نهج البلاغة و الطّبّ الحديث

هوية الكتاب

نهج البلاغة و الطب الحدیث

كاتب:علی، صادق عبدالرضا

لسان: العربية

الناشر: دار المؤرخ العربي - بیروت - لبنان

سال نشر: 1424 هجری قمری|2003 میلادی

محرر الرقمي: میثم الحیدري

ص: 1

اشارة

حقوق الطبع محفوظة الطبعة الأولى 1424 ه - 2003 م

ص: 2

ص: 3

ص: 4

الاهداء

إلى:

- وليد الكعبة.

- أمير المؤمنين و وصي رسول رب العالمين.

- إمام المتقين و يعسوب المسلمين.

- رائد العدالة الإنسانية و صوت الحق.

- من ذكره عبادة، و حبه عنوان صحيفة المؤمن.

- أهدي هذا الجهد المتواضع سائلا اللّه الصلاح و التوفيق.

الدكتور

صادق عبد الرضا علي

ص: 5

ص: 6

سطور عن الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السّلام

* ولادته: ولد بمكة في الكعبة المشرفة يوم الجمعة الثالث عشر من شهر رجب، و هو أول هاشمي يولد من أبوين هاشميين.

* كنيته: أبو الحسن، أبو تراب.

* لقبه: أمير المؤمنين.

* أبوه: أبو طالب (عبد مناف) بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ابن قصيّ ، سيد البطحاء و شيخ قريش و رئيس مكة.

* امه: فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف بن قصيّ .

* أولاده: الذكور (11)، الاناث (16).

* عمره: استشهد و هو ابن ثلاث و ستين سنة.

* شهادته: قضى ليلة الجمعة احدى و عشرين من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة، في محراب مسجد الكوفة شهيدا بسيف ابن ملجم المرادي لعنه اللّه.

* مرقده: في النجف الأشرف (الغريّ ) العراق.

ص: 7

شعر فى الامام على بعنوان ضوء من الضوء

لمعالي الاستاذ جوزيف الهاشم (1)

عرينة الشام، غني يوم طلته،

و سبحي اللّه في ذكرى ولادته

يطل (كالضوء من ضوء)(2) و ينشره

كالبدر يعكس شمسا و هج جبهته

هو الإمام (حسام الدين) فارسه،

ما زغرد السيف إلاّ بين قبضته

يد النبوة شدت عزم ساعده،

و أطلقته إماما من طفولته

فكان ظل رسول اللّه، (كاتبه)

و أول القوم إيمانا بدعوته

سيد البيان، (و باب العلم)(3) مشترعا

و الفقه مذ كان، نهج من بلاغته

***

هو الفتى، أم هو المفتي(4) (قاصعة)(5)

وقفات منبره في (شقشقيته)(6)

ص: 8


1- شاعر مسيحي و وزير لبناني سابق.
2- قول الإمام علي (أنا من الرسول كالضوء من الضوء).
3- إشارة إلى قول الرسول صلّى اللّه عليه و آله: (أنا مدينة العلم و علي بابها)..
4- (لا يفتين أحد في المدينة و علي حاضر) عمر بن الخطاب.
5- خطبة للامام، تضمنت تكوين الخليقة و تحذير الناس من ابليس و هي تعني: القاطعة.
6- إحدى خطب الإمام جسدت لواعج نفسه، تعني: (هادرة هدرت ثم قرت)..

محجة الشرع، (اقضاكم)(1) و إن سلفت

(خلافة هلكت)(2) من دون حكمته

يعب من منهل القرآن، يحفظه

(و النهج)(3) كالبحر، فاغرف من غزارته

يغوص في موجه القرصان، إن لمست *** يداه درا، هوى في قعر لجته

أعماقه قلل، أغواره قمم

إلى مدى اللّه، توق نحو رحمته

أنى التفت نهى، أنى اتجهت هدى

و حيث أبحرت ضوء من منارته

هنا العدالة، نور اللّه مذهبها

و دولة الحق أي في شريعته

هنا الفضيلة عنوان الحياة هنا

عنوان مجتمع، عنوان قادته

هنا السياسة مصباح السماء تقى

يا ليتهم فهموا معنى سياسته!

كأن دونك دستور الوجود، فما

زلت شرائعه في دنيويته..

هو الفتى، نبوي العبق محتده

(كالملح في الأرض)(4) فاذكر بعض قصته

ص: 9


1- قول للرسول صلّى اللّه عليه و آله (اقضاكم علي).
2- قول لعمر بن الخطاب: (لو لا علي لهلك عمر).
3- أبيات في نهج البلاغة (حتى كأنه دستور الوجود).
4- من وصف للجاحظ في بني هاشم.

أيام (بدر)، (حنين) (خندق)، (أحد)

و البيد و الصيد تحكي عن بطولته

و يوم (خيبر) في حصن اليهود دوى

لذي الفقار صليل قبل صولته

تزعزع الحصن، من هول الدوي، و ما

جادت بثانية نجلاء ضربته..

على (يديه يتم الفتح)(1)، كم خفقت

(سيوف ربك)(2) ظلا فوق جنته!

يذود عن حرمات الحوض، يحرسها،

و الحمد و الحلم بعض من طهارته

يشد درع نبي اللّه مبتهجا،

و طيف جبريل يثوي في عمامته

لسانه حجة للمشركين إذا

ضاقوا بحجته، هانوا بساحته

ما كف إلا مع التكبير ساعده

و للصلاة انحنت هيفاء قامته

هذا الإمام، فتى الإسلام، ملحمة

أيامه الغر، ما ذا عن خلافته ؟

(يوم الغدير) و قل من قبل، كم طربت

أذن النبي، و زفت همس عزته ؟

ص: 10


1- قال النبي يوم خيبر: (لاعطين الراية رجلا يفتح اللّه على يديه)..
2- من أقوال الرسول صلّى اللّه عليه و آله: (الجنة تحت ظلال السيوف).

(أنذر عشيرتك القربى)(1) فأنذرها

فاطرق القوم إلاّ زوج ابنته

(وزيره) في (حديث الدار) وارثه،

وصيه، و ولي بعد غربته

(كمثل، هارون من موسى بمنزلة،

إلاّ النبوة، تبقى رهن ساعته)(2)

هل الغدير باسراب الحجيج، و ما

تباطأ الركب، يشدو في مسيرته

في صوته نغمات الحزن يخنقها

رجع التشهد، إذعانا لسنته..

دنا الوداع، كما الروح الأمين دنا،

ينزّل الآي مغمورا بفرحته

هو العلي، وصي الأرث، فابتهجوا

و وزعوا البشر، و احكوا عن ولايته:

(ولي من كنت مولاه)(3) و سيده..

يا أيها القوم سيروا تحت رايته

(يحبه من أحب اللّه)(4) يبغضه

من (أبغض اللّه)، يقضي في ضلالته..

ص: 11


1- أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ اَلْأَقْرَبِينَ سورة الشعراء، (يوم الدار) نزل قوله تعالى وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ اَلْأَقْرَبِينَ و قد جمع النبي بني هاشم و انذرهم، ثم قال في الإمام علي (هذا أخي و وصيي و وزيري و وارثي و خليفتي من بعدي، فاسمعوا له و أطيعوا)..
2- إشارة إلى قول الرسول صلّى اللّه عليه و آله للإمام على و قد خلفه في غزوة تبوك (أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبوة بعدي)..
3- قول للرسول صلّى اللّه عليه و آله: (من كنت مولاه فعلي مولاه)..
4- من قول للرسول صلّى اللّه عليه و آله: (من أحب عليا فقد أحبني و من أحبني فقد أحب اللّه، و من ابغض عليا فقد أبغضني، من أبغضني فقد أبغض اللّه)..

اليوم أكملت، يا إسلام، دينكم،

فسبحوا اللّه في إتمام نعمته..(1)

علام يختلف الانصار؟ كيف غدت ؟

قرائن الناس احجى من نبوته ؟

ما بال حزب قريش قام منتفضا،

يوم (السقيفة) في إثبات حجته ؟

إن يجهل الناس، و التنزيل مرتسم

(قم يا رسول و بلغ وحي آيته)(2)

***

ما ثار في سيد الزهاد ثائره

(سلامة الدين اشهى)(3) من إمارته

أعطاه كل نفيس، كل تضحية،

و روحه لازمت أهوال راحته

حباه فلذته، و الفلذتين و ما

عزت عطاءاته من أجل أمته

ص: 12


1- أعلن الرسول صلّى اللّه عليه و آله ولاية علي فنزلت عليه الآية اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي... سورة المائدة...
2- بعد (حجة الوداع) نزل قوله تعالى يٰا أَيُّهَا اَلرَّسُولُ بَلِّغْ مٰا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ فأخذ النبي صلّى اللّه عليه و آله بيد علي و رفعها ثم قال: (من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه و عاد من عاداه) ثم نزلت الآية: اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ و جاء عن الطبراني و ابن أبي حاتم عن ابن عباس إن قوله تعالى إِنَّمٰا وَلِيُّكُمُ اَللّٰهُ وَ رَسُولُهُ وَ اَلَّذِينَ آمَنُوا إنما علي معني بها..).
3- وضع علي يده في يد أبي بكر مبايعا منعا للفتنة و الشقاق بين المسلمين و قال (سلامة الدين أحب إلينا)..

و سار في دربه (السبطان)(1) ما اختلفت

معالم الدرب، حتى في شهادته

كأنها (درب عيسى)(2) طبت من مثل

و الجود بالروح قسط من رسالته

من أجل دينه، لا دنياه، كان فدى

و الدين اسمى معاني هاشميته

ليس الإمام فتى الإسلام وحدهم،

و ليس وقفا على أبناء شيعته

من كان بالشيم الغراء معتصما

بالبر، بالرفق، بالتقوى، بخلته

بالنبل بالحق، بالأخلاق مكرمة

و بالشموخ، فهذا ابن بيعته...

*** نهج البلاغة و الفكر الإنساني المعاصر/ص 38 /نشر مؤتمر نهج البلاغة/دمشق/ 1993.

ص: 13


1- الحسن و الحسين حفيدا الرسول صلّى اللّه عليه و آله.
2- من قول الرسول صلّى اللّه عليه و آله للإمام علي (إن فيك مثلا من عيسى، ابغضه اليهود و احبته النصارى حتى انزلوه بالمنزل الذي ليس به)..

ص: 14

المقدمة

اشارة

بسم اللّه الرحمن الرحيم

و الحمد للّه رب العالمين و الصلاة و السّلام على محمد و آله الطاهرين.

خلق اللّه جلّت قدرته، و عظمت آلاؤه، و كثرت نعماؤه، السماوات و الأرض بالحق، جعل فيها الأنهار و الأشجار و النباتات و الأثمار، و خلق أنواع الطيور و الحيوانات، و سخّر الشمس و القمر و الرياح و البحار، خدمة لنا و لأبينا آدم الذي خلقه من طين، و نفخ فيه من روحه المقدسة المباركة. «ثم نفخ فيها (أي التربة) من روحه، فتمثّلت إنسانا ذا أذهان يجيلها»(1) و أسجد له الملائكة تكريما و تعظيما، و أعطاه العقل و الشهوة و الاختيار، ليكون متميزا عن الملائكة و الحيوانات «فلا جبر و لا تفويض» ثم خلق له زوجة من جنسه ليستأنس بها و يتكاثر و يتناسل في الأرض التي هيّات له ليعيش فيها هانئا متنعما مطمئنا لا يعوزه شيء و لا تنقصه ناقصة، فتكاثر و تناسل و أصبحت الأرض تعج بأبنائه و بناته الذين عاشوا الحياة الاولى بفطرتها الإلهية، التي عرفوا من خلالها الغاية من خلقهم و وجودهم، أ لا و هي عبادة اللّه الواحد القهار و شكره على هذه النعمة.

هذه الفطرة التي حملها آدم و أبناؤه هي من الإمدادات الغيبية الإلهية التي غرزها اللّه في عقولهم منذ الخلق و الولادة.

كان ذلك الإمداد الفطري في تلك المرحلة البدائية التي عاشها الإنسان

ص: 15


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 1 ص 96.

كافيا لحفظ و إدامة المسيرة البشرية من الانحراف و الشرك و عبادة الأوثان و الانزلاق وراء الشهوات. و نتيجة لتكاثر البشر، و نشوء المجتمعات البدائية و تطور الحياة الاجتماعية و المادية، بدأت المشاكل و الاختلافات تدبّ فيما بينهم و تظهر على السطح بصورة استغلال و تسلط و فساد بدأ يزرع بذوره في النفوس البشرية، و هنا جاء اللطف الإلهي و الرحمة الربانية التي لم تنقطع عن الإنسان، فأرسل الأنبياء منذرين و مبشرين و مصلحين، ليقوّموا الروح البشرية و المسيرة الإنسانية نحو الطريق الصحيح الذي أراده اللّه لهم منذ البداية، و كان الدين الإسلامي الحنيف آخر الأديان السماوية التي اكتمل به الإمداد الغيبي و الرحمة الفياضة الدائمة على بني البشر، حين أرسل اللطيف الخبير نبينا الأكرم محمد بن عبد اللّه صلّى اللّه عليه و آله بأكمل دين و أقوم رسالة جمعت كل ما من شأنه تقويم الإنسان و حفظه من الخطأ و الزلل و الانحراف.

و بما أنّ المسيرة البشرية طويلة و دائمة احتاج الأنبياء الى أوصياء و أئمة «فظهر أنه لا بدّ لكل نبي مرسل بكتاب من عند اللّه عز و جل ان ينصب وصيا يودع فيه أسرار نبوته و أسرار الكتاب المنزل عليه و يكشف له مبهمه ليكون ذلك الوصي هو حجة ذلك النبي على قومه و لئلا تتصرف الامة في ذلك الكتاب بآرائها و عقولها فتختلف و تزيغ قلوبها كما أمر اللّه به فقال: هُوَ اَلَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ اَلْكِتٰابَ مِنْهُ آيٰاتٌ مُحْكَمٰاتٌ هُنَّ أُمُّ اَلْكِتٰابِ وَ أُخَرُ مُتَشٰابِهٰاتٌ فَأَمَّا اَلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مٰا تَشٰابَهَ مِنْهُ اِبْتِغٰاءَ اَلْفِتْنَةِ وَ اِبْتِغٰاءَ تَأْوِيلِهِ وَ مٰا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اَللّٰهُ وَ اَلرّٰاسِخُونَ فِي اَلْعِلْمِ . (1)

ص: 16


1- سورة آل عمران الآية 6.

فالرسول و الوصي و الكتاب هو الحجة على الامة ليهلك من هلك عن بينة و يحيى من حيّ عن بينة و هذا كما فعل آدم بشيث، و نوح بسام، و إبراهيم بإسحاق، و موسى بيوشع بن نون و معه النقباء الإثنا عشر و سليمان ابن داود بآصف بن برخيا، و عيسى بشمعون بن حمون و معه الحواريون الإثنا عشر، و نبينا الكريم صلّى اللّه عليه و آله بعلي عليه السّلام و معه الأئمة الأحد عشر. فوجود الوصي (علي) هو لطف من الألطاف الإلهية إِنَّمٰا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هٰادٍ (1)»(2).

كان رسولنا الكريم خاتم الأنبياء و المرسلين، و كان أمير المؤمنين و وصي رسول رب العالمين الإمام علي عليه السّلام أشرف الأوصياء المنتجبين.

إنّ مسيرة و حياة و أقوال و سلوك الأوصياء و الأئمة المنتخبين من اللّه مكملة و حافظة للمسيرة التي ابتدأها الأنبياء، و هذا ما رأيناه من الإمام علي عليه السّلام حيث كان الراعي و الحافظ و المكمل للمسيرة النبوية الشريفة التي بشرّ بها الرسول العظيم، فكان بحق خير حافظ و أعظم وصي و أفضل هاد للأمة الإسلامية بعد رسول اللّه.

إنّ الخالق العظيم الذي منّ علينا و أنقذنا من الظلمات الى النور أرسل دينه على لسان النبي الأمي ليقوم بتبليغه لنا، و قد عصمه اللّه من الخطأ و النسيان في كل الأمور الدينية و الدنيوية لأنّه: وَ مٰا يَنْطِقُ عَنِ اَلْهَوىٰ إِنْ هُوَ إِلاّٰ وَحْيٌ يُوحىٰ عَلَّمَهُ شَدِيدُ اَلْقُوىٰ (3) و انّ وصيه الإمام علي عليه السّلام و أولاده المعصومين بنص آيات القرآن: إِنَّمٰا وَلِيُّكُمُ اَللّٰهُ وَ رَسُولُهُ وَ اَلَّذِينَ

ص: 17


1- سورة الرعد الآية 7.
2- المحجة البيضاء في تهذيب الإحياء ج 1 ص 230.
3- سورة النجم 3-5.

آمَنُوا اَلَّذِينَ يُقِيمُونَ اَلصَّلاٰةَ وَ يُؤْتُونَ اَلزَّكٰاةَ وَ هُمْ رٰاكِعُونَ (1) و أَطِيعُوا اَللّٰهَ وَ أَطِيعُوا اَلرَّسُولَ وَ أُولِي اَلْأَمْرِ مِنْكُمْ (2) و الأحاديث النبوية الشريفة

«من كنت مولاه فعليّ مولاه اللهم وال من والاه و عاد من عاداه» و

«أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبي بعدي» هم المحافظون و الذائدون و المدافعون و المضحّون في سبيل الشريعة من الأخطار و الضياع و الأباطيل و البدع التي قد تطرأ عليها و تدخل فيها من قبل المنافقين و أعداء الدين.

و قد اختص الإمام علي عليه السّلام و أبناؤه المعصومون بمختلف العلوم بما ورثوه عن جدهم رسول اللّه الذي منحهم الولاية التشريعية و التكوينية بصورة كاملة تؤهلهم المقام السامي لإكمال المسيرة و حفظ مختلف العلوم الإلهية.

قال رسول اللّه: «أنا مدينة العلم و علي بابها فمن أراد المدينة فليأت الباب». هذه الرتبة الإلهية و المنحة الربانية لوصي رسول اللّه و الأئمة المعصومين هي ضرورة شرعية و عقلية لحفظ الدين من التلاعب و الاندثار، لذلك تعتبر الإمامة مكملة للمسيرة النبوية، و كيف لا و هم المعصومون بنص القرآن: إِنَّمٰا يُرِيدُ اَللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ اَلرِّجْسَ أَهْلَ اَلْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (3) و حديث الثقلين:

«أيها الناس يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب و اني تارك فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب اللّه و عترتي أهل بيتي فلا تقدموهما فتهلكوا و لا تتأخروا عنهما فتهلكوا و لا تعلموهم فإنهم أعلم منكم و ان اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا

ص: 18


1- سورة المائدة الآية 55.
2- سورة النساء الآية 59.
3- سورة الأحزاب الآية 33.

حتى يردا عليّ الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما»(1).

من كلّ ما تقدم نستخلص أهمية الوصاية و الإمامة بعد النبي صلّى اللّه عليه و آله و ضرورتها، باعتبار أن الوصي و الأئمة هم حملة العلم، و ورثة الأنبياء، و منار الهداية، و ألسنة الصدق و الحق، بهم تكتمل الهداية، و تزال و تبطل الشبهات، لأنهم حجج اللّه على عباده و امناؤه في بلاده.

«هذا و إنّ اقتران القرآن بأهل البيت في حديث الثقلين له معان و دلالات عميقة:

1 - إنّ أهل البيت عليهم السّلام لهم قيمة كبيرة تعادل القرآن.

2 - إنّ القرآن بدون أهل البيت لا يكفي، لأنّ القرآن كتاب صامت حمّال وجوه، و أهل البيت هم الذين يجعلونه ناطقا باعطائهم له التفسير الصحيح الذي سمعوه من جدهم، فيحفظونه بذلك من التحريف و التزييف و التغيير و التحوير، تحقيقا بواسطتهم لقوله تعالى:

إِنّٰا نَحْنُ نَزَّلْنَا اَلذِّكْرَ وَ إِنّٰا لَهُ لَحٰافِظُونَ (2) .

3 - إنّ النجاة و الفوز متوقفان على التمسك بأهل البيت عليهم السّلام و هديهم دون سواهم.

4 - إنّ أهل البيت مع القرآن، و القرآن معهم لا يفترقان الى يوم القيامة، و هذا يعني أنّ وجود الأئمّة مستمر لا ينقطع مع وجود القرآن الى يوم القيامة»(3).

ص: 19


1- الكافي ج 2 ص 415.
2- سورة الحجر الآية 9.
3- تصنيف نهج البلاغة للبيب بيضون ص 340.

الإمام علي عليه السّلام و موقعه الالهي:

الإمام علي عليه السّلام وصي رسول اللّه و أبو الأئمة الأطهار مدحه النبي في مواطن كثيرة و قال فيه أحاديث عديدة:

«ذكر عليّ عبادة» و

«يا علي ما عرفك إلاّ اللّه و أنا» تدل بوضوح كنور الشمس الساطع على أنّ معرفة الإمام و ادراك كنهه و الغور في ذاته مسألة عظيمة و من المستحيلات على الذات البشرية، و لكن «ما لا يدرك كله لا يترك جله» و لا بأس أن يجهد العلماء و الباحثون و المنصفون أنفسهم في التقرب من تلك الشخصية العظيمة، و ملامسة فضائلها و معجزاتها، و إن كانت تلك الملامسة لا تقارن بالآيات و الأحاديث التي نزلت بحقه، فهم في سعيهم كمن يحاول الاقتراب من الشمس فيرتد خائبا من وجهها و لهيبها.

قال ابن أبي الحديد المعتزلي في مقدمة كتاب شرح نهج البلاغة:

«و ما أقول في رجل أقرّ له أعداؤه و خصومه بالفضل، و لم يمكنهم جحد مناقبه، كان كالمسك كلّما ستر انتشر عرفه، و كلّما كتم تضوّع نشره، و كالشمس لا تستر بالراح، و كضوء النهار إن حجبت عنه عين واحدة أدركته عيون كثيرة.

و ما أقول في رجل تعزى إليه كلّ فضيلة، و تنتهي إليه كل فرقة، و تتجاذبه كلّ طائفة، فهو رئيس الفضائل و ينبوعها، و أبو عذرها، و سابق مضمارها، و مجلّي حلبتها، كلّ من بزغ فيها بعده فمنه أخذ، و له اقتضى، و على مثاله احتذى.

و هو مبتدع و منشئ علم النحو و العربية الذي أملاه على أبي الأسود الدؤليّ .

ص: 20

و أما الشجاعة فإنه أنسى الناس فيها ذكر من كان قبله، و محا اسم من يأتي بعده، و مقاماته في الحرب مشهورة يضرب بها الأمثال إلى يوم القيامة.

و أما القوّة و الأيد فبه يضرب المثل فيهما، ما صارع أحدا قط إلاّ صرعه. و هو الذي قلع باب خيبر و اقتلع هبل من أعلى الكعبة.

و أمّا السخاء و الجود فحاله فيه ظاهرة، و كان يصوم و يطوي و يوثر بزاده.

و أمّا الحلم و الصفح فكان أحلم الناس عن ذنب، و أصفحهم عن مسيء.

و أمّا الجهاد في سبيل اللّه فمعلوم عند صديقه و عدوّه أنه سيد المجاهدين.

و أما الفصاحة فهو إمام الفصحاء و سيد البلغاء، و في كلامه قيل: دون كلام الخالق و فوق كلام المخلوقين.

و أما سجاحة الأخلاق و بشر الوجه، و طلاقة المحيّا و التبسم، فهو المضروب به المثل.

و أما الزهد في الدنيا فهو سيّد الزهاد، و بدل الأبدال، و إليه تشدّ الرحال، ما شبع من طعام قط، و كان أخشن الناس مأكلا و ملبسا، و كان ثوبه مرقوعا بجلد تارة و ليف اخرى، و نعلاه من ليف.

و أما العبادة فكان أعبد الناس، و أكثرهم صلاة و صوما، و منه تعلّم الناس صلاة الليل، و ملازمة الأوراد و قيام النافلة.

و أما قراءته القرآن و اشتغاله به فهو المنظور إليه في هذا الباب، اتفق الكل على أنه كان يحفظ القرآن على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و لم يكن غيره يحفظه، ثم هو أوّل من جمعه.

ص: 21

و أما السياسة فإنه كان شديد السياسة، خشنا في ذات اللّه.

و ما أقول في رجل تحبّه أهل الذّمة على تكذيبهم بالنبوة، و تعظمه الفلاسفة على معاندتهم لأهل الملّة. أبوه أبو طالب سيد البطحاء، و شيخ قريش، و رئيس مكة، ابن عمه محمد سيد الأولين و الآخرين و اخوه جعفر ذو الجناحين، و زوجته سيدة نساء العالمين، و ابنيه سيّدا شباب أهل الجنة، فأباؤه آباء رسول اللّه، و أمهاته أمهات رسول اللّه، و هو مسوط بلحمه و دمه، لم يفارقه منذ خلق اللّه آدم»(1).

شخصية الإمام عليّ عليه السّلام شخصية إلهية عجز عن إدراكها و معرفتها الفلاسفة و العلماء، و قصر عن سبر غورها الباحثون و الدارسون، لذلك عند ما عزمت على الدخول إلى حديقة ذاته القدسية كنت مترددا متهيبا بداية الأمر خوفا من الغرق في بحر معرفته و عظمته، إلاّ أني توكلت على اللّه و دخلت تلك الحديقة التي رعتها الألطاف الإلهية و سقتها الأنوار المحمدية و ظللتها الإمامة العلوية، فرأيت أورادا مشرقة، و زهورا عطرة، و غصونا محملة بالإيمان و الزهد و التقوى و الجهاد و التضحية و الحق و العدالة وقفت بخشوع و جلال و هيبة و احترام، مددت يدي، اقتطفت باقة من زهورها فتراءى أمامي بعض من المعجزات الإلهية، و النفحات المحمدية، و الشمائل الهاشمية، و الخصائص العلوية، شممتها بشوق و قبلتها بلهفة، وضعتها على صدري المشتاق لأتزود منها بالمعرفة و الإيمان و العلم و الموعظة، و بعد أن ارتويت من عبيرها، و تغذيت من رحيقها، سطرتها على الورق بحروف من نور و قلب مسرور، كي تبقى خالدة خلود الدهر، يقرأها كل منصف، و يطالعها كل محب للخير و العدالة.

ص: 22


1- مقدمة شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 1.

ما جاء في علي عليه السّلام على لسان القرآن:

1 - نفس رسول اللّه.

2 - الذي عنده علم الكتاب.

3 - المؤمن.

4 - السابق.

5 - المؤمن المجاهد.

6 - أذن واعية.

7 - خير البريّة.

8 - الهادي.

9 - الولي المتصدق في الركوع.

10 - الذي يشري نفسه ابتغاء مرضاة اللّه.

11 - الذي ينفق ماله بالليل و النهار سرّا و علانية.

12 - ولايته كمال الدين.

13 - النبأ العظيم.

14 - و هو من الذين سِيمٰاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ اَلسُّجُودِ.

15 - الذي نزل فيه و في أهل بيته إِنَّمٰا يُرِيدُ اَللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ اَلرِّجْسَ أَهْلَ اَلْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً.

16 - هو صاحب سورة براءة و غدير خم و راية خيبر.

17 - الذي نزلت به و بأهل بيته سورة هل أتى.

ما جاء في عليّ عليه السّلام على لسان النبي صلّى اللّه عليه و آله:

1 -

يا عليّ ما عرفك حقّ معرفتك إلاّ اللّه و أنا.

ص: 23

2 -

حق عليّ بن أبي طالب على هذه الامة كحق الوالد على ولده.

3 - سيّد العرب.

4 - أول من أسلم.

5 - سيّد المسلمين.

6 -

حب علي عبادة.

7 - صاحب السر.

8 -

حبه عنوان صحيفة المؤمن.

9 - وزير رسول اللّه.

10 - حبه جواز و ثبات على الصراط.

11 - وصي رسول اللّه.

12 -

من آذى عليا فقد آذاني.

13 - خليفة رسول اللّه.

14 -

يا علي حبك ايمان و بغضك نفاق و كفر.

15 -

عليّ مع الحق و الحق مع عليّ .

16 -

يا عليّ مثلك في امتي كمثل سفينة نوح من ركبها نجا و من تخلّف عنها غرق.

17 -

لا يحبه إلاّ مؤمن و لا يبغضه إلاّ منافق.

18 -

حبه إيمان و بغضه كفر.

19 - إمام المجاهدين.

20 - يعسوب المسلمين.

21 - راية الهدى.

22 - صاحب رايتي.

23 - الصديق الأكبر.

ص: 24

24 - الفاروق الأعظم.

25 - جبرائيل عن يمينه و ميكائيل عن يساره.

26 -

وليّ كلّ مؤمن بعدي.

27 - سيد الشهداء.

28 -

قسيم النار و الجنة.

29 -

خلقت أنا و عليّ من نور واحد.

30 -

أنا و عليّ من شجرة واحدة.

31 -

لحمه لحمي و دمه دمي.

32 -

في صلبه ذرّيتي.

33 -

عليّ مني بمنزلتي من ربّي.

34 -

عليّ مني بمنزلة رأسي من بدني.

35 - حبيب رسول اللّه.

36 -

أنت وليّي في الدنيا و الآخرة.

37 -

يا عليّ أنا و أنت أبوا هذه الامة.

38 -

أنا و عليّ حجّة اللّه على عباده.

39 -

أنا سيّد ولد آدم و عليّ سيّد العرب.

40 -

يا عليّ حزبك حزب اللّه.

41 -

من سبّ عليا فقد سبّني و من سبّني فقد سب اللّه تعالى.

42 -

مثل عليّ في هذه الامة كمثال الكعبة.

43 -

حبّ عليّ يأكل السيئات كما تأكل النار الحطب.

44 - حبل اللّه المتين.

45 -

عليّ آية الحق و راية الهدى.

46 - الصراط المستقيم.

ص: 25

47 -

أقضى امتي عليّ بن أبي طالب.

48 -

كرّار غير فرار.

49 -

عليّ باب حطّة.

50 -

عليّ أفضلكم.

51 -

عليّ خير البشر فمن أبى فقد كفر.

52 -

من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه و إلى نوح في فهمه و إلى إبراهيم في حلمه و إلى يحيى بن زكريا في زهده و إلى موسى ابن عمران في بطشه فلينظر إلى علي بن أبي طالب.

53 -

ذكر عليّ عبادة.

54 -

النظر إلى عليّ عبادة.

55 -

علي أول من آمن بي و أوّل من يصافحني يوم القيامة.

56 -

عليّ صاحب حوضي يوم القيامة.

57 -

لا يجوز أحد الصراط إلاّ من كتب له عليّ الجواز.

58 - سراج الدنيا.

59 - خاصف النعل.

60 - هازم الأحزاب.

61 - مصباح الدجى.

62 - أبو تراب.

63 - المولود بالكعبة.

64 - البائت في فراش رسول اللّه عند الهجرة.

65 - الصراط المستقيم.

66 - كاتب الوحي.

67 - مكسّر الأصنام.

ص: 26

68 - ضربته يوم الخندق تعادل عبادة الثقلين.

69 - مطلّق الدنيا مؤثر الآخرة على الأولى.

70 - الذي ذكره في التوراة و الإنجيل.

ما جاء في عليّ عليه السّلام على لسان عليّ :

1 - القرآن الناطق.

2 - أعرف الناس بالكتاب و السنة.

3 -

إني لم أشرك باللّه طرفة عين.

4 -

إني لم أشرب الخمر قطّ.

5 -

قال لي رسول اللّه يا عليّ أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبي بعدي.

6 -

إني أول الناس إيمانا و إسلاما.

7 -

علمني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ألف باب من العلم يفتح كل باب ألف باب و لم يعلّم ذلك أحدا غيري.

8 - طبيب القلوب و الأبدان.

9 -

قال رسول اللّه ستقاتل الناكثين و القاسطين و المارقين.

10 -

سمعت رسول اللّه يقول أنا مدينة العلم و عليّ بابها.

11 - المتصدق بين يدي رسول اللّه.

12 -

قال رسول اللّه لو لا أن يقول فيك الغالون من امتي ما قالت النصارى في عيسى بن مريم لقلت فيك قولا لا تمر بملأ من الناس إلاّ أخذوا التراب من تحت قدميك يستشفون به.

13 -

أمر رسول اللّه أصحابه و عمومته بسدّ الأبواب على المسجد و فتح بابي بأمر اللّه عز و جل.

ص: 27

14 -

إن اللّه تبارك و تعالى ردّ عليّ الشمس مرّتين و لم يردها على أحد من امة محمد صلّى اللّه عليه و آله غيري.

15 -

أنا سيد الوصيّين، و وصيّ سيّد النبيّين.

16 -

أنا إمام المسلمين، و قائد المتقين، و مولى المؤمنين، و زوج سيّدة نساء العالمين، أنا المتختّم باليمين و المعفّر للجبين، أنا الذي هاجرت الهجرتين و بايعت البيعتين، أنا صاحب بدر و حنين، أنا الضارب بالسيفين، و الحامل على فرسين.

17 -

صليت قبل الناس بسبع سنين.

18 - أصبر الصابرين.

19 - القائل

سلوني قبل أن تفقدوني.

20 - وريث الأنبياء.

21 - مفسّر القرآن و الإنجيل و التوراة و الزبور.

22 - المكتفي بطمرين.

23 - القائم بتغسيل و تكفين و دفن رسول اللّه.

24 - القائل و اللّه لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي اللّه في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلت.

25 - ما قال لا لسائل قط.

26 - الذي لم يخلّف ميراثا.

و أخيرا فإن عليا عليه السّلام هو:

- شهيد المحراب.

- الذي أبكت رزيته ملائكة السماء و أهل الأرضين.

- المستأذن عليه عزرائيل حين الشهادة.

- ضجيع آدم و نوح و مجاور قبر هود و صالح.

ص: 28

نهج البلاغة من تراث الإمام الخالد و قال الشريف الرضي رحمه اللّه:

«عند ما كنت في عنفوان الشباب سألني الأصدقاء أن أبدأ بتأليف كتاب يحتوي على مختار كلام أمير المؤمنين علي عليه السّلام في جميع فنونه و متشعّبات غصونه من خطب و كتب و مواعظ و أدب، فأجبتهم إلى ذلك و أسميت الكتاب نهج البلاغة، لأنّ الأمام علي عليه السّلام مشرع الفصاحة و موردها، و منشأ البلاغة و مولدها، و منه ظهر مكنونها و عنه أخذت قوانينها»(1).

أما الإمام محمد عبده الذي شرح نهج البلاغة فيقول في مقدمته عن هذا الكتاب الجليل: «فتصفحت بعض صفحاته، و تأملت جملا من عباراته، من مواضع مختلفات، و مواضع متفرقات، فكان يخيل لي في كل مقام أن حروبا شبّت و غارات شنّت، و أنّ للبلاغة دولة، و للفصاحة صولة، و أنّ مدبر تلك الدولة و باسل تلك الصولة هو حامل لوائها الغالب أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب. بل كنت كلما انتقلت من موضع إلى موضع، أحس بتغير المشاهد و تحول المعاهد. فتارة كنت أجدني في عالم يغمره من المعاني أرواح عاليّة، من حلل من العبارات الزاهيّة، تطوف على النفوس الزاكية، و تدنو من القلوب الصافية، توحي إليها رشادها، و تقوّم منها مرادها، و تنفر بها عن مداحض المزال، إلى جواد الفضل و الكمال. و احيانا كنت أشهد أن عقلا نورانيا لا يشبه خلقا جسدانيا، فصل عن الموكب الإلهي و اتصل بالروح الإنساني، فخلعه عن غاشيات الطبيعة و سما به إلى الملكوت الأعلى، و نما به الى مشهد النور الأجلى، و سكن به إلى عمار جانب التقديس، بعد

ص: 29


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 1 ص 44.

استخلاصه من شوائب التلبيس»(1)

لذلك يعتبر السابقون و اللاحقون نهج البلاغة ملحمة إلهيّة، حوت الخطب و الأدعية و الوصايا و الرسائل و الكتب و الأوامر و الكلمات القصار التي جاءت على لسان وصي رسول رب العالمين، و موسوعة أدبية، علمية، دينية شاملة تعالج قضايا العصر الدينية و الدنيوية.

و من صلاح العالم و الامة الإسلامية دراسة هذا التراث العظيم و الاستفادة منه - لكونه يعد في المرتبة الثالثة بعد القرآن و السنّة النبوية - في حياتهم اليومية و الاجتماعية، لما فيه من منافع عظيمة و أسس قويمة، قادرة على الأخذ بيد الإنسان نحو شاطئ السلامة و الأمن و الإيمان و الخير و المحبة، الذي يؤدي إلى الكمال و الاستقامة.

هذه الملحمة الإلهية عبارة عن سلسلة مترابطة الحلقات، و فصول رائعة متعددة يكمّل بعضها بعضا، و لو استعرضناه بإيجاز لوجدناه يتمتع بميزات مهمة:

1 - الفصاحة و الجمال.

2 - الشمول و الاستيعاب.

3 - الإعجاز.

4 - لا تمل قراءته و لا يشبع من مطالعته و لا تنسى حلاوته.

أما خصائصه فعديدة أهمها:

1 - دليل حي على عبقرية و عظمة الإمام علي عليه السّلام و أنه بحق باب علم النبي.

2 - توضيح كامل و شامل لسيرة و شخصية الإمام التي خلدها التاريخ

ص: 30


1- مقدمة نهج البلاغة للأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده.

القديم و الحديث، الإسلامي و غير الإسلامي.

3 - برهان ناطق و ساطع على الاستقامة و الإيمان المطلق عند الإمام علي عليه السّلام.

4 - منهاج رائع مكمّل و متكامل للقضايا الدينية و الدنيوية التي جاءت على لسان القرآن و السنة النبوية.

5 - منهاج تربوي و أخلاقي للكبار و الصغار، للنساء و الرجال للماضي و الحاضر و المستقبل.

6 - دستور متكامل و محكم لنظام و أسلوب الحكم و الإدارة.

7 - يؤكدّ على مسألة التوحيد و معرفة اللّه.

8 - يؤكد على الإيمان بالنبوة و الأنبياء.

9 - يؤكد على ضرورة الإيمان بالإمامة و الأئمة.

10 - ينبه كثيرا على مسألة الإيمان بالمعاد (البعث و الحساب و العقاب و الجنة و النار).

11 - يبحث و يوضح العلاقات و الشؤون الاجتماعية بين المسلمين خاصة و البشر عامة.

12 - يدعو الى الحكمة و الموعظة الحسنة مثل:

أ - التحذير من هوى النفس.

ب - الترغيب في الاحسان.

ج - التوكل.

د - الزهد و التقوى.

13 - يمثل نهج البلاغة مقاطع و صورا حية متنوعة من تأريخ العالم القديم و الحديث.

14 - موسوعة نفيسة لمختلف العلوم التي تخص المخلوقات

ص: 31

الإنسانية و الحيوانية و النباتية و المادية.

15 - يحتوي على الكثير من العلوم و الفنون العسكرية.

16 - يعتبر نهج البلاغة تحفة خالدة للبلاغة و البيان، و الفصاحة و الكلام، و النحو و البديع، و الرمز و الكناية.

17 - استعراض أمين و صادق للأحداث الاجتماعية و التاريخية و السياسية التي عصفت بتلك الحقبة من التاريخ الإسلامي.

18 - يحوي الكثير من النصائح و الإرشادات الزراعية و الصناعية.

19 - يدعو إلى التطور و التقدم و اكتساب الفنون الحرفية و العمل.

20 - منهج واضح لتنظيم العلاقة بين الدين الإسلامي و الأديان السماوية الاخرى.

21 - يحوي الكثير من العلوم و الأحداث التي ستقع في المستقبل.

22 - تتجلى فيه الكثير من التعاليم الإسلامية الاقتصادية التي تضمن العدالة داخل المجتمع الإسلامي و العالمي.

23 - مرآة ساطعة للسياسة التي يريدها الدين الإسلامي الحنيف التي تتمثل في الخوف من اللّه، و الصدق و الأمانة في التعامل داخليا و خارجيا.

24 - يعرض نهج البلاغة الفلسفة الإسلامية بأحلى و أجمل لباسها، كمعرفة اللّه، و الإيمان المطلق بعظمة اللّه، و معرفة النفس، و التعامل مع الأخرين ضمن حدود المجتمع الإسلامي.

25 - يؤكد نهج البلاغة على حقوق الإنسان و أهميتها في الإسلام فيقول

الإمام: «أما بعد فإنما أهلك من كان قبلكم أنهم منعوا الناس الحق فاشتروه، و أخذوهم بالباطل فاقتدوه»(1) و

«اتقوا اللّه في عباده و بلاده فإنكم مسؤولون حتى عن البقاع و البهائم، أطيعوا اللّه و لا تعصوه، و إذا رأيتم الخير

ص: 32


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 3 ص 138.

فخذوا به، و إذا رأيتم الشر فأعرضوا عنه»(1).

26 - يدعو إلى ضرورة العمل الحلال و التجارة الحرة و كيفية تنميتها.

27 - السياسة القضائية الإسلامية التي ارادها اللّه و رسوله تتجلى بوضوح في نهج البلاغة.

28 - السياسة الأمنية الداخلية و الخارجية موضحة بأحلى صورها و اطرها بما ينفع المجتمع الإسلامي منذ ذلك العصر و للحاضر و المستقبل.

29 - الحرية الشخصية و العامة تتجلى بما لا يقبل الشك في نهج البلاغة، و

رسالة الإمام علي عليه السّلام إلى عامله بالمدينة: «الناس أحرار في أموالهم و أنفسهم» هي أعظم و سام علّق على صدر الإنسانية قديما و حديثا.

30 - أطروحة كاملة في علم النفس تغني الأفراد و الجماعات و المجتمع.

31 - و أخيرا فإنّ الإرشادات و النصائح و التعاليم الطبية التي حواها نهج البلاغة كثيرة و متنوعة و جديرة بالإهتمام و المتابعة، لأهميتها الروحية و الجسدية و الاجتماعية، و التي هي محط بحثنا في هذا الكتاب.

قال الإمام علي عليه السّلام: علمني حبيبي رسول اللّه ألف باب من العلم لكل باب ألف باب (أي مليون باب). و المقصود التقريبي من الباب هو موسوعة أو مكتبة علمية كبيرة، و بتعبير آخر مليون مكتبة علمية إلهية، علومها ثابتة أكيدة غير قابلة للتغيير و التطوير لكونها من لدن حكيم خبير.

هذه المكتبات أو الموسوعات تحتوي و تشتمل على العلوم بأصنافها المعروفة و غير المعروفة، الظاهرة و الباطنة، المكتشفة حاليا و التي ستكتشف في المستقبل، من تلك العلوم التي تلقّاها الإمام من الرسول الكريم العلوم الطبية بأنواعها و أقسامها و صنوفها، القديمة و الحديثة، الروحية و الجسدية، الإرشادية و العلاجية، الوقائية و البيئية.

ص: 33


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 9 ص 288.

لكن و للأسف الشديد و لأسباب اجتماعية و سياسية و علمية لم يجد الإمام الأجواء المناسبة و الملائمة للتصريح بتلك العلوم و بثها بين الناس، و ذلك لعدم وجود الاستعداد العقلي و العلمي لاستيعاب و درك و تقبّل تلك العلوم، لأنّ المنطقة كانت تعيش حياة بدائية، لا تستطيع من خلالها تقبل العلوم و الحقائق التي كان الإمام يحملها خصوصا و انها كثيرة و معقدة و يصعب على عقولهم المحدودة التسليم بها أو تصديقها، و في عصرنا الحاضر كانت بعض الحقائق و العلوم غير مقبولة لدى أغلب الناس المتعلمين ممن يملكون الأجهزة الحديثة و الإمكانيات المادية، فكيف بأولئك الناس الذين عاشوا ذلك العصر و أفنوا حياتهم بالزراعة و الفروسية و بعض الصناعات اليدوية البسيطة. لتلك الأسباب و تأسيا بقول

الرسول الكريم صلّى اللّه عليه و آله: «نحن معاشر الأنبياء امرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم» كان الإمام علي عليه السّلام يعرض القضايا الطبية بصورة شفافة و مبسّطة لتكون مقبولة و قريبة إلى أذهان الناس الذين عاصرهم، و لو أباح الإمام بما عنده من العلوم الطبية التي يعرفها و التي لا تستوعبها آلاف الكتب و التي ستعرف بالمستقبل نتيجة التقدم العلمي و البحث و الدراسة لوقع الناس في حيرة و تخبط قد يتزعزع معه الإيمان أو قد تصل بهم الامور إلى اتهام الإمام بطرح قضايا بعيدة عن العقل و الواقع، لذا قال:

«بل إندمجت على مكنون علم لو بحت به لاضطربتم اضطراب الأرشية في الطّويّ البعيدة»(1).

لذلك كان الإمام يطرح القضايا الطبية بصورة مبسطة قريبة إلى واقع الناس و ادراكهم الذهني بالرغم من قوله و في مناسبات عديدة:

«سلوني قبل أن تفقدوني لو لا آية في كتاب اللّه: يَمْحُوا اَللّٰهُ مٰا يَشٰاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ

ص: 34


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 1 ص 213.

اَلْكِتٰابِ لأخبرتكم بما كان و ما يكون و ما هو كائن إلى يوم القيامة»(1)و

قوله و هو يصف رسول اللّه «طبيب دوّار بطبّه، قد أحكم مراهمه، و أحمى قواسمه، يضع ذلك حيث الحاجة إليه من قلوب عمي، و آذان صمّ ، و ألسنة بكم، متتبّع بدوائه مواضع الغفلة و مواطن الحيرة»(2).

و لكن الإمام لم يجد العقول المتكاملة الجديرة بقبول ما يحمله من علوم طبية نافعة لو قيلت لاستفادت منها البشرية على مر العصور، لأنها كما قلنا علوم إلهية ثابتة نافعة غير قابلة للتغيير أو التبديل، و هذا ما صرح به

الإمام:

«و اللّه لو شئت أن أخبر كلّ رجل منكم بمخرجه و مولجه و جميع شأنه لفعلت»(3).

و

قوله عليه السّلام: «إن في صدري هذا لعلما جما علمنيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و لو أجد له حفظة يرعونه حق رعايته و يروونه عني كما يسمعونه مني إذا لأودعتهم بعضه»(4).

و لتقريب الموضوع للأذهان نقول: لو أراد الإمام أن يشرح للناس بالتفصيل جهاز المناعة الموجود بجسم الإنسان لوقعوا في حيرة و شك عظيمين، لأنهم بعيدون جدا عن معرفة تركيب جسم الإنسان الذي يحوي آلاف الأجهزة الألكترونية المعقدة التي لم يتوصل إلى معرفتها بالكامل علماء عصرنا الحاضر الذين، يملكون مختلف الأجهزة الطبية و العلمية الحديثة التي كثيرا ما ساعدت على التعرف على بعض حقائق الإنسان و خصائصه، لذا لخص للسامعين موضع علم المناعة ببيت من الشعر:

دواؤك فيك و ما تبصر *** و داؤك منك و ما تشعر

ص: 35


1- الارشاد للشيخ المفيد ص 25.
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 7 ص 183.
3- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 10 ص 10.
4- الخصال ج 2 ص 175.

و إلى الآن لم يستطع العلماء معرفة أشياء كثيرة عن حقيقة الإنسان و عمل أعضائه، كالمخ على سبيل المثال، و كيف يستطيعون معرفة من خلقه اللّه في أحسن تقويم، إذ لا يزال العلماء يكتشفون كل يوم حقائق جديدة و فعاليات فريدة تجعلهم يقفون بإجلال و خشوع للخالق العظيم الذي أتقن صنع كل شيء بما فيه الإنسان، فيزدادون إيمانا و تسليما إِنَّمٰا يَخْشَى اَللّٰهَ مِنْ عِبٰادِهِ اَلْعُلَمٰاءُ (1) و قد خاطب الإمام هذا الإنسان الذي لا يدرك عظمته و حقيقته في مواقع عديدة:

«من عرف نفسه عرف ربه»

و تحسب انّك جرم صغير *** و فيك انطوى العالم الأكبر

لتلك الأسباب الاجتماعية السائدة التي مرّ ذكرها كان الإمام يطرح بعض علومه الطبيعة بأسلوب رائع مبسط يتقبله الجميع و يفهمه أغلب الناس، و قد صب جلّ اهتمامه على الجانب الإرشادي و الوقائي، لكونه الحجر الأساس الذي من خلاله نتوقى من أغلب الأمراض خصوصا المعدية منها، و بذلك نتخلص من الركض وراء العلاج و تكاليفه المالية و الجسدية.

إنّ اقوال الإمام كانت تخاطب الروح و العقل، و تنقل الإنسان من وحل العالم المادي و منزلقاته إلى عالم تسمو فيه الروح و يتحكم فيه العقل ليعيش الإنسان حلاوة التقوى و الإيمان، و لعل إرشاداته و أقواله الروحية البليغة التي زخر بها نهج البلاغة هي بلسم شاف لكثير من أمراضنا الروحية و النفسية التي تنخر في المجتمع الإسلامي منذ ذلك الزمان و حتى وقتنا الحاضر، حيث نرى ملايين الناس الذين يعانون و يكابدون بألم أمراضهم الروحية و النفسية التي يصعب علاجها و الخلاص منها و ما ذلك إلاّ نتيجة الحياة المعقدة التي أوجدوها بأنفسهم و التي أوقعتهم في أحضان الدنيا و مغرياتها المادية فأدت في نهاية المطاف إلى إنسلاخهم عن عوائلهم و مجتمعهم.

ص: 36


1- سورة فاطر الآية 28.

كان عليه السّلام يربط بشكل رائع بين الإرشاد الطبي و العلاج و لا يترك مناسبة خاصة أو عامة إلاّ و بين منها العديد من الحلول للقضايا الطبية التي كان يعاني منها المجتمع في تلك الفترة من الزمن ليدفع عنهم الإصابة بالأمراض و خطر الموت و العجز.

و لعل ما وصل إلينا من علوم طبية عن طريق أهل البيت هو النزر اليسير بسبب الهجمة الشرسة لأعدائهم الذين حاولوا بحقد و كراهية محو و طمس علومهم، إلاّ أنّ اللّه أبى إلاّ أن يتم نوره و علمه عن طريق القرآن و الأئمة الأطهار، و ما نجده الآن من علوم طبية مختلفة الجوانب في نهج البلاغة ما هي إلاّ تكملة الهية و نعمة ربانية للعلوم القرآنية و النبوية و كيف لا و عليّ قرين القرآن و باب علم الرسول.

إنّ العلوم الطبية الإعجازية التي جاءت في نهج البلاغة لها دلالات عديدة:

1 - دليل ساطع و برهان واضح على كون الإمام علي هو وصي رسول اللّه.

2 - دليل علمي و عقلي لا يقبل الشك على معصومية و ولاية الإمام الدينية و التكوينية.

أما العلوم الطبية التي وردت في نهج البلاغة فتشمل عدة أقسام:

1 - روحية و نفسية.

2 - جسدية:

أ - علم التشريح.

ب - علم الفسلجة.

ج - علم الطفيليات.

ص: 37

د - الصحة العامة.

ه - الطب الشرعي أو العدلي.

3 - علاجية.

4 - وراثية.

5 - بيئية.

6 - علم الأجنة.

7 - علوم طبية ظاهرة.

8 - علوم طبية باطنة.

9 - علوم طبية آنية.

10 - علوم طبية مستقبلية.

11 - علوم طبية ثابتة غير قابلة للتغيير.

12 - علوم طبية إعجازية لكون بعضها لم يعرف إلاّ في العقود الأخيرة و بعضها لم يعرف لحد الآن.

13 - علوم طبية نافعة خالية من الأضرار و المضاعفات لكونها إلهية.

من هذا يتضح أن الإمام علي عليه السّلام يحمل من العلوم الطبية الإلهية أكثر مما يحمله مئات الأطباء المتخصصين في الحقول الطبية المختلفة و لكنها و للأسف بقيت مكتومة في صدره الكريم لأنه لم يجد عندهم الإمكانية و الاستعداد لتقبل تلك العلوم و الاحتفاظ بها و تطبيقها عمليا. هذه الحقيقة يعرفها الإمام حق المعرفة و يدركها كمال الإدراك لذلك أشار في إحدى خطبه قائلا:

«إنّ هاهنا لعلما جمّا لو أصبت له حملة»(1).

ص: 38


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 18 ص 346.

ما في هذا الكتاب:

و أنا هنا في هذه الوريقات المتواضعة احاول توضيح و تقريب و شرح بعض ما قاله الإمام علي عليه السّلام في كتاب نهج البلاغة، من الناحية الطبية، كي يتبين للقارئ الكريم عظمة و مقام الإمام الذي نطق بتلك الحقائق الطبية قبل 1380 سنة و العالم يغط في سبات عميق من الجهل و التأخر و لا يعرف عن القضايا الطبية إلاّ النزر اليسير، و عظمة الإمام تكمن بأنه نطق بها من دون دراسات أكاديمية أو مختبرات علمية مجهزة بالمجاهر الألكترونية و الأجهزة الحديثة الدقيقة التشخيص، هذه الخاصية الفريدة تدل بلا ريب على مصداقية علومه الإلهية التي أخذها عن الرسول الأكرم عن جبرائيل عن اللّه، فهي بلا شك علوم ربانية متكاملة محكمة لا تقبل النقاش و الجدل و الدحض و التغيير، بل على العكس مطابقة و مؤيدة للكثير من العلوم الطبية الحديثة التي توصل إليها العلماء بعد جهد جهيد و عمل مثابر لسنوات عديدة، و نحن كمسلمين يحق لنا أن نفتخر أمام العالم بالإمام علي عليه السّلام باعتباره الطبيب الإسلامي الأول بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و أن نرفع الراية الإسلامية عاليا و إلى الأبد لكون العلوم الطبية التي جاء بها القرآن الكريم و الرسول العظيم و وصيه الأمين هي علوم طبية ثابتة، دائمة، مفيدة، نافعة، خالية من الضرر و المضاعفات، تصلح لجميع الناس و لكافة العصور، و صدق الرسول الكريم عند ما قال:

«أنا مدينة العلم و علي بابها فمن أراد المدينة فليأت الباب».

يبقى سؤال قد يتردد في أذهان كثير من الناس و هو هل يمكن الاستفادة في الوقت الحاضر من العلوم الطبية التي تحدّث عنها الإمام في نهج البلاغة، بالرغم من قدمها و ما نراه في وقتنا الحاضر من تقدم في العلوم الطبية نظريا و عمليا و تكنولوجيا؟ الجواب بسيط و لا يحتاج إلى تفكير، و هو:

أن الباحثين و علماء الطب على مختلف درجاتهم و جنسياتهم أثبتوا و أكدوا على

ص: 39

أن أغلب الأمراض الجسدية ما هي إلاّ إفرازات للمعانات الروحية و النفسية التي يعيشها البشر، فاذا ابتعد الإنسان عن مواطن الصدمات و المعانات و الآلام و تجنب الولوج في القضايا العصبية و النفسية، أصبح معافا أو قليل الإصابة بالأمراض الجسدية و العضوية المختلفة التي تكلفه السلامة و المال.

و بما أنّ أغلب ارشادات الإمام عليه السّلام هي إرشادات روحية و معنوية تدعو الإنسان إلى التوكل و الزهد و القناعة و التقوى، و ترك حب الدنيا الذي هو رأس كل خطيئة، و نبذ الحقد و الحسد و الكراهية، و طرد الهم الذي يهدم الحياة و يجعل الإنسان يعيش الخوف و القلق و الوسوسة

«الهم نصف الهرم» أدركنا أهمية أقوال الإمام التي تحث الإنسان على التسامي و التسامح و العيش بضمير طاهر و ذهن مرتاح كي لا يقع أسير الأمراض الجسدية المؤذية التي قد تكلفه حياته و شقاء الآخرين.

و ما نراه في عصرنا الحاضر من أمراض عضوية كثيرة كالسكتة القلبية و الدماغية، و الإصابة بمرض السكر، و ضغط الدم، و قرحة المعدة، و الأمعاء، و أمراض السرطان المختلفة، و أمراض الدم، و القلق و الاضطراب النفسي، و الأرق الشديد، ما هي إلاّ إفرازات طبيعية لمشاكل العصر التي كبلّت الإنسان المعاصر بمختلف الأمراض النفسية. لذا يجب علينا أن نهتم بهذا الجانب الحيوي، و نتّبع إرشادات و تعاليم و مواعظ الإمام علي عليه السّلام، التي دأبت تحث الإنسان المسلم على القناعة و التوكل و الإيمان المطلق بقضاء اللّه و قدره، و ترك الركض وراء القضايا المادية الزائلة، حتى تصبح حياتنا نعيم دائم تظللها السعادة و يتخللها الرفاه. و بالعكس فإن ترك تلك الإرشادات و عدم الاهتمام بها سوف يؤدي بنا إلى الوقوع أسرى تلك الأمراض التي ستحول حياتنا إلى قلق دائم و اضطراب محكم و خوف متواصل يشمل الحاضر و المستقبل و عندها تصبح الحياة جحيما لا يطاق، و تؤدي إلى أرق لا يزول إلاّ بالأقراص المهدئة، و صدق

الرسول الكريم عند ما قال: «الوقاية خير من العلاج».

ص: 40

معجزات الهية

اشارة

قال الإمام علي عليه السّلام:

«أيّها المخلوق السّويّ و المنشأ المرعيّ في ظلمات الأرحام و مضاعفات الأستار، بدئت من سلالة من طين، و وضعت في قرار مكين، الى قدر معلوم و أجل مقسوم، تمور في بطن إمّك جنينا، لا تحير دعاء و لا تسمع نداء، ثمّ أخرجت من مقرّك الى دار لم تشهدها و لم تعرف سبل منافعها. فمن هداك لاجترار الغذاء من ثدي أمّك، و عرّفك عند الحاجة مواضع طلبك و إرادتك ؟ هيهات إنّ من يعجز عن صفات ذي الهيئة و الأدوات (أي الأشياء المخلوقة) فهو عن صفات خالقه أعجز، و من تناوله بحدود المخلوقين أبعد»(1).

ص: 41


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 9 ص 257.

ص: 42

«أيّها المخلوق السّويّ و المنشأ المرعيّ »

يخاطب الإمام الانسان ليلفت انتباهه الى الرعاية الإلهية التي جعلته في أحسن تقويم، متكامل الخلقة و الصفات، رعته العناية الربانية بدقة و إبداع، حتى أوجدته على هذه الصورة الحسنة:

«صنع اللّه الّذي أتقن كلّ شيء»(1).

إنّ تلك الخلقة إنما تمت و تكاملت بإرادة اللّه و رعايته، و حفظت من المكروة بقدرته، حيث هيئ له الأسباب و المتطلبات التي تديم الحياة و تبعد الأضرار و المضاعفات

«صوّر اللّه الجنين في الرحم حيث لا تراه عين و لا تناله يد، و يدبّره حتى يخرج سويا مستوفيا جميع ما فيه، قوامه و صلاحه من الأحشاء و الجوارح و العوامل إلى ما في تركيب أعضائه من العظام و اللحم و الشحم، و العصب و المخ و العروق و الغظاريف، فاذا خرج إلى العالم تراه كيف ينمو بجميع أعضائه و هو ثابت على شكل و هيئة لا تتزايد و لا تنقص إلى أن يبلغ أشدّه إن مدّ في عمره أو يستوفي مدته قبل ذلك.

هل هذا إلاّ من لطيف التدبير و الحكمة ؟»(2).

«في ظلمات الأرحام و مضاعفات الأستار»

الجنين عند ما ينمو و يكبر و يتحرك في بطن امه يكون محميا و محجوبا بأستار و ظلمات تقيه شر الصدمات و المؤذيات؛ سواء كانت داخلية أو خارجية، و الظلمات الثلاث هي:

ص: 43


1- سورة النمل، الآية: 88.
2- توحيد المفضل للامام الصادق عليه السّلام ص 58.

1 - ظلمة البطن.

2 - ظلمة الرحم.

3 - ظلمة المشيمة و السائل الأمينوسي المحيط بالجنين.

و الجنين في تلك الحالة لا يعلم شيئا و لا يستطيع دفع الأذى عن نفسه، مغمض العينين، غذاءه من دم امه، لا يستطيع الكلام ليقول ما يريد، و لا يفهم السؤال ليرد على ما يطلب منه.

«بدئت من سلالة من طين»

خلق اللّه آدم عليه السّلام من الطين: اَلَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْ ءٍ خَلَقَهُ وَ بَدَأَ خَلْقَ اَلْإِنْسٰانِ مِنْ طِينٍ (1).

الإنسان ينمو و يكبر سواء كان ذكرا أم انثى، من خلال تناوله الأغذية المتنوعة التي تجود بها أرض اللّه، و عند البلوغ يصبح الرجل قادرا على إنتاج الحيامن المنوية من البيضتين، و المرأة تبدأ انتاج البيوض من المبايض، و كلا الانتاجين جاءا من الأرض، أو خلاصة الطين التي قدمت لنا أنواع الأطعمة و الفواكه بما فيها لحوم الحيوانات التي عاشت على ما قدمته الأرض من أعشاب و حشائش، و خلاصة الأمر: أن الإنسان خلق من الطين و ما يحويه، و الأجدر به التواضع و الزهد، لا التكبر و التفاخر و التعال، لأنّ الأصل واحد: مِنْهٰا خَلَقْنٰاكُمْ وَ فِيهٰا نُعِيدُكُمْ وَ مِنْهٰا نُخْرِجُكُمْ تٰارَةً أُخْرىٰ (2).

ص: 44


1- سورة السجدة، الآية: 7.
2- سورة طه، الآية: 55.

«و وضعت في قرار مكين»

بعد أن يتم التقاء الحيمن بالبيضة يتم التلقيح، حيث يبدأ الجنين بالتكوين من خلال استقراره في باطن الرحم المهيأ لاحتضان البيضة الملقحة من خلال الهرمونات التي يفرزها المبيض و الغذة النخامية و المشيمة حين تكاملها؛ و عندها يبدأ غشاء الرحم بالنمو و التضخم ليكون العش الأحسن الملائم و المستعد لاحتضان البيضة الملقحة و حتى نموها الى جنين متكامل يبلغ وزنه عدة كيلو غرامات. هذه الرحم الفاقدة للاعصاب الحسية الخاصة بالألم و الضغط تنمو و تكبر و تتمدد مع نمو الجنين حتى يبلغ حجمها آلاف المرات حجمها الأصلي، و بذلك تسمح للجنين بالنمو و الحركة بحرية و أمان.

خلال فترة النمو تقوم المشيمة بتزويد الجنين بالغذاء اللازم الذي يأتي اليها من دم الأم عبر الحبل السري.

أما السائل الأمينوسي الذي يحيط بالجنين، فهو سائل خاص خلقه اللّه كي يسمح للجنين بحرية الحركة، و يمنع تأثير تقلصات الرحم على الجنين، كما و يقي الجنين من تأثيرات الصدمات الخارجية التي قد تتعرض لها الام أثناء فترة الحمل. هذا من الداخل، أما من الخارج:

فتواجهنا الأربطة المتعددة التي تمتد من أجزاء الرحم المختلفة لترتبط مع عضلات و عظام الحوض، هذه الأربطة لها عدة وظائف:

1 - حمل الرحم.

2 - المحافظة على وضعية الرحم الملائمة للحمل و النمو و الولادة.

3 - تمنع الرحم من الانقلاب إلى الخلف أو الأمام أو الهبوط إلى

ص: 45

الأسفل عند ما يزداد وزنها و حجمها آلاف المرات.

الأربطة تتألف من الرباطين المدورين، و الرباطين العريضين، و أربطة العنق، الأمامية و الخلفية و الرباطين الرحميين المعجزيين.

بعد الأربطة يأتي دور عظام الحوض التي تحيط بالرحم من كافة الجهات؛ و قد خلقها اللّه و وضعها بصورة جميلة تلائم قوام المرأة و جمالها؛ و كما تسمح بنمو الرحم إلى الأعلى، و تعتبر الركن الأساسي في الحفاظ على الرحم و الجنين من الأخطار الخارجية التي قد تواجه الأم أثناء الحمل.

تتألف عظام الحوض من:

1 - عظم العجز و العصعص من الخلف.

2 - العظمين الحرقفيين من الجانبين.

3 - عظمي العانة من الأمام.

تحاط عظام الحوض بعضلات قوية مختلفة الأطوال و الأشكال لتشكل مع عظام الحوض درعا قويا يحمي الرحم و محتوياته؛ و بهذه التركيبة الهندسية الألهية المحكمة صار الجنين يتمتع بالحماية الكافية (قرار مكين).

«إلى قدر معلوم و أجل مقسوم»

يقدر أطباء النسائية و التوليد مدة الحمل الطبيعي ب (270) يوما منذ تلقيح البيضة حتى خروج الجنين من بطن الأم مع زيادة و نقصان بأيام أو أسابيع؛ و لم يعرف العلماء بالضبط العوامل المحركة لعملية الولادة، التي

ص: 46

تبدأ بآلام خفيفة ثم تزداد مع زيادة دفعات الطلق التي تعاني منها الحامل؛ الأطباء يفترضون فرضيات ميكانيكية و هرمونية لها دور فعّال في عملية شروع الولادة؛ و في كل الأحوال تخضع تلك العوامل للإرادة الربانية التي ترعى الأم و الطفل حيث تشرع الولادة بتقلصات دورية للرحم؛ تكون خفيفة في البداية و بفواصل متباعدة، ثم تزداد التقلصات و تقترب مدتها مع ازياد الآلام، حيث يشتد المخاض و تحصل الولادة. و هذا هو القدر المعلوم الذي أشار اليه الإمام علي عليه السّلام، إذا سارت الامور على ما يرام، و لكن قد يحدث ما لم يكن بالحسبان، حين تتعرض الأم و الجنين إلى أمراض و صدمات تؤدي إلى ولادة مبكرة قبل موعدها المقرر بأيّام أو أشهر؛ يتولد خلالها جنين غير متكامل النمو يسمى بالخديج، أو قد تحدث عملية:

إسقاط في الأشهر الأولى، و تؤدي إلى موت الجنين (و أجل مقسوم).

«تمور في بطن إمّك جنينا، لا تحير دعاء و لا تسمع نداء»

في بداية الشهر الرابع من الحمل، يصبح الجنين متكامل الخلقة و يبدأ بالحركة حالما تتم عملية اتصال الجهاز العصبي بالعضلات و أجهزة الجسم الأخرى؛ و تشعر الأم بحركة جنينها في نهاية هذا الشهر. أما في الشهر الخامس و ما بعده فيبدأ الجنين بالحركة و السباحة في السائل الأمينوسي داخل الرحم؛ فينقلب يسرة و يمنة و أعلى و أسفل، لكنه مغمض العينين، لا يستطيع الكلام أو ارجاع الجواب حين النداء و السؤال، لعدم قدرته على الفهم و النطق، و لوجوده داخل ظلمات ثلاث تجعله بعيدا عن مؤثرات العالم الخارجي.

ص: 47

«ثمّ أخرجت من مقرّك إلى دار لم تشهدها و لم تعرف سبل منافعها»

الإمام عليه السّلام في هذه الفقرة من كلامه المبارك يقول: أخرجت، و لم يقل خرجت، أي أنك أيها المخلوق لم تخرج بإرادتك، و إنما أخرجتك الإرادة الألهية الحكيمة التي رعتك حتى اكتملت أعضاؤك و أصبحت قادرا على مواجهة الحياة الجديدة

«حتى إذا كمل خلقه، و استحكم بدنه، و قوى أديمه على مباشرة الهواء، و بصره على ملاقاة الضياء، هاج الطلق بامه فأزعجه أشد الإزعاج و أعنفه حتى يولد، فإذا ولد صرف ذلك الدم الذي كان يغذيه من دم امه إلى ثديها، و انقلب الطعم و اللون إلى ضرب آخر من الغذاء، و هو أشد موافقة للمولود من الدم، فيوافيه في وقت حاجته إليه»(1).

الحياة الجديدة (حياة الدنيا) لم يتصورها الجنين حيث الرغد و الراحة و الدفء و الحنان و الأمان و الغذاء السهل و الدائم و هو قابع في بطن إمه. دنيا تتطلب منه الحركة و الجهد، و طلب الغذاء و العناية و الحماية و التنظيف، و مواجة المشاكل و الأخطار و الأمراض. دنيا يعيش فيها الطفل و هو حيران و لهان، يتعرض فيها كل ساعة للنور و الأصوات و الضوضاء، و تقلبات الجو، و طلب الغذاء الذي يجبره على الصراخ عند حاجته اليه؛ و إذا أصيب بمرض ما فلا يعرف إلاّ البكاء و عدم النوم، و تحريك اليدين و الرجلين، بطريقة يعبر فيها عن آلامه و مشاعره في مواجهة تلك الحالات.

ص: 48


1- توحيد المفضل للإمام الصادق عليه السّلام ص 48.

«فمن هداك لاجترار الغذاء من ثدي أمّك و عرّفك عند الحاجة مواضع طلبك و إرادتك ؟»

سؤال فلسفي و منطقي يوجهه الإمام للفت أفكارنا و عقولنا إلى الإلهام الإلهي الذي هدى الرضيع إلى امتصاص الحليب من ثدي أمه؛ و كيف أنّ الثدي زوّد بحلمة بارزة مطاطية التكوين سهلة الجذب، تكفل للطفل الرضيع مص الحليب بسهولة و بساطة (ذكرنا في كتابينا: القرآن و الطب الحديث، و السنة النبوية و الطب الحديث تفاصيل فوائد الرضاعة الطبيعية و كيفية نزول الحليب)

«و حين يولد الطفل يتلمظ و يحرّك شفتيه طلبا للرضاع، فيجد ثديّ امه كالأدواتين المعلقتين لحاجته فلا يزال يتغذى باللبن ما دام رطب البدن، رقيق الامعاء لين الأعضاء؛ حتى إذا تحرك و احتاج إلى غذاء فيه صلابة ليشتد و يقوى بدنه طلعت له الطواحن من الأسنان و الأضراس؛ ليمضغ بها الطعام فيلين عليه و يسهل له إساغته فلا يزال كذلك حتى يدرك»(1)

و قد توصل العلماء في عصرنا الحاضر إلى أن الطفل إضافة إلى العناية الإلهية التي توجهه نحو ثدي امه إلى وجود مادة كيميائية خاصة تجذب الطفل نحو حلمة ثدي امه؛ فيبدأ بالتقاطها و مصها، و حينها تلعب الإعصاب و الهرمونات دورها في جمع و دفع الحليب نحو فم الطفل الذي يستمر بالرضاعة حتى الأرتواء.

إن عملية الرضاعة هي عملية تربوية و نفسية تتم بين الام و الرضيع ضمن الرعاية الإلهية التي أحكمت التدبير؛ فعند الجوع تتحرك المعدة

ص: 49


1- توحيد المفضل للإمام الصادق عليه السّلام ص 48.

و يبدأ الطفل بالصراخ و تحريك الشفاه طالبا الرضاعة من صدر امه؛ و لو لا تلك المحفزات و المحركات الهرمونية و العضلية عند الام و الطفل لما تمت الرضاعة و عرفت حاجة الرضيع إلى حليب امه.

«هيهات إنّ من يعجز عن صفات ذي الهيئة و الأدوات فهو عن صفات خالقه أعجز و من تناوله بحدود المخلوقين أبعد»

إن الكلمات الإعجازية الواردة في خطاب الإمام تدل على أنّ الإنسان مخلوق أتقن اللّه صنعه؛ فلا يدرك كنهه و حقيقته إلاّ العلماء العارفون المؤمنون، و

الحديث القدسي يشير إلى ذلك: «من عرف نفسه عرف ربه».

إن عظمة تكوين الإنسان و خلقته تدل بلا شك على عظمة الخالق، و على العكس فمن لم يعرف حقيقة نفسه فهو بلا ريب عن معرفة حقيقة خالقه أعجز، و عن معرفة ما يحيط به من كائنات و مخلوقات أبعد، و صدق

أمير المؤمنين حين قال: «أم هذا الذي أنشأه في ظلمات الإرحام، و شغف الأستار، نطفة دهاقا، و علقة محاقا و جنينا و راضعا، و وليدا و يافعا، ثم منحه قلبا حافظا، و لسانا لافظا، و بصرا لاحظا، ليفهم معتبرا و يقّصّر مزدجرا»(1).

ص: 50


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 6 ص 269.

الهم و الكآبة

اشارة

قال الإمام علي عليه السّلام:

«و الهمّ نصف الهرم»(1)

«إطرح عنك واردات الهموم بعزائم الصّبر و حسن اليقين»(2).

ص: 51


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 18 ص 341.
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 1 ص 324.

ص: 52

الهم و الغم و الحزن و الكآبة أعراض مرضية تبلورت في الإنسان منذ قديم الزمان؛ و لازمته مع انفعالاته و قلقه و اضطرابه المترافق مع المشاكل العائلية و الاجتماعية و المالية. عالمنا الحاضر الذي يعج بأنواع المشاكل التي لا حصر لها، صار يزخر بملايين الأفراد الذين يعانون الويلات من كابوس الأمراض النفسية بمختلف أنواعها و اسمائها؛ بما فيها مرض الكآبة الذي أحكم بطوقه على رقاب الكثير من الناس، بسبب الأحداث البيئية و الضغوط النفسية الخانقة، حتى صارت الكآبة مشكلة إجتماعية و طبية يحسب لها الحساب في العديد من الدول بالأخص الدول الصناعية؛ حيث تكثر مشاكل العمل، و غلاء المعيشة، و تفكك الاسرة، و الحقد و الحسد، فأصبحت روحية الإنسان المعاصر متدنية، و صار أسير الهموم و الأمراض.

الإمام علي عليه السّلام حذّر من الوقوع في فخ الدنيا و همومها، التي لا ينجم عنها إلاّ الإصابة بالأمراض المختلفة، خصوصا الروحية منها، و ما يتبع ذلك من أحزان و مآسي نتيجة ضعف الجسم و انهيار مقاومته الداخلية و الخارجية، و ما يرافقه من انحطاط للقوى و تغير المظهر، حتى يبدو الإنسان المهموم بصورة شيخ هرم و هو لم يبلغ الخمسين.

الإمام لخص الأعراض و المظاهر بجملة رائعة:

«الهم نصف الهرم» و لم يكتف بذلك، بل طرح و وضع الحل النفسي الناجح و الناجع حين قال:

«إطرح عنك واردات الهموم بعزائم الصبر و حسن اليقين» و هذا ما أيده و أكد عليه علماء النفس في الوقت الحاضر.

الإمام و هو يشخص العلاج اللازم أكّد على الإيمان و الصبر و الشكر و حسن الظن و اليقين باللّه و بالناس. الإيمان هو الوسليّة الوحيدة و الناجحة

ص: 53

التي يستطيع الإنسان من خلالها التغلب على الوساوس و الأمراض، كي يعيش الحياة بلطافتها و سعادتها كبقية البشر.

و لتبيان الصورة الواقعية لمرض الكآبة، لا بدّ لنا من تعريف القارئ الكريم بحقيقة و أسباب و أعراض و تشخيص هذا الداء الوبيل؛ الذي فتك و لا يزال يفتك بملايين البشر الذين صاروا ضحية يؤسف عليها، لصعوبة العلاج و عدم التشخيص المبكر.

أنواع الهموم:

1 - هم بسبب الذنوب و معصية اللّه.

2 - هم بسبب الحسد.

3 - هم بسبب الخوف.

4 - هم بسبب البخل.

5 - هم بسبب الأمراض خصوصا المزمنة.

6 - هم بسبب الفقر.

7 - هم بسبب تقدم السن و الشيخوخة.

8 - هم بسبب مخالفة القانون.

9 - هم بسبب الخوف من الموت و البرزخ.

10 - هم بسبب حساب يوم القيامة.

11 - هم بسبب سوء الخلق.

12 - هم بسبب عدم الإنجاب.

13 - هم بسبب الزوجة الغير صالحة.

14 - هم بسبب الخلافات السياسية.

ص: 54

15 - هم بسبب الحروب.

16 - هم بسبب التقلبات التجارية و المالية.

17 - هم بسبب قباحة المنظر.

18 - هم بسبب الغش و التحايل.

19 - هم بسبب فقد الأحبة و الأصدقاء.

20 - هم بسبب عدم النجاح في الدراسة.

21 - هم بسبب الغربة.

22 - هم بسبب السجن لمدة طويلة.

الهم أو الكآبة

الهم أو الكآبة(1)

القلق و الهم مفتاح الكآبة، و الكآبة ربيبة القلق، و كلاهما انفعالات وجدانية تجاه الشدائد النفسية و الصراعات المختلفة. و الاكتئاب استجابة تتميز بعنصرين: الشعور بالبؤس، و الشعور بالتوعك و العجز. فالمكتئب حزين ذو مزاج سوداوي، عديم الرضا، ضيق الصدر، يائس عاجز، لا يكترث بالحوادث أو نتائجها، و يتملكه شعور بالإعياء أو عدم القدرة على إنجاز عمل أو مهمة، و بالتوعك و الانحدار في الثقة بالنفس.

الاكتئاب يمكن أن ينتج عن ظروف نفسية متعددة و يطلق عليه:

الاكتئاب الانفعالي و الاكتئاب النفساني، إشارة إلى مسبباته النفسية الخارجية.

أما الاكتئاب الذهاني فينتج بصورة آنية بسبب تكويني و استعداد ذاتي.

ص: 55


1- بتصرف من كتاب: اصول الطب النفساني للدكتور فخري الدباغ.

الأسباب:

تمتد جذور الاكتئاب الانفعالي إلى الاضطراب العصابي العام، و لذلك سمي أيضا بالاكتئاب العصابي، و اسبابه كما يلي:

1 - العوامل الحادة من أزمات و مفاجئات، و فقد الأحبة أو مرض الأعزاء.

2 - الظروف النفسية المزمنة التي تجتمع في ذلك المريض و تعرضه إلى اليأس و الحزن، و أخطر هذه الظروف: الأحوال المالية المتدهورة و احتمال الإفلاس، الأمراض المزمنة لأحد أفراد العائلة، سوء التفاهم و العراك الزوجي، عدم الانسجام في العمل و الوظيفة، الفشل المعنوي و الأدبي، و أخيرا الفشل في الحياة الجنسية.

3 - التعرض لمرض جسمي مزمن و منهك للقوى، مما يدفع بالمصاب إلى التفكير بالنتائج السيئة و باحتمال الموت و إلى القنوط فالأكتئاب، مثل التدرن، و السرطان، و أمراض القلب، و فقر الدم الشديد، و اضطرابات الغدة الدرقية.

4 - العوامل الوراثية و الاستعداد التكويني للكآبة و هي عوامل أقل تأثيرا و قوة من العوامل الخارجية و النفسية. إن نسبة الاصابة بين السكان هي 4، 0 أما أقارب المصاب بالكآبة فيكون احتمال إصابتهم بالكآبة أكثر من ذلك.

5 - الحزن: عند ما يفقد الإنسان شيئا عزيزا و حبيبا إليه يحزن عليه و يغضب منه لتركه إياه وحيدا أو أعزلا. فكأن الفرد يلوم فقيده و يكرهه لما فعل به، و لكنه لا يستطيع التصريح بهذا الكره و العداء لحبيبه، فينتج عن

ص: 56

ذلك لوم و توبيخ للذات التي تمادت في كره الفقيد و هذا هو عين الأكتئاب الذي يعتبر تعذيبا و مقاساة للنفس.

6 - و في نظر الفلسفة الوجودية: أنّ الكآبة موقف وجودي يدل على الشعور بتوقف الزمن الذاتي، و لعل هذا التفسير الوجودي يوضح أيضا مدى التغير الذاتي تجاه الشعور بالوقت و الزمن عند المكتئبين، كما أفصحوا عنه بعد شفائهم.

الأعراض:

1 - شعور بالحزن و القنوط و العجز و اليأس و الشقاء.

2 - شعور بفقد الثقة بالنفس و عدم القدرة على إنجاز الواجبات.

3 - شعور بالخوف و الرهبة من عالم ظالم أو دنيا معادية لا ترحم.

4 - شعور بالضيق و عدم تحمل الشدائد و المشاكل و الضوضاء و الناس.

5 - إضطراب في النوم و خاصة في الساعات الأولى من الليل عند ما يجابه المصاب صعوبة في إبتداء الرقاد؛ و قد تتخلل النوم أحلام مزعجة، ثم تكون الساعات الأخيرة من الليل هادئة و مريحة.

6 - صداع يشمل عامة الرأس، و توتر في الرأس و الرقبة، مع أحاسيس مختلفة بالدوار أو الوشوشة أو الغثيان.

7 - صعوبة في التركيز.

8 - يجد المصاب راحة و عزاء إذا تواجد بين أصدقاء أو معارف يرفهون عنه أو ينغمس معهم في أحاديث جانبية تلهية عن معاناته، فاذا انفرد لوحده عاودته الأعراض من جديد.

ص: 57

9 - يكون المصاب في أسعد أوقاته عند بداية النهار، ثم يزداد ضيقه و ترتفع كآبته بتقدم النهار، بحيث يصل إلى الحد الأعلى من الضيق و الضجر في المساء.

10 - لا يفقد المريض الوزن بالرغم من إضطراب الشهية، و ربما يزداد وزنه و تتحسن شهيته إلى الأكل من خلال عملية التعويض اللاشعورية.

التشخيص:

إن وجود عاطفة البؤس و الحزن و التوعك و النفور من مباهج الحياة بالإضافة إلى مظهر المريض الكئيب أو تصريحه بتفاهة الحياة و ميله للموت تعتبر من الدلائل الأساسية لتشخيص الكآبة. و قد لا تجدي محاولة التفريق بين الكآبة الانفعالية و الذهانية شيئا. و قد وضع العالم النفساني ياسبرز ثلاثة شروط لتشخيص الكآبة الإنفعالية الخالصة هي:

1 - أن يكون محتوى الكآبة متماشيا و متعلقا بالتجربة النفسية التي مر بها المريض.

2 - إن الكآبة لم تكن لتحدث بدون تلك التجربة أو الحادثة.

3 - إن أعراض الكآبة تختفي و تزول بزوال الأسباب.

التشخيص التفريقي:

قد تحدث أعراض الكآبة كجزء من أمراض عقلية أخرى، و عندئذ يجب معرفة المرض الأصلي و عدم التسرع في اعتباره كآبة خالصة و هي:

1 - بداية خرف الشيخوخة.

ص: 58

2 - التهاب الدماغ الزهري.

3 - تصلب الشرايين الدماغية.

4 - دور النقاهة في الحميات الفيروسية و الأنفلونزا و التيفوئيد.

العلاج:

اشارة

إن العلاج النفسي و الإجتماعي و الطبي ضروري في جميع حالات الكآبة الإنفعالية، أما نوعية العلاجات العضوية من أدوية و غيرها فتتوقف على شدة المرض.

1 - العلاج بالعقاقير طاردة الكآبة:

الأدوية الحديثة المضادة للكآبة قد طورت العلاج كثيرا و حلت محل العلاج بالصدمة الكهربائية في كثير من الحالات. إن بعض مستحضرات مضادات الكآبة تفيد في الكآبة الإنفعالية أكثر من الذهانية، و العكس بالعكس. و من أهم الأدوية المفيدة:

أ - مجموعة مضادة مونوأمين أوكسيديز.

ب - مجموعة العقاقير الملطفة و المهدئة التي تؤثر في أعراض القلق و الإثارة و الضيق.

ج - مجموعة مضادات الكآبة الثلاثية الحلقات، مثل أقراص تربتيزول.

د - العقاقير المضادة الحديثة مثل كبسول فلوكستين.

ه - يمكن إضافة العقاقير المنومة لجعل النوم هادئا و مريحا.

و - حالات الكآبة البسيطة، مثل التوعك و الحزن البسيط يمكن

ص: 59

معالجتها بمجموعة محفزات الجهاز العصبي المركزي (الامفيتامين و الريتالين).

2 - العلاج النفسي:

و حيث ان المسببات الخارجية و النفسية تعتبر العامل الأساسي في الكآبة العصابية فإنّ نوع العلاج النفسي (السطحي، و الإيحائي، و الأسترخائي، و الجماعي) يمكن أن تكشف للمريض عن بواطن إنفعالاته و اسباب استجابته الاكتئابية ثم كيفية التغلب عليها و حلها، فبالتوعية و الترميم و تعديل الاتجاه و المعاملات الحياتية العامة و العائلية و الشخصية يمكن التوصل إلى نوع من الحلول و الاستقرار النفسي.

3 - العلاج الإجتماعي:

بدراسة أحوال المريض الإجتماعية و الاقتصادية و الثقافية يمكن تشخيص مواطن الضعف و القوة التي تكمل علاجاتنا العضوية و النفسية، و بمساعدة البحث الاجتماعي النفساني يمكن نصح المريض و تسهيل السبل أمامه، للتكيف من جديد تجاه الظروف الجديدة التي سيواجهها.

4 - العلاج بالصدمة الكهربائية.

و هي احدى العلاجات العضوية التي يمكن أن نلجأ اليها عند ما تكون حالة الكآبة شديدة و مصحوبة بميول إنتحارية أو بمحاولات إنتحارية فعلية؛ و عندئذ تكون الصدمة الكهربائية أسرع مفعولا من العقاقير. و يمكن إعطاء العقاقير المضادة للكآبة مع العلاج الكهربائي، مع ملاحظة دقيقة للمريض

ص: 60

خوفا من ارتفاع ضغط الدم أو حدوث مضاعفات. إن الصدمة الكهربائية لا تفيد الكآبة الانفعالية قدر فائدتها الممتازة في الكآبة الذهانية. و نلجأ إلى العلاج الكهربائي عند ما تفشل العقاقير في إحداث نتيجة مرضية، و يعطى المريض من 6-8 صدمات بمعدل مرتين بالأسبوع.

ص: 61

ص: 62

الأمل

اشارة

قال الإمام علي عليه السّلام:

«من أطال الأمل، أساء العمل»(1)

«لا تكن مّمن يرجو الآخرة بغير عمل، و يرجو التوّبة بطول الأمل»(2).

«و أعلموا أنّ الأمل يسهي العقل، و ينسي الذّكر، فأكذبوا الأمل، فإنّه غرور، و صاحبه مغرور»(3).

«أيّها النّاس: إنّ أخوف ما أخاف عليكم اثنان: اتّباع الهوى و طول الأمل، فأمّا اتّباع الهوى فيصدّ عن الحق، و أمّا طول الأمل فينسي الآخرة»(4).

ص: 63


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 18 ص 155.
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 18 ص 356.
3- شرح نهج البلاغة ج 6 ص 354.
4- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 2 ص 318.

ص: 64

الأمل

هو إصطلاح يرمز إلى الإتجاه العاطفي الذي تسمية الأغلبية: الرغبة في الحصول أو تحقيق هدف ما أو أمنية خاصة.

يتولد الأمل لدى الإنسان بوجود فكرة أو تخيلات مستحوذة على الفكر بأنّ الفكرة أو الرغبة سوف تتحقق؛ مما يشعر الإنسان بنوع من الشوق و المتعة و التمسك بتلك الأفكار و العواطف الخيالية.

يعتبر علماء النفس الأمل: عبارة عن عاطفة مشتقة من غريزة حب التملك أو حب السيطرة.

إنّ حالة الأمل التي تسيطر على تفكير بعض الناس من دون القيام بأي مجهود أو عمل مثمر، هي حالة سلبية خاطئة، لأنها تتماشى مع الخضوع للخيالات و الأوهام التي لا يمكن لها أن تتحقق بدون أرضية قوية و عمل دؤوب و يحذر الأطباء من هذه الحالة، و يعتبرون السير وراء الأوهام و التعلق بالآمال و ترك العنان لها لكي تسيطر على الفكر و الأحساس البشري حالة مرضية مزمنة؛ يصبح فيها الشخص المصاب يخلط بين الواقع و الخيال، حتى يشعر بصورة لا إرادية أنه صار يمتلك الشيء (الأمل) الذي ليس له وجود واقعي و انما هو جزء من التخيلات التي ركب في سفينتها و طاف على مائها. لذلك حذر الإمام من تلك الآمال الزائفة، التي تقود الإنسان تدريجيا للوقوع في أحضان المرض و المصائب، فيقول: «لا تكن ممن يرجو الأخرة بغير عمل، و يرجى التوبة بطول الأمل، يقول في الدنيا قول الزاهدين و يعمل فيها عمل الراغبين، إن اعطي منها لم يشبع و إن منع منها لم يقنع، يعجز عن شكر ما اوتي و يبغي الزيادة فيما بقى».

ص: 65

إن الأشخاص الذين يعتمدون في حياتهم و عملهم على الأمل الزائف، يقعون بسرعة في مزالق الدنيا الكثيرة، و يسيئون إلى أنفسهم و عوائلهم و مجتمعهم من حيث يشعرون أو لا يشعرون؛ لأن الآمال و الطموحات التي تخيلوها، قد تجرهم إلى ارتكاب المعاصي و الذنوب و الجرائم و الوقوع في أحضان الشيطان، لذا أكد الإمام عليه السّلام بكلمات علمية بليغة بأنّ :

«من أطال الأمل أساء العمل».

إن الدراسات النفسية أثبتت أن إطالة الأمل و الأنتظار الغير مجدي، و التحليق في عالم الأماني و الخيالات، سيفسد حياة الإنسان و يجعل منه شخص متقاعس عن أداء الواجبات و العمل؛ لأنه تائه بين خياله و حقيقته، إنسان لا يمييز بين ما يراه في الواقع و ما يحلم به في الخيال، إنسان لا يفرق بين الحق و الباطل، بين اليقين و الهوى، بين الإيمان و الكفر، لهذا وقف الإمام بحزم ضد تلك الأوهام و الأمال الباطلة، التي تقود نحو الدمار و الهاوية:

«أيها الناس إنّ أخوف ما أخاف عليكم إثنان: إتباع الهوى و طول الأمل، فأما اتباع الهوى فيصد عن الحق و أما طول الأمل فينسي الأخرة».

إن التعلق بالأمل و التمسك بأوهامه لا ينسي الإنسان نفسه و المحيط الذي يعيش فيه بل قد ينسيه آخرته؛ و هي حالة نفسية صعبة و خطرة، قد تقود الإنسان إلى نسيان ذكر اللّه و سطوته، و ارتكاب المعاصي و المحرمات التي نهى اللّه عنها، لكي يصل الإنسان نحو الاستقامة و الكمال الذاتي الذي يقود في النهاية إلى السعادة و خير الدنيا و الآخرة.

الأمل الكاذب بكافة أنواعه و مسبباته و مبرراته، يجعل الإنسان ينسى واقعه الذي يعيش فيه، فينسى بالتدريج الدين و الدنيا و الآخرة و اليقين، حتى يقع في أحضان الغرور و ما يترتب عليه من آثار سيئة محطمة لحياة

ص: 66

و عقيدة الأنسان، لذلك نرى الإمام يقول:

«و أعلموا أن الأمل يسهي العقل، و ينسي الذكر، فأكذبوا الأمل فإنه غرور، و صاحبه مغرور».

لذا يتوجب على الانسان الملتزم بالعقيدة و الدين و المؤمن بقضاء اللّه و قدره، العالم عن يقين بأنّ اللّه هو الرزاق ذو القوة المتين، و الذي يرزق ما يشاء بغير حساب، أن لا ينقاد للآمال و مغريات الشيطان، التي تجره إلى الغفلة و الضياع، و سلوك المتاهات الخاوية و التي تبعده عن الطريق المستقيم.

من كل ما تقدم نستنتج: بأنّ الآمال هي حالة سلبية غير صحيحة، تخالف العقل و الواقع، و هي متنوعة الأشكال و الحالات، حيث تختلف باختلاف المواقف و الأعمار.

أنواع و حالات الأمل:

1 - آمال حقيقة:

كأن يكون الانسان صاحب ثروة، و يبغي زيادتها و السيطرة على التجارة و الأسواق و تحقيق الأرباح.

2 - آمال كاذبة:

كأن يكون الشخص فقير الحال قصير اليد، و يريد أن، يصبح تاجرا ثريا من خلال المضاربات التجارية و الأرباح الوهمية الكاذبة و المستحيلة.

3 - آمال محللة:

هذه الآمال تراود الإنسان لكنها لا تخالف الدين و العقيدة و لا تؤدي إلى أذى الآخرين، كأن يعمل جادا للوصول إلى هدف منشود من خلال مواصلة الدراسة و العمل المثمر، لارتقاء مقام أفضل و أحسن يستطيع من

ص: 67

خلاله خدمة الناس و المجتمع و رضاء اللّه.

4 - آمال محرمة:

تبرز هذه الآمال عند الأشخاص الذين يعانون من ضعف العقيدة الدينية، كالعشق الحرام، و تناول المسكرات، و لعب القمار، و محاولة الوصول إلى الثروة و المقام عبر طرق غير مشروعة؛ لا ترضي اللّه و الضمير و تتعارض مع القانون العام.

5 - آمال قصيرة المدة:

هذه الآمال سواء كانت واقعية أم خيالية، تنتاب الإنسان لمدة قصيرة من حياته ثم تزول بعد زوال المؤثرات و الأسباب.

6 - آمال طويلة المدة:

هذه الآمال تلازم المصاب لمدة طويلة، و قد تسبب له المشاكل و الصدمات النفسية و العائلية و الاقتصادية.

و أسباب طول الأمل الطويل هي:

أ - الجهل، كأن يعتمد على شبابه فلا يفكر بالأخطار و المرض و الموت، فينشغل بحب الدنيا الذي يجره إلى الغفلة و طول الأمل.

ب - حب الدنيا. إن الإنسان إذا أنس حب الدنيا و انشغل بشهواتها و لذاتها و علائقها ثقل على قلبه مفارقتها؛ فاصبح لا يفكر بالموت الذي سيجعله يفارقها لا محالة، و صار يمني نفسه بما يوافق أفكاره و مراده، و ما يحتاج إليه من مال و أهل و بيوت و أصدقاء، و يصبح فكره مشغول بتلك الأمور التي تلهيه عن ذكر الموت.

7 - آمال لخدمة الإنسانية و رضاء اللّه:

هذه الآمال مشروعة، و توجد عند الناس المؤمنين الذين يرجون

ص: 68

لقاء اللّه و يخافون اليوم الآخر؛ و جل آمالهم خدمة الناس.

8 - آمال شيطانية لاستعباد الناس:

هذه الآمال لا تنال رضى اللّه، لأنها آمال شريرة منحرفة، اسبابها الغرور و الكبر، و نهايتها الانحراف و الطغيان و الكفر و الضلال.

9 - آمال ممكنة:

و هي آمال قريبة المنال و يمكن أن تتحقق، كالزواج، و شراء المنزل، و حج بيت اللّه، و مساعدة الأخرين.

10 - آمال مستحيلة:

و هي آمال السابحين الغارقين في بحر الخيال، و الذين يعانون من أمراض نفسية عديدة استحوذت على أفكارهم و طغت على تصرفهم و سلوكهم. هذه الآمال قد تجر صاحبها إلى أرتكاب الجريمة و العنف من أجل الوصول اليها و تحقيقها.

الآمال حسب الجنس و العمر:

1 - آمال الطفولة:

و هي آمال محدودة لا تتجاوز اللعب البريء، و الحصول على أدوات التسلية و السفر، و اقتناء الحاجات و الألبسة.

2 - آمال المراهقة؛ هذه الآمال تشمل أفكار و طموحات هذه المرحلة الحرجة من حياة المراهقة؛ كالزواج من الشاب الجميل أو الفتاة الجميلة، و السفر خارج الوطن للأطلاع و الحصول على شهادة مناسبة، تؤهله لمنصب لائق.

3 - آمال النساء:

و هي آمال لا تتعدى الحبيب المنتظر، و شراء أدوات الزينة،

ص: 69

و المجوهرات و الملابس الفاخرة، و الحصول على الشهادة اللائقة و المنصب المقبول.

4 - آمال الرجال:

و هي أهم و أخطر الآمال، لأنها تتجاوز الآمال البسيطة المحددة، فهي تمتد من كيفية الاستحواذ على المال و الجاه و المنصب، إلى القتل و الاعتداء إن تطلب ذلك لتحقيق تلك المآرب، و قد تصل إلى سجن و تعذيب و قتل ألوف الناس، كما يحصل عند ما يصل بعض المنحرفين إلى قمة السلطة.

إن جميع تلك الآمال التي ذكرناها، يرافقها نوع بسيط أو شديد من الأمراض النفسية، و التخيلات و الهلوسة، و القلق و العنف و حب الاعتداء.

أما المؤمنون المتمسكون بالأحكام الإلهية، فآمالهم لا تتعدى الخوف من اللّه، و الرجاء بعفوه و رحمته، و طلب الصفح و المعذرة من الأخرين، و الدعاء بحسن العافية، و العمل الصالح للحصول على المال الحلال و الرزق الطيب، فأمالهم لا تتعدى:

1 - الأمل بعفو اللّه و رحمته.

2 - الأمل بالعمل الخالص للّه للحصول على الحسنات.

3 - الأمل بإرضاء عباد اللّه و كسب محبتهم.

4 - الأمل بالحصول على ذرية طيبة.

5 - الأمل بالعيش في صحة و أمان.

ص: 70

وصف الإنسان

اشارة

قال الإمام علي عليه السّلام:

«جعل لكم أسماعا لتعي ما عناها، و أبصارا لتجلو عن عشاها، و أشلاء جامعة لأعضائها، ملائمة لأحنائها، في تركيب صورها و مدد عمرها، بأبدان قائمة بأرفاقها، و قلوب رائدة لأرزاقها في مجلّلات نعمه و موجبات مننه، و حواجز عافيته»(1)

ص: 71


1- شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد: ج 6 ص 257.

ص: 72

الإمام عليه السّلام أوضح في هذا المقطع من خطبته، بأنّ اللّه جعل لنا أجهزة للسمع كي نفهم بها شؤون حياتنا، و نحفظ من خلالها ما يقال لنا و يراد منا، و عيون تكشف لنا حقائق الدنيا و صورها في الليل و النهار، لنرى عظمة الخالق و بديع صنعه. و بهذين العضوين يسير الإنسان نحو طريق التكامل و الاستقامة العقلية و الروحية و الصحية. و من البديهي أنّ الأنسان الذي لا يسمع و لا يبصر هو إنسان عاجز ناقص، لا يستطيع الإدراك الكامل و بلوغ الهدف بيسر و سهولة، و لا يمكن له مجارات الناس و العيش معهم بسعادة مثلما يعيش الآخرون.

أما الشيء الجالب للنظر في هذه الخطبة هو: تجلي عظمة الإمام العلمية و الطبية و هو يقدم حاسة السمع على البصر، مؤيّدا ما جاء في القرآن الكريم: إِنَّ اَلسَّمْعَ وَ اَلْبَصَرَ وَ اَلْفُؤٰادَ كُلُّ أُولٰئِكَ كٰانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً (1)و قوله تعالى: وَ هُوَ اَلَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ اَلسَّمْعَ وَ اَلْأَبْصٰارَ وَ اَلْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مٰا تَشْكُرُونَ (2).

هنا تبرز أمامنا عدة نقاط تبين عظمة القول و اعجازه:

1 - أثبت العلم أنّ الجنين في بطن امه يتأثر بالأصوات و يتحرك بدنه تبعا لقوة الصوت؛ في حين أن العين مغلقة لم ترى النور و لا تتأثر به.

2 - إنّ حاسة السمع هي من الحواس التي تبدأ بالحس و العمل بعد الولادة مباشرة، حيث نلاحظ أن الطفل المولود يقوم بتحريك رأسه و عيونه عند سماع الأصوات، و أحيانا يبدأ بالصراخ، أما بالنسبة للعين و حاسة

ص: 73


1- سورة الأسراء، الآية: 36.
2- سورة المؤمنون، الآية: 78.

البصر فإنها تحتاج إلى مدّة و زمان كاف حتى يتمكن الطفل من الرؤية بصورة واضحة. و التحقيقات الطبية و الفسيولوجية الحديثة أثبتت أن حاسية خلايا الشبكية في عين الإنسان المولود حديثا ضعيفة مقابل النور المسلط عليها؛ و لا تتكامل حاسية و بناء الشبكية حتى نهاية الشهر السادس، و لا يتمكن من الرؤية بصورة جيدة حتى نهاية السنة الأولى من عمره.

3 - حاسة السمع دائما و في كل الحالات قادرة على أداء وظيفتها بدون توقف؛ لكن هذه الخاصية لا تنطبق على العين التي في بعض الحالات غير قادرة على الرؤيا؛ كما في حالة الظلام و النوم، حيث نلاحظ أنّ الانسان في حالة النوم يغمض عينيه و ينام، لكن في حالة حدوث أصوات أو ضوضاء يستيقظ الإنسان. و قد أثبتت البحوث الفسيولوجية أن آخر عضو حسي يستقر عند النوم هو حاسة السمع؛ و هذا ما حدث لأصحاب الكهف الذين قال عنهم القرآن: فَضَرَبْنٰا عَلَى آذٰانِهِمْ فِي اَلْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً (1). 4 - الأذن من ناحية الأدراك الحسي و التعلم و تحصيل العلوم أهم من العين، لانه يمكن للإنسان تعلم اللغة و العلوم و هو أعمى، أما في حالة الطرش تكون المهمة صعبة جدا. و من الدلائل المهمة لأهمية و تأثير حاسة السمع في الإدراك و التعلم هو: أنّ القرآن الكريم ربط بين السمع و العقل رابطة محكمة و قوية حين قال: وَ قٰالُوا لَوْ كُنّٰا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مٰا كُنّٰا فِي أَصْحٰابِ اَلسَّعِيرِ (2) و هذه الآية برهان آخر على عظمة الإمام علي عليه السّلام.

5 - من الوظائف المهمة للسمع و البصر هي الموازنة و التعادل عند الإنسان، حيث ثبت أن الأقنية الهلالية ذات أهمية خاصة في تعادل توازن

ص: 74


1- سورة الكهف، الآية: 11.
2- سورة الملك، الآية: 10.

جسم الإنسان؛ أكثر من أهمية التوازن الذي تعطيه العين بالرغم من أن كلا منهما يشتركان في عملية الموازنة و التعادل مع أعصاب الرقبة؛ و إن فقدان اثنتان من هذه المراكز يؤدي بالانسان إلى فقدان التوازن و السقوط على الأرض؛ كما في حالة الأعمى المصاب بمرض السفلس أو الألتهاب الشديد للأذن الداخلية.

6 - كذلك أشار الإمام إلى محدودية السمع و البصر، و هو يؤكد وجود ألوان و أجسام غير مرئية بالنسبة للعين؛ لانها صغيرة جدا و تقع خارج نطاق قدرة العين على الرؤية

«و كلّ سميع غيره يصمّ عن لطيف الأصوات، و يصمّه كبيرها، و يذهب عنه ما بعد منها، و كلّ بصير غيره يعمى عن خفّي الألوان و لطيف الأجسام»(1).

هذا المقطع يشير بصورة ساطعة إلى إحدى اسس علم الصوت و البصر، لأنّ عين الإنسان لا ترى كل الألوان، كالألوان الموجودة في ضوء الشمس و بعض أنواع الأشعاعات، أما الأذن فلها محدوديات سمعية فهي لا تسمع أقل من (16) هزة أو ذبذبة في الثانية و لا أكثر من (20000) ذبذبة في الثانية. هذه الحقيقة نطق بها الإمام قبل مئات السنين و لم تعرف إلاّ حديثا و بواسطة الأجهزة الحديثة المتطورة.

7 - أشار الإمام إلى عمى الألوان الذي يعاني منه بعض الناس، الذين يرون الأشياء على غير حقيقتها بسبب بعض الأمراض و النواقص التي تصيب الشبكية فيقول:

«ليست الرّوية مع الإبصار، فقد تكذب العيون أهلها و لا يغشّ العقل من استنصحه»(2)

ص: 75


1- شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد: ج 5 ص 153.
2- شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد: ج 19 ص 173.

«و أشلاء جامعة لأعضائها»

الأشلاء: تعني الأعضاء الظاهرة، كالجلد و العضلات التي تلف و تجمع و تضم الأعضاء الباطنة بصورة مرتبة و محكمة، بحيث تشدها و تحفظها من الأذى و الضرر و الصدمات مع احتفاظها بعملها و فعاليتها و ترابطها مع بقية الأعضاء الأخرى؛ بصورة تلائم وظيفتها التي خلقت من أجلها كما قال القرآن الكريم: وَ صَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ (1).

«ملائمة لأحنائها»

أي أن التركيب الألهي لجسم الأنسان المكوّن من الجهاز العظمي و العضلي يتلائم مع حركة الأنسان و طبيعة عمله؛ فلا يمنعه ذلك التركيب العظيم المدهش من الانحاء و القيام و القعود و الحركة في مختلف الاتجاهات و أداء الوظائف على أحسن الوجوه؛ فقد ركّبت العظام و ربطت بصورة تسمح بالحركة و الانحناء بسرعة و سهولة، كما و كسيت العظام بعضلات مختلفة الأحجام و الأطوال و الوظائف، بحيث يتمكن الانسان من الحركة في كافة الإتجاهات عند الاحتياج و الضرورة التي يتطلبها عمله اليومي، قال تعالى: لَقَدْ خَلَقْنَا اَلْإِنْسٰانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (2).

و من الأجدر هنا إلقاء نظرة مختصرة على تركيب و مكونات الجهاز الحركي عند الإنسان.

يتكون الجهاز الحركي من العظام و العضلات و الأربطة التي تربط

ص: 76


1- سورة التغابن، الآية: 3.
2- سورة التين، الآية: 4.

العظام ببعضها، و كذلك الأوتاد العضلية التي تربط العضلات بالعظام.

الجهاز العظمي:

اشارة

الجهاز العظمي(1):

يتكون من عظام صلبة متنوعة و عديدة، تعطي جسم الأنسان الشكل المطلوب، و الإسناد اللازم. ترتبط العظام مع بعضها بأربطة و مفاصل تسمح له بالحركة الحرة في جميع الاتجاهات.

أنواع العظام:

1 - العظام المسطحة: تحمي أعضاء الجسم الحساسة.

2 - العظام الطويلة: تعمل كرافعات مفيدة أثناء حركة الجسم.

3 - العظام القصيرة: تعطي القوة اللازمة للإنسان أثناء الفعالية و الحركة.

4 - العمود الفقري: يعتبر ركنا مهما من أركان الجهاز العظمي و يتكون من (33) فقرة.

أ - فقرات الرقبة و هي (7) فقرات.

ب - فقرات الصدر و هي (12) فقرة.

ج - الفقرات القطنية و هي (5) فقرات.

د - الفقرات العجزية و هي (5) فقرات متصلة مع بعضها.

ه - الفقرات الذنبية و هي (4) فقرات متصلة مع بعضها.

الجهاز العظمي مكسوا بعضلات تلائم نوع و خاصية الحركة.

ص: 77


1- illustrated physiology

الجهاز العضلي:

تعتبر العضلات الأدوات المحركة للجهاز العظمي من خلال تقلصها و إنبساطها. اما وظائف العضلات فتختلف حسب موقعها من الجسم.

عضلات الوجه تشترك في عمليات التعبير و الكلام و الهظم.

عضلات الأيدي و الأرجل بمختلف أطوالها و أحجامها، تشترك في حركة و عمل اليدين و الرجلين و الموازنة خصوصا أثناء العمل و الحركة.

عضلات الصدر الداخلية تربط الأضلاع و تحافظ على الرئتين و القلب، و تشارك في عملية التنفس و حركة اليدين.

عضلات البطن تحافظ على الأحشاء الداخلية في البطن، و تشارك أثناء تقلصها في عملية التقيء و البراز و التبول.

عضلات البطن تحافظ على الأحشاء الداخلية في البطن، و تشارك أثناء تقلصها في عملية التقيء و البراز و التبول.

عضلات الظهر تربط الأضلاع الخلفية، و تحفظ الأحشاء و الكلى، و تربط الفقرات ببعضها، كما تساعد في حركة اليدين.

عضلات الجسم مكونة من آلاف الألياف الصغيرة جدا و تلتصق بالعظام عن طريق الأوتاد.

الألياف العضلية مزودة بنهايات عصبية دقيقة جدا، و حينما تجتمع مع بعضها تشكل عصبا رفيعا يتصل في نهايته بالخلايا العصبية المحركة و الباسطة؛ و هذه الخلايا بدورها تنقل الأحساسات إلى الدماغ الذي يصدر الأوامر بالتقلص، أو الانبساط، أو المحافظة على حالة التوازن التي تعطي الانسان شكله و قامته الطبيعية.

ص: 78

«في تركيب صورها و مدد عمرها بأبدان قائمة بأرفاقها»

أي أن اللّه جلت قدرته ركبت تلك الإجسام و هي مزودة بالمرافق اللازمة التي تحفظ و تصون الغايات و المنافع التي خلقت من أجلها.

«و قلوب رائدة لأرزاقها في مجلّلات نعمه و موجبات مننه و هواجز عافيته»

أي أنّ القلوب المؤمنة الطيبة، تطلب و تنشد الرزق الحلال الذي يجلّل الناس و يرفع من مكانتهم، بحيث يعم الخير و الرفاه جميع بني البشر بنعم اللّه التي لا تعد و لا تحصى؛ و التي توجب الشكر و طلب العافية التي تساعد الانسان و تقيه من شر المساوئ و الأخطار المرضية.

ص: 79

ص: 80

ضعف الإنسان

اشارة

قال الإمام علي عليه السّلام:

«مسكين ابن آدم، مكتوم الأجل، مكنون العلل، محفوظ العمل، تؤلمئه البقّة، و تقتله الشّرقة، و تنتنه العرقة»(1)

ص: 81


1- شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد: ج 20 ص 62.

ص: 82

«مسكين إبن آدم»

بهذه الكلمات التي تحمل معاني كبيرة و كثيرة، خاطب الإمام عليه السّلام ابن آدم، داعيا إياه إلى نبذ التفاخر و التطاول و الكبر و العظمة و الغرور و الأعتداء؛ لأنّه بالرغم من حسن تصويره، و عظمة تكوينه، و بداعة تدبيره، يبقى ضعيفا أمام عظمة اللّه و قدرته، و تبارك القائل وَ خُلِقَ اَلْإِنْسٰانُ ضَعِيفاً (1).

أو ليس أوله نطفة و آخره جيفة أَ وَ لَمْ يَرَ اَلْإِنْسٰانُ أَنّٰا خَلَقْنٰاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذٰا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (2).

فكّر يا ابن آدم قبل أن تسلك طريق التحدي و الطغيان، أو لم ترى مواكب الموتى تمر من أمامك كل يوم ؟! ألم تسمع الإمام علي عليه السّلام و هو يقول:

«فإنه كفى بالموت واعظا»(3)؟!

أين الارشاد و الموعظة ؟! أين العقل و البصيرة ؟! ما ذا حدث حتى صرت طاغيا تتعالى على اللّه و الناس، و أنت تشاهد بام عينيك مصائر البشر و نهايتهم سواء المؤمن منهم كان أم الفاجر حيث قال تعالى: كُلُّ مَنْ عَلَيْهٰا فٰانٍ (4)؟!

اترك التكبر و الفسق و المجون، و إعمل بالتعاليم السماوية الرشيدة، لا تركب رأسك و تتبع هواك و الشيطان، إن فيروسا لا يرى بالعين كاف بأن

ص: 83


1- سورة النساء، الآية: 28.
2- سورة يس، الآية: 77.
3- شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد: ج 6 ص 69.
4- سورة الرحمن، الآية: 26.

يجعلك تئن طالبا العون و المساعدة و العلاج؛ خف اللّه كأنك تراه، و عندئذ تحصل السعادة، و الأمل، و صفاء الضمير، و تذق حلاوة الإيمان. لا تركن إلى الكبرياء فيتولد عندك البطر، و الغرور، و نسيان الأخرة، و ذهاب العقل الذي هو أفضل نعمة أعطاها اللّه للانسان. و صدق الحكماء حين قالوا لو لا الموت و المرض لنطح ابن آدم برأسه الجبال.

الإمام هنا يخاطب الانسان طالبا منه التفكير و التريث حينما يقدم على عمل ما، يطلب منه أن يعرف حقيقة نفسه، و عندها يعرف حقيقة اللّه و الآخرين، يعرف معنى التواضع و الزهد و التقوى و ترك المهلكات، لأن التمسك بالظلم و الباطل و الطغيان لا يخلّف إلاّ الأفكار السوداء و اللعنة و النار، فكم من متكبر جبار أخذه اللّه أخذ عزيز مقتدر، و تركه آية للطغاة و أمثالهم، و لم يبق من عمله سوى اللعنة و حساب منكر و نكير، و النار خالدا فيها إلى ما شاء اللّه.

و على العكس، فإنّ المؤمن الذي يسمع و يعتبر، و يطيع اللّه و يزجر النفس الأمارة بالسوء بالصبر و الشكر و التقوى؛ تاركا الدنيا و زخارفها و وساوس الشيطان و مغرياته، كالكبر و العجب و الغرور التي تقود الانسان نحو الضياع و الهلاك و الكفر.

و ختاما أرى من المناسب أن نستعرض للقارئ الكريم بعض المهلكات ليتعرف عليها و يتوقى منها.

حقيقة الكبر

حقيقة الكبر(1)

الكبر ينقسم إلى ظاهر و باطن، و الباطن هو خلق في النفس، و الظاهر

ص: 84


1- بتصرف من كتاب المحجة البيضاء في تهذيب الاحياء: ج 6 ص 228.

هو أعمال تصدر من الجوارح، و هي ثمرات لذلك الخلق، و خلق الكبر موجب للأعمال، لذلك اذا ظهر على الجوارح يقال تكبرّ، و إذا لم يظهر يقال في نفسه كبر.

قال اللّه تعالى: إِنَّهُ لاٰ يُحِبُّ اَلْمُسْتَكْبِرِينَ (1).

و

قال الرسول صلّى اللّه عليه و آله: «التواضع لا يزيد العبد إلاّ رفعة، فتواضعوا يرحمكم اللّه»(2).

و

قال صلّى اللّه عليه و آله: «يقول اللّه تعالى: العظمة إزاري و الكبرياء ردائي فمن نازعني فيها قصمته»(3).

المتكبر:

اشارة

هو ذلك الإنسان الذي يصاب بداء الاعتداد و الهزة و الفرح و الركون إلى ما يعتقد به؛ و لا يتكبر إلاّ من استعظم نفسه، و لا يستعظمها إلاّ و هو يعتقد لها صفة من صفات الكمال الديني أو الدنيوي، فالديني هو العلم و العمل، و الدنيوي هو النسب و الجمال و القوة و المال و كثرة الأنصار.

بعض صفات المتكبر

1 - مكروه من قبل أكثر الناس.

2 - يستغاب في كثير من المواقف و الحالات.

3 - مقاطع من قبل أكثر أفراد المجتمع.

ص: 85


1- سورة النحل، الآية: 23.
2- الكافي: ج 2 ص 121.
3- المستدرك: ج 1 ص 61.

4 - يسيطر عليه مرض الشك.

5 - ضعيف الإيمان.

6 - يعاني دائما من مشاكل عائلية و اجتماعية.

7 - يحتقر الفقراء و المستضعفين.

8 - مصاب بمرض داء العظمة.

9 - تبدو على تصرفاته علامات الغرور.

10 - يغضب لأتفه الأسباب.

11 - مصاب ببعض أعراض مرض الوسوسة.

12 - لا يقيم وزنا للعلم و العمل.

13 - قاسي القلب.

14 - مصاب بأمراض نفسية مختلفة.

المتكبر عليه:

1 - التكبر على اللّه هو أفحش أنواع التكبر، و سببه الجهل الكامل و الطغيان.

2 - التكبر على الأنبياء، حيث تعزّز النفس و ترفعها عن الانقياد لبشر مثل سائر الناس.

3 - التكبر على العباد، و ذلك بأن يستعظم نفسه و يستحقر غيره، فتأبى نفسه عن الانقياد لهم و تدعوه إلى الترفع عليهم، فيزدريهم و يستصغرهم و يأنف من مساواتهم، و هذا مرض خطير، لأنّ التكبر و العزة و العظمة و العلاء لا يليق إلاّ بالملك القادر، و امّا العبد المملوك الضعيف العاجز الذي لا يقدر على شيء فلا يليق به الكبر؛ لأن الكبر يقود الانسان

ص: 86

إلى مخالفة أوامر الخالق، و المتكبر إذا سمع الحق من عبد من عباد اللّه استنكف من قبوله و تشمر لجحده.

أسباب انحراف الخلق

اشارة

1 - الوهن و الضعف الذي يحدث نتيجة المرض و اعتلال الصحة و الشيخوخة، مما يجعل الإنسان ضعيف الأعصاب؛ لا يقدر على احتمال مدارات الناس و الصبر على مشاكلهم.

2 - الهموم التي تهجم على الانسان تجعله منحرف الخلق و تغير من سلوكه و تصرفاته.

3 - الفقر الذي يسبب الهم و القلق و التعب النفسي و الروحي.

4 - الغنى الزائد الذي يقود صاحبه نحو الكبر و الطغيان.

5 - التمتع بالصحة و الشباب الذي يصيب الانسان بالغرور.

6 - المنصب و المقام الرفيع الذي قد يؤدي إلى تغيير الخلق.

7 - العزلة التي تؤدي إلى انحراف أخلاق الإنسان نتيجة التفكير و الخوف.

8 - الاصابة بأمراض الدماغ المختلفة.

9 - الصدمات النفسية و الضغوط الاجتماعية.

10 - إعتناق المبادئ المنحرفة.

11 - ضعف الإيمان.

12 - الاصابة بمرض داء العظمة.

العجب

العجب يدعو إلى الكبر، و من الكبر تنتج الآفات الكثيرة التي

ص: 87

لا تحصى. هذا مع العباد فأمّا مع اللّه تعالى فالعجب يدعو إلى نسيان الذنوب و اهمالها؛ و علة العجب الجهل المحض، قال اللّه تعالى: وَ يَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ . (1)

و

قال الرسول صلّى اللّه عليه و آله: «ثلاث مهلكات شح مطاع، و هوى متّبع، و اعجاب المرء بنفسه»(2).

و

قال الإمام الصادق عليه السّلام: «من دخله العجب هلك»(3).

الغرور

هو سكون النفس إلى ما يوافق الهوى و ميل الطبع.

قال اللّه تعالى: فَلاٰ تَغُرَّنَّكُمُ اَلْحَيٰاةُ اَلدُّنْيٰا وَ لاٰ يَغُرَّنَّكُمْ بِاللّٰهِ اَلْغَرُورُ. (4)

و

قال الرسول صلّى اللّه عليه و آله: «حبذا نوم الأكياس و فطرهم كيف يغبنون سهر الحمقى و اجتهادهم و لمثقال ذرّة من صاحب تقوى و يقين أفضل من ملئ الأرض من المفترّين»(5).

و

قال الإمام علي عليه السّلام: «و الشقي من انخدع لهواه و غروره»(6).

«مكتوم الأجل»

قال اللّه تعالى في كتابه الكريم: إِنَّ اَللّٰهَ عِنْدَهُ عِلْمُ اَلسّٰاعَةِ وَ يُنَزِّلُ

ص: 88


1- سورة التوبة، الآية: 25.
2- شعب الإيمان للبيهقي 745/471:1.
3- الكافي: ج 2 ص 313.
4- سورة لقمان، الآية: 33.
5- المحجة البيضاء في تهذيب الأحياء: ج 6 ص 291.
6- نهج البلاغة لصبحي الصالح: خطبة رقم 86.

اَلْغَيْثَ وَ يَعْلَمُ مٰا فِي اَلْأَرْحٰامِ وَ مٰا تَدْرِي نَفْسٌ مٰا ذٰا تَكْسِبُ غَداً وَ مٰا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ * إِنَّ اَللّٰهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ. (1)

الإمام عليه السّلام أشار إلى هذه الحقيقة استنادا إلى قوله تعالى في هذه الآية الشريفة.

من الواضح لكل عاقل و مدرك أن اللّه تعالى أخفى بعض الحقائق عن الانسان، كالرزق، و علم الساعة و الأمطار، و ما تحمل الأرحام، و ساعة الموت رحمة منه و لطفا لعباده كي يعيشوا الحياة بسعادتها من دون خوف و قلق و وجل، فلو أن الانسان علم ساعة وفاته و نهاية عمره لأصبحت حياته جحيم؛ و لسيطر عليه الهم و الجزع، و لتوقف عن أداء العمل المثمر، و لفقد الأمل و حينئذ تصبح دنياه ظلام دامس، و حياته آلام متواصلة، و ترقب مخيف، حتى يدركه الموت قبل موعده، لكثرة القلق و التفكير الذي يلازمه ليل نهار، و لإصابته بمختلف الأمراض النفسية و الجسدية، لذا فإن هذه الرحمة الالهية تتطلب منا الشكر الجزيل، للخالق الجليل، على نعمه الكثيرة التي رعت الإنسان و رحمته منذ النشأة الأولى و حتى الممات.

«مكنون العلل»

الإنسان مخلوق تتجلى فيه العظمة الإلهية، التي أتقنت كل شيء و صورته في أحسن تصوير. إنه مركب من خلايا و أنسجة عديدة، تتعاون فيما بينها لتؤدي الوظيفة على أحسن وجه. هذه الأجهزة المعقدة التركيب و التكون تعمل وفق الارادة الربانية الحكيمة؛ و لا يشعر الانسان بعظمة

ص: 89


1- سورة لقمان، الآية: 34.

التكوين إلاّ عند ما يصاب بمرض أو علة؛ و عندها يشعر بنعمة الصحة و العافية

«نعمتان مجهولتان الأمن و العافية»(1).

لذلك أشار الإمام عليه السّلام إلى أن العلل كامنة في بدن الانسان حتى تتهيأ لها الأسباب التي تظهرها إلى الوجود، كالصدمات النفسية التي تؤدي إلى ذهاب العقل، أو الأصابة بالميكروبات التي تسبب الأمراض الجسدية المختلفة، و ما يرافقها من أعراض مؤذية و مضاعفات جمة.

«محفوظ العمل»

قال اللّه تعالى:... مٰا لِهٰذَا اَلْكِتٰابِ لاٰ يُغٰادِرُ صَغِيرَةً وَ لاٰ كَبِيرَةً إِلاّٰ أَحْصٰاهٰا، (2)فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقٰالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقٰالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ . (3)

الإمام علي عليه السّلام رائد العدالة الإنسانية، و محب الخير للبشرية، يحذرنا بكلمات ذات دلالة بأن إتباع الهوى و السير وراء الشهوات، سيحرفنا عن الطريق الصحيح الذي أراده اللّه، من خلال تحكيم العقل و الارادة و ترك حب الدنيا التي تشبه الحية، ناعم ملمسها قاتل سمها. و هذا يتطلب من الإنسان أن يجعل أعماله و طاعته لرضى اللّه و خدمة البشر، فيطهر نفسه و قلبه من الخبائث قبل فناء العمر و الموت الذي لا بيع فيه و لا عمل: قُلْ لِعِبٰادِيَ اَلَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا اَلصَّلاٰةَ وَ يُنْفِقُوا مِمّٰا رَزَقْنٰاهُمْ سِرًّا

ص: 90


1- روضة الواعظين ص 472.
2- سورة الكهف، الآية: 49.
3- سورة الزلزال، الآية: 7-8.

وَ عَلاٰنِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لاٰ بَيْعٌ فِيهِ وَ لاٰ خِلاٰلٌ . (1)

فعلام الغيبة و النميمة، و الغرور و الحسد، و عمل المنكرات و القبائح، و العقل و المنطق يرفضان ذلك ؟! و العاقل من عمل لدنياه و آخرته معا.

قال أمير المؤمنين عليه السّلام «إعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا و أعمل لآخرتك كأنك تموت غدا»(2).

أيها الانسان العاقل لا تغفل عن ذكر اللّه، لأنه يراك و يسمعك و هو أقرب اليك من حبل الوريد؛ و كل صغيرة و كبيرة يسجلها الملكان الموكلان، فأحذر صفح اللّه و ستره، كما

قال الإمام عليه السّلام: «فو اللّه لقد ستر حتى كأنه غفر»(3).

إنّ الأعمال صغيرها و كبيرها مسجلة و محفوظة في أجهزة كومبيوترية إلهية مع الصورة و الصوت؛ أجهزة لا تخطأ و لا تظلم أحد، فكيف بك حينما يقدّم لك منكر و نكير قائمة كومبيوترية مفصلة بجميع الأعمال و الأفعال التي ارتكبتها طوال عمرك ؟! ما هو الجواب في ساعات لا ينفع معها الاعتذار و الندم ؟! إن العاقل من يغتنم الفرصة قبل فوات الأوان

«و إن اليوم عمل و لا حساب و غدا حساب و لا عمل»(4). كما قال الإمام علي عليه السّلام؛ و قد أشار القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة حين قال: اِقْرَأْ كِتٰابَكَ كَفىٰ بِنَفْسِكَ اَلْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً. (5)

ص: 91


1- سورة إبراهيم، الآية: 31.
2- الفقيه: ج 3 ص 156.
3- شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد: ج 18 ص 141.
4- شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد: ج 2 ص 318.
5- سورة الأسراء، الآية: 14.

«تؤلمه البقة»

ضرب لنا الإمام مثلا جميلا على ضعف الانسان، بحالة الألم التي تحدث عند ما تقرصنا البقة، هذه الحشرة الصغيرة التي لا قيمة لها في نظرنا؛ لذلك لا بدّ لنا من أخذ فكرة موجزة، عن الجلد و مكوناته، لنكون على بينة من عظمة كلام الإمام، و كيف أنّ تلك المخلوقة الصغيرة تؤذي الانسان و تؤلمه.

مكونات الجلد

مكونات الجلد(1)

يتكون جلد الانسان من ثلاث طبقات:

1 - البشرة: و تتألف من أربع طبقات، و فيها أربعة أنواع من الخلايا، أهمها: الخلايا الخاصة بلون البشرة، و تسمى الميلانوسايت. و تعتمد البشرة على الأدمة في الإسناد و التغذية.

2 - الأدمة: تقع تحت البشرة، و تتكون في الغالب من مادة الكولاجين و نوعين من المواد البروتينة (الإبلاستين و الريتكولين). المواد الثلاثة تقع في محيط غير مبلور يسمى الطبقة الأرضية. أكثر خلايا الأدمة هي خلايا الفايبروبلاست التي تقوم بصنع المواد البروتينية المارة الذكر، إضافة إلى وجود خلايا اخرى. و تقع في الأدمة الأوعية الدموية الشعرية و الأعصاب و ملحقات الجلد.

3 - ملحقات الجلد:

ص: 92


1- Clinical dermatology

تتكون الملحقات من:

أ - البصيلات الشعرية و العضلات المرافقة.

ب - الغدد العرقية بنوعيها.

أعصاب الجلد

إن إنتشار الأعصاب في الجلد شيء يبهر العقل، إذ تنتهي الألياف العصبية بجسيمات خاصة يختص كل نوع منها بنقل حس معين؛ فهناك جسيمات تنقل الحر، و اخرى تنقل البرد، و ثالثة للمس و الضغط، و رابعة لحس الألم، و خاصة تختص بنقل الحس العضلي أو الحس العميق.

الجسيمات العصبية تختلف في أشكالها، فهي إما بشكل سلال، أو دوائر متحدة المركز فيها خط، أو متطاولة مع ألياف عصبية متفرعة فيها.

الجسيمات العصبية تقدر بالملايين، فمثلا هنالك (3-5) مليون جهاز حساس للآلم، و (200000) جهاز حساس للحر، و (500000) الف جهاز حساس للمس و الضغط، بحيث أصبح جلد الإنسان عبارة عن سطح تغطيه شبكة هائلة من الألياف العصبية.

إن جلد الانسان يمثل خارطة تتقاسم الأعصاب السيطرة عليه؛ بحيث أن هنالك (62) عصبا يسيطر على الجسم (عدى الرأس) و تنقل الحس منه، و من الرأس (14) عصبا، أي: أن هنالك (76) عصبا تسيطر على مساحات الإحساس في الجلد البشري.

و هنا لا بدّ لنا من شرح قوس الأنعكاس لنتعرف على كيفية الاحساس بالألم؛ و لنضرب مثلا، إذا لامست يد الإنسان جسما أو شيئا ساخنا فإنّه يبعد يده و بصورة لا شعورية بسرعة فائقة تبلغ جزء من الثانية؛ و هذا يتم

ص: 93

بواسطة نقل الحس عن طريق الأعصاب الحسية، التي تصل إلى المنطقة الخلفية من النخاع الشوكي حيث تبلّغ الأخبار إلى الخلايا؛ و عندها تقوم الخلايا بالاتصال بالمنطقة الأمامية من النخاع؛ حيث تقع مفاتيح السيطرة على العضلات في خلايا القرون الأمامية للدماغ، و من هناك تنطلق الأوامر إلى الأعصاب المحركة للعضلات المناسبة؛ فتسحب اليد بسرعة مدهشة و بشكل انعكاسي، و يسمى هذا الفعل بالقوس الانعكاسي.

و بواسطة الجسيمات الحسية التي تنقل حسن البرد و الحر، يحدث التوازن الحراري لجسم الانسان، و تبقى حرارته ثابتة (37) درجة مئوية.

إن الجسيمات الحسية هي أشبه بميزان الحرارة الخارجي الذي يقيس درجة حرارة الجو أم برودته؛ ثم يرسل هذه الأخبار عبر نبضات عصبية بسرعة تبلغ (200) ميل في الساعة، و حينما تصل الأخبار إلى مراكز القيادة في مناطق ما تحت السرير العصبي يدرس الموقف؛ ثم ترسل الأوامر بمنتهى السرعة إلى العروق الدموية السطحية و إلى الغدد العرقية، حيث يكثر ورود الدم و إفراز العرق، و بالتالي زيادة الإشعاع الحراري و التبخر المائي، مما يوازن الحرارة و يبرّد الجسم.

أما جسيمات اللمس فهي أدق، فعند تلمس الموجودات تشعر بسطحها الخارجي، و يتم تمييز الناعم و الخشن، و الأملس و المجعّد.

و باللمس يعرف الشيء الذي تقع عليه اليد، و لو كان الانسان مغمض العينين.

إن جسيمات الحس العميق هي التي تنقل الأخبار إلى المراكز العليا، ثم يشترك المخيخ مع الحس العميق مع دهليز الأذن في تحقيق التوازن؛ حيث تشد العضلات و تستقيم المفاصل و العظام و الأوتاد.

ص: 94

من كل ما تقدم يتبين لنا أن سطح الجلد مزود بشبكة كبيرة واسعة متناهية الصنع و الدقة؛ تغطي كافة مساحة الجسم و خلاياه، لذلك فإنّ قرصة بسيطة من بقة صغيرة لا تساوي شيئا في نظر الانسان؛ يشعر بها و يتألم منها و يسحب يده بسرعة و يحكها بعض الأحيان.

من ذلك يتضح: أن الانسان بهذا الصنع العجيب، و القوة الظاهرة، و التحدي و الجبروت، يتألم أحيانا و يتأذى من أبسط و أصغر المخلوقات، و هذه موعظة تحتم علينا أن نعي و نتدبر حقيقة أنفسنا، و أن لا نشغل الفكر إلاّ بطاعة اللّه و الخضوع لعظمته.

«و تقتله الشّرقة»

لا بدّ لنا قبل أن نشرح كيف تقتل الإنسان الشرقة أن نتعرف على تركيب البلعوم و كيفية بلع الطعام؛ حتى تتوضح أمامنا الصورة بشكل علمي و مفهوم.

تركيب البلعوم:

يقع البلعوم في نهاية الفم و اللسان، و يتركب من عضلات متحركة تساعد على تحريك و دفع الماء و الطعام نحو المريء، و كذلك إمرار الهواء القادم من الأنف عبر فتحته الخلفية إلى القصبة الهوائية، يتألف سقف البلعوم مما يسمى اللهات التي يتوسطها لسان المزمار الذي يعتبر أذكى و أنشط شرطي مرور في العالم.

ص: 95

عملية البلع:

تعتبر عملية البلع عملية إنعكاسية، يتم تحريكها بنبضات واردة من الأعصاب المحركة لعضلات البلعوم، حيث تمر الألياف الصادرة إلى الجهاز العضلي البلعومي و اللسان عبر تلك الأعصاب. تبدأ عملية البلع بفعل تلقائي يقوم بجمع المحتويات الفموية على اللسان و يدفعها نحو البلعوم؛ هذا الأمر يؤدي إلى حدوث موجة من التقلصات غير العضوية في العضلات البلعومية التي تدفع الطعام نحو المريء.

إن إيقاف عملية التنفس و انغلاق لسان المزمار يعتبران جزء من الاستجابة الانعكاسية؛ و عملية البلع تعتبر صعبة جدا إن لم تكن مستحيلة عند ما يكون الفم مفتوحا، و هذا الأمر يعرفه جيدا اولئك الذين يمضون وقتا على كرسي طبيب الأسنان الذين يشعرون بتجمع اللعاب في الفم.

في الحالة العادية يقوم الشخص البالغ بالبلع أثناء تناول الوجبة، لكن البلع يستمر أيضا بين الوجبات. إن عدد مرات البلع الكلي يوميا يبلغ حوالي (600) مرة، منها (200) مرة أثناء الطعام و الشراب، و (350) مرة أثناء النهار خارج اوقات الطعام، و (50) مرة أثناء النوم.

في منطقة الاتصال البلعومي المريئي، توجد منطقة من المريء بطول 3 سم يكون فيها تقلص الجدار العضلي أثناء الراحة مرتفعا. هذه المنطقة تسترخي بشكل انعكاسي عند البلع، لتسمح للطعام بالمرور إلى المريء لتتشكل بعدها حلقة تقلصية خلف اللقمة تنشأ من تقلص العضلات المريئية؛ و تقوم هذه الحلقة بالانتشار نحو الأسفل بسرعة حوالي 4 سم في الثانية؛ و عند ما يكون الشخص بوضعية الوقوف، تنزلق الأطعمة السائلة

ص: 96

و نصف الصلبة بتأثير الجاذبية الأرضية نحو أسفل المريء متقدمة على الحركة التقلصية. أما العضلات التي تقع ما بين المعدة و المريء، فتكون متقلصة و فعالة و لا تسترخي إلاّ في حالة البلع؛ و هذا التقلص ينفع في منع دخول محتويات المعدة إلى المريء.

الاضطرابات الحركية في البلعوم:

1 - ضمور و ضعف الأعصاب المحركة لعضلات البلعوم و اللسان.

2 - ضمور الخلايا الحركية للدماغ.

3 - الإصابة بمرض الدفتريا.

4 - الإصابة بمرض الگزاز.

5 - وجود الفتحات و العيوب الولادية.

6 - شلل عضلات البلعوم.

7 - إنسداد الأنف نتيجة الأمراض مما يؤدي إلى خلل في عملية البلع و التنفس.

الاضطرابات الحركية في المريء.

1 - ضعف و ضمور الأعصاب المحركة للمريء.

2 - ضمور خلايا و نوى الدماغ الحركية.

3 - الإصابة بالإغماء.

4 - الإصابة بحالات التسمم.

5 - الإصابة بسرطان المريء.

6 - الإصابة بحالة الأكالازيا، و هي حال يتراكم فيها الطعام في المريء

ص: 97

بحيث يؤدي إلى توسّعه، تنجم هذه الحالة نتيجة تقلص العضلات القابضة السفلى للمريء أثناء الراحة و حدوث استرخاء غير كامل للعضلات القابضة عند البلع. الحالة المعاكسة لما ذكر هي ضعف تقلص العضلات القابضة السفلى للمريء، و التي تؤدي إلى دخول محتويات المعدة الحامضية إلى المريء، مما يؤدي إلى حرقة خلق عظم القص و التهاب جدار المريء الذي ينتج عنه تقرح و تضيق الجدار.

7 - إبتلاع الهواء و الغاز المعوي:

يحدث هذا لدى الأشخاص العصبيين الذين يقومون بابتلاع مقادير كبيرة من الهواء؛ كما أن بعض الهواء يتم ابتلاعه أثناء عملية الأكل و الشرب.

8 - إبتلاع المواد السامة تعمدا أو عن طريق الخطأ.

9 - إبتلاع الأطعمة اليابسة أو الكبيرة.

10 - محاولة التكلم أثناء بلع الطعام.

11 - العجلة أثناء تناول الطعام.

و الآن و بعد أن استعرضنا تركيب البلعوم و كيفية بلع الطعام؛ نعود إلى كلام

الإمام علي عليه السّلام (تقتله الشرقة) التي تحدث للإنسان أثناء عملية البلع.

إن وجود أية إصابة أو مرض في البلعوم أو المريء، أو العجلة أثناء تناول الطعام، أو محاولة بلع قطعة كبيرة من اللحم أو الأطعمة الجافة، قد تؤدي إلى عرقلة الفعل الانعكاسي في فتحة البلعوم، مما يؤدي إلى انحباس الطعام في البلعوم، و إنسداد القصبة الهوائية نتيجة ذلك التواجد، و عجز لسان المزمار من القيام بواجبه بصورة طبيعية. و هكذا فإنّ وقوف الطعام أمام فتحة القصبة و سدها أو دخوله إلى جوف القصبة، يؤدي إلى الاختناق و توقف عملية التنفس التي قد تقود إلى الموت نتيجة نقص الاوكسجين أو

ص: 98

كرد فعل انعكاسي حاد يحصل لدى العصب العاشر. و هكذا تتبين لنا عظمة الإمام عند ما أوضح بما لا يقبل الشك ضعف الإنسان أمام أبسط الأحداث التي لم تخطر على فكره يوما ما.

«و تنتنه العرقة»

الدين الإسلامي الحنيف أوجب على الإنسان المسلم أغسال عديدة، واجبة و مستحبة، و ما ذلك إلاّ لأسباب روحية و صحية، لأنّ الإنسان كمخلوق يقوم بمختلف الفعاليات مكوّن من روح و جسد، فكما يعتبر الايمان و العلم غذاء الروح، فإنّ النظافة و الطعام و اللباس النظيف و التطيب هي غذاء الجسد. لذلك فإنّ نظافة و غسل البدن بصورة دائمة تعتبر عامل مساعد في منع الأمراض و مضاعفاتها.

و لو تفحصنا جسم الإنسان لوجدناه عبارة عن مدينة صناعية كبيرة تجري فيها مختلف الفعاليات من هدم و بناء؛ و لكن الشيء الملفت للنظر هو أن درجة حرارة تلك المدينة (الجسم) ثابتة لا تتغير في الأحوال العادية؛ و يتم ذلك عبر وسائل مختلفة، أهمها: وجود ملايين الغدد العرقية و الدهنية التي تفرز العرق بصورة منظمة و دقيقة للحفاظ على تلك الدرجة.

إن التعرق و العرق الخارج من الجسم إضافة إلى التبخر المستمر إذا لم ينظف و يغسل بصورة منظمة؛ سوف يؤدي إلى مضاعات عديدة.

فوائد عرق البدن:

1 - المحافظة على درجة حرارة الجسم.

2 - طرد بعض الفضلات الناتجة من عملية البناء و الهدم.

3 - شل فعالية بعض الميكروبات و الفيروسات، خصوصا و أن العرق

ص: 99

ذو قوام حامضي.

4 - المحافظة على رطوبة الجلد و منعه من التيبس.

5 - التصرف على هوية الأفراد من خلال رائحة العرق المنبعثة من البدن.

مضار عدم إزالة و تنظيف عرق البدن:

1 - نشوء حساسية في الجلد.

2 - ظهور الأمراض الجلدية كالفطريات و العفنيات على الجلد.

3 - إنسداد أنابيب الغدد الدهنية مما يؤدي إلى كبرها و حدوث المضاعفات فيها.

4 - بروز روائح كريهة من البدن.

5 - نفور و اشمئزاز الناس من وجود تلك الروائح.

لتلك الأسباب و غيرها أكد الدين الاسلامي على ضرورة الغسل و النظافة

«تنظفوا فإنّ الإسلام نظيف»(1) و جعلها سنة من السنن المحمدية، فكما أن الوضوء أحد عوامل النظافة اليومية، فإن الأغسال المسنونة الواجبة و المستحبة هي عوامل دينية و صحية حسنة؛ تجعل من الفرد المسلم طيب الرائحة محبوب العشرة.

و اخيرا لا بدّ لنا من القاء نظرة على جهاز تنظيم الحرارة في البدن لنطلع على العلاقة الوطيدة بينه و بين عملية التعرق.

تنظيم حرارة البدن

تنظيم حرارة البدن(2)

تنتج الحرارة في الجسم بالتمرين العضلي، و التمثيل الغذائي، و كل

ص: 100


1- كشف الخفاء: ج 1 ص 288.
2- بتصرف من كتاب Review of medical physiology

العمليات التي تقود إلى فعاليات اساسية في البدن.

الحرارة تفقد من الجسم بالإشعاع و النقل و التبخر المائي أثناء عملية التنفس، و عن طريق الجلد، و أثناء التبول و البراز.

إن التوازن بين إنتاج الحرارة و فقدها هو الذي يقرر حرارة الجسم، و إن وظائف الجسم الطبيعية تعتمد على حرارة جسمية ثابتة نسبيا.

حرارة الجسم الطبيعية

تتبدل الحرارة العملية التي يصونها الجسم في المخلوقات ذات الحرارة الثابتة من شخص لآخر. الحرارة الطبيعية العادية التي تقاس عن طريق الفم هي (37) درجة سنتي غراد. إن حرارة الجوف البشري الطبيعية تعاني من تموج يومي حوالي نصف درجة؛ و تتراكم الحرارة المنتجة بالتقلص العضلي أثناء التمرين بالجسم، و ترتفع أيضا بشكل خفيف أثناء الانفعالات العاطفية؛ و قد يكون السبب هو التوتر العضلي. و قد ترتفع ارتفاعا مزمنا بنصف درجة في زيادة فعالية الغدة الدرقية؛ و قد تنخفض انخفاظا بسيطا في نقص نشاط الغدة الدرقية.

إنتاج الحرارة يحدث بسبب:

1 - التفاعلات الكيميائية.

2 - هضم الطعام.

3 - تقلص العضلات.

فقدان الحرارة يحدث بسبب:

1 - التشعع و النقل.

ص: 101

2 - التبخر العرقي.

3 - التنفس.

4 - التبول و التغوط.

آليات تنظيم الحرارة:

1 - الآليات المتفعلة بالبرد

أ - الارتعاش. \تزيد إنتاج الحرارة

الجوع. \تزيد إنتاج الحرارة

زيادة الفعالية. \تزيد إنتاج الحرارة

- تقلص الجلد. \تنقص فقد الحرارة

تكون البدن. \تنقص فقد الحرارة

إنتصاب شعر الجلد\تنقص فقد الحرارة

2 - الآليات المنفعلة بالحرارة.

أ - توسع الأوعية الدموية. \تزيد فقد الحرارة

التعرق الكثير. \تزيد فقد الحرارة

زيادة التنفس. \تزيد فقد الحرارة

ب - فقد الشهية.

فتور البدن و الفعالية. \تنقص إنتاج الحرارة

ص: 102

الخوف

اشارة

قال الإمام علي عليه السّلام:

«و كلّ خوف محقّق إلاّ خوف اللّه فإنّه معلول»(1)

«أ تخاف أن تكون في رجائك له كاذبا، أو تكون لا تراه للرجاء موضعا، و كذلك إن هو خاف عبدا من عبيده أعطاه من خوفه ما لا يعطي ربّه، فجعل خوفه من العباد نقدا، و خوفه من خالقه ضمارا و وعدا»(2).

ص: 103


1- شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد: ج 9 ص 226.
2- شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد: ج 9 ص 226.

ص: 104

الإمام علي عليه السّلام في هذه السطور القليلة و الكلمات الجليلة، تطرق إلى موضوع نفسي له أهميته الكبيرة في حياة الإنسان الخاصة و العامة؛ من حيث التأثيرات العائلية و الإجتماعية، و النتائج السلبية العديدة التي تغيّر من مجرى حياة الإنسان و تجره إلى الدمار و الضياع، و بالتالي تنعكس تلك التأثيرات النفسية على الأفراد الذين يعيشون مع الشخص المصاب، مما أدى إلى حدوث كوارث عائلية كثيرة و مضاعفات سلبية بقيت أثارها لعدة سنوات؛ بحيث أحالت حياتهم إلى جحيم لا يطاق و هم يعانون من ضعف القدرة على التخلص من معاناتهم و آلامهم و فزعهم الذي ضيق الخناق عليهم فأصبحوا يعيشونه ليل نهار و كأن قدرهم التعيس صار مربوطا بتلك الحالة المؤلمة.

الإمام يشير في كلمته الأولى بأن كل خوف ممكن أن يكون ثابتا و حاصلا للإنسان، و يمكن لهذا الخوف أن يزول بزوال المسببات و الأعراض، إلاّ الخوف من اللّه و سطوته و سخطه، فإنّه باق لأنه لا انقضاء لمحذوره.

في كلمته الثانية خاطب الإمام الإنسان و حذره من الرجاء الكاذب، و الشك في قبول الرجاء من قبل اللّه تعالى، و هذا عين الكفر، لأنّ اللّه هو أهل الرجاء و موضعه، فاذا خاف الإنسان عبدا من عباد اللّه و أعطاه في نفسه من الخوف أكثر مما يعطى اللّه، و جعل الخوف من اللّه من الدرجة الثانية، فقد ضل و إنزلق بهذا التصرف. هذا السلوك يتنافى مع العقل و الدين؛ لأن

ص: 105

الحديث الشريف يقول:

«رأس الحكمة مخافة اللّه»(1).

و يعرّف الخوف بأنه: تألم ضمير و فكر الإنسان من احتمال حدوث مكروه الآن أو في المستقبل.

الخوف يقع في مراحل متعددة منها:

1 - العلم بالخوف: و هو علم الإنسان بالسبب المؤدي إلى الخوف، و ذلك كمن قام بجناية ما و يخاف الانتقام بسبب تلك الجناية، أو الخوف من اللّه لكثرة المعاصي التي ارتكبها خلافا لأمر اللّه و نهيه.

«فالعلم بأسباب المكروه هو تألم القلب، و بحسب ضعف هذه الأسباب يضعف الخوف، فالعلم باسباب المكروه هو السبب الباعث المثير لاحتراق القلب و تألمه، و ذلك الاحتراق هو الخوف. و كذا الخوف من اللّه تعالى تارة يكون بمعرفة اللّه و معرفة صفاته؛ و تارة يكون لكثرة الجناية من العبد بمقارفة المعاصي، و تارة يكون بهما جميعا. و بحسب معرفته بعيوب نفسه و بمعرفته بجلال اللّه و استغنائه تكون قوّة خوفه، فأخوف الناس لربه أعرفهم بنفسه و بربه، و لذلك

قال الرسول صلّى اللّه عليه و آله: أنا أخوفكم للّه»(2). و

قال الإمام علي عليه السّلام: «إنّما هي نفسي أروضها بالتقوى لتأتي آمنة يوم الخوف الأكبر، و تثبت على جوانب المزلق»(3).

الإمام هنا يفتح لنا الطريق، لكي نتعلم منه أن الخوف الحقيقي الذي يستحق التفكير هو الخوف من اللّه، و يعلل زهده بالطعام و اللباس بأنه

ص: 106


1- من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق: ج 4 ص 376.
2- المحجة البيضاء في تهذيب الإحياء: ج 7 ص 270.
3- نهج البلاغة لابن ابي الحديد: ج 16 ص 208.

رياضة نفسية، سببها الخوف من الخالق، و الرياضة لا تكون إلاّ بالتقوى كي تكون النفس مهيأة للأمان يوم الفزع الأكبر (القيامة)؛ و بذلك تثبت في مداحض الزلق مختلفة عن غيرها التي ركنت إلى الدنيا و مغرياتها.

2 - إحتمال الخوف: و هو أن الإنسان يحتمل وقوع الخوف في كثير من تصرفاته الصحيحة و الخاطئة؛ و هذا الاحتمال قد يستمر في السيطرة على عقله، لمدة قصيرة أو طويلة، بضعف أو بقوة، طبقا لذلك الاحتمال.

3 - وسوسة الخوف: و هو أن المصاب تسيطر عليه وسوسة الخوف، بحيث تصبح الحياة في عينيه سوداء لا يرى خلالها إلاّ الخوف و القلق المحتمل الوقوع في أية لحظة من حياته الكئيبة.

الخوف محمود في بعض الحالات، خصوصا الخوف من الحالات المؤدية إلى تعرض الإنسان للإصابة بالأمراض و الجروح و الشبهات و الموت في بعض الحالات.

الخوف له مراتب، قصور، و اعتدال، و افراط، و المحمود هو الاعتدال و الوسط، و اما الخوف المفرط الذي يزداد و يتجاوز الاعتدال و يؤدي إلى اليأس و القنوط فهو مذموم؛ لأنّه يدمر حياة الانسان و يمنعه من الاستمرارية و العمل، و يقود إلى الضعف و المرض و الوله و الدهشة و زوال العقل؛ و قد يسبب الموت.

أقسام الخوف:

اشارة

أ - خوف اللّه.

ب - خوف الدنيا.

ص: 107

خوف اللّه و هو أنواع:

1 - خوف الموت قبل التوبة.

2 - خوف نكث العهد.

3 - خوف ضعف القوّة عن الوفاء بتمام حقوق اللّه.

4 - خوف زوال رقة القلب و تبدلها بالقساوة.

5 - خوف الميل عن الاستقامة.

6 - خوف استيلاء العادة في إتباع الشهوات المألوفة.

7 - خوف أن يكله اللّه إلى حسناته التي اتكل عليها و تعزّز بها في عباد اللّه.

8 - خوف البطر بكثرة نعم اللّه عليه.

9 - خوف الاشتغال عن اللّه بغير اللّه.

10 - خوف تبعات الناس عنده في الغيبة و الخيانة و الغش و إضمار السوء.

11 - خوف ما لا يدري أن يحدث في بقية عمره.

12 - خوف تعجيل العقوبة في الدنيا و الافتضاح قبل الموت.

13 - خوف الاغترار بزخارف الدنيا.

14 - خوف اطلاع اللّه على سريرته في حال غفلته عنه.

15 - خوف الختم له عند الموت بخاتمة السوء.

الخوف من اللّه تعالى هو خوف الموحدين و الصديقين و هو ثمرة معرفة اللّه؛ فكل من عرفه و عرف صفاته علم من صفاته ما هو جدير بأن يخاف من غير جرم أو جناية؛ لذلك

قال سيدنا و مولانا علي عليه السّلام: «من

ص: 108

اشتاق إلى الجنة سلا عن الشهوات، و من أشفق من النار رجع عن المحرّمات»(1).

خوف الدنيا:

و هذا الخوف كثير جدا و متنوع الأشكال، فاي حادث أو منحى في حياة الإنسان يمكن أن يصبح مصدرا للخوف. و أهم أنواع الخوف التي يصادفها الطبيب النفساني هي:

1 - الخوف من الأماكن المرتفعة.

2 - الخوف من الأماكن الواسعة و المكشوفة.

3 - الخوف من الأماكن الضيقة و المغلقة.

4 - الخوف من الماء.

5 - الخوف من الدماء.

6 - الخوف من السفر بالطائرة.

7 - الخوف من النيران.

8 - الخوف من الغرباء.

9 - الخوف من الجثث.

10 - الخوف من الازدحام.

11 - الخوف من الأمراض.

12 - الخوف من الظلام و الليل.

13 - الخوف من السياقة.

ص: 109


1- الكافي: ج 2 ص 50.

14 - الخوف من الزوجة.

15 - الخوف من المستقبل.

16 - الخوف من مراجعة الدوائر الرسمية.

17 - الخوف من الانخراط بالجيش.

18 - الخوف من مراجعة دوائر الأمن.

19 - الخوف من المدرسة.

20 - الخوف من الدخول في المعاملات التجارية.

الآثار السلبية للخوف: تنقسم إلى قسمين:

اشارة

أ - آثار طبية.

ب - آثار اجتماعية.

أ - الأثار الطبية:

1 - القلق.

2 - الخوف الحصري.

3 - الكآبة.

4 - الهستريا.

5 - الأرق.

6 - الهلوسة.

7 - التخيلات.

8 - الشك.

ص: 110

9 - الإصابة بداء السكر.

10 - تساقط الشعر.

11 - إرتفاع ضغط الدم.

12 - الإصابة بالسكتة القلبية.

13 - إضطراب القولون و الإسهال.

14 - إلتهاب المعدة.

15 - إنبعاث روائح كريهة من الفم.

16 - التقيء.

17 - العزوف عن الطعام.

18 - الهزال.

19 - الضعف الجنسي.

20 - النسيان.

21 - الهذيان.

22 - التعرض للإصابة بالأمراض العضوية.

23 - الإصابة بالسرطانات.

24 - الإصابة بآلام المفاصل و العظام.

ب - الآثار الاجتماعية:

1 - الانزواء عن الناس.

2 - التفكك العائلي.

3 - إعتناق الأفكار الشاذة.

4 - العزوف عن العمل.

5 - الاعتياد على الكحول و المخدرات.

ص: 111

6 - الإيمان بالخرافات و الشعوذة.

7 - التأخر الدراسي.

8 - الخوف من الحيوانات.

9 - الخوف من الأصوات.

10 - الحذر في التعامل مع الناس.

11 - إزدياد ظاهرة الشكوى و الجزع.

12 - التشاؤم من المستقبل.

13 - عدم الاعتناء بالمظهر العام.

14 - الامتناع عن تناول بعض الأطعمة.

15 - الحرص و البخل.

16 - الانحراف الأخلاقي.

17 - القنوط و اليأس.

دراسة الخوف من الجوانب النفسية

دراسة الخوف من الجوانب النفسية(1)

للخوف علاقة وثيقة بالحصر القهري و كثيرا ما يصاحبه، إلاّ أن الخوف قد يظهر لوحده دون أعراض الحصر. كما أنه قد يحدث في أية شخصية غير حصرية، و لذلك تصنفه بعض الكتب النفسية كمرض مستقل.

الخوف كمرض نفسي هو: خوف غير معقول تجاه موضوع معين، أو شخص أو موقف ما. و هو يختلف عن الخوف المبهم في القلق الذي لا هدف له. و عن الخوف الاعتيادي (المعقول)، و قد يكون موضوع الخوف تصورا أو حدسا يتعلق بأحد ميادين الحياة و الفعاليات.

ص: 112


1- بتصرف من كتاب: اصول الطب النفساني للدكتور فخري الدباغ ص 132.

الأسباب:

يظهر من دراسة مرض الخوف أن الشخص المصاب ذو شخصية عصابية، غالبا ما تكون ذات طباع خجولة، خائفة، تشعر بالعجز أو الرهبة من مواقف معينة، فاذا ما حدثت تجربة أو حادثة تعزز من هذه الميول ظهر الخوف بصورة محددة تجاه ذلك الموضوع؛ و قد وجد ان الخوف يتبلور في الظروف التالية:

1 - قد يكون نتيجة فعل منعكس شرطي تعزّز و ترسخ نتيجة حدث أو تجربة في أيام الطفولة؛ فالطفل الخائف من قطة بيضاء آذته و خدشته قد يخاف من القطط بصورة خاصة، أو من اللون الأبيض الذي انطبع بذاكرته دون موضوع القطة.

2 - قد يكون تبلورا و تجمعا لعدة مخاوف عامة، فينشأ الخوف كخوف واحد له دلالة و رمزا للمخاوف الأصلية. و يكون توحيد المخاوف محاولة من المريض لملافاتها جميعا بصورة واحدة، فقد تكون المخاوف الأولية من عدم الاستقرار و افتقاد الأمن و الشكوك، متجمعة بشكل خوف من الأماكن العالية و السقوط، فاذا تجنب المصاب الأماكن المرتفعة يكون حسب تقديره اللاشعوري قد تجنب الشعور بعدم الأستقرار، لكنه إذا استمرت المخاوف القديمة على حدّتها و شدتها انتشر الخوف الواحد إلى غيره، و تعطلت أنشطة المريض و اضطربت حياته.

3 - قد يكون الخوف وسيلة حماية و وقاية للمريض من رغبات و ميول غير لائقة و فاضحة لا شعورية.

4 - قد يكون الخوف نتيجة شعور بالإثم تجاه بعض الأفكار

ص: 113

و الأفعال، فالخوف من مرض الإيدز أو الزهري، هو رد فعل للشعور بالخطيئة تجاه القيام بعمل جنسي محرّم.

الأعراض:

1 - يكتسب الخوف قوة و رسوخا عند ما يستخدمه المريض لا شعوريا للسيطرة على الأخرين (الوالدين، الزملاء، أفراد الأسرة) أو لكسب عطفهم و مؤازرتهم؛ و هذا ما يسمى بالازدواجية، لأن الفتاة الخائفة تطلب حماية والدتها، و هي نفس الام التي تكرهها و تحبها تلك الفتاة، لكن الام تقوم بدور الحامي و الحارس للمريض رغما من ذلك.

2 - حالة الخوف في الفزع لا تختلف عن أي خوف آخر، ففي الموقف الذي يخاف فيه المريض يشعر باضطراب عام، و يعمل الجهاز العصبي الذاتي بشدة، فيضيق الصدر، و يحل الشعور بالاختناق، و يزداد الخفقان، و التعرق الشديد و الوهن العضلي و الآلام في الأحشاء و ربما الإسهال و كثرة التبول، و يرتفع القلق إلى حد أن يلجأ المريض إلى الهرب من ذلك الموقف أو إلى الانهيار و الإغماء أو إلى الغثيان و التقيء و الدوار.

3 - تزول تلك الأعراض بزوال الموقف أو الموضوع.

فسلجة الخوف:

الخوف و الغضب عواطف مرتبطة مع بعضها بعدة طرق.

إن المظاهر الخارجية للخوف هي استجابة ذاتية، مثل التعرق و توسع حدقة العين، الانكماش من الخوف أو البرد، و ادارة الروؤس من جانب لآخر بقصد الهرب، أو بسبب الحيرة و التفكير. و على هذا فإنّ الخوف

ص: 114

و الغضب هي استجابات غريزية فعالة مرتبطة بالتهديدات في البيئة المحيطة بالانسان، و يحدث رد فعل الخوف بتنبيه منطقة الهيبوثالماس (تحت المهاد).

التشخيص التفريقي:

1 - يحدث الخوف كجزء من القلق الحاد، و يحدث هذا المرض أحيانا في المصائب و الكوارث العامة، بحيث ينتقل المصاب إلى حالة من الرعب الشديد و الصداع و الهرب، كحدوث الزلازل و الفيضانات و الغارات الجوية.

2 - يحدث الخوف كجزء من الحصر القهري.

3 - يحدث الخوف كبداية في مرض الهوس و الكآبة الدوري قبل أن يتخذ صورته المعروفة.

4 - يحدث الخوف كمرض اولي في مرض تصلب الشرايين الدماغية و كآبة الشيخوخة.

العلاج:

1 - العلاج النفسي: كان الخوف من التحديات التي واجهت المحلل النفسي، و قد وجد أن تدخل المعالج في التوجيه و الإيحاء بصورة فعالة و ايجابية، يؤدي إلى نتائج أفضل من العلاج الكلاسيكي السلبي، و مع ذلك فقد بقى مصير الفزع متأرجحا بين الإزمان و التدهور أو التخفيف الجزئي؛ مع بقاء آثاره بدرجات متفاوتة.

2 - تساعد العقاقير المهدئة كثيرا على ضبط و تخفيف الخوف قبل

ص: 115

حدوثه خاصة إذا ما اضطر المريض إلى ممارسة التجربة التي يخاف منها، و المهدئات التي يمكن استعمالها هي: مركبات الفاليوم، الليبريوم، المبروباميت، السيرباكس.

3 - العلاج السلوكي:

تزداد نسبة العلاج السلوكي و خاصة، لأنّ هدف العلاج معين و محدود. و تدل النتائج الأولية على أن نسبة مشجعة من النجاح نتجت عن العلاج السلوكي. و لو فرضنا أن مريضا يخاف من الأماكن و الساحات المكشوفة الواسعة فإنّ خطة العلاج السلوكي هي: أن نتدخل في المنعكس الشرطي الحالي و نبدل منه بالوسائل الفسلجية العصبية، أي باطفاء هذه الصلة فنجعل المريض في حالة تقبل و استرخاء، ثم ندفعه تدريجا إلى الأماكن الواسعة و نوحي له و نشجعه، و بالتكرار و المثابرة، إلى أن يجد نفسه يوما و قد رضي بوجوده في مكان مكشوف دون أن يتوق عنده رد فعل الخوف.

ص: 116

أسباب الأمراض

قال الإمام علي عليه السّلام:

«و داؤك منك و ما تشعر»(1).

ص: 117


1- ديوان الإمام علي عليه السّلام ص 179.

ص: 118

الإنسان بطبيعته و تركيبه الفسيولوجي و الباثولوجي معرّض للإصابة بالأمراض المختلفة. هذه الحقيقة ناجمة من تواجده داخل المجتمع، حيث الإختلاط مع الناس و التماس مع الطبيعة.

الأمراض التي تصيب الانسان إما عضوية تصيب الأعضاء و الأنسجة حينما يتعرض إلى العوامل المرضية كالفيروسات و البكتريا و غيرها؛ أو نفسية نتيجة الضغوط و العوامل المالية و العائلية و الاجتماعية، أو بيئية نتيجة العمل اليومي و وجوده في بيئة غير صالحة أو موبوءة.

الأمراض العضوية يصاب بها الإنسان حين التعرض المباشر للعوامل المرضية، أو بسبب الإهمال و عدم الاهتمام بالنظافة الشخصية و العامة، كعدم تناول الغذاء الجيد، و اللباس النظيف، و السكن الملائم، مما يؤدي إلى الإصابة بالأمراض المختلفة.

العوامل البيئية التي تؤثر على الإنسان نتيجة العمل المجهد الذي لا يتلائم مع طاقته و قابليته بسبب ضعف البدن و العمل المتواصل هي من العوامل المهمة في حياة الإنسان المعاصر.

أما الأمراض النفسية فهي موجودة منذ خلق اللّه قابيل و هابيل، لكنها صارت اليوم كثيرة و متنوعة، و أصبحت سمة من سمات العصر الحاضر، الذي تميز بتعقد الظروف الإجتماعية التي تعيشها الأغلبية داخل التجمعات البشرية المعقدة، التي تكثر فيها المشاكل العائلية و الإجتماعية، و تلعب المادة دورا رئيسيا في حياتهم و أفكارهم، مما أوجد ضغوطا نفسية متفاوتة القوة، أدت في نهاية الأمر إلى إصابة الإنسان بأمراض نفسية و روحية تتناسب طرديا مع شدة الحدث، و قوة المؤثر و قابلية التحمل و الصمود لدى

ص: 119

الأشخاص المصابين.

عصرنا الحاضر، عصر الثورة الصناعية و التكنولوجيا الحديثة، عصر الصراع المادي و الركض بلا وعي وراء المال و الشهوات يزخر بملايين الناس المصابين بمختلف الأمراض النفسية التي أوجدناها باعمالنا و كوناها بأنفسنا و صنعنا منها معضلة غير قابلة للحل.

البيئة البشرية و ما تضمه من حشرات، و نباتات، و حيوانات، و مياه، و سكن، عامل مؤثر في حياة الإنسان اليومية. فتواجده في بيئة غير صحية يؤدي إلى الإصابة بالأمراض، ناهيك عن أن العمل في بيئة صناعية ملوثة بالمواد الكيميائية و الفيزيائية، أو العمل في ظروف و مناخ غير ملائم كالحر و البرد الشديد، أو محيط ملوث بالاتربة و الغبار المتطاير و الذرات الصناعية الثقلية، و السكن في مناطق مزدحمة و من دون تخطيط، يعرّض الإنسان للإصابة بالأمراض العضوية الصعبة العلاج، كأمراض السيليكات و الإسبستوز، إضافة إلى الأمراض النفسية و الإخلاقية التي تحدث نتيجة الاختلاط و الازدحام و وطأة العمل المجهد.

البخل و ترك العناية بتناول الغذاء الجيد، و أهمال النظافة العامة و الجسمية، و أهمال النصائح الطبية و الارشادات الصحية، و الاختلاط مع المرضى المصابين بأمراض معدية، يؤدي في نهاية المطاف إلى العدوى و الاصابة بالأمراض.

و على العكس فإنّ بعض الناس يصابون بأمراض القلب و الكبد و المعدة و الأمعاء و الكلى؛ بسبب الإفراط في تناول الطعام كما و كيفية.

أما الإدمان على المخدرات و المشروبات، و سهر الليالي و لعب القمار، فنتائجه معروفة عند الجميع، و لا أظن أحدا ينكر ما يؤول له

ص: 120

الانزلاق في مستنقع الفواحش، حيث الأمراض الزهرية المعدية و ما تجلبه من ويلات بالأخص حين الإصابة بمرض الأيدز.

البعض من الناس - بسبب الجهل أو العناد - يتهاونون في متابعة المرض بل و حتى تناول العلاج، مما يسبب مضاعفات خطيرة على حياتهم.

الفقر الذي يحدث في المجتمع نتيجة التسلط و الظلم الإجتماعي، و غياب العدالة و الايمان، عامل أساسي في انتشار الأمراض و الأصابة بها.

الاختلاط مع الحيوانات في الريف أو حقول التربية، أدى إلى إصابة الكثيرين بالأمراض المشتركة التي تصيب الحيوان و الانسان، و ما مرض جنون البقر الذي يعصف في اوربا و العالم إلاّ مثال حي على ما نقول.

ظاهرة بيئية خطيرة برزت في العصر الحاضر، هي ازدياد كمية و حجم الغازات السامة؛ الناتجة من مخلّفات المواد الصناعية و المعامل، و استعمال المبيدات الحشرية بكميات كبيرة، مما أدى إلى تكوّن الأمطار الحامضية، و ما نتج عنها من قتل ملايين الأشجار و دمار المزارع و الغابات، و تشقق طبقة الأوزون التي تحيط بالكرة الأرضية، و التي أدت إلى ارتفاع درجة حرارة الكرة الأرضية. إنّ هذه الظاهرة تحولت إلى كارثة بيئية خطيرة، أثرت على الانسان، و الماء، و الحيوان، و النبات، و البكتريا، و الفيروسات، حيث تحولت بعض الفيروسات و البكتريا من حالتها اللامرضية الساكنة إلى موجودات مهاجمة و مرضية.

الحوادث الطبيعية كالزلازل و الفيضانات، و العواصف و الجفاف، يرافقها كالعادة شيوع مختلف الأمراض.

التحلل الأخلاقي الخطير، و المتفشي في العديد من بلدان العالم،

ص: 121

أدى إلى ازدياد الجرائم الجنسية كالاغتصاب و الاعتداء، و ازدياد حالات الطلاق، و العلاقات الجنسية الغير مشروعة و ما رافقها من أمراض زهرية معدية.

الحروب و ويلاتها التي نشبت و تنشب بين الحين و الآخر في مناطق عديدة من العالم، و ما يرافقها من أمراض عضوية و نفسية و عاهات دائمة مؤذية لها مردودات و تأثيرات سلبية و كثيرة على المجتمعات.

اما استعمل الأسلحة الكيمياوية و القنابل الذرية و العنقودية و قذائف اليورانيوم فتأثيرها معروف لدى الجميع؛ فاما أن يكون ذا مدى قصير أو طويل، و اضرارها تشمل الرجال و النساء و الأطفال، و حتى الحيوان و النبات، و لسنين عديدة.

الدكتاتوريات و ما يرافقها من إرهاب و سجن و قتل و تعذيب لمختلف طبقات الناس بل و حتى الشعوب المجاورة؛ المبادئ الهدامة و الأفكار الملحدة و الشاذة، و ما تجلبه من دمار للأفكار و المبادئ، و من ويلات و انقلابات، و مشاجرات و سجون و اغتيلات لها آثار سلبية كبيرة على صحة الكثير من الناس.

أما الركض وراء المادة و جعلها هدفا فهو من أشد الأخطار، لأن حب الدنيا رأس كل خطيئة، و من عشق المادة و أحبها فعل المستحيل للحصول عليها.

إن التمسك بالدين، و ما يرافقه من استقرار روحي و نفسي، له فوائد عائلية و إجتماعية لا تحصى، و بالعكس فإنّ الابتعاد عنه سيوقع الإنسان في مشاكل إجتماعية و نفسية و صحية، و صدق اللّه العظيم: ذٰلِكَ بِمٰا قَدَّمَتْ

ص: 122

أَيْدِيكُمْ وَ أَنَّ اَللّٰهَ لَيْسَ بِظَلاّٰمٍ لِلْعَبِيدِ. (1)

الإمام علي عليه السّلام الذي هو كنز العلوم الإلهية و النبوية، يدرك هذه الحقائق و ما يترتب عليها من آثار صحية مضرة و مؤذية للانسان ذو الطاقات المحدودة؛ لذلك نراه يؤكد في هذا الشطر من الشعر على نقطة مهمة و هي: أن أغلب أمراض الإنسان هي من صنع يده، و من ام أفكاره المنحرفة و البعيدة عن الإيمان، و هي التي أوصلته إلى هذه الحالة المزرية و المؤذية للروح و البدن.

و اليوم و بعد مئات السنين، يؤكد الباحثون و أطباء علم النفس على أن أغلب الأمراض العضوية هي وليدة الضغوط النفسية التي يعاني منها الإنسان؛ و التي ما زالت تهجم عليه بقوة و شراسة، جراء المعاناة اليومية و المشاكل الإجتماعية المستمرة و المتواصلة، و هذا ما نشاهده اليوم من خلال ملايين المرضى الذين يعانون من الأمراض النفسية المختلفة.

ص: 123


1- سورة الأنفال، الآية: 51.

ص: 124

علم المناعة

اشارة

قال الإمام علي عليه السّلام:

«دواؤك فيك و ما تبصر»(1)

ص: 125


1- ديوان الإمام علي عليه السّلام ص 179.

ص: 126

بعد أن أوضح الإمام علي عليه السّلام بصورة جلية و ناطقة، بأن أغلب الأمراض التي تصيب الإنسان هي من صنع يده و أفكاره و تصرفاته

(و داؤك منك و ما تشعر)؛ ركز هنا بكلمات إعجازية و حروف نورانية و قوافي شعرية تسطع كضوء الشمس في وضح النهار على اهمية الموضوع. كلمات تحاكي و تساير و تؤيد العلوم الطبية العصرية، و تتماشى مع العظمة الالهية و الحكمة الربانية التي خلقت الإنسان في أكمل و أحسن تقويم؛ و زودته بما يحتاج من دفاعات ضروية و مقاومات لازمة حيوية، ليكون في وقاية بدنية من المسببات المرضية، و ليصبح في حصانة من الاصابة بالأمراض العضوية و النفسية.

كلمات بدأت تظهر معالمها العلمية، و تعرف حقيقتها الإعجازية بعد مرور مئات السنين، عند ما تقدم العلم و البحث العلمي الذي كشف لنا الكثير من حقائق و أسرار الخلقة البشرية، التي لا يعرفها بالكامل إلاّ اللّه و الراسخون في العلم و منهم سيدنا و مولانا الإمام علي عليه السّلام الذي أراد منا بشعره هذا أن يبين لنا جزء يسيرا من العظمة الألهية التي لم تترك الإنسان سدى أو فريسة سهلة أمام الأعداء المرئيين و غير المرئيين؛ الذين يجلبون الأمراض و يسببون المرض.

أنواع المناعة:

1 - مناعة طبيعية وجدت في الإنسان منذ خلّقه.

2 - مناعة مكتسبة، و هي على نوعين:

أ - مناعة مكتسبة نتيجة الاصابة بالأمراض، كالجدري، و السعال

ص: 127

الديكي، و الحصبة، و الحصبة الألمانية، و النكاف، و غيرها.

ب - مناعة مكتسبة عن طريق إعطاء اللقاحات اللازمة للأطفال منذ الولادة و حتى دخلوهم المدارس؛ و هي لقاحات متعددة، تعطى وفق جدول مدروس و معين، كاللقاح الثلاثي، و شلل الأطفال، و السل، و الدفتريا، و السعال الديكي، و الگزاز، و التهاب الكبد الفيروسي.

إن الإنسان مزود بدفاعات خارجية، أو ما يسمى بخط الدفاع الأول الذي يتكون من:

1 - شعر الجسم بأنواعه و مواقعه المختلفة، كشعر الرأس و الأذن و الأنف و البدن و اللحية و الشارب. هذا الشعر لم يخلقه اللّه عبثا و لم ينبت في تلك المواقع إلاّ لعلة، كالمحافظة على درجة حرارة البدن و دفع الميكروبات و شل حركتها.

2 - عرق البدن. إن وجود ملايين الغدد العرقية هو لحفظ حرارة البدن أولا، و المساهمة في إيجاد محيط حامضي على طبقة الجلد، تمنع تكاثر الميكروبات و الفايروسات و تحبط محاولتها لدخول البدن بسهولة.

3 - دمع العين، و يستفاد منه لحفظ العين من التيبس نتيجة انفتاح الأجفان، كذلك المحافظة على العين في شل فعالية بعض الميكروبات، إضافة إلى ترطيب الأنف أثناء دخول الهواء إلى الرئتين.

4 - لعاب الفم: إن إفرازات الغدد اللعابية يستفاد منها في تسهيل عملية المضغ و البلغ؛ و كذلك مقاومة بعض الميكروبات و شل فاعليتها.

5 - شمع الأذن، يحافظ على رطوبة الأذن الخارجية و نعومتها، و منع السوائل من التجمع داخل الأذن، كذلك يحافظ على رطوبة و مطاطية طبلة الأذن و يمنع تمزقها حينما تتعرض لأصوات مؤذية و قوية، كما أنه عامل

ص: 128

مهم و مفيد في قتل الميكروبات و الحشرات الداخلة إلى الأذن الخارجية.

6 - حموضة المعدة، تساعد على هضم المواد البروتينية الداخلة إليها، كما و انها تقتل و تشل فعالية بعض الميكروبات الداخلة مع الماء و الغذاء.

7 - العضلات القابضة، تمثل نقاط حراسة فعالة تمنع دخول الأعداء إلى جسم الإنسان كعضلات البلعوم، و الإحليل، و المهبل، و فتحة الشرج، و غيرها.

8 - الشعيرات الميكروسكوبية الموجودة في جدار القصبة الهوائية، تساهم بفعالية في طرد الأجسام الغريبة الصغيرة و الميكرويات الداخلية مع الهواء.

9 - بعض الميكروبات يتم طردها و طرحها مع الفضلات و السموم الخارجة من البدن عن طريق البصاق و البول و البراز.

في حالة فشل تلك الدفاعات الفسيولوجية و الميكانيكية في طرد و مقاومة و قتل المسببات المرضية تبرز الأعراض التالية؛ و التي هدفها تنبيه الإنسان بأنّ حالته الصحية في خطر، و أن على دفاعات و جيش خط الدفاع الثاني التدخل قبل استفحال الأمور و حصول المرض؛ و هذه الأعراض عبارة عن:

1 - إرتفاع في درجة الحرارة.

2 - آلام في مناطق معينة أو متعددة في الجسم.

3 - عدم الشهية.

4 - التقيء أحيانا.

5 - الإسهال في بعض الحالات.

ص: 129

6 - دوران في الرأس و فقدان السيطرة بعض الأحيان.

7 - زيادة في سرعة التنفس.

8 - زيادة في عدد ضربات القلب أو عدم انتظامها في بعض الأحيان.

كما ذكرنا في حالة فشل خط الدفاع الأول يتدخل خط الدفاع الثاني الموجود داخل الجسم، و المتأهب دائما و بسرعة للدفاع و الهجوم، في جميع حالات دخول العناصر المسببة للأمراض إلى داخل الجسم. و يتكون خط الدفاع الثاني من:

أ - جهاز المناعة الطبيعي:

تتواجد عناصر هذا الجهاز بصورة طبيعية داخل الجسم سواء في الحالات المرضية و غير المرضية، و الخلايا اللمفاوية تعتبر العناصر الأساسية لهذا الجهاز. يملك هذا الجهاز قدرة واضحة لإنتاج المضادات الموجهة ضد ملايين العوامل الأجنبية المختلفة التي تهاجم و تغزو الجسم.

مكونات هذا الجهاز عبارة عن:

1 - الخلايا الآكلة للميكروبات:

عند ما يدخل فيروس أو جرثوم أو بروتين أجنبي إلى داخل الجسم يتم ابتلاعه من قبل البالعات الكبيرة و يتم هضمه جزئيا.

2 - الخلايا القاتلة للميكروبات:

تسمى أحيانا الخلايا غير B و غير T . هذه الخلايا هي خلايا لمفاوية كبيرة تؤلف (10-15) في المائة من الخلايا وحيدة النواة الجائلة في الدم؛ تقوم هذه الخلايا بقتل العناصر الداخلة دون أي سابق معرفة بها و دون مساعدة مستضدات التوافق النسيجي الأساسي؛ و لها دور فعال في تدمير

ص: 130

الخلايا ذات القدرة التكاثرية الخبيثة؛ و بالتالي تساعد في منع تطور الأورام السرطانية بسرعة؛ كما و انها تهاجم الفيروسات، و تملك مستقبلات تسمح بقتل الفيروسات المغلّفة بالأضداد.

3 - العوامل المتممة: و هي عنصر مهاجم يتكون من (20) مادة بروتينية تتحد مع بعضها لقتل و مقاومة الميكروبات. و هي عبارة عن إنزيمات بلازمية، و قد تم تمييز عدة إنزيمات و ثلاث بروتينات في هذا الجهاز.

4 - اللمفوكنيات و السيتوكينات:

إنّ اللمفاويات و البالعات الكبيرة، و أحيانا الخلايا البطانية و الدبقية، و بعض أنواع الخلايا الأخرى، تقوم بإفراز العديد من الوسائط الكيميائية الشبيهة بالهرمونات التي تؤثر على الاستجابة المناعية. إن الوسائط التي تفرزها اللمفاويات تسمى عادة اللمفوكينات، و لكن بما أنها تفرز من خلايا اخرى أيضا لذلك يفضل تسميتها بالسيتوكينات. هذه الوسائط الكيميائية لها دور فعال و كبير ضد الفيروسات و عامل مساعد للخلايا الأكلة و القاتلة.

ب - جهاز المناعة المتكيف(1):

يدخل هذا الجهاز ساحة المعركة، في حالة فشل جهاز المناعة الطبيعي في صد و مقاومة المسببات المرضية؛ و يعمل كالآتي:

1 - يقوم بصنع عاجل و سريع للمضادات المناسبة للمسبب الداخل، حيث يقوم بدفع كميات ملائمة و مناسبة لقوة الأعراض و المسبب في محاولة لزيادة المقاومة أمام الغزاة و القضاء عليهم، و هي أنواع متعددة منها:

IgG،Igm،IgA،lgE

ص: 131


1- Davidson's principles and practice of medicine

2 - تندفع خلايا الجهاز اللمفاوي بسرعة خارقة، و تدخل ساحة المعركة بكميات هائلة و أنواع خاصة قادرة على شل و قتل الميكروبات الداخلة؛ و تتألف من عدة أنواع:

أ - الخلايا العادية.

ب - الخلايا المتحولة وفق نوع و خاصية الميكروب المسبب.

ج - الخلايا المتطورة، و تمثل الجهاز الصاروخي في الجيوش الحديثة، و هي أنواع منها خلايا T ، و خلايا B .

و لكن إذا فشلت جميع دفاعات الجسم في صد و مقاومة العدو الغازي، و بدأت الأعراض المرضية بالظهور، و صار المريض يعاني من الآلام و ارتفاع الحرارة و المضاعفات، تتدخل قوة الإحتياط الضاربة أو الأدوية التي يصفها الطبيب وفق تشخيصه، و تتكون من الحبوب، و الأشربة، و الحقن العضلية و الوريدية، و التحاميل و الحقن الشرجية. و اليوم و بعد انتشار المختبرات الطبية و تعدد وسائل التشخيص؛ صارت الأدوية تعطى للمريض حسب نوعية الميكروب المشخص و حساسيته تجاه الدواء اللازم و بكميات مناسبة و ملائمة و كافية للقضاء عليه؛ علما بأن العلاج قد يستغرق مدة قصيرة أو طويلة، وفق قوة و كمية و نوعية و مقاومة الميكروب الداخل للجسم؛ فقد يستغرق العلاج سبعة أيام كما في التهاب اللوزتين، أو إسبوعين في حالة الإصابة بذات الرئة، أو 6-9 أشهر عند الإصابة بمرض التدرن، و هكذا حسب نوعية الاصابة.

إن ما استعرضناه في هذه الصفحات حول جهاز المناعة في جسم الإنسان هو مختصر المختصر؛ لأنّ علم المناعة هو من العلوم الحديثة المتطورة التي تدرّس في الجامعات الطبية العالمية؛ و له أساتذة و متخصصون. و صدق الإمام علي عليه السّلام حين قال: دواؤك فيك و ما تبصر.

ص: 132

العالم الأكبر

قال الإمام علي عليه السّلام:

«و تحسب أنّك جرم صغير *** و فيك انطوى العالم الأكبر»(1)

ص: 133


1- ديوان الإمام علي عليه السّلام ص 179.

ص: 134

الأجرام السماوية: كثيرة العدد، متنوعة الأحجام، منها المأهول بالبشر كالأرض، و منها غير المأهول، لكنها تتفق جميعا من حيث التكوين الإلهي و العظمة الربانية؛ بعجيب الصنع الذي يدل بلا ريب على عظمة الصانع و ابداع المكوّن.

الأرض بصغرها نسبة للكواكب و الأجرام السماوية الاخرى، تحوي و تتكون من ملايين التركيبات المادية، و أنواع المخلوقات الحياتية و مختلف النباتات و الأشجار و الفواكه ذات المذاقات المتعددة؛ تجعل الإنسان العاقل يقف بخشوع و إجلال لعظمة الخالق البارئ المصور، و يجزم بيقين بعظمة الكون و بداعته.

الإمام علي عليه السّلام الخازن و الحافظ لعلوم النبي الأكرم، عرف حقيقة الإنسان و ما أعطاه اللّه من عناصر و مكونات فاقت أكبر المخلوقات الاخرى؛ كالكواكب و الأجرام السماوية التي بهرت عقل الناظر اليها، فخاطبه بهذا البيت من الشعر الذي يحوي الكثير من المعاني و الآيات، لكي يتفكر ما بنفسه من معجزات رتبها و صورها اللّه في أحسن تصوير، معجزات فاقت التصور البشري، حتى أن العلم الحديث و ما يملكه من أجهزة متطورة لم يتوصل إلى معرفة كنه الإنسان، و صدق

الرسول الكريم حين قال: من عرف نفسه عرف ربه.

نعم، إن من يطلع على التكوين التشريحي و الفسيولوجي و الكيميائي، و ما أودع اللّه في الإنسان من أنسجة و اعضاء معقدة التركيب بعيدة التصور، سيخر ساجدا شاكرا للخالق العظيم، الذي لا تعد نعمه و لا تحصى، و يزداد يقينا و ايمانا و استقامة و تسليما للّه رب العالمين، إِنَّمٰا

ص: 135

يَخْشَى اَللّٰهَ مِنْ عِبٰادِهِ اَلْعُلَمٰاءُ . (1)

الإعجاز الذي نطق به الإمام قبل عدة قرون، بدأ العلماء يكتشفونه و يدركونه بعد سنين طويلة و جهود مكثفة من البحث و المتابعة؛ و لا يزالون يكتشفون كل يوم حقائق جديدة و مذهلة، حتى توصلوا أخيرا إلى اكتشاف ما أسموه بالخارطة الجنينية للأنسان؛ و التي تحتوي على أكثر من ثلاثين ألف جين. و مما زاد الأمر انبهارا و عظمة هو أن كل جين متخصص بعمل معين و وظيفة معينة؛ حيث يؤثر و يتأثر بالأمراض المختلفة التي عانى و يعاني منها الإنسان في الوقت الحاضر و المستقبل؛ ناهيك عن أن الخلية الانسانية بحد ذاتها هي عالم خاص، له مدير و ادارة و عمال و مراقبون، و حدود تراقب الداخل و الخارج و لا تسمح بذلك إلاّ بجواز رسمي موقع من إدارة الخلية، كما و انها تملك المولدات الكهربائية التي تزودها بالطاقة اللازمة. إما الدماغ و ما يحويه من مليارات الخلايا العصبية فهو عبارة عن عجينة ذات لون رمادي و أبيض لم يتعرف العلماء على حقيقته و كيفية عمله، و كيف تخصصت خلاياه للقيام بالأفعال و الأعمال العضوية و العاطفية المختلفة.

و الآن لو أردنا أن نشرح عمل كل خلية و نسيج و عضو و جهاز، لتطلب ذلك مجلدات لا تحصى. لذلك نكتفي بجرد بسيط لما يحويه جسم الإنسان من خصائص و وظائف و اعضاء فريدة في نوعها و تكاملها؛ و كيف أنها تشكل عالما كبيرا واسعا يفوق تصورنا و خيالنا. و بذلك نصل إلى نتيجة هامة و هي: أن الإنسان بحجمه الصغير يملك من الطاقات و الأجهزة و المعامل و الوظائف ملايين المرات أكبر و أكثر و أعقد من الأجرام السماوية المعروفة لدى الإنسان؛ و صدق اللّه العظيم في كتابه الكريم:

ص: 136


1- سورة فاطر، الآية: 28.

وَ فِي اَلْأَرْضِ آيٰاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَ فِي أَنْفُسِكُمْ أَ فَلاٰ تُبْصِرُونَ . (1)

و إليك ما في الانسان:

1 - يزن الإنسان المتوسط العمر و البالغ من الطول متر و 75 سم (70) كيلو غرام و مساحة بدنية حوالي (8، 1) متر مربع.

2 - يحتوي جسم الإنسان على الف ميلون مليون خلية.

3 - يقوم جسم الإنسان بالعمليات المختلفة التالية خلال اليوم الواحد:

أ - يأكل حوالي 3-4 أرطال من مختلف الأطعمة.

ب - يشرب ما يقارب 5، 1 لتر أو أكثر من السوائل.

ج - يتنفس (23000) مرة.

د - يدق قلبه (100000) مرة.

ه - يختزن في ذاكرته نصف مليون صورة جديدة.

و - يتخلص بوسائله المختلفة من اوقية من الأملاح.

ز - ينتج يوميا 240 * 10 كرية حمراء و أضعاف كمية الكريات البيضاء.

ح - يتنفس (425) قدما مكعبا من الهواء منها (85) قدم من الأوكسجين.

ط - يفرز (5، 1) لترا من اللعاب.

ك - يولد كمية من الطاقة تعادل الطاقة الناتجة من سيارة كبيرة.

ل - يتخلص من (5، 2) لتر من السوائل عن طريق البول و التعرق و التنفس و البراز.

م - يتخلص من (25، 2) رطل من غاز ثاني أوكسيد الكاربون.

ص: 137


1- سورة الذاريات، الآيات 20-21.

ن - يفرز الكبد يوميا لترا من المادة الصفراء.

4 - يستهلك جسم الإنسان من خلاياه حوالي (125) مليون خلية في الثانية الواحدة أي: بمعدل (7500) مليون خلية في الدقيقة الواحدة، و بنفس الوقت يتشكل و يتركب نفس العدد من الخلايا بصورة تقريبية.

5 - خلق الإنسان بأحسن الصور، فاليدان للعمل و الرجلان للوقوف و السعي، و العينان للاهتداء، و الفم للاغتذاء، و المعدة للهضم، و الكبد للتحويل و التصفية، و المنافذ لدفع السموم و الفضلات، و الأعضاء التناسلية لادامة النسل.

6 - شرايين الدماغ و الرأس و القلب و الكلية و الرئتين و العضلات تختلف من حيث التركيب و الوظيفة بعضها عن البعض الآخر.

7 - إن الشعر و الأظافر خالية من الحياة، لأن طولها سمج و قبيح، و يؤدي إلى القذارة و الاصابة بالأمراض، و قصهما حسن و جميل، و لو كانت فيهما حياة لآلم الإنسان قصهما.

8 - الأذن لا تسمع الذبذبات الصوتية التي هي أقل من (16) موجة في الثانية، و أكثر من (16) ألف موجة في الثانية، و هذه نعمة من اللّه، لأن الإنسان لو سمع جميع الأصوات الصادرة من مختلف الموجودات و الكائنات لأصيب بالخوف و الهلع و الإجهاد و الموت؛ و ذلك من شدة الضوضاء التي يتعرض لها.

9 - إن عدد ضربات القلب (76) ضربة في الدقيقة، و تصل بمعدل (10) ألف ضربة يوميا أي (40) مليون ضربة بالسنة أو ما يعادل (2000) مليون ضربة في الشخص المتوسط العمر.

10 - إن طي الركبة هو إلى الخلف، لكون الإنسان يمشي إلى الأمام فتعتدل الحركات، و لو لا ذلك لسقط في المشي، و القدم مقوسة لأنّ المشي

ص: 138

اذا وقع على الأرض بكامل القدم ثقل الجسم و تعب.

11 - جدار الأنف البسيط على الرغم من صغر مساحته و دقته و الذي يمر فيه الهواء ليل نهار بمعدل (20) مرة في الدقيقة، يعتبر من أدق و أفضل أجهزة التكييف الهوائي في العالم.

12 - المعدة تحوي (35) مليون غدة معقدة التركيب لأجل الإفراز، أما الخلايا الجدارية التي تفرز حامض الكلوريد، فتقدر بمليار خلية.

13 - الإنسان هو المخلوق الوحيد الذي انتصب بدنه قائما، و استوى جالسا.

14 - جعل اللّه العينين في الرأس، و لم يجعلها في مكان آخر، حفظا لها من الضرر، و ليتمكن الإنسان من مطالعة الأشياء بيسر و سهولة.

15 - الغدة النخامية التي تزن حوالي نصف غرام، و حجمها لا يتجاوز سنتمر مكعب، هي الغدة الام التي تدير و تسيطر على كافة الغدد الاخرى في جسم الإنسان.

16 - صوت الإنسان الذي تشترك فيه الحنجرة و اللسان و الشفتان و الأسنان، صفة خاصة بالإنسان لا يجاريه فيها مخلوق آخر.

17 - يوجد في العفج و الصائم (3600) زغابة في كل سنتمتر مربع لامتصاص الأغذية المهضومة، و في الدقاق (2500) زغابة، و ان تلك الزغابات أدق و أفضل من أحدث الكومبيوترات الحديثة، علما بأنّ طول الأمعاء الدقيقة ثمانية أمتار.

18 - إختص الإنسان بخاصية الحفظ و النسيان و الحياء و المنطق و الكتابة.

19 - إختصت المخلوقات بالأخص الإنسان السالم بخاصية توقف النمو عند حد معين؛ و لو لا ذلك لبرزت مشاكل عديدة، كذلك نراه يتوالد

ص: 139

ذكرا و انثى و لو كان غير ذلك لانقرض نسل الإنسان.

20 - إن التجاويف الموجودة في الرأس هي للموازنة و اتقاء الصدمات التي قد يتعرض لها الإنسان خلال حياته اليومية.

21 - إن في مخاطية الفم يتوسف (500000) خلية تعوض فورا، و ذلك كل خمس دقائق.

22 - اللسان يحوي (9000) حليمة ذوقية لتمييز الطعم الحلو و الحامض و المر و المالح.

23 - إن الشعر لحفظ الرأس و البدن من الحر و البرد.

24 - و إن الجبهة بدون شعر، لأنها مصب النور إلى العينين، و جعل فيها تجاعيد لمنع وصول العرق بسهولة إلى العينين، و إنّ الحاجبين مفرق العينين ليردو عليهما النور.

25 - إن الكربات الحمراء الوجودة في جسم الإنسان لو وضعت بجانب بعضها في صف واحد لأحاطت بالكرة الأرضية؛ أما مساحتها فتقدر ب (3400) متر مربع، و عددها خمسة ملايين كرية حمراء في كل (مليمتر مكعب) من الدم، و إنه يوجد في دم الإنسان الكامل (25) مليون المليون كرية حمراء لنقل الأوكسجين، و (25) مليار كرية بيضاء لمقاومة الجراثيم، و مليون مليون صفيحة دموية لمنع النزف داخل الأوعية الدموية في حالة النزف.

26 - و ان دفقة المني الواحدة عند الرجل تحوي ثلاثمائة مليون حيوانا منويا، و لا يتخلق الإنسان عند المقاربة إلاّ من حيوان منوي واحد يندمج مع بيضة واحدة من الأنثى.

27 - درجة حرارة الإنسان ثابتة بالرغم من ملايين الفعاليات المختلفة التي يقوم بها الإنسان؛ و هذا ما لا يوجد في أرقى الماكنات المصنوعة في العالم، حيث تتجاوز حرارتها حرارة جسم الإنسان أضعاف المرات بالرغم

ص: 140

من صغرها و عدم قيامها إلاّ بوظيفة واحدة فقط.

28 - لسان المزمار الصغير الحجم الكثير الفعالية، يعتبر من أمهر و أحسن و أعظم شرطي مرور في العالم.

29 - الكلية الواحدة بصغرها تحوي مليون وحدة وظيفية لتصفية الدم، تسمى النفرونات، و يرد إلى الكلية الواحدة في مدى (24) ساعة (1800) لتر من الدم، و يتم رشح (180) لترا منه ثم يعاد إمتصاص معظمه في الأنابيب الكلوية، و لا يطرح منه سوى (5، 1) لتر و هو المعروف بالبول، و يبلغ طول أنابيب النفرونات حوالي (50) كليو مترا، و ان الكلية الطبيعية بالرغم من صغر حجمها تقوم بمئات الوظائف، و لو أردنا أن نقوم بصنع كلية صناعية مماثلة، لتطلب منا مصانع كبيرة و كثيرة، تأخذ حوالي خمسة كيلو مترات مربعة من الأرض.

30 - الكبد بحجمه المعروف يقوم بأكثر من (600) عملية فيزيولوجية في اليوم.

31 - الأنف جعل وسط العينين ليقسّم النور إلى العينين بالتساوي، و أنّ ثقبه إلى الأسفل ليكون مصب الرواشح، و الشارب و الشفة لمنع نزول سوائل و روائح الأنف إلى الفم.

32 - العين لا توازيها أكبر و أحدث الكاميرات العالمية الموجودة، لأنها تصور ملايين الصور يوميا بدون صوت أو إزعاج و بمختلف الأحجام و الألوان، و ليس لها جهاز تحميض معقد، مثل الكاميرات الحالية.

العين الواحدة تحوي حوالي (140) مليون مستقبل ضوئي، و هي ما تسمى بالمخاريط و العصي. يبلغ عدد المخاريط في كل عين (7) ملايين، و عدد العصيات (130) مليون، مهمة الأولى الضوء المركز و الألوان، و الثانية الضوء الضعيف و العادي.

ص: 141

33 - القصبة الهوائية تتفرع إلى قصبات ثم قصيبات، و هكذا حتى تصل إلى فروع دقيقة على مستوى الاسناخ الرئوية. يبلغ عدد الأسناخ الرثوية حوالي (750) مليون سنخا، و كل سنخ يتمتع بغلاف رقيق و يتصل بجداره عرق دموي صغير يتم خلاله تبادل الغازات.

34 - تبدأ الأسنان بالتعظم في بداية الشهر السابع من عمر الجنين، و تبدأ بالظهور من الشهر الخامس أو السابع، و تسمى الأسنان اللبنية، و عددها (20) سنا، و تبدأ بالسقوط في بداية السنة السادسة و حتى الثالثة عشر، كي تسمح بنمو الأسنان الدائمية التي تعداها (32) سنا، و أقتضت الحكمة الألهية جعل تلك الأعداد ثابتة عند الصغار و الكبار.

35 - وزن القلب في الشخص المتوسط العمر و الوزن حوالي 312 غراما. و حجمه قبضة يد، تبلغ عدد ضرباته بصورة متوسطة (60-80) ضربة في الدقيقة الواحدة أي ينبض (40) مليون مرة في العام الواحد، في كل نبضة يدخل القلب حوالي ربع رطل من الدم، و يضخ في اليوم الواحد (2200) غالون من الدم و حوالي (56) مليون غالون على مدى الحياة.

36 - عمل عضلات الإنسان مجتمعة في اليوم يساوي ما حمولته (20) طن. يحوي جسم الإنسان حوالي (600) عضلة، و أكثر من (200) عظم. و تحوي العضلة المتوسطة الحجم على (10) ملايين ليف عضلي.

37 - زغابات المشيمة عند المرأة الحامل تفرش مساحة (160) قدم مربع و طول (30) ميل، و تعتبر مقرا لإفزاز العديد من الهرمونات، و ممصات الغذاء، و جهاز تصفية لأي مادة داخلة و خارجة.

38 - توصل العلماء إلى اكتشاف الخارطة الجينية للإنسان، و وجدوا أنها تحتوي على أكثر من ثلاثين ألف جين، و كل جين مسؤول عن عمل معين و صفة معينة و مرض معين.

ص: 142

39 - في الدماغ (13) مليار خلية عصبية و (100) مليار خلية دقيقة استنادية تشكل سدا لحراسة الخلايا العصبية من التأثر بأية مادة، و أنّ الخلايا العصبية في جسم الأنسان لو وضعت بصف واحد لبلغ طولها أضعاف المسافة بين الأرض و القمر.

40 - في عضو كورتي الذي يمثل شبكية الأذن يوجد حوالي (30) ألف خلية سمعية لنقل كافة أنواع الأصوات.

41 - في المبيض عند المرأة بويضات جاهزة تصلح كل واحدة أن تكون نصف إنسان، يبلغ عددها في المبيض الواحد (400000) بويضة و لا يفرز من هذه البويضات في كل دورة قمرية (28 يوما) سوى بيضة واحدة، و يتناوب المبيضان في الإفراز بالحالة الطبيعية.

42 - تحت سطح الجلد يوجد حوالي (5-15) مليون مكيف لحرارة البدن و المكيف هنا هو الغدة العرقية، لأنّ تبخر العرق من الجلد يمتص معه نسبة عالية من حرارة البدن و سطح الجلد الذي يبلغ 8، 1 متر مربع تتفاوت فيه الغدد العرقية قلة و كثرة، و مجموع أطوال أنابيب الغدد العرقية الموجودة تحت الجلد حوالي (4-5) كيلو مترات.

43 - لا يمكن أن تتشابه بصمات أصابع الإنسان حتى لو إجرى الاختبار على مليارات البشر، كما أن الوان و أصوات الناس تختلف فيما بينها. و حديثا تمكن العلماء من الوصول إلى حقيقة أنّ تركيب حامض D.N.A الموجود في خلايا الإنسان يختلف من فرد لآخر.

بهذه التركيبة العجيبة و المواصفات الغريبة التي ذكرناها تكوّن دماغ الإنسان أو عقله، و الشيء المدهش أن تلك الخلايا المتشابهة و المستقرة في أماكن خاصة، لها وظائف متباينة و متعددة تختلف من مجموعة إلى اخرى، فبعضها للسمع و البصر، و اخرى للنطق، و بعضها للسيطرة على الحركة

ص: 143

و الحس و الألم، و اخرى للفكر و العاطفة.

تعتبر الخلايا المختصة بالعاطفة من أعظم آيات اللّه الناطقة التي نفرّق فيها بين الحق و الباطل، الإيمان و الكفر، و العدل و الظلم، و الخير و الشر.

إنّ العقل البشري هو من أسمى المخلوقات التي منحها اللّه للإنسان، لأن أول ما خلق اللّه العقل، إستنطقه ثم قال له:

إقبل فأقبل، ثم قال له: ادبر فأدبر، ثم قال: و عزتي و جلالي ما خلقت خلقا هو أحبّ إليّ منك، و لا اكملتك إلاّ فيمن أحب، أما إني إيّاك آمر و إيّاك أنهى، و إيّاك أعاقب و إيّاك أثيب.

من ذلك تتضح عظمة العقل التي من خلالها عرف الإنسان ربه، و من عرف ربه عاش الحياة بسعادة و طمأنية، حيث القناعة و الايمان و العلم و الخير، و من سلك طريق العلم عرف نفسه و من عرف نفسه عرف بأنه أكبر و اسمى عند اللّه من بعض المخلوقات و منها الأجرام السماوية.

قال الرسول صلّى اللّه عليه و آله: «لكل شيء آله و عدّة، و إنّ آلة المؤمن و عدّته العقل، و لكل شيء مطية و مطية المرء العقل، و لكل شيء دعامة و دعامة الدين العقل، و لكل قوم غاية و غاية العباد العقل، و لكل قوم راع و راعي العابدين العقل، و لكل تاجر بضاعة و بضاعة المجتهدين العقل، و لكل أهل بيت قيّم و قيّم بيوت الصدّيقين العقل، و لكل خراب عمارة و عمارة الأخرة العقل، و لكل امرئ عقب ينسب اليه و يذكر به، و عقب الصدّيقين الذين ينسبون اليه و يذكرون به العقل، و لكل سفر فسطاط و فسطاط المؤمنين العقل»(1) و

قال الإمام علي عليه السّلام: «العقل غطاء ستير، و الفضل جمال ظاهر، فاستر خلل خلقك بفضلك، و قاتل هواك بعقلك تسلم لك المودة و تظهر لك المحبة»(2).

ص: 144


1- المحبة البيضاء في تهذيب الاحياء: ج 1 ص 172.
2- المحجة البيضاء في تهذيب الاحياء: ج 1 ص 173.

الحسد

اشارة

قال الإمام علي عليه السّلام:

«إنّ الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب»(1).

«صحّة الجسد من قلّة الحسد»(2).

«و لا تحاسدوا فإنّ الحسد يأكل الإيمان كما تأكل النّار الحطب، و لا تباغضوا فإنّها الحالقة»(3).

«حسد الصديق من سقم المودّة»(4).

«الحسود دائم السقم»(5).

«فأتّقو اللّه و لا تكونوا لنعمه عليكم أضدادا، و لا لفضله عندكم حسّادا»(6).

«الحسد حزن لازم، و عقل هائم، و نفس دائم، و النعمة على المحسود نعمة، و هي على الحاسد نقمة»(7).

ص: 145


1- شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد: ج 1 ص 317.
2- المصدر السابق: ج 19 ص 97.
3- المصدر السابق: ج 6 ص 354.
4- المصدر السابق: ج 19 ص 39.
5- غرر الحكم و درر الكلم للآمدي: ج 1 ص 85.
6- المصدر السابق: ج 13 ص 146.
7- المصدر السابق: ج 2 ص 267.

ص: 146

قال اللّه تعالى في كتابه الكريم: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ اَلْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مٰا خَلَقَ * وَ مِنْ شَرِّ غٰاسِقٍ إِذٰا وَقَبَ * وَ مِنْ شَرِّ اَلنَّفّٰاثٰاتِ فِي اَلْعُقَدِ * وَ مِنْ شَرِّ حٰاسِدٍ إِذٰا حَسَدَ. (1)

هكذا ورد الحسد في القرآن الكريم، و هو من الصفات المذمومة التي تتطلب من الإنسان التعوذ باللّه منها. يصاب الإنسان بالحسد نتيجة الحقد المكبوت الناتج من الغضب. الحسد له عواقب سيئة كثيرة على الحاسد و المحسود. و هذا المرض شائع بين الناس، لذلك

قال الرسول صلّى اللّه عليه و آله:

«ثلاث لا ينجو منهن أحد: الظنّ و الطيرة و الحسد»(2) و

قال الإمام علي:

«صحة الجسد من قلة الحسد»(3).

الحسد يؤثّر على الإنسان من وجهتين:

الاول الحاسد: قد يؤثر التفكير فيه نفسيا، و من ثم يؤثر عليه عقليا و جسديا كلما ازداد شدة الحسد، و كلما قل عادت له صحته البدنية و استقراره النفسي.

الثاني المحسود: قد يؤثر الحسد من خلال التأثير النفسي للحاسد تجاه المحسود و آخر الدراسات التي قام بها فريق من أطباء علم النفس في الولايات المتحدة الأمريكية أثبتت و أقرت بوجود تأثير الحسد على المحسود من خلال موجات خاصة تنتقل من الحاسد إلى المحسود بطرق مباشرة أو غير مباشرة حيث تؤثر على نفسية و صحة المحسود.

الانسان الحاسد قد تصل به الأمور إلى حسد نفسه بطريقة غير

ص: 147


1- سورة الفلق، الآيات 1-5.
2- كتاب ذم الحسد: لابن أبي الدنيا.
3- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 19 ص 97.

مباشرة، حيث يقول

الإمام علي عليه السّلام: «عجب المرء بنفسه أحد حساد عقله»(1).

الحسد كظاهرة قد تظهر بأحدى المظاهر الطبية التالية:

1 - حاد، حيث تظهر على الحاسد الانفعالات الداخلية الكامنة بصورة حادة، و يبدأ بالتعبير عن مكنوناته الداخلية بحالات غضب و كلمات جارحة، يرافقها تهديدات و توعدات في بعض الأحيان. هذه الحالة قد ترافقها أحداث اعتداء أو نوبات مرضية يصاب بها الحاسد.

2 - مزمن، تبدأ انفعالات الحسد بصورة تدريجية عند الشخص الحاسد، و تزداد بمرور الأيام، و لكنها لا تصل الصورة الحادة و لا ترافقها أحداث مهمة، و مع ذلك تؤثر على صاحبها بصورة تدريجية، و قد تجلب له المشاكل و الإصابة بالأمراض النفسية و العضوية.

3 - ظاهر أو مكشوف: في هذه الحالة تظهر علامات الحسد و الحقد و الغضب بصورة واضحة و جلية على الحاسد؛ و قد يعبّر عنها بعدم الخوف أو الحياء من الناس أو الشخص المحسود. و يكون الحاسد في هذه الحالة شخص فوضوي، عديم الحياء.

4 - مخفي: لا تبدو على الحاسد علامات الحسد بصورة جلية، لأنّ الحاسد في هذه الحالة إنسان ذكي أو ذو مكانة اجتماعية أو منصب حكومي؛ لذلك يبث حسده و كلماته بصورة ذكية أو مبهمة، لا تدل على مقاصده و نواياه، بالرغم من أنها ترضي أغراضه و حقده الكامن داخل عقله و فكره، و هذا النوع من الحسد أخطر من النوع الظاهر، لأنه يؤدي الغرض

ص: 148


1- نهج البلاغة: للامام محمد عبده ص 507.

المطلوب و لكن بذكاء و خبث. لذلك حذّر الرسول الكريم المسلمين من الحسد و سلوك هذا الطريق المهلك حيث

قال: «أخوف ما أخاف على أمتي أن يكثر لهم المال فيتحاسدون و يقتتلون»(1).

حقيقة الحسد

حقيقة الحسد(2)

لا حسد إلاّ على نعمة، فإذا أنعم اللّه على اخيك بنعمة فلك فيها حالتان:

أحدهما: أن تكره تلك النعمة و تحب زوالها، و هذه الحالة تسمى حسدا، فالحسد حدّه كراهة النعمة و حبّ زوالها من المنعم عليه.

الحالة الثانية: أن لا تحب زوالها و لا تكره وجودها و دوامها، و لكنك تشتهي لنفسك مثلها، و هذه تسمى غبطة، و قد

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «إنّ المؤمن يغبط و المنافق يحسد»(3).

الحالة الاولى: حرام في جميع الأحوال - إلاّ نعمة أصباها فاجر أو كافر و استخدمها في نشر الفساد و ايذاء الناس - و هي اعتراض على قضاء اللّه الذي فضل بعض عباده على بعض، و هذا الأمر واضح في كثير من آيات القرآن الكريم: إِنَّ اَللّٰهَ هُوَ اَلرَّزّٰاقُ ذُو اَلْقُوَّةِ اَلْمَتِينُ . (4)

و وَ اَللّٰهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلىٰ بَعْضٍ فِي اَلرِّزْقِ (5)

ص: 149


1- كتاب ذم الحسد: لابن أبي الدنيا.
2- بتصرف من كتاب المحجة البيضاء في تهذيب الإحياء: ج 5 ص 330.
3- الكافي: ج 2 ص 307.
4- سورة الذاريات، الآية 58.
5- سورة النحل، الآية: 71.

أسباب الحسد

أسباب الحسد(1)

1 - العداوة و البغضاء: و هو أشد أسباب الحسد، فإنّ من آذاه انسان بسبب من الأسباب، و خالفه في غرضه بوجه من الوجوه، أبغضه قلبه و غضب عليه و رسخ في نفسه الحقد، و الحقد يقتضي التشفي و الانتقام، فإن عجز المبغض عن أن يتشفى منه بنفسه أحبّ أن يتشفى منه بتغير الزمان.

2 - التعززّ: و هو أن يثقل عليه أن يترفع عليه غيره، فإذا أصاب بعض أمثاله ولاية أو علما أو مالا، خاف أن يتكبر عليه، و هو لا يطيق تكبرّه، و لا يسمح لنفسه باحتمال صلفه و تفاخره عليه.

3 - الكبر: و هو أن يكون في طبعه أن يتكبر عليه و يستصغره و يستخدمه و يتوقع منه الانقياد له؛ فإذا نال نعمة خاف أن لا يتحمل تكبرّه و طاعته، أو ربما التطلع إلى مساواته أو يصبح متكبرّا بعد أن كان متكبرا عليه.

4 - التعجّب: كما أخبر اللّه تعالى عن الأمم الماضية الذين قالوا:

وَ لَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخٰاسِرُونَ . (2)

تعجبوا أن يفوز برتبة الرسالة و الوحي و القرب من اللّه بشر مثلهم.

فحسدوهم و أحبوا زوال النبوة عنهم، جزعا أن يفضل عليهم من هو مثلهم في الخلقة، لا عن قصد تكبر و طلب للرئاسة و تقدّم للعداوة.

5 - الخوف من فوت المقاصد: و ذلك يختص بمتزاحمين على

ص: 150


1- بتصرف من كتاب المحجة البيضاء في تهذيب الإحياء: ج 5 ص 335.
2- سورة المؤمنون، الآية: 34.

مقصود واحد، فإنّ كلّ واحد منهما يحسد صاحبه في كل نعمة تكون عونا له في الانفراد بمقصوده؛ و من هذا الجنس تحاسد الضرّات في التزاحم.

على مقاصد الزوجية، و تحاسد الأخوة و التلاميذ.

6 - حب الرّئاسة و طلب الجاه نفسه، من غير أن يتوصل به إلى مقصود؛ كالذي يحب أن يكون لا نظير له في فن من الفنون.

7 - خبث النفس و شحّها بالخير لعباد اللّه، فإنّك تجد من لا يشتغل برئاسة و تكبر و لا طلب مال و لكن إذا وصف عنده حسن حال عبد من عباد اللّه فيما أنعم به عليه شقّ ذلك عليه؛ و إذا وصف له اضطراب امور الناس و إدبارهم و فوات مقاصدهم و تنغص عيشهم فرح به؛ فهو يحب الأذى لغيره و يبخل بنعمة اللّه على الأخرين.

دواء الحسد:

1 - العلم: و هو أن يعرف الإنسان أن الحسد يضره في الدنيا و الدين، و أن المحسود لا ضرر عليه، فإذا عرف الإنسان ذلك و تيقن من ضرره بعقل و بصيرة، فارق و ترك الحسد لا محال.

2 - العمل: و هو أن يجاهد الإنسان مع نفسه، و يصارع الأفكار و الوساوس التي تقوده إلى الحسد. فيمدح بدل الذم، و يتواضع بدل الكبر، و يعتذر بدل الجفاء. و هذه الأمور تتطلب مجاهدة النفس و قلع الحسد من القلب.

إن الروح و الجسد مرتبطان ببعض، و يؤثر كل منهما على الآخر، و أمراض الحسد مضافا إلى آثارها الروحية تؤثر على الجسد و تحرف صحة المصابين بها.

ص: 151

الآفات الطبية و النفسية للحسد:

1 - كثرة الشك.

2 - زيادة الهم.

3 - سرعة الغضب.

4 - الإصابة بالأرق.

5 - شيوع ظاهرة الخوف.

6 - إضطرابات الجهاز الهضمي، كالتهاب المعدة و القولون و الإسهال و التقيء.

7 - الإصابة بمرض السكر.

8 - الإصابة بضغط الدم.

9 - ضعف الإعصاب و ارتعاش اليدين.

10 - بروز ظاهرة القلق.

11 - التعرض للإصابة بالأمراض العضوية المختلفة.

12 - الإصابة باضطرابات في الجهاز التنفسي كالحاسية و ضيق القصبات.

13 - إنعدام الشهية.

14 - التعرق الكثير.

15 - إزدياد ضربات القلب.

16 - الإصابة بمرض الكآبة.

17 - الإصابة بمرض الأنا (الأنانية).

18 - الإصابة بالهستريا.

ص: 152

الآفات الاجتماعية للحسد:

1 - ضعف الرابطة العائلية.

2 - صعف الرابطة الاجتماعية.

3 - النفرة من الناس و المجتمع.

4 - طغيان روح البغضاء.

5 - شيوع حالة الحقد.

6 - الاستعداد لارتكاب الجرائم.

7 - حب إشاعة التهم ضد الأخرين.

8 - محاربة ذوي الثروة و المنصب.

9 - الفرح و الشماتة عند نزول المصائب على الآخرين.

10 - طغيان نزعة الشر.

11 - محضر السوء.

12 - قصر العمر، نتيجة الهم و القلق.

13 - ممارسة و تشجيع الغيبة.

14 - ضعف العقيدة الدينية.

15 - البخل و عدم القناعة.

ص: 153

ص: 154

الصحة العامة

اشارة

قال الإمام علي عليه السّلام:

«و كأنّي بقائلكم يقول: إذا كان هذا قوت ابن أبي طالب، فقد قعد به الضّعف عن قتال الأقران و منازلة الشّجعان! ألاّ و إنّ الشّجرة البرّيّة أصلب عودا و الرّواتع الخضرة أرقّ جلودا و النّابتات العذية أقوى و قودا و أبطأ خمودا»(1)

ص: 155


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 16 ص 289.

ص: 156

اثبتت الدراسات العلمية و البحوث الأكاديمة، التي قامت بها المنظمات الدولية و الأواسط الصحية؛ بأن الصحة العامة و الصحة الفردية تتطلب وجود أجواء صحية و بيئية و روحية خالية من الملوثات و الأمراض العضوية و النفسية. الدراسات أكدت على ضرورة كون تلك الأجواء ذات هواء طلق، نقي خالي من الغبار و الأتربة و سائر الملوثات الاخرى؛ و يحوي كمية كافية من الأوكسجين اللازم لفعالية البدن. و لا ننسى أن الأشجار و المزارع لها تأثير على كمية الأوكسجين المتواجد بالأجواء، إضافة إلى الناحية الجمالية و البيئية، و ما لها من تأثيرات روحية و نفسية على الإنسان الذي يعيش تلك الأجواء الخضراء الجميلة.

إن توفر الغذاء الصحي المتوازن و الخالي من الميكروبات مع محيط عائلي و اجتماعي هادئ و مريح، يجعل الأعصاب هادئة و النفس مطمئنة، علما بأنّ تلك الشروط و المتطلبات لا تتوفر في المدن المزدحمة الملوثة بأنواع و اشكال الملوثات، على العكس من الريف الذي يتمتع بتلك الأجواء و المؤهلات.

إن وجود الإنسان في أجواء الريف الطلقة يمنحه القوة و السلامة، و هدوء الفكر و المزاج، و قوة الأعصاب، و القدرة على العمل و الإنتاج، و مقاومة التقلبات الجوية و الأمراض المعدية، و التعايش مع العوامل و المؤثرات الطبيعية، لذلك نراه طويل العمر، سليم البدن، هادئ الطبع، يتعامل بروح الأخوة و المسامحة. و بالعكس فإنّ الإنسان الذي يعيش أجواء المدن الغير صحية حيث التلوث و الضوضاء، و الميكروبات، و هموم الدنيا، و حب المال. يصبح آلة محطمة منهكة الأعصاب، ضعيفة البنية، قليلة

ص: 157

الصمود و المقاومة، أمام الميكروبات و العوامل النفسية. الإمام علي عليه السّلام المؤيد من اللّه و الرسول يشهد له التاريخ الإسلامي بقوة الروح و البنية، و شدة المراس و الشجاعة التي أنست من قبله و بعده، ما صارع أحد إلاّ صرعه، و ما برز اليه شجاع إلاّ قتله، بالرغم من بساطة طعامه و شرابه. كان قوي الإيمان، زاهدا في دنياه، يكتفي بالقليل من الطعام، كما شهد له بذلك أعداؤه و احباؤه.

الإمام في كلامه الجميل أراد أن يوضح لنا قاعدة صحية مهمة جدا في حياتنا الحاضرة و المستقبلية؛ قاعدة تحفظ الحياة، و تبعد الإنسان من شر الأمراض و هموم النفوس، و العصبية و الغضب، لذلك شبه الإنسان الذي يعيش حياة الريف، حيث الهواء النقي و الحياة البسيطة الخالية من العقد و المشاكل بالشجرة البرية، و هذا التشبيه هو كناية علمية رائعة لصلابة و قوة العود، و طول العمر و الصمود أمام التقلبات الجوية و البيئية، أما الإنسان الذي يعيش في أجواء غير صحية، مؤذية، مؤلمة محفوفة بالمخاطر و المشاكل، فإنه يعيش بالرغم من توفر الطعام و الماء الكثير، كالأشجار و الرواتع الخضراء، التي لا تتحمل العواصف و الرياح و الجفاف و الحرارة و البرد و الثلوج و الأمطار؛ لكونها عاشت حياة النعيم و الراحة، و لم تعتاد أو تقاسي من تلك المؤثرات التي تكسبها القوة و المناعة و المقاومة. هذا التشبيه الواقعي هو من روائع الإمام في البلاغة و البيان و التعريف، و هو يحاول تقريب القضايا العلمية و العملية إلى عقول الناس في ذلك العصر و العصر الحاضر، حقيقة يتقبلها كل ذي عقل مفتوح و عين بصيرة.

و الآن و قبل البحث عن عناصر و متطلبات الأجواء الصحية السليمة، التي يسعى إليها الإنسان لسد متطلباته الجسمية و العقلية، لا بدّ لنا من القاء

ص: 158

نظرة بسيطة على جهاز الدورة الدموية و الرئة، و كيف يعملان معا لتزويد الخلايا و الأنسجة و الأعضاء بالاوكسجين اللازم لإدامة الفعالية.

جهاز الدورة الدموية يقسم إلى أربعة اقسام:

1 - القلب: و هو الماكنة المحركة للدورة الدموية.

2 - الشرايين: و هي الأنابيب أو الأوعية الدموية التي يجري فيها الدم من القلب إلى الأنسجة و الأعضاء.

3 - الأوردة: و هي الأنابيب الدموية التي تستقبل الدم من الأنسجة و الأعضاء عن طريق الأوعية الشعرية و تجمعه ليرسل إلى القلب.

4 - الأوعية الشعرية: عبارة عن أنابيب دقيقة جدا و تعد بالمليارات، و هي الواسطة بين الأنسجة و الشرايين و الأوردة.

قلب الإنسان يعمل بانتظام طيلة حياته، فيتقلص و ينبسط ما يقارب (72) مرة بالدقيقة الواحدة في الإنسان المتوسط العمر و الجسم؛ و يسيطر على القلب جهازان عصبيان:

الأول: العصب السمبثاوي المتفرع من الجهاز السمبثاوي، للإسراع.

و الثاني: العصب العاشر أو التائه، للإبطاء.

الدورة الدموية تمثل جهاز المواصلات في الجسم، حيث توصل إلى كل خلية فيه ما يحتاجه من مواد غذائية؛ و تأخذ منه ما ينتج من رواسب و مواد محترقة و نفايات و ثاني أوكسيد الكاربون.

جسم الإنسان يأخذ غذاءه و متطلباته من الخارج عن طريق جهاز الهضم و التنفس، و تقوم الكريات الحمراء و البيضاء بوظيفة النقل و الايصال.

إن من خواص شرايين جسم الإنسان، التمدد و التقلص وفقا لفعالية

ص: 159

جسم الإنسان و متطلبات جسمه الضرورية؛ و كذلك تعرضه للحرارة و البرودة، حيث أن الشرايين تتسع و تنقبض تلقائيا وفق ما يتطلبه الموقف، للمحافظة على درجة الحرارة الطبيعية للجسم.

الأوعية الشعرية لا تختلف من تركيبها اختلافا كبيرا؛ لكنها تختلف في وظائفها حسب اماكن وجودها فالأوعية الشعرية في الرئتين تأخذ و تعطي و تتبادل الغازات (الأوكسجين و ثاني أوكسيد الكاربون و النيتروجين) دون غيرها من سائر الأوعية الشعرية. أما الأوعية الشعرية في الكليتين، فهي تصفي الرواسب و السموم و الفضلات التي في الدم و تطرحها مع الماء بشكل بول فينزل إلى المثانة. الأوعية الشعرية في الغدد الصماء تزود الغدد بما تحتاج من مواد غذائية و اوكسجين.

هذا في الحالات العادية، أما في حالة إصابة الأوعية الدموية بمرض تصلب الشرايين، فإنّه يشاهد على سطحها الداخلي نتوءات و ارتفاعات صغيرة، صلبة؛ ناتجة عن تراكم مواد دهنية و كلسية تضيق مجرى الوعاء، بحيث تصبح عائقا للدورة الدموية فيه؛ هذه النتؤات الكلسية تخرب الجدار و تؤدي إلى فقد مطاطيته (أي قابلية الأنقباض و الأنبساط)، و هكذا تصبح الشرايين المصابة متسعة أكثر من المعتاد، لأنها فقدت مطاطيتها مما أدى بها إلى أن تطول. القلب يحاول التغلب على هذه المشكلة بزيادة ضخ الدم مما يؤدي أحيانا إلى انفجار الشرايين المتصلبة.

تصلب الشرايين قد يكون عاما يشمل جميع شرايين الجسم، أو يكون مقتصرا على شرايين أجزاء من الجسم، كالقلب و الدماغ و الرئتين.

أما أسباب تصلب الشرايين فهي كثيرة: منها ميكانية كمرض إكتظاظ الدم، و كيميائية كالكحول و النيكوتين و غذائية كأكل الشحوم بكثرة.

ص: 160

التنفس و الرئة و حركتهما يعتبران الآلة المحركة الثانية للدورة الدموية بعد القلب، كما أن التنفس الصحيح يزيد في تغذية القلب و يرفع طاقته بمقدار 25.

التنفس ينقسم فسيولوجيا إلى دورين متعاقبين، يعملان بصورة اوتوماتيكية. الدور الأول: حيث يدخل الهواء إلى الصدر و يسمى الشهيق، و الثاني: حيث يخرج الهواء من الصدر و يسمى الزفير. و الشرط الصحي للشهيق يجب أن يتم عن طريق الأنف، الذي يحتوي على الرطوبة اللازمة و مكيفات الهواء الخاصة بتعديل درجة حرارة الهواء المستنشق؛ كي يصل الرئة و هو دافئ و متلائم مع درجة حرارة الجسم.

اما إذا دخل الهواء عن طريق الفم، فإنه غير صحي و غير ملائم، لعدم وجود الوسائل اللازمة لتغيير درجة حرارته، و عندها تصاب القصبات و الأنسجة بصدمات و جفاف، مما يؤدي إلى الالتهابات في اللوزتين و البلعوم و الحنجرة و القصبات الهوائية.

التنفس الصحيح هو الذي يشترك فيه الصدر بكل تركيبه مع الحجاب الحاجز.

الفوائد الصحيحة للهواء النفي و التنفس الصحيح

1 - ينشط الدورة الدموية.

2 - يفيد الرئة و يخلصها من المخلفات، كثاني أوكسيد الكاربون و غيره.

3 - يفيد الجهاز الهضمي حيث يتم الهضم بصورة أفضل و يتم التخلص من الإمساك.

4 - يفيد المثانة.

ص: 161

5 - يفيد البواسير و الدوالي، لذلك يوصى بالتنفس العميق صباحا.

كيفية التنفس الصحيح:

1 - لا تنسى مطلقا تمارين التنفس.

2 - لا تكتفي بالحد الأدنى من التنفس.

3 - تنفس دائما تنفسا صحيحا.

4 - لا تؤخر التنفس حتى تمتلأ رئتاك.

5 - عليك أن تداوم بالتنفس لكي لا يتوقف نفسك.

6 - تنفس دائما بصورة كافية.

7 - تنفس دائما بواسطة الجهاز التنفسي.

8 - إجعل من مبادئك التنفس من الأنف.

9 - تنفس دائما تنفسا عميقا من الحجاب الحاجز.

التعرض إلى الهواء الطلق

يفيد التعرض لأشعة الشمس في تمدد و انكماش الأوعية الدموية خصوصا الشعرية منها؛ و بذلك تتغذى خلايا الجسم تغذية كافية، و يتم طرد الغازات الضارة و الرواسب الموجودة فيها، و تزول الكدمات الاحتقانات الداخلية، و تنشط الدورة الدموية في الجلد و الأعضاء الداخلية، و تزداد عملية الاحتراق الداخلية. أما أشعة الشمس التي تصل إلى الجلد، فتثير جميع محتوياته و مكوناته من الخلايا الذاتية، و خلايا الغدد و الشعر، و جدران الأوعية الدموية، و الخلايا و التفرعات العصبية، و النسيج الرابط و تحت الجلد يستجيب لأشعة الشمس استجابة موضوعية و عمومية.

ص: 162

و لأشعة الشمس أهمية كبيرة، في معالجة كسور العظام و الجروح و الطفح الجلدي و قتل الميكروبات العالقة في الجلد. أما الهواء الطلق، و اشعة الشمس و الرياضة، و الصفاء الروحي، فتؤدي إلى قيام الجسم بفعاليته بصورة صحيحة و منظمة، و بالتالي يتم طرد الفضلات على أحسن وجه من خلال:

1 - الجلد، عن طريق الغدد الدهنية و العرقية.

2 - الأمعاء و الكبد، من خلال البراز.

3 - الكليتين، من خلال البول.

4 - الرئيتن، من خلال طرد الغازات السامة و بعض المواد الكيميائية الضارة.

وسائل تنقية الدم و الحفاظ عليه

وسائل تنقية الدم و الحفاظ عليه(1)

1 - الغذاء: كتناول أغذية منظمة و متوازنة، و تناول كميات معينة من العنب، و الحمية من الأطعمة الثقلية، كالدهينات و التوابل.

2 - المعالجة بالمياه من خلال:

أ - الحمامات الباردة.

ب - الحمامات الحارة (السونا).

ج - الرياضة و التمارين الرياضية داخل الماء.

3 - الهواء الطلق.

4 - الاستقرار الروحي.

5 - تناول بعض الأعشاب:

ص: 163


1- بتصرف من كتاب: التداوي بلا دواء، للدكتور أمين رويحة.

الأعشاب وسيلة ناجحة فى عملية تنقية الدم، لأنّ تأثيرها يشمل كافة الأعضاء التي تفرز الرواسب.

الأعشاب إما أن تؤكل غضة على أن تكون طازجة؛ و إما ان تجفف و يعمل منها مستحلب (شاي) يستخلص منه المواد الفعالة و يشرب؛ أو أنها تعصر و هي غضة و يشرب عصيرها، و طريقة أكل الأعشاب غضة هي الأفضل، و لكنها غير متيسرة إلاّ موسميا.

الأعشاب كثيرا ما تستعمل مختلطة بمجموعات متجانسة. إنتخاب الأعشاب الملائمة للأمراض و طريقة استعمالها و خلطها، تعتمد على نوع المرض و حالة المريض، مما يتطلب خبره خاصة، و تجربة كافية، و حسن تقدير.

الجرعة اليومية للعصير:

ملعقتان كبيرتان يوميا في الأسبوع الأول، ثم تزداد الجرعة كل اسبوع أي: ثلاث ملاعق في الأسبوع الثاني، و اربع ملاعق في الأسبوع الثالث، ثم خمس ملاعق في الأسبوع الرابع، علما بأنّ عصير الأعشاب الطازجة لا يستعمل إلاّ بعد تخفيفه بمقدار خمسة إلى ثمانية أضعاف بالماء أو الحليب البارد أو الحساء، لأنّ استعماله بصورة مركزة يؤدي إلى اضطرابات في المعدة و أحيانا التقيء.

أنواع العصيرات المستعملة:

1 - عصير أوراق البتولا البيضاء:

هذا العصير ينقي الدم، و يدّر البول، و يستعمل في معالجة الروماتيزم

ص: 164

و النقرس، و الأمراض الجلدية، و طرد بعض السوائل المتجمعة في الجسم.

2 - عصير الجرجير:

هذا العصير محرض و محرك للأمعاء و الكبد و المرارة، و يستعمل لمعاجلة كسل الأمعاء (الإمساك) و إحتقان الكبد و المرارة.

3 - عصير الشوفان:

يستعمل في دور النقاهة بعد الشفاء من الأمراض، و على الأخص الأمراض التي يرافقها الحمى و الصداع.

4 - عصير الطرخشقون:

محرض لإفرازات المعدة و المرارة و غدد الأمعاء و الإمساك.

5 - عصير الأخيليا ذات الألف ورقة:

هذا العصير منقي ممتاز للدم، يساعد على الهضم و يزيل الانتفاخات من الأمعاء و تشنجات الأمعاء، و يساعد في تعديل ضغط الدم المرتفع.

6 - عصير الفجل الأسود:

يفيد كمدرر للكلى و يساعد على تفتيت حصيات الكلى.

7 - عصير الكلم الأخضر:

يفيد كمدرر للكلى و يساعد على تفتيت حصيات الكلى.

8 - عصير الخضار:

يوصى باستعماله للأشخاص الذين لا تتحمل معدهم أكل الخضار الطازجة؛ و أكثر الخضار ملائمة للعصر و أغزرها عصيرا هي:

عصير الشونذر.

عصير الفاصوليا الخضراء.

عصير القراص.

ص: 165

عصير الخيام.

عصير الثوم.

عصير القرع.

عصير الكرفس.

عصير السبانغ.

عصير البندورة (الطماطم).

عصير البصل.

و لاستعمال عصير الخضار لتنقية الدم، يمزج ثلاث أنواع من مختلف الخضار التي تنتخب وفقا لنوع المرض و حالة المريض العامة؛ و يستمر تعاطيه لمدة (6-8) أسابيع. و يجب أن تعطى العصائر و الأعشاب بعد تشخيص الأعراض المرضية الموجودة، و حالة كل عضو في الجسم، و الأمر الثاني الذي لا بدّ من ملاحظته في هذا الصدد هو أنّ بعض الأعشاب لا يجوز غليها مطلقا، و يحضر مستحلبها بصب الماء المغلي فوقها.

الأعشاب التي تغلى و يستحضر منها مستحلب كثيرة، نختار منها ما يعطى للأمراض التالية:

1 - مستحلب الكزبرة: يستعمل ضد تقلص الأمعاء و نفخ البطن.

2 - مستحلب الوردة الحمراء: يستعمل ضد الكآبة.

3 - مستحلب النعناع: ضد النفخ و السعال و مقشّع للبلغم.

4 - مستحلب الترخون: لفتح الشهية.

5 - مستحلب الكرفس: للرومايتزم و آلام المفاصل.

6 - مستحلب البرتقال: ضد الكآبة.

7 - مستحلب الشبنت: لخفض نسبة الدهون في الدم.

8 - مستحلب الليمون الحامض: لتخفيف الوزن و تذويب الشحوم.

ص: 166

الزواج و الرضاعة

اشارة

قال الإمام علي عليه السّلام:

«إياكم و تزويج الحمقاء، فإنّ صحبتها بلاء و ولدها ضياع»(1).

«أفضل الشفاعات أن تشفع بين إثنين في نكاح حتى يجمع اللّه بينهما»(2).

«و أنظر في أي نصاب تضع ولدك فإنّ العرق دساس»(3).

«لا تسترضعوا الحمقاء، فإنّ اللبن يغلب الطباع»(4).

«إنظروا من يرضع أولادكم، فإنّ الولد يشب عليه»(5).

«ما من لبن يرضع به الصبي أعظم بركة عليه من لبن امه»(6).

ص: 167


1- الكافي: ج 5 ص 354.
2- وسائل الشيعة: ج 20 ص 45.
3- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 12 ص 117.
4- الفقيه: ج 3 ص 307.
5- الكافي: ج 6 ص 44.
6- الكافي: ج 6 ص 40.

ص: 168

قبل الشروع في بحث و تفصيل أقوال الإمام علي عليه السّلام، لا بدّ لنا من مدخل إلى الموضوع، و المدخل هو الزواج.

الزواج فريضة الهية و سنة نبوية حسنة؛ أمر اللّه بها لضرورات و أسباب بيولوجية، و اجتماعية، و دينية، قال اللّه تعالى: وَ أَنْكِحُوا اَلْأَيٰامىٰ مِنْكُمْ وَ اَلصّٰالِحِينَ مِنْ عِبٰادِكُمْ وَ إِمٰائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرٰاءَ يُغْنِهِمُ اَللّٰهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ اَللّٰهُ وٰاسِعٌ عَلِيمٌ . (1)

و

قال الرسول صلّى اللّه عليه و آله: «النكاح سنتي، فمن رغب عن سنتي فليس مني»(2).

فوائد الزواج:

1 - حفظ النسل.

2 - كسر الشهوة و التحصن من الشيطان.

3 - الاستراحة الفكرية و العصبية.

4 - تدبير المنزل و إقامة بناء العائلة.

5 - كثرة العشيرة.

6 - عدم الإصابة بالأمراض التناسلية و المعدية.

7 - مجاهدة النفس للسعي للرزق و العمل.

8 - زيادة الروابط الإجتماعية.

9 - الرعاية أثناء الشدائد و المرض.

10 - السعادة و التطلع نحو المستقبل.

ص: 169


1- سورة النور، الآية: 32.
2- البخاري: ج 7 ص 2.

ينصح بالزواج وفق المواصفات التالية:

1 - المرأة المسلمة المؤمنة.

2 - المرأة الطاهرة المولد.

3 - المرأة الحسنة الخلق.

4 - المرأة الخالية من العيوب و النواقص و الأمراض المستعصية.

5 - المرأة الولود.

6 - المرأة ذات الوجه الحسن.

7 - المرأة ذات الأصل الكريم.

8 - المرأة القليلة المهر.

9 - أن تكون بكرا.

ينصح بعدم الزواج في الحالات التالية:

1 - سوء الخلق.

2 - الجنون.

3 - الاقارب.

4 - المصابة بشذوذات ولادية في الجهاز التناسلي.

5 - المصابة بمرض صعب العلاج، كالسرطان و الصرع الشديد.

6 - المصابة بمرض السكر الولادي.

7 - المصابة بمرض الهيموفيليا (مرض عدم تخثر الدم).

8 - المصابة بمرض الثلاسيميا ميجور (مرض تكسر كريات الدم الحمراء الشديد).

ص: 170

9 - المصابة بالأمراض النفسية المستعصية.

10 - الزانية.

11 - أبنة الزنى.

12 - الكافرات.

13 - المرتدة عن الدين.

14 - المحرّمة بالرضاعة.

15 - المحرّمة بالمصاهرة(1).

الامام علي عليه السّلام في أقواله الحكيمة في هذا الفصل، ربط ثلاث حلقات مهمة تخص الانسان المسلم خاصة و بقية البشر عامة؛ حلقات ترتبط بحياته ارتباطا مباشرا، و لها تأثيرات نفسية و اجتماعية تصاحبه طوال حياته و مسيرته؛ فقد ربط بين ثلاثة محاور رئيسية:

1 - القضايا الدينية.

2 - القضايا الاجتماعية.

3 - علم الوراثة.

إن الزواج و المعاشرة و الرضاعة و تربية الأطفال؛ تتطلب في الانسان التفكير السليم و الحكيم، و الاحتياطات اللازمة، و البحث الدقيق، قبل الإقدام على الزواج أو الرضاعة و تربية الأطفال؛ التي تضمن نشوء و نمو طفل سليم معافى من الأمراض، و العقد النفسية، و العاهات الجسمية.

الإمام عليه السّلام الوصي لرسول رب العالمين و راعي المسلمين، أراد منا أن نتخذ الإجراءات اللازمة في تلك الأمور الحساسة و المصيرية؛ حتى

ص: 171


1- الفقرة 11-12-13-14-15 لا يجوز الزواج بهن شرعا.

نحصل على أطفال و أجيال إسلامية سالمة و طاهرة من الناحيتين الروحية و الجسدية. لذلك نرى الإمام يؤكد على عدم التزويج من النساء المصابات بالحمق و الجنون و سوء الخلق؛ لأن أمراض و سلوك الام التربوي له تأثير كبير و عميق في سعادة و شقاء الأطفال. فالأب الذي يأمل بالحصول على ابن طاهر القلب شريف، حسن السيرة، لا بدّ له من التوقي و عدم الزواج من النساء البذيئات السيئات الخلق.

و قد أثبت أطباء الأمراض النفسية أن من بين الأطفال المصابين بتلك الأمراض، يوجد 26 منهم ممن ورثوها و اكتسبوها من امهاتهم، أي أن تلك الأمراض و الأعراض خاضعة لقانون الوراثة و التربية؛ و الجنين يتأثر بتلك الموروثات في بطن امه أثناء فترة الحمل، و أيام الرضاعة، و الطفولة، و المراهقة و حتى إلى دور الكهولة.

إن الطفل في رحم امه يعتبر جزء منها، فكما أن الحالات الجسمانية للام و المواد الغذائية تؤثر على الطفل؛ كذلك أخلاق الام تؤثر في روح الطفل و جسده كليهما؛ و قد أثبت العلم الحديث بأن الطفل قد يتأثر أكثر من امه بتلك الاخلاق؛ فاذا اصيبت الام في أيام الحمل بخوف، أو مرض شديد، فإنّ الأثر الذي تتركه تلك الحالات النفسية و المرضية على فكر و بدن الام لا يتعدى بعض الأعراض النفسية البسيطة أو الأعراض الجسمية الطارئة التي تزول بالعلاج و المتابعة؛ أما بالنسبة إلى الجنين فإنّ الأعراض قد تكون شديدة لها تأثيرات مستقبلية مؤذية. «و هكذا فإنّ هموم الام و غمومها، غضب الأم و اضطرابها، تشاؤم الام و حقدها، حسد الام و أنانيتها، خيانة الام و جنايتها، و بصورة موجزة جميع الصفات الرذيلة للام ... كذلك إيمان الام و إنسانيتها، إطمئنان الام و راحة بالها، شحاعة الام

ص: 172

و شهامتها، و بصورة موجزة جميع الصفات الحميدة للام.. جميع هذه الصفات خيرها و شرها تترك آثارها في الطفل و تبين أساس سعادة الجنين و شقائه»(1).

و هذا الكلام مصداق

لقول الرسول صلّى اللّه عليه و آله: «الشقي من شقي في بطن امه، و السعيد من سعد في بطن امه»(2).

لذلك يجب أن نلفت نظر الام إلى أن الاضطرابات النفسية و العصبية توجه ضربات قاسية و مؤذية إلى خلايا الدماغ؛ و بالتالي تحد من مواهب الجنين قبل و بعد الولادة، إلى درجة أنّها تحوله إلى موجود عصبي المزاج، مضطرب الأعصاب، لهذا تنصح الام أثناء الحمل بالابتعاد عن الأفكار المقلقة و الهم و الغم، و الأحتفاظ بدل ذلك بأجواء الهدوء و الاستقرار و السعادة.

لمحة عن خلايا جسم الإنسان:

أن جسم الإنسان يتكون من مليارات الخلايا، و هذه الخلايا توجد ضمن بحر داخلي من السوائل؛ حيث تأخذ الخلايا الأوكسجين من هذا السائل، و تطرح ضمنه فضلات التمثيل. هذا السائل يقسم إلى قسمين:

سائل ما بين الخلايا، وسائل الأوعية الدموية (البلازما) الذي يضم مكونات الدم خصوصا كريات الدم الحمراء.

في جسم الإنسان البالغ يشكل البروتين و متعلقاته 18 من وزن الجسم و المعادن 7 و الشحوم 15 و يشكل الماء 60.

ص: 173


1- الطفل بين الوراثة و التربية - محمد تقي فلسفي: ج 1 ص 106.
2- بحار الأنوار: ج 3 ص 44.

كل مجموعة من الخلايا التي تقوم بعمل واحد تشكل نسيج، و من مجموعة الأنسجة ذات العمل الواحد يتشكل العضو، و من عدة أعضاء يتكون الجهاز، و من هذه الأجهزة يتكون جسم الإنسان.

الخلية تتكون من صندوق صغير يغلفه غشاء مضاعف، و يملأ هذا الصندوق بمادة سائلة تسمى السيتوبلازم الذي تستقر فيه النواة التي يكمن فيها سر حياة الخلية؛ حيث توجد فيها الصبغات الوارثية (الكروموسومات) التي تلعب دورا كبيرا في الوراثة. تحتوي الخلية الواحدة على (22) زوج من الصفات الجسمية، و زوج من الصبغات الجنسية.

إن الصفات الوراثية تنتقل من الآباء إلى الأبناء و الأحفاد، خلال تلك الصبغات التي تحوي الجينات المسؤولة عن الصفات الوراثية للانسان و قد اكتشف العلماء مؤخرا الخارطة الوارثية للانسان، و التي تضم أكثر من ثلاثين الف جين.

و لبيان تأثير و مضاعفات الأسباب النفسية و العقلية على الأجنّة و الأطفال، لا بدّ من دراسة تلك الأسباب و التعرف على كيفية حدوث المرض النفسي، كي نكون على بينة من تأثيرات الأمراض النفسية و العصبية، التي تعاني منها الام على سلوك و اطباع و نفسية الجنين أثناء فترة الحمل و بعدها؛ و بذلك تتوضح أمامنا الصورة العلمية، و الأعراض المرضية لتلك المسببات، وفق الأبحاث التي قدمها أطباء علم النفس الحديث.

ص: 174

أسباب الأمراض النفسية و العقلية:

اشارة

أسباب الأمراض النفسية و العقلية:(1)

أسباب المرض النفسي متعددة و متشابكة: و في الفرد الواحد تتعدد الأسباب، و نادرا ما يوجد سبب واحد للمرض الواحد، و يمكن تصنيف الأسباب إلى ثلاث مجموعات عامة هي:

1 - الأسباب الحياتية (البيولوجية).

2 - الأسباب النفسية.

3 - الأسباب الثقافية.

و لفهم كيفية حدوث المرض النفسي يجب أن نقسّم العوامل المسببة إلى نوعين:

أ - العوامل التمهيدية أو المساعدة.

ب - العوامل الحاسمة أو الترسيبة.

العوامل الممهدة هي التي تجعل الفرد عرضة للإصابة بمرض نفسي معين أكثر من مرض آخر؛ و قد تكون عوامل وراثية أو عضوية أو إجتماعية، فالحرمان العاطفي و الجفاء الذي يتعرض له الطفل، قد تجعل منه غير متهيء في المستقبل لمواجهة مصائب الحياة الواقعية.

أما العوامل الحاسمة فهي تبلور أو ترسب المرض كحقيقة سريرية ملموسة، فهي اذن شدائد مباشرة إذا توجهت إلى فرد مستعد فجرت فيه المرض النفسي و أظهرته؛ كفقد الأحبة؛ و المشاكل الزوجية، و الأمراض الجسمية، و الحوادث و الهزات المالية.

إن العوامل التمهيدية و الترسيبية قد لا تنجح في احداث مرض نفسي

ص: 175


1- بتصرف من كتاب: اصول الطب النفساني للدكتور فخري الدباغ.

في بعض الناس؛ لانه يتمكن من مواجهتها و التكيف أمامها و التغلب عليها، أي إنها إذا نجحت في فرد فقد لا تنجح في آخر.

1 - الاسباب الحياتية:

اشارة

تلعب دورا حيويا في حدوث المرض النفسي، و تشمل مجموعة من العوامل الوراثية، و التركيبية، و المرضية، و تعمل كل واحدة على حدة أو تشترك مع بعضها.

أ - العوامل الوراثية:

إن كل صفة بشرية، ناتجة عن وراثة تشكيلات خاصة من الجينات، بالإضافة إلى مفعول القوى المحيطية. و تعتبر الصفة الوراثية نقية و وحيدة المفعول عند ما تعتمد كليا على تشكيلة الجينات الوراثية؛ كلون العينين و الطول و لون البشرة... الخ. أما إذا كانت الصفة نتيجة جينات مضافا إليها ظروفا محيطية، فتكون غير وراثية خالصة، بل و يطلق عليها ولادية، بمعنى أن عوامل في داخل الرحم قد حورت من الطاقة الوراثية، فنتجت عنها صفات اخرى مزيجة من الوراثة الخالصة و المحيط.

و في الدراسات الحديثة لأشكال و اعداد الكروموسومات، تكشفت حقائق جديدة عن دور الوراثة من المرض العقلي و السلوك البشري، فقد وجد كروموسوم جنسي ذكري (y) إضافة إلى العدد الطبيعي في الذكور السيكوباثيين الإعتدائيين. كما وجد أنّ نسبة كبيرة من المرضى الذهانيين يحملون كروموسوم جنسي أنثوي (x) إضافي على العدد الطبيعي في الذكور و الأناث على السواء.

ص: 176

إن وجود أدلة قوية على العوامل الوراثية في أمراض الفصام و الكآبة و الهوس الدوري و الصرع لا يعني كونها وراثية صرفة؛ بل إن الإستعداد الوراثي في حاملي الجينات المذكورة، يجعلهم أكثر إستعدادا للأصابة بالمرض في حالة توفر ظروف طارئة اخرى.

ب - العوامل التكوينية:

و نعني بالتكوين مجموعة الصفات الحياتية للشخص و الناتجة عن تلاحم و تجمع عوامل متفرقة من الكروموسومات و الجينات الوراثية؛ و ظروف العمل، و نوعية البيئة، و الجسم و البنية، و الطباع، و الجهاز الهرموني، و كل نواحي فسلجة الجسم.

البيئة لها علاقة بالسلوك. أما الطبع فهو محور الشخصية، و هو الذي يقرر طبيعة الاستجابة العاطفية للإنسان بالنسبة للمحيط و الحوافز فالطبع الحساس السريع الإثارة مثلا يحدد طاقة الفرد على تحمل الشدائد؛ و يسرع في إظهار الاضطراب العصبي.

أما الجهاز الهرموني و الفسلجي العام للجسم، فإنّه ذو صلة وثيقة بعمل الجهاز العصبي، و صحة الجسم و نموه، و ذو تأثير حيوي على الطباع.

العوامل الوراثية إذن هي محصلة التشكيلات في الجينات و الكروموسومات فقط. اما العوامل التركيبية، فهي محصلة العوامل الوراثية + الرحميّة + المحيطية + العضوية.

ص: 177

ج - العوامل المرضية:

و نعني بها الإصابة بأمراض عضوية، تغير من تركيب الجسم و من توازن اجهزته و من انتظام الجهاز العصبي، و لذلك يحدث اضطراب عقلي يصل إلى حد الذهان أو الخرف. و من الأمراض المهمة التي تؤثر في عقلية و سلوك الإنسان: الأذى و الصدمات على الرأس، التهابات السحايا، التهابات أنسجة المخ، الحمى العالية، أمراض القلب، سوء التغذية و الأمراض المزمنة.

2 - الأسباب النفسية:

تعمل الأسباب النفسية بعدة طرق، و قلما يحدث إضطراب نتيجة عامل نفسي واحد. و تاريخ حياة كلّ شخص مليء بالحوادث و التجارب النفسية التي تكوّن شخصيته. بناء الشخصية بدوره يقرر درجة و نوعية المرض العقلي، حتى و إن كانت العوامل الحياتية و الثقافية متشابهة. و محور حياة الأنسان هو علاقاته الشخصية منذ ولادته و حتى الشيخوخة، ففي دور الرضاعة و أوائل الطفولة نجد عوامل الرضاعة و الأمومة و الحنان؛ ثم تتبعها الظروف العائلية و علاقة الطفل بوالديه و علاقة الوالدين ببعضهما؛ فقد تكون علاقتهما مشوبة بالنفور أو الإتكال أو العداء أو التمرد.

و في مراحل الطفولة، تتدخل عوامل المدرسة، و نوعية المدرسين، و التكيف الإجتماعي و الاخلاقي، و علاقة الطفل بزملاءه الآخرين، و كذلك أنواع الأمراض الجسمية التي يتعرض لها. في دور الشباب تظهر عوامل النضج الجنسي و التقلبات العاطفية، و الميول الجنسية المختلفة، و علاقة المراهق بالأسرة و السلطة و المجتمع.

ص: 178

3 - الأسباب الثقافية:

يتدخل المحيط الثقافي في عملية نضج و بناء و اتجاه الشخصية الأنسانية، و العوامل الثقافية (التي تشمل العادات و التقاليد و الطقوس و الأعتبارات و المعايير التاريخية و التراثية و الشعبية) لها تأثر غير مباشر على حدوث المرض العقلي، و في حالات خاصة و شديدة قد تكون هي السبب المباشر. صحيح أنه لا يوجد مرض خاص لكل مجموعة بشرية ذات ثقافة واحدة، و أنّ أغلب الأمراض العقلية موجودة في كل الثقافات.

أما كيفية تأثير الثقافة في صياغة الشخصية و من ثم في التمهيد إلى المرض؛ أو إحداث المرض العقلي، فتتم بالوسائل التالية:

1 - كيفية تربية الأطفال: من تغذية، و نظافة، و التعبير العاطفي، و الحرية الجنسية، و الإعداد للحياة العامة، و الزواج، و علاقة الطفل بالكبار، و كيف يجب أن تكون، و نوعية العاطفة السائدة في المجتمع، هل هي صارمة، جامدة، مرحة، متسامحة، طيبة، صعبة، رسمية، قاسية، إعتدائية، صاخبة، هادئة... الخ.

2 - القيم و المثل السائدة:

القيم و المثل العليا في ثقافة ما تتدخل في تكوين الأنا الأعلى للإنسان أي في الأشياء السامية التي يقيس بها سلوكه الطبيعي.

3 - الظروف الصناعية و الاقتصادية، خاصة في الدول المتقدمة تؤثر كعامل إجتماعي - ثقافي في الصحة النفسية للانسان المعاصر؛ نذكر منها ظروف العمل و السكن و الهجرة، و الحاجات الأساسية، و من ضمنها التحولات السريعة في حالات الحرب و الأوبئة، و الكوارث الطبيعة، كالفيضانات و الزلازل.

ص: 179

ص: 180

الشيخوخة

اشارة

قال الإمام علي عليه السّلام:

«من بلغ السبعين اشتكى من غير علّة»(1).

«فهل ينتظر أهل بضاضة الشّباب إلاّ حواني الهرم، و أهل غضارة الصّحة إلاّ نوازل السّقم، و أهل مدّة البقاء إلاّ آونة الفناء مع قرب الزّيال و أزوف الانتقال»(2).

ص: 181


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 20 ص 324.
2- المصدر السابق: ج 6 ص 260.

ص: 182

كلمة طبية خالدة، و حكمة علوية جليلة رافدة، لطبيب الأطباء، و حكيم الأوصياء، أبي الحسن علي عليه السّلام. كلمة جمع فيها الأعراض و الآلام و المعانات التي يلاقيها الأنسان عند بلوغه سن السبعين.

هذه الحقيقة الطبية الناصعة، يعتبرها علماء الطب إحدى ركائز الطب الإجتماعي الحديث، الذي اولى تلك الشريحة الإجتماعية الدراسة و الاهتمام اللازم. الانسان عند ما يبلغ هذه السن يشتكي من أمراض و اعراض و ظواهر ليست موجودة حينما نقوم بفصحه سريريا و مختبريا؛ لأن ما يعانيه هو شعور متزايد بالضعف، و عدم القدرة على إنجاز الأعمال التي كان يقوم بها أيام شبابه، هذا الشعور يزداد كلما تقدم العمر و مرت السنين. و في الواقع أنّ تلك الأعراض ما هي إلاّ نتيجة ضعف و ضمور و استهلاك الخلايا و الأنسجة المختلفة للإنسان. و هذا يعني عدم وجود علة عضوية قائمة بذاتها، و انما أعراض وجدت و تبلورت من خلال تقدم العمر، و المعانات اليومية العضوية و النفسية.

الإمام عليه السّلام الذي أدرك تلك الحقيقة، صاغ لنا الحالة و الأعراض بكلمات رائعة أغنت علم الطب القديم و الحديث، و جعلت الأطباء على بينة من واقع تلك الطبقة الإجتماعية.

فالفرد المسن مثله كمثل سيارة قديمة تستطيع السير في الشوارع؛ لكنها لا تستطيع مجارات السيارات الحديثة. لذلك يجب على كبار السن أن يتقبلوا هذا الواقع، لأنّ الحياة بالنسبة إليهم صارت تختلف عما كانت عليه أيام الشباب.

ص: 183

ما هي الشيخوخة:

تعتبر الشيخوخة مرحلة مهمة من مراحل العمر، إذ تتصارع فيها الأفكار، و الذكريات الجميلة، و حوادث العمر الهامة، مرحلة حساسة بالنسبة للأفراد رجالا كانوا أم نساء، إذ يشعرون فيها بالإحباط، و قلة العزم، و ضعف القدرة على إنجاز الأعمال، و أحيانا الخوف من المستقبل الذي يقرّبهم إلى العجز و الموت.

مرحلة يتحسس فيها الفرد و يتخوف من أبسط الحوادث الإجتماعية و المالية و الصحية على الخصوص؛ فكل عارض طارئ و لو كان بسيطا، يجعل الفرد يحسب له الف حساب و قد يقعده عن العمل أو النوم. لذلك تتطلب هذه المرحلة العناية الخاصة المركزة للأفراد الذين تجاوزوا سن الستين؛ لأن أي حادث نفسي أو عضوي قد يجلب له المشاكل الكثيرة التي قد تؤدي بأحدهم إلى الموت، لذا يجب أن تكون العناية نفسية قبل كل شيء، لأنّ الشيخوخة بحد ذاتها عامل نفسي مهم و مؤثر على شخصية الفرد؛ و إذا لم تعطى لها الأهمية اللازمة فقد يصاب بأمراض عضوية عديدة، خصوصا و أن الأرضية مهيأة لها لتقبل الأصابة بالأمراض، بسبب ضعف المقاومة البدنية، و استهلاك و تعب الخلايا العضوية و الهرمونات؛ فإصابة الشخص بنزلة صدرية يمكن أن تتضاعف إلى الأصابة بمرض ذات الرئة، و ما يرافقه من عجز في القلب، و ضعف عام لدى الأفراد المسنين.

فلا عجب أن نرى بعض الأفراد الذين تجاوزوا الستين يشكون من آلام عديدة و أعراض جديدة لم تكن لديهم في السابق؛ و عند ما تشرح لهم الأسباب و تطمئنهم بأنّ هذه الحالات هي نتيجة معانات السنين الماضية،

ص: 184

يصابون بالعجب و الحيرة، و عدم التصديق في بعض الأحيان، أو إنهم يخافون من تلك الأعراض و يعتبرونها مقدمة للأصابة بالسرطانات و الموت المحقق؛ و هذا يتطلب من الطبيب المعالج أن يزرع لديهم الثقة و الأمل بالمستقبل، و أن ينزع عنهم كابوس الخوف الذي يظللهم دائما، و يشدد الخناق عليهم عند ظهور مرض أو أعراض تدل على الشيخوخة.

لتلك الأسباب: يؤكد علماء النفس على أهمية هذه المرحلة الحساسة في حياة أولئك الأشخاص المسنين، الذين يأخذون كل كلمة على محمل الجد، فكل كلمة قد تجرح عواطفهم، لأن المعانات التي يكابدونها دليل على صدق ما يفكرون و يشعرون به.

أعراض الشيخوخة تحدث غالبا بين سن (65-70)، و قد اكدت الدراسات التي قام بها الأطباء و الباحثون على أنّ الشيخوخة لا تهاجم الأشخاص و تصيب كافة أعضاء بدنهم بصورة متساوية و في وقت واحد، فبينما نرى شخصا في سن الشباب مصابا بمرض قلبي؛ نرى شخصا آخر إستولت عليه أعراض الشيخوخة و بقى قلبه سليما من المرض؛ و هذا ما يسمى بظاهرة الاستعداد للإصابة بمرض معين، فقد وجد العلماء بأنّ لكل مرض جين معين، و ان كل إنسان عنده علامة خاصة في ذلك الجين، تؤهله للإصابة بمرض خاص. فقد تجد إنسانا هادئ الطبع غير مفرط بالطعام، و مع ذلك فإنّه مصاب مرض السكر، و على العكس هنالك أفراد مشاكسون و مفرطون في الطعام خصوصا السكريات؛ و لكنهم لا يعرفون مرض السكر. كما لاحظ العلماء بأنّ كثيرا من الناس يسرعون الخطى نحو الشيخوخة جراء الإصابة بالأمراض العضوية و النفسية؛ أو نتيجة أغلاط و مشاكل إجتماعية و مالية يرتكبونها بأنفسهم.

ص: 185

سبب الشيخوخة:

الكبر هو عملية فيزيولجية عامة لم تفهم حتى الآن بشكل واضح، تؤثر هذه العملية على الخلايا و الأجهزة المؤلفة من تلك الخلايا إضافة لغيرها من المكونات النسيجية مثل الكولاجين، و قد وضعت عدة نظريات لتفسير ظاهرة الشيخوخة التي تتوقف فيها الخلايا الطبيعية عن الأنقسام و تموت بالنهاية بشكل يرجّح إنه خاضع لسيطرة الجينات، بينما تستمر الخلايا السرطانية بالأنقسام متهربة ظاهريا من الشيخوخة. تقول إحدى النظريات أن الأنسجة تهدم كنتيجة للطفرات العشوائية في (DNA) الخلايا الجسمية و ما ينجم عن ذلك من إدخال شذوذات تراكمية.

نظرية اخرى تقول ان الشذوذات التراكمية تنجم عن إزدياد الأرتباط المتصالب للكولاجين و البروتينات الاخرى و ذلك كنتيجة نهائية محتملة للأتحاد غير المنظم للگوكوز مع المجموعات الأمينية في تلك الجزئيات.

نظرية ثالثة ترى أن الشيخوخة هي نتيجة تراكمية لتخريب النسج عن طريق الجذور الحرة المتشكلة ضمن هذا النسج.

نظرية اخرى تقول إن السبب هو الهرمونات، و لكن في الوقت الحاضر و بالرغم من البحث المستمر فإن آليات الشيخوخة لا تزال مجهولة.

ص: 186

أعراض الشيخوخة:

أعراض الشيخوخة(1):

1 - أعراض الجلد: يذبل الجلد في الشيخوخة و يتغضن، خصوصا الوجه و الرقبة و الأطراف، كما يصبح جافا متجعدا و قليل المطاطية و قد يفرز القشور.

2 - أعراض الشعر: ينقلب لون الشعر الطبيعي و يصبح رماديا، ثم يشيب أو يتساقط تدريجيا و يصبح الإنسان أصلعا.

3 - أعراض القامة و الحركات المعبّرة: يقل انتصاب القامة لانحناء العمود الفقري تديجيا؛ و تتبدل الحركات المعبرّة في الوجه و اليدين و تصبح ثقيلة متراخية.

4 - أعراض السمع و البصر: تضعف قوة البصر و مداه و تتضاءل قوة السمع.

5 - أعراض البطانة الدهنية تحت الجلد: في سن الشيخوخة يرتخي الالتصاق بين البطانة و الأنسجة التي تحتها، و أكثر ما يظهر هذا واضحا في الوجه و الأطراف.

6 - أعراض الرئة: تضعف قابلية الرئة و تنقص قدرة استيعابها للشهيق.

7 - أعراض القلب و الاوعية الدموية: تنقص و تتضاءل مطاطية الأوعية الدموية و تتصلب جدرانها، نتجة تراكم الرواسب الدهنية و غيرها على جدارها الداخلي، و هذا ما يسمى بتصلب الشرايين.

ص: 187


1- بتصرف من كتاب شباب في الشيخوخة للدكتور أمين رويحة.

8 - أعراض الجهاز الهضمي: يضطرب الجهاز الهضمي و تضعف حركة الأمعاء فتؤدي إما إلى الإسهال أو الامساك، و أحيانا تنبعث روائح كريهة من الفم.

9 - الأعراض الجنسية: تتضاءل أو تنعدم القدرة على مزاولة الأعمال الجنسية و الرغبة فيها.

10 - أعراض جسمانية عامة: يعتري الجسم ضعف عام و إنهاك في القوى.

11 - أعراض التهاب المفاصل: حيث تبدأ الأوجاع في المفاصل الصغيرة ثم الكبيرة و العمود الفقري؛ و أحيانا تقعد الشخص عن مزاولة أعماله العادية.

12 - ضعف الذاكرة و القدرة على التفكير.

13 - ضمور المخ و خلاياه و الإصابة احيانا بمرض الرعشة (باركنسونزم) أو مرض التليف العام.

14 - الأمراض العقلية التي يصاب بها كبار السن:

أ - العصاب.

ب - الاضطرابات الوجدانية:

الكآبة.

الهوس الدوري.

ج - ذهان الشيخوخة.

د - خرف الشيخوخة.

ه - الخرف المبكر.

15 - العينين: قصر البصر، عتمة العدسة، تناقص تحمل الضوء.

ص: 188

16 - الأذنين: تناقص القدرة على سماع الأصوات ذات التواتر العالي.

17 - الأنف: نقص حس الشم.

18 - الجهاز البولي التناسلي: ضمور و جفاف الغشاء المخاطي المهبلي، تباطؤ الاستجابة الجنسية، زيادة حجم البروستات، نقص في الجريان الدموي الكلوي. تناقص في قدرة المثانة.

19 - الغدد الصماء: عدم تحمل الكلوكوز، تناقص إفراز الأستروجين، نقص في تفعيل فيتامين. .D

20 - جهاز المناعة: غياب الإفراز الهرموني لغدة الثيموس، تناقص في إنتاج الأضداد.

21 - عموميات: تناقص في إجمالي ماء الجسم، تناقص في كتلة الجسم، زيادة النسبة المئوية لدسم الجسم، تناقص الطول و الوزن.

22 - أعراض نفسية:

إعتاد الناس أن ينظروا إلى المسنين نظرة تخلق عندهم عقدا نفسية، و تفقدهم الثقة بالنفس، حتى يعتقد المسن بأنه أصبح إنسانا عاطلا في مجتمعه الدائم الحركة، لا لشيء إلاّ لكون ذاكرته قد ضعفت و خارت قواه و أصبح لا يستطيع القيام بالأعمال العادية أو المهمة، و هذا اعتقاد خاطئ يجب على كل مسن مكافحته و التغلب عليه، إذ يستطيع الإنسان أن يعمل و ينتج و هو في سن (80-90) سنة.

إن من نتائج تعامل الناس مع المسنين بهذه الطريقة نشوء عقد نفسية عديدة منها:

أ - الأعتقاد بأنّ كل ما كان في السابق هو أفضل مما هو عليه في

ص: 189

الوقت الحاضر.

ب - الأعتقاد بأنّه بلغ النهاية، حيث لا يأتيه الغد أو المستقبل بشيء جديد في حياته الحاضرة و المستقبلية.

ج - عدم الصبر و التفهم في موقفه من الأصدقاء و العائلة و الجيران.

د - تكرار روايات و قصص و حوادث معينة.

ه - العادة في الشكوى من الناس و تصرفاتهم السيئة.

و - لفت الانتباه إلى المشاكل و المصاعب التي تغلّب عليها أيام الشباب، لإبراز تفوقه على الآخرين.

ز - الامتناع عن مساعدة الأقارب و الأصدقاء و الجيران، لأنهم لم يساعدوه أيام الشباب.

ح - التصلب في الرأي و ادعاء الصواب دائما و ضيق الخلق، و العزلة عن الناس.

ط - التوتر في العلاقات بين الشيوخ و الشباب، لأنّ الشيوخ يحكمون دائما على الشباب بالتهور و عدم الأتزان و نقص التجارب.

علاج أعراض الشيخوخة:

1 - الغذاء الجيد و النظام الغذائي الصحيح عامل أساسي في إطالة العمر و عدم ظهور الأعراض.

الغذاء المثالي للشيوخ يوميا:

30-60 غم مواد دهنية.

100-125 غم مواد زلالية.

300 غم مواد نشوية.

ص: 190

فواكه مختلفة.

عسل.

أملاح.

فيتامينات متنوعة.

هذا الغذاء الذي يحوي تلك العناصر يعطي بدن المسن ما يعادل (2000-2500) وحدة حرارية، و من المهم أن تكون أصناف الطعام ملائمة و موافقة للذوق الشخصي لكبار السن؛ كي يتناولونها بشوق و رغبة.

و قد دلت الفحوصات على أن معدل استهلاك المواد الزلالية عند الشيوخ أكثر من غيرهم، كما و أنّ الإكثار من الفيتامينات في هذه المرحلة يقي الإنسان من الأنحطاط الشيخوخي في جميع أعضائه و أنسجته بصورة ايجابية؛ خصوصا و قد لوحظ بأنّ بعض الفيتامينات تشفي بعض أمراض الشيخوخة.

و هناك مسألة مهمة و هي أن بعض الأملاح يجب توفرها في غذاء كبار السن، كأملاح الكالسيوم و البوتاسيوم و الصوديوم و المنغنيز و الفسفور و النحاس و الكلور و المنغنيسيوم الذي ثبت أن عدم تناوله يؤدي إلى سرعة الاصابة بتصلب الشرايين و السرطان.

2 - الرياضة و الأعمال الجسمانية:

لا تقل أهمية ممارسة الرياضة أو الأعمال الجسمانية المنظمة و المستمرة للاحتفاظ في سن الشيخوخة بالقوة و الفعالية عن أهمية الغذاء؛ و قد أثبت الفحص و البحث الطبي أن ممارسة الرياضة في السنين المتقدمة تعادل حالته الصحية حالة من هو أقل منه بعشر سنوات ممن لا يمارسون الرياضة.

ص: 191

3 - النظافة و الإناقة:

لها أثر كبير في روحية المسن و تكسبه الجاذبية، و تجعله في حالة نفسية ممتازة، و تحبب الناس اليه.

4 - التناوب بين العمل و الراحة:

يجب أن يكون العمل معتدل و يتناسب مع قابلية الشخص و خواصه الشخصية.

5 - النوم: يحتاج كبار السن إلى النوم الهادئ و الكافي، لأنّ الأرق يؤثر على أفكار و سلامة المسن، و يجعله معرض للإصابة بالقلق.

6 - مكافحة الأمراض:

و هي من الضروريات القصوى و السريعة، لأنّ مقاومة كبار السن ضعيفة مما يجعله عرضة للمضاعفات عند الإصابة و لو بمرض بسيط.

7 - المشروبات الكحولية و التدخين:

المشروبات الكحولية و التدخين تؤثر على سلامة الإنسان و تهيء الأرضية لإصابته بمختلف الأمراض، فكيف بكبار السن الذين يعانون من الضعف العام العصبي و العضوي.

أضرار التدخين على الجسم:

أثبت العلماء في جميع أنحاء العالم أن التدخين يؤثر على جميع خلايا و أعضاء و حواس جسم الإنسان؛ و يؤدي إلى أضرار و أمراض عديدة أثبتها العلماء بإحصائات مؤكدة و مكررة منها:

1 - أضرار على الجهاز العصبي.

2 - أضرار على الحواس الخمسة.

ص: 192

3 - أضرار على جهاز الدورة الدموية.

4 - أضرار على جهاز التنفس.

5 - أضرار على جهاز الهضم.

6 - أضرار على الغدد الصماء.

7 - أضرار على الجهاز البولي.

8 - أضرار على العضلات.

9 - أضرار على الجلد.

10 - أضرار نفسية.

11 - أضرار على الحمل.

12 - أضرار مادية.

13 - أضرار على اللثة و الأسنان.

14 - إنبعاث روائح كريهة من الفم.

الأمراض الشائعة في سن الشيخوخة:

1 - التهابات الجهاز التنفسي.

2 - مرض تصلب الشرايين.

3 - أمراض العيون كتيبس عدسة العين و ارتفاع ضغط العين.

4 - الإصابة بارتفاع ضغط الدم.

5 - الإصابة بضعف العظام.

6 - تضخم البروستات.

7 - الإصابة بأنواع السرطانات.

8 - الإصابة بالأمراض النفسية.

ص: 193

9 - الإصابة بمرض السمنة و مضاعفاتها.

10 - التعرض للإصابة إما بالإسهال أو الأمساك المزمن.

11 - الإصابة بداء السكر.

12 - الإصابة بالجلطة القلبية و الدماغية.

13 - الإدمان على التدخين و القهوة و الكحول و المخدرات أحيانا.

14 - الإصابة بالعنة عند الرجال.

15 - ظهور أعراض سن اليأس عند النساء:

تظهر هذه الأعراض بعد انقطاع الطمث عند النساء، و الأعراض الطبية عبارة عن إحمرار البدن، و التعرق الكثير، و الصداع و الحساسية الجلدية، أما الأعراض النفسية و هي المهمة فأهمها الاكتئاب الذي يحدث نتيجة ترافق حالة سن اليأس مع اضطرابات نفسية و اجتماعية و عائلية، فقد تتعرض المرأة خلال هذه الفترة إلى شدائد نفسية كالوحدة و الفراق، و يلاحظ أن شخصية المصاب قبل المرض تكون من النوع المتحفظ، المتزمت، الحصري، الوسواسي، الأصولي، الحساس.

أعراض سن اليأس:

أ - الكآبة.

ب - عدم ارتياح و زيادة في التوتر و الحركة.

ج - تظهر على المرأة علائم القلق و الخوف العام.

د - يكون شعورها بالإثم واضحا مع ميل إلى انتحار جدي و سريع.

ه - ينتاب المصابة أرق ليلي.

و - تستولي على المرأة أوهام العلل البدنية.

ص: 194

ز - تزداد أعراض اختلال الآنية فيشعر المريض بأن الشوارع ضيقة، و الدنيا معتمة، أو أنّ حجمه يتضاءل أو يكبر.

القرآن الكريم تطرق إلى الشيخوخة في آيتين الاولى: وَ مِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلىٰ أَرْذَلِ اَلْعُمُرِ لِكَيْلاٰ يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً. (1)

و الثانية: وَ مَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي اَلْخَلْقِ أَ فَلاٰ يَعْقِلُونَ . (2)

الآيتان تعرضان لنا الإنسان في صورتين متباينتين و هو في سن الشيخوخة.

الصورة الاولى: تشير إلى أنّ الإنسان المدرك، الذكي، الفاهم الذي يعمل الأشياء بدقة و انتظام عند ما يبلغ اواخر عمره و تضمر خلاياه العصبية يصبح غير قادر على التركيز و الحفظ؛ كثير النسيان و قد يصاب بالخرف أحيانا، حينئذ يتصرف كما يتصرف الأطفال لأنّه لا يشعر بخطأ أعماله بالرغم من ظاهره السليم و قامته المنتصبة التي لا تبدو عليها علامات التعب و الإعياء و الانهدام.

الصورة الثانية: تعرض لنا الإنسان و هو مثقل الأرجل، محني القامة، ترتجف يداه بلا إرادة، و يصعب عليه السير من دون معونة، مبيض الشعر متجعد البشرة، لكنه مع تلك الآثار و الأعراض و المضاعفات سليم العقل، قوي الأرادة، يقرأ و يكتب، و يناقش و يفكر، و يحفظ ما قرأه، و قد يكون مشغولا في كتابة الكتب و المقالات بالرغم من كبر سنه و تقوس ظهره.

و أخيرا و بعد استعراض مشاكل الشيخوخة تتجلى أمامنا عبقرية و عظمة الإمام علي عليه السّلام حين قال: من بلغ السبعين اشتكى من غير علة.

ص: 195


1- سورة الحج، الآية: 5.
2- سورة يس، الآية: 68.

ص: 196

معجزات ربانية

اشارة

قال الإمام علي عليه السّلام:

«إعجبوا لهذا الأنسان، ينظر بشحم، و يتكلّم بلحم، و يسمع بعظم، و يتنفّس من خرم»(1).

ص: 197


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 18 ص 103.

ص: 198

لقد نطق الإمام بتلك الكلمات الخالدة و هو يبين لنا عظمة الخالق الذي خلق الإنسان من سلالة من طين؛ و صوره فأحسن صوره، و جعل كل خلية و عضو من أعضائه معجزة ربانية باقية بقاء الكون، تدلل على قدرته و بديع صنعه.

الإمام عليه السّلام صرح بهذه المعجزات العلمية قبل مئات السنين، حيث لا وسائل علمية حديثة و لا مختبرات متطورة و لا علم للتشريح العصري؛ و لم يكتفي الإمام بذلك بل شرح تركيب و عمل تلك الأعضاء الحساسة التي يجهلها أغلب الناس.

إن القدرة الإلهية تتجلى بوضوح عند ما نتعرف على دقة التكوين في تلك الأعضاء الحياتية للأنسان (كالعين و اللسان و الأذن و الأنف)؛ فتلك الأعضاء بالرغم من صغرها و ظرافة و دقة تركيبها، تبهر العقل و تجعل الإنسان العاقل يقف بإجلال و خشوع للرب الكريم على النعم و العطايا التي توجب الشكر و الطاعة و الإيمان.

إن كشف هذه الحقائق خلال تلك الفترة من التاريخ هي بلا ريب معجزة علمية، تؤكد بلا شك بأنّ علوم الإمام علي عليه السّلام هي علوم الهية أخذها من حبيبه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله؛ و إلاّ كيف عرف الإمام أن كرة العين عبارة عن قطعة شحمية صغيرة، و ان السمع يعتمد على ثلاث عظام صغيرة جدا داخل الأذن الوسطى، و أن ثقب الأنف الذي هو طريق التنفس الصحيح لا تتجاوز فتحته سنتمتر مربع يؤدي إلى غشاء مخاطي شفاف يعمل كأعظم مكيّف هوائي بالرغم من صغره و دقته و ديمومته و ثبات درجة حرارته.

حقا إن تلك الأعضاء هي من العجائب التي تحيّر العقول، و تجعل

ص: 199

الإنسان يخر راكعا لربه الذي تحنن عليه بكثير من النعم، فشكرا للّه تعالى و للرسول صلّى اللّه عليه و آله و للامام علي عليه السّلام على الهداية التي أوصلتنا إلى معرفة و طاعة خالقنا الكريم.

و الآن ما أحرى بنا أن نطلّع على تكوين تلك الأعضاء من الناحية التشريحية و الفسيولوجية، لنكون على بيّنة من بحر علم علي عليه السّلام.

«ينظر بشحم»

بعض خواص العين:

1 - عبارة عن قطعة شحمية لا يتجاوز وزنها (8) غرامات، تحركها عدة عضلات رقيقة و دقيقة في مختلف الأتجاهات، و تقع في حفرة خاصة في مقدمة الجمجة.

2 - العين هي المسؤولة عن الإبصار و الإدراك و رؤية الأشياء على حقيقتها و الوانها؛ سواء كانت جميلة أم قبيحة.

3 - العين هي إحدى مسببات الحسد.

4 - العين هي العضو الذي يميز به الإنسان بين الحق و الباطل.

5 - قد تجلب لصاحبها الذنوب لأنها إحدى مصائد الشيطان.

6 - أحد أسباب سعادة الإنسان، و هو يرى بها الحياة السعيدة و المناظر الجميلة.

7 - تعطي الأمل و التطلع نحو المستقبل إذا كانت سليمة، إما إذا أصيب الإنسان بالعمى، فقد يعاني من عقد نفسية عديدة.

8 - تعطي الإنسان جمالا إضافيا إذا كانت واسعة و ملونة و ذات أهداب طويلة.

ص: 200

9 - مصدر قلق و إزعاج إذا اصيبت بمرض خاص.

10 - لها أشكال معينة عند بعض الأقوام، كالمغول و الأفغان و الصينيين.

حاسة البصر:

تعتبر حاستي السمع و البصر الجهازان المميزان عند الإنسان، حيث من خلالهما يطل على العالم و يتلقى قضايا الادراك و الاحساس و التوازن.

فتعلم النطق يتم عن طريق السمع، فاذا ولد الإنسان أصم صعب عليه التفاهم و الاندماج مع المجتمع الذي يعيش فيه؛ لأن جهاز السمع هو الذي ينمي إدراك الإنسان و ذهنه و وعيه. أما الكتابة، فإنها تكتسب عن طريق البصر بالدرجة الاولى، و أول آية نزلت من القرآن: اِقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ اَلَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ اَلْإِنْسٰانَ مِنْ عَلَقٍ * اِقْرَأْ وَ رَبُّكَ اَلْأَكْرَمُ * اَلَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ اَلْإِنْسٰانَ مٰا لَمْ يَعْلَمْ . (1)

النور و التمييز:

الرؤية أو الإبصار يتم بواسطة الضوء، و لا رؤية بدون شعاع ضوئي، و تبلغ سرعة الضوء (300000) ثلاثمائة الف كيلومتر في الثانية الواحدة.

ينطلق الشعاع الضوئي من الجسم إلى العين و يخترق سلسلة أواسط شفافة كاسرة للنور؛ حتى يقع على منطقة حساسة في العين هي الشبكية، التي توجد فيها العناصر أو الخلايا الحساسة للضوء حيث تتأثر

ص: 201


1- سورة العلق، الآيات: 1-5.

بالاشعاعات، و ينتقل هذا التأثير بشكل سيالة عصبية عبر ألياف العصب البصري إلى السرير البصري؛ و منه إلى الفص القفوي الذي هو مركز الرؤية العام في الدماغ و هو مضاعف في فصي الدماغ. و هكذا بواسطة العين و ما يأتيها من ضوء، يمكن للإنسان أن يتعرف على المحيط الخارجي بصورة كاملة، و يشترط أن تكون الرؤية بالعينين حتى تصبح الصورة مجسمة و واضحة، حيث يتعرف الإنسان على الموجودات من ناحية الشكل و اللون و المسافة.

و بواسطة العين يتمكن الإنسان من تعلم القرأءة و الكتابة، و بواسطة العين يحفظ الإنسان توازنه الطبيعي أثناء المشي و الحركة و العمل، كما يتزن من الناحية الفكرية و النفسية.

كرة العين(1):

تعتبر كرة العين التي تزن ثمانية غرامات من أرقى و أروع غرف التصوير الفنية، فهي غرفة مغلفة بثلاث جدران هي من الخارج إلى الداخل، الصلبة: و هي التي تعطي اللون الأبيض للعين، و المشيمية: و هي التي تزود بعروقها العين، و الشبكية: و هي التي تحوي العناصر الحساسة و المستقبلة للضوء، و هي عبارة عن المخاريط و العصيات.

في مقدمة العين توجد بلّورة رقيقة هي القرنية التي تدخل الضوء القادم إلى العين؛ ثم يجتاز الضوء بعد القرنية سائلا شفافا كاسرا للضوء، هو الخلط المائي الذي يقع ما بين القرنية و القزحية و القزحية هي التي تعطي

ص: 202


1- بتصرف من كتاب: الطب محراب الإيمان للدكتور خالص جلبي.

العينين لونهما المعهود و تقع في مركزها الحدقة، فاذا دخل الضوء الحدقة واجه بلّورة من نوع خاص هي الجسم البلّوري، و هي أعجب بلّورة إلهية موجودة في عالم الإنسان لأنها تتمدد و تتقلص بحيث تتغير وجوه تحدبها إلى درجات عديدة و كبيرة؛ كي تتطابق رؤية العين مع الصور و المناظر التي تقع أمامها، فإذا كانت المسافة المرئية قريبة تمددت و تقلصت بما يناسب الحالة، و العكس بالعكس. بعد الجسم البلّوري يدخل الضوء محيطا جديدا شفافا كاسرا للضوء هو الخلط الزجاجي؛ بعدها يصل إلى الشبكية حيث تستقبله العصيات و المخاريط و تنقله بشكل سيالة عصبية إلى الفص القفوي في الدماغ.

العين كعضو تقع في التجويف الأمامي للجمجة، و تحيطها وسائل الوقاية كالحواجب و البروز العظمي الجبهوي من الأعلى بحيث تحمي العين من الضربات و الصدمات و الأشعة و العرق؛ و من الأسفل ارتفاع عظم الوجنة، كما أن العين مغطاة بالجفون التي تتحرك بسرعة لحمايتها، أما من الداخل، فتغلق العين بغشاء رقيق شفاف يسمى الملتحمة.

في حالة دخول أجسام غريبة أو ميكروبات تقوم الغدد الدمعية بإفراز مادة معقمة تسمى خميرة الليزوزيم. غدد العين تفرز باستمرار لتطهر العين و ترطبها و تعطيها البريق الخاص، بعدها يذهب الدمع عبر قناة إلى الأنف لترطيبه من الهواء الجاف الذاهب إلى الرئتين.

إن حدقة العين تنكمش و تتوسع حسب قرب و بعد الأجسام المراد رؤيتها؛ و كذلك حسب درجة الإضاءة، لأنّ دخول كمية كبيرة من الضوء إلى العين يؤثر عليها، فاذا كان الجسم قريبا، فإنّ الإنسان يراه حتى و ان

ص: 203

كانت الحدقة منقبضة، أما إذا كان الجسم بعيدا و يحتاج إلى رؤية واسعة، تتوسع الحدقة، و يتم ذلك بواسطة العضلات المحيطة بالحدقة.

إن تقدير مدى الرؤية و المرئيات يتم بواسطة خلايا قشر الدماغ، حيث ترقد مراكز الوعي و الادراك و الفهم و التحليل و الذاكرة و الابداع و فهم الألوان.

للعين إحساسان للرؤية:

الأول: الإحساس عديم اللون.

و الثاني: الإحساس اللوني.

و تمتاز عصيات العين بميزتين: الإحساس للرؤية الضعيفة، و النور العادي، اما المخاريط فلها ميزتان، هما: الرؤية المركزة الشديدة الإثارة، و تمييز الألوان.

حدود الرؤية:

إن العين لها حدود عند ما تبصر الأشياء، فاذا ابتعد الجسم المرئي أكثر من المعتاد، لم تعد العين تراه، و إذا إقترب أكثر من اللازم، تشوشت الرؤية، و هذا ما يعرف بنقطة المدى و نقطة الكثب.

الألوان المرئية لها طيوف يمكن للعين أن تبصرها، و لكن هنالك إشعاعات عديدة لا تراها العين و لا يدركها البصر. و صدق الباري حين قال:

أَ لَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَ لِسٰاناً وَ شَفَتَيْنِ * وَ هَدَيْنٰاهُ اَلنَّجْدَيْنِ . (1)

ص: 204


1- سورة البلد، الآيات: 8-10.

«و يتكلّم بلحم»

تكوين اللسان:

يتكون اللسان من (17) عضلة للحركة في مختلف الاتجاهات، و غشاء مخاطي يغلّف تلك العضلات، و عصب خاص لتحريكه في كل نصف، أي عصبان رأسيان، هما: العصب الكبير تحت اللسان في كل جانب. و (6) أعصاب لنقل الحسن ثلاثة في كل جانب:

1 - العصب اللساني لنقل الحس من مقدمة اللسان.

2 - العصب البلعومي اللساني لنقل الحس من مؤخرة اللسان.

3 - العصب المبهم لنقل الحس من البلعوم و المزمار.

اللسان كعضو حساس و فعال ترقد فيه آلاف النتوءات و البراعم الذوقية و يحس أنواع الأطعمة، و يستخدم في عملية المضغ و البلع و الذوق و الصوت و المدح و القدح. لقد بلغت دقة التأثر في الذورق أنّ اللسان يحس بالطعم المر و لو بلغ تركيزه على اللسان أربعة أجزاء من مائة ألف، كذلك يساعد على نطق حروف كثيرة. و صدق القرآن الكريم حين قال: أَ لَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَ لِسٰاناً وَ شَفَتَيْنِ . (1)

حاسة الذوق:

حاسة الذوق تستقر في اللسان و باطن الفم، اللسان يتحسس حوالي ستة أنواع من الطعام، الحلو و المر و المالح و الحامض و الطعم المعدني

ص: 205


1- سورة البلد، الآيات: 8-9.

و القلوي. هذه المذاقات الأساسية تتفرع منها اشتقاقات كثيرة جدا حسب إمتزاج هذه المذاقات و بنسب مختلفة؛ و هنالك التقاء ما بين الطعم و الرائحة حيث تؤثر بعض المواد برائحتها و طعمها فتسبب ما يسمى بالنكهة أو الذوق. كما أن تلك الطعوم و المذاقات تتوضع على اللسان في أماكن محددة، فالطعم الحلو تتوضع نتوءاته الذوقية في مقدمة اللسان، و الطعم المر في مؤخرة اللسان، و أما المالح فيتوضع على جوانب اللسان و ذروته، كما تحس به معظم أعضاء الفم مثل الشفتين و الحنك و باطن الخدين وقاع الفم، و أما الطعم الحامض فيتوضع على جوانب اللسان.

النتوءات الذوقية عجيبة و مدهشة في تركيبها النسيجي، فهي تكوّن في اللسان ما يشبه الكهوف الصغيرة العديدة حيث تكون فتحة البرعم الذوقي صغيرة و تتمادى مع سطح اللسان. في داخل البرعم ترقد الخلايا الذوقية و هي ترسل أهدابها التي تتحس الذوق، و يدخل العصب الذي ينتشر بأليافه من قاعدة هذا الكهف الذوقي. داخل هذا الكهف نرى الخلايا الحسية، و الخلايا التي تسندها، و الخلايا التي تحيط بالبرعم الذوقي تتوزع البراعم الذوقية في الحليمات اللسانية. الحليمات اللسانية ثلاثة أنواع:

1 - الحليمات الخيطية.

2 - الحليمات الكمئية.

3 - الحليمات الكأسية.

لقد وجد أنّ البراعم الذوقية تصل أحيانا في الحليمة الواحدة إلى (250) برعم ذوقي، و قد قدر عدد البراعم الذوقية في اللسان إلى حوالي (9000) برعم ذوقي تنقل طعوم أنواع و أشكال الأطعمة.

ص: 206

«و يسمع بعظم»

تعتبر حاسة السمع من عجائب خلق اللّه، و قد توصل العلماء إلى معرفة كيفية انتقال الصوت؛ إما مهمة و معرفة و تمييز الكلمات التي تسمع فهي قضايا معقدة لم تفهم لحد الآن.

تنقسم الأذن إلى ثلاثة أقسام:

1 - الأذن الخارجية.

2 - الأذن الوسطى.

3 - الأذن الداخلية.

الأذن الخارجية تتكون من صيوان الأذن الخارجي مع ممر يوصل إلى غشاء الطبلة. الأذن الوسطى فيها ثلاث عظام تشبه أدوات الحداد، تسمى المطرقة و السندان و الركابة. و عضلتان هما المطرقة و الركابة، و هنالك قناة توصل ما بين الأذن الوسطى و البلعوم تسمى قناة اوستاكي.

الأذن الداخلية فيها الحلزون و الأقنية الهلالية، و هذه الأقسام متصلة ببعضها و تبطن الأقنية من الداخل أغشية مخاطية تشبه الكيس؛ أما الحلزون الذي يدور دورتين و نصف، فيوجد بداخله عضو كورتي.

تعتبر الأذن الداخلية الجهاز المستقبل للأصوات، و الأذن الوسطى و الخارجية الجهاز الناقل للأصوات، و لو لا هذا الجهاز الناقل لما كان بمقدور الإنسان أن يسمع الأصوات.

ينتقل الصوت نتيجة اهتزاز جزئيات المادة، و لذا فان الصوت لا ينتقل ما لم يكن هنالك وسط مادي (هواء، سائل، أجسام صلبة). الصوت له سرعة معينة ثابتة (340) متر في الثانية الواحدة.

ص: 207

و نظرا لأن نقل الصوت يعتمد على الأذن الخارجية و الوسطى نرى أن الأذن الخارجية تتألف من مادة غضروفية فيا تعاريج و التواءات لجمع الصوت (الصيوان)؛ و من الصيوان ينتقل الصوت عبر ممر يبلغ طوله 5، 2 سم مقوس إلى الأسفل حيث ينتهي بغشاء مرن جدا هو غشاء الطبلة. هذا المجرى الذي ينقل الصوت يحتوي في مقدمته على شعر لاصطياد ذرات الغبار، و غدد صملاخية تفرز مادة الصملاخ التي تقتل المواد الغريبة الداخلة.

إن اهتزاز غشاء الطبلة يؤدي إلى اهتزاز عظام السمع الثلاث، لأنها متصلة ببعض، العظم الأول الذي يتصل بغشاء الطبلة هو عظم المطرقة، و العظم الذي يتصل بالأذن الداخلية هو عظم الركابة، و بينهما عظم السندان.

يبلغ وزن العظام الثلاثة (55) ملغم، و لذا فهي خفيفة و تتجاوب مع الاهتزازات. التمفصل بين العظام دقيق إلى درجة أن أدنى صوت أو همس معناه اهتزاز غشاء الطبلة، ثم اهتزاز العظام التي تنقله بدورها إلى الأذن الداخلية. و العجيب أنّ اواسط الأذن تناسب نقل الصوت تماما و هي الهواء في المجرى، و الأجسام الصلبة المتمثلة في العظام في الأذن الوسطى و الأجسام الصلبة و السوائل في داخل الأذن الداخلية.

عظام الأذن الوسطى تقوم بتسريع مرور الصوت إلى الأذن الداخلية، كما أنها تضخم الصوت أيضا، فسطح غشاء الطبلة يبلغ (20) ضعفا لسطح قاعدة الركابة، و قد وجد أنّ الصوت يزداد عشرة أضعاف حينما يصل إلى قاعدة الركابة. إن عظم الركابة يهتز باشكال مختلفة من حين لآخر؛ و لقد وجد أن هذا العظم الصغير يحوّر إتجاه تمفصله بحيث يبقى محافظا على نقل الصوت إلى الإذن الداخلية؛ بشكل يقيها من الأذى إلى حد ما إذا كانت

ص: 208

الأصوات القادمة شديدة.

أما العضلتان أي عضلة المطرقة و الركابة، فإنّ الاولى تسعى لإدخال عظم الركابة أكثر إلى داخل النافذة البيضية، و عضلة الركابة تفعل بالعكس، و هكذا يحدث الاتزان بتقلص العضلتين معا.

أما قناة اوستاكي التي تمتد ما بين البلعوم و الأذن الوسطى، فتقوم بتعديل الضغط بين داخل الأذن الوسطى و الخارجية، خصوصا و أن غشاء الطبلة يسد الفوهة سدا محكما.

الأذن الطبيعة تسمع الأصوات إذا كانت ذبذبتها تتراوح ما بين (16 - 20000) ذبذبة في الثانية.

الأذن الداخلية:

لها وظيفتان: الأولى: السمع، و الثانية: التوازن. و هي مكونة من دهاليز و ممرات معقدة، و جدارها الداخلي الذي يشرف على الأذن الوسطى يتكون من نافذتين، علوية: هي النافذة البيضية، و سفلية: هي النافذة المدورة. في الداخل على اليمين يقبع الحلزون الذي يدور دورتين و نصف حول نفسه، بعدها يأتي عضو كورتي الذي يضم ما يقارب (100000) خلية سمعية حيث تتصل بالخلايا؛ و من بين العظيم ألياف عصبية في منتهى الدقة و الرقة، تجتمع لتشكل العصب السمعي الذي يصل إلى عقدة سكاربا ثم إلى الفص الصدغي من فصوص الدماغ الذي يختص بالسمع.

أما ألياف العصب الدهليزي التي تتصل بالأقنية الهلالية، فهي تنقل حاسة الموازنة و وضع رأس و جسم الإنسان إلى المخيخ، حيث يتم التوازن بالاشتراك ما بين الدهليز و المخيخ و الحبال الخلفية من النخاع الشوكي التي

ص: 209

تنقل الحس العميق؛ بالاضافة إلى البصر الذي يقدّر الوضع و المسافات، و العظام و المفاصل و العضلات التي تتلقى الأوامر اللازمة حتى يحدث الشد المناسب. و هكذا يتوازن الإنسان.

«و يتنفّس من خرم»

الأنف يقع في مقدمة الوجه ما بين العينين، و يبلغ طوله عدة سنتيمترات لا غير، و يقسم بحاجز غضروفي إلى قسمين. فتحتي الأنف تقعان في الأسفل، أعلى الشفة العليا للفم، و يبلغ قطر الواحدة أقل من سنتمر مربع، و لهما وظيفتان:

الاولى: ايصال الهواء إلى الرئتين، عن طريق قناة الأنف التي تفتح على البلعوم و منها إلى القصبة الهوائية، لأنّ التنفس الصحيح و الطبيعي يتم عن طريق الأنف و ليس الفم.

و الثانية: ايصال الهواء و الابخرة و الروائح إلى خلايا حاسة الشم التي تقع في الجزء العلوي من الأنف؛ لتميز نوع و خاصية الرائحة التي يتعرض لها الإنسان خلال عمله اليومي.

تتصل بأعلى الأنف قناة قصيرة، ينحدر خلالها الدمع الزائد عن حاجة العين، ليرطب أغشية الأنف، و يمنع مرور الغبار المتعلق بالهواء من دخول الرئة. الأنف يقسم تشريحيا إلى ثلاثة أقسام، الثلثين الأولين يختصان بعملية التنفس التي تجري بصورة لا إرادية حيث يقوم الغشاء المخاطي الذي يغطي سطح تلك الأقسام بتعديل رطوبة و درجة حرارة الهواء المار إلى الرئتين لكي يصل إليها بصورة معتدلة ملائمة لدرجة حرارة الجسم، و بذلك تصبح الحويصلات بعيدة عن الأذى و الضرر، أما الثلث

ص: 210

الأعلى و الأخير، فهو مختص بحاسة الشم.

إن هذه الغضاريف و الأغشية التي لا تتجاوز عدة سنتيمترات، هي من المعجزات الألهية الكبيرة التي منّ اللّه تعالى بها على الإنسان، ففي فصل الصيف الحار تقوم بتبريد و ترطيب الهواء الذاهب إلى الرئتين، و في الشتاء تقوم بتدفئة و تجفيف الهواء البارد الرطب قبل دخوله إلى الرئتين. و تعمل تلك الأغشية ليلا و نهارا من دون أن ترتفع درجة حرارتها و لا يصدر عنها صوت أو ضوضاء تعكر حياة الانسان، أو تؤثر على أفكاره و أعماله. حقا إنها إحدى النعم الألهية التي توجب الشكر.

الإمام علي عليه السّلام أراد أن يلفت نظرنا إلى تلك المعجزة الألهية التي تتبلور لنا من خلال ثقب صغير (خرم)، يجري خلاله التنفس بيسر و سهولة لا مثيل لها، و ان وراء تلك الفتحة مدفئات و مبرّدات و كومبيوترات إلهية معقدة التركيب، لا يمكن للعقل البشري أن يتصورها بوسائله العادية، إلاّ إذا جهد في معرفة تركيبها التشريحي و عملها الفسلجي، و عندها يتيقن بلا شك بأنّ الصانع عظيم، و أنّ الإنسان مهما جهد في صنع أجهزة متطورة و حديثة لا يمكنه مجارات أو منافسة الصانع الحكيم.

حاسة الشم

حاسة الشم(1)

تتركز حاسة الشم في القسم العلوي من الأنف، و عند ما نلقي نظرة على الجدار الداخلي للأنف، نرى فيه ثلاث قطع غضروفية مغلفة بغشاء مخاطي يعلو بعضها البعض، و تسمى القرنيات. هذه القرنيات تشارك في

ص: 211


1- samson wright's Applied physiology

عملية تسخين و تبريد الهواء أثناء مروره بالأنف. و إذا ما نظرنا إلى ما فوق القرين العلوي تتوضح أمامنا المنطقة الشمية التي تبلغ مساحتها (250) مليمتر مربع و تحوي على خلايا حسية تقدر ما بين (20-100) مليون خلية؛ و منها تتوزع ألياف العصب الشمي، بعد أن تجتاز سقف الأنف من خلال الصفيحة الغربالية. إنّ هذه الألياف العصبية تتوزع بحيث يكون لكل خلية شمية (6 - 8) أهداب تغطس في سائل مخاطي يعلو أطرافها، فإذا وصلت الروائح إلى تلك المنطقة ذابت في السائل المخاطي أولا، ثم في المواد التي تحويها تلك الأهداب، و هي ذات طبيعة دهنية تساعد على حل المواد الكيمائية القادمة.

و قد وجد أن لكل رائحة مكان و شكل خاص داخل السائل المخاطي.

إن الألياف العصبية تصعد إلى منطقة الدماغ حيث تستقر في منطقة اولية، هي البصلة الشمية، ثم تنتقل إلى مناطق اخرى مثل تلفيف حصان البحر، و قرن آمون، و الجسم المشرشر، التي ترتبط بارتباط خاص مع مناطق كثيرة في الدماغ، و لذا تشترك الرائحة مع إثارة الشهية للطعام، و تحريك الدوافع الجنسية، كما تقوم بتأثيرات روحية و نفسية و أفعال الذاكرة.

إن الروائح القادمة عبر فتحات الأنف تؤثر على الألياف العصبية و لو كانت بكمية قليلة؛ فلقد وجد أنّ بعض الروائح تؤثر بتركيز يبلغ حوالي خمسة أجزاء من (100) مليون من الغرام في السنتميتر المكعب، و صدق اللّه العظيم حين قال: وَ خَلَقَ كُلَّ شَيْ ءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً (1)صُنْعَ اَللّٰهِ اَلَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْ ءٍ . (2)

ص: 212


1- سورة الفرقان، الآية: 2.
2- سورة النمل، الآية: 88.

العلاج

قال الإمام علي عليه السّلام:

«نحمده على ما كان و نستعينه من أمرنا على ما يكون، و نسأله المعافاة في الأديان، كما نسأله المعافاة في الأبدان»(1).

«كلّ شيء خاشع له، و كلّ شيء قائم، به، غني كلّ فقير، و عزّ كلّ ذليل، و قوّة كلّ ضعيف، و مفزع كلّ ملهوف»(2).

«ما أصف من دار أوّلها عناء، و آخرها فناء، في حلالها حساب و في حرامها عقاب»(3).

«فلا يضرّنّك سواد النّاس من نفسك، و قد رأيت من كان قبلك ممّن جمع المال و حذر الإقلال، و أمن العواقب - طول أمل و استبعاد أجل - كيف نزل به الموت فأزعجه عن وطنه»(4).

«و لو أنّ النّاس حين تنزل بهم النّقم، و تزول عنهم النعم فزعوا إلى ربّهم بصدق من نيّاتهم، و وله من قلوبهم، لردّ عليهم كلّ شارد، و أصلح لهم كلّ فاسد»(5).

«فإنّ تقوى اللّه دواء داء قلوبكم، و بصر عمى أفئدتكم، و شفاء مرض أجسادكم، و صلاح فساد صدوركم، و طهور دنس أنفسكم، و جلاء غشاء أبصاركم، و أمن فزع جأشكم، و ضياء سواد ظلمتكم»(6).

ص: 213


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 7 ص 80.
2- المصدر السابق: ج 7 ص 194.
3- المصدر السابق: ج 6 ص 238.
4- المصدر السابق: ج 8 ص 269.
5- المصدر السابق: ج 10 ص 61.
6- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 10 ص 188.

ص: 214

بعد أن سيطرت المادة على عقول الأغلبية خصوصا بعد الثورة الصناعية و التقدم التكنولوجي و توسع المدن و المجتمعات البشرية و التنافس المادي الخالي من القيم و الأخلاق؛ بدأت الأمراض الروحية و النفسية تعصف بالعالم، مدمرة و محيلة الحياة إلى هم و غم و ألم، مما أدى إلى زيادة الحاجة للعلاج، بالأخص العلاج الروحي الذي أصبح ضرورة ملحة تمليها الظروف الحياتية و الإجتماعية التي طفحت بالمآسي و الآلام؛ حتى أصبحت الدنيا في أعين الكثير من الناس: ظلام دامس، و كآبة دائمة، و خوف مستحكم، يضغط على روح و عقل الإنسان المعاصر الذي أصبح يعاني شتى أنواع الأمراض النفسية و الجسدية.

هذه الحقيقة فرضت علينا الرجوع إلى قيمنا الإنسانية، و أعرافنا الإجتماعية، و تعاليمنا الدينية الرشيدة، التي تحصّن الإنسان ضد مختلف الأمراض الروحية و تمنعه من الانزلاق نحو الهاوية.

الإمام علي عليه السّلام الوصي و المعلم و الطبيب الروحي الكبير بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله رسم بما لا يقبل الشك، و وضّح بيقين، و بيّن بإخلاص، العلاج الشافي و الطريق الوافي و الكافي الذي يقينا من الإصابة بالأمراض النفسية، من خلال الإيمان و الايحاء و الامتناع فيقول

عليه السّلام:

«نحمده على ما كان، و نستعينه من أمرنا على ما يكون، و نسأله المعافاة في الأديان، كما نسأله المعافاة في الأبدان، عباد اللّه أوصيكم بالرفض لهذه الدنيا التاركة لكم و إن لم تحبوا تركها، و المبلية لأجسامكم و إن كنتم تحبون تجديدها، فإنما مثلكم و مثلها كسفر سلكوا سبيلا، فكأنهم قد قطعوه، و امّوا علما فكأنهم قد بلغوه، و كم عسى المجري إلى الغاية أن

ص: 215

يجري إليها حتى يبلغها! و ما عسى أن يكون بقاء من له يوم لا يعدوه، و طالب حثيث من الموت يحدوه، و مزعج في الدنيا عن الدنيا حتى يفارقها رغما، فلا تنافسوا في عز الدنيا و فخرها، و لا تعجبوا بزينتها و نعيمها، و لا تجزعوا من ضرائها و بؤسها، فإن عزها و فخرها إلى إنقطاع، و زينتها و نعيمها إلى زوال، و ضرائها و بؤسها إلى نفاد، و كل مدة فيها إلى انتهاء، و كل حيّ فيها إلى فناء، أو ليس لكم في آثار الأولين مزدجر، و في آبائكم الأولين تبصرة و معتبر، إن كنتم تعقلون، أو لم تروا إلى الماضين منكم لا يرجعون، و إلى الخلف الباقين لا يبقون، أولستم ترون أهل الدنيا يصبحون و يمسون على أحوال شتى فميّت يبكى، و آخر يعزّى، و صريع مبتلى، و عائد يعود، و آخر بنفسه يجود، و طالب للدنيا و الموت يطلبه، و غافل و ليس بمغفول عنه و على أثر الماضي ما يمضي الباقي.

أ لا فاذكروا هادم اللذات، و منغص الشهوات، و قاطع الامنيات عند المساورة للأعمال القبيحة، و استعينوا اللّه على أداء واجب حقه، و ما لا يحصى من أعداد نعمه و إحسانه»(1).

الإمام في هذه الخطبة الرائعة وضّح معاناة الإنسان بأوجهها المختلفة، و شخّص لنا قطب الأمراض النفسية و هي الدنيا التي نعيشها و ما فيها من مخلوقات، و كيفية الوقاية من أمراضها النفسية و الجسدية، عن طريق ترك لذاتها و مغرياتها الزائفة التي لا تدوم لأحد من البشر، فالعاقل من ترك التنافس في عز الدنيا و فخرها و نعيمها، و تخلص من الخوف و القلق الذي يرافق الساعي إليها و المتمسك بها.

ص: 216


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 7 ص 80.

الإمام أراد بهذا التحليل النفسي الواقعي أن يضع الإنسان في مكانه الملائم و اللائق، كي يطّلع على حقيقة نفسه، و أن يرضى بقلب قانع، ما أراده اللّه له وفق عدالته التي توزع الرزق حسب الحاجة و الضرورات و العدل، فمن اقتنع بإرادة اللّه و مشيئته، و ابتعد عن الطمع و الحسد، و تجنب اليأس و القنوط و تمسك بحبل الإيمان و عدالة الرحمن، أصبح متمسكا بدينه و دنياه.

الإمام هنا يرفع من معنويات الإنسان الضعيف الإرادة، المضطرب الأعصاب، من خلال إبراز القضية بأحلى صورها، في القبول بأنّ الخالق هو القادر و المعطي و المسيطر على كل شيء فيقول:

«كل شيء خاشع له، و كل شيء قائم به، غني كلّ فقير، و عزّ كلّ ذليل، و قوّة كلّ ضعيف، و مفزع كلّ ملهوف، من تكلّم سمع نطقه، و من سكت علم سرّه، و من عاش فعليه رزقه، و من مات فإليه منقلبه»(1).

إنّ حب الدنيا و الركض وراءها بالحرام، و التحايل و الخداع و الغش يجعل الإنسان آلة مسيرة لشهواتها، تنخره الأمراض النفسية بمختلف أشكالها، و العاقل من ترك الدنيا و لذاتها، لأنّها ليست دار قرار أو خلود، فيقول

الإمام عليه السّلام: «ما أصف من دار أولها عناء، و آخرها فناء، في حلالها حساب و في حرامها عقاب، من استغنى فيها فتن، و من افتقر فيها حزن، و من ساعاها فاتته و من قعد عنها واتته، و من أبصر بها بصّرته، و من أبعد اليها أعمته»(2).

بهذه النصائح القيمّة، و هذا الأسلوب الجميل، أراد الإمام أن يعطينا

ص: 217


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 7 ص 194.
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 6 ص 238.

حلا لأعظم مشكلة تقف امام تطلع الإنسان و سموه؛ ألاّ و هي حب المال و الدنيا الذي سيطر على عقل الإنسان حتى جعله يقتل أخاه في سبيل الحصول على ما يريد، متناسيا بأنّ الماديات هي الحجاب و الحاجز الحائل بين الإيمان و الزهد و حب الخير للآخرين؛ لذا

قال الإمام عليه السّلام: «فلا يغرّنك سواد الناس من نفسك، و قد رأيت من كان قبلك ممن جمع المال و حذر الاقلال، و أمن العواقب - طول أمل و استبعاد أجل - كيف نزل به الموت فأزعجه عن وطنه، و أخذه من مأمنه، محمولا على أعواد المنايا يتعاطى به الرجال، حملا على المناكب و امساكا بالأنامل. أما رأيتم الذين يأملون بعيدا، و يبنون مشيدا، و يجمعون كثيرا، كيف أصبحت بيوتهم قبورا، و ما جمعوا بورا، و صارت أموالهم للوارثين و أزواجهم لقوم آخرين، لا في حسنة يزيدون و لا من سيئة يستعتبون»(1).

و يستمر الإمام يهز ضمير الإنسان نحو التمسك بالشريعة الاسلامية، لإنها العلاج الوحيد الذي يشفي صدر الإنسان من وساوس الشيطان، و ينفّس النفس من الذنوب و الأدران، و يدفعها نحو سلوك طريق الرحمن، فيقول:

«و لو أنّ الناس حين تنزل بهم النقم، و تزول عنهم النعم، فزعوا إلى ربهم بصدق من نياتهم و وله من قلوبهم، لردّ عليهم كلّ شارد و أصلح لهم كل فاسد»(2).

و يستمر الإمام بالتوجيه، و إعطاء العلاج الشافي، من خلال التمسك بفضيلة الصبر خصوصا الصبر على مشاكل الدنيا و بلائها؛ و مواجهة الأحداث و المعضلات، بروح مؤمنة و نفس عالية و شكر دائم؛ لأنّ اللّه مع

ص: 218


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 8 ص 269.
2- شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد: ج 10 ص 61.

الصابرين، فيقول:

«حتى إذا رأى اللّه سبحانه جد الصبر منهم على الأذى في محبته، و الاحتمال للمكروه من خوفه، جعل لهم من مضايق البلاء فرجا، فأبدلهم العزّ مكان الذل، و الأمن مكان الخوف، فصاروا ملوكا حكّاما، و ائمة أعلاما، و قد بلغت الكرامة من اللّه لهم ما لم تذهب الآمال إليه بهم»(1).

و الصبر تتبعه التقوى التي هي خير عون للانسان المؤمن على مواجهة الوساوس و القلق و الأمراض النفسية الاخرى؛ و لا يوجد شيء أفضل من الصبر الذي يجعل الإنسان أكثر اطمئنانا و استعدادا،

فقال الإمام عليه السّلام: «فإنّ تقوى اللّه دواء داء قلوبكم و بصر عمى أفئدتكم، و شفاء مرض أجسادكم، و صلاح فساد صدوركم، و طهور دنس أنفسكم، و جلاء غشاء أبصاركم، و أمن فزع جأشكم، و ضياء سواد ظلمتكم، فأجعلوا طاعة اللّه شعارا دون دثاركم، و دخيلا دون شعاركم، و لطيفا بين أضلاعكم، و أميرا فوق أموركم، و منهلا لحين ورودكم، و شفيعا لدرك طلبتكم، و جنّة ليوم فزعكم، و مصابيح لبطون قبوركم، و سكنا لطول وحشتكم، و نفسا لكرب مواطنكم، فإنّ طاعة اللّه حرز من متالف مكتنفة، و مخاوف متوقّعة و أوار نيران موقدة»(2).

ثم يعرّج الإمام على ترويض النفس على الطاعة التامة للّه و تحمل خشونة الحياة؛ لكي تتم السيطرة عليها و التحكم بأمورها و الابتعاد عن مغرياتها و انحرافها، من خلال الابتعاد عن الهم و الفكر الذي يدمّر حياة الإنسان و يجعلها جحيم لا يطاق،

فيقول الإمام عليه السّلام: «لاروّضن نفسي

ص: 219


1- شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد: ج 13 ص 169.
2- المصدر السابق: ج 10 ص 188.

رياضة تهش معها إلى القرص إذا قدرت عليه مطعوما، و تقنع بالملح مأدوما، و لأدعن مقلتي كعين ماء نضب معينها مستفرغة...»(1).

و أخيرا يوصي الإمام الإنسان بالتحلي بالقناعة، و ترك الترف، و حب المال، و الطغيان و التعصب، الذي يؤدي إلى الإنحراف و الهاوية و التفرقة الإجتماعية و الحقد و الحسد؛ و أفضل الطرق مناسبة للوقاية من الوقوع في شبك تلك الأمراض هي السيطرة على النفس و شهواتها، لأنّ النفس البشرية أمارة بالسوء إلاّ ما رحم اللّه، لهذا

قال الإمام علي عليه السّلام: «فاملك هواك و شح بنفسك، عما لا يحلّ لك، فإنّ الشح بالنفس الإنصاف منها فيما أحبّت أو كرهت»(2).

و هكذا بيّن لنا الإمام علي عليه السّلام لمحات جذابة مشرقة، للطرق و الوسائل التي تقي الانسان و تبعده عن الوساس و الأوهام التي تقود إلى الإصابة بالأمراض النفسية المختلفة، التي توّلدها مسببات الحياة و النزوع إلى حب الدنيا.

و الآن لنستعرض العلاج بجانبيه الروحي و الطبي:

العلاج الروحي يشمل الجوانب التالية:

1 - حسن الخلق(3):

أي أن يكون الإنسان حسن في الظاهر و الباطن، لكون الإنسان مركّب من جسد مدرك بالبصر، و من روح و نفس مدركة بالبصيرة، و لكل واحدة منهما هيئة و صورة، و إما قبيحة و اما جميلة.

ص: 220


1- شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد: ج 16 ص 294.
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 17 ص 31.
3- بتصرف من كتاب المحجة البيضاء في تهذيب الاحياء: ج 5 ص 95.

و حسن الخلق بسط الوجه، و بذل الندى، و كف الأذى، هو أنّ الإنسان لا يخاصم و لا يخاصم من شدّة معرفته باللّه.

2 - كسر شهوة البطن و الفرج(1):

البطن مصدر الشهوات التي تؤدي إلى شهوة الفرج و الرغبة في المنكوحات؛ و تلك الشهوتان تقودان الإنسان إلى الرغبة في جمع المال و طلب الجاه اللذان هما الوسيلة إلى التوسع في المطعومات و المنكوحات.

بعد ذلك يأتي عامل المنافسات و المحاسدات، التي تولّد آفة الكبرياء و الرياء و التفاخر و التكاثر، و ما يتبع من حسد و حقد و عداوة و بغضاء تؤدي بصاحبها إلى سلوك طريق البغي و المنكر و الفحشاء.

3 - الصمت(2):

اللسان نعمة من نعم اللّه الكبيرة. و بالرغم من صغره تتم به الطاعة و يثبت به الجرم، و لا يعرف الكفر و الإيمان إلاّ بشهادة اللسان، لذلك فاللسان عظيم الخطر، و لا نجاة من خطره إلاّ بالصمت، لذلك

قال الرسول صلّى اللّه عليه و آله: «من سرّه أن يسلم فليزم الصمت»(3).

و

قال الإمام علي عليه السّلام: «المرء مخبوء تحت لسانه، فزن كلامك و اعرضه على العقل و المعرفة، فإن كان للّه و في اللّه فتكلموا به»(4).

و آفات الكلام كثيرة كالخطأ، و الكذب، و النميمة، و الغيبة، و الرياء، و النفاق، و الفحش، و المراء، و تزكية النفس، و الخصومة، و الفضول،

ص: 221


1- بتصرف من كتاب المحجة البيضاء في تهذيب الأحياء: ج 5 ص 144.
2- المحجة البيضاء في تهذيب الاحياء: ج 5 ص 190.
3- الترغيب: ج 3 ص 536.
4- شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد: ج 18 ص 353.

و الخوض في الباطل، و التحريف، و الزيادة و النقصان و ايذاء الخلق، و هتك العورات.

4 - ترك الغضب(1):

قال الرسول صلّى اللّه عليه و آله: «الغضب يفسد الإيمان كما يفسد الخل العسل»(2).

و قال الإمام الصادق عليه السّلام: «الغضب مفتاح كلّ شر»(3).

الغضب محله الدماغ، و سببه دفع المؤذيات قبل وقوعها، و التشفي و الانتقام بعد وقوعها. و الإفراط في الغضب هو: أنّ الإنسان يخرج بعمله و غضبه عن سياسة العقل و الدين و طاعتهما، فلا يبقى للمرء معهما بصيرة و نظر و فكر و اختيار. أما الأسباب المهيجة للغضب، فهي الزهو، و العجب، و المزاج، و الهزل، و الهزء، و التعبير، و المماراة، و المضادّة، و القدر، و شدّة الحرص على المال و الجاه، و هذه الصفات بأجمعها أخلاق سيئة، مذمومة شرعا و عقلا، و لا خلاص من الغضب مع بقاء هذه الأسباب.

5 - الحسد و الحقد(4):

الحسد من نتائج الحقد، و الحقد من نتائج الغضب، اسباب الحسد كثيرة أهمها العداوة، و التعزز، و الكبر، و التعجب، و الخوف من فوت المقاصد، و حب الرئاسة، و خبث النفس و بخلها، لذلك يوصي الإسلام بترك الحسد و محاربته.

ص: 222


1- بتصرف من كتاب المحجة البيضاء في تهذيب الاحياء: ج 5 ص 289.
2- الكافي: ج 1 ص 302.
3- الكافي: ج 2 ص 302.
4- بتصرف من كتاب المحجة البيضاء في تهذيب الاحياء: ج 5 ص 325.

6 - ترك حب الدنيا(1):

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «حب الدينا رأس كل خطيئة»(2)

و قال الإمام علي عليه السّلام: «ما أصف لك من دار من صح فيها ما أمن، و من سقم فيها ندم، و من افتقر فيها حزن، و من استغنى فيها فتن، في حلالها الحساب و في حرامها العذاب»(3).

من صفات الدنيا أنها سريعة الفناء قريبة الانقضاء، تعد الانسان بالبقاء ثم تخلف الوفاء، فدنيا كهذه أحق بالترك و التوجه إلى اللّه بالعمل الصالح.

7 - ترك حب المال(4):

حب الدنيا و المال أحد مفاتن الدنيا و أعظمها، لأنّ الحاجة إلى المال لا غنى عنه، و إذا تم الحصول على المال فلا يسلم الإنسان من حصول الطغيان الذي يقود إلى الندم و الخسران. المال لا يخلو من الفوائد و الآفات.

فوائده قد تبني الإنسان، اما آفاته، فهي مهلكة، و لا يعرف ذلك إلاّ ذوي البصائر و الدين، الذين يعرفون كيف يتصرفون به وفق رضى اللّه و صلاح العامة و النفس.

قال اللّه تعالى: إِنَّمٰا أَمْوٰالُكُمْ وَ أَوْلاٰدُكُمْ فِتْنَةٌ وَ اَللّٰهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ . (5)

و

قال الرسول الكريم: «حب المال و الشرف ينبتان النفاق كما ينبت

ص: 223


1- بتصرف من كتاب المحجّة البيضاء في تهذيب الأحياء: ج 5 ص 351.
2- شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد: ج 6 ص 233.
3- كنز العمال: ج 3 ص 720.
4- بتصرف من كتاب المحجة البيضاء في تهذيب الأحياء: ج 6 ص 39.
5- سورة التغابن، الآية: 15.

الماء البقل»(1).

8 - ترك الجاه و الرياء(2):

قال الرسول صلّى اللّه عليه و آله: «إنّ أخوف ما أخاف على امتي الرياء و الشهوة الخفية»(3).

و قال الإمام علي عليه السّلام: «ثلاث علامات للمرائي، ينشط إذا رأى الناس، و يكسل إذا كان وحده، و يحب أن يحمد في جميع اموره»(4).

الرياء من الشهوات الخفية، و هي من غوائل النفس و بواطن مكائدها، و يبتلى بها الكثير من الناس الذين يحبون المدح و الثناء و الاطراء و الاكرام و الاحترام و الإثرة بالطعام و اللباس؛ و هذا ما يقود إلى استحقار ترك المعاصي و الهفوات، و الإستهانة بالطاعة و العبادات، علما بأنّ الجاه و الرياء من مكائد الشيطان التي لا يسلم منها إلاّ الصديقون و المقربون.

9 - ترك الكبر و العجب(5):

قال اللّه تعالى: إِنَّهُ لاٰ يُحِبُّ اَلْمُسْتَكْبِرِينَ . (6)

و

قال الرسول الأكرم صلّى اللّه عليه و آله: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرّة من كبر»(7) الكبر حجاب عن الجنة، لأنّه يحول بين العبد و بين المؤمنين، لكون العبد لا يقدر على التواضع و كظم الغيض، و ترك الحقد

ص: 224


1- منية المريد: ص 156.
2- بتصرف من كتاب المحجة البيضاء في تهذيب الأحياء: ج 6 ص 106.
3- أخرجه ابن ماجة تحت رقم 4205.
4- الخصال: ص 121.
5- بتصرف من كتاب المحجة البيضاء في تهذيب الاحياء: ج 6 ص 211.
6- سورة النحل، الآية: 23.
7- الترغيب و الترهيب للإصبهاني: ج 3 ص 566.

و الحسد و الغضب، و أداء النصح و قبول النصيحة.

10 - ترك الغرور(1):

قال اللّه تعالى: فَلاٰ تَغُرَّنَّكُمُ اَلْحَيٰاةُ اَلدُّنْيٰا وَ لاٰ يَغُرَّنَّكُمْ بِاللّٰهِ اَلْغَرُورُ (2) الغرور مصدر الشقاء و الغفلة، و المغرور هو الذي لم تنفتح بصيرته ليكون بهداية نفسه كفيلا، و بقى في العمى فأتخذ الهوى قائدا و الشيطان دليلا. الغرور مصدر أمّ الشقاوات و منبع المهلكات، فليحذر المؤمن من هذه الصفة الممقوتة التي تدخل الفساد إلى قلبه و روحه.

11 - التوبة(3):

قال اللّه تعالى: إِنَّ اَللّٰهَ يُحِبُّ اَلتَّوّٰابِينَ وَ يُحِبُّ اَلْمُتَطَهِّرِينَ (4).

و

قال الرسول صلّى اللّه عليه و آله: «الندم توبة»(5).

التوبة عبارة عن العلم و الندم و القصد المتعلق بالترك في الحال و الاستقبال و التلافي للماضي؛ و التوبة أمر واجب على كل إنسان ذي بصيرة، و يجب أن يقوم بها على الفور من دون تأجيل. و ان تكون التوبة عامة تشمل جميع الذنوب و المحرمات، و إذا استجمعت التوبة شرائطها فهي مقبولة من قبل الخالق جل جلاله.

12 - الصبر و الشكر(6):

الإيمان نصفان: نصف صبر، و نصف شكر.

ص: 225


1- بتصرف من كتاب المحجة البيضاء في تهذيب الإحياء: ج 6 ص 290.
2- سورة لقمان، الآية: 33.
3- بتصرف من كتاب المحجة البيضاء في تهذيب الإحياء: ج 7 ص 3.
4- سورة البقرة، الآية: 222.
5- مستدرك الحاكم: ج 4 ص 243.
6- بتصرف من كتاب المحجة البيضاء في تهذيب الإحياء: ج 7 ص 105.

قال الإمام علي عليه السّلام: «بني الإيمان على أربع دعائم: اليقين، و الصبر، و الجهاد، و العدل»(1).

الصبر هو العمل بمقتضى اليقين، إذ اليقين يعرّف الإنسان أنّ المعصية ضارة و الطاعة نافعة، و لا يمكن ترك المعصية و المواظبة على الطاعة إلاّ بالصبر الذي يؤدي إلى التمسك بالدين و ترك الهوى. الصبر نوعان: بدني، و نفسي. الصبر النفسي: هو الصبر عن مشتهيات الطبع و مقتضيات أفضل الأشياء. و الصبر البدني: هو تحمل الآلام و المشاق الجسمية. الشكر يتكون من علم و حال و عمل. أما العلم فهو معرفة النعمة من المنعم، و الحال هو الفرح الحاصل بأنعامه، و العمل هو القيام بما هو مقصود المنعم و محبوبه، و يتعلق ذلك العمل بالقلب و بالجوارح و اللسان.

13 - الخوف و الرجاء(2):

هما جناحان يطير بهما المقرّبون إلى كل مقام محمود، و وسيلتان إلى الأخرة لاجتياز العقبات. و لا يقود إلى قرب الرحمن من كان ثقيل الأخطاء و العثرات إلاّ الأمل و الرجاء برحمة اللّه، و لا يصد عن نار الجحيم و العذاب المقيم، مع كونه محفوفا بلطائف الشهوات و اللذات إلاّ سياط التخويف و سطوات التعنيف. الخوف: عبارة عن تألم القلب و احتراقه بسبب توقع مكروه في المستقبل.

قال الإمام علي عليه السّلام: «إنما العالم الذي لا يقنط الناس من رحمة اللّه و لا يؤمنهم من مكر اللّه»(3).

ص: 226


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 18 ص 142.
2- بتصرف من كتاب المحجة البيضاء في تهذيب الإحياء: ج 7 ص 248.
3- الكافي: ج 1 ص 36.

14 - الزهد(1):

إنصراف الرغبة عن الشيء إلى ما هو خير منه، و كل من عدل عن شيء إلى غيره لرغبته فيه فحاله بالإضافة إلى المعدول عنه يسمى زهدا، و بالإضافة إلى المعدول إليه يسمى رغبة و حبا. فالزهد ترك الدنيا و الإعراض عنها.

قال الرسول صلّى اللّه عليه و آله: «إن أردت أن يحبك اللّه فازهد في الدنيا»(2).

الزاهد من يغلب نفسه على ما تشتهي و يزجرها عن حب الدنيا و هي متعلقة بها؛ و يكون دافعه في ذلك فكره و أمله في الكمال و السعادة. فالزهد ثورة على عبودية المادة و أن لا يصبح الإنسان عبدا لها.

قال الإمام علي عليه السّلام: «و لألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز»(3).

و قال: «الزهد ثروة»(4).

15 - التقوى:

التقوى هي الوقاية، و الوقاية تعني الحذر و الاحتراز و البعد و الاجتناب. الإمام علي عليه السّلام يعتبر التقوى حذرا و بعدا عن الشر و هي قوة روحية تتولد عند الإنسان من جراء تمرين النفس على الحذر من الذنوب، فتجعل الإنسان يقدم على القيم الروحية و يحجم عن القيم المادية.

قال الإمام علي عليه السّلام أوصيكم عباد اللّه بتقوى اللّه و طاعته، فإنّها النجاة

ص: 227


1- بتصريف من كتاب المحجة البيضاء و في تهذيب الإحياء: ج 7 ص 313.
2- أخرجه ابن ماجة تحت رقم 4102.
3- شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد: ج 1 ص 202.
4- روضة الواعظين: 434.

غدا و المنجاة أبدا»(1)

«فاتّقوا اللّه حقّ تقاته، و لا تموتنّ إلاّ و انتم مسلمون»(2).

16 - التوكل(3):

منزل من منازل الدين، و مقام من مقامات الموقنين، بل هو من معالي درجات المقربين، و هو غامض من حيث العلم ثم هو شاف من حيث العمل.

قال اللّه تعالى: وَ عَلَى اَللّٰهِ فَلْيَتَوَكَّلِ اَلْمُؤْمِنُونَ . (4)

و

قال الرسول صلّى اللّه عليه و آله: «و لو أنكم تتوكلون على اللّه حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا و تروح بطانا»(5).

و التوكل باب من أبواب الإيمان.

17 - الصدق و الإخلاص(6):

قال اللّه تعالى في كتابه الكريم: مِنَ اَلْمُؤْمِنِينَ رِجٰالٌ صَدَقُوا مٰا عٰاهَدُوا اَللّٰهَ عَلَيْهِ . (7)

و

قال الإمام علي عليه السّلام: «ما من عبد يخلص العمل للّه تعالى أربعين يوما إلاّ ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه»(8).

ص: 228


1- شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد: ج 9 ص 238.
2- المصدر السابق: ج 7 ص 248.
3- بتصرف من كتاب المحجة البيضاء في تهذيب الإحياء: ج 7 ص 377.
4- سورة آل عمران، الآية: 160.
5- سنن الترمذي: ج 9 ص 207.
6- بتصرف من المحجة البيضاء في تهذيب الإحياء: ج 8 ص 103.
7- سورة الأحزاب، الآية: 23.
8- الكافي: ج 2 ص 16.

الإخلاص هو التقرب إلى اللّه من غير شائبة. أما الصدق فيستعمل في ستة معان: صدق في القول، و صدق في النية و الارادة، و صدق في العزم، و صدق في الوفاء بالعزم، و صدق في العمل، و صدق في تحقيق مقامات الدين كلها. و من اتصف بالصدق في جميع ذلك فهو صدّيق.

18 - محاسبة النفس:

الحمد للّه القائم على كل نفس بما كسبت، المحاسب على النقير و القليل و الكثير من الأعمال و ان خفيت؛ المتفضل بقبول طاعات العباد و ان صغرت، المتطول بالعفو عن معاصيهم و إن كثرت، و انما يحاسبهم لتعلم كل نفس ما احضرت و تنظر في ما قدمت و أخرت.

قال اللّه في كتابه الكريم: يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا اِتَّقُوا اَللّٰهَ وَ لْتَنْظُرْ نَفْسٌ مٰا قَدَّمَتْ لِغَدٍ. (1)

و

قال الرسول الأكرم صلّى اللّه عليه و آله: «اعبد اللّه كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك»(2)

«حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا و زنوها قبل أن توزنوا»(3).

لذلك يجب على العبد أن يشارط نفسه أول النهار على التوصية بالحق و أن يكون له في آخر النهار ساعة يطالب النفس فيها و يحاسبها على جميع حركاتها و سكناتها؛ كأداء الفرائض و تعذيب النفس و معاقبتها و توبيخها و معاتبتها عند ارتكاب المعاصي.

19 - التفكر(4):

كثر الحث في القرآن على التدبر و الإعتبار و النظر و الافتكار، و لا

ص: 229


1- سورة الحشر، الآية: 18.
2- النسائي ج 8 ص 98.
3- الروضة للكليني: ص 143.
4- بتصرف من كتاب المحجة البيضاء في تهذيب الإحياء: ج 8 ص 192.

يخفى أن الفكر هو مفتاح الأنوار و مبدء الاستبصار، و هو شبكة العلوم و مصيدة المعارف و المفهوم وَ يَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضِ رَبَّنٰا مٰا خَلَقْتَ هٰذٰا بٰاطِلاً. (1)

و

قال الرسول صلّى اللّه عليه و آله: «تفكر ساعة خير من عبادة سنة»(2).

و

قال الإمام علي عليه السّلام: «التفكر يدعوا إلى البر و العمل به»(3).

و أفضل التفكر هو التفكر في جلال اللّه و عظمته و كبريائه، و في خلق اللّه عز و جل و آياته و ما خلق في السموات و الأرض، و من تلك الآيات:

خلق الإنسان من نطفة، و من عرف نفسه عرف ربه كما قال القرآن الكريم:

وَ فِي أَنْفُسِكُمْ أَ فَلاٰ تُبْصِرُونَ . (4)

20 - ذكر الموت(5):

أما بعد فجدير بمن الموت مصرعه، و التراب مضجعه، و الدود أنيسه، و منكر و نكير جليسه، و القبر مقره، و بطن الأرض مستقره، و القيامة موعده، و الجنة أو النار مورده، أن لا يكون له فكر إلاّ في الموت، و لا ذكر إلاّ لأجله، و لا تطلع إلاّ إليه، و لا إنتظار و تربص إلا له. و ليعلم الإنسان أن المنهمك في الدنيا، المكبّ على غرورها، المحبّ لشهواتها، يغفل قلبه لا محالة عن ذكر الموت، و إذا ذكّر به كرهه و نفر منه، و الناس إما منهمك، أو تائب مبتدئ، أو عارف منته، أما المنهمك فلا يذكر الموت، و اما التائب:

فإنه يكثر ذكر الموت، لينبعث به من قلبه الخوف و الخشية، و اما العارف:

ص: 230


1- سورة آل عمران، الآية: 191.
2- البحار: الجزء الثاني من المجلد الخامس عشر ص 195.
3- الكافي: ج 2 ص 55.
4- سورة الذاريات، الآية: 21.
5- بتصرف من كتاب المحجة البيضاء في تهذيب الإحياء: ج 8 ص 237.

فيذكر الموت دائما، لأنّه الموعد للقاء الحبيب.

قال الرسول صلّى اللّه عليه و آله: «تحفه المؤمن الموت»(1).

و قال الإمام علي عليه السّلام: «و كفى بالموت واعظا»(2)

العلاج الطبي و يشمل الجوانب التالية

العلاج الطبي و يشمل الجوانب التالية(3)

1 - العلاج بالأدوية:

يشمل العلاج بالأدوية: إعطاء الأدوية الملائمة للمريض بعد إجراء الفحوصات اللازمة و التشخيص الدقيق، و هي مختلفة الأنواع و الأسماء و الأشكال.

2 - العلاج بالصعق الكهربائي:

إن آلية الفعل بالصعق الكهربائي مجهولة، و لكن يعتقد أنها تؤثر على استجابة النواقل العصبية الرئيسية في غشاء الخلية. هذا العلاج هو الأكثر فعالية في حوالي 70 من حالات الأكتئاب الشديدة المترافقة مع الأوهام و الهياج؛ و كذلك في الحالات التي يمنع فيها استخدام مضادات الاكتئاب، أو حالة عدم الاستجابة لتلك العلاجات.

3 - إستخدام الجراحة النفسانية:

هذه الجراحة تجري في حالات معينة، و لها مكان خاص منتقى في

ص: 231


1- مجمع الزوائد: ج 2 ص 320.
2- شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد: ج 19 ص 283.
3- current medical diagnosis and treatment page 1196

الحالات الشديدة من الاكتئاب و القلق المقاومين للأدوية.

4 - المعالجة بالفيتامينات الكبرى:

إن فعالية هذه الطريقة تتم بواسطة إستخدام الحامض النيكوتيني أو النيكوتينامين لوحدهما أو كمعالجة مساعدة.

5 - الوخز بالإبر و التنويم الكهربائي:

تستخدم هذه الطريقة في معالجة الاضطرابات العاطفية الفصلية، و هي تتألف من: التعرض إلى مصدر ضوئي من (2500) لوكس من مسافة (3) أقدام لمدة ساعتين يوميا في الصباح.

6 - دخول المستشفى:

و هي الإقامة في مستشفى طبي عام من أجل معالجة الارتكاسات الكربية الحادة لموقف ما؛ و كذلك معالجة المرضى المصابين باختلالات مرضية حادة لمدة محدودة؛ ثم إخراجهم بعد التحسن.

7 - المعالجة النفسية:

تحاول المعالجة النفسية أن تصنع مغزى و احساسا للمظاهر المشوشة في حياة المريض؛ و أن تغير في تصرفات المريض و مواقفه الحياتية.

8 - المقاربات الاجتماعية:

خلافا للتقنيات النفسية التي تتعامل بشكل رئيسي مع الظواهر داخل النفس و المشاكل بين الأشخاص، فإنّ المقاربة الاجتماعية في المعالجة النفسانية تحاول: أن تعدّل مواقف المريض و سلوكه، عن طريق تبديل العوامل البيئية التي تساهم في سوء التكيف عند المريض، و تشكّل العائلة و الأصدقاء و الجيران الدعم الإجتماعي الأساسي في معظم الحالات، و ان

ص: 232

التقنيات السلوكية و النفسية المختلفة تستخدم دائما في نطاق المقاربة الإجتماعية.

9 - المعالجة عن طريق تجمعات المساعدة الذاتية:

حيث يعيش الفرد المصاب كامل وقته داخل المنظمة أو التجمع و يستمر بالإتصال مع الجماعة بعد مغادرة مكان التجمع.

10 - المقاربات السلوكية:

المعالجة السلوكية بنيت على نظريات تعلم الأحداث أو العمليات، و يكون دور المعالج السلوكي هو أن يؤدي إلى تغير في سوء التكيف عند المريض، من خلال تحديد المشكلة و السلوك المستهدف و العوامل التي تلعب دورا في تعجيل حدوثه أو بقاءه طويلا؛ و بعدها تقوم بالمحاولة من أجل تبديل هذه العوامل التي تعزز وجود هذا السلوك غير المرغوب، و تتم بالطرق التالية:

أ - الاقتداء.

ب - الشروط الفاعلة.

ج - الشروط المنفّرة.

د - الإنطفاء.

ه - إزالة التحسس.

و - التخيلات الانفعالية.

ز - الطوفان أو الأنفجار الضمني.

ح - تمثيل الدور.

ط - تقنية الاسترخاء.

ص: 233

ص: 234

الاستعراف

اشارة

قال الإمام علي عليه السّلام:

«فالويل لمن أنكر المقدّر و جحد المدبّر، زعموا أنّهم كالنبّات ما لهم زارع و لا لاختلاف صورهم صانع، و لم يلجأوا إلى حجّة فيما ادّعوا، و لا تحقيق لما اوعوا (أي حفظوا) و هل يكون بناء من غير بان أو جناية من غير جان»(1).

«ثمّ نفخ فيها من روحه فتمثّلت إنسانا ذا أذهان يجيلها، و فكر يتصرّف بها، و جوارح يختدمها، و أدوات يقلّبها، و معرفة يفرق بها بين الحقّ و الباطل، و الأذواق و المشامّ ، و الألوان و الأجناس، معجونا بطينة الألوان المختلفة، و الأشباه المؤتلفة، و الأضداد المتعادية، و الأخلاط المتباينة، من الحرّ و البرد، و البلّة و الجمود، و المساءة و السّرور»(2).

ص: 235


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 13 ص 56.
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 1 ص 97.

ص: 236

قال تبارك و تعالى في كتابه الكريم:

وَ فِي اَلْأَرْضِ آيٰاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَ فِي أَنْفُسِكُمْ أَ فَلاٰ تُبْصِرُونَ . (1)

و قال الإمام علي عليه السّلام:

«من عرف نفسه عرف ربه»(2).

و قال الإمام علي عليه السّلام:

في خطبة الاشباح:

هو القادر الّذي إذا ارتمت الأوهام لتدرك منقطع قدرته، و حاول الفكر المبرّأ من خطرات الوساوس أن يقع عليه في عميقات غيوب ملكوته، و تولّهت القلوب إليه لتجرى في كيفيّة صفاته، و غمضت مداخل العقول في حيت لا تبلغه الصّفات لتناول علم ذاته، ردعها و هي تجوب مهاوي سدف الغيوب متخلّصة إليه سبحانه، فرجعت إذ جبهت معترفة بأنّه لا ينال بجور الإعتساف كنه معرفته، و لا تخطر ببال أولي الرّويّات خاطرة من تقدير جلال عزّته. الّذي ابتدع الخلق على غير مثال امتثله، و لا مقدار احتذى عليه، من خالق معبود كان قبله، و أرانا من ملكوت قدرته، و عجائب ما نطقت به آثار حكمته و اعتراف الحاجة من الخلق إلى أن يقيمها بمساك قوّته، ما دلّنا باضطرار قيام الحجّة له على معرفته، فظهرت في البدائع الّتي أحدثها آثار صنعته، و أعلام حكمته، فصار كلّ ما خلق حجّة له و دليلا عليه. و إن كان خلقا

ص: 237


1- سورة الذاريات، الآيات: 20-21.
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 20 ص 292.

صامتا، فحجّته بالتّدبير ناطقة، و دلالته على المبدع قائمة(1)

و قال الإمام الحسين عليه السّلام:

«الحمد للّه الذي ليس لقضائه دافع، و لا لعطائه مانع، و لا كصنعه صنع صانع، و هو الجواد الواسع، فطر أجناس البدائع، و أتقن بحكمته الصّنائع فسبحانك سبحانك من مبدئ معيد حميد مجيد، تقدّست أسماؤك، و عظمت آلاؤك، فايّ نعمك يا الهي أحصي عددا و ذكرا، أم أيّ عطاياك أقوم بها شكرا... ما حوته شراسيف أضلاعي و حقاق مفاصلي، و قبض عواملي، و أطراف أناملي، و لحمي و دمي، و شعري و بشري، و عصبي و قصبي، و عظامي و مخّي و عروقي و جميع جوارحي»(2).

و

قال الإمام الصادق عليه السّلام:

«يا مفضل اعتبر: لم لا يتشابه الناس الواحد بالآخر كما تتشابه الوحوش و الطير»(3).

و قال الشاعر أبو العتاهية:

فوا عجبا كيف يعصى الإله *** أم كيف يجحده الجاحد

و في كل شيء له آية *** تدل على انه واحد

صدق اللّه العظيم و صدق رسول الكريم، و صدق وصيه أمير المؤمنين صلوات اللّه عليهم.

ربنا آمنا بما أنزلت الينا على لسان رسولك الأمين فاكتبنا مع الشاهدين، آمنا بقدرتك و رحمتك يا عزيز يا وهاب.

ص: 238


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 6 ص 406.
2- من دعاء الإمام الحسين عليه السّلام يوم عرفة.
3- توحيد المفضل للامام الصادق عليه السّلام: ص 87.

آمنا بجميع آياتك التي ندركها و التي لا ندركها بعقولنا المحدودة.

آمنا بحكمتك التي أحسنت خلقنا و ابدعت صنعنا و صورتنا بأحسن تصوير، فكل شيء جعلته فينا يدل على معاجزك و آياتك و جلالك و عظمتك التي أودعتها الإنسان بلطفك و تدبيرك.

آيات لا تحصى، و نعم لا تعد، و رحمة لا تنقطع من حنانك و منك، لأنك رؤوف رحيم، عطوف كريم، نشكرك يا الهي على جميع الطافك، و نحمدك على كثير نعمائك التي أنعمت بها علينا حين ميزتنا و كرمتنا عن سائر المخلوقات بالعقل و المنطق، و جعلت لنا خواص و علامات و شواهد لا يتشابه بها إثنان مهما كثر العدد و اختلفت الأشكال و الأسماء.

إن لطفك يا وهّاب يدل على عظيم شأنك و علمك و واسع رحمتك

«يا مصوّر، يا مقدّر، يا مدبّر، يا مطهّر، يا منّور، يا ميسّر، يا خالق، يا رازق، يا خالق، يا صادق، يا من في السماء عظمته، يا من في الأرض آياته، يا من في السماء دلائله، يا من أظهر في كل شيء لطفه، يا من أحسن كل شيء خلقه»(1).

هذه المعاجز العجيبة و الصفات الوحيدة و الخواص الفريدة، كانت و لا تزال تبهر العلماء و العقلاء ذوي النفوس الطاهرة و العقول الزاهرة، الذين يؤمنون بالغيب، و وحدانية الخالق، و بديع صنعه، و جلال حكمته، و وسيع رحمته التي وسعت كل شيء، فسبحان الرحمن الرحيم، اللطيف الكريم، السميع العليم، منبع الخير و عين المعرفة الذي يعطي من سأله و من لم يسأله تحننا منه و رحمة، فله الشكر و الحمد، شكرا لا ينتهي

ص: 239


1- من دعاء الجوش الكبير.

و حمدا لا ينقضي على عطائه الجميل و خيره الجزيل، الذي جعل للانسان مميزات و علامات تميزه عن الاخرين، و تدل بخشوع على عطاء رب العالمين.

إن المستقبل سيكشف لنا المزيد من عجائب صفات الانسان و خلقه، فليتعظ الجاحدون الذين قال فيهم

أمير المؤمنين عليه السّلام: «فالويل لمن أنكر المقدّر و جحد المدبّر».

العلم الحديث أثبت في وقتنا الحاضر أن البشر يتميز الواحد منهم عن الآخر بعلامات دقيقة و ثابتة، يمكن من خلالها التعرف على هوية الإنسان حتى و إن حاول الهرب أو الاختفاء أو الكذب. من هذه العلامات:

اللون

قال اللّه تعالى: وَ مِنْ آيٰاتِهِ خَلْقُ اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضِ وَ اِخْتِلاٰفُ أَلْسِنَتِكُمْ وَ أَلْوٰانِكُمْ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَآيٰاتٍ لِلْعٰالِمِينَ . (1)

و قال الإمام علي عليه السّلام:

«معجونا بطينة الألوان المختلفة»

في عصرنا الحاضر أظهرت الدراسات الحديثة أنّ لكل إنسان لون بشرة خاص به يميزه عن بقية الناس بالرغم من وجود مليارات البشر الذين يعيشون في مختلف بقاع العالم تحت ظروف جوية مختلفة و ينحدرون من أجناس متعددة؛ و هذا ما دفع العلماء إلى اكتشاف جهاز خاص يمكنه بلحظات تمييز بشرة الإنسان و التعرف على هويته الحقيقة.

ص: 240


1- سورة الروم، الآية: 22.

الصورة و الشكل

لاحظ علماء الطب العدلي و أخصائي الإجرام في مناطق كثيرة من العالم: بأنّ صورة و شكل وجه الإنسان تختلف من مخلوق إلى آخر، و لا يمكن تطابق صورة أحدهم حتى لو قورنت مع ملايين الصور البشرية. هذه المعجزة الإلهية تدل على عظمة الصانع الذي أشار إليه

الإمام علي عليه السّلام حين قال: «زعموا أنهم كالنبات ما لهم زارع و لا لاختلاف صورهم صانع».

الصوت

من الآيات الإلهية الاخرى اختلاف أصوات الناس، إذ وجد بالتجربة و الحس أن الأوتار الصوتية لكل إنسان تصدر عنها ذبذبات صوتية خاصة لا تماثلها ذبذبات اخرى حتى و إن قورنت مع مليارات الأصوات البشرية.

هذه الميزة ساعدت على التعرف على صاحب الصوت في كثير من الحالات التي تطلبت ذلك، الجميع يلاحظ بأنّه يمكن تمييز صوت الإنسان و التعرف عليه حتى و ان كان بعيدا أو وسط الظلام.

صيوان الإذن

أظهرت الدراسات الحديثة التي قام بها الباحثون و الأطباء بأنّ شكل و استدارات و التواءات و تجاعيد صيوان إذن الإنسان لا تتشابه من شخص لآخر، و أنّ لكل إنسان صيوان إذن خاص به لا يتماثل حتى و ان تم مقارنته مع ملايين الأذان البشرية. هذه الحقيقة الظاهرة للعيان تدل بوضوح على

ص: 241

قدرة الخالق الذي أتقن هندسة هذا الصيوان و جعله من المعاجز البشرية.

رائحة الجسم

منذ زمن طويل توجه العلماء و المتخصصون في حقل الإجرام إلى حقيقة و ظاهرة هامة و هي أن لكل إنسان رائحته الخاصة التي تميزه بجلاء لا يقبل الشك عن الاخرين، هذه الخاصية الالهية أستخدمت قبل عشرات السنين للتعرف على هوية القتلى و المجرمين و المفقودين و المخطوفين؛ من قبل الكلاب البوليسية المدربة التي تتمتع بحاسة شم قوية قادرة على ملاحقة و معرفة مصدر الرائحة لمسافات طويلة و لعدة أيام بعد انقضاء الحادث؛ مما يدل على أن لكل مخلوق كائن رائحة خاصة تميزه عن البقية، هذه الرائحة تبقى في الأجواء لمدة لا بأس بها بالرغم من كثرة الناس و تشابك الروائح و الرياح.

حامض D.N.A

في الوقت الحاضر و بعد أن تطورت الأجهزة الحديثة و اكتشف المجهر الألكتروني؛ تمكن العلماء من الإطلاع على تركيب و عمل الخلية الإنسانية الذي يبهر العقل و يجلب النظر؛ فقد وجد أن أحد مكوناتها هو حامض D.N.A إلاّ أن الشيء المدهش و العجيب الذي حير العلماء هو أن هذا الحامض يختلف في شكله و هندسته من شخص لآخر و لا يمكن أن يوجد في هذا الكون شخصان يحملان نفس المواصفات الموجودة لهذا الحامض في الخلايا. هذه الحقيقة التي توصل إليها العلماء أفادت الطب العدلي و مسؤولي مكافحة الإجرام فائدة قصوى؛ لأنّ صفات هذا الحامض

ص: 242

تبقى في جميع خلايا البدن حتى و لو بقيت قطعة صغيرة سالمة من البدن، على العكس من بقية علامات الاستعراف الاخرى التي تزول و تختفي نتيجة التفسخ الذي يحصل في الجثث كالبصمات و غيرها. هذا الاكتشاف اعتبر قفزة علمية في علم التشخيص و الاستعراف الذي له فوائد جمة في الكثير من قضايا الإجرام المعقدة.

بصمات الأصابع

قال اللّه جل و علا في كتابه الكريم:

بَلىٰ قٰادِرِينَ عَلىٰ أَنْ نُسَوِّيَ بَنٰانَهُ . (1)

يحوي جلد أصابع الأيدي و الأقدام على إنشاءات دقيقة تشكل ارتفاعات و انخفاضات خطية تأخذ أشكالا مختلفة. تتكون هذه الإنشاءات في الشهر السادس من الحمل و لا يطرأ عليها أيّ تبدل بعد الولادة، و تبقى بعد الوفاة حتى تتفسخ الجثة.

تختلف أشكال بصمات لب الأصابع من شخص لآخر لدرجة أن احتمال وجود بصمتين متشابهتين تماما عند شخصين من سكان العالم بعيد جدا و يقدر بواحد بين (64) مليار.

إن الاستعراف بالبصمات هو من أسهل و أسرع و أرخص طرق الفحص و التعرف في جميع أرجاء العالم؛ و يعتبر من وسائل الاستعراف الأكيدة و الناجحة التي لا يمكن أن ينجو أو يتهرب منها أحد؛ و صدق الباري حين قال: بَلىٰ قٰادِرِينَ عَلىٰ أَنْ نُسَوِّيَ بَنٰانَهُ .

ص: 243


1- سورة القيامة، الآية: 4.

الشعر

يعتبر شعر الإنسان أحد وسائل الاستعراف في الوقت الحاضر، و يتميز بعدد من الصفات التي يسهل بواسطتها معرفة لمن يعود هذا الشعر؛ حتى و إن فحصت منه ملايين الأنواع.

تتألف بشرة شعر الإنسان من طبقة واحدة أو أكثر من الخلايا التي يتراكب بعضها فوق بعض بشكل تبدو معه حوافي الشعرة مستقيمة و منتظمة، أما قشرة الشعرة فهي عريضة تشكل القسم الأعظم من قطر الشعرة و فيها حبيبات صباغية دقية جدا؛ و يتصف شعر الإنسان بأنّ الصباغ الموجود فيها غير متجانس في طولها حيث تبدو بعض أقسامه شديدة اللون بينما تكون الأقسام الاخرى قليلته؛ كما و تتميز بمقطعها البيضي الشكل أو المدور، أما مقطع شعر الذقن و الشارب، فيكون مثلث الشكل، بينما يكون مقطع شعر العانة بيضيا متطاولا.

ص: 244

علوم البيئة و الحيوان

اشارة

قال الإمام علي عليه السّلام:

«و اتّقوا اللّه في عباده و بلاده فإنّكم مسؤولون حتّى عن البقاع و البهائم»(1)

ص: 245


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 9 ص 288.

ص: 246

قال الإمام علي عليه السّلام:

نحن شجرة النّبوّة، و محطّ الرّسالة، و مختلف الملائكة، و معادن العلم، و ينابيع الحكم(1).

الإمام علي عليه السّلام باعتباره وصي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و الهادي من بعده أكّد في كلمته هذه على أن رعاية الموازين البيئية و صيانة الثروة الحيوانية هي مسؤولية الجميع، و يجب الالتزام و العمل بها و الإشراف على صيانتها، و هذه المسؤولية تشمل جميع المسلمين المؤمنين بالشريعة المحمدية.

إن المسؤولية من الناحية الشرعية تتطلب من الفرد المسلم الالتزام بالأوامر و التعليمات التي يصدرها الولي المدرك للمصلحة البشرية و الإسلامية و الاجتماعية و الفردية. هذا الالتزام الذي تميله المصلحة العامة ضروري و نافع للناس من الناحية الاقتصادية و المالية و الصحية؛ خصوصا و هو صادر عن وصي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الذي علمه شديد القوى، اللطيف بعبادة الخبير بحاجة و صلاح خلقه.

قال الإمام علي عليه السّلام:

تاللّه لقد علّمت تبليغ الرّسالات، و إتمام العدات و تمام الكلمات، و عندنا - أهل البيت - أبواب الحكم، و ضياء الأمر(2).

من كل ما تقدم نستنتج أنّ خطاب الإمام عليه السّلام هو الزام شرعي و عقلي يقع على عاتق كل مسلم و مسلمة تهمه المصلحة العامة التي تهدف إلى الحفاظ على سلامة الإنسان و البيئة بجميع مكوناتها و موجوداتها.

ص: 247


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 7 ص 218.
2- المصدر السابق: ج 7 ص 288.

في مطلع فجر الإسلام حينما كان سكان العالم لا يتجاوزون عدة ملايين، يعيشون الحياة البدائية من دون ضوضاء و تلوث، صرح بطل الإسلام، حامل العلوم المحمدية الإمام علي عليه السّلام الذي كان يعيش في الجزيرة العربية حيث الصحاري و القفار و لا يتجاوز نفوسها عدة آلاف: بأنّ المحافظة على الأرض، و البيئة، و الحيوانات، ضرورة اجتماعية و دينية.

هذه الحقيقة نابعة من الأرتباط الوثيق و المباشر بين تلك العوامل و سلامة و صحة الإنسان الذي يعيش وسطها.

إنّ كل بقعة من بقاع الأرض لها مزايا و ثوابت و متطلبات بيئية يجب رعايتها و أخذها بعين الاعتبار؛ لكي لا تتعرض المقومات البيئية لتلك البقعة للخطر، و بالتالي تؤثر على سلامة جميع الموجودات، بسبب الترابط الوثيق بين البيئة و المخلوقات التي تعيش وسطها، و أن أي اختلال في الموازنة البيئية بين أحد الاطراف سيؤثر على الطرف الآخر، بحيث تصاب الرابطة التعايشية بخلل كبير، يفقدها الكثير من خواصها و طبيعتها، ليفتح الطريق أمام العديد من المشاكل التي تجعلها ضعيفة متقطعة تتخللها الصعوبات و الأمراض الروحية و العضوية.

الحيوانات بمختلف أنواعها و اسمائها هي أحد أطراف المعادلة التي تتأثر بالتغيرات البيئية التي أوجدها الإنسان خلال حياته اليومية؛ لهذا يجب مراعاة كافة الظروف البيئية لجميع الحيوانات؛ خصوصا التي تفيد الانسان، لكي نحافظ على أنفسنا من الأخطار المحتملة، من جراء الإهمال المتعمد أو غير المتعمد.

المخلوقات المجهرية كالفيروسات و البكتريا تأثرت بالتحولات البيئية، بالأخص في السنين الأخيرة، حيث تحول قسم منها الى موجودات

ص: 248

مرضية مفترسة تهاجم الإنسان و الحيوان على السواء؛ و تصيبه بأمراض متنوعة، منها البسيط و الخطير، فقد لوحظ تحول فايروس الأيدز و أبيولا و بكتريا الليجيونلا من حالة السكون إلى حالة المرض؛ الذي حصد ملايين الناس في كافة أنحاء العالم، و لا يزال الجميع يحاول المستحيل للوقوف بوجه هذه الكارثة الصحية.

من كل ما تقدم نستخلص أنّ المحافظة على البيئة هي مسؤولية الجميع و لا يستثنى منها أحد، حيث أكد الإمام عليه السّلام على هذه الناحية من خلال تحميله المسؤولية جميع الناس، و أن هذه المسؤولية تشمل جميع البقاع التي يوجد و يتنعم فيها الانسان و الحيوان.

البيئة

تعتبر البيئة المشكلة الرئيسية التي تواجه البشرية في الوقت الحاضر بالأخص بعد الازدياد السكاني، و الثورة الصناعية و كثرة المعامل، و سرعة الحركة، و ازدياد الاختلاط، و كثرة الآليات و المركبات المستعملة كالسيارات و غيرها، و توسع المدن، حيث أصبحت الحاجة ماسة إلى وضع الأسس العلمية و العملية و الصحية التي تحافظ على سلامة البيئة و تنظمها و تحفظها من الأخطار و التلوث و التدهور؛ و هذا الأمر يتطلب وجود كادر متخصص لمراقبة البيئة و حمايتها، كي تبقى بيئة صالحة تلائم الإنسان و تتماشى مع متطلباته و صحته و قدراته المالية؛ بيئة خالية من عوامل التلوث، سليمة، مناسبة، تحفظ العلاقة و الرابطة الحياتية بين الإنسان و سائر الموجودات على سطح الكرة الأرضية، بل و حتى الأجواء المحيطة بالأرض و التي لها علاقة وثيقة بمقومات الحياة؛ كطبقة الأوزون و الأمطار الحامضية التي

ص: 249

تولدت نتيجة زيادة كميات الغازات السامة المنبعثة من الأرض.

إن الزيادة السكانية و ما تخلفه من فضلات و تلوث تتطلب منا بذل الجهد اللازم و الكافي لدراسة المشاريع الزراعية و الصناعية و الحيوانية قبل تأسيسها؛ و التأكد من وجود الوسائل الكافية لتصريف مخلفاتها. و العقل و المنطق يطلب منا بذل جهودا كبيرة لخلق بيئة صحية تنظم بدقة العلاقة بين جميع الموجودات؛ و هذا يتطلب منا بناء المقومات الأساسية للبيئة التي نسعى و نتطلع اليها، كي نحافظ على سلامتنا و صحتنا.

مقومات البيئة

1 - توفير المياه الصالحة للشرب و الاستعمالات الاخرى.

2 - التخلص الصحيح و المبرمج للفضلات الناتجة عن الإنسان و الحيوان و الطبيعة.

3 - توفير الغذاء الصحي، الكافي و المتوازن للإنسان و الحيوان.

4 - القضاء على الحشرات الضارة و الهوام.

5 - وضع الدراسات اللازمة لحماية البيئة من أسباب التلوث الهوائي و البيئي، الناجم من المعامل و المبيدات المختلفة.

6 - السكن الجيد و تخطيط المدن وفق المتطلبات العصرية.

7 - القضاء على الأمراض الإنسانية و الحيوانية المعدية التي تهدد حياة الإنسان و الحيوان.

8 - حماية النبات و المراتع من التلف.

9 - حماية مصادر المياه من التلوث.

10 - العناية بالحيوانات صحيا و غذائيا.

ص: 250

11 - حماية طبقة الاوزون من التلف.

12 - التعامل العلمي و العملي مع الكوارث الطبيعية.

13 - وضع الدراسات اللازمة التي تحمي البيئة من التلوث و الدمار.

14 - التثقيف الصحي و البيئي لمختلف قطاعات المجتمع كي يتحسسوا و يدركوا أهمية و خطورة البيئة على الحياة البشرية.

الحيوانات أو البهائم

الحيوانات أنواع، منها: الأليف، و منها: الوحشي، بعضها يؤكل، و البعض الآخر لا يؤكل، و لكن بشكل عام نلاحظ أن الإنسان في تماس و ارتباط دائم و مباشر مع الحيوانات؛ تارة عن طريق تناول لحومها و تارة بواسطة تربيتها، فهو معرّض بصورة مباشرة و غير مباشرة للإصابة بالأمراض المختلفة التي تصيب الحيوان و الإنسان. و بما أن هذا التماس حتمي و موجود و تفرضه واقعية التعايش المصلحي و البيئي؛ لذا يجب على الإنسان أن يهتم بتربية تلك الحيوانات، لكونها ضرورية و يستفاد من لحومها و لبنها و جلودها و وبرها؛ إضافة إلى استخدامها في أغراض شتى. قال اللّه تعالى:

وَ اَلْأَنْعٰامَ خَلَقَهٰا لَكُمْ فِيهٰا دِفْ ءٌ وَ مَنٰافِعُ وَ مِنْهٰا تَأْكُلُونَ * وَ لَكُمْ فِيهٰا جَمٰالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَ حِينَ تَسْرَحُونَ * وَ تَحْمِلُ أَثْقٰالَكُمْ إِلىٰ بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بٰالِغِيهِ إِلاّٰ بِشِقِّ اَلْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ . (1)

لتلك الأسباب نبهنا الإمام عليه السّلام و خاطبنا لتحمل مسؤولية الحفاظ على تلك الثروة الكبيرة التي تنفع الإنسان و تسد بعض احتياجاته.

ص: 251


1- سورة النحل، الآيات: 5-7.

إن أحد وسائل حماية الحيوانات هو القيام بحملات لقاح دورية، و توفير المكان النظيف و الملائم لسكنها و معيشتها، و بذلك يزداد الإنتاج، و يتضاعف العدد، و تقل الإصابة بالأمراض المشتركة.

الخلاصة إن الإمام عليه السّلام أراد في كلامه الشريف توضيح الرابطة القوية بين الإنسان و البيئة، و بين الإنسان و الحيوان. هذه الالتفاتة الكريمة تعتبر اليوم ركنا مهما من أركان الصحة العامة و ضرورة حياتية لا بدّ منها، و لتوضيح الغرض من كلام الإمام عليه السّلام نستعرض بايجاز بعض الأمراض الحيوانية و الأمراض المشتركة التي تصيب الإنسان و الحيوان.

الأمراض التي تصيب الحيوانات

أمراض الحيوان الفيروسية:

1 - الأمراض الفيروسية التي تتميز بتسمم دموي فيروسي، مثل:

أ - طاعون الخيل (له علاقة بالإنسان).

ب - الحمى الزائلة (مرض الثلاثة أيام) مرض معدي (له علاقة بالإنسان).

2 - الأمراض الفيروسية التي تتميز بأعراض هضمية، مثل:

أ - الحمى القلاعية. تصيب الحيوانات ذات الظلف و (له علاقة بالإنسان).

ب - الطاعون البقري.

ج - الإسهال الفيروسي البقري.

د - الحمى الرشحية الخبيثة.

ه - مرض اللسان الازرق (الحمى القلاعية الكاذبة).

ص: 252

و - طاعون القطط (التهاب الأمعاء المعدي في القطط).

3 - الأمراض الفيروسية التي تتميز بأعراض تنفسية، مثل:

أ - التهاب الأنف و الرغامي المعدي في الابقار.

ب - إنفلونزا الخيول.

ج - التهاب الأنف و الرئة الفيروسي في الخيول (الإجهاض الوبائي في الخيول).

د - التهاب الرئة المعدي في الخيول.

4 - الأمراض الفيروسية التي تتميز بأعراض عصبية مثل:

أ - مرض السعار في الكلاب (له علاقة بالإنسان).

ب - داء الوثب (التهاب الدماغ و النخاع الشوكي في الأغنام).

ج - مرض النوم (التهاب الدماغ و النخاع الشوكي في الخيول) (له علاقة بالإنسان).

د - مرض جنون البقر.

5 - الأمراض الفيروسية التي تتميز بآفات جلدية كمرض الجدري الذي يصيب معظم الحيوانات و الطيور و الإنسان، مثل:

أ - مرض جدري البقر.

ب - مرض جدري البقر الكاذب.

ج - مرض جدري الخيول

د - مرض جدري الجمال.

ه - مرض جدري الأغنام.

و - التهاب الجلد البثري الساري (الأكزيما السارية). مرض يصيب البقر و الأغنام و الماعز و الإنسان.

ص: 253

أمراض الحيوان الطفيلية:

الأمراض التي تسببها وحيدات الخلية، مثل:

أ - داء الكمثريات و تنقسم إلى قسمين:

1 - حمى البول الدموي.

2 - الحمى الساحلية.

ب - الإصابة بمرض الأنابلازما.

ج - الإصابة بمرض التريبانوزو مياسيز.

د - داء الليشمانيا.

ه - داء الكوكسيديا.

أمراض الحيوان الديدانية:

هذه الأمراض تصيب الإنسان و الحيوان، مثل الأغنام و الماعز و الأبقار و الجمال و الخيول و الخنازير:

1 - داء الوريقات الكبدية.

2 - داء الديدان المثقوبة.

3 - الإصابة بالديدان الشريطية.

أمراض الحيوان الجرثومية:

1 - أمراض الضرع.

2 - أمراض المواليد الحديثة:

أ - إسهال العجول الأبيض.

ب - دفتريا العجول.

ص: 254

ج - التهاب السرة في العجول.

د - تقيح الدم في الحملان.

ه - التهاب السرة في الأمهار.

3 - الأمراض التي تسببها العصيات الوتدية و الشعريات الحمروية:

أ - السل الكاذب.

ب - التهاب الكلى في الأبقار.

4 - مرض خناق الخيل.

5 - البرفية النزفية.

6 - مرض الدوران.

7 - الحمى الفحمية (مرض الطحال).

أمراض الحيوان المطثية:

1 - مرض الكزاز.

2 - التسمم الوشيقي (التسمم الغذائي).

3 - أمراض التديفن الدموي المعوي.

4 - دزنتريا الحملان.

5 - مرض تلبب الكلى.

6 - الجمرة العرضية.

7 - الوذمة الخبيثة.

8 - التهاب الكبد التقيحي.

9 - الإصابة بمرض السل.

10 - الإصابة بمرض نظير السل.

11 - الأمراض التي تسببها السالمونيلا و الجراثيم المغزلية.

ص: 255

أ - مرض التيفوئيد.

ب - التهاب الكبد القيحي.

ج - تعفن الأظلاف في البقر.

الأمراض المشتركة التي تصيب الحيوان و الإنسان

الأمراض الفيروسية و الكلاميديا:

1 - مرض الأكثيما المعدية.

2 - مرض جدري البقر.

3 - مرض جدري الجمال.

4 - مرض الجدري المعروف.

5 - مرض الأنفلونزا.

6 - مرض لوبينگك.

7 - الإصابة بمرض فيروس B .

8 - مرض داء الكلب.

9 - مرض الپسايتاكوزس.

10 - الحمى النزفية الأفريقية.

11 - مرض ابيولا.

12 - مرض جنون البقر.

الأمراض البكتريولوجية:

1 - مرض الجمرة الخبيثة.

2 - مرض التيفوئيد.

3 - مرض البكتريا العنقودية.

ص: 256

4 - مرض الكولي باسيلوزس.

5 - مرض البكتريا المسبحية.

6 - مرض السل.

7 - مرض فبريوزس.

8 - مرض باسترلوزس.

9 - مرض الكزاز.

10 - مرض ليبتوسبايروزس.

11 - مرض حمى مالطة أو الحمى المتموجة.

12 - مرض گلاندرز.

13 - مرض التولاريميا.

14 - مرض حمى كيو.

الأمراض الديدانية:

1 - مرض التوكسو بلاسموزس.

2 - مرض الأكياس المائية.

3 - مرض ديكروسوليوزس.

4 - مرض الليشمانيا.

5 - مرض الملاريا.

6 - مرض الترايكينوزس.

7 - مرض پيروبلاسموزس.

ص: 257

ص: 258

النفس و الروح و سكرات الموت

اشارة

قال الإمام علي عليه السّلام:

«و إنّي لعلى بصيرة من نفسي، و يقين من ربّي»(1).

«و السّعيد من وعظ بغيره، و الشّقيّ من انخدع لهواه و غرور(2).

«فإنّكم لو قد عاينتم ما قد عاين من مات منكم، لجزعتم و وهلتم، و سمعتم و أطعتم، و لكن محجوب عنكم ما قد عاينوا، و قريب ما يطرح الحجاب»(3).

«فبادروا المعاد و سابقوا الآجال، فإنّ النّاس يوشك أن ينقطع بهم الأمل، و يرهقهم الأجل، و يسدّ عنهم باب التّوبة»(4).

«فلم يزل الموت يبالغ في جسده حتى خالط سمعه، فصار بين أهله لا ينطق بلسانه، و لا يسمع بسمعه، يردّد طرفه بالنّظر في وجوههم، يرى حركات ألسنتهم، و لا يسمع رجع كلامهم»(5).

ص: 259


1- شرح نهج البلاغة لمحمد عبده: ج 3 ص 120.
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 6 ص 353.
3- المصدر السابق: ج 1 ص 298.
4- المصدر السابق: ج 10 ص 116.
5- المصدر السابق: ج 7 ص 201.

ص: 260

قال الإمام علي عليه السّلام:

«و إني لعلى بصيرة من نفسي، و يقين من ربّي»(1).

الإمام علي عليه السّلام الوصي الأمين، و الهادي المعين، و صاحب اليقين، و حبل اللّه المتين، يعلن بقلب عابد و مؤمن زاهد، بأنه على إدراك كامل ببصيرة نفسه، و يقين ثابت بحقيقة ربه، و هو القائل: و اللّه لو كشف لي الغطاء لما إزددت يقينا، و هو الذي قال فيه

رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «لم يعص اللّه طرفة عين».

الإمام علي عليه السّلام حمل أعباء الوصاية و سار بها وفق كتاب اللّه و منهج رسوله الكريم؛ لم تأخذه في الحق لومة لائم، هدفه السامي الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و سلوك الطريق المستقيم الذي يرتضيه اللّه، فكان بحق خير من بلّغ، و خير من إستقام بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، إِنَّ اَلَّذِينَ قٰالُوا رَبُّنَا اَللّٰهُ ثُمَّ اِسْتَقٰامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ اَلْمَلاٰئِكَةُ أَلاّٰ تَخٰافُوا وَ لاٰ تَحْزَنُوا وَ أَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ اَلَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (2).

عاش حياة الزهد و البساطة فلم يصبو لمغريات الدنيا و زخارفها و لم ينخدع ببريقها فقد طلقها ثلاثا؛ و ذاب حبا و شوقا في ذات اللّه، و هو القائل:

«يا دنيا يا دنيا إليك عنّي. أبي تعرّضت أم إليّ تشوّقت لا حان حينك، هيهات! غرّي غيري، لا حاجة لي فيك، قد طلّقتك ثلاثا لا رجعة فيها! فعيشك قصير، و خطرك يسير و أملك حقير. آه من قلّة الزّاد، و طول الطّريق، و بعد السّفر، و عظيم المورد»(3).

ص: 261


1- نهج البلاغة لمحمد عبده: ج 3 ص 120.
2- سورة فصلت، الآية: 30.
3- تصنيف نهج البلاغة للبيب بيضون: ص 901.

لقد كان عليه السّلام أعرف الناس بغدر الدنيا و تقلبها فشبهها بالحية الناعمة ملمسها القاتل سمها.

إن من خواص الدنيا التقلب و التغير و التنكر للإنسان «و تلك الأيام نداولها بين الناس» فهي لا تمضي على نمط واحد، بل تتقلب و تغدر و تحول الإنسان من حال إلى حال، فبينما تراه قويا صحيحا سليما، و إذا به يصبح مريضا عليلا لا يقدر على شيء، أو عند ما يكون غنيا، و إذا به يغدو فقيرا لا حول له و لا قوة، و هكذا فالحياة مراحل، فمن الشباب و القوة إلى الضعف و الهرم و الشكوى و الألم، فكل شيء في الدنيا يتغير بمرور العمر و الزمان.

من هي الدنيا المذمومة:

الإنسان بفطرته التي فطرها اللّه يحب الدنيا و يحب الحياة، و الإمام عليه السّلام عند ما يذم الدنيا ليس مقصوده ذم الحياة البشرية و العلاقات الطبيعية الفطرية السائدة بين بني البشر؛ و لكن المقصود ذم الحب الشديد و الحرص على الدنيا التي تأسر الإنسان، و تجعله مطية عمياء لها (أي عبادة الدنيا).

إن هذا التعلق و الحب يحدث عند ما يتصور الإنسان أنّ الحياة الدنيا هدف و غاية و ليست وسيلة أو معبرا لحياة خالدة، أفضل و أجمل و أدوم من هذه الحياة الفانية.

إن الإنسان العاقل عند ما يدرك الهدف الصحيح الذي من أجله خلقه اللّه، يصبح سعيدا مطمئنا لا تعكر حياته المعكرات و الأفكار و الوساوس؛ و بالعكس عند ما يتجاهل هذه الحقيقة و يتعلق بالدنيا ينحدر نحو الهاوية و الدمار. لذلك فالذم هو للإنسان الذي يعبد الدنيا و ليس للدنيا

ص: 262

التي لا دخل لها في هذه العبادة.

«إن الإسلام كما جاء على لسان الإمام علي عليه السّلام، يرى علاقة الإنسان بالدنيا كعلاقة الزارع بزرعه

«الدنيا مزرعة الآخرة»، أو علاقة التاجر بالمتجر

«الدنيا متجر اولياء اللّه»، أو علاقة المسابق بميدان السباق

«ألاّ و انّ اليوم المضمار و غدا السباق، و السبقة الجنة و الغاية النار»، أو علاقة العابد بالمسجد

«الدنيا مسجد أحباء اللّه». إذن فالدنيا ليست عدوّة الإنسان و لا ظالمة له، إلاّ بمقدار ظلمه لنفسه و عدم إستفادته منها»(1).

قال الإمام علي عليه السّلام: «و السّعيد من وعظ بغيره و الشّقيّ من انخدع لهواه و غروره»(2).

الناس في الدنيا يعملون وفق ثلاث خطوط:

1 - من يعمل للدنيا و لا يعمل للآخرة.

2 - من يجعل الدنيا اكبر همّه، و لكنه مع ذلك يعمل للآخرة.

3 - من يجعل الدنيا وسيلة و الآخرة غاية.

حب الدنيا يوّلد قسوة القلب، و قسوة القلب تنتج من:

1 - ترك ذكر اللّه.

2 - كثرة الأكل و الشرب.

3 - أكل المال الحرام.

4 - الإستخاف بالصلاة.

5 - كثرة الكلام و الضحك.

ص: 263


1- تصنيف نهج البلاغة للبيب بيضون: ص 886.
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 6 ص 353.

6 - الهم بالدنيا و العمل لها.

7 - طول الأمل.

8 - كثرة المال.

9 - مجالسة الأنذال و الطغاة و حكام الجور.

10 - الخلوة بالنساء.

11 - مجالسة الأغنياء.

12 - ترك مجالسة أهل العلم و العلماء.

يوجد في كل إنسان عنصران: عنصر فطري شخصي يوجد فيه منذ الولادة

«ما من مولود يولد إلاّ على الفطرة، فأبواه اللذان يهودانه و ينصرانه و يمجسانه»(1) و عنصر مكتسب اجتماعي، و العنصر الاجتماعي لا يتأتى إلاّ بالتربية، و تتضمن التربية إعطاء الفرد المعلومات و الخبرات المفيدة التي توسع الفكر و تزيد القابلية و التي لا يتسنى للفرد الحصول عليها بدون مساعدة الأخرين؛ و هكذا نجد رب الأسرة يعطي أبناءه التربية الصالحة قبل أن يدخلوا ميدان الحياة العملية، فيكون بذلك معينا و مساعدا لهم على اجتياز و تخطي العقبات و الصعاب، و دافعا لهم إلى النجاح و التفوق.

حالات النفس:

حالات النفس(2):

عبر القرآن الكريم عن النفس بعدة معان تمثل حالات النفس الانسانية و ما يمر عليها من تأثيرات نفسية و اجتماعية:

1 - النفس التي تدعو إلى الحق و تأمر بالخير و هي النفس المطمئنة،

ص: 264


1- من لا يحضره الفقيه: ج 2 ص 49.
2- تصنيف نهج البلاغة للبيب بيضون: ص 677.

قال اللّه تعالى: يٰا أَيَّتُهَا اَلنَّفْسُ اَلْمُطْمَئِنَّةُ اِرْجِعِي إِلىٰ رَبِّكِ رٰاضِيَةً مَرْضِيَّةً . (1) و سميت مطمئنة لأنّ صاحبها حين يطيع يبلغ درجة الإطمئنان في الدنيا و الأخرة.

2 - النفس التي إذا عمل الإنسان سوءا لامته و أنّبته على فعله، و هي النفس اللوامة، قال تعالى: لاٰ أُقْسِمُ بِيَوْمِ اَلْقِيٰامَةِ * وَ لاٰ أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اَللَّوّٰامَةِ . (2)

3 - النفس التي تدعو إلى الشر و تأمر بالسوء و هي النفس الأمّارة، قال تعالى: إِنَّ اَلنَّفْسَ لَأَمّٰارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاّٰ مٰا رَحِمَ رَبِّي. (3)

4 - النفس الراضية.

5 - النفس المرضية.

الإمام علي عليه السّلام يعرّف النفس تعريفا جميلا عند ما سأله كميل بن زياد «رض» أن يعرفه نفسه فقال: «يا كميل إنما هي أربع: النّامية النّباتيّة، و الحسّية الحيوانيّة، و النّاطقة القدسيّة، و الكلّية الإلهيّة. و لكل واحدة من هذه خمس قوى و خاصيّتان. فالنّامية النّباتيّة لها خمس قوى: جاذبة، و ماسكة، و هاضمة، و دافعة، و مربّية، و لها خاصيّتان: الزّيادة و النّقصان، و انبعاثها من الكبد، و هي أشبه الأشياء بنفس الحيوان. و الحسيّة الحيوانيّة لها خمس قوى: سمع، و بصر، و شم، و ذوق، و لمس، و لها خاصيّتان:

الشّهوة و الغضب، و انبعاثها من القلب، و هي أشبه الأشياء بنفس السّباع.

و النّاطقة القدسيّة و لها خمس قوى: فكر، و ذكر، و علم، و حلم، و نباهة،

ص: 265


1- سورة الفجر، الآيتان: 27-28.
2- سورة القيامة الآيتان: 1-2.
3- سورة يوسف، الآية: 53.

و ليس لها انبعاث، و هي أشبه الأشياء بالنفوس الملكية، و لها خاصيّتان:

النزاهة و الحكمة. و الكليّة الإلهيّة و لها خمس قوى: بقاء في فناء، و نعيم في شقاء، و عزّ في ذل، و غنى في فقر، و صبر في بلاء، و لها خاصيّتان: الرّضا و التّسليم و هذه هي التي مبدؤها من اللّه و إليه تعود. قال اللّه تعالى:

وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي و قال تعالى: يٰا أَيَّتُهَا اَلنَّفْسُ اَلْمُطْمَئِنَّةُ اِرْجِعِي إِلىٰ رَبِّكِ رٰاضِيَةً مَرْضِيَّةً و العقل وسط الكلّ لكيلا يقول أحدكم شيئا من الخير و الشّرّ إلاّ بقياس معقول»(1).

الروح:

من الأشياء التي حجبها اللّه عن عباده هي معرفة الروح و ماهيتها، قال الباري: وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ اَلرُّوحِ قُلِ اَلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَ مٰا أُوتِيتُمْ مِنَ اَلْعِلْمِ إِلاّٰ قَلِيلاً. (2)

إن هذا الاخفاء هو من الألطاف الإلهية التي تراعي مصلحة الإنسان و تنظر إليه بعين اللطف و الرحمة؛ لأنّ الإنسان لا يدرك مصلحته، و قد يتصرف خلافها مسيئا إلى نفسه و الأخرين. لذا اقتضت الحكمة الإلهية جعل الروح من الأسرار التي تختص بالخالق وحده، و لا يمكن للإنسان مهما أوتي من علم أن يتوصل إلى معرفتها و كشف ماهيتها.

السؤال عن الروح طرحه الناس قديما و حديثا، فأجابهم اللّه بلسان القرآن بأنّ الروح شأن الهي، و أنّ علم الإنسان مهما زاد فهو لا شيء بالنسبة لعلم الخالق جلّت قدرته.

ص: 266


1- تصنيف نهج البلاغة للبيب بيضون: ص 681-682.
2- سورة الإسراء، الآية: 85.

و بالرغم من ذلك بقي الإنسان معاندا، يفكر و يتساءل و يحاول جاهدا كشف بعض خفايا الروح، هل هي شيء قابل للرؤية و اللمس ؟ أم أنها بشكل سائل ؟ أو تشبه الموجات الكهرومغناطيسية ؟ كيف تدخل البدن و بأي صورة تخرج منه ؟ و كيف تدخل إلى الجنين عند تكوينه في بطن امه ؟ و إذا مات الإنسان هل يمكن رؤية الروح و هي تخرج منه ؟ و إذا خرجت أين تذهب ؟ تساؤلات و فرضيات حيّرت العلماء و الباحثين و لكنها بقيت بلا جواب، لأنّ اللّه هو الحاجب عن معرفة ذلك، و كل شيء يحجبه اللّه لا يمكن رويته أو معرفته. الروايات الواردة عن أهل البيت عليهم السّلام تقول: أن الروح تنفصل عن الجسد، و لكنها تبقى ملازمة له، فإذا كان الإنسان شقيا معذبا في القبر، شقت و تعذبت معه الروح. و إذا كان مؤمنا صالحا سعدت الروح و أطمأنت، فالموت معناه تغير الحال فقط، و أن الروح باقية بعد مفارقتها الجسد إما معذبة و إما منعمة. و معنى مفارقتها للجسد انقطاع تصرفها عن الجسد بخروج الجسد عن طاعتها، و مع ذلك يبقى سؤال يتردد في الأذهان إذا انفصلت الروح، أين تذهب، هل تبقى بجوار الجسد أم تنتقل في الأجواء ثم تعود إليه ؟ و بالطبع سيبقى هذا السؤال بلا جواب، و ستبقى الروح سرا الهيا لا تدركه العقول البشرية مهما أوتيت من علم و بصيرة. الإمام علي عليه السّلام عند ما يصف ملك الموت حينما يأتي لقبض الروح فيتسائل و يقول:

«هل يحسّ به إذا دخل منزلا، أم هل تراه إذا توفّى أحدا! بل كيف يتوفى الجنين في بطن أمّه! أيلج عليه من بعض جوارحها، أم الرّوح أجابته بإذن ربّها، أم هو ساكن معه في أحشائها»(1).

ص: 267


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 7 ص 237.

صحوة الموت

كثير منا من شاهد صحوة الموت عند العديد من الناس رجالا و نساء.

و هي إما قصيرة المدّة لا تتجاوز بضعة دقائق، أو طويلة المدّة تستغرق عدة ساعات. الصحوة هي حالة يفيق فيها المريض الذي يعاني الآلام أو الغيبوبة، و يبدأ الجلوس و النهوض و طلب الماء و الغذاء و الحديث مع الحاضرين بصورة طبيعية و وعي كامل؛ و ما أن تتحقق طلباته الظاهرية حتى يجلس أو يتمدد و يسلم الروح.

صحوة الموت من الجانب المادي تعتبر خرقا للنظريات الطبية التي تقول: بأن الخلايا و الأنسجة و الأعضاء تأثرت و تغيرت كثيرا، و اصيبت بالضمور و الضعف و الشلل، و قلت فعاليتها أو توقفت عن العمل أحيانا، و أصبحت غير قادرة على أداء وظائفها و واجباتها الطبيعية. أنا شخصيا كطبيب مارس المهنة الطبية لمدة (34) سنة شاهدت العديد من حالات الصحوة المتباينة المدد و لكن حالتين منها استرعت انتباهي و اهتمامي:

الحالة الاولى: لإمرأة من أقربائي أصيبت بسرطان المعدة، و لم يجدي العلاج الطبي معها شيئا، لأنّ المرض كان منتشرا إلى باقي الأعضاء. الأطباء أوصوا بأعطائها الأدوية المسكنة و المنومة إلى حين أجلها. و بالتدريج تدهورت صحتها و ازدادت آلامها حتى أغمي عليها و لم يعد يسمع منها سوى الأنين الخافت. استمرت المريضة على هذه الحال لمدّة شهرين لم تتناول خلالها إلاّ السوائل و الفيتامينات عن طريق التزريق الوريدي. ذات صباح جلست بكامل قواها و عقلها، سلّمت على الجميع و سألت عن الغائبين ثم طلبت خبزا و كبابا للإفطار، جلبوه لها، تناولته كالأيام السابقة،

ص: 268

و بدأت الحديث و كأنّ شيئا لم يكن، و فجأة التفتت إلى زوجة إبنها و طلبت منها أن تصنع لها غداء من الرز و الدجاج، و أستمرت بالحديث مع الحاضرين الذين أصيبوا بالدهشة، حتى حان موعد الغذاء، تناولته بشوق و رغبة ثم اتكأت على الوسادة و فارقت الحياة.

الحالة الثانية: كانت لصديق يكبرني بثلاث سنوات، اصيب بسرطان الرئة الخبيث الذي لا شفاء منه. بعدها اخرج من المستشفى إلى البيت بانتظار رحمة اللّه. بمرور الأيام تدهورت حالته الصحية و بلغت صعوبة التنفس حدا جعلت صديقي يخشى تناول غذاءه الوحيد و هو الحليب؛ لأنّه يؤثّر على تنفسه أثناء الشرب و يجعله في حالة ضيق و اختناق. كان ينام جالسا و يضع يديه على الوسائد الجانبية، لأنّ مجرد وضعها على جوانب الصدر يجعله في حالة تنفسية صعبة، كان يقضي حوائجه و هو جالس في مكانه لعدم قدرته على الحركة. إستمرت هذه الحالة لمدة ثلاثة أشهر. و في عصر يوم من أيام الصيف الحار، نهض من مجلسه و طلب التجوال في بستانه القريب من البيت، بدأ التجوال و هو يحمل معه كأسا من اللبن ليتناول معه الرطب الطازج من النخيل الذي يملأ البستان، و بعد جولة استغرقت حوالي ساعتين تناول فيها أنواع الرطب الممزوج مع اللبن، رجع إلى البيت و ما أن جلس في مكانه السابق حتى ضعف صوته و انهارت قواه ثم انقلب جانبا و فاضت روحه إلى بارئها.

هاتان الحالتان جلبتا انتباهي و جعلتاني أفكر و أتساءل مع نفسي كيف استيقضت قريبتي التي فقدت الوعي لمدة شهرين و طلبت الماء و الغذاء، و ظلت تتحدث لمدة أربع ساعات و لم تفارق الحياة إلاّ بعد أن تناولت الغذاء الذي طلبته ؟ و كيف استطاع صديقي الذي لا يتمكن من شرب

ص: 269

الحليب، على النهوض و التجول و أكل الطعام ؟ سألت العديد من الأصدقاء و كبار السن فلم أتلقى الجواب الشافي. و أخيرا تعرفت على رجل من أهل العقل و الدين و الخبرة فوضّح لي الأمر قائلا: صحوة الموت لها حالتان:

حالة مادية أو تفسير مادي يمثل تعلق الروح بصاحبها، فقبل أن تنفصل عنه تقوم بجولة وداع عامة على أعضاء البدن المختلفة، هذه الجولة تؤدي إلى انبعاث القوة و القابلية في أعضاء البدن على القيام بوظائفها كالسابق، هذه الحالة تشابه من يريد السفر و ترك البيت، حيث يقوم بإقفال الكهرباء و الغاز و الماء و الشبابيك و الأبواب؛ و أخيرا يغلق الباب الرئيسي و يسافر. الحالة الثانية أو التفسير الثاني يمثل الحالة الروحية، و هي أن اللطيف الخبير، و الرحيم الكريم، و الغفور المنعم، يحب الإنسان و يتمنى له الخير و الصلاح، و الرحمة و المغفرة و العفو و التوبة؛ يعطي الإنسان الفرصة الأخيرة للتوبة و الندم و طلب العفو و المغفرة من خلال هذه الصحوة، و هذا منتهى الكرم و الاحسان، و اللطف و الحنان، من الخالق المنان الذي خلق الإنسان و علمه البيان، و أنزل الأديان، ليصلح بها العقول و الأبدان فمن أطاع الرحمن فاز بالجنان، و من تبع الشيطان دخل النيران، و العاقل من تاب قبل فوات الأوان، لذلك تحب و توجب التوبة العاجلة، لأنّ الإنسان لا يعرف متى يدركه الموت، و هذا ما أكدّ عليه مولانا

أمير المؤمنين علي عليه السّلام حينما قال: «إعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، و أعمل لآخرتك كأنك تموت غدا».

و قال عليه السّلام: «فبادروا المعاد و سابقوا الآجال، فإنّ النّاس يوشك أن ينقطع بهم الأمل، و يرهقهم الأجل، و يسدّ عنهم باب التّوبة»(1).

ص: 270


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 10 ص 116.

سكرات الموت

قال اللّه تعالى: فَلَوْ لاٰ إِذٰا بَلَغَتِ اَلْحُلْقُومَ * وَ أَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ * وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَ لٰكِنْ لاٰ تُبْصِرُونَ * فَلَوْ لاٰ إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهٰا إِنْ كُنْتُمْ صٰادِقِينَ . (1)

و

قال الإمام علي عليه السّلام: «فإنّكم لو قد عاينتم ما قد عاين من مات منكم لجزعتم و وهلتم و سمعتم و أطعتم، و لكن محجوب عنكم ما قد عاينوا و قريب ما يطرح الحجاب»(2).

و قال الفيض الكاشاني في المحجة البيضاء: «و أعلم أنّ شدّة الألم في سكرات النزع لا يعرفها بالحقيقة إلاّ من ذاقها، و من لم يذقها فإنما يعرفها اما بالقياس إلى الآلام التي أدركها، و إما بالاستدلال بأحوال الناس في النزع على شدة ما هم فيه... و النزع عبارة عن مؤلم نزل بنفس الروح فاستغرق جميع أجزائه حتى لم يبق جزء من أجزاء الروح المنتشرة في أعماق البدن إلاّ و قد حلّ به الألم... و قالوا إنّ الموت أشد من ضرب السيف و نشر المناشير و قرض المقاريض؛ لأن قطع البدن بالسيف إنما يؤلم لتعلقه بالروح، فكيف إذا كان المتناول المباشر نفس الروح، و انما يستغيث المضروب و يصيح لبقاء قوّته في قلبه و لسانه و إنما انقطع صوت الميت و صياحه مع شدّة ألمه، لأنّ الكرب قد بالغ فيه و تصاعد على قلبه و غلب على كل موضع منه؛ فهدّ كل قوّة و ضعّف كل جارحة، فلم يترك له قوة الاستغاثة. أما العقل فقد غشيه و شوّشه، و أما اللسان فقد أبكمه، و أمّا

ص: 271


1- سورة الواقعة الآيات: 83-87.
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 1 ص 298.

الأطراف فقد ضعّفها، و يود لو قدر على الاستراحة بالأنين و الصياح و الاستغاثة؛ و لكنه لا يقدر على ذلك، فإن بقيت فيه قوة سمعت له عند نزوع الروح و جذبها خوارا و غرغرة في حلقه و صدره، و قد تغيّر لونه و اربدّ، حتى كأنه قد ظهر منه التراب الذي هو أصل فطرته، و قد جذب منه كل عرق على حياله. فالألم منتشر في داخله و خارجه حتى ترتفع الحدقتان إلى اعالي موضعهما و تخضر أنامله... فلا تسأل عن بدن يجذب منه كل عرق من عروقه و لو كان المجذوب عرقا واحدا لكان المه عظيما، فكيف و المجذوب نفس الروح المتألم. ثم يموت كل عضو من أعضائه تدريجيا فتبرد أولا قدماه ثم ساقاه ثم فخذاه و لكلّ عضو سكرة بعد سكرة و كربة بعد كربة حتى يبلغ بها إلى الحلقوم، فعند ذلك ينقطع نظره عن الدنيا و أهلها و يغلق دونه باب التوبة و تحيط به الحسرة و الندامة»(1).

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله «تقبل توبة العبد ما لم يغرغر»(2).

الإمام علي عليه السّلام لخص حالة الإنسان من سكرات الموت حتى القبر فقال:

«فلم يزل الموت يبالغ في جسده حتى خالط سمعه، فصار بين أهله لا ينطق بلسانه، و لا يسمع بسمعه، يردّد طرفه بالنّظر في وجوههم، يرى حركات ألسنتهم، و لا يسمع رجع كلامهم، ثمّ ازداد الموت التياطا به، فقبض بصره كما قبض سمعه، و خرجت الروح من جسده فصار جيفة بين أهله، قد أوحشوا من جانبه، و تباعدوا من قربه، لا يسعد باكيا، و لا يجيب داعيا، ثمّ حملوه إلى مخط في الأرض، فأسلموه فيه إلى عمله، و أنقطعوا

ص: 272


1- المحجة البيضاء في تهذيب الإحياء: ج 8 ص 252-254.
2- أخرجه الترمذي و ابن ماجة تحت رقم 4253 نقلا عن المحجة البيضاء جزء 8 ص 254.

عن زورته»(1).

أما نحن فلا نشاهد في صورة الإنسان الذي يعاني من سكرات الموت، سوى التغيّرات و التبدلات الظاهرية التي ذكرناها. أما ما يجري من امور غيبية لا ندركها أو نراها، فقد وضحها الرسول الأكرم صلّى اللّه عليه و آله و الأئمة المعصومون عليهم السّلام في أحاديثهم و خطبهم؛ مؤكدين بأنّ الإنسان لا يتصور هول و عظم خطب سكرات الموت إلاّ عند ما يجرّبها و يراها عين اليقين؛ و في تلك اللحظات الحرجة يكون الإنسان غير قادر على الكلام، و لا يستطيع توضيح ما يجري عليه. و لكن الثابت لدينا بإن الرسول صلّى اللّه عليه و آله و الإمام عليا عليه السّلام يحضران عند الذين يعانون سكرات الموت و يتكلمون معهم، فان كانوا مؤمنين طمأنوهم و أخبروهم خيرا، و طلبوا من ملك الموت الرفق بهم، و عند ذلك يقوم ملك الموت بقبض أرواحهم برفق و هدوء. و هكذا تمر الساعات و يصبح الانسان جثة هامدة تنقل إلى قبرها، و تطوى صفحة حياته في الدنيا، أما في القبر فلا يبقى معه إلاّ عمله و القبر كما

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «القبر إما حفرة من حفر النيران أو روضة من رياض الجنان»(2). و هذا نص صريح في أن الموت معناه تغير حال فقط.

ص: 273


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 7 ص 201.
2- أخرجه الترمذي في سننه 247:4-2460/248.

ص: 274

نصائح و إرشادات علاجية

اشارة

قال الإمام علي عليه السّلام:

«إمشي بدائك ما مشى بك»(1).

«ربّما كان الدّواء داء، و الدّاء دواء»(2).

«لا يتداو المسلم حتى يغلب مرضه صحّته»(3).

«شرب الدّواء للجسد كالصّابون للثّوب ينقيه و لكن يخلقه»(4).

ص: 275


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 18 ص 137.
2- المصدر السابق: ج 16 ص 97.
3- الخصال للصدوق: ص 620.
4- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 20 ص 300.

ص: 276

بعد أن تكاثر الناس و تخطت الكرة الأرضية الستة مليارات نسمة، و أصبح النقل و الاتصالات من الأمور البسيطة، و صار الناس في جميع أنحاء العالم في تماس مباشر و سريع، ازدادت الإصابات بالأمراض، و تحولت بعض المخلوقات المجهرية الساكنة إلى موجودات مهاجمة و ضارة، و غدت الميكروبات تقاوم الأدوية و تبطل مفعولها، و هنا برزت الحاجة إلى صنع و اكتشاف أدوية جديدة تحطم هذه المقاومة و تحد من نشاط صنع و اكتشاف أدوية جديدة تحطم هذه المقاومة و تحد من نشاط تلك الميكروبات العنيدة. و بالفعل جهد العلماء و الباحثون على صنع مئات المنتجات الجديدة و الرخيصة، التي لها القدرة على الحد من إنتشار الأمراض، و تحطيم المقاومة الشرسة التي تبديها هذه المخلوقات التي لا ترى بالعين؛ و التي أصبحت تهدد العالم اجتماعيا و اقتصاديا، كالأيدز و جنون البقر، ناهيك عن أن أغلب الأمراض المعدية لا زلت متفشية في العديد من الدول، خصوصا الدول النامية و الفقيرة التي تفتقر إلى الثقافة الصحية و البيئة الصالحة و المال. أما الأمراض النفسية التي طغت على المجتمعات الغربية و الدول الصناعية كأمريكا و اليابان؛ فهي كارثة لا مثيل لها، إذ أصبح الملايين من سكان تلك المناطق يعانون الإدمان على المهدئات و المسكنات، و الأدوية المنومة و المخدرات و المشروبات الكحولية؛ و كانت النتائج مفجعة إذ أصبح الملايين منهم ضحية للإعتياد و القلق.

المشكلة الدوائية

إن مشكلة وصف و إعطاء و تناول الدواء ناتجة من عدة عوامل أهمها:

1 - عدم تناول الدواء بصورة صحيحة و منظمة.

ص: 277

2 - قطع العلاج من قبل المريض قبل حصول النتائج المطلوبة.

3 - تناول العلاج لمدة طويلة دون استشارة الطبيب المعالج.

4 - تناول كميات كبيرة خلافا للتعليمات.

5 - تناول كميات قليلة غير مؤثرة.

6 - تناول العلاج بصورة كيفية دون مراجعة الأطباء.

7 - تناول العديد من الأدوية في وقت واحد من دون معرفة المضاعفات و التضادات الموجودة في تلك الأدوية.

لذلك أصبحت الحاجة ماسة إلى وضع سياسة دوائية واضحة و مشخصة لجميع الناس و وفق مستوياتهم الثقافية؛ ليكون الجميع على اطلاع كاف بأهمية و خطورة الدواء المتناول، و التشديد على وضع برامج ثقافية صحية يتعرف الناس من خلالها كيفية تناوله بصورة علمية ناجحة تقيهم خطر المضاعفات الناتجة من سوء الاستعمال.

إن تناول الأدوية بإفراط و إدمان، يخلق مضاعفات جسمية و روحية كثيرة، لأن أغلب الأدوية المصنّفة لها تأثيرات جانبية سامة على بعض أعضاء البدن، كالقلب و الكليتين و الكبد و المعدة و الدماغ و الرئتين و غيرها.

لهذا يجب أخذ الحيطة و الحذر، و اتباع الإرشادات الطبية عند تناول أو إعطاء العقارات، خصوصا للأطفال، حيث يكون التأثير كبيرا و خطيرا.

و لا ننسى أن بعض الناس صاروا يتناولون الدواء بدل الغذاء و بصورة يومية؛ متعللين بأعذار شتى، أبسطها أن حياتهم مهددة بالخطر إذا لم يتناولوا تلك الأدوية.

إن الإحصاءات الرسمية تشير بدلالة واضحة، بأنّ الاستهلاك المتزايد للأدوية سيؤدي إلى الوقوع في كارثة صحية تخالف العقل و الواقع

ص: 278

و التعليمات الطبية الهادفة إلى حماية الإنسان من خطر المضاعفات السمية للدواء.

هدف الإمام عليه السّلام:

الإمام علي عليه السّلام في هذه الأقوال الحكيمة و الآراء السليمة و الأسس القويمة، وضع القواعد المحكمة و اللبنات الصلدة لعلم الأدوية الحديث، فقد أكد في مختلف المناسبات و الخطب، بأنّ الدواء لا يخلو من الخطورة، فهو كالسم أو أشد، فهو تارة ذو فوائد عند ما يستعمل بصورة مؤقتة للقضاء على ظاهرة معينة أو مرض خاص، و يقطع حال انتفاء الحاجة إليه. و تارة يعرّض الإنسان لشتى المشاكل، كالحساسية و الخوف و ضعف المقاومة و النسيان.

و من الحكميات الناطقة للإمام عليه السّلام قوله بأن المسلم لا يتداوى حتى يغلب مرضه صحته، أي أن المسلم الواعي يتريث قليلا قبل الإقدام على تناول الدواء و لا يتناوله إلاّ بعد الإحساس بأن صحته بدأت تميل نحو النزول و الانحدار، علما بأنّ أكثر الأمراض، خصوصا الفيروسية منها تتلاشى و يقضى عليها بعد مرور ثلاثة أو أربعة أيام بفعل المناعة الداخلية للجسم.

لذا فإنّ التريث و الصبر على بعض الآلام في بداية المرض ضروري لكل إنسان يعاني من إصابة مرضية. أما العجلة في تناول الدواء من غير ضروة، فإنّه يولّد مقاومة ميكروبية ضد الدواء، و بالتالي مضاعفات جسدية و مالية،

فقال الإمام عليه السّلام: «إمشي بدائك ما مشى بك» و لا ننسى أن بعض الأدوية تؤذي البدن، و ينتج منها أمراض عديدة و خطيرة، و قد حذر الإمام عليه السّلام من هذه الظاهرة حين قال:

«ربما كان الدواء داء، و الداء دواء»

ص: 279

علما بأن كثرة تناوله و لمدة طويلة، يربك و يعرقل و يوقف وظائف و أعمال الخلايا و الأنسجة و الأعضاء و قد تصل الامور إلى تلفها، و عندها يتعرض الإنسان إلى الموت المحتم. لم يكتفي الإمام عليه السّلام بذلك عند ما قرب المعنى الإنسان إلى الموت المحتم. لم يكتفي الإمام عليه السّلام بذلك عند ما قرب المعنى للأذهان و هو يحذر من خطورة الاستعمال الدائم و المفرط للدواء فقال:

«شرب الدواء للجسد كالصابون للثوب ينقيه و لكن يخلقه».

ما ذا يستفاد من العلاج:

يهدف العلاج إلى منع الإصابة بالمرض و القضاء على الأمراض التي تحدث نتيجة الإصابة:

1 - المنع الحقيقي و الواقعي للإصابة بالأمراض، كحمى الرومايتزم و التهابات المجاري.

2 - منع نشاط الالتهابات المزمنة، كالتهابات القصبات و الأمعاء.

3 - كبح الأمراض الموجودة التي لا تظهر للعيان في بدايتها و قبل استفحالها، مثل: مرض التدرن الأولي و الملاريا.

4 - منع نشوء الأمراض الاحتمالية كمرض التهاب غشاء القلب الداخلي بعد قلع الأسنان.

5 - منع المضاعفات المرضية بعد العمليات الجراحية.

6 - منع انتشار الأمراض في حالة شيوعها في مناطق معينة.

7 - منع إصابة الأشخاص الذين هم في تماس مع المرضى المصابين بالأمراض المعدية، كالجدري و الأنفلونزا و عجز الكبد.

ص: 280

تمثيل الدواء:

يتم تمثيل الدواء أساسا في الكبد، و لكنه يتم أيضا في جدار المعدة و الرئتين من خلال مختلف الفعاليات و هي:

1 - تحويل الدواء من مادة فعالة إلى مادة غير فعالة.

2 - تحويل الدواء من مادة فعالة إلى مادة فعالة اخرى.

3 - تحويل الدواء من مادة فعالة إلى مادة فعالة.

اما طرح الأدوية فيتم عن طريق:

1 - الكلية.

2 - الرئتين.

3 - الكبد.

4 - التعرّق.

5 - الحليب عند الام المرضع.

كيف تعمل الأدوية المضادة للميكروبات داخل الجسم:

1 - أدوية تؤثّر على جدار خلية الميكروب.

2 - أدوية تؤثر على غلاف السيتوبلازم للميكروب.

3 - أدوية تؤثر على صناعة البروتين داخل خلية الميكروب.

4 - أدوية تمنع تمثيل الحوامض داخل الخلية مثل حوامض دي. أن.

أي و أر. أن. أي.

5 - أدوية تمنع التمثيل العادي داخل خلية الميكروب.

ص: 281

تأثيرات الأدوية على الجسم تنتج من خلال:

أ - مضاعفات دوائية بسبب:

1 - عوارض جانبية.

2 - عوارض ثانوية.

3 - عوارض سمية.

ب - إختيار الدواء.

ج - كيفية استعمال الدواء.

د - التفاعلات بين الأدوية.

ه - الحساسية الناتجة من الدواء.

و - تناول الدواء أثناء الحمل.

ز - تناول الدواء في حالات اختلال الكلية و الكبد.

ح - تناول الدواء أثناء الحمل و تأثيراته على الجنين.

ط - تناول الدواء من قبل الأطفال.

العوارض المضادة للدواء:

العوارض المضادة لها أهمية خاصة في علم الأدوية خصوصا في السنين الأخيرة حيث كثر استعمال الدواء و صار في متناول الجميع. و تنقسم العوارض المضادة إلى قسمين رئيسيين:

1 - عوارض غير دوائية أي لا ترتبط بخاصية الدواء و هي على نوعين:

أ - عوارض ليست لها علاقة بالدواء و انما بذات المريض مثل

ص: 282

العمر، الجنس، الجينات، نوع المرض و القابلية لبروز حساسية داخل البدن.

ب - عوارض خارجية ترتبط بالطبيب و مقدار معلوماته عن الأدوية التي يصفها للمريض، و كذلك المحيط الذي يعيش فيه المريض.

2 - عوارض دوائية:

العوارض الدوائية لها اسباب عديدة أهمها:

أ - عوارض داخلية ترتبط بالدواء نفسه.

ب - عوارض بسبب اختيار نوع الدواء.

ج - عوارض بسبب كيفية استعمال الدواء.

د - عوارض بسبب التفاعلات التي تحدث بين الأدوية في حالة استعمال أكثر من دواء في وقت واحد.

قواعد عامة للعلاج

قواعد عامة للعلاج(1)

يجب على كل طبيب أن يلاحظ و يتبع و يدقق في النقاط التالية عند ما يقرر إعطاء الدواء للمرضى، و هي:

1 - هل الدواء ضروري للمريض أم لا؟ و هل حالة المريض حادة تتطلب التدخل الدوائي السريع أم أن الحالة غير حادة و يؤجل الدواء إلى ما بعد التشخيص ؟

2 - أن يختار الطبيب الدواء وفق التشخيص الطبي الدقيق، أو وفق التشخيص المختبري.

ص: 283


1- Clinical pharma cology page 217

3 - هل يستعمل الدواء بجرعته القصوى وفق طبيعة و نوعية و مقاومة الميكروب و قوة الإصابة ؟

4 - يجب التأكد بأنّ الجرعة الكلية كافية و تعطى في الأوقات المناسبة و بأفضل الطرق.

5 - يجب رفع موانع الشفاء، كفتح الخراج و رفع انسداد الجهاز البولي و الكبدي و التنفسي.

6 - عدم تبديل الدواء بعد الاستعمال، إلا بعد مرور ثلاثة أيام و عدم حصول تقدم في حالة المريض.

7 - إذا حصل تحسن في صحة المريض يجب الاستمرار في إعطاء الدواء لضمان عدم عودة المرض.

8 - عدم إعطاء الدواء بدون تشخيص.

9 - يجب عدم إعطاء اكثر من مضاد حيوي واحد إلاّ إذا وجدت أسباب لذلك.

10 - فحص إستجابة المرض للدواء المعطى، و هل يجب الاستمرار في اعطاء الدواء.

11 - فحص تركيز الدواء في بلازما الدم خصوصا في حالة اضطراب الكلى عند استعمال الأدوية السامة التي تطرح عن طريق الكلى.

12 - يجب الاحتراز في إعطاء الأدوية للمرضى الحاملين للميكروب، بل التريث لحين قيام الجسم بترميم نفسه و طرد الميكروب أو قتله، اما إذا تقرر إعطاء الدواء للأمراض أو الحالات المزمنة، فيجب استعمال الأدوية القاتلة للميكروب.

13 - يجب افهام المريض بأنّ الدواء المستعمل هو مادة سامة، و أنّ

ص: 284

استعماله لمدة طويلة من دون استشارة الطبيب يؤدي إلى عواقب وخيمة.

14 - يجب إعلام المريض بأنّ الدواء المعطى له يتناسب مع حالته الصحية و لا يجوز اعطاؤه من قبل المريض إلى مريض آخر.

بعد هذا الاستعراض الموجز، أ لا يحق لنا أن نفتخر بإمام المسلمين، و فخر العالمين، سليل الطالبيين الإمام علي عليه السّلام على إرشاداته الدوائية الحكيمة.

ص: 285

ص: 286

الإمام عليّ عليه السّلام أول قاضي و طبيب عدلي في الإسلام

اشارة

«إمرأة تعلقت برجل من الأنصار و كانت تهواه و لم تقدر له على حيلة، أخذت بيضة و أخرجت منها الصفرة و صبت البياض على ثيابها بين فخذيها و أدعت على الرجل؛ رفعت القضية إلى الإمام، و عند ما جلبوا المرأة أمامه، نظر الإمام إلى البياض، شك فيه و قال: إئتوني بماء حار قد أغلي غليانا شديدا، و لما اوتي بالماء أمرهم فصبوه على موضع البياض فأشتوى ذلك البياض، ثم إن الإمام عليه السّلام شمه، ثم القى جزء منه في فمه، و لما عرف طعمه طعم بيض القاه ثم أقبل على المرأة حتى أقرت و أعترفت بعملها»(1).

ص: 287


1- قضاء أمير المؤمنين للعلاّمة محمد تقي التستري: ص 14.

ص: 288

كانت الجزيرة العربية قبل الإسلام تضم تجمعات بدوية متنافرة، تسكن قرب المياه و الطرقات العامة، و تعيش على الرعي و الزراعة و التجارة، و تسودها الحروب الداخلية و الغزوات الدائمية.

الحياة الاجتماعية خليط بين الشجاعة و التفاخر، و الكرم و الضيافة، و الحب و الغرام، و الجنون و الهيام، و تناول المشروبات و ممارسة المنكرات، و وأد البنات، و اتخاذ الخليلات، و سهر الليالي الصاخبات مع ذوات الرايات، اللأئي نصبن الأعلام للمنكرات.

كانت مكة و المدينة و الطائف و ما حولها، تزخر بمثل تلك النسوة من ذوات الأعلام، التاريخ يحدثنا عن المشهورات منهن من أمثال ام زياد ابن أبيه و النابغة ام عمر بن العاص، و حمامة، جدة معاوية بن أبي سفيان، و من الطرافة أن تلك الجلسات الليلية الجماعية تعقد في تلك البيوت بصورة علنية، و يحضرها العديد من وجوه القبائل و الأحياء و هم يتناولون الخمور و يتسامرون مع تلك المومسات بلا خجل أو حياء. (يظهر من خلال مطالعة التاريخ أن حضور شخصيات البلد في هذه الحفلات هو من المسائل العادية التي لا تجلب العار أو الاستنكار).

و عند ما جاء الرسول الأكرم صلّى اللّه عليه و آله بالرسالة المحمدية الخالدة و انتشر الدين الإسلامي في كافة أرجاء الجزيرة العربية، دخل الناس في الدين الإسلامي طوعا أو كرها، و صار الجميع يعيش في ظل التعاليم الدينية الرشيدة، إلاّ بعض ذوي النفوس المريضة التي عاشت سنين طويلة تمارس المنكرات بأنواعها و التي بقيت تحنّ إلى الماضي الأسود و تتذكّر أيامها السالفة.

ص: 289

كان ذلك الحنين و ممارسة المجون يجري بخفاء و سرية كاملة، خوفا من وصول الأخبار إلى سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و خلفائه. لقد كانت النفوس مريضة و أمّارة بالسوء و خاضعة لوسوسة الشيطان، لم تستضئيء بنور الاسلام، لذلك مارست المنكرات على الرغم من التحريم الصريح الذي جاء به القرآن الكريم و السنة النبوية، علما بأن جميع المسلمين رجالا و نساء يعرفون عقوبة العلاقات غير المشروعة التي أوردها القرآن الكريم، و هي الجلد علنا للزاني و الزانية الذين لم يتزوجا، و الرجم علنا للزناة المتحصنين و رغم ذلك كان البعض يقيم علاقات غير مشروعة و يبدي علامات الحب و الغزل لهذه الفتاة و تلك المرأة، بالرغم من إقامة الحدود العلنية على العديد منهم.

هذه الظاهرة هي شكل من أشكال الإغواء الشيطاني الذي يلعب دورا كبيرا في علاقة الرجل و المرأة في كافة المجتمعات، بضمنها المجتمع الإسلامي. و قد بلغت موجة التحلل أشدها عند ما استولى الطلقاء و أبناء الطلقاء (بنو أمية) على الحكم، ثم من بعدهم خلفاء السوء و الفجور بني العباس، الذين شجعوا الخمور و الفجور، و الغناء و الطرب و الفواحش، لقد كان حقا عصرا ذهبيا لكافة الموبقات و الأفكار الشاذة، لأن الدولة هي التي تشرف على نشر تلك المنكرات بأمر من المسؤول الأول في الدولة (الخليفة)، و تاريخ بني العباس الأسود يحدثنا بإسهاب عن ليالي الطرب التي كانت تقام حتى الصباح في قصور الخلفاء و هم يسهرون مع الجواري و الغلمان و فرق الغناء و الرقص؛ و قد سيطرت الخمرة على عقولهم الطائشة فأنستهم ذكر اللّه.

ص: 290

موقعية الإمام:

الإمام علي عليه السّلام الذي عاش مجتمع المدينة و أطّلع على أحواله و عاداته و اخلاقه عرف الناس صغيرهم و كبيرهم، طيبهم و سيئهم، و ما ذا يجري في منتدياتهم و احيائهم جميع أهل المدينة يعرفون الإمام حق معرفته، لذلك فهم يحترمون رأيه و قضاءه في جميع الأمور التي تواجههم في حياتهم اليومية، لقناعتهم الثابتة بمقامه من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و سابقته في الإسلام، و كونه الفاروق الأكبر الذي يفرّق بين الحق و الباطل.

كان عليه السّلام منبع العلوم و كنزها، فبالإضافة إلى ما حباه اللّه من علوم إلهيّة فإنّه صاحب علم و فراسة، و كانت الحكمة تجري على لسانه في كافة القضايا الدينية و الإجتماعية و القضائية و الطبية.

إن المجتمع الإسلامي الذي تطور و توسع بعد الفتوحات الاسلامية وجد أمامه الكثير من الحالات الطبية العدلية التي لم تجد لها الحل إلاّ على يد الإمام عليه السّلام الذي أصبح فصل الخطاب في تلك القضايا الجديدة و المعقدة حتى أن خلفاء عصره كانوا يهرعون إليه في حل المشاكل التي تواجههم و لا يستطيعون حلها، حتى غدا عليه السّلام المنقذ و المرشد للمسلمين، خصوصا في القضايا التي كان يثيرها أعداء الإسلام الذين يترقبون الفرص للنيل من عظمة الدين الإسلامي الحنيف. و هذا دليل ساطع و برهانا لامع على أن الإمام عليه السّلام هو القرآن الناطق الذي أشار إليه النبي صلّى اللّه عليه و آله في مناسبات كثيرة.

لقد كان أمير المؤمنين عليه السّلام درع الإسلام الحصين، و الحامي المخلص الأمين لجميع المشاكل التي تعرّض لها الدين الإسلامي، سواء من

ص: 291

الناحية السياسية أو العسكرية أو الطبية و هو الذي قال فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

(علي أعلمكم، أتقاكم، أقضاكم).

ما هو الطب العدلي ؟

هو من العلوم الحديثة التي تجمع بين مختلف العلوم و الطب، كعلم الفيزياء، و الكيمياء، و السموم، و علم النفس، و علوم اخرى.

الطب العدلي يعتبر المسؤول عن معرفة أسباب الجريمة و الظروف المحيطة بها. كان في بدايته بسيطا يعتمد على الظواهر و الأحداث و الشواهد التي تقع وقت حدوث الفعل أو الجرم.

الطب العدلي له فوائد كثيرة في عصرنا الحاضر، حيث أصبح يساعد الدوائر القضائية في تشخيص و كشف الجريمة و الحدث، و رفع الالتباس الواقع، و تعيين زمن الوقوع، و تشخيص الآلة أو السلاح المستعمل، و التعرف على المادة الكيمائية في حالات التسمم المختلفة، و تقدير عمر الجاني و المجنى عليه، و معرفة جنسه. كما و يلعب دورا رئيسيا في كشف الحالات الجنسية و حالات الاختناق.

إن بداية الظواهر الطبية العدلية جاءت على لسان القرآن الكريم في آيات عديدة ذكرناها في كتابنا القرآن و الطب الحديث نذكر منها:

أَ يَحْسَبُ اَلْإِنْسٰانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظٰامَهُ * بَلىٰ قٰادِرِينَ عَلىٰ أَنْ نُسَوِّيَ بَنٰانَهُ . (1)

فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً . (2)

ص: 292


1- سورة القيامة، الآيتان: 3-4.
2- سورة يونس، الآية: 92.

وَ اَلَّذِينَ يَرْمُونَ اَلْمُحْصَنٰاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدٰاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمٰانِينَ جَلْدَةً وَ لاٰ تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهٰادَةً أَبَداً وَ أُولٰئِكَ هُمُ اَلْفٰاسِقُونَ . (1)

وَ جٰاؤُ عَلىٰ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ . (2)

قٰالَ هِيَ رٰاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَ شَهِدَ شٰاهِدٌ مِنْ أَهْلِهٰا إِنْ كٰانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَ هُوَ مِنَ اَلْكٰاذِبِينَ * وَ إِنْ كٰانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَ هُوَ مِنَ اَلصّٰادِقِينَ . (3)

لقد لفتت تلك الآيات انتباه الجيل الأول من المسلمين، و على رأسهم معجزة الدهر و مفسر العصر الإمام علي عليه السّلام، الذي يعتبر أول قاض و طبيب عدلي إسلامي، وضع للمسلمين القواعد العدلية التي يفتخر بها عالمنا القديم و الحديث، كالتفريق بين الشهود و تدوين الإفادات.

لقد كان حقا معجزة العصر التي انفردت بآراء و نظريات و أساليب طبية عدلية لا زالت تبهر العقول و تجعل العلماء يقفون بإجلال و تعظيم لتلك الشخصية التي بذلت قصارى جهدها للدفاع عن الحق و ردع الباطل؛ فهو:

- أول من فرق بين لبن ام الأنثى و ام الذكر، و أن لبن ام الانثى على النصف من لبن ام الغلام، لكون لبن ام الانثى خفيف، و لبن ام الذكر ثقيل.

- رفع الجلد عن المجنونة التي فجر بها أحد الرجال.

- إكتشف قاتل الرجل الذي خرج مع جماعة في سفر و لم يعود.

- حكم في قضية المرأة التي زنت و هي حامل.

- قضى في حادثة المرأة التي أنكرت إبنها.

ص: 293


1- سورة النور، الآية: 4.
2- سورة يوسف، الآية: 18.
3- سورة يوسف، الآيتان: 26-27.

- حكم في قضية المرأة التي جامعها زوجها و وقعت على جارية بكر و ساحقتها.

- أظهر الحق في قضية المرأة الباكر التي كبرت بطنها و شك إخوتها فيها.

- كان الفيصل في مسألة الإمرأتين اللتين تنازعتا في طفل و تدعي كل واحدة منهن إنه إبنها.

- قضى في قضية الجارية التي شهدن عليها عدة نساء بأنها باغية و لم تكن باغية.

الإمام علي عليه السّلام في هذه القضية المطروحة أمامه أراد وضع الحق في نصابه، و اجراء الكشف بطريقة علمية لا تقبل الشك، و بيان حقيقة إدعاء المرأة بأنّ الرجل قد اعتدى عليها و اغتصبها. هذه القضية و غيرها التي تمس الشرف، ليست من الامور البسيطة، لما يترتب عليها من قصاص بدني و آثار إجتماعية و نفسية، لذلك قرر الإمام القيام بعملية فحص دقيقة تميز بين الحق و الباطل، من خلال الكشف على المواد البيضاء اللزجة التي جاءت بها المرأة و التي تشبه نطفة الرجل. قام الإمام بإجراء الكشف، مستعملا أبسط الأشياء، من خلال صب الماء المغلي على المواد اللزجة العالقة بملابس المرأة ليعلم حقيقتها، و بالفعل تكشفت الحقيقة ناصعة عند ما تحولت تلك المواد إلى مادة بيضاء جامدة تعطي رائحة البيض المسلوق، و بذلك اسقط ما في يد المرأة من ادعاء كاذب، و ثبتت براءة الرجل من هذا العمل الشيطاني الذي دبرته المرأة العاشقة.

و الآن لنرى ما ذا يعمل الطب العدلي الحديث لحالات الاغتصاب التي تحدث بكثرة في الوقت الحاضر.

ص: 294

تعريف الاغتصاب:

هو الاتصال الجنسي مع إمرأة دون رضاها.

علامات الاغتصاب عند المرأة:

إما أن تكون موضعية في الجهاز التناسلي للمرأة، أو علامات عامة سببها مقاومة المرأة للاعتداء.

1 - العلامات الموضعية:

أ - تمزق غشاء البكارة الواقع في مدخل المهبل هو العلامة الرئيسية التي تساعد حين وجودها على تشخيص الاغتصاب.

ب - يترافق الاغتصاب عند البواكر بنزف دموي مختلف الشدة مصدره غشاء البكارة، لذلك يجب التفتيش عن البقع الدموية على ثياب الفتاة الداخلية و على الفراش أو على الارض التي تم عليها الاغتصاب.

ج - يترافق الاغتصاب بدفق منوي تظهر آثاره في المهبل و على ثياب الفتاة و على جلد الناحية التناسلية. على أن فقدان هذه الآثار لا ينفي وقوع الجريمة.

د - يجب التفتيش عما قد يتركه المجرم على الناحية التناسلية للضحية من شعر يكون ذات أهمية كبيرة في إثبات التهمة عليه إذا بيّن الفحص وجود تماثل تام بينها و بين شعره.

ه - قد يكون الاغتصاب سببا في حصول عدوى سيلانية. أو إفرنجية، إذا كان المعتدي مصابا بأحد هذين المرضين.

و - قد ينتهي الاغتصاب بحصول الحمل عند المرأة المغتصبة.

ص: 295

علامات الاغتصاب العامة:

تنتج من مقاومة المرأة للرجل حين مواقعتها، و لذلك فهي تدل على عدم رضا المرأة تبدو هذه العلامات بشكل كدمات أو سحجات ظفرية و خدوش على الوجه الأمامي الأنسي للفخذين حين محاولة المعتدي إبعاد فخذي الضحية؛ كما ترى على الأيدين و الذراعين، أو على الوجه، و حول فوهتي الأنف و الفم إذا حاول المجرم منع الضحية من الصراخ، أو على العنق إذا حاول خنقها. و كثيرا ما تفقد هذه العلامات الدالة على المقاومة عند ما يتم الاغتصاب بشكل مباغت يشل مقاومة المرأة.

الفحص الطبي الشرعي في الاغتصاب:

يبدأ الفحص باستجواب المرأة، فتسئل عن سنها و تاريخ الاغتصاب الذي تدعيه، و عن مكان وقوعه و كيفية حدوثه، و عن مقدار الألم الذي رافقه. ثم تسأل عما إذا كانت قد قاومت المعتدي و حاولت الاستغاثة و النجاة، ام إنها استسلمت له، و عن الآثار التي خلفها الاعتداء من نزف أو غيره. و يلاحظ الطبيب طريقة مشي الفتاة، و ما إذا كانت المشية مؤلمة أم لا، و يوجه عناية خاصة لاستقصاء الحالة النفسية للفتاة التي تكون مضطربة في حالة الاغتصاب. ثم تفحص المدعية بعد أخذ موافقتها. تفحص أولا ملابس الفتاة التي كانت ترتديها حين الاعتداء، و خاصة الملابس الداخلية، بحثا عن البقع الدموية أو المنوية أو تمزقات تدل على مقاومة الضحية للجاني. ثم يفحص جسم الضحية بحثا عن آثار المقاومة من كدمات و سحجات، ثم يفحص الجهاز التناسلي بسحب الشفران الكبيران إلى الأمام

ص: 296

و الوحشي، فتبدوا الناحية التناسيلة بشكل انخفاض يقع غشاء البكارة في قاعه، و يبدو الغشاء أكثر وضوحا و تتسع فوهته إذا ضغطت الفتاة على أسفل البطن كما هي الحال عند التغوط. يفتش الطبيب في الفرج عن آثار العنف، من كدمات أو سحجات أو تمزقات، و يستقصي حافة الغشاء الحرة بالإصبع المطلي بالفازلين.

و عند انتهاء الفحص تؤخذ عينات من شعر العانة و من مغرزات المهبل لتحري الحيوانات المنوية فيه.

علامات الاغتصاب في الرجال:

إذا تم الاغتصاب بعد تغلب الجاني على مقاومة المرأة، بدت عليه علامات المقاومة بشكل سحجات و كدمات و خدوش و عضات في الوجه و اليدين و أي مكان آخر من جسمه. كما تظهر آثار المقاومة على ثيابة بشكل تمزقات و شقوق فيها. و يفتش عما علق بجسمه من شعر المجنى عليها، فتفحص للتأكد من مصدرها، و كذلك تفحص البقع الدموية التي ترى على ثيابه، و تقارن بفئة دم المجنى عليها لمعرفة مصدرها. و يفحص المتهم أيضا، للبحث عما قد يحمله من إصابة زهرية و سيلانية لمقارنتها بما يكشفه فحص الضحية من هذه الأمراض.

فحص البقع المنوية :

فحص البقع المنوية(1):

تترافق الجرائم الجنسية بدفق السائل المنوي الذي يترك آثاره على

ص: 297


1- الطب الشرعي للدكتور زياد درويش: ص 433.

ثياب الضحية و جسمها؛ أو على ملابس المتهم أو على أرض الجريمة.

لذلك كان التعرف على البقع المنوية كبير الأهمية في إثبات هذه الجرائم.

الفحص الظاهري:

تتميز البقع المنوية الواقعة على سطوح بيضاء بلونها الأصفر الباهت و يكون رماديا على الثياب الشديدة اللون. و يشتد لون البقع المنوية قرب حوافها التي تكون واضحة الحدود. كما تعرف البقع المنوية برائحتها الخاصة لا سيما إذا كانت حديثة العهد، و بالصلابة التي تتركها في القماش الملوث فتجعله شبيها بالقماش المنشي. أما إذا وقع السائل المنوي على مادة غير قابلة للإمتصاص كالنسيج الصوفي أو السطوح الخثبية، فإنّه يشكل قشيرات رقيقة بيضاء أو سحائب لامعة.

إذا عرضت الألبسة المفحوصة للأشعة فوق البنفسجية أخذت البقع المنوية الموجودة عليها بريقا أبيض اللون أو مصفرا يميزها عن بقية السطح المفحوص. و للكشف عن الحيا من هناك نوعان من الاختبارات:

1 - الإختبارات التمهيدية:

تتصف هذه الاختبارات بسهولة و سرعة عملها، فاذا كانت سلبية أكدّت أن البقعة المفحوصة ليست منوية، و إن كانت ايجابية وجب على الفاحص إجراء ختبارات اخرى للتأكد من طبيعة البقعة المنوية.

أ - إختبار فلورانسي.

ب - إختبار الفوسفاتاز الحامضي.

2 - الإختبارات المؤكدة:

أ - كشف الحيوانات المنوية.

ص: 298

إن أفضل دليل يؤكد البقعة المنوية هو وجود الحيوانات المنوية فيها.

و من المعروف أن غياب الحيوانات المنوية من السائل المنوي أمر شائع نسبيا، لذلك فإنّ سلبية الاختبار لا تكفي بشكل قاطع و حتمي للدلالة على أن البقعة المفحوصة غير منوية. يتألف الحيوان المنوي من رأس بيضوي الشكل يترواح بين (4-5) مكرون، و من ذنب طوله عشرة أضعاف الرأس تقريبا، و يكفي أن يشاهد الفاحص حيوانا منويا واحدا برأسه و ذنبه ليؤكد وجود المني.

لأي شخص تعود البقعة المنوية ؟

لقد تبين أن سوائل البدن و مفرزاته، كاللعاب و البلازما و المني و عصارة المعدة، تحتوي على مولدات الراصة الخاصة بالمجموعة الدموية A.B.O أي أن شخصا زمرته الدموية B يحوي مصله و مفرزاته على مولدات الراصة B. و هكذا.

و الآن و بعد هذا الاستعراض لكيفية التعرف على علامات الاغتصاب، تتبين لنا عظمة الإمام علي عليه السّلام الذي تمكن بأبسط الإمكانات من كشف حقيقة ادعاء الاغتصاب من قبل المرأة، بالرغم من عدم وجود الأجهزة و الإمكانيات الطبية التي نشاهدها في الوقت الحاضر. و هذا دليل قاطع يدل على سعة علم الإمام، و صفاء عقله، و سداد رأيه، و قوة حكمته، و خلوص نيته، و نقاء ضميره، و رشادة إيمانه، و سمو منزلته، و عظيم قدره، و دليل استقامته، و حقيقة زهده، و كمال معرفته، و علو همته، و شدة بأسه، و بعد نظره، و بيان عدله، و عدالة قضاءه.

ص: 299

ص: 300

النظافة من الإيمان

اشارة

قال الإمام علي عليه السّلام:

«أخذ الشارب من الجمعة إلى الجمعة أمان من الجذام و الأمراض»(1).

«تقليم الأظافر في يوم الجمعة قبل الصلاة يمنع الداء الأعظم»(2).

«نعم الطيب المسك، خفيف محمله عطر ريحه»(3).

«لا ينبغي للرجل أن يدع الطيب في كل يوم»(4).

ص: 301


1- طب الأئمة: ص 106.
2- المصدر السابق: ص 138.
3- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 19 ص 341.
4- الكافي: ج 6 ص 510.

ص: 302

ذكرنا في كتابنا القرآن و الطب الحديث بأنّ الدين الإسلامي هو دين الصحة و النظافة. هذه الحقيقة تبلورت في السنة النبوية الشريفة حين صرح

الرسول صلّى اللّه عليه و آله بأنّ : «النظافة من الإيمان»

«ان اللّه جميل يحب الجمال»

«تنظفوا فإنّ الاسلام نظيف» إضافة إلى الأقوال التي وردتنا على لسان الأئمة الأطهار، و التي تتمحور على ضرورة رعاية النظافة العامة و نظافة البدن، كالالتزام بالأغسال المسنونة، و لبس الملابس النظيفة، و استعمال الطيب، و قص الشعر و العناية به، خصوصا شعر الرأس و الأبطين و الشارب و العانة.

الإمام علي عليه السّلام كان السّباق في ابداء تلك النصائح و الإرشادات الطبية التي تقي الإنسان و تبعده عن الإصابة بالأمراض النفسية و الجسدية؛ و كان صائبا في تشخيص الآفات و الأخطار التي يتعرض لها الإنسان في حالة الإهمال و عدم الالتزام بالإرشادات التي هدفها حفظ حياته. الإمام عليه السّلام هنا تطرق إلى قضايا جمالية لها تأثيرات مباشرة على نفسية الإنسان و سلامته، كتقليم الاظافر و قص الشارب و التطيب بالطيب.

الأظافر تقع في نهايات أصابع اليدين و الأقدام، و يستعملها الإنسان في المشي و الطعام و الشراب و البيع و الشراء و لمس الأشياء النظيفة و غير النظيفة، من فواكه و أطعمة و مياه و ملابس و نقود و مختلف الحاجات الاخرى. فاذا كانت الأظافر طويلة تكدّست و التصقت تحتها الأوساخ و الميكروبات التي تتولد منها الأمراض التي تؤثر على البدن و على الناس الذين هم في تماس مباشر مع المصاب.

أما الشارب الذي يقع في أعلى الفم، فانه إذا طال و تدلّى داخله أصبح عشا و وكرا لذرات الغذاء العالقة و المكروبات المصاحبة، علما بأنّ

ص: 303

الفم الذي يظلّله الشارب هو الممر الطبيعي الذي تمر من خلاله السوائل و الأغذية التي في حالة تلوثها تصبح مصدرا ملائما و دائما للأمراض.

أما الأغسال المسنونة و العطور المستحبة، فهي التي تعطي الفرد المسلم الإناقة و المظهر اللطيف، و الرائحة الطيبة التي تجذب الناس و تحببهم إليه. لقد كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يستعمل الطيب يوميا و يوصي به في المناسبات العامة، كأوقات الصلاة و الأعياد التي يكثر فيها الزحام و تطغى فيها الروائح الكريهة المنبعثة من الأجسام.

لذلك

قال الإمام علي عليه السّلام: «لا ينبغي للرجل أن يدع الطيب في كل يوم» و

قال الإمام الرضا عليه السّلام: «الطيب من أخلاق الأنبياء».

الاسلام يريد منا أن نكون ذا ريح طيب و منظر حسن، أقوياء نظيفين، محلقين معطّرين، أتقياء مؤمنين، سعداء محبوبين، بالدين متمسكين، و لأوامر اللّه مطيعين. لهذا نجد أن الرسول و أهل بيته الأطياب عليهم الصلاة و السّلام كانوا النموذج الصالح لكل مؤمن و مؤمنة، فكانوا لا يخرجون إلى المساجد إلاّ بعد الاغتسال و التطيب على الرغم من أن عرق بدن الرسول كان كالمسك الخالص الذي تبقى رائحته تعطر الأجواء لأيام عديدة.

الأظفار

فوائد الأظفار:

1 - فائدة جمالية.

2 - تعطي الصلابة اللازمة لنهايات الأصابع.

3 - تساعد الأصابع على الإمساك و العمل.

ص: 304

4 - تحفظ نهايات الأصابع من التعرض للشدائد و الضربات.

الأضرار الناتجة من طول الأظفار

1 - الإرباك أثناء العمل.

2 - التعرض للآلام أثناء العمل.

3 - حدوث جروح و آلام للجسم و تمزقات للألبسة بسبب طول الأظفار و نهايتها الحادة.

4 - مؤذية أثناء العمل مع الآخرين.

5 - مكان صالح للفضلات الغذائية و غيرها.

6 - مصدر من مصادر العدوى للجسم و للآخرين.

7 - عش صالح للميكروبات و الطفيليات و الفيروسات.

8 - طول الأظافر مكروه من الناحية الاخلاقية و الاجتماعية لأنها تشبه الإنسان بالحيوانات المفترسة.

9 - طولها السمج يدل على الإهمال و اللامبالات.

10 - إهمالها يدل على ضعف الإيمان و عدم الالتزام بوصايا الرسول و آل بيته الأطهار عليهم الصلاة و السّلام.

قال الإمام الصادق عليه السّلام:

«من السنة تقليم الأظفار»(1).

و قال للمفضل بن عمر الجعفي:

«يا مفضل تأمل و اعتبر بحسن التدبير في خلق الشعر و الأظفار،

ص: 305


1- الكافي: ج 6 ص 490.

فإنهما لما كانا مما يطول و يكثر حتى يحتاج إلى تخفيفه أولا فأول جعلا عديما الحس لئلا يؤلم الإنسان الأخذ منهما، و لو كان قص الشعر و تقليم الأظافر مما يوجد الألم وقع من ذلك بين مكروهين: إما أن يدع كل واحد منهما حتى يطول فيثقل عليه، و اما أن يخففه بوجع و ألم»(1).

الشارب

اشارة

قال الرسول صلّى اللّه عليه و آله:

«من السنة أن تأخذ من الشارب حتى يبلغ الأطار و لا يكون الشعر على الشفة»(2).

«لا يطولن أحدكم شاربه فانّ الشيطان يتخذه مخبأ يستتر به»(3).

فوائد الشارب

يقع الشارب أسفل الأنف على الشفة العليا للفم، و هو إحدى العلامات التي تميز الرجل عن المرأة، و له فوائد عديدة:

1 - إحدى مظاهر زنية الرجل.

2 - يمنع الرواشح الأنفية من دخول الفم.

3 - يمنع عرق مقدمة الوجه من دخول الفم.

4 - يساعد مع شعر الأنف على منع دخول الغبار و الأوساخ و الحشرات الصغيرة إلى الأنف.

ص: 306


1- توحيد المفضل: ص 71.
2- الكافي: ج 6 ص 487.
3- الكافي: ج 6 ص 488.

مضار طول الشارب

شعر الشارب الطويل الكث المتدلي داخل الفم له مضار كثيرة أهمها:

1 - تتجمع داخله الأتربة و ذرات الغبار المتطايرة، إضافة إلى الأوساخ و الميكروبات.

2 - يزاحم الإنسان عند تناول الطعام.

3 - منظر الشارب الطويل لا يتلائم مع جمال الانسان و لا يدل على الذوق و النظافة.

4 - يؤدي إلى إصابة الشفة العليا بالحساسية.

5 - الشعر المتدلي داخل الفم يشكل حاجزا تترسب عليه المواد الغذائية السائلة و الصلبة ذات الجزئيات الصغيرة، هذا الترسب يؤدي إلى تعفن تلك المواد مما يشجع الميكروبات على النمو و التكاثر، و بذلك يصبح شعر الشارب بؤرة لنشر الأمراض إلى اللثة و الأسنان و اللسان، إضافة إلى إمكانية تلوث الأنف بتلك الميكروبات العالقة.

6 - يؤدي إلى إصابة الشفة العليا و أطراف الفم بالإمراض الفطرية.

7 - يمكن أن يكون مصدر عدوى للأمراض للأشخاص الذين هم في تماس مباشر في الطعام و الشراب.

8 - يشوه منظر الفم.

9 - يؤدي إلى إنبعاث روائح كريهة من الفم.

10 - يدل على الإهمال و اللامبالات.

ص: 307

فوائد الطيب:

1 - دليل عملي و عقلي على العناية بالمظهر و الهندام.

2 - يؤدي إلى زيادة محبة الناس و صحبتهم.

3 - برهان حي على حسن الذوق و السليقة.

4 - دلالة أكيدة على الالتزام بالسنة النبوية.

5 - دليل أكيد على طيب النفس و كرمها.

6 - يؤدي إلى زيادة حب الزوجة لزوجها.

7 - دليل على سمو الأخلاق.

8 - يقوي الروح و يشد النفس.

9 - دليل على الكرم و الجود.

10 - إستعماله يؤدي إلى تعلق العائلة و الأطفال بهذه السنة الحسنة.

أضرار ترك الطيب:

1 - إنبعاث الروائح المقززة من الجسم.

2 - تنفر الناس و الأصدقاء من تلك الروائح.

3 - دليل انعدام الذوق.

4 - برهان عملي على إهمال النظافة الفردية.

5 - إعراض الزوجة عن زوجها.

6 - دليل قاطع على عدم الالتزام بالنسة النبوية.

7 - مظهر من مظاهر البخل.

ص: 308

الأكثرية الجاهلة

اشارة

قال الإمام علي عليه السّلام:

«... و سائر الناس همج رعاع»(1).

«يا كميل إنّ هذه القلوب أوعية، فخيرها أوعاها للعلم، فأحفظ عنّي ما أقول لك: النّاس ثلاثة: فعالم ربّاني، و متعلّم على سبيل نجاة، و همج رعاع أتباع كلّ ناعق، يميلون مع كلّ ريح، لم يستضيئوا بنور العلم و لم يلجئوا إلى ركن وثيق»(2).

«لم يستضيئوا بأضواء الحكمة، و لم يقدحوا بزناد العلوم الثّاقبة، فهم في ذلك كالأنعام السّائمة، و الصّخور القاسية»(3).

ص: 309


1- النهاية في غريب الحديث لابن الأثير: ج 2 ص 23.
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 18 ص 346.
3- تصنيف نهج البلاغة للبيب بيضون: ص 694.

ص: 310

قال الرسول الأكرم صلّى اللّه عليه و آله: «إن اللّه تبارك و تعالى خلق العقل من نور مخزون مكنون في سابق علمه الذي لم يطّلع عليه نبي مرسل و لا ملك مقرّب، فجعل العلم نفسه، و الفهم روحه، و الزهد رأسه، و الحياء عينيه، و الحكمة لسانه، و الرأفة فمه، و الرحمة قلبه، ثم حشاه و قواه بعشرة أشياء:

باليقين و الإيمان و الصدق و السكينة، و الإخلاص و الرفق، و العطية و القنوع، و التسليم و الشكر»(1).

و قال الإمام علي عليه السّلام:

«العقل مصلح كل أمر. و صديق كل إنسان عقله، و عدوه جهله.

و العقول ذخائر و الأعمال كنوز»(2).

أول ما خلق اللّه العقل ثم أودعه في جسم الإنسان، و هو من النعم الكبيرة التي منّ اللّه بها على العباد. و العقل هو الدليل و الهادي للإنسان بكافة أفعاله و أعماله. و من عمل بعقله سلك طريق الخير و عاش السعادة التي أرادها اللّه له، و بالعكس من وضع العقل جانبا و تصرف وفق رغبته و هواه صار جاهلا سقيما لا يرى في دنياه إلاّ الغواية الشيطانية التي تحبب له فعل الشر و المنكرات؛ و تجعله عبدا مطيعا لشهواته و آماله الزائفة، و أسيرا لأحلامه الكاذبة التي تستحوذ على فكره و عقله و تجعله مطية تقاد حيثما تشاء، مثله كمثل الحيوان الذي يقوده الآخرون، فلا يبقى عنده من صفات الإنسان إلاّ الهيئة و الشكل. لذا فإنّ أول ما يحاسب اللّه عليه العباد هو العقل و كيفية الاستفادة منه.

قال الإمام موسى بن جعفر عليه السّلام:

ص: 311


1- معاني الأخبار: ص 313.
2- كنز الفوائد: ص 194.

«إن للّه على الناس حجتين، حجة ظاهرة و حجة باطنة، فأما الظاهرة فالرسل و الأنبياء و الأئمة عليهم السّلام، و اما الباطنة فالعقول»(1).

و قال الإمام الرضا عليه السّلام:

«صديق كل امرئ عقله و عدوه جهله»(2).

و لنا أن نتصور حالة الإنسان إذا اجتمع عنده الجهل و الهوى و الغواية و سار في طريق الشيطان، و غلبت على عقله الأحلام الكاذبة حيث صار لا يؤمن عليه من عذاب اللّه الذي إذا جاء لا يرد و لا يبدل.

إن المسألة التي تؤلم القلب و توخز الضمير، هو أن أغلب الناس و ضعوا عقولهم جانبا و صاروا يعيشون الحياة كالبهائم بلا عقل و لا دليل، يميلون مع كل ريح فاسدة تؤمّن لهم الشهوات و الأطماع، و ينعقون مع كل ناعق يطلب الدنيا و زخارفها. ضلوا الطريق فوقعوا أسرى في شباك الشيطان الذي قال عنهم: لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلىٰ يَوْمِ اَلْقِيٰامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاّٰ قَلِيلاً. (3)

نفوس فاسدة طبع اللّه على قلوبها، فلم تبق فيها إلا وسوسة الشيطان الذي زيّن لها الباطل فتعامت عن الحق و تمسكت بالباطل و رفعت راية الضلال و الطغيان. نفوس نمت و تغذّت على الباطل و المال الحرام، فتحولت بمرور الزمان إلى أجسام بشرية بقلوب شيطانية.

أكثرية ازدادت عددا من أيام النبي نوح عليه السّلام حيث، كانوا يعبدون الأصنام، و لم يستجيبوا لنداء النبي الذي دعاهم إلى التوحيد و عبادة اللّه بدل

ص: 312


1- اصول الكافي: ج 1 ص 16.
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 18 ص 186.
3- سورة الإسراء، الآية: 62.

الأصنام التي صنعوها بأيديهم، و استمروا في العناد لمدة ألف الا خمسين عاما، لم تنفع معهم النصائح و الإرشادات بل لجو في عتو و نفور؛ و لما يأس نوح عليه السّلام من قومه قبول الحق و أنه لن يؤمن من قومه إلاّ من قد آمن وَ مٰا آمَنَ مَعَهُ إِلاّٰ قَلِيلٌ (1) دعى ربه ليهلك تلك الأمة الكافرة التي سخرت منه و من الذين آمنوا معه، و حدث الطوفان الذين قضى على جميع الكافرين إلاّ الفئة المؤمنة القليلة التي كات معه في السفينة.

و بعد مرور مئات السنين عمرت الأرض و ازدادت النفوس، فأرسل اللّه نبيه موسى عليه السّلام لينذر الناس كافة و بني اسرائيل خاصة. و قام موسى بالدعوة لدين اللّه، كذبه فرعون أولا، فاضطرّ للعبور مع بني اسرائيل إلى سيناء، تبعه فرعون و جنوده، و كان مصيره الغرق. و حين استقر بنو اسرائيل في سيناء طلبوا الماء، ضرب موسى عليه السّلام الحجر فانفجرت منه إثنتا عشرة عينا باذن اللّه، بعد ذلك أنزل اللّه عليهم المنّ و السلوى، و ما أن غاب موسى أربعين ليلة حتى انقلبت الأكثرية و اتّبعت السامري و عجله، و لم تكتف بذلك بل طلبت الفوم و العدس و القثّاء بدل المنّ و السلوى. هذه التقلبات و الطلبات تدل بلا ريب على أن الأكثرية من بني اسرائيل سريعة التقلب، كثيرة الأهواء، ضعيفة الإيمان، و مستعدة لاتّباع أي دجال يطيع الشيطان. لتلك الأسباب نزل بهم العذاب الذي استحقوه بسفاهتهم. و مضى موسى إلى ربه، فأرسل اللّه عيسى بن مريم عليه السّلام بالآيات و المعجزات الكافية للدلالة على نبوته؛ إلاّ أن بني اسرائيل كذبوه و حاربوه بلا هوادة، و أتهموا امه بأبشع الاتهامات، و أخيرا تآمروا على قتله، إمعانا بالكفر و الضلال،

ص: 313


1- سورة هود، الآية: 40.

حدث هذا و الأغلبية ساكتة أو مؤيدة لما يجري.

و أخيرا ختم اللّه الرسالات السماوية بمجيء سيدنا و مولانا الرسول الأكرم محمد بن عبد اللّه صلّى اللّه عليه و آله، الذي بلّغ و نصح، و أرشد و أنذر، و وصّى و حذّر، و وضّح بجلاء لا يقبل الشك و النسيان شريعة اللّه و أوامره. و لكن حدث ما حدث مع سائر الأنبياء، فقد تركت الأكثرية أوامر اللّه و رسوله، مخالفة حبل اللّه المتين خليفة النبي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام، و أنكرت بيعتها له يوم الغدير، مفضلة عليه من هو أدنى درجة في العلم و الشجاعة و الإيمان، و ما ذلك إلاّ بسبب تفاهة العقول، و سقم الرأي، و ضعف الإيمان، فتعرض الإسلام و المسلمون بهذه البيعة إلى هزّات و نكسات دينية و اجتماعية عنيفة تبعتها مذابح كثيرة. و لو أن الأكثرية اتبعت أوامر اللّه و رسوله لما آلت الامور إلى ما عليه الان، و لكن اللّه أبى إلاّ امتحان نعمة العقل، فكانت نكسات تلوها نكسات حتى تولوها بنو امية و بنو العباس الذيّن بدّلوا دين اللّه و اشاعوا الفساد و اتّبعوا الأهواء، فصارت إمارة المسلمين ملكية و راثية لا تخضع لعلم أو دين. و هكذا تسلط الطواغيت على رقاب الناس، لتستمر المآسي من طاغ إلى طاغ حتى عصرنا الحاضر، الذي رأينا و سمعنا فيه العجائب و الغرائب من تصرفات و عمل الأغلبية التي نست الدين و عبدت الطاغوت و المادة، و اعتنقت الأفكار الالحادية، و صارت تنتخب قادة شيوعين و ملحدين و شواذ جنسيا و أخلاقيا، كميلوسويج و شارون و كلينتون، الذين لم يألوا جهدا لمحاربة الأخلاق و الفضائل و الدين. إنها مأساة حقيقة عند ما تقوم الأكثرية الحمقاء بانتخاب القتلة و رواد الانحلال الجنسي و الشذوذ، فتبا و قبحا للهمج الرعاع أتباع كل ناعق الذين قال عنهم

الإمام علي عليه السّلام: «قد تصافيتم على رفض الآجل،

ص: 314

و حبّ العاجل و صار دين أحدكم لعقة على لسانه، صنيع من فرغ من عمله، و أحرز رضا سيّده»(1).

إن اللّه العليم الحكيم، الخبير الكريم، العالم بخائنة الأعين و ما تخفي الصدور، الذي خلق الإنسان و يعلم ما توسوس به نفسه، هو الذي اختار الأنبياء و الرسل، و الأوصياء و النقباء، و الحواريين و الأئمة المعصومين، و لم يجعل ذلك بيد الإنسان اختيارا أو إنتخابا وَ رَبُّكَ يَخْلُقُ مٰا يَشٰاءُ وَ يَخْتٰارُ مٰا كٰانَ لَهُمُ اَلْخِيَرَةُ . (2)

لأنّ اللّه بعلمه الذاتي علم بأنّ الأكثرية ليست مؤهلة للانتخاب أو الاختيار، لكونها جاهلة لا تعلم الأصلح و الأفضل، لأنها تتبع الهوى فتقع حتما في الخطأ المحتوم الذي يؤدي بها إلى الهلاك و الضياع.

رأي القرآن بالأكثرية:

القرآن الكريم الذي نزل على قلب الرسول صلّى اللّه عليه و آله ذم الأكثرية الجاهلة التي لم تأخذ من الدين إلا ما يوافق هواها و اطماعها في مواطن كثيرة؛ لعدم إيمانها بالغيبيات الأكيدة التي صرّح بها القرآن و الرسول، و انغماسها في الشهوات و المنكرات، و نسيانها الموت و الحساب و الحشر و المعاد و الجنة و النار. و القرآن عبر عنهم بآيات عديدة منها:

بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاٰ يُؤْمِنُونَ .

وَ أَكْثَرُهُمُ اَلْفٰاسِقُونَ .

وَ أَكْثَرُهُمْ فٰاسِقُونَ .

ص: 315


1- شرح نهج البلاغة أبي الحديد: ج 7 ص 247.
2- سورة القصص، الآية: 68.

وَ أَكْثَرُهُمْ لاٰ يَعْقِلُونَ .

وَ لٰكِنَّ أَكْثَرَ اَلنّٰاسِ لاٰ يَعْلَمُونَ .

وَ لٰكِنَّ أَكْثَرَ اَلنّٰاسِ لاٰ يُؤْمِنُونَ .

وَ لَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ اَلْأَوَّلِينَ .

بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاٰ يَعْلَمُونَ .

وَ مٰا كٰانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ .

كٰانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ .

وَ لاٰ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شٰاكِرِينَ .

وَ قَلِيلٌ مِنْ عِبٰادِيَ اَلشَّكُورُ.

وَ إِنْ وَجَدْنٰا أَكْثَرَهُمْ لَفٰاسِقِينَ .

وَ أَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كٰارِهُونَ .

وَ مٰا وَجَدْنٰا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ.

وَ مٰا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّٰهِ إِلاّٰ وَ هُمْ مُشْرِكُونَ .

وَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ سٰاءَ مٰا يَعْمَلُونَ .

وَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ فٰاسِقُونَ .

ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَ أَضَلُّوا كَثِيراً.

وَ إِنَّ كَثِيراً مِنَ اَلنّٰاسِ عَنْ آيٰاتِنٰا لَغٰافِلُونَ .

وَ إِنَّ كَثِيراً مِنَ اَلنّٰاسِ لَفٰاسِقُونَ .

تَرىٰ كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا.

لاَتَّبَعْتُمُ اَلشَّيْطٰانَ إِلاّٰ قَلِيلاً.

فَلَمّٰا كُتِبَ عَلَيْهِمُ اَلْقِتٰالُ تَوَلَّوْا إِلاّٰ قَلِيلاً مِنْهُمْ .

وَ لاٰ تَزٰالُ تَطَّلِعُ عَلىٰ خٰائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلاّٰ قَلِيلاً.

ص: 316

وَ مٰا آمَنَ مَعَهُ إِلاّٰ قَلِيلٌ .

لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلىٰ يَوْمِ اَلْقِيٰامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاّٰ قَلِيلاً.

وَ إِنَّ كَثِيراً مِنَ اَلنّٰاسِ بِلِقٰاءِ رَبِّهِمْ لَكٰافِرُونَ .

لماذا تقف الأكثرية هذا الموقف ؟

رب سائل يسأل: لماذا تقف الأكثرية هذا الموقف المخالف للعقل و الفطرة و الدين ؟ و الجواب واضح لكل ذي بصيرة، فتلك الفئة من الناس ضعيفة الإيمان، لم تتنور بنور العلم، و لم تستفيد من عقلها الذي منحه اللّه لها، فراحت تتخبط في دياجير الظلام، و مجاهل الدنيا، و غرها باللّه الغرور.

هذا الموقف نتج من اسباب عديدة تراكمت و تجمعت لتقودهم إلى هذه النهاية المؤلمة.

الأسباب

1 - حب الدنيا.

2 - زيادة الشهوة.

3 - ضعف الإيمان.

4 - الفقر.

5 - التعرض للأزمات و الشدائد.

6 - الجهل.

7 - إنعدام الثقافة.

8 - حب الأنتقام.

9 - الطمع.

ص: 317

10 - حب السلطة و المنصب.

11 - التفاخر.

12 - الغرور.

13 - تسلط الطغاة.

14 - الحسد.

15 - التعلق بالآمال.

16 - العداوة و البغضاء.

و الآن لنتعرف على الأمراض الكامنة و المكتسبة التي ساعدت مع المسببات على جعل الأكثرية جاهلة عمياء تلهث وراء منافعها و مصالحها.

الأمراض:

1 - الغرور.

2 - الآنانية.

3 - الجهل.

4 - داء العظمة.

5 - الهستريا.

6 - التكبر.

7 - العجب.

8 - الطغيان.

9 - حب المال و المنصب.

10 - الوسوسة.

من كل ما تقدم يتضح أن أغلب الأسباب التي تجعل الأغلبية أو الأكثرية تنعق مع كل ناعق هي اسباب مرضية نفسية على الأغلب،

ص: 318

خصوصا مرض حب الدنيا الذي هو رأس كل خطيئة.

صفات الإنسان المريض:

من المعقول افتراض وجود صفات تكوينية و عاطفية في بعض الناس يمكن أن تدعى بالشخصية الهستيرية و تتصف بما يلي:

1 - تقبل الإيحاء: أي أن الإرادة و الثقة بالنفس ضعيفة، بحيث يمكن بسهولة و بجهد يسير إدخال الأفكار و المؤثرات و الانفعالات الخارجية إليها.

لذلك نرى الشخصية الهستيرية ساذجة بسيطة، تنخدع بالأخبار و الحوادث المثيرة و حتى الكاذبة، حيث تصدق الإشاعات، و تتسرع باتخاذ القرارات الموحاة لها دون تروّي أو تدقيق في صحة المعلومات.

2 - الطبع الإنبساطي:

إنها شخصية مفتوحة للناس، و لكن علاقاتها سطحية غير مخلصة، و ذات عواطف غير ثابتة و متقلبة.

3 - عدم ضبط الانفعالات:

الشخصية الهستيرية متقلبة تنفصل بسرعة و تخمد بسرعة، فهي تتذبذب من حب الحياة إلى اندفاع غير صادق لقتل النفس أو الآخرين.

4 - القابلية على التشطير.

من أبرز صفات الشخصية الهستيرية قدرتها على الجلوس على التل، أي الانسحاب من ميدان المعركة، و اعتبار المعركة ظاهرة أو مشكلة بعيدة عنه.

5 - عدم تكامل النضج الوجداني:

أي أن العواطف غير مستقرة عند حدود واضحة المعالم، فالتغير في

ص: 319

المواقف سريع، و الأندفاع الأحمق من دون شعور بالخجل و الندم أو الذنب تدل جميعها على عدم البلوغ الوجداني، حتى و إن كان الشخص قد تجاوز مرحلة الشباب و قارب مشارف الكهولة.

6 - الأنانية:

الشخصية هنا تحب نفسها، و تهوى العبث و الدلال، و تستجدي الاهتمام.

7 - تعدد الشخصية:

و هو أخطر أنواع الانشطار الروحي، إذ يتخذ المصاب شخصية تخالف بطبعها و سلوكها الشخصية الأصلية. و هنالك حالات شخصية ثلاثية و رباعية.

8 - الكسب الشخصي:

ينتفع المصاب بما يظهره من أعراض غير حقيقية، كأن تمد له يد المعونة و المساعدة أو إعفائه من بعض الخدمات و الأعمال.

تحدث هذه الأعراض في كل الأعمار، و لكنها غالبا ما تحدث في مقتبل العمر و خاصة في مراحل الشباب، كما تكثر في نهاية العمر أي اواخر الكهولة و الشيخوخة.

ص: 320

نصائح غذائية

اشارة

قال الإمام علي عليه السّلام:

«لا تطلب الحياة لتأكل، بل اطلب الأكل لتحيا»(1).

«لا تجلس على الطعام إلاّ و أنت جائع، و لا تقم عنه إلاّ و أنت تشتهيه، و جوّد المضغ، و اعرض نفسك على الخلاء إذا نمت، فإذا استعملت هذه استغنيت عن الطبّ »(2).

«كثرة الطعام تميت القلب كما تميت كثرة الماء الزرع»(3).

«من شبع عوقب في الحال ثلاث عقوبات: يلقى الغطاء على قلبه، و النّعاس على عينيه، و الكسل على بدنه»(4).

«كم من أكلة منعت أكلات»(5).

ص: 321


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 20 ص 333.
2- الخصال للصدوق: ص 229.
3- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 20 ص 325.
4- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 20 ص 320.
5- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 18 ص 271.

ص: 322

الغذاء المطلوب:

يجب أن يكون متعدد النوع و الشكل و الطعم، و متلائم مع حاجات و فعالية جسم الإنسان و ذوقه، علما بأنّ جسم الإنسان المتوسط الحجم بحاجة يومية إلى (3000) سعرة حرارية للرجال و (2200) سعرة حرارية للنساء، علما بأنّ الغذاء الصالح و المطلوب يجب أن تتوفر فيه المتطلبات الضرورية لنمو و بناء الجسم و ادامة الفعالية اليومية على أحسن وجه، مضافا إليها توفر الشروط الصحية و النوعية و النفسية في الغذاء الذي يقدم، كي يتناوله الإنسان بشوق و رغبة و إقبال.

الغذاء المتناول يتطلب أن تراعى فيه جوانب عديدة: كالعمر، و الوزن، و شروط العمل، و سلامة الإنسان، و الأجواء التي يعيش فيها، مضافا إليها نوع الجنس و حالة الحمل عند النساء.

إن الوراثة تعتبر من العوامل المؤثرة في تناول و هضم و تمثيل المواد الغذائية، أما حالة الإنسان الصحية و تعرضه للمرض أثناء تناول الغذاء، فهي عامل آخر يدخل في عملية التمثيل و التصريف.

الإسلام و ادراكا منه لخطورة الموضوع حذّر على لسان القرآن الكريم: فَلْيَنْظُرِ اَلْإِنْسٰانُ إِلىٰ طَعٰامِهِ . (1)

و يٰا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَ كُلُوا وَ اِشْرَبُوا وَ لاٰ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاٰ يُحِبُّ اَلْمُسْرِفِينَ . (2)

و على لسان

الرسول الكريم صلّى اللّه عليه و آله: «ما ملأ آدميّ وعاء شرا من

ص: 323


1- سورة عبس، الآية: 24.
2- سورة الأعراف، الآية: 31.

بطنه»(1).

و

«نحن قوم لا نأكل حتى نجوع، و إذا أكلنا لا نشبع»(2).

و على لسان وصي رسول اللّه

علي عليه السّلام: «كثرة الطعام تميت القلب كما تميت كثرة الماء الزرع»(3).

و

الإمام الصادق عليه السّلام يقول: «الأكل على الشبع يورث البرص»(4).

كثرة الطعام:

قال أمير المؤمنين الإمام علي عليه السّلام: «إياكم و البطنة، فإنها مقساة للقلب، مكسلة عن الصلاة، مفسدة للجسد»(5).

و

«إذا ملئ البطن من المباح عمي القلب عن الصلاح»(6) و

«قلة الأكل تمنع كثيرا من أعلال الجسد»(7) و

«من قل أكله صفي فكره»(8).

الأعراض التي تحدث بسبب كثرة الطعام (السمنة):

1 - أعراض نفسية تصيب الإنسان بسبب الحسد و زيادة الوزن، و عدم القدرة على مجارات الآخرين و انجاز الأعمال الخاصة و العامة.

ص: 324


1- بحار الأنوار: ج 63 ص 330.
2- بحار الأنوار: ج 63 ص 330.
3- مكارم الأخلاق: 147.
4- بحار الأنوار: ج 63 ص 331.
5- عيون الحكم و المواعظ: ص 101.
6- غرر الحكم: ص 227 حديث 4227.
7- مستدرك الوسائل: ج 16 ص 213.
8- عيون الحكم و المواعظ: 456.

2 - أعراض عملية و فيزيولوجية: المصاب بالسمنة لا يمكنه القيام بالأعمال العادية كبقية الناس، لأنّه بطيء الحركة، سريع التنفس، ترهقه الأعمال البسيطة و يتعثر بأبسط الأشياء أثناء العمل.

3 - كثير التعرض للإصابة بالأمراض الجلدية.

4 - الإستعداد للإصابة بالأمراض التنفسية.

5 - الإصابة بارتفاع ضغط الدم.

6 - الإصابة بمرض تصلب الشرايين.

7 - الإصابة بمرض تخثر الأوردة الدموية.

8 - الإستعداد للإصابة بالجلطة القلبية و الدماغية.

9 - إزياد الإصابة بمرض السكر.

10 - الاستعداد للإصابة بالأمراض الكلوية المختلفة.

11 - الاستعداد للإصابة بالتهاب المرارة و تكلس الإفرازات داخلها.

12 - التهاب المفاصل و ضعف العظام.

13 - التعرض للإصابة بداء النقرس.

14 - التعرض للخطورة أثناء إجراء العمليات الجراحية.

15 - قصر العمر و التعرض للمضاعفات.

بعد هذا الاستعراض الموجز لمضار الإسراف في تناول الطعام و المضاعفات الناتجة عنه ندقق بإمعان كثير بقول

الإمام علي عليه السّلام: «كم من أكلة منعت أكلات» الذي يحذرنا من خطورة الإسراف في تناول المواد الغذائية و عدم الإلتزام بالتعليمات الصحية و الدينية و التي ينتج عنها أنواع الأمراض جراء الإهمال المتعمد أو غير المتعمد.

إن الأبحاث و الدراسات أكّدت بأنّ بعض الناس الذين ينسون أنفسهم

ص: 325

في كثير من الحالات، و يقدمون على تناول و جبة غذائية كبيرة و دسمة، أو مسمومة أو حارة الطعم و المذاق لا تتحملها المعدة و البدن، يتعرضون إلى صدمات نفسية و طبية آنية و سريعة أو بعد عدة ساعات، بحيث تصبح تلك الأكلات سبب مباشر أو غير مباشر في إضعاف و تحطيم قابلية الإنسان على تناول الطعام لمدة قصيرة أو طويلة طبقا للمسبب الذي أدى إلى حدوث الأعراض الناتجة من جراء تناول تلك الوجبة الغذائية المؤذية. و من المناسب أن نستعرض بعض الأعراض و الأمراض التي تحدث نتيجة ذلك الخطأ الغذائي:

الأعراض و الأمراض:

1 - الحسد و ما يتبعه من أضرار نفسية و جسدية.

2 - أضرار روحية و جسدية نتيجة تناول الطعام الحرام.

3 - العقوبة أو دخول السجن في حالة تناول الطعام المغضوب أو المسروق.

4 - حدوث حروق و جروح موضعية في جدار الفم نتيجة تناول الغذاء الحار.

5 - حدوث الشرقة أثناء تناول الطعام قد تؤدي إلى مضاعفات خطيرة أو الموت.

6 - تناول وجبة غذائية كبيرة تحتوي على الدهون بالخصوص ليلا قد تؤدي إلى حدوث سكتة قلبية قاتلة.

7 - تناول وجبة غذائية كبيرة قد تقود إلى التهاب حاد للمعدة.

8 - حدوث قرحة في المعدة و المريء في حالة تناول غذاء يحتوي

ص: 326

على توابل و حوامض.

9 - تناول الأغذية المخّدشة (كالتوابل و المواد التي تحتوي على مركبات كيميائية) قد ينتج عنها نزف من المعدة و الأثني عشر.

10 - قد يؤدي الغذاء الملوث إلى حالة تقيء شديدة يصاحبها نزف دموي.

11 - الغذاء الملوث أو المسموم قد ينتج عنه حالة إسهال شديدة كالتلوث بضمّات الكوليرا و غيرها.

12 - يصاب الإنسان بضعف عام و جفاف شديد للبدن، نتيجة لفقد الكثير من السوائل و عدم تناول الغذاء.

13 - الإغماء في حالات التسمم الشديد بالمواد الكيميائية.

14 - الإصابة بأنواع الدزنتري الحاد و المزمن.

15 - بروز الحساسية الغذائية، الحادة و المزمنة.

16 - إضطراب و التهاب الكلى و المجاري البولية.

17 - التهاب فتحة المخرج و البواسير الشرجية.

18 - حدوث توسع حاد في المعدة و ما يصاحبها من مضاعات قد تؤدي إلى الموت.

19 - إنفتال المعدة أو الأمعاء.

20 - الإصابة بالجلطة الرئوية نتيجة حدوث تخثرات في القلب أو القدمين.

21 - الإصابة بالجلطة الدماغية نتيجة حدوث تخثرات أو إرتفاع ضغط الدم.

22 - إلتهاب الكبد الحاد أو المزمن.

ص: 327

23 - الإصابة بحالة إنهيار عصبي.

24 - إلتهاب اللثة و الأسنان.

25 - إلتهاب البنكرياس الحاد.

26 - إلتهاب المرارة الحاد.

27 - حدوث انفجار معوي حاد.

28 - إلتهاب الزائدة الدودية.

29 - إصابة الأمعاء بمرض السل في حال تلوث الغذاء بميكروب السل.

30 - حدوث فتوق مختلفة في الجسم كالفتق السروي و المغبني.

من كل ما تقدم نستخلص أن تناول الطعام بنهم و إسراف يؤدي إلى مشاكل كثيرة قد تعرّض حياة الإنسان الخطر؛ و لو تمعنا في الحكمة الدينية و النصيحة الطبية التي أوصى بها

الإمام عليه السّلام «لا تجلس على الطعام إلاّ و أنت جائع، و لا تقم عنه إلاّ و أنت تشتهيه، و جوّد المضغ، و أعرض نفسك على الخلاء إذا نمت، فإذا استعملت هذه استغنيت عن الطب» لما وقعنا في خطأ أو مشاكل، و لما احتجنا إلى مراجعة طبيب و تلف الوقت، و خسران الصحة و المال.

إنها بحق نصيحة طبية خالدة، نافعة، شاملة، هدفها الأساسي سلامة الإنسان و الحفاظ على حياته و صحته و تفكيره؛ علما بأنّ الذين يتناولون الطعام بكميات كبيرة تنتابهم حالات مرضية عديدة:

أولا: ضعف القدرة على التفكير و الكتابة و الأعمال الحسابية التي تحتاج إلى الذكاء و التفكير، لأن كميات كبيرة من الدم يقوم الجسم بسحبها من الدماغ و الرئة و القلب و العضلات إلى المعدة و الأمعاء، للمساعدة على

ص: 328

هضم تلك الكمية الكبيرة من الغذاء الداخل إلى الجهاز الهضمي.

ثانيا: انّ نقص كميات الدم التي تزود الدماغ تؤدي إلى الشعور بالنعاس و حب النوم، و الرغبة في تأجيل الأعمال الملقات على عاتق الإنسان؛ لكون الخلايا الدماغية أصبحت غير قادرة على القيام بوظائفها بصورة صحيحة.

ثالثا: إنّ إتخام المعدة بكميات كبيرة من الطعام تقود الإنسان إلى الخمول و الكسل بسبب ما ذكرناه، لذلك نلاحظ أن الإنسان المتخم يميل إلى التراخي و الإهمال بدل النشاط و العزيمة.

و الآن لنمضي قدما مع الإمام عليه السّلام في صفحات محددة و هو يصف لنا خواص بعض الأطعمة و الأشربة و الفواكه.

خواص بعض الأطعمة و الأشربة و الفواكه

البيض

اشارة

قال الإمام علي عليه السّلام: «انّ نبيا من الأنبياء شكا إلى اللّه تعالى قلة النسل في امته، فأمره أن يأمرهم بأكل البيض، ففعلوا، فكثر النسل فيهم»(1).

يعتبر البيض غذاء كاملا، لكونه يحتوي على جميع العناصر الغذائية التي يحتاجها الجسم، و هو غذاء الطبقات الغنية و الفقيرة على السواء.

تركيب البيض:

بياض البيض يحتوي كل 100 غم منه على:

ص: 329


1- وسائل الشيعة: ج 25 ص 80.

ماء 87,8 غرام.

كربوهيدرات 1 غم.

حامض نيكوتينيك 0,8 ميلليغرام.

حامض بانتوثنيك 0,3 ميلليغرام.

كالسيوم 6 ميلليغرام.

فسفور 17 ميلليغرام.

بروتين 10,8 غرام.

فيتامين ب 0,232 ميلليغرام.

بوتاسيوم 100 ميلليغرام.

حديد 0,2 ميلليغرام.

كبريت 200 ميلليغرام.

صفار البيض: يحتوي كل 100 غرام منه على ما يلي:

ماء 49,5 غرام.

كربوهيدرات 0,7 غرام.

بروتين 16 غرام.

فيتامين ب 1 0,32 ميلليغرام.

حامض نيكوتينيك 0,02 ميلليغرام.

حامض بانتوثينيك 3 ميلليغرام.

كالسيوم 147 ميلليغرام.

نحاس 0,4 ميلليغرام.

كبريت 194 ميلليغرام.

حديد 7,2 ميلليغرام.

ص: 330

فسفور 564 ميلليغرام.

بوتاسيوم 100 ميلليغرام.

فيتامين ب 2 0,52 ميلليغرام.

فيتامين (أ) 3210 وحدة دولية.

فيتامين (د) 1000 وحدة دولية.

البيض غذاء كامل نظرا لاحتوائه على البروتينات و الدهون و الفيتامينات و الهرمونات و الأملاح المعدنية و هيدرات الكربون. و هو معتدل الهضم إذا إعطي نيئا أو مطبوخ أو مسلوق قليلا، و يتناوله الناس بدون موانع طبية مهمة. و البيض ذو فائدة للأطفال إذ يمنع عنهم الأصابة بالكساح و فقر الدم.

إستعمالاته:

1 - للنقاهة بعد التعرض للأمراض.

2 - للأفراد المصابين بفقر الدم.

3 - للنساء الحوامل.

4 - للأطفال الرضع بعد الشهر الثامن.

5 - للمصابين بضعف الذاكرة.

6 - يستعمل في حالات الانهيار العصبي.

7 - يفيد في حالات ضعف القدرة الجنسية.

8 - يعطى بانتظام للمرضى المصابين بأمراض مزمنة، كالسل و السكر الشديد و الضعف العام.

9 - نظرا لاحتواء بياض البيض على مادة (ليزوتسيم) المضادة للجراثيم فهو مفيد في أمراض العين و الحلق و الأنف و الأذن.

ص: 331

اللحم

اشارة

قال الإمام علي عليه السّلام:

«اللحم سيد الطعام في الدنيا و الآخرة»(1).

اللحم من الأغذية الأساسية التي لا يستغني عنها الإنسان في طعامه اليومي، خصوصا في أدوار النمو و الفعالية و الشباب و حين الحمل، لكونه يوفر للإنسان البروتينات اللازمة بالأخص للمرضى و فاقدي الشهية، و الذين يعانون من علل مزمنة، كأمراض الكلى التي يطرح فيها البروتين عن طريق البول بصورة يومية.

اللحم كبروتين يحتوي على الحجيرات الأولية لبناء الخلايا و الأنسجة (الأحماض الأمينية) التي تبني جسم الإنسان، و تساعد خلاياه على النمو و أداء فعاليتها اليومية بأحسن وجه.

محتويات اللحم:

18-22 بروتين.

20 دهنيات.

2 حامض البول (يورك اسيد).

كذلك يحوي أملاح معدنية و كميات من فيتامين بيكومبلكس.

ص: 332


1- بحار الأنوار: ج 63 ص 73.

البطيخ

قال الإمام علي عليه السّلام:

«البطيخ فيه عشر خصال: طعام، و شراب، و فاكهة، و ريحان، و أدم، و حلوا، و أشنان، و خطمي(1)، و نقل، و دواء»(2).

البطيخ من الفواكه المحبوبة، ذات الرائحة الطيبة التي يرغبها و يتناولها الناس في الصيف، لطعمه و فوائده الكثيرة، منها: انه مرطب للبدن، و ملين للأمعاء، و يساعد على إطفاء العطش في فصل الصيف، خصوصا في المناطق الحارة. كما يساعد على إدرار البول، و تخفيف آلام الروماتيزم التي يعاني منها المريض، كذلك تبين أن البطيخ له دور في الوقاية من الاصابة بمرض التيفوئيد الناتج عن تلوث الغذاء. البطيخ يتكون من:

90 ماء.

6 - 8 سكر.

و قليل من حامض النيكوتينك، و الفسفور، و الكبريت، و البوتاسيوم، و الكلور و الصودا و فيتامين (A) و .(C)

و حامض سترولين و مادة الليكوبين.

و 8 ميلليغرم كالسيوم.

و 2 ميلليغرام حديد.

أما بذوره فتحتوي على:

43 دهنيات.

ص: 333


1- خطمي: معناها ورد الزينة.
2- بحار الأنوار: ج 63 ص 194.

15,7 سكريات.

27 بروتين.

و فيتامين (ب 1) و (ب 2).

الكمثرى

اشارة

قال الإمام علي عليه السّلام:

«الكمثرى يجلو القلب و يسكن أوجاع الجوف»(1).

قام علماء التغذية بتحليل 100 غرام من ثمار الكمثرى و كانت النتائج كما يلي:

63 سعرة حرارية.

82,7 غرام ماء.

0,70 غرام بروتين.

0,4 غرام دهنيات.

0,4 غرام رماد.

16 غرام كاربوهيدرات.

1,4 غرام الياف.

13 ميلليغرام كالسيوم.

16 ميلليغرام فسفور.

0,3 ميلليغرام حديد.

0,2 ميلليغرام صوديوم.

ص: 334


1- بحار الأنوار: ج 63 ص 168.

100 ميلليغرام بوتاسيوم.

0,02 ميلليغرام فيتامين (ب 1).

0,40 ميلليغرام فيتامين (ب 2).

0,1 ميلليغرام حامض نيكوتينيك.

4 ميلليغرام فيتامين C .

الكمثرى فيها خواص كثيرة، منها: تنظيف المعدة و الأمعاء، و سكرها كثير و مفيد و لا يضر المرضى المصابين بمرض السكر. أما لبها فهو غني بالأملاح المعدنية و خاصة المنغيز الذي يفيد في فعالية الخلايا العصبية.

فوائدها:

1 - مدررة للبول.

2 - مدررة للصفراء.

3 - ملينة للأمعاء.

4 - مرممة لخلايا الجسم

5 - مفيدة للمعدة.

6 - مهدئة للأعصاب.

7 - مرطبة للمزاج.

8 - تفيد الروماتيزم.

9 - تفيد مرضى الصرع.

10 - تفيد في مرض فقر الدم.

11 - تساعد على التخلص من الوهن الجسمي.

ص: 335

التين

اشارة

قال الإمام علي عليه السّلام:

«أكل التين يليّن السدد، و هو نافع لرياح القولنج، فأكثروا منه بالنهار، و كلوه بالليل و لا تكثروا منه»(1).

التين من الفواكة الصيفية المستحبة و التي تحوي كميات كبيرة من السكريات، و قد وجد المحللون الغذائيون أن التين يتكون من:

20-30 سكريات.

1 مواد آزوتية (التين الطري).

5 مواد آزوتية (التين اليابس).

0,10-0,30 مواد دهنية (التين الطري).

2 مواد دهنية (التين اليابس).

أما المواد المعدنية المتواجدة فيه فتشمل الحديد و المنغنيز و الكالسيوم و البروم و العديد من الفيتامينات.

الفوائد:

1 - التين من الأغذية السكرية التي تزود الجسم بالطاقة اللازمة نظرا لاحتوائه على كميات كبيرة من المواد السكرية التي يحتاجها الجسم لفعاليته.

2 - يحسّن العملية الهضمية، و يزيد إفرازات الأنزيمات المعوية

ص: 336


1- مستدرك الوسائل: ج 16 ص 403.

و المعدية.

3 - ينشط العضلات و يزيد من فعاليتها.

4 - ينقي الدم و يقوي الكبد.

5 - يستعمل كغذاء ملين للأمعاء خصوصا للذين يعانون من الإمساك المزمن.

6 - يفيد في التهابات الفم و قروحه.

7 - يفيد في حالات الزكام و التهاب القصبات و السعال الديكي.

8 - الحليب الأبيض الذي يفرز من عنق ثمرة التين الغير ناضجة يفيد في معالجة الثألول الجلدي.

السفرجل

اشارة

قال الإمام علي عليه السّلام:

«أكل السفرجل قوة للقلب الضعيف، و يطيب المعدة، و يذكي الفؤاد، و يشجع الجبان، و يحسّن الولد»(1).

أثبتت التجارب المختبرية و التحاليل الكيميائية بأن السفرجل يتكون من:

71 ماء.

5 و 0 بروتين.

13 ألياف.

7,5 سكريات.

ص: 337


1- بحارالأنوار: ج 63 ص 168.

0,3 دهنيات.

15 رماد.

13 ميلليغرام بوتاسيوم.

19 ميلليغرام فسفور.

5 ميلليغرام كبريت.

19 ميلليغرام صودا.

2 ميلليغرام كلور.

14 ميلليغرام كلس.

و مقدار وفير من الفيتامينات (أ، پ، ج، ب، ث) و كثيرا من الأملاح الكلسية و المواد الهضمية، و حامض التفاح.

فوائده:

بذور السفرجل تحضر منها عجائن توضع على الأورام لتسكينها و إذابتها، و كذلك تفيد في منع تساقط الشعر. و هي مدررة للبول، و تمنع التقيء، و معطرة للفم، و مريحة للمعدة، و تخفف العطش، و تستعمل لمعالجة شقوق الجلد و الجروح المزمنة و البواسير و الحروق.

أما ثمرة السفرجل فتفيد ما يلي:

1 - تفيد الحوامل من خلال منع تقلصات الرحم و بالتالي تمنع الإجهاض.

2 - تزيل خشونة الصوت في النزلات الصدرية، و تساعد على طرح البلغم، و تسكن السعال و الربو.

3 - مقوي للمعدة و الأمعاء.

ص: 338

4 - منشط و فاتح للشهية.

5 - منشط للكبد.

6 - يساعد على شفاء المصابين باليرقان.

7 - يخفف حرقة البول.

8 - مقوي للقلب.

9 - يقوي البصر

10 - يساعد على شفاء الإسهال المزمن.

11 - لب السفرجل يشفي قروح الفم التي تصيب بعض الناس بعد التعرض للإصابة بالأمراض الحادة.

12 - يساعد على شفاء المرضى المصابين بمرض السل.

13 - يساعد على التئام جروح المعدة و الأثني عشر و يقلل النزف الحاصل من تلك الجروح.

14 - يفيد حالات التقيء.

15 - يقلل سيلان اللعاب في الفم.

16 - يساعد على شفاء الإصابة بالزكام الشديد.

التفاح

اشارة

قال الإمام علي عليه السّلام:

«التفاح نضوح المعدة»(1).

التفاح من الأغذية المحبوبة الطيبة التي يتناولها الجميع في كافة أنحاء

ص: 339


1- بحار الأنوار: ج 63 ص 168.

العالم، و هو أنواع و أشكال تبعا لموطنه و زرعه. و قد وجد العلماء أن التفاح يحتوي على:

15 كاربوهيدرات (خليط من سكر القصب و سكر الفاكهة و سكر العنب).

0,3 بروتينات (الليسين و الأرجنين).

0,4 دهنيات.

5 بكتين.

0,30 عناصر معدنية كالفسفور و الكالسيوم و الحديد و اليود، و كذلك توجد فيه الفيتامينات (ه) و (أ) و (ب) و (ج).

1 حامض المماليك.

و كيمات قليلة من حامض التنيك و الستريك.

فوائد التفاح:

1 - يفيد في حالات الإسهال عند الكبار و الصغار.

2 - يستعمل عصير التفاح كمضاد للسموم في حالات التسمم بالمواد الكيميائية.

3 - يساعد في عملية الهضم داخل المعدة.

4 - يفيد في حالات الإصابة بالبرد.

5 - يفيد في تقوية مناعة الجسم ضد إصابات البرد و النزلات الشعبية.

6 - يساعد على تقوية الأسنان و يشد اللثة و يقلل من تسوس الأسنان.

7 - يساعد في بناء و تقوية العظام و الأسنان لاحتوائه على الكالسيوم.

8 - ينشط الامعاء و يكافح الامساك المزمن.

ص: 340

9 - يساعد في طرد حصيات الجهاز البولي.

10 - يخفف آلام الحمى و العطش.

11 - ينشط الكبد.

12 - يهدئ السعال و يخرج البلغم.

13 - يخلص الجسم من الأحماض و الدهون.

14 - يسهل إفراز غدد اللعاب و الأمعاء و الكبد.

15 - ينشط القلب.

16 - يهدئ الأعصاب.

17 - يزيل الوهن القلبي.

18 - يصون الأوعية الدموية.

19 - يزود الجسم بالطاقة أثناء العمل و ينفع كبار السن.

20 - يفيد في خفض ضغط الدم.

21 - يقلل نسبة الكولستيرول في الدم.

22 - مهدئ للأعصاب، لذلك يساعد على النوم.

23 - يحافظ على بشرة الجلد.

التمر

قال الإمام علي عليه السّلام:

«ما تأكل الحامل من شيء و لا تتداوى به أفضل من الرطب»(1).

«خالفوا أصحاب المسكر و كلوا التمر، فإنّ فيه شفاء من الأدواء»(2).

ص: 341


1- بحار الأنوار: ج 63 ص 128.
2- المصدر السابق: ج 63 ص 133.

«كلوا التمر فإن فيه شفاء من الأدواء»(1).

الرسول الأكرم و الأئمة الأطهار عليهم السّلام و القرآن و الطب القديم و الحديث يتحدثون و يؤكدون بأن التمر غذاء متكامل يمكن أن يعيش عليه الناس خصوصا الطبقات الفقيرة الذين لا يجدون سبيلا لأنواع الأطعمة المكلفة بالنسبة اليهم.

التحاليل الكيميائية أظهرت بأن التمر يحتوي على:

70 كاربوهيدرات.

2,5 دهنيات.

33 ماء.

1,3 أملاح معدنية.

10 ألياف سيليلوزية.

و كميات من الكورامين، و فيتامينات مختلفة، و بروتين، و سكر، و زيت، و كلس، و حديد، و فسفور، و كبريت، و بوتاسيوم، و مغنيزيوم، و نحاس، و كالسيوم، و كلورين، و منغنيز.

من كل ما تقدم يتضح أن التمر ذو قيمة غذائية عالية، لذلك فهو نافع و مفيد في بناء و فعالية الخلايا و الأنسجة، و له استطبابات عديدة، منها:

فائدته الكبيرة للمرضى المصابين بفقر الدم و ضعف البنية، و للنساء الحوامل، و الأطفال الرضع، و الأطفال المصابين بالكساح. أما بالنسبة للعين فالتمر يساعد على رطوبتها و يقلل من غشاوتها، كما يقوي أعصاب العين، و الأذن، و الأعصاب بصورة عامة. التمر مهدئ للأعصاب، و يخفف من

ص: 342


1- المصدر السابق: ج 63 ص 141.

القلق العصبي، و يعطي الهدوء و السكينة إلى النفس، إضافة إلى إنه منشط للغدة الدرقية.

التمر من الأغذية التي ترطب الأمعاء، و تزيد من حركتها و تقوي جدارها، و هو سهل الهضم و يساعد العضلات على أداء فعاليتها، و قد لوحظ أن الخلايا العصبية تقوم بتمثيل المواد الموجودة بالتمر بيسر و سهولة و قابلية عالية. كما وجد أن التمر عامل مساعد قوي في تحريك الشهوة الجنسية عند كلا الجنسين. إن تناول التمر بكميات مناسبة عامل مدرر للكلى و مساعد في عمليات الأكسدة التي تحدث في الكبد.

إن الأملاح المعدنية الموجودة في التمر تساعد على تعديل حموضة الدم التي قد ينتج عنها حصيات كلوية أو داء النقرس. كما لوحظ أن التمر يفيد في التهاب البواسير و ارتفاع ضغط الدم.

الدراسات الأخيرة أكدت أن الرطب يحتوي على مادة مقبضة تقلص الرحم تشبه الأوكسيتوسين الذي يساعد على تقلص الرحم خصوصا بعد الولادة مما يؤدي إلى تقليل النزف الحاصل.

أما الفسفور الموجود في التمر فهو عامل منشط للخلايا الدماغية.

و لا ننسى أن سكريات التمر (الگلوكوز، و اليكولوز و السكروز تمتص و تمثل بسهولة داخل الجسم و بذلك تستفيد منها الخلايا بصورة سريعة، و بهذا يحصل الجسم على طاقة حرارية عالية و سريعة.

ص: 343

اللبن

اشارة

قال الإمام علي عليه السّلام:

«ألبان البقر دواء»(1).

و

قال: «اللبن أحد اللحمين»(2).

اللبن من الأغذية المحببة للجميع صغارا و كبارا، رجالا و نساء، صيفا و شتاء. التركيب الكيميائي للبن حسبما أثبته العلماء كما يلي:

87,5 ماء.

4,7 كاربوهيدرات (سكر اللاكتوز، الگلوكوز، و الگالاكتوز).

3,5 مواد آزوتية، تشمل بروتين الكازائين و الألبومين و الگلوبيولين، و مواد غير بروتينة كاليوريا و حامض اليوريك و بعض الأحماض الأمينية.

3,7 دهنيات.

و كمية من الفيتامينات مثل فيتامين (أ، د، ه، ك، ب).

7, أملاح معدنية تتركب من 50 كالسيوم و فسفور و 50 عناصر معدنية، أهمها: الصوديوم و الكلور و الحديد و النحاس.

يحتوي اللبن على عدة أنزيمات، مثل: انزيم الأوكسيديز، و البروتيز و الليبيز و اللاكستيز و الفوسفاتين.

اللبن كغذاء:

اللبن غذا متكامل بل و يعتبر من أفضل المواد الغذائية، لاحتوائه على

ص: 344


1- وسائل الشيعة: ج 25 ص 113.
2- غرر الحكم: ج 1 ص 62.

جميع العناصر اللازمة للتغذية، فهو يحتوي على البروتينات، و الدهنيات، و الكاربوهيدرات، و الأملاح، و الفيتامينات، و كلها توجد بنسب متوازنة و ملائمة لحاجات الإنسان، إضافة إلى سهولة الهضم و التمثيل.

المواد البروتينية تمد الإنسان بالأحماض الأمينية التي تشكل الحجيرات الأولية لصنع الأنسجة العضلية و بناء خلايا الجسم.

أما المواد الدهنية فهي موجودة بصورة ذاتية، و سهلة الامتصاص و الهضم و التمثيل و بالقدر اللازم الذي يحتاجه الإنسان في فعاليته اليومية.

السكريات الموجودة في اللبن لا ضرر منها للمرضى المصابين بمرض السكر، لأن كمية الگلوكوز الموجودة فيه ضئيلة جدا.

كذلك فإنّ الفيتامينات الموجودة باللبن لها أهمية خاصة، ففيتامين ( A ) هو العامل المساعد في تكوين مستقبلات الضوء في شبكية العين، و هو المسؤول عن نمو و سلامة الجلد و الأغشية المخاطية التي تبطن فتحات الجسم و تجاويفه. إضافة إلى فيتامين ( D ) و الكالسيوم اللذين يشكلان العنصر الأساسي في نمو و تكوين و قوة العظام خصوصا عند الأطفال؛ و نقصهما يؤديان إلى الإصابة بمرض الكساح عند الصغار.

فوائد اللبن:

1 - يفيد في معالجة الاضطرابات الهضمية.

2 - يفيد في ضعف الأعصاب.

3 - يفيد في حالات الأرق.

4 - يفيد في عسر الهضم.

5 - يفيد في حالات الاسهال.

ص: 345

6 - يفيد المصابين بالحساسية من الحليب.

7 - يفيد في تقوية العظام و الأسنان.

8 - يفيد في القضاء على الميكروبات الموجودة في الأمعاء الغليظة.

العنب

قال الإمام علي عليه السّلام:

«العنب أدم، و فاكهة، و طعام، و حلواء»(1).

التحليلات المختبرية للعنب أثبتت أنه يحتوي على:

8 كلوكوز.

0,8 بروتين.

0,5 دهنيات.

4,3 ألياف تساعد على مكافحة الإمساك. و قد لوحظ أن تلك الألياف تساعد على عدم إصابة الأمعاء بالسرطان.

كذلك يحتوي العنب على أملاح البوتاسيوم و الكالسيوم، و الفسفور، و الحديد، و أنواع مختلفة من الفيتامينات.

إن تناول 100 غم من العنب يعطي البدن طاقة حرارية تعادل 68 سعرة حرارية نتيجة احتراق و تمثيل المواد السكرية الموجودة في العنب.

يستخدم العنب طبيا في الحالات التالية:

1 - يستخدم كمليّن في حالات الإمساك.

ص: 346


1- الكافي: ج 6 ص 351.

2 - إستخدم كعامل مساعد في علاج مرض النقرس الذي ينشأ من زيادة حامض البوليك في البدن.

3 - يستعمل كمادة مدرّرة في حالات توقف البول.

4 - يساعد الكبد على أداء فعاليته نظرا لاحتوائه على كميات كبيرة من المواد السكرية.

5 - تناول العنب يساعد على تلطيف السعال المزمن و يطرد البلغم المتكون في القصبات.

6 - أكد الباحثون وجود علاقة بين عدم تناول العنب بكميات كبيرة و بين الإصابة بسرطان الأمعاء، و قد استخدم كعامل مساعد للمصابين بمرض السرطان القابل للشفاء.

7 - يساعد المرضى المصابين بالبواسير من خلال تليين الفضلات المعوية.

8 - في حالات التسمم ينصح بشرب كميات كبيرة من عصير العنب.

9 - عصير العنب يفيد في ترطيب جلد الوجه في حالات يبوسة الجلد.

10 - يستخدم عصير العنب عند الكثير من الذين يعانون من الإدمان على المخدرات و الخمور و التدخين و الشاي و القهوة، لكونه يصفي و ينقي الجسم من المخلفات الضارة، و يعوضه عن نقص التغذية الحاصل بسبب فقدان الشهية و تناول المسكرات.

11 - يعتبر العنب منشطا جنسيا نظرا للطاقة الكبيرة التي يزود بها الجسم.

12 - يفيد العنب في حالات ضعف الرؤية الناتجة من قلة

ص: 347

الفيتامينات.

13 - يساعد عصير العنب الذي يتناول بصورة يومية و المعدة فارغة على التئام قرحة المعدة.

زيت الزيتون

اشارة

قال الإمام علي عليه السّلام:

«إدّهنوا بالزيت و ائتدموا به، فإنّه دهنة الأخيار، و أدام المصطفين، مسحت بالقدس مرّتين، بوركت مقبلة و بوركت مدبرة، لا يضر معها داء»(1).

أكّد العلماء و الباحثون في حقول التغذية و الكيمياء بأنّ الزيت المستخرج من الزيتون هو من أفضل و أحسن أنواع الزيوت السريعة الهضم، الغنية بالفيتامينات، و الأملاح المعدنية، و الأحماض الدهنية الغير مشبعة، التي تحافظ على سلامة الإنسان.

المحتويات الكيمائية:

14 حامض بالمتيك.

2,5 حامض ستريك.

18 حامض أوليك.

13 حامض ليتولينك.

0,4 حامض أرشيرك.

ص: 348


1- بحار الأنوار: ج 63 ص 182.

إن حامضي لينولنيك و حامض أرشيرك يسهلان عملية التمثيل الغذائي بالجسم، علاوة على أن حامض أرشيرك يدخل في تركيب مادة البروستاگلاندين التي تلعب دورا هاما في تنظيم ضربات القلب و السيطرة على ضغط الدم و سلامة عمل الجهاز العصبي المركزي. إن حدوث نقص في تلك الأحماض الدهنية يؤدي إلى ضعف المناعة الداخلية للجسم، علما بأن زيت الزيتون قادر على إنتاج طاقة حرارية ملائمة للجسم.

الدراسات الطبية أكدت أن زيت الزيتون يساعد على تأخير ظهور أعراض الشيخوخة، و يساعد الجهاز الهضمي على أداء عمله، كما أنه فعّال في تخفيف أعراض التسمم.

فوائد زيت الزيتون:

1 - مفيد لأمراض القلب و ارتفاع ضغط الدم.

2 - يساعد على تقليل نسبة الكوليستيرول في الدم.

3 - يؤدي إلى تقليل نسبة الإصابة بسرطان الثدي عند النساء.

4 - مفيد لتنشيط فعالية الكبد.

5 - يساعد على تفتيت حصيات المرارة.

6 - نظرا لاحتوائه على فيتامين ( D ) فهو مفيد في وقاية الأطفال من مرض الكساح.

7 - عامل مساعد في زيادة القدرة على التفكير.

8 - بالنظر لكون زيت الزيتون يحتوي على كميات في فيتافين ( E ) فهو مفيد في زيادة القوة الجنسية و النسل.

9 - يساعد على توقف سقوط شعر الرأس.

ص: 349

10 - يستعمل لمعالجة حالات الإمساك المزمنة.

11 - يستعمل لمعالجة حالات التسمم بالفسفور و الرصاص، كعامل مساعد مع المضادات الكيميائية الخاصة.

12 - عامل مساعد لمكافحة الأمراض الجلدية كالأگزما و داء الصدف.

الملح

قال الإمام علي عليه السّلام:

«إبدأوا بالملح في أول طعامكم، فلو يعلم الناس ما في الملح لأختاره على الترياق المجرب»(1).

و

قال: «من بدأ بالملح اذهب اللّه عنه سبعين داء ما يعلم العباد ما هو»(2).

و

قال الإمام الصادق عليه السّلام: «إنا نبدأ بالملح و نختم بالخل»(3).

الملح هو أساس الحياة للإنسان، إذ لا يمكن الاستغناء عنه، لكون أغلب التفاعلات الكيميائية و الشحنات الكهربائية في الخلايا و الانسجة لا تتم إلاّ بوجود الأملاح المتعددة التي تلعب دورا رئيسيا في كافة الفعاليات التي يقوم بها الجسم، و بدونه تصبح الحياة مستحيلة بل و أن نقصانه يؤدي إلى مضاعفات و أمراض متعددة قد تجر إلى موت الإنسان.

إن أغلب الأغذية التي نتناولها تحتوي على نسب مختلفة من الملح، و الإنسان العادي يستطيع تأمين الملح الذي يحتاجه البدن من خلال تناول

ص: 350


1- بحار الأنوار: ج 63 ص 396.
2- بحار الأنوار: ج 63 ص 397.
3- بحار الأنوار: ج 63 ص 299.

الأغذية و الملح الطبيعي، علما بأنّ تلك الكميات تكفي فيزيولوجيا لعملية تبادل السوائل داخل و خارج الخلايا، و المحافظة على سيولة و كثافة الدم و قوة العضلات، لذلك يحتاج العمال الذين يعملون في المناطق الحارة حيث التعرق الشديد إلى كميات أكبر من الأملاح خصوصا ملح الطعام.

السمك

اشارة

قال الإمام علي عليه السّلام:

«لا تدمنوا أكل السمك فإنه يذيب الجسد»(1).

السمك غذاء طيب يحتوي على كمية كبيرة من البروتين السهل الهضم بما فيها الأحماض الأمينية المهمة كالأرجنين، و التربتوفان، و الفالين، و الگلوتامين، و غيرها.

و كذلك يحتوي على مقدار لا بأس به من المواد الدهنية التي تعتبر من مصادر الطاقة للجسم. و هو مصدر غني من مصادر الفسفور الذي يلعب دورا هاما في فعالية الأنسجة عند الإنسان، و يساعد العظام على النمو و الصلابة كما و يحقق التوازن الحامضي في الدم و اللمف و البول.

و من المواد المهمة التي يحتويها السمك الكالسيوم الذي يشترك مع الفسفور في بناء الهيكل العظمي للإنسان، و السمك معروف باحتوائه على مادة اليود الضرورية لعمل الغدة الدرقية.

أما الفيتامينات الرئيسية الموجودة في السمك فهي فيتامين ( A ) و ( D ).

ص: 351


1- وسائل الشيعة: ج 25 ص 77.
فوائد زيت السمك:

1 - يعمل على تقليل نسبة الدهون في الدم و خاصة الكولستيرول.

2 - يعمل على منع تخثر الدم.

3 - يعمل على خفض ضغط الدم.

4 - يساعد على منع و شفاء بعض الأمراض الجلدية.

5 - يساعد على منع و شفاء التهابات المفاصل.

الرمان

قال الإمام علي عليه السّلام:

«كلوا الرمان بشحمه، فإنه دباغ للمعدة»(1).

و

«أطعموا صبيانكم الرمان فإنّه أسرع لأسنتهم»(2).

الرمان من الفواكة الطيبة المذاق التي يطلبها الصغير و الكبير و له فوائد عديدة في معالجة حالات مرضية كثيرة منها:

1 - مقوي للقلب.

2 - قابض في حالات الاسهال.

3 - طارد للديدان.

4 - مفيد في حالات الزحار المزمن.

5 - يفيد في حالات الوهن العصبي.

6 - ينظف المجاري التنفسية.

ص: 352


1- بحار الأنوار: ج 63 ص 154.
2- المصدر السابق: ج 63 ص 155.

7 - ينقي الدم من الشوائب.

8 - يساعد في التخلص من عسر الهضم.

9 - يساعد في هضم المواد الدهنية.

10 - يفيد في شدّ و تقوية اللثة.

و قد وجد العلماء أنّ الرمان يتكون من:

10 مواد سكرية.

1 حامض الليمون.

84 ماء.

3 رماد.

3 مواد بروتينية.

3 ألياف.

و يحتوي على مواد عفصية و املاح معدنية قليلة كالحديد، و الفسفور، و الكبريت، و الكلس، و البوتاسيوم، و المنغنير، و بعض الفيتامنيات.

الزبيب

اشارة

قال الإمام علي عليه السّلام:

«إحدى و عشرون زبيبة حمراء في كل يوم على الريق تدفع جميع الأمراض إلاّ مرض الموت»(1).

و

«الزبيب يشد القلب، و يذهب المرض، و يطفئ الحرارة، و يطيب النفس»(2).

ص: 353


1- بحار الأنوار: ج 63 ص 152.
2- بحار الأنوار: ج 63 ص 152.

إن التحليل الكيميائي للزبيب أثبت وجود ما يلي:

24 غرام ماء.

2,2 غرم بروتين.

0,5 غرام دهنيات.

71,2 غرام كاربوهيدرات.

0,15 ميلليغرام فيتامين ب 1.

0,08 ميلليغرام فيتامين ب 2.

78 ميلليغرام كالسيوم.

139 ميلليغرام فسفور.

3,3 ميلليغرام حديد.

فوائد الزبيب:

1 - يفيد في النزلات الصدرية.

2 - يفيد في اضطراب المعدة و الأمعاء.

3 - يفيد في اضطرابات الجهاز البولي.

4 - يفيد في فعاليات الجسم المختلفة خصوصا العضلات.

5 - يفيد في سرعة إزالة الكدمات الجسمية عن البدن.

العسل

اشارة

قال الإمام علي عليه السّلام:

«العسل فيه شفاء»(1).

ص: 354


1- وسائل الشيعة ج 25 ص 99.

و

«لم يستشف مريض بمثل شربة عسل»(1).

و

قال الرسول صلّى اللّه عليه و آله:

«من أراد الحفظ فليأكل العسل»(2).

و

«العسل شفاء يطرد الريح و الحمى»(3).

القرآن الكريم صرح بأنّ العسل فيه شفاء للناس يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهٰا شَرٰابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوٰانُهُ فِيهِ شِفٰاءٌ لِلنّٰاسِ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (4) و قد أثبت العلم الحديث أن العسل يدخل في تركيبه ما يقارب سبعين مادة مختلفة لها فوائد كثيرة، و هو من الأغذية التي تدخل في فعالية الأنسجة و الأعضاء، و هو ذو طاقة حرارية عالية لما يحتويه من نسبة كبيرة من السكريات.

تركيب العسل:

العسل ذو تركيب معقد و يتألف من السكريات على الغالب و قد اكتشف منها ما يقارب خمسة عشر نوعا أهمها:

1 - سكر الفواكه بنسبة 4.

2 - سكر العنب بنسبة 30.

3 - سكر القصب بنسبة 4.

4 - سكر الشعير و الدكسترين و الأرلوز.

ص: 355


1- وسائل الشيعة: ج 25 ص 100.
2- بحار الأنوار: ج 63 ص 290.
3- المصدر السابق: ج 63 ص 294.
4- سورة النحل، الآية: 69.

يحتوي العسل على أحماض عضوية عديدة منها:

حامض النمل.

حامض الليمون.

حامض التفاح.

حامض الطرطير.

حامض الحماض.

حامض العنبر.

حامض اللبن.

حامض گلوكوتينك.

حامض گلوتامنيك.

كذلك يحوي العسل العديد من الخمائر التي تلعب دورا كبيرا في فعالية الجسم و تمثيل الغذاء أهمها:

1 - خميرة القلابين.

2 - خميرة الشعير.

3 - خميرة الكاتاليز.

4 - خميرة الفوسفاتيز.

5 - خميرة البيروكسيديز.

6 - خميرة اللايبيز.

و يحوي العسل على العديد من الفيتامينات أهمها:

فيتامين ب 2 بنسبة 1,5 ميلليغرام في الكيلو غرام من العسل.

فيتامين ب 1 بنسبة 0,1 ميلليغرام في الكيلو غرام من العسل.

فيتامين ب 3 بنسبة 2 ميلليغرام في الكيلو غرام من العسل.

ص: 356

فيتامين ب 5 بنسبة 1 ميلليغرام في الكيلو غرام من العسل.

فيتامين ب 6 بنسبة 5 ميلليغرام في الكيلو غرام من العسل.

فيتامين C بنسبة 30-54 ميلليغرام في الكيلو غرام من العسل.

و توجد كميات قليلة من الكاروتين و البيوتين و فيتامين K و E .

لوحظ أن الفيتامينات الموجودة في العسل تبقى محتفظة بفعاليتها و كميتها رغم مرور فترة من الزمن، على العكس من الفيتامينات الموجودة في الفواكه و الخضروات و التي تفقد جزء منها في حالة خزنها و بقائها مدة طويلة.

العسل يحتوي على أملاح معدنية عديدة أهمها:

1 - الكالسيوم.

2 - الصوديوم.

3 - البوتاسيوم.

4 - المنغنيز.

5 - الحديد.

6 - الكلور.

7 - الفسفور.

8 - الكبريت.

9 - اليود.

10 - الراديوم.

إن وجود الأملاح المعدنية و الخمائر و الفيتامينات و الهرمونات في العسل، لها تأثير كبير على الخلايا العصبية في المخ و كافة أنحاء الجسم خصوصا عنصر المنغنيز الذي يقوي الخلايا العصبية و ينشطها، و قد أشار

ص: 357

القرآن الكريم إلى هذه الخاصية المهمة حين قال تعالى: إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ . (1) لهذا لوحظ أن نقص تلك المواد العضوية يؤدي إلى ضعف فعالية خلايا الدماغ، و حصول فتور و ضعف عام في نشاط و حيوية الإنسان، و حصول خلل في عملية تبادل الغازات داخل و خارج خلايا الجسم، كما لوحظ تأثيرها المباشر على إنتاج مكونات الدم داخل عظام البدن.

إستطبابات العسل:

1 - يستعمل كمضاد للعفونة و مثبط و مبيد للجراثيم.

2 - غذاء شبه متكامل لجسم الإنسان و لذلك يعتبر من العناصر الغذائية الضرورية لإدامة فعالية و حيوية البدن.

3 - يمكن استعمال العسل الجبلي بالخصوص للمرضى المصابين بمرض السكر.

4 - السكريات الموجودة في العسل لا تؤثر على الأسنان بل العكس تقوي الأسنان و تؤخر التنخر و تطهر جوف الفم.

5 - بالنظر للخواص المضادة للجراثيم الموجودة في العسل فإنّه يساعد صغار الأطفال على مقاومة الأمراض و تجنب الإصابة بالأمراض الجرثومية و التعفنات المعوية.

6 - العسل يفيد كبار السن نظرا لوجود السكريات و المعادن و الأنزيمات و الخمائر التي تجدد فعالية الأنسجة و الأعضاء و تزود كبار السن

ص: 358


1- سورة النحل، الآية: 69.

بالطاقة اللازمة و المتعادلة.

7 - يفيد في معالجة العديد من الأمراض الجلدية إذا استعمل كمرهم جلدي.

8 - أثبت العديد من أطباء العيون بأنّ للعسل فوائد كثيرة في معالجة بعض أمراض العين.

9 - أكد كبار الأطباء بأنّ العسل مفيد في أمراض الجهاز الهضمي كالإمساك و عسر الهضم و زيادة ترشحات حموضة المعدة.

10 - العسل عامل مساعد في خفض حرارة المرضى المصابين بالنزلات الشعبية و التهاب اللوزتين و البلعوم لوجود الأحماض العضوية فيه.

11 - العسل دواء نافع و ناجح في معالجة أمراض الأنف و الأذن و الحنجرة خصوصا إذا استعمل على صورة مستنشقات، إذ تبين انه ذو مفعول جيد في وقف نمو الجراثيم و تكاثرها.

12 - العسل بما يحويه من مركبات مفيدة و مؤثرة في أمراض الجهاز التنفسي، فإنّ الأشربة المحضرة منه تمتص الإفرازات التنفسية و تهدّئ من أثر السعال الحاد. إن مزيج العسل مع الجوز يفيد في علاج ظاهرة السعال المزمن، و لا يزال العسل يعتبر من العوامل المساعدة في الشفاء من السل.

13 - الدراسات الحديثة أكّدت على أهمية العسل كغذاء مفيد في معالجة فقر الدم الذي يصيب مختلف الأعمار، و قد دلت الأبحاث بوضوح على أن العسل يزيد كريات الدم الحمراء و خضاب الدم.

14 - أثبت العسل على إنه غذاء و علاج فعّال لتقوية عضلة القلب الضعيفة أو المصابة بتليفات عضلية بعد الإصابة بالجلطة القلبية، لكونه يساعد على توسع الأوعية و الشرايين التاجية و بذلك يتحسن عمل القلب

ص: 359

و ضرباته.

15 - علماء الجملة العصبية أكدوا من خلال إعطاء العسل للمرضى المصابين بمختلف الأمراض العصبية بأنّه مؤثر على صحة المرضى الذين يعانون من تلك الأمراض، و كانت النتائج حسنة في كثير من الحالات التي وصف فيها العسل مع بقية العلاجات الاخرى.

16 - العسل كمادة غذائية تكاد تكون خالية من البروتينات و الأملاح لذلك فهو مفيد في معالجة المرضى المصابين بأمراض الكلى. و قد دلت التجارب على كونه مفيد إذا اعطي مع سائر الأدوية التي تعالج أمراض الكلى.

17 - فوائد العسل في معالجة الأمراض النسائية:

إستعمل العسل كعلاج مهدّئ لتخفيف الألام الحاصلة أثناء عملية الولادة، كما استفيد منه في معالجة الجروح الناتجة من العمليات النسائية المختلفة. كذلك أثبت العسل فعاليته في معالجة الإصابات بالدويبات الشعرية و التهابات الإحليل و المثانة.

ص: 360

وردت روايات كثيرة من الإمام علي عليه السّلام عن فوائد و مزايا بعض الأغذية و الأعشاب نوردها هنا بإيجاز:

وردت روايات كثيرة من الإمام علي عليه السّلام عن فوائد و مزايا بعض الأغذية و الأعشاب نوردها هنا بإيجاز(1):

1 - الجوز: ص

أكل الجوز في شدة الحر يهيج الحر في الجوف، و يهيج القروح على الجسد، و أكله في الشتاء يسخن الكليتين، و يدفع البرد.

2 -

الأترج: كلو الأترج قبل الطعام و بعده فإنّ آل محمد عليهم السّلام يفعلون ذلك.

3 - القرع:

كلوا الدباء فإنه يزيد في الدماغ و نحن أهل البيت نحبه.

4 - الهندباء:

كلوا الهندباء فما من صباح إلاّ و عليها قطرة من قطر الجنة فإذا أكلتموها فلا تنفضوها.

5 - الفجل:

الفجل أصله يقطع البلغم، و يهضم الطعام، و ورقه يدرر البول.

6 - الكمأة:

الكمأة من المن، و ماؤها شفاء العين.

7 - الخس:

قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: كلوا الخس فإنه يورث النعاس، و يهضم الطعام.

8 - الثوم:

لا يصلح أكل الثوم إلاّ مطبوخا.

9 - العدس:

أكل العدس يرق القلب و يسرع الدمعة.

10 - العناب:

العناب يذهب بالحمى.

11 - اللبان:

مضغ اللبان يشد الأضراس، و يقلل البلغم، و يذهب بريح الفم.

ص: 361


1- بتصرف من كتاب طب الإمام علي عليه السّلام للأستاذ محسن عقيل: ص 441.

12 - البنفسج:

اكسروا حر الحمى بالبنفسج و الماء البارد فإن حرها من فيح جهنم.

13 - الحرمل:

في أصل الحرمل نشرة، و في فرعها شفاء إثنين و سبعين داء.

14 - الحناء:

الحناء بعد النورة أمان من الجذام و البرص.

15 - السمن:

قال سمن البقر دواء.

16 - الخل:

نعم الأدام الخل يكسر المرّة، و يحي القلب.

17 - الثريد:

الثريد طعام العرب.

18 - الماء:

قال: الماء سيد الشراب في الدنيا و الآخرة.

و قال:

صبوا على المحموم الماء البارد فإنه يطفئ حرها.

و قال:

إشربوا ماء السماء فإنه يظهر البدن، و يدفع الأسقام، قال اللّه تبارك و تعالى وَ يُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ اَلسَّمٰاءِ مٰاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَ يُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ اَلشَّيْطٰانِ وَ لِيَرْبِطَ عَلىٰ قُلُوبِكُمْ وَ يُثَبِّتَ بِهِ اَلْأَقْدٰامَ .

ص: 362

الحمى

اشارة

قال الإمام علي عليه السّلام:

«الحمّى رائد الموت، و هي سجن اللّه في الأرض، و هي تحتّ الذنوب كما يتحاتّ الوبر من سنام البعير»(1).

«جعل اللّه ما كان من شكواك حطّا لسيئاتك، فإنّ المرض لا أجر فيه و لكنّه يحط السّيئات و يحتها حتّ الأوراق»(2).

ص: 363


1- الخصال للشيخ الصدوق: ص 620.
2- شرح نهج البلاغة: ج 18 ص 168.

ص: 364

قال اللّه تعالى من كتابه الكريم:

وَ خُلِقَ اَلْإِنْسٰانُ ضَعِيفاً. (1)

و

قال الرسول الأكرم صلّى اللّه عليه و آله:

«المرض سوط اللّه في أرضه يؤدب به عباده»(2).

و

قال الإمام علي عليه السّلام:

«الحمى رائد الموت»(3).

بعد أن إزدادت مسببات المرض كثرت الأمراض و أصبح الإنسان معرّض للإصابة بالأمراض المختلفة. الأمراض أنواع، منها: البسيط الخفيف القصير المدة، و منها: الصعب الشديد الطويل المدة. لكنّ النقطة المشتركة التي تلتقي فيها جميع الأمراض هي حالة الضعف التي تنتاب المريض و ارتفاع حرارته، هذا الارتفاع إما أن يكون بسيطا يعالج و يختفي بالحمية و السوائل و الأدوية الخافظة للحرارة، أو كبيرا له مضاعفات و أضرار كثيرة و كبيرة لا تختفي بيسر و سهولة بالرغم من استعمال الكمادات المائية و السوائل و الحقن الخافظة للحرارة و الأدوية الطبية المختلفة، و عندها تصبح حالة المريض معقدة و خطيرة تتطلب تدخل أهل الخبرة و التجربة، و إذا لم يتم التشخيص تتدهور حالة المريض و تستمر حرارته بالارتفاع لدرجة قد تؤدي به إلى الموت. الإنسان معروف بحبه للدينا و للمال و الرئاسة إلاّ ما رحم اللّه، و عليه فإن المرض و ما يصاحبه من حمى و آلام هو وسيلة لجعل

ص: 365


1- سورة النساء، الآية: 28.
2- الجامع الصغير للسيوطي: ج 2 ص 666.
3- الخصال للشيخ الصدوق: ص 620.

الإنسان رقيق القلب، متواضع، متعلق بحبل الإيمان مطيعا لأوامر الرحمن، و خلاف ذلك يصاب الإنسان بالكبر و الغرور الذي يقوده بالتدريج إلى التجبر و الطغيان (لو لا الموت و المرض لنطح بن آدم برأسه الجبال).

الحمى من الناحية الطبية تعتبر وسيلة من وسائل الدفاع الذاتية التي يبديها الجسم تجاه الأمراض، فاذا تمكن الجسم بوسائلة الدفاعية الأولية التي من ضمنها الحمى من دفع المرض و السيطرة عليه، إنخفظت الحرارة و عادة الأمور إلى حالتها الطبيعية. أما إذا كان المسبب المرضي قويا و فعالا و ذا سمية شديدة، إزدادت الأعراض و ارتفعت درجة الحرارة ارتفاعا كبيرا لتدل على شدة الإصابة و قوة المرض، و كون الأمور تتطلب تدخل الأطباء و اعطاء العلاج اللازم.

من هنا نفهم أن الحمى هي دليل و منبه و علامة و رائد تحذيري على شدة و خطورة المرض التي تتطلب التدخل الطبي السريع و اعطاء العلاج الملائم؛ ناهيك عن أن الحمى إذا ترافقت مع ضعف بدني عام و هبوط في المناعة مع بيئة غير ملائمة مضافا إليها عدم وجود وسائل صحية و بيئية، أصبحت الحالة خطيرة قد تقود المريض نحو الموت المحتم. لذلك تعتبر الحمى إنذارا عمليا و علنيا على كون الحالة تتطلب التدخل العاجل و عدم الانتظار لتزول لوحدها، علما بأن الحمى ظاهرة باثولوجية يعرفها الجاهل و العالم، الأعمى و البصير، الصغير و الكبير.

روحيا الحمى تنبه الإنسان و تذكره بضعفه الجسمي و احتمال الموت الذي ينتظره، فهي إذن علامة طيبة و إنذار مؤدّب لكل عاقل يضع الموت و اليوم الأخر نصب عينيه، و هذا يتطلب منه العمل بكتاب اللّه و سنة نبيه التي تضمن له الخير و السعادة. الإنسان العاقل من فكّر بعقله و أخذ العبرة عند

ص: 366

الاصابة بالحمى و لو لوقت محدود، حيث الآلام و فقدان النوم و الهذيان، فكيف به حين خروج الروح و الحشر و النشر يوم لا ينفع مال و لا بنون إلاّ من أتى اللّه بقلب سليم. و عليه فإنّ للحمى فوائد كثيرة، كتهذيب النفوس، و غسل الذنوب، و صفاء القلوب التي دنستها وساوس الشيطان، لذلك يتوجب على كل ذي بصيرة الحذر من طغيان بضاضة الشباب و غضارة الصحة و عظيم النعمة، و الخضوع و التسليم الكامل لرب العالمين. إن الإنسان المتفاخر بقوته و حاله تستطيع أصغر المخلوقات (الميكروبات) أن تذله و تبكيه و تقعده عن العمل، من خلال الحمى التي تجعله يتصاغر طالبا العون و المساعدة و العلاج و كأن الدنيا صارت ظلام دامس لا أمل فيها و لا مستقبل. الإمام علي عليه السّلام أشار بتلك الحكمة إشارة الطبيب الخبير الذي شخص و أبصر و حذّر و أنذّر من خطر الحمى، بالأخص عند ما تكون عالية و مزمنة و ترافقها أخطار جسمية، فهي بالنسبة للإنسان تمثل رسالة واضحة و صريحة و ذات دلالة اكيدة على خطورة الحال و سوء الأحوال التي لا بدّ من مراجعة أهل الخبرة و الصلاح لأجلها. الإمام عليه السّلام وصف الحمى بالسجن و هو وصف جميل له دلالة بالغة، لأنّ الإنسان المحموم مجمد الفعالية و غير قادر على أداء أعماله الاعتيادية، و أحيانا لا يتمكن حتى من تناول طعامه، فهو اذن بمثابة سجين في البيت أو المستشفى، و هذا السجن و المعاناة الناتجة من الحمى لها ثواب و حسنات كثيرة لا تعد و لا تحصى، و انها تسقط الذنوب التي في ذمة المريض بالأخص المؤمن كما يتساقط الوبر من سنام البعير.

أما بالنسبة لغير المؤمن فإنّها بمثابة عقوبة يقضيها في سجن الدنيا من دون أجر أو ثواب. أما وصف تساقط الذنوب كتساقط الوبر من سنام البعير

ص: 367

فهو وصف جميل و لطيف يتماشى مع عقول الناس في تلك المرحلة الزمنية خصوصا العرب الذين يعيشون حياة الريف و البداوة.

حرارة الجسم:

قبل التحدث عن ميكانيكة حصول الحمى و الخطوات الباثولوجية التي تتعاقب لحدوثها نتعرف بإيجاز على حرارة الجسم و كيفية حصولها:

تنتج الحرارة في الجسم بالتمرين العضلي و التمثيل الغذائي و كل العمليات الحيوية التي يدخل فيها التمثيل الغذائي كعامل مؤثر.

الحرارة تفقد من الجسم عن طريق الإشعاع و النقل و التبخر المائي عن طريق التنفس و الجلد و البول و البراز.

إن التوازن بين إنتاج و فقد الحرارة هو الذي يقرر حرارة الجسم.

الحمى:

هي الصفة الأكثر شيوعا للمرض، و هي لا تحدث في الثدييات فقط بل في الطيور و الزواحف و البرمائيات و الأسماك، و عند ما تحدث في الحيوانات الثابتة الحرارة تتصرف آليات تنظيم الحرارة كما لو أنها نظمت لتحفظ الحرارة الجسمية في مستوى أعلى من المستوى الطبيعي - كما لو كانت منظم أعيد ضبطه إلى نقطة جديدة فوق 37 درجة مئوية - و بعدها تصل مستقبلات الحرارة إشارات بأنّ الحرارة الحالية أقل من النقطة المحددة الجديدة، و هذا يؤدي لتفعيل آليات ارتفاع الحرارة، مما يسبب احساس القشعريرة عند التقلص الجلدي و يحدث بين الحين و الأخر ارتجاف كاف لينتج اهتزاز القشعريرة.

ص: 368

إن باثولوجيا (نشوء) الحمى لخصت كالآتي(1):

الذيفان الداخلي

(الالتهاب)

-

بقية المنبهات المحميّة

-

الكريات البيض

(الوحيدات - البالعات - خلايا كوبفر)

إنترلوكين - I

-

المنطقة قرب البصرية من الوطاء الدماغي

البروستا گلاندينات

-

إرتفاع النقطة المحددة لدرجة الحرارة

-

الحمى

تعمل سموم البكتريا مثل الذيفان الداخلي (سم داخلي) على الوحيدات و البالعات الكبيرة من الكريات البيضاء و خلايا كوبفر لإنتاج الإنترلوكين - I الذي يسبب الحمى و تأثيرات واسعة في الجسم، و هو يدخل الدماغ مباشرة و يصل المنطقة حول البصرية لتحت المهاد. إن الحمى

ص: 369


1- مبادئ الفيزيولوجيا الطبية للدكتور جوخدار: ص 339.

الناتجة من إنترلوكين - I قد تكون ناتجة عن تحرر محلي للبروستا گلاندينات فحقن البروستا گلاندينات لتحت المهاد يسبب الحمى.

إضافة لهذا فإنّ تأثير الإسبرين المضاد للحرارة هو بالعمل على تحت المهاد مباشرة، فالإسبرين يثبط تركيب البروستاگلاندين. إن منفعة الحمى للمخلوقات غير محددة لكن يعتقد أنها نافعة حيث إنها توجد و تستمر كأستجابة للأمراض المختلفة. و قد ادخلت الحمى قبل إنتاج الأدوية كعلاج للسفلس العصبي و أبدت منفعة. لهذا فالحمى تفيد الأشخاص المصابين بالأمراض البكتريولوجية و الفطريات و الأمراض الفيروسية، كما و تبطئ زيادة الحمى نمو بعض الأورام، لكن على العموم إن ارتفاع الحرارة مؤذي و مزعج للإنسان خصوصا عند ما تصل إلى (40) درجة مئوية، و عند ما تصل فوق (43) درجة مئوية تحصل ضربة الحرارة التي تعرض الإنسان للموت.

علاج الحمى

1 - الكمادات الباردة.

2 - إستعمال الماء البارد و السوائل.

3 - إستعمال الأعشاب ذات الطبيعة الباردة.

4 - المسح بالمحاليل الطيارة.

5 - الحبوب الخافظة للحرارة.

6 - إستعمال السوائل التزريقية.

7 - الأشربة الخافظة للحرارة.

ص: 370

8 - الحقن العضلية و الوريدية الخافظة للحرارة.

9 - الحقن الشرجية (الماء و السوائل الباردة).

10 - التحاميل الشرجية الخافظة للحرارة.

11 - القطرات الخافظة للحرارة (للأطفال خصوصا).

و صدق

الإمام جعفر الصادق عليه السّلام حين قال: الماء البارد يطفئ الحرارة، و يسكن الصفراء، و يذيب الطعام في المعدة، و يذهب بالحمى.

ص: 371

ص: 372

الحمية

اشارة

قال الإمام علي عليه السّلام:

«لا تنال الصحة إلاّ بالحمية»(1).

و

«صلاح البدن الحمية»(2).

ص: 373


1- مستدرك الوسائل: ج 16 ص 453.
2- هداية العلم في تنظيم غرر الحكم: ص 169.

ص: 374

قال اللّه تعالى في كتابه العزيز: يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اَللّٰهَ وَ أَطِيعُوا اَلرَّسُولَ وَ أُولِي اَلْأَمْرِ مِنْكُمْ . (1)

و

قال الرسول صلّى اللّه عليه و آله:

«المعدة بيت الداء و الحمية رأس كل دواء»(2).

و قال الحكماء: «الوقاية خير من العلاج».

الآية الشريفة واضحة المعالم و التفسير، و جاءت بصفة الأمر، فبعد طاعة اللّه و الرسول يأمرنا الباري جل و علا باطاعة أولي الأمر (علي و ابنائه المعصومين عليهم السّلام) الذين اورثوا الكتاب و الحكمة، و العلم و الاستقامة.

و على هذا فكل كلمة يقولها سيدنا و مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام هي بمثابة دستور واجب الطاعة و العمل، لكون الإمام وصي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و باب علمه، و مفتاح حكمته، كلامه كلام رسول اللّه و كلام رسول اللّه كلام اللّه، لذلك فان جميع الأحكام الدينية و الطبية التي نطق بها الإمام عليه السّلام ما هي إلاّ أحكام الهية فيها خير و منفعة المسلمين خاصة و البشر عامة.

من تلك الارشادات الهامة (الحمية) التي اعتبرها النبي صلّى اللّه عليه و آله رأس كل دواء و علاج يفيد الأصحاء و المرضى.

الإمام علي و الأئمة المعصومون من ابنائه عليهم السّلام و حكماء الطب القديم و أطباء الطب الحديث، يؤكدون بإصرار على الحمية، و يعتبرونها الخطوة الأولى و الحجر الأساس في علاج الكثير من الأمراض و منع حدوثها

ص: 375


1- سورة النساء، الآية: 59.
2- عوالي اللآلي: ج 2 ص 30.

و التقليل من مضاعفاتها؛ لأن الحمية تضمن سلامة المريض و تدفع عنه الخطر. لتلك الأسباب أكّد الإمام عليه السّلام على هذه الحكمة الصحية و الطبية و الغذائية، فكما أن المواد الغذائية و العمل اليومي ضروري لبناء و فعالية الجسم، فإنّ الحمية واجبة و ضرورية أيضا، لكون عدم الإلتزام بها يؤدي بالإنسان السالم و المريض إلى مضاعفات عديدة و خطيرة قد تهدد سلامته و تقعده عن العمل؛ إضافة إلى أن الحمية و الابتعاد عن التفكير الزائد و القلق الكثير يجنّب الإنسان من الوقوع في شباك الأمراض النفسية التي تؤثر على سلامته الروحية و الجسدية.

و الأن و بعد أن اكتشفت الشبكة الجينية للإنسان، و شخّصت الجينات بصورة واضحة اتضح للعلماء و الباحثين بأنّ الجينات تحمل علامات و صفات معينة تدل على الاستعداد للإصابة بأمراض خاصة.

هذا الإكتشاف فتح بابا علميا واسعا للتعرف على كيفية حدوث الأمراض و الوقاية منها قبل وقوعها أو تأخيرها على أقل تقدير.

اليوم و بعد أن تقدمت العلوم الطبية تقدما مذهلا اقيمت المختبرات الطبية في أرجاء عديدة من العالم، و غايتها إسداء الخدمات و المشاورات الطبية لجميع الناس بالأخص الشباب الذين ينوون الزواج؛ حيث يستطيع العلماء التعرف بسهولة على ما يحمله الزوج أو الزوجة من أمراض كامنة و وراثية أو أمراض مستقبلية، و بذلك أمكن التحكم بالأمراض الوراثية و المحتملة لدى الجنسين و التي ستظهر أعراضها على أطفال المستقبل في حالة الزواج من أبوين مصابين بأمراض و عاهات مختلفة. إن أخذ نموذج واحد من خلية إنسانية كاف لإعطاء معلومات كاملة و مفصلة عن الحالة

ص: 376

الصحية و المرضية للإنسان.

هذا الأكتشاف العلمي الحديث يعتبر بحق جزء مهما من الوقاية و الحمية التي يتوجب العمل بها خصوصا عند الزواج؛ لأنّ اختيار زوجة سالمة من الأمراض بالأخص الوراثية، له أهمية خاصة على الحياة الزوجية و العائلية و أطفال المستقبل. إن ترك العمل بهذه النصيحة الطبية سيعرض الزوجين و الأطفال إلى مشاكل صحية و مالية و نفسية، قد تؤدي إلى الطلاق و ما يتبعه من مساوئ و مصاعب و أمراض نفسية و عاطفية. لذا يعتبر الفحص الجيني من الضروريات الملزمة و من أفضل الوسائل للوقاية من الأمراض على اختلاف أنواعها.

الحمية

تعني توقي الإصابة بالأمراض النفسية و الجسدية. و هذا يتطلب العمل بها من قبل الصغار و الكبار، النساء و الرجال، الأصحاء و المرضى، فبالحمية يتجنب الإنسان الوقوع بالمرض، و بالحمية يتشافى المريض من مرضه بسرعة و بأقل الخسائر المادية و الجسدية. الحمية تختلف باختلاف الاعمار و نوع المرض و شدته و طول الإصابة به و لها تعلميات و شروط يحددها ذوي الخبرة و الاختصاص، فقد تطول أو تقصر حسب نوع المرض و ظروف المريض الصحية و النفسية.

الحمية نوعان:

1 - حمية يطبقها الأصحاء الذين لا يعانون من الأمراض، لضمان عدم الإصابة و المحافظة على الصحة و السلامة.

ص: 377

2 - حمية يطبقها و يلتزم بها المرضى المصابون بالأمراض لضمان عدم تدهور حالة المريض و سرعة الشفاء من المرض.

في كلتا الحالتين يعتبر الإفراط أو الاستمرار بالحمية له مضاعفات كثيرة أقلها الإصابة بفقر الدم و الضعف العام.

الحمية تشمل حالات و أمراض كثيرة، روحية و جسدية منها:

1 - الإفراط بالعمل.

2 - الإفراط بالشهوة الجنسية.

3 - الإفراط بالسهر.

4 - الإفراط بالتفكير و الخوف و القلق و الوسوسة.

5 - الإفراط بالطعام كما و نوعا.

6 - الإفراط باستعمال الأدوية.

7 - الإفراط باستعمال المنبهات كالشاي و القهوة و غيرها.

8 - الإفراط بالتدخين.

9 - تناول المسكرات و المخدرات.

10 - تناول المواد الغذائية المحرمة.

11 - عدم رعاية الشروط البيئية.

12 - عدم العناية بالنظافة العامة.

13 - عدم العناية بالنظافة الشخصية.

14 - إهمال العناية بالملابس و الهندام.

15 - إهمال العمل بالأغسال الواجبة و المستحبة.

16 - عدم انتخاب الزوجة الملائمة.

ص: 378

17 - نقص الثقافة الصحية.

18 - عدم وجود السكن الجيد.

19 - عدم ممارسة الرياضة.

20 - إرتكاب الفواحش.

21 - السعي وراء المهلكات كالغرور و الكبر و المعاصي و الذنوب.

22 - إهمال التلقيح الدوري باللقاحات الضرورية التي تمنع الكثير من الأمراض.

نماذج من الحمية لبعض الأمراض الشائعة

1 - أمراض القلب:

تتطلب أمراض القلب عموما الحمية من تناول الدهنيات و الأملاح بكثرة و ترك التدخين و المنبهات و العصبية و التفكير و تخفيف الوزن، و عدم القيام بأعمال ذات مجهود عضلي كبير و النوم المبكر. كما و تتطلب مكافحة الأمراض المرافقة لأمراض القلب كمرض السكر و التهابات الرئة. و من الأمور المهمة الاخرى المواظبة على تناول الادوية المعطاة لأمراض القلب بصورة منظمة و وفق التعليمات التي يعطيها الطبيب.

2 - أمراض الرئة:

الأمراض التي تصيب الرئة و القصبات تتطلب الاستراحة و عدم بذل مجهود كبير أثناء فترة المرض، كذلك تناول الأدوية المعطاة بصورة منظمة حسب تعليمات الطبيب المعالج، و الامتناع عن تناول الأكلات الثقلية التي تحتوي على المواد الدهنية و الحوامض و المهيجات و التوابل، و الأمتناع عن

ص: 379

تناول السوائل الباردة أو التعرض إلى الأجواء ذات البرودة العالية.

3 - أمراض الجهاز البولي:

إن أمراض الجهاز البولي و الكلى بصورة خاصة سواء عند الصغار أو الكبار تتطلب الاستراحة الكاملة و عدم التعرض للهواء البارد و تدفئة منطقة الكلى مع تناول كميات كبيرة من السوائل في بعض الأمراض و الأمتناع عن الاملاح و السوائل في أمراض اخرى؛ كذلك تتطلب بعض الأمراض الامتناع عن تناول المواد البروتينية بصورة مؤقتة مع التأكيد على إتّباع التعليمات الطبية و تناول الدواء الخاص بصورة منتظمة و وفق التعليمات الطبية.

4 - أمراض الجهاز الهضمي:

الإنسان مجبور على تناول الغذاء لإدامة الفعالية و البناء، لذلك فإنّ أمراض الجهاز الهضمي على العموم تتطلب الحمية من تناول الأغذية المهيجة و الحارة التي تحتوي على التوابل و الحوامض و الدهنيات، أو تناول كميات كبيرة من الاغذية خصوصا لكبار السن أو المصابين بمرض عجز القلب.

إن الحمية يجب أن تكون شديدة و فعالة في حالات التهاب المعدة و الأمعاء، و هذا يتطلب التقيد الشديد بنظام التغذية الذي يعطيه الأطباء و عدم تناول أكثر من ثلاث وجبات باليوم. اما في حالات التهاب القولون و تهيجه فهنالك حمية خاصة كعدم تناول الحليب و مركباته و ترك المواد الغذائية المهيجة و التفكير الزائد الذي يؤدي إلى الاسهال و الضعف العام.

5 - ضغط الدم:

تعتبر الحمية من الأسس المهمة لخفظ ضغط الدم و السيطرة عليه

ص: 380

بالأخص أثناء ارتفاعه حيث يعاني المريض من مشاكل كثيرة. و أهم وسيلة للحمية هي عدم تناول الأملاح و الدهونات بكثرة، و الامتناع عن بذل المجهود الزائد عن قدرة البدن، و ترك القلق النفسي و الاضطراب، و مكافحة الأمراض الموجودة كالسكر و غيره، و كذلك الاستمرار على تناول الأدوية المعطاة بصورة منظمة.

6 - الإصابة بمرض السكر:

السكر من الأمراض اللعينة التي تهدم و تدمر كافة أنسجة و أعضاء بدن الإنسان، و يؤدي إلى مضاعفات شاملة و خطيرة قد ينجم عنها السكتة القلبية و الگانگرين (تفسخ الانسجة) و الموت، لذلك يتوجب على المصاب أن يلتزم بالحمية (و هي الأساس) التزاما تاما و منظما و أن يمتنع عن تناول المواد النشوية و السكرية و الدهون، و ان يترك الأعمال المرهقة و الشاقة و التفكير و القلق و الوسوسة، مضافا اليها الالتزام الكامل بتناول العلاج بصورة يومية حسب التحاليل الطبية و التوجيهات التي يقدمها الأطباء.

7 - الإصابة بمرض ارتفاع نسبة الدهنيات في الدم:

إن إرتفاع نسبة الدهون في الدم تؤدي إلى مضاعفات عديدة و خطيرة، منها: تصلب الشرايين، و عجز القلب، و الاصابة بالجلطة القلبية.

إن تصلب الشرايين يؤثر على كافة شرايين و أنسجة الجسم، و الحمية هي حجر الاساس الفعال في مكافحة هذا المرض، و هي عبارة عن عدم تناول الدهنيات بكثرة بالأخص الدهون الثقلية، و ينصح بتناول العلاج اللازم الذي يؤدي إلى خفض نسبة الدهنيات في الدم. علما بأنّ العمل اليومي و الرياضة هي من العوامل المهمة في تقليل نسبة الدهون في الدم.

ص: 381

8 - داء النقرس:

داء النقرس مرض يصيب المفاصل الصغيرة أولا ثم الكبيرة، و يصحبه آلام و مضاعفات عديدة، منها: تكون حصيات صغيرة في الكلى، و إذا لم يكافح يصيب المفاصل الكبيرة. أما أساس مكافحته فهي الحمية من تناول اللحوم الحمراء بصورة مطلقة، و الامتناع عن تناول الألبان و الخضراوات و الطماطم بكثرة، مع الاستمرار على تناول العلاج في حالة عدم استجابة المرض للحمية.

9 - الحساسية:

الحساسية تظهر بصور مختلفة، فهي: إما حساسية جلدية، أو حساسية داخل الدم أو تبدو فقط كضيق في التنفس في حالة إصابة القصبة الهوائية، أو كاسهال في حالة إصابة الأمعاء. العوامل الباعثة للحساسية كثيرة، منها: عوامل بيئية و غذائية و دوائية، لذلك تجب الحمية من:

أ - الأجواء الحارة و الملوثة.

ب - بعض أنواع الأغذية.

ج - بعض أنواع الأدوية.

د - العمل في المعامل الكيميائية.

إضافة إلى استعمال العلاجات المضادة للحساسية إما بشكل دوري أو فصلي حسب ظروف المريض.

10 - أمراض تكسر الدم:

هذه الأمراض إما وراثية تنتقل عن طريق الآباء و الأمهات، أو تنشأ عن طريق الإصابة بالأمراض، أو نتيجة تناول بعض المواد الغذائية كالباقلاء

ص: 382

و السمك و غيرها.

الحمية في حالة تكسر الدم تشمل:

أ - الفحص الجيني الكامل قبل الزواج، و عدم الزواج من إمرأة تحمل جينات الأمراض الوراثية كأمراض تكسر الدم.

ب - عدم تناول المواد الغذائية التي هي عامل مساعد و محرك لنشوء الحساسية.

ج - مكافحة الأمراض التي تؤدي إلى تكسر الدم.

د - الإبتعاد عن العمل المجهد.

11 - أمراض العين:

أمراض العين بعضها وراثي و البعض الآخر مكتسب. الأمراض الوراثية يتوقى منها بعدم الزواج من نساء يحملن الجينات المرضية، أما المكتسب فالحمية منها من خلال استعمال الدواء و اختيار البيئة الصالحة كما في حالة الإصابة بالحساسية. كذلك تتطلب الحمية استعمال العدسات الخاصة بكل مرض و عدم تركها. أما مرض السكر المؤثر على العين فيجب مكافحته بصورة فعاله، و كذلك ضغط الدم و زيادة فعالية الغدة الدرقية التي تؤثر تأثيرا كبيرا على العين. و في حالة ارتفاع ضغط العين يقلل من تناول الأملاح.

12 - الغدد الصماء:

أمراض الغدد الصماء إما وراثية حيث يتطلب ذلك الاختيار الصحيح للزوجة، أو مكتبسة و يتطلب ذلك معالجة كل مرض على حدة، كعدم تناول الأملاح بكثرة أو استعمال بعض الأدوية المعوضة كأملاح اليود

ص: 383

و غيرها بصورة دائمة، و الامتناع عن تناول بعض الأغذية التي تؤثر على عمل بعض الغدد.

13 - التهاب اللوزتين:

اللوزتان حارس أمين تقعان في مقدمة البلعوم، و وظيفتهما اقتناص العوامل المرضية التي تحاول الدخول إلى الجسم عن طريق الفم. في حالة إصابة اللوزتين بأمراض حادة أو مزمنة و أصبحتا مريضتين، فالحمية هنا ضرورية و واجبة و يجب الاستمرار فيها كمكافحة الأمراض الموجودة و الامتناع عن تناول الأكلات و السوائل الباردة و المثلجة و الحوامض المخدشة التي تساعد على الإصابة بالمرض.

14 - التهاب اللثة و الأسنان:

أمراض اللثة و الأسنان لها أسباب كثيرة، منها: عدم العناية بنظافة الأسنان، و مراجعة الأطباء وقت الضرورة، أو عدم تناول الدواء و الغذاء اللازم الذي يقوي الأسنان و يحافظ عليها. و حمية الأسنان تأتي من خلال ترك الأغذية المخدشة، و عدم تناول الحلويات بكثرة، و تنظيف الأسنان و استعمال السواك يوميا، و معالجة الأمراض و التسوسات التي تحدث، مع تناول الأغذية التي تقوي اللثة و الأسنان كفيتامين C و مركبات الكالسيوم.

15 - الأمراض العصبية:

الأمراض العصبية كثيرة و متنوعة، و لها أسباب عديدة. أما طرق الوقاية و الحمية من الإصابة بها فهي التوكل على اللّه، و الايمان بقضائه، و ترك الحسد و الغرور و التكبر، و الرضى بقضاء اللّه الذي يقود إلى الصبر و الشكر حيث الهدوء و السكنية و راحة البال و صفاء الضمير. هذه الأمور

ص: 384

كلها تمنع الإنسان من الوقوع في حبائل الأمراض النفسية و العصبية.

16 - تساقط الشعر:

تساقط الشعر إما وراثي أو مكتسب نتيجة الجهد و التعب و الأمراض و الفكر الكثير و الإصابة بالامراض العصبية. إن أفضل الطرق للوقاية و الحمية هي الاعتناء بالشعر، خصوصا شعر الرأس و غسله و تنظيفه بصورة منظمة، و تناول المواد الغذائية التي تساعد على تقويته و نموه و الابتعاد عن المهيجات العصبية و النفسية.

17 - الضعف الجنسي:

المقاربة الجنسية مطلوبة و مرغوبة من كلا الجنسين. زيادتها فيها الضرر، و قلتها مكروهة لأسباب عديدة حتى أن بعض الحكماء قالوا:

«كثرتها تورث الجنون، و قلتها تورث العنة».

الضعف الجنسي له أسباب عديدة، أهمها: التفكير، و القلق، و الإصابة ببعض الأمراض الهرمونية كالسكر و أمراض الغدة الدرقية و النخامية، أو نتيجة إستعمال بعض الأدوية المثبطة للرغبة الجنسية، أو عدم تناول المواد الغذائية المقوية.

إن أفضل حمية للخلاص من الضعف الجنسي هي محاربة ظاهرة القلق و مكافحة الأمراض الهرمونية و السكر عند الأشخاص المصابين، و قطع الأدوية التي تؤثر على القوة الجنسية، مع تناول الأغذية التي تساعد على زيادة الرغبة عند كلا الطرفين.

18 - السمنة:

السمنة لها اسباب، منها: الاستعداد الوراثي، و عدم قيام الإنسان

ص: 385

البدين بفعاليات يومية لصرف الغذاء المتناول، و زيادة تناول الطعام خصوصا المواد الدهنية و السكرية، إن السمنة تؤدي إلى حدوث أمراض مختلفة، منها: تصلب الشرايين، و الذبحة الصدرية، و التهابات الرئة و الجلد، و الاستعداد للإصابة بمرض السكر.

أما الحمية من الإصابة بالسمنة فهي الفحص الجيني قبل الزواج، و الرياضة اليومية، و القيام بالفعاليات المنظمة، و الامتناع عن تناول المواد الدهنية و السكريات و النشويات، و جعل وجبات الطعام ذات طاقة محدودة.

19 - الفواحش:

أنواعها كثيرة، و اسبابها عديدة، و امراضها متنوعة، و عواقبها معروفة لكل ذي عقل و بصيرة و لكل إنسان يخاف اللّه و اليوم الآخر. لذلك فإنّ الوقاية و الحمية واجبة و ضرورية لتجنب الوقوع في حبائل تلك الموبقات، خصوصا إذا علمنا أن الفواحش لها مضار صحية و نفسية و اجتماعية و دينية، و انها قد تجر الإنسان إلى دخول النار.

الحمية هنا تتطلب الزواج المبكر للخلاص من حبائل الشيطان، و الابتعاد عن الأجواء الفاسدة المتحللة، و مكافحة الأمراض الجنسية وفق الإرشادات و التعليمات الطبية.

20 - التدخين، المنبهات، المشروبات الكحولية و المخدرات:

هذه العوامل و العادات لها أضرار صحية و نفسية و اجتماعية كثيرة لا تعد و لا تحصى؛ كما و لها أضرار دينية قد تجعل الإنسان بعيدا عن العائلة و المجتمع و الدين، لا يهمه شئيا من دنياه سوى إطاعة الشيطان و العمل بأوامره.

ص: 386

الحمية في هذه المخاطر واجبة شرعا و عرفا و عقلا من خلال ترك تلك العادات و عدم الرجوع إليها، و الابتعاد عن الأجواء الفاسدة المضللة، و تحكيم العقل و الذات، و التمسك بالتعاليم الدينية السمحاء، و الاستماع إلى نصائح الأئمة المعصومين عليهم السّلام.

21 - الإسهال: مرض شائع و معروف بين اواسط المجتع و هو عبارة عن زيادة عدد الدفعات و يظهر إما بشكل حاد أو مزمن. و أسباب الإسهال المزمن إما الإصابة بالطفيليات أو الحساسية للمواد الغذائية، أو اسباب نفسية و عصبية. الإسهال الحاد له أسباب عديدة منها: عدم الحمية، و الإفراط بالطعام، و التلوث الغذائي بالفيروسات و البكتريا و الضمّات و العصيات المرضية، و هذا النوع من الإسهال يتطلب التدخل الطبي السريع من خلال إعطاء العلاج اللازم، و البحث عن السبب أو الأسباب التي أدت إلى ظهور الاعراض.

الحمية في حالات الإسهال تتطلب ما يلي:

1 - عدم الإفراط بالطعام.

2 - ترك تناول أنواع معينة من المواد الغذائية و بكميات كبيرة.

3 - عدم تناول المواد الغذائية التي تسبب الحساسية.

4 - ترك التفكير الزائد و عدم التعرض للأمور التي تثير العصبية.

5 - حفظ المواد الغذائية بطرق صحية و علمية.

6 - تعقيم المواد الغذائية الطازجة كالخضراوات و غيرها بصورة دائمة.

7 - طهي المواد الغذائية يجب أن يتم بصورة علمية، يحافظ فيها

ص: 387

على الفيتامينات و المواد الغذائية الاخرى من التلف.

8 - يجب مراعاة النظافة العامة داخل البيت و المطبخ و تصريف الفضلات، الأزبال بصورة صحية.

9 - عدم تناول المواد الغذائية المطبوخة و المحفوظة لمدة طويلة لاحتمال تلوثها و فسادها.

10 - مكافحة الأمراض الحادة و المزمنة عند الأفراد المصابين.

11 - مكافحة الحشرات الضارة و الناقلة للامراض.

12 - التثقيف الصحي الغذائي.

13 - تنويع المواد الغذائية للحصول على الطاقة اللازمة و ما يحتاجه الجسم.

14 - الإستفادة الدائمة من الماء الصحي الخالي من الميكروبات.

15 - عدم الاستفادة من المواد الغذائية التي تباع في الأسواق و المعرّضة دائما للتلوث بالميكروبات.

ص: 388

الزنا

اشارة

قال الإمام علي عليه السّلام:

«ما زنى غيور قطّ»(1).

«ليس يزني فرجك إن غضضت طرفك»(2).

«و قد علمتم أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله رجم الزاني المحصن و جلد الزاني غير المحصن»(3).

«فرض اللّه الإيمان تطهيرا من الشرك، و ترك الزنا تحصينا للنّسب و ترك اللواط تكثيرا للنّسل»(4).

ص: 389


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 19 ص 211.
2- المصدر السابق: ج 20 ص 324.
3- المصدر السابق: ج 1 ص 122.
4- المصدر السابق: ج 19 ص 86.

ص: 390

خلق اللّه الإنسان و أودع فيه العقل و الشهوة، و ميزه عن الملائكة الذين يملكون عقلا بلا شهوة، و عن الحيوانات التي تملك شهوة بلا عقل.

و على هذا المعيار فإنّ الإنسان الذي يعيش و يتصرف بعقله بعيدا عن الشهوات و الفواحش و حب الدنيا، إنما يعيش الحياة بلذّتها و سعادتها متظلّلا بستائر الإيمان و عزائم الشكر للّه الذي سخر له كل شيء سُبْحٰانَ اَلَّذِي سَخَّرَ لَنٰا هٰذٰا وَ مٰا كُنّٰا لَهُ مُقْرِنِينَ (1) ليعيش حياته كريما متحصنا بتقوى اللّه و ايمان الصادقين.

إن الإنسان العارف، المسلّم للّه بكل جوارحه و اعضائه، المتقي من وساوس و همزات الشياطين إنما يسير في الطريق الصحيح وفق الفطرة الإلهية التي أرادها اللّه لعباده و وفق العقل الذي حباه اللّه بالعناية و الحب.

هكذا إنسان هدفه رضى الخالق و العمل على طاعته تصبح حياته جنة و مسيرته آمنة سعيدة لا يطمح إلاّ رضى اللّه و التمسك بأوامره الرشيدة.

من تلك الألطاف الإلهية و التعليمات الربانية التي هدفها صلاح الإنسان و تقويم مسيرته، تحذيره من إرتكاب المنكرات و الفواحش التي تدمر الحياة و تسخط الرب، و هذا يتطلب التحصن منها بوسائل كثيرة: منها الزواج و غض البصر عن مصائد الشيطان التي تقود إلى الضلال و الهلكة و الانحطاط الروحي و العائلي و الإجتماعي؛ لذا

قال الإمام علي عليه السّلام: «و لمح العيون مصائد الشّيطان». و على العكس من ذلك، فإنّ الإيمان ينقي النفس من الشوائب و الآثام الشيطانية، و يبعدها عن المهالك التي تسلب الغيرة و الحمية و الإيمان و الدين، و تجعل الإنسان حيوانا أو أوطأ من ذلك.

المصائد الشيطانية كثيرة في مقدمتها النساء، لذلك نرى الشيطان

ص: 391


1- سورة الزخرف، الآية: 13.

يزين للانسان حب النساء و الوقوع في شباكهن و غرامهن و سحر عيونهم، و ما أن يقع في المصيدة حتى يصبح صيدا سهل القيادة كثير الطاعة، مستعدا لارتكاب المعاصي الواحدة تلو الاخرى، و عليه فإنّ الزواج هو المفتاح الصحيح الذي يأخذ بيد الإنسان نحو شاطئ الأمان، نحو الاستقرار، حيث الحياة الزوجية السعيدة و حلاوة الأطفال، قال تعالى في كتابه الكريم:

وَ مِنْ آيٰاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوٰاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهٰا وَ جَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَ رَحْمَةً * إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَآيٰاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ . (1)

و

قال الرسول صلّى اللّه عليه و آله:

«من تزوج أحرز نصف دينه»(2).

و

قال: «من كان يحب أن يتبع سنتي فإنّ من سنتي التزويج»(3).

و

قال الإمام علي عليه السّلام:

«أفضل الشفاعات أن تشفع بين إثنين في نكاح حتى يجمع اللّه بينهما»(4).

فالزواج إذن فريضة الهية مؤثرة على سلوك الإنسان المسلم و غير المسلم، و هو ركيزة قوية و دعامة ضامنة لتقويم المجتمع و منعه من الأنهيار، فهو بهذه المواصفات محافظ أمين على الأواصر العائلية و الاجتماعية، و مانع قوي ضد الفساد و التردي و الشذوذ و الانهيار، لهذا يعتبر العزوف عن الزواج خطأ كبيرا و خسارة فادحة تشمل جميع جوانب المجتمع.

و قد أكد العلماء و الباحثون على أن الزواج عامل اساسي من عوامل

ص: 392


1- سورة الروم، الآية: 21.
2- وسائل الشيعة: ج 20 ص 17.
3- المصدر السابق: ج 20 ص 15.
4- المصدر السابق ج 20 ص 45.

الاستقرار الروحي و العائلي و الاجتماعي، و منقذ فعّال لأغلب الناس من شر الأعمال المنكرة للدين و الضمير.

«إن الزواج من الجانب الاجتماعي يعتبر اللبنة الاولى لبناء الاسرة الفاضلة و الحجر الأساس للحياة العائلية السعيدة التي تجعل الإنسان يشعر بالراحة و الاستقرار و السكينة و الأمان. و قد وصف القرآن المرأة بأجمل وصف و أحلى بلاغة، و هو يمثلها تارة باللباس للرجل و تارة بالسكن الذي يجلب السكنية و الأطمئنان. و مما لا شك فيه أن الزواج هو من أسمى و أقدس الروابط البشرية التي تربط بين الرجل و المرأة، لأنّه تبادل روح بروح، و عاطفة بعاطفة، و حب بحب، و تضحية بتضحية، لكي تظلل السعادة الدائمة و الحياة الجميلة بظلالها الوارفة على الحياة الزوجية فتحيلها إلى جنّة غنّاء مفعمة بالود و الإخلاص»(1).

و عليه فإنّ الزنا جريمة بشعة ينكرها الإسلام و العقل و المنطق و ينكرها المسلمون و غير المسلمين على السواء. الإسلام أنكر و حذر و هدد و عاقب الزناة بأشد العقوبات، و اعتبرها جريمة و تحدّ لحدود اللّه الذي أراد الخير للناس، لذلك جعل عقوبتها شديدة رادعة و علنية في الحياة الدنيا، أما في الأخرة فالعقوبة أشد و أقسى، و ويل للزناة من غضب اللّه و عقوبته.

فالزنا رأس الفواحش و قائد كل خطيئة.

و الزنا عنوان صحيفة الفاسقين و المنحرفين.

و الزنا باب الشيطان الأكبر و مدخل مصائده.

و الزنا دليل ذهاب الغيرة و الإيمان.

لذلك قال الرسول صلّى اللّه عليه و آله:

ص: 393


1- السنة النبوية و الطب الحديث: للمؤلف: ص 67.

«الزاني لا يزني حين يزني و هو مؤمن»(1).

الزنا يهدم النفس، و يحطم الروح، و يقوض بناء الأسرة، و يحطم كيان المجتمع، و يغضب الرب، و نهايته الخلود في نار جهنم، جزاء لهذا العمل الشنيع الذي حذر منه القرآن و

الرسول الأكرم حين قال: «في الزنا خمس خصال: يذهب بماء الوجه، و يورث الفقر، و ينقص العمر، و يسخط الرحمن، و يخلد في النار، نعوذ باللّه من النار»(2).

أما القرآن فيقول: قُلْ إِنَّمٰا حَرَّمَ رَبِّيَ اَلْفَوٰاحِشَ مٰا ظَهَرَ مِنْهٰا وَ مٰا بَطَنَ وَ اَلْإِثْمَ وَ اَلْبَغْيَ بِغَيْرِ اَلْحَقِّ . (3)

و قال: وَ لاٰ تَقْرَبُوا اَلزِّنىٰ إِنَّهُ كٰانَ فٰاحِشَةً وَ سٰاءَ سَبِيلاً. (4)

لتلك الأسباب و لهول الجريمة كانت عقوبة الزنى شديدة و علنية يشهدها طائفة من المؤمنين، كي تكون عبرة يتعض بها الجميع، و رادع يردع كل نفس يوسوس لها الشيطان عمل السوء و الفحشاء، فكان القانون الإلهي الذي هو أفضل و أحسن و أصح و أقوى قانون تأديبي يقوّم سلوك و مسيرة الإنسان الجاهل، و يجعل حياته فاضلة كريمة بعيدة عن السوء و المنكرات. قال اللّه في كتابه العزيز: اَلزّٰانِيَةُ وَ اَلزّٰانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وٰاحِدٍ مِنْهُمٰا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَ لاٰ تَأْخُذْكُمْ بِهِمٰا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اَللّٰهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّٰهِ وَ اَلْيَوْمِ اَلْآخِرِ، وَ لْيَشْهَدْ عَذٰابَهُمٰا طٰائِفَةٌ مِنَ اَلْمُؤْمِنِينَ * اَلزّٰانِي لاٰ يَنْكِحُ إِلاّٰ زٰانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَ اَلزّٰانِيَةُ لاٰ يَنْكِحُهٰا إِلاّٰ زٰانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَ حُرِّمَ ذٰلِكَ عَلَى اَلْمُؤْمِنِينَ . (5)

ص: 394


1- وسائل الشيعة: ج 20 ص 310.
2- المصدر السابق: ج 20 ص 309.
3- سورة الأعراف، الآية: 33.
4- سورة الإسراء، الآية: 32.
5- سورة الأعراف، الآيتان: 2-3.

الإمام علي عليه السّلام: وصي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: «و قد علتم أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله رجم الزاني المحصن و جلد الزاني غير المحصن».

و

قال: «ما زنى غيور قط».

لأن الزنى عملية قبيحة ينكرها كل شريف، مؤمن، غيور، يخاف حساب اللّه و عذاب اليوم الآخر، حذر الإمام عليه السّلام من الزنا الذي لا يرتكبه الإنسان العفيف الشريف الذي يكون موضع العناية الإلهية التي تحفظه و تحفظ عائلته من الأنزلاق في مزالق الشر التي يزينها الشيطان فقال:

«ليس يزني فرجك إن غضضت طرفك».

الآثار الاجتماعية للزنا:

لا شك فيه أن الزنا يهدم الأسر و يفكك العوائل، و تنعكس آثاره بصورة سلبية على المجتمع، و من تلك السلبيات:

1 - إزدياد حالات الطلاق بين أفراد الأسر التي تمارس الزنا.

2 - إزدياد المشاكل و الشجار بين الأفراد و العوائل التي تسلك هذا الطريق.

3 - بروز ظاهرة الشذوذ الجنسي بين النساء و الرجال.

4 - إزدياد حالات الإصابة بالأمراض النفسية.

5 - إنحراف الأطفال نتيجة سوء التربية العائلية.

6 - الزنا يقود إلى الإدمان على المسكرات و المخدرات.

7 - إزدياد ظاهرة الأعتداء و القتل و الانتحار و دخول السجون بين الأشخاص المنحرفين.

8 - كثرة حالات الإجهاض في أواسط الطبقات المنحرفة.

9 - حدوث تشوهات جنينة عند الأطفال المولودين نتيجة الشذوذ

ص: 395

الجنسي و العلاقات المحرّمة.

10 - تدني المستوى الدراسي و العلمي عند الأشخاص الذين يمارسون الزنا و الشذوذ.

11 - تدني مستوى العمل و الإنتاج لدى المصابين بالانحراف و الزنا.

12 - الزنا أحد وسائل الصيد للخيانة و التجسس و اعتناق المبادئ الشاذة و الهدامة.

الآثار الطبية للزنا:

إن الذين يمارسون الزنا معرضون للإصابة بالأمراض الزهرية و الجسدية و النفسية. هذه الظاهرة واضحة عند الكثير من الشاذين، و لعل الإحصاءات التي نشرت و تنشر في صحف و مجلات العالم خير دليل على ما نقول. و من أهم تلك الآثار.

أ - الأمراض الزهرية:

1 - مرض السيلان.

2 - مرض السفلس.

3 - مرض الحمى الراشحة.

4 - الإصابة بالفطريات الجلدية و التناسلية.

5 - الإصابة بالجرب.

6 - الإصابة بقمل العانة.

7 - الإصابة بالديدان الخيطية و الحلزونية و غيرها.

8 - الإصابة بمرض الدويبات الشعرية.

9 - الإصابة بالثألول الجلدي.

10 - التعرض للإصابة بمرض الورم الحبيبي الليمفاوي المغبني.

ص: 396

11 - الإصابة بالورم الحبيبي الأربي.

12 - الإصابة بمرض الأيدز أو مرض نقص المناعة المكتسب.

13 - الإصابة بالقرحة الرخوة.

14 - الإصابة بمرض الكلاميديا المهبلية.

ب - الأمراض النفسية:

1 - القلق.

2 - الخوف.

3 - الوسوسة.

4 - التوهم.

5 - الإنفصام.

6 - حب الاعتداء.

7 - القسوة.

8 - الإنتحار.

9 - الأرق.

10 - بروز ظاهرة الشك.

11 - ضعف الإيمان.

12 - الإصابة بالحصر القهري.

ج - الأمراض الجسدية:

«نظرا للأجواء الخاصة التي يكثر فيها الزنا، و سرية الحياة التي يعيشها أولئك الذين يمارسون هذا العمل، إضافة إلى الأجواء النفسية المعقدة، و السهر الدائم، و التخبط في دوامات الفكر و الخوف من المستقبل المجهول و القانون و العقاب يجعلهم في شرود فكري و قلق شديد.

هذه الأسباب المتعددة و المتضاربة تؤدي إلى نشوء أمراض جسدية

ص: 397

عديدة بين صفوف تلك الشريحة الشاذة من المجتمع، خصوصا و ان عادة التدخين و شرب المسكرات و المخدرات شائعة بينهم، مضافا إليها عقدة الشعور بالذنب و الخوف من المجتمع تجعلهم لا يراجعون الأطباء و المراكز الصحية بالسرعة المطلوبة، مما يساعد على تفشي الأمراض بينهم بصورة كبيرة»(1).

و من هذه الأمراض:

1 - الإصابة بالسل الرئوي.

2 - الإصابة بالتهاب اللوزتين المزمن.

3 - الإصابة بالتهاب القصبات الحاد و المزمن.

4 - الإصابة بحساسية القصبات.

5 - الإصابة بالتهاب الجيوب الأنفية المزمن.

6 - الإصابة بحساسية الجلد المزمنة (الأكزما).

7 - الإصابة بالأمراض المعوية كالتهاب المعدة و الأمعاء و اضطراب القولون.

8 - الإصابة بالأمراض الجلدية المتنوعة.

9 - الإصابة بالسكتة القلبية.

10 - الإصابة بمرض ارتفاع ضغط الدم.

11 - الإصابة بمرض السكر.

12 - الإصابة بمرض تصلب الشرايين.

13 - الإصابة بالسرطانات المختلفة.

ص: 398


1- القرآن و الطب الحديث للمؤلف: ص 206.

مسك الختام

قال اللّه جلت قدرته في محكم كتابه الكريم:

اَللّٰهُ نُورُ اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكٰاةٍ فِيهٰا مِصْبٰاحٌ اَلْمِصْبٰاحُ فِي زُجٰاجَةٍ اَلزُّجٰاجَةُ كَأَنَّهٰا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبٰارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لاٰ شَرْقِيَّةٍ وَ لاٰ غَرْبِيَّةٍ يَكٰادُ زَيْتُهٰا يُضِيءُ وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نٰارٌ نُورٌ عَلىٰ نُورٍ يَهْدِي اَللّٰهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشٰاءُ وَ يَضْرِبُ اَللّٰهُ اَلْأَمْثٰالَ لِلنّٰاسِ وَ اَللّٰهُ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَلِيمٌ . (1)

و

قال الرسول الأكرم صلّى اللّه عليه و آله:

«خلقت أنا و علي من نور واحد»(2).

و

قال الإمام السجاد عن أبيه عن جده عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

«يا نور النور، يا منور النور، يا خالق النور، يا مدبر النور، يا مقدر النور، يا نور كل نور، يا نورا قبل كل نور، يا نورا بعد كل نور، يا نورا فوق كل فوق نور، يا نورا ليس كمثله نور»(3).

سلام على أنوار اللّه في السموات و الأرضين، و له الحمد حمد الشاكرين، حمدا يعجز عنه لساني و جوارحي إلى يوم الدين، و الصلاة و السّلام على سيدنا و حبينا رسول رب العالمين و على أهل بيته الطاهرين.

و بعد فليعلم المؤمن عن يقين، و ليؤمن كل ذي بصيرة و دين، بأن

ص: 399


1- سورة النور، الآية: 35.
2- علل الشرائع: ص 134.
3- من دعاء الجوشن الكبير.

الأنوار القدسية التي خلقها بارئ الخلائق أجمعين قبل خلق آدم بآلاف السنين هي أنوار ربانية، سماوية، علوية، لا تدركها العقول البشرية، و لا تحيط بها الأبصار الدنيوية التي لم تأت من العلم إلاّ قليلا، فسبحان اللّه الملك، القدوس، السّلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبار، المتكبر، الذي خلق تلك الأنوار و جعلها في صلب آدم و ذريته عليهم السّلام فكان:

نور محمد بن عبد اللّه.

نور حبيب اللّه.

نور رسول اللّه.

نور الوحي.

نور الرسالة.

نور القرآن.

نور النذير البشير.

نور خاتم الأنبياء و المرسلين.

نور الخلق العظيم.

و نور علي.

نور الولاية.

نور الوصاية.

نور الهداية.

نور من ذكره عبادة.

نور عنوان صحيفة المؤمن.

نور هارون امة الإسلام.

نور من ضربته يوم الخندق تعادل عبادة الثقلين.

نور من لولاه لما وجد كفء لنور فاطمة.

ص: 400

و نور فاطمة بنت محمد.

نور سيدة نساء العالمين.

نور البتول.

نور الطاهرة.

نور الصديقة الكبرى.

نور الزهراء.

نور الحوراء الإنسية.

نور مريم الكبرى.

نور الراضية المرضية.

و أراد اللّه لتلك الأنوار المقدسة التي لولاها لما خلق الأفلاك، أن تتلألأ دلالة على عظمته و مطلق إرادته، و تتحد استجابة لقدرته و حكمته، فجمع في زواج الهي نور علي و فاطمة، فتعالى التكبير و التسبيح و التهليل من ملائكة العزيز الجليل، فعمّت الفرحة جميع السموات العلى، و أشرقت و أزهرت الجنان، و فرحت و استّرت الحور الحسان لأمر الواحد المنان، و هبط جبرائيل بالأمر العظيم ليزف البشرى إلى نبيه الكريم و أن يشرق النور في السموات و الأرضين بزواج علي من فاطمة، لأنّ اللّه قد زوجهما في السماء قبل الأرض ليجتمع بأمر اللّه نور الرسالة مع نور الولاية. و كان الزواج الميمون الذي نص به علم اللّه المكنون، فأثمر عن أنوار علوية حفظت الإسلام و صانت المسلمين، و قادتهم نحو الخير و السعادة و الأمان، إنها أنوار أئمة أهل البيت الذين أذهب اللّه عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا.

هكذا كانت مشيئة اللّه و إرادته، و صار نور علي و فاطمة عليهما السّلام ينتقل من صلب شامخ إلى رحم طاهر حتى استقر في صلب الإمام الثاني عشر المهدي المنتظر الذي لولاه لساخت الأرض بما عليها، و ما ذلك إلاّ منة

ص: 401

و رحمة، و بذلك أبقت الحكمة الربانية أقوال و أفعال و زهد و تقوى و علم و ارشادات و سيرة و نور علي عليه السّلام يظلّل الأرض و يرعى الكون و يحفظه من الزوال، من خلال إشعاعات نور بقية اللّه الأعظم الحجّة بن الحسن العسكري، نور الهي، أبدي، سرمدي شمل ببركته جميع المخلوقات التي خلقها اللّه. فسلام عليك يا أمير المؤمنين.

يا نور اللّه الدائم.

يا نور اللّه الساطع.

يا نور اللّه الشامل.

يا نور اللّه الذي استقامت به الأرض.

يا عبد اللّه و أخا رسوله.

يا من عنده علم الكتاب.

يا من حبه شفاء للقلوب و الأجساد.

يا نور اللّه الذي يفرح به المؤمنون و يذل به الكافرون و رحمة اللّه و بركاته.

ص: 402

قال

الفقيه

و الشاعر

الصاحب

ابن عباد

رحمة اللّه عليه

أنا و جميع من فوق التراب *** فداء تراب نعل أبي تراب

ص: 403

ص: 404

فهرس المصادر

1 - القرآن الكريم.

2 - الإرشاد؛ للشيخ المفيد: 25.

3 - اصول الطب النفساني؛ للدكتور فخري الدباغ: 132.

4 - اصول الكافي 16:1.

5 - بحار الأنوار؛ للمجلسي 55:2، 44:3، 330:63.

6 - التداوي بلا دواء؛ للدكتور أمين رويحة.

7 - الترغيب و الترهيب 536:3، 566.

8 - تصنيف نهج البلاغة؛ للبيب بيضون: 340، 677، 681-682، 886، 901.

9 - توحيد المفضل: 48، 58، 71، 87.

10 - الجامع الصغير؛ للسيوطي 66:2.

11 - الخصال؛ للشيخ الصدوق: 620.

12 - ديوان الإمام علي عليه السّلام: 179.

13 - ذم الحسد؛ لابن أبي الدنيا.

ص: 405

14 - روضة الكافي: 143.

15 - روضة الواعظين: 434، 472.

16 - السنّة النبويّة و الطب الحديث؛ للدكتور صادق دستگير: 67.

17 - سنن ابن ماجة.

18 - سنن الترمذي 207:9.

19 - سنن النسائي 98:8.

20 - شباب في الشيخوخة؛ للدكتور أمين رويحة.

21 - شرح نهج البلاغة؛ لابن أبي الحديد 96:1، 97، 318:2، 120:3، 138، 153:5، 154، 96:6، 257، 269، 354، 194:7، 237، 269:8، 226:9، 275، 288، 10:10، 188، 117:12، 56:13، 208:16، 260، 289، 18:

141، 155، 341، 346، 356، 39:19، 97، 173، 283، 62:20، 324.

22 - شعب الايمان؛ للبيهقي 471:1.

23 - صحيح البخاري 2:7.

24 - طب الأئمة: 106.

25 - طب الإمام علي عليه السّلام؛ لمحسن عقيل: 441.

26 - الطب الشرعي؛ للدكتور زياد درويش: 433.

27 - الطب محراب الإيمان؛ للدكتور خالص جلبي.

28 - الطفل بين الوراثة و التربية، لمحمّد تقي الفلسفي 106:1.

29 - علل الشرايع: 134.

30 - عوالي الآلي 30:2.

31 - عيون الحكم و المواعظ: 101.

32 - غرر الحكم و درر الكلم، للآمدي 85:1، 227.

ص: 406

33 - القرآن و الطب الحديث؛ الدكتور صادق دستگير: 206.

34 - قضاء أمير المؤمنين عليه السّلام؛ لمحمّد تقي التستري: 14.

35 - الكافي؛ للشيخ الكليني 302:1، 16:2، 50، 121، 302، 307، 415، 6:

40، 44، 490، 510.

36 - كشف الخفاء؛ للعجلوني 288:1.

37 - كنز العمال؛ للمتقي الهندي 720:3.

38 - كنز الفوائد؛ للكراجكي: 94.

39 - مبادئ الفيزيولوجيا الطبية؛ للدكتور جوخدار: 339.

40 - مجمع الزوائد؛ للهيثمي 320:2.

41 - المحجة البيضاء في تهذيب الأحياء 23:1، 172، 173، 95:5، 190، 144، 330، 335، 39:6، 228، 270:7.

42 - مستدرك الحاكم؛ للحاكم النيسابوري 243:4.

43 - مستدرك الوسائل؛ للنوري 61:1، 213:16.

44 - معاني الأخبار: 313.

45 - مقدمة نهج البلاغة؛ للشيخ محمّد عبده: 507.

46 - مكارم الأخلاق؛ للطبرسي: 147.

47 - من لا يحضره الفقيه؛ للشيخ الصدوق 49:2، 156:3، 307، 376:4.

48 - منية المريد: 156.

49 - النهاية في غريب الحديث؛ لابن الأثير 23:2.

50 - نهج البلاغة؛ لصبحي صالح.

51 - وسائل الشيعة، للحر العاملي 45:20، 80:25.

52 - هداية العلم في تنظيم غرر الحكم: 169.

ص: 407

المصادر الأجنبية

1 - Clinical dermatology.

2 - Clinical Pharma cology page 217.

3 - Current medial diagnosis and treatment page 1196.

4 - Davidson,s principles and practice of medicine.

5 - Illustrated physiology.

6 - Review of medical physiology.

7 - Samson wright,s Applied physiology.

ص: 408

الفهرس الموضوعي

سطور عن الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السّلام 7

ضوء من الضوء 8

المقدمة 15

الإمام عليّ عليه السّلام و موقعه الإلهي 20

ما جاء في عليّ عليه السّلام على لسان القرآن 23

ما جاء في عليّ عليه السّلام على لسان عليّ 27

نهج البلاغة من تراث الإمام الخالد 29

ما في هذا الكتاب 39

معجزات إلهيّة 41

أيّها المخلوق السويّ و المنشأ المرعي 43

في ظلمات الأرحام و مضاعفات الأستار 43

ص: 409

بدئت من سلالة من طين 44

وضعت في قرار مكين 45

إلى قدر معلوم و أجل مقسوم 46

تمور في بطن امك جنينا... 47

ثم اخرجت من مقرك إلى دار... 48

فمن هداك لاجترار الغذاء... 49

هيهات أنّ من يعجز عن صفات ذي الهيئة... 50

الهمّ و الكآبة 51

أنواع الهموم 54

الهم أو الكآبة 55

الأسباب 56

الأعراض 57

التشخيص 58

التشخيص التفريقي 58

العلاج 59

1 - العلاج بالعقاقير طاردة الكآبة 59

2 - العلاج النفسي 60

3 - العلاج الاجتماعي 60

4 - العلاج بالصدمة الكهربائية 60

الأمل 63

أنواع و حالات الأمل 67

ص: 410

الأمل حسب الجنس و العمر 69

وصف الإنسان 71

الجهاز العظمي 77

أنواع العظام 77

ضعف الإنسان 81

حقيقة الكبر 84

المتكبر 85

بعض صفات المتكبر 85

المتكبر عليه 86

أسباب انحراف الخلق 87

العجب 87

الغرور 88

أعصاب الجلد 93

تركيب البلعوم 95

عملية البلع 96

الاضطرابات الحركية في البعلوم 97

الاضطرابات الحركية في المريء 97

فوائد عرق البدن 99

مضار عدم إزالة و تنظيف عرق البدن 100

تنظيم حرارة البدن 100

حرارة الجسم الطبيعية 101

ص: 411

آليات تنظيم الحرارة 102

الخوف 103

أقسام الخوف 107

الآثار السلبية للخوف 110

الآثار الاجتماعية 111

دراسة الخوف من الجوانب النفسية 112

فسلجة الخوف 114

العلاج 115

أسباب الأمراض 117

علم المناعة 125

أنواع المناعة 127

العالم الأكبر 133

الحسد 145

حقيقة الحسد 149

أسباب الحسد 150

دواء الحسد 151

الآفات الطبية و النفسية للحسد 152

الآفات الاجتماعية للحسد 153

ص: 412

الصحة العامة 155

الفوائد الصحيحة للهواء النقي و التنفس الصحيح 161

كيفية التنفس الصحيح 162

التعرض إلى الهواء الطلق 162

وسائل تنقية الدم... 163

الجرعة اليومية للعصير 164

الزواج و الرضاعة 167

فوائد الزواج 169

لمحة عن خلايا جسم الإنسان 173

أسباب الأمراض النفسية و العقلية 175

1 - الأسباب الحياتية 176

2 - الأسباب النفسية 178

3 - الأسباب الثقافية 179

الشيخوخة 181

ما هي الشيخوخة 184

سبب الشيخوخة 186

أعراض الشيخوخة 187

علاج أعراض الشيخوخة 190

أضرار التدخين على الجسم 192

الأمراض الشائعة في سن الشيخوخة 193

ص: 413

أعراض سن اليأس 194

معجزات ربانيّة 197

حاسة البصر 201

النور و التمييز 201

كرة العين 202

حدود الرؤية 204

تكوين اللسان 205

حاسة الذوق 205

الأذن الداخلية 209

حاسة الشم 211

العلاج 213

العلاج الطبي 231

الاستعراف 235

اللون 240

الصورة و الشكل 241

الصوت 241

صيوان الإذن 241

رائحة الجسم 242

حامض D. N. A 242

ص: 414

بصمات الأصابع 243

الشعر 244

علوم البيئة و الحيوان 245

البيئة 249

مقومات البيئة 250

الحيوانات أو البهائم 251

الأمراض التي تصيب الحيوانات 252

الأمراض المشتركة التي تصيب الحيوان و الإنسان 256

النفس و الروح و سكرات الموت 259

من هي الدنيا المذمومة 262

الناس في الدنيا وفق ثلاث خطوط 263

حالات النفس 264

الروح 266

صحوة الموت 268

نصائح و إرشادات علاجية 275

المشكلة الدوائية 277

هدف الإمام عليه السّلام 279

ما ذا يستفاد من العلاج 280

قواعد عامة للعلاج 283

ص: 415

الإمام عليّ عليه السّلام أول قاضي و طبيب عدلي في الإسلام 287

موقعية الإمام 291

ما هو الطبيب العدلي ؟ 292

تعريد الاغتصاب 295

علامات الاغتصاب عند المرأة 295

علامات الاغتصاب العامة 296

الفحص الطبي الشرعي في الاغتصاب 296

علامات الاغتصاب في الرجال 297

فحص البقع المنوية 297

الفحص الظاهري 298

لأي شخص تعود البقعة المنوية 299

النظافة من الإيمان 301

الأظفار 304

الشارب 306

الأكثرية الجاهلة 309

نصائح غذائية 321

الغذاء المطلوب 323

كثرة الطعام 324

الأعراض التي تحدث بسبب كثرة الطعام 324

ص: 416

البيض 329

اللحم 332

البطيخ 333

الكمثرى 334

التين 336

السفرجل 337

التفاح 339

التمر 341

اللبن 344

العنب 346

زيت الزيتون 348

الملح 350

السمك التمر 341

اللبن 344

العنب 346

زيت الزيتون 348

الملح 350

السمك 351

الرمان 352

الزبيب 353

العسل 354

روايات الإمام عليّ عليه السّلام عن فوائد الأغذية... 361

الحمى 363

علاج الحمى 370

الحمية 373

ص: 417

نماذج من الحمية لبعض الأمراض الشائعة 379

الزنا 389

الآثار الاجتماعية للزنا 395

الآثار الطبية للزنا 396

مسك الختام 399

فهرس المصادر 405

الفهرس الموضوعي 409

ص: 418

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.