ص :2

احْتَجُّوا بِالشَّجَرَةِ وَ أَضَاعُوا الثَّمَرَةَ .

قد ذکرنا فیما تقدم طرفا من أخبار السقیفة فأما هذا الخبر الوارد فی الوصیة بالأنصار فهو خبر صحیح

1042

14- أَخْرَجَهُ الشَّیْخَانِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِیلَ الْبُخَارِیُّ وَ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ الْقُشَیْرِیُّ فِی مُسْنَدَیْهِمَا عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِکٍ قَالَ مَرَّ أَبُو بَکْرٍ وَ اَلْعَبَّاسُ رَضِیَ اللَّهُ تَعَالَی عَنْهُمَا بِمَجْلِسٍ مِنَ اَلْأَنْصَارِ فِی مَرَضِ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ هُمْ یَبْکُونَ فَقَالاَ مَا یُبْکِیکُمْ قَالُوا ذَکَرْنَا مَحَاسِنَ رَسُولِ اللَّهِ ص فَدَخَلاَ عَلَی اَلنَّبِیِّ ص وَ أَخْبَرَاهُ بِذَلِکَ فَخَرَجَ ص وَ قَدْ عَصَّبَ عَلَی رَأْسِهِ حَاشِیَةَ بُرْدَةٍ (1) فَصَعِدَ اَلْمِنْبَرَ وَ لَمْ یَصْعَدْهُ بَعْدَ ذَلِکَ الْیَوْمِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ ثُمَّ قَالَ أُوصِیکُمْ بِالْأَنْصَارِ فَإِنَّهُمْ کَرِشِی وَ عَیْبَتِی وَ قَدْ قَضَوْا الَّذِی عَلَیْهِمْ وَ بَقِیَ الَّذِی لَهُمْ فَاقْبَلُوا مِنْ مُحْسِنِهِمْ وَ تَجَاوَزُوا عَنْ مُسِیئِهِمْ

(2)

.

فأما کیفیة الاحتجاج علی الأنصار فقد ذکرها علی ع و هی أنّه لو کان ص ممن یجعل الإمامة فیهم لأوصی إلیهم و لم یوص بهم.

و إلی هذا نظر عمرو بن سعید بن العاص و هو المسمی بالأشدق فإن أباه لما مات خلفه غلاما فدخل إلی معاویة فقال إلی من أوصی بک أبوک فقال إن أبی أوصی إلی و لم یوص بی فاستحسن معاویة منه ذلک فقال إن هذا الغلام لأشدق فسمی الأشدق (3) .فأما قول أمیر المؤمنین احتجوا بالشجرة و أضاعوا الثمرة فکلام قد تکرر منه

ص :4

ع أمثاله

1043

1- نَحْوُ قَوْلِهِ إِذَا احْتَجَّ عَلَیْهِمُ اَلْمُهَاجِرُونَ بِالْقُرْبِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ص کَانَتِ الْحُجَّةُ لَنَا عَلَی اَلْمُهَاجِرِینَ بِذَلِکَ قَائِمَةً فَإِنْ فَلَجَتْ حُجَّتُهُمْ کَانَتْ لَنَا دُونَهُمْ وَ إِلاَّ فَالْأَنْصَارُ عَلَی دَعْوَتِهِمْ .

و نحو هذا المعنی قول العبّاس لأبی بکر و أمّا قولک نحن شجرة رسول اللّه ص فإنکم جیرانها و نحن أغصانها

وَ لاَ یُعِزُّوا دِینَهُ وَ لاَ یَدْفَعُوا عَنْهُ عِدَاهُ حَتَّی أَرَادَ اللَّهُ بِکُمْ خَیْرَ الْفَضِیلَةِ وَ سَاقَ إِلَیْکُمُ الْکَرَامَةَ وَ خَصَّکُمْ بِدِینِهِ وَ رَزَقَکُمُ الْإِیمَانَ بِهِ وَ بِرَسُولِهِ وَ الْإِعْزَازَ لِدِینِهِ وَ الْجِهَادَ لِأَعْدَائِهِ فَکُنْتُمْ أَشَدَّ النَّاسِ عَلَی مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ مِنْکُمْ وَ أَثْقَلَهُ عَلَی عَدُوِّهِ مِنْ غَیْرِکُمْ حَتَّی اسْتَقَامُوا لِأَمْرِ اللَّهِ طَوْعاً وَ کَرْهاً وَ أَعْطَی الْبَعِیدُ الْمَقَادَةَ صَاغِراً دَاخِراً (1) حَتَّی أَنْجَزَ اللَّهُ لِنَبِیِّکُمُ الْوَعْدَ وَ دَانَتْ لِأَسْیَافِکُمُ اَلْعَرَبُ ثُمَّ تَوَفَّاهُ اللَّهُ تَعَالَی وَ هُوَ عَنْکُمْ رَاضٍ وَ بِکُمْ قَرِیرُ عَیْنٍ فَشُدُّوا یَدَیْکُمْ بِهَذَا الْأَمْرِ فَإِنَّکُمْ أَحَقُّ النَّاسِ وَ أَوْلاَهُمْ بِهِ.

فَأَجَابُوا جَمِیعاً أَنْ وُفِّقْتَ فِی الرَّأْیِ وَ أَصَبْتَ فِی الْقَوْلِ وَ لَنْ نَعْدُوَ مَا أَمَرْتَ نُوَلِّیکَ هَذَا الْأَمْرَ فَأَنْتَ لَنَا مَقْنَعٌ وَ لِصَالِحِ الْمُؤْمِنِینَ رِضًا.

ثُمَّ إِنَّهُمْ تَرَادُّوا الْکَلاَمَ بَیْنَهُمْ فَقَالُوا إِنْ أَبَتْ مُهَاجِرَةُ قُرَیْشٍ فَقَالُوا نَحْنُ اَلْمُهَاجِرُونَ وَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ص الْأَوَّلُونَ وَ نَحْنُ عَشِیرَتُهُ وَ أَوْلِیَاؤُهُ فَعَلاَمَ تُنَازِعُونَنَا هَذَا الْأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ إِذًا نَقُولُ مِنَّا أَمِیرٌ وَ مِنْکُمْ أَمِیرٌ لَنْ نَرْضَی بِدُونِ هَذَا مِنْهُمْ أَبَداً لَنَا فِی الْإِیوَاءِ وَ النُّصْرَةِ مَا لَهُمْ فِی الْهِجْرَةِ وَ لَنَا فِی کِتَابِ اللَّهِ مَا لَهُمْ فَلَیْسُوا یَعُدُّونَ شَیْئاً إِلاَّ وَ نَعُدُّ مِثْلَهُ وَ لَیْسَ مِنْ رَأْیِنَا الاِسْتِئْثَارُ عَلَیْهِمْ فَمِنَّا أَمِیرٌ وَ مِنْهُمْ أَمِیرٌ.

فَقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ هَذَا أَوَّلُ الْوَهْنِ.

وَ أَتَی الْخَبَرُ عُمَرَ فَأَتَی مَنْزِلَ رَسُولِ اللَّهِ ص فَوَجَدَ أَبَا بَکْرٍ فِی الدَّارِ وَ عَلِیّاً فِی جَهَازِ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ کَانَ الَّذِی أَتَاهُ بِالْخَبَرِ مَعْنَ بْنَ عَدِیٍّ فَأَخَذَ بِیَدِ عُمَرَ وَ قَالَ قُمْ فَقَالَ عُمَرُ إِنِّی عَنْکَ مَشْغُولٌ فَقَالَ إِنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْ قِیَامٍ فَقَامَ مَعَهُ فَقَالَ لَهُ إِنَّ هَذَا الْحَیَّ مِنَ اَلْأَنْصَارِ قَدِ اجْتَمَعُوا فِی سَقِیفَةِ بَنِی سَاعِدَةَ مَعَهُمْ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ یَدُورُونَ حَوْلَهُ وَ یَقُولُونَ أَنْتَ الْمُرَجَّی وَ نَجْلُکَ الْمُرَجَّی وَ ثَمَّ أُنَاسٌ مِنْ

ص :6

أَشْرَافِهِمْ وَ قَدْ خَشِیتُ الْفِتْنَةَ فَانْظُرْ یَا عُمَرُ مَا ذَا تَرَی وَ اذْکُرْ لِإِخْوَتِکَ مِنَ اَلْمُهَاجِرِینَ وَ اخْتَارُوا لِأَنْفُسِکُمْ فَإِنِّی أَنْظُرُ إِلَی بَابِ فِتْنَةٍ قَدْ فُتِحَ السَّاعَةَ إِلاَّ أَنْ یُغْلِقَهُ اللَّهُ فَفَزِعَ عُمَرُ أَشَدَّ الْفَزَعِ حَتَّی أَتَی أَبَا بَکْرٍ فَأَخَذَ بِیَدِهِ فَقَالَ قُمْ فَقَالَ أَبُو بَکْرٍ إِنِّی عَنْکَ مَشْغُولٌ فَقَالَ عُمَرُ لاَ بُدَّ مِنْ قِیَامٍ وَ سَنَرْجِعُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

فَقَامَ أَبُو بَکْرٍ مَعَ عُمَرَ فَحَدَّثَهُ الْحَدِیثَ فَفَزِعَ أَبُو بَکْرٍ أَشَدَّ الْفَزَعِ وَ خَرَجَا مُسْرِعَیْنِ إِلَی سَقِیفَةِ بَنِی سَاعِدَةَ وَ فِیهَا رِجَالٌ مِنْ أَشْرَافِ اَلْأَنْصَارِ وَ مَعَهُمْ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَ هُوَ مَرِیضٌ بَیْنَ أَظْهُرِهِمْ فَأَرَادَ عُمَرُ أَنْ یَتَکَلَّمَ وَ یُمَهِّدَ لِأَبِی بَکْرٍ وَ قَالَ خَشِیتُ أَنْ یُقَصِّرَ أَبُو بَکْرٍ عَنْ بَعْضِ الْکَلاَمِ فَلَمَّا نَبَسَ (1) عُمَرُ کَفَّهُ أَبُو بَکْرٍ وَ قَالَ عَلَی رِسْلِکَ فَتَلَقَّ الْکَلاَمَ ثُمَّ تَکَلَّمْ بَعْدَ کَلاَمِی بِمَا بَدَا لَکَ فَتَشَهَّدَ أَبُو بَکْرٍ ثُمَّ قَالَ.

إِنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بَعَثَ مُحَمَّداً بِالْهُدیٰ وَ دِینِ الْحَقِّ فَدَعَا إِلَی اَلْإِسْلاَمِ فَأَخَذَ اللَّهُ بِقُلُوبِنَا وَ نَوَاصِینَا إِلَی مَا دَعَانَا إِلَیْهِ وَ کُنَّا مَعَاشِرَ اَلْمُسْلِمِینَ اَلْمُهَاجِرِینَ أَوَّلَ النَّاسِ إِسْلاَماً وَ النَّاسُ لَنَا فِی ذَلِکَ تَبَعٌ وَ نَحْنُ عَشِیرَةُ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ أَوْسَطُ اَلْعَرَبِ أَنْسَاباً لَیْسَ مِنْ قَبَائِلِ اَلْعَرَبِ إِلاَّ وَ لِقُرَیْشٍ فِیهَا وِلاَدَةً وَ أَنْتُمْ أَنْصَارُ اللَّهِ وَ أَنْتُمْ نَصَرْتُمْ رَسُولَ اللَّهِ ص ثُمَّ أَنْتُمْ وُزَرَاءُ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ إِخْوَانُنَا فِی کِتَابِ اللَّهِ وَ شُرَکَاؤُنَا فِی الدِّینِ وَ فِیمَا کُنَّا فِیهِ مِنْ خَیْرٍ فَأَنْتُمْ أَحَبُّ النَّاسُ إِلَیْنَا وَ أَکْرَمُهُمْ عَلَیْنَا وَ أَحَقُّ النَّاسِ بِالرِّضَا بِقَضَاءِ اللَّهِ وَ التَّسْلِیمِ لِمَا سَاقَ اللَّهُ إِلَی إِخْوَانِکُمْ مِنَ اَلْمُهَاجِرِینَ وَ أَحَقُّ النَّاسِ أَلاَّ تَحْسُدُوهُمْ فَأَنْتُمُ الْمُؤْثِرُونَ عَلَی أَنْفُسِهِمْ حِینَ الْخَصَاصَةِ وَ أَحَقُّ النَّاسِ أَلاَّ یَکُونَ انْتِقَاضُ هَذَا الدِّینِ وَ اخْتِلاَطُهُ عَلَی أَیْدِیکُمْ وَ أَنَا أَدْعُوکُمْ إِلَی أَبِی عُبَیْدَةَ وَ عُمَرَ فَکِلاَهُمَا قَدْ رَضِیتُ لِهَذَا الْأَمْرِ وَ کِلاَهُمَا أَرَاهُ لَهُ أَهْلاً.

ص :7

فَقَالَ عُمَرُ وَ أَبُو عُبَیْدَةَ مَا یَنْبَغِی لِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ أَنْ یَکُونَ فَوْقَکَ أَنْتَ صَاحِبُ اَلْغَارِ ثٰانِیَ اثْنَیْنِ وَ أَمَرَکَ رَسُولُ اللَّهِ بِالصَّلاَةِ فَأَنْتَ أَحَقُّ النَّاسِ بِهَذَا الْأَمْرِ.

فَقَالَ اَلْأَنْصَارُ وَ اللَّهِ مَا نَحْسُدُکُمْ عَلَی خَیْرٍ سَاقَهُ اللَّهُ إِلَیْکُمْ وَ لاَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَیْنَا وَ لاَ أَرْضَی عِنْدَنَا مِنْکُمْ وَ لَکِنَّا نُشْفِقُ فِیمَا بَعْدَ هَذَا الْیَوْمِ وَ نَحْذَرُ أَنْ یَغْلِبَ عَلَی هَذَا الْأَمْرِ مَنْ لَیْسَ مِنَّا وَ لاَ مِنْکُمْ فَلَوْ جَعَلْتُمُ الْیَوْمَ رَجُلاً مِنْکُمْ بَایَعْنَا وَ رَضِینَا عَلَی أَنَّهُ إِذَا هَلَکَ اخْتَرْنَا وَاحِداً مِنَ اَلْأَنْصَارِ فَإِذَا هَلَکَ کَانَ آخَرُ مِنَ اَلْمُهَاجِرِینَ أَبَداً مَا بَقِیَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ کَانَ ذَلِکَ أَجْدَرَ أَنْ نَعْدِلَ (1) فِی أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ص فَیُشْفِقَ الْأَنْصَارِیُّ أَنْ یَزِیغَ فَیَقْبِضَ عَلَیْهِ الْقُرَشِیُّ وَ یُشْفِقَ الْقُرَشِیُّ أَنْ یَزِیغَ فَیَقْبِضَ عَلَیْهِ الْأَنْصَارِیُّ.

فَقَامَ أَبُو بَکْرٍ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص لَمَّا بُعِثَ عَظُمَ عَلَی اَلْعَرَبِ أَنَّ یَتْرُکُوا دِینَ آبَائِهِمْ فَخَالَفُوهُ وَ شَاقُّوهُ وَ خَصَّ اللَّهُ اَلْمُهَاجِرِینَ الْأَوَّلِینَ مِنْ قَوْمِهِ بِتَصْدِیقِهِ وَ الْإِیمَانِ بِهِ وَ الْمُوَاسَاةِ لَهُ وَ الصَّبْرِ مَعَهُ عَلَی شِدَّةِ أَذَی قَوْمِهِ وَ لَمْ یَسْتَوْحِشُوا لِکَثْرَةِ عَدُوِّهِمْ فَهُمْ أَوَّلُ مَنْ عَبَدَ اللَّهَ فِی الْأَرْضِ وَ هُمْ أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِرَسُولِ اللَّهِ وَ هُمْ أَوْلِیَاؤُهُ وَ عِتْرَتُهُ وَ أَحَقُّ النَّاسِ بِالْأَمْرِ بَعْدَهُ لاَ یُنَازِعُهُمْ فِیهِ إِلاَّ ظَالِمٌ وَ لَیْسَ أَحَدٌ بَعْدَ اَلْمُهَاجِرِینَ فَضْلاً وَ قَدَماً فِی اَلْإِسْلاَمِ مِثْلَکُمْ فَنَحْنُ الْأُمَرَاءُ وَ أَنْتُمُ الْوُزَرَاءُ لاَ نَمْتَازُ دُونَکُمْ بِمَشُورَةٍ وَ لاَ نَقْضِی دُونَکُمُ الْأُمُورَ.

فَقَامَ اَلْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ الْجَمُوحِ فَقَالَ یَا مَعْشَرَ اَلْأَنْصَارِ امْلِکُوا عَلَیْکُمْ أَیْدِیَکُمْ إِنَّمَا النَّاسُ فِی فَیْئِکُمْ وَ ظِلِّکُمْ وَ لَنْ یَجْتَرِئَ مُجْتَرِئٌ عَلَی خِلاَفِکُمْ وَ لاَ یَصْدُرُ النَّاسُ إِلاَّ عَنْ أَمْرِکُمْ أَنْتُمْ أَهْلُ الْإِیوَاءِ وَ النُّصْرَةِ وَ إِلَیْکُمْ کَانَتِ الْهِجْرَةُ وَ أَنْتُمْ أَصْحَابُ الدَّارِ وَ الْإِیمَانِ وَ اللَّهِ مَا عُبِدَ اللَّهُ عَلاَنِیَةً إِلاَّ عِنْدَکُمْ وَ فِی بِلاَدِکُمْ

ص :8

وَ لاَ جُمِعَتِ الصَّلاَةُ إِلاَّ فِی مَسَاجِدِکُمْ وَ لاَ عُرِفَ الْإِیمَانُ إِلاَّ مِنْ أَسْیَافِکُمْ فَامْلِکُوا عَلَیْکُمْ أَمْرَکُمْ فَإِنْ أَبَی هَؤُلاَءِ فَمِنَّا أَمِیرٌ وَ مِنْهُمْ أَمِیرٌ.

فَقَالَ عُمَرُ هَیْهَاتَ لاَ یَجْتَمِعُ سَیْفَانِ فِی غِمْدٍ إِنَّ اَلْعَرَبَ لاَ تَرْضَی أَنْ تُؤَمِّرَکُمْ وَ نَبِیُّهَا مِنْ غَیْرِکُمْ وَ لَیْسَ تَمْتَنِعُ اَلْعَرَبُ أَنْ تُوَلِّیَ أَمْرَهَا مَنْ کَانَتِ النُّبُوَّةُ فِیهِمْ وَ أُولُو الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَنَا بِذَلِکَ الْحُجَّةُ الظَّاهِرَةُ عَلَی مَنْ خَالَفَنَا وَ السُّلْطَانُ الْمُبِینُ عَلَی مَنْ نَازَعَنَا مَنْ ذَا یُخَاصِمُنَا فِی سُلْطَانِ مُحَمَّدٍ وَ مِیرَاثِهِ وَ نَحْنُ أَوْلِیَاؤُهُ وَ عَشِیرَتُهُ إِلاَّ مُدْلٍ بِبَاطِلٍ أَوْ مُتَجَانِفٌ لِإِثْمٍ أَوْ مُتَوَرِّطٌ فِی هَلَکَةٍ.

فَقَامَ اَلْحُبَابُ وَ قَالَ یَا مَعْشَرَ اَلْأَنْصَارِ لاَ تَسْمَعُوا مَقَالَةَ هَذَا وَ أَصْحَابِهِ فَیَذْهَبُوا بِنَصِیبِکُمْ مِنَ الْأَمْرِ فَإِنْ أَبَوْا عَلَیْکُمْ مَا أَعْطَیْتُمُوهُمْ فَأَجْلُوهُمْ عَنْ بِلاَدِکُمْ وَ تَوَلَّوْا هَذَا الْأَمْرَ عَلَیْهِمْ فَأَنْتُمْ أَوْلَی النَّاسِ بِهَذَا الْأَمْرِ إِنَّهُ دَانَ لِهَذَا الْأَمْرِ بِأَسْیَافِکُمْ مَنْ لَمْ یَکُنْ یَدِینُ لَهُ أَنَا جُذَیْلُهَا الْمُحَکَّکُ وَ عُذَیْقُهَا الْمُرَجَّبُ (1) إِنْ شِئْتُمْ لَنُعِیدَنَّهَا جَذَعَةً (2) وَ اللَّهِ لاَ یَرُدُّ أَحَدٌ عَلَیَّ مَا أَقُولُ إِلاَّ حَطَمْتُ أَنْفَهُ بِالسَّیْفِ.

قَالَ فَلَمَّا رَأَی بَشِیرُ بْنُ سَعْدٍ الْخَزْرَجِیُّ مَا اجْتَمَعَتْ عَلَیْهِ اَلْأَنْصَارُ مِنْ تَأْمِیرِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ وَ کَانَ حَاسِداً لَهُ وَ کَانَ مِنْ سَادَةِ اَلْخَزْرَجِ قَامَ فَقَالَ أَیُّهَا اَلْأَنْصَارُ إِنَّا وَ إِنْ کُنَّا ذَوِی سَابِقَةٍ فَإِنَّا لَمْ نُرِدْ بِجِهَادِنَا وَ إِسْلاَمِنَا إِلاَّ رِضَا رَبِّنَا وَ طَاعَةِ نَبِیِّنَا وَ لاَ یَنْبَغِی لَنَا أَنْ نَسْتَطِیلَ بِذَلِکَ عَلَی النَّاسِ وَ لاَ نَبْتَغِی بِهِ عِوَضاً

ص :9

مِنَ الدُّنْیَا إِنَّ مُحَمَّداً ص رَجُلٌ مِنْ قُرَیْشٍ وَ قَوْمُهُ أَحَقُّ بِمِیرَاثِ أَمْرِهِ وَ أَیْمُ اللَّهِ لاَ یَرَانِیَ اللَّهُ أُنَازِعُهُمْ هَذَا الْأَمْرَ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ لاَ تُنَازِعُوهُمْ وَ لاَ تُخَالِفُوهُمْ.

فَقَامَ أَبُو بَکْرٍ وَ قَالَ هَذَا عُمَرُ وَ أَبُو عُبَیْدَةَ بَایِعُوا أَیَّهُمَا شِئْتُمْ فَقَالاَ وَ اللَّهِ لاَ نَتَوَلَّی هَذَا الْأَمْرَ عَلَیْکَ وَ أَنْتَ أَفْضَلُ اَلْمُهَاجِرِینَ وَ ثٰانِی اثْنَیْنِ وَ خَلِیفَةُ رَسُولِ اللَّهِ ص عَلَی الصَّلاَةِ وَ الصَّلاَةُ أَفْضَلُ الدِّینِ ابْسُطْ یَدَکَ نُبَایِعْکَ.

فَلَمَّا بَسَطَ یَدَهُ وَ ذَهَبَا یُبَایِعَانِهِ سَبَقَهُمَا بَشِیرُ بْنُ سَعْدٍ فَبَایَعَهُ فَنَادَاهُ اَلْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ یَا بَشِیرُ عَقَّکَ عَقَاقِ (1) وَ اللَّهِ مَا اضْطَرَّکَ إِلَی هَذَا الْأَمْرِ إِلاَّ الْحَسَدُ لاِبْنِ عَمِّکَ.

وَ لَمَّا رَأَتِ اَلْأَوْسُ أَنْ رَئِیساً مِنْ رُؤَسَاءِ اَلْخَزْرَجِ قَدْ بَایَعَ قَامَ أُسَیْدُ بْنُ حُضَیْرٍ وَ هُوَ رَئِیسُ اَلْأَوْسِ فَبَایَعَ حَسَداً لِسَعْدٍ أَیْضاً وَ مُنَافَسَةً لَهُ أَنْ یَلِیَ الْأَمْرَ فَبَایَعَتِ اَلْأَوْسُ کُلُّهَا لَمَا بَایَعَ أُسَیْدٌ وَ حُمِلَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَ هُوَ مَرِیضٌ فَأُدْخِلَ إِلَی مَنْزِلِهِ فَامْتَنَعَ مِنَ الْبَیْعَةِ فِی ذَلِکَ الْیَوْمِ وَ فِیمَا بَعْدَهُ وَ أَرَادَ عُمَرُ أَنْ یُکْرِهَهُ عَلَیْهَا فَأُشِیرَ عَلَیْهِ أَلاَّ یَفْعَلَ وَ أَنَّهُ لاَ یُبَایِعُ حَتَّی یُقْتَلَ وَ أَنَّهُ لاَ یُقْتَلُ حَتَّی یُقْتَلَ أَهْلُهُ وَ لاَ یُقْتَلُ أَهْلُهُ حَتَّی یُقْتَلَ اَلْخَزْرَجُ وَ إِنْ حُورِبَتِ اَلْخَزْرَجُ کَانَتِ اَلْأَوْسُ مَعَهَا.

وَ فَسَدَ الْأَمْرُ فَتَرَکُوهُ فَکَانَ لاَ یُصَلِّی بِصَلاَتِهِمْ وَ لاَ یَجْمَعُ بِجَمَاعَتِهِمْ وَ لاَ یَقْضِی بِقَضَائِهِمْ وَ لَوْ وَجَدَ أَعْوَاناً لَضَارَبَهُمْ فَلَمْ یَزَلْ کَذَلِکَ حَتَّی مَاتَ أَبُو بَکْرٍ ثُمَّ لَقِیَ عُمَرَ فِی خِلاَفَتِهِ وَ هُوَ عَلَی فَرَسٍ وَ عُمَرُ عَلَی بَعِیرٍ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ هَیْهَاتَ یَا سَعْدُ فَقَالَ سَعْدٌ هَیْهَاتَ یَا عُمَرُ فَقَالَ أَنْتَ صَاحِبُ مَنْ أَنْتَ صَاحِبُهُ قَالَ نَعَمْ أَنَا ذَاکَ ثُمَّ قَالَ لِعُمَرَ وَ اللَّهِ مَا جَاوَرَنِی أَحَدٌ هُوَ أَبْغَضُ إِلَیَّ جِوَاراً مِنْکَ قَالَ عُمَرُ فَإِنَّهُ مَنْ کَرِهَ جِوَارَ رَجُلٍ انْتَقَلَ عَنْهُ فَقَالَ سَعْدٌ إِنِّی لَأَرْجُو أَنْ أُخَلِّیَهَا لَکَ عَاجِلاً إِلَی جِوَارِ مَنْ هُوَ أَحَبُّ إِلَیَّ

ص :10

جِوَاراً مِنْکَ وَ مِنْ أَصْحَابِکَ فَلَمْ یَلْبَثْ سَعْدٌ بَعْدَ ذَلِکَ إِلاَّ قَلِیلاً حَتَّی خَرَجَ إِلَی اَلشَّامِ فَمَاتَ بِحُورَانَ وَ لَمْ یُبَایِعْ لِأَحَدٍ لاَ لِأَبِی بَکْرٍ وَ لاَ لِعُمَرَ وَ لاَ لِغَیْرِهِمَا.

قَالَ وَ کَثُرَ النَّاسُ عَلَی أَبِی بَکْرٍ فَبَایَعَهُ مُعْظَمُ اَلْمُسْلِمِینَ فِی ذَلِکَ الْیَوْمِ وَ اجْتَمَعَتْ بَنُو هَاشِمٍ إِلَی بَیْتِ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ وَ مَعَهُمُ اَلزُّبَیْرُ وَ کَانَ یَعُدُّ نَفْسَهُ رَجُلاً مِنْ بَنِی هَاشِمٍ کَانَ عَلِیٌّ یَقُولُ مَا زَالَ اَلزُّبَیْرُ مِنَّا أَهْلَ الْبَیْتِ حَتَّی نَشَأَ بَنُوهُ فَصَرَفُوهُ عَنَّا .

وَ اجْتَمَعَتْ بَنُو أُمَیَّةَ إِلَی عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَ اجْتَمَعَتْ بَنُو زُهْرَةَ إِلَی سَعْدٍ وَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَأَقْبَلَ عُمَرُ إِلَیْهِمْ وَ أَبُو عُبَیْدَةَ فَقَالَ مَا لِی أَرَاکُمْ مُلْتَاثِینَ قُومُوا فَبَایِعُوا أَبَا بَکْرٍ فَقَدْ بَایَعَ لَهُ النَّاسُ وَ بَایَعَهُ اَلْأَنْصَارُ فَقَامَ عُثْمَانُ وَ مَنْ مَعَهُ وَ قَامَ سَعْدٌ وَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَ مَنْ مَعَهُمَا فَبَایَعُوا أَبَا بَکْرٍ .وَ ذَهَبَ عُمَرُ وَ مَعَهُ عِصَابَةٌ إِلَی بَیْتِ فَاطِمَةَ مِنْهُمْ أُسَیْدُ بْنُ حُضَیْرٍ وَ سَلَمَةُ بْنُ أَسْلَمَ فَقَالَ لَهُمُ انْطَلِقُوا فَبَایِعُوا فَأَبَوْا عَلَیْهِ وَ خَرَجَ إِلَیْهِمُ اَلزُّبَیْرُ بِسَیْفِهِ فَقَالَ عُمَرُ عَلَیْکُمُ الْکَلْبَ فَوَثَبَ عَلَیْهِ سَلَمَةُ بْنُ أَسْلَمَ فَأَخَذَ السَّیْفَ مِنْ یَدِهِ فَضَرَبَ بِهِ الْجِدَارَ ثُمَّ انْطَلَقُوا بِهِ وَ بِعَلِیٍّ وَ مَعَهَا بَنُو هَاشِمٍ وَ عَلِیٌّ یَقُولُ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَ أَخُو رَسُولِ اللَّهِ ص حَتَّی انْتَهَوْا بِهِ إِلَی أَبِی بَکْرٍ فَقِیلَ لَهُ بَایِعْ فَقَالَ أَنَا أَحَقُّ بِهَذَا الْأَمْرِ مِنْکُمْ لاَ أُبَایِعُکُمْ وَ أَنْتُمْ أَوْلَی بِالْبَیْعَةِ لِی أَخَذْتُمْ هَذَا الْأَمْرَ مِنَ اَلْأَنْصَارِ وَ احْتَجَجْتُمْ عَلَیْهِمْ بِالْقَرَابَةِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ فَأَعْطَوْکُمُ الْمَقَادَةَ وَ سَلَّمُوا إِلَیْکُمُ الْإِمَارَةَ وَ أَنَا أَحْتَجُّ عَلَیْکُمْ بِمِثْلِ مَا احْتَجَجْتُمْ بِهِ عَلَی اَلْأَنْصَارِ فَأَنْصِفُونَا إِنْ کُنْتُمْ تَخَافُونَ اللَّهَ مِنْ أَنْفُسِکُمْ وَ اعْرِفُوا لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِثْلَ مَا عَرَفَتِ اَلْأَنْصَارُ لَکُمْ وَ إِلاَّ فَبُوءُوا بِالظُّلْمِ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ .

فَقَالَ عُمَرُ إِنَّکَ لَسْتَ مَتْرُوکاً حَتَّی تُبَایِعَ فَقَالَ لَهُ عَلِیٌّ اِحْلِبْ یَا عُمَرُ حَلْباً لَکَ شَطْرُهُ اشْدُدْ (1) لَهُ الْیَوْمَ أَمْرَهُ لِیَرُدَّ عَلَیْکَ غَداً أَلاَ وَ اللَّهِ لاَ أَقْبَلُ قَوْلَکَ وَ لاَ أُبَایِعُهُ فَقَالَ لَهُ أَبُو بَکْرٍ

ص :11

فَإِنْ لَمْ تُبَایِعْنِی لَمْ أُکْرِهْکَ فَقَالَ لَهُ أَبُو عُبَیْدَةَ یَا أَبَا الْحَسَنِ إِنَّکَ حَدِیثُ السِّنِّ وَ هَؤُلاَءِ مَشِیخَةُ قُرَیْشٍ قَوْمِکَ لَیْسَ لَکَ مِثْلُ تَجْرِبَتِهِمْ وَ مَعْرِفَتِهِمْ بِالْأُمُورِ وَ لاَ أَرَی أَبَا بَکْرٍ إِلاَّ أَقْوَی عَلَی هَذَا الْأَمْرِ مِنْکَ وَ أَشَدَّ احْتِمَالاً لَهُ وَ اضْطِلاَعاً بِهِ فَسَلِّمْ لَهُ هَذَا الْأَمْرَ وَ ارْضَ بِهِ فَإِنَّکَ إِنْ تَعِشْ وَ یَطُلْ عُمُرُکَ فَأَنْتَ لِهَذَا الْأَمْرِ خَلِیقٌ وَ بِهِ حَقِیقٌ فِی فَضْلِکَ وَ قَرَابَتِکَ وَ سَابِقَتِکَ وَ جِهَادِکَ.

فَقَالَ عَلِیٌّ یَا مَعْشَرَ اَلْمُهَاجِرِینَ اللَّهَ اللَّهَ لاَ تُخْرِجُوا سُلْطَانَ مُحَمَّدٍ عَنْ دَارِهِ وَ بَیْتِهِ إِلَی بُیُوتِکُمْ وَ دُورِکُمْ وَ لاَ تَدْفَعُوا أَهْلَهُ عَنْ مَقَامِهِ فِی النَّاسِ وَ حَقِّهِ فَوَ اللَّهِ یَا مَعْشَرَ اَلْمُهَاجِرِینَ لَنَحْنُ أَهْلَ الْبَیْتِ أَحَقُّ بِهَذَا الْأَمْرِ مِنْکُمْ أَ مَا کَانَ مِنَّا الْقَارِئُ لِکِتَابِ اللَّهِ الْفَقِیهُ فِی دِینِ اللَّهِ الْعَالِمُ بِالسُّنَّةِ الْمُضْطَلِعُ بِأَمْرِ الرَّعِیَّةِ وَ اللَّهِ إِنَّهُ لَفِینَا فَلاٰ تَتَّبِعُوا الْهَویٰ فَتَزْدَادُوا مِنَ الْحَقِّ بُعْداً .

فَقَالَ بَشِیرُ بْنُ سَعْدٍ لَوْ کَانَ هَذَا الْکَلاَمُ سَمِعَتْهُ مِنْکَ اَلْأَنْصَارُ یَا عَلِیُّ قَبْلَ بَیْعَتِهِمْ لِأَبِی بَکْرٍ مَا اخْتَلَفَ عَلَیْکَ اثْنَانِ وَ لَکِنَّهُمْ قَدْ بَایَعُوا وَ انْصَرَفَ عَلِیٌّ إِلَی مَنْزِلِهِ وَ لَمْ یُبَایِعْ وَ لَزِمَ بَیْتَهُ حَتَّی مَاتَتْ فَاطِمَةُ فَبَایَعَ

.

قلت هذا الحدیث یدلّ علی بطلان ما یدعی من النصّ علی أمیر المؤمنین و غیره لأنّه لو کان هناک نص صریح لاحتج به و لم یجر للنص ذکر و إنّما کان الاحتجاج منه و من أبی بکر و من الأنصار بالسوابق و الفضائل و القرب فلو کان هناک نص علی أمیر المؤمنین أو علی أبی بکر لاحتج به أبو بکر أیضا علی الأنصار و لاحتج به أمیر المؤمنین علی أبی بکر فإن هذا الخبر و غیره من الأخبار المستفیضة یدلّ علی أنّه قد کان کاشفهم و هتک القناع بینه و بینهم أ لا تراه کیف نسبهم إلی التعدی علیه و ظلمه و تمنّع من طاعتهم

ص :12

و أسمعهم من الکلام أشده و أغلظه فلو کان هناک نص لذکره أو ذکره بعض من کان من شیعته و حزبه لأنّه لا عطر بعد عروس.

و هذا أیضا یدلّ علی أن الخبر المروی فی أبی بکر فی صحیحی البخاری و مسلم غیر صحیح

1045

وَ هُوَ مَا رُوِیَ مِنْ قَوْلِهِ ع لِعَائِشَةَ فِی مَرَضِهِ ادْعِی لِی أَبَاکِ حَتَّی أَکْتُبَ لِأَبِی بَکْرٍ کِتَاباً فَإِنِّی أَخَافُ أَنْ یَقُولَ قَائِلٌ أَوْ یَتَمَنَّی مُتَمَنٍّ وَ یَأْبَی اللَّهُ وَ الْمُؤْمِنُونَ إِلاَّ أَبَا بَکْرٍ .

و هذا هو نص مذهب المعتزلة .

1046

1,15- وَ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِیزِ الْجَوْهَرِیُّ أَیْضاً حَدَّثَنَا أَحْمَدُ وَ قَالَ حَدَّثَنَا اِبْنُ عُفَیْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوْفٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیٍّ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ عَلِیّاً حَمَلَ فَاطِمَةَ عَلَی حِمَارٍ وَ سَارَ بِهَا لَیْلاً إِلَی بُیُوتِ اَلْأَنْصَارِ یَسْأَلُهُمُ النُّصْرَةَ وَ تَسْأَلُهُمْ فَاطِمَةُ الاِنْتِصَارَ لَهُ فَکَانُوا یَقُولُونَ یَا بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ قَدْ مَضَتْ بَیْعَتُنَا لِهَذَا الرَّجُلِ لَوْ کَانَ اِبْنُ عَمِّکِ سَبَقَ إِلَیْنَا أَبَا بَکْرٍ مَا عَدَلْنَا بِهِ فَقَالَ عَلِیٌّ أَ کُنْتُ أَتْرُکُ رَسُولَ اللَّهِ مَیِّتاً فِی بَیْتِهِ لاَ أُجَهِّزُهُ وَ أَخْرُجُ إِلَی النَّاسِ أُنَازِعُهُمْ فِی سُلْطَانِهِ وَ قَالَتْ فَاطِمَةُ مَا صَنَعَ أَبُو حَسَنٍ إِلاَّ مَا کَانَ یَنْبَغِی لَهُ وَ صَنَعُوا هُمْ مَا اللَّهُ حَسْبُهُمْ عَلَیْهِ

.

1047

14- وَ قَالَ أَبُو بَکْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِیزِ وَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ حَدَّثَنِی سَعِیدُ بْنُ کَثِیرٍ قَالَ حَدَّثَنِی اِبْنُ لَهِیعَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص لَمَّا مَاتَ وَ أَبُو ذَرٍّ غَائِبٌ وَ قَدِمَ وَ قَدْ وُلِّیَ أَبُو بَکْرٍ فَقَالَ أَصَبْتُمْ قِنَاعَهُ وَ تَرَکْتُمْ قِرَابَهُ لَوْ جَعَلْتُمْ هَذَا الْأَمْرَ فِی أَهْلِ بَیْتِ نَبِیِّکُمْ لَمَّا اخْتَلَفَ عَلَیْکُمُ اثْنَانِ

.

ص :13

1048

14,1- قَالَ أَبُو بَکْرٍ وَ أَخْبَرَنَا أَبُو زَیْدٍ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو قَبِیصَةَ مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ لَمَّا تُوُفِّیَ اَلنَّبِیُّ ص وَ جَرَی فِی اَلسَّقِیفَةِ مَا جَرَی تَمَثَّلَ عَلِیٌّ وَ أَصْبَحَ أَقْوَامٌ یَقُولُونَ مَا اشْتَهَوْا وَ یَطْغَوْنَ لَمَّا غَالَ زَیْداً غَوَائِلُهُ .

وَ فِیهَا تَصْرِیحٌ بِالرَّفْضِ مَعَ ذَلِکَ فَوَجَدَهَا اَلْقَادِرُ تَمْرَةَ (1) الْغُرَابِ وَ أَبْرَزَهَا إِلَی دِیوَانِ الْخِلاَفَةِ فَقُرِئَ الْمَجْمُوعُ وَ الْقَصِیدَةُ بِمَحْضَرٍ مِنْ أَعْیَانِ النَّاسِ مِنَ الْأَشْرَافِ وَ الْقُضَاةِ وَ الْمُعَدَّلِینَ وَ الْفُقَهَاءِ وَ یَشْهَدُ أَکْثَرُهُمْ أَنَّهُ خَطُّهُ وَ أَنَّهُمْ یَعْرِفُونَهُ کَمَا یَعْرِفُونَ وَجْهَهُ وَ أَمَرَ بِمُکَاتَبَةِ شَرَفِ الدَّوْلَةِ بِذَلِکَ فَإِلَی أَنْ وَصَلَ الْکِتَابُ إِلَی شَرَفِ الدَّوْلَةِ بِمَا جَرَی اتَّصَلَ الْخَبَرُ بِأَبِی الْقَاسِمِ قَبْلَ وُصُولِ الْکِتَابِ إِلَی شَرَفِ الدَّوْلَةِ فَهَرَبَ لَیْلاً وَ مَعَهُ بَعْضُ غِلْمَانِهِ وَ جَارِیَةٌ کَانَ یَهْوَاهَا وَ یَتَحَظَّاهَا وَ مَضَی إِلَی اَلْبَطِیحَةِ ثُمَّ مِنْهَا إِلَی اَلْمَوْصِلِ ثُمَّ إِلَی اَلشَّامِ وَ مَاتَ فِی طَرِیقِهِ فَأَوْصَی أَنْ تُحْمَلَ جُثَّتُهُ إِلَی مَشْهَدِ عَلِیٍّ فَحُمِلَتْ فِی تَابُوتٍ وَ مَعَهَا خُفَرَاءُ اَلْعَرَبِ حَتَّی دُفِنَ (2) بِالْمَشْهَدِ بِالْقُرْبِ مِنْهُ ع (3) .

و کنت برهة أسأل النقیب أبا جعفر عن القصیدة و هو یدافعنی بها حتّی أملاها علی بعد حین و قد أوردت هاهنا بعضها لأنّی لم أستجز و لم أستحل إیرادها علی وجهها فمن جملتها و هو یذکر فی أولها رسول اللّه ص و یقول إنّه لو لا الأنصار لم تستقم لدعوته دعامة و لا أرست له قاعدة فی أبیات فاحشة کرهنا ذکرها نحن الذین بنا استجار فلم یضع

ص :15

ما عندنا إلاّ السیوف و أقبلا

ص :16

ما بین مأفون إلی متزندق

و مداهن و مضاعف و حمار.

فهذه الأبیات هی نظیف القصیدة التقطناها و حذفنا الفاحش و فی الملتقط المذکور أیضا ما لا یجوز و هو قوله نحن الذین بنا استجار.. و قوله ألقی بها بید.. و قوله فنجا بمهجته البیت.. و قوله عن أبی بکر عبد تیم و قوله لو لا علی لقلت فی الأربعة أنهم إستار لؤم و ذکره الثلاثة رضی اللّه عنهم بما ذکرهم و نسبهم إلیه و قوله إن علیا کالنبی فی الفضیلة-و قوله إن النبوّة حظ أعطیه و حرمه علی ع .فأما قوله فی بنی أمیّة ما بین مأفون البیت فمأخوذ من قول عبد الملک بن مروان و قد خطب فذکر الخلفاء من بنی أمیّة قبله فقال إنّی و اللّه لست بالخلیفة المستضعف و لا بالخلیفة المداهن و لا بالخلیفة المأفون عنی بالمستضعف عثمان و بالمداهن معاویة و بالمأفون یزید بن معاویة فزاد هذا الشاعر فیهم اثنین و هما المتزندق و هو الولید بن یزید بن عبد الملک و الحمار و هو مروان بن محمّد بن مروان

أَبَا حَسَنٍ فَاشْدُدْ بِهَا کَفَّ حَازِمٍ

فَقَالَ عَلِیٌّ لِأَبِی سُفْیَانَ إِنَّکَ تُرِیدُ أَمْراً لَسْنَا مِنْ أَصْحَابِهِ وَ قَدْ عَهِدَ إِلَیَّ رَسُولُ اللَّهِ ص عَهْداً فَأَنَا عَلَیْهِ فَتَرَکَهُ أَبُو سُفْیَانَ وَ عَدَلَ إِلَی اَلْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فِی مَنْزِلِهِ فَقَالَ یَا أَبَا الْفَضْلِ (1) أَنْتَ أَحَقُّ بِمِیرَاثِ اِبْنِ أَخِیکَ امْدُدْ یَدَکَ لِأُبَایِعَکَ فَلاَ یَخْتَلِفُ عَلَیْکَ النَّاسُ بَعْدَ بَیْعَتِی إِیَّاکَ فَضَحِکَ اَلْعَبَّاسُ وَ قَالَ یَا أَبَا سُفْیَانَ یَدْفَعُهَا عَلِیٌّ وَ یَطْلُبُهَا اَلْعَبَّاسُ فَرَجَعَ أَبُو سُفْیَانَ خَائِباً.

قَالَ اَلزُّبَیْرُ وَ ذَکَرَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ أَنَّ اَلْأَوْسَ تَزْعُمُ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ بَایَعَ أَبَا بَکْرٍ بَشِیرُ بْنُ سَعْدٍ وَ تَزْعُمُ اَلْخَزْرَجُ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ بَایَعَ أُسَیْدُ بْنُ حُضَیْرٍ

. قلت بشیر بن سعد خزرجی و أسید بن حضیر أوسی و إنّما تدافع الفریقان الروایتین تفادیا عن سعدبن عبادة و کراهیة کل حی منهما أن یکون نقض أمره جاء من جهة صاحبه فالخزرج هم أهله و قرابته لا یقرون أن بشیر بن سعد هو أول من بایع أبا بکر و أبطل أمر سعد بن عبادة و یحیلون بذلک علی أسید بن حضیر لأنّه من الأوس أعداء الخزرج و أما الأوس فتکره أیضا أن ینسب أسید إلی أنّه أول من نقض أمر سعد بن عبادة کی لا یرموه بالحسد للخزرج لأن سعدبن عبادة خزرجی فیحیلون بانتقاض أمره علی قبیلته و هم الخزرج و یقولون إن أول من بایع أبا بکر و نقض دعوة سعدبن عبادة بشیر بن سعد و کان بشیر أعور.

و الذی ثبت عندی أن أول من بایعه عمر ثم بشیر بن سعد ثم أسید بن حضیر ثم أبو عبیدة بن الجراح ثم سالم مولی أبی حذیفة .

ص :18

1051

قَالَ اَلزُّبَیْرُ وَ قَدْ کَانَ مَالَأَ أَبَا بَکْرٍ وَ عُمَرَ عَلَی نَقْضِ أَمْرِ سَعْدٍ وَ إِفْسَادِ حَالِهِ رَجُلاَنِ مِنَ اَلْأَنْصَارِ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْراً وَ هُمَا عُوَیْمُ بْنُ سَاعِدَةَ وَ مَعْنُ بْنُ عَدِیٍّ . قلت کان هذان الرجلان ذوی حبّ لأبی بکر فی حیاة رسول اللّه ص و اتفق مع ذلک بغض و شحناء کانت (1) بینهما و بین سعد بن عبادة و لها سبب مذکور فی کتاب القبائل لأبی عبیدة معمر بن المثنی فلیطلب من هناک.

1052

14- وَ عُوَیْمُ بْنُ سَاعِدَةَ هُوَ الْقَائِلُ لَمَّا نَصَبَ اَلْأَنْصَارُ سَعْداً یَا مَعْشَرَ اَلْخَزْرَجِ إِنْ کَانَ هَذَا الْأَمْرُ فِیکُمْ دُونَ قُرَیْشٍ فَعَرِّفُونَا ذَلِکَ وَ بَرْهِنُوا حَتَّی نُبَایِعَکُمْ عَلَیْهِ وَ إِنْ کَانَ لَهُمْ دُونَکُمْ فَسَلِّمُوا إِلَیْهِمْ فَوَ اللَّهِ مَا هَلَکَ رَسُولُ اللَّهِ ص حَتَّی عَرَفْنَا أَنَّ أَبَا بَکْرٍ خَلِیفَةٌ حِینَ أَمَرَهُ أَنْ یُصَلِّیَ بِالنَّاسِ فَشَتَمَهُ اَلْأَنْصَارُ وَ أَخْرَجُوهُ فَانْطَلَقَ مُسْرِعاً حَتَّی الْتَحَقَ بِأَبِی بَکْرٍ فَشَحَذَ عَزْمَهُ عَلَی طَلَبِ الْخِلاَفَةِ.

ذَکَرَ هَذَا بِعَیْنِهِ اَلزُّبَیْرُ بْنُ بَکَّارٍ فِی اَلْمُوَفَّقِیَّاتِ

.

1053

وَ ذَکَرَ اَلْمَدَائِنِیُّ وَ اَلْوَاقِدِیُّ أَنَّ مَعْنَ بْنَ عَدِیٍّ اتَّفَقَ هُوَ وَ عُوَیْمُ بْنُ سَاعِدَةَ عَلَی تَحْرِیضِ أَبِی بَکْرٍ وَ عُمَرُ عَلَی طَلَبِ الْأَمْرِ وَ صَرْفِهِ عَنِ اَلْأَنْصَارِ قَالاَ وَ کَانَ مَعْنُ بْنُ عَدِیٍّ یُشْخِصُهُمَا إِشْخَاصاً وَ یَسُوقُهُمَا سَوْقاً عَنِیفاً إِلَی اَلسَّقِیفَةِ مُبَادَرَةً إِلَی الْأَمْرِ قَبْلَ فَوَاتِهِ.

1054

14,1- قَالَ اَلزُّبَیْرُ بْنُ بَکَّارٍ فَلَمَّا بُویِعَ أَبُو بَکْرٍ أَقْبَلَتِ الْجَمَاعَةُ الَّتِی بَایَعَتْهُ تَزُفُّهُ زَفّاً إِلَی مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ ص فَلَمَّا کَانَ آخِرُ النَّهَارِ افْتَرَقُوا إِلَی مَنَازِلِهِمْ فَاجْتَمَعَ قَوْمٌ مِنَ اَلْأَنْصَارِ وَ قَوْمٌ مِنَ اَلْمُهَاجِرِینَ فَتَعَاتَبُوا فِیمَا بَیْنَهُمْ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ یَا مَعْشَرَ اَلْأَنْصَارِ إِنَّکُمْ وَ إِنْ کُنْتُمْ أُولِی فَضْلٍ وَ نَصْرٍ وَ سَابِقَةٍ وَ لَکِنْ لَیْسَ فِیکُمْ مِثْلُ أَبِی بَکْرٍ وَ لاَ عُمَرَ وَ لاَ عَلِیٍّ وَ لاَ أَبِی عُبَیْدَةَ فَقَالَ زَیْدُ بْنُ أَرْقَمَ إِنَّا لاَ نُنْکِرُ فَضْلَ مَنْ ذَکَرْتَ

ص :19

یَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَ إِنَّ مِنَّا لَسَیِّدُ اَلْأَنْصَارِ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَ مَنْ أَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ أَنْ یُقْرِئَهُ السَّلاَمَ وَ أَنْ یَأْخُذَ عَنْهُ اَلْقُرْآنَ أُبَیُّ بْنُ کَعْبٍ وَ مَنْ یَجِیءُ یَوْمَ الْقِیَامَةِ أَمَامَ الْعُلَمَاءِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَ مَنْ أَمْضَی رَسُولُ اللَّهِ ص شَهَادَتَهُ بِشَهَادَةِ رَجُلَیْنِ خُزَیْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ وَ إِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِمَّنْ سَمَّیْتَ مِنْ قُرَیْشٍ مَنْ لَوْ طَلَبَ هَذَا الْأَمْرَ لَمْ یُنَازِعْهُ فِیهِ أَحَدٌ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ .قَالَ اَلزُّبَیْرُ فَلَمَّا کَانَ مِنَ الْغَدِ قَامَ أَبُو بَکْرٍ فَخَطَبَ النَّاسَ وَ قَالَ أَیُّهَا النَّاسُ إِنِّی وُلِّیتُ أَمْرَکُمْ وَ لَسْتُ بِخَیْرِکُمْ فَإِذَا أَحْسَنْتُ فَأَعِینُونِی وَ إِنْ أَسَأْتُ فَقَوِّمُونِی إِنَّ لِی شَیْطَاناً یَعْتَرِینِی فَإِیَّاکُمْ وَ إِیَّایَ إِذَا غَضِبْتُ لاَ أُوثَرُ فِی أَشْعَارِکُمْ وَ أَبْشَارِکُمْ الصِّدْقُ أَمَانَةٌ وَ الْکَذِبُ خِیَانَةٌ وَ الضَّعِیفُ مِنْکُمْ قَوِیٌّ حَتَّی أَرُدَّ إِلَیْهِ حَقَّهُ وَ الْقَوِیُّ ضَعِیفٌ حَتَّی آخُذَ الْحَقَّ مِنْهُ إِنَّهُ لاَ یَدَعُ قَوْمٌ الْجِهَادَ إِلاَّ ضَرَبَهُمُ اللَّهُ بِالذُّلِّ وَ لاَ تَشِیعُ فِی قَوْمٍ الْفَاحِشَةُ إِلاَّ عَمَّهُمُ الْبَلاَءُ أَطِیعُونِی مَا أَطَعْتُ اللَّهَ فَإِذَا عَصَیْتُ فَلاَ طَاعَةَ لِی عَلَیْکُمْ قُومُوا إِلَی صَلاَتِکُمْ یَرْحَمُکُمُ اللَّهُ.

قَالَ اِبْنُ أَبِی عَبْرَةَ الْقُرَشِیُّ شُکْراً لِمَنْ هُوَ بِالثَّنَاءِ حَقِیقٌ

.

ص :20

1055

1- وَ رَوَی اَلزُّبَیْرُ بْنُ بَکَّارٍ قَالَ رَوَی مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ أَنَّ أَبَا بَکْرٍ لَمَّا بُویِعَ افْتَخَرَتْ تَیْمُ بْنُ مُرَّةَ قَالَ وَ کَانَ عَامَّةُ اَلْمُهَاجِرِینَ وَ جُلُّ اَلْأَنْصَارِ لاَ یَشُکُّونَ أَنَّ عَلِیّاً هُوَ صَاحِبُ الْأَمْرِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ ص فَقَالَ اَلْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ یَا مَعْشَرَ قُرَیْشٍ وَ خُصُوصاً یَا بَنِی تَیْمٍ إِنَّکُمْ إِنَّمَا أَخَذْتُمُ الْخِلاَفَةَ بِالنُّبُوَّةِ وَ نَحْنُ أَهْلُهَا دُونَکُمْ وَ لَوْ طَلَبْنَا هَذَا الْأَمْرَ الَّذِی نَحْنُ أَهْلُهُ لَکَانَتْ کَرَاهَةُ النَّاسِ لَنَا أَعْظَمَ مِنْ کَرَاهَتِهِمْ لِغَیْرِنَا حَسَداً مِنْهُمْ لَنَا وَ حِقْداً عَلَیْنَا وَ إِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ عِنْدَ صَاحِبِنَا عَهْداً هُوَ یَنْتَهِی إِلَیْهِ.

وَ قَالَ بَعْضُ وُلْدِ أَبِی لَهَبِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمِ شِعْراً مَا کُنْتُ أَحْسَبُ أَنَّ الْأَمْرَ مُنْصَرِفٌ

قَالَ اَلزُّبَیْرُ فَبَعَثَ إِلَیْهِ عَلِیٌّ فَنَهَاهُ وَ أَمَرَهُ أَلاَّ یَعُودَ وَ قَالَ سَلاَمَةُ الدِّینِ أَحَبُّ إِلَیْنَا مِنْ غَیْرِهِ .

ص :21

قَالَ اَلزُّبَیْرُ وَ کَانَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِیدِ شِیعَةً لِأَبِی بَکْرٍ وَ مِنَ الْمُنْحَرِفِینَ عَنْ عَلِیٍّ فَقَامَ خَطِیباً فَقَالَ أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّا رُمِینَا فِی بَدْءِ هَذَا الدِّینِ بِأَمْرٍ ثَقُلَ عَلَیْنَا وَ اللَّهِ مَحْمِلُهُ وَ صَعُبَ عَلَیْنَا مُرْتَقَاهُ وَ کُنَّا کَأَنَّا فِیهِ عَلَی أَوْتَارٍ ثُمَّ وَ اللَّهِ مَا لَبِثْنَا أَنْ خَفَّ عَلَیْنَا ثِقْلُهُ وَ ذَلَّ لَنَا صَعْبُهُ وَ عَجِبْنَا مِمَّنْ شَکَّ فِیهِ بَعْدَ عَجَبِنَا مِمَّنْ آمَنَ بِهِ حَتَّی أُمِرْنَا بِمَا کُنَّا نَنْهَی عَنْهُ وَ نُهِینَا عَمَّا کُنَّا نَأْمُرُ بِهِ وَ لاَ وَ اللَّهِ مَا سَبَقْنَا إِلَیْهِ بِالْعُقُولِ وَ لَکِنَّهُ التَّوْفِیقُ أَلاَ وَ إِنَّ الْوَحْیَ لَمْ یَنْقَطِعْ حَتَّی أَحْکَمُ وَ لَمْ یَذْهَبِ اَلنَّبِیُّ ص فَنَسْتَبْدِلَ بَعْدَهُ نَبِیّاً وَ لاَ بَعْدَ الْوَحْیِ وَحْیاً وَ نَحْنُ الْیَوْمَ أَکْثَرُ مِنَّا أَمْسِ وَ نَحْنُ أَمْسِ خَیْرٌ مِنَّا الْیَوْمَ مَنْ دَخَلَ فِی هَذَا الدِّینِ کَانَ ثَوَابُهُ عَلَی حَسَبِ عَمَلِهِ وَ مَنْ تَرَکَهُ رَدَدْنَاهُ إِلَیْهِ وَ إِنَّهُ وَ اللَّهِ مَا صَاحِبُ الْأَمْرِ یَعْنِی أَبَا بَکْرٍ بِالْمَسْئُولِ عَنْهُ وَ لاَ الْمُخْتَلَفِ فِیهِ وَ لاَ الْخَفِیِّ الشَّخْصِ وَ لاَ الْمَغْمُوزِ الْقَنَاةِ.

فَعَجِبَ النَّاسُ مِنْ کَلاَمِهِ وَ مَدَحَهُ حَزْنُ بْنُ أَبِی وَهْبٍ الْمَخْزُومِیُّ وَ هُوَ الَّذِی سَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ ص سَهْلاً وَ هُوَ جَدُّ سَعِیدِ بْنِ الْمُسَیَّبِ الْفَقِیهِ وَ قَالَ وَ قَامَتْ رِجَالٌ مِنْ قُرَیْشٍ کَثِیرَةٌ

ص :22

وَ کُنْتَ لِمَخْزُومِ بْنِ یَقْظَةَ جُنَّةً

.

1056

1,14- قَالَ اَلزُّبَیْرُ وَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَی الْأَنْصَارِیُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ مَخْرَمَةَ قَالَ حَدَّثَنِی إِبْرَاهِیمُ بْنُ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِیمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ الزُّهْرِیُّ قَالَ لَمَّا بُویِعَ أَبُو بَکْرٍ وَ اسْتَقَرَّ أَمْرُهُ نَدِمَ قَوْمٌ کَثِیرٌ مِنَ اَلْأَنْصَارِ عَلَی بَیْعَتِهِ وَ لاَمَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً وَ ذَکَرُوا عَلِیَّ بْنَ أَبِی طَالِبٍ وَ هَتَفُوا بِاسْمِهِ وَ إِنَّهُ فِی دَارِهِ لَمْ یَخْرُجْ إِلَیْهِمْ وَ جَزِعَ لِذَلِکَ اَلْمُهَاجِرُونَ وَ کَثُرَ فِی ذَلِکَ الْکَلاَمُ.

وَ کَانَ أَشَدَّ قُرَیْشٍ عَلَی اَلْأَنْصَارِ نَفَرٌ فِیهِمْ وَ هُمْ سُهَیْلُ بْنُ عَمْرٍو أَحَدُ بَنِی عَامِرِ بْنِ لُؤَیٍّ وَ اَلْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ وَ عِکْرِمَةُ بْنُ أَبِی جَهْلٍ الْمَخْزُومِیَّانِ وَ هَؤُلاَءِ أَشْرَافُ قُرَیْشٍ الَّذِینَ حَارَبُوا اَلنَّبِیَّ ص ثُمَّ دَخَلُوا فِی اَلْإِسْلاَمِ وَ کُلُّهُمْ مَوْتُورٌ قَدْ وَتَرَهُ اَلْأَنْصَارُ أَمَّا سُهَیْلُ بْنُ عَمْرٍو فَأَسَرَهُ مَالِکُ بْنُ الدَّخْشَمِ یَوْمَ بَدْرٍ وَ أَمَّا اَلْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ فَضَرَبَهُ عُرْوَةُ بْنُ عَمْرٍو فَجَرَحَهُ یَوْمَ بَدْرٍ وَ هُوَ فَارٌّ عَنْ أَخِیهِ وَ أَمَّا عِکْرِمَةُ بْنُ أَبِی جَهْلٍ فَقَتَلَ أَبَاهُ ابْنَا عَفْرَاءَ وَ سَلَبَهُ دِرْعَهُ یَوْمَ بَدْرٍ زِیَادُ بْنُ لَبِیدٍ وَ فِی أَنْفُسِهِمْ ذَلِکَ.

فَلَمَّا اعْتَزَلَتِ اَلْأَنْصَارُ تَجَمُّعَ هَؤُلاَءِ فَقَامَ سُهَیْلُ بْنُ عَمْرٍو فَقَالَ یَا مَعْشَرَ قُرَیْشٍ إِنَّ هَؤُلاَءِ الْقَوْمَ قَدْ سَمَّاهُمُ اللَّهُ اَلْأَنْصَارَ وَ أَثْنَی عَلَیْهِمْ فِی اَلْقُرْآنِ فَلَهُمْ بِذَلِکَ حَظٌّ عَظِیمٌ وَ شَأْنٌ غَالِبٌ وَ قَدْ دَعَوْا إِلَی أَنْفُسِهِمْ وَ إِلَی عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ وَ عَلِیٌّ

ص :23

فِی بَیْتِهِ لَوْ شَاءَ لَرَدَّهُمْ فَادْعُوهُمْ إِلَی صَاحِبِکُمْ وَ إِلَی تَجْدِیدِ بَیْعَتِهِ فَإِنْ أَجَابُوکُمْ وَ إِلاَّ قَاتِلُوهُمْ فَوَ اللَّهِ إِنِّی لَأَرْجُو اللَّهَ أَنْ یَنْصُرَکُمْ عَلَیْهِمْ کَمَا نُصِرْتُمْ بِهِمْ.

ثُمَّ قَامَ اَلْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ فَقَالَ إِنْ تَکُنِ اَلْأَنْصَارُ تَبَوَّأَتِ اَلدّٰارَ وَ الْإِیمٰانَ مِنْ قَبْلُ وَ نَقَلُوا رَسُولَ اللَّهِ ص إِلَی دُورِهِمْ مِنْ دُورِنَا فَ آوَوْا وَ نَصَرُوا ثُمَّ مَا رَضُوا حَتَّی قَاسَمُونَا الْأَمْوَالَ (1) وَ کَفَوْنَا الْعَمَلَ فَإِنَّهُمْ قَدْ لَهِجُوا بِأَمْرٍ إِنْ ثَبَتُوا عَلَیْهِ فَإِنَّهُمْ قَدْ خَرَجُوا مِمَّا وُسِمُوا بِهِ وَ لَیْسَ بَیْنَنَا وَ بَیْنَهُمْ مُعَاتَبَةٌ إِلاَّ السَّیْفُ وَ إِنْ نَزَعُوا عَنْهُ فَقَدْ فَعَلُوا الْأَوْلَی بِهِمْ وَ الْمَظْنُونَ مَعَهُمْ.

ثُمَّ قَامَ عِکْرِمَةُ بْنُ أَبِی جَهْلٍ فَقَالَ وَ اللَّهِ لَوْ لاَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ ص الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَیْشٍ مَا أَنْکَرْنَا إِمْرَةَ اَلْأَنْصَارِ وَ لَکَانُوا لَهَا أَهْلاً وَ لَکِنَّهُ قَوْلٌ لاَ شَکَّ فِیهِ وَ لاَ خِیَارَ وَ قَدْ عَجِلَتِ اَلْأَنْصَارُ عَلَیْنَا وَ اللَّهِ مَا قَبَضْنَا عَلَیْهِمُ الْأَمْرَ وَ لاَ أَخْرَجْنَاهُمْ مِنَ الشُّورَی وَ إِنَّ الَّذِی هُمْ فِیهِ مِنْ فَلَتَاتِ الْأُمُورِ وَ نَزَغَاتِ اَلشَّیْطَانِ وَ مَا لاَ یَبْلُغُهُ الْمُنَی وَ لاَ یَحْمِلُهُ الْأَمَلُ أَعْذِرُوا إِلَی الْقَوْمِ فَإِنْ أَبَوْا فَقَاتِلُوهُمْ فَوَ اللَّهِ لَوْ لَمْ یَبْقَ مِنْ قُرَیْشٍ کُلِّهَا إِلاَّ رَجُلٌ وَاحِدٌ لَصَیَّرَ اللَّهُ هَذَا الْأَمْرَ فِیهِ.

قَالَ وَ حَضَرَ أَبُو سُفْیَانَ بْنُ حَرْبٍ فَقَالَ یَا مَعْشَرَ قُرَیْشٍ إِنَّهُ لَیْسَ لِلْأَنْصَارِ أَنْ یَتَفَضَّلُوا عَلَی النَّاسِ حَتَّی یُقِرُّوا بِفَضْلِنَا عَلَیْهِمْ فَإِنْ تَفَضَّلُوا فَحَسَبُنَا حَیْثُ انْتَهَی بِهَا وَ إِلاَّ فَحَسَبُهُمْ حَیْثُ انْتَهَی بِهِمْ وَ أَیْمُ اللَّهِ لَئِنْ بَطِرُوا الْمَعِیشَةَ وَ کَفَرُوا النِّعْمَةَ لَنَضْرِبَنَّهُمْ عَلَی اَلْإِسْلاَمِ کَمَا ضُرِبُوا عَلَیْهِ فَأَمَّا عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ فَأَهْلٌ وَ اللَّهِ أَنْ یُسَوَّدَ عَلَی قُرَیْشٍ وَ تُطِیعَهُ اَلْأَنْصَارُ .

فَلَمَّا بَلَغَ اَلْأَنْصَارَ قَوْلُ هَؤُلاَءِ الرَّهْطِ قَامَ خَطِیبُهُمْ ثَابِتُ بْنُ قَیْسِ بْنِ شَمَّاسٍ فَقَالَ یَا مَعْشَرَ اَلْأَنْصَارِ إِنَّمَا یَکْبُرُ عَلَیْکُمْ هَذَا الْقَوْلُ لَوْ قَالَهُ أَهْلُ الدِّینِ مِنْ قُرَیْشٍ فَأَمَّا إِذَا کَانَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْیَا لاَ سِیَّمَا مِنْ أَقْوَامٍ کُلُّهُمْ مَوْتُورٌ فَلاَ یَکْبُرَنَّ عَلَیْکُمْ إِنَّمَا الرَّأْیُ

ص :24

وَ الْقَوْلُ مَعَ الْأَخْیَارِ اَلْمُهَاجِرِینَ فَإِنْ تَکَلَّمَتْ رِجَالُ قُرَیْشٍ وَ الَّذِینَ هُمْ أَهْلُ الْآخِرَةِ مِثْلَ کَلاَمِ هَؤُلاَءِ فَعِنْدَ ذَلِکَ قُولُوا مَا أَحْبَبْتُمْ وَ إِلاَّ فَأَمْسِکُوا.

وَ قَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ یَذْکُرُ ذَلِکَ تَنَادَی سُهَیْلٌ وَ اِبْنُ حَرْبٍ وَ حَارِثٌ فَبَلَغَ شِعْرُ حَسَّانَ قُرَیْشاً فَغَضِبُوا وَ أَمَرُوا اِبْنَ أَبِی عَزَّةَ شَاعِرَهُمْ أَنْ یُجِیبَهُ فَقَالَ مَعْشَرَ اَلْأَنْصَارِ خَافُوا رَبَّکُمْ

ص :25

لَیْسَ مَا قَدَّرَ سَعْدٌ کَائِناً

قَالَ اَلزُّبَیْرُ لَمَّا اجْتَمَعَ جُمْهُورُ النَّاسُ لِأَبِی بَکْرٍ أَکْرَمَتْ قُرَیْشٌ مَعْنَ بْنَ عَدِیٍّ وَ عُوَیْمَ بْنَ سَاعِدَةَ وَ کَانَ لَهُمَا فَضْلٌ قَدِیمٌ فِی اَلْإِسْلاَمِ فَاجْتَمَعَتِ اَلْأَنْصَارُ لَهُمَا فِی مَجْلِسٍ وَ دَعَوْهُمَا فَلَمَّا أُحْضِرَا أَقْبَلَتِ اَلْأَنْصَارِ عَلَیْهِمَا فَعَیَّرُوهُمَا بِانْطِلاَقِهِمَا إِلَی اَلْمُهَاجِرِینَ وَ أَکْبَرُوا فِعْلَهُمَا فِی ذَلِکَ فَتَکَلَّمَ مَعْنٌ فَقَالَ یَا مَعْشَرَ اَلْأَنْصَارِ إِنَّ الَّذِی أَرَادَ اللَّهُ بِکُمْ خَیْرٌ مِمَّا أَرَدْتُمْ بِأَنْفُسِکُمْ وَ قَدْ کَانَ مِنْکُمْ أَمْرٌ عَظِیمُ الْبَلاَءِ وَ صَغَّرَتْهُ الْعَاقِبَةُ فَلَوْ کَانَ لَکُمْ عَلَی قُرَیْشٍ مَا لِقُرَیْشٍ عَلَیْکُمْ ثُمَّ أَرَدْتُمُوهُمْ لِمَا أَرَادُوکُمْ بِهِ لَمْ آمَنْ عَلَیْهِمْ مِنْکُمْ مِثْلَ مَا آمَنُ عَلَیْکُمْ مِنْهُمْ فَإِنْ تَعْرِفُوا الْخَطَأَ فَقَدْ خَرَجْتُمْ مِنْهُ وَ إِلاَّ فَأَنْتُمْ فِیهِ

.

قلت قوله و قد کان منکم أمر عظیم البلاء و صغرته العاقبة یعنی عاقبة الکف و الإمساک یقول قد کان منکم أمر عظیم و هو دعوی الخلافة لأنفسکم و إنّما جعل البلاء معظما له لأنّه لو لم یتعقبه الإمساک لأحدث فتنة عظیمة و إنّما صغره سکونهم و رجوعهم إلی بیعة المهاجرین .

و قوله و کان لکم علی قریش إلی آخر الکلام معناه لو کان لکم الفضل علی قریش کفضل قریش علیکم و ادعت قریش الخلافة لها ثمّ أردتم منهم الرجوع عن دعواهم و جرت بینکم و بینهم من المنازعة مثل هذه المنازعة التی جرت الآن بینکم لم آمن علیهم منکم أن تقتلوهم و تقدموا علی سفک دمائهم و لم یحصل لی من سکون النفس إلی

ص :26

حلمکم عنهم و صبرکم علیهم مثل ما أنا آمن علیکم منهم فإنهم صبروا و حلموا و لم یقدموا علی استباحة حربکم و الدخول فی دمائکم.

1057

1- قَالَ اَلزُّبَیْرُ ثُمَّ تَکَلَّمَ عُوَیْمُ بْنُ سَاعِدَةَ فَقَالَ یَا مَعْشَرَ اَلْأَنْصَارِ إِنَّ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عَلَیْکُمْ أَنَّهُ تَعَالَی لَمْ یُرِدْ بِکُمْ مَا أَرَدْتُمْ بِأَنْفُسِکُمْ فَاحْمَدُوا اللَّهَ عَلَی حُسْنِ الْبَلاَءِ وَ طُولِ الْعَافِیَةِ وَ صَرْفِ هَذِهِ الْبَلِیَّةِ عَنْکُمْ وَ قَدْ نَظَرْتُ فِی أَوَّلِ فِتْنَتِکُمْ وَ آخِرِهَا فَوَجَدْتُهَا جَاءَتْ مِنَ الْأَمَانِیِّ وَ الْحَسَدِ وَ احْذَرُوا النِّقَمَ فَوَدِدْتُ أَنَّ اللَّهَ صَیَّرَ إِلَیْکُمْ هَذَا الْأَمْرَ بِحَقِّهِ فَکُنَّا نَعِیشُ فِیهِ.

فَوَثَبَتْ عَلَیْهِمَا اَلْأَنْصَارُ فَأَغْلَظُوا لَهُمَا وَ فَحُشُوا عَلَیْهِمَا وَ انْبَرَی لَهُمَا فَرْوَةُ بْنُ عَمْرٍو فَقَالَ أَ نَسِیتُمَا قَوْلَکُمَا لِقُرَیْشٍ إِنَّا قَدْ خَلَّفْنَا وَرَاءَنَا قَوْماً قَدْ حَلَّتْ دِمَاؤُهُمْ بِفِتْنَتِهِمْ هَذَا وَ اللَّهِ مَا لاَ یُغْفَرُ وَ لاَ یُنْسَی قَدْ تُصْرَفُ الْحَیَّةُ عَنْ وَجْهِهَا وَ سَمُّهَا فِی (1) نَابِهَا فَقَالَ مَعْنٌ فِی ذَلِکَ وَ قَالَتْ لِیَ اَلْأَنْصَارُ إِنَّکَ لَمْ تُصِبْ

ص :27

أَرَاکُمْ أَخَذْتُمْ حَقَّکُمْ بِأَکُفِّکُمْ

وَ قَالَ عُوَیْمُ بْنُ سَاعِدَةَ فِی ذَلِکَ وَ قَالَتْ لِیَ اَلْأَنْصَارُ أَضْعَافَ قَوْلِهِمْ

قَالَ فَرْوَةُ بْنُ عُمَرَ وَ کَانَ مِمَّنْ تَخَلَّفَ عَنْ بَیْعَةِ أَبِی بَکْرٍ وَ کَانَ مِمَّنْ جَاهَدَ مَعَ

ص :28

رَسُولِ اللَّهِ

وَ قَادَ فَرَسَیْنِ فِی سَبِیلِ اللَّهِ وَ کَانَ یَتَصَدَّقُ مِنْ نَخَلِهِ بِأَلْفِ وَسْقٍ فِی کُلِّ عَامٍ وَ کَانَ سَیِّداً وَ هُوَ مِنْ أَصْحَابِ عَلِیٍّ وَ مِمَّنْ شَهِدَ مَعَهُ یَوْمَ الْجَمَلِ قَالَ فَذَکَرَ مَعْناً وَ عُوَیْماً وَ عَاتَبَهُمَا عَلَی قَوْلِهِمَا خَلَّفْنَا وَرَاءَنَا قَوْماً قَدْ حَلَّتْ دِمَاؤُهُمْ بِفِتْنَتِهِمْ أَلاَ قُلْ لِمَعْنٍ إِذَا جِئْتَهُ

قَالَ اَلزُّبَیْرُ ثُمَّ إِنَّ اَلْأَنْصَارَ أَصْلَحُوا بَیْنَ هَذَیْنِ الرَّجُلَیْنِ وَ بَیْنَ أَصْحَابِهِمَا ثُمَّ اجْتَمَعَتْ جَمَاعَةٌ مِنْ قُرَیْشٍ یَوْماً وَ فِیهِمْ نَاسٌ مِنَ اَلْأَنْصَارِ وَ أَخْلاَطٌ (1) مِنَ اَلْمُهَاجِرِینَ وَ ذَلِکَ بَعْدَ انْصِرَافِ اَلْأَنْصَارِ عَنْ رَأْیِهَا وَ سُکُونِ الْفِتْنَةِ فَاتَّفَقَ ذَلِکَ عِنْدَ قُدُومِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ مِنْ سَفَرٍ کَانَ فِیهِ فَجَاءَ إِلَیْهِمْ فَأَفَاضُوا فِی ذِکْرِ یَوْمِ السَّقِیفَةِ وَ سَعْدٍ وَ دَعْوَاهُ الْأَمْرَ فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَ اللَّهِ لَقَدْ دَفَعَ اللَّهُ عَنَّا مِنَ اَلْأَنْصَارِ عَظِیمَةً وَ لَمَا دَفَعَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَعْظَمُ کَادُوا وَ اللَّهِ أَنْ یَحُلُّوا حَبْلَ اَلْإِسْلاَمِ کَمَا قَاتَلُوا عَلَیْهِ وَ یُخْرِجُوا مِنْهُ مَنْ أَدْخَلُوا فِیهِ وَ اللَّهِ لَئِنْ کَانُوا سَمِعُوا قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ ص الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَیْشٍ ثُمَّ ادَّعَوْهَا لَقَدْ هَلَکُوا وَ أَهْلَکُوا وَ إِنْ کَانُوا لَمْ یَسْمَعُوهَا فَمَا هُمْ کَالْمُهَاجِرِینَ وَ لاَ کَأَبِی بَکْرٍ وَ لاَ اَلْمَدِینَةُ

ص :29

کَمَکَّةَ وَ لَقَدْ قَاتَلُونَا أَمْسِ فَغَلَبُونَا عَلَی الْبَدْءِ وَ لَوْ قَاتَلْنَاهُمُ الْیَوْمَ لَغَلَبْنَاهُمْ عَلَی الْعَاقِبَةِ فَلَمْ یُجِبْهُ أَحَدٌ وَ انْصَرَفَ إِلَی مَنْزِلِهِ وَ قَدْ ظَفِرَ فَقَالَ أَلاَ قُلْ لِأَوْسٍ إِذَا جِئْتَهَا

فَلَمَّا بَلَغَ اَلْأَنْصَارَ مَقَالَتُهُ وَ شِعْرُهُ بَعَثُوا إِلَیْهِ لِسَانَهُمْ وَ شَاعِرَهُمْ اَلنُّعْمَانَ بْنَ الْعَجْلاَنِ وَ کَانَ رَجُلاً أَحْمَرَ قَصِیراً تَزْدَرِیهِ الْعُیُونُ وَ کَانَ سَیِّداً فَخْماً فَأَتَی عَمْراً وَ هُوَ فِی جَمَاعَةٍ مِنْ قُرَیْشٍ فَقَالَ وَ اللَّهِ یَا عَمْرُو مَا کَرِهْتُمْ مِنْ حَرْبِنَا إِلاَّ مَا کَرِهْنَا مِنْ حَرْبِکُمْ وَ مَا کَانَ اللَّهُ لِیُخْرِجَکُمْ مِنَ اَلْإِسْلاَمِ بِمَنْ أَدْخَلَکُمْ فِیهِ إِنْ کَانَ اَلنَّبِیُّ ص قَالَ الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَیْشٍ فَقَدْ قَالَ لَوْ سَلَکَ النَّاسُ شِعْباً وَ سَلَکَ اَلْأَنْصَارُ شِعْباً لَسَلَکْتُ شِعْبَ اَلْأَنْصَارِ وَ اللَّهِ مَا أَخْرَجْنَاکُمْ مِنَ الْأَمْرِ إِذْ قُلْنَا مِنَّا أَمِیرٌ وَ مِنْکُمْ أَمِیرٌ وَ أَمَّا مَنْ ذَکَرْتَ فَأَبُو بَکْرٍ لَعَمْرِی خَیْرٌ مِنْ سَعْدٍ لَکِنَّ سَعْداً فِی اَلْأَنْصَارِ أَطْوَعُ مِنْ أَبِی بَکْرٍ فِی قُرَیْشٍ فَأَمَّا اَلْمُهَاجِرُونَ وَ اَلْأَنْصَارُ فَلاَ فَرْقَ بَیْنَهُمْ أَبَداً وَ لَکِنَّکَ یَا اِبْنَ الْعَاصِ وَتَرْتَ بَنِی عَبْدِ مَنَافٍ بِمَسِیرِکَ إِلَی اَلْحَبَشَةِ لِقَتْلِ جَعْفَرٍ وَ أَصْحَابِهِ وَ وَتَرْتَ بَنِی مَخْزُومٍ بِإِهْلاَکِ عُمَارَةَ بْنِ الْوَلِیدِ ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَالَ

ص :30

فَقُلْ لِقُرَیْشٍ نَحْنُ أَصْحَابُ مَکَّةَ

فَلَمَّا انْتَهَی شِعْرُ اَلنُّعْمَانِ وَ کَلاَمُهُ إِلَی قُرَیْشٍ غَضِبَ کَثِیرٌ مِنْهَا وَ أَلْفَی ذَلِکَ قُدُومُ خَالِدِ بْنِ سَعِیدِ بْنِ الْعَاصِ مِنَ اَلْیَمَنِ وَ کَانَ رَسُولُ اللَّهِ اسْتَعْمَلَهُ عَلَیْهَا وَ کَانَ لَهُ وَ لِأَخِیهِ أَثَرٌ قَدِیمٌ

ص :31

عَظِیمٌ فِی اَلْإِسْلاَمِ وَ هُمَا مِنْ أَوَّلِ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ قُرَیْشٍ وَ لَهُمَا عِبَادَةٌ وَ فَضْلٌ فَغَضِبَ لِلْأَنْصَارِ وَ شَتَمَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَ قَالَ یَا مَعْشَرَ قُرَیْشٍ إِنَّ عَمْراً دَخَلَ فِی اَلْإِسْلاَمِ حِینَ لَمْ یَجِدْ بُدّاً مِنَ الدُّخُولِ فِیهِ فَلَمَّا لَمْ یَسْتَطِعْ أَنْ یَکِیدَهُ بِیَدِهِ کَادَهُ بِلِسَانِهِ وَ إِنَّ مِنْ کَیْدِهِ اَلْإِسْلاَمَ تَفْرِیقَهُ وَ قَطْعَهُ بَیْنَ اَلْمُهَاجِرِینَ وَ اَلْأَنْصَارِ وَ اللَّهِ مَا حَارَبْنَاهُمْ لِلدِّینِ وَ لاَ لِلدُّنْیَا لَقَدْ بَذَلُوا دِمَاءَهُمْ لِلَّهِ تَعَالَی فِینَا وَ مَا بَذَلْنَا دِمَاءَنَا لِلَّهِ فِیهِمْ وَ قَاسَمُونَا دِیَارَهُمْ وَ أَمْوَالَهُمْ وَ مَا فَعَلْنَا مِثْلَ ذَلِکَ بِهِمْ وَ آثَرُونَا عَلَی الْفَقْرِ وَ حَرَمْنَاهُمْ عَلَی الْغِنَی وَ لَقَدْ وَصَّی رَسُولُ اللَّهِ بِهِمْ وَ عَزَّاهُمْ عَنْ جَفْوَةِ السُّلْطَانِ فَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَکُونَ وَ إِیَّاکُمْ الْخَلَفَ الْمُضَیِّعَ وَ السُّلْطَانَ الْجَانِیَ

.

قلت هذا خالد بن سعید بن العاص هو الذی امتنع من بیعة أبی بکر و قال لا أبایع إلاّ علیا و قد ذکرنا خبره فیما تقدم.

و أمّا قوله فی الأنصار و عزاهم عن جفوة السلطان فإشارة إلی

1058

قَوْلِ اَلنَّبِیِّ ص سَتَلْقَوْنَ بَعْدِی أَثَرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّی تَقْدَمُوا عَلَیَّ اَلْحَوْضَ .

و هذا الخبر هو الذی یکفر کثیر من أصحابنا معاویة بالاستهزاء به و ذلک

1059

14- أَنَّ اَلنُّعْمَانَ بْنَ بَشِیرٍ الْأَنْصَارِیَّ جَاءَ فِی جَمَاعَةٍ مِنَ اَلْأَنْصَارِ إِلَی مُعَاوِیَةَ فَشَکَوْا إِلَیْهِ فَقْرَهُمْ وَ قَالُوا لَقَدْ صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ ص فِی قَوْلِهِ لَنَا سَتَلْقَوْنَ بَعْدِی أَثَرَةً فَقَدْ لَقِینَاهَا قَالَ مُعَاوِیَةُ فَمَا ذَا قَالَ لَکُمْ قَالُوا قَالَ لَنَا فَاصْبِرُوا حَتَّی تَرِدُوا عَلَیَّ اَلْحَوْضَ قَالَ فَافْعَلُوا مَا أَمَرَکُمْ بِهِ عَسَاکُمْ تُلاَقُونَهُ غَداً عِنْدَ اَلْحَوْضِ کَمَا أَخْبَرَکُمْ وَ حَرَمَهُمْ وَ لَمْ یُعْطِهِمْ شَیْئاً .

1060

1- قَالَ اَلزُّبَیْرُ وَ قَالَ خَالِدُ بْنُ سَعِیدِ بْنِ الْعَاصِ فِی ذَلِکَ تَفَوَّهَ عَمْرٌو بِالَّذِی لاَ نُرِیدُهُ

ص :32

فَلاَ تَقْطَعَنَّ یَا عَمْرُو مَا کَانَ بَیْنَنَا

قَالَ اَلزُّبَیْرُ ثُمَّ إِنَّ رِجَالاً مِنْ سُفَهَاءِ قُرَیْشٍ وَ مُثِیرِی الْفِتَنِ مِنْهُمُ اجْتَمَعُوا إِلَی عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَقَالُوا لَهُ إِنَّکَ لِسَانُ قُرَیْشٍ وَ رَجُلُهَا فِی اَلْجَاهِلِیَّةِ وَ اَلْإِسْلاَمِ فَلاَ تَدَعِ اَلْأَنْصَارَ وَ مَا قَالَتْ وَ أَکْثَرُوا عَلَیْهِ مِنْ ذَلِکَ فَرَاحَ إِلَی الْمَسْجِدِ وَ فِیهِ نَاسٌ مِنْ قُرَیْشٍ وَ غَیْرِهِمْ فَتَکَلَّمَ وَ قَالَ إِنَّ اَلْأَنْصَارَ تَرَی لِنَفْسِهَا مَا لَیْسَ لَهَا وَ أَیْمُ اللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنَّ اللَّهَ خَلَّی عَنَّا وَ عَنْهُمْ وَ قَضَی فِیهِمْ وَ فِینَا بِمَا أَحَبَّ وَ لَنَحْنُ الَّذِینَ أَفْسَدْنَا عَلَی أَنْفُسِنَا أَحْرَزْنَاهُمْ عَنْ کُلِّ مَکْرُوهٍ وَ قَدَّمْنَاهُمْ إِلَی کُلِّ مَحْبُوبٍ حَتَّی أَمِنُوا الْمَخُوفَ فَلَمَّا جَازَ لَهُمْ ذَلِکَ صَغَّرُوا حَقَّنَا وَ لَمْ یُرَاعُوا مَا أَعْظَمْنَا مِنْ حُقُوقِهِمْ.

ثُمَّ الْتَفَتَ فَرَأَی اَلْفَضْلَ بْنَ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَ نَدِمَ عَلَی قَوْلِهِ لِلْخُئُولَةِ الَّتِی بَیْنَ وُلْدِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَ بَیْنَ اَلْأَنْصَارِ وَ لِأَنَّ اَلْأَنْصَارَ کَانَتْ تُعَظِّمُ عَلِیّاً وَ تَهْتِفُ بِاسْمِهِ حِینَئِذٍ فَقَالَ اَلْفَضْلُ یَا عَمْرُو إِنَّهُ لَیْسَ لَنَا أَنْ نَکْتُمَ مَا سَمِعْنَا مِنْکَ وَ لَیْسَ لَنَا أَنْ نُجِیبَکَ وَ أَبُو الْحَسَنِ شَاهِدٌ بِالْمَدِینَةِ إِلاَّ أَنْ یَأْمُرَنَا فَنَفْعَلُ.

ثُمَّ رَجَعَ اَلْفَضْلُ إِلَی عَلِیٍّ فَحَدَّثَهُ فَغَضِبَ وَ شَتَمَ عَمْراً وَ قَالَ آذَی اللَّهَ وَ رَسُولَهُ ثُمَّ قَامَ فَأَتَی اَلْمَسْجِدَ فَاجْتَمَعَ إِلَیْهِ کَثِیرٌ مِنْ قُرَیْشٍ وَ تَکَلَّمَ مُغْضَباً فَقَالَ یَا مَعْشَرَ قُرَیْشٍ إِنَّ حُبَّ اَلْأَنْصَارِ إِیمَانٌ وَ بُغْضَهُمْ نِفَاقٌ وَ قَدْ قَضَوْا مَا عَلَیْهِمْ

ص :33

وَ بَقِیَ مَا عَلَیْکُمْ وَ اذْکُرُوا أَنَّ اللَّهَ رَغِبَ لِنَبِیِّکُمْ عَنْ مَکَّةَ فَنَقَلَهُ إِلَی اَلْمَدِینَةِ وَ کَرِهَ لَهُ قُرَیْشاً فَنَقَلَهُ إِلَی اَلْأَنْصَارِ ثُمَّ قَدِمْنَا عَلَیْهِمْ دَارَهُمْ فَقَاسَمُونَا الْأَمْوَالَ وَ کَفَوْنَا الْعَمَلَ فَصِرْنَا مِنْهُمْ بَیْنَ بَذْلِ الْغَنِیِّ وَ إِیثَارِ الْفَقِیرِ ثُمَّ حَارَبَنَا النَّاسُ فَوَقَوْنَا بِأَنْفُسِهِمْ وَ قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَی فِیهِمْ آیَةً مِنَ اَلْقُرْآنِ جَمَعَ لَهُمْ فِیهَا بَیْنَ خَمْسِ نِعَمٍ فَقَالَ وَ الَّذِینَ تَبَوَّؤُا الدّٰارَ وَ الْإِیمٰانَ مِنْ قَبْلِهِمْ یُحِبُّونَ مَنْ هٰاجَرَ إِلَیْهِمْ وَ لاٰ یَجِدُونَ فِی صُدُورِهِمْ حٰاجَةً مِمّٰا أُوتُوا وَ یُؤْثِرُونَ عَلیٰ أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ کٰانَ بِهِمْ خَصٰاصَةٌ وَ مَنْ یُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولٰئِکَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (1) .

أَلاَ وَ إِنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ قَدْ قَامَ مَقَاماً آذَی فِیهِ الْمَیِّتَ وَ الْحَیَّ سَاءَ بِهِ الْوَاتِرُ وَ سُرَّ بِهِ الْمَوْتُورُ فَاسْتَحَقَّ مِنَ الْمُسْتَمِعِ الْجَوَابَ وَ مِنَ الْغَائِبِ الْمَقْتَ وَ إِنَّهُ مَنْ أَحَبَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ أَحَبَّ اَلْأَنْصَارَ فَلْیَکْفُفْ عَمْرٌو عَنَّا نَفْسَهُ.

قَالَ اَلزُّبَیْرُ فَمَشَتْ قُرَیْشٌ عِنْدَ ذَلِکَ إِلَی عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَقَالُوا أَیُّهَا الرَّجُلُ أَمَّا إِذَا غَضِبَ عَلِیُّ فَاکْفُفْ.وَ قَالَ خُزَیْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِیُّ یُخَاطِبُ قُرَیْشاً أَیَا لَ قُرَیْشٍ أَصْلِحُوا ذَاتَ بَیْنِنَا قَالَ اَلزُّبَیْرُ وَ قَالَ عَلِیٌّ لِلْفَضْلِ یَا فَضْلُ انْصُرِ اَلْأَنْصَارَ بِلِسَانِکَ وَ یَدِکَ فَإِنَّهُمْ مِنْکَ وَ إِنَّکَ مِنْهُمْ فَقَالَ اَلْفَضْلُ قُلْتَ یَا عَمْرُو مَقَالاً فَاحِشاً إِنَّ تَعُدْ یَا عَمْرُو وَ اللَّهِ فَلَکَ

ص :34

إِنَّمَا اَلْأَنْصَارُ سَیْفٌ قَاطِعٌ

وَ دَخَلَ اَلْفَضْلُ عَلَی عَلِیٍّ فَأَسْمَعَهُ شِعْرَهُ فَفَرِحَ بِهِ وَ قَالَ وَرِیَتْ بِکَ زِنَادِی یَا فَضْلُ أَنْتَ شَاعِرُ قُرَیْشٍ وَ فَتَاهَا فَأَظْهِرْ شِعْرَکَ وَ ابْعَثْ بِهِ إِلَی اَلْأَنْصَارِ فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِکَ اَلْأَنْصَارَ قَالَتْ لاَ أَحَدَ یُجِیبُ إِلاَّ حَسَّانُ الْحُسَامُ فَبَعَثُوا إِلَی حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ فَعَرَضُوا عَلَیْهِ شِعْرَ اَلْفَضْلِ فَقَالَ کَیْفَ أَصْنَعُ بِجَوَابِهِ إِنْ لَمْ أَتَحَرَّ قَوَافِیَهُ فَضَحَنِی فَرُوَیْداً حَتَّی أَقْفُوَ أَثَرَهُ فِی الْقَوَافِی فَقَالَ لَهُ خُزَیْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ اذْکُرْ عَلِیّاً وَ آلِهِ یَکْفِکَ عَنْ کُلِّ شَیْءٍ فَقَالَ جَزَی اللَّهُ عَنَّا وَ الْجَزَاءُ بِکَفِّهِ قَالَ اَلزُّبَیْرُ وَ بَعَثَتِ اَلْأَنْصَارُ بِهَذَا الشِّعْرِ إِلَی عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ فَخَرَجَ إِلَی اَلْمَسْجِدِ

ص :35

وَ قَالَ لِمَنْ بِهِ مِنْ قُرَیْشٍ وَ غَیْرِهِمْ یَا مَعْشَرَ قُرَیْشٍ إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ اَلْأَنْصَارَ أَنْصَاراً فَأَثْنَی عَلَیْهِمْ فِی اَلْکِتَابِ فَلاَ خَیْرَ فِیکُمْ بَعْدَهُمْ إِنَّهُ لاَ یَزَالُ سَفِیهٌ مِنْ سُفَهَاءِ قُرَیْشٍ وَتَرَهُ اَلْإِسْلاَمُ وَ دَفَعَهُ عَنِ الْحَقِّ وَ أَطْفَأَ شَرَفَهُ وَ فَضَّلَ غَیْرَهُ عَلَیْهِ یَقُومُ مَقَاماً فَاحِشاً فَیَذْکُرُ اَلْأَنْصَارَ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ ارْعَوْا حَقَّهُمْ فَوَ اللَّهِ لَوْ زَالُوا لَزُلْتُ مَعَهُمْ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لَهُمْ أَزُولُ مَعَکُمْ حَیْثُمَا زُلْتُمْ فَقَالَ اَلْمُسْلِمُونَ جَمِیعاً رَحِمَکَ اللَّهُ یَا أَبَا الْحَسَنِ قُلْتَ قَوْلاً صَادِقاً.

قَالَ اَلزُّبَیْرُ وَ تَرَکَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ اَلْمَدِینَةَ وَ خَرَجَ عَنْهَا حَتَّی رَضِیَ عَنْهُ عَلِیُّ وَ اَلْمُهَاجِرُونَ قَالَ اَلزُّبَیْرُ ثُمَّ إِنَّ اَلْوَلِیدَ بْنَ عُقْبَةَ بْنِ أَبِی مُعَیْطٍ وَ کَانَ یُبْغِضُ اَلْأَنْصَارَ لِأَنَّهُمْ أَسَرُوا أَبَاهُ یَوْمَ بَدْرٍ وَ ضَرَبُوا عُنُقَهُ بَیْنَ یَدَیْ رَسُولِ اللَّهِ قَامَ یَشْتِمُ اَلْأَنْصَارَ وَ ذَکَرَهُمْ بِالْهُجْرِ فَقَالَ إِنَّ اَلْأَنْصَارَ لَتَرَی لَهَا مِنَ الْحَقِّ عَلَیْنَا مَا لاَ نَرَاهُ وَ اللَّهِ لَئِنْ کَانُوا آوَوْا لَقَدْ عَزُّوا بِنَا وَ لَئِنْ کَانُوا آسَوْا لَقَدْ مَنُّوا عَلَیْنَا وَ اللَّهِ مَا نَسْتَطِیعُ مَوَدَّتَهُمْ لِأَنَّهُ لاَ یَزَالُ قَائِلٌ مِنْهُمْ یَذْکُرُ ذُلَّنَا بِمَکَّةَ وَ عِزَّنَا بِالْمَدِینَةِ وَ لاَ یَنْفَکُّونَ یُعَیِّرُونَ مَوْتَانَا وَ یَغِیظُونَ أَحْیاءَنَا فَإِنْ أَجَبْنَاهُمْ قَالُوا غَضِبَتْ قُرَیْشٌ عَلَی غَارِبِهَا وَ لَکِنْ قَدْ هَوَّنَ عَلَیَّ ذَلِکَ مِنْهُمْ حِرْصُهُمْ عَلَی الدِّینِ أَمْسِ وَ اعْتِذَارُهُمْ مِنَ الذَّنْبِ الْیَوْمَ ثُمَّ قَالَ تَبَاذَخَتِ اَلْأَنْصَارُ فِی النَّاسِ بِاسْمِهَا (1)

ص :36

فَهَذَا لَنَا مِنْ کُلِّ صَاحِبِ خُطْبَةٍ

قَالَ فَفَشَا شِعْرُهُ فِی النَّاسِ فَغَضِبَتِ اَلْأَنْصَارُ وَ غَضِبَ لَهَا مِنْ قُرَیْشٍ قَوْمٌ مِنْهُمْ ضِرَارُ بْنُ الْخَطَّابِ الْفِهْرِیُّ وَ زَیْدُ بْنُ الْخَطَّابِ وَ یَزِیدُ بْنُ أَبِی سُفْیَانَ فَبَعَثُوا إِلَی اَلْوَلِیدِ فَجَاءَ.

فَتَکَلَّمَ زَیْدُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ یَا اِبْنَ عُقْبَةَ بْنِ أَبِی مُعَیْطٍ أَمَا وَ اللَّهِ لَوْ کُنْتَ مِنَ الْفُقَرَاءِ اَلْمُهٰاجِرِینَ الَّذِینَ أُخْرِجُوا مِنْ دِیٰارِهِمْ وَ أَمْوٰالِهِمْ یَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللّٰهِ وَ رِضْوٰاناً لَأَحْبَبْتَ اَلْأَنْصَارَ وَ لَکِنَّکَ مِنَ الْجُفَاةِ فِی اَلْإِسْلاَمِ الْبِطَاءِ عَنْهُ الَّذِینَ دَخَلُوا فِیهِ بَعْدَ أَنْ ظَهَرَ أَمْرُ اللّٰهِ وَ هُمْ کٰارِهُونَ إِنَّا نَعْلَمُ أَنَا أَتَیْنَاهُمْ وَ نَحْنُ فُقَرَاءُ فَأَغْنُونَا ثُمَّ أَصَبْنَا الْغِنَی فَکَفُّوا عَنَّا وَ لَمْ یَرْزَئُونَا شَیْئاً فَأَمَّا ذِکْرُهُمْ ذِلَّةَ قُرَیْشٍ بِمَکَّةَ وَ عِزَّهَا بِالْمَدِینَةِ فَکَذَلِکَ کُنَّا وَ کَذَلِکَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَی وَ اذْکُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِیلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِی الْأَرْضِ تَخٰافُونَ أَنْ یَتَخَطَّفَکُمُ النّٰاسُ (1) فَنَصَرَنَا اللَّهُ تَعَالَی بِهِمْ وَ آوَانَا إِلَی مَدِینَتِهِمْ.

وَ أَمَّا غَضَبُکَ لِقُرَیْشٍ فَإِنَّا لاَ نَنْصُرُ کَافِراً وَ لاَ نُوَادُّ مُلْحِداً وَ لاَ فَاسِقاً وَ لَقَدْ قُلْتَ وَ قَالُوا فَقَطَعَکَ الْخَطِیبُ وَ أَلْجَمَکَ الشَّاعِرُ.

وَ أَمَّا ذِکْرُکَ الَّذِی کَانَ بِالْأَمْسِ فَدَعِ اَلْمُهَاجِرِینَ وَ اَلْأَنْصَارَ فَإِنَّکَ لَسْتَ مِنْ أَلْسِنَتِهِمْ فِی الرِّضَا وَ لاَ نَحْنُ مِنْ أَیْدِیهِمْ فِی الْغَضَبِ.

وَ تَکَلَّمَ یَزِیدُ بْنُ أَبِی سُفْیَانَ فَقَالَ یَا اِبْنَ عُقْبَةَ اَلْأَنْصَارُ أَحَقُّ بِالْغَضَبِ لِقَتْلَی أُحُدٍ فَاکْفُفْ لِسَانَکَ فَإِنَّ مَنْ قَتَلَهُ الْحَقُّ لاَ یَغْضَبُ لَهُ.

وَ تَکَلَّمَ ضِرَارُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ أَمَا وَ اللَّهِ لَوْ لاَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص قَالَ

ص :37

الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَیْشٍ لَقُلْنَا الْأَئِمَّةُ مِنَ اَلْأَنْصَارِ وَ لَکِنْ جَاءَ أَمْرٌ غَلَبَ الرَّأْیَ فَاقْمَعْ شِرَّتَکَ أَیُّهَا الرَّجُلُ وَ لاَ تَکُنِ امْرَأَ سَوْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ یُفَرِّقْ بَیْنَ اَلْأَنْصَارِ وَ اَلْمُهَاجِرِینَ فِی الدُّنْیَا وَ کَذَلِکَ اللَّهُ لاَ یُفَرِّقُ بَیْنَهُمْ فِی الْآخِرَةِ.

وَ أَقْبَلَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ مُغْضَباً مِنْ کَلاَمِ اَلْوَلِیدِ بْنِ عُقْبَةَ وَ شِعْرِهِ فَدَخَلَ اَلْمَسْجِدَ وَ فِیهِ قَوْمٌ مِنْ قُرَیْشٍ فَقَالَ یَا مَعْشَرَ قُرَیْشٍ إِنَّ أَعْظَمَ ذَنْبِنَا إِلَیْکُمْ قَتْلُنَا کُفَّارَکُمْ وَ حِمَایَتُنَا رَسُولَ اللَّهِ ص وَ إِنْ کُنْتُمْ تَنْقِمُونَ مِنَّا مِنَّةً کَانَتْ بِالْأَمْسِ فَقَدْ کَفَی اللَّهُ شَرَّهَا فَمَا لَنَا وَ مَا لَکُمْ وَ اللَّهِ مَا یَمْنَعُنَا مِنْ قِتَالِکُمُ الْجُبْنُ وَ لاَ مِنْ جَوَابِکُمُ الْعِیُّ إِنَّا لَحَیُّ فَعَالٍ وَ مَقَالٍ وَ لَکِنَّا قُلْنَا إِنَّهَا حَرْبٌ أَوَّلُهَا عَارٌ وَ آخِرُهَا ذُلٌّ فَأَغْضَیْنَا عَلَیْهَا عُیُونَنَا وَ سَحَبْنَا ذُیُولَنَا حَتَّی نَرَی وَ تَرَوْا فَإِنْ قُلْتُمْ قُلْنَا وَ إِنْ سَکَتُّمْ سَکَتْنَا.

فَلَمْ یُجِبْهُ أَحَدٌ مِنْ قُرَیْشٍ ثُمَّ سَکَتَ کُلٌّ مِنَ الْفَرِیقَیْنِ عَنْ صَاحِبِهِ وَ رَضِیَ الْقَوْمُ أَجْمَعُونَ وَ قَطَعُوا الْخِلاَفَ وَ الْعَصَبِیَّةَ.

انْتَهَی مَا ذَکَرَهُ اَلزُّبَیْرُ بْنُ بَکَّارٍ فِی اَلْمُوَفَّقِیَّاتِ

. و نعود الآن إلی ذکر ما

1061

14- أَوْرَدَهُ أَبُو بَکْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِیزِ الْجَوْهَرِیُّ فِی کِتَابِ اَلسَّقِیفَةِ .

قَالَ أَبُو بَکْرٍ حَدَّثَنِی أَبُو یُوسُفَ یَعْقُوبُ بْنُ شَیْبَةَ عَنْ بَحْرِ بْنِ آدَمَ عَنْ رِجَالِهِ عَنْ سَالِمِ بْنِ عُبَیْدٍ قَالَ لَمَّا تُوُفِّیَ رَسُولُ اللَّهِ وَ قَالَتِ اَلْأَنْصَارُ مِنَّا أَمِیرٌ وَ مِنْکُمْ أَمِیرٌ أَخَذَ عُمَرُ بِیَدِ أَبِی بَکْرٍ وَ قَالَ سَیْفَانِ فِی غِمْدٍ وَاحِدٍ إِذًا لاَ یَصْلَحَانِ ثُمَّ قَالَ مَنْ لَهُ هَذِهِ الثَّلاَثُ ثٰانِیَ اثْنَیْنِ إِذْ هُمٰا فِی اَلْغٰارِ مَنْ هُمَا إِذْ یَقُولُ لِصٰاحِبِهِ لاٰ تَحْزَنْ مَنْ صَاحِبُهُ إِنَّ اللّٰهَ مَعَنٰا (1) مَعَ مَنْ ثُمَّ بَسَطَ یَدَهُ إِلَی أَبِی بَکْرٍ فَبَایَعَهُ فَبَایَعَهُ النَّاسُ أَحْسَنَ بَیْعَةٍ وَ أَجْمَلَهَا

.

ص :38

1062

قَالَ أَبُو بَکْرٍ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْعُطَارِدِیُّ عَنْ أَبِی بَکْرِ بْنِ عَیَّاشٍ عَنْ زَیْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَی نَظَرَ فِی قُلُوبِ الْعِبَادِ فَوَجَدَ قَلْبَ مُحَمَّدٍ ع خَیْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ فَاصْطَفَاهُ لِنَفْسِهِ وَ ابْتَعَثَهُ بِرِسَالَتِهِ ثُمَّ نَظَرَ فِی قُلُوبِ الْأُمَمِ بَعْدَ قَلْبِهِ فَوَجَدَ قُلُوبَ أَصْحَابِهِ خَیْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ فَجَعَلَهُمْ وُزَرَاءَ نَبِیِّهِ یُقَاتِلُونَ عَنْ دِینِهِ فَمَا رَأَی اَلْمُسْلِمُونَ حَسَناً فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ وَ مَا رَأَی اَلْمُسْلِمُونَ سَیِّئاً فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ سَیِّئٌ.

قَالَ أَبُو بَکْرِ بْنُ عَیَّاشٍ وَ قَدْ رَأَی اَلْمُسْلِمُونَ أَنْ یُوَلُّوا أَبَا بَکْرٍ بَعْدَ اَلنَّبِیِّ ص فَکَانَتْ وَلاَیَتُهُ حَسَنَةً.

1063

14- قَالَ أَبُو بَکْرٍ وَ حَدَّثَنَا یَعْقُوبُ بْنُ شَیْبَةَ قَالَ لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ ص وَ قَالَ اَلْأَنْصَارُ مِنَّا أَمِیرٌ وَ مِنْکُمْ أَمِیرٌ قَالَ عُمَرُ أَیُّهَا النَّاسُ أَیُّکُمْ یَطِیبُ نَفْساً أَنْ یَتَقَدَّمَ قَدَمَیْنِ قَدَّمَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ ص فِی الصَّلاَةِ رَضِیَکَ اللَّهُ لِدِینِنَا أَ فَلاَ نَرْضَاکَ لِدُنْیَانَا-

.

1064

قَالَ أَبُو بَکْرٍ وَ أَخْبَرَنَا أَبُو زَیْدٍ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ قَالَ حَدَّثَنِی زَیْدُ بْنُ یَحْیَی الْأَنْمَاطِیُّ قَالَ حَدَّثَنَا صَخْرُ بْنُ جُوَیْرِیَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِیهِ قَالَ أَخَذَ أَبُو بَکْرٍ بِیَدِ عُمَرَ وَ یَدِ رَجُلٍ مِنَ اَلْمُهَاجِرِینَ یَرَوْنَهُ أَبَا عُبَیْدَةَ حَتَّی انْطَلَقُوا إِلَی اَلْأَنْصَارِ وَ قَدِ اجْتَمَعُوا عِنْدَ سَعْدٍ فِی سَقِیفَةِ بَنِی سَاعِدَةَ فَقَالَ عُمَرُ قُلْتُ لِأَبِی بَکْرٍ دَعْنِی أَتَکَلَّمْ وَ خَشِیتُ جِدَّ أَبِی بَکْرٍ وَ کَانَ ذَا جِدٍّ فَقَالَ أَبُو بَکْرٍ لاَ بَلْ أَنَا أَتَکَلَّمُ فَمَا هُوَ وَ اللَّهِ إِلاَّ أَنِ انْتَهَیْنَا إِلَیْهِمْ فَمَا کَانَ فِی نَفْسِی شَیْءٌ أُرِیدُ أَنْ أَقُولَهُ إِلاَّ أَتَی أَبُو بَکْرٍ عَلَیْهِ فَقَالَ لَهُمْ یَا مَعْشَرَ اَلْأَنْصَارِ مَا یُنْکِرُ حَقَّکُمْ مُسْلِمٌ إِنَّا وَ اللَّهِ مَا أَصَبْنَا خَیْراً قَطُّ إِلاَّ شَرِکْتُمُونَا

ص :39

فِیهِ لَقَدْ آوَیْتُمْ وَ نَصَرْتُمْ وَ آزَرْتُمْ وَ وَاسَیْتُمْ وَ لَکِنْ قَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ اَلْعَرَبَ لاَ تُقِرُّ وَ لاَ تُطِیعُ إِلاَّ لاِمْرِئٍ مِنْ قُرَیْشٍ هُمْ رَهْطُ اَلنَّبِیِّ ص أَوْسَطُ اَلْعَرَبِ وَشِیجَةَ رَحِمٍ وَ أَوْسَطُ النَّاسِ دَاراً وَ أَعْرَبُ النَّاسِ أَلْسُناً وَ أَصْبَحُ النَّاسُ أَوْجُهاً وَ قَدْ عَرَفْتُمْ بَلاَءَ اِبْنِ الْخَطَّابِ فِی اَلْإِسْلاَمِ وَ قِدَمَهُ هَلُمَّ فَلْنُبَایِعْهُ.

قَالَ عُمَرُ بَلْ إِیَّاکَ نُبَایِعُ قَالَ عُمَرُ فَکُنْتُ أَوَّلَ النَّاسِ مَدَّ یَدَهُ إِلَی أَبِی بَکْرٍ فَبَایَعَهُ إِلاَّ رَجُلاً مِنَ اَلْأَنْصَارِ أَدْخَلَ یَدَهُ بَیْنَ یَدِی وَ یَدِ أَبِی بَکْرٍ فَبَایَعَهُ قَبْلِی وَ وَطِئَ النَّاسُ فِرَاشَ سَعْدٍ فَقِیلَ قَتَلْتُمْ سَعْداً فَقَالَ عُمَرُ قَتَلَ اللَّهُ سَعْداً فَوَثَبَ رَجُلٌ مِنَ اَلْأَنْصَارِ فَقَالَ أَنَا جُذَیْلُهَا الْمُحَکَّکُ وَ عُذَیْقُهَا الْمُرَجَّبُ فَأُخِذَ وَ وُطِئَ فِی بَطْنِهِ وَ دَسُّوا فِی فِیهِ (1) التُّرَابَ.

1065

1- قَالَ أَبُو بَکْرٍ وَ حَدَّثَنِی یَعْقُوبُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِیلَ عَنْ مُخْتَارٍ الْیَمَانِ عَنْ عِیسَی بْنِ زَیْدٍ قَالَ لَمَّا بُویِعَ أَبُو بَکْرٍ جَاءَ أَبُو سُفْیَانَ إِلَی عَلِیٍّ فَقَالَ أَ غَلَبَکُمْ عَلَی هَذَا الْأَمْرِ أَذَلُّ بَیْتٍ مِنْ قُرَیْشٍ وَ أَقَلُّهَا أَمَا وَ اللَّهِ لَئِنْ شِئْتَ لَأَمْلَأَنَّهَا عَلَی أَبِی فَصِیلٍ خَیْلاً وَ رَجِلاً وَ لَأَسُدَّنَّهَا عَلَیْهِ مِنْ أَقْطَارِهَا فَقَالَ عَلِیٌّ یَا أَبَا سُفْیَانَ طَالَمَا کِدْتَ اَلْإِسْلاَمَ وَ أَهْلَهُ فَمَا ضَرَّهُمْ شَیْئاً أَمْسِکْ عَلَیْکَ فَإِنَّا رَأَیْنَا أَبَا بَکْرٍ لَهَا أَهْلاً .

1066

1- قَالَ أَبُو بَکْرٍ وَ حَدَّثَنَا یَعْقُوبُ عَنْ رِجَالِهِ قَالَ لَمَّا بُویِعَ أَبُو بَکْرٍ تَخَلَّفَ عَلِیٌّ فَلَمْ یُبَایِعْ فَقِیلَ لِأَبِی بَکْرٍ إِنَّهُ کَرِهَ إِمَارَتَکَ (2) فَبَعَثَ إِلَیْهِ أَ کَرِهْتَ إِمَارَتِی قَالَ لاَ وَ لَکِنَّ اَلْقُرْآنَ خَشِیتُ أَنْ یُزَادَ فِیهِ فَحَلَفْتُ أَلاَّ أَرْتَدِیَ رِدَاءً حَتَّی أَجْمَعَهُ اللَّهُمَّ إِلاَّ إِلَی صَلاَةِ اَلْجُمُعَةِ .

ص :40

فَقَالَ أَبُو بَکْرٍ لَقَدْ أَحْسَنْتَ قَالَ فَکَتَبَهُ ع کَمَا أُنْزِلَ بِنَاسِخِهِ وَ مَنْسُوخِهِ

.

1067

14- قَالَ أَبُو بَکْرٍ حَدَّثَنَا یَعْقُوبُ عَنْ أَبِی النَّضْرِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ مَکْحُولٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص اسْتَعْمَلَ خَالِدَ بْنَ سَعِیدِ بْنِ الْعَاصِ عَلَی عَمَلٍ فَقَدِمَ بَعْدَ مَا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ ص وَ قَدْ بَایَعَ النَّاسُ أَبَا بَکْرٍ فَدَعَاهُ إِلَی الْبَیْعَةِ فَأَبَی فَقَالَ عُمَرُ دَعْنِی وَ إِیَّاهُ فَمَنَعَهُ أَبُو بَکْرٍ حَتَّی مَضَتْ عَلَیْهِ سَنَةٌ ثُمَّ مَرَّ بِهِ أَبُو بَکْرٍ وَ هُوَ جَالِسٌ عَلَی بَابِهِ فَنَادَاهُ خَالِدٌ یَا أَبَا بَکْرٍ هَلْ لَکَ فِی الْبَیْعَةِ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَادْنُ فَدَنَا مِنْهُ فَبَایَعَهُ خَالِدٌ وَ هُوَ قَاعِدٌ عَلَی بَابِهِ

.

1068

14,5- قَالَ أَبُو بَکْرٍ وَ حَدَّثَنَا أَبُو یُوسُفَ یَعْقُوبُ بْنُ شَیْبَةَ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَخْلَدٍ عَنْ یَحْیَی بْنِ عُمَرَ قَالَ حَدَّثَنِی أَبُو جَعْفَرٍ الْبَاقِرُ قَالَ جَاءَ أَعْرَابِیٌّ إِلَی أَبِی بَکْرٍ عَلَی عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ قَالَ لَهُ أَوْصِنِی فَقَالَ لاَ تَأَمَّرْ عَلَی اثْنَیْنِ ثُمَّ إِنَّ الْأَعْرَابِیَّ شَخَصَ إِلَی اَلرَّبَذَةِ فَبَلَغَهُ بَعْدَ ذَلِکَ وَفَاةُ رَسُولِ اللَّهِ ص فَسَأَلَ عَنْ أَمْرِ النَّاسِ مَنْ وَلِیَهُ فَقِیلَ أَبُو بَکْرٍ فَقَدِمَ الْأَعْرَابِیُّ إِلَی اَلْمَدِینَةِ فَقَالَ لِأَبِی بَکْرٍ أَ لَسْتَ أَمَرْتَنِی أَلاَّ أَتَأَمَّرَ عَلَی اثْنَیْنِ قَالَ بَلَی قَالَ فَمَا بَالُکَ فَقَالَ أَبُو بَکْرٍ لَمْ أَجِدْ لَهَا أَحَداً غَیْرِی أَحَقَّ مِنِّی قَالَ ثُمَّ رَفَعَ أَبُو جَعْفَرٍ الْبَاقِرُ یَدَیْهِ وَ خَفَضَهُمَا فَقَالَ صَدَقَ صَدَقَ

.

1069

14- قَالَ أَبُو بَکْرٍ وَ قَدْ رُوِیَ هَذَا الْخَبَرُ بِرِوَایَةٍ أَتَمَّ مِنْ هَذِهِ الرِّوَایَةِ حَدَّثَنَا یَعْقُوبُ بْنُ شَیْبَةَ قَالَ حَدَّثَنَا یَحْیَی بْنُ حَمَّادٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ سُلَیْمَانَ الْأَعْمَشِ عَنْ سُلَیْمَانَ بْنِ مَیْسَرَةَ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ رَافِعِ بْنِ أَبِی رَافِعٍ الطَّائِیِّ قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ص جَیْشاً فَأَمَّرَ عَلَیْهِمْ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَ فِیهِمْ أَبُو بَکْرٍ وَ عُمَرُ وَ أَمَرَهُمْ

ص :41

أَنْ یَسْتَنْفِرُوا مَنْ مَرُّوا بِهِ فَمَرُّوا عَلَیْنَا فَاسْتَنْفَرُونَا فَنَفَرْنَا مَعَهُمْ فِی غَزَاةِ ذَاتِ السَّلاَسِلِ وَ هِیَ الَّتِی تَفْخَرُ بِهَا أَهْلُ اَلشَّامِ فَیَقُولُونَ اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ ص عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ عَلَی جَیْشٍ فِیهِ أَبُو بَکْرٍ وَ عُمَرُ قَالَ فَقُلْتُ وَ اللَّهِ لَأَخْتَارَنَّ فِی هَذِهِ الْغَزَاةِ لِنَفْسِی رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ص أَسْتَهْدِیهِ فَإِنِّی لَسْتُ أَسْتَطِیعُ إِتْیَانَ اَلْمَدِینَةِ فَاخْتَرْتُ أَبَا بَکْرٍ وَ لَمْ آلُ وَ کَانَ لَهُ کِسَاءٌ فَدَکِیٌّ یُخَلِّهِ (1) عَلَیْهِ إِذَا رَکِبَ وَ یَلْبَسُهُ إِذَا نَزَلَ وَ هُوَ الَّذِی عَیَّرَتْهُ بِهِ هَوَازِنُ بَعْدَ اَلنَّبِیِّ ص وَ قَالُوا لاَ نُبَایِعُ ذَا الْخِلاَلِ قَالَ فَلَمَّا قَضَیْنَا غَزَاتَنَا قُلْتُ لَهُ یَا أَبَا بَکْرٍ إِنِّی قَدْ صَحِبْتُکَ وَ إِنَّ لِی عَلَیْکَ حَقّاً فَعَلِّمْنِی شَیْئاً أَنْتَفِعْ بِهِ فَقَالَ قَدْ کُنْتُ أُرِیدُ ذَلِکَ لَوْ لَمْ تَقُلْ لِی تَعْبُدُ اللَّهَ لاَ تُشْرِکُ بِهِ شَیْئاً وَ تُقِیمُ الصَّلاَةَ الْمَکْتُوبَةَ وَ تُؤَدِّی الزَّکَاةَ الْمَفْرُوضَةَ وَ تَحُجُّ اَلْبَیْتَ وَ تَصُومُ شَهْرَ رَمَضَانَ وَ لاَ تَتَأَمَّرُ عَلَی رَجُلَیْنِ فَقُلْتُ أَمَّا الْعِبَادَاتُ فَقَدْ عَرَفْتُهَا أَرَأَیْتَ نَهْیَکَ لِی عَنِ الْإِمَارَةِ وَ هَلْ یُصِیبُ النَّاسَ الْخَیْرُ وَ الشَّرُّ إِلاَّ بِالْإِمَارَةِ فَقَالَ إِنَّکَ اسْتَجْهَدْتَنِی فَجَهَدْتُ لَکَ إِنَّ النَّاسَ دَخَلُوا فِی اَلْإِسْلاَمِ طَوْعاً وَ کَرْهاً فَأَجَارَهُمُ اللَّهُ مِنَ الظُّلْمِ فَهُمْ جِیرَانُ اللَّهِ وَ عُوَّادُ اللَّهِ وَ فِی ذِمَّةِ اللَّهِ فَمَنْ یَظْلِمُ مِنْکُمْ إِنَّمَا یُحَقِّرُ رَبَّهُ وَ اللَّهِ إِنَّ أَحَدَکُمْ لَیَأْخُذُ شُوَیْهَةَ جَارِهِ أَوْ بَعِیرِهِ فَیَظَلُّ عَمَلُهُ بَأْساً بِجَارِهِ وَ اللَّهُ مِنْ وَرَاءِ جَارِهِ قَالَ فَلَمْ یَلْبَثْ إِلاَّ قَلِیلاً حَتَّی أَتَتْنَا وَفَاةُ رَسُولِ اللَّهِ ص فَسَأَلْتُ مَنِ اسْتَخْلَفَ بَعْدَهُ قِیلَ أَبُو بَکْرٍ قُلْتُ أَ صَاحِبِیَ الَّذِی کَانَ یَنْهَانِی عَنِ الْإِمَارَةِ فَشَدَدْتُ عَلَی رَاحِلَتِی فَأَتَیْتُ اَلْمَدِینَةَ فَجَعَلْتُ أَطْلُبُ خَلْوَتَهُ حَتَّی قَدَرْتُ عَلَیْهَا فَقُلْتُ أَ تَعْرِفُنِی أَنَا فُلاَنُ بْنُ فُلاَنٍ أَ تَعْرِفُ وَصِیَّةً أَوْصَیْتَنِی بِهَا قَالَ نَعَمْ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ قُبِضَ وَ النَّاسُ حَدِیثُو عَهْدٍ بِالْجَاهِلِیَّةِ فَخَشِیتُ أَنْ یُفْتَتَنُوا وَ إِنَّ أَصْحَابِی حَمَلُونِیهَا فَمَا زَالَ یَعْتَذِرُ إِلَیَّ حَتَّی عَذَرْتُهُ وَ صَارَ مِنْ أَمْرِی بَعْدَ أَنْ صِرْتُ عَرِیفاً

.

1070

2,1- قَالَ أَبُو بَکْرٍ وَ أَخْبَرَنَا أَبُو زَیْدٍ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ عَنْ رِجَالِهِ عَنِ اَلشَّعْبِیِّ قَالَ قَامَ اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِیٍّ ع إِلَی أَبِی بَکْرٍ وَ هُوَ یَخْطُبُ عَلَی اَلْمِنْبَرِ فَقَالَ لَهُ انْزِلْ عَنْ مِنْبَرِ أَبِی فَقَالَ

ص :42

أَبُو بَکْرٍ صَدَقْتَ وَ اللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْبَرُ أَبِیکَ لاَ مِنْبَرُ أَبِی فَبَعَثَ عَلِیٌّ إِلَی أَبِی بَکْرٍ إِنَّهُ غُلاَمٌ حَدَثٌ وَ إِنَّا لَمْ نَأْمُرْهُ فَقَالَ أَبُو بَکْرٍ صَدَقْتَ إِنَّا لَمْ نَتَّهِمُکَ

.

1071

1- قَالَ أَبُو بَکْرٍ وَ رَوَی أَبُو زَیْدٍ عَنْ حُبَابِ بْنِ یَزِیدَ عَنْ جَرِیرٍ عَنِ اَلْمُغِیرَةِ أَنَّ سَلْمَانَ وَ اَلزُّبَیْرَ وَ بَعْضَ اَلْأَنْصَارِ کَانَ هَوَاهُمْ أَنْ یُبَایِعُوا عَلِیّاً بَعْدَ اَلنَّبِیِّ ص فَلَمَّا بُویِعَ أَبُو بَکْرٍ قَالَ سَلْمَانُ لِلصَّحَابَةِ أَصَبْتُمُ الْخَیْرَ وَ لَکِنْ أَخْطَأْتُمُ الْمَعْدِنَ قَالَ وَ فِی رِوَایَةٍ أُخْرَی أَصَبْتُمْ ذَا السِّنِّ مِنْکُمْ وَ لَکِنَّکُمْ أَخْطَأْتُمْ أَهْلَ بَیْتِ نَبِیِّکُمْ أَمَا لَوْ جَعَلْتُمُوهَا فِیهِمْ مَا اخْتَلَفَ مِنْکُمُ اثْنَانِ وَ لَأَکَلْتُمُوهَا رَغَداً

.

قلت هذا الخبر هو الذی رواه المتکلمون فی باب الإمامة

1072

عَنْ سَلْمَانَ أَنَّهُ قَالَ کردید وَ نکردید. تفسره الشیعة فتقول أراد أسلمتم و ما أسلمتم و یفسره أصحابنا فیقولون معناه أخطأتم و أصبتم.

1073

1- قَالَ أَبُو بَکْرٍ وَ أَخْبَرَنَا أَبُو زَیْدٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ یَحْیَی قَالَ حَدَّثَنَا غَسَّانُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِیدِ قَالَ لَمَّا أَکْثَرَ فِی تَخَلُّفِ عَلِیٍّ عَنِ الْبَیْعَةِ وَ اشْتَدَّ أَبُو بَکْرٍ وَ عُمَرُ فِی ذَلِکَ خَرَجَتْ أُمُّ مِسْطَحِ بْنِ أُثَاثَةَ فَوَقَفَتْ عِنْدَ قَبْرِ اَلنَّبِیِّ ص وَ نَادَتْهُ یَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ کَانَ بَعْدَکَ أَنْبَاءٌ وَ هَیْنَمَةٌ

.

1074

14,1- قَالَ أَبُو بَکْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِیزِ وَ سَمِعْتُ أَبَا زَیْدٍ عُمَرَ بْنَ شَبَّةَ یُحَدِّثُ رَجُلاً بِحَدِیثٍ لَمْ أَحْفَظْ إِسْنَادَهُ قَالَ مَرَّ اَلْمُغِیرَةُ بْنُ شُعْبَةَ بِأَبِی بَکْرٍ وَ عُمَرَ وَ هُمَا جَالِسَانِ عَلَی بَابِ اَلنَّبِیِّ حِینَ قُبِضَ فَقَالَ مَا یُقْعِدُکُمَا قَالاَ نَنْتَظِرُ هَذَا الرَّجُلَ یَخْرُجُ فَنُبَایِعُهُ یَعْنِیَانِ عَلِیّاً فَقَالَ أَ تُرِیدُونَ أَنْ تَنْظُرُوا حَبَلَ الْحَبَلَةِ (1) مِنْ أَهْلِ هَذَا الْبَیْتِ وَسِّعُوهَا فِی قُرَیْشٍ تَتَّسِعْ.

ص :43

قَالَ فَقَامَا إِلَی سَقِیفَةِ بَنِی سَاعِدَةَ أَوْ کَلاَماً هَذَا مَعْنَاهُ

.

1075

14- قَالَ أَبُو بَکْرٍ وَ أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِکِ الْوَاسِطِیُّ عَنْ یَزِیدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ سُفْیَانَ بْنِ حُسَیْنٍ عَنِ اَلزُّهْرِیِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِکٍ قَالَ لَمَّا مَرِضَ رَسُولُ اللَّهِ مَرَضَهُ الَّذِی مَاتَ فِیهِ أَتَاهُ بِلاَلٌ یُؤْذِنُهُ بِالصَّلاَةِ فَقَالَ بَعْدَ مَرَّتَیْنِ یَا بِلاَلُ قَدْ أَبْلَغْتَ فَمَنْ شَاءَ فَلْیُصَلِّ بِالنَّاسِ وَ مَنْ شَاءَ فَلْیَدَعْ.

قَالَ وَ رُفِعَتِ السُّتُورُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ فَنَظَرْنَا إِلَیْهِ کَأَنَّهُ وَرَقَةٌ بَیْضَاءُ وَ عَلَیْهِ خَمِیصَةٌ (1) لَهُ فَرَجَعَ إِلَیْهِ بِلاَلٌ فَقَالَ مُرُوا أَبَا بَکْرٍ فَلْیُصَلِّ بِالنَّاسِ قَالَ فَمَا رَأَیْنَاهُ بَعْدَ ذَلِکَ ع

.

1076

1,14- وَ قَالَ أَبُو بَکْرٍ وَ حَدَّثَنِی أَبُو الْحَسَنِ عَلِیُّ بْنُ سُلَیْمَانَ النَّوْفَلِیُّ قَالَ سَمِعْتُ أُبَیّاً یَقُولُ ذَکَرَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ یَوْماً عَلِیّاً بَعْدَ یَوْمِ السَّقِیفَةِ فَذَکَرَ أَمْراً مِنْ أَمْرِهِ نَسِیَهُ أَبُو الْحَسَنِ یُوجِبُ وِلاَیَتَهُ فَقَالَ لَهُ ابْنُهُ قَیْسُ بْنُ سَعْدٍ أَنْتَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ ص یَقُولُ هَذَا الْکَلاَمَ فِی عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ ثُمَّ تَطْلُبُ الْخِلاَفَةَ وَ یَقُولُ أَصْحَابُکَ مِنَّا أَمِیرٌ وَ مِنْکُمْ أَمِیرٌ لاَ کَلَّمْتُکَ وَ اللَّهِ مِنْ رَأْسِی بَعْدَ هَذَا کَلِمَةً أَبَداً .

1077

قَالَ أَبُو بَکْرٍ وَ حَدَّثَنِی أَبُو الْحَسَنِ عَلِیُّ بْنُ سُلَیْمَانَ النَّوْفَلِیُّ قَالَ حَدَّثَنِی أَبِی قَالَ حَدَّثَنِی شَرِیکُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ إِسْمَاعِیلَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ زَیْدِ بْنِ عَلِیِّ بْنِ الْحُسَیْنِ عَنْ أَبِیهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ قَالَ عَلِیٌّ

کُنْتُ مَعَ اَلْأَنْصَارِ لِرَسُولِ اللَّهِ ص عَلَی السَّمْعِ وَ الطَّاعَةِ لَهُ فِی الْمَحْبُوبِ وَ الْمَکْرُوهِ فَلَمَّا عَزَّ اَلْإِسْلاَمُ وَ کَثُرَ أَهْلُهُ قَالَ یَا عَلِیُّ زِدْ فِیهَا عَلَی أَنْ تَمْنَعُوا رَسُولَ اللَّهِ وَ أَهْلَ بَیْتِهِ مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ أَنْفُسَکُمْ وَ ذَرَارِیَّکُمْ قَالَ فَحَمَلَهَا عَلَی ظُهُورِ الْقَوْمِ فَوَفَی بِهَا مَنْ وَفَی وَ هَلَکَ مَنْ هَلَکَ .

قلت هذا یطابق

1078

6,14- مَا رَوَاهُ أَبُو الْفَرَجِ الْأَصْفَهَانِیُّ فِی کِتَابِ مَقَاتِلِ الطَّالِبِیِّینَ أَنَّ

ص :44

جَعْفَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ ع

وَقَفَ مُسْتَتِراً فِی خُفْیَةٍ یُشَاهِدَ الْمَحَامِلَ الَّتِی حُمِلَ عَلَیْهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ وَ أَهْلُهُ فِی الْقُیُودِ وَ الْحَدِیدِ مِنَ اَلْمَدِینَةِ إِلَی اَلْعِرَاقِ فَلَمَّا مَرُّوا بِهِ بَکَی وَ قَالَ مَا وَفَتِ اَلْأَنْصَارُ وَ لاَ أَبْنَاءُ اَلْأَنْصَارِ لِرَسُولِ اللَّهِ ص بَایَعَهُمْ عَلَی أَنْ یَمْنَعُوا مُحَمَّداً وَ أَبْنَاءَهُ وَ أَهْلَهُ وَ ذُرِّیَّتَهُ مِمَّا یَمْنَعُونَ مِنْهُ أَنْفُسَهُمْ وَ أَبْنَاءَهُمْ وَ أَهْلَهُمْ وَ ذَرَارِیَّهُمْ فَلَمْ یَفُوا اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَکَ عَلَی اَلْأَنْصَارِ

.

1079

1- قَالَ أَبُو بَکْرٍ وَ حَدَّثَنَا أَبُو سَعِیدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَکَمِ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ لَیْثِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ تَخَلَّفَ عَلِیٌّ عَنْ بَیْعَةِ أَبِی بَکْرٍ فَأُخْرِجَ مُلَبَّباً (1) یُمْضَی بِهِ رَکْضاً وَ هُوَ یَقُولُ مَعَاشِرَ اَلْمُسْلِمِینَ عَلاَمَ تُضْرَبُ عُنُقُ رَجُلٍ مِنَ اَلْمُسْلِمِینَ لَمْ یَتَخَلَّفْ لِخِلاَفٍ وَ إِنَّمَا تَخَلَّفَ لِحَاجَةٍ فَمَا مَرَّ بِمَجْلِسٍ مِنَ الْمَجَالِسِ إِلاَّ یُقَالُ لَهُ انْطَلِقْ فَبَایِعْ .

1080

قَالَ أَبُو بَکْرٍ وَ حَدَّثَنَا عَلِیُّ بْنُ جَرِیرٍ الطَّائِیُّ قَالَ حَدَّثَنَا اِبْنُ فَضْلٍ عَنِ اَلْأَجْلَحِ عَنْ حَبِیبِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ یَزِیدَ قَالَ سَمِعْتُ عَلِیّاً یَقُولُ

أَمَا وَ رَبِّ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ ثَلاَثاً إِنَّهُ لَعَهِدَ اَلنَّبِیُّ الْأُمِّیُّ إِلَیَّ لَتَغْدِرَنَّ بِکَ الْأُمَّةُ مِنْ بَعْدِی .

1081

1- قَالَ أَبُو بَکْرٍ وَ حَدَّثَنَا أَبُو زَیْدٍ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ بِإِسْنَادٍ رَفَعَهُ إِلَی اِبْنِ عَبَّاسٍ قَالَ إِنِّی لَأُمَاشِی عُمَرَ فِی سِکَّةٍ مِنْ سِکَکِ اَلْمَدِینَةِ یَدُهُ فِی یَدِی فَقَالَ یَا اِبْنَ عَبَّاسٍ مَا أَظُنُّ صَاحِبَکَ إِلاَّ مَظْلُوماً فَقُلْتُ فِی نَفْسِی وَ اللَّهِ لاَ یَسْبِقُنِی بِهَا فَقُلْتُ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ فَارْدُدْ إِلَیْهِ ظُلاَمَتَهُ فَانْتَزَعَ یَدَهُ مِنْ یَدِی ثُمَّ مَرَّ یُهَمْهِمُ سَاعَةً ثُمَّ وَقَفَ فَلَحِقْتُهُ فَقَالَ لِی یَا اِبْنَ عَبَّاسٍ مَا أَظُنُّ الْقَوْمَ مَنَعَهُمْ مِنْ صَاحِبِکَ إِلاَّ أَنَّهُمُ اسْتَصْغَرُوهُ فَقُلْتُ فِی نَفْسِی هَذِهِ شَرٌّ مِنَ الْأُولَی فَقُلْتُ وَ اللَّهِ مَا اسْتَصْغَرَهُ اللَّهُ حِینَ أَمَرَهُ أَنْ یَأْخُذَ سُورَةَ بَرَاءَةَ مِنْ أَبِی بَکْرٍ

.

ص :45

فَوَ اللَّهِ لَقَرَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ ص أَحَبُّ إِلَیَّ أَنْ أَصِلَهَا مِنْ قَرَابَتِی وَ إِنِّی وَ اللَّهِ مَا آلُوکُمْ مِنْ هَذِهِ الْأَمْوَالِ الَّتِی کَانَتْ بَیْنِی وَ بَیْنَکُمْ إِلاَّ الْخَیْرَ وَ لَکِنِّی سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص یَقُولُ لاَ نُورَثُ مَا تَرَکْنَاهُ صَدَقَةٌ وَ إِنَّمَا یَأْکُلُ آلُ مُحَمَّدٍ فِی هَذَا الْمَالِ وَ إِنِّی وَ اللَّهِ لاَ أَتْرُکُ أَمْراً صَنَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ ص إِلاَّ صَنَعْتُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ قَالَ عَلِیٌّ مَوْعِدُکَ الْعَشِیَّةُ لِلْبَیْعَةِ فَلَمَّا صَلَّی أَبُو بَکْرٍ الظُّهْرَ أَقْبَلَ عَلَی النَّاسِ ثُمَّ عَذَرَ عَلِیّاً (1) بِبَعْضِ مَا اعْتَذَرَ بِهِ ثُمَّ قَامَ عَلِیٌّ فَعَظَّمَ مِنْ حَقِّ أَبِی بَکْرٍ وَ ذَکَرَ فَضْلَهُ وَ سَابِقَتَهُ ثُمَّ مَضَی إِلَی أَبِی بَکْرٍ فَبَایَعَهُ فَأَقْبَلَ النَّاسُ إِلَی عَلِیٍّ فَقَالُوا أَصَبْتَ وَ أَحْسَنْتَ وَ کَانَ عَلِیٌّ قَرِیباً إِلَی النَّاسِ حِینَ قَارَبَ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ

.

1083

15,14,1- وَ رَوَی أَبُو بَکْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِیزِ قَالَ حَدَّثَنِی أَبُو زَیْدٍ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ قَالَ حَدَّثَنِی إِبْرَاهِیمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ حَدَّثَنَا اِبْنُ وَهْبٍ عَنِ اِبْنِ لَهِیعَةَ عَنْ أَبِی الْأَسْوَدِ قَالَ غَضِبَ رِجَالٌ مِنَ اَلْمُهَاجِرِینَ فِی بَیْعَةِ أَبِی بَکْرٍ بِغَیْرِ مَشُورَةٍ وَ غَضِبَ عَلِیٌّ وَ اَلزُّبَیْرُ فَدَخَلاَ بَیْتَ فَاطِمَةَ مَعَهُمَا السِّلاَحُ فَجَاءَ عُمَرُ فِی عِصَابَةٍ فِیهِمْ أُسَیْدُ بْنُ حُضَیْرٍ وَ سَلَمَةُ بْنُ سَلاَمَةَ بْنِ قُرَیْشٍ وَ هُمَا مِنْ بَنِی عَبْدِ الْأَشْهَلِ فَاقْتَحَمَا الدَّارَ فَصَاحَتْ فَاطِمَةُ وَ نَاشَدَتْهُمَا اللَّهَ فَأَخَذُوا سَیْفَیْهِمَا فَضَرَبُوا بِهِمَا الْحَجَرَ حَتَّی کَسَرُوهُمَا فَأَخْرَجَهُمَا عُمَرُ یَسُوقُهُمَا حَتَّی بَایَعَا.

ثُمَّ قَامَ أَبُو بَکْرٍ فَخَطَبَ النَّاسَ فَاعْتَذَرَ إِلَیْهِمْ وَ قَالَ إِنَّ بَیْعَتِی کَانَتْ فَلْتَةً وَقَی اللَّهُ شَرَّهَا وَ خَشِیتُ الْفِتْنَةَ وَ أَیْمُ اللَّهِ مَا حَرَصْتُ عَلَیْهَا یَوْماً قَطُّ وَ لاَ سَأَلْتُهَا اللَّهَ فِی سِرٍّ وَ لاَ عَلاَنِیَةٍ قَطُّ وَ لَقَدْ قُلِّدَتْ أَمْراً عَظِیماً مَا لِی بِهِ طَاقَةٌ وَ لاَ یَدَانِ وَ لَقَدْ وَدِدْتُ أَنَّ أَقْوَی النَّاسِ عَلَیْهِ مَکَانِی.

ص :47

فَقَبِلَ اَلْمُهَاجِرُونَ وَ قَالَ عَلِیٌّ وَ اَلزُّبَیْرُ مَا غَضِبْنَا إِلاَّ فِی الْمَشُورَةِ وَ إِنَّا لَنَرَی أَبَا بَکْرٍ أَحَقَّ النَّاسِ بِهَا إِنَّهُ لَصَاحِبُ اَلْغَارِ وَ ثٰانِیَ اثْنَیْنِ وَ إِنَّا لَنَعْرِفُ لَهُ سِنَّهُ وَ لَقَدْ أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ ص بِالصَّلاَةِ وَ هُوَ حَیٌّ .

قَالَ أَبُو بَکْرٍ وَ ذَکَرَ اِبْنُ شِهَابِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ قَیْسَ بْنَ شَمَّاسٍ أَخَا بَنِی الْحَارِثِ مِنَ اَلْخَزْرَجِ کَانَ مَعَ الْجَمَاعَةِ الَّذِینَ دَخَلُوا بَیْتَ فَاطِمَةَ .

قَالَ وَ رَوَی سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِیمَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ کَانَ مَعَ عُمَرَ ذَلِکَ الْیَوْمَ وَ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ کَانَ مَعَهُمْ وَ أَنَّهُ هُوَ الَّذِی کَسَرَ سَیْفَ اَلزُّبَیْرِ

.

1084

1,15- قَالَ أَبُو بَکْرٍ وَ حَدَّثَنِی أَبُو زَیْدٍ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ عَنْ رِجَالِهِ قَالَ جَاءَ عُمَرُ إِلَی بَیْتِ فَاطِمَةَ فِی رِجَالٍ مِنَ اَلْأَنْصَارِ وَ نَفَرٍ قَلِیلٍ مِنَ اَلْمُهَاجِرِینَ فَقَالَ وَ الَّذِی نَفْسِی بِیَدِهِ لَتَخْرُجُنَّ إِلَی الْبَیْعَةِ أَوْ لَأُحْرِقَنَّ الْبَیْتَ عَلَیْکُمْ فَخَرَجَ إِلَیْهِ اَلزُّبَیْرُ مُصْلِتاً بِالسَّیْفِ فَاعْتَنَقَهُ زِیَادُ بْنُ لَبِیدٍ الْأَنْصَارِیُّ وَ رَجُلٌ آخَرُ فَنَدَرَ (1) السَّیْفُ مِنْ یَدِهِ فَضَرَبَ بِهِ عُمَرُ الْحَجَرَ فَکَسَرَهُ ثُمَّ أَخْرَجَهُمْ بِتَلاَبِیبِهِمْ یُسَاقَوْنَ سَوْقاً عَنِیفاً حَتَّی بَایَعُوا أَبَا بَکْرٍ .

قَالَ أَبُو زَیْدٍ وَ رَوَی اَلنَّضْرُ بْنُ شُمَیْلٍ قَالَ حُمِلَ سَیْفُ اَلزُّبَیْرِ لَمَّا نَدَرَ مِنْ یَدِهِ إِلَی أَبِی بَکْرٍ وَ هُوَ عَلَی اَلْمِنْبَرِ یَخْطُبُ فَقَالَ اضْرِبُوا بِهِ الْحَجَرَ قَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ حِمَاسٍ وَ لَقَدْ رَأَیْتُ الْحَجَرَ وَ فِیهِ تِلْکَ الضَّرْبَةُ وَ النَّاسُ یَقُولُونَ هَذَا أَثَرُ ضَرْبَةِ سَیْفِ اَلزُّبَیْرِ

.

1085

1,15- قَالَ أَبُو بَکْرٍ وَ أَخْبَرَنِی أَبُو بَکْرٍ الْبَاهِلِیُّ عَنْ إِسْمَاعِیلَ بْنِ مُجَالِدٍ عَنِ اَلشَّعْبِیِّ قَالَ قَالَ أَبُو بَکْرٍ یَا عُمَرُ أَیْنَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِیدِ قَالَ هُوَ هَذَا فَقَالَ انْطَلِقَا إِلَیْهِمَا یَعْنِی عَلِیّاً وَ اَلزُّبَیْرَ فَأْتِیَانِی بِهِمَا فَانْطَلَقَا فَدَخَلَ عُمَرُ وَ وَقَفَ خَالِدٌ عَلَی الْبَابِ مِنْ خَارِجٍ فَقَالَ عُمَرُ لِلزُّبَیْرِ مَا هَذَا السَّیْفُ قَالَ أَعْدَدْتُهُ لِأُبَایِعَ عَلِیّاً قَالَ وَ کَانَ فِی الْبَیْتِ نَاسٌ کَثِیرٌ مِنْهُمُ اَلْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ وَ جُمْهُورُ اَلْهَاشِمِیِّینَ فَاخْتَرَطَ عُمَرُ السَّیْفَ فَضَرَبَ بِهِ صَخْرَةً فِی الْبَیْتِ

ص :48

فَکَسَرَهُ ثُمَّ أَخَذَ بِیَدِ اَلزُّبَیْرِ فَأَقَامَهُ ثُمَّ دَفَعَهُ فَأَخْرَجَهُ وَ قَالَ یَا خَالِدُ دُونَکَ هَذَا فَأَمْسَکَهُ خَالِدٌ وَ کَانَ خَارِجَ (1) الْبَیْتِ مَعَ خَالِدٍ جَمْعٌ کَثِیرٌ مِنَ النَّاسِ أَرْسَلَهُمْ أَبُو بَکْرٍ رِدْءاً لَهُمَا ثُمَّ دَخَلَ عُمَرُ فَقَالَ لِعَلِیٍّ قُمْ فَبَایِعْ فَتَلَکَّأَ وَ احْتَبَسَ (2) فَأَخَذَ بِیَدِهِ وَ قَالَ قُمْ فَأَبَی أَنْ یَقُومَ فَحَمَلَهُ وَ دَفَعَهُ کَمَا دَفَعَ اَلزُّبَیْرَ ثُمَّ أَمْسَکَهُمَا خَالِدٌ وَ سَاقَهُمَا عُمَرُ وَ مَنْ مَعَهُ سَوْقاً عَنِیفاً وَ اجْتَمَعَ النَّاسُ یَنْظُرُونَ وَ امْتَلَأَتْ شَوَارِعُ اَلْمَدِینَةِ بِالرِّجَالِ وَ رَأَتْ فَاطِمَةُ مَا صَنَعَ عُمَرُ فَصَرَخَتْ وَ وَلْوَلَتْ وَ اجْتَمَعَ مَعَهَا نِسَاءٌ کَثِیرٌ مِنَ اَلْهَاشِمِیَّاتِ وَ غَیْرِهِنَّ فَخَرَجَتْ إِلَی بَابِ حُجْرَتِهَا وَ نَادَتْ یَا أَبَا بَکْرٍ مَا أَسْرَعَ مَا أَغَرْتُمْ عَلَی أَهْلِ بَیْتِ رَسُولِ اللَّهِ وَ اللَّهِ لاَ أُکَلِّمُ عُمَرَ حَتَّی أَلْقَی اللَّهَ.

قَالَ فَلَمَّا بَایَعَ عَلِیٌّ وَ اَلزُّبَیْرُ وَ هَدَأَتْ تِلْکَ الْفَوْرَةُ مَشَی إِلَیْهَا أَبُو بَکْرٍ بَعْدَ ذَلِکَ فَشَفَعَ لِعُمَرَ وَ طَلَبَ إِلَیْهَا فَرَضِیَتْ عَنْهُ

.

1086

15- قَالَ أَبُو بَکْرٍ وَ حَدَّثَنِی اَلْمُؤَمِّلُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ حَدَّثَنِی مُحَمَّدُ بْنُ مَیْمُونٍ قَالَ حَدَّثَنِی دَاوُدُ بْنُ الْمُبَارَکِ قَالَ أَتَیْنَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُوسَی بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنِ بْنِ حَسَنِ بْنِ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ ع وَ نَحْنُ رَاجِعُونَ مِنَ الْحَجِّ فِی جَمَاعَةٍ فَسَأَلْنَاهُ عَنْ مَسَائِلَ وَ کُنْتُ أَحَدَ مَنْ سَأَلَهُ فَسَأَلْتُهُ عَنْ أَبِی بَکْرٍ وَ عُمَرَ فَقَالَ أُجِیبُکَ بِمَا أَجَابَ بِهِ جَدِّی عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ فَإِنَّهُ سُئِلَ عَنْهُمَا فَقَالَ کَانَتْ أُمُّنَا صِدِّیقَةً ابْنَةَ نَبِیٍّ مُرْسَلٍ وَ مَاتَتْ وَ هِیَ غَضْبَی عَلَی قَوْمٍ فَنَحْنُ غِضَابٌ لِغَضَبِهَا

.

قلت قد أخذ هذا المعنی بعض شعراء الطالبیین من أهل الحجاز أنشدنیه النقیب جلال الدین عبد الحمید بن محمّد بن عبد الحمید العلوی قال أنشدنی هذا الشاعر لنفسه و ذهب عنی اسمه قال یا أبا حفص الهوینی و ما کنت ملیا بذاک لو لا الحمام

ص :49

أ تموت البتول غضبی و نرضی

ما کذا یصنع البنون الکرام.

یخاطب عمر و یقول له مهلا و رویدا (1) یا عمر أی ارفق و اتئد و لا تعنف بنا و ما کنت ملیا أی و ما کنت أهلا لأن تخاطب بهذا و تستعطف و لا کنت قادرا علی ولوج دار (2) فاطمة علی ذلک الوجه الذی ولجتها علیه لو لا أن أباها الذی کان بیتها یحترم و یصان لأجله مات فطمع فیها من لم یکن یطمع ثمّ قال أ تموت أمنا و هی غضبی و نرضی نحن إذا لسنا بکرام فإن الولد الکریم یرضی لرضا أبیه و أمه و یغضب لغضبهما.

و الصحیح عندی أنّها ماتت و هی واجدة علی أبی بکر و عمر و أنّها أوصت ألا یصلیا علیها و ذلک عند أصحابنا من الأمور المغفورة لهما و کان الأولی بهما إکرامها و احترام منزلها لکنهما خافا الفرقة و أشفقا من الفتنة ففعلا ما هو الأصلح بحسب ظنهما و کانا من الدین و قوة الیقین بمکان مکین لا شک فی ذلک و الأمور الماضیة یتعذر الوقوف علی عللها و أسبابها و لا یعلم حقائقها إلاّ من قد شاهدها و لابسها بل لعلّ الحاضرین المشاهدین لها یعلمون باطن الأمر فلا یجوز العدول عن حسن الاعتقاد فیهما بما جری و اللّه ولی المغفرة و العفو فإن هذا لو ثبت أنّه خطأ لم یکن کبیرة بل کان من باب الصغائر التی لا تقتضی التبرؤ و لا توجب زوال التولی.

1087

1- قَالَ أَبُو بَکْرٍ وَ أَخْبَرَنَا أَبُو زَیْدٍ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ عَنْ رِجَالِهِ عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ قَالَ مَرَّ عُمَرُ بِعَلِیٍّ وَ أَنَا مَعَهُ بِفِنَاءِ دَارِهِ فَسَلَّمَ عَلَیْهِ فَقَالَ لَهُ عَلِیٌّ أَیْنَ تُرِیدُ قَالَ اَلْبَقِیعَ قَالَ أَ فَلاَ (3) تَصِلُ صَاحِبَکَ وَ یَقُومُ مَعَکَ (4) قَالَ بَلَی فَقَالَ لِی عَلِیُّ قُمْ مَعَهُ فَقُمْتُ فَمَشَیْتُ إِلَی جَانِبِهِ فَشَبَّکَ أَصَابِعَهُ فِی أَصَابِعِی وَ مَشَیْنَا قَلِیلاً حَتَّی إِذَا خَلَّفْنَا اَلْبَقِیعَ قَالَ لِی یَا اِبْنَ عَبَّاسٍ أَمَا وَ اللَّهِ إِنَّ صَاحِبَکَ هَذَا لَأَوْلَی النَّاسِ بِالْأَمْرِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ ص إِلاَّ أَنَّا خِفْنَاهُ عَلَی اثْنَیْنِ قَالَ اِبْنُ عَبَّاسٍ فَجَاءَ بِکَلاَمٍ لَمْ أَجِدْ بُدّاً مِنْ

ص :50

مَسْأَلَتِهِ عَنْهُ فَقُلْتُ مَا هُمَا یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ قَالَ خِفْنَاهُ عَلَی حَدَاثَةِ سِنِّهِ وَ حُبِّهِ بَنِی عَبْدِ الْمُطَّلِبِ

.

1088

15,1- قَالَ أَبُو بَکْرٍ وَ حَدَّثَنِی أَبُو زَیْدٍ قَالَ حَدَّثَنِی مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ قَالَ حَدَّثَنِی أَخِی سَعِیدُ بْنُ عَبَّادٍ عَنِ اَللَّیْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ رِجَالِهِ عَنْ أَبِی بَکْرٍ الصِّدِّیقِ أَنَّهُ قَالَ لَیْتَنِی لَمْ أَکْشِفْ بَیْتَ فَاطِمَةَ وَ لَوْ أُعْلِنَ عَلَیَّ الْحَرْبُ

.

1089

14- قَالَ أَبُو بَکْرٍ وَ حَدَّثَنَا اَلْحَسَنُ بْنُ الرَّبِیعِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ اَلزُّهْرِیِّ عَنْ عَلِیِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ عَنْ أَبِیهِ قَالَ لَمَّا حَضَرَتْ رَسُولَ اللَّهِ ص الْوَفَاةُ وَ فِی الْبَیْتِ رِجَالٌ فِیهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص ائْتُونِی بِدَوَاةٍ وَ صَحِیفَةٍ أَکْتُبْ لَکُمْ کِتَاباً لاَ تَضِلُّونَ بَعْدِی فَقَالَ عُمَرُ کَلِمَةً مَعْنَاهَا أَنَّ الْوَجَعَ قَدْ غَلَبَ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ ص ثُمَّ قَالَ عِنْدَنَا اَلْقُرْآنُ حَسْبُنَا کِتَابُ اللَّهِ فَاخْتَلَفَ مَنْ فِی الْبَیْتِ وَ اخْتَصَمُوا فَمِنْ قَائِلٍ یَقُولُ الْقَوْلُ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص وَ مِنْ قَائِلٍ یَقُولُ الْقَوْلُ مَا قَالَ عُمَرُ فَلَمَّا أَکْثَرُوا اللَّغَطَ وَ اللَّغْوَ وَ الاِخْتِلاَفَ غَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ قُومُوا إِنَّهُ لاَ یَنْبَغِی لِنَبِیٍّ أَنْ یُخْتَلَفَ عِنْدَهُ هَکَذَا فَقَامُوا فَمَاتَ رَسُولُ اللَّهِ ص فِی ذَلِکَ الْیَوْمِ فَکَانَ اِبْنُ عَبَّاسٍ یَقُولُ إِنَّ الرَّزِیَّةَ کُلَّ الرَّزِیَّةِ مَا حَالَ بَیْنَنَا وَ بَیْنَ کِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ ص یَعْنِی الاِخْتِلاَفَ وَ اللَّغَطَ

.

قلت هذا الحدیث قد خرجه الشیخان محمّد بن إسماعیل البخاری و مسلم بن الحجاج القشیری فی صحیحیهما (1) و اتفق المحدّثون کافة (2) علی روایته.

1090

قَالَ أَبُو بَکْرٍ وَ حَدَّثَنَا أَبُو زَیْدٍ عَنْ رِجَالِهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ

ص :51

ص

إِنْ تُوَلُّوهَا أَبَا بَکْرٍ تَجِدُوهُ ضَعِیفاً فِی بَدَنِهِ قَوِیّاً فِی أَمْرِ اللَّهِ وَ إِنْ تُوَلُّوهَا عُمَرَ تَجِدُوهُ قَوِیّاً فِی بَدَنِهِ قَوِیّاً فِی أَمْرِ اللَّهِ وَ إِنْ تُوَلُّوهَا عَلِیّاً وَ مَا أَرَاکُمْ فَاعِلِینَ تَجِدُوهُ هَادِیاً مَهْدِیّاً یَحْمِلُکُمْ عَلَی الْمَحَجَّةِ الْبَیْضَاءِ وَ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِیمِ.

1091

14- قَالَ أَبُو بَکْرٍ وَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ سَیَّارٍ عَنْ سَعِیدِ بْنِ کَثِیرٍ الْأَنْصَارِیِّ عَنْ رِجَالِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص فِی مَرَضِ مَوْتِهِ أَمَرَ أُسَامَةَ بْنَ زَیْدِ بْنِ حَارِثَةَ عَلَی جَیْشٍ فِیهِ جُلَّةُ اَلْمُهَاجِرِینَ وَ اَلْأَنْصَارِ مِنْهُمْ أَبُو بَکْرٍ وَ عُمَرُ وَ أَبُو عُبَیْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ وَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَ طَلْحَةُ وَ اَلزُّبَیْرُ وَ أَمَرَهُ أَنْ یُغِیرَ عَلَی مُؤْتَةَ حَیْثُ قُتِلَ أَبُوهُ زَیْدٌ وَ أَنْ یَغْزُوَ وَادِیَ فِلَسْطِینَ فَتَثَاقَلَ أُسَامَةُ وَ تَثَاقَلَ الْجَیْشُ بِتَثَاقُلِهِ وَ جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ ص فِی مَرَضِهِ یَثْقُلُ وَ یَخِفُّ وَ یُؤَکِّدُ الْقَوْلَ فِی تَنْفِیذِ ذَلِکَ الْبَعْثِ حَتَّی قَالَ لَهُ أُسَامَةُ بِأَبِی أَنْتَ وَ أُمِّی أَ تَأْذَنُ لِی أَنْ أَمْکُثَ أَیَّاماً حَتَّی یَشْفِیَکَ اللَّهُ تَعَالَی فَقَالَ اخْرُجْ وَ سِرْ عَلَی بَرَکَةِ اللَّهِ فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَنَا خَرَجْتُ وَ أَنْتَ عَلَی هَذِهِ الْحَالِ خَرَجْتُ وَ فِی قَلْبِی قَرْحَةٌ مِنْکَ فَقَالَ سِرْ عَلَی النَّصْرِ وَ الْعَافِیَةِ فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّی أَکْرَهُ أَنْ أَسْأَلَ عَنْکَ الرُّکْبَانَ فَقَالَ انْفُذْ (1) لِمَا أَمَرْتُکَ بِهِ ثُمَّ أُغْمِیَ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ ص وَ قَامَ أُسَامَةُ فَتَجَهَّزَ لِلْخُرُوجِ فَلَمَّا أَفَاقَ رَسُولُ اللَّهِ ص سَأَلَ عَنْ أُسَامَةَ وَ الْبَعْثِ فَأُخْبِرَ أَنَّهُمْ یَتَجَهَّزُونَ فَجَعَلَ یَقُولُ انْفُذُوا بَعْثَ أُسَامَةَ لَعَنَ اللَّهُ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ وَ کَرَّرَ (2) ذَلِکَ فَخَرَجَ أُسَامَةُ وَ اللِّوَاءُ عَلَی رَأْسِهِ وَ اَلصَّحَابَةُ بَیْنَ یَدَیْهِ حَتَّی إِذَا کَانَ بِالْجُرْفِ نَزَلَ وَ مَعَهُ أَبُو بَکْرٍ وَ عُمَرُ وَ أَکْثِرُ اَلْمُهَاجِرِینَ وَ مِنَ اَلْأَنْصَارِ أُسَیْدُ بْنُ حُضَیْرٍ وَ بَشِیرُ بْنُ سَعْدٍ وَ غَیْرُهُمْ مِنَ الْوُجُوهِ فَجَاءَهُ رَسُولُ أُمِّ أَیْمَنَ یَقُولُ لَهُ ادْخُلْ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ یَمُوتُ فَقَامَ مِنْ فَوْرِهِ فَدَخَلَ اَلْمَدِینَةَ وَ اللِّوَاءُ مَعَهُ فَجَاءَ بِهِ حَتَّی رَکَزَهُ بِبَابِ رَسُولِ اللَّهِ وَ رَسُولُ اللَّهِ قَدْ مَاتَ فِی تِلْکَ السَّاعَةِ.

قَالَ فَمَا کَانَ أَبُو بَکْرٍ وَ عُمَرُ یُخَاطِبَانِ أُسَامَةَ إِلَی أَنْ مَاتَا إِلاَّ بِالْأَمِیرِ

.

ص :52

و کان محمد من نساک قریش و کان ممن أعان علی عثمان فی یوم الدار و اختلف هل باشر قتل عثمان أم لا و من ولد محمد القاسم بن محمّد بن أبی بکر فقیه الحجاز و فاضلها و من ولد القاسم عبد الرحمن بن القاسم بن محمّد کان من فضلاء قریش و یکنی أبا محمد

1093

5,6- وَ مِنْ وُلْدِ اَلْقَاسِمِ أَیْضاً أُمُّ فَرْوَةَ تَزَوَّجَهَا اَلْبَاقِرُ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِیٍّ فَأَوْلَدَهَا اَلصَّادِقَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ ع . و إلی أم فروة أشار الرضی أبو الحسن بقوله یفاخرنا قوم بمن لم نلدهم

قوله و لو لا علی ما علوا سرواتها البیت ینظر فیه إلی قول المأمون فی أبیات یمدح فیها علیا أولها الأم علی حبی الوصی أبا الحسن و ذلک عندی من أعاجیب ذا الزمن.

و البیت المنظور إلیه منها قوله

ص :54

و لولاه ما عدت لهاشم إمرة

و کان مدی الأیّام یعصی و یمتهن

و أورث عارا فی الحیاة لأهله

و فی النار یوم البعث أم البوائق (1) .

و إنّما قال عبد عذرة لأن عتبة بن أبی وقاص و إخوته و أقاربه فی نسبهم کلام ذکر قوم من أهل النسب أنهم من عذرة و أنهم أدعیاء فی قریش و لهم خبر معروف و قصة مذکورة فی کتب النسب.

1095

وَ تَنَازَعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَ سَعْدُ بْنُ أَبِی وَقَّاصٍ فِی أَیَّامِ عُثْمَانَ فِی أَمْرٍ فَاخْتَصَمَا فَقَالَ سَعْدٌ لِعَبْدِ اللَّهِ اسْکُتْ یَا عَبْدَ هُذَیْلٍ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ اسْکُتْ یَا عَبْدَ عُذْرَةٍ . و هاشم بن عتبة هو المرقال سمی المرقال لأنّه کان یرقل فی الحرب إرقالا و هو من شیعه علی و سنفصل (2) مقتله إذا انتهینا إلی فصل من کلامه یتضمن ذکر صفین فأما قوله لما خلی لهم العرصة فیعنی عرصة مصر و قد کان محمد رحمه اللّه تعالی لما ضاق علیه الأمر ترک لهم مصر و ظنّ أنّه بالفرار ینجو بنفسه فلم ینج و أخذ و قتل .

و قوله و لا أنهزهم الفرصة أی و لا جعلهم للفرصة منتهزین و الهمزة للتعدیة یقال أنهزت الفرصة إذا أنهزتها غیری.

و نحن نذکر فی هذا الموضع ابتداء أمر الذین ولاهم علی ع مصر إلی أن ننتهی إلی کیفیة ملک معاویة لها و قتل محمّد بن أبی بکر و ننقل ذلک من کتاب إبراهیم بن سعد بن هلال الثقفی و هو کتاب الغارات

ص :56

أَحْبَبْتَ أَنْ یَصْحَبَکَ حَتَّی تَأْتِیَ مِصْرَ وَ مَعَکَ جُنْدٌ فَإِنَّ ذَلِکَ أَرْعَبُ لِعَدُوِّکَ وَ أَعَزُّ لِوَلِیِّکَ فَإِذَا أَنْتَ قَدِمْتَهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَأَحْسِنْ إِلَی الْمُحْسِنِ وَ اشْتَدَّ (1) عَلَی الْمُرِیبِ وَ ارْفُقْ بِالْعَامَّةِ وَ الْخَاصَّةِ فَالرِّفْقُ یُمْنٌ.

فَقَالَ قَیْسٌ رَحِمَکَ اللَّهُ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ قَدْ فَهِمْتُ مَا ذَکَرْتَ فَأَمَّا الْجُنْدُ فَإِنِّی أَدَعُهُ لَکَ فَإِذَا احْتَجْتَ إِلَیْهِمْ کَانُوا قَرِیباً مِنْکَ وَ إِنْ أَرَدْتَ بَعْثَهُمْ إِلَی وَجْهٍ مِنْ وُجُوهِکَ کَانَ لَکَ عُدَّةً وَ لَکِنِّی أَسِیرُ إِلَی مِصْرَ بِنَفْسِی وَ أَهْلِ بَیْتِی وَ أَمَّا مَا أَوْصَیْتَنِی بِهِ مِنَ الرِّفْقِ وَ الْإِحْسَانِ فَاللَّهُ تَعَالَی هُوَ الْمُسْتَعَانُ عَلَی ذَلِکَ قَالَ فَخَرَجَ قَیْسٌ فِی سَبْعَةِ نَفَرٍ مِنْ أَهْلِهِ حَتَّی دَخَلَ مِصْرَ فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ وَ أَمَرَ بِکِتَابٍ مَعَهُ یُقْرَأُ عَلَی النَّاسِ فِیهِ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عَلِیٍّ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ إِلَی مَنْ بَلَغَهُ کِتَابِی هَذَا مِنَ اَلْمُسْلِمِینَ سَلاَمٌ عَلَیْکُمْ فَإِنِّی أَحْمَدُ اللَّهَ إِلَیْکُمْ الَّذِی لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ بِحُسْنِ صُنْعِهِ وَ قَدَرِهِ وَ تَدْبِیرِهِ اخْتَارَ اَلْإِسْلاَمَ دِیناً لِنَفْسِهِ وَ مَلاَئِکَتِهِ وَ رُسُلِهِ وَ بَعَثَ بِهِ أَنْبِیَاءَهُ إِلَی عِبَادِهِ فَکَانَ مِمَّا أَکْرَمَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِهِ هَذِهِ الْأُمَّةَ وَ خَصَّهُمْ بِهِ مِنَ الْفَضْلِ أَنْ بَعَثَ مُحَمَّداً ص إِلَیْهِمْ فَعَلَّمَهُمُ اَلْکِتَابَ وَ الْحِکْمَةَ وَ السُّنَّةَ وَ الْفَرَائِضَ وَ أَدَّبَهُمْ لِکَیْمَا یَهْتَدُوا وَ جَمَعَهُمْ لِکَیْلاَ یَتَفَرَّقُوا وَ زَکَّاهُمْ لِکَیْمَا یَتَطَهَّرُوا فَلَمَّا قَضَی مِنْ ذَلِکَ مَا عَلَیْهِ قَبَضَهُ اللَّهُ إِلَیْهِ فَعَلَیْهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَ سَلاَمُهُ وَ رَحْمَتُهُ وَ رِضْوَانُهُ ثُمَّ إِنَّ اَلْمُسْلِمِینَ مِنْ بَعْدِهِ اسْتَخْلَفُوا أَمِیرَیْنِ مِنْهُمْ صَالِحَیْنِ فَعَمِلاَ بِالْکِتَابِ وَ السُّنَّةِ وَ أَحْیَیَا السِّیرَةَ وَ لَمْ یَعْدُوَا السُّنَّةَ ثُمَّ تُوُفِّیَا رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَوُلِّیَ بَعْدَهُمَا وَالٍ أَحْدَثَ أَحْدَاثاً فَوَجَدَتِ الْأُمَّةُ عَلَیْهِ مَقَالاً فَقَالُوا ثُمَّ نَقَمُوا فَغَیَّرُوا ثُمَّ جَاءُونِی فَبَایَعُونِی وَ أَنَا أَسْتَهْدِی اللَّهَ الْهُدَی وَ أَسْتَعِینُهُ عَلَی التَّقْوَی أَلاَ وَ إِنَّ لَکُمْ عَلَیْنَا الْعَمَلَ بِکِتَابِ اللَّهِ وَ سُنَّةِ رَسُولِهِ وَ الْقِیَامَ بِحَقِّهِ وَ النُّصْحَ لَکُمْ بِالْغَیْبِ وَ اللّٰهُ الْمُسْتَعٰانُ عَلیٰ مٰا تَصِفُونَ وَ حَسْبُنَا اللّٰهُ وَ نِعْمَ الْوَکِیلُ

ص :58

وَ قَدْ بَعَثْتُ لَکُمْ قَیْسَ بْنَ سَعْدٍ الْأَنْصَارِیَّ أَمِیراً فَوَازِرُوهُ وَ أَعِینُوهُ عَلَی الْحَقِّ وَ قَدْ أَمَرْتُهُ بِالْإِحْسَانِ إِلَی مُحْسِنِکُمْ وَ الشِّدَّةِ عَلَی مُرِیبِکُمْ وَ الرِّفْقِ بِعَوَامِّکُمْ وَ خَوَاصِّکُمْ وَ هُوَ مِمَّنْ أَرْضَی هَدْیَهُ وَ أَرْجُو صَلاَحَهُ وَ نُصْحَهُ نَسْأَلُ اللَّهُ لَنَا وَ لَکُمْ عَمَلاً زَاکِیاً وَ ثَوَاباً جَزِیلاً وَ رَحْمَةً وَاسِعَةً وَ السَّلاَمُ عَلَیْکُمْ وَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَکَاتُهُ.

وَ کَتَبَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِی رَافِعٍ فِی صَفَرٍ سَنَةَ سِتٍّ وَ ثَلاَثِینَ .

قَالَ إِبْرَاهِیمُ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ الْکِتَابِ قَامَ قَیْسٌ خَطِیباً فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ وَ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی جَاءَ بِالْحَقِّ وَ أَمَاتَ الْبَاطِلَ وَ کَبَتَ الظَّالِمِینَ أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّا بَایَعْنَا خَیْرَ مَنْ نَعْلَمُ مِنْ بَعْدِ نَبِیِّنَا مُحَمَّدٍ ص فَقُومُوا فَبَایِعُوا عَلَی کِتَابِ اللَّهِ وَ سُنَّةِ رَسُولِهِ فَإِنْ نَحْنُ لَمْ نَعْمَلْ بِکِتَابِ اللَّهِ وَ سُنَّةِ رَسُولِهِ فَلاَ بَیْعَةَ لَنَا عَلَیْکُمْ.

فَقَامَ النَّاسُ فَبَایَعُوا وَ اسْتَقَامَتْ مِصْرُ وَ أَعْمَالُهَا لِقَیْسٍ وَ بَعَثَ عَلَیْهَا عُمَّالَهُ إِلاَّ أَنَّ قَرْیَةً مِنْهَا قَدْ أَعْظَمَ أَهْلُهَا قَتْلَ عُثْمَانَ وَ بِهَا رَجُلٌ مِنْ بَنِی کِنَانَةَ یُقَالُ لَهُ یَزِیدُ بْنُ الْحَارِثِ فَبَعَثَ إِلَی قَیْسٍ أَنَّا لاَ نَأْتِیکَ فَابْعَثْ عُمَّالَکَ فَالْأَرْضُ أَرْضُکَ وَ لَکِنْ أَقِرَّنَا عَلَی حَالِنَا حَتَّی نَنْظُرَ إِلَی مَا یَصِیرُ أَمْرُ النَّاسِ.

وَ وَثَبَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ مُخَلَّدِ بْنِ صَامِتٍ الْأَنْصَارِیُّ فَنَعَی عُثْمَانَ وَ دَعَا إِلَی الطَّلَبِ بِدَمِهِ فَأَرْسَلَ إِلَیْهِ قَیْسٌ وَیْحَکَ أَ عَلَیَّ تَثِبُ وَ اللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنَّ لِی مُلْکَ اَلشَّامِ وَ مِصْرَ وَ أَنِّی قَتَلْتُکَ فَاحْقُنْ دَمَکَ فَأَرْسَلَ إِلَیْهِ مَسْلَمَةُ أَنِّی کَافٍ عَنْکَ مَا دُمْتَ أَنْتَ وَالِیَ مِصْرَ .وَ کَانَ قَیْسُ بْنُ سَعْدٍ ذَا رَأْیٍ وَ حَزْمٍ فَبَعَثَ إِلَی الَّذِینَ اعْتَزَلُوا أَنِّی لاَ أُکْرِهُکُمْ عَلَی الْبَیْعَةِ وَ لَکِنِّی أَدَعُکُمْ وَ أَکُفُّ عَنْکُمْ فَهَادَنَهُمْ وَ هَادَنَ مَسْلَمَةَ بْنَ مُخَلَّدٍ وَ جَبَی الْخَرَاجَ وَ لَیْسَ أَحَدٌ یُنَازِعُهُ.

ص :59

قَالَ إِبْرَاهِیمُ وَ خَرَجَ عَلِیٌّ ع إِلَی اَلْجَمَلِ وَ قَیْسٌ عَلَی مِصْرَ وَ رَجَعَ مِنَ اَلْبَصْرَةِ إِلَی اَلْکُوفَةِ وَ هُوَ بِمَکَانِهِ فَکَانَ أَثْقَلَ خَلْقِ اللَّهِ عَلَی مُعَاوِیَةَ لِقُرْبِ مِصْرَ وَ أَعْمَالِهَا مِنَ اَلشَّامِ وَ مَخَافَةَ أَنْ یُقْبِلَ عَلِیٌّ بِأَهْلِ اَلْعِرَاقِ وَ یُقْبِلَ إِلَیْهِ قَیْسٌ بِأَهْلِ مِصْرَ فَیَقَعَ بَیْنَهُمَا.

فَکَتَبَ مُعَاوِیَةُ إِلَی قَیْسٍ وَ عَلِیٌّ یَوْمَئِذٍ بِالْکُوفَةِ قَبْلَ أَنْ یَسِیرَ إِلَی صِفِّینَ مِنْ مُعَاوِیَةَ بْنِ أَبِی سُفْیَانَ إِلَی قَیْسِ بْنِ سَعْدٍ سَلاَمٌ عَلَیْکَ فَإِنِّی أَحْمَدُ إِلَیْکَ اللَّهَ الَّذِی لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ.

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّکُمْ إِنْ کُنْتُمْ نَقَمْتُمْ عَلَی عُثْمَانَ فِی أَثَرَةٍ رَأَیْتُمُوهَا أَوْ ضَرْبَةِ سَوْطٍ ضَرَبَهَا أَوْ فِی شَتْمِهِ رَجُلاً أَوْ تَعْیِیرِهِ وَاحِداً أَوْ فِی اسْتِعْمَالِهِ الْفِتْیَانَ مِنْ أَهْلِهِ فَإِنَّکُمْ قَدْ عَلِمْتُمْ إِنْ کُنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ دَمَهُ لَمْ یَحِلَّ لَکُمْ بِذَلِکَ فَقَدْ رَکِبْتُمْ عَظِیماً مِنَ الْأَمْرِ وَ جِئْتُمْ شَیْئاً إِدًّا فَتُبْ یَا قَیْسُ إِلَی رَبِّکَ إِنْ کُنْتَ مِنَ الْمُجْلِبِینَ عَلَی عُثْمَانَ إِنْ کَانَتِ التَّوْبَةُ قَبْلَ الْمَوْتِ تُغْنِی شَیْئاً وَ أَمَّا صَاحِبُکَ فَقَدِ اسْتَیْقَنَّا أَنَّهُ أَغْرَی النَّاسَ بِقَتْلِهِ وَ حَمَلَهُمْ عَلَی قَتْلِهِ حَتَّی قَتَلُوهُ وَ أَنَّهُ لَمْ یَسْلَمْ مِنْ دَمِهِ عُظْمُ قَوْمِکَ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ یَا قَیْسُ أَنْ تَکُونَ مِمَّنْ یَطْلُبُ بِدَمِ عُثْمَانَ فَافْعَلْ وَ تَابِعْنَا عَلَی عَلِیٍّ فِی أَمْرِنَا هَذَا وَ لَکَ سُلْطَانُ اَلْعِرَاقَیْنِ إِنْ أَنَا ظَفِرْتُ مَا بَقِیتُ وَ لِمَنْ أَحْبَبْتَ مِنْ أَهْلِ بَیْتِکَ سُلْطَانُ اَلْحِجَازِ مَا دَامَ لِی سُلْطَانٌ وَ سَلْنِی عَنْ غَیْرِ هَذَا مِمَّا تُحِبُّ فَإِنَّکَ لاَ تَسْأَلُنِی شَیْئاً إِلاَّ أَتَیْتُهُ وَ اکْتُبْ إِلَیَّ رَأْیَکَ فِیمَا کَتَبْتُ إِلَیْکَ.

فَلَمَّا جَاءَ إِلَیْهِ کِتَابُ مُعَاوِیَةَ أَحَبَّ أَنْ یُدَافِعَهُ وَ لاَ یُبْدِیَ لَهُ أَمْرَهُ وَ لاَ یُعَجِّلَ لَهُ حَرْبَهُ فَکَتَبَ إِلَیْهِ أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ وَصَلَ إِلَیَّ کِتَابُکَ وَ فَهِمْتُ الَّذِی ذَکَرْتَ مِنْ أَمْرِ عُثْمَانَ وَ ذَلِکَ أَمْرٌ لَمْ أُقَارِبْهُ وَ ذَکَرْتَ أَنَّ صَاحِبِی هُوَ الَّذِی أَغْرَی النَّاسَ بِعُثْمَانَ وَ دَسَّهُمْ إِلَیْهِ حَتَّی قَتَلُوهُ وَ هَذَا أَمْرٌ لَمْ أَطَّلِعْ عَلَیْهِ وَ ذَکَرْتَ لِی أَنَّ عُظْمَ عَشِیرَتِی لَمْ تَسْلَمْ مِنْ دَمِ عُثْمَانَ فَلَعَمْرِی إِنَّ أَوْلَی

ص :60

النَّاسِ کَانَ فِی أَمْرِهِ عَشِیرَتِی وَ أَمَّا مَا سَأَلْتَنِی مِنْ مُبَایَعَتِکَ عَلَی الطَّلَبِ بِدَمِهِ وَ مَا عَرَضْتَهُ عَلَیَّ فَقَدْ فَهِمْتُهُ وَ هَذَا أَمْرٌ لِی نَظَرٌ فِیهِ وَ فِکْرٌ وَ لَیْسَ هَذَا مِمَّا یُعَجَّلُ إِلَی مِثْلِهِ وَ أَنَا کَافٌّ عَنْکَ وَ لَیْسَ یَأْتِیکَ مِنْ قِبَلِی شَیْءٌ تَکْرَهُهُ حَتَّی تَرَی وَ نَرَی إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَی وَ السَّلاَمُ عَلَیْکَ وَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَکَاتُهُ.

قَالَ إِبْرَاهِیمُ فَلَمَّا قَرَأَ مُعَاوِیَةُ کِتَابَهُ لَمْ یَرَهُ إِلاَّ مُقَارِباً مُبَاعِداً وَ لَمْ یَأْمَنْ أَنْ یَکُونَ لَهُ فِی ذَلِکَ مُخَادِعاً مُکَایِداً فَکَتَبَ إِلَیْهِ أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ قَرَأْتُ کِتَابَکَ فَلَمْ أَرَکَ تَدْنُو فَأَعُدَّکَ سِلْماً وَ لَمْ أَرَکَ تَتَبَاعَدُ فَأَعُدَّکَ حَرْباً أَرَاکَ کَحَبْلِ الْجَرُورِ وَ لَیْسَ مِثْلِی یُصَانَعُ بِالْخِدَاعِ وَ لاَ یُخْدَعُ بِالْمَکَایِدِ وَ مَعَهُ عَدَدُ الرِّجَالِ وَ أَعِنَّةُ الْخَیْلِ فَإِنْ قَبِلْتَ الَّذِی عَرَضْتُ عَلَیْکَ فَلَکَ مَا أَعْطَیْتُکَ وَ إِنْ أَنْتَ لَمْ تَفْعَلْ مَلَأْتُ مِصْرَ عَلَیْکَ خَیْلاً وَ رَجْلاً وَ السَّلاَمُ.

فَلَمَّا قَرَأَ قَیْسٌ کِتَابَهُ وَ عَلِمَ أَنَّهُ لاَ یَقْبَلُ مِنْهُ الْمُدَافَعَةَ وَ الْمُطَاوَلَةَ أَظْهَرَ لَهُ مَا فِی نَفْسِهِ فَکَتَبَ إِلَیْهِ مِنْ قَیْسِ بْنِ سَعْدٍ إِلَی مُعَاوِیَةَ بْنِ أَبِی سُفْیَانَ أَمَّا بَعْدُ فَالْعَجَبُ مِنِ اسْتِسْقَاطِکَ رَأْیِی وَ الطَّمَعِ فِی أَنْ تَسُومَنِی لاَ أَبَا لِغَیْرِکَ الْخُرُوجَ مِنْ طَاعَةِ أَوْلَی النَّاسِ بِالْأَمْرِ وَ أَقْوَلِهِمْ بِالْحَقِّ وَ أَهْدَاهُمْ سَبِیلاً وَ أَقْرَبِهِمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ وَسِیلَةً وَ تَأْمُرُنِی بِالدُّخُولِ فِی طَاعَتِکَ وَ طَاعَةِ أَبْعَدِ النَّاسِ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ وَ أَقْوَلِهِمْ بِالزُّورِ وَ أَضَلِّهِمْ سَبِیلاً وَ أَدْنَاهُمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ وَسِیلَةً وَ لَدَیْکَ قَوْمٌ ضَالُّونَ مُضِلُّونَ طَوَاغِیتُ مِنْ طَوَاغِیتِ إِبْلِیسَ وَ أَمَّا قَوْلُکَ إِنَّکَ تَمْلَأُ عَلَیَّ مِصْرَ خَیْلاً وَ رَجْلاً فَلَئِنْ لَمْ أَشْغَلْکَ عَنْ ذَلِکَ حَتَّی یَکُونَ مِنْکَ إِنَّکَ لَذُو جِدٍّ وَ السَّلاَمُ.

فَلَمَّا أَتَی مُعَاوِیَةَ کِتَابُ قَیْسٍ أَیِسَ وَ ثَقُلَ مَکَانُهُ عَلَیْهِ وَ کَانَ (1) أَنْ یَکُونَ مَکَانَهُ غَیْرُهُ أَحَبَّ إِلَیْهِ لِمَا یَعْلَمُ مِنْ قُوَّتِهِ وَ تَأَبِّیهِ (2) وَ نَجْدَتِهِ وَ اشْتِدَادِ أَمْرِهِ عَلَی مُعَاوِیَةَ فَأَظْهَرَ لِلنَّاسِ أَنَّ

ص :61

قَیْساً قَدْ بَایَعَکُمْ فَادْعُوا اللَّهَ لَهُ وَ قَرَأَ عَلَیْهِمْ کِتَابَهُ الَّذِی لاَنَ فِیهِ وَ قَارَبَهُ وَ اخْتَلَقَ کِتَاباً نَسَبَهُ إِلَی قَیْسٍ فَقَرَأَهُ عَلَی أَهْلِ اَلشَّامِ .

لِلْأَمِیرِ مُعَاوِیَةَ بْنِ أَبِی سُفْیَانَ مِنْ قَیْسِ بْنِ سَعْدٍ .

أَمَّا بَعْدُ إِنَّ قَتْلَ عُثْمَانَ کَانَ حَدَثاً فِی اَلْإِسْلاَمِ عَظِیماً وَ قَدْ نَظَرْتُ لِنَفْسِی وَ دِینِی فَلَمْ أَرَ یَسَعُنِی مُظَاهَرَةُ قَوْمٍ قَتَلُوا إِمَامَهُمْ مُسْلِماً مُحْرِماً بَرّاً تَقِیّاً فَنَسْتَغْفِرُ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لِذُنُوبِنَا وَ نَسْأَلُهُ الْعِصْمَةَ لِدِینِنَا أَلاَ وَ إِنِّی قَدْ أَلْقَیْتُ إِلَیْکُمْ بِالسَّلاَمِ وَ أَجَبْتُکَ إِلَی قِتَالِ قَتَلَةِ إِمَامِ الْهُدَی الْمَظْلُومِ فَاطْلُبْ مِنِّی مَا أَحْبَبْتَ مِنَ الْأَمْوَالِ وَ الرِّجَالِ أُعَجِّلْهُ إِلَیْکَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَ السَّلاَمُ عَلَی الْأَمِیرِ وَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَکَاتُهُ.

قَالَ فَشَاعَ فِی اَلشَّامِ کُلِّهَا أَنَّ قَیْساً صَالَحَ مُعَاوِیَةَ وَ أَتَتْ عُیُونُ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ إِلَیْهِ بِذَلِکَ فَأَعْظَمَهُ وَ أَکْبَرَهُ وَ تَعَجَّبَ لَهُ وَ دَعَا ابْنَیْهِ حَسَناً وَ حُسَیْناً وَ ابْنَهُ مُحَمَّداً وَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ فَأَعْلَمَهُمْ بِذَلِکَ وَ قَالَ مَا رَأْیُکُمْ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ دَعْ مَا یُرِیبُکَ إِلَی مَا لاَ یُرِیبُکَ اعْزِلْ قَیْساً عَنْ مِصْرَ قَالَ عَلِیٌّ وَ اللَّهِ إِنِّی غَیْرُ مُصَدِّقٍ بِهَذَا عَلَی قَیْسٍ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ اعْزِلْهُ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ فَإِنْ کَانَ مَا قَدْ قِیلَ حَقّاً فَلاَ یَعْتَزِلُ لَکَ أَنْ عَزَلْتَهُ قَالَ وَ إِنَّهُمْ لَکَذَلِکَ إِذْ جَاءَهُمْ کِتَابٌ مِنْ قَیْسِ بْنِ سَعْدٍ فِیهِ أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّی أُخْبِرُ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ أَکْرَمَکَ اللَّهُ وَ أَعَزَّکَ أَنَّ قِبَلِی رِجَالاً مُعْتَزِلِینَ سَأَلُونِی أَنْ أَکُفَّ عَنْهُمْ وَ أَدَعَهُمْ عَلَی حَالِهِمْ حَتَّی یَسْتَقِیمَ أَمْرُ النَّاسِ فَنَرَی وَ یَرَوْنَ وَ قَدْ رَأَیْتُ أَنْ أَکُفَّ عَنْهُمْ وَ لاَ أُعَجِّلَ بِحَرْبِهِمْ وَ أَنْ أَتَأَلَّفَهُمْ فِیمَا بَیْنَ ذَلِکَ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ یُقْبِلَ بِقُلُوبِهِمْ وَ یُفَرِّقَهُمْ عَنْ ضَلاَلَتِهِمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَ السَّلاَمُ.

فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ إِنَّکَ إِنْ أَطَعْتَهُ فِی تَرْکِهِمْ وَ اعْتِزَالِهِمُ اسْتَشْرَی الْأَمْرُ وَ تَفَاقَمَتِ الْفِتْنَةُ وَ قَعَدَ عَنْ بَیْعَتِکَ کَثِیرٌ مِمَّنْ تُرِیدُهُ عَلَی الدُّخُولِ فِیهَا وَ لَکِنْ مُرْهُ بِقِتَالِهِمْ فَکَتَبَ إِلَیْهِ

ص :62

أَمَّا بَعْدُ فَسِرْ إِلَی الْقَوْمِ الَّذِینَ ذَکَرْتَ فَإِنْ دَخَلُوا فِیمَا دَخَلَ فِیهِ اَلْمُسْلِمُونَ وَ إِلاَّ فَنَاجِزْهُمْ وَ السَّلاَمُ قَالَ فَلَمَّا أَتَی هَذَا الْکِتَابُ قَیْساً فَقَرَأَهُ لَمْ یَتَمَالَکْ أَنْ کَتَبَ إِلَی عَلِیٍّ أَمَّا بَعْدُ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ تَأْمُرُنِی بِقِتَالِ قَوْمٍ کَافِّینَ عَنْکَ وَ لَمْ یَمُدُّوا یَداً لِلْفِتْنَةِ وَ لاَ أَرْصَدُوا لَهَا فَأَطِعْنِی یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ وَ کُفَّ عَنْهُمْ فَإِنَّ الرَّأْیَ تَرْکُهُمْ وَ السَّلاَمُ.

فَلَمَّا أَتَاهُ هَذَا الْکِتَابُ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ ابْعَثْ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِی بَکْرٍ إِلَی مِصْرَ یَکْفِکَ أَمْرَهَا وَ اعْزِلْ قَیْساً فَوَ اللَّهِ لَبَلَغَنِی أَنَّ قَیْساً یَقُولُ إِنَّ سُلْطَاناً لاَ یَتِمُّ إِلاَّ بِقَتْلِ مَسْلَمَةَ بْنِ مُخَلَّدٍ لَسُلْطَانُ سُوءٍ وَ اللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنَّ لِی سُلْطَانَ اَلشَّامِ مَعَ سُلْطَانِ مِصْرَ وَ أَنَّنِی قَتَلْتُ اِبْنَ مُخَلَّدٍ وَ کَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ أَخَا مُحَمَّدِ بْنِ أَبِی بَکْرٍ لِأُمِّهِ وَ کَانَ یُحِبُّ أَنْ یَکُونَ لَهُ إِمْرَةٌ وَ سُلْطَانٌ فَاسْتَعْمَلَ عَلِیٌّ ع مُحَمَّدَ بْنَ أَبِی بَکْرٍ عَلَی مِصْرَ لِمَحَبَّةٍ لَهُ وَ لِهَوَی عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ أَخِیهِ فِیهِ وَ کَتَبَ مَعَهُ کِتَاباً إِلَی أَهْلِ مِصْرَ فَسَارَ حَتَّی قَدِمَهَا فَقَالَ لَهُ قَیْسٌ مَا بَالُ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ مَا غَیَّرَهُ أَ دَخَلَ أَحَدٌ بَیْنِی وَ بَیْنَهُ قَالَ لاَ وَ هَذَا السُّلْطَانُ سُلْطَانُکَ وَ کَانَ بَیْنَهُمَا نَسَبٌ کَانَ تَحْتَ قَیْسٍ قُرَیْبَةُ بِنْتُ أَبِی قُحَافَةَ أُخْتُ أَبِی بَکْرٍ الصِّدِّیقِ فَکَانَ قَیْسٌ زَوْجَ عَمَّتِهِ فَقَالَ قَیْسٌ لاَ وَ اللَّهِ لاَ أُقِیمُ مَعَکِ سَاعَةً وَاحِدَةً وَ غَضِبَ حِینَ عَزَلَهُ عَلِیٌّ عَنْهَا وَ خَرَجَ مِنْهَا مُقْبِلاً إِلَی اَلْمَدِینَةِ وَ لَمْ یَمْضِ إِلَی عَلِیٍّ بِالْکُوفَةِ .

قَالَ إِبْرَاهِیمُ وَ کَانَ قَیْسٌ مَعَ شَجَاعَتِهِ وَ نَجْدَتِهِ جَوَاداً مِفْضَالاً فَحَدَّثَنِی عَلِیُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِی سَیْفٍ عَنْ هَاشِمٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ أَبِیهِ قَالَ لَمَّا خَرَجَ قَیْسُ بْنُ سَعْدٍ مِنْ مِصْرَ فَمَرَّ بِأَهْلِ بَیْتٍ مِنْ بَلْقَیْنِ فَنَزَلَ بِمَائِهِمْ فَنَحَرَ لَهُ صَاحِبُ الْمَنْزِلِ جَزُوراً وَ أَتَاهُ بِهَا فَلَمَّا کَانَ الْغَدُ نَحَرَ لَهُ أُخْرَی ثُمَّ حَبَسَتْهُمُ السَّمَاءُ الْیَوْمَ الثَّالِثَ فَنَحَرَ لَهُمْ ثَالِثَةً ثُمَّ إِنَّ السَّمَاءَ أَقْلَعَتْ

ص :63

فَلَمَّا أَرَادَ قَیْسٌ أَنْ یَرْتَحِلَ وَضَعَ عِشْرِینَ ثَوْباً مِنْ ثِیَابِ مِصْرَ وَ أَرْبَعَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ عِنْدَ امْرَأَةِ الرَّجُلِ وَ قَالَ لَهَا إِذَا جَاءَ صَاحِبُکِ فَادْفَعِی هَذِهِ إِلَیْهِ ثُمَّ رَحَلَ فَمَا أَتَتْ عَلَیْهِ إِلاَّ سَاعَةً حَتَّی لَحِقَهُ الرَّجُلُ صَاحِبُ الْمَنْزِلِ عَلَی فَرَسٍ وَ مَعَهُ رُمْحٌ وَ الثِّیَابُ وَ الدَّرَاهِمُ بَیْنَ یَدَیْهِ فَقَالَ یَا هَؤُلاَءِ خُذُوا ثِیَابَکُمْ وَ دَرَاهِمَکُمْ فَقَالَ قَیْسٌ انْصَرِفْ أَیُّهَا الرَّجُلُ فَإِنَّا لَمْ نَکُنْ لِنَأْخُذَهَا قَالَ وَ اللَّهِ لَتَأْخُذَنَّهَا فَقَالَ قَیْسٌ لِلَّهِ أَبُوکَ أَ لَمْ تُکْرِمْنَا وَ تُحْسِنْ ضِیَافَتَنَا فَکَافَأْنَاکَ فَلَیْسَ بِهَذَا بَأْسٌ فَقَالَ الرَّجُلُ إِنَّا لاَ نَأْخُذُ لِقِرَی الْأَضْیَافِ ثَمَناً وَ اللَّهِ لاَ آخُذُهَا أَبَداً فَقَالَ قَیْسٌ أَمَّا إِذْ أَبَی أَلاَّ یَأْخُذَهَا فَخُذُوهَا (1) فَوَ اللَّهِ مَا فَضَلَنِی رَجُلٌ مِنَ اَلْعَرَبِ غَیْرُهُ.

قَالَ إِبْرَاهِیمُ وَ قَالَ أَبُو الْمُنْذِرِ مَرَّ قَیْسٌ فِی طَرِیقِهِ بِرَجُلٍ مِنْ بَلِیٍّ یُقَالُ لَهُ اَلْأَسْوَدُ بْنُ فُلاَنٍ فَأَکْرَمَهُ فَلَمَّا أَرَادَ قَیْسٌ أَنْ یَرْتَحِلَ وَضَعَ عِنْدَ امْرَأَتِهِ ثِیَاباً وَ دَرَاهِمَ فَلَمَّا جَاءَ الرَّجُلُ دَفَعَتْهُ إِلَیْهِ فَلَحِقَهُ فَقَالَ مَا أَنَا بَائِعُ ضِیَافَتِی وَ اللَّهِ لَتَأْخُذَنَّ هَذَا أَوْ لَأُنْفِذَنَّ الرُّمْحَ بَیْنَ جَنْبَیْکَ فَقَالَ قَیْسٌ وَیْحَکُمْ خُذُوهُ.

قَالَ إِبْرَاهِیمُ ثُمَّ أَقْبَلَ قَیْسٌ حَتَّی قَدِمَ اَلْمَدِینَةَ فَجَاءَهُ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ شَامِتاً بِهِ وَ کَانَ عُثْمَانِیّاً فَقَالَ لَهُ نَزَعَکَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ وَ قَدْ قَتَلْتَ عُثْمَانَ فَبَقِیَ عَلَیْکَ الْإِثْمُ وَ لَمْ یُحْسِنْ لَکَ الشُّکْرَ فَزَجَرَهُ قَیْسٌ وَ قَالَ یَا أَعْمَی الْقَلْبِ یَا أَعْمَی الْبَصَرِ وَ اللَّهِ لَوْ لاَ أَلْقَی بَیْنَ رَهْطِی وَ رَهْطِکَ حَرْباً لَضَرَبْتُ عُنُقَکَ ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ عِنْدِهِ.

قَالَ إِبْرَاهِیمُ ثُمَّ إِنَّ قَیْساً وَ سَهْلَ بْنَ حُنَیْفٍ خَرَجَا حَتَّی قَدِمَا عَلَی عَلِیٍّ اَلْکُوفَةَ فَخَبَّرَهُ قَیْسٌ الْخَبَرَ وَ مَا کَانَ بِمِصْرَ فَصَدَّقَهُ وَ شَهِدَ مَعَ عَلِیٍّ صِفِّینَ هُوَ وَ سَهْلُ بْنُ حُنَیْفٍ قَالَ إِبْرَاهِیمُ وَ کَانَ قَیْسٌ طُوَالاً أَطْوَلَ النَّاسِ وَ أَمَدَّهُمْ قَامَةً وَ کَانَ (2) سُنَاطاً أَصْلَعَ شَیْخاً شُجَاعاً مُجَرَّباً مُنَاصِحاً لِعَلِیٍّ وَ لِوُلْدِهِ وَ لَمْ یَزَلْ عَلَی ذَلِکَ إِلَی أَنْ مَاتَ.

.

ص :64

1097

قَالَ إِبْرَاهِیمُ حَدَّثَنِی أَبُو غَسَّانَ قَالَ أَخْبَرَنِی عَلِیُّ بْنُ أَبِی سَیْفٍ قَالَ کَانَ قَیْسُ بْنُ سَعْدٍ مَعَ أَبِی بَکْرٍ وَ عُمَرَ فِی سَفَرٍ فِی حَیَاةِ رَسُولِ اللَّهِ ص فَکَانَ یُنْفِقُ عَلَیْهِمَا وَ عَلَی غَیْرِهِمَا وَ یُفْضِلُ فَقَالَ لَهُ أَبُو بَکْرٍ إِنَّ هَذَا لاَ یَقُومُ بِهِ مَالُ أَبِیکَ فَأَمْسِکْ یَدَکَ فَلَمَّا قَدِمُوا مِنْ سَفَرِهِمْ قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ لِأَبِی بَکْرٍ أَرَدْتَ أَنْ تُبَخِّلَ ابْنِی إِنَّا لَقَوْمٌ لاَ نَسْتَطِیعُ الْبُخْلَ.

قَالَ وَ کَانَ قَیْسُ بْنُ سَعْدٍ یَقُولُ فِی دُعَائِهِ اللَّهُمَّ ارْزُقْنِی حَمْداً وَ مَجْداً وَ شُکْراً فَإِنَّهُ لاَ حَمْدَ إِلاَّ بِفَعَالٍ وَ لاَ مَجْدَ إِلاَّ بِمَالٍ اللَّهُمَّ وَسِّعْ عَلَیَّ فَإِنَّ الْقَلِیلَ لاَ یَسَعُنِی وَ لاَ أَسَعُهُ.

وَ کَتَبَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِی رَافِعٍ مَوْلَی رَسُولِ اللَّهِ لِغُرَّةِ شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ سِتٍّ وَ ثَلاَثِینَ .

قَالَ إِبْرَاهِیمُ ثُمَّ قَامَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِی بَکْرٍ خَطِیباً فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ وَ قَالَ أَمَّا بَعْدُ فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی هَدَانَا وَ إِیَّاکُمْ لِمَا اخْتُلِفَ فِیهِ مِنَ الْحَقِّ وَ بَصَّرَنَا وَ إِیَّاکُمْ کَثِیراً مِمَّا عَمِیَ عَنْهُ الْجَاهِلُونَ أَلاَ وَ إِنَّ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ وَلاَّنِی أُمُورَکُمْ وَ عَهِدَ إِلَیَّ بِمَا سَمِعْتُمْ وَ أَوْصَانِی بِکَثِیرٍ مِنْهُ مُشَافَهَةً وَ لَنْ آلُوَکُمْ خَیْراً مَا اسْتَطَعْتُ وَ مٰا تَوْفِیقِی إِلاّٰ بِاللّٰهِ عَلَیْهِ تَوَکَّلْتُ وَ إِلَیْهِ أُنِیبُ فَإِنْ یَکُنْ مَا تَرَوْنَ مِنْ آثَارِی وَ أَعْمَالِی طَاعَةً لِلَّهِ وَ تَقْوَی فَاحْمَدُوا اللَّهَ عَلَی مَا کَانَ مِنْ ذَلِکَ فَإِنَّهُ هُوَ الْهَادِی إِلَیْهِ فَإِنْ رَأَیْتُمْ مِنْ ذَلِکَ عَمَلاً بِغَیْرِ الْحَقِّ فَارْفَعُوهُ إِلَیَّ وَ عَاتِبُونِی عَلَیْهِ فَإِنِّی بِذَلِکَ أَسْعَدُ وَ أَنْتُمْ بِذَلِکَ جَدِیرُونَ وَفَّقَنَا اللَّهُ وَ إِیَّاکُمْ لِصَالِحِ الْعَمَلِ.

.

1099

1,14- قَالَ إِبْرَاهِیمُ وَ حَدَّثَنِی یَحْیَی بْنُ صَالِحٍ عَنْ مَالِکِ بْنِ خَالِدٍ الْأَسَدِیِّ عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ إِبْرَاهِیمَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ کَتَبَ عَلِیٌّ ع إِلَی أَهْلِ مِصْرَ لَمَّا بَعَثَ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِی بَکْرٍ إِلَیْهِمْ کِتَاباً یُخَاطِبُهُمْ بِهِ (1) وَ یُخَاطِبُ مُحَمَّداً أَیْضاً فِیهِ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّی أُوصِیکُمْ بِتَقْوَی اللَّهِ فِی سِرِّ أَمْرِکُمْ وَ عَلاَنِیَتِهِ وَ عَلَی أَیِّ حَالٍ کُنْتُمْ عَلَیْهَا وَ لِیَعْلَمَ الْمَرْءُ مِنْکُمْ أَنَّ الدُّنْیَا دَارُ بَلاَءٍ وَ فَنَاءٍ وَ الْآخِرَةَ دَارُ جَزَاءٍ وَ بَقَاءٍ فَمَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ یُؤْثِرَ مَا یَبْقَی عَلَی مَا یَفْنَی فَلْیَفْعَلْ فَإِنَّ الْآخِرَةَ تَبْقَی وَ الدُّنْیَا تَفْنَی رَزَقَنَا اللَّهُ وَ إِیَّاکُمْ بَصَراً لِمَا بَصَّرَنَا وَ فَهْماً لِمَا فَهَّمَنَا حَتَّی لاَ نُقَصِّرَ عَمَّا أَمَرَنَا وَ لاَ نَتَعَدَّی إِلَی مَا نَهَانَا وَ اعْلَمْ یَا مُحَمَّدُ أَنَّکَ وَ إِنْ کُنْتَ مُحْتَاجاً إِلَی نَصِیبِکَ مِنَ الدُّنْیَا إِلاَّ أَنَّکَ إِلَی نَصِیبِکَ مِنَ الْآخِرَةِ أَحْوَجُ فَإِنْ عَرَضَ لَکَ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا لِلْآخِرَةِ وَ الْآخَرُ لِلدُّنْیَا فَابْدَأْ بِأَمْرِ الْآخِرَةِ وَ لْتَعْظُمْ رَغْبَتُکَ فِی الْخَیْرِ وَ لْتَحْسُنْ فِیهِ نِیَّتُکَ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ یُعْطِی الْعَبْدَ عَلَی قَدْرِ نِیَّتِهِ وَ إِذَا أَحَبَّ الْخَیْرَ وَ أَهْلَهُ وَ لَمْ یَعْمَلْهُ کَانَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ کَمَنْ عَمِلَهُ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص قَالَ حِینَ رَجَعَ مِنْ تَبُوکَ إِنَّ بِالْمَدِینَةِ لَأَقْوَاماً مَا سِرْتُمْ مِنْ مَسِیرٍ وَ لاَ هَبَطْتُمْ مِنْ وَادٍ إِلاَّ

ص :66

کَانُوا مَعَکُمْ مَا حَبَسَهُمْ إِلاَّ الْمَرَضُ یَقُولُ کَانَتْ لَهُمْ نِیَّةٌ ثُمَّ اعْلَمْ یَا مُحَمَّدُ أَنِّی قَدْ وَلَّیْتُکَ أَعْظَمَ أَجْنَادِی أَهْلَ مِصْرَ وَ وَلَّیْتُکَ مَا وَلَّیْتُکَ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ فَأَنْتَ مَحْقُوقٌ أَنْ تَخَافَ فِیهِ عَلَی نَفْسِکَ وَ تَحْذَرَ فِیهِ عَلَی دِینِکَ وَ لَوْ کَانَ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَلاَّ تُسْخِطَ رَبَّکَ لِرِضَا أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ فَافْعَلْ فَإِنَّ فِی اللَّهِ خَلَفاً مِنْ غَیْرِهِ وَ لَیْسَ فِی شَیْءٍ خَلَفٌ مِنْهُ فَاشْتَدَّ عَلَی الظَّالِمِ وَ لِنْ لِأَهْلِ الْخَیْرِ وَ قَرِّبْهُمْ إِلَیْکَ وَ اجْعَلْهُمْ بِطَانَتَکَ وَ إِخْوَانَکَ وَ السَّلاَمُ

.

1100

1,14- قَالَ إِبْرَاهِیمُ حَدَّثَنِی یَحْیَی بْنُ صَالِحٍ عَنْ مَالِکِ بْنِ خَالِدٍ عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ إِبْرَاهِیمَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ کَتَبَ عَلِیٌّ إِلَی مُحَمَّدِ بْنِ أَبِی بَکْرٍ وَ أَهْلِ مِصْرَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّی أُوصِیکُمْ بِتَقْوَی اللَّهِ وَ الْعَمَلِ بِمَا أَنْتُمْ عَنْهُ مَسْئُولُونَ فَأَنْتُمْ بِهِ رَهْنٌ وَ إِلَیْهِ صَائِرُونَ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ یَقُولُ کُلُّ نَفْسٍ بِمٰا کَسَبَتْ رَهِینَةٌ (1) وَ قَالَ وَ یُحَذِّرُکُمُ اللّٰهُ نَفْسَهُ وَ إِلَی اللّٰهِ الْمَصِیرُ (2) وَ قَالَ فَوَ رَبِّکَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِینَ عَمّٰا کٰانُوا یَعْمَلُونَ (3) فَاعْلَمُوا عِبَادَ اللَّهِ أَنَّ اللَّهَ سَائِلُکُمْ عَنِ الصَّغِیرِ مِنْ أَعْمَالِکُمْ وَ الْکَبِیرِ فَإِنْ یُعَذِّبْ فَنَحْنُ الظَّالِمُونَ وَ إِنْ یَغْفِرْ وَ یَرْحَمْ فَ هُوَ أَرْحَمُ الرّٰاحِمِینَ وَ اعْلَمُوا أَنَّ أَقْرَبَ مَا یَکُونُ الْعَبْدُ إِلَی الرَّحْمَةِ وَ الْمَغْفِرَةِ حِینَمَا یَعْمَلُ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَ مُنَاصَحَتِهِ فِی التَّوْبَةِ فَعَلَیْکُمْ بِتَقْوَی اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَإِنَّهَا تَجْمَعُ مِنَ الْخَیْرِ مَا لاَ یَجْمَعُ غَیْرُهَا وَ یُدْرَکُ بِهَا مِنَ الْخَیْرِ مَا لاَ یُدْرَکُ بِغَیْرِهَا خَیْرِ الدُّنْیَا وَ خَیْرِ الْآخِرَةِ یَقُولُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَ قِیلَ لِلَّذِینَ اتَّقَوْا مٰا ذٰا أَنْزَلَ رَبُّکُمْ قٰالُوا خَیْراً لِلَّذِینَ أَحْسَنُوا فِی هٰذِهِ الدُّنْیٰا حَسَنَةٌ وَ لَدٰارُ الْآخِرَةِ خَیْرٌ وَ لَنِعْمَ دٰارُ الْمُتَّقِینَ (4) وَ اعْلَمُوا عِبَادَ اللَّهِ أَنَّ الْمُؤْمِنِینَ الْمُتَّقِینَ قَدْ ذَهَبُوا بِعَاجِلِ الْخَیْرِ وَ آجِلِهِ شَرِکُوا أَهْلَ الدُّنْیَا فِی دُنْیَاهُمْ

ص :67

وَ لَمْ یُشَارِکْهُمْ أَهْلُ الدُّنْیَا فِی آخِرَتِهِمْ یَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِینَةَ اللّٰهِ الَّتِی أَخْرَجَ لِعِبٰادِهِ وَ الطَّیِّبٰاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِیَ لِلَّذِینَ آمَنُوا فِی الْحَیٰاةِ الدُّنْیٰا خٰالِصَةً یَوْمَ الْقِیٰامَةِ (1) سَکَنُوا الدُّنْیَا بِأَفْضَلِ مَا سُکِنَتْ وَ أَکَلُوهَا بِأَفْضَلِ مَا أُکِلَتُ شَارَکُوا أَهْلَ الدُّنْیَا فِی دُنْیَاهُمْ فَأَکَلُوا مِنْ أَفْضَلِ مَا یَأْکُلُونَ وَ شَرِبُوا مِنْ أَفْضَلِ مَا یَشْرَبُونَ وَ یَلْبَسُونَ مِنْ أَفْضَلِ مَا یَلْبَسُونَ وَ یَسْکُنُونَ مِنْ أَفْضَلِ مَا یَسْکُنُونَ أَصَابُوا لَذَّةَ أَهْلِ الدُّنْیَا مَعَ أَهْلِ الدُّنْیَا مَعَ أَنَّهُمْ غَداً مِنْ جِیرَانِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ یَتَمَنَّوْنَ عَلَیْهِ لاَ یُرَدُّ لَهُمْ دَعْوَةٌ وَ لاَ یُنْقَصُ لَهُمْ لَذَّةٌ أَمَّا فِی هَذَا مَا یَشْتَاقُ إِلَیْهِ مَنْ کَانَ لَهُ عَقْلٌ وَ اعْلَمُوا عِبَادَ اللَّهِ أَنَّکُمْ إِذَا اتَّقَیْتُمْ رَبَّکُمْ وَ حَفِظْتُمْ نَبِیَّکُمْ فِی أَهْلِ بَیْتِهِ فَقَدْ عَبَدْتُمُوهُ بِأَفْضَلِ مَا عُبِدَ وَ ذَکَرْتُمُوهُ بِأَفْضَلِ مَا ذُکِرَ وَ شَکَرْتُمُوهُ بِأَفْضَلِ مَا شُکِرَ وَ أَخَذْتُمْ بِأَفْضَلِ الصَّبْرِ وَ جَاهَدْتُمْ بِأَفْضَلِ الْجِهَادِ وَ إِنْ کَانَ غَیْرُکُمْ أَطْوَلَ صَلاَةً مِنْکُمْ وَ أَکْثَرَ صِیَاماً إِذَا کُنْتُمْ أَتْقَی لِلَّهِ وَ أَنْصَحَ لِأَوْلِیَاءِ اللَّهِ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ ص وَ أَخْشَعَ وَ احْذَرُوا عِبَادَ اللَّهِ الْمَوْتَ وَ نُزُولَهُ وَ خُذُولَهُ فَإِنَّهُ یَدْخُلُ بِأَمْرٍ عَظِیمٍ خَیْرٍ لاَ یَکُونُ مَعَهُ شَرٌّ أَبَداً أَوْ شَرٍّ لاَ یَکُونُ مَعَهُ خَیْرٌ أَبَداً وَ لَیْسَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ یُفَارِقُ رُوحُهُ جَسَدَهُ حَتَّی یَعْلَمَ إِلَی أَیِّ الْمَنْزِلَتَیْنِ یَصِیرُ إِلَی اَلْجَنَّةِ أَمْ إِلَی اَلنَّارِ أَ عَدُوٌّ هُوَ لِلَّهِ أَمْ وَلِیٌّ لَهُ فَإِنْ کَانَ وَلِیّاً فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ اَلْجَنَّةِ وَ شُرِعَ لَهُ طَرِیقُهَا وَ نَظَرَ إِلَی مَا أَعَدَّ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لِأَوْلِیَائِهِ فِیهَا فَرَغَ مِنْ کُلِّ شُغُلٍ وَ وُضِعَ عَنْهُ کُلُّ ثِقْلٍ وَ إِنْ کَانَ عَدُوّاً فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ اَلنَّارِ وَ سُهِّلَ لَهُ طَرِیقُهَا وَ نَظَرَ إِلَی مَا أَعَدَّ اللَّهُ فِیهَا لِأَهْلِهَا وَ اسْتَقْبَلَ کُلَّ مَکْرُوهٍ وَ فَارَقَ کُلَّ سُرُورٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَی اَلَّذِینَ تَتَوَفّٰاهُمُ الْمَلاٰئِکَةُ ظٰالِمِی أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مٰا کُنّٰا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلیٰ إِنَّ اللّٰهَ عَلِیمٌ بِمٰا کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فَادْخُلُوا أَبْوٰابَ جَهَنَّمَ خٰالِدِینَ فِیهٰا فَلَبِئْسَ مَثْوَی الْمُتَکَبِّرِینَ (2) وَ اعْلَمُوا عِبَادَ اللَّهِ أَنَّ الْمَوْتَ لَیْسَ مِنْهُ فَوْتٌ فَاحْذَرُوهُ وَ أَعِدُّوا لَهُ عُدَّتَهُ فَإِنَّکُمْ

ص :68

طُرَدَاءُ لِلْمَوْتِ إِنَّ قُمْتُمْ أَخَذَکُمْ وَ إِنْ هَرَبْتُمْ أَدْرَکَکُمْ وَ هُوَ أَلْزَمُ لَکُمْ مِنْ ظِلِّکُمْ مَعْقُودٌ بِنَوَاصِیکُمْ وَ الدُّنْیَا تُطْوَی مِنْ خَلْفِکُمْ فَأَکْثِرُوا ذِکْرَ الْمَوْتِ عِنْدَ مَا تُنَازِعُکُمْ إِلَیْهِ أَنْفُسُکُمْ مِنَ الشَّهَوَاتِ فَإِنَّهُ کَفَی بِالْمَوْتِ وَاعِظاً قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص أَکْثِرُوا ذِکْرَ الْمَوْتِ فَإِنَّهُ هَادِمُ اللَّذَّاتِ (1) وَ اعْلَمُوا عِبَادَ اللَّهِ أَنَّ مَا بَعْدَ الْمَوْتِ أَشَدُّ مِنَ الْمَوْتِ لِمَنْ لَمْ یَغْفِرِ اللَّهُ لَهُ وَ یَرْحَمْهُ وَ احْذَرُوا الْقَبْرَ وَ ضَمَّتَهُ وَ ضِیقَهُ وَ ظُلْمَتَهُ فَإِنَّهُ الَّذِی یَتَکَلَّمُ کُلَّ یَوْمٍ أَنَا بَیْتُ التُّرَابِ وَ أَنَا بَیْتُ الْغُرْبَةِ وَ أَنَا بَیْتُ الدُّودِ وَ الْقَبْرُ رَوْضَةٌ مِنْ رِیَاضِ اَلْجَنَّةِ أَوْ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ اَلنَّارِ إِنَّ اَلْمُسْلِمَ إِذَا مَاتَ قَالَتْ لَهُ الْأَرْضُ مَرْحَباً وَ أَهْلاً قَدْ کُنْتَ مِمَّنْ أُحِبُّ أَنْ تَمْشِیَ عَلَی ظَهْرِی فَإِذْ وُلِّیتُکَ فَسَتَعْلَمُ کَیْفَ صُنْعِی بِکَ فَیَتَّسِعُ لَهُ مَدَّ بَصَرِهِ وَ إِذَا دُفِنَ اَلْکَافِرُ قَالَتْ لَهُ الْأَرْضُ لاَ مَرْحَباً وَ لاَ أَهْلاً قَدْ کُنْتَ مِمَّنْ أُبْغِضُ أَنْ تَمْشِیَ عَلَی ظَهْرِی فَإِذْ وُلِّیتُکَ فَسَتَعْلَمُ کَیْفَ صُنْعِی بِکَ فَتَنْضَمُّ عَلَیْهِ حَتَّی تَلْتَقِیَ أَضْلاَعُهُ وَ اعْلَمُوا أَنَّ الْمَعِیشَةَ الضَّنْکَ الَّتِی قَالَ سُبْحَانَهُ فَإِنَّ لَهُ مَعِیشَةً ضَنْکاً (2) هِیَ عَذَابُ الْقَبْرِ فَإِنَّهُ یُسَلَّطُ عَلَی اَلْکَافِرِ فِی قَبْرِهِ حَیَّاتٌ عِظَامٌ تَنْهَشُ لَحْمَهُ حَتَّی یُبْعَثَ لَوْ أَنَّ تِنِّیناً مِنْهَا نَفَخَ الْأَرْضَ مَا أَنْبَتَ الزَّرْعُ أَبَداً اعْلَمُوا عِبَادَ اللَّهِ أَنَّ أَنْفُسَکُمْ وَ أَجْسَادَکُمْ الرَّقِیقَةَ النَّاعِمَةَ الَّتِی یَکْفِیهَا الْیَسِیرُ مِنَ الْعِقَابِ ضَعِیفَةٌ عَنْ هَذَا فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَرْحَمُوا أَنْفُسَکُمْ وَ أَجْسَادَکُمْ مِمَّا لاَ طَاقَةَ لَکُمْ بِهِ وَ لاَ صَبْرَ لَکُمْ عَلَیْهِ فَتَعْمَلُوا بِمَا أَحَبَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَ تَتْرُکُوا مَا کَرِهَ فَافْعَلُوا وَ لاَ حَوْلَ وَ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ وَ اعْلَمُوا عِبَادَ اللَّهِ أَنَّ مَا بَعْدَ الْقَبْرِ أَشَدُّ مِنَ الْقَبْرِ یَوْمَ یَشِیبُ فِیهِ الصَّغِیرُ وَ یَسْکَرُ فِیهِ

ص :69

الْکَبِیرُ وَ تَذْهَلُ کُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمّٰا أَرْضَعَتْ وَ احْذَرُوا یَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِیراً ... کٰانَ شَرُّهُ مُسْتَطِیراً أَمَا إِنَّ شَرَّ ذَلِکَ الْیَوْمِ وَ فَزَعَهُ اسْتَطَارَ حَتَّی فَزِعَتْ مِنْهُ الْمَلاَئِکَةُ الَّذِینَ لَیْسَتْ لَهُمْ ذُنُوبٌ وَ السَّبْعُ الشِّدَادُ وَ الْجِبَالُ الْأَوْتَادُ وَ الْأَرَضُونَ الْمِهَادُ وَ انْشَقَّتِ السَّمٰاءُ فَهِیَ یَوْمَئِذٍ وٰاهِیَةٌ وَ تَغَیَّرَتْ فَکٰانَتْ وَرْدَةً کَالدِّهٰانِ وَ کَانَتِ الْجِبَالُ سَرَاباً بَعْدَ مَا کَانَتْ صُمّاً صِلاَباً یَقُولُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَ نُفِخَ فِی الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِی السَّمٰاوٰاتِ وَ مَنْ فِی الْأَرْضِ إِلاّٰ مَنْ شٰاءَ اللّٰهُ (1) فَکَیْفَ بِمَنْ یَعْصِیهِ بِالسَّمْعِ وَ الْبَصَرِ وَ اللِّسَانِ وَ الْیَدِ وَ الْفَرْجِ وَ الْبَطْنِ إِنْ لَمْ یَغْفِرِ اللَّهُ وَ یَرْحَمْ وَ اعْلَمُوا عِبَادَ اللَّهِ أَنَّ مَا بَعْدَ ذَلِکَ الْیَوْمِ أَشَدُّ وَ أَدْهَی نَارٌ قَعْرُهَا بَعِیدٌ وَ حَرُّهَا شَدِیدٌ وَ عَذَابُهَا جَدِیدٌ وَ مَقَامِعُهَا حَدِیدٌ وَ شَرَابُهَا صَدِیدٌ لاَ یَفْتُرُ عَذَابُهَا وَ لاَ یَمُوتُ سَاکِنُهَا دَارٌ لَیْسَتْ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ فِیهَا رَحْمَةٌ وَ لاَ یُسْمَعُ فِیهَا دَعْوَةٌ وَ مَعَ هَذَا رَحْمَةُ اللَّهِ الَّتِی وَسِعَتْ کُلَّ شَیْءٍ لاَ تَعْجِزُ عَنِ الْعِبَادِ وَ جَنَّةٌ عَرْضُهٰا کَعَرْضِ السَّمٰاءِ وَ الْأَرْضِ خَیْرٌ لاَ یَکُونُ بَعْدَهُ شَرٌّ أَبَداً وَ شَهْوَةٌ لاَ تَنْفَدُ أَبَداً وَ لَذَّةٌ لاَ تَفْنَی أَبَداً وَ مَجْمَعٌ لاَ یَتَفَرَّقُ أَبَداً قَوْمٌ قَدْ جَاوَرُوا الرَّحْمَنَ وَ قَامَ بَیْنَ أَیْدِیهِمُ الْغِلْمَانُ بِصِحٰافٍ مِنْ ذَهَبٍ فِیهَا الْفَاکِهَةُ وَ الرَّیْحَانُ وَ إِنَّ أَهْلَ اَلْجَنَّةِ یَزُورُونَ الْجَبَّارَ سُبْحَانَهُ فِی کُلِّ جُمُعَةٍ فَیَکُونُ أَقْرَبُهُمْ مِنْهُ عَلَی مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ وَ الَّذِینَ یَلُونَهُمْ عَلَی مَنَابِرَ مِنْ یَاقُوتٍ وَ الَّذِینَ یَلُونَهُمْ عَلَی مَنَابِرَ مِنْ مِسْکٍ فَبَیْنَا هُمْ کَذَلِکَ یَنْظُرُونَ اللَّهَ جَلَّ جَلاَلُهُ وَ یَنْظُرُ اللَّهُ فِی وُجُوهِهِمْ إِذْ أَقْبَلَتْ سَحَابَةٌ تَغْشَاهُمْ فَتَمْطُرُ عَلَیْهِمْ مِنَ النِّعْمَةِ وَ اللَّذَّةِ وَ السُّرُورِ وَ الْبَهْجَةِ مَا لاَ یَعْلَمُهُ إِلاَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَ مَعَ هَذَا مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ رِضْوَانُ اللَّهِ الْأَکْبَرُ أَمَا إِنَّا لَوْ لَمْ نُخَوَّفْ إِلاَّ بِبَعْضِ مَا خُوِّفْنَا بِهِ لَکُنَّا مَحْقُوقِینَ أَنْ یَشْتَدَّ خَوْفُنَا مِمَّا لاَ طَاقَةَ

ص :70

لَنَا بِهِ وَ لاَ صَبْرَ لِقُوَّتِنَا عَلَیْهِ وَ أَنْ یَشْتَدَّ شَوْقُنَا إِلَی مَا لاَ غِنَی لَنَا عَنْهُ وَ لاَ بُدَّ لَنَا مِنْهُ فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ عِبَادَ اللَّهِ أَنْ یَشْتَدَّ خَوْفُکُمْ مِنْ رَبِّکُمْ فَافْعَلُوا فَإِنَّ الْعَبْدَ إِنَّمَا تَکُونُ طَاعَتُهُ عَلَی قَدْرِ خَوْفِهِ وَ إِنَّ أَحْسَنَ النَّاسِ لِلَّهِ طَاعَةً أَشَدُّهُمْ لَهُ خَوْفاً وَ انْظُرْ یَا مُحَمَّدُ صَلاَتَکَ کَیْفَ تُصَلِّیهَا فَإِنَّمَا أَنْتَ إِمَامٌ یَنْبَغِی لَکَ أَنْ تُتِمَّهَا وَ أَنْ تُخَفِّفَهَا وَ أَنْ تُصَلِّیَهَا لِوَقْتِهَا فَإِنَّهُ لَیْسَ مِنْ إِمَامٍ یُصَلِّی بِقَوْمٍ فَیَکُونُ فِی صَلاَتِهِ وَ صَلاَتِهِمْ نَقْصٌ إِلاَّ کَانَ إِثْمُ ذَلِکَ عَلَیْهِ وَ لاَ یَنْقُصُ مِنْ صَلاَتِهِمْ شَیْئاً وَ اعْلَمْ أَنَّ کُلَّ شَیْءٍ مِنْ عَمَلِکَ یَتْبَعُ صَلاَتَکَ فَمَنْ ضَیَّعَ الصَّلاَةَ فَهُوَ لِغَیْرِهَا أَشَدُّ تَضْیِیعاً وَ وُضُوؤُکَ مِنْ تَمَامِ الصَّلاَةِ فَأْتِ بِهِ عَلَی وَجْهِهِ فَالْوُضُوءُ نِصْفُ الْإِیمَانِ أَسْأَلُ اللَّهَ الَّذِی یَرَی وَ لاَ یُرَی وَ هُوَ بِالْمَنْظَرِ الْأَعْلَی أَنْ یَجْعَلَنَا وَ إِیَّاکَ مِنَ الْمُتَّقِینَ الَّذِینَ لاٰ خَوْفٌ عَلَیْهِمْ وَ لاٰ هُمْ یَحْزَنُونَ فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ یَا أَهْلَ مِصْرَ أَنْ تُصَدِّقَ أَقْوَالَکُمْ أَفْعَالُکُمْ وَ أَنْ یَتَوَافَقَ سَرُّکُمْ وَ عَلاَنِیَتُکُمْ وَ لاَ تُخَالِفَ أَلْسِنَتَکُمْ قُلُوبُکُمْ فَافْعَلُوا عَصَمَنَا اللَّهُ وَ إِیَّاکُمْ بِالْهُدَی وَ سَلَکَ بِنَا وَ بِکُمُ الْمَحَجَّةَ الْوُسْطَی وَ إِیَّاکُمْ وَ دَعْوَةَ الْکَذَّابِ اِبْنِ هِنْدٍ وَ تَأَمَّلُوا وَ اعْلَمُوا أَنَّهُ لاَ سِوَی إِمَامُ الْهُدَی وَ إِمَامُ الرَّدَی وَ وَصِیُّ اَلنَّبِیِّ وَ عَدُوُّ اَلنَّبِیِّ جَعَلَنَا اللَّهُ وَ إِیَّاکُمْ مِمَّنْ یُحِبُّ وَ یَرْضَی وَ لَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص یَقُولُ إِنِّی لاَ أَخَافُ عَلَی أُمَّتِی مُؤْمِناً وَ لاَ مُشْرِکاً أَمَّا الْمُؤْمِنُ فَیَمْنَعُهُ اللَّهُ بِإِیمَانِهِ وَ أَمَّا الْمُشْرِکُ فَیُخْزِیهِ اللَّهُ بِشِرْکِهِ وَ لَکِنِّی أَخَافُ عَلَیْهِمْ کُلَّ مُنَافِقِ اللِّسَانِ یَقُولُ مَا تَعْرِفُونَ وَ یَفْعَلُ مَا تُنْکِرُونَ وَ اعْلَمْ یَا مُحَمَّدُ أَنَّ أَفْضَلَ الْفِقْهِ الْوَرَعُ فِی دِینِ اللَّهِ وَ الْعَمَلُ بِطَاعَتِهِ فَعَلَیْکَ بِالتَّقْوَی فِی سِرِّ أَمْرِکَ وَ عَلاَنِیَتِهِ أُوصِیکَ بِسَبْعٍ هُنَّ جَوَامِعُ اَلْإِسْلاَمِ اخْشَ اللَّهَ وَ لاَ تَخْشَ النَّاسَ فِی اللَّهِ وَ خَیْرُ الْقَوْلِ مَا صَدَّقَهُ الْعَمَلُ وَ لاَ تَقْضِ فِی أَمْرٍ وَاحِدٍ بِقَضَاءَیْنِ مُخْتَلِفَیْنِ فَیَتَنَاقَضَ

ص :71

أَمْرُکَ وَ تَزِیغَ عَنِ الْحَقِّ وَ أَحِبَّ لِعَامَّةِ رَعِیَّتِکَ مَا تُحِبُّهُ لِنَفْسِکَ وَ اکْرَهْ لَهُمْ مَا تَکْرَهُ لِنَفْسِکَ وَ أَصْلِحْ أَحْوَالَ رَعِیَّتِکَ وَ خُضِ الْغَمَرَاتِ إِلَی الْحَقِّ وَ لاَ تَخَفْ لَوْمَةَ لاَئِمٍ وَ انْصَحْ لِمَنِ اسْتَشَارَکَ وَ اجْعَلْ نَفْسَکَ أُسْوَةً لِقَرِیبِ اَلْمُسْلِمِینَ وَ بَعِیدِهِمْ جَعَلَ اللَّهُ خُلَّتَنَا وَ وُدَّنَا خُلَّةَ الْمُتَّقِینَ وَ وُدَّ الْمُخْلَصِینَ وَ جَمَعَ بَیْنَنَا وَ بَیْنَکُمْ فِی دَارِ الرِّضْوَانِ إِخْوٰاناً عَلیٰ سُرُرٍ مُتَقٰابِلِینَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ

.

1101

1- قَالَ إِبْرَاهِیمُ بْنُ سَعْدٍ الثَّقَفِیُّ فَحَدَّثَنِی عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ عَلِیِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِی سَیْفٍ عَنْ أَصْحَابِهِ أَنَّ عَلِیّاً لَمَّا کَتَبَ إِلَی مُحَمَّدِ بْنِ أَبِی بَکْرٍ هَذَا الْکِتَابَ کَانَ یَنْظُرُ فِیهِ وَ یَتَأَدَّبُ بِأَدَبِهِ فَلَمَّا ظَهَرَ عَلَیْهِ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَ قَتَلَهُ أَخَذَ کُتُبَهُ أَجْمَعَ فَبَعَثَ بِهَا إِلَی مُعَاوِیَةَ فَکَانَ مُعَاوِیَةُ یَنْظُرُ فِی هَذَا الْکِتَابِ وَ یَتَعَجَّبُ مِنْهُ فَقَالَ اَلْوَلِیدُ بْنُ عُقْبَةَ وَ هُوَ عِنْدَ مُعَاوِیَةَ وَ قَدْ رَأَی إِعْجَابَهُ بِهِ مُرْ بِهَذِهِ الْأَحَادِیثِ أَنْ تُحْرَقَ فَقَالَ مُعَاوِیَةُ مَهْ لاَ رَأْیَ لَکَ فَقَالَ اَلْوَلِیدُ أَ فَمِنَ الرَّأْیِ أَنْ یَعْلَمَ النَّاسُ أَنَّ أَحَادِیثَ أَبِی تُرَابٍ عِنْدَکَ تَتَعَلَّمُ (1) مِنْهَا قَالَ مُعَاوِیَةُ وَیْحَکَ أَ تَأْمُرُنِی أَنْ أُحْرِقَ عِلْماً مِثْلَ هَذَا وَ اللَّهِ مَا سَمِعْتُ بِعِلْمٍ هُوَ أَجْمَعُ مِنْهُ وَ لاَ أَحْکَمُ فَقَالَ اَلْوَلِیدُ إِنْ کُنْتَ تَعْجَبُ مِنْ عِلْمِهِ وَ قَضَائِهِ فَعَلاَمَ تُقَاتِلُهُ فَقَالَ لَوْ لاَ أَنَّ أَبَا تُرَابٍ قَتَلَ عُثْمَانَ ثُمَّ أَفْتَانَا لَأَخَذْنَا عَنْهُ ثُمَّ سَکَتَ هُنَیْهَةً ثُمَّ نَظَرَ إِلَی جُلَسَائِهِ فَقَالَ إِنَّا لاَ نَقُولُ إِنَّ هَذِهِ مِنْ کُتُبِ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ وَ لَکِنْ نَقُولُ هَذِهِ مِنْ کُتُبِ أَبِی بَکْرٍ الصِّدِّیقِ کَانَتْ عِنْدَ ابْنِهِ مُحَمَّدٍ فَنَحْنُ نَنْظُرُ فِیهَا وَ نَأْخُذُ مِنْهَا.

قَالَ فَلَمْ تَزَلْ تِلْکَ الْکُتُبُ فِی خَزَائِنِ بَنِی أُمَیَّةَ حَتَّی وُلِّیَ (2) عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِیزِ فَهُوَ الَّذِی أَظْهَرَ أَنَّهَا مِنْ أَحَادِیثِ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ ع

.

قلت الألیق أن یکون الکتاب الذی کان معاویة ینظر فیه و یعجب منه

ص :72

و یفتی به و یقضی بقضایاه و أحکامه هو عهد علی ع إلی الأشتر فإنه نسیج وحده و منه تعلم الناس الآداب و القضایا و الأحکام و السیاسة و هذا العهد صار إلی معاویة لما سم الأشتر و مات قبل وصوله إلی مصر فکان ینظر فیه و یعجب منه و حقیق من مثله أن یقتنی فی خزائن الملوک.

1102

1- قَالَ إِبْرَاهِیمُ فَلَمَّا بَلَغَ عَلِیّاً ع أَنَّ ذَلِکَ الْکِتَابَ صَارَ إِلَی مُعَاوِیَةَ اشْتَدَّ عَلَیْهِ حُزْناً .

1103

1- وَ حَدَّثَنِی بَکْرُ بْنُ بَکَّارٍ عَنْ قَیْسِ بْنِ الرَّبِیعِ عَنْ مَیْسَرَةَ بْنِ حَبِیبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ صَلَّی بِنَا عَلِیٌّ ع فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ لَقَدْ عَثَرْتُ عَثْرَةً لاَ أَعْتَذِرُ سَوْفَ أَکِیسُ بَعْدَهَا وَ أَسْتَمِرُّ (1) وَ أَجْمَعُ الْأَمْرَ الشَّتِیتَ الْمُنْتَشِرَ (2) فَقُلْنَا مَا بَالُکَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ فَقَالَ إِنِّی اسْتَعْمَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِی بَکْرٍ عَلَی مِصْرَ فَکَتَبَ إِلَیَّ أَنَّهُ لاَ عِلْمَ لِی بِالسُّنَّةِ فَکَتَبْتُ إِلَیْهِ کِتَاباً فِیهِ أَدَبٌ وَ سُنَّةٌ فَقُتِلَ وَ أُخِذَ الْکِتَابُ

.

1104

1- قَالَ إِبْرَاهِیمُ فَحَدَّثَنِی عَبْدُ اللَّهِ مُحَمَّدٌ عَنِ اِبْنِ أَبِی سَیْفٍ الْمَدَائِنِیِّ قَالَ فَلَمْ یَلْبَثْ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِی بَکْرٍ شَهْراً کَامِلاً حَتَّی بَعَثَ إِلَی أُولَئِکَ الْمُعْتَزِلِینَ الَّذِینَ کَانَ قَیْسُ بْنُ سَعْدٍ مُوَادِعاً لَهُمْ فَقَالَ یَا هَؤُلاَءِ إِمَّا أَنْ تَدْخُلُوا فِی طَاعَتِنَا وَ إِمَّا أَنْ تَخْرُجُوا مِنْ بِلاَدِنَا فَبَعَثُوا إِلَیْهِ أَنَّا لاَ نَفْعَلُ فَدَعْنَا حَتَّی نَنْظُرَ إِلَی مَا یَصِیرُ إِلَیْهِ أَمْرُ النَّاسِ فَلاَ تَعْجَلْ عَلَیْنَا فَأَبَی عَلَیْهِمْ فَامْتَنَعُوا مِنْهُ وَ أَخَذُوا حِذْرَهُمْ ثُمَّ کَانَتْ وَقْعَةُ صِفِّینَ وَ هُمْ لِمُحَمَّدٍ هَائِبُونَ فَلَمَّا أَتَاهُمْ خَبَرُ مُعَاوِیَةَ وَ أَهْلِ اَلشَّامِ ثُمَّ صَارَ الْأَمْرُ إِلَی اَلْحُکُومَةِ وَ أَنَّ عَلِیّاً وَ أَهْلَ اَلْعِرَاقِ قَدْ قَفَلُوا عَنْ مُعَاوِیَةَ وَ اَلشَّامِ إِلَی عِرَاقِهِمْ اجْتَرَءُوا عَلَی مُحَمَّدِ بْنِ أَبِی بَکْرٍ وَ أَظْهَرُوا الْمُنَابَذَةَ لَهُ فَلَمَّا رَأَی مُحَمَّدٌ ذَلِکَ بَعَثَ إِلَیْهِمْ اِبْنَ جَمْهَانَ الْبَلَوِیَّ وَ مَعَهُ یَزِیدُ بْنُ الْحَارِثِ الْکِنَانِیُّ فَقَاتَلاَهُمْ

ص :73

فَقَتَلُوهُمَا ثُمَّ بَعَثَ إِلَیْهِمْ رَجُلاً مِنْ کَلْبٍ فَقَتَلُوهُ أَیْضاً وَ خَرَجَ مُعَاوِیَةُ بْنُ حُدَیْجٍ مِنَ اَلسَّکَاسِکِ یَدْعُو إِلَی الطَّلَبِ بِدَمِ عُثْمَانَ فَأَجَابَهُ الْقَوْمُ وَ نَاسٌ کَثِیرٌ آخَرُونَ وَ فَسَدَتْ مِصْرُ عَلَی مُحَمَّدِ بْنِ أَبِی بَکْرٍ فَبَلَغَ عَلِیّاً تَوَثُّبُهُمْ عَلَیْهِ فَقَالَ مَا أَرَی لِمِصْرٍ إِلاَّ أَحَدَ الرَّجُلَیْنِ صَاحِبَنَا الَّذِی عَزَلْنَا بِالْأَمْسِ یَعْنِی قَیْسَ بْنَ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ أَوْ مَالِکَ بْنَ الْحَارِثِ الْأَشْتَرَ وَ کَانَ عَلِیٌّ حِینَ رَجَعَ عَنْ صِفِّینَ رَدَّ اَلْأَشْتَرَ إِلَی عَمَلِهِ بِالْجَزِیرَةِ وَ قَالَ لِقَیْسِ بْنِ سَعْدٍ أَقِمْ أَنْتَ مَعِی عَلَی شُرْطَتِی حَتَّی نَفْرُغَ مِنْ أَمْرِ هَذِهِ الْحُکُومَةِ ثُمَّ اخْرُجْ إِلَی آذَرْبِیجَانَ فَکَانَ قَیْسٌ مُقِیماً عَلَی شُرْطَتِهِ فَلَمَّا أَنِ انْقَضَی أَمْرُ الْحُکُومَةِ کَتَبَ عَلِیٌّ إِلَی اَلْأَشْتَرِ وَ هُوَ یَوْمَئِذٍ بِنَصِیبِینَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّکَ مِمَّنْ أَسْتَظْهِرُ بِهِ عَلَی إِقَامَةِ الدِّینِ وَ أَقْمَعُ بِهِ نَخْوَةَ الْأَثِیمِ وَ أَسُدُّ بِهِ الثَّغْرَ الْمَخُوفَ وَ قَدْ کُنْتُ وَلَّیْتُ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِی بَکْرٍ مِصْرَ فَخَرَجَتْ عَلَیْهِ خَوَارِجُ وَ هُوَ غُلاَمٌ حَدَثُ السِّنِّ لَیْسَ بِذِی تَجْرِبَةٍ لِلْحُرُوبِ فَاقْدَمْ (1) عَلَیَّ لِنَنْظُرَ فِیمَا یَنْبَغِی وَ اسْتَخْلِفْ عَلَی عَمَلِکَ أَهْلَ الثِّقَةِ وَ النَّصِیحَةِ مِنْ أَصْحَابِکَ وَ السَّلاَمُ .

فَأَقْبَلَ اَلْأَشْتَرُ إِلَی عَلِیٍّ وَ اسْتَخْلَفَ عَلَی عَمَلِهِ شَبِیبَ بْنَ عَامِرٍ الْأَزْدِیَّ وَ هُوَ جَدُّ اَلْکِرْمَانِیِّ الَّذِی کَانَ بِخُرَاسَانَ صَاحِبُ نَصْرِ بْنِ سَیَّارٍ فَلَمَّا دَخَلَ اَلْأَشْتَرُ عَلَی عَلِیٍّ حَدَّثَهُ حَدِیثَ مِصْرَ وَ خَبَّرَهُ خَبَرَ أَهْلِهَا وَ قَالَ لَهُ لَیْسَ لَهَا غَیْرُکَ فَاخْرُجْ إِلَیْهَا رَحِمَکَ اللَّهُ فَإِنِّی لاَ أُوصِیکَ اکْتِفَاءً بِرَأْیِکَ وَ اسْتَعِنْ بِاللَّهِ عَلَی مَا أَهَمَّکَ وَ اخْلِطِ الشِّدَّةَ بِاللِّینِ وَ ارْفُقْ مَا کَانَ الرِّفْقُ أَبْلَغَ وَ اعْتَزِمْ عَلَی الشِدَّةِ حِینَ لاَ یُغْنِی عَنْکَ إِلاَّ الشِّدَّةُ .

فَخَرَجَ اَلْأَشْتَرُ مِنْ عِنْدِهِ فَأُتِیَ بِرَحْلِهِ وَ أَتَتْ مُعَاوِیَةَ عُیُونُهُ فَأَخْبَرُوهُ بِوَلاَیَةِ اَلْأَشْتَرِ مِصْرَ فَعَظُمَ ذَلِکَ عَلَیْهِ وَ قَدْ کَانَ طَمِعَ فِی مِصْرَ فَعَلِمَ أَنَّ اَلْأَشْتَرَ إِنْ قَدِمَ عَلَیْهَا کَانَ أَشَدَّ عَلَیْهِ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِی بَکْرٍ فَبَعَثَ إِلَی رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْخَرَاجِ یَثِقُ بِهِ وَ قَالَ لَهُ إِنَّ اَلْأَشْتَرَ قَدْ وُلِّیَ مِصْرَ فَإِنْ کَفَیْتَنِیهِ لَمْ آخُذْ مِنْکَ خَرَاجاً مَا بَقِیتُ وَ بَقِیتَ فَاحْتَلْ فِی هَلاَکِهِ مَا قَدَرْتَ عَلَیْهِ.

ص :74

فَخَرَجَ اَلْأَشْتَرُ حَتَّی انْتَهَی إِلَی اَلْقُلْزُمِ (1) حَیْثُ تُرْکَبُ السُّفُنُ مِنْ مِصْرَ إِلَی اَلْحِجَازِ فَأَقَامَ بِهِ فَقَالَ لَهُ ذَلِکَ الرَّجُلُ وَ کَانَ ذَلِکَ الْمَکَانِ مَکَانَهُ أَیُّهَا الْأَمِیرُ هَذَا مَنْزِلٌ فِیهِ طَعَامٌ وَ عَلَفٌ وَ أَنَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْخَرَاجِ فَأَقِمْ وَ اسْتَرِحْ وَ أَتَاهُ بِالطَّعَامِ حَتَّی إِذْ طَعِمَ سَقَاهُ شَرْبَةَ عَسَلٍ قَدْ جَعَلَ فِیهَا سَمّاً فَلَمَّا شَرِبَهَا مَاتَ

.

1105

1- قَالَ إِبْرَاهِیمُ وَ قَدْ کَانَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ کَتَبَ عَلَی یَدِ اَلْأَشْتَرِ کِتَاباً إِلَی أَهْلِ مِصْرَ رَوَی ذَلِکَ اَلشَّعْبِیُّ عَنْ صَعْصَعَةَ بْنِ صُوحَانَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عَلِیٍّ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ إِلَی مَنْ بِمِصْرَ مِنَ اَلْمُسْلِمِینَ سَلاَمُ اللَّهِ عَلَیْکُمْ فَإِنِّی أَحْمَدُ اللَّهَ إِلَیْکُمْ الَّذِی لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّی قَدْ بَعَثْتُ إِلَیْکُمْ عَبْداً مِنْ عِبَادِ اللَّهِ لاَ یَنَامُ أَیَّامَ الْخَوْفِ وَ لاَ یَنْکُلُ عَنِ الْأَعْدَاءِ حِذَارَ الدَّوَائِرِ لاَ نَاکِلٌ مِنْ قَدَمٍ وَ لاَ وَاهٍ فِی عَزْمٍ مِنْ أَشَدِّ عِبَادِ اللَّهِ بَأْساً وَ أَکْرَمِهِمْ حَسَباً أَضَرُّ عَلَی الْفُجَّارِ مِنْ حَرِیقِ النَّارِ وَ أَبْعَدُ النَّاسِ مِنْ دَنَسٍ أَوْ عَارٍ وَ هُوَ مَالِکُ بْنُ الْحَارِثِ الْأَشْتَرُ حُسَامٌ صَارِمٌ لاَ نَابِی الضَّرِیبَةِ وَ لاَ کَلِیلُ الْحَدِّ حَلِیمٌ فِی السِّلْمِ رَزِینٌ فِی الْحَرْبِ ذُو رَأْیٍ أَصِیلٍ وَ صَبْرٍ جَمِیلٍ فَاسْمَعُوا لَهُ وَ أَطِیعُوا أَمْرَهُ فَإِنْ أَمَرَکُمْ بِالنَّفْرِ فَانْفِرُوا وَ إِنْ أَمَرَکُمْ أَنْ تُقِیمُوا فَأَقِیمُوا فَإِنَّهُ لاَ یُقْدِمُ وَ لاَ یُحْجِمُ إِلاَّ بِأَمْرِی وَ قَدْ آثَرْتُکُمْ بِهِ عَلَی نَفْسِی نَصِیحَةً لَکُمْ وَ شِدَّةً شَکِیمَةً (2) عَلَی عَدُوِّکُمْ عَصَمَکُمُ اللَّهُ بِالْهُدَی وَ ثَبَّتَکُمْ بِالتَّقْوَی وَ وَفَّقَنَا وَ إِیَّاکُمْ لِمَا یُحِبُّ وَ یَرْضَی وَ السَّلاَمُ عَلَیْکُمْ وَ رَحْمَةُ اللَّهِ .

1106

قَالَ إِبْرَاهِیمُ وَ رَوَی جَابِرٌ عَنِ اَلشَّعْبِیِّ قَالَ هَلَکَ اَلْأَشْتَرُ حِینَ أَتَی عَقَبَةَ أَفِیقٍ (3) .

1107

1- قَالَ إِبْرَاهِیمُ وَ حَدَّثَنَا وَطْبَةُ بْنُ الْعَلاَءِ بْنِ الْمِنْهَالِ الْغَنَوِیُّ عَنْ أَبِیهِ عَنْ عَاصِمِ

ص :75

بْنِ کُلَیْبٍ عَنْ أَبِیهِ أَنَّ عَلِیّاً لَمَّا بَعَثَ اَلْأَشْتَرَ إِلَی مِصْرَ وَالِیاً عَلَیْهَا وَ بَلَغَ مُعَاوِیَةَ خَبَرُهُ بَعَثَ رَسُولاً یَتْبَعُ اَلْأَشْتَرَ إِلَی مِصْرَ وَ أَمَرَهُ بِاغْتِیَالِهِ فَحَمَلَ مَعَهُ مِزْوَدَیْنِ فِیهِمَا شَرَابٌ وَ صَحِبَ اَلْأَشْتَرَ فَاسْتَسْقَی اَلْأَشْتَرُ یَوْماً فَسَقَاهُ مِنْ أَحَدِهِمَا ثُمَّ اسْتَسْقَی یَوْماً آخَرَ مِنْهُ فَسَقَاهُ مِنَ الْآخَرِ وَ فِیهِ سَمٌّ فَشَرِبَهُ فَمَالَتْ عُنُقُهُ وَ طُلِبَ الرَّجُلُ فَفَاتَهُمْ

.

1108

قَالَ إِبْرَاهِیمُ وَ حَدَّثَنَا مُحْرِزُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ جَرِیرِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِیدِ عَنْ مُغِیرَةَ الضَّبِّیِّ أَنَّ مُعَاوِیَةَ دَسَّ لِلْأَشْتَرِ مَوْلًی لِآلِ عُمَرَ فَلَمْ یَزَلِ الْمَوْلَی یَذْکُرُ لِلْأَشْتَرِ فَضْلَ عَلِیٍّ وَ بَنِی هَاشِمٍ حَتَّی اطْمَأَنَّ إِلَیْهِ وَ اسْتَأْنَسَ بِهِ فَقَدِمَ اَلْأَشْتَرُ یَوْماً ثَقَلَهُ (1) أَوْ تَقَدَّمَ ثَقَلَهُ فَاسْتَسْقَی مَاءً فَقَالَ لَهُ مَوْلَی آلِ عُمَرَ (2) وَ هَلْ لَکَ فِی شَرْبَةِ سَوِیقٍ فَسَقَاهُ شَرْبَةَ سَوِیقٍ فِیهَا سَمٌّ فَمَاتَ.

وَ قَدْ کَانَ مُعَاوِیَةُ قَالَ لِأَهْلِ اَلشَّامِ لَمَّا دَسَّ إِلَیْهِ مَوْلَی آلِ عُمَرَ ادْعُوا عَلَی اَلْأَشْتَرِ فَدَعَوْا عَلَیْهِ فَلَمَّا بَلَغَهُ مَوْتُهُ قَالَ أَ لاَ تَرَوْنَ کَیْفَ اسْتُجِیبَ لَکُمْ.

1109

قَالَ إِبْرَاهِیمُ قَدْ رُوِیَ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ أَنَّ اَلْأَشْتَرَ قُتِلَ بِمِصْرَ بَعْدَ قِتَالٍ شَدِیدٍ.

و الصحیح أنّه سقی سما فمات قبل أن یبلغ مصر .

1110

1- قَالَ إِبْرَاهِیمُ وَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ عَلِیِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِی سَیْفٍ الْمَدَائِنِیِّ أَنَّ مُعَاوِیَةَ أَقْبَلَ یَقُولُ لِأَهْلِ اَلشَّامِ أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّ عَلِیّاً قَدْ وَجَّهَ اَلْأَشْتَرَ إِلَی مِصْرَ فَادْعُوا اللَّهَ أَنْ یَکْفِیَکُمُوهُ فَکَانُوا یَدْعُونَ عَلَیْهِ فِی دُبُرِ کُلِّ صَلاَةٍ وَ أَقْبَلَ الَّذِی سَقَاهُ السَّمَّ إِلَی مُعَاوِیَةَ فَأَخْبَرَهُ بِهَلاَکِ اَلْأَشْتَرِ فَقَامَ مُعَاوِیَةُ فِی النَّاسِ خَطِیباً فَقَالَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ کَانَ لِعَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ یَدَانِ یَمِینَانِ فَقُطِعَتْ إِحْدَاهُمَا یَوْمَ صِفِّینَ وَ هُوَ عَمَّارُ بْنُ یَاسِرٍ وَ قَدْ قُطِعَتْ الْأُخْرَی الْیَوْمَ وَ هُوَ مَالِکٌ الْأَشْتَرُ

.

ص :76

1111

قَالَ إِبْرَاهِیمُ فَلَمَّا بَلَغَ عَلِیّاً مَوْتُ اَلْأَشْتَرِ قَالَ إِنّٰا لِلّٰهِ وَ إِنّٰا إِلَیْهِ رٰاجِعُونَ وَ الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِینَ اللَّهُمَّ إِنِّی أَحْتَسِبُهُ عِنْدَکَ فَإِنَّ مَوْتَهُ مِنْ مَصَائِبِ الدَّهْرِ ثُمَّ لَقِیَ رَبَّهُ مَعَ أَنَّا قَدْ وَطَّنَّا أَنْفُسَنَا أَنْ نَصْبِرَ عَلَی کُلِّ مُصِیبَةٍ بَعْدَ مُصَابِنَا بِرَسُولِ اللَّهِ ص فَإِنَّهَا مِنْ أَعْظَمِ الْمُصِیبَاتِ .

1112

1- قَالَ إِبْرَاهِیمُ وَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هِشَامٍ الْمُرَادِیُّ عَنْ جَرِیرِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِیدِ عَنْ مُغِیرَةَ الضَّبِّیِّ قَالَ لَمْ یَزَلْ أَمْرُ عَلِیٍّ شَدِیداً حَتَّی مَاتَ اَلْأَشْتَرُ وَ کَانَ اَلْأَشْتَرُ بِالْکُوفَةِ أَسْوَدَ مِنَ اَلْأَحْنَفِ بِالْبَصْرَةِ .

1113

1- قَالَ إِبْرَاهِیمُ وَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ اِبْنِ أَبِی سَیْفٍ الْمَدَائِنِیِّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَشْیَاخِ النَّخَعِ قَالُوا دَخَلْنَا عَلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ حِینَ بَلَغَهُ مَوْتُ اَلْأَشْتَرِ فَوَجَدْنَاهُ یَتَلَهَّفُ وَ یَتَأَسَّفُ عَلَیْهِ ثُمَّ قَالَ لِلَّهِ دَرُّ مَالِکٍ وَ مَا مَالِکٌ لَوْ کَانَ مِنْ جَبَلٍ لَکَانَ فِنْداً (1) وَ لَوْ کَانَ مِنْ حَجَرٍ لَکَانَ صَلْداً أَمَا وَ اللَّهِ لَیَهُدَّنَّ مَوْتُکَ عَالَماً وَ لَیُفْرِحَنَّ عَالَماً عَلَی مِثْلِ مَالِکٍ فَلْتَبْکِ الْبَوَاکِی وَ هَلْ مَرْجُوٌّ کَمَالِکٍ وَ هَلْ مَوْجُودٌ کَمَالِکٍ .

قَالَ عَلْقَمَةُ بْنُ قَیْسٍ النَّخَعِیُّ فَمَا زَالَ عَلِیٌّ یَتَلَهَّفُ وَ یَتَأَسَّفُ حَتَّی ظَنَنَّا أَنَّهُ الْمُصَابُ بِهِ دُونَنَا وَ عُرِفَ ذَلِکَ فِی وَجْهِهِ أَیَّاماً

.

1114

1- قَالَ إِبْرَاهِیمُ وَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ اَلْمَدَائِنِیِّ قَالَ حَدَّثَنَا مَوْلًی لِلْأَشْتَرِ قَالَ لَمَّا هَلَکَ اَلْأَشْتَرُ أُصِیبَ (2) فِی ثَقَلِهِ رِسَالَةُ عَلِیٍّ إِلَی أَهْلِ مِصْرَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ إِلَی النَّفَرِ مِنَ اَلْمُسْلِمِینَ الَّذِینَ غَضِبُوا لِلَّهِ إِذْ عُصِیَ فِی الْأَرْضِ وَ ضَرَبَ الْجَوْرُ بِرِوَاقِهِ عَلَی الْبَرِّ وَ الْفَاجِرِ فَلاَ حَقٌّ یُسْتَرَاحُ إِلَیْهِ وَ لاَ مُنْکَرٌ یُتَنَاهَی عَنْهُ سَلاَمٌ عَلَیْکُمْ فَإِنِّی أَحْمَدُ إِلَیْکُمُ اللَّهَ اَلَّذِی لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ

ص :77

أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ وَجَّهْتُ إِلَیْکُمْ عَبْداً مِنْ عِبَادِ اللَّهِ لاَ یَنَامُ فِی الْخَوْفِ وَ لاَ یَنْکُلُ مِنَ الْأَعْدَاءِ حِذَارَ الدَّوَائِرِ أَشَدُّ عَلَی اَلْکَافِرِینَ مِنْ حَرِیقِ اَلنَّارِ وَ هُوَ مَالِکُ بْنُ الْحَارِثِ الْأَشْتَرُ أَخُو مَذْحِجٍ فَاسْمَعُوا لَهُ وَ أَطِیعُوا فَإِنَّهُ سَیْفٌ مِنْ سُیُوفِ اللَّهِ لاَ نَابِی الضَّرِیبَةِ (1) وَ لاَ کَلِیلُ الْحَدِّ فَإِنْ أَمَرَکُمْ أَنْ تُقِیمُوا فَأَقِیمُوا وَ إِنْ أَمَرَکُمْ أَنْ تَنْفِرُوا فَانْفِرُوا وَ إِنْ أَمَرَکُمْ أَنْ تُحْجِمُوا فَأَحْجِمُوا فَإِنَّهُ لاَ یُقْدِمُ وَ لاَ یُحْجِمُ إِلاَّ بِأَمْرِی وَ قَدْ آثَرْتُکُمْ بِهِ عَلَی نَفْسِی لِنَصِیحَتِهِ وَ شِدَّةِ شَکِیمَتِهِ عَلَی عَدُوِّهِ عَصَمَکُمُ اللَّهُ بِالْحَقِّ وَ ثَبَّتَکُمْ بِالتَّقْوَی وَ السَّلاَمُ عَلَیْکُمْ وَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَکَاتُهُ

.

1115

1- قَالَ إِبْرَاهِیمُ وَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ اَلْمَدَائِنِیِّ عَنْ رِجَالِهِ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِی بَکْرٍ لَمَّا بَلَغَهُ أَنَّ عَلِیّاً قَدْ وَجَّهَ اَلْأَشْتَرَ إِلَی مِصْرَ شَقَّ عَلَیْهِ فَکَتَبَ ع إِلَیْهِ عِنْدَ مَهْلِکِ اَلْأَشْتَرِ أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ بَلَغَنِی مَوْجِدَتُکَ مِنْ تَسْرِیحِ اَلْأَشْتَرِ إِلَی عَمَلِکَ وَ لَمْ أَفْعَلْ ذَلِکَ اسْتِبْطَاءً لَکَ عَنِ الْجِهَادِ وَ لاَ اسْتِزَادَةً (2) لَکَ مِنِّی فِی الْجِدِّ وَ لَوْ نَزَعْتُ مَا حَوَتْ یَدَاکَ مِنْ سُلْطَانِکَ لَوَلَّیْتُکَ مَا هُوَ أَیْسَرُ مَئُونَةً عَلَیْکَ وَ أَعْجَبُ وَلاَیَةً إِلَیْکَ إِلاَّ أَنَّ الرَّجُلَ الَّذِی وَلَّیْتُهُ مِصْرَ کَانَ رَجُلاً لَنَا مُنَاصِحاً وَ هُوَ عَلَی عَدُوِّنَا شَدِیدٌ فَرَحْمَةُ اللَّهِ عَلَیْهِ فَقَدِ اسْتَکْمَلَ أَیَّامَهُ وَ لاَقَی حِمَامَهُ وَ نَحْنُ عَنْهُ رَاضُونَ فَرَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ وَ ضَاعَفَ لَهُ الثَّوَابَ وَ أَحْسَنَ لَهُ الْمَآبَ فَأَصْحِرْ (3) لِعَدُوِّکَ وَ شَمِّرْ لِلْحَرْبِ وَ اُدْعُ إِلیٰ سَبِیلِ رَبِّکَ بِالْحِکْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَ أَکْثِرْ ذِکْرَ اللَّهِ وَ الاِسْتِعَانَةَ بِهِ وَ الْخَوْفَ مِنْهُ یَکْفِکَ مَا هَمَّکَ وَ یُعِنْکَ عَلَی مَا وَلاَّکَ أَعَانَنَا اللَّهُ وَ إِیَّاکَ عَلَی مَا لاَ یُنَالُ إِلاَّ بِرَحْمَتِهِ وَ السَّلاَمُ.

قَالَ فَکَتَبَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِی بَکْرٍ إِلَیْهِ جَوَابَهُ

ص :78

إِلَی عَبْدِ اللَّهِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِی بَکْرٍ .سَلاَمٌ عَلَیْکَ فَإِنِّی أَحْمَدُ إِلَیْکَ اللَّهَ الَّذِی لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ أَمَّا بَعْدُ فَقَدِ انْتَهَی إِلَیَّ کِتَابُ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ وَ فَهِمْتُهُ وَ عَرَفْتُ مَا فِیهِ وَ لَیْسَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ أَشَدَّ عَلَی عَدُوِّ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ وَ لاَ أَرْأَفَ وَ أَرَقَّ لِوَلِیِّهِ مِنِّی وَ قَدْ خَرَجْتُ فَعَسْکَرْتُ وَ أَمَّنْتُ النَّاسَ إِلاَّ مَنْ نَصَبَ لَنَا حَرْباً وَ أَظْهَرَ لَنَا خِلاَفاً وَ أَنَا أَتَّبِعُ أَمْرَ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ وَ حَافِظٌ وَ لاَجِئٌ إِلَیْهِ وَ قَائِمٌ بِهِ وَ اللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَی کُلِّ حَالٍ وَ السَّلاَمُ عَلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ وَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَکَاتُهُ .

1116

1- قَالَ إِبْرَاهِیمَ فَحَدَّثَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ عَنِ اِبْنِ سَیْفٍ الْمَدَائِنِیِّ عَنْ أَبِی جَهْضَمٍ الْأَزْدِیِّ أَنَّ أَهْلَ اَلشَّامِ لَمَّا انْصَرَفُوا عَنْ صِفِّینَ کَانُوا یَنْتَظِرُونَ مَا یَأْتِی بِهِ اَلْحَکَمَانِ فَلَمَّا انْصَرَفَا وَ تَفَرَّقَا وَ بَایَعَ أَهْلُ اَلشَّامِ مُعَاوِیَةَ بِالْخِلاَفَةِ لَمْ یَزْدَدْ مُعَاوِیَةُ إِلاَّ قُوَّةً وَ اخْتَلَفَ أَهْلُ اَلْعِرَاقِ عَلَی عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ فَلَمْ یَکُنْ هَمُّ مُعَاوِیَةَ إِلاَّ مِصْرَ وَ قَدْ کَانَ لِأَهْلِهَا هَائِباً لِقُرْبِهِمْ مِنْهُ وَ شِدَّتِهِمْ عَلَی مَنْ کَانَ عَلَی رَأْیِ عُثْمَانَ وَ قَدْ کَانَ عَلِمَ أَنَّ بِهَا قَوْماً قَدْ سَاءَهُمْ قَتْلُ عُثْمَانَ وَ خَالَفُوا عَلِیّاً مَعَ أَنَّهُ کَانَ یَرْجُو أَنْ یَکُونَ لَهُ فِیهَا مُعَاوَنَةٌ إِذَا ظَهَرَ عَلَیْهَا عَلَی حَرْبِ عَلِیٍّ لِوُفُورِ خَرَاجِهَا فَدَعَا مُعَاوِیَةُ مَنْ کَانَ مَعَهُ مِنْ قُرَیْشٍ وَ هُمْ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ السَّهْمِیُّ وَ حَبِیبُ بْنُ مَسْلَمَةَ الْفِهْرِیُّ وَ بُسْرُ بْنُ أَبِی أَرْطَاةَ الْعَامِرِیُّ وَ اَلضَّحَّاکُ بْنُ قَیْسٍ الْفِهْرِیُّ وَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِیدِ الْمَخْزُومِیُّ وَ دَعَا مِنْ غَیْرِ قُرَیْشٍ نَحْوَ شُرَحْبِیلَ بْنِ السِّمْطِ الْحِمْیَرِیِّ وَ أَبِی الْأَعْوَرِ السُّلَمِیِّ وَ حَمْزَةَ بْنِ مَالِکٍ الْهَمْدَانِیِّ فَقَالَ أَ تَدْرُونَ لِمَا ذَا دَعَوْتُکُمْ قَالُوا لاَ قَالَ فَإِنِّی دَعَوْتُکُمْ لِأَمْرٍ هُوَ لِی مُهِمٌّ وَ أَرْجُو أَنْ یَکُونَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ قَدْ أَعَانَ عَلَیْهِ فَقَالَ لَهُ الْقَوْمُ أَوْ مَنْ قَالَ لَهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَمْ یُطْلِعْ عَلَی غَیْبِهِ أَحَداً وَ لَسْنَا نَدْرِی مَا تُرِیدُ فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ أَرَی وَ اللَّهِ أَنَّ أَمْرَ هَذِهِ اَلْبِلاَدِ الْمِصْرِیَّةِ لِکَثْرَةِ خَرَاجِهَا وَ عَدَدِ أَهْلِهَا قَدْ أَهَمَّکَ (1)

ص :79

فَدَعَوْتَنَا تَسْأَلُنَا عَنْ رَأْیِنَا فِی ذَلِکَ فَإِنْ کُنْتَ لِذَلِکَ دَعَوْتَنَا وَ لَهُ جَمَعْتَنَا فَاعْزِمْ وَ اصْرِمْ وَ نِعْمَ الرَّأْیُ مَا رَأَیْتَ إِنَّ فِی افْتِتَاحِهَا عِزَّکَ وَ عِزَّ أَصْحَابِکَ وَ ذُلَّ عَدُوِّکَ وَ کَبْتَ أَهْلِ الْخِلاَفِ عَلَیْکَ.

قَالَ مُعَاوِیَةُ أَهَمَّکَ مَا أَهَمَّکَ یَا اِبْنَ الْعَاصِ وَ ذَلِکَ أَنَّ عَمْراً کَانَ بَایَعَ مُعَاوِیَةَ عَلَی قِتَالِ عَلِیٍّ وَ أَنَّ مِصْرَ لَهُ طُعْمَةً مَا بَقِیَ فَأَقْبَلَ مُعَاوِیَةُ عَلَی أَصْحَابِهِ وَ قَالَ إِنَّ هَذَا یَعْنِی اِبْنَ الْعَاصِ قَدْ ظَنَّ وَ حَقَّقَ ظَنَّهُ قَالُوا وَ لَکِنَّا لاَ نَدْرِی وَ لَعَلَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ قَدْ أَصَابَ فَقَالَ عَمْرٌو وَ أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ إِنَّ أَفْضَلَ الظُّنُونِ مَا شَابَهَ الْیَقِینَ.

ثُمَّ إِنَّ مُعَاوِیَةَ حَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ رَأَیْتُمْ کَیْفَ صَنَعَ اللَّهُ لَکُمْ فِی حَرْبِکُمْ هَذِهِ عَلَی عَدُوِّکُمْ وَ لَقَدْ جَاءُوکُمْ وَ هُمْ لاَ یَشُکُّونَ أَنَّهُمْ یَسْتَأْصِلُونَ بَیْضَتَکُمْ وَ یَجُوزُونَ بِلاَدَکُمْ مَا کَانُوا یَرَوْنَ إِلاَّ أَنَّکُمْ فِی أَیْدِیهِمْ فَرَدَّهُمُ اللَّهُ بِغَیْظِهِمْ لَمْ یَنٰالُوا خَیْراً وَ کَفَی اللّٰهُ الْمُؤْمِنِینَ الْقِتٰالَ وَ کَفَاکُمْ مَئُونَتَهُمْ.

وَ حَاکَمْتُمُوهُمْ إِلَی اللَّهِ فَحَکَمَ لَکُمْ عَلَیْهِمْ ثُمَّ جَمَعَ کَلِمَتَنَا وَ أَصْلَحَ ذَاتَ بَیْنِنَا وَ جَعَلَهُمْ أَعْدَاءً مُتَفَرِّقِینَ یَشْهَدُ بَعْضُهُمْ عَلَی بَعْضٍ بِالْکُفْرِ وَ یَسْفِکُ بَعْضُهُمْ دَمَ بَعْضٍ وَ اللَّهِ إِنِّی لَأَرْجُو أَنْ یُتِمَّ اللَّهُ لَنَا هَذَا الْأَمْرَ وَ قَدْ رَأَیْتُ أَنْ أُحَاوِلَ حَرْبَ مِصْرَ فَمَا ذَا تَرَوْنَ.

فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ قَدْ أَخْبَرْتُکَ عَمَّا سَأَلْتَ وَ أَشَرْتُ عَلَیْکَ بِمَا سَمِعْتَ.

فَقَالَ مُعَاوِیَةُ مَا تَرَوْنَ فَقَالُوا نَرَی مَا رَأَی عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فَقَالَ مُعَاوِیَةُ إِنَّ عَمْراً قَدْ عَزَمَ وَ صَرَمَ بِمَا قَالَ وَ لَمْ یُفَسِّرْ کَیْفَ یَنْبَغِی أَنْ نَصْنَعَ.

قَالَ عَمْرٌو فَإِنِّی مُشِیرٌ عَلَیْکَ بِمَا تَصْنَعُ أَرَی أَنْ تَبْعَثَ جَیْشاً کَثِیفاً عَلَیْهِمْ رَجُلٌ صَارِمٌ تَأْمَنُهُ وَ تَثِقُ بِهِ فَیَأْتِیَ مِصْرَ فَیَدْخُلَهَا فَإِنَّهُ سَیَأْتِینَا مَنْ کَانَ عَلَی مِثْلِ رَأْیِنَا مِنْ أَهْلِهَا فَنُظَاهِرُهُ عَلَی مَنْ کَانَ مِنْ عَدُوِّنَا فَإِنِ اجْتَمَعَ بِهَا جُنْدُکَ وَ مَنْ کَانَ بِهَا مِنْ شِیعَتِکَ عَلَی مَنْ بِهَا مِنْ أَهْلِ حَرْبِکَ رَجَوْتُ اللَّهَ أَنْ یُعِزَّ نَصْرَکَ وَ یُظْهِرَ فَلْجَکَ.

ص :80

فَقَالَ مُعَاوِیَةُ هَلْ عِنْدَکِ شَیْءٌ غَیْرُ هَذَا نَعْمَلُهُ فِیمَا بَیْنَنَا وَ بَیْنَهُمْ قَبْلَ هَذَا قَالَ مَا أَعْلَمُهُ.

قَالَ مُعَاوِیَةُ فَإِنَّ رَأْیِی غَیْرُ هَذَا أَرَی أَنْ نُکَاتِبَ مَنْ کَانَ بِهَا مِنَ شِیعَتِنَا وَ مَنْ کَانَ بِهَا مِنْ عَدُوِّنَا فَأَمَّا شِیعَتُنَا فَنَأْمُرُهُمْ بِالثَّبَاتِ عَلَی أَمْرِهِمْ وَ نُمَنِّیهِمْ قُدُومَنَا عَلَیْهِمْ وَ أَمَّا مَنْ کَانَ بِهَا مِنْ عَدُوِّنَا فَنَدْعُوهُمْ إِلَی صُلْحِنَا وَ نُمَنِّیهِمْ شُکْرَنَا وَ نُخَوِّفُهُمْ حَرْبَنَا فَإِنْ صَلَحَ لَنَا مَا قِبَلَهُمْ مِنْ غَیْرِ حَرْبٍ وَ لاَ قِتَالٍ فَذَلِکَ مَا أَحْبَبْنَا وَ إِلاَّ فَحَرْبُهُمْ مِنْ وَرَاءِ ذَلِکَ.

إِنَّکَ یَا اِبْنَ الْعَاصِ لاَمْرُؤٌ (1) بُورِکَ لَکَ فِی الْعَجَلَةِ وَ بُورِکَ لِی فِی التُّؤَدَةِ.

قَالَ عَمْرٌو فَاعْمَلْ بِمَا أَرَاکَ اللَّهُ فَوَ اللَّهِ مَا أَرَی أَمْرَکَ وَ أَمْرَهُمْ یَصِیرُ إِلاَّ إِلَی الْحَرْبِ.

قَالَ فَکَتَبَ مُعَاوِیَةُ عِنْدَ ذَلِکَ إِلَی مَسْلَمَةَ بْنِ مُخَلَّدٍ الْأَنْصَارِیِّ وَ إِلَی مُعَاوِیَةَ بْنِ حُدَیْجٍ الْکِنْدِیِّ وَ کَانَا قَدْ خَالَفَا عَلِیّاً أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ قَدِ ابْتَعَثَکُمَا لِأَمْرٍ عَظِیمٍ أَعْظَمَ بِهِ أَجْرَکُمَا وَ رَفَعَ دَرَجَتَکُمَا وَ مَرْتَبَتَکُمَا فِی اَلْمُسْلِمِینَ طَلَبْتُمَا بِدَمِ الْخَلِیفَةِ الْمَظْلُومِ وَ غَضِبْتُمَا لِلَّهِ إِذْ تُرِکَ حُکْمُ اَلْکِتَابِ وَ جَاهَدْتُمَا أَهْلَ الظُّلْمِ وَ الْعُدْوَانِ فَأَبْشِرَا بِرِضْوَانِ اللَّهِ وَ عَاجِلاَ نُصْرَةَ أَوْلِیَاءِ اللَّهِ وَ الْمُوَاسَاةَ لَکُمَا فِی دَارِ الدُّنْیَا وَ سُلْطَانِنَا حَتَّی یَنْتَهِیَ ذَلِکَ إِلَی مَا یُرْضِیکُمَا وَ یُؤَدَّی بِهِ (2) حَقُّکُمَا فَالْزَمَا أَمْرَکُمَا وَ جَاهِدَا عَدُوَّکُمَا وَ ادْعُوَا الْمُدْبِرِینَ مِنْکُمَا إِلَی هُدَاکُمَا فَکَأَنَّ الْجَیْشَ قَدْ أَظَلَّ عَلَیْکُمَا فَانْدَفَعَ کُلُّ مَا تَکْرَهَانِ وَ دَامَ کُلُّ مَا تَهْوِیَانِ وَ السَّلاَمُ عَلَیْکُمَا وَ رَحْمَةُ اللَّهِ.

وَ بَعَثَ بِالْکِتَابِ مَعَ مَوْلًی لَهُ یُقَالُ لَهُ سُبَیْعٌ فَخَرَجَ بِکِتَابِهِ حَتَّی قَدِمَ بِهِ عَلَیْهِمَا بِمِصْرَ

ص :81

وَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِی بَکْرٍ یَوْمَئِذٍ أَمِیرُهَا قَدْ نَاصَبَهُ هَؤُلاَءِ النَّفَرُ الْحَرْبَ وَ هُمْ هَائِبُونَ الْإِقْدَامَ عَلَیْهِ فَدَفَعَ الْکِتَابَ إِلَی مَسْلَمَةَ بْنِ مُخَلَّدٍ فَقَرَأَهُ فَقَالَ الْقَ بِهِ مُعَاوِیَةَ بْنَ حُدَیْجٍ ثُمَّ الْقَنِی بِهِ حَتَّی أُجِیبَ عَنِّی وَ عَنْهُ فَانْطَلَقَ الرَّسُولُ بِکِتَابِ مُعَاوِیَةَ فَأَقْرَأَهُ إِیَّاهُ ثُمَّ قَالَ لَهُ إِنَّ مَسْلَمَةَ قَدْ أَمَرَنِی أَنْ أَرُدَّ الْکِتَابَ إِلَیْهِ لِکَیْ یُجِیبَ عَنْکَ وَ عَنْهُ قَالَ قُلْ لَهُ فَلْیَفْعَلْ فَأَتَی مَسْلَمَةَ بِالْکِتَابِ فَکَتَبَ الْجَوَابَ عَنْهُ وَ عَنْ مُعَاوِیَةَ بْنِ حُدَیْجٍ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ هَذَا الْأَمْرَ الَّذِی قَدْ نَدَبْنَا لَهُ أَنْفُسَنَا وَ ابْتَغَیَا اللَّهَ بِهِ عَلَی عَدُوِّنَا أَمْرٌ نَرْجُو بِهِ ثَوَابَ رَبِّنَا وَ النَّصْرَ عَلَی مَنْ خَالَفَنَا وَ تَعْجِیلَ النَّقِمَةِ عَلَی مَنْ سَعَی عَلَی إِمَامِنَا وَ طَأْطَأَ الرَّکْضَ فِی مِهَادِنَا وَ نَحْنُ بِهَذِهِ الْأَرْضِ قَدْ نَفَیْنَا مَنْ کَانَ بِهَا مِنْ أَهْلِ الْبَغْیِ وَ أَنْهَضْنَا مَنْ کَانَ بِهَا مِنْ أَهْلِ الْقِسْطِ وَ الْعَدْلِ وَ قَدْ ذَکَرْتَ مُوَازَرَتَکَ فِی سُلْطَانِکَ وَ ذَاتِ یَدِکَ وَ بِاللَّهِ إِنَّهُ لاَ مِنْ أَجْلِ مَالٍ نَهَضْنَا وَ لاَ إِیَّاهُ أَرَدْنَا فَإِنْ یَجْمَعِ اللَّهُ لَنَا مَا نُرِیدُ وَ نَطْلُبُ أَوْ یُرِینَا [یُرِنَا]

مَا تَمَنَّیْنَا فَإِنَّ الدُّنْیَا وَ الْآخِرَةَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِینَ وَ قَدْ یَثُوبُهُمَا اللَّهُ جَمِیعاً عَالَماً مِنْ خَلْقِهِ کَمَا قَالَ فِی کِتَابِهِ فَآتٰاهُمُ اللّٰهُ ثَوٰابَ الدُّنْیٰا وَ حُسْنَ ثَوٰابِ الْآخِرَةِ وَ اللّٰهُ یُحِبُّ الْمُحْسِنِینَ (1) عَجِّلْ لَنَا بِخَیْلِکَ وَ رَجِلِکَ فَإِنَّ عَدُوَّنَا قَدْ کَانَ عَلَیْنَا جَرِیئاً (2) وَ کُنَّا فِیهِمْ قَلِیلاً وَ قَدْ أَصْبَحُوا لَنَا هَائِبِینَ وَ أَصْبَحْنَا لَهُمْ مُنَابِذِینَ فَإِنْ یَأْتِنَا مَدَدٌ مِنْ قِبَلِکَ یَفْتَحِ اللَّهُ عَلَیْکَ وَ لاٰ قُوَّةَ إِلاّٰ بِاللّٰهِ وَ هُوَ حَسْبُنَا وَ نِعْمَ الْوَکِیلُ .

قَالَ فَجَاءَ هَذَا الْکِتَابُ مُعَاوِیَةَ وَ هُوَ یَوْمَئِذٍ بِفِلَسْطِینَ فَدَعَا النَّفَرَ الَّذِینَ سَمَّیْنَاهُمْ مِنْ قُرَیْشٍ وَ غَیْرِهِمْ وَ أَقْرَأَهُمُ الْکِتَابَ وَ قَالَ لَهُمْ مَا ذَا تَرَوْنَ قَالُوا نَرَی أَنْ تَبْعَثَ إِلَیْهِمْ جَیْشاً مِنْ قِبَلِکَ فَأَنْتَ مُفْتَتِحُهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِإِذْنِ اللَّهِ.

قَالَ مُعَاوِیَةُ فَتَجَهَّزْ إِلَیْهَا یَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ یَعْنِی عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ فَبَعَثَهُ فِی سِتَّةِ آلاَفٍ

ص :82

فَخَرَجَ یَسِیرُ وَ خَرَجَ مَعَهُ مُعَاوِیَةُ یُوَدِّعُهُ فَقَالَ لَهُ مُعَاوِیَةُ عِنْدَ وَدَاعِهِ إِیَّاهُ أُوصِیکَ بِتَقْوَی اللَّهِ یَا عَمْرُو وَ بِالرِّفْقِ فَإِنَّهُ یُمْنٌ وَ بِالتُّؤَدَةِ فَإِنَّ الْعَجَلَةَ مِنَ اَلشَّیْطَانِ وَ بِأَنْ تَقْبَلَ مَنْ أَقْبَلَ وَ تَعْفُوَ عَمَّنْ أَدْبَرَ أَنْظِرْهُ فَإِنْ تَابَ وَ أَنَابَ قَبِلْتَ مِنْهُ وَ إِنْ أَبَی فَإِنَّ السَّطْوَةَ بَعْدَ الْمَعْرِفَةِ أَبْلَغُ فِی الْحُجَّةِ وَ أَحْسَنُ فِی الْعَاقِبَةِ وَ ادْعُ النَّاسَ إِلَی الصُّلْحِ وَ الْجَمَاعَةِ فَإِنْ أَنْتَ ظَفِرْتَ فَلْیَکُنْ أَنْصَارُکَ أَبَرَّ النَّاسِ عِنْدَکَ وَ کُلَّ النَّاسِ فَأَوْلِ حُسْناً.

قَالَ فَسَارَ عَمْرٌو فِی الْجَیْشِ حَتَّی دَنَا مِنْ مِصْرَ فَاجْتَمَعَتْ إِلَیْهِ اَلْعُثْمَانِیَّةُ فَأَقَامَ وَ کَتَبَ إِلَی مُحَمَّدِ بْنِ أَبِی بَکْرٍ أَمَّا بَعْدُ فَتَنَحَّ عَنِّی بِدَمِکَ یَا اِبْنَ أَبِی بَکْرٍ فَإِنِّی لاَ أُحِبُّ أَنْ یُصِیبَکَ مِنِّی ظُفُرٌ وَ إِنَّ النَّاسَ بِهَذِهِ الْبِلاَدِ قَدِ اجْتَمَعُوا عَلَی خِلاَفِکَ وَ رَفْضِ أَمْرِکَ وَ نَدِمُوا عَلَی اتِّبَاعِکَ وَ هُمْ مُسَلِّمُوکَ لَوْ قَدِ الْتَقَتْ حَلْقَتَا الْبِطَانِ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنِّی لَکَ مِنَ النَّاصِحِینَ وَ السَّلاَمُ.

قَالَ وَ بَعَثَ عَمْرٌو إِلَی مُحَمَّدٍ مَعَ هَذَا الْکِتَابِ کِتَابَ مُعَاوِیَةَ إِلَیْهِ وَ هُوَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ غِبَّ (1) الظُّلْمِ وَ الْبَغْیِ عَظِیمُ الْوَبَالِ وَ إِنَّ سَفْکَ الدَّمِ الْحَرَامِ لاَ یَسْلَمُ صَاحِبُهُ مِنَ النَّقِمَةِ فِی الدُّنْیَا وَ التَّبِعَةِ الْمُوبِقَةِ فِی الْآخِرَةِ وَ مَا نَعْلَمُ أَحَداً کَانَ أَعْظَمَ عَلَی عُثْمَانَ بَغْیاً وَ لاَ أَسْوَأَ لَهُ عَیْباً وَ لاَ أَشَدَّ عَلَیْهِ خِلاَفاً مِنْکَ سَعَیْتَ عَلَیْهِ فِی السَّاعِینَ وَ سَاعَدْتَ عَلَیْهِ مَعَ الْمُسَاعِدِینَ وَ سَفَکْتَ دَمَهُ مَعَ السَّافِکِینَ ثُمَّ تَظُنُّ أَنِّی نَائِمٌ عَنْکَ فَتَأْتِی بَلْدَةً فَتَأْمَنُ فِیهَا وَ جُلُّ أَهْلِهَا أَنْصَارِی یَرَوْنَ رَأْیِی وَ یَرْفُضُونَ قَوْلَکَ وَ یَسْتَصْرِخُونَنِی عَلَیْکَ وَ قَدْ بَعَثْتُ إِلَیْکَ قَوْماً حِنَاقاً عَلَیْکَ یَسْفِکُونَ دَمَکَ وَ یَتَقَرَّبُونَ إِلَی اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ بِجِهَادِکَ وَ قَدْ أَعْطَوُا اللَّهَ عَهْداً لَیَقْتُلُنَّکَ وَ لَوْ لَمْ یَکُنْ مِنْهُمْ إِلَیْکَ مَا قَالُوا لَقَتَلَکَ اللَّهُ بِأَیْدِیهِمْ أَوْ بِأَیْدِی غَیْرِهِمْ مِنْ أَوْلِیَائِهِ وَ أَنَا أُحَذِّرُکَ وَ أُنْذِرُکَ فَإِنَّ اللَّهَ مُقِیدٌ مِنْکَ وَ مُقْتَصٌ لِوَلِیِّهِ وَ خَلِیفَتِهِ بِظُلْمِکَ لَهُ وَ بَغْیِکَ عَلَیْهِ

ص :83

وَ وَقِیعَتِکَ فِیهِ وَ عَدَاوَتِکَ یَوْمَ الدَّارِ عَلَیْهِ تَطْعُنَ بِمَشَاقِصِکَ (1) فِیمَا بَیْنَ أَحْشَائِهِ وَ أَوْدَاجِهِ وَ مَعَ هَذَا فَإِنِّی أَکْرَهُ قَتْلَکَ وَ لاَ أُحِبُّ أَنْ أَتَوَلَّی ذَلِکَ مِنْکَ وَ لَنْ یَسْلَمَکَ اللَّهُ مِنَ النَّقِمَةِ أَیْنَ کُنْتَ أَبَداً فَتَنَحَّ وَ انْجُ بِنَفْسِکَ وَ السَّلاَمُ.

قَالَ فَطَوَی مُحَمَّدُ بْنُ أَبِی بَکْرٍ کِتَابَیْهِمَا وَ بَعَثَ بِهِمَا إِلَی عَلِیٍّ ع وَ کَتَبَ إِلَیْهِ أَمَّا بَعْدُ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ فَإِنَّ الْعَاصِیَ اِبْنَ الْعَاصِ قَدْ نَزَلَ أَدَانِیَ مِصْرَ وَ اجْتَمَعَ إِلَیْهِ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ مَنْ کَانَ یَرَی رَأْیَهُمْ وَ هُوَ فِی جَیْشٍ جِرَارٍ وَ قَدْ رَأَیْتُ مِمَّنْ قِبَلِی بَعْضَ الْفَشَلِ فَإِنْ کَانَ لَکَ فِی أَرْضِ مِصْرَ حَاجَةٌ فَأَمْدِدْنِی بِالْأَمْوَالِ وَ الرِّجَالِ وَ السَّلاَمُ عَلَیْکَ وَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَکَاتُهُ.

قَالَ فَکَتَبَ إِلَیْهِ عَلِیٌّ أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ أَتَانِی رَسُولُکَ بِکِتَابِکَ تَذْکُرُ أَنَّ اِبْنَ الْعَاصِ قَدْ نَزَلَ فِی جَیْشٍ جَرَّارٍ وَ أَنَّ مَنْ کَانَ عَلَی مِثْلِ رَأْیِهِ قَدْ خَرَجَ إِلَیْهِ وَ خُرُوجُ مَنْ کَانَ یَرَی رَأْیَهُ خَیْرٌ لَکَ مِنْ إِقَامَتِهِ عِنْدَکَ وَ ذَکَرْتَ أَنَّکَ قَدْ رَأَیْتَ مِمَّنْ قِبَلَکَ فَشَلاً فَلاَ تَفْشَلْ وَ إِنْ فَشِلُوا حَصِّنْ قَرْیَتَکَ وَ اضْمُمْ إِلَیْکَ شِیعَتَکَ وَ أَذْکِ الْحَرَسَ فِی عَسْکَرِکَ وَ انْدُبْ إِلَی الْقَوْمِ کِنَانَةَ بْنَ بِشْرٍ الْمَعْرُوفَ بِالنَّصِیحَةِ وَ التَّجْرِبَةِ وَ الْبَأْسِ وَ أَنَا نَادِبٌ إِلَیْکَ النَّاسَ عَلَی الصَّعْبِ وَ الذَّلُولِ فَاصْبِرْ لِعَدُوِّکَ وَ امْضِ عَلَی بَصِیرَتِکَ وَ قَاتِلْهُمْ عَلَی نِیَّتِکَ وَ جَاهِدْهُمْ مُحْتَسِباً لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَ إِنْ کَانَتْ فِئَتُکَ أَقَلَّ الْفِئَتَیْنِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَی یُعِینُ الْقَلِیلَ وَ یَخْذُلُ الْکَثِیرَ وَ قَدْ قَرَأْتُ کِتَابَیِ الْفَاجِرَیْنِ الْمُتَحَابَّیْنِ عَلَی الْمَعْصِیَةِ وَ الْمُتَلاَئِمَیْنِ عَلَی الضَّلاَلَةِ وَ الْمُرْتَشِیَیْنِ عَلَی الْحُکُومَةِ وَ الْمُتَکَبِّرَیْنِ عَلَی أَهْلِ الدِّینِ الَّذِینَ اسْتَمْتَعُوا بِخَلاَقِهِمْ کَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِینَ مِنْ

ص :84

قَبْلِهِمْ بِخَلاَقِهِمْ فَلاَ یَضُرَنَّکَ إِرْعَادُهُمَا وَ إِبْرَاقُهُمَا وَ أَجِبْهُمَا إِنْ کُنْتَ لَمْ تُجِبْهُمَا بِمَا هُمَا أَهْلُهُ فَإِنَّکَ تَجِدُ مَقَالاً مَا شِئْتَ وَ السَّلاَمُ قَالَ فَکَتَبَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِی بَکْرٍ إِلَی مُعَاوِیَةَ جَوَابَ کِتَابِهِ أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ أَتَانِی کِتَابُکَ تَذْکُرُ مِنْ أَمْرِ عُثْمَانَ أَمْراً لاَ أَعْتَذِرُ إِلَیْکَ مِنْهُ وَ تَأْمُرُنِی بِالتَّنَحِّی عَنْکَ کَأَنَّکَ لِی نَاصِحٌ وَ تُخَوِّفُنِی بِالْحَرْبِ کَأَنَّکَ عَلَیَّ شَفِیقٌ وَ أَنَا أَرْجُو أَنْ تَکُونَ الدَّائِرَةُ عَلَیْکُمْ وَ أَنْ یُهْلِکَکُمُ اللَّهُ فِی الْوَقْعَةِ وَ أَنْ یُنْزِلَ بِکُمُ الذُّلَّ وَ أَنْ تُوَلُّوا الدُّبُرَ فَإِنْ یَکُنْ لَکُمُ الْأَمْرُ فِی الدُّنْیَا فَکَمْ وَ کَمْ لَعَمْرِی مِنْ ظَالِمٍ قَدْ نَصَرْتُمْ وَ کَمْ مِنْ مُؤْمِنٍ قَدْ قَتَلْتُمْ وَ مَثَّلْتُمْ بِهِ وَ إِلَی اللّٰهِ الْمَصِیرُ وَ إِلَیْهِ تُرَدُّ الْأُمُورُ وَ هُوَ أَرْحَمُ الرّٰاحِمِینَ وَ اللّٰهُ الْمُسْتَعٰانُ عَلیٰ مٰا تَصِفُونَ .

قَالَ وَ کَتَبَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِی بَکْرٍ إِلَی عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ جَوَابَ کِتَابِهِ أَمَّا بَعْدُ فَهِمْتُ کِتَابَکَ وَ عَلِمْتُ مَا ذَکَرْتَ زَعَمْتَ أَنَّکَ تَکْرَهُ أَنْ یُصِیبَنِی مِنْکَ ظُفُرٌ فَأَشْهَدُ بِاللَّهِ إِنَّکَ لَمِنَ الْمُبْطِلِینَ وَ زَعَمْتَ أَنَّکَ نَاصِحٌ لِی وَ أُقْسِمُ أَنَّکَ عِنْدِی ظَنِینٌ وَ قَدْ زَعَمْتَ أَنْ أَهْلَ الْبَلَدِ قَدْ رَفَضُونِی وَ نَدِمُوا عَلَی اتِّبَاعِی فَأُولَئِکَ حِزْبُکَ وَ حِزْبُ اَلشَّیْطَانِ الرَّجِیمِ وَ حَسْبُنَا اللّٰهُ رَبُّ الْعَالَمِینَ وَ نِعْمَ الْوَکِیلُ وَ تَوَکَّلْتُ عَلَی اللَّهِ الْعَزِیزِ الرَّحِیمِ رَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِیمِ.

.

1117

قَالَ إِبْرَاهِیمُ فَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ اَلْمَدَائِنِیِّ قَالَ فَأَقْبَلَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ یَقْصِدُ قَصْدَ مِصْرَ فَقَامَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِی بَکْرٍ فِی النَّاسِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ یَا مَعْشَرَ الْمُؤْمِنِینَ فَإِنَّ الْقَوْمَ الَّذِینَ کَانُوا یَنْتَهِکُونَ الْحُرْمَةَ وَ یَغْشَوْنَ (1) الضَّلاَلَةَ وَ یَسْتَطِیلُونَ بِالْجَبْرِیَّةِ قَدْ نَصَبُوا لَکُمُ الْعَدَاوَةَ وَ سَارُوا إِلَیْکُمْ بِالْجُنُودِ فَمَنْ أَرَادَ اَلْجَنَّةَ وَ الْمَغْفِرَةَ فَلْیَخْرُجْ إِلَی هَؤُلاَءِ الْقَوْمِ فَلْیُجَاهِدْهُمْ فِی اللَّهِ انْتَدِبُوا (2) رَحِمَکُمُ اللَّهُ مَعَ

ص :85

کِنَانَةَ بْنِ بِشْرٍ ثُمَّ نَدَبَ مَعَهُ نَحْوَ أَلْفَیْ رَجُلٍ وَ تَخَلَّفَ مُحَمَّدٌ فِی أَلْفَیْنِ وَ اسْتَقْبَلَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ کِنَانَةَ وَ هُوَ عَلَی مُقَدِّمَةِ مُحَمَّدٍ فَلَمَّا دَنَا عَمْرٌو مِنْ کِنَانَةَ سَرَّحَ إِلَیْهِ الْکَتَائِبَ کَتِیبَةً بَعْدَ کَتِیبَةٍ فَلَمْ تَأْتِهِ مِنْ کَتَائِبِ اَلشَّامِ کَتِیبَةٌ إِلاَّ شَدَّ عَلَیْهَا بِمَنْ مَعَهُ فَیَضْرِبُهَا حَتَّی یُلْحِقَهَا بِعَمْرٍو فَفَعَلَ ذَلِکَ مِرَاراً فَلَمَّا رَأَی عَمْرٌو ذَلِکَ بَعَثَ إِلَی مُعَاوِیَةَ بْنِ حُدَیْجٍ الْکِنْدِیِّ فَأَتَاهُ فِی مِثْلِ الدَّهْمِ (1) فَلَمَّا رَأَی کِنَانَةُ ذَلِکَ الْجَیْشَ نَزَلَ عَنْ فَرَسِهِ وَ نَزَلَ مَعَهُ أَصْحَابُهُ فَضَارَبَهُمْ بِسَیْفِهِ وَ هُوَ یَقُولُ وَ مٰا کٰانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاّٰ بِإِذْنِ اللّٰهِ کِتٰاباً مُؤَجَّلاً (2) .

فَلَمْ یَزَلْ یُضَارِبُهُمْ بِالسَّیْفِ حَتَّی اسْتُشْهِدَ رَحِمَهُ اللَّهُ.

1118

قَالَ إِبْرَاهِیمُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ اَلْمَدَائِنِیِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یُوسُفَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ لَمَّا قَتَلَ کِنَانَةَ أَقْبَلَ نَحْوَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِی بَکْرٍ وَ قَدْ تَفَرَّقَ عَنْهُ أَصْحَابُهُ فَخَرَجَ مُحَمَّدٌ مُتَمَهِّلاً فَمَضَی فِی طَرِیقِهِ حَتَّی انْتَهَی إِلَی خَرِبَةٍ (3) فَأَوَی إِلَیْهَا وَ جَاءَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ حَتَّی دَخَلَ الْفُسْطَاطَ وَ خَرَجَ مُعَاوِیَةُ بْنُ حُدَیْجٍ فِی طَلَبِ مُحَمَّدٍ حَتَّی انْتَهَی إِلَی عُلُوجٍ (4) عَلَی قَارِعَةِ الطَّرِیقِ فَسَأَلَهُمْ هَلْ مَرَّ بِهِمْ أَحَدٌ یُنْکِرُونَهُ قَالُوا لاَ قَالَ أَحَدُهُمْ إِنِّی دَخَلْتُ تِلْکَ الْخَرِبَةَ فَإِذَا أَنَا بِرَجُلٍ جَالِسٌ قَالَ اِبْنُ حُدَیْجٍ هُوَ هُوَ وَ رَبِّ اَلْکَعْبَةِ فَانْطَلَقُوا یَرْکُضُونَ حَتَّی دَخَلُوا عَلَی مُحَمَّدٍ فَاسْتَخْرَجُوهُ وَ قَدْ کَادَ یَمُوتُ عَطَشاً فَأَقْبَلُوا بِهِ نَحْوَ الْفُسْطَاطِ.

قَالَ وَ وَثَبَ أَخُوهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِی بَکْرٍ إِلَی عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَ کَانَ فِی جُنْدِهِ فَقَالَ لاَ وَ اللَّهِ لاَ یُقْتَلُ أَخِی صَبْراً ابْعَثْ إِلَی مُعَاوِیَةَ بْنِ حُدَیْجٍ فَانْهَهُ فَأَرْسَلَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ أَنِ ائْتِنِی بِمُحَمَّدٍ فَقَالَ مُعَاوِیَةُ أَ قَتَلْتُمْ کِنَانَةَ بْنَ بِشْرٍ ابْنَ عَمِّی وَ أُخَلِّی عَنْ مُحَمَّدٍ .

ص :86

هَیْهَاتَ أَ کُفّٰارُکُمْ خَیْرٌ مِنْ أُولٰئِکُمْ أَمْ لَکُمْ بَرٰاءَةٌ فِی الزُّبُرِ (1) فَقَالَ مُحَمَّدٌ اسْقُونِی قَطْرَةً مِنَ الْمَاءِ فَقَالَ لَهُ مُعَاوِیَةُ بْنُ حُدَیْجٍ لاَ سَقَانِیَ اللَّهُ إِنَّ سَقَیْتُکَ قَطْرَةً أَبَداً إِنَّکُمْ مَنَعْتُمْ عُثْمَانَ أَنْ یَشْرَبَ الْمَاءَ حَتَّی قَتَلْتُمُوهُ صَائِماً مُحْرِماً فَسَقَاهُ اللَّهُ مِنَ الرَّحِیقِ الْمَخْتُومِ وَ اللَّهِ لَأَقْتُلَنَّکَ یَا اِبْنَ أَبِی بَکْرٍ وَ أَنْتَ ظَمْآنُ وَ یَسْقِیکَ اللَّهُ مِنَ الْحَمِیمِ وَ الْغِسْلِینِ فَقَالَ لَهُ مُحَمَّدٌ یَا ابْنَ اَلْیَهُودِیَّةِ النَّسَّاجَةِ لَیْسَ ذَلِکَ الْیَوْمُ إِلَیْکَ وَ لاَ إِلَی عُثْمَانَ إِنَّمَا ذَلِکَ إِلَی اللَّهِ یَسْقِی أَوْلِیَاءَهُ وَ یُظْمِئُ أَعْدَاءَهُ وَ هُمْ أَنْتَ وَ قُرَنَاؤُکَ وَ مَنْ تَوَلاَّکَ وَ تَوَلَّیْتَهُ وَ اللَّهِ لَوْ کَانَ سَیْفِی فِی یَدِی مَا بَلَغْتُمْ مِنِّی مَا بَلَغْتُمْ فَقَالَ لَهُ مُعَاوِیَةُ بْنُ حُدَیْجٍ أَ تَدْرِی مَا أَصْنَعُ بِکَ أُدْخِلُکَ جَوْفَ هَذَا الْحِمَارِ الْمَیِّتِ ثُمَّ أُحْرِقُهُ عَلَیْکَ بِالنَّارِ قَالَ إِنْ فَعَلْتُمْ ذَاکَ بِی فَطَالَمَا فَعَلْتُمْ ذَاکَ بِأَوْلِیَاءِ اللَّهِ وَ أَیْمُ اللَّهِ إِنِّی لَأَرْجُو أَنْ یَجْعَلَ اللَّهُ هَذِهِ النَّارَ الَّتِی تُخَوِّفُنِی بِهَا بَرْداً وَ سَلاَماً کَمَا جَعَلَهَا اللَّهُ عَلَی إِبْرَاهِیمَ خَلِیلِهِ وَ أَنْ یَجْعَلَهَا عَلَیْکَ وَ عَلَی أَوْلِیَائِکَ کَمَا جَعَلَهَا عَلَی نُمْرُودَ وَ أَوْلِیَائِهِ وَ إِنِّی لَأَرْجُو أَنْ یُحْرِقَکَ اللَّهُ وَ إِمَامَکَ مُعَاوِیَةَ وَ هَذَا وَ أَشَارَ إِلَی عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ بِنَارٍ تَلَظَّی کُلَّمَا خَبَتْ زَادَهَا اللَّهُ عَلَیْکُمْ سَعِیراً فَقَالَ لَهُ مُعَاوِیَةُ بْنُ حُدَیْجٍ إِنِّی لاَ أَقْتُلُکَ ظُلْماً إِنَّمَا أَقْتُلُکَ بِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ مُحَمَّدٌ وَ مَا أَنْتَ وَ عُثْمَانَ رَجُلٌ عَمِلَ بِالْجَوْرِ وَ بَدَّلَ حُکْمَ اللَّهِ وَ اَلْقُرْآنِ وَ قَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ وَ مَنْ لَمْ یَحْکُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ فَأُولٰئِکَ هُمُ الْکٰافِرُونَ (2) فَأُولٰئِکَ هُمُ الظّٰالِمُونَ (3) فَأُولٰئِکَ هُمُ الْفٰاسِقُونَ (4) فَنَقَمْنَا (5) عَلَیْهِ أَشْیَاءَ عَمِلَهَا فَأَرَدْنَا أَنْ یُخْلَعَ مِنَ الْخِلاَفَةِ عَلَناً فَلَمْ یَفْعَلْ فَقَتَلَهُ مَنْ قَتَلَهُ مِنَ النَّاسِ.

ص :87

فَغَضِبَ مُعَاوِیَةُ بْنُ حُدَیْجٍ فَقَدَّمَهُ فَضَرَبَ عُنُقَهُ ثُمَّ أَلْقَاهُ فِی جَوْفِ حِمَارٍ وَ أَحْرَقَهُ بِالنَّارِ.

فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِکَ عَائِشَةَ جَزِعَتْ عَلَیْهِ جَزَعاً شَدِیداً وَ قَنَتَتْ فِی دُبُرِ کُلِّ صَلاَةٍ تَدْعُو عَلَی مُعَاوِیَةَ بْنِ أَبِی سُفْیَانَ وَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَ مُعَاوِیَةَ بْنِ حُدَیْجٍ وَ قَبَضَتْ عِیَالَ مُحَمَّدٍ أَخِیهَا وَ وُلْدَهُ إِلَیْهَا فَکَانَ اَلْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ مِنْ عِیَالِهَا.

قَالَ وَ کَانَ اِبْنُ حُدَیْجٍ مَلْعُوناً خَبِیثاً یَسُبُّ عَلِیَّ بْنَ أَبِی طَالِبٍ ع .

1119

2- قَالَ إِبْرَاهِیمُ وَ حَدَّثَنِی عَمْرُو بْنُ حَمَّادِ بْنِ طَلْحَةَ الْقَنَّادُ عَنْ عَلِیِّ بْنِ هَاشِمٍ عَنْ أَبِیهِ عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِی عَوْفٍ قَالَ دَخَلَ مُعَاوِیَةُ بْنُ حُدَیْجٍ عَلَی اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِیٍّ فِی مَسْجِدِ الْمَدِینَةِ فَقَالَ لَهُ اَلْحَسَنُ وَیْلَکَ یَا مُعَاوِیَةُ أَنْتَ الَّذِی تَسُبُّ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ عَلِیّاً ع أَمَا وَ اللَّهِ لَئِنْ رَأَیْتَهُ یَوْمَ الْقِیَامَةِ وَ مَا أَظُنُّکَ تَرَاهُ لَتَرَیَنَّهُ کَاشِفاً عَنْ سَاقٍ یَضْرِبُ وُجُوهَ أَمْثَالِکَ عَنِ اَلْحَوْضِ ضَرْبَ غَرَائِبِ الْإِبِلِ .

1120

قَالَ إِبْرَاهِیمُ وَ حَدَّثَنِی مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ عَنِ اَلْمَدَائِنِیِّ عَنْ عَبْدِ الْمَلِکِ بْنِ عُمَیْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ قَالَ حَلَفَتْ عَائِشَةُ لاَ تَأْکُلُ شِوَاءً (1) أَبَداً بَعْدَ قَتْلِ مُحَمَّدٍ فَلَمْ تَأْکُلْ شِوَاءً حَتَّی لَحِقَتْ بِاللَّهِ وَ مَا عَثَرَتْ قَطُّ إِلاَّ قَالَتْ تَعَسَ مُعَاوِیَةُ بْنُ أَبِی سُفْیَانَ (2) وَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَ مُعَاوِیَةُ بْنُ حُدَیْجٍ .

1121

قَالَ إِبْرَاهِیمُ وَ قَدْ رَوَی هَاشِمٌ أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَیْسٍ لَمَّا جَاءَهَا نَعْیُ (3) مُحَمَّدٍ ابْنِهَا وَ مَا صُنِعَ بِهِ قَامَتْ إِلَی مَسْجِدِهَا وَ کَظَمَتْ غَیْظَهَا حَتَّی تَشَخَّبَتْ (4) دَماً.

1122

14- قَالَ إِبْرَاهِیمُ وَ رَوَی اِبْنُ عَائِشَةَ التَّیْمِیُّ عَنْ رِجَالِهِ عَنْ کَثِیرٍ النَّوَّاءِ أَنَّ أَبَا بَکْرٍ خَرَجَ

ص :88

فِی حَیَاةِ رَسُولِ اللَّهِ ص فِی غَزَاةٍ فَرَأَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَیْسٍ وَ هِیَ تَحْتَهُ کَأَنَّ أَبَا بَکْرٍ مُخَضَّبٌ بِالْحِنَّاءِ رَأْسُهُ وَ لِحْیَتُهُ وَ عَلَیْهِ ثِیَابٌ بِیضٌ فَجَاءَتْ إِلَی عَائِشَةَ فَأَخْبَرَتْهَا فَقَالَتْ إِنْ صَدَقَتْ رُؤْیَاکِ فَقَدْ قُتِلَ أَبُو بَکْرٍ إِنَّ خِضَابَهُ الدَّمُ وَ إِنَّ ثِیَابَهُ أَکْفَانُهُ ثُمَّ بَکَتْ فَدَخَلَ اَلنَّبِیُّ ص وَ هِیَ کَذَلِکَ فَقَالَ مَا أَبْکَاهَا فَقَالُوا یَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَبْکَاهَا أَحَدٌ وَ لَکِنْ أَسْمَاءُ ذَکَرَتْ رُؤْیَا رَأَتْهَا لِأَبِی بَکْرٍ فَأُخْبِرَ اَلنَّبِیُّ ص فَقَالَ لَیْسَ کَمَا عَبَّرَتْ عَائِشَةُ وَ لَکِنْ یَرْجِعُ أَبُو بَکْرٍ صَالِحاً فَیَلْقَی أَسْمَاءَ فَتَحْمِلُ مِنْهُ بِغُلاَمٍ فَتُسَمِّیهِ مُحَمَّداً یَجْعَلُهُ اللَّهُ غَیْظاً عَلَی الْکَافِرِینَ وَ الْمُنَافِقِینَ.

قَالَ فَکَانَ کَمَا أَخْبَرَ ص

.

1123

قَالَ إِبْرَاهِیمُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ اَلْمَدَائِنِیِّ قَالَ فَکَتَبَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ إِلَی مُعَاوِیَةَ بْنِ أَبِی سُفْیَانَ عِنْدَ قَتْلِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِی بَکْرٍ وَ کِنَانَةَ بْنِ بِشْرٍ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّا لَقِینَا مُحَمَّدَ بْنَ أَبِی بَکْرٍ وَ کِنَانَةَ بْنَ بِشْرٍ فِی جُمُوعٍ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ فَدَعَوْنَاهُمْ إِلَی اَلْکِتَابِ وَ السُّنَّةِ فَعَصَوُا الْحَقَّ فَتَهَوَّلُوا (1) فِی الضَّلاَلِ فَجَاهَدْنَاهُمْ وَ اسْتَنْصَرْنَا اللَّهَ جَلَّ وَ عَزَّ عَلَیْهِمْ فَضَرَبَ اللَّهُ وُجُوهَهُمْ وَ أَدْبَارَهُمْ وَ مَنَحَنَا (2) أَکْتَافَهُمْ فَقُتِلَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِی بَکْرٍ وَ کِنَانَةُ بْنُ بِشْرٍ وَ الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِینَ .

1124

1- قَالَ إِبْرَاهِیمُ وَ حَدَّثَنِی مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ اَلْمَدَائِنِیِّ عَنِ اَلْحَارِثِ بْنِ کَعْبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُعَیْنٍ عَنْ حَبِیبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ وَ اللَّهِ إِنِّی لَعِنْدَ عَلِیٍّ جَالِسٌ إِذْ جَاءَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُعِینٍ وَ کَعْبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مِنْ قِبَلِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِی بَکْرٍ یَسْتَصْرِخَانِهِ قَبْلَ الْوَقْعَةِ فَقَامَ عَلِیٌّ فَنَادَی فِی النَّاسِ اَلصَّلاَةَ جَامِعَةً (3) فَاجْتَمَعَ النَّاسُ فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَی

ص :89

عَلَیْهِ وَ ذَکَرَ رَسُولَ اللَّهِ ص فَصَلَّی عَلَیْهِ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ فَهَذَا صَرِیخُ (1) مُحَمَّدِ بْنِ أَبِی بَکْرٍ وَ إِخْوَانُکُمْ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ قَدْ سَارَ إِلَیْهِمْ اِبْنُ النَّابِغَةِ عَدُوُّ اللَّهِ وَ عَدُوُّ مَنْ وَالاَهُ وَ وَلِیُّ مَنْ عَادَی اللَّهَ فَلاَ یَکُونَنَّ أَهْلُ الضَّلاَلِ إِلَی بَاطِلِهِمْ وَ الرُّکُونِ إِلَی سَبِیلِ الطَّاغُوتِ أَشَدَّ اجْتِمَاعاً عَلَی بَاطِلِهِمْ وَ ضَلاَلَتِهِمْ مِنْکُمْ عَلَی حَقِّکُمْ فَکَأَنَّکُمْ بِهِمْ وَ قَدْ بَدَءُوکُمْ وَ إِخْوَانُکُمْ بِالْغَزْوِ فَاعْجَلُوا إِلَیْهِمْ بِالْمُوَاسَاةِ وَ النَّصْرِ عِبَادَ اللَّهِ إِنَّ مِصْرَ أَعْظَمُ مِنَ اَلشَّامِ وَ خَیْرٌ أَهْلاً فَلاَ تُغْلَبُوا عَلَی مِصْرَ فَإِنَّ بَقَاءَ مِصْرَ فِی أَیْدِیکُمْ عِزٌّ لَکُمْ وَ کَبْتٌ لِعَدُوِّکُمْ اخْرُجُوا إِلَی اَلْجَرَعَةِ قَالَ وَ اَلْجَرَعَةُ (2) بَیْنَ اَلْحِیرَةِ وَ اَلْکُوفَةِ لِنَتَوَافَی هُنَاکَ کُلُّنَا غَداً إِنْ شَاءَ اللَّهُ .

قَالَ فَلَمَّا کَانَ الْغَدُ خَرَجَ یَمْشِی فَنَزَلَهَا بُکْرَةً فَأَقَامَ بِهَا حَتَّی انْتَصَفَ النَّهَارُ فَلَمْ یُوَافِهِ مِائَةُ رَجُلٍ فَرَجَعَ فَلَمَّا کَانَ الْعَشِیُّ بَعَثَ إِلَی الْأَشْرَافِ فَجَمَعَهُمْ فَدَخَلُوا عَلَیْهِ اَلْقَصْرَ وَ هُوَ کَئِیبٌ حَزِینٌ فَقَالَ اَلْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَی مَا قَضَی مِنْ أَمْرٍ وَ قَدَّرَ مِنْ فِعْلٍ وَ ابْتَلاَنِی بِکُمْ أَیُّهَا الْفِرْقَةُ الَّتِی لاَ تُطِیعُ إِذَا أَمَرْتُهَا وَ لاَ تُجِیبُ إِذَا دَعَوْتُهَا لاَ أَبَا لِغَیْرِکُمْ مَا ذَا تَنْتَظِرُونَ بِنَصْرِکُمْ وَ الْجِهَادِ عَلَی حَقِّکُمْ الْمَوْتُ خَیْرٌ مِنَ الذُّلِّ فِی هَذِهِ الدُّنْیَا لِغَیْرِ الْحَقِّ وَ اللَّهِ إِنْ جَاءَنِی الْمَوْتُ وَ لَیَأْتِیَنِّی لَتَجِدُنَّنِی لِصُحْبَتِکُمْ جِدّاً قَالَ أَ لاَ دِینٌ یَجْمَعُکُمْ أَ لاَ حَمِیَّةٌ تُغْضِبُکُمْ أَ لاَ تَسْمَعُونَ بِعَدُوِّکُمْ یَنْتَقِصُ بِلاَدَکُمْ وَ یُشِنُّ الْغَارَةَ عَلَیْکُمْ أَ وَ لَیْسَ عَجَباً أَنَّ مُعَاوِیَةَ یَدْعُو الْجُفَاةَ الطَّغَامَ الظَّلَمَةَ فَیَتَّبِعُونَهُ عَلَی غَیْرِ عَطَاءٍ وَ لاَ مَعُونَةٍ وَ یُجِیبُونَهُ فِی السَّنَةِ الْمَرَّةَ وَ الْمَرَّتَیْنِ وَ الثَّلاَثَ إِلَی أَیِّ وَجْهٍ شَاءَ ثُمَّ أَنَا أَدْعُوکُمْ وَ أَنْتُمْ أُولُو النُّهَی وَ بَقِیَّةُ النَّاسِ تَخْتَلِفُونَ وَ تَفْتَرِقُونَ عَنِّی وَ تَعْصُونَنِی وَ تُخَالِفُونَ عَلَیَّ

ص :90

فَقَامَ إِلَیْهِ مَالِکُ بْنُ کَعْبٍ الْأَرْحَبِیُّ فَقَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ انْدُبِ النَّاسَ مَعِی فَإِنَّهُ لاَ عِطْرَ بَعْدَ عَرُوسٍ (1) وَ إِنَّ الْأَجْرَ لاَ یَأْتِی إِلاَّ بِالْکُرْهِ [بِالْکَرَّةِ]

ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَی النَّاسِ وَ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ وَ أَجِیبُوا دَعْوَةَ إِمَامِکُمْ وَ انْصُرُوا دَعْوَتَهُ وَ قَاتِلُوا عَدُوَّکُمْ إِنَّا نَسِیرُ إِلَیْهِمْ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ فَأَمَرَ عَلِیٌّ سَعْداً مَوْلاَهُ أَنْ یُنَادِیَ-أَلاَ سِیرُوا مَعَ مَالِکِ بْنِ کَعْبٍ إِلَی مِصْرَ وَ کَانَ وَجْهاً مَکْرُوهاً فَلَمْ یَجْتَمِعُوا إِلَیْهِ شَهْراً فَلَمَّا اجْتَمَعَ لَهُ مِنْهُمْ مَا اجْتَمَعَ خَرَجَ بِهِمْ مَالِکُ بْنُ کَعْبٍ فَعَسْکَرَ بِظَاهِرِ اَلْکُوفَةِ وَ خَرَجَ مَعَهُ عَلِیٌّ فَنَظَرَ فَإِذَا جَمِیعُ مَنْ خَرَجَ نَحْوٌ مِنْ أَلْفَیْنِ فَقَالَ عَلِیٌّ سِیرُوا وَ اللَّهِ مَا أَنْتُمْ مَا إِخَالُکُمْ تُدْرِکُونَ الْقَوْمَ حَتَّی یَنْقَضِیَ أَمْرُهُمْ.

فَخَرَجَ مَالِکٌ بِهِمْ وَ سَارَ خَمْسَ لَیَالٍ وَ قَدِمَ اَلْحَجَّاجُ بْنُ غُزَیَّةَ الْأَنْصَارِیُّ عَلَی عَلِیٍّ وَ قَدِمَ عَلَیْهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْمُسَیَّبِ الْفَزَارِیُّ مِنَ اَلشَّامِ فَأَمَّا اَلْفَزَارِیُّ فَکَانَ عَیْناً لِعَلِیٍّ ع لاَ یَنَامُ وَ أَمَّا اَلْأَنْصَارِیُّ فَکَانَ مَعَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِی بَکْرٍ فَحَدَّثَهُ اَلْأَنْصَارِیُّ بِمَا عَایَنَ وَ شَاهَدَ وَ أَخْبَرَهُ بِهَلاَکِ مُحَمَّدٍ وَ أَخْبَرَهُ اَلْفَزَارِیُّ أَنَّهُ لَمْ یَخْرُجْ مِنَ اَلشَّامِ حَتَّی قَدِمَتِ الْبُشْرَی مِنْ قِبَلِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ یَتْبَعُ بَعْضُهَا بَعْضاً بِفَتْحِ مِصْرَ وَ قَتْلِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِی بَکْرٍ وَ حَتَّی أَذَّنَ مُعَاوِیَةُ بِقَتْلِهِ عَلَی الْمِنْبَرِ وَ قَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ مَا رَأَیْتُ یَوْماً قَطُّ سُرُوراً مِثْلَ سُرُورٍ رَأَیْتُهُ بِالشَّامِ حِینَ أَتَاهُمْ قَتْلُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِی بَکْرٍ فَقَالَ عَلِیٌّ أَمَا إِنَّ حُزْنَنَا عَلَی قَتْلِهِ عَلَی قَدْرِ سُرُورِهِمْ بِهِ لاَ بَلْ یَزِیدُ أَضْعَافاً .

قَالَ فَسَرَّحَ عَلِیٌّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ شُرَیْحٍ إِلَی مَالِکِ بْنِ کَعْبٍ فَرَدَّهُ (2) مِنَ الطَّرِیقِ قَالَ وَ حَزِنَ عَلِیٌّ عَلَی مُحَمَّدِ بْنِ أَبِی بَکْرٍ حَتَّی رُئِیَ ذَلِکَ فِیهِ وَ تَبَیَّنَ فِی وَجْهِهِ وَ قَامَ فِی النَّاسِ خَطِیباً فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ ثُمَّ قَالَ أَلاَ وَ إِنَّ مِصْرَ قَدِ افْتَتَحَهَا الْفَجَرَةُ

ص :91

أَوْلِیَاءُ الْجَوْرِ وَ الظُّلْمِ الَّذِینَ صَدُّوا عَنْ سَبِیلِ اللَّهِ وَ بَغَوُا اَلْإِسْلاَمَ عِوَجاً أَلاَ وَ إِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِی بَکْرٍ قَدِ اسْتُشْهِدَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَیْهِ وَ عِنْدَ اللَّهِ نَحْتَسِبُهُ أَمَا وَ اللَّهِ لَقَدْ کَانَ مَا عَلِمْتُ یَنْتَظِرُ الْقَضَاءَ وَ یَعْمَلُ لِلْجَزَاءِ وَ یُبْغِضُ شَکْلَ الْفَاجِرِ وَ یُحِبُّ سَمْتَ الْمُؤْمِنِ إِنِّی وَ اللَّهِ لاَ أَلُومُ نَفْسِی عَلَی تَقْصِیرٍ وَ لاَ عَجْزٍ وَ إِنِّی بِمُقَاسَاةِ الْحَرْبِ لَجِدٌّ بَصِیرٌ إِنِّی لَأُقْدِمُ عَلَی الْحَرْبِ وَ أَعْرِفُ وَجْهَ الْحَزْمِ وَ أَقُومُ بِالرَّأْیِ الْمُصِیبِ فَأَسْتَصْرِخُکُمْ مُعْلِناً وَ أُنَادِیکُمْ مُسْتَغِیثاً فَلاَ تَسْمَعُونَ لِی قَوْلاً وَ لاَ تُطِیعُونَ لِی أَمْراً حَتَّی تَصِیرَ الْأُمُورُ إِلَی عَوَاقِبِ الْمَسَاءَةِ وَ أَنْتُمُ الْقَوْمُ لاَ یُدْرَکُ بِکُمُ الثَّأْرُ وَ لاَ تُنْقَضُ بِکُمُ الْأَوْتَارُ دَعَوْتُکُمْ إِلَی غِیَاثِ إِخْوَانِکُمْ مُنْذُ بِضْعٍ وَ خَمْسِینَ لَیْلَةً فَجَرْجَرْتُمْ (1) عَلَیَّ جَرْجَرَةَ الْجَمَلِ الْأَسَرِّ (2) وَ تَثَاقَلْتُمْ إِلَی الْأَرْضِ تَثَاقُلَ مَنْ لاَ نِیَّةَ لَهُ فِی الْجِهَادِ وَ لاَ رَأْیَ لَهُ فِی الاِکْتِسَابِ لِلْأَجْرِ ثُمَّ خَرَجَ إِلَیَّ مِنْکُمْ جُنَیْدٌ مُتَذَائِبٌ ضَعِیفٌ کَأَنَّمٰا یُسٰاقُونَ إِلَی الْمَوْتِ وَ هُمْ یَنْظُرُونَ فَأُفٍّ لَکُمْ ثُمَّ نَزَلَ فَدَخَلَ رَحْلَهُ

.

1125

1- قَالَ إِبْرَاهِیمُ فَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ اَلْمَدَائِنِیِّ قَالَ کَتَبَ عَلِیٌّ إِلَی عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَ هُوَ عَلَی اَلْبَصْرَةِ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عَلِیٍّ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ع إِلَی عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ سَلاَمٌ عَلَیْکَ وَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَکَاتُهُ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ مِصْرَ قَدِ افْتُتِحَتْ وَ قَدِ اسْتُشْهِدَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِی بَکْرٍ فَعِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ تَحْتَسِبُهُ (3) وَ قَدْ کُنْتُ کَتَبْتُ إِلَی النَّاسِ وَ تَقَدَّمْتُ إِلَیْهِمْ فِی بَدْءِ الْأَمْرِ وَ أَمَرْتُهُمْ بِإِغَاثَتِهِ

ص :92

قَبْلَ الْوَقْعَةِ وَ دَعَوْتُهُمْ سِرّاً وَ جَهْراً وَ عَوْداً وَ بَدْءاً فَمِنْهُمُ الْآتِی کَارِهاً وَ مِنْهُمُ الْمُتَعَلِّلُ کَاذِباً وَ مِنْهُمُ الْقَاعِدُ خَاذِلاً أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ یَجْعَلَ لِی مِنْهُمْ فَرَجاً وَ أَنْ یُرِیحَنِی مِنْهُمْ عَاجِلاً فَوَ اللَّهِ لَوْ لاَ طَمَعِی عِنْدَ لِقَاءِ عَدُوِّی فِی الشَّهَادَةِ وَ تَوْطِینِی نَفْسِی عِنْدَ ذَلِکَ لَأَحْبَبْتُ أَلاَّ أَبْقَی مَعَ هَؤُلاَءِ یَوْماً وَاحِداً عَزَمَ اللَّهُ لَنَا وَ لَکَ عَلَی تَقْوَاهُ وَ هُدَاهُ إِنَّهُ عَلیٰ کُلِّ شَیْءٍ قَدِیرٌ وَ السَّلاَمُ عَلَیْکَ وَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَکَاتُهُ.

قَالَ فَکَتَبَ إِلَیْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ لِعَبْدِ اللَّهِ عَلِیٍّ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ سَلاَمٌ عَلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ وَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَکَاتُهُ.

أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ بَلَغَنِی کِتَابُکَ تَذْکُرُ فِیهِ افْتِتَاحَ مِصْرَ وَ هَلاَکَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِی بَکْرٍ وَ أَنَّکَ سَأَلْتَ اللَّهَ رَبَّکَ أَنْ یَجْعَلَ لَکَ مِنْ رَعِیَّتِکَ الَّتِی ابْتُلِیتَ بِهَا فَرَجاً وَ مَخْرَجاً وَ أَنَا أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ یُعْلِیَ کَلِمَتَکَ وَ أَنْ یُغَشِّیَکَ بِالْمَلاَئِکَةِ عَاجِلاً وَ اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ صَانِعٌ لَکَ وَ مُعِزٌّ دَعْوَتَکَ وَ کَابِتٌ عَدُوَّکَ وَ أُخْبِرُکَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ أَنَّ النَّاسَ رُبَّمَا تَبَاطَئُوا ثُمَّ نَشِطُوا فَارْفُقْ بِهِمْ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ وَ دَارِهِمْ وَ مَنِّهِمْ وَ اسْتَعِنْ بِاللَّهِ عَلَیْهِمْ کَفَاکَ اللَّهُ الْهَمَّ وَ السَّلاَمُ عَلَیْکَ وَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَکَاتُهُ .

1126

1- قَالَ إِبْرَاهِیمُ وَ رُوِیَ عَنِ اَلْمَدَائِنِیِّ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ قَدِمَ مِنَ اَلْبَصْرَةِ عَلَی عَلِیٍّ فَعَزَّاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِی بَکْرٍ .

1127

وَ رَوَی اَلْمَدَائِنِیُّ أَنَّ عَلِیّاً قَالَ

رَحِمَ اللَّهُ مُحَمَّداً کَانَ غُلاَماً حَدَثاً لَقَدْ کُنْتُ أَرَدْتُ أَنْ أُوَلِّیَ اَلْمِرْقَالَ (1) هَاشِمَ بْنَ عُتْبَةَ مِصْرَ فَإِنَّهُ وَ اللَّهِ لَوْ وَلِیَهَا لَمَا خَلَّی لاِبْنِ الْعَاصِ وَ أَعْوَانِهِ الْعَرْصَةَ وَ لاَ قُتِلَ إِلاَّ وَ سَیْفُهُ فِی یَدِهِ بِلاَ ذَمٍّ لِمُحَمَّدٍ فَلَقَدْ أَجْهَدَ نَفْسَهُ فَقَضَی مَا عَلَیْهِ .

ص :93

1128

1- قَالَ اَلْمَدَائِنِیُّ وَ قِیلَ لِعَلِیٍّ ع لَقَدْ جَزِعْتَ عَلَی مُحَمَّدِ بْنِ أَبِی بَکْرٍ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ فَقَالَ وَ مَا یَمْنَعُنِی أَنَّهُ کَانَ لِی رَبِیباً وَ کَانَ لِبَنِیَّ أَخاً وَ کُنْتُ لَهُ وَالِداً أَعُدُّهُ وَلَداً .

الْیَتٰامیٰ ظُلْماً وَ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمٰانٰاتِ إِلیٰ أَهْلِهٰا وَ لاٰ تَعْثَوْا فِی الْأَرْضِ مُفْسِدِینَ وَ لاٰ تَعْتَدُوا إِنَّ اللّٰهَ لاٰ یُحِبُّ الْمُعْتَدِینَ وَ کُلُّ خَیْرٍ یُدْنِی إِلَی اَلْجَنَّةِ وَ یُبَاعِدُ عَنِ اَلنَّارِ أَمَرَکُمْ بِهِ وَ کُلُّ شَرٍّ یُدْنِی إِلَی اَلنَّارِ وَ یُبَاعِدُ عَنِ اَلْجَنَّةِ نَهَاکُمْ عَنْهُ فَلَمَّا اسْتَکْمَلَ مُدَّتَهُ تَوَفَّاهُ اللَّهُ إِلَیْهِ سَعِیداً حَمِیداً فَیَا لَهَا مُصِیبَةً خَصَّتِ الْأَقْرَبِینَ وَ عَمَّتِ اَلْمُسْلِمِینَ مَا أُصِیبُوا قَبْلَهَا بِمِثْلِهَا وَ لَنْ یُعَایِنُوا بَعْدَهَا أُخْتَهَا فَلَمَّا مَضَی لِسَبِیلِهِ ص تَنَازَعَ اَلْمُسْلِمُونَ الْأَمْرَ بَعْدَهُ فَوَ اللَّهِ مَا کَانَ یُلْقَی فِی رُوعِی وَ لاَ یَخْطُرُ عَلَی بَالِی أَنَّ اَلْعَرَبَ تَعْدِلُ هَذَا الْأَمْرَ بَعْدَ مُحَمَّدٍ عَنْ أَهْلِ بَیْتِهِ وَ لاَ أَنَّهُمْ مُنَحُّوهُ عَنِّی مِنْ بَعْدِهِ فَمَا رَاعَنِی إِلاَّ انْثِیَالُ النَّاسِ عَلَی أَبِی بَکْرٍ وَ إِجْفَالُهُمْ (1) إِلَیْهِ لِیُبَایِعُوهُ فَأَمْسَکْتُ یَدِی وَ رَأَیْتُ أَنِّی أَحَقُّ بِمَقَامِ مُحَمَّدٍ ص فِی النَّاسِ مِمَّنْ تَوَلَّی الْأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ فَلَبِثْتُ بِذَاکَ مَا شَاءَ اللَّهُ حَتَّی رَأَیْتُ رَاجِعَةً مِنَ النَّاسِ رَجَعَتْ عَنِ اَلْإِسْلاَمِ یَدْعُونَ إِلَی مَحْقِ دِینِ اللَّهِ وَ مِلَّةِ مُحَمَّدٍ ص فَخَشِیتُ إِنْ لَمْ أَنْصُرِ اَلْإِسْلاَمَ وَ أَهْلَهُ أَنْ أَرَی فِیهِ ثَلْماً وَ هَدْماً یَکُونُ الْمُصَابُ بِهِمَا عَلَیَّ أَعْظَمَ مِنْ فَوَاتِ وَلاَیَةِ أُمُورِکُمُ الَّتِی إِنَّمَا هِیَ مَتَاعُ أَیَّامٍ قَلاَئِلَ ثُمَّ یَزُولُ مَا کَانَ مِنْهَا کَمَا یَزُولُ السَّرَابُ وَ کَمَا یَتَقَشَّعُ السَّحَابُ فَمَشَیْتُ عِنْدَ ذَلِکَ إِلَی أَبِی بَکْرٍ فَبَایَعْتُهُ وَ نَهَضْتُ فِی تِلْکَ الْأَحْدَاثِ حَتَّی زَاغَ الْبَاطِلُ وَ زَهَقَ وَ کَانَتْ کَلِمَةُ اللّٰهِ هِیَ الْعُلْیٰا وَ لَوْ کَرِهَ اَلْکٰافِرُونَ فَتَوَلَّی أَبُو بَکْرٍ تِلْکَ الْأُمُورَ فَیَسَّرَ وَ سَدَّدَ وَ قَارَبَ وَ اقْتَصَدَ وَ صَحِبْتُهُ مُنَاصِحاً وَ أَطَعْتُهُ فِیمَا أَطَاعَ اللَّهَ فِیهِ جَاهِداً وَ مَا طَمِعْتُ أَنْ لَوْ حَدَثَ بِهِ حَادِثٌ وَ أَنَا حَیٌّ أَنْ یُرَدَّ إِلَیَّ الْأَمْرُ الَّذِی نَازَعْتُهُ فِیهِ طَمَعَ مُسْتَیْقِنٍ وَ لاَ یَئِسْتُ مِنْهُ یَأْسَ مَنْ لاَ یَرْجُوهُ وَ لَوْ لاَ خَاصَّةُ مَا کَانَ بَیْنَهُ وَ بَیْنَ عُمَرَ لَظَنَنْتُ أَنَّهُ لاَ یَدْفَعُهَا عَنِّی فَلَمَّا احْتُضِرَ بَعَثَ إِلَی عُمَرَ فَوَلاَّهُ فَسَمِعْنَا وَ أَطَعْنَا وَ نَاصَحْنَا

ص :95

وَ تَوَلَّی عُمَرُ الْأَمْرَ فَکَانَ مَرْضِیَّ السِّیرَةِ مَیْمُونَ النَّقِیبَةِ حَتَّی إِذَا احْتُضِرَ فَقُلْتُ فِی نَفْسِی لَنْ یَعْدِلَهَا عَنِّی (1) لَیْسَ یُدَافِعُهَا عَنِّی فَجَعَلَنِی سَادِسَ سِتَّةٍ فَمَا کَانُوا لِوَلاَیَةِ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَشَدَّ کَرَاهَةً لِوَلاَیَتِی عَلَیْهِمْ کَانُوا یَسْمَعُونَ عِنْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ ص لَجَاجَ أَبِی بَکْرٍ وَ أَقُولُ یَا مَعْشَرَ قُرَیْشٍ إِنَّا أَهْلَ الْبَیْتِ أَحَقُّ بِهَذَا الْأَمْرِ مِنْکُمْ مَا کَانَ فِینَا مَنْ یَقْرَأُ اَلْقُرْآنَ وَ یَعْرِفَ السُّنَّةَ وَ یَدِینُ بِدِینِ الْحَقِّ فَخَشِیَ الْقَوْمُ إِنْ أَنَا وَلِیتُ عَلَیْهِمْ أَلاَّ یَکُونَ لَهُمْ مِنَ الْأَمْرِ نَصِیبٌ مَا بَقُوا فَأَجْمَعُوا إِجْمَاعاً وَاحِداً فَصَرَفُوا الْوَلاَیَةَ إِلَی عُثْمَانَ وَ أَخْرَجُونِی مِنْهَا رَجَاءَ أَنْ یَنَالُوهَا وَ یَتَدَاوَلُوهَا إِذْ یَئِسُوا أَنْ یَنَالُوا بِهَا مِنْ قِبَلِی ثُمَّ قَالُوا هَلُمَّ فَبَایِعْ وَ إِلاَّ جَاهَدْنَاکَ فَبَایَعْتُ مُسْتَکْرَهاً وَ صَبَرْتُ مُحْتَسِباً فَقَالَ قَائِلُهُمْ یَا اِبْنَ أَبِی طَالِبٍ إِنَّکَ عَلَی هَذَا الْأَمْرِ لَحَرِیصٌ فَقُلْتُ أَنْتُمْ أَحْرَصُ مِنِّی وَ أَبْعَدُ أَیُّنَا أَحْرَصُ أَنَا الَّذِی طَلَبْتُ مِیرَاثِی وَ حَقِّیَ الَّذِی جَعَلَنِیَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَوْلَی بِهِ أَمْ أَنْتُمْ إِذْ تَضْرِبُونَ وَجْهِی دُونَهُ وَ تَحُولُونَ بَیْنِی وَ بَیْنَهُ فَبُهِتُوا وَ اللّٰهُ لاٰ یَهْدِی الْقَوْمَ الظّٰالِمِینَ اللَّهُمَّ إِنِّی أَسْتَعْدِیکَ عَلَی قُرَیْشٍ فَإِنَّهُمْ قَطَعُوا رَحِمِی وَ أَضَاعُوا إِیَّایَ وَ صَغَّرُوا عَظِیمَ مَنْزِلَتِی وَ أَجْمَعُوا عَلَی مُنَازَعَتِی حَقّاً کُنْتُ أَوْلَی بِهِ مِنْهُمْ فَسَلَبُونِیهِ ثُمَّ قَالُوا أَلاَ إِنَّ فِی الْحَقِّ أَنْ تَأْخُذَهُ وَ فِی الْحَقِّ أَنْ تَمْنَعَهُ فَاصْبِرْ کَمَداً أَوْ مُتْ أَسِفاً حَنِقاً فَنَظَرْتُ فَإِذَا لَیْسَ مَعِی رَافِدٌ وَ لاَ ذَابٌّ وَ لاَ نَاصِرٌ وَ لاَ سَاعِدٌ إِلاَّ أَهْلُ بَیْتِی فَضَنِنْتُ بِهِمْ عَنِ الْمَنِیَّةِ وَ أَغْضَیْتُ عَلَی الْقَذَی وَ تَجَرَّعْتُ رِیقِی عَلَی الشَّجَا وَ صَبَرْتُ مِنْ کَظْمِ الْغَیْظِ عَلَی أَمَرَّ مِنَ الْعَلْقَمِ وَ آلَمَ لِلْقَلْبِ مِنْ حَزِّ الشِّفَارِ حَتَّی إِذَا نَقَمْتُمْ عَلَی عُثْمَانَ أَتَیْتُمُوهُ فَقَتَلْتُمُوهُ ثُمَّ جِئْتُمُونِی لِتُبَایِعُونِی فَأَبَیْتُ عَلَیْکُمْ وَ أَمْسَکْتُ یَدِی فَنَازَعْتُمُونِی وَ دَافَعْتُمُونِی وَ بَسَطْتُمْ یَدِی فَکَفَفْتُهَا وَ مَدَدْتُمُوهَا فَقَبَضْتُهَا وَ ازْدَحَمْتُمْ عَلَیَّ حَتَّی ظَنَنْتُ أَنَّ بَعْضَکُمْ قَاتِلُ بَعْضِکِمْ أَوْ أَنَّکُمْ قَاتِلِیَّ فَقُلْتُمْ بَایِعْنَا لاَ نَجِدُ غَیْرَکَ وَ لاَ نَرْضَی إِلاَّ بِکَ بَایِعْنَا

ص :96

لاَ نَفْتَرِقُ وَ لاَ تَخْتَلِفُ کَلِمَتُنَا فَبَایَعْتُکُمْ وَ دَعَوْتُ النَّاسَ إِلَی بَیْعَتِی فَمَنْ بَایَعَ طَوْعاً قَبِلْتُهُ وَ مَنْ أَبَی لَمْ أُکْرِهْهُ وَ تَرَکْتُهُ فَبَایَعَنِی فِیمَنْ بَایَعَنِی طَلْحَةُ وَ اَلزُّبَیْرُ وَ لَوْ أَبَیَا مَا أَکْرَهْتُهُمَا کَمَا لَمْ أُکْرِهْ غَیْرَهُمَا فَمَا لَبِثَا إِلاَّ یَسِیراً حَتَّی بَلَغَنِی أَنَّهُمَا خَرَجَا مِنْ مَکَّةَ مُتَوَجِّهِینَ إِلَی اَلْبَصْرَةِ فِی جَیْشٍ مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ إِلاَّ قَدْ أَعْطَانِیَ الطَّاعَةَ وَ سَمَحَ لِی بِالْبَیْعَةِ فَقَدِمَا عَلَی عَامِلِی وَ خُزَّانِ بَیْتِ مَالِی وَ عَلَی أَهْلِ مِصْرِی الَّذِینَ کُلُّهُمْ عَلَی بَیْعَتِی وَ فِی طَاعَتِی فَشَتَّتُوا کَلِمَتَهُمْ وَ أَفْسَدُوا جَمَاعَتَهُمْ ثُمَّ وَثَبُوا عَلَی شِیعَتِی مِنَ اَلْمُسْلِمِینَ فَقَتَلُوا طَاِئفَةً منْهُمْ غَدْراً وَ طَاِئفَةً صَبْراً (1) وَ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ غَضِبُوا لِلَّهِ وَ لِی فَشَهَرُوا سُیُوفَهُمْ وَ ضَرَبُوا بِهَا حَتَّی لَقُوا اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ صَادِقِینَ فَوَ اللَّهِ لَوْ لَمْ یُصِیبُوا مِنْهُمْ إِلاَّ رَجُلاً وَاحِداً مُتَعَمِّدِینَ لِقَتْلِهِ لَحَلَّ لِی بِهِ قَتْلُ ذَلِکَ الْجَیْشِ بِأَسْرِهِ فَدَعْ مَا أَنَّهُمْ قَدْ قَتَلُوا مِنَ اَلْمُسْلِمِینَ أَکْثَرَ مِنَ الْعِدَّةِ الَّتِی دَخَلُوا بِهَا عَلَیْهِمْ وَ قَدْ أَدَالَ اللَّهُ مِنْهُمْ فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظّٰالِمِینَ ثُمَّ إِنِّی نَظَرْتُ فِی أَمْرِ أَهْلِ اَلشَّامِ فَإِذَا أَعْرَابٌ أَحْزَابٌ وَ أَهْلُ طَمَعٍ جُفَاةٌ طُغَاةٌ یَجْتَمِعُونَ مِنْ کُلِّ أَوْبٍ مَنْ کَانَ یَنْبَغِی أَنْ یُؤَدَّبَ وَ أَنْ یُوَلَّی عَلَیْهِ وَ یُؤْخَذَ عَلَی یَدِهِ لَیْسُوا مِنَ اَلْأَنْصَارِ وَ لاَ اَلْمُهَاجِرِینَ وَ لاَ اَلتَّابِعِینَ بِإِحْسَانٍ فَسِرْتُ إِلَیْهِمْ فَدَعَوْتُهُمْ إِلَی الطَّاعَةِ وَ الْجَمَاعَةِ فَأَبَوْا إِلاَّ شِقَاقاً وَ فِرَاقاً وَ نَهَضُوا فِی وُجُوهِ اَلْمُسْلِمِینَ یَنْضَحُونَهُمْ بِالنَّبْلِ وَ یَشْجُرُونَهُمْ (2) بِالرِّمَاحِ فَهُنَاکَ نَهَدْتُ (3) إِلَیْهِمْ بِالْمُسْلِمِینَ فَقَاتَلْتُهُمْ فَلَمَّا عَضَّهُمُ السِّلاَحُ وَ وَجَدُوا أَلَمَ الْجِرَاحِ رَفَعُوا الْمَصَاحِفَ یَدْعُونَکُمْ إِلَی مَا فِیهَا فَأَنْبَأْتُکُمْ أَنَّهُمْ لَیْسُوا بِأَهْلِ دِینٍ وَ لاَ قُرْآنٍ وَ أَنَّهُمْ رَفَعُوهَا مَکِیدَةً وَ خَدِیعَةً وَ وَهْناً وَ ضَعْفاً فَامْضُوا عَلَی حَقِّکُمْ وَ قِتَالِکُمْ فَأَبَیْتُمْ عَلَیَّ وَ قُلْتُمْ اقْبَلْ مِنْهُمْ فَإِنْ أَجَابُوا إِلَی مَا فِی اَلْکِتَابِ جَامَعُونَا عَلَی مَا نَحْنُ عَلَیْهِ مِنَ

ص :97

الْحَقِّ وَ إِنْ أَبَوْا کَانَ أَعْظَمَ لِحُجَّتِنَا عَلَیْهِمْ فَقَبِلْتُ مِنْهُمْ وَ کَفَفْتُ عَنْهُمْ إِذْ وَنَیْتُمْ وَ أَبَیْتُمْ فَکَانَ الصُّلْحُ بَیْنَکُمْ وَ بَیْنَهُمْ عَلَی رَجُلَیْنِ یُحْیِیَانِ مَا أَحْیَا اَلْقُرْآنُ وَ یُمِیتَانِ مَا أَمَاتَ اَلْقُرْآنُ فَاخْتَلَفَ رَأْیُهُمَا وَ تَفَرَّقَ حُکْمُهُمَا وَ نَبَذَا مَا فِی اَلْقُرْآنِ وَ خَالَفَا مَا فِی اَلْکِتَابِ فَجَنَّبَهُمَا اللَّهُ السَّدَادَ وَ دَلاَّهُمَا فِی الضَّلاَلَةِ فَانْحَرَفَتْ فِرْقَةٌ مِنَّا فَتَرَکْنَاهُمْ مَا تَرَکُونَا حَتَّی إِذَا عَثَوْا (1) فِی الْأَرْضِ یَقْتُلُونَ وَ یُفْسِدُونَ أَتَیْنَاهُمْ فَقُلْنَا ادْفَعُوا إِلَیْنَا قَتَلَةَ إِخْوَانِنَا ثُمَّ کِتَابُ اللَّهِ بَیْنَنَا وَ بَیْنَکُمْ قَالُوا کُلُّنَا قَتَلَهُمْ وَ کُلُّنَا اسْتَحَلَّ دِمَاءَهُمْ وَ شَدَّتْ عَلَیْنَا خَیْلُهُمْ وَ رِجَالُهُمْ فَصَرَعَهُمُ اللَّهُ مَصَارِعَ الظَّالِمِینَ فَلَمَّا کَانَ ذَلِکَ مِنْ شَأْنِهِمْ أَمَرْتُکُمْ أَنْ تَمْضُوا مِنْ فَوْرِکُمْ ذَلِکَ إِلَی عَدُوِّکُمْ فَقُلْتُمْ کَلَّتْ سُیُوفُنَا وَ نَفِدَتْ نِبَالُنَا وَ نَصَلَتْ أَسِنَّةُ رِمَاحِنَا وَ عَادَ أَکْثَرُهَا قِصَداً (2) فَارْجِعْ بِنَا إِلَی مِصْرِنَا لِنَسْتَعِدَّ بِأَحْسَنِ عُدَّتِنَا فَإِذَا رَجَعْتَ زِدْتَ فِی مُقَاتِلَتِنَا عِدَّةَ مَنْ هَلَکَ مِنَّا وَ فَارَقَنَا فَإِنَّ ذَلِکَ أَقْوَی لَنَا عَلَی عَدُوِّنَا فَأَقْبَلْتُ بِکُمْ حَتَّی إِذَا أَطْلَلْتُمْ عَلَی اَلْکُوفَةِ أَمَرْتُکُمْ أَنْ تَنْزِلُوا بِالنُّخَیْلَةِ وَ أَنْ تَلْزَمُوا مُعَسْکَرَکُمْ وَ أَنْ تَضُمُّوا قَوَاصِیَکُمْ وَ أَنْ تُوَطِّنُوا عَلَی الْجِهَادِ أَنْفُسَکُمْ وَ لاَ تُکْثِرُوا زِیَارَةَ أَبْنَائِکُمْ وَ نِسَائِکُمْ فَإِنَّ أَهْلَ الْحَرْبِ الْمُصَابِرُوهَا وَ أَهْلَ التَّشْمِیرِ فِیهَا الَّذِینَ لاَ یَنْقَادُونَ مِنْ سَهَرِ لَیْلِهِمْ وَ لاَ ظَمَإِ نَهَارِهِمْ وَ لاَ خَمْصِ بُطُونِهِمْ وَ لاَ نَصَبِ أَبْدَانِهِمْ فَنَزَلَتْ طَائِفَةٌ مِنْکُمْ مَعِی مُعَذِّرَةً وَ دَخَلَتْ طَائِفَةٌ مِنْکُمُ الْمِصْرَ عَاصِیَةً فَلاَ مَنْ بَقِیَ مِنْکُمْ صَبَرَ وَ ثَبَتَ وَ لاَ مَنْ دَخَلَ الْمِصْرَ عَادَ وَ رَجَعَ فَنَظَرْتُ إِلَی مُعَسْکَرِی وَ لَیْسَ فِیهِ خَمْسُونَ رَجُلاً فَلَمَّا رَأَیْتُ مَا أَتَیْتُمْ دَخَلْتُ إِلَیْکُمْ فَلَمْ أَقْدِرْ عَلَی أَنْ تَخْرُجُوا مَعِی إِلَی یَوْمِنَا هَذَا فَمَا تَنْتَظِرُونَ أَ مَا تَرَوْنَ أَطْرَافَکُمْ قَدِ انْتَقَصَتْ وَ إِلَی مِصْرَ قَدْ فُتِحَتْ وَ إِلَی شِیعَتِی بِهَا قَدْ قُتِلَتْ وَ إِلَی مَسَالِحِکُمْ تَعَرَّی وَ إِلَی بِلاَدِکُمْ تُغْزَی وَ أَنْتُمْ ذَوُو عَدَدٍ کَثِیرٍ

ص :98

وَ شَوْکَةٍ وَ بَأْسٍ شَدِیدٍ فَمَا بَالُکُمْ لِلَّهِ أَنْتُمْ مِنْ أَیْنَ تُؤْتَوْنَ وَ مَا لَکُمْ تُؤْفَکُونَ وَ أَنَّی تُسْحَرُونَ وَ لَوْ أَنَّکُمْ عَزَمْتُمْ وَ أَجْمَعْتُمْ لَمْ تُرَامُوا إِلاَّ أَنَّ الْقَوْمَ تَرَاجَعُوا وَ تَنَاشَبُوا وَ تَنَاصَحُوا وَ أَنْتُمْ قَدْ وَنَیْتُمْ وَ تَغَاشَشْتُمْ وَ افْتَرَقْتُمْ مَا إِنْ أَنْتُمْ إِنْ أَلْمَمْتُمْ عِنْدِی عَلَی هَذَا بِسُعَدَاءَ (1) فَانْتَهُوا بِأَجْمَعِکُمْ وَ أَجْمِعُوا عَلَی حَقِّکُمْ وَ تَجَرَّدُوا لِحَرْبِ عَدُوِّکُمْ وَ قَدْ أَبْدَتِ الرَّغْوَةُ عَنِ الصَّرِیحِ وَ بَیَّنَ الصُّبْحُ لِذِی عَیْنَیْنِ إِنَّمَا تُقَاتِلُونَ الطُّلَقَاءَ وَ أَبْنَاءَ الطُّلَقَاءِ وَ أُولِی الْجَفَاءِ وَ مَنْ أَسْلَمَ کَرْهاً وَ کَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ ص أَنْفَ (2) اَلْإِسْلاَمِ کُلَّهُ حَرْباً أَعْدَاءَ اللَّهِ وَ السُّنَّةِ وَ اَلْقُرْآنِ وَ أَهْلَ الْبِدَعِ وَ الْأَحْدَاثِ وَ مَنْ کَانَ بَوَائِقُهُ تُتَّقَی وَ کَانَ عَنِ اَلْإِسْلاَمِ مُنْحَرِفاً أَکَلَةَ الرِّشَا وَ عَبَدَةَ الدُّنْیَا لَقَدْ أُنْهِیَ إِلَیَّ أَنَّ اِبْنَ النَّابِغَةِ لَمْ یُبَایِعْ مُعَاوِیَةَ حَتَّی أَعْطَاهُ وَ شَرَطَ لَهُ أَنْ یُؤْتِیَهُ مَا هِیَ أَعْظَمُ مِمَّا فِی یَدِهِ مِنْ سُلْطَانِهِ أَلاَ صَفَرَتْ یَدُ هَذَا الْبَائِعِ دِینَهُ بِالدُّنْیَا وَ خَزِیَتْ أَمَانَةُ هَذَا الْمُشْتَرِی نُصْرَةَ فَاسِقٍ غَادِرٍ بِأَمْوَالِ اَلْمُسْلِمِینَ وَ إِنَّ فِیهِمْ مَنْ قَدْ شَرِبَ فِیکُمُ الْخَمْرَ وَ جُلِدَ الْحَدَّ یُعْرَفُ بِالْفَسَادِ فِی الدِّینِ وَ الْفِعْلِ السَّیِّئِ وَ إِنَّ فِیهِمْ مَنْ لَمْ یُسْلِمْ حَتَّی رُضِخَ لَهُ رَضِیخَةٌ (3) فَهَؤُلاَءِ قَادَةُ الْقَوْمِ وَ مَنْ تَرَکْتُ ذِکْرَ مَسَاوِئِهِ مِنْ قَادَتِهِمْ مِثْلُ مَنْ ذَکَرْتُ مِنْهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ وَ یَوَدُّ هَؤُلاَءِ الَّذِینَ ذَکَرْتُ لَوْ وُلُّوا عَلَیْکُمْ فَأَظْهَرُوا فِیکُمُ الْکُفْرَ وَ الْفَسَادَ وَ الْفُجُورَ وَ التَّسَلُّطَ بِجَبْرِیَّةٍ وَ اتَّبَعُوا الْهَوَی وَ حَکَمُوا بِغَیْرِ الْحَقِّ وَ لَأَنْتُمْ عَلَی مَا کَانَ فِیکُمْ مِنْ تَوَاکُلٍ وَ تَخَاذُلٍ خَیْرٌ مِنْهُمْ وَ أَهْدَی سَبِیلاً فِیکُمُ الْعُلَمَاءُ وَ الْفُقَهَاءُ وَ النُّجَبَاءُ وَ الْحُکَمَاءُ وَ حَمَلَةُ اَلْکِتَابِ وَ الْمُتَهَجِّدُونَ بِالْأَسْحَارِ وَ عُمَّارُ الْمَسَاجِدِ بِتِلاَوَةِ اَلْقُرْآنِ أَ فَلاَ تَسْخَطُونَ وَ تَهْتَمُّونَ أَنْ یُنَازِعَکُمُ الْوَلاَیَةَ عَلَیْکُمْ سُفَهَاؤُکُمْ وَ الْأَشْرَارُ الْأَرَاذِلُ مِنْکُمْ

ص :99

فَاسْمَعُوا قَوْلِی وَ أَطِیعُوا أَمْرِی فَوَ اللَّهِ لَئِنْ أَطَعْتُمُونِی لاَ تَغْوُونَ وَ إِنْ عَصَیْتُمُونِی لاَ تَرْشُدُونَ خُذُوا لِلْحَرْبِ أُهْبَتَهَا وَ أَعِدُّوا لَهَا عُدَّتَهَا فَقَدْ شَبَّتْ نَارُهَا وَ عَلاَ سِنَانُهَا وَ تَجَرَّدَ لَکُمْ فِیهَا الْفَاسِقُونَ کَیْ یُعَذِّبُوا عِبَادَ اللَّهِ وَ یُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ أَلاَ إِنَّهُ لَیْسَ أَوْلِیَاءُ اَلشَّیْطَانِ مِنْ أَهْلِ الطَّمَعِ وَ الْمَکْرِ وَ الْجَفَاءِ بِأَوْلَی فِی الْجِدِّ فِی غَیِّهِمْ وَ ضَلاَلَتِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْبِرِّ وَ الزَّهَادَةِ وَ الْإِخْبَاتِ فِی حَقِّهِمْ وَ طَاعَةِ رَبِّهِمْ إِنِّی وَ اللَّهِ لَوْ لَقِیتُهُمْ فَرْداً وَ هُمْ مِلْءُ الْأَرْضِ مَا بَالَیْتُ وَ لاَ اسْتَوْحَشْتُ وَ إِنِّی مِنْ ضَلاَلَتِهِمُ الَّتِی هُمْ فِیهَا وَ الْهُدَی الَّذِی نَحْنُ عَلَیْهِ لَعَلَی ثِقَةٍ وَ بَیِّنَةٍ وَ یَقِینٍ وَ بَصِیرَةٍ وَ إِنِّی إِلَی لِقَاءِ رَبِّی لَمُشْتَاقٌ وَ لِحُسْنِ ثَوَابِهِ لَمُنْتَظِرٌ وَ لَکِنْ أَسَفاً یَعْتَرِینِی وَ حُزْناً یُخَامِرُنِی أَنْ یَلِیَ أَمْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ سُفَهَاؤُهَا وَ فُجَّارُهَا فَیَتَّخِذُوا مَالَ اللَّهِ دُوَلاً وَ عِبَادَهُ خَوَلاً وَ الْفَاسِقِینَ حِزْباً وَ أَیْمُ اللَّهِ لَوْ لاَ ذَلِکَ لَمَا أَکْثَرْتُ تَأْنِیبَکُمْ وَ تَحْرِیضَکُمْ وَ لَتَرَکْتُکُمْ إِذْ وَنَیْتُمْ وَ أَبَیْتُمْ حَتَّی أَلْقَاهُمْ بِنَفْسِی مَتَی حُمَّ لِی لِقَاؤُهُمْ فَوَ اللَّهِ إِنِّی لَعَلَی الْحَقِّ وَ إِنِّی لِلشَّهَادَةِ لَمُحِبٌّ فَ اِنْفِرُوا خِفٰافاً وَ ثِقٰالاً وَ جٰاهِدُوا بِأَمْوٰالِکُمْ وَ أَنْفُسِکُمْ فِی سَبِیلِ اللّٰهِ ذٰلِکُمْ خَیْرٌ لَکُمْ إِنْ کُنْتُمْ تَعْلَمُونَ وَ لاَ تَثَّاقَلُوا إِلَی الْأَرْضِ فَتُقِرُّوا بِالْخَسْفِ وَ تَبُوءُوا بِالذُّلِّ وَ یَکُنْ نَصِیبُکُمُ الْخُسْرَانَ إِنَّ (1) أَخَا الْحَرْبِ الْیَقْظَانُ وَ مَنْ ضَعُفَ أَوْدَی وَ مَنْ تَرَکَ الْجِهَادَ کَانَ کَالْمَغْبُونِ الْمَهِینِ اللَّهُمَّ اجْمَعْنَا وَ إِیَّاهُمْ عَلَی الْهُدَی وَ زَهِّدْنَا وَ إِیَّاهُمْ فِی الدُّنْیَا وَ اجْعَلِ الْآخِرَةَ خَیْراً لَنَا وَ لَهُمْ مِنَ الْأُولَی .

إِلَی مُعَاوِیَةَ بْنِ أَبِی سُفْیَانَ وَ هُوَ یَوْمَئِذٍ بِفِلَسْطِینَ فَحَبَسَهُ مُعَاوِیَةُ فِی سِجْنٍ لَهُ فَمَکَثَ فِیهِ غَیْرَ کَثِیرٍ ثُمَّ هَرَبَ وَ کَانَ ابْنَ خَالِ مُعَاوِیَةَ فَأَرَی مُعَاوِیَةُ النَّاسَ أَنَّهُ کَرِهَ انْفِلاَتَهُ مِنَ السِّجْنِ وَ کَانَ یُحِبُّ أَنْ یَنْجُوَ فَقَالَ لِأَهْلِ اَلشَّامِ مَنْ یَطْلُبُهُ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ خَثْعَمٍ یُقَالُ لَهُ عُبَیْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ ظَلاَمٍ وَ کَانَ شُجَاعاً وَ کَانَ عُثْمَانِیّاً أَنَا أَطْلُبُهُ فَخَرَجَ فِی خَیْلٍ فَلَحِقَهُ بِحُوَّارِینَ (1) .وَ قَدْ دَخَلَ بِغَارٍ هُنَاکَ فَجَاءَتْ حُمُرٌ فَدَخَلَتْهُ فَلَمَّا رَأَتِ الرَّجُلَ فِی الْغَارِ فَزِعَتْ وَ نَفَرَتْ فَقَالَ حَمَّارُونَ کَانُوا قَرِیباً مِنَ الْغَارِ إِنَّ لِهَذِهِ الْحُمُرِ لَشَأْناً مَا نَفَّرَهَا مِنْ هَذَا الْغَارِ إِلاَّ أَمْرٌ فَذَهَبُوا یَنْظُرُونَ فَإِذَا هُمْ بِهِ فَخَرَجُوا بِهِ فَوَافَاهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ ظَلاَمٍ فَسَأَلَهُمْ وَ وَصَفَهُ لَهُمْ فَقَالُوا هَا هُوَ هَذَا فَجَاءَ حَتَّی اسْتَخْرَجَهُ وَ کَرِهَ أَنْ یَصِیرَ بِهِ إِلَی مُعَاوِیَةَ فَیُخَلِّیَ سَبِیلَهُ فَضَرَبَ عُنُقَهُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَی.

ص :101

و أطل علیکم أی أشرف و روی أظل بالظاء المعجمة و المعنی واحد.

و منسر قطعة من الجیش تمر قدام الجیش الکثیر و الأفصح منسر بکسر المیم و فتح السین و یجوز منسر بفتح المیم و کسر السین .

و انجحر استتر فی بیته أجحرت الضب إذا ألجأته إلی جحره فانجحر.

و الضبة أنثی الضباب و إنّما أوقع التشبیه علی الضبة مبالغة فی وصفهم بالجبن و الفرار لأن الأنثی أجبن و أذل من الذکر و الوجار بیت الضبع .

و السهم الأفوق الناصل المکسور الفوق المنزوع النصل و الفوق موضع الوتر من السهم یقال نصل السهم إذا خرج منه النصل فهو ناصل و هذا مثل یضرب لمن استنجد بمن لا ینجده .

و الباحات جمع باحة و هی ساحة الدار و الأود العوج أود الشیء بکسر الواو یأود أودا أی أعوج و تأود أی تعوج و أضرع اللّه خدودکم أذل وجوهکم.

ضرع الرجل ذل و أضرعه غیره و منه المثل الحمی أضرعته لک (1) .

و أتعس جدودکم

أی أحال حظوظکم و سعودکم و أهلکها فجعلها إدبارا و نحسا.

و التعس الهلاک و أصله الکب و هو ضد الانتعاش تعس الرجل بفتح العین یتعس تعسا یقول کم أداریکم کما یداری راکب البعیر بعیره المنفضخ السنام و کما یداری لابس الثوب السمل ثوبه المتداعی الذی کلما خیط منه جانب تمزق جانب .

ثمّ ذکر خبئهم و ذلهم و قلة انتصار من ینتصر بهم و أنهم کثیر فی الصورة قلیل فی المعنی ثمّ قال إنی عالم بما یصلحکم یقول إنّما یصلحکم فی السیاسة السیف و صدق فإن کثیرا لا یصلح إلاّ علیه کما فعل الحجاج بالجیش الذی تقاعد بالمهلب

ص :103

فإنه نادی منادیه من وجدناه بعد ثالثة لم یلتحق بالمهلب فقد حل لنا دمه ثمّ قتل عمیر بن ضابئ و غیره فخرج الناس یهرعون إلی المهلب .و أمیر المؤمنین لم یکن لیستحل من دماء أصحابه ما یستحله من یرید الدنیا و سیاسة الملک و انتظام الدولة قال ع لکنی لا أری إصلاحکم بإفساد نفسی أی بإفساد دینی عند اللّه تعالی.

فإن قلت أ لیست نصرة الإمام واجبة علیهم فلم لا یقتلهم إذ أخلوا بهذا الواجب قلت لیس کل إخلال بواجب یکون عقوبته القتل کمن أخل بالحج و أیضا فإنّه کان یعلم أن عاقبة القتل فسادهم علیه و اضطرابهم فلو أسرع فی قتلهم لشغبوا علیه شغبا یفضی إلی أن یقتلوه و یقتلوا أولاده أو یسلموه و یسلموهم إلی معاویة و متی علم هذا أو غلب علی ظنه لم یجز له أن یسوسهم بالقتل الذی یفضی إلی هذه المفسدة فلو ساسهم بالقتل و الحال هذه لکان آثما عند اللّه تعالی و مواقعا للقبیح و فی ذلک إفساد دینه کما قال لا تعرفون الحق کمعرفتکم الباطل إلی آخر الفصل فکأنّه قال لا تعتقدون الصواب و الحق کما تعتقدون الخطأ و الباطل أی اعتقادکم الحق قلیل و اعتقادکم الباطل کثیر فعبر عن الاعتقاد العام بالمعرفة الخاصّة و هی نوع تحت جنسه مجازا.

ثمّ قال و لا تسرعون فی نقض الباطل سرعتکم فی نقض الحق و هدمه

و نحو قول قراد بن حنش و هو من شعر الحماسة (1) و أنتم سماء یعجب الناس رزها

و من شعر الحماسة فی هذا المعنی لقد کان فیکم لو وفیتم بجارکم

و من الهجاء بالجبن و الفرار قول بعض بنی طیئ یهجو حاتما و هو من شعر الحماسة أیضا (2) لعمری و ما عمری علی بهین

ص :105

و نظیر المعنی الأول أیضا قول بعضهم من شعر الحماسة کاثر بسعد إن سعدا کثیرة

و منه قول عویف القوافی و ما أمکم تحت الخوافق و القنا

و ممن حسن الجبن و الفرار بعض الشعراء فی قوله أضحت تشجعنی هند و قد علمت

و من هذا قول أیمن بن خریم الأسدی إن للفتنة میطا بینا

و ممن عرف بالجبن أمیة بن عبد اللّه بن خالد بن أسید عیره عبد الملک بن مروان فقال

ص :106

إذا صوت العصفور طار فؤاده

و لیث حدید الناب عند الثرائد (1) .

و قال آخر یطیر فؤاده من نبح کلب و یکفیه من الزجر الصفیر.

و قال آخر و لو أنّها عصفورة لحسبتها مسومة تدعو عبیدا و أزنما (2)

فَأَرْسَلَ إِلَیْهَا اَلْوَلِیدُ أَنَّهُ اَلْحَجَّاجُ فَأَعَادَتْ عَلَیْهِ الرَّسُولَ وَ اللَّهِ لَأَنْ یَخْلُوَ بِکَ مَلَکُ الْمَوْتِ أَحَبُّ إِلَیَّ مِنْ أَنْ یَخْلُوَ بِکَ اَلْحَجَّاجُ فَضَحِکَ وَ أَخْبَرَ اَلْحَجَّاجَ بِقَوْلِهَا وَ هُوَ یُمَازِحُهُ فَقَالَ اَلْحَجَّاجُ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ دَعْ عَنْکَ مُفَاکَهَةَ النِّسَاءِ بِزُخْرُفِ الْقَوْلِ فَإِنَّمَا الْمَرْأَةُ رَیْحَانَةٌ وَ لَیْسَتْ بِقَهْرَمَانَةٍ فَلاَ تُطْلِعْهَا عَلَی سِرِّکَ وَ مُکَایَدَةِ عَدُوِّکَ.

فَلَمَّا انْصَرَفَ اَلْحَجَّاجُ وَ دَخَلَ اَلْوَلِیدُ عَلَی امْرَأَتِهِ أَخْبَرَهَا بِمَقَالَةِ اَلْحَجَّاجِ فَقَالَتْ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ حَاجَتِی إِلَیْکَ الْیَوْمَ أَنَّ تَأْمُرَهُ غَداً أَنْ یَأْتِیَنِی مُسْتَلْئِماً فَفَعَلَ ذَلِکَ وَ أَتَاهَا اَلْحَجَّاجُ فَحَجَبَتْهُ ثُمَّ أَدْخَلَتْهُ وَ لَمْ تَأْذَنْ لَهُ فِی الْقُعُودِ فَلَمْ یَزَلْ قَائِماً ثُمَّ قَالَتْ إِیهٍ یَا حَجَّاجُ أَنْتَ الْمُمْتَنُّ عَلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ بِقَتْلِکَ اِبْنَ الزُّبَیْرِ وَ اِبْنَ الْأَشْعَثِ أَمَا وَ اللَّهِ لَوْ لاَ أَنَّ اللَّهَ عَلِمَ أَنَّکَ شَرُّ خَلْقِهِ مَا ابْتَلاَکَ بِرَمْیِ اَلْکَعْبَةِ الْحَرَامِ وَ لاَ بِقَتْلِ اِبْنِ ذَاتِ النِّطَاقَیْنِ أَوَّلِ مَوْلُودٍ فِی اَلْإِسْلاَمِ وَ أَمَّا نَهْیُکَ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ عَنْ مُفَاکَهَةِ النِّسَاءِ وَ بُلُوغِ لَذَّاتِهِ وَ أَوْطَارِهِ فَإِنْ کُنَّ یَنْفَرِجْنَ عَنْ مِثْلِکَ فَمَا أَحَقَّهُ بِالْقَبُولِ مِنْکَ وَ إِنْ کُنَّ یَنْفَرِجْنَ عَنْ مِثْلِهِ فَهُوَ غَیْرُ قَابِلٍ لِقَوْلِکَ أَمَا وَ اللَّهِ لَوْ نَفَضَ نِسَاءُ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ الطِّیبَ مِنْ غَدَائِرِهِنَّ فَبِعْنَهُ فِی أَعْطِیَةِ أَهْلِ اَلشَّامِ حِینَ کُنْتَ فِی أَضْیَقَ مِنَ الْقَرْنِ قَدْ أَظَلَّتْکَ الرِّمَاحُ وَ أَثْخَنَکَ الْکِفَاحُ وَ حِینَ کَانَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ أَحَبَّ إِلَیْهِمْ مِنْ آبَائِهِمْ وَ أَبْنَائِهِمْ فَأَنْجَاکَ اللَّهُ مِنْ عَدُوِّ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ بِحُبِّهِمْ إِیَّاهُ قَاتَلَ اللَّهُ الْقَائِلَ حِینَ یَنْظُرُ إِلَیْکَ وَ سِنَانُ غَزَالَةَ (1) بَیْنَ کَتِفَیْکَ أَسَدٌ عَلَیَّ وَ فِی الْحُرُوبِ نَعَامَةٌ

ثُمَّ قَالَتْ لِجَوَارِیهَا أَخْرِجْنَهُ فَأُخْرِجَ (2) .

ص :108

و من طریف حکایات الجبناء ما

1133

ذَکَرَهُ اِبْنُ قُتَیْبَةَ أَیْضاً فِی الْکِتَابِ الْمَذْکُورِ قَالَ کَانَ بِالْبَصْرَةِ شَیْخٌ مِنْ بَنِی نَهْشَلِ بْنِ دَارِمٍ یُقَالُ لَهُ عُرْوَةُ بْنُ مَرْثَدٍ وَ یُکَنَّی أَبَا الْأَعَزِّ یَنْزِلُ فِی بَنِی أُخْتٍ لَهُ مِنَ اَلْأَزْدِ فِی سِکَّةِ بَنِی مَازِنِ فَخَرَجَ رِجَالُهُمْ إِلَی ضِیَاعِهِمْ فِی شَهْرِ رَمَضَانَ وَ خَرَجَ النِّسَاءُ یُصَلِّینَ فِی مَسْجِدِهِمْ وَ لَمْ یَبْقَ فِی الدَّارِ إِلاَّ إِمَاءٌ فَدَخَلَ کَلْبٌ یَتَعَسَّسُ فَرَأَی بَیْتاً مَفْتُوحاً فَدَخَلَهُ وَ انْصَفَقَ الْبَابَ عَلَیْهِ فَسَمِعَ بَعْضُ الْإِمَاءِ الْحَرَکَةَ فَظَنُّوا أَنَّهُ لِصٌّ دَخَلَ الدَّارَ فَذَهَبَتْ إِحْدَاهُنَّ إِلَی أَبِی الْأَعَزِّ فَأَخْبَرَتْهُ فَقَالَ أَبُو الْأَعَزِّ إِلاَمَ یَبْتَغِی اللِّصُّ عِنْدَنَا وَ أَخَذَ عَصَاهُ وَ جَاءَ حَتَّی وَقَفَ بِبَابِ الْبَیْتِ وَ قَالَ إِیهِ یَا فُلاَنُ أَمَا وَ اللَّهِ إِنِّی بِکَ لَعَارِفٌ فَهَلْ أَنْتَ مِنْ لُصُوصِ بَنِی مَازِنٍ شَرِبْتَ حَامِضاً خَبِیثاً حَتَّی إِذَا دَارَتْ فِی رَأْسِکَ مَنَّتْکَ نَفْسُکَ الْأَمَانِیَّ وَ قُلْتَ أَطْرُقُ دُورَ بَنِی عَمْرٍو وَ الرِّجَالُ خُلُوفٌ وَ النِّسَاءُ یُصَلِّینَ فِی مَسْجِدِهِنَّ فَأَسْرِقُهُمْ سَوْءَةً لَکَ وَ اللَّهِ مَا یَفْعَلُ هَذَا وُلْدُ الْأَحْرَارِ وَ أَیْمُ اللَّهِ لَتَخْرُجَنَّ أَوْ لَأَهْتِفَنَّ هَتْفَةً مَشْئُومَةً یَلْتَقِی فِیهَا الْحَیَّانِ عَمْرٌو وَ حَنْظَلَةُ وَ تَجِیءُ سَعْدٌ عَدَدَ الْحَصَی وَ تَسِیلُ عَلَیْکَ الرِّجَالُ مِنْ هُنَا وَ هُنَا وَ لَئِنْ فَعَلْتُ لَتَکُونَنَّ أَشْأَمَ مَوْلُودٍ.

فَلَمَّا رَأَی أَنَّهُ لاَ یُجِیبُهُ أَخَذَهُ بِاللِّینِ فَقَالَ اخْرُجْ بِأَبِی أَنْتَ مَسْتُوراً وَ اللَّهِ مَا أَرَاکَ تَعْرِفُنِی وَ لَوْ عَرَفْتَنِی لَقَنِعْتَ بِقَوْلِی وَ اطْمَأْنَنْتَ إِلَی ابْنِ أُخْتِیَ الْبَارِّ الْوَصُولِ أَنَا فَدَیْتُکَ أَبُو الْأَعَزِّ النَّهْشَلِیُّ وَ أَنَا خَالُ الْقَوْمِ وَ جِلْدَةُ بَیْنِ أَعْیُنِهِمْ لاَ یَعْصُونَنِی وَ لاَ تُضَارَّ اللَّیْلَةَ وَ أَنْتَ فِی ذِمَّتِی وَ عِنْدِی قَوْصَرَتَانِ (1) أَهْدَاهُمَا إِلَیَّ ابْنُ أُخْتِیَ الْبَارُّ الْوَصُولُ فَخُذْ إِحْدَاهُمَا فَانْبِذْهَا حَلاَلاً مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ .

وَ کَانَ الْکَلْبُ إِذَا سَمِعَ الْکَلاَمَ أَطْرَقَ وَ إِذَا سَکَتَ أَبُو الْأَعَزِّ وَثَبَ یُرِیدُ الْمَخْرَجَ فَتَهَانَفَ (2) أَبُو الْأَعَزِّ ثُمَّ تَضَاحَکَ وَ قَالَ یَا أَلْأَمَ النَّاسِ وَ أَوْضَعَهُمْ أَ لاَ أَرَانِی لَکَ مُنْذُ اللَّیْلَةِ

ص :109

فِی وَادٍ وَ أَنْتَ لِی فِی وَادٍ آخَرَ أَقْبَلْتَ السَّوْدَاءَ وَ الْبَیْضَاءَ فَتَصِیحُ وَ تَطْرُقُ فَإِذَا سَکَتُّ عَنْکَ وَثَبْتَ تُرِیدُ الْخُرُوجَ وَ اللَّهِ لَتَخْرُجَنَّ أَوْ لَأَلِجَنَّ عَلَیْکَ الْبَیْتَ.

فَلَمَّا طَالَ وُقُوفُهُ جَاءَتْ إِحْدَی الْإِمَاءِ فَقَالَتْ أَعْرَابِیٌّ مَجْنُونٌ وَ اللَّهِ مَا أَرَی فِی الْبَیْتِ شَیْئاً فَدَفَعَتِ الْبَابَ فَخَرَجَ الْکَلْبُ شَارِداً وَ حَادَّ عَنْهُ أَبُو الْأَعَزِّ سَاقِطاً عَلَی قَفَاهُ شَائِلَةً رِجْلاَهُ وَ قَالَ تَاللَّهِ مَا رَأَیْتُ کَالَّلیْلَةِ هَذِهِ مَا أَرَاهُ إِلاَّ کَلْباً وَ لَوْ عَلِمْتُ بِحَالِهِ لَوَلَجْتُ عَلَیْهِ (1) .

و نظیر هذه الحکایة

1134

حِکَایَةُ أَبِی حَیَّةَ النُّمَیْرِیِّ وَ کَانَ جَبَاناً قِیلَ کَانَ لِأَبِی حَیَّةَ سَیْفٌ لَیْسَ بَیْنَهُ وَ بَیْنَ الْخَشَبِ فَرْقٌ کَانَ یُسَمِّیهِ لُعَابَ الْمَنِیَّةِ فَحَکَی عَنْهُ بَعْضُ جِیرَانِهِ أَنَّهُ قَالَ أَشْرَفْتُ عَلَیْهِ لَیْلَةً وَ قَدِ انْتَضَاهُ وَ هُوَ وَاقِفٌ بِبَابِ بَیْتٍ فِی دَارِهِ وَ قَدْ سَمِعَ فِیهِ حِسّاً وَ هُوَ یَقُولُ أَیُّهَا الْمُغْتَرُّ بِنَا الْمُجْتَرِئُ عَلَیْنَا بِئْسَ وَ اللَّهِ مَا اخْتَرْتَ لِنَفْسِکَ خَیْرٌ قَلِیلٌ وَ سَیْفٌ صَقِیلٌ لُعَابُ الْمَنِیَّةِ الَّذِی سَمِعْتَ بِهِ مَشْهُورَةٌ صَوْلَتُهُ وَ لاَ تَخَافُ نَبْوَتَهُ اخْرُجْ بِالْعَفْوِ عَنْکَ لاَ أَدْخُلُ بِالْعُقُوبَةِ عَلَیْکَ إِنِّی وَ اللَّهِ إِنْ أَدَعْ [أَدْعُ]

قَیْساً تَمْلَأِ الْفَضَاءَ عَلَیْکَ خَیْلاً وَ رَجِلاً سُبْحَانَ اللَّهِ مَا أَکْثَرَهَا وَ أَطْیَبَهَا وَ اللَّهِ مَا أَنْتَ بِبَعِیدٍ مِنْ تَابِعِهَا وَ الرَّسُوبِ فِی تَیَّارِ لُجَّتِهَا.

وَ قَالَ وَهَبَتْ رِیحٌ فَفَتَحَتِ الْبَابَ فَخَرَجَ کَلْبٌ یَشْتَدُّ فَلُبِطَ بِأَبِی حَیَّةَ وَ ارْبَدَّ وَ شَغَرَ بِرِجْلَیْهِ وَ تَبَادَرَتْ إِلَیْهِ نِسَاءُ الْحَیِّ فَقُلْنَ یَا أَبَا حَیَّةَ لِتُفْرِخْ رَوْعَتُکَ إِنَّمَا هُوَ کَلْبٌ فَجَلَسَ وَ هُوَ یَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی مَسَخَکَ کَلْباً وَ کَفَانِی حَرْباً (2) .

و خرج مغیرة بن سعید العجلیّ فی ثلاثین رجلا ظهر الکوفة فعطعطوا (3) و خالد بن عبد اللّه القسری أمیر العراق یخطب علی المنبر فعرق و اضطرب و تحیر و جعل یقول أطعمونی ماء فهجاه ابن نوفل فقال

ص :110

أ خالد لا جزاک اللّه خیرا

و قال آخر یعیره بذلک بل المنابر من خوف و من دهش و استطعم الماء لما جد فی الهرب (1) .

و من کلام ابن المقفع فی ذمّ الجبن الجبن مقتلة و الحرص محرمة فانظر فیما رأیت و سمعت من قتل فی الحرب مقبلا أکثر أم من قتل مدبرا و انظر من یطلب إلیک بالإجمال و التکرم أحق أن تسخو نفسک له بالعطیة أم من یطلب ذلک بالشره و الحرص

ص :111

وَ قَالَ لَهُ اَلْبُرَکُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ إِنَّ لَکَ عِنْدِی بِشَارَةً قَالَ وَ مَا هِیَ فَأَخْبَرَهُ خَبَرَ صَاحِبِهِ وَ قَالَ لَهُ إِنَّ عَلِیّاً قُتِلَ فِی هَذِهِ اللَّیْلَةِ فَاحْتَبِسْنِی عِنْدَکَ فَإِنْ قُتِلَ فَأَنْتَ وَلِیُّ مَا تَرَاهُ فِی أَمْرِی وَ إِنْ لَمْ یُقْتَلْ أَعْطَیْتُکَ الْعُهُودَ وَ الْمَوَاثِیقَ أَنْ أَمْضِیَ إِلَیْهِ فَأَقْتُلَهُ ثُمَّ أَعُودَ إِلَیْکَ فَأَضَعَ یَدِی فِی یَدِکَ حَتَّی تَحْکُمَ فِیَّ بِمَا تَرَی فَحَبَسَهُ عِنْدَهُ فَلَمَّا أُتِیَ الْخَبَرُ أَنَّ عَلِیّاً قُتِلَ فِی تِلْکَ اللَّیْلَةِ خَلَّی سَبِیلَهُ.

هَذِهِ رِوَایَةُ إِسْمَاعِیلَ بْنِ رَاشِدٍ وَ قَالَ غَیْرُهُ مِنَ الرُّوَاةِ بَلْ قَتَلَهُ مِنْ وَقْتِهِ.

وَ أَمَّا صَاحِبُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَإِنَّهُ وَافَاهُ فِی تِلْکَ اللَّیْلَةِ وَ قَدْ وَجَدَ عِلَّةً فَأَخَذَ دَوَاءً وَ اسْتَخْلَفَ رَجُلاً یُصَلِّی بِالنَّاسِ یُقَالُ لَهُ خَارِجَةُ بْنُ أَبِی حَبِیبَةَ أَحَدُ بَنِی عَامِرِ بْنِ لُؤَیٍّ فَخَرَجَ لِلصَّلاَةِ فَشَدَّ عَمْرُو بْنُ بَکْرٍ فَضَرَبَهُ بِالسَّیْفِ فَأَثْبَتَهُ (1) وَ أُخِذَ الرَّجُلُ فَأُتِیَ بِهِ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فَقَتَلَهُ وَ دَخَلَ مِنْ غَدٍ إِلَی خَارِجَةَ وَ هُوَ یَجُودُ بِنَفْسِهِ فَقَالَ أَمَا وَ اللَّهِ یَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مَا أَرَادَ غَیْرَکَ قَالَ عَمْرٌو وَ لَکِنَّ اللَّهَ أَرَادَ خَارِجَةَ .وَ أَمَّا اِبْنُ مُلْجَمٍ فَإِنَّهُ قَتَلَ عَلِیّاً تِلْکَ اللَّیْلَةَ

.

1136

1- قَالَ أَبُو الْفَرَجِ وَ حَدَّثَنِی مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْأُشْنَانْدَانِیُّ وَ غَیْرُهُ قَالَ أَخْبَرَنِی عَلِیُّ بْنُ الْمُنْذِرِ الطَّرِیقِیُّ قَالَ حَدَّثَنَا اِبْنُ فُضَیْلٍ قَالَ حَدَّثَنَا فِطْرٌ (2) عَنْ أَبِی الطُّفَیْلِ قَالَ جَمَعَ عَلِیٌّ ع النَّاسَ لِلْبَیْعَةِ فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُلْجَمٍ فَرَدَّهُ عَلِیٌّ مَرَّتَیْنِ أَوْ ثَلاَثاً ثُمَّ مَدَّ یَدَهُ فَبَایَعَهُ فَقَالَ لَهُ عَلِیٌّ مَا یَحْبِسُ أَشْقَاهَا فَوَ الَّذِی نَفْسِی بِیَدِهِ لَتَخْضِبَنَّ هَذِهِ مِنْ هَذِهِ ثُمَّ أَنْشَدَ اُشْدُدْ حَیَازِیمَکَ لِلْمَوْتِ .

1137

1- قَالَ أَبُو الْفَرَجِ

ص :114

وَ قَدْ رُوِیَ لَنَا مِنْ طُرُقٍ غَیْرِ هَذِهِ أَنَّ عَلِیّاً أَعْطَی النَّاسَ فَلَمَّا بَلَغَ اِبْنَ مُلْجَمٍ أَعْطَاهُ وَ قَالَ لَهُ أُرِیدُ حَیَاتَهُ وَ یُرِیدُ قَتْلِی عَذِیرَکَ مِنْ خَلِیلِکَ مِنْ مُرَادٍ

(1)

.

1138

1- قَالَ أَبُو الْفَرَجِ وَ حَدَّثَنِی أَحْمَدُ بْنُ عِیسَی الْعِجْلِیُّ بِإِسْنَادٍ ذَکَرَهُ فِی الْکِتَابِ إِلَی أَبِی زُهَیْرٍ الْعَبْسِیِّ قَالَ کَانَ اِبْنُ مُلْجَمٍ مِنْ مُرَادٍ وَ عِدَادُهُ فِی کِنْدَةَ فَأَقْبَلَ حَتَّی قَدِمَ اَلْکُوفَةَ فَلَقِیَ بِهَا أَصْحَابَهُ وَ کَتَمَهُمْ أَمْرَهُ وَ طَوَی عَنْهُمْ مَا تَعَاقَدَ هُوَ وَ أَصْحَابُهُ عَلَیْهِ بِمَکَّةَ مِنْ قَتْلِ أُمَرَاءِ اَلْمُسْلِمِینَ مَخَافَةَ أَنْ یَنْتَشِرَ وَ زَارَ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِهِ ذَاتَ یَوْمٍ مِنْ بَنِی تَیْمِ الرِّبَابِ فَصَادَفَ عِنْدَهُ قَطَامِ بِنْتَ الْأَخْضَرِ مِنْ بَنِی تَیْمِ الرِّبَابِ وَ کَانَ عَلِیٌّ قَتَلَ أَخَاهَا وَ أَبَاهَا بِالنَّهْرَوَانِ وَ کَانَتْ مِنْ أَجْمَلِ نِسَاءِ أَهْلِ زَمَانِهَا فَلَمَّا رَآهَا شُغِفَ بِهَا وَ اشْتَدَّ إِعْجَابُهُ فَخَطَبَهَا فَقَالَتْ لَهُ مَا الَّذِی تُسَمِّی لِی مِنَ الصَّدَاقِ فَقَالَ احْتَکِمِی مَا بَدَا لَکِ فَقَالَتْ أَحْتَکِمُ عَلَیْکَ ثَلاَثَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ وَ وَصِیفاً وَ خَادِماً وَ أَنْ تَقْتُلَ عَلِیَّ بْنَ أَبِی طَالِبٍ .فَقَالَ لَهَا لَکِ جَمِیعُ مَا سَأَلْتِ وَ أَمَّا قَتْلُ عَلِیٍّ فَأَنَّی لِی بِذَلِکِ قَالَتْ تَلْتَمِسُ غِرَّتَهُ فَإِنْ أَنْتَ قَتَلْتَهُ شَفَیْتَ نَفْسِی وَ هَنَّأَکَ الْعَیْشُ مَعِی وَ إِنْ قُتِلْتَ فَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَیْرٌ لَکَ مِنَ الدُّنْیَا فَقَالَ لَهَا أَمَا وَ اللَّهِ مَا أَقْدَمَنِی هَذَا الْمِصْرَ وَ قَدْ کُنْتُ هَارِباً مِنْهُ لِآمَنَ أَهْلَهُ إِلاَّ مَا سَأَلْتِنِی مِنْ قَتْلِ عَلِیٍّ .قَالَتْ لَهُ فَأَنَا طَالِبَةٌ لَکَ بَعْضَ مَنْ یُسَاعِدُکَ عَلَی هَذَا وَ یُقَوِّیکَ ثُمَّ بَعَثَتْ إِلَی وَرْدَانَ بْنِ مُجَالِدٍ أَحَدِ بَنِی تَیْمِ الرِّبَابِ فَخَبَّرَتْهُ الْخَبَرَ وَ سَأَلَتْهُ مُعَاوَنَةَ اِبْنِ مُلْجَمٍ فَتَحَمَّلَ لَهَا ذَلِکَ وَ خَرَجَ اِبْنُ مُلْجَمٍ فَأَتَی رَجُلاً مِنْ أَشْجَعَ یُقَالُ لَهُ شَبِیبُ بْنُ بَجَرَةَ وَ قَالَ لَهُ یَا شَبِیبُ هَلْ لَکَ فِی شَرَفِ الدُّنْیَا وَ الْآخِرَةِ قَالَ وَ مَا ذَاکَ قَالَ تُسَاعِدُنِی عَلَی قَتْلِ عَلِیٍّ وَ کَانَ شَبِیبٌ عَلَی رَأْیِ اَلْخَوَارِجِ فَقَالَ لَهُ هَبِلَتْکَ الْهَبُولُ (2) لَقَدْ جِئْتَ شَیْئاً إِدًّا وَ کَیْفَ تَقْدِرُ وَیْحَکَ عَلَی ذَلِکَ قَالَ اِبْنُ مُلْجَمٍ نَکْمُنُ لَهُ فِی اَلْمَسْجِدِ الْأَعْظَمِ

ص :115

فَإِذَا خَرَجَ لِصَلاَةِ الْفَجْرِ فَتَکْنَا بِهِ وَ شَفَیْنَا أَنْفُسَنَا مِنْهُ وَ أَدْرَکْنَا ثَأْرَنَا فَلَمْ یَزَلْ بِهِ حَتَّی أَجَابَهُ.

فَأَقْبَلَ بِهِ حَتَّی دَخَلاَ عَلَی قَطَامِ وَ هِیَ مُعْتَکِفَةٌ فِی اَلْمَسْجِدِ الْأَعْظَمِ قَدْ ضُرِبَتْ لَهَا قُبَّةٌ فَقَالاَ لَهَا قَدْ أَجْمَعَ رَأَیْنُا عَلَی قَتْلِ هَذَا الرَّجُلِ قَالَتْ لَهُمَا فَإِذَا أَرَدْتُمَا ذَلِکَ فَالْقَیَانِی فِی هَذَا الْمَوْضِعِ فَانْصَرَفَا مِنْ عِنْدِهَا فَلَبِثَا أَیَّاماً ثُمَّ أَتَیَاهَا وَ مَعَهُمَا وَرْدَانُ بْنُ مُجَالِدٍ الَّذِی کَلَّفَتْهُ مَسَاعَدَةَ اِبْنِ مُلْجَمٍ وَ ذَلِکَ فِی لَیْلَةِ الْجُمُعَةِ لِتِسْعَ عَشْرَةَ لَیْلَةً خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ سَنَةَ أَرْبَعِینَ .

قَالَ أَبُو الْفَرَجِ هَکَذَا فِی رِوَایَةِ (1) أَبِی مِخْنَفٍ وَ فِی رِوَایَةِ أَبِی عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِیِّ أَنَّهَا کَانَتْ لَیْلَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ فَقَالَ لَهَا اِبْنُ مُلْجَمٍ هَذِهِ اللَّیْلَةُ هِیَ الَّتِی وَعَدْتُ فِیهَا صَاحِبَیَّ وَ وَعَدَانِی أَنْ یَقْتُلَ کُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا صَاحِبَهُ الَّذِی یَتَوَجَّهُ إِلَیْهِ

. قلت إنّما تواعدوا بمکّة عبد الرحمن و البرک و عمرو علی هذه اللیلة لأنّهم یعتقدون أن قتل ولاة الجور قربة إلی اللّه و أحری القربات ما تقرب به فی الأوقات الشریفة المبارکة.

و لما کانت لیلة الجمعة التاسعة عشرة من شهر رمضان لیلة شریفة یرجی أن تکون لیلة القدر عینوها لفعل ما یعتقدونه قربة إلی اللّه فلیعجب المتعجب من العقائد کیف تسری فی القلوب و تغلب علی العقول حتّی یرتکب الناس عظائم الأمور و أهوال الخطوب لأجلها (2)

1139

1- قَالَ أَبُو الْفَرَجِ فَدَعَتْ لَهُمْ بِحَرِیرٍ فَعَصَبَتْ بِهِ صُدُورَهُمْ وَ تَقَلَّدُوا سُیُوفَهُمْ وَ مَضَوْا فَجَلَسُوا مُقَابِلَ السُّدَّةِ الَّتِی کَانَ یَخْرُجُ مِنْهَا عَلِیٌّ ع إِلَی الصَّلاَةِ (3) .

ص :116

قَالَ أَبُو الْفَرَجِ وَ قَدْ کَانَ اِبْنُ مُلْجَمٍ أَتَی اَلْأَشْعَثَ بْنَ قَیْسٍ فِی هَذِهِ اللَّیْلَةِ فَخَلاَ بِهِ فِی بَعْضِ نَوَاحِی الْمَسْجِدِ وَ مَرَّ بِهِمَا حُجْرُ بْنُ عَدِیٍّ فَسَمِعَ اَلْأَشْعَثَ وَ هُوَ یَقُولُ لاِبْنِ مُلْجَمٍ النَّجَاءَ النَّجَاءَ بِحَاجَتِکَ فَقَدْ فَضَحَکَ الصُّبْحُ قَالَ لَهُ حُجْرٌ قَتَلْتَهُ یَا أَعْوَرُ وَ خَرَجَ مُبَادِراً إِلَی عَلِیٍّ (1) وَ قَدْ سَبَقَهُ اِبْنُ مُلْجَمٍ فَضَرَبَهُ (2) فَأَقْبَلَ حُجْرٌ وَ النَّاسُ یَقُولُونَ قُتِلَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ

.

1140

1- قَالَ أَبُو الْفَرَجِ وَ لِلْأَشْعَثِ بْنِ قَیْسٍ فِی انْحِرَافِهِ عَنْ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ أَخْبَارٌ یَطُولُ شَرْحُهَا مِنْهَا حَدِیثٌ حَدَّثَنِیهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَیْنِ الْأُشْنَانْدَانِیُّ قَالَ حَدَّثَنِی إِسْمَاعِیلُ بْنُ مُوسَی قَالَ حَدَّثَنَا عَلِیُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنِ اَلْأَجْلَحِ عَنْ مُوسَی بْنِ أَبِی النُّعْمَانِ قَالَ جَاءَ اَلْأَشْعَثُ إِلَی عَلِیٍّ یَسْتَأْذِنُ عَلَیْهِ فَرَدَّهُ قَنْبَرٌ فَأَدْمَی اَلْأَشْعَثُ أَنْفَهُ فَخَرَجَ عَلِیٌّ وَ هُوَ یَقُولُ مَا لِی وَ لَکَ یَا أَشْعَثُ أَمَا وَ اللَّهِ لَوْ بِعَبْدِ ثَقِیفٍ تَمَرَّسْتَ لاَقْشَعَرَّتْ شُعَیْرَاتُکَ قِیلَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ وَ مَنْ عَبْدُ ثَقِیفٍ قَالَ غُلاَمٌ لَهُمْ لاَ یُبْقِی أَهْلَ بَیْتٍ مِنَ اَلْعَرَبِ إِلاَّ أَدْخَلَهُمْ ذُلاًّ قِیلَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ کَمْ یَلِی أَوْ کَمْ یَمْکُثُ قَالَ عِشْرِینَ إِنْ بَلَغَهَا

.

1141

1- قَالَ أَبُو الْفَرَجِ وَ حَدَّثَنِی مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَیْنِ أَیْضاً بِإِسْنَادٍ ذَکَرَهُ أَنَّ اَلْأَشْعَثَ دَخَلَ عَلَی عَلِیٍّ فَکَلَّمَهُ فَأَغْلَظَ عَلِیٌّ لَهُ فَعَرَّضَ لَهُ اَلْأَشْعَثُ أَنَّهُ سَیَفْتِکُ بِهِ فَقَالَ لَهُ عَلِیٌّ أَ بِالْمَوْتِ تُخَوِّفُنِی أَوْ تُهَدِّدُنِی فَوَ اللَّهِ مَا أُبَالِی وَقَعْتُ عَلَی الْمَوْتِ أَوْ وَقَعَ الْمَوْتُ عَلَیَّ

.

1142

1- قَالَ أَبُو الْفَرَجِ قَالَ أَبُو مِخْنَفٍ فَحَدَّثَنِی أَبِی عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَزْدِیِّ قَالَ إِنِّی لَأُصَلِّی تِلْکَ اللَّیْلَةَ فِی اَلْمَسْجِدِ الْأَعْظَمِ مَعَ رِجَالٍ مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ کَانُوا یُصَلُّونَ فِی ذَلِکَ الشَّهْرِ مِنَ أَوَّلِ اللَّیْلِ إِلَی آخِرِهِ إِذْ نَظَرْتُ إِلَی رِجَالٍ یُصَلُّونَ قَرِیباً مِنَ السُّدَّةِ قِیَاماً وَ قُعُوداً وَ رُکُوعاً وَ سُجُوداً مَا یَسْأَمُونَ إِذْ خَرَجَ عَلَیْهِمْ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ الْفَجْرَ فَأَقْبَلَ یُنَادِی اَلصَّلاَةَ الصَّلاَةَ فَرَأَیْتُ بَرِیقَ السَّیْفِ وَ سَمِعْتُ قَائِلاً یَقُولُ الْحُکْمُ لِلَّهِ یَا عَلِیُّ لاَ لَکَ

ص :117

ثُمَّ رَأَیْتُ بَرِیقَ سَیْفٍ آخَرَ وَ سَمِعْتُ صَوْتَ عَلِیٍّ ع یَقُولُ لاَ یَفُوتَنَّکُمُ الرَّجُلُ .

قَالَ أَبُو الْفَرَجِ فَأَمَّا بَرِیقُ السَّیْفِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ کَانَ شَبِیبُ بْنُ بَجَرَةَ ضَرَبَهُ فَأَخْطَأَهُ وَ وَقَعَتْ ضَرْبَتُهُ فِی الطَّاقِ وَ أَمَّا بَرِیقُ السَّیْفِ الثَّانِی فَإِنَّهُ اِبْنُ مُلْجَمٍ ضَرَبَهُ فَأَثْبَتَ الضَّرْبَةَ فِی وَسَطِ رَأْسِهِ وَ شَدَّ النَّاسُ عَلَیْهِمَا مِنْ کُلِّ نَاحِیَةٍ حَتَّی أَخَذُوهُمَا (1) .

قَالَ أَبُو مِخْنَفٍ فَهَمْدَانُ تَذْکُرُ أَنَّ رَجُلاً مِنْهُمْ یُکَنَّی أَبَا أَدْمَاءَ أَخَذَ اِبْنَ مُلْجَمٍ .وَ قَالَ غَیْرُهُمْ بَلْ أَخَذَهُ اَلْمُغِیرَةُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ طَرَحَ عَلَیْهِ قَطِیفَةً ثُمَّ صَرَعَهُ وَ أَخَذَ السَّیْفَ مِنْ یَدِهِ وَ جَاءَ بِهِ.

قَالَ وَ أَمَّا شَبِیبُ بْنُ بَجَرَةَ فَإِنَّهُ خَرَجَ هَارِباً فَأَخَذَهُ رَجُلٌ فَصَرَعَهُ وَ جَلَسَ عَلَی صَدْرِهِ وَ أَخَذَ السَّیْفَ مِنْ یَدِهِ لِیَقْتُلَهُ فَرَأَی النَّاسَ یَقْصِدُونَ نَحْوَهُ فَخَشِیَ أَنْ یُعَجِّلُوا عَلَیْهِ فَوَثَبَ عَنْ صَدْرِهِ (2) وَ خَلاَّهُ وَ طَرَحَ السَّیْفُ عَنْ یَدِهِ وَ أَمَّا شَبِیبُ بْنُ بَجَرَةَ فَفَاتَهُ فَخَرَجَ هَارِباً حَتَّی دَخَلَ مَنْزِلَهُ فَدَخَلَ عَلَیْهِ ابْنُ عَمٍّ لَهُ (3) فَرَآهُ یَحُلُّ الْحَرِیرَ عَنْ صَدْرِهِ فَقَالَ لَهُ (4) مَا هَذَا لَعَلَّکَ قَتَلْتَ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ فَأَرَادَ أَنْ یَقُولَ لاَ فَقَالَ نَعَمْ فَمَضَی ابْنُ عَمِّهِ فَاشْتَمَلَ عَلَی سَیْفِهِ ثُمَّ دَخَلَ عَلَیْهِ فَضَرَبَهُ حَتَّی قَتَلَهُ

.

1143

1- قَالَ أَبُو مِخْنَفٍ فَحَدَّثَنِی أَبِی عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَزْدِیِّ قَالَ أُدْخِلَ اِبْنُ مُلْجَمٍ عَلَی عَلِیٍّ ع وَ دَخَلْتُ عَلَیْهِ فِیمَنْ دَخَلَ فَسَمِعْتُ عَلِیّاً یَقُولُ اَلنَّفْسَ بِالنَّفْسِ إِنْ أَنَا مِتُّ فَاقْتُلُوهُ کَمَا قَتَلَنِی وَ إِنْ سَلِمْتُ رَأَیْتُ فِیهِ رَأْیِی فَقَالَ اِبْنُ مُلْجَمٍ وَ لَقَدْ اشْتَرَیْتُهُ بِأَلْفٍ یَعْنِی السَّیْفَ وَ سَمَمْتُهُ بِأَلْفٍ فَإِنْ خَانَنِی فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ قَالَ فَنَادَتْهُ أُمُّ کُلْثُومٍ یَا عَدُوَّ اللَّهِ قَتَلْتَ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ قَالَ إِنَّمَا قَتَلْتُ أَبَاکِ قَالَتْ یَا عَدُوَّ اللَّهِ إِنِّی لَأَرْجُو

ص :118

أَلاَّ یَکُونَ عَلَیْهِ بَأْسٌ قَالَ فَأَرَاکِ إِنَّمَا تَبْکِینَ عَلِیّاً إِذَا وَ اللَّهِ لَقَدْ ضَرَبْتُهُ ضَرْبَةً لَوْ قُسِمَتْ بَیْنَ أَهْلِ الْأَرْضِ لَأَهْلَکَتْهُمْ.

قَالَ أَبُو الْفَرَجِ وَ أُخْرِجَ اِبْنُ مُلْجَمٍ مِنْ بَیْنِ یَدَیْهِ وَ هُوَ یَقُولُ (1) نَحْنُ ضَرَبْنَا یَا ابْنَةَ الْخَیْرِ إِذْ طَغَی

قَالَ وَ انْصَرَفَ النَّاسُ مِنْ صَلاَةِ الصُّبْحِ فَأَحْدَقُوا بِابْنِ مُلْجَمٍ یَنْهَشُونَ لَحْمَهُ بِأَسْنَانِهِمْ کَأَنَّهُمُ السِّبَاعُ وَ یَقُولُونَ یَا عَدُوَّ اللَّهِ مَا ذَا صَنَعْتَ أَهْلَکْتَ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ وَ قَتَلْتَ خَیْرَ النَّاسِ وَ إِنَّهُ لَصَامِتٌ مَا یَنْطِقُ

.

1144

1,14,2- قَالَ أَبُو الْفَرَجِ وَ رَوَی أَبُو مِخْنَفٍ عَنْ أَبِی الطُّفَیْلِ أَنَّ صَعْصَعَةَ بْنَ صُوحَانَ اسْتَأْذَنَ عَلَی عَلِیٍّ ع وَ قَدْ أَتَاهُ عَائِداً لَمَّا ضَرَبَهُ اِبْنُ مُلْجَمٍ فَلَمْ یَکُنْ عَلَیْهِ إِذْنٌ فَقَالَ صَعْصَعَةُ لِلْآذِنِ قُلْ لَهُ یَرْحَمُکَ اللَّهُ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ حَیّاً وَ مَیِّتاً فَلَقَدْ کَانَ اللَّهُ فِی صَدْرِکَ عَظِیماً وَ لَقَدْ کُنْتَ بِذَاتِ اللَّهِ عَلِیماً فَأَبْلَغَهُ الْآذِنُ مَقَالَتَهُ فَقَالَ قُلْ لَهُ وَ أَنْتَ یَرْحَمُکَ اللَّهُ فَلَقَدْ کُنْتَ خَفِیفَ الْمَئُونَةِ کَثِیرَ الْمَعُونَةِ .

قَالَ أَبُو الْفَرَجِ ثُمَّ جُمِعَ لَهُ أَطِبَّاءُ اَلْکُوفَةِ فَلَمْ یَکُنْ مِنْهُمْ أَحَدٌ أَعْلَمَ بِجُرْحِهِ مِنْ أَثِیرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هَانِئٍ السَّکُونِیِّ وَ کَانَ مُتَطَبِّباً صَاحِبَ کُرْسِیٍّ یُعَالِجُ الْجِرَاحَاتِ وَ کَانَ مِنَ الْأَرْبَعِینَ غُلاَماً الَّذِینَ کَانَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِیدِ أَصَابَهُمْ فِی عَیْنِ التَّمْرِ فَسَبَاهُمْ فَلَمَّا نَظَرَ أَثِیرٌ إِلَی جُرْحِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ دَعَا بِرِئَةِ شَاةٍ حَارَّةٍ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهَا عِرْقاً وَ أَدْخَلَهُ فِی الْجُرْحِ ثُمَّ نَفَخَهُ ثُمَّ

ص :119

اسْتَخْرَجَهُ وَ إِذَا عَلَیْهِ بَیَاضُ الدِّمَاغِ فَقَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ اعْهَدْ عَهْدَکَ فَإِنَّ عَدُوَّ اللَّهِ قَدْ وَصَلَتْ ضَرْبَتُهُ إِلَی أُمِّ رَأْسِکَ فَدَعَا عَلِیٌّ ع عِنْدَ ذَلِکَ بِدَوَاةٍ وَ صَحِیفَةٍ وَ کَتَبَ وَصِیَّتَهُ هَذَا مَا أَوْصَی بِهِ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ أَوْصَی بِأَنَّهُ یَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ أَرْسَلَهُ بِالْهُدیٰ وَ دِینِ الْحَقِّ لِیُظْهِرَهُ عَلَی الدِّینِ کُلِّهِ وَ لَوْ کَرِهَ اَلْمُشْرِکُونَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَ بَرَکَاتُهُ عَلَیْهِ إِنَّ صَلاٰتِی وَ نُسُکِی وَ مَحْیٰایَ وَ مَمٰاتِی لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِینَ لاٰ شَرِیکَ لَهُ وَ بِذٰلِکَ أُمِرْتُ وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِینَ أُوصِیکَ یَا حَسَنُ وَ جَمِیعَ وُلْدِی وَ أَهْلِ بَیْتِی وَ مَنْ بَلَغَهُ کِتَابِی هَذَا بِتَقْوَی اللَّهِ رَبِّنَا وَ رَبِّکُمْ وَ لاٰ تَمُوتُنَّ إِلاّٰ وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّٰهِ جَمِیعاً وَ لاٰ تَفَرَّقُوا فَإِنِّی سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ یَقُولُ صَلاَحُ ذَاتِ الْبَیْنِ أَفْضَلُ مِنْ عَامَّةِ الصَّلاَةِ وَ الصِّیَامِ وَ إِنَّ الْمُبِیرَةَ حَالِقَةَ الدِّینِ إِفْسَادُ ذَاتِ الْبَیْنِ وَ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ الْعَلِیِّ الْعَظِیمِ انْظُرُوا إِلَی ذَوِی أَرْحَامِکُمْ فَصِلُوهَا یُهَوِّنِ اللَّهُ عَلَیْکُمُ الْحِسَابَ وَ اللَّهَ اللَّهَ فِی الْأَیْتَامِ فَلاَ تُغَیِّرُنَّ أَفْوَاهَهُمْ بِجَفْوَتِکُمْ وَ اللَّهَ اللَّهَ فِی جِیرَانِکُمْ فَإِنَّهَا وَصِیَّةُ رَسُولِ اللَّهِ ص فَمَا زَالَ یُوصِینَا بِهِمْ حَتَّی ظَنَنَّا أَنَّهُ سَیُوَرِّثُهُمُ اللَّهُ وَ اللَّهَ اللَّهَ فِی اَلْقُرْآنِ فَلاَ یَسْبِقَنَّکُمْ بِالْعَمَلِ بِهِ غَیْرُکُمْ وَ اللَّهَ اللَّهَ فِی الصَّلاَةِ فَإِنَّهَا عِمَادُ دِینِکُمْ وَ اللَّهَ اللَّهَ فِی صِیَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ جُنَّةٌ مِنَ اَلنَّارِ وَ اللَّهَ اللَّهَ فِی الْجِهَادِ بِأَمْوَالِکُمْ وَ أَنْفُسِکُمْ وَ اللَّهَ اللَّهَ فِی زَکَاةِ أَمْوَالِکُمْ فَإِنَّهَا تُطْفِئُ غَضَبَ رَبِّکُمْ وَ اللَّهَ اللَّهَ فِی أَهْلِ بَیْتِ نَبِیِّکُمْ فَلاَ یُظْلَمُنَّ بَیْنَ أَظْهُرِکُمْ وَ اللَّهَ اللَّهَ فِی أَصْحَابِ نَبِیِّکُمُ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص أَوْصَی بِهِمْ وَ اللَّهَ اللَّهَ فِی الْفُقَرَاءِ وَ الْمَسَاکِینِ فَأَشْرِکُوهُمْ فِی مَعَایِشِکُمْ وَ اللَّهَ اللَّهَ فِیمَا مَلَکَتْ أَیْمَانُکُمْ فَإِنَّهُ کَانَتْ آخِرَ وَصِیَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ص إِذْ قَالَ أُوصِیکُمْ بِالضَّعِیفَیْنِ فِیمَا مَلَکَتْ أَیْمَانُکُمْ ثُمَّ الصَّلاَةَ الصَّلاَةَ لاَ تَخَافُوا فِی اللَّهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ یَکْفِکُمْ مَنْ بَغَی عَلَیْکُمْ وَ مَنْ أَرَادَکُمْ بِسُوءٍ قُولُوا لِلنّٰاسِ حُسْناً کَمَا أَمَرَکُمُ اللَّهُ بِهِ وَ لاَ تَتْرُکُوا الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَ النَّهْیَ عَنِ الْمُنْکَرِ فَیَتَوَلَّی ذَلِکَ غَیْرُکُمْ وَ تَدْعُونَ فَلاَ یُسْتَجَابُ لَکُمْ عَلَیْکُمْ بِالتَّوَاضُعِ وَ التَّبَاذُلِ وَ التَّبَارِّ وَ إِیَّاکُمْ وَ التَّقَاطُعَ وَ التَّفَرُّقَ

ص :120

وَ التَّدَابُرَ تَعٰاوَنُوا عَلَی الْبِرِّ وَ التَّقْویٰ وَ لاٰ تَعٰاوَنُوا عَلَی الْإِثْمِ وَ الْعُدْوٰانِ وَ اتَّقُوا اللّٰهَ إِنَّ اللّٰهَ شَدِیدُ الْعِقٰابِ حَفِظَکُمُ اللَّهُ مِنْ أَهْلِ بَیْتٍ وَ حَفِظَ فِیکُمْ نَبِیَّهُ أَسْتَوْدِعُکُمُ اللَّهَ خَیْرَ مُسْتَوْدَعٍ وَ عَلَیْکُمْ سَلاَمُ اللَّهِ وَ رَحْمَتُهُ

.

قلت قوله و اللّه اللّه فی الأیتام فلا تغیرن أفواههم بجفوتکم یحتمل تفسیرین أحدهما لا تجیعوهم فإن الجائع یخلف فمه و تتغیر نکهته و الثانی لا تحوجوهم إلی تکرار الطلب و السؤال فإن السائل ینضب ریقه و تنشف لهواته و یتغیر ریح فمه.

و قوله حکایة عن رسول اللّه ص أوصیکم بالضعیفین فیما ملکت أیمانکم یعنی به الحیوان الناطق و الحیوان الأعجم.

1145

2,1,14- قَالَ أَبُو الْفَرَجِ وَ حَدَّثَنِی أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِیرٍ الطَّبَرِیُّ بِإِسْنَادٍ ذَکَرَهُ فِی الْکِتَابِ عَنْ أَبِی عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِیِّ قَالَ قَالَ لِی اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِیٍّ ع خَرَجْتُ وَ أَبِی یُصَلِّی فِی الْمَسْجِدِ فَقَالَ لِی یَا بُنَیَّ إِنِّی بِتُّ اللَّیْلَةَ أُوقِظُ أَهْلِی لِأَنَّهَا لَیْلَةَ الْجُمُعَةِ صَبِیحَةَ یَوْمِ بَدْرٍ لِتِسْعَ (1) عَشْرَةَ لَیْلَةً خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ فَمَلَکَتْنِی عَیْنَایَ فَسَنَحَ لِی رَسُولُ اللَّهِ ص فَقُلْتُ یَا رَسُولَ اللَّهِ مَا ذَا لَقِیتُ مِنْ أُمَّتِکَ مِنَ الْأَوَدِ (2) وَ اللَّدَدِ فَقَالَ لِی ادْعُ عَلَیْهِمْ فَقُلْتُ اللَّهُمَّ أَبْدِلْنِی بِهِمْ خَیْراً مِنْهُمْ وَ أَبْدِلْهُمْ بِی مَنْ هُوَ شَرٌّ مِنِّی قَالَ اَلْحَسَنُ ع وَ جَاءَ اِبْنٌ أَبِی السَّاجِ فَآذَنَهُ بِالصَّلاَةِ فَخَرَجَ فَخَرَجْتُ خَلْفَهُ فَاعْتَوَرَهُ الرَّجُلاَنِ فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَوَقَعَتْ ضَرْبَتُهُ فِی الطَّاقِ وَ أَمَّا الْآخَرُ فَأَثْبَتَهَا فِی رَأْسِهِ

.

1146

1,2- قَالَ أَبُو الْفَرَجِ قَالَ حَدَّثَنِی أَحْمَدُ بْنُ عِیسَی قَالَ حَدَّثَنَا اَلْحُسَیْنُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ

ص :121

حَدَّثَنَا زَیْدُ بْنُ الْمُعَدِّلِ عَنْ یَحْیَی بْنِ شُعَیْبٍ عَنْ أَبِی مِخْنَفٍ عَنْ فُضَیْلِ بْنِ خَدِیجٍ عَنِ اَلْأَسْوَدِ الْکِنْدِیِّ وَ اَلْأَجْلَحِ قَالاَ تُوُفِّیَ عَلِیٌّ ع وَ هُوَ ابْنُ أَرْبَعٍ وَ سِتِّینَ سَنَةً فِی عَامِ أَرْبَعِینَ مِنَ الْهِجْرَةِ لَیْلَةَ [اَلْأَحَدِ]

لِإِحْدَی وَ عِشْرِینَ لَیْلَةً الأحد مَضَتْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ وَ وَلِیَ غُسْلَهُ ابْنُهُ اَلْحَسَنُ وَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَبَّاسِ وَ کُفِّنَ فِی ثَلاَثَةِ أَثْوَابٍ لَیْسَ فِیهَا قَمِیصٌ وَ صَلَّی عَلَیْهِ ابْنُهُ اَلْحَسَنُ فَکَبِّرْ عَلَیْهِ خَمْسَ تَکْبِیرَاتٍ وَ دُفِنَ بِالرَّحَبَةِ مِمَّا یَلِی أَبْوَابَ کِنْدَةَ عِنْدَ صَلاَةِ الصُّبْحِ .

هذه روایة أبی مخنف .

1147

3,1- قَالَ أَبُو الْفَرَجِ وَ حَدَّثَنِی أَحْمَدُ بْنُ سَعِیدٍ قَالَ حَدَّثَنَا یَحْیَی بْنُ الْحَسَنِ الْعَلَوِیُّ قَالَ حَدَّثَنَا یَعْقُوبُ بْنُ زَیْدٍ عَنِ اِبْنِ أَبِی عُمَیْرٍ عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِیٍّ الْخَلاَّلِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ قُلْتُ لِلْحُسَیْنِ (1) بْنِ عَلِیٍّ ع أَیْنَ دَفَنْتُمْ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ ع قَالَ خَرَجْنَا بِهِ لَیْلاً مِنْ مَنْزِلِهِ حَتَّی مَرَرْنَا بِهِ عَلَی مَنْزِلِ اَلْأَشْعَثِ بْنِ قَیْسٍ ثُمَّ خَرَجْنَا بِهِ إِلَی الظَّهْرِ بِجَنْبِ اَلْغَرِیِّ

.

قلت و هذه الروایة هی الحق و علیها العمل و قد قلنا فیما تقدم إن أبناء الناس أعرف بقبور آبائهم من غیرهم من الأجانب و هذا القبر الذی بالغری هو الذی کان بنو علی یزورونه قدیما و حدیثا و یقولون هذا قبر أبینا لا یشک أحد فی ذلک من الشیعة و لا من غیرهم أعنی بنی علی من ظهر الحسن و الحسین و غیرهما من سلالته المتقدمین منهم و المتأخرین ما زاروا و لا وقفوا إلاّ علی هذا القبر بعینه.

1148

5,6- وَ قَدْ رَوَی أَبُو الْفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِیِّ بْنِ الْجَوْزِیِّ فِی تَارِیخِهِ الْمَعْرُوفِ بِالْمُنْتَظَمِ (2) وَفَاةَ

ص :122

أَبِی الْغَنَائِمِ عَنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیِّ بْنِ مَیْمُونٍ النَّرْسِیِّ (1) الْمَعْرُوفِ بِأُبَیٍّ (2) لِجَوْدَةِ قِرَاءَتِهِ قَالَ تُوُفِّیَ أَبُو الْغَنَائِمِ هَذَا فِی سَنَةِ عَشْرٍ وَ خَمْسِمِائَةٍ وَ کَانَ مُحَدِّثاً مِنْ أَهْلِ اَلْکُوفَةِ ثِقَةً حَافِظاً وَ کَانَ مِنْ قُوَّامِ اللَّیْلِ وَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَ کَانَ یَقُولُ مَا بِالْکُوفَةِ مَنْ هُوَ عَلَی مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَ أَصْحَابِ الْحَدِیثِ غَیْرِی وَ کَانَ یَقُولُ مَاتَ بِالْکُوفَةِ ثَلاَثُمِائَةِ صَحَابِیٍّ لَیْسَ قَبْرُ أَحَدٍ مِنْهُمْ مَعْرُوفاً إِلاَّ قَبْرُ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ وَ هُوَ هَذَا الْقَبْرُ الَّذِی یَزُورُهُ النَّاسُ الْآنَ جَاءَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ ع وَ أَبُوهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِیِّ بْنِ الْحُسَیْنِ ع إِلَیْهِ فَزَارَاهُ وَ لَمْ یَکُنْ إِذْ ذَاکَ قَبْراً مَعْرُوفاً ظَاهِراً وَ إِنَّمَا کَانَ بِهِ سَرْحٌ عِضَاهٌ حَتَّی جَاءَ مُحَمَّدُ بْنُ زَیْدٍ الدَّاعِی صَاحِبُ اَلدَّیْلَمِ فَأَظْهَرَ الْقَبْرَ (3)

.

و سألت بعض من أثق به من عقلاء شیوخ أهل الکوفة عما ذکره الخطیب أبو بکر فی تاریخه أن قوما یقولون إن هذا القبر الذی تزوره الشیعة إلی جانب الغری هو قبر المغیرة بن شعبة فقال غلطوا فی ذلک قبر المغیرة و قبر زیاد بالثویة (4) من أرض الکوفة و نحن نعرفهما و ننقل ذلک عن آبائنا و أجدادنا و أنشدنی قول الشاعر یرثی زیادا و قد ذکره أبو تمام فی الحماسة صلی الإله علی قبر و طهره

ص :123

قد کان عندک للمعروف معرفة

و سألت قطب الدین نقیب الطالبیین أبا عبد اللّه الحسین بن الأقساسی رحمه اللّه تعالی عن ذلک فقال صدق من أخبرک نحن و أهلها کافة نعرف مقابر ثقیف إلی الثویة و هی إلی الیوم معروفة و قبر المغیرة فیها إلاّ أنّها لا تعرف و قد ابتلعها السبخ و زبد الأرض و فورانها فطمست و اختلط بعضها ببعض.

ثمّ قال إن شئت أن تتحقّق أن قبر المغیرة فی مقابر ثقیف فانظر إلی کتاب الأغانی (1) لأبی الفرج علیّ بن الحسین و المح ما قاله فی ترجمة المغیرة و أنّه مدفون فی مقابر ثقیف و یکفیک قول أبی الفرج فإنه الناقد البصیر و الطبیب الخبیر فتصفحت ترجمة المغیرة فی الکتاب المذکور فوجدت الأمر کما قاله النقیب .

1149

قَالَ أَبُو الْفَرَجِ کَانَ مَصْقَلَةُ بْنُ هُبَیْرَةَ الشَّیْبَانِیُّ قَدْ لاَحَی اَلْمُغِیرَةَ فِی شَیْءٍ کَانَ بَیْنَهُمَا مُنَازَعَةٌ فَضَرَعَ لَهُ اَلْمُغِیرَةُ وَ تَوَاضَعَ فِی کَلاَمِهِ حَتَّی طَمِعَ فِیهِ مَصْقَلَةُ فَاسْتَعْلَی عَلَیْهِ وَ شَتَمَهُ وَ قَالَ إِنِّی لَأَعْرِفُ شَبَهِی فِی عُرْوَةَ ابْنِکَ فَأَشْهَدَ اَلْمُغِیرَةُ عَلَی قَوْلِهِ هَذَا شُهُوداً ثُمَّ قَدَّمَهُ إِلَی شُرَیْحٍ الْقَاضِی فَأَقَامَ عَلَیْهِ الْبَیِّنَةَ فَضَرَبَهُ شُرَیْحٌ الْحَدَّ وَ آلَی مَصْقَلَةُ أَلاَّ یُقِیمَ بِبَلْدَةٍ فِیهَا اَلْمُغِیرَةُ فَلَمْ یَدْخُلِ اَلْکُوفَةَ حَتَّی مَاتَ اَلْمُغِیرَةُ فَدَخَلَهَا فَتَلَقَّاهُ قَوْمُهُ فَسَلَّمُوا عَلَیْهِ فَمَا فَرَغَ مِنَ السَّلاَمِ حَتَّی سَأَلَهُمْ عَنْ مَقَابِرِ ثَقِیفٍ فَأَرْشَدُوهُ إِلَیْهَا فَجَعَلَ قَوْمٌ مِنْ مَوَالِیهِ

ص :124

یَلْتَقِطُونَ الْحِجَارَةَ فَقَالَ لَهُمْ مَا هَذَا فَقَالُوا نَظُنُّ أَنَّکَ تُرِیدُ أَنْ تَرْجُمَ قَبْرَ اَلْمُغِیرَةِ فَقَالَ أَلْقُوا مَا فِی أَیْدِیکُمْ فَانْطَلَقَ حَتَّی وَقَفَ عَلَی قَبْرِهِ ثُمَّ قَالَ وَ اللَّهِ لَقَدْ کُنْتَ مَا عَلِمْتُ نَافِعاً لِصَدِیقِکَ ضَارّاً لِعَدُوِّکَ وَ مَا مَثَلُکَ إِلاَّ کَمَا قَالَ مُهَلْهَلٌ فِی کُلَیْبٍ أَخِیهِ إِنْ تَحْتَ الْأَحْجَارِ حَزْماً وَ عَزْماً

1150

2- قَالَ أَبُو الْفَرَجِ فَأَمَّا اِبْنُ مُلْجَمٍ فَإِنَّ اَلْحَسَنَ بْنَ عَلِیٍّ بَعْدَ دَفْنِهِ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ دَعَا بِهِ وَ أَمَرَ بِضَرْبِ عُنُقِهِ فَقَالَ لَهُ إِنْ رَأَیْتَ أَنْ تَأْخُذَ عَلَیِّ الْعُهُودَ أَنْ أَرْجِعَ إِلَیْکَ حَتَّی أَضَعَ یَدِی فِی یَدِکَ بَعْدَ أَنْ أَمْضِیَ إِلَی اَلشَّامِ فَأَنْظُرَ مَا صَنَعَ صَاحِبِی بِمُعَاوِیَةَ فَإِنْ کَانَ قَتَلَهُ وَ إِلاَّ قَتَلْتُهُ ثُمَّ عُدْتُ إِلَیْکَ حَتَّی تَحْکُمَ فِیَّ حُکْمَکَ فَقَالَ هَیْهَاتَ وَ اللَّهِ لاَ تَشْرَبُ الْمَاءَ الْبَارِدَ حَتَّی تَلْحَقَ رُوحُکَ بِالنَّارِ ثُمَّ ضَرَبَ عُنُقَهُ وَ اسْتَوْهَبَتْ أُمُّ الْهَیْثَمِ بِنْتُ الْأَسْوَدِ النَّخَعِیَّةُ جُثَّتَهُ مِنْهُ فَوَهَبَهَا لَهَا فَأَحْرَقَتْهَا بِالنَّارِ

.

و قال ابن أبی میاس الفزاریّ و هو من الخوارج فلم أر مهرا ساقه ذو سماحة

و قال عبد اللّه بن العبّاس بن عبد المطلب (1) و هز علی بالعراقین لحیة

ص :125

فیا ضربة من خاسر ضل سعیه

1151

قَالَ أَبُو الْفَرَجِ وَ أَنْشَدَنِی عَمِّی اَلْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ أَنْشَدَنِی مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ لِبَعْضِ بَنِی عَبْدِ الْمُطَّلِبِ یَرْثِی عَلِیّاً وَ لَمْ یَذْکُرِ اسْمَهُ یَا قَبْرَ سَیِّدِنَا الْمِجَنَ سَمَاحَةً

ص :126

کالسافلین من بنی عم و کالمولاة تموت من غیر ولد و لا من یجری مجراه فیرثها مولاها و لا نسب بینها و بینه .

ثمّ أقسم أنّه لم یأتهم اختیارا و لکن المقادیر ساقته إلیهم سوقا یعنی اضطرارا.

و صدق ع لأنّه لو لا یوم الجمل لم یحتج إلی الخروج من المدینة إلی العراق و إنّما استنجد بأهل الکوفة علی أهل البصرة اضطرارا إلیهم لأنّه لم یکن جیشه الحجازی وافیا بأهل البصرة الذین أصفقوا علی حربه و نکث بیعته و لم یکن خروجه عن المدینة و هی دار الهجرة و مفارقته لقبر رسول اللّه ص و قبر فاطمة عن إیثار و محبة و لکن الأحوال تحکم و تسوق الناس إلی ما لا یختارونه ابتداء.

و قد روی هذا الکلام علی وجه آخر ما أتیتکم اختیارا و لا جئت إلیکم شوقا بالشین المعجمة .

ثمّ قال بلغنی أنکم تقولون یکذب و کان کثیرا ما یخبر عن الملاحم و الکائنات و یومئ إلی أمور أخبره بها رسول اللّه ص فیقول المنافقون من أصحابه یکذب کما کان المنافقون الأولون فی حیاة رسول اللّه ص یقولون عنه یکذب.

1152

1- وَ رَوَی صَاحِبُ کِتَابِ اَلْغَارَاتِ عَنِ اَلْأَعْمَشِ عَنْ رِجَالِهِ قَالَ خَطَبَ عَلِیٌّ ع فَقَالَ وَ اللَّهِ لَوْ أَمَرْتُکُمْ فَجَمَعْتُمْ مِنْ خِیَارِکُمْ مِائَةً ثُمَّ لَوْ شِئْتُ لَحَدَّثْتُکُمْ مِنْ غُدْوَةٍ إِلَی أَنْ تَغِیبَ الشَّمْسُ لاَ أَخْبَرْتُکُمْ إِلاَّ حَقّاً ثُمَّ لَتَخْرُجُنَّ فَلَتَزْعَمُنَّ أَنِّی أَکْذَبُ النَّاسِ وَ أَفْجَرُهُمْ .

1153

وَ قَدْ رَوَی صَاحِبُ هَذَا الْکِتَابِ وَ غَیْرُهُ مِنَ الرُّوَاةِ أَنَّهُ قَالَ

إِنَّ أَمْرَنَا صَعْبٌ مُسْتَصْعَبٌ لاَ یَحْمِلُهُ إِلاَّ مَلَکٌ مُقَرَّبٌ أَوْ نَبِیٌّ مُرْسَلٌ أَوْ عَبْدٌ امْتَحَنَ اللَّهُ قَبْلَهُ لِلْإِیمَانِ .

ص :128

و هذا الکلام منه کلام عارف عالم بأن فی الناس من لا یصدقه فیما (1) یقول و هذا أمر مرکوز فی الجبلة البشریة و هو استبعاد الأمور الغریبة و تکذیب الأخبار بها و إذا تأملت أحواله فی خلافته کلها وجدتها هی مختصرة من أحوال رسول اللّه ص فی حیاته کأنها نسخة منتسخة منها فی حربه و سلمه و سیرته و أخلاقه و کثرة شکایته من المنافقین من أصحابه و المخالفین لأمره و إذا أردت أن تعلم ذلک علما واضحا فاقرأ سورة براءة ففیها الجم الغفیر من المعنی الذی أشرنا إلیه

و هذا عجیب طریف.

فنقول إن النظام أخطأ عندنا فی تعریضه بهذا الرجل خطأ قبیحا و قال قولا منکرا نستغفر اللّه له من عقابه و نسأله عفوه عنه و لیست الروایة التی رواها عن الحسن و سؤاله لأبیه و جوابه له بصحیحة و لا معروفة و المشهور المعروف المنقول نقلا یکاد یبلغ درجة المتواتر من الأخبار ما

1155

رُوِیَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ص فِی مَعْنَی اَلْخَوَارِجِ بِأَعْیَانِهِمْ وَ ذِکْرِهِمْ بِصِفَاتِهِمْ وَ قَوْلِهِ ص لِعَلِیٍّ ع إِنَّکَ مُقَاتِلُهُمْ وَ قَاتِلُهُمْ وَ إِنَّ اَلْمُخْدَجَ (1) ذَا الثُّدَیَّةِ مِنْهُمْ وَ إِنَّکَ سَتُقَاتِلُ بَعْدِی اَلنَّاکِثِینَ وَ اَلْقَاسِطِینَ وَ اَلْمَارِقِینَ .

فجعلهم أصنافا ثلاثة حسب ما وقعت الحال علیه و هذا من معجزات الرسول ص و إخباره عن الغیوب المفصلة فما أعلم من أی کتاب نقل النظام هذه الروایة و لا عن أی محدث رواها و لقد کان رحمه اللّه تعالی بعیدا عن معرفة الأخبار و السیر منصبا فکره مجهدا نفسه فی الأمور النظریة الدقیقة کمسألة الجزء و مداخلة الأجسام و غیرهما و لم یکن الحدیث و السیر من فنونه و لا من علومه و لا ریب أنّه سمعها ممن لا یوثق بقوله فنقلها کما سمعها.

فأما کونه ع کان ینظر تارة إلی السماء و تارة إلی الأرض و قوله ما کذبت و لا کذبت فصحیح و موثوق بنقله لاستقامته و شهرته و کثرة رواته و الوجه فی ذلک أنّه استبطأ وجود المخدج حیث طلبه فی جملة القتلی فلما طال الزمان و أشفق من دخول شبهة علی أصحابه لما کان قدمه إلیهم من الأخبار قلق و اهتم و جعل یکرر قوله ما کذبت و لا کذبت أی ما کَذَبْتُ علی رسول اللّه ص و لا کَذَبَنِی رسول اللّه ص فیما أخبرنی به.

فأما رفعه رأسه إلی السماء تارة و إطراقه إلی الأرض أخری فإنّه حیث کان یرفع

ص :130

رأسه کان یدعو و یتضرع إلی اللّه فی تعجیل الظفر بالمُخْدَج و حیث یطرق کان یغلبه الهم و الفکر فیطرق.

ثمّ حین یقول ما کذبت و لا کذبت کیف ینتظر نزول الوحی فإن من نزل علیه الوحی لا یحتاج أن یسند الخبر إلی غیره و یقول ما کذبت فیما أخبرتکم به عن رسول اللّه ص .

و ممّا طعن به النظام علیه (1)

1156

أَنَّهُ ع قَالَ

إِذَا حَدَّثْتُکُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ص فَهُوَ کَمَا حَدَّثْتُکُمْ فَوَ اللَّهِ لَأَنْ أَخِرَّ مِنَ السَّمَاءِ أَحَبُّ إِلَیَّ مِنْ أَنْ أَکْذِبَ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ ص وَ إِذَا سَمِعْتُمُونِی أُحَدِّثُکُمْ فِیمَا بَیْنِی وَ بَیْنَکُمْ فَإِنَّمَا الْحَرْبُ خُدْعَةٌ .

قال النظام هذا یجری مجری التدلیس فی الحدیث و لو لم یحدثهم عن رسول اللّه ص بالمعاریض و علی طریق الإیهام لما اعتذر من ذلک.

فنقول فی الجواب إن النظام قد وهم و انعکس علیه مقصد أمیر المؤمنین و ذلک أنّه ع لشدة ورعه أراد أن یفصل للسامعین بین ما یخبر به عن نفسه و بین ما یرویه عن رسول اللّه ص و ذلک لأن الضرورة ربما تدعوه إلی استعماله المعاریض لا سیما فی الحرب المبنیة علی الخدیعة و الرأی فقال لهم کلما أقول لکم قال لی رسول اللّه ص فاعلموا أنّه سلیم من المعاریض خال من الرمز و الکنایة لأنّی لا أستجیز و لا أستحل أن أعمی أو ألغز فی حدیث رسول اللّه ص .و ما حدثتکم به عن نفسی فربما أستعمل فیه المعاریض لأن الحرب خدعة.

ص :131

و هذا کلام رجل قد استعمل التقوی و الورع فی جمیع أموره و بلغ من تعظیم أمر الرسول علیه أفضل الصلاة و السلام و إجلال قدره و احترام حدیثه ألا یرویه إلاّ بألفاظه لا بمعانیه و لا بأمر یقتضی فیه إلباسا و تعمیة و لو کان مضطرا إلی ذلک ترجیحا للجانب الذی علی جانب مصلحته فی خاصّ نفسه فأما إذا هو قال کلاما یبتدئ به من نفسه فإنّه قد یستعمل فیه المعاریض إذا اقتضت الحکمة و التدبیر ذلک

1157

14- فَقَدْ کَانَ رَسُولُ اللَّهِ ص بِاتِّفَاقِ الرُّوَاةِ کَافَّةً إِذَا أَرَادَ أَنْ یَغْزُوَ وَجْهاً وَرَّی عَنْهُ بِغَیْرِهِ وَ لَمَّا خَرَجَ ع مِنَ اَلْمَدِینَةِ لِفَتْحِ مَکَّةَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ کَلاَماً یَقْتَضِی أَنَّهُ یَقْصِدُ بَنِی بَکْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ مِنْ کِنَانَةَ فَلَمْ یَعْلَمُوا حَقِیقَةَ حَالِهِ حَتَّی شَارَفَ مَکَّةَ وَ قَالَ حِینَ هَاجَرَ وَ صَحِبَهُ أَبُو بَکْرٍ الصِّدِّیقُ لِأَعْرَابِیٍّ لَقِیَهُمَا مِنْ أَیْنَ أَنْتَ وَ مِمَّنْ أَنْتَ فَلَمَّا انْتَسَبَ لَهُمَا قَالَ لَهُ الْأَعْرَابِیُّ أَمَّا أَنَا فَقَدْ أَطْلَعْتُکُمَا طِلْعَ أَمْرِی فَمِمَّنْ أَنْتَ فَقَالَ مِنْ مَاءٍ لَمْ یَزِدْهُ عَلَی ذَلِکَ فَجَعَلَ الْأَعْرَابِیُّ یُفَکِّرُ وَ یَقُولُ مِنْ أَیِّ مَاءٍ مِنْ مَاءِ بَنِی فُلاَنٍ مِنْ مَاءِ بَنِی فُلاَنٍ فَتَرَکَهُ وَ لَمْ یُفَسِّرْ لَهُ

.

و إنّما أراد ع أنّه مخلوق من نطفة.

فأما قول النظام لو لم یحدث عن رسول اللّه ص بالمعاریض لما اعتذر من ذلک فلیس فی کلامه اعتذار و لکنه نفی أن یُدخِل المعاریض فی روایته و أجازها فیما یبتدئ به عن نفسه و لیس یتضمن هذا اعتذارا و قوله لأن أخر من السماء یدل علی أنّه ما فعل ذلک و لا یفعله .

ثمّ قال علی من أکذب یقول کیف أکذب علی اللّه و أنا أول المؤمنین به و کیف أکذب علی رسول اللّه و أنا أول المصدقین به أخرجه مخرج الاستبعاد لدعواهم و زعمهم.

فإن قلت کیف یمکن أن یکون المکلف الذی هو من أتباع الرسول کاذبا علی اللّه إلاّ بواسطة إخباره عن الرسول لأنّه لا وصلة و لا واسطة بینه و بین اللّه تعالی إلاّ الرسول.

ص :132

و إذا لم یمکن کذبه علی اللّه إلاّ بکذبه علی الرسول لم یبق لتقسیم الکذب و قوله أ فأنا أکذب علی اللّه أو علی رسوله معنی (1) .

قلت یمکن أن یکذب الکاذب علی اللّه دون أن یکون کاذبا علی الرسول و إن کان من أتباع الرسول نحو أن یقول کنت مع الرسول ص لیلة فی مقبرة فأحیا اللّه تعالی فلانا المیت فقام و قال کذا أو یقول کنت معه یوم کذا فسمعت منادیا ینادیه من السماء افعل کذا أو نحو ذلک من الإخبار بأمور لا تستند إلی حدیث الرسول . ثم قال ع (2) کلا و اللّه أی لا و اللّه و قیل إن کلا بمعنی حقا و إنّه إثبات .

قال و لکنها لهجة غبتم عنها اللهجة بفتح الجیم و هی آلة النطق یقال له هو فصیح اللهجة و صادق اللهجة و یمکن أن یعنی بها لهجة رسول اللّه ص فیقول شهدت و غبتم و یمکن أن یعنی بها لهجته هو فیقول إنها لهجة غبتم عن منافعها و أعدمتم أنفسکم ثمن مناصحتها .

ثمّ قال ویلمه الضمیر راجع إلی ما دل علیه معنی الکلام من العلم لأنّه لما ذکر اللهجة و شهوده إیاها و غیبوبتهم عنها دل ذلک علی علم له خصه به الرسول ع فقال ویلمه و هذه کلمة تقال للتعجب و الاستعظام یقال ویلمه فارسا و تکتب موصولة کما هی بهذه الصورة و أصله ویل أمه مرادهم التعظیم و المدح و إن کان اللفظ موضوعا لضد ذلک

1158

کَقَوْلِهِ ع

فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّینِ تَرِبَتْ یَدَاکَ .

و کقولهم للرجل یصفونه و یقرظونه لا أبا له.

و قال الحسن البصری و هو یذکر علیا ع و یصف کونه علی الحق

ص :133

فی جمیع أموره حتّی قال فلما شارف الظفر وافق علی التحکیم و ما لک فی التحکیم و الحق فی یدیک لا أبا لک.

قال أبو العبّاس المبرد هی (1) کلمة فیها جفاء و خشونة کانت الأعراب تستعملها فیمن یستعظمون أمره قال و لما أنشد سلیمان بن عبد الملک قول بعض الأعراب رب العباد ما لنا و ما لکا قد کنت تسقینا فما بدا لکا أنزل علینا الغیث لا أبا لکا.

قال أشهد أنّه لا أب له و لا صاحبة و لا ولد فأخرجها أحسن مخرج .

ثمّ قال ع کیلا بغیر ثمن لو کان له وعاء انتصب کیلا لأنّه مصدر فی موضع الحال و یمکن أن ینتصب علی التمییز کقولهم لله دره فارسا یقول أنا أکیل لکم العلم و الحکمة کیلا و لا أطلب لذلک ثمنا لو وجدت وعاء أی حاملا للعلم

1159

وَ هَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ ع

هَا إِنَّ بَیْنَ جَنْبَیَّ عِلْماً جَمّاً لَوْ أَجِدُ لَهُ حَمَلَةً .

ثمّ ختم الفصل بقوله تعالی وَ لَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِینٍ و هو أحسن ما ختم هذا الکلام به

وَ یَبْهَتُ اللَّبِیبُ یُعَاجَلُونَ بِالسَّیْفِ صَلْتاً وَ قَدْ کَانُوا قَبْلَ ذَلِکَ فِی غَضَارَةٍ مِنْ عَیْشِهِمْ یَمْرَحُونَ فَیَا لَهَا مُصِیبَةً حِینَئِذٍ مِنَ الْبَلاَءِ الْعَقِیمِ وَ الْبُکَاءِ الطَّوِیلِ وَ الْوَیْلِ وَ الْعَوِیلِ وَ شِدَّةِ الصَّرِیخِ فِی ذَلِکَ أَمْرُ اللَّهِ وَ هُوَ کَائِنٌ وَقْتاً یُرِیجُ (1) فَیَا اِبْنَ حُرَّةِ (2) الْإِمَاءِ مَتَی تَنْتَظِرُ أَبْشِرْ بِنَصْرٍ قَرِیبٍ مِنْ رَبٍّ رَحِیمٍ أَلاَ فَوَیْلٌ لِلْمُتَکَبِّرِینَ عِنْدَ حَصَادِ الْحَاصِدِینَ وَ قَتْلِ الْفَاسِقِینَ عُصَاةِ ذِی اَلْعَرْشِ الْعَظِیمِ فَبِأَبِی وَ أُمِّی مِنْ عِدَّةٍ قَلِیلَةٍ أَسْمَاؤُهُمْ فِی الْأَرْضِ مَجْهُولَةٌ قَدْ دَنَا حِینَئِذٍ ظُهُورُهُمْ وَ لَوْ شِئْتُ لَأَخْبَرْتُکُمْ بِمَا یَأْتِی وَ یَکُونُ مِنْ حَوَادِثِ دَهْرِکُمْ وَ نَوَائِبِ زَمَانِکُمْ وَ بَلاَیَا أَیَّامِکُمْ وَ غَمَرَاتِ سَاعَاتِکُمْ وَ لَکِنَّهُ أُفْضِیهِ إِلَی مَنْ أُفْضِیهِ إِلَیْهِ مَخَافَةً عَلَیْکُمْ وَ نَظَراً لَکُمْ عِلْماً مِنِّی بِمَا هُوَ کَائِنٌ وَ مَا یَکُونُ مِنَ الْبَلاَءِ الشَّامِلِ ذَلِکَ عِنْدَ تَمَرُّدِ الْأَشْرَارِ وَ طَاعَةِ أُولِی الْخَسَارِ ذَاکَ أَوَانُ الْحَتْفِ وَ الدَّمَارِ ذَاکَ إِدْبَارُ أَمْرِکُمْ وَ انْقِطَاعُ أَصْلِکُمْ وَ تَشَتُّتُ أُلْفَتِکُمْ وَ إِنَّمَا یَکُونُ ذَلِکَ عِنْدَ ظُهُورِ الْعِصْیَانِ وَ انْتِشَارِ الْفُسُوقِ حَیْثُ یَکُونُ الضَّرْبُ بِالسَّیْفِ أَهْوَنَ عَلَی الْمُؤْمِنِینَ مِنِ اکْتِسَابِ دِرْهَمٍ حَلاَلٍ حِینَ لاَ تُنَالُ الْمَعِیشَةُ إِلاَّ بِمَعْصِیَةِ اللَّهِ فِی سَمَائِهِ حِینَ تَسْکَرُونَ مِنْ غَیْرِ شَرَابٍ وَ تَحْلِفُونَ مِنْ غَیْرِ اضْطِرَارٍ وَ تَظْلِمُونَ مِنْ غَیْرِ مَنْفَعَةٍ وَ تَکْذِبُونَ مِنْ غَیْرِ إِحْرَاجٍ تَتَفَکَّهُونَ بِالْفُسُوقِ وَ تَبَادَرُونَ بِالْمَعْصِیَةِ قَوْلُکُمُ الْبُهْتَانُ وَ حَدِیثُکُمُ الزُّورُ وَ أَعْمَالُکُمُ الْغُرُورُ فَعِنْدَ ذَلِکَ لاَ تَأْمَنُونَ الْبَیَاتَ فَیَا لَهُ مِنْ بَیَاتٍ مَا أَشَدَّ ظُلْمَتَهُ وَ مِنْ صَائِحٍ مَا أَفْظَعَ صَوْتَهُ ذَلِکَ بَیَاتٌ لاَ یَنْمِی صَاحِبُهُ فَعِنْدَ ذَلِکَ تُقْتَلُونَ وَ بِأَنْوَاعِ الْبَلاَءِ تُضْرَبُونَ وَ بِالسَّیْفِ تُحْصَدُونَ وَ إِلَی اَلنَّارِ تَصِیرُونَ وَ یَعَضُّکُمُ الْبَلاَءُ کَمَا یَعَضُّ الْغَارِبَ الْقَتَبُ (3) .

یَا عَجَباً کُلَّ الْعَجَبِ بَیْنَ جُمَادَی وَ رَجَبٍ مِنْ جَمْعِ أَشْتَاتٍ وَ حَصْدِ نَبَاتٍ وَ مِنْ أَصْوَاتٍ بَعْدَهَا أَصْوَاتٌ ثُمَّ قَالَ سَبَقَ الْقَضَاءُ سَبَقَ الْقَضَاءُ

ص :135

قَالَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ اَلْبَصْرَةِ لِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ اَلْکُوفَةِ إِلَی جَانِبِهِ أَشْهَدُ أَنَّهُ کَاذِبٌ عَلَی اللَّهِ وَ رَسُولِهِ قَالَ الْکُوفِیُّ وَ مَا یُدْرِیکَ قَالَ فَوَ اللَّهِ مَا نَزَلَ عَلِیٌّ مِنَ الْمِنْبَرِ حَتَّی فُلِجَ الرَّجُلُ فَحُمِلَ إِلَی مَنْزِلِهِ فِی شِقِّ مَحْمِلٍ فَمَاتَ مِنْ لَیْلَتِهِ

.

قَالَ سَمِعْتُ عَلِیّاً یَقُولُ عَلَی الْمِنْبَرِ مَا أَحَدٌ جَرَتْ عَلَیْهِ الْمَوَاسِی إِلاَّ وَ قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِیهِ قُرْآناً فَقَامَ إِلَیْهِ رَجُلٌ فَقَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ فَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَی فِیکَ قَالَ یُرِیدُ تَکْذِیبَهُ فَقَامَ النَّاسُ إِلَیْهِ یَلْکُزُونَهُ فِی صَدْرِهِ وَ جَنْبِهِ فَقَالَ دَعُوهُ أَ قَرَأْتَ سُورَةَ هُودٍ قَالَ نَعَمْ قَالَ أَ قَرَأْتَ قَوْلَهُ سُبْحَانَهُ أَ فَمَنْ کٰانَ عَلیٰ بَیِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَ یَتْلُوهُ شٰاهِدٌ مِنْهُ (1) قَالَ نَعَمْ قَالَ صَاحِبُ الْبَیِّنَةِ مُحَمَّدٌ وَ التَّالِی الشَّاهِدُ أَنَا

.

ص :137

دحوت الرغیف دحوا بسطته و المدحوات هنا الأرضون.

فإن قلت قد ثبت أن الأرض کریة فکیف تکون بسیطة و البسیط هو المسطح و الکری لا یکون مسطحا.

قلت الأرض بجملتها شکل کرة و ذلک لا یمنع أن تکون کل قطعة منها مبسوطة تصلح لأن تکون مستقرا و مجالا للبشر و غیرهم من الحیوان فإن المراد بانبساطها هاهنا لیس هو السطح الحقیقی الذی لا یوجد فی الکرة بل کون کل قطعة منها صالحة لأن یتصرف علیها الحیوان لا یعنی به غیر ذلک.

و داحی المدحوات ینتصب لأنّه منادی مضاف تقدیره یا باسط الأرضین المبسوطات قوله و داعم المسموکات أی حافظ السماوات المرفوعات دعمت الشیء إذا حفظته من الهوی بدعامه و المسموک المرفوع قال إن الذی سمک السماء بنی لنا بیتا دعائمه أعز و أطول (1) .

و یجوز أن یکون عنی بکونها مسموکة کونها ثخینة و سمک الجسم هو البعد الذی یعبر عنه المتکلمون بالعمق و هو قسیم الطول و العرض و لا شیء أعظم ثخنا من الأفلاک.

فإن قلت کیف قال إنّه تعالی دعم السماوات و هی بغیر عمد.

قلت إذا کان حافظا لها من الهوی بقدرته و قوته فقد صدق علیه کونه داعما لها لأن قوته الحافظة تجری مجری الدعامة .

قوله و جابل القلوب أی خالقها و الجبل الخلق و جبلة الإنسان خلقته و فطراتها بکسر الفاء و فتح الطاء جمع فطرة و یجوز کسر الطاء کما قالوا فی سدرة سدرات و سدرات و الفطرة الحالة التی یفطر اللّه علیها الإنسان أی یخلقه علیها خالیا من الآراء

ص :139

و الدیانات و العقائد و الأهویة و هی ما یقتضیه محض العقل و إنّما یختار الإنسان بسوء نظره ما یفضی به إلی الشقوة و هذا معنی

1164

قَوْلِ اَلنَّبِیِّ ص کُلُّ مَوْلُودٍ یُولَدُ عَلَی الْفِطْرَةِ فَإِنَّمَا أَبَوَاهُ یُهَوِّدَانِهِ أَوْ یُنَصِّرَانِهِ .

قوله شقیها و سعیدها بدل من القلوب و تقدیر الکلام و جابل الشقی من القلوب و السعید علی ما فطرت علیه .

و النوامی الزوائد و الخاتم لما سبق أی لما سبق من الملل و الفاتح لما انغلق من أمر الجاهلیة و المعلن الحق بالحق أی المظهر للحق الذی هو خلاف الباطل بالحق أی بالحرب و الخصومة یقال حاق فلان فلانا فحقه أی خاصمه فخصمه و یقال ما فیه حقّ أی خصومة .

قوله و الدافع جیشات الأباطیل جمع جیشة من جاشت القدر إذا ارتفع غلیانها.

و الأباطیل جمع باطل علی غیر قیاس و المراد أنّه قامع ما نجم من الباطل .

و الدامغ

المهلک من دمغه أی شجه حتّی بلغ الدماغ و مع ذلک یکون الهلاک.

و الصولات جمع صولة و هی السطوة و الأضالیل جمع ضلال علی غیر قیاس .

قوله کما حمل أی لأجل أنّه یحمل و العرب تستعمل هذه الکاف بمعنی التعلیل قال الشاعر فقلت له أبا الملحاء خذها کما أوسعتنا بغیا و عدوا أی هذه الضربة لبغیک علینا و تعدیک.

و قوله کما حمل یعنی حمل أعباء الرسالة فاضطلع أی نهض بها قویا فرس ضلیع أی قوی و هی الضلاعة أی القوّة .

مستوفزا

أی غبر بطیء بل یحث نفسه و یجهدها فی رضا اللّه سبحانه و الوفز العجلة و المستوفز المستعجل .

ص :140

غیر ناکل عن قدم

أی غیر جبان و لا متأخر عن إقدام و المقدام المتقدم یقال مضی قدما أی تقدم و سار و لم یعرج .

قوله و لا واه فی عزم وهی أی ضعف و الواهی الضعیف .

واعیا لوحیک

أی فاهما وعیت الحدیث أی فهمته و عقلته .

ماضیا علی نفاذ أمرک

فی الکلام حذف تقدیره ماضیا مصرا علی نفاذ أمرک کقوله تعالی فِی تِسْعِ آیٰاتٍ إِلیٰ فِرْعَوْنَ (1) و لم یقل مرسلا لأن الکلام یدلّ بعضه علی بعض .

و قوله حتی أوری قبس القابس یقال وری الزند یری أی خرج ناره و أوریته أنا و القبس شعله من النار و المراد بالقبس هاهنا نور الحق و القابس الذی یطلب النار یقال قبست منه نارا و أقبسنی نارا أی أعطانیها.

و قال الراوندیّ أقبست الرجل علما و قبسته نارا أعطیته فإن کنت طلبتها له قلت أقبسته نارا.

و قال الکسائی أقبسته نارا و علما سواء قال و یجوز قبسته بغیر همزة فیهما .

قوله و أضاء الطریق للخابط أی جعل الطریق للخابط مضیئة و الخابط الذی یسیر لیلا علی غیر جادة واضحة.

و هذه الألفاظ کلها استعارات و مجازات .

و خوضات الفتن جمع خوضة و هی المرة الواحدة من خضت الماء و الوحل أخوضهما و تقدیر الکلام و هدیت به القلوب إلی الأعلام الموضحة بعد أن خاضت فی الفتن أطوارا و الأعلام جمع علم و هو ما یستدل به علی الطریق کالمنارة و نحوها.

و الموضحة التی توضح للناس الأمور و تکشفها و النیرات (2) ذوات النور .

قوله فهو أمینک المأمون أی أمینک علی وحیک و المأمون من ألقاب رسول اللّه ص قال کعب بن زهیر

ص :141

سقاک أبو بکر بکأس رویة

و انهلک المأمون منها و علکا (1) .

و خازن علمک المخزون

بالجر صفة علمک و العلم الإلهی المخزون هو ما اطلع اللّه تعالی علیه و رسوله من الأمور الخفیة التی لا تتعلق بالأحکام الشرعیة کالملاحم و أحکام الآخرة و غیر ذلک لأن الأمور الشرعیة لا یجوز أن تکون مخزونة عن المکلفین .

و قوله و شهیدک یوم الدین أی شاهدک قال سبحانه فَکَیْفَ إِذٰا جِئْنٰا مِنْ کُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِیدٍ وَ جِئْنٰا بِکَ عَلیٰ هٰؤُلاٰءِ شَهِیداً (2) .

و البعیث المبعوث فعیل بمعنی مفعول کقتیل و جریح و صریع و مفسحا مصدر أی وسع له مفسحا.

و قوله فی ظلک یمکن أن یکون مجازا کقولهم فلان یشملنی بظله أی بإحسانه و بره و یمکن أن یکون حقیقة و یعنی به الظل الممدود الذی ذکره اللّه تعالی فقال وَ ظِلٍّ مَمْدُودٍ وَ مٰاءٍ مَسْکُوبٍ (3) .

و قوله و أعل علی بناء البانین بناءه أی اجعل منزلته فی دار الثواب أعلی المنازل .

و أتمم له نوره

من قوله تعالی رَبَّنٰا أَتْمِمْ لَنٰا نُورَنٰا (4)

1165

وَ قَدْ رُوِیَ أَنَّهُ تُطْفَأُ سَائِرُ الْأَنْوَارِ إِلاَّ نُورُ مُحَمَّدٍ ص ثُمَّ یُعْطَی الْمُخْلَصُونَ (5) مِنْ أَصْحَابِهِ أَنْوَاراً یَسِیرَةً یُبْصِرُونَ بِهَا مَوَاطِئَ الْأَقْدَامِ فَیَدْعُونَ إِلَی اللَّهِ تَعَالَی بِزِیَادَةِ تِلْکَ الْأَنْوَارِ وَ إِتْمَامِهَا ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَی یُتِمُّ نُورَ مُحَمَّدٍ ص فَیَسْتَطِیلُ حَتَّی یَمْلَأَ الْآفَاقِ. فذلک هو إتمام نوره ص .

قوله من ابتعاثک له أی فی الآخرة.

مقبول الشهادة

أی مصدقا فیما یشهد به علی أمته و علی غیرها من الأمم.

ص :142

و قوله ذا منطق عدل أی عادل و هو مصدر أقیم مقام اسم الفاعل کقولک رجل فطر و صوم أی مفطر و صائم .

و قوله و خطبة فصل أی یخطب خطبة فاصلة یوم القیامة کقوله تعالی إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ وَ مٰا هُوَ بِالْهَزْلِ (1) أی فاصل یفصل بین الحق و الباطل و هذا هو المقام المحمود الذی ذکره اللّه تعالی فی الکتاب فقال عَسیٰ أَنْ یَبْعَثَکَ رَبُّکَ مَقٰاماً مَحْمُوداً (2) و هو الذی یشار إلیه فی الدعوات فی قولهم اللّهمّ آت محمّدا الوسیلة و الفضیلة و الدرجة الرفیعة و ابعثه المقام المحمود .

قوله فی برد العیش تقول العرب عیش بارد و معیشة باردة أی لا حرب فیها و لا نزاع لأن البرد و السکون متلازمان کتلازم الحرّ و الحرکة.

و قرار النعمة

أی مستقرها یقال هذا قرار السیل أی مستقره و من أمثالهم لکل سائلة قرار .

و منی الشهوات

ما تتعلق به الشهوات من الأمانی و أهواء اللذات ما تهواه النفوس و تستلذه و الرخاء المصدر من قولک رجل رخی البال فهو بین الرخاء أی واسع الحال.

و الدعة السکون و الطمأنینة و أصلها الواو .

و منتهی الطمأنینة غایتها التی لیس بعدها غایة .

و التحف جمع تحفة و هی ما یکرم به الإنسان من البر و اللطف و یجوز فتح الحاء

إِنَّ اللّٰهَ وَ مَلاٰئِکَتَهُ یُصَلُّونَ عَلَی اَلنَّبِیِّ یٰا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَیْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِیماً

(1)

.

قلت الصلاة من اللّه تعالی هی الإکرام و التبجیل و رفع المنزلة و الصلاة منا علی النبیّ ص هی الدعاء له بذلک فقوله سبحانه هُوَ الَّذِی یُصَلِّی عَلَیْکُمْ (2) أی هو الذی یرفع منازلکم فی الآخرة و قوله وَ مَلاٰئِکَتُهُ أی یدعون لکم بذلک.

و قیل جعلوا لکونهم مستجابی الدعوة کأنهم فاعلون التعظیم للمؤمن و رفع المنزلة و نظیره قوله حیاک اللّه أی أحیاک اللّه و أبقاک و حییتک أی دعوت لک بأن یحییک لأنک لاعتمادک علی إجابة دعوتک و وثوقک بذلک کأنّک تحییه و تبقیه علی الحقیقة و هکذا القول فی قوله سبحانه إِنَّ اللّٰهَ وَ مَلاٰئِکَتَهُ یُصَلُّونَ عَلَی اَلنَّبِیِّ .

و قد اختلف فی الصلاة علی النبیّ ص هل هی واجبة أم لا.

فمن الناس من لم یقل بوجوبها و جعل الأمر فی هذه الآیة للندب و منهم من قال إنها واجبة.

و اختلفوا فی حال وجوبها فمنهم من أوجبها کلما جری ذکره

1166

وَ فِی الْحَدِیثِ مَنْ ذُکِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ یُصَلِّ عَلَیَّ دَخَلَ اَلنَّارَ وَ أَبْعَدَهُ اللَّهُ.

و منهم من قال تجب فی کل مجلس مرة واحدة و إن تکرر ذکره و منهم من أوجبها فی العمر مرة واحدة و کذلک قال فی إظهار الشهادتین.

و اختلف أیضا فی وجوبها فی الصلاة المفروضة فأبو حنیفة و أصحابه لا یوجبونها فیها و روی عن إبراهیم النخعیّ أنهم کانوا یکتفون یعنی الصحابة عنها بالتشهد و هو السلام علیک أیها النبیّ و رحمة اللّه و برکاته و أوجبها الشافعی و أصحابه و اختلف أصحابه فی وجوب الصلاة علی آل محمّد ص فالأکثرون علی أنّها واجبة و أنّها شرط فی صحة الصلاة.

ص :144

فإن قلت فما تقول فی الصلاة علی الصحابة و الصالحین من المسلمین .

قلت القیاس جواز الصلاة علی کل مؤمن لقوله تعالی هُوَ الَّذِی یُصَلِّی عَلَیْکُمْ وَ مَلاٰئِکَتُهُ و قوله وَ صَلِّ عَلَیْهِمْ إِنَّ صَلاٰتَکَ سَکَنٌ لَهُمْ (1) و قوله أُولٰئِکَ عَلَیْهِمْ صَلَوٰاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ رَحْمَةٌ (2) و لکن العلماء قالوا إذا ذکر أحد من المسلمین تبعا للنبی ع فلا کلام فی جواز ذلک و أمّا إذا أفردوا أو ذکر أحد منهم فأکثر الناس کرهوا الصلاة علیه لأن ذلک شعار رسول اللّه فلا یشرکه فیه غیره.

و أمّا أصحابنا من البغدادیین فلهم اصطلاح آخر و هو أنهم یکرهون إذا ذکروا علیا ع أن یقولوا صلّی اللّه علیه و لا یکرهون أن یقولوا صلوات اللّه علیه و جعلوا اللفظة الأولی مختصة بالرسول ص و جعلوا اللفظة الثانیة مشترکة فیها بینهما ع و لم یطلقوا لفظ الصلاة علی أحد من المسلمین إلا علی علی وحده

ص :145

و معنی قوله إنها کف یهودیة أی غادرة و الیهود تنسب إلی الغدر و الخبث و قال تعالی لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النّٰاسِ عَدٰاوَةً لِلَّذِینَ آمَنُوا اَلْیَهُودَ (1) .

و السبة الاست بفتح السین سبه یسبه أی طعنه فی الموضع و معنی الکلام محمول علی وجهین.

أحدهما أن یکون ذکر السبة إهانة له و غلظة علیه و العرب تسلک مثل ذلک فی خطبها و کلامها قال المتوکل لأبی العیناء إلی متی تمدح الناس و تذمهم فقال ما أحسنوا و أساءوا ثمّ قال یا أمیر المؤمنین إن اللّه تعالی رضی عن واحد فمدحه و سخط علی آخر فهجاه و هجا أمه قال نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوّٰابٌ (2) و قال عُتُلٍّ بَعْدَ ذٰلِکَ زَنِیمٍ (3) و الزنیم ولد الزنا (4) .

الوجه الثانی أن یرید بالکلام حقیقة لا مجازا و ذلک لأن الغادر من العرب کان إذا عزم علی الغدر بعد عهد قد عاهده أو عقد قد عقده حبق استهزاء بما کان قد أظهره من الیمین و العهد و سخریة و تهکما .

و الإمرة الولایة بکسر الهمزة و قوله کلعقة الکلب أنفه یرید قصر المدة و کذلک کانت مدة خلافة مروان فإنه ولی تسعة أشهر .

و الأکبش الأربعة بنو عبد الملک الولید و سلیمان و یزید و هشام و لم یل الخلافة من بنی أمیّة و لا من غیرهم أربعة إخوة إلاّ هؤلاء.

و کل الناس فسروا الأکبش الأربعة بمن ذکرناه و عندی أنّه یجوز أن یعنی به

ص :147

بنی مروان لصلبه و هم عبد الملک و عبد العزیز و بشر و محمد و کانوا کباشا أبطالا أنجادا أما عبد الملک فولی الخلافة و أما بشر فولی العراق و أما محمد فولی الجزیرة و أما عبد العزیز فولی مصر و لکل منهم آثار مشهورة و هذا التفسیر أولی لأن الولید و إخوته أبناء ابنه و هؤلاء بنوه لصلبه .

و یقال للیوم الشدید یوم أحمر و للسنة ذات الجدب سنة حمراء.

و کل ما أخبر به أمیر المؤمنین ع فی هذا الکلام وقع کما أخبر به و کذلک قوله یحمل رایة ضلالة بعد ما یشیب صدغاه فإنه ولی الخلافة و هو ابن خمسة و ستین فی أعدل الروایات

رسول اللّه ص قد توفی و عمره ثمان سنین أو نحوها.

1168

14- وَ قِیلَ إِنَّهُ لَمَّا نُفِیَ مَعَ أَبِیهِ إِلَی اَلطَّائِفِ کَانَ طِفْلاً لاَ یَعْقِلُ وَ إِنَّهُ لَمْ یَرَ رَسُولَ اللَّهِ ص وَ کَانَ اَلْحَکَمُ أَبُوهُ قَدْ طَرَدَهُ رَسُولُ اللَّهِ عَنْ اَلْمَدِینَةِ وَ سَیَّرَهُ إِلَی اَلطَّائِفِ فَلَمْ یَزَلْ بِهَا حَتَّی وُلِّیَ عُثْمَانُ فَرَدَّهُ إِلَی اَلْمَدِینَةِ فَقَدِمَهَا هُوَ وَ وَلَدُهُ فِی خِلاَفَةِ عُثْمَانَ وَ تُوُفِّیَ فَاسْتَکْتَبَهُ عُثْمَانُ وَ ضَمَّهُ إِلَیْهِ فَاسْتَوْلَی عَلَیْهِ إِلَی أَنْ قُتِلَ

.

و الحکم بن أبی العاص (1) هو عم عثمان بن عفان کان من مسلمة الفتح و من المؤلّفة قلوبهم و توفی الحکم فی خلافة عثمان قبل قتله بشهور .

1169

14- وَ اخْتُلِفَ فِی السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِنَفْیِ رَسُولِ اللَّهِ ص فَقِیلَ إِنَّهُ کَانَ یَتَحَیَّلُ وَ یَسْتَخْفِی وَ یَتَسَمَّعُ (2) مَا یُسِرُّهُ رَسُولُ اللَّهِ ص إِلَی أَکَابِرِ اَلصَّحَابَةِ فِی مُشْرِکِی قُرَیْشٍ وَ سَائِرِ اَلْکُفَّارِ وَ الْمُنَافِقِینَ وَ یُفْشِی ذَلِکَ عَنْهُ حَتَّی ظَهَرَ ذَلِکَ عَنْهُ (3) .

وَ قِیلَ کَانَ یَتَجَسَّسُ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ ص وَ هُوَ عِنْدَ نِسَائِهِ وَ یَسْتَرِقُ السَّمْعَ وَ یُصْغِی إِلَی مَا یَجْرِی هُنَاکَ مِمَّا لاَ یَجُوزُ الاِطِّلاَعُ عَلَیْهِ ثُمَّ یُحْدِثُ بِهِ الْمُنَافِقِینَ عَلَی طَرِیقِ الاِسْتِهْزَاءِ.

وَ قِیلَ کَانَ یَحْکِیهِ فِی بَعْضِ مِشْیَتِهِ وَ بَعْضِ حَرَکَاتِهِ فَقَدْ قِیلَ إِنَّ اَلنَّبِیَّ ص کَانَ إِذَا مَشَی یَتَکَفَّأُ (4) وَ کَانَ اَلْحَکَمُ بْنُ أَبِی الْعَاصِ یَحْکِیهِ وَ کَانَ شَانِئاً لَهُ مُبْغِضاً حَاسِداً فَالْتَفَتَ رَسُولُ اللَّهِ ص یَوْماً فَرَآهُ یَمْشِی خَلْفَهُ یَحْکِیهِ فِی مِشْیَتِهِ

ص :149

فَقَالَ لَهُ کَذَلِکَ فَلْتَکُنْ یَا حَکَمُ فَکَانَ اَلْحَکَمُ مُخْتَلِجاً یَرْتَعِشُ مِنْ (1) یَوْمَئِذٍ

. فذکر ذلک عبد الرحمن بن حسان بن ثابت فقال لعبد الرحمن بن الحکم یهجوه إن اللعین أبوک فارم عظامه

قال صاحب الإستیعاب أما قول عبد الرحمن بن حسان إن اللعین أبوک فإنّه

1170

14- رُوِیَ عَنْ عَائِشَةَ مِنْ طُرُقٍ ذَکَرَهَا اِبْنُ أَبِی خَیْثَمَةَ وَ غَیْرُهُ أَنَّهَا قَالَتْ لِمَرْوَانَ إِذْ قَالَ فِی أَخِیهَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنَّهُ أُنْزِلَ فِیهِ وَ الَّذِی قٰالَ لِوٰالِدَیْهِ أُفٍّ لَکُمٰا أَ تَعِدٰانِنِی أَنْ أُخْرَجَ وَ قَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِی وَ هُمٰا یَسْتَغِیثٰانِ اللّٰهَ وَیْلَکَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللّٰهِ حَقٌّ فَیَقُولُ مٰا هٰذٰا إِلاّٰ أَسٰاطِیرُ الْأَوَّلِینَ (2) أَمَّا أَنْتَ یَا مَرْوَانُ فَأَشْهَدُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص لَعَنَ أَبَاکَ وَ أَنْتَ فِی صُلْبِهِ

(3)

.

1171

14- وَ رَوَی صَاحِبُ کِتَابِ اَلْإِسْتِیعَابِ بِإِسْنَادٍ ذَکَرَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص قَالَ یَدْخُلُ عَلَیْکُمْ رَجُلٌ لَعِینٌ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ وَ کُنْتُ قَدْ رَأَیْتُ أَبِی (4) یَلْبَسُ ثِیَابَهُ لِیُقْبِلَ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ ص فَلَمْ أَزَلْ مُشْفِقاً أَنْ یَکُونَ أَوَّلَ مَنْ یَدْخُلُ فَدَخَلَ اَلْحَکَمُ بْنُ أَبِی الْعَاصِ .

1172

1- قَالَ صَاحِبُ اَلْإِسْتِیعَابِ وَ نَظَرَ عَلِیٌّ ع یَوْماً إِلَی مَرْوَانَ فَقَالَ لَهُ وَیْلٌ لَکَ وَ وَیْلٌ لِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ مِنْکَ وَ مِنْ بَنِیکَ (5) إِذَا شَابَ صُدْغَاکَ .

و کان مروان یدعی

ص :150

خَیْطَ باطلٍ قیل لأنّه کان طویلا مضطربا.

و ضرب یوم الدار علی قفاه فخر لفیه (1) فلما بویع له بالخلافة قال فیه أخوه عبد الرحمن بن الحکم و کان ماجنا شاعرا محسنا (2) و کان لا یری رأی مروان فو اللّه ما أدری و إنّی لسائل

و قیل إنّما قال له أخوه عبد الرحمن ذلک حین ولاه معاویة إمرة المدینة و کان کثیرا ما یهجوه و من شعره فیه وهبت نصیبی منک یا مرو کله

و قال مالک بن الریب یهجو مروان بن الحکم لعمرک ما مروان یقضی أمورنا (3)

و من شعر أخیه عبد الرحمن فیه ألا من یبلغن مروان عنی (4)

ص :151

فلا تقذف بی الرجوین إنّی

و لما صار أمر الخلافة إلی معاویة ولی مروان المدینة ثم جمع له إلی المدینة مکّة و الطائف ثم عزله و ولی سعید بن العاص فلما مات یزید بن معاویة و ولی ابنه أبو لیلی معاویة بن یزید فی سنة أربع و ستین عاش فی الخلافة أربعین یوما و مات فقالت له أمه أم خالد بنت أبی هاشم بن عتبة بن ربیعة بن عبد شمس اجعل الخلافة من بعدک لأخیک فأبی و قال لا یکون لی مرها و لکم حلوها فوثب مروان علیها و أنشد إنی أری فتنة تغلی مراجلها و الملک بعد أبی لیلی لمن غلبا.

1173

14- وَ ذَکَرَ أَبُو الْفَرَجِ عَلِیُّ بْنُ الْحُسَیْنِ الْأَصْفَهَانِیُّ فِی کِتَابِ اَلْأَغَانِی أَنَّ (1) مُعَاوِیَةَ لَمَّا عَزَلَ مَرْوَانَ بْنَ الْحَکَمِ عَنْ إِمْرَةِ اَلْمَدِینَةِ وَ اَلْحِجَازِ وَ وَلَّی مَکَانَهُ سَعِیدَ بْنَ الْعَاصِ وَجَّهَ مَرْوَانُ أَخَاهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْحَکَمِ أَمَامَهُ إِلَی مُعَاوِیَةَ وَ قَالَ لَهُ الْقَهُ قَبْلِی فَعَاتِبْهُ لِی وَ اسْتَصْلِحْهُ.

قَالَ أَبُو الْفَرَجِ وَ قَدْ رُوِیَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ کَانَ بِدِمَشْقَ یَوْمَئِذٍ فَلَمَّا بَلَغَهُ خَبَرُ عَزْلِ مَرْوَانَ وَ قُدُومِهِ إِلَی اَلشَّامِ خَرَجَ وَ تَلَقَّاهُ وَ قَالَ لَهُ أَقِمْ حَتَّی أَدْخُلَ إِلَی أَخِیکَ (2) فَإِنْ کَانَ عَزَلَکَ عَنْ مَوْجِدَةٍ دَخَلْتَ إِلَیْهِ مُنْفَرِداً وَ إِنْ کَانَ عَنْ غَیْرِ مَوْجِدَةٍ دَخَلْتَ إِلَیْهِ مَعَ النَّاسِ

ص :152

فَأَقَامَ مَرْوَانَ وَ مَضَی عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَلَمَّا قَدِمَ عَلَی مُعَاوِیَةَ دَخَلَ إِلَیْهِ وَ هُوَ یُعَشِّی النَّاسَ فَأَنْشَدَهُ أَتَتْکَ الْعِیسُ تَنْفُخُ فِی بُرَاهَا

فَقَالَ لَهُ مُعَاوِیَةُ أَ زَائِراً جِئْتَ أَمْ مُفَاخِراً مُکَابِراً فَقَالَ أَیَّ ذَلِکَ شِئْتَ فَقَالَ مَا أَشَاءُ مِنْ ذَلِکَ شَیْئاً وَ أَرَادَ مُعَاوِیَةُ أَنْ یَقْطَعَهُ عَنْ کَلاَمِهِ الَّذِی عَنَّ لَهُ فَقَالَ لَهُ عَلَی أَیِّ ظَهْرٍ جِئْتَنَا فَقَالَ عَلَی فَرَسٍ قَالَ مَا صِفَتُهُ قَالَ أَجَشُّ هَزِیمٌ یُعَرِّضُ بِقَوْلِ اَلنَّجَاشِیِّ فِی مُعَاوِیَةَ یَوْمَ صِفِّینَ وَ نَجَّی اِبْنَ حَرْبٍ سَابِحٌ ذُو عُلاَلَةٍ

فَغَضِبَ مُعَاوِیَةُ وَ قَالَ إِلاَّ أَنَّهُ لاَ یَرْکَبُهُ صَاحِبُهُ فِی الظُّلَمِ إِلَی الرِّیَبِ وَ لاَ هُوَ مِمَّنْ یَتَسَوَّرُ عَلَی جَارَاتِهِ وَ لاَ یَتَوَثَّبُ بَعْدَ هَجْعَةِ النَّاسِ عَلَی کَنَائِنِهِ (1) وَ کَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ یُتَّهَمُ بِذَلِکَ فِی امْرَأَةِ أَخِیهِ فَخَجِلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَ قَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ مَا حَمَلَکَ عَلَی عَزْلِ ابْنِ عَمِّکَ أَ لِخِیَانَةٍ أَوْجَبَتْ ذَلِکَ أَمْ لِرَأْیٍ رَأَیْتَهُ وَ تَدْبِیرٍ اسْتَصْلَحْتَهُ قَالَ بَلْ لِتَدْبِیرٍ اسْتَصْلَحْتُهُ قَالَ فَلاَ بَأْسَ بِذَلِکَ فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ فَلَقِیَ أَخَاهُ مَرْوَانَ فَأَخْبَرَهُ بِمَا دَارَ بَیْنَهُ وَ بَیْنَ مُعَاوِیَةَ فَاسْتَشَاطَ غَیْظاً وَ قَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ قَبَّحَکَ اللَّهُ مَا أَضْعَفَکَ عَرَّضْتَ لِلرَّجُلِ بِمَا أَغْضَبَهُ حَتَّی إِذَا انْتَصَرَ (2)

ص :153

مِنْکَ أَحْجَمْتَ عَنْهُ ثُمَّ لَبِسَ حُلَّتَهُ وَ رَکِبَ فَرَسَهُ وَ تَقَلَّدَ سَیْفَهُ وَ دَخَلَ عَلَی مُعَاوِیَةَ فَقَالَ لَهُ حِینَ رَآهُ وَ تَبَیَّنَ الْغَضَبَ فِی وَجْهِهِ مَرْحَباً بِأَبِی عَبْدِ الْمَلِکِ لَقَدْ زُرْتَنَا عِنْدَ اشْتِیَاقٍ مِنَّا إِلَیْکَ فَقَالَ لاَ (1) هَا اللَّهِ مَا زُرْتُکَ لِذَلِکَ وَ لاَ قَدِمْتُ عَلَیْکَ فَأَلْفَیْتُکَ إِلاَّ عَاقّاً قَاطِعاً وَ اللَّهِ مَا أَنْصَفْتَنَا وَ لاَ جَزَیْتَنَا جَزَاءَنَا لَقَدْ کَانَتِ السَّابِقَةُ مِنْ بَنِی عَبْدِ شَمْسٍ لِآلِ أَبِی الْعَاصِ وَ الصِّهْرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ص لَهُمْ وَ الْخِلاَفَةُ مِنْهُمْ (2) فَوَصَلُوکُمْ یَا بَنِی حَرْبٍ وَ شَرَّفُوکُمْ وَ وَلَّوْکُمْ فَمَا عَزَلُوکُمْ وَ لاَ آثَرُوا عَلَیْکُمْ حَتَّی إِذَا وَلِیتُمْ وَ أَفْضَی الْأَمْرُ إِلَیْکُمْ أَبَیْتُمْ إِلاَّ أَثَرَةً وَ سُوءَ صَنِیعَةٍ وَ قُبْحَ قَطِیعَةٍ فَرُوَیْداً رُوَیْداً فَقَدْ بَلَغَ بَنُو اَلْحَکَمِ وَ بَنُو بَنِیهِ نَیِّفاً وَ عِشْرِینَ وَ إِنَّمَا هِیَ أَیَّامٌ قَلاَئِلُ حَتَّی یَکْمُلُوا أَرْبَعِینَ ثُمَّ یَعْلَمُ امْرُؤٌ مَا یَکُونُ مِنْهُمْ حِینَئِذٍ ثُمَّ هُمْ لِلْجَزَاءِ بِالْحُسْنَی وَ السُّوءِ بِالْمِرْصَادِ.

قَالَ أَبُو الْفَرَجِ هَذَا رَمْزٌ إِلَی قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ ص إِذَا بَلَغَ بَنُو أَبِی الْعَاصِ أَرْبَعِینَ رَجُلاً اتَّخَذُوا مَالَ اللَّهِ دُوَلاً وَ عِبَادَ اللَّهِ خَوَلاً فَکَانَ بَنُو أَبِی الْعَاصِ یَذْکُرُونَ أَنَّهُمْ سَیَلُونَ أَمْرَ الْأُمَّةِ إِذَا بَلَغُوا هَذِهِ الْعِدَّةَ.

قَالَ أَبُو الْفَرَجِ فَقَالَ لَهُ مُعَاوِیَةُ مَهْلاً أَبَا عَبْدِ الْمَلِکِ إِنِّی لَمْ أَعْزِلْکَ عَنْ خِیَانَةٍ وَ إِنَّمَا عَزَلْتُکَ لِثَلاَثَةٍ لَوْ لَمْ یَکُنْ مِنْهُنَّ إِلاَّ وَاحِدَةٌ لَأَوْجَبَتْ عَزْلَکَ إِحْدَاهُنَّ أَنِّی أَمَّرْتُکَ عَلَی عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ وَ بَیْنَکُمَا مَا بَیْنَکُمَا فَلَنْ تَسْتَطِیعَ أَنْ تَشْتَفِیَ مِنْهُ وَ الثَّانِیَةُ کَرَاهِیَتُکَ لِإِمْرَةِ زِیَادٍ وَ الثَّالِثَةُ أَنَّ ابْنَتِی رَمْلَةَ اسْتَعْدَتْکَ عَلَی زَوْجِهَا عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ فَلَمْ تُعْدِهَا فَقَالَ مَرْوَانُ أَمَّا اِبْنُ عَامِرٍ فَإِنِّی لاَ أَنْتَصِرُ مِنْهُ فِی سُلْطَانِی وَ لَکِنْ إِذَا تَسَاوَتِ الْأَقْدَامُ عُلِمَ أَیْنَ مَوقِعُهُ وَ أَمَّا کَرَاهَتِی لِإِمْرَةِ زِیَادٍ فَإِنَّ سَائِرَ بَنِی أُمَیَّةَ کَرِهُوهُ وَ جَعَلَ اللَّهُ لَنَا فِی ذَلِکَ الْکُرْهِ خَیْراً کَثِیراً وَ أَمَّا اسْتِعْدَاءُ رَمْلَةَ عَلَی عَمْرٍو فَوَ اللَّهِ إِنَّهُ لَیَأْتِی عَلَیَّ سَنَةً أَوْ أَکْثَرَ

ص :154

وَ عِنْدِی بِنْتُ عُثْمَانَ فَمَا أَکْشِفُ لَهَا ثَوْباً یُعَرِّضُ بِأَنَّ رَمْلَةَ إِنَّمَا تَسْتَعْدِی عَلَی عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ طَلَبَ النِّکَاحِ فَغَضِبَ مُعَاوِیَةُ فَقَالَ یَا ابْنَ الْوَزَغِ (1) لَسْتَ هُنَاکَ فَقَالَ مَرْوَانُ هُوَ مَا قُلْتُ لَکَ وَ إِنِّی الْآنَ لَأَبُو عَشَرَةٍ وَ أَخُو عَشَرَةٍ وَ عَمُّ عَشَرَةٍ وَ قَدْ کَادَ وُلْدُ أَبِی (2) أَنْ یَکْمُلُوا الْعِدَّةَ یَعْنِی أَرْبَعِینَ وَ لَوْ قَدْ بَلَغُوهَا لَعَلِمْتَ أَیْنَ تَقَعُ مِنِّی فَانْخَزَلَ مُعَاوِیَةُ (3) وَ قَالَ فَإِنْ أَکُ فِی شِرَارِکُمْ قَلِیلاً

ثُمَّ اسْتَخْذَی مُعَاوِیَةُ فِی یَدِ مَرْوَانَ (4) وَ خَضَعَ وَ قَالَ لَکَ (5) الْعُتْبَی وَ أَنَا رَادُّکَ إِلَی عَمَلِکَ فَوَثَبَ مَرْوَانُ وَ قَالَ کَلاَّ وَ عَیْشِکَ لاَ رَأَیْتَنِی عَائِداً وَ خَرَجَ.

فَقَالَ اَلْأَحْنَفُ لِمُعَاوِیَةَ مَا رَأَیْتُ قَطُّ لَکَ سَقْطَةً مِثْلَهَا مَا هَذَا الْخُضُوعُ لِمَرْوَانَ وَ أَیُّ شَیْءٍ یَکُونُ مِنْهُ وَ مِنْ بَنِی أَبِیهِ إِذَا بَلَغُوا أَرْبَعِینَ وَ مَا الَّذِی تَخْشَاهُ مِنْهُمْ فَقَالَ ادْنُ مِنِّی أُخْبِرْکَ ذَلِکَ فَدَنَا اَلْأَحْنَفُ مِنْهُ فَقَالَ لَهُ (6) إِنَّ اَلْحَکَمَ بْنَ أَبِی الْعَاصِ کَانَ أَحَدَ مَنْ قَدِمَ مَعَ أُخْتِی (7) أُمِّ حَبِیبَةَ لَمَّا زُفَّتْ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ ص وَ هُوَ یَتَوَلَّی نَقْلَهَا إِلَیْهِ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ ص یُحِدُّ النَّظَرَ إِلَیْهِ فَلَمَّا خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ قِیلَ یَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ أَحْدَدْتَ النَّظَرَ إِلَی اَلْحَکَمِ فَقَالَ اِبْنَ الْمَخْزُومِیَّةِ ذَاکَ رَجُلٌ إِذَا بَلَغَ بَنُو (8) أَبِیهِ ثَلاَثِینَ أَوْ أَرْبَعِینَ مَلَکُوا الْأَمْرَ مِنْ بَعْدِی فَوَ اللَّهِ لَقَدْ تَلَقَّاهَا مَرْوَانُ مِنْ عَیْنٍ صَافِیَةٍ فَقَالَ اَلْأَحْنَفُ رُوَیْداً یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ لاَ یَسْمَعْ هَذَا مِنْکَ أَحَدٌ فَإِنَّکَ تَضَعُ مِنْ قَدْرِکَ وَ قَدْرِ وُلْدِکَ بَعْدَکَ وَ إِنْ یَقْضِ اللَّهُ أَمْراً یَکُنْ فَقَالَ

ص :155

مُعَاوِیَةُ اکْتُمْهَا یَا أَبَا بَحْرٍ عَلَیَّ إِذًا فَقَدْ لَعَمْرُکَ (1) صَدَقْتَ وَ نَصَحْتَ

. و ذکر شیخنا أبو عثمان الجاحظ فی کتاب مفاخرة هاشم و عبد شمس أن مروان کان یضعف و أنّه کان ینشد یوم مرج راهط و الرءوس تندر عن کواهلها و ما ضرهم غیر حین النفوس أی غلامی قریش غلب.

قال و هذا حمق شدید و ضعف عظیم قال و إنّما ساد مروان و ذکر بابنه عبد الملک کما ساد بنوه و لم یکن فی نفسه هناک.

فأما خلافة مروان

1174

فَذَکَرَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِیرٍ الطَّبَرِیُّ فِی اَلتَّارِیخِ

(2)

أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَیْرِ لَمَّا أَخْرَجَ بَنِی أُمَیَّةَ عَنِ اَلْحِجَازِ إِلَی اَلشَّامِ فِی خِلاَفَةِ یَزِیدَ بْنِ مُعَاوِیَةَ خَرَجُوا وَ فِیهِمْ مَرْوَانُ وَ ابْنُهُ عَبْدُ الْمَلِکِ وَ لَمْ تَطُلْ مُدَّةُ یَزِیدَ فَتُوُفِّیَ وَ مَاتَ ابْنُهُ بَعْدَهُ بِأَیَّامٍ یَسِیرَةٍ وَ کَانَ مِنْ رَأْیِ مَرْوَانَ أَنْ یَدْخُلَ إِلَی اِبْنِ الزُّبَیْرِ بِمَکَّةَ فَیُبَایِعَهُ بِالْخِلاَفَةِ فَقَدِمَ عُبَیْدُ اللَّهِ بْنُ زِیَادٍ وَ قَدْ أَخْرَجَهُ أَهْلُ اَلْبَصْرَةِ عَنْهَا بَعْدَ وَفَاةِ یَزِیدَ فَاجْتَمَعَ هُوَ وَ بَنُو أُمَیَّةَ وَ أَخْبَرُوهُ بِمَا قَدْ أَجْمَعَ عَلَیْهِ مَرْوَانُ فَجَاءَ إِلَیْهِ وَ قَالَ اسْتَجَبْتُ لَکَ یَا أَبَا عَبْدِ الْمَلِکِ فَمَا یُرِیدُ أَنْتَ کَبِیرُ قُرَیْشٍ وَ سَیِّدُهَا تَصْنَعُ مَا تَصْنَعُ وَ تَشْخَصُ إِلَی أَبِی خُبَیْبٍ فَتُبَایِعُهُ بِالْخِلاَفَةِ فَقَالَ مَرْوَانُ مَا فَاتَ شَیْءٌ بَعْدُ فَقَامَ مَرْوَانُ وَ اجْتَمَعَ إِلَیْهِ بَنُو أُمَیَّةَ وَ مَوَالِیهِمْ وَ عُبَیْدُ اللَّهِ بْنِ زِیَادٍ وَ کَثِیرٌ مِنْ أَهْلِ اَلْیَمَنِ وَ کَثِیرٌ مِنْ کَلْبٍ فَقَدِمَ دِمَشْقَ وَ عَلَیْهَا اَلضَّحَّاکُ بْنُ قَیْسٍ الْفِهْرِیُّ قَدْ بَایَعَهُ النَّاسُ عَلَی أَنْ یُصَلِّیَ بِهِمْ وَ یُقِیمَ لَهُمْ أَمْرَهُمْ حَتَّی یَجْتَمِعَ

ص :156

النَّاسُ عَلَی إِمَامٍ وَ کَانَ هَوَی اَلضَّحَّاکِ مَعَ اِبْنِ الزُّبَیْرِ إِلاَّ أَنَّهُ لَمْ یُبَایِعْ لَهُ بَعْدُ وَ کَانَ زُفَرُ بْنُ الْحَارِثِ الْکِلاَبِیُّ بِقِنَّسْرِینَ یَخْطُبُ لاِبْنِ الزُّبَیْرِ وَ اَلنُّعْمَانُ بْنُ بَشِیرٍ الْأَنْصَارِیُّ بِحِمْصٍ یَخْطُبُ لاِبْنِ الزُّبَیْرِ وَ کَانَ حَسَّانُ بْنُ مَالِکِ بْنِ بَحْدَلٍ الْکَلْبِیُّ بِفِلَسْطِینَ یَهْوَی هَوَی بَنِی أُمَیَّةَ ثُمَّ مِنْ بَیْنِهِمْ بَنِی حَرْبٍ لِأَنَّهُ کَانَ عَامِلاً لِمُعَاوِیَةَ ثُمَّ لِیَزِیدَ بْنِ مُعَاوِیَةَ مِنْ بَعْدِهِ وَ کَانَ حَسَّانُ بْنُ مَالِکٍ مُطَاعاً فِی قَوْمِهِ عَظِیماً عِنْدَهُمْ فَخَرَجَ عَنْ فِلَسْطِینَ یُرِیدُ اَلْأُرْدُنَّ وَ اسْتَخْلَفَ عَلَی فِلَسْطِینَ رَوْحَ بْنَ زِنْبَاعٍ الْجُذَامِیَّ فَوَثَبَ عَلَیْهِ بَعْدَ شُخُوصِ حَسَّانَ بْنِ مَالِکٍ وَ نَاتِلِ (1) بْنِ قَیْسٍ الْجُذَامِیِّ أَیْضاً فَأَخْرَجَهُ عَنْ فِلَسْطِینَ وَ خَطَبَ لاِبْنِ الزُّبَیْرِ وَ کَانَ لَهُ فِیهِ هَوًی فَاسْتَوْثَقَتِ اَلشَّامُ کُلُّهَا لاِبْنِ الزُّبَیْرِ مَا عَدَا اَلْأُرْدُنَّ فَإِنَّ حَسَّانَ بْنَ مَالِکٍ الْکَلْبِیَّ کَانَ یَهْوَی هَوَی بَنِی أُمَیَّةَ وَ یَدْعُو إِلَیْهِمْ فَقَامَ فِی أَهْلِ اَلْأُرْدُنِّ فَخَطَبَهُمْ وَ قَالَ لَهُمْ مَا شَهَادَتُکُمْ عَلَی اِبْنِ الزُّبَیْرِ وَ قَتْلَی اَلْمَدِینَةِ بِالْحَرَّةِ قَالُوا نَشْهَدُ أَنَّ اِبْنَ الزُّبَیْرِ کَانَ مُنَافِقاً وَ أَنَّ قَتْلَی أَهْلِ اَلْمَدِینَةِ بِالْحَرَّةِ فِی اَلنَّارِ قَالَ فَمَا شَهَادَتُکُمْ عَلَی یَزِیدَ بْنِ مُعَاوِیَةَ وَ قَتْلاَکُمْ بِالْحَرَّةِ قَالُوا نَشْهَدُ أَنَّ یَزِیدَ بْنَ مُعَاوِیَةَ کَانَ مُؤْمِناً وَ کَانَ قَتْلاَنَا بِالْحَرَّةِ فِی اَلْجَنَّةِ قَالَ وَ أَنَا أَشْهَدُ أَنَّهُ إِنْ کَانَ دِینُ یَزِیدَ بْنِ مُعَاوِیَةَ وَ هُوَ حَیٌّ حَقّاً إِنَّهُ الْیَوْمَ لَعَلَی حَقٍّ هُوَ وَ شِیعَتُهُ وَ إِنْ کَانَ اِبْنُ الزُّبَیْرِ یَوْمَئِذٍ هُوَ وَ شِیعَتُهُ عَلَی بَاطِلٍ إِنَّهُ الْیَوْمَ وَ شِیعَتُهُ عَلَی بَاطِلٍ قَالُوا صَدَقْتَ نَحْنُ نُبَایِعُکَ عَلَی أَنْ نُقَاتِلَ مَعَکَ مَنْ خَالَفَکَ مِنَ النَّاسِ وَ أَطَاعَ اِبْنَ الزُّبَیْرِ عَلَی أَنْ تُجَنِّبَنَا وَلاَیَةَ هَذَیْنِ الْغُلاَمَیْنِ ابْنَیْ یَزِیدَ بْنِ مُعَاوِیَةَ وَ هُمَا خَالِدٌ وَ عَبْدُ اللَّهِ فَإِنَّهُمَا حَدِیثَةٌ أَسْنَانُهُمَا وَ نَحْنُ نَکْرَهُ أَنْ یَأْتِیَنَا النَّاسُ بِشَیْخٍ وَ نَأْتِیهِمْ بِصَبِیٍّ.

قَالَ وَ قَدْ کَانَ اَلضَّحَّاکُ بْنُ قَیْسٍ یُوَالِی اِبْنَ الزُّبَیْرِ بَاطِناً وَ یَهْوَی هَوَاهُ وَ یَمْنَعُهُ إِظْهَارَ ذَلِکَ بِدِمَشْقَ وَ الْبَیْعَةَ لَهُ أَنَّ بَنِی أُمَیَّةَ وَ کَلْباً کَانُوا بِحَضْرَتِهِ وَ کَلْبٌ أَخْوَالُ یَزِیدَ

ص :157

بْنِ مُعَاوِیَةَ وَ بَنِیهِ وَ یَطْلُبُونَ الْإِمْرَةَ لَهُمْ فَکَانَ اَلضَّحَّاکُ یَعْمَلُ فِی ذَلِکَ سِرّاً وَ بَلَغَ حَسَّانَ بْنَ مَالِکِ بْنِ بَحْدَلٍ مَا أَجْمَعَ عَلَیْهِ اَلضَّحَّاکُ فَکَتَبَ إِلَیْهِ کِتَاباً یُعَظِّمُ فِیهِ حَقَّ بَنِی أُمَیَّةَ وَ یَذْکُرُ الطَّاعَةَ وَ الْجَمَاعَةَ وَ حُسْنَ بَلاَءٍ بَنِی أُمَیَّةَ عِنْدَهُ وَ صَنِیعَهُمْ إِلَیْهِ وَ یَدْعُوهُ إِلَی بَیْعَتِهِمْ وَ طَاعَتِهِمْ وَ یَذْکُرُ اِبْنَ الزُّبَیْرِ وَ یَقَعُ فِیهِ وَ یَشْتِمُهُ وَ یَذْکُرُ أَنَّهُ مُنَافِقٌ قَدْ خَلَعَ خَلِیفَتَیْنِ وَ أَمَرَهُ أَنْ یَقْرَأَ کِتَابَهُ عَلَی النَّاسِ ثُمَّ دَعَا رَجُلاً مِنْ کَلْبٍ یُقَالُ لَهُ نَاغِضَةُ فَسَرَّحَ بِالْکِتَابِ مَعَهُ إِلَی اَلضَّحَّاکِ بْنِ قَیْسٍ وَ کَتَبَ حَسَّانُ نُسْخَةَ ذَلِکَ الْکِتَابِ وَ دَفَعَهُ إِلَی نَاغِضَةَ وَ قَالَ لَهُ إِنْ قَرَأَ اَلضَّحَّاکُ کِتَابِی عَلَی النَّاسِ وَ إِلاَّ فَقُمْ أَنْتَ وَ اقْرَأْ هَذَا الْکِتَابَ عَلَیْهِمْ وَ کَتَبَ حَسَّانُ إِلَی بَنِی أُمَیَّةَ یَأْمُرُهُمْ أَنْ یَحْضُرُوا ذَلِکَ فَقَدِمَ نَاغِضَةُ بِالْکِتَابِ عَلَی اَلضَّحَّاکِ فَدَفَعَهُ إِلَیْهِ وَ دَفَعَ کِتَابَ بَنِی أُمَیَّةَ إِلَیْهِمْ سِرّاً.

فَلَمَّا کَانَ یَوْمُ الْجُمُعَةِ وَ صَعِدَ اَلضَّحَّاکُ عَلَی الْمِنْبَرِ وَ قَدِمَ إِلَیْهِ نَاغِضَةُ فَقَالَ أَصْلَحَ اللَّهُ الْأَمِیرَ ادْعُ بِکِتَابِ حَسَّانَ فَاقْرَأْهُ عَلَی النَّاسِ فَقَالَ لَهُ اَلضَّحَّاکُ اجْلِسْ فَجَلَسَ ثُمَّ قَامَ ثَانِیَةً فَتَکَلَّمَ مِثْلَ ذَلِکَ فَقَالَ لَهُ اجْلِسْ فَجَلَسَ ثُمَّ قَامَ ثَالِثَةً وَ کَانَ کَالثَّانِیَةِ وَ الْأُولَی فَلَمَّا رَآهُ نَاغِضَةُ لاَ یَقْرَأُ الْکِتَابَ أَخْرَجَ الْکِتَابَ الَّذِی مَعَهُ فَقَرَأَهُ عَلَی النَّاسِ فَقَامَ اَلْوَلِیدُ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ أَبِی سُفْیَانَ فَصَدَّقَ حَسَّانَ وَ کَذَّبَ اِبْنَ الزُّبَیْرِ وَ شَتَمَهُ وَ قَامَ یَزِیدُ بْنُ أَبِی النمسِ الْغَسَّانِیُّ فَصَدَّقَ مَقَالَةَ حَسَّانَ وَ کِتَابَهُ وَ شَتَمَ اِبْنَ الزُّبَیْرِ وَ قَامَ سُفْیَانُ بْنُ أَبْرَدَ الْکَلْبِیُّ فَصَدَّقَ مَقَالَةَ حَسَّانَ وَ شَتَمَ اِبْنَ الزُّبَیْرِ وَ قَامَ عُمَرُ بْنُ یَزِیدَ الْحَکَمِیُّ فَشَتَمَ حَسَّانَ وَ أَثْنَی عَلَی اِبْنِ الزُّبَیْرِ فَاضْطَرَبَ النَّاسُ وَ نَزَلَ اَلضَّحَّاکُ بْنُ قَیْسٍ فَأَمَرَ بِالْوَلِیدِ بْنِ عُتْبَةَ وَ سُفْیَانَ بْنِ الْأَبْرَدِ وَ یَزِیدَ بْنِ أَبِی النمسِ الَّذِینَ کَانُوا صَدَّقُوا حَسَّانَ وَ شَتَمُوا اِبْنَ الزُّبَیْرِ فَحُبِسُوا وَ جَالَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ فِی بَعْضٍ وَ وَثَبَتْ کَلْبٌ عَلَی عُمَرَ بْنِ یَزِیدَ الْحَکَمِیِّ فَضَرَبُوهُ وَ خَرَقُوا ثِیَابَهُ وَ قَدْ کَانَ قَامَ خَالِدُ بْنُ یَزِیدَ بْنِ مُعَاوِیَةَ فَصَعِدَ مِرْقَاتَیْنِ (1) مِنَ الْمِنْبَرِ وَ هُوَ یَوْمَئِذٍ غُلاَمٌ.

وَ اَلضَّحَّاکُ بْنُ قَیْسٍ فَوْقَ الْمِنْبَرَ فَتَکَلَّمْ بِکَلاَمٍ أَوْجَزَ فِیهِ لَمْ یُسْمَعْ بِمِثْلِهِ ثُمَّ نَزَلَ.

ص :158

فَلَمَّا دَخَلَ اَلضَّحَّاکُ بْنُ قَیْسٍ دَارَهُ جَاءَتْ کَلْبٌ إِلَی السِّجْنِ فَأَخْرَجُوا سُفْیَانَ بْنَ أَبْرَدَ الْکَلْبِیَّ وَ جَاءَتْ غَسَّانُ فَأَخْرَجُوا یَزِیدَ بْنَ أَبِی النمسِ وَ قَالَ اَلْوَلِیدُ بْنُ عُتْبَةَ لَوْ کُنْتُ مِنْ کَلْبٍ أَوْ غَسَّانَ لَأُخْرِجْتُ فَجَاءَ ابْنَا یَزِیدَ بْنِ مُعَاوِیَةَ خَالِدٌ وَ عَبْدُ اللَّهِ وَ مَعَهُمَا أَخْوَالُهُمَا مِنْ کَلْبٍ فَأَخْرَجُوهُ مِنَ السِّجْنِ.

ثُمَّ إِنَّ اَلضَّحَّاکَ بْنَ قَیْسٍ خَرَجَ إِلَی مَسْجِدِ دِمَشْقَ فَجَلَسَ فِیهِ وَ ذَکَرَ یَزِیدَ بْنَ مُعَاوِیَةَ فَوَقَعَ فِیهِ فَقَامَ إِلَیْهِ سِنَانٌ مِنْ کَلْبٍ وَ مَعَهُ عَصًا فَضَرَبَهُ بِهَا وَ النَّاسُ جُلُوسٌ حَلَقاً مُتَقَلِّدِی السُّیُوفِ فَقَامَ بَعْضُهُمْ إِلَی بَعْضٍ فِی الْمَسْجِدِ فَاقْتَتَلُوا فَکَانَتْ قَیْسُ عَیْلاَنَ قَاطِبَةً تَدْعُو إِلَی اِبْنِ الزُّبَیْرِ وَ مَعَهُمَا اَلضَّحَّاکُ وَ کَلْبٌ تَدْعُو إِلَی بَنِی أُمَیَّةَ ثُمَّ إِلَی خَالِدِ بْنِ یَزِیدَ فَیَتَعَصَّبُونَ لَهُ فَدَخَلَ اَلضَّحَّاکُ دَارَ الْإِمَارَةِ وَ أَصْبَحَ النَّاسُ فَلَمْ یَخْرُجِ اَلضَّحَّاکُ إِلَی صَلاَةِ الْفَجْرِ.

فَلَمَّا ارْتَفَعَ النَّهَارُ بَعَثَ إِلَی بَنِی أُمَیَّةَ فَدَخَلُوا عَلَیْهِ فَاعْتَذَرَ إِلَیْهِمْ وَ ذَکَرَ حُسْنَ بَلاَئِهِمْ عِنْدَهُ وَ أَنَّهُ لَیْسَ یَهْوَی شَیْئاً یَکْرَهُونَهُ ثُمَّ قَالَ تَکْتُبُونَ إِلَی حَسَّانَ وَ نَکْتُبُ وَ یَسِیرُ حَسَّانُ مِنَ اَلْأُرْدُنِّ حَتَّی یَنْزِلَ اَلْجَابِیَةَ (1) وَ نَسِیرُ نَحْنُ وَ أَنْتُمْ حَتَّی نُوَافِیَهُ بِهَا فَیَجْتَمِعُ رَأْیُ النَّاسِ عَلَی رَجُلٍ مِنْکُمْ فَرَضِیَتْ بِذَلِکَ بَنُو أُمَیَّةَ وَ کَتَبُوا إِلَی حَسَّانَ وَ هُوَ بِالْأُرْدُنِّ وَ کَتَبَ إِلَیْهِ اَلضَّحَّاکُ یَأْمُرُهُ بِالْمُوَافَاةِ فِی اَلْجَابِیَةِ وَ أَخَذَ النَّاسُ فِی الْجَهَازَ لِلرَّحِیلِ.

وَ خَرَجَ اَلضَّحَّاکُ بْنُ قَیْسٍ مِنْ دِمَشْقَ وَ خَرَجَ النَّاسُ وَ خَرَجَتْ بَنُو أُمَیَّةَ وَ تَوَجَّهَتِ الرَّایَاتُ یُرِیدُونَ اَلْجَابِیَةَ فَجَاءَ ثَوْرُ بْنُ مَعْنِ [بْنِ]

یَزِیدَ بْنِ الْأَخْنَسِ السُّلَمِیُّ إِلَی اَلضَّحَّاکِ فَقَالَ دَعَوْتَنَا إِلَی طَاعَةِ اِبْنِ الزُّبَیْرِ فَبَایَعْنَاکَ عَلَی ذَلِکَ ثُمَّ أَنْتَ الْآنَ تَسِیرُ إِلَی هَذَا الْأَعْرَابِیِّ مِنْ کَلْبٍ لِتَسْتَخْلِفَ ابْنَ أُخْتِهِ خَالِدَ بْنَ یَزِیدَ بْنِ مُعَاوِیَةَ فَقَالَ اَلضَّحَّاکُ فَمَا الرَّأْیُ قَالَ الرَّأْیُ أَنْ

ص :159

نُظْهِرَ مَا کُنَّا نُسِرُّ وَ نَدْعُوَ إِلَی طَاعَةِ اِبْنِ الزُّبَیْرِ وَ نُقَاتِلَ عَلَیْهَا فَمَالَ اَلضَّحَّاکُ بِمَنْ مَعَهُ مِنَ النَّاسِ وَ انْخَزَلَ مِنْ بَنِی أُمَیَّةَ وَ مَنْ مَعَهُمْ مِنْ قَبَائِلِ اَلْیَمَنِ فَنَزَلَ مَرْجَ رَاهِطٍ .قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَ اخْتُلِفَ فِی أَیِّ وَقْتٍ کَانَتِ الْوَقْعَةُ بِمَرْجِ رَاهِطٍ فَقَالَ اَلْوَاقِدِیُّ کَانَتْ فِی سَنَةِ خَمْسٍ وَ سِتِّینَ وَ قَالَ غَیْرُهُ فِی سَنَةِ أَرْبَعٍ وَ سِتِّینَ .

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَ سَارَتْ بَنُو أُمَیَّةَ وَ لَفِیفُهَا حَتَّی وَافَوْا حَسَّانَ بِالْجَابِیَةِ فَصَلَّی بِهِمْ أَرْبَعِینَ یَوْماً وَ النَّاسُ یَتَشَاوَرْنَ وَ کَتَبَ اَلضَّحَّاکُ بْنُ قَیْسٍ مِنْ مَرْجِ رَاهِطٍ إِلَی اَلنُّعْمَانِ بْنِ بَشِیرٍ الْأَنْصَارِیِّ وَ هُوَ عَلَی حِمْصٍ یَسْتَنْجِدُهُ وَ إِلَی زُفَرَ بْنِ الْحَارِثِ وَ هُوَ فِی قِنَّسْرِینَ وَ إِلَی نَاتِلِ (1) بِنَ قَیْسٍ وَ هُوَ عَلَی فِلَسْطِینَ لِیَسْتَمِدَّهُمْ وَ کُلُّهُمْ عَلَی طَاعَةِ اِبْنِ الزُّبَیْرِ فَأَمَدُّوهُ فَاجْتَمَعَتِ الْأَجْنَادُ إِلَیْهِ بِمَرْجِ رَاهِطٍ وَ أَمَّا الَّذِینَ بِالْجَابِیَةِ فَکَانَتْ أَهْوَاؤُهُمْ مُخْتَلِفَةً فَأَمَّا مَالِکُ بْنُ هُبَیْرَةَ السَّکُونِیُّ فَکَانَ یَهْوَی هَوَی یَزِیدَ بْنِ مُعَاوِیَةَ وَ یُحِبُّ أَنْ تَکُونَ الْخِلاَفَةُ فِی وُلْدِهِ وَ أَمَّا حُصَیْنُ بْنُ نُمَیْرٍ السَّکُونِیُّ (2) فَکَانَ یَهْوَی هَوَی بَنِی أُمَیَّةَ وَ یُحِبُّ أَنْ تَکُونَ الْخِلاَفَةُ لِمَرْوَانَ بْنِ الْحَکَمِ فَقَالَ مَالِکُ بْنُ هُبَیْرَةَ لِلْحُصَیْنِ بْنِ نُمَیْرٍ هَلُمَّ فَلْنُبَایِعْ لِهَذَا الْغُلاَمِ الَّذِی نَحْنُ وَلَدْنَا أَبَاهُ وَ هُوَ ابْنُ أُخْتِنَا فَقَدْ عَرَفْتَ مَنْزِلَتَنَا الَّتِی کَانَتْ مِنْ أَبِیهِ إِنَّکَ إِنْ تُبَایِعْهُ یَحْمِلْکَ غَداً عَلَی رِقَابِ اَلْعَرَبِ یَعْنِی خَالِدَ بْنَ یَزِیدَ فَقَالَ اَلْحُصَیْنُ لاَ لَعَمْرُ اللَّهِ لاَ یَأْتِینَا اَلْعَرَبُ بِشَیْخٍ وَ نَأْتِیهَا بِصَبِیٍّ فَقَالَ مَالِکٌ أَظُنُّ هَوَاکَ فِی مَرْوَانَ وَ اللَّهِ إِنِ اسْتَخْلَفْتَ مَرْوَانَ لَیَحْسُدَنَّکَ عَلَی سَوْطِکَ وَ شِرَاکِ نَعْلِکَ وَ ظِلِّ شَجَرَةٍ تَسْتَظِلُّ بِهَا إِنَّ مَرْوَانَ أَبُو عَشَرَةٍ وَ أَخُو عَشَرَةٍ وَ عَمُّ عَشَرَةٍ فَإِنْ بَایَعْتُمُوهُ کُنْتُمْ عَبِیداً لَهُمْ وَ لَکِنْ عَلَیْکُمْ بِابْنِ أُخْتِکُمْ خَالِدِ بْنِ یَزِیدَ فَقَالَ اَلْحُصَیْنُ إِنِّی رَأَیْتُ فِی الْمَنَامِ قِنْدِیلاً مُعَلَّقاً مِنَ السَّمَاءِ وَ إِنَّهُ جَاءَ کُلُّ مَنْ یَمُدُّ عُنُقَهُ إِلَی الْخِلاَفَةِ لِیَتَنَاوَلَهُ فَلَمْ یَصِلْ إِلَیْهِ وَ جَاءَ مَرْوَانُ فَتَنَاوَلَهُ وَ اللَّهِ لَنَسْتَخْلِفَنَّهُ.

ص :160

فَلَمَّا اجْتَمَعَ رَأْیُهُمْ عَلَی بَیْعَتِهِ وَ اسْتَمَالُوا حَسَّانَ بْنَ بَحْدَلٍ إِلَیْهَا قَامَ رَوْحُ بْنُ زِنْبَاعٍ الْجُذَامِیُّ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ فَقَالَ أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّکُمْ تَذْکُرُونَ لِهَذَا الْأَمْرِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَ تَذْکُرُونَ صُحْبَتَهُ لِرَسُولِ اللَّهِ ص وَ قِدَمَهُ فِی اَلْإِسْلاَمِ وَ هُوَ کَمَا تَذْکُرُونَ لَکِنَّهُ رَجُلٌ ضَعِیفٌ وَ لَیْسَ صَاحِبُ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ بِالضَّعِیفِ وَ أَمَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَیْرِ وَ مَا یَذْکُرُ النَّاسُ مِنْ أَمْرِهِ وَ أَنَّ أَبَاهُ حَوَارِیُّ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ أُمَّهُ أَسْمَاءُ بِنْتِ أَبِی بَکْرٍ ذَاتُ النِّطَاقَیْنِ فَهُوَ لَعَمْرِی کَمَا تَذْکُرُونَ وَ لَکِنَّهُ مُنَافِقٌ قَدْ خَلَعَ خَلِیفَتَیْنِ یَزِیدَ وَ أَبَاهُ مُعَاوِیَةَ وَ سَفَکَ الدِّمَاءَ وَ شَقَّ عَصَا اَلْمُسْلِمِینَ وَ لَیْسَ صَاحِبُ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ص بِالْمُنَافِقِ وَ أَمَّا مَرْوَانُ بْنُ الْحَکَمِ فَوَ اللَّهِ مَا کَانَ فِی اَلْإِسْلاَمِ صَدْعٌ قَطُّ إِلاَّ کَانَ مَرْوَانُ مِمَّنْ یَشْعَبُ ذَلِکَ الصَّدْعَ وَ هُوَ الَّذِی قَاتَلَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ یَوْمَ الدَّارِ وَ الَّذِی قَاتَلَ عَلِیَّ بْنَ أَبِی طَالِبٍ یَوْمَ الْجَمَلِ وَ إِنَّا نَرَی لِلنَّاسِ أَنْ یُبَایِعُوا الْکَبِیرَ وَ یَسْتَشِبُّوا (1) الصَّغِیرَ یَعْنِی بِالْکَبِیرِ مَرْوَانَ وَ بِالصَّغِیرِ خَالِدَ بْنَ یَزِیدَ .فَاجْتَمَعَ رَأْیُ النَّاسِ عَلَی الْبَیْعَةِ لِمَرْوَانَ ثُمَّ لِخَالِدِ بْنِ یَزِیدَ مِنْ بَعْدِهِ ثُمَّ لِعَمْرِو بْنِ سَعِیدِ بْنِ الْعَاصِ بَعْدَهُمَا عَلَی أَنْ تَکُونَ فِی أَیَّامِ خِلاَفَةِ مَرْوَانَ إِمْرَةُ دِمَشْقَ لِعَمْرِو بْنِ سَعِیدٍ وَ إِمْرَةُ حِمْصٍ لِخَالِدِ بْنِ یَزِیدَ فَلَمَّا اسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَی ذَلِکَ دَعَا حَسَّانُ بْنُ بَحْدَلٍ خَالِدَ بْنَ یَزِیدَ فَقَالَ یَا ابْنَ أُخْتِی إِنَّ النَّاسَ قَدْ أَبَوْکَ لِحَدَاثَةِ سِنِّکَ وَ إِنِّی وَ اللَّهِ مَا أُرِیدُ هَذَا الْأَمْرَ إِلاَّ لَکَ وَ لِأَهْلِ بَیْتِکَ وَ مَا أُبَایِعُ مَرْوَانَ إِلاَّ نَظَراً لَکُمْ فَقَالَ خَالِدٌ بَلْ عَجَزْتَ عَنَّا فَقَالَ لاَ وَ اللَّهِ لَمْ أَعْجِزْ عَنْکَ وَ لَکِنِ الرَّأْیُ لَکَ مَا رَأَیْتَ.

ثُمَّ إِنَّ حَسَّانَ دَعَا مَرْوَانَ بْنَ الْحَکَمِ فَقَالَ لَهُ یَا مَرْوَانُ إِنَّ النَّاسَ کُلَّهُمْ لاَ یَرْضَوْنَ

ص :161

بِکَ فَمَا تَرَی فَقَالَ مَرْوَانُ إِنْ یُرِدِ اللَّهُ أَنْ یُعْطِیَنِیهَا لَمْ یَمْنَعْنِیهَا أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ وَ إِنْ یُرِدْ أَنْ یَمْنَعَنِیهَا لاَ یُعْطِینِیهَا أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ فَقَالَ حَسَّانُ صَدَقْتَ.

ثُمَّ صَعِدَ حَسَّانُ الْمِنْبَرَ فَقَالَ أَیُّهَا النَّاسُ إِنِّی مُسْتَخْلِفٌ فِی غَدٍ أَحَدَکُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَاجْتَمَعَ النَّاسُ بُکْرَةَ الْغَدِ یَنْتَظِرُونَ فَصَعِدَ حَسَّانُ الْمِنْبَرَ وَ بَایَعَ لِمَرْوَانَ وَ بَایَعَ النَّاسُ وَ سَارَ مِنَ اَلْجَابِیَةِ حَتَّی نَزَلَ بِمَرْجِ رَاهِطٍ حَیْثُ اَلضَّحَّاکُ بْنُ قَیْسٍ نَازِلٌ فَجَعَلَ مَرْوَانُ عَلَی مَیْمَنَتِهِ عَمْرَو بْنَ سَعِیدِ بْنِ الْعَاصِ وَ عَلَی مَیْسَرَتِهِ عُبَیْدَ اللَّهِ بْنَ زِیَادٍ وَ جَعَلَ اَلضَّحَّاکُ عَلَی مَیْمَنَتِهِ زِیَادَ بْنَ عَمْرِو بْنِ مُعَاوِیَةَ الْعَتَکِیَّ وَ عَلَی مَیْسَرَتِهِ ثَوْرَ بْنَ مَعْنٍ السُّلَمِیَّ وَ کَانَ یَزِیدُ بْنُ أَبِی النمسِ الْغَسَّانِیُّ بِدِمَشْقَ لَمْ یَشْهَدِ اَلْجَابِیَةَ وَ کَانَ مَرِیضاً فَلَمَّا حَصَلَ اَلضَّحَّاکُ بِمَرْجِ رَاهِطٍ (1) ثَارَ بِأَهْلِ دِمَشْقَ فِی عَبِیدِهِ وَ أَهْلِهِ فَغَلَبَ عَلَیْهَا وَ أَخْرَجَ عَامِلَ اَلضَّحَّاکِ مِنْهَا وَ غَلَبَ عَلَی الْخَزَائِنِ وَ بَیْتِ الْمَالِ وَ بَایَعَ لِمَرْوَانَ وَ أَمَدَّهُ مِنْ دِمَشْقَ بِالرِّجَالِ وَ الْمَالِ وَ السِّلاَحِ فَکَانَ ذَلِکَ أَوَّلَ فَتْحٍ فُتِحَ لِمَرْوَانَ .ثُمَّ وَقَعَتِ الْحَرْبُ بَیْنَ مَرْوَانَ وَ اَلضَّحَّاکِ فَاقْتَتَلُوا بِمَرْجِ رَاهِطٍ عِشْرِینَ لَیْلَةً فَهُزِمَ أَصْحَابُ اَلضَّحَّاکِ وَ قُتِلُوا وَ قُتِلَ أَشْرَافُ النَّاسِ مِنْ أَهْلِ اَلشَّامِ وَ قُتِلَتْ قَیْسٌ مَقْتَلَةً لَمْ تُقْتَلْ مِثْلُهَا فِی مَوْطِنٍ قَطُّ وَ قُتِلَ ثَوْرُ بْنُ مَعْنٍ السُّلَمِیُّ الَّذِی رَدَّ اَلضَّحَّاکَ عَنْ رَأْیِهِ.

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَ رُوِیَ أَنَّ بَشِیرَ بْنَ مَرْوَانَ کَانَ صَاحِبَ الرَّایَةِ ذَلِکَ الْیَوْمَ وَ أَنَّهُ کَانَ یُنْشِدُ إِنَّ عَلَی الرَّئِیسِ حَقّاً حَقّاً أَنْ یَخْضِبَ الصَّعْدَةَ أَوْ یَنْدَقَّا.

وَ صُرِعَ ذَلِکَ الْیَوْمَ عَبْدُ الْعَزِیزِ بْنُ مَرْوَانَ (2) ثُمَّ اسْتَنْقَذَ (3) .

قَالَ وَ مَرَّ مَرْوَانُ بِرَجُلٍ مِنْ مُحَارِبٍ وَ هُوَ فِی نَفَرٍ یَسِیرٍ مِنْ أَصْحَابِ مَرْوَانَ فَقَالَ لَهُ

ص :162

لَوْ انْضَمَمْتَ إِلَی أَصْحَابِکَ رَحِمَکَ اللَّهُ فَإِنِّی أَرَاکَ فِی قِلَّةٍ فَقَالَ إِنَّ مَعَنَا یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ مِنَ الْمَلاَئِکَةِ مَدَداً أَضْعَافَ مَنْ تَأْمُرُنَا بِالاِنْضِمَامِ إِلَیْهِمْ قَالَ فَضَحِکَ مَرْوَانُ وَ سُرَّ بِذَلِکَ وَ قَالَ لِلنَّاسِ مِمَّنْ کَانَ حَوْلَهُ أَ لاٰ تَسْتَمِعُونَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَ کَانَ قَاتِلُ اَلضَّحَّاکِ رَجُلاً مِنْ کَلْبٍ یُقَالُ لَهُ زُحْنَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَلَمَّا قَتَلَهُ وَ أَحْضَرَ الرَّأْسِ إِلَی مَرْوَانَ ظَهَرَتْ عَلَیْهِ کَآبَةٌ وَ قَالَ الْآنَ حِینَ کَبِرَتْ سِنِّی وَ دَقَّ عَظْمِی وَ صِرْتُ فِی مِثْلِ ظِمْءِ (1) الْحِمَارِ أَقْبَلْتُ أَضْرِبُ الْکَتَائِبَ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ.قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَ رُوِیَ أَنَّ مَرْوَانَ أَنْشَدَ لَمَّا بُویِعَ وَ دَعَا إِلَی نَفْسِهِ لَمَّا رَأَیْتُ الْأَمْرَ أَمْراً نَهْباً قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَ خَرَجَ النَّاسُ مُنْهَزِمِینَ بَعْدَ قَتْلِ اَلضَّحَّاکِ فَانْتَهَی أَهْلُ حِمْصٍ إِلَی حِمْصٍ وَ عَلَیْهَا اَلنُّعْمَانُ بْنُ بَشِیرٍ فَلَمَّا عَرَفَ الْخَبَرَ خَرَجَ هَارِباً وَ مَعَهُ ثَقَلُهُ وَ وُلْدُهُ وَ تَحَیَّرَ لَیْلَتَهُ کُلَّهَا وَ أَصْبَحَ وَ هُوَ بِبَابِ مَدِینَةِ حِمْصٍ فَرَآهُ أَهْلُ حِمْصٍ فَقَتَلُوهُ وَ خَرَجَ زُفَرُ بْنُ الْحَارِثِ الْکِلاَبِیُّ مِنْ قِنَّسْرِینَ هَارِباً فَلَحِقَ بِقِرْقِیسِیَاءَ وَ عَلَیْهَا عِیَاضُ بْنُ أَسْلَمَ الْجُرَشِیُّ (2) فَلَمْ یُمَکِّنْهُ مِنْ دُخُولِهَا فَحَلَفَ لَهُ زُفَرُ بِالطَّلاَقِ وَ الْعَتَاقِ أَنَّهُ إِذَا دَخَلَ حَمَّامَهَا خَرَجَ مِنْهَا وَ قَالَ لَهُ إِنَّ لِی حَاجَةً إِلَی دُخُولِ الْحَمَّامِ فَلَمَّا دَخَلَهَا لَمْ یَدْخُلْ حَمَّامَهَا وَ أَقَامَ بِهَا وَ أَخْرَجَ عِیَاضاً

ص :163

مِنْهَا وَ تَحَصَّنَ فِیهَا وَ ثَابَتْ إِلَیْهِ قَیْسُ عَیْلاَنَ وَ خَرَجَ نَاتِلُ بْنُ قَیْسٍ الْجُذَامِیُّ مِنْ فِلَسْطِینَ هَارِباً فَالْتَحَقَ بِابْنِ الزُّبَیْرِ بِمَکَّةَ وَ أَطْبَقَ أَهْلُ اَلشَّامِ عَلَی مَرْوَانَ وَ اسْتَوْثَقُوا لَهُ وَ اسْتَعْمَلَ عَلَیْهِمْ عُمَّالَهُ فَفِی ذَلِکَ یَقُولُ زُفَرُ بْنُ الْحَارِثِ أَرِینِی سِلاَحِی لاَ أَبَا لَکِ إِنَّنِی

وَ قَالَ زُفَرُ بْنُ الْحَارِثِ أَیْضاً وَ هُوَ مِنْ شِعْرِ الْحِمَاسَةِ أَ فِی اللَّهِ أَمَّا بَحْدَلٌ وَ اِبْنُ بَحْدَلٍ

ص :164

وَ لَمَّا یَکُنْ لِلْمَشْرَفِیَّةِ فَوْقَکُمْ

شُعَاعٌ کَقَرْنِ الشَّمْسِ حِینَ تَرَجَّلُ (1) .

و أمّا وفاة مروان و السبب فیها أنّه کان قد استقر الأمر بعده لخالد بن یزید بن معاویة علی ما قدمنا ذکره فلما استوثق له الأمر أحبّ أن یبایع لعبد الملک و عبد العزیز ابنیه فاستشار فی ذلک فأشیر علیه أن یتزوج أم خالد بن یزید و هی ابنة أبی هاشم بن عتبة بن ربیعة لیصغر شأنه فلا یرشح للخلافة فتزوجها ثمّ قال لخالد یوما فی کلام دار بینهما و المجلس غاص بأهله اسکت یا ابن الرطبة (2) فقال خالد أنت لعمری مؤتمن و خبیر.

ثمّ قام باکیا من مجلسه و کان غلاما حینئذ فدخل علی أمه فأخبرها فقالت له لا یعرفن ذلک فیک و اسکت فأنا أکفیک أمره فلما دخل علیها مروان قال لها ما قال لک خالد قالت و ما عساه یقول قال أ لم یشکنی إلیک قالت إن خالدا أشدّ إعظاما لک من أن یشتکیک فصدقها ثمّ مکثت أیاما فنام عندها و قد واعدت جواریها و قمن إلیه فجعلن الوسائد و البراذع علیه و جلسن علیه حتّی خنقه و ذلک بدمشق فی شهر رمضان .

و هو ابن ثلاث و ستین سنة فی قول الواقدی .و أما هشام بن محمّد الکلبی فقال ابن إحدی و ثمانین سنة و قال کان ابن إحدی و ثمانین عاش فی الخلافة تسعة أشهر و قیل عشرة أشهر و کان فی أیّام کتابته لعثمان بن عفان أکثر حکما و أشدّ تلطفا و تسلطا منه فی أیّام خلافته و کان ذلک من أعظم الأسباب الداعیة إلی خلع عثمان و قتله.

و قد قال قوم إن الضحّاک بن قیس لما نزل مرج راهط لم یدع إلی ابن الزبیر و إنّما دعا إلی نفسه و بویع بالخلافة و کان قرشیا و الأکثر الأشهر أنّه کان یدعو إلی ابن الزبیر

ص :165

یطلب بالمنازعة ما هو حقّ و إن علم أو غلب علی ظنه بالإمساک عن طلب حقه إنّما یدخل الثلم و الوهن علیه خاصّة و یسلم الإسلام من الفتنة وجب علیه أن یغضی و یصبر علی ما أتوا إلیه من أخذ حقه و کف یده حراسة للإسلام من الفتنة.

فإن قلت فهلا سلم إلی معاویة و إلی أصحاب الجمل و أغضی علی اغتصاب حقه حفظا للإسلام من الفتنة.

قلت إن الجور الداخل علیه من أصحاب الجمل و من معاویة و أهل الشام لم یکن مقصورا علیه خاصّة بل کان یعم الإسلام و المسلمین جمیعا لأنّهم لم یکونوا عنده ممن یصلح لرئاسة الأمة و تحمل أعباء الخلافة فلم یکن الشرط الذی اشترطه متحققا و هو قوله و لم یکن فیه جور إلاّ علی خاصّة .

و هذا الکلام یدلّ علی أنّه ع لم یکن یذهب إلی أن خلافة عثمان کانت تتضمن جورا علی المسلمین و الإسلام و إنّما کانت تتضمن جورا علیه خاصّة و أنّها وقعت علی جهة مخالفة الأولی لا علی جهة الفساد الکلی و البطلان الأصلی و هذا محض مذهب أصحابنا

فَقَالُوا لاَ فَقَالَ أَ فِیکُمْ أَحَدٌ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ص مَنْ کُنْتُ مَوْلاَهُ فَهَذَا مَوْلاَهُ غَیْرِی فَقَالُوا لاَ فَقَالَ أَ فِیکُمْ أَحَدٌ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ص أَنْتَ مِنِّی بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَی إِلاَّ أَنَّهُ لاَ نَبِیَّ بَعْدِی غَیْرِی قَالُوا لاَ قَالَ أَ فِیکُمْ مَنِ اؤْتُمِنَ عَلَی سُورَةِ بَرَاءَةَ وَ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ص إِنَّهُ لاَ یُؤَدِّی عَنِّی إِلاَّ أَنَا أَوْ رَجُلٌ مِنِّی غَیْرِی قَالُوا لاَ قَالَ أَ لاَ تَعْلَمُونَ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ ص فَرُّوا عَنْهُ فِی مَأْقِطِ (1) الْحَرْبِ فِی غَیْرِ مَوْطِنٍ وَ مَا فَرَرْتُ قَطُّ قَالُوا بَلَی قَالَ أَ لاَ تَعْلَمُونَ أَنِّی أَوَّلُ النَّاسِ إِسْلاَماً قَالُوا بَلَی قَالَ فَأَیُّنَا أَقْرَبُ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ ص نَسَباً قَالُوا أَنْتَ فَقَطَعَ عَلَیْهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ کَلاَمَهُ وَ قَالَ یَا عَلِیُّ قَدْ أَبَی النَّاسُ إِلاَّ عَلَی عُثْمَانَ فَلاَ تَجْعَلَنَّ عَلَی نَفْسِکَ سَبِیلاً ثُمَّ قَالَ یَا أَبَا طَلْحَةَ مَا الَّذِی أَمَرَکَ بِهِ عُمَرُ قَالَ أَنْ أَقْتُلَ مَنْ شَقَّ عَصَا الْجَمَاعَةِ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لِعَلِیٍّ بَایِعْ إِذَنْ وَ إِلاَّ کُنْتَ مُتَّبِعاً غَیْرَ سَبِیلِ الْمُؤْمِنِینَ وَ أَنْفَذْنَا فِیکَ مَا أُمِرْنَا بِهِ فَقَالَ لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّی أَحَقُّ بِهَا مِنْ غَیْرِی وَ اللَّهِ لَأُسْلِمَنَّ ...

الْفَصْلَ إِلَی آخِرِهِ ثُمَّ مَدَّ یَدَهُ فَبَایَعَ

.

ص :168

کما أن هارون معصوم عن مثل ذلک و ترادف الأقوال و الأفعال من رسول اللّه ص فی أمره التی یضطر معها الحاضرون لها و المشاهدون إیاها إلی أن مثله لا یجوز أن یسعی فی إراقة دم أمیر مسلم لم یحدث حدثا یستوجب به إحلال دمه.

و هذا الکلام صحیح معقول و ذاک أنا نری من یظهر ناموس الدین و یواظب علی نوافل العبادات و نشاهد من ورعه و تقواه ما یتقرر معه فی نفوسنا استشعاره الدین و اعتقاده إیاه فیصرفنا ذلک عن قرفه بالعیوب الفاحشة و نستبعد مع ذلک طعن من یطعن فیه و ننکره و نأباه و نکذبه فکیف ساغ لأعداء أمیر المؤمنین ع مع علمهم بمنزلته العالیة فی الدین التی لم یصل إلیها أحد من المسلمین أن یطلقوا ألسنتهم فیه و ینسبوه إلی قتل عثمان أو الممالاة علیه لا سیما و قد اتصل بهم و ثبت عندهم أنّه کان من أنصاره لا من المجلبین علیه و أنّه کان أحسن الجماعة فیه قولا و فعلا.

ثمّ قال أ لم تزع الجهال و تردعهم سابقتی عن تهمتی و هذا الکلام تأکید للقول الأول.

ثمّ قال إن الذی وعظهم اللّه تعالی به فی القرآن من تحریم الغیبة و القذف و تشبیه ذلک بأکل لحم المیت أبلغ من وعظی لهم لأنّه لا عظة أبلغ من عظة القرآن .ثم قال أنا حجیج المارقین و خصیم المرتابین یعنی یوم القیامة

1178

رُوِیَ عَنْهُ ع أَنَّهُ قَالَ

أَنَا أَوَّلُ مَنْ یَجْثُو لِلْحُکُومَةِ بَیْنَ یَدَیِ اللَّهِ تَعَالَی .

1179

14,1- وَ قَدْ رُوِیَ عَنِ اَلنَّبِیِّ ص مِثْلُ ذَلِکَ مَرْفُوعاً فِی قَوْلِهِ تَعَالَی هٰذٰانِ خَصْمٰانِ اخْتَصَمُوا فِی رَبِّهِمْ (1) وَ أَنَّهُ ص سُئِلَ عَنْهَا فَقَالَ عَلِیٌّ وَ حَمْزَةُ وَ عُبَیْدَةُ وَ عُتْبَةُ وَ شَیْبَةُ وَ اَلْوَلِیدُ .

و کانت حادثتهم أول حادثة وقعت فیها مبارزة أهل الإیمان لأهل الشرک و کان المقتول الأول بالمبارزة الولید بن عتبة قتله علی ع ضربه علی رأسه فبدرت عیناه علی وجنته

ص :170

فقال النبیّ ص فیه و فی أصحابه ما قال و کان علی ع یکثر من قوله أنا حجیج المارقین و یشیر إلی هذا المعنی .

ثمّ أشار إلی ذلک بقوله علی کتاب اللّه تعرض الأمثال یرید قوله تعالی هٰذٰانِ خَصْمٰانِ اخْتَصَمُوا فِی رَبِّهِمْ .

ثمّ قال و بما فی الصدور تجازی العباد إن کنت قتلت عثمان أو مالأت علیه فإن اللّه تعالی سیجازینی بذلک و إلاّ فسوف یجازی بالعقوبة و العذاب من اتهمنی به و نسبه إلیّ.

و هذا الکلام یدلّ علی ما یقوله أصحابنا من تبرؤ أمیر المؤمنین ع من دم عثمان و فیه ردّ و إبطال لما یزعمه الإمامیّة من کونه رضی به و أباحه و لیس یقول أصحابنا أنّه ع لم یکن ساخطا أفعال عثمان و لکنهم یقولون إنّه و إن سخطها و کرهها و أنکرها لم یکن مبیحا لدمه و لا ممالئا علی قتله و لا یلزم من إنکار أفعال الإنسان إحلال دمه فقد لا یبلغ الفعل فی القبح إلی أن یستحل به الدم کما فی کثیر من المناهی

ص :171

و العوض المحرز هاهنا هو الثواب .

و قوله کابر هواه أی غالبه و روی کاثر بالثاء المنقوطة بالثلاث أی غالب هواه بکثرة عقله یقال کاثرناهم فکثرناهم أی غلبناهم بالکثرة .

و قوله و کذب مناه أی أمنیته و الطریقة الغراء البیضاء و المهل النظر و التؤدة

ص :173

قال أبو الفرج و هذا خطأ إنّما هو الوذام التربة.

1181

1- قَالَ وَ قَدْ حَدَّثَنِی (1) بِذَلِکَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِیزِ الْجَوْهَرِیُّ عَنْ أَبِی زَیْدٍ عُمَرَ بْنِ شَبَّةَ بِإِسْنَادٍ ذَکَرَهُ فِی الْکِتَابِ أَنَّ سَعِیدَ بْنَ الْعَاصِ حَیْثُ کَانَ أَمِیرَ اَلْکُوفَةِ بَعَثَ مَعَ اِبْنِ أَبِی عَائِشَةَ مَوْلاَهُ إِلَی عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ ع بِصِلَةٍ فَقَالَ عَلِیٌّ ع وَ اللَّهِ لاَ یَزَالُ غُلاَمٌ مَنْ غِلْمَانِ بَنِی أُمَیَّةَ یَبْعَثُ إِلَیْنَا مِمَّا أَفٰاءَ اللّٰهُ عَلیٰ رَسُولِهِ بِمِثْلِ قُوتِ الْأَرْمَلَةِ وَ اللَّهِ لَئِنْ بَقِیتُ لَأَنْفُضَنَّهَا نَفْضَ الْقَصَّابِ الْوِذَامَ التَّرِبَةَ .

ص :175

و یجوز أیضا أن یکون فی الدعاء نفسه مصلحة و لطف للمکلف لقد حسن منا الاستغفار للمؤمنین و الصلاة علی الأنبیاء و الملائکة.

و أیضا فلیس کل أفعال البارئ سبحانه واجبة علیه بل معظمها ما یصدر علی وجه الإحسان و التفضل فیجوز أن یفعله و یجوز ألا یفعله.

فإن قلت فهل یسمی فعل الواجب الذی لا بدّ للقدیم تعالی من فعله إجابة لدعاء المکلف.

قلت لا و إنّما یسمی إجابة إذا فعل سبحانه ما یجوز أن یفعله و یجوز ألا یفعله کالتفضل و أیضا فإن اللطف و المصلحة قد یکون لطفا و مصلحة فی کل حال و قد یکون لطفا عند الدعاء و لو لا الدعاء لم یکن لطفا و لیس بممتنع فی القسم الثانی أن یسمی إجابة للدعاء لأن للدعاء علی کل حال تأثیرا فی فعله.

فإن قیل أ یجوز أن یدعو النبیّ ص بدعاء فلا یستجاب له.

قیل إن من شرط حسن الدعاء أن یعلم الداعی حسن ما طلبه بالدعاء و إنّما یعلم حسنه بألا یکون فیه وجه قبح ظاهر و ما غاب عنه من وجوه القبح نحو کونه مفسدة یجب أن یشترطه فی دعائه و یطلب ما یطلبه بشرط ألا یکون مفسدة و إن لم یظهر هذا الشرط فی دعائه وجب أن یضمره فی نفسه فمتی سأل النبیّ ربه تعالی أمرا فلم یفعله لم یجز أن یقال إنّه ما أجیبت دعوته لأنّه یکون قد سأل بشرط ألا یکون مفسدة فإذا لم یقع ما یطلبه فلأن المطلوب قد علم اللّه فیه من المفسدة ما لم یعلمه النبیّ ص فلا یقال إنّه ما أجیب دعاؤه لأن دعاءه کان مشروطا و إنّما یصدق قولنا ما أجیب دعاؤه علی من طلب أمرا طلبا مطلقا غیر مشروط فلم یقع و النبیّ ص لا یتحقّق ذلک فی حقه

ص :177

دُونَ مَدَی کَرَمِکَ الْحَاجَاتُ وَ امْتَلَأَتْ بِبَعْضِ جُودِکَ أَوْعِیَةُ الطَّلِبَاتِ وَ تَفَسَّخَتْ دُونَ بُلُوغِ نَعْتِکَ الصِّفَاتُ فَلَکَ الْعُلُوُّ الْأَعْلَی فَوْقَ کُلِّ عَالٍ وَ الْجَلاَلُ الْأَمْجَدُ فَوْقَ کُلِّ جَلاَلٍ کُلُّ جَلِیلٍ عِنْدَکَ حَقِیرٌ وَ کُلُّ شَرِیفٍ فِی جَنْبِ شَرَفِکَ صَغِیرٌ خَابَ الْوَافِدُونَ عَلَی غَیْرِکَ وَ خَسِرَ الْمُتَعَرِّضُونَ إِلاَّ لَکَ وَ ضَاعَ الْمُلِمُّونَ إِلاَّ بِکَ وَ أَجْدَبَ الْمُنْتَجِعُونَ إِلاَّ مَنِ انْتَجَعَ فَضْلَکَ لِأَنَّکَ ذُو غَایَةٍ قَرِیبَةٍ مِنَ الرَّاغِبِینَ وَ ذُو مَجْدٍ مُبَاحٍ لِلسَّائِلِینَ لاَ یَخِیبُ لَدَیْکَ الْآمِلُونَ وَ لاَ یُخْفِقُ مِنْ عَطَائِکَ الْمُتَعَرِّضُونَ وَ لاَ یَشْقَی بِنَقِمَتِکَ الْمُسْتَغْفِرُونَ رِزْقُکَ مَبْسُوطٌ لِمَنْ عَصَاکَ وَ حِلْمُکَ مُعَرِّضٌ لِمَنْ نَاوَاکَ وَ عَادَتُکَ الْإِحْسَانُ إِلَی الْمُسِیئِینَ وَ سُنَّتُکَ الْإِبْقَاءُ عَلَی الْمُعْتَدِینَ حَتَّی لَقَدْ غَرَّتْهُمْ أَنَاتُکَ عَنِ النُّزُوعِ وَ صَدَّهُمْ إِمْهَالُکَ عَنِ الرُّجُوعِ وَ إِنَّمَا تَأَنَّیْتَ بِهِمْ لِیَفِیئُوا إِلَی أَمْرِکَ وَ أَمْهَلْتَهُمْ ثِقَةً بِدَوَامِ مُلْکِکَ فَمَنْ کَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ خَتَمْتَ لَهُ بِهَا وَ مَنْ کَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ خَذَلْتَهُ لَهَا.

کُلُّهُمْ صَائِرٌ إِلَی رَحْمَتِکَ وَ أُمُورُهُمْ آئِلَةٌ إِلَی أَمْرِکَ لَمْ یَهُنْ عَلَی طُولِ مُدَّتِهِمْ سُلْطَانُکَ وَ لَمْ تَدْحَضْ لِتَرْکِ مُعَاجَلَتِهِمْ حُجَجُکَ (1) حُجَّتُکَ قَائِمَةٌ وَ سُلْطَانُکَ ثَابِتٌ فَالْوَیْلُ الدَّائِمُ لِمَنْ جَنَحَ عَنْکَ وَ الْخَیْبَةُ الْخَاذِلَةُ لِمَنْ خَابَ أَمَلُهُ مِنْکَ وَ الشَّقَاءُ الْأَشْقَی لِمَنِ اغْتَرَّ بِکَ مَا أَکْثَرَ تَقَلُّبَهُ فِی عَذَابِکَ وَ مَا أَعْظَمَ تَرَدُّدَهُ فِی عِقَابِکَ وَ مَا أَبْعَدَ غَایَتَهُ مِنَ الْفَرَجِ وَ مَا أَثْبَطَهُ مِنْ سُهُولَةِ الْمَخْرَجِ عَدْلاً مِنْ قَضَائِکَ لاَ تَجُورُ فِیهِ وَ إِنْصَافاً مِنْ حُکْمِکَ لاَ تَحِیفُ عَلَیْهِ قَدْ ظَاهَرْتَ الْحُجَجَ وَ أَزَلْتَ الْأَعْذَارَ وَ تَقَدَّمْتَ بِالْوَعِیدِ وَ تَلَطَّفْتَ فِی التَّرْغِیبِ وَ ضَرَبْتَ الْأَمْثَالَ وَ أَطَلْتَ الْإِمْهَالَ وَ أَخَّرْتَ وَ أَنْتَ تَسْتَطِیعُ الْمُعَاجَلَةَ وَ تَأَنَّیْتَ وَ أَنْتَ مَلِیءٌ بِالْمُبَادَرَةِ لَمْ تَکُ أَنَاتُکَ عَجْزاً وَ لاَ حِلْمُکَ وَهْناً وَ لاَ إِمْسَاکُکَ لِعِلَّةٍ وَ لاَ انْتِظَارُکَ لِمُدَارَاةٍ بَلْ لِتَکُونَ حُجَّتُکَ الْأَبْلَغَ وَ کَرَمُکَ الْأَکْمَلَ وَ إِحْسَانُکَ الْأَوْفَی وَ نِعْمَتُکَ الْأَتَمَّ

ص :179

کُلُّ ذَلِکَ کَانَ وَ لَمْ یَزَلْ وَ هُوَ کَائِنٌ لاَ یَزُولُ نِعْمَتُکَ أَجَلُّ مِنْ أَنْ تُوصَفَ بِکُلِّهَا وَ مَجْدُکَ أَرْفَعُ مِنْ أَنْ یُحَدَّ بِکُنْهِهِ وَ إِحْسَانُکَ أَکْبَرُ مِنْ أَنْ یُشْکَرَ عَلَی أَقَلِّهِ فَقَدْ أَقْصَرْتُ سَاکِتاً عَنْ تَحْمِیدِکَ وَ تَهَیَّبْتُ مُمْسِکاً عَنْ تَمْجِیدِکَ لاَ رَغْبَةً یَا إِلَهِی عَنْکَ بَلْ عَجْزاً وَ لاَ زُهْداً فِیمَا عِنْدَکَ بَلْ تَقْصِیراً وَ هَا أَنَا ذَا یَا إِلَهِی أُؤَمِّلُ بِالْوِفَادَةِ وَ أَسْأَلُکَ حُسْنَ الرِّفَادَةِ فَاسْمَعْ نِدَائِی وَ اسْتَجِبْ دُعَائِی وَ لاَ تَخْتِمْ عَمَلِی بِخَیْبَتِی وَ لاَ تَجْبَهْنِی بِالرَّدِّ فِی مَسْأَلَتِی وَ أَکْرِمْ مِنْ عِنْدِکَ مُنْصَرَفِی إِنَّکَ غَیْرُ ضَائِقٍ عَمَّا تُرِیدُ وَ لاَ عَاجِزٍ عَمَّا تَشَاءُ وَ أَنْتَ عَلَی کُلِّ شَیْءٍ قَدِیرٌ

.

1184

1,4- وَ مِنْ أَدْعِیَتِهِ ع وَ هُوَ مِنْ أَدْعِیَةِ اَلصَّحِیفَةِ أَیْضاً اللَّهُمَّ یَا مَنْ بِرَحْمَتِهِ یَسْتَغِیثُ الْمُذْنِبُونَ وَ یَا مَنْ إِلَی إِحْسَانِهِ یَفْزَعُ الْمُضْطَرُّونَ وَ یَا مَنْ لِخِیفَتِهِ یَنْتَحِبُ الْخَاطِئُونَ یَا أُنْسَ کُلِّ مُسْتَوْحِشٍ غَرِیبٍ یَا فَرَجَ کُلِّ مَکْرُوبٍ حَرِیبٍ یَا عَوْنَ کُلِّ مَخْذُولٍ فَرِیدٍ یَا عَائِذَ کُلِّ مُحْتَاجٍ طَرِیدٍ أَنْتَ الَّذِی وَسِعْتَ کُلَّ شَیْءٍ رَحْمَةً وَ عِلْماً وَ أَنْتَ الَّذِی جَعَلْتَ لِکُلِّ مَخْلُوقٍ فِی نِعْمَتِکَ سَهْماً وَ أَنْتَ الَّذِی عَفْوُهُ أَعْلَی مِنْ عِقَابِهِ وَ أَنْتَ الَّذِی رَحْمَتُهُ أَمَامَ غَضَبِهِ وَ أَنْتَ الَّذِی إِعْطَاؤُهُ أَکْبَرُ مِنْ مَنْعِهِ وَ أَنْتَ الَّذِی وَسِعَ الْخَلاَئِقَ کُلَّهُمْ بِعَفْوِهِ وَ أَنْتَ الَّذِی لاَ یَرْغَبُ فِی غِنَی مَنْ أَعْطَاهُ وَ أَنْتَ الَّذِی لاَ یُفْرِطُ فِی عِقَابِ مَنْ عَصَاهُ.

وَ أَنَا یَا سَیِّدِی عَبْدُکَ الَّذِی أَمَرْتَهُ بِالدُّعَاءِ فَقَالَ لَبَّیْکَ وَ سَعْدَیْکَ وَ أَنَا یَا سَیِّدِی عَبْدُکَ الَّذِی أَوْقَرَتِ الْخَطَایَا ظَهْرَهُ وَ أَنَا الَّذِی أَفْنَتِ (1) الذُّنُوبُ عُمُرَهُ وَ أَنَا الَّذِی بِجَهْلِهِ عَصَاکَ وَ لَمْ یَکُنْ أَهْلاً مِنْهُ لِذَلِکَ فَهَلْ أَنْتَ یَا مَوْلاَیَ رَاحِمٌ مَنْ دَعَاکَ فَأَجْتَهِدَ فِی الدُّعَاءِ أَمْ أَنْتَ غَافِرٌ لِمَنْ بَکَی لَکَ فَأُسْرِعَ فِی الْبُکَاءِ أَمْ أَنْتَ مُتَجَاوِزٌ عَمَّنْ عَفَّرَ لَکَ وَجْهَهُ مُتَذَلِّلاً أَمْ أَنْتَ مُغْنٍ مَنْ شَکَا إِلَیْکَ فَقْرَهُ مُتَوَکِّلاً

ص :180

اللَّهُمَّ فَلاَ تُخَیِّبْ مَنْ لاَ یَجِدُ مُعْطِیاً غَیْرَکَ وَ لاَ تَخْذُلْ مَنْ لاَ یَسْتَغْنِی عَنْکَ بِأَحَدٍ دُونَکَ اللَّهُمَّ لاَ تُعْرِضْ عَنِّی وَ قَدْ أَقْبَلْتُ عَلَیْکَ وَ لاَ تَحْرِمْنِی وَ قَدْ رَغِبْتُ إِلَیْکَ وَ لاَ تَجْبَهْنِی بِالرَّدِّ وَ قَدِ انْتَصَبْتُ بَیْنَ یَدَیْکَ أَنْتَ الَّذِی وَصَفْتَ نَفْسَکَ بِالرَّحْمَةِ وَ أَنْتَ الَّذِی سَمَّیْتَ نَفْسَکَ بِالْعَفْوِ فَارْحَمْنِی وَ اعْفُ عَنِّی فَقَدْ تَرَی یَا سَیِّدِی فَیْضَ دُمُوعِی مِنْ خِیفَتِکَ وَ وَجِیبَ قَلْبِی مِنْ خَشْیَتِکَ وَ انْتِفَاضَ جَوَارِحِی مِنْ هَیْبَتِکَ کُلُّ ذَلِکَ حَیَاءٌ مِنْکَ بِسُوءِ عَمَلِی وَ خَجَلاً مِنْکَ لِکَثْرَةِ ذُنُوبِی قَدْ کَلَّ لِسَانِی عَنْ مُنَاجَاتِکَ وَ خَمَدَ صَوْتِی عَنِ الدُّعَاءِ إِلَیْکَ یَا إِلَهِی فَکَمْ مِنْ عَیْبٍ سَتَرْتَهُ عَلَیَّ فَلَمْ تَفْضَحْنِی وَ کَمْ مِنْ ذَنْبٍ غَطَّیْتَ عَلَیْهِ فَلَمْ تَشْهَرْ بِی وَ کَمْ مِنْ عَائِبَةٍ أَلْمَمْتُ بِهَا فَلَمْ تَهْتِکْ عَنِّی سِتْرَهَا وَ لَمْ تُقَلِّدْنِی مَکْرُوهَ شَنَارِهَا وَ لَمْ تُبْدِ عَلَیَّ مُحَرَّمَاتِ سَوْآتِهَا فَمَنْ یَلْتَمِسُ مَعَایِبِی مِنْ جِیرَتِی وَ حَسَدَةِ نِعْمَتِکَ عِنْدِی ثُمَّ لَمْ یَنْهَنِی ذَلِکَ حَتَّی صِرْتُ إِلَی أَسْوَإِ مَا عَهِدْتَ مِنِّی فَمَنْ أَجْهَلُ مِنِّی یَا سَیِّدِی بِرُشْدِکَ وَ مَنْ أَغْفَلُ مِنِّی عَنْ حَظِّهِ مِنْکَ وَ مَنْ أَبْعَدُ مِنِّی مِنِ اسْتِصْلاَحِ نَفْسِهِ حِینَ أَنْفَقْتَ مَا أَجْرَیْتَ عَلَیَّ مِنْ رِزْقِکَ فِیمَا نَهَیْتَنِی عَنْهُ مِنْ مَعْصِیَتِکَ وَ مَنْ أَبْعَدُ غَوْراً فِی الْبَاطِلِ وَ أَشَدُّ إِقْدَاماً عَلَی السُّوءِ مِنِّی حِینَ أَقِفُ بَیْنَ دَعْوَتِکَ وَ دَعْوَةِ اَلشَّیْطَانِ فَأَتَّبِعُ دَعْوَتَهُ عَلَی غَیْرِ عَمًی عَنِ الْمَعْرِفَةِ بِهِ وَ لاَ نِسْیَانٍ مِنْ حِفْظِی لَهُ وَ أَنَا حِینَئِذٍ مُوقِنٌ أَنْ مُنْتَهَی دَعْوَتِکَ اَلْجَنَّةُ وَ مُنْتَهَی دَعْوَتِهِ اَلنَّارُ سُبْحَانَکَ فَمَا أَعْجَبَ مَا أَشْهَدُ بِهِ عَلَی نَفْسِی وَ أُعَدِّدُهُ مِنْ مَکْنُونِ أَمْرِی وَ أَعْجَبُ مِنْ ذَلِکَ أَنَاتُکَ عَنِّی وَ إِبْطَاؤُکَ عَنْ مُعَاجَلَتِی وَ لَیْسَ ذَلِکَ مِنْ کَرَمِی عَلَیْکَ بَلْ تَأَتِّیاً [تَأَنِّیاً]

مِنْکَ بِی وَ تَفَضُّلاً مِنْکَ عَلَیَّ لِأَنْ أَرْتَدِعَ عَنْ خَطَئِی وَ لِأَنَّ عَفْوَکَ أَحَبُّ إِلَیْکَ مِنْ عُقُوبَتِی بَلْ أَنَا یَا إِلَهِی أَکْثَرُ ذُنُوباً وَ أَقْبَحُ آثَاراً وَ أَشْنَعُ أَفْعَالاً وَ أَشَدُّ فِی الْبَاطِلِ تَهَوُّراً وَ أَضْعَفُ عِنْدَ طَاعَتِکَ تَیَقُّظاً وَ أَغْفَلُ لِوَعِیدِکَ انْتِبَاهاً مِنْ أَنْ أُحْصِیَ لَکَ عُیُوبِی وَ أَقْدِرَ عَلَی تَعْدِیدِ

ص :181

ذُنُوبِی وَ إِنَّمَا أُوَبِّخُ بِهَذَا نَفْسِی طَمَعاً فِی رَأْفَتِکَ الَّتِی بِهَا إِصْلاَحُ أَمْرِ الْمُذْنِبِینَ وَ رَجَاءً لِعِصْمَتِکَ الَّتِی بِهَا فَکَاکُ رِقَابِ الْخَاطِئِینَ اللَّهُمَّ وَ هَذِهِ رَقَبَتِی قَدْ أَرَقَّتْهَا الذُّنُوبُ فَأَعْتِقْهَا بِعَفْوِکَ وَ قَدْ أَثْقَلَتْهَا الْخَطَایَا فَخَفِّفْ عَنْهَا بِمَنِّکَ اللَّهُمَّ إِنِّی لَوْ بَکَیْتُ حَتَّی تَسْقُطَ أَشْفَارُ عَیْنَیَّ وَ انْتَحَبْتُ حَتَّی یَنْقَطِعَ صَوْتِی وَ قُمْتُ لَکَ حَتَّی تَنْتَشِرَ قَدَمَایَ وَ رَکَعْتُ لَکَ حَتَّی یَنْجَذِعَ صُلْبِی وَ سَجَدْتُ لَکَ حَتَّی تَتَفَقَّأَ حَدَقَتَایَ وَ أَکَلْتُ التُّرَابَ طُولَ عُمُرِی وَ شَرِبْتُ مَاءَ الرَّمَادِ آخِرَ دَهْرِی وَ ذَکَرْتُکَ فِی خِلاَلِ ذَلِکَ حَتَّی یَکِلَّ لِسَانِی ثُمَّ لَمْ أَرْفَعْ طَرْفِی إِلَی آفَاقِ السَّمَاءِ اسْتِحْیَاءً مِنْکَ لَمَا اسْتَوْجَبْتُ بِذَلِکَ مَحْوَ سَیِّئَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ سَیِّئَاتِی فَإِنْ کُنْتَ تَغْفِرُ لِی حِینَ أَسْتَوْجِبُ مَغْفِرَتَکَ وَ تَعْفُوَ عَنِّی حِینَ أَسْتَحِقُّ عَفْوَکَ فَإِنَّ ذَلِکَ غَیْرُ وَاجِبٍ لِی بِالاِسْتِحْقَاقِ وَ لاَ أَنَا أَهْلٌ لَهُ عَلَی الاِسْتِیجَابِ إِذْ کَانَ جَزَائِی مِنْکَ مِنْ (1) أَوَّلِ مَا عَصَیْتُکَ اَلنَّارَ فَإِنْ تُعَذِّبْنِی فَإِنَّکَ غَیْرُ ظَالِمٍ إِلَهِی فَإِنْ تَغَمَّدْتَنِی بِسِتْرِکَ فَلَمْ تَفْضَحْنِی وَ أَمْهَلْتَنِی بِکَرَمِکَ فَلَمْ تُعَاجِلْنِی وَ حَلُمْتَ عَنِّی بِتَفَضُّلِکَ فَلَمْ تُغَیِّرْ نِعَمِکَ عَلَیَّ وَ لَمْ تُکَدِّرْ مَعْرُوفَکَ عِنْدِی فَارْحَمْ طُولَ تَضَرُّعِی وَ شِدَّةَ مَسْکَنَتِی وَ سُوءَ مَوْقِفِی اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ وَ أَنْقِذْنِی مِنَ الْمَعَاصِی وَ اسْتَعْمِلْنِی بِالطَّاعَةِ وَ ارْزُقْنِی حُسْنَ الْإِنَابَةِ وَ طَهِّرْنِی بِالتَّوْبَةِ وَ أَیِّدْنِی بِالْعِصْمَةِ وَ اسْتَصْلِحْنِی بِالْعَافِیَةِ وَ ارْزُقْنِی حَلاَوَةَ الْمَغْفِرَةِ وَ اجْعَلْنِی طَلِیقَ عَفْوِکَ وَ اکْتُبْ لِی أَمَاناً مِنْ سَخَطِکَ وَ بَشِّرْنِی بِذَلِکَ فِی الْعَاجِلِ دُونَ الْآجِلِ (2) بُشْرَی أَعْرِفُهَا وَ عَرِّفْنِی لَهُ عَلاَمَةً أَتَبَیَّنُهَا إِنَّ ذَلِکَ لاَ یَضِیقُ عَلَیْکَ فِی وُجْدِکَ وَ لاَ یَتَکَاءَدُکَ فِی قُدْرَتِکَ وَ أَنْتَ عَلَی کُلِّ شَیْءٍ قَدِیرٌ

.

1185

1,4- وَ مِنْ أَدْعِیَتِهِ ع وَ هُوَ مِنْ أَدْعِیَةِ اَلصَّحِیفَةِ

ص :182

اللَّهُمَّ یَا ذَا الْمُلْکِ الْمُتَأَبِّدِ بِالْخُلُودِ وَ السُّلْطَانِ الْمُمْتَنِعِ بِغَیْرِ جُنُودٍ وَ الْعِزِّ الْبَاقِی عَلَی مَرِّ الدُّهُورِ عَزَّ سُلْطَانُکَ عِزّاً لاَ حَدَّ لَهُ وَ لاَ مُنْتَهَی لِآخِرِهِ وَ اسْتَعْلَی مُلْکُکَ عَلُوّاً سَقَطَتِ الْأَشْیَاءُ دُونَ بُلُوغِ أَمَدِهِ وَ لاَ یَبْلُغُ أَدْنَی مَا اسْتَأْثَرْتَ بِهِ مِنْ ذَلِکَ نُعُوتٌ أَقْصَی نَعْتِ النَّاعِتِینَ ضَلَّتْ فِیکَ الصِّفَاتُ وَ تَفَسَّخَتْ دُونَکَ النُّعُوتُ وَ حَارَتْ فِی کِبْرِیَائِکَ لَطَائِفُ الْأَوْهَامِ کَذَلِکَ أَنْتَ اللَّهُ فِی أَوَّلِیَّتِکَ وَ عَلَی ذَلِکَ أَنْتَ دَائِمٌ لاَ تَزُولُ وَ کَذَلِکَ أَنْتَ اللَّهُ فِی آخِرِیَّتِکَ وَ کَذَلِکَ أَنْتَ ثَابِتٌ لاَ تَحُولُ وَ أَنَا الْعَبْدُ الضَّعِیفُ عَمَلاً الْجَسِیمُ أَمَلاً خَرَجَتْ مِنْ یَدَیَّ أَسْبَابُ الْوُصُلاَتِ إِلَی رَحْمَتِکَ وَ تَقَطَّعَتْ عَنِّی عِصَمُ الْآمَالِ إِلاَّ مَا أَنَا مُعْتَصِمٌ بِهِ مِنْ عَفْوِکَ قَلَّ عِنْدِی مَا أَعْتَدُّ بِهِ مِنْ طَاعَتِکَ وَ کَثُرَ عِنْدِی مَا أَبُوءُ بِهِ مِنْ مَعْصِیَتِکَ وَ لَنْ یَفُوتَکَ (1) عَفْوٌ عَنْ عَبْدِکَ وَ إِنْ أَسَاءَ فَاعْفُ عَنِّی اللَّهُمَّ قَدْ أَشْرَفَ عَلَی کُلِّ خَطَایَا الْأَعْمَالِ عِلْمُکَ وَ انْکَشَفَ کُلُّ مَسْتُورٍ عِنْدَ خَبَرِکَ فَلاَ یَنْطَوِی عَنْکَ دَقَائِقُ الْأُمُورِ وَ لاَ یَعْزُبُ عَنْکَ خَفَایَا السَّرَائِرِ (2) وَ قَدْ هَرَبْتُ إِلَیْکَ مِنْ صَغَائِرِ ذُنُوبٍ مُوبِقَةٍ وَ کَبَائِرِ أَعْمَالٍ مُرْدِیَةٍ فَلاَ شَفِیعَ یَشْفَعُ لِی إِلَیْکَ وَ لاَ خَفِیرَ یُؤْمِنُنِی مِنْکَ وَ لاَ حِصْنَ یَحْجُبُنِی عَنْکَ وَ لاَ مَلاَذَ أَلْجَأُ إِلَیْهِ غَیْرُکَ هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِکَ وَ مَحَلُّ الْمُعْتَرِفِ لَکَ فَلاَ یَضِیقَنَّ عَنِّی فَضْلُکَ وَ لاَ یَقْصُرَنَّ دُونِی عَفْوُکَ وَ لاَ أَکُونُ أَخْیَبَ عِبَادِکَ التَّائِبِینَ وَ لاَ أَقْنَطَ وُفُودِکَ الْآمِلِینَ وَ اغْفِرْ لِی إِنَّکَ خَیْرُ الْغَافِرِینَ اللَّهُمَّ إِنَّکَ أَمَرْتَنِی فَغَفَلْتُ وَ نَهَیْتَنِی فَرَکِبْتُ وَ هَذَا مَقَامُ مَنِ اسْتَحْیَا لِنَفْسِهِ مِنْکَ وَ سَخِطَ عَلَیْهَا وَ رَضِیَ عَنْکَ وَ تَلَقَّاکَ بِنَفْسٍ خَاشِعَةٍ وَ عَیْنٍ خَاضِعَةٍ وَ ظَهْرٍ مُثْقَلٍ مِنَ الْخَطَایَا وَاقِفاً بَیْنَ الرَّغْبَةِ إِلَیْکَ وَ الرَّهْبَةِ مِنْکَ وَ أَنْتَ أَوْلَی مَنْ رَجَاهُ وَ أَحَقُّ مَنْ خَشِیَهُ وَ اتَّقَاهُ

ص :183

فَأَعْطِنِی یَا رَبِّ مَا رَجَوْتُ وَ آمِنِّی مَا حَذِرْتُ وَ عُدْ عَلَیَّ بِفَضْلِکَ وَ رَحْمَتِکَ إِنَّکَ أَکْرَمُ الْمَسْئُولِینَ اللَّهُمَّ وَ إِذْ سَتَرْتَنِی بِعَفْوِکَ وَ تَغَمَّدْتَنِی بِفَضْلِکَ فِی دَارِ الْفَنَاءِ فَأَجِرْنِی مِنْ فَضِیحَاتِ دَارِ الْبَقَاءِ عِنْدَ مَوَاقِفِ الْأَشْهَادِ مِنَ الْمَلاَئِکَةِ الْمُقَرَّبِینَ وَ الرُّسُلِ الْمُکَرَّمِینَ وَ الشُّهَدَاءِ الصَّالِحِینَ مِنْ جَارٍ کُنْتُ أُکَاتِمُهُ سَیِّئَاتِی وَ مِنْ ذِی رَحِمٍ کُنْتُ أَحْتَشِمُ مِنْهُ لِسَرِیرَاتِی لَمْ أَثِقْ بِهِمْ فِی السَّتْرِ (1) عَلَیَّ وَ وَثِقْتُ بِکَ فِی الْمَغْفِرَةِ لِی وَ أَنْتَ أَوْلَی مَنْ وُثِقَ بِهِ وَ أَعْطَی مَنْ رُغِبَ إِلَیْهِ وَ أَرْأَفُ مَنِ اسْتُرْحِمَ فَارْحَمْنِی اللَّهُمَّ إِنِّی أَعُوذُ بِکَ مِنْ نَارٍ تَغَلَّظْتَ بِهَا عَلَی مَنْ عَصَاکَ وَ أَوْعَدْتَ بِهَا مَنْ ضَارَّکَ وَ نَاوَاکَ وَ صَدَفَ عَنْ رِضَاکَ وَ مِنْ نَارٍ نُورُهَا ظُلْمَةٌ وَ هَیِّنُهَا صَعْبٌ وَ قَرِیبُهَا بَعِیدٌ وَ مِنْ نَارٍ یَأْکُلُ بَعْضُهَا بَعْضاً وَ یَصُولُ بَعْضُهَا عَلَی بَعْضٍ وَ مِنْ نَارٍ تَذَرُ الْعِظَامَ رَمِیماً وَ تَسْقِی أَهْلَهَا حَمِیماً وَ مِنْ نَارٍ لاَ تُبْقِی عَلَی مَنْ تَضَرَّعَ وَ لاَ تَرْحَمُ مَنِ اسْتَعْطَفَهَا وَ لاَ تَقْدِرُ عَلَی التَّخْفِیفِ عَمَّنْ خَشَعَ لَهَا وَ اسْتَبْتَلَ إِلَیْهَا تَلْقَی سُکَّانَهَا بِأَحَرِّ مَا لَدَیْهَا مِنْ أَلِیمِ النَّکَالِ وَ شَدِیدِ الْوَبَالِ اللَّهُمَّ بِکَ أَعُوذُ مِنْ عَقَارِبِهَا الْفَاغِرَةِ أَفْوَاهَهَا وَ حَیَّاتِهَا النَّاهِشَةِ بِأَنْیَابِهَا وَ شَرَابِهَا الَّذِی یُقَطِّعُ الْأَمْعَاءَ وَ یُذِیبُ الْأَحْشَاءَ وَ أَسْتَهْدِیکَ لِمَا بَاعَدَ عَنْهَا وَ أَنْقَذَ مِنْهَا فَأَجِرْنِی بِفَضْلِ رَحْمَتِکَ وَ أَقِلْنِی عَثْرَتِی بِحُسْنِ إِقَالَتِکَ وَ لاَ تَخْذُلْنِی یَا خَیْرَ الْمُجِیرِینَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ إِذَا ذُکِرَ الْأَبْرَارُ وَ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ مَا اخْتَلَفَ اللَّیْلُ وَ النَّهَارُ صَلاَةً لاَ یَنْقَطِعُ مَدَدُهَا وَ لاَ یُحْصَی عَدَدُهَا صَلاَةً تَشْحَنُ الْهَوَاءَ وَ تَمْلَأُ الْأَرْضَ وَ السَّمَاءَ صَلِّ اللَّهُمَّ عَلَیْهِ وَ عَلَیْهِمْ حَتَّی تَرْضَی وَ صَلِّ عَلَیْهِ وَ عَلَیْهِمْ بَعْدَ الرِّضَا صَلاَةً لاَ حَدَّ لَهَا وَ لاَ مُنْتَهَی یَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِینَ

.

ص :184

1186

1,4- وَ مِنْ دُعَائِهِ ع وَ هُوَ مِنْ أَدْعِیَةِ اَلصَّحِیفَةِ اللَّهُمَّ إِنِّی أَعُوذُ بِکَ مِنْ هَیَجَانِ الْحِرْصِ وَ سَوْرَةِ الْغَضَبِ وَ غَلَبَةِ الْحَسَدِ وَ ضَعْفِ الصَّبْرِ وَ قِلَّةِ الْقَنَاعَةِ وَ شَکَاسَةِ الْخُلُقِ وَ إِلْحَاحِ الشَّهْوَةِ وَ مَلَکَةِ الْحَمِیَّةِ وَ مُتَابَعَةَ الْهَوَی وَ مُخَالَفَةِ الْهُدَی وَ سِنَةِ الْغَفْلَةِ وَ تَعَاطِی الْکُلْفَةِ وَ إِیثَارِ الْبَاطِلِ عَلَی الْحَقِّ وَ الْإِصْرَارِ عَلَی الْمَآثِمِ وَ الاِسْتِکْثَارِ مِنَ الْمَعْصِیَةِ وَ الْإِقْلاَلِ مِنَ الطَّاعَةِ وَ مُبَاهَاتِ الْمُکْثِرِینَ وَ الْإِزْرَاءِ عَلَی الْمُقِلِّینَ وَ سُوءِ الْوِلاَیَةِ عَلَی مَنْ تَحْتَ أَیْدِینَا وَ تَرْکِ الشُّکْرِ لِمَنِ اصْطَنَعَ الْعَارِفَةَ عِنْدَنَا وَ أَنْ نَعْضُدَ ظَالِماً أَوْ نَخْذُلَ مَلْهُوفاً أَوْ نَرُومَ مَا لَیْسَ لَنَا بِحَقٍّ أَوْ نَقُولَ بِغَیْرِ عِلْمٍ وَ نَعُوذُ بِکَ أَنْ نَنْطَوِیَ عَلَی غِشٍّ لِأَحَدٍ وَ أَنْ نُعْجِبَ بِأَمْوَالِنَا وَ أَعْمَالِنَا وَ أَنْ نَمُدَّ فِی آمَالِنَا وَ نَعُوذُ بِکَ مِنْ سُوءِ السَّرِیرَةِ وَ احْتِقَارِ الصَّغِیرَةِ وَ أَنْ یَسْتَحْوِذَ عَلَیْنَا اَلشَّیْطَانُ أَوْ یَشْتَدَّ لَنَا الزَّمَانُ أَوْ یَتَهَضَّمَنَا السُّلْطَانُ وَ نَعُوذُ بِکَ مِنْ حُبِّ الْإِسْرَافِ وَ فِقْدَانِ الْکَفَافِ وَ مِنْ شَمَاتَةِ الْأَعْدَاءِ وَ الْفَقْرِ إِلَی الْأَصْدِقَاءِ وَ مِنْ عِیشَةٍ فِی شِدَّةٍ أَوْ مَوْتٍ عَلَی غَیْرِ عُدَّةٍ وَ نَعُوذُ اللَّهُمَّ بِکَ مِنَ الْحَسْرَةِ الْعُظْمَی وَ الْمُصِیبَةِ الْکُبْرَی وَ مِنْ سُوءِ الْمَآبِ وَ حِرْمَانِ الثَّوَابِ وَ حُلُولِ الْعِقَابِ اللَّهُمَّ أَعِذْنَا مِنْ کُلِّ ذَلِکَ بِرَحْمَتِکَ وَ مَنِّکَ وَ جُودِکَ إِنَّکَ عَلیٰ کُلِّ شَیْءٍ قَدِیرٌ .

1187

1,4- وَ مِنْ دُعَائِهِ ع وَ تَحْمِیدِهِ وَ ذِکْرِهِ اَلنَّبِیَّ ص وَ هُوَ مِنْ أَدْعِیَةِ اَلصَّحِیفَةِ أَیْضاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بِکُلِّ مَا حَمِدَهُ أَدْنَی مَلاَئِکَتِهِ إِلَیْهِ وَ أَکْرَمُ خَلْقِهِ عَلَیْهِ وَ أَرْضَی حَامِدِیهِ لَدَیْهِ حَمْداً یَفْضُلُ سَائِرَ الْحَمْدِ کَفَضْلِ رَبِّنَا جَلَّ جَلاَلُهُ عَلَی جَمِیعِ خَلْقِهِ ثُمَّ لَهُ الْحَمْدُ مَکَانَ کُلِّ نِعْمَةٍ لَهُ عَلَیْنَا وَ عَلَی جَمِیعِ عِبَادِهِ الْمَاضِینَ وَ الْبَاقِینَ عَدَدَ مَا أَحَاطَ بِهِ عِلْمُهُ وَ مِنْ جَمِیعِ الْأَشْیَاءِ أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً أَبَداً سَرْمَداً إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ وَ إِلَی مَا لاَ نِهَایَةَ لَهُ

ص :185

مِنْ بَعْدِ اَلْقِیَامَةِ حَمْداً لاَ غَایَةَ لَحْدِهِ وَ لاَ حِسَابَ لِعَدِّهِ وَ لاَ مَبْلَغَ لِأَعْدَادِهِ وَ لاَ انْقِطَاعَ لِآمَادِهِ حَمْداً یَکُونُ وُصْلَةً إِلَی طَاعَتِهِ وَ سَبَباً إِلَی رِضْوَانِهِ وَ ذَرِیعَةً إِلَی مَغْفِرَتِهِ وَ طَرِیقاً إِلَی جَنَّتِهِ وَ خَفِیراً مِنْ نَقِمَتِهِ وَ أَمْناً مِنْ غَضَبِهِ وَ ظَهِیراً عَلَی طَاعَتِهِ وَ حَاجِزاً عَنْ مَعْصِیَتِهِ وَ عَوْناً عَلَی تَأْدِیَةِ حَقِّهِ وَ وَظَائِفِهِ حَمْداً نَسْعَدُ بِهِ فِی السُّعَدَاءِ مِنْ أَوْلِیَائِهِ وَ نَنْتَظِمُ بِهِ فِی نِظَامِ الشُّهَدَاءِ بِسُیُوفِ أَعْدَائِهِ وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی مَنَّ عَلَیْنَا بِنَبِیِّهِ مُحَمَّدٍ ص دُونَ الْأُمَمِ الْمَاضِیَةِ وَ الْقُرُونِ السَّالِفَةِ لِقُدْرَتِهِ الَّتِی لاَ تَعْجِزُ عَنْ شَیْءٍ وَ إِنْ عَظُمَ وَ لاَ یَفُوتُهَا شَیْءٌ وَ إِنْ لَطُفَ اللَّهُمَّ فَصَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ أَمِینِکَ عَلَی وَحْیِکَ وَ نَجِیِّکَ مِنْ خَلْقِکَ وَ صَفِیِّکَ مِنْ عِبَادِکَ إِمَامِ الرَّحْمَةِ وَ قَائِدِ الْخَیْرِ وَ مِفْتَاحِ الْبَرَکَةِ کَمَا نَصَبَ لِأَمْرِکَ نَفْسَهُ وَ عَرَّضَ فِیکَ لِلْمَکْرُوهِ بَدَنَهُ وَ کَاشَفَ فِی الدُّعَاءِ إِلَیْکَ حَاسَّتَهُ وَ حَارَبَ فِی رِضَاکَ أُسْرَتَهُ وَ قَطَعَ فِی نُصْرَةِ دِینِکَ رَحِمَهُ وَ أَقْصَی الْأَدْنَیْنَ عَلَی عُنُودِهِمْ عَنْکَ وَ قَرَّبَ الْأَقْصَیْنَ عَلَی اسْتِجَابَتِهِمْ لَکَ وَ وَالَی فِیکَ الْأَبْعَدِینَ وَ عَانَدَ فِیکَ الْأَقْرَبِینَ وَ أَدْأَبَ (1) نَفْسَهُ فِی تَبْلِیغِ رِسَالَتِکَ وَ أَتْعَبَهَا فِی الدُّعَاءِ إِلَی مِلَّتِکَ وَ شَغَلَهَا بِالنُّصْحِ لِأَهْلِ دَعْوَتِکَ وَ هَاجَرَ إِلَی بِلاَدِ الْغُربَةِ وَ مَحَلِّ النَّأْیِ عَنْ مَوْطِنِ رَحْلِهِ وَ مَوْضِعِ رِجْلِهِ وَ مَسْقَطِ رَأْسِهِ وَ مَأْنَسِ نَفْسِهِ إِرَادَةً مِنْهُ لِإِعْزَازِ دِینِکَ وَ اسْتِنْصَاراً عَلَی أَهْلِ الْکُفْرِ بِکَ حَتَّی اسْتَتَبَّ لَهُ مَا حَاوَلَ فِی أَعْدَائِکَ وَ اسْتَتَمَّ لَهُ مَا دَبَّرَ فِی أَوْلِیَائِکَ فَنَهَدَ إِلَی الْمُشْرِکِینَ بِکَ مُسْتَفْتِحاً بِعَوْنِکَ وَ مُتَقَوِّیاً عَلَی ضَعْفِهِ بِنَصْرِکَ فَغَزَاهُمْ فِی عُقْرِ دِیَارِهِمْ وَ هَجَمَ عَلَیْهِمْ فِی بُحْبُوحَةِ قَرَارِهِمْ حَتَّی ظَهَرَ أَمْرُکَ وَ عَلَتْ کَلِمَتُکَ وَ قَدْ کَرِهَ اَلْمُشْرِکُونَ اللَّهُمَّ فَارْفَعْهُ بِمَا کَدَحَ فِیکَ إِلَی الدَّرَجَةِ الْعُلْیَا مِنْ جَنَّتِکَ حَتَّی لاَ یُسَاوَی فِی مَنْزِلَةٍ وَ لاَ یُکَافَأَ فِی مَرْتَبَةٍ وَ لاَ یُوَازِیَهُ لَدَیْکَ مَلَکٌ مُقَرَّبٌ وَ لاَ نَبِیٌّ مُرْسَلٌ وَ عَرِّفْهُ فِی أُمَّتِهِ مِنْ

ص :186

حُسْنِ الشَّفَاعَةِ أَجَلَّ مَا وَعَدْتَهُ یَا نَافِذَ الْعِدَةِ یَا وَافِیَ الْقَوْلِ یَا مُبَدِّلَ السَّیِّئَاتِ بِأَضْعَافِهَا مِنَ الْحَسَنَاتِ إِنَّکَ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِیمِ

.

بِأَبِی أَنْتَ وَ أُمِّی یَا رَسُولَ اللَّهِ قُلْتَ فَقَبِلْنَا وَ تَلَوْتَ فَوَعَیْنَا ثُمَّ ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَ قَرَأْنَا فِیمَا أَتَیْتَنَا بِهِ عَنْ رَبِّنَا وَ لَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جٰاؤُکَ فَاسْتَغْفَرُوا اللّٰهَ وَ اسْتَغْفَرَ لَهُمُ اَلرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللّٰهَ تَوّٰاباً رَحِیماً (1) اللَّهُمَّ إِنَّا قَدْ جِئْنَا رَسُولَکَ وَ نَحْنُ نَسْتَغْفِرُکَ وَ نَسْأَلُ رَسُولَکَ أَنْ یَسْتَغْفِرَ لَنَا خَطَایَانَا فَاغْفِرْ لَنَا وَ تُبْ عَلَیْنَا.

فَیُقَالُ إِنَّ إِنْسَاناً حَضَرَ ذَلِکَ الدُّعَاءَ فَرَأَی تِلْکَ اللَّیْلَةَ رَسُولَ اللَّهِ ص فِی مَنَامِهِ یَقُولُ لَهُ أَبْلِغِ الْأَعْرَابِیَّ أَنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَهُ.

1192

وَ مِنْ أَدْعِیَةِ بَعْضِ الصَّالِحِینَ

اللَّهُمَّ إِنِّی لَمْ آتِکَ بِعَمَلٍ صَالِحٍ قَدَّمْتُهُ وَ لاَ شَفَاعَةِ مَخْلُوقٍ رَجَوْتُهُ أَتَیْتُکَ مُقِرّاً بِالظُّلْمِ وَ الْإِسَاءَةِ عَلَی نَفْسِی أَتَیْتُکَ بِلاَ حُجَّةٍ أَتَیْتُکَ أَرْجُو عَظِیمَ عَفْوِکَ الَّذِی عُدْتَ بِهِ عَلَی الْخَاطِئِینَ ثُمَّ لَمْ یَمْنَعْکَ عُکُوفُهُمْ عَلَی عَظِیمِ الْجُرْمِ أَنْ جُدْتَ لَهُمْ بِالْمَغْفِرَةِ فَیَا صَاحِبَ الْعَفْوِ الْعَظِیمِ اغْفِرِ الذَّنْبَ الْعَظِیمَ بِرَحْمَتِکَ یَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِینَ .

1193

1- وَ رُوِیَ أَنَّ عَلِیّاً ع اعْتَمَرَ فَرَأَی رَجُلاً مُتَعَلِّقاً بِأَسْتَارِ اَلْکَعْبَةِ وَ هُوَ یَقُولُ یَا مَنْ لاَ یَشْغَلُهُ سَمْعٌ عَنْ سَمْعٍ یَا مَنْ لاَ تُقْلِقُهُ (2) الْمَسَائِلُ وَ لاَ یُبْرِمُهُ إِلْحَاحُ الْمُلِحِّینَ أَذِقْنِی بَرْدَ عَفْوِکَ وَ حَلاَوَةَ مَغْفِرَتِکَ وَ عُذُوبَةَ عَافِیَتِکَ وَ الْفَوْزَ بِالْجَنَّةِ وَ النَّجَاةَ مِنَ اَلنَّارِ فَقَالَ عَلِیٌّ ع وَ الَّذِی نَفْسِی بِیَدِهِ إِنْ قَالَهَا وَ عَلَیْهِ مِثْلُ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ مِنَ الذُّنُوبِ قَوْلاً مُخْلِصاً لَیُغْفَرَنَّ لَهُ

.

1194

وَ دَعَا أَعْرَابِیٌّ عِنْدَ اَلْمُلْتَزَمِ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنَّ لَکَ عَلَیَّ حُقُوقاً فَتَصَدَّقْ بِهَا عَلَیَّ وَ إِنَّ لِلنَّاسِ قِبَلِی تَبِعَاتٍ فَتَحَمَّلْهَا عَنِّی وَ قَدْ أَوْجَبْتَ لِکُلِّ ضَیْفٍ قِرًی وَ أَنَا ضَیْفُکَ اللَّیْلَةَ فَاجْعَلْ قِرَایَ اَلْجَنَّةَ .

ص :188

1195

وَ دَعَا بَعْضُ اَلْأَعْرَابِ أَیْضاً وَ قَدْ خَرَجَ حَاجّاً فَقَالَ اللَّهُمَّ إِلَیْکَ خَرَجْتُ وَ مَا عِنْدَکَ طَلَبْتُ فَلاَ تَحْرِمْنِی خَیْرَ مَا عِنْدَکَ لِشَرِّ مَا عِنْدِی اللَّهُمَّ إِنْ کُنْتَ لَمْ تَرْحَمْ تَعَبِی وَ نَصَبِی فَإِنَّهَا لَمُصِیبَةٌ أُصِبْتُ بِهَا فَلاَ تَحْرِمْنِی أَجْرَ الْمُصَابِ عَلَی الْمُصِیبَةِ .

1196

وَ دَعَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنَّکَ سَتَرْتَ عَلَیْنَا فِی الدُّنْیَا ذُنُوباً کَثِیرَةً وَ نَحْنُ إِلَی سَتْرِهَا فِی الْآخِرَةِ أَحْوَجُ فَاغْفِرْ لَنَا .

1197

وَ مِنْ دُعَاءِ بَعْضِهِمْ

اللَّهُمَّ اجْعَلِ الْمَوْتَ خَیْرَ غَائِبٍ نَنْتَظِرُهُ وَ اجْعَلِ الْقَبْرَ خَیْرَ بَیْتٍ نَعْمُرُهُ وَ اجْعَلْ مَا بَعْدَهُ خَیْراً لَنَا مِنْهُ اللَّهُمَّ إِلَیْکَ عَجَّتِ الْأَصْوَاتُ بِصُنُوفِ اللُّغَاتِ تَسْأَلُکَ الْحَاجَاتِ وَ حَاجَتِی إِلَیْکَ أَنْ تَذْکُرَنِی عِنْدَ طُولِ الْبِلَی إِذَا نَسِیَنِی أَهْلُ الدُّنْیَا .

1198

وَ قَالَ بَعْضُهُمْ کُنْتُ أَدْعُو اللَّهَ بَعْدَ وَفَاةِ مَالِکِ بْنِ دِینَارٍ أَنْ أَرَاهُ فِی مَنَامِی فَرَأَیْتُهُ بَعْدَ سَنَةٍ فَقُلْتُ یَا أَبَا یَحْیَی عَلِّمْنِی کَیْفَ أَدْعُو فَقَالَ قُلِ اللَّهُمَّ یَسِّرِ الْجَوَازَ وَ سَهِّلِ الْمَجَازَ .

1199

وَ قَالَ اَلشَّعْبِیُّ حَسَدْتُ عَبْدَ الْمَلِکِ بْنَ مَرْوَانَ عَلَی دُعَاءٍ کَانَ یَدْعُو بِهِ عَلَی الْمِنْبَرِ یَقُولُ اللَّهُمَّ إِنَّ ذُنُوبِی کَثِیرَةٌ جَلَّتْ أَنْ تُوصَفَ وَ هِیَ صَغِیرَةٌ فِی جَنْبِ عَفْوِکَ فَاعْفُ عَنِّی .

1200

وَ مِنْ دُعَاءِ بَعْضِ الزُّهَّادِ

اللَّهُمَّ إِنِّی أَعُوذُ بِکَ مِنْ أَهْلٍ یُلْهِینِی وَ مِنْ هَوًی یُرْدِینِی وَ مِنْ عَمَلٍ یُخْزِینِی وَ مِنْ صَاحِبٍ یُغْوِینِی وَ مِنْ جَارٍ یُؤْذِینِی وَ مِنْ غِنًی یُطْغِینِی وَ مِنْ فَقْرٍ یُنْسِینِی اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا نَسْتَحْیِیکَ وَ نَتَّقِیکَ وَ نَخَافُکَ وَ نَخْشَاکَ وَ نَرْجُوکَ وَ نُطِیعُکَ فِی السِّرِّ وَ الْعَلاَنِیَةِ اللَّهُمَّ اسْتُرْنَا بِالْمُعَافَاةِ وَ الْغِنَی أَسْتَعِینُ اللَّهَ عَلَی أُمُورِی وَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِذُنُوبِی وَ أَعُوذُ بِکَ مِنْ شَرِّ نَفْسِی .

1201

14- وَ یُرْوَی أَنَّ رَجُلاً أَعْمَی جَاءَ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ ص فَشَکَا إِلَیْهِ ذَهَابَ بَصَرِهِ فَقَالَ ص لَهُ قُلْ یَا سُبُّوحُ یَا قُدُّوسُ یَا نُورَ الْأَنْوَارِ یَا نُورَ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ یَا أَوَّلَ الْأَوَّلِینَ وَ یَا آخِرَ الْآخِرِینَ وَ یَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِینَ أَسْأَلُکَ

ص :189

أَنْ تَغْفِرَ لِیَ الذُّنُوبَ الَّتِی تُغَیِّرُ النِّعَمَ وَ الذُّنُوبَ الَّتِی تُنْزِلُ النِّقَمَ وَ الذُّنُوبَ الَّتِی تَهْتِکُ الْعِصَمَ وَ الذُّنُوبَ الَّتِی تُوجِبُ الْبَلاَءَ وَ الذُّنُوبَ الَّتِی تَقْطَعُ الرَّجَاءَ وَ الذُّنُوبَ الَّتِی تَحْبِسُ الدُّعَاءَ وَ الذُّنُوبَ الَّتِی تَکْشِفُ الْغِطَاءَ وَ الذُّنُوبَ الَّتِی تُعَجِّلُ الْفَنَاءَ وَ الذُّنُوبَ الَّتِی تُظْلِمُ الْهَوَاءَ وَ أَسْأَلُکَ بِاسْمِکَ الْعَظِیمِ وَ وَجْهِکَ الْکَرِیمِ أَنْ تَرُدَّ عَلَیَّ بَصَرِی فَدَعَا بِذَلِکَ فَرَدَّ عَلَیْهِ بَصَرَهُ

.

1202

وَ مِنَ الْآثَارِ الْمَنْقُولَةِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَی غَضِبَ عَلَی أُمَّةٍ فَأَنْزَلَ عَلَیْهِمُ الْعَذَابَ وَ کَانَ فِیهِمْ ثَلاَثَةٌ صَالِحُونَ فَخَرَجُوا وَ ابْتَهَلُوا إِلَی اللَّهِ سُبْحَانَهُ فَقَامَ أَحَدُهُمْ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنَّکَ أَمَرْتَنَا أَنْ نُعْتِقُ أَرِقَّاءَنَا وَ نَحْنُ أَرِقَّاؤُکَ فَأَعْتِقْنَا ثُمَّ جَلَسَ وَ قَامَ الثَّانِی فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنَّکَ أَمَرْتَنَا أَنْ نَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَنَا وَ قَدْ ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا فَاعْفُ عَنَّا ثُمَّ جَلَسَ وَ قَامَ الثَّالِثُ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنَّا عَلَی ثِقَةٍ أَنَّکَ لَمْ تَخْلُقْ خَلْقاً أَوْسَعَ مِنَ مَغْفِرَتِکَ فَاجْعَلْ لَنَا فِی سَعَتِهَا نَصِیباً فَرَفَعَ عَنْهُمُ الْعَذَابَ .

1203

14- قِیلَ لِسُفْیَانَ بْنِ عُیَیْنَةَ مَا حَدِیثٌ رَوَیْتَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ص أَفْضَلُ دُعَاءٍ أُعْطِیْتُهُ أَنَا وَ النَّبِیُّونَ قَبْلِی أَشْهَدُ أَنْ لاٰ إِلٰهَ إِلاَّ اللّٰهُ وَحْدَهُ لاٰ شَرِیکَ لَهُ لَهُ الْمُلْکُ وَ لَهُ الْحَمْدُ یُحْیِی وَ یُمِیتُ وَ هُوَ حَیٌّ لاَ یَمُوتُ بِیَدِهِ الْخَیْرُ وَ هُوَ عَلیٰ کُلِّ شَیْءٍ قَدِیرٌ کَأَنَّهُمْ لَمْ یَرَوْهُ دُعَاءً فَقَالَ مَا تُنْکِرُونَ مِنْ هَذَا ثُمَّ رَوَی لَهُمْ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ ص مَنْ تَشَاغَلَ بِالثَّنَاءِ عَلَی اللَّهِ أَعْطَاهُ اللَّهُ فَوْقَ رَغْبَةِ السَّائِلِینَ ثُمَّ قَالَ هَذَا أُمَیَّةُ بْنُ أَبِی الصَّلْتِ یَقُولُ لاِبْنِ جُدْعَانَ أَ أَذْکُرُ حَاجَتِی أَمْ قَدْ کَفَانِی

وَ قَالَ هَذَا مَخْلُوقٌ یَقُولُ لِمَخْلُوقٍ فَمَا ظَنُّکُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِینَ

.

ص :190

1204

وَ مِنْ دُعَائِهِ ص

اللَّهُمَّ إِنِّی أَعُوذُ بِکَ مِنَ الْفَقْرِ إِلاَّ إِلَیْکَ وَ مِنَ الذُّلِّ إِلاَّ لَکَ .

1205

وَ مِنْ دُعَائِهِ ع

اللَّهُمَّ ارْزُقْنِی عَیْنَیْنِ هَطَّالَتَیْنِ تَسْقِیَانِ الْقُلُوبَ مَذْرُوفَ الدُّمُوعِ قَبْلَ أَنْ یَکُونَ الدَّمْعُ دَماً وَ قَرْعُ الضِّرْسِ نَدَماً .

1206

وَ مِنْ دُعَائِهِ ع

اللَّهُمَّ طَهِّرْ لِسَانِی مِنَ الْکَذِبِ وَ قَلْبِی مِنَ النِّفَاقِ وَ عَمَلِی مِنَ الرِّیَاءِ وَ بَصَرِی مِنَ الْخِیَانَةِ فَإِنَّکَ تَعْلَمُ خٰائِنَةَ الْأَعْیُنِ وَ مٰا تُخْفِی الصُّدُورُ .

1207

وَ مِمَّا رَوَاهُ أَنَسُ بْنُ مَالِکٍ لاَ تَعْجِزُوا عَنِ الدُّعَاءِ فَإِنَّهُ لَنْ یَهْلِکَ مَعَ الدُّعَاءِ أَحَدٌ.

1208

وَ مِنْ رِوَایَةِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ لَقَدْ بَارَکَ اللَّهُ لِلرَّجُلِ فِی الْحَاجَةِ بِکَثْرَةِ الدُّعَاءِ فِیهَا أُعْطِیَهَا أَوْ مُنِعَهَا.

1209

أَبُو هُرَیْرَةَ یَرْفَعُهُ

اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِی فِی دِینِیَ الَّذِی هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِی وَ أَصْلِحْ لِی دُنْیَایَ الَّتِی فِیهَا مَعَاشِی وَ أَصْلِحْ لِی آخِرَتِیَ الَّتِی إِلَیْهَا مَعَادِی وَ اجْعَلِ الْحَیَاةَ زِیَادَةً لِی فِی کُلِّ خَیْرٍ وَ الْمَوْتَ رَاحَةً لِی مِنْ کُلِّ شَرٍّ .

1210

قِیلَ لِأَعْرَابِیٍّ أَ تُحْسِنُ أَنْ تَدْعُوَ رَبَّکَ فَقَالَ نَعَمْ ثُمَّ دَعَا فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنَّکَ مَنَنْتَ عَلَیْنَا بِالْإِسْلاَمِ مِنْ غَیْرِ أَنْ نَسْأَلُکَ فَلاَ تَحْرِمْنَا اَلْجَنَّةَ وَ نَحْنُ نَسْأَلُکَ .

1211

سَمِعْتُ أَعْرَابِیَّةً تَقُولُ فِی دُعَائِهَا یَا عَرِیضَ الْجَفْنَةِ یَا أَبَا الْمَکَارِمِ یَا أَبْیَضَ الْوَجْهِ فَزَجَرَهَا رَجُلٌ فَقَالَتْ دَعُونِی أَصِفْ رَبِّی بِمَا یَسْتَحِقُّهُ.

1212

7- وَ کَانَ مُوسَی بْنُ جَعْفَرٍ ع یَقُولُ فِی سُجُودِهِ آخِرَ اللَّیْلِ إِلَهِی عَظُمَ الذَّنْبُ مِنْ عَبْدِکَ فَلْیَحْسُنِ الْعَفْوُ مِنْ عِنْدِکَ .

1213

ذُکِرَ عِنْدَ بَعْضِ الصَّالِحِینَ رَجُلٌ قَدْ أَصَابَهُ بَلاَءٌ عَظِیمٌ وَ هُوَ یَدْعُو فَتُبْطِئُ عَنْهُ الْإِجَابَةُ فَقَالَ بَلَغَنِی أَنَّ اللَّهَ تَعَالَی یَقُولُ کَیْفَ أَرْحَمُ الْمُبْتَلَی مِنْ شَیْءٍ أَرْحَمُهُ بِهِ-

ص :191

1214

4- قَالَ طَاوُسٌ إِنِّی لَفِی اَلْحِجْرِ لَیْلَةً إِذْ دَخَلَ عَلِیُّ بْنُ الْحُسَیْنِ ع فَقُلْتُ رَجُلٌ صَالِحٌ مِنْ أَهْلِ بَیْتٍ صَالِحٍ لَأَسْمَعَنَّ دُعَاءَهُ فَسَمِعْتُهُ یَقُولُ فِی أَثْنَاءِ دُعَائِهِ عَبْدُکَ بِفِنَائِکَ سَائِلُکَ بِفِنَائِکَ مِسْکِینُکَ بِفِنَائِکَ فَمَا دَعَوْتُ بِهِنَّ فِی کَرْبٍ إِلاَّ وَ فُرِّجَ عَنِّی .

1215

عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ

اللَّهُمَّ إِنْ کُنَّا عَصَیْنَاکَ فَقَدْ تَرَکْنَا مِنْ مَعَاصِیکَ أَبْغَضَهَا إِلَیْکَ وَ هُوَ الْإِشْرَاکُ وَ إِنْ کُنَّا قَصُرْنَا عَنْ بَعْضِ طَاعَتِکَ فَقَدْ تَمَسَّکْنَا مِنْهَا بِأَحَبِّهَا إِلَیْکَ وَ هُوَ شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ وَ أَنَّ رُسُلَکَ جَاءَتْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِکَ .

1216

أَعْرَابِیٌّ

اللَّهُمَّ إِنَّا نَبَاتُ نِعْمَتِکَ فَلاَ تَجْعَلْنَا حَصَائِدَ نَقِمَتِکَ .

1217

بَعْضُهُمْ

اللَّهُمَّ إِنْ کُنْتَ قَدْ بَلَّغْتَ أَحَداً مِنْ عِبَادِکَ الصَّالِحِینَ دَرَجَةً بِبَلاَءٍ فَبَلِّغْنِیهَا بِالْعَافِیَةِ .

1218

حَجَّ أَعْرَابِیٌّ فَکَانَ لاَ یَسْتَغْفِرُ إِذَا صَلَّی کَمَا یَسْتَغْفِرُ النَّاسُ فَقِیلَ لَهُ فَقَالَ کَمَا أَنَّ تَرْکِیَ الاِسْتِغْفَارَ مَعَ مَا أَعْلَمُ مِنْ عَفْوِ اللَّهِ وَ رَحْمَتِهِ ضَعْفٌ فَکَذَلِکَ اسْتِغْفَارِی مَعَ مَا أَعْلَمُ مِنْ إِصْرَارِی لُؤْمٌ.

1219

لَمَّا صَافَّ قُتَیْبَةُ بْنُ مُسْلِمٍ اَلتُّرْکَ وَ هَالَهُ أَمْرُهُمْ سَأَلَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ وَاسِعٍ فَقِیلَ هُوَ فِی أَقْصَی الْمَیْمَنَةِ جَانِحاً عَلَی سِیَةِ (1) قَوْسِهِ مُبَصْبِصاً بِإِصْبَعِهِ نَحْوَ السَّمَاءِ فَقَالَ قُتَیْبَةُ لَتِلْکَ الْإِصْبَعُ الْقَارُورَةُ أَحَبُّ إِلَیَّ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ سَیْفٍ شَهِیرٍ وَ رُمْحٍ طَرِیرٍ (2) .

1220

سَمِعَ مُطَرِّفُ بْنُ الشِّخِّیرُ صَیْحَةَ النَّاسِ بِالدُّعَاءِ فَقَالَ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَحْلِفَ أَنَّ اللَّهَ غَفَرَ لَهُمْ ثُمَّ ذَکَرْتُ أَنِّی فِیهِمْ فَکَفَفْتُ.

1221

کَانَ اَلْمَأْمُونُ إِذَا رُفِعَتِ الْمَائِدَةُ مِنْ بَیْنِ یَدَیْهِ یَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی جَعَلَ أَرْزَاقَنَا أَکْثَرَ مِنْ أَقْوَاتِنَا .

1222

اَلْحَسَنُ الْبَصْرِیُّ

مَنْ دَخَلَ الْمَقْبَرَةَ فَقَالَ اللَّهُمَّ رَبَّ الْأَرْوَاحِ الْعَالِیَةِ وَ الْأَجْسَادِ الْبَالِیَةِ

ص :192

وَ الْعِظَامِ النَّخِرَةِ الَّتِی خَرَجَتْ مِنَ الدُّنْیَا وَ هِیَ مُؤْمِنَةٌ بِکَ أَدْخِلْ عَلَیْهِمْ رَوْحاً مِنْکَ وَ سَلاَماً مِنِّی کَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِعَدَدِ مَنْ وُلْدِ مُنْذُ زَمَنِ آدَمَ إِلَی أَنْ تَقُومَ اَلسَّاعَةُ حَسَنَاتٍ.

1223

عَلِیٌّ ع

اَلدُّعَاءُ سِلاَحُ الْمُؤْمِنِ وَ عِمَادُ الدِّینِ وَ نُورُ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ .

1224

قِیلَ إِنَّ فِیمَا أَنْزَلَهُ اللَّهُ تَعَالَی مِنَ الْکُتُبِ الْقَدِیمَةِ أَنَّ اللَّهَ یَبْتَلِی الْعَبْدَ وَ هُوَ یُحِبُّهُ لِیَسْمَعَ دُعَاءَهُ وَ تَضَرُّعَهُ.

1225

أَبُو هُرَیْرَةَ

اطْلُبُوا الْخَیْرَ دَهْرَکُمْ کُلَّهُ وَ تَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتٍ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَی فَإِنَّ لِلَّهِ تَعَالَی نَفَحَاتٍ مِنْ رَحْمَتِهِ یُصِیبُ بِهَا مَنْ یَشٰاءُ مِنْ عِبٰادِهِ وَ اسْأَلُوا اللَّهَ أَنْ یَسْتُرَ عَوْرَاتِکُمْ وَ یُؤْمِنَ رَوْعَاتِکُمْ.

1226

صَلَّی رَجُلٌ إِلَی جَنْبِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَکِ فَلَمَّا سَلَّمَ الْإِمَامُ سَلَّمَ وَ قَامَ عَجِلاً فَجَذَبَ عَبْدُ اللَّهِ بِثَوْبِهِ وَ قَالَ أَ مَا لَکَ إِلَی رَبِّکَ حَاجَةٌ.

1227

قِیلَ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِیزِ جَزَاکَ اللَّهُ عَنِ اَلْإِسْلاَمِ خَیْراً فَقَالَ لاَ بَلْ جَزَی اللَّهُ اَلْإِسْلاَمَ عَنِّی خَیْراً.

1228

عَلِیٍّ ع

اَلدَّاعِی بِغَیْرِ عَمَلٍ کَالرَّامِی بِغَیْرِ وَتَرٍ .

1229

کَانَ اَلزُّهْرِیُّ إِذَا فَرَغَ مِنَ الْحَدِیثِ تَلاَهُ فَدَعَا اللَّهُمَّ إِنِّی أَسْأَلُکَ خَیْرَ مَا أَحَاطَ بِهِ عِلْمُکَ فِی الدُّنْیَا وَ الْآخِرَةِ وَ أَعُوذُ بِکَ مِنْ شَرِّ مَا أَحَاطَ بِهِ عِلْمُکَ فِی الدُّنْیَا وَ الْآخِرَةِ .

1230

کَانَ زُبَیْدٌ النَّامِی یَسْتَتْبِعُ الصِّبْیَانَ إِلَی الْمَسْجِدِ وَ فِی کُمِّهِ الْجَوْزُ وَ یَقُولُ مَنْ یَتْبَعُنِی مِنْکُمْ فَأُعْطِیهِ خَمْسَ جَوْزَاتٍ فَإِذَا دَخَلُوا الْمَسْجِدَ قَالَ ارْفَعُوا أَیْدِیَکُمْ وَ قُولُوا اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِزُبَیْدٍ فَإِذَا دَعَوْا قَالَ اللَّهُمَّ اسْتَجِبْ لَهُمْ فَإِنَّهُمْ لَمْ یُذْنِبُوا.

1231

عَلِیٌّ ع

جَعَلَ فِی یَدَیْکَ مَفَاتِیحَ خَزَائِنِهِ بِمَا أَذِنَ لَکَ فِیهِ مِنْ مَسْأَلَتِهِ فَمَتَی شِئْتَ اسْتَفْتَحْتَ بِالدُّعَاءِ أَبْوَابَ نِعْمَتِهِ وَ اسْتَمْطَرْتَ شَآبِیبَ رَحْمَتِهِ فَلاَ یُقَنِّطَنَّکَ إِبْطَاءُ

ص :193

إِجَابَتِهِ فَإِنَّ الْعَطِیَّةَ عَلَی قَدْرِ النِّیَّةِ وَ رُبَّمَا أُخِّرَتْ عَنْکَ الْإِجَابَةُ لِیَکُونَ ذَلِکَ أَعْظَمَ لِأَجْرِ السَّائِلِ وَ أَجْزَلَ لِعَطَاءِ الْآمِلِ وَ رُبَّمَا سَأَلْتَ الشَّیْءَ فَلاَ تُؤْتَاهُ وَ أُوتِیتَ خَیْراً مِنْهُ أَوْ صُرِفَ عَنْکَ بِمَا هُوَ لَکَ خَیْرٌ وَ اعْلَمْ أَنَّهُ رُبَّ أَمْرٍ قَدْ طَلَبْتَ فِیهِ هَلاَکُ دِینِکَ لَوْ أُوتِیتَهُ .

1232

وَ مِنَ الدُّعَاءِ الْمَرْفُوعِ

اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَ بِنَا سُوءاً فَأَحِطْ بِهِ ذَلِکَ السُّوءَ کَإِحَاطَةِ الْقَلاَئِدِ بِتَرَائِبِ الْوَلاَئِدِ وَ أَرْسِخْهُ عَلَی هَامَتِهِ کَرُسُوخِ السِّجِّیلِ (1) عَلَی قِمَمِ أَصْحَابِ الْفِیلِ .

1233

سَمِعَ عُمَرُ رَجُلاً یَقُولُ فِی دُعَائِهِ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِی مِنَ الْأَقَلِّینَ فَقَالَ مَا أَرَدْتَ بِهَذَا قَالَ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ مٰا آمَنَ مَعَهُ إِلاّٰ قَلِیلٌ (2) وَ قَوْلَهُ تَعَالَی وَ قَلِیلٌ مِنْ عِبٰادِیَ الشَّکُورُ (3) فَقَالَ عَلَیْکُمْ مِنَ الدُّعَاءِ بِمَا عُرِفَ.

1234

قَالَ سَعِیدُ بْنُ الْمُسَیَّبِ مَرَّ بِی صِلَةُ بْنُ أَشْیَمَ فَقُلْتُ لَهُ ادْعُ لِی فَقَالَ رَغَّبَکَ اللَّهُ فِیمَا یَبْقَی وَ زَهَّدَکَ فِیمَا یَفْنَی وَ وَهَبَ لَکَ الْیَقِینَ الَّذِی لاَ تَسْکُنُ النُّفُوسُ إِلاَّ إِلَیْهِ وَ لاَ تَعُولُ إِلاَّ عَلَیْهِ.

1235

کَانَ عَلِیُّ بْنُ عِیسَی بْنِ مَاهَانَ صَاحِبَ خُرَاسَانَ وَ فِی أَیَّامِهِ عِصَامُ بْنُ یُوسُفَ الزَّاهِدُ فَلَقِیَهُ فِی الطَّرِیقِ وَ سَلَّمَ عَلَیْهِ عَلِیٌّ فَأَعْرَضَ عَنْهُ وَ لَمْ یَرُدَّ عَلَیْهِ فَوَقَفَ عَلِیٌّ وَ رَفَعَ یَدَیْهِ وَ أَسْبَلَ عَیْنَیْهِ وَ قَالَ اللَّهُمَّ إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ یَتَقَرَّبُ إِلَیْکَ بِبُغْضِی وَ أَنَا أَتَقَرَّبُ إِلَیْکَ بِحُبِّهِ فَإِنْ کُنْتَ غَفَرْتَ لَهُ بِبُغْضِی فَاغْفِرْ لِی بِحُبِّهِ یَا کَرِیمُ ثُمَّ سَارَ.

1236

قَالَ اَلْأَصْمَعِیُّ سَمِعْتُ أَعْرَابِیّاً یَدْعُو وَ یَقُولُ اللَّهُمَّ إِنْ کَانَ رِزْقِی فِی السَّمَاءِ فَأَنْزِلْهُ وَ إِنْ کَانَ فِی الْأَرْضِ فَأَخْرِجْهُ وَ إِنْ کَانَ بَعِیداً فَقَرِّبْهُ وَ إِنْ کَانَ قَرِیباً فَیَسِّرْهُ وَ إِنْ کَانَ قَلِیلاً فَکَثِّرْهُ وَ إِنْ کَانَ کَثِیراً فَبَارِکْ لِی فِیهِ .

ص :194

1237

مِنْ دُعَاءِ عَمْرِو بْنِ عُبَیْدٍ

(1)

اللَّهُمَّ أَغْنِنِی بِالاِفْتِقَارِ إِلَیْکَ وَ لاَ تُفْقِرْنِی بِالاِسْتِغْنَاءِ عَنْکَ اللَّهُمَّ أَعِنِّی عَلَی الدُّنْیَا بِالْقَنَاعَةِ وَ عَلَی الدِّینِ بِالْعِصْمَةِ .

1238

شَکَا رَجُلٌ إِلَی اَلْحَسَنِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَی رَجُلاً یَظْلِمُهُ فَقَالَ لَهُ إِذَا صَلَّیْتَ الرَّکْعَتَیْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ فَاسْجُدْ وَ قُلْ یَا شَدِیدَ الْقُوَی یَا شَدِیدَ الْمِحَالِ یَا عَزِیزُ أَذْلَلْتَ لِعِزِّکَ جَمِیعَ مَنْ خَلَقْتَ فَصَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ وَ اکْفِنِی مَئُوَنَةَ فُلاَنٍ بِمَا شِئْتَ فَدَعَا بِهَا فَلَمْ یَرُعْهُ إِلاَّ الْوَاعِیَةُ (2) بِاللَّیْلِ فَسَأَلَ فَقِیلَ مَاتَ فُلاَنٌ فَجْأَةً.

1239

قَالَ مُوسَی ع یَا رَبِّ إِنَّکَ لَتُعْطِینِی أَکْثَرَ مِنْ أَمَلِی قَالَ لِأَنَّکَ تُکْثِرُ مِنْ قَوْلِ مٰا شٰاءَ اللّٰهُ لاٰ قُوَّةَ إِلاّٰ بِاللّٰهِ .

1240

کَانَ بَعْضُ الصَّالِحِینَ یَقُولُ قَبْلَ الصَّلاَةِ یَا مُحْسِنُ قَدْ جَاءَکَ الْمُسِیءُ وَ قَدْ أَمَرْتَ الْمُحْسِنَ أَنْ یَتَجَاوَزَ عَنِ الْمُسِیءِ فَتَجَاوَزْ عَنْ قَبِیحِ مَا عِنْدِی بِجَمِیلِ مَا عِنْدَکَ اللَّهُمَّ ارْزُقْنِی عَمَلَ الْخَائِفِینَ وَ خَوْفَ الْعَامِلِینَ حَتَّی أُنْعَمَ بِتَرْکِ (3) التَّنَعُّمِ طَمَعاً فِیمَا وَعَدْتَ وَ خَوْفاً مِمَّا أَوْعَدْتَ .

1241

وَ مِنَ الْأَدْعِیَةِ الْجَامِعَةِ

اللَّهُمَّ أَغْنِنِی بِالْعِلْمِ وَ زَیِّنِّی بِالْحِلْمِ وَ جَمِّلْنِی بِالْعَافِیَةِ وَ کَرِّمْنِی بِالتَّقْوَی .

1242

أَحْمَدُ بْنُ یُوسُفَ کَاتِبُ اَلْمَأْمُونِ إِذَا دَخَلَ عَلَیْهِ حَیَّاهُ بِتَحِیَّةِ أَبَرْوِیزَ الْمَلِکِ عِشْتَ الدَّهْرَ وَ نِلْتَ الْمُنَی وَ جُنِّبْتَ طَاعَةَ النِّسَاءِ.

1243

وَ مِنَ الدُّعَاءِ الْمَرْوِیِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ص

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِی ذُنُوبِی وَ خَطَایَایَ کُلَّهَا اللَّهُمَّ أَنْعِشْنِی وَ أَجِزْنِی وَ انْصُرْنِی وَ اهْدِنِی لِصَالِحِ الْأَعْمَالِ وَ الْأَخْلاَقِ

ص :195

إِنَّهُ لاَ یَهْدِی لِصَالِحِهَا وَ لاَ یَصْرِفُ عَنْ سَیِّئِهَا إِلاَّ أَنْتَ اللَّهُمَّ إِنِّی أَسْأَلُکَ الثَّبَاتَ فِی الْأَمْرِ وَ الْعَزِیمَةَ عَلَی الرُّشْدِ وَ أَسْأَلُکَ شُکْرَ نِعْمَتِکَ وَ حُسْنَ عِبَادَتِکَ وَ أَسْأَلُکَ قَلْباً سَلِیماً وَ لِسَاناً صَادِقاً وَ أَسْأَلُکَ مِنْ خَیْرِ مَا تَعْلَمُ وَ أَعُوذُ بِکَ مِنْ شَرِّ مَا تَعْلَمُ وَ أَسْتَغْفِرُکَ لِمَا تَعْلَمُ إِنَّکَ أَنْتَ عَلاّٰمُ الْغُیُوبِ .

و قیل فی الوصیة الصالحة ادع ربک بلسان الذلة و الاحتقار لا بلسان الفصاحة و التشدق.

و قال سفیان بن عیینة لا یمنعن أحدکم من الدعاء ما یعلمه من نفسه فإن اللّه تعالی أجاب دعاء شر خلقه إبلیس حیث قال أَنْظِرْنِی (1) .

1247

اَلنَّبِیُّ ص

إِذَا سَأَلَ أَحَدُکُمْ رَبَّهُ مَسْأَلَةً فَتَعَرَّفَ الْإِجَابَةَ (2) فَلْیَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ وَ مَنْ أَبْطَأَ عَنْهُ شَیْءٌ مِنْ ذَاکَ فَلْیَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَی کُلِّ حَالٍ .

و من الآداب أن یفتتح بالذکر و ألاّ یبتدئ بالمسألة

1248

1- کَانَ رَسُولُ اللَّهِ ص قَبْلَ أَنْ یَدْعُوَ یَقُولُ سُبْحَانَ رَبِّیَ الْعَلِیِّ الْوَهَّابِ .

1249

أَبُو سُلَیْمَانَ الدَّارَانِیُّ

مَنْ أَرَادَ أَنْ یَسْأَلَ اللَّهَ تَعَالَی حَاجَتَهُ فَلْیَبْدَأْ بِالصَّلاَةِ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ ص ثُمَّ یَسْأَلُ حَاجَتَهُ ثُمَّ یَخْتِمُ بِالصَّلاَةِ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ ص فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَی یَقْبَلُ الصَّلاَتَیْنِ وَ هُوَ أَکْرَمُ مِنْ أَنْ یَدَعَ مَا بَیْنَهُمَا.

1250

وَ مِنْ دُعَاءِ عَلِیٍّ ع

اللَّهُمَّ صُنْ وَجْهِی بِالْیَسَارِ وَ لاَ تَبْذُلْ جَاهِی بِالْإِقْتَارِ فَأَسْتَرْزِقَ طَالِبِی رِزْقِکَ وَ أَسْتَعْطِفَ شِرَارَ خَلْقِکَ وَ أُبْتَلَی بِحَمْدِ مَنْ أَعْطَانِی وَ أُفْتَتَنَ بِذَمِّ مَنْ مَنَعَنِی وَ أَنْتَ مِنْ وَرَاءِ ذَلِکَ کُلِّهِ وَلِیُّ الْإِعْطَاءِ وَ الْمَنْعِ إِنَّکَ عَلیٰ کُلِّ شَیْءٍ قَدِیرٌ

.

1251

وَ مِنْ دُعَاءِ اَلْحَسَنِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَی

اللَّهُمَّ إِنِّی أَعُوذُ بِکَ مِنْ قَلْبٍ یَعْرِفُ وَ لِسَانٍ یَصِفُ وَ أَعْمَالٍ تُخَالِفُ .

1252

وَ مِنْ دُعَاءِ أَهْلِ الْبَیْتِ ع وَ فِیهِ رَائِحَةٌ مِنَ کَلاَمِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ع الَّذِی نَحْنُ فِی شَرْحِهِ

اللَّهُمَّ إِنِّی أَسْتَغْفِرُکَ لِمَا تُبْتُ مِنْهُ إِلَیْکَ ثُمَّ عُدْتُ فِیهِ وَ أَسْتَغْفِرُکَ

ص :197

لِمَا وَعَدْتُکَ مِنْ نَفْسِی ثُمَّ أَخْلَفْتُکَ وَ أَسْتَغْفِرُکَ لِلنِّعَمِ الَّتِی أَنْعَمْتَ بِهَا عَلَیَّ فَتَقَوَّیْتُ عَلَی مَعْصِیَتِکَ وَ أَسْتَغْفِرُکَ مِنْ کُلِّ ذَنْبٍ تَمَکَّنْتُ مِنْهُ بِعَافِیَتِکَ وَ نَالَتْهُ یَدِی بِفَضْلِ نِعْمَتِکَ وَ انْبَسَطْتُ إِلَیْهِ بِسَعَةِ رِزْقِکَ وَ احْتَجَبْتُ فِیهِ عَنِ النَّاسِ بِسِتْرِکَ وَ اتَّکَلْتُ فِیهِ عَلَی أَکْرَمِ عَفْوِکَ اللَّهُمَّ إِنِّی أَعُوذُ بِکَ أَنْ أَقُولَ حَقّاً لَیْسَ فِیهِ رِضَاکَ أَلْتَمِسُ بِهِ أَحَداً سِوَاکَ وَ أَعُوذُ بِکَ أَنْ أَتَزَیَّنَ لِلنَّاسِ بِشَیْءٍ یَشِینُنِی عِنْدَکَ وَ أَعُوذُ بِکَ أَنْ أَکُونَ عِبْرَةً لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِکَ وَ أَنْ یَکُونَ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِکَ أَسْعَدَ بِمَا عَلَّمْتَنِی مِنِّی وَ أَعُوذُ بِکَ أَنْ أَسْتَعِینَ بِمَعْصِیَةٍ لَکَ عَلَی ضُرٍّ یُصِیبُنِی .

1253

کَانَ أَبُو مُسْلِمٍ الْخَوْلاَنِیُّ إِذَا أَهَمَّهُ أَمْرٌ قَالَ یَا مَالِکَ یَوْمِ الدِّینِ إِیّٰاکَ نَعْبُدُ وَ إِیّٰاکَ نَسْتَعِینُ .

1254

وَ مِنْ دُعَاءِ عَلِیٍّ ع

اللَّهُمَّ إِنْ تِهْتُ عَنْ مَسْأَلَتِی وَ أُعْمِیتُ عَنْ طَلِبَتِی فَدُلَّنِی عَلَی مَصَالِحِی وَ خُذْ بِقَلْبِی إِلَی مَرَاشِدِی اللَّهُمَّ احْمِلْنِی عَلَی عَفْوِکَ وَ لاَ تَحْمِلْنِی عَلَی عَدْلِکَ

.

ص :198

الشیء ولایة و أولیته ذلک أی جعلته والیا له و متسلطا علیه و الکاهن واحد الکهان و هم الذین کانوا یخبرون عن الشیاطین بکثیر من الغائبات

فإن ادعی مدع أن الوصلة هی الهواء فعن ذلک أجوبة أحدها أن الهواء لا یجوز أن یکون وصلة و آلة فی الحرکات الشدیدة و حمل الأثقال لا سیما إذا لم یتموج.

و الثانی أنّه کان یجب أن نحس بذلک و نعلم أن الهواء یحرکنا و یصرفنا کما نعلم فی الجسم إذا حرکنا و صرفنا بآلة موضع تحریکه لنا بتلک الآلة.

و الثالث أن فی الأفعال الحادثة فینا ما لا یجوز أن یفعل بآلة و لا یتولد عن سبب کالإرادات و الاعتقادات و نحوها.

و قد دلل أصحابنا أیضا علی إبطال کون الکواکب فاعلة للأفعال فینا بأن ذلک یقتضی سقوط الأمر و النهی و المدح و الذم و یلزمهم ما یلزم المجبرة و هذا الوجه یبطل کون الکواکب فاعلة فینا بالإیجاب کما یبطل کونها فاعلة بالاختیار.

و أمّا القول بأنها أمارات علی ما یحدث و یتجدد فیمکن أن ینصر بأن یقال لم لا یجوز أن یکون اللّه تعالی أجری العادة بأن یفعل أفعالا مخصوصة عند طلوع کوکب أو غروبه أو اتصاله بکوکب آخر.

و الکلام علی ذلک بأن یقال هذا غیر ممتنع لو ثبت سمع مقطوع به یقتضی ذلک فإن هذا ممّا لا یعلم بالعقل.

فإن قالوا نعلم بالتجربة.

قیل لهم التجربة إنّما تکون حجة إذا استمرت و اطردت و أنتم خطؤکم فیما تحکمون به أکثر من صوابکم فهلا نسبتم الصواب الذی یقع منکم إلی الاتفاق و التخمین فقد رأینا من أصحاب الزرق (1) و التخمین من یصیب أکثر ممّا یصیب المنجم و هو من غیر أصل صحیح و لا قاعدة معتمدة و متی قلتم إنّما أخطأ المنجم لغلطه فی تسییر الکواکب

ص :201

قیل لکم و لم لا یکون سبب الإصابة اتفاقا و إنّما یصحّ لکم هذا التأویل و التخریج لو کان علی صحة أحکام النجوم دلیل قاطع هو غیر إصابة المنجم.

فأما إذا کان دلیل صحة الأحکام الإصابة فهلا کان دلیل فسادها الخطاء فما أحدهما إلاّ فی مقابلة صاحبه.

و ممّا قیل علی أصحاب الأحکام إن قیل لهم فی شیء بعینه خذوا الطالع و احکموا أ یؤخذ أم یترک فإن حکموا بأحدهما خولفوا و فعل خلاف ما أخبروا به و هذه المسألة قد أعضل علیهم جوابها.

و قال بعض المتکلّمین لبعض المنجّمین أخبرنی لو فرضنا جادة مسلوکة و طریقا یمشی فیها الناس نهارا و لیلا و فی تلک المحجة آبار متقاربة و بین بعضها و بعض طریق یحتاج سالکه إلی تأمل و توقف حتّی یتخلص من السقوط فی بعض تلک الآبار هل یجوز أن تکون سلامة من یمشی بهذا الطریق من العمیان کسلامة من یمشی فیه من البصراء و المفروض أن الطریق لا یخلو طرفة عین من مشاة فیها عمیان و مبصرون و هل یجوز أن یکون عطب البصراء مقاربا لعطب العمیان.

فقال المنجم هذا ممّا لا یجوز بل الواجب أن تکون سلامة البصراء أکثر من سلامة العمیان.

فقال المتکلم فقد بطل قولکم لأن مسألتنا نظیر هذه الصورة فإن مثال البصراء هم الذین یعرفون أحکام النجوم و یمیزون مساعدها من مناحسها و یتوقون بهذه المعرفة مضار الوقت و الحرکات و یتخطونها و یعتمدون منافعها و یقصدونها و مثال العمیان کل من لا یحسن علم النجوم و لا یقولون به من أهل العلم و العامّة و هم أضعاف أضعاف عدد المنجّمین.

ص :202

و مثال الطریق الذی فیه الآبار الزمان الذی مضی و مر علی الخلق أجمعین و مثال آباره مصائبه و محنه.

و قد کان یجب لو صح علم أحکام النجوم أن سلامة المنجّمین أکثر و مصائبهم أقل لأنّهم یتوقون المحن و یتخطونها لعلمهم بها قبل کونها و أن تکون محن المعرضین عن علم أحکام النجوم علی کثرتهم أوفر و أظهر حتّی تکون سلامة کل واحد منهم هی الطریقة الغریبة و المعلوم خلاف ذلک فإن السلامة و المحن فی الجمیع متقاربة متناسبة غیر متفاوتة.

و أمّا البحث الحکمی فی هذا الموضع فهو أن الحادث فی عالم العناصر عند حلول الکوکب المخصوص فی البرج المخصوص إمّا أن یکون المقتضی له مجرد ذلک الکوکب أو مجرد ذلک البرج أو حلول ذلک الکوکب فی ذلک البرج فالأولان باطلان و إلاّ لوجب أن یحدث ذلک الأمر قبل أن یحدث و الثالث باطل أیضا لأنّه إمّا أن یکون ذلک البرج مساویا لغیره من البروج فی الماهیة أو مخالفا و الأول یقتضی حدوث ذلک الحادث حال ما کان ذلک الکوکب حالا فی غیره من البروج لأن حکم الشیء حکم مثله و الثانی یقتضی کون کرة البروج متخالفة الأجزاء فی أنفسها و یلزم فی ذلک کونها مرکبة و قد قامت الدلالة علی أنّه لا شیء من الأفلاک بمرکب.

و قد اعترض علی هذا الدلیل بوجهین أحدهما أنّه لم لا یجوز أن تختلف أفعال الکواکب المتحیرة عند حلولها فی البروج لا لاختلاف البروج فی نفسها بل لاختلاف ما فی تلک البروج من الکواکب الثابتة المختلفة الطبائع.

الوجه الثانی لم لا یجوز أن یقال الفلک التاسع مکوکب بکواکب صغار لا نراها

ص :203

لغایة بعدها عنا فإذا تحرکت فی کرات تداویرها سامتت مواضع مخصوصة من کرة الکواکب الثابتة و هی فلک البروج فاختلفت آثار الکواکب المتحیرة عند حلولها فی البروج باعتبار اختلاف تلک الکواکب الصغیرة و لم لا یجوز إثبات کرة بین الکرة الثامنة و بین الفلک الأطلس المدبر لجمیع الأفلاک من المشرق إلی المغرب و تکون تلک الکرة المتوسطة بینهما بطیئة الحرکة بحیث لا تفی أعمارنا بالوقوف علی حرکتها و هی مکوکبة بتلک الکواکب الصغار المختلفة الطبائع.

و أجیب عن الأول بأنّه لو کان الأمر کما ذکر لوجب أن تختلف بیوت الکواکب و أشرافها و حدودها عند حرکة الثوابت بحرکة فلکها حتّی أنّها تتقدم علی مواضعها فی کل مائة سنة علی رأی المتقدمین أو فی کل ست و ستین سنة علی رأی المتأخرین درجة واحدة لکن لیس الأمر کذلک فإن شرف القمر کما أنّه فی زماننا فی درجة الثالثة من الثور فکذلک کان عند الذین کانوا قبلنا بألف سنة و بألفی سنة.

و أمّا الوجه الثانی فلا جواب عنه.

و اعلم أن الفلاسفة قد عولت فی إبطال القول بأحکام النجوم علی وجه واحد و هو أن مبنی هذا العلم علی التجربة و لم توجد التجربة فیما یدعیه أرباب علم النجوم فإن هاهنا أمورا لا تتکرر إلاّ فی الأعمار المتطاولة مثل الأدوار و الألوف التی زعم أبو معشر أنها هی الأصل فی هذا العلم و مثل مماسة جرم زحل للکرة المکوکبة و مثل انطباق معدل النهار علی دائرة فلک البروج فإنهم یزعمون أن ذلک یقتضی حدوث طوفان الماء و إحاطته بالأرض من جمیع الجوانب مع أن هذه الأمور لا توجد إلاّ فی ألوف الألوف من السنین فکیف تصح أمثال هذه الأمور بالتجربة.

و أیضا فإنا إذا رأینا حادثا حدث عند حلول کوکب مخصوص فی برج مخصوص

ص :204

فکیف نعلم استناد حدوثه إلی ذلک الحلول فإن فی الفلک کواکب لا تحصی فما الذی خصص حدوث ذلک الحدوث بحلول ذلک الکوکب فی ذلک البرج لا غیره و بتقدیر أن یکون لحلوله تأثیر فی ذلک فلا یمکن الجزم قبل حلوله بأنّه إذا حل فی البرج المذکور لا بدّ أن یحدث ذلک الحادث لجواز أن یوجد ما یبطل تأثیره نحو أن یحل کوکب آخر فی برج آخر فیدفع تأثیره و یبطل عمله أو لعلّ المادة الأرضیة لا تکون مستعدة لقبول تلک الصورة و حدوث الحادث کما یتوقف علی حصول الفاعل یتوقف علی حصول القابل و إذا وقع الشک فی هذه الأمور بطل القول بالجزم بعلم أحکام النجوم و هذه الحجة جیدة إن کان المنجمون یطلبون القطع فی علمهم.

فإما أن کانوا یطلبون الظنّ فإن هذه الحجة لا تفسد قولهم.

فأما أبو البرکات بن ملکا البغدادیّ صاحب کتاب المعتبر فإنه أبطل أحکام النجوم من وجه و أثبته من وجه.

قال أما من یرید تطبیق علم أحکام النجوم علی قاعدة العلم الطبیعی فإنّه لا سبیل له إلی ذلک فإنا لا نتعلق من أقوالهم إلاّ بأحکام یحکمون بها من غیر دلیل نحو القول بحر الکواکب و بردها أو رطوبتها و یبوستها و اعتدالها کقولهم إن زحل بارد یابس و المشتری معتدل و الاعتدال خیر و الإفراط شر و ینتجون من ذلک أن الخیر یوجب سعادة و الشر یوجب منحسة و ما جانس ذلک ممّا لم یقل به علماء الطبیعیین و لم تنتجه مقدماتهم فی أنظارهم و إنّما الذی أنتجته هو أن الأجرام السماویة فعالة فیما تحویه و تشتمل علیه و تتحرک حوله فعلا علی الإطلاق غیر محدود بوقت و لا مقدر بتقدیر و القائلون بالأحکام ادعوا حصول علمهم بذلک من توقیف و تجربة لا یطابق نظر الطبیعی.

و إذا قلت بقول الطبیعی بحسب أنظاره أن المشتری سعد و المریخ نحس أو أن زحل

ص :205

بارد یابس و المریخ حار یابس و الحار و البارد من الملموسات و ما دل علی هذا المس و ما استدلّ علیه بلمس کتأثیره فیما یلمسه فإن ذلک لم یظهر للحس فی غیر الشمس حیث تسخن الأرض بشعاعها و لو کان فی السمائیات شیء من طبائع الأضداد لکان الأولی أن تکون کلها حارة لأن کواکبها کلها منیرة.

و متی یقول الطبیعی بتقطیع الفلک و تقسیمه إلی أجزاء کما قسمه المنجمون قسمة وهمیة إلی بروج و درج و دقائق و ذلک جائز للمتوهم کجواز غیره و لیس بواجب فی الوجود و لا حاصل فنقلوا ذلک التوهم الجائز إلی الوجود الواجب فی أحکامهم و کان الأصل فیه علی زعمهم حرکة الشمس و الأیّام و الشهور فحصلوا منها قسمة وهمیة و جعلوها کالحاصلة الوجودیة المثمرة بحدود و خطوط کان الشمس بحرکتها من وقت إلی مثله خطت فی السماء خطوطا و أقامت فیها جدرا أو حدودا أو غیرت فی أجزائها طباعا تغییرا یبقی فیتقی به القسمة إلی تلک الدرج و الدقائق مع جواز الشمس عنها و لیس فی جوهر الفلک اختلاف یتمیز به موضع عن موضع سوی الکواکب و الکواکب تتحرک عن أمکنتها فبقیت الأمکنة علی التشابه فبما ذا تتمیز بروجه و درجه و یبقی اختلافها بعد حرکة المتحرک فی سمتها و کیف یقیس الطبیعی علی هذه الأصول و ینتج منها نتائج و یحکم بحسبها أحکاما و کیف له أن یقول بالحدود و یجعل خمس درجات من برج الکوکب و ستا لآخر و أربعا لآخر و یختلف فیها البابلیون و المصریون و جعلوا أرباب البیوت کأنها ملاک و البیوت کأنها أملاک تثبت لأربابها بصکوک و أحکام الأسد للشمس و السرطان للقمر و إذا نظر الناظر وجد الأسد أسدا من جهة کواکب شکلوها بشکل الأسد ثمّ انقلبت عن مواضعها و بقی الموضع أسدا و جعلوا الأسد للشمس و قد ذهبت منه الکواکب التی کان بها أسدا کان ذلک الملک بیت للشمس مع انتقال الساکن و کذلک السرطان للقمر.

ص :206

و من الدقائق فی العلم النجومی الدرجات المدارة و الغربیة و المظلمة و النیرة و الزائدة فی السعادة و درجات الآثار من جهة أنّها أجزاء الفلک إن قطعوها و ما انقطعت و مع انتقال ما ینتقل من الکواکب إلیها و عنها ثمّ أنتجوا من ذلک نتائج أنظارهم من أعداد الدرج و أقسام الفلک فقالوا إن الکوکب ینظر إلی الکواکب من ستین درجة نظر تسدیس لأنّه سدس من الفلک و لا ینظر إلیه من خمسین و لا من سبعین و قد کان قبل الستین بعشر درج و هو أقرب من ستین و بعدها بعشر درج و هو أبعد من ستین لا ینظر.

فلیت شعری ما هذا النظر أ تری الکواکب تظهر للکوکب ثمّ تحتجب عنه ثمّ شعاعه یختلط بشعاعه عند حدّ لا یختلط به قبله و لا بعده.

و کذلک التربیع من الربع الذی هو تسعون درجة و التثلیث من الثلث الذی هو مائة و عشرون درجة فلم لا یکون التخمیس و التسبیع و التعشیر علی هذا القیاس ثمّ یقولون الحمل حار یابس ناری و الثور بارد یابس أرضی و الجوزاء حار رطب هوائی و السرطان بارد رطب مائی ما قال الطبیعی هذا قط و لا یقول به.

و إذا احتجوا و قاسوا کانت مبادئ قیاساتهم الحمل برج ینقلب لأن الشمس إذا نزلت فیه ینقلب الزمان من الشتاء إلی الربیع و الثور برج ثابت لأن الشمس إذا نزلت فیه ثبت الربیع علی ربیعیته.

و الحق أنّه لا ینقلب الحمل و لا یثبت الثور بل هما علی حالهما فی کل وقت ثمّ کیف یبقی دهره منقلبا مع خروج الشمس منه و حلولها فیه أ تراها تخلف فیه أثرا أو تحیل منه طباعا و تبقی تلک الاستحالة إلی أن تعود فتجددها و لم لا یقول قائل إن السرطان حار یابس لأن الشمس إذا نزلت فیه یشتد حر الزمان و ما یجانس هذا ممّا لا یلزم لا هو و لا ضده فلیس فی الفلک اختلاف یعرفه الطبیعی إلاّ بما فیه من الکواکب و هو فی نفسه

ص :207

واحد متشابه الجوهر و الطبع و لکنها أقوال قال بها قائل فقبلها قائل و نقلها ناقل فحسن فیها ظنّ السامع و اغتر بها من لا خبرة له و لا قدرة له علی النظر.

ثمّ حکم بها الحاکمون بجید و ردیء و سلب و إیجاب و بت و تجوز فصادف بعضه موافقة الوجود فصدق فیعتبر به المعتبرون و لم یلتفتوا إلی ما کذب منه فیکذبوه بل عذروا و قالوا إنّما هو منجم و لیس بنبی حتّی یصدق فی کل ما یقول و اعتذروا له بأن العلم أوسع من أن یحیط به أحد و لو أحاط به أحد لصدق فی کل شیء و لعمر اللّه إنّه لو أحاط به علما صادقا لصدق و الشأن فی أن یحیط به علی الحقیقة لا أن یفرض فرضا و یتوهم وهما فینقله إلی الوجود و ینسب إلیه و یقیس علیه.

قال و الذی یصحّ من هذا العلم و یلتفت إلیه العقلاء هی أشیاء غیر هذه الخرافات التی لا أصل لها فما حصل توقیف أو تجربة حقیقة کالقرانات و المقابلة فإنها أیضا من جملة الاتصالات کالمقارنة من جهة أن تلک غایة القرب و هذه غایة البعد و نحو ممر کوکب من المتحیرة تحت کوکب من الثابتة و نحوه ما یعرض للمتحیرة من رجوع و استقامة و ارتفاع فی شمال و انخفاض فی جنوب و أمثال ذلک.

فهذا کلام ابن ملکا کما تراه یبطل هذا الفن من وجه و یقول به من وجه.

و قد وقفت لأبی جعفر محمّد بن الحسین الصنعانی المعروف بالخازن صاحب کتاب زیج الصفائح علی کلام فی هذا الباب مختصر له سماه کتاب العالمین أنا ذاکره فی هذا الموضع علی وجهه لأنّه کلام لا بأس به قال إن بعض المصدقین بأحکام النجوم و کل المکذبین بها قد زاغوا عن طریق الحق و الصواب فیها فإن الکثیر من المصدقین بها قد أدخلوا فیها ما لیس منها و ادعوا ما لم یمکن إدراکه بها حتّی کثر فیها خطؤهم و ظهر کذبهم و صار ذلک سببا لتکذیب أکثر الناس بهذا العلم.

ص :208

فأما المکذبون به فقد بلغوا من إنکار صحیحه و ردّ ظاهره إلی أن قالوا إنّه لا یصحّ منه شیء أصلا و نسبوا أهله إلی الرزق و الاحتیال و الخداع و التمویه فلذلک رأینا أن نبتدئ بتبیین صحة هذه الصناعة لیظهر فساد قول المکذبین لها بأسرها ثمّ نبین ما یمکن إدراکه بها لیبطل دعوی المدعین فیها ما یمتنع وجوده بها.

أما الوجوه التی بها تصح صناعة الأحکام فهی کثیرة منها ما یظهر لجمیع الناس من قبل الشمس فإن حدوث الصیف و الشتاء و ما یعرض فیهما من الحرّ و البرد و الأمطار و الریاح و نبات الأرض و خروج وقت الأشجار و حملها الثمار و حرکة الحیوان إلی النسل و التوالد و غیر ذلک ممّا یشاکله من الأحوال إنّما یکون أکثر ذلک بحسب دنو الشمس من سمت الرءوس فی ناحیة الشمال و تباعدها منه إلی ناحیة الجنوب و بفضل قوة الشمس علی قوة القمر و قوی سائر الکواکب ظهر ما قلنا لجمیع الناس.

و قد ظهر لهم أیضا من قبل الشمس فی تغییر الهواء کل یوم عند طلوعها و عند توسطها السماء و عند غروبها ما لا خفاء به من الآثار.

و من هذه الوجوه ما یظهر للفلاحین و الملاحین بأدنی تفقد للأشیاء التی تحدث فإنهم یعلمون أشیاء کثیرة من الآثار التی یؤثرها القمر و أنوار الکواکب الثابتة کالمد و الجزر و حرکات الریاح و الأمطار و أوقاتها عند الحدوث و ما یوافق من أوقات الزراعات و ما لا یوافق و أوقات اللقاح و النتاج.

و قد یظهر من آثار القمر فی الحیوان الذی یتوالد فی الماء و الرطوبات ما هو مشهور لا ینکر.

و منها جهات أخری یعرفها المنجمون فقط علی حسب فضل علمهم و دقة نظرهم فی هذا

ص :209

العلم و إذ قد وصفنا علی سبیل الإجمال ما یوجب حقیقة هذا العلم فإنا نصف ما یمکن إدراکه به أو لا یمکن فنقول لما کانت تغیرات الهواء إنّما تحدث بحسب أحوال الشمس و القمر و الکواکب المتحیرة و الثابتة صارت معرفة هذه التغیرات قد تدرک من النجوم مع سائر ما یتبعها من الریاح و السحاب و الأمطار و الثلج و البرد و الرعد و البرق لأن الأشیاء التی تلی الأرض و تصل إلیها هذه الآثار من الهواء المحیط بها کانت الأعراض العامیة التی تعرض فی هذه الأشیاء تابعة لتلک الآثار مثل کثرة میاه الأنّهار و قلتها و کثرة الثمار و قلتها و کثرة خصب الحیوان و قلته و الجدوبة و القحط و الوباء و الأمراض التی تحدث فی الأجناس و الأنواع أو فی جنس دون جنس أو فی نوع دون نوع و سائر ما یشاکل ذلک من الأحداث.

و لما کانت أخلاق النفس تابعة لمزاج البدن و کانت الأحداث التی ذکرناها مغیرة لمزاج البدن صارت أیضا مغیرة للأخلاق و لأن المزاج الأول الأصلی هو الغالب علی الإنسان فی الأمر الأکثر و کان المزاج الأصلی هو الذی طبع علیه الإنسان فی وقت کونه فی الرحم و فی وقت مولده و خروجه إلی جو العالم صار وقت الکون و وقت المولد أدل الأشیاء علی مزاج الإنسان و علی أحواله التابعة للمزاج مثل خلقة البدن و خلق النفس و المرض و الصحة و سائر ما یتبع ذلک فهذه الأشیاء و ما یشبهها من الأمور التی لا تشارک شیئا من الأفعال الإرادیة فیه ممّا یمکن معرفته بالنجوم و أمّا الأشیاء التی تشارک الأمور الإرادیة بعض المشارکة فقد یمکن أن یصدق فیها هذا العلم علی الأمر الأکثر و إذا لم یستعمل فیه الإرادة جری علی ما تقود إلیه الطبیعة.

علی أنّه قد یعرض الخطاء و الغلط لأصحاب هذه الصناعة من أسباب کثیرة بعضها یختص بهذه الصناعة دون غیرها و بعضها یعمها و غیرها من الصنائع.

ص :210

فأما ما یعم فهو من قصور طبیعة الناس فی معرفة الصنائع أیا کانت عن بلوغ الغایة فیها حتّی لا یبقی وراءها غایة أخری فکثرة الخطإ و قلته علی حسب تقصیر واحد واحد من الناس.

و أمّا ما یخص هذه الصناعة فهو کثیر ما یحتاج صاحبها إلی معرفته ممّا لا یمکنه أن یعلم کثیرا منه إلاّ بالحدس و التخمین فضلا عن لطف الاستنباط و حسن القیاس و ممّا یحتاج إلی معرفة علم أحوال الفلک و ممّا یحدث فی کل واحد من تلک الأحوال فإن کل واحد منها له فعل خاصّ ثمّ یؤلف تلک الأحوال بعضها مع بعض علی کثرة فنونها و اختلافاتها لیحصل من جمیع ذلک قوة واحدة و فعل واحد یکون عنه الحادث فی هذا العالم و ذلک أمر عسیر فمتی أغفل من ذلک شیء کان الخطأ الواقع بحسب الشیء الذی سها عنه و ترک استعماله.

ثمّ من بعد تحصیل ما وصفناه ینبغی أن یعلم الحال التی علیها یوافی فی تلک القوّة الواحدة الأشیاء التی تعرض فیها تلک الأحداث کأنّه مثلا إذا دل ما فی الفلک علی حدوث حر و کانت الأشیاء التی یعرض فیها ما یعرض قد مر بها قبل ذلک حر فحمیت و سخنت أثر ذلک فیها أثرا قویا فإن کان قد مر بها برد قبل ذلک أثر ذلک فیها أثرا ضعیفا و هذا شیء یحتاج إلیه فی جمیع الأحداث التی تعمل فی غیرها ممّا یناسب هذه المعرفة.

و أمّا الأحداث التی تخص ناحیة ناحیة أو قوما قوما أو جنسا جنسا أو مولودا واحدا من الناس فیحتاج مع معرفتها إلی أن یعلم أیضا أحوال البلاد و العادات و الأغذیة و الأوباء و سائر ما یشبه ذلک ممّا له فیه أثر و شرکة مثل ما یفعل الطبیب فی المعالجة و فی تقدمه المعرفة ثمّ من بعد تحصیل هذه الأشیاء کلها ینبغی أن ینظر فی الأمر الذی قد استدلّ علی حدوثه هل هو ممّا یمکن أن یرد أو یتلافی بما یبطله أو بغیره من جهة

ص :211

الطب و الحیل أم لا کأنّه مثلا استدلّ علی أنّه یصیب هذا الإنسان حرارة یحم منها فینبغی أن یحکم بأنّه یحم أن لم یتلاف تلک الحرارة بالتبرید فإنّه إذا فعل ذلک أنزل الأمور منازلها و أجراها مجاریها.

ثمّ إن کان الحادث قویا لا یمکن دفعه ببعض ما ذکرنا فلیس یلزم الحاجة إلی ما قلنا فإن الأمر یحدث لا محالة و ما قوی و شمل الناس فإنّه لا یمکن دفعه و لا فسخه و إن أمکن فإنما یمکن فی بعض الناس دون بعض.

و أمّا أکثرهم فإنّه یجری أمره علی ما قد شمل و عم فقد یعم الناس حر الصیف و إن کان بعضهم یحتال فی صرفه بالأشیاء التی تبرد و تنفی الحرّ.

فهذه جملة ما ینبغی أن یعلم و یعمل علیه أمور هذه الصناعة.

قلت هذا اعتراف بأن جمیع الأحداث المتعلقة باختیار الإنسان و غیره من الحیوان لا مدخل لعلم أحکام النجوم فیه فعلی هذا لا یصحّ قول من یقول منهم لزید مثلا إنک تتزوج أو تشتری فرسا أو تقتل عدوا أو تسافر إلی بلد و نحو ذلک و هو أکثر ما یقولونه و یحکمون به.

و أمّا الأمور الکلیة الحادثة لا بإرادة الحیوان و اختیاره فقد یکون لکلامهم فیه وجه من الطریق التی ذکرها و هی تعلق کثیر من الأحداث بحرکة الشمس و القمر إلاّ أن المعلوم ضرورة من دین رسول اللّه ص إبطال حکم النجوم و تحریم الاعتقاد بها و النهی و الزجر عن تصدیق المنجّمین و هذا معنی قول أمیر المؤمنین فی هذا الفصل فمن صدقک بهذا فقد کذب القرآن و استغنی عن الاستعانة بالله ثم أردف

ص :212

ذلک و أکده بقوله کان یجب أن یحمد المنجم دون الباری تعالی لأن المنجم هو الذی هدی الإنسان إلی الساعة التی ینجح فیها و صده عن الساعة إلی یخفق و یکدی فیها فهو المحسن إلیه إذا و المحسن یستحق الحمد و الشکر و لیس للبارئ سبحانه إلی الإنسان فی هذا الإحسان المخصوص فوجب ألا یستحق الحمد علی ظفر الإنسان بطلبه لکن القول بذلک و التزامه کفر محض

ص :213

قال کل من صنف فی السیر و الأخبار أن عائشة کانت من أشدّ الناس علی عثمان حتی إنها أخرجت ثوبا من ثیاب رسول اللّه ص فنصبته فی منزلها و کانت تقول للداخلین إلیها هذا ثوب رسول اللّه ص لم یبل و عثمان قد أبلی سنته.

قالوا أول من سمی عثمان نعثلا عائشة و النعثل الکثیر شعر اللحیة و الجسد و کانت تقول اقتلوا نعثلا قتل اللّه نعثلا.

1255

1- وَ رَوَی اَلْمَدَائِنِیُّ فِی کِتَابِ اَلْجَمَلِ قَالَ لَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ کَانَتْ عَائِشَةُ بِمَکَّةَ وَ بَلَغَ قَتْلُهُ إِلَیْهَا وَ هِیَ بِشِرَافِ فَلَمْ تَشُکَّ فِی أَنَّ طَلْحَةَ هُوَ صَاحِبُ الْأَمْرِ وَ قَالَتْ بُعْداً لِنَعْثَلَ وَ سُحْقاً إِیهٍ ذَا الْإِصْبَعِ إِیهٍ أَبَا شِبْلٍ إِیهٍ یَا ابْنَ عَمِّ لَکَأَنِّی أَنْظُرُ إِلَی إِصْبَعِهِ وَ هُوَ یُبَایَعُ لَهُ حَثُّوا الْإِبِلَ وَ دَعْدَعُوهَا (1) .

قَالَ وَ قَدْ کَانَ طَلْحَةُ حِینَ قُتِلَ عُثْمَانُ أَخَذَ مَفَاتِیحَ بَیْتِ الْمَالِ وَ أَخَذَ نَجَائِبَ کَانَتْ لِعُثْمَانَ فِی دَارِهِ ثُمَّ فَسَدَ أَمْرُهُ فَدَفَعَهَا إِلَی عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ ع

.

وَ اللَّهِ مَا أَعْرِفُ بَیْنَ لاَبَتَیْهَا أَحَداً أَوْلَی بِهَا مِنْهُ وَ لاَ أَحَقَّ وَ لاَ أَرَی لَهُ نَظِیراً فِی جَمِیعِ حَالاَتِهِ فَلِمَا ذَا تَکْرَهِینَ وَلاَیَتَهُ قَالَ فَمَا رَدَّتْ عَلَیْهِ جَوَاباً.

قَالَ وَ قَدْ رُوِیَ مِنْ طُرُقٍ مُخْتَلِفَةٍ أَنَّ عَائِشَةَ لَمَّا بَلَغَهَا قَتْلُ عُثْمَانَ وَ هِیَ بِمَکَّةَ قَالَتْ أَبْعَدَهُ اللَّهُ ذَلِکَ بِمَا قَدَّمَتْ یَدَاهُ وَ مَا اللَّهُ بِظَلاّٰمٍ لِلْعَبِیدِ

.

1257

1,14- قَالَ وَ قَدْ رَوَی قَیْسُ بْنُ أَبِی حَازِمٍ أَنَّهُ حَجَّ فِی اَلْعَامِ الَّذِی قُتِلَ فِیهِ عُثْمَانُ وَ کَانَ مَعَ عَائِشَةَ لَمَّا بَلَغَهَا قَتْلُهُ فَتَحَمَّلَ إِلَی اَلْمَدِینَةِ قَالَ فَسَمِعَهَا تَقُولُ فِی بَعْضِ الطَّرِیقِ إِیهٍ ذَا الْإِصْبَعِ وَ إِذَا ذَکَرَتْ عُثْمَانَ قَالَتْ أَبْعَدَهُ اللَّهُ حَتَّی أَتَاهَا خَبَرُ بَیْعَةِ عَلِیٍّ فَقَالَتْ لَوَدِدْتُ أَنَّ هَذِهِ وَقَعَتْ عَلَی هَذِهِ ثُمَّ أَمَرَتْ بِرَدِّ رَکَائِبِهَا إِلَی مَکَّةَ فَرُدَّتْ مَعَهَا وَ رَأَیْتُهَا فِی سَیْرِهَا إِلَی مَکَّةَ تُخَاطِبُ نَفْسَهَا کَأَنَّهَا تُخَاطِبُ أَحَداً قَتَلُوا اِبْنَ عَفَّانَ مَظْلُوماً فَقُلْتُ لَهَا یَا أُمَّ الْمُؤْمِنِینَ أَ لَمْ أَسْمَعْکِ آنِفاً تَقُولِینَ أَبْعَدَهُ اللَّهُ وَ قَدْ رَأَیْتُکِ قَبْلُ أَشَدَّ النَّاسِ عَلَیْهِ وَ أَقْبَحَهُمْ فِیهِ قَوْلاً فَقَالَتْ لَقَدْ کَانَ ذَلِکَ وَ لَکِنِّی نَظَرْتُ فِی أَمْرِهِ فَرَأَیْتُهُمْ اسْتَتَابُوهُ حَتَّی إِذَا تَرَکُوهُ کَالْفِضَّةِ الْبَیْضَاءِ أَتَوْهُ صَائِماً مُحْرِماً فِی شَهْرٍ حَرَامٍ فَقَتَلُوهُ.

قَالَ وَ رُوِیَ مِنْ طُرُقٍ أُخْرَی أَنَّهَا قَالَتْ لَمَّا بَلَغَهَا قَتْلُهُ أَبْعَدَهُ اللَّهُ قَتَلَهُ ذَنْبُهُ وَ أَقَادَهُ اللَّهُ بِعَمَلِهِ یَا مَعْشَرَ قُرَیْشٍ لاَ یَسُومَنَّکُمْ قَتْلَ عُثْمَانَ کَمَا سَامَ أَحْمَرُ ثَمُودَ قَوْمَهُ إِنَّ أَحَقَّ النَّاسِ بِهَذَا الْأَمْرِ ذُو الْإِصْبَعِ فَلَمَّا جَاءَتِ الْأَخْبَارُ بِبَیْعَةِ عَلِیٍّ ع قَالَتْ تَعِسُوا تَعِسُوا لاَ یَرُدُّونَ الْأَمْرَ فِی تَیْمٍ أَبَداً.

کَتَبَ طَلْحَةُ وَ اَلزُّبَیْرُ إِلَی عَائِشَةَ وَ هِیَ بِمَکَّةَ کِتَاباً أَنَّ خَذِّلِی النَّاسَ عَنْ بَیْعَةِ عَلِیٍّ وَ أَظْهِرِی الطَّلَبَ بِدَمِ عُثْمَانَ وَ حَمَّلاَ الْکِتَابَ مَعَ ابْنِ أُخْتِهَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَیْرِ فَلَمَّا قَرَأَتِ الْکِتَابَ کَاشَفَتْ وَ أَظْهَرَتِ الطَّلَبَ بِدَمِ عُثْمَانَ وَ کَانَتْ أُمُّ سَلَمَةَ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهَا بِمَکَّةَ فِی ذَلِکَ الْعَامِ فَلَمَّا رَأَتْ صُنْعَ عَائِشَةَ قَابَلَتْهَا بِنَقِیضِ ذَلِکَ وَ أَظْهَرَتْ مُوَالاَةَ عَلِیٍّ ع وَ نُصْرَتَهُ عَلَی مُقْتَضَی الْعَدَاوَةِ الْمَرْکُوزَةِ فِی طِبَاعِ الضَّرَّتَیْنِ.

ص :216

قَالَ أَبُو مِخْنَفٍ جَاءَتْ عَائِشَةُ إِلَی أُمِّ سَلَمَةَ تُخَادِعُهَا عَلَی الْخُرُوجِ لِلطَّلَبِ بِدَمِ عُثْمَانَ فَقَالَتْ لَهَا یَا بِنْتَ أَبِی أُمَیَّةَ أَنْتِ أَوَّلُ مُهَاجِرَةٍ مِنْ أَزْوَاجِ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ أَنْتِ کَبِیرَةُ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِینَ وَ کَانَ رَسُولُ اللَّهِ ص یَقْسِمُ لَنَا مِنْ بَیْتِکِ وَ کَانَ جِبْرِیلُ أَکْثَرَ مَا یَکُونُ فِی مَنْزِلِکِ فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ لِأَمْرٍ مَا قُلْتِ هَذِهِ الْمَقَالَةَ فَقَالَتْ عَائِشَةُ إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ أَخْبَرَنِی أَنَّ الْقَوْمَ اسْتَتَابُوا عُثْمَانَ فَلَمَّا تَابَ قَتَلُوهُ صَائِماً فِی شَهْرٍ حَرَامٍ وَ قَدْ عَزَمْتُ عَلَی الْخُرُوجِ إِلَی اَلْبَصْرَةِ وَ مَعِی اَلزُّبَیْرُ وَ طَلْحَةُ فَاخْرُجِی مَعَنَا لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ یُصْلِحَ هَذَا الْأَمْرَ عَلَی أَیْدِینَا بِنَا فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ إِنَّکِ کُنْتِ بِالْأَمْسِ تُحَرِّضِینَ عَلَی عُثْمَانَ وَ تَقُولِینَ فِیهِ أَخْبَثَ الْقَوْلِ وَ مَا کَانَ اسْمُهُ عِنْدَکِ إِلاَّ نَعْثَلاً وَ إِنَّکِ لَتَعْرِفِینَ مَنْزِلَةَ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ص أَ فَأُذَکِّرُکِ قَالَتْ نَعَمْ قَالَتْ أَ تَذْکُرِینَ یَوْمَ أَقْبَلَ ع وَ نَحْنُ مَعَهُ حَتَّی إِذَا هَبَطَ مِنْ قُدَیْدِ ذَاتِ الشِّمَالِ خَلاَ بِعَلِیٍّ یُنَاجِیهِ فَأَطَالَ فَأَرَدْتِ أَنْ تَهْجُمِی عَلَیْهِمَا فَنَهَیْتُکِ فَعَصَیْتِنِی فَهَجَمْتِ عَلَیْهِمَا فَمَا لَبِثْتِ أَنْ رَجَعْتِ بَاکِیَةً فَقُلْتُ مَا شَأْنُکِ فَقُلْتِ إِنِّی هَجَمْتُ عَلَیْهِمَا وَ هُمَا یَتَنَاجَیَانِ فَقُلْتُ لِعَلِیٍّ لَیْسَ لِی مِنْ رَسُولِ اللَّهِ إِلاَّ یَوْمٌ مِنْ تِسْعَةِ أَیَّامٍ أَ فَمَا تَدَعُنِی یَا اِبْنَ أَبِی طَالِبٍ وَ یَوْمِی فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ ص عَلَیَّ وَ هُوَ غَضْبَانُ مُحْمَرُّ الْوَجْهِ فَقَالَ ارْجِعِی وَرَاءَکِ وَ اللَّهِ لاَ یُبْغِضُهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ بَیْتِی وَ لاَ مِنْ غَیْرِهِمْ مِنَ النَّاسِ إِلاَّ وَ هُوَ خَارِجٌ مِنَ الْإِیمَانِ فَرَجَعْتِ نَادِمَةً سَاقِطَةً قَالَتْ عَائِشَةُ نَعَمْ أَذْکُرُ ذَلِکِ قَالَتْ وَ أُذَکِّرُکِ أَیْضاً کُنْتُ أَنَا وَ أَنْتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ أَنْتِ تَغْسِلِینَ رَأْسَهُ وَ أَنَا أَحِیسُ لَهُ حَیْساً وَ کَانَ الْحَیْسُ (1) یُعْجِبُهُ فَرَفَعَ رَأْسَهُ وَ قَالَ یَا لَیْتَ شِعْرِی أَیَّتُکُنَّ صَاحِبَةُ الْجَمَلِ الْأَذْنَبِ تَنْبَحُهَا کِلاَبُ اَلْحَوْأَبِ فَتَکُونُ نَاکِبَةً

ص :217

عَنِ اَلصِّرَاطِ فَرَفَعْتُ یَدِی مِنَ الْحَیْسِ فَقُلْتُ أَعُوذُ بِاللَّهِ وَ بِرَسُولِهِ مِنْ ذَلِکَ ثُمَّ ضَرَبَ عَلَی ظَهْرِکِ وَ قَالَ إِیَّاکِ أَنْ تَکُونِیهَا ثُمَّ قَالَ یَا بِنْتَ أَبِی أُمَیَّةَ إِیَّاکِ أَنْ تَکُونِیهَا یَا حُمَیْرَاءُ أَمَّا أَنَا فَقَدْ أَنْذَرْتُکِ قَالَتْ عَائِشَةُ نَعَمْ أَذْکُرُ هَذَا قَالَتْ وَ أُذَکِّرُکِ أَیْضاً کُنْتُ أَنَا وَ أَنْتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ص فِی سَفَرٍ لَهُ وَ کَانَ عَلِیٌّ یَتَعَاهَدُ نَعْلَی رَسُولِ اللَّهِ ص فَیَخْصِفُهَا (1) وَ یَتَعَاهَدُ أَثْوَابَهُ فَیَغْسِلُهَا فَنَقِبَتْ (2) لَهُ نَعْلٌ فَأَخَذَهَا یَوْمَئِذٍ یَخْصِفُهَا وَ قَعَدَ فِی ظِلِّ سَمُرَةٍ وَ جَاءَ أَبُوکِ وَ مَعَهُ عُمَرُ فَاسْتَأْذَنَا عَلَیْهِ فَقُمْنَا إِلَی الْحِجَابِ وَ دَخَلاَ یُحَادِثَانِهِ فِیمَا أَرَادَ ثُمَّ قَالاَ یَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا لاَ نَدْرِی قَدْرَ مَا تَصْحَبُنَا فَلَوْ أَعْلَمْتَنَا مَنْ یَسْتَخْلِفُ عَلَیْنَا لِیَکُونَ لَنَا بَعْدَکَ مَفْزَعاً فَقَالَ لَهُمَا أَمَا إِنِّی قَدْ أَرَی مَکَانَهُ وَ لَوْ فَعَلْتُ لَتَفَرَّقْتُمْ عَنْهُ کَمَا تَفَرَّقَتْ بَنُو إِسْرَائِیلَ عَنْ هَارُونَ بْنِ عِمْرَانَ فَسَکَتَا ثُمَّ خَرَجَا فَلَمَّا خَرَجْنَا إِلَی رَسُولِ اللَّهِ ص قُلْتِ لَهُ وَ کُنْتِ أَجْرَأَ عَلَیْهِ مِنَّا مَنْ کُنْتَ یَا رَسُولَ اللَّهِ مُسْتَخْلِفاً عَلَیْهِمْ فَقَالَ خَاصِفَ النَّعْلِ فَنَظَرْنَا فَلَمْ نَرَ أَحَداً إِلاَّ عَلِیّاً فَقُلْتِ یَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَرَی إِلاَّ عَلِیّاً فَقَالَ هُوَ ذَاکِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ نَعَمْ أَذْکُرُ ذَلِکِ فَقَالَتْ فَأَیَّ خُرُوجٍ تَخْرُجِینَ بَعْدَ هَذَا فَقَالَتْ إِنَّمَا أَخْرُجُ لِلْإِصْلاَحِ بَیْنَ النَّاسِ وَ أَرْجُو فِیهِ الْأَجْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَقَالَتْ أَنْتِ وَ رَأْیَکِ فَانْصَرَفَتْ عَائِشَةُ عَنْهَا وَ کَتَبَتْ أُمُّ سَلَمَةَ بِمَا قَالَتْ وَ قِیلَ لَهَا إِلَی عَلِیٍّ ع

.

فإن قلتَ فهذا نص صریح فی إمامة علی ع فما تصنع أنت و أصحابک المعتزلة به قلت کلا إنّه لیس بنص کما ظننت لأنّه ص لم یقل قد استخلفته و إنّما قال لو قد استخلفت أحدا لاستخلفته و ذلک لا یقتضی حصول الاستخلاف

ص :218

و یجوز أن تکون مصلحة المکلفین متعلقة بالنص علیه لو کان النبیّ ص مأمورا بأن ینص علی إمام بعینه من بعده و أن یکون من مصلحتهم أن یختاروا لأنفسهم من شاءوا إذا ترکهم النبیّ ص و آراءهم و لم یعین أحدا.

1258

1- وَ رَوَی هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْکَلْبِیُّ فِی کِتَابِ اَلْجَمَلِ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ کَتَبَتْ إِلَی عَلِیٍّ ع مِنْ مَکَّةَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ طَلْحَةَ وَ اَلزُّبَیْرَ وَ أَشْیَاعَهُمْ أَشْیَاعَ الضَّلاَلَةِ یُرِیدُونَ أَنْ یَخْرُجُوا بِعَائِشَةَ إِلَی اَلْبَصْرَةِ وَ مَعَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرِ بْنِ کُرَیْزٍ وَ یَذْکُرُونَ أَنَّ عُثْمَانَ قُتِلَ مَظْلُوماً وَ أَنَّهُمْ یَطْلُبُونَ بِدَمِهِ وَ اللَّهُ کَافِیهِمْ بِحَوْلِهِ وَ قُوَّتِهِ وَ لَوْ لاَ مَا نَهَانَا اللَّهُ عَنْهُ مِنَ الْخُرُوجِ وَ أَمَرَنَا بِهِ مِنْ لُزُومِ الْبَیْتِ لَمْ أَدَعِ الْخُرُوجَ إِلَیْکَ وَ النُّصْرَةِ لَکَ وَ لَکِنِّی بَاعِثَةٌ نَحْوَکَ ابْنِی عِدْلَ (1) نَفْسِی عُمَرَ بْنَ أَبِی سَلَمَةَ فَاسْتَوْصِ بِهِ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ خَیْراً.

قَالَ فَلَمَّا قَدِمَ عُمَرُ عَلَی عَلِیٍّ ع أَکْرَمَهُ وَ لَمْ یَزَلْ مُقِیماً مَعَهُ حَتَّی شَهِدَ مَشَاهِدَهُ کُلَّهَا وَ وَجَّهَهُ أَمِیراً عَلَی اَلْبَحْرَیْنِ وَ قَالَ لاِبْنِ عَمٍّ لَهُ بَلَغَنِی أَنَّ عُمَرَ یَقُولُ الشِّعْرَ فَابْعَثْ إِلَیَّ مِنْ شِعْرِهِ فَبَعَثَ إِلَیْهِ بِأَبْیَاتٍ لَهُ أَوَّلُهَا جَزَتْکَ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ قَرَابَةٌ رَفَعْتَ بِهَا ذِکْرِی جَزَاءً مُوَفَّراً.

فَعَجِبَ عَلِیٌّ ع مِنْ شِعْرِهِ وَ اسْتَحْسَنَهُ

.

1259

وَ مِنَ الْکَلاَمِ الْمَشْهُورِ الَّذِی قِیلَ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ رَحِمَهَا اللَّهُ کَتَبَتْ بِهِ إِلَی عَائِشَةَ أَنَّکِ جُنَّةٌ بَیْنَ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ بَیْنَ أُمَّتِهِ وَ أَنَّ الْحِجَابَ دُونَکِ لَمَضْرُوبٌ عَلَی حُرْمَتِهِ وَ قَدْ جَمَعَ اَلْقُرْآنُ ذَیْلَکِ فَلاَ تَنْدَحِیهِ وَ سَکَّنَ عُقَیْرَاکِ فَلاَ تُصْحِرِیهَا لَوْ أَذْکَرْتُکِ قَوْلَةً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ص تَعْرِفِینَهَا لَنَهَشْتِ بِهَا نَهْشَ الرَّقْشَاءِ الْمُطْرِقَةِ مَا کُنْتِ

ص :219

قَائِلَةً لِرَسُولِ اللَّهِ ص لَوْ لَقِیَکِ نَاصَّةً قَلُوصَ قُعُودِکِ مِنْ مَنْهَلٍ إِلَی مَنْهَلٍ قَدْ تَرَکْتِ عُهَیْدَاهُ وَ هَتَکْتِ سَتْرَهُ إِنَّ عَمُودَ الدِّینِ لاَ یَقُومُ بِالنِّسَاءِ وَ صَدْعَهُ لاَ یُرْأَبُ بِهِنَّ حُمَادَیَاتُ النِّسَاءِ خَفْضُ الْأَصْوَاتِ وَ خَفَرُ الْأَعْرَاضِ اجْعَلِی قَاعِدَةَ الْبَیْتِ قَبْرَکِ حَتَّی تَلْقَیْنَهُ وَ أَنْتِ عَلَی ذَلِکِ.

فَقَالَتْ عَائِشَةُ مَا أَعْرَفَنِی بِنُصْحِکِ وَ أَقْبَلَنِی لِوَعْظِکِ وَ لَیْسَ الْأَمْرُ حَیْثُ تَذْهَبِینَ مَا أَنَا بِعَمِیَةٍ عَنْ رَأْیِکِ فَإِنْ أُقِمْ فَفِی غَیْرِ حَرَجٍ وَ إِنْ أَخْرُجْ فَفِی إِصْلاَحٍ بَیْنَ فِئَتَیْنِ مِنَ اَلْمُسْلِمِینَ .

1260

14- وَ قَدْ ذَکَرَ هَذَا الْحَدِیثَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَیْبَةَ فِی کِتَابِهِ الْمُصَنَّفِ فِی غَرِیبِ الْحَدِیثِ فِی بَابِ أُمِّ سَلَمَةَ عَلَی مَا أُورِدُهُ عَلَیْکَ قَالَ لَمَّا أَرَادَتْ عَائِشَةُ الْخُرُوجَ إِلَی اَلْبَصْرَةِ أَتَتْهَا أُمُّ سَلَمَةَ فَقَالَتْ لَهَا إِنَّکِ سُدَّةٌ بَیْنَ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ بَیْنَ أُمَّتِهِ وَ حِجَابُکِ مَضْرُوبٌ عَلَی حُرْمَتِهِ قَدْ جَمَعَ اَلْقُرْآنُ ذَیْلَکِ فَلاَ تَنْدَحِیهِ وَ سَکَّنَ عُقَیْرَاکِ فَلاَ تُصْحِرِیهَا اللَّهُ مِنْ وَرَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ لَوْ أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ ص أَنْ یَعْهَدَ إِلَیْکِ عَهْداً عُلْتِ عُلْتِ بَلْ قَدْ نَهَاکِ عَنِ الْفَرْطَةِ فِی الْبِلاَدِ إِنَّ عَمُودَ اَلْإِسْلاَمِ لاَ یُثْأَبُ بِالنِّسَاءِ إِنْ مَالَ وَ لاَ یُرْأَبُ بِهِنَّ إِنْ صُدِعَ حُمَادَیَاتُ النِّسَاءِ غَضُّ الْأَطْرَافِ وَ خَفَرُ الْأَعْرَاضِ وَ قِصَرُ الْوَهَازَةِ مَا کُنْتِ قَائِلَةً لَوْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص عَارَضَکِ بَعْدَ الْفَلَوَاتِ نَاصَّةً قَلُوصاً مِنْ مَنْهَلٍ إِلَی آخَرَ إِنَّ بِعَیْنِ اللَّهِ مَهْوَاکِ وَ عَلَی رَسُولِهِ تَرِدِینَ وَ قَدْ وَجَّهْتِ سِدَافَتَهُ وَ یُرْوَی سِجَافَتَهُ وَ تَرَکْتِ عُهَیْدَاهُ لَوْ سِرْتِ مَسِیرَکِ هَذَا ثُمَّ قِیلَ لِی ادْخُلِی اَلْفِرْدَوْسِ لاَسْتَحْیَیْتُ أَنْ أَلْقَی مُحَمَّداً ص هَاتِکَةً حِجَاباً وَ قَدْ ضَرَبَهُ عَلَیَّ اجْعَلِی حِصْنَکِ بَیْتَکِ وَ وِقَاعَةَ السِّتْرِ قَبْرَکِ حَتَّی تَلْقَیْنَهُ وَ أَنْتِ عَلَی تِلْکِ أَطْوَعُ مَا تَکُونِینَ لِلَّهِ

ص :220

بِالرَّقَبَةِ وَ أَنْصَرُ مَا تَکُونُ لِلدِّینِ مَا حُلْتِ عَنْهُ لَوْ ذَکَّرْتُکِ قَوْلاً تَعْرِفِینَهُ لَنَهَشْتِ بِهِ نَهْشَ الرَّقْشَاءِ الْمُطْرِقَةِ.

فَقَالَتْ عَائِشَةُ مَا أَقْبَلَنِی لِوَعْظِکِ وَ لَیْسَ الْأَمْرُ کَمَا تَظُنِّینَ وَ لَنِعْمَ الْمَسِیرُ مَسِیرٌ فَزِعَتْ فِیهِ إِلَیَّ فِئَتَانِ مُتَنَاجِزَتَانِ أَوْ قَالَتْ مُتَنَاحِرَتَانِ إِنْ أَقْعُدْ فَفِی غَیْرِ حَرَجٍ وَ إِنْ أَخْرُجْ فَإِلَی مَا لاَ بُدَّ لِی مِنَ الاِزْدِیَادِ مِنْهُ

.

تفسیر غریب هذا الخبر السدة الباب

1261

وَ مِنْهُ حَدِیثُ رَسُولِ اللَّهِ ص أَنَّهُ ذَکَرَ أَوَّلَ مَنْ یَرِدُ عَلَیْهِ اَلْحَوْضَ فَقَالَ الشُّعْثُ رُءُوساً الدُّنْسُ ثِیَاباً الَّذِینَ لاَ تُفْتَحُ لَهُمُ السُّدَدُ وَ لاَ یَنْکِحُونَ الْمُتَنَعِّمَاتِ.

و أرادت أم سلمة أنکِ باب بین النبیّ ص و بین الناس فمتی أصیب ذلک الباب بشیء فقد دخل علی رسول اللّه ص فی حرمه و حوزته و استبیح ما حماه تقول فلا تکونی أنتِ سبب ذلک بالخروج الذی لا یجب علیک فتحوجی الناس إلی أن یفعلوا ذلک و هذا مثل قول نعمان بن مقرن للمسلمین فی غزاة نهاوند ألا و إنکم باب بین المسلمین و المشرکین إن کُسر ذلک الباب دُخل علیهم منه.

و قولها قد جمع القرآن ذیلکِ فلا تندحیه أی لا تفتحیه و لا توسعیه بالحرکة و الخروج یقال ندحت الشیء إذا وسعته و منه یقال فلان فی مندوحة عن کذا أی فی سعة ترید قول اللّه تعالی وَ قَرْنَ فِی بُیُوتِکُنَّ (1) و من روی تبدحیه بالباء فإنّه من البداح و هو المتسع من الأرض و هو معنی الأول.

و سکن عقیراک من عقر الدار و هو أصلها أهل الحجاز یضمون العین و أهل نجد یفتحونها و عقیر اسم مبنی من ذلک علی صیغة التصغیر و مثله ممّا جاء مصغرا الثریا و الحمیا و هو سورة الشراب قال ابن قتیبة و لم أسمع بعقیرا إلاّ فی هذا الحدیث.

ص :221

قولها فلا تصحریها أی لا تبرزیها و تجعلیها بالصحراء یقال أصحر کما یقال أنجد و أسهل و أحزن.

و قولها اللّه من وراء هذه الأمة أی محیط بهم و حافظ لهم و عالم بأحوالهم کقوله تعالی وَ اللّٰهُ مِنْ وَرٰائِهِمْ مُحِیطٌ (1) قولها لو أراد رسول اللّه ص الجواب محذوف أی لفعل و لعهد و هذا کقوله تعالی وَ لَوْ أَنَّ قُرْآناً سُیِّرَتْ بِهِ الْجِبٰالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ (2) أی لکان هذا القرآن .قولها عُلْتِ علت أی جرتِ فی هذا الخروج و عدلتِ عن الجواب و العول المیل و الجور قال تعالی ذٰلِکَ أَدْنیٰ أَلاّٰ تَعُولُوا (3) و من الناس من یرویه عِلْتِ علت بکسر العین أی ذهبت فی البلاد و أبعدت السیر یقال عال فلان فی البلاد أی ذهب و أبعد و منه قیل للذئب عیال.

قولها عن الفرطة فی البلاد أی عن السفر و الشخوص من الفرط و هو السبق و التقدّم و رجل فارط أتی الماء أی سابق.

قولها لا یثأب بالنساء أی لا یرد بهن إن مال إلی استوائه من قولک ثأب فلان إلی کذا أی عاد إلیه.

قولها و لا یرأب بهن إن صدع أی لا یسد بهن و لا یجمع و الصدع الشق و یروی إن صدع بفتح الصاد و الدال أجروه مجری قولهم جبرت العظم فجبر.

قولها حمادیات النساء یقال حماداک أن تفعل کذا مثل قصاراک أن تفعل کذا أی جهدک و غایتک.

ص :222

و غض الأطراف جمعها و خفر الأعراض الخفر الحیاء و الأعراض جمع عرض و هو الجسد یقال فلان طیب العرض أی طیب ریح البدن و من رواه الإعراض بکسر الهمزة جعله مصدرا من أعرض عن کذا.

قولها و قصر الوهازة قال ابن قتیبة سألت عن هذا فقال لی من سألته سألت عنه أعرابیا فصیحا فقال الوهازة الخطوة یقال للرجل إنّه لمتوهز و متوهر إذا وطئ وطئا ثقیلا.

قولها ناصة قلوصا أی رافعة لها فی السیر و النصّ الرفع و منه یقال حدیث منصوص أی مرفوع و القلوص من النوق الشابة و هی بمنزلة الفتاة من النساء.

و المنهل الماء ترده الإبل.

قولها إن بعین اللّه مهواک أی إن اللّه یری سیرک و حرکتک و الهوی الانحدار فی السیر من النجد إلی الغور.

قولها و علی رسوله تردین أی تقدمین فی القیامة .

قولها و قد وجهت سدافته السدافة الحجاب و الستر هی من أسدف اللیل إذا ستر بظلمته کأنّه أرخی ستورا من الظلام و یروی بفتح السین و کذلک القول فی سجافته إنّه یروی بکسر السین و فتحها و السدافة و السجافة بمعنی.

و وجهت أی نظمتها بالخرز و الوجیهة خرزة معروفة و عادة العرب أن تنظم علی المحمل خرزات إذا کان للنساء.

قولها و ترکت عهیداه لفظة مصغرة مأخوذة من العهد مشابهة لما سلف من قولها عقیراک و حمادیات النساء.

قولها و وقاعة الستر أی موقعه علی الأرض إذا أرسلته و هی الموقعة أیضا و موقعة الطائر.

ص :223

قولها حتّی تلقینه و أنت علی تلک أی علی تلک الحال فحذف.

قولها أطوع ما تکونین لله إذا لزمته أطوع مبتدأ و إذا لزمته خبر المبتدأ و الضمیر فی لزمته راجع إلی العهد و الأمر الذی أمرت به.

قولها لنهشتِ به نهش الرقشاء المطرقة أی لعضک و نهشک ما أذکره لک و أذکرک به کما تنهشک أفعی رقشاء و الرقش فی ظهرها هو النقط و الجرادة أیضا رقشاء قال النابغة فبت کأنّی ساورتنی ضئیلة من الرقش فی أنیابها السم ناقع (1) .

و الأفعی یوصف بالإطراق و کذلک الأسد و النمر و الرجل الشجاع و کان معاویة یقول فی علی ع الشجاع المطرق و قال الشاعر و ذکر أفعی أصم أعمی ما یجیب الرقی من طول إطراق و إسبات (2) .

قولها فئتان متناجزتان أی تسرع کل واحدة منهما إلی نفوس الأخری و من رواه متناحرتان أراد الحرب و طعن النحور بالأسنة و رشقها بالسهام.

و فزعت إلی فلان فی کذا أی لذت به و التجأت إلیه.

و قولها إن أقعد ففی غیر حرج أی فی غیر إثم و قولها فإن أخرج فإلی ما لا بدّ لی من الازدیاد منه کلام من یعتقد الفضیلة فی الخروج أو یعرف موقع الخطإ و یصر علیه.

1262

14,1- لَمَّا عَزَمَتْ عَائِشَةُ عَلَی الْخُرُوجِ إِلَی اَلْبَصْرَةِ طَلَبُوا لَهَا بَعِیراً أَیِّداً یَحْمِلُ هَوْدَجَهَا فَجَاءَهُمْ یَعْلَی بْنُ أُمَیَّةَ بِبَعِیرِهِ الْمُسَمَّی عَسْکَراً وَ کَانَ عَظِیمَ الْخَلْقِ شَدِیداً فَلَمَّا رَأَتْهُ أَعْجَبَهَا وَ أَنْشَأَ الْجَمَّالُ یُحَدِّثُهَا بِقُوَّتِهِ وَ شِدَّتِهِ وَ یَقُولُ فِی أَثْنَاءِ کَلاَمِهِ عَسْکَرٌ فَلَمَّا سَمِعَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةَ اسْتَرْجَعَتْ وَ قَالَتْ رُدُّوهُ لاَ حَاجَةَ لِی فِیهِ وَ ذَکَرَتْ حَیْثُ سُئِلَتْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص

ص :224

ذَکَرَ لَهَا هَذَا الاِسْمَ وَ نَهَاهَا عَنْ رُکُوبِهِ وَ أَمَرَتْ أَنْ یُطْلَبَ لَهَا غَیْرُهُ فَلَمْ یُوجَدْ لَهَا مَا یُشْبِهُهُ فَغُیِّرَ لَهَا بِجِلاَلٍ غَیْرِ جِلاَلِهِ وَ قِیلَ لَهَا قَدْ أَصَبْنَا لَکِ أَعْظَمَ مِنْهُ خَلْقاً وَ أَشَدَّ قُوَّةً وَ أُتِیَتْ بِهِ فَرَضِیَتْ.

قَالَ أَبُو مِخْنَفٍ وَ أَرْسَلَتْ إِلَی حَفْصَةَ تَسْأَلُهَا الْخُرُوجَ وَ الْمَسِیرَ (1) مَعَهَا فَبَلَغَ ذَلِکَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَأَتَی أُخْتَهُ فَعَزَمَ عَلَیْهَا فَأَقَامَتْ وَ حَطَّتِ الرِّحَالَ بَعْدَ مَا هَمَّتْ.

کَتَبَ اَلْأَشْتَرُ مِنَ اَلْمَدِینَةِ إِلَی عَائِشَةَ وَ هِیَ بِمَکَّةَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّکِ ظَعِینَةُ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ قَدْ أَمَرَکِ أَنْ تَقِرِّی فِی بَیْتِکِ فَإِنْ فَعَلْتِ فَهُوَ خَیْرٌ لَکِ فَإِنْ أَبَیْتِ إِلاَّ أَنْ تَأْخُذِی مِنْسَأَتَکِ وَ تُلْقِی جِلْبَابَکِ وَ تُبْدِی لِلنَّاسِ شُعَیْرَاتِکِ قَاتَلْتُکِ حَتَّی أَرُدَّکِ إِلَی بَیْتِکِ وَ الْمَوْضِعِ الَّذِی یَرْضَاهُ لَکِ رَبُّکِ.

فَکَتَبَتْ إِلَیْهِ فِی الْجَوَابِ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّکَ أَوَّلُ اَلْعَرَبِ شَبَّ الْفِتْنَةَ وَ دَعَا إِلَی الْفُرْقَةِ وَ خَالَفَ الْأَئِمَّةَ وَ سَعَی فِی قَتْلِ الْخَلِیفَةِ وَ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّکَ لَنْ تُعْجِزَ اللَّهَ حَتَّی یُصِیبَکَ مِنْهُ بِنَقِمَةٍ یَنْتَصِرُ بِهَا مِنْکَ لِلْخَلِیفَةِ الْمَظْلُومِ وَ قَدْ جَاءَنِی کِتَابُکَ وَ فَهِمْتُ مَا فِیهِ وَ سَیَکْفِینِیکَ اللَّهُ وَ کُلَّ مَنْ أَصْبَحَ مُمَاثِلاً لَکَ فِی ضَلاَلِکَ وَ غَیِّکَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

وَ قَالَ أَبُو مِخْنَفٍ لَمَّا انْتَهَتْ عَائِشَةُ فِی مَسِیرِهَا إِلَی اَلْحَوْأَبِ وَ هُوَ مَاءٌ لِبَنِی عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ نَبَحَتْهَا الْکِلاَبُ حَتَّی نَفَرَتْ صِعَابُ إِبِلِهَا فَقَالَ قَائِلٌ مِنَ أَصْحَابِهَا أَ لاَ تَرَوْنَ مَا أَکْثَرَ کِلاَبَ اَلْحَوْأَبِ وَ مَا أَشَدَّ نُبَاحَهَا فَأَمْسَکَتْ زِمَامَ بَعِیرِهَا وَ قَالَتْ وَ إِنَّهَا لَکِلاَبُ اَلْحَوْأَبِ رُدُّونِی رُدُّونِی فَإِنِّی سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص یَقُولُ وَ ذَکَرَتِ الْخَبَرَ فَقَالَ لَهَا قَائِلٌ مَهْلاً یَرْحَمُکِ اللَّهُ فَقَدْ جُزْنَا مَاءَ اَلْحَوْأَبِ فَقَالَتْ فَهَلْ مِنْ شَاهِدٍ فَلَفَّقُوا لَهَا خَمْسِینَ أَعْرَابِیّاً جَعَلُوا لَهُمْ جُعْلاً فَحَلَفُوا لَهَا (2) أَنَّ هَذَا لَیْسَ بِمَاءِ اَلْحَوْأَبِ فَسَارَتْ لِوَجْهِهَا.

لَمَّا انْتَهَتْ عَائِشَةُ وَ طَلْحَةُ وَ اَلزُّبَیْرُ إِلَی حَفْرِ (3) أَبِی مُوسَی قَرِیباً مِنَ اَلْبَصْرَةِ أَرْسَلَ

ص :225

عُثْمَانُ بْنُ حُنَیْفٍ وَ هُوَ یَوْمَئِذٍ عَامِلُ عَلِیٍّ ع عَلَی اَلْبَصْرَةِ إِلَی الْقَوْمِ أَبَا الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِیَّ یَعْلَمُ لَهُ (1) عِلْمَهُمْ فَجَاءَ حَتَّی دَخَلَ عَلَی عَائِشَةَ فَسَأَلَهَا عَنْ مَسِیرِهَا فَقَالَتْ أَطْلُبُ بِدَمِ عُثْمَانَ قَالَ إِنَّهُ لَیْسَ بِالْبَصْرَةِ مِنْ قَتَلَةِ عُثْمَانَ أَحَدٌ قَالَتْ صَدَقْتَ وَ لَکِنَّهُمْ مَعَ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ بِالْمَدِینَةِ وَ جِئْتُ أَسْتَنْهِضُ أَهْلَ اَلْبَصْرَةِ لِقِتَالِهِ أَ نَغْضَبُ لَکُمْ مِنْ سَوْطٍ عُثْمَانَ وَ لاَ نَغْضَبُ لِعُثْمَانَ مِنْ سُیُوفِکُمْ فَقَالَ لَهَا مَا أَنْتِ مِنَ السَّوْطِ وَ السَّیْفِ إِنَّمَا أَنْتِ حَبِیسُ رَسُولِ اللَّهِ ص أَمَرَکِ أَنْ تَقِرِّی فِی بَیْتِکِ وَ تَتْلِی کِتَابَ رَبِّکِ وَ لَیْسَ عَلَی النِّسَاءِ قِتَالٌ وَ لاَ لَهُنَّ الطَّلَبُ بِالدِّمَاءِ وَ إِنَّ عَلِیّاً لَأَوْلَی بِعُثْمَانَ مِنْکِ وَ أَمَسُّ رَحِماً فَإِنَّهُمَا ابْنَا عَبْدِ مَنَافٍ فَقَالَتْ لَسْتُ بِمُنْصَرِفَةٍ حَتَّی أَمْضِیَ لِمَا قَدِمْتُ لَهُ أَ فَتَظُنُّ یَا أَبَا الْأَسْوَدِ أَنَّ أَحَداً یُقْدِمُ عَلَی قِتَالِی قَالَ أَمَا وَ اللَّهِ لَتُقَاتَلِنَّ قِتَالاً أَهْوَنُهُ الشَّدِیدُ.

ثُمَّ قَامَ فَأَتَی اَلزُّبَیْرَ فَقَالَ یَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَهْدُ النَّاسِ بِکَ وَ أَنْتَ یَوْمَ بُویِعَ أَبُو بَکْرٍ آخِذٌ بِقَائِمِ سَیْفِکَ تَقُولُ لاَ أَحَدَ أَوْلَی بِهَذَا الْأَمْرِ مِنِ اِبْنِ أَبِی طَالِبٍ وَ أَیْنَ هَذَا الْمَقَامُ مِنْ ذَاکَ فَذَکَرَ لَهُ دَمَ عُثْمَانَ قَالَ أَنْتَ وَ صَاحِبُکَ وَلِیتُمَاهُ فِیمَا بَلَغَنَا قَالَ فَانْطَلِقْ إِلَی طَلْحَةَ فَاسْمَعْ مَا یَقُولُ فَذَهَبَ إِلَی طَلْحَةَ فَوَجَدَهُ سَادِراً فِی غَیِّهِ مُصِرّاً عَلَی الْحَرْبِ وَ الْفِتْنَةِ فَرَجَعَ إِلَی عُثْمَانَ بْنِ حُنَیْفٍ فَقَالَ إِنَّهَا الْحَرْبُ فَتَأَهَّبْ لَهَا.

لَمَّا نَزَلَ عَلِیٌّ ع بِالْبَصْرَةِ کَتَبَتْ (2) عَائِشَةُ إِلَی زَیْدِ بْنِ صُوحَانَ الْعَبْدِیِّ مِنْ عَائِشَةَ بِنْتِ أَبِی بَکْرٍ الصِّدِّیقِ زَوْجِ اَلنَّبِیِّ ص إِلَی ابْنِهَا الْخَالِصِ زَیْدِ بْنِ صُوحَانَ أَمَّا بَعْدُ فَأَقِمْ فِی بَیْتِکَ وَ خَذِّلِ النَّاسَ عَنْ عَلِیٍّ وَ لْیَبْلُغْنِی عَنْکَ مَا أُحِبُّ فَإِنَّکَ أَوْثَقُ أَهْلِی عِنْدِی وَ السَّلاَمُ.

فَکَتَبَ إِلَیْهَا مِنْ زَیْدِ بْنِ صُوحَانَ إِلَی عَائِشَةَ بِنْتِ أَبِی بَکْرٍ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ أَمْرَکِ بِأَمْرٍ وَ أَمَرَنَا بِأَمْرٍ أَمَرَکِ أَنْ تَقِرِّی فِی بَیْتِکِ وَ أَمَرَنَا أَنْ نُجَاهِدَ وَ قَدْ أَتَانِی کِتَابُکِ

ص :226

فَأَمَرْتِنِی أَنْ أَصْنَعَ خِلاَفَ مَا أَمَرَنِیَ اللَّهُ فَأَکُونَ قَدْ صَنَعْتُ مَا أَمَرَکِ اللَّهُ بِهِ وَ صَنَعْتِ مَا أَمَرَنِیَ اللَّهُ بِهِ فَأَمْرُکِ عِنْدِی غَیْرُ مُطَاعٍ وَ کِتَابُکِ غَیْرُ مُجَابٍ وَ السَّلاَمُ.

رَوَی هَذَیْنِ الْکِتَابَیْنِ شَیْخُنَا أَبُو عُثْمَانَ عَمْرُو بْنُ بَحْرٍ عَنْ شَیْخِنَا أَبِی سَعِیدٍ الْحَسَنِ الْبَصْرِیِّ .وَ رَکِبَتْ عَائِشَةُ یَوْمَ الْحَرْبِ الْجَمَلِ الْمُسَمَّی عَسْکَراً فِی هَوْدَجٍ قَدْ أُلْبِسَ الرَّفْرَفَ ثُمَّ أُلْبِسَ جُلُودَ النَّمِرِ ثُمَّ أُلْبِسَ فَوْقَ ذَلِکَ دُرُوعَ الْحَدِیدِ

.

1263

14- اَلشَّعْبِیُّ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ أَبِی بَکْرَةَ عَنْ أَبِیهِ أَبِی بَکْرَةَ قَالَ لَمَّا قَدِمَ طَلْحَةُ وَ اَلزُّبَیْرُ اَلْبَصْرَةَ تَقَلَّدْتُ سَیْفِی وَ أَنَا أُرِیدُ نَصْرَهُمَا فَدَخَلْتُ عَلَی عَائِشَةَ وَ إِذَا هِیَ تَأْمُرُ وَ تَنْهَی وَ إِذَا الْأَمْرُ أَمْرُهَا فَذَکَرْتُ حَدِیثاً کُنْتُ سَمِعْتُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ص لَنْ یُفْلِحَ قَوْمٌ تُدَبِّرُ أَمْرَهُمُ امْرَأَةٌ فَانْصَرَفْتُ وَ اعْتَزَلْتُهُمْ .

1264

وَ قَدْ رُوِیَ هَذَا الْخَبَرُ عَلَی صُورَةِ أُخْرَی إِنَّ قَوْماً یَخْرُجُونَ بَعْدِی فِی فِئَةٍ رَأْسُهَا امْرَأَةٌ لاَ یُفْلِحُونَ أَبَداً.

1265

1- کَانَ الْجَمَلُ لِوَاءَ عَسْکَرِ اَلْبَصْرَةِ لَمْ یَکُنْ لِوَاءٌ غَیْرَهُ.

خَطَبَتْ عَائِشَةُ وَ النَّاسُ قَدْ أَخَذُوا مَصَافَّهُمْ لِلْحَرْبِ فَقَالَتْ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّا کُنَّا نَقَمْنَا عَلَی عُثْمَانَ ضَرْبَ السَّوْطِ وَ إِمْرَةَ الْفِتْیَانِ وَ مَرْتَعَ السَّحَابَةِ الْمَحْمِیَّةِ أَلاَ وَ إِنَّکُمُ اسْتَعْتَبْتُمُوهُ فَأَعْتَبَکُمْ فَلَمَّا مُصْتُمُوهُ (1) کَمَا یُمَاصُ الثَّوْبُ الرَّحِیضُ (2) عَدَوْتُمْ عَلَیْهِ فَارْتَکَبْتُمْ مِنْهُ دَماً حَرَاماً وَ أَیْمُ اللَّهِ إِنْ کَانَ لَأَحْصَنَکُمْ فَرَجاً وَ أَتْقَاکُمْ لِلَّهِ.

ص :227

خَطَبَ عَلِیٌّ ع لَمَّا تَوَاقَفَ الْجَمْعَانِ فَقَالَ لاَ تُقَاتِلُوا الْقَوْمَ حَتَّی یَبْدَءُوکُمْ فَإِنَّکُمْ بِحَمْدِ اللَّهِ عَلَی حُجَّةٍ وَ کَفُّکُمْ عَنْهُمْ حَتَّی یَبْدَءُوکُمْ حُجَّةٌ أُخْرَی وَ إِذَا قَاتَلْتُمُوهُمْ فَلاَ تُجْهِزُوا عَلَی جَرِیحٍ وَ إِذَا هَزَمْتُمُوهُمْ فَلاَ تَتْبَعُوا مُدْبِراً وَ لاَ تَکْشِفُوا عَوْرَةً وَ لاَ تُمَثِّلُوا بِقَتِیلٍ وَ إِذَا وَصَلْتُمْ إِلَی رِحَالِ الْقَوْمِ فَلاَ تَهْتِکُوا سِتْراً وَ لاَ تَدْخُلُوا دَاراً وَ لاَ تَأْخُذُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ شَیْئاً وَ لاَ تُهَیِّجُوا امْرَأَةً بِأَذًی وَ إِنْ شَتَمْنَ أَعْرَاضَکُمْ وَ سَبَبْنَ أُمَرَاءَکُمْ وَ صُلَحَاءَکُمْ فَإِنَّهُنَّ ضِعَافُ الْقُوَی (1) وَ الْأَنْفُسِ وَ الْعُقُولِ لَقَدْ کُنَّا نُؤْمَرُ بِالْکَفِّ عَنْهُنَّ وَ إِنَّهُنَّ لَمُشْرِکَاتٌ وَ إِنْ کَانَ الرَّجُلُ لَیَتَنَاوَلُ الْمَرْأَةَ بِالْهِرَاوَةِ وَ الْجَرِیدَةِ فَیُعَیَّرُ بِهَا وَ عَقِبُهُ مِنْ بَعْدِهِ .

قُتِلَ بَنُو ضَبَّةَ حَوْلَ الْجَمَلِ فَلَمْ یَبْقَ فِیهِمْ إِلاَّ مَنْ لاَ نَفْعَ عِنْدَهُ وَ أَخَذَتِ اَلْأَزْدُ بِخِطَامِهِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ مَنْ أَنْتُمْ قَالُوا اَلْأَزْدُ قَالَتْ صَبْراً فَإِنَّمَا یَصْبِرُ الْأَحْرَارُ مَا زِلْتُ أَرَی النَّصْرَ مَعَ بَنِی ضَبَّةَ فَلَمَّا فَقَدْتُهُمْ أَنْکَرْتُهُ فَحَرَّضَتِ اَلْأَزْدَ بِذَلِکَ فَقَاتَلُوا قِتَالاً شَدِیداً وَ رُمِیَ الْجَمَلُ بِالنَّبْلِ حَتَّی صَارَتِ الْقُبَّةُ عَلَیْهِ کَهَیْئَةِ الْقُنْفُذِ.

قَالَ عَلِیٌّ ع لَمَّا فَنِیَ النَّاسُ عَلَی خِطَامُ الْجَمَلِ وَ قُطِعَتِ الْأَیْدِی وَ سَالَتِ النُّفُوسُ اُدْعُوا لِیَ اَلْأَشْتَرَ وَ عَمَّاراً فَجَاءَا فَقَالَ اِذْهَبَا فَاعْقِرَا هَذَا الْجَمَلَ فَإِنَّ الْحَرْبَ لاَ یَبُوخُ (2) ضِرَامُهَا مَا دَامَ حَیّاً إِنَّهُمْ قَدِ اتَّخَذُوهُ قِبْلَةً فَذَهَبَا وَ مَعَهُمَا فَتَیَانِ مِنْ مُرَادٍ یُعْرَفْ أَحَدُهُمَا بِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَمَا زَالاَ یَضْرِبَانِ النَّاسَ حَتَّی خَلَصَا إِلَیْهِ فَضَرَبَهُ اَلْمُرَادِیُّ عَلَی عُرْقُوبَیْهِ فَأَقْعَی وَ لَهُ رُغَاءٌ ثُمَّ وَقَعَ لِجَنْبِهِ وَ فَرَّ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِ فَنَادَی عَلِیٌّ ع اِقْطَعُوا

ص :228

أَنْسَاعَ الْهَوْدَجِ ثُمَّ قَالَ لِمُحَمَّدِ بْنِ أَبِی بَکْرٍ اِکْفِنِی أُخْتَکَ فَحَمَلَهَا مُحَمَّدٌ حَتَّی أَنْزَلَهَا دَارَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَلَفٍ الْخُزَاعِیِّ .

بَعَثَ عَلِیٌّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ إِلَی عَائِشَةَ یَأْمُرُهَا بِالرَّحِیلِ إِلَی اَلْمَدِینَةِ قَالَ فَأَتَیْتُهَا (1) فَدَخَلْتُ عَلَیْهَا فَلَمْ یُوضَعْ لِی شَیْءٌ أَجْلِسُ عَلَیْهِ فَتَنَاوَلْتُ وِسَادَةً کَانَتْ فِی رَحْلِهَا فَقَعَدْتُ عَلَیْهَا فَقَالَتْ یَا اِبْنَ عَبَّاسٍ أَخْطَأْتَ السُّنَّةَ قَعَدْتَ عَلَی وِسَادَتِنَا فِی بَیْتِنَا بِغَیْرِ إِذْنِنَا فَقُلْتُ لَیْسَ هَذَا بَیْتَکِ الَّذِی أَمَرَکِ اللَّهُ أَنْ تَقِرِّی فِیهِ وَ لَوْ کَانَ بَیْتَکِ مَا قَعَدْتُ عَلَی وِسَادَتِکِ إِلاَّ بِإِذْنِکِ ثُمَّ قُلْتُ إِنَّ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ أَرْسَلَنِی إِلَیْکِ یَأْمُرُکِ بِالرَّحِیلِ إِلَی اَلْمَدِینَةِ فَقَالَتْ وَ أَیْنَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ ذَاکَ عُمَرُ فَقُلْتُ عُمَرُ وَ عَلِیٌّ قَالَتْ أَبَیْتُ قُلْتُ أَمَا وَ اللَّهِ مَا کَانَ أَبُوکِ إِلاَّ قَصِیرَ الْمُدَّةِ عَظِیمَ الْمَشَقَّةِ قَلِیلَ الْمَنْفَعَةِ ظَاهِرَ الشُّؤْمِ بَیِّنَ النَّکَدِ وَ مَا عَسَی أَنْ یَکُونَ أَبُوکِ وَ اللَّهِ مَا کَانَ أَمْرُکِ إِلاَّ کَحَلْبِ شَاةٍ حَتَّی صِرْتِ لاَ تَأْمُرِینَ وَ لاَ تَنْهَیْنَ وَ لاَ تَأْخُذِینَ وَ لاَ تُعْطِینَ وَ مَا کُنْتِ إِلاَّ کَمَا قَالَ أَخُو بَنِی أَسَدٍ مَا زَالَ إِهْدَاءُ الصَّغَائِرِ بَیْنَنَا

قَالَ فَبَکَتْ حَتَّی سُمِعَ نَحِیبُهَا مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ ثُمَّ قَالَتْ إِنِّی مُعَجِّلَةُ الرَّحِیلِ إِلَی بِلاَدِی إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَی وَ اللَّهِ مَا مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضَ إِلَیَّ مِنْ بَلَدٍ أَنْتُمْ فِیهِ قُلْتُ وَ لِمَ ذَاکِ فَوَ اللَّهِ لَقَدْ جَعَلْنَاکِ لِلْمُؤْمِنِینَ أُمّاً وَ جَعَلْنَا أَبَاکِ صِدِّیقاً قَالَتْ یَا اِبْنَ عَبَّاسٍ أَ تَمُنُّ عَلَیَّ بِرَسُولِ اللَّهِ قُلْتُ مَا لِی لاَ أَمُنُّ عَلَیْکِ بِمَنْ لَوْ کَانَ مِنْکِ لَمَنَنْتِ بِهِ عَلَیَّ.

ثُمَّ أَتَیْتُ عَلِیّاً ع فَأَخْبَرْتُهُ بِقَوْلِهَا وَ قَوْلِی فَسُرَّ بِذَلِکَ وَ قَالَ لِی ذُرِّیَّةً بَعْضُهٰا مِنْ بَعْضٍ وَ اللّٰهُ سَمِیعٌ عَلِیمٌ (2) وَ فِی رِوَایَةٍ أَنَا کُنْتُ أَعْلَمَ بِکَ حَیْثُ بَعَثْتُکَ

.

ص :229

قد أوضح لکم بالحجج النیرة المشرقة ما یجب اجتنابه و ما یجب فعله فإن خالفتم استوجبتم العقوبة فکان له فی تعذیبکم العذر

یَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلاٰمِ

(1)

فَقَالَ إِذَا دَخَلَ النُّورُ الْقَلْبَ انْفَسَحَ فَذَلِکَ شَرْحُ الصَّدْرِ فَقِیلَ أَ فَلِذَلِکَ عَلاَمَةٌ یُعْرَفُ بِهَا قَالَ نَعَمْ الْإِنَابَةُ إِلَی دَارِ الْخُلُودِ وَ التَّجَافِی عَنْ دَارِ الْغُرُورِ وَ الاِسْتِعْدَادُ لِلْمَوْتِ قَبْلَ نُزُولِهِ .

1272

قَالُوا أَوْحَی اللَّهُ تَعَالَی إِلَی نَبِیٍّ مِنَ الْأَنْبِیَاءِ اتَّخِذِ الدُّنْیَا ظِئْراً وَ اتَّخِذِ الْآخِرَةَ أُمّاً.

1273

اَلشَّعْبِیُّ

مَا أَعْلَمُ لَنَا وَ لِلدُّنْیَا مَثَلاً إِلاَّ قَوْلَ کُثَیِّرٍ أَسِیئِی بِنَا أَوْ أَحْسِنِی لاَ مَلُومَةٌ لَدَیْنَا وَ لاَ مَقْلِیَّةٌ إِنْ تَقَلَّتِ (2) .

1274

بَعْضُ الصَّالِحِینَ الْمُسْتَغْنِی عَنِ الدُّنْیَا بِالدُّنْیَا کَالْمُطْفِئِ النَّارَ بِالتِّبْنِ.

1275

وَ فِی بَعْضِ الْکُتُبِ الْقَدِیمَةِ الْإِلَهِیَّةِ قَالَ اللَّهُ لِلدُّنْیَا مَنْ خَدَمَنِی فَاخْدِمِیهِ وَ مَنْ خَدَمَکِ فَاسْتَخْدِمِیهِ.

1276

دَخَلَ مُحَمَّدُ بْنُ وَاسِعٍ عَلَی قُتَیْبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ وَ عَلَیْهِ مِدْرَعَةٌ مِنْ صُوفٍ فَقَالَ مَا هَذِهِ فَسَکَتَ فَأَعَادَ عَلَیْهِ السُّؤَالَ فَقَالَ أَکْرَهُ أَنْ أَقُولَ زُهْداً فَأُزَکِّیَ نَفْسِی أَوْ فَقْراً فَأَشْکُوَ رَبِّی.

1277

قِیلَ فِی صِفَةِ الدُّنْیَا وَ الْآخِرَةِ هُمَا کَضَرَّتَیْنِ إِنْ أَرْضَیْتَ إِحْدَاهُمَا أَسْخَطْتَ الْأُخْرَی.

1278

قِیلَ لِمُحَمَّدِ بْنِ وَاسِعٍ إِنَّکَ لَتَرْضَی بِالدُّونِ قَالَ إِنَّمَا رَضِیَ بِالدُّونِ مَنْ رَضِیَ بِالدُّنْیَا.

1279

خَطَبَ أَعْرَابِیٌّ کَانَ عَامِلاً لِجَعْفَرِ بْنِ سُلَیْمَانَ عَلَی ضَرِیَّةَ یَوْمَ جُمُعَةٍ خُطْبَةً لَمْ یُسْمَعْ أَوْجَزَ مِنْهَا وَ لاَ أَفْصَحَ فَقَالَ إِنَّ الدُّنْیَا دَارُ بَلاَغٍ وَ إِنَّ الْآخِرَةَ دَارُ قَرَارٍ فَخُذُوا مِنْ مَمَرِّکُمْ لِمُسْتَقَرِّکُمْ وَ لاَ تَهْتِکُوا أَسْتَارَکُمْ عِنْدَ مَنْ لاَ تَخْفَی عَلَیْهِ أَسْرَارُکُمْ وَ أَخْرِجُوا مِنَ الدُّنْیَا قُلُوبَکُمْ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنْهَا أَبْدَانُکُمْ فَفِیهَا جِئْتُمْ وَ لِغَیْرِهَا خُلِقْتُمْ إِنَّ الْمَرْءَ إِذَا هَلَکَ قَالَ النَّاسُ مَا تَرَکَ وَ قَالَتِ الْمَلاَئِکَةُ مَا قَدَّمَ فَلِلَّهِ آثَارَکُمْ قَدِّمُوا بَعْضاً یَکُنْ لَکُمْ

ص :232

وَ لاَ تُؤَخِّرُوا کُلاًّ فَیَکُونَ عَلَیْکُمْ أَقُولُ قَوْلِی هَذَا وَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَ الْمَدْعُوُّ لَهُ الْخَلِیفَةُ ثُمَّ الْأَمِیرُ جَعْفَرٌ وَ نَزَلَ.

1280

أَبُو حَازِمٍ الْأَعْرَجُ

الدُّنْیَا کُلُّهَا غُمُومٌ فَمَا کَانَ فِیهَا سُرُوراً فَهُوَ رِبْحٌ.

1281

مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِیَّةِ

مَنْ عَزَّتْ عَلَیْهِ نَفْسُهُ هَانَتْ عَلَیْهِ الدُّنْیَا.

1282

4- قِیلَ لِعَلِیِّ بْنِ الْحُسَیْنِ ع مَنْ أَعْظَمُ النَّاسِ خَطَراً قَالَ مَنْ لَمْ یَرَ الدُّنْیَا لِنَفْسِهِ خَطَراً .

1283

16- قَالَ اَلْمَسِیحُ ع لِأَصْحَابِهِ حُبُّ الدُّنْیَا رَأْسُ کُلِّ خَطِیئَةٍ وَ اقْتِنَاءُ الْمَالِ فِیهَا دَاءٌ عَظِیمٌ قَالُوا لَهُ کَیْفَ ذَلِکَ قَالَ لاَ یَسْلَمُ صَاحِبُهُ مِنَ الْبَغْیِ وَ الْکِبْرِ قِیلَ فَإِنْ سَلِمَ مِنْهُمَا قَالَ یَشْغَلُهُ إِصْلاَحُهُ عَنْ ذِکْرِ اللَّهِ .

1284

أَشْرَفَ أَبُو الدَّرْدَاءِ عَلَی أَهْلِ دِمَشْقَ فَقَالَ یَا أَهْلَ دِمَشْقَ تَبْنُونَ مَا لاَ تَسْکُنُونَ وَ تَجْمَعُونَ مَا لاَ تَأْکُلُونَ وَ تَأْمُلُونَ مَا لاَ تُدْرِکُونَ أَیْنَ مَنْ کَانَ قَبْلَکُمْ بَنَوْا شَدِیداً وَ أَمَّلُوا بَعِیداً وَ جَمَعُوا کَثِیراً فَأَصْبَحَتْ مَسَاکِنُهُمْ قُبُوراً وَ جَمْعُهُمْ بُوراً وَ أَمَلُهُمْ غُرُوراً.

1285

قَالَ اَلْمَأْمُونُ لَوْ سُئِلَتِ الدُّنْیَا عَنْ نَفْسِهَا لَمْ تَسْطَعْ أَنْ تَصِفَ نَفْسَهَا بِأَحْسَنَ مِنْ قَوْلِ الشَّاعِرِ إِذَا امْتَحَنَ الدُّنْیَا لَبِیبٌ تَکَشَّفَتْ لَهُ عَنْ عَدُوٍّ فِی ثِیَابِ صَدِیقٍ (1) .

1286

14- وَ قَالَ رَجُلٌ یَا رَسُولَ اللَّهِ کَیْفَ لِی أَنْ أَعْلَمَ أَمْرِی قَالَ إِذَا أَرَدْتَ شَیْئاً مِنْ أُمُورِ الدُّنْیَا فَعَسُرَ عَلَیْکَ فَاعْلَمْ أَنَّکَ بِخَیْرٍ وَ إِذَا أَرَدْتَ شَیْئاً مِنْ أَمْرِ الدُّنْیَا فَیَسُرَ لَکَ فَاعْلَمْ أَنَّهُ شَرٌّ لَکَ .

1287

قَالَ رَجُلٌ لِیُونُسَ بْنِ عُبَیْدٍ إِنَّ فُلاَناً یَعْمَلُ بِعَمَلِ اَلْحَسَنِ الْبَصْرِیِّ فَقَالَ وَ اللَّهِ مَا أَعْرِفُ أَحَداً یَقُولُ بِقَوْلِهِ فَکَیْفَ یَعْمَلُ بِعَمَلِهِ قِیلَ فَصِفْهُ لَنَا قَالَ کَانَ إِذَا أَقْبَلَ

ص :233

فَکَأَنَّهُ أَقْبَلَ مِنْ دَفْنِ حَبِیبٍ وَ إِذَا جَلَسَ فَکَأَنَّهُ أَسِیرٌ أُجْلِسَ لِضَرْبِ عُنُقِهِ وَ إِذَا ذُکِرَتِ اَلنَّارُ فَکَأَنَّهَا لَمْ تُخْلَقْ إِلاَّ لَهُ.

1288

وَ قَالَ بَعْضُ الصَّالِحِینَ لِرَجُلٍ یَا فُلاَنُ هَلْ أَنْتَ عَلَی حَالٍ أَنْتَ فِیهَا مُسْتَعِدٌّ لِلْمَوْتِ قَالَ لاَ قَالَ فَهَلْ أَنْتَ عَالِمٌ بِأَنَّکَ تَنْتَقِلُ إِلَی حَالٍ تَرْضَی بِهِ قَالَ لاَ قَالَ أَ فَتَعْلَمُ بَعْدَ الْمَوْتِ دَاراً فِیهَا مُسْتَعْتَبٌ (1) قَالَ لاَ قَالَ أَ فَتَأْمَنُ الْمَوْتَ أَنْ یَأْتِیَکَ صَبَاحاً أَوْ مَسَاءً قَالَ لاَ قَالَ أَ فَیَرْضَی بِهَذِهِ الْحَالِ عَاقِلٌ.

1289

وَ قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ أَضْحَکَتْنِی ثَلاَثٌ وَ أَبْکَتْنِی ثَلاَثٌ أَضْحَکَنِی مُؤَمِّلُ الدُّنْیَا وَ الْمَوْتُ یَطْلُبُهُ وَ غَافِلٌ وَ لَیْسَ بِمَغْفُولٍ عَنْهُ وَ ضَاحِکٌ مِلْءَ فِیهِ لاَ یَدْرِی أَ رَاضٍ عَنْهُ اللَّهُ أَمْ سَاخِطٌ وَ أَبْکَانِی فِرَاقُ مُحَمَّدٍ وَ حِزْبِهِ وَ أَبْکَانِی هَوْلُ الْمَوْتِ وَ أَبْکَانِی هَوْلُ الْمَوْقِفِ یَوْمَ تَبْدُو السَّرَائِرُ حِینَ لاَ أَدْرِی أَ یُؤْخَذُ بِی إِلَی جَنَّةٍ أَمْ إِلَی نَارٍ.

1290

وَ کَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَغِیرٍ یَقُولُ أَ تَضْحَکُ وَ لَعَلَّ أَکْفَانَکَ قَدْ خَرَجَتْ مِنْ عِنْدِ الْقَصَّارِ وَ کَانَ یُقَالُ مَنْ أَتَی الذَّنْبَ ضَاحِکاً دَخَلَ اَلنَّارَ بَاکِیاً.

1291

وَ کَانَ مَالِکُ بْنُ دِینَارٍ یَقُولُ وَدِدْتُ أَنَّ رِزْقِی فِی حَصَاةٍ أَمُصُّهَا حَتَّی أَبُولَ فَلَقَدِ اخْتَلَفْتُ إِلَی الْخَلاَءِ حَتَّی اسْتَحْیَیْتُ مِنْ رَبِّی.

1292

وَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص لاَ یَبْلُغُ الْعَبْدُ أَنْ یَکُونَ مِنَ الْمُتَّقِینَ حَتَّی یَدَعَ مَا لَیْسَ بِهِ بَأْسٌ حَذَراً عَمَّا بِهِ الْبَأْسُ.

1293

وَ قَالَ اَلْمَسِیحُ ع بِحَقٍّ أَقُولُ لَکُمْ إِنَّ مَنْ طَلَبَ اَلْفِرْدَوْسَ فَخُبْزُ الشَّعِیرِ وَ النَّوْمُ عَلَی الْمَزَابِلِ مَعَ الْکِلاَبِ لَهُ کَثِیرٌ.

1294

وَ أَوْصَی اِبْنُ مُحْرِزٍ رَجُلاً فَقَالَ إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَعْرِفَ وَ لاَ تُعْرَفَ وَ تَسْأَلَ وَ لاَ تُسْأَلَ وَ تَمْشِیَ وَ لاَ یُمْشَی إِلَیْکَ فَافْعَلْ.

ص :234

1295

وَ قَالَ عَلِیٌّ ع

طُوبَی لِمَنْ عَرَفَ النَّاسَ وَ لَمْ یَعْرِفُوهُ تَعَجَّلَتْ لَهُ مَنِیَّتُهُ وَ قَلَّ تُرَاثُهُ وَ فُقِدَ بَاکِیَاتُهُ .

1296

وَ کَانَ یُقَالُ فِی الْجُوعِ ثَلاَثُ خِصَالٍ حَیَاةٌ لِلْقَلْبِ وَ مَذَلَّةٌ لِلنَّفْسِ وَ یُورِثُ الْعَقْلَ الدَّقِیقَ مِنَ الْمَعَانِی (1) .

1297

وَ قَالَ رَجُلٌ لِإِبْرَاهِیمَ بْنِ أَدْهَمَ أُرِیدُ أَنْ تَقْبَلَ مِنِّی دَرَاهِمَ قَالَ إِنْ کُنْتَ غَنِیّاً قَبِلْتُهَا مِنْکَ وَ إِنْ کُنْتَ فَقِیراً لَمْ أَقْبَلْهَا قَالَ فَإِنِّی غَنِیٌّ قَالَ کَمْ تَمْلِکُ قَالَ أَلْفَیْ دِرْهَمٍ قَالَ أَ فَیَسُرُّکَ أَنَّ تَکُونَ أَرْبَعَةَ آلاَفٍ قَالَ نَعَمْ قَالَ لَسْتَ بِغَنِیٍّ وَ دَرَاهِمُکَ لاَ أَقْبَلُهَا.

1298

وَ کَانَ أَبُو حَازِمٍ الْأَعْرَجُ إِذَا نَظَرَ إِلَی الْفَاکِهَةِ فِی السَّوْقِ قَالَ مَوْعِدُکِ اَلْجَنَّةُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَی.

1299

وَ مَرَّ أَبُو حَازِمٍ بِالْقَصَّابِینَ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ یَا أَبَا حَازِمٍ هَذَا سَمِینٌ فَاشْتَرِ مِنْهُ قَالَ لَیْسَ عِنْدِی دَرَاهِمُ قَالَ أَنَا أُنْظِرُکَ قَالَ فَأُفَکِّرُ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ أَنَا أُنْظِرُ نَفْسِی.

1300

نَزَلَ اَلْحَجَّاجُ فِی یَوْمٍ حَارٍّ عَلَی بَعْضِ الْمِیَاهِ وَ دَعَا بِالْغَدَاءِ وَ قَالَ لِحَاجِبِهِ انْظُرْ مَنْ یَتَغَدَّی مَعِی وَ اجْهَدْ أَلاَّ یَکُونَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْیَا فَرَأَی الْحَاجِبُ أَعْرَابِیّاً نَائِماً عَلَیْهِ شَمْلَةٌ مِنْ شَعْرٍ فَضَرَبَهُ بِرِجْلِهِ وَ قَالَ أَجِبِ الْأَمِیرَ فَأَتَاهُ فَدَعَاهُ اَلْحَجَّاجُ إِلَی الْأَکْلِ فَقَالَ دَعَانِی مَنْ هُوَ خَیْرٌ مِنَ الْأَمِیرِ فَأَجَبْتُهُ قَالَ مَنْ هُوَ قَالَ اللَّهُ دَعَانِی إِلَی الصَّوْمِ فَصُمْتُ قَالَ أَ فِی هَذَا الْیَوْمِ الْحَارِّ قَالَ نٰارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا قَالَ أَفْطِرْ وَ تَصُومُ غَداً قَالَ إِنْ ضَمِنْتَ لِیَ الْبَقَاءَ إِلَی غَدٍ قَالَ لَیْسَ ذَلِکَ إِلَیَّ قَالَ فَکَیْفَ أَدَعُ عَاجِلاً لِآجِلٍ لاَ تَقْدِرُ عَلَیْهِ قَالَ إِنَّهُ طَعَامٌ طَیِّبٌ قَالَ إِنَّکَ لَمْ تُطَیِّبْهُ وَ لاَ الْخَبَّازُ وَ لَکِنَّ الْعَافِیَةَ طَیَّبَتْهُ لَکَ.

1301

وَ قَالَ شَبِیبٌ کُنَّا سَنَةً فِی طَرِیقِ مَکَّةَ فَجَاءَ أَعْرَابِیٌّ فِی یَوْمٍ صَائِفٍ شَدِیدِ الْحَرِّ

ص :235

وَ مَعَهُ جَارِیَةٌ سَوْدَاءُ وَ صَحِیفَةٌ فَقَالَ أَ فِیکُمْ کَاتِبٌ قُلْنَا نَعَمْ وَ حَضَرَ غَدَاؤُنَا فَقُلْنَا لَهُ لَوْ دَخَلْتَ فَأَصَبْتَ مِنْ طَعَامِنَا قَالَ إِنِّی صَائِمٌ قُلْنَا الْحَرُّ وَ شِدَّتُهُ وَ جَفَاءُ الْبَادِیَةِ فَقَالَ إِنَّ الدُّنْیَا کَانَتْ وَ لَمْ أَکُنْ فِیهَا وَ سَتَکُونُ وَ لاَ أَکُونُ فِیهَا وَ مَا أُحِبُّ أَنْ أُغْبَنَ أَمَامِی ثُمَّ نَبَذَ إِلَیْنَا الصَّحِیفَةَ فَقَالَ لِلْکَاتِبِ اکْتُبْ وَ لاَ تَزِدْ عَلَی مَا أُمْلِیهِ عَلَیْکَ هَذَا مَا أَعْتَقَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَقِیلٍ الْکَلْبِیُّ أَعْتَقَ جَارِیَةً لَهُ سَوْدَاءَ اسْمُهَا لُؤْلُؤَةُ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَ جَوَازِ الْعَقَبَةِ وَ إِنَّهُ لاَ سَبِیلَ لَهُ عَلَیْهَا إِلاَّ سَبِیلُ الْوَلاَءِ وَ الْمِنَّةُ لِلَّهِ عَلَیْنَا وَ عَلَیْهَا وَاحِدَةً.

قَالَ اَلْأَصْمَعِیُّ فَحُدِّثَ بِذَلِکَ اَلرَّشِیدُ فَأَمَرَ أَنْ یُعْتَقَ عَنْهُ أَلْفُ نَسَمَةٍ وَ یُکْتَبَ لَهُمْ هَذَا الْکِتَابُ.

1302

وَ قَالَ خَالِدُ بْنُ صَفْوَانَ بِتُّ لَیْلَتِی هَذِهِ أَتَمَنَّی فَکَبَسْتُ الْبَحْرَ الْأَخْضَرَ بِالذَّهَبِ الْأَحْمَرِ فَإِذَا الَّذِی یَلْقَانِی مِنْ ذَلِکَ رَغِیفَانِ وَ کُوزَانِ وَ طِمْرَانِ (1) .

1303

وَ رَأَی رَجُلٌ رَجُلاً مِنْ وُلْدِ مُعَاوِیَةَ یَعْمَلُ عَلَی بَعِیرٍ لَهُ فَقَالَ هَذَا بَعْدَ مَا کُنْتُمْ فِیهِ مِنَ الدُّنْیَا قَالَ رَحِمَکَ اللَّهُ یَا ابْنَ أَخِی مَا فَقَدْنَا إِلاَّ الْفُضُولَ.

1304

وَ قَالَ اَلْحَسَنُ یَا ابْنَ آدَمَ إِنَّمَا أَنْتَ أَیَّامٌ مَجْمُوعَةٌ کُلَّمَا ذَهَبَ یَوْمٌ ذَهَبَ بَعْضُکَ.

1305

قَالَ یُونُسُ الْکَاتِبُ لَوْ قِیلَ بَیْتُ دُرَیْدٍ فِی زَاهِدٍ کَانَ بِهِ جَدِیراً قَلِیلُ التَّشَکِّی لِلْمُصِیبَاتِ ذَاکِرٌ مِنَ الْیَوْمِ أَعْقَابَ الْأَحَادِیثِ فِی غَدٍ (2) .

1306

وَ قَالَ اَلْحَسَنُ مَا أَطَالَ عَبْدٌ الْأَمَلَ إِلاَّ أَسَاءَ الْعَمَلَ.

1307

وَ قَالَ رَجُلٌ لِلْفُضَیْلِ بْنِ عِیَاضٍ مَا أَعْجَبُ الْأَشْیَاءِ قَالَ قَلْبٌ عَرَفَ اللَّهَ ثُمَّ عَصَاهُ.

1308

قَالَ وَکِیعٌ مَا أَحْسَنْتُ قَطُّ إِلَی أَحَدٍ وَ لاَ أَسَأْتُ إِلَیْهِ قِیلَ کَیْفَ قَالَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَی قَالَ إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِکُمْ وَ إِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهٰا (3) .

ص :236

1309

وَ قَالَ اَلْحَسَنُ لِرَجُلٍ إِنِ اسْتَطَعْتَ أَلاَّ تُسِیءَ إِلَی أَحَدٍ مِمَّنْ تُحِبُّهُ فَافْعَلْ قَالَ الرَّجُلُ یَا أَبَا سَعِیدٍ (1) أَ وَ یُسِیءُ الْمَرْءُ إِلَی مَنْ یُحِبُّهُ قَالَ نَعَمْ نَفْسُکَ أَحَبُّ النُّفُوسِ إِلَیْکَ فَإِذَا عَصَیْتَ اللَّهَ فَقَدْ أَسَأْتَ إِلَیْهَا.

1310

وَ کَانَ مَالِکُ بْنُ دِینَارٍ إِذَا مَنَعَ نَفْسَهُ شَیْئاً مِنَ الشَّهَوَاتِ قَالَ اصْبِرِی فَوَ اللَّهِ مَا مَنَعَکِ (2) إِلاَّ لِکَرَامَتِکِ عَلَیَّ.

1311

14- قَامَ رَسُولُ اللَّهِ ص اللَّیْلَ حَتَّی تَوَرَّمَتْ قَدَمَاهُ فَقِیلَ لَهُ یَا رَسُولَ اللَّهِ أَ تَفْعَلُ هَذَا وَ قَدْ غَفَرَ اللَّهُ مٰا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِکَ وَ مٰا تَأَخَّرَ قَالَ أَ فَلاَ أَکُونُ عَبْداً شَکُوراً

.

1312

وَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ لاَ یَکُونَنَّ أَحَدُکُمْ جِیفَةَ لَیْلِهِ قُطْرُبَ (3) نَهَارِهِ.

1313

وَ کَانَ یُقَالُ مَنْ کَثُرَتْ صَلاَتُهُ بِاللَّیْلِ حَسُنَ وَجْهُهُ بِالنَّهَارِ.

1314

وَ کَانَ مَالِکُ بْنُ دِینَارٍ یَقُولُ فِی قِصَصِهِ مَا أَشَدَّ فِطَامَ الْکِبْرِ وَ یُنْشِدُ أَ تَرُوضُ عُرْسَکَ بَعْدَ مَا هَرِمَتْ وَ مِنَ الْعَنَاءِ رِیَاضَةُ الْهَرَمِ.

وَ قَالَ آخَرُ إِنَّ کُنْتَ تُؤْمِنُ بِالْقِیَامَةِ

ص :237

و نظر إلی قوله ع فی حلالها حساب و فی حرامها عقاب بعض الشعراء فقال الدهر یومان فیوم مضی

و من المعنی أیضا قول بعضهم حلالها حسرة تفضی إلی ندم و فی المحارم منها الغنم منزور .

و نظر الحسن البصری إلی قوله ع من استغنی فیها فتن و من افتقر فیها حزن فقال و قد جاءه إنسان یبشره بمولود له ذکر لیهنک الفارس یا أبا سعید فقال بل الراجل ثمّ قال لا مرحبا بمن إن کان غنیا فتننی و إن کان فقیرا أحزننی و إن عاش کدنی و إن مات هدنی ثمّ لا أرضی بسعیی له سعیا و لا بکدحی له کدحا حتّی أهتم بما یصیبه بعد موتی و أنا فی حال لا ینالنی بمساءته حزن و لا بسروره جذل.

و نظر ابن المعتز إلی قوله ع من ساعاها فاتته و من قعد عنها واتته فقال الدنیا کظلک کلما طلبته زاد منک بعدا .

و نظرت إلی قوله ع و من أبصر بها بصرته و من أبصر إلیها أعمته فقلت دنیاک مثل الشمس تدنی إلیک

ص :239

فإن قلت المسموع أبصرت زیدا و لم یسمع أبصرت إلی زید قلت یجوز أن یکون قوله ع و من أبصر إلیها أی و من أبصر متوجها إلیها کقوله فِی تِسْعِ آیٰاتٍ إِلیٰ فِرْعَوْنَ (1) و لم یقل مرسلا و یجوز أن یکون أقام ذلک مقام قوله نظر إلیها لما کان مثله کما قالوا فی دخلت البیت و دخلت إلی البیت أجروه مجری ولجت إلی البیت لما کان نظیره

ص :240

و إذا جعلت الأول صفة لم تصرفه تقول لقیته عاما أول لاجتماع وزن الفعل و تقول ما رأیته مذ عام أول کلاهما بغیر تنوین فمن رفع جعله صفة لعام کأنّه قال أول من عامنا و من نصب جعله کالظرف کأنّه قال مذ عام قبل عامنا فإن قلت ابدأ بهذا أول ضممته علی الغایة .

و الإنهاء الإبلاغ أنهیت إلیه الخبر فانتهی أی بلغ و المعنی أن اللّه تعالی أعذر إلی خلقه و أنذرهم فإعذاره إلیهم أن عرفهم بالحجج العقلیّة و السمعیة أنهم إن عصوه استحقوا العقاب فأوضح عذره لهم فی عقوبته إیاهم علی عصیانه و إنذاره لهم تخویفه إیاهم من عقابه و قد نظر البحتری إلی معنی قوله ع علا بحوله و دنا بطوله فقال دنوت تواضعا و علوت قدرا

و فی هذا الفصل ضروب من البدیع فمنها أن دنا فی مقابلة علا لفظا و معنی و کذلک حوله و طوله .

فإن قلت لا ریب فی تقابل دنا و علا من حیث المعنی و اللفظ و أمّا حوله و طوله فإنهما یتناسبان لفظا و لیسا متقابلین معنی لأنهما لیسا ضدین کما فی العلو و الدنو.

قلت بل فیهما معنی التضاد لأن الحول هو القوّة و هی مشعرة بالسطوة و القهر و منه منشأ الانتقام و الطول الإفضال و التکرم و هو نقیض الانتقام و البطش.

فإن قلت أنت و أصحابک لا تقولون إن اللّه تعالی قادر بقدرة و هو عندکم قادر

ص :242

لذاته فکیف تتأولون قوله ع الذی علا بحوله أ لیس فی هذا إثبات قدرة له زائدة علی ذاته و هذا یخالف مذهبکم.

قلت إن أصحابنا لا یمتنعون من إطلاق قولهم إن لله قوة و قدرة و حولا و حاش لله أن یذهب ذاهب منهم إلی منع ذلک و لکنهم یطلقونه و یعنون به حقیقته العرفیة و هی کون اللّه تعالی قویا قادرا کما نقول نحن و المخالف إن لله وجودا و بقاء و قدما و لا نعنی بذلک أن وجوده أو بقاءه أو قدمه معان زائدة علی نفسه لکنا نعنی کلنا بإطلاق هذه الألفاظ علیه کونه موجودا أو باقیا أو قدیما و هذا هو العرف المستعمل فی قول الناس لا قوة لی علی ذلک و لا قدرة لی علی فلان لا یعنون نفی المعنی بل یعنون کون الإنسان قادرا قویا علی ذلک.

و منها أن مانحا فی وزن کاشف و غنیمة بإزاء عظیمة فی اللفظ و ضدها فی المعنی و کذلک فضل و أزل .

و منها أن عواطف بإزاء سوابغ و نعمه بإزاء کرمه .

و منها و هو ألطف ما یستعمله أرباب هذا الصناعة أنّه جعل قریبا هادیا مع قوله أستهدیه لأن الدلیل القریب منک أجدر بأن یهدیک من البعید النازح و لم یجعله مع قوله و أستعینه و جعل مع الاستعانة قاهرا قادرا لأن القادر القاهر یلیق أن یستعان و یستنجد به و لم یجعله قادرا قاهرا مع التوکل علیه و جعل مع التوکل کافیا ناصرا لأن الکافی الناصر أهل لأن یتوکل علیه.

و هذه اللطائف و الدقائق من معجزاته ع التی فات بها البلغاء و أخرس الفصحاء

ص :243

أُوصِیکُمْ عِبَادَ اللَّهِ بِتَقْوَی اللَّهِ الَّذِی ضَرَبَ لَکُمُ الْأَمْثَالَ وَ وَقَّتَ لَکُمُ الآْجَالَ وَ أَلْبَسَکُمُ الرِّیَاشَ وَ أَرْفَغَ لَکُمُ الْمَعَاشَ وَ أَحَاطَ [أَحَاطَکُمْ]

بِکُمُ الْإِحْصَاءَ وَ أَرْصَدَ لَکُمُ الْجَزَاءَ وَ آثَرَکُمْ بِالنِّعَمِ السَّوَابِغِ وَ الرِّفَدِ الرَّوَافِغِ وَ أَنْذَرَکُمْ بِالْحُجَجِ الْبَوَالِغِ فَأَحْصَاکُمْ عَدَداً وَ وَظَّفَ لَکُمْ مُدَداً فِی قَرَارِ خِبْرَةٍ وَ دَارِ عِبْرَةٍ أَنْتُمْ مُخْتَبَرُونَ فِیهَا وَ مُحَاسَبُونَ عَلَیْهَا .

وقت

و أقت بمعنی أی جعل الآجال لوقت مقدر .

و الریاش و الریش واحد و هو اللباس قال تعالی یُوٰارِی سَوْآتِکُمْ وَ رِیشاً (1) .

و قرئ و ریاشا و یقال الریاش الخصب و الغنی و منه ارتاش فلان حسنت حاله و یکون لفظ ألبسکم مجازا إن فسر بذلک .

و أرفغ لکم المعاش أی جعله رفیغا أی واسعا مخصبا یقال رفغ بالضم عیشه رفاغة اتسع فهو رافغ و رفیغ و ترفغ الرجل و هو فی رفاغیة من العیش مخففا مثل رفاهیة و ثمانیة .

و قوله و أحاط بکم الإحصاء یمکن أن ینصب الإحصاء علی أنّه مصدر فیه اللام و العامل فیه غیر لفظه کقوله یعجبه السخون ثمّ قال حبا (2) و لیس

ص :244

دخول اللام بمانع من ذلک تقول ضربته الضربة کما تقول ضربته ضربا و یجوز أن ینصب بأنّه مفعول به و یکون ذلک علی وجهین.

أحدهما أن یکون من حاط ثلاثیا تقول حاط فلان کرمه أی جعل علیه حائطا فکأنّه جعل الإحصاء و العد کالحائط المدار علیهم لأنّهم لا یبعدون منه و لا یخرجون عنه.

و الثانی أن یکون من حاط الحمار عانته یحوطها بالواو أی جمعها فأدخل الهمزة کأنّه جعل الإحصاء یحوطهم و یجمعهم تقول ضربت زیدا و أضربته أی جعلته ذا ضرب فلذلک کأنّه جعل ع الإحصاء ذا تحویط علیهم بالاعتبار الأول أو جعله ذا جمع لهم بالاعتبار الثانی.

و یمکن فیه وجه آخر و هو أن یکون الإحصاء مفعولا له و یکون فی الکلام محذوف تقدیره و أحاط بکم حفظته و ملائکته للإحصاء و دخول اللام فی المفعول له کثیر کقوله و الهول من تهول الهبور (1) .

قوله و أرصد یعنی أعد و فی الحدیث إلاّ أن أرصده لدین علی .

و آثرکم من الإیثار و أصله أن تقدم غیرک علی نفسک فی منفعة أنت قادر علی الاختصاص بها و هو فی هذا الموضع مجاز مستحسن .

و الرفد جمع رفدة مثل کسرة و کسر و فدرة و فدر و الرفدة و الرفد واحد و هی العطیة و الصلة و رفدت فلانا رفدا بالفتح و المضارع أرفده بکسر الفاء و یجوز أرفدته بالهمزة.

و الروافغ الواسعة و الحجج البوالغ الظاهرة المبینة قال سبحانه فَلِلّٰهِ الْحُجَّةُ الْبٰالِغَةُ (2) .

ص :245

و وظف لکم مددا

أی قدر و منه وظیفة الطعام .

و قرار خبرة بکسر الخاء أی دار بلاء و اختبار تقول خبرت زیدا أخبره خبرة بالضم فیهما و خبرة بالکسر إذا بلوته و اختبرته و منه قولهم صغر الخبر الخبر .

و دار عبرة

أی دار اعتبار و اتعاظ و الضمیر فی فیها و علیها لیس واحدا فإنّه فی فیها یرجع إلی الدار و فی علیها یرجع إلی النعم و الرفد و یجوز أن یکون الضمیر فی علیها عائدا إلی الدار علی حذف المضاف أی علی سکانها فَإِنَّ الدُّنْیَا رَنِقٌ مَشْرَبُهَا رَدِغٌ مَشْرَعُهَا یُونِقُ مَنْظَرُهَا وَ یُوبِقُ مَخْبَرُهَا غُرُورٌ حَائِلٌ وَ ضَوْءٌ آفِلٌ وَ ظِلٌّ زَائِلٌ وَ سِنَادٌ مَائِلٌ حَتَّی إِذَا أَنِسَ نَافِرُهَا وَ اطْمَأَنَّ نَاکِرُهَا قَمَصَتْ بِأَرْجُلِهَا وَ قَنَصَتْ بِأَحْبُلِهَا [أَجْلُبِهَا]

وَ أَقْصَدَتْ بِأَسْهُمِهَا وَ أَعْلَقَتِ الْمَرْءَ أَوْهَاقَ الْمَنِیَّةِ قَائِدَةً لَهُ إِلَی ضَنْکِ الْمَضْجَعِ وَ وَحْشَةِ الْمَرْجِعِ وَ مُعَایَنَةِ الْمَحَلِّ وَ ثَوَابِ الْعَمَلِ.

وَ کَذَلِکَ الْخَلَفُ بِعَقْبِ السَّلَفِ لاَ تُقْلِعُ الْمَنِیَّةُ اخْتِرَاماً وَ لاَ یَرْعَوِی الْبَاقُونَ اجْتِرَاماً یَحْتَذُونَ مِثَالاً وَ یَمْضُونَ أَرْسَالاً إِلَی غَایَةِ الاِنْتِهَاءِ وَ صَیُّورِ الْفَنَاءِ .

یقال عیش رنق بکسر النون أی کدر و ماء رنق بالتسکین أی کدر و الرنق بفتح النون مصدر قولک رنق الماء بالکسر و رنقته أنا ترنیقا أی کدرته و الروایة

ص :246

المشهورة فی هذا الفصل رنق مشربها بالکسر أقامه مقام قولهم عیش رنق و من رواه رنق مشربها بالسکون و هم الأقلون أجری اللفظ علی حقیقته .

و یقال مشرع ردغ ذو طین و وحل روی الردغة بالتحریک و یجوز تسکین الدال و الجمع رداغ و ردغ (1) .

و یونق منظرها یعجب الناظر آنقنی الشیء أعجبنی و یوبق مخبرها یهلک وبق الرجل یبق وبوقا هلک و الموبق مفعل منه کالموعد مفعل من وعد یعد و منه قوله سبحانه وَ جَعَلْنٰا بَیْنَهُمْ مَوْبِقاً (2) و قد جاء وبق یبق بالکسر فیهما و هو نادر کورث یرث و جاء أیضا وبق یوبق وبقا .

و الغرور بضم الغین ما یغتر به من متاع الدنیا و الغرور بالفتح الشیطان و الحائل الزائل و الآفل الغائب أفل غاب یأفل و یأفل أفولا .

و السناد دعامة یسند بها السقف و ناکرها فاعل من نکرت کذا أی أنکرته .

و قمصت بأرجلها قمص الفرس و غیره یقمص و یقمص قمصا و قماصا أی استن و هو أن یرفع یدیه و یطرحهما معا و یعجن برجلیه و فی المثل المضروب لمن ذل بعد عزة ما لعیر من قماص.

و جمع فقال بأرجلها و إنّما للدابّة رجلان إمّا لأن المثنی قد یطلق علیه صیغة الجمع کما فی قولهم امرأة ذات أوراک و مآکم و هما ورکان و إمّا لأنّه أجری الیدین و الرجلین مجری واحد فسماها کلها أرجلا و من رواه بالحاء فهو جمع رحل الناقة .

و أقصدت

قتلت مکانها من غیر تأخیر.

ص :247

و الأوهاق جمع وهق بالتحریک و هو الحبل و قد یسکن مثل نهر و نهر و أعلقت المرء الأوهاق جعلت الأوهاق عالقة به و الضنک الضیق.

و المضجع المصدر أو المکان و الفعل ضجع الرجل جنبه بالأرض بالفتح یضجع ضجوعا و ضجعا فهو ضاجع و مثله أضجع .

و المرجع مصدر رجع و منه قوله تعالی ثُمَّ إِلیٰ رَبِّکُمْ مَرْجِعُکُمْ (1) و هو شاذ لأن المصادر من فعل یفعل بکسر العین إنّما یکون بالفتح .

قوله و معاینة المحل أی الموضع الذی یحل به المکلف بعد الموت و لا بدّ لکل مکلف أن یعلم عقیب الموت مصیره أما إلی جنة و أمّا إلی نار .

و قوله ثواب العمل یرید جزاء العمل و مراده الجزاء الأعمّ الشامل للسعادة و الشقاوة لا الجزاء الأخص الذی هو جزاء الطاعة و سمی الأعمّ ثوابا علی أصل الحقیقة اللغویّة لأن الثواب فی اللغة الجزاء یقال قد أثاب فلان الشاعر لقصیدة کذا أی جازاه .

و قوله و کذلک الخلف بعقب السلف الخلف المتأخرون و السلف المتقدمون و عقب هاهنا بالتسکین و هو بمعنی بعد جئت بعقب فلان أی بعده و أصله جری الفرس بعد جریه یقال لهذا الفرس عقب حسن و قال ابن السکیت یقال جئت فی عقب شهر کذا بالضم إذا جئت بعد ما یمضی کله و جئت فی عقب بکسر القاف إذا جئت و قد بقیت منه بقیة و قد روی یعقب السلف أی یتبع .

و قوله لا تقلع المنیة أی لا تکف و الاخترام إذهاب الأنفس و استئصالها.

ص :248

و ارعوی کف عن الأمر و أمسک و أصل فعله الماضی رعی یرعو أی کف عن الأمر و فلان حسن الرعوة و الرعوة و الرعوة و الرعوی و الارعواء و الاجترام افتعال من الجرم و هو الذنب و مثله الجریمة یقال جرم و أجرم بمعنی .

قوله یحتذون مثالا أی یقتدون و أصله من حذوت النعل بالنعل حذوا إذا قدرت کل واحدة علی صاحبها .

قوله و یمضون أرسالا بفتح الهمزة جمع رسل بفتح السین و هو القطیع من الإبل أو الغنم یقال جاءت الخیل أرسالا أی قطیعا قطیعا .

و صیور الأمر آخره و ما یئول إلیه حَتَّی إِذَا تَصَرَّمَتِ الْأُمُورُ وَ تَقَضَّتِ الدُّهُورُ وَ أَزِفَ النُّشُورُ أَخْرَجَهُمْ مِنْ ضَرَائِحِ الْقُبُورِ وَ أَوْکَارِ الطُّیُورِ وَ أَوْجِرَةِ السِّبَاعِ وَ مَطَارِحِ الْمَهَالِکِ سِرَاعاً إِلَی أَمْرِهِ مُهْطِعِینَ إِلَی مَعَادِهِ رَعِیلاً صُمُوتاً قِیَاماً صُفُوفاً یَنْفُذُهُمُ الْبَصَرُ وَ یُسْمِعُهُمُ الدَّاعِی عَلَیْهِمْ لَبُوسُ الاِسْتِکَانَةِ وَ ضَرَعُ الاِسْتِسْلاَمِ وَ الذِّلَّةِ قَدْ ضَلَّتِ الْحِیَلُ وَ انْقَطَعَ الْأَمَلُ وَ هَوَتِ الْأَفْئِدَةُ کَاظِمَةً وَ خَشَعَتِ الْأَصْوٰاتُ مُهَیْنِمَةً وَ أَلْجَمَ الْعَرَقُ وَ عَظُمَ الشَّفَقُ وَ أُرْعِدَتِ الْأَسْمَاعُ لِزَبْرَةِ الدَّاعِی إِلَی فَصْلِ الْخِطَابِ وَ مُقَایَضَةِ الْجَزَاءِ وَ نَکَالِ الْعِقَابِ وَ نَوَالِ الثَّوَابِ .

ص :249

تصرمت الأمور

تقطعت و مثله تقضت الدهور و أزف قرب و دنا یأزف أزفا و منه قوله تعالی أَزِفَتِ الْآزِفَةُ (1) أی القیامة الفاعل آزف .

و الضرائح جمع ضریح و هو الشق فی وسط القبر و اللحد ما کان فی جانب القبر و ضرحت ضرحا إذا حفرت الضریح .

و الأوکار جمع وکر یفتح الواو و هو عش الطائر و جمع الکثرة وکور وکر الطائر یکر وکرا أی دخل وکره و الوکن بالفتح مثل الوکر أی العش .

و أوجرة السباع

جمع وجار بکسر الواو و یجوز فتحها و هو بیت السبع و الضبع و نحوهما .

مهطعین

مسرعین و الرعیل القطعة من الخیل .

قوله ع ینفذهم البصر و یسمعهم الداعی أی هم مع کثرتهم لا یخفی منهم أحد عن إدراک البارئ سبحانه و هم مع هذه الکثرة أیضا لا یبقی منهم أحد إلاّ إذا دعا داعی الموت سمع دعاءه و نداءه .

و اللبوس بفتح اللام ما یلبس قال البس لکل حالة لبوسها إما نعیمها و إمّا بوسها (2) .

و منه قوله تعالی وَ عَلَّمْنٰاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَکُمْ (3) یعنی الدروع.

و الاستکانة الخضوع و الضرع الخشوع و الضعف ضرع الرجل یضرع و أضرعه غیره .

و کاظمته ساکته کظم یکظم کظوما أی سکت و قوم کظم أی ساکتون.

ص :250

و مهینمة ذات هینمة و هی الصوت الخفی و ألجم العرق صار لجاما

1315

وَ فِی الْحَدِیثِ إِنَّ الْعَرَقَ لَیَجْرِی مِنْهُمْ حَتَّی إِنَّ مِنْهُمْ مَنْ یَبْلُغُ رُکْبَتَیْهِ وَ مِنْهُمْ مَنْ یَبْلُغُ صَدْرَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ یَبْلُغُ عُنُقَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ یُلْجِمُهُ وَ هُمْ أَعْظَمُهُمْ مَشَقَّةً.

و قال لی قائل ما أری

1316

لِقَوْلِهِ ع الْمُؤَذِّنُونَ أَطْوَلُ النَّاسِ أَعْنَاقاً یَوْمَ الْقِیَامَةِ .

کثیر فائدة لأن طول العنق جدا لیس ممّا یرغب فی مثله فذکرت له الخبر الوارد فی العرق و قلت إذا کان الإنسان شدید طول العنق کان عن إلجام العرق أبعد فظهرت فائدة الخبر.

و یروی و أنجم العرق أی کثر و دام .

و الشفق و الشفقة بمعنی و هو الاسم من الإشفاق و هو الخوف و الحذر قال الشاعر تهوی حیاتی و أهوی موتها شفقا و الموت أکرم نزال علی الحرم (1) .

و أرعدت الأسماع عرتها الرعدة و زبرة الداعی صدته و لا یقال الصوت زبرة إلاّ إذا خالطه زجر و انتهار زبرته أزبره بالضم .

و قوله إلی فصل الخطاب إلی هاهنا یتعلق بالداعی و فصل الخطاب بت الحکومة التی بین اللّه و بین عباده فی الموقف رزقنا اللّه المسامحة فیها بمنه و إنّما خص الأسماع بالرعدة لأنّها تحدث من صوت الملک الذی یدعو الناس إلی محاسبته .

و المقایضة المعاوضة قایضت زیدا بالمتاع و هما قیضان کما قالوا بیعان.

فإن قلت کیف یصحّ ما ذکره المسلمون من حشر الأجساد و کیف یمکن ما أشار إلیه ع من جمع الأجزاء البدنیة من أوکار الطیور و أوجرة السباع و معلوم أنّه قد یأکل الإنسان سبع و یأکل ذلک السبع إنسان آخر و یأکل هذا الإنسان طائر ثمّ یأکل الطائر إنسان آخر و المأکول یصیر أجزاء من أجزاء بدن الآکل فإذا حشرت

ص :251

الحیوانات کلها علی ما تزعم المعتزلة فتلک الأجزاء المفروضة إمّا أن تحشر أجزاء من بنیة الإنسان أو بنیة السبع أو منهما معا فإن کان الأول وجب إلاّ یحشر السبع و إن کان الثانی وجب ألا یحشر الإنسان و الثالث محال عقلا لأن الجزء الواحد لا یکون فی موضعین.

قلت إن فی بدن کل إنسان و کل حیوان أجزاء أصلیة و أجزاء زائدة فالأجزاء الزائدة یمکن أن تصیر أجزاء بدن حیوان إذا اغتذی بها و الأجزاء الأصلیة لا یمکن ذلک فیها بل یحرسها اللّه تعالی من الاستحالة و التغییر و إذا کان کذلک أمکن الحشر بأن تعاد الأجزاء الأصلیة إلی موضعها الأول و لا فساد فی استحالة الأجزاء الزائدة لأنّه لا یجب حشرها لأنّها لیست أصل بنیة المکلف فاندفع الأشکال و أمّا من یقول بالنفس الناطقة من أهل الملّة فلا یلزمه الجواب عن السؤال لأنّه یقول إن الأنفس إذا أزف یوم القیامة خلقت لها أبدان غیر الأبدان الأولی لأن المکلف المطیع و العاصی المستحق للثواب و العقاب عندهم هو النفس و أمّا البدن فآلة لها نستعمله استعمال الکاتب للقلم و النجّار للفأس عِبَادٌ مَخْلُوقُونَ اقْتِدَاراً وَ مَرْبُوبُونَ اقْتِسَاراً وَ مَقْبُوضُونَ احْتِضَاراً وَ [ مُضَمِّنُونَ ]

مُضَمَّنُونَ أَجْدَاثاً وَ کَائِنُونَ رُفَاتاً وَ مَبْعُوثُونَ أَفْرَاداً وَ مَدِینُونَ جَزَاءً وَ مُمَیَّزُونَ حِسَاباً قَدْ أُمْهِلُوا فِی طَلَبِ الْمَخْرَجِ وَ هُدُوا سَبِیلَ الْمَنْهَجِ وَ عُمِّرُوا مَهَلَ الْمُسْتَعْتَبِ وَ کُشِفَتْ عَنْهُمْ سُدَفُ الرِّیَبِ وَ خُلُّوا لِمِضْمَارِ الْجِیَادِ [الْخِیَارِ]

وَ رَوِیَّةِ الاِرْتِیَادِ وَ أَنَاةِ الْمُقْتَبِسِ [الْمُقْتَبِینَ]

الْمُرْتَادِ [الْمُتَّقِینَ]

فِی مُدَّةِ الْأَجَلِ وَ مُضْطَرَبِ الْمَهَلِ .

ص :252

مربوبون

مملوکون و الاقتسار الغلبة و القهر .

و الاحتضار حضور الملائکة عند المیت و هو حینئذ محتضر و کانت العرب تقول لبن محتضر أی فاسد ذو آفة یعنون أن الجن حضرته یقال اللبن محتضر فغط إناءک .

و الأجداث جمع جدث و هو القبر و اجتدث الرجل اتخذ جدثا و یقال جدف بالفاء .

و الرفات الحطام تقول منه رفت الشیء فهو مرفوت .

و مدینون أی مجزیون و الدین الجزاء و منه مٰالِکِ یَوْمِ الدِّینِ (1) .

و ممیزون حسابا من قوله تعالی وَ امْتٰازُوا الْیَوْمَ أَیُّهَا الْمُجْرِمُونَ (2) و من قوله تعالی وَ کُنْتُمْ أَزْوٰاجاً ثَلاٰثَةً (3) کما أن قوله و مبعوثون أفرادا مأخوذ من قوله تعالی وَ لَقَدْ جِئْتُمُونٰا فُرٰادیٰ (4) و أصل التمییز علی الفصل و التبیین .

قوله قد أمهلوا فی طلب المخرج أی انظروا لیفیئوا إلی الطاعة و یخلصوا التوبة لأن إخلاص التوبة هو المخرج الذی من سلکه خرج من ربقة المعصیة و مثله قوله و هدوا سبیل المنهج و المنهج الطریق الواضح .

و المستعتب المسترضی استعتبت زیدا إذا استرضیته عنی فأنا مستعتب له و هو مستعتب و أعتبنی أی أرضانی و إنّما ضرب المثل بمهل المستعتب لأن من یطلب رضاه فی مجری العادة لا یرهق بالتماس الرضا منه و إنّما یمهل لیرضی بقلبه لا بلسانه .

و السدف جمع سدفة هی القطعة من اللیل المظلم هذا فی لغة أهل نجد و أمّا غیرهم

ص :253

فیجعل السدفة الضوء و هذا اللفظ من الأضداد و کذلک السدف بفتح السین و الدال.

و قد قیل السدفة اختلاط الضوء و الظلمة کوقت ما بین طلوع الفجر إلی الإسفار و السدف الصبح و إقباله و أسدف اللیل أظلم و أسدف الصبح أضاء یقال أسدف الباب أی افتحه حتّی یضیء البیت و فی لغة هوازن أسدفوا أی أسرجوا من السراج و الریب الشبهة جمع ریبة .

و المضمار الموضع الذی تضمر فیه الخیل و المضمار أیضا المدة التی تضمر فیها.

و التضمیر أن تعلف الفرس حتّی یسمن ثمّ ترده إلی قوته الأولی و ذلک فی أربعین یوما و قد یطلق التضمیر علی نقیض ذلک و هو التجویع حتّی یهزل و یخف لحمه ضمر الفرس بالفتح یضمر بالضم ضمورا و جاء ضمر الفرس بالضم و أضمرته أنا و ضمرته فاضطمر هو و لؤلؤ مضطمر فی وسطه بعض الانضمام رجل لطیف الجسم ضمیر البطن و ناقة ضامر و ضامرة أیضا یقول مکنهم الحکیم سبحانه و خلاهم و أعمالهم کما تمکن الخیل التی تستبق فی المضمار لیعلم أیها أسبق .

و الرویة الفکرة و الارتیاد الطلب ارتاد فلان الکلأ یرتاده ارتیادا طلبه و مثله راد الکلأ یروده رودا و ریادا

1317

وَ فِی الْحَدِیثِ إِذَا بَالَ أَحَدُکُمْ فَلْیَرْتَدْ لِبَوْلِهِ.

أی فلیطلب مکانا لیّنا أو منحدرا و الرائد الذی یرسله القوم فی طلب الکلإ و فی المثل الرائد لا یکذب أهله و الأناة التؤدة و الانتظار مثل القناة.

و تأنی فی الأمر ترفق و استأنی فلان بفلان أی انتظر به و جاء الأناء بالفتح و المد علی فعال قال الحطیئة و أکریت العشاء إلی سهیل أو الشعری فطال بی الأناء (1) .

و المقتبس متعلم العلم هاهنا و لا بدّ له من أناة و مهل لیبلغ حاجته فضرب مثلا و جاء

ص :254

فی بعض الروایات و مقبوضون اختضارا بالخاء المعجمة و هو موت الشاب غضا أخضر أی مات شابا و کان فتیان یقولون لشیخ أ جززت یا أبا فلان فیقول أی بنی و تختضرون أجز الحشیش آن أن یجز و منه قیل للشیخ کاد یموت قد أجز و الروایة الأولی أحسن لأنّها أعم.

و فی روایة لمضمار الخیار أی للمضمار الذی یستبق فیه الأبرار الأتقیاء إلی رضوان اللّه سبحانه :فَیَا لَهَا أَمْثَالاً صَائِبَةً وَ مَوَاعِظَ شَافِیَةً لَوْ صَادَفَتْ قُلُوباً زَاکِیَةً وَ أَسْمَاعاً وَاعِیَةً وَ آرَاءً عَازِمَةً وَ أَلْبَاباً حَازِمَةً فَاتَّقُوا اللَّهَ تَقِیَّةَ مَنْ سَمِعَ فَخَشَعَ وَ اقْتَرَفَ فَاعْتَرَفَ وَ وَجِلَ فَعَمِلَ وَ حَاذَرَ فَبَادَرَ وَ أَیْقَنَ فَأَحْسَنَ وَ عُبِّرَ فَاعْتَبَرَ وَ حُذِّرَ فَحَذِرَ وَ زُجِرَ فَازْدَجَرَ وَ أَجَابَ فَأَنَابَ وَ رَاجَعَ [رَجَعَ]

فَتَابَ وَ اقْتَدَی فَاحْتَذَی وَ أُرِیَ فَرَأَی فَأَسْرَعَ طَالِباً وَ نَجَا هَارِباً فَأَفَادَ ذَخِیرَةً وَ أَطَابَ سَرِیرَةً وَ عَمَّرَ مَعَاداً وَ اسْتَظْهَرَ زَاداً لِیَوْمِ رَحِیلِهِ وَ وَجْهِ سَبِیلِهِ وَ حَالِ حَاجَتِهِ وَ مَوْطِنِ فَاقَتِهِ وَ قَدَّمَ أَمَامَهُ لِدَارِ مُقَامِهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ جِهَةَ مَا خَلَقَکُمْ لَهُ وَ احْذَرُوا مِنْهُ کُنْهَ مَا حَذَّرَکُمُ مِنْ نَفْسِهِ وَ اسْتَحِقُّوا مِنْهُ مَا أَعَدَّ لَکُمْ بِالتَّنَجُّزِ لِصِدْقِ مِیعَادِهِ وَ الْحَذَرِ مِنْ هَوْلِ مَعَادِهِ .

صائبة

غیر عادلة عن الصواب صاب السهم یصوب صوبة أی قصد و لم یجر

ص :255

و صاب السهم القرطاس یصیبه صبیا لغة فی أصابه و فی المثل مع الخواطئ سهم صائب .

و شافیة تبرئ من مرض الجهل و الهوی و القلوب الزاکیة الطاهرة و الأسماع الواعیة الحافظة و الآراء العازمة ذات العزم و الألباب العقول و الحازمة ذات الحزم و الحزم ضبط الرجل أمره .

و خشع الرجل أی خضع و اقترف اکتسب و مثله قرف یقرف بالکسر یقال هو یقرف لعیاله أی یکسب .

و وجل الرجل خاف وجلا بفتح الجیم و مستقبلة یوجل و یأجل و ییجل و ییجل بکسر الیاء المضارعة .

و بادر سارع و عبر أی أری العبر مرارا کثیرة لأن التشدید هاهنا دلیل التکثیر.

فاعتبر

أی فاتعظ و الزجر النهی و المنع زجر أی منع و ازدجر مطاوع ازدجر اللفظ فیهما واحد تقول ازدجرت زیدا عن کذا فازدجر هو و هذا غریب و إنّما جاء مطاوع ازدجر فی زجر لأنهما کالشیء الواحد و فی بعض الروایات ازدجر فازدجر فلا یحتاج مع هذه الروایة إلی تأویل .

و أناب الرجل إلی اللّه أی أقبل و تاب و اقتدی بزید فعل مثل فعله و احتذی مثله .

قوله ع فأفاد ذخیرة أی فاستفاد و هو من الأضداد أفدت المال زیدا أعطیته إیاه و أفدت أنا مالا أی استفدته و اکتسبته .

قوله ع فاتقوا اللّه عباد اللّه جهة ما خلقکم له نصب جهة بفعل مقدر تقدیره و اقصدوا جهة ما خلقکم له یعنی العبادة لأنّه تعالی قال وَ مٰا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلاّٰ لِیَعْبُدُونِ (1) فحذف الفعل و استغنی عنه بقوله فاتقوا اللّه لأن التقوی

ص :256

ملازمة لقصد المکلف العبادة فدلت علیه و استغنی بها عن إظهاره .

و الکنه الغایة و النهایة تقول أعرفه کنه المعرفة أی نهایتها .

ثمّ قال ع و استحقوا منه ما أعد لکم أی اجعلوا أنفسکم مستحقین لثوابه الذی أعده لکم إن أطعتم.

و الباء فی بالتنجز متعلق باستحقوا و یقال فلان یتنجز الحاجة أی یستنجحها و یطلب تعجلها و الناجز العاجل یقال ناجزا بناجز کقولک یدا بید أی تعجیلا بتعجیل و التنجز من المکلفین بصدق میعاد القدیم سبحانه و هو مواظبتهم علی فعل الواجب و تجنب القبیح و و الحذر مجرور بالعطف علی التنجز لا علی الصدق لأنّه لا معنی له وَ مِنْهَا جَعَلَ لَکُمْ أَسْمَاعاً لِتَعِیَ مَا عَنَاهَا وَ أَبْصَاراً لِتَجْلُوَ عَنْ عَشَاهَا وَ أَشْلاَءً جَامِعَةً لِأَعْضَائِهَا مُلاَئِمَةً لِأَحْنَائِهَا فِی تَرْکِیبِ صُوَرِهَا وَ مُدَدِ عُمُرِهَا بِأَبْدَانٍ قَائِمَةٍ بِأَرْفَاقِهَا وَ قُلُوبٍ رَائِدَةٍ [بَائِدَةٍ]

لِأَرْزَاقِهَا فِی مُجَلِّلاَتِ نِعَمِهِ وَ مُوجِبَاتِ مِنَنِهِ وَ حَوَاجِزِ [جَوَائِزِ]

عَافِیَتِهِ وَ قَدَّرَ لَکُمْ أَعْمَاراً سَتَرَهَا عَنْکُمْ وَ خَلَّفَ لَکُمْ عِبَراً مِنْ آثَارِ الْمَاضِینَ قَبْلَکُمْ مِنْ مُسْتَمْتَعِ خَلاَقِهِمْ وَ مُسْتَفْسَحِ خَنَاقِهِمْ أَرْهَقَتْهُمُ الْمَنَایَا دُونَ الآْمَالِ وَ شَذَّبَهُمْ عَنْهَا تَخَرُّمُ الآْجَالِ لَمْ یَمْهَدُوا فِی سَلاَمَةِ الْأَبْدَانِ وَ لَمْ یَعْتَبِرُوا فِی أُنُفِ الْأَوَانِ .

ص :257

قوله لتعی ما عناها أی لتحفظ و تفهم ما أهمها

1318

وَ مِنْهُ الْأَثَرُ الْمَرْفُوعُ مِنْ حُسْنِ إِسْلاَمِ الْمَرْءِ تَرْکُهُ مَا لاَ یَعْنِیهِ .

و لتجلو أی لتکشف.

و عن هاهنا زائدة و یجوز أن تکون بمعنی بعد کما قال لقحت حرب وائل عن حیال (1) .

أی بعد حیال فیکون قد حذف المفعول و حذفه جائز لأنّه فضله و یکون التقدیر لتجلو الأذی بعد عشاها و العشی مقصور مصدر عشی بکسر الشین یعشی فهو عش إذا أبصر نهارا و لم یبصر لیلا .

و الأشلاء جمع شلو و هو العضو.

فإن قلت فأی معنی فی قوله أعضاء تجمع أعضاء تجمع أعضاءها و کیف یجمع الشیء نفسه قلت أراد ع بالأشلاء هاهنا الأعضاء الظاهرة و بالأعضاء الجوارح الباطنة و لا ریب أن الأعضاء الظاهرة تجمع الأعضاء الباطنة و تضمها و الملاءمة الموافقة و الأحناء الجوانب و الجهات و وجه الموافقة و الملاءمة أن کون الید فی الجانب أولی من کونها فی الرأس أو فی أسفل القدم لأنّها إذا کانت فی الجانب کان البطش و تناول ما یراد و دفع ما یؤذی أسهل و کذلک القول فی جعل العین فی الموضع الذی جعلت به لأنّها کدیدبان السفینة البحریة و لو جعلت فی أم الرأس لم ینتفع بها هذا الحدّ من الانتفاع الآن و إذا تأملت سائر أدوات الجسد و أعضائه وجدتها کذلک.

ص :258

ثم قال فی ترکیب صورها کأنّه قال مرکبة أو مصورة فأتی بلفظه فی کما تقول رکب بسلاحه و فی سلاحه أی متسلحا .

و قوله بأرفاقها أی بمنافعها جمع رفق بکسر الراء مثل حمل و أحمال و أرفقت فلانا أی نفعته و المرفق من الأمر ما ارتفقت به و انتفعت و یروی بأرماقها و الرمق بقیة الروح .

و رائدة طالبة و مجللات النعم تجلل الناس أی تعمهم من قولهم سحاب مجلل أی یطبق الأرض و هذا من باب إضافة الصفة إلی الموصوف کقولک أنا فی سابغ ظلک و عمیم فضلک کأنّه قال فی نعمه المجللة و کذلک القول فی موجبات مننه أی فی مننه التی توجب الشکر.

و فی هاهنا متعلقة بمحذوف و الموضع نصب علی الحال .

ثمّ قال و حواجز عافیته الحواجز الموانع أی فی عافیة تحجز و تمنع عنکم المضار.

و یروی و حواجز بلیته و قد فسر قوله حواجز عافیته علی أن یراد به ما یحجز العافیة و یمنعها عن الزوال و العدم .

قوله ع من مستمتع خلاقهم الخلاق النصیب قال تعالی وَ مٰا لَهُ فِی الْآخِرَةِ مِنْ خَلاٰقٍ (1) و قال تعالی فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاٰقِکُمْ کَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِکُمْ بِخَلاٰقِهِمْ (2) و تقدیر الکلام خلف لکم عبرا من القرون السالفة منها تمتعهم بنصیبهم من الدنیا ثمّ فناؤهم و منها فسحة خناقهم (3) و طول إمهالهم ثمّ کانت عاقبتهم الهلکة .

و أرهقتهم المنایا أدرکتهم مسرعة.

ص :259

و المرهق الذی أدرک لیقتل و شذبهم عنها قطعهم و فرقهم من تشذیب الشجرة و هو تقشیرها.

و تخرمت زیدا المنیة استأصلته و اقتطعته .

ثمّ قال لم یمهدوا فی سلامة الأبدان أی لم یمهدوا لأنفسهم من تمهید الأمور و هو تسویتها و إصلاحها .

و أنف الأوان أوله یقال روضة أنف لم ترع قبل و کأس أنف لم یشرب بها قبل فَهَلْ یَنْتَظِرُ أَهْلُ بَضَاضَةِ الشَّبَابِ إِلاَّ حَوَانِیَ الْهَرَمِ وَ أَهْلُ غَضَارَةِ الصِّحَّةِ إِلاَّ نَوَازِلَ السَّقَمِ وَ أَهْلُ مُدَّةِ الْبَقَاءِ إِلاَّ آوِنَةَ [أَوْبَةَ]

الْفَنَاءِ مَعَ قُرْبِ الزِّیَالِ [الزَّوَالِ]

وَ أُزُوفِ الاِنْتِقَالِ وَ عَلَزِ الْقَلَقِ وَ أَلَمِ الْمَضَضِ وَ غُصَصِ الْجَرَضِ وَ تَلَفُّتِ الاِسْتِغَاثَةِ بِنُصْرَةِ الْحَفَدَةِ وَ الْأَقْرِبَاءِ وَ الْأَعِزَّةِ وَ الْقُرَنَاءِ فَهَلْ دَفَعَتِ الْأَقَارِبُ أَوْ نَفَعَتِ النَّوَاحِبُ وَ قَدْ غُودِرَ فِی مَحَلَّةِ الْأَمْوَاتِ رَهِیناً وَ فِی ضِیقِ الْمَضْجَعِ وَحِیداً قَدْ هَتَکَتِ الْهَوَامُّ جِلْدَتَهُ وَ أَبْلَتِ النَّوَاهِکُ جِدَّتَهُ وَ عَفَتِ الْعَوَاصِفُ آثَارَهُ وَ مَحَا الْحَدَثَانُ مَعَالِمَهُ وَ صَارَتِ الْأَجْسَادُ شَحِبَةً بَعْدَ بَضَّتِهَا وَ الْعِظَامُ نَخِرَةً بَعْدَ قُوَّتِهَا وَ الْأَرْوَاحُ مُرْتَهَنَةً بِثِقَلِ أَعْبَائِهَا مُوقِنَةً بِغَیْبِ أَنْبَائِهَا لاَ تُسْتَزَادُ مِنْ صَالِحِ عَمَلِهَا وَ لاَ تُسْتَعْتَبُ مِنْ سَیِّئِ زَلَلِهَا .

ص :260

البضاضة مصدر من بضضت یا رجل بضضت بالفتح و الکسر بضاضة و بضوضة و رجل بض أی ممتلئ البدن رقیق الجلد و امرأة بضة.

و حوانی الهرم جمع حانیة و هی العلة التی تحنی شطاط (1) الجسد و تمیله عن الاستقامة.

و الهرم الکبر و الغضارة طیب العیش و منه المثل أباد اللّه غضراءهم أی خیرهم و خصبهم .

و آونة الفناء جمع أوان و هو الحین کزمان و أزمنة و فلان یصنع ذلک الأمر آونة کقولک تارات أی یصنعه مرارا و یدعه مرارا .

و الزیال مصدر زایله مزایلة و زیالا أی فارقه .

و الأزوف مصدر أزف أی دنا .

و العلز قلق و خفة و هلع یصیب الإنسان و قد علز بالکسر و بات علزا أی وجعا قلقا و المضض الوجع أمضنی الجرح و مضنی لغتان و قد مضضت یا رجل بالکسر .

و الغصص جمع غصة و هی الشجا و الغصص بالفتح مصدر قولک غصصت یا رجل تغص بالطعام فأنت غاص و غصان و أغصصته أنا.

و الجریض الریق یغص به جرض بریقه بالفتح یجرض بالکسر مثل کسر یکسر و هو أن یبلع ریقه علی هم و حزن بالجهد و الجریض الغصة و فی المثل حال

ص :261

الجریض دون القریض و فلان یجرض بنفسه إذا کان یموت و أجرضه اللّه بریقه أغصه .

و الحفدة الأعوان و الخدم و قیل ولد الولد واحدهم حافد و الباء فی بنصرة الحفدة متعلق بالاستعانة یقول إن المیت عند نزول الأمر به یتلفت مستغیثا بنصرة أهله و ولده أی یستنصر یستصرخ بهم .

و النواحب جمع ناحبة و هی الرافعة صوتها بالبکاء و یروی النوادب .

و الهوام جمع هامة و هی ما یخاف ضرره من الأحناش کالعقارب و العناکب و نحوها و النواهک جمع ناهکة و هی ما ینهک البدن أی یبلیه .

و عفت درست و یروی بالتشدید و شحبة هالکة و الشحب الهلاک شحب الرجل بالکسر یشحب و جاء شحب بالفتح یشحب بالضم أی هلک و شحبة اللّه یشحبه یتعدی و لا یتعدی .

و نخرة بالیة و الأعباء الأثقال واحدها عبء .

و قال موقنة بغیب أنبائها لأن المیت یعلم بعد موته ما یصیر إلیه حاله من جنة أو نار .

ثمّ قال إنها لا تکلف بعد ذلک زیادة فی العمل الصالح و لا یطلب منها التوبة من العمل القبیح لأن التکلیف قد بطل أَ وَ لَسْتُمْ أَبْنَاءَ الْقَوْمِ وَ الآْبَاءَ وَ إِخْوَانَهُمْ وَ الْأَقْرِبَاءَ تَحْتَذُونَ أَمْثِلَتَهُمْ وَ تَرْکَبُونَ قِدَّتَهُمْ وَ تَطَئُونَ جَادَّتَهُمْ فَالْقُلُوبُ قَاسِیَةٌ عَنْ حَظِّهَا لاَهِیَةٌ عَنْ رُشْدِهَا

ص :262

سَالِکَةٌ فِی غَیْرِ مِضْمَارِهَا کَأَنَّ الْمَعْنِیَّ سِوَاهَا وَ کَأَنَّ الرُّشْدَ فِی إِحْرَازِ دُنْیَاهَا .

القدة بالدال المهملة و بکسر القاف الطریقة و یقال لکل فرقة من الناس إذا کانت ذات هوی علی حدة قدة و منه قوله تعالی کُنّٰا طَرٰائِقَ قِدَداً (1) و من رواه و یرکبون قذتهم بالذال المعجمة و ضم القاف أراد الواحدة من قذذ السهم و هی ریشة یقال حذو القذة بالقذة و یکون معنی و ترکبون قذتهم تقتفون آثارهم و تشابهون بهم فی أفعالهم .

ثمّ قال و تطئون جادتهم و هذه لفظة فصیحة جدا .

ثمّ ذکر قساوة القلوب و ضلالها عن رشدها و قال کأن المعنی سواها

1319

هَذَا مِثْلُ قَوْلِ اَلنَّبِیِّ ص کَأَنَّ الْمَوْتَ فِیهَا عَلَی غَیْرِنَا کُتِبَ وَ کَأَنَّ الْحَقَّ فِیهَا عَلَی غَیْرِنَا وَجَبَ.

وَ اعْلَمُوا أَنَّ مَجَازَکُمْ عَلَی اَلصِّرَاطِ [السِّرَاطِ]

وَ مَزَالِقِ دَحْضِهِ وَ أَهَاوِیلِ زَلَلِهِ وَ تَارَاتِ أَهْوَالِهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ تَقِیَّةَ ذِی لُبٍّ شَغَلَ التَّفَکُّرُ قَلْبَهُ وَ أَنْصَبَ الْخَوْفُ بَدَنَهُ وَ أَسْهَرَ التَّهَجُّدُ غِرَارَ نَوْمِهِ وَ أَظْمَأَ الرَّجَاءُ هَوَاجِرَ یَوْمِهِ وَ ظَلَفَ الزُّهْدُ شَهَوَاتِهِ

ص :263

وَ أَوْجَفَ الذِّکْرُ بِلِسَانِهِ وَ قَدَّمَ الْخَوْفَ لِأَمَانِهِ [أَبَانَهُ]

وَ تَنَکَّبَ الْمَخَالِجَ عَنْ وَضَحِ السَّبِیلِ وَ سَلَکَ أَقْصَدَ الْمَسَالِکِ إِلَی النَّهْجِ الْمَطْلُوبِ وَ لَمْ تَفْتِلْهُ فَاتِلاَتُ الْغُرُورِ وَ لَمْ تَعْمَ عَلَیْهِ مُشْتَبِهَاتُ الْأُمُورِ ظَافِراً بِفَرْحَةِ الْبُشْرَی وَ رَاحَةِ النُّعْمَی فِی أَنْعَمِ نَوْمِهِ وَ آمَنِ یَوْمِهِ قَدْ عَبَرَ مَعْبَرَ الْعَاجِلَةِ حَمِیداً وَ قَدَّمَ زَادَ [ذَاتَ]

الآْجِلَةِ سَعِیداً وَ بَادَرَ عَنْ وَجَلٍ وَ أَکْمَشَ فِی مَهَلٍ وَ رَغِبَ فِی طَلَبٍ وَ ذَهَبَ عَنْ هَرَبٍ وَ رَاقَبَ فِی یَوْمِهِ غَدَهُ وَ رُبَّمَا نَظَرَ قُدُماً أَمَامَهُ فَکَفَی بِالْجَنَّةِ ثَوَاباً وَ نَوَالاً وَ کَفَی بِالنَّارِ عِقَاباً وَ وَبَالاً وَ کَفَی بِاللَّهِ مُنْتَقِماً وَ نَصِیراً وَ کَفَی بِالْکِتَابِ حَجِیجاً وَ خَصِیماً.

و قال أصحابنا رحمهم اللّه تعالی الصراط الوارد ذکره فی الکتاب العزیز هو الطریق لأهل الجنة إلی الجنة و لأهل النار إلی النار بعد المحاسبة قالوا لأن أهل الجنة ممرهم علی باب النار فمن کان من أهل النار عدل به إلیها و قذف فیها و من کان من أهل الجنة مر بالنار مرورا نجا منها إلی الجنة و هو معنی قوله تعالی وَ إِنْ مِنْکُمْ إِلاّٰ وٰارِدُهٰا (1) لأن ورودها هو القرب منها و الدنو إلیها و قد دل القرآن علی سور مضروب بین مکان النار و بین الموضع الذی یجتازون منه إلی الجنة فی قوله فَضُرِبَ بَیْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بٰابٌ بٰاطِنُهُ فِیهِ الرَّحْمَةُ وَ ظٰاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذٰابُ (2) .

ص :264

قالوا و لا یصحّ ما

1320

رُوِیَ فِی بَعْضِ الْأَخْبَارِ أَنَّ اَلصِّرَاطَ أَدَقُّ مِنَ الشَّعْرِ وَ أَحَدُّ مِنَ السَّیْفِ وَ أَنَّ الْمُؤْمِنَ یَقْطَعُهُ کَمُرُورِ الْبَرْقِ الْخَاطِفِ وَ الْکَافِرَ یَمْشِی عَلَیْهِ حَبْواً وَ أَنَّهُ یَنْتَفِضُ بِالَّذِینَ عَلَیْهِ حَتَّی تَتَزَایَلَ مَفَاصِلُهُمْ. قالوا لأن مثل ذلک لا یکون طریقا للماشی و لا یتمکن من المشی علیه و لو أمکن لم یصحّ التکلیف فی الآخرة لیؤمر العقلاء بالمرور علیه علی وجه التعبد.

ثمّ سأل أصحابنا أنفسهم فقالوا أی فائدة فی عمل هذا السور و أی فائدة فی کون الطریق الذی هو الصراط منتهیا إلی باب النار منفرجا منها إلی الجنة أ لستم تعللون أفعال البارئ تعالی بالمصالح و الآخرة لیست دار تکلیف لیفعل فیها هذه الأفعال للمصالح.

و أجابوا بأن شعور المکلفین فی الدنیا بهذه الأشیاء مصالح لهم و ألطاف فی الواجبات العقلیّة فإذا أعلم المکلفون بها وجب إیقاعها علی حسب ما وعدوا و أخبروا به لأن اللّه صادق لا خلف فی إخباره.

و عندی أنّه لا یمتنع أن یکون الصراط علی ما وردت به الأخبار و لا مانع من ذلک قولهم لا یکون طریقا للماشی و لا یتمکن من المشی علیه مسلم و لکن لم لا یجوز أن یکون فی جعله علی هذا الوجه و الإخبار عن کیفیته هذه مصلحة للمکلفین فی الدنیا و لیس عدم تمکن الإنسان من المشی علیه بمانع من إیقاعه علی هذا الوجه لأن المراد من هذا و أمثاله هو التخویف و الزجر.

و أمّا قولهم الآخرة لیست دار تکلیف فلقائل أن یقول لهم لم قلتم إنّه تکلیف و لم لا یجوز أن یکون المکلفون مضطرین إلی سلوکه اضطرارا فالمؤمن یخلق اللّه فیه الثبات و السکینة و الحرکة السریعة فینجو و یسلم و الکافر یخلق فیه ضد ذلک فیهوی و یعطب و لا مانع من ذلک .

ص :265

یقال مکان دحض و دحض بالتحریک أی زلق و أدحضته أنا أزلقته فدحض هو .

و الأهاویل الأمور المفزعة و تارات أهواله کقوله دفعات أهواله و إنّما جعل أهواله تارات لأن الأمور الهائلة إذا استمرت لم تکن فی الإزعاج و الترویع کما تکون إذا طرأت تارة و سکنت تارة .

و انصب الخوف بدنه

أتعب و النصب التعب و التهجد هنا صلاة اللیل و أصله السهر و قد جاء التهجد بمعنی النوم أیضا و هو من الأضداد.

الغرار قلة النوم و أصله قلة لبن الناقة و یقال غارت الناقة تغار غرارا قل لبنها.

فإن قلت کیف توصف قلة النوم بالسهر و إنّما یوصف بالسهر الإنسان نفسه قلت هذا من مجازات کلامهم کقولهم لیل ساهر و لیل نائم .

و الهواجر جمع هاجرة و هی نصف النهار عند اشتداد الحرّ یقال قد هجر النهار و أتینا أهلنا مهجرین أی سائرین فی الهاجرة .

و ظلف منع و ظلفت نفس فلان بالکسر عن کذا أی کفت .

و أوجف أسرع کأنّه جعل الذکر لشدة تحریکه اللسان موجفا به کما توجف الناقة براکبها و الوجیف ضرب من السیر .

ثمّ قال و قدم الخوف لأمانه اللام هاهنا لام التعلیل أی قدم خوفه لیأمن و المخالج الأمور المختلجة أی الجاذبة خلجه و اختلجه أی جذبه .

و أقصد المسالک أقومها و طریق قاصد أی مستقیم .

و فتله عن کذا أی رده و صرفه و هو قلب لفت .

و یروی قد عبر معبر العاجلة حمیدا و قدم زاد الآجلة سعیدا .

ص :266

و أکمش أسرع و مثله انکمش و رجل کمش أی سریع و قد کمش بالضم کماشة فهو کمش و کمیش و کمشته تکمیشا أعجلته .

قوله و رغب فی طلب و ذهب عن هرب أی و رغب فیما یطلب مثله و فر عما یهرب من مثله فأقام المصدر مقام ذی المصدر .

و نظر قدما أمامه أی و نظر ما بین یدیه مقدما لم ینثن و لم یعرج و الدال مضمومة هاهنا.

قال الشاعر یذم امرأة تمضی إذا زجرت عن سوأة قدما کأنها هدم فی الجفر منقاض (1) .

و من رواه بالتسکین جاز أن یعنی به هذا و یکون قد خفف کما قالوا حلم و حلم.

و جاز أن یجعله مصدرا من قدم الرجل بالفتح یقدم قدما أی تقدم قال اللّه تعالی یَقْدُمُ قَوْمَهُ یَوْمَ الْقِیٰامَةِ (2) أی یتقدمهم إلی ورودها کأنّه قال و نظر بین یدیه متقدما لغیره و سابقا إیاه إلی ذلک و الباء فی بالجنة و بالنار و بالله و بالکتاب زائدة و التقدیر کفی اللّه و کفی الکتاب

ص :267

أُوصِیکُمْ بِتَقْوَی اللَّهِ الَّذِی أَعْذَرَ بِمَا أَنْذَرَ وَ احْتَجَّ بِمَا نَهَجَ وَ حَذَّرَکُمْ عَدُوّاً نَفَذَ فِی الصُّدُورِ خَفِیّاً وَ نَفَثَ فِی الْآذَانِ نَجِیّاً فَأَضَلَّ وَ أَرْدَی وَ وَعَدَ فَمَنَّی وَ زَیَّنَ سَیِّئَاتِ [النِّیَاتِ]

الْجَرَائِمِ وَ هَوَّنَ مُوبِقَاتِ الْعَظَائِمِ حَتَّی إِذَا اسْتَدْرَجَ قَرِینَتَهُ وَ اسْتَغْلَقَ رَهِینَتَهُ أَنْکَرَ مَا زَیَّنَ وَ اسْتَعْظَمَ مَا هَوَّنَ وَ حَذَّرَ مَا أَمَّنَ .

أعذر بما أنذر

ما هاهنا مصدریة أی أعذر بإنذاره و یجوز أن تکون بمعنی الذی .

و العدو المذکور الشیطان .

و قوله نفذ فی الصدور و نفث فی الآذان کلام صحیح بدیع و فی قوله نفذ فی الصدور مناسبة

1321

لِقَوْلِهِ ص

اَلشَّیْطَانُ یَجْرِی مِنْ بَنِی آدَمَ مَجْرَی الدَّمِ.

و النجی الذی یساره و الجمع الأنجیة قال إنی إذا ما القوم کانوا أنجیه (1) .

و قد یکون النجی جماعة مثل الصدیق قال اللّه تعالی خَلَصُوا نَجِیًّا (2) أی متناجین .

القرینة هاهنا الإنسان الذی قارنه الشیطان و لفظه لفظ التأنیث و هو مذکر أراد القرین قال تعالی فَبِئْسَ الْقَرِینُ (3) و یجوز أن یکون أراد بالقرینة النفس و یکون

ص :268

الضمیر عائدا إلی غیر مذکور لفظا لما دل المعنی علیه لأن قوله فأضل و أردی و وعد فمنی معناه أضل الإنسان و أردی و وعده فمنی فالمفعول محذوف لفظا و إلیه رجع الضمیر علی هذا الوجه و یقال غلق الرهن إذا لم یفتکه الراهن فی الوقت المشروط فاستحقه المرتهن.

و هذا الکلام مأخوذ من قوله تعالی وَ قٰالَ اَلشَّیْطٰانُ لَمّٰا قُضِیَ الْأَمْرُ إِنَّ اللّٰهَ وَعَدَکُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَ وَعَدْتُکُمْ فَأَخْلَفْتُکُمْ وَ مٰا کٰانَ لِی عَلَیْکُمْ مِنْ سُلْطٰانٍ إِلاّٰ أَنْ دَعَوْتُکُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِی فَلاٰ تَلُومُونِی وَ لُومُوا أَنْفُسَکُمْ مٰا أَنَا بِمُصْرِخِکُمْ وَ مٰا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِیَّ الآیة (1) وَ مِنْهَا فِی صِفَةِ خَلْقِ الْإِنْسَانِ أَمْ هَذَا الَّذِی أَنْشَأَهُ فِی ظُلُمَاتِ الْأَرْحَامِ وَ شُغُفِ الْأَسْتَارِ نُطْفَةً دِهَاقاً [دِفَاقاً ذِهَاقاً]

وَ عَلَقَةً مِحَاقاً وَ جَنِیناً وَ رَاضِعاً وَ وَلِیداً وَ یَافِعاً ثُمَّ مَنَحَهُ قَلْباً حَافِظاً وَ لِسَاناً لاَفِظاً وَ بَصَراً لاَحِظاً لِیَفْهَمَ مُعْتَبِراً وَ یُقَصِّرَ مُزْدَجِراً حَتَّی إِذَا قَامَ اعْتِدَالُهُ وَ اسْتَوَی مِثَالُهُ نَفَرَ مُسْتَکْبِراً وَ خَبَطَ سَادِراً مَاتِحاً فِی غَرْبِ هَوَاهُ کَادِحاً سَعْیاً لِدُنْیَاهُ فِی لَذَّاتِ طَرَبِهِ وَ بَدَوَاتِ أَرَبِهِ ثُمَّ لاَ یَحْتَسِبُ رَزِیَّةً وَ لاَ یَخْشَعُ تَقِیَّةً فَمَاتَ فِی فِتْنَتِهِ غَرِیراً وَ عَاشَ فِی هَفْوَتِهِ یَسِیراً [أَسِیراً]

لَمْ یُفِدْ عِوَضاً [غَرَضاً]

وَ لَمْ یَقْضِ مُفْتَرَضاً دَهِمَتْهُ فَجَعَاتُ الْمَنِیَّةِ فِی غُبَّرِ [غَبْرَةِ]

جِمَاحِهِ وَ سَنَنِ مِرَاحِهِ فَظَلَّ سَادِراً وَ بَاتَ سَاهِراً فِی غَمَرَاتِ الآْلاَمِ وَ طَوَارِقِ الْأَوْجَاعِ وَ الْأَسْقَامِ بَیْنَ أَخٍ شَقِیقٍ وَ وَالِدٍ شَفِیقٍ

ص :269

وَ دَاعِیَةٍ بِالْوَیْلِ جَزَعاً وَ لاَدِمَةٍ لِلصَّدْرِ قَلَقاً وَ الْمَرْءُ فِی سَکْرَةٍ مُلْهِثَةٍ وَ غَمْرَةٍ کَارِثَةٍ وَ أَنَّةٍ مُوجِعَةٍ وَ جَذْبَةٍ مُکْرِبَةٍ وَ سَوْقَةٍ مُتْعِبَةٍ ثُمَّ أُدْرِجَ فِی أَکْفَانِهِ مُبْلِساً [مُلْبَساً]

وَ جُذِبَ مُنْقَاداً سَلِساً ثُمَّ أُلْقِیَ عَلَی الْأَعْوَادِ رَجِیعَ وَصَبٍ وَ نِضْوَ سَقَمٍ تَحْمِلُهُ حَفَدَةُ الْوِلْدَانِ وَ حَشَدَةُ الْإِخْوَانِ إِلَی دَارِ غُرْبَتِهِ وَ مُنْقَطَعِ زَوْرَتِهِ وَ مُفْرَدِ وَحْشَتِهِ حَتَّی إِذَا انْصَرَفَ الْمُشَیِّعُ وَ رَجَعَ الْمُتَفَجِّعُ [مُفِجِّ]

أُقْعِدَ فِی حُفْرَتِهِ نَجِیّاً لِبَهْتَةِ السُّؤَالِ وَ عَثْرَةِ الاِمْتِحَانِ وَ أَعْظَمُ مَا هُنَالِکَ بَلِیَّةً نُزُولُ الْحَمِیمِ وَ تَصْلِیَةُ الْجَحِیمِ وَ فَوْرَاتُ السَّعِیرِ وَ سَوْرَاتُ الزَّفِیرِ [السَّعِیرِ]

لاَ فَتْرَةٌ مُرِیحَةٌ وَ لاَ دَعَةٌ مُزِیحَةٌ وَ لاَ قُوَّةٌ حَاجِزَةٌ وَ لاَ مَوْتَةٌ نَاجِزَةٌ وَ لاَ سِنَةٌ مُسْلِیَةٌ بَیْنَ أَطْوَارِ الْمَوْتَاتِ وَ عَذَابِ السَّاعَاتِ إِنَّا بِاللَّهِ عَائِذُونَ .

أم

هنا إمّا استفهامیة علی حقیقتها کأنّه قال أعظکم و أذکرکم بحال الشیطان و إغوائه أم بحال الإنسان منذ ابتدأ وجوده إلی حین مماته و إمّا أن تکون منقطعة بمعنی بل کأنّه قال عادلا و تارکا لما وعظهم به بل أتلو علیکم نبأ هذا الإنسان الذی حاله کذا .

الشغف بالغین المعجمة جمع شغاف بفتح الشین و أصله غلاف القلب یقال شغفه الحب أی بلغ شغافه و قرئ قَدْ شَغَفَهٰا حُبًّا (1) .

و الدهاق المملوءة و یروی دفاقا من دفقت الماء أی صببته .

قال و علقة محاقا المحاق ثلاث لیال من آخر الشهر و سمیت محاقا لأن القمر یمتحق فیهن أی یخفی و تبطل صورته و إنّما جعل العلقة محاقا هاهنا لأنّها لم تحصل لها الصورة الإنسانیة بعد فکانت ممحوة ممحوة ممحوقة.

ص :270

و الیافع الغلام المرتفع أیفع و هو یافع و هذا من النوادر و غلام یفع و یفعة و غلمان أیفاع و یفعة أیضا .

قوله و خبط سادرا خبط البعیر إذا ضرب بیدیه إلی الأرض و مشی لا یتوقی شیئا.

و السادر المتحیر و السادر أیضا الذی لا یهتم و لا یبالی ما صنع و الموضع یحتمل کلا التفسیرین .

و الماتح الذی یستقی الماء من البئر و هو علی رأسها و المائح الذی نزل البئر إذا قل ماؤها فیملأ الدلاء و سئل بعض أئمة اللغة عن الفرق بین الماتح و المائح فقال اعتبر نقطتی الإعجام فالأعلی للأعلی و الأدنی للأدنی و الغرب الدلو العظیمة و الکدح شدة السعی و الحرکة قال تعالی یٰا أَیُّهَا الْإِنْسٰانُ إِنَّکَ کٰادِحٌ إِلیٰ رَبِّکَ کَدْحاً (1) .

قوله و بدوات أی ما یخطر له من آرائه التی تختلف فیها دواعیه فتقدم و تحجم و مات غریرا أی شابا و یمکن أن یراد به أنّه غیر مجرب للأمور .

و الهفوة الزلة هفا یهفو لم یفد عوضا أی لم یکتسب .

و غبر جماحه بقایاه قال أبو کبیر الهذلی و مبرإ من کل غبر حیضة و فساد مرضعة و داء مغیل (2) .

و الجماح الشره و ارتکاب الهوی و سنن مراحه السنن الطریقة و المراح شدة الفرج و النشاط .

قوله فظل سادرا السادر هاهنا غیر السادر الأول لأنّه هاهنا المغمی علیه کأنّه

ص :271

سکران و أصله من سدر البعیر من شدة الحرّ و کثرة الطلاء بالقطران فیکون کالنائم لا یحس و مراده ع هاهنا أنّه بدأ به المرض و لادمة للصدر ضاربة له و التدام النساء ضربهن الصدور عند النیاحة سکرة ملهثة تجعل الإنسان لاهثا لشدتها لهث یلهث لهثانا و لهاثا و یروی ملهیة بالیاء أی تلهی الإنسان و تشغله.

و الکارثة فاعلة من کرثه الغم یکرثه بالضم أی اشتد علیه و بلغ منه غایة المشقة .

الجذبة جذب الملک الروح من الجسد أو جذب الإنسان إذا احتضر لیسجی .

و السوقة من سیاق الروح عند الموت و المبلس الذی ییئس من رحمة اللّه و منه سمی إبلیس و الإبلاس أیضا الانکسار و الحزن و السلس السهل المقادة و الأعواد خشب الجنازة و رجیع وصب الرجیع المعنی الکال و الوصب الوجع وصب الرجل یوصب فهو واصب و أوصبه اللّه فهو موصب و الموصب بالتشدید الکثیر الأوجاع و النضو الهزیل و حشدة الإخوان جمع حاشد و هو المتأهب المستعد و دار غربته قبره و کذلک منقطع زورته لأن الزیارة تنقطع عنده.

و مفرد وحشته نحو ذلک لانفراده بعمله و استیحاش الناس منه حتی إذا انصرف المشیع و هو الخارج مع جنازته أقعد فی حفرته هذا تصریح بعذاب القبر و سنذکر ما یصلح ذکره فی هذا الموضع .

و النجی المناجی و نزول الحمیم و تصلیة الجحیم من الألفاظ الشریفة القرآنیة (1) .

ثمّ نفی ع أن یکون فی العذاب فتور یجد الإنسان معه راحة أو سکون یزیح عنه الألم أی یزیله أو أن الإنسان یجد فی نفسه قوة تحجز بینه و بین الألم أی تمنع و یموت موتا ناجزا معجلا فیستریح أو ینام فیسلو وقت نومه عما أصابه من الألم فی الیقظة کما فی دار الدنیا.

ص :272

ثم قال بین أطوار الموتات و هذا فی ظاهره متناقض لأنّه نفی الموت مطلقا ثمّ قال بین أطوار الموتات و الجواب أنّه أراد بالموتات الآلام العظیمة فسماها موتات لأن العرب تسمی المشقة العظیمة موتا کما قال إنّما المیت میت الأحیاء (1) .

و یقولون الفقر الموت الأحمر و استعمالهم مثل ذلک کثیر جدا .

ثمّ قال إنا بالله عائذون عذت بفلان و استعذت به أی التجأت إلیه

قال رحمه اللّه تعالی و أنکر أیضا مشایخنا أن یکون عذاب القبر دائما فی کل حال لأن الأخبار إنّما وردت بذلک فی الجملة فالذی یقال به هو قدر ما تقتضیه الأخبار دون ما زاد علیه ممّا لا دلیل علیه و لذلک لسنا نوقت فی التعذیب وقتا و إن کان الأقرب فی الأخبار أنّها الأوقات المقارنة للدفن و إن کان لا نعنیها بأعیانها.

هکذا قال قاضی القضاة و الذی أعرفه أنا من مذهب کثیر من شیوخنا قبل قاضی القضاة أن الأغلب أن یکون عذاب القبر بین النفختین.

ثمّ إن قاضی القضاة سأل نفسه فقال إذا کانت الآخرة هی وقت المجازاة فکیف یعذب فی القبر فی أیّام الدنیا.

و أجاب بأن القلیل من العقاب المستحق قد یجوز أن یجعله اللّه فی الدنیا لبعض المصالح کما فعل فی تعجیل إقامة الحدود علی من یستحقها فلا یمنع منه تعالی أن یفعل ذلک بالإنسان إذا کان من أهل النار .

ثمّ سأل نفسه فقال إذا کان بالموت قد زال عنه التکلیف فکیف یقولون یکون ذلک من مصالحه.

و أجاب بأنا لم نقل إن ذلک من مصالحه و هو میت و إنّما نقول إنّه مصلحة أن نعلم فی الدنیا ذلک من حال الموتی لأنّه إذا تصور أنّه مات عوجل بضرب من العقاب فی القبر کان أقرب إلی أن ینصرف عن کثیر من المعاصی و قد یجوز أن یکون ذلک لطفا للملائکة الذین یتولون هذا التعذیب.

فأما القول فی منکر و نکیر فإنه سأل نفسه رحمه اللّه تعالی و قال کیف یجوز أن یسموا بأسماء الذم و عندکم أن الملائکة أفضل من الأنبیاء.

ص :274

و أجاب فقال إن التسمیة إذا کانت لقبا لم یقع بها ذمّ لأن الذم إنّما یقع لفائدة الاسم و الألقاب کالإشارات لا فائدة تحتها و لذا یلقب الرجل المسلم بظالم و کلب و نحو ذلک فیجوز أن یکون هذان الاسمان من باب الألقاب و یجوز أن یسمیا بذلک من حیث یهجمان علی الإنسان عند إکمال اللّه تعالی عقله علی وجه ینکره و یرتاع منه فسمیا منکرا و نکیرا .

قال و قد روی فی المساءلة فی القبر أخبار کثیرة و کل ذلک ممّا لا قبح فیه بل یجوز أن یکون من مصالح المکلفین فلا یصحّ المنع عنه.

و جملة الأمر أن کل ما ثبت من ذلک بالتواتر و الإجماع و لیس بمستحیل فی القدرة و لا قبیح فی الحکمة یجب القول به و ما عداه ممّا وردت به آثار و أخبار آحاد یجب أن یجوز و یقال إنّه مظنون لیس بمعلوم إذا لم یمنع منه الدلیل عِبَادَ اللَّهِ أَیْنَ الَّذِینَ عُمِّرُوا فَنَعِمُوا وَ عُلِّمُوا فَفَهِمُوا وَ أُنْظِرُوا فَلَهَوْا وَ سُلِّمُوا فَنَسُوا أُمْهِلُوا طَوِیلاً وَ مُنِحُوا جَمِیلاً وَ حُذِّرُوا أَلِیماً وَ وُعِدُوا جَسِیماً احْذَرُوا الذُّنُوبَ الْمُوَرِّطَةَ وَ الْعُیُوبَ الْمُسْخِطَةَ أُولِی الْأَبْصَارِ وَ الْأَسْمَاعِ وَ الْعَافِیَةِ وَ الْمَتَاعِ هَلْ مِنْ مَنَاصٍ أَوْ خَلاَصٍ أَوْ مَعَاذٍ أَوْ مَلاَذٍ أَوْ فِرَارٍ أَوْ مَحَارٍ فَأَنّٰی تُؤْفَکُونَ أَمْ أَیْنَ تُصْرَفُونَ أَمْ بِمَا ذَا تَغْتَرُّونَ وَ إِنَّمَا حَظُّ أَحَدِکُمْ مِنَ الْأَرْضِ ذَاتِ الطُّوْلِ وَ الْعَرْضِ قِیدُ قَدِّهِ [مُنْعَفِراً]

مُتَعَفِّراً عَلَی خَدِّهِ الآْنَ عِبَادَ اللَّهِ وَ الْخِنَاقُ مُهْمَلٌ وَ الرُّوحُ مُرْسَلٌ فِی فَیْنَةِ الْإِرْشَادِ وَ رَاحَةِ

ص :275

الْأَجْسَادِ وَ بَاحَةِ الاِحْتِشَادِ وَ مَهَلِ الْبَقِیَّةِ وَ أُنُفِ الْمَشِیَّةِ وَ إِنْظَارِ التَّوْبَةِ وَ انْفِسَاحِ الْحَوْبَةِ قَبْلَ الضَّنْکِ وَ الْمَضِیقِ وَ الرَّوْعِ وَ الزُّهُوقِ وَ قَبْلَ قُدُومِ الْغَائِبِ الْمُنْتَظَرِ وَ إِخْذَةِ الْعَزِیزِ الْمُقْتَدِرِ.

[ قال الرضی رحمه اللّه و فی الخبر أنّه ع لما خطب بهذه الخطبة اقشعرت لها الجلود و بکت العیون و رجفت القلوب و من الناس من یسمی هذه الخطبة الغراء ]

نعم الرجل ینعم ضد قولک بئس و جاء شاذا نعم ینعم بالکسر و أنظروا أمهلوا و الذنوب المورطة التی تلقی أصحابها فی الورطة و هی الهلاک قال رؤبة (1) فأصبحوا فی ورطة الأوراط (2) .

و أصله أرض مطمئنة لا طریق فیها و قد أورطت زیدا و ورطته توریطا فتورط ثمّ قال ع أولی الأبصار و الأسماع ناداهم نداء ثانیا بعد النداء الذی فی أول الفصل و هو قوله عباد اللّه فقال یا من منحهم اللّه أبصارا و أسماعا و أعطاهم عافیة و متعهم متاعا هل من مناص و هو الملجأ و المفر یقال ناص عن قرنه مناصا أی فر و راوغ قال سبحانه وَ لاٰتَ حِینَ مَنٰاصٍ (3) .

ص :276

و المحار المرجع من حار یحور أی رجع قال تعالی إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ یَحُورَ (1) .

و یؤفکون یقلبون أفکه یأفکه عن کذا قلبه عنه إلی غیره و مثله یصرفون .

و قید قده مقدار قده یقال قرب منه قید رمح و قاد رمح و المراد هاهنا هو القبر لأنّه بمقدار قامة الإنسان .

و المنعفر الذی قد لامس العفر و هو التراب .

ثمّ قال ع الآن و الخناق مهمل تقدیره اعملوا الآن و أنتم مخلون متمکنون لم یعقد الحبل فی أعناقکم و لم تقبض أرواحکم .

و الروح یذکر و یؤنث و الفینة الوقت و یروی و فینة الارتیاد و هو الطلب .

و أنف المشیة أول أوقات الإرادة و الاختیار .

قوله و انفساح الحوبة أی سعة وقت الحاجة و الحوبة الحاجة و الأرب قال الفرزدق فهب لی خنیسا و اتخذ فیه منة لحوبة أم ما یسوغ شرابها (2) .

و الغائب المنتظر هو الموت.

قال شیخنا أبو عثمان رحمه اللّه تعالی حدّثنی ثمامة قال سمعت جعفر بن یحیی و کان من أبلغ الناس و أفصحهم یقول الکتابة (3) ضم اللفظة إلی أختها أ لم تسمعوا قول شاعر لشاعر و قد تفاخرا أنا أشعر منک لأنّی أقول البیت و أخاه و أنت تقول البیت و ابن عمه ثمّ قال و ناهیک حسنا بقول علیّ بن أبی طالب ع هل من مناص أو خلاص أو معاذ أو ملاذ أو فرار أو محار .

ص :277

قال أبو عثمان و کان جعفر یعجب أیضا بقول علی ع أین من جد و اجتهد و جمع و احتشد و بنی فشید و فرش فمهد (1) و زخرف فنجد قال أ لا تری أن کل لفظة منها آخذة بعنق قرینتها جاذبة إیاها إلی نفسها دالة علیها بذاتها قال أبو عثمان فکان جعفر یسمیه فصیح قریش .و اعلم أننا لا یتخالجنا الشک فی أنّه ع أفصح من کل ناطق بلغة العرب من الأولین و الآخرین إلاّ من کلام اللّه سبحانه و کلام رسول اللّه ص و ذلک لأن فضیلة الخطیب و الکاتب فی خطابته و کتابته تعتمد علی أمرین هما مفردات الألفاظ و مرکباتها.

أما المفردات فأن تکون سهلة سلسة غیر وحشیة و لا معقدة و ألفاظه ع کلها کذلک فأما المرکبات فحسن المعنی و سرعة وصوله إلی الأفهام و اشتماله علی الصفات التی باعتبارها فضل بعض الکلام علی بعض و تلک الصفات هی الصناعة التی سماها المتأخرون البدیع من المقابلة و المطابقة و حسن التقسیم و ردّ آخر الکلام علی صدره و الترصیع و التسهیم و التوشیح و المماثلة و الاستعارة و لطافة استعمال المجاز و الموازنة و التکافؤ و التسمیط و المشاکلة.

و لا شبهة أن هذه الصفات کلها موجودة فی خطبه و کتبه مبثوثة متفرقة فی فرش کلامه ع و لیس یوجد هذان الأمران فی کلام أحد غیره فإن کان قد تعملها و أفکر فیها و أعمل رویته فی رصفها (2) و نثرها فلقد أتی بالعجب العجاب و وجب

ص :278

أن یکون إمام الناس کلهم فی ذلک لأنّه ابتکره و لم یعرف من قبله و إن کان اقتضبها ابتداء و فاضت علی لسانه مرتجلة و جاش بها طبعه بدیهة من غیر رویة و لا اعتمال فأعجب و أعجب.

و علی کلا الأمرین فلقد جاء مجلیا و الفصحاء تنقطع أنفاسهم علی أثره و بحق ما قال معاویة لمحقن الضبی لما قال له جئتک من عند أعیا الناس یا ابن اللخناء أ لعلی (1) تقول هذا و هل سن الفصاحة لقریش غیره.

و اعلم أن تکلف الاستدلال علی أن الشمس مضیئة یتعب و صاحبه منسوب إلی السفه و لیس جاحد الأمور المعلومة علما ضروریا بأشد سفها ممن رام الاستدلال بالأدلة النظریة علیها

ص :279

الممازحة حتّی أنی ألاعب النساء و أغازلهن فعل المترف الفارغ القلب الذی تتقضی (1) أوقاته بملاذ نفسه .

و یلحف یلح فی السؤال قال تعالی لاٰ یَسْئَلُونَ النّٰاسَ إِلْحٰافاً (2) و منه المثل لیس للملحف مثل الرد .

و الإل العهد و لما اختلف اللفظان حسن التقسیم بهما و إن کان المعنی واحدا .

و معنی قوله ما لم تأخذ السیوف مآخذها أی ما لم تبلغ الحرب إلی أن تخالط الرءوس أی هو ملیء بالتحریض و الإغراء قبل أن تلتحم الحرب فإذا التحمت و اشتدت فلا یمکث و فعل فعلته التی فعل .

و السبة الاست و سبه یسبه طعنه فی السبة.

و یجوز رفع أکبر و نصبه فإن رفعت فهو الاسم و إن نصبت فهو الخبر .

و الأتیة العطیة و الإیتاء الإعطاء و رضخ له رضخا أعطاه عطاء بالکثیر و هی الرضیخة لما یعطی

أبوه العاص بن وائل أحد المستهزءین برسول اللّه ص و المکاشفین له بالعداوة و الأذی و فیه و فی أصحابه أنزل قوله تعالی إِنّٰا کَفَیْنٰاکَ الْمُسْتَهْزِئِینَ (1) .

و یلقب العاص بن وائل فی الإسلام بالأبتر لأنّه قال لقریش سیموت هذا الأبتر غدا فینقطع ذکره یعنی رسول اللّه ص لأنّه لم یکن له ص ولد ذکر یعقب منه فأنزل اللّه سبحانه إِنَّ شٰانِئَکَ هُوَ الْأَبْتَرُ (2) .

1322

14- وَ کَانَ عَمْرٌو أَحَدَ مَنْ یُؤْذِی رَسُولَ اللَّهِ ص بِمَکَّةَ وَ یَشْتِمُهُ وَ یَضَعُ فِی طَرِیقِهِ الْحِجَارَةَ لِأَنَّهُ کَانَ ص یَخْرُجُ مِنْ مَنْزِلِهِ لَیْلاً فَیَطُوفُ بِالْکَعْبَةِ وَ کَانَ عَمْرٌو یَجْعَلُ لَهُ الْحِجَارَةَ فِی مَسْلَکِهِ لِیَعْثُرَ بِهَا وَ هُوَ أَحَدُ الْقَوْمِ الَّذِینَ خَرَجُوا إِلَی زَیْنَبَ ابْنَةِ رَسُولِ اللَّهِ ص لَمَّا خَرَجَتْ مُهَاجِرَةً مِنْ مَکَّةَ إِلَی اَلْمَدِینَةِ فَرَوَّعُوهَا وَ قَرَعُوا هَوْدَجَهَا بِکُعُوبِ الرِّمَاحِ حَتَّی أَجْهَضَتْ جَنِیناً مَیِّتاً مِنْ أَبِی الْعَاصِ بْنِ الرَّبِیعِ بَعْلِهَا فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِکَ رَسُولَ اللَّهِ ص نَالَ مِنْهُ وَ شَقَّ عَلَیْهِ مَشَقَّةً شَدِیدَةً وَ لَعَنَهُمُ رَوَی ذَلِکَ اَلْوَاقِدِیُّ .

1323

14- وَ رَوَی اَلْوَاقِدِیُّ أَیْضاً وَ غَیْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْحَدِیثِ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ هَجَا رَسُولَ اللَّهِ ص هِجَاءً کَثِیراً کَانَ یُعَلِّمُهُ صِبْیَانَ مَکَّةَ فَیُنْشِدُونَهُ وَ یَصِیحُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ إِذَا مَرَّ بِهِمُ رَافِعِینَ أَصْوَاتَهُمْ بِذَلِکَ الْهِجَاءِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص وَ هُوَ یُصَلِّی بِالْحِجْرِ اللَّهُمَّ إِنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ هَجَانِی وَ لَسْتُ بِشَاعِرٍ فَالْعَنْهُ بِعَدَدِ مَا هَجَانِی .

1324

14,15- وَ رَوَی أَهْلُ الْحَدِیثِ أَنَّ اَلنَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ وَ عُقْبَةَ بْنَ أَبِی مُعَیْطٍ وَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ عَهِدُوا إِلَی سَلَی (3) جَمَلٍ فَرَفَعُوهُ بَیْنَهُمْ وَ وَضَعُوهُ عَلَی رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ هُوَ سَاجِدٌ بِفِنَاءِ اَلْکَعْبَةِ فَسَالَ عَلَیْهِ فَصَبَرَ وَ لَمْ یَرْفَعْ رَأْسَهُ وَ بَکَی فِی سُجُودِهِ وَ دَعَا عَلَیْهِمْ

ص :282

فَجَاءَتِ ابْنَتُهُ فَاطِمَةُ ع وَ هِیَ بَاکِیَةٌ فَاحْتَضَنَتْ ذَلِکَ السَّلاَ فَرَفَعَتْهُ عَنْهُ فَأَلْقَتْهُ وَ قَامَتْ عَلَی رَأْسِهِ تَبْکِی فَرَفَعَ رَأْسَهُ ص وَ قَالَ اللَّهُمَّ عَلَیْکَ بِقُرَیْشٍ قَالَهَا ثَلاَثاً ثُمَّ قَالَ رَافِعاً صَوْتَهُ إِنِّی مَظْلُومٌ فَانْتَصِرْ قَالَهَا ثَلاَثاً ثُمَّ قَامَ فَدَخَلَ مَنْزِلَهُ وَ ذَلِکَ بَعْدَ وَفَاةِ عَمِّهِ أَبِی طَالِبٍ بِشَهْرَیْنِ .

و لشدة عداوة عمرو بن العاص لرسول اللّه ص أرسله أهل مکّة إلی النجاشیّ لیزهده فی الدین و لیطرد عن بلاده مهاجرة الحبشة و لیقتل جعفر بن أبی طالب عنده إن أمکنه قتله فکان منه فی أمر جعفر هناک ما هو مذکور مشهور فی السیر و سنذکر بعضه .

فأما النابغة

1325

فَقَدْ ذَکَرَ اَلزَّمَخْشَرِیُّ فِی کِتَابِ رَبِیعِ الْأَبْرَارِ قَالَ کَانَتِ اَلنَّابِغَةُ أُمُّ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَمَةً لِرَجُلٍ مِنْ عَنَزَةَ فَسُبِیَتْ فَاشْتَرَاهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جُدْعَانَ التَّیْمِیُّ بِمَکَّةَ فَکَانَتْ بَغِیّاً ثُمَّ أَعْتَقَهَا فَوَقَعَ عَلَیْهَا أَبُو لَهَبِ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَ أُمَیَّةُ بْنُ خَلَفٍ الْجُمَحِیُّ وَ هِشَامُ بْنُ الْمُغِیرَةِ الْمَخْزُومِیُّ وَ أَبُو سُفْیَانَ بْنُ حَرْبٍ وَ اَلْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ السَّهْمِیُّ فِی طُهْرٍ وَاحِدٍ فَوَلَدَتْ عَمْراً فَادَّعَاهُ کُلُّهُمْ فَحُکِّمَتْ أُمُّهُ فِیهِ فَقَالَتْ هُوَ مِنَ اَلْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ وَ ذَاکَ لِأَنَّ اَلْعَاصَ بْنَ وَائِلٍ کَانَ یُنْفِقُ عَلَیْهَا کَثِیراً قَالُوا وَ کَانَ أَشْبَهَ بِأَبِی سُفْیَانَ وَ فِی ذَلِکَ یَقُولُ أَبُو سُفْیَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فِی عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَبُوکَ أَبُو سُفْیَانَ لاَ شَکَّ قَدْ بَدَتْ لَنَا فِیکَ مِنْهُ بَیِّنَاتُ الشَّمَائِلِ.

1326

وَ قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبِرِّ صَاحِبُ کِتَابِ اَلْإِسْتِیعَابِ

(1)

کَانَ اسْمُهَا سَلْمَی وَ تَلَقَّبَتْ بِالنَّابِغَةِ بِنْتَ حَرْمَلَةَ (2) مِنْ بَنِی جِلاَّنَ بْنِ عَنَزَةَ بْنِ أَسَدِ بْنِ رَبِیعَةَ بْنِ نِزَارٍ

ص :283

أَصَابَهَا سِبَاءً فَصَارَتْ إِلَی اَلْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ بَعْدَ جَمَاعَةٍ مِنْ قُرَیْشٍ فَأَوْلَدَهَا عَمْراً .قَالَ أَبُو عُمَرَ یُقَالُ إِنَّهُ جُعِلَ لِرَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ عَلَی أَنْ یَسْأَلَ عَمْراً وَ هُوَ عَلَی الْمِنْبَرِ مَنْ أُمُّهُ فَسَأَلَهُ فَقَالَ أُمِّی سَلْمَی بِنْتُ حَرْمَلَةَ تُلَقَّبُ بِالنَّابِغَةِ مِنْ بَنِی عَنَزَةَ ثُمَّ أَحَدُ بَنِی جِلاَّنَ وَ أَصَابَتْهَا رَاحُ (1) اَلْعَرَبِ فَبِیعَتْ بِعُکَاظَ فَاشْتَرَاهَا اَلْفَاکِهُ بْنُ الْمُغِیرَةِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا مِنْهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جُدْعَانَ ثُمَّ صَارَتْ إِلَی اَلْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ فَوَلَدَتْ فَأَنْجَبَتْ فَإِنْ کَانَ جُعِلَ لَکَ شَیْءٌ فَخُذْ.

1327

وَ قَالَ اَلْمُبَرَّدُ فِی کِتَابِ اَلْکَامِلِ

(2)

اسْمُهَا لَیْلَی وَ ذَکَرَ هَذَا الْخَبَرَ وَ قَالَ إِنَّهَا لَمْ تَکُنْ فِی مَوْضِعٍ مَرْضِیٍّ قَالَ اَلْمُبَرَّدُ وَ قَالَ اَلْمُنْذِرُ بْنُ الْجَارُودِ مَرَّةً لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَیُّ رَجُلٍ أَنْتَ لَوْ لاَ أَنَّ أُمِّکَ أُمَّکَ فَقَالَ إِنِّی أَحْمَدُ اللَّهَ إِلَیْکَ لَقَدْ فَکَّرْتُ الْبَارِحَةَ (3) فِیهَا فَأَقْبَلْتُ أَنْقُلُهَا فِی قَبَائِلِ اَلْعَرَبِ (4) مِمَّنْ أُحِبُّ أَنْ تَکُونَ (5) مِنْهَا فَمَا خَطَرَتْ لِی عَبْدُ الْقَیْسِ عَلَی بَالٍ.

وَ قَالَ اَلْمُبَرَّدُ وَ دَخَلَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ مَکَّةَ فَرَأَی قَوْماً مِنْ قُرَیْشٍ قَدْ جَلَسُوا حَلْقَةً فَلَمَّا رَأَوْهُ رَمَقُوهُ بِأَبْصَارِهِمْ فَعَدَلَ إِلَیْهِمْ فَقَالَ أَحْسَبُکُمْ کُنْتُمْ فِی شَیْءٍ مِنْ ذِکْرِی قَالُوا أَجَلْ کُنَّا نُمَثِّلُ بَیْنَکَ وَ بَیْنَ أَخِیکَ هِشَامِ بْنِ الْعَاصِ أَیُّکُمَا أَفْضَلُ فَقَالَ عَمْرٌو إِنَّ لِهِشَامٍ عَلَیَّ أَرْبَعَةٌ أُمُّهُ بِنْتُ هِشَامِ بْنِ الْمُغِیرَةِ وَ أُمِّی مَنْ قَدْ عَرَفْتُمْ وَ کَانَ أَحَبَّ إِلَی أَبِیهِ مِنِّی وَ قَدْ عَلِمْتُمْ مَعْرِفَةَ الْوَالِدِ بِوَلَدِهِ وَ أَسْلَمَ قَبْلِی وَ اسْتُشْهِدَ وَ بَقِیتُ.

1328

وَ رَوَی أَبُو عُبَیْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّی فِی کِتَابِ اَلْأَنْسَابِ أَنَّ عَمْراً اخْتَصَمَ فِیهِ یَوْمَ

ص :284

وِلاَدَتِهِ رَجُلاَنِ أَبُو سُفْیَانَ بْنُ حَرْبٍ وَ اَلْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ فَقِیلَ لِتَحْکُمْ أُمُّهُ فَقَالَتْ أُمُّهُ إِنَّهُ مِنَ اَلْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ فَقَالَ أَبُو سُفْیَانَ أَمَا إِنِّی لاَ أَشُکُّ أَنِّی وَضَعْتُهُ فِی رَحِمِ أُمِّهِ فَأَبَتْ إِلاَّ اَلْعَاصَ .فَقِیلَ لَهَا أَبُو سُفْیَانَ أَشْرَفُ نَسَباً فَقَالَتْ إِنَّ اَلْعَاصَ بْنَ وَائِلٍ کَثِیرُ النَّفَقَةِ عَلَیَّ وَ أَبُو سُفْیَانَ شَحِیحٌ.

فَفِی ذَلِکَ یَقُولُ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ حَیْثُ هَجَاهُ مُکَافِئاً لَهُ عَنْ هَجَاءِ رَسُولِ اللَّهِ ص أَبُوکَ أَبُو سُفْیَانَ لاَ شَکَّ قَدْ بَدَتْ

قَالَ مُعَاوِیَةُ إِنِّی لاَ أَرَی ذَلِکَ وَ لاَ أَفْعَلُهُ قَالُوا عَزَمْنَا عَلَیْکَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ لَتَفْعَلَنَّ فَقَالَ وَیْحَکُمْ لاَ تَفْعَلُوا فَوَ اللَّهِ مَا رَأَیْتُهُ قَطُّ جَالِساً عِنْدِی إِلاَّ خِفْتُ مَقَامَهُ وَ عَیْبَهُ لِی قَالُوا ابْعَثْ إِلَیْهِ عَلَی کُلِّ حَالٍ قَالَ إِنْ بَعَثْتُ إِلَیْهِ لَأُنْصِفَنَّهُ مِنْکُمْ.

فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ أَ تَخْشَی أَنْ یَأْتِیَ بَاطِلُهُ عَلَی حَقِّنَا أَوْ یُرْبِیَ قَوْلُهُ عَلَی قَوْلِنَا قَالَ مُعَاوِیَةُ أَمَا إِنِّی إِنْ بَعَثْتُ إِلَیْهِ لَآمُرَنَّهُ أَنْ یَتَکَلَّمَ بِلِسَانِهِ کُلِّهِ قَالُوا مُرْهُ بِذَلِکَ.

قَالَ أَمَا إِذْ عَصَیْتُمُونِی وَ بَعَثْتُمْ إِلَیْهِ وَ أَبَیْتُمْ إِلاَّ ذَلِکَ فَلاَ تُمْرِضُوا (1) لَهُ فِی الْقَوْلِ وَ اعْلَمُوا أَنَّهُمْ أَهْلُ بَیْتٍ لاَ یَعِیبُهُمُ الْعَائِبُ وَ لاَ یَلْصَقُ بِهِمُ الْعَارُ وَ لَکِنِ اقْذِفُوهُ بِحَجَرِهِ تَقُولُونَ لَهُ إِنَّ أَبَاکَ قَتَلَ عُثْمَانَ وَ کَرِهَ خِلاَفَةَ الْخُلَفَاءِ مِنْ قَبْلِهِ.

فَبَعَثَ إِلَیْهِ مُعَاوِیَةُ فَجَاءَهُ رَسُولُهُ فَقَالَ إِنَّ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ یَدْعُوکَ.

قَالَ مَنْ عِنْدَهُ فَسَمَّاهُمْ لَهُ فَقَالَ اَلْحَسَنُ ع مَا لَهُمْ خَرَّ عَلَیْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَ أَتٰاهُمُ الْعَذٰابُ مِنْ حَیْثُ لاٰ یَشْعُرُونَ ثُمَّ قَالَ یَا جَارِیَةُ ابْغِینِی (2) ثِیَابِی اللَّهُمَّ إِنِّی أَعُوذُ بِکَ مِنْ شُرُورِهِمْ وَ أَدْرَأُ بِکَ فِی نُحُورِهِمْ وَ أَسْتَعِینُ بِکَ عَلَیْهِمْ فَاکْفِنِیهِمْ کَیْفَ شِئْتَ وَ أَنَّی شِئْتَ بِحَوْلٍ مِنْکَ وَ قُوَّةٍ یَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِینَ ثُمَّ قَامَ فَلَمَّا دَخَلَ عَلَی مُعَاوِیَةَ أَعْظَمَهُ وَ أَکْرَمَهُ وَ أَجْلَسَهُ إِلَی جَانِبِهِ وَ قَدِ ارْتَادَ الْقَوْمُ وَ خَطَرُوا خَطَرَانَ الْفُحُولِ بَغْیاً فِی أَنْفُسِهِمْ وَ عُلُوّاً ثُمَّ قَالَ یَا أَبَا مُحَمَّدٍ إِنَّ هَؤُلاَءِ بَعَثُوا إِلَیْکَ وَ عَصَوْنِی.

فَقَالَ اَلْحَسَنُ ع سُبْحَانَ اللَّهِ الدَّارُ دَارُکَ وَ الْإِذْنُ فِیهَا إِلَیْکَ وَ اللَّهِ إِنْ کُنْتَ أَجَبْتَهُمْ إِلَی مَا أَرَادُوا وَ مَا فِی أَنْفُسِهِمْ إِنِّی لَأَسْتَحْیِی لَکَ مِنَ الْفُحْشِ وَ إِنْ کَانُوا غَلَبُوکَ عَلَی رَأْیِکَ إِنِّی لَأَسْتَحْیِی لَکَ مِنَ الضَّعْفِ فَأَیَّهُمَا تُقَرِّرُ وَ أَیَّهُمَا تُنْکِرُ أَمَا إِنِّی

ص :286

لَوْ عَلِمْتُ بِمَکَانِهِمْ جِئْتُ مَعِی بِمِثْلِهِمْ مِنْ بَنِی عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَ مَا لِی أَنْ أَکُونَ مُسْتَوْحِشاً مِنْکَ وَ لاَ مِنْهُمْ إِنَّ وَلِیِّیَ اللّٰهُ ... وَ هُوَ یَتَوَلَّی الصّٰالِحِینَ .

فَقَالَ مُعَاوِیَةُ یَا هَذَا إِنِّی کَرِهْتُ أَنْ أَدْعُوکَ وَ لَکِنَّ هَؤُلاَءِ حَمَلُونِی عَلَی ذَلِکَ مَعَ کَرَاهَتِی لَهُ وَ إِنَّ لَکَ مِنْهُمُ النَّصَفَ وَ مِنِّی وَ إِنَّمَا دَعَوْنَاکَ لِنُقَرِّرَکَ أَنَّ عُثْمَانَ قُتِلَ مَظْلُوماً وَ أَنَّ أَبَاکَ قَتَلَهُ فَاسْتَمِعْ مِنْهُمْ ثُمَّ أَجِبْهُمْ وَ لاَ تَمْنَعْکَ وَحْدَتُکَ وَ اجْتِمَاعُهُمْ أَنْ تَتَکَلَّمَ بِکُلِّ لِسَانِکَ.

فَتَکَلَّمَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ صَلَّی عَلَی رَسُولِهِ ثُمَّ ذَکَرَ عَلِیّاً ع فَلَمْ یَتْرُکْ شَیْئاً یَعِیبُهُ بِهِ إِلاَّ قَالَهُ وَ قَالَ إِنَّهُ شَتَمَ أَبَا بَکْرٍ وَ کَرِهَ خِلاَفَتَهُ وَ امْتَنَعَ مِنَ بَیْعَتِهِ ثُمَّ بَایَعَهُ مُکْرَهاً وَ شَرِکَ فِی دَمِ عُمَرَ وَ قَتَلَ عُثْمَانُ ظُلْماً وَ ادَّعَی مِنَ الْخِلاَفَةِ مَا لَیْسَ لَهُ.

ثُمَّ ذَکَرَ الْفِتْنَةَ یُعَیِّرُهُ بِهَا وَ أَضَافَ إِلَیْهِ مَسَاوِئَ وَ قَالَ إِنَّکُمْ یَا بَنِی عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لَمْ یَکُنِ اللَّهُ لِیُعْطِیَکُمُ الْمُلْکَ عَلَی قَتْلِکُمُ الْخُلَفَاءَ وَ اسْتِحْلاَلِکُمْ مَا حَرَّمَ اللَّهُ مِنَ الدِّمَاءِ وَ حِرْصِکُمْ عَلَی الْمُلْکِ وَ إِتْیَانِکُمْ مَا لاَ یَحِلُّ ثُمَّ إِنَّکَ یَا حَسَنُ تُحَدِّثُ نَفْسَکَ أَنَّ الْخِلاَفَةَ صَائِرَةٌ إِلَیْکَ وَ لَیْسَ عِنْدَکَ عَقْلُ ذَلِکَ وَ لاَ لُبُّهُ کَیْفَ تَرَی اللَّهَ سُبْحَانَهُ سَلَبَکَ عَقْلَکَ وَ تَرَکَکَ أَحْمَقَ قُرَیْشٍ یُسْخَرُ مِنْکَ وَ یُهْزَأُ بِکَ وَ ذَلِکَ لِسُوءِ عَمَلِ أَبِیکَ وَ إِنَّمَا دَعَوْنَاکَ لِنَسُبَّکَ وَ أَبَاکَ فَأَمَّا أَبُوکَ فَقَدْ تَفَرَّدَ اللَّهُ بِهِ وَ کَفَانَا أَمْرَهُ وَ أَمَّا أَنْتَ فَإِنَّکَ فِی أَیْدِینَا نَخْتَارُ فِیکَ الْخِصَالَ وَ لَوْ قَتَلْنَاکَ مَا کَانَ عَلَیْنَا إِثْمٌ مِنَ اللَّهِ وَ لاَ عَیْبٌ مِنَ النَّاسِ فَهَلْ تَسْتَطِیعُ أَنْ تَرُدَّ عَلَیْنَا وَ تُکَذِّبَنَا فَإِنْ کُنْتَ تَرَی أَنَّا کَذَبْنَا فِی شَیْءٍ فَارْدُدْهُ عَلَیْنَا فِیمَا قُلْنَا وَ إِلاَّ فَاعْلَمْ أَنَّکَ وَ أَبَاکَ ظَالِمَانِ ثُمَّ تَکَلَّمَ اَلْوَلِیدُ بْنُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِی مُعَیْطٍ فَقَالَ یَا بَنِی هَاشِمٍ إِنَّکُمْ کُنْتُمْ أَخْوَالَ عُثْمَانَ فَنِعْمَ الْوَلَدُ کَانَ لَکُمْ فَعَرَفَ حَقَّکُمْ وَ کُنْتُمْ أَصْهَارَهُ فَنِعْمَ الصِّهْرُ کَانَ لَکُمْ یُکْرِمُکُمْ فَکُنْتُمْ

ص :287

أَوَّلَ مَنْ حَسَدَهُ فَقَتَلَهُ أَبُوکَ ظُلْماً لاَ عُذْرَ لَهُ وَ لاَ حُجَّةَ فَکَیْفَ تَرَوْنَ اللَّهَ طَلَبَ بِدَمِهِ وَ أَنْزَلَکُمْ مَنْزِلَتَکُمْ وَ اللَّهِ إِنَّ بَنِی أُمَیَّةَ خَیْرٌ لِبَنِی هَاشِمٍ مِنَ بَنِی هَاشِمٍ لِبَنِی أُمَیَّةَ وَ إِنَّ مُعَاوِیَةَ خَیْرٌ لَکَ مِنْ نَفْسِکَ.

ثُمَّ تَکَلَّمَ عُتْبَةُ بْنُ أَبِی سُفْیَانَ فَقَالَ یَا حَسَنُ کَانَ أَبُوکَ شَرَّ قُرَیْشٍ لِقُرَیْشٍ أَسْفَکَهَا لِدِمَائِهَا وَ أَقْطَعَهَا لِأَرْحَامِهَا طَوِیلَ السَّیْفِ وَ اللِّسَانِ یَقْتُلُ الْحَیَّ وَ یَعِیبُ الْمَیِّتَ وَ إِنَّکَ مِمَّنْ قَتَلَ عُثْمَانَ وَ نَحْنُ قَاتِلُوکَ بِهِ وَ أَمَّا رَجَاؤُکَ الْخِلاَفَةَ فَلَسْتَ فِی زَنْدِهَا قَادِحاً وَ لاَ فِی مِیزَانِهَا رَاجِحاً وَ إِنَّکُمْ یَا بَنِی هَاشِمٍ قَتَلْتُمْ عُثْمَانَ وَ إِنَّ فِی الْحَقِّ أَنْ نَقْتُلَکَ وَ أَخَاکَ بِهِ فَأَمَّا أَبُوکَ فَقَدْ کَفَانَا اللَّهُ أَمْرَهُ وَ أَقَادَ مِنْهُ وَ أَمَّا أَنْتَ فَوَ اللَّهِ مَا عَلَیْنَا لَوْ قَتَلْنَاکَ بِعُثْمَانَ إِثْمٌ وَ لاَ عُدْوَانٌ.

ثُمَّ تَکَلَّمَ اَلْمُغِیرَةُ بْنُ شُعْبَةَ فَشَتَمَ عَلِیّاً وَ قَالَ وَ اللَّهِ مَا أَعِیبُهُ فِی قَضِیَّةٍ یَخُونُ وَ لاَ فِی حُکْمٍ یَمِیلُ وَ لَکِنَّهُ قَتَلَ عُثْمَانَ ثُمَّ سَکَتُوا.

فَتَکَلَّمَ اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِیٍّ ع فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ وَ صَلَّی عَلَی رَسُولِهِ ص ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ یَا مُعَاوِیَةُ فَمَا هَؤُلاَءِ شَتَمُونِی وَ لَکِنَّکَ شَتَمْتَنِی فُحْشاً أَلِفْتَهُ وَ سُوءَ رَأْیٍ عُرِفْتَ بِهِ وَ خُلُقاً سَیِّئاً ثَبَتَّ عَلَیْهِ وَ بَغْیاً عَلَیْنَا عَدَاوَةً مِنْکَ لِمُحَمَّدٍ وَ أَهْلِهِ وَ لَکِنِ اسْمَعْ یَا مُعَاوِیَةُ وَ اسْمَعُوا فَلَأَقُولَنَّ فِیکَ وَ فِیهِمْ مَا هُوَ دُونَ مَا فِیکُمْ أَنْشُدُکُمُ اللَّهَ أَیُّهَا الرَّهْطُ أَ تَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِی شَتَمْتُمُوهُ مُنْذُ الْیَوْمِ صَلَّی الْقِبْلَتَیْنِ کِلْتَیْهِمَا وَ أَنْتَ یَا مُعَاوِیَةُ بِهِمَا کَافِرٌ تَرَاهَا ضَلاَلَةً وَ تَعْبُدُ اَللاَّتَ وَ اَلْعُزَّی غَوَایَةً وَ أَنْشُدُکُمُ اللَّهَ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ بَایَعَ الْبَیْعَتَیْنِ کِلْتَیْهِمَا بَیْعَةَ الْفَتْحِ وَ بَیْعَةَ الرِّضْوَانِ وَ أَنْتَ یَا مُعَاوِیَةُ بِإِحْدَاهُمَا کَافِرٌ وَ بِالْأُخْرَی نَاکِثٌ وَ أَنْشُدُکُمُ اللَّهَ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ أَوَّلُ النَّاسِ إِیمَاناً وَ أَنَّکَ یَا مُعَاوِیَةُ وَ أَبَاکَ

ص :288

مِنَ اَلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ تُسِرُّونَ اَلْکُفْرَ وَ تُظْهِرُونَ اَلْإِسْلاَمَ وَ تُسْتَمَالُونَ بِالْأَمْوَالِ وَ أَنْشُدُکُمُ اللَّهَ أَ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ کَانَ صَاحِبَ رَایَةِ رَسُولِ اللَّهِ ص یَوْمَ بَدْرٍ وَ أَنَّ رَایَةَ اَلْمُشْرِکِینَ کَانَتْ مَعَ مُعَاوِیَةَ وَ مَعَ أَبِیهِ ثُمَّ لَقِیَکُمْ یَوْمَ أُحُدٍ وَ یَوْمَ الْأَحْزَابِ وَ مَعَهُ رَایَةُ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ مَعَکَ وَ مَعَ أَبِیکَ رَایَةُ الشِّرْکِ وَ فِی کُلِّ ذَلِکَ یَفْتَحُ اللَّهُ لَهُ وَ یُفْلِجُ حُجَّتَهُ وَ یَنْصُرُ دَعْوَتَهُ وَ یُصَدِّقُ حَدِیثَهُ وَ رَسُولُ اللَّهِ ص فِی تِلْکَ الْمَوَاطِنِ کُلِّهَا عَنْهُ رَاضٍ وَ عَلَیْکَ وَ عَلَی أَبِیکَ سَاخِطٌ وَ أَنْشُدُکَ اللَّهَ یَا مُعَاوِیَةُ أَ تَذْکُرُ یَوْماً جَاءَ أَبُوکَ عَلَی جَمَلٍ أَحْمَرَ وَ أَنْتَ تَسُوقُهُ وَ أَخُوکَ عُتْبَةُ هَذَا یَقُودُهُ فَرَآکُمْ رَسُولُ اللَّهِ ص فَقَالَ اللَّهُمَّ الْعَنِ الرَّاکِبَ وَ الْقَائِدَ وَ السَّائِقَ أَ تَنْسَی یَا مُعَاوِیَةَ الشِّعْرَ الَّذِی کَتَبْتَهُ إِلَی أَبِیکَ لَمَّا هَمَّ أَنْ یُسْلِمَ تَنْهَاهُ عَنْ ذَلِکَ یَا صَخْرُ لاَ تُسْلِمَنَّ یَوْماً فَتَفْضَحَنَا وَ اللَّهِ لَمَا أَخْفَیْتُ مِنْ أَمْرِکَ أَکْبَرُ مِمَّا أَبْدَیْتُ وَ أَنْشُدُکُمُ اللَّهَ أَیُّهَا الرَّهْطُ أَ تَعْلَمُونَ أَنَّ عَلِیّاً حَرَّمَ الشَّهَوَاتِ عَلَی نَفْسِهِ بَیْنَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ص فَأُنْزِلَ فِیهِ یٰا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لاٰ تُحَرِّمُوا طَیِّبٰاتِ مٰا أَحَلَّ اللّٰهُ لَکُمْ (1) وَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص بَعَثَ أَکَابِرَ أَصْحَابِهِ إِلَی بَنِی قُرَیْظَةَ فَنَزَلُوا مِنْ حِصْنِهِمْ فَهُزِمُوا فَبَعَثَ عَلِیّاً بِالرَّایَةِ فَاسْتَنْزَلَهُمْ عَلَی حُکْمِ اللَّهِ وَ حُکْمِ رَسُولِهِ وَ فَعَلَ فِی خَیْبَرَ مِثْلَهَا

ص :289

ثُمَّ قَالَ یَا مُعَاوِیَةُ أَظُنُّکَ لاَ تَعْلَمُ أَنِّی أَعْلَمُ مَا دَعَا بِهِ عَلَیْکَ رَسُولُ اللَّهِ ص لَمَّا أَرَادَ أَنْ یَکْتُبَ کِتَاباً إِلَی بَنِی خُزَیْمَةَ فَبَعَثَ إِلَیْکَ اِبْنَ عَبَّاسٍ فَوَجَدَکَ تَأْکُلُ ثُمَّ بَعَثَهُ إِلَیْکَ مَرَّةً أُخْرَی فَوَجَدَکَ تَأْکُلُ فَدَعَا عَلَیْکَ اَلرَّسُولُ بِجُوعِکَ (1) وَ نَهْمِکَ إِلَی أَنْ تَمُوتَ وَ أَنْتُمْ أَیُّهَا الرَّهْطُ نَشَدْتُکُمُ اللَّهَ أَ لاَ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص لَعَنَ أَبَا سُفْیَانَ فِی سَبْعَةِ مَوَاطِنَ لاَ تَسْتَطِیعُونَ رَدَّهَا أَوَّلُهَا یَوْمَ لَقِیَ رَسُولَ اللَّهِ ص خَارِجاً مِنْ مَکَّةَ إِلَی اَلطَّائِفِ یَدْعُو ثَقِیفاً إِلَی الدِّینِ فَوَقَعَ بِهِ وَ سَبَّهُ وَ سَفَّهُهُ وَ شَتَمَهُ وَ کَذَّبَهُ وَ تَوَعَّدَهُ وَ هَمَّ أَنْ یَبْطِشَ بِهِ فَلَعَنَهُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ صُرِفَ عَنْهُ وَ الثَّانِیَةُ یَوْمَ الْعِیرِ إِذْ عَرَضَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ ص وَ هِیَ جَائِیَةٌ مِنَ اَلشَّامِ فَطَرَدَهَا أَبُو سُفْیَانَ وَ سَاحَلَ بِهَا فَلَمْ یَظْفَرِ اَلْمُسْلِمُونَ بِهَا وَ لَعَنَهُ رَسُولُ اللَّهِ ص وَ دَعَا عَلَیْهِ فَکَانَتْ وَقْعَةُ بَدْرٍ لِأَجْلِهَا وَ الثَّالِثَةُ یَوْمَ أُحُدٍ حَیْثُ وَقَفَ تَحْتَ الْجَبَلِ وَ رَسُولُ اللَّهِ ص فِی أَعْلاَهُ وَ هُوَ یُنَادِی اعْلُ هُبَلُ مِرَاراً فَلَعَنَهُ رَسُولُ اللَّهِ ص عَشْرَ مَرَّاتٍ وَ لَعَنَهُ اَلْمُسْلِمُونَ وَ الرَّابِعَةُ یَوْمَ جَاءَ بِالْأَحْزَابِ وَ غَطَفَانَ وَ اَلْیَهُودِ فَلَعَنَهُ رَسُولُ اللَّهِ وَ ابْتَهَلَ وَ الْخَامِسَةُ یَوْمَ جَاءَ أَبُو سُفْیَانَ فِی قُرَیْشٍ فَصَدُّوا رَسُولَ اللَّهِ ص عَنِ اَلْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ وَ الْهَدْیَ مَعْکُوفاً أَنْ یَبْلُغَ مَحِلَّهُ ذَلِکَ یَوْمُ اَلْحُدَیْبِیَةِ فَلَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ ص أَبَا سُفْیَانَ وَ لَعَنَ الْقَادَةَ وَ الْأَتْبَاعَ وَ قَالَ مَلْعُونُونَ کُلُّهُمْ وَ لَیْسَ فِیهِمْ مَنْ یُؤْمِنُ فَقِیلَ یَا رَسُولَ اللَّهِ أَ فَمَا یُرْجَی اَلْإِسْلاَمُ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ فَکَیْفَ بِاللَّعْنَةِ فَقَالَ لاَ تُصِیبُ اللَّعْنَةُ أَحَداً مِنَ الْأَتْبَاعِ وَ أَمَّا الْقَادَةُ فَلاَ یُفْلِحُ مِنْهُمْ أَحَدٌ

ص :290

وَ السَّادِسَةُ یَوْمَ الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ وَ السَّابِعَةُ یَوْمَ وَقَفُوا لِرَسُولِ اللَّهِ ص فِی الْعَقَبَةِ لِیَسْتَنْفِرُوا نَاقَتَهُ وَ کَانُوا اثْنَیْ عَشَرَ رَجُلاً مِنْهُمْ أَبُو سُفْیَانَ فَهَذَا لَکَ یَا مُعَاوِیَةُ وَ أَمَّا أَنْتَ یَا اِبْنَ الْعَاصِ فَإِنَّ أَمْرَکَ مُشْتَرَکٌ وَضَعَتْکَ أُمُّکَ مَجْهُولاً مِنْ عَهْرٍ وَ سِفَاحٍ فِیکَ أَرْبَعَةٌ مِنْ قُرَیْشٍ فَغَلَبَ عَلَیْکَ جَزَّارُهَا أَلْأَمُهُمْ حَسَباً وَ أَخْبَثُهُمْ مَنْصَباً ثُمَّ قَامَ أَبُوکَ فَقَالَ أَنَا شَانِئُ مُحَمَّدٍ الْأَبْتَرِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِیهِ مَا أَنْزَلَ وَ قَاتَلْتَ رَسُولَ اللَّهِ ص فِی جَمِیعِ الْمَشَاهِدِ وَ هَجَوْتَهُ وَ آذَیْتَهُ بِمَکَّةَ وَ کِدْتَهُ کَیْدَکَ کُلَّهُ وَ کُنْتَ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ لَهُ تَکْذِیباً وَ عَدَاوَةً ثُمَّ خَرَجْتَ تُرِیدُ اَلنَّجَاشِیَّ مَعَ أَصْحَابِ السَّفِینَةِ لِتَأْتِیَ بِجَعْفَرٍ وَ أَصْحَابِهِ إِلَی أَهْلِ مَکَّةَ فَلَمَّا أَخْطَأَکَ مَا رَجَوْتَ وَ رَجَعَکَ اللَّهُ خَائِباً وَ أَکْذَبَکَ وَاشِیاً جَعَلْتَ حَدَّکَ عَلَی صَاحِبِکَ عُمَارَةَ بْنِ الْوَلِیدِ فَوَشَیْتَ بِهِ إِلَی اَلنَّجَاشِیِّ حَسَداً لِمَا ارْتَکَبَ مَعَ حَلِیلَتِکَ فَفَضَحَکَ اللَّهُ وَ فَضَحَ صَاحِبَکَ فَأَنْتَ عَدُوُّ بَنِی هَاشِمٍ فِی اَلْجَاهِلِیَّةِ وَ اَلْإِسْلاَمِ ثُمَّ إِنَّکَ تَعْلَمُ وَ کُلَّ هَؤُلاَءِ الرَّهْطِ یَعْلَمُونَ أَنَّکَ هَجَوْتَ رَسُولَ اللَّهِ ص بِسَبْعِینَ بَیْتاً مِنَ الشِّعْرِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص اللَّهُمَّ إِنِّی لاَ أَقُولُ الشِّعْرَ وَ لاَ یَنْبَغِی لِی اللَّهُمَّ الْعَنْهُ بِکُلِّ حَرْفٍ أَلْفَ لَعْنَةٍ فَعَلَیْکَ إِذاً مِنَ اللَّهِ مَا لاَ یُحْصَی مِنَ اللَّعْنِ وَ أَمَّا مَا ذَکَرْتَ مِنْ أَمْرِ عُثْمَانَ فَأَنْتَ سَعَّرْتَ عَلَیْهِ الدُّنْیَا نَاراً ثُمَّ لَحِقْتَ بِفِلَسْطِینَ فَلَمَّا أَتَاکَ قَتْلُهُ قُلْتَ أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ إِذَا نَکَأْتُ قَرْحَةً أَدْمَیْتُهَا ثُمَّ حَبَسْتَ نَفْسَکَ إِلَی مُعَاوِیَةَ وَ بِعْتَ دِینَکَ بِدُنْیَاهُ فَلَسْنَا نَلُومُکَ عَلَی بُغْضٍ وَ لاَ نُعَاتِبُکَ عَلَی وُدٍّ وَ بِاللَّهِ

ص :291

مَا نَصَرْتَ عُثْمَانَ حَیّاً وَ لاَ غَضِبْتَ لَهُ مَقْتُولاً وَیْحَکَ یَا اِبْنَ الْعَاصِ أَ لَسْتَ الْقَائِلَ فِی بَنِی هَاشِمٍ لَمَّا خَرَجْتَ مِنْ مَکَّةَ إِلَی اَلنَّجَاشِیِّ تَقُولُ ابْنَتِی أَیْنَ هَذَا الرَّحِیلُ فَهَذَا جَوَابُکَ هَلْ سَمِعْتَهُ وَ أَمَّا أَنْتَ یَا وَلِیدُ فَوَ اللَّهِ مَا أَلُومُکَ عَلَی بُغْضِ عَلِیٍّ وَ قَدْ جَلَدَکَ ثَمَانِینَ فِی الْخَمْرِ وَ قَتَلَ أَبَاکَ بَیْنَ یَدَیْ رَسُولِ اللَّهِ صَبْراً وَ أَنْتَ الَّذِی سَمَّاهُ اللَّهُ الْفَاسِقَ وَ سَمَّی عَلِیّاً الْمُؤْمِنَ حَیْثُ تَفَاخَرْتُمَا فَقُلْتَ لَهُ اسْکُتْ یَا عَلِیُّ فَأَنَا أَشْجَعُ مِنْکَ جَنَاناً وَ أَطْوَلُ مِنْکَ لِسَاناً فَقَالَ لَکَ عَلِیٌّ اُسْکُتْ یَا وَلِیدُ فَأَنَا مُؤْمِنٌ وَ أَنْتَ فَاسِقٌ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَی فِی مُوَافَقَةِ قَوْلِهِ أَ فَمَنْ کٰانَ مُؤْمِناً کَمَنْ کٰانَ فٰاسِقاً لاٰ یَسْتَوُونَ (1) ثُمَّ أَنْزَلَ فِیکَ عَلَی مُوَافَقَةِ قَوْلِهِ أَیْضاً إِنْ جٰاءَکُمْ فٰاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَیَّنُوا (2) وَیْحَکَ یَا وَلِیدُ مَهْمَا نَسِیتَ فَلاَ تَنْسَ قَوْلَ الشَّاعِرُ فِیکَ وَ فِیهِ أَنْزَلَ اللَّهُ وَ اَلْکِتَابُ عَزِیزٌ فِی عَلِیٍّ وَ فِی اَلْوَلِیدِ قُرْآناً

ص :292

فَتَبَوَّأَ اَلْوَلِیدُ إِذْ ذَاکَ فِسْقاً

وَ مَا أَنْتَ وَ قُرَیْشٌ إِنَّمَا أَنْتَ عِلْجٌ مِنْ أَهْلِ صَفُّورِیَةَ وَ أُقْسِمُ بِاللَّهِ لَأَنْتَ أَکْبَرُ فِی الْمِیلاَدِ وَ أَسَنُّ مِمَّنْ تُدْعَی إِلَیْهِ وَ أَمَّا أَنْتَ یَا عُتْبَةُ فَوَ اللَّهِ مَا أَنْتَ بِحَصِیفٍ فَأُجِیبَکَ وَ لاَ عَاقِلٍ فَأُحَاوِرَکَ وَ أُعَاتِبَکَ وَ مَا عِنْدَکَ خَیْرٌ یُرْجَی وَ لاَ شَرٌّ یُتَّقَی وَ مَا عَقْلُکَ وَ عَقْلُ أَمَتِکَ إِلاَّ سَوَاءٌ وَ مَا یَضُرُّ عَلِیّاً لَوْ سَبَبْتَهُ عَلَی رُءُوسِ الْأَشْهَادِ وَ أَمَّا وَعِیدُکَ إِیَّایَ بِالْقَتْلِ فَهَلاَّ قَتَلْتَ اَللِّحْیَانِیَّ إِذَا وَجَدْتَهُ عَلَی فِرَاشِکَ أَمَا تَسْتَحْیِی مِنْ قَوْلِ نَصْرِ بْنِ حَجَّاجٍ فِیکَ یَا لَلرِّجَالِ وَ حَادِثِ الْأَزْمَانِ وَ بَعْدَ هَذَا مَا أَرْبَأُ بِنَفْسِی عَنْ ذِکْرِهِ لِفُحْشِهِ فَکَیْفَ یَخَافُ أَحَدٌ سَیْفَکَ وَ لَمْ تُقْتَلْ فَاضِحَکَ وَ کَیْفَ أَلُومُکَ عَلَی بُغْضِ عَلِیٍّ وَ قَدْ قَتَلَ خَالَکَ اَلْوَلِیدَ مُبَارَزَةً یَوْمَ بَدْرٍ وَ شَرِکَ حَمْزَةَ فِی قَتْلِ جَدِّکَ عُتْبَةَ وَ أَوْحَدَکَ مِنْ أَخِیکَ حَنْظَلَةَ فِی مَقَامٍ وَاحِدٍ وَ أَمَّا أَنْتَ یَا مُغِیرَةُ فَلَمْ تَکُنْ بِخَلِیقٍ أَنْ تَقَعَ فِی هَذَا وَ شِبْهِهِ وَ إِنَّمَا مَثَلُکَ مَثَلُ الْبَعُوضَةِ إِذْ قَالَتْ لِلنَّخْلَةِ اسْتَمْسِکِی فَإِنِّی طَائِرَةٌ عَنْکِ فَقَالَتِ النَّخْلَةُ وَ هَلْ عَلِمْتُ بِکِ وَاقِعَةً عَلَیَّ فَأَعْلَمَ بِکِ طَائِرَةً عَنِّی

ص :293

وَ اللَّهِ مَا نَشْعُرُ بِعَدَاوَتِکَ إِیَّانَا وَ لاَ اغْتَمَمْنَا إِذْ عَلِمْنَا بِهَا وَ لاَ یَشُقُّ عَلَیْنَا کَلاَمُکَ وَ إِنَّ حَدَّ اللَّهِ فِی الزِّنَا لَثَابِتٌ عَلَیْکَ وَ لَقَدْ دَرَأَ عُمَرُ عَنْکَ حَقّاً اللَّهُ سَائِلُهُ عَنْهُ وَ لَقَدْ سَأَلْتَ رَسُولَ اللَّهِ ص هَلْ یَنْظُرُ الرَّجُلُ إِلَی الْمَرْأَةِ یُرِیدُ أَنْ یَتَزَوَّجَهَا فَقَالَ لاَ بَأْسَ بِذَلِکَ یَا مُغِیرَةُ مَا لَمْ یَنْوِ الزِّنَا لِعِلْمِهِ بِأَنَّکَ زَانٍ وَ أَمَّا فَخْرُکُمْ عَلَیْنَا بِالْإِمَارَةِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَی یَقُولُ وَ إِذٰا أَرَدْنٰا أَنْ نُهْلِکَ قَرْیَةً أَمَرْنٰا مُتْرَفِیهٰا فَفَسَقُوا فِیهٰا فَحَقَّ عَلَیْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنٰاهٰا تَدْمِیراً (1) .

ثُمَّ قَامَ اَلْحَسَنُ فَنَفَضَ ثَوْبَهُ وَ انْصَرَفَ فَتَعَلَّقَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ بِثَوْبِهِ وَ قَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ قَدْ شَهِدْتَ قَوْلَهُ فِیَّ وَ قَذْفَهُ أُمِّی بِالزِّنَا وَ أَنَا مُطَالِبٌ لَهُ بِحَدِّ الْقَذْفِ فَقَالَ مُعَاوِیَةُ خَلِّ عَنْهُ لاَ جَزَاکَ اللَّهُ خَیْراً فَتَرَکَهُ فَقَالَ مُعَاوِیَةُ قَدْ أَنْبَأْتُکُمْ أَنَّهُ مِمَّنْ لاَ تُطَاقُ عَارِضَتُهُ وَ نَهَیْتُکُمْ أَنْ تَسُبُّوهُ فَعَصَیْتُمُونِی وَ اللَّهِ مَا قَامَ حَتَّی أَظْلَمَ عَلَیَّ الْبَیْتَ قُومُوا عَنِّی فَلَقَدْ فَضَحَکُمُ اللَّهُ وَ أَخْزَاکُمْ بِتَرْکِکُمُ الْحَزْمَ وَ عُدُولِکُمْ عَنْ رَأْیِ النَّاصِحِ الْمُشْفِقِ وَ اللّٰهُ الْمُسْتَعٰانُ

.

لِسَانُکَ بَعْدَ تَلَجْلُجِهِ وَ أَضَاءَ وَجْهُکَ بَعْدَ ظُلْمَتِهِ وَ طَمَسْتُ لَکَ الشَّمْسَ بِالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ وَ أَظْلَمْتُ لَکَ الْقَمَرَ بِاللَّیْلَةِ الْمُدْلَهِمَّةِ.

فَتَنَاوَمَ مُعَاوِیَةُ وَ أَطْبَقَ جَفْنَیْهِ مَلِیّاً فَخَرَجَ عَمْرٌو فَاسْتَوَی مُعَاوِیَةُ جَالِساً وَ قَالَ لِجُلَسَائِهِ أَ رَأَیْتُمْ مَا خَرَجَ مِنْ فَمِ ذَلِکَ الرَّجُلِ مَا عَلَیْهِ لَوْ عَرَّضَ فَفِی التَّعْرِیضِ مَا یَکْفِی وَ لَکِنَّهُ جَبَهَنِی (1) بِکَلاَمِهِ وَ رَمَانِی بِسُمُومِ سِهَامِهِ.

فَقَالَ بَعْضُ جُلَسَائِهِ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ إِنَّ الْحَوَائِجَ لَتُقْضَی عَلَی ثَلاَثِ خِصَالٍ إِمَّا أَنْ یَکُونَ السَّائِلُ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ مُسْتَحِقّاً فَتُقْضَی لَهُ بِحَقِّهِ وَ إِمَّا أَنْ یَکُونَ السَّائِلُ لَئِیماً فَیَصُونُ الشَّرِیفُ نَفْسَهُ عَنْ لِسَانِهِ فَیَقْضِی حَاجَتَهُ وَ إِمَّا أَنْ یَکُونَ الْمَسْئُولُ کَرِیماً فَیَقْضِیهَا لِکَرَمِهِ صَغُرَتْ أَوْ کَبُرَتْ.

فَقَالَ مُعَاوِیَةُ لِلَّهِ أَبُوکَ مَا أَحْسَنَ مَا نَطَقْتَ وَ بَعَثَ إِلَی عَمْرٍو فَأَخْبَرَهُ وَ قَضَی حَاجَتَهُ وَ وَصَلَهُ بِصِلَةٍ جَلِیلَةٍ فَلَمَّا أَخَذَهَا وَلَّی مُنْصَرِفاً فَقَالَ مُعَاوِیَةُ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهٰا رَضُوا وَ إِنْ لَمْ یُعْطَوْا مِنْهٰا إِذٰا هُمْ یَسْخَطُونَ (2) فَسَمِعَهَا عَمْرٌو فَالْتَفَتَ إِلَیْهِ مُغْضَباً وَ قَالَ وَ اللَّهِ یَا مُعَاوِیَةُ لاَ أَزَالُ آخُذُ مِنْکَ قَهْراً وَ لاَ أُطِیعُ لَکَ أَمْراً وَ أَحْفِرُ لَکَ بِئْراً عَمِیقاً إِذَا وَقَعْتَ فِیهِ لَمْ تُدْرَکْ إِلاَّ رَمِیماً (3) فَضَحِکَ مُعَاوِیَةُ فَقَالَ مَا أُرِیدُکَ یَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ بِالْکَلِمَةِ وَ إِنَّمَا کَانَتْ آیَةٌ تَلَوْتُهَا مِنْ کِتَابِ اللَّهِ عَرَضَتْ بِقَلْبِی فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ.

وَ غَشِیَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ فَأَدْنَاهُ مُعَاوِیَةُ وَ قَرَّبَهُ فَمَالَ عَمْرٌو إِلَی بَعْضِ جُلَسَاءِ مُعَاوِیَةَ فَنَالَ مِنْ عَلِیٍّ ع جِهَاراً غَیْرَ سَاتِرٍ لَهُ وَ ثَلَبَهُ ثَلْباً قَبِیحاً.

فَالْتَمَعَ لَوْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ وَ اعْتَرَاهُ أَفْکَلٌ حَتَّی أُرْعِدَتْ خَصَائِلُهُ (1) ثُمَّ نَزَلَ عَنِ السَّرِیرِ کَالْفَنِیقِ (2) فَقَالَ عَمْرٌو مَهْ یَا أَبَا جَعْفَرٍ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ مَهْ لاَ أُمَّ لَکَ ثُمَّ قَالَ أَظُنُّ الْحِلْمَ دَلَّ عَلَیَّ قَوْمِی وَ قَدْ یُسْتَجْهَلُ الرَّجُلُ الْحَلِیمُ (3) .

ثُمَّ حَسَرَ عَنْ ذِرَاعَیْهِ وَ قَالَ یَا مُعَاوِیَةُ حَتَّامَ نَتَجَرَّعُ غَیْظَکَ وَ إِلَی کَمِ الصَّبْرُ عَلَی مَکْرُوهِ قَوْلِکَ وَ سَیِّئِ أَدَبِکَ وَ ذَمِیمِ أَخْلاَقِکَ هَبِلَتْکَ الْهَبُولُ (4) أَ مَا یَزْجُرُکَ ذِمَامُ الْمُجَالَسَةِ عَنِ الْقَذْعِ لِجَلِیسِکَ إِذَا لَمْ تَکُنْ لَکَ حُرْمَةٌ مِنْ دِینِکَ تَنْهَاکَ عَمَّا لاَ یَجُوزُ لَکَ أَمَا وَ اللَّهِ لَوْ عَطَفَتْکَ أَوَاصِرُ الْأَرْحَامِ أَوْ حَامَیْتَ عَلَی سَهْمِکَ مِنَ اَلْإِسْلاَمِ مَا أَرْعَیْتَ بَنِی الْإِمَاءِ الْمُتْکِ (5) وَ الْعَبِیدِ الصُّکِّ أَعْرَاضَ قَوْمِکَ.

وَ مَا یَجْهَلُ مَوْضِعَ الصَّفْوَةِ (6) إِلاَّ أَهْلُ الْجَفْوَةِ وَ إِنَّکَ لَتَعْرِفُ وَشَائِظَ (7) قُرَیْشٍ وَ صَبْوَةَ غَرَائِزِهَا فَلاَ یَدْعُوَنَّکَ تَصْوِیبُ مَا فَرَطَ مِنْ خَطَئِکَ فِی سَفْکِ دِمَاءِ اَلْمُسْلِمِینَ وَ مُحَارَبَةِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ إِلَی التَّمَادِی فِیمَا قَدْ وَضَحَ لَکَ الصَّوَابُ فِی خِلاَفِهِ فَاقْصِدْ لِمَنْهَجِ الْحَقِّ فَقَدْ طَالَ عَمَهُکَ (8) عَنْ سَبِیلَ الرُّشْدِ وَ خَبْطُکَ فِی بُحُورِ ظُلْمَةِ الْغَیِّ.

ص :296

فَإِنْ أَبَیْتَ أَلاَّ تُتَابِعَنَا فِی قُبْحِ اخْتِیَارِکَ لِنَفْسِکَ فَأَعْفِنَا مِنْ سُوءِ الْقَالَةِ فِینَا إِذَا ضَمَّنَا وَ إِیَّاکَ النَّدِیُّ وَ شَأْنَکَ وَ مَا تُرِیدُ إِذَا خَلَوْتَ وَ اللَّهُ حَسِیبُکَ فَوَ اللَّهِ لَوْ لاَ مَا جَعَلَ اللَّهُ لَنَا فِی یَدَیْکَ لَمَا أَتَیْنَاکَ.

ثُمَّ قَالَ إِنَّکَ إِنْ کَلَّفْتَنِی مَا لَمْ أُطِقْ سَاءَکَ مَا سَرَّکَ مِنِّی مِنْ خُلُقٍ.

فَقَالَ مُعَاوِیَةُ یَا أَبَا جَعْفَرٍ أَقْسَمْتُ عَلَیْکَ لَتَجْلِسَنَّ لَعَنَ اللَّهُ مَنْ أَخْرَجَ ضَبَّ صَدْرِکَ مِنْ وِجَارِهِ مَحْمُولٌ لَکَ مَا قُلْتَ وَ لَکَ عِنْدَنَا مَا أَمَّلْتَ فَلَوْ لَمْ یَکُنْ مَحْمَدُکَ وَ مَنْصَبُکَ لَکَانَ خُلُقُکَ وَ خَلْقُکَ شَافِعَیْنِ لَکَ إِلَیْنَا وَ أَنْتَ ابْنُ ذِی الْجَنَاحَیْنِ وَ سَیِّدُ بَنِی هَاشِمٍ .فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ کَلاَّ بَلْ سَیِّدُ بَنِی هَاشِمٍ حَسَنٌ وَ حُسَیْنٌ لاَ یُنَازِعُهُمَا فِی ذَلِکَ أَحَدٌ.

فَقَالَ أَبَا جَعْفَرٍ أَقْسَمْتُ عَلَیْکَ لَمَا ذَکَرْتَ حَاجَةً لَکَ إِلاَّ قَضَیْتُهَا کَائِنَةً مَا کَانَتْ وَ لَوْ ذَهَبَتْ بِجَمِیعِ مَا أَمْلِکُ فَقَالَ أَمَّا فِی هَذَا الْمَجْلِسِ فَلاَ ثُمَّ انْصَرَفَ.

فَأَتْبَعَهُ مُعَاوِیَةُ بَصَرَهُ وَ قَالَ وَ اللَّهِ لَکَأَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ ص مَشْیُهُ وَ خُلُقُهُ وَ خَلْقُهُ وَ إِنَّهُ لَمِنْ مِشْکَاتِهِ وَ لَوَدِدْتُ أَنَّهُ أَخِی بِنَفِیسِ مَا أَمْلِکُ.

ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَی عَمْرٍو فَقَالَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مَا تَرَاهُ مَنَعَهُ مِنَ الْکَلاَمِ مَعَکَ قَالَ مَا لاَ خَفَاءَ بِهِ عَنْکَ قَالَ أَظُنُّکَ تَقُولُ إِنَّهُ هَابَ جَوَابَکَ لاَ وَ اللَّهِ وَ لَکِنَّهُ ازْدَرَاکَ وَ اسْتَحْقَرَکَ وَ لَمْ یَرَکَ لِلْکَلاَمِ أَهْلاً أَ مَا رَأَیْتَ إِقْبَالَهُ عَلَیَّ دُونَکَ ذَاهِباً بِنَفْسِهِ عَنْکَ.

فَقَالَ عَمْرٌو فَهَلْ لَکَ أَنْ تَسْمَعَ مَا أَعْدَدْتُهُ لِجَوَابِهِ قَالَ مُعَاوِیَةُ اذْهَبْ إِلَیْکَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ فَلاَتَ حِینَ جَوَابٍ سَائِرَ الْیَوْمِ.

وَ نَهَضَ مُعَاوِیَةُ وَ تَفَرَّقَ النَّاسُ.

ص :297

وَ کَثُرَتِ الْجِرَاحُ وَ تَقَصَّفَتِ الرِّمَاحُ وَ بَرَزْتَ إِلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ مُصَاوِلاً فَانْکَفَأَ نَحْوَکَ بِالسَّیْفِ حَامِلاً فَلَمَّا رَأَیْتَ الْکَوَاشَرَ مِنَ الْمَوْتِ أَعْدَدْتَ حِیلَةَ السَّلاَمَةِ قَبْلَ لِقَائِهِ وَ الاِنْکِفَاءَ عَنْهُ بَعْدَ إِجَابَةِ دُعَائِهِ فَمَنَحْتَهُ رَجَاءَ النَّجَاةِ عَوْرَتَکَ وَ کَشَفْتَ لَهُ خَوْفَ بَأْسِهِ سَوْأَتَکَ حَذَراً أَنْ یَصْطَلِمَکَ بِسَطْوَتِهِ وَ یَلْتَهِمَکَ بِحَمْلَتِهِ ثُمَّ أَشَرْتَ عَلَی مُعَاوِیَةَ کَالنَّاصِحِ لَهُ بِمُبَارَزَتِهِ وَ حَسَّنْتَ لَهُ التَّعَرُّضَ لِمُکَافَحَتِهِ رَجَاءَ أَنْ تَکْتَفِیَ مَئُونَتَهُ وَ تَعْدَمَ صُورَتَهُ فَعَلِمَ غِلَّ صَدْرِکَ وَ مَا انْحَنَتْ عَلَیْهِ مِنَ النِّفَاقِ أَضْلُعُکَ وَ عَرَفَ مَقَرَّ سَهْمِکَ فِی غَرَضِکَ.

فَاکْفُفْ غَرْبَ لِسَانِکَ وَ اقْمَعْ عَوْرَاءَ لَفْظِکَ فَإِنَّکَ لَمِنْ أَسَدٍ خَادِرٍ (1) وَ بَحْرٍ زَاخِرٍ إِنْ تَبَرَّزْتَ لِلْأَسَدِ افْتَرَسَکَ وَ إِنْ عُمْتَ فِی الْبَحْرِ قَمَسَکَ (2) .

فَقَالَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَکَمِ یَا اِبْنَ عَبَّاسٍ إِنَّکَ لَتَصْرِفُ أَنْیَابَکَ وَ تُورِی نَارَکَ کَأَنَّکَ تَرْجُو الْغَلَبَةَ وَ تُؤَمِّلُ الْعَافِیَةَ وَ لَوْ لاَ حِلْمُ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَنْکُمْ لَتَنَاوَلَکُمْ بِأَقْصَرِ أَنَامِلِهِ فَأَوْرَدَکُمْ مَنْهَلاً بَعِیداً صَدْرُهُ وَ لَعَمْرِی لَئِنْ سَطَا بِکُمْ لَیَأْخُذَنَّ بَعْضَ حَقِّهِ مِنْکُمْ وَ لَئِنْ عَفَا عَنْ جَرَائِرِکُمْ فَقَدِیماً مَا نُسِبَ إِلَی ذَلِکَ.

فَقَالَ اِبْنُ عَبَّاسٍ وَ إِنَّکَ لَتَقُولُ ذَلِکَ یَا عَدُوَّ اللَّهِ وَ طَرِیدَ رَسُولِ اللَّهِ وَ الْمُبَاحُ دَمُهُ وَ الدَّاخِلُ بَیْنَ عُثْمَانَ وَ رَعِیَّتِهِ بِمَا حَمَلَهُمْ عَلَی قَطْعِ أَوْدَاجِهِ وَ رُکُوبِ أَثْبَاجِهِ أَمَا وَ اللَّهِ لَوْ طَلَبَ مُعَاوِیَةُ ثَأْرَهُ لَأَخَذَکَ بِهِ وَ لَوْ نَظَرَ فِی أَمْرِ عُثْمَانَ لَوَجَدَکَ أَوَّلَهُ وَ آخِرَهُ.

وَ أَمَّا قَوْلُکَ لِی إِنَّکَ لَتَصْرِفُ أَنْیَابَکَ وَ تُورِی نَارَکَ فَسَلْ مُعَاوِیَةَ وَ عَمْراً یُخْبِرَاکَ لَیْلَةَ الْهَرِیرِ کَیْفَ ثَبَاتُنَا لِلْمَثُلاَتِ وَ اسْتِخْفَافُنَا بِالْمُعْضَلاَتِ وَ صِدْقُ جِلاَدِنَا عِنْدَ الْمُصَاوَلَةِ وَ صَبْرُنَا

ص :299

عَلَی اللَّأْوَاءِ وَ الْمُطَاوَلَةِ وَ مُصَافَحَتُنَا بِجِبَاهِنَا السُّیُوفَ الْمُرْهَفَةِ وَ مُبَاشَرَتُنَا بِنُحُورِنَا حَدَّ الْأَسِنَّةِ هَلْ خِمْنَا (1) عَنْ کَرَائِمِ تِلْکَ الْمَوَاقِفِ أَمْ لَمْ نَبْذُلْ مُهَجَنَا لِلْمَتَالِفِ وَ لَیْسَ لَکَ إِذْ ذَاکَ فِیهَا مَقَامٌ مَحْمُودٌ وَ لاَ یَوْمٌ مَشْهُودٌ وَ لاَ أَثَرٌ مَعْدُودٌ وَ إِنَّهُمَا شَهِدَا مَا لَوْ شَهِدْتَ لَأَقْلَقَکَ فَارْبَعْ عَلَی ظَلْعِکَ وَ لاَ تَتَعَرَّضْ لِمَا لَیْسَ لَکَ فَإِنَّکَ کَالْمَغْرُوزِ فِی صَفَدٍ لاَ یَهْبِطُ بِرِجْلٍ وَ لاَ یَرْقَی بِیَدٍ.

فَقَالَ زِیَادٌ یَا اِبْنَ عَبَّاسٍ إِنِّی لَأَعْلَمُ مَا مَنَعَ حَسَناً وَ حُسَیْناً مِنَ الْوُفُودِ مَعَکَ عَلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ إِلاَّ مَا سَوَّلَتْ لَهُمَا أَنْفُسُهُمَا وَ غَرَّهُمَا بِهِ مَنْ هُوَ عِنْدَ الْبَأْسَاءِ سَلَّمَهُمَا وَ أَیْمُ اللَّهِ لَوْ وَلِیتُهُمَا لَأَدْأَبَا فِی الرِّحْلَةِ إِلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ أَنْفُسَهُمَا وَ لَقَلَّ بِمَکَانِهِمَا لَبْثُهُمَا.

فَقَالَ اِبْنُ عَبَّاسٍ إِذَنْ وَ اللَّهِ یَقْصُرُ دُونَهُمَا بَاعُکَ وَ یَضِیقُ بِهِمَا ذِرَاعُکَ وَ لَوْ رُمْتَ ذَلِکَ لَوَجَدْتَ مِنْ دُونِهِمَا فِئَةً صُدُقاً صُبُراً عَلَی الْبَلاَءِ لاَ یَخِیمُونَ عَنِ اللِّقَاءِ فَلَعَرَکُوکَ بِکَلاَکِلِهِمْ وَ وَطِئُوکَ بِمَنَاسِمِهِمْ وَ أَوْجَرُوکَ مَشْقَ رِمَاحِهِمْ وَ شِفَارَ سُیُوفِهِمْ وَ وَخْزَ أَسِنَّتِهِمْ حَتَّی تَشْهَدَ بِسُوءِ مَا أَتَیْتَ وَ تَتَبَیَّنَ ضِیَاعَ الْحَزْمِ فِیمَا جَنَیْتَ فَحَذَارِ حَذَارِ مِنْ سُوءِ النِّیَّةِ فَتُکَافَأَ بَرْدَ الْأُمْنِیَّةِ وَ تَکُونَ سَبَباً لِفَسَادِ هَذَیْنِ الْحَیَّیْنِ بَعْدَ صَلاَحِهِمَا وَ سَعْیاً فِی اخْتِلاَفِهِمَا بَعْدَ ائْتِلاَفِهِمَا حَیْثُ لاَ یَضُرُّهُمَا إِبْسَاسُکَ وَ لاَ یُغْنِی عَنْهُمَا إِینَاسُکَ.

فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أُمِّ الْحَکَمِ لِلَّهِ دَرُّ اِبْنِ مُلْجَمٍ فَقَدْ بَلَغَ الْأَمَلَ وَ أَمِنَ الْوَجَلَ وَ أَحَدَّ الشَّفْرَةَ وَ أَلاَنَ الْمُهْرَةَ وَ أَدْرَکَ الثَّأْرَ وَ نَفَی الْعَارَ وَ فَازَ بِالْمَنْزِلَةِ الْعُلْیَا وَ رَقِیَ الدَّرَجَةَ الْقُصْوَی.

فَقَالَ اِبْنُ عَبَّاسٍ أَمَّا وَ اللَّهِ لَقَدْ کَرَعَ کَأْسَ حَتْفِهِ بِیَدِهِ وَ عَجَّلَ اللَّهُ إِلَی اَلنَّارِ بِرُوحِهِ

ص :300

وَ لَوْ أَبْدَی لِأَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ صَفْحَتَهُ لَخَالَطَهُ الْفَحْلُ الْقَطِمُ (1) وَ السَّیْفُ الْخَذِمُ (2) وَ لَأَلْعَقَهُ صَاباً وَ سَقَاهُ سَمّاً وَ أَلْحَقَهُ بِالْوَلِیدِ وَ عُتْبَةَ وَ حَنْظَلَةَ فَکُلُّهُمْ کَانَ أَشَدَّ مِنْهُ شَکِیمَةً وَ أَمْضَی عَزِیمَةً فَفَرَی بِالسَّیْفِ هَامَهُمُ وَ رَمَّلَهُمْ (3) بِدِمَائِهِمْ وَ قَرَی الذِّئَابَ أَشِلاَّءَهُمْ وَ فَرَّقَ بَیْنَهُمْ وَ بَیْنَ أَحِبَّائِهِمْ أُولَئِکَ حَصَبُ جَهَنَّمَ هُمْ لَهَا وَارِدُونَ (4) وَ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِکْزاً (5) وَ لاَ غَرْوَ إِنْ خُتِلَ وَ لاَ وَصْمَةَ إِنْ قُتِلَ فإنا [فَإِنَّمَا]

لَکُمَا قَالَ دُرَیْدُ بْنُ الصَّمَّةِ فَإِنَّا لَلَحْمُ السَّیْفِ غَیْرَ مُکَرَّهٍ

فَقَالَ اَلْمُغِیرَةُ بْنُ شُعْبَةَ أَمَا وَ اللَّهِ لَقَدْ أَشَرْتُ عَلَی عَلِیٍّ بِالنَّصِیحَةِ فَآثَرَ رَأْیَهُ وَ مَضَی عَلَی غُلَوَائِهِ فَکَانَتِ الْعَاقِبَةُ عَلَیْهِ لاَ لَهُ وَ إِنِّی لَأَحْسَبُ أَنَّ خَلْقَهُ یَقْتَدُونَ بِمَنْهَجِهِ.

فَقَالَ اِبْنُ عَبَّاسٍ کَانَ وَ اللَّهِ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ ع أَعْلَمَ بِوُجُوهِ الرَّأْیِ وَ مَعَاقِدِ الْحَزْمِ وَ تَصْرِیفِ الْأُمُورِ مِنْ أَنْ یَقْبَلَ مَشُورَتَکَ فِیمَا نَهَی اللَّهُ عَنْهُ وَ عَنَّفَ عَلَیْهِ قَالَ سُبْحَانَهُ لاٰ تَجِدُ قَوْماً یُؤْمِنُونَ بِاللّٰهِ وَ الْیَوْمِ الْآخِرِ یُوٰادُّونَ مَنْ حَادَّ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ (6) وَ لَقَدْ وَقَفَکَ عَلَی ذِکْرٍ مُبِینٍ وَ آیَةٍ مَتْلُوَّةٍ قَوْلُهُ تَعَالَی وَ مٰا کُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّینَ

ص :301

عَضُداً

(1)

وَ هَلْ کَانَ یَسُوغُ لَهُ أَنْ یُحَکِّمَ فِی دِمَاءِ اَلْمُسْلِمِینَ وَ فَیْءِ الْمُؤْمِنِینَ مَنْ لَیْسَ بِمَأْمُونٍ عِنْدَهُ وَ لاَ مَوْثُوقٍ بِهِ فِی نَفْسِهِ هَیْهَاتَ هَیْهَاتَ هُوَ أَعْلَمُ بِفَرْضِ اللَّهِ وَ سُنَّةِ رَسُولِهِ أَنْ یُبْطِنَ خِلاَفَ مَا یُظْهِرُ إِلاَّ لِلتَّقِیَّةِ وَ لاَتَ حِینَ تَقِیَّةٍ مَعَ وُضُوحِ الْحَقِّ وَ ثُبُوتِ الْجِنَانِ وَ کَثْرَةِ الْأَنْصَارِ یَمْضِی کَالسَّیْفِ الْمُصْلَتِ فِی أَمْرِ اللَّهِ مُؤْثِراً لِطَاعَةِ رَبِّهِ وَ التَّقْوَی عَلَی آرَاءِ أَهْلِ الدُّنْیَا.

فَقَالَ یَزِیدُ بْنُ مُعَاوِیَةَ یَا اِبْنَ عَبَّاسٍ إِنَّکَ لَتَنْطِقُ بِلِسَانٍ طَلِقٍ یُنْبِئُ عَنْ مَکْنُونِ قَلْبٍ حَرِقٍ فَاطْوِ مَا أَنْتَ عَلَیْهِ کَشْحاً فَقَدْ مَحَا ضَوْءُ حَقِّنَا ظُلْمَةَ بَاطِلِکُمْ.

فَقَالَ اِبْنُ عَبَّاسٍ مَهْلاً یَزِیدُ فَوَ اللَّهِ مَا صَفَتِ الْقُلُوبُ لَکُمْ مُنْذُ تَکَدَّرَتْ بِالْعَدَاوَةِ (2) عَلَیْکُمْ وَ لاَ دَنَتْ بِالْمَحَبَّةِ إِلَیْکُمْ مُذْ نَأَتْ بِالْبَغْضَاءِ عَنْکُمْ لاَ رَضِیتُ الْیَوْمَ مِنْکُمْ مَا سَخِطْتُ بِالْأَمْسِ مِنْ أَفْعَالِکُمْ وَ إِنْ تَدُلِ (3) الْأَیَّامُ نَسْتَقْضِ مَا سُدَّ عَنَّا وَ نَسْتَرْجِعُ مَا ابْتُزَّ مِنَّا کَیْلاً بِکَیْلٍ وَ وَزْناً بِوَزْنٍ وَ إِنْ تَکُنِ الْأُخْرَی فَ کَفیٰ بِاللّٰهِ وَلِیًّا لَنَا وَ وَکِیلاً عَلَی الْمُعْتَدِینَ عَلَیْنَا.

فَقَالَ مُعَاوِیَةُ إِنَّ فِی نَفْسِی مِنْکُمْ لَحَزَازَاتٍ یَا بَنِی هَاشِمٍ وَ إِنِّی لَخَلِیقٌ أَنْ أُدْرِکَ فِیکُمُ الثَّأْرَ وَ أَنْفِیَ الْعَارَ فَإِنَّ دِمَاءَنَا قِبَلَکُمْ وَ ظُلاَمَتَنَا فِیکُمْ.

فَقَالَ اِبْنُ عَبَّاسٍ وَ اللَّهِ إِنَّ رُمْتَ ذَلِکَ یَا مُعَاوِیَةُ لَتُثِیرَنَّ عَلَیْکَ أُسْداً مُخْدِرَةً (4) وَ أَفَاعِیَ مُطْرِقَةً لاَ یَفْثَؤُهَا کَثْرَةُ السِّلاَحِ وَ لاَ یَعَضُّهَا نِکَایَةُ الْجِرَاحِ یَضَعُونَ أَسْیَافَهُمْ عَلَی عَوَاتِقِهِمْ یَضْرِبُونَ قُدُماً قُدُماً مَنْ نَاوَأَهُمْ یَهُونُ عَلَیْهِمْ نُبَاحُ الْکِلاَبِ وَ عُوَاءُ الذِّئَابِ

ص :302

لاَ یُفَاتُونَ بِوَتْرٍ وَ لاَ یُسْبَقُونَ إِلَی کَرِیمِ ذِکْرٍ قَدْ وَطَّنُوا عَلَی الْمَوْتِ أَنْفُسَهُمْ وَ سَمَتْ بِهِمْ إِلَی الْعَلْیَاءِ هِمَمُهُمْ کَمَا قَالَتِ اَلْأَزْدِیَّةُ قَوْمٌ إِذَا شَهِدُوا الْهِیَاجَ فَلاَ

فَلَتَکُونَنَّ مِنْهُمْ بِحَیْثُ أَعْدَدْتَ لَیْلَةَ الْهَرِیرِ لِلْهَرْبِ فَرَسَکَ وَ کَانَ أَکْبَرُ هَمِّکَ سَلاَمَةَ حُشَاشَةِ نَفْسِکَ وَ لَوْ لاَ طَغَامٌ مِنْ أَهْلِ اَلشَّامِ وَقَوْکَ بِأَنْفُسِهِمْ وَ بَذَلُوا دُونَکَ مُهَجَهُمْ حَتَّی إِذَا ذَاقُوا وَخْزَ الشِّفَارِ وَ أَیْقَنُوا بِحُلُولِ الدَّمَارِ رَفَعُوا الْمَصَاحِفَ مُسْتَجِیرِینَ بِهَا وَ عَائِذِینَ بِعِصْمَتِهَا لَکُنْتَ شِلْواً (1) مَطْرُوحاً بِالْعَرَاءِ تَسْفِی عَلَیْکَ رِیَاحَهَا وَ یَعْتَوِرُکَ ذُبَابُهَا.

وَ مَا أَقُولُ هَذَا أُرِیدُ صَرْفَکَ عَنْ عَزِیمَتِکَ وَ لاَ إِزَالَتَکَ عَنْ مَعْقُودِ نِیَّتِکَ لَکِنِ الرَّحِمَ الَّتِی تَعَطَّفَ عَلَیْکَ وَ الْأَوَامِرَ الَّتِی تُوجِبُ صَرْفَ النَّصِیحَةِ إِلَیْکَ.

فَقَالَ مُعَاوِیَةُ لِلَّهِ دَرُّکَ یَا اِبْنَ عَبَّاسٍ مَا تَکْشِفُ الْأَیَّامُ مِنْکَ إِلاَّ عَنْ سَیْفٍ صَقِیلٍ وَ رَأْیٍ أَصِیلٍ وَ بِاللَّهِ لَوْ لَمْ یَلِدْ هَاشِمٌ غَیْرَکَ لَمَا نَقَصَ عَدَدُهُمْ وَ لَوْ لَمْ یَکُنْ لِأَهْلِکَ سِوَاکَ لَکَانَ اللَّهُ قَدْ کَثَّرَهُمْ.

ثُمَّ نَهَضَ فَقَامَ اِبْنُ عَبَّاسٍ وَ انْصَرَفَ

.

1333

وَ رَوَی أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ یَحْیَی ثَعْلَبٌ فِی أَمَالِیهِ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ قَالَ لِعُتْبَةَ بْنِ أَبِی سُفْیَانَ یَوْمَ اَلْحَکَمَیْنِ أَ مَا تَرَی اِبْنَ عَبَّاسٍ قَدْ فَتَحَ عَیْنَیْهِ وَ نَشَرَ أُذُنَیْهِ وَ لَوْ قَدَرَ أَنْ یَتَکَلَّمَ بِهِمَا فَعَلَ وَ إِنَّ غَفْلَةَ أَصْحَابِهِ لَمَجْبُورَةٌ بِفِطْنَتِهِ وَ هِیَ سَاعَتُنَا الطُّولَی فَاکْفِنِیهِ.

قَالَ عُتْبَةُ بِجُهْدِی.

ص :303

قَالَ فَقُمْتُ فَقَعَدْتُ إِلَی جَانِبِهِ فَلَمَّا أَخَذَ الْقَوْمُ فِی الْکَلاَمِ أَقْبَلْتُ عَلَیْهِ بِالْحَدِیثِ فَقَرَعَ یَدَیَّ وَ قَالَ لَیْسَتْ سَاعَةَ حَدِیثٍ قَالَ فَأَظْهَرْتُ غَضَباً وَ قُلْتُ یَا اِبْنَ عَبَّاسٍ إِنَّ ثِقَتَکَ بِأَحْلاَمِنَا أَسْرَعَتْ بِکَ إِلَی أَعْرَاضِنَا وَ قَدْ وَ اللَّهِ تَقَدَّمَ مِنْ قَبْلُ الْعُذْرُ وَ کَثُرَ مِنَّا الصَّبْرُ ثُمَّ أَقْذَعْتُهُ فَجَاشَ لِی مِرْجَلُهُ وَ ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُنَا فَجَاءَ الْقَوْمُ فَأَخَذُوا بِأَیْدِینَا فَنَحَّوْهُ عَنِّی وَ نَحَّوْنِی عَنْهُ فَجِئْتُ فَقَرُبْتُ مِنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَرَمَانِی بِمُؤَخَّرِ عَیْنَیْهِ وَ قَالَ مَا صَنَعْتَ فَقُلْتُ کَفَیْتُکَ التِّقْوَالَةَ فَحَمْحَمَ کَمَا یُحَمْحِمُ الْفَرَسُ لِلشَّعِیرِ قَالَ وَ فَاتَ اِبْنَ عَبَّاسٍ أَوَّلُ الْکَلاَمِ فَکَرِهَ أَنْ یَتَکَلَّمَ فِی آخِرِهِ.

و قد ذکرنا نحن هذا الخبر فیما تقدم فی أخبار صفین علی وجه آخر غیر هذا الوجه

السَّفِینَةِ یَبُولُ فَدَفَعَهُ عُمَارَةُ فِی الْبَحْرِ فَلَمَّا وَقَعَ عَمْرٌو سَبَحَ حَتَّی أَخَذَ بِمِنْجَافِ السَّفِینَةِ فَقَالَ لَهُ عُمَارَةُ أَمَا وَ اللَّهِ لَوْ عَلِمْتُ أَنَّکَ سَابِحٌ مَا طَرَحْتُکَ وَ لَکِنَّنِی کُنْتُ أَظُنُّ أَنَّکَ لاَ تُحْسِنُ السِّبَاحَةَ فَضَغِنَ عَمْرٌو عَلَیْهِ فِی نَفْسِهِ وَ عَلِمَ أَنَّهُ کَانَ أَرَادَ قَتْلَهُ وَ مَضَیَا عَلَی وَجْهِهِمَا ذَلِکَ حَتَّی قَدِمَا أَرْضَ اَلْحَبَشَةِ فَلَمَّا نَزَلاَهَا کَتَبَ عَمْرٌو إِلَی أَبِیهِ اَلْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ أَنِ اخْلَعْنِی وَ تَبَرَّأْ مِنْ جَرِیرَتِی إِلَی بَنِی الْمُغِیرَةِ وَ سَائِرِ بَنِی مَخْزُومٍ وَ خَشِیَ عَلَی أَبِیهِ أَنْ یُتْبَعَ بِجَرِیرَتِهِ فَلَمَّا قُدِّمَ الْکِتَابُ عَلَی اَلْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ مَشَی إِلَی رِجَالِ بَنِی الْمُغِیرَةِ وَ بَنِی مَخْزُومٍ فَقَالَ إِنَّ هَذَیْنِ الرَّجُلَیْنِ قَدْ خَرَجَا حَیْثُ عَلِمْتُمْ وَ کِلاَهُمَا فَاتِکٌ صَاحِبُ شَرٍّ غَیْرُ مَأْمُونَیْنِ عَلَی أَنْفُسِهِمَا وَ لاَ أَدْرِی مَا یَکُونُ مِنْهُمَا وَ إِنِّی أَبْرَأُ إِلَیْکُمْ مِنْ عَمْرٍو وَ جَرِیرَتِهِ فَقَدْ خَلَعْتُهُ فَقَالَ عِنْدَ ذَلِکَ بَنُو الْمُغِیرَةِ وَ بَنُو مَخْزُومٍ وَ أَنْتَ تَخَافُ عَمْراً عَلَی عُمَارَةَ وَ نَحْنُ فَقَدْ خَلَعْنَا عُمَارَةَ وَ تَبَرَّأْنَا إِلَیْکَ مِنْ جَرِیرَتِهِ فَخَلِّ بَیْنَ الرَّجُلَیْنِ قَالَ قَدْ فَعَلْتُ فَخَلَعُوهُمَا وَ بَرِئَ کُلُّ قَوْمٍ مِنْ صَاحِبِهِمْ وَ مَا یَجْرِی مِنْهُ.

قَالَ فَلَمَّا اطْمَأَنَّا بِأَرْضِ اَلْحَبَشَةِ لَمْ یَلْبَثْ عُمَارَةُ بْنُ الْوَلِیدِ أَنَّ دَبَّ لاِمْرَأَةِ اَلنَّجَاشِیِّ وَ کَانَ جَمِیلاً صَبِیحاً وَسِیماً فَأَدْخَلَتْهُ فَاخْتَلَفَ إِلَیْهَا وَ جَعَلَ إِذَا رَجَعَ مِنْ مَدْخَلِهِ ذَلِکَ یُخْبِرُ عَمْراً بِمَا کَانَ مِنْ أَمْرِهِ فَیَقُولُ عَمْرٌو لاَ أُصَدِّقُکَ أَنَّکَ قَدَرْتَ عَلَی هَذَا إِنَّ شَأْنَ هَذِهِ الْمَرْأَةِ أَرْفَعُ مِنْ ذَلِکَ فَلَمَّا أَکْثَرَ عَلَیْهِ عُمَارَةُ بِمَا کَانَ یُخْبِرُهُ وَ کَانَ عَمْرٌو قَدْ عَلِمَ صِدْقَهُ وَ عَرَفَ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَیْهَا وَ رَأَی مِنْ حَالِهِ وَ هَیْئَتِهِ وَ مَا تَصْنَعُ الْمَرْأَةُ بِهِ إِذَا کَانَ مَعَهَا وَ بَیْتُوتَتِهِ عِنْدَهَا حَتَّی یَأْتِیَ إِلَیْهِ مَعَ السَّحَرِ مَا عُرِفَ بِهِ ذَلِکَ وَ کَانَا فِی مَنْزِلٍ وَاحِدٍ وَ لَکِنَّهُ کَانَ یُرِیدُ أَنْ یَأْتِیَهُ بِشَیْءٍ لاَ یُسْتَطَاعُ دَفْعُهُ إِنْ هُوَ رَفَعَ شَأْنَهُ إِلَی اَلنَّجَاشِیِّ فَقَالَ لَهُ فِی بَعْضِ

ص :305

مَا یَتَذَاکَرَانِ مِنْ أَمْرِهَا إِنْ کُنْتَ صَادِقاً فَقُلْ لَهَا فَلْتَدْهُنْکَ بِدُهْنِ اَلنَّجَاشِیِّ الَّذِی لاَ یَدَّهِنُ بِهِ غَیْرُهُ فَإِنِّی أَعْرِفُهُ وَ ائْتِنِی بِشَیْءٍ مِنْهُ حَتَّی أُصَدِّقَکَ قَالَ أَفْعَلُ.

فَجَاءَ فِی بَعْضِ مَا یَدْخُلُ إِلَیْهَا فَسَأَلَهَا ذَلِکَ فَدَهَنَتْهُ مِنْهُ وَ أَعْطَتْهُ شَیْئاً فِی قَارُورَةٍ فَلَمَّا شَمَّهُ عَمْرٌو عَرَفَهُ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنَّکَ قَدْ صَدَقْتَ لَقَدْ أَصَبْتَ شَیْئاً مَا أَصَابَ أَحَدٌ مِنَ اَلْعَرَبِ مِثْلَهُ قَطُّ وَ نِلْتَ مِنِ (1) امْرَأَةِ الْمَلِکِ شَیْئاً (2) مَا سَمِعْنَا بِمِثْلِ هَذَا وَ کَانُوا أَهْلَ جَاهِلِیَّةٍ وَ شُبَّاناً وَ ذَلِکَ فِی أَنْفُسِهِمْ فَضْلٌ لِمَنْ أَصَابَهُ وَ قَدَرَ عَلَیْهِ.

ثُمَّ سَکَتَ عَنْهُ حَتَّی اطْمَأَنَّ وَ دَخَلَ عَلَی اَلنَّجَاشِیِّ (3) فَقَالَ أَیُّهَا الْمَلِکُ إِنَّ مَعِی سَفِیهاً مِنْ سُفَهَاءِ قُرَیْشٍ وَ قَدْ خَشِیتُ أَنْ یَعُرَّنِی (4) عِنْدَکَ أَمْرُهُ وَ أَرَدْتُ أَنْ أُعْلِمَکَ بِشَأْنِهِ وَ أَلاَّ أَرْفَعَ ذَلِکَ إِلَیْکَ حَتَّی أَسْتَثْبِتَ أَنَّهُ قَدْ دَخَلَ عَلَی بَعْضِ نِسَائِکَ فَأَکْثَرَ وَ هَذَا دُهْنُکَ قَدْ أَعْطَتْهُ وَ ادَّهَنَ بِهِ.

فَلَمَّا شَمَّ اَلنَّجَاشِیُّ الدُّهْنَ قَالَ صَدَقْتَ هَذَا دُهْنِیَ الَّذِی لاَ یَکُونُ إِلاَّ عِنْدَ نِسَائِی فَلَمَّا أَثْبَتَ أَمْرَهُ دَعَا بِعُمَارَةَ وَ دَعَا نِسْوَةً أُخَرَ فَجَرَّدُوهُ مِنْ ثِیَابِهِ ثُمَّ أَمَرَهُنَّ أَنْ یَنْفُخْنَ فِی إِحْلِیلِهِ ثُمَّ خَلَّی سَبِیلَهُ.

فَخَرَجَ هَارِباً فِی الْوَحْشِ فَلَمْ یَزَلْ فِی أَرْضِ اَلْحَبَشَةِ حَتَّی کَانَتْ خِلاَفَةُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَخَرَجَ إِلَیْهِ رِجَالٌ مِنْ بَنِی الْمُغِیرَةِ مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِی رَبِیعَةَ بْنِ الْمُغِیرَةِ وَ کَانَ اسْمُ عَبْدِ اللَّهَ قَبْلَ أَنْ یُسْلِمَ بُجَیْرَا فَلَمَّا أَسْلَمَ سَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ ص عَبْدَ اللَّهِ فَرَصَدُوهُ عَلَی مَاءٍ بِأَرْضِ اَلْحَبَشَةِ کَانَ یَرِدُهُ مَعَ الْوَحْشِ فَزَعَمُوا أَنَّهُ أَقْبَلَ فِی حُمُرٍ مِنْ حُمُرِ الْوَحْشِ لِیَرِدَ مَعَهَا فَلَمَّا وَجَدَ رِیحَ الْإِنْسِ هَرَبَ مِنْهُ حَتَّی إِذَا أَجْهَدَهُ الْعَطَشُ وَرَدَ فَشَرِبَ حَتَّی تَمَلَّأَ وَ خَرَجُوا فِی طَلَبِهِ.

ص :306

قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِی رَبِیعَةَ فَسَبَقْتُ إِلَیْهِ فَالْتَزَمْتُهُ فَجَعَلَ یَقُولُ أَرْسِلْنِی إِنِّی أَمُوتُ إِنْ أَمْسَکْتَنِی قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَضَبَطْتُهُ (1) فَمَاتَ فِی یَدِی مَکَانَهُ فَوَارَوْهُ ثُمَّ انْصَرَفُوا.

وَ کَانَ شَعْرُهُ فِیمَا یَزْعُمُونَ قَدْ غَطَّی کُلَّ شَیْءٍ مِنْهُ فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ یَذْکُرُ مَا کَانَ صَنَعَ بِهِ وَ مَا أَرَادَ مِنِ امْرَأَتِهِ تَعَلَّمْ عُمَارَ أَنَّ مِنْ شَرِّ سُنَّةٍ

.

(2)

بَیْنَهُمْ أَنْ یَبْعَثُوا إِلَی اَلنَّجَاشِیِّ فِی أَمْرِنَا رَجُلَیْنِ مِنْهُمْ جَلْدَیْنِ وَ أَنْ یُهْدُوا لِلنَّجَاشِیِّ هَدَایَا مِمَّا یُسْتَطْرَفُ مِنْ مَتَاعِ مَکَّةَ وَ کَانَ مِنْ أَعْجَبِ مَا یَأْتِیهِ مِنْهُ الْأَدَمُ فَجَمَعُوا أَدَماً کَثِیراً وَ لَمْ یَتْرُکُوا مِنْ بَطَارِقَتِهِ بِطْرِیقاً إِلاَّ أَهْدَوْا إِلَیْهِ هَدِیَّةً ثُمَّ بَعَثُوا بِذَلِکَ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِی رَبِیعَةَ بْنِ الْمُغِیرَةِ الْمَخْزُومِیِّ وَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ السَّهْمِیِّ وَ أَمَرُوهُمَا أَمْرَهُمْ وَ قَالُوا لَهُمَا ادْفَعَا إِلَی کُلِّ بِطْرِیقٍ هَدِیَّتَهُ قَبْلَ أَنْ تَکَلَّمَا اَلنَّجَاشِیَّ فِیهِمْ.

ثُمَّ قَدِمَا إِلَی اَلنَّجَاشِیِّ وَ نَحْنُ عِنْدَهُ فِی خَیْرِ دَارٍ عِنْدَ خَیْرِ جَارٍ فَلَمْ یَبْقَ مِنْ بَطَارِقَتِهِ بِطْرِیقٌ إِلاَّ دَفَعَا إِلَیْهِ هَدِیَّتَهُ قَبْلَ أَنْ یُکَلِّمَا اَلنَّجَاشِیَّ ثُمَّ قَالاَ لِلْبَطَارِقَةِ إِنَّهُ قَدْ فَرَّ (1) إِلَی بَلَدِ الْمَلِکِ مِنَّا غِلْمَانٌ سُفَهَاءُ فَارَقُوا دِینَ قَوْمِهِمْ وَ لَمْ یَدْخُلُوا فِی دِینِکُمْ وَ جَاءُوا بِدِینٍ مُبْتَدَعٍ لاَ نَعْرِفُهُ نَحْنُ وَ لاَ أَنْتُمْ وَ قَدْ بَعَثْنَا إِلَی الْمَلِکِ أَشْرَافَ قَوْمِهِمْ لِنَرُدَّهُمْ إِلَیْهِمْ فَإِذَا کَلَّمْنَا الْمَلِکَ فِیهِمْ فَأَشِیرُوا عَلَیْهِ أَنْ یُسْلِمَهُمْ إِلَیْنَا وَ لاَ یُکَلِّمَهُمْ فَإِنَّ قَوْمَهُمْ أَعْلَی بِهِمْ عَیْناً وَ أَعْلَمُ بِمَا عَابُوا عَلَیْهِمْ فَقَالُوا لَهُمَا نَعَمْ.

ثُمَّ إِنَّهُمَا قَرَّبَا (2) هَدَایَا الْمَلِکِ إِلَیْهِ فَقَبِلَهَا مِنْهُمْ ثُمَّ کَلَّمَاهُ فَقَالاَ لَهُ أَیُّهَا الْمَلِکُ قَدْ فَرَّ إِلَی بِلاَدِکَ مِنَّا غِلْمَانٌ سُفَهَاءُ فَارَقُوا دِینَ قَوْمِهِمْ وَ لَمْ یَدْخُلُوا فِی دِینِکَ جَاءُوا بِدِینٍ ابْتَدَعُوهُ لاَ نَعْرِفُهُ نَحْنُ وَ لاَ أَنْتَ وَ قَدْ بَعَثْنَا فِیهِمْ إِلَیْکَ أَشْرَافَ قَوْمِنَا مِنْ آبَائِهِمْ وَ أَعْمَامِهِمْ وَ عَشَائِرِهِمْ لِتَرُدَّهُمْ عَلَیْهِمْ فَهُمْ أَعْلَی بِهِمْ عَیْناً وَ أَعْلَمُ بِمَا عَابُوا عَلَیْهِمْ وَ عَایَنُوهُ مِنْهُمْ.

قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ وَ لَمْ یَکُنْ شَیْءٌ أَبْغَضَ إِلَی عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِی رَبِیعَةَ وَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ مِنْ أَنْ یَسْمَعَ اَلنَّجَاشِیُّ کَلاَمَهُمْ.

فَقَالَتْ بَطَارِقةُ الْمَلِکِ وَ خَوَاصُّهُ حَوْلَهُ صَدَقَا أَیُّهَا الْمَلِکُ قَوْمُهُمْ أَعْلَی بِهِمْ عَیْناً وَ أَعْلَمُ

ص :308

بِمَا عَابُوا عَلَیْهِمْ فَلْیُسْلِمْهُمُ الْمَلِکُ إِلَیْهِمَا لِیَرُدَّاهُمْ (1) إِلَی بِلاَدِهِمْ وَ قَوْمِهِمْ.

فَغَضِبَ الْمَلِکُ وَ قَالَ لاَ هَا اللَّهِ إِذَا لاَ أُسْلِمُهُمْ إِلَیْهِمَا وَ لاَ أُخْفِرُ (2) قَوْماً جَاوَرُونِی وَ نَزَلُوا بِلاَدِی وَ اخْتَارُونِی عَلَی سِوَایَ حَتَّی أَدْعُوَهُمْ وَ أَسْأَلَهُمْ عَمَّا یَقُولُ هَذَانِ فِی أَمْرِهِمْ فَإِنْ کَانُوا کَمَا یَقُولُونَ أَسْلَمْتُهُمْ إِلَیْهِمَا وَ رَدَدْتُهُمْ إِلَی قَوْمِهِمْ وَ إِنْ کَانُوا عَلَی غَیْرِ ذَلِکَ مَنَعْتُهُمْ مِنْهُمْ وَ أَحْسَنْتُ جِوَارَهُمْ مَا جَاوَرُونِی.

قَالَتْ ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَی أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ص فَدَعَاهُمْ فَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولُهُ اجْتَمَعُوا ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ مَا تَقُولُونَ لِلرَّجُلِ إِذَا جِئْتُمُوهُ قَالُوا نَقُولُ وَ اللَّهِ مَا عَلِمْنَاهُ وَ مَا أَمَرَنَا بِهِ نَبِیُّنَا ص کَائِناً فِی ذَلِکَ (3) مَا هُوَ کَائِنٌ فَلَمَّا جَاءُوهُ وَ قَدْ دَعَا اَلنَّجَاشِیُّ أَسَاقِفَتَهُ فَنَشَرُوا مَصَاحِفَهُمْ حَوْلَهُ سَأَلَهُمْ فَقَالَ لَهُمْ مَا هَذَا الدِّینُ الَّذِی فَارَقْتُمْ فِیهِ قَوْمَکُمْ وَ لَمْ تَدْخُلُوا فِی دِینِی وَ لاَ فِی دِینِ أَحَدٍ مِنْ هَذِهِ الْمِلَلِ قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ وَ کَانَ الَّذِی کَلَّمَهُ جَعْفَرَ بْنَ أَبِی طَالِبٍ فَقَالَ لَهُ أَیُّهَا الْمَلِکُ إِنَّا کُنَّا قَوْماً فِی جَاهِلِیَّةٍ نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ وَ نَأْکُلُ الْمَیْتَةَ وَ نَأْتِی الْفَوَاحِشَ وَ نَقْطَعُ الْأَرْحَامَ وَ نُسِیءُ الْجِوَارَ وَ یَأْکُلُ الْقَوِیُّ مِنَّا الضَّعِیفَ فَکُنَّا عَلَی ذَلِکَ حَتَّی بَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ عَلَیْنَا رَسُولاً مِنَّا نَعْرِفُ نَسَبَهُ وَ صِدْقَهُ وَ أَمَانَتَهُ وَ عَفَافَهُ فَدَعَانَا إِلَی اللَّهِ لِنُوَحِّدَهُ وَ نَعْبُدَهُ وَ نَخْلَعَ مَا کُنَّا عَلَیْهِ نَحْنُ وَ آبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنَ الْحِجَارَةِ وَ الْأَوْثَانِ وَ أَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِیثِ وَ أَدَاءِ الْأَمَانَةِ وَ صِلَةِ الرَّحِمِ وَ حُسْنِ التَّجَاوُرِ وَ الْکَفِّ عَنِ الْمَحَارِمِ وَ الدِّمَاءِ وَ نَهَانَا عَنْ سَائِرِ الْفَوَاحِشِ وَ قَوْلِ الزُّورِ وَ أَکْلِ مَالِ الْیَتِیمِ وَ قَذْفِ الْمُحْصَنَةِ وَ أَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ لاَ نُشْرِکَ بِهِ شَیْئاً وَ بِالصَّلاَةِ وَ بِالزَّکَاةِ وَ الصِّیَامِ.

ص :309

قَالَتْ (1) فَعَدَّدَ عَلَیْهِ أُمُورَ اَلْإِسْلاَمِ کُلَّهَا فَصَدَّقْنَاهُ وَ آمَنَّا بِهِ وَ اتَّبَعْنَاهُ عَلَی مَا جَاءَ بِهِ مِنَ اللَّهِ فَعَبَدْنَا اللَّهَ وَحْدَهُ فَلَمْ نُشْرِکْ بِهِ شَیْئاً وَ حَرَّمْنَا مَا حَرَّمَ عَلَیْنَا وَ أَحْلَلْنَا مَا أَحَلَّ لَنَا فَعَدَا عَلَیْنَا قَوْمُنَا فَعَذَّبُونَا وَ فَتَنُونَا عَنْ دِینِنَا لِیَرُدُّونَا إِلَی عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ وَ الْأَوْثَانِ عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ وَ أَنْ نَسْتَحِلَّ مَا کُنَّا نَسْتَحِلُّ مِنَ الْخَبَائِثِ فَلَمَّا قَهَرُونَا وَ ظَلَمُونَا وَ ضَیَّقُوا عَلَیْنَا وَ حَالُوا بَیْنَنَا وَ بَیْنَ دِینِنَا خَرَجْنَا إِلَی بَلَدِکَ وَ اخْتَرْنَاکَ عَلَی مَنْ سِوَاکَ وَ رَغِبْنَا فِی جِوَارِکَ وَ رَجَوْنَا أَلاَّ نُظْلَمَ عِنْدَکَ أَیُّهَا الْمَلِکُ.

فَقَالَ اَلنَّجَاشِیُّ فَهَلْ مَعَکَ مِمَّا جَاءَ بِهِ صَاحِبُکُمْ عَنِ اللَّهِ شَیْءٌ فَقَالَ جَعْفَرٌ نَعَمْ فَقَالَ اقْرَأْهُ عَلَیَّ فَقَرَأَ عَلَیْهِ صَدْراً مِنْ کهیعص فَبَکَی حَتَّی اخْضَلَّتْ لِحْیَتُهُ وَ بَکَتْ أَسَاقِفَتُهُ حَتَّی أَخْضَلُوا لِحَاهُمْ (2) ثُمَّ قَالَ اَلنَّجَاشِیُّ وَ اللَّهِ إِنَّ هَذَا وَ الَّذِی جَاءَ بِهِ عِیسَی لَیَخْرُجُ مِنْ مِشْکَاةٍ وَاحِدَةٍ وَ اللَّهِ لاَ أُسْلِمُکُمْ إِلَیْهِمْ.

قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ فَلَمَّا خَرَجَ الْقَوْمُ مِنَ عِنْدِهِ قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ (3) وَ اللَّهِ لَأَعِیبُهُمْ غَداً عِنْدَهُ بِمَا یَسْتَأْصِلُ بِهِ خَضْرَاءَهُمْ (4) فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِی رَبِیعَةَ وَ کَانَ أَتْقَی الرَّجُلَیْنِ لاَ تَفْعَلْ فَإِنَّ لَهُمْ أَرْحَاماً وَ إِنْ کَانُوا قَدْ خَالَفُوا قَالَ وَ اللَّهِ لَأُخْبِرَنَّهُ غَداً أَنَّهُمْ یَقُولُونَ فِی عِیسَی بْنِ مَرْیَمَ أَنَّهُ عَبْدٌ ثُمَّ غَدَا عَلَیْهِ مِنَ الْغَدِ فَقَالَ أَیُّهَا الْمَلِکُ إِنَّ هَؤُلاَءِ یَقُولُونَ فِی عِیسَی بْنِ مَرْیَمَ قَوْلاً عَظِیماً فَأَرْسِلْ إِلَیْهِمْ فَسَلْهُمْ عَمَّا یَقُولُونَ فِیهِ فَأَرْسَلَ إِلَیْهِمْ.

قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ فَمَا نَزَلَ بِنَا مِثْلُهَا وَ اجْتَمَعَ اَلْمُسْلِمُونَ وَ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ مَا تَقُولُونَ فِی عِیسَی إِذَا سَأَلَکُمْ عَنْهُ فَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِی طَالِبٍ نَقُولُ فِیهِ وَ اللَّهِ مَا قَالَ عَزَّ وَ جَلَّ وَ مَا جَاءَ بِهِ نَبِیُّنَا ع کَائِناً فِی ذَلِکَ مَا هُوَ کَائِنٌ.

فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَیْهِ قَالَ لَهُمْ مَا تَقُولُونَ فِی عِیسَی بْنِ مَرْیَمَ فَقَالَ جَعْفَرٌ نَقُولُ إِنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ

ص :310

وَ رَسُولُهُ وَ رُوحُهُ وَ کَلِمَتُهُ أَلْقٰاهٰا إِلیٰ مَرْیَمَ الْعَذْرَاءِ الْبَتُولِ.

قَالَتْ فَضَرَبَ اَلنَّجَاشِیُّ یَدَیْهِ عَلَی الْأَرْضِ وَ أَخَذَ مِنْهَا عُوداً وَ قَالَ مَا عَدَا عِیسَی بْنُ مَرْیَمَ مَا قَالَ هَذَا الْعُودُ.

قَالَتْ فَقَدْ کَانَتْ بَطَارِقَتُهُ تَنَاخَرَتْ حَوْلَهُ حِینَ قَالَ جَعْفَرٌ مَا قَالَ فَقَالَ لَهُمُ اَلنَّجَاشِیُّ وَ إِنْ تَنَاخَرْتُمْ.

ثُمَّ قَالَ لِلْمُسْلِمِینَ اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ سُیُومٌ بِأَرْضِی أَیْ آمِنُونَ مَنْ سَبَّکُمْ غَرِمَ ثُمَّ مَنْ سَبَّکُمْ غَرِمَ ثُمَّ مَنْ سَبَّکُمْ غَرِمَ مَا أُحِبُّ أَنَّ لِی دَبْراً (1) ذَهَباً وَ أَنِّی آذَیْتُ رَجُلاً مِنْکُمْ وَ الدَّبْرُ بِلِسَانِ اَلْحَبَشَةِ الْجَبَلُ رُدُّوا عَلَیْهِمَا هَدَایَاهُمَا فَلاَ حَاجَةَ لِی فِیهَا فَوَ اللَّهِ مَا أَخَذَ اللَّهُ مِنِّی الرِّشْوَةَ حَتَّی رَدَّنِی إِلَی مُلْکِی فَآخُذَ الرِّشْوَةَ فِیهِ وَ مَا أَطَاعَ النَّاسَ فِیَّ أَ فَأُطِیعُهُمْ فِیهِ.

قَالَتْ فَخَرَجَ الرَّجُلاَنِ مِنْ عِنْدِهِ مَقْبُوحِینَ مَرْدُوداً عَلَیْهِمَا مَا جَاءَا بِهِ وَ أَقَمْنَا عِنْدَهُ فِی خَیْرِ (2) دَارٍ مَعَ خَیْرِ جَارٍ فَوَ اللَّهِ إِنَّا لَعَلَی ذَلِکَ إِذْ نَزَلَ بِهِ رَجُلٌ مِنَ اَلْحَبَشَةِ یُنَازِعُهُ فِی مُلْکِهِ.

قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ فَوَ اللَّهِ مَا أَصَابَنَا خَوْفٌ وَ حُزْنٌ قَطُّ کَانَ أَشَدَّ مِنْ خَوْفٍ وَ حُزْنٍ نَزَلَ بِنَا أَنْ یَظْهَرَ ذَلِکَ الرَّجُلُ عَلَی اَلنَّجَاشِیِّ فَیَأْتِیَ رَجُلٌ لاَ یَعْرِفُ مِنْ حَقِّنَا مَا کَانَ یَعْرِفُ مِنْهُ.

قَالَتْ وَ سَارَ إِلَیْهِ اَلنَّجَاشِیُّ وَ بَیْنَهُمَا عَرْضُ اَلنِّیلِ فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ص مَنْ رَجُلٌ یَخْرُجُ حَتَّی یَحْضُرَ وَقْعَةَ الْقَوْمِ ثُمَّ یَأْتِیَنَا بِالْخَبَرِ فَقَالَ اَلزُّبَیْرُ بْنُ الْعَوَّامِ أَنَا وَ کَانَ مِنْ أَحْدَثِ اَلْمُسْلِمِینَ (3) سِنّاً فَنَفَخُوا لَهُ قِرْبَةً فَجَعَلْنَاهَا تَحْتَ صَدْرِهِ ثُمَّ سَبَحَ

ص :311

عَلَیْهَا حَتَّی خَرَجَ إِلَی نَاحِیَةِ اَلنِّیلِ الَّتِی بِهَا یَلْتَقِی الْقَوْمُ ثُمَّ انْطَلَقَ حَتَّی حَضَرَهُمْ قَالَتْ وَ دَعَوْنَا اللَّهَ لِلنَّجَاشِیِّ بِالظُّهُورِ عَلَی عَدُوِّهِ وَ التَّمْکِینِ لَهُ فِی بِلاَدِهِ فَوَ اللَّهِ إِنَّا لَعَلَی ذَلِکَ مُتَوَقِّعُونَ لِمَا هُوَ کَائِنٌ إِذْ طَلَعَ اَلزُّبَیْرُ یَسْعَی وَ یُلَوِّحُ بِثَوْبِهِ وَ یَقُولُ أَلاَ أَبْشِرُوا فَقَدْ ظَهَرَ اَلنَّجَاشِیُّ وَ أَهْلَکَ اللَّهُ عَدُوَّهُ.

قَالَتْ فَوَ اللَّهِ مَا أَعْلَمُنَا فَرِحْنَا فَرْحَةً مِثْلَهَا قَطُّ وَ رَجَعَ اَلنَّجَاشِیُّ وَ قَدْ أَهْلَکَ اللَّهُ عَدُوَّهُ وَ تَمَکَّنَ وَ مَکَّنَ لَهُ فِی بِلاَدِهِ وَ اسْتَوْثَقَ لَهُ أَمْرَ اَلْحَبَشَةِ فَکُنَّا عِنْدَهُ فِی خَیْرِ مَنْزِلٍ وَ دَارٍ إِلَی أَنْ رَجَعْنَا إِلَی رَسُولِ اللَّهِ ص بِمَکَّةَ (1)

.

1336

وَ رُوِیَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ع أَنَّهُ قَالَ لَقَدْ کَادَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ عَمَّنَا جَعْفَراً بِأَرْضِ اَلْحَبَشَةِ عِنْدَ اَلنَّجَاشِیِّ وَ عِنْدَ کَثِیرٍ مِنْ رَعِیَّتِهِ بِأَنْوَاعِ الْکَیْدِ رَدَّهَا اللَّهُ تَعَالَی عَنْهُ بِلُطْفِهِ رَمَاهُ بِالْقَتْلِ وَ السَّرَقِ وَ الزِّنَا فَلَمْ یَلْصَقْ بِهِ شَیْءٌ مِنْ تِلْکَ الْعُیُوبِ لِمَا شَاهَدَهُ الْقَوْمُ مِنْ طَهَارَتِهِ وَ عِبَادَتِهِ وَ نُسْکِهِ وَ سِیمَا النُّبُوَّةِ عَلَیْهِ فَلَمَّا نَبَا مِعْوَلُهُ عَنْ صَفَاتِهِ هَیَّأَ لَهُ سَمّاً قَذَفَهُ إِلَیْهِ فِی طَعَامٍ فَأَرْسَلَ اللَّهُ هِرّاً کَفَأَ تِلْکَ الصَّحْفَةَ وَ قَدْ مَدَّ یَدَهُ نَحْوَهُ ثُمَّ مَاتَ لِوَقْتِهِ وَ قَدْ أَکَلَ مِنْهَا فَتَبَیَّنَ لِجَعْفَرٍ کَیْدُهُ وَ غَائِلَتُهُ فَلَمْ یَأْکُلْ بَعْدَهَا عِنْدَهُ وَ مَا زَالَ اِبْنُ الْجَزَّارِ عَدُوّاً لَنَا أَهْلَ الْبَیْتِ .

1337

1- قَالَ نَصْرُ بْنُ مُزَاحِمٍ فِی کِتَابِ صِفِّینَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِی عَمْرٍو وَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ قَالَ (1) کَانَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ عَدُوّاً لِلْحَارِثِ بْنِ نَضْرٍ الْخَثْعَمِیِّ (2) وَ کَانَ مِنْ أَصْحَابِ عَلِیٍّ ع وَ کَانَ عَلِیٌّ ع قَدْ تَهَیَّبَتْهُ فُرْسَانُ اَلشَّامِ وَ مَلَأَ قُلُوبَهُمْ بِشَجَاعَتِهِ وَ امْتَنَعَ کُلٌّ مِنْهُمْ مِنَ الْإِقْدَامِ عَلَیْهِ وَ کَانَ عَمْرٌو قَلَّمَا جَلَسَ مَجْلِساً إِلاَّ ذَکَرَ فِیهِ اَلْحَارِثَ بْنَ نَضْرٍ الْخَثْعَمِیَّ وَ عَابَهُ فَقَالَ اَلْحَارِثُ لَیْسَ عَمْرٌو بِتَارِکٍ ذِکْرَهُ اَلْحَارِثَ

فَشَاعَتْ هَذِهِ الْأَبْیَاتُ حَتَّی بَلَغَتْ عَمْراً فَأَقْسَمَ بِاللَّهِ لَیَلْقَیَنَّ عَلِیّاً وَ لَوْ مَاتَ أَلْفَ مَوْتَةٍ فَلَمَّا اخْتَلَطَتِ الصُّفُوفُ لَقِیَهُ فَحَمَلَ عَلَیْهِ بِرُمْحِهِ فَتَقَدَّمَ عَلِیٌّ ع وَ هُوَ مُخْتَرِطٌ سَیْفاً

ص :313

مُعْتَقِلٌ رُمْحاً فَلَمَّا رَهَقَهُ هَمَزَ فَرَسَهُ لِیَعْلُوَ عَلَیْهِ فَأَلْقَی عَمْرٌو نَفْسَهُ عَنْ فَرَسِهِ إِلَی الْأَرْضِ شَاغِراً بِرِجْلَیْهِ کَاشِفاً عَوْرَتَهُ فَانْصَرَفَ عَنْهُ لاَفِتاً وَجْهَهُ مُسْتَدْبِراً لَهُ فَعَدَّ النَّاسُ ذَلِکَ مِنْ مَکَارِمِهِ وَ سُؤْدَدِهِ وَ ضُرِبَ بِهَا الْمَثَلُ

.

1338

1- قَالَ نَصْرٌ وَ حَدَّثَنِی مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ اجْتَمَعَ (1) عِنْدَ مُعَاوِیَةَ فِی بَعْضِ لَیَالِی صِفِّینَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَ عُتْبَةُ بْنُ أَبِی سُفْیَانَ وَ اَلْوَلِیدُ بْنُ عُقْبَةَ وَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَکَمِ وَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ وَ اِبْنُ طَلْحَةَ الطَّلَحَاتِ الْخُزَاعِیُّ فَقَالَ عُتْبَةُ إِنَّ أَمْرَنَا وَ أَمْرَ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ لَعَجَبٌ مَا فِینَا إِلاَّ مَوْتُورٌ مُجْتَاحٌ (2) .

أَمَّا أَنَا فَقَتَلَ جَدِّی عُتْبَةَ بْنَ رَبِیعَةَ وَ أَخِی حَنْظَلَةَ وَ شَرِکَ فِی دَمِ عَمِّی شَیْبَةَ یَوْمَ بَدْرٍ .وَ أَمَّا أَنْتَ یَا وَلِیدُ فَقَتَلَ أَبَاکَ صَبْراً وَ أَمَّا أَنْتَ یَا اِبْنَ عَامِرٍ فَصَرَعَ أَبَاکَ وَ سَلَبَ عَمَّکَ.

وَ أَمَّا أَنْتَ یَا اِبْنَ طَلْحَةَ فَقَتَلَ أَبَاکَ یَوْمَ الْجَمَلِ وَ أَیْتَمَ إِخْوَتَکَ وَ أَمَّا أَنْتَ یَا مَرْوَانُ فَکَمَا قَالَ الشَّاعِرُ وَ أَفْلَتَهُنَّ عِلْبَاءٌ جَرِیضاً وَ لَوْ أَدْرَکْنَهُ صَفِرَ الْوِطَابُ (3) .

فَقَالَ مُعَاوِیَةُ هَذَا الْإِقْرَارُ فَأَیْنَ الْغُیُرُ (4) قَالَ مَرْوَانُ وَ أَیَّ غُیُرٍ تُرِیدُ قَالَ أُرِیدُ أَنْ تَشْجُرُوهُ بِالرِّمَاحِ قَالَ وَ اللَّهِ یَا مُعَاوِیَةُ مَا أَرَاکَ إِلاَّ هَاذِیاً أَوْ هَازِئاً وَ مَا أَرَانَا إِلاَّ ثَقَّلْنَا عَلَیْکَ فَقَالَ اِبْنُ عُقْبَةَ یَقُولُ لَنَا مُعَاوِیَةُ بْنُ حَرْبٍ

ص :314

فَیَهْتِکَ مَجْمَعَ اللَّبَّاتِ مِنْهُ

فَغَضِبَ عَمْرٌو وَ قَالَ إِنْ کَانَ اَلْوَلِیدُ صَادِقاً فَلْیَلْقَ عَلِیّاً أَوْ فَلْیَقِفْ حَیْثُ یَسْمَعُ صَوْتَهُ.

وَ قَالَ عَمْرٌو یُذَکِّرُنِی اَلْوَلِیدُ دُعَا عَلِیٍّ

ص :315

وَ لَوْ لاَقَیْتَهُ شُقَّتْ جُیُوبٌ

عَلَیْکَ وَ لُطِمَتْ فِیکَ الْخُدُودُ

.

1339

1- وَ ذَکَرَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبِرِّ فِی کِتَابِ اَلْإِسْتِیعَابِ فِی بَابِ بُسْرِ بْنِ أَرْطَاةَ (1) قَالَ کَانَ بُسْرٌ مِنَ الْأَبْطَالِ الطُّغَاةِ وَ کَانَ مَعَ مُعَاوِیَةَ بِصِفِّینَ فَأَمَرَهُ أَنْ یَلْقَی عَلِیّاً ع فِی الْقِتَالِ وَ قَالَ لَهُ إِنِّی سَمِعْتُکَ تَتَمَنَّی لِقَاءَهُ فَلَوْ أَظْفَرَکَ اللَّهُ بِهِ وَ صَرَعْتَهُ حَصَلْتَ عَلَی الدُّنْیَا وَ الْآخِرَةِ (2) وَ لَمْ یَزَلْ یُشَجِّعُهُ وَ یُمَنِّیهِ حَتَّی رَأَی عَلِیّاً فِی الْحَرْبِ فَقَصَدَهُ وَ الْتَقَیَا فَصَرَعَهُ عَلِیٌّ ع (3) وَ عُرِضَ لَهُ مَعَهُ مِثْلُ مَا عُرِضَ لَهُ مَعَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فِی کَشْفِ السَّوْأَةِ

(4)

.

1340

1- قَالَ أَبُو عُمَرَ وَ ذَکَرَ اِبْنُ الْکَلْبِیِّ فِی کِتَابِهِ فِی أَخْبَارِ صِفِّینَ أَنَّ بُسْرَ بْنَ أَرْطَاةَ بَارَزَ عَلِیّاً یَوْمَ صِفِّینَ فَطَعَنَهُ عَلِیٌّ ع فَصَرَعَهُ فَانْکَشَفَ لَهُ فَکَفَّ عَنْهُ کَمَا عُرِضَ لَهُ مِثْلُ (5) ذَلِکَ مَعَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ .

قال و للشعراء فیهما أشعار مذکورة فی موضعها من ذلک الکتاب منها فیما ذکر ابن الکلبی و المدائنی قول الحارث بن نضر الخثعمی (6) و کان عدوا لعمرو بن العاص و بسر بن أرطاة أ فی کل یوم فارس لک ینتهی

ص :316

بدت أمس من عمرو فقنع رأسه

1341

1- وَ رَوَی اَلْوَاقِدِیُّ قَالَ قَالَ مُعَاوِیَةُ یَوْماً بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْخِلاَفَةِ لَهُ لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ یَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ لاَ أَرَاکَ إِلاَّ وَ یَغْلِبُنِی الضَّحِکُ قَالَ بِمَا ذَا قَالَ أَذْکُرُ یَوْمَ حَمَلَ عَلَیْکَ أَبُو تُرَابٍ فِی صِفِّینَ فَأَزْرَیْتَ نَفْسَکَ فَرَقاً مِنْ شَبَا سِنَانِهِ وَ کَشَفْتَ سَوْأَتَکَ لَهُ فَقَالَ عَمْرٌو أَنَا مِنْکَ أَشَدُّ ضَحِکاً إِنِّی لَأَذْکُرُ یَوْمَ دَعَاکَ إِلَی الْبِرَازِ فَانْتَفَخَ سَحْرُکَ وَ رَبَا لِسَانُکَ فِی فَمِکَ وَ غَصِصْتَ بِرِیقِکَ وَ ارْتَعَدَتْ فَرَائِصُکَ وَ بَدَا مِنْکَ مَا أَکْرَهُ ذِکْرَهُ لَکَ فَقَالَ مُعَاوِیَةُ لَمْ یَکُنْ هَذَا کُلُّهُ وَ کَیْفَ یَکُونُ وَ دُونِی عَکٌّ وَ اَلْأَشْعَرِیُّونَ قَالَ إِنَّکَ لَتَعْلَمُ أَنَّ الَّذِی وَصَفْتُ دُونَ مَا أَصَابَکَ وَ قَدْ نَزَلَ ذَلِکَ بِکَ وَ دُونَکَ عَکٌّ وَ اَلْأَشْعَرِیُّونَ فَکَیْفَ کَانَتْ حَالُکَ لَوْ جَمَعَکُمَا مَأْقِطُ (1) الْحَرْبِ فَقَالَ یَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ خُضْ بِنَا الْهَزْلَ إِلَی الْجِدِّ إِنَّ الْجُبْنَ وَ الْفِرَارَ مِنْ عَلِیٍّ لاَ عَارَ عَلَی أَحَدٍ فِیهِمَا

.

ص :317

أَهْدَیْتَ إِلَیَّ مِنْ بِلاَدِکَ شَیْئاً قُلْتُ نَعَمْ أَیُّهَا الْمَلِکُ قَدْ أَهْدَیْتُ لَکَ أَدَماً کَثِیراً ثُمَّ قَرَّبْتُهُ إِلَیْهِ فَأَعْجَبَهُ وَ اشْتَهَاهُ ثُمَّ قُلْتُ لَهُ أَیُّهَا الْمَلِکُ إِنِّی قَدْ رَأَیْتُ رَجُلاً خَرَجَ مِنْ عِنْدِکَ وَ هُوَ رَسُولُ رَجُلٍ عَدُوٍّ لَنَا فَأَعْطِنِیهِ لِأَقْتُلَهُ فَإِنَّهُ قَدْ أَصَابَ مِنْ أَشْرَافِنَا وَ خِیَارِنَا.

فَغَضِبَ الْمَلِکُ ثُمَّ مَدَّ یَدَهُ فَضَرَبَ بِهَا أَنْفَهُ ضَرْبَةً ظَنَنْتُ أَنَّهُ قَدْ کَسَرَهُ فَلَوِ انْشَقَّتْ لِیَ الْأَرْضُ لَدَخَلْتُ فِیهَا فَرَقاً مِنْهُ ثُمَّ قُلْتُ أَیُّهَا الْمَلِکُ وَ اللَّهِ لَوْ ظَنَنْتُ أَنَّکَ تَکْرَهُ هَذَا مَا سَأَلْتُکَهُ فَقَالَ أَ تَسْأَلُنِی أَنْ أُعْطِیَکَ رَسُولَ رَجُلٍ یَأْتِیهِ النَّامُوسُ الْأَکْبَرُ الَّذِی کَانَ یَأْتِی مُوسَی لِتَقْتُلَهُ فَقُلْتُ أَیُّهَا الْمَلِکُ أَ کَذَلِکَ هُوَ فَقَالَ إِی وَ اللَّهِ أَطِعْنِی وَیْحَکَ وَ اتَّبِعْهُ فَإِنَّهُ وَ اللَّهِ لَعَلَی حَقٍّ وَ لَیَظْهَرَنَّ عَلَی مَنْ خَالَفَهُ کَمَا ظَهَرَ مُوسَی عَلَی فِرْعَوْنَ وَ جُنُودِهِ قُلْتُ فَبَایِعْنِی لَهُ عَلَی اَلْإِسْلاَمِ فَبَسَطَ یَدَهُ فَبَایَعْتُهُ عَلَی اَلْإِسْلاَمِ وَ خَرَجْتُ عَامِداً لِرَسُولِ اللَّهِ ص فَلَمَّا قَدِمْتُ اَلْمَدِینَةَ جِئْتُ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ ص وَ قَدْ أَسْلَمَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِیدِ وَ قَدْ کَانَ صَحِبَنِی فِی الطَّرِیقِ إِلَیْهِ فَقُلْتُ یَا رَسُولَ اللَّهِ أُبَایِعُکَ عَلَی أَنْ تَغْفِرَ لِی مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِی وَ لَمْ أَذْکُرْ مَا تَأَخَّرَ فَقَالَ بَایِعْ یَا عَمْرُو فَإِنَّ اَلْإِسْلاَمَ یَجُبُّ مَا قَبْلَهُ وَ إِنَّ الْهِجْرَةَ تَجُبُّ مَا قَبْلَهَا فَبَایَعْتُهُ وَ أَسْلَمْتُ

(1)

.

1343

14- وَ ذَکَرَ أَبُو عُمَرَ فِی اَلْإِسْتِیعَابِ أَنَّ إِسْلاَمَهُ کَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَ أَنَّهُ قَدِمَ وَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِیدِ وَ عُثْمَانَ بْنَ طَلْحَةَ اَلْمَدِینَةَ فَلَمَّا رَآهُمْ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ رَمَتْکُمْ مَکَّةُ بِأَفْلاَذِ کَبِدِهَا .

قال و قد قیل إنّه أسلم بین الحدیبیة و خیبر و القول الأوّل أصح (2)

وَ عُذْرَةَ یَتَأَلَّفُهُمْ بِذَلِکَ وَ یَدْعُوهُمْ إِلَی اَلْإِسْلاَمِ فَسَارَ حَتَّی إِذَا کَانَ عَلَی مَاءِ أَرْضِ جُذَامَ یُقَالُ لَهُ اَلسَّلاَسِلُ وَ قَدْ سُمِّیَتْ تِلْکَ الْغَزَاةُ ذَاتَ السَّلاَسِلِ خَافَ فَکَتَبَ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ ص یَسْتَنْجِدُ فَأَمَدَّهُ بِجَیْشٍ فِیهِ مِائَتَا فَارِسٍ فِیهِ أَهْلُ الشَّرَفِ وَ السَّوَابِقِ مِنَ اَلْمُهَاجِرِینَ وَ اَلْأَنْصَارِ فِیهِمْ أَبُو بَکْرٍ وَ عُمَرُ وَ أَمَّرَ عَلَیْهِمْ أَبَا عُبَیْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَی عَمْرٍو قَالَ عَمْرٌو أَنَا أَمِیرُکُمْ وَ إِنَّمَا أَنْتُمْ مَدَدِی فَقَالَ أَبُو عُبَیْدَةَ بَلْ أَنَا أَمِیرُ مَنْ مَعِی وَ أَنْتَ أَمِیرُ مَنْ مَعَکَ فَأَبَی عَمْرٌو ذَلِکَ فَقَالَ أَبُو عُبَیْدَةَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص عَهِدَ إِلَیَّ فَقَالَ إِذَا قَدِمْتَ إِلَی عَمْرٍو فَتَطَاوَعَا وَ لاَ تَخْتَلِفَا فَإِنْ خَالَفْتَنِی أَطَعْتُکَ قَالَ عَمْرٌو فَإِنِّی أُخَالِفُکَ فَسَلَّمَ إِلَیْهِ أَبُو عُبَیْدَةَ وَ صَلَّی خَلْفَهُ فِی الْجَیْشِ کُلِّهِ وَ کَانَ أَمِیراً عَلَیْهِمْ وَ کَانُوا خَمْسَمِائَةٍ

.

مِصْرَ بَدَلَهُ فَکَانَ ذَلِکَ بَدْوَ الشَّرِّ بَیْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَلَمَّا بَدَا بَیْنَهُمَا مِنَ الشَّرِّ مَا بَدَا اعْتَزَلَ عَمْرٌو فِی نَاحِیَةِ فِلَسْطِینَ بِأَهْلِهِ وَ کَانَ یَأْتِی اَلْمَدِینَةَ أَحْیَاناً فَلَمَّا اسْتَقَرَّ الْأَمْرُ لِمُعَاوِیَةَ بِالشَّامِ بَعَثَهُ إِلَی مِصْرَ بَعْدَ تَحْکِیمِ اَلْحَکَمَیْنِ فَافْتَتَحَهَا فَلَمْ یَزَلْ بِهَا إِلَی أَنْ مَاتَ أَمِیراً عَلَیْهَا فِی سَنَةِ ثَلاَثٍ وَ أَرْبَعِینَ وَ قِیلَ سَنَةِ اثْنَتَیْنِ وَ أَرْبَعِینَ وَ قِیلَ سَنَةِ ثَمَانٍ وَ أَرْبَعِینَ وَ قِیلَ سَنَةِ إِحْدَی وَ خَمْسِینَ .

قَالَ أَبُو عُمَرَ وَ الصَّحِیحُ أَنَّهُ مَاتَ فِی سَنَةِ ثَلاَثٍ وَ أَرْبَعِینَ وَ مَاتَ یَوْمَ عِیدِ الْفِطْرِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ وَ عُمُرُهُ تِسْعُونَ سَنَةً وَ دُفِنَ بِالْمُقَطَّمِ مِنْ نَاحِیَةِ اَلسَّفْحِ وَ صَلَّی عَلَیْهِ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ ثُمَّ رَجَعَ فَصَلَّی بِالنَّاسِ صَلاَةَ الْعِیدِ فَوَلاَّهُ مُعَاوِیَةَ مَکَانَهُ ثُمَّ عَزَلَهُ وَ وَلَّی مَکَانَهُ أَخَاهُ عُتْبَةَ بْنَ أَبِی سُفْیَانَ .قَالَ أَبُو عُمَرَ وَ کَانَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ مِنْ فُرْسَانِ قُرَیْشٍ وَ أَبْطَالِهِمْ فِی اَلْجَاهِلِیَّةِ مَذْکُوراً فِیهِمْ بِذَلِکَ وَ کَانَ شَاعِراً حَسَنَ الشِّعْرِ وَ أَحَدَ الدَّهَاةِ الْمُتَقَدِّمِینَ فِی الرَّأْیِ وَ الذَّکَاءِ وَ کَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِذَا اسْتَضْعَفَ رَجُلاً فِی رَأْیِهِ وَ عَقْلِهِ قَالَ أَشْهَدُ أَنَّ خَالِقَکَ وَ خَالِقَ عَمْرٍو وَاحِدٌ یُرِیدُ خَالِقَ الْأَضْدَادِ

.

(1)

1347

وَ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ بِصِفِّینَ إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ الَّذِی نَحْنُ وَ أَنْتُمْ (1) فِیهِ لَیْسَ بِأَوَّلِ أَمْرٍ قَادَهُ الْبَلاَءُ وَ قَدْ بَلَغَ الْأَمْرُ مِنَّا وَ مِنْکُمْ مَا تَرَی وَ مَا أَبْقَتْ لَنَا هَذِهِ الْحَرْبُ حَیَاةً وَ لاَ صَبْراً وَ لَسْنَا نَقُولُ لَیْتَ الْحَرْبُ عَادَتْ وَ لَکِنَّا (2) نَقُولُ لَیْتَهَا لَمْ تَکُنْ کَانَتْ فَافْعَلْ فِیمَا بَقِیَ بِغَیْرِ مَا مَضَی فَإِنَّکَ رَأْسُ هَذَا الْأَمْرِ بَعْدَ عَلِیٍّ وَ إِنَّمَا هُوَ آمِرٌ مُطَاعٌ وَ مَأْمُورٌ مُطِیعٌ وَ مُبَارِزٌ مَأْمُونٌ وَ أَنْتَ هُوَ.

1348

وَ لَمَّا نَصَبَ مُعَاوِیَةُ قَمِیصَ عُثْمَانَ عَلَی الْمِنْبَرِ وَ بَکَی أَهْلُ اَلشَّامِ حَوْلَهُ قَالَ قَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَدَعَهُ عَلَی الْمِنْبَرِ فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو إِنَّهُ لَیْسَ بِقَمِیصِ یُوسُفَ إِنَّهُ إِنْ طَالَ نَظَرُهُمْ إِلَیْهِ وَ بَحَثُوا عَنِ السَّبَبِ وَقَفُوا عَلَی مَا لاَ تُحِبُّ أَنْ یَقِفُوا عَلَیْهِ وَ لَکِنْ لَذِّعْهُمْ بِالنَّظَرِ إِلَیْهِ فِی الْأَوْقَاتِ.

1349

وَ قَالَ مَا وَضَعْتُ سِرِّی عِنْدَ أَحَدٍ فَأَفْشَاهُ فَلُمْتُهُ لِأَنِّی أَحَقُّ باللَّوْمِ مِنْهُ إِذْ کُنْتُ أَضْیَقَ بِهِ صَدْراً مِنْهُ.

1350

وَ قَالَ لَیْسَ الْعَاقِلُ الَّذِی یَعْرِفُ الْخَیْرَ مِنَ الشَّرِّ لَکِنَّ الْعَاقِلَ مَنْ یَعْرِفُ خَیْرَ الشَّرَّیْنِ.

1351

وَ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِجُلَسَائِهِ یَوْماً وَ عَمْرٌو فِیهِمْ مَا أَحْسَنُ الْأَشْیَاءِ فَقَالَ کُلٌّ مِنْهُمْ مَا عِنْدَهُ فَقَالَ مَا تَقُولُ أَنْتَ یَا عَمْرُو فَقَالَ اَلْغَمَرَاتُ ثُمَّ یَنْجَلِینَا (3) .

1352

وَ قَالَ لِعَائِشَةَ لَوَدِدْتُ أَنَّکِ قُتِلْتِ یَوْمَ الْجَمَلِ قَالَتْ وَ لِمَ لاَ أَبَا لَکَ قَالَ کُنْتِ تَمُوتِینَ بِأَجَلِکِ وَ تَدْخُلِینَ اَلْجَنَّةَ وَ نَجْعَلُکِ أَکْبَرَ التَّشْنِیعِ عَلَی عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ ع .

1353

وَ قَالَ لِبَنِیهِ یَا بَنِیَّ اطْلُبُوا الْعِلْمَ فَإِنِ اسْتَغْنَیْتُمْ کَانَ جَمَالاً وَ إِنِ افْتَقَرْتُمْ کَانَ مَالاً.

1354

وَ مِنْ کَلاَمِهِ أَمِیرٌ عَادِلٌ خَیْرٌ مِنْ مَطَرٍ وَابِلٍ وَ أَسَدٌ حَطُومٌ خَیْرٌ مِنْ سُلْطَانٍ ظَلُومٍ وَ سُلْطَانٌ ظَلُومٌ خَیْرٌ مِنْ فِتْنَةٍ تَدُومُ وَ زَلَّةُ الرِّجْلِ عَظْمٌ یُجْبَرُ وَ زَلَّةُ اللِّسَانِ لاٰ تُبْقِی وَ لاٰ تَذَرُ وَ اسْتَرَاحَ مَنْ لاَ عَقْلَ لَهُ.

ص :322

1355

وَ کَتَبَ إِلَیْهِ عُمَرُ یَسْأَلُهُ عَنِ الْبَحْرِ فَکَتَبَ إِلَیْهِ خَلْقٌ عَظِیمٌ یَرْکَبُهُ خَلْقٌ ضَعِیفٌ.

دُودٌ عَلَی عُودٍ بَیْنَ غَرَقٍ وَ نَزَقٍ.

1356

وَ قَالَ لِعُثْمَانَ وَ هُوَ یَخْطُبُ عَلَی اَلْمِنْبَرِ یَا عُثْمَانُ إِنَّکَ قَدْ رَکِبْتَ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ نِهَایَةً مِنَ الْأَمْرِ وَ زِغْتَ فَزَاغُوا فَاعْتَدِلْ أَوِ اعْتَزِلْ.

1357

وَ مِنْ کَلاَمِهِ اسْتَوْحِشْ مِنَ الْکَرِیمِ الْجَائِعِ وَ مِنَ اللَّئِیمِ الشَّبْعَانِ فَإِنَّ الْکَرِیمَ یَصُولُ إِذَا جَاعَ وَ اللَّئِیمَ یَصُولُ إِذَا شَبِعَ.

1358

وَ قَالَ جُمِعَ الْعَجْزُ إِلَی التَّوَانِی فَنُتِجَ بَیْنَهُمَا النَّدَامَةُ وَ جُمِعَ الْجُبْنُ إِلَی الْکَسَلِ فَنُتِجَ بَیْنَهُمَا الْحِرْمَانُ.

1359

وَ رَوَی عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ قَالَ دَخَلْتُ عَلَی عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَ قَدِ احْتُضِرَ فَقُلْتُ یَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ کُنْتَ تَقُولُ أَشْتَهِی أَنِّی أَرَی عَاقِلاً یَمُوتُ حَتَّی أَسْأَلَهُ کَیْفَ تَجِدُ فَمَا ذَا تَجِدُ قَالَ أَجِدُ السَّمَاءَ کَأَنَّهَا مُطْبِقَةٌ عَلَی الْأَرْضِ وَ أَنَا بَیْنَهُمَا وَ أَرَانِی کَأَنَّمَا أَتَنَفَّسُ مِنْ خَرْقِ إِبْرَةٍ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ خُذْ مِنِّی حَتَّی تَرْضَی ثُمَّ رَفَعَ یَدَهُ فَقَالَ اللَّهُمَّ أَمَرْتَ فَعَصَیْنَا وَ نَهَیْتَ فَرَکِبْنَا فَلاَ بَرِیءٌ فَأَعْتَذِرَ وَ لاَ قَوِیٌّ فَأَنْتَصِرَ وَ لَکِنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ فَجَعَلَ یُرَدِّدُهَا حَتَّی فَاضَ.

1360

وَ قَدْ رَوَی أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبِرِّ هَذَا الْخَبَرَ فِی کِتَابِ اَلْإِسْتِیعَابِ قَالَ لَمَّا حَضَرَتْ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ الْوَفَاةُ قَالَ اللَّهُمَّ أَمَرْتَنِی فَلَمْ آتَمِرْ وَ زَجَرْتَنِی فَلَمْ أَنْزَجِرْ وَ وَضَعَ یَدَهُ فِی مَوْضِعِ الْغُلِّ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ لاَ قَوِیٌّ فَأَنْتَصِرَ وَ لاَ بَرِیءٌ فَأَعْتَذِرَ وَ لاَ مُسْتَکْبِرٌ بَلْ مُسْتَغْفِرٌ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ فَلَمْ یَزَلْ یُرَدِّدُهَا حَتَّی مَاتَ.

1361

قَالَ أَبُو عُمَرَ وَ حَدَّثَنِی خَلَفُ بْنُ قَاسِمٍ قَالَ حَدَّثَنِی اَلْحَسَنُ بْنُ رَشِیقٍ قَالَ حَدَّثَنَا اَلطَّحَاوِیُّ قَالَ حَدَّثَنَا اَلْمُزَنِیُّ قَالَ سَمِعْتُ اَلشَّافِعِیَّ یَقُولُ دَخَلَ اِبْنُ عَبَّاسٍ عَلَی عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فِی مَرَضِهِ فَسَلَّمَ عَلَیْهِ فَقَالَ کَیْفَ أَصْبَحْتَ یَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ قَالَ أَصْبَحْتُ وَ قَدْ أَصْلَحْتُ مِنْ دُنْیَایَ قَلِیلاً وَ أَفْسَدْتُ مِنْ دِینِی کَثِیراً فَلَوْ کَانَ الَّذِی أَصْلَحْتُ هُوَ الَّذِی

ص :323

أَفْسَدْتُ وَ الَّذِی أَفْسَدْتُ هُوَ الَّذِی أَصْلَحْتُ لَفُزْتُ وَ لَوْ کَانَ یَنْفَعُنِی أَنْ أَطْلُبَ طَلَبْتُ وَ لَوْ کَانَ یُنْجِینِی أَنْ أَهْرُبَ هَرَبْتُ فَقَدْ صِرْتُ کَالْمُنْخَنِقِ بَیْنَ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ لاَ أَرْقَی بِیَدَیْنِ وَ لاَ أَهْبِطُ بِرِجْلَیْنِ فَعِظْنِی بِعِظَةٍ أَنْتَفِعُ بِهَا یَا ابْنَ أَخِی فَقَالَ اِبْنُ عَبَّاسٍ هَیْهَاتَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ صَارَ ابْنُ أَخِیکَ أَخَاکَ وَ لاَ تَشَاءُ أَنْ تَبْلَی إِلاَّ بَلِیتَ (1) کَیْفَ یُؤْمَرُ بِرَحِیلٍ مَنْ هُوَ مُقِیمٌ فَقَالَ عَمْرٌو عَلَی حِینِهَا مِنْ حِینِ ابْنِ بِضْعٍ وَ ثَمَانِینَ تُقَنِّطُنِی مِنْ رَحْمَةِ رَبِّی اللَّهُمَّ إِنَّ اِبْنَ عَبَّاسٍ یُقَنِّطُنِی مِنْ رَحْمَتِکَ فَخُذْ مِنِّی حَتَّی تَرْضَی فَقَالَ اِبْنُ عَبَّاسٍ هَیْهَاتَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَخَذْتَ جَدِیداً وَ تُعْطِی خَلَقاً قَالَ عَمْرٌو مَا لِی وَ لَکَ یَا اِبْنَ عَبَّاسٍ مَا أُرْسِلُ کَلِمَةً إِلاَّ أَرْسَلْتَ نَقِیضَهَا (2) .

1362

14- وَ رَوَی أَبُو عُمَرَ فِی کِتَابِ اَلْإِسْتِیعَابِ أَیْضاً عَنْ رِجَالٍ قَدْ ذَکَرَهُمْ وَ عَدَّدَهُمْ أَنَّ عَمْراً لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ لَهُ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ وَ قَدْ رَآهُ یَبْکِی لِمَ تَبْکِی أَ جَزَعاً مِنَ الْمَوْتِ قَالَ لاَ وَ اللَّهِ وَ لَکِنْ لِمَا بَعْدَهُ فَقَالَ لَهُ لَقَدْ کُنْتَ عَلَی خَیْرٍ فَجَعَلَ یُذَکِّرُهُ صُحْبَةَ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ فُتُوحَهُ بِالشَّامِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ وَ تَرَکْتَ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِکَ شَهَادَةَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ إِنِّی کُنْتُ عَلَی ثَلاَثَةِ أَطْبَاقٍ لَیْسَ مِنْهَا طَبَقٌ إِلاَّ عَرَفْتُ نَفْسِی فِیهِ کُنْتُ أَوَّلَ أَمْرِی کَافِراً فَکُنْتُ أَشَدَّ النَّاسِ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ ص فَلَوْ مِتُّ حِینَئِذٍ وَجَبَتْ لِیَ اَلنَّارَ فَلَمَّا بَایَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص کُنْتُ أَشَدَّ النَّاسِ حَیَاءً مِنْهُ فَمَا مَلَأَتْ مِنْهُ عَیْنِی قَطُّ فَلَوْ مِتُّ یَوْمَئِذٍ قَالَ النَّاسُ هَنِیئاً لِعَمْرٍو أَسْلَمَ وَ کَانَ عَلَی خَیْرٍ وَ مَاتَ عَلَی خَیْرِ أَحْوَالِهِ فَسَرَّحُوا لَهُ بِالْجَنَّةِ ثُمَّ تَلَبَّثْتُ بَعْدَ ذَلِکَ بِالسُّلْطَانِ وَ بِأَشْیَاءَ فَلاَ أَدْرِی

ص :324

أَ عَلَیَّ أَمْ لِی فَإِذَا مِتُّ فَلاَ تَبْکِیَنَّ عَلَیَّ بَاکِیَةٌ وَ لاَ یَتَّبِعْنِی نَائِحٌ وَ لاَ تُقَرِّبُوا مِنْ قَبْرِی نَاراً وَ شُدُّوا عَلَیَّ إِزَارِی فَإِنِّی مُخَاصَمٌ وَ شُنُّوا عَلَیَّ التُّرَابَ شَنّاً فَإِنَّ جَنْبِیَ الْأَیْمَنَ لَیْسَ بِأَحَقَّ مِنْ جَنْبِیَ الْأَیْسَرِ وَ لاَ تَجْعَلُوا فِی قَبْرِی خَشَبَةً وَ لاَ حَجَراً وَ إِذَا وَارَیْتُمُونِی فَاقْعُدُوا عِنْدِی قَدْرَ نَحْرَ جَزُورٍ وَ تَقْطِیعِهَا أَسْتَأْنِسْ بِکُمْ (1)

.

فإن قلت فما الذی یقوله أصحابک المعتزلة فی عمرو بن العاص قلت إنهم یحکمون علی کل من شهد صفین بما یحکم به علی الباغی الخارج علی الإمام العادل و مذهبهم فی صاحب الکبیرة إذا لم یتب معلوم.

فإن قلت أ لیس فی هذه الأخبار ما یدلّ علی توبته نحو قوله و لا مستکبر بل مستغفر و قوله اللّهمّ خذ منی حتّی ترضی و قوله أمرت فعصیت و نهیت فرکبت.

و هذا اعتراف و ندم و هو معنی التوبة قلت إن قوله تعالی وَ لَیْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِینَ یَعْمَلُونَ السَّیِّئٰاتِ حَتّٰی إِذٰا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قٰالَ إِنِّی تُبْتُ الْآنَ (2) یمنع من کون هذا توبة و شروط التوبة و أرکانها معلومة و لیس هذا الاعتراف و التأسف منها فی شیء.

و قال شیخنا أبو عبد اللّه أول من قال بالإرجاء المحض معاویة و عمرو بن العاص کانا یزعمان أنّه لا یضر مع الإیمان معصیة و لذلک قال معاویة لمن قال له حاربت من تعلم و ارتکبت ما تعلم فقال وثقت بقوله تعالی إِنَّ اللّٰهَ یَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِیعاً (3)

ص :325

و إلی هذا المعنی أشار عمرو بقوله لابنه ترکت أفضل من ذلک شهادة أن لا إله إلاّ اللّه

غَیْرِ ضَعْفٍ جَوَاداً مِنْ غَیْرِ سَرَفٍ مُمْسِکاً مِنْ غَیْرِ وَکَفٍ (1) قَالَ اِبْنُ عَبَّاسٍ وَ کَانَتْ هَذِهِ صِفَاتِ عُمَرَ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَیَّ فَقَالَ إِنَّ أَحْرَاهُمْ أَنْ یَحْمِلَهُمْ عَلَی کِتَابِ رَبِّهِمْ وَ سُنَّةِ نَبِیِّهِمْ لَصَاحِبُکَ وَ اللَّهِ لَئِنْ وَلِیَهَا لَیَحْمِلَنَّهُمْ عَلَی الْمَحَجَّةِ الْبَیْضَاءِ وَ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِیمِ

.

و اعلم أن الرجل ذا الخلق المخصوص لا یری الفضیلة إلاّ فی ذلک الخلق أ لا تری أن الرجل یبخل فیعتقد أن الفضیلة فی الإمساک و البخیل یعیب أهل السماح و الجود و ینسبهم إلی التبذیر و إضاعة الحزم و کذلک الرجل الجواد یعیب البخلاء و ینسبهم إلی ضیق النفس و سوء الظنّ و حبّ المال و الجبان یعتقد أن الفضیلة فی الجبن و یعیب الشجاعة و یعتقد کونها خرقا و تغریرا بالنفس کما قال المتنبی یری الجبناء أن الجبن حزم (2) و الشجاع یعیب الجبان و ینسبه إلی الضعف و یعتقد أن الجبن ذل و مهانة و هکذا القول فی جمیع الأخلاق و السجایا المقتسمة بین نوع الإنسان و لما کان عمر شدید الغلظة وعر الجانب خشن الملمس دائم العبوس کان یعتقد أن ذلک هو الفضیلة و أن خلافه نقص و لو کان سهلا طلقا مطبوعا علی البشاشة و سماحة الخلق لکان یعتقد أن ذاک هو الفضیلة و أن خلافه نقص حتّی لو قدرنا أن خلقه حاصل لعلی ع و خلق علی حاصل له لقال فی علی لو لا شراسة فیه.

فهو غیر ملوم عندی فیما قاله و لا منسوب إلی أنّه أراد الغض من علی و القدح

ص :327

فیه و لکنه أخبر عن خلقه ظانا أن الخلافة لا تصلح إلاّ لشدید الشکیمة العظیم الوعورة و بمقتضی ما کان یظنه من هذا المعنی تمم خلافة أبی بکر بمشارکته إیاه فی جمیع تدابیراته و سیاسته و سائر أحواله لرفق و سهولة کانت فی أخلاق أبی بکر و بمقتضی هذا الخلق المتمکن عنده کان یشیر علی رسول اللّه ص فی مقامات کثیرة و خطوب متعدة بقتل قوم کان یری قتلهم و کان النبیّ ص یری استبقاءهم و استصلاحهم فلم یقبل ع مشورته علی هذا الخلق.

و أمّا إشارته علیه یوم بدر بقتل الأسری حیث أشار أبو بکر بالفداء فکان الصواب مع عمر و نزل القرآن بموافقته فلما کان فی الیوم الثانی و هو یوم الحدیبیة أشار بالحرب و کره الصلح فنزل القرآن بضد ذلک فلیس کل وقت یصلح تجرید السیف و لا کل وقت یصلح إغماده و السیاسة لا تجری علی منهاج واحد و لا تلزم نظاما واحدا.

و جملة الأمر أنّه رضی اللّه عنه لم یقصد عیب علی ع و لا کان عنده معیبا و لا منقوصا أ لا تری أنّه قال فی آخر الخبر أن أحراهم إن ولیها أن یحملهم علی کتاب اللّه و سنة رسوله لصاحبک ثم أکد ذلک بأن قال إن ولیهم لیحملنهم علی المحجة (1) البیضاء و الصراط المستقیم فلو کان أطلق تلک اللفظة و عنی بها ما حملها علیه الخصوم لم یقل فی خاتمة کلامه ما قاله.

و أنت إذا تأملت حال علی ع فی أیام رسول اللّه ص وجدته بعیدا عن أن ینسب إلی الدعابة و المزاح لأنّه لم ینقل عنه شیء من ذلک أصلا لا فی کتب الشیعة و لا فی کتب المحدثین و کذلک إذا تأملت حاله (2) فی أیام الخلیفتین أبی بکر و عمر لم تجد فی کتب السیرة حدیثا واحدا یمکن أن یتعلق به متعلق فی دعابته و مزاحه فکیف یظن

ص :328

بعمر أنه نسبه إلی أمر لم ینقله عنه ناقل و لا ندد به صدیق و عدو و إنّما أراد سهولة خلقه لا غیر و ظنّ أن ذلک ممّا یفضی به إلی ضعف إن ولی أمر الأمة لاعتقاده أن قوام هذا الأمر إنّما هو بالوعورة بناء علی ما قد ألفته نفسه و طبعت علیه سجیته و الحال فی أیام عثمان و أیّام ولایته ع الأمر کالحال فیما تقدم فی أنّه لم یظهر منه دعابة و لا مزاح یسمی الإنسان لأجله ذا دعابة و لعب و من تأمل کتب السیر عرف صدق هذا القول و عرف أن عمرو بن العاص أخذ کلمة عمر إذ لم یقصد بها العیب فجعلها عیبا و زاد علیها أنّه کثیر اللعب یعافس النساء و یمارسهن و أنّه صاحب هزل.

و لعمر اللّه لقد کان أبعد الناس من ذلک و أی وقت کان یتسع لعلی ع حتی یکون فیه علی هذه الصفات فإن أزمانه کلها فی العبادة و الصلاة و الذکر و الفتاوی و العلم و اختلاف الناس إلیه فی الأحکام و تفسیر القرآن و نهاره کله أو معظمه مشغول بالصوم و لیله کله أو معظمه مشغول بالصلاة هذا فی أیّام سلمه فأما أیّام حربه فبالسیف الشهیر و السنان الطریر (1) و رکوب الخیل و قود الجیش و مباشرة الحروب.

و لقد

1364

صَدَقَ ع فِی قَوْلِهِ

إِنَّنِی لَیَمْنَعُنِی مِنَ اللَّعِبِ ذِکْرُ الْمَوْتِ

.

و لکن الرجل الشریف النبیل الذی لا یستطیع أعداؤه أن یذکروا له عیبا أو یعدوا علیه وصمة لا بدّ أن یحتالوا و یبذلوا جهدهم فی تحصیل أمر ما و إن ضعف یجعلونه عذرا لأنفسهم فی ذمه و یتوسلون به إلی أتباعهم فی تحسینهم لهم مفارقته و الانحراف عنه و ما زال المشرکون و المنافقون یصنعون لرسول اللّه ص الموضوعات ینسبون إلیه ما قد برأه اللّه عنه من العیوب و المطاعن فی حیاته و بعد وفاته إلی زماننا هذا و ما یزیده اللّه سبحانه إلاّ رفعة و علوا فغیر منکر أن یعیب علیا ع عمرو بن العاص و أمثاله من أعدائه بما إذا تأمله المتأمل علم أنهم باعتمادهم علیه و تعلقهم به قد اجتهدوا

ص :329

فی مدحه و الثناء علیه لأنّهم لو وجدوا عیبا غیر ذلک لذکروه و لو بالغ أمیر المؤمنین و بذل جهده فی أن یثنی أعداؤه و شانئوه علیه من حیث لا یعلمون لم یستطع إلی أن یجد إلی ذلک طریقا ألطف من هذه الطریق التی أسلکهم اللّه تعالی فیها و هداهم إلی منهاجها فظنوا أنهم یغضون منه و إنّما أعلوا شأنه و یضعون من قدره و إنّما رفعوا منزلته و مکانه

1369

14- وَ فِی الْخَبَرِ أَیْضاً أَنَّ امْرَأَةً اسْتَحْمَلَتْهُ فَقَالَ إِنَّا حَامِلُوکِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَی عَلَی وَلَدِ النَّاقَةِ فَجَعَلَتْ تَقُولُ یَا رَسُولَ اللَّهِ وَ مَا أَصْنَعُ بِوَلَدِ النَّاقَةِ وَ هَلْ یَسْتَطِیعُ أَنْ یَحْمِلَنِی وَ هُوَ یَبْتَسِمُ وَ یَقُولُ لاَ أَحْمِلُکِ إِلاَّ عَلَیْهِ حَتَّی قَالَ لَهَا أَخِیراً وَ هَلْ یَلِدُ الْإِبِلَ إِلاَّ النُّوقُ

.

1370

14- وَ فِی الْخَبَرِ أَنَّهُ ع مَرَّ بِبِلاَلٍ وَ هُوَ نَائِمٌ فَضَرَبَهُ بِرِجْلِهِ وَ قَالَ أَ نَائِمَةٌ أُمَّ عَمْرٍو فَقَامَ بِلاَلٌ مَرْعُوباً فَضَرَبَ بِیَدِهِ إِلَی مَذَاکِیرِهِ فَقَالَ لَهُ مَا بَالُکَ قَالَ ظَنَنْتُ أَنِّی تَحَوَّلْتُ امْرَأَةً قِیلَ فَلَمْ یَمْزَحْ رَسُولُ اللَّهِ بَعْدَ هَذِهِ

.

1371

14- وَ فِی الْخَبَرِ أَیْضاً أَنَّ نَغَراً (1) کَانَ لِصَبِیٍّ مِنْ صِبْیَانِ اَلْأَنْصَارِ فَطَارَ مِنْ یَدِهِ فَبَکَی الْغُلاَمُ فَکَانَ رَسُولُ اللَّهِ ص یَمُرُّ بِهِ فَیَقُولُ یَا أَبَا عُمَیْرٍ مَا فَعَلَ النُغَیْرُ وَ الْغُلاَمُ یَبْکِی .

1372

14,3- وَ کَانَ یُمَازِحُ ابْنَیْ بِنْتِهِ مُزَاحاً مَشْهُوراً وَ کَانَ یَأْخُذُ اَلْحُسَیْنَ ع فَیَجْعَلُهُ عَلَی بَطْنِهِ وَ هُوَ ع نَائِمٌ عَلَی ظَهْرِهِ وَ یَقُولُ لَهُ حُزُقَّةٌ حُزُقَّةْ تَرَقَّ عَیْنَ بَقَّةْ

(2)

.

1373

14- وَ فِی الْحَدِیثِ الصَّحِیحِ الْمُتَّفَقِ عَلَیْهِ أَنَّهُ مَرَّ عَلَی أَصْحَابِ الدِّرْکِلَةِ وَ هُمْ یَلْعَبُونَ وَ یَرْقُصُونَ فَقَالَ جِدُّوا یَا بَنِی أَرْفِدَةَ حَتَّی یَعْلَمَ اَلْیَهُودُ وَ اَلنَّصَارَی أَنَّ فِی دِینِنَا فُسْحَةً .

قال أهل اللغة الدرکلة بکسر الدال و الکاف لعبة للحبش فیها ترقص و بنو أَرْفِدة جنس من الحبش یرقصون.

1374

14- وَ جَاءَ فِی الْخَبَرِ أَنَّهُ سَابَقَ عَائِشَةَ فَسَبَقَتْهُ ثُمَّ سَابَقَهَا فَسَبَقَهَا فَقَالَ هَذِهِ بِتِلْکِ .

1375

14- وَ فِی الْخَبَرِ أَیْضاً أَنَّ أَصْحَابَ الزِّفَافَةِ وَ هُمُ الرَّاقِصُونَ کَانُوا یَقْمَعُونَ (3) بَابَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ فَتَخْرُجُ إِلَیْهِمْ مُسْتَمِعَةً وَ مُبْصِرَةً فَیَخْرُجُ هُوَ ع مِنْ وَرَائِهَا مُسْتَتِراً بِهَا .

1376

14- وَ کَانَ نُعَیْمَانُ (4) وَ هُوَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ أُولَعَ النَّاسِ بِالْمُزَاحِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ص

ص :331

وَ کَانَ یُکْثِرُ الضَّحِکَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص یَدْخُلُ اَلْجَنَّةَ وَ هُوَ یَضْحَکُ .

1377

14- وَ خَرَجَ نُعَیْمَانُ هُوَ وَ سُوَیْبِطُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّی (1) وَ أَبُو بَکْرٍ الصِّدِّیقُ فِی تِجَارَةٍ قَبْلَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ ص بِعَامَیْنِ وَ کَانَ سُوَیْبِطٌ عَلَی الزَّادِ فَکَانَ نُعَیْمَانُ یَسْتَطْعِمُهُ فَیَقُولُ حَتَّی یَجِیءَ أَبُو بَکْرٍ فَمَرَّ بِرَکْبٍ مِنْ نَجْرَانَ فَبَاعَهُ نُعَیْمَانُ مِنْهُمْ عَلَی أَنَّهُ عَبْدٌ لَهُ بِعَشْرِ قَلاَئِصَ وَ قَالَ لَهُمْ إِنَّهُ ذُو لِسَانٍ وَ لَهْجَةٍ وَ عَسَاهُ یَقُولُ لَکُمْ أَنَا حُرٌّ فَقَالُوا لاَ عَلَیْکَ.

وَ جَاءُوا إِلَیْهِ فَوَضَعُوا عِمَامَتَهُ فِی عُنُقِهِ وَ ذَهَبُوا بِهِ فَلَمَّا جَاءَ أَبُو بَکْرٍ أُخْبِرَ بِذَلِکَ فَرَدَّهُ وَ أَعَادَ الْقَلاَئِصَ إِلَیْهِمْ فَضَحِکَ رَسُولُ اللَّهِ ص وَ أَصْحَابُهُ مِنْ ذَلِکَ سَنَةً

(2)

.

1378

14- وَ رُوِیَ أَنَّ أَعْرَابِیّاً بَاعَ نُعَیْمَانَ عُکَّةَ (3) عَسَلٍ فَاشْتَرَاهَا مِنْهُ فَجَاءَ بِهَا إِلَی بَیْتِ عَائِشَةَ فِی یَوْمِهَا وَ قَالَ خُذُوهَا فَظَنَّ رَسُولُ اللَّهِ ص أَنَّهُ أَهْدَاهَا إِلَیْهِ وَ مَضَی نُعَیْمَانُ فَنَزَلَ الْأَعْرَابِیُّ عَلَی الْبَابِ فَلَمَّا طَالَ قُعُودُهُ نَادَی یَا هَؤُلاَءِ إِمَّا أَنْ تُعْطُونَا ثَمَنَ الْعَسَلِ أَوْ تَرُدُّوهُ عَلَیْنَا فَعَلِمَ رَسُولُ اللَّهِ ص بِالْقِصَّةِ وَ أَعْطَی الْأَعْرَابِیَّ الثَّمَنَ وَ قَالَ لِنُعَیْمَانَ مَا حَمَلَکَ عَلَی مَا فَعَلْتَ قَالَ رَأَیْتُکَ یَا رَسُولَ اللَّهِ تُحِبُّ الْعَسَلَ وَ رَأَیْتُ الْعُکَّةَ مَعَ الْأَعْرَابِیِّ فَضَحِکَ رَسُولُ اللَّهِ ص وَ لَمْ یُنْکِرْ عَلَیْهِ

.

1379

وَ سُئِلَ اَلنَّخَعِیُّ هَلْ کَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ یَضْحَکُونَ وَ یَمْزَحُونَ فَقَالَ نَعَمْ وَ الْإِیمَانُ فِی قُلُوبِهِمْ مِثْلُ الْجِبَالِ الرَّوَاسِی.

1380

وَ جَاءَ فِی الْخَبَرِ أَنَّ یَحْیَی ع لَقِیَ عِیسَی ع وَ عِیسَی مُتَبَسِّمٌ فَقَالَ یَحْیَی ع مَا لِی أَرَاکَ لاَهِیاً کَأَنَّکَ آمِنٌ فَقَالَ ع مَا لِی أَرَاکَ عَابِساً

ص :332

کَأَنَّکَ آیِسٌ فَقَالاَ لاَ نَبْرَحُ حَتَّی یَنْزِلَ عَلَیْنَا الْوَحْیُ فَأَوْحَی اللَّهُ إِلَیْهِمَا أَحَبُّکُمَا إِلَیَّ الطَّلْقُ الْبَسَّامُ أَحْسَنُکُمَا ظَنّاً بِی.

و روی عن کبراء الصحابة رضی اللّه تعالی عنهم أنهم کانوا یتمازحون و یتناشدون الأشعار فإذا خاضوا فی الدین انقلبت حمالیقهم و صاروا فی صور أخری.

1381

وَ رُوِیَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ لِجَارِیَتِهِ خَلَقَنِی خَالِقُ الْخَیْرِ وَ خَلَقَکِ خَالِقُ الشَّرِّ فَبَکَتْ فَقَالَ لاَ عَلَیْکِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَی هُوَ خَالِقُ الْخَیْرِ وَ هُوَ خَالِقُ الشَّرِّ.

قلت یعنی بالشر المرض و الغلاء و نحوهما.

1382

وَ کَانَ اِبْنُ سِیرِینَ یُنْشِدُ

نُبِّئْتُ أَنَّ فَتَاةً کُنْتُ أَخْطُبُهَا

عُرْقُوبُهَا مِثْلُ شَهْرِ الصَّوْمِ فِی الطُّولِ (1) .

ثُمَّ یَضْحَکُ حَتَّی یَسِیلَ لُعَابُهُ.

1383

وَ جَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ إِلَی بَابِ عُمَرُ بْنِ الْخَطَّابِ فَوَجَدَهُ مُسْتَلْقِیاً عَلَی مِرْفَقَةٍ لَهُ رَافِعاً إِحْدَی رِجْلَیْهِ عَلَی الْأُخْرَی مُنْشِداً بِصَوْتٍ عَالٍ وَ کَیْفَ ثَوَائِی بِالْمَدِینَةِ بَعْدَ مَا قَضَی وَطَراً مِنْهَا جَمِیلُ بْنُ مَعْمَرٍ .

فَلَمَّا دَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَ جَلَسَ قَالَ یَا أَبَا مُحَمَّدٍ إِنَّا إِذَا خَلَوْنَا قُلْنَا کَمَا یَقُولُ النَّاسُ.

1384

وَ کَانَ سَعِیدُ بْنُ الْمُسَیَّبِ یُنْشِدُ

لَقَدْ أَصْبَحَتْ عِرْسُ اَلْفَرَزْدَقِ جَامِحاً

وَ لَوْ رَضیت رُمْحَ اسْتِهِ لاَسْتَقَرَّتْ (2)

وَ یَضْحَکُ حَتَّی یَسْتَغْرِقَ.

و کان یقال لا بأس بقلیل المزاح یخرج منه الرجل عن حدّ العبوس.

ص :333

1385

وَ مِنْ کَلاَمِ بَعْضِ الْأُدَبَاءِ وَ نَحْنُ نَحْمَدُ اللَّهَ إِلَیْکَ فَإِنَّ عُقْدَةَ اَلْإِسْلاَمِ فِی قُلُوبِنَا صَحِیحَةٌ وَ أَوَاخِیَهُ عِنْدَنَا ثَابِتَةٌ وَ قَدِ اجْتَهَدَ قَوْمٌ أَنْ یُدْخِلُوا قُلُوبَنَا مِنْ مَرَضِ قُلُوبِهِمْ وَ أَنْ یَشُوبُوا یَقِینَنَا بِشَکِّهِمْ فَعَصَمَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَ حَالَ تَوْفِیقُهُ دُونَهُمْ وَ لَنَا بَعْدُ مَذْهَبٌ فِی الدُّعَابَةِ جَمِیلٌ لاَ یَشُوبُهُ أَذًی وَ لاَ قَذًی یَخْرُجُ بِنَا إِلَی الْأُنْسِ مِنَ الْعُبُوسِ وَ إِلَی الاِسْتِرْسَالِ مِنَ الْقُطُوبِ وَ یَلْحَقُنَا بِأَحْرَارِ النَّاسِ الَّذِینَ ارْتَفَعُوا عَنْ لُبْسَةِ الرِّیَاءِ وَ أَنِفُوا مِنَ التَّشَوُّفِ بِالتَّصَنُّعِ.

1386

وَ قَالَ اِبْنُ جُرَیْجٍ سَأَلْتُ عَطَاءَ عَنِ الْقِرَاءَةِ عَلَی أَلْحَانِ الْغِنَاءِ وَ الْحُدَاءِ فَقَالَ لِی لاَ بَأْسَ بِذَلِکَ حَدَّثَنِی عُبَیْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ اللَّیْثِیُّ أَنَّهُ کَانَ لِدَاوُدَ النَّبِیِّ ع مِعْزَفَةٌ قَدْ یَضْرِبُ بِهَا إِذَا قَرَأَ اَلزَّبُورَ فَتَجَمَّعَ إِلَیْهِ الطَّیْرُ وَ الْوَحْشُ فَیَبْکِی وَ یُبْکِی مَنْ حَوْلَهُ.

1387

وَ قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْجُعْفِیُّ رَأَیْتُ اَلشَّعْبِیَّ یَقُولُ لِخَیَّاطٍ یُمَازِحُهُ عِنْدَنَا حَبٌّ مَکْسُورٌ وَ أُحِبُّ أَنْ تَخِیطَهُ فَقَالَ الْخَیَّاطُ أَحْضِرْ لِی خُیُوطاً مِنْ رِیحٍ لِأَخِیطَهُ لَکَ.

1388

وَ سُئِلَ اَلشَّعْبِیُّ هَلْ یَجُوزُ أَنْ یُؤْکَلَ الْجِنِّیُّ لَوْ ظُفِرَ بِهِ فَقَالَ لَیْتَنَا نَخْرُجُ مِنْهُ کَفَافاً (1) لاَ لَنَا وَ لاَ عَلَیْنَا.

1389

وَ سَأَلَ إِنْسَانٌ مُحَمَّدَ بْنَ سِیرِینَ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ فَقَالَ تُوُفِّیَ الْبَارِحَةَ أَ مَا شَعَرْتَ فَخَرَجَ یَسْتَرْجِعُ فَلَمَّا رَأَی اِبْنُ سِیرِینَ جَزَعَهُ قَرَأَ اَللّٰهُ یَتَوَفَّی الْأَنْفُسَ حِینَ مَوْتِهٰا (2) .

1390

وَ کَانَ زَیْدُ بْنُ ثَابِتٍ مِنْ أَفْکَهِ النَّاسِ فِی بَیْتِهِ وَ أَرْفَثِهِمْ وَ قَدْ أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَی الرَّفَثَ إِلَی النِّسَاءِ فَقَالَ أُحِلَّ لَکُمْ لَیْلَةَ الصِّیٰامِ الرَّفَثُ إِلیٰ نِسٰائِکُمْ هُنَّ لِبٰاسٌ لَکُمْ

ص :334

وَ أَنْتُمْ لِبٰاسٌ لَهُنَّ

(1)

. و قال أهل اللغة الرفث القول الفاحش تخاطب به المرأة حال الجماع.

1391

وَ مَرَّ بِالشَّعْبِیِّ حَمَّالٌ عَلَی ظَهْرِهِ دَنُّ خَلٍّ فَوَضَعَ الدَّنَّ وَ قَالَ لَهُ مَا کَانَ اسْمُ امْرَأَةِ إِبْلِیسَ فَقَالَ اَلشَّعْبِیُّ ذَلِکَ نِکَاحٌ مَا شَهِدْنَاهُ.

1392

وَ قَالَ عِکْرِمَةُ خَتَنَ اِبْنُ عَبَّاسٍ بَنِیهِ فَأَرْسَلَنِی فَدَعَوْتُ اللَّعَّابِینَ فَلَعِبُوا فَأَعْطَاهُمْ أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ.

1393

وَ تَقَدَّمَ رَجُلاَنِ إِلَی شُرَیْحٍ فِی خُصُومَةٍ فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِمَا ادُّعِیَ عَلَیْهِ وَ هُوَ لاَ یَدْرِی فَقَضَی شُرَیْحٌ عَلَیْهِ فَقَالَ أَصْلَحَکَ اللَّهُ أَ تَقْضِی عَلَیَّ بِغَیْرِ بَیِّنَةٍ قَالَ بَلَی شَهِدَ عِنْدِی ثِقَةٌ قَالَ وَ مَنْ هُوَ قَالَ ابْنُ أُخْتِ خَالَتِکَ.

1394

14- وَ جَاءَ فِی الْخَبَرِ أَنَّ اَلنَّبِیَّ ص مَرَّ بِصُهَیْبٍ وَ هُوَ أَرْمَدُ یَأْکُلُ تَمْراً فَنَهَاهُ فَقَالَ إِنَّمَا آکُلُهُ عَنْ جَانِبِ الْعَیْنِ الصَّحِیحَةِ یَا رَسُولَ اللَّهِ فَضَحِکَ مِنْهُ وَ لَمْ یُنْکِرْ عَلَیْهِ

.

1395

14- وَ فِی الْخَبَرِ أَنَّهُ ص مَرَّ بِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ وَ قَدْ رَشَّ (2) أَطْمَارَهُ وَ عِنْدَهُ جَارِیَةٌ تُغَنِّیهِ هَلْ عَلَیَّ وَیْحَکُمَا إِنْ لَغَوْتُ مِنْ حَرَجٍ فَقَالَ ص لاَ حَرَجَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ

.

1396

وَ قِیلَ إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ قَالَ لِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ فِی أَیَّامِ مُعَاوِیَةَ لَوْ غَنَّتْکَ فُلاَنَةُ جَارِیَتِی صَوْتَ کَذَا لَمْ تُدْرِکْ رِکَابَکَ فَقَالَ یَا أَبَا جَعْفَرٍ فَکُلُوا مِنْهٰا وَ أَطْعِمُوا الْبٰائِسَ الْفَقِیرَ (3) .

ص :335

1397

وَ قَالَ أَسْلَمُ مَوْلَی عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مَرَّ بِی عُمَرُ وَ أَنَا وَ عَاصِمٌ نُغَنِّی غِنَاءَ النَّصْبِ (1) فَوَقَفَ وَ قَالَ أَعِیدَا عَلَیَّ فَأَعَدْنَا عَلَیْهِ وَ قُلْنَا أَیُّنَا أَحْسَنُ صَنْعَةً یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ فَقَالَ مَثَلُکُمَا کَحِمَارَیِ اَلْعِبَادِیِّ قِیلَ لَهُ أَیُّ حِمَارَیْکَ شَرٌّ فَقَالَ هَذَا ثُمَّ هَذَا فَقُلْتُ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ أَنَا الْأَوَّلُ مِنَ الْحِمَارَیْنِ فَقَالَ أَنْتَ الثَّانِی مِنْهُمَا.

1398

وَ مَرَّ نُعَیْمَانُ وَ هُوَ بَدْرِیٌّ بِمَخْرَمَةَ بْنِ نَوْفَلٍ فِی خِلاَفَةِ عُثْمَانَ وَ قَدْ کُفَّ بَصَرُهُ فَقَالَ أَ لاَ یَقُودُنِی رَجُلٌ حَتَّی أَبُولَ فَأَخَذَ نُعَیْمَانُ بِیَدِهِ حَتَّی صَارَ بِهِ إِلَی مُؤَخَّرِ اَلْمَسْجِدِ وَ قَالَ هَاهُنَا فَبُلْ فَبَالَ فَصَاحَ بِهِ النَّاسُ فَقَالَ مَنْ قَادَنِی قِیلَ نُعَیْمَانُ قَالَ لِلَّهِ عَلَیَّ أَنْ أَضْرِبَهُ بِعَصَایَ هَذِهِ فَبَلَغَ نُعَیْمَانَ فَأَتَاهُ فَقَالَ بَلَغَنِی أَنَّکَ أَقْسَمْتَ لَتَضْرِبَنَّ نُعَیْمَانَ فَهَلْ لَکَ فِیهِ قَالَ نَعَمْ قَالَ قُمْ فَقَامَ مَعَهُ حَتَّی وَافَی بِهِ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَ هُوَ یُصَلِّی فَقَالَ دُونَکَ الرَّجُلَ فَجَمَعَ مَخْرَمَةُ یَدَیْهِ فِی الْعَصَا وَ ضَرَبَهُ بِهَا فَصَاحَ النَّاسُ وَیْلَکَ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ قَالَ مَنْ قَادَنِی قَالُوا نُعَیْمَانُ قَالَ وَ مَا لِی وَ لِنُعَیْمَانَ لاَ أَعْرِضُ لَهُ أَبَداً.

1399

وَ کَانَ طُوَیْسٌ یَتَغَنَّی فِی عُرْسٍ فَدَخَلَ اَلنُّعْمَانُ بْنُ بَشِیرٍ الْأَنْصَارِیُّ الْعُرْسَ وَ طُوَیْسٌ یُغَنِّیهِمْ أَجَدَّ بِعَمْرَةَ هِجْرَانُهَا وَ تَسْخَطُ أَمْ شَانُنَا شَانُهَا (2) .

فَأَشَارُوا إِلَیْهِ بِالسُّکُوتِ فَقَالَ اَلنُّعْمَانُ دَعُوهُ إِنَّهُ لَمْ یَقُلْ بَأْساً إِنَّمَا قَالَ وَ عَمْرَةُ مِنْ سَرَوَاتِ النِّسَاءِ تَنْفَحُ بِالْمِسْکِ أَرْدَانُهَا.

وَ عَمْرَةُ هَذِهِ أُمُّ اَلنُّعْمَانِ وَ فِیهَا قِیلَ هَذَا النَّسِیبُ.

و قد روی عن جماعة من الصحابة و التابعین اللعب بالنرد و الشطرنج و منهم من روی عنهم شرب النبیذ و سماع الغناء المطرب.

ص :336

فأما أمیر المؤمنین علی ع فإذا نظرت إلی کتب الحدیث و السیر لم تجد أحدا من خلق اللّه عدوا و لا صدیقا روی عنه شیئا من هذا الفن لا قولا و لا فعلا و لم یکن جد أعظم من جده و لا وقار أتم من وقاره و ما هزل قط و لا لعب و لا فارق الحق و الناموس الدینی سرا و لا جهرا و کیف یکون هازلا

1400

وَ مِنْ کَلاَمِهِ الْمَشْهُورِ عَنْهُ

مَا مَزَحَ امْرُؤٌ مَزْحَةً إِلاَّ وَ مَجَّ مَعَهَا مِنْ عَقْلِهِ مَجَّةً .

و لکنه خلق علی سجیة لطیفة و أخلاق سهلة و وجه طلق و قول حسن و بشر ظاهر و ذلک من فضائله ع و خصائصه التی منحه اللّه بشرفها و اختصه بمزیتها و إنّما کانت غلظته و فظاظته فعلا لا قولا و ضربا بالسیف لا جبها بالقول و طعنا بالسنان لا عضها باللسان (1) کما قال الشاعر و تسفه أیدینا و یحلم رأینا و نشتم بالأفعال لا بالتکلم

1404

وَ قِیلَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ کَیْفَ تُجَاوِرُ بَنِی زُهْرَةَ وَ فِی أَخْلاَقِهِمْ زَعَارَّةٌ (1) قَالَ لاَ یَکُونُ لِی قِبَلَهُمْ شَیْءٌ إِلاَّ تَرَکْتُهُ وَ لاَ یَطْلُبُونَ مِنِّی شَیْئاً إِلاَّ أَعْطَیْتُهُمْ.

1405

14- وَ فِی الْحَدِیثِ الْمَرْفُوعِ أَنَّهُ ص قَالَ أَ لاَ أُنَبِّئُکُمْ بِشَرِّ النَّاسِ قَالُوا بَلَی یَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ مَنْ نَزَلَ وَحْدَهُ وَ مَنَعَ رِفْدَهُ وَ ضَرَبَ عَبْدَهُ ثُمَّ قَالَ أَ لاَ أُنَبِّئُکُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِکَ قَالُوا بَلَی قَالَ مَنْ لَمْ یُقِلْ عَثْرَةً وَ لاَ یَقْبَلْ مَعْذِرَةً .

1406

14- وَ قَالَ إِبْرَاهِیمُ بْنُ عَبَّاسٍ الصَّوْلِیُّ لَوْ وُزِنَتْ کَلِمَةُ رَسُولِ اللَّهِ ص بِمَحَاسِنِ الْخُلُقِ کُلِّهَا لَرَجَحَتْ قَوْلُهُ إِنَّکُمْ لَنْ تَسَعُوا (2) النَّاسَ بِأَمْوَالِکُمْ فَسَعُوهُمْ بِأَخْلاَقِکُمْ .

1407

وَ فِی الْخَبَرِ الْمَرْفُوعِ حُسْنُ الْخُلُقِ زِمَامٌ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ فِی أَنْفِ صَاحِبِهِ وَ الزِّمَامُ بِیَدِ الْمَلَکِ وَ الْمَلَکُ یَجُرُّهُ إِلَی الْخَیْرِ وَ الْخَیْرُ یَجُرُّهُ إِلَی اَلْجَنَّةِ وَ سُوءُ الْخُلُقِ زِمَامٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ فِی أَنْفِ صَاحِبِهِ وَ الزِّمَامُ بِیَدِ اَلشَّیْطَانِ وَ اَلشَّیْطَانُ یَجُرُّهُ إِلَی الشَّرِّ وَ الشَّرُّ یَجُرُّهُ إِلَی اَلنَّارِ .

1408

وَ رَوَی اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِیٍّ ع عَنِ اَلنَّبِیِّ ص أَنَّ الرَّجُلَ یُدْرِکُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ وَ إِنَّهُ لَیُکْتَبُ جَبَّاراً وَ لاَ یَمْلِکُ إِلاَّ أَهْلَهُ.

1409

14- وَ رَوَی أَبُو مُوسَی الْأَشْعَرِیُّ قَالَ بَیْنَا رَسُولُ اللَّهِ ص یَمْشِی وَ امْرَأَةٌ بَیْنَ یَدَیْهِ فَقُلْتُ الطَّرِیقَ لِرَسُولِ اللَّهِ ص فَقَالَتْ الطَّرِیقُ مُعَرَّضٌ إِنْ شَاءَ أَخَذَ یَمِیناً وَ إِنْ شَاءَ أَخَذَ شِمَالاً فَقَالَ ص دَعُوهَا فَإِنَّهَا جَبَّارَةٌ

(3)

.

1410

وَ قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ الْحَسَنُ الْخُلُقِ ذُو قَرَابَةٍ عِنْدَ الْأَجَانِبِ وَ السَّیِّئُ الْخُلُقِ أَجْنَبِیٌّ عِنْدَ أَهْلِهِ.

1411

وَ مِنْ کَلاَمِ اَلْأَحْنَفِ أَ لاَ أُخْبِرُکُمْ بِالْمَحْمِدَةِ بِلاَ مَذَمَّةٍ الْخُلُقُ السَّجِیحُ وَ الْکَفُّ عَنِ الْقَبِیحِ أَ لاَ أُخْبِرُکُمْ بِأَدْوَإِ الدَّاءِ الْخُلُقُ الدَّنِیءُ وَ اللِّسَانُ الْبَذِیءُ.

ص :338

1412

وَ فِی الْحَدِیثِ الْمَرْفُوعِ أَوَّلُ مَا یُوضَعُ فِی الْمِیزَانِ الْخُلُقُ الْحَسَنُ.

1413

وَ جَاءَ مَرْفُوعاً أَیْضاً الْمُؤْمِنُ هَیِّنٌ لَیِّنٌ کَالْجَمَلِ الْأَنِفِ (1) إِنْ قِیدَ انْقَادَ وَ إِنْ أُنِیخَ عَلَی صَخْرَةٍ اسْتَنَاخَ.

1414

14- وَ جَاءَ مَرْفُوعاً أَیْضاً أَ لاَ أُخْبِرُکُمْ بِأَحَبِّکُمْ إِلَیَّ وَ أَقْرَبِکُمْ مِنِّی مَجَالِسَ یَوْمَ الْقِیَامَةِ أَحَاسِنُکُمْ أَخْلاَقاً الْمُوَطَّئُونَ أَکْنَافاً الَّذِینَ یَأْلَفُونَ وَ یُؤْلَفُونَ أَ لاَ أُخْبِرُکُمْ بِأَبْغَضِکُمْ إِلَیَّ وَ أَبْعَدِکُمْ مِنِّی مَجَالِسَ یَوْمَ الْقِیَامَةِ الثَّرْثَارُونَ الْمُتَفَیْهِقُونَ .

1415

أَبُو رَجَاءٍ الْعُطَارِدِیُّ

مَنْ سَرَّهُ أَنْ یَکُونَ مُؤْمِناً حَقّاً فَلْیَکُنْ أَذَلَّ مِنْ قَعُودٍ کُلُّ مَنْ مَرَّ بِهِ ادَّعَاهُ.

1416

فُضَیْلُ بْنُ عِیَاضٍ

لَأَنْ یَصْحَبُنِی فَاجِرٌ حَسَنُ الْخُلُقِ أَحَبُّ إِلَیَّ مِنْ أَنْ یَصْحَبَنِی عَابِدٌ سَیِّئُ الْخُلُقِ لِأَنَّ الْفَاسِقَ إِذَا حَسُنَ خُلُقُهُ خَفَّ عَلَی النَّاسِ وَ أَحَبُّوهُ وَ الْعَابِدَ إِذَا سَاءَ خُلُقُهُ ثَقُلَ عَلَی النَّاسِ وَ مَقَتُوهُ.

1417

14- دَخَلَ فَرْقَدٌ وَ مُحَمَّدُ بْنُ وَاسِعٍ عَلَی رَجُلٍ یَعُودَانِهِ فَجَرَی ذِکْرُ الْعُنْفِ وَ الرِّفْقِ فَرَوَی فَرْقَدٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ص أَنَّهُ قِیلَ لَهُ عَلَی مَنْ حُرِّمَتِ اَلنَّارُ یَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ عَلَی الْهَیِّنِ اللَّیِّنِ السَّهْلِ الْقَرِیبِ فَلَمْ یَجِدْ مُحَمَّدُ بْنُ وَاسِعٍ بَیَاضاً یَکْتُبُ ذَلِکَ فِیهِ فَکَتَبَهُ عَلَی سَاقِهِ .

1418

عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الدَّارَانِیُّ

مَا ضُرِبَ عَبْدٌ بِعُقُوبَةٍ أَعْظَمَ مِنْ قَسْوَةِ الْقَلْبِ.

1419

عَائِشَةُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِأَهْلِ بَیْتٍ خَیْراً أَدْخَلَ عَلَیْهِمْ بَابَ رَفْقٍ.

1420

وَ عَنْهَا عَنْهُ ص مَنْ أُعْطِیَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ أُعْطِیَ حَظَّهُ مِنْ خَیْرِ الدُّنْیَا وَ الْآخِرَةِ.

ص :339

1421

جَرِیرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِیُّ رَفَعَهُ أَنَّ اللَّهَ لَیُعْطِی عَلَی الرِّفْقِ مَا لاَ یُعْطِی عَلَی الْخُرْقِ فَإِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْداً أَعْطَاهُ الرِّفْقَ.

1422

وَ کَانَ یُقَالُ مَا دَخَلَ الرِّفْقُ فِی شَیْءٍ إِلاَّ زَانَهُ.

1423

أَبُو عَوْنٍ الْأَنْصَارِیُّ

مَا تَکَلَّمَ الْإِنْسَانُ بِکَلِمَةٍ عَنِیفَةٍ إِلاَّ وَ إِلَی جَانِبِهَا کَلِمَةٌ أَلْیَنُ مِنْهَا تَجْرِی مَجْرَاهَا.

1424

14- سُئِلَتْ عَائِشَةُ عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ ص فَقَالَتْ کَانَ خُلُقُهُ اَلْقُرْآنَ خُذِ الْعَفْوَ وَ أْمُرْ بِالْعُرْفِ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْجٰاهِلِینَ

(1)

.

1425

وَ سُئِلَ اِبْنُ الْمُبَارَکِ عَنْ حُسْنِ الْخُلُقِ فَقَالَ بَسْطُ الْوَجْهِ وَ کَفُّ الْأَذَی وَ بَذْلُ النَّدَی.

1426

اِبْنُ عَبَّاسٍ

إِنَّ الْخُلُقَ الْحَسَنَ یُذِیبُ الْخَطَایَا کَمَا تُذِیبُ الشَّمْسُ الْجَلِیدَ وَ إِنَّ الْخُلُقَ السَّیِّئَ یُفْسِدُ الْعَمَلَ کَمَا یُفْسِدُ الْخَلُّ الْعَسَلَ.

1427

عَلِیٌّ ع

مَا مِنْ شَیْءٍ فِی الْمِیزَانِ أَثْقَلَ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ .

1428

وَ عَنْهُ ع

عُنْوَانُ صَحِیفَةِ الْمُؤْمِنِ حُسْنُ خُلُقِهِ .

1429

وَ عَنْهُ ع مَرْفُوعاً

عَلَیْکُمْ بِحُسْنِ الْخُلُقِ فَإِنَّهُ فِی اَلْجَنَّةِ وَ إِیَّاکُمْ وَ سُوءَ الْخُلُقِ فَإِنَّهُ فِی اَلنَّارِ .

1430

قَالَ اَلْمَنْصُورُ لِأَخِیهِ أَبِی الْعَبَّاسِ فِی بَنِی حَسَنٍ لَمَّا أَزْمَعُوا الْخُرُوجَ عَلَیْهِ آنِسْهُمْ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ بِالْإِحْسَانِ فَإِنِ اسْتَوْحَشُوا فَالشَّرُّ یُصْلِحُ مَا یَعْجِزُ عَنْهُ الْخَیْرُ وَ لاَ تَدَعْ مُحَمَّداً یَمْرَحُ فِی أَعِنَّةِ الْعُقُوقِ فَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ یَا أَبَا جَعْفَرٍ إِنَّهُ مَنْ شُدِّدَ نُفِّرَ وَ مَنْ لاَنَ أُلِّفَ وَ التَّغَافُلُ مِنْ سَجَایَا الْکِرَامِ.

إنّه قد یکون لأمر عائد إلی المزاج الجسمانی و قد یکون لأمر راجع إلی النفس فأما الأول فإنما یکون من غلبة الأخلاط السوداویة و ترمدها و عدم صفاء الدم و کثرة کدرته و عکره فإذا غلظ الدم و ثخن غلظ الروح النفسانی و ثخن أیضا لأنّه متولد من الدم فیحدث منه نوع ممّا یحدث لأصحاب الفطرة من الاستیحاش و النبوّة عن الناس و عدم الاستئناس و البشاشة و صار صاحبه ذا جفاء و أخلاق غلیظة و یشبه أن یکون هذا سببا مادیا فإن الذی یقوی فی نفسی أن النفوس إن صحت و ثبتت مختلفة بالذات.

و أمّا الراجع إلی النفس فأن یجتمع عندها أسقاط و أنصباء من قوی مختلفة مذمومة نحو أن تکون القوّة الغضبیة عندها متوافرة و ینضاف إلیها تصور الکمال فی ذاتها و توهم النقصان فی غیرها فیعتقد أن حرکات غیره واقعة علی غیر الصواب و أن الصواب ما توهمه.

و ینضاف إلی ذلک قلة أدب النفس و عدم الضبط لها و استحقارها للغیر و یقل التوقیر له و ینضاف إلی ذلک لجاج و ضیق فی النفس و حدة و استشاطة و قلة صبر علیه فیتولد من مجموع هذه الأمور خلق دنی و هو الغلظة و الفظاظة و الوعورة و البادرة المکروهة و عدم حبّه الناس و لقاؤهم بالأذی و قلة المراقبة لهم و استعمال القهر فی جمیع الأمور و تناول الأمر من السماء و هو قادر علی أن یتناوله من الأرض.

و هذا الخلق خارج عن الاعتدال و داخل فی حیز الجور و لا ینبغی أن یسمی بأسماء المدح و أعنی بذلک أن قوما یسمون هذا النوع من العنف و الخلق الوعر رجولیة و شدة و شکیمة و یذهبون به مذهب قوة النفس و شجاعتها الذی هو بالحقیقة مدح و شتان بین الخلقین فإن صاحب هذا الخلق الذی ذممناه تصدر عنه أفعال کثیرة یجور فیها علی نفسه ثمّ علی إخوانه علی الأقرب فالأقرب من معاملیه حتّی ینتهی إلی عبیده و حرمه فیکون علیهم سوط عذاب لا یقیلهم عثرة و لا یرحم لهم عبرة و إن کانوا برآء الذنوب غیر مجرمین و لا مکتسبی سوء بل یتجرم علیهم و یهیج من أدنی سبب یجد به طریقا إلیهم

ص :341

حتی یبسط یده و لسانه و هم لا یمتنعون منه و لا یتجاسرون علی رده عن أنفسهم بل یذعنون له و یقرون بذنوب لم یقترفوها استکفافا لعادیته و تسکینا لغضبه و هو فی ذلک یستمر علی طریقته لا یکف یدا و لا لسانا.

و أصل هذا الخلق الذی ذکرناه أنّه مرکب من قوی مختلفة من شدة القوّة الغضبیة فهی الحاملة لصاحب هذا الخلق علی ما یصدر عنه من البادرة المکروهة و الجبة و القحة و قد رأینا و شاهدنا من تشتد القوّة الغضبیة فیه فیتجاوز الغضب علی نوع الإنسان إلی البهائم التی لا تعقل و إلی الأوانی التی لا تحس و ربما قام إلی الحمار و إلی البرذون فضربهما و لکمهما و ربما کسر الآنیة لشدة غضبه و ربما عض القفل إذا تعسر علیه و ربما کسر القلم إذا تعلقت به شعرة من الدواة و اجتهد فی إزالتها فلم تزل.

و یحکی عن بعض ملوک الیونان المتقدمین أنّه کان یغضب علی البحر إذا هاج و اضطرب و تأخرت سفنه عن النفوذ فیه فیقسم بمعبوده لیطمنه و لیطرحن الجبال فیه حتّی یصیر أرضا و یقف بنفسه علی البحر و یهدده بذلک و یزجره زجرا عنیفا حتّی تدر أوداجه و یشتد احمرار وجهه و منهم من لا یسکن غضبه حتّی یصب علیه ماء بارد أو حتّی یبول و لهذا ورد فی الشریعة الأمر لمن اشتد غضبه أن یتوضأ للصلاة و یصلی.

1431

وَ کَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِذَا غَضِبَ عَلَی وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِهِ لاَ یَسْکُنُ غَضَبُهُ حَتَّی یَعَضَّ یَدَهُ عَضّاً شَدِیداً حَتَّی یُدْمِیَهَا.

1432

وَ ذَکَرَ اَلزُّبَیْرُ بْنُ بَکَّارٍ فِی اَلْمُوَفَّقِیَّاتِ أَنَّ سُرِّیَّةً جَاءَتْ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ أَوْ لِعُبَیْدِ اللَّهِ

ص :342

بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إِلَیْهِ تَشْکُوهُ فَقَالَتْ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ أَ لاَ تُعْذِرُنِی مِنْ أَبِی عِیسَی قَالَ وَ مَنْ أَبُو عِیسَی قَالَ ابْنُکَ عُبَیْدُ اللَّهِ قَالَ وَیْحَکَ وَ قَدْ تَکَنَّی بِأَبِی عِیسَی ثُمَّ دَعَاهُ فَقَالَ إِیهاً اکْتَنَیْتَ بِأَبِی عِیسَی فَحَذِرَ وَ فَزِعَ وَ أَخَذَ یَدَهُ فَعَضَّهَا ثُمَّ ضَرَبَهُ وَ قَالَ وَیْلَکَ وَ هَلْ لِعِیسَی أَبٌ أَ تَدْرِی مَا کَنَّی اَلْعَرَبُ أَبُو سَلَمَةَ أَبُو حَنْظَلَةَ أَبُو عُرْفُطَةَ أَبُو مُرَّةَ .

قَالَ اَلزُّبَیْرُ وَ کَانَ عُمَرُ إِذَا غَضِبَ عَلَی بَعْضِ أَهْلِهِ لَمْ یَسْکُنْ غَضَبُهُ حَتَّی یَعَضَّ یَدَهُ عَضّاً شَدِیداً وَ کَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَیْرِ کَذَلِکَ وَ لِقُوَّةِ هَذَا الْخُلُقِ عِنْدَهُ أَضْمَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ فِی خِلاَفَتِهِ إِبْطَالَ الْقَوْلِ بِالْعَوْلِ (1) وَ أَظْهَرَهُ بَعْدَهُ فَقِیلَ لَهُ هَلاَّ قُلْتَ هَذَا فِی أَیَّامِ عُمَرَ فَقَالَ هِبْتُهُ وَ کَانَ أَمِیراً مَهِیباً.

وَ لِذَلِکَ قَالَ أَیْضاً أَبُو سُفْیَانَ فِی اسْتِلْحَاقِ زِیَادٍ أَخَافُ مِنْ هَذَا الْعَیْرِ الْجَالِسِ أَنْ یَخْرِقَ عَلَیَّ إِهَابِی. فإذا هابه أبو سفیان و هو من بنی عبد مناف فی المنزلة التی تعلم و حوله بنو عبد شمس و هم جمرة قریش فما ظنک بمن هو دونه.

و قد علمت حال جبلة بن الأیهم و ارتداده عن الإسلام لتهدده له و وعیده إیاه أن یضربه بالدرة و فساد الحال بینه و بین خالد بن الولید بعد أن کان ولیا مصافیا و منحرفا عن غیره قالیا و الشأن الذی کان بینه و بین طلحة حتی هم أن یوقع به و حتّی هم طلحة أن یجاهره و طلحة هو الذی قال لأبی بکر عند موته ما ذا تقول لربک و قد ولیت فینا فظا غلیظا و هو القائل له یا خلیفة رسول اللّه إنا کنا لا نحتمل شراسته و أنت حی تأخذ علی یدیه فکیف یکون حالنا معه و أنت میت و هو الخلیفة.

و اعلم أنا لا نرید بهذا القول ذمه رضی اللّه عنه و کیف نذمه و هو أولی الناس بالمدح

ص :343

و التعظیم لیمن نقیبته و برکة خلافته و کثرة الفتوح فی أیامه و انتظام أمور الإسلام علی یده و لکنا أردنا أن نشرح حال العنف و الرفق و حال سعة الخلق و ضیقه و حال البشاشة و العبوس و حال الطلاقة و الوعورة فنذکر کل واحد منها ذکرا کلیا لا نخص به إنسانا بعینه فأما عمر فإنه و إن کان وعرا شدیدا خشنا فقد رزق من التوفیق و العنایة الإلهیة و نجح المساعی و طاعة الرعیة و نفوذ الحکم و قوة الدین و حسن النیة و صحة الرأی ما یربی محاسنه و محامده علی ما فی ذلک الخلق من نقص و لیس الکامل المطلق إلاّ اللّه تعالی وحده.

فأما حدیث الرضیخة و ما جعل معاویة لعمرو بن العاص من جعالة علی مبایعته و نصرته فقد تقدم ذکره فی أخبار صفین المشروحة فی هذا الکتاب من قبل

ص :344

و السابعة أنّه لا یری و لا یدرک.

و الثامنة أن ماهیته غیر معلومة و هو مذهب الحکماء و کثیر من المتکلّمین من أصحابنا و غیرهم.

و أدلة هذه المسائل مشروحة فی کتبنا الکلامیة .

و اعلم أن التوحید و العدل و المباحث الشریفة الإلهیة ما عرفت إلاّ من کلام هذا الرجل و أن کلام غیره من أکابر الصحابة لم یتضمن شیئا من ذلک أصلا و لا کانوا یتصورونه و لو تصوروه لذکروه و هذه الفضیلة عندی أعظم فضائله ع وَ مِنْهَا فَاتَّعِظُوا عِبَادَ اللَّهِ بِالْعِبَرِ النَّوَافِعِ وَ اعْتَبِرُوا بِالآْیِ السَّوَاطِعِ وَ ازْدَجِرُوا بِالنُّذُرِ الْبَوَالِغِ وَ انْتَفِعُوا بِالذِّکْرِ وَ الْمَوَاعِظِ فَکَأَنْ (1) قَدْ عَلِقَتْکُمْ مَخَالِبُ الْمَنِیَّةِ وَ انْقَطَعَتْ مِنْکُمْ عَلاَئِقُ الْأُمْنِیَّةِ وَ دَهِمَتْکُمْ مُفْظِعَاتُ الْأُمُورِ وَ السِّیَاقَةُ إِلَی الْوِرْدِ الْمَوْرُودِ فَ کُلُّ نَفْسٍ مَعَهٰا سٰائِقٌ وَ شَهِیدٌ سَائِقٌ یَسُوقُهَا إِلَی مَحْشَرِهَا وَ شَاهِدٌ یَشْهَدُ عَلَیْهَا بِعَمَلِهَا .

العبر

جمع عبرة و هی ما یعتبر به أی یتعظ و الآی جمع آیة و یجوز أن یرید

ص :346

بها آی القرآن و یجوز أن یرید بها آیات اللّه فی خلقه و فی غرائب الحوادث فی العالم.

و السواطع المشرقة المنیرة .

و النذر جمع نذیر و هو المخوف و الأحسن أن یکون النذر هاهنا هی الإنذارات نفسها لأنّه قد وصف ذلک بالبوالغ و فواعل لا تکون فی الأکثر إلاّ صفة المؤنث .

و مفظعات الأمور شدائدها الشنیعة أفظع الأمر فهو مفظع و یجوز فظع الأمر بالضم فظاعة فهو فظیع و أفظع الرجل علی ما لم یسم فاعله أی نزل به ذلک .

و قوله و السیاقة إلی الورد المورود یعنی الموت و قوله سٰائِقٌ وَ شَهِیدٌ و قد فسر ع ذلک و قال سائق یسوقها إلی محشرها و شاهد یشهد علیها بعملها و قد قال بعض المفسرین إن الآیة لا تقتضی کونهما اثنین بل من الجائز أن یکون ملکا واحدا جامعا بین الأمرین کأنّه قال و جاءت کل نفس معها ملک یسوقها و یشهد علیها و کلام أمیر المؤمنین یحتمل ذلک أیضا لأنّه لم یقل أحدهما لکن الأظهر فی الأخبار و الآثار أنهما ملکان.

فإن قلت إذا کان تعالی عالما بکل شیء فأی حاجة إلی الملائکة التی تکتب الأعمال کما قال سبحانه بَلیٰ وَ رُسُلُنٰا لَدَیْهِمْ یَکْتُبُونَ (1) و إذا کان تعالی أعدل العادلین فأی حاجة إلی ملک یشهد علی المکلف یوم القیامة و إذا کان قادرا لذاته فأی حاجة إلی ملک یسوق المکلف إلی المحشر قلت یجوز أن یکون فی تقریر مثل ذلک فی أنفس المکلفین فی الدنیا ألطاف و مصالح لهم فی أدیانهم فیخاطبهم اللّه تعالی به

ص :347

لوجوب اللطف فی حکمته و إذا خاطبهم به وجب فعله فی الآخرة لأن خبره سبحانه لا یجوز الخلف علیه وَ مِنْهَا فِی صِفَةِ اَلْجَنَّةِ دَرَجَاتٌ مُتَفَاضِلاَتٌ وَ مَنَازِلُ مُتَفَاوِتَاتٌ لاَ یَنْقَطِعُ نَعِیمُهَا وَ لاَ یَظْعَنُ مُقِیمُهَا وَ لاَ یَهْرَمُ خَالِدُهَا وَ لاَ یَبْأَسُ [یَیْأَسُ]

سَاکِنُهَا .

الدرجات جمع درجة و هی الطبقات و المراتب و یقال لها درجات فی الجنة و درکات فی النار و إنّما تفاضلت و تفاوتت بحسب الأعمال و لا یجوز أن یقع ذلک تفضلا لأن التفضل بالثواب قبیح.

فإن قلت فما قولک فی الحور و الولدان و الأطفال و المجانین قلت یکون الواصل إلیهم نعیما و لذة لا شبهة فی ذلک و لکن لا ثواب لهم و لا ینالونه و الثواب أمر أخص من المنافع و النعیم لأنّه منافع یقترن بها التعظیم و التبجیل و هذا الأمر الأخص لا یحسن إیصاله إلاّ إلی أرباب العمل .

و قوله لا ینقطع نعیمها و لا یظعن مقیمها قول متفق علیه بین أهل الملّة إلاّ ما یحکی عن أبی الهذیل أن حرکات أهل الجنة تنتهی إلی سکون دائم و قد نزهه قوم من أصحابنا عن هذا القول و أکذبوا رواته و من أثبته منهم عنه زعم أنّه لم یقل بانقطاع النعیم لکن بانقطاع الحرکة مع دوام النعیم و إنّما حمله علی ذلک أنّه لما استدلّ علی أن

ص :348

الحرکة الماضیة یستحیل ألا یکون لها أول عورض بالحرکات المستقبلة لأهل الجنة و النار فالتزم أنّها متناهیة و إنّما استبعد هذا عنه لأنّه کان أجل قدرا من أن یذهب علیه الفرق بین الصورتین .

و یبأس مضارع بئس و جاء فیه یبئس بالکسر و هو شاذ کشذوذ یحسب و ینعم و معنی یبأس یصیبه البؤس و هو الشقاء

ص :349

الخبر بضم الخاء و هو العلم و الضمائر جمع ضمیر و هو ما تضمره و تکنه فی نفسک .

و فی قوله له الإحاطة بکل شیء و قد بینها ثلاث مسائل فی التوحید إحداهن أنّه تعالی عالم بکل المعلومات.

و الثانیة أنّه لا شریک له و إذا ثبت کونه عالما بکل شیء کان فی ضمن ذلک نفی الشریک لأن الشریک لا یکون مغلوبا.

و الثالثة أنّه قادر علی کل ما یصحّ تعلق قادریته تعالی به.

و أدلة هذه المسائل مذکورة فی الکتب الکلامیة .

و قوله فلیعمل العامل منکم إلی قوله و لیتزود من دار ظعنه لدار إقامته مأخوذ من

1433

قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ ص فِی خُطْبَتِهِ الْمَشْهُورَةِ وَ هِیَ أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّ لَکُمْ مَعَالِمَ فَانْتَهُوا إِلَی مَعَالِمِکُمْ وَ إِنَّ لَکُمْ غَایَةً فَانْتَهُوا إِلَی غَایَتِکُمْ إِنَّ الْمُؤْمِنَ بَیْنَ مَخَافَتَیْنِ بَیْنَ أَجَلٍ قَدْ مَضَی لاَ یَدْرِی مَا اللَّهُ صَانِعٌ بِهِ وَ أَجَلٍ قَدْ بَقِیَ لاَ یَدْرِی مَا اللَّهُ قَاضٍ فِیهِ فَلْیَأْخُذِ الْعَبْدُ مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ وَ مِنْ دُنْیَاهُ لِآخِرَتِهِ وَ مِنَ الشَّبِیبَةِ قَبْلَ الْهَرَمِ وَ مِنَ الْحَیَاةِ قَبْلَ الْمَوْتِ فَوَ الَّذِی نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِیَدِهِ مَا بَعْدَ الْمَوْتِ مِنْ مُسْتَعْتَبٍ وَ مَا بَعْدَ الدُّنْیَا مِنْ دَارٍ إِلاَّ اَلْجَنَّةُ أَوِ اَلنَّارُ .

و المهل المهلة و التؤدة و الإرهاق مصدر أرهق تقول أرهقه قرنه فی الحرب إرهاقا إذا غشیه لیقتله و زید مرهق قال الشاعر تندی أکفهم و فی أبیاتهم ثقة المجاور و المضاف المرهق (1) .

و فی متنفسه

أی فی سعة وقته یقال أنت فی نفس من أمرک أی فی سعة.

ص :351

و الکظم بفتحهما مخرج النفس و الجمع أکظام و یجوز ظعنه و ظعنه بتحریک العین و تسکینها و قرئ بهما یَوْمَ ظَعْنِکُمْ (1) و ظعنکم و نصب اللّه اللّه علی الإغراء و هو أن تقدر فعلا ینصب المفعول به أی اتقوا اللّه و جعل تکریر اللفظ نائبا عن الفعل المقدر و دلیلا علیه.

استحفظکم من کتابه

جعلکم حفظة له جمع حافظ .

السدی المهمل و یجوز سدی بالفتح أسدیت الإبل أهملتها و قوله قد سمی آثارکم یفسر بتفسیرین أحدهما قد بین لکم أعمالکم خیرها و شرها کقوله تعالی وَ هَدَیْنٰاهُ النَّجْدَیْنِ (2) و الثانی قد أعلی مآثرکم أی رفع منازلکم إن أطعتم و یکون سمی بمعنی أسمی کما کان فی الوجه الأوّل بمعنی أبان و أوضح .

و التبیان بکسر التاء مصدر و هو شاذ لأن المصادر إنّما تجیء علی التفعال بفتحها مثل التذکار و التکرار و لم یأت بالکسر إلاّ حرفان و هما التبیان و التلقاء .

و قوله حتی أکمل له و لکم دینه من قوله تعالی اَلْیَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِینَکُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَیْکُمْ نِعْمَتِی (3) .

و قوله الذی رضی لنفسه من قوله تعالی وَ لَیُمَکِّنَنَّ لَهُمْ دِینَهُمُ الَّذِی ارْتَضیٰ لَهُمْ (4) لأنّه إذا ارتضی لهم فقد ارتضاه لنفسه أی ارتضی أن ینسب إلیه فیقال هذا دین الحق و أنهی إلیکم عرفکم و أعلمکم .

و محابه جمع محبة و مکارهه جمع مکرهة و هی ما تکره و فی هذا دلالة أن اللّه تعالی یحب الطاعة و یکره المعصیة و هو خلاف قول المجبرة .

ص :352

و الأوامر جمع آمر و أنکره قوم و قالوا هاهنا جمع أمر کالأحاوص جمع أحوص و الأحامر جمع أحمر یعنی الکلام الآمر لهم بالطاعات و هو القرآن .و النواهی جمع ناهیة کالسواری جمع ساریة و الغوادی جمع غادیة یعنی الآیات الناهیة لهم عن المعاصی و یضعف أن یکون الأوامر و النواهی جمع أمر و نهی لأن فعلا لا یجمع علی أفاعل و فواعل و إن کان قال ذلک بعض الشواذ من أهل الأدب .

و قوله و ألقی إلیکم المعذرة کلام فصیح و هو من قوله تعالی أَلْقیٰ إِلَیْکُمُ السَّلاٰمَ (1) .

و قدم إلیکم بالوعید و أنذرکم