينَ وَ إِذَا انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ فَارْفَعْ بَصَرَكَ إِلَى السَّمَاءِ وَ انْظُرْ مَا فَعَلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِالْمُجْرِمِينَ فَقَدْ فَسَّرْتُ لَكَ جُمَلًا مُجْمَلًا وَ صَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ الْأَخْيَارِ

حَدِيثٌ نَادِرٌ

96 حُمَيْدُ بْنُ زِيَادٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ وَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ جَمِيعاً عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ أَتَى أَبُو ذَرٍّ رَسُولَ اللَّهِ ص فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي قَدِ اجْتَوَيْتُ الْمَدِينَةَ أَ فَتَأْذَنُ لِي أَنْ أَخْرُجَ أَنَا وَ ابْنُ أَخِي إِلَى مُزَيْنَةَ فَنَكُونَ بِهَا فَقَالَ إِنِّي أَخْشَى أَنْ يُغِيرَ عَلَيْكَ خَيْلٌ مِنَ الْعَرَبِ فَيُقْتَلَ ابْنُ أَخِيكَ فَتَأْتِيَنِي شَعِثاً فَتَقُومَ بَيْنَ يَدَيَّ مُتَّكِئاً

قوله عليه السلام:" فإذا انكسفت الشمس" إشارة إلى الانكسار في غير زمانه الذي هو من علامات ظهور القائم عليه السلام.

[الحديث السادس و التسعون] حديث نادر

[الحديث السادس و التسعون] حديث نادر

الحديث السادس و التسعون: حسن أو موثق كالصحيح.

قوله:" اجتويت المدينة" قال الجوهري: اجتويت البلد: إذا كرهت المقام به.

قوله صلى الله عليه و آله و سلم:" شعثا" بكسر العين قال الفيروزآبادي: انشعث محركة انتشار الأمر.

ص: 303

عَلَى عَصَاكَ فَتَقُولَ قُتِلَ ابْنُ أَخِي وَ أُخِذَ السَّرْحُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ بَلْ لَا يَكُونُ إِلَّا خَيْراً إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ص فَخَرَجَ هُوَ وَ ابْنُ أَخِيهِ وَ امْرَأَتُهُ فَلَمْ يَلْبَثْ هُنَاكَ إِلَّا يَسِيراً حَتَّى غَارَتْ خَيْلٌ لِبَنِي فَزَارَةَ فِيهَا عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ فَأُخِذَتِ السَّرْحُ وَ قُتِلَ ابْنُ أَخِيهِ وَ أُخِذَتِ امْرَأَتُهُ مِنْ بَنِي غِفَارٍ وَ أَقْبَلَ أَبُو ذَرٍّ يَشْتَدُّ حَتَّى وَقَفَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ بِهِ طَعْنَةٌ جَائِفَةٌ فَاعْتَمَدَ عَلَى عَصَاهُ وَ قَالَ صَدَقَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أُخِذَ السَّرْحُ وَ قُتِلَ ابْنُ أَخِي وَ قُمْتُ بَيْنَ يَدَيْكَ عَلَى عَصَايَ فَصَاحَ رَسُولُ اللَّهِ ص فِي الْمُسْلِمِينَ فَخَرَجُوا فِي الطَّلَبِ فَرَدُّوا السَّرْحَ وَ قَتَلُوا نَفَراً مِنَ الْمُشْرِكِينَ

97 أَبَانٌ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ ص فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ تَحْتَ شَجَرَةٍ عَلَى شَفِيرِ وَادٍ فَأَقْبَلَ سَيْلٌ فَحَالَ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ

قوله صلى الله عليه و آله و سلم:" و أخذ السرح" السرح بالفتح الماشية.

قوله:" لا يكون إلا خيرا" أي لا يكون الأمر شيئا إلا خيرا لعله صلى الله عليه و آله و سلم لم ينهه عن الخروج، و إنما أخبر بوقوع ذلك، و احتمل أبو ذر أن لا يكون ذلك من التقديرات الحتمية، أو اختار خير الآخرة بتحمل مشاق الدنيا، و الصبر عليها لو كان في بدو إسلامه، و لما يكمل في الإيمان و اليقين و معرفة كمال سيد المرسلين، و الأول أنسب برفعة شأنه.

قوله:" يشتد" أي يعدو و يسرع في المشي، قوله:" و به طعنة جائفة" أي بلغت جوفه.

الحديث السابع و التسعون

: حسن أو موثق كالصحيح، و هو معطوف على السند السابق.

و هذه الواقعة من المشهورات بين الخاصة، و رواه الواقدي في تفسير قوله

ص: 304

فَرَآهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَ الْمُسْلِمُونَ قِيَامٌ عَلَى شَفِيرِ الْوَادِي يَنْتَظِرُونَ مَتَى يَنْقَطِعُ السَّيْلُ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ لِقَوْمِهِ أَنَا أَقْتُلُ مُحَمَّداً فَجَاءَ وَ شَدَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ص بِالسَّيْفِ ثُمَّ قَالَ مَنْ يُنْجِيكَ مِنِّي يَا مُحَمَّدُ فَقَالَ رَبِّي وَ رَبُّكَ فَنَسَفَهُ جَبْرَئِيلُ ع عَنْ فَرَسِهِ فَسَقَطَ عَلَى ظَهْرِهِ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ ص وَ أَخَذَ السَّيْفَ وَ جَلَسَ عَلَى صَدْرِهِ وَ قَالَ مَنْ يُنْجِيكَ مِنِّي يَا غَوْرَثُ فَقَالَ جُودُكَ وَ كَرَمُكَ يَا مُحَمَّدُ فَتَرَكَهُ فَقَامَ وَ هُوَ يَقُولُ وَ اللَّهِ لَأَنْتَ

تعالى:" يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَ اتَّقُوا اللَّهَ وَ عَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ" إن رسول الله غزا جمعا من بني ذبيان و محارب بذي أمر، فتحصنوا برءوس الجبال و نزل رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بحيث يراهم، فذهب لحاجته فأصابه مطر فبل ثوبه فنشره على شجرة و اضطجع تحته و الأعراب ينظرون إليه، فجاء سيدهم دعثور بن الحرث حتى وقف على رأسه بالسيف مشهورا، فقال: يا محمد من يمنعك مني اليوم؟ فقال: الله، فدفع جبرئيل عليه السلام في صدره و وقع السيف من يده فأخذه رسول الله و قام على رأسه، و قال من يمنعك مني اليوم، فقال: لا أحد و أنا أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله فنزلت الآية.

و روى ابن شهرآشوب عن الثمالي نحوا من ذلك، و زاد في آخره فسئل بعد انصرافه عن حاله؟ فقال: نظرت إلى رجل طويل أبيض دفع في صدري فعرفت أنه ملك و يقال أنه أسلم و جعل يدعو قومه إلى الإسلام.

قوله عليه السلام:" و شد" قال الجوهري: شد عليه في الحرب يشد شدا أي حمل عليه قوله عليه السلام:" فنسفه" أي قلعه.

قوله صلى الله عليه و آله:" يا غورث" هذا كان اسم ذلك الرجل، قال الفيروزآبادي

ص: 305

خَيْرٌ مِنِّي وَ أَكْرَمُ

98 عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ] عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ الْمِنْقَرِيِّ عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ قَالَ إِنْ قَدَرْتُمْ أَنْ لَا تُعْرَفُوا فَافْعَلُوا وَ مَا عَلَيْكَ إِنْ لَمْ يُثْنِ النَّاسُ عَلَيْكَ وَ مَا عَلَيْكَ أَنْ تَكُونَ مَذْمُوماً عِنْدَ النَّاسِ إِذَا كُنْتَ مَحْمُوداً عِنْدَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى- إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ع كَانَ يَقُولُ لَا خَيْرَ فِي الدُّنْيَا إِلَّا لِأَحَدِ رَجُلَيْنِ رَجُلٍ يَزْدَادُ فِيهَا كُلَّ يَوْمٍ إِحْسَاناً وَ رَجُلٍ يَتَدَارَكُ مَنِيَّتَهُ بِالتَّوْبَةِ وَ أَنَّى لَهُ بِالتَّوْبَةِ فَوَ اللَّهِ أَنْ لَوْ سَجَدَ حَتَّى يَنْقَطِعَ عُنُقُهُ مَا قَبِلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ مِنْهُ عَمَلًا إِلَّا بِوَلَايَتِنَا أَهْلَ الْبَيْتِ أَلَا وَ مَنْ عَرَفَ حَقَّنَا أَوْ رَجَا الثَّوَابَ بِنَا وَ رَضِيَ بِقُوتِهِ نِصْفَ مُدٍّ كُلَّ يَوْمٍ وَ مَا يَسْتُرُ بِهِ عَوْرَتَهُ وَ مَا أَكَنَّ بِهِ رَأْسَهُ وَ هُمْ مَعَ ذَلِكَ وَ اللَّهِ خَائِفُونَ وَجِلُونَ وَدُّوا أَنَّهُ حَظُّهُمْ مِنَ الدُّنْيَا وَ كَذَلِكَ وَصَفَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ حَيْثُ يَقُولُ وَ الَّذِينَ يُؤْتُونَ

غورث بن الحارث: سل سيف النبي صلى الله عليه و آله و سلم ليفتك به فرماه الله تعالى بزلخة بين كتفيه.

الحديث الثامن و التسعون

الحديث الثامن و التسعون

: ضعيف.

قوله:" و رجل يتدارك منيته" المنية الموت، و المراد تدارك أمر منيته، و التهيئة لنزوله، و يحتمل أن تكون منصوبة بنزع الخافض أي يتدارك ذنوبه لمنيته، و قد مر هذا الجزء من الخبر في كتاب الإيمان و الكفر، و كان فيه" يتدارك سيئته بالتوبة".

قوله عليه السلام:" و أنى له" لعل الضمير راجع إلى المخالفين المعهودين.

قوله عليه السلام:" ألا و من عرف حقنا" كان الخبر مقدر أي هو ناج، أو نحوه و يحتمل أن يكون قوله عليه السلام" ودوا" خبرا لكنه بعيد.

قوله عليه السلام:" و ما أكن به رأسه" أي ستره و صانه عن الحر و البرد.

قوله عليه السلام:" ودوا أنه حظهم" أي هم راضون بما قدر لهم من التقتير في

ص: 306

ما آتَوْا وَ قُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ مَا الَّذِي أَتَوْا بِهِ أَتَوْا وَ اللَّهِ بِالطَّاعَةِ مَعَ الْمَحَبَّةِ وَ الْوَلَايَةِ وَ هُمْ فِي ذَلِكَ خَائِفُونَ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُمْ وَ لَيْسَ وَ اللَّهِ خَوْفُهُمْ خَوْفَ شَكٍّ فِيمَا هُمْ فِيهِ مِنْ إِصَابَةِ الدِّينِ وَ لَكِنَّهُمْ خَافُوا أَنْ يَكُونُوا مُقَصِّرِينَ فِي مَحَبَّتِنَا وَ طَاعَتِنَا ثُمَّ قَالَ إِنْ قَدَرْتَ أَنْ لَا تَخْرُجَ مِنْ بَيْتِكَ فَافْعَلْ فَإِنَّ عَلَيْكَ فِي خُرُوجِكَ أَنْ لَا تَغْتَابَ وَ لَا تَكْذِبَ وَ لَا تَحْسُدَ وَ لَا تُرَائِيَ وَ لَا تَتَصَنَّعَ وَ لَا تُدَاهِنَ

الدنيا، و لا يريدن أكثر من ذلك حذرا من أن يصير سببا لطغيانهم، قوله تعالى:

" يُؤْتُونَ ما آتَوْا" قال مجمع البيان: أي يعطون ما أعطوا من الزكاة و الصدقة و قيل: أعمال البر كلها" وَ قُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ" أي خائفة عن قتادة، و قال الحسن: المؤمن جمع إحسانا و شفقة، و المنافق جمع إساءة و أمنا.

و قال أبو عبد الله عليه السلام: معناه خائفة أن لا يقبل منهم، و في رواية أخرى يؤتي ما آتى و هو خائف راج، و قيل: إن في الكلام حذفا و إضمارا و تأويله قلوبهم وجلة أن لا يقبل منهم، لعلمهم" أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ" أي لأنهم يوقنون بأنهم يرجعون إلى الله تعالى يخافون أن لا يقبل منهم، و إنما يخافون ذلك لأنهم لا يأمنون التفريط.

قوله:" إن قدرت أن لا تخرج" أي لغير ما يلزم الخروج له، كطلب المعاش و أداء الجمعات و الجماعات و طلب العلم، و تشييع الجنائز و عيادة المرضى كما يقتضيه الجمع بين الأخبار.

قوله عليه السلام:" فإن عليك في خروجك" أي يلزمك عند الخروج كف النفس عن هذه الأشياء ليتيسر أسبابها بخلاف ما إذا كنت في بيتك، فإنه لا يتيسر غالبا أسبابها لك فلا يلزمك التكلف في تركها.

قوله عليه السلام:" و لا تتصنع" كأنه تأكيد لقوله:" و لا ترائي" و يحتمل أن يكون

ص: 307

ثُمَّ قَالَ نِعْمَ صَوْمَعَةُ الْمُسْلِمِ بَيْتُهُ يَكُفُّ فِيهِ بَصَرَهُ وَ لِسَانَهُ وَ نَفْسَهُ وَ فَرْجَهُ إِنَّ مَنْ عَرَفَ نِعْمَةَ اللَّهِ بِقَلْبِهِ اسْتَوْجَبَ الْمَزِيدَ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ قَبْلَ أَنْ يُظْهِرَ شُكْرَهَا عَلَى لِسَانِهِ وَ مَنْ ذَهَبَ يَرَى أَنَّ لَهُ عَلَى الْآخَرِ فَضْلًا فَهُوَ مِنَ الْمُسْتَكْبِرِينَ فَقُلْتُ لَهُ إِنَّمَا يَرَى أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ فَضْلًا بِالْعَافِيَةِ إِذَا رَآهُ مُرْتَكِباً لِلْمَعَاصِي فَقَالَ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ فَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا أَتَى وَ أَنْتَ مَوْقُوفٌ مُحَاسَبٌ أَ مَا تَلَوْتَ قِصَّةَ سَحَرَةِ مُوسَى ع ثُمَّ قَالَ كَمْ مِنْ مَغْرُورٍ بِمَا قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَ كَمْ مِنْ مُسْتَدْرَجٍ بِسَتْرِ اللَّهِ عَلَيْهِ وَ كَمْ مِنْ مَفْتُونٍ بِثَنَاءِ النَّاسِ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ إِنِّي لَأَرْجُو النَّجَاةَ لِمَنْ عَرَفَ حَقَّنَا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا لِأَحَدِ ثَلَاثَةٍ صَاحِبِ سُلْطَانٍ جَائِرٍ وَ صَاحِبِ هَوًى وَ الْفَاسِقِ الْمُعْلِنِ-

المراد بالتصنع التزين للناس، و الإسراف في اللباس، قال الفيروزآبادي: التصنع تكلف حسن السمت و التزين.

قوله عليه السلام:" نعم صومعة المسلم بيته" الصومعة: معابد النصارى أو مطلق المعابد.

قوله عليه السلام:" أن من عرف" فضل النعمة و أن المنعم به هو الله تعالى فهو شاكر داخل في قوله تعالى:" لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ" فيستوجب المزيد منه تعالى.

قوله عليه السلام:" بالعافية" أي من المعاصي.

قوله عليه السلام:" و كم من مستدرج" قال الفيروزآبادي: استدرجه خدعه، و استدراج الله تعالى العبد أنه كلما جدد خطيئة جدد له نعمة و أنساه الاستغفار و أن يأخذه قليلا قليلا و لا يباغته، و في بعض النسخ" بستر الله" بالباء الموحدة، و في بعضها بالياء.

قوله عليه السلام:" صاحب سلطان" أي سلطنته.

قوله عليه السلام:" و صاحب هوى" أي رأي مبتدع اتبع فيه هواه بغير هدى

ص: 308

ثُمَّ تَلَا قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ثُمَّ قَالَ يَا حَفْصُ الْحُبُّ أَفْضَلُ مِنَ الْخَوْفِ ثُمَّ قَالَ وَ اللَّهِ مَا أَحَبَّ اللَّهَ مَنْ أَحَبَّ الدُّنْيَا وَ وَالَى غَيْرَنَا وَ مَنْ عَرَفَ حَقَّنَا وَ أَحَبَّنَا فَقَدْ أَحَبَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى فَبَكَى رَجُلٌ فَقَالَ أَ تَبْكِي لَوْ أَنَّ أَهْلَ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ كُلَّهُمُ اجْتَمَعُوا يَتَضَرَّعُونَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ أَنْ يُنْجِيَكَ مِنَ النَّارِ وَ يُدْخِلَكَ الْجَنَّةَ لَمْ يُشَفَّعُوا فِيكَ مَّ كَانَ لَكَ قَلْبٌ حَيٌّ لَكُنْتَ أَخْوَفَ النَّاسِ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فِي تِلْكَ الْحَالِ] ثُمَّ قَالَ لَهُ يَا حَفْصُ كُنْ ذَنَباً وَ لَا تَكُنْ رَأْساً يَا حَفْصُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص مَنْ خَافَ اللَّهَ كَلَّ لِسَانُهُ ثُمَّ قَالَ بَيْنَا مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ ع يَعِظُ أَصْحَابَهُ إِذْ قَامَ رَجُلٌ فَشَقَّ قَمِيصَهُ فَأَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَيْهِ يَا مُوسَى قُلْ لَهُ لَا تَشُقَّ قَمِيصَكَ وَ لَكِنِ اشْرَحْ لِي عَنْ قَلْبِكَ ثُمَّ قَالَ مَرَّ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ ع بِرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَ هُوَ سَاجِدٌ فَانْصَرَفَ مِنْ حَاجَتِهِ وَ هُوَ سَاجِدٌ عَلَى حَالِهِ فَقَالَ لَهُ مُوسَى ع لَوْ كَانَتْ حَاجَتُكَ بِيَدِي لَقَضَيْتُهَا لَكَ فَأَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَيْهِ يَا مُوسَى لَوْ سَجَدَ حَتَّى يَنْقَطِعَ عُنُقُهُ مَا قَبِلْتُهُ حَتَّى يَتَحَوَّلَ عَمَّا أَكْرَهُ إِلَى مَا أُحِبُ

من الله.

قوله عليه السلام:" فبكى رجل" هو كان مخالفا غير موال للأئمة عليهم السلام، فلذا قال له عليه السلام: إنه لا ينفعه شفاعة الشافعين، لعدم كونه على دين الحق.

قوله عليه السلام:" كن ذنبا" أي تابعا لأهل الحق، و لا تكن رأسا أي متبوعا لأهل الباطل.

قوله صلى الله عليه و آله و سلم:" كل لسانه" أي عن غير ما ينفعه، قوله تعالى:" و لكن اشرح لي عن قلبك" الشرح: الكشف و الفتح أي أظهر لي ما كتمته من المساوي في قلبك ليعرفك الناس، و الغرض توبيخه بما ستره في جوفه من المساوي، و يظهر للناس من محاسن الأخلاق، أو المراد اجعل قلبك طاهرا من الأدناس لأراها كذلك، قوله تعالى:" عما أكره" لعل المراد الدين الفاسد و يحتمل الأعمال أيضا.

ص: 309

حَدِيثُ رَسُولِ اللَّهِ ص

99 عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ وَ غَيْرِهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ مَا كَانَ شَيْ ءٌ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ص مِنْ أَنْ يَظَلَّ جَائِعاً خَائِفاً فِي اللَّهِ

100 عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ وَ أَبُو عَلِيٍّ الْأَشْعَرِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ جَمِيعاً عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَمْرٍو الْجُعْفِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ ع ذَاتَ يَوْمٍ وَ هُوَ يَأْكُلُ مُتَّكِئاً- قَالَ وَ قَدْ كَانَ يَبْلُغُنَا أَنَّ ذَلِكَ يُكْرَهُ فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَيْهِ فَدَعَانِي إِلَى طَعَامِهِ فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ يَا مُحَمَّدُ لَعَلَّكَ تَرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص مَا رَأَتْهُ عَيْنٌ وَ هُوَ يَأْكُلُ وَ هُوَ مُتَّكِئٌ مِنْ أَنْ بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَى أَنْ قَبَضَهُ قَالَ ثُمَّ رَدَّ عَلَى نَفْسِهِ فَقَالَ لَا وَ اللَّهِ مَا رَأَتْهُ عَيْنٌ يَأْكُلُ وَ هُوَ مُتَّكِئٌ مِنْ أَنْ بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَى أَنْ قَبَضَهُ ثُمَّ قَالَ يَا مُحَمَّدُ لَعَلَّكَ تَرَى أَنَّهُ شَبِعَ مِنْ خُبْزِ الْبُرِّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُتَوَالِيَةٍ- مِنْ أَنْ بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَى أَنْ قَبَضَهُ ثُمَّ رَدَّ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ قَالَ لَا وَ اللَّهِ مَا شَبِعَ مِنْ خُبْزِ الْبُرِّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُتَوَالِيَةٍ مُنْذُ بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَى أَنْ قَبَضَهُ أَمَا إِنِّي لَا أَقُولُ إِنَّهُ كَانَ لَا يَجِدُ لَقَدْ كَانَ يُجِيزُ الرَّجُلَ الْوَاحِدَ بِالْمِائَةِ

الحديث التاسع و التسعون [حديث رسول الله صلى الله عليه و آله]

الحديث التاسع و التسعون [حديث رسول الله صلى الله عليه و آله]

: حسن.

قوله عليه السلام:" يظل جائعا" قال الفيروزآبادي: ظل نهاره يفعل كذا و ليله سمع في الشعر يظل بالفتح، و في بعض النسخ" يصل" من الصلة و الإحسان.

الحديث المائة

الحديث المائة

: مجهول.

قوله:" و هو يأكل متكئا" لعله كان فعله عليه السلام إما لبيان الجواز أو لعذر و ضعف.

قوله عليه السلام:" و لقد كان يجيز" من الجائزة بمعنى العطية.

ص: 310

مِنَ الْإِبِلِ فَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ لَأَكَلَ وَ لَقَدْ أَتَاهُ جَبْرَئِيلُ ع بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الْأَرْضِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ يُخَيِّرُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى مِمَّا أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَيْئاً فَيَخْتَارُ التَّوَاضُعَ لِرَبِّهِ جَلَّ وَ عَزَّ وَ مَا سُئِلَ شَيْئاً قَطُّ فَيَقُولَ لَا إِنْ كَانَ أَعْطَى وَ إِنْ لَمْ يَكُنْ قَالَ يَكُونُ وَ مَا أَعْطَى عَلَى اللَّهِ شَيْئاً قَطُّ إِلَّا سَلَّمَ ذَلِكَ إِلَيْهِ حَتَّى إِنْ كَانَ لَيُعْطِي الرَّجُلَ الْجَنَّةَ فَيُسَلِّمُ اللَّهُ ذَلِكَ لَهُ ثُمَّ تَنَاوَلَنِي بِيَدِهِ وَ قَالَ وَ إِنْ كَانَ صَاحِبُكُمْ لَيَجْلِسُ جِلْسَةَ الْعَبْدِ وَ يَأْكُلُ إِكْلَةَ الْعَبْدِ وَ يُطْعِمُ النَّاسَ خُبْزَ الْبُرِّ وَ اللَّحْمَ وَ يَرْجِعُ إِلَى أَهْلِهِ فَيَأْكُلُ الْخُبْزَ وَ الزَّيْتَ وَ إِنْ كَانَ لَيَشْتَرِي الْقَمِيصَ السُّنْبُلَانِيَّ ثُمَّ يُخَيِّرُ غُلَامَهُ خَيْرَهُمَا ثُمَ

قوله عليه السلام:" قال: يكون" أي يحصل بعد ذلك فنعطيك.

قوله عليه السلام:" و ما أعطى على الله" أي معتمدا و متوكلا على الله، و يحتمل أن تكون" على" بمعنى" عن" أي عنه، و من قبله تعالى.

قوله:" ثم تناولني بيده" و في كثير من النسخ" من يناوله بيده" فلعله بيان و تفسير، أو بدل لقوله ذلك، أو الباء السببية فيه مقدرة، أي يسلم ذلك له بأن يبعث إليه من يعطيه بيده، و لعله تصحيف.

قوله عليه السلام:" و إن كان صاحبكم" يعني أمير المؤمنين عليه السلام و إن مخففة.

قوله عليه السلام:" ليجلس جلسة العبد" يظهر من بعض الأخبار أن المراد بها الجثو على الركبتين، و ب" أكلة العبد" الأكل على الحضيض من غير أن يجلس على فرش مختص به، أو من غير خوان يضع الطعام عليه.

قوله عليه السلام:" القميص السنبلاني" قال الفيروزآبادي: قميص سنبلاني سابغ الطول أو منسوب إلى بلد بالروم، و في أمالي الصدوق بسند آخر عنه عليه السلام" القميصين السنبلانيين" و هو أظهر.

ص: 311

يَلْبَسُ الْبَاقِيَ فَإِذَا جَازَ أَصَابِعَهُ قَطَعَهُ وَ إِذَا جَازَ كَعْبَهُ حَذَفَهُ وَ مَا وَرَدَ عَلَيْهِ أَمْرَانِ قَطُّ كِلَاهُمَا لِلَّهِ رِضًا إِلَّا أَخَذَ بِأَشَدِّهِمَا عَلَى بَدَنِهِ وَ لَقَدْ وُلِّيَ النَّاسَ خَمْسَ سِنِينَ فَمَا وَضَعَ آجُرَّةً عَلَى آجُرَّةٍ وَ لَا لَبِنَةً عَلَى لَبِنَةٍ وَ لَا أَقْطَعَ قَطِيعَةً وَ لَا أَوْرَثَ بَيْضَاءَ وَ لَا حَمْرَاءَ إِلَّا سَبْعَمِائَةِ دِرْهَمٍ فَضَلَتْ مِنْ عَطَايَاهُ أَرَادَ أَنْ يَبْتَاعَ لِأَهْلِهِ بِهَا خَادِماً وَ مَا أَطَاقَ أَحَدٌ عَمَلَهُ وَ إِنْ كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ع لَيَنْظُرُ فِي الْكِتَابِ مِنْ كُتُبِ عَلِيٍّ ع فَيَضْرِبُ بِهِ الْأَرْضَ وَ يَقُولُ مَنْ يُطِيقُ هَذَا

101 عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ قَالَ حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْمُغِيرَةِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع يَقُولُ إِنَّ جَبْرَئِيلَ ع أَتَى رَسُولَ

قوله عليه السلام:" فإذا جاز أصابعه قطعه" إلى آخره لأنه عليه السلام كان لا يحب الفضول في الثوب و كانت من علامات الكبر قوله عليه السلام:" و لا أقطع قطيعة" أي لنفسه و أهله أو مطلقا بأن يكون الإقطاع من خصائص الرسول صلى الله عليه و آله و سلم و الأول أظهر.

قوله عليه السلام:" في الكتاب من كتب علي عليه السلام" أي من كتب سيره و تواريخه أو من كتب أعماله التي كان يعمل بها.

الحديث الحادي و المائة

الحديث الحادي و المائة

: ضعيف.

قوله عليه السلام:" و أشار عليه" أي جبرئيل عليه السلام قوله صلى الله عليه و آله و سلم:" في الرفيق الأعلى" أي أحب أن أكون في الرفيق الأعلى، قال الجزري: في حديث الدعاء" و ألحقني بالرفيق الأعلى" الرفيق: جماعة الأنبياء الذين يسكنون أعلى عليين، و هو اسم جاء على فعيل، و معناه الجماعة كالصديق و الخليط يقع على الواحد و الجمع، و منه قوله تعالى:" وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً" و قيل معنى ألحقني بالرفيق الأعلى، أي بالله

ص: 312

اللَّهِ ص فَخَيَّرَهُ وَ أَشَارَ عَلَيْهِ بِالتَّوَاضُعِ وَ كَانَ لَهُ نَاصِحاً فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ص يَأْكُلُ إِكْلَةَ الْعَبْدِ وَ يَجْلِسُ جِلْسَةَ الْعَبْدِ تَوَاضُعاً لِلَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى ثُمَّ أَتَاهُ عِنْدَ الْمَوْتِ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الدُّنْيَا فَقَالَ هَذِهِ مَفَاتِيحُ خَزَائِنِ الدُّنْيَا بَعَثَ بِهَا إِلَيْكَ رَبُّكَ لِيَكُونَ لَكَ مَا أَقَلَّتِ الْأَرْضُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَكَ شَيْئاً فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص فِي الرَّفِيقِ الْأَعْلَى

102 سَهْلُ بْنُ زِيَادٍ عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص عُرِضَتْ عَلَيَّ بَطْحَاءُ مَكَّةَ ذَهَباً فَقُلْتُ يَا رَبِّ لَا وَ لَكِنْ أَشْبَعُ يَوْماً وَ أَجُوعُ يَوْماً فَإِذَا شَبِعْتُ حَمِدْتُكَ وَ شَكَرْتُكَ وَ إِذَا جُعْتُ دَعَوْتُكَ وَ ذَكَرْتُكَ

حَدِيثُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ع

103 عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ عَنْهُمْ ع قَالَ فِيمَا وَعَظَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِهِ عِيسَى ع

تعالى يقال: الله رفيق بعباده من الرفق و الرأفة، فهو فعيل بمعنى فاعل. و منه حديث عائشة، سمعته يقول عند موته: بل الرفيق الأعلى، و ذلك أنه خير بين البقاء في الدنيا و بين ما عند الله، فاختار ما عند الله.

الحديث الثاني و المائة

الحديث الثاني و المائة

: ضعيف.

قوله صلى الله عليه و آله و سلم:" عرضت على بطحاء مكة ذهبا" البطحاء: مسيل واسع فيه دقاق الحصى، أي قيل له: إن أردت نجعل لك تلك البطحاء مملوءة من الذهب أو نجعل أرضها و حصاها ذهبا أو جعلت له كذلك، فلما لم يرد عاد إلى ما كان عليه.

الحديث الثالث و المائة [حديث عيسى بن مريم عليهما السلام]

الحديث الثالث و المائة [حديث عيسى بن مريم عليهما السلام]

: حديث عيسى بن مريم حسن أو موثق. إلا أن الظاهر أن فيه إرسالا.

و رواه الصدوق: في أماليه، عن محمد بن موسى بن المتوكل عن عبد الله

ص: 313

يَا عِيسَى أَنَا رَبُّكَ وَ رَبُّ آبَائِكَ اسْمِي وَاحِدٌ وَ أَنَا الْأَحَدُ الْمُتَفَرِّدُ بِخَلْقِ كُلِّ شَيْ ءٍ وَ كُلُّ شَيْ ءٍ مِنْ صُنْعِي وَ كُلٌّ إِلَيَّ رَاجِعُونَ يَا عِيسَى أَنْتَ الْمَسِيحُ بِأَمْرِي وَ أَنْتَ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي وَ أَنْتَ تُحْيِي الْمَوْتَى بِكَلَامِي فَكُنْ إِلَيَّ رَاغِباً وَ مِنِّي رَاهِباً وَ لَنْ تَجِدَ مِنِّي مَلْجَأً إِلَّا إِلَيَّ يَا عِيسَى أُوصِيكَ وَصِيَّةَ الْمُتَحَنِّنِ عَلَيْكَ بِالرَّحْمَةِ حَتَّى حَقَّتْ لَكَ مِنِّي الْوَلَايَةُ بِتَحَرِّيكَ مِنِّي الْمَسَرَّةَ فَبُورِكْتَ كَبِيراً وَ بُورِكْتَ صَغِيراً حَيْثُ مَا كُنْتَ أَشْهَدُ أَنَّكَ

ابن جعفر الحميري عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن علي بن أسباط عن علي ابن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام، فالخبر موثق على الأظهر، و هو يؤيد الإرسال هيهنا.

قوله تعالى:" أنت المسيح بأمري" قال الجزري: قد تكرر فيه ذكر المسيح عليه السلام فسمي به، لأنه كان لا يمسح بيده ذا عاهة إلا بري ء و قيل: لأنه كان يمسح الأرض أي يقطعها، و قيل: المسيح. الصديق، و قيل: هو بالعبرانية مشيحا فعرب.

قوله تعالى:" أوصيك وصية المتحنن" التحنن: الترحم و اللطف و الحاصل أني أوصيك و قد أحسنت إليك برحمتي و ربيتك في درجات الكمال بلطفي" حتى حقت" أي ثبتت و وجبت لك ولايتي و محبتي بسبب أنك تطلب مسرتي، و لا تفعل إلا ما هو موجب لرضاي، ففي قوله:" مني" التفات، و في الأمالي" حين حقت" قوله تعالى:" فبوركت كبيرا" البركة النمو و الزيادة أي زيد في علمك و قربك و كمالك في صغرك و كبرك، أو جعلتك ذا بركة في صغرك و كبرك، فإنه عليه السلام، كانت إحدى معجزاته البركة في يده و لسانه بإحياء الموتى و إبراء ذوي العاهات، و تكثير القليل من الطعام و الشراب.

ص: 314

عَبْدِي ابْنُ أَمَتِي أَنْزِلْنِي مِنْ نَفْسِكَ كَهَمِّكَ وَ اجْعَلْ ذِكْرِي لِمَعَادِكَ وَ تَقَرَّبْ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ وَ تَوَكَّلْ عَلَيَّ أَكْفِكَ وَ لَا تَوَكَّلْ عَلَى غَيْرِي فَآخُذَ لَكَ يَا عِيسَى اصْبِرْ عَلَى الْبَلَاءِ وَ ارْضَ بِالْقَضَاءِ وَ كُنْ كَمَسَرَّتِي فِيكَ فَإِنَّ مَسَرَّتِي أَنْ أُطَاعَ فَلَا أُعْصَى يَا عِيسَى أَحْيِ ذِكْرِي بِلِسَانِكَ وَ لْيَكُنْ وُدِّي فِي قَلْبِكَ يَا عِيسَى تَيَقَّظْ فِي سَاعَاتِ الْغَفْلَةِ وَ احْكُمْ لِي لَطِيفَ الْحِكْمَةِ يَا عِيسَى كُنْ رَاغِباً رَاهِباً وَ أَمِتْ قَلْبَكَ بِالْخَشْيَةِ يَا عِيسَى رَاعِ اللَّيْلَ لِتَحَرِّي مَسَرَّتِي وَ أَظْمِئْ نَهَارَكَ لِيَوْمِ حَاجَتِكَ عِنْدِي يَا عِيسَى نَافِسْ فِي الْخَيْرِ جُهْدَكَ- تُعْرَفْ بِالْخَيْرِ حَيْثُمَا تَوَجَّهْتَ

قوله تعالى:" أنزلني من نفسك كهمك" أي اجعلني قريبا منك أو اتخذني قريبا منك كقرب همك، و ما يخطر ببالك منك، أو اهتم بأوامري كما تهتم بأمور نفسك.

قوله تعالى:" و اجعل ذكري لمعادك" أي اذكرني ليكون ذخيرة لمعادك.

قوله تعالى:" و لا تول غيري" أي لا تتخذ غيري ولي أمرك، أو لا تجعل حبك لغيري فأخذلك، أي أترك نصرك.

قوله تعالى:" و كن كمسرتي فيك" أي كن كما يسرني أن تكون عليه.

قوله تعالى:" و أحكم لي لطيف الحكمة" أي أتقن لطائف الحكمة و بينها للخلق خالصا لوجهي، و في الأمالي" و أحكم لي بلطيف الحكمة" أي اقض و احكم بين الخلق بما علمتك من لطائف الحكمة.

قوله تعالى:" و أمت قلبك" أي شهوات قلبك أو قلبك عن الشهوات.

قوله تعالى:" نافس بالخير" قال الجزري: المنافسة: الرغبة في الشي ء

ص: 315

يَا عِيسَى احْكُمْ فِي عِبَادِي بِنُصْحِي وَ قُمْ فِيهِمْ بِعَدْلِي فَقَدْ أَنْزَلْتُ عَلَيْكَ شِفَاءً لِمَا فِي الصُّدُورِ مِنْ مَرَضِ الشَّيْطَانِ يَا عِيسَى لَا تَكُنْ جَلِيساً لِكُلِّ مَفْتُونٍ يَا عِيسَى حَقّاً أَقُولُ مَا آمَنَتْ بِي خَلِيقَةٌ إِلَّا خَشَعَتْ لِي وَ لَا خَشَعَتْ لِي إِلَّا رَجَتْ ثَوَابِي فَأَشْهَدُ أَنَّهَا آمِنَةٌ مِنْ عِقَابِي مَا لَمْ تُبَدِّلْ أَوْ تُغَيِّرْ سُنَّتِي يَا عِيسَى ابْنَ الْبِكْرِ الْبَتُولِ ابْكِ عَلَى نَفْسِكَ بُكَاءَ مَنْ وَدَّعَ الْأَهْلَ وَ قَلَى الدُّنْيَا وَ تَرَكَهَا لِأَهْلِهَا وَ صَارَتْ رَغْبَتُهُ فِيمَا عِنْدَ إِلَهِهِ

و الانفراد به و هو من الشي ء النفيس الجيد في نوعه. و نافست في الشي ء منافسة و نفاسا إذا رغبت فيه.

قوله تعالى:" جهدك" أي بقدر وسعك و طاقتك لتكون معروفا بالخير حيث توجهت.

قوله تعالى:" بنصحي" أي بما علمتك للحكم بينهم لنصحي لهم أو كما أني لك ناصح فكن أنت ناصحا لهم.

قوله تعالى:" بعدلي" أي بالحكم العدل الذي جعلت لهم.

قوله تعالى:" فقد أنزلته" أي العدل أو الكتاب المشتمل عليه.

قوله تعالى:" لكل مفتون" أي بالدنيا و زخارفها.

قوله تعالى:" البتول" قال الفيروزآبادي: البتول: المنقطعة عن الرجال و مريم العذراء و فاطمة بنت سيد المرسلين عليهما السلام لانقطاعها عن نساء زمانها و نساء الأمة فضلا و دينا و حسبا، و المنقطعة عن الدنيا إلى الله.

قوله تعالى:" و قلى الدنيا" أي أبغضها.

ص: 316

يَا عِيسَى كُنْ مَعَ ذَلِكَ تُلِينُ الْكَلَامَ وَ تُفْشِي السَّلَامَ يَقْظَانَ إِذَا نَامَتْ عُيُونُ الْأَبْرَارِ حَذَراً لِلْمَعَادِ وَ الزَّلَازِلِ الشِّدَادِ وَ أَهْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ حَيْثُ لَا يَنْفَعُ أَهْلٌ وَ لَا وَلَدٌ وَ لَا مَالٌ يَا عِيسَى اكْحُلْ عَيْنَكَ بِمِيلِ الْحُزْنِ إِذَا ضَحِكَ الْبَطَّالُونَ يَا عِيسَى كُنْ خَاشِعاً صَابِراً فَطُوبَى لَكَ إِنْ نَالَكَ مَا وُعِدَ الصَّابِرُونَ يَا عِيسَى رُحْ مِنَ الدُّنْيَا يَوْماً فَيَوْماً وَ ذُقْ لِمَا قَدْ ذَهَبَ طَعْمُهُ فَحَقّاً أَقُولُ مَا أَنْتَ إِلَّا بِسَاعَتِكَ وَ يَوْمِكَ فَرُحْ مِنَ الدُّنْيَا بِبُلْغَةٍ وَ لْيَكْفِكَ الْخَشِنُ الْجَشِبُ فَقَدْ رَأَيْتَ إِلَى

قوله تعالى:" كن مع ذلك" أي لا يكن زهدك سببا لنفرتك عن الخلق و سوء الخلق معهم، بل كن مع الزهد تلين الكلام مع كل أحد، و تفشي السلام إلى كل من تلقاه.

قوله تعالى:" إذا نامت عيون الأبرار" فكيف الأشرار.

قوله تعالى:" حذرا" بفتح الذال ليكون مفعولا لأجله، أو بكسر الذال أي كن حذرا.

قوله تعالى:" بميل الحزن" في بعض النسخ بملمول بضم الميمين بمعناه.

قوله تعالى:" رح من الدنيا يوما فيوما" أي اقطع كل يوم عنك شيئا من تعلقات الدنيا حتى لا يصعب عليك مفارقتها عند أجلك، فإن الموت الاختياري أسهل من الموت الاضطراري و أنفع.

قوله تعالى:" و ذق لما قد ذهب طعمه" و في الأمالي" ما قد ذهب" أي لا تتبع اللذات و أقنع بالأشياء البشعة التي ذهب طعمه، و يحتمل أن يكون كناية عن الاعتبار بفناء الدنيا و عدم بقاء لذاتها لكنه بعيد.

قوله تعالى:" ما أنت إلا بساعتك" أي لا تعلم وجودك و بقائك بعد تلك الساعة و هذا اليوم فاغتنمها.

قوله تعالى:" فزح من الدنيا ببلغة" أي اترك و اكتف بالبلاغ و الكفاف

ص: 317

مَا تَصِيرُ وَ مَكْتُوبٌ مَا أَخَذْتَ وَ كَيْفَ أَتْلَفْتَ يَا عِيسَى إِنَّكَ مَسْئُولٌ فَارْحَمِ الضَّعِيفَ كَرَحْمَتِي إِيَّاكَ وَ لَا تَقْهَرِ الْيَتِيمَ يَا عِيسَى ابْكِ عَلَى نَفْسِكَ فِي الْخَلَوَاتِ وَ انْقُلْ قَدَمَيْكَ إِلَى مَوَاقِيتِ الصَّلَوَاتِ وَ أَسْمِعْنِي لَذَاذَةَ نُطْقِكَ بِذِكْرِي فَإِنَّ صَنِيعِي إِلَيْكَ حَسَنٌ يَا عِيسَى كَمْ مِنْ أُمَّةٍ قَدْ أَهْلَكْتُهَا بِسَالِفِ ذُنُوبٍ قَدْ عَصَمْتُكَ مِنْهَا يَا عِيسَى ارْفُقْ بِالضَّعِيفِ وَ ارْفَعْ طَرْفَكَ الْكَلِيلَ إِلَى السَّمَاءِ وَ ادْعُنِي فَإِنِّي مِنْكَ

أو كن بحيث إذا فارقت الدنيا لم تكن أخذت منها سوى البلغة، و يحتمل أن يكون المراد بالبلغة ما يبلغ الإنسان من زاد الآخرة إلى درجاتها الرفيعة.

قوله عليه السلام:" و ليكفك الخشن" أي من الثياب" الجشب" أي من الطعام أو من الثياب أيضا، قال الجوهري، طعام جشب و مجشوب: أي غليظ، و يقال: هو الذي لا إدام معه، و الجشيب من الثياب الغليظ.

قوله تعالى:" فقد رأيت إلى ما يصير" بالياء أي الثوب و الطعام فإن مصير الأول إلى البلى، و الثاني إلى القذارة و الأذى، أو بالتاء أي بذلك تصير إلى البلاء.

قوله تعالى:" كرحمتي إياك" الكاف للتشبيه في أصل الرحمة لا في كيفيتها و قدرها، أو للتعليل أي لرحمتي إياك.

قوله تعالى:" إلى مواقيت الصلوات" أي مواضعها، و في الأمالي" مواضع الصلوات".

قوله تعالى:" و أسمعني لذاذة نطقك" أي نطقك اللذيذ، أو التذاذك بذكري كما مر في حديث موسى.

قوله تعالى:" و ارفع طرفك الكليل" قال الجزري: طرف كليل: إذا لم

ص: 318

قَرِيبٌ وَ لَا تَدْعُنِي إِلَّا مُتَضَرِّعاً إِلَيَّ وَ هَمَّكَ هَمّاً وَاحِداً فَإِنَّكَ مَتَى تَدْعُنِي كَذَلِكَ أُجِبْكَ يَا عِيسَى إِنِّي لَمْ أَرْضَ بِالدُّنْيَا ثَوَاباً لِمَنْ كَانَ قَبْلَكَ وَ لَا عِقَاباً لِمَنِ انْتَقَمْتُ مِنْهُ يَا عِيسَى إِنَّكَ تَفْنَى وَ أَنَا أَبْقَى وَ مِنِّي رِزْقُكَ وَ عِنْدِي مِيقَاتُ أَجَلِكَ وَ إِلَيَّ إِيَابُكَ وَ عَلَيَّ حِسَابُكَ فَسَلْنِي وَ لَا تَسْأَلْ غَيْرِي فَيَحْسُنَ مِنْكَ الدُّعَاءُ وَ مِنِّي الْإِجَابَةُ يَا عِيسَى مَا أَكْثَرَ الْبَشَرَ وَ أَقَلَّ عَدَدَ مَنْ صَبَرَ الْأَشْجَارُ كَثِيرَةٌ وَ طَيِّبُهَا قَلِيلٌ فَلَا يَغُرَّنَّكَ حُسْنُ شَجَرَةٍ حَتَّى تَذُوقَ ثَمَرَهَا يَا عِيسَى لَا يَغُرَّنَّكَ الْمُتَمَرِّدُ عَلَيَّ بِالْعِصْيَانِ يَأْكُلُ رِزْقِي وَ يَعْبُدُ غَيْرِي 0 ثُمَّ يَدْعُونِي عِنْدَ الْكَرْبِ فَأُجِيبُهُ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ فَعَلَيَّ يَتَمَرَّدُ أَمْ بِسَخَطِي يَتَعَرَّضُ فَبِي حَلَفْتُ لآَخُذَنَّهُ أَخْذَةً لَيْسَ لَهُ مِنْهَا مَنْجًى وَ لَا دُونِي مَلْجَأٌ أَيْنَ يَهْرُبُ مِنْ سَمَائِي وَ أَرْضِي يَا عِيسَى قُلْ لِظَلَمَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَدْعُونِي وَ السُّحْتُ تَحْتَ أَحْضَانِكُمْ- وَ الْأَصْنَامُ

يحقق المنظور به. أي لا تحدق النظر إلى السماء حياء، بل انظر بتخشع، و يحتمل أن يكون وصف الطرف بالكلال لبيان عجز قوي المخلوقين.

قوله تعالى:" و همك هما واحدا" أي اجعل همك هما واحدا، و لا تجعل همك إلا هما واحدا، و في الأمالي" هم واحد" و هو أظهر.

قوله تعالى:" و إلى إيابك" بكسر الهمزة أي رجوعك.

قوله تعالى:" حتى تذوق ثمرها" أي لا تغتر بحسن ظواهر الخلق حتى تختبرهم، و تظهر لك مكنونات أديانهم و نياتهم و أخلاقهم.

قوله تعالى:" و السحت تحت أحضانكم" و في بعض النسخ أقدامكم، و الحضن ما دون الإبط إلى الكشح، و هو كناية عن ضبط الحرام و حفظه و عدم رده إلى أهله.

ص: 319

فِي بُيُوتِكُمْ فَإِنِّي آلَيْتُ أَنْ أُجِيبَ مَنْ دَعَانِي وَ أَنْ أَجْعَلَ إِجَابَتِي إِيَّاهُمْ لَعْناً عَلَيْهِمْ حَتَّى يَتَفَرَّقُوا- يَا عِيسَى كَمْ أُطِيلُ النَّظَرَ وَ أُحْسِنُ الطَّلَبَ وَ الْقَوْمُ فِي غَفْلَةٍ لَا يَرْجِعُونَ تَخْرُجُ الْكَلِمَةُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ لَا تَعِيهَا قُلُوبُهُمْ يَتَعَرَّضُونَ لِمَقْتِي وَ يَتَحَبَّبُونَ بِقُرْبِي إِلَى الْمُؤْمِنِينَ يَا عِيسَى لِيَكُنْ لِسَانُكَ فِي السِّرِّ وَ الْعَلَانِيَةِ وَاحِداً وَ كَذَلِكَ فَلْيَكُنْ قَلْبُكَ وَ بَصَرُكَ وَ اطْوِ قَلْبَكَ وَ لِسَانَكَ عَنِ الْمَحَارِمِ وَ كُفَّ بَصَرَكَ عَمَّا لَا خَيْرَ فِيهِ فَكَمْ مِنْ نَاظِرٍ نَظْرَةً

قوله تعالى:" و الأصنام في بيوتكم" لعل المراد بالأصنام، الدنانير و الدراهم و الذخائر التي أحرزوها في بيوتهم و لا يؤدون حق الله منها و يتركون طاعة الله فيما أمر فيها، فكأنهم عبدوها، كما ورد في الخبر" ملعون من عبد الدينار و الدرهم".

قوله تعالى:" و أجعل إجابتي إياهم لعنا عليهم" أي إجابتي للظالمين فيما يطلبون من أمر دنياهم موجبة لبعدهم عن رحمتي، و استدراج مني لهم، و هو موجب لمزيد طغيانهم.

قوله تعالى:" حتى يتفرقوا" أي عن الدعاء أو بالموت.

قوله تعالى:" كم أطيل" و في الأمالي" كم أجمل".

قوله تعالى:" لا تعيها" أي لا تحفظها و ترعاها بالعمل بها.

قوله تعالى:" يتحببون بي" أي بإظهار محبتي و عبادتي يطلبون محبة المؤمنين لهم، و في بعض النسخ [يتحببون بقربي].

قوله تعالى:" و كذلك فليكن قلبك و بصرك" أي لا تظهر من قلبك و نظرك عند الناس خلاف ما في قلبك و ما تفعله في خلواتك، قوله تعالى:" و كف بصرك" و في الأمالي" و غض طرفك" بسكون الراء.

ص: 320

قَدْ زَرَعَتْ فِي قَلْبِهِ شَهْوَةً وَ وَرَدَتْ بِهِ مَوَارِدَ حِيَاضِ الْهَلَكَةِ يَا عِيسَى كُنْ رَحِيماً مُتَرَحِّماً وَ كُنْ كَمَا تَشَاءُ أَنْ يَكُونَ الْعِبَادُ لَكَ وَ أَكْثِرْ ذِكْرَكَ الْمَوْتَ وَ مُفَارَقَةَ الْأَهْلِينَ وَ لَا تَلْهُ فَإِنَّ اللَّهْوَ يُفْسِدُ صَاحِبَهُ وَ لَا تَغْفُلْ فَإِنَّ الْغَافِلَ مِنِّي بَعِيدٌ وَ اذْكُرْنِي بِالصَّالِحَاتِ حَتَّى أَذْكُرَكَ يَا عِيسَى تُبْ إِلَيَّ بَعْدَ الذَّنْبِ وَ ذَكِّرْ بِيَ الْأَوَّابِينَ وَ آمِنْ بِي وَ تَقَرَّبْ بِي إِلَى الْمُؤْمِنِينَ وَ مُرْهُمْ يَدْعُونِي مَعَكَ وَ إِيَّاكَ وَ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنِّي آلَيْتُ عَلَى نَفْسِي أَنْ أَفْتَحَ لَهَا بَاباً مِنَ السَّمَاءِ بِالْقَبُولِ وَ أَنْ أُجِيبَهُ وَ لَوْ بَعْدَ حِينٍ يَا عِيسَى اعْلَمْ أَنَّ صَاحِبَ السَّوْءِ يُعْدِي وَ قَرِينَ السَّوْءِ يُرْدِي وَ اعْلَمْ مَنْ تُقَارِنُ

قوله تعالى:" موارد حياض الهلكة" الإضافة إما بيانية إلى الموارد التي هي حياض الهلاك، أو لامية بأن يكون المراد بالموارد أطراف تلك الحياض و في الأمالي" موارد الهلكة".

قوله تعالى:" كن رحيما مترحما" الرحم رقة القلب و الترحم إعمالها و إظهارها، و في الأمالي" و كن للعباد كما تشاء".

قوله تعالى:" و لا تله" أي لا ترتكب ما يلهى و يوجب الغفلة عن الله تعالى.

قوله تعالى:" و اذكرني بالصالحات" أي بالأعمال الصالحة فإنها مسببة عن ذكره تعالى، و ذكره تعالى إثابته أو ذكره في الملإ الأعلى بخير.

قوله تعالى:" و ذكر بي الأوابين" الأوبة: الرجوع أي الذين يرجعون إلى الله بالتوبة و الأعمال الصالحة.

قوله تعالى:" إن صاحب السوء يعدى" من قبيل إضافة الموصوف إلى الصفة، و السوء بالفتح، و قيل يجوز الضم أي المصاحب الشرير السي ء الخلق يعدى أي تؤثر أخلاقه فيمن صحبه، يقال أعداه الداء يعديه إعداء، و هو أن يصيبه مثل ما يصاحب الداء.

قوله تعالى:" و قرين السوء يردي" أي يهلك من يقارنه.

ص: 321

وَ اخْتَرْ لِنَفْسِكَ إِخْوَاناً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يَا عِيسَى تُبْ إِلَيَّ فَإِنِّي لَا يَتَعَاظَمُنِي ذَنْبٌ أَنْ أَغْفِرَهُ وَ أَنَا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ اعْمَلْ لِنَفْسِكَ فِي مُهْلَةٍ مِنْ أَجَلِكَ قَبْلَ أَنْ لَا يَعْمَلَ لَهَا غَيْرُكَ وَ اعْبُدْنِي لِيَوْمٍ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ فِيهِ أَجْزِي بِالْحَسَنَةِ أَضْعَافَهَا وَ إِنَّ السَّيِّئَةَ تُوبِقُ صَاحِبَهَا فَامْهَدْ لِنَفْسِكَ فِي مُهْلَةٍ وَ نَافِسْ فِي الْعَمَلِ الصَّالِحِ فَكَمْ مِنْ مَجْلِسٍ قَدْ نَهَضَ أَهْلُهُ وَ هُمْ مُجَارُونَ مِنَ النَّارِ يَا عِيسَى ازْهَدْ فِي الْفَانِي الْمُنْقَطِعِ وَ طَأْ رُسُومَ مَنَازِلِ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ فَادْعُهُمْ وَ نَاجِهِمْ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ وَ خُذْ مَوْعِظَتَكَ مِنْهُمْ وَ اعْلَمْ أَنَّكَ سَتَلْحَقُهُمْ فِي اللَّاحِقِينَ يَا عِيسَى قُلْ لِمَنْ تَمَرَّدَ عَلَيَّ بِالْعِصْيَانِ وَ عَمِلَ بِالْإِدْهَانِ لِيَتَوَقَّعْ عُقُوبَتِي وَ يَنْتَظِرُ إِهْلَاكِي إِيَّاهُ سَيُصْطَلَمُ مَعَ الْهَالِكِينَ طُوبَى لَكَ يَا ابْنَ مَرْيَمَ ثُمَّ طُوبَى لَكَ إِنْ أَخَذْتَ

قوله تعالى:" في مهلة من أجلك" أي في زمان عمرك الذي أمهل و أخر فيه أجلك، و قد يطلق الأجل على العمر، فكلمة من بيانية، قبل أن لا تقدر على العمل بعد الوفاة، و في الأمالي" قبل أن لا يعمل لها غيرك".

قوله تعالى:" و هم مجارون" قال الجوهري: أجاره الله من العذاب أنقذه.

قوله تعالى:" و طأ رسوم" أي امش على آثار منازل من كان قبلك" و ادعهم هل تحس منهم من أحد" أي هل تشعر بأحد منهم و تراه أو تسمع صوتهم، كما قال تعالى:" وَ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً" و الركز: الصوت الخفي.

قوله تعالى:" و عمل بالإدهان" قال الفيروزآبادي: المداهنة خلاف ما تغمر كالأدهان، و لعل المراد هنا المداهنة في الدين، و ترك النهي عن المنكر.

قوله تعالى:" سيصطلم" قال الجوهري: الاصطلام الاستئصال.

ص: 322

بِأَدَبِ إِلَهِكَ الَّذِي يَتَحَنَّنُ عَلَيْكَ تَرَحُّماً وَ بَدَأَكَ بِالنِّعَمِ مِنْهُ تَكَرُّماً وَ كَانَ لَكَ فِي الشَّدَائِدِ لَا تَعْصِهِ يَا عِيسَى فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَكَ عِصْيَانُهُ قَدْ عَهِدْتُ إِلَيْكَ كَمَا عَهِدْتُ إِلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكَ وَ أَنَا عَلَى ذَلِكَ مِنَ الشَّاهِدِينَ يَا عِيسَى مَا أَكْرَمْتُ خَلِيقَةً بِمِثْلِ دِينِي وَ لَا أَنْعَمْتُ عَلَيْهَا بِمِثْلِ رَحْمَتِي- يَا عِيسَى اغْسِلْ بِالْمَاءِ مِنْكَ مَا ظَهَرَ وَ دَاوِ بِالْحَسَنَاتِ مِنْكَ مَا بَطَنَ فَإِنَّكَ إِلَيَّ رَاجِعٌ يَا عِيسَى أَعْطَيْتُكَ مَا أَنْعَمْتُ بِهِ عَلَيْكَ فَيْضاً مِنْ غَيْرِ تَكْدِيرٍ وَ طَلَبْتُ مِنْكَ قَرْضاً لِنَفْسِكَ فَبَخِلْتَ بِهِ عَلَيْهَا لِتَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ يَا عِيسَى تَزَيَّنْ بِالدِّينِ وَ حُبِّ الْمَسَاكِينِ وَ امْشِ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَ صَلِّ عَلَى

قوله تعالى:" إن أخذت بأدب إلهك" أي بالآداب التي أمرك بها إلهك أو تتخلق بأخلاق ربك، و قال الجوهري: تحنن عليه: ترحم.

قوله تعالى:" ما أكرمت خليقة بمثل ديني" أي بشي ء مثل ديني، و ضمير عليها راجع إلى الخليفة، و الظاهر أن المراد بالرحمة الجنة، و يحتمل المغفرة.

قوله تعالى:" فيضا" أي كثيرا واسعا، و فيه استعارة مكنية" و التكدير" ترشيح إذ الفيض يطلق على كثرة الماء و سيلانه، و الظاهر أن الغرض بهذا الخطاب أمة عيسى عليه السلام كما ورد في القرآن آيات كثيرة المخاطب بها الرسول صلى الله عليه و آله و سلم و المراد بها أمته كقوله تعالى" لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ" و أضرابها.

قوله تعالى:" تزين بالدين" أي بآثاره و أعماله و أخلاقه فإنها زينة المتقين و من أحسن زينتهم حب المساكين و المعاشرة معهم.

قوله تعالى:" هَوْناً" قال الجوهري: الهون: السكينة و الوقار، و فلان

ص: 323

الْبِقَاعِ فَكُلُّهَا طَاهِرٌ يَا عِيسَى شَمِّرْ فَكُلُّ مَا هُوَ آتٍ قَرِيبٌ وَ اقْرَأْ كِتَابِي وَ أَنْتَ طَاهِرٌ وَ أَسْمِعْنِي مِنْكَ صَوْتاً حَزِيناً يَا عِيسَى لَا خَيْرَ فِي لَذَاذَةٍ لَا تَدُومُ وَ عَيْشٍ مِنْ صَاحِبِهِ يَزُولُ يَا ابْنَ مَرْيَمَ لَوْ رَأَتْ عَيْنُكَ مَا أَعْدَدْتُ لِأَوْلِيَائِيَ الصَّالِحِينَ ذَابَ قَلْبُكَ وَ زَهَقَتْ نَفْسُكَ شَوْقاً إِلَيْهِ فَلَيْسَ كَدَارِ الْآخِرَةِ دَارٌ تَجَاوَرَ فِيهَا الطَّيِّبُونَ وَ يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ فِيهَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَ هُمْ مِمَّا يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ أَهْوَالِهَا آمِنُونَ دَارٌ لَا يَتَغَيَّرُ فِيهَا النَّعِيمُ وَ لَا يَزُولُ عَنْ أَهْلِهَا يَا ابْنَ مَرْيَمَ نَافِسْ فِيهَا مَعَ الْمُتَنَافِسِينَ فَإِنَّهَا أُمْنِيَّةُ الْمُتَمَنِّينَ حَسَنَةُ الْمَنْظَرِ طُوبَى لَكَ يَا ابْنَ مَرْيَمَ إِنْ كُنْتَ لَهَا مِنَ الْعَامِلِينَ مَعَ آبَائِكَ آدَمَ وَ إِبْرَاهِيمَ فِي جَنَّاتٍ وَ نَعِيمٍ لَا تَبْغِي بِهَا بَدَلًا وَ لَا تَحْوِيلًا كَذَلِكَ أَفْعَلُ بِالْمُتَّقِينَ يَا عِيسَى اهْرُبْ إِلَيَّ مَعَ مَنْ يَهْرُبُ مِنْ نَارٍ ذَاتِ لَهَبٍ وَ نَارٍ ذَاتِ أَغْلَالٍ وَ أَنْكَالٍ

يمشي على الأرض هونا.

قوله تعالى:" و صل على البقاع" هذا خلاف ما هو المشهور من أن جواز الصلاة في كل البقاع من خصائص نبينا صلى الله عليه و آله و سلم، بل كان يلزمهم الصلاة في بيعهم و كنا يسهم، فيمكن أن يكون هذا الحكم فيهم مختصا بالفرائض أو بغيره عليه السلام من أمته.

قوله تعالى:" شمر فكل ما هو آت قريب" قال الفيروزآبادي: شمر و شمر و انشمر و تشمر مر جادا أو مختالا، و تشمر للأمر، تهيأ انتهى أي جد و اجتهد في العبادة، فإن الموت آت لا محالة، و كل ما هو آت قريب.

قوله تعالى:" و زهقت نفسك" أي هلكت و اضمحلت، قوله تعالى:" مع آبائك" أي تكون أو طوبى لك مع آبائك.

قوله تعالى:" و أنكال" قال الفيروزآبادي: النكل بالكسر القيد الشديد

ص: 324

لَا يَدْخُلُهَا رَوْحٌ وَ لَا يَخْرُجُ مِنْهَا غَمٌّ أَبَداً قِطَعٌ كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ مَنْ يَنْجُ مِنْهَا يَفُزْ وَ لَنْ يَنْجُوَ مِنْهَا مَنْ كَانَ مِنَ الْهَالِكِينَ هِيَ دَارُ الْجَبَّارِينَ وَ الْعُتَاةِ الظَّالِمِينَ وَ كُلِّ فَظٍّ غَلِيظٍ وَ كُلِّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ يَا عِيسَى بِئْسَتِ الدَّارُ لِمَنْ رَكِنَ إِلَيْهَا وَ بِئْسَ الْقَرَارُ دَارُ الظَّالِمِينَ إِنِّي أُحَذِّرُكَ نَفْسَكَ فَكُنْ بِي خَبِيراً يَا عِيسَى كُنْ حَيْثُ مَا كُنْتَ مُرَاقِباً لِي وَ اشْهَدْ عَلَى أَنِّي خَلَقْتُكَ وَ أَنْتَ عَبْدِي وَ أَنِّي صَوَّرْتُكَ وَ إِلَى الْأَرْضِ أَهْبَطْتُكَ يَا عِيسَى لَا يَصْلُحُ لِسَانَانِ فِي فَمٍ وَاحِدٍ وَ لَا قَلْبَانِ فِي صَدْرٍ وَاحِدٍ وَ كَذَلِكَ الْأَذْهَانُ

و الجمع أنكال أو قيد من نار. قوله تعالى:" قطع كقطع الليل المظلم" أي ليس لنارها نور. قوله تعالى:" و العتاة" قال الفيروزآبادي: عتا عتوا: استكبر و جاوز الحد فهو عات، و قال: الفظ: الغليظ الجانب. السي ء الخلق، الخشن الكلام، و قال: رجل مختال: متكبر.

قوله تعالى:" بئست الدار" أي النار" لمن ركن" أي مال إليها بارتكاب الفسوق.

قوله تعالى:" فكن بي" أي بمعونتي خبيرا بعيوب نفسك، أو كن عالما بي و برحمتي و نعمتي، و عقوبتي حتى لا تغلبك نفسك و لا تخدعك.

قوله تعالى:" من إقبالي" أي تنتظر فضلي و إحساني، و تخاف عقوبتي و تعلم أني مطلع على سرائر أمرك.

قوله تعالى:" لا يصلح لسانان في فم واحد" أي بأن تقول في حضور القوم كلاما، و في غيبتهم كلاما آخر، أو تمزج القول الحق بالباطل، و الطاعة من

ص: 325

يَا عِيسَى لَا تَسْتَيْقِظَنَّ عَاصِياً وَ لَا تَسْتَنْبِهَنَّ لَاهِياً وَ افْطِمْ نَفْسَكَ عَنِ الشَّهَوَاتِ

القول بالمعصية.

قوله تعالى:" و لا قلبان" في صدور واحد أي لا تجتمع محبة الله و محبة غيره من المال و الجاه، و زخارف الدنيا و شهواتها في قلب واحد، فلا يتصور الجمع بينهما إلا بأن يكون لك قلبان و هو محال كما قال تعالى:" ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ".

قوله تعالى:" و كذلك الأذهان" أي لا يجتمع شيئان متضادان في ذهن واحد، كالتوجه إلى الدنيا، و التوجه إلى الله، و التوكل عليه و التوكل على الخلق و نحو ذلك، و يحتمل أن يكون ذكر اللسان و القلب تمهيدا لبيان الأخير، أي كما لا يمكن أن يكون في فم لسانان، و في صدر قلبان، فكذا لا يجوز أن يكون في ذهن واحد، خيالان متضادان يصيران منشأين لأمور مختلفة متباينة.

قوله تعالى:" لا تستيقظن عاصيا" أي لا تتوجه إلى تيقظ الغير، و الحال أنك عاص، بل ابدأ بإصلاح نفسك قبل إصلاح غيرك، و كذا الفقرة الثانية، هذا إذا ورد الفعلان متعديين، لكن أكثر اللغويين ذكروا البناء الأول لازما، و لم يذكروا البناء الثاني فيحتمل أن يكون المراد لا تستيقظ استيقاظا لا يردعك عن المعاصي، و لا استنباها مخلوطا باللهو و الغفلة، أو لا يكن استيقاظك و تنبهك عند الموت بعد العصيان و اللهو، و يحتمل أن يكون الأول لازما و الثاني متعديا، فيكون المعنى أتم و أكمل فتأمل.

قوله تعالى:" و افطم" أي اقطع" نفسك عن الشهوات الموبقات" أي المهلكات.

ص: 326

الْمُوبِقَاتِ وَ كُلُّ شَهْوَةٍ تُبَاعِدُكَ مِنِّي فَاهْجُرْهَا وَ اعْلَمْ أَنَّكَ مِنِّي بِمَكَانِ الرَّسُولِ الْأَمِينِ فَكُنْ مِنِّي عَلَى حَذَرٍ وَ اعْلَمْ أَنَّ دُنْيَاكَ مُؤَدِّيَتُكَ إِلَيَّ وَ أَنِّي آخُذُكَ بِعِلْمِي فَكُنْ ذَلِيلَ النَّفْسِ عِنْدَ ذِكْرِي خَاشِعَ الْقَلْبِ حِينَ تَذْكُرُنِي يَقْظَانَ عِنْدَ نَوْمِ الْغَافِلِينَ يَا عِيسَى هَذِهِ نَصِيحَتِي إِيَّاكَ وَ مَوْعِظَتِي لَكَ فَخُذْهَا مِنِّي وَ إِنِّي رَبُّ الْعَالَمِينَ يَا عِيسَى إِذَا صَبَرَ عَبْدِي فِي جَنْبِي كَانَ ثَوَابُ عَمَلِهِ عَلَيَّ وَ كُنْتُ عِنْدَهُ حِينَ يَدْعُونِي وَ كَفَى بِي مُنْتَقِماً مِمَّنْ عَصَانِي أَيْنَ يَهْرُبُ مِنِّي الظَّالِمُونَ يَا عِيسَى أَطِبِ الْكَلَامَ وَ كُنْ حَيْثُمَا كُنْتَ عَالِماً مُتَعَلِّماً يَا عِيسَى أَفِضْ بِالْحَسَنَاتِ إِلَيَّ حَتَّى يَكُونَ لَكَ ذِكْرُهَا عِنْدِي وَ تَمَسَّكْ بِوَصِيَّتِي

قوله تعالى:" مؤديتك إلى" أي تردك الدنيا إلى بالموت و أعاقبك بما عملت من معاصيك.

قوله تعالى:" في جنبي" أي في قربي أو طاعتي، قال الشيخ الطبرسي في قوله تعالى:" يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ": الجنب القرب، أي يا حسرتا على ما فرطت في قرب الله و جواره، و فلان يعيش في جنب فلان أي في قربه و جواره و منه. قوله تعالى:" الصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ" و قال البيضاوي: أي في جانبه، أي في حقه و هو طاعته، قال سابق البريري:

أما تتقين الله في جنب وامق له كبد حري عليك تقطع

و قيل في ذاته على تقدير مضاف كالطاعة، و قيل: في قربه من قوله تعالى:

" وَ الصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ".

قوله تعالى:" و أفض" من الإفضاء بمعنى الإيصال، أو من الإفاضة بمعنى

ص: 327

فَإِنَّ فِيهَا شِفَاءً لِلْقُلُوبِ يَا عِيسَى لَا تَأْمَنْ إِذَا مَكَرْتَ مَكْرِي وَ لَا تَنْسَ عِنْدَ خَلَوَاتِ الدُّنْيَا ذِكْرِي يَا عِيسَى حَاسِبْ نَفْسَكَ بِالرُّجُوعِ إِلَيَّ حَتَّى تَتَنَجَّزَ ثَوَابَ مَا عَمِلَهُ الْعَامِلُونَ أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ وَ أَنَا خَيْرُ الْمُؤْتِينَ يَا عِيسَى كُنْتَ خَلْقاً بِكَلَامِي وَلَدَتْكَ مَرْيَمُ بِأَمْرِيَ الْمُرْسَلُ إِلَيْهَا رُوحِي جَبْرَئِيلُ الْأَمِينُ مِنْ مَلَائِكَتِي حَتَّى قُمْتَ عَلَى الْأَرْضِ حَيّاً تَمْشِي كُلُّ ذَلِكَ فِي سَابِقِ عِلْمِي يَا عِيسَى زَكَرِيَّا بِمَنْزِلَةِ أَبِيكَ وَ كَفِيلُ أُمِّكَ إِذْ يَدْخُلُ عَلَيْهَا الْمِحْرَابَ فَيَجِدُ عِنْدَهَا رِزْقاً وَ نَظِيرُكَ يَحْيَى مِنْ خَلْقِي وَهَبْتُهُ لِأُمِّهِ بَعْدَ الْكِبَرِ مِنْ غَيْرِ قُوَّةٍ بِهَا أَرَدْتُ بِذَلِكَ أَنْ يَظْهَرَ لَهَا سُلْطَانِي وَ يَظْهَرَ فِيكَ قُدْرَتِي أَحَبُّكُمْ إِلَيَّ أَطْوَعُكُمْ لِي وَ أَشَدُّكُمْ

الاندفاع و الإسراع في السير أي أقبل إلى بسبب حسناتك أو معها.

قوله تعالى:" بالرجوع إلى" أي بسبب أن مرجعك إلى.

قوله تعالى:" ثواب ما عمله العاملون" أي مثله.

قوله تعالى:" خلقتك بكلامي" أي بلفظ كن من غير والد.

قوله تعالى:" كل ذلك في سابق علمي" أي كان جميع ذلك في علمي السابق و تقديري، و فعلتها للحكم التي علمته فيها.

قوله تعالى:" و نظيرك يحيى" أي في الزهد و العبادة و سائر الكمالات أو في تولده من شيخ كبير يئس من الولد، فكأنه أيضا خلق من غير والد.

قوله تعالى:" من غير قوة بها" أي من غير قوة كانت بها تقوى بتلك القوة على تحصيل الولد، أي كانت كبيرة يائسة لا تستعد بحسب القوي البشرية عادة لتولده منها.

قوله تعالى:" أردت بذلك أن يظهر لها سلطاني" أي عظمتي و قدرتي على

ص: 328

خَوْفاً مِنِّي يَا عِيسَى تَيَقَّظْ وَ لَا تَيْأَسْ مِنْ رَوْحِي وَ سَبِّحْنِي مَعَ مَنْ يُسَبِّحُنِي وَ بِطَيِّبِ الْكَلَامِ فَقَدِّسْنِي يَا عِيسَى كَيْفَ يَكْفُرُ الْعِبَادُ بِي وَ نَوَاصِيهِمْ فِي قَبْضَتِي وَ تَقَلُّبُهُمْ فِي أَرْضِي يَجْهَلُونَ نِعْمَتِي وَ يَتَوَلَّوْنَ عَدُوِّي وَ كَذَلِكَ يَهْلِكُ الْكَافِرُونَ يَا عِيسَى إِنَّ الدُّنْيَا سِجْنٌ مُنْتِنُ الرِّيحِ وَ حَسُنَ فِيهَا مَا قَدْ تَرَى مِمَّا قَدْ تَذَابَحَ عَلَيْهِ الْجَبَّارُونَ وَ إِيَّاكَ وَ الدُّنْيَا فَكُلُّ نَعِيمِهَا يَزُولُ وَ مَا نَعِيمُهَا إِلَّا قَلِيلٌ يَا عِيسَى ابْغِنِي عِنْدَ وِسَادِكَ تَجِدْنِي وَ ادْعُنِي وَ أَنْتَ لِي مُحِبٌّ فَإِنِّي أَسْمَع

قوله تعالى:" نواصيهم في قبضتي" الأخذ بالناصية بين العرب كناية عن القهر و القدرة، لأن من أخذ بناصية غيره فقد قهره و أذله، و لا يستطيع الامتناع مما يريده منه، كما قال تعالى:" ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها" قوله تعالى:" و تقلبهم" أي تصرفهم في الأمور و تحولهم من حال إلى حال.

قوله تعالى:" و حسن فيها" أي زين للناس فيها ما قد ترى من زخارفها التي اقتتل عليها الجبارون، و ذبح بعضهم بعضا لأجلها، قال الفيروزآبادي: تذابحوا: ذبح بعضهم بعضا، و في الأمالي" منتن الريح و خشن و فيها ما قد ترى".

قوله تعالى:" ابغني عند وسادك" أي أطلبني و تقرب إلى عند ما تتكى على وسادك للنوم بذكري،" تجدني" لك حافظا في نومك أو قريبا منك مجيبا

ص: 329

السَّامِعِينَ أَسْتَجِيبُ لِلدَّاعِينَ إِذَا دَعَوْنِي- يَا عِيسَى خَفْنِي وَ خَوِّفْ بِي عِبَادِي لَعَلَّ الْمُذْنِبِينَ أَنْ يُمْسِكُوا عَمَّا هُمْ عَامِلُونَ بِهِ فَلَا يَهْلِكُوا إِلَّا وَ هُمْ يَعْلَمُونَ يَا عِيسَى ارْهَبْنِي رَهْبَتَكَ مِنَ السَّبُعِ وَ الْمَوْتِ الَّذِي أَنْتَ لَاقِيهِ فَكُلُّ هَذَا أَنَا خَلَقْتُهُ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ يَا عِيسَى إِنَّ الْمُلْكَ لِي وَ بِيَدِي وَ أَنَا الْمَلِكُ فَإِنْ تُطِعْنِي أَدْخَلْتُكَ جَنَّتِي فِي جِوَارِ الصَّالِحِينَ يَا عِيسَى إِنِّي إِذَا غَضِبْتُ عَلَيْكَ لَمْ يَنْفَعْكَ رِضَا مَنْ رَضِيَ عَنْكَ وَ إِنْ رَضِيتُ عَنْكَ لَمْ يَضُرَّكَ غَضَبُ الْمُغْضَبِينَ يَا عِيسَى اذْكُرْنِي فِي نَفْسِكَ أَذْكُرْكَ فِي نَفْسِي وَ اذْكُرْنِي فِي مَلَئِكَ أَذْكُرْكَ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْ مَلَإِ الْآدَمِيِّينَ

قوله تعالى:" فإني أسمع السامعين" فينبغي أن تحب من كان كذلك، أو إن لم استجب لأحد فإنما هو لعدم المحبة، و إلا فأنا أسمع السامعين، و الأول أظهر قوله تعالى:" فلا يهلكوا" أي إن هلكوا و ضلوا و أصروا على المعاصي يكون بعد إتمام الحجة عليهم.

قوله تعالى:" أذكرك في نفسي" أي أفيض عليك من رحماتي الخاصة من غير أن يطلع عليها غيري.

قوله تعالى:" أذكرك في ملأ خير من ملأ الآدميين" الملأ: الإشراف و العلية

ص: 330

يَا عِيسَى ادْعُنِي دُعَاءَ الْغَرِيقِ الْحَزِينِ الَّذِي لَيْسَ لَهُ مُغِيثٌ يَا عِيسَى لَا تَحْلِفْ بِي كَاذِباً فَيَهْتَزَّ عَرْشِي غَضَباً الدُّنْيَا قَصِيرَةُ الْعُمُرِ طَوِيلَةُ الْأَمَلِ وَ عِنْدِي دَارٌ خَيْرٌ مِمَّا تَجْمَعُونَ يَا عِيسَى كَيْفَ أَنْتُمْ صَانِعُونَ إِذَا أَخْرَجْتُ لَكُمْ كِتَاباً يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَ أَنْتُمْ تَشْهَدُونَ بِسَرَائِرَ قَدْ كَتَمْتُمُوهَا وَ أَعْمَالٍ كُنْتُمْ بِهَا عَامِلِينَ يَا عِيسَى قُلْ لِظَلَمَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ غَسَلْتُمْ وُجُوهَكُمْ وَ دَنَّسْتُمْ قُلُوبَكُمْ أَ بِي تَغْتَرُّونَ أَمْ عَلَيَّ تَجْتَرِءُونَ تَطَيَّبُونَ بِالطِّيبِ لِأَهْلِ الدُّنْيَا وَ أَجْوَافُكُمْ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ الْجِيَفِ الْمُنْتِنَةِ كَأَنَّكُمْ أَقْوَامٌ مَيِّتُونَ يَا عِيسَى قُلْ لَهُمْ قَلِّمُوا أَظْفَارَكُمْ مِنْ كَسْبِ الْحَرَامِ وَ أَصِمُّوا أَسْمَاعَكُمْ عَنْ ذِكْرِ

أو الجماعة، و المراد ملأ الملائكة المقربين، و الذكر في ذلك الملأ بالثناء عليه و المباهاة به أو إثابته بمشهد منهم، و خيرية ذلك الملأ و فضله على ملإ الآدميين لكون جميعهم معصومين مطهرين، لا ينافي كون نادر من الآدميين أشرف منهم مع أنه يحتمل أن يكون المراد بملإ الآدميين الملأ الذي لم يدخل فيه الأنبياء و الصديقون.

قوله تعالى:" فيهتز" أي يتحرك غضبا.

قوله تعالى:" بسرائر" بدل من قوله بالحق.

قوله تعالى:" قلموا أظفاركم" كناية عن قبض اليد عن الحرام.

قوله تعالى:" عن ذكر الخنى" أي الفحش في القول.

قوله تعالى:" فإني لست أريد ضرركم" و في بعض النسخ" صرركم" بالصاد المهملة من قولهم صر صريرا أي صوت و صاح شديدا قاله في القاموس، و في بعضها" صوركم" كما روي إن الله لا ينظر إلى صوركم، و لا إلى أجسادكم و لكنه ينظر إلى قلوبكم و نياتكم.

ص: 331

الْخَنَا وَ أَقْبِلُوا عَلَيَّ بِقُلُوبِكُمْ فَإِنِّي لَسْتُ أُرِيدُ صُوَرَكُمْ يَا عِيسَى افْرَحْ بِالْحَسَنَةِ فَإِنَّهَا لِي رِضًا وَ ابْكِ عَلَى السَّيِّئَةِ فَإِنَّهَا شَيْنٌ وَ مَا لَا تُحِبُّ أَنْ يُصْنَعَ بِكَ فَلَا تَصْنَعْهُ بِغَيْرِكَ وَ إِنْ لَطَمَ خَدَّكَ الْأَيْمَنَ فَأَعْطِهِ الْأَيْسَرَ وَ تَقَرَّبْ إِلَيَّ بِالْمَوَدَّةِ جُهْدَكَ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ- يَا عِيسَى ذِلَّ لِأَهْلِ الْحَسَنَةِ وَ شَارِكْهُمْ فِيهَا وَ كُنْ عَلَيْهِمْ شَهِيداً وَ قُلْ لِظَلَمَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَا أَخْدَانَ السَّوْءِ وَ الْجُلَسَاءَ عَلَيْهِ إِنْ لَمْ تَنْتَهُوا أَمْسَخْكُمْ قِرَدَةً وَ خَنَازِيرَ يَا عِيسَى قُلْ لِظَلَمَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ الْحِكْمَةُ تَبْكِي فَرَقاً مِنِّي وَ أَنْتُمْ بِالضَّحِكِ تَهْجُرُونَ أَتَتْكُمْ بَرَاءَتِي أَمْ لَدَيْكُمْ أَمَانٌ مِنْ عَذَابِي أَمْ تَعَرَّضُونَ لِعُقُوبَتِي فَبِي حَلَفْتُ لَأَتْرُكَنَّكُمْ مَثَلًا لِلْغَابِرِينَ

قوله تعالى:" فإنها شين" أي عيب قبيح.

قوله تعالى:" و إن لطم" أي ذلك الغير.

قوله تعالى:" يا أخدان السوء" قال الفيروزآبادي: الخدن بالكسر و كأمير الصاحب، و من يخادنك في كل أمر ظاهر و باطن، فيحتمل أن يكون من قبيل إضافة الموصوف إلى الصفة، كما هو الشائع في مثله، و أن يكون المراد أنهم محبون للسوء مخادنون له، و لعل قوله و الجلساء بهذا أوفق و أنسب، فإن الضمير راجع إلى السوء فيكون السوء بضم السين.

قوله تعالى:" الحكمة تبكي" استناد البكاء إلى الحكمة مجازي، لأنها سببه و يمكن أن يكون بتقدير مضاف أي أهل الحكمة، و يمكن أيضا أن تقرأ تبكي من باب الأفعال.

قوله تعالى:" تهجرون" من الهجر و هو الهزء و قبيح الكلام.

قوله تعالى:" مثلا للغابرين" الغابر: الماضي و الباقي، و المراد به هنا الثاني

ص: 332

ثُمَّ أُوصِيكَ يَا ابْنَ مَرْيَمَ الْبِكْرِ الْبَتُولِ بِسَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ وَ حَبِيبِي فَهُوَ أَحْمَدُ صَاحِبُ الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ وَ الْوَجْهِ الْأَقْمَرِ الْمُشْرِقِ بِالنُّورِ الطَّاهِرِ الْقَلْبِ الشَّدِيدِ الْبَأْسِ الْحَيِيِّ الْمُتَكَرِّمِ فَإِنَّهُ رَحْمَةٌ لِلْعَالَمِينَ وَ سَيِّدُ وُلْدِ آدَمَ يَوْمَ يَلْقَانِي أَكْرَمُ السَّابِقِينَ عَلَيَّ وَ أَقْرَبُ الْمُرْسَلِينَ مِنِّي الْعَرَبِيُّ الْأَمِينُ الدَّيَّانُ بِدِينِي الصَّابِرُ فِي ذَاتِي الْمُجَاهِدُ الْمُشْرِكِينَ بِيَدِهِ عَنْ دِينِي أَنْ تُخْبِرَ بِهِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَ تَأْمُرَهُمْ أَنْ يُصَدِّقُوا بِهِ وَ أَنْ يُؤْمِنُوا بِهِ وَ أَنْ يَتَّبِعُوهُ وَ أَنْ يَنْصُرُوهُ قَالَ عِيسَى ع إِلَهِي مَنْ هُوَ حَتَّى أُرْضِيَهُ فَلَكَ الرِّضَا قَالَ هُوَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً أَقْرَبُهُمْ مِنِّي مَنْزِلَةً وَ أَحْضَرُهُمْ شَفَاعَةً طُوبَى لَهُ مِنْ نَبِيٍّ وَ طُوبَى لِأُمَّتِهِ إِنْ هُمْ لَقُونِي عَلَى سَبِيلِهِ يَحْمَدُهُ أَهْلُ الْأَرْضِ وَ يَسْتَغْفِرُ لَهُ أَهْلُ السَّمَاءِ أَمِينٌ مَيْمُونٌ

أي أهلككم و أجعل هلاككم مثلا يمثل به، و يذكر و يعتبر به من يأتي بعدكم قوله تعالى:" يوم يلقاني" أي يظهر سيادته في ذلك اليوم، و يحتمل تعلقه بما بعده.

قوله تعالى:" الديان بديني" الديان: القهار و الحاكم و القاضي يقال: ديّنتهم فدانوا أي قهرتهم فأطاعوا، أي يقهرهم على الدخول في دين الله، أو يحكم بينهم بحكم الله، أو يتعبد الله بدين الحق من دان بمعنى عبد.

قوله تعالى:" أن تخبر" بدل اشتمال من قوله:" سيد المرسلين" و في الأمالي" يا عيسى آمرك أن تخبر به" و فيه" قال عيسى: الهي من هو؟ قال: يا عيسى أرضه فلك الرضا، قال: اللهم رضيت، فمن هو؟ قال: محمد رسول الله" قوله تعالى:" و أحضرهم شفاعة" أي شفاعته حاضرة مهيأة لكل من يستحقها. و في الأمالي" و أوجبهم عندي شفاعة" و هو أظهر.

قوله تعالى:" إذ هم لقوني" و في الأمالي" إن هم لقوني" و هو أظهر.

ص: 333

طَيِّبٌ مُطَيَّبٌ خَيْرُ الْبَاقِينَ عِنْدِي يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ إِذَا خَرَجَ أَرْخَتِ السَّمَاءُ عَزَالِيَهَا وَ أَخْرَجَتِ الْأَرْضُ زَهْرَتَهَا حَتَّى يَرَوُا الْبَرَكَةَ وَ أُبَارِكُ لَهُمْ فِيمَا وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ كَثِيرُ الْأَزْوَاجِ قَلِيلُ الْأَوْلَادِ يَسْكُنُ بَكَّةَ مَوْضِعَ أَسَاسِ إِبْرَاهِيمَ يَا عِيسَى دِينُهُ الْحَنِيفِيَّةُ وَ قِبْلَتُهُ يَمَانِيَّةٌ وَ هُوَ مِنْ حِزْبِي وَ أَنَا مَعَهُ فَطُوبَى لَهُ ثُمَّ طُوبَى

قوله تعالى:" طيب" أي خلق من طينة طيبة مقدسة،" مطيب" أي من النقائص و الرذائل.

قوله تعالى:" و أبارك لهم" هذه المعجزة من متواترات معجزاته حيث وضع يده على طعام قليل و أشبع به خلقا كثيرا في مواطن كثيرة، و على ماء قليل، و أروى به جماعة جمة في مواضع عديدة.

قوله تعالى:" يسكن بكة" قال الفيروزآبادي: بكة: خرقه و مزقه و فسخه و فلانا زاحمه أو زحمه ضد و رد نخوته و وضعه و عنقه دقها، و منه بكة لمكة أو لما بين جبليها، أو للمطاف لدقها أعناق الجبابرة، أو لازدحام الناس بها.

قوله تعالى:" دينه الحنيفية" قال الجزري: الحنيف هو المائل إلى الإسلام الثابت عليه، و الحنيف عند العرب من كان على دين إبراهيم عليه السلام و أصل الحنف الميل، و منه الحديث" بعثت بالحنيفية السمحة" انتهى و قيل: المراد الملة المائلة عن الشدة إلى السهولة.

قوله تعالى:" و قبلته يمانية" قال الجزري: فيه" الإيمان يمان، و الحكمة

ص: 334

لَهُ لَهُ الْكَوْثَرُ وَ الْمَقَامُ الْأَكْبَرُ فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ يَعِيشُ أَكْرَمَ مَنْ عَاشَ وَ يُقْبَضُ شَهِيداً لَهُ حَوْضٌ أَكْبَرُ مِنْ بَكَّةَ إِلَى مَطْلَعِ الشَّمْسِ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ فِيهِ آنِيَةٌ مِثْلُ نُجُومِ السَّمَاءِ

يمانية" إنما قال ذلك لأن الإيمان بدأ من مكة، و هي من تهامة، و تهامة من أرض اليمن، و لهذا يقال الكعبة اليمانية.

قوله تعالى:" و يقبض شهيدا" يدل على أنه صلى الله عليه و آله و سلم مات شهيدا كما رواه الصفار في كتاب بصائر الدرجات عن إبراهيم بن هاشم عن جعفر بن محمد عن عبد الله بن ميمون القداح عن أبي عبد الله عليه السلام: قال سمت اليهودية النبي صلى الله عليه و آله و سلم في ذراع، قال: و كان رسول الله يحب الذراع و الكتف، و يكره الورك لقربها من المبال، قال: لما أتى بالشواء أكل من الذراع، و كان يحبها فأكل ما شاء الله ثم قال الذراع: يا رسول الله إني مسموم فتركه، و ما زال ينتقض به سمه حتى مات صلى الله عليه و آله و سلم.

و قال ابن شهرآشوب في كتاب المناقب: روي أنه أكل من الشاة المسمومة مع النبي صلى الله عليه و آله و سلم بشر بن البراء بن معرور و مات من ساعته، و دخلت أمه على النبي عند وفاته، فقال: يا أم بشر ما زالت أكلة خيبر التي أكلت مع ابنك تعاودني و الآن قطعت أبهري.

قوله تعالى:" له حوض أكبر من بكة إلى مطلع الشمس" أي عرضه أكثر من هذه المسافة البعيدة، و يحتمل أن يكون المفضل عليه مقدرا، و يكون المذكور تحديدا له أي له حوض أكبر الحياض عرضه من مكة إلى منتهى الأرض من جانب المشرق و في الأمالي" أبعد من مكة إلى مطلع الشمس" و هو يؤيد المعنى الأول.

قوله تعالى:" مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ" أي من جنسه، قال الجزري: الرحيق

ص: 335

وَ أَكْوَابٌ مِثْلُ مَدَرِ الْأَرْضِ عَذْبٍ فِيهِ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ وَ طَعْمِ كُلِّ ثِمَارٍ فِي الْجَنَّةِ مَنْ شَرِبَ مِنْهُ شَرْبَةً لَمْ يَظْمَأْ أَبَداً وَ ذَلِكَ مِنْ قَسْمِي لَهُ وَ تَفْضِيلِي إِيَّاهُ عَلَى فَتْرَةٍ بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُ يُوَافِقُ سِرُّهُ عَلَانِيَتَهُ وَ قَوْلُهُ فِعْلَهُ لَا يَأْمُرُ النَّاسَ إِلَّا بِمَا يَبْدَأُهُمْ بِهِ دِينُهُ الْجِهَادُ فِي عُسْرٍ وَ يُسْرٍ تَنْقَادُ لَهُ الْبِلَادُ وَ يَخْضَعُ لَهُ صَاحِبُ الرُّومِ عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ يُسَمِّي عِنْدَ الطَّعَامِ وَ يُفْشِي السَّلَامَ وَ يُصَلِّي وَ النَّاسُ نِيَامٌ لَهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسُ صَلَوَاتٍ مُتَوَالِيَاتٍ يُنَادِي إِلَى الصَّلَاةِ كَنِدَاءِ الْجَيْشِ بِالشِّعَارِ وَ يَفْتَتِحُ بِالتَّكْبِيرِ وَ يَخْتَتِمُ بِالتَّسْلِيمِ وَ يَصُفُّ قَدَمَيْهِ فِي الصَّلَاةِ كَمَا تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ أَقْدَامَهَا وَ يَخْشَعُ لِي قَلْبُهُ وَ رَأْسُهُ النُّورُ فِي صَدْرِهِ وَ الْحَقُّ عَلَى لِسَانِهِ وَ هُوَ عَلَى الْحَقِّ حَيْثُمَا كَانَ أَصْلُهُ يَتِيمٌ ضَالٌّ بُرْهَةً مِنْ زَمَانِهِ عَمَّا يُرَادُ بِهِ تَنَامُ عَيْنَاهُ

من أسماء الخمر. يريد خمر الجنة، و المختوم المصون الذي لم يبتذل لأجل ختامه.

قوله تعالى:" و أكواب" قال الفيروزآبادي: الكوب بالضم كوز لا عروة له أو لا خرطوم له، و الجمع أكواب.

قوله تعالى:" على دين إبراهيم عليه السلام" أي هو على دين إبراهيم أو يخضع له أو لأنه على دين إبراهيم عليه السلام.

قوله تعالى:" بالشعار" قال الجزري: في الحديث، أن شعار أصحاب النبي صلى الله عليه و آله و سلم في الغزو يا منصور أمت أي علامتهم التي كانوا يتعارفون بها في الحرب انتهى إنما شبه الأذان بالشعار، لأنه أيضا شعار لمحاربة النفس و الشيطان، و هي الجهاد الأكبر.

قوله تعالى:" أصله يتيم" أي بلا أب أو بلا نظير أو متفرد عن الخلق" ضال برهة" أي طائفة من زمانه عما يراد به أي الوحي و البعثة، أو ضال من بين قومه

ص: 336

وَ لَا يَنَامُ قَلْبُهُ لَهُ الشَّفَاعَةُ وَ عَلَى أُمَّتِهِ تَقُومُ السَّاعَةُ وَ يَدِي فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَ مَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهِ أَوْفَيْتُ لَهُ بِالْجَنَّةِ فَمُرْ ظَلَمَةَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا يَدْرُسُوا كُتُبَهُ وَ لَا يُحَرِّفُوا سُنَّتَهُ وَ أَنْ يُقْرِءُوهُ السَّلَامَ فَإِنَّ لَهُ فِي الْمَقَامِ شَأْناً مِنَ الشَّأْنِ

لا يعرفونه بالنبوة، فكأنه ضل عنهم ثم وجدوه، كما روى الصدوق بإسناده عن الحسن بن الجهم عن الرضا عليه السلام قال: قال الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه و آله و سلم" أَ لَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى" يقول أ لم يجدك وحيدا فآوى إليك الناس" وَ وَجَدَكَ ضَالًّا" يعني عند قومك فَهَدى أي هداهم إلى معرفتك" وَ وَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنى" يقول أغناك بأن جعل دعاءك مستجابا" و روي في العلل بإسناده عن ابن عباس قال: سئل عن قول الله" أَ لَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى" قال: إنما سمي يتيما لأنه لم يكن له نظير على وجه الأرض من الأولين و الآخرين، فقال تعالى ممتنا عليه:" أَ لَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً" أي وحيدا لا نظير لك فَآوى إليك الناس و عرفهم فضلك حتى عرفوك" وَ وَجَدَكَ ضَالًّا" يقول منسوبا عند قومك إلى الضلالة فهداهم بمعرفتك" وَ وَجَدَكَ عائِلًا" يقول: فقيرا عند قومك يقولون لا مال لك، فأغناك الله بمال خديجة ثم زادك من فضله، فجعل دعاءك مستجابا حتى لو دعوت على حجر أن يجعله الله لك ذهبا لنقل عينه إلى مرادك، و أتاك بالطعام حيث لا طعام، و أتاك بالماء حيث لا ماء، و أعانك بالملائكة حيث لا مغيث، فأظفرك بهم على أعدائك.

قد روى علي بن إبراهيم في تفسيره عن علي بن الحسين عن أحمد بن أبي

ص: 337

يَا عِيسَى كُلُّ مَا يُقَرِّبُكَ مِنِّي فَقَدْ دَلَلْتُكَ عَلَيْهِ وَ كُلُّ مَا يُبَاعِدُكَ مِنِّي فَقَدْ نَهَيْتُكَ عَنْهُ فَارْتَدْ لِنَفْسِكَ يَا عِيسَى إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ وَ إِنَّمَا اسْتَعْمَلْتُكَ فِيهَا فَجَانِبْ مِنْهَا مَا حَذَّرْتُكَ وَ خُذْ مِنْهَا مَا أَعْطَيْتُكَ عَفْواً يَا عِيسَى انْظُرْ فِي عَمَلِكَ نَظَرَ الْعَبْدِ الْمُذْنِبِ الْخَاطِئِ وَ لَا تَنْظُرْ فِي عَمَلِ غَيْرِكَ بِمَنْزِلَةِ الرَّبِّ كُنْ فِيهَا زَاهِداً وَ لَا تَرْغَبْ فِيهَا فَتَعْطَبَ يَا عِيسَى اعْقِلْ وَ تَفَكَّرْ وَ انْظُرْ فِي نَوَاحِي الْأَرْضِ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ يَا عِيسَى كُلُّ وَصْفِي لَكَ نَصِيحَةٌ وَ كُلُّ قَوْلِي لَكَ حَقٌّ وَ أَنَا الْحَقُّ الْمُبِينُ فَحَقّاً

عبد الله عن أبيه عن خالد بن يزيد عن أبي الهيثم عن زرارة عن الإمامين عليهم السلام في قول الله تعالى" أَ لَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى" أي فآوى إليك الناس" وَ وَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى" أي هدى إليك قوما لا يعرفونك حتى عرفوك" وَ وَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنى" أي وجدك تعول أقواما فأغناهم بعلمك، قال علي بن إبراهيم: اليتيم الذي لا مثل له و لذلك سميت الدرة اليتيمة لأنه لا مثل لها، و وجدك عائلا فأغناك بالوحي، لا تسأل عن شي ء أحدا" وَ وَجَدَكَ ضَالًّا" في يوم لا يعرفون فضل نبوتك فهداهم الله بك.

قوله تعالى:" فارتد لنفسك" الارتياد: الطلب أي اطلب لنفسك ما هو خير لك.

قوله تعالى:" عفوا" أي فضلا و إحسانا أو حلالا طيبا، قال الفيروزآبادي العفو: أحل المال و أطيبه و خيار الشي ء و أجوده، و الفضل و المعروف.

قوله تعالى:" بمنزلة الرب" أي النظر في أعمال الغير و محاسبتها شأن الرب لا شأن العبد.

قوله تعالى:" كن فيها" أي في النظرة في عمل الغير أو في أعمال الغير أو في

ص: 338

أَقُولُ لَئِنْ أَنْتَ عَصَيْتَنِي بَعْدَ أَنْ أَنْبَأْتُكَ مَا لَكَ مِنْ دُونِي وَلِيٌّ وَ لَا نَصِيرٌ يَا عِيسَى أَذِلَّ قَلْبَكَ بِالْخَشْيَةِ وَ انْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلُ مِنْكَ وَ لَا تَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكَ وَ اعْلَمْ أَنَّ رَأْسَ كُلِّ خَطِيئَةٍ وَ ذَنْبٍ هُوَ حُبُّ الدُّنْيَا فَلَا تُحِبَّهَا فَإِنِّي لَا أُحِبُّهَا يَا عِيسَى أَطِبْ لِي قَلْبَكَ وَ أَكْثِرْ ذِكْرِي فِي الْخَلَوَاتِ وَ اعْلَمْ أَنَّ سُرُورِي أَنْ تُبَصْبِصَ إِلَيَّ كُنْ فِي ذَلِكَ حَيّاً وَ لَا تَكُنْ مَيِّتاً يَا عِيسَى لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَ كُنْ مِنِّي عَلَى حَذَرٍ وَ لَا تَغْتَرَّ بِالصِّحَّةِ وَ تُغَبِّطْ نَفْسَكَ

الدنيا لظهورها بقرينة المقام.

قوله تعالى:" أو ذنب" لعل الترديد من الراوي أو منه تعالى بأن يكون المراد بالخطيئة الكبيرة، و بالذنب الصغيرة.

قوله تعالى:" أطب لي قلبك" أي اجعل قلبك طيبة عن الأخلاق الذميمة، و النيات الفاسدة. و حب الدنيا و زخارفها، لمحبتي و معرفتي، أو خالصا لوجهي و في الأمالي:" أطب بي قلبك" أي كن محبا لي راضيا عني، أو أجعل قلبك راضيا عني، يقال: طابت نفسه بكذا أي رضيها و أحبها.

قوله تعالى:" و لا تغتر بالنصيحة" أي لا تنخدع عن النفس و الشيطان بترك النصيحة أو لو لا تغفل بنصح غيرك عن نصح نفسك، أو لا تعرض نفسك للهلكة بترك النصيحة و في الأمالي:" لا تغتر بالصحة" و هو أظهر.

قوله تعالى:" و لا تغبط نفسك" الظاهر أنه بالباء المشددة يقال غبطهم أي حملهم على الغبطة أي لا تجعل نفسك في أمور الدنيا بحيث يغبطها الناس أو لا تجعل نفسك بحيث تغبط الناس على ما في أيديهم، و الأول أظهر، و يمكن أن يقرأ

ص: 339

فَإِنَّ الدُّنْيَا كَفَيْ ءٍ زَائِلٍ وَ مَا أَقْبَلَ مِنْهَا كَمَا أَدْبَرَ فَنَافِسْ فِي الصَّالِحَاتِ جُهْدَكَ وَ كُنْ مَعَ الْحَقِّ حَيْثُمَا كَانَ وَ إِنْ قُطِعْتَ وَ أُحْرِقْتَ بِالنَّارِ فَلَا تَكْفُرْ بِي بَعْدَ الْمَعْرِفَةِ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ فَإِنَّ الشَّيْ ءَ يَكُونُ مَعَ الشَّيْ ءِ يَا عِيسَى صُبَّ لِيَ الدُّمُوعَ مِنْ عَيْنَيْكَ وَ اخْشَعْ لِي بِقَلْبِكَ يَا عِيسَى اسْتَغِثْ بِي فِي حَالاتِ الشِّدَّةِ فَإِنِّي أُغِيثُ الْمَكْرُوبِينَ وَ أُجِيبُ الْمُضْطَرِّينَ وَ أَنَا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ

104 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ يُونُسَ عَنْ عَنْبَسَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ إِذَا اسْتَقَرَّ أَهْلُ النَّارِ فِي النَّارِ يَفْقِدُونَكُمْ فَلَا يَرَوْنَ مِنْكُمْ أَحَداً فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ما لَنا لا نَرى رِجالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ قَالَ وَ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ يَتَخَاصَمُونَ فِيكُمْ فِيمَا كَانُوا يَقُولُونَ فِي الدُّنْيَا

حَدِيثُ إِبْلِيسَ

105 أَبُو عَلِيٍّ الْأَشْعَرِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنْ صَفْوَانَ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ شُعَيْبٍ قَالَ قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع مَنْ أَشَدُّ النَّاسِ عَلَيْكُمْ قَالَ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ كُلٌّ قَالَ أَ تَدْرِي مِمَّ ذَاكَ يَا يَعْقُوبُ قَالَ قُلْتُ لَا أَدْرِي جُعِلْتُ فِدَاكَ قَالَ إِنَ

بالتخفيف و نفسك بالرفع.

قوله تعالى:" فإن الشي ء يكون مع الشي ء" أي لكل عمل جزاء، و كل شي ء يكون مع ما يجانسه، فلا تجلس مع الجاهلين، تكن منهم، و ليست هذه الفقرة في الأمالي.

الحديث الرابع و المائة

الحديث الرابع و المائة

: ضعيف و قد سبق مثله.

الحديث الخامس و المائة [حديث إبليس]

الحديث الخامس و المائة [حديث إبليس]

: صحيح، و مضمونه معلوم.

ص: 340

إِبْلِيسَ دَعَاهُمْ فَأَجَابُوهُ وَ أَمَرَهُمْ فَأَطَاعُوهُ وَ دَعَاكُمْ فَلَمْ تُجِيبُوهُ وَ أَمَرَكُمْ فَلَمْ تُطِيعُوهُ فَأَغْرَى بِكُمُ النَّاسَ

106 عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ إِذَا رَأَى الرَّجُلُ مَا يَكْرَهُ فِي مَنَامِهِ فَلْيَتَحَوَّلْ عَنْ شِقِّهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ نَائِماً وَ لْيَقُلْ إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ثُمَّ لْيَقُلْ عُذْتُ بِمَا عَاذَتْ بِهِ مَلَائِكَةُ اللَّهِ الْمُقَرَّبُونَ وَ أَنْبِيَاؤُهُ الْمُرْسَلُونَ وَ عِبَادُهُ الصَّالِحُونَ مِنْ شَرِّ مَا رَأَيْتُ وَ مِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ

107 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ وَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ جَمِيعاً عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ هَارُونَ بْنِ مَنْصُورٍ الْعَبْدِيِّ عَنْ أَبِي الْوَرْدِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص لِفَاطِمَةَ ع فِي رُؤْيَاهَا الَّتِي رَأَتْهَا قُولِي أَعُوذُ بِمَا عَاذَتْ بِهِ

الحديث السادس و المائة

الحديث السادس و المائة

: حسن.

قوله تعالى:" إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ" النجوى السر، و يظهر من ذكر هذه الآية في هذا المقام و ما سننقله عن علي بن إبراهيم أن المراد بالنجوى الرؤيا الهائلة الموحشة، و لعله إنما أطلق عليها لأنها نجوى، و مسارة من الشيطان.

الحديث السابع و المائة

الحديث السابع و المائة

: مجهول.

قوله عليه السلام:" في رؤياها التي رأتها" إشارة إلى ما رواه علي بن إبراهيم في تفسيره عن أبيه عن ابن أبي عمير عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال:" كان سبب نزول هذه الآية أن فاطمة سلام الله عليها رأت في منامها أن رسول الله هم أن يخرج هو و فاطمة و علي و الحسن و الحسين صلوات الله عليهم من المدينة، فخرجوا

ص: 341

مَلَائِكَةُ اللَّهِ الْمُقَرَّبُونَ وَ أَنْبِيَاؤُهُ الْمُرْسَلُونَ وَ عِبَادُهُ الصَّالِحُونَ مِنْ شَرِّ مَا رَأَيْتُ فِي لَيْلَتِي هَذِهِ

حتى جاوزوا من حيطان المدينة، فعرض لهم طريقان فأخذ رسول الله ذات اليمين حتى انتهى إلى موضع فيه نخل و ماء فاشترى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم شاة كبراء و هي التي في أحد أذنيها نقط بيض فأمر بذبحها فلما أكلوا ماتوا في مكانهم فانتبهت فاطمة باكية ذعرة فلم تخبر رسول الله بذلك فلما أصبحت جاء رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بحمار فأركب عليه فاطمة و أمر أن يخرج أمير المؤمنين و الحسن و الحسين عليهم السلام من المدينة كما رأت فاطمة عليها السلام في نومها فلما خرجوا من حيطان المدينة عرض لهم طريقان، فأخذ رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ذات اليمين كما رأت فاطمة عليها السلام حتى انتهوا إلى موضع فيه نخل و ماء فاشترى به رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم شاة كما رأت فاطمة عليها السلام فأمر بذبحها فذبحت و شويت فلما أرادوا أكلها قامت فاطمة عليها السلام و تنحت ناحية منهم تبكي مخافة أن يموتوا فطلبها رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم حتى وقف عليها و هي تبكي فقال: ما شأنك يا بنية؟ قالت: يا رسول الله رأيت كذا و كذا في نومي، و قد فعلت أنت كما رأيته فتنحيت عنكم فلا أراكم تموتون، فقام رسول الله صلى الله عليه و آله فصلى ركعتين ثم ناجى ربه، فنزل عليه جبرئيل فقال: يا محمد صلى الله عليه و آله و سلم هذا شيطان يقال له: (الدهان) و هو الذي أرى فاطمة هذه الرؤيا و يؤذي المؤمنين في نومهم ما يغتمون به، فأمر جبرئيل عليه السلام فجاء به إلى رسول الله فقال له: أنت أريت فاطمة هذه الرؤيا؟ فقال: نعم يا محمد فبزق عليه ثلاث بزقات فشجه في ثلاث مواضع، ثم قال جبرئيل لمحمد صلى الله عليه و آله و سلم: قل يا محمد صلى الله عليه و آله و سلم إذا رأيت في منامك شيئا تكرهه أو رأى أحد من المؤمنين فليقل:" أعوذ بما عاذت به ملائكة الله المقربون و أنبياء الله المرسلون و عباده الصالحون من شر ما رأيت من رؤياي و يقرأ الحمد و المعوذتين، و قل هو الله أحد، و يتفل عن يساره ثلاث تفلات، فإنه لا يضره ما

ص: 342

أَنْ يُصِيبَنِي مِنْهُ سُوءٌ أَوْ شَيْ ءٌ أَكْرَهُهُ ثُمَّ انْقَلِبِي عَنْ يَسَارِكِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ

حَدِيثُ مُحَاسَبَةِ النَّفْسِ

108 عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ وَ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ جَمِيعاً عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ الْمِنْقَرِيِّ عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ لَا يَسْأَلَ رَبَّهُ شَيْئاً إِلَّا أَعْطَاهُ فَلْيَيْأَسْ مِنَ النَّاسِ كُلِّهِمْ وَ لَا يَكُونُ لَهُ رَجَاءٌ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ فَإِذَا عَلِمَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ ذَلِكَ مِنْ قَلْبِهِ لَمْ يَسْأَلْهُ شَيْئاً إِلَّا أَعْطَاهُ- فَحَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا عَلَيْهَا فَإِنَّ لِلْقِيَامَةِ خَمْسِينَ مَوْقِفاً كُلُّ مَوْقِفٍ مِقْدَارُهُ أَلْفُ سَنَةٍ ثُمَّ تَلَا فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ

109 وَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ حَفْصٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ مَنْ كَانَ مُسَافِراً فَلْيُسَافِرْ يَوْمَ السَّبْتِ فَلَوْ أَنَّ حَجَراً زَالَ عَنْ جَبَلٍ يَوْمَ السَّبْتِ لَرَدَّهُ اللَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ إِلَى مَوْضِعِهِ وَ مَنْ تَعَذَّرَتْ عَلَيْهِ الْحَوَائِجُ فَلْيَلْتَمِسْ طَلَبَهَا يَوْمَ الثَّلَاثَاءِ فَإِنَّهُ الْيَوْمُ الَّذِي أَلَانَ اللَّهُ فِيهِ الْحَدِيدَ لِدَاوُدَ ع

رأى و أنزل الله على رسوله" إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ" الآية.

قوله عليه السلام" انقلبي عن يسارك" الظاهر أنه كان" ثم اتفلي عن يسارك" ثلاث مرات كما يدل عليه ما نقلنا آنفا، و عليه لعل المراد الانقلاب عن اليمين إلى اليسار ثلاث مرات، بأن ينقلب أولا إلى اليسار، ثم إلى اليمين، ثم إلى اليسار، و هكذا و يحتمل أن يكون متعلقا بالقول فقط أي يقوله ثلاث مرات ثم ينقلب، و قيل: المراد أنه ينقلب شيئا فشيئا، و قليلا قليلا عن اليمين إلى اليسار في ثلاث دفعات.

الحديث الثامن و المائة [حديث محاسبة النفس]

الحديث الثامن و المائة [حديث محاسبة النفس]

: ضعيف.

الحديث التاسع و المائة

الحديث التاسع و المائة

: ضعيف.

ص: 343

110 وَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ حَفْصٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ مَثَلُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذَا قَامُوا لِرَبِّ الْعَالَمِينَ مَثَلُ السَّهْمِ فِي الْقُرْبِ لَيْسَ لَهُ مِنَ الْأَرْضِ إِلَّا مَوْضِعُ قَدَمِهِ كَالسَّهْمِ فِي الْكِنَانَةِ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَزُولَ هَاهُنَا وَ لَا هَاهُنَا

111 وَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ حَفْصٍ قَالَ رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع يَتَخَلَّلُ بَسَاتِينَ الْكُوفَةِ فَانْتَهَى إِلَى نَخْلَةٍ فَتَوَضَّأَ عِنْدَهَا ثُمَّ رَكَعَ وَ سَجَدَ فَأَحْصَيْتُ فِي سُجُودِهِ خَمْسَمِائَةِ تَسْبِيحَةٍ ثُمَّ اسْتَنَدَ إِلَى النَّخْلَةِ فَدَعَا بِدَعَوَاتٍ ثُمَّ قَالَ يَا أَبَا حَفْصٍ إِنَّهَا وَ اللَّهِ النَّخْلَةُ الَّتِي قَالَ اللَّهُ جَلَّ وَ عَزَّ لِمَرْيَمَ ع وَ هُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا

112 حَفْصٌ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ قَالَ عِيسَى ع اشْتَدَّتْ مَئُونَةُ الدُّنْيَا وَ مَئُونَةُ الْآخِرَةِ أَمَّا مَئُونَةُ الدُّنْيَا فَإِنَّكَ لَا تَمُدُّ يَدَكَ إِلَى شَيْ ءٍ مِنْهَا إِلَّا وَجَدْتَ فَاجِراً قَدْ سَبَقَكَ إِلَيْهَا وَ أَمَّا مَئُونَةُ الْآخِرَةِ فَإِنَّكَ لَا تَجِدُ أَعْوَاناً يُعِينُونَكَ عَلَيْهَا

الحديث العاشر و المائة

الحديث العاشر و المائة

: ضعيف.

قوله عليه السلام:" في القرب" أي في قرب كل منهم بالآخر، و في بعض النسخ" في القرن" قال في النهاية: القرن بالتحريك: جعبة من جلود تشق، و يجعل فيها النشاب، و منه الحديث" الناس يوم القيامة كالنبل في القرن" أي مجتمعون مثلها.

الحديث الحادي عشر و المائة

الحديث الحادي عشر و المائة

: صحيح.

قوله عليه السلام" في سجوده" أي في كل سجدة أو في جميعها، و الأول أظهر، و هذا الخبر مؤيد لما ورد من الأخبار من أن عيسى عليه السلام ولد بشاطئ الفرات، و ما اشتهر بين المؤرخين من كون سكناها في بيت المقدس، لا ينافي ذلك لجواز أن يكون الله أجاءها عند المخاض إلى هذا المكان بطي الأرض ثم أرجعها إلى بيت المقدس.

الحديث الثاني عشر و المائة

الحديث الثاني عشر و المائة

: ضعيف.

ص: 344

113 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع يَقُولُ أَيُّمَا مُؤْمِنٍ شَكَا حَاجَتَهُ وَ ضُرَّهُ إِلَى كَافِرٍ أَوْ إِلَى مَنْ يُخَالِفُهُ عَلَى دِينِهِ فَكَأَنَّمَا شَكَا اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَى عَدُوٍّ مِنْ أَعْدَاءِ اللَّهِ وَ أَيُّمَا رَجُلٍ مُؤْمِنٍ شَكَا حَاجَتَهُ وَ ضُرَّهُ إِلَى مُؤْمِنٍ مِثْلِهِ كَانَتْ شَكْوَاهُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ

114 ابْنُ مَحْبُوبٍ عَنْ جَمِيلِ بْنِ صَالِحٍ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ صَبِيحٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ أَوْحَى إِلَى سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ ع أَنَّ آيَةَ مَوْتِكَ أَنَّ شَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ يُقَالُ لَهَا الْخُرْنُوبَةُ قَالَ فَنَظَرَ سُلَيْمَانُ يَوْماً فَإِذَا الشَّجَرَةُ الْخُرْنُوبَةُ قَدْ طَلَعَتْ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَقَالَ لَهَا مَا اسْمُكِ قَالَتِ الْخُرْنُوبَةُ قَالَ فَوَلَّى سُلَيْمَانُ مُدْبِراً إِلَى مِحْرَابِهِ فَقَامَ فِيهِ مُتَّكِئاً عَلَى عَصَاهُ فَقُبِضَ رُوحُهُ مِنْ سَاعَتِهِ قَالَ فَجَعَلَتِ الْجِنُّ وَ الْإِنْسُ يَخْدُمُونَهُ وَ يَسْعَوْنَ فِي أَمْرِهِ كَمَا كَانُوا وَ هُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهُ حَيٌّ لَمْ يَمُتْ- يَغْدُونَ وَ يَرُوحُونَ وَ هُوَ قَائِمٌ ثَابِتٌ حَتَّى دَبَّتِ الْأَرَضَةُ مِنْ عَصَاهُ فَأَكَلَتْ مِنْسَأَتَهُ فَانْكَسَرَتْ وَ خَرَّ سُلَيْمَانُ إِلَى الْأَرْضِ أَ فَلَا تَسْمَعُ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَ جَلَّ- فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا

الحديث الثالث عشر و المائة

الحديث الثالث عشر و المائة

: مجهول.

و يدل على جواز الشكاية إلى المؤمن و إن كان الأولى تركها.

الحديث الرابع عشر و المائة

الحديث الرابع عشر و المائة

: صحيح.

قوله عليه السلام" فأكلت منسأته" أي عصاه.

قوله تعالى:" تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ" روى علي بن إبراهيم و غيره أن الآية إنما نزلت هكذا" تبينت الإنس أن لو كان الجن يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين" و ذلك أن الإنس كانوا يقولون إن الجن يعلمون الغيب، فلما سقط سليمان على وجهه علم الإنس أن لو كان الجن يعلمون الغيب لم يعملوا سنة لسليمان، و هو ميت، و يتوهمونه حيا.

و قال الزمخشري: في قراءة أبي تبينت الإنس، و في قراءة ابن مسعود" تبينت

ص: 345

يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ

115 ابْنُ مَحْبُوبٍ عَنْ جَمِيلِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ سَدِيرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ أَخْبَرَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا إِذَا مَرُّوا بِرَسُولِ اللَّهِ حَوْلَ الْبَيْتِ طَأْطَأَ أَحَدُهُمْ ظَهْرَهُ وَ رَأْسَهُ هَكَذَا وَ غَطَّى رَأْسَهُ بِثَوْبِهِ لَا يَرَاهُ رَسُولُ اللَّهِ ص فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ- أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ يَعْلَمُ ما

الإنس أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب" و أما على القراءة المشهورة فقيل معناه علمت الجن بعد ما التبس عليهم أنهم لا يعلمون الغيب، و قيل: أي علمت عامة الجن و ضعفاؤهم أن رؤساءهم لا يعلمون الغيب، و قيل المعنى: ظهرت الجن، و أن بما في خبره بدل منه" أي ظهر أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا ما لبثوا في العذاب المهين.

الحديث الخامس عشر و المائة

الحديث الخامس عشر و المائة

: حسن.

قوله تعالى:" أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ" لا يخفى أن تفسيره أشد انطباقا على اللفظ، مما ذكره أكثر المفسرين.

قال البيضاوي: أي يثنونها عن الحق و ينحرفون عنه، أو يعطفونها على الكفر و عداوة النبي أو يؤلون ظهورهم" لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ" أي من الله بسرهم فلا يطلع رسوله و المؤمنين عليه، قيل إنها نزلت في طائفة من المشركين، قالوا: إذا أرخينا ستورنا و استغشينا ثيابها و طوينا صدورنا على عداوة محمد صلى الله عليه و آله كيف يعلم؟ و قيل: نزلت في المنافقين، و فيه نظر إذ الآية مكية، و النفاق حدث بالمدينة" أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ" أي إلا حين يأوون إلى فراشهم و يتغطون بثيابهم" يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ" في

ص: 346

يُسِرُّونَ وَ ما يُعْلِنُونَ

116 ابْنُ مَحْبُوبٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْأَحْوَلِ عَنْ سَلَّامِ بْنِ الْمُسْتَنِيرِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ خَلَقَ الْجَنَّةَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ النَّارَ وَ خَلَقَ الطَّاعَةَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الْمَعْصِيَةَ وَ خَلَقَ الرَّحْمَةَ قَبْلَ الْغَضَبِ وَ خَلَقَ الْخَيْرَ قَبْلَ الشَّرِّ وَ خَلَقَ الْأَرْضَ قَبْلَ السَّمَاءِ وَ خَلَقَ الْحَيَاةَ قَبْلَ الْمَوْتِ وَ خَلَقَ الشَّمْسَ قَبْلَ الْقَمَرِ وَ خَلَقَ النُّورَ قَبْلَ الظُّلْمَةِ

117 عَنْهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَيْرَ يَوْمَ الْأَحَدِ وَ مَا كَانَ لِيَخْلُقَ الشَّرَّ قَبْلَ الْخَيْرِ وَ فِي يَوْمِ الْأَحَدِ وَ الْإِثْنَيْنِ خَلَقَ الْأَرَضِينَ وَ خَلَقَ أَقْوَاتَهَا فِي يَوْمِ الثَّلَاثَاءِ وَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ وَ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَ خَلَقَ أَقْوَاتَهَا

قلوبهم" وَ ما يُعْلِنُونَ" بأفواههم يستوي في علمه سرهم و علنهم، فكيف يخفى عليه ما عسى يظهرونه.

الحديث السادس عشر و المائة

الحديث السادس عشر و المائة

: مجهول.

قوله عليه السلام:" و خلق الطاعة" أي قدرها قبل المعصية و تقديرها، و كذا في الفقرتين بعدها، و الخلق بمعنى التقدير شائع، و لعل المراد بخلق الشر خلق ما يترتب عليه شر، و إن كان إيجاده خيرا و صلاحا.

الحديث السابع عشر و المائة

الحديث السابع عشر و المائة

: صحيح.

قوله عليه السلام:" و ما كان ليخلق الشر قبل الخير" الغرض أن ابتداء خلق الجميع يوم الأحد: إذ خيريته تعالى تقتضي أن لا يقدم خلق الشر على خلق الخير، و ابتداء خلق الخير كان يوم الأحد، فلم يخلق قبله شي ء.

أقول: في هذا الخبر فوائد الأولى: تفصيل ما ذكره تعالى مجملا في عدة مواضع من خلق السماوات و الأرض في ستة أيام.

و روى العامة أيضا عن مجاهد أن الله ابتدأ بخلق الأرض و السماوات يوم

ص: 347

يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَ جَلَّ- خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ

الأحد و الاثنين و الثلاثاء و الأربعاء و الخميس و الجمعة، فاجتمع له الخلق، و تم يوم الجمعة، فلذلك سمي جمعة، و لا شك في أنه تعالى كان قادرا على خلقها لحظة و إنما خلقها هكذا تدريجا لمصالح كثيرة لا نعلمها على حقيقتها.

و قيل: لأن ترتيب الحوادث على إنشاء شي ء بعد شي ء يدل على كون فاعله عالما مدبرا يصرفه على اختياره: و يجريه على مشيته.

و يؤيده ما رواه الصدوق في العيون و العلل بإسناده عن أبي الصلت الهروي عن الرضا عليه السلام أنه قال:" ثم خلق السماوات و الأرض في ستة أيام، و هو مستول على عرشه و كان قادرا على أن يخلقها في طرفة عين، و لكنه عز و جل خلقها في ستة أيام، ليظهر للملائكة ما يخلقه منها شيئا بعد شي ء فتستدل بحدوث ما يحدث، على الله تعالى ذكره" و قيل: إنه سبحانه علم خلقه الثبت و الرفق في الأمور، روي ذلك عن سعيد بن جبير.

الثانية إن الزمان ليس بمقدار حركه الفلك كما زعمت الفلاسفة و إلا فلا معنى للتقدير بالأيام قبل وجود الفلك، و القول بأنه يحتمل أن يكون تقديره بحركة العرش أو الكرسي مثلا- و يكون خلق السماوات السبع و الأرضين في ستة أيام" يخالف أصولهم بوجوه شتى.

منها لزوم الخلاء، و يخالف هذا الخبر و غيره من الأخبار الدالة على أول الموجودات كما مر، مع أن الظاهر من الأخبار و الآيات كون السماوات الدائرات سبعة، و العرش و الكرسي مربعان ثابتان غير متحركان.

ص: 348

الثالثة: أنهم اختلفوا في أنه تعالى أي شي ء أراد باليوم مع أن اليوم المصطلح لا يتحقق إلا بطلوع الشمس و غروبها، و لم تكن في ابتداء الخلق شمس و لا قمر، فقيل: المراد في ستة أوقات، كذا ذكره علي بن إبراهيم في تفسيره حيث قال في تفسير قوله تعالى:" فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ*" أي في ستة أوقات، و قال في قوله تعالى:" فِي يَوْمَيْنِ*" أي في وقتين، ابتداء الخلق و انقضاؤه، و قيل: المراد في مقدار ستة أيام، و هذا الوجه أنسب بلفظ الآية و أوفق بهذا الخبر، كما لا يخفى.

الرابعة: فيه تفسير قوله تعالى:" قُلْ أَ إِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ" أي في وقتين ابتداء الخلق و انقضاؤه، فعلى تفسيره عليه السلام أن مقدار يومين وافق بعد خلق الشمس و القمر. و تسمية الأيام يوم الأحد و الاثنين.

قال البيضاوي: أي في مقدار يومين أو بنوبتين، و خلق في كل نوبة ما خلق في أسرع ما يكون، و لعل المراد بالأرض ما في جهة السفل من الأجرام البسيطة و من خلقها في يومين أنه خلق لها أصلا مشتركا ثم خلق لها صورا بها صارت أنواعا، و كفرهم به إلحادهم في ذاته و صفاته" وَ تَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً" و لا يصح أن يكون له ند [ذلك] الذي خلق الأرض في يومين" رب العالمين" خالق جميع ما يوجد من الممكنات، و مربيها" وَ جَعَلَ فِيها رَواسِيَ" استئناف غير معطوف على خلق للفصل بما هو خارج عن الصلة" مِنْ فَوْقِها" مرتفعة عليها، ليظهر للنظار ما فيها من وجوه الاستبصار، و تكون منافعها معرضة للطلاب" وَ بارَكَ فِيها" و أكثر خيرها بأن خلق فيها أنواع النباتات و الحيوانات" وَ قَدَّرَ فِيها أَقْواتَها" أقوات أهلها بأن

ص: 349

عين لكل نوع ما يصلحه و يعيش به، أو أقواتا تنشأ منها بأن خص حدوث كل قوت بقطر من أقطارها، و قرئ" و قسم فيها أقواتها في أربعة أيام" في تتمة أربعة أيام كقولك سرت من البصرة إلى بغداد في عشرة أيام و إلى الكوفة في خمسة عشر يوما، و لعلة قال ذلك، و لم يقل في يومين للإشعار باتصالهما باليومين الأولين و التصريح على الفذلكة.

أقول: الأظهر من هذا الخبر أن المراد بتقدير الأقوات خلق النباتات و الثمار و الحبوب التي هي أقوات الحيوانات، و يحتمل أن يكون الخلق في الخبر بمعنى التقدير أي جعلها مهيأة لأن ينبت منها أرزاق العباد" سَواءً" أي استوت سواء بمعنى استواء، و الجملة صفة أيام و تدل عليه قراءة يعقوب بالجر و قيل: حال من الضمير في أقواتها أو فيها، و قرئ بالرفع على هي سواء" لِلسَّائِلِينَ" متعلق بمحذوف تقديره هذا الحصر للسائلين عن مدة خلق الأرض، و ما فيها أو بقدر، أي قدر فيها الأقوات للطالبين لها" ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ" قصد نحوها من قولهم استوى إلى مكان كذا إذا توجه إليه توجها لا يلوي على غيره، و الظاهر أن ثم لتفاوت ما بين الخلقين، لا للتراخي في المدة لقوله" وَ الْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها" و دحوها متقدم على خلق الجبال من فوقها" وَ هِيَ دُخانٌ" أمر ظلماني، و لعله أراد به مادتها و الأجزاء المصغرة التي ركبت منها" فَقالَ لَها وَ لِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ" فخلقهن خلقا إبداعيا و أتقن أمرهن، و الضمير للسماء على المعنى أو مبهم، و سبع سماوات حال على الأول و تميز على الثاني" فِي يَوْمَيْنِ" قيل: خلق السماوات يوم الخميس و الشمس و القمر و النجوم يوم الجمعة هذا بعض كلام البيضاوي في تفسير هذه الآية أوردناه ليتضح به معنى الخبر و قد سبق منا بعض الكلام فيها و بقي هيهنا إشكال و هو أن مدلول الخبر ينافي ظاهر الآية من

ص: 350

جهتين. الأولى: إن ظاهر الآية أن خلق أقوات الأرض و تقديرها كان في يومين، و الخبر يدل على أنه خلق أقوات الأرض في يوم و أقوات السماء في يوم.

و الثانية: إن ظاهر الآية تقدم يومئ خلق الأقوات على يومي خلق السماوات و الخبر يدل على تأخر أحد يومي خلق الأقوات عنهما، و يمكن أن يجاب عن الأولى بأن المراد بخلق أقوات السماء خلق أسباب أقوات أهل الأرض الكائنة في السماء من المطر و الثلج و الألواح التي يقدر فيها الأقوات، و الملائكة الموكلين بها و يؤيده أن ليس لأهل السماء قوت و طعام و شراب، ففي يوم واحد قدر الأسباب الأرضية لأقوات أهل الأرض و في يوم آخر قدر الأسباب السماوية لها، و في الآية نسبهما إلى الأرض لكونهما لأهلها و في الخبر فصل ذلك لبيان اختلاف موضع التقديرين، و على الثانية بنحو مما ذكره البيضاوي، بأن لا تكون لفظة" ثم" للترتيب و التراخي في المدة.

و من غرائب ما سنح لي أني لما كتبت شرح هذا الخبر اضطجعت فرأيت فيما يرى النائم أني أتفكر في هذه الآية فخطر ببالي في تلك الحالة أنه يحتمل أن يكون المراد بأربعة أيام تمامها لا تتمتها، و يكون خلق السماوات أيضا من جملة تقدير أرزاق أهل الأرض فإنها من جملة الأسباب و محال بعض الأسباب كالملائكة العاملة و الألواح المنقوشة. و الشمس و القمر و النجوم المؤثرة بكيفياتها كالحرارة و البرودة في الثمار و النباتات، و يكون لفظة" ثم" في قوله تعالى" ثُمَّ اسْتَوى" للترتيب في الأخبار لتفصيل ذلك الإجمال، بأن يومين من تلك الأربعة كانا مصروفين في خلق السماوات، و الآخرين في خلق سائر الأسباب، و لو لا أنه سنح لي في هذه الحال لم أجسر على إثبات هذا الاحتمال و إن لم يقصر عما ذكره المفسرون و به يندفع الإشكال و الله تعالى يعلم حقائق كلامه و حججه عليهم السلام.

ص: 351

118 ابْنُ مَحْبُوبٍ عَنْ حَنَانٍ وَ عَلِيِّ بْنِ رِئَابٍ عَنْ زُرَارَةَ قَالَ قُلْتُ لَهُ قَوْلُهُ عَزَّ وَ جَلَّ- لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَ مِنْ خَلْفِهِمْ

الحديث التاسع عشر و المائة

الحديث التاسع عشر و المائة

: مجهول.

قوله عليه السلام:" أن يقر الله بأعينكم" قال الفيروزآبادي: يقال أقر الله عينه و بعينه.

قوله عليه السلام:" إلى قريب" أي عند الموت أو عند قيام القائم.

ص: 352

120 يَحْيَى الْحَلَبِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْكَانَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ أَ رَأَيْتَ الرَّادَّ عَلَيَّ هَذَا الْأَمْرَ فَهُوَ كَالرَّادِّ عَلَيْكُمْ فَقَالَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ مَنْ رَدَّ عَلَيْكَ هَذَا الْأَمْرَ فَهُوَ كَالرَّادِّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ص وَ عَلَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى يَا أَبَا مُحَمَّدٍ إِنَّ الْمَيِّتَ مِنْكُمْ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ شَهِيدٌ قَالَ قُلْتُ وَ إِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ قَالَ إِي وَ اللَّهِ وَ إِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ حَيٌّ عِنْدَ رَبِّهِ يُرْزَقُ

121 يَحْيَى الْحَلَبِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْكَانَ عَنْ حَبِيبٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع يَقُولُ أَمَا وَ اللَّهِ مَا أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْكُمْ وَ إِنَّ النَّاسَ سَلَكُوا سُبُلًا شَتَّى فَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَ بِرَأْيِهِ وَ مِنْهُمْ مَنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ وَ مِنْهُمْ مَنِ اتَّبَعَ الرِّوَايَةَ وَ إِنَّكُمْ أَخَذْتُمْ بِأَمْرٍ لَهُ أَصْلٌ فَعَلَيْكُمْ بِالْوَرَعِ وَ الِاجْتِهَادِ وَ اشْهَدُوا الْجَنَائِزَ وَ عُودُوا الْمَرْضَى وَ احْضُرُوا مَعَ قَوْمِكُمْ فِي مَسَاجِدِهِمْ لِلصَّلَاةِ أَ مَا يَسْتَحْيِي الرَّجُلُ مِنْكُمْ أَنْ يَعْرِفَ جَارُهُ حَقَّهُ وَ لَا يَعْرِفَ حَقَّ جَارِهِ

122 عَنْهُ عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ عَنْ مَالِكٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع يَا مَالِكُ أَ مَا تَرْضَوْنَ أَنْ تُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَ تُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَ تَكُفُّوا وَ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ

الحديث العشرون و المائة

الحديث العشرون و المائة

: صحيح.

قوله عليه السلام:" حي عند ربه يرزق" أي له من الثواب ما أعده الله للشهداء حيث قال (تعالى):" وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ" الآية.

الحديث الحادي و العشرون و المائة

الحديث الحادي و العشرون و المائة

: مجهول.

قوله عليه السلام:" أن يعرف جاره حقه" أي من العامة أو الأعم.

الحديث الثاني و العشرون و المائة

الحديث الثاني و العشرون و المائة

: حسن.

قوله عليه السلام:" و تكفوا" أي عن المعاصي أو عن الناس بالتقية.

ص: 353

يَا مَالِكُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ قَوْمٍ ائْتَمُّوا بِإِمَامٍ فِي الدُّنْيَا إِلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَلْعَنُهُمْ وَ يَلْعَنُونَهُ إِلَّا أَنْتُمْ وَ مَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ حَالِكُمْ يَا مَالِكُ إِنَّ الْمَيِّتَ وَ اللَّهِ مِنْكُمْ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ لَشَهِيدٌ بِمَنْزِلَةِ الضَّارِبِ بِسَيْفِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ

123 يَحْيَى الْحَلَبِيُّ عَنْ بَشِيرٍ الْكُنَاسِيِّ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع يَقُولُ وَصَلْتُمْ وَ قَطَعَ النَّاسُ وَ أَحْبَبْتُمْ وَ أَبْغَضَ النَّاسُ وَ عَرَفْتُمْ وَ أَنْكَرَ النَّاسُ وَ هُوَ الْحَقُّ إِنَّ اللَّهَ اتَّخَذَ مُحَمَّداً ص عَبْداً قَبْلَ أَنْ يَتَّخِذَهُ نَبِيّاً وَ إِنَّ عَلِيّاً ع كَانَ عَبْداً نَاصِحاً لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَنَصَحَهُ وَ أَحَبَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ فَأَحَبَّهُ إِنَّ حَقَّنَا فِي كِتَابِ اللَّهِ بَيِّنٌ لَنَا صَفْوُ الْأَمْوَالِ وَ لَنَا الْأَنْفَالُ وَ إِنَّا قَوْمٌ فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ طَاعَتَنَا وَ إِنَّكُمْ تَأْتَمُّونَ بِمَنْ لَا يُعْذَرُ النَّاسُ بِجَهَالَتِهِ وَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص مَنْ مَاتَ وَ لَيْسَ لَهُ إِمَامٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً عَلَيْكُمْ بِالطَّاعَةِ فَقَدْ رَأَيْتُمْ أَصْحَابَ عَلِيٍّ ع ثُمَّ قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص قَالَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ ادْعُوا لِي خَلِيلِي فَأَرْسَلَتَا إِلَى أَبَوَيْهِمَا فَلَمَّا جَاءَا أَعْرَضَ بِوَجْهِهِ ثُمَّ قَالَ

الحديث الثالث و العشرون و المائة

الحديث الثالث و العشرون و المائة

: مجهول.

و يمكن أن يعد حسنا لأن هذا الخبر يدل على مدح بشير.

قوله عليه السلام:" إن الله اتخذ محمدا صلى الله عليه و آله و سلم عبدا" أي عبدا كاملا في العبودية مطيعا لله في جميع أموره، و لذا لم ينسب الله تعالى بالعبودية أحدا إلى نفسه إلا مقربي جنابه من الأنبياء و الأوصياء كما قال:" سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ" و قال:" عَبْداً مِنْ عِبادِنا" و قال: إلى" عَبْدَنا داوُدَ" و مثله كثير، و الغرض أن هذا الكمال الذي كان حاصلا لنبينا قبل بعثته و نبوته، قد كان لعلي عليه السلام و كان في جميع الكمالات مشاركا مع الرسول صلى الله عليه و آله و سلم سوى النبوة فقد أخذتم بولاية من هو هكذا.

قوله عليه السلام:" لنا صفو المال" أي صفايا الغنيمة.

قوله عليه السلام:" فقد رأيتم أصحاب علي عليه السلام" أي المطيعين له أو المخالفين له

ص: 354

ادْعُوا لِي خَلِيلِي فَقَالا قَدْ رَآنَا لَوْ أَرَادَنَا لَكَلَّمَنَا فَأَرْسَلَتَا إِلَى عَلِيٍّ ع فَلَمَّا جَاءَ أَكَبَّ عَلَيْهِ يُحَدِّثُهُ وَ يُحَدِّثُهُ حَتَّى إِذَا فَرَغَ لَقِيَاهُ فَقَالا مَا حَدَّثَكَ فَقَالَ حَدَّثَنِي بِأَلْفِ بَابٍ مِنَ الْعِلْمِ يُفْتَحُ كُلُّ بَابٍ إِلَى أَلْفِ بَابٍ

124 عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ أَبِي مَسْرُوقٍ النَّهْدِيِّ عَنْ مُوسَى بْنِ عُمَرَ بْنِ بَزِيعٍ قَالَ قُلْتُ لِلرِّضَا ع إِنَّ النَّاسَ رَوَوْا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص كَانَ إِذَا أَخَذَ فِي طَرِيقٍ رَجَعَ فِي غَيْرِهِ فَهَكَذَا كَانَ يَفْعَلُ قَالَ فَقَالَ نَعَمْ فَأَنَا أَفْعَلُهُ كَثِيراً فَافْعَلْهُ ثُمَّ قَالَ لِي أَمَا إِنَّهُ أَرْزَقُ لَكَ

125 سَهْلُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَبَلَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْأَوَّلِ ع قَالَ قُلْتُ لَهُ جُعِلْتُ فِدَاكَ الرَّجُلُ مِنْ إِخْوَانِي يَبْلُغُنِي عَنْهُ الشَّيْ ءُ الَّذِي أَكْرَهُهُ فَأَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ فَيُنْكِرُ ذَلِكَ وَ قَدْ أَخْبَرَنِي عَنْهُ قَوْمٌ ثِقَاتٌ فَقَالَ لِي يَا مُحَمَّدُ كَذِّبْ سَمْعَكَ وَ بَصَرَكَ عَنْ أَخِيكَ فَإِنْ شَهِدَ عِنْدَكَ خَمْسُونَ قَسَامَةً

أو الأعم.

قوله:" عليه السلام:" أكب عليه" قال الفيروزآبادي: أكب عليه: أقبل و لزم.

قوله عليه السلام:" ألف باب" أي ألف نوع أو ألف قاعدة من القواعد الكلية التي تستنبط من كل قاعدة منها ألف قاعدة أخرى، و الأول أظهر.

الحديث الرابع و العشرون و المائة

الحديث الرابع و العشرون و المائة

: ضعيف.

و يدل على استحباب الرجوع في غير الطريق الذي أخذ فيه، و أنه موجب لمزيد الرزق.

الحديث الخامس و العشرون و المائة

الحديث الخامس و العشرون و المائة

: ضعيف.

قوله عليه السلام:" خمسون قسامة" أي خمسون رجلا يشهدون و يقسمون عليه،

ص: 355

وَ قَالَ لَكَ قَوْلًا فَصَدِّقْهُ وَ كَذِّبْهُمْ لَا تُذِيعَنَّ عَلَيْهِ شَيْئاً تَشِينُهُ بِهِ وَ تَهْدِمُ بِهِ مُرُوءَتَهُ- فَتَكُونَ مِنَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ- إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ

حَدِيثُ مَنْ وُلِدَ فِي الْإِسْلَامِ

126 سَهْلُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ رَافِعٍ عَنِ الْحُبَابِ بْنِ مُوسَى عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ مَنْ وُلِدَ فِي الْإِسْلَامِ حُرّاً فَهُوَ عَرَبِيٌّ وَ مَنْ كَانَ لَهُ عَهْدٌ فَخُفِرَ فِي عَهْدِهِ فَهُوَ مَوْلًى لِرَسُولِ اللَّهِ ص وَ مَنْ دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ طَوْعاً فَهُوَ

و لعل هذا مختص بما إذا كان فيما يتعلق بنفسه من غيبته أو الإزراء به، و نحو ذلك فإذا أنكرها و اعتذر إليه يلزمه أن يقبل عذره، و لا يؤاخذه بما بلغه عنه، و يحتمل التعميم أيضا فإن الثبوت عند الحاكم بعدلين أو أربعة و إجراء الحد عليه لا ينافي أن يكون غير الحاكم مكلفا باستتار ما ثبت عنده من أخيه، من الفسوق التي كان مستترا بها، و الإذاعة الإفشاء، و الشين: العيب، و الفاحشة: الذنب أو ما يشتد قبحه من الذنوب.

[الحديث السادس و العشرون و المائة] حديث من ولد في الإسلام

[الحديث السادس و العشرون و المائة] حديث من ولد في الإسلام

الحديث السادس و العشرون و المائة: ضعيف.

قوله عليه السلام:" من ولد في الإسلام حرا فهو عربي" أي الأخبار الواردة في مدح العرب تشتمل كل من ولد في الإسلام حرا و كان على دين الحق و لو كان من العجم، لورود كثير من الأخبار أنهم يحشرون بلسان العرب، و إن كان على غير دين الحق يحشر بلسان العجم و إن كان من العرب.

قوله عليه السلام:" و من كان له عهد فخفر" يقال: خفر به خفرا و خفورا أي نقض

ص: 356

مُهَاجِرٌ

127 عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ هَارُونَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْعَدَةَ بْنِ صَدَقَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص مَنْ أَصْبَحَ وَ أَمْسَى وَ عِنْدَهُ ثَلَاثٌ فَقَدْ تَمَّتْ عَلَيْهِ النِّعْمَةُ فِي الدُّنْيَا مَنْ أَصْبَحَ وَ أَمْسَى مُعَافًى فِي بَدَنِهِ آمِناً فِي سَرْبِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَإِنْ كَانَتْ عِنْدَهُ الرَّابِعَةُ فَقَدْ تَمَّتْ عَلَيْهِ النِّعْمَةُ فِي الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ وَ هُوَ الْإِسْلَامُ

128 عَنْهُ عَنْ هَارُونَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْعَدَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع نْ أَبِيهِ ع]

عهده و الخفر أيضا الإجارة و المنع و حفظ الأمان، و على التقديرين أقيم علة الجزاء هنا مقامه، أي من كان له عهد و أمان و ذمة من قبل أحد من المسلمين فروعي أمانه فقد روعي أمان حليف رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أو معتقه أو من آمنه، لأنه صلى الله عليه و آله و سلم حكم بحفظ أمانه و أعتقه من القتل فهو مولاه صلى الله عليه و آله و سلم و إن نقض عهده فقد نقض عهد مولى الرسول صلى الله عليه و آله و سلم لأنه مولاه.

قوله عليه السلام:" و من دخل في الإسلام طوعا فهو مهاجر" أي في هذا الزمان الذي ارتفع حكم الهجرة، أو أنه مطلقا في حكم المهاجر في وفور ثوابه، و لزوم احترامه.

الحديث السابع و العشرون و المائة

الحديث السابع و العشرون و المائة

: ضعيف.

قوله صلى الله عليه و آله و سلم:" من أصبح و أمسى معافى" بيان للجملة السابقة و بدل عنها و مفسر لها، قال الجزري: فيه" من أصبح آمنا في سربه معافى في بدنه" يقال: فلان آمن في سربه بالكسر: أي في نفسه، و فلان واسع السرب: أي رخي البال، و يروى بالفتح، و هو المسلك و الطريق، يقال: خل له سربه أي طريقه.

الحديث الثامن و العشرون و المائة

الحديث الثامن و العشرون و المائة

: ضعيف.

ص: 357

أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ وَ قَدْ كَلَّمَهُ بِكَلَامٍ كَثِيرٍ فَقَالَ أَيُّهَا الرَّجُلُ تَحْتَقِرُ الْكَلَامَ وَ تَسْتَصْغِرُهُ اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ لَمْ يَبْعَثْ رُسُلَهُ حَيْثُ بَعَثَهَا وَ مَعَهَا ذَهَبٌ وَ لَا فِضَّةٌ وَ لَكِنْ بَعَثَهَا بِالْكَلَامِ وَ إِنَّمَا عَرَّفَ اللَّهُ جَلَّ وَ عَزَّ نَفْسَهُ إِلَى خَلْقِهِ بِالْكَلَامِ وَ الدَّلَالاتِ عَلَيْهِ وَ الْأَعْلَامِ

129 وَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ ص مَا خَلَقَ اللَّهُ جَلَّ وَ عَزَّ خَلْقاً إِلَّا وَ قَدْ أَمَّرَ عَلَيْهِ آخَرَ يَغْلِبُهُ فِيهِ وَ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى لَمَّا خَلَقَ الْبِحَارَ السُّفْلَى فَخَرَتْ وَ زَخَرَتْ وَ قَالَتْ أَيُّ شَيْ ءٍ يَغْلِبُنِي فَخَلَقَ الْأَرْضَ فَسَطَحَهَا عَلَى ظَهْرِهَا فَذَلَّتْ ثُمَّ قَالَ إِنَّ الْأَرْضَ فَخَرَتْ وَ قَالَتْ أَيُّ شَيْ ءٍ يَغْلِبُنِي فَخَلَقَ الْجِبَالَ فَأَثْبَتَهَا عَلَى ظَهْرِهَا أَوْتَاداً مِنْ أَنْ تَمِيدَ بِمَا عَلَيْهَا فَذَلَّتِ الْأَرْضُ وَ اسْتَقَرَّتْ ثُمَّ إِنَّ الْجِبَالَ فَخَرَتْ عَلَى الْأَرْضِ فَشَمَخَتْ وَ اسْتَطَالَتْ وَ قَالَتْ أَيُّ شَيْ ءٍ يَغْلِبُنِي فَخَلَقَ الْحَدِيدَ فَقَطَعَهَا فَقَرَّتِ الْجِبَالُ

قوله عليه السلام:" تحتقر الكلام" لعل السائل لم يعرف قدر نعمة الكلام، و ما إفاضة عليه السلام عليه من الحكم و المعارف فنبهه عليه السلام بفضيلة الكلام و رفعة شأنه، و أن عمدة معجزات الأنبياء بيان المعارف الإلهية و العلوم الدينية، و به يعرف الله تعالى و يستدل عليه.

الحديث التاسع و العشرون و المائة

الحديث التاسع و العشرون و المائة

: ضعيف.

قوله صلى الله عليه و آله و سلم:" فخرت و زخرت" قال الفيروزآبادي: زخر البحر كمنع زخرا و زخورا و تزخر: طمى و تملأ، و الوادي مد جدا و ارتفع، و النبات طال، و الرجل بما عنده فخر.

أقول: يحتمل أن تكون هذه الجمل جرت على سبيل الاستعارة التمثيلية لبيان أن ما سوى الحق تعالى مغلوب مقهور عن غيره، و الله تعالى هو الغالب القاهر لجميع من سواه.

قوله صلى الله عليه و آله و سلم:" أوتادا من أن تميد بما عليها" إشارة إلى ما ذكره الله تعالى

ص: 358

وَ ذَلَّتْ ثُمَّ إِنَّ الْحَدِيدَ فَخَرَتْ عَلَى الْجِبَالِ وَ قَالَ أَيُّ شَيْ ءٍ يَغْلِبُنِي فَخَلَقَ النَّارَ

في مواضع من القرآن الكريم منها قوله تعالى:" وَ أَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ*" قال المبرد: أي منع الأرض أن تميد، و قيل: أي كراهة أن تميد، و منها قوله تعالى" وَ الْجِبالَ أَوْتاداً" و قال بعض المفسرين: الميد الاضطراب في الجهات الثلاث، و قيل: إن الأرض كانت تميد و ترجف رجوف السقف بالوطء، فثقلها الله بالجبال الرواسي، ليمنع من رجوفها، و رووا عن ابن عباس أنه قال: إن الأرض بسطت على الماء فكانت تكفأ بأهلها كما تكفأ السفينة، فأرساها الله تعالى بالجبال، تم إنهم اختلفوا في أنه لم صارت الجبال سببا لسكون الأرض؟ على أقوال، و ذكروا لذلك وجوها و لنذكر بعضها.

الأول: ما ذكره الفخر الرازي في تفسيره: أن السفينة إذا ألقيت على وجه الماء فإنها تميد من جانب إلى جانب و تضطرب، فإذا وضعت الأجرام الثقيلة فيها استقرت على وجه الماء، فكذلك لما خلق الله تعالى الأرض على وجه الماء اضطربت و مادت، فخلق الله تعالى عليها هذه الجبال و وتدها بها، فاستقرت على وجه الماء بسبب ثقل الجبال، ثم قال: لقائل أن يقول: هذا يشكل من وجوه.

الأول: إن هذا المعلل إما أن يقول: بأن حركات الأجسام بطباعها أو يقول: ليست بطباعها، بل واقعة بإيجاد الفاعل المختار إياها، فعلى التقدير الأول نقول: لا شك أن الأرض أثقل من الماء و الأثقل يغوص في الماء و لا يبقى طافيا عليه، فامتنع أن يقال إنها كانت تميد و تضطرب بخلاف السفينة، فإنها متخذة من الخشب و في داخل الخشب تجويفات غير مملوءة فلذلك تميد و تضطرب

ص: 359

فَأَذَابَتِ الْحَدِيدَ فَذَلَّ الْحَدِيدُ ثُمَّ إِنَّ النَّارَ زَفَرَتْ وَ شَهَقَتْ وَ فَخَرَتْ وَ قَالَتْ أَيُ

على وجه الماء، فإذا أرسيت بالأجسام الثقلية استقرت و سكنت، فظهر الفرق.

و أما على التقدير الثاني و هو أن يقال: ليس للأرض و الماء طبائع توجب الثقل و الرسوب و الأرض إنما تنزل لأن الله تعالى أجرى عادته بجعلها كذلك و إنما صار الماء محيطا بالأرض لمجرد إجراء العادة ليس هيهنا طبيعة للأرض و لا للماء توجب حالة مخصوصة، فنقول: على هذا التقدير علة سكون الأرض هي أن الله تعالى يخلق فيها السكون، و علة كونها مائدة مضطربة هو أن الله تعالى يخلق فيها الحركة، فيفسد القول بأن الله خلق الجبال لتبقى الأرض ساكنة، فثبت أن التعليل مشكل على كلا التقديرين.

الإشكال الثاني: أن إرساء الأرض بالجبال إنما يعقل لأجل أن تبقى الأرض على وجه الماء من غير أن تميد و تميل من جانب إلى جانب، و هذا إنما يعقل إذا كان الذي استقرت الأرض على وجهه واقفا، فنقول: فما المقتضي لسكونه في ذلك الحيز المخصوص، فإن قلت: إن طبيعته توجب وقوفه في ذلك الحيز المعين، فحينئذ يفسد القول بأن الأرض إنما وقفت بسبب أن الله أرساها بالجبال، و إن قلت إن المقتضي لسكون الماء في حيزه المعين هو أن الله أسكن الماء بقدرته في ذلك الحيز المخصوص، فنقول: فلم لا تقول مثله في سكون الأرض و حينئذ يفسد هذا التعليل أيضا.

الإشكال الثالث: أن مجموع الأرض جسم واحد فبتقدير أن يميل بكليته و يضطرب على وجه البحر المحيط لم تظهر تلك الحالة للناس، فإن قيل: أ ليس أن الأرض تحركها البخارات المحتقنة في داخلها عند الزلازل، و تظهر تلك الحركات للناس؟ قلنا: تلك البخارات احتقنت في داخل قطعة صغيرة من الأرض فلما حصلت الحركة في تلك القطعة، ظهرت تلك الحركة، فإن ظهور الحركة في تلك القطعة المعينة يجري مجرى اختلاج عضو من بدن الإنسان، أما لو تحركت كلية الأرض

ص: 360

شَيْ ءٍ يَغْلِبُنِي فَخَلَقَ الْمَاءَ فَأَطْفَأَهَا فَذَلَّتْ ثُمَّ إِنَّ الْمَاءَ فَخَرَ وَ زَخَرَ وَ قَالَ أَيُّ شَيْ ءٍ

لم تظهر، أ لا ترى أن الساكن في سفينة لا يحس بحركة كلية السفينة، و إن كانت على أسرع الوجوه و أقواها انتهى كلامه.

و يمكن أن يجاب عنها أما عن الإشكال الأول: فبأن يختار أنها طالبة بطبعها للمركز، لكن إذا كانت خفيفة كان الماء يحركها بأمواجه حركة قسرية و يزيلها عن مكانها الطبيعي بسهولة، فكانت تميد و تضطرب بأهلها و تغوص قطعة منها، و تخرج قطعة منها و لما إرسالها الله تعالى بالجبال و أثقلها قاومت الماء و أمواجها بثقلها، فكانت كالأوتاد مثبتة لها.

و منه يظهر الجواب عن الإشكال الثاني على أن توقف إرساء الأرض بالجبال على سكون الماء في حيز معين ممنوع.

و أما عن الإشكال الثالث فبأن يقال: ليس الامتنان بمجرد عدم ظهور حركة الأرض حتى يقال إنه على تقدير حركتها بكليتها لا يظهر للناس، بل بخروج البقاع عن الماء و عدم غرقها بحركة الأرض و ميدانها بأهلها، على أن الظاهر أن الحركة التي لا تحس إنما هي إذا كانت في جهة مخصوصة، و على وضع واحد كحركة وضعية مستمرة أو حركة أينية على جهة واحدة كحركة السفينة إذا كانت سائرة من غير اضطراب، و أما إذا تحركت في جهات مختلفة و اضطربت فيحس بها كحركة السفينة عند تلاطم البحر و اضطرابه: و هذا هو الفرق بين حالة الزلزلة و بين حركة الأرض في الظهور و عدمه، فإنا لو فرضنا قطعة منها سائرة غير مضطربة في سيرها لما أحس بها، كما لا يحس بحركة كلها، بل باضطراب الحركة و كونها في جهات مختلفة تحس الحركة، سواء كان محلها كل الأرض أو بعضها.

الوجه الثاني: ما ذكره الفاضل المقدم ذكره في تفسيره، و اختاره حيث قال

ص: 361

يَغْلِبُنِي فَخَلَقَ الرِّيحَ فَحَرَّكَتْ أَمْوَاجَهُ وَ أَثَارَتْ مَا فِي قَعْرِهِ وَ حَبَسَتْهُ عَنْ مَجَارِيهِ فَذَلَ

و الذي عندي في هذا الموضع المشكل أن يقال: إنه ثبت بالدلائل اليقينية، أن الأرض كرة، و أن هذه الجبال على سطح هذه الكرة جارية مجرى خشونات و تضريسات تحصل على وجه هذه الكرة إذا ثبت هذا فنقول: إذا فرضنا أن هذه الخشونات ما كانت حاصلة، بل كانت الأرض كرة حقيقية خالية عن هذه الخشونات و التضريسات لصارت بحيث تتحرك بالاستدارة بأدنى سبب لأن الجرم البسيط المستدير و إن لم يجب كونه متحركا بالاستدارة عقلا، إلا أنه بأدنى سبب تتحرك على هذا الوجه و أما إذا حصل على سطح كرة الأرض هذه الجبال و كانت كالخشونات الواقعة على الكرة فكل واحد من هذه الجبال إنما يتوجه بطبعه إلى مركز العالم، و توجه ذلك الجبل نحو مركز العالم بثقله العظيم، و قوته الشديدة يكون جاريا مجرى الوتد الذي يمنع كرة الأرض من الاستدارة، فكان تخليق هذه الجبال على الأرض كالأوتاد المغروزة في الكرة المانعة لها من الحركة المستديرة، و كانت مانعة للأرض عن الميد و الميل و الاضطراب، بمعنى أنها منعت الأرض عن الحركة المستديرة، فهذا ما وصل إليه خاطري في هذا الباب و الله أعلم انتهى.

و اعترض عليه بعض الأذكياء من المعاصرين بأن كلامه لا يخلو عن تشويش و اضطراب و الذي يظهر من أوائل كلامه هو أنه جعل المناط في استقرار الأرض الخشونات و التضريسات من حيث أنها خشونات و تضريسات، و ذلك إما لممانعة الأجزاء المائية الملاصقة لتلك التضريسات، لاستلزام حركة الأرض زوالها من مواضعها، و حينئذ يكون علة السكون هي الجبال الموجودة في الماء لا ما خلقت في الربع المكشوف من الأرض.

و لعله خلاف الظاهر في معرض الامتنان بخلق الجبال و هو خلاف الظاهر من قوله تعالى:" وَ جَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها" و القول بأن ما في الماء أيضا

ص: 362

فوقها فلعل المراد تلك الجبال لا يخلو عن بعد، مع أنها ربما كانت معاونة لحركة الأرض كما إذا تحركت كرة الماء بتموجها بأجمعها أو تموج أبعاضها المقاربة لتلك الخشونات، و إنما يمانعها عن الحركة أحيانا عند حركة أبعاضها.

و إما لممانعة الأجزاء الهوائية المقاربة للجبال الكائنة على الربع الظاهر، فكانت الأوتاد مثبتة لها في الهواء مانعة عن تحريك الماء بتموجه إياها، كما يمانع الجبال المخلوقة في الماء عن تحريك الرياح إياها، و حينئذ يكون وجود الجبال في كل منهما معاونا لحركة الأرض في بعض الصور معاوقا عنها في بعضها، و لا مدخل حينئذ لثقل الجبال، و تركبها في سكون الأرض و استقرارها.

و الذي يظهر من قوله: لأن الجرم البسيط إلى آخره، هو أن البساطة توجب حركة الأرض، إما بانفرادها أو بمشاركة عدم الخشونة، و لعله استند في ذلك إلى أن البسيط تتساوى نسبة أجزائه إلى أجزاء المكان، و إنما الطبيعة تقتضي انطباق مركز الثقل من الأرض على مركز العالم على أي وضع كان، و الماء لا يقوى على إخراج الكرة عن مكانها، نعم يحركها بالحركة المستديرة بخلاف المركب، فإنه ربما كان بعض أجزائه مقتضيا لوضع خاص كمحاذاة أحد القطبين مثلا حتى تكون الفائدة تحصل بتركب بعض أجزاء الأرض، و إن لم يكن هناك جبل و ارتفاع فلا يكون الامتنان بخلق الجبل من حيث أنه جبل، بل من حيث أنه مركب إلا على تقدير كون المراد أن المقتضي للسكون هو الحالة المركبة من التركب و التضريس.

و الظاهر أنه من وصف الجبال بالشامخات في الآية مدخلية ارتفاعها في هذا المعنى، إلا أن يكون الوصف لترتب فوائد أخر عليها، و حينئذ لا مدخل لثقل الجبال في سكون الأرض كما يظهر من قوله أخيرا: فكل واحد من هذه الجبال

ص: 363

إنما يتوجه بطبعه إلى مركز العالم، و توجه ذلك الجبل نحو مركز العالم بثقله العظيم، و قوته الشديدة يكون جاريا مجرى الوتد الذي يمنع كرة الأرض عن الاستدارة، و مع ذلك لا ينفع في نفي الحركة المشرقية و المغربية بل يؤيدها.

و يمكن أن يكون مراده أن العلة هي المجموع المركب من الأمور الثلاثة و لعله جعل الطبيعة الأرضية كافية في استقرارها في مكانها و إنما احتاج إلى المانع عن حركتها بالاستدارة حركة وضعية و لذا قال أخيرا: و كانت مانعة للأرض عن الميد و الاضطراب، بمعنى أنها منعت الأرض عن الحركة المستديرة.

الوجه الثالث: ما يخطر بالبال و هو أن يكون مدخلية الجبال لعدم اضطراب الأرض بسبب اشتباكها و اتصال بعضها ببعض في أعماق الأرض بحيث تمنعها عن تفتت أجزائها و تفرقها، فهي بمنزلة الأوتاد المغروزة المثبتة في الأبواب المركبة من قطع الخشب الكثيرة بحيث تصير سببا لالتصاق بعضها ببعض و عدم تفرقها، و هذا معلوم ظاهر لمن حفر الآبار في الأرض فإنها تنتهي عند المبالغة في حفرها إلى الأحجار الصلبة.

الوجه الرابع: ما ذكره بعض المتعسفين من أنه لما كانت فائدة الوتد أن يحفظ الموتود في بعض المواضع عن الحركة و الاضطراب حتى يكون قارا ساكنا و كان من لوازم ذلك السكون في بعض الأشياء صحة الاستقرار على ذلك و التصرف عليه، و كان من فائدة وجود الجبال و التضريسات الموجودة في وجه الأرض أن لا تكون مغمورة بالماء، ليحصل للحيوان الاستقرار و التصرف عليها، لا جرم كان بين الأوتاد و الجبال الخارجة من الماء في الأرض اشتراك في كونهما مستلزمين لصحة الاستقرار، مانعين من عدمه، لا جرم حسنت نسبة الإيتاد إلى الصخور و الجبال،

ص: 364

و أما إشعاره بالميدان فلان الحيوان كما يكون صادقا عليه أنه غير مستقر على الأرض بسبب انغمارها في الماء لو لم يوجد الجبال كذلك يصدق على الأرض أنها غير مستقرة تحته و مضطربة بالنسبة إليه، فثبت حينئذ أنه لو لا وجود الجبال في سطح الأرض لكانت مضطربة و مائدة بالنسبة إلى الحيوان، لعدم تمكنه من الاستقرار عليها.

الوجه الخامس: أن يكون المراد بالجبال و الرواسي الأنبياء و الأولياء و العلماء، و بالأرض الدنيا، أما وجه التجوز الجبال عن الأنبياء و العلماء فلان الجبال لما كانت على غاية من الثبات و الاستقرار مانعة لما يكون تحتها من الحركة و الاضطراب عاصمة لما يلتجئ إليها من الحيوان عما يوجب له الهرب، فيسكن بذلك اضطرابه و قلقلته، أشبهت الأوتاد من بعض هذه الجهات، ثم لما كانت الأنبياء و العلماء هم السبب في انتظام أمور الدنيا و عدم اضطراب أحوال أهلها كانوا كالأوتاد للأرض، فلا جرم صحت استعارة لفظ الجبال لهم، و لذلك في العرف يقال: فلان جبل منيع يأوي إليه كل ملهوف إذا كان يرجع إليه في المهمات و الحوائج، و العلماء أوتاد الله في الأرض.

الوجه السادس: أن يكون المقصود من جعل الجبال كالأوتاد في الأرض أن يهتدي بها إلى طرقها و المقاصد فيها، فلا تميد جهاتها المشتبهة بأهلها، و لا تميل بهم فيتيهون فيها عن طرقهم و مقاصدهم، و هذه الوجوه الثلاثة ذكرها بعض المتعسفين، و هذا دأبه في أكثر الآيات و الأخبار حيث يأولها بلا ضرورة داعية، و علة مانعة عن القول بظاهرها، و هل هذا إلا اجتراء على مالك يوم الدين، و افتراء على حجج رب العالمين. الوجه السابع: أن يقال: المراد بالأرض قطعاتها و بقاعها لا مجموع كرة

ص: 365

الأرض، و يكون الجبال أوتادا لها أنها حافظة لها عن الميدان و الاضطراب بالزلزلة و نحوها، إما لحركة البخارات المحتقنة في داخلها بإذن الله تعالى، أو لغير ذلك من الأسباب التي يعلمها مبدعها و منشؤها، و هذا وجه قريب، و يؤيده ما روي في أخبار كثيرة أن ذا القرنين لما انتهى إلى السد جاوزه، فدخل الظلمات، فإذا هو بملك قائم على جبل طوله خمسمائة ذراع، فقال له ذو القرنين: من أنت؟ فقال:

أنا ملك من ملائكة الرحمن، موكل بهذا الجبل فليس من جبل خلقه الله عز و جل إلا و له عرق إلى هذا الجبل، فإذا أراد الله تعالى أن يزلزل مدينة أوحى إلى فزلزلتها، و إنما أطنبنا الكلام في هذا المقام، و خرجنا عما كنا بصدده من الاختصار التام، لأنه من مزال الأقدام و قد ماد و تحير فيه كثير من الأعلام.

قوله صلى الله عليه و آله و سلم:" زفرت و شهقت" بفتح الهاء و القاف، قال الجوهري: الزفير اغتراق النفس للشدة، و الزفير أول صوت الحمار، و الشهيق آخره، لأن الزفير إدخال النفس، و الشهيق إخراجه، و قد زفر يزفر، قال الفيروزآبادي: زفر النار: سمع لتوقدها صوت.

قوله صلى الله عليه و آله و سلم:" ثم إن الماء فخر و زخر" لعل المراد بالماء هاهنا المياه التي أسكنت في الأرض و خلقت على وجهها، و لذا قيد صلى الله عليه و آله و سلم" الماء" في أول الخبر بالبحار السفلى، و غلبة الأرض إنما هي عليها دون المياه الظاهرة، فلا ينافي تأخر خلق هذا الماء عن كثير من الأشياء تقدم خلق أصل الماء و حقيقته على غيره من سائر الأشياء.

ص: 366

الْمَاءُ ثُمَّ إِنَّ الرِّيحَ فَخَرَتْ وَ عَصَفَتْ وَ أَرْخَتْ أَذْيَالَهَا وَ قَالَتْ أَيُّ شَيْ ءٍ يَغْلِبُنِي فَخَلَقَ الْإِنْسَانَ فَبَنَى وَ احْتَالَ وَ اتَّخَذَ مَا يَسْتَتِرُ بِهِ مِنَ الرِّيحِ وَ غَيْرِهَا فَذَلَّتِ الرِّيحُ ثُمَّ إِنَّ الْإِنْسَانَ طَغَى وَ قَالَ مَنْ أَشَدُّ مِنِّي قُوَّةً فَخَلَقَ اللَّهُ لَهُ الْمَوْتَ فَقَهَرَهُ فَذَلَّ الْإِنْسَانُ ثُمَّ إِنَّ الْمَوْتَ فَخَرَ فِي نَفْسِهِ فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لَا تَفْخَرْ فَإِنِّي ذَابِحُكَ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَ أَهْلِ النَّارِ ثُمَّ لَا أُحْيِيكَ أَبَداً فَتُرْجَى أَوْ تُخَافَ وَ قَالَ أَيْضاً وَ الْحِلْمُ يَغْلِبُ الْغَضَبَ وَ الرَّحْمَةُ تَغْلِبُ السُّخْطَ وَ الصَّدَقَةُ تَغْلِبُ الْخَطِيئَةَ ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع مَا أَشْبَهَ هَذَا مِمَّا قَدْ يَغْلِبُ غَيْرَهُ

130 عَنْهُ عَنْ هَارُونَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْعَدَةَ بْنِ صَدَقَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ إِنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ ص فَقَالَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْصِنِي فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ص فَهَلْ أَنْتَ مُسْتَوْصٍ إِنْ أَنَا أَوْصَيْتُكَ حَتَّى قَالَ لَهُ ذَلِكَ ثَلَاثاً وَ فِي كُلِّهَا يَقُولُ لَهُ الرَّجُلُ نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ص فَإِنِّي أُوصِيكَ إِذَا أَنْتَ هَمَمْتَ بِأَمْرٍ فَتَدَبَّرْ عَاقِبَتَهُ فَإِنْ يَكُ رُشْداً فَامْضِهِ وَ إِنْ يَكُ غَيّاً فَانْتَهِ عَنْهُ

قوله صلى الله عليه و آله و سلم:" و عصفت" أي اشتدت قوله صلى الله عليه و آله و سلم:" و أرخت أذيالها" أي رفعتها و حركتها تبخترا و تكبرا، و هذا من أحسن الاستعارات.

قوله صلى الله عليه و آله و سلم:" فترجو أو تخاف" أي لا أحييك فتكون حياتك رجاء لأهل النار و خوفا لأهل الجنة، و ذبح الموت لعل المراد به ذبح شي ء مسمى بهذا الاسم ليعرف الفريقان رفع الموت عنهما على المشاهدة و العيان، إن لم نقل بتجسم الأعراض في تلك النشأة لبعده عن طور العقل.

الحديث الثلاثون و المائة

الحديث الثلاثون و المائة

: ضعيف.

قوله صلى الله عليه و آله و سلم:" فهل أنت مستوص" أي تقبل وصيتي و تعمل بها.

ص: 367

131 وَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ أَنَّ النَّبِيَّ ص قَالَ ارْحَمُوا عَزِيزاً ذَلَّ وَ غَنِيّاً افْتَقَرَ وَ عَالِماً ضَاعَ فِي زَمَانِ جُهَّالٍ

132 وَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع يَقُولُ لِأَصْحَابِهِ يَوْماً لَا تَطْعُنُوا فِي عُيُوبِ مَنْ أَقْبَلَ إِلَيْكُمْ بِمَوَدَّتِهِ وَ لَا تُوَقِّفُوهُ عَلَى سَيِّئَةٍ يَخْضَعُ لَهَا فَإِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَخْلَاقِ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ لَا مِنْ أَخْلَاقِ أَوْلِيَائِهِ قَالَ وَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع إِنَّ خَيْرَ مَا وَرَّثَ الْآبَاءُ لِأَبْنَائِهِمُ الْأَدَبُ لَا الْمَالُ فَإِنَّ الْمَالَ يَذْهَبُ وَ الْأَدَبَ يَبْقَى قَالَ مَسْعَدَةُ يَعْنِي بِالْأَدَبِ الْعِلْمَ قَالَ وَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع إِنْ أُجِّلْتَ فِي عُمُرِكَ يَوْمَيْنِ فَاجْعَلْ أَحَدَهُمَا لِأَدَبِكَ لِتَسْتَعِينَ بِهِ عَلَى يَوْمِ مَوْتِكَ فَقِيلَ لَهُ وَ مَا تِلْكَ الِاسْتِعَانَةُ قَالَ تُحْسِنُ تَدْبِيرَ مَا تُخَلِّفُ وَ تُحْكِمُهُ قَالَ وَ كَتَبَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع إِلَى رَجُلٍ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* أَمَّا بَعْدُ فَإِنَ

الحديث الحادي و الثلاثون و المائة

الحديث الحادي و الثلاثون و المائة

: ضعيف.

الحديث الثاني و الثلاثون و المائة

الحديث الثاني و الثلاثون و المائة

: ضعيف.

قوله صلى الله عليه و آله و سلم:" لا تطعنوا" أي لا تجسسوا عيوب من أقبل عليكم بمودته، و أظهر محبته لكم و لا تفشوها، قال الجزري: فيه" لا يكون المؤمن طعانا" أي وقاعا في أعراض الناس بالذم و الغيبة و نحوهما و هو فعال من طعن فيه، و عليه بالقول يطعن- بالضم و الفتح- إذا عابه.

قوله عليه السلام:" و لا توقفوه" أي لا تطلعوه على سيئة اطلعتم عليها منه، فيعلم اطلاعكم عليها فيخضع، و يذل لها أو لا توقفوه في مقام الجزاء و العقاب، و الأول أظهر.

قوله عليه السلام:" فاجعل أحدهما لأدبك" لعل المراد لعلمك على ما مر تفسيره

ص: 368

الْمُنَافِقَ لَا يَرْغَبُ فِيمَا قَدْ سَعِدَ بِهِ الْمُؤْمِنُونَ وَ السَّعِيدُ يَتَّعِظُ بِمَوْعِظَةِ التَّقْوَى وَ إِنْ كَانَ يُرَادُ بِالْمَوْعِظَةِ غَيْرُهُ

133 عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ قَالَ أَخْبَرَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع يَا ابْنَ مُسْلِمٍ النَّاسُ أَهْلُ رِيَاءٍ غَيْرَكُمْ وَ ذَلِكُمْ أَنَّكُمْ أَخْفَيْتُمْ مَا يُحِبُّ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ وَ أَظْهَرْتُمْ مَا يُحِبُّ النَّاسُ وَ النَّاسُ أَظْهَرُوا مَا يُسْخِطُ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ وَ أَخْفَوْا مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ يَا ابْنَ مُسْلِمٍ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى رَأَفَ بِكُمْ فَجَعَلَ

أي تتعلم في أحد اليومين آداب الوصية، و تستعملها في اليوم الآخر، و يحتمل أن يكون المراد استعمال الآداب الحسنة في الوصية في اليوم الأول، و الاشتغال بمقدمات الموت في اليوم الثاني.

الحديث الثالث و الثلاثون و المائة

الحديث الثالث و الثلاثون و المائة

: مرسل.

قوله عليه السلام:" الناس أهل رياء غيركم" لعل مراده بيان الفرق بين ما يفعله الشيعة من إظهار الموافقة مع أهل الباطل تقية، و بين ما يفعله المخالفون من إنكار حقية أئمة الحق مع علمهم بها لطمع الدنيا، بأن الشيعة اعتقدوا الحق و أظهروا خلافه، في مقام التقية إطاعة لأمره تعالى، فلذا عبر عنه بما يحب الناس، و المخالفين مع اعتقادهم بالحق أنكروه على وجه يوجب سخط الله عنادا و كفرا و طمعا في الدنيا، فلذا عبر عنه بما يسخط الله، فيكون الفرق بينهما في جهة الإظهار، و كيفيته فقط، و يمكن أن يستنبط من العبارة الفرق بين الإخفائين أيضا بأن يكون المراد بقوله:" أخفيتم ما يحب الله" إخفاءه أي إخفاء دين الحق في مقام التقية، و بقوله:" ما يحبه الله ثانيا ما يحب الله إظهاره، أي أخفوه في غير مقام التقية، و لذا غير الكلام بإيراد الضمير في الثاني، و عدم إيراده في الأول و إنما سمي فعلهم رياء، لأن حقيقة الرياء إيقاع العمل لغير الله، و فعلهم كذلك بخلاف إظهار الشيعة خلاف ما يضمرون، فإنه لله و لا طاعة أمره.

ص: 369

الْمُتْعَةَ عِوَضاً لَكُمْ عَنِ الْأَشْرِبَةِ

134 عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ مُعَمَّرِ بْنِ خَلَّادٍ قَالَ قَالَ لِي أَبُو الْحَسَنِ الرِّضَا ع قَالَ لِيَ الْمَأْمُونُ يَا أَبَا الْحَسَنِ لَوْ كَتَبْتَ إِلَى بَعْضِ مَنْ يُطِيعُكَ فِي هَذِهِ النَّوَاحِي الَّتِي قَدْ فَسَدَتْ عَلَيْنَا قَالَ قُلْتُ لَهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنْ وَفَيْتَ لِي وَفَيْتُ لَكَ إِنَّمَا دَخَلْتُ فِي هَذَا الْأَمْرِ الَّذِي دَخَلْتُ فِيهِ عَلَى أَنْ لَا آمُرَ وَ لَا أَنْهَى وَ لَا أُوَلِّيَ وَ لَا أَعْزِلَ وَ مَا زَادَنِي هَذَا الْأَمْرُ الَّذِي دَخَلْتُ فِيهِ فِي النِّعْمَةِ عِنْدِي شَيْئاً وَ لَقَدْ كُنْتُ بِالْمَدِينَةِ وَ كِتَابِي يَنْفُذُ فِي الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ وَ لَقَدْ كُنْتُ أَرْكَبُ حِمَارِي وَ أَمُرُّ فِي سِكَكِ الْمَدِينَةِ وَ مَا بِهَا أَعَزُّ مِنِّي وَ مَا كَانَ بِهَا أَحَدٌ مِنْهُمْ يَسْأَلُنِي حَاجَةً يُمْكِنُنِي قَضَاؤُهَا لَهُ إِلَّا قَضَيْتُهَا لَهُ قَالَ فَقَالَ لِي أَفِي لَكَ

135 عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّوْفَلِيِّ عَنِ السَّكُونِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ قَالَ النَّبِيُّ ص حَقٌّ عَلَى الْمُسْلِمِ إِذَا أَرَادَ سَفَراً أَنْ يُعْلِمَ إِخْوَانَهُ وَ حَقٌّ عَلَى إِخْوَانِهِ إِذَا قَدِمَ أَنْ يَأْتُوهُ

قوله عليه السلام:" عوضا عن الأشربة" أي كما أنهم يتلذذون بالفقاع و الأنبذة التي هم يستحلونها و أنتم تحرمونها و لا تنتفعون بها، فكذلك المتعة أنتم تتلذذون بها و هم لاعتقادهم حرمتها لا ينتفعون و لا يتلذذون بها،: و في بعض النسخ صحف بالأسرية بالسين المهملة و الياء المثناة من تحت جمع السرية أي إنكم لفقركم لا تقدرون على التسري فجعل الله لكم المتعة عوضا عنهن، و في سائر كتب الحديث كما ذكرنا أولا، و هو الظاهر من وجوه كما لا يخفى.

الحديث الرابع و الثلاثون و المائة

الحديث الرابع و الثلاثون و المائة

: ضعيف.

قوله عليه السلام:" في هذا الأمر الذي دخلت فيه" أي ولاية العهد.

قوله عليه السلام:" في سكك المدينة" أي في طرقها.

الحديث الخامس و الثلاثون و المائة

الحديث الخامس و الثلاثون و المائة

: ضعيف على المشهور.

قوله صلى الله عليه و آله و سلم:" حق" أي ثابت و لازم، و حمل على الاستحباب.

ص: 370

136 وَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ ص خَلَّتَانِ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ فِيهِمَا مَفْتُونٌ الصِّحَّةُ وَ الْفَرَاغُ

137 وَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع مَنْ عَرَّضَ نَفْسَهُ لِلتُّهَمَةِ فَلَا يَلُومَنَّ مَنْ أَسَاءَ بِهِ الظَّنَّ وَ مَنْ كَتَمَ سِرَّهُ كَانَتِ الْخِيَرَةُ فِي يَدِهِ

138 الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَشْعَرِيُّ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ عَنْ شَاذَانَ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ مُوسَى ع قَالَ قَالَ لِي أَبِي إِنَّ فِي الْجَنَّةِ نَهَراً يُقَالُ لَهُ جَعْفَرٌ عَلَى شَاطِئِهِ الْأَيْمَنِ دُرَّةٌ بَيْضَاءُ فِيهَا أَلْفُ قَصْرٍ فِي كُلِّ قَصْرٍ أَلْفُ قَصْرٍ- لِمُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ ص وَ عَلَى شَاطِئِهِ الْأَيْسَرِ دُرَّةٌ صَفْرَاءُ فِيهَا أَلْفُ قَصْرٍ فِي كُلِّ قَصْرٍ أَلْفُ قَصْرٍ- لِإِبْرَاهِيمَ وَ آلِ إِبْرَاهِيمَ ع

139 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ مَا الْتَقَتْ فِئَتَانِ قَطُّ مِنْ أَهْلِ الْبَاطِلِ إِلَّا كَانَ النَّصْرُ

الحديث السادس و الثلاثون و المائة

الحديث السادس و الثلاثون و المائة

: ضعيف على المشهور.

قوله صلى الله عليه و آله و سلم:" فيهما مفتون" أي ممتحن من الفتنة بمعنى الاختبار و الامتحان أي يمتحن الله تعالى بهما خلقه ليراهم كيف يشكرونه فيهما و الفراغ: قلة الأشغال أو فراغ البال عن الهموم و الأحزان، و يحتمل أن يكون من الفتنة بمعنى الضلالة أو الإثم أو العذاب أي صار كثير من الناس بسببها ضالين أو آثمين أو معذبين، و في بعض النسخ" مغبون" من الغبن بمعنى الخسران.

الحديث السابع و الثلاثون و المائة

الحديث السابع و الثلاثون و المائة

: ضعيف على المشهور.

الحديث الثامن و الثلاثون و المائة

الحديث الثامن و الثلاثون و المائة

: ضعيف.

قوله عليه السلام:" على شاطئه الأيمن" شاطئ النهر بالهمز جانبه و طرفه.

الحديث التاسع و الثلاثون و المائة

الحديث التاسع و الثلاثون و المائة

: صحيح.

ص: 371

مَعَ أَحْسَنِهِمَا بَقِيَّةً عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ

140 عَنْهُ عَنْ أَحْمَدَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَدِيدٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ جُبِلَتِ الْقُلُوبُ عَلَى حُبِّ مَنْ يَنْفَعُهَا وَ بُغْضِ مَنْ أَضَرَّ بِهَا

141 مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ عَنْ عَمِّهِ الْحُسَيْنِ بْنِ عِيسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَخِيهِ أَبِي الْحَسَنِ مُوسَى ع قَالَ أَخَذَ أَبِي بِيَدِي ثُمَّ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنَّ أَبِي مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ ع أَخَذَ بِيَدِي كَمَا أَخَذْتُ بِيَدِكَ وَ قَالَ إِنَّ أَبِي عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ ع أَخَذَ بِيَدِي وَ قَالَ يَا بُنَيَّ افْعَلِ الْخَيْرَ إِلَى كُلِّ مَنْ طَلَبَهُ مِنْكَ فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهِ فَقَدْ أَصَبْتَ مَوْضِعَهُ وَ إِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِهِ كُنْتَ أَنْتَ مِنْ أَهْلِهِ وَ إِنْ شَتَمَكَ رَجُلٌ عَنْ يَمِينِكَ ثُمَّ تَحَوَّلَ إِلَى يَسَارِكَ فَاعْتَذَرَ إِلَيْكَ فَاقْبَلْ عُذْرَهُ

قوله عليه السلام:" مع أحسنهما بقية" أي رعاية و حفظا للإسلام من قولك أبقيت على فلان إذا رعيت عليه و رحمته، و منه قوله تعالى:" أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ" و الحاصل أن رعاية الدين و الإسلام سبب للنصرة و الغلبة، كما قيل: إن الملك و الملة توأمان.

الحديث التاسع و الثلاثون و المائة

الحديث التاسع و الثلاثون و المائة

: صحيح.

ص: 372

مَعَ أَحْسَنِهِمَا بَقِيَّةً عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ

140 عَنْهُ عَنْ أَحْمَدَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَدِيدٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ جُبِلَتِ الْقُلُوبُ عَلَى حُبِّ مَنْ يَنْفَعُهَا وَ بُغْضِ مَنْ أَضَرَّ بِهَا

141 مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ عَنْ عَمِّهِ الْحُسَيْنِ بْنِ عِيسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَخِيهِ أَبِي الْحَسَنِ مُوسَى ع قَالَ أَخَذَ أَبِي بِيَدِي ثُمَّ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنَّ أَبِي مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ ع أَخَذَ بِيَدِي كَمَا أَخَذْتُ بِيَدِكَ وَ قَالَ إِنَّ أَبِي عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ ع أَخَذَ بِيَدِي وَ قَالَ يَا بُنَيَّ افْعَلِ الْخَيْرَ إِلَى كُلِّ مَنْ طَلَبَهُ مِنْكَ فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهِ فَقَدْ أَصَبْتَ مَوْضِعَهُ وَ إِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِهِ كُنْتَ أَنْتَ مِنْ أَهْلِهِ وَ إِنْ شَتَمَكَ رَجُلٌ عَنْ يَمِينِكَ ثُمَّ تَحَوَّلَ إِلَى يَسَارِكَ فَاعْتَذَرَ إِلَيْكَ فَاقْبَلْ عُذْرَهُ

قوله عليه السلام:" مع أحسنهما بقية" أي رعاية و حفظا للإسلام من قولك أبقيت على فلان إذا رعيت عليه و رحمته، و منه قوله تعالى:" أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ" و الحاصل أن رعاية الدين و الإسلام سبب للنصرة و الغلبة، كما قيل: إن الملك و الملة توأمان.

الحديث الحادي و الأربعون و المائة

الحديث الحادي و الأربعون و المائة

: مجهول.

و محمد بن أبي عبد الله، هو محمد بن جعفر بن عون الأسدي كما يظهر من تتبع كتب الصدوق و غيرهما.

قوله:" كنت أنت من أهله" أي تكون من أهل الخير و تصير بذلك داخلا فيهم، أو أنت أهل لأن تحسن إلى كل أحد.

ص: 373

142 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ رَزِينٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ وَ الْحَجَّالِ عَنِ الْعَلَاءِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ قَالَ لِي أَبُو جَعْفَرٍ ع كَانَ كُلُّ شَيْ ءٍ مَاءً وَ كانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ فَأَمَرَ اللَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ الْمَاءَ فَاضْطَرَمَ نَاراً ثُمَّ أَمَرَ النَّارَ فَخَمَدَتْ فَارْتَفَعَ مِنْ خُمُودِهَا دُخَانٌ فَخَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ السَّمَاوَاتِ مِنْ ذَلِكَ الدُّخَانِ وَ خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ الْأَرْضَ مِنَ الرَّمَادِ ثُمَّ اخْتَصَمَ الْمَاءُ وَ النَّارُ وَ الرِّيحُ فَقَالَ الْمَاءُ أَنَا جُنْدُ اللَّهِ الْأَكْبَرُ وَ قَالَتِ النَّارُ أَنَا جُنْدُ اللَّهِ الْأَكْبَرُ وَ قَالَتِ الرِّيحُ أَنَا جُنْدُ اللَّهِ الْأَكْبَرُ فَأَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَى الرِّيحِ أَنْتِ جُنْدِيَ الْأَكْبَرُ

الحديث الثاني و الأربعون و المائة

الحديث الثاني و الأربعون و المائة

: صحيح.

و قد مر بعينه سندا و متنا في الثامن و الستين.

إلى هنا تم الجزء الخامس و العشرون بحمد الله تبارك و تعالى من هذه الطبعة النفيسة حسب تجزئتنا و قد بذلنا غاية الجهد في تصحيحه و مقابلته مع النسخة المخطوطة فنشكر الله تعالى على ما وفقنا لذلك و يتلوه الجزء السادس و العشرون و أوله حديث زينب العطارة و هو الحديث الثالث و الأربعون و المائة من الكتاب إن شاء الله تعالى و كان الفراغ منه في يوم الثلاثين من شهر جمادى الثانية سنة 1409 و الحمد لله رب العالمين و صلى الله على محمد و آله الطاهرين.

الشيخ علي الآخوندي

ص: 374

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.