المؤلف: أبي عبد اللّه محمد بن إدريس الشافعي
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: 0
الموضوع : الفقه
تاريخ النشر : 1400 ه.ق
الصفحات: 320
المكتبة الإسلامية
أحكام القرآن
الجزء الأول
للإمام المعظم والمجتهد المقدم
أبي عبد اللّه محمد بن إدريس الشافعي المتوفی سنة 204 ه
جمعه الإمام الكبير الحافظظ النحرير الفقيه الأصولي أبوبكر أحمد بن الحسين ابن علي بن عبداللّه بن موسی البيهقي النيسابوري صاحب السنن الكبری المتوفی سنة 458 ه رضي اللّه عنهما
عرف الكتاب وكتب تقدمته
العلامة المحدث الكبير صاحب الفضيلة الشيخ
محمد زاهد بن الحسين الكوثري
وكيل المشيخة الإسلامية في الخلافة العثمانية سابقاً
كتب هوامشه صاحب الفضيلة الشيخ
عبد الغني عبد الخالق
المدرس بكلية الشريعة الإسلامية
روجع علی النسخة المخطوطة الوحيدة المحفوظة
بدار الكتب الملكية المصرية تحت رقم 715 مجاميع طلعت
عني بنشره، وتصحيحة، ووقف علی طبع
دار الكتب العلمية
بيروت - لبنان
المحرر رقمي : محمد مهدي ملك محمد
ص: 1
ص: 2
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
( رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا ، رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ ، رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ ، إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى ... وَاللّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ ) .
آل عمران - 193 - 195
الحمد لله المحمود بكل لسان ، المعبود فى كل زمان ، الذي لا يخلو من علمه مكان ولا يشغله شان عن شان ، جل عن الأشباه والأنداد ، وتنزه عن الصاحبة والأولاد ، أنزل على رسله كتبه ، وشرع الوسائل لنعمه الحسان ، فأظهر الحق ، وأزهق الباطل وأنزل القرآن رحمة للناس ، فاختص به أشرف خلقه وأفضلهم ، سيد الأولين والآخرين ، المبعوث من عدنان ، الرضى الأحكم ، والإمام الأقوم ، والرسول الأعظم للإنس والجان ، سيدنا ومولانا محمد بن عبد اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله ، وأصحابه ، وأنصاره صلاة تبلغهم أعلى الجنان فى دار الأمان.
وكما اختار - سبحانه - من خلقه لتبليغ رسالاته رسلا كذلك اختص من خلفه أئمة أفذاذا منّ عليهم بعقول جبارة جمعوا بها بين العلم والعمل ، والورع والتقوى فتفانوا فى تفسير كتابه الكريم ، وبيان أحكامه ، فبحثوا الناسخ والمنسوخ من آياته النيرة ، وأحكامه الباهرة ، فاستنبطوا منها الأحكام الصالحة لبنى الإنسان مدى الدهور والأزمان
ص: 3
فمن أولئك الأئمة الكرام ، الإمام الأكبر ، والمجتهد الأعظم ، محمد بن إدريس الشافعي ابن عم رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - الذي يلتقى معه فى عبد مناف. فاستخرج من القرآن الكريم ، والحديث النبوي الشريف ، أدلة أحكام مذهبه رضى اللّه تعالى عنه وبوأه المكان اللائق به فى أعلى الجنان.
هذا وإنى أثناء انكبابى على مراجعة «ترتيب» مسند هذا الإمام الجليل ، واشتغالي بنشره ، عثرت على كتاب عظيم القدر ، جم الفائدة ، غزير المادة ، درة نفيسة من الدرر العلمية ، ألا وهو «أحكام القرآن» للامام للشافعى رضى اللّه عنه. جمعه فخر رجال السنة الإمام البيهقي ، فاعتزمت نشره ، وضمه إلى مجموعتنا من الكتب النادرة مستعينا باللّه سبحانه وتعالى ، وذلك بالرغم مما هى عليه حالة سوق الورق من الأزمة وارتفاع الأسعار ، فراجعت نسختى على نسخة مخطوطة محفوظة بدار الكتب الملكية المصرية بالقاهرة تحت رقم 715 مجاميع طلعت.
وكان فضل العثور على هذه النسخة القيمة النادرة لحضرة الأخ الأديب البحاثة الفاضل الأستاذ فؤاد أفندى السيد الموظف بقسم الفهارس العربية بدار الكتب الملكية المصرية فجزاه اللّه عن العلم وأهله خير الجزاء. ثم بعد إتمامى مراجعة النسخة المذكورة دفعتها إلى أستاذنا وملاذنا مولانا العلامة القدير ، والمحدّث الكبير ، بقية السلف الصالح ، شيخ شيوخ هذا العصر بلا منازع ، صاحب الفضيلة الشيخ محمد زاهد ابن الحسن الكوثرى وكيل المشيخة الإسلامية فى الخلافة العثمانية سابقا ، ونزيل القاهرة الآن ، ليتكرم وينظر فيها بقدر ما تسمح له صحته الغالية فأجابنى - حفظه اللّه - إلى مطلبى ، ونظر فيها بقدر ما سمحت له صحته ، وكتب لها تقدمة علمية نفيسة فجزاه اللّه عن العلم وخدامه خير الجزاء ، وأدام عليه نعمة الصحة والعافية ، ثم استعنت على مراجعتهما أيضا بحضرة صاحب الفضيلة خادم السنة الشريفة الشيخ عبد الغنى عبد الخالق من علماء الأزهر ، والمدرس بكلية الشريعة بالأزهر الشريف ، فنظر فيها فضيلته وأولاها عنايته ، فأصبحت ولله الحمد إن لم تكن بالغة غاية الكمال فهى مصححة التصحيح التام.
هذا ومما زادنى تشجيعا على طبعها ونشرها مع غيرها من الكتب النادرة هو ما تلقاه مطبوعاتنا من العناية الفائقة من رجال العلم والبحث ومحبى الإطلاع على
ص: 4
نوادر المخطوطات العلمية ودرسها أمثال : أصحاب السعادة والعزة على باشا عبد الرازق ، عميد آل عبد الرازق الكرام ، والمشرع الكبير محمود بك السبع المستشار السابق لدى المحاكم الوطنية العليا المصرية ، والأمير الاى محمد بك يوسف مدير الشئون العربية بالقاهرة صاحب المكانة السامية فى الأقطار الإسلامية والعربية ، والشاعر الناثر الحسيب النسيب البحاثة الأستاذ أحمد خيرى ، من أعيان البحيرة والمربى الكبير محمد ابراهيم مروان بك ناظر مدرسة المعلمين بالقاهرة ، والأديب الكبير السيد عبد القوى الحلبي ، والأستاذ الدكتور محمد صادق ، والبحاثة الأستاذ محمد بن تاويت المعروف بالطنجي محقق «رحلة ابن خلدون» وغيرها من الكتب المفيدة - وغيرهم من ذوى المكانة والفضل فجزاهم اللّه على اهتمامهم بمطبوعاتنا النادرة من تراثنا الإسلامى العربي القديم وتشجيعهم لنا خير الجزاء.
ثم اننى ارتأيت أنه من الواجب علىّ أن أسجل على صفحات هذا الكتاب ترجمة وجيزة لإمامنا الشافعي رضى اللّه عنه وذلك على سبيل حصول البركة لأن ترجمته ترجمة وافية تستدعى كتابة عشرات المجلدات الضخمة لاوريقات صغيرة فأقول :
هو الإمام أبو عبد اللّه محمد بن إدريس ، بن العباس ، بن شافع ، بن السائب ، بن عبيد ، بن عبد يزيد ، بن هاشم ، بن عبد المطلب ، بن مناف ، بن قصى ، القرشي المطلبي الشافعي الحجازي المكي ، ابن عم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يلتقى ، معه فى عبد مناف. ولد بغزة سنة 150 وقبل بعسقلان ، وهما من الأرض المقدسة ، ثم حمل إلى مكة وهو ابن سنتين.
نشأ - رضى اللّه عنه - يتيما فى حجر أمه فى قلة عيش ، وضيق حال ، وكان فى صباه يجالس العلماء ، ويكتب ما يستفيده فى العظام ونحوها.
روى عن مصعب بن عبد اللّه الزبيري أنه قال : كان الشافعي فى ابتداء
ص: 5
أمره يطلب الشعر وأيام العرب والأدب ، ثم أخذ فى الفقه. قال : وكان سبب أخذه فيه أنه كان يسير يوما على دابة له ، وخلفه كاتب لأبى ، فتمثل الشافعي ببيت شعر فقرعه كاتب أبى بسوطه ثم قال له : مثلك يذهب بمروءته فى مثل هذا أين أنت من الفقه؟ فهزه ذلك ، فقصد مجالسة مسلم بن خالد الزنجي مفتى مكة ، ثم قدم علينا يعنى «المدينة المنورة» فلزم مالكا رحمه اللّه.
قال الشافعي : كنت أنظر فى الشعر فارتقيت عقبة بمنى ، فإذا صوت من خلفى يقول : عليك بالفقه. وعن الحميدي قال : قال الشافعي : خرجت أطلب النحو والأدب ، فلقينى مسلم بن خالد الزنجي فقال يا فتى : من أين أنت؟ قلت : من أهل مكة. قال : أين منزلك؟ قلت : بشعب الخيف. قال : من أي قبيلة أنت؟ قلت : من عبد مناف. فقال : بخ ، بخ : لقد شرفك اللّه فى الدنيا والآخرة. ألا جعلت فهمك هذا فى الفقه فكان أحسن بك؟
أخذ الشافعي الفقه عن مسلم بن خالد الزنجي ، وغيره من أئمة مكة ، ثم رحل إلى المدينة المنورة ، فتلمذ على أبى عبد اللّه مالك بن أنس رضى اللّه عنه ، فأكرمه مالك ، وعامله - لنسبه وعلمه وفهمه ، وعقله ، وأدبه - بما هو اللائق بهما. وقرأ الموطأ على مالك حفظا ، فأعجبته قراءته ، فكان مالك يستزيده من القراءة لإعجابه بقراءته ، وكان سن الشافعي حين اتصل بمالك ثلاث عشرة سنة ، ثم ولى باليمن ، واشتهر بحسن السيرة ، ثم رحل إلى العراق ، وجد فى الاشتغال بالعلم ، وناظر محمد بن الحسن الشيباني صاحب الإمام الأعظم أبى حنيفة النعمان وغيره ، ونشر علم الحديث وأقام مذهب أهله ، ونصر السنة ، وشاع ذكره وفضله ، وتزايد تزايدا ملأ البقاع فطلب منه عبد الرحمن ابن مهدى إمام أهل الحديث فى عصره ، أن يصنف كتابا فى أصول الفقه. وكان عبد الرحمن هذا ويحيى بن سعيد القطان يعجبان بعلمه ، وكان القطان وأحمد بن حنبل يدعوان للشافعى - رضى اللّه عنهم أجمعين - فى صلاتهما لما رأيا من اهتمامه بإقامة الدين ونصر السنة.
ص: 6
قال حرملة بن يحيى : قدم الشافعي مصر سنة تسع وتسعين ومائة. وقال الربيع سنة مائتين. فصنف كتبه الجديدة كلها بمصر ، وسار ذكره فى البلدان ، وقصده الناس من الشام ، واليمن ، والعراق ، وسائر الأقطار للتفقه عليه والرواية عنه ، وسماع كتبه منه وأخذها عنه. قال الإمام أبو الحسين محمد بن جعفر الرازي : سمعت أبا عمر ، وأحمد بن على بن الحسن البصري ، قالا : سمعنا أحمد بن سفيان الطرائفى البغدادي يقول : سمعت الربيع بن سليمان يوما وقد حط على باب داره تسعمائة راحلة فى سماع كتب الشافعي.
للشافعى مؤلفات كثيرة منها : «الأم طبع فى سبعة أجزاء كبيرة» ، و «جامعى المزني» الكبير والصغير. و «مختصريه» و «مختصر الربيع» و «مختصر البويطى» وكتاب «حرملة» وكتاب «الحجة» وهو القديم. و «الرسالة الجديدة والقديمة» و «الأمالى» و «الإملاء» وغير ذلك مما هو معروف. وقد ذكرها البيهقي جامع هذا الكتاب فى كتابه «مناقب الشافعي».
قال القاضي الإمام أبو الحسن بن محمد المروزي : قيل إن الشافعي رحمه اللّه صنف مائة وثلاثة عشر كتابا فى التفسير والفقه والأدب وغير ذلك.
قال الساجي فى أول كتابه فى الاختلاف : سمعت الربيع يقول : سمعت الشافعي يقول : وددت أن الخلق تعلموا هذا العلم على إن لا ينسب إلىّ منه حرف. قال النووي : فهذا إسناد لا يمارى فى صحته.
وقال الشافعي رحمه اللّه : وددت - إذا ناظرت أحدا - أن يظهر اللّه الحق على يديه.
ونظائر هذا كثيرة مشهورة. ومن ذلك مبالغته فى الشفقة على المتعلمين ونصيحته
ص: 7
لله وكتابه ورسوله صلى اللّه عليه وسلم. وذلك هو الدين كما صح عن سيد المرسلين صلّى اللّه عليه وسلّم.
قال الحميدي : قدم الشافعي من صنعاء إلى مكة بعشرة آلاف دينار فضرب خباؤه خارجا من مكة فكان الناس يأتونه فما برح حتى فرقها. وقال عمرو بن سواد : كان الشافعي أسخى الناس بالدينار ، والدرهم ، والطعام.
وقال البويطى : قدم الشافعي مصر وكانت زبيدة ترسل إليه برزم الثياب والوشي فيقسمها بين الناس. وقال الربيع : كان الشافعي راكبا على حمار فمر على سوق الحدادين فسقط سوطه من يده فوثب إنسان فمسكه بكفه وناوله إياه فقال لغلامه : ادفع إليه الدنانير التي معك فما أدرى أكانت سبعة أو تسعة ، قال : وكنا يوما مع الشافعي فانقطع شسع نعله ، فاصلحه له رجل ، فقال يا ربيع : أمعنا من نفقتنا شىء؟ قلت : نعم. قال : كم؟ قلت : سبعة دنانير. قال : ادفعها إليه.
قال أبو سعيد : كان الشافعي من أجود الناس وأسخاهم كفا ، كان يشترى الجارية الصناع التي تطبخ وتعمل الحلواء ويقول لنا اشتهوا ما احببتم فقد اشتريت جارية تحسن أن تعمل ما تريدون ، فيقول بعض أصحابنا : اعملي اليوم كذا. وكنا نحن نأمرها.
قال الربيع : كان الشافعي إذا سأله إنسان شيئا يحمار وجهه حياء من السائل ويبادر بإعطائه.
أقول : أين هذا السخاء وهذه الأخلاق من سخاء وأخلاق بعض علماء هذا العصر الذين جمعوا بين الشح وسوء الخلق ، وإيذاء الناس ، وحب الظهور على أكتاف غيرهم وإنزال «الضرر والضرار» بالمسلمين ، مؤثرين مصالحهم الشخصية ، على مصالح غيرهم ، غير حاسبين أي حساب ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى اللّه بقلب سليم. وأيضا أقول لمن يقلدون مذهب هذا الامام العظيم أن يتشبهوا بأخلاقه قبل أن يظهروا التصوف بخفض أصواتهم والتقرب من العلماء الأعلام بإظهار الورع والتقوى ، والإيقاع بين الناس بالدس والخديعة ( يُخادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا ) .... الآية
ص: 8
وأيضا اقتنائهم الكتب بالغش والتحايل مماطلين بدفع أثمانها ثم إعادتها لأصاحبها بعد شهور عدة. فليقلعوا عن هذه العادات القبيحة التي تزرى بالمدعين الانتساب إلى العلم ، وإلا اضطررنا بعد هذه الإشارة إلى ذكر أسمائهم والتنبيه عليهم حتى لا يقع الناس فى شراك تحايلهم وأعمالهم البعيدة عن كل عفة وشرف.
نعود إلى ترجمة إمامنا العظيم فنقول :
قال مالك بن أنس - رضى اللّه عنه - للشافعى : إن اللّه عز وجل قد ألقى على قلبك نورا فلا تطفئه بالمعصية ، وقال شيخه سفيان بن عيينة - وقد قرأ عليه حديث فى الرقائق ، فغشى على الشافعي فقيل قد مات الشافعي ، فقال سفيان : إن كان قد مات فقد مات أفضل أهل زمانه.
وقال أحمد بن محمد بن بنت الشافعي : سمعت أبى وعمى يقولان : كان ابن عيينة إذا سئل عن شىء من التفسير والفتيا ، التفت إلى الشافعي وقال : سلوا هذا.
قال الحميدي صاحب سفيان : كان سفيان بن عيينة ومسلم بن خالد ، وسعيد بن سالم ، وعبد الحميد بن عبد العزيز ، وشيوخ مكة يصفون الشافعي ويعرفونه من صغره مقدما عندهم بالذكاء والعقل والصيانة ، ويقولون لم نعرف له صبوة.
وقال يحيى بن سعيد القطان إمام المحدثين فى زمانه : أنا أدعوا اللّه للشافعى فى صلاتى من أربع سنين. وقال القطان حين عرض عليه كتاب الرسالة : ما رأيت أعقل أو أفقه منه.
وقال أبو سعيد عبد الرحمن بن مهدى المقدم فى عصره فى علمى الحديث والفقه حين جاءته رسالة الشافعي وكان طلب من الشافعي أن يصنف كتاب الرسالة فأثنى عليه ثناء جميلا وأعجب بالرسالة إعجابا كبيرا وقال : ما أصلى صلاة إلا أدعو للشافعى.
وبعث أبو يوسف القاضي إلى الشافعي حين خرج من عند هارون الرشيد يقرئه السلام ويقول : صنف الكتب ، فانك أولى من يصنف فى هذا الزمان.
ص: 9
وقال أبو حسان : ما رأيت محمد بن الحسن الشيباني يعظم أحدا من أهل العلم تعظيمه للشافعى رحمه اللّه ، وقال أيوب بن سويد وهو أحد شيوخ الشافعي ومات قبل الشافعي بإحدى عشرة سنة : ما ظننت انى أعيش حتى أرى مثل الشافعي.
وقال أحمد بن حنبل - وقد سئل عن الشافعي. لقد من اللّه به علينا ، لقد كنا تعلمنا كلام القوم ، وكتبنا كتبهم ، حتى قدم علينا الشافعي فلما سمعنا كلامه علمنا أنه أعلم من غيره ، وقد جالسناه الأيام والليالى فما رأينا منه إلا كل خير.
وقال أيضا : ما تكلم فى العلم أقل خطأ ولا أشد أخذا بسنة النبي صلّى اللّه عليه وسلّم من الشافعي. وقال : إذا جاءت المسألة ليس فيها أثر فافت بقول الشافعي. وقال : ما من أحد مس بيده محبرة وقلما الا وللشافعى فى عنقه منه.
وقال أحمد لاسحاق بن راهويه : تعال حتى أريك رجلا لم تر عيناك مثله. يعنى الشافعي رضى اللّه عنه. وقال أحمد : كان الفقه قفلا على أهله حتى فتحه اللّه بالشافعي.
وقال داوود بن على الظاهري : كان الشافعي رضى اللّه عنه سراجا لحملة الآثار ونقلة الأخبار ومن تعلق بشىء من بيانه صار محجاجا.
وقال الحافظ : نظرت فى كتب هؤلاء المتابعة فلم أر أحسن تأليفا من الشافعي.
هذا ، وأقوال السلف فى مدحه غير محصورة.
كان رضى اللّه عنه يخضب لحيته بالحناء ، وتارة بصفرة اتباعا للسنة ، وكان طويلا سائل الخدين ، قليل لحم الوجه ، خفيف العارضين ، طويل العنق ، طويل القصب «أي عظم العضد والفخذ والساق فكل عظم منها قصبة» حسن الصوت ، حسن السمت ، عظيم العقل ، حسن الوجه ، حسن الخلق ، مهيبا ، فصيحا ، إذا أخرج لسانه بلغ أنفه وكان كثير الأسقام ، وقال يونس بن عبد الأعلى : ما رأيت أحدا لقى من السقم ما لقى الشافعي.
وقال الربيع : كان الشافعي حسن الوجه ، حسن الخلق ، محببا الى كل من كان بمصر فى وقته من الفقهاء والنبلاء ، والأمراء كلهم يجل الشافعي ويعظمه. وكان مقتصدا فى لباسه ، ويتختم فى يساره ، نقش خاتمة «كفى باللّه ثقة لمحمد بن إدريس» ، وكان ذا معرفة تامة بالطب ، والرمي ، حتى كان يصيب عشرة من عشرة ، وكان أشجع الناس وأفرسهم
ص: 10
يأخذ بإذنه واذن الفرس والفرس يعدو ، وكان ذا معرفة بالفراسة وكان مع حسن خلقه مهيبا حتى قال الربيع ، وهو صاحبه وخادمه : واللّه ما اجترأت أن أشرب والشافعي ينظر الىّ هيبة له.
قال الربيع : توفى الشافعي رحمه اللّه تعالى ليلة الجمعة بعد المغرب ، وأنا عنده ودفن بعد العصر يوم الجمعة آخر يوم من رجب سنة أربع ومائتين. وقبره رحمه اللّه تعالى بمصر عليه من الجلالة ، وله من الاحترام ما هو لائق بمنصب ذلك الامام.
وقال الربيع : رأيت فى النوم أن آدم عليه السلام مات ، فسألت عن ذلك ، فقيل هذا موت أعلم أهل الأرض لأن اللّه تعالى علم آدم الأسماء كلها فما كان إلا يسير حتى مات الشافعي : ورأى غيره ليلة مات الشافعي قائلا يقول : الليلة مات النبي صلى اللّه عليه وسلم وحزن الناس لموته الحزن الذي يوازى رزيتهم به رضى اللّه عنه وأرضاه وأكرم نزله ومثواه.
هذا وأننى اختتم هذه الكلمة بالتضرع إلى اللّه - جل وعلا - أن يرحمنا ويغفر لنا ذنوبنا ، ويثبت أقدامنا ، ويسبغ رحمته وغفرانه علينا وعلى والدينا ومشايخنا والمسلمين والمسلمات بمنه وكرمه. وأن يتقبل منى ما أنشره من كتب السنة خالصا لوجهه الكريم إنه سميع الدعاء.
( رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ) كتبه ناشر الكتاب ، الفقير إلى اللّه سبحانه وتعالى ، راجى عفوه وغفرانه أبو أسامة السيد عزت ابن المرحوم السيد أمين ابن المرحوم محدث الديار الشامية ، وبدر بدور البلدة الدمشقية ، الحاوي لمرتبتى المعقول والمنقول ، الحائز لفضيلتى الفروع والأصول العالم العلامة المرحوم السيد سليم العطار الدمشقي ابن المرحوم السيد ياسين ابن شيخ فقهاء الديار الشامية ومحدثيها المحدّث الكبير السيد حامد ابن الشهاب أحمد العطار الحمصي الأصل الدمشقي الموطن.
ذو القعدة من سنة 1370
اغسطس من سنة 1951
ص: 11
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
كلمة عن أحكام القرآن
الحمد لله منزل الكتاب ، الهادي إلى الصواب. والصلاة والسلام على خير من أوتى الحكمة وفصل الخطاب ، سيدنا محمد وآله وصحبه البررة الأنجاب. وبعد : فإن خاتم كتب اللّه المنزلة على أنبيائه المرسلين. خص به خاتم رسل اللّه صلوات اللّه وسلامه عليه وعليهم أجمعين. وقد حوى من علوم الهداية ما لا يتصور المزيد عليه ، حتى استنهض همم علماء هذه الأمة ، فى التوسع فى تبيين تلك العلوم من ثنايا القرآن الكريم ، فألفوا كتبا فاخرة فى تفسير الذكر الحكيم ، على مناهج من الرواية والدراية ، وعلى أنحاء من وجوه العناية ، فمنهم من عنى بغريب القرآن ، فألف فى تبيين مفردات القرآن كتبا عظيمة النفع ، ومنهم من اهتم بمشكل الإعراب ، فتوسع فى تبيين وجوه الإعراب على لهجات شتى القبائل العربية ، ومنهم من نحا نحو توجيه وجوه القراءات المروية تواترا. وشواذ القراءات المروية فى صدد التفسير ، ومنهم من ألف فى مشكل معانى القرآن وأجاد ، ومنهم من خدم آيات المواعظ والأخلاق ، ومنهم من شرح آيات التوحيد والصفات ، ومنهم من أوضح آيات الأحكام ، فى الحلال والحرام ، ومنهم من خص جدل القرآن بالتأليف ، إلى غير ذلك من علوم أشار إليها كل من ألف فى علوم القرآن من العلماء الأجلاء ، ولا سيما ابن عقيلة المكي فى كتابه (1) «الزيادة والإحسان فى علوم القرآن» ومنهم من سعى فى جمع
ص: 12
هذه النواحي فى صعيد واحد ، فأصبح مؤلفه ضخما فخما تبلغ مجلداته مائة مجلد وأكثر. فكتاب «المختزن» فى تفسير القرآن الكريم للإمام أبى الحسن الأشعري أقل ما قيل فيه أنه فى سبعين مجلدا كما يقوله المقريزى ، ويقول أبو بكر بن العربي انه فى خمسمائة مجلد - وهذا مما يختلف باختلاف الحجم والخط - وتفسير «أنوار الفجر» لأبى بكر ابن العربي فى ثمانين ألف ورقة ، فلا يقل عن ثمانين مجلدا ضخما ، وتفسير الحافظ أبى حفص بن شاهين فى ألف جزء حديثى ، وتفسير «حدائق ذات بهجة» لأبى يوسف عبد السلام القزويني الحنفي وأقل ما قيل فيه أنه فى ثلاثمائة مجلد ، وكان مؤلفه وقف النسخة الوحيدة من هذا التأليف العظيم لمسجد أبى حنيفة ببغداد فضاعت عند استيلاء هلاكو ، ويقول الأستاذ البحاثة السيد عبد العزيز الميمنى الهندي أنه رأى جزءا منه فى إحدى فهارس الخزانات ، وتفسير أبى على الجبائي ، وتفسير القاضي عبد الجبار ، وتفسير ابن النقيب المقدسي ، وتفسير محمد الزاهد البخاري كل واحد منها فى مائة مجلد - والأخيران حنفيان - وتفسير «فتح المنان» للقطب الشيرازي الشافعي فى ستين مجلدا وهو محفوظ فى خزانتى على باشا الحكيم ومحمد أسعد فى الآستانة ، وتفسير ابن فرح القرطبي المالكي فى عشرين مجلدا ، وأما ما يبلغ عشرة مجلدات ونحوها من التفاسير فخارج عن حد الإحصاء ، وأما من اختط لنفسه أن يبين ناحية خاصة من القرآن فيكون عمله أتم فائدة ، وليس الخبر كالمعاينة ، ومن جمع بين علوم الراوية والدراية يكون بيانه أوثق ، وبالتعويل أحق ، ومن يكون مقصرا فى شىء منها يكون التقصير باديا فى بيانه مهما خلع عليه من ألقاب العلم.
ولأئمة الاجتهاد رضى اللّه عنهم استنباطات دقيقة من آيات الأحكام ؛ بها تظهر منازلهم فى الغوص ، وبها يتدرج المتفقهون على مدارج الفقه ، فتجب العناية بها كل العناية لتثمر ثمرتها كما ينبغى
ولعلماء علم التوحيد أيضا استنباطات بديعة من آيات الذكر الحكيم فترى من يقول بوجوب معرفة توحيد اللّه بالعقل ، يحتج بقوله تعالى : ( إِنَّ اللّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ ) لإطلاق الآية وخلوها عن قيد بلوغ خبر الرسول فيكون آثما بالشرك إثما غير معفو عنه مطلقا بلغه خبر الرسول أم لم يبلغه لكفاية العقل فى معرفة توحيد اللّه عز وجل ، وترى من لا يقول بذلك يحتج بقوله تعالى ( وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً ) ويقول دل هذا على أنه لا عذاب بالإشراك قبل بلوغ
ص: 13
خبر الرسول بالتوحيد ، ونقض القائل الأول على الثاني احتجاجه بالآية قائلا : إنك حملت التعذيب على التعذيب فى الآخرة من غير دليل مع أن السباق والسياق يعينان أن المراد بالتعذيب فى هذه الآية هو التعذيب تعذيب استئصال ، وهو يكون فى الدنيا لا فى الآخرة ، لأن اللّه سبحانه مدّ عدم التعذيب إلى زمن بعث الرسول فيكون التعذيب واقعا بعد البعث وتمرد المرسل إليه عن قبول الرسالة ، وذلك فى الدنيا ، فيكون هذا العذاب عذاب الاستئصال فى الدنيا ، وقوله تعالى فى السياق ( وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً ) بيان لعذاب الاستئصال عند فسوق المأمور عن قبول الأمر ، فيكون دليلا آخر يفسر ما سبق ، على أن محققى أهل الكلام لا يقبلون توقف التوحيد على الرسالة لما يستلزم ذلك من الدور المردود.
ومما ألف فى أحكام القرآن على مذهب أهل العراق «أحكام القرآن» لعلى بن موسى بن يزداد القمي ، و «أحكام القرآن» لأبى جعفر الطحاوي - فى ألف ورقة - ، و «أحكام القرآن» لأبى بكر أحمد بن على الرازي المعروف بالحصاص - فى ثلاثة مجلدات و «تلخيص أحكام القرآن» للجمال بن السراج محمود بن أحمد القونوى ، و «التفسيرات الأحمدية» لملاجيون الهندي صاحب نور الأنوار - وهى على اختصارها نافعة.
ومما ألف فى أحكام القرآن على مذهب أهل المدينة «أحكام القرآن» لاسماعيل القاضي كبير المالكية بالبصرة ويتعقبه الجصاص ، و «مختصر أحكام القرآن» لاسماعيل القاضي تأليف بكر بن العلاء القشيري ، و «أحكام القرآن» لابن بكير ، و «أحكام القرآن» لأبى بكر بن العربي - وأسانيد تلك الأربعة فى فهرست ابن خير الأندلسى - و «أحكام القرآن» لابن فرس.
ومما ألف فى أحكام القرآن فى مذهب الإمام الشافعي رضى اللّه عنه كتاب «أحكام القرآن» للامام الشافعي نفسه كما يعزوه البيهقي إليه ، وإن لم نطلع عليه ، وكتاب «أحكام القرآن» جمع أبى بكر البيهقي من نصوص الإمام الشافعي فى الكتب - وهو هذا المنشور - وكتاب «أحكام القرآن» للكيا الهراسى رفيق الغزالي فى لطلب - نود تيسر نشره قريبا - وهى الكتب المهمة فى أحكام القرآن على المذاهب ، وقد طبع كتاب الجصاص ، وكتاب التفسيرات الأحمدية ، وكتاب ابن العربي
ص: 14
وكان فضل السبق بنشر كتاب «أحكام القرآن» فى مذهب الشافعي لأبى أسامة الأستاذ البحاثة السيد محمد عزت العطار الحسيني حيث بادر بنشر كتاب «أحكام القرآن» جمع أبى بكر البيهقي من نصوص الشافعي وهو كتاب بالغ النفع يعلم به مبلغ غوص هذا الإمام العظيم على المعاني الدقيقة فى القرآن الكريم ، ويتدرج به المتفقه على مدارج الاحتجاج فى المسائل الخلافية فيزداد علما ، وتتبين آراء باقى الأئمة فيها من كتب «أحكام القرآن» المؤلفة فى مذاهبهم ، وقد أجاد البيهقي صنعا حيث تتبع غاية التتبع نصوص الإمام الشافعي رضى اللّه عنه فى كتبه وكتب أصحابه من أمثال المزني ، والبويطى ، والربيع الجيزى ، والربيع المرادي ، وحرملة ، والزعفراني ، وأبى ثور ، وأبى عبد الرحمن ، ويونس بن عبد الأعلى وغيرهم ونقلها كما هى مع تأييد تلك المعاني المستنبطة بالسنن الواردة ، وللبيهقى تجلد عظيم ، وصبر كبير ، فى مناصرة الإمام الشافعي فى جميع ما ألف تقريبا ، وفضله فى ذلك مشكور عند الجميع ، مع كون مواضع النقد من كلامه مشروحة فى كتب المذاهب ، كافأ اللّه سبحانه البيهقي على هذا الجمع النافع وأثاب ناشره فى العاجل والآجل وفى الدنيا والآخرة.
أما البيهقي : فهو الحافظ الكبير الفقيه الأصولي النقاد أبو بكر أحمد بن الحسين ابن على بن عبد اللّه بن موسى البيهقي النيسابورى الخسروجردى الفقيه الشافعي.
ولد فى شعبان سنة أربع وثمانين وثلاثمائة فى قرية (خسروجرد) بضم الخاء وسكون السين وفتح الراء وسكون الواو وكسر الجيم وسكون الراء آخرها الدال المهملة من قرى بيهق (على وزن صيقل) وبيهق قرى مجتمعة فى نواحى نيسابور.
سمع الحديث من نحو مائة شيخ أقدمهم أبو الحسن محمد بن الحسين العلوي وقد تنقل فى بلاد خرسان ورحل إلى العراق والحجاز والجبال لسماع الحديث وتخرج فى الحديث على الحاكم صاحب المستدرك. فمن شيوخه أبو الحسن محمد بن الحسين بن داود العلوي ، والحاكم محمد بن عبد اللّه النيسابورى ، وأبو الحسن على بن أحمد بن عبدان الأهوازى ، وابو الحسين على بن محمد بن عبد اللّه بن بشران ، وابو عبد اللّه إسحاق بن محمد بن يوسف ابن يعقوب السوي ، والقاضي أبو بكر أحمد بن الحسن الحيرى ، وابو احمد عبد اللّه بن محمد بن الحسن المهرجانى ، وابو نصر عمر بن عبد العزيز بن عمر بن عثمان بن قتادة ، وغيرهم من شيوخ العلم فى خرسان والجبال والحرمين والكوفة والبصرة وبغداد.
ص: 15
قال الذهبي فى طبقات الحفاظ فى ترجمة البيهقي : هو الإمام الحافظ العلامة شيخ خراسان كان عنده مستدرك الحاكم فأكثر عنه وبورك له فى عمله لحسن مقصده وقوة فهمه وعمل كتبا لم يسبق إلى تحريرها منها : «الأسماء والصفات» وهو مجلدان (1) ، و «السنن الكبرى» عشر مجلدات (2). و «معرفة السنن والآثار» أربع مجلدات (3) و «شعب الايمان» مجلدان ، و «دلائل النبوة» ثلاث مجلدات ، و «السنن الصغير» مجلدان ، و «الزهد» مجلد ، و «البعث» مجلد ، و «المعتقد» مجلد و «الآداب» مجلد ، و «نصوص الشافعي» ثلاث مجلدات ، و «مناقب احمد» مجلد ، و «كتاب الاسراء» وكتب كثيرة لا أذكرها. ا ه
وقال اليافعي فى مرآة الجنان عن البيهقي هو : الإمام الكبير الحافظ النحرير الفقيه الشافعي واحد زمانه ، وفرد أقرانه فى الفنون من كبار أصحاب الحاكم أبى عبد اللّه بن البيع فى الحديث الزائد عليه فى أنواع العلوم له مناقب شهيرة وتصانيف كثيرة بلغت الف جزء نفع اللّه تعالى بها المسلمين شرقا وغربا وعجما وعربا لفضله وجلالته وإتقانه وديانته تغمده اللّه برحمته. غلب عليه الحديث واشتهر به ورحل فى طلبه إلى العراق والجبال والحجاز وسمع بخرسان من علماء عصره وكذلك بقية البلاد التي انتهى إليها ، وأخذ الفقه عن أبى الفتح ناصر بن محمد العمرى المروزي وهو أول من جمع نصوص الشافعي فى عشر مجلدات ا ه.
وقال إمام الحرمين : ما من شافعى إلا وللشافعى فى عنقه منة إلا البيهقي فإن له على الشافعي منة لتصانيفه فى نصرة مذهبه وأقاويله ا ه.
وقال عبد القادر القرشي فى طبقاته : فو اللّه ما قال هذا من شم توجه الشافعي وعظمته ولسانه فى العلوم. ولقد اخرج الشافعي بابا من العلم ما اهتدى إليه الناس من قبله وهو علم الناسخ والمنسوخ فعليه مدار الإسلام. مع أن البيهقي إمام حافظ كبير نشر السنة ونصر مذهب الشافعي فى زمنه.
وقال ابن العماد فى شذرات الذهب هو : الامام العلم الحافظ صاحب التصانيف. قال ابن قاضى شهبة. قال عبد الغافر : كان على سيرة العلماء قانعا من الدنيا باليسير متجملا فى زهده وورعه. وذكر غيره أنه سرد الصوم ثلاثين سنة.
ص: 16
وقال فى العبر : توفى فى عاشر جمادى الأولى بنيسابور سنة ثمان وخمسين وأربعمائة ونقل تابوته إلى بيهق وعاش أربعا وسبعين سنة ا ه.
وقال ابن خلكان : هو واحد زمانه ، وفرد أقرانه فى الفنون من كبار أصحاب الحاكم فى الحديث ثم الزائد عليه فى أنواع العلوم ، أخذ الفقه عن أبى الفتح ناصر المروزي ، غلب عليه الحديث واشتهر به. أخذ عنه الحديث جماعة منهم : زاهر الشحامي ومحمد الفراوي ، وعبد المنعم القشيري وغيرهم ا ه.
وأثنى عليه ابن عساكر فى تبيين كذب المفترى وقال : كتب الىّ الشيخ أبو الحسن الفارسي : الامام الحافظ الفقيه الأصولى ، الدين الورع واحد زمانه فى الحفظ ، وفرد اقرانه فى الإتقان والضبط من كبار أصحاب الحاكم أبى عبد اللّه الحافظ ، والمثكرين عنه ثم الزائد عليه فى أنواع العلوم ، كتب الحديث وحفظه من صباه ، وتفقه وبرع فيه ، وشرع فى الأصول ورحل إلى العراق والجبال والحجاز ثم اشتغل بالتصنيف وألف من الكتب ما لعله يبلغ قريبا من ألف جزء مما لم يسبقه اليه أحد ، جمع فى تصانيفه بين علم الحديث ، والفقه ، وبيان علل الحديث ، والصحيح ، والسقيم وذكر وجوه الجمع بين الأحاديث ، ثم بيان الفقه والأصول ، وشرح ما يتعلق بالعربية استدعى منه الأئمة فى عصره الانتقال الى نيسابور من الناحية لسماع كتاب المعرفة (وهو السنن الأوسط) وغير ذلك من تصانيفه فعاد الى نيسابور سنة احدى وأربعين وأربعمائة وعقدوا له المجلس لقراءة كتاب المعرفة وحضره الأئمة والفقهاء وأكثروا الثناء عليه والدعاء له فى ذلك لبراعته ومعرفته وإفادته.
وكان رحمه اللّه على سيرة العلماء قانعا من الدنيا باليسير متجملا فى زهده وورعه وبقي كذلك الى أن توفى رحمه اللّه بنيسابور يوم السبت العاشر من جمادى الأول سنة ثمان وخمسين وأربعمائة وحمل الى خسروجرد ا ه.
هذا ومن أراد الإطلاع على ترجمته بتوسع فليراجع تقدمتنا على كتاب «الأسماء والصفات» المطبوع بالقاهرة رضى اللّه عنه وأرضاه وتغمده برضوانه فى أخراه؟
فى 19 ذى الحجة سنة 1370
محمد زاهد الكوثرى
ص: 17
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
وبه العون
الحمد لله رب العالمين ، الرحمن الرحيم ، مالك يوم الدين ، الذي خلق الإنسان من طين ، وجعل نسله من سلالة من ماء مهين ، ثم سواه ونفخ فيه من روحه ، وجعل لهم السمع والأبصار والأفئدة ، وبعث فيهم الرسل والأئمة مبشرين بالجنة من أطاع اللّه ، ومنذرين بالنار من عصي اللّه ، وخصبنا بالنبي المصطفى ، والرسول المجتبى ، أبي القاسم ، محمد بن عبد اللّه بن عبد المطلب صلى اللّه عليه وعلى آله ، الذين هداهم اللّه واصطفاهم من بنى هاشم والمطلب ، أرسله بالحق إلى من جعله من أهل التكليف من كافة الخلق بشيرا ونذيرا ، وداعيا إلى اللّه بإذنه وسراجا منيرا ، وأنزل معه كتابا عزيزا ، ونورا مبينا ، وتبصرة وبيانا ، وحكمة وبرهانا ، ورحمة وشفا ، وموعظة وذكرا. فنقل به من أنعم عليه بتوفيقه من الكفر والضلالة إلى الرشد والهداية ، وبين فيه ما أحل وما حرم ، وما حمد وما ذم ، وما يكون عبادة وما يكون معصية نصا أو دلالة ، ووعد وأوعد ، وبشر وأنذر ، ووضع رسوله صلى اللّه عليه وسلم من دينه موضع الإبانة عنه ، وحين قبضه اللّه قيض فى أمته جماعة اجتهدوا فى معرفة كتابه وسنة نبيه صلى اللّه عليه وسلم ، حتى رسخوا فى العلم ، وصاروا أئمة يهدون بأمره ، ويبينون ما يشكل على غيرهم من أحكام القرآن وتفسيره.
وقد صنف غير واحد من المتقدمين والمتأخرين فى تفسير القرآن ومعانيه ،
ص: 18
وإعرابه ومبانيه ، وذكر كل واحد منهم فى أحكامه ما بلغه علمه ، وربما يوافق قوله قولنا وربما يخالفه ، فرأيت من دلت الدلالة على صحة قوله - أبا عبد اللّه محمد بن إدريس الشافعي المطلبي ابن عم محمد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وعلى آله - قد أتى على بيان ما يجب علينا معرفته من أحكام القرآن. وكان ذلك مفرقا فى كتبه المصنفة فى الأصول والأحكام ، فميزته وجمعته فى هذه الأجزاء على ترتيب المختصر ، ليكون طلب ذلك منه على من أراد أيسر واقتصرت فى حكاية كلامه على ما يتبين منه المراد دون الإطناب ، ونقلت من كلامه فى أصول الفقه واستشهاده بالآيات التي احتاج إليها من الكتاب ، على غاية الاختصار - ما يليق بهذا الكتاب. وأنا أسأل اللّه البر الرحيم أن ينفعنى والناظرين فيه بما أودعته ، وأن يجزينا جزاء من اقتدينا به فيما نقلته ، فقد بالغ فى الشرح والبيان ، وأدى النصيحة فى التقدير والبيان ، ونبه علي جهة الصواب والبرهان ؛ حتى أصبح من اقتدى به على ثقة من دين ربه ، ويقين من صحة مذهبه ، والحمد لله الذي شرح صدرنا للرشاد ، ووفقنا لصحة هذا الاعتقاد ، وإليه الرغبة (عزت قدرته) فى أن يجرى على أيدينا موجب هذا الاعتقاد ومقتضاه ، ويعيننا على ما فيه إذنه ورضاه ، وإليه التضرع فى أن يتغمدنا برحمته ، وينجينا من عقوبته ، إنه الغفور الودود ، والفعال لما يريد ، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
* * *
(أنا) أبو عبد اللّه محمد بن عبد الحافظ ، أنا أبو الوليد حسان بن محمد الفقيه ، أنا أبو بكر أحمد بن محمد بن عبيدة ، قال : كنا نسمع من يونس بن عبد الأعلى تفسير زيد بن أسلم ، عن ابن وهب ؛ فقال لنا يونس : كنت أولا أجالس
ص: 19
أصحاب التفسير وأناظر عليه ، وكان الشافعي إذا أخذ فى التفسير كأنه شهد التنزيل.
(أنا) أبو عبد اللّه الحافظ ، أنا أبو الوليد الفقيه ، أنا أبوبكر حمدون قال : سمعت الربيع يقول : قلما كنت أدخل على الشافعي رحمه اللّه إلا والمصحف بين يديه يتتبع أحكام القرآن.
(أخبرنا) أبو عبد اللّه محمد بن عبد اللّه الحافظ رحمه اللّه ، أنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، أنا الربيع بن سليمان ؛ أخبرنا الشافعي رحمه اللّه فى ذكر نعمة اللّه علينا برسوله صلى اللّه عليه وسلم بما أنزل عليه من كتابه فقال : « ( وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ * لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ 41 : 41 - 42 ) ؛ فنقلهم به من الكفر والعمى ، إلى الضياء والهدى ، وبين فيه ما أحل لنا بالتوسعة على خلقه وما حرم لما هو أعلم به : [من] حظهم على الكف عنه فى الآخرة والأولى ، وابتلى طاعتهم بأن تعبدهم بقول ، وعمل ، وإمساك عن محارم وحماهموها ، وأثابهم على طاعته - من الخلود فى جنته ، والنجاة من نقمته - ما عظمت به نعمته جل ثناؤه ، وأعلمهم ما أوجب على أهل معصيته : من خلاف ما أوجب لأهل طاعته ؛ ووعظهم بالإخبار عمن كان قبلهم : ممن كان أكثر منهم أموالا وأولادا ، وأطول أعمارا ، واحمد آثارا ؛ فاستمتعوا بخلاقهم فى حياة دنياهم ، فأذاقهم عند نزول قضائه مناياهم دون آمالهم ، ونزلت بهم عقوبته عند انقضاء آجالهم ؛ ليعتبروا فى آنف الأوان
ص: 20
ويتفهموا بجلية التبيان ، وينتبهوا قبل رين الغفلة ، ويعملوا قبل انقطاع المدة ، حين لا يعتب مذنب ، ولا تؤخذ فدية ، و (تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا ، وما عملت من سوء تودلو أن بينها وبينه أمدا بعيدا).
وكان مما أنزل فى كتابه (جل ثناؤه) رحمة وحجة ؛ علمه من علمه ، وجهله من جهله.
قال : والناس فى العلم طبقات ، موقعهم من العلم بقدر درجاتهم فى العلم به ، فحق على طلبة العلم بلوغ غاية جهدهم فى الاستكثار من علمه ، والصبر على كل عارض دون طلبه ، وإخلاص النية لله فى استدراك علمه نصا واستنباطا ، والرغبة إلى اللّه فى العون عليه - فإنه لا يدرك خير إلا بعونه - فإن من أدرك علم أحكام اللّه فى كتابه نصا واستدلالا ، ووفقه اللّه للقول والعمل لما علم منه - فاز بالفضيلة فى دينه ودنياه ، وانتفت عنه الريب ، ونورت فى قلبه الحكمة ، واستوجب فى الدين موضع الإمامة. فنسأل اللّه المبتدئ لنا بنعمه قبل استحقاقها ، المديم بها علينا مع تقصيرنا فى الإتيان على ما أوجب من شكره لها ، الجاعلنا فى خير أمة أخرجت للناس - : أن يرزقنا فهما فى كتابه ، ثم سنة نبيه صلى اللّه عليه وسلم وقولا وعملا يؤدى به عنا حقه ، ويوجب لنا نافلة مزيده. فليست تنزل بأحد من أهل دين اللّه نازلة إلا وفى كتاب اللّه الدليل على سبل الهدى فيها. قال اللّه عز وجل : ( الر كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ 14 - 1 ) وقال تعالى : ( وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ 16 - 89 ) وقال تعالى : ( وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ 16 - 44 ) .
ص: 21
قال الشافعي رحمه اللّه : «ومن جماع كتاب اللّه عز وجل ، العلم بأن جميع كتاب اللّه إنما نزل بلسان العرب ، والمعرفة بناسخ كتاب اللّه ومنسوخه ، والفرض فى تنزيله ، والأدب ، والإرشاد ، والإباحة ؛ والمعرفة بالوضع الذي وضع اللّه نبيه صلوات اللّه عليه وسلم : من الإبانة عنه فيما أحكم فرضه فى كتابه ، وبينه على لسان نبيه صلى اللّه عليه وسلم ؛ وما أراد بجميع فرائضه : أأراد كل خلقه ، أم بعضهم دون بعض؟ وما افترض على الناس من طاعته والانتهاء إلى أمره ؛ ثم معرفة ما ضرب فيها من الأمثال الدّوال على طاعته ، المبينة لاجتناب معصيته ؛ وترك الغفلة عن الحظ ، والازدياد من نوافل الفضل. فالواجب على العالمين الا يقولوا إلا من حيث علموا».
ثم ساق الكلام إلى أن قال : «والقرآن يدل على أن ليس فى كتاب اللّه شىء إلا بلسان العرب. قال اللّه عز وجل : ( وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ : 26 - 192 - 195 ) . وقال اللّه عز وجل : ( وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ حُكْماً عَرَبِيًّا : 13 - 37 ) . وقال تعالى : ( وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها : 42 - 7 ) . فأقام حجته بأن كتابه عربى ، ثم أكد ذلك بأن نفى عنه كل لسان غير لسان العرب ، فى آيتين من كتابه ؛ فقال تبارك وتعالى : ( وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ : 16 - 103 ) . وقال تعالى : ( وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقالُوا لَوْ لا فُصِّلَتْ آياتُهُءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌ : 41 - 44 ) ».
ص: 22
وقال : « ولعل من قال : إن فى القرآن غير لسان العرب ؛ ذهب إلى أن شيئا من القرآن خاصا يجهله بعض العرب. ولسان العرب أوسع الألسنة مذهبا ، وأكثرها ألفاظا ، ولا يحيط بجميع علمه إنسان غير نبى. ولكنه لا يذهب منه شىء على عامة أهل العلم ، كالعلم بالسنة عند أهل الفقه : لا نعلم رجلا جمعها فلم يذهب منها شىء عليه ، فإذا جمع علم عامة أهل العلم بها أتى على السنن. والذي ينطق العجم بالشيء من لسان العرب ، فلا ينكر - إذا كان اللفظ قيل تعلما ، أو نطق به موضوعا - أن يوافق لسان العجم أو بعضه ، قليل من لسان العرب ». فبسط الكلام فيه.
* * *
(أنا) أبو عبد اللّه الحافظ ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي رحمه اللّه : «قال اللّه تبارك تعالى : ( خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ : 6 - 102 ) . وقال تعالى : ( خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ : 16 - 3 و 39 - 5 و 64 - 3 ) . وقال تعالى : ( وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللّهِ رِزْقُها (1) الآية : 11 - 6 ) . فهذا عام لا خاص فيه ، فكل شىء : من سماء ، وأرض ، وذى روح ، وشجر ، وغير ذلك - فاللّه خالقه. وكل دابة فعلى اللّه رزقها ويعلم مستقرّها ومستودعها ، وقال عز وجل : ( إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّهِ
ص: 23
أَتْقاكُمْ : 49 - 13 ) . وقال تعالى : ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ ... (1) * فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ (2) الآية : 2 - 183 - 185 ) . وقال تعالى : ( إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً الآية : 4 - 103 ) ».
قال الشافعي : «فبين فى كتاب اللّه أن فى هاتين الآيتين العموم والخصوص. فأما العموم منها ففى قوله عز وجل : ( إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا ) . فكل نفس خوطب بهذا فى زمان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وقبله وبعده - مخلوقة من ذكر وأنثى ، وكلها شعوب وقبائل».
«والخاص منها فى قوله عز وجل : ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّهِ أَتْقاكُمْ ) . لأن التقوى إنما تكون على من عقلها وكان من أهلها - : من البالغين من بنى آدم - دون المخلوقين من الدواب سواهم ، ودون المغلوب على عقولهم منهم ، والأطفال الذين لم يبلغوا عقل التقوى منهم. فلا يجوز أن يوصف بالتقوى وخلافها إلا من عقلها وكان من أهلها ، أو خالفها فكان من غير أهلها.
ص: 24
وفى السنة دلالة عليه ؛ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : «رفع القلم عن ثلاثة : النائم حتي يستيقظ ، والصبى حتى يبلغ ، والمجنون حتى يفيق».
قال الشافعي رحمه اللّه : «وهكذا التنزيل فى الصوم ، والصلاة على البالغين العاقلين دون من لم يبلغ ممن غلب على عقله ، ودون الحيض فى أيام حيضهن».
قال الشافعي رحمه اللّه : «قال اللّه تعالى : ( الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً ، وَقالُوا حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ الآية : 3 - 173 ) . قال الشافعي رحمه اللّه : فإذا كان مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ناس غير من جمع لهم من الناس ، وكان المخبرون لهم ناس غير من جمع لهم ، وغير من معه ممن جمع عليه معه ، وكان الجامعون لهم ناسا - فالدلالة بينة. لما وصفت : من أنه إنما جمع لهم بعض الناس دون بعض ؛ والعلم يحيط أن لم يجمع لهم الناس كلهم ، ولم يخبرهم الناس كلهم ولم يكونوا هم الناس كلهم.
ولكنه لما كان اسم الناس يقع على ثلاثة نفر ، وعلى جميع الناس ، وعلى من بين جميعهم وثلاثة منهم - كان صحيحا فى لسان العرب ، أن يقال : ( قالَ لَهُمُ النَّاسُ ) . قال : وإنما كان الذين قالوا لهم ذلك أربعة نفر ؛ إن الناس قد جمعوا لكم ، يعنون المنصرفين من أحد ، وإنما هم جماعة غير كثيرين من الناس ، جامعون منهم غير المجموع لهم ، والمخبرون للمجموع لهم غير الطائفتين ، والأكثرون من الناس فى بلدانهم غير الجامعين والمجموع لهم ولا المخبرين».
وقال اللّه عز وجل : ( وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ : 2 - 24 ) . فدل كتاب اللّه عز وجل على أنه إنما وقودها بعض الناس ؛ لقوله عز وجل : ( إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ : 21 - 101 ) ».
ص: 25
قال الشافعي رحمه اللّه : «قال اللّه عز وجل : ( وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ : 4 - 11 ) » وذكر سائر الآيات (1). ثم قال : «فأبان أن للوالدين والأزواج مما سمى فى الحالات ، وكان عام المخرج. فدلت سنة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على أنه إنما أريد بها بعض الوالدين والأزواج دون بعض ؛ وذلك أن يكون دين الوالدين ، والمولود ، والزوجين واحدا ؛ ولا يكون الوارث منهما قاتلا ، ولا مملوكا. وقال تعالى : ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ ، الآية : 4 - 11 ) . فأبان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : أن الوصايا يقتصر بها على الثلث ، ولأهل الميراث الثلثان. وأبان : أن الدين قبل الوصايا والميراث ، وأن لا وصية ولا ميراث حتى يستوفى أهل الدين دينهم. ولو لا دلالة السنة
ص: 26
ثم إجماع الناس - لم يكن ميراث إلا بعد وصية أو دين ، ولم تعدو الوصية أن تكون مقدمة على الدين ، أو تكون والدين سواء ».
وذكر الشافعي رحمه اللّه فى أمثال هذه الآية : آية الوضوء ، وورود السنة بالمسح على الخفين ، وآية السرقة ؛ وورود السنة بأن لا قطع فى ثمر ولا كثر ؛ لكونهما غير محرزين ؛ وأن لا يقطع إلا من بلغت سرقته ربع دينار. وآية الجلد فى الزاني والزانية ، وبيان السنة بأن المراد بها البكران دون الثيبين. وآية سهم ذي القربى ، وبيان السنة بأنه لبنى هاشم وبنى عبد المطلب ، دون سائر القربى. وآية الغنيمة ، وبيان السنة بأن السلب منها للقاتل. وكل ذلك تخصيص للكتاب بالسنة ، ولو لا الاستدلال بالسنة كان الطهر فى القدمين ، وإن كان لابسا للخفين ؛ وقطعنا كل من لزمه اسم سارق ؛ وضربنا مائة كل من زنى وإن كان ثيبا ؛ وأعطينا سهم ذى القربى من بينه وبين النبي (صلى اللّه عليه وسلم) قرابة ، وخمسنا السلب لأنه من الغنيمة.
* * *
أنا ، أبو عبد اللّه الحافظ ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي رحمه اللّه تعالى : «وضع اللّه جل ثناؤه رسوله صلى اللّه عليه وسلم - من دينه وفرضه وكتابه - الموضع الذي أبان (جل ثناؤه) أنه جعله علما لدينه بما افترض من طاعته ، وحرم من معصيته. وأبان فضيلته بما قرر : من الإيمان برسوله مع الإيمان به. فقال تبارك وتعالي : ( آمِنُوا بِاللّهِ وَرَسُولِهِ : 4 - 136 ) . وقال تعالى : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ
ص: 27
لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ : 24 - 62 ) . فجعل دليل ابتداء الإيمان - الذي ما سواه تبع له - الإيمان باللّه ثم برسوله صلى اللّه عليه وسلم. فلو آمن به عبد ولم يؤمن برسوله صلى اللّه عليه وسلم - لم يقع عليه اسم كمال الإيمان أبدا ، حتى يؤمن برسوله (عليه السلام) معه».
قال الشافعي رحمه اللّه : «وفرض اللّه تعالى على الناس اتباع وحيه وسنن رسوله صلى اللّه عليه وسلم ، فقال فى كتابه : ( رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ : 2 - 129 ) . وقال تعالى : ( لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ : 3 - 164 ) ، وقال تعالى : ( وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللّهِ وَالْحِكْمَةِ : 33 - 34 ) ». وذكر غيرها من الآيات التي وردت فى معناها. قال : «فذكر اللّه تعالى الكتاب ، وهو القرآن ؛ وذكر الحكمة ، فسمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول : الحكمة سنة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. وهذا يشبه ما قال (واللّه أعلم) بأن القرآن ذكر وأتبعته الحكمة ؛ وذكر اللّه (عز وجل) منته على خلقه بتعليمهم الكتاب والحكمة. فلم يجز (واللّه أعلم) أن تعد الحكمة هاهنا إلا سنة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ؛ وذلك أنها مقرونة مع كتاب اللّه ، وأن اللّه افترض طاعة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وحتم على الناس اتباع أمره. فلا يجوز أن يقال لقول : فرض ؛ إلا لكتاب اللّه ، ثم سنة رسول اللّه صلى اللّه
ص: 28
عليه وسلم ، مبينة عن اللّه ما أراد دليلا على خاصه وعامه ؛ ثم قرن الحكمة بكتابه فأتبعها إياه ، ولم يجعل هذا لأحد من خلقه غير رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم». ثم ذكر الشافعي رحمه اللّه الآيات التي وردت فى فرض اللّه (عز وجل) طاعة رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم. منها : قوله عز وجل : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ : 4 - 59 ) فقال بعض أهل العلم : أولو الأمر أمراء سرايا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ؛ وهكذا أخبرنا واللّه أعلم ، وهو يشبه ما قال واللّه أعلم - : أن من كان حول مكة من العرب لم يكن يعرف إمارة ، وكانت تأنف أن تعطى بعضها بعضا طاعة الإمارة ؛ فلما دانت لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالطاعة ، لم تكن ترى ذلك يصلح لغير رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ؛ فأمروا أن يطيعوا أولى الأمر الذين أمرهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ، لا طاعة مطلقة ، بل طاعة يستثنى فيها لهم وعليهم. قال تعالى : ( فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ : 4 - 59 ) . يعنى إن اختلفتم فى شىء ، وهذا إن شاء اللّه كما قال فى أولى الأمر. لأنه يقول : ( فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ ) يعنى (واللّه أعلم) هم وأمراؤهم الذين أمروا بطاعتهم. ( فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ ) يعنى (واللّه أعلم) - إلى ما قال اللّه والرسول إن عرفتموه ؛ وإن لم تعرفوه سألتم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عنه إذا وصلتم إليه ، أو من وصل إليه. لأن ذلك الفرض الذي لا منازعة لكم فيه ؛ لقول اللّه عز وجل : ( وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ
ص: 29
يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ : 33 - 36 ) . ومن تنازع ممن - بعد عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم - رد الأمر إلى قضاء اللّه ؛ ثم إلى قضاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ؛ فإن لم يكن فيما تنازعوا فيه قضاء نصافيهما ، ولا فى واحد منهما - ردوه قياسا على أحدهما.
وقال تعالى : ( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ (1) الآية : 4 - 65 ) . قال الشافعي : «نزلت هذه الآية فيما بلغنا - واللّه أعلم - فى رجل خاصم الزبير رضى اللّه عنه فى أرض ، فقضى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم بها للزبير رضي اللّه عنه ، وهذا القضاء سنة من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ، لا حكم منصوص فى القران. وقال عز وجل : ( وَإِذا دُعُوا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ 24 - 48 ) والآيات بعدها. فأعلم اللّه الناس أن دعاءهم إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ليحكم بينهم ، دعاء إلى حكم اللّه ، وإذا سلموا لحكم النبي صلّى اللّه عليه وسلّم ، فإنما سلموا لفرض اللّه». وبسط الكلام فيه.
قال الشافعي رضى اللّه عنه : «وشهد له (جل ثناؤه) باستمساكه بأمره به ، والهدى فى نفسه وهداية من اتبعه. فقال : ( وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِراطِ
ص: 30
اللّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ : 42 52 - 53 - ) . وذكر معها غيرها. ثم قال في شهادته له : إنه يهدى إلى صراط مستقيم صراط اللّه. وفيما وصفت -. من فرض طاعته : - ما أقام اللّه به الحجة على خلقه بالتسليم لحكم رسوله واتباع أمره ، فما سن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلّم فيما ليس لله فيه حكم - فحكم اللّه سنته». ثم ذكر الشافعي رحمه اللّه الاستدلال بسنته على الناسخ والمنسوخ من كتاب اللّه ؛ ثم ذكر الفرائض المنصوصة التي بين رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم معها ؛ ثم ذكر الفرائض الجمل التي أبان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن اللّه سبحانه كيف هى ومواقيتها ؛ ثم ذكر العام من أمر اللّه الذي أراد به العام ، والعام الذي أراد به الخاص ؛ ثم ذكر سنته فيما ليس فيه نص كتاب. وإيراد جميع ذلك هاهنا مما يطول به الكتاب ، وفيما ذكرناه إشارة إلى ما لم نذكره.
* * *
(أنا) أبو عبد اللّه الحافظ ، أنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، أنا الربيع ابن سليمان ، قال : قال الشافعي رحمه اللّه : «وفى كتاب اللّه عز وجل دلالة على ما وصفت. قال اللّه عز وجل : ( إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ : 71 - 1 ) . وقال تعالى : ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ : 29 - 14 ) . وقال عز وجل : ( وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ : 4 - 163 ) . وقال تعالي : ( وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً : 7 - 65 ) . وقال تعالى : ( وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً : 7 - 73 ) . وقال تعالى : ( وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً : 7 - 85 ) . وقال جل وعز :
ص: 31
( كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ* فَاتَّقُوا اللّهَ وَأَطِيعُونِ : 26 - 160 - 163 ) . وقال تعالى لنبيه صلّى اللّه عليه وسلّم : ( إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ 4 - 163 ) . وقال تعالى : ( وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ 3 - 144 ) .
قال الشافعي : «فأقام (جل ثناؤه) حجته على خلقه فى أنبيائه بالأعلام التي باينوا بها خلقه سواهم ، وكانت الحجة على من شاهد أمور الأنبياء دلائلهم التي باينوا بها غيرهم ؛ وعلى من بعدهم - وكان الواحد فى ذلك وأكثر منه سواء - تقوم الحجة بالواحد منهم قيامها بالأكثر. قال تعالى : ( وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ. إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ ، فَقالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ : 36 - 13 - 14 ) . قال : فظاهر الحجة عليهم باثنين ثم ثالث ، وكذا أقام الحجة على الأمم بواحد ؛ وليس الزيادة فى التأكيد مانعة من أن تقوم الحجة بالواحد إذا أعطاه اللّه ما يباين به الخلق غير النبيين. واحتج الشافعي بالآيات التي وردت فى القرآن فى فرض اللّه طاعة رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم ومن بعده إلى يوم القيامة واحدا واحدا ، فى أن علي كل واحد طاعته ؛ ولم يكن أحد غاب عن رؤية رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يعلم أمر رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وسلّم ، وشرّف وكرّم) إلا بالخبر عنه». وبسط الكلام فيه.
ص: 32
(أنا) أبو عبد اللّه الحافظ ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع قال : قال الشافعي رحمه اللّه : «إن اللّه خلق الناس لما سبق فى علمه مما أراد بخلقهم وبهم ، ( لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسابِ : 13 - 41 ) وأنزل الكتاب [عليهم] ( تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ : 16 - 89 ) [و] فرض [فيه] فرائض أثبتها ، وأخرى نسخها ، رحمة لخلقه بالتخفيف عنهم ، وبالتوسعة عليهم. زيادة فيما ابتدأهم به من نعمه ، وأثابهم على الانتهاء إلى ما أثبت عليهم : جنته والنجاة من عذابه. فعمتهم رحمته فيما أثبت ونسخ ، فله الحمد على نعمه. وأبان اللّه لهم أنه إنما نسخ ما نسخ من الكتاب بالكتاب ، وأن السنة [لا ناسخة للكتاب] وإنما هى تبع للكتاب بمثل ما نزل نصا ، ومفسرة معنى ما أنزل اللّه منه جملا. قال اللّه تعالى : ( وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ ، قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ : 10 - 15 ) فأخبر اللّه (عز وجل) : أنه فرض على نبيه اتباع ما يوحى إليه ، ولم يجعل له تبديله من تلقاء نفسه وفى [قوله : ( ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي ) بيان ما وصفت : من أنه لا ينسخ كتاب اللّه إلا كتابه كما كان المبتدئ لفرضه : فهو المزيل المثبت لما شاء منه (جل ثناؤه) ؛ ولا يكون ذلك لأحد من خلقه لذلك (1) قال : ( يَمْحُوا اللّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ : 13 - 39 ) قيل يمحو فرض ما يشاء [ويثبت فرض ما يشاء] وهذا يشبه ما قيل واللّه أعلم. وفى كتاب اللّه دلالة عليه : قال
ص: 33
اللّه عزوجل : ( ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها : 2 - 106 ) . فأخبر اللّه (عز وجل) : أن نسخ القرآن ، وتأخير إنزاله لا يكون إلا بقرآن مثله. وقال : ( وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ : 16 - 101 ) . وهكذا سنة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : لا ينسخها إلا سنة لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم». وبسط الكلام فيه.
قال الشافعي : «وقد قال بعض أهل العلم - فى قوله تعالى : ( قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي ) - واللّه أعلم - دلالة على أن اللّه تعالى جعل لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ، أن يقول من تلقاء نفسه بتوفيقه فيما لم ينزل به كتابا. واللّه أعلم».
(أخبرنا) أبو عبد اللّه الحافظ ، نا أبو العباس - هو : الأصم - أنا الربيع : أن الشافعي رحمه اللّه قال : «قال اللّه تبارك وتعالى فى الصلاة : ( إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً : 4 - 103 ) فبين رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن اللّه عز وجل تلك المواقيت ؛ وصلى الصلوات لوقتها ، فحوصر يوم الأحزاب ، فلم يقدر على الصلاة في وقتها ، فأخرها للعذر ، حتى صلى الظهر ، والعصر والمغرب ، والعشاء فى مقام واحد».
قال الشافعي رحمه اللّه : «أنا ابن أبى فديك ، عن ابن أبى ذئب ، عن المقبرىّ ، عن عبد الرحمن بن [أبى] سعيد الخدري ، عن أبيه قال : حبسنا يوم الخندق عن الصلاة حتى كان بعد المغرب بهوي من الليل حتى كفينا ، وذلك قول اللّه عز وجل : ( وَكَفَى اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ : 33 - 25 ) . قال : فدعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بلالا ، فأمره فأقام الظهر فصلاها ، فأحسن صلاتها كما كان
ص: 34
يصليها فى وقتها ؛ ثم أقام العصر فصلاها هكذا ؛ ثم أقام المغرب فصلاها كذلك ؛ ثم أقام العشاء فصلاها كذلك أيضا ، وذلك قبل أن يقول (1) اللّه فى صلاة الخوف : ( فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً : 2 - 239 ) قال الشافعي رحمه اللّه : «فبين أبو سعيد : أن ذلك قبل أن ينزل [اللّه] على النبي صلّى اللّه عليه وسلّم الآية التي ذكرت فيها صلاة الخوف [وهى] قول اللّه عز وجل : ( وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا الآية (2) : 4 - 101 ) وقال تعالى : ( وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ الآية (3) : 4 - 102 ) . وذكر الشافعي رحمه اللّه حديث صالح ابن خوّات عمن صلى مع النبي صلّى اللّه عليه وسلّم صلاة الخوف [يوم ذات الرّقاع]. ثم قال : وفى هذا دلالة على ما وصفت : من أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا سن سنة ، فأحدث اللّه فى تلك السنة نسخها أو مخرجا إلى سعة منها - : سن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سنة تقوم الحجة على الناس بها ، حتى يكونوا إنما صاروا من سنته إلى سنته التي بعدها -. قال : فنسخ اللّه تأخير الصلاة عن وقتها فى الخوف إلى أن يصلوها - كما أمر اللّه [فى وقتها] ونسخ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سنته فى تأخيرها ، بفرض اللّه فى كتابه ثم بسنته ، فصلاها فى وقتها كما وصفنا».
ص: 35
قال الشافعي رحمه اللّه : «أنا مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر - أراه عن النبي صلى اللّه عليه وسلم - فذكر صلاة الخوف فقال : «إن كان خوفا (1) أشد من ذلك : صلوا رجالا وركبانا ، مستقبلى القبلة وغير مستقبليها». قال : فدلت سنة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، على ما وصفت. من أن القبلة فى المكتوبة على فرضها أبدا ، إلا فى الموضع الذي لا يمكن فيه الصلاة إليها ، وذلك عند المسايفة والهرب ؛ وما كان فى المعنى الذي لا يمكن فيه الصلاة [إليها] وبينت السنة فى هذا أن لا تترك [الصلاة] فى وقتها كيف ما أمكنت المصلى».
(أنا) أبو سعيد بن أبي عمرو ، أنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، أنا الربيع بن سليمان ، أنا الشافعي (رحمه اللّه) قال : «حكم اللّه ، ثم حكم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ، ثم حكم المسلمين - دليل على أن لا يجوز لمن استأهل أن يكون حاكما أو مفتيا : أن يحكم ولا أن يفتى إلا من جهة خبر لازم - وذلك : الكتاب ، ثم السنة. - أو ما قاله أهل العلم لا يختلفون فيه ، أو قياس على بعض هذا. ولا يجوز له : أن يحكم ولا يفتى بالاستحسان ؛ إذ (2) لم يكن الاستحسان واجبا ، ولا فى واحد من هذه المعاني». وذكر - فيما احتج به - قول اللّه عز وجل : ( أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً : 75 - 36 ) [قال] «فلم يختلف أهل العلم بالقرآن فيما علمت أن (السدى) الذي لا يؤمر ولا ينهى. ومن أفتى أو حكم بمالم يؤمر به فقد اختار (3) لنفسه أن يكون فى معانى السدي - وقد أعلمه عز وجل أنه لم يترك
ص: 36
سدى - ورأى (1) أن قال أقول ما شئت ؛ وادعى ما نزل القرآن بخلافه. قال اللّه (جل ثناؤه) لنبيه صلّى اللّه عليه وسلّم : ( اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ : 6 - 106 ) ؛ وقال تعالى : ( وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ : 5 - 49 ) ثم جاءه قوم ، فسألوه عن أصحاب الكهف وغيرهم ؛ فقال «أعلمكم غدا». (يعنى : أسأل جبريل عليه السلام ، ثم أعلمكم). فأنزل اللّه عز وجل : ( وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللّهُ : 18 - 23 - 24 ) . وجاءته امرأة أوس بن الصامت ، تشكو إليه أوسا ، فلم يجبها حتى نزل عليه : ( قَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها : 58 - 1 ) وجاءه العجلاني يقذف (2) امرأته فقال : «لم ينزل فيكما» وانتظر الوحى ، فلما أنزل اللّه (عز وجل) عليه : دعاهما ، ولا عن بينهما كما أمر اللّه عز وجل» وبسط الكلام فى الاستدلال بالكتاب والسنة والمعقول ، فى رد الحكم بما استحسنه الإنسان ، دون القياس على الكتاب والسنة ؛ والإجماع (3).
* * *
(أنا) أبو سعيد ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي قال : «قال اللّه تعالى لنبيه صلّى اللّه عليه وسلّم : ( قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ : 46 - 9 ) . ثم أنزل اللّه (عز وجل) على نبيه صلى اللّه عليه وسلم : أن غفر اللّه له ما تقدم من ذنبه ، وما تأخر. يعنى : «واللّه أعلم» ما تقدم
ص: 37
من ذنبه قبل الوحى ؛ وما تأخر أن يعصمه فلا يذنب ، يعلم [اللّه] ما يفعل به من رضاه عنه ، وأنه أول شافع وأول مشفع يوم القيامة ، وسيد الخلائق».
وسمعت أبا عبد اللّه محمد بن إبراهيم بن عبدان الكرماني ، يقول : سمعت أبا الحسن محمد بن أبى إسماعيل العلوي ببخارا (1) ، يقول : سمعت أحمد بن محمد ابن حسان المصري ، بمكة ، يقول : سمعت المزني يقول : سئل الشافعي عن قول اللّه عز وجل : ( إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ : 48 - 1 - 2 ) قال : «معناه - ما تقدم - : من ذنب أبيك آدم - وهبته لك ؛ وما تأخر - : من ذنوب أمتك - أدخلهم الجنة بشفاعتك».
قال الشيخ رحمه اللّه : وهذا قول مستظرف ؛ والذي وضعه الشافعي - فى تصنيفه - أصح الروايتين وأشبه بظاهر الرواية ؛ واللّه أعلم.
(أنا) أبو عبد اللّه الحافظ قال : سمعت أبا بكر أحمد بن محمد المتكلم ، يقول : سمعت جعفر بن أحمد الساماقى ، يقول : سمعت عبد الرحمن بن عبد اللّه ابن عبد الحكم ، يقول : «سألت الشافعي : أي آية أرجى؟ قال : «قوله تعالى : ( يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ : 90 - 15 - 16 ) ».
(أنا) محمد بن عبد اللّه الحافظ ، أخبرنى أبو بكر أحمد بن محمد بن يحيى المتكلم ، أنا إسحاق بن إبراهيم البستي ، حدثنى ابراهيم بن حرب البغدادي : «أن الشافعي رحمه اللّه سئل بمكة فى الطواف ، عن قول اللّه عز وجل : ( إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ : 5 - 118 ) . قال : «إن تعذبهم فإنهم عبادك ؛ وإن تغفر لهم وتؤخر فى آجالهم : فتمن عليهم بالتوبة والمغفرة».
ص: 38
(أنا) أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمى ، قال : سمعت محمد ابن عبد اللّه بن شاذان ، يقول : سمعت جعفر بن أحمد الخلاطى ، يقول : سمعت الربيع بن سليمان يقول : «سئل الشافعي عن قول اللّه عز وجل : ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ : 2 - 155 ) قال : «الخوف : خوف العدو ؛ والجوع : جوع شهر رمضان ؛ ونقص من الأموال : الزكوات ؛ والأنفس : الأمراض ، والثمرات : الصدقات ، وبشر الصابرين على أدائها».
(أنا) أبو عبد اللّه الحافظ أخبرنى ، أبو عبد اللّه الزبير بن عبد الواحد الحافظ الأسترآبادي قال : سمعت أبا سعيد محمد بن عقيل الفاريابي ، يقول : قال المزني والربيع : «كنا يوما عند الشافعي ، إذ جاء شيخ ، فقال له : أسأل؟ قال الشافعي : سل. قال : إيش الحجة فى دين اللّه؟ فقال الشافعي : كتاب اللّه قال : وماذا؟ قال : سنة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. قال : وماذا؟ قال : اتفاق الأمة. قال : ومن أين قلت اتفاق الأمة ، من كتاب اللّه؟ فتدبر الشافعي (رحمه اللّه) ساعة. فقال الشيخ : أجلتك ثلاثة أيام. فتغير لون الشافعي ؛ ثم إنه ذهب فلم يخرج أياما. قال : فخرج من البيت [فى] اليوم الثالث ، فلم يكن بأسرع أن جاء الشيخ فسلم فجلس ، فقال : حاجتى؟ فقال الشافعي (رحمه اللّه) : نعم ؛ أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم ، بسم اللّه الرحمن الرحيم ، قال اللّه عز وجل : ( وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً ) (1) : 4 - 115. لا يصليه جهنم على
ص: 39
خلاف [سبيل] المؤمنين ، إلا وهو فرض. قال : فقال : صدقت. وقام وذهب. قال الشافعي : قرأت القرآن فى كل يوم وليلة ثلاث مرات ، حتى وقفت عليه». وهذه الحكاية أبسط من هذه ، نقلتها فى كتاب المدخل.
(أنا) محمد بن عبد اللّه الحافظ قال : سمعت أبا محمد جعفر بن محمد ابن الحارث ، يقول : سمعت أبا عبد اللّه الحسين بن محمد بن الضحاك (المعروف بابن بحر) يقول : سمعت إسماعيل بن يحيى المزني ، يقول : «سمعت ابن هرم القرشي يقول : سمعت الشافعي يقول فى قول اللّه عز وجل : ( كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ : 83 - 15 ) . قال : فلما حجبهم فى السخط : كان فى هذا دليل على أنهم يرونه فى الرضا».
(أنا) أبو عبد اللّه محمد بن حيان القاضي. أنا محمد بن عبد الرحمن ابن زياد : قال : أخبرنى أبو يحيى الساجي (أو فيما أجاز لى مشافهة) قال : ثنا. الربيع ، قال سمعت الشافعي يقول : «فى كتاب اللّه (عز وجل) المشيئة له دون خلقه ؛ والمشيئة : إرادة اللّه. يقول اللّه عز وجل : ( وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللّهُ : 76 - 30 و 81 - 29 ) . فاعلم خلقه : أن المشيئة له».
(أنا) ، أبو عبد اللّه الحافظ ، أخبرنى أبو أحمد بن أبى الحسن ، أنا عبد الرحمن بن محمد الحنظلي ، نا أبو عبد الملك بن عبد الحميد الميموني ، حدثنى أبو عثمان محمد بن محمد بن إدريس الشافعي ، قال : سمعت أبى يقول ليلة للحميدى : «ما يحجّ عليهم (يعنى على أهل الإرجاء) بآية أحجّ من قوله عز وجل ( وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ : 98 - 5 ) ».
قرأت فى كتاب أبى الحسن محمد بن الحسن القاضي - فيما أخبره أبو عبد اللّه
ص: 40
محمد بن يوسف بن النضر : أنا ابن الحكم ، قال : سمعت الشافعي يقول فى قول اللّه عز وجل : ( وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ. 30 - 27 ) . قال : معناه هو أهون عليه فى العبرة عندكم ، لما (1) كان يقول للشيء كن ؛ فيخرج مفصلا بعينيه وأذنيه ، وسمعه ومفاصله ، وما خلق اللّه فيه من العروق. فهذا - فى العبرة - أشد من أن يقول لشىء قد كان : عد إلى ما كنت. قال : فهو إنما هو أهون عليه فى العبرة عندكم ، ليس أن شيئا يعظم على اللّه عز وجل».
(أنا) أبو عبد اللّه الحافظ ، أنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، أنا الربيع بن سليمان. أنا الشافعي ، أنا ابراهيم بن سعد ، عن ابن شهاب ، عن عامر بن سعد ، عن أبيه : أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم ، قال : «أعظم المسلمين فى المسلمين جرما : من سأل عن شيء لم يكن محرما ، فحرم من أجل مسئلته.». قال الشافعي : «وقال اللّه عز وجل : ( لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ - إلى قوله (عز وجل) - بِها كافِرِينَ (2) : 5 - 101 - 102 ) قال : كانت المسائل فيما لم ينزل - إذا كان الوحى ينزل - مكروهة ؛ لما ذكرنا : من قول اللّه عز وجل ، ثم قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ، وغيره : مما فى معناه. ومعنى كراهة ذلك : ان يسئلوا عما لم يحرم : فإن حرمه اللّه فى كتابه ، أو على لسان نبيه صلّى اللّه عليه وسلّم حرم أبدا ، إلا أن ينسخ اللّه تحريمه فى كتابه ، أو ينسخ - على لسان رسوله - سنة بسنة».
(أنا) أبو عبد اللّه الحسين بن محمد بن فنجويه ، بالدامغان ، نا الفضل
ص: 41
ابن الفضل الكندي ، ثنا زكريا بن يحيى الساجي قال : سمعت أبا عبد اللّه (ابن أخى ابن وهب) يقول : سمعت الشافعي يقول : «الأمّة على ثلاثة وجوه : قوله تعالى : ( إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ : 43 - 22 ) ؛ قال : على دين. وقوله تعالى : ( وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ : 12 - 45 ) ، قال : بعد زمان. وقوله تعالى : ( إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ : 16 - 120 ) ؛ قال : معلما.»
(أنا) أبو عبد اللّه الحافظ ، حدثنى أبو بكر أحمد بن محمد بن أيوب الفارسي المفسر. أنا أبو بكر محمد بن صالح ابن الحسن البستاني بشيراز ، نا الربيع بن سليمان المرادي ، نا محمد بن إدريس الشافعي (رحمه اللّه) ، أنا ابراهيم بن سعد ، عن ابن شهاب ، عن سعيد بن مرجانة : قال عكرمة لابن عباس : «إن ابن عمر تلا هذه الآية : ( وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللّهُ : 2 - 284 ) ؛ فبكى ، ثم قال : واللّه لئن أخذنا اللّه بها لنهلكن.» فقال ابن عباس : «يرحم اللّه أبا عبد الرحمن ؛ قد وجد المسلمون منها - حين نزلت - ما وجد ؛ فذكروا ذلك لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ؛ فنزلت : ( لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها الآية (1) : 2 - 286 ) من القول والعمل. وكان حديث النفس مما لا يملكه أحد ، ولا يقدر عليه أحد.
ص: 42
(أنا) محمد بن موسى بن الفضل ، أنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، أنا الربيع بن سليمان ، أنا الشافعي رحمه اللّه قال : «قال اللّه جل ثناءه : ( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ ) إلى قوله (1) عز وجل : ( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا : 5 - 6 ) قال : وكان (2) بينا عند من خوطب بالآية : أن غسلهم إنما يكون بالماء ؛ [ثم] أبان اللّه فى [هذه] الآية : أن الغسل بالماء. وكان معقولا عند من خوطب بالآية : [أن الماء ما خلق اللّه تبارك وتعالى مما لا صنعة فيه للآدميين (3)]. وذكر الماء عاما ؛ فكان ماء السماء ، وماء الأنهار ، والآبار ، والقلات (4) ، والبحار. العذب من جميعه ، والأجاج سواء : فى أنه يطهر من توضأ واغتسل به».
وقال فى قوله عز وجل : ( فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ) «لم أعلم مخالفا فى أن الوجه المفروض غسله فى الوضوء : ما ظهر دون ما بطن. وقال : وكان معقولا : أن الوجه : ما دون منابت شعر الرأس ، إلى الأذنين واللحيين والذقن»
وفى قوله تعالى : ( وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ ) ؛ قال : «فلم أعلم مخالفا [فى] أن المرافق فيما (5) يغسل. كأنهم ذهبوا إلى [أن] معناها : فاغسلوا أيديكم إلى أن تغسل المرافق.
ص: 43
وفى قوله تعالى : ( وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ ) ؛ قال : «وكان معقولا فى الآية أن من مسح من رأسه شيئا فقد مسح برأسه ؛ ولم تحتمل الآية إلا هذا - وهو أظهر معانيها - أو مسح الرأس كله قال : فدلت السنة على أن ليس على المرء مسح رأسه كله. وإذا دلت السنة على ذلك فمعنى الآية : أن من مسح شيئا من رأسه أجزأه».
وفى قوله تعالى : ( وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ) ؛ قال الشافعي : «نحن نقرؤها (وأرجلكم) ؛ على معنى : اغسلوا وجوهكم وأيديكم وأرجلكم ؛ وامسحوا برؤسكم قال : ولم أسمع مخالفا فى أن الكعبين - اللذين ذكر اللّه عز وجل فى الوضوء - الكعبان الناتئان - وهما مجمع مفصل الساق والقدم - وأن عليهما الغسل. كأنه يذهب فيهما إلى اغسلوا أرجلكم حتى تغسلوا الكعبين». وقال فى غير هذه الرواية «والكعب إنما سمى كعبا لنتوئه فى موضعه عما تحته وما فوقه. ويقال للشىء المجتمع من السمن ، كعب سمن (1) وللوجه فيه نتوء ؛ وجه كعب ؛ والثدي إذا تناهدا كعب.».
قال الشافعي رحمه اللّه - فى روايتنا عن أبى سعيد : «وأصل مذهبنا أنه يأتى بالغسل كيف شاء ولو قطعه ؛ لأن اللّه تبارك وتعالى قال : ( حَتَّى تَغْتَسِلُوا : 4 - 43 ) (2) فهذا مغتسل وإن قطع الغسل ؛ فلا أحسبه يجور - إذا قطع الوضوء - إلا مثل هذا».
قال الشافعي رحمه اللّه : وتوضأ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كما أمر اللّه ، وبدأ بما بدأ اللّه به. فاشبه (واللّه أعلم) أن يكون على المتوضئ فى الوضوء شيئان [أن] يبدأ بما بدأ اللّه ثم رسوله صلى اللّه عليه وسلم به منه ، ويأتى على إكمال
ص: 44
ما أمر به (1) وشبهه بقول اللّه عز وجل : ( إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللّهِ : 2 - 158 ) . فبدأ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالصفا ، وقال «نبدأ بما بدأ اللّه به». قال الشافعي رحمه اللّه : «وذكر اللّه اليدين معا والرجلين معا ، فأحب أن يبدأ باليمنى وإن بدأ باليسرى فقد أساء ولا إعادة عليه.
وفى قول اللّه عز وجل : ( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ) ؛ قال الشافعي رحمه اللّه : «فكان ظاهر الآية أن من قام إلى الصلاة فعليه أن يتوضأ وكانت محتملة أن تكون نزلت فى خاص. فسمعت بعض من أرضى علمه بالقرآن ، يزعم : أنها نزلت فى القائمين من النوم ؛ وأحسب ما قال كما قال. لأن [فى] السنة دليلا على أن يتوضأ من قام من نومه (2). قال الشافعي رحمه اللّه : فكان الوضوء الذي ذكره اللّه - بدلالة السنة - على من لم يحدث غائطا ولا بولا ؛ دون من أحدث غائطا أو بولا. لأنهما نجسان يماسان بعض البدن. يعنى فيكون عليه الاستنجاء (3) فيستنجى بالحجارة أو الماء ؛ قال ولو جمعه رجل ثم غسل بالماء كان أحب إلى. ويقال إن قوما من الأنصار استنجوا بالماء فنزلت فيهم :
( فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ : 9 - 108 ) قال الشافعي رحمه اللّه : ومعقول - إذ ذكر اللّه تعالى الغائط فى آية الوضوء أن الغائط. التخلي ؛ فمن تخلى وجب عليه الوضوء». ثم ذكر الحجة من غير الكتاب ، فى إيجاب الوضوء بالريح ، والبول ، والمذي ، والودي وغير ذلك مما يخرج من سبيل الحدث (4)
ص: 45
وفى قوله تعالى : ( أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ : 4 - 43 و 5 - 6 ) ؛ قال الشافعي : «ذكر اللّه عز وجل الوضوء على من قام إلى الصلاة ؛ فاشبه أن يكون من (1) قام من مضجع النوم.» وذكر طهارة الجنب ، ثم قال بعد ذلك : ( وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا ) . فأشبه : أن يكون أوجب الوضوء من الغائط ، وأوجبه من الملامسة وإنما ذكرها موصولة بالغائط بعد ذكر الجنابة ؛ فأشبهت الملامسة أن تكون اللمس باليد والقبل غير الجنابة». ثم استدل عليه بآثار ذكرها (2). قال الربيع : اللمس بالكف ؛ ألا ترى أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم نهى عن الملامسة. والملامسة : أن يلمس الرجل الثوب فلا يقلبه وقال الشاعر (3) :
فألمست كفّى كفّه أطلب الغنى *** ولم أدر أنّ الجود من كفّه يعدى
فلا أنا ، منه ما أفاد ذوو الغنى *** [أفدت] واعدانى فبدّدت (4) ما عندي
هكذا وجدته فى كتابى وقد رواه غيره عن الربيع عن الشافعي (5) ، أنا أبو عبد الرحمن السلمى ، أنا : الحسين بن رشيق المصري إجازة ، انا أحمد بن محمد ابن حرير النحوي ، قال : سمعت الربيع بن سليمان يقول ؛ فذكر معناه عن الشافعي (6)
(انا) أبو سعيد ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي : «قال اللّه تبارك وتعالى : ( لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا : 4 - 43 ) . فأوجب
ص: 46
(جل ثناؤه) الغسل من الجنابة ؛ وكان معروفا فى لسان العرب أن الجنابة : الجماع وإن لم يكن مع الجماع ماء دافق. وكذلك ذلك فى حد الزنا ، وإيجاب المهر ، وغيره وكل من خوطب : بأن فلانا أجنب من فلانة عقل أنه أصابها وإن لم يكن مقترفا». يعنى أنه (1) لم ينزل.
وبهذا الإسناد قال الشافعي : «وكان فرض اللّه الغسل مطلقا : لم يذكر فيه شيئا يبدأ به قبل شىء ؛ فإذا جاء المغتسل [بالغسل (2)] أجزأه - واللّه أعلم - كيفما جاء به - وكذلك (3) لا وقت فى الماء فى الغسل ، إلا أن يأتى بغسل جميع بدنه».
* * *
(أنا) أبو عبد اللّه الحافظ ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي : «قال اللّه تبارك وتعالى : ( فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ) . قال الشافعي : نزلت آية التيمم فى غزوة بنى المصطلق ، أنحل عقد لعائشة رضى اللّه عنها ، فأقام الناس على التماسه مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وليسوا على ماء ، وليس معهم ماء. فأنزل اللّه (عز وجل) آية التيمم. أخبرنا بذلك عدد من قريش من أهل العلم بالمغازي وغيرهم». [ثم] روى فيه حديث مالك ؛ وهو مذكور فى كتاب المعرفة.
(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو ، انا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي رحمه اللّه : «قال اللّه تبارك وتعالى : ( فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً )
قال : وكلّ ما وقع عليه اسم صعيد لم يخالطه نجاسة ، فهو : صعيد طيب يتيمم به. ولا يقع اسم صعيد إلا على تراب ذى غبار ؛ فاما البطحاء
ص: 47
الغليظة والرقيقة والكثيب الغليظ - فلا يقع عليه اسم صعيد (1)».
وبهذا الإسناد قال الشافعي : «قال اللّه تبارك وتعالى : ( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ الآية) وقال فى سياقها ( وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ [أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ] فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً [فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ] ) (2) فدل حكم اللّه (عز وجل) على أنه أباح التيمم فى حالين : أحدهما : السفر والأعواز من الماء. والآخر. المرض (3) فى حضر كان أو سفر. ودل [ذلك] على أن على المسافر طلب الماء ، لقوله : ( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا ) وكان كل من خرج مجتازا من بلد إلى غيره ، يقع عليه اسم السفر قصر السفر أو طال. ولم أعلم من السنة دليلا على أن لبعض (4) المسافرين أن يتيمم دون بعض ؛ فكان ظاهر القرآن ان كل من سافر سفرا قريبا أو بعيدا يتيمم».
قال : وإذا كان مريضا بعض المرض : تيمم حاضرا أو مسافرا ، أو واجدا للماء أو غير واجد له (5) والمرض اسم جامع لمعان لأمراض مختلفة ؛ فالذى سمعت : أن المرض - الذي للمرء أن يتيمم فيه - : الجراح ، والقرح دون الغور كله مثل الجراح ؛ لأنه يخاف فى كله - إذا ما مسه الماء - أن ينطف ، فيكون من النطف التلف ، والمرض المخوف».
ص: 48
وقال فى القديم (رواية الزعفراني عنه) : «يتيمم إن خاف [إن مسه الماء (1)] التلف ، أو شدة الضنى». وقال فى كتاب البويطىّ : «فخاف ، إن أصابه الماء ، أن يموت ، أو يتراقى (2) عليه إلى ما هو أكثر منها ؛ تيمم وصلى ولا إعادة عليه. لأن اللّه تعالى أباح للمريض التيمم. وقيل : ذلك المرض : الجراح والجدري. وما كان فى معناهما : من المرض - عندى مثلهما ؛ وليس الحمىّ وما أشبهها - : من الرمد وغيره. - عندى ، مثل ذلك.»
قال الشافعي - فى روايتنا : «جعل اللّه المواقيت للصلاة ؛ فلم يكن لأحد أن يصليها قبلها ؛ وإنما أمر (3) بالقيام إليها إذا دخل وقتها ؛ وكذلك أمر (4) بالتيمم عند القيام إليها ، والإعواز من الماء. فمن تيمم لصلاة قبل دخول وقتها ، وطلب الماء لها - : لم يكن له أن يصليها بذلك التيمم.»
* * *
أخبرنا ، أبو سعيد ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال. قال الشافعي (رحمه اللّه) : «وإنما قلت : لا يتوضأ رجل بماء قد توضأ به غيره. لأن (5) اللّه (جل ثناؤه) يقول ( فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ 5 - 6 ) فكان معقولا. أن الوجه لا يكون مغسولا إلا بأن يبتدأ له بماء (6) فيغسل به ، ثم عليه فى اليدين عندي - مثل ما عليه فى الوجه [من] أن يبتدىء لهما ماء فيغسلهما به. (7) فلو أعاد عليهما الماء
ص: 49
الذي غسل به الوجه - : كان كأنه لم يسوّ بين يديه ووجهه ، ولا يكون مسويا بينهما ، حتى يبتدىء لهما الماء ، كما ابتدأ للوجه. وأن (1) رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم «أخذ لكل عضو ماء جديدا.».
وبهذا الإسناد ، قال الشافعي (رحمه اللّه) : «قال اللّه عز وجل : ( فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ (2) إلى : وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ : 5 - 6 ) . فاحتمل أمر اللّه (تبارك وتعالي) بغسل القدمين : أن يكون على كل متوضئ ؛ واحتمل : أن يكون على بعض المتوضئين دون بعض. فدل مسح رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على الخفين - : أنها (3) على من لا خفين عليه [إذا هو (4)] لبسهما على كمال طهارة. كما دل صلاة رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) صلاتين بوضوء واحد ، وصلوات بوضوء واحد - : على أن فرض الوضوء ممن (5) قام إلى الصلاة ، على بعض القائمين دون بعض ، لا : (6) أن المسح خلاف لكتاب اللّه ، ولا الوضوء على القدمين (7).». زاد - فى روايتى ، عن أبى عبد اللّه ، عن أبى العباس ، عن الربيع ، عنه - : «إنما يقال : «الغسل كمال ، والمسح رخصة كمال ؛ وأيهما شاء فعل (8)».
ص: 50
أنا ، أبو عبد اللّه الحافظ ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، قال : «قال اللّه تبارك وتعالى : ( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ) (1) الآية ، ودلت السنة على [أن (2)] الوضوء من الحدث. وقال اللّه عز وجل : ( لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى ، حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ ، وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا ) الآية (3). فكان الوضوء عاما فى كتاب اللّه (عز وجل) من (4) الأحداث ؛ وكان أمر اللّه الجنب بالغسل من الجنابة ، دليلا (واللّه أعلم) على : أن لا يجب غسل إلا من جنابة ؛ إلا أن تدل على غسل واجب : فنوجبه بالسنة : بطاعة اللّه فى الأخذ بها (5). ودلت السنة على وجوب الغسل من الجنابة ؛ ولم أعلم دليلا بيّنا على أن يجب غسل غير الجنابة الوجوب الذي لا يجزىء غيره. وقد روى فى غسل يوم الجمعة شىء ؛ فذهب ذاهب إلى غير ما قلنا ؛ ولسان العرب واسع».
ص: 51
ثم ذكر ما روى فيه ، وذكر تأويله ، وذكر السنة التي دلت على وجوبه فى الاختيار ، و [فى] النظافة ، ونفى (1) تغير الريح عند اجتماع الناس (2) ، وهو مذكور فى كتاب المعرفة (3).
* * *
وفيما أنبأنى أبو عبد اللّه (إجازة) عن الربيع ، قال : قال الشافعي : (رحمه اللّه تعالى) : «قال اللّه تبارك وتعالى : ( وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ. قُلْ : هُوَ أَذىً ، فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ ) الآية (4). فأبان : أنها حائض غير طاهر ، وأمرنا : أن لا نقرب حائضا حتى تطهر ، ولا إذا طهرت حتى تتطهر (5) بالماء ، وتكون ممن تحل لها الصلاة».
وفى قوله عز وجل : ( فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ ) ، قال الشافعي : «قال بعض أهل العلم بالقرآن : فأتوهن من حيث أمركم اللّه أن تعتزلوهن ؛ يعنى فى (6) مواضع الحيض. وكانت الآية محتملة لما قال ؛ ومحتملة : أن اعتزالهن : اعتزال جميع أبدانهن ، ودلت سنة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : على اعتزال ما تحت الإزار منها ، وإباحة ما فوقها».
ص: 52
قال الشافعي : «وكان مبينا (1) فى قول اللّه عز وجل : ( حَتَّى يَطْهُرْنَ ) : أنهن حيّض فى غير حال الطهارة (2) ، وقضى اللّه على الجنب : أن لا يقرب الصلاة حتى يغتسل ، فكان مبينا : أن لا مدة لطهارة الجنب إلا الغسل (3) ، ولا مدة لطهارة الحائض إلا ذهاب الحيض ، ثم الغسل : لقول اللّه عز وجل : ( حَتَّى يَطْهُرْنَ ) ، وذلك : انقضاء (4) الحيض : ( فَإِذا تَطَهَّرْنَ ) ، يعنى : بالغسل ؛ لأن السنة دلت على أن طهارة الحائض : الغسل (5) ؛ ودلت على بيان ما دل عليه كتاب اللّه : من أن لا تصلى الحائض.» ، فذكر حديث عائشة (رضى اللّه عنها) ، ثم قال : «وامر النبي (صلى اللّه عليه وسلم) عائشة (رضى اللّه عنها) - : «أن لا تطوفى بالبيت حتى تطهرى» : - : يدل على أن لا تصلى (6) حائضا ؛ لأنها غير طاهر ما كان الحيض قائما. ولذلك (7) قال اللّه عز وجل : ( حَتَّى يَطْهُرْنَ ) .»
قال الشافعي : «قال اللّه تبارك وتعالى : ( حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ ، وَالصَّلاةِ الْوُسْطى ) الآيتين (8). فلما لم يرخص اللّه (9) فى أن تؤخر الصلاة
ص: 53
فى الخوف ، وأرخص : أن يصليها المصلى كما أمكنته رجالا وركبانا (1) ؛ وقال : ( إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً : 4 - 103) ؛ وكان من عقل الصلاة من البالغين ، عاصيا بتركها : إذا جاء وقتها وذكرها ، [وكان غير ناس لها] (2) ؛ وكانت الحائض بالغة عاقلة ، ذاكرة للصلاة ، مطيقة لها ؛ وكان (3) حكم اللّه : أن لا يقربها زوجها حائضا ؛ ودل حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : على أنه إذا حرم على زوجها أن يقربها للحيض ، حرم عليها أن تصلى - : كان فى هذا دليل (4) [على] أن فرض الصلاة فى أيام الحيض زائل عنها فإذا زال عنها - وهى ذاكرة عاقلة مطيقة - : لم يكن عليها قضاء الصلاة. وكيف تقضى ما ليس بفرض عليها : بزوال فرضه عنها؟! وهذا ما لم أعلم فيه مخالفا».
* * *
أخبرنا أبو عبد اللّه محمد بن عبد اللّه الحافظ (رحمه اللّه) ، نا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصمّ ، أنا الربيع بن سليمان ، قال : قال الشافعي : «ومما نقل بعض من سمعت منه - : من أهل العلم - : أن اللّه (عز وجل) أنزل فرضا فى الصلاة قبل فرض الصلوات الخمس ؛ فقال : ( يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ
ص: 54
إِلَّا قَلِيلاً نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً : 73 - 1 - 4 ) . ثم نسخ هذا فى السورة معه ، فقال : ( إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ (1) ؛ قرأ إلى : وَآتُوا الزَّكاةَ : 73 - 20 ) . قال الشافعي : ولما ذكر اللّه (عز وجل) بعد أمره بقيام الليل : نصفه إلا قليلا ، أو الزيادة عليه فقال : ( أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ ) ، فخفف ، فقال : ( عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى ، وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللّهِ ، وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ ، فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ : 73 - 20 ) : - كان (2) بينا فى كتاب اللّه (عز وجل) نسخ قيام الليل ونصفه ، والنقصان من النصف ، والزيادة عليه - : بقوله عز وجل : ( فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ ) . ثم احتمل قول اللّه عز وجل : ( فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ ) ، معنيين : أحدهما : أن يكون فرضا ثابتا ، لأنه أزيل (3) به فرض غيره. (والآخر) : أن يكون فرضا منسوخا : ازيل بغيره ، كما ازيل به غيره. وذلك لقول اللّه تعالى : ( وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ ) الآية (4)
ص: 55
واحتمل قوله : ( وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ ) : أن يتهجد بغير الذي فرض عليه : مما تيسر منه : فكان الواجب طلب الاستدلال بالسنة على أحد المعنيين ، فوجدنا سنة رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) تدل على أن لا واجب من الصلاة إلا الخمس ، فصرنا : إلى أن الواجب الخمس ، وأن ما سواها : من واجب : من صلاة ، قبلها - منسوخ بها ، استدلالا بقول اللّه عز وجل : ( وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ ) فإنها (1) ناسخة لقيام الليل ، ونصفه ، وثلثه ، وما تيسر. ولسنا نحبّ لأحد ترك (2) ، أن يتهجد بما يسره اللّه عليه : من كتابه ، مصليا [به] (3) ، وكيفما أكثر فهو أحب إلينا». ثم ذكر حديث طلحة بن عبيد اللّه ، وعبادة بن الصامت ، فى الصلوات الخمس (4).
أخبرنا أبو سعيد بن أبى عمرو ، ثنا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال لنا الشافعي رحمه اللّه. فذكر معنى هذا بلفظ آخر (5) ؛ ثم قال : «ويقال : نسخ ما وصفت المزمل (6) ، بقول اللّه عز وجل : ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ ) ، ودلوك الشمس : زوالها ؛ ( إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ ) : العتمة ، ( وَقُرْآنَ الْفَجْرِ ) : الصبح ، ( إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً* وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ
ص: 56
نافِلَةً لَكَ : 17 - 78 ، 79 ) ، فأعلمه أن صلاة الليل نافلة لا فريضة ؛ وأن الفرائض فيما ذكر : من ليل أو نهار. قال الشافعي : ويقال : فى قول اللّه عز وجل : ( فَسُبْحانَ اللّهِ حِينَ تُمْسُونَ ) : المغرب والعشاء ؛ ( وَحِينَ تُصْبِحُونَ ) : الصبح ، ( وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا ) : العصر ، ( وَحِينَ تُظْهِرُونَ ) : الظهر. قال الشافعي : وما أشبه ما قيل من هذا ، بما (1) قيل ، واللّه أعلم».
* * *
وبه (2) قال : قال الشافعي : «أحكم اللّه (عز وجل) لكتابه (3) : أن ما فرض - : من الصلوات. - موقوت ؛ والموقوت (واللّه أعلم) : الوقت الذي نصلى فيه ، وعددها. فقال جل ثناؤه : ( إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً : 4 - 103 ) .
* * *
وبهذا الإسناد [قال] : قال الشافعي : قال اللّه تبارك وتعالى : ( لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى ، حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ : 4 - 43 ) . قال : يقال : نزلت قبل تحريم الخمر. وأيّما (4) كان نزولها : قبل تحريم الخمر
ص: 57
أو بعد [ه] فمن صلى سكران : لم تجز صلاته ؛ لنهى اللّه (عز وجل) إياه عن الصلاة ، حتى يعلم ما يقول ؛ وإن (1) معقولا : أن الصلاة : قول ، وعمل ، وإمساك فى مواضع مختلفة. ولا يؤدى هذا كما أمر به ، إلا من عقله (2)».
* * *
وبهذا الإسناد ، قال : قال الشافعي : «قال اللّه تبارك وتعالى : ( وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها هُزُواً وَلَعِباً : 5 - 58) ؛ وقال : ( إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللّهِ : 62 - 9) فذكر اللّه الأذان للصلاة ، وذكر يوم الجمعة. فكان بينا (واللّه أعلم) : أنه أراد المكتوبة بالآيتين (3) معا ؛ وسنّ رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) الأذان للمكتوبات [ولم يحفظ عنه أحد علمته : أنه أمر بالأذان لغير صلاة مكتوبة (4)]».
* * *
أنا أبو عبد اللّه الحافظ ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، ثنا سفيان بن عيينة ، عن ابن أبى نجيح ، عن مجاهد [فى قوله (5) : ( وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ : 94 - 4 ) ؛ قال : «لا أذكر إلا ذكرت [معى (6)] : أشهد أن لا إله إلا اللّه ، وأشهد أن محمدا رسول اللّه». قال الشافعي : «يعنى
ص: 58
(واللّه أعلم : ذكره عند الإيمان باللّه والأذان ؛ ويحتمل : ذكره عند تلاوة القرآن ، وعند العمل بالطاعة ، والوقوف عن المعصية».
فضل التعجيل بالصلوات واحتج فى فضل التعجيل بالصلوات - بقول اللّه عز وجل : ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ : 17 - 78) ؛ ودلوكها : ميلها. (1) وبقوله : ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي ) : 20 - 14) ؛ وبقوله : ( حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ : 2 - 238) ؛ والمحافظة على الشيء : تعجيله.
وقال فى موضع آخر (2) : «ومن قدم الصلاة فى أول وقتها ، كان أولى بالمحافظة عليها ممن أخرها عن أول وقتها (3)».
وقال فى قوله ( وَالصَّلاةِ الْوُسْطى 2 - 238 ) - : «فذهبنا : إلى أنها الصبح. [وكان أقل ما فى الصبح (4)] إن لم تكن هي - : أن تكون مما أمرنا بالمحافظة عليه.».
وذكر - فى رواية المزني ، وحرملة - حديث أبى يونس مولى عائشة (رضى اللّه عنها) أنها أملت عليه : (حافظوا على الصلوات ، والصلاة الوسطى ، وصلاة العصر» ، ثم قالت : «سمعتها من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم (5)» قال الشافعي : «فحديث عائشة يدل على أن الصلاة الوسطى ، ليست صلاة
ص: 59
العصر. قال : واختلف بعض أصحاب رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) ، فروى عن على ، وروى (1) عن ابن عباس : أنها الصبح ؛ وإلى هذا نذهب. وروى عن زيد بن ثابت : الظهر ؛ وعن غيره : العصر». وروى فيه حديثا (2) عن النبي صلى اللّه عليه وسلم.
قال الشيخ (3) : «الذي رواه الشافعي فى ذلك ، عن على ، وابن عباس : فيما رواه مالك فى الموطأ عنهما فيما بلغه (4) ؛ ورويناه موصولا عن ابن عباس وابن عمر (5) ، وهو قول عطاء ، وطاووس ، ومجاهد ، وعكرمة (6)».«وروينا عن عاصم ، عن زر بن حبيش ، عن على (رضي اللّه عنه) ، قال : «كنا نرى أنها صلاة الفجر ، حتى سمعت رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) يوم الأحزاب : يقول : «شغلونا عن صلاة الوسطى ، صلاة العصر (7) ؛ حتى غابت الشمس ، ملأ اللّه قبورهم وأجوافهم نارا». وروايته فى ذلك - عن النبي صلى اللّه عليه وسلم صحيحة ، عن عبيدة السلماني ، وغيره عنه ، وعن مرة ، عن ابن مسعود. وبه قال أبىّ بن كعب ، وأبو أيوب ، وأبو هريرة ، وعبد اللّه
ص: 60
ابن عمرو (1) ، و [هو] (2) فى إحدى الروايتين ، عن ابن عمر ، وابن عباس ، وأبى سعيد الخدرىّ ، وعائشة رضي اللّه عنهم».
وقرأت [فى] كتاب حرملة ، عن الشافعي - فى قول اللّه عز وجل : ( إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً : 17 - 18 ) ، فلم يذكر فى هذه الآية مشهودا غيره» والصلوات مشهودات ، فأشبه أن يكون قوله (3) مشهودا بأكثر مما تشهد به الصلوات ، أو أفضل ، أو مشهودا بنزول الملائكة». يريد (4) صلاة الصبح.
* * *
أنا أبو سعيد ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي رحمه اللّه : «فرض اللّه (تبارك وتعالى) الصلوات ؛ وأبان رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) عدد كل واحدة منهن ، ووقتها ، وما يعمل فيهن ، وفى كل واحدة منهن. وأبان اللّه (عز وجل) : أن (5) منهن نافلة وفرضا ؛ فقال لنبيه صلى اللّه عليه وسلم : ( وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ ) الآية (6). ثم أبان ذلك رسول اللّه
ص: 61
(صلى اللّه عليه وسلم) فكان بيّنا (واللّه أعلم) - إذا كان من الصلاة نافلة وفرض ، وكان الفرض منها مؤقتا - أن لا تجزى عنه صلاة ، إلا بأن ينويها مصليا (1)».
* * *
وبهذا (2) الإسناد ، قال الشافعي : قال اللّه تبارك وتعالى : ( فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (3) : 6 - 98 ) . قال الشافعي : وأحبّ أن يقول - حين يفتتح [قبل أم (4)] القرآن : أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم ، وأي كلام استعاذ به ، أجزأه».
وقال فى الإملاء - بهذا الإسناد : «ثم يبتدىء ، فيتعوذ ، ويقول : أعوذ بالسميع العليم ؛ أو يقول : أعوذ باللّه السميع العليم [من الشيطان الرجيم (5)) ؛ أو : أعوذ باللّه أن يحضرون. لقول اللّه عز وجل. ( فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ ) ».
* * *
قال الشافعي - فى كتاب البويطىّ : «قال اللّه جل ثناؤه : ( وَلَقَدْ
ص: 62
آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ : 15 - 87 ) . وهى : أم القرآن : أولها : (بسم اللّه الرّحمن الرّحيم)».
أنا أبو زكريا بن أبى إسحاق - فى آخرين - قالوا : أنا أبو العباس محمد ابن يعقوب ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، أنا عبد المجيد ، عن ابن جريج ، قال : أخبرنى أبى [عن (1)] سعيد بن جبير [فى قوله (2)] : ( وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ) ، [قال] : «هى أم القرآن». قال أبى : «وقرأها علىّ سعيد بن جبير ، حتى ختمها ، ثم قال : «بسم اللّه الرحمن الرحيم) الآية السابعة. قال سعيد : وقرأها علىّ ابن عباس ، كما قرأتها عليك ، ثم قال (بسم اللّه الرحمن الرحيم) الآية السابعة. قال ابن عباس : فذخرها [اللّه (3)] لكم ، فما أخرجها لأحد قبلكم».
قال الشافعي - فى رواية حرملة عنه : «وكان ابن عباس يفعله (يعنى (4) : يفتتح القراءة ببسم اللّه الرحمن الرحيم.) ، ويقول : انتزع الشيطان منهم خير آية فى القران. وكان يقول : كان النبي (صلى اللّه عليه وسلم) لا يعرف ختم السورة ، حتى تنزل : (بسم اللّه الرحمن الرحيم).».
ص: 63
أنا أبو سعيد ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي [قال (1)] «قال اللّه (تبارك وتعالى لنبيه صلى اللّه عليه وسلم : ( وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً 73 - 4 ) ، فأقلّ الترتيل : ترك العجلة فى القران عن الإبانة. وكلما (2) زاد على أقل الإبانة فى القران ، كان أحبّ إلىّ : ما لم يبلغ أن تكون الزيادة فيه تمطيطا».
* * *
قرأت فى كتاب «المختصر الكبير» - فيما رواه أبو إبراهيم المزنىّ ، عن الشافعي (رحمه اللّه) أنه قال ، أنزل اللّه عز وجل على رسوله (صلى اللّه عليه وسلم) فرض القبلة بمكة ، فكان يصلى فى ناحية يستقبل منها البيت [الحرام] ، وبيت المقدس ، فلما هاجر إلى المدينة ، استقبل بيت المقدس ، موليا عن البيت الحرام ؛ سنة عشر شهرا - : وهو يحب : لو قضى اللّه إليه باستقبال البيت الحرام. لأن فيه مقام أبيه إبراهيم ، وإسماعيل ؛ وهو : المثابة للناس والأمن ، وإليه الحج ؛ وهو : المأمور به : أن يطهر للطائفين ، والعاكفين ، والركّع السجود. مع كراهية رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لما وافق اليهود فقال لجبريل عليه السلام : «لوددت أن ربى صرفنى عن قبلة اليهود إلى غيرها» ؛ فأنزل اللّه عز وجل : ( وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ. فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ : 2 - 115 ) . - يعنى (واللّه أعلم) ، فثمّ الوجه الذي وجّهكم اللّه إليه (3) فقال جبريل عليه السلام للنبى (صلى اللّه عليه وسلم) «يا محمد أنا عبد مأمور
ص: 64
مثلك ، لا أملك شيئا ؛ فسل اللّه». فسأل النبي (صلى اللّه عليه وسلم) ربه : أن يوجهه إلى البيت الحرام ؛ وصعد جبريل (عليه السلام) إلى السماء ؛ فجعل النبي (صلى اللّه عليه وسلم) يديم طرفه إلى السماء : رجاء أن يأتيه جبريل (عليه السلام) بما سأل. فأنزل اللّه عز وجل : ( قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ ؛ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها ؛ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ (1) إلى قوله : فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي : 2 - 144 - 150 ) .».
«فى قوله : ( وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ 2 - 144 ) ، يقال : يجدون - فيما نزل عليهم - : أن النبىّ الأمىّ - : من ولد إسماعيل بن إبراهيم عليهم السلام : - يخرج من الحرم ، وتعود قبلته وصلاته مخرجه. يعنى (2) : الحرم».
وفى قوله تعالى : ( وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ
ص: 65
الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ؛ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ؛ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ : 2 - 150 ) ؛ قيل فى ذلك (واللّه أعلم) : لا تستقبلوا المسجد الحرام من المدينة ، إلا وأنتم مستدبرون بيت المقدس ؛ وإن جئتم من جهة نجد اليمن - فكنتم تستقبلون البيت الحرام ، وبيت المقدس - : استقبلتم المسجد الحرام. لا : أنّ إرادتكم (1) : بيت المقدس ؛ وإن استقبلتموه باستقبال المسجد الحرام. [و] (2) لأنتم كذلك : تستقبلون ما دونه [و] (3) وراءه ؛ لا إرادة أن يكون قبلة ، ولكنه جهة قبلة.».
«وقيل : ( لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ ) : فى استقبال قبلة غيركم.».
«وقيل : فى تحويلكم عن قبلتكم التي كنتم عليها ، إلى غيرها. وهذا أشبه ما قيل فيها (واللّه أعلم) - : لقول اللّه عز وجل : ( سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها (4) ؛ إلى قوله تعالى : مُسْتَقِيمٍ : 2 - 142 ) . فأعلم اللّه نبيه (صلى اللّه عليه وسلم) : أن لا حجة عليهم فى التحويل ؛ يعنى : لا يتكلم فى ذلك أحد بشىء ، يريد الحجة ؛ إلا الذين ظلموا منهم. لا : أنّ لهم (5) حجة ؛ لأن عليهم (6) ؛ أن ينصرفوا عن قبلتهم ، إلى القبلة التي أمروا بها».
ص: 66
«وفى قوله تعالى : ( وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ : 2 - 143 ) ؛ لقوله إلا لنعلم أن قد علمهم (1) من يتبع الرسول ؛ وعلم اللّه كان - قبل اتباعهم وبعده - سواء.».
«وقد قال المسلمون : فكيف بما مضى من صلاتنا ، ومن مضي منا؟. فأعلمهم اللّه (عز وجل) : أنّ صلاتهم إيمان (2) ؛ فقال : ( وَما كانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ ) الآية (3)».
«ويقال : إنّ اليهود قالت : البرّ فى استقبال المغرب ، وقالت النصارى : البرّ فى استقبال المشرق بكل حال فأنزل اللّه (عز وجل) فيهم : ( لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ : 2 - 177 ) . يعنى (واللّه أعلم) : وأنتم مشركون ؛ لأن البرّ لا يكتب لمشرك.».
«فلما حوّل اللّه رسوله (صلى اللّه عليه وسلم) إلى المسجد الحرام - :
ص: 67
صلى رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) أكثر صلاته ، مما يلى الباب : من وجه الكعبة ؛ وقد صلى من ورائها والناس معه : مطيفين بالكعبة ، مستقبليها كلها ، مستدبرين ما وراءها : من المسجد الحرام.»
«قال : وقوله عز وجل : ( فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ : 2 - 144 و 150 ) ، فشطره وتلقاؤه وجهته : واحد فى كلام العرب.». (1) واستدل عليه ببعض ما فى كتاب الرسالة (2).
أخبرنا أبو عبد اللّه الحافظ ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي (رحمه اللّه) ، قال : «قال اللّه تبارك وتعالى : ( وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ، وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ : 2 - 150 ) . ففرض عليهم حيث ما كانوا : أن يولوا وجوههم شطره. و «شطره» : جهته ؛ فى كلام العرب. إذا قلت : «أقصد شطر كذا» : معروف (3) أنك تقول : «أقصد قصد (4) عين (5) كذا» ؛ يعنى (6) : قصد (7) نفس كذا. وكذلك : «تلقاءه وجهته (8)» ، أي : أستقبل
ص: 68
تلقاءه وجهته. وكلها (1) بمعنى واحد : وإن كانت بألفاظ مختلفة.
قال خفاف بن ندبة :
ألا من مبلغ عمرا رسولا *** وما تغنى الرّسالة شطر عمرو
وقال ساعدة بن جؤيّة :
أقول لأمّ زنباع : أقيمى *** صدور العيس ، شطر بنى تميم
وقال لقيط الإيادىّ (2) :
وقد أظلّكم من شطر ثغركم *** هول له ظلم تغشاكم قطعا
وقال الشاعر :
إنّ العسيب بها داء (3) مخامرها *** فشطرها بصر العينين مسحور
قال الشافعىّ (رحمه اللّه) : يريد : [تلقاءها] (4) بصر العينين ونحوها - : تلقاء (5) جهتها.». وهذا كله - مع غيره من أشعارهم - يبيّن : أنّ شطر الشيء : قصد عين الشيء : إذا كان معاينا : فبالصواب ؛ وإن (6) كان
ص: 69
مغيّبا : فبالاجتهاد والتوجّه (1) إليه. وذلك : أكثر ما يمكنه فيه.»
«وقال اللّه تعالى : ( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ : 6 - 97 ) ؛ وقال تعالى : ( وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ : 16 - 16 ) .
فخلق اللّه لهم العلامات ، ونصب لهم المسجد الحرام ؛ وأمرهم : أن أن يتوجّهوا إليه. وإنما توجّههم إليه : بالعلامات التي خلق لهم ، والعقول التي ركبها فيهم : التي استدلوا بها على معرفة العلامات. وكلّ هذا : بيان ونعمة منه جلّ ثناؤه». (2)
قال الشافعي : «ووجّه اللّه رسوله (صلى اللّه عليه وسلم) - إلى القبلة (3) فى الصلاة - إلى بيت المقدس ؛ فكانت القبلة التي لا يحلّ - قبل نسخها - استقبال غيرها. ثمّ نسخ اللّه قبلة بيت المقدس ، [و] (4) وجّهه إلى البيت. [فلا يحلّ لأحد استقبال بيت المقدس أبدا لمكتوبة ، ولا يحلّ أن يستقبل غير البيت الحرام (5)]. وكلّ كان حقا فى وقته». وأطال الكلام فيه (6)
* * *
(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، أنا سفيان بن عيينة ، عن أبى نجيح ، عن مجاهد ، قال : «أقرب ما يكون
ص: 70
العبد من (1) اللّه : إذا كان ساجدا ؛ ألم تر إلى قوله : ( وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ : 96 - 19 ) ؟». يعنى : افعل واقرب (2). قال الشافعي : «ويشبه ما قال مجاهد (واللّه أعلم) ما قال (3)».
فى رواية حرملة عنه - فى قوله تعالى : ( يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً : 17 - 107 ) . - : قال الشافعي : «واحتمل السجود : أن يخرّ : وذقنه - إذا خرّ - تلى الأرض ؛ ثم يكون سجود [ه] على غير الذقن».
* * *
(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي : «فرض اللّه (جلّ ثناؤه) الصلاة على رسوله (صلى اللّه عليه وسلم) ، فقال : ( إِنَّ اللّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ، يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً : 33 - 56 ) . فلم يكن فرض الصلاة عليه فى موضع ، أولى منه في الصلاة ؛ ووجدنا الدلالة عن رسول اللّه
ص: 71
(صلى اللّه عليه وسلم) ، [بما وصفت : من أن الصلاة على رسوله صلى اللّه عليه وسلم (1)]و فرض فى الصلاة ؛ واللّه أعلم». فذكر حديثين : ذكرناهما فى كتاب (المعرفة).
(وأنا) أبو محمد عبد اللّه بن يوسف الأصبهانيّ (رحمه اللّه) ، أنا أبو سعيد ابن الأعرابي ، أنا الحسن بن محمد الزعفراني ، نا محمد (2) بن إدريس الشافعي ؛ قال : «أنا مالك ، عن نعيم بن عبد اللّه المجمر - : أن محمد بن عبد اللّه بن زيد الأنصاري - وعبد اللّه بن زيد هو : الذي [كان] (3) أرى (4) النداء بالصلاة. - أخبره (5) ، عن أبى مسعود الأنصاري ، أنه قال : أتانا رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) فى مجلس سعد بن عبادة ، فقال له بشير بن سعد : أمرنا اللّه أن نصلّى عليك بانبىّ اللّه ؛ فكيف نصلى عليك؟. فسكت النبي (صلى اللّه عليه وسلم) ، حتى تمنينا أنه لم يسأله. فقال (6) رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) : قولوا : «اللّهمّ صلّ على محمد وعلي آل محمد ، كما صليت على إبراهيم ؛ وبارك على محمد وعلى آل محمد ، كما باركت على إبراهيم (7) ، فى العالمين ، إنك حميد مجيد.».
ص: 72
ورواه المزني وحرملة عن الشافعي ، وزاد فيه : «والسلام كما [قد] علمتم (1)». وفى هذا : إشارة إلى السلام الذي فى التشهد ، على النبىّ (2) (صلى اللّه عليه وسلم) ؛ وذلك : فى الصلاة. فيشبه (3) : أن تكون الصلاة التي أمر بها (عليه السلام) - أيضا - فى الصلاة ؛ واللّه أعلم.
قال الشافعي (رحمه اللّه) - فى رواية حرملة - : «والذي أذهب إليه - من هذا - : حديث أبى مسعود ، عن النبىّ (صلى اللّه عليه وسلم). وإنما ذهبت إليه : لأنى رأيت اللّه (عزّ وجلّ) ذكر ابتداء صلاته على نبيه (صلى اللّه عليه وسلم) ، وأمر المؤمنين بها ؛ فقال : ( إِنَّ اللّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ، يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً : 33 - 56 ) ؛ وذكر صفوته من خلقه ، فأعلم : أنهم أنبياؤه ؛ ثم ذكر صفوته من آلهم (4) فذكر : أنهم أولياء أنبيائه ؛ فقال : ( إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ : 3 - 33 ) . وكان حديث أبى مسعود - : أن ذكر الصلاة على محمد وآل محمد. - يشبه عندنا لمعنى الكتاب ؛ واللّه أعلم».
«قال الشافعي : وإني لأحبّ : أن يدخل - مع آل محمد (صلى اللّه عليه وسلم) -
ص: 73
أزواجه وذريته ؛ حتى يكون قد اتى ما روى عن النبي صلى اللّه عليه وسلم (1).»
«قال الشافعي (رحمه اللّه) : واختلف الناس فى آل محمد (صلى اللّه عليه وسلم (2)) فقال منهم قائل : آل محمد : أهل دين محمد (3). ومن ذهب هذا المذهب ، أشبه أن يقول : قال اللّه تعالى لنوح : ( احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ : 11 - 40) ؛ وحكى [فقال] (4) ( إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ ، وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ * قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ؛ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ ) الآية (5). [فأخرجه بالشرك عن أن يكون من أهل نوح] (6).»
«قال الشافعي (7) : والذي نذهب إليه فى معنى [هذه (8)] الآية : أن قول اللّه (عزّ وجلّ) : ( إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ) ؛ يعنى الذين (9) أمرنا [ك] (10) بحملهم معك. (فإن قال قائل) : وما دلّ على ما وصفت؟. (قيل) : قال اللّه عزّ وجلّ : ( وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ : 11 - 40) ؛ فأعلمه (11) أنه أمره : بأن يحمل من أهله ، من لم يسبق عليه القول : أنه (12) أهل معصية ؛
ص: 74
ثم بين له فقال : ( إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ ) ..»
«قال الشافعي : وقال قائل : آل محمد : أزواج النبىّ محمد (1) (صلى اللّه عليه وسلم). فكأنه ذهب : إلى أن الرجل يقال له : ألك أهل؟ (2) ؛ فيقول : لا ؛ وإنما يعنى : ليست لى زوجة.»
«قال الشافعي (3) : وهذا معنى يحتمله اللسان ؛ ولكنه معنى كلام لا يعرف ، إلا أن يكون له سبب (4) كلام يدلّ عليه. وذلك : أن يقال للرجل : تزوجت؟ فيقول : ما تأهلت (5) ؛ فيعرف - بأول الكلام - أنه أراد : تزوجت أو يقول الرجل : أجنبت من أهلى ؛ فيعرف : أن الجنابة إنما تكون من الزوجة. فأما أن يبدأ الرجل - فيقول : أهلى ببلد كذا ، أو أنا أزور أهلى ، وأنا عزيز الأهل ، وأنا كريم الأهل. - : فانما يذهب الناس فى هذا : إلى أهل البيت.»
«وذهب ذاهبون : إلى أن آل محمد (صلى اللّه عليه وسلم) : قرابة محمد (صلى اللّه عليه وسلم) : التي ينفرد بها (6) ؛ دون غيرها : من قرابته (7).» «قال الشافعي (8) (رحمه اللّه) : وإذا عدّ [من (9)] آل الرجل : ولده
ص: 75
الذين إليه نسبهم ؛ ومن يأويه (1) بيته : من زوجه أو مملوكه أو مولي أو أحد ضمه عياله ؛ وكان هذا فى بعض قرابته من قبل أبيه ، دون قرابته من قبل امه ؛ وكان يجمعه قرابة فى بعض (2) قرابته من قبل أبيه ، دون بعض. - : فلم يجز أن يستعمل على ما أراد اللّه (عزّ وجلّ) من هذا (3) ، ثمّ رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) ؛ إلا بسنة رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) : «إن الصدقة لا تحلّ لمحمد ، ولا لآل محمد ؛ وإن اللّه حرّم علينا الصدقة ، وعوّضنا منها الخمس» دلّ هذا على أن آل محمد : الذين حرّم اللّه عليهم الصدقة ، وعوّضهم منها الخمس. «وقال اللّه عز وجل : ( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى : 8 - 41 ) . فكانت هذه الآية فى معنى قول النبي (صلى اللّه عليه وسلم) : «إنّ الصدقة لا تحلّ لمحمد ، ولا لآل محمد» ؛ وكان الدليل عليه : أن لا يوجد أمر يقطع العنت ، ويلزم أهل العلم (واللّه أعلم) ؛ إلا الخبر (4) عن رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم). فلما فرض اللّه على نبيه (صلى اللّه عليه وسلم) : أن يؤتى ذا القربى حقّه ؛ وأعلمه : أنّ لله خمسه وللرّسول ولذى القربى ؛ فأعطى سهم ذى القربى ، في بنى هاشم وبنى المطلب - : دلّ ذلك على أن الذين أعطاهم رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) الخمس ، هم :
ص: 76
آل محمد الذين أمر رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) بالصلاة عليهم معه ، والذين اصطفاهم من خلقه ، بعد نبيه (صلى اللّه عليه وسلم). فإنه يقول : ( إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ : 3 - 33 ) ، فاعلم : أنه اصطفى الأنبياء (صلوات اللّه عليهم) ، [وآلهم] (1).».
* * *
قال الشيخ (رحمه اللّه) : قرأت فى كتاب القديم (رواية الزعفراني ، عن الشافعي) - فى قوله عز وجل : ( وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا : 7 - 204 ) . - : «فهذا - عندنا - : على القراءة التي تسمع خاصة؟ فكيف ينصت لما لا يسمع؟!».
وهذا (2) : قول كان يذهب إليه ، ثم رجع عنه فى اخر عمره (3) ، وقال : «يقرأ بفاتحة الكتاب ، فى نفسه ، فى سكتة الإمام». قال أصحابنا : «ليكون جامعا بين الاستماع ، وبين قراءة الفاتحة ؛ بالسنة (4)» ؛ «وإن (5) قرأ مع الإمام ، ولم يرفع بها صوته - : لم تمنعه قراءته فى نفسه ، من الاستماع لقراءة إمامه. فإنما أمرنا : بالإنصات عن الكلام ، وما لا يجوز فى الصلاة.». وهو مذكور بدلائله ، فى غير هذا الموضع.
ص: 77
وقرأت فى كتاب السنن (رواية حرملة ، عن الشافعي ، رحمه اللّه) : قال : «قال اللّه تبارك وتعالى : ( وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ : 2 - 238 ) . قال الشافعي : من خوطب بالقنوت مطلقا (1) ، ذهب : إلى أنه : قيام فى الصلاة. وذلك : أن القنوت : قيام لمعنى طاعة اللّه (عزّ وجلّ) ؛ وإذا كان هكذا : فهو موضع كف عن قراءة ؛ وإذا كان هكذا ، أشبه : أن يكون قياما - فى صلاة - لدعاء ، لا قراءة. فهذا أظهر معانيه ، وعليه دلالة السنة ؛ وهو أولى المعاني أن يقال به ، عندى ؛ واللّه أعلم.»
«قال الشافعي (رحمه اللّه) : وقد يحتمل القنوت : القيام كله فى الصّلاة.
وروى عن عبد اللّه بن عمر : «قيل : أي الصلاة؟ قال : طول القنوت.». وقال طاوس : القنوت ، طاعة اللّه عزّ وجلّ (2).».
«وقال الشافعي (رحمه اللّه) : وما وصفت - : من المعنى الأول. - أولى المعاني به ؛ واللّه أعلم.»
«قال : فلما كان القنوت بعض القيام ، دون بعض - : لم يجز (واللّه أعلم) أن يكون إلا ما دلت عليه السنة : من القنوت للدعاء (3) ، دون القراءة».
«قال : واحتمل قول اللّه (عزّ وجلّ) : ( وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ ) : قانتين
ص: 78
فى الصلاة كلها ، وفى بعضها دون بعض. فلما قنت رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) فى الصلاة ، ثم ترك القنوت فى بعضها (1) ؛ وحفظ عنه القنوت فى الصبح بخاصة (2) - : دلّ هذا على أنه إن كان اللّه أراد بالقنوت : القنوت فى الصلاة ؛ فانما أراد به خاصا.».
«واحتمل : أن يكون فى الصلوات ، فى النازلة. واحتمل طول القنوت : طول القيام. واحتمل القنوت : طاعة اللّه ؛ واحتمل السّكات (3).»
«قال الشافعي. ولا أرخص فى ترك القنوت فى الصبح ، سأل : لأنه إن كان اختيارا (4) من اللّه ومن رسوله (صلى اللّه عليه وسلم) : لم أرخص فى ترك الاختيار ؛ وإن كان فرضا : كان مما (5) لا يتبين تركه ولو تركه تارك :كان عليه أن يسجد للسهو (6) ؛ كما يكون ذلك عليه : لو ترك الجلوس فى شىء.».
قال الشيخ - فى قوله : «احتمل السكات». - : أراد : السكوت عن كلام الآدميين ؛ وقد روينا عن زيد بن أرقم : «أنهم كانوا يتكلمون فى الصلاة ؛ فنزلت هذه الآية. قال : فنهينا عن الكلام ، وأمرنا بالسكوت (7)».
ص: 79
وروينا عن أبى رجاء العطاردىّ : أنه قال : «صلى بنا ابن عباس صلاة الصبح - وهو أمير على البصرة - فقنت ، ورفع يديه : حتى لو أن رجلا بين يديه لرأى بياض إبطيه ، فلما قضى الصلاة أقبل علينا بوجهه ، فقال : هذه الصلاة : التي ذكرها اللّه (عزّ وجلّ) فى كتابه : ( حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ ، وَالصَّلاةِ الْوُسْطى ، وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ ) (1).»
(أنا) أبو على الروذبارى ، أنا إسماعيل الصفار ، نا الحسن بن الفضل بن السمح ، ثنا سهل بن تمام ، نا أبو الأشهب ، ومسلم بن زيد ، عن أبى رجاء ؛ فذكره ، وقال : «قبل الركوع (2)».
(أخبرنا) أبو سعيد بن أبى عمرو ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي : «قال اللّه تبارك وتعالى : ( وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ ) . فقيل (واللّه أعلم) : قانتين : مطيعين ؛ وأمر رسول لله (صلى اللّه عليه وسلم) بالصلاة قائما ؛ وإنما (3) خوطب بالفرائض من أطاقها ؛ فإذا لم يطق القيام : صلى قاعدا.».
* * *
وبهذا الإسناد ، قال الشافعي : «قال اللّه عزّ وجلّ : ( وَثِيابَكَ
ص: 80
فَطَهِّرْ : 74 - 4 ) قيل : صلّ (1) فى ثياب طاهرة ، وقيل غير ذلك. والأول : أشبه ، لأن رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) أمر : أن يغسل دم الحيض من الثوب.». يعنى (2) : للصلاة.
قال الشيخ : وقد روينا عن أبى عمر صاحب ثعلب ، قال : قال ثعلب - فى قوله عز وجل : ( وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ ) . - : «اختلف الناس فيه ، فقالت طائفة : الثياب هاهنا : الساتر ؛ وقالت طائفة : الثياب هاهنا : القلب (3).».
(أخبرنا) على بن محمد بن عبد اللّه بن بشران ، عن أبى عمر ؛ فذكره.
* * *
(أخبرنا) أبو سعيد محمد بن موسى ، ثنا أبو العباس الأصم ، أخبرنا الربيع ، قال : قال الشافعي (رحمه اللّه) : «بدأ اللّه (جلّ ثناؤه) خلق آدم (عليه السلام) من ماء وطين ، وجعلهما معا طهارة ؛ وبدأ خلق ولده من ماء دافق. فكان - فى ابتداء (4) خلق آدم من الطاهرين : اللذين هما الطهارة (5). - : دلالة (6) لابتداء خلق غيره : أنه من ماء طاهر
ص: 81
لا نجس (1).».
وقال فى (الإملاء) - بهذا الإسناد - : «المنى ليس بنجس : لأن اللّه (جلّ ثناؤه) أكرم من أن يبتدئ خلق من كرّمهم (2) ، وجعل منهم : النبيين والصديقين ، والشهداء والصالحين ؛ وأهل جنته. - من نجس : فإنه يقول : ( وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ : 17 - 70 ؛ وقال جل ثناؤه : خَلَقَ الْإِنْسانَ (3) مِنْ نُطْفَةٍ : 16 - 4 ؛ أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ (4) مِنْ ماءٍ مَهِينٍ ) .».
«ولو لم [يكن (5)] فى هذا ، خبر عن النبي (صلى اللّه عليه وسلم) : لكان ينبغى أن تكون العقول تعلم : أن اللّه لا يبتديء خلق من كرّمه وأسكنه جنته ؛ من نجس. [فكيف (6)] مع ما فيه : من الخبر ، عن النبي (صلى اللّه عليه وسلم) : «أنه كان يصلى فى الثوب : قد أصابه المنى ؛ فلا يغسله ؛ إنما يمسح رطبا ، أو يحت (7) يابسا» : على معنى التنظيف (8).
ص: 82
مع أن هذا : قول سعد بن أبى وقاص ، وابن عباس ، وعائشة ، وغيرهم ؛ رضى اللّه عنهم (1).».
* * *
(أخبرنا) أبو سعيد ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي : «قال اللّه تبارك وتعالى : ( لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ ؛ وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا : 4 - 43 ) . قال الشافعي : فقال بعض أهل العلم بالقرآن - فى قول اللّه عز وجل : ( وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ ) . - : لا (2) تقربوا موضع (3) الصلاة. قال : وما أشبه ما قال بما قال ؛ لأنه لا يكون (4) فى الصلاة عبور سبيل ، إنما عبور السبيل : فى موضعها ؛ وهو : المسجد (5). فلا بأس أن يمرّ الجنب فى المسجد مارّا (6) ، ولا يقيم فيه. لقول اللّه عزّ وجلّ : ( وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ ) .».
* * *
وبهذا الإسناد ، قال الشافعي : «لا بأس أن يبيت المشرك فى كل مسجد إلا المسجد الحرام : فإن اللّه (عز وجل) يقول : ( إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ
ص: 83
نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا : 9 - 28 ) ؛ فلا ينبغى لمشرك : أن يدخل المسجد الحرام بحال (1).».
* * *
(أخبرنا) أبو سعيد [أنا أبو العباس (2)] ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (رحمه اللّه) : «ذكر اللّه (تعالى) الأذان بالصلاة ، فقال : ( وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ : اتَّخَذُوها هُزُواً وَلَعِباً : 5 - 58 ) ؛ وقال تعالى : ( إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ : فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللّهِ ، وَذَرُوا الْبَيْعَ : 62 - 9 ) . فأوجب اللّه عز وجل (واللّه أعلم) : إتيان الجمعة ؛ وسنّ رسول اللّه (صلي اللّه عليه وسلم) : الأذان للصلوات المكتوبات. فاحتمل (3) : أن يكون أوجب إتيان صلاة الجماعة فى غير الجمعة ؛ كما أمرنا (4) بإتيان الجمعة ، وترك البيع. واحتمل : أن يكون أذن بها : لتصلّى لوقتها.»
«وقد جمع رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) : مسافرا ومقيما ، خائفا وغير خائف. وقال (جلّ ثناؤه) لنبيه صلى اللّه عليه وسلم : ( وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ ، فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ : فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ ) الآية ، والتي بعدها (5). وأمر رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) من
ص: 84
جاء (1) الصلاة : أن يأتيها وعليه السكينة ؛ ورخص فى ترك إتيان صلاة (2) الجماعة ، فى العذر - : بما سأذكره فى موضعه.»
«فأشبه (3) ما وصفت - : من الكتاب والسنة. - : أن لا يحل ترك أن تصلّى كل مكتوبة فى جماعة ؛ حتى لا تخلو جماعة : مقيمون ، ولا مسافرون - من أن تصلّى فيهم صلاة جماعة (4).».
* * *
(أنا) أبو سعيد ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (رحمه اللّه) : «ذكر اللّه (تعالى) الاستئذان ، فقال فى سياق الآية : ( وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ : فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ : 24 - 59 ) ؛ وقال : ( وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ ، فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً : فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ : 4 - 6 ) . فلم (5) يذكر
ص: 85
الرشد - : الذي يستوجبون به أن ندفع (1) إليهم أموالهم. - إلا بعد بلوغ النكاح.»
«قال : وفرض اللّه الجهاد ، فأبان رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) : أنه (2) [على (3)] من استكمل (4) خمس عشرة سنة ؛ بأن أجاز ابن عمر - عام الخندق - : ابن خمس عشرة سنة ؛ وردّه - عام أحد - : ابن أربع عشرة سنة.»
«قال : فإذا بلغ الغلام الحلم ، والجارية المحيض - : غير مغلوبين على عقولهما. - : وجبت (5) عليهما الصلاة والفرائض كلها : وإن كانا ابني أقلّ من خمس عشرة سنة (6) ؛ وأمر كل واحد منهما بالصلاة : إذا عقلها ؛ وإذا (7) لم يفعلا (8) لم يكونا كمن تركها بعد البلوغ ؛ وأدّبا (9) على تركها (10) أدبا خفيفا.».
ص: 86
«قال : ومن غلب على عقله بعارض أو مرض (1) أىّ مرض كان - : ارتفع (2) عنه الفرض. لقول (3) اللّه تعالى : ( وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ : 2 - 197 ) ؛ وقوله : ( إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ : 13 - 19 و 39 - 9 ) : وإن كان معقولا : أن لا يخاطب (4) بالأمر والنهى إلا من عقلهما.».
* * *
(أنا) أبو سعيد ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (رحمه اللّه) : «وإذا صلت المرأة برجال ونساء. وصبيان ذكور - : فصلاة النساء مجزئة ، وصلاة الرجال والصبيان الذكور غير مجزئة. لأن اللّه (تعالى) جعل الرّجال قوّامين على النساء ، وقصرهن (5) عن أن يكنّ أولياء ، وغير ذلك. فلا (6) يجوز : أن تكون امرأة إمام رجل فى صلاة ، بحال أبدا.». وبسط الكلام فيه هاهنا (7) ، وفى كتاب القديم.
* * *
(أنا) أبو سعيد ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي
ص: 87
(رحمه اللّه) : «التقصير (1) لمن خرج غازيا خائفا : فى كتاب اللّه عز وجل (2). قال اللّه جلّ ثناؤه : ( وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ ، فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ : إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ؛ إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً : 4 - 101 ) .»
«قال : والقصر لمن خرج فى غير معصية (3) : فى السنة (4).»
«قال الشافعي : فأما من خرج (5) : باغيا على مسلم ، أو معاهد ؛ أو يقطع طريقا ، أو يفسد فى الأرض ؛ أو العبد يخرح : آبقا من سيده ؛ أو الرجل : هاربا ليمنع دما (6) لزمه ، أو ما فى مثل هذا المعنى ، أو غيره : من المعصية. - : فليس له أن يقصر ؛ [فإن قصر : أعاد كل صلاة صلاها (7).] لأن القصر رخصة ؛ وإنما جعلت الرّخصة لمن لم يكن عاصيا : ألا ترى إلى
ص: 88
قول اللّه عزّ وجلّ : ( فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ : 2 - 173 ) .؟.»
«قال : [و (1)] هكذا : لا يمسح على الخفين ، ولا يجمع الصلاة مسافر فى معصية. وهكذا : لا يصلّى لغير (2) القبلة نافلة ؛ ولا تخفيف (3) عمن كان سفره فى معصية اللّه عز وجل.»
«قال الشافعي (رحمه اللّه) : وأكره ترك القصر ، وأنهى عنه : إذا كان رغبة عن السنة فيه (4).». يعنى (5) : لمن خرج فى غير معصية.
(أنا) أبو عبد اللّه الحافظ ، قال : وقال الحسين بن محمد - فيما أخبرت عنه - : أنا محمد بن سفيان ، نا يونس بن عبد الأعلى ، قال : قال الشافعي (رحمه اللّه) - فى قوله تعالى : ( فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ ) . - قال : [نزل بعسفان] (6) : موضع بخيبر ، فلما ثبت : أن
ص: 89
رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) لم يزل يقصر مخرجه من المدينة إلى مكة ؛ كانت السنة فى التقصير. فلو أتمّ رجل متعمد : من غير أن يخطّئ من قصر ؛ لم يكن عليه شيء. فأما إن أتمّ : متعمدا ، منكرا للتقصير ؛ فعليه إعادة الصلاة (1).»
وقرأت - فى رواية حرملة عن الشافعي - : «يستحب للمسافر : أن يقبل صدقة اللّه (2) ويقصر ؛ فإن أتمّ الصلاة - : عن غير رغبة عن قبول رخصة اللّه عزّ وجلّ. - : فلا إعادة عليه ؛ كما يكون - إذا صام في السفر - : لا إعادة عليه. وقد قال عزّ وجلّ : ( فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ : فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ : 2 - 184 ) . وكما تكون الرخصة فى فدية الأذى : فقد قال اللّه تعالي : ( فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ : فَفِدْيَةٌ ) الآية (3). فلو ترك الحلق والفدية ، لم يكن عليه بأس : إذا لم يدعه رغبة عن رخصة.».
(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو ، نا أبو العباس محمد بن يعقوب ، أنا الربيع
ص: 90
ابن سليمان ، أنا الشافعي (رحمه اللّه) ، قال : «قال اللّه عز وجل : ( وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ : فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ ) الآية. قال : فكان بينا فى كتاب اللّه : أن (1) قصر الصلاة - فى الضرب في الأرض ، والخوف - تخفيف من اللّه (عزّ وجلّ) عن خلقه ؛ لا : أن فرضا عليهم أن يقصروا. كما كان قوله (2) : ( لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ : ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً : 2 - 236 ) ؛ [رخصة (3)] ؛ لا : أن حتما عليهم أن يطلقوهن فى هذه الحالة (4). وكما (5) كان قوله تعالى : ( لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ : 2 - 198 ) ؛ يريد (واللّه أعلم) : أن تتجروا فى الحج ؛ لا : أن حتما أن تتجروا (6). وكما (7) كان قوله : ليس عليكم جناح (8) : ( أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ
ص: 91
آبائِكُمْ : 24 - 61 ) ؛ (1) لا : أن حتما عليهم أن يأكلوا من بيوتهم ، ولا بيوت غيرهم. وكما (2) كان قوله : ( وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً : فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ : 24 - 60 ) ؛ فلو (3) لبسن ثيابهن ولم يضعنها : ما أثمن. وقول اللّه عزّ وجلّ : ( لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ ، وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ ، وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ ) ؛ يقال : نزلت : (ليس عليهم حرج بترك الغزو ؛ ولو غزوا ما حرجوا).».
* * *
(أنا) أبو سعيد ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، قال : «قال اللّه تبارك وتعالى (4) : ( وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ : 85 - 3 ) . [قال الشافعي] (5) أنا إبراهيم بن محمد ، حدثنى صفوان بن سليم ، عن نافع بن جبير ، وعطاء بن يسار - : أن النبي (صلى اللّه عليه وسلم) قال : «شاهد : يوم الجمعة ؛ ومشهود : يوم عرفة (6).»
ص: 92
وبهذا الإسناد ، قال الشافعي : «قال اللّه عزّ وجلّ : ( إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ : فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ : 62 - 9 ) . والأذان - الذي يجب على من عليه فرض الجمعة : أن يذر عنده البيع. - : الأذان الذي كان على عهد رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) ؛ وذلك : الأذان الثاني (1) : بعد الزوال ، وجلوس الإمام على المنبر.».
وبهذا الإسناد. قال الشافعي : «ومعقول : أن السعى - فى هذا الموضع - : العمل ؛ لا (2) : السعى على الأقدام. قال اللّه عزّ وجلّ : ( إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى : 92 - 4 ) ؛ وقال (3) عز وجل : ( وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ : 17 - 19 ) وقال : ( وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً : 76 - 22 ) ؛ وقال تعالى : ( وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى : 53 - 39 ) ؛ وقال : ( وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها : 2 - 205 ) . وقال زهير (4) :
ص: 93
سعى بعدهم قوم لكى يدركوهم (1) *** فلم يفعلوا (2) ، ولم يلاموا (3) ، ولم يألوا
[وما يك (4) من خير أتوه : فإنّما *** توارثه آباء آبائهم قبل
وهل يحمل (5) الخطّىّ إلّا وشيجه *** وتغرس - إلا فى منابتها - النّخل] (6)
* * *
وبهذا الإسناد ، قال الشافعي : «قال اللّه عزّ وجلّ : ( وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً : 62 - 11 ) . قال (7) : ولم (8) أعلم مخالفا : أنها نزلت فى خطبة النبي (صلى اللّه عليه وسلم) يوم الجمعة (9).».
قال الشيخ : فى رواية حرملة وغيره - عن حصين ، عن سالم بن أبى الجعد ، عن جابر - : - «أن النبي (صلى اللّه عليه وسلم) كان يخطب يوم الجمعة
ص: 94
قائما ، فانفتل (1) [الناس (2)] إليها حتى لم يبق معه إلا اثنا عشر رجلا. فأنزلت هذه الآية».
وفى حديث كعب بن عجرة (3) : دلالة على أن نزولها كان فى خطبته قائما. قال (4) : وفى حديث حصين (5) : «بينما نحن نصلى الجمعة» ؛ فإنه عبر بالصلاة عن الخطبة.
* * *
وبهذا الإسناد ، قال : قال الشافعي : «قال اللّه عزّ وجلّ : ( وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ : 4 - 102 ) .قال الشافعي : فأمرهم - : خائفين ، محروسين. - : بالصلاة ؛ فدلّ ذلك على أنه أمرهم بالصلاة : للجهة التي وجوههم لها : من القبلة.».
«وقال تعالى : ( فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً : 2 - 239 ) . فدلّ إرخاصه - فى أن يصلوا رجالا أو ركبانا - : على أن الحال التي أجاز لهم فيها : أن (6) يصلوا رجالا وركبانا من الخوف ؛ غير الحال الأولى التي
ص: 95
أمرهم فيها : بأن يحرس بعضهم بعضا. فعلمنا : أن الخوفين مختلفان ، وأن الخوف الآخر - : الذي أذن لهم فيه أن يصلوا رجالا وركبانا. - لا يكون إلا أشد [من] الخوف الأول (1). ودلّ : على أن لهم أن يصلوا حيث توجهوا : مستقبلى القبلة ، وغير مستقبليها فى هذه الحال ؛ وقعودا على الدواب ، وقياما على الأقدام (2). ودلت على ذلك السنة.». فذكر حديث ابن عمر فى ذلك (3).
(أنا) أبو عبد اللّه الحافظ ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي - فى قوله عزّ وجلّ : ( فَإِذا سَجَدُوا : فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ : 4 - 102 ) -. قال : «فاحتمل (4) : أن يكونوا إذا سجدوا ما عليهم : من السجود كله ؛ كانوا (5) من ورائهم. ودلت السنة على ما احتمل القرآن من هذا ؛ فكان أولى معانيه ، واللّه أعلم».
* * *
(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، قال : قال اللّه (تبارك وتعالى) فى شهر رمضان : ( وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللّهَ عَلى ما هَداكُمْ : 2 - 185 ) . قال : فسمعت من
ص: 96
أرضى - : من أهل العلم بالقرآن. - يقول (1) : (لتكملوا [العدة] (2)) : عدة صوم شهر رمضان ؛ ( وَلِتُكَبِّرُوا (3) اللّهَ : عند إكماله ؛ عَلى ما هَداكُمْ ) ؛ وإكماله : مغيب الشمس من آخر يوم من شهر رمضان. وما أشبه ما قال ، بما قال. واللّه أعلم.».
* * *
(أنا) أبو سعيد محمد بن موسى بن الفضل ، أنا أبو العباس ، [أنا الربيع (4)] ، أنا الشافعي ، [قال (5)] : «قال اللّه تبارك وتعالى : ( وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ؛ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ ) الآية (6) ؛ وقال : ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ ، وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ ) الآية (7) ؛ مع ما ذكر اللّه - : من الآيات. - فى كتابه.»
«قال الشافعي : فذكر اللّه الآيات ، ولم يذكر معها سجودا إلا مع الشمس والقمر ؛ وأمر : بأن لا يسجد لهما ؛ وأمر : بأن يسجد له. فاحتمل [أمره] (8) : أن يسجد له ؛ عند (9) ذكر الشمس والقمر. - : أن
ص: 97
أمر (1) بالصلاة عند حادث فى الشمس والقمر. واحتمل : أن يكون إنما نهى عن السجود لهما ؛ كما نهى عن عبادة ما سواه. فدلت سنة رسول اللّه (2) (صلى اللّه عليه وسلم) : على أن يصلّى لله عند كسوف الشمس والقمر. فأشبه (3) ذلك معنيين : (أحدهما) : أن يصلّى عند كسوفهما [لا يختلفان فى ذلك] (4) ؛ و [ثانيهما] : أن لا يؤمر (5) - عند آية كانت فى غيرهما - بالصلاة ؛ كما أمر بها عندهما. لأن اللّه لم يذكر فى شىء - : من الآيات. - صلاة. والصلاة - فى كل حال - طاعة [لله تبارك وتعالى] (6) ، وغبطة لمن صلاها. فيصلى - عند كسوف الشمس والقمر - صلاة جماعة ؛ ولا يفعل ذلك فى شىء : من الآيات غيرهما.».
* * *
وبهذا الإسناد ، قال الشافعي : «أنا الثقة (7) : أن مجاهدا كان يقول :
ص: 98
الرعد : ملك ؛ والبرق : أجنحة الملك يسقن السحاب (1). قال الشافعي : ما أشبه ما قال مجاهد ، بظاهر القرآن.».
وبهذا الإسناد ، أنا الشافعي : «أنا الثقة عن مجاهد : أنه قال : ما سمعت بأحد ذهب البرق ببصره. كأنه ذهب إلى قوله تعالى : ( يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ : 2 - 20 ) .»
«قال : وبلغني عن مجاهد أنه قال : وقد سمعت من تصيبه الصواعق وكأنه (2) ذهب إلى قول اللّه عزّ وجلّ : ( وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ : 13 - 13 ) . وسمعت من يقول : الصواعق ربما قتلت وأحرقت.».
وبهذا الإسناد ، قال : أنا الشافعي : «أنا من لا أتهم (3) ، نا العلاء ابن راشد ، عن عكرمة ، عن ابن العباس ، قال : ما هبّت ريح قطّ إلا جثا النبي (صلى اللّه عليه وسلم) على ركبتيه ، وقال : «اللّهمّ : اجعلها رحمه ، ولا
__________________
(1) كذا بالأم (ج 1 ص 224) ، وفى الأصل : «أجنحة لسقى السحاب» ، وقوله : لسقى ، محرف عن : «لسوق» ، إذ السحاب إنما يسقى من بخار البحر كما أشار إلى ذلك الطائي فى قوله :
كالبحر يمطره السحاب ، وليس من *** فضل عليه : لأنه من مائه
(2) فى الأم : «كأنه».
(3) قال الربيع بن سليمان (رحمه اللّه) : «إذا قال الشافعي : أخبرنى من لا أتهم ، يريد : إبراهيم بن يحيى. وإذا قال : بعض أصحابنا ، يريد : أهل الحجاز.» ، وفى رواية : «يريد : أصحاب مالك رحمه اللّه.». ا ه- انظر هامش الأم (ج 1 ص 223).
ص: 99
تجعلها عذابا. اللّهمّ : اجعلها رياحا ، ولا تجعلها ريحا.». قال ابن عباس (1) : فى كتاب اللّه عزّ وجلّ : ( إِنَّا (2) أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً : 54 - 19 ، و : أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ : 51 - 41 ؛ وقال : وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ : 15 - 22 ؛ و : أرسلنا (3) الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ : 30 - 46 ) .».
* * *
ص: 100
«ما يؤثر عنه فى الزّكاة (1)»
(أنا) أبو عبد اللّه الحافظ ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (رحمه اللّه) - فى قوله عزّ وجلّ : ( فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ : 107 - 4 - 7 ) . - قال الشافعي : «وقال (2) بعض أهل العلم : هى : الزكاة المفروضة (3).».
(أنا) أبو سعيد ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي : «قال اللّه عزّ وجلّ : ( وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللّهِ - : فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ : 9 - 34 ) فأبان : أنّ في الذهب والفضة زكاة (4). وقول اللّه عزّ وجلّ : ( وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللّهِ ) ؛ [يعنى] (5) - واللّه تعالى أعلم - : فى سبيله التي فرض : من الزكاة وغيرها.»
ص: 101
«فأما (1) دفن المال : فضرب [من (2)] إحرازه ؛ وإذا حلّ إحرازه بشيء : حل بالدفن وغيره.». واحتج فيه : بابن عمر وغيره (3).
* * *
(أنا) أبو سعيد ، نا أبو العباس ، نا الربيع ، قال : قال الشافعي (رحمه اللّه) : «الناس عبيد اللّه (جلّ ثناؤه) ؛ فملّكهم ما شاء أن يملّكهم ، وفرض عليهم - فيما ملّكهم - ما شاء : ( لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ ، وَهُمْ يُسْئَلُونَ ) (4). فكان فيما (5) آتاهم ، أكثر مما جعل عليهم فيه ؛ وكلّ : أنعم به (6) عليهم ، (جلّ ثناؤه). وكان (7) - فيما فرض عليهم ، فيما ملكهم - : زكاة ؛ أبان : [أنّ (8)] فى أموالهم حقا لغيرهم - فى وقت - على لسان رسوله (صلى اللّه عليه وسلم).»
ص: 102
«فكان (1) حلالا لهم ملك الأموال ؛ وحراما عليهم حبس الزكاة : لأنه ملّكها غيرهم فى وقت ، كما ملكهم أموالهم ، دون غيرهم.».
«فكان بيّنا - فيما وصفت ، وفى قول اللّه عزّ وجلّ : ( خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ (2) : 9 - 103 ) . - : أن كل مالك تام (3) الملك - : من حرّ (4) - له مال : فيه زكاة.». وبسط الكلام فيه (5)
* * *
وبهذا الإسناد ، قال الشافعي - فى أثناء كلامه فى باب زكاة التجارة (6) ، فى قول اللّه عزّ وجلّ : ( وَآتُوا حَقَّهُ (7) يَوْمَ حَصادِهِ : 6 - 141 ) - : «وهذا دلالة على أنه إنما جعل الزكاة على الزرع (8)». وإنما (9) قصد : إسقاط الزكاة عن حنطة حصلت فى يده من غير زراعة.
* * *
ص: 103
وبهذا الإسناد ، قال : قال الشافعي : «قال اللّه (عزّ وجلّ) لنبيه صلى اللّه عليه وسلم : ( خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها ، وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ؛ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ) . قال الشافعي : والصلاة عليهم : الدعاء لهم عند أخذ الصدقة منهم.»
«فحقّ على الوالي - إذا أخذ صدقة امرى - : أن يدعو له ؛ وأحب أن يقول : آجرك (1) اللّه فيما أعطيت ، وجعلها لك طهورا ؛ وبارك لك فيما أبقيت (2).»
* * *
(أنا) أبو عبد اللّه الحافظ ، وأبو سعيد بن أبى عمرو ؛ قالا : أنا أبو العباس ، أنا الربيع بن سليمان ، قال : قال الشافعي : «قال اللّه عزّ وجلّ : ( وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ، وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ : 2 - 267 ) (3). يعنى (واللّه أعلم) : لستم بآخذيه (4) لأنفسكم ممن لكم عليه حق ؛ فلا تنفقوا مما (5) لم تأخذوا لأنفسكم ؛ يعنى : [لا (6)] تعطوا ما خبث عليكم (واللّه أعلم) : وعندكم الطيّب.».
* * *
ص: 104
قرأت - فى رواية المزني ، عن الشافعي - أنه قال : «قال اللّه جلّ ثناؤه : ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ : لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ : 2 - 183 - 184 ) ؛ ثم أبان : أن هذه الأيام : شهر رمضان (1) ؛ بقوله تعالى : ( شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ (2) ؛ إلى قوله تعالى : فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ : فَلْيَصُمْهُ : 2 - 185 ) .».
«وكان بيّنا - فى كتاب اللّه عزّ وجلّ - : [أنّه (3)] لا يجب صوم ، إلا صوم شهر رمضان. وكان علم شهر رمضان - عند من خوطب باللسان - : أنه الذي بين شعبان وشوّال (4).».
وذكره - فى رواية حرملة عنه - بمعناه ، وزاد ؛ قال : «فلما أعلم اللّه الناس : أنّ فرض الصوم عليهم : شهر رمضان ؛ وكانت الأعاجم (5) : تعدّ الشهور بالأيام (6) ، لا بالأهلّة ؛ وتذهب : إلى أن الحساب - إذا عدت الشهور بالأهلة - يختلف. - : فأبان اللّه تعالى : أن الأهلة هى : المواقيت للناس
ص: 105
والحجّ (1) ؛ وذكر الشهور ، فقال : ( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللّهِ : 9 - 36 ) ؛ فدلّ : على أن الشهور للأهلة - : إذ جعلها المواقيت. - لا ما ذهبت إليه الأعاجم : من العدد بغير الأهلة».
«ثم بين رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) ذلك ، على ما أنزل اللّه (عزّ وجلّ) ؛ وبين : أن الشهر : تسع وعشرون ؛ يعنى : أن الشهر قد يكون تسعا وعشرين. وذلك : أنهم قد يكونون يعلمون : أن الشهر يكون ثلاثين ؛ فأعلمهم : أنه قد يكون تسعا وعشرين (2) ؛ وأعلمهم : أن ذلك للأهلة (3)».
* * *
(أخبرنا) أبو عبد اللّه الحافظ ، أنا العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي : «قال اللّه (تعالى) فى فرض الصوم : ( شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ) ؛ إلى : ( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ : فَلْيَصُمْهُ ؛ وَمَنْ كانَ مَرِيضاً ، أَوْ عَلى سَفَرٍ : فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ : 2 - 185 ) »
«فبيّن (4) - فى الآية - : أنه فرض الصيام عليهم عدّة (5) ، وجعل (6) لهم : أن يفطروا فيها : مرضي ومسافرين ؛ ويخصوا حتى يكملوا العدّة
ص: 106
وأخبر أنه أراد بهم اليسر.»
«وكان قول (1) اللّه عزّ وجلّ : ( وَمَنْ كانَ مَرِيضاً ، أَوْ عَلى سَفَرٍ : فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) ؛ يحتمل معنيين :»
«(أحدهما) : أن لا يجعل عليهم (2) صوم شهر رمضان : مرضى ولا مسافرين ؛ ويجعل عليهم عددا - إذا مضى السفر والمرض - : من أيام أخر.»
«(ويحتمل (3)) : أن يكون إنما أمرهم بالفطر فى هاتين الحالتين : على الرخصة إن شاءوا ؛ لئلا يحرجوا إن فعلوا.».
«وكان فرض الصوم ، والأمر بالفطر فى المرض والسفر - : فى آية واحدة. ولم أعلم مخالفا : أن كل آية إنما أنزلت متتابعة ، لا مفرّقة (4). وقد تنزل الآيتان فى السورة مفرقتين (5) ؛ فأما آية : فلا ؛ لأن معنى الآية : أنها كلام واحد غير منقطع ، [يستأنف بعده غيره] (6)».
وقال فى موضع آخر من هذه المسألة : «لأن معنى الآية : معنى (7) قطع الكلام.»
ص: 107
«فإذ (1) صام رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) فى شهر رمضان - : وفرض شهر رمضان إنما أنزل فى الآية. - : علمنا (2) أن الآية بفطر المريض والمسافر رخصة.».
قال الشافعي (رحمه اللّه) : «فمن أفطر أياما من رمضان - من عذر (3) - : قضاهنّ متفرقات ، أو مجتمعات (4). وذلك : أن اللّه (عزّ وجلّ) قال : ( فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) ؛ ولم يذكرهنّ متتابعات (5).».
* * *
وبهذا الإسناد ، قال : قال الشافعي : «قال اللّه تبارك وتعالى : ( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ : 2 - 184) فقيل : (يطيقونه (6)) : كانوا يطيقونه ثم عجزوا (7) ؛ فعليهم - فى كل يوم - : طعام مسكين (8).».
ص: 108
فى كتاب الصيام (1) (وذلك : بالإجازة.) قال : «والحال (التي يترك بها الكبير الصوم) : أن يجهده الجهد غير (2) المحتمل. وكذلك : المريض والحامل : [إن (3) زاد مرض المريض زيادة بيّنة : أفطر ؛ وإن كانت زيادة محتملة : لم يفطر (4). والحامل] إذا خافت على ولدها : [أفطرت] (5). وكذلك المرضع : إذا أضرّ بلبنها الإضرار البيّن.». وبسط الكلام فى شرحه (6).
وقال فى القديم ([رواية] الزعفراني عنه) : «سمعت من أصحابنا ، من نقلوا (7) - إذا سئل [عن تأويل قوله تعالى] (8) : ( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ ) . - : فكأنه (9) يتأوّل : إذا لم يطق الصوم : الفدية».
ص: 109
وقرأت فى كتاب حرملة - فيما روى عن الشافعي رحمه اللّه - : أنه قال : «جماع العكوف : ما (1) لزمه المرء ، فحبس عليه نفسه : من شىء ، برّا كان أو مأثما. فهو : عاكف.»
«واحتجّ بقوله عزّ وجلّ : ( فَأَتَوْا عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ : 7 - 138 ) ؛ وبقوله تعالى [حكاية] (2) عمن رضي قوله : ( ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ : 21 - 52 ) .» «قيل : فهل للاعتكاف المتبرّر ، (3) أصل فى كتاب اللّه عزوجل؟.
قال : نعم (4) ؛ قال اللّه عزّ وجلّ : ( وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ : (5) وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ : 2 - 187 ) ؛ والعكوف فى المساجد : [صبر الأنفس فيها ، وحبسها على عبادة اللّه تعالى وطاعته].» (6)
ص: 110
وفيما أنبأنا أبو عبد اللّه الحافظ (إجازة) : أنبأنا أبو العباس ، حدثهم ، قال : أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (رحمه اللّه) : «الآية التي فيها بيان فرض الحج على من فرض عليه ، هى (1) : قول اللّه تبارك وتعالى : ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ : حِجُّ الْبَيْتِ ؛ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً : 3 - 97 ) . وقال تعالى : ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ : 2 - 196) (2).»
«قال الشافعي : أنا ابن عيينة ، عن ابن أبى نجيح ، عن عكرمة ، قال : لما نزلت : ( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً : فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ ) الآية (3). - قالت اليهود (4) : فنحن مسلمون ؛ فقال اللّه لنبيه (صلى اللّه عليه وسلم) : فحجّهم (5) ؛ فقال لهم النبىّ (صلى اللّه عليه وسلم) : حجّوا (6) ؛ فقالوا : لم يكتب علينا ؛ وأبوا أن يحجوا. فقال (7) اللّه تعالى : ( وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللّهَ غَنِيٌّ عَنِ
ص: 111
الْعالَمِينَ : 3 - 97 ) . قال عكرمة : ومن كفر - : من أهل الملل (1). - : فإن اللّه غنىّ عن العالمين.».
«قال الشافعي : وما أشبه ما قال عكرمة ، بما قال (واللّه أعلم) - : لأن هذا كفر بفرض الحج : وقد أنزله اللّه ؛ والكفر بآية من كتاب اللّه : كفر.».
«قال الشافعي : أنا مسلم بن خالد ، وسعيد بن سالم ، عن ابن (2) جريج ، قال : قال مجاهد - فى قول اللّه : ( وَمَنْ كَفَرَ ) . - قال : هو (3) فيما : إن حجّ لم يره برّا ، وإن جلس لم يره إثما (4).»
«كان سعيد بن سالم ، يذهب : إلى أنه كفر بفرض الحجّ. قال (5) : ومن كفر بآية من كتاب اللّه عزّ وجلّ - : كان كافرا.»
«وهذا (إن شاء اللّه) : كما قال مجاهد ؛ وما قال عكرمة فيه : أوضح ؛ وإن كان هذا واضحا.».
(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو ، نا أبو العباس الأصم ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، قال : «قال اللّه تبارك وتعالى : ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ
ص: 112
مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) . والاستطاعة - فى دلالة السنة والإجماع - : أن يكون الرجل يقدر على مركب وزاد : يبلّغه ذاهبا وجائيا ؛ وهو يقوى على (1) المركب. أو : أن يكون له مال ، فيستأجر به من يحج عنه. أو : يكون له من : إذا أمره أن يحجّ عنه ، أطاعه (2).». وأطال الكلام فى شرحه (3).
وإنما أراد به : الاستطاعة التي هي سبب وجوب (4) الحج. فأما الاستطاعة - التي هى : خلق اللّه تعالى ، مع كسب العبد (5). - : فقد قال الشافعي في أول كتاب (الرسالة) (6) :
«والحمد لله الذي لا يؤدّى شكر نعمة - من نعمه - إلا بنعمة منه : توجب على مؤدّى ماضى نعمه ، بأدائها - : نعمة حادثة يجب عليه شكره [بها] (7).».
وقال بعد ذلك : «وأستهديه بهداه (8) : الذي لا يضلّ من أنعم به عليه.».
وقال فى هذا الكتاب (9) : «الناس متعبّدون : بأن يقولوا ، أو يفعلوا
ص: 113
ما أمروا : أن (1) ينتهوا إليه ، لا يجاوزونه. لأنهم لم يعطوا أنفسهم شيئا ، إنما هو : عطاء اللّه (جلّ ثناؤه). فنسأل اللّه : عطاء : مؤدّيا لحقه ، موجبا لمزيده.».
وكلّ هذا : فيما أنبأنا أبو عبد اللّه ، عن أبى العباس ، عن الربيع ، عن الشافعي.
وله - فى هذا الجنس - كلام كثير : يدلّ على صحة اعتقاده فى التّعرّى (2) من حوله وقوّته ، وأنه لا يستطيع العبد أن يعمل بطاعة اللّه (عزّ وجلّ) ، [إلا بتوفيقه (3)]. وتوفيقه : نعمته الحادثة : التي بها يؤدّى شكر نعمته الماضية ؛ وعطاؤه : الذي به يؤدّى حقّه ؛ وهداه : الذي به لا يضلّ من أنعم به عليه.
* * *
(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، نا الشافعي - فى قوله تعالى : ( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ : 2 - 197 ) . قال (4) : «أشهر الحج (5) : شوّال ، وذو القعدة ، وذو الحجّة (6). ولا يفرض الحج [إلا (7)] فى
ص: 114
شوال كلّه ، وذى القعدة كلّه ، وتسع (1) من ذى الحجة. ولا يفرض : إذا خلت عشر ذى الحجة (2) ؛ فهو : من شهور الحجّ ؛ والحج بعضه دون بعض.».
وقال - فى قوله تعالى : ( ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ : 2 - 196 ) - : «فحاضره : من قرب منه ؛ وهو : كل من كان أهله من دون أقرب المواقيت ، دون ليلتين (3)».
* * *
(وأنا) أبو سعيد ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (رحمه اللّه) - فيما بلغه عن وكيع ، عن شعبة ، عن عمرو بن مرّة ، عن عبد اللّه بن سلمة ، عن علىّ - فى هذه الآية : ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ : 2 - 196 ) (4). - قال : «أن يحرم الرجل من دويرة أهله (5)».
ص: 115
(وأنا) أبو سعيد ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، نا الشافعي ، قال : «ولا يجب دم المتعة على المتمتع ، حتى يهلّ بالحج (1) : لأن اللّه (جلّ ثناؤه) يقول : ( فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ : فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ : 2 - 196 ) . وكان بيّنا - فى كتاب اللّه عزّ وجلّ - : أن التمتع هو : التمتع بالإهلال من العمرة (2) إلى أن يدخل فى الإحرام بالحج ؛ وأنه إذا دخل فى الإحرام بالحج : فقد أكمل التمتع (3) ، ومضى التمتع ؛ وإذا مضي بكماله : فقد وجب عليه دمه. وهو قول عمرو بن دينار (4).»
«قال الشافعي : ونحن نقول : ما استيسر - : من الهدى. - : شاة ؛ (ويروى عن ابن عباس) (5). فمن لم يجد : فصيام ثلاثة أيام : فيما بين أن يهلّ بالحجّ إلى يوم عرفة ؛ فإذا لم يصم : صام بعد منى : بمكة أو فى سفره ؛ وسبعة أيام بعد ذلك.»
«وقال فى موضع آخر : وسبعة فى المرجع. وقال فى موضع آخر : إذا رجع إلى أهله (6).».
* * *
ص: 116
(أنا) أبو زكريا بن أبى إسحاق ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي : «أنا ابن عيينة ، نا هشام ، عن طاووس (1) - فيما أحسب (2) - أنه قال : الحجر (3) من البيت (4). وقال اللّه تعالى : ( وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ : 22 - 29 ) ؛ وقد طاف رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) من وراء الحجر (5).»
قال الشافعي - فى غير هذه الرواية - : «سمعت عددا - من أهل العلم : من قريش. - يذكرون : أنه ترك من الكعبة فى الحجر ، نحو من ستة أذرع (6).».
* * *
وقال - فى قوله : ( فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ :
ص: 117
2 - 196 ) (1). - : «أما الظاهر : فإنه مأذون بحلاق (2) الشعر : للمرض ، والأذى فى الرأس : وإن لم يمرض (3).».
* * *
(أنبأني) أبو عبد اللّه (إجازة) : أن أبا العباس حدّثهم : أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (رحمه اللّه) - فى الحج : فى أن للصبى حجا : ولم يكتب عليه فرضه. - : «إن اللّه (جلّ ثناؤه) بفضل نعمته ، أثاب الناس على الأعمال أضعافها ؛ ومنّ على المؤمنين - : بأن ألحق بهم ذرياتهم ، ووفّر عليهم أعمالهم. - فقال : ( أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ، وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ : 52 - 21 ) .»
«فكما منّ على الذّرارى : بإدخالهم جنته بلا عمل (4) ؛ كان : أن منّ عليهم - : بأن يكتب عليهم عمل البرّ فى الحج : وإن لم يجب عليهم. - : من ذلك المعنى.». ثم استدل على ذلك بالسنة (5).
* * *
ص: 118
(أنا) أبو عبد اللّه الحافظ ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (رحمه اللّه) : «قال اللّه تبارك وتعالى : ( وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ ، وَأَمْناً (1) ؛ إلى [قوله] (2) : وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ : 2 - 125 ) .»
«قال الشافعي : المثابة - فى كلاب العرب - : الموضع : يثوب الناس إليه ، ويؤوبون : يعودون إليه بعد الذّهاب عنه (3). وقد يقال : ثاب إليه : اجتمع إليه ؛ فالمثابة تجمع الاجتماع ؛ ويؤوبون : يجتمعون إليه : راجعين بعد ذهابهم عنه ، ومبتدئين. قال ورقة بن نوفل (4) ، يذكر البيت :
مثابا لأفناء القبائل كلّها *** تخبّ إليه اليعملات (5) الذّوابل (6)
وقال خداش بن زهير [النّصريّ] :
فما برحت بكر تثوب وتدّعى *** ويلحق (7) منهم أوّلون فآخر (8)»
ص: 119
«قال الشافعي : وقال اللّه تبارك وتعالى : ( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً : وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ : 29 - 67 ) ؛ يعنى (واللّه أعلم) : [آمنا (1)] من صار إليه : لا يتخطّف اختطاف من حولهم.»
وقال (عزّ وجلّ) لإبراهيم خليله - عليه السلام - : ( وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً ، وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ : 22 - 27 ) .»
«قال الشافعي : سمعت (2) [بعض من أرضى] (3) - من أهل العلم - يذكر : أن اللّه (عزّ وجلّ) لما أمر بهذا ، إبراهيم (عليه السلام) : وقف على المقام ، وصاح (4) صيحة : عباد اللّه ؛ أجيبوا داعى اللّه. فاستجاب له حتى من [فى (5)] أصلاب الرجال ، وأرحام النساء (6). فمن حج البيت بعد دعوته ، فهو : ممن أجاب دعوته. ووافاه من وافاه ، يقول (7) : لبّيك داعى ربّنا لبيك (8).».
وهذا - : من قوله : «وقال لإبراهيم خليله». - : إجازة ؛ وما قبله : قراءة.
* * *
(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو ، نا أبو العباس الأصم ، أنا الربيع ، قال : سألت الشافعيّ عمن قتل من الصيد شيئا : وهو محرم ؛ فقال : «من قتل من
ص: 120
دوابّ (1) الصيد ، شيئا : جزاه بمثله : من النّعم. لأن اللّه (تعالى) يقول : ( فَجَزاءٌ : مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ : 5 - 95 ) ؛ والمثل لا يكون إلا لدواب (2) الصيد (3).»
«فأما الطائر : فلا مثل له ؛ ومثله : قيمته (4). إلا أنا نقول فى حمام مكة - : اتباعا (5) للآثار (6) - : شاة (7).».
(أنا أبو سعيد بن أبى عمرو ، أنا أبو العباس الأصم ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي - فى قوله عزّ وجلّ : ( وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً : فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) . - : «والمثل واحد ؛ لا : أمثال. فكيف زعمت : أن عشرة لو قتلوا صيدا : جزوه بعشرة أمثال (8).؟!».
ص: 121
وجرى فى كلام الشافعي - : فى الفرق بين المثل وكفارة القتل (1). - : أن الكفارة : موقتة ؛ والمثل : غير موقت ؛ فهو - بالدية والقيمة - أشبه.
واحتجّ - فى إيجاب المثل فى جزاء دواب (2) الصيد ، دون اعتبار القيمة - : بظاهر الآية ؛ [فقال] (3) :
«قال اللّه عزّ وجلّ : ( فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) (4) ؛ و [قد] (5) حكم عمر وعبد الرحمن ، وعثمان [وعلى (6)] وابن عباس ، وابن عمر ، وغيرهم (7) (رضى اللّه عنهم) - فى بلدان مختلفة ، وأزمان شتّى - : بالمثل من النّعم» فحكم حاكمهم فى النعامة : ببدنة (8) ؛ والنعامة لا
ص: 122
لا تساوى (1) بدنة (2) ، وفى حمار الوحش : ببقرة ؛ وهو لا يساوى بقرة ؛ وفى الضّبع : بكبش (3) ؛ وهو لا يساوى كبشا ؛ وفى الغزال : بعنز (4) ؛ وقد يكون أكثر (5) ثمنا منها أضعافا ومثلها ، ودونها ؛ وفى الأرنب : بعناق (6) ؛ وفى اليربوع : بجفرة (7) ؛ وهما لا يساويان (8) عناقا ولا جفرة (9).»
«فهذا يدلك (10) : على أنهم إنما (11) نظروا إلى أقرب ما قتل (12) - : من الصيد. - شبها بالبدن (13) [من النعم (14)] ؛ لا بالقيمة. ولو حكموا بالقيمة :
ص: 123
لاختلفت أحكامهم (1) ؛ لاختلاف (2) أسعار ما يقتل فى الأزمان والبلدان (3).».
* * *
(أنا) أبو زكريا بن أبى إسحاق ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي : «أنا سعيد بن سالم ، عن ابن جريج ، قال : قلت لعطاء - [فى] (4) قول اللّه عزّ وجلّ : ( لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ؛ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً ) . - قلت [له] (5) : من (6) قتله خطأ : أيغرم؟. قال : نعم ؛ يعظّم بذلك حرمات اللّه ، ومضت (7) به السنن.».
قال : «وأنا مسلم وسعيد (8) ، عن ابن جريج ، عن عمرو بن دينار ، قال : رأيت الناس يغرّمون فى الخطأ (9).».
وروى الشافعي - فى ذلك - حديث عمر ، وعبد الرحمن بن عوف
ص: 124
(رضي اللّه عنهما) : فى رجلين أجريا فرسيهما ، فأصابا ظبيا : وهما محرمان ؛ فحكما عليه : بعنز (1) ؛ وقرأ عمر - رضى اللّه عنه - : ( يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ : 5 - 95 ) (2).
وقاس الشافعي ذلك فى الخطأ : على قتل المؤمن خطأ (3) ؛ قال اللّه تعالى : ( وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً : فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ : 4 - 92 ) ؛ والمنع عن قتلها : عامّ ؛ والمسلمون : لم يفرقوا بين الغرم فى الممنوع - : من الناس والأموال. - : فى العمد والخطأ (4)
* * *
(أنا) أبو سعيد بن أبي عمرو ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، قال : «أصل الصيد : الذي يؤكل لحمه ؛ وإن كان غيره يسمى صيدا. ألا ترى إلى قول اللّه تعالى : ( وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللّهُ ؛ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ : 5 - 4 ) .؟! لأنه معقول عندهم : أنه إنما يرسلونها على ما يؤكل (5). أو لا ترى إلى قول اللّه عزّ وجلّ :
ص: 125
( لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ : 5 - 94 ) ؛ وقوله : ( أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ ؛ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً : 5 - 96 ) .؟! فدلّ (جلّ ثناؤه) : على أنه إنما حرم عليهم فى الإحرام - : [من (1)] صيد البرّ. - ما كان حلالا لهم - قبل الإحرام - : [أن (2)] يأكلوه (3).».
زاد فى موضع آخر (4) : «لأنه (واللّه أعلم) لا يشبه : أن يكون حرم فى الإحرام (5) خاصة ، إلا ما كان مباحا قبله (6). فأماما كان محرّما على الحلال : فالتحريم الأول كاف منه (7).».
قال : ولو لا أن هذا معناه : ما أمر (8) رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) : بقتل الكلب العقور ، والعقرب ، والغراب ، والحدأة ، والفأرة - : فى الحل
ص: 126
والحرم. ولكنه إنما أباح لهم قتل ما أضر : مما لا يؤكل لحمه.». وبسط الكلام فيه (1).
(أنا) أبو سعيد ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي : «أنا مسلم : عن ابن جريج ، عن عطاء ، قال : لا يفدى المحرم من الصيد ، إلا : [ما] (2) يؤكل لحمه.».
(وفيما أنبأ) أبو عبد اللّه (إجازة) : أن العباس حدثهم : أنا الربيع ، أنا الشافعي : «أنا سعيد بن سالم ، عن ابن جريج ، قال : قلت لعطاء [فى (3)] قول اللّه : ( عَفَا اللّهُ عَمَّا سَلَفَ : 5 - 95 ) ؛ قال : عفا اللّه عما كان فى الجاهلية. قلت : وقوله (4) : ( وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللّهُ مِنْهُ : 5 - 95 ) ؛!.[قال : ومن عاد فى الإسلام : فينتقم اللّه منه (5)] ، وعليه (6) فى ذلك الكفارة (7).».
وشبّه الشافعي (رحمه اللّه) فى ذلك : بقتل الآدمي والزنا ، وما فيهما وفى الكفر - : من الوعيد. - فى قوله : ( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللّهِ إِلهاً آخَرَ )
ص: 127
إلى قوله (1) : ( وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً : 25 - 68 - 69 ) . - وما فى كل واحد منهما : من الحدود فى الدنيا.
[قال] (2) : «[فلما أوجب اللّه عليهم الحدود (3)] : دلّ هذا على أن النقمة (4) فى الآخرة ، لا تسقط حكما (5) غيرها فى الدنيا.».
* * *
(أنا) أبو زكريا بن أبى إسحاق ، نا أبو العباس الأصم ، نا الربيع ، أنا الشافعي : «أنا سعيد ، عن ابن جريج ، عن عمرو بن دينار ، قال : كل شىء فى القرآن [فيه] (6) : أو ، أو (7) ؛ أيّة (8) : أيّة (9) شاء. قال ابن جريج : إلا قول اللّه عزّ وجلّ : ( إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً : 5 - 23 ) فليس بمخيّر فيها.»
«قال الشافعي : كما قال ابن جريج وغيره ، فى المحارب وغيره - فى هذه المسألة - أقول.».
ص: 128
ورواه (أيضا) سعيد [عن ا] بن جريج ؛ عن عطاء : «كل شىء فى القرآن [فيه] : أو ، أو (1) ؛ يختار (2) منه صاحبه ما شاء».
واحتجّ الشافعي - فى الفدية - : بحديث كعب بن عجرة (3).
(وأنا) أبو زكريا ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي : «أنا سعيد ، عن ابن جريج [قال (4)] : قلت لعطاء : ( فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ، يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ ، هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ ؛ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ ، أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً : 5 - 95 ) ؛؟. قال (5) : من أجل أنه أصابه فى حرم (يريد : البيت (6).) ، كفارة ذلك : عند البيت.».
فأما الصوم : (فأخبرنا) أبو سعيد ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي : فإن جزاه بالصوم : [صام (7)] حيث شاء ؛ لأنه لا منفعة لمساكين الحرم ، فى صيامه (8).».
ص: 129
واحتجّ [فى الصوم (1)] - فيما أنبأنى أبو عبد اللّه الحافظ (إجازة) ، عن أبى العباس ، عن الربيع ، عن الشافعي - فقال : «أذن اللّه للمتمتع : أن يكون صومه (2) ثلاثة (3) أيام فى الحجّ ، وسبعة إذا رجع. ولم يكن فى الصوم : منفعة لمساكين الحرم ؛ وكان على بدن الرجل. فكان (4) عملا بغير وقت : فيعمله حيث شاء.».
* * *
(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، قال : «الإحصار الذي ذكر [ه (5)] اللّه (تبارك وتعالى) فى القرآن (6). - فقال : ( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ : فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ : 2 - 196 ) . - نزل (7) يوم الحديبية (8) ؛ وأحصر النبىّ (صلى اللّه عليه وسلم) [بعدو (9)].»
فمن حال بينه وبين البيت ، مرض حابس - : فليس بداخل فى معنى الآية (10). لأن الآية نزلت فى الحائل من العدو ؛ واللّه أعلم (11)».
ص: 130
وعن ابن عباس : «لا حصر إلا حصر العدو (1)» ؛ وعن ابن عمر وعائشة ، معناه (2).
قال الشافعي : «ونحر رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) : فى الحلّ ؛ وقد قيل : نحر في الحرم.»
«وإنما (3) ذهبنا إلى أنه نحر فى الحلّ - : وبعض الحديبية فى الحلّ ، وبعضها فى الحرم (4). - : لأن اللّه (تعالى) يقول : ( وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ : 48 - 25 ) ؛ والحرم : كله محلّه ؛ عند أهل العلم.»
«فحيث ما أحصر [الرجل : قريبا كان أو بعيدا ؛ بعدوّ حائل : مسلم أو كافر ؛ وقد أحرم (5)] - : ذبح شاة وحلّ ؛ ولا قضاء عليه (6) - ؛ إلا (7)
ص: 131
أن يكون حجه (1) : حجّة الإسلام ؛ فيحجّها (2). - : من قبل قول اللّه عزّ وجلّ : ( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ : فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) ؛ ولم يذكر قضاء (3).».
* * *
(أنا) أبو سعيد ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي : «قال اللّه جلّ ثناؤه : ( أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ (4) : 5 - 96 ) ؛ وقال : ( وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ : هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ ، وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ. وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا (5) : 35 - 12 ) (6).»
«قال الشافعي : فكلّ ما كان فيه : صيد (7) - : فى بئر كان ، أو فى
ص: 132
ماء مستنقع (1) ، أو عين (2) ، وعذب ، ومالح ؛ فهو بحر. - : فى حلّ كان أو حرم ؛ من حوت أو ضربه : مما يعيش فى الماء [أكثر (3)] عيشه (4). فللمحرم والحلال : أن يصيبه ويأكله.»
«فأما طائره : فإنه (5) يأوى إلى أرض فيه ؛ [فهو (6)] من صيد البرّ : إذا أصيب جزى (7).».
* * *
(أنا) أبو عبد اللّه الحافظ ، قال : وقال الحسين بن محمد الماسرجسى - فيما أخبرنى عنه أبو (8) محمد بن سفيان - : أنا يونس بن عبد الأعلى ، قال : قال الشافعي (رحمه اللّه تعالى) - فى قوله تعالى : ( ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ
ص: 133
النَّاسُ : 2 - 199 ) . - قال : «كانت قريش وقبائل (1) لا يقفون بعرفات (2) وكانوا يقولون : نحن الحمس (3) ، لم نسبّ قطّ ، ولا دخل علينا فى الجاهلية ، وليس نفارق الحرم (4). وكان سائر الناس يقفون بعرفات. فأمرهم اللّه (عزّ وجلّ) : أن يقفوا بعرفة مع الناس.».
قال : وقال لى محمد بن إدريس : «الأيام (5) المعلومات : أيام العشر كلها (6) ؛ والمعدودات : أيام منى (7) فقط.». زاد (8) فى كتاب البويطيّ : «ويظن [أنه (9)] كذلك روى عن ابن عباس.».
ص: 134
(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو ، نا أبو العباس الأصمّ ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، قال : «قال اللّه تبارك وتعالى : ( وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ ، وَحَرَّمَ الرِّبا : 2 - 275 ) . فاحتمل إحلال اللّه البيع ، معنيين :»
«(أحدهما) : أن يكون أحل كلّ بيع تبايعه المتبايعان (1) - : جائزى الأمر فيما تبايعاه. - عن تراض منهما. وهذا أظهر معانيه.»
«(والثاني) : أن يكون اللّه أحلّ البيع : إذا كان مما لم ينه عنه رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) : المبيّن عن اللّه (عزّ وجلّ) معنى ما أراد.»
«فيكون هذا : من الجملة (2) التي أحكم اللّه فرضها بكتابه ، وبيّن : كيف هي؟ على لسان نبيه (صلى اللّه عليه وسلم). أو : من العام الذي أراد به الخاصّ ؛ فبيّن رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) : ما أريد بإحلاله منه ، وما حرّم ؛ أو يكون داخلا فيهما. أو : من العام الذي أباحه ، إلا ما حرّم على لسان نبيه منه ، وما فى معناه. كما كان الوضوء (3) فرضا على كل متوضئ :
ص: 135
لا خفين (1) عليه لبسهما على كمال الطهارة.»
«وأىّ هذه المعاني كان : فقد ألزمه اللّه خلقه ، بما فرض : من طاعة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم (2).»
«فلما نهى رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) عن بيوع : تراضى (3) بها المتبايعان. - : استدللنا على أن اللّه أراد بما أحلّ من البيوع : ما لم يدل على تحريمه على لسان نبيه (صلى اللّه عليه وسلم) ؛ [دون ما حرم على لسانه (4)].».
* * *
(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو ، ثنا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، قال : «قال اللّه تبارك وتعالى : ( إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى : فَاكْتُبُوهُ ، وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ : 2 - 282 ) ؛ وقال جلّ ثناؤه : ( وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ ، وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً : فَرِهانٌ (5) مَقْبُوضَةٌ ؛ فَإِنْ (6) أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً : فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ : 2 - 283 ) .»
ص: 136
قال : وكان. (1) بيّنا - فى الآية - الأمر بالكتاب (2) : فى الحضر والسفر ؛ وذكر اللّه (عزّ وجلّ) الرهن : إذا كانوا مسافرين ، فلم (3) يجدوا كاتبا.»
«وكان (4) معقولا (5) ، (واللّه أعلم) فيها : أنهم (6) أمروا بالكتاب والرهن : احتياطا لمالك الحق : بالوثيقة ؛ والمملوك عليه : بأن لا ينسى ويذكر. لا : أنه فرض عليهم : أن يكتبوا ، أو يأخذوا رهنا (7). لقول اللّه عزّ وجلّ : ( فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً : فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ ) (8).»
«قال الشافعي : وقول اللّه عزّ وجلّ : ( إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ ) ؛ يحتمل : كلّ دين ؛ ويحتمل : السّلف خاصة. وقد ذهب فيه ابن عباس : إلى أنه فى السلف (9) ؛ وقلنا (10) به في كل دين : قياسا عليه ؛
ص: 137
لأنه فى معناه (1).».
* * *
(أنا) أبو سعيد ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي : «قال اللّه تبارك وتعالى : ( وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ ، فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً : فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ (2) : 4 - 6 ) .»
«قال : فدلت الآية : على أن الحجر ثابت على اليتامى ، حتى يجمعوا خصلتين : البلوغ والرّشد.»
«فالبلوغ (3) : استكمال خمس عشرة سنة ؛ [الذكر والأنثى فى ذلك سواء (4)]. إلا أن يحتلم الرجل ، أو تحيض المرأة (5) : قبل خمس عشرة سنة ؛ فيكون ذلك : البلوغ (6).»
«قال : والرشد (7) (واللّه أعلم) : الصلاح فى الدّين : حتى تكون الشهادة جائزة ؛ وإصلاح المال (8). [وإنما يعرف إصلاح المال (9)] : بأن يختبر اليتيم (10).».
ص: 138
وبهذا الإسناد ، قال : قال الشافعي : «أمر اللّه : بدفع أموالهما إليهما (1) ؛ وسوّى فيها بين (2) الرجل والمرأة (3).»
«وقال : ( وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ : وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً ؛ فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ : إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ (4) : 2 - 237 ) .»
«فدلت هذه الآية : على أنّ على الرجل : أن يسلم إلى المرأة نصف مهرها ؛ [كما كان عليه : أن يسلم إلى الأجنبيّين - من الرجال - ما وجب لهم (5).] وأنها (6) مسلّطة على أن تعفو عن مالها. وندب اللّه (عزّ وجلّ) : إلى العفو ؛ وذكر : أنه أقرب للتقوى. وسوّى بين الرجل والمرأة ، فيما يجوز : من (7) عفو كل واحد منهما ، ما وجب له (8).»
«وقال تعالى : ( وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً ؛ فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً : فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً (9) : 4 - 4 ) .»
ص: 139
«فجعل (1) عليهم : إيتاءهنّ (2) ما فرض لهنّ (3) ؛ وأحلّ (4) للرجال : كل (5) ما طاب نساؤهم عنه نفسا (6).».
واحتجّ (أيضا) : بآية الفدية فى الخلع ، وبآية الوصية والدّين (7). ثم قال : «وإذا (8) كان هذا هكذا : كان لها : أن تعطى من مالها ما (9) شاءت ، بغير إذن زوجها (10).». وبسط الكلام فيه (11).
* * *
(أنا) أبو سعيد ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي : «أثبت (12) اللّه (عزّ وجلّ) الولاية على السفيه ، والضعيف ، والذي
ص: 140
لا يستطيع أن يملّ [هو (1)] وأمر وليّه بالإملاء عنه (2) ؛ لأنه أقامه فيما لا غناء له عنه - : من ماله (3). - مقامه.»
«قال : وقد قيل (4) : (الذي ( لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ ) يحتمل : [أن يكون (5)] المغلوب على عقله. وهو أشبه معانيه (6) ، واللّه أعلم.».
* * *
وبهذا الإسناد ، قال الشافعي (رحمه اللّه) : «ولا يؤجّر الحرّ (7) فى دين عليه : إذا لم يوجد له شىء. قال اللّه جلّ ثناؤه : ( وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ : فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ : 2 - 280 ) (8).».
ص: 141
(أنا) أبو سعيد ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي : «قال اللّه عزّ وجلّ : ( ما جَعَلَ اللّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ ، وَلا سائِبَةٍ ، وَلا وَصِيلَةٍ ، وَلا حامٍ : 5 - 103 ) (1).»
«فهذه : الحبس التي كان أهل الجاهلية يحبسونها ؛ فأبطل اللّه (عزّ وجلّ) شروطهم فيها ، وأبطل رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) : بإبطال اللّه (عزّ وجلّ) إياها.»
«وهى (2) : أن الرجل كان يقول : إذا نتج فحل إبلى. (3) ، ثم ألقح ، فأنتج منه - : فهو (4) : حام. أي : قد حمى ظهره ؛ فيحرم ركوبه. ويجعل ذلك شبيها بالعتق له (5).»
«ويقول فى البحيرة ، والوصيلة - على معنى يوافق بعض هذا.»
ص: 142
«ويقول لعبده (1) : أنت حرّ سائبة : لا يكون لى ولاؤك ، ولا علىّ عقلك.»
«وقيل : إنه (أيضا (2)) - فى البهائم - : قد سيّبتك.»
«فلما كان العتق لا يقع على البهائم : ردّ رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) ملك (3) البحيرة ، والوصيلة ، والحام ، إلى مالكه ؛ وأثبت العتق ، وجعل الولاء : لمن أعتق (4) [السائبة ؛ وحكم له بمثل حكم النسب (5).]».
وذكر فى كتاب : (البحيرة) (6). - فى تفسير البحيرة - : «أنها : الناقة تنتج بطونا ، فيشق مالكها أذنها ، ويخلى سبيلها ، [ويحلب لبنها فى البطحاء ؛ ولا يستجيزون الانتفاع بلبنها (7)].»
ص: 143
قال : «وقال بعضهم : إذا كانت تلك خمسة بطون (1). وقال بعضهم : [إذا كانت تلك (2)] البطون كلها إناثا.».
قال. «والوصيلة (3) : الشاة تنتج الأبطن ، فإذا ولدت آخر بعد الأبطن التي وقّتوا لها - : قيل : وصلت أخاها.»
«وقال (4) بعضهم : تنتج الأبطن الخمسة : عناقين عناقين فى كل بطن ؛ فيقال : هذا وصيلة : يصل (5) كل ذى بطن بأخ له معه.»
«وزاد بعضهم ، فقال (6) : وقد (7) يوصلونها : فى ثلاثة ابطن ، وفى (8) خمسة ، وفى سبعة (9).».
قال : «والحام : الفحل يضرب فى إبل الرجل عشر سنين ، فيخلى ، ويقال : قد حمى هذا ظهره ؛ فلا ينتفعون من ظهره بشىء.».
ص: 144
قال : «وزاد بعضهم ، فقال : يكون لهم من صلبه ، أو ما (1) أنتج مما (2) خرج من صلبه - : عشر من الإبل ؛ فيقال : قد حمى هذا ظهره (3).».
وقال فى السائبة ما قدّمنا ذكره (4) ؛ [ثم قال (5)] : «وكانوا يرجون [بأدائه (6)] البركة فى أموالهم ؛ وينالون به عندهم : مكرمة فى الأخلاق (7) ، مع التّبرّر (8) بما صنعوا فيه.» وأطال الكلام فى شرحه (9) ؛ وهو منقول فى كتاب الولاة ، من المبسوط
* * *
(أنا) أبو عبد اللّه الحافظ ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال
ص: 145
الشافعي : «قال اللّه تبارك وتعالى : ( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّهِ : 8 - 75 ) .»
«نزلت (1) : بأن الناس توارثوا : بالحلف [والنّصرة (2)] ؛ ثم توارثوا : بالإسلام والهجرة. وكان (3) المهاجر : يرث المهاجر ، ولا يرثه - من ورثته - من لم يكن مهاجرا ؛ وهو أقرب إليه من ورثته (4). فنزلت : ( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّهِ ) . - : على ما فرض (5) لهم ، [لا مطلقا (6)].».
* * *
(أخبرنا) أبو عبد اللّه الحافظ ، قال : قال الحسين بن محمد - فيما أخبرت - : أنا محمد بن سفيان ، نا يونس بن عبد الأعلى ، قال : قال الشافعي - فى قوله عزّ وجلّ : ( لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ ؛ وَلِلنِّساءِ
ص: 146
نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ : 4 - 7 ) (1). - : «نسخ بما جعل اللّه للذكر والأنثى : من الفرائض.»
وقال لى (2) - فى قوله عزّ وجلّ : ( وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ ) الآية (3). - : «قسمة المواريث ؛ فليتق اللّه من حضر ، وليحضر بخير ؛ وليخف : أن يحضر - حين يخلف هو أيضا - : بما حضر غيره (4).».
(وأنا) أبو سعيد بن أبي عمرو ، نا أبو العباس الأصم ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي : «قال اللّه تعالى : ( وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ : فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ ، وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً : 4 - 8 ) .»
«فأمر اللّه (عزّ وجلّ) : أن يرزق من القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين : الحاضرون القسمة. ولم يكن فى الأمر - فى الآية - : أن يرزق
ص: 147
من القسمة ، [من (1)] مثلهم - : فى القرابة واليتم والمسكنة. - : ممن لم يحضر.»
«ولهذا أشباه ؛ وهى : أن تضيف من جاءك ، ولا تضيف من لا (2) يقصد قصدك (3) : [ولو كان محتاجا (4)] ؛ إلا أن تطوّع (5).».
وجعل نظير ذلك : تخصيص النبي (صلي اللّه عليه وسلم) - : بالإجلاس معه ، أو ترويغه (6) لقمة - من ولى الطعام : من مماليكه (7).
قال الشافعي : «وقال لى بعض أصحابنا (يعنى : فى الآية.) (8) : قسمة المواريث ؛ وقال بعضهم : قسمة الميراث ، وغيره : من الغنائم (9). فهذا : أوسع.»
«وأحبّ إلىّ : [أن (10)] يعطوا (11) ما طابت به نفس المعطى. ولا يوقّت (12) ، ولا يحرمون.».
ص: 148
«ما نسخ من الوصايا (1)»
(أنا) أبو سعيد محمد بن موسى ، نا أبو العباس الأصم ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي : «قال اللّه عزّ وجلّ : ( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ - إِنْ تَرَكَ خَيْراً - : الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ : بِالْمَعْرُوفِ ، حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ : 2 - 180 ) .»
«قال : فكان (2) فرضا فى كتاب اللّه (عزّ وجلّ) ، على من ترك خيرا - والخير : المال. - : أن يوصي لوالديه وأقربيه.»
«وزعم (3) بعض أهل العلم [بالقرآن (4)] : أن الوصية للوالدين والأقربين الوارثين ؛ منسوخة (5).»
«واختلفوا فى الأقربين : غير الوارثين ؛ فأكثر من لقيت - : من أهل العلم وممن (6) حفظت [عنه (7)]. - قال : الوصايا منسوخة ؛ لأنه إنما أمر بها : إذا كانت إنما يورث بها ؛ فلما قسم اللّه الميراث : كانت تطوّعا.»
ص: 149
«وهذا - إن شاء اللّه - كلّه : كما قالوا.».
واحتجّ الشافعي (رحمه اللّه) [فى عدم جواز الوصية للوارث (1)] : بآية (2) الميراث ، وبما (3) روى عن النبي (صلى اللّه عليه وسلم) : من قوله : «لا وصية لوارث (4)».
واحتجّ (5) فى جواز الوصية لغير ذى الرحم (6) ، بحديث عمران ابن لحصين : «أن رجلا أعتق ستة مملوكين له : ليس له مال غيرهم ؛ فجزّأهم النبىّ (صلى اللّه عليه وسلم) ثلاثة أجزاء ، فأعتق (7) اثنين ، وأرقّ أربعة.».
[ثم قال (8)] : «والمعتق : عربى ؛ وإنما كانت العرب : تملك من
ص: 150
لا قرابة بينها وبينه. فلو لم تجز (1) الوصية إلا لذى قرابة : لم تجز (2) للمملوكين ؛ وقد أجازها لهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم (3).».
* * *
(أخبرنا) أبو سعيد بن (4) أبى عمرو ، نا أبو العباس الأصم ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي فى المستودع : «إذا قال : دفعتها إليك ؛ فالقول : قوله. ولو قال : أمرتنى أن أدفعها إلى فلان ، فدفعتها ؛ فالقول : قول المستودع (5). قال اللّه عزّ وجلّ : ( فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً :
ص: 151
فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ : 2 - 283 ) ؛ وقال فى اليتامى : (1) ( فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ : فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ (2) : 4 - 6 ) .»
«وذلك : أن ولىّ اليتيم إنما هو : وصىّ أبيه ، أو [وصىّ] (3) وصاه الحاكم : ليس أن اليتيم استودعه (4). والمدفوع إليه : غير المستودع ؛ وكان عليه : أن يشهد عليه ؛ إن أراد أن يبرأ. [و (5)] كذلك : الوصىّ.».
* * *
ص: 152
(أنبأنى) أبو عبد اللّه الحافظ (إجازة) : أن [أبا] العباس حدثهم : أنا الربيع ، قال : قال الشافعي : «[قال اللّه عزّ وجلّ (1)] : ( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ ، فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ ، وَلِذِي الْقُرْبى ، وَالْيَتامى ، وَالْمَساكِينِ ، وَابْنِ السَّبِيلِ : 8 - 41 ) ؛ وقال : ( وَما أَفاءَ اللّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ : فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ (2) مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ (3) ؛ إلى قوله تعالى (4) : ما أَفاءَ اللّهُ عَلى رَسُولِهِ ، مِنْ أَهْلِ الْقُرى - : فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ ، وَلِذِي الْقُرْبى ، وَالْيَتامى ، وَالْمَساكِينِ ، وَابْنِ السَّبِيلِ : 59 - 6 - 7 ) .»
«قال الشافعي : فالفىء والغنيمة يجتمعان : فى أن فيهما [معا (5)] الخمس (6) من جميعهما (7) ، لمن سماه اللّه له. ومن سماه اللّه [له (8)] - فى الآيتين معا -
ص: 153
سواء مجتمعين غير مفترقين (1).»
«ثم يفترق (2) الحكم فى الأربعة الأخماس : بما بيّن اللّه (تبارك وتعالى) على لسان نبيه (صلى اللّه عليه وسلم) ، وفي فعله.»
«فإنه قسم أربعة أخماس الغنيمة (3) - والغنيمة هى : الموجف عليها بالخيل والركاب. - : لمن حضر : من غنى وفقير.»
«والفيء هو : ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب. فكانت سنة رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) - فى قرى : «عرينة» (4) ؛ التي أفاءها اللّه عليه. - : أنّ أربعة أخماسها لرسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) خاصة - دون المسلمين - : يضعه رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) : حيث أراه اللّه تعالى.».
وذكر الشافعي هاهنا حديث عمر بن الخطاب (رضى اللّه عنه) : أنه قال [حيث اختصم إليه العباس وعلى (رضى اللّه عنهما) فى أموال النبىّ صلى اللّه عليه وسلم (5)] : «كانت أموال بنى النّضير : مما أفاء اللّه على
ص: 154
رسوله : مما لم يوجف عليه (1) المسلمون بخيل ولا ركاب (2). فكانت لرسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) خالصا (3) ، دون المسلمين. وكان (4) رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) : ينفق منها على أهله نفقة سنة ؛ فما فضل جعله فى الكراع والسلاح : عدّة في سبيل اللّه (5).»
قال الشافعي (رحمه اللّه) : «هذا : كلام عربىّ (6) ؛ إنما يعنى عمر (7) (رضى اللّه عنه) - [بقوله (8)] : «لرسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) خالصا (9)». - : ما كان يكون للمسلمين الموجفين ؛ وذلك : أربعة أخماس.»
ص: 155
«فاستدللت بخبر عمر : على أن الكل ليس لأهل الخمس : [مما أوجف عليه (1)].»
«واستدللت (2) : بقول اللّه (تبارك وتعالى) فى الحشر : ( فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ ، وَلِذِي الْقُرْبى ، وَالْيَتامى ، وَالْمَساكِينِ ، وَابْنِ السَّبِيلِ ) ؛ على : أن لهم الخمس ؛ فإن (3) الخمس إذا كان لهم ، فلا (4) يشك : أن رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) سلّمه لهم.»
«واستدللنا (5) - : إذ (6) كان حكم اللّه فى الأنفال : ( وَاعْلَمُوا : أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ ؛ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ ، وَلِلرَّسُولِ ، وَلِذِي الْقُرْبى ، وَالْيَتامى ، وَالْمَساكِينِ ، وَابْنِ السَّبِيلِ ) ؛ فاتفق الحكمان ، فى سورة الحشر وسورة الأنفال ، لقوم (7) موصوفين. - : أن ما لهم (8) من ذلك :
ص: 156
الخمس ؛ لا غيره (1).». وبسط الكلام فى شرحه (2)
قال الشافعي : «ووجدت اللّه (عز وجل) حكم فى الخمس (3) : بأنه على خمسة ؛ لأن قول اللّه عز وجل : (لله) ؛ مفتاح كلام : لله (4) كلّ شىء ، وله الأمر من قبل ، ومن بعد (5).».
قال الشافعي : «وقد مضى من كان ينفق عليه رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) : [من أزواجه ، وغيرهن لو كان معهن (6)].»
«فلم أعلم : أن (7) أحدا - : من أهل العلم. - قال : لورثتهم تلك النفقة : [التي كانت لهم (8)] ؛ ولا خالف (9) : فى أن تجعل (10) تلك النفقات : حيث كان رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) ، يجعل فضول غلّات تلك الأموال - : مما (11) فيه صلاح الإسلام وأهله (12).». وبسط الكلام فيه (13).
ص: 157
قال الشافعي (رحمه اللّه) : «ويقسم (1) سهم (2) ذى القربى (3) على بني هاشم وبنى المطلب (4).».
واستدل : بحديث جبير بن مطعم - : فى قسمة رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) ، سهم ذى القربى ، بين بنى هاشم وبنى المطلب. - وقوله : «إنما بنو هاشم وبنو المطّلب : شىء واحد (5).». وهو مذكور بشواهده ، فى موضعه من كتاب المبسوط ، والمعرفة ، والسنن.
* * *
قال الشافعي : «كلّ ما حصل - : مما غنم من أهل دار الحرب (6). - : قسم كله ؛ إلا الرجال البالغين : فالإمام فيهم ، بالخيار : بين أن يمنّ على من رأى منهم (7) أو يقتل ، أو يفادى ، أو يسبى (8).»
ص: 158
«وسبيل ما سبى (1) ، وما (2) أخذ مما فادى - : سبيل ما سواه : من الغنيمة.».
واحتجّ - فى القديم - : «بقول اللّه عز وجل : ( فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا : فَضَرْبَ الرِّقابِ ، حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ : فَشُدُّوا الْوَثاقَ ؛ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ ، وَإِمَّا فِداءً ؛ حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها : 47 - 8 ) ؛ وذلك - فى بيان اللغة - : قبل انقطاع الحرب.»
قال : «وكذلك فعل رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) فى أسارى بدر : منّ عليهم ، وفداهم (3) : والحرب بينه وبين قريش قائمة (4). وعرض على ثمامة [ابن] (5) أثال [الحنفي] (6) - : وهو (يومئذ) وقومه : أهل اليمامة ؛ حرب لرسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم). - : أن يمنّ عليه (7).». وبسط الكلام فيه (8).
ص: 159
(أخبرنا) أبو عبد اللّه الحافظ ، أنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، أنا الربيع بن سليمان ، قال : قال الشافعي : «قال اللّه عز وجل : ( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ : لِلْفُقَراءِ ، وَالْمَساكِينِ ، وَالْعامِلِينَ عَلَيْها ، وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ، وَفِي الرِّقابِ ) الآية (1).»
«فأحكم اللّه فرض الصدقات فى كتابه ؛ ثم أكّدها [وشدّدها (2)] ، فقال : ( فَرِيضَةً مِنَ اللّهِ ) .»
«فليس لأحد : أن يقسمها (3) على غير ما قسمها اللّه (عزّ وجلّ) [عليه (4)] ؛ وذلك (5) : ما كانت الأصناف موجودة. لأنه إنما يعطى من وجد : كقوله : ( لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ ) الآية (6) ؛ وكقوله : ( وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ : 4 - 12 ) ؛ وكقوله : ( وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ : 4 - 12 ) .»
ص: 160
«فمعقول (1) - عن اللّه عزّ وجلّ - : [أنّه (2)] فرض هذا : لمن كان موجودا يوم يموت الميت. وكان معقولا [عنه (3)] أن هذه السّهمان : لمن كان موجودا يوم تؤخذ الصدقة وتقسم.»
«فإذا (4) أخذت صدقة قوم : قسمت (5) على من معهم فى دارهم : من أهل [هذه (6)] السّهمان ؛ ولم تخرج (7) من جيرانهم [إلى أحد (8)] : حتى لا يبقى منهم أحد يستحقها.».
ثم ذكر تفسير كل صنف : من هؤلاء الأصناف الثمانية ؛ وهو : فيما أنبأنى أبو عبد اللّه الحافظ (إجازة) ، قال : نا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصمّ ، أنا الربيع بن سليمان ، قال : قال الشافعي (رحمه اللّه تعالى) :
«فأهل السّهمان يجمعهم : أنهم أهل حاجة إلى ما لهم منها كلهم ؛ وأسباب حاجتهم مختلفة ، [وكذلك : أسباب استحقاقهم معان مختلفة (9)] ؛ يجمعها الحاجة ، ويفرّق بينها صفاتها.»
«فإذا اجتمعوا : فالفقراء (10) : الزّمنى الضعاف الذين لا حرفة لهم ،
ص: 161
وأهل الحرفة الضعيفة : الذين لا تقع حرفتهم موقعا من حاجتهم ، ولا يسألون الناس.» (1)
«والمساكين : السّؤّال (2) ، ومن لا يسئل : ممن له حرفة تقع منه موقعا ، ولا تغنيه ولا (3) عياله.».
وقال فى (كتاب فرض الزكاة (4)) : «الفقير (5) (واللّه أعلم) : من لا مال له ، ولا حرفة : تقع منه موقعا ؛ زمنا كان أو غير زمن ، سائلا كان أو متعففا.».
«والمسكين : من له مال ، أو حرفة : [لا (6)] تقع منه موقعا ، ولا تغنيه - : سائلا كان أو غير سائل (7).»
«قال الشافعي : والعاملون عليها : المتولّون لقبضها من أهلها - :
ص: 162
من السّعاة ، ومن أعانهم : من عريف ، ومن (1) لا يقدر على أخذها إلا بمعونته (2). سواء (3) كانوا أغنياء ، أو فقراء.»
وقال فى موضع آخر (4) : «من ولّاه (5) الولىّ : قبضها ، وقسمها.» ؛ ثم ساق الكلام ، إلى أن قال : «يأخذ من الصدقة ، [بقدر (6)] غنائه : لا يزاد عليه ؛ [وإن كان موسرا (7) : لأنه يأخذ على معنى الإجارة (8).]».
وأطال الشافعي الكلام : فى المؤلّفة قلوبهم (9) ؛ وقال فى خلال ذلك (10) : «وللمؤلفة قلوبهم (11) - فى قسم الصدقات - : سهم.».
«والذي أحفظ فيه - : من متقدّم الخبر. - : أن عدىّ بن حاتم ، جاء لأبى (12) بكر الصديق (رضي اللّه عنه) - أحسبه قال (13) - : بثلاثمائة
ص: 163
من الإبل ، من صدقات قومه. فأعطاه (1) أبو بكر (رضى اللّه عنه) [منها (2)] : ثلاثين بعيرا ؛ وأمره أن يلحق بخالد بن الوليد ، بمن أطاعه من قومه. [فجاءه (3)] بزهاء ألف رجل ، وأبلى بلاء حسنا».
«قال : وليس فى الخبر - فى إعطائه إياها - : من أين أعطاه إياها؟. غير أن الذي يكاد يعرف (4) القلب - : بالاستدلال بالأخبار (واللّه أعلم). - : أنه أعطاه إياها ، من سهم (5) المؤلفة قلوبهم (6).»
«فإما (7) زاده : ليرغبه (8) فيما صنع ؛ وإما (9) أعطاه (10) : ليتألف به غيره من قومه : ممن لا يثق منه (11) ، بمثل ما يثق به من عديّ بن حاتم.»
«قال : فأرى : أن يعطى من سهم المؤلفة قلوبهم - : فى مثل هذا المعنى. - : إن نزلت بالمسلمين نازلة. ولن تنزل إن شاء اللّه تعالى.». ثم بسط الكلام فى شرح النازلة (12).
ص: 164
قال : «والرّقاب (1) : المكاتبون من جيران الصدقة (2).».
قال : «والغارمون (3) : صنفان ؛ (صنف) : دانوا (4) فى مصلحتهم ، أو معروف وغير معصية ؛ ثم عجزوا عن أداء ذلك : فى العرض والنقد. فيعطون فى غرمهم : لعجزهم (5).»
«(وصنف) : دانوا (6) فى حمالات (7) ، وصلاح (8) ذات بين ، ومعروف ؛ ولهم عروض : تحمل حمالاتهم (9) أو عامّتها ؛ وإن (10) بيعت (11) : أضرّ ذلك بهم ؛ وإن لم يفتقروا فيعطى (12) هؤلاء : [ما يوفر (13) عروضهم ،
ص: 165
كما يعطى أهل الحاجة. من الغارمين (1)] ؛ حتى يقضوا غرمهم (2).».
قال : «وسهم (3) سبيل اللّه (4) : يعطى منه ، من (5) أراد الغزو (6) : من جيران الصدقة ؛ فقيرا كان أو غنيا (7).».
قال : «وابن السبيل (8) : من جيران الصدقة : الذين يريدون السفر فى غير معصية ، فيعجزون عن بلوغ سفرهم ، إلا بمعونة على سفرهم (9).».
وقال فى القديم : «قال بعض أصحابنا : هو : لمن مرّ بموضع المصّدّق : ممن يعجز عن بلوغ حيث يريد ، إلا بمعونة (10). قال الشافعي : وهذا مذهب ؛ واللّه أعلم.».
والذي قاله فى القديم - فى غير روايتنا - : إنما هو فى رواية الزعفراني عن الشافعي.
ص: 166
(أنبأنى) أبو عبد اللّه الحافظ (إجازة) ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي : «وكان مما خصّ اللّه به نبيّه (صلى اللّه عليه وسلم) ، قوله : ( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ، وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ : 33 - 6 ) .»
«وقال تعالى : ( وَما كانَ لَكُمْ : أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللّهِ ، وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً (1) : 33 - 53 ) ؛ فحرّم نكاح نسائه - من بعده - على العالمين ؛ وليس هكذا نساء أحد غيره.».
«وقال اللّه عزّ وجلّ : ( يا نِساءَ النَّبِيِّ : لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ ؛ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ : فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ : 33 - 32 ) ؛ فأبانهنّ (2) به من نساء العالمين.»
«وقوله (3) : ( وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ ) ؛ مثل ما وصفت : من اتساع لسان العرب ، وأن الكلمة الواحدة تجمع معاني مختلفة. ومما (4) وصفت :
ص: 167
من [أن (1)] اللّه أحكم كثيرا - : من فرائضه. - بوحيه ؛ وسنّ شرائع واختلافها ، على لسان نبيه (صلى اللّه عليه وسلم) ، وفى فعله.»
«فقوله : (أمّهاتهم) ؛ يعنى (2) : فى معنى دون معنى ؛ وذلك : أنه لا يحل لهم نكاحهنّ بحال ، ولا يحرم (3) عليهم نكاح بنات : لو كنّ لهنّ (4) ؛ كما يحرم (5) عليهم نكاح بنات أمهاتهم : اللّاتى ولدنهم ، [أ (6)] وأرضعنهم.».
وذكر (7) الحجة فى هذا (8) ؛ ثم قال : «وقد ينزل القرآن فى النازلة : ينزل على ما يفهمه من أنزلت فيه ؛ كالعامة فى الظاهر : وهى يراد بها الخاصّ والمعنى دون ما سواه.
«والعرب تقول - للمرأة : تربّ أمرهم (9). - : أمّنا وأمّ العيال (10) ؛
ص: 168
وتقول كذلك (1) للرجل : [يتولى (2)] أن يقوتهم (3). - : أم العيال ؛ بمعنى (4) : أنه وضع نفسه موضع الأمّ التي تربّ [أمر (5)] العيال. قال : تأبّط شرّا (6) - وهو يذكر غزاة غزاها : ورجل (7) من أصحابه ولى قوتهم. - : * وأمّ (8) عيال قد شهدت تقوتهم. - : *». وذكر بقية البيت ، وبيتين (9) أخوين معه.
قال الشافعي (رحمه اللّه) : «قلت (10) : الرجل يسمى أما ؛ وقد تقول العرب للناقة ، والبقرة ، والشاة ، والأرض - : هذه أم عيالنا ؛ على معنى : التي تقوت عيالنا».
__________________
(1) فى الأصل والأم (ج 5 ص 126) : «ذلك» ؛ ولعل الظاهر ما أثبتنا.
(2) الزيادة عن الأم.
(3) كذا بالأم ، وفى الأصل : «تقوتهم» ؛ وهو تحريف.
(4) كذا بالأم ، وهو الظاهر. وفى الأصل : «يعنى».
(5) الزيادة عن الأم.
(6) كذا بالأصل والام ، ذكر فى الصحاح والمحكم واللسان (مادة : حتر) أنه الشنفري ، وذكر ابن برى : أن الرجل المشار إليه هو تأبط شرا.
(7) هذه الجملة حالية ، وإلا : تعين النصب.
(8) كذا بالأم والصحاح واللسان ، وفى الأصل : «فأم». وهو بالنصب على الرواية المشهورة ، والناصب : شهدت. وروى بالخفض على واو رب.
(9) فى الأصل : «وذكر فى البيت وبنتين» ، وهو تحريف ظاهر. وبقية الشعر - على ما فى الام مع تغيير طفيف عن اللسان والصحاح - : إذا أطعمتهم أحترت وأقلت.
تخاف علينا العيل إن هى أكثرت *** ونحن جياع أي أول تألت
وما إن بها ضن بما فى وعائها *** ولكنها ، من خشية الجوع ، أبقت
(10) كذا بالأم ، وفى الأصل : «وقلب» ، وفيه تحريف وزيادة لا داعي لها.
ص: 169
«وقال (1) اللّه عزّ وجلّ : ( الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ : ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ ؛ إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ : 58 - 2 ) .»
«يعني : أن اللائي ولدنهم : أمهاتهم (2) بكل حال ؛ الوارثات [و (3)] الموروثات ، المحرّمات بأنفسهنّ ، والمحرّم بهنّ غيرهنّ : اللائي لم يكنّ قط إلا أمهات (4). ليس : اللائي يحدثن رضاعا للمولود ، فيكنّ به أمهات [وقد كنّ قبل إرضاعه ، غير أمهات له (5)] ؛ ولا : أمهات المؤمنين [عامة : يحرمن بحرمة أحدثنها أو يحدثها الرجل ؛ أو : أمهات المؤمنين (6)] حرمن (7) : بأنهنّ أزواج النبي (صلى اللّه عليه وسلم).».
وأطال الكلام فيه (8) ؛ ثم قال : «وفى (9) هذا : دلالة على أشباه له فى (10) القرآن ، جهلها من قصر علمه باللسان والفقه (11).»
* * *
وبهذا الإسناد ، قال : قال الشافعي : «وذكر عبدا أكرمه ، فقال (12) : ( وَسَيِّداً ، وَحَصُوراً : 3 - 39 ) ».
ص: 170
«والحصور : الذي لا يأتى النساء (1) ، [ولم يندبه إلى النكاح (2)].».
* * *
وبهذا الإسناد ، قال : قال الشافعي : «حتم (3) لازم لأولياء الأيامى (4) ، والحرائر : البوالغ - : إذا أردن النكاح ، ودعوا (5) إلى رضىّ (6) : من الأزواج. - : أن يزوّجوهنّ ؛ لقول اللّه عزّ وجلّ : ( وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ، فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ : فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَ (7) : إِذا تَراضَوْا
ص: 171
بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ : 2 - 232 ) (1).»
«فإن شبّه على أحد : بأن (2) مبتدأ الآية على ذكر الأزواج. - : ففى (3) الآية ، دلالة : [على (4)] أنه إنما نهى عن العضل الأولياء (5) ؛ لأن الزوج إذا طلق ، فبلغت المرأة الأجل - : فهو أبعد الناس منها ؛ فكيف يعضلها من لا سبيل ، ولا شرك له [فى أن يعضلها (6)] فى بعضها؟!.»
«فإن قال قائل : قد يحتمل (7) : إذا قاربن بلوغ أجلهنّ ؛ لأنّ اللّه (تعالى) يقول للأزواج : ( وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ، فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ : فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ) (8) الآية (9).
ص: 172
يعنى (1) : إذا قاربن بلوغ أجلهنّ.».
«قال الشافعي : فالآية تدل على أنه لم يرد بها هذا المعنى ، وأنها (2) لا تحتمله : لأنها إذا قاربت بلوغ أجلها ، أو لم تبلغه (3) - : فقد حظر اللّه (عزّ وجلّ) عليها : أن تنكح (4) ، لقول اللّه عزّ وجلّ : ( وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ ، حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ : 2 - 235 ) ؛ فلا يأمر : بأن لا يمنع من النكاح ؛ من قد منعها منه. إنما يأمر : بأن لا يمتنع (5) مما أباح لها ، من هو بسبب [من (6)] منعها.»
«قال : وقد حفظ بعض أهل العلم : أن هذه الآية نزلت في معقل بن يسار ، وذلك : أنه زوّج أخته رجلا (7) ، فطلقها وانقضت (8) عدتها ، ثم :
ص: 173
طلب نكاحها وطلبته ، فقال : زوجتك - دون غيرك - أختى (1) ، ثم : طلقتها ، لا أنكحك (2) أبدا. فنزلت : ( وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ، فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ : فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَ ) (3).»
«قال : وهذه (4) الآية أبين آية في كتاب اللّه (عزّ وجلّ) : دلالة على أن ليس للمرأة الحرة : أن (5) تنكح نفسها.»
«وفيها : دلالة (6) على أنّ النكاح يتمّ برضا الولي مع المزوّج والمزوّجة (7).».
قال الشيخ (رحمه اللّه) : هذا الذي نقلته - : من كلام الشافعىّ (رحمه اللّه) فى أمهات المؤمنين ، إلى هاهنا. - بعضه فى مسموع لى (8) :
ص: 174
قراءة على شيخنا ؛ وبعضه غير مسموع : فإنه لم يسمعه فى النقل. فرويت الجميع بالإجازة ؛ وباللّه التوفيق.
* * *
واحتج (أيضا) - فى اشتراط الولاية فى النكاح (1) - : بقوله عزّ وجلّ : ( الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ : بِما فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ : 4 - 34 ) ؛ وبقوله (تعالى) فى الإماء : ( فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ : 4 - 25 ) .
* * *
(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو ، نا أبو العباس ، نا الربيع ، أنا الشافعي ، قال : «قال اللّه عزّ وجلّ : ( وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ ، وَالصَّالِحِينَ : مِنْ عِبادِكُمْ ، وَإِمائِكُمْ : 24 - 32 ) .»
«قال : ودلت (2) أحكام اللّه ، ثم رسوله (صلى اللّه عليه وسلم) : على أن لا ملك للأولياء [آباء كانوا أو غيرهم (3) ؛] على أياماهم - وأياماهم : الثيّبات. - : قال اللّه عز وجل : ( وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ، فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ : فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ : 2 - 232 ) ؛ وقال (تعالى) فى
ص: 175
المعتدّات : ( فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ : فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ ) الآية (1) ؛ وقال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) : «الأيّم أحقّ بنفسها من وليّها ؛ والبكر تستأذن فى نفسها ؛ [وإذنها : صماتها (2).]». [مع ما (3)] سوى ذلك.»
«ودل الكتاب والسنة : على أن المماليك لمن ملكهم ، [وأنهم (4)] لا يملكون من أنفسهم [شيئا (5)].»
«ولم أعلم دليلا : على إيجاب [إنكاح (6)] صالحى العبيد والإماء - كما وجدت الدلالة : على إنكاح (7) الحرائر (8). - إلا مطلقا.»
«فأحبّ إلىّ : أن ينكح (9) [من بلغ] : من العبيد والإماء،ثم صالحوهم خاصة.»
«ولا يبين (10) لى : أن يجبر أحد عليه ؛ لأن الآية محتملة : أن تكون أريد بها (11) : الدلالة (12) ؛ لا الإيجاب.».
ص: 176
وذهب فى القديم (1) : «إلى أن للعبد أن يشترى : إذا أذن له سيده.».
وأجاب عن قوله : ( ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً : عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ : 16 - 75 ) ؛ بأن قال : «إنما هذا - عندنا - : عبد ضربه اللّه مثلا ؛ فإن كان عبدا (2) : فقد يزعم : أن العبد يقدر على أشياء ؛ (منها) : ما يقرّ به على نفسه : من الحدود التي تتلفه [أ (3)] وتنقصه. (ومنها) : ما إذا أذن له فى التجارة : جاز بيعه وشراؤه وإقراره.»
«فإن اعتلّ بالإذن (4) : فالشرى (5) بإذن سيده أيضا. فكيف (6) يملك بأحد الإذنين ، ولا يملك بالآخر؟!.».
ثم رجع عن هذا ، فى الجديد ؛ واحتج (7) بهذه الآية (8) ، وذكر قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ ، أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (9): 23 - 5 - 6 و 70 - 29 - 30 ) .
ص: 177
[ثم قال (1)] : «فدل كتاب اللّه (عز وجل) : [على (2)] أن ما أباح (3) - : من (4) الفروج. - فإنما أباحه من أحد وجهين (5) : النكاح ، أو ما ملكت اليمين فلا يكون العبد مالكا بحال.». وبسط الكلام فيه (6).
* * *
(أنا) أبو زكريا بن أبى إسحق - فى آخرين - قالوا : نا أبو العباس الأصم ، أنا الربيع بن سليمان ، نا الشافعي : «أنا سفيان ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيّب : أنه قال - فى قول اللّه عز وجل : ( الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً ؛ وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ (7) وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (8) : 24 - 3 ) . - : إنها منسوخة ؛ نسخها قول اللّه
ص: 178
عز وجل : ( وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ : 24 - 32 ) ؛ فهى (1) : من أيامى المسلمين.».
قال الشافعي (رحمه اللّه) - فى غير هذه الرواية (2) - : «فهذا : كما قال ابن المسيّب إن شاء اللّه ؛ وعليه دلائل : من القرآن والسنة.».
وذكر الشافعي (رحمه اللّه) سائر ما قيل فى هذه الآية (3) ؛ وهو منقول فى (المبسوط) ، وفى كتاب : (المعرفة).
* * *
(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي : «قال اللّه تبارك وتعالى : ( فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ : مِنَ النِّساءِ ؛ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ (4) ؛ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا : فَواحِدَةً ، أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ : 4 - 3 ) (5).»
ص: 179
«فكان بيّنا فى الآية (واللّه أعلم) : أن المخاطبين بها : الأحرار. لقوله عز وجل : ( فَواحِدَةً ، أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) (1) ؛ [لأنه (2)] لا يملك إلا الأحرار. وقوله تعالى : ( ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا ) ؛ فإنما (3) يعول : من له المال ؛ ولا مال للعبد.».
* * *
وبهذا الإسناد ، عن الشافعي : أنه تلا الآيات التي وردت - فى القرآن - : فى النكاح والتزويج (4) ؛ [ثم (5)] قال : «فأسمى (6) اللّه (عز وجل) النكاح ، اسمين : النكاح ، والتزويج (7).».
ص: 180
وذكر (1) آية الهبة ، وقال : «فأبان (جل ثناؤه) : أن الهبة لرسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) ، دون المؤمنين.».
قال : «والهبة (واللّه أعلم) تجمع (2) : أن ينعقد (3) له [عليها (4)] عقدة (5) النكاح ؛ بأن تهب نفسها له بلا مهر وفى هذا ، دلالة : على أن لا يجوز نكاح ، إلا باسم : النكاح ، [أ (6)] والتزويج (7).».
* * *
(أنا) أبو سعيد ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي : «قال (8) اللّه عز وجل : ( وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ : 4 - 23 ) (9) ؛ دون أدعيائكم : الذين تسمونهم أبناءكم (10).».
ص: 181
واحتج [فى] كل (1) بما هو منقول فى كتاب : (المعرفة) ؛ ثم قال : «وحرّمنا بالرضاع (2) : بما (3) حرم اللّه (4) : قياسا عليه ؛ وبما قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) : أنه «يحرم من الرضاع (5) : ما يحرم من الولادة. (6).»
وقال - فى قوله عز وجل : ( وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ : مِنَ النِّساءِ ؛ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ : 4 - 22 ) (7) ؛ وفى قوله عز وجل : ( وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ ؛ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ : 4 - 23 ) . - : «كان أكبر ولد الرجل : يخلف على امرأة أبيه ؛ وكان الرجل : يجمع بين الأختين. فنهى اللّه (عز وجل) : عن أن يكون منهم أحد : يجمع فى عمره بين أختين ، أو ينكح (8) ما نكح أبوه ؛ إلا ما قد سلف فى الجاهلية ، قبل علمهم بتحريمه. ليس : أنه أقرّ فى أيديهم ، ما كانوا قد جمعوا بينه ، قبل الإسلام. [كما أقرهم
ص: 182
النبي (صلى اللّه عليه وسلم) على نكاح الجاهلية : الذي لا يحل فى الإسلام بحال. (1)]».
* * *
وبهذا الإسناد ، قال : قال الشافعي : «من تزوج امرأة ، فلم يدخل بها حتى ماتت ، أو طلقها [فأبانها (2)] - : فلا (3) بأس أن يتزوج ابنتها ؛ ولا يجوز له عقد نكاح أمها : لأن اللّه (عز وجل) قال : ( وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ : 4 - 23 ) .» ؛ زاد فى كتاب الرضاع (4) : «لان الأم مبهمة التحريم في كتاب اللّه (عز وجل) : ليس فيها شرط ؛ إنما الشرط فى الربائب (5).». ورواه (6) عن زيد بن ثابت.
وفسر الشافعي (7) (رحمه اللّه) - فى (8) قوله عز وجل : ( وَالْمُحْصَناتُ
ص: 183
مِنَ النِّساءِ ؛ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ : 4 - 24 ) (1). - : «بأن (2) ذوات الأزواج - : من الحرائر ، والإماء. - محرّمات على غير أزواجهن (3) ، [حتى يفارقهن أزواجهن : بموت ، أو فرقة طلاق ، أو فسح نكاح. (4)] إلا السبايا : [فإنهن مفارقات لهن : بالكتاب ، والسنة ، والإجماع. (5)]».
واحتج - فى رواية أبى عبد الرحمن الشافعي ، عنه - : بحديث أبي سعيد الخدرىّ (رضى اللّه عنه) : أنه قال : «أصبنا سبايا (6) : لهن أزواج فى الشّرك ؛ فكرهنا : أن نطأهن ؛ فسألنا النبي (صلى اللّه عليه وسلم) عن ذلك ؛ فنزل : ( وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ ؛ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) (7).».
ص: 184
واحتج بغير ذلك أيضا (1) ؛ وهو منقول فى كتاب : (المعروفة).
* * *
(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو ، نا أبو العباس الأصمّ ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (رحمه اللّه) : «قال اللّه عز وجل : ( إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ : فَامْتَحِنُوهُنَّ ؛ اللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ ؛ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ : فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ : لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ ، وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ : 60 - 10 ) .»
«قال الشافعي : ( فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ ) (2) : فأعرضوا عليهن الإيمان ، فإن قبلن ، وأقررن [به (3)] : فقد علمتوهن مؤمنات. وكذلك : علم بنى آدم الظاهر ؛ قال اللّه عز وجل : ( اللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ ) ؛ يعنى : بسرائرهن فى إيمانهن. (4)».
قال الشافعي : «وزعم (5) بعض أهل العلم بالقرآن : أنها نزلت فى مهاجرة [من (6)] أهل مكة - فسماها بعضهم : ابنة عقبة بن أبى معيط. (7) - وأهل مكة : أهل أوثان. و: أن قول اللّه عز وجل : ( وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ
ص: 185
الْكَوافِرِ : 60 - 10 ) ؛ قد (1) نزلت في مهاجر (2) أهل مكة مؤمنا. وإنما نزلت فى الهدنة (3).»
«وقال اللّه عز وجل : ( وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَ (4) ؛ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ : وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ؛ وَلا (5) تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا ؛ وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ : وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ : 2 - 221 ) .»
«قال الشافعي : وقد قيل فى هذه الآية : إنها نزلت فى جماعة مشركى العرب : الذين هم أهل الأوثان (6) ؛ فحرّم (7) : نكاح نسائهم ، كما حرّم (8) : أن ينكح (9) رجالهم المؤمنات (10)»
فإن كان هذا هكذا : فهذه الآية (11) ثابتة ليس فيها منسوخ.»
«وقد قيل : هذه الآية فى جميع المشركين ؛ ثم نزلت الرخصة [بعدها (12)] :
ص: 186
فى إحلال نكاح (1) حرائر (2) أهل الكتاب (3) خاصة (4) ؛ كما جاءت فى إحلال ذبائح أهل الكتاب. قال اللّه عزوجل : ( أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ ؛ وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ ، وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ ؛ وَالْمُحْصَناتُ : مِنَ الْمُؤْمِناتِ ، وَالْمُحْصَناتُ (5) : مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ؛ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ : 5 - 5 ) .»
«قال : فأيّهما كان : فقد أبيح [فيه (6)] نكاح حرائر أهل الكتاب (7).»
«وقال : ( وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ : فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ : مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ ؛ [إلى قوله (8)] : ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ ) الآية (9)»
ص: 187
«قال : ففى [هذه (1)] الآية (واللّه أعلم) ، دلالة : على أن المخاطبين بهذا (2) : الأحرار (3) ؛ دون المماليك (4) - : لأنهم الواجدون للطّول ، المالكون للمال ، والمملوك لا يملك مالا بحال (5).»
«ولا يحل نكاح الأمة (6) ، إلا : بأن لا يجد الرجل الحر بصداق (7) أمة ، طولا لحرة ، و: بأن يخاف العنت. والعنت : الزنا. (8)»
قال : «وفى إباحة اللّه الإماء (9) المؤمنات - على ما شرط : لمن لم يجد طولا وخاف العنت (10). - دلالة (واللّه أعلم) : على تحريم نكاح إماء (11) أهل الكتاب ، وعلى أن الإماء المؤمنات (12) لا يحللن إلا : لمن جمع الأمرين ، مع إيمانهن (13).». وأطال الكلام فى الحجة (14)
ص: 188
قال الشافعي (رحمه اللّه) : «وإن كانت الآية نزلت فى تحريم نساء المسلمين على المشركين - : من (1) مشركى أهل الأوثان. - (يعنى (2) : قوله عز وجل : ( وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا : 2 - 221 ) ) : فالمسلمات محرّمات على المشركين منهم ، بالقرآن : بكل (3) حال ؛ وعلى مشركى أهل الكتاب : لقطع الولاية بين المسلمين والمشركين ، وما لم يختلف الناس فيه. علمته (4).».
* * *
(أنا) أبو عبد اللّه الحافظ ، أنا أبو العباس ، ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (5) - فى قول اللّه عز وجل : ( وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ : 4 - 24 ) . - : «معناه (6) : بما أحله [اللّه (7)] لنا - : من النكاح ، وملك اليمين. - فى كتابه. لا : أنه أباحه بكل وجه (8).».
* * *
(أنا) أبو سعيد ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (رحمه اللّه) : «قال اللّه تعالى تبارك وتعالى : ( وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ : مِنْ
ص: 189
خِطْبَةِ النِّساءِ (1) ؛ إلى قوله (2) : وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ ، حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ : 2 - 235 ) .»
«قال الشافعي : بلوغ (3) الكتاب أجله (واللّه أعلم) : انقضاء العدّة (4).»
«قال : وإذا أذن اللّه فى التعريض بالخطبة : فى العدّة ؛ فبيّن : أنه (5) حظر التصريح فيها (6). قال تعالى : ( و [لكِنْ] لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا ) (7) ؛ يعنى (واللّه أعلم) : جماعا ؛ ( إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً : 2 - 235) (8) : حسنا لا فحش فيه. وذلك (9) : أن يقول : رضيتك (10) ؛ إن عندى لجماعا (11) يرضي من جومعه.»
«وكان هذا - وإن كان تعريضا - كان (12) منهيا عنه : لقبحه. وما
ص: 190
عرّض به مما سوى هذا - : مما تفهم (1) المرأة به : أنه يريد نكاحها. - : فجائز له ؛ وكذلك : التعريض بالإجابة [له (2)] ، جائز (3) لها (4).»
«قال : والعدّة التي أذن اللّه بالتعريض بالخطبة فيها - : العدة من وفاة الزوج (5). ولا يبين (6) : أن لا يجوز ذلك فى العدّة من الطلاق : الذي لا يملك فيه المطلّق ، الرجعة.»
واحتج فى موضع آخر (7) - على أن السر : الجماع (8). - : بدلالة القرآن ؛ [ثم قال (9)] : «فإذا أباح التعريض - : والتعريض ، عند أهل العلم ، جائز : سرا وعلانية (10). - : فلا يجوز أن يتوهّم : أن السر : سرّ التعريض ؛ ولا بد من معني غيره ؛ وذلك المعنى : الجماع. قال (11) امرؤ القيس
ص: 191
ألا زعمت بسباسة (1) ، اليوم (2) : أنّنى *** كبرت ، وأن لا يحسن السّرّ (3) أمثالى
كذبت : لقد أصبي (4) على المرء عرسه *** وأمنع عرسى : أن يزنّ (5) بها الخالي (6)
وقال جرير يرثى امرأته :
كانت إذا هجر الخليل (7) فراشها : *** خزن الحديث ، وعفّت الأسرار.»
قال الشافعي : فإذا علم : أن حديثها مخزون ، فخزن الحديث : [أن (8)] لا يباح به سرا ولا علانية. فإذا وصفها بهذا (9) : فلا معنى للعفاف (10) غير الأسرار ؛ [و (11)] الأسرار : الجماع.».
وهذا : فيما أخبرنا أبو عبد اللّه الحافظ ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي ؛ فذكره.
* * *
ص: 192
(أنا) أبو عبد اللّه الحافظ ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (1) - فى قول اللّه عز وجل : ( وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ : 2 - 222 ) . - : «يعنى (واللّه أعلم) : الطهارة التي تحل بها الصلاة لها - : [الغسل والتيمم (2)].».
قال الشافعي (3) (رحمه اللّه) : «وتحريم (4) اللّه (تبارك وتعالى) إتيان النساء فى المحيض (5) - : لأذى الحيض (6). - : كالدلالة على : [أن (7)] إتيان النساء فى أدبارهن محرّم (8).».
(أنا) أبو عبد اللّه ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (9) :
ص: 193
«قال اللّه عزوجل : ( نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ ؛ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ : 2 - 223 ) (1).»
«قال : وبيّن : أن موضع الحرث : موضع الولد ؛ وأن اللّه (عز وجل) أباح الإتيان فيه ، إلا : فى وقت الحيض. و ( أَنَّى شِئْتُمْ ) : من أين شئتم.»
«قال : وإباحة الإتيان فى موضع الحرث ، يشبه أن يكون : تحريم إتيان [فى (2)] غيره.»
«والإتيان (3) فى الدّبر - : حتى يبلغ منه مبلغ الإتيان فى القبل. - محرّم : بدلالة الكتاب ، ثم السنة (4).».
* * *
«قال الشافعي (5) (فيما أنبأنى أبو عبد اللّه : إجازة ؛ عن أبى العباس ، عن الربيع ، عنه) - فى قوله عز وجل : ( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ * إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ : فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ : فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ : 23 - 5 - 7 ) . - :
ص: 194
«فكان بيّنا - فى ذكر حفظهم لفروجهم ، إلا على أزواجهم ، أو ما ملكت أيمانهم - : تحريم ما سوى الأزواج وما ملكت الأيمان.»
«وبيّن : أن الأزواج وملك اليمين : من الآدميات ؛ دون البهائم. ثم أكّدها ، فقال : ( فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ : فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ ) .»
«فلا يحل العمل بالذّكر ، إلا : فى زوجة (1) ، أو فى ملك اليمين (2). ولا يحل الاستمناء. واللّه أعلم (3)».
و [قال (4)] - فى قوله : ( وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً ، حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ : 24 - 33 ) . - :
«معناه (واللّه أعلم) : ليصبروا حتى يغنيهم اللّه. وهو : كقوله (عز وجل) فى مال اليتيم : ( وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ 4 - 6 ) : ليكفّ عن أكله بسلف ، أو غيره.».
قال : «وكان - فى قول اللّه عز وجل : ( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ ، أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ ) . - بيان : أن المخاطبين بها : الرجال ؛ لا : (5) النساء.»
ص: 195
«فدل : على أنه لا يحل [للمرأة (1)] : أن تكون متسرّية بما (2) ملكت يمينها ؛ لأنها : متسرّاة (3) أو منكوحة ؛ لا : ناكحة ؛ إلا بمعنى : أنها منكوحة (4).».
* * *
(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو ، أنا أبو العباس الأصمّ ، أنا الربيع ، أنا الشافعي (رحمه اللّه) ، قال (5) : «قال اللّه عز وجل : ( وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً : 4 - 4 ) ؛ وقال : ( فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ ، وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ : 4 - 25 ) .».
وذكر (6) سائر الآيات التي وردت فى الصداق (7) ، ثم قال : «فأمر اللّه
ص: 196
(عز وجل) الأزواج : بأن (1) يؤتوا النساء أجورهنّ وصدقاتهنّ ؛ والأجر [هو (2)] : الصداق ؛ والصداق هو : الأجر والمهر. وهى كلمة عربية : تسمى بعدة (3) أسماء.»
«فيحتمل هذا : أن يكون مأمورا بصداق ، من فرضه - دون من لم يفرضه - : دخل ، أو لم يدخل. لأنه حق ألزمه المرء نفسه : فلا يكون له حبس شيء منه (4) ، إلا بالمعني الذي جعله اللّه [له (5)] ؛ وهو : أن يطلّق قبل الدخول. قال اللّه عز وجل : ( وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ - : وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً. - : فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ (6) ؛ إِلَّا : أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ : 2 - 237).»
«ويحتمل : أن يكون يجب بالعقد (7) : وإن لم يسم مهرا ، ولم (8) يدخل.»
ص: 197
«ويحتمل : أن يكون المهر لا يلزم أبدا (1) ، إلا : بأن يلزمه المرء (2) نفسه ، أو يدخل بالمرأة : وإن لم يسمّ مهرا.»
«فلمّا احتمل المعاني الثلاث ، كان أولاها (3) أن يقال به : ما كانت عليه الدلالة : من كتاب ، أو سنة ، أو إجماع.»
فاستدللنا (4) - : بقول اللّه عز وجل : ( لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ : ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ ، أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً ؛ وَمَتِّعُوهُنَّ : عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ ، وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ : 2 - 236 ) (5). - : أن عقد النكاح [يصح (6)] بغير فريضة صداق (7) ؛ وذلك : أن الطلاق لا يقع إلا على من عقد نكاحه (8).».
ثم ساق الكلام ، إلى أن قال : «وكان (9) بيّنا فى كتاب اللّه (جل
ص: 198
ثناؤه) : أن على الناكح الواطئ ، صداقا (1) : بفرض (2) اللّه (عز وجل) فى الإماء : أن ينكحن (3) بإذن أهلهن ، ويؤتين أجورهن. - والأجر : الصداق. - وبقوله تعالى : ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ : فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ : 4 - 24 ) ؛ وقال عز وجل : ( وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً : إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ ، إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ : أَنْ يَسْتَنْكِحَها ؛ خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ : 33 - 50 ) : [خالصة بهبة ولا مهر ؛ فأعلم : أنها للنبى (صلى اللّه عليه وسلم) دون المؤمنين.] (4)»
وقال مرة أخرى - فى هذه الآية - : «يريد (واللّه أعلم) : النكاح (5) والمسيس بغير مهر (6) فدل (7) : على أنه ليس لأحد غير رسول اللّه
ص: 199
(صلى اللّه عليه وسلم) : أن ينكح فيمسّ ، إلا لزمه مهر. مع دلالة الآي قبله (1).».
وقال - فى قوله عز وجل : ( إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ ) . - : «يعنى : النساء (2).».
[وفي قوله (3)] : ( أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ : 2 - 237 ) . - : «يعنى : الزوج (4) ؛ وذلك : أنه إنما يعفو (5) من له ما يعفوه (6).».
ورواه عن أمير المؤمنين : على بن أبى طالب (رضى اللّه عنه) وجبير ابن مطعم. وابن سيرين (7) ، وشريح (8) ، وابن المسيّب ، وسعيد بن جبير ،
ص: 200
ومجاهد (1)].
وقال - فى رواية الزّعفرانىّ عنه - : «وسمعت من أرضى ، يقول : الذي بيده عقدة النكاح : الأب فى ابنته البكر ، والسيد فى أمته (2) ؛ فعفوه جائز (3).».
* * *
(وأنا) أبو سعيد ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (4) : «قال اللّه عز وجل : ( وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ : حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ : 2 - 241 ) ؛ وقال عز وجل : ( لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ : ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ ، أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً ؛ وَمَتِّعُوهُنَّ ) الآية (5).»
«فقال عامة من لقيت - : من أصحابنا - : المتعة [هى (6)] : للتى [لم (7)] يدخل بها [قطّ (8)] ، ولم يفرض لها مهر ، وطلّقت (9). وللمطلقة
ص: 201
المدخول (1) بها : المفروض لها ؛ بأن الآية (2) عامة على المطلقات (3).» ورواه عن ابن عمر (4).
وقال فى كتاب الصّداق (5) (بهذا الإسناد) - فيمن نكح امرأة بصداق فاسد - : «فإن (6) طلقها قبل أن يدخل بها : فلها نصف مهر مثلها ؛ ولا متعة [لها (7)] فى قول من ذهب : إلى أن لا متعة للتى (8) فرض لها : إذا طلقت قبل (9) أن تمسّ ولها المتعة فى قول من قال : المتعة لكل مطلقة.».
وروى (10) القول الثاني عن ابن شهاب الزّهرىّ (11) ؛ وقد ذكرنا إسناده فى ذلك ، فى كتاب : (المعرفة)
ص: 202
وحمل المسيس المذكور فى قوله : ( وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ : وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً ؛ فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ : 2 - 237 ) . - : على الوطء (1). ورواه عن ابن عباس ، وشريح (2). وهو بتمامه ، منقول فى كتاب : (المعرفة) و (المبسوط) ؛ مع ما ذهب إليه فى القديم.
* * *
(أنا) أبو عبد اللّه الحافظ ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، قال (3) : قال اللّه عز وجل : ( وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ : 4 - 19) (4) ؛ وقال : ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ : 2 - 229 ) .»
«قال : وجماع (5) المعروف : إتيان ذلك بما يحسن لك ثوابه ؛ وكفّ المكروه.».
وقال فى موضع آخر (6) (فيما هو لى : بالإجازة ؛ عن أبى عبد اللّه) : «وفرض اللّه : أن يؤدى كلّ ما عليه : بالمعروف.»
ص: 203
وجماع المعروف : إعفاء صاحب الحق من المئونة فى طلبه ، وأداؤه إليه : بطيب النفس. لا : بضرورته (1) إلى طلبه ؛ ولا : تأديته : بإظهار الكراهية لتأديته.»
«وأيّهما ترك : فظلم ؛ لأن مطل الغنىّ ظلم ؛ ومطله (2) تأخير (3) الحق. قال : وقال (4) اللّه عز وجل : ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) ؛ واللّه أعلم ؛ [أي (5)] : فما لهنّ مثل ما عليهنّ (6) : من أن يؤدّى إليهنّ بالمعروف.».
وفى رواية المزنىّ ، عن الشافعي (7) : «وجماع المعروف بين الزوجين : كفّ المكروه ، وإعفاء صاحب الحق من المئونة فى طلبه. لا : بإظهار الكراهية فى تأديته. فأيّهما مطل بتأخيره : فمطل الغنىّ ظلم.».
وهذا : مما كتب إلىّ أبو نعيم الأسفراينىّ : أن أبا عوانة أخبرهم عن المزني ، عن الشافعي. فذكره.
* * *
ص: 204
(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، قال (1) : «قال اللّه عز وجل : ( وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً : فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً : 4 - 128 ) .»
«(أنا) ابن عيينة ، عن الزهريّ ، عن ابن المسيّب - : أن بنت (2) محمد بن مسلمة ، كانت عند رافع بن خديج ، فكره منها أمرا ؛ إما كبرا أو غيره ؛ فأراد طلاقها ، فقالت : لا تطلقنى ، وأمسكنى ؛ واقسم لى ما بدا لك (3). فأنزل اللّه عز وجل : ( وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً : فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً ) (4) الآية (5).»
* * *
(أخبرنا) أبو سعيد بن أبى عمرو ، نا أبو العباس الأصمّ ، أنا الربيع ، نا الشافعي ، قال : «وزعم (6) بعض أهل العلم بالتفسير : أن قول اللّه عز وجل : ( وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ : 4 - 129 ) :
ص: 205
أن تعدلوا بما فى القلوب (1) ؛ لأنكم لا تملكون ما فى القلوب (2) : حتى يكون مستويا.»
«وهذا - إن شاء اللّه عز وجل - : كما قالوا ؛ وقد تجاوز اللّه (عز وجل) لهذه الأمّة ، عما حدّثت به نفسها : ما لم تقل أو تعمل (3) ؛ وجعل المأثم : إنما هو فى قول أو فعل.»
«وزعم بعض أهل العلم بالتفسير : أن قول اللّه عز وجل : ( فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ (4) : 4 - 129 ) : - إن تجوّز (5) لكم عما فى القلوت - : فتتّبعوا أهواءها (6) ، فتخرجوا إلى الأثرة بالفعل : (فتذروها
ص: 206
كالمعلّقة). وهذا - إن شاء اللّه تعالى (1) - عندى (2) : كما قالوا.»
وعنه في موضع آخر (3) : «فقال (4) : ( فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ ) : لا تتبعوا أهواءكم ، أفعالكم (5) : فيصير الميل بالفعل الذي ليس لكم : (فتذروها كالمعلّقة).»
«وما أشبه ما قالوا - عندى - بما قالوا ؛ لأن اللّه (تعالى) تجاوز عما فى القلوب ، وكتب على الناس الأفعال والأقاويل. وإذا (6) مال بالقول والفعل : فذلك كلّ الميل (7).».
* * *
(أنبأنى) أبو عبد اللّه الحافظ (إجازة) : أن أبا العباس (محمد بن يعقوب) حدثهم : أنا الربيع بن سليمان ، أنا الشافعي ، قال (8) : «قال اللّه عز وجل : ( الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ : بِما فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ ) إلى قوله (9)
ص: 207
( وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَ (1) : فَعِظُوهُنَّ ، وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَ (2). فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ : فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً (3) : 4 - 34 ) .»
«قال الشافعي : [قوله (4)] : ( وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ ) ؛ يحتمل : إذا رأى الدلالات - فى أفعال المرأة وأقاويلها (5) - على النشوز ، وكان (6) للخوف موضع - : أن يعظها ؛ فإن أبدت نشوزا : هجرها ؛ فإن أقامت عليه : ضربها.»
ص: 208
«وذلك : أن العظة مباحة قبل فعل (1) المكروه - : إذا رؤيت (2) أسبابه ، وأن لا مؤنة فيها عليها تضرّ بها (3). وإن العظة غير محرمة [من المرء (4)] لأخيه : فكيف لامرأته؟!. والهجر لا يكون (5) إلا بما (6) يحل به : لأن الهجرة محرمة - فى غير هذا الموضع - فوق ثلاث (7). والضرب لا يكون إلا ببيان الفعل»
«[فالآية فى العظة ، والهجرة ، والضرب على بيان الفعل (8)] : تدل (9) على أن حالات المرأة فى اختلاف ما تعاتب فيه وتعاقب - : من العظة ، والهجرة ، والضرب. - : مختلفة. فإذا اختلفت : فلا يشبه معناها إلا ما وصفت.»
«وقد يحتمل قوله تعالى : ( تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ ) : إذا نشزن ، فخفتم
ص: 209
لجاجتهن (1) فى النشوز - : أن يكون لكم جمع العظة ، والهجرة ، والضرب (2).».
* * *
وبإسناده ، قال : [قال] : الشافعي (3) (رحمه اللّه) : «قال اللّه تبارك وتعالى : ( وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما : فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها ؛ إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً : يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُما ) (4) الآية (5).»
«اللّه أعلم بمعنى ما أراد : من خوف الشقاق الذي إذا بلغاه : أمره أن يبعث حكما من أهله ، وحكما من أهلها.»
«والذي يشبه (6) ظاهر الآية (7) : فما عمّ الزوجين [معا ، حتى يشتبه
ص: 210
فيه حالاهما - : من (1) الإباية (2).]»
«[وذلك : أنى وجدت اللّه (عز وجل) أذن فى نشوز الزوج (3)] : بأن (4) يصطلحا (5) ؛ وأذن فى نشوز المرأة : بالضرب ؛ وأذن - فى خوفهما (6) : أن لا يقيما حدود [اللّه] (7) - : بالخلع (8).».
ثم ساق الكلام ، إلى أن قال : «فلما أمر فيمن خفنا الشقاق بينه (9) : بالحكمين ؛ دل (10) ذلك : على أن حكمهما [غير حكم الأزواج غيرهما (11)] : أن يشتبه (12) حالاهما فى الشقاق : فلا (13) يفعل (14) الرجل : الصلح (15)
ص: 211
ولا الفرقة ؛ ولا المرأة : تأدية الحق ولا الفدية (1) ؛ ويصيران (2) - : من القول والفعل. - إلى ما لا يحل لهما ، ولا يحسن (3) ؛ ويتماديان (4) فيما ليس لهما : فلا (5) يعطيان حقا ، ولا يتطوعان [ولا واحد منهما ، بأمر : يصيران به فى معنى الأزواج غيرهما (6).].»
«فإذا كان هكذا : بعث حكما من أهله ، وحكما من أهلها. ولا يبعثهما (7) : إلا مأمونين ، وبرضا (8) الزوجين. ويوكلهما (9) الزوجان : بأن يجمعا ، أو يفرّقا : إذا رأيا ذلك (10).».
ص: 212
وأطال الكلام فى شرح ذلك (1) ، ثم قال فى آخره (2) : «ولو قال قائل : يجبرهما السلطان على الحكمين ؛ كان مذهبا (3)».
* * *
وبإسناده ، قال : قال الشافعي (4) : «قال اللّه عز وجل : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا : لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ : كَرْهاً ؛ وَلا تَعْضُلُوهُنَّ : لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ ؛ إِلَّا (5) : أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ : 4 - 19 ) .»
«يقال (6) (واللّه أعلم) : نزلت فى الرجل : يكره المرأة ، فيمنعها - : كراهية لها. - حقّ اللّه (عز وجل) : فى عشرتها بالمعروف ؛ ويحبسها (7) - : مانعا حقها. - : ليرثها ؛ عن (8) [غير (9)] طيب نفس منها ، بإمساكه إياها على المنع.»
«فحرّم اللّه (عز وجل) ذلك : على هذا المعنى ؛ وحرّم على الأزواج :
ص: 213
أن يعضلوا النساء : ليذهبوا ببعض ما أوتين (1) ؛ واستثنى : ( إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ) .»
«[وإذا أتين بفاحشة مبيّنة (2)] - وهى : الزنا. - فأعطين بعض (3) ما أوتين - : ليفارقن. - : حل ذلك إن شاء اللّه. ولم يكن (4) معصيتهن الزوج - فيما يجب له - بغير فاحشة : أولى أن يحل (5) ما أعطين ، من : أن يعصين اللّه (عز وجل) والزوج ، بالزنا.»
«قال : وأمر اللّه (عز وجل) - فى اللائي (6) : يكرههن (7) أزواجهن ، ولم يأتين بفاحشة. - : أن يعاشرن بالمعروف. وذلك : تأدية (8) الحق ، وإجمال العشرة.»
«وقال (9) تعالى : ( فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ : فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً ،
ص: 214
وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً : 4 - 19 ) .»
«فأباح عشرتهن - على الكراهية - : بالمعروف ؛ وأخبر : أن اللّه (عز وجل) قد يجعل فى الكره خيرا كثيرا.»
«والخير الكثير : الأجر فى الصبر ، وتأدية الحق إلى من يكره ، أو التطوّل عليه.»
«وقد يغتبط - : وهو كاره لها. - : بأخلاقها ، ودينها ، وكفاءتها (1) ، وبذلها ، وميراث : إن كان لها. وتصرف حالاته إلى الكراهية لها ، بعد الغبطة [بها (2)].».
وذكرها (3) فى موضع اخر (4) - هو : لى مسموع عن أبى سعيد ، عن [أبى] العباس ، عن الربيع ، عن الشافعي. - وقال فيه :
«وقيل : «إن هذه الآية نسخت (5) ، وفى معنى : ( فَأَمْسِكُوهُنَ (6) فِي الْبُيُوتِ ، حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ ، أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً : 4 - 15 ) نسخت (7) بآية الحدود (8) : فلم يكن على امرأة ، حبس : يمنع (9) [به (10)]
ص: 215
حقّ الزوجة على الزوج ؛ وكان عليها الحدّ.».
وأطال الكلام فيه (1) ؛ وإنما أراد : نسخ الحبس على منع حقها : إذا أتت بفاحشة ؛ واللّه أعلم.
* * *
(أنا) أبو سعيد محمد بن موسى ، نا أبو العباس محمد بن يعقوب ، أنا الربيع بن سليمان ، أخبرنا الشافعي (رحمه اللّه) ، قال (2) : «قال اللّه عز وجل : ( وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً ؛ فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً : فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً (3) : 4 - 4 ) .»
«فكان فى [هذه (4)] الآية : إباحة أكله : إذا طابت به (5) نفسا ؛ ودليل : على أنها إذا لم تطب به نفسا : لم يحل أكله.»
«[وقد] (6) قال اللّه عز وجل : ( وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ ، وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً (7) - : فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً ؛ [أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (8)؟!] : 4 - 20 ) .»
ص: 216
«وهذه الآية : فى معنى الآية التي [كتبنا (1)] قبلها. فإذا (2) أراد الرجل الاستبدال بزوجته ، ولم ترد هى فرقته - : لم يكن له أن يأخذ من مالها شيئا - : بأن يستكرهها عليه. - ولا أن يطلّقها : لتعطيه فدية منه.». وأطال الكلام فيه (3).
قال الشافعي (4) (رحمه اللّه) : «قال اللّه عز وجل : ( وَلا (5) يَحِلُّ لَكُمْ : أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً ؛ إِلَّا : أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللّهِ ؛ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللّهِ : فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ : 2 - 229 ) .»
«فقيل (6) (واللّه أعلم) : أن تكون المرأة تكره الرجل : حتى تخاف أن لا تقيم (7) حدود اللّه - : بأداء ما يجب عليها له ، أو أكثره ، إليه (8). ويكون الزوج غير مانع (9) لها ما يجب عليه ، أو أكثره.»
«فإذا كان هذا : حلت الفدية للزوج ؛ وإذا لم يقم أحدهما حدود اللّه : فليسا معا مقيمين حدود اللّه (10).»
ص: 217
«وقيل (1) : و [هكذا قول اللّه عز وجل : ( فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ) (2).] : إذا حل ذلك للزوج : [فليس بحرام على المرأة ؛ والمرأة فى كل حال : لا يحرم عليها ما أعطت من مالها. وإذا حل له (3)] ولم يحرم عليها : فلا جناح عليهما معا. وهذا كلام صحيح». وأطال الكلام فى شرحه (4) ؛ ثم قال (5) :
«وقيل (6) : أن تمتنع المرأة من أداء الحق ، فتخاف على الزوج : أن لا يؤدّى الحقّ ؛ إذا منعته حقا. فتحل الفدية.»
«وجماع ذلك : أن تكون المرأة : المانعة لبعض ما يجب عليها له ، المفتدية (7) : تحرّجا من أن لا تؤدى حقّه ، أو كراهية له (8). فإذا كان هكذا : حلت الفدية للزوج (9).».
* * *
ص: 218
قرأت فى كتاب أبى الحسن العاصمىّ :
«(أخبرنا) عبد الرحمن بن العباس الشافعىّ - قرأت عليه بمصر - قال : سمعت يحيى بن زكريا ، يقول : قرأ علىّ يونس : قال الشافعي - : فى الرجل : يحلف بطلاق المرأة ، قبل أن ينكحها (1). - قال : «لا شىء عليه ؛ لأنى رأيت اللّه (عز وجل) ذكر الطلاق بعد النكاح.» ؛ وقرأ : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا : إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ، ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ : 33 - 49 ) (2).».
ص: 219
قال الشيخ : وقد روينا عن عكرمة ، عن ابن عباس : أنه احتج في ذلك (أيضا) : بهذه الآية (1).
* * *
(أنا) أبو سعيد ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، قال (2) : «قال اللّه تبارك وتعالى : ( إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ : فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ : 65 - 1 ) . قال : وقرئت (3) : (لقبل عدّتهنّ (4)) ؛ وهما لا يختلفان فى معنى (5).». وروى [ذلك (6)] عن ابن عمر رضي اللّه عنه.
قال الشافعي (رحمه اللّه) : «(7) وطلاق السّنّة - فى المرأة : المدخول
ص: 220
بها ، التي تحيض (1). - : أن يطلقها : طاهرا من غير جماع (2) ، فى الطهر الذي خرجت [إليه (3)] من حيضة ، أو نفاس (4).».
قال الشافعي (5) : «وقد أمر اللّه (عز وجل) : بالإمساك بالمعروف ، والتّسريح بالإحسان. ونهى عن الضرر.»
«وطلاق الحائض : ضرر عليها ؛ لأنها : لا زوجة ، ولا فى أيام تعتدّ فيها من زوج - : ما كانت في الحيضة. وهى : إذا طلقت - : وهى تحيض. - بعد جماع : لم تدر ، ولا زوجها : عدتها : الحمل ، أو الحيض؟.»
«ويشبه : أن يكون أراد : أن يعلما معا العدة ؛ ليرغب الزوج ، وتقصر المرأة عن الطلاق : إذا (6) طلبته.».
* * *
ص: 221
(نا) أبو عبد اللّه الحافظ ، وأبو سعيد بن أبى عمرو - قالا : نا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، قال (1) : «ذكر اللّه (عز وجل) الطلاق ، فى كتابه ، بثلاثة أسماء : الطلاق ، والفراق ، والسّراح (2). فقال جل ثناؤه : ( إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ : فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ (3) : 65 - 1 ) ؛ وقال عز وجل : ( فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ. فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ، أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ : 65 - 2 ) ؛ وقال لنبيه (صلى اللّه عليه وسلم) فى أزواجه (4) : ( إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها : فَتَعالَيْنَ : أُمَتِّعْكُنَّ ، وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلاً : 33 - 28 ) .».
زاد أبو سعيد - فى روايته - : قال الشافعي (5) : «فمن خاطب امرأته ، فأفرد لها اسما من هذه الأسماء. (6) - : لزمه الطلاق ؛ ولم ينوّ (7) فى الحكم ، ونوّيناه فيما بينه وبين اللّه عز وجل (8).».
* * *
ص: 222
(أنا) أبو زكريا بن أبى إسحق (فى آخرين) ، قالوا : أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، قال (1) : «ثنا مالك ، عن هشام بن (2) عروة ، عن أبيه (3) ، قال : كان الرجل إذا طلّق [امرأته ، ثم ارتجعها قبل أن تنقضي عدتها - : كان ذلك له ؛ وإن طلقها ألف مرة. فعمد رجل إلى (4)] امرأة له : فطلقها ، ثم أمهلها ؛ حتى إذا شارفت انقضاء عدتها : ارتجعها ؛ ثم طلقها وقال : واللّه لا آويك (5) إلىّ ، ولا تحلّين (6) أبدا. فأنزل اللّه عز وجل : ( الطَّلاقُ مَرَّتانِ ؛ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ ، أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ : 2 - 229 ) ؛ فاستقبل الناس الطلاق جديدا - من يومئذ - : من كان منهم طلّق ، أو (7) لم يطلّق.».
قال الشافعي (8) (رحمه اللّه) : «وذكر بعض أهل التفسير هذا».
ص: 223
قال الشيخ (رحمه اللّه) : قد روينا عن ابن عباس ، فى معناه (1)
(أنا) أبو سعيد ، ثنا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، قال (2) : «قال اللّه عز وجل : ( إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ : وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ : 16 - 106 ) .»
«قال : وللكفر أحكام : كفراق (3) الزوجة ، وأن (4) يقتل الكافر ، ويغنم ماله.»
«فلما وضع [اللّه (5)] عنه : سقطت [عنه (6)] أحكام الإكراه على (7) القول كلّه ؛ لأن الأعظم إذا سقط عن الناس : سقط ما هو أصغر منه ، وما يكون حكمه : بثبوته عليه.». وأطال الكلام فى شرحه (8).
(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، قال (9) : «قال اللّه تبارك وتعالى : ( الطَّلاقُ مَرَّتانِ ؛ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ ، أَوْ
ص: 224
تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ : 2 - 229 ) ؛ وقال تعالى : ( وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ ؛ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ : أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ ؛ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ. وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ : إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً (1) : 2 - 228 ) .»
«قال الشافعي - [فى قول اللّه عز وجل (2)] : ( إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً ) . - : يقال (3) : إصلاح الطلاق : بالرجعة ؛ واللّه أعلم (4).»
«فأيّما زوج حرّ طلق امرأته - بعد ما يصيبها - واحدة أو اثنتين ، فهو : أحق برجعتها : ما لم تنقض عدتها. بدلالة كتاب اللّه عز وجل (5).»
وقال (6) - فى قول اللّه عز وجل : ( وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ : فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ، أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ. وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً (7)
ص: 225
2 - 231 ) . - : إذا شارفن بلوغ أجلهن : فراجعوهن بمعروف ، [أ (1)] ودعوهن تنقضى (2) عددهن بمعروف. ونهاهم : أن يمسكوهن ضرارا : ليعتدوا ؛ فلا يحل إمساكهن : ضرارا (3).».
زاد على هذا ، فى موضع آخر (4) - هو عندى : بالإجازة عن أبى عبد اللّه ، بإسناده عن الشافعي. - :
«[والعرب (5)] تقول للرجل (6) - : إذا قارب البلد : يريده ؛ أو الأمر : يريده. - : قد بلغته ؛ وتقوله (7) : إذا بلغه.»
«فقوله فى المطلّقات : ( فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ، أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ (8) : 65 - 2 ) : إذا قاربن [بلوغ (9)] أجلهن.
ص: 226
فلا يؤمر بالإمساك ، إلا (1) : من كان يحل له الإمساك فى العدّة.»
وقوله (عز وجل) فى المتوفّى عنها زوجها : ( فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ : فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ (2) : 2 - 234 ) ؛ هذا : إذا قضين أجلهن.»
«وهذا (3) : كلام عربى ؛ والآيتان يدلان (4) : على افتراقهما بيّنا ؛ والكلام فيهما : مثل قوله (عز وجل) فى المتوفّى عنها : ( وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ ، حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ : 2 - 235 ) : حتى تنقضى عدّتها ، فيحلّ نكاحها (5).».
* * *
(أنا) أبو سعيد ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي (6) - فى
ص: 227
المرأة : يطلقها الحرّ ثلاثا. - [قال (1)] : «فلا تحلّ له : حتى يجامعها زوج غيره ؛ لقوله (عز وجل) فى المطلقة (2) الثالثة : ( فَإِنْ طَلَّقَها : فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ ، حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ : 2 - 230 ) (3).»
«قال : فاحتملت (4) الآية : حتى يجامعها زوج غيره ؛ [و (5)] دلت على ذلك السنة (6). فكان أولى المعاني - بكتاب اللّه عز وجل - : ما دلت عليه سنة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم (7).»
«قال : فإذا (8) تزوجت المطلقة ثلاثا ، بزوج (9) : صحيح النكاح ؛
ص: 228
فأصابها ، ثم طلقها وانقضت عدّتها - : حل (1) لزوجها الأول : ابتداء نكاحها ؛ لقول اللّه عز وجل : ( فَإِنْ طَلَّقَها : فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ ، حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ) (2).».
وقال (3) فى قول اللّه عز وجل : ( فَإِنْ طَلَّقَها (4) : فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا : إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللّهِ : 2 - 230 ) . - : «واللّه أعلم بما أراد ؛ فأمّا (5) الآية فتحتمل : إن أقاما الرجعة ؛ لأنها من حدود اللّه.»
«وهذا يشبه قول اللّه عز وجل : ( وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ : إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً : 2 - 228 ) (6) : إصلاح ما أفسدوا بالطلاق - : بالرجعة.».
ثم ساق الكلام ، إلى أن قال : «فأحب (7) لهما : أن ينويا إقامة حدود اللّه فيما بينهما ، وغيره : من حدوده (8).».
قال الشيخ : قوله : ( فَإِنْ طَلَّقَها : فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا ) ؛ إن
ص: 229
أراد [به (1)] : الزوج الثاني : إذا طلقها طلاقا رجعيا - : فإقامة الرجعة ، مثل : أن يراجعها فى العدة. ثم تكون الحجة - فى رجوعها إلى الأول : بنكاح مبتدإ. - : تعليقه التحريم بغايته (2).
وإن أراد به : الزوج الأول ؛ فالمراد بالتراجع : النكاح الذي يكون بتراجعهما وبرضاهما جميعا ، بعد العدة (3). واللّه أعلم.
* * *
(أنا) أبو عبد اللّه الحافظ ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، قال (4) : «قال اللّه عز وجل : ( لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ (5) : تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ؛ فَإِنْ فاؤُ : فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ : فَإِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ : 2 - 226 - 227 ) .» «فقال الأكثر ممن روى عنه - : من أصحاب النبي (6) صلى اللّه عليه
ص: 230
وسلم. عندنا : إذا مضت أربعة أشهر : وقف المولى ؛ فإما : أن يفىء ، وإما : أن يطلّق.»
«[وروى عن غيرهم - : من أصحاب النبي (1). - : عزيمة الطلاق : انقضاء أربعة أشهر (2)]»
«قال : والظاهر (3) في الآية أن من أنظره اللّه أربعة أشهر ، فى شىء - : لم يكن (4) عليه سبيل ، حتى تمضى أربعة أشهر. لأنه (5) [إنما (6)] جعل عليه : الفيئة أو الطلاق (7) - والفيئة : الجماع : إن كان قادرا عليه (8). - وجعل له الخيار فيهما : فى وقت واحد ؛ فلا (9) يتقدم واحد
ص: 231
منهما صاحبه : وقد ذكرا (1) فى وقت واحد. كما (2) يقال له : افده ، أو نبيعه عليك. بلا (3) فصل.».
وأطال الكلام فى شرحه ، وبيان (4) الاعتبار بالعزم. وقال فى خلال ذلك : «وكيف (5) يكون عازما على أن يفىء فى كل يوم ، فإذا مضت أربعة أشهر ، لزمه الطلاق : وهو لم يعزم عليه ، ولم يتكلم به.؟ أترى هذا قولا يصح فى العقول (6) [لأحد (7)]؟!.».
وقال فى موضع آخر (8) - هو لى مسموع من أبى سعيد بإسناده. - :
«ولم زعمتم (9) : أن (10) الفيئة لا تكون إلا بشىء يحدثه - : من
ص: 232
جماع ، أو فىء بلسان : إن لم يقدر على الجماع. - و: أنّ عزيمة الطلاق هو (1) : مضيّ الأربعة أشهر ؛ لا : شىء يحدثه هو بلسان (2) ، ولا فعل.؟»
أرأيت (3) الإيلاء : طلاق (4) هو؟ قال : لا. قلنا (5) : أفرأيت كلاما قط - : ليس بطلاق. - : جاءت عليه (6) مدة ، فجعلته طلاقا.؟!». وأطال الكلام فى شرحه (7) ؛ وقد نقلته إلى (المبسوط).
* * *
(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو ، نا أبو العباس الأصمّ ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، قال (8) : «قال اللّه عز وجل : ( وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ، ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا - : فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ) الآية (9).»
«قال الشافعي (رحمه اللّه) : سمعت من أرضى - : [من (10)] أهل العلم
ص: 233
بالقرآن. - يذكر : أن أهل الجاهلية [كانو (1)] يطلّقون بثلاث : الظّهار ، والإيلاء ، والطلاق. فأقرّ (2) اللّه (عز وجل) الطلاق : طلاقا ؛ وحكم فى الإيلاء : بأن أمهل (3) المولى أربعة أشهر ، ثم جعل عليه : أن يفىء أو يطلق ؛ وحكم فى الظّهار : بالكفارة ، و [أن (4)] لا يقع به طلاق.»
قال الشافعي (5) «والذي (6) حفظت (7) - مما سمعت فى : (يعودون لما قالوا (8)). - : أن المتظاهر (9) حرّم [مسّ (10)] امرأته بالظّهار ؛ فإذا أتت عليه مدة بعد القول بالظّهار ، لم يحرمها : بالطلاق الذي يحرّم (11) به ، ولا بشىء (12) يكون له مخرج (13) من أن تحرم (14) [عليه (15)] به - : فقد وجبت (16) عليه كفارة الظّهار.»
ص: 234
«كأنهم يذهبون : إلى أنه إذا أمسك على نفسه أنه (1) حلال : فقد عاد لما قال ، فخالفه (2) : فأحلّ ما حرّم (3).».
قال : «ولا أعلم له معنى أولى به من هذا ؛ ولم (4) أعلم مخالفا : فى أن عليه كفارة الظّهار : وإن لم يعد (5) بتظاهر آخر.»
فلم يجز (6) : أن يقال ما (7) لم أعلم مخالفا : فى أنه ليس بمعنى الآية (8).».
قال الشافعي (9) : «ومعنى قول اللّه عز وجل : ( مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ) : وقت لأن يؤدّى ما (10) أوجب اللّه (عز وجل) عليه : من الكفارة ؛ [فيها (11) قبل المماسّة (12). فإذا كانت المماسّة قبل الكفارة (13)] فذهب الوقت :
ص: 235
لم تبطل الكفارة ، [ولم يزد عليه فيها (1)].». وجعلها قياسا على الصلاة (2)
قال الشافعي فى قول اللّه عز وجل : ( فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ) ؛ قال (3) : «لا [يجزيه (4)] تحرير رقبة على غير دين الإسلام : لأن اللّه (عز وجل) يقول فى القتل : ( فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ : 4 - 92 ) .»
«وكان (5) شرط اللّه فى رقبة القتل [إذا كانت (6)] كفارة ، كالدليل (واللّه أعلم) : على أن لا تجزى (7) رقبة فى كفارة ، إلا مؤمنة.»
«كما شرط اللّه (تعالى) العدل فى الشهادة ، فى موضعين ، وأطلق الشهود فى ثلاثة موأضع (8).»
ص: 236
«فلما كانت شهادة كلّها : اكتفينا (1) بشرط اللّه فيما شرط فيه ؛ واستدللنا : على أن ما أطلق : من الشهادات ؛ (إن شاء اللّه عز وجل) : على مثل معنى ما شرط (2).»
* * *
(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو ، نا أبو العباس الأصمّ ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، قال (3) : «قال اللّه عز وجل : ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ، ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ : فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً ) (4) الآية (5).»
«قال : فلم (6) أعلم خلافا : [فى (7)] أن ذلك إذا طلبت المقذوفة
ص: 237
الحدّ (1) ، ولم (2) يأت القاذف بأربعة شهداء : يخرجونه (3) من الحد (4).»
«وقال تعالى : ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ : فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ : أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ) إلى آخرها (5).»
«قال الشافعي : فكان بيّنا فى كتاب اللّه (عز وجل) : أنه (6) أخرج الزوج من قذف المرأة (يعنى (7) : باللّعان.) : كما أخرج قاذف المحصنة غير (8) الزوجة : بأربعة شهود يشهدون عليها ، بما (9) قذفها به : من الزنا.»
ص: 238
«وكانت فى ذلك ، دلالة : أن ليس على الزوج أن يلتعن (1) ، حتى تطلب المرأة المقذوفة حدّها.». وقاسها (أيضا) : على الأجنبية (2).
قال (3) : «ولما (4) ذكر اللّه (عز وجل) اللّعان على الأزواج مطلقا - : كان اللّعان على كل زوج : جاز طلاقه ، ولزمه الفرض (5) ؛ وعلى (6) كل زوجة : لزمها الفرض (7).»
قال الشافعي (8) : «فإن قال (9) : لا ألتعن ؛ وطلبت أن يحدّ لها - : حدّ (10).»
قال (11) : «ومتى التعن الزوج : فعليها أن تلتعن. فإن أبت : حدّت (12) ؛
ص: 239
لقول اللّه عز وجل : ( وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ : أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللّهِ ) الآية. والعذاب : الحدّ (1).».
* * *
(وأنبأنى) أبو عبد اللّه الحافظ ، ثنا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (2) : «ولمّا حكى سهل بن سعد ، شهود المتلاعنين مع حداثته (3) ، وحكاه ابن عمر (4) - : استدللنا : [على (5)] أن اللّعان لا يكون. إلا بمحضر (6) من طائفة : من المؤمنين (7).»
«وكذلك جميع حدود اللّه : يشهدها طائفة من المؤمنين ، أقلها (8) : أربعة. لأنه لا يجوز فى شهادة الزنا ، أقلّ منهم (9).»
ص: 240
«وهذا : يشبه قول اللّه (عز وجل) فى الزانيين : ( وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ : 24 - 2 ) (1).».
وقال (2) - فى قوله عز وجل : ( فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ : 4 - 102 ) . - : «الطائفة : ثلاثة فأكثر.».
وإنما قال ذلك : لأن القصد من صلاة النبي (صلى اللّه عليه وسلم) بهم : حصول فضيلة الجماعة (3) لهم. وأقلّ الجماعة إقامة : ثلاثة (4). فاستحب (5) : أن يكونوا ثلاثة فصاعدا.
وذكر (6) جهة استحبابه : أن يكونوا أربعة فى الحدود. وليس ذلك : بتوقيف (7) ، فى الموضعين جميعا.
* * *
ص: 241
(أنا) أبو عبد اللّه الحافظ (قرأت عليه) : أنا أبو العباس (1) ، أنا الربيع ، أنا الشافعي (رحمه اللّه) ، قال (2) : «قال اللّه تعالى : ( وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ (3) : 2 - 228 ) .»
«قالت (4) عائشة (رضى اللّه عنها) : الأقراء (5) : الأطهار ؛ [فإذا طعنت فى الدم : من الحيضة الثالثة ؛ فقد حلّت (6)]. وقال بمثل (7) معنى
ص: 242
قولها ، زيد بن ثانت ، وعبد اللّه بن عمر ، وغيرهما (1).»
«وقال نفر - : من أصحاب النبي (2) صلى اللّه عليه وسلم. - : الأقراء : الحيض ؛ فلا تحلّ المطلقة (3) : حتى تغتسل من الحيضة الثالثة.»
ص: 243
ثم ذكر الشافعي حجة القولين (1) ، واختار الأول (2) ؛ واستدل عليه : «بأن النبي (صلى اللّه عليه وسلم) أمر عمر (رضى اللّه عنه) - حين طلق ابن عمر امرأته : حائضا. - : أن يأمره : برجعتها [وحبسها (3)] حتى تطهر ثم يطلقها : طاهرا ، من غير جماع. وقال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) : «فتلك العدة : التي أمر اللّه (عز وجل) : أن يطلّق (4) لها النساء.»
قال الشافعي : «[يعنى (5)] - واللّه أعلم - : قول اللّه عز وجل : ( إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ : فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ : 65 - 1 ) ؛ فأخبر النبىّ (صلى اللّه عليه وسلم) - عن اللّه عز وجل - : أن العدّة : الطّهر ، دون الحيض (6).»
ص: 244
====
ولو طلقت حائضا : لم تكن مستقبلة عدتها ، إلا من بعد الحيض.». ا ه. وانظر زاد المعاد (ج 4 ص 190) وأقول :
قوله تعالى : ( فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ) - بقطع النظر عن كون ما روى فى الأم والمختصر ، والموطأ وصحيح مسلم ، عن النبي أو غيره ، من قوله : «فى قبل ، أو لقبل عدتهن» ؛ قراءة أخرى ، أو تفسيرا - : مؤول فى نظر أصحاب المذهبين جميعا ، على معنى : فطلقوهن مستقبلات عدتهن.
ص: 245
واحتج : «بأن اللّه (عز وجل) قال : ( ثَلاثَةَ قُرُوءٍ ) ؛ ولا معنى للغسل (1) : لأن الغسل رابع (2).».
واحتج : «بأن الحيض ، هو : أن يرخى الرّحم الدم حتى يظهر (3) ؛
====
4. كذا بالرسالة (ص 566). وفى الأصل : «يطهر». وهو تحريف.
ص: 246
والطّهر هو : أن يقرى الرحم الدم ، فلا يظهر (1). فالقرء (2) : الحبس ؛ لا : الإرسال. فالطهر - : إذا (3) كان يكون وقتا. - أولى (4) فى اللسان ، بمعنى القرء ؛ لأنه (5) : حبس الدم.» وأطال الكلام فى شرحه (6).
* * *
(أنبأنى) أبو عبد اللّه (إجازة) : أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (7) : «قال اللّه جل ثناؤه (8) : ( وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ. بِأَنْفُسِهِنَّ
ص: 247
ثَلاثَةَ قُرُوءٍ (1) ؛ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ : أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ ؛ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ) الآية (2).»
«قال الشافعي (رحمه اللّه) : فكان (3) بيّنا فى الآية - بالتنزيل (4) - : أنه لا يحل للمطلّقة : أن تكتم ما فى رحمها : من المحيض. فقد يحدث له (5) - عند خوفه انقضاء عدّتها - رأى فى نكاحها (6) ؛ أو يكون طلاقه إياها : أدبا [لها (7)].».
ثم ساق الكلام (8) ، إلى أن قال : «وكان ذلك يحتمل : الحمل مع المحيض (9) ؛ لأن الحمل : مما (10) خلق اللّه فى أرحامهن.»
«فإذا (11) سأل الرجل امرأته المطلّقة : أحامل هى؟ أو هل حاضت؟ - :
ص: 248
فهى (1) عندى ، لا (2) يحل لها : أن تكتمه (3) ولا أحدا رأت أن (4) يعلمه.»
«[وإن لم يسألها ، ولا أحد يعلمه إياه (5)] : فأحبّ إلىّ : لو أخبرته به.».
ثم ساق الكلام (6) ، إلى أن قال : «ولو كتمته بعد المسألة ، [الحمل والأقراء (7)] حتى خلت عدّتها - : كانت عندى ، آثمة بالكتمان [: إذ سئلت وكتمت (8)] - وخفت عليها الإثم : إذا كتمت (9) وإن لم تسأل. - ولم (10) يكن [له (11).] عليها رجعة : لأن اللّه (عز وجل) إنما جعلها له حتي تنقضى عدتها. (12)».
وروى الشافعي (رحمه اللّه) - فى ذلك - قول عطاء ، ومجاهد (13) وهو منقول فى كتاب (المبسوط) و (المعرفة).
* * *
ص: 249
وبهذا الإسناد ، قال : قال الشافعي (1) (رحمه اللّه) : «سمعت من أرضى - : من أهل العلم (2) - يقول : إن أول ما أنزل اللّه (عز وجل) - : من العدد. - : ( وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ : 2 - 228 ) ؛ فلم يعلموا : ما عدّة المرأة [التي (3)] لا قرء (4) لها؟ وهى : التي لا تحيض ، والحامل (5). فأنزل اللّه عز وجل : ( وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ : مِنْ نِسائِكُمْ ؛ إِنِ ارْتَبْتُمْ : فَعِدَّتُهُنَّ : ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ (6) ؛ [وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ : 65 - 4) ؛ فجعل عدّة المؤيسة والتي لم تحض : ثلاثة أشهر (7).] وقوله (8) : (إن ارتبتم) : فلم تدروا (9) : ما تعتدّ غير ذوات الأقراء؟ - وقال : ( وَأُولاتُ الْأَحْمالِ (10) أَجَلُهُنَّ : أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ : 65 - 4 ) (11).»
ص: 250
«قال الشافعي : وهذا (واللّه أعلم) يشبه (1) ما قالوا.».
* * *
وبهذا الإسناد ، قال : قال الشافعي (2) : «قال اللّه تبارك وتعالى : ( إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ، ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَ (3) - : فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ : مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها : 33 - 49 ) (4).»
«وكان (5) بيّنا فى حكم اللّه (عز وجل) : أن لا عدّة على المطلقة قبل أن تمسّ ، وأن المسيس [هو (6)] الإصابة. [ولم أعلم خلافا فى هذا (7)]».
وذكر الآيات فى العدة (8) ، ثم قال : «فكان بيّنا فى حكم اللّه (عز وجل) من يوم يقع الطلاق ، وتكون الوفاة.».
وبهذا الإسناد ، قال : قال الشافعي (9) : «قال اللّه عز وجل : ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ ، وَيَذَرُونَ أَزْواجاً : وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ : مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ
ص: 251
غَيْرَ إِخْراجٍ ؛ فَإِنْ (1) خَرَجْنَ : فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِي ما فَعَلْنَ. فِي أَنْفُسِهِنَّ : مِنْ مَعْرُوفٍ : 2 - 240 ) .»
«قال الشافعي : حفظت عن غير واحد - : من أهل العلم بالقرآن. - : أن هذه الآية نزلت قبل نزول آية (2) المواريث ، وأنها منسوخة (3).»
«وكان بعضهم ، يذهب : إلى أنها نزلت مع الوصيّة للوالدين والأقربين ، وأنّ وصيّة المرأة محدودة بمتاع سنة - وذلك : نفقتها ، وكسوتها ، وسكنها (4). - وأن قد حظر على أهل زوجها إخراجها ، ولم يحظر عليها أن تخرج (5).»
«قال : وكان مذهبهم : أن الوصيّة لها : بالمتاع إلى الحول والسّكنى ؛ منسوخة (6)». يعنى : بآية المواريث (7).
ص: 252
«و [بيّن (1)] : أن اللّه (عز وجل) أثبت عليها عدة : أربعة أشهر
ص: 253
وعشرا ؛ ليس لها الخيار فى الخروج منها ، ولا النكاح قبلها (1). إلا : أن تكون حاملا ؛ فيكون أجلها : أن تضع حملها : [بعد أو قرب. ويسقط بوضع حملها : عدة أربعة أشهر وعشر (2).]».
وله - فى سكنى المتوفّي عنها - قول آخر (3) : «أن الاختيار لورثته (4) : أن يسكنوها ؛ وإن (5) لم يفعلوا (6) : فقد ملكو المال دونه (7).». وقد (8) رويناه عن عطاء ، ورواه [الشافعي عن (9)] الشّعبىّ [عن علىّ (10)].
ص: 254
(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (1) : «قال اللّه (عز وجل) فى المطلّقات : ( لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَ (2) ، وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا : أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ : 65 - 1).»
«قال الشافعي : والفاحشة (3) : أن تبذو (4) على أهل زوجها ، فيأتى من ذلك : ما يخاف (5) الشقاق بينها وبينهم.»
«فإذا فعلت : حلّ لهم (6) إخراجها ؛ وكان عليهم (7) : أن ينزلوها منزلا غيره (8).». وروي الشافعي معناه (9) - بإسناده - عن ابن عباس (10).
ص: 255
(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو ، نا أبو العباس الأصمّ ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، قال (1) : «قال اللّه عز وجل : ( وَأُمَّهاتُكُمُ : اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ ، وَأَخَواتُكُمْ : مِنَ الرَّضاعَةِ : 4 - 23 ) .»
«قال الشافعي : حرم (2) اللّه (عز وجل) الأمّ (3) والأخت : من الرّضاعة ؛ واحتمل تحريمهما (4) معنين.»
«(أحدهما) - : إذ (5) ذكر اللّه تحريم الأم والأخت من الرّضاعة ، فأقامهما (6) : فى التحريم ، مقام الأم والأخت من النسب. - : أن تكون الرّضاعة كلّها ، تقوم مقام النسب : فما حرم بالنسب حرم بالرّضاعة مثله.»
«وبهذا ، نقول (7) : بدلالة سنة رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) ، والقياس على القرآن (8).»
«(والآخر) : أن يحرم (9) من الرضاع الأمّ والأخت ، ولا يحرم سواهما.».
ص: 256
ثم ذكر دلالة السنة ، لما اختار : من المعنى الأول (1).
قال الشافعي (2) (رحمه اللّه) : «والرّضاع اسم جامع ، يقع : على المصّة ، وأكثر منها (3) : إلى كمال إرضاع الحولين. ويقع (4) : على كل رضاع : وإن كان بعد الحولين (5).»
«فاستدللنا (6) : أن المراد بتحريم الرّضاع : بعض المرضعين (7) ، دون بعض. لا (8) : من لزمه اسم : رضاع.».
وجعل نظير ذلك : آية (9) السارق والسارقة ، وآية (10) الزاني والزانية (11) وذكر الحجة فى وقوع التحريم بخمس رضعات (12).
ص: 257
واحتجّ فى الحولين (1) بقول اللّه (عز وجل) : ( وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ ، لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ : 2 - 233 ) .
[ثم قال (2)] : «فجعل (عز وجل) تمام الرّضاعة : حولين [كاملين (3)] ؛ وقال : ( فَإِنْ أَرادا فِصالاً عَنْ تَراضٍ مِنْهُما ، وَتَشاوُرٍ : فَلا جُناحَ عَلَيْهِما : 2 - 233 ) ؛ يعنى (واللّه أعلم) : قبل الحولين.»
«فدلّ إرخاصه (جل ثناؤه) - : فى فصال المولود ، عن تراضي والديه وتشاورهما ، قبل الحولين - : على أن ذلك إنما يكون : باجتماعهما على فصاله ، قبل الحولين (4).»
«وذلك لا يكون (واللّه أعلم) إلا بالنظر للمولود من والديه : أن يكونا يريان : فصاله (5) قبل الحولين ، خيرا من إتمام الرّضاع له لعلة
ص: 258
تكون به ، أو بمرضعه (1) - : وإنه لا يقبل رضاع غيرها. - وما (2) أشبه هذا.»
«وما جعل اللّه (تعالى) له ، غاية - [فالحكم (3)] بعد مضيّ الغاية ، فيه : غيره قبل مضيّها. قال (4) اللّه عز وجل : ( وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ : 2 - 228 ) ؛ فحكمهنّ (5) - بعد مضىّ ثلاثة أقراء - : غير حكمهن (6) فيها. وقال تعالى : ( وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ : فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ (7) : 4 - 101 ) ؛ فكان لهم : أن يقصروا مسافرين ؛ وكان - فى شرط القصر لهم : بحال موصوفة. - دليل : على أن حكمهم فى غير تلك الصفة : غير القصر (8)».
ص: 259
(أنا) أبو عبد اللّه الحافظ (قراءء عليه) : نا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (1) : «قال اللّه عز وجل : ( فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ : مَثْنى (2) ، وَثُلاثَ ، وَرُباعَ. فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا : فَواحِدَةً ، أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ. ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا : 4 - 3 ) .»
«قال : وقول (3) اللّه عز وجل : ( ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا ) ؛ يدل (واللّه أعلم) : على (4) أن على الزوج (5) ، نفقة امرأته (6).»
«وقوله : (ألّا تعولو) ؛ أي (7) : لا يكثر من تعولوا (8) ، إذا اقتصر
ص: 260
المرء على واحدة : وإن أباح له أكثر منها (1).».
(أنا) أبو الحسن بن بشران العدل ببغداد ، أنا أبو عمر محمد بن عبد الواحد اللغوي (صاحب ثعلب) - فى كتاب : (ياقوتة الصراط) ؛ فى قوله عز وجل : ( أَلَّا تَعُولُوا ) . - : «أي : أن لا تجوروا (2) ؛ و (تعولوا) : تكثر عيالكم.».
وروينا عن زيد بن أسلم - فى هذه الآية - : «ذلك (3) أدنى أن لا يكثر من تعولونه».
* * *
(أنبأنى) أبو عبد اللّه ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (4) (رحمه اللّه) : «قال اللّه (عز وجل) فى المطلّقات : ( أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ (5) : 65 - 6) ؛ وقال (6) : ( وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ : فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ ، حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ : 65 - 6) (7).»
ص: 261
«قال : فكان بيّنا (واللّه أعلم) - فى هذه الآية - : أنها فى المطلّقة (1) : لا يملك زوجها رجعتها ؛ من قبل : أن اللّه (عز وجل) لما أمر بالسّكنى : عامّا ؛ ثم قال فى النفقة : ( وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ : فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ ، حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) - دلّ ذلك (2) : على أن الصّنف الذي أمر بالنفقة على ذوات الأحمال منهن ، صنف : دلّ الكتاب : على (3) أن لا نفقة على غير ذوات الأحمال منهن. لأنه إذا وجب لمطلّقة : بصفة (4) : نفقة - : ففى ذلك ، دليل : على أنه لا يجب (5) نفقة لمن كانت (6) فى غير صفتها : من المطلّقات.»
«ولمّا (7) لم أعلم مخالفا - : من أهل العلم. - فى أن المطلّقة : التي يملك (8) زوجها رجعتها ؛ فى معانى الأزواج (9) - : كانت (10) الآية على غيرها : من المطلّقات (11).» وأطال الكلام فى شرحه ، والحجّة فيه (12).
ص: 262
(أنا) أبو سعيد بن أبي عمرو ، نا أبو العباس الأصمّ ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (1) (رحمه اللّه) : «قال اللّه تبارك وتعالى : ( وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ : لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ ؛ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ : رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ (2) : 2 - 233 ) ؛ وقال تبارك وتعالى : ( فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ : فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ، وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ. وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ : فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى (3) : 65 - 6).»
«قال (4) الشافعي (5) : ففى كتاب اللّه (عز وجل) ، ثم فى سنة رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) - بيان : أن الإجارات (6) جائزة : على ما يعرف الناس (7). إذ قال اللّه : ( فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ : فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) ؛ والرّضاع يختلف : فيكون صبىّ أكثر رضاعا من صبى ، وتكون امرأة أكثر لبنا من امرأة ؛ ويختلف لبنها. فيقلّ (8) ويكثر.»
ص: 263
«فتجوز الإجارات (1) على هذا : لأنه لا يوجد فيه أقرب مما يحيط العلم به : من هذا وتجوز (2) الإجارات على خدمة العبد : قياسا على هذا ؛ وتجوز فى غيره - : مما يعرف الناس. - : قياسا على هذا.»
«قال : وبيان (3) : أن على الوالد : نفقة الولد ؛ دون أمه : متزوجة ، أو مطلّقة.»
«وفى هذا ، دلالة : [على (4)] أن النفقة ليست على الميراث ؛ وذلك : أن الأم وارثة ، وفرض النفقة والرّضاع على الأب ، دونها. قال (5) ابن عباس - فى قول اللّه عز وجل : ( وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ : 2 - 233 ) . - : من أن لا تضارّ والدة بولدها (6) ؛ لا (7) : أن عليها الرضاع.».
وبهذا الإسناد فى (الإملاء) : قال الشافعي : «ولا يلزم المرأة رضاع
ص: 264
ولدها : كانت عند زوجها ، أو لم تكن. إلا : إن شاءت (1). وسواء : كانت شريفة ، أو دنيّة ، أو موسرة ، أو معسرة. لقول اللّه عز وجل : ( وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ : فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى : 65 - 6 ) .».
وزاد الشافعي على هذا - فى كتاب الإجارة (2) - فقال :
«وقد ذكر اللّه (تعالى) الإجارة في كتابه ، وعمل بها بعض أنبيائه ؛ قال اللّه تعالى : ( قالَتْ إِحْداهُما : يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ، إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ : الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ) . الآية (3).)
«فذكر (4) اللّه (عز وجل) : أن نبيا من أنبيائه (صلى اللّه عليه وسلم) أجّر (5) نفسه : حججا مسمّاة ، يملك (6) بها بضع امرأة (7).»
«فدلّ : على تجويز الإجارة ، وعلى أن (8) لا بأس بها على الحجج : إذا (9) كان على الحجج استأجره. [وإن كان استأجره على غير حجج : فهو تجويز الإجارة بكل حال (10)].» «وقد قيل : استأجره على أن يرعى له ؛ واللّه أعلم.».
ص: 265
(أنا) أبو عبد اللّه الحافظ ، أنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصمّ ، أنا الربيع بن سليمان ، أنا الشافعي ، قال (1) : «قال اللّه (عز وجل) لنبيه صلى اللّه عليه وسلم : ( قُلْ : تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ : أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً ، وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً ؛ وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ : مِنْ إِمْلاقٍ (2) ؛ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ الآية : 6 - 151 ) ؛ وقال : ( وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ : 81 - 8 - 9 ) ؛ وقال : ( وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، قَتْلَ أَوْلادِهِمْ ، شُرَكاؤُهُمْ : 6 - 137 ) .»
«قال الشافعي : كان بعض العرب يقتل الإناث - : من ولده. - صغارا (3) : خوف العيلة عليهم (4) ، والعار بهن (5). فلما نهى اللّه (عز وجل) عن ذلك - :
ص: 266
من أولاد المشركين. - : دلّ ذلك (1) : على تثبيت النهى عن قتل أطفال المشركين : فى دار الحرب (2) وكذلك : دلّت (3) عليه السنة ، مع ما دلّ عليه الكتاب : من تحريم القتل بغير حقّ (4).»
* * *
(أنا) أبو عبد اللّه الحافظ ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي (5) (رحمه اللّه) - فى قول اللّه عز وجل : ( وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً : فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً ؛ فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ : 17 - 33). قال : «لا يقتل غير قاتله (6) ؛ وهذا يشبه ما قيل (واللّه أعلم) : قال اللّه عز وجل : ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى : 2 - 178 ) ؛ فالقصاص إنما يكون (7) : ممن فعل ما فيه القصاص ؛ لا : ممن لا يفعله.»
ص: 267
«فأحكم اللّه (عز وجل) فرض القصاص : فى كتابه ؛ وأبانت السنة : لمن هو؟ وعلى من هو؟». (1).
* * *
(أنا) أبو عبد اللّه ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، قال (2) : «من العلم العامّ الذي لا اختلاف فيه بين أحد لقيته : فحدّثنيه (3) ، وبلغني عنه - : من علماء العرب. - : أنها كانت قبل نزول الوحى على رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) : تباين فى الفضل ، ويكون بينها ما يكون بين الجيران : من قتل العمد والخطإ.»
«وكان (4) بعضها : يعرف لبعض الفضل فى الدّيات ، حتى تكون دية الرجل الشريف : أضعاف دية الرجل دونه.»
«فأخذ بذلك بعض من بين أظهرها - من غيرها (5). - : بأقصد (6) مما كانت تأخذ به ؛ فكانت دية النّضيرىّ : ضعف (7) دية القرظىّ (8).»
ص: 268
«وكان الشريف من العرب : إذا قتل يجاوز (1) قاتله ، إلى من لم يقتله : من أشراف القبيلة التي قتله أحدها (2) وربما لم يرضوا : إلا بعدد يقتلونهم.»
«فقتل بعض غنىّ (3) شأس بن زهير [العبسىّ] : فجمع عليهم أبوه (4) زهير بن جذيمة ؛ فقالوا له (5) - أو بعض من ندب عنهم - : سل فى قتل شأس ؛ فقال : إحدي ثلاث لا يرضينى غيرها ؛ فقالوا (6) : ما هى؟ فقال (7) : تحيون لى شأسا ، أو تملأون ردائى من نجوم السماء ، أو تدفعون لى غنيّا بأسرها : فأقتلها ، ثم لا أرى : أنى أخذت [منه (8)] عوضا.»
«وقتل كليب وائل : فاقتتلوا دهرا طويلا ، واعتزلهم (9) بعضهم (10)
ص: 269
فأصابوا ابنا له - يقال (1) له : بجير. - : فأتاهم ، فقال : قد عرفتم عزلتى ، فبجير (2) بكليب - وهو (3) أعزّ العرب - [وكفّوا عن الحرب (4)]. فقالوا : بجير (5) بشسع [نعل (6)] كليب. فقاتلهم (7) : وكان معتزلا.»
«قال : وقال (8) : إنه نزل فى ذلك [وغيره (9)] - : مما (10) كانوا يحكمون به فى الجاهلية. - هذا الحكم الذي أحكيه [كلّه (11)] بعد هذا ؛ وحكم اللّه بالعدل : فسوّى فى الحكم بين عباده : الشريف منهم ، والوضيع : ( أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ؟! وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ : 5 - 50 ) .»
«فقال (12) : إن الإسلام نزل : وبعض العرب يطلب بعضا بدماء
ص: 270
وجراح ؛ فنزل فيهم : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا : كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى : الْحُرُّ بِالْحُرِّ ، وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ ، وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى (1) الآية (2) : 2 - 178 ) .».
قال (3) : «وكان بدء ذلك فى حيّين (4) - : من العرب - : اقتتلوا قبل الإسلام بقليل ؛ وكان لأحد الحيّين فضل على الآخر : فأقسموا باللّه : ليقتلنّ بالأنثى الذكر ، وبالعبد منهم الحرّ. فلما نزلت هذه الآية : رضوا وسلموا.»
«قال الشافعي : وما (5) أشبه ما قالوا من هذا ، بما قالوا - : لأن اللّه (عز وجل) إنما ألزم كلّ مذنب ذنبه ، ولم يجعل جرم أحد على غيره : فقال : (الحرّ بالحرّ) : إذا كان (واللّه أعلم) قاتلا له ؛ (والعبد بالعبد) : إذا كان قاتلا له ؛ (والأنثى بالأنثى) : إذا كانت قاتلة لها. لا : أن يقتل
ص: 271
بأحد - : ممن [لم (1)] يقتله. - : لفضل المقتول على القاتل (2). وقد جاء عن النبي (صلى اللّه عليه وسلم) : «أعدي (3) الناس على اللّه (عز وجل) : من قتل غير قاتله.»
«وما وصفت (4) - : من أن (5) لم أعلم مخالفا : فى أن يقتل الرجل بالمرأة (6). - دليل (7) : أن لو كانت هذه الآية [غير (8)] خاصة - كما قال من وصفت قوله : من أهل التفسير. - : لم يقتل ذكر بأنثى.».
* * *
(أنا) أبو عبد اللّه الحافظ ، نا أبو العباس ، نا الربيع ، أنا الشافعي ، قال (9) : «قال اللّه تبارك وتعالى : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا : كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى ) (10).»
«فكان ظاهر الآية (واللّه أعلم) : أن القصاص إنما كتب على
ص: 272
البالغين (1) المكتوب عليهم القصاص - : لأنهم المخاطبون بالفرائض. - : إذا قتلوا (2) المؤمنين. بابتداء (3) الآية ، وقوله : ( فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ : 2 - 178 ) ؛ لأنه (4) جعل الأخوّة بين المؤمنين (5) ، فقال : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ : 49 - 10 ) ؛ وقطع ذلك بين المؤمنين والكافرين».
«قال : ودلّت سنة رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) : على مثل ظاهر الآية (6).».
[قال الشافعي (7)] : «قال اللّه (جل ثناؤه) فى أهل التوراة [: ( وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها : أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ الآية : 5 - 45 ) .] (8)»
«[قال : ولا يجوز (واللّه أعلم) فى حكم اللّه (تبارك وتعالى) بين أهل التوراة (9)] - : أن كان حكما بيّنا. - إلا : ما جاز فى قوله : ( وَمَنْ
ص: 273
قُتِلَ مَظْلُوماً : فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ (1) سُلْطاناً ؛ فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ : 17 - 33 ) .»
«ولا يجوز فيها إلا : أن يكون (2) : كلّ نفس محرّمة القتل : فعلى من قتلها القود. فيلزم من (3) هذا : أن يقتل المؤمن : بالكافر المعاهد ، والمستأمن ؛ والمرأة والصبىّ (4) : من أهل الحرب ؛ [والرجل : بعبده وعبد غيره : مسلما كان ، أو كافرا (5)] ؛ والرجل : بولده إذا قتله.»
«أو : يكون قول اللّه عز وجل : ( وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً ) : ممن دمه مكافىء (6) دم من قتله ؛ وكلّ (7) نفس : كانت تقاد بنفس : بدلالة كتاب اللّه ، أو سنة ، أو إجماع. كما كان قول اللّه عز وجل : ( وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى ) :
ص: 274
إذا كانت قاتلة خاصة ؛ لا : أن ذكرا [لا (1)] يقتل بأنثى.»
«وهذا أولى معانيه به (واللّه أعلم) : لأن عليه دلائل ، منها : قول رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) : «لا يقتل مؤمن بكافر (2)» ؛ والإجماع (3) : على أن لا يقتل المرء بابنه : إذا قتله ؛ والإجماع : على أن لا يقتل الرجل : بعبده ، ولا بمستأمن : من أهل [دار (4)] الحرب ؛ ولا بامرأة : من أهل [دار (5)] الحرب ؛ ولا صبىّ.»
«قال : وكذلك : ولا يقتل الرجل الحرّ : بالعبد ، بحال. (6)».
* * *
(أنا) أبو عبد اللّه الحافظ ، وأبو زكريا بن أبى إسحاق ؛ قالا : نا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي (7) : «أنا معاذ (8) بن موسى ، عن بكير (9)
ص: 275
ابن معروف ، عن مقاتل بن حيّان ؛ قال [معاذ (1)] : قال مقاتل : أخذت هذا التفسير عن نفر - حفظ معاذ منهم : مجاهدا ، والحسن ، والضّحاك ابن مزاحم. - (2) فى قوله عز وجل ( فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ : فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ ، وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ) ؛ إلى آخر الآية : (2 - 178).»
«قال : كان كتب على أهل التوراة (3) : من قتل نفسا بغير نفس ، حقّ (4) : أن يقاد بها ؛ ولا يعفى عنه ، ولا يقبل (5) منه الدية. وفرض على أهل الإنجيل : أن يعفى عنه ، ولا يقتل. ورخّص لأمة محمد (صلى اللّه عليه وسلم) : إن شاء (6) قتل ، وإن شاء أخذ الدّية ، وإن شاء عفى. فذلك : قوله عز وجل : ( ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ ) ؛ يقول : الدّية تخفيف من اللّه : إذ جعل الدية ، ولا يقتل. ثم قال : ( فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ : فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ ) ؛ يقول : فمن (7) قتل بعد أخذ (8) الدّية (9) : فله عذاب أليم.»
ص: 276
«وقال (1) - فى قوله عز وجل : ( وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ (2) : 2 - 179 ) . - : يقول : لكم فى القصاص ، حياة ينتهى بها (3) بعضكم عن بعض ، أن يصيب : مخافة أن يقتل.».
(وأخبرنا (4)) أبو عبد اللّه ، وأبو زكريّا ؛ قالا : أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي (5) : «أنا ابن عيينة ، أنا (6) عمرو بن دينار ، قال : سمعت مجاهدا ، يقول : سمعت ابن عباس ، يقول : كان (7) فى بنى إسرائيل القصاص ، ولم يكن (8) فيهم الدّية ؛ فقال اللّه (عز وجل) لهذه الأمة : ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى : (9) الْحُرُّ بِالْحُرِّ ، وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ ، وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى. فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ ) (10) ؛ فإن (11) العفو : أن يقبل (12)
ص: 277
الدّية فى العمد ؛ [ ( فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ ، وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ (1). ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ ) ] (2) : مما كتب على من كان قبلكم ؛ ( فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ ) (3).».
قال الشافعي (4) - فى رواية أبى عبد اللّه - : «وما قال ابن عباس فى هذا ، كما قال (واللّه أعلم). وكذلك : قال مقاتل. وتقصّى (5) مقاتل فيه : أكثر من تقصّى (6) ابن عباس.»
«والتنزيل يدلّ على ما قال مقاتل : لأن اللّه (جل ثناؤه) - : إذ ذكر القصاص ، ثم (7) قال : ( فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ : فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ ، وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ) . - لم يجز (واللّه أعلم) أن يقال : إن عفى : إن (8) صولح على أخذ الدّية. لأن العفو : ترك حقّ بلا عوض ؛ فلم
ص: 278
يجز إلا أن يكون : إن عفى عن القتل ؛ فإذا عفى (1) : لم يكن إليه سبيل ، وصار لعافى (2) القتل مال (3) فى مال القاتل - وهو : دية قتيله. - : فيتّبعه بمعروف ، ويؤدّي إليه القاتل بإحسان.»
«وإن (4) كان : إذا عفا عن (5) القاتل ، لم يكن له شىء - : لم يكن للعافى : أن (6) يتّبعه ؛ ولا على القاتل : شىء (7) يؤدّيه بإحسان (8).»
«قال : وقد جاءت السنة - مع بيان القرآن - : [فى (9)] مثل معنى القرآن.». فذكر حديث أبى شريح [الكعبىّ (10)] : أن النبي (صلى اللّه عليه وسلم) قال : «من (11) قتل بعده (12) قتيلا ، فأهله بين خيرتين : إن
ص: 279
أحبّوا : قتلوه (1) ؛ وإن أحبّوا أخذوا العقل (2).».
قال الشافعي (3) : «قال اللّه عز وجل : ( وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً : فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً (4) : 17 - 33 ) ؛ وكان (5) معلوما عند أهل العلم - : ممن خوطب بهذه الآية. - أنّ ولىّ المقتول : من جعل اللّه له ميراثا منه (6).».
* * *
(وفيما أنبأني به) أبو عبد اللّه (إجازة) ، عن أبى العباس ، عن الربيع ، قال : قال الشافعي (7) : «ذكر اللّه (تعالى) ما فرض على أهل التوراة ، قال (8) : ( وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها : أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ (9) ، وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ ، وَالْأَنْفَ
ص: 280
بِالْأَنْفِ ، وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ ، وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ ، وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ : 5 - 45 ) (1).»
«قال : و (2) لم أعلم خلافا : فى أنّ القصاص فى هذه الأمة (3) ، كما حكى (4) اللّه (عز وجل) : [أنه حكم به (5)] بين أهل التوراة.»
«ولم أعلم مخالفا : فى أنّ القصاص بين الحرّين المسلمين : فى النفس ، وما دونها (6) : من الجراح التي يستطاع فيها القصاص : بلا تلف يخاف على المستفاد منه : من موضع القود (7).».
* * *
(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو ، ثنا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (8) (رحمه اللّه) : «قال اللّه تبارك وتعالى : ( وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ : أَنْ (9)
ص: 281
يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً ؛ وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً : فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ، وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ (1) : 4 - 92 ) .»
«(2) فأحكم اللّه (جل ثناؤه) - فى (3) تنزيل كتابه - : [أنّ (4)] علي قاتل المؤمن ، دية مسلّمة إلى أهله. وأبان على لسان نبيه (صلى اللّه عليه وسلم) : كم الدّية؟»
«وكان (5) نقل عدد : من أهل العلم ؛ عن عدد لا تنازع بينهم - : أنّ رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) قضى فى (6) دية المسلم : مائة من الإبل. وكان (7) هذا : أقوى من نقل الخاصّة ؛ وقد روى من طريق الخاصّة [وبه نأخذ ؛ ففى المسلم يقتل خطأ : مائة من الإبل.] (8)».
قال الشافعي (9) - فيما يلزم العراقيّين فى قولهم فى الدّية : إنها على أهل
ص: 282
الورق : عشرة آلاف درهم. - : «قد روى عن (1) عكرمة عن النبي (صلى اللّه عليه وسلم) : أنه قضى بالدّية : اثنى (2) عشر ألف درهم. وزعم عكرمة : أنه نزل فيه : ( وَما نَقَمُوا إِلَّا : أَنْ أَغْناهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ ، مِنْ فَضْلِهِ : 9 - 74 ) .» (3).
قال الشيخ : حديث عكرمة هذا : رواه ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن عكرمة : مرّة مرسلا (4) ، ومرة موصولا : بذكر ابن عباس فيه (5). ورواه (6) محمد بن مسلم الطّائفىّ ، عن عمرو ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : موصولا (7).
* * *
وبهذا الإسناد ، قال : قال الشافعي (8) : «أمر (9) اللّه (تبارك وتعالى)
ص: 283
- فى المعاهد : يقتل خطأ. - : بدية مسلّمة إلى أهله. ودلّت سنة رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) : على أن لا يقتل مؤمن بكافر ؛ مع ما فرق اللّه بين المؤمنين والكافرين (1).»
«فلم يجز : أن يحكم على قاتل الكافر ، [إلا (2)] : بدية ؛ ولا : أن ينقص (3) منها ، إلا : بخبر لازم.»
«وقضي (4) عمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفان (رضى اللّه عنهما) - فى دية اليهودىّ ، والنصرانىّ - : بثلث دية المسلم وقضى عمر (رضى اللّه عنه) - فى دية المجوسيّ - : بثمانمائة درهم (5) ؛ [وذلك :ثلثا عشر دية المسلم ؛ لأنه كان يقول : تقوّم الدّية : اثنى عشر ألف درهم (6).]»
«ولم نعلم أن (7) أحدا قال فى دياتهم : بأقلّ (8) من هذا. وقد قيل : إن
ص: 284
دياتهم أكثر من هذا. فألزمنا قاتل كلّ واحد - : من هؤلاء. - : الأقلّ مما اجتمع عليه. (1)».
وأطال الكلام فيه ، وناقضهم (2) : بالمؤمنة الحرّة ، والجنين (3) ؛ وبالعبد - : وقد تكون قيمته : عشرة دراهم. - : يجب فى قتل كل واحد منهم : تحرير رقبة مؤمنة ؛ ولم يسوّ بينهم : فى الدّية (4).
* * *
(أنا) أبو عبد اللّه الحافظ ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، قال (5) : «قال اللّه جل ثناؤه : ( وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً ) ؛ إلى قوله : ( فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ - : وَهُوَ مُؤْمِنٌ. - : فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ (6) : 4 - 92 ) .» (7)
«قال الشافعي : [قوله : (من قوم) (8) ؛] يعنى : فى قوم
ص: 285
عدوّ لكم.».
ثم ساق الكلام (1) ، إلى أن قال : «وفى التنزيل ، كفاية عن التأويل : لأن اللّه (جل ثناؤه) - : إذ حكم فى الآية الأولى (2) ، فى المؤمن يقتل خطا : بالدّية والكفارة ؛ وحكم بمثل ذلك ، فى الآية بعدها (3) : فى الذي بيننا وبينه ميثاق ؛ وقال بين هذين الحكمين : ( فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ : وَهُوَ مُؤْمِنٌ ؛ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ) ؛ ولم يذكر دية ؛ ولم تحتمل (4) الآية معنى ، إلا أن يكون قوله : (من قوم) ؛ يعنى : فى قوم عدوّ لنا ، دارهم : دار حرب مباحة (5) ؛ وكان (6) من سنة رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) : إذا (7) بلغت الناس الدعوة ، أن يغير عليهم غارّيين. - :
ص: 286
كان فى ذلك ، دليل : على أن (1) لا يبيح (2) الغارة على دار : وفيها من له - إن قتل - : عقل ، أو قود. وكان (3) هذا : حكم اللّه عز وجل.»
«قال : ولا يجوز أن يقال لرجل : من قوم عدوّ لكم ؛ إلا : فى قوم عدوّ لنا. وذلك : أنّ عامّة المهاجرين : كانوا من قريش ؛ وقريش : عامة أهل مكة ؛ وقريش : عدوّ لنا. وكذلك : كانوا من طوائف العرب والعجم ؛ وقبائلهم : أعداء للمسلمين.»
«فإن (4) دخل مسلم في دار حرب ، ثم قتله مسلم - فعليه : تحرير رقبة مؤمنة ؛ ولا عقل له إذا قتله : وهو لا يعرفه بعينه مسلما.». وأطال الكلام فى شرحه (5).
* * *
قال الشافعي فى كتاب البويطىّ (6) : «وكلّ قاتل عمد - : عفى (7) عنه ،
ص: 287
وأخذت منه الدّية. - : فعليه : الكفّارة ؛ لأن اللّه (عز وجل) : إذ جعلها فى الخطإ : الذي وضع فيه الإثم ؛ كان العمد أولى.»
«والحجة فى ذلك : كتاب (1) اللّه (عز وجل) : حيث (2) قال فى الظّهار : ( مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ ، وَزُوراً : 58 - 2 ) ؛ وجعل فيه كفارة. ومن قوله : ( وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ : مُتَعَمِّداً ؛ فَجَزاءٌ : مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ : 5 - 95 ) ؛ ثم جعل فيه الكفارة (3).».
وذكرها (أيضا) فى رواية المزنىّ (4) - دون العفو ، وأخذ الدّية (5).
ص: 288
«ما يؤثر عنه فى قتال أهل البغي ، والمرتدّ (1)»
(وفيما أنبأنى) أبو عبد اللّه (إجازة) : أن أبا العباس حدثهم : أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (2) : «قال اللّه عز وجل : ( وَإِنْ طائِفَتانِ - : مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. - اقْتَتَلُوا : فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما ؛ فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى : فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي ، حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللّهِ (3) الآية : 49 - 9 ) .»
«فذكر اللّه تعالى : [اقتتال (4)] الطائفتين ؛ والطائفتان الممتنعتان :
ص: 289
الجماعتان : كلّ واحدة تمتنع (1) ؛ وسمّاهم اللّه (عز وجل) : المؤمنين ؛ وأمر : بالإصلاح بينهم (2).»
«فحقّ على كل أحد : دعاء (3) المؤمنين - : إذا افترقوا ، وأرادوا القتال. - : أن لا يقاتلوا ، حتى يدعوا إلي الصّلح (4).»
«قال : وأمر اللّه (عز وجل) : بقتال [الفئة (5)] الباغية - : وهى مسمّاة باسم : الإيمان (6). - حتى تفىء إلى أمر اللّه (7).»
«فإذا (8) فاءت ، لم يكن لأحد قتالها : لأن اللّه (عز وجل) إنما أذن فى قتالها : فى مدة الامتناع - : بالبغي. - إلى أن تفىء.»
«والفيء : الرّجعة عن القتال : بالهزيمة ، [أ (9)] والتوبة وغيرها.
ص: 290
وأىّ حال ترك بها القتال : فقد فاء (1). والفيء - : بالرجوع (2) عن القتال. - : الرجوع عن معصية اللّه إلى طاعته ، والكفّ (3) عما حرّم اللّه (عز وجل). وقال أبو ذؤيب (4) [الهذلىّ] - يعيّر نفرا من قومه : انهزموا (5) عن رجل من أهله ، فى وقعة ، فقتل (6). - :
لا ينسأ اللّه منّا ، معشرا : شهدوا *** يوم الأميلح ، لا غابوا (7) ، ولا جرحوا
ص: 291
عقّوا (1) بسهم ، فلم يشعر بهم أحد *** ثمّ استفاءوا ، فقالوا : حبّذا الوضح.»(2)
«قال الشافعي : فأمر (3) اللّه (تبارك وتعالى) - : إن (4) فاؤا. - : أن (5) يصلح بينهم (6) بالعدل ؛ ولم يذكر تباعة : فى دم ، ولا مال. وإنما ذكر اللّه (7) (عز وجل) الصّلح آخرا (8) ، كما ذكر الإصلاح بينهم أوّلا : قبل الإذن بقتالهم.»
«فأشبه هذا (واللّه (9) أعلم) : أن تكون (10) التّباعات (11) : فى الجراح والدماء ، وما فات (12) -. من الأموال. - ساقطة بينهم (13).»
ص: 292
«وقد يحتمل قول اللّه عز وجل : ( فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ ) : أن يصلح بينهم : بالحكم - : إذا كانوا قد فعلوا ما فيه حكم. - : فيعطي بعضهم من بعض ، ما وجب له. لقول اللّه عز وجل : (بالعدل) ؛ والعدل : أخذ الحقّ لبعض الناس [من بعض (1)].». ثم اختار الأول ، وذكر حجته (2).
* * *
(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي (رحمه اللّه) ، قال (3) : «قال اللّه عز وجل : ( إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ ، قالُوا : نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللّهِ ؛ وَاللّهُ يَعْلَمُ : إِنَّكَ لَرَسُولُهُ ؛ وَاللّهُ يَشْهَدُ : إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ (4) ؛ إلى قوله : فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ : 63 - 1 - 3 ) (5).»
ص: 293
«فبيّن (1) فى كتاب اللّه (عز وجل) (2) : أن (3) اللّه أخبر عن المنافقين : أنهم (4) اتّخذوا أيمانهم جنّة ؛ يعنى (واللّه أعلم) : من القتل.»
«ثم أخبر بالوجه : الذي اتّخذوا به أيمانهم جنّة ؛ فقال : ( ذلِكَ : بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ، ثُمَّ كَفَرُوا ) : بعد الإيمان ، كفرا : إذا سئلوا عنه : أنكروه ، وأظهروا الإيمان وأقرّوا به ؛ وأظهروا التوبة منه : وهم مقيمون - فيما بينهم وبين اللّه تعالى - على الكفر.»
«وقال (5) جل ثناؤه : ( يَحْلِفُونَ بِاللّهِ ما قالُوا ؛ وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ ، وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ : 9 - 74 ) ؛ فأخبر : بكفرهم ، وجحدهم الكفر ، وكذب سرائرهم : بجحدهم.»
«وذكر كفرهم فى غير آية ، وسمّاهم : بالنفاق ؛ إذ (6) أظهروا الإيمان : وكانوا على غيره. قال (7) : ( إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ : مِنَ النَّارِ (8) ؛ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً : 4 - 145 ) .»
ص: 294
- «فأخبر اللّه (1) (عز وجل) عن المنافقين - : بالكفر ؛ وحكم فيهم - : بعلمه : من أسرار خلقه ؛ ما لا يعلمه غيره. - : بأنهم (2) فى الدّرك الأسفل : من النار ؛ وأنهم كاذبون : بأيمانهم. وحكم فيهم [جلّ ثناؤه (3)] - فى الدنيا - : أن (4) ما أظهروا : من الإيمان - : وإن كانوا [به (5)] كاذبين. - : لهم جنّة من القتل : وهم المسرّون الكفر ، المظهرون الإيمان.»
«وبيّن على لسان (6) نبيه (صلى اللّه عليه وسلم) : مثل ما أنزل (7) اللّه (عز وجل) فى كتابه.». وأطال الكلام فيه (8).
قال الشافعي (9) : «وأخبر (10) اللّه (عز وجل) عن قوم : من الأعراب ؛
ص: 295
فقال : ( قالَتِ الْأَعْرابُ : آمَنَّا ؛ قُلْ : لَمْ تُؤْمِنُوا ، وَلكِنْ قُولُوا : أَسْلَمْنا ؛ وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ : 49 - 14 ) . فأعلم : أن (1) لم يدخل الإيمان فى قلوبهم ، وأنهم أظهروه (2) ، وحقن به دماءهم.».
قال الشافعي (3) : «قال مجاهد - فى قوله : (أسلمنا). - : أسلمنا (4) : مخافة القتل والسّبى (5).»
قال الشافعي (6) : «ثم أخبر : أنه يجزيهم : إن أطاعوا اللّه ورسوله ؛ يعنى : إن أحدثوا (7) طاعة اللّه ورسوله.».
قال الشافعي (8) : «والأعراب لا يدينون دينا : يظهر ؛ بل : يظهرون الإسلام ، ويستخفون : الشّرك والتّعطيل. قال اللّه عز وجل : ( يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ ، وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ : وَهُوَ مَعَهُمْ : إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ : 4 - 106 ) (9).».
وقال (10) - في قوله تعالى : ( وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ ، أَبَداً ؛
ص: 296
وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ (1) : 9 - 84 ) . - : «[فأما أمره : أن لا يصلّى عليهم ؛] (2) : فإن صلاته - بأبى هو وأمي صلى اللّه عليه وسلم - : مخالفة صلاة غيره ؛ وأرجو : أن يكون قضى - : إذ أمره بترك الصلاة على المنافقين. - : أن لا يصلّى على أحد إلا غفر له ؛ وقضى : أن لا يغفر لمقيم (3) على شرك (4). فنهاه : عن الصلاة على من لا يغفر له.».
«قال الشافعي (5) : «ولم يمنع رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) - من الصلاة عليهم - : مسلما ؛ ولم يقتل منهم - بعد هذا - أحدا (6).».
قال الشافعي (7) - فى غير هذا الموضع - : «[وقد قيل - في قول اللّه عز وجل (8)] : ( وَاللّهُ يَشْهَدُ (9) : إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ : 63 - 1 ) . - : ما هم بمخلصين.».
ص: 297
(أنا) أبو سعيد ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (1) «قال اللّه عز وجل : ( مَنْ كَفَرَ بِاللّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ ، إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ (2) : وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ ؛ وَلكِنْ : مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً : فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ (3) 16 - 106 ) .»
«فلو (4) أنّ رجلا أسره العدوّ ، فأكره (5) على الكفر - : لم تبن منه امرأته ، ولم يحكم عليه بشىء : من حكم المرتدّ (6)»
«قد (7) أكره بعض من أسلم (8) - فى عهد النبي صلى اللّه عليه وسلم - : على الكفر ، فقاله ؛ ثم جاء إلى النبي (صلى اللّه عليه وسلم) ، فذكر له ما عذّب به : فنزلت (9) هذه الآية ؛ ولم يأمره النبي (صلى اللّه عليه وسلم) باجتناب زوجته ، ولا بشىء : مما على المرتد (10).».
(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ،
ص: 298
قال (1) : «وأبان اللّه (عز وجل) لخلقه : أنه تولّى الحكم - : فيما أثابهم ، وعاقبهم عليه. - : على ما علم : من سرائرهم : وافقت سرائرهم علانيتهم ، أو خالفتها. فإنما (2) جزاهم بالسرائر : فأحبط عمل [كل (3)] من كفر به.»
«ثم قال (تبارك وتعالى) فيمن فتن عن دينه : ( إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ : وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ ) ؛ فطرح عنهم حبوط أعمالهم ، والمأثم (4) بالكفر : إذا كانوا مكرهين ؛ وقلوبهم على الطّمأنينة (5) : بالإيمان وخلاف الكفر (6).»
«وأمر بقتال الكافرين : حتى يؤمنوا ؛ وأبان ذلك [جل وعز (7) :] حتى (8) يظهروا الإيمان. ثم أوجب للمنافقين - : إذا أسرّوا الكفر. (9) - : نار جهنم ؛ فقال : ( إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ : 4 - 145 ) .»
«وقال تعالى : ( إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ ، قالُوا : نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللّهِ ) ؛ إلى قوله تعالى : ( اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً : 63 - 1 - 2 ) ؛ يعنى (واللّه أعلم) : من القتل (10).»
ص: 299
«فمنعهم من القتل ، ولم يزل عنهم - فى الدنيا - أحكام الإيمان : بما أظهروا منه. وأوجب لهم الدّرك الأسفل : من النار ؛ بعلمه : بسرائرهم ، وخلافها : لعلانيتهم بالإيمان.»
«وأعلم (1) عباده - مع ما أقام عليهم : [من (2)] الحجّة : بأن ليس كمثله أحد فى شىء. - : أنّ علمه : بالسّرائر (3) والعلانية ؛ واحد. فقال : ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ : وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ، وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ : 50 - 16 ) ؛ وقال عز وجل : ( يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ ، وَما تُخْفِي الصُّدُورُ : 40 - 19 ) ؛ مع آيات أخر : من الكتاب.»
«قال : وعرّف (4) جميع خلقه - فى كتابه - : أن لا علم لهم (5) ، لا ما علّمهم. فقال : ( وَاللّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ : لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً : 16 - 78 ) .» ؛ وقال : ( وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ - : مِنْ عِلْمِهِ. - إِلَّا بِما شاءَ : 24 - 255 ) .»
«ثم علّمهم بما آتاهم : من العلم ؛ وأمرهم : بالاقتصار عليه ، [وأن إلا يتولّوا غيره إلا : بما علّمهم (6)] فقال (7) لنبيه صلى اللّه عليه وسلم : ( وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا : ما كُنْتَ تَدْرِي : مَا الْكِتابُ
ص: 300
وَلَا الْإِيمانُ؟ الآية (1) : 42 - 52 ) ؛ وقال تعالى (2) : ( وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ : إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً (3) * إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللّهُ : 18 - 23 - 24 ) (4) ؛ وقال عز وجل (5) : ( وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ : 17 - 36 ) .».
وذكر سائر الآيات : التي وردت فى علم الغيب (6) ؛ وأنه «حجب (7) عن نبيه (صلى اللّه عليه وسلم) علم الساعة». [ثم قال (8)] :
«فكان (9) من جاوز (10) ملائكة اللّه المقرّبين ، وأنبياءه (11) المصطفين - : من عباد اللّه. - : أقصر علما (12) ، وأولى : أن لا يتعاطوا حكما
ص: 301
على غيب أحد - : [لا (1)] بدلالة ، ولا ظنّ. - : لتقصير (2) علمهم عن علم أنبيائه : الذين فرض (3) عليهم الوقف عما ورد عليهم ، حتى يأتيهم أمره (4).». وبسط الكلام فى هذا (5).
ص: 302
«ما يؤثر عنه فى الحدود» (1)
(أنا) أبو عبد اللّه الحافظ ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، قال (2) : «قال اللّه جل ثناؤه : ( وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ : مِنْ نِسائِكُمْ ؛ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ ؛ فَإِنْ شَهِدُوا : فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ (3) ، أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً (4) * وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ : فَآذُوهُما ؛ فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا : فَأَعْرِضُوا عَنْهُما ؛ إِنَّ اللّهَ كانَ تَوَّاباً رَحِيماً : 4 - 15 - 16 ) .»
ص: 303
«قال : فكان (1) هذا أول عقوبة (2) الزانيين (3) فى الدنيا (4) ؛ ثم (5) نسخ هذا عن الزّناة كلّهم : الحرّ والعبد ، والبكر والثّيّب. فحدّ اللّه البكرين : الحرّين المسلمين ؛ فقال : ( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي (6) : فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ : 24 - 2 ) .» (7).
واحتجّ (8) : بحديث عبادة بن الصّامت - فى هذه الآية : ( حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ ، أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً ) . - قال : «كانوا يمسكوهنّ حتى نزلت آية الحدود ، فقال النبي (صلى اللّه عليه وسلم) : خذوا عنى (9) ؛
ص: 304
قد جعل اللّه لهنّ سبيلا : البكر بالبكر : جلد مائة ونفى (1) سنة ؛ والثّيّب بالثّيب : جلد مائة والرّجم.».
واحتجّ (2) - : فى إثبات الرّجم على الثّيب ، ونسخ الجلد عنه (3). - : بحديث عمر (رضى اللّه عنه) فى الرجم (4) ؛ وبحديث أبى هريرة ، وزيد ابن خالد [الجهنىّ (5)] : «أن رجلا ذكر : أن ابنه زنى بامرأة رجل ، فقال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) : لأقضينّ بينكما بكتاب اللّه. فجلد ابنه مائة ، وغرّبه عاما ؛ وأمر أنيسا : أن يغدو على امرأة الآخر ؛ «فإن اعترفت : فارجمها (6)». فاعترفت : فرجمها (7).».
ص: 305
قال الشافعي (1) : «كان ابنه بكرا ؛ وامرأة الآخر : ثيّبا. فذكر رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) - عن اللّه جلّ ثناؤه - : حدّ البكر والثّيّب فى الزنا ؛ فدلّ ذلك : على مثل ما قال [عمر (2)] : من حدّ الثّيّب فى الزنا.».
وقال فى موضع آخر (3) (بهذا الإسناد) : «فثبت (4) جلد مائة (5) والنّفى : على البكرين الزانييين ؛ والرّجم : على الثّيّبين الزانييين.»
«فإن (6) كانا ممن أريدا (7) بالجلد : فقد نسخ عنهما الجلد (8) مع الرجم.»
ص: 306
«وإن لم يكونا أريدا (1) بالجلد ، وأريد به البكران (2) - : فهما مخالفان للثّيّبين ؛ ورجم الثّيّبين - بعد آية الجلد - : [بما (3)] روى النبي (صلى اللّه عليه وسلم) عن اللّه (عز وجل). وهذا : أشبه (4) معانيه ، وأولاها به عندنا ؛ واللّه أعلم.».
* * *
(أنا) أبو عبد اللّه الحافظ ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي (رحمه اللّه) ، قال (5) : «قال اللّه (تبارك وتعالى) فى المملوكات (6) : ( فَإِذا أُحْصِنَّ ، فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ : فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ : مِنَ الْعَذابِ : 4 - 25 ) (7).»
ص: 307
«قال : والنّصف لا يكون إلا فى (1) الجلد : الذي يتبعّض. فأما الرّجم - : الذي هو (2) : قتل. - : فلا نصف له (3).».
ثم ساق الكلام ، إلى أن قال (4) : «وإحصان الأمة : إسلامها. وإنما قلنا هذا ، استدلالا : بالسنة ، وإجماع أكثر أهل العلم.»
«ولمّا قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) : «إذا زنت أمة أحدكم ، فتبيّن زناها : فليجلدها (5).» - ولم يقل (6) : محصنة كانت ، أو غير محصنة. - : استدللنا (7) : على أن قول اللّه (عزّ وجلّ) فى الإماء : ( فَإِذا
ص: 308
أُحْصِنَّ ) : إذا أسلمن - لا : إذا نكحن فأصبن بالنكاح (1) ؛ ولا : إذا أعتقن. - : و [إن (2)] لم يصبن.».
قال الشافعي (3) : «وجماع الإحصان : أن يكون دون المحصن (4) مانع من تناول المحرّم. والإسلام (5) مانع ؛ وكذلك : الحرّيّة مانعة ؛ وكذلك : الزوجيّة (6) ، والإصابة مانع ؛ وكذلك : الحبس فى البيوت مانع (7) ؛ وكلّ ما منع : أحصن. قال اللّه تعالى : ( وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ : لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ : 21 - 80 ) ؛ وقال عزّ وجل : ( لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً ، إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ : 59 - 14 ) ؛ أي (8) : ممنوعة.»
«قال الشافعي : وآخر الكلام وأوّله ، يدلّان : على أن معنى
ص: 309
الإحصان المذكور : عامّ (1) فى موضع دون غيره ؛ إذ (2) الإحصان هاهنا : الإسلام ؛ دون : النكاح ، والحرّية ، والتّحصّن (3) : بالحبس والعفاف. وهذه الأسماء : التي يجمعها اسم الإحصان (4).».
ص: 310
قال الشافعي (1) - فى قوله عز وجلّ : ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ (2) ، ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ : فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً الآية : 24 - 4 ) - : «المحصنات (3) هاهنا : البوالغ الحرائر (4) المسلمات (5).».
(أنا) أبو عبد اللّه الحافظ ، قال : وقال الحسين بن محمد - فيما أخبرت عنه ، وقرأته فى كتابه - : أنا محمد بن سفيان بن سعيد أبو بكر ، بمصر ، نا يونس بن عبد الأعلى ، قال : قال الشافعي فى قوله عزّ وجلّ : ( وَالْمُحْصَناتُ : مِنَ النِّساءِ ؛ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ : 4 - 24 ) : «ذوات الأزواج : من النساء» ؛ ( أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ : [مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ] : 4 - 24 ، مُحْصَناتٍ (6) غَيْرَ مُسافِحاتٍ : 4 - 25 ) :
ص: 311
«عفائف (1) غير خبائث» ؛ (فإذا أحصنّ) قال : «فإذا نكحن» ؛ ( فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ : 4 - 25 ) : «غير ذوات الأزواج».
* * *
(أنا) أبو عبد اللّه ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي (رحمه اللّه) ، قال (2) : «قال اللّه تبارك وتعالى : ( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما : جَزاءً بِما كَسَبا : 5 - 38 ) .»
«ودلّت سنة رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (3) : أنّ المراد بالقطع فى السّرقة : من سرق من حرز (4) ، وبلغت سرقته ربع دينار. دون غيرهما (5) : ممن لزمه اسم سرقة (6).».
ص: 312
(أنا) أبو عبد اللّه الحافظ ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، قال (1) : «قال اللّه عز وجل : ( إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ ، وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً : أَنْ يُقَتَّلُوا ، أَوْ يُصَلَّبُوا ، أَوْ (2) تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ ، أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ : 5 - 33 ) (3).»
«قال الشافعي (4) : أنا إبراهيم (5) ، عن صالح مولى التّوأمة ، عن ابن عباس - فى قطّاع الطريق - : إذا قتلوا وأخذوا المال : قتّلوا وصلّبوا ؛ وإذا قتلوا ولم يأخذوا المال : قتّلوا ولم يصلّبوا ؛ وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا : قطّعت أيديهم وأرجلهم من خلاف ؛ [وإذا هربوا : طلبوا ، حتى
ص: 313
يوجدوا ؛ فتقام عليهم الحدود (1)] ؛ وإذا أخافوا (2) السبيل ، ولم يأخذوا مالا : نفوا من الأرض (3).»
«قال الشافعي : وبهذا نقول ؛ وهو : موافق معنى كتاب اللّه (عز وجل). وذلك : أن الحدود إنما نزلت : فيمن أسلم ؛ فأما أهل الشرك : فلا حدود لهم ، إلا : القتل ، والسبي (4) ، والجزية.»
«واختلاف (5) حدودهم : باختلاف أفعالهم ؛ على ما قال ابن عباس إن شاء اللّه عز وجل.»
«قال (6) الشافعي (رحمه اللّه) : قال اللّه تعالى : ( إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ : 5 - 34 ) ؛ فمن تاب (7) قبل أن يقدر عليه : سقط
ص: 314
حدّ (1) اللّه [عنه (2)] ، وأخذ بحقوق بنى آدم (3).»
«ولا يقطع من قطّاع الطريق ، إلا : من أخذ قيمة ربع دينار فصاعدا. قياسا على السّنة : فى السارق (4).».
(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (5) : «ونفيهم : أن يطلبوا ، فينفوا من بلد إلى بلد. فإذا ظفر بهم : أقيم (6) عليهم أىّ هذه الحدود كان حدّهم (7).».
قال الشافعي (8) : «وليس لأولياء الذين قتلهم قطاع الطريق ، عفو :
ص: 315
لأن اللّه حدّهم : بالقتل ، أو : بالقتل والصّلب ، أو : القطع. ولم يذكر الأولياء ، كما ذكرهم في القصاص - فى الآيتين - فقال : ( وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً : فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً : 17 - 33 ) ؛ وقال في الخطإ : ( وَدِيَةٌ (1) مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ ؛ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا : 4 - 92 ) . وذكر القصاص فى القتلى (2) ، ثم قال : ( فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ : فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ : 2 - 178 ) ».
فذكر - فى الخطإ والعمد - أهل الدم ، ولم يذكرهم فى المحاربة. فدلّ : على أن حكم قتل (3) المحاربة ، مخالف لحكم قتل غيره. واللّه أعلم.».
(أنا) أبو عبد اللّه الحافظ ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي (4) :
ص: 316
أنا سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن عمر بن أوس ؛ قال : كان الرجل يؤخذ بذنب غيره ، حتى جاء إبراهيم (صلى اللّه عليه وسلم ، وعلى آله) : فقال اللّه عز وجل : ( وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى : 53 - 37 - 38 ) .»
«قال الشافعي (1) (رحمه اللّه) : والذي سمعت (واللّه أعلم) - فى قول اللّه عز وجل : ( أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ) . - : أن لا يؤخذ أحد بذنب غيره (2) ؛ وذلك : فى بدنه ، دون ماله. فإن (3) قتل (4) ، أو كان (5) حدا : لم يقتل به غيره (6) ، ولم يحدّ بذنبه : فيما بينه وبين اللّه (عز وجلّ). [لأن اللّه (7)] جزى العباد على أعمال (8) أنفسهم ، وعاقبهم عليها.»
ص: 317
«وكذلك أموالهم : لا يجنى أحد على أحد ، فى (1) مال ، إلا : حيث خصّ رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) : بأن جناية الخطإ - من الحر - على الآدميّين : على عاقلته (2).»
«فأما [ما (3)] سواها : فأموالهم ممنوعة من أن تؤخذ : بجناية غيرهم.»
«وعليهم - فى أموالهم - حقوق سوى هذا : من ضيافة ، وزكاة ، وغير ذلك. وليس من وجه الجناية.».
* * *
ص: 318
ص: 319
بعون اللّه سبحانه وتعالى وتوفيقه - تم طبع الجزء الأول -
من أحكام القرآن للامام الشافعى رضى اللّه عنه
ويليه الجزء الثاني وأوله: ما يؤثر عنه في السير والجهاد
ص: 320
المؤلف: أبي عبد اللّه محمد بن إدريس الشافعي
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: 0
الموضوع : الفقه
تاريخ النشر : 1400 ه.ق
الصفحات: 246
المكتبة الإسلامية
أحكام القرآن
الجزء الثاني
للإمام المعظم والمجتهد المقدم
أبي عبد اللّه محمد بن إدريس الشافعي المتوفی سنة 204 ه
جمعه الإمام الكبير الحافظظ النحرير الفقيه الأصولي أبوبكر أحمد بن الحسين ابن علي بن عبداللّه بن موسی البيهقي النيسابوري صاحب السنن الكبری المتوفی سنة 458 ه رضي اللّه عنهما
عرف الكتاب وكتب تقدمته
العلامة المحدث الكبير صاحب الفضيلة الشيخ
محمد زاهد بن الحسين الكوثري
وكيل المشيخة الإسلامية في الخلافة العثمانية سابقاً
كتب هوامشه صاحب الفضيلة الشيخ
عبد الغني عبد الخالق
المدرس بكلية الشريعة الإسلامية
روجع علی النسخة المخطوطة الوحيدة المحفوظة
بدار الكتب الملكية المصرية تحت رقم 715 مجاميع طلعت
عني بنشره، وتصحيحة، ووقف علی طبع
دار الكتب العلمية
بيروت - لبنان
المحرر رقمي : محمد مهدي ملك محمد
ص: 1
ص: 2
«ما يؤثر عنه فى السّير والجهاد (1) ، وغير ذلك»
(أنا) سعيد بن أبى عمرو ، نا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصمّ ، أنا الربيع بن سليمان ، أنا الشافعي ، [قال (2)] : «قال اللّه عزوجل : ( وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ : 51 - 56 ) .»
«قال الشافعي (رحمه اللّه) : خلق اللّه الخلق : لعبادته (3) ؛ ثم أبان (جلّ ثناؤه) : أنّ خيرته من خلقه : أنبياؤه (4) ؛ فقال تعالى : ( كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً ؛ فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ ) (5) : ( مُبَشِّرِينَ ، وَمُنْذِرِينَ : 2 - 214 ) ؛ فجعل النبيين (صلى اللّه عليهم (6) وسلم) من أصفيائه - دون عباده - : بالأمانة على وحيه ، والقيام بحجّته فيهم.»
ص: 3
«ثم ذكر من خاصّة صفوته ، فقال : ( إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً ، وَآلَ إِبْراهِيمَ ، وَآلَ عِمْرانَ ؛ عَلَى الْعالَمِينَ : 3 - 33 ) فخصّ (1) آدم ونوحا : بإعادة ذكر اصطفائهما. وذكر إبراهيم (عليه السلام) ، فقال : ( وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً : 4 - 125 ) . وذكر إسماعيل بن إبراهيم ، فقال : ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ : إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ ، وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا : 19 - 54 ) .»
«ثم أنعم اللّه (عزّ وجلّ) على آل إبراهيم ، وآل عمران فى الأمم ؛ فقال : ( إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً ، وَآلَ إِبْراهِيمَ ، وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ ؛ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) .»
«ثم اصطفى (2) محمدا (صلى اللّه عليه وسلم) من خير آل إبراهيم ؛ وأنزل كتبه - قبل إنزال (3) القرآن على محمد صلى اللّه عليه وسلم - : بصفة فضيلته (4) ، وفضيلة من اتبعه (5) ؛ فقال : ( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللّهِ ، وَالَّذِينَ
ص: 4
مَعَهُ : أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ ، رُحَماءُ بَيْنَهُمْ ؛ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً ) (1) : ( يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللّهِ وَرِضْواناً ؛ سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ. ذلِكَ : مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ ؛ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ : كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ ، فَآزَرَهُ ، فَاسْتَغْلَظَ ) (2) الآية : (48 - 29). وقال لأمته : ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ) الآية (3) : (3 - 110) ؛ ففضّلهم : بكينونتهم (4) من أمّته ، دون أمم الأنبياء قبله.»
«ثم أخبر (جلّ ثناؤه) : [أنه (5)] جعله فاتح رحمته ، عند فترة رسله ؛ فقال : ( يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا : يُبَيِّنُ لَكُمْ ، عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ ؛ أَنْ تَقُولُوا : ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ ؛ فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ : 5 - 19 ) ؛ وقال تعالى : ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ : يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ ، وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ : 62 - 2 ) . وكان فى ذلك ، ما دل : على أنه بعثه إلى خلقه - :
ص: 5
لأنهم (1) كانوا أهل كتاب (2) وأميين (3). - وأنه فتح [به] (4) رحمته.»
«وختم (5) [به (6)] نبوّته : قال (7) عز وجل : ( ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ ؛ وَلكِنْ : رَسُولَ اللّهِ ، وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ : 33 - 40 ) (8).»
«وقضى : أن أظهر دينه على الأديان ؛ فقال : ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ
ص: 6
رَسُولَهُ : بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ ؛ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ : وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) (1) : (9 - 34).».
* * *
(أنا) أبو عبد اللّه الحافظ ، وأبو سعيد بن أبى عمرو ؛ قالا : نا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (2) (رحمه اللّه) : «لما بعث اللّه نبيّه (3) (صلى اللّه عليه وسلم) : أنزل عليه فرائضه كما شاء : ( لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ ) (4) ؛ ثم : أتبع كلّ واحد منها ، فرضا بعد فرض : في حين غير حين الفرض قبله.»
«قال : ويقال (5) (واللّه أعلم) : إن أول ما أنزل اللّه عليه - : من (6) كتابه. - : ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ : 96 - 1 ) .»
ص: 7
«ثم أنزل عليه [ما (1)] لم يؤمر فيه : [بأن (2)] يدعو إليه المشركين. فمرت لذلك مدة.»
«ثم يقال : أتاه جبريل (عليه السلام) عن اللّه (عز وجل) : بأن يعلمهم نزول الوحى عليه ، ويدعوهم إلى الإيمان به. فكبر ذلك عليه ؛ وخاف : التكذيب ، وأن يتناول (3). فنزل عليه : ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ : بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ؛ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ : فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ ؛ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ : 5 - 67 ) . فقال : يعصمك (4) من قتلهم : أن يقتلوك ؛ حتى تبلّغ (5) ما أنزل إليك. فبلّغ (6) ما أمر به : فاستهزأ (7) به قوم ؛ فنزل عليه : ( فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ ، وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ : 15 - 94 - 95 ) (8)»
ص: 8
«قال : وأعلمه : من علم (1) منهم أنه لا يؤمن به ؛ فقال : ( وَقالُوا : لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ ، حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ : مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ ؛ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً ) ؛ إلى قوله : ( هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً : 17 - 90 - 93 ) .»
«قال الشافعي (رحمه اللّه) : وأنزل إليه (2) (عز وجل) - فيما يثبّته به : إذا (3) ضاق من أذاهم. - : ( وَلَقَدْ نَعْلَمُ : أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ ، وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ : 15 - 97 - 99 ) .»
«ففرض عليه : إبلاغهم ، وعبادته (4). ولم يفرض عليه قتالهم ؛ وأبان ذلك فى غير آية : من كتابه ؛ ولم يأمره : بعزلتهم ؛ وأنزل عليه : ( قُلْ : يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ * لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ : 109 - 1 - 2 ) ؛ وقوله : ( فَإِنْ تَوَلَّوْا : فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ ، وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ وَإِنْ ) (5) ( تُطِيعُوهُ : تَهْتَدُوا ؛ وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ : 24 - 54 ) ؛ وقوله : ( ما (6) عَلَى
ص: 9
الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ : 5 - 99 ) ؛ مع أشياء ذكرت فى القرآن - فى غير موضع - : فى [مثل (1)] هذا المعنى (2).»
«وأمرهم اللّه (عز وجل) : بأن لا يسبّوا أندادهم ؛ فقال : ( وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ : فَيَسُبُّوا اللّهَ عَدْواً ، بِغَيْرِ عِلْمٍ ) الآية : (6 - 108) ؛ مع ما يشبهها.»
«ثم أنزل (3) (جل ثناؤه) - بعد هذا - : فى الحال (4) الذي (5) فرض فيها عزلة المشركين ؛ فقال : ( وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا : فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ ، حَتَّى ) (6) ( يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ؛ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ : فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى ، مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ : 6 - 68 ) .»
«وأبان لمن تبعه ، ما فرض عليهم : مما [فرض عليه (7)] ؛ قال (8) : ( وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ : أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللّهِ ) (9) ( يُكْفَرُ
ص: 10
بِها ، وَيُسْتَهْزَأُ بِها : فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ ، حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ؛ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ ) الآية : (4 - 140).».
«الإذن (1) بالهجرة»
(أنا) أبو سعيد ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (2) (رحمه اللّه) : «وكان المسلمون مستضعفين بمكة ، زمانا : لم يؤذن لهم فيه بالهجرة منها ؛ ثم أذن اللّه لهم بالهجرة ، وجعل لهم مخرجا. فيقال : نزلت : (3) ( وَمَنْ يَتَّقِ اللّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً : 65 - 2 ) .»
«فأعلمهم رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) : أن قد جعل اللّه لهم [بالهجرة (4)] مخرجا ؛ قال (5) : ( وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ : يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَسَعَةً ) الآية : (4 - 100) وأمرهم : ببلاد الحبشة (6). فهاجرت إليها [منهم (7)] طائفة.»
ثم دخل أهل المدينة [فى (8)] الإسلام (9) : فأمر رسول اللّه (صلى اللّه
ص: 11
عليه وسلم) طائفة - فهاجرت إليهم - : غير محرّم على من بقي ، ترك (1) الهجرة (2).»
وذكر (3) اللّه (عز وجل) أهل الهجرة ، فقال : ( وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ : مِنَ الْمُهاجِرِينَ ، وَالْأَنْصارِ : 9 - 100 ) ؛ وقال : ( لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ : 59 - 8 ) ؛ وقال : ( وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ : أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ ، وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللّهِ : 24 - 22 ) .»
«قال : ثم أذن اللّه لرسوله (صلى اللّه عليه وسلم) : بالهجرة (4) منها (5) ؛ فهاجر رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) إلى المدينة.»
«ولم يحرّم فى هذا ، على من بقي بمكة ، المقام بها - : وهى دار شرك. - وإن قلّوا (6) : بأن يفتنوا (7). [و (8)] لم يأذن لهم بجهاد.»
ص: 12
«ثم أذن اللّه (عز وجل) لهم : بالجهاد ؛ ثم فرض - بعد هذا (1) - عليهم : أن يهاجروا من دار الشرك. وهذا موضوع (2) فى غير هذا الموضع.».
وبهذا الإسناد : قال الشافعي (3) (رحمه اللّه) : «فأذن لهم (4) بأحد الجهادين (5) : بالهجرة ؛ قبل [أن (6)] يؤذن لهم : بأن يبتدئوا مشركا بقتال»
«ثم أذن لهم : بأن يبتدئوا المشركين بقتال (7) ؛ قال اللّه عز وجل : ( أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ : بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا (8) ؛ وَإِنَّ اللّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ) (9) : (22 - 39) ؛ وأباح لهم القتال ، بمعنى : أبانه فى كتابه ؛ فقال : ( وَقاتِلُوا فِي
ص: 13
سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ ، وَلا تَعْتَدُوا : إِنَّ اللّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (1)وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ ) ؛ إلى : ( وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ : حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ ؛ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ : فَاقْتُلُوهُمْ (2) ؛ كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ : 2 - 190 - 191 ) .»
«قال الشافعي (رحمه اللّه) : يقال : نزل هذا فى أهل مكة - : وهم كانوا أشدّ العدوّ على المسلمين. - ففرض (3) عليهم فى قتالهم ، ما ذكر اللّه عز وجل»
«ثم يقال : نسخ هذا كلّه (4) ، والنهى (5) عن القتال حتى يقاتلوا ،
ص: 14
والنهى (1) عن القتال فى الشهر الحرام - بقول اللّه عز وجل ( وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ : 2 - 193 ) .»
«ونزول هذه الآية : بعد فرض الجهاد ؛ وهى موضوعة فى موضعها.»
«فرض الهجرة (2)»
وبهذا الإسناد : قال الشافعي (3) (رحمه اللّه) : «ولما فرض اللّه (عز وجل) الجهاد ، على رسوله (صلى اللّه عليه وسلم) : جهاد (4) المشركين ؛ بعد إذ كان أباحه ؛ وأثخن رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) فى أهل مكة ورأوا كثرة من دخل فى دين اللّه عز وجل - : اشتدّوا (5) على من أسلم
ص: 15
منهم ؛ ففتنوهم عن دينهم ، أو (1) : من فتنوا منهم.»
فعذر اللّه (عز وجل) من لم يقدر على الهجرة - : من المفتونين. - فقال : ( إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ : وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ : 16 - 106 ) (2) ؛ وبعث إليهم رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) : أنّ اللّه (عز وجل) جعل (3) لكم مخرجا.»
«وفرض (4) على من قدر على الهجرة ، الخروج : إذا (5) كان ممن يفتتن (6) عن دينه ، ولا يمنع (7). فقال فى (8) رجل منهم توفّى - : تخلّف عن الهجرة ، فلم يهاجر. - : ( الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ ) (9) ( الْمَلائِكَةُ : ظالِمِي
ص: 16
أَنْفُسِهِمْ ؛ قالُوا : فِيمَ كُنْتُمْ؟ قالُوا : كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ) الآية : (4 - 97). وأبان اللّه (عز وجل) عذر المستضعفين ، فقال : ( إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ : مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ (1) ؛ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً ، وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً * فَأُولئِكَ عَسَى اللّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ ) الآية : (4 - 98 - 99). قال : ويقال (2) : (عسى) من اللّه : واجبة (3).»
«ودلّت سنة رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) : على أنّ فرض الهجرة - : على من أطاقها ، - إنما هو : على من فتن عن دينه ، بالبلدة (4) التي يسلم (5) بها.»
«لأن (6) رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) أذن لقوم بمكة : أن يقيموا بها ، بعد إسلامهم - منهم (7) : العباس بن عبد المطّلب ، وغيره (8). - :
ص: 17
إذ لم يخافوا الفتنة. وكان يأمر جيوشه : أن يقولوا لمن أسلم : إن هاجرتم : فلكم ما للمهاجرين ؛ وإن أقمتم : فأنتم كأعراب المسلمين (1). وليس يخيّرهم (2) ، إلا فيما يحلّ لهم.».
«فصل فى أصل فرض الجهاد (3)»
قال الشافعي (4) (رحمه اللّه) : «ولمّا (5) مضت لرسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) مدّة : من هجرته ؛ أنعم اللّه فيها على جماعات (6) ، باتّباعه - : حدثت لهم (7) بها ، مع (8) عون اللّه (عز وجل) ، قوّة : بالعدد ؛ لم يكن (9) قبلها.»
«ففرض اللّه (عز وجل) عليهم ، الجهاد - بعد (10) إذ كان : إباحة ؛
ص: 18
لا : فرضا. - فقال تبارك وتعالى : ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ ) الآية (1) : (2 - 216) ؛ وقال (2) جل ثناؤه : ( إِنَّ اللّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ ، بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ) الآية : (9 - 111) ؛ وقال تبارك وتعالي : ( وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ (3) ، وَاعْلَمُوا : أَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ : 2 - 244 ) ؛ وقال : ( وَجاهِدُوا فِي اللّهِ حَقَّ جِهادِهِ : 22 - 78 ) ؛ وقال تعالى : ( فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا : فَضَرْبَ الرِّقابِ ؛ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ : فَشُدُّوا الْوَثاقَ : 47 - 4 ) ؛ وقال تعالى : ( ما لَكُمْ : إِذا قِيلَ لَكُمُ : انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ ؛ اثَّاقَلْتُمْ ) (4) ( إِلَى الْأَرْضِ ) ؛ إلى : ( وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ) الآية : 9 - 38 - 39) ؛ وقال تعالى : ( انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً (5) ، وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ) الآية : (9 - 41).»
«ثم ذكر قوما : تخلّفوا عن رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) - : ممن كان يظهر الإسلام. - فقال : ( لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً : لَاتَّبَعُوكَ ) الآية : 9 - 42). فأبان (6) فى هذه الآية : أنّ عليهم الجهاد فيما
ص: 19
قرب وبعد ؛ مع إبانته (1) ذلك فى [غير (2)] مكان : فى قوله : ( ذلِكَ : بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ ، وَلا نَصَبٌ ، وَلا مَخْمَصَةٌ - فِي سَبِيلِ اللّهِ ؛ إلى : أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ : 9 - 120 - 121 ) .»
«قال الشافعي (رحمه اللّه) : سنبيّن (3) من ذلك ، ما حضرنا : على وجهه (4) ؛ إن شاء اللّه عز وجل.»
«وقال (5) جل ثناؤه : ( فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللّهِ ؛ إلى : (6) لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ : 9 - 81 ) ؛ وقال : ( إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا : كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ : 61 - 4 ) ؛ وقال : ( وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ : 4 - 75 ) . مع ما ذكر به (7) فرض الجهاد ، وأوجب على المتخلّف (8) عنه.».
ص: 20
وبهذا الإسناد ، قال الشافعي (1) : «فلما (2) فرض اللّه (عز وجل). الجهاد - : دلّ (3) فى كتابه ، ثم (4) على لسان نبيّه (صلى اللّه عليه وسلم) : أن (5) ليس يفرض (6) الجهاد على مملوك ، أو أنثى : بالغ ؛ ولا حرّ : لم يبلغ.»
«لقول اللّه عز وجل : ( انْفِرُوا ) (7) ( خِفافاً وَثِقالاً ، وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ : 9 - 41 ) ؛ فكان (8) حكم (9). أن لا مال للمملوك ؛ ولم يكن مجاهد (10) إلا : وعليه (11) فى الجهاد ، مؤنة : من المال ؛ ولم يكن للمملوك مال.»
ص: 21
«وقال (1) (تعالى) لنبيه صلى اللّه عليه وسلم : ( حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ : 8 - 65 ) ؛ فدلّ : على أنه (2) أراد بذلك : الذّكور ، دون الإناث. لأن الإناث : المؤمنات. وقال تعالى : ( وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً : 9 - 122 ) ؛ وقال : ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ : 2 - 216 ) ؛ وكل هذا يدلّ : على أنه أراد [به] (3) : الذّكور ، دون الإناث (4)»
«وقال عز وجل - : إذ أمر بالاستئذان. - : ( وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ : فَلْيَسْتَأْذِنُوا ، كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ : 24 - 59 ) ؛ فأعلم : أنّ (5) فرض الاستئذان ، إنما هو : على البالغين. وقال تعالى : ( وَابْتَلُوا الْيَتامى ، حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ : فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً : فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ : 4 - 6 ) ؛ فلم يجعل لرشدهم حكما : تصير به (6) أموالهم إليهم ؛ إلا : بعد البلوغ (7). فدلّ : على أن الفرض فى العمل ، إنما هو : على البالغين (8).»
ص: 22
«ودلّت السنة ، ثم (1) ما لم أعلم فيه مخالفا - : من أهل العلم. - : على مثل ما وصفت (2).». وذكر حديث ابن عمر (3) فى ذلك (4)
* * *
وبهذا الإسناد ، قال : قال الشافعي (5) (رحمه اللّه) : «قال اللّه (جل ثناؤه) في الجهاد : ( لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ ، وَلا عَلَى الْمَرْضى ، وَلا ) (6) ( عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ - حَرَجٌ : إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ؛ ما ) (7) ( عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ؛ وَاللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) ؛ إلى : ( وَطَبَعَ اللّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ : فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ : 9 - 91 - 93 ) ؛ وقال عز وجل : ( لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ ، وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ ، وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ : 24 - 61 ) .»
ص: 23
«قال الشافعي : وقيل (1) : الأعرج : المقعد. والأغلب : أن (2) العرج فى الرّجل الواحدة.»
«وقيل : نزلت [في (3)] أن لا حرج عليهم (4) : أن لا يجاهدوا.»
«وهو : أشبه (5) ما قالوا ، وغير (6) محتملة (7) غيره. وهم : داخلون فى حدّ الضّعفاء ، وغير خارجين : من فرض الحجّ ، ولا الصلاة ، ولا الصوم ، ولا الحدود. فلا (8) يحتمل (واللّه أعلم) : أن يكون أريد بهذه الآية ، إلا : وضع الحرج : فى الجهاد ؛ دون غيره : من الفرائض.».
وقال (9) فيما بعد غزوه (10) عن المغازي - وهو : ما كان على الليلتين
ص: 24
فصاعدا. - : «إنه لا يلزم القوىّ السالم البدن كلّه : إذا لم يجد (1) مركبا وسلاحا ونفقة ؛ ويدع لمن يلزمه (2) نفقته (3) ، قوته : إلى (4) قدر ما يرى أنه يلبث فى غزوه (5). وهو (6) : ممن لا يجد ما ينفق. قال (7) اللّه عز وجل : ( وَلا عَلَى الَّذِينَ - : إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ ، قُلْتَ : لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ. - : تَوَلَّوْا : وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ ، حَزَناً : أَلَّا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ : 9 - 92 ) (8).».
* * *
(أنا) أبو سعيد ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (9)
ص: 25
(رحمه اللّه) : غزا رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) ، فغزا معه بعض من يعرف نفاقه (1) : فانخزل (2) عنه (3) يوم أحد بثلاثمائة (4).»
«ثم شهدوا (5) معه يوم الخندق : فتكلموا (6) بما حكى اللّه (عز وجل) : من قولهم : ( ما وَعَدَنَا اللّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً : 33 - 12 ) .»
«ثم غزا (7) بنى المصطلق (8) ، فشهدها معه منهم (9) ، عدد : فتكلموا بما حكى اللّه (عز وجل) : من قولهم : ( لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ : لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ : 63 - 8 ) ؛ وغير ذلك مما حكى اللّه : من نفاقهم (10)»
ص: 26
«ثم غزا (1) غزوة تبوك (2) ، فشهدها معه منهم (3) ، قوم : نفروا (4) به ليلة العقبة (5) : ليقتلوه ؛ فوقاة اللّه شرّهم. وتخلّف آخرون منهم : فيمن بحضرته. ثم أنزل اللّه (عز وجل) عليه (6) ، فى (7) غزاة تبوك ، أو منصرفه منها - ولم (8) يكن له (9) فى تبوك قتال (10) - : من أخبارهم ؛ فقال اللّه تعالى : ( وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ : لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً ؛ وَلكِنْ كَرِهَ اللّهُ انْبِعاثَهُمْ ) ؛ قرأ (11) إلى قوله : ( وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ : 9 - 46 - 50 ) (12).»
ص: 27
«فأظهر اللّه (عز وجل) لرسوله (صلى اللّه عليه وسلم) : أسرارهم ، وخبر السّمّاعين لهم ، وابتغاءهم (1) : أن يفتنوا من معه : بالكذب والإرجاف ، والتّخذيل لهم. فأخبر (2) : أنه كره انبعاثهم ، [فثبّطهم] (3) : إذ (4) كانوا على هذه النّيّة»
«فكان (5) فيها ما دلّ : على أن اللّه (عز وجل) أمر : أن يمنع من عرف بما عرفوا به ، من (6) أن يغزو (7) مع المسلمين : لأنه (8) ضرر عليهم.»
ص: 28
«ثم زاد فى تأكيد بيان ذلك ، بقوله تعالى : ( فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللّهِ ) - (صلى (1) اللّه عليه وسلم) - [قرأ] (2) إلى قوله تعالى : ( فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ : 9 - 81 - 83 ) .». وبسط الكلام فيه (3).
* * *
وبهذا الإسناد ، قال : قال الشافعي (4) (رحمه اللّه) : «قال اللّه تبارك وتعالى : ( قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ : 9 - 123 ) .»
«ففرض اللّه جهاد المشركين ، ثم أبان : من (5) الذين نبدأ بجهادهم :
ص: 29
من المشركين.؟ فأعلم (1) : أنهم الذين يلون المسلمين.»
«وكان معقولا - فى فرض (2) جهادهم - : أنّ أولاهم بأن يجاهد : أقربهم من (3) المسلمين دارا. لأنهم إذا قووا (4) على جهادهم وجهاد غيرهم : كانوا على جهاد من قرب منهم أقوى. وكان من قرب ، أولى أن يجاهد : لقربه من عورات المسلمين ؛ فإنّ (5) نكاية من قرب : أكثر من نكاية من بعد (6).».
* * *
(أنا) أبو عبد اللّه الحافظ ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، قال (7) : «فرض اللّه (تعالى) الجهاد : فى كتابه ، وعلى لسان نبيّه (صلى اللّه عليه وسلم). ثم أكّد النّفير (8) من الجهاد ، فقال : ( إِنَّ اللّهَ اشْتَرى
ص: 30
مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ ) (1) : (9 - 111) ؛ وقال : ( وَقاتِلُوا (2) الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً ، كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ) (3) : (9 - 36) ؛ وقال تعالى : ( فَاقْتُلُوا (4) الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ) الآية : (9 - 5) ؛ وقال تعالى : ( قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ) الآية : (9 - 29).».
وذكر حديث أبى هريرة ، عن النبي (صلى اللّه عليه وسلم) : «لا أزال أقاتل النّاس ، حتى يقولوا : لا إله إلا اللّه» الحديث (5).
ثم قال : [وقال (6)] اللّه تعالى : ( ما لَكُمْ : إِذا قِيلَ لَكُمُ : انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ ؛ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ.؟! أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ؟! فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ * إِلَّا تَنْفِرُوا : يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً ) الآية : (9 - 38 - 39) ؛ وقال تعالى : ( انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً ، وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ) الآية : (9 - 41).»
ص: 31
«قال الشافعي (رحمه اللّه) : فاحتملت (1) الآيات : أن يكون الجهاد كلّه ، والنّفير خاصّة منه - : [على (2)] كل مطيق (3) [له (4)] ؛ لا يسع أحدا منهم التخلّف عنه. كما كانت الصلاة (5) والحجّ والزكاة. فلم يخرج أحد (6) - : وجب عليه فرض [منها (7)]. - : أن (8) يؤدّى غيره الفرض عن نفسه ؛ لأن عمل (9) أحد فى هذا ، لا يكتب لغيره.»
«واحتملت (10) : أن يكون معنى فرضها ، غير معنى فرض الصلاة (11). وذلك (12) : أن يكون قصد بالفرض فيها (13) : قصد الكفاية ؛ فيكون من قام بالكفاية - فى جهاد من جوهد : من المشركين. - مدركا : تأدية الفرض ، ونافلة الفضل ؛ ومخرجا من تخلّف : من المأثم.».
قال الشافعي (14) : «قال (15) اللّه عز وجل : ( لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ
ص: 32
الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ ، (1) وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ ؛ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً ؛ وَكُلًّا وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنى ) (2) : (4 - 95)»
«قال الشافعي : فوعد المتخلّفين عن الجهاد : الحسنى (3) على الإيمان ؛ وأبان فضيلة المجاهدين على القاعدين. ولو كانوا آثمين بالتخلّف - : إذا غزا غيرهم. - : كانت العقوبة بالإثم (4) - إن لم يعف (5) اللّه [عنهم] (6) - أولى بهم (7) من الحسنى.»
«قال الشافعي (رحمه اللّه) : وقال (8) اللّه تعالى : ( وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ :
ص: 33
لِيَنْفِرُوا كَافَّةً (1) ؛ فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ : لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ (2) : 9 - 122).»
«فأخبر (3) اللّه (عز وجل) : أن المسلمين لم يكونوا لينفروا كافة ؛ قال (4) : ( فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا ) (5) ؛ فأخبر : أن النّفير على بعضهم دون بعض [و (6)] أن التّفقّه إنما هو على بعضهم ، دون بعض.».
قال الشافعي (7) : «وغزا (8) رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) ، وغزا (9)
ص: 34
معه من أصحابه جماعة (1) ؛ وخلّف آخرين (2) : حتى خلّف (3) علىّ بن أبى طالب (رضى اللّه عنه) فى غزوة تبوك.».
وبسط الكلام فيه ، وجعل نظير ذلك : الصلاة على الجنازة ، والدّفن : وردّ السلام (4).
* * *
====
5.
ص: 35
(أنا) أبو عبد اللّه الحافظ ، وأبو سعيد بن أبى عمرو ؛ قالا : نا أبو العباس (هو : الأصمّ) ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، قال (1) : «قال اللّه عز وجل : ( يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ ؛ قُلِ : الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ ) ؛ [إلى (2)] : ( إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ : 8 - 1 ) ؛ فكانت غنائم بدر ، لرسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) : يضعها حيث شاء. (3)»
«وإنما نزلت : ( وَاعْلَمُوا : أَنَّما غَنِمْتُمْ : مِنْ شَيْءٍ ؛ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ ، وَلِذِي الْقُرْبى : 8 - 41 ) ؛ بعد (4) بدر.»
«وقسم (5) رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) كلّ غنيمة (6) بعد بدر -
ص: 36
على ما وصفت لك : يرفع (1) خمسها ، ثم يقسم أربعة أخماسها : وافرا (2) ؛ على من حضر الحرب : من المسلمين (3).»
«إلا : السّلب ؛ فإنه سنّ (4) : للقاتل [فى الإقبال (5)]. فكان (6) السلب خارجا منه.»
«وإلا : الصّفىّ (7) ؛ فإنه قد اختلف فيه : فقيل : كان (8) رسول اللّه
ص: 37
(صلى اللّه عليه وسلم) يأخذه : خارجا من الغنيمة. وقيل : كان يأخذه : من سهمه من الخمس.»
«وإلا : البالغين (1) من السّبى ؛ فإن رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) سنّ فيهم سننا : فقتل بعضهم ، وفادى ببعضهم (2) أسري المسلمين (3)».
«قال الشافعي (4) : «فأمّا (5) وقعة عبد اللّه بن جحش ، وابن الحضرمي - : فذلك : قبل بدر ، وقبل (6) نزول الآية (يعنى (7) فى الغنيمة). وكانت وقعتهم : فى آخر يوم من الشهر الحرام ؛ فتوقّفوا (8) فيما صنعوا : [حتى
ص: 38
نزلت (1)] : ( يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ : قِتالٍ فِيهِ (2)؛ قُلْ : قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ) الآية : (2 - 217).».
* * *
(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي (3) : «أنا سفيان (4) ، عن عمرو بن دينار ، عن ابن عباس ، قال (5) : لما نزلت هذه (6) الآية : ( إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ : يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ : 8 - 65 ) ؛ فكتب (7) عليهم : أن لا يفرّ العشرون من المائتين ؛
ص: 39
فأنزل اللّه عز وجل : ( الْآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً ؛ فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ : يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ : 8 - 66 ) ؛ فخفّف (1) عنهم ، وكتب : أن لا يفرّ مائة من مائتين.»
«قال الشافعي : هذا (2) : كما قال ابن عباس إن شاء اللّه ؛ مستغنى (3) فيه : بالتنزيل ، عن التأويل. لمّا (4) كتب اللّه : أن (5) لا يفرّ العشرون من المائتين ؛ فكان هكذا (6) : الواحد من العشرة (7). ثم خفّف اللّه عنهم : فصيّر الأمر : إلى أن لا يفرّ (8) المائة من المائتين. وذلك (9). أن لا يفرّ الرجل من الرجلين (10)».
ص: 40
وروى الشافعي بإسناد آخر (1) عن ابن عباس ، قال : «من فرّ من ثلاثة : فلم يفرّ ؛ ومن فرّ من اثنين : فقد فرّ (2).»
قال الشافعي (3) : «قال اللّه تعالى : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا : إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً : فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ * وَمَنْ (4) يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ ، أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ - : فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللّهِ : 8 - 15 - 16 ) .».
قال الشافعي (5) (رحمه اللّه) : «فإذا فرّ الواحد من اثنين فأقلّ (6) : متحرّفا لقتال (7) يمينا ، وشمالا ، ومدبرا : ونيّته العودة للقتال ؛ أو :
ص: 41
متحيّزا (1) إلى فئة : [من المسلمين] (2) : قلّت أو كثرت ، كانت بحضرته أو مبينة (3) عنه - : فسواء (4) ؛ إنما يصير الأمر فى ذلك إلى نيّة المتحرف (5) ، أو المتحيز (6) : فإن [كان (7)] اللّه (عز وجل) يعلم : أنه إنما تحرّف : ليعود للقتال ، أو (8) تحيّز لذلك - : فهو الذي استثنى اللّه (عز وجل) : فأخرجه من سخطه فى (9) التّحرّف والتّحيّز.»
«وإن كان لغير (10) هذا المعنى : فقد (11) خفت عليه أن يكون قد باء بسخط من اللّه ؛ إلا أن يعفو اللّه [عنه (12)].».
ص: 42
قال (1) : «وإن كان المشركون أكثر من ضعفهم : لم أحبّ (2) لهم : أن يولّوا عنهم ؛ ولا يستوجبون السّخط عندى ، من اللّه (عز وجل) : لو ولّوا عنهم على (3) غير التّحرّف (4) للقتال ، أو التحيز (5) إلى فئة. لأنا بيّنا (6) : أنّ اللّه (جل ثناؤه) إنما يوجب سخطه على من ترك فرضه ؛ و: أنّ فرض اللّه فى الجهاد ، إنما هو : على أن يجاهد المسلمون ضعفهم من العدوّ.» (7)
* * *
(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ،
ص: 43
قال (1) : «قال اللّه (عز وجل) فى بنى النّضير - حين حاربهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - : ( هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا : مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ ؛ مِنْ دِيارِهِمْ ، لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ) ؛ إلى (2) : ( يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ : 59 - 2 ) .»
«فوصف إخرابهم منازلهم بأيديهم ، وإخراب المؤمنين بيوتهم. ووصفه إياه [جل ثناؤه] : كالرضا (3) به.»
«وأمر رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) : بقطع نخل من ألوان نخلهم ؛ فأنزل اللّه (تبارك وتعالى) - : رضا بما صنعوا (4). - : ( ما قَطَعْتُمْ : مِنْ لِينَةٍ ؛ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها - : فَبِإِذْنِ اللّهِ ، وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ : 59 - 5 ) (5) ؛ فرضى القطع ، وأباح الترك.»
«والقطع (6) والترك : موجودان (7) فى الكتاب والسنة ؛ وذلك :
ص: 44
أن رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) قطع نخل بنى النّضير وترك ، وقطع نخل غيرهم وترك ؛ وممّن غزا : من لم يقطع نخله (1).».
* * *
(أنا) أبو عبد اللّه الحافظ ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (2) - فى الحربيّ : إذا أسلم : وكان قد نال مسلما ، أو معاهدا ، [أو مستأمنا (3)] : بقتل ، أو جرح ، أو مال. - : «لم يضمن (4) منه شيئا ؛ إلا : أن يوجد عنده مال رجل بعينه (5)»
واحتجّ : بقول اللّه عز وجل : ( قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا : إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ : 8 - 38 ) ؛ (6) قال الشافعي : «وما (7) سلف : ما (8) تقضّى (9)
ص: 45
وذهب. وقال : ( اتَّقُوا اللّهَ ، وَذَرُوا ما بَقِيَ : مِنَ الرِّبا : 2 - 278 ) ؛ ولم يأمرهم : بردّ ما مضى : [منه (1)].». وبسط الكلام فيه.
قال الشافعي فى موضع آخر (2) (بهذا الإسناد) - فى هذه الآية - : «ووضع رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) - بحكم اللّه - : كلّ ربا : أدركه الإسلام ، ولم يقبض. ولم يأمر أحدا - : قبض ربا فى الجاهليّة. - : أن يردّه.».
* * *
(أنا) أبو زكريا بن أبى إسحاق (فى آخرين) ؛ قالوا : أخبرنا أبو العباس الأصمّ ، أنا الربيع بن سليمان ، أنا الشافعي (3) : «أنا سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن الحسن بن محمد ، عن (4) عبيد اللّه بن أبى رافع ، قال :
ص: 46
سمعت عليّا (رضى اللّه عنه) ، يقول : بعثنا رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) - : أنا والزّبير (1) والمقداد. - فقال : انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ (2) ؛ فإن بها ظعينة (3) : معها كتاب. فخرجنا : تعادى بنا خيلنا ؛ فإذا نحن : بظعينة (4). فقلنا (5) : أخرجى الكتاب. فقالت : ما معى كتاب. فقلنا لها (6) : لتخرجنّ الكتاب ، أو لنلقينّ (7) الثّياب. فأخرجته من عقاصها (8) ؛ فأتينا به رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) ، فإذا فيه : من حاطب ابن أبى بلتعة ، إلى أناس (9) : من المشركين بمكة (10) ؛ يخبر : ببعض أمر
ص: 47
رسول (1) اللّه (صلى اللّه عليه وسلم). فقال (2) : ما هذا يا حاطب؟. فقال (3) : لا تعجل على (4) ؛ إنى كنت امرأ : ملصقا (5) فى قريش ؛ ولم أكن من أنفسها ؛ وكان [من] (6) معك - : من المهاجرين. - : لهم قرابات يحمون بها قرباتهم ؛ ولم يكن لى بمكة قرابة : فأحببت - : إذ فاتنى ذلك. - : أن اتّخذ عندهم يدا ؛ واللّه : ما فعلته : شكّا فى دينى ؛ ولا : رضا (7) بالكفر بعد الإسلام. فقال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) : إنه قد صدق. فقال عمر : يا رسول اللّه ؛ دعنى : أضرب عنق هذا المنافق (8). فقال النبي (صلى اللّه عليه وسلم) : إنه قد شهد بدرا ؛ وما يدريك : لعلّ اللّه (9) اطّلع على أهل بدر ، فقال : اعملوا ما شئتم ؛ فقد غفرت لكم (10). ونزلت (11) : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا : لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ ) (12) : ( تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ : 60 - 41 ) ».
ص: 48
(أنا) أبو سعيد ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي : «فى هذا الحديث (1) : طرح الحكم باستعمال الظّنون. لأنه لمّا كان الكتاب يحتمل : أن يكون ما قال حاطب ، كما قال - : من أنه لم يفعله : شكّا (2) فى الإسلام ؛ وأنه فعله : ليمنع أهله - ويحتمل : أن يكون زلّة ؛ لا : رغبة عن الإسلام. واحتمل : المعنى الأقبح - : كان القول قوله ، فيما احتمل فعله.». وبسط الكلام فيه (3)
* * *
(أنا) أبو سعيد محمد بن موسى ، نا أبو العباس الأصمّ ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (4) (رحمه اللّه) : «قال اللّه جل ثناؤه : ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ : بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ ؛ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ، وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ : 9 - 33 ) . (5)»
«قال الشافعي : فقد أظهر اللّه (جل ثناؤه) دينه (6) - : الذي بعث
ص: 49
[به (1)] رسوله صلى اللّه عليه وسلم. - على الأديان : بأن أبان لكل من سمعه (2) : أنه الحقّ ؛ وما خالفه - : من الأديان. - : باطل (3).»
«وأظهره : بأنّ جماع الشّرك دينان : دين أهل الكتاب ، ودين الأمّيّين (4). فقهر رسول اللّه (5) (صلى اللّه عليه وسلم) الأمّيّين : حتى دانوا بالإسلام طوعا وكرها ؛ وقتل من أهل الكتاب ، وسبى : حتى دان بعضهم بالإسلام ، وأعطى بعض الجزية : صاغرين ؛ وجرى عليهم حكمه (صلى اللّه عليه وسلم). وهذا (6) : ظهور الدّين كلّه.»
«قال الشافعي : وقد (7) يقال : ليظهرنّ اللّه دينه ، على الأديان : حتى لا يدان اللّه (8) إلا به. وذلك : متى شاء اللّه عز وجل. (9)»
* * *
(أنا) أبو عبد اللّه الحافظ ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، قال (10) : «قال اللّه عز وجل : ( فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ : فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ) (11) : (9 - 5) ؛
ص: 50
وقال جل ثناؤه : ( وَقاتِلُوهُمْ : حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ (1) وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ : 8 - 39 ) .».
قال فى موضع آخر (2) : «فقيل [فيه (3)] : (فتنة) : شرك ؛ (ويكون الدّين كلّه) : واحدا (لله).».
وذكر (4) حديث أبى هريرة ، عن النبي (صلى اللّه عليه وسلم) : «لا أزال أقاتل الناس ، حتى يقولوا : لا إله إلا اللّه. (5)».
قال الشافعي (6) : «وقال اللّه تعالى : ( قاتِلُوا الَّذِينَ : لا يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ، وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ ، وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ - : مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ. - حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ : وَهُمْ صاغِرُونَ : 9 - 29 ) (7).».
وذكر حديث بريدة عن النبي (صلى اللّه عليه وسلم) : فى الدّعاء إلى
ص: 51
الإسلام (1) ؛ وقوله : «فإن [لم (2)] يجيبوا إلى الإسلام : فادعهم إلى أن يعطوا الجزية ؛ فإن فعلوا : فاقبل منهم ودعهم ؛ [وإن أبوا : فاستعن باللّه وقاتلهم] (3).».
ثم قال : «وليست واحدة - : من الآيتين (4). - : ناسخة للأخرى ؛ ولا واحد - : من الحديثين. - : ناسخا للآخر ، ولا مخالفا له. ولكن إحدى (5) الآيتين والحديثين : من الكلام الذي مخرجه عامّ : يراد به الخاصّ ؛ ومن الجمل (6) التي يدلّ عليها المفسّر.»
«فأمر اللّه (تعالى) : بقتال المشركين حتى يؤمنوا ؛ (واللّه أعلم) : أمره بقتال المشركين : من أهل الأوثان (7). وكذلك حديث أبى هريرة :
ص: 52
[فى المشركين من أهل الأوثان] (1) ؛ دون أهل الكتاب. وفرض اللّه : قتال أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون - : إن لم يؤمنوا. وكذلك حديث بريدة (2) : [فى أهل الأوثان خاصّة] (3)»
«فالفرض فيمن (4) دان وآباؤه دين أهل الأوثان - : من المشركين. - : أن يقاتلوا : إذ قدر عليهم ؛ حتى يسلموا. ولا يحلّ : أن يقبل (5) منهم جزية ؛ [بكتاب اللّه ، وسنة نبيّه] (6).»
والفرض فى أهل الكتاب ، ومن دان قبل نزول القرآن [كلّه (7)] دينهم - : أن يقاتلوا حتى يعطوا الجزية (8) ، أو يسلموا. وسواء كانوا عربا (9) ، أو عجما.».
ص: 53
قال الشافعي (1) : «ولله (عز وجل) كتب : نزلت قبل نزول القرآن ؛ [المعروف (2)] منها - عند العامّة - : التّوراة والإنجيل. وقد أخبر اللّه (عز وجل) : أنه أنزل غيرهما (3) ؛ فقال : ( أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ : بِما فِي صُحُفِ مُوسى * وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى : 53 - 36 - 37 ) . وليس يعرف (4) تلاوة كتاب إبراهيم. وذكر (5) زبور داود (6) ؛ فقال (7) : ( وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ : 26 - 196 ) .»
«قال : والمجوس : أهل كتاب : غير التّوراة والإنجيل ؛ وقد نسوا كتابهم وبدّلوه (8). وأذن رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) : فى أخذ الجزية منهم (9).».
ص: 54
قال الشافعي (1) : «ودان قوم - : من العرب. - دين أهل الكتاب ، قبل نزول القرآن : فأخذ رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) من بعضهم ، الجزية» ؛ وسمّى منهم - [فى موضع (2)] آخر (3) - : «أكيدر دومة (4) ؛ وهو رجل يقال : من غسّان أو كندة (5).».
* * *
(أنا) أبو سعيد ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، قال (6) :
ص: 55
«حكم اللّه (عز وجل) فى المشركين ، حكمين (1). فحكم : أن يقاتل أهل الأوثان : حتى يسلموا ؛ وأهل الكتاب : حتى (2) يعطوا الجزية : إن (3) لم يسلموا.»
«وأحلّ اللّه نساء أهل الكتاب ، وطعامهم (4). فقيل : طعامهم : ذبائحهم (5)»
«فاحتمل : كلّ أهل الكتاب ، وكلّ من دان دينهم.»
«واحتمل (6) : أن يكون أراد (7) بعضهم ، دون بعض.»
«وكانت (8) دلالة ما يروى عن النبىّ (صلى اللّه عليه وسلم) ، ثم [ما (9)] لا أعلم فيه مخالفا - : أنه أراد : أهل التّوراة والإنجيل - : من بنى إسرائيل. - دون المجوس.»
ص: 56
«وبسط الكلام فيه (1) ، وفرق بين بنى إسرائيل ؛ ومن دان دينهم قبل الإسلام - : من غير بنى إسرائيل. - : بما «ذكر اللّه (عز وجل) - : من نعمته على بنى إسرائيل. - فى غير موضع من كتابه ؛ وما آتاهم دون غيرهم من أهل دهرهم.»
«فمن (2) دان دينهم - : من غيرهم. - قبل نزول (3) القرآن : لم (4) يكونوا أهل كتاب ؛ إلا (5) : لمعنى ؛ لا : أهل كتاب مطلق.»
«فتؤخذ منهم الجزية ، ولا تنكح نساؤهم ، ولا تؤكل ذبائحهم : كالمجوس (6). لأن اللّه (عز وجل) إنما أحلّ لنا ذلك : من أهل الكتاب
ص: 57
الذين عليهم نزل.». وذكر الرّواية فيه ، عن عمر وعلىّ رضى اللّه عنهما (1).
قال الشافعي (2) : «والذي (3) عن ابن عباس : فى إحلال ذبائحهم ؛ وأنه تلا (4) : ( وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ : فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ) (5) : (5 - 51) - : فهو لو ثبت عن ابن عباس (6) : كان المذهب إلى قول عمر وعلىّ (رضى اللّه عنهما) : أولى ؛ ومعه المعقول ، فأما : ( مَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ) ؛ فمعناها : على غير حكمهم.».
قال الشافعي (7) : «وإن (8) كان الصّابئون والسّامرة (9) : من
ص: 58
بنى إسرائيل ، ودانوا دين اليهود والنصارى (1) - : نكحت (2) نساؤهم ، وأكلت ذبائحهم : وإن خالفوهم فى فرع من دينهم. لأنهم [فروع (3)] قد يختلفون بينهم»
«وإن خالفوهم فى أصل الدّينونة (4) : لم تؤكل ذبائحهم ، ولم تنكح نساؤهم. (5)».
* * *
(أنا) أبو سعيد ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (6) : «قال اللّه تبارك وتعالى : ( حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ : وَهُمْ صاغِرُونَ : 9 - 29 ) ؛ فلم يأذن اللّه (عز وجل) : فى أن تؤخذ الجزية ممّن أمر (7) بأخذها منه ، حتى يعطيها عن يد : صاغرا.»
ص: 59
«قال : وسمعت رجالا (1) - : من أهل العلم. - يقولون : الصّغار : أن يجرى عليهم حكم الإسلام (2). وما أشبه ما قالوا ، بما قالوا - : لامتناعهم من الإسلام ؛ فإذا جرى عليهم حكمه : فقد أصغروا بما يجرى عليهم منه (3).».
قال الشافعي (4) : «وكان (5) بيّنا فى الآية (واللّه أعلم) : أن الذين (6) فرض قتالهم حتى يعطوا الجزية - : الذين قامت عليهم الحجّة بالبلوغ : فتركوا دين اللّه (عز وجل) ، وأقاموا على ما وجدوا عليه آباءهم : من أهل الكتاب.»
«وكان بيّنا : أنّ (7) اللّه (عز وجل) أمر بقتالهم عليها : الذين فيهم القتال ؛ وهم : الرجال البالغون (8). ثم أبان رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) مثل معنى كتاب اللّه (عز وجل) : فأخذ الجزية من المحتملين (9) ، دون
ص: 60
من دونهم ، ودون النساء.». وبسط الكلام فيه (1).
* * *
وبهذا الإسناد ، قال الشافعي (2) : «قال اللّه تبارك وتعالى : ( إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ : فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ ، بَعْدَ عامِهِمْ هذا ) (3) الآية : (9 - 28) ؛ فسمعت بعض أهل العلم ، يقول : المسجد الحرام : الحرم (4) وسمعت عددا - : من أهل المغازي (5). - يروون (6) : أنه كان فى رسالة النبي (7) (صلى اللّه عليه وسلم) : لا يجتمع مسلم ومشرك ، فى الحرم ، بعد عامهم هذا. (8)»
ص: 61
وبهذا الإسناد ، قال الشافعي (1) : «فرض اللّه (عز وجل) : قتال غير أهل الكتاب حتى يسلموا ، وأهل الكتاب حتى يعطوا الجزية وقال : ( لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها : 2 - 286 ) . فبذا (2) فرض على المسلمين ما أطاقوه ؛ فإذا عجزوا عنه : فإنما كلّفوا منه ما أطاقوه ؛ فلا بأس : أن يكفّوا عن قتال الفريقين : من المشركين ؛ وأن يهادنوهم.».
ثم ساق الكلام (3) ، إلى أن قال : «فهادنهم رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (4) (يعنى (5) : أهل مكة ، بالحديبية (6).) فكانت (7) الهدنة بينه وبينهم عشر سنين ؛ ونزل عليه - فى سفره - فى أمرهم : ( إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً (8) * لِيَغْفِرَ لَكَ اللّهُ : 48 - 1 - 2 ) . قال الشافعي : قال
ص: 62
ابن شهاب : فما كان فى الإسلام فتح أعظم منه.». وذكر (1) : دخول الناس فى الإسلام : حين أمنوا (2).
وذكر الشافعي (3) - فى مهادنة من يقوى (4) على قتاله - : أنه «ليس له مهادنتهم على النّظر : على غير جزية (5) ؛ أكثر من أربعة أشهر. لقوله عز وجل : ( بَراءَةٌ مِنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ ، إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * فَسِيحُوا(6) فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ) الآية وما بعدها : (9 - 1 - 4).».
قال الشافعي (7) : «لمّا قوى أهل الإسلام : أنزل اللّه (تعالى) على النبي (8) (صلى اللّه عليه وسلم) مرجعه من تبوك : ( بَراءَةٌ مِنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ ) .».
ثم ساق الكلام (9) ، إلى أن قال : «فقيل : كان الذين عاهدوا النبىّ
ص: 63
(صلى اللّه عليه وسلم) : قوما موادعين ، إلى غير مدّة معلومة. فجعلها اللّه (عز وجل) : أربعة أشهر ؛ ثم جعلها رسول (1) اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) كذلك. وأمر اللّه نبيّه (صلى اللّه عليه وسلم) فى قوم - : عاهدهم إلى مدة ، قبل نزول الآية. - : أن يتمّ إليهم عهدهم ، إلى مدّتهم : ما (2) استقاموا له ؛ ومن خاف منه خيانة - : منهم (3) - نبذ إليه. فلم يجز : أن يستأنف مدّة ، بعد نزول الآية - : وبالمسلمين قوّة. - إلى أكثر من أربعة أشهر.»
* * *
وبهذا الإسناد ، قال الشافعي (4) : «من (5) جاء - : من المشركين. - : يريد الإسلام ؛ فحقّ على الإمام : أن يؤمّنه : حتى يتلو عليه كتاب اللّه (عز وجل) ، ويدعوه إلى الإسلام : بالمعنى الذي يرجو : أن يدخل اللّه به عليه الإسلام. لقول اللّه (عز وجل) لنبيه صلى اللّه عليه وسلم : ( وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ؛ اسْتَجارَكَ. فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللّهِ (6) ؛ ثُمَّ أَبْلِغْهُ
ص: 64
مَأْمَنَهُ : 9 - 6 ) (1). وإبلاغه مأمنه : أن يمنعه من المسلمين والمعاهدين : ما كان فى بلاد الإسلام ، أو حيث ما (2) يتّصل ببلاد الإسلام.»
«قال : وقوله (3) عز وجل : ( ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ) ؛ [يعنى (4)] - واللّه أعلم - : منك ، أو ممّن يقتله (5) : على دينك ؛ [أو (6)] ممّن يطيعك. لا : أمانه (7) [من (8)] غيرك : من عدوّك وعدوّه : الذي لا يأمنه ، ولا يطيعك (9).».
* * *
(أنا) أبو سعيد ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، قال (10) : «جماع الوفاء بالنّذر ، والعهد (11) - : كان بيمين ، أو غيرها. - فى قول (12) اللّه تبارك وتعالى : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا : أَوْفُوا بِالْعُقُودِ : 5 - 1) ؛ وفى قوله تعالى : ( يُوفُونَ بِالنَّذْرِ ، وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً : 76 - 7).»
ص: 65
«وقد ذكر اللّه (عز وجل) الوفاء بالعقود : بالأيمان ؛ فى غير اية : من كتابه ؛ [منها (1)] : قوله عز وجل : ( وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللّهِ : إِذا عاهَدْتُمْ ) ؛ ثم (2) : ( وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها ) ؛ إلى (3) قوله : ( تَتَّخِذُونَ (4) أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ ) الآية : (16 - 91 - 92) ؛ وقال (5) عز وجل : ( يُوفُونَ بِعَهْدِ اللّهِ ، وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ : 13 - 20 ) (6) ؛ مع ما ذكر به الوفاء بالعهد.»
«قال الشافعي : هذا (7) من سعة لسان العرب الذي خوطبت به ؛ فظاهره (8) عامّ على كل عقد. ويشبه (واللّه أعلم) : أن يكون اللّه (9) (تبارك وتعالى) أراد : [أن (10)] يوفوا بكل عقد - : كان (11) بيمين ، أو غير يمين. - وكلّ عقد نذر : إذا كان فى العقدين (12) لله طاعة ، أو لم (13) يكن له - فيما أمر بالوفاء منها - معصية (14).».
ص: 66
واحتجّ : «بأنّ رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) صالح قريشا بالحديبية : على أن يردّ من جاء منهم ؛ فأنزل اللّه (تبارك وتعالى) فى امرأة جاءته منهم : مسلمة ؛ (سمّاها (1) فى موضع آخر (2) : أمّ كلثوم بنت عقبة بن أبى معيط.) : ( إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ (3) ؛ إلى : فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ ) الآية : إلى قوله : ( وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا : 60 - 10). ففرض اللّه (عز وجل) عليهم : أن لا يردّوا (4) النساء ؛ وقد أعطوهم : ردّ من جاء منهم ؛ وهنّ منهم فحبسهنّ رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) : بأمر اللّه عز وجل (5).».
قال (6) : «عاهد (7) رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) قوما : من المشركين ؛ فأنزل اللّه (عز وجل) عليه : ( بَراءَةٌ مِنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ ، إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ : 9 - 10) (8).».
قال الشافعي (9) - فى صلح أهل الحديبية ، ومن صالح : من
ص: 67
المشركين. - : «كان صلحه لهم طاعة لله (1) ؛ إمّا : عن أمر اللّه : بما صنع ؛ نصّا ؛ وإما أن يكون اللّه (عز وجل) جعل [له : أن يعقد لمن رأى : بما رأى ؛ ثم أنزل قضاءه عليه : فصاروا إلى قضاء اللّه جل ثناؤه (2)] ؛ ونسخ [رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم (3)] فعله ، بفعله : بأمر اللّه. وكلّ كان : طاعة (4) لله ؛ فى وقته.». وبسط الكلام فيه (5).
* * *
وبهذا الإسناد ، قال الشافعي (6) (رحمه اللّه) : «وكان بيّنا فى الآية : منع المؤمنات المهاجرات ، من أن يرددن إلى دار الكفر ؛ وقطع العصمة - : بالإسلام. - بينهنّ ، وبين أزواجهنّ. ودلّت السنة : على أنّ قطع العصمة : إذا انقضت عددهنّ ، ولم يسلم أزواجهنّ : من المشركين (7).»
«وكان بيّنا فى (8) الآية : أن يردّ على الأزواج نفقاتهم ؛ ومعقول فيها : أنّ نفقاتهم (9) التي تردّ : نفقات اللّاتى (10) ملكوا عقدهنّ ؛ وهى : المهور ؛ إذا كانوا قد أعطوهنّ إيّاها.»
ص: 68
«وبيّن : أنّ الأزواج : الذين يعطون النفقات - : لأنهم الممنوعون من نسائهم. - وأنّ نساءهم : المأذون للمسلمين أن (1) ينكحوهنّ : إذا آتوهنّ أجورهنّ. لأنه لا إشكال عليهم : فى أن ينكحوا غير ذوات الأزواج ؛ إنما كان الإشكال : فى نكاح ذوات الأزواج ؛ حتى قطع اللّه عصمة الأزواج : بإسلام النساء ؛ وبيّن رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) : أن ذلك : بمضىّ (2) العدّة قبل إسلام الأزواج.»
«فلا يؤدّى أحد (3) نفقة في (4) امرأة فاتت ، إلا ذوات (5) الأزواج (6).»
«قال الشافعي : قال (7) اللّه (عز وجل) للمسلمين : ( وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ 60 - 10 ) . فأبانهنّ من المسلمين ؛ وأبان رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) : أنّ ذلك : بمضىّ العدّة. وكان (8) الحكم فى إسلام الزوج ،
ص: 69
الحكم فى إسلام المرأة : لا يختلفان (1).»
«وقال (2) اللّه تعالى ؛ ( وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ ، وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا : 60 - 10 ) . يعنى (واللّه أعلم) : أنّ أزواج المشركات : من المؤمنين ؛ إذا منعهنّ (3) المشركون إتيان أزواجهنّ (4) - : بالإسلام (5). - : أدّوا (6) ما دفع إليهنّ الأزواج : من المهور ؛ كما يؤدّى المسلمون ما دفع أزواج المسلمات : من المهور. وجعله اللّه (7) (عز وجل) حكما بينهم.»
«ثم حكم [لهم (8)] - فى مثل ذلك المعنى - حكما ثانيا (9) ؛ فقال : ( وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ : مِنْ أَزْواجِكُمْ ؛ إِلَى الْكُفَّارِ ، فَعاقَبْتُمْ ) ؛ كأنه (10) (واللّه أعلم) يريد (11) : فلم تعفوا عنهم إذا (12) لم يعفوا عنكم مهور
ص: 70
نسائكم ؛ ( فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ ، مِثْلَ ما أَنْفَقُوا : 60 - 11 ) . كانه يعنى : من مهورهم ؛ إذا فاتت امرأة مشرك (1) : أتتنا (2) مسلمة ؛ قد أعطاها مائة فى مهرها ؛ وفاتت امرأة (3) مشركة إلى الكفار ، قد أعطاها (4) مائة - : حسبت مائة المسلم ، بمائة المشرك. فقيل : تلك : العقوبة.»
«قال : ويكتب بذلك ، إلى أصحاب عهود المشركين : [حتى (5)] يعطى المشرك (6) ما قصصناه (7) - : من مهر امرأته. - للمسلم الذي فاتت امرأته إليهم : ليس (8) له غير ذلك.».
ثم بسط الكلام فى التفريع : على (9) [هذا] القول ؛ فى موضع دخول النساء فى صلح النبىّ (صلى اللّه عليه وسلم) بالحديبية (10).
وقال فى موضع آخر (11) : «وإنما ذهبت : إلى أن النساء كنّ فى صلح
ص: 71
الحديبية ؛ بأنه لو لم يدخل ردّهنّ فى الصّلح : لم (1) يعط أزواجهنّ فيهنّ عوضا ؛ واللّه أعلم (2).».
* * *
(أنا) أبو عبد اللّه الحافظ ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (3) : «قال اللّه عز وجل : ( وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً : فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ ؛ إِنَّ اللّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ : 8 - 58 ) . نزلت فى أهل هدنة (4) : بلغ النبىّ (صلى اللّه عليه وسلم) عنهم ، شىء : استدلّ به على خيانتهم.»
«فإذا جاءت دلالة (5) : على أنه لم يوف أهل الهدنة (6) ، بجميع ما عاهدهم (7) عليه - : فله أن ينبذ إليهم. ومن قلت : له أن ينبذ إليه ؛ فعليه : أن يلحقه بمأمنه ؛ ثم له : أن يحاربه ؛ كما يحارب من لا هدنة له (8).».
ص: 72
(أنا) أبو سعيد ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، قال (1) : «قال اللّه (تبارك وتعالى) لنبيّه (صلى اللّه عليه وسلم) فى أهل الكتاب : ( فَإِنْ جاؤُكَ : فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ ، أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ (2) ؛ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ : فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً ؛ وَإِنْ حَكَمْتَ : فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ : 5 - 42 ) .»
«قال الشافعي : فى (3) هذه الآية ، بيان (واللّه أعلم) : أنّ اللّه (عز وجل) جعل لنبيّه (صلى اللّه عليه وسلم) الخيار : فى أن (4) يحكم بينهم ، أو يعرض عنهم (5). وجعل عليه (6) - : إن حكم. - : أن يحكم بينهم بالقسط والقسط : حكم اللّه الذي أنزل على نبيّه (صلى اللّه عليه وسلم) : المحض الصادق ، أحدث الأخبار عهدا باللّه (عز وجل). قال اللّه عز وجل : ( وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ : بِما أَنْزَلَ اللّهُ ؛ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ ) (7) الآية : (5 - 49). قال : وفى هذه الآية ، ما فى التي قبلها : من أمر اللّه (عز وجل)
ص: 73
له ، بالحكم : بما أنزل اللّه إليه (1)»
«قال : وسمعت من أرضى - : من أهل العلم (2). - يقول فى قول اللّه عز وجل : ( وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ ) : إن حكمت ؛ لا : عزما أن تحكم (3).»
ثم ساق الكلام ، إلى أن قال (4) : «أنا إبراهيم بن سعد (5) ، عن ابن شهاب ، عن عبيد (6) اللّه بن عبد اللّه بن عتبة ، عن ابن عباس - أنه قال : كيف تسألون أهل الكتاب عن شىء : وكتابكم الذي أنزل اللّه على نبيّه (صلى اللّه عليه وسلم) : أحدث الأخبار ، تقرءونه محضا : لم يشب (7).؟!
ص: 74
ألم يخبركم اللّه (1) فى كتابه : أنهم حرّفوا كتاب اللّه (عز وجل (2)) وبدّلوا ، وكتبوا كتابا (3) بأيديهم ، فقالوا (4) : ( هذا مِنْ عِنْدِ اللّهِ ؛ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً ) (5) : (2 - 79).؟! ألا ينهاكم العلم الذي جاءكم ، عن مسألتهم؟! واللّه : ما رأينا رجلا (6) منهم قطّ (7) : يسألكم عما أنزل اللّه إليكم.».
هذا : قوله فى كتاب الحدود ؛ وبمعناه : أجاب فى كتاب القضاء باليمين مع الشاهد (8) ؛ وقال فيه :
«فسمعت من أرضى علمه ، يقول : ( وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ ) : إن حكمت ؛ على معنى قوله : ( فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ ، أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ ) . فتلك (9) : مفسّرة ؛ وهذه : جملة.»
«وفى قوله عز وجل : ( فَإِنْ تَوَلَّوْا : 5 - 49 ) ؛ دلالة : على أنهم إن تولّوا : لم يكن عليه الحكم بينهم. ولو كان قول (10) اللّه عز وجل : ( وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ ) ؛ إلزاما منه للحكم بينهم - :
ص: 75
ألزمهم الحكم : متولّين. لأنهم إنما يتولّون (1) : بعد الإتيان ؛ فأمّا : ما لم يأتوا ؛ فلا يقال لهم : تولّوا (2).»
وقد أخبرنا (3) أبو سعيد - فى كتاب الجزية - : نا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، قال (4) : «لم أعلم مخالفا - : من أهل العلم بالسّير. - : أنّ رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) لمّا نزل المدينة : وادع يهود كافّة على غير جزية ؛ [و (5)] أنّ قول اللّه (عز وجل) : ( فَإِنْ جاؤُكَ : فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ ، أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ ) ؛ إنما نزلت : فى (6) اليهود الموادعين : الذين لم يعطوا جزية ، ولم يقرّوا : بأن (7) تجرى (8) عليهم وقال بعضهم (9) : نزلت فى اليهوديّين الّذين زنيا (10).»
«قال : والذي (11) قالوا ، يشبه ما قالوا ؛ لقول اللّه عز وجل : ( وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ : وَعِنْدَهُمُ التَّوْراةُ فِيها (12) حُكْمُ اللّهِ؟! : 5 - 43 ) ؛
ص: 76
وقال (1) : ( وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ (2) ... فَإِنْ تَوَلَّوْا ) ؛ يعنى (واللّه أعلم) : فإن (3) تولّوا عن حكمك [بغير رضاهم (4)]. فهذا (5) يشبه : أن يكون ممّن أتاك (6) : غير مقهور على الحكم.»
«والذين حاكموا إلى رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) - فى امرأة منهم ورجل : زنيا. - : موادعون (7) ؛ فكان (8) فى التوراة : الرّجم ؛ ورجوا : أن لا يكون (9) من حكم رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم). فجاؤا (10) بهما : فرجمهما رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم).». وذكر فيه حديث ابن عمر (11).
قال الشافعي (12) : «فإذا (13) وادع الإمام قوما - : من أهل الشرك.
ص: 77
ولم يشترط : أن يجرى عليهم الحكم ؛ ثم جاءوه متحاكمين - : فهو بالخيار : بين أن يحكم بينهم ، أو يدع الحكم. فإن اختار أن يحكم بينهم : حكم بينهم حكمه بين المسلمين (1). فإن (2) امتنعوا - بعد رضاهم بحكمه - : حاربهم.»
«قال : و (3) ليس للإمام الخيار فى أحد - : [من (4)] المعاهدين : الذين يجرى عليهم الحكم. - : إذا جاءوه فى حدّ لله (عز وجل). وعليه : أن يقيمه.»
«قال (5) : وإذا (6) أبى (7) بعضهم على (8) بعض ، ما فيه [له (9)] حقّ عليه (10) ؛ فأتى (11) طالب الحقّ إلى الإمام ، يطلب حقّه - : فحقّ لازم للإمام (واللّه أعلم) : أن يحكم [له (12)] على من كان له عليه حقّ : منهم ؛
ص: 78
وإن لم يأته المطلوب : راضيا بحكمه ؛ وكذلك : إن أظهر السخط (1) لحكمه. لما (2) وصفت : من قول اللّه عز وجل : ( وَهُمْ صاغِرُونَ : 9 - 29 ) . فكان (3) الصّغار (واللّه أعلم) : أن يجرى عليهم حكم الإسلام.».
وبسط الكلام فى التّفريع (4) وكأنه وقف - حين صنّف كتاب الجزية - : أنّ اية الخيار وردت فى الموادعين ؛ فرجع عما قال - فى كتاب الحدود - فى المعاهدين : فأوجب الحكم بينهم بما أنزل اللّه (عز وجل). إذا ترافعوا إلينا (5)
ص: 79
قرأت فى كتاب : (السّنن) - رواية حرملة بن يحيى ، عن الشافعي - : قال : «قال اللّه تبارك وتعالى : ( يَسْئَلُونَكَ : ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ؟. قُلْ : أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ ، وَما عَلَّمْتُمْ : مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ ؛ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللّهُ ؛ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ : 5 - 4 ) (1).»
«قال الشافعي : فكان معقولا عن اللّه (عز وجل) - : إذ أذن فى أكل ما أمسك الجوارح. - : أنهم إنما اتّخذوا الجوارح ، لما لم ينالوه إلا بالجوارح - : وإن لم ينزل ذلك نصّا من كتاب اللّه عز وجل. - : فقال اللّه عز وجل : ( لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللّهُ بِشَيْءٍ : مِنَ الصَّيْدِ ، تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ : 5 - 94 ) (2) ؛ وقال تعالى : ( لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ : وَأَنْتُمْ حُرُمٌ : 5 - 95 ) ؛ وقال تعالى : ( وَإِذا حَلَلْتُمْ : فَاصْطادُوا : 5 - 2 ) .»
«قال (3) : ولمّا ذكر اللّه (عز وجل) أمره : بالذّبح ؛ وقال : ( إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ ) (4) : ( 5 - 3 ) - : كان معقولا عن اللّه (عز وجل) : أنه إنما أمر به : فيما يمكن فيه الذبح والذّكاة ؛ وإن لم يذكره.»
ص: 80
«فلمّا كان معقولا فى حكم اللّه (عز وجل) ، ما وصفت - : انبغى (1) لأهل العلم عندى ، أن يعلموا : أنّ ما حلّ - : من الحيوان. - : فذكاة (2) المقدور عليه [منه (3)] : مثل (4) الذّبح ، أو النّحر ؛ وذكاة غير المقدور عليه منه : ما يقتل (5) به : جارح ، أو سلاح.».
* * *
(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو ، نا أبو العباس الأصمّ ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، قال (6) : «الكلب المعلّم : الذي إذ أشلى : استشلى (7) ؛ وإذا أخذ : حبس ، ولم يأكل. فإذا فعل هذا مرّة بعد مرّة : كان معلّما ، يأكل صاحبه ممّا حبس عليه - : وإن قتل. - : ما لم يأكل (8).».
ص: 81
قال الشافعي (1) : «وقد تسمّى جوارح : لأنها تجرح ؛ فيكون اسما : لازما. وأحلّ (2) ما أمسكن مطلقا (3).».
* * *
(أنا) أبو سعيد ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (4) (رحمه اللّه) : «وإذا (5) كانت الضّحايا ، إنما هو (6) : دم يتقرّب به (7) ؛ فخير الدماء : أحبّ إلىّ. وقد زعم بعض المفسّرين : أنّ قول اللّه عز وجل : ( ذلِكَ ؛ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللّهِ ) (8) : (22 - 32) - : استسمان الهدى (9) واستحسانه (10). وسئل (11) رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) : أىّ الرّقاب
ص: 82
أفضل؟ فقال (1) : أغلاها ثمنا ، وأنفسها عند أهلها.»
«قال : والعقل مضطرّ إلى أن يعلم : أنّ كلّ ما تقرّب به إلى اللّه (عز وجل) : إذا كان نفيسا ، فكلّما (2) عظمت رزيّته على المتقرّب به إلى اللّه (عز وجل) : كان أعظم لأجره (3).»
«وقد قال اللّه (عز وجل) فى المتمتّع : ( فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ : 2 - 196 ) ؛ وقال ابن عباس : فما (4) استيسر - : من الهدى. - : شاة (5). وأمر رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) أصحابه - : الذين تمتّعوا بالعمرة إلى الحجّ. - : أن يذبحوا شاة شاة. وكان ذلك أقلّ ما يجزيهم. لأنه (6) إذا أجزاه (7) أدنى الدم : فأعلاه خير منه (8).».
* * *
ص: 83
وبهذا الإسناد ، قال الشافعي (1) : «أحلّ اللّه (جل ثناؤه) : طعام أهل الكتاب ؛ وكان (2) طعامهم - عند بعض من حفظت (3) عنه : من أهل التفسير. - : ذبائحهم ؛ وكانت الآثار تدلّ : على إحلال ذبائحهم.»
«فإن كانت ذبائحهم : يسمّونها لله (عز وجل) ؛ فهى : حلال. وإن كان لهم ذبح آخر : يسمّون عليه غير اسم اللّه (عز وجل) ؛ مثل : اسم المسيح (4) ؛ أو : يذبحونه (5) باسم دون اللّه - : لم يحلّ هذا : من ذبائحهم. [ولا أثبت : أنّ ذبائحهم هكذا (6).]»
«قال الشافعي (7) : قد يباح الشيء مطلقا : وإنّما يراد بعضه ، دون بعض. فإذا زعم زاعم : أنّ المسلم : إن نسى اسم اللّه : أكلت ذبيحته ؛ وإن تركه استخفافا : لم تؤكل ذبيحته - : وهو لا يدعه لشرك (8). - :
ص: 84
كان من يدعه : على الشّرك ؛ أولى : أن يترك ذبيحته (1).»
«قال الشافعي : وقد أحلّ اللّه (جل ثناؤه) لحوم البدن : مطلقة ؛ فقال تعالى : ( فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها ) (2) : ( فَكُلُوا مِنْها : 22 - 36 ) ؛ ووجدنا بعض المسلمين ، يذهب : إلى أن لا يؤكل من البدنة التي هى : نذر ، ولا : (3) جزاء صيد ، ولا : فدية. فلمّا احتملت هذه (4) الآية : ذهبنا إليه ، وتركنا الجملة لا : أنها بخلاف (5) القرآن ؛ ولكنها : محتملة ومعقول : أنّ من وجب عليه شىء فى ماله : لم يكن له أن يأخذ منه (6) شيئا. فهكذا : ذبائح أهل الكتاب - : بالدّلالة. - مشبهة لما (7) قلنا.».
ص: 85
(أنا) أبو عبد اللّه الحافظ ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (1) : «واجب (2) من أهدى نافلة : أن يطعم البائس الفقير (3) ؛ لقول اللّه تعالى : ( فَكُلُوا مِنْها ، وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ : 22 - 28 ) ؛ ولقوله (4) عز وجل : ( فَكُلُوا مِنْها (5) ، وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ : 22 - 36 ) . والقانع (6) هو : السّائل ؛ والمعترّ هو (7) : الزّائر ، والمارّ بلا وقت.»
ص: 86
«فإذا أطعم : من هؤلاء ، واحدا (1) - : كان من المطعمين. وأحبّ (2) إلىّ ما أكثر : أن (3) يطعم ثلثا ، وأن (4) يهدى ثلثا ، ويدّخر ثلثا : يهبط (5) به حيث شاء (6).»
«قال : والضّحايا : فى هذه السّبيل (7) ؛ واللّه أعلم.».
وقال في كتاب البويطىّ : «والقانع : الفقير ؛ والمعترّ : الزائر وقد قيل : الذي يتعرّض للعطيّة : منهما (8).».
ص: 87
(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، قال (1) : «وأهل (2) التفسير ، أو من سمعت [منه (3)] : منهم ؛ يقول فى قول اللّه عز وجل : ( قُلْ : لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ ، مُحَرَّماً : 6 - 145 ) . - : يعنى : ممّا كنتم تأكلون (4). فإنّ العرب : قد (5) كانت تحرّم أشياء :
ص: 88
على أنها من الخبائث ؛ وتحلّ أشياء : على أنها من الطّيّبات. فأحلّت لهم الطيبات عندهم - إلا : ما استثنى منها. - وحرّمت عليهم الخبائث عندهم. قال اللّه تعالى : ( وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ ، وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ : 7 - 157 ) (1).». وبسط الكلام فيه (2).
وبهذا الإسناد ، قال : قال الشافعي (3) : «قال اللّه جل ثناؤه : ( أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ ؛ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ : ما دُمْتُمْ حُرُماً : 5 - 96 ) .»
«فكان شيئان حلالان (4) ؛ فأثبت تحليل أحدهما - وهو : صيد البحر وطعامه : مالحه (5) وكلّ ما قذفه : [وهو] حىّ (6) ؛ متاعا لهم : يستمتعون
ص: 89
بأكله. - وحرّم صيد البرّ - : أن يستمتعوا بأكله. - : فى كتابه ، وسنة نبيّه صلى اللّه عليه وسلم.» يعنى (1) : فى حال الإحرام».
«قال : وهو (جل ثناؤه) لا يحرّم عليهم - : من صيد البرّ فى الإحرام. - إلا : ما كان حلالا لهم قبل الإحرام ؛ واللّه أعلم. (2)».
* * *
(أنا) أبو سعيد ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (3) : «قال اللّه جل ثناؤه [فيما حرّم ، ولم يحلّ بالذكاة (4)] : ( وَما لَكُمْ : أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ ؛ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ ، إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ؟! : 6 - 119 ) ؛ وقال تعالى : ( إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ ) الآية (5)! (2 - 173 و 16 - 115) ؛ وقال فى ذكر ما حرّم : ( فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ ) (6) : ( غَيْرَ مُتَجانِفٍ ) (7) ( لِإِثْمٍ ؛ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ : 5 - 3 ) .»
ص: 90
«قال الشافعي : فيحلّ ما حرّم : من (1) الميتة والدّم ولحم الخنزير ؛ وكلّ ما حرّم - : مما لا (2) يغيّر العقل : من الخمر. - : للمضطرّ.»
«والمضطرّ : الرجل (3) يكون بالموضع : لا طعام معه (4) فيه ، ولا شىء يسدّ فورة جوعه - : من لبن ، وما أشبههه. - ويبلّغه (5) الجوع : ما يخاف منه الموت ، أو المرض : وإن لم يخف الموت ؛ أو يضعفه ، أو يضرّه (6) ؛ أو يعتلّ (7) ؛ أو يكون ماشيا : فيضعف عن بلوغ حيث يريد ؛ أو راكبا : فيضعف عن ركوب دابّته ؛ أو ما فى هذا المعنى : من الضّرر (8) البيّن.»
«فأىّ هذا ناله : فله أن يأكل من المحرّم ؛ وكذلك : يشرب من المحرّم : غير المسكر ؛ مثل : الماء : [تقع (9)] فيه الميتة ؛ وما أشبههه (10).»
ص: 91
«وأحبّ (1) : أن يكون آكله : إن أكل ؛ وشاربه : إن شرب ؛ أو جمعهما - : فعلى ما يقطع عنه الخوف ، ويبلغ [به (2)] بعض القوّة. ولا يبين : أن يحرم عليه : أن يشبع ويروى ؛ وإن أجزأه دونه - : لأنّ التحريم قد زال عنه بالضّرورة. وإذا بلغ الشّبع والرّىّ : فليس له مجاوزته ؛ لأنّ مجاوزته - : حينئذ. - إلى الضّرر ، أقرب منها إلى النّفع (3).».
قال الشافعي (4) : «فمن (5) خرج سفرا (6) : عاصيا لله (7) ؛ لم يحلّ له شىء - : مما حرّم (8) عليه. - بحال (9) : لأنّ اللّه (جل ثناؤه) إنّما (10) أحلّ ما حرّم ، بالضّرورة - على شرط : أن يكون المضطرّ : غير باغ ، ولا عاد ، ولا متجانف لإثم.»
«ولو خرج : عاصيا ؛ ثم تاب ، فأصابته الضّرورة بعد التّوبة - : رجوت : أن يسعه (11) أكل المحرّم وشربه.»
ص: 92
«ولو خرج : غير عاص ؛ ثم نوى المعصية ؛ ثم أصابته ضرورة - : ونيّته المعصية. - : خشيت أن لا يسعه المحرّم ؛ لأنى أنظر إلى نيّته : فى حال الضّرورة ؛ لا : فى حال تقدّمتها ، ولا تأخّرت عنها.».
وبهذا الإسناد ، قال : قال الشافعي (1) (رحمه اللّه) : «والحجة : فى أنّ (2) ما كان مباح الأصل ، يحرم : بمالكه ؛ حتى يأذن فيه مالكه. (يعنى (3) : وهو غير محجور عليه.) : أنّ (4) اللّه (جل ثناؤه) قال : ( لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ : بِالْباطِلِ ؛ إِلَّا : أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ : 4 - 29 ) ؛ وقال : ( وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ ) (5) : ( 4 - 2 ) ؛ وقال : ( وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ ، نِحْلَةً ) الآية : (4 - 4). مع آي كثيرة (6) - فى كتاب اللّه عز وجل - : قد حظر فيها أموال الناس ، إلا : بطيب أنفسهم ؛ إلا : بما فرض (7) اللّه : فى كتابه ، ثم سنة نبيّه (صلى اللّه عليه وسلم) ؛ وجاءت به حجّة (8).».
ص: 93
قال (1) : «ولو اضطرّ رجل ، فخاف الموت ؛ ثم مرّ بطعام لرجل - : لم أر بأسا : أن يأكل منه ما يردّ من جوعه ؛ ويغرم له ثمنه.». وبسط الكلام فى شرحه (2).
قال (3) : «وقد قيل : إنّ من الضّرورة (4) : أن يمرض الرجل ، المرض : يقول له أهل العلم به - أو يكون هو من أهل العلم به - : فلما يبرأ من (5) كان به مثل هذا ، إلّا : أن يأكل كذا ، أو يشربه (6). أو : يقال [له (7)] : إنّ أعجل ما يبريك (8) : أكل كذا ، أو شرب كذا. فيكون له أكل ذلك وشربه : ما لم يكن خمرا - : إذا بلغ ذلك منها (9) : أسكرته. - أو شيئا : يذهب العقل : من المحرّمات أو غيرها ؛ فإنّ إذهاب العقل محرّم.».
ص: 94
وذكر حديث العرنيّين (1) : فى بول الإبل وألبانها ، وإذن رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) : فى شربها ، لإصلاحه لأبدانهم (2)
* * *
(أنا) أبو سعيد ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (3) : «قال اللّه تبارك وتعالى : ( كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ ، إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ ) (4) الآية : (3 - 93) ؛ وقال : ( فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا ، حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ : 4 - 160 ) ؛ (5) يعنى (واللّه أعلم) : طيّبات : كانت أحلّت لهم. وقال تعالى : ( وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا ، حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ ؛ وَمِنَ (6) الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ ، حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما ؛ إِلَّا : ما حَمَلَتْ
ص: 95
ظُهُورُهُما ، أَوِ الْحَوايا ، أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ؛ ذلِكَ : جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ ؛ وَإِنَّا لَصادِقُونَ : 6 - 146 ) .
قال الشافعي (رحمه اللّه) : الحوايا : ما حوى (1) الطعام والشراب ، فى البطن».
«فلم يزل ما حرّم اللّه (عز وجل) على بنى إسرائيل - : اليهود خاصّة ، وغيرهم عامّة. - محرّما : من حين حرّمه ، حتى بعث اللّه (تبارك وتعالى) محمدا (صلى اللّه عليه وسلم) : ففرض الإيمان به ، وأمر (2) : باتّباع نبىّ (3) اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) وطاعة أمره : وأعلم خلقه : أنّ (4) طاعته : طاعته ؛ وأنّ دينه : الإسلام الذي نسخ به كلّ دين كان قبله ؛ وجعل (5) من أدركه وعلم دينه - : فلم يتّبعه. - : كافرا به. فقال : ( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللّهِ : الْإِسْلامُ : 3 - 19 ) (6).»
«وأنزل (7) فى أهل الكتاب - : من المشركين. - : ( قُلْ : يا أَهْلَ
ص: 96
الْكِتابِ ، تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ : أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللّهَ ، وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً ) الآية ، إلى : ( مُسْلِمُونَ : 3 - 64 ) ؛ وأمر (1) : بقتالهم حتى يعطوا الجزية (2) : إن لم يسلموا ؛ وأنزل فيهم : ( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ : الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ : فِي التَّوْراةِ ، وَالْإِنْجِيلِ ) الآية (3) : (7 - 157). فقيل (واللّه أعلم) : أوزارهم (4) ، وما منعوا - : بما أحدثوا. - قبل ما شرع : من دين محمد صلى اللّه عليه وسلم (5).»
«فلم يبق خلق يعقل - : منذ بعث اللّه محمدا صلى اللّه عليه وسلم. - : كتابيّ (6) ، ولا وثنىّ ، ولا حىّ بروح (7) - : من جنّ ، ولا إنس. - : بلغته دعوة محمد (صلى اللّه عليه وسلم) ؛ إلّا قامت عليه حجّة اللّه : باتّباع دينه ؛ وكان (8) مؤمنا : باتّباعه ؛ وكافرا : بترك اتّباعه.»
ص: 97
«ولزم كلّ امرئ منهم - : آمن به ، أو كفر. - تحريم (1) ما حرّم اللّه (عز وجل) على لسان نبيّه صلى اللّه عليه وسلم - : كان (2) مباحا قبله فى شيء : من الملل ؛ أو (3) غير مباح. - وإحلال ما أحلّ على لسان محمد (صلى اللّه عليه وسلم) : كان (4) حراما فى شىء : من الملل ؛ [أو غير حرام (5)]»
«وأحلّ اللّه (عز وجل) : طعام أهل الكتاب ؛ وقد (6) وصف ذبائحهم ، ولم يستثن منها شيئا.»
«فلا يجوز أن تحرم (7) ذبيحة كتابىّ ؛ وفى الذّبيحة حرام - على (8) كلّ مسلم - : مما (9) كان حرم على أهل الكتاب ، قبل محمد
ص: 98
(صلى اللّه عليه وسلم). ولا (1) يجوز : أن يبقى شىء (2) : من شحم البقر والغنم. وكذلك : لو ذبحها كتابىّ لنفسه ، وأباحها لمسلم (3) - : لم يحرم على مسلم : من شحم بقر ولا غنم منها ، شىء (4)».
«ولا يجوز : أن يكون شىء حلالا - : من جهة الذّكاة (5). - لأحد ، حراما على غيره. لأنّ اللّه (عز وجل) أباح ما ذكر : عامّة (6) لا : خاصّة.»
«و (7) هل يحرم على أهل الكتاب ، ما حرم عليهم [قبل محمد صلى اللّه عليه وسلم (8)] - : من هذه الشّحوم وغيرها. - : إذا لم يتّبعوا محمدا صلى اللّه عليه وسلم.؟»
«قال الشافعي : قد (9) قيل : ذلك كلّه محرّم عليهم ، حتى يؤمنوا.»
ص: 99
«ولا ينبغى (1) : أن يكون محرّما عليهم : وقد نسخ ما خالف دين محمد (صلى اللّه عليه وسلم) : بدينه. كما لا يجوز - : إذا (2) كانت الخمر حلالا لهم. - إلا : أن تكون محرّمة عليهم - : إذ حرّمت على لسان بيّنا (3) محمد صلى اللّه عليه وسلم. - : وإن لم يدخلوا فى دينه.».
* * *
(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو ، نا أبو العباس ، أنا الربيع بن سليمان ، قال : قال الشافعي (4) (رحمه اللّه) : «حرّم المشركون على أنفسهم - : من أموالهم - أشياء : أبان اللّه (عز وجل) : أنها ليست حراما بتحريمهم (5) - وذلك مثل : البحيرة ، والسّائبة ، والوصيلة ، والحام. كانوا : يتركونها (6) فى الإبل والغنم : كالعتق ؛ فيحرّمون : ألبانها ، ولحومها ، وملكها. وقد فسّرته فى غير هذا الموضع (7). - : فقال اللّه جل ثناؤه : ( ما جَعَلَ اللّهُ : مِنْ
ص: 100
بَحِيرَةٍ ، وَلا سائِبَةٍ ، وَلا وَصِيلَةٍ ، وَلا حامٍ : 5 - 103 ) ؛ وقال تعالى : ( قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ : سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ ؛ وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللّهُ : افْتِراءً عَلَى اللّهِ ؛ قَدْ ضَلُّوا وَما كانُوا مُهْتَدِينَ : 6 - 140 ) ؛ وقال عز وجل - : وهو يذكر ما حرّموا - : ( وَقالُوا : هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ : حِجْرٌ (1) ، لا يَطْعَمُها إِلَّا مَنْ نَشاءُ ؛ بِزَعْمِهِمْ ؛ وَأَنْعامٌ ) (2) : ( حُرِّمَتْ ظُهُورُها ؛ وَأَنْعامٌ : لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللّهِ ، عَلَيْهَا : افْتِراءً عَلَيْهِ ؛ سَيَجْزِيهِمْ : بِما كانُوا يَفْتَرُونَ * وَقالُوا : ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ : خالِصَةٌ لِذُكُورِنا ، وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا ؛ وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً : فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ ؛ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ ؛ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ : 6 - 138 - 139 ) ؛ وقال : ( ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ : مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ ) ؛ إلى (3) قوله : ( إِنَّ اللّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) ؛ والآية (4) بعدها : (6 - 143 - 145). [فأعلمهم جل ثناؤه (5)] : أنه لا يحرّم عليهم : بما (6) حرّموا.»
ص: 101
«قال : ويقال (1) : نزل (2) فيهم : ( قُلْ : هَلُمَ ) (3) ( شُهَداءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ : أَنَّ اللّهَ حَرَّمَ هذا ؛ فَإِنْ شَهِدُوا : فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ : 6 - 150 ) . فردّ إليهم (4) ما أخرجوا - : من البحيرة ، والسّائبة ، والوصيلة ، والحام - وأعلمهم : أنه لم يحرّم عليهم ما حرّموا : بتحريمهم.»
«وقال تعالى : ( أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ ، إِلَّا : ما يُتْلى عَلَيْكُمْ : 5 - 1 ) ؛ [يعنى (5)] (واللّه أعلم) : من الميتة.»
«ويقال : أنزلت (6) فى ذلك : ( قُلْ : لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ ، مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ ، إِلَّا : أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً ، أَوْ دَماً مَسْفُوحاً ، أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ - : فَإِنَّهُ رِجْسٌ. - أَوْ فِسْقاً : أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ : 6 - 145 ) .»
«وهذا يشبه ما قيل ؛ يعنى : قل : لا أجد فيما أوحي إلى - : من بهيمة الأنعام. - محرّما (7) ، إلّا : ميتة ، أو دما مسفوحا منها (8) : وهى
ص: 102
حيّة ؛ أو (1) ذبيحة [كافر (2)] ؛ وذكر تحريم الخنزير معها (3) وقد قيل : مما (4) كنتم تأكلون ؛ إلا كذا.»
«وقال تعالى : ( فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ : حَلالاً طَيِّباً ؛ وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللّهِ : إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ * إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ : الْمَيْتَةَ ، وَالدَّمَ ، وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ ، وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ : 16 - 115 ) . وهذه الآية : فى مثل معنى الآية قبلها (5)».
* * *
قال الشافعي - فى رواية حرملة عنه - : «قال اللّه عز وجل : ( وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ ، حِلٌّ لَكُمْ : 5 - 5 ) . فاحتمل ذلك : الذبائح ، وما سواها : من طعامهم الذي لم نعتقده (6) : محرّما علينا. فآنيتهم أولى : أن لا يكون فى النفس منها ، شىء : إذا غسلت.».
ثم بسط الكلام : فى إباحة طعامهم الذي يغيبون على صنعته : إذا لم
ص: 103
نعلم فيه حراما ؛ وكذلك الآنية : إذا لم نعلم نجاسة (1)
ثم قال - فى هذا ؛ وفى (2) مبايعة المسلم : يكتسب الحرام والحلال ؛ والأسواق : يدخلها ثمن الحرام. - : «ولو تنزّه امرؤ (3) عن هذا ، وتوقّاه - : ما لم يتركه : على أنه محرّم. - : كان حسنا (4). لأنه قد يحلّ له : ترك ما لا يشكّ فى حلاله. ولكنّى أكره : أن يتركه : على تحريمه ؛ فيكون. حهلا بالسّنة ، أو رغبة عنها.».
* * *
(أنا) أبو عبد اللّه الحافظ ، أخبرنى أبو أحمد بن أبى الحسن ، أنا عبد الرحمن (يعنى : ابن أبى حاتم) ؛ أخبرنى أبى ، قال : سمعت يونس بن عبد الأعلى ، يقول : قال لى الشافعي (رحمه اللّه) - فى قوله عز وجل : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا : لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ ؛ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ ) (5) : (4 - 29). - قال :
ص: 104
«لا يكون فى هذا المعنى ، إلّا : هذه الثلاثة الأحكام (1) وما عداها فهو : ألا كل بالباطل ؛ على المرء فى ماله : فرض من اللّه (عز وجل) : لا ينبغى له [التصرّف (2)] فيه ؛ وشىء يعطيه : يريد به وجه صاحبه. ومن الباطل ، أن يقول : احزر (3) ما فى يدى ؛ وهو لك.».
وفيما أنبأنى أبو عبد اللّه الحافظ (إجازة) : أنّ أبا العباس محمد بن يعقوب ، حدّثهم : أنا الربيع بن سليمان ، قال : قال الشافعي (4) (رحمه اللّه) : «جماع ما يحلّ : أن يأخذه (5) الرجل من الرجل المسلم ؛ ثلاثة وجوه : (أحدها) : ما وجب على الناس فى أموالهم - : ممّا ليس لهم دفعه : من جناياتهم ، وجنايات من يعقلون عنه. - وما وجب عليهم : بالزّكاة ، والنّذور ، والكفّارات ، وما أشبه ذلك»
«و [ثانيها (6)] : ما أوجبوا على أنفسهم : ممّا أخذوا به العوض : من البيوع ، والإجارات ، والهبات : للثّواب ؛ وما فى معناها (7).»
«و [ثالثها (8)] : ما أعطوا : متطوّعين -. من أموالهم. - : التماس واحد من وجهين ؛ (أحدهما) : طلب ثواب اللّه. (والآخر) :
ص: 105
طلب الاستحماد (1) إلى (2) من أعطوه إيّاه. وكلاهما : معروف حسن ؛ ونحن نرجو عليه : الثواب ؛ إن شاء اللّه.».
«ثم : ما أعطى الناس من أموالهم - : من غير هذه الوجوه ، وما فى معناها. - : واحد من وجهين ؛ (أحدهما) : حقّ ؛ (والآخر) : باطل فما أعطوه (3) - : من الباطل. - : غير جائز لهم ، ولا لمن أعطوه وذلك : قول اللّه عز وجل : ( وَ (4)لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ ، بِالْباطِلِ : 2 - 188 ) .»
«فالحقّ من هذا الوجه - : الذي هو خارج من هذه الوجوه التي وصفت. - يدلّ : على الحقّ : فى نفسه ؛ وعلى الباطل : فيما خالفه.»
«وأصل ذكره : فى القرآن ، والسّنة ، والآثار. قال (5) اللّه عز وجل - فيما ندب به (6) أهل دينه - : ( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ : مِنْ قُوَّةٍ ، وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ (7) ؛ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ : 8 - 60 ) ؛ فزعم
ص: 106
أهل العلم [بالتفسير (1)] : أنّ القوّة هى : الرّمى. وقال اللّه تبارك وتعالى : ( وَما أَفاءَ اللّهُ عَلى رَسُولِهِ ، مِنْهُمْ - : فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ ، وَلا رِكابٍ : 59 - 6 ) .».
ثم ذكر : حديث أبى هريرة (2) ، ثم حديث ابن عمر : فى السّبق (3). وذكر : ما يحلّ منه ، وما يحرم (4).
ص: 107
«ما يؤثر عنه فى الايمان والنّذور (1)»
(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (2) - فى قول اللّه عز وجل : ( وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ : أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى : 24 - 22 ) . - : «نزلت فى رجل حلف : أن لا ينفع رجلا ؛ فأمره اللّه (عز وجل) : أن ينفعه.».
قال الشيخ : وهذه الآية نزلت فى أبى بكر الصّدّيق (رضى اللّه عنه) : حلف : أن لا ينفع مسطحا ؛ لما كان منه : فى شأن عائشة (رضي اللّه عنها). فنزلت هذه الآية (3).
ص: 108
(أنا) أبو سعيد ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال (1) : «قلت (2) للشافعى : ما لغو اليمين؟. قال : اللّه أعلم ؛ أمّا الذي نذهب إليه : فما قالت عائشة (رضي اللّه عنها) ؛ أنا مالك ، عن هشام ، عن (3) عروة ، عن عائشة (رضي اللّه عنها) : أنها قالت : لغو اليمين : قول الإنسان : لا واللّه ؛ وبلى واللّه (4).»
«قال (5) الشافعي : اللّغو (6) فى كلام (7) العرب : الكلام غير المعقود
ص: 109
عليه قلبه (1) ؛ وجماع اللّغو يكون (2) : فى الخطإ (3).».
وبهذا الإسناد - فى موضع آخر (4) - : قال الشافعي : «لغو اليمين - كما قالت عائشة (5) (رضي اللّه عنها) ؛ واللّه أعلم - : قول الرجل : لا واللّه ، وبلى (6) واللّه. وذلك : إذا كان (7) : اللّجاج ، والغضب (8) ،
ص: 110
والعجلة (1) ؛ لا يعقد : على ما حلف [عليه] (2).»
«وعقد اليمين : أن يعنيها (3) على الشيء بعينه : أن لا يفعل الشيء ؛ فيفعله ؛ أو : ليفعلنّه (4) ؛ فلا يفعله ؛ أو (5) : لقد كان ؛ وما كان.»
«فهذا : آثم ؛ وعليه الكفّارة : لما وصفت : من [أنّ (6)] اللّه (عز وجل) قد جعل الكفّارات : فى عمد (7) المأثم (8). قال (9) : ( وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ : ما دُمْتُمْ حُرُماً : 5 - 96 ) ؛ وقال ( لا ) (10) ( تَقْتُلُوا الصَّيْدَ :
ص: 111
وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ) ؛ إلى (1) قوله : ( هَدْياً : بالِغَ الْكَعْبَةِ ؛ أَوْ كَفَّارَةٌ : طَعامُ مَساكِينَ ؛ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ : صِياماً ؛ لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ : 5 - 95 ) . ومثل قوله فى الظّهار : ( وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً : مِنَ الْقَوْلِ ؛ وَزُوراً : 58 - 2 ) ؛ ثم أمر فيه : بالكفّارة (2).»
«قال الشافعي (3) : ويجزى : بكفّار (4) ة اليمين ، مدّ - : بمدّ النبىّ صلى اللّه عليه وسلم. - : (5) من حنطة.»
«قال (6) : وما يقتات (7) أهل البلدان - : من شيء. - أجزأهم منه مدّ.»
ص: 112
«[قال] (1) : وأقلّ ما يكفى (2) - : من الكسوة. - : كلّ ما وقع عليه اسم كسوة - : من عمامة ، أو سراويل ، أو إزار ، أو مقنعة ؛ وغير ذلك - : للرجل ، والمرأة ، والصبىّ (3). لأنّ (4) اللّه (عز وجل) أطلقه : فهو مطلق.»
«[قال (5)] : وليس له - إذا كفّر بالإطعام (6) - : أن يطعم أقلّ من عشرة (7) ؛ أو بالكسوة : أن يكسو أقلّ من عشرة.»
«[قال] (8) وإذا (9) أعتق فى كفّارة اليمين (10) : لم يجزه إلا رقبة
ص: 113
مؤمنة ؛ (1) ويجزى كلّ ذى نقص : بعيب لا يضرّ بالعمل إضرارا (2) بيّنا.». وبسط الكلام فى شرحه (3).
* * *
(أنا) أبو سعيد ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (4) (رحمه اللّه) - فى قول اللّه عز وجل : ( مَنْ كَفَرَ بِاللّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ ، إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ : وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ : 16 - 106 ) . - :
«فجعل قولهم الكفر : مغفورا لهم ، مرفوعا عنهم : فى الدنيا والآخرة (5). فكان المعنى الذي عقلنا : أنّ قول المكره ، كما لم يقل (6) : فى الحكم. وعقلنا : أنّ الإكراه هو : أن يغلب بغير فعل منه. فإذا تلف (7)
ص: 114
ما حلف (1) : ليفعلنّ فيه شيئا ؛ فقد (2) غلب : بغير فعل منه. وهذا : فى أكثر من معنى الإكراه.».
وقد أطلق (3) الشافعي (رحمه اللّه) القول فيه ؛ واختار : «أنّ يمين المكره : غير ثابتة عليه ؛ لما احتجّ به : من الكتاب [والسّنة (4)].» قال الشافعي (5) : «و [هو (6)] قول عطاء : إنه يطرح عن الناس ، الخطأ والنّسيان. (7)».
وبهذا الإسناد ، قال : قال الشافعي (8) -» فيمن (9) حلف لا يكلم رجلا ؛ فأرسل إليه رسولا ، أو كتب إليه كتابا» - : «فالورع : أن يحنث ؛ ولا يتبيّن (10) : أنه يحنث. لأنّ الرسول والكتاب ، غير الكلام : وإن كان يكون كلاما فى حال.»
ص: 115
«ومن حنّثه ذهب : إلى أنّ اللّه (عز وجل) قال (1) : ( وَما كانَ لِبَشَرٍ : أَنْ يُكَلِّمَهُ اللّهُ ؛ إِلَّا : وَحْياً ، أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ، أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً : فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ، ما يَشاءُ ) (2) : (42 - 51). وقال : إنّ اللّه (عز وجل) يقول للمؤمنين ، فى المنافقين : ( قُلْ : لا تَعْتَذِرُوا ؛ لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ ؛ قَدْ نَبَّأَنَا اللّهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ : 9 - 94 ) ؛ وإنما نبّأهم من (3) أخبارهم : بالوحى الذي نزل (4) به جبريل (عليه السلام) على النبي (صلى اللّه عليه وسلم) ؛ ويخبرهم النبي (صلى اللّه عليه وسلم) : بوحي (5) اللّه عز وجل.»
«ومن قال : لا يحنث ؛ قال : لأنّ (6) كلام الآدميّين لا يشبه كلام اللّه (عز وجل) : كلام (7) الآدميّين : بالمواجهة ؛ ألا ترى : أنه (8) لو هجر
ص: 116
رجل رجلا - كانت (1) الهجرة محرّمة عليه فوق ثلاث ليال (2) - فكتب إليه ، أو أرسل إليه - : وهو يقدر على كلامه. - : لم يخرجه هذا من هجرته : التي يأثم بها (3).»
قال الشافعي (4) (رحمه اللّه) : «وإذا حلف الرجل : ليضربنّ عبده مائة سوط ؛ فجمعها ، فضربه بها - : فإن كان يحيط العلم : أنه (5) إذا ضربه بها ، ماسّته (6) كلّها - : فقد برّ (7). وإن كان العلم مغيّبا ، [فضربه بها ضربة (8)] : لم يحنث فى الحكم ؛ ويحنث فى الورع.».
واحتجّ بقول اللّه عز وجل : ( وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً : فَاضْرِبْ بِهِ ، وَلا تَحْنَثْ : 38 - 44 ) ؛ وذكر خبر المقعد : الذي ضرب فى الزنا ،
ص: 117
* * *
وفيما أنبأنى أبو عبد اللّه الحافظ (إجازة) : أنّ أبا العباس حدّثهم : أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (3) (رحمه اللّه) : «قال اللّه جل ثناؤه : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا : إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ (4) ، فَتَبَيَّنُوا : أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ ؛ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ ، نادِمِينَ : 49 - 6 ) ؛ وقال : ( إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ : فَتَبَيَّنُوا ، وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ : لَسْتَ مُؤْمِناً ) (5) : (4 - 94).»
«قال الشافعي : أمر (6) اللّه (جل ثناؤه) من يمضى أمره على أحد (7)
ص: 118
- : من عباده. - : أن يكون مستثبتا (1) ، قبل أن يمضيه.». وبسط الكلام فيه (2).
قال الشافعي (3) : «قال اللّه عز وجل : ( وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ) (4) : (3 - 159) ؛ (5) و: ( أَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ : 42 - 38 ) . قال الشافعي : قال الحسن : إن كان النبىّ (صلى اللّه عليه وسلم) عن مشاورتهم ، لغنيّا (6) ؛
ص: 119
ولكنه أراد : أن يستنّ (1) بذلك الحكّام بعده.»
«قال الشافعي (2) : وإذا (3) نزل بالحاكم أمر (4) : يحتمل وجوها ؛ أو مشكل - : انبغى (5) له أن يشاور (6) : من جمع العلم والأمانة.». وبسط الكلام فيه (7).
* * *
(أنا) أبو عبد اللّه (قراءة عليه) : نا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (8) (رحمه اللّه) : قال اللّه جل ثناؤه : ( يا داوُدُ : إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ ؛ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ ) ؛ الآية : (38 - 26) ؛ وقال (9) فى أهل الكتاب : ( وَإِنْ (10) حَكَمْتَ : فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ : 5 - 42 ) ؛
ص: 120
وقال لنبيّه (1) صلى اللّه عليه وسلم : ( وَأَنِ ) (2) ( احْكُمْ بَيْنَهُمْ : بِما أَنْزَلَ اللّهُ ؛ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ ) ؛ الآية (3) : (5 - 49) ؛ وقال : ( وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ : أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ : 4 - 58 ) .»
«قال الشافعي : فأعلم اللّه نبيّه (صلى اللّه عليه وسلم) : أنّ فرضا عليه ، وعلى من قبله ، والناس - : إذا حكموا. - : أن يحكموا بالعدل (4) ؛ والعدل : اتّباع حكمه المنزل (5).».
(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (6) - فى قوله عز وجل : ( وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ : 5 - 48 و 49 ) . - : «يحتمل : تساهلهم (7) في أحكامهم ؛ ويحتمل : ما يهوون وأيّهما كان
ص: 121
فقد نهى عنه ؛ وأمر : أن يحكم بينهم : بما أنزل اللّه على نبيّه صلى اللّه عليه وسلم (1).».
(أنا) أبو عبد اللّه الحافظ ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (2). «قال اللّه جل ثناؤه : ( وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ : إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ : إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ (3) وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ * فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ ؛ وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً : 21 - 78 - 79 ) .»
«قال (4) الشافعي : قال الحسن بن أبى الحسن : لو لا هذه الآية ، لرأيت : أنّ الحكّام قد هلكوا ؛ ولكنّ اللّه (تعالى) : حمد هذا : بصوابه (5) ؛ وأثنى على هذا : باجتهاده (6).».
ص: 122
وبهذا الإسناد ، قال : قال الشافعي (1) : «قال اللّه جل ثناؤه : ( أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ : أَنْ يُتْرَكَ سُدىً.؟! : 75 - 36 ) ؛ فلم يختلف أهل العلم بالقرآن - فيما علمت - : أنّ (السّدى) هو (2) : الذي لا يؤمر (3) ، ولا ينهى».
* * *
وممّا أنبأنى أبو عبد اللّه الحافظ (إجازة) : أنّ أبا العباس حدثهم : أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (4) : «قال اللّه جل ثناؤه : ( وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ : 2 - 282 ) .»
«فاحتمل أمر اللّه : بالإشهاد عند البيع ؛ أمرين : (أحدهما) : أن
ص: 123
يكون (1) دلالة : على ما فيه الحظّ بالشهادة (2) ؛ ومباح (3) تركها. لا : حتما ؛ يكون من تركه عاصيا : بتركه. (واحتمل (4)) : أن يكون حتما منه ؛ يعصى من تركه : بتركه.»
«والذي أختار : أن لا يدع المتبايعان الإشهاد ؛ وذلك : أنهما إذا أشهدا : لم يبق فى أنفسهما شىء ؛ لأنّ ذلك : إن كان حتما : فقد أدّياه ؛ وإن كان دلالة : فقد أخذا (5) بالحظّ فيها.»
«قال : وكلّ ما ندب اللّه (عز وجل) إليه - : من فرض ، أو دلالة. - : فهو بركة على من فعله. ألا ترى : أنّ الإشهاد فى البيع ، إذا (6) كان دلالة : كان فيه (7) : [أنّ] المتبايعين ، أو أحدهما : إن أراد ظلما : قامت البيّنة عليه ؛ فيمنع من الظلم الذي يأثم به. وإن كان تاركا (8) : لا يمنع منه. ولو
ص: 124
نسى ، أو وهم - : فجحد. - : منع من المأثم على ذلك : بالبيّنة ؛ وكذلك : ورثتهما بعدهما.؟!.»
«أو لا تري : أنهما ، أو أحدهما (1) : لو وكّل وكيلا : [أن (2)] يبيع ؛ فباع هو (3) رجلا ، وباع وكيله آخر - : ولم يعرف : أىّ البيعين أوّل (4)؟ - : لم يعط الأول : من المشتريين (5) ؛ بقول البائع. ولو كانت بيّنة ، فأثبتت (6) : أيّهما أوّل؟ - : أعطى الأول.؟!.»
«فالشهادة : سبب قطع المظالم ، وتثبيت (7) الحقوق. وكلّ أمر اللّه (جل ثناؤه) ، ثم أمر رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) : الخير (8) الذي لا يعتاض منه من تركه (9).»
«قال الشافعي (10) : والذي (11) يشبه - واللّه أعلم ؛ وإيّاه أسأل
ص: 125
التوفيق - : أن يكون أمره (1) : بالإشهاد فى البيع ؛ دلالة ؛ لا : حتما له (2). قال اللّه عز وجل : ( وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ ، وَحَرَّمَ الرِّبا : 2 - 275 ) ؛ فذكر : أنّ البيع حلال ؛ ولم يذكر معه بيّنة.»
«وقال فى آية الدّين : ( إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ ) (3) : (2 - 282) ؛ والدّين : تبايع ؛ وقد أمر اللّه (4) فيه : بالإشهاد ؛ فبيّن (5) المعنى : الذي أمر له : به. فدلّ ما بيّن اللّه فى الدّين ، على (6) أنّ اللّه أمر به : على النّظر والاختيار (7) ؛ لا : على الحتم (8) قال اللّه تبارك وتعالى : ( إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى : فَاكْتُبُوهُ ) (9) ؛ ثم قال فى سياق الآية : ( وَإِنْ
ص: 126
كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ ، وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً : فَرِهانٌ (1) مَقْبُوضَةٌ ؛ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً : فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ ، أَمانَتَهُ : 2 - 283 ) ؛ فلمّا أمر - : إذا لم يجدوا (2) كاتبا. - : بالرّهن ؛ ثم أباح : ترك الرّهن ؛ وقال : ( فَإِنْ ) (3) ( أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً : فَلْيُؤَدِّ الَّذِي ) - : فدلّ (4) : على [أنّ (5)] الأمر الأوّل : دلالة على الحظّ ؛ لا : فرض (6) منه ، يعصى من تركه ؛ واللّه أعلم (7).».
ثم استدلّ عليه : بالخبر (8) ؛ وهو مذكور فى موضع آخر.
* * *
وبهذا الإسناد ، قال : قال الشافعي (9) : «قال اللّه جل ثناؤه : ( وَابْتَلُوا الْيَتامى ، حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ : فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً : فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ
ص: 127
أَمْوالَهُمْ ) (1) ؛ وقال تعالى : ( فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ ؛ وَكَفى بِاللّهِ حَسِيباً : 4 - 6 ) .»
«ففى هذه الآية ، معنيان (2) : (أحدهما) : الأمر بالإشهاد. وهو (3) مثل معنى الآية التي قبلها (واللّه أعلم) : من أن [يكون الأمر] بالإشهاد (4) : دلالة ؛ لا : حتما. وفى قول اللّه : ( وَكَفى بِاللّهِ حَسِيباً ) ؛ كالدّليل : على الإرخاص فى ترك الإشهاد. لأنّ اللّه (عز وجل) يقول : ( وَكَفى بِاللّهِ حَسِيباً ) ؛ أي : إن لم يشهدوا (5) ؛ واللّه أعلم.»
«(والمعنى الثاني) (6) : أن يكون ولىّ اليتيم - : المأمور : بالدفع إليه ماله ، والإشهاد (7) عليه. - : يبرأ بالإشهاد عليه : إن جحده اليتيم ؛ ولا يبرأ
ص: 128
بغيره أو يكون مأمورا بالإشهاد عليه - : على الدّلالة. - : وقد يبرأ بغير شهادة : إذا صدّقه اليتيم. والآية محتملة المعنيين معا (1).»
واحتجّ الشافعي (رحمه اللّه) - فى رواية المزنىّ عنه : فى كتاب الوكالة (2). - : بهذه الآية ؛ فى الوكيل : إذا ادّعى دفع المال إلى من أمره الموكّل : بالدّفع إليه ؛ لم يقبل [منه (3)] إلا ببيّنة : «فإنّ (4) الذي زعم : أنه دفعه إليه ؛ ليس هو : الذي ائتمنه على المال ؛ كما أنّ اليتامى ليسوا : الذين ائتمنوه على المال. فأمر (5) بالإشهاد.»
«وبهذا : فرق بينه ، وبين قوله لمن ائتمنه : قد دفعته إليك ؛ فيقبل (6) : لأنه ائتمنه.».
وذكر (أيضا) فى كتاب الوديعة (7) - فى رواية الربيع - : بمعناه.
* * *
وفيما أنبأنى أبو عبد اللّه (إجازة) : أن أبا العباس حدثهم ، قال : أنا الربيع ،
ص: 129
قال : قال الشافعي (1) : «قال اللّه تبارك وتعالى : ( وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ - : مِنْ نِسائِكُمْ. - : فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ ) (2) : (4 - 15).»
«فسمّى اللّه فى الشهادة : فى الفاحشة - والفاحشة هاهنا (واللّه أعلم) : الزّنا (3). - : أربعة شهود. فلا (4) تتمّ الشهادة : فى الزّنا ؛ إلّا : بأربعة شهداء ، لا امرأة فيهم : لأنّ الظاهر من الشهداء (5) : الرجال خاصّة ؛ دون النساء (6).». وبسط الكلام فى الحجّة على هذا (7).
قال الشافعي (8) : «قال اللّه عز وجل : ( فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ : فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ، أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ؛ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ : 65 - 2 ) .»
ص: 130
«فأمر اللّه (جل ثناؤه) فى الطلاق والرّجعة : بالشهادة ؛ وسمّى فيها : عدد الشهادة ؛ فانتهى : إلى شاهدين.»
«فدلّ ذلك : على أنّ كمال الشهادة فى (1) الطلاق والرّجعة : شاهدان (2) لا نساء فيهما (3). لأنّ شاهدين لا يحتمل بحال (4) ، أن يكونا إلا رجلين (5).»
«ودلّ (6) أنى لم ألق مخالفا : حفظت عنه - : من أهل العلم. - أنّ (7) حراما أن يطلّق : بغير بيّنة ؛ على : أنه (واللّه أعلم) : دلالة اختيار (8). واحتملت الشهادة على الرّجعة - : من هذا. - ما احتمل الطلاق.».
ثم ساق الكلام ، إلى أن قال : «والاختيار (9) فى هذا ، وفى غيره - : مما أمر فيه [بالشهادة (10)]. - : الإشهاد (11).».
ص: 131
وبهذا الإسناد ، قال الشافعي (1) : «قال اللّه تبارك : ( إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى : فَاكْتُبُوهُ ) ؛ الآية والتي بعدها : (2 - 282 - 283) ؛ وقال فى سياقها : ( وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ : مِنْ رِجالِكُمْ ؛ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ : فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ ) (2) ( مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ. - : أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما ، فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى ) (3).»
«قال الشافعي : فذكر اللّه (عز وجل) شهود الزّنا ؛ وذكر شهود الطلاق والرّجعة (4) ؛ وذكر شهود الوصيّة» - يعنى (5) : [فى] قوله تعالى : ( اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ : 5 - 106 ) . - «: فلم يذكر معهم امرأة.»
«فوجدنا شهود الزّنا : يشهدون على حدّ ، لا : مال ؛ وشهود الطلاق والرّجعة : يشهدون على تحريم بعد تحليل ، وتثبيت تحليل ؛ لا مال : فى واحد منهما.»
ص: 132
«وذكر شهود الوصيّة : ولا مال للمشهود : أنه وصىّ.»
«ثم : لم أعلم أحدا - : من أهل العلم. - خالف : فى أنه لا يجوز فى الزّنا ، إلّا : الرجال. وعلمت أكثرهم (1) قال : ولا في طلاق (2) ولا رجعة (3) : إذا تناكر الزّوجان. وقالوا ذلك : فى الوصيّة. فكان (4) ما حكيت (5) - : من أقاويلهم. - دلالة : على موافقة ظاهر كتاب اللّه (عز وجل) ؛ وكان أولى الأمور : أن (6) يقاس عليه ، ويصار إليه.»
«وذكر اللّه (عز وجل) شهود الدّين : فذكر فيهم النساء ؛ وكان الدّين : أخذ مال من المشهود عليه.»
«فالأمر (7) - : على ما فرّق اللّه (عز وجل) بينه (8) : من الأحكام في الشّهادات. - : أن ينظر : كلّ ما شهد به على أحد ، فكان لا يؤخذ منه بالشّهادة نفسها مال ؛ وكان : إنما يلزم بها حقّ غير مال ؛ أو شهد به لرجل :
ص: 133
كان (1) لا يستحقّ به مالا (2) لنفسه ؛ إنما يستحقّ به غير مال - : مثل الوصيّة ، والوكالة ، والقصاص ، والحدود (3) ، وما أشبه ذلك. - : فلا يجوز فيه إلّا شهادة الرجال (4).»
«وينظر : كلّ (5) ما شهد به - : ممّا أخذ به المشهود له ، من المشهود عليه ، مالا. - : فتجاز (6) فيه شهادة النساء مع الرجال ؛ لأنه فى معنى الموضع الذي أجازهنّ اللّه فيه : فيجوز قياسا ؛ لا يختلف هذا القول ، ولا (7) يجوز غيره. واللّه أعلم (8).».
* * *
ص: 134
وبهذا الإسناد ، قال : قال الشافعي (1) (رحمه اللّه) : «قال اللّه تبارك وتعالى : ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ، ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ - : فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً ، وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً ؛ وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تابُوا : 24 - 4 - 5 ) .»
«فأمر (2) اللّه (عز وجل) : بضربه (3) ؛ وأمر : أن لا تقبل شهادته ؛ وسمّاه : فاسقا. ثم استثنى [له (4)] : إلّا أن يتوب. والثّنيا (5) - : فى سياق الكلام. - : على أول الكلام وآخره ؛ فى جميع ما يذهب إليه أهل الفقه ؛ إلّا : أن يفرّق بين ذلك خبر (6).»
وروى الشافعي (7) قبول شهادة القاذف : إذا تاب ؛ عن عمر بن الخطاب (رضي اللّه عنه) ، وعن (8) ابن عباس (رضي اللّه عنه) ؛ ثم عن عطاء ، وطاوس ، ومجاهد (9). قال (10) : «وسئل الشّعبىّ : عن القاذف ؛ فقال :
ص: 135
يقبل (1) اللّه توبته : ولا تقبلون شهادته.؟! (2).».
* * *
(أنبأنى) أبو عبد اللّه (إجازة) : أنّ أبا العباس حدثهم : أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (3) (رحمه اللّه) : «قال اللّه جل ثناؤه : ( وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ : إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ ، كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً : 17 - 36 ) ؛ وقال تعالى : ( إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ : وَهُمْ يَعْلَمُونَ : 43 - 86 ) ؛ وحكى (4) : أنّ إخوة يوسف (عليهم السلام) وصفوا : أنّ شهادتهم كما ينبغى لهم ؛ فحكى : أنّ كبيرهم قال : ( ارْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ ، فَقُولُوا : يا أَبانا ؛ إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ ؛ وَما شَهِدْنا إِلَّا : بِما عَلِمْنا ؛ وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ : 12 - 89 ) .»
«قال الشافعي : ولا يسع شاهدا (5) ، أن يشهد إلّا : بما علم (6).
ص: 136
والعلم : من ثلاثة وجوه ؛ (منها) : ما عاينه الشاهد (1) فيشهد : بالمعاينة (2). (ومنها) : ما سمعه (3) ؛ فيشهد : بما (4) أثبت سمعا من المشهود عليه (5). (ومنها) : ما تظاهرت به الأخبار - : ممّا (6) لا يمكن فى أكثره العيان (7). - وثبتت (8) معرفته : فى القلوب ؛ فيشهد (9) عليه : بهذا الوجه (10).». وبسط الكلام فى شرحه (11).
ص: 137
وبهذا الإسناد ، قال : قال الشافعي (1) (رحمه اللّه) - : فيما يجب على المرء : من القيام بشهادته ؛ إذا شهد. - : «قال اللّه تبارك وتعالى : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا : كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ ، شُهَداءَ بِالْقِسْطِ ) ؛ الآية (2) : (5 - 8) ؛ وقال عز وجل : ( كُونُوا (3) قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ ، شُهَداءَ لِلَّهِ : وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ ، أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ) ؛ الآية (4) : (4 - 135) ؛ وقال : ( وَإِذا قُلْتُمْ ، فَاعْدِلُوا : وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى : 6 - 152 ) ؛ وقال تعالى : ( وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ ) (5) : (70 - 33) ؛ وقال : ( وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ ؛ وَمَنْ يَكْتُمْها : فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ) ؛ الآية : (2 - 283) ؛ وقال عز وجل : ( وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ : 65 - 2 ) .»
«قال الشافعي : الذي (6) أحفظ عن كلّ من سمعت منه : من أهل
ص: 138
العلم ؛ فى (1) هذه الآيات - : أنه فى الشاهد : قد (2) لزمته الشهادة ؛ وأنّ فرضا عليه : أن يقوم بها : على والديه (3) وولده ، والقريب والبعيد ؛ و: للبغيض (4) : [البعيد] والقريب ؛ و (5) : لا يكتم عن أحد ، ولا يحابى بها (6) ، ولا يمنعها أحدا (7).».
* * *
(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو ، نا أبو العباس الأصمّ ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (8) (رحمه اللّه) : «قال اللّه تبارك وتعالى : ( وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللّهُ : 2 - 282 ) ؛ يحتمل : أن يكون حتما على من دعي لكتاب (9) ؛ فإن تركه تارك : كان عاصيا.»
ص: 139
«ويحتمل : أن يكون [على (1)] من حضر - : من الكتّاب. - : أن لا يعطّلوا كتاب حقّ بين رجلين ؛ فإذا قام به واحد : أجزأ عنهم. كما حقّ عليهم : أن يصلّوا على الجنائز ويدفنوها ؛ فإذا قام بها من يكفيها : أخرج ذلك من تخلّف عنها ، من المأثم (2). وهذا : أشبه معانيه به ؛ واللّه أعلم.»
«قال : وقول اللّه عز وجل : ( وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ : إِذا ما دُعُوا ) (3) : (2 - 282) ؛ يحتمل ما وصفت : من أن لا يأبى (4) كلّ شاهد : ابتدئ (5) ، فيدعى : ليشهد.»
«ويحتمل : أن يكون فرضا على من حضر الحقّ : أن يشهد منهم من فيه الكفاية للشهادة (6) ؛ فإذا شهدوا : أخرجوا غيرهم من المأثم ؛ وإن ترك من حضر ، الشهادة : خفت حرجهم ؛ بل : لا أشكّ فيه ؛ واللّه (7) أعلم.
ص: 140
وهذا : أشبه (1) معانيه [به] ؛ واللّه أعلم.»
«قال : فأمّا من سبقت شهادته : بأن شهد (2) ؛ أو علم حقّا : لمسلم ، أو معاهد - : فلا يسعه التّخلّف عن تأدية الشهادة : متى طلبت منه فى موضع مقطع الحقّ.».
* * *
(أنبأنى) أبو عبد اللّه (إجازة) : أن أبا العباس حدثهم : أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (3) (رحمه اللّه تعالى) : «قال اللّه تبارك وتعالى : ( اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ : مِنْكُمْ : 5 - 106 ) ؛ وقال (4) اللّه تعالى : ( وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ ؛ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ : فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ : مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ : 2 - 282 ) .»
«فكان (5) الذي يعرف (6) من خوطب (7) بهذا ، أنه أريد به (8) :
ص: 141
الأحرار ، المرضيّون ، المسلمون. من قبل : أنّ (1) رجالنا ومن نرضى : من (2) أهل ديننا ؛ لا : المشركون ؛ لقطع اللّه الولاية بيننا وبينهم : بالدّين. و (3) : رجالنا : أحرارنا (4) ؛ لا : مماليكنا ؛ الذين (5) : يغلبهم (6) من تملّكهم (7) ، على كثير : من أمورهم. و (8) : أنّا لا نرضى أهل الفسق منا ؛ و: أنّ الرّضا (9) إنما يقع على العدول (10) منا ؛ ولا يقع إلّا : على البالغين ؛
ص: 142
لأنه (1) إنما خوطب (2) بالفرائض : البالغون ؛ دون : من لم يبلغ (3).». وبسط الكلام فى الدّلالة عليه (4).
* * *
(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (5) (رحمه اللّه) : «فى (6) قول اللّه عز وجل : ( وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ : مِنْ رِجالِكُمْ ) ؛ إلى : ( مِمَّنْ تَرْضَوْنَ : مِنَ الشُّهَداءِ ) (7) ، وقوله تعالى : ( وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ : مِنْكُمْ : 65 - 2 ) ؛ دلالة (8) : على أنّ اللّه
ص: 143
(عز وجل) إنما عنى : المسلمين ؛ دون غيرهم (1).»
ثم ساق الكلام (2) ، إلى أن قال : «ومن أجاز شهادة أهل الذّمّة ، فأعدلهم عنده (3) : أعظمهم باللّه شركا : أسجدهم للصّليب ، وألزمهم للكنيسة (4).»
«فإن (5) قال قائل : فإنّ اللّه (عز وجل) يقول : ( حِينَ الْوَصِيَّةِ :
ص: 144
اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ : مِنْكُمْ ؛ أَوْ آخَرانِ : مِنْ غَيْرِكُمْ : 5 - 106 ) ؛ أي (1) من غير أهل دينكم.»
«قال الشافعي : [فقد (2)] سمعت من يتأوّل هذه الآية ، على : من غير قبيلتكم (3) : من المسلمين (4).».
قال الشافعي (5) : «والتنزيل (6) (واللّه أعلم) يدلّ على ذلك : لقول اللّه تعالى : ( تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ : 5 - 106 ) ؛ والصلاة الموقّتة (7) : للمسلمين. ولقول (8) اللّه تعالى : ( فَيُقْسِمانِ بِاللّهِ : إِنِ ارْتَبْتُمْ ، لا نَشْتَرِي
ص: 145
بِهِ ثَمَناً : وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى : 5 - 106 ) ؛ وإنما القرابة : بين المسلمين الذين كانوا مع النبىّ (صلى اللّه عليه وسلم) : من العرب ؛ أو : بينهم وبين أهل الأوثان. لا : بينهم وبين أهل الذّمّة. وقول (1) [اللّه] : ( وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللّهِ : إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ : 5 - 106 ) ؛ فإنما يتأثّم من كتمان الشهادة [للمسلمين (2)] : المسلمون ؛ لا : أهل الذّمّة.»
قال الشافعي (3) : «وقد سمعت من يذكر : أنها منسوخة بقول اللّه عز وجل : ( وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ : مِنْكُمْ : 65 - 2 ) (4) ؛ واللّه أعلم (5).»
ثم جرى فى سياق كلام الشافعىّ (رحمه اللّه) أنه قال : «قلت له : إنما ذكر اللّه هذه الآية (6) : فى وصيّة مسلم (7) ؛ أفتجيزها : فى وصيّة مسلم
ص: 146
فى (1) السفر؟. قال : لا. قلت : أو تحلّفهم : إذا شهدوا.؟. قال : لا. قلت : ولم : وقد تأوّلت : أنها فى وصيّة مسلم.؟!. قال : لأنها منسوخة قلت : فإن نسخت فيما أنزلت فيه - : فلم (2) تثبتها فيما لم تنزل فيه؟! (3).».
وأجاب الشافعىّ (رحمه اللّه) - عن الآية - : بجواب آخر ؛ على ما نقل عن مقاتل بن حيّان (4) ، وغيره : فى سبب نزول الآية.
وذلك : فيما أخبرنا (5) أبو سعيد بن أبى عمرو ، قال : نا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي (6) : «أخبرنى أبو سعيد (7) : معاذ بن موسى
ص: 147
الجعفرىّ (1) ؛ عن بكير بن معروف ، عن مقاتل بن حيّان (قال بكير : قال مقاتل : أخذت هذا التفسير ، عن : مجاهد ، والحسن ، والضّحّاك.) - : فى قول (2) اللّه عز وجل : ( اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ : مِنْكُمْ (3) ؛ أَوْ آخَرانِ : مِنْ غَيْرِكُمْ ) ؛ الآية. - : أنّ رجلين نصرانيّين : من أهل دارين (4) ؛ أحدهما : تميمىّ ؛ والآخر يمانيّ ؛ (وقال (5) غيره : من أهل دارين ؛ أحدهما (6). تميم ؛ والآخر : عدىّ.) - : صحبهما
ص: 148
مولى (1) لقريش فى تجارة ، فركبوا (2) البحر : ومع القرشىّ مال معلوم ، قد علمه أولياؤه - من بين آنية ، وبز ، ورقة (3). - فمرض القرشىّ : فجعل وصيّته إلى الدّاريّين ؛ فمات ، وقبض (4) الداريّان المال (5) والوصيّة : فدفعاه إلى أولياء الميّت ، وجاءا ببعض ماله. فأنكر (6) القوم قلّة المال ، فقالوا للدّاريّين : إنّ صاحبنا قد خرج : ومعه (7) مال أكثر (8) مما أتيتمونا (9) به ؛ فهل باع شيئا ، أو اشترى [شيئا (10)] : فوضع فيه ؛ أو (11) هل طال مرضه : فأنفق على نفسه؟. قالا : لا. قالوا (12) : فإنكما خنتمونا (13). فقبضوا المال ، ورفعوا أمرهما إلى النبىّ (14) (صلى اللّه عليه وسلم) : فأنزل
ص: 149
اللّه تعالى : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا : شَهادَةُ بَيْنِكُمْ ) (1) ؛ إلى آخر الآية (2). فلمّا نزلت (3) : ( تَحْبِسُونَهُما ) (4) ( مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ ) : أمر (5) النبىّ (صلى اللّه عليه وسلم) الدّاريّين ؛ فقاما بعد الصلاة : فحلفا باللّه ربّ السموات : ما ترك مولاكم : من المال ، إلّا ما أتيناكم به ؛ وإنّا لا نشترى بأيماننا ثمنا قليلا (6) : من الدّنيا ؛ ( وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى ؛ وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللّهِ : إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ ) . فلمّا حلفا : خلّى سبيلهما. ثم : إنهم وجدوا - بعد ذلك - إناء (7) : من آنية الميّت ؛ فأخذ (8) الدّاريّان ، فقالا : اشتريناه منه فى حياته ؛ وكذبا ؛ فكلّفا البيّنة : فلم يقدرا (9) عليها (10). فرفع (11) ذلك إلى النبىّ (12) (صلى اللّه عليه وسلم) : فأنزل اللّه عز وجل : ( فَإِنْ عُثِرَ ) ؛ يقول :
ص: 150
فإن اطّلع (على أنّهما استحقّا إثما) يعنى : الدّاريّين ؛ [أي (1)] : كتما حقّا ؛ (فآخران) : من أولياء الميّت ؛ (يقومان مقامهما - : من الّذين استحقّ عليهم الأوليان (2). - : فيقسمان باللّه) (3) : فيحلفان باللّه : إنّ مال صاحبنا (4) كان كذا وكذا ؛ وإنّ الذي نطلب - : قبل الدّاريّين. - لحقّ ؛ ( وَمَا اعْتَدَيْنا : إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ : 5 - 107 ) . فهذا (5) : قول الشاهدين أولياء الميّت (6) : ( ذلِكَ أَدْنى : أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها : 5 - 108 ) ؛ يعنى : الدّاريّين والناس ؛ [أن يعودوا لمثل ذلك (7)].»
«[قال الشافعي : يعنى : من كان فى مثل حال الدّاريّين (8)] : من
ص: 151
الناس. ولا أعلم الآية تحتمل معنى : غير جملة (1) ما قال (2).»
«وإنما معنى ( شهادة بينكم ) : أيمان بينكم (3) ؛ كما (4) سمّيت أيمان المتلاعنين : شهادة ، واللّه تعالى أعلم.».
وبسط الكلام فيه ، إلى أن قال : «وليس فى هذا : ردّ اليمين ، إنما كانت يمين الدّاريّين : على ما ادّعى (5) الورثة : من الخيانة ؛ ويمين ورثة الميّت : على ما ادّعى الدّاريّان : أنه (6) صار لهما من قبله (7).»
«وقوله (8) عز وجل : ( أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ : 5 - 108 ) ،
ص: 152
فذلك (واللّه أعلم) : أنّ الأيمان كانت عليهم : بدعوى الورثة : أنهم اختانوا ؛ ثم صار الورثة حالفين : بإقرارهم : أنّ هذا كان للميّت ، وادّعائهم شراءه منه. فجاز : أن يقال : ( أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ ) : [تثنّى (1) عليهم الأيمان. بما يجب عليهم إن صارت لهم الأيمان ؛ كما يجب على من حلف لهم]. وذلك قوله (2) - واللّه أعلم - : ( يَقُومانِ مَقامَهُما ) . فيحلفان (3) كما أحلفا.»
«وإذا كان هذا كما وصفت : فليست هذه الآية : ناسخة (4) ، ولا منسوخة (5).».
قال الشيخ : وقد روينا عن ابن عباس (6) ، ما دلّ : على صحة ما قال مقاتل بن حيّان (7).
ص: 153
ويحتمل : أن يكون المراد بقوله تعالى : ( شَهادَةُ بَيْنِكُمْ - : إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ ، حِينَ الْوَصِيَّةِ. - : اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ : مِنْكُمْ ؛ أَوْ آخَرانِ ) - : الشهادة نفسها (1). وهو : أن يكون للمدّعى اثنان ذوا عدل - : من المسلمين. - يشهدان (2) لهم بما ادّعوا على الدّاريّين. من الخيانة. ثم قال : ( أَوْ (3) آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ ) ؛ يعنى : إذا لم يكن للمدّعين : منكم ؛ بيّنة - : فآخران : من غيركم ؛ يعنى : فالدّاريّان -. اللّذان ادّعى عليهما. - يحبسان من بعد الصلاة. (فيقسمان باللّه) ؛ يعني. يحلفان على إنكار ما ادّعى عليهما ؛ على ما حكاه مقاتل ، واللّه أعلم (4).
ص: 154
(أنا) أبو سعيد ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (1) : «والحجّة فيما وصفت - : من أن يستحلف الناس : فيما بين البيت والمقام ، وعلى منبر رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) ، وبعد العصر. - : قوله (2) تبارك وتعالى : ( تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ ، فَيُقْسِمانِ بِاللّهِ : 5 - 106 ) ؛ وقال المفسّرون : [هى (3)] صلاة العصر (4).». ثم ذكر. شهادة المتلاعنين ، وغيرها (5).
ص: 155
وفيما أنبأنى أبو عبد اللّه (إجازة) : عن أبى العباس ، عن الربيع ، عن الشافعي ، أنه قال (1) : «زعم بعض أهل التفسير : أنّ قول اللّه جل ثناؤه : ( ما جَعَلَ اللّهُ لِرَجُلٍ : مِنْ قَلْبَيْنِ ؛ فِي جَوْفِهِ : 33 - 4 ) - : ما جعل (2) لرجل : من أبوين ؛ فى الإسلام.
قال الشافعي : واستدلّ (3) بسياق الآية : قوله تعالى : ( ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ ؛ هُوَ : أَقْسَطُ عِنْدَ اللّهِ : 33 - 5 ) (4).».
قال الشيخ : قد روينا هذا (5) عن مقاتل بن حيّان ؛ وروى عن الزّهرىّ (6).
ص: 156
وفيما أنبأنى أبو عبد اللّه الحافظ (إجازة) : عن أبى العباس الأصمّ ، عن الربيع ، عن الشافعي (رحمه اللّه) ، قال (1) : «قال اللّه تبارك وتعالى : ( وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ : أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ؟ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ : 3 - 44 ) ؛ وقال تعالى : ( وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * فَساهَمَ : فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ : 37 - 139 - 141 ) .»
«فأصل القرعة - فى كتاب اللّه عز وجل - : فى قصّة المقترعين (2) [على مريم] ، والمقارعين (3) يونس (عليه السلام) : مجتمعة. (4)»
ص: 157
«ولا تكون (1) القرعة (واللّه أعلم) إلّا بين القوم (2) : مستوين فى الحجّة (3).»
«ولا يعدو (واللّه أعلم) المقترعون على مريم (عليها السلام) ، أن يكونوا : كانوا سواء فى كفالتها (4) ؛ فتنافسوها : لمّا (5) كان : أن تكون (6) عند واحد (7) ، أرفق بها. لأنها لو صيّرت (8) عند كلّ واحد (9) يوما أو أكثر ، وعند غيره مثل ذلك (10) - : أشبه أن يكون أضرّ بها ؛ من قبل : أنّ الكافل إذا كان واحدا : كان (11) أعطف له عليها ، وأعلم
ص: 158
[له (1)] بما فيه مصلحتها - : للعلم : بأخلاقها ، وما تقبل (2) ، وما تردّ (3) ؛ و [ما (4)] يحسن [به (5)] اغتذاؤها. - وكلّ (6) من اعتنف (7) كفالتها ، كفلها : غير خابر بما يصلحها ؛ ولعله لا يقع على صلاحها : حتى تصير إلى غيره ؛ فيعتنف : من كفالتها ؛ [ما اعتنف (8)] غيره.»
«وله وجه آخر : يصحّ ؛ وذلك : أنّ ولاية واحد (9) إذا كانت (10) صبيّة : غير ممتنعة ممّا يمتنع منه من عقل - : يستر (11) ما ينبغى ستره. - : كان أكرم لها ، وأستر عليها : أن يكفلها واحد ، دون الجماعة.»
«ويجوز : أن تكون عند كافل ، ويغرم من بقي مؤنتها : بالحصص. كما تكون الصبيّة عند خالتها ، و (12) عند أمّها : ومؤنتها : على من عليه مؤنتها.»
ص: 159
«قال : ولا يعدو الذين اقترعوا على كفالة مريم (عليها (1) [السلام]) : أن (2) يكونوا تشاحّوا على كفالتها - فهو (3) : أشبه ؛ واللّه أعلم - أو : يكونوا تدافعوا كفالتها ؛ فاقترعوا : أيّهم تلزمه (4)؟. فإذا رضى من شح (5) على كفالتها ، أن يمونها - : لم يكلّف غيره أن يعطيه : من مؤنتها ؛ شيئا. برضاه (6) : بالتّطوّع بإخراج ذلك من ماله.»
«قال : وأىّ المعنيين كان : فالقرعة تلزم أحدهم ما يدفعه عن نفسه ؛ أو تخلّص (7) له ما ترغب (8) فيه نفسه ؛ وتقطع (9) ذلك عن غيره : ممّن هو فى مثل حاله.»
«وهكذا [معنى (10)] قرعة يونس (عليه السلام) : لمّا وقفت بهم السّفينة ، فقالوا : ما يمنعها أن تجرى إلّا : علّة بها ؛ وما علّتها إلّا : ذو ذنب
ص: 160
فيها ؛ فتعالوا : نقترع. فاقترعوا : فوقعت القرعة على يونس (عليه السلام) : فأخرجوه منها ، وأقاموا فيها.»
«وهذا : مثل معنى القرعة فى الذين اقترعوا على كفالة مريم (عليها السلام) ؛ لأنّ حالة (1) الرّكبان كانت مستوية ؛ وإن لم يكن فى هذا (2) حكم : يلزم (3) أحدهم فى ماله ، شيئا : لم يلزمه قبل القرعة ؛ ويزيل عن أحد (4) شيئا : كان يلزمه - : فهو يثبت على بعض الحقّ (5) ، ويبيّن فى بعض : أنه بريىء منه. كما كان فى الذين اقترعوا على كفالة مريم (عليها السلام) : غرم ، وسقوط غرم»
«قال : وقرعة (6) النبىّ (صلى اللّه عليه وسلم) - فى كلّ موضع أقرع فيه - : [فى (7)] مثل معنى الذين اقترعوا على كفالة مريم (عليها السلام) ، سواء : لا يخالفه (8).»
«وذلك : أنه (عليه السلام) أقرع بين مماليك : أعتقوا معا ؛ فجعل العتق : تامّا لثلثهم ؛ وأسقط عن ثلثيهم : بالقرعة. وذلك : أنّ المعتق
ص: 161
- فى مرضه - أعتق ماله ومال غيره : فجاز عتقه فى ماله ، ولم يجز فى مال غيره. فجمع النبىّ (صلى اللّه عليه وسلم) العتق : فى ثلاثة (1) ؛ ولم يبعّضه (2). كما يجمع : فى القسم بين أهل المواريث ؛ ولا يبعّض عل يهم.»
«وكذلك : كان إقراعه لنسائه : أن يقسم لكلّ واحدة منهنّ : فى الحضر ؛ فلمّا كان فى (3) السفر : كان منزلة (4) : يضيق فيها الخروج بكلّهنّ ؛ فأقرع بينهنّ : فأيّتهنّ خرج سهمها : خرج بها (5) ، وسقط حقّ غيرها : فى غيبته بها ؛ فإذا حضر : عاد للقسم (6) لغيرها ، ولم يحسب عليها
ص: 162
أيام سفرها (1)»
«وكذلك : قسم خيبر : [فكان (2)] أربعة أخماسها لمن حضر (3) ؛ ثم أقرع : فأيّهم خرج سهمه على جزء مجتمع - : كان له بكماله ، وانقطع منه حقّ غيره ؛ وانقطع حقّه عن غيره.».
* * *
(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو ، نا أبو العباس الأصمّ ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، قال (4) : «قال اللّه عز وجل : ( وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ - : وَكانَ فِي مَعْزِلٍ. - : يا بُنَيَ (5) ؛ ارْكَبْ مَعَنا ) ؛ الآية (6) : 11 - 42). وقال (7) : ( وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ : 6 - 74 ) ؛ فنسب إبراهيم
ص: 163
(عليه السلام) ، إلى أبيه : وأبوه كافر ؛ ونسب [ابن] نوح ، إلى أبيه (1) : وابنه كافر.»
«وقال اللّه لنبيّه (صلى اللّه عليه وسلم) - فى زيد بن حارثة - : ( ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ ؛ هُوَ : أَقْسَطُ عِنْدَ اللّهِ ؛ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ : فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ ، وَمَوالِيكُمْ : 33 - 5 ) ؛ وقال تعالى : ( وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِ ، وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ : 33 - 37 ) (2) ؛ فنسب (3) الموالي إلى (4) نسبين : (أحدها) : إلى الآباء ؛ (والآخر) : إلى الولاء. وجعل الولاء : بالنّعمة.» «وقال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (5) : إنّما الولاء : لمن
ص: 164
أعتق (1)
«فدلّ الكتاب والسنة : على أنّ الولاء إنما يكون : لمتقدّم (2) فعل من المعتق ؛ كما يكون النّسب : بمتقدّم ولاد (3) [من الأب] (4).»
وبسط الكلام : في امتناعهم من تحويل الولاء عن المعتق ، إلى غيره : بالشّرط : كما يمتنع تحويل النّسب : بالانتساب إلى غير من ثبت له النّسب (5)
====
6.
ص: 165
(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (1) (رحمه اللّه) : «قال اللّه جل ثناؤه : ( وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ - : مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ. - : فَكاتِبُوهُمْ : إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً : 24 - 33 ) (2).».
«قال الشافعي (3) : «فى (4) قول اللّه عز وجل : ( وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ ) (5) ؛ دلالة : على أنه إنما أذن : أن يكاتب من يعقل ما يطلب (6) ؛ لا : من لا يعقل أن يبتغى الكتابة (7) : من صبىّ ؛ ولا : معتوه (8).».
ص: 166
(أنا) أبو سعيد ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي (1) : «أنا عبد اللّه بن الحارث بن عبد الملك ، عن (2) ابن جريج : أنه قال لعطاء : ما الخير؟ المال؟ أو الصّلاح؟ أم (3) كلّ ذلك؟ قال : ما نراه (4) إلّا المال ؛ قلت : فإن لم يكن عنده مال : وكان رجل صدق؟ قال : ما أحسب ما خيرا (5)] إلّا : ذلك المال ؛ لا (6) : الصّلاح. قال (7) : وقال مجاهد : ( إن علمتم فيهم خيرا ) : المال ؛ كاينة (8) أخلاقهم وأديانهم ما كانت»
«قال الشافعي : الخير (9) كلمة : يعرف ما أريد بها (10) ، بالمخاطبة بها.
ص: 167
قال اللّه تعالى : ( إِنَ ) (1) ( الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ، أُولئِكَ : هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ : 98 - 7 ) ؛ فعقلنا : أنهم خير البريّة : بالإيمان وعمل الصّالحات ؛ لا : بالمال.»
«وقال اللّه عز وجل : ( وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ : مِنْ شَعائِرِ اللّهِ ؛ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ : 22 - 36 ) ؛ فعقلنا : أن الخير : المنفعة بالأجر ؛ لا : أنّ فى (2) البدن لهم مالا.»
«وقال اللّه (3) عز وجل : ( إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ : إِنْ تَرَكَ خَيْراً : 2 - 180 ) ؛ فعقلنا : أنه : إن ترك مالا ؛ لأنّ (4) المال : المتروك ؛ ولقوله : ( الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ) .»
«فلمّا قال اللّه عز وجل : ( إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً ) : كان أظهر معانيها - : بدلالة ما استدللنا به : من الكتاب. - قوّة على اكتساب المال ، وأمانة (5) لأنه قد يكون (6) : قويّا فيكسب (7) ؛ فلا يؤدّى : إذا لم
ص: 168
يكن ذا أمانة. و: أمينا ، فلا يكون قويّا على الكسب : فلا يؤدّى. ولا (1) يجوز عندى (واللّه أعلم) - فى قوله تعالى : ( [إِنْ] عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً ) . - إلا هذا.»
«وليس الظاهر : أنّ (2) القول : إن علمت فى عبدك مالا ؛ لمعنيين (3) : (أحدهما) : أنّ المال لا يكون فيه ؛ إنما يكون : عنده ؛ لا (4) : فيه. ولكن : يكون فيه الاكتساب : الذي يفيده (5) المال. (والثاني) : أنّ المال - الذي فى يده - لسيّده : فكيف (6) يكاتبه بماله (7)؟! - إنما يكاتبه : بما (8) يفيد العبد بعد الكتابة (9). - : لأنه حينئذ ، يمنع ما [أفاد (10)] العبد : لأداء الكتابة.»
«ولعلّ من ذهب : إلى أنّ الخير : المال ؛ [أراد (11)] : أنه أفاد
ص: 169
بكسبه مالا للسّيد ؛ فيستدلّ : على أنه يفيد (1) مالا يعتق به ؛ كما أفاد أوّلا (2).»
قال الشافعي (3) : «وإذا جمع القوّة على الاكتساب ، والأمانة - : فأحبّ إلىّ لسيده : أن يكاتبه (4). ولا ببين لى : أن (5) يجبر عليه ؛ لأنّ الآية محتملة : أن يكون (6) : إرشادا ، أو (7) إباحة ؛ [لا : حتما (8)]. وقد ذهب هذا المذهب ، عدد : ممن لقيت من أهل العلم (9).».
وبسط الكلام فيه ؛ واحتجّ - فى جملة ما ذكر - : «بأنه لو كان.
ص: 170
واجبا : لكان محدودا : بأقلّ (1) ما يقع عليه اسم الكتابة ؛ أو : لغاية معلومة (2).».
* * *
(أنا) أبو سعيد ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، نا الشافعي (3) : «أنا الثّقة (4) ، عن أيّوب ، عن نافع ، عن ابن عمر : أنه كاتب عبدا له بخمسة وثلاثين ألفا ؛ ووضع عنه خمسة آلاف. أحسبه قال : من آخر نجومه (5).»
«قال الشافعي : وهذا عندى (واللّه أعلم) : مثل قول اللّه عز وجل : ( وَلِلْمُطَلَّقاتِ : مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ : 2 - 241 ) . فيجبر (6) سيد المكاتب : على أن يضع عنه - : ممّا عقد عليه الكتابة. - شيئا ؛ [وإذا وضع عنه شيئا (7)] ما كان : [لم يجبر على أكثر منه (8)].»
ص: 171
«وإذا أدّى المكاتب الكتابة كلّها ، فعلى السّيد : أن يردّ عليه منها شيئا (1) ، ويعطيه ممّا أخذ منه : لأنّ قوله عز وجل : ( مِنْ مالِ اللّهِ الَّذِي آتاكُمْ : 24 - 33 ) ؛ يشبه (واللّه أعلم) : آتاكم منهم (2) ؛ فإذا أعطاه شيئا غيره : فلم يعطه من الذي أمر : أن يعطيه منه.». وبسط الكلام فيه (3).
ص: 172
سوى ما مضى (1)»
(أنا) أبو عبد اللّه الحافظ - فى كتاب : «المستدرك (2)» - : أنا (3) أبو العباس (محمد بن يعقوب) : أنا الربيع بن سليمان ، أنا الشافعي : «أخبرنى يحيى بن سليم ، نا (4) ابن جريج ، عن عكرمة ، قال : دخلت على ابن عباس (5) - : وهو يقرأ فى المصحف ، قبل أن يذهب بصره ، وهو يبكى. - فقلت : ما يبكيك يا أبا عباس (6)؟ جعلنى اللّه فداك (7).
ص: 173
فقال (1) : هل تعرف (أيلة) (2)؟ قلت (3) : وما (أيلة (4))؟ قال : قرية كان بها ناس : من اليهود ؛ فحرّم اللّه عليهم الحيتان : يوم السّبت ؛ فكانت حيتانهم تأتيهم يوم سبتهم : شرّعا (5) - : بيض (6) سمان : كأمثال المخاض. - : بأفنيائهم وأبنياتهم (7) ؛ فإذا كان فى (8) غير يوم السبت : لم يجدوها ، ولم يدركوها إلّا : فى مشقّة ومونة (9) شديدة ؛ فقال بعضهم (10) - أو من قال ذلك منهم - : لعلّنا : لو أخذناها يوم السبت ،
ص: 174
وأكلناها فى غير يوم السبت (1).؟! ففعل ذلك أهل بيت منهم : فأخذوا فشووا ؛ فوجد جيرانهم ريح الشّوىّ (2) ، فقالوا : واللّه ؛ ما نرى [إلّا] أصاب بنى فلان شىء (3). فأخذها آخرون : حتى فشا ذلك فيهم فكثر (4) ؛ فافترقوا فرقا ثلاثا (5) : فرقة : أكلت ؛ وفرقة : نهت ؛ وفرقة قالت : ( لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً : اللّهُ مُهْلِكُهُمْ ، أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً : 7 - 164 ) ؟!. فقالت الفرقة التي نهت : إنّا (6) نحذّركم غضب اللّه ، وعقابه (7) : أن يصيبكم اللّه (8) : بخسف ، أو قذف ؛ أو ببعض ما عنده : من العذاب ؛ واللّه : لا نبايتكم فى (9) مكان : وأنتم (10) فيه. (قال) (11) : فخرجوا من البيوت (12) ؛ فغدوا (13) عليهم من الغد : فضربوا باب البيوت (14) : فلم يجبهم
ص: 175
أحد ؛ فأتوا بسلّم (1) : فأسندوه إلى البيوت (2) ؛ ثم رقى منهم راق على السّور ، فقال : يا عباد اللّه ؛ قردة (واللّه) : لها أذناب ، تعاوى (3) (ثلاث مرّات). ثم نزل (4) من السّور : ففتح البيوت (5) ؛ فدخل الناس عليهم : فعرفت القرود (6) أنسابها : من (7) الإنس ؛ ولم يعرف (8) الإنس أنسابها (9) : من القرود. (قال) : فيأتى القرد إلى نسيبه وقريبه : من الإنس ؛ فيحتكّ به ويلصق ، ويقول الإنسان (10) : أنت فلان؟ فيشير برأسه (11) - أي : نعم. - ويبكى. وتأتى القردة إلى نسيبها وقريبها : من الإنس ؛ فيقول لها الإنسان (12) : أنت فلانة؟ فتشير برأسها - أي : نعم : - وتبكى فيقول (13) لها (14) الإنسان : إنّا حذّرناكم غضب اللّه
ص: 176
وعقابه : أن يصيبكم : بخسف ، أو مسخ ؛ أو ببعض ما عنده : من العذاب.».
«قال ابن عباس : واسمع (1) اللّه (عز وجل) يقول (2) : ( أَنْجَيْنَا (3) الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ ، وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا : بِعَذابٍ بَئِيسٍ ؛ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ : 7 - 165 ) ؛ فلا أدرى : ما فعلت الفرقة الثالثة؟. قال ابن عباس : فكم قد رأينا : من (4) منكر ؛ فلم ننه عنه. قال عكرمة (5) : ألا (6) ترى (جعلنى اللّه فداك) : أنهم (7) أنكروا وكرهوا ؛ حين قالوا : ( لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً : اللّهُ مُهْلِكُهُمْ ، أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً؟! ) ؛؟!. فأعجبه قولى ذلك ؛ وأمر لى : ببردين غليظين ؛ فكسانيهما (8).».
* * *
(أنا) أبو عبد اللّه الحافظ : (فى آخرين) ؛ قالوا : أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي : «أنا سفيان ، عن الزّهرىّ ، عن عروة (9) ؛ قال : لم يزل
ص: 177
رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) : يسأل عن السّاعة ؛ حتى أنزل عليه : ( فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها ) (1) : (73 - 43) ؛ فانتهى (2).».
* * *
(أنا) أبو عبد اللّه الحافظ : أخبرنى أبو عبد اللّه (أحمد بن محمد بن مهدىّ الطّوسىّ) : نا محمد بن المنذر بن سعيد ، أنا محمد بن عبد اللّه بن عبد الحكم ، قال : سمعت الشافعىّ يقول - فى قول اللّه عز وجل : ( وَأَنْتُمْ سامِدُونَ ) (3) : (53 - 61). - قال : «يقال (4) : هو (5) : الغناء ؛ بالحميريّة. وقال
ص: 178
بعضهم (1) : غضاب مبرطمون (2).»
«قال الشافعي : [من (3)] السّمود ؛ [و] كلّ ما يحدّث الرجل [به] (4) - : فلها عنه ، ولم يستمع إليه. - فهو (5) : السّمود.».
* * *
(أنا) أبو عبد الرحمن السّلمىّ ، قال : سمعت أبا الحسن بن مقسّم (ببغداد) ، يقول : سمعت أحمد بن على بن سعيد البزّار ، يقول : سمعت أبا ثور يقول : سمعت الشافعىّ يقول : «الفصاحة - : إذا استعملتها فى الطّاعة. - : أشفى وأكفى : فى البيان ؛ وأبلغ : فى الإعذار (6).»
«لذلك : [دعا] موسي ربّه ، فقال : ( وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي : 20 - 27 - 28 ) . وقال : ( وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً : 28 - 34 ) ؛ لما علم : أنّ الفصاحة أبلغ فى البيان.».
ص: 179
(أنا) أبو عبد الرحمن السّلمىّ ، سمعت علىّ بن أبى عمرو البلخيّ ، يقول : سمعت عبد المنعم بن عمر الأصفهانىّ ، [يقول] : نا أحمد بن محمد المكّىّ ، نا محمد بن إسماعيل ، والحسين بن زيد ، والزّعفرانىّ ، وأبو ثور ؛ كلّهم قالوا : سمعنا محمد بن إدريس الشافعىّ ، يقول : «نزّه اللّه (عز وجل) نبّه ، ورفع قدره ، وعلّمه وأدّبه ؛ وقال : ( وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ : 25 - 58 ) .»
«وذلك : أنّ الناس فى أحوال شتّى (1) : متوكّل : على نفسه ؛ أو : على ماله ؛ أو : على زرعه ؛ أو : على سلطان ؛ أو : على عطيّة الناس. وكلّ مستند : إلى حىّ يموت ؛ أو : على شىء يفنى : يوشك أن ينقطع به. فنزّه اللّه نبيّه (صلى اللّه عليه وسلم) ؛ وأمره : أن يتوكّل على الحىّ الذي لا يموت (2).»
«قال الشافعي : واستنبطت (3) البارحة آيتين - فما (4) أشتهى ، باستنباطهما ، الدّنيا وما فيها - : ( يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ؛ ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ
ص: 180
إِذْنِهِ : 10 - 3 ) ؛ وفي كتاب اللّه ، هذا كثير : ( مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ ، إِلَّا بِإِذْنِهِ؟! : 2 - 255 ) ؛ فتعطّل (1) الشّفعاء ، إلا بإذن اللّه (2).»
«وقال فى سورة هود - عليه السلام - : (3) ( وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ، ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ - : يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً ، إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى : 11 - 3 ) ؛ فوعد اللّه كلّ من تاب - : مستغفرا. - : التّمتّع إلى الموت ؛ ثم قال : ( وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ ، فَضْلَهُ ) ؛ أي : فى الآخرة.»
«قال الشافعي (رحمه اللّه) : فلسنا نحن تائبين على حقيقة (4) ؛ ولكن : علم علمه اللّه (5) ؛ ما حقيقة (6) التّائبين : وقد متّعنا فى هذه الدّنيا ، تمتّعا حسنا (7).؟.».
ص: 181
(أنا) أبو عبد اللّه الحافظ ، قال : وقال الحسن بن محمد - فيما أخبرت عنه ، وقرأته فى كتابه - : أنا محمد بن سفيان ، نا يونس بن عبد الأعلى ، قال : وقال لى الشافعي (1) : «ما بعد عشرين ومائة - : من آل عمران. - نزلت فى أحد : فى أمرها (2) ؛ وسورة الأنفال نزلت : فى بدر (3) ؛ وسورة الأحزاب نزلت : فى الخندق (4) ، وهى : الأحزاب ؛ وسورة الحشر نزلت (5) : في النّضير».
ص: 182
قال : وقال الشافعي (1) : «إنّ غنائم بدر لم تخمّس البتّة (2) ؛ وإنّما نزلت آية الخمس : بعد رجوعهم من بدر ، وقسم الغنائم (3).».
قال (4) : وقال الشافعي (رحمه اللّه) - فى قوله تعالى : ( لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللّهِ : 5 - 2 ) . - : «يعنى (5) : لا تستحلّوها ، [وهى (6)] : كلّ ما كان لله (عز وجل) : من الهدى وغيره.» [وفى قوله] (7) : ( وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ : 5 - 2 ) : «من أتاه : تصدّونهم عنه.».
قال : وقال الشافعي (رحمه اللّه) - فى قوله عز وجل : ( شَنَآنُ قَوْمٍ : 5 - 2 ) . - : «على (8) خلاف الحقّ». وقوله عز وجل : ( إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ : 5 - 3 ) : «فما وقع عليه اسم الذّكاة - : من هذا. - فهو : ذكىّ (9).».
ص: 183
قال : وقال الشافعي : «الأزلام (1) ليس لها معنى إلّا : القداح (2).».
قال : وقال الشافعي (رحمه اللّه) - فى قوله عز وجل : ( وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ : 4 - 5 ) . - : «إنّهم : النساء والصّبيان (3) ؛ لا تملّكهم ما أعطيتك - : من ذلك. - وكن أنت الناظر لهم فيه.».
قال : وقال الشافعي - فى قوله عز وجل : ( وَالْمُحْصَناتُ : مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ ، مِنْ قَبْلِكُمْ : 5 - 5 ) . - : «الحرائر : من أهل الكتاب ؛ غير ذوات الأزواج (4). ( مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ : 5 - 5 ) :
ص: 184
عفائف (1) غير فواسق.».
قال (2) : وقال الشافعي (رحمه اللّه) - فى قوله عز وجل : ( لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ، جُناحٌ فِيما طَعِمُوا ) ؛ الآية (3) - قال : «إذا اتّقوا : لم يقربوا ما حرم عليهم (4).».
قال : وقال الشافعي (رحمه اللّه) - فى قوله عز وجل : ( عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ ) . (5) (5 - 105) - قال : «هذا : مثل قوله تعالى: ( لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ : 2 - 272 ) ؛ ومثل قوله عز وجل: ( فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ : حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ : 4 - 140 ) . ومثل هذا - فى القرآن - :
ص: 185
على ألفاظ (1).».
قال : وقال الشافعي رحمه [اللّه] - فى قوله عز وجل : ( إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ : لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ : 4 - 17 ) . - : «ذكروا فيها معنيين : (أحدهما) : أنه من عصى : فقد جهل ، من جميع الخلق (2). (والآخر) : أنه لا يتوب أبدا : حتى (3) يعمله ؛ وحتى يعمله : وهو لا يرى أنه محرّم. والأوّل : أولاهما (4).».
قال : وقال الشافعي (رحمه اللّه) ، - [فى قوله عز وجل (5)] : ( وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ : أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً ؛ إِلَّا خَطَأً : 4 - 92 ) . - : «معناه : أنه ليس للمؤمن (6) أن يقتل أخاه ؛ إلّا : خطأ.».
ص: 186
قال : وقال الشافعي - فى قوله عز وجل : ( قُلِ : اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ ، وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ ) ؛ الآية : (4 - 127). - : «قول عائشة (رضى اللّه عنها) ، أثبت شىء فيه». وذكر لى - فى قولها - : حديث الزّهرىّ (1).
قال : وقال [الشافعي (2)] - فى قوله عز وجل : ( لا يُؤاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ : 5 - 89 ) . - : «ليس فيه إلّا قول عائشة : حلف الرجل على الشيء : يستيقنه ، ثم يجده : على غير ذلك (3).».
قلت : وهذا بخلاف رواية الربيع عن الشافعي : من قول عائشة. ورواية الربيع أصحّ : فهذا الذي رواه يونس عن الشافعي - : من قول عائشة. - : إنّما رواه عمر بن قيس ، عن عطاء ، عن عائشة (4). وعمر بن
ص: 187
قيس : ضعيف. وروى من وجه آخر : كالمنقطع.
والصحيح عن عطاء وعروة ، عن عائشة - : ما رواه في رواية الربيع ؛ والصحيح : من المذهب أيضا ؛ ما أجازه فى رواية الربيع.
* * *
(قرأت) فى كتاب : (السّنن) - (1) رواية حرملة عن الشافعي رحمه اللّه - : قال : «قال اللّه تبارك وتعالى : ( وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ ، حُسْناً : 5 - 8 ) ؛ وقال تعالى : ( أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ : 31 - 14 ) ؛ وقال جل ثناؤه : ( إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى ، وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ : لِتَعارَفُوا : 49 - 13 ) (2).»
«وقال تبارك اسمه : ( فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ : مِمَّ خُلِقَ؟ * : خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ : 86 - 5 - 7 ) ؛ فقيل : يخرج من صلب الرجل ، وترائب (3) المرأة.»
«وقال : ( مِنْ نُطْفَةٍ : أَمْشاجٍ ؛ نَبْتَلِيهِ : 76 - 2 ) ؛ فقيل (واللّه أعلم) :
ص: 188
نطفة الرجل : مختلطة بنطفة المرأة (1). (قال الشافعي) : وما اختلط سمّته العرب : أمشاجا.»
«وقال اللّه تعالى : ( وَلِأَبَوَيْهِ : لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ : مِمَّا تَرَكَ ) ؛ الآية : 4 - 11).»
«فأخبر (جل ثناؤه) : أنّ كلّ آدمىّ : مخلوق من ذكر وأنثى ؛ وسمّى الذكر : أبا ؛ والأنثى : أمّا.»
«ونبّه (2) : أنّ ما نسب (3) - : من الولد. - إلى أبيه : نعمة من نعمه ؛ فقال : ( فَبَشَّرْناها : بِإِسْحاقَ ؛ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ : يَعْقُوبَ : 11 - 71 ) ؛ وقال : ( يا زَكَرِيَّا ؛ إِنَّا نُبَشِّرُكَ : بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى ؛ 19 - 7 ) .»
«قال الشافعي : ثم كان بيّنا فى أحكامه (جل ثناؤه) : أنّ نعمته لا تكون : من جهة معصيته (4) ؛ فأحلّ النكاح ، فقال : ( فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ : مِنَ النِّساءِ : 4 - 3 ) ؛ وقال تبارك وتعالى : ( فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا : فَواحِدَةً ، أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ : 4 - 3 ) . وحرّم الزّنا ، فقال : ( وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى : 17 - 32 ) ؛ مع ما ذكره : فى كتابه.»
«فكان معقولا فى كتاب اللّه : أنّ ولد الزّنا لا يكون منسوبا إلى
ص: 189
أبيه : الزّانى بأمّه. لما وصفنا : من أنّ نعمته إنّما تكون : من جهة طاعته ؛ لا : من جهة معصيته.»
«ثم : أبان ذلك على لسان نبيّه صلى اللّه عليه وسلم (1)» ؛ وبسط الكلام فى شرح (2) ذلك.
* * *
(أنا) أبو عبد الرحمن السّلمىّ ، قال : حدثنا على بن عمر الحافظ (ببغداد) : نا عبد اللّه بن محمد بن أحمد بن [محمد بن] عبد اللّه بن محمد ابن العباس الشافعىّ ؛ حدثنا أبى ، عن أبيه : حدثنى أبى [محمد بن] عبد اللّه (3) بن محمد ؛ قال : سمعت الشافعىّ يقول (4) : «نظرت بين
ص: 190
دقّتى المصحف : فعرفت مراد اللّه (عز وجل) فى (1) جميع ما فيه ، إلّا حرفين» : (ذكرهما ، وأنسيت (2) أحدهما) ؛ «والآخر : قوله تعالى : ( وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها : 91 - 10 ) ، فلم أجده : فى كلام العرب ؛ فقرأت لمقاتل بن سليمان : أنّها : لغة السّودان ؛ وأنّ (دسّاها (3)) : أغواها. (4)».
قوله : «فى كلام العرب» ؛ أراد : لغته ؛ أو أراد : فيما بلغه : من كلام العرب. والذي ذكره مقاتل - : (5) لغة السّودان. - : من كلام العرب ؛ واللّه أعلم.
* * *
وقرأت فى كتاب. (السّنن) - رواية حرملة بن (6) يحيى ، عن الشافعي رحمه اللّه - : قال : «قال اللّه عز وجل : ( لا يَنْهاكُمُ اللّهُ عَنِ الَّذِينَ : لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ ) ، الآيتين : (60 - 8).»
ص: 191
«قال : يقال (واللّه أعلم) : إنّ بعض المسلمين تأثّم من صلة المشركين - أحسب ذلك : لمّا نزل (1) فرض جهادهم ، وقطع الولاية بينهم وبينهم (2) ، ونزل : ( لا تَجِدُ قَوْماً - : يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ. - : يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ ) ، الآية (3) : 58 - 22). - فلمّا خافوا أن تكون [المودّة (4)] : الصّلة بالمال ، أنزل (5) : ( لا يَنْهاكُمُ اللّهُ عَنِ الَّذِينَ : لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ ، وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ - : أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ (6) ، إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّما يَنْهاكُمُ اللّهُ عَنِ الَّذِينَ : قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ ، وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ ، وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ - : أَنْ
ص: 192
تَوَلَّوْهُمْ ؛ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ : فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) .»
«قال الشافعي (رحمه اللّه) : وكانت الصّلة بالمال ، والبرّ ، والإقساط ، ولين الكلام ، والمراسلة (1) - : بحكم اللّه. - غير ما نهوا عنه : من الولاية لمن نهوا عن ولايته : (2) مع المظاهرة على المسلمين.»
«وذلك : أنّه أباح برّ من لم يظاهر عليهم - : من المشركين. - والإقساط إليهم ؛ ولم يحرّم ذلك (3) : إلى من أظهر عليهم ؛ بل : ذكر الذين ظاهروا عليهم ، فنهاهم : عن ولايتهم. وكان الولاية : غير البرّ والإقساط (4).»
«وكان النبىّ (صلى اللّه عليه وسلم) : فادى بعض أسارى بدر ؛ وقد كان أبو عزّة الجمحىّ : ممّن منّ عليه (5) - : وقد كان معروفا : بعداوته ، والتّأليب (6) عليه : بنفسه ولسانه. - ومنّ بعد بدر : على ثمامة بن أثال : وكان معروفا : بعداوته ؛ وأمر : بقتله ؛ ثم منّ عليه بعد إساره. وأسلم
ص: 193
ثمامة ، وحبس الميرة عن أهل مكّة : فسألوا رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) ، أن يأذن له : أن يميرهم ؛ فأذن له : فمارهم.»
«وقال اللّه عز وجل : ( وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ - : عَلى حُبِّهِ. - : مِسْكِيناً ، وَيَتِيماً ، وَأَسِيراً : 76 - 8 ) ؛ والأسرى (1) يكونون : ممّن حادّ اللّه ورسوله (2).».
* * *
(أنا) أبو عبد الرحمن السّلمىّ ، أنا الحسن بن رشيق (إجازة) ، قال (3) : قال عبد الرحمن بن أحمد المهدىّ : سمعت الربيع بن سليمان ، يقول : سمعت الشافعىّ (رحمه اللّه) ، يقول (4) : «من زعم - : من أهل العدالة. - : أنّه يرى الجنّ ؛ أبطلت (5)
ص: 194
شهادته - : لأنّ اللّه (عزوجل) يقول : ( إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ : مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ : 7 - 27 ) . - إلّا : أن يكون نبيّا (1).».
* * *
(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو ، قال : ثنا أبو العباس الأصمّ ، أنا الربيع ، أنا الشافعي (رحمه اللّه) ، قال (2) : «أكره : أن يقال للمحرّم : صفر ؛ [ولكن يقال له : المحرّم.] (3)»
«[وإنّما كرهت : أن يقال للمحرّم : صفر ؛ من قبل : أنّ أهل الجاهليّة (4)] كانوا يعدّون ، فيقولون : صفران ؛ للمحرّم وصفر ؛ وينسئون - : فيحجّون عاما فى شهر ، وعاما فى غيره (5). - ويقولون :
ص: 195
إن أخطأنا موضع المحرّم ، فى عام : أصبناه فى غيره. فأنزل اللّه عز وجل : ( إِنَّمَا النَّسِيءُ : زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ ) ؛ الآية : (9 - 37).»
«وقال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (1) : إنّ الزّمان قد استدار : كهيئته (2). يوم خلق اللّه السّماوات والأرض (3) ؛ السّنة : اثنا عشر شهرا ؛ منها أربع حرم : ثلاثة متواليات - : ذو القعدة ، وذو الحجّة ، والمحرّم. - ورجب : شهر مضر ، الذي بين جمادى وشعبان (4).»
ص: 196
«قال الشافعي : فلا شهر ينسأ (1). وسمّاه (2) رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) : المحرّم.».
وصلّى (3) اللّه على سيّدنا : محمّد ؛ وعلى آله وصحبه أجمعين.
ص: 197
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
أما بعد الحمد والتعظيم لله ، والصلاة والتسليم على رسول اللّه ؛ وعلى آله الأطهار ، وأصحابه الأبرار ، وسائر الأئمة الأخيار - : فبفضل اللّه (تعالى) ومعونته ، وتوفيقه (سبحانه) وهدايته ؛ قد انتهبنا من التصحيح والتعليق على كتاب : «أحكام القرآن (1)» ؛ أحد الآثار الجليلة - : التي تركها لمن بعده : نبراسا يهتدى بنوره المتعلمون ، وقانونا يحتكم إلى حكمه المختلفون ؛ إمام الأئمة ، وعالم قريش والأمة ، ؛ الإمام المطلبي : محمد بن إدريس الشافعي ؛ رضى اللّه عنه ، ونفعنا بعلمه. - : الذي جمعه وصنفه ، وبوبه ورتبه ؛ شيخ المحدثين ، وكبير المصنفين ؛ الحافظ : أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي ؛ رحمه اللّه ، وأكرم مثواه.
وكنا قد ابتدأنا ذلك : فى يوم الجمعة المبارك ، الحادي عشر من المحرم سنة 1371 ه (12 من أكتوبر 1951 م).
إلا أننا لم نتمكن من مراجعة أصله كله : قبل تقديمه لطبعه ؛ بل : راجعنا من أول الملزمة الرابعة من الجزء الأول.
أما ما قبل ذلك : فالملزمة الثانية لم ننظرها إلا قبيل طبعها بساعات معدودة : ولا مصدر يرجع إليه ، أو يعول عليه. والملزمة الثالثة قد تمكنا من نظر تجارب طبعها ، والرجوع إلى ما أعان على تصحيح الكثير منها. وقد أصلحنا بعض الأخطاء التي وقعت فيها وفيما قبلها.
ولم نكون - قبل الشروع فى ذلك العمل الخطير - : فكرة مركزة خاصة ؛ ولم نرسم لتحقيقه : خطة محددة واضحة. بل سرنا فيه - بعد وجل شديد ، وتردد مديد - : حسب ما سمحت به ظروفنا الحرجة ؛ ومكنت منه شواغلنا الجمة ، مستلهمين اللّه : التوفيق والسداد. ومستمدين منه : العون والإرشاد.
ص: 198
وإنا لنرجو أن نكون - بعملنا هذا - : قد أدينا واجبا ، وأرضينا ربا ، وخدمنا دينا.
وأن نكون : قد محونا خطأ ، وأثبتنا صوابا ، وملأنا فراغا ، وأزلنا اضطرابا ، وأبنا خفيا ، وكشفنا غامضا ، ومنعنا نقدا ، وقطعنا لوما.
وأن نكون : قد أحلنا القارئ : على ما أوجد وثوقا ، وأكد ثبوتا ، وزاد بيانا ، وقوى برهانا ؛ وعلى ما فصل مجملا ، وبسط مختصرا ؛ وتعرض لما ليس من غرض الكتاب ، التعرض له ، أو الاهتمام به : مما يتصل بالموضوع عن قرب أو بعد. وعلى ما أورد : من الاعتراض والنقد ؛ ما أظهر فضلا جديدا ، وأوجب تقديرا مزيدا : «فالضد يظهر حسنه الضد».
بيد أن ذلك مع الأسف - : لاعتبارات خاصة ، وأسباب قاهرة : لا نرى ضرورة لشرحها ، أو الإشارة إلى نوعها. - لم يتحقق إلا : فى دائرة ضيقة محدودة ، وبصورة متعبة غريبة.
ثم نرجو أن نكون : قد عرضنا نصه عرضا بينا جميلا ، ونسقناه - فى جملته - تنسيقا فنيا بديعا : يقر الناظر ، ويسر الخاطر ، ويبين مواقع جمله ، وارتباط كلمه.
وكنا قد التزمنا : أن نكمل بالهامش ، الآيات القرآنية الكريمة : التي اقتصرت الرواية على ذكر بعضها ، وأشارت إلى إرادة بقيتها. ثم اكتفينا - من أول مباحث الجراح - : بالتنبيه على رقم الآية وسورتها. ولم تمكنا صحتنا إلا من وضع فهرس إجمالي مختصر : لموضوعات الكتاب ومحتوياته. ونحن لا نؤمن : بأن الفهارس هى : كل ما يدل على المسائل المطلوبة ، ويوصل إلى المباحث المرغوبة. بل نؤمن - عن خبرة صادقة ، وتجربة واسعة - : بأن الاعتماد الكلي عليها ، فى البحث عن شيء من ذلك ، كثيرا ما فوت حقائق ثابتة ، وفوائد هامة ، أو سبب أحكاما خاطئة ، وآراء شاذة.
على أن الناشر الفاضل أبو أسامة السيد عزت العطار الحسيني (أعزه اللّه) قد قام بوضع فهرسين ؛ (أحدهما) : للآيات الشريفة (والآخر) : للاعلام والأماكن التي وردت فيه. ونحن - مع شكرنا إياه على وضعهما - قد رجوناه : أن يقتصر ، ما أمكن ، في ثانيهما.
* * *
وقد يؤخذ علينا : أننا قد أثبتنا - فى بعض المواضع - عبارة غير الأصل ؛ وزدنا - كذلك - ما لا تتحتم زيادته ، ولا تتعين إضافته. وأننا لم نلتزم تخريج أحاديثه ، ولا التعريف بأعلامه.
ص: 199
فنقول : إن هذا لا ضرورة له ؛ وذاك مما يتسامح فيه. على أن لنا فى زيادة ما زدنا ، وترك ما تركنا - : من الأعذار البينة العديدة ، والأسناد القوية السديدة. - ما سندلى به ونشرحه : عند الحاجة الملحة ، والضرورة الملجئة ؛ إن شاء اللّه.
ويكفى الآن ، أن نقول - فى صراحة تامة - : إن هذا أول عمل ، من نوعه ، قمنا به ؛ فلم يسبق لنا تصحيح كتاب غيره.
ولسنا (ولله الحمد) من الجهل والغرور : بحيث نتوهم : أنه عمل كامل من كل ناحية ، أو خال عن الأخطاء العلمية. فالكمال : لله وحده ، ومن طلبه : فقد طلب أمرا : بعيدا تناوله ؛ بل : مستحيلا تحققه.
ولكنا (ولله الفضل) نقول - فى وثوق واطمئنان - : إنه ليس فى الإمكان ، أبدع مما كان ، وإن أحدا - مهما قويت عقليته ، واتسعت ثقافته - لا يستطيع فى تلك المدة الوجيزة ، (دع : الأحوال الدقيقة ، والأعمال الأخرى الكثيرة) : أن يتحقق خيرا منه فى جملته ؛ وأن يقوم بأكثر مما قمنا به : من مراجعة نصه مراجعة دقيقة ، والبحث عن مكانه فى المظان الضخمة المختلفة ، ثم بيان أوجه الاختلاف فيه ، وتصحيح أخطائه ، وتكميل الناقص منه ، ثم النظر فى أهم المراجع المعتمدة : التي انتفعت بعلم الشافعي وتأثرت به ، أو اهتمت بالبحث عنه ، وتعرضت لنقده ، ثم الإحالة على المواضع : التي تعين على فهم عباراته ، وإدراك إشاراته ؛ ثم إعداد صورة لطبعه ، والنظر فى تجاربه ، ثم عمل ملحق بين بعض الأخطاء التي وقعت ، والتنبيهات التي فاتت.
وبالجملة : فهو عمل لا يقدر خطورته ، ولا يدرك صعوبته ؛ إلا امرؤ : قدر له أن يزاول مثله ، ويقدم - فى رغبة واخلاص - على تأديته.
وإنا نسأل اللّه «الذي ألهم بإنشائه ، وأعان على إنهائه» : أن يكتب القبول له ، ويحقق النفع به. إنه مجيب الدعاء ، ومحقق الرجاء؟
القاهرة - ميدان السيدة نفيسة رضى اللّه عنها
عبد الغنى عبد الخالق
غرة ذى القعدة سنة 1371 ه
فى يوم الأربعاء
23 من يولية سنة 1952 م
ص: 200
«بعض تصويبات واستدراكات (1)»
«خاصة بالجزء الأول»
صفحة / سطر
17 / 9
18 / 22
19 / 3
20 / 11
21 / 9
11
19
21
7
13
14
15
19
20
4
9
10
(والمكثرين).
(الاطلاع).
(ملك) كما فى الأصل.
(وشفاء) كما فى الأصل.
(البر). فى الأصل : (البار) ؛ وهو تحريف.
(لعل الصواب : (التقرير والتبيان).
(محمد بن عبد الل، 9 الحافظ) كما فى الأصل كلام يونس مذكور فى (نوالى التأسيس : ص 58) وذكر بعضه فى مناقب الفخر (ص 70)
(فيما) : ليس بالأصل ، ولا داعى لزيادته. وراجع فى هذا الفصل ، الرسالة.
(ص 17 - 20 و 40 و 42 و 44 و 46 و 47).
(لنا). الصواب - كما فى الأصل والرسالة - : (منا) بالفتح فالتنوين المشدد.
[من] : زيادة بالرسالة. و: (على). فى الأصل والرسالة : (فى). وكلاهما صحيح.
(وحماهموها). والصواب : حذف الواو ؛ كما فى الرسالة.
(فأذاقهم). كذا بنسخة الربيع. وفى الأصل : فازفهم) وهو تصحيف عن ذلك ؛ أو عن : (فآزفتهم) أي : أعجلتهم. كما فى الرسالة (ط. بولاق).
(أنف) بضم الهمزة والنون. كما فى الأصل والرسالة. أي : المستقبل.
(وكان مما). فى الرسالة : (فكل ما).
(العون). كذا بالرسالة. وفى الأصل : (القول). وهو تصحيف.
(للقول). كذا بالرسالة. وفى الأصل : (فى القول). ثم ضرب على (فى)
ص: 201
ص / س
21 / 12 و
22 / 13
23 / 15
24 / 16
17
1
3
5
1
3
4
7
10
1
3
5
6
7
10
وأضيفت اللام لما بعده. و: (لما). كذا بالأصل. وفى الرسالة : (بما).
ولعل الأحسن : (ووفقه اللّه فى القول والعمل ، لما).
: (المبتدئ) : توضع الهمزة فوق الياء. وقد تكرر هذا ونحوه فى الطبع. و: (المديم بها). كذا بالأصل. وفى طبقات السبكى (ج 1 ص 12 - 13) : (المان بها). وفى الرسالة : (المديمها). و: (على ما أوجبه : من شكره لها). كذا بالأصل والطبقات ؛ وهو صحيح. وفى الرسالة : (على ما أوجبه به : من شكره بها). وقوله : به ، زائد من الناسخ. وراجع بقية النص فى الطبقات ، وكلام ابن السبكى المتعلق به : لفائدته.
(وقولا). كذا بالرسالة. وفى الأصل والطبقات : (قولا). وهو تحريف.
(وفى ... الهدى). كذا بالرسالة. وفى الأصل : (فى ... المهدى).
وهو تحريف.
(الرا). ليس بالرسالة. وقد أضيف إلى الأصل بمداد آخر.
الصواب : (ومن جماع [علم] كتاب) كما فى الرسالة.
الصواب : (بالموضع) كما فى الرسالة.
(أ أراد). الصواب - كما فى الأصل والرسالة - : (ومن أراد). و: (كل).
فى الرسالة : (أكل). وهو أولى.
(شيئا) : ليس بالرسالة. وفى الأصل : (أشياء). وهو تحريف.
الصواب : (ولا نعلمه يحيط) كما فى الأصل والرسالة.
الصواب : (على عامتها) أي : العرب. كما فى الأصل والرسالة.
(أو بعضه قليل). فى الأصل : (أو بعضها قليل). وفى الرسالة :
(أو بعضها قليلا). وهو أحسن.
(فصل). راجع فى ذلك ، الرسالة (ص 53 - 66).
(أتقاكم).
الصواب : [إلى] : (فمن شهد). وعبارة الرسالة : (فمن كان منكم مريضا ...)
(قال). فى الأصل : (وقال).
(منها). فى نسخة الربيع : (منهما). وهو الظاهر.
(خوطب). فى الرسالة : (خوطبت). وهو الملائم لما بعد.
(منها). فى بعض نسخ الرسالة : (منهما). وهو الظاهر
ص: 202
صفحة / سطر
13
25 / 4
27 / 7
10
13
14
17
1
2
3
11
14
19
(عقل). كذا بالأصل وبعض نسخ الرسالة. وهو صحيح متفق مع ما سبق.
وفى نسخة الربيع : (وعقل). والزيادة من الناسخ ؛ وما كتبه الشيخ شاكر (ص 57) موضع نظر.
(ممن). لعل أصل العبارة : (أو من) ، أو - كما فى الرسالة - : (ومن بلغ : ممن).
الصواب : (لهم ناسا) كما فى الرسالة.
(لما). كذا بالأصل. وفى الرسالة (ط. بولاق) : (بما) وكلاهما ظاهر.
وفى نسخة الربيع : (مما). وهو تصحيف.
([الذين] قال) كما فى الرسالة.
(وإنما كان الذين قالوا). كذا بالأصل. وفى أكثر نسخ الرسالة : (وإنما الذين قالوا). وكلاهما ظاهر صحيح. وفى نسخة الربيع : (وإنما الذين قال). وهو تحريف بلا شك. و: (إن الناس قد جمعوا لكم) : يوضع بين قوسين.
(والأكثرون). فى الرسالة : (والأكثر). وكذلك فى الأصل ؛ ثم أضيف إليه الزائد. وهو من صنع الناسخ. و: (والمجموع). الأحسن : (ولا المجموع) كما فى الرسالة.
الصواب : (تعد).
(مقدمة). فى الأصل : (مبداءة). وهو محرف عما فى الرسالة : (مبداة) بالضم فالفتح فالتشديد.
(وذكر الشافعي). راجع فى ذلك ، الرسالة (ص 66 - 73).
لعل أصل العبارة : (وإن كان حراثيبا) ؛ كما تدل عليه عبارة الرسالة (ص 73).
(واتباع). كذا بالأصل. والصواب : حذف الواو ، لأنه مفعول لقوله :
(فرض). وانظر فى ذلك ، الرسالة (ص 73 - 79).
الصواب : ( فَآمِنُوا بِاللّهِ وَرُسُلِهِ : 4 - 171 ) كما فى الرسالة. وقد ورد فى الأصل هكذا : ( فَآمِنُوا بِاللّهِ وَرَسُولِهِ ) . ثم ضرب على الفاء بمداد آخر ، ظنا : أن آخره صحيح.
ص: 203
صفحة / سطر
28 / 1
29 / 9
30 / 16
31 / 2
32 / 3
9
14
1
14
5
13
7
8
9
13
14
(فجعل دليل). فى الأصل : (فجمل دال). وهو مصحف عن : (فجعل كمال) كما فى الرسالة.
(ويزكيهم).
(تعد فى الأصل : (بهد). وهو تصحيف. وفى الرسالة : (يقال).
(بكتابه). فى الأصل والرسالة : (بها بكتابه). ولعل الزيادة من الناسخ ؛ فتأمل.
(ثم ذكر الشافعي). راجع فى ذلك ، الرسالة (ص 79 - 85).
(تعطى). فى الأصل : (تطع) ؛ ثم ضرب عليه بمداد آخر ، وكتب فوقه ما ذكر. ولعل محرف عن (تطيع). وفى الرسالة : (يعطى) وهو الظاهر.
(فى شىء) : ليس بالأصل ولا بالرسالة ، ولا داعى لزيادته.
(ومن تنازع - ممن بعد عن). فى الرسالة : بدون (عن). وهو أحسن ، فتأمل.
(قال الشافعي) : كما فى الرسالة (ص 86 - 88). والصواب : (باستمساكه بما أمره به) كما فى الأصل والرسالة.
الصواب : (ثم قال : وفى شهادته له : أنه). انظر الرسالة (ص 88).
(ثم ذكر الشافعي). راجع فى أكثر المباحث المذكور : ، الرسالة (ص 91 و 105 و 113 - 117 و 137 و 149 و 161 و 167 و 223 و 226).
(فصل). راجع فى ذلك ، الرسالة (ص 436 - 438).
(وكانت الحجة) : بفتح التاء. وفى نسخة الربيع زيادة : (بها ثابتة).
والصواب : (ودلائلهم) كما فى الأصل والرسالة.
لفظ (على) ليس بالأصل ولا بالرسالة ، وزيادته : للايضاح. و: (بعدهم.
... سواء) : وتحذف الشرطتان.
(تقوم. كذا بأكثر نسخ الرسالة. وفى بعضها : (إذ تقوم). وفى الأصل :
(بقوم). ولعله مصحف عن (يقوم).
لفظ (من) ليس بالأصل ولا بالرسالة ، وزيادته لا تضر. و: (إذا). كذا بالرسالة (ط. بولاق). وفى الأصل وسائر نسخ الرسالة : (إذ).
(واحتج الشافعي) : كما فى جماع العلم (ص 19 - 22).
ص: 204
صفحة / سطر
33 / 9
35 / 12
36 / 15
37 / 8
38 / 3
39 / 7
40 / 17
11
1
10
7
12
(وإنما). كذا بالرسالة. وفى الأصل : (إنما).
(أتبع).
(و [فى]).
انظر حديث صالح ، فى الرسالة (ص 182) ، والأم (ج 1 ص 186).
(وغير). كذا بالأصل والرسالة (ط. بولاق). وفى نسخة الربيع (ص 185) ، والموطأ - بهامش الشرح (ج 1 ص 371 - 372) - : (أو غير).
(تترك). كذا بالرسالة. وفى الأصل : بالياء. وهو صحيح أيضا.
[ثم قال].
(ولا عن) بفتح النون.
(يعلم [اللّه]. هذه الزيادة نشأت عن ظن : أن (يعلم) صحيح. ثم عثرنا على النص فى إبطال الاستحسان - الملحق بالأم (ج 7 ص 267) - : فتبين أنه مصحف عن (فعلم) أي : النبي. فتعين التصحيح والحذف. وهذا النص وما رواه المزني ، ذكر فى الطبقات (ج 1 ص 241). وذيله ابن السبكى بما فيه فائدة.
(المزني والربيع). فى الطبقات (ج 2 ص 19) : (أو). وراجع الحكاية فيها ، وكلام ابن السبكى عنها.
كلام الشافعي عن الرؤية ، ذكر بمعناه : فى الحلية (ج 9 ص 117) ، ومناقب الفخر (ص 41) ، والطبقات (ج 1 ص 231). والاعتبار (ص 259)
كلامه عن المشيئة ، ذكره فى السنن الكبرى (ج 10 ص 206) بزيادة مفيدة وذكر فى الحلية (ج 9 ص 112). وانظر فى الطبقات (ج 1 ص 258) : ما رواه حرملة عن الشافعي فى ذلك. ثم انظر مناقب الفخر (ص 41 و 43) ، 16 (الحنظلي [حدثنى أبى]). زيادة لا بد منها عن مناقب ابن أبى حاتم (ص 62) والطبقات (ج 1 ص 227). و: (نا أبو عبد الملك). فى الأصل : (نا أبى عبد الملك). ثم (أثبت ما ذكر بمداد آخر. وصحة العبارة - مع مراعاة الزيادة السابقة - : (ثنا عبد الملك).
ص: 205
صفحة / سطر
17
41 / 21
42 / 1
44 / 3
45 / 10
46 / 13
15
2 و 3
7
10
20
2
14
16
20
6 و 7
الصواب : (يحتج) كما فى الحلية (ج 9 ص 115) ، والطبقات (ج 1 ص 227) وراجع توجيه الفخر فى المناقب (ص 46 - 47) : استدلال الشافعي ،
(القاضي). فى الأصل كلمة تتردد بين : (القاسمى) أو الفاسى. ثم أصلحت بما ذكر. فليراجع.
(ابن عبد الحكم) كما فى الأصل. وانظر الحلية (ج 9 ص 114).
(لما كان يقول للشىء : كن). عبارة الحلية : (إنما كان يقول لشىء لم يكن : كن) وقد ذكر هذا النص فى مناقب الفخر (ص 76 - 77) بلفظ : قد يساعد على فهم ما فى الأصل ، ويوضحه.
حديث ابن عباس ، أخرج فى المستدرك ومختصره (ج 2 ص 287) من غير طريق الشافعي - عن سالم بن عبد اللّه. وحكم بصحته.
(وجد). فى الأصل : (وجدوا). والظاهر : أنه تحريف.
(وكان حديث النفس). انظر هامش (ص 206) وراجع شرح مسلم (ج 2 ص 144 - 152) والفتح (ج 5 ص 99).
(تحتمل ... معانيها). كذا بالأم : وفى الأصل : (يحمل ... معنا). وراجع كلام الفخر فى المناقب (ص 60 - 61 و 157 - 158). وانظر فى مناقب ابن أبى حاتم (ص 91) : ما فرق به الشافعي بين الاكتفاء بمسح بعض الرأس فى الوضوء ، وعدم الاكتفاء بمسح بعض الوجه فى التيمم.
(اغسلوا) : تحذف الهمزة.
(المتوضئ) : رقم (1) الذي فى أول الصفحة التالية ، متعلق به.
(ينظر) إلخ ؛ واختلاف الحديث (ص 204).
(فبدأ). كذا بالأم. وفى الأصل : بالواو. وراجع فى السنن الكبرى (ج 1 ص 85) : حديث جابر ، وأثر ابن عباس.
(فيه). زيادة عن الأم.
(التخلي). كذا بالأم. وفى الأصل : (الخلا).
(4) ... وانظر أيضا السنن الكبرى (ج 1 ص 114 - 117).
(أن تكون) إلخ. كذا بالأم. وفى الأصل : (أن يكون اللمس باليد والقتل وغير الجنابة). وفيه تحريف ظاهر ،
ص: 206
صفحة / سطر
8
47 / 14
48 / 19
49 / 21
50 / 12
51 / 18
52 / 19
53 / 20
56 / 11
57 / 14
15
8
18
15
21
10
13
6
18
19
21
الكلام عن اللمس ، ذكر مسندا إلى الشافعي : فى مناقب ابن أبى حاتم (ص 42) والحلية (ج 9 ص 191) ، ومناقب الفخر (ص 74 - 75) : ببعض زيادة.
وذيله الفخر : بما فيه فائدة.
لعل الصواب : (ابن جرير النحوي) : كما فى الانتقاء (ص 83 و 84) ؛ ولم نعثر عليه فى النزهة ، ولا فى البغية.
(2) ... وانظر السنن الكبرى (ج 1 ص 124).
(فى الأم)
(انحل) : تحذف الهمزة. وهذا النص فى اختلاف الحديث (ص 94 - 95) وراجع فيه ، وفى السنن الكبرى (ج 1 ص 204 - 205) ، وشرح الموطأ (ج 1 ص 108 - 111) : حديث مالك.
فى الأصل : (يخالطه) وهو صحيح أيضا.
راجع فى مناقب الفخر (ص 75 و 89 و 155) الكلام عن تفسير الصعيد.
(1) ... وانظر فى ذلك ، السنن الكبرى (ج 1 ص 163 - 166).
(أو واجدا) : يوضع عليه رقم (5) المتأخر.
(إذا ماسه) كما فى الأصل والأم.
(1) ... وانظر فى ذلك ، السنن الكبرى (ج 1 ص 213 - 214).
(غير) : توضع الضمة فوق الراء.
(2) ... وانظر فى ذلك ، السنن الكبرى (ج 1 ص 213 - 214).
(1) ... وانظر فى ذلك ، السنن الكبرى (ج 1 ص 236 - 237).
(8) ... ثم انظر فى هذا المقام ، السنن الكبرى (ج 1 ص 281 - 282).
(وقد روى فى غسل الجمعة شىء). راجع فى المقام كله ، السنن الكبرى (ج 1 ص 293 - 296 وج 3 ص 189).
(ودلت سنة رسول اللّه). راجع السنن الكبرى (ج 1 ص 310 - 314).
(لأن السنة) إلخ. راجع السنن الكبرى (ج 1 ص 308 - 310).
(4) ... وفى السنن الكبرى (ج 1 ص 361).
(عبارة الأم) إلخ. ذكر فى السنن الكبرى (ج 1 ص 358) بلفظ (ما وصف فى المزمل). وراجع فيها حديث عائشة : لفائدته ..
(4) ... وراجع السنن الكبرى (ج 1 ص 389) حديث عمر فى ذلك.
ص: 207
صفحة / سطر
58 / 13
59 / 16
60 / 7
61 / 18
63 / 20
64 / 4
66 / 17
72 / 12
75 / 16
77 / 16
79 / 5
83 / 2
84 / 10
85 / 13
5
1
15
7
16
12
1
19
أثر مجاهد فى السنن الكبرى (ج 3 ص 209).
(كما فى السنن الكبرى) : ج 1 ص 433.
(وطاوس).
(انظر) إلخ ؛ وشرح الموطأ (ج 1 ص 285 - 286).
(راجع السنن) إلخ. وراجع فيها (ص 463) حديث حفصة ، وما يتعلق به.
(فلم يذكر) إلخ. راجع كلام الفخر فى المناقب (ص 163 - 164) : فهو فى المقام كله.
(وأي) : تحذف الواو. وراجع فى السنن الكبرى (ج 1 ص 463) :
حديث أبى هريرة فى ذلك.
أثر ابن عباس : (انتزع الشيطان) إلخ ؛ أخرجه بمعناه - منقطعا - : فى السنن الكبرى (ج 2 ص 50).
(بهامش الأم) : ج 6 إلخ 64 16
(3).
(استقبلتم) : تحذف الهمزة.
(فذكر حديثين). هما : حديثا أبى هريرة وكعب بن عجرة. فراجعهما فى الأم. وانظر السنن الكبرى (ج 2 ص 147 - 148).
(فكيف نصلى) تحذف الفتحة التي فوق الياء.
(على إبراهيم) الأولى : زيادة لفظ (آل) الذي حذفناه. لأنه ثابت فى إحدى روايتى الموطأ المعتمدة. وانظر شرحه (ج 1 ص 336 - 337).
(كلام) : تحذف الفتحة ، وتوضع بدلها كسرتان.
(رسول) : الأولى فتح اللام.
(وهو مذكور بدلائله) يكفى : أن ترجع فى هذا إلى ما كتبه الفخر فى تفسير الفاتحة ، وفى المناقب (ص 174 - 181).
(بحال).
(انظر) إلخ ، والسنن الكبرى (ج 2 ص 416 - 418).
(وقد جمع) إلخ. راجع السنن الكبرى (ج 3 ص 159 - 169).
(ورخص) إلخ. راجع السنن الكبرى (ج 3 ص 70 - 75).
(انظر ما استدل) إلخ. وانظر السنن الكبرى (ج 3 ص 55 - 59).
ص: 208
صفحة / سطر
86 / 7
87 / 11
88 / 10
89 / 16
90 / 11
91 / 16
94 / 16
96 / 10
98 / 13
100 / 18
20
2
7
11
20
9
(فإذا بلغ الغلام) إلخ. راجع السنن الكبرى (ج 3 ص 83 - 84).
راجع فى مناقب الفخر (ص 104 - 105) : وجه استدلال الشافعي على عدم جواز إمامة المرأة ؛ وما ورد عليه ، ودفعه. س 22 : (فانظره) إلخ.
وانظر السنن الكبرى (ج 3 ص 90 و 130 - 131).
(وإنما جعلت الرخصة) إلخ. انظر السنن الكبرى والجوهر النقي (ج 3 ص 156).
(انظر) إلخ. ثم راجع السنن الكبرى (ج 3 ص 134 - 136).
(موضع بخيبر) إلخ. هذا النص ذكره ابن أبى حاتم فى المناقب (ص 92) هكذا ؛ باختلاف يسير فى آخره ؛ وذيله بقوله : «ليس هذا الجواب فى شىء من كتبه». وراجع فى مناقب الفخر (ص 100) ما رواه يونس أيضا عن الشافعي فى هذا : ففيه إيضاح وفائدة.
(انظر) إلخ. ثم راجع السنن الكبرى (ج 3 ص 139 - 140).
(اقتباس) إلخ. وراجع السنن الكبرى والجوهر النقي (ج 3 ص 134 و 141) (جناح) بالتنوين.
(نهم ... والقاعدة).
(انظره) إلخ ؛ والسنن الكبرى (ج 3 ص 260) ، وشرح الموطأ (ج 1 ص 371 - 372)
(ودلت على ذلك سنة رسول اللّه). راجع حديث صالح بن خوات : فى الأم (ج 1 ص 186) ؛ والسنن الكبرى (ج 3 ص 253 - 254) ، وشرح الموطأ (ج 1 ص 369 - 370).
(فدلت سنة رسول اللّه). راجع حديث ابن عباس فى الأم ، والسنن الكبرى (ج 3 ص 321) ، وشرح الموطأ (ج 1 ص 376 - 378).
(فيصلى عند كسوف) إلخ. راجع الكلام عن ذلك والخلاف فيه : فى اختلاف الحديث (ص 226 - 232).
أثر مجاهد الأول فى السنن الكبرى (ج 3 ص 363).
(ابراهيم بن أبى يحيى).
(وكثيرا) إلخ. وراجع السنن الكبرى (ج 3 ص 360 - 361).
ص: 209
صفحة / سطر
103 / 4 و 5
104 / 9
106 / 18
108 / 18
110 / 23
113 / 18
118 / 9
122 / 22
125 / 12
127 / 3
12 / 20,21
128 / 9
130 / 9
143 / 7
145 / 9
146 / 10
148 / 12
10
16
(أن كل مالك إلخ. راجع فى مناقب الفخر (ص 103 - 104) الكلام عن زكاة الصبى : فهو مفيد جدا.
(وآتوا).
(ج) إلخ ؛ وج 7 ص 5 106 18
(انظر اختلاف) إلخ ؛ والسنن الكبرى (ج 4 ص 204 - 206).
(انظر) إلخ. وانظر الفرق بين الحج والصوم والصلاة : فى اختلاف الحديث (ص 360 - 364).
يوضع رقم (6) فوق آخر الكلام.
راجع ما فسر به الفخر فى المناقب (ص 41) أول خطبة الرسالة : لفائدته.
الصواب : أي : فى كتاب الرسالة ص 486).
(استدل) : تحذف الضمتان.
(واحتج فى إيجاب المثل) إلخ للشافعى فى الرسالة (ص 39 و 490 - 492) :
كلام جيد ، مفيد فى المقام كله.
(ثم حرم صيد ... إنما حرم عليه).
(ومن عاد فينتقم اللّه منه). روى يونس - كما فى مناقب ابن أبى حاتم (ص 94) - أن الشافعي قال فى ذلك : «يكون له معنيان : يكون ما قضى عليه ، ويكون نقمة فى الآخرة.».
(فى ذلك) : تحذف (فى).
أثر عمرو بن دينار ، ورد محرفا فى ترتيب مسند الشافعي (ج 1 ص 336 339). ولا تتأثر بما كتب عليه : فهو خطأ.
راجع مناقب الفخر (ص 92 - 93) : اختلاف الأئمة فى تفسير الإحصار ، ودفاع الفخر عن رأى الشافعي.
(البطحاء) بالكسر.
(وهو كما فى الأم ج 6) إلخ.
ما رواه يونس ، ذكر أوله فى مناقب ابن أبى حاتم (ص 99).
(أخرج الشافعي) إلخ. وانظر المختصر (ج 5 ص 90) ، والفتح (ج 5 ص 112 وج 9 ص 461).
ص: 210
صفحة / سطر
149
150 / 19
151 / 12
155 / 18
162 / 20
164 / 15
165 / 13
168 / 10
175 / 17
178 / 19
184 / 19
185 / 8
191 / 16
206 / 7
219 / 4
220 / 11
224 / 21
228 / 17
236 / 9
241 / 23
242 / 4
3
(غير) : بالكسر.
(وفى اختلاف الحديث) إلخ. وفى الرسالة (ص 143)
(وراجع الأم) إلخ ، والرسالة (ص 144 - 145).
(انظر) إلخ. وانظر الكلام عليه : فى معالم السنن (ج 3 ص 12 - 18)
والفتح (ج 6 ص 124 - 128).
(وانظر) إلخ. وراجع فى مناقب الفخر (ص 94 - 95) : الاعتراض على أن الفقير أشد حالا من المسكين ؛ والجواب عنه.
(حذف أن .. وأغلب).
(والاستقراض) تحذف الهمزة.
يحذف رقم (8) ، ويوضع بدله رقم (9) المتأخر.
(بعض ما ورد فى ذلك). وراجع فى مناقب الفخر (ص 107) توجيه احتجاج الشافعي بحديث : «أيما امرأة أنكحت نفسها» إلخ.
يزاد فى أوله : (7) فراجع كلامه (ص 38 - 39).
(لمعنيين).
(فأعرضوا) : تحذف الهمزة.
(أمرها).
(القلوب).
ما رواه يونس ، ذكر فى مناقب ابن أبى حاتم (ص 96 - 97).
(وتأمله). وانظر مناقب الفخر (ص 108).
(انظر الأم ج 3).
(حديث امرأة).
(مواضع).
(راجع) إلخ. وانظر مناقب الفخر (ص 108).
(الطائفة ثلاثة فأكثر) راجع فى مناقب الفخر (ص 98 - 99) : اعتراض أبى بكر بن داود ، على هذا ؛ ورد الفخر عليه. لجودته وفائدته.
(والمطلقات) : بفتح اللام
ص: 211
صفحة / سطر
243 / 17
247 / 18
251 / 8
254 / 20
255 / 11
260 / 14
265 / 25
266 / 15
270 / 15
275 / 4
276 / 7
286 / 18
297 / 12
299 / 9
301 / 22
5
9
2
(بعد أن ناظره) إلخ. راجع فى الطبقات (ج 1 ص 273 - 274) ما يتعلق بهذا.
(وانظر زاد المعاد) إلخ. ثم راجع كلام الفخر فى المناقب (ص 95 - 96) وما نقله عن على بن القاسم فى كلمة : (القرء). فهو جيد مفيد فى المقام كله ، ومؤكد لما قررناه.
يزاد فى آخر السطر كلمتان سقطتا من الطابع ؛ وهما : (أن العدة).
(أثبتنا).
(ولم نعثر) إلخ. ثم عثرنا على الجملة الأولى منه - مروية من طريق يونس - فى الطبقات (ج 1 ص 282).
(فإذا بذت)
(جمة). وراجع كلام الفخر فى المناقب (ص 88 و 96 - 97) : لفائدته
(إلا إن).
(وراجع) إلخ ، وتفسير الطبري (ج 8 ص 38).
(مما) : يوضع فوقه رقم (8).
(وكذلك لا).
(ج 5).
(أليم) : يوضع فوقه رقم (9) ؛ ويحذف رقم (8) المتكرر.
(غارين).
(9).
(والمأثم) : بفتح الآخر.
(إذا أسروا).
(اللّه) : بالضم.
ص: 212
صفحة / سطر
20 / 11
21 / 3
22 / 13
23 / 14
24 / 14
25 / 23
28 / 11
36 / 21
48 / 4
54 / 19 ، 20
55 / 16
71 / 21
80 / 4
81 / 21
89 / 9
92 / 6 ، 7
97 / 2
104 / 2
(إثباته).
(دل فى كتاب). راجع فى مناقب الفخر (ص 98) : اعتراض أبى بكر ابن داود ، على استدلال الشافعي ، ورد الفخر عليه.
(وقد قال).
(فى السنن ج) إلخ ؛ وج 6 ص 55.
(أن يتطوع).
(31 -).
(وأتباعهم) : تحذف الهمزة. وس 21 (تكون الألف)
(مفيد) ، وانظر الطبقات (ج 2 ص 134) ، وشرح مسلم (ج 12 ص 53 و 70)
(قراباتهم).
(الذكر ... تشمل).
(ياقوت). وانظر شرح مسلم (ج 14 ص 49 - 50)
(راجع الفصل) إلخ. وراجع السنن الكبرى (ج 7 ص 185 - 189) : لتمام الفائدة.
(ذكيتم) : بتشديد الكاف.
(وانظر المجموع) إلخ ؛ ومناقب الفخر (ص 98) ، وما رواه يونس عن الشافعي ، فى مناقب ابن أبى حاتم (ص 98).
رقم (6) يوضع فوق قوله : (قذفه).
(لله ... حرم ... بحال) : يوضع فوق الأول رقم (6) مكررا ، وفوق الثاني رقم (7) ، وفوق الثالث رقم (8).
(الآية) : بالفتح.
(2) ويوضع فوق الواو.
ص: 213
صفحة / سطر
105 / 2 ، 3
107 / 7
113 / 5
115 / 10 ، 11
126 / 15
156 / 16
167 / 15
187 / 19
179 / 1
182 / 15
185 / 5
188 / 21
192 / 7 و 10
194 / 4
200 / 4
205 / 9
3
20
9 ، 12
18
(لا ينبغى له [التصرف] فيه). زدنا ذلك : على ظن : أن النص كامل ، وأن فيه حذفا مقدرا ، أي : وتصرف فيه فى وجه آخر. ثم عثرنا عليه فى مناقب ابن أبى حاتم (ص 103) هكذا : (... لا ينبغى له حبسه ، بشىء يعطيه : يريد به وجه اللّه تعالى ، ليس بمفترض عليه ...) ، مع اختلاف يسير فى أوله وآخره.
(يأخذ).
(يحل) : بضم اللام.
(أو خف).
(وطرح).
(237)
(فهو مطلق). وراجع فى مناقب ابن أبى حاتم (ص 99) : ما رواه يونس عن الشافعي فى ذلك.
(انظر السنن) إلخ. وانظر الكلام عن هذا الحديث : فى الطبقات (ج 2 ص 25 - 26).
(أمره) : بضم الراء.
(الشافعي). وفى شرح مسلم (ج 10 ص 40) : كلام جامع فى المسألة.
(ما [خيرا]) : تحذف (ما)
(9) كما فى الرسالة (ص 485) ، وقد أخرجه إلخ.
(استعملتها) : بفتح الميم. - (هرون) : بالضم.
(أحد) : بضم الحاء.
(يقربوا) الأفصح فتح الراء. انظر المصباح.
(7) ، الصواب : (2).
الصواب : (لا تجد قوما).
الصواب : (أخرجوه).
الصواب : (وثوق ... يحقق).
(والاعتبار إلخ) موقعه عقب قوله (س 20) : الحلية.
ص: 214
1 - فهرست إجمالي للموضوعات.
2 - «للأعلام.
3 - «للآيات.
4 - «للبلدان.
«بيان عن طبعات بعض المصادر التي أحلنا عليها»
1 - آكام المرجان (ط. الخانجى).
2 - تفسير الطبري (ط. بولاق).
3 - تفسير الفخر (ط. الخيرية).
4 - الرسالة (ط. م الحلبي).
5 - شرح المحلى على المنهاج (ط. ع الحلبي).
6 - شرح الموطأ (ط. التجارية).
7 - فتح الباري (ط. الخيرية).
8 - مناقب الفخر (ط. العلامية)
9 - الناسخ والمنسوخ لأبى جعفر النحاس (ط. الخانجى)
ص: 215
الصفحة / الموضوع
3 كلمة الناشر.
12 «الشيخ الكوثرى.
18 افتتاحية الكتاب.
20 تحريض الشافعي ، على تعلم أحكام القرآن
23 كلامه عن العموم والخصوص.
37 كلامه عن حجية السنة
31 كلامه عن حجية خبر الواحد.
36 إبطاله الأخذ بالاستحسان.
37 ما يؤثر عنه : من تفسير آيات متفرقة
38 كلامه عن آية الفتح ، وآية : ( يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ ) ؛ وآية : ( إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ ) .
39 تفسيره آية : ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ : مِنَ الْخَوْفِ ) ؛ وإثباته حجية الإجماع بآية : ( وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ ) .
40 كلامه عن رؤية اللّه ، ومشيئته. ورده على المرجئة.
41 تفسيره آية : ( وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ) ، وتبيينه المعنى فى كراهة السؤال زمن الوحى ، عما لم ينزل.
42 بيان معانى (الأمة) ؛ وحديث ابن عباس المتعلق بأية : ( وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ ) .
43 ما يؤثر عنه فى الطهارات والصلوات : كلامه عن المياه والوضوء.
45 كلامه عن الاستنجاء والأحداث.
47 كلامه عن الجنابة والغسل ، والتيمم
49 كلامه عن الماء المستعمل.
50 كلامه عن المسح على الخف.
51 كلامه عن غسل يوم الجمعة.
52 كلامه عن آية المحيض ، وبيانه حرمة صلاة الحائض.
53 كلامه عن ابتداء فرض الصلاة ، وأن ما فرض منها موقوت.
57 كلامه عن صلاة السكران.
58 بيانه أن الأذان : للصلاة المكتوبة فقط.
59 بيان فضل التعجيل بالصلوات ، والصلاة الوسطى.
61 بيان أن النية ركن فى الصلاة.
62 كلامه عن الاستعاذة ، والبسملة.
64 كلامه عن ترتيل القرآن ، وفرض القبلة
71 كلامه عن السجود،وفرض الصلاة على النبي فى الصلاة.
74 بيان الآراء فى المراد من (آل محمد)والمختار عنده.
77 كلامه عن القراءة فى الصلاة.
87 كلامه عن القنوت
80 بيان أن القيام فى الصلاة على من أطاقه ، وتفسير آية : ( وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ )
81 بيان أن المنى طاهر.
ص: 216
الصفحة / الموضوع
83 بيان أن الجنب لا يمنع من عبور المسجد ، وحكم مبيت المشرك فيه
84 كلامه عن حكم صلاة الجماعة ، والجمع فى الصلاة 85 كلامه عمن تجب عليه الصلاة.
87 بيانه بطلان إمامة المرأة للرجل.
88 كلامه عن القصر فى الصلاة
92 كلامه عن آية : ( وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ )
93 «««النداء للصلاة
94 ««خطبة الجمعة.
95 كلامه عن صلاة الخوف
96 كلامه عن آية : ( وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ )
97 كلامه عن صلاة الكسوف
99 الدعاء عند هبوب الريح.
101 ما يؤثر عنه فى الزكاة : تفسير (الماعون) ؛ زكاة الذاهب والفضة
102 بيانه أن كل تام الملك تجب الزكاة فى ماله.
103 زكاة الزروع.
104 الدعاء عند أخذ الصدقة ؛ وحرمة الإعطاء من الخبيث.
105 ما يؤثر عنه فى الصيام : بيان أن الأيام المعلومات شهر رمضان ، والكلام عنه وعن ثبوته بالأهلة.
106 الإرخاص بفطر المريض والمسافر.
108 قضاؤهما ما أفطراه من رمضان ، وتفسير آية : ( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ ) ، وبيان الحال التي يترك بها الكبير الصوم.
110 بيان معني العكوف.
111 ما يؤثر عنه فى الحج : بيان فرضية الحج.
113 تفسير الاستطاعة.
114 بيان أشهر الحج وميقاته.
116 متى يجب دم المتعة على المتمتع؟.
117 بيان أن الحجر من البيت ؛ والكلام عن آية : ( فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً ) .
118 بيان مشروعية حج الصبى.
119 الكلام عن آية : ( وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ ) .
120 بيان الواجب على المحرم : إذا قتل صيدا.
125 تفسير الصيد ، ومباحث أخرى متعلقة به.
130 تفسير الإحصار.
134 الوقوف بعرفة ، والأيام المعلومات
135 مايؤثر عنه فى البيوع والمعاملات،والفرائض والوصايا: كلامه عن آية: ( وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ ) .
136 كلامه عن آية الدين.
138 كلامه عن الحجر على اليتامى.
139 بيان أن للمرأة أن تعطى من مالها ما شاءت : بدون إذن زوجها.
140 الولاية على السفيه ومن إليه.
141 بيان أن الحر لا يؤجر فى دين عليه
ص: 217
الصفحة / الموضوع
142 كلامه عن حبس أهل الجاهلية : من البحيرة وما إليها.
146 كلامه عن آية : ( وَأُولُوا الْأَرْحامِ ) وبيانه أن آية : ( لِلرِّجالِ نَصِيبٌ ) نسخت.
147 كلامه عن آية : ( وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ ) .
149 ما نسخ : من الوصايا.
150 بيان عدم جواز الوصية للوارث وبيان جواز الوصية لغير ذى الرحم
151 بعض مباحث الوديعة.
153 ما يؤثر عنه فى قسم الفيء والغنيمة والصدقات : بيان ما يجتمع فيه الفيء والغنيمة ، وما يفترقان فيه وفيه مباحث هامة.
158 تقسيم سهم ذى القربى ، بيان أن كل ما غنم يجب تقسيمه ، إلا الرجال البالغين :
159 كلامه عن آية : ( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ ) .
161 كلامه عن أهل السهمان ، وتفسير الفقير والمسكين.
162 تفسير العاملين على الصدقات.
163 الكلام عن المؤلفة قلوبهم.
165 تفسير الرقاب ، والغارمين :
666 سهم سبيل اللّه ، وابن السبيل.
167 ما يؤثر عنه فى النكاح والصداق ، وما إلى ذلك : بيان حرمة نكاح أمهات المؤمنين ، دون بناتهن.
171 تفسير (الحصور) ، وبيان أنه يجب على الأولياء تزويج الأيامى والحرائر البوالغ : إذا أردن النكاح ودعوا إلى الزوج المرضى.
174 بيان أن ليس للمرأة أن تنكح نفسها
175 بيان الدليل على اشتراط الولاية فى النكاح.
176 بيان عدم وجوب إنكاح صالحى العبيد والإماء.
178 بيان أن العبد لا يكون مالكا بحال ، وأن آية : ( الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً ) منسوخة.
179 بيان أن المخاطبين بآية : ( فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ ) : الأحرار فقط.
181 بيان أنه لا يصح النكاح بالهبة.
182 الدليل على تحريم حليلة الابن من الرضاعة ، وعدم تحريم حليلة المتبنى بعد طلاقها منه.
183 بيان أن العقد على الأمهات لا يحرم البنات ، دون العكس.
184 بيان أن ذوات الأزواج - ما عدا السبايا - يحرمن على غير أزواجهن.
185 الكلام عن نكاح المشركات وحرائر أهل الكتاب.
188 متى يحل نكاج الأمة؟
190 الكلام عن خطبة النساء.
193 تحريم إتيان النساء فى المحيض.
194 تحريم إتيانهن فى الدبر.
ص: 218
الصفحة / الموضوع
195 تحريم ما سوى الأزواج وما ملكت الأيمان.
196 تحريم تسرى المرأة بملك يمينها.
197 معنى الصداق ، وبعض أحكامه.
200 تفسير من بيده عقدة النكاح.
201 تفسير المتعة ، وبعض أحكامها.
203 تفسير المعروف.
205 الكلام عن خوف المرأة نشوز زوجها أو إعراضه ، وعن العدل بين النساء.
208 الكلام عن نشوز المرأة.
110 ««بعث الحكمين.
213 ««عضل الأزواج نساءهم.
216 متى تحل الفدية للزوج؟
219 ما يؤثر عنه فى الطلاق والرجعة ، وما إلى ذلك : عدم وقوع الطلاق المعلق قبل النكاح.
220 طلاق السنة.
222 أسماء الطلاق
223 سبب نزول آية : ( الطَّلاقُ مَرَّتانِ )
224 طلاق المكره.
225 إصلاح الطلاق بالرجعة.
228 بيان أنه لا تحل المطلقة ثلاثة لزوجها الأول ، إلا : أن يجامعها زوج غيره ، ويطقلها ، وتنقضى عدتها.
230 الكلام عن الإيلاء ، والرد على من زعم : أن عزيمة الطلاق : مضى الأربعة أشهر
233 الكلام عن الظهار ، وكفارته.
238 الكلام عن اللعان.
240 بيان أنه لا بد أن تشهد طائفة من المؤمنين - أقلها أربعة - اللعان ، وسائر الحدود.
242 ما يؤثر عنه فى العدة والرضاع والنفقات : بيان أن الأقراء : الأطهار ؛ والرد على المخالف.
248 تحريم كتمان المرأة ما فى رحمها : من الحيض.
250 عدة غير ذوات الأقراء.
251 لا عدة على المطلقة التي لم تمس ؛ وبيان المسيس ، ووقت العدة.
252 الكلام عن نفقة المتوفى عنها ، وسكناها
255 الكلام عن آية : ( إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ) .
256 بعض أحكام الرضاع
257 الدليل على وقوع التحريم بخمس رضعات.
258 الدليل على أن تمام الرضاعة حولان.
260 بيان وجوب نفقة المرأة ، على زوجها.
261 بيان أن لا نفقة على غير ذوات الأحمال : من المطلقات.
264 بيان أن نفقة الولد على أبيه دون أمه ؛ وأن النفقة ليست على الميراث ؛ وأنه لا يلزم المرأة رضاع ولدها.
266 ما يؤثر عنه فى الجراح ، وما إليه.
ص: 219
الصفحة / الموضوع
267 تحريم قتل أطفال المشركين فى دار الحرب ، وبيان أن القصاص إنما يكون ممن فعل ما يستوجبه.
268 بعض عادات العرب فى الديات والقصاص.
272 بيان أن القصاص مكتوب على البالغين : إذا قتلوا المؤمنين فقط.
275 عدم قتل الحر بالعبد.
276 الكلام عن العفو ، والديات
280 من هو ولى المقتول؟.
282 القتل الخطأ ، ومقدار الدية.
284 ما يجب على المؤمن : إذا قتل كافرا.
285 بيان أنه لا تباح الغارة على دار : فيها من يوجب قتله العقل ، أو القود
287 بيان وجوب الكفارة فى القتل العمد.
289 ما يؤثر عنه فى قتال أهل البغي والردة : كلامه عن آية : ( وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا ) . وفيه مباحث قيمة.
293 كلامه عن آية : ( إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ ) وبيان أن ما أظهروا : من الايمان. وقاية لهم من القتل.
317 بيان أن لا يؤخذ أحد بذنب غيره
296 الكلام عن دين الأعراب.
297 سبب نهى اللّه نبيه عن صلاته على من مات : من المنافقين ، وعدم منع النبي غيره من الصلاة عليهم.
298 كفر المكره ، وعدم الحكم بردته وبينونة امرأته.
300 بيان أن علم الغيب خاص باللّه ، وأن علمه (سبحانه) بالسر والعلانية واحد.
303 ما يؤثر عنه فى الحدود.
304 عقوبة الزانيين قبل نزول الحدود ونسخها ، وحد البكرين الحرين المسلمين.
305 الدليل على إثبات الرجم على الثيب ونسخ الجلد عنه.
308 الكلام عن حد الأمة ، وإحصانها.
309 جماع الإحصان.
312 المراد بالقطع فى السرقة.
313 جزاء المحاربين وحدودهم
315 المراد بقاطع الطريق الذي يقطع والكلام عن نفى قطاع الطريق وبيان أن ليس للأولياء الذين قتلهم قطاع الطريق ، العفو.
ص: 220
الصفحة / الموضوع
3 ما يؤثر عنه فى السير والجهاد ، وما إلى ذلك : كلام جيد عن حكمة خلق اللّه عباده ، وبيان أن الأنبياء خيرة خلقة وأنه ختم بنبينا (صلوات اللّه عليه) النبوة.
7 مبتدأ التنزيل والفرض على النبي ، ثم على الناس.
11 الإذن بالهجرة.
13 مبتدأ الإذن بالقتال.
15 فرض الهجرة.
18 أصل فرض الجهاد.
21 من لا يجب عليه الجهاد.
26 ما كان يحدث من المنافقين فى الغزو.
29 من الذي يبدأ بجهاده من المشركين؟
30 بيان أن الجهاد فرض كفاية.
36 قسم الغنائم ، وفيه مباحث عدة.
44 إخراب بيوت الكفار ، وقطع نخلهم.
45 بيان عدم ضمان الحربي : إذا أسلم ، شيئا : من قتل ، أو جرح ، أو مال تلف.
46 حكم المسلم الذي يحذر المشركين من غزو المسلمين لهم ، أو يخبر ببعض عوراتهم. وقصة حاطب ابن أبى بلتعة.
49 إظهار الدين الإسلامى على كافة الأديان
51 الكلام عن آية الجزية ، وبيان : من الذي تقبل منه الجزية وتؤخذ؟ وفيه مباحث قيمة عن أهل الكتاب ومن إليهم.
61 كلامه عن آية : ( إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ) .
62 الكلام عن الهدنة.
68 منع المؤمنات المهاجرات من أن يرددن إلى الكفار ، ووجوب رد مهورهن إلى أزواجهن ، وبيان أن الحكم فى إسلام الزوج ، مثل الحكم فى إسلام الزوجة. وهو بحث مهم.
72 ما يجب عند إخلال أهل الهندنة بتعدانهم.
73 الحكم بين أهل الكتاب ، ورأيا الشافعي فى ذلك.
80 ما يؤثر عنه فى الصيد والذبائح ، والطعام والشراب.
81 ذكاة المقدور عليه ، وغيره. وحقيقة الكلب المعلم.
82 الكلام عن خير الدماء.
84 الكلام عن ذبائح أهل الكتاب.
86 وجوب الإطعام من هدى النافلة ، والأضحية.
ص: 221
الصفحة / الموضوع
88 الطيبات والخبائث عند العرب ، والحكم فى ذلك.
90 بيان ما يحل للمضطر ، وأن الرخصة لغير العاصي ، وما إلى ذلك.
95 طعام بنى إسرائيل وما حرم عليهم ، ونسخ تحريمه بالنسبة لهم ولغيرهم.
100 ما حرمه المشركون على أنفسهم.
103 استعمال آنية أهل الكتاب.
104 الكلام عن آية : ( لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ ) .
105 جماع ما يحل أن يأخذه الرجل من الرجل المسلم.
108 ما يؤثر عنه فى الأيمان : بيان أن من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها : فليكفر.
109 الكلام عن لغو اليمين.
111 وجوب الكفارة على عقد اليمين.
112 ما يجزى بكفارة اليمين.
113 أقل ما يكفى : من الكسوة والإطعام واشتراط الإيمان فى الرقبة.
114 يمين المكره ، وعدم ثبوتها.
115 حكم من حلف أن لا يكلم رجلا : فأرسل إليه رسولا ، أو كتب إليه كتابا.
117 حكم من حلف : ليضربن عبده مائة سوط ، فجمعها فضربه بها.
118 ما يؤثر عنه فى القضايا والشهادات.
119 وجوب التثبت فى الحكم قبل إمضائه.
120 مشاورة الحكام أهل العلم والأمانة.
121 وجوب الحكم بالعدل ، وتفسير آية : ( وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ ) .
122 بيان أن الحاكم المجتهد يثاب مطلقا.
123 تفسير (السدى) ؛ والكلام عن الشهادة فى البيع.
128 الإشهاد عند دفع الأموال لليتامى.
130 الشهادة فى الزنا ، والطلاق ، والرجعة ، والدين ، والوصية ، وبيان من تقبل شهادته فيها ، ومن ترد.
135 قبول شهادة القاذف : إذا تاب
136 لا شهادة إلا بما علم.
138 ما يجب على المرء : من القيام بشهادته إذا شهد.
139 بيان أن الشهادة فرض كفائى ، وأنها قد تتعين.
142 لا تقبل الشهادة إلا : من الحر المسلم البالغ العدل.
144 عدم جواز شهادة أهل الذمة ، والرد على المخالف. والكلام عن آية : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ ) وسبب نزولها. وقد تضمن مباحث هامة.
155 استحلاف الناس فيما بين البيت والمقام ، وعلى المنبر ، وبعد العصر
156 إثبات دعوى الولد بشهادة القافة.
ص: 222
الصفحة / الموضوع
157 ما يؤثر عنه فى القرعة ، والعتق ، والولاء ، والكتابة : بيان ثبوت القرعة بقصة مريم ويونس عليهما السلام.
158 من تكون بينهم القرعة؟
161 بيان الجامع بين القرعة على يونس ، والاقتراع على كفالة مريم ، وأن قرعة نبينا لا تخالف هذا الاقتراع.
163 بيان أن النسب لا يتوقف ثبوته على الدين
165 امتناع تحويل الولاء عن المعتق بالشرط ، كما يمتنع تحويل النسب.
166 الكلام عن آية : ( وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ ) ، وبيان : من الذي تصح كتابته؟.
167 بعض ما ورد فى تفسير : (الخير) ، وكلام جامع فى ذلك للشافعى.
170 بيان عدم وجوب مكاتبة العبد الأمين القوى ، وأنها مستحبة.
171 بيان وجوب وضع النجوم ، على السيد.
173 تفسير آيات متفرقة أخرى : أثر ابن عباس عن أهل (أيلة) الذين مسخوا قردة ، وبيان أن النهى عن المنكر فرض كفائى.
178 سؤال النبي (عليه السلام) عن الساعة. وتفسير آية : ( وَأَنْتُمْ سامِدُونَ ) .
179 كلام للشافعى عن الفصاحة.
180 كلام للشافعى عن التوكل ، وتفسير آيتي : ( يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ) ، و: ( وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ) .
182 كلام للشافعى عن طريق يونس ، تناول آيات كثيرة ، وتضمن فوائد جليلة.
188 بيان أن ولد الزنا لا يلحق بأبيه الزاني.
191 الكلام عن آية : ( وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها ) ، وآية ( لا يَنْهاكُمُ اللّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ ) وتحديد ما يجوز : من صلة المسلمين للمشركين.
194 بيان بطلان شهادة من يزعم رؤية الجن
195 بيان كراهية إطلاق (صفر) (على المحرم)
198 كلمة الختام.
ص: 223
آدم عليه السلام 38 ، 81
إبراهيم عليه السلام 64 ، 120
إبراهيم بن حرب البغدادي 38
إبراهيم بن سعد 41 ، 42
ابراهيم بن محمد 92 ، 99 ، 313 «هو ابن أبى يحيى»
ابنة محمد بن سلمة 205
أبى بن كعب 60
أحمد بن الحسين بن على بن عبد اللّه البيهقي الشيخ
أحمد بن عبد الرحمن بن وهب (أبو عبد اللّه) 42
أحمد بن محمد بن أيوب الفارسي المفسر «أبو بكر» 42
أحمد بن محمد بن جرير النحوي 46
أحمد بن محمد بن حسان المصري 38
أحمد بن محمد بن عبيدة «أبو بكر» 19
أحمد بن محمد بن يحيي المتكلم «أبو بكر» 38
أبو أحمد بن أبى الحسين 40
إسحاق بن ابراهيم البستي 38
إسماعيل «عليه السلام» 64 ، 65
إسماعيل الصفار 80
إسماعيل بن يحيى المزني
المزني أبو الأشهب 80
ابنة عقبة بن أبى معيط 185
امرأة أوس بن الصامت 37
امرؤ القيس 191
أنيس 305
(ب)
بجير 270
بشير بن سعد 72
أبو بكر الصديق «رضى اللّه عنه» 163 ، 164
بكير بن معروف 275 ، 276
بلال (رضى اللّه عنه) 34
البويطى 49 ، 62 ، 134 ، 287
(ث)
ثعلب 81 ، 261
الثقة مسلم بن خالد الزنجيد
ثمامة بن أثال الحنفي 159
(ج)
جابر بن عبد اللّه 94
جبريل «عليه السلام» 37 ، 64 ، 65
جبير بن مطعم 158 و 200
ابن جريج 63 ، 112 ، 124 ، 127 ، 128 ، 129
جرير 192
جعفر بن أحمد الخلاطى 39
جعفر بن أحمد الساماقى 38
جعفر بن محمد بن الحارث «أبو محمد» 40
ص: 224
(ح)
الحاكم أبو عبد اللّه الحافظ
حرملة 59 ، 61 ، 63 ، 71 ، 73 ، 78 ، 90 ، 94 ، 105 ، 110
حسان بن محمد الفقيه «أبو الوليد» 19
الحسن البصري 276
أبو الحسن بن بشران 261
الحسن بن الفضل بن السمح 80
الحسن بن محمد الزعفراني الزعفراني
الحسين بن رشيق المصري 46
الحسين بن محمد الضحاك المعروف بابن بحر 40
الحسين بن محمد بن فنجويه «أبو عبد اللّه» 41 ، 311
الحسين بن محمد الماسرجسى 89 ، 133 ، 146
حصين 94 ، 95
(خ)
خداش بن زهير 119
خفاف بن ندبة 69
(ذ)
أبو ذؤيب الهذلي 291
ابن أبى ذئب 34
(ر)
رافع بن خديج 205
الربيع بن سليمان المرادي 20 ، 23 يرد بكثرة أبو رجاء العطاردي 80
(رسول اللّه محمد) صلى اللّه عليه وسلم - يرد بكثرة
(ز)
الزبير رضى اللّه عنه 30
الزبير بن عبد الواحد الحافظ الاسترابادى «أبو عبد اللّه» 39
زر بن حبيش 60
الزعفراني 49 ، 72 ، 77 ، 109 ، 166 ، 201
أبو زكريا بن أبى إسحاق 63 ، 117 ، 124 128 ، 129 ، 178 ، 223 ، 275 ، 277.
زكريا بن يحيى الساجي 42
أم زنباع 69
الزهري 205
زهير 93
زيد بن أرقم 79
زيد بن أسلم 19 ، 261
زيد بن ثابت 60 ، 183 ، 243
زيد بن خالد الجهني 305
(س)
ساعدة بن جؤية 69
سالم ابن أبى الجعد 94
سعد أبو عامر 41
سعد بن عبادة 72
سعد بن أبى وقاص 83
سعيد بن جبير 63 ؛ 200
سعيد بن سالم 112 ، 124 ، 127 ، 128 ، 129
سعيد بن مرجانة 42
سعيد بن المسيب 178 ، 200 ، 205
أبو سعيد : محمد بن موسى بن الفضل 43 ، 81 يرد بكثرة.
أبو سعيد بن الاعرابى 72
ص: 225
أبو سعيد الخدري 34 ، 35 ، 44 ، 61 ، 184
أبو سعيد بن أبى عمرو 36 ، 37 يرد بكثرة سفيان بن عيينة 58 ، 70 ، 111 ، 117 178 ، 205 ، 277 ، 283 ، 317
سهل بن تمام 80
سهل بن سعد 240
ابن سيرين 200
(ش)
شأس بن زهير 269 الشافعي - يرد بكثرة.
شريح 200 ، 203 ، 279
شعبة 115
العشبى 254
ابن شهاب الزهري 41 ، 42 ، 202
الشيخ 38 ، 60 ، 77 ، 79 ، 174 ، 220 ، 229 ، 283
(ص)
صالح بن خوات 35
صالح مولى التوأمة 313
صفوان بن سليم 92
(ض)
الضحاك بن مزاحم 276
(ط)
طاوس 60 ، 117
طلحة بن عبيد اللّه 56
(ع)
عائشة رضى اللّه عنها 47 ، 53 ، 59 ، 61 ، 83 ، 242
عاصم 60
عامر بن سعد 41
عبادة بن الصامت 56 ، 304
العباس بن عبد المطلب 154
ابن عباس 42 ، 60
يرد بكثرة أبو العباس الأصم 20 ، 23 يرد بكثرة عبد الرحمن بن أبى سعيد الخدري 34
عبد الرحمن بن العباس الشافعي 219
عبد الرحمن بن عبد اللّه بن عبد الحكم 38
عبد الرحمن بن عوف 122 ، 124
عبد الرحمن بن محمد الحنظلي 40
أبو عبد الرحمن الشافعي 184
عبد اللّه بن سلمة 115
عبد اللّه بن عمر ابن عمر
عبد اللّه بن عمرو 60 - 61
عبد اللّه بن يوسف الأصبهانى 72
أبو عبد اللّه محمد بن إدريس الشافعي
أبو عبد اللّه الحافظ (الحاكم) : يرد بكثرة
عبد المجيد 63
عبد الملك بن عبد الحميد الميموني 40
عبيدة السلماني 60
عثمان بن عفان رضى اللّه عنه 122 ، 284
العجلاني 37
عدى بن حاتم 163 ، 164
عروة 223
عطاء بن يسار 92 ، 124 ، 127 ، 129 249 ، 254
ص: 226
عكرمة 42 ، 60 ، 99 ، 111 ، 112 ، 220 ، 283
العلاء بن راشد 99
على رضى اللّه عنه 60 ، 115 ، 122 ، 145 ، 200 ، 254
على بن محمد بن عبد اللّه بن بشران 81
أبو على الروذبارى 80
عمر رضى اللّه عنه 122 ، 124 ، 125 154 ، 155 ، 156 ، 244 ، 284 306
عمرو بن أوس 317
أبو عمر 81
ابن عمر 36 ، 42 ، 60 ، 61 ، 78 ، 96 ، 102 ، 122 ، 131 ، 202 ، 220 ، 240 ، 243 ، 244
عمران بن الحصين 150
عمرو بن دينار 116 ، 124 ، 128 ، 277 ، 283 ، 317
عمرو بن مرة 115
أبو عوانة 204
ابن عيينة سفيان بن عيينة
(ف)
ابن أبى فديك 34
الفضل بن الفضل الكندي 41 - 42
(ق)
أبو القاسم محمد صلى اللّه عليه وسلم
(ك)
كعب بن عجرة 95 ، 129
كليب 269 ، 270
(ل)
لقيط الإيادى 69
(م)
مالك رضى اللّه عنه 36 ، 47 ، 60 ، 72 ، 223
مجاهد 58 ، 60 ، 70 ، 71 ، 98 ، 99 ، 112 249 ، 276 ، 277 ، 296
محمد : رسول اللّه : صلى اللّه عليه وسلم : النبي رسول اللّه.
محمد بن إبراهيم بن عبدان الكرماني أبو عبد اللّه 38
محمد بن إدريس الشافعي
محمد بن أبى إسماعيل العلوي أبو الحسن 38
محمد بن الحسن القاضي أبو الحسن 40
محمد بن الحسين السلمى أبو عبد الرحمن 42
محمد بن حيان القاضي أبو عبد اللّه 40
محمد بن سفيان بن سعيد أبو بكر 89 ، 133 ، 146 ، 311
محمد بن صالح بن الحسن البستاني 42
محمد بن عبد اللّه الحافظ الحاكم أبو عبد اللّه الحافظ محمد بن عبد اللّه بن زيد الأنصاري 72
محمد بن عبد اللّه بن شاذان 39
محمد بن عبد الرحمن بن زياد 40
محمد بن عبد الواحد اللغوي أبو عمر 81 261
محمد بن عقيل الفاريابي (أو الفريابي) 39
ص: 227
محمد بن محمد بن إدريس الشافعي أبو عثمان 40
محمد بن مسلم الطائفي 283
محمد بن موسى الفضل أبو سعيد
محمد بن يوسف بن النضر أبو عبد اللّه 41
محمد بن يعقوب الأصم أبو العباس الأصم مرة 60
المزني 38 ، 39 ، 59 ، 64 ، 73 ، 105 ، 204 ، 288
أبو مسعود الأنصاري 72 ، 73
ابن مسعود 90
مسلم بن خالد الزنجي 98 ، 99 ، 112 ، 124 ، 127
مسلم بن زيد 80
ابن المسيب سعيد بن المسيب
معاذ بن موسى 275 ، 276
معقل بن يسار 276
المقبري 34
من لا أنهم إبراهيم بن أبى يحيى
(ن)
نافع بن جبير 92
نافع مولى ابن عمر 36
ابن أبى نجيح 58 ، 70 ، 111
أبو نعيم الأسفرايني 204
نعيم بن عبد اللّه المجمر 72
(ه)
ابن هرم القرشي 40
أبو هريرة رضى اللّه عنه 60 ، 305
هشام بن عروة 117 ، 223
(و)
وأثل 270
ورقة بن نوفل 119
وكيع 115
ابن وهب 19
(ى)
يحيى بن زكرياء 219
أبو يحيى الساجي 40
يحيى بن سعيد 178
أبو أيوب 60
يونس بن عبد الأعلى 19 ، 89 ، 133 ، 146 ، 219 ، 311
ابن يونس مولى عائشة 59
ص: 228
(ا)
ابراهيم عليه السلام 163
ابراهيم بن سعد 74
أحمد بن على بن سعيد البزار 179
أحمد بن محمد المكي 180
أحمد بن محمد بن مهدى الطوس 178
أبو أحمد بن أبى الحسن 104
أخوة يوسف عليه السلام 136
(ب)
بريدة 51 ، 53
أبو بكر الصديق 108
بكير بن معروف 148
(ث)
الثقة 171
ثمامة بن أثال 193 ، 194
أبو ثور 179 ، 180
(ج)
جبريل 8 ، 116
ابن جريج 167 ، 173
(ح)
حاطب بن أبى بلتعة 47 ، 48 ، 49
حرملة بن يحيى 80 ، 188 ، 191
الحسن بن أبى الحسن 122
الحسن بن رشيق 194
الحسن بن محمد 46 ، 119 ، 148 ، 182
الحسين بن زيد 180
ابن الحضرمي 38
(ر)
الربيع بن سليمان المرادي 3 ، 7 ، 11 - يرد بكثرة
(ز)
الزبير 47
الزعفراني 180
أبو زكريا بن أبى إسحاق 46
الزهري ابن شهاب
زيد بن حارثة 164
(س)
أبو سعيد 11 ، 25 ، 49 ، 55 ، 59 ، 65 ، 73 76 ، 82 ، 90 ، 95 ، 109 ، 114 ، 147 155 ، 167 ، 171.
أبو سعيد بن أبى عمرو 3 ، 27 ، 36 ، 39 ، 43 ، 81 ، 88 ، 100 ، 108 ، 121 ، 139 ، 143 ، 147 ، 163 ، 166 ، 195
سفيان بن عيينة 39 ، 46
السلمى (أبو عبد الرحمن) 179 ، 180 ، 190 ، 194
ص: 229
(ش)
الشافعي 3 ، 7 ، 11 يرد بكثرة
الشعبي 135
ابن شهاب 63 ، 74 ، 156 ، 177
الشيخ (هو البيهقي) 108 ، 153 ، 156
(ض)
الضحاك 148
(ط)
طاوس 135
(ع)
عائشة رضى اللّه عنها 108 ، 109 ، 110 187 ، 188
العباس بن عبد المطلب 17
ابن عباس رضى اللّه عنه 39 ، 40 ، 41 ، 58 74 ، 83 ، 135 ، 153 ، 173 ، 177
أبو العباس الأصم 3 ، 7 ، 11 يرد بكثرة
عبد اللّه بن جحش 38
عبد اللّه بن الحارث بن عبد الملك 167
عبد اللّه بن محمد بن أحمد 190
أبو عبد اللّه الحافظ (الحاكم) 7 ، 30 ، 36
يرد بكثرة عبيد اللّه بن أبى رافع 46
عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة 74
عبد الرحمن (هو بن أبى حاتم) 104
عبد الرحمن بن أحمد المهدى 194
عبد المنعم بن عمر الاصفهانى 180
عروة 109 ، 177 ، 188
أبو عزة الجمحي 193
عطاء 135 ، 167 ، 187 ، 188
عكرمة 173 ، 177
على بن أبى طالب 35 ، 47 ، 58
على بن عمر الحافظ 190
على بن أبى عمر البلخي 180
عمر رضى اللّه عنه 48 ، 58 ، 135
ابن عمر رضى اللّه عنه 23 ، 77 ، 107 ، 171
عمر بن القيس 187
عمرو بن دينار 39 ، 46
(ك)
أم كلثوم بنت عقبة بن أبى معيط 67
(م)
مالك (الامام) 109
مجاهد 135 ، 148 ، 167
مريم عليها السلام 157 ، 158 ، 160 ، 161
المزني 129
مسطح 108
مقاتل بن حيان 148 ، 153 ، 156
المقداد 47
ابن مقسم (ابو الحسن) 179
محمد : رسول اللّه : صلى اللّه عليه وسلم 4 ، 15 ، 16 يرد بكثرة
محمد بن أحمد بن عبد اللّه 190
محمد ابن إدريس الشافعي
محمد بن إسماعيل 180
محمد بن سفيان 182
ابنة محمد بن سلمة 205
محمد بن عبد اللّه بن عبد الحكم 178
ص: 230
محمد بن المنذر بن سعيد 178
محمد بن موسى أبو سعيد
محمد بن يعقوب الأصم أبو العباس
موسى عليه السلام 179
(ن)
نافع 171
ابن نوح عليه السلام 163
(ه)
أبو هريرة 31 ، 51 ، 52 ، 107
هشام بن عروة 109
(ى)
يحيى بن سليم 173
يونس عليه السلام 157 ؛ 160 ، 161
يونس بن عبد الأعلى 104 ، 182 ، 187
ص: 231
الصورة
ص: 232
الصورة
ص: 233
الصورة
ص: 234
الصورة
ص: 235
الصورة
ص: 236
الصورة
ص: 237
الصورة
ص: 238
الصورة
ص: 239
الصورة
ص: 240
الصورة
ص: 241
الصورة
ص: 242
الصورة
ص: 243
الصورة
ص: 244
الصورة
ص: 245
أحد 86
بخارى 38
البيت الحرام 64 ، 65 ، 66 ، 129 ، 130
بيت المقدس 64 ، 66 ، 70
الحديبية 130 ، 131
الحرم 129
الخندق 34
خيبر 89
الدامغان 41
ذات الرقاع 35
شيراز 42
العراقيين 282
عرفات 134
عسفان 89
القبلة 70
قرى عرينة 104
الكعبة 68 ، 117
المدينة المنورة 64 ، 66 ، 90
المسجد الحرام 66 ، 67 ، 68 ، 70 ، 83
مكة المكرمة 29 ، 38 ، 64 ، 90 ، 116
منى 116 ، 134
نجد اليمن 66
يوم الأحزاب 34 ، 60
أحد 26 ، 182
بدر 36 ، 38 ، 48 ، 182 ، 193
تبوك 27 ، 35
بلاد الحبشة 11
الحديبية 62 ، 67 ، 71
الخندق 26 ، 182
خيبر 163
روضة خاخ 47
العقبة 27
المدينة المنورة 76
المسجد الحرام 61
مكة المكرمة 12 ، 15 ، 17 ، 47 ، 48 ، 62 194
ص: 246
صفحة / سطر
الجزء الأول
64 / 21 (انظر السنن) إلخ ؛ والأسماء والصفات (ص 308).
67 / 20 (وغيره). ثم عثرنا عليه فى الأسماء والصفات (ص 123) ، بلفظ : «يقول : إلا أن قد علمتم.».
الجزء الثاني
205 / 0 (وذكر فى الحلية .. والاعتبار ..) ، والأسماء والصفات (ص 144).
206 / 8 (ويوضحه). وانظر الأسماء والصفات (ص 505).
10 / (بصحته) وانظر الأسماء والصفات (ص 210 - 211).
220 / 21 الصواب : (لأولياء).
ص: 247