بهجة الحدائق في شرح نهج البلاغة
رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق العراقية ببغداد 2981 لسنة 2018
مصدر الفهرسة:
IQ-KaPLI ara IQ-KaPLI rda
رقم تصنيف LC:
BP38.08.S24 B3 2018
المؤلف الشخصي: السلامي، غيداء كاظم عبد الله - مؤلف.
العنوان: بهجة الحدائق في شرح نهج البلاغة لعلاء الدين محمد بن ابي تراب الحسني /
بيان المسؤولية: دراسة وتحقيق م. د. غيداء كاظم عبد الله السلامي ؛ تقديم نبيل قدوري حسن الحسني.
بيانات الطبع: الطبعة الأولى.
بيانات النشر: کربلاء، العراق: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة، 2018 / 1439 للهجرة.
الوصف المادي: 6 مجلد؛ 24 سم.
سلسلة النشر: (العتبة الحسينية المقدسة؛ 514).
سلسلة النشر: (مؤسسة علوم نهج البلاغة؛ 153).
سلسلة النشر: (سلسلة تحقيق المخطوطات؛ 9).
تبصرة عامة: الكتاب في الاصل رسالة ماجستير.
تبصرة ببليوجرافية: يتضمن ارجاعات ببليوجرافية.
موضوع شخصي: الشريف الرضي، محمد بن الحسين، 359 - 406 للهجرة - نهج البلاغة.
موضوع شخصي: علي بن ابي طالب (عليه السلام)، الإمام الأول، 23 قبل الهجرة - 40 للهجرة - احاديث.
موضوع شخصي: کلستانه اصفهاني، محمد بن أبي تراب، توفي 1110 للهجرة -- بهجة الحدائق في شرح كلمات كلام الله الناطق.
موضوع شخصي: علي بن ابي طالب (عليه السلام)، الامام الاول، 23 قبل الهجرة - 40 للهجرة - رسائل.
موضوع شخصي: علي بن ابي طالب (عليه السلام)، الامام الاول، 23 قبل الهجرة - 40 للهجرة - كلمات قصار.
مؤلف اضافي: الحسني، نبيل قدوري، 1965 -، مقدم.
مؤلف اضافي: دراسة ل (عمل): کلستانه اصفهاني، محمد بن ابي تراب، توفي 1110 للهجرة -- بهجة الحدائق في شرح كلمات كلام الله الناطق.
اسم هيئة اضافي: العتبة الحسينية المقدسة (كربلاء، العراق). مؤسسة علوم نهج البلاغة - جهة مصدرة.
عنوان اضافي: بهجة الحدائق في شرح کلمات کلام الله الناطق.
عنوان اضافي: حدائق الحقايق في شرح كلمات کلام الله الناطق
تمت الفهرسة قبل النشر في مكتبة العتبة الحسينية
ص: 1
رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق العراقية ببغداد 2981 لسنة 2018
مصدر الفهرسة:
IQ-KaPLI ara IQ-KaPLI rda
رقم تصنيف LC:
BP38.08.S24 B3 2018
المؤلف الشخصي: السلامي، غيداء كاظم عبد الله - مؤلف.
العنوان: بهجة الحدائق في شرح نهج البلاغة لعلاء الدين محمد بن ابي تراب الحسني /
بيان المسؤولية: دراسة وتحقيق م. د. غيداء كاظم عبد الله السلامي ؛ تقديم نبيل قدوري حسن الحسني.
بيانات الطبع: الطبعة الأولى.
بيانات النشر: کربلاء، العراق: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة، 2018 / 1439 للهجرة.
الوصف المادي: 6 مجلد؛ 24 سم.
سلسلة النشر: (العتبة الحسينية المقدسة؛ 514).
سلسلة النشر: (مؤسسة علوم نهج البلاغة؛ 153).
سلسلة النشر: (سلسلة تحقيق المخطوطات؛ 9).
تبصرة عامة: الكتاب في الاصل رسالة ماجستير.
تبصرة ببليوجرافية: يتضمن ارجاعات ببليوجرافية.
موضوع شخصي: الشريف الرضي، محمد بن الحسين، 359 - 406 للهجرة - نهج البلاغة.
موضوع شخصي: علي بن ابي طالب (عليه السلام)، الإمام الأول، 23 قبل الهجرة - 40 للهجرة - احاديث.
موضوع شخصي: کلستانه اصفهاني، محمد بن أبي تراب، توفي 1110 للهجرة -- بهجة الحدائق في شرح كلمات كلام الله الناطق.
موضوع شخصي: علي بن ابي طالب (عليه السلام)، الامام الاول، 23 قبل الهجرة - 40 للهجرة - رسائل.
موضوع شخصي: علي بن ابي طالب (عليه السلام)، الامام الاول، 23 قبل الهجرة - 40 للهجرة - كلمات قصار.
مؤلف اضافي: الحسني، نبيل قدوري، 1965 -، مقدم.
مؤلف اضافي: دراسة ل (عمل): کلستانه اصفهاني، محمد بن ابي تراب، توفي 1110 للهجرة -- بهجة الحدائق في شرح كلمات كلام الله الناطق.
اسم هيئة اضافي: العتبة الحسينية المقدسة (كربلاء، العراق). مؤسسة علوم نهج البلاغة - جهة مصدرة.
عنوان اضافي: بهجة الحدائق في شرح کلمات کلام الله الناطق.
عنوان اضافي: حدائق الحقايق في شرح كلمات کلام الله الناطق
تمت الفهرسة قبل النشر في مكتبة العتبة الحسينية
ص: 2
سلسلة تحقيق المخطوطات
وحدة تحقيق الشروحات (9)
بهجة الحدائق في شرح نهج البلاغة
لعلاء الدین محمد بن أبی تراب الحسنی کلستانه المتوفی سنة 1110 ه
الجزء الخامس
دراسة وتحقيق
م. د. غيداء كاظم السلامي
إصدار
مؤسسة علوم نهج البلاغة
ففي العتبة الحسینیة المقدسة
ص: 3
جميع الحقوق محفوظة
العتبة الحسينية المقدسة
الطبعة الأولى
1439 ه - 2018 م
العراق - كربلاء المقدسة - مجاور مقام علي الأكبر عليه السلام
مؤسسة علوم نهج البلاغة
هاتف: 07728243600 - 07815016633
الموقع الألكتروني:
www.inahj.org
الإيميل:
Info@Inahj.org
تنويه:
إن الأفكار والآراء المذكورة في هذا الكتاب تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر العتبة الحسينية المقدسة
ص: 4
بسم الله الرحمن الرحيم
«وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ»
صدق الله العلي العظيم
سورة هود الآية 88
ص: 5
ص: 6
(وَلَيْسَ لِوَاضِعِ المَعْرُوفِ فِي غَیْرِ حَقِّهِ وَعِنْدَ غَیْرِ أَهْلِهِ مِنَ الحَظِّ فِيما أَتَى إِلاَّ
مَحْمَدَةُ اللِّئامِ،(1) وَثَنَاءُ الأشَرْارِ وَمَقَالَةُ الجُهَّالِ، مادَامَ مُنْعِمًا عَلَيْهِمْ؛ ما(2) أجْوَدَ يَدَهُ! وَهُوَ عَنْ ذَاتِ الله بَخِيلٌ) المعروف الاحسان إلى الناس سمي معروفاً؛ لأنَّ الناس لا ينكرونه وهو في الأصل (ضد المنكر)(3)، والمراد اعطاء الأموال ووضعه في غير حقه وعند غير أهله بذل المال في غير الوجوه المندوب اليها في الشريعة رئاء وسمعه واعطاء غير المستحق كصلة الشعراء واطعام الفسّاق و أرباب الدنيا ونحو ذلك، وتسميه ذلك بالمعروف على زعم المعطي وعامة الناس وإلاَّ فالمعروف حقيقة ما وضع في حقه وعند أهله و(الحظ: [النصيب](4))(5) والمحمدة خلاف المذمة، واللئيم ضد الكريم، ويقال للشحيح والدني النفس والمهين ونحوهم، واليد النعمة ويحتمل الجارحة(6) على بعد لأن الاعطاء يكون بها وما أجود يده(7) بيان للمذكورات أو المقالة
ص: 7
وعن ذات(1) الله أي عما يتعلق بالله سبحانه ويرجع اليه كالصدقات وصلّه الأرحام وغير ذلك، والذات في الأصل الخلقة، يقال: فلان صالح في ذاته أي في خلقته، والمراد به نفس الشيء، «وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ»(2)، أي حقيقه وصلكم، وقيل: (نفس كل شيء بینکم)(3) أو حال كل نفس بینکم، وقيل: كناية عن المنازعة والخصومة ونحوه قوله تعالى: «أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ»(4) أي(5) في أمر الله وطاعة الله وما يعود الى الله، والظرف متعلق ببخیل والبخل(6) يتعدى بعن کما يتعدی بعلی لتضمنه معنى الامساك فإنه امساك عن مستحق، قال الله عز وجل: «وَمَنْ يَبْخَلْ(7) فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ»(8)، أي نفع الانفاق وضر البخل عائدان اليهِ لا إلى الله سبحانه. (فَمَنْ أَتَاهُ اللهُ مَالاً فَلْيَصِلْ بِهِ الْقَرَابَةَ، وَ لْيُحْسِنَ مِنْهُ الضِّيَافَةَ وَلْيَفُكَّ بِهِ الْأَسِیرَ وَالْعَانِيَ وَلْيُعْطِ مِنْهُ الْفَقِیرَ وَالَغَارِمَ، وَلْيِصْبِرْ نَفْسَهُ عَلَى الْحُقُوقِ وَ النَّوَائِبِ ابْتِغَاءَ الثَّوَابِ، فَإنِّ فَوْزاً بِهَذِهِ الْخِصَالِ شَرَفُ مَكَارِمِ الدُّنَيَا وَدَرْكُ فَضَائِلِ الآخِرَةِ إنْ شَاءَ اللهُ) الصلة / ظ 184 / ضد القطع والهجرة، والقَرابة بالفتح الأقارب أي العشيرة الأدنون سّموا بالمصدر
ص: 8
كالصحابة وصلة القرابة الإحسان اليهم والرعاية لأحوالهم، وضفتُ الرجل أضيفه ضيفاً وضِيافة بالكسر، أي: نزلت عليه، وقيل الضيافة اسم منه، واضفته بالألف إذا انزلته عليك ضيفاً(1)، وفك الأسير تخليصه، والعاني الأسير والخاضع والذليل، و (الصبر: الحبس)(2) وصبر النفس على الحقوق [آداء الحقوق](3) وصرف المال فيما يجب ويثبت وإنما سمي حبساً؛ لأنه خلاف مايميل اليه الطبع والنفس الأمارة بالسوء، والنائبة ماينوب الانسان أي ينزل به من الحوادث والمصائب والابتغاء الطلب في الكلام دلاله على حسن العمل لنيل الثواب والفوز بالجنة، والخصلة بالفتح تطلق(4) على (الفضيلة والرذيلة)(5)، وقيل: (غلب على الفضيلة)(6)، والدرك بالتحريك (اللّحاق والوصول إلى الشيء)(7)، يقال: ادركته ادراکا و دَر کا، وفي قوله (عليه السلام) فوزا منکرا دلالة على حُصول السعادة في الدنيا والآخرة بواحد من الأمور وإن لم يكن على وجه أكمل، ويحتمل أن يكون المراد أنها تحصل بالجميع [لكن](8) لا يجب(9) أن يكون الفوز بها على وجه الكمال وصرف الكثير من المال.
ص: 9
(أَلَا وَإِنّ الأرْضَ الَّتي تَحْمِلُكُمْ، وَالسَّماءَ الَّتي تُضِلُّكُمْ، مُطِيعتَانِ لِرَبِّكُمْ، وَمَا أَصْبَحتَا تَجُودَانِ لَكُمْ بِبَرَكَتِهِمَا تَوَجُّعاً لَكُمْ وَلَا زُلْفَةً إِلَيْكُمْ وَلَا لِخَیْرٍ تَرْجُوَانِهِ مِنْكُمْ، وَلَكِنْ أُمِرَتَا بِمنَافِعِكُمْ فَأَطَاعَتَا وَأُقِيمتَا عَلَى حُدُودِ مَصَالِحِكُمْ فَقَامتَا) في بعض النسخ (تقلكم) على صيغة الافعال موضع تحملكم، يقال: أقل الشيء واستقله إذا حمله ورفعه(1)، وكذلك قله(2) وتظلكم على صيغة الأفعال أي القي عليكم ظله وتقول لكل شيء دنا منك، أو اشرف عليك اظلني كأنَّه ألقى عليك ظله، والمراد بالسماء السحاب، أو المعنى الحقيقي لأنَّ أصل المطر من السماء كما يظهر من الأخبار والبركة النماء والزيادة وجود السماء ببركتها بنزول المطر منها واعداد الأرضيات بالشمس والقمر وغيرهما لحصول المنافع منها وجود الأرض بخروج الحبوب والثمار وغير ذلك منها وتوجعت له أي رثيت له وتألمت لما اصابه والزُلفة بالضمة (القربة)(3) واقامتهما على حدود المصالح تسخير هما للجري على وجه ينفع العباد تشبيهاً بحفظة الثغور ونحوهم.
(إِنَّ اللهَ يَبْتَلِي عِبَادَهُ عِنْدَ الأَعْمَالِ السَّيِّئَةِ بِنَقْصِ الَّثمَرَاتِ، وَحَبْسِ الْبَرَكَاتِ،
وَإِغْاَقِ خَزَائِنِ الْخَیْرَاتِ، لِيَتُوبَ تَائِبٌ، وَيُقْلِعَ مُقْلِعٌ، وَيَتَذَكَّرَ مُتَذَكِّرٌ، وَيَزْدَجِرَ
ص: 10
مُزْدَجِرٌ. وَقَدْ جَعَلَ اللهُ سُبْحَانَهُ الاسْتِغْفَارَ سَبَباً لِدُرُورِ الرِّزْقِ وَرَحْمَةِ للخَلقِ
فقال: «اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا. وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ»(1) فَرَحِمَ اللهُ امْرَأً اسْتَقْبَلَ تَوْبَتَهُ، وَاسْتَقَالَ خَطِيئَتَهُ، وَبَادَرَ مَنِيَّتَهُ) أقلعت عن الأمر اقلاعاً تركته وزجرته، فازدجر أي منعته ونهيته فامتنع وانتهى و درورُ الرزق کثرته وسيلانه، ويقال: درّ السماء بالمطر دراً و دروراً فهي مِدرار(2)، وفي بعض النسخ (ورحمةً للخلق) بذكر اللام دون الاضافة، فيكون رحمة عطفاً(3) على سبباً واستقبال التوبة التوجه اليها عن رغبه وشوق والاستقالة طلب الاقالة، يقال: اقاله اقالة وتقایلاً إذا فسخا(4) البيع أو البيعة(5)، وقد ندم أحدهما أو كلاهما واستقالة الخطيئة(6) طلب العفو عن المعصية التي باع العاصي نفسه واخرته بها واشترى العذاب الأليم والمبادرة المسابقة والاسراع إلى الشيء وبادرت اليه أي اسرعت اليه(7) ومبادرة المنية أما مسابقتها والإسراع إلى العمل حتى لا يأخذه المنية ولا يدركه قبل العامل فالمنية طرف المسابقة والسبق بالتحريك العمل واما مسابقه الناس والاسراع إلى المنية والشوق اليها باستعداد الاجر للأعمال الصالحة أي بادر الى منيته كما قال سید الساجدين (عليه السلام): ((وهب لنا من / و 185 / صالح
ص: 11
الاعمال عملاً نستبطئ معه المصير اليك ونحرص له على وشك اللحاق بك)(1) واستبطاء الشيء عدة بطيئاً والعجلة اليه والوشك السرعة (اللَّهُمَّ إِنَّا خَرَجْنَا إِلَيْكَ مِنْ تَحْتِ الأسْتَارِ وَالأكْنَانِ، وَبَعْدَ عَجِيجِ الْبَهَائِمِ وَالْوِلَدِانِ، رَاغِبِینَ فِي رَحْمَتِكَ، وَرَاجِینَ فَضْلَ نِعْمَتِكَ، وَخَائِفِنَ مِنْ عَذَابِكَ وَنِقْمَتِكَ.
اللَّهُمَّ فَاسْقِنَا غَيْثَكَ، وَلَا تَجْعَلْنَا مِنْ الْقَانِطِینَ، وَلَا تُهْلِكْنَا بِالسِّنِينَ، وَلَا تُؤَاخِذْنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَا يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمیِنَ) السِتر بالكسر ما يستتر به، واللکِن بالكسر الستر ووقاء كل شيء واستكن استتر(2)، وذكر الخروج [من](3) تحت الاستار في مقام الاستعطاف لأنَّ الاستار من شأنها أن لا يفارق إلا لضرورة شديده ففيه دلالة على الاضطرار، أو(4) لأن الرحمة تنزل من السماء کما قال: «وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ»(5)، ففي الخروج استعداد للرحمة، أو لأنَّ الاجتماع لا يتحقق إلاَّ بالخروج والاجتماع مظنة نزول الرحمة وعج يعج [ويعج] كيفر ويمل عجيجاً صاح ورفع صوته(6) ورفع البهائم والأطفال أصواتها بالأنين والبكاء مظنة العطف والرحمة، والقُنوط بالضم (الیاس)(7)
ص: 12
أو أشده(1)، والسنين بالكسر جمع سَنة بالفتح وهو (الجدب والقحط)(2).
(اللَّهُمَّ إِنَّا خَرَجْنَا [إِلَيكَ نَشْكو](3) إِلَيْكَ مَا لَا يْخَفَى عَلَيْكَ، حِیَن أَلْجَأَتْنَا الْمَضَايِقُ الْوَعْرَةُ، وَأَجَاءَتْنَا الْمَقَاحِطُ الْمُجْدِبَةُ، وَأَعْيَتْنَا الْمَطَالِبُ الْمُتَعَسِّرَةُ، وَتَلاَحَمَتْ عَلَيْنَا الْفِتَنُ الْمُسْتَصْعِبَةُ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَلّا تَرُدَّنَا خَائِبِینَ، وَلَ تَقْلِبَنَا وَاجِمِینَ، [وَلَا تُخَاطِبَنَا بِذُنُوبِنَا](4)؛ وَلَ تُقَايِسَنَا بِأَعْمَالِنَا) الجأته الى الشيء أي اضطررته [اليه](5)، والوَعْر الصَعْب وزناً ومعنى، والجأته اليه أي الجأته، والمقاحط(6) أماكن القحط أو سني القحط، والجدب انقطاع المطر، وَعِيَّ کرضي أي عجز، ولم يَهتدِ لوجه مراده واعياني هو وأعياني كذا أي اتعبني فأعيت يستعمل لازماً ومتعدياً، والتحم القتال أي اشتبكَ واختلط، وحبل متلاحم أي مشدود الفتل، والفتنة تكون(7) بمعنى العذاب والمحنة، والصعب العسر ونقيض الذلول واستصعب عليه الأمر، أي صعب، و(وجم کوعد وجماً ووجوماً: سكت على غیظ)(8)، ووجم الشيء (كرهه)(9) (ولا تخاطبنا بذنوبنا) أي لا تجعل جوابنا
ص: 13
الاحتجاج علينا بذنوبنا أو لا تنادينا(1) ولا تدعونا(2) یا مذنبين، أو لا تخاطبنا خطاباً(3) يناسب ذنوبنا، وقياس الشيء بالشيء ومقایسته به تقديره به والمعنى: لا تجعل فعلك بنا مناسباً و مشابهاً لأعمالنا ولا تجازنا على قدرها بل تفضل علينا بالصفح عن الذنوب ومضاعفة الحسنات (اللَّهُمَّ انْشُرْ عَلَيْنَا غَيْثَكَ وَبَرَكَتَكَ وَرِزْقَكَ وَرَحْمَتَكَ، وَاسْقِنَا سُقْيَاً نَافِعَةً مُرْوِيَةً مُعْشِبَةً، تُنْبِتُ بِهَا مَا قَدْ فَاتَ، وَتُحْيي بِهَا مَا قَدْ مَاتَ، نَافِعَةَ الْحَيَا؛ كَثِرَةَ الْمُجْتَنَى(4)؛ تَرْوِي بَهِا [الْقِيعَانَ؛ وَتُسِيلَ الْبُطْنَانَ(5) وَتَسْتَوْرِقُ الَأْشْجَارَ وَتُرْخِصُ الأَسْعَارَ؛ إنَّكَ عَلَى مَا تَشَاءُ](6) قَدِيرٌ) السُقيا بالضم اسم من قولك: سقاه سَقياً بالفتح وروي من الماء واللبن کرضي، فهو ريان [وارواه](7) غيره، والعُشب بالضم الكلاء الرطب، واعشبت المطر والأرض أي انبته، وما قدفات أي من الزروع والحبوب والأشجار والثمار وما قد مات أي من الأراضي، والحَيى بالفتح والقصر (الخصب)(8) و (المطر)(9)، وجنا(10) الثمرة واجتناها أي اقتطفها والمجتنى الثمرة، ويحتمل
ص: 14
المصدر، والقيعان جمع قاع وهو المستوي من الأرض(1) قلبت الواو ياء الكسرة ما قبلها، والبُطنان بالضم جمع باطن وهو (مسيل الماء)(2) و (الغامض من الأرض)(3)، والرُخص بالضم ضد الغلا، يقال: رخص السعر ککرم صار رخيصا وأرخصه الله وترخص في بعض النسخ على صيغة الأفعال، وفي بعضها على صيغة التفعيل بمعناها.
(بَعَثَ رُسُلَهُ بِمَا خَصَّهُمْ بِهِ مِنْ وَحْيِهِ، وَجَعَلَهُمْ / ظ 185 / حَجَّهً [لَهُ](4) عَلَى خَلْقِهِ؛ لِئَلَّا تَجِبَ الْحُجَّهُ لَهُمْ بِتَرْكِ الْعْذَارِ إِلَيْهِمْ فَدَعَاهُمْ بِلِسَانِ الصِّدْقِ(5) إِلَی سَبِيلِ الْحَقِّ إِلاَّ إِنَّ اللهَ(6) قَدْ كَشَفَ الْخَلْقَ كَشْفَةً؛ لَا أنَّهُ جَهِلَ مَا [أَخْفُوْهُ](7) مِنْ مَصُونِ أَسْرَارِهِم وَمَكْنُونِ ضَمائِرِهِم وَلَكِنْ لِيَبْلُوَهُمْ: أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً
فَيَكُونَ الثَّوَابُ جَزَاءً، وَالْعِقَابُ بَوَاءً) وجب(8) الشيء أي لزم وثبت واعذر أي أبدی عذراً وثبت له عذر، ولعل المراد بأعذار الله ابداء العذر في عقاب
ص: 15
العاصين(1)، وقال ابن الأثير في النهاية: ((لقد اعذر الله الى من بلغ به العمر ستين سنة) أي لم يبق فيه موضعاً للاعتذار حيث أمهله طول هذه المدة، ولم يعتذر، يقال: أعذر الرجل إذا بلغ أقصى الغاية من العذر)(2) وبلسان الصدق أي: بالقول الحق، والحجة التامة والكشف الاظهار ورفع كل شيء عما يواريه ويغطيه وكشف(3) الخلق (اظهار)(4) حالهم من السعادة والشقاوة بالتكليف، ومصون أسرارهم ما يحفظونه من الأمور الخفية ويسترونه عن غيرهم، والمكنون المستور والضمير السر وداخل الخاطر، وليبلوهم أي: ليمتحنهم(5) ويختبرهم، والجزاء المكافاة على الشيء والبَواء بالفتح (السواء والكفو)(6)، وفي الحديث: ((الجراحات(7) بواء))(8) أي: سواء في القصاص لا يؤخذ إلاَّ ما يساويها و(الغرض)(9) من الكلام إنَّ الله سبحانه أتم الحجه على العباد بأرسال الرسل وأمرهم ونهاهم ولم يعاملهم بها علم من سرائرهم وإنَّ كان التكليف لا يزيده علماً ليستحقوا الثواب والعقاب ولا يكون لاحد سبيل إلى انكار الاستحقاق وادعاء(10) مرتبه فوق الجزاء، ومن فوائد التكليف عَلِمَ
ص: 16
العِباد عِياناً يُوْمَ تُبلىَ السَّائِر بِأَنَ اللهَ عَز وَجل لَا يَظْلِم النَّاس شَيئا وَلَكِن النَّاس أَنْفسهُم يَظلِمُون.
(أَيْنَ(1) الَّذِينَ زَعَمُوا إِنُهَّمْ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ دُونَنَا كَذِباً وَبَغْياً عَلَيْنَا أَنْ رَفَعَنَا اللهُ وَ وَضَعَهُمْ وَأَعْطَانَا وَحَرَمَهُمْ وأَدْخَلَنَا وَأَخْرَجَهُمْ؛ بِنَا يُسْتَعْطَي الْهُدَى، وَيُسْتَجْلَ الْعَمَى إنَّ الْأَئِمَّةَ مِنْ قُرَيْشٍ غُرِسُوا فِي هَذَا الْبَطْنِ مِنْ هَاشْمٍ؛ لَا تَصْلُحُ عَلَى سِوَاهُمْ وَلَا تَصْلُحُ الْوُلَةُ مِنْ غَيْرِهِمْ) الزعم مثلثه القول الباطل وما فيه ارتياب أو خبر لا يدري أحق هو أو باطل وقيل: هو كناية عن الكذب ويكون بمعنى الظن وهو لا يناسب المقام ولعله (عليه السلام) نزّل ادعاءهم الخلافة منزله تلك الدعوى الباطلة فإنَّ المعروف أن القوم كانوا يعرفون مقدار علمهم ولم يجسروا على مثلها لوضوح بطلانها عند كل أحد وما رواه أهل العناد من أن أقرأكم(2) أُبيَ يعني ابن کعب وافرضکم زید بن ثابت ونحو ذلك، فالظاهر أن المراد ليس الاشارة الى كذبه وبطلانه وإن اتضح بطلانه بل المراد الاشارة الى كذب المنتحلين للخلافة ومدعي الامامة دون غيرهم والراسخون في العلم الثابتون المتمكنون فيه والكذب ككتف کما في النسخ، ويجوز بالكسر وبغی علیه کرمی بغياً أي علا وظلم وعدل عن الحق وكذب وإن رفعنا الله أي لأن رفعنا الله وهو تعليل(3) لبغي القوم وكذبهم حسداً وعدوانا والمراد بالرفع الأعزاز ورفع الدرجات في الدنيا والأخرى وأعطانا أي الملك والنبوة والامامة وما يتبع ذلك وأدخلنا أي: في سعة فضله
ص: 17
وکرمه کمن أذن له سلطان في الدخول في مجلس أنسه، واستعطاء الهدى الاستضاءة بنور الحق، واستجلاء العمى ازالة الغشاوة عن عين البصيرة وغرس الشجر کضرب اثبته في الارض (والبطن: دون القبيلة)(1)، و(أول العشيرة: الشعب)(2) قال الله تعالى: «وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا»(3)، (ثم القبيلة، ثم [الفصيلة](4)، ثم العمارة، ثم البطن ثم الفخذ)(5) والكلام نص في ابطال خلافة المتقدمين، قال الشارح عبد الحميد بن أبي الحديد: بعد ذكر المذاهب في الامامة: (فإن قلت إنك شرحت هذا / و 186 / الكتاب على قواعد المعتزلة وأصولهم، فما قولك في هذا الكلام وهو تصريح بأنَّ الإمامة من قريش لا تصلح إلاَّ في بني هاشم خاصة، وليس ذلك بمذهب للمعتزلة لا متقدميهم ولا متأخريهم! قلت: هذا الموضع مشکل، ولي فيه نظر وإن صح إن علياً (عليه السلام) قاله، قلت کما قال؛ لأنه ثبت عندي أن النبي (صلى الله عليه واله) قال: إنه مع الحق والحق يدور معه حيثما دار(6)، ويمكن أن يتأول ويطبق على مذهب المعتزلة فيحمل على أنَّ المراد به کمال الإمامة کما حمل قوله (صلى الله عليه واله): ((لا صلاة لجار المسجد إلا في
ص: 18
المسجد))(1) على نفي الكمال لا على نفي الصحة(2)، ولا يذهب على البصير أن هذا التأويل لا يجري في غير مذهب التفضيلية من المعتزلة ومن ارتفع عن بصیرته غشاوة العصبية علم أنَّ هذا الكلام لا ينقاد لمثل هذا التأويل، فإنَّ نسبة الكذب والبغي إلى القوم أولاً، واثبات الوضع والحرمان والاخراج ثانياً، وتكرير نفي الصلاحية عن غير بني هاشم أخيراً وما تضمنته الكلمات الاتية حجج قاطعة لدابر ذلك التأويل والاحتيال وتجويز(3) التأويل في مثل هذا الكلام ينفي وجود النص رأساً ولو جاز لجاز تأويل كلمة التوحيد بأنه لا اله کاملا إلاَّ الله فيرتفع الأمان، ويبطل الإيمان، وأما الشك في صحه الرواية، فيرتفع بالتأمل الصادق فيما روي في كتب الخاصة والعامة من كلماته (عليه السلام) في التظلم(4) وتصريحاته وتلويحاته (عليه السلام) بأنهم غصبوا الخلافة وأخذوها ظلماً وعدواناً، وقد اعترف هذا الشارح في شرح قوله (عليه السلام): (اللهم إني استعديك على قريش ومن أعانهم) بتواتر تلك الكلمات عنه (عليه السلام)، وقد ذكرنا منها في مقدمة شرح الخطبة الشقشقية من كتاب حدائق الحقائق(5) ما فيه كفاية للمستبصر والله ولي التوفيق.
[منها](6) (آثَرُوا عَاجِاً، وَأَخَّرُوا آجِلًا، وَتَرَكُوا صَافِياً، وَشِرَبُوا آجِناً؛
ص: 19
كَأَنِّ أَنْظُرُ إِلَ فَاسِقِهِمْ وَقَدْ صَحِبَ المُنْكَرَ فَألِفَهُ، وَبَسِئَ(1) بِهِ وَ وَافَقَهُ، حَتَّى
شَابَتْ عَلَيْهِ مَفَارِقُهُ، وَصُبِغَتْ(2) بِهِ خَلَئِقُهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ مُزْبِداً(3) كَالتَّيَّارِ لَا يُبَالِي مَا غَرَّقَ، أَوْ كَوَقْعِ النَّارِ فِي الْهَشِيمِ لَا يَحْفِلُ مَا حَرَّقَ.) آثروا أي اختاروا، وأخروا أي تركوا والأجل المتأخر، وماله أجل ضد العاجل، و(الآجن: الماء المتغير الطعم واللون)(4). والظاهر أن الضمائر ترجع إلى القوم المتقدمين ولا ينافيه كون الظاهر من الكلام أن الفاسق المخبر عنه من سيوجد لو سلم ذلك الظهور(5)، والمراد بالفاسق عبد الملك بن مروان کا قيل، والضمير المجرور [راجع إلى القوم](6) ولا يختص ببني أمية وإن كان عبد الملك منهم ويحتمل غيره، وبسئ(7) به کفرح کما في النسخ [و كجعل أي استأنس واعتاد](8) والمفرق كمقعد و مجلس (وسط الرأس وهو الذي يفرق فيه الشعر)(9) [والمراد الشعر والشيب](10) المفرق بیاضه والتخصيص بالمفارق لتأخر شيبها عن شيب(11) الصدغ(12) والقصاص ونحو ذلك [والمراد بشیب
ص: 20
مفارقه](1) علیه طول عهده به وشده استئناسه(2) وكذلك صبغ خلائقه به أي صفاته(3) الراسخة في طبعه والخلائق جمع خليقة وهي الطبيعة، أزبدَ البحر أذ أظهر الزبد بالتحريك على وجهه، والتيار موج البحر وغرقه في الماء بالتشديد وأغرقه بمعنى والوَقع [بالفتح](4) سرعه الانطلاق في الذهاب ووقع المطر وقعاً إذا نزل، والهشيم يابس كل كلاء وكل شجر، أو النبت اليابس المنكسر(5)، و[لا يحفله] [ولا يحفل](6) به کیضرب، أي لا يبالي وحرقه بالنار وأحرقه وحرقه بالتشديد بمعنى إلاَّ أن التشديد تفيد الشده والكثرة (أَيْنَ
الْعُقُولُ المُسْتَصْبِحَةُ بَمَصَابِيح الْهُدَى، وَالْأَبْصَارُ اللَّمَحِةُ إِلَی مَنَار(7) التَّقْوَى!،
أَيْنَ الْقُلُوبُ الَّتِي وَهِبَتْ للهِ، وَعُوقِدَتْ عَلَى طَاعَةِ اللهِ! ازْدَحَمُوا عَلَى الْحُطَامِ،
وَ تَشاَحُّوا عَلَى الْحَرَامِ، وَرُفِعَ لَهُمْ عَلَمُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ؛ فَصَرَفُوا / ظ 186 / عَنِ
الْجَنَّةِ وَجُوهَهُمْ، وَأَقْبَلُوا إلَی النَّارِ بِأَعْمَلِهِمْ، دَعَاهُمْ رَبُّهُمْ فَنَفَرُوا وَ وَلَّوُا، وَدَعَاهُمْ(8) الشَّيْطَانُ فَاسْتَجَابُوا وَأَقْبَلُوا!) والمصباح السراج واستصبحَ استسرج، والاستصباح بمصابيح الهدى الاهتداء بأنوار الحق واليقين، ولمح اليه کمنع
ص: 21
نظر اليه باختاس البصر وسرعة الابصار، وفيه اشارة الى الاشتياق، والمنار جمع منارة وهي العلامة تجعل بین الحدين، ومنار الحرم أعلامه المضروبة على أقطاره ونواحيه، والمنارة أيضاً ما يوضع عليها السراج، ووهبت لله أي وهبها أهلها لله، وجعلوا ميلها مقصوراً على رضاه عز وجل، وعقد الحبل والبيع والعهد كضرب أي شدة والكل يناسب المقام، والضمر في ازدحموا راجع الى القوم المذمومن المذكورين أولاً، والحطم (الكسر)(1)، وقيل: (خاص باليابس)(2)، والحُطام بالضم ما تكر من اليبس(3)، والمراد زخارف الدنيا
التي تزول بسرعة وتفنى (عن قريب)(4) والشح (أشد البخل)(5)، أو البخل مع حرص(6)، وتشاح القوم على الأمر(7) إذا شح بعضهم عى بعض وهو منشأ التنازع والتباغض، والعلم بالتحريك المنار والجبل(8) والراية، وعلم الجنة والنار ما به يعرف السبيل اليهما، والنفر (التفرق)(9) ونفرت الدابة كضرب ونر إذا شردت وذهبت وولى توليه أي ادبر.
ص: 22
(أَيُّهَا النَّاسُ؛ إِنَّمَا أَنْتُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيِا غَرَضٌ تَنْتَضِلُ فِيهِ المَنَايَا؛ مَعَ كُلِّ جَرْعَةٍ
[شَرَقٌ](1)، وَفيَ كُلِّ أَكْلَةٍ غَصَصٌ، لَا تَنَالُونَ مِنْهَا نِعْمَةً إِلَّا بِفِرَاقِ أُخْرَى، وَلَا يُعَمَّرُ مُعَمَّرٌ مِنْكُمْ يَوْمِاً مِنْ عُمُرِهِ إلاَّ بِهَدْمِ آخَرَ مِنْ أَجَلِهِ، وَلَا تُجَدَّدُ لَهُ زِيَادَةٌ فِي أَكْلِهِ، إِلاَّ بِنَفَاِد مَا قَبْلَهَا مِنْ رِزْقِهِ) الغرض بالتحريك (الهدف)(2)، ويقول(3) غرضه في فعله كذا على التشبيه، والانتضال والتناضل المراماة للسبق(4)، ومناه الله يمنية(5) أي قدره، والمنية [الموت](6)؛ لأنها مقدرة والجمع لتعدد الأفراد بتعدد الأشخاص، أو لتعدد الأنواع من الموت حتف الأنف والقتل والغرق والحرق وغير ذلك شبه (عليه السلام) المنايا بالرجال المناضلين، والجُرعة بالضم ما اجترعت من الماء ونحوه مرة واحدة(7)، وهي من الماء كاللقمة من الطعام، والشرق بالتحريك (الشجي والغصة)(8) وشرق بريقه کفرح أي غص، والاكلة بالضم (اللقمة)(9)، والغصص(10) بالتحريك مصدر قولك
ص: 23
غصصت بالطعام بالفتح والكسر إذا اعترض في الحلق فاشرق، وفي بعض النسخ غُصُص بالضم جمع غصه وهي (الشجي)(1)، وعدم نیل نعمة إلاَّ بفراق أخرى؛ لأن الإنسان لا يتهيأ له الجمع بين الملاذ الجسمانية كالأكل والشرب والجماع وكذلك لا يلتذ بلقمة إلاَّ بفوت الالتذاذ بأختها السابقة، أو لأن المقدر في القضاء المقسوم أن لا يظفر الانسان بنعمه غالباً كالفوز بمال خطير إلاَّ بعد زوال نعمة والابتلاء ببلیه کموت ولد ونحو ذلك وكذلك لا يبقى الإنسان ولا يعيش يوماً من عمره إلاَّ بزوال يوم وانتقاصه(2) من المدة المضروبة لحياته وبقائه، فسرور الإنسان ببقائه إلى يوم معين من عمره مشوب عند التأمل بانتقاص يوم قبله من أيام حياته وكذلك الزيادة في أكله وهو بضمتين الرزق والحظ من الدنيا؛ وذلك من النقائص اللازمة لانتهاء(3) مدة الحياة وتقدر الرزق بمقدار معين كما هو شأن الحياة والرزق في الدنيا بخلاف الجنة ونعيمها لبقائها طول الأبد وعدم تناهي لذاتها، فسرور الدنيا مشوب بالحزن(4) ولذتها مکدره بالألم (وَلَا يْحَيَى لَهُ أَثَرٌ إِلاَّ مَاتَ لَهُ أَثَرٌ، وَلَا يَتَجَدَّدُ لَهُ جَدِيدٌ إلِا بَعْدَ أَنْ يَخْلَقَ(5) جَدِيدٌ، وَلَا تَقُومُ لَهُ نَابِتَةٌ إِلاَّ وَتَسْقُطُ مِنْهُ مْحَصُودَةٌ وَقَدْ
مَضَتْ أُصُولٌ نَحْنُ فُرُوعُهَا، فَمَا بَقَاءُ فَرْعٍ بَعْدَ ذَهَابِ أَصْلِهِ!) الأثر بالتحريك بقية الشيء وأصله من أثر مشي الإنسان في الأرض، ولعل المراد بالأثر الذكر
ص: 24
الجميل بن الناس والفعل المحمود فإنَّه لا يعرف الإنسان بجميل في الغالب
ولا / 187 / يحمد بحسن إلاَّ بعد نسيان السوابق وذهول الناس عن المحامد
السالفة، أو بعد ظهور صفه ذميمة وفعل قبيح تموت به محامده القديمة، أو
المراد أن الانسان في الأغلب لا ينتشر صيته(1) ولا يشيع فضله، ولا يكون له
أولاد معروفون بالمحاسن إلا بعد شيخوخته، وذهاب شبابه، وفقد نشاطه،
ويمكن أنْ يراد ذلك بتجدد الجديد، أو يراد به زيادة المال ونحوه بعد ذهاب
النشاط والشباب، ويخلق كينر ويكرم كما في النسخ ويجوز كيسمع أي يبلى،
ولعل المراد بالنابتة الأولاد والأقارب الناشئة بعد فقد السابقين ونحو ذلك
وحصد الزرع والنبات كنر وضرب قطعه بالمنجل، والمراد بالأصول الإباء،
أو ذوي الفضائل من السلف والأول أنسب.
[منها](2) (وَمَا أُحْدِثَتْ بِدعَةٌ إِلاَّ تُرِكَ بَهِا سُنَّةٌ فَاتَّقُوا الْبِدَعَ، وَالْزَمُوا الْمَهْيَع. إنَّ عَوَازِمَ الأمُورِ أَفضَلُهَا، وَإنَّ مُحْدَثَاتِهَا شِرَارُهَا) البدعة الأمر المستحدث الذي لم يرد به نص ولم يدل عليه دليل بخُصوصه ولم يدخل تحت عموم(3)، وهاع يهيع ويهاع أي انبسط، وطريق مهيع كمقعد أي بن واضح، وقال في العين: (طريق مَهْيع مَفْعِل من التهيع(4) وهو الانبساط)(5) و(بلد مهيع أيضاً أي واسع)(6) كالطريق، ومن قال: فعيل فقد أخطأ فإنه ليس في كلام العرَبَ
ص: 25
فَعْيَل إلاَّ وصدرهُ مکسور نحو: حَذِیم(1) وعثير(2)، والعوزم والناقة المسنة فيها بقية من الشباب(3) و(العجوز)(4) قال بعض الشارحين: عوازم الأمور: ما تقادم منها، من قولهم: عجوز عوزم أي مسنه و تجمع فوعل على فواعل کدورق وهوجل ويجوز أن يكون جمع عازمة ويكون فاعل بمعنی مفعول أي معزوم(5) عليها أي مقطوع معلوم بيقين صحتها ومجيء فاعله بمعنی مفعوله كثير كقوله تعالى: «عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ»(6) أي مرضيه، والأول عندي أظهر للمقابلة(7).
وانزعاجه)(1)، والشخص كل جسم له ارتفاع وظهور، ومنه شخوص المسافر من بلد إلى بلد كأنه صار في ارتفاع(2)، قال بعض الشارحين: قد اختلف في الحال التي قاله(3) (عليه السلام) فيها لعمر، فقيل: قاله [له](4) في (غزاة) القادسية، وقيل: في (غزاة)(5)(غراة) في أ، ر، ن، تصحيف(6) نهاوند والى هذا القول الأخير ذهب محمد بن (جرير)(7) الطبري في التاريخ الكبير(8) والى القول الأوّل ذهب المدائني(9) في كتاب الفتوح))(10) (إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ لْمَ يَكُنْ نَصْرُهُ و(11) خُذلانُهُ بكثرةٍ ولا
بقِلَّةٍ، وَهُوَ دِينُ اللهِ الَّذِي أَظْهَرَهُ، وَجُنْدُهُ الَّذِي أَعَدَّهُ وَأَمَدَّهُ، حَتَّى بَلَغَ مَا بَلَغَ، وَطَلَعَ حَيْثُ(12) طَلَعَ، وَنَحْنُ عَلَى مَوْعُودٍ مِنَ اللهِ، وَاللهُ مُنْجِزٌ وَعْدَهُ، وَنَاصِرٌ جُنْدَهُ؛ وَمَكَانُ الْقَيِّمِ بِالْأَمْرِ مَكَانُ النِّظَامِ مِنَ الْخَرَزِ، يَجْمَعُهُ وَيَضُمُّهُ، فَإذا انْقَطَعَ النِّظَامُ تَفَرَّقَ وَذَهَبَ، ثُمَّ لَمْ يَجْتَمِعْ بِحَذَافِرِهِ أَبَداً) اظهره أي جعله غالباً على الأديان ويحتمل أن يكون من الظاهر خلاف الباطن لكنه خلاف
ص: 27
الظاهر وحمل الجند على الأمر تجوزاً والتقدير جنده جند الله وأعده أي هيأه
وأمده أي أعانه وقواه بمدد أي من الملائكة، أو منهم ومن عباده المخلصن
والطلوع الظهور من موضع عالٍ، ولعل المراد بموعوده عز وجل اظهار
هذا الدين على الأديان بقوله سبحانه: «هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ»(1)، أو استخلاف الصالحين بقوله عز وجل: «وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ»(2) أو(3) ما هو (عليه السلام) يعلمه وانجاز الوعد / ظ 187 / الوفاء به والنظام ككتاب
كل خيط ينظم به اللؤلؤ ونحوه(4) والخرزة محركه الجوهر وما ينتظم واخذه بحذفاره وبحذفوره(5) وبحذافره أي باسره أو بجوانبه أو بأعالية (وَالْعَرَبُ الْيَوْمَ وَإنْ كَانُوا قَلِياً فَهُمْ كَثِرُونَ بِالْإِسْلَامِ عَزِيزُونَ بِالِجْتِاَعِ؛ فَكُنْ قَطْباً وَاسْتَدِرِ الرَّحَى بِالْعَرَبِ؛ وَأَصْلِهمْ دُونَكَ نَارَ الْحَرْبِ فَإنَّكَ إنْ شَخَصْتَ مِنْ هَذِهِ الْأَرْضِ انْتَقَضَتْ(6) الْعَرَبُ مِنَ أَطْرَافِهَا وَأَقْطَارِهَا، حَتَّى يَكُونَ مَا تدَعُ وَرَاءَكَ مِنْ الْعَوْرَاتِ أَهَمَّ إِلَيْكَ مِمَّا بَیْنَ يَدَيْكَ) المراد بكثرة العرب قوتهم
ببركه الإسام، والقطب حديدة تدور عليها الرحا، وصى اللحّم كرمى أي
ص: 28
أدخله النار وشواه فإذا القاه في النار وأراد الإحراق، يقال: أصلاه وصلاّه بالهمزة والتشديد، وصلى الرجل بالأمر إذا قاسی حرّه وشدته، وكذلك صلى بالنار، والمعنى: أجعلهم صالين نار الحرب مقاسين حرها وشدتها، دونك أي قريبا منك أو أمامك أولا أنت بنفسك و (الغرض)(1) تصديهم للحرب وعدم حضوره المعركة والانتقاض والنقض في الحبل والبناء ضد الإبرام والمراد التفرق، والقُطر بالضم (الناحية)(2) والعورة في الثغر والحرب كل خلل يخاف منه وكل ما يستره الإنسان أنفة أو حياء فهو عوره. (إنَّ الاْعَاجِمَ إنْ يَنْظُرُوا إِلَيْكَ غَداً يَقُولُوا: هَذَا أَصْلُ الْعَرَبِ فَإذَا اقْتَطَعْتُمُوهُ اسْتَرَحْتُمُ(3)، فَيَكُونُ ذَلِكَ أَشَدَّ لِكَلَبِهِمْ عَلَيْكَ وَطَمَعِهِمْ فِيكَ، فَأمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ مَسِیرِ الْقَوْم إِلَی قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ، فَإنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ هُوَ أَكْرَهُ لِمَسِیرِهِمْ مِنْكَ، وَهُوَ أَقْدَرُ عَلَى تَغْيَرَ مَا يَكْرَهُ، وَ أَمَّا ذَكَرْتَ مِنْ عَدَدِهِمْ؛ فَإنَّا لَمْ نَكُنْ نُقَاتِلُ فِياَ مَىَ بِالْكَثْرَةِ وَإِنَّمَا
كُنَّا نُقَاتِلُ بِالنَّصْرِ وَالْمَعُونَةِ) العجم خلاف العرب والأعجم من لا يفصح ولا يبين كلامه ومن لا يقدر على الكلام ويسمى غير العرب أعجم لأنهم لا يفصحون بما هو الكلام عند العرب أو لا يقدرون عليه(4) واقتطعتموه أي اخذتموه، يقال: اقتطعت من ماله قِطعه أي أخذتها، والکَلب بالتحريك الشر والأذى والشده(5) وقوله (عليه السلام) (فأما ذكرت) جواب لقول: عمر إنَّ هؤلاء الفرس قد قصدوا المسير إلى المسلمين وقصدهم إياهم دلیل قوتهم،
ص: 29
وأنا أكره أن يغزونا قبل أن نغزوهم، والمعونة الاسم من قولك: استعنت به فأعانني، وقيل الميم أصلية وهي فعولة من الماعون وهو المعروف.
(فَبَعثَ [...](1) مَحُمَّداً [...](2) بِالْحَقِّ؛ لِيُخرِجَ عِبَادَهِ مِنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ إلَی عِبَادَتِهِ؛ وَمِنْ طَاعَةِ الشَّيْطَانِ إلَی طَاعَتِهِ، بِقُرْآنٍ قَدْ بَيَّنَهُ وَأَحْكَمَهُ، لِيَعْلَمَ الْعِبَادُ رَبَّهُمْ إِذْ جَهِلُوهُ، وَلِيُقِرُّوا بِهِ بَعْدَ إذْ جَحَدُوهُ، وَلِيُثْبِتُوهُ بَعْدَ إذْ أَنْكَرُوهُ، فَتَجَلَّى سُبْحَانَهُ لَهُمْ فِي كِتَابِهِ مِنْ غَیْرِ أَنْ يَكُونُوا رَأَوْهُ بِمَا أَرَاهُمْ مِنْ قُدْرَتِهِ، وَخَوَّفَهُمْ مِنْ سَطْوَتِهِ. وَكَيْفَ مَحَقَ مَنْ مَحَقَ بِالمُثَلاتِ، وَاحْتَصَدَ مَنِ احْتَصَدَ بِالنَّقِمَاتِ!) الوثَن بالتحريك الصنم سمي وثناً لانتصابه من قولهم: وثن بالمكان أي ثبت ودام(3)، وقيل الوثن: كل ماله جّثه معموله من جواهر الأرض، أو من الخشب والحجارة كصورة الآدمي يعمل وينصب فيعبد والصنم الصورة بلا جثة وقد يطلق الوثن على غير الصورة(4)، وأحكمه أي أتقنه فاستحکم ومنعه عن الفساد، وقيل في قوله تعالى: «كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ»(5) أي حفظت من فساد المعنى ورکاکه اللفظ، وفسر المحكات المقابلة للمتشابهات بما حفظت
ص: 30
من الاجمال(1)، ولعل المراد بالإقرار الإقرار باللسان وبالإثبات التصديق
بالقلب وتجلى أي ظهر وانكشف وتجلى لهم في كتابه أي بما نبههم عليه في
الكتاب من آيات القدرة وقصص الأولین وحلول النقمات بالعاصین(2)، وقيل المراد بالكتاب / و 188 / العالم لكونه، محلاً لآثار الصنع وعجائب الصور المنقوشة فيه كما أنَّ الكتاب محل لنقش الحروف وهو بعيد، ومحق الشيء أي (ابطله ومحاه)(3) والمَثلات جمع مثله بفتح الميم وضم(4) المثلثة(5) فيهما وهي (العقوبة)(6) واحتصد أي استأصل والنقات ككلمات جمع نقمة وهي (المكافاة بالعقوبة)(7).
(وإِنَّهُ سَيَأْتِ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِي زَمَانٌ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ أَخْفَى مِنَ الْحَقِّ، وَلَا أَظْهَرَ مِنَ الْبَاطِلِ، وَلَا أَكْثَرَ مِنَ الْكَذِبِ عَلَى اللهِ وَرَسُولِهِ، وَلَيْسَ عِنْدَ أَهْلِ ذَلِكَ الزَّمَانِ سِلَعْةٌ أَبْوَرَ مِنَ الْكِتَابِ إذَا تُلِىَ حَقَّ تِلَاوَتِهِ، وَلَا أَنْفَقَ مِنْهُ إذَا حُرِّفَ عَنْ مَوَاضِعِهِ، وَلَا فَي الْبِلَادِ شَيْءٌ أَنْكَرَ مِنَ الْمَعْرُوِفِ، وَلَا أَعْرَفَ مِنَ المُنْكَرِ) المراد بخفاء الحق أما الخفاء من حيث العمل تنزيلاً للقلة والعدم
منزله الخفاء، أو من حيث العلم لكثرة الشبه وقلة العلماء، ولعل الأول أنسب
معنى والثاني أظهر لفظاً، والكذب ككتف في النسخ، والسِلعة بالكر المتاع
ص: 31
وما تُجر بهِ(1)، والبور والبوار کساد المتاع والسوق، يقال: بارت(2) السلعة وبار السوق، والتلاوة القراءة والاتباع ومن اتبع غيره في فعله، يقال: تلاه والتلاوة [حق التلاوة](3) على الأول قراءة الكتاب كما أنزل من غير تغير ورعاية الترتيل من آداء الحروف عن المخارج والوقف في المواضع وغير ذلك من محسنات القراءة، وعلى الثاني العمل بمحكمه والاقرار بمتشابهة والتوقف في تفسير المشكل منه، وترك تأويله بالرأي، والهوى ورد علمه الى حمله علمه ويقابله التحريف(4) عن موضعه بأي معنی کان والظاهر في المقام ما تعلق بالمعنى، ونفاق المتاع(5) کسحاب رواجه(6)، ونفاق السوق قيامه ضد الكساد، والمعروف اسم جامع لكل ماعرف من طاعة الله تعالى والتقرب اليه والإحسان إلى الناس وكلما ندب اليه الشرع ونهی عنه من المحسنات والمقبحات سمي معروفاً؛ لأنَّ أرباب البصائر يعرفونه ويصدقون به ولا ينكرونه، والمراد بكون المعروف عند هؤلاء منكر أنه مستقبح عندهم فيما يظهرونه مع علمهم بحاله أو مجهول لهم فینکرونه(7) ويزعمونه منكراً، وقد مضى نظير هذا الكلام في أوائل الكتاب.
(فَقَدْ نَبَذَ الْكِتَابَ حَمَلَتُهُ وَتَنَاسَاهُ حَفَظَتُهُ؛ فَالْكِتَابُ يَوْمَئذٍ وَأَهْلُهُ مَنْفِيَّانِ
ص: 32
طَرِيدَانِ(1) وَ[صَاحِبَانِ](2) مُصْطَحِبَانِ(3) فِي طَرِيقٍ وَاحِدٍ لَ يُؤْوِيِهمَا(4) مُؤْوٍ
فَالْكِتَابُ وَأَهْلُهُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ فِي النَّاسِ وَلَيْسَا فِيهِمْ وَ مَعَهُمْ وَلَيْسَا مَعَهُم؛
لِأَنَّ الضَّلَالَةَ لَا تُوَافِقُ الْهُدَى وَإنِ اجْتَمَعَا) نبذ الشيء كضرب أي طرحه أمامه أو وراءه، وقيل: هو عام(5) والنسيان ضد الذكر والحفظ وتناسي الشيء أي اری من نفسه أنه قد نسيه و(الطرد: الابعاد)(6) والطريد ما طردته من صيد وغيره، ونفي الشيء کرمی أي نحّاه، ونفى الشيء أي جحده(7)، واصطحب القوم صحب بعضهم بعضاً، وآویت منزلي واليه أي نزلته وسكنته، و آویت فلاناً على صيغة الأفعال أي أنزلته، وكل مكان ينزل اليه شيء ليلاً أو نهاراً فهو مأواه(8)، و(9) قوله (عليه السلام) لأنَّ الضلالة تعليل لما سبق من أنَّ الكتاب وأهله ليسا فيهم وليسا معهم، أي في الحقيقة لعدم ترتب الآثار المطلوبة منهما عليهما.
(فَاجْتَمَعَ الْقَوْمُ عَلَى الْفُرْقَةِ، وافْتَرَقُوا عَنِ الْجَمَاعَةِ؛ كَأَنَّهُم أَئِمَةُ الْكِتَابِ؛ وَلَيْسَ الْكِتَابُ إمَامَهُمْ، فَلَمْ يَبْقَ عِنْدَهُمْ مِنْهُ إلاَّ اسْمَهُ، وَلَا يَعْرِفُونَ إلاَّ خَطَّهُ
ص: 33
وَزَبْرَهُ، وَمِنْ قَبْلُ مَا مَثَّلُوا بِالصَّالِحیِنَ كُلَّ مُثْلَةٍ، وَسَمَّوْا صِدْقَهُمْ عَلَى اللهِ فِرْيَةً،
وَجَعَلُوا فِي الْحَسَنَةِ عُقُوبَةَ السَّيِّئَةِ) الفُرقة بالضم الاسم من قولك: افرق القوم
ضد اجتمعوا، [و](1) الخط الكتب بالقلم واحد الخطوط، وزبرت الَكتاب زبراً أي كتبته فهو زبور فعول بمعنى مفعول مثل رسول(2) ومن قبل أي قبل ذلك الزمان وإن كان بعد زمانه (عليه السلام)، ومثل بالقتيل مثلاً كقتل وضرب / ظ 188 / إذا نكل به وظهر آثار فعله فيه والتشديد مبالغة، والاسم المثلة كغرفة، والمَثلة بالفتح(3): العقوبة، والِفرية بالكر الاسم من قولك:
افرى عليه كذباً أي اختلقه(4)، قال بعض الشارحين: قوله (عليه السلام): ((على الله)) ليس متعلقاً بصدقهم بل بفرية، ولما امتنع أن يتعلق حرف الجر به لتقدمه عليه وهو مصدر فليكن متعلقاً بفعل مقدر دل عليه هذا المصدر الظاهر ويروى: ((وجعلوا في الحسنه العقوبة السيئة والرواية الأولى بالإضافة
أكثر وأحسن(5) (وَإنَّماَ هَلَكَ مَنْ كَانَ قبَلكُم بِطُولِ آماَلِهِمْ، وَتَغَيُّبِ آجَالِهِمْ؛ حَتَّى
نَزَل بِهِمْ المَوْعُودُ الَّذِي تُرَدُّ عَنْهُ المَعْذِرَةُ، وَتُرْفَعُ عَنْهُ التَّوْبَةُ، وَتَحُلُّ مَعَهُ الْقَارِعَةُ
وَالنِّقْمَةُ) الأمل الرجا والطمع وأكثر ما يستعمل فيما يستبعد حصوله كما تقدم
وتغيب عني فان اي غاب، ولا يقال: تغيبني إلاَّ في ضرورة الشعر، والأجل
غاية الوقت في الموت، والمراد بتغيب آجالهم نسيانهم إياها، وقلة التفاتهم
اليها وترك الاستعداد لها ولما بعدها والموعود الموت وترد عنه المعذرة أي لا
ص: 34
تقبل(1) فيه معذره معتذر، وترفع عنه التوبة أي تنسد باب التوبة عند نزوله، قال الله (عز وجل): «وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ»(2) ويحتمل أن يكون المراد به لا يقبل الرجوع عنه عند تمني الكافر بقوله: «رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ»(3)، أو عند الاشراف عليه ممن يكرهه، وحل المكان وبه تمدا إذا نزل والقارعة (الداهية)(4) المهلكة تأتي فجأة، أو التي تلقی بشده وقوة. (أَيَّهَا النَّاسِ، إِنَّهُ مَنِ اسْتَنْصَحَ اللهَ وُفِّقَ؛ وَمَنِ اتَّخَذَ قَوْلَهُ دَلِيلاً
هَدِىَ لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ، فَإنَّ جَارَ اللهِ آمِنٌ وَعَدَوَّهُ خَائِفٌ. وَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِمَنْ
عَرَفَ عَظَمَةَ اللهِ أَنْ يَتَعَظَّمْ فَإنَّ رِفْعَةَ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ(5) مَا عَظَمَتُهُ أَنْ يَتَواضَعُوا لَهُ وَسَاَمَةَ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ(6) مَا قُدْرَتُهُ أَنْ يَسْتَسْلِمُوا لَهُ. فَلاَ تَنْفِرُوا مِنَ الْحَقِّ نِفَارَ الصَّحِيحِ مِنَ الْأَجْرَبِ، وَالْبَارِئِ مِنْ ذِي السَّقَم) النصيحة كلمة يعبر بها عن جمله هي ارادة الخير للمنصوح له وأصل النصح في اللغة الخلوص(7) واستنصحت(8) فلاناً أي اعتقدت أنه ناصح وعددته ناصحاً واعتقاد النصح في الله عز وجل وإنه لا يريد للعبد إلاَّ ما هو خير له يستلزم الرغبة في العمل بكل ما أمر به والاجتناب عما نهى عنه وهدي للتي هي أقوم أي للحالة
ص: 35
أو الطريقة التي هي أقوم الحالات أو الطرق أي أعدها وأرشدها يقال: قام الشيء واستقام أي اعتدل وهذا من الألفاظ القرآنية قال الله سبحانه: «إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ»(1) والجار المجاور(2) والذي اجرته من أن يظلم ومجاور الله من تقرب اليه بالطاعة وبعبادته(3) يجير(4) عباده من الظلم ويحميهم ممن أرادهم بسوء والتعظم اعتقاد الرجل في نفسه العظمة كالتكبر والرِفعة بالكسر الشرف وارتفاع القدر وعظمته في بعض النسَخ بالرفع وفي بعضها بالنصب وكذلك قدرته، وقال بعض الشارحين: ما هاهنا بمعنى: أي، ومن روی بالنصب جعلها زائدة(5). والتواضع التذلل والخشوع والسلامة البراءة من الآفات والعيوب والاستسلام الانقياد (ونفر الوحش نفور والاسم النِفار بالكسر)(6) أي تجافي وتباعد(7) و تحرز والاجرب من به الجرب بالتحريك وهو داء يكون في الانسان والإبل وغيرهما قالوا يحدث من خلط غلیظ تحت الجلد يكون من مخالطه البلغم الملح للدم ويحدث معه [بثور(8) وربما حصل معه](9) هزال لكثرته وبرئ کسلم وزناً ومعنی فهو بارئ وبرئ والمراد بذي السقم صاحب العاهة والامراض التي تعدي
ص: 36
عند الناس وهذا الكلام ليس بصريح في صحة العدوى ويمكن / و 189 /
أن يحمل عى العادة فا ينافي ما ورد من أنَّه لا عدوى ولا صفر لو صح (وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ لَنْ تَعْرِفُوا الرُّشْدَ حَتَّى تَعْرِفُوا الَّذِي تَرَكَهُ وَلَمْ تَأْخُذُوا بِمِيثاقِ الْكِتَابِ حَتَّى تَعْرِفُوا الَّذِي نَقَضَهُ وَلَنْ تَمَسَكُّوا بِهِ حَتَّى تَعْرِفُوا الَّذِي نَبَذَهُ فَالْتَمِسُوا ذَلِكَ مِنْ عِنْدِ أَهْلِهِ فَإنَّهُمْ عَيْشُ الْعِلْمِ وَمَوْتُ الْجَهْلِ) الغرض من الكلام التنفیر عن أئمة الضلال والتنبيه على وجوب الراءة منهم والرُشد بالضم الاهتداء والاستقامة على طريق الحق مع تصلب فيه والميثاق العهد
وميثاق الكتاب ما أبان الكتاب لزوم الوفاء [به](1) من الطاعة والكف عن عبادة الشيطان واطاعه الله ورسوله وأولى الأمر (صلوات الله عليهم أجمعین) ونحو ذلك كا قال عز وجل: «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ»(2) وقال سبحانه: «أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ»(3) وقال تعالى: «أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ»(4) ونبذه(5) أي طرحه ورماه وراء ظهره، أو مطلقاً والالتاس الطلب والمراد بأهله نفسه وأهل البيت (عليهم السلام) والعيش الحياة والحمل للمبالغة والغرض الدلالة
عى بطان غر أهل البيت (عليهم السام) ممن تصدى للخلافة والإمامة (هُمُ الَّذَينَ يُخْبِرُكُمْ حُكْمُهُمْ عَنْ عِلْمِهِمْ، وَصَمْتُهُمْ عَنْ مَنْطِقِهِمْ؛ وَظَاهِرُهُمْ عَنْ بَاطِنِهِمْ، لَا يُخَالِفُونَ الدِّينَ وَلَا يُخْتَلِفُونَ فِيهِ، فَهُوَ بَيْنَهُمْ شَاهِدٌ صَادِقٌ،
ص: 37
وَصَامِتٌ نَاطِقٌ) الضمير راجع الى أهله وهم أهل البيت (عليهم السلام) واخبار ما حكموا به عن علمهم واضح وأخبار صمتهم عن منطقهم؛ لأنَّ لصمتهم هيئة(1) وحالة مقرونة بقرائن دالة على حسن منطقِهِم لو نطقوا وكذلك كل ماظهر منهم، ولا يخالفون الدين أي لا يخالفون الحق جميعاً، ولا يختلفون فيه حتَّی یکون(2) بعضهم مخالفاً للحق والضمير المرفوع راجع إلى الدِّين وهو بينهم شاهد صادق، أي يأخذون بما حکم به ودل عليه كما يؤخذ بشهادة العدل المصدق وصامت؛ لأنه لا ينطق في الظاهر لابد له من مترجم فينطق بلسانه.
(كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُاَ يَرْجُو الْأَمْرَ لَهُ، وَيَعْطِفُهُ عَلَيْهِ دُونَ صَاحِبِهِ، لَا يَمُتَّانِ إلَی اللهِ بِحَبْلٍ، وَلَا يَمُدَّانِ إِلَيْهِ بِسَبَبٍ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُاَ حَامِلُ(3) ضَبٍّ لِصَاحِبِهِ؛ وَعَمَّا قَلِيلٍ يُكْشَفُ قِنَاعَةُ بِهِ. وَالله لَئِنْ أَصَابُوا الَّذِي يُرِيدُونَ لَيَنْتَزِعَنَّ هَذَا؛ نَفْسَ هَذَا، وَلِيَأْتِیَنَّ هَذَا عَلَى هَذَا) الضمير التثنية راجع الى طلحة والزبير، والأمر الإمارة والخلافة، وعطفه كضرب أي أماله وعطف هو أي مال يتعدى ولا يتعدى، ومتّه متّاً مثل مده مداً وزناً ومعنى، ومَت بقرابته إلى فلان أي توسل ووصل، والسبب الحبل وكل شيء يتوصل به إلى غيره، والغرض انهما بمعزل عن نية القرية في فعلهما ولا يريدان و جهة الله والدار
ص: 38
الاخرة و (الضب: الحقد)(1) والغضب، ودابة تشبه الحرذون(2) وهي أنواع منها دون العيز(3) وهو أعظمها والعرب تضرب(4) المثل بالضب في العقوق(5) تقول: (أعق من ضب)(6).
وذلك أنه ربما يأكل حسوله(7)، [قيل: ومن عجیب خلقته أن الذكر له زبان والأنثى لها فرجان تبيض(8) منهما](9)، والفاعل في (یکشف) ضمير كل واحد، والقِناع بالكسر أوسع من المِقنعة بكسر الميم وهي ما تقنع(10) به المرأة رأسها، والضمير في قناعة راجع الى كل واحد وفي (به) الى الضب ويحتمل أن يكون الباء بمعنى اللام أي يكشف قناع الضب لصاحبه وانتزاع النفس القتل، وأتى عليه أي اهلکه، ذكر أرباب السير(11) أنهما اختلفا قبل وقوع الحرب في الصلاة فأقامت عائشة محمد بن طلحة وعبد الله بن الزبير
ص: 39
يصلى هذا يوماً وهذا يوماً الى أن تنقضي(1) الحرب ثم ادعى عبد الله بن
الزبر أن عثمان نص عليه بالخلافة يوم الدار واحتج تارة بأنَّه استخلفه على
الصاة، وأخرى بنص صريح / ظ 189 / زعمه وادعاه وطلب طلحة من عائشة أن يسلم الناس عليه بالأمرة وأدلى اليها بالسمينة وأدلى الزبر اليها بأسماء أختها فأمرت الناس أن يسلموا عليها جميعاً بالأمرة، واختلفا في تولي القتال، فطلبه كل منهما أولاً، ثم نكل كل واحد منهما عنه (قَدْ قَامَتْ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ فَأَيْنَ المُحْتَسِبُونَ! فَقَدْ(2) سُنَّتْ لَهُمُ السُّنَنُ، وَقُدِّمَ لَهُمُ الْخَبُرَ؛ وَلِكُلِّ ضَلَّةٍ عِلَةٌ، وَلِكُلِّ نَاكِثٍ شُبْهَةٌ. وَالله لَا أَكُونُ كَمُسْتَمِعِ اللَّدْمِ، يَسْمَعُ النّاعِيَ؛ وَيَحْضَرُ الْبَاكيَ(3)) البغي الظلم والعدول عن الحق والاستطالة والكذب، واحتسب عليه أي أنكر ومنه المحتسب والاحتساب في الأعمال الصالحات وعند المكروهات هو البدار الى طلب الأجر وتحصيله بالتسليم والصبر أو باستعمال أنواع البر طلباً للثواب المرجو منها، والسنة الطريقة والسیرة وسنت لهم السنن أي بينت [للمحتسبين](4) طرق الحق والباطل، أو طرق
الحق حتى يسلكوها وقدم لهم الخر أي الخر المشهور عن النبي (صلى الله
عليه واله) في قتال الناكثین والقاسطين والمارقین، ويحتمل أن يعود الضمیر
المجرور الى القوم المعر عنهم بالفئة، والمراد أنهم بغوا مع علمهم بأنَّهم على
ص: 40
الباطل لا عن شبهه مريبة، ولعله أنسب مما بعد الكلام على وجه والضَلة بالفتح المرة من قولك: ضل ضلالاً والضلالة، ونكث العهد والحبل کنصر وضرب أي نقضه فهو ناکث والمعنى على ما ذكره بعض الشارحین(1) أن لكل ضلاله علة وعلة خروج هذه الفرقة عن الدين البغي والحسد، ولكل ناکث شبهه تغطي عن بصيرته عن النظر الى وجه الحق كطلبهم(2) بدم عثمان ولا يخلو عن بعد عن المقام، ويحتمل أن يكون المراد أن لكل ضلّة غالباً أو لكل ما هو ضلّة حقيقه علة، ولكل ناكث كذلك شبهة تنشأ عنهما التباس وتغطية لوجه الحق بخلاف هؤلاء فإنَّ انكارهم للحق ليس إلاَّ للبغي وحب الرئاسة ونكثهم(3) ليس عن شبهه تخفى عنهم وجهه الحق بل نكثوا البيعة عناداً و طلباً للسلطنة والامارة ونظير ذلك قوله (عليه السلام) في الخطبة القاصعة (ولقد نظرت فَما وجدتُ أحداً من العالمين يتعصب لشيء من الأشياء إلاَّ عن علة تحتمل تمويه الجهلاء، أو حجه تليط(4) بعقول السفهاء غيركم فإنَّكم تتعصبون لأمرٍ [ما](5) يعرف له سبب ولا علة)(6) ومستمع
ص: 41
اللّدم الضبع وهو صوت الحجر يضرب به الأرض، أو حيلة يفعلها(1) الصائد عند باب مغارها فتنام ولا تتحرك(2) حتى يجعل الحبل في عرقوبها فيخرجها كما مرَّ في شرح قوله (عليه السلام) في أوائل الكتاب(3) (والله لا أكون كالضبع تنام على طول اللّدِم) ونعيت الميت نعياً من باب نفع(4) أي اخبرت بموته والمعنى لا أغتر(5) ولا أغفل عن كيد الأعداء فأسمع الناعي المخبر عن قتل عسکر وطائفة من المسلمين ويحضر(6) الباكي على قتلاهم فلا أتهيؤ للقتال، ولا أحاربهم حتَّى يصلوا الي فيحيطوا بي، ويستأصلوني، بل انتهيؤ لقتالهم قبل ذهاب الفرصة وفوات الوقت.
(أَيُّهَا النَّاسِ كُلُّ امْرِئٍ لَقٍ ما يَفِرُّ مِنْهُ فِي فِرَارِهِ، [و](7) الَأجَلُ مَساقُ النَّفْسِ وَالَهرَبُ مِنْهُ مُوَافاتُهُ كَمْ أَطْرَدْتُ الأَيَّامَ أَبْحَثُها عَنْ مُكْنُونِ هَذَا الأَمْرِ فَأَبَى اللهُ إلَّا إخْفَاءَهُ هَيْهاتَ! عِلمٌ (مَخْزُونٌ)(8)) الفِرار بالكسر مصدر فَرَّ إذا هرب والظرف متعلق بلاق أي يصل الإنسان إلى ما قدر له كالموت وإن
ص: 42
فر منه وكرهه في فراره كما قال عز وجل: «قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ»(1) وقال عز وجل: «أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ»(2).
واللقاء في مدة الحياة التي هي مدة الفرار فإنَّ الإنسان يفر من الموت ما دام حياً، والأجل الذي هو غاية الوقت يساق الإنسان اليه كما يساق الإبل الى منزله، فالمساق ما يساق اليه أو المراد بالأجل المدة المضروبة لبقاء الإنسان / و 190 / وهي مساقه إلى الغاية المعينة وإنما كان الهرب من الأجل موافاته؛ لأنَّ الهرب إنَّما يكون بعلاج وحرکه تفني بها بعض المدة وافناء المدة هو الموافاة، والطرد الابعاد تقول: طردته أي نفيته(3) عني، والطريدة ما طردته من صيد وغيره، وأطردت الرجل على صيغة الأفعال إذا أمرت بإخراجه وبحث عن الأمر كمنع أي فتش، قال بعض الشارحين: الاطراد أدل على العز والقهر من الطرد وكأنه (عليه السلام) جعل الأيام اشخاصاً يأمر بإخراجهم وابعادهم عنه أي مازلت ابحث عن كيفية قتلي(4) وأي وقت یَکون بعينه وفي أي أرض يكون يوماً يوماً، فاذا لم اجده في يوم طردته واستقبلت يوماً آخر فأبحث فيه أيضاً فلا اعلم فأبعده واطرده(5)، واستأنف يوماً آخر وهكذا حتى وقع المقدر(6) قال: وهذا الكلام يدل على انه (عليه
ص: 43
السلام) لم يكن يعرف حال قتله مفصلة من جميع الوجوه وإن الرسول (صلى الله عليه واله) اعلمه بذلك مجم؛ لأنه قد ثبت انه (صلى الله عليه واله) قال له: ((ستضرب على هذه واشار الى هامته فتخضب(1) منها هذه واشار الى لحيته)) وثبت أنه (صلى الله عليه واله) قال له: ((اتعلم من اشقی الاولين؟)) قال: نعم عاقر الناقة، فقال له: اتعلم من اشقى الاخرين؟ قال: لا، فقال: من يضربك هاهنا فتخضب(2) هذه وكلام أمير المؤمنين (عليه السلام) يدل على أنه بعد ضرب ابن ملجم له لا يقطع على أنه يموت من ضربته ألا تراه يقول: إن ثبت الوطأة(3) (فذاك)(4) إلى آخره(5)، وقال بعضهم: ذلك البحث اما بالسؤال عن الرسول (صلى الله عليه واله) مدة حياته، أو بالفحص والتفرس من قرائن أحواله في سائر أوقاته مع الناس(6)، وقد سبق الكلام في كيفية علمهم (عليهم السلام) بالأمور الاتية، في شرح قوله (عليه السلام): (كأني اراهم قوماً كأن وجوههم المجان المطرقة) والله [تعالى](7) يعلم حقيقة الحال ومكنون هذا الأمر أي [...](8) المستور من خصوصيات(9) هذا الأمر، أو المستور الذي هو هذا الأمر، فالمشار اليه شيء مستور متعلق
ص: 44
بوفاته (عليه السلام) أو أمر آخر هو (عليه السلام) به اعلم، وهيهات أي بَعُد الاطلاع عليه فإنه علم مخزون(1) وخزن(2) المال كنصر أي احرزه ومن خواص المخزون(3) ستره والمنع من أن يناله أحد (أَمّا وَصَيَّتِي، فَاللهَ لَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيئاً، وَمحمد (صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَاله)(4) فَلاَ تُضَيّعُوا سُنّتَهُ، أقِيمُوا هَذَيْنِ، الْعَمُودَيْنِ، وَأوْقِدُوا(5) هَذَيْنِ الْمِصْباحَینْ، وخَلَكُمْ ذَمٌّ ما لْمَ تَشُرْدُوا. حُمِّل كُلُّ امْرِئ مِنكم مَجْهُودَهُ، وَخُفِّفَ عَنِ الْجَهَلَةِ. رَبٌّ رَحِيمٌ، وَدِينٌ قَوِيمٌ، وَإِمامٌ عَلِيمٌ) ضيع الشيء تضيعاً أي أهمله وأهلكه وعمود الفسطاط والبيت الخشبة التي تقوم(6) بها(7)، وخلاكم ذم أي سقط عنكم واعذرتم فلا ذم عليكم، وتشردوا کتنصروا(8) يقال: شرد البعير أي نفر وذهب في الأرض، واشرده أي جعله شريداً، و (الغرض)(9) النهي عن التفرق واختلاف الكلمة أي لا ذم يلحقكم ما دمتم متفقين في الدين، أو المراد النهي عن الرجوع عن الدين وإقامة سننه، وهذا النهي وإن كان داخل في النهي عن تضييع السنة، فلعله خصص بالذكر للتأكيد والدلالة على الاهتمام، والجُهد(10) بالضم في
ص: 45
أهل الحجاز، وبالفتح في غيرهم الوسع والطاقة، وقيل: المضموم الطاقة، والمفتوح المشقة والجَهد بالفتح لا غير النهاية وهو مصدر جهد(1) في الأمر کمنع إذا طلب حتى بلغ غايته في الطلب ومجهوده مبلغ وسعه وطاقته ونهايته في الطلب وحمل كل امرئٍ على صيغة الماضي المجهول [من باب التفعيل ورفع كلمة كل كما في كثير من النسخ، وفي بعض النسخ على صيغة الماضي](2) المعلوم ونصب كل على المفعَولية والفاعل هو الله سبحانه، وفي بعضها حمل کضرب وكل مرفوع على الفاعلية وقوله (عليه السلام) خفف عن الجهلة استدراك لما يتوهم من ظاهر الكلام من أنَّه سبحانه كلف كل أحد بما هو مبلغ طاقته ونهاية وسعة فبين (عليه السلام) / ظ 190 / أنَّ التكليف على حسب العلم والجهال ليسوا مكلفين بما كلف به العلاء، وقد قال عز وجل: «إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ»(3) وظاهر الكلام أن الجاهل معذور في كثير من الأحكام ورب رحيم أي ربكم ربٌ رحيم أو خفف ربٌ رحيم ولا يضر عطف الدين والإمام لأنهما يخففان بالتبع، ولا حرج في التجوز(4) في الاسناد الى الدين، وقال بعض الشارحين: (ومن الناس من يجعل (رب رحيم) فاعل خفف على رواية من رواها فعلا ماضياً معلوماً، وليس بمستحسن؛ لأنَّ عطف الدين عليه يقتضي أن يكون الدين أيضاً مخففاً وهذا لا يصح)(5)، ورواية
ص: 46
خفف على صيغة الماضي المجهول كما يظهر من كلام غير موجوده في النسخ التي عندنا والمراد بالأمام الرسول (صلى الله عليه واله) أو الأعم ويحتمل التخصيص بالأئمة (عليهم السلام) ولا يخلو عن بعد معنى وإن كان أقرب لفظاً.
(أَنا بِالأَمْسِ صاحِبُكُمْ، وَأَنا الْيَوْمَ عِبْرَةٌ لَكُمْ، وَغَداً مُفارِقُكُمْ! غَفَرَ اللهَ لِيَ وَلَكُمْ! إنْ ثَبَتت(1) الْوَطْأَةُ في هَذَهَ المَزَلَّةِ فَذَاكَ، وَإنْ تَدْحَضِ الْقَدَمُ، فَإنَّا كُنَّا في أفْياءِ(2) أَغْصانٍ(3)، وَمَهَبِّ رِياحٍ، وَتْحَتَ ظِلِّ غامٍ. اضْمَحَلَّ فِي الجَوِّ مُتَلَفَّقُها. وعَفا في الأرْضِ مَخَطُّها.(4) العِبرة بالكسر مايتعظ به الإنسان ويعتبره ليستدل به على غيره، والمراد اليوم يعتبرون(5) بأشرافي على الموت و ضعفي عن الحراك بعد ما كنت أميراً لكم اتصرف في الأمور على حسب ارادتي، أو بأن تروني صريعاً بینکم بعد قتل الأقران وصرع الأبطال والدعاء بالمغفرة لنفسه (عليه السلام)، ولهم في بعض النسخ مقدم على قوله (عليه السلام): (أنا بالأمس صاحبکم) إلى قوله (عليه السلام): (مفارقكم) والوَطأَة بالفتح موضع القدم والمرة من الوطئ وهو الدوس بالرجل، والمراد ثبات القدم بالبقاء في الدنيا بأن لا يؤدي الجرح(6) إلى الهلاك، ودحضت(7) القدم كمنعت
ص: 47
أي (زلقت)(1) وزلت، و (الفيء: ما كان شمساً فينسخه الظل)(2) وأصله الرجوع، ومنه قيل للظل بعد الزوال: فيء؛ لأنه يرجع من جانب الغرب إلى جانب الشرق والأغصان أطراف الشجر ما دامت فيها نابته(3) واضمحل الشيء أي ذهب وفنا، واضمحل السحاب أي تقشع، وذكره الجوهري(4) في ضحل وهو يدل على أنَّ الميم زائدة، وذكره الفيروز آبادي في ض م ح ل، وقال(5): (هذا موضعه، لا ضحل)(6) وهو يدل على أنها أصلية، ولَفَقَ الثوب کضَرَبَ: أي ضم شقه الى أخرى فخاطهما وتلفق أي (انضم)(7) والتأم(8)، وعفا أي: (درس)(9) ولم يبق له أثر، والمخط الأثر والعلامة يقال: خط في الأرض کمدّ خطاً أي اعلم علامه، والخط في الأصل (الطريقة المستطيلة في الشيء)(10)، أو الطريق الحفيف(11) في السهل والكتب بالقلم والضمير في متلفقها راجع الى الغمام، وفي محطها إلى مهب الرياح؛ لأن العلامة إنما
ص: 48
تحصل(1) من هبوب الرياح وهو جمع في المعنى، أو إلى الأراضي(2) التي هي محال الأفياء [و] مهاب الرياح وتحت ظل الغمام ومخطها العلامات الحاصلة فيها من حركات أهلها ونزولهم فيها، أو إلى محال الغمام ومحطها الآثار الحاصلة فيها من الأمطار، أو ظلِها والغرض تشبيه راحة الدنيا ولذتها في سرعة زوالها وعدم بقائها بالأمور المذكورة (وإِنَّما كُنْتُ جاراً جاوَرَكُمْ بَدَنِ أَيَّاماً، وسَتُعْقَبُونَ مِنِّي جثَّةً خَلَاءً، ساكِنَةً بَعْدَ حَرَاكٍ، وَصامِتَةً بَعْدَ نُطوقٍ(3). لِيَعِضَكُمْ هُدُوِّئيُ(4)، وخُفُوتُ إطْرَاقِي، وسَكَونُ أطْرَافِي(5)؛ فإِنَّهُ أَوْعَظُ لِلْمُعْتَبِيِنَ مِنَ المَنْطِقِ الْبَلِيغِ، وَالْقَوْلِ المَسْمُوعِ.) المراد بالجار المجاور ونسبة المجاورة الى البدن؛ لأن المجاورة من عوارض الجسم ويشعر بوجود شيء غير البدن، أو للدلالة على اتصال نفسه القدسية بالملأ الأعلى وعدم میله الى الدنيا (وَسَتُعقَبُونَ مني جثةً) وعبون مني جثة على صيغة المجهول، من باب الأفعال أي يبقى فيكم بعد رحلتي، يقال: أكل أكله أعقبته سُقماً أي: اورثته، وجُثة، الإنسان بالضم شخصه وجسده، وخلا المكان يخلو خَلاءً بالفتح أي فرغ، و مکان خلاء ما فيه أحد، وجثة خلاء أي خالية من الروح والحواس، والحراك كسحاب
ص: 49
الحركة، والنُطوق بالضم النطق، وهدأ كمنع هدأ وهُدوءاً بالضم أي سكن، وَخَفَتَ كَنَصَرَ خُفوتاً بالضم أي سكن وسكت، وهدوئي في بعض النسخ بالهمزة / و 191 / على الأصل، وفي بعضها بتشديد الواو من غير همزة بقلبها(1) واواً، واطرق اطراقاً أي: أرخى عينيه ينظر الى الأرض، والمراد عدم حركة الاجفان والأطراف من البدن اليدان والرجلان والرأس (وَدَاعِيكم(2) وَدَاعُ امْرِئٍ مَرْصَدٍ لِلتَّلاقِي! غَداً تَرَوْنَ أَيَّامِي، وَيُكْشَفُ لَكُمْ عَنْ سَرَائِريِ، وَتَعْرِفُونَنِي بَعْدَ خُلُوِّ مَكانِي، وَقِيامِ غَیْرِي مَقامِي) الوَداع بالفتح الاسم من قولك: ودعته توديعاً، مثل: سلم سلاماً، وهو أن تشیعه عند سفره کما قيل: وحينئذ يخص الأهل وهو لا يناسب الكلام، وقيل: هو تخليف المسافر الناس خافضين وهم يودعونه إذا سافر تفاؤلاً بالدعة أي الخفض، والسعة التي يصير(3) اليها إذا رجع أي يتركونه وسفره، وإما الوِداع بالكسر فهو الاسم من قولك: وادعته موادعه، أي: صالحة ووداعیکم کما في نسخنا، أي وداعي إياكم، وفي مثله يجوز اتصال الضمير وانفصاله لكونه ثاني ضميرين أولهما أخص، ووداع مرفوع على الخبرية، وكان في نسخة بعض الشارحين(4) ((ودعتكم وداع)) على صيغه الماضي المعلوم من باب التفعيل ونصب وداع على المصدرية ورصدته إذا قعدت له على طريقه تترقبه وأرصدت له العقوبة إذا اعددتها وهيأتهاله وحقيقتها جعلتها على طريقة كالمترقبة له، ومُرصَد
ص: 50
على صيغة اسم المفعول والفاعل هو الله تعالى أو نفسه (عليه السلام) كأنه أعد نفسه بالتوطين [للتلاقي](1)، وفي بعض النسخ (مُرصِد) على صيغة اسم [...](2) الفاعل فالمفعول(3) نفسه (عليه السلام) أو ما ينبغي إعداده و تهيئته، ويوم التلاقي(4): يوم القيامة لتلاقي الناس، وقال بعض الشارحين: التلاقي هاهنا لقاء الله تعالى(5)، وغدا أي زمان مفارقتي(6) إياكم وهو ظرف للأفعال الاتية أي بعد أن أفارقكم ويتولى بنو أمية وغيرهم أمركم ترون وتعرفون إني كنت على الحق و(7) العدل في إيام خلافتي وينكشف لكم اني ما أردت إلا وجه الله في حروبي وما أمرتكم به وتعرفون عدلي وقدري بعد قيام غيري بالإمارة مقامي.
الرُّشْدِ، فَلا تَسْتَعْجِلوا مَا هُوَ كَائِنٌ مُرْصَدٌ وَلَ تَسْتَبْطِئُوا(1) مَا يِجَيءُ(2) بِهِ الْغَدُ(3) فَكَم مِن مُسْتَعْجِلٍ بِمَا إنْ أَدْرَكَهُ وَدَّ أَنَّهُ لْمَ يُدْرِكْهُ وَمَا أَقْرَبَ(4) الْيَوْمَ مِنْ تَبَاشِیرِ غَدٍ!) الملحمة [الحرب و](5) موضع القتال مأخوذ من اشتباك الناس واختلاطهم فیها کاشتباك لحمة الثوب بالسدا، وقيل: هو من اللحم لكثرة لحوم القتلى فيها [و](6) الموصوفون قوم من فرق الضلال والاخذ يمناً وشمالًا الخروج عن الطريق العدل المتوسط بين طرفي الافراط والتفريط، وقد مر في كلامه (عليه السلام) اليمن والشمال مضلة، والطريق الوسطى هي الجادة، وطعن بالطاء والمهلة كما في بعض النسخ الذهاب والسير عامه الليل، يقال: طعن في المفازة إذا ذهب(7)، وطعن الليل أي (سار فيه كله)(8)، وبالمعجمة كما في بعضها السير ومسالك الغي طرق الضلال و مذاهب الرشد [...](9) طرائق(10) الحق وطعنا وترك مصدران من غير لفظ الفعل قاما مقام الحال وما هو كائن أي لا بد من كونه ووجوده كقوله تعالى: «إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ»(11)،
ص: 52
ومرصد(1) أي معد مهيأ کما مرّ، والاستبطاء عد(2) الشيء بطيئاً واعتقاد بطوه، وود أي أحب، والتباشير أوائل الصبح وتبشير كل شيء مبدؤه وأوله، وفي القاموس : (التباشير(3): البشري وأوائل الصبح وكل شيء)(4)، ولعل الغرض النهي عن استعجال الفتن التي كانوا يتوقعونه بأخبار الرسول (صلى الله عليه واله) بوقوعها في مستقبل الزمان وكانوا يسألونه (عليه السلام) عنها ويستبطئون حصولها (يَا قَوْمِ هَذَا إبَّانُ وُرُودِ كُلِّ مَوْعُودٍ، وَدُنُوٍ مِنْ طَلْعَهِ مَالَا تَعْرِفُونَ. أَلَا وَ مَنْ(5) أَدْرَكَهَا مِنَّا يَسِرْي فِيهَا بِسَرِاجٍ مُنِیرٍ، وَيْحَذُو فِيهَا عَلىَ مِثَالِ الصَالِحِینَ؛ لِيَحُلَّ فِيهَا رِبْقاً وَيُعْتِقَ(6) رِقاً، وَيَصْدَعَ شَعْباً، / ظ 191 / وَيَشْعَبَ صَدْعاً؛ فِي سُتْرَةٍ عَنِ النَّاسِ لَا يًبْصِرُ الْقَائِفُ أَثَرَهُ وَلَو تَابَعَ نَظَرَهُ) إِبان الشيء بالكسر [والتشديد ](7) وقته أو أوله(8) ودنو في بعض النسخ(9) مجرور عطفاً على ورود وفي بعضها مرفوع عطفاً على أبان، والطلعة(10) المرة من طلع طلوعاً أي ظهر، وسری کرمی سری کهدى أي سار عامه الليل أي من أدرك تلك
ص: 53
الفتن من أهل البيت (عليهم السلام) يسير في ظلمها بأنوار(1) هداية الله ولا يلتبس عليه أمر بالشبهات المضلة لغيرهم وحذرت حذو فلان أي فعلت فعله، والمِثال بالكسر الاسم من ماثله مماثله إذا شابهه ويستعمل بمعنی المقدار والوصف والصورة(2)، والرِبْق بكسر الراء وسكون الباء کما في بعض النسخ حبل فيه عده عُری یشد به اليهم كل عروه، ربقه بالفتح وبالكسر، وفي بعض النسخ (ربق) کَعِنْب جمع رِبقهِ وفي بعضها، رَبقاً بالفتح مصدر قولك: ربقت الشاة أي: شددتها بالرِبق بالكسر، والأول أنسب بقوله (عليه [السلام](3) يعتق رِقاً وزناً ومعنىً، والصدع(4) الشق في شيء صلب، يقال: صدعه کمنعه أي شقه أو شقه، ولم يفترق، والشعب كالمنع (الجمع)(5) و اصلاح الصدع والمعنى ليحل ما انعقد(6) فيها وأشكل على الناس من الشبه ويفك ربق الشك من أعناق قلوبهم، أو يستفك فيها الأسري وينقذ(7) مظلومين من أيدي ظالمين ويكون قوله (عليه السلام): (ویعتق رقاً) كالتفسير له، ويحتمل أن يراد بإعتاق(8) الرق معناه الحقيقي كإعتاق(9) العبيد تحت الشدة من مال
ص: 54
الزكاة ونحو ذلك، أو يراد إعتاق(1) رقاب المذنبين من النار، وليصدع شعباً أي يفرق جماعة الضلال، ويشعب صدعاً أي يجمع ما تفرق من كلمة أهل الهدى والإيمان، والسُترة بالضم ما يستتر به، والقائف الذي يعرف الآثار ويتبعها ويعرف شبه الرجل بأخيه وأبيه وغير ذلك والجمع القافه، يقال: فلان يقوف الاثر ويقتافه قیافه وتابع نظره أي يجعل انظاره متتابعة، ونظر بعد نظر واستعمال الصيغة على هذا الوجه كثير في كلامه (عليه السلام) كقوله: ((بمضادته بين الأمور عرف أن لا ضد له وبمقارنته بين الاشياء عرف أن لا قرين له))، ضاد النور بالظلمة، وقوله (عليه السلام) مقارن بين متبائناتها(2) ونحو ذلك ويحتمل أن يكون المعني ولو اتبع نظره وذهب حيث ذهب وبلغ غايته والغرض المبالغة في شدة غيبته عن الانظار وإن الناس لا يعرفونه ولا يهتدون إلى مكانه وإن استقصوا في الطلب وبذلوا الجهد في الوصول اليه، وهذا الكلام صريح في الأخبار عن غيبة صاحب الأمر (عليه السلام) واختفائه عن أعين الناس، وليس المراد ما ذكره بعض الشارحين(3) من اختفاء أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وعدم اظهارهم الأمر على وجه التقية، (ثُمَّ لَيَشْحَذَنَّ(4) فِيهَا قَوْمٌ شَحْذَ(5) الْقَیَنْ النَّصْلَ يُجْلَى(6) بِالتَّنْزِيلِ
ص: 55
أَبْصَارُهُم وَيَرْمَى بالتفسر فِي مَسَامِعِهِمْ وَيُغْبَقُونَ كَأْسَ الْحِكْمَةِ بَعْدَ الصَّبُوحِ) يُشْحَذَن(1) على صيغة المجهول من شحَذْتُ(2) الحديدة كَمَنَعْتُ أي أحددتها، والقين(3) (الحداد)(4)، والنصل يشمل حديدة السيف والسهم والرمح والسكين(5)، وقيل: (مالم يكن [له](6) مقبض)(7) أي ليحرضن في هذه الملاحم قوم على الحرب، ويشحذ(8) عزائمهم(9) في قتل أهل الضلال حتى يجدوا(10) فيه ويبالغوا، ويجلي بالتنزيل الى اخره أي يكشف الرين والغطاء عن قلوبهم بتلاوة القرآن ويلهمون بتفسيره ومعرفه اسراره، والغَبُوق کصَبُور (الشرب بالعشي)(11)، وَغَبقْتُ الرجل أُغبُقه بالضم أي سقيته ذلك فاغتبق(12) هو، وهو المقابل للصبوح والمعنى [تفاض](13) عليهم المعارف الربانية والاسرار الالهية صباحاً ومساءاً وهذا القوم هم اصحاب القائم (عليه السلام).
ص: 56
[منها](1) (وَطَال الْأْمَدُ بِهِمْ لِيَسْتَكْمِلُوا الْخِزْي، وَيَسْتَوْجِبُوا الْغِیَرَ حَتَّى إذَا اخْلَوْلَقَ الْأَجَلُ، وَاسْتَرَاحَ قَوْمٌ إلَی الْفِتَنِ، وَاشْتَالُوا(2) عَنْ لَقَاحِ حَرْبِهِمْ لْمَ يَمُنُّوا
عَلَى الله بِالصَّبْرِ، وَلَمْ يَسْتَعْظِمُوا بَذْلَ أَنْفُسِهِمْ فِي الْحَقِّ) الامد محركة (الغاية)(3) والمنتهى، ويقال: ما أمدك، / 192 / أي منتهی عمرك، وخزي کرضي أي وقع في بليه وشهرة(4) فذل وهان وأخزاه الله أي فضحه، والغِير كعِنَب الاسم من قولك: غيرت الشيء فتغير أي تغير الحال وانتقالها من الصلاح إلى الفساد، والمعنى أمهلهم الله بطول المدة ليزدادوا إثماً ويستوجبوا من الله تغير النعمة نقمه کما قال عز وجل: «وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا»(5)، وقد استوجبوا ذلك الاستدراج بسوء أعالهم، قال بعض الشارحين: هذا الكلام متصل بکلام قبله لم يذكره الرضي (رحمه الله) قد وصف (عليه السلام) فيه فئة ضالة قد استولت و ملکت، واملى لها الله سبحانه(6)، و(اخلولق السحاب أي استوى)(7) وصار خليقاً بأن يمطر(8)، و(اخلولق الرسم أي استوى بالأرض)(9)، وقيل اخلولق: أي صار خلقاً بالتحرك وهو البالي والمعنى قرب انقضاء أمرهم
ص: 57
ودنا زوال ملكهم، واستراح أي طلب الراحة، واستراح اليه أي مال كأنه طلب الراحة متوجها اليه، وشالت الناقة بذنبها(1) تشوله واشتالته أي رفعته، فشال(2) الذنب نفسه لازم متعد، واللَقاح بالفتح اسم ماء الفحل(3)، ولَقِحَتْ الناقة كسمع لَقاحاً بالفتح أي قبلت اللقاح، فهي لاقح أي حامل، واستعظمه أي عده عظیماً، قال بعض الشارحين: أي صبا قوم من شيعتنا وأوليائنا إلى هذه الفئه(4) الضالة واستراحوا الى ضلالها وفتنتها واتبعوها(5) أما تقية منهم، أو لشبهة دخلت عليهم ورفعوا أيديهم وسيوفهم عن أن يشبوا(6) الحرب بينهم وبين هذه الفئة مهادنة لها وسلمًا وكراهية القتال (ولم يمنوا) جواب قوله (حتى إذا) والضمير في يمنوا راجع إلى العارفين الذين تقدم ذكرهم في الكلام السابق يعني إذا ترك هؤلاء القتال تقية، أو لشبهة دخلت عليهم انهض الله تعالى هؤلاء العارفين الشجعان، فنهضوا ولم يمنوا على الله بصبرهم(7) ولم يستعظموا أن يبذلوا في الحق نفوسهم، وقال بعضهم: واستراح قوم إلى الفتن اشارة الى من يعتزل الوقائع التي ستقع في آخر الزمان من شيعة الحق وأنصاره، ويستريح اليها أي يجد(8) في اشتغال القوم بعضهم ببعض راحة له في الانقطاع والعزلة والخمول واشتيالهم عن لقاح حربهم
ص: 58
رفعهم لأنفسهم من تهيجها واستعار لفظ الَلقاح؛ لإثارة الحرب ملاحظة لشبهها بالناقة(1)، وقوله (عليه السلام): (لم يمنوا) جواب قوله: (حتى إذا اخلولق)، وفي رواية لم يمنوا على الله بالنصر أي بنصرهم له، قال: (ويحتمل أن يريد بالضمير في يمنوا وما بعده القوم الذين استراحوا إلى الفتنة، واشتالوا عن لقاح الحرب؛ وذلك أنهم لم يفعلوا ذلك إلاَّ لأنه لم يؤذن لهم في القيام، ولم يتمكنوا من مقاومتهم لعدم قيام القائم بالأمر، وكانوا حين مسالمتهم صابرين على مضض من الملح المنكر غير مستعظمين لبذل أنفسهم في نصرة الحق لو ظهر من يكون لهم ظهراً يلجئون(2) اليه(3)، (حَتَّى إِذَا وَافَقَ وَارِدُ الْقَضَاءِ انْقِطَاعَ مُدَّةِ الْبَاَءِ حَمَلُوا بَصَائِرَهِمْ عَىَ أسْيَافِهِمْ، وَدَانُو لِرَبِّهِمْ بَأَمْرِ وَاعِظهِمْ) القضاء الحكم وامضاء الشيء واحكامه ووارد القضاء ما جرى من حكم الله في خلقه، ودان له اي اطاعه وذل له وعبده، و (واعظهم) إمامهم، وقوله (عليه السلام): (حملوا) جواب (إذا) وفي بعض النسخ (حتى وافق) بدون كلمة (إذا)، فيكون قوله (عليه السلام): (حملوا) في المعنى معطوفاً على قوله (عليه السلام) لم يمنوا، قال بعض الشارحين: في الكلام معنی لطيف يعني أنهم اظهروا بصائرهم وعقائد قلوبهم للناس و کشفوها وجردوها من أجفانها مع تجريد السيوف، فكأنها محمولة على السيوف يبصرها من يبصر السيوف(4) قال: ومن الناس من فسر البصيرة بالدم المطلوب ثأرها أي حملوا الدماء
ص: 59
التي سفكتها(1) تلك الفئة على أسیافهم التي(2) جردوها للحرب(3) (حَتَّى إِذَا
قَبَضَ اللهُ رَسُولَهُ [(صلى الله عليه وله وسلم)](4) رَجَعَ قَوْمٌ عَلَى الْأَعْقَابِ، وَ / ظ 192 / غاَلَتُهُمْ السُّبَلُ، وَاتَّكَلُوا عَلَى الْوَلَائِجِ وَوَصَلُوا غَیْرَ الرَّحِمِ، وَهَجَرُوا
السَّبَبَ الَّذِي أُمِرُوا بِمَوَدَّتِهِ وَنَقَلُوا الْبِنَاء عَنْ رَصِّ أَسَاسِهِ فَبَنَوْهُ فِي غَیْرِ
مَوْضِعِه)، العَقِب كَکَتِف مؤخر القدم ورجعوا على الاعقاب أي تركوا ما كانوا عليه قال الله عز وجل: «وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا»(5) وغاله(6) أي أهلکه واخذه من حيث لم يدرِ، وغالتهم السبل أي أهلكهم، أو أضلهم اختلاف الآراء والأهواء واتكل عليه أي وكل الأمر وترکه وسلمه اليه، (والوليجة: (الدخيلة)(7) وخاصتك من الرجال من العشيرة وغيرهم، وقيل: (من تتخذه(8) معتمداً(9) عليه من غير أهلك)(10) والغرض انهم ضلوا عن الحق باعتمادهم على خواصهم من شياطين الإنس ووصلوا غير الرحم أي قطعوا رحم رسول الله (صلى الله عليه واله) بصرف الأمر إلى غير أهل البيت (عليهم السلام)، وفيه اشارة الى قوله تعالى: «وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ
ص: 60
بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ»(1)، وهَجَرَ الشيء كَنَصَرَ أي تركه والتهاجر التقاطع، والسبب الحبل وما يتوصل به الى غیره، واعتاق قرابة وأهل البيت (عليهم
السلام) هم السبب بن الله وبن عباده وبهم يتوصل الى الله عز وجل، ولهم
اعتاق القرابة بالرسول (صلى الله عليه واله)، وفي بعض النسخ النسب موضع
[السبب](2)، وهو القرابة وفيه اشاره الى قوله تعالى: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى»(3)، ورص البناء يرُصه بالضم رصاً أي الزق بعضه ببعض وضم، وقال عز وجل: «كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ»(4)، وتراص القوم في الصف أي تلاصقوا والأَساس بالفتح أصل البناء وأصل كل شيء ونقل البناء عن رص الاساس يستلزم انهدامه والغرض من الكلام بيان غصب الخلافة ونقلها عن أهل البيت (عليهم السلام)، ولا يقبل التأويات الواهية
المذكورة في بعض الشروح(5) والظاهر انقطاع الكلام عن السابق وإنه حذف السيد (رضي الله عنه) ما كان بينها على عادته في هذا الكتاب، وقال بعض الشارحين: يحتمل أن يكون قوله (عليه السلام) وطال الأمد بهم في الكلام المتقدم اشارة الى أهل الضال قبل الاسلام أي طال الامد بهم حتى إذا اخلولق أجلهم واسراح قوم منهم الى الفتن والوقائع بالنهب والغارة واشتالوا عن لقاح حربهم أي اعدوا انفسهم لها كما تعد الناقة نفسها بشول
ص: 61
ذنبها(1) للقاحها، ويكون الضمر في قوله (عليه السلام) لم يمنوا راجعاً الى من
سبق ذكره من الصحابة في هذه الخطبة أي لم يمنوا حن قام الرسول (صلى الله
عليه واله) فيهم للحرب على الله بالصبر أو النر ولم يستعظموا بذل أنفسهم
له حتى إذا وافق وارد القضاء انقطاع مدة الباء بدولة الجاهلية والكفر حمل
هؤلاء الذين لم يمنوا عى الله بصبرهم بصائرهم أي ما كانوا يخفونه من
الاسلام في أوله عى سيوفهم وكشفوا عقائدهم، أو دماءهم وثاراتهم من
الكفار ودانوا لربهم بأمر واعظهم وهو الرسول (صلى الله عليه واله) ويكون
قوله (عليه السلام) حتى إذا قبض الله رسوله (صلى الله عليه واله) غاية
لذلك الكلام عى هذا التأويل (مَعَادِنُ كُلِّ خَطِيئَةٍ وَأَبْوَابُ كُلِّ ضَارِبٍ فِي غًمْرَةٍ قَدْ مَارُوا(2) فِي الْحَیَرْةِ وَذَهَلُوا فِي السَّكْرَةِ؛ عَلَى سُنَّةٍ مِنْ آل فِرْعَوُنَ؛ مِنْ مُنْقَطِعٍ إلَی الدُّنْيَا، رَاكِنٍ أَوْ مُفَارِقٍ مُبَائنٍ) الغمرة (الماء الكثير)(3) الذي يغمر من يدخله، أي يغطيه(4) ومعظم البحر والضارب في الغمرة وفي الماء السابح فيهما، والمراد بالغمرة الجهالة والضلالة وأبواب الضاربن فيها المرشدون لهم اليها بالدلالة الى طرق الفتة والر والتحريض(5) على سلوكها، ومار الشيء يمور موراً أي تحرك بسرعة وتردد في عرض، ومار البحر إذا ماج واضطرب، ومار الرجل أي جاء وذهب وحيرتهم عدم اهتدائهم الى سبيل الحق / و 193 / وخوضهم في الضلالة والجهالة. وذَهَلَ عن اليء كمَنعَ أي نسيه وغفل
ص: 62
عنه(1) وفيه لغة أخرى(2) ذَهِلَ كَعَلِمَ وهو الموجود في بعض النسخ، والمراد
بالسكرة شدة الجهل، والوله الى الباطل والاهواء، والسنة: (الطريقة)(3) والسیرة حميدة كانت أو ذميمة(4)، والمنقطع الى الشيء المائل اليه الذي لاهم له غیره كأنه انفصل عن غیره واتصل به، وركن اليه كَعَلِمَ ونَصَرَ ومَنع أي مال وسكن والمباينة المهاجرة، وقوله (عليه السلام): من المنقطع الى آخره تفصيل للقوم باعتبار كونهم على سنته من ال فرعون أو باتصافهم بما ذكر، والمراد بالمفارق المبائن التارك للدين المعرض عنه وإن لم يكن له ديناً فيقابل(5) المنقطع الى الدنيا الساكن اليه لانهماكه في لذاتها أو من ليس براكن الى الدنيا ككثیر ممن يدعى الزهد ويجهل طريق الحق من متنحي الاسام والأحبار والرهبان أو المنفصلة مانعه الخلق كما قيل، ويحتمل أن يكون المراد بالمنقطع من ترك الدين لحب الدنيا والرياسة واكتساب الزخارف وبالمفارق المبائن من أدبر عن الدين عنادا وعدوانا والله تعالى يعلم.
(وأسْتَعِينُهُ عَلَى مَدَاحِرِ الشَّيْطَانِ وَ مَزَاجِرِهِ، والاعْتِصَامِ مِنْ حَبَائِلِهِ
ص: 63
[وَمَخَاتِلِهِ](1)، وَأشْهَدُ أَنَّ(2) مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَنِجِيبُهُ وَصَفْوَتُهُ، لَا يُؤَازَي
فَضْلُهُ وَلا يُجْبَرُ فَقْدُهُ) (العون: الظهر على الأمر)(3)، واستعان به واستعانه فأعانه واستعان على الأمر أي طلب أن يعينه للظفر به وعلى العدو للظفر عليه وكلمة (على) للاستعلاء المجازي والدحر(4) (الطرد والابعاد)(5)، والزجر(6) المنع ومداحر(7) الشيطان الامور التي يدحر(8) بها ومزاجره الأمور التي يزجر(9) بها وهي العبادات والاعمال الصالحة، والعصمة المنع
واعتصم بالله أي امتنع بلطفه من المعصية، والحبائل جمع حِبالة بالكسر (وهي ما يصاد بها من أي شيء كان)(10)، وحبائل الشيطان الشهوات واللذات
التي يصيد بها البر وختله(11) كضربه (أي خدعه)(12)، وختل الذئب الصيد إذا تخفى له، ومخاتل الشيطان مكائده وأمانيه التي يغر بها الانسان، والنجيب (الكريم الحسيب)(13) والفاضل من كل شيء، وانتجبه أي اختاره
ص: 64
واصطفاه، و(الصفو(1): نقيض الكدر)(2) وصفوة اليء مثلثه خالصه وفي
النسخ بالكسر وهو الأكثر، والإِزاء بالكسر (المحاذاة)(3) والمقابلة، قال ابن
الاثیر: الأصل فيه الهمزة يقال: آزيته إذا حاذيته(4) قال: وقال الجوهري: ولا
تقل وازيته وغیره اجازه(5) على تخفيف الهمزة وقلبها وهذا إنا يصح إذا انفتحت
وانضم ما قبلها نحو: حُون وسوال، فيصح في الموازاة ولا يصح في وازينا إلاَّ أن
يكون قبلها من كلمة أخرى، كقراءة أبي عمر: ((السفهاءُ، الا إنَّهم))(6)، وقال
في المصباح المنیر: وازاه موازاة أي: حاذاه، وربما أبدلت الواو همزة فيقال: آزاه(7)، والمعنى لا يساوي فضله ولا يبلغه أحد والجر في الأصل اصاح العظم من كسر، ومنه اغناء الرجل من فقر، وجبر(8) الفقد أن يقوم أحد يساوي المفقود في
الفضل والرف مقامه ومن لا يساويه أحد لا يجر فقده.
(أَضَاءَتْ بِهِ الْبِاَدُ بَعْدَ الضَّلَلَةِ المُظْلِمَةِ، وَالْجَهَالَةِ الْغَالِبَةِ(9)، وَالْجَفْوَةِ الْجَافِيَةِ، وَالنَّاسِ يَسْتَحِلُّونَ الْحَرِيمَ، وَيَسْتَذِلًّونَ الْحَكِيم؛ يَحْيَوْنَ عَلَى فَتْرَةٍ وَيَمُوتُونَ عَلَى كَفْرَةٍ) الغالبة في أكثر النسخ(10) بالباء الموحدة وفي بعضها بالياء
ص: 65
المثناة من تحت من الغَلاء بالفتح والمد ضد الرخص وهو الارتفاع يقال:
غلاء السعر يغلو غلاء، وقيل: هو الاسم منه، أو من الغلو وهو تجاوز الحد،
والجَفوة والجَفاء بالفتح فيهما (غلظ الطبع)(1) والفظاظة(2) من جفا(3) الثوب يجفو إذا غلظ والوصف للمبالغة كقولهم: شعر شاعر والواو للحال والعامل اضاءت(4)، والحريم ما حرم فا يمس وحريم الرجل ما يحميه ويقاتل عنه، وحريم الي ما حوله من حقوقه ومرافقه لأنه يحرم على غیره التصرف فيه، أو لأنه يحرم منع صاحبه منه، والحكيم الذي يحكم الامور ويتقنها، فعيل بمعنى مفعل، ويقال للعالم / ظ 193 / والعادل والحليم ومن عادة الجهال والاشرار استذلال من ليس على سنتهم وحيى كرضى أي عاش، والفَترة بالفتح ما
بن الرسولين من الزمان التي انقطعت فيه الوحي والرسالة والكفرة المرة
من الكفر (ثُمَّ إنَّكُمْ مَعْشَرَ الْعَرَبِ أَغْرَاضُ بَلَايَا قَدِ اقْتَرَبَتْ فَاتَّقُوا سَكَرَاتِ النِّعْمَةِ، وَاحْذَورُا بَوائِقَ النِّقْمَةِ، وَتَثَبَّتُوا فِي قَتَامِ(5) الْعِشْوَةِ وَاعْوِجَاجِ الْفِتْنَهِ عِنْدَ طُلُوعِ جَنِينِهَا، وَظُهُورِ كَمِينِهَا، وَانْتِصَابِ قُطْبِهَا وَمَدَارِ رَحَاهَا؛) المعر الجماعة، والغرض الهدف كما تقدم واغراض البلايا من توجهت اليهم بالتقدير الالهي، وسكرات النعمة ما تحدثه النعمة في المترفن بالنعم وأرباب الدول من الغفلة والغرور كالخمور في السكارى، ومن كلام بعضهم للوالي سكرة لا يفيق منها
ص: 66
إلا بالعزل، و(البوائق: الدواهي)(1)، يقال: (باقتهم بائقة تبوقهم بؤوقا أي نزلت بهم نازلة شديدة)(2) والنِقمة بالكسر كما في بعض النسخ [وكفرحة كما في بعضها (المكافأة بالعقوبة)(3) والتثبت التوقف وترك اقتحام الأمر الى أن يظهر طريقه ويعلم وجهه، وقرئ في قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا»(4) فتثبتوا بالثاء المثلثة(5)، والقَتام بالفتح (الغبار)(6)،
والعِشوة بالكسر كما في بعض النسخ](7)، وهو الاشهر وبالفتح كما في بعضها
ركوب الأمر على غیر وضوح وبيان(8) والأمر الملتبس مأخوذ من عشوة الليل وهي (ظلمته)(9)، وقيل: [من](10) أوله الى ربعه(11)، والطلوع الظهور، وجن عليه الليل أي ستره(12)، وجن في الرحم أي استتر، والجنن الولد مادام في
ص: 67
الرحم سمى لاستتاره، والجن لاستارهم واختفائهم عن الابصار، وكمن
له كنصر وسمع أي استخفى والكمن كأمیر الجماعة المخفية في الحرب، قال
بعض الشارحين: ويجوز أن يكون الكلام تصريحاً لا كناية أي عند طلوع ما
استتر منها وظهور ما خفي(1)، ونصبت الشيء أي اقمته فانتصب أي قام،
وقطب الرحى الحديدة التي تدور عليها والمدار، يحتمل المكان والمصدر
وانتصاب قطبها(2) ومدار رحاها كناية عن انتظام امرها وقوتها، أو(3) المراد
بقطبها من تدور عليه من الطغاة، كما قيل: والغرض الأمر برك الاستعجال
واقتحام الامور أو بالصبر عند شدة الفتنة ورواجها.
([...](4) تَبْدَأ فِي مَدَارِجَ خَفِيَّةٍ وَتَؤُولُ الى فَظَاعَةٍ جَلِيَّةٍ شِبَابَهُا كَشِبَابِ الغُلاَمِ وآثَارُهَا كآثاَرِ السِّلامِ تَتَوارَثها(5) الظَّلَمَةُ بِالعُهُودِ أَوَّلُهُمْ قَائِدٌ لآخِرِهِمْ وآخِرُهُم مُقْتَدٍ بأَوَّلِهِم) المدرج بالفتح (المسلك)(6)، وقطع الأمر ككرم، فَظَاعة بالفتح جاوز الحد واشتدت شناعته، أي تبدأ يسره، ثم تصیر كثیرة، والشَباب بالفتح كما في بعض النسخ الحداثة والفتاء، يقال: شَبَّ الغام كفَرَ وبالكسر كما في بعضها (نشاط الفرس ورفع يديه جميعاً)(7)، يقال: شّبَّ
ص: 68
الفرس كمد وفر إذا رفع يديه ولعب، والأَثَر بالتحريك بقية الشي، والسِلام
بالكسر الحجارة والغرض أن أربابها في أول الأمر يمزحون ويلعبون أو يشبون
كالغام، ثم تؤول الى أن تعقب فيهم، أو في الاسام كآثار الحجارة في الأبدان
بالرض والكسر، أو أنها في الدنيا تورث النشاط لأربابها وفي الآخرة تعقب
الخزي(1) والعذاب والظلم وضع الشيء في غیر موضعه، والعهد الميثاق والوصية والتقدم الى المرء في الشيء(2) والحفاظ ورعاية الحرمة والأمان، والمعنى يتوارثها قوم عن قوم كلهم ناقضون لعهد الله وميثاقه المأخوذ على العباد قال عز وجل «أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ»(3)، أو لما يعّم عهد الله والمواثيق المعقودة بينهم، أو لأحد المعاني الأُخر، ويحتمل أن يكون المراد عقد الميثاق والبيعة بالباطل(4) وفي غیر الموضع وفي قوله (عليه السلام): «وآخرهم مقتد» دلالة عى أن الميل الى الباطل يعم القائد والمقود
(يَتَنَافَسُونَ فِي دُنْيا دَنِيَّةٍ، وَيَتَكَالَبُونَ عَلَى جِيفَةٍ(5) مُرِيَحةٍ(6)، وَعنْ قَلِيلٍ يَتَبَّرَأ
التَّابعُ من المَتْبُوعِ، والقَائِدُ مِنَ المَقُودِ، فَيَتَزَايَلُونَ بِالبَغْضَاء، وَ يَتلاَعَنُونَ عِنْدَ
اللِّقَاء) نَفُسَ الشيء / و 194 / كَكَرُمَ فهو نفيس أي جيد في نوعه، ونفست به
مثل بخِلت وضنِنت لنفاسته وزناً ومعنى، والتنافس رغبه كل من الرجلین في
اليء النفيس وانفراده به، والدنيا اسم لهذه الحياة لقربها ودنوها وأصله
ص: 69
الواو، والدني أي الخسيس الدون أصله الهمزة، يقال: دنأ الرجل كمَنَعَ وكَرُمَ(1) أي: صار دنيا لا خیر فيه، وتكالب القوم أي تجاهروا بالعداوة وهم يتكالبون على كذا أي: يتواثبون، وأراح الماء واللحم أي انتنا وظهر ريحهما وأراح فلان أي: مات، وعن قليل يترأ أي: بعد قليل من الزمان، وكلمة
(عن) بمعنى: (بعد)، ذكره ابن هشام في المغنى(2)، والتزايل (التباين)(3) والتفارق، والبغضاء (شدة البغض)(4)، والتلاعن التشاتم وتلاعنوا لعن بعضهم بعضاً، ولقيه كرضيه لِقاء بالكسر والمد أي رآه ولاقاه ملاقاه ولقاء، قال بعض الشارحين: ذلك الترؤ في يوم القيامة كما قال عز وجل: «ثُمَّ يَوْمَ(5) الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا»(6)، وذلك أعم من تبرؤ التابع(7) والقائد أي المتبوع، وقال عز وجل: «قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُو مِنْ قَبْلُ شَيْئًا»(8)، وقال سبحانه: «إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ»(9)، قال: وهذا الكلام جملة
اعتراضية بن الكلام السابق، وبن الاخبار عن طالع الفتنة، الرجوف الآتي
قبل يوم القيامة فإنَّه (عليه السلام) لما ذكر تكالب الناس وتزاحمهم على
ص: 70
تلك الجيفة أراد أن يؤكد تعجبه منهم، فقال: إنهم على تكالبهم عن قليل يتبرأ بعضهم من بعض وذلك أدعى لهم إلى ترك التكالب لو كانوا يعقلون(1)، وقال بعضهم: وذلك التبرؤ(2) عند ظهور الدولة العباسية فإنَّ العادة جارية بتبرأ الناس من الولاة المعزولين خصوصاً عند الخوف(3) ممن تولى عزل أولئك أو قتلهم فیتباینون بالبغضاء إذْ لم تكن(4) الفتهم إلاَّ لغرض دنیاوي زال ويتلاعنون عند اللقاء(5)، (ثمَّ يَأتي بَعْدَ ذَلِكَ طَالِعُ الفِتْنَةِ الرَّجُوفِ، وَ القَاصِمَةِ الزَّحُوفِ، فَتَزِيغُ قُلُوٌب بَعْدَ اسْتِقَامَةٍ، وَ تَضِلُّ رِجَالٌ
بَعْدَ سَلامةٍ، وَ تَخْتَلِفُ(6) الَأهوَاءُ عِنْدَ هُجُومِهَا، وَ تَلْتَبِسُ الآرَاءُ عِنْدَ نُجُومِهَا، مَن أَشْرَفَ لَهَا قَصَمَتْهُ، وَمَنْ سَعَى فِيهَا حَطَمَتْهُ) الطالع الظاهر وطالع الفتنة الشيء الطالع من أفرادها، ورَجَفَ کَنَصَرَ حَرَّكَ وتحرك واضطرب شديداً، (و الرجفة: الزلزلة)(7)، ووصف الفتنة بالرجوف؛ لأنهَّا تزلزل الناس و تحركهم وتزيلهم عن مقامهم وأحوالهم التي استقروا عليها، أو لأنَّها في نفسها في الاضطراب، والحركة لا تستقر على حال وقصمه کَضَرَبَ غمارها أي كسره فإبانه، وقيل: (وإن لم يُبِن)(8)، وزحف اليه كمنع مشی وزحف الدبامشی قدماً، ورجف الجيش إذا مضى إلى العدو، ولعل
ص: 71
المراد تشبيهها في سيرها وكثرتها بالدبا الذي يهلك الزرع ويستأصله، أو بالجيش والزيغ الشك والجور عن الحق و(الميل)(1) والمراد بالسلامة السلامة عن الضلالة وما يتبعها من الآفات والتبعات، والهوى ارادة النفس والعشق في الخیر أو في الشر، (وهَجَمَ عليه) كَقَعَدَ أي دخل بغته أو بغیر اذن، ونَجَمَ الشيء كَنَصَرَ نجُوماً بالضم ظهر وطلع(2)، وأشرفته أي علوته وأشرفت عليه أي: (طلعت عليه من فوق)(3)، وقال بعض الشارحين: من أشرف لها أي صادمها وقابلها(4)، قال: وسعى فيها أي في تسكينها ودفعها، ويحتمل أن يكون المراد من باشر الأمور وتحرك فيها، وفي كلامه (عليه السلام) كن في الفتنة كابن اللبون لا ظهر فيركب ولا ضرع فيحلب(5)، وحطمته أي كسرته،
قال بعض الشارحين: هذا كله اشارة الى الملحمة الكائنة في آخر الزمان(6)، وقيل(7) اشارة الى فتنة التتار إذ(8) الدائرة فيها عى العرب والله [تَعالى](9) يَعْلَم (يَتَكَادَمُون فِيْهَا تَكَادُمَ الحُمُرِ فِي العَانَةِ، قَدِ اضْطَرَبَ مَعْقُودُ الحَبْلِ وَعَمِيَ وَجْهُ الأَمْرِ تَغِيضُ(10) فِيهَا الحِكْمَةُ وَتَنْطِقُ فِيْهَا الظَّلَمَةُ، وَتَدُقُّ أَهْلَ البَدْوِ
ص: 72
بِمِسْحَلِهَا وَتَرُضُّهُمْ بِكَلْكَلِهَا) كَدَمَهُ كَنَصَرَ وضَرَبَ أي عضه / ظ 194 / بأدنى الفم كما يكدم الحمار والتكادم التعاض(1)، والحمار يطلق عى الوحشي والأنسي والظاهر أن المراد الوحي، والعانة (القطيع من حمر الوحش)(2)، وتكادم القوم مغالبة مثیري(3) الفتنة منهم بعضهم لبعض أو لغيرهم في
الايذاء والاضرار بأخذ المال وغر ذلك مع كثرة الغفلة وخلع ربق التكليف
من أعناقهم ومعقود الحبل قواعد الدين التي كلفوا بها واسناد العمى الى
وجه الامر تجوز، وغاض الماء يغيض غيضاً أي: قَلَّ ونقص وإذا غاضت(4)
الحكمة ولم ينطق الحكماء نطق من ليس له بأهل (فظلم)(5) بوضع النطق في
غر موضعه، ولا ريب في أنَّ الأمر والنهي من غیر أهلها(6) ظلم، وفي بعض
النسخ و(تطبق فيها الظلمة)، يقال: أطبق السحاب إذا غطى ومنه الجنون
المطبق والحمى المطبقة، وأطباق الظلمة اخفاؤها الأشياء عن الأبصار، والدق
الرب والكسر، والمسحل كمنبر (المِبرد)(7) أي: السوهان، والمسحل أيضاً
(المنحت)(8) وهو بالدق أنسب، قال بعض الشارحين: أي تنحت(9) أهل
ص: 73
البدو كما ينحت الحديد أو الخشب بالمبرد(1)، قال: (و يجوز أن يريد بالمسحل الحلقة التي في طرف شكيمة اللجام المعترضة بآزاء حلقة أخرى في الطرف الأخر)(2) أي هذه الفتنة تصدم أهل البادية بمقدمة جيشها کما(3) تصدم الفارس الراجل أمامه بمسحل لجام(4) فرسه، و (الرض: الدق)(5) و (الكلكل : الصدر)(6) أي تدقهم(7) وتسحقهم بصدرها كما تسحق الناقة ما تبرك(8) عليه (يَضِيعُ فِي غُبَارِها الوُحْدَانُ وَ يَهْلِكُ فِي طَرِيقِهَا الرُّكْبَاُن تَرِدُ بِمُرِّ القَضَاء، وَ تَحْلُبُ عَبِيطَ الدِّمَاء، وَ تَثْلِمُ مَنَارَ الدِّينِ، وَ تَنْقُضُ(9) عَقْدَ اليَقِنِ. تْهَرب(10) مِنْهَا الأَكْيَاسُ، وَ تَدْبِّرُهَا(11) الأرْجاسُ)، الوحدان جمع واحد کالشبان جمع شاب، والركبان جمع راكب أي من كان يسير فيها وحده يضيع ويهلك بالكلية والجماعة يضلون في طريقها فيهلكون، ولعل لفظ الغبار مستعار للقليل اليسير منها أي إذا اراد الوحدان دفعها أو تخلفوا عن الجماعة فيها
ص: 74
هلكوا في غبارها قبل أن يدخلوا في غمارها، وأما الركبان وهم الكثیر
المجتمعون من الناس [فيضلون](1) في طريقها ويهلكون عند الخوض فيها أو
يهلكون في طريقها تحت حوافر خيولها وسنابكها وأقدام مشاتها(2) فيعم الهلاك الوحدان والركبان ولا ينجوا منها احد، وقيل: يجوز أن يكون الوحدان جمع أوحد، يقال: فان أوحد الدهر وهؤلاء الوحدان مثل أسود وسودان أي يضل في هذه الفتنة وضلالها الذي كنى عنه بالغبار فضاء عصرها، لغموض(3) الشبهة، واستيلاء الباطل ويكون(4) الركبان كناية عن أولي القوة الذين هم بمظنة النجاة لقدرتهم وهاك أهل العلم بالضال وهاك أهل القوة بالقتل والاستئصال، والمُر بالضم ضد الحلو ومُرُّ القضاء الهلاك والاستئصال وسائر البلايا، وعبيط الدماء: الطري الخالص منها(5)، وثلمت الإناء كضربت كرت حرفه فانثلم(6)، ومنار الدين علماؤه أو قواعده التي
يهتدي(7) بها الناس، وعقد اليقین ما عقده الحق من القواعد والقضايا اليقينية، والأكياس جمع كيس وهو العاقل والأرجاس جمع رجس وهو(القذر)(8)، والنجس، وهم الفساق والأشرار، والتعبر للمبالغة، أو لأنهم ذووا الأرجاس (مِرْعَادٌ مِبْرَاقٌ، كَاشِفَةٌ عَنْ ساقٍ، تُقْطَعُ فِيْهَا الأَرْحَامُ، وَ
ص: 75
يُفَارَقُ عَلَيْهَا الإسْامُ؛ بَرِيُّهَا سَقيمٌ، وَ ظَاعِنُهَا مُقِيمٌ) مِرعاد أي ذات رعد،
ومِبراق أي ذات برق كسحابه كثرة، الرعد والرق، وقال بعض الشارحين: (أي ذات وعيد وتهدد)(1)، يقال: أرعد الرجل وأبرق إذا أوعد وتهدد(2)، ويجوز أن يعني بالرعد صوت الساح وقعقعته وبالرق ضوؤه ولمعانه، والساق الأمر الشديد، وكشف الساق مثل في شدة الأمر، وأصله من تشمير الانسان وكشفه عن ساقه إذا وقع في أمر شديد، و(تقطع) في بعض النسخعلى صيغة التفعيل، وفي / و 195 / بعضها بالتخفيف، و(بريها) في بعض
النسخ بالتشديد بقلب الهمزة ياء، وفي بعضها على الأصل و(بريها) أي من يعد نفسه بريئاً(3) سالماً من المعاصي أو الآفات ومن كان سالماً بالنسبة الى سائر
الناس ويحتمل أن يكون المراد أنه من لم يكن مائلاً الى المعاصي، أو أحب
الخاص من شرورها لا يمكنه ذلك، وظَعَنَ كَمَنَعَ أي سار وظاعنها مقيم أي من أراد الخروج منها وهرب عنها لا ينجو منها ولا يتخلص أو من اعتقد انه متخلف عنها وليس من أهلها فهو داخل فيها لكثرة الشبه وعموم الضلال.
[منها](4) (بَیَنْ قَتِيلٍ مَطْلُولٍ، وَخَائِفٍ مُسْتَجِيٍر،(5) يْخَتِلُونَ بِعَقْدِ الأيمَانِ، وَبِغُرُورِ الإيمَانِ، فَلَا تَكُونُوا أنصابَ الفِتَنِ، وَ أَعْامَ البِدَعِ. وَ الزَمُوا مَا عُقِدَ
ص: 76
عَلَيْهِ حَبْلُ الجَمَعَةِ، [وَبُنِيَتْ عَلَيْهِ](1) أَرْكَانُ الطَّاعَةِ) المطلول الذي هدر دمه أو الذي لا يثار به(2) يقال: طل فلان على صيغة المعلوم و(طُلَّ) على صيغة المجهول أكثر، والمستجير الذي يطلب من يجيره ويحميه من أن يظلم، وختله کنصر وضرب خدعه وختل الذئب الصيد أي (تخفي له)(3)، وعقد الحبل(4) والبيع والعهد کضرب عقد اشده، والعُقدة بالضم موضع العقد وهو ما عقد عليه والبيعة المعقودة وجمعه العُقْد کصُرْدِ، والايمان جمع يمين وهو القسم؛ لأنهم كانوا يتماسحون بأيمانهم(5) فيتحالفون ويختلون في بعض النسخ(6) على صيغة المجهول، والعقد کرد فیکون الكلام اخباراً عن حال المخدوعين الذين يختلهم غيرهم بالايمان المعقودة بينهم، وفي بعض النسخ على صيغة المعلوم، والعَقَد کَضَرَبَ مصدراً فيكون اخباراً عن حال أهل ذلك الزمان جميعاً أو الخادعيين الخائنين منهم، وغره(7) غرورا أي خدعه وأطمعه بالباطل وبغرور الأِيمان بكسر الهمزة أي بالإيمان الذي يظهره الخادعون لهؤلاء الموصوفين فيغرونهم بالمواعيد(8) وأقوالهم الكاذبة، أو الذي يظهره هؤلاء الموصوفين فيغرون الناس به على النسختين، والأنصاب جمع نَصب بالفتح وقد
ص: 77
يحرك وهو (العلم المنصوب)(1) يعرف به الطريق وغیره أي لا تكونوا ممن يشار
اليهم في الفتن ورؤساء فيها وأدله عليها، وفي بعض النسخ (انصار الفتن) بالراء
المهملة جمع نصر كشريف وأشراف، ويتيم وأيتام وجمع ناصر نُصَّر كصاحب
وصُحَّب ولزمه كعلم أي لم يفارقه وما عقد عليه حبل الجماعة أي القوانین(2)
التي ينتظم بها اجتماع الناس على الحق وهي التي بنيت(3) عليها أركان الطاعة (واقْدَمُوا عَلَىَ الله مَظْلُومِنَ، وَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ ظَالِمِینَ، وَ اتَّقُوا مَدَارِجَ الشَّيْطَانِ،
وَمَهابِطَ العُدْوَانِ، وَلَا تُدْخِلوا(4) بُطُونَكُمْ لُعَقَ الحَرَامِ، فَإنَّكُمْ بِعَیِنْ مَنْ حَرَّمَ
عَلَيْكُمُ المَعْصِيَةَ)، وفي بعض النسخ (وسهل لكم سبيل الطاعة)(5) قَدِمَ فلان من
سفره كَعَلِمَ كما في النسخ، وقَدِمَ كَنَصَرَ أيضاً إذا أتى أهله وورد عليهم والمعنى
لا تظلموا الناس إذا كانت لكم مكنة من الظلم ولو استلزم(6) [...](7) ترك الظلم انظلامكم(8) أو(9) المراد نهي الإنسان عن أن يكون ظالماً وأمره بالرضا بأن يكون مظلوماً وإن استوحش النفس منه لحقارة ذله المظلومية في جنب العوض المعد للمظلوم في الآخرة، ودرج كنصر أي مشى ودرج في المراتب
ص: 78
كسمع أي صعد ومدارج الشيطان طرقه أو مراتبه التي يصعدها في اضلال
الناس والعدوان الظلم وأصله التجاوز عن الحد ومهابطه المواضع التي يهبط هو أو صاحبه فيها حتى ينتهي الى الدرك الاسفل، ولَعِقَهُ كسَمِعَ أي لحسه واللَعقة بالفتح المرة منه(1)، واللُعقة بالضم اسم لما يلعق بالإصبع أو بالمِلعقة وهي بكسر الميم آلة معروفة، وفي الكلام اشارة الى قلتها في جنب
نعيم الآخرة أو الى دناءتها، أو المراد النهي عن قليلها فضلاً عن كثيرها وأنت
بعيني، أي بمرأى منى، والسهل كل شيء الى اللین ومن الارض ضد الحزن،
وسهله الله تسهيلا أي يره.
(الحَمْدُ للهِ الدَّالِّ عَلَى وُجُودِهِ بِخَلْقِهِ، وَ بِمُحْدَثِ خَلْقِهِ عَلَى أَزَلِيَّتِهِ، وَ بِاشْتِبَاهِهِمْ(2) عَلىَ أَنْ لَ شَبَهَ لَهُ، لَا تَسْتَلِمُهُ المَشَاعِرُ، وَلَا تْحَجُبُهُ السَّوَاتِرُ، لِافْتَرِاقِ الصَّانِعِ وَ المَصْنُوعِ، وَ الحَادِّ وَ المَحْدُودِ، وَ الرَّبِّ وَ المَرْبُوبِ). دلالة الخلق على
وجوده سبحانه / ظ 195 / أما باعتبار الحدوث أو باعتبار الامكان كما قرر
في الكتب الكلامية ودلالة محدث الخلق أي الخلق المحدث على أزليته(3)؛ لأنَّ
كل حادث لابد له من محدث، فلابد من الانتهاء الى قديم دفعاً للتسلسل، وقيل: لأنه قد ثبت في موضعه أن جميع المحدثات صادرة عن قدرته تعالى،
فلو كان هو محدثاً لكان محدثاً لنفسه وهو باطل بالرورة، وتفصيل الكلام
ص: 79
في هذه المسائل في محالهِ والاشتباه التشابه، يقال: اشتبها وتشابها أي اشبه كل منهما الآخر حتى التبسا، والمراد التشابه في الامكان والحدوث والحاجة إلى المؤثر أو في الجسمية والاتصاف بالأشكال والمقادير وسائر الأعراض والصفات والدخول تحت نوع أو جنس ونحو ذلك من الأمور اللازمة للامكان والحدوث الدالة على وجوب تنزه الواجب الصانع للكل عنها والبراءة عن صفات الجميع يستلزم نفي الشبه والمثل بلا شبهة، والاستلام اللمس واستلام الحجر لمسه بالقبلة أو باليد(1)، قال ابن السكيت(2): العرب تقول استلأمت الحجر بالهمزة على غير قياس لأنّهَ(3) من السِلام بالكسر وهو الحجارة، و(قال ابن الأعرابي: أصله مهموز من الملائمة وهي الاجتماع)(4)، وقال الجوهري: (ولا يهمز؛ لأنَّه مأخوذ من السلام وهو الحجر، كما يقال: استنوق الجمل، وبعضهم يهمزه)(5)، وفي بعض النسخ (لا تلمسه المشاعر) وشَعَرَ به کنَصَرَ وکَرُمَ أي علم به وعقله، والمراد بالمشاعر الحواس أو ما يشمل العقول أي لا تدركه قوة مدركة أو حاسة(6) والمنفي في ادراك العقل التصور بالکنه والمراد بالسواتر الحجب الجسمانية ولا تحجبه؛ لأنَّه فرع الجسمية والاتصاف بالتمكن والجهة أو ما يعم السواتر المعنوية
ص: 80
لسطوع نوره وظهور(1) وجوده، والافتراق التفارق والتباين وافتعل بمعنى تفاعل كثیر في الكلام، والظاهر أنَّ التعليل لجميع السوابق من نفي الحدوث والشبه واستلام المشاعر وحجب السواتر، والحد منتهى كل شيء والحاجز بن الشيئين، وحددت الدار أي: ميزتها عن مجاوراتها بذكر نهاياتها، والمراد بالحاد جاعل الحدود وخالق كل شيء بقدر، والرب يطلق في اللغة على المالك والسيد [والمدبر](2) والمربي والمتمم والمنعم، ولا يطلق غیر مضاف إلّا على الله تعالى، وإذا اطلق على غیره أضيف فيقال: رب كذا(3)، وقيل: الرب في الأصل (بمعنى التربية)(4) وهي تبليغ اليء الى كماله شيئاً فشيئاً، ثم وصف به
للمبالغة كالعدل، وقيل: هو نعت من رُبه يُربُه بالضم أي ملكه أو حفظه(5) وراعاه أو رباه، يقال: رب فان ولده، ورببه ورباه بمعنى، ولعل المراد وجوب التفارق بن صانع الكل الذي هو منتهى السلسلة، ويجب أن يكون واجبِ الوجود وبن المصنوع، فإنَّ التنزه عن الامور المذكورة مما يتفرع على وجوب الوجود، وكذلك الحاد(6) والمحدود، والرب والمربوب ويحتمل أن يكون الام للغاية نحو لِدوا للموت وابنوا للخراب أي ذلك التفارق غاية
للتنزه المذكور ويتفرع عليه ولا يخلو عن بعد والله تعالى يعلم. (الأَحَد لا
ص: 81
بِتَأوِيلِ(1) عَدَدٍ، وَ الخَالِقِ لَا بِمَعْنَى حَرَكَةٍ وَ نَصَبٍ) التأويل من آل الأمر الى
كذا أي صار ورجع(2)، والتأويل في الكلام (نقل ظاهر اللفظ عن وضعه
الاصلي الى ما يحتاج الى دليل لولاه ما ترك ظاهر اللفظ)(3)، وقيل: (رد أحد
المحتملن إلى ما يطابق ظاهر اللفظ)(4)، وقيل: (انتهاء اليء ومصره وما
يؤول اليه أمره)(5)، وقيل: هو التفسر وبيان المراد. ونصب نصباً كتعب تعباً
أي أعيى ونصبه الهم أي اتعبه، ثم أنَّ الكلام يدل على أنَّ الوحدة تثبت له
سبحانه لا بتأويل عدد وهو يحتمل وجهین: الأول وهو الأظهر: أنَّ صدق
الوحدة في حقه سبحانه ليس بمعنى يرجع الى عدد، وقد تقدم في شرح قوله
(عليه السلام): كل مسمى بالوحدة غیره(6) قليل أنَّ الواحد والأحد يستعمل
في حقه / و 196 / أحد معنين: أحدهما ما يستفاد منه نفي الشريك والشبيه،
وثانيها ما يدل على نفي التركب والتعدد ذهناً وخارجاً ذاتاً وصفة وتدل(7)
رواية شريح بن هاني(8) عن أمیر المؤمنین (عليه السلام) لما سأله الاعرابي
ص: 82
يوم الجمل عى أنه سبحانه ليس واحداً يقصد به باب الأعداد لأن ما لا ثاني
له لا يدخل في باب الأعداد، ولذلك كفر من قال إنه ثالث ثلاثة والظاهر أن
المراد أنه سبحانه لا يدخل في عدد كان الثاني من جنسه أو نوعه أو شبيهاً به
لا أنه لا يدخل في العدد بأي اعتبار كان، وقد قال الله [...](1) عز وجل: «مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ»(2)، ولا يستبعد العقل صحة اعتبار الوحدة فيه سبحانه نعم، لو استدعى ثبوت الوحدة أو غيرها كونه سبحانه محلاً لعرض كما يوهمه كلام بعض الحكماء
فلا ريب في عدم(3) الثبوت له سبحانه وعلى تقدير ذلك الاستدعاء يمكن أن يراد من نفي الوحدة العددية نفي ذلك المعنى وإذا جاز صدق الوحدة الاعتبارية في حقه تعالى ظهر وجه الجمع بن ما يدل عى النفي وبن قول سيد العابدين (عليه السلام) في بعض أدعية الصحيفة الكاملة (لك يا الهي
وحدانية العدد وملكة القدرة الصمد)(4) أي من خصائصك الوحدة الحقيقية فإنَّ غیرك لا ينفك عن تعدد في الأجزاء والصفات وصدق الواحد عليه كصدقه على العشرة(5) مثلًا إذا اعترت واحد من عشرات، ويحتمل أن يراد اختصاص الوحدة بمعنى عدم التكثر في الصفات أي التكثر الناشئ من التغیر أي لحوق صفة تارة وضدها أخرى كما هو المناسب لقوله (عليه
ص: 83
السلام) في وصف غیره عز وجل مختلف الحالات متنقل في الصفات، [وقيل](1): المراد اختصاص الوحدة العددية بمعنى أنَّه الخالق لها دون من سواه وهو بعيد لا يناسب سوق الكلام، الثاني إن الصدق الاحد أو الواحد
عليه سبحانه ليس بتأويل عدد من الأعداد الى الواحد كما يعتر مركب من
عشرة أجزاء مثلاً واحداً لكونه فرد من أفراد مفهوم، ويطلق عليه الوحدة
بذلك الاعتبار، بل صدق الوحدة عليه سبحانه لكونه واحداً حقيقياً لا
يتطرق اليه التعدد بوجه من الوجوه وحينئذ لا مجال(2) لتوهم المنافاة بن الكلامین وأما تنزهه سبحانه عن الحركة المستلزمة [للتغیر ومجلية(3) العرض والاعياء المستلزمة](4) لهما وللنقص والعجز فواضح (وَالسَّميع لَا بِأدَاةٍ، وَالبَصِیرِ لَا بِتَفْرِيقِ آلةٍ، وَالشَّاهِدِ لَا بِمُمَسَّةٍ، وَالبَائِنِ لَا بِتَراخِي مَسَافَةٍ، وَالظّاهِرِ
لَا بِرُؤيَةٍ، وَالبَاطِنِ لاَ بِلَطَافَةٍ. بَانَ مِنَ الأَشْيَاءِ بالقَهْرِ لَهَا، وَ القُدْرَةِ عَلَيْهَا،
وَبَانَتِ الأَشْيَاءُ مِنْهُ بِالخُضُوع لَهُ وَالرُّجُوعِ إلَيْهِ) كونه تعالى سميعاً لا بأداة أي
بآلة لتنزهه عن الحاجة الى الاله وغيرها وحلول القوة والمراد بتفريق الاله كما
قيل: تفريق الشعاع على المبرات على القول بالشعاع وتقليب الحدقة وتوجيهها مرة الى هذا المبر ومرة الى ذاك كما يقال: فان مفرق الهمة والخاطر إذا وزع فكره [...](5) على حفظ، أشياء متباينة ومراعاتها كالعلم وتحصيل المال وغیر ذلك على القول بالانطباع، ويحتمل أن يكون المراد على
ص: 84
أيّ قول تفريق الاجفان وفتح العین، وشَهِدَ المجلس كَعَلِمَ أي حضره فهو شاهد وشهيد وحضور سبحانه بإحاطة علمه بالأشياء أو ظهور آثار وجوده لا بمماسة المشهود أي امكان مماسته أو لا بمماسة جسم من الاجسام من الهواء المحيط به في مشهده وغیره من الاجسام التي تصادفه(1)، ويحتمل أن يراد بالمماسة مطلق الاحساس وبان الشيء يبین(2) أي انفصل وانقطع فهو
بائن وتراخى الأمر امتد زمانه وفي الأمر تراخ أي فسحة وتراخي السماء
ابطاء المطر، والسوف الشم والمسافة البعد؛ لأنَّ الدليل إذا كان في فاة شم
ترابها ليعلم [أعلى](3) قصدٍ أم لا وذلك لاختاف روائح الاتربة أو لأنه / ظ
196 / إذا وجد رائحة الأبوال والأبعار علم أنه على جادة لم يضل فكثر
الاستعمال حتى سموا البعد مسافة والغرض أن انفصاله سبحانه عن الأشياء
[ليس بالبعد](4) المكاني(5) لتنزهه عن المكان ولواحقه بل بتقدسه سبحانه وتدنسها وكماله ونقصها وتنزهه عن نيل الادراك أو [بقدرته](6) وخضوعها كما يظهر من الكلام الآتي، والظهور في الأصل الروز بعد خفاء، ويقال [ظهر عليه إذا غلبه](7) وفي أسماء الله تعالى الظاهر لأنه ظهر فوق كل شيء
ص: 85
وعلا عليه(1) أو لأنَّه عرف بطرق الاستدلال [العقي](2) بما ظهر للناس من آثار أفعاله وأوصافه(3) وبَطَنَ الشيء كَنَصَرَ خلاف ظهر وبطنت الأمر أي عرفته و [علمت باطنه](4)، وفي أسماء الله تعالى الباطن لأنَّه المحتجب عن الأبصار(5) والأوهام(6)، أو لأنَّه العالم بما بطن(7)، وقد مرَّ في كلامه (عليه السلام) (الحمد لله الذي بطن خفيات الأمور، ودلت عليه أعلام الظهور)(8)، ولَطُفَ الشيء كَكَرُمَ ولَطافة بالفتح أي دق وصغر جسمه(9)، وقيل اللطافة اسم منه، وبان من الأشياء أي انفصل وظهر الفرق بينهُ وبينها بما نشأ منه واتصف به من القهر والقدرة كما بانت(10) الأشياء بصفتها وهي الخضوع والرجوع اليه وان كان التباين يحصل بكل منهما وكلمة (منه) غیر موجوده(11) في بعض النسخ، والخضوع الذلة والتواضع وهو قريب من الخشوع إلاَّ أنَّ
الخشوع أكثر ما يستعمل في الصوت والخضوع في الأعناق (مَنْ وَصَفَهُ فَقَدْ
حَدَّهُ، وَمَنْ حَدَّهُ فَقَدْ عَدَّهُ، وَمَنْ عَدَّهُ فَقَدْ أَبْطَلَ أَزَلَهُ، وَمَنْ قَالَ كَيْفَ فَقَدْ
ص: 86
اسْتَوصَفَهُ، وَمَنْ قَالَ أَيْنَ فَقَدْ حَيَّزَهُ عَالِمٌ إذْ لاَ مَعْلُومٌ، وَرَبٌّ إذْ لَا مَرْبُوبٌ، وَ
قَادِرٌ إذْ لاَ مَقْدُورٌ) قد تقدم الكلام في ابطال وصفه سبحانه وما فَرَّعه (عليه
السلام) عليه في شرح الخطبة الأولى والعد بالمعاني السابقة مستلزم للأمكان
وهو مبطل لقدمه سبحانه، و((الأَزَل بالتحريك: القدم))(1)، والنسبة ازلي،
قالوا: وأصله يزلي منسوب الى لم يزل، ولا تستقيم(2) النسبة إلّا باختصار،
فقالوا: يزلي، ثم أبدلت الياء الفاً للخفة(3)، كما قالوا في الرمح المنسوب الى ذي يزن أزني، وفي النصل المنسوب الى يثرب أثربيّ(4)، ومن قال كيف؟ أي سأل عن كيفيته سبحانه فقد استوصفه، قال بعض الشارحين: (استوصف ها هنا بمعنى وصف كقولك: استغنى زيد عن عمرو أي أغنى عنه، واستعلى عليه أي علا ومثله كثیر)(5)، فإنّ(6) السائل لم يستوصف الله سبحانه وإنما استوصف صاحبه الذي سأله عن كيفية الله عزَّ وجل، ويحتمل الحذف
والايصال وحيزه أي اثبت له حيزاً أي مكاناً وهو في الأصل (الناحية)(7) وما
أنضم الى الدار من مرافقها وكونه تعالى عالماً إذْ لا معلوم؛ لأنَّ اتصافه بالعلم
وكذلك سائر الصفات لا يتوقف عى شيء ومعلوم في بعض النسخ مفتوح
وفي بعضها مرفوع وكذلك قرائنه [منها](8): (قَدْ طَلَعَ طَالِعٌ، وَ لِمَعَ لاَمِعٌ،
ص: 87
وَلَحَ لَئِحٌ، وَ اعتدَل مَائِلٌ، وَ استبدَلَ اللهُ بِقَوْمٍ قَوْماً، وَ بِيَوْمٍ يَوماً، وَ انْتَظَرْنَا
الغِیْرَ، انْتِظَارَ(1) المُجْدِبِ المَطَرَ) طلع الكوكب وغيره أي ظهر ولمع البرق(2) أي أضاء ولاح أي بدا واعتدل أي استوى واستقام، والغير(3) كعنب الاسم من قولك: غیرت اليء فتغر واجدب القوم أي اصابهم الجدب وهو
القحط واحتباس المطر وهذه الخطبة خطب بها (عليه السلام) بعد قتل عثمان، قال بعض الشارحين: اشار (عليه السلام) بطلوع الطالع الى ظهور امرته وخلافته وبلموع [اللامع](4) الى ظهورها من حيث هي حق له وسطوع أنوار العدل بصيرورتها اليه وبلوح اللائح الى ما يلحق انتقالها اليه من الفتن والحروب الموعودة التي لاحت اماراتها، وقال بعضهم: المراد بالجميع معنى واحد وهو عود الخلافة / و 197 / اليه(5) والمائل الذي اعتدل الخلافة التي
عدلت [عن](6) (مركزها) وخرجت عن الاستقامة بتولي القوم اياها أو الدين
القويم الذي تطرق اليه التحريف والفساد والقوم الخلفاء المتقدمون لا عثمان
وحده واتباعه كما توهمه بعض الشارحين(7) واليوم الذي استبدله الله زمان
خلافتهم وانتظاره (عليه السلام) ليس لحب الرئاسة والميل الى الدنيا بل
للشوق الى تقويم الدين ورفع البدع وازالة المنكرات والكلام صريح في
ص: 88
تضليل القوم والطعن عليهم والتأويات التي ارتكبها بعض الشارحين(1)
واهية واضحة السخافة(2) (وإنَّمَا الأئِمَةُ قُوَامُ اللهِ عَلَى خَلْقِهِ، وَعُرَفَاؤُهُ عَلَى عِبَادِهَ، [و](3) لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ إلاَّ مَنْ عَرَفَهُمْ وَ عَرَفُوُهُ، وَلَا يَدْخُلُ النَّارَ إلاَّ مَنْ أَنْكَرَهُمْ وَ أَنْكَرُوهُ)، القيام الانتصاب والقوام جمع قائم وقوام الله على خلقه الذين يقومون بأمور الخلائق بأمر الله ويهدونهم الى الحق، والعرفاء جمع عريف
وهو القيم بأمور القبيلة أو الجماعة يلي(4) أمورهم ويتعرف الأمیر منه أحوالهم، فعيل بمعنى فاعل وعرفهم أي في الدنيا بالإمامة أو في الأخرة أيضاً؛ لأن الناس(5) يبعثون على عقائدهم وعرفوه أي في الآخرة بأنهم من شيعتهم ولم يفارقوا منهاجهم أو في الدنيا والآخرة لعلمهم في الدنيا بأسماء شيعتهم واشخاصهم، وكذلك من انكرهم وانكروه والجملة الأولى تدل(6) على أنه لا يدخل الجنة إلاّ من عرف جميع الأئمة ولا يدخها سائر الفرق وإن انتحلوا الاسلام ويؤيده الخبر المعروف بن الجميع (من مات ولم يعرف امام زمانه
مات ميتة الجاهلية(7)) [و](8) غیره من الاخبار، وظاهر الثانية أنه لا يدخل
النار إلاّ من جمع الانكارين وحينئذ يلزم أن لا يدخل النار من انكر الضروري
من الدين إذا لم ينكر الائمة (عليهم السلام) أو استخف بالقرآن مثلاً ويمكن
ص: 89
ادخاله فيمن انكرهم على ضرب من التوسع ويلزم أيضاً أن لا يدخل النار
صاحب الكبیرة من غر المنكرين وإن لم يتب منها ولا يبعد التزامه والقول
بأن مثله ينجو بالشفاعة وقد روى عن النبي (صلى الله عليه وآله) إنه قال: (شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي)(1)، وقيل المراد بالدخول الخلود وأجاب بعض الشارحين بناءً على مذهب المعتزلة من كفر صاحب الكبرة بأنَّ الواو بمعنى أو، وصاحب الكبرة ان لم ينكرهم فينكرونه أي يسخطون يوم القيامة عمله(2) ولا يخفى عدم ملائمته للجملة الأولى ولو حمل فيها على هذا المعنى
لتناقضت الجملتان ويمكن أن يراد بالإنكار عدم المعرفة بقرينة المقابلة فيدخل من لم يعرفهم بالإمامة ولم يزعم الى بطلان امامتهم ولعله لا ينفع القول بأنَّ
مثله يرجأ لأمر الله لأنَّ المرجأ لأمره لابد وأن يصر الى الجنة أو الى النار إلاّ
على اعتبار تخصيص في الدخول وهو بعيد، ولعل الغرض في المقام ان الامامة
حق لمن اتصف بهذه الصفات كأئمة أهل البيت (عليهم السلام) لا من تقمصها من المتقدمين الذين استبدل الله بهم قوماً آخرين.
(إنَّ اللهَ تَعالَ خَصَّكُمْ بِالإسْلاَمِ، وَ اسْتَخْلَصَكُمْ لَه؛ وَذلكَ لأَنَّهُ اسْمُ
سَلَامَةٍ، وَ جِمَاعُ كَرَامَةٍ، اصطَفَى اللهُ تَعَالَی مَنْهَجَهُ، وَ(3) بَیَنْ حُجَجَهُ مِنْ ظَاهِرِ
عِلْمٍ، وِبَاطِنِ حُكْمٍ؛ لَا تَفْنَى غَرَائِبُهُ، [وَلَا تَنْقَيِ عَجَائِبُهُ](4)) ظاهر الكلام
ص: 90
أن الاسلام مشتق من السلامة أي من آفات الدنيا ومهالك الآخرة إذا أدى
حقه فليس بمعنى الانقياد والدخول في السلم وجماع اليء ككتاب جمعه
وفي الحديث: (الخمر جماع الاثم)(1) أي مظنته ومجمعه والمنهج والمنهاج
الطريق الواضح وحججه أي الادلة على صحته وكلمة من للتفسر وتفصيل
للحجج، وظاهر العلم الاحكام الواضحة المبينة للناس من محكمات القرآن
وما اتضح من السنة وباطن الحكم الاحكام / ظ 197 / (المخزونة)(2) عند
أهلها كتأويل المتشابهات وأسرار الشريعة، وقال بعض الشارحين: يعني
بظاهر علم وباطن حكم القرآن(3)، إلاَّ تراه كيف أتى بعده بصفات ونعوت
لا تكون(4) إلاَّ للقرآن ولا ريب في اتخاذ(5) حجج(6) الاسلام والقرآن، ولا يبعد أن يكون ذكر القرآن في جملة كلام حذفه السيد (رضي الله عنه) على عادته في الالتقاط والاختصار ويظهر من كلام بعض الشارحين: (انه كان في
نسخته (لا تفنى عزائمه))(7) قال: وأراد بالعزائم آياته المحكمة. ((و براهينه العازمة)) أي القاطعة(8) وعدم فناء الغرائب أو العزائم اما ثباتها واستقرارها
على طول المدة وتغر الاعصار أو كثرتها عند البحث والتفتيش عنها وعدم
ص: 91
انقضاء العجائب انه كلما تأمل فيه الانسان استخرج لطائف معجبة لم تحصل
له قبل. (فِيْهِ مَرَابِيعُ النِّعمِ، وَمَصَابِيحُ الظُّلَمِ، لاَ تُفْتَحُ الخَیْرَاتُ الاَّ بِمَفَاتِحِهِ(1)،
وَلاَ تُكْشَفُ الظُّلُاَتُ إلاَّ بِمَصَابحِهِ(2) قَدْ أَحَمْى حَمِاهُ، وَأَرْعَى(3) مَرْعَاهُ، فِيْهِ شِفَاءُ المُشْتَفِى(4)، وَكِفَايْةُ المُكْتَفِي) المرابيع أمطار أول الربيع(5) يحيي بها(6) الارض، وتنبت الكلاء، و(المفاتح)(7) في بعض النسخ بدون الياء وفي بعضها بالياء، وكذلك المصابح وحميت المكان من الناس كرميت أي منعته منهم، والحماية اسم منه، وكلاء حمىً كرضً أي محمي وأحميت المكان جعلته حمى لا يقرب منه ولا يجرأ عليه، والرِعي(8) بالكسر (الكلاء)(9)، وبالفتح المصدر، والمرعى الرِعي والمصدر والموضع، قال بعض الشارحين(10): أحمى حماه أي جعله الله عرضه لأن يحمي كما تقول: اقتلت(11) الرجل أي جعلته عرضه
لأن يقتل(12) أي قد عرض الله حمى القرآن ومحارمه لأن يجتنب وعرضه مرعاه
لأن يرعى أي مكن من الانتفاع بمواعظه وزواجره؛ لأنه خاطبنا بلسان
ص: 92
عربي مبن ولم يقنع ببيان ما لم يعلم إلا بالرع حتى نبه في أكثره على أدلة
العقل، وقال بعضهم: استعار لفظ الحمى لحفظه وتدبره والعمل بقوانينه
ووجه الاستعارة أن بذلك يكون حفظ الشخص وحراسته أما في الدنيا فمن
أيدي كثر من الظالمن لاحترامهم حملة القرآن ومفسريه ومن يتعلق به،
وأما في الآخرة فلحمايته (حفظته)(1) ومتدبريه والعامل به من عذاب الله كما
يحمي الحمى من يلوذ به(2)، قال: وقيل: أراد بحماه محارمه أي منع بنواهيه وزواجره أن يستباح محارمه، وهو أخص مما قلناه(3) وأرعى مرعاه، أي هيأه
لأن يرعى واستعار لفظ المرعى للعلوم والحكم والآداب التي يشتمل عليها
القرآن ووجه المشابهة أن هذه مراعي النفوس و(غذاؤها)(4) الذي يكون به
نشؤها العقي وتمامها الفعي كما أنَّ النبات والعشب غذاء للأبدان الحيوانية
الذي به يقوم وجودها انتهى، ويحتمل أن يكون المراد جعل له حدود أو
حرمات ونهى عن انتهاكها وارتكاب نواهيه وتعدي حدوده ورخصاً أباح
للناس الانتفاع بها والتمتع منها ويمكن أن يقال: أحمى حماه أي منع المغيرين
من تغيیر قواعده وارعى مرعاه أي مكن المطيعن من طاعته وهي الغذاء
الروحاني الذي به حياتهم الباقية في النشأة الأخرة والمستشفى طالب الشفاء،
وفي بعض النسخ (المشتفى)(5) على صيغة الافتعال بمعناه أي فيه الشفاء من
الأمراض المعنوية كالجهل والضلال أو منها ومن الأمراض الظاهرة البدنية
ص: 93
أيضاً بالتعوذ ونحوه، والكِفاية بالكسر ما به يحصل الاستغناء عن غیره
وهذه الكفاية لأهله ومن اخذ(1) غوامضه منهم ورجع(2) في تأويل المتشابهات
ونحوه اليهم ومن الله الاستعانة والتأييد.
(وَهُوَ فِي مُهْلَةٍ مِنْ الله يَهْوى مَعَ الغَافِلینَ وَ يَغْدُو مَعَ المُذْنِبِنَ بِلاَ سَبِيلٍ قَاصِدٍ وَلاَ إمامٍ قائِدٍ)، قال بعض الشارحين: يصف (عليه السلام) / و 198 / انساناً من أهل الضال غر معن كقوله (عليه السلام): رحم الله امرأً أتقى ربه وخاف ذنبه(3)، والمهلة العمر أو عدم المعاجلة بالذنوب(4)، وهوى كرَمى هَوياً بالفتح إذا سقط وهبط وهُوياً بالضم إذا صعد، وقيل بالعكس
وهُوياً بالضم أيضاً إذا أسرع في السیر، وفي بعض النسخ (يهوى بها) أي بسبب
تلك المهلة، والغُدو بالضم السیر أول النهار والغدو مع المذنبین كناية عن
المسارعة الى الذنوب و(5) الحرص عليها والقصد الوسط والسبيل القاصد
المعتدل.
[منها](6) (حَتَّى إذَا كَشَفَ لَهُم عَنْ جَزَاءِ مَعْصِيَتِهِمْ، وَاسْتَخْرَجَهُمْ مِنْ جَلَبِيبِ غَفْلَتِهِمْ، اسْتَقْبَلُوا مُدْبِراً،وَاسْتَدْبَرُوا مُقْبِلاً، فَلَمْ يَنْتَفْعِوُا بِما أدْرَكُوُا
ص: 94
مِنْ طَلِبَتِهِمْ، وَلَ بِاَ قَضْوا مِن وَطَرِهِمْ. وَإنِّ أُحَذِّرُكُمْ وَ نَفْيِ هَذه المَنْزِلَةَ) الكشف عن الشيء ازالة الحجاب عنه واظهاره، ولعل الكشف عن(1) الجزاء بما اراهم الله حال الموت من مصیر الأمر والمآب الى النار، أو ما يعم ما بعد الموت، والجِلباب بالكسر ثوب للمرأة أوسع(2) من الخمار ودون الرداء، وقيل ما تغطي به ثيابها كالملحفة(3) وقيل: الازار والرداء، وقيل: الملحفة، وقيل: هو كالمقنعة تغطى به رأسها وظهرها وصدرها، واستقبلوا مدبراً أي استقبلوا امراً كان في ظنهم واعتقادهم مدبراً عنهم وهو العذاب الآخروي، واستدبروا مقبلاً أي تركوا وراء ظهورهم ما كان مقبلاً اليهم واقبلوا اليه من الأموال
والأولاد وما مولاتهم، والطِلبة بكر الام ما طلبته من حاجة، والوطرمحركة (الحاجة)(4) [أو حاجة](5) لك فيها همّ وعناية، وفي بعض النسخ (فإني أحذركم)(6) بالفاء وفي ادخاله (عليه السلام) نفسه في التحذير تطيب لقلوب المخاطبن ليكونوا الى الانقياد أقرب والمنزلة المشار اليها هي الحالة التي
هؤلاء الموصوفون عليها من الغفلة والاغرار بالدنيا، قال بعض الشارحين:
وروي هذه المزلة وهي مفعلة بكسر الزاي(7) من الزلل(8) أي: الزلق في طن
ونحوه (فَلْيَنْتَفِعِ امْرُؤ بِنَفْسِهِ فَإنَّمَا البَصِیرُ مَنْ سَمِعَ فَتَفكَّرَ، وَ نَظَر فَأَبْصَرَ، وَ
ص: 95
انْتَفَعَ بِالعِبَرِ ثُمَّ سَلَكَ جَدَداً وَاضِحاً يَتَجَنَّبُ فِيْهِ الصَّرْعَةَ فِي المَهاوِي وَ الضَّاَلَ
فِي المَغاِوِي، وَلَا يُعِنُ عَلَى نَفْسِهِ الغُوَاةَ بِتَعَسَّفٍ فِي حَقٍ أَو تَحْرِيفٍ فِي نُطْقٍ أوْ
تَّخُوفٍ مِنْ صِدْقٍ) الانتفاع بالنفس أن يرف الانسان ما أعطاه الله من
العقل والقوة فيما خلق لأجله ويعمل بمقتضى علمه ونظر أي الى الاشياء
فأبصر ما يعينه ومواضع العبرة والعبر كعنب جمع عبِرِه بالكسر وهي ما
يتعظ به الانسان ويعتره ليستدل به على غره كأحوال الماضن ونحوها، والجدد بالتحريك المستوى من الارض أو الارض الغليظة المستوية، والصَرعة بالفتح الطرح على الأرض(1)، والمهاوي جمع مهواة وهي الحفرة، والمغاوي جمع مغواة وهي الشبهة التي يقع بها الانسان في الغي و[الضلال](2)، والغواة الغاوون وأعانه الغواة عى النفس أن يكون الانسان [...](3) ظهیراً لهم، فيمدهم ويسلطهم عى نفسه، والتعسف الميل والعدول عن الطريق، وقيل: أن يأخذ المسافر على غر طريق ولا جادة ولا علم(4)، وقيل ركوب الأمر من
غیر رويه(5)، قال بعض الشارحين: التعسف في الحق أن يحملهم عى مُرّ الحق
وصعبة والحق له درجات بعضها أسهل من بعض فالاستقصاء فيه على غیر
أهله يوجب النفرة عمن يقوله ويأمر به ويحتمل أن يراد به التكلف في العمل
بالحق مع نوع من التقصیر فيه فإن الغواة هم تاركوا الحق فإذا وجدوا
ص: 96
متكلفاً للعمل به مقراً فيه طمعوا في الانته(1) للباطل فكان قد أعانهم على نفسه بذلك(2) ويمكن أن يكون المراد الأمر / ظ 198 / بالحق على وجه باطل كَضَرَبَ من ينتهي عن المنكر بقول لن أو الأمر به على غیر علم وروية، فإنَّ الغواة إذا رأوا منه أنه يأمر وينهى من غیر علم طمعوا في التعنت به وزجره، وأن يكون المراد العدول عن الحق للأهواء والاغراض الدنيوية، فإن ذلك يدعوا الغواة الى الطمع في اضلاله وامالته الى الباطل فيما لا يقوده اليه اهواؤه واغراضه والله يعلم. وحَرَفْتُ الشيء عن وجهه كَنَصَرْتُ أي
غيرته والتشديد للمبالغة، والغواة إذا أنسوا من انسان الكذب والتحريف
طمعوا في ادخاله في زمرتهم، وكذلك التخوف من الصدق للأغراض الدنيوية
لا في مواضع التقية (فَأفِقْ أَيَّهَا السَّامِعُ مِنْ سَكْرَتِكَ، واسْتَيْقِظْ مِنْ غَفْلَتِكَ،
وَاخْتَصِرْ مِنْ عَجَلَتِكَ، وَ أَنْعمِ الفِكْرَ فِيمَا جَاءَك عَلَى لِسَانِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ (صَلَّی
اللهُ عَلَيْهِ واله وَسَلَّمْ) مِّمَا لاَبُد مِنْهُ، وَلَا مَحِيصَ عَنْهُ. وَخَالِفْ مِنْ خَالِفَ ذَلِكَ
إلى غَیْرِهِ، وَدَعْهُ وَمَا رَضِی لِنَفْسِهِ) أفاق الرجل إذا رجع الى ما كان قد شغل
عنه وعاد الى نفسه ومنه افاقه المريض والمجنون والنائم والسكران،
واختصرت(3) الطريق سلكت المسلك الأقرب، ومنه اختصار الكلام، وتقليل
لفظه، والعَجَلَة بالتحريك السرعة، واختصر من عجلتك أي خفف من
سرعتك في تحصيل الدنيا وامالها، وأنعم في الأمر أي بالغ، وانعمت النظر في
كذا أي دققته من قولك: أنعمت سحق الحجر، وقيل: إنه مقلوب أمعن في
ص: 97
الأمر أي أبعد، والأمي الذي لا يكتب ولا يقرأ نسبة الى الأمة أي أنه على
جبلة(1) الامة قبل تعلم الكتابة، أو المراد بالأمة [أي](2) العرب، وقيل للعرب
الأميون؛ لأنَّ الكتابة(3) كانت فيهم غريزة(4)، وقيل نسبة الى الأم لأنَّ الكتابة(5)
مكتسبة فهو عى ما ولدته أمه(6)، أو الأمي نسبة الى أم القرى وهي مكة وهو
المروي عن أبي جعفر الباقر(7) (عليه السلام)، والمحيص المعدل والمهرب،
والمراد بما لا بد منه ولا محيص عنه الموت وأهوال الآخرة، أو وجوب امتثال
الأوامر والانتهاء عن النواهي والى غیره متعلق بالماضي أي خالف من
(خالف) ذلك الذي امرتك به مائلاً الى غیر ذلك الأمر، أو بالأمر فالضمیر
في غیره راجع الى من، والأول أظهر، وما رضي لنفسه أي: التعوض بالأمور
الفانية عن السعادات الباقية (وَضَعْ فَخْرَكَ(8)، وَاحْطُطْ كِبَرْكَ، وَاذْكُرْ قَبَرْكَ،
فَإنَّ عَلَيْهِ مَمَرَّكَ، وَكَمَا تُدِينُ تُدَانُ، وَكُمَا تَزْرَعُ تَحْصُدُ، وَمَا قَدَّمْت اليَوْمَ تَقْدَم
عَلَيْهِ غَدِاً، فَامْهَدْ لِقَدَمِكَ، وَقَدِّم لِيوْمِكَ. فَالحَذْرَ الحَذْرِ أَيَّهَا المُسْتَمِعُ، والجِدَّ
الجِدَّ أَيُّهَا الغَافِلُ: «وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ»(9)) الفخر المباهاة بالمكارم والمناقب
ص: 98
من حسب ونسب وغیر ذلك أما في المتكلم، أو في ابائه، أو أقاربه، أو عشیرته،وحطه كمدَّ أي وضعه، والقاه، وعليه ممرك(1) أي لا بد من المرور به والورود عليه، والدين يكون بمعنى الجزاء والطاعة والاستعلاء والغلبة وغیر ذلك،
(وكما تدين تدان) أي كما تجزي غیرك تجازى بفعلك، أو كما تطيع تجازي
بطاعتك أو كما تستعلي على الناس وتغلب عليهم يستعلي عليك غیرك ويغلب(2) عليك فلا تكن طالباً للرفعة والغلبة، و(كما تزرع تحصد) أي تحصد على حذو(3) ما زرعت أن خیراً فخر وإن شراً فشر، وفي المثل من زرع شراً حصد ندماً(4)، أو كما تسعى وتعمل تحصد وتنال الخیرات فيكونأمراً [...](5) بالسعي والعمل، ومهدت الفراش كمنعت أي بسطته ووطأته،
والمراد تسوية موضع القدم والممر الذي لا بد من سلوكه، وقدم أي من
الأعمال الصالحة وزاد التقوى ليوم القيامة وهو يومك الذي لا ينبغي أن
تغفل عنه، ولا بد لك من ادراكه والحذر(6) والجد منصوبان على الاغراء أي
الزمها ولا ينبئك مثل خبر أي لا يخرك بالأمور أحد على حقائقها كخبر
عالم بكنهها(7) فأقبل منه ولا تعصه. (إنَّ مِنْ عَزَائِمِ اللهِ فِي الذِّكْرِ الحَكِيمِ، التَّي
ص: 99
عَلَيْهَا يُثِيبُ وَ يُعَاقِبُ، وَ لَهَا يَرْضَی وَ يَسْخَطُ أَنَّهُ [لَا](1) يَنْفَعُ عَبْدَاً وَإنْ أَجْهَدَ
نَفْسَهُ وَأَخْلَصَ فِعْلَهُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الدُّنيَا لاقِياً رَبَّهُ بِخَصْلَةٍ مِنْ هذهِ الخِصَالِ لمْ
يَتُبْ مِنْهَا أَنْ يُشْرِكَ / و 199 / بِاللهِ فِيمَا افْرضَ عَلَيْهِ مِنْ عِبَادَتِهِ أوْ يَشْفَى
غَيْظَهُ بِهَلَاكِ نَفْسٍ أوْ يَقُرُّ(2) بأمْرٍ فَعَلَهُ غَیُرْهُ، أَوْ يَسْتَنْجِحَ حَاجَةً إلى النَّاسِ بإظهار بِدْعَةٍ فِي دِينِهِ أوْ يَلْقَى النَّاسَ بِوَجْهَیْنِ، أوْ يَمْشي فِيْهِمْ بِلِسَانَيْنِ اعْقِلْ ذَلِكَ فَإنَّ المِثْلَ دَليلٌ عَلَى شِبْهِهِ) العزم (الجد)(3) والقطع يقال: عزم على الأمر أي أراد فعله وقطع عليه وجد في الأمر وعزائم الله احكامه التي لا
نسخ فيها ولا يحتمل التأويل، ويكون بمعنى فرائض الله والذكر الحفظ
للشيء والعلا(4) والشرف وفر الذكر الحكيم في قوله تعالى: «ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ»(5) بالشرف المحكم العاري من الاختلاف، قيل: المراد به القرآن،(6)، وقيل: (اللوح المحفوظ)(7)، والمراد به في كلامه (عليه السلام) أن كان هو اللوح المحفوظ فالمراد ان الاحكام الاتية
على التفصيل الذي قرره (عليه السلام) مثبته في اللوح المحفوظ والعلم بها
مما أتاه الله عز وجل وإن كان القرآن المجيد فلعلها مستنبطة(8) من بطون
ص: 100
الآيات أو من ظواهر(1) الآيات على ما ذكره بعض الشارحين واستخرجها
من قوله عز وجل: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ»(2) قال: وقوله (عليه
السلام) فيما أفرض عليه من عبادته يفهم منه أنه أراد الرك بالرياء في
العبادة لا اتخاذ آله ثان(3)، وقوله تعالى: «وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا»(4)، وقوله تعالى: «إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا»(5)، وقوله تعالى: «وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا»(6)، وقوله تعالى: «إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ»(7) وفيه تأمل، وأجهد فان دابته إذا حمل عليها في السر فوق طاقتها وأخلص فعله أي جعل صلواته ونحوها
خالصة من النواقض الظاهرة(8) والمبطات فلا ينافي الاشتمال على الشرك الشامل للرئاء المعدود من الخصال على ما هو الاظهر والخصلة الحالة والفضيلة والرذيلة قيل وغلب عى الفضيلة والغيظ الغضب(9)، وقيل
ص: 101
أشده أو سورته وشفاء الغيظ بهلاك نفس يشمل مباشره القتل والتسبب(1) بأي وجه كان والظاهر قتل الغير وفي بعض النسخ (بهلاك نفسه)(2) ويحتمل حمل الأول على العموم کا قیل: ويقر بأمر فعله غيره: أي يتم(3) على غيره بأمر قد فعله ذلك الغير فيستلزم أهلاکه، أو اذاه فيدخل فيمن يسعى في الارض فساداً(4) على ما ذكره بعض الشارحين، ويحتمل أن يكون المراد بالإقرار ادعاء فعل جميل فعله غيره لنفسه، أو الإقرار بأنَّه [فعل](5) فعلًا لم يفعله وقد فعله غيره كقتل انسان مثلاً، فيهلك نفسه أو يتضرر ضرراً شديداً، وفي بعض النسخ (فعل غيره) أي يدعي فعلاً آخر غير ما فعله كذباً ليغر(6) الناس كان يسعى في الأرض فساداً ويدعي النصح والاصلاح وكان في نسخة بعض الشارحین (یعر)(7) کيمد من عره بشر إذا لطخه(8) به، أي يعيب(9) انساناً ويلطخه بأمر فعله مما لا يجوز اظهاره وافشاؤه، والنَجاح بالفتح والنُجح(10) بالضم الظفر بالشيء ونَجَحَت الحاجة کَمَنَعَ صار ذا نَجح(11)
ص: 102
واستنجحها تنجزها ويلقى الناس بوجهين أي يلقى كلاً من الصديقين بوجه
غیر ما يلقي به الآخر ليفرق بينهما أو من العدوين ليضري بينهما كما قيل أو
يكون ذا وجهین في الحضور والغيبة يراه الانسان صديقاً إذا شهد لبشره
واظهاره المودة وهو إذا غاب عدو يظهر حقده الكامن في صدره وكذلك
المشي بلسانين، ولعل الأول بالبر والافعال والثاني باللسان والأقوال، وقال
بعض الشارحين: الثاني تأكيد للأول(1)، [وعقل كضرب أي فهم وعلم](2)
والمِثل بالكسر(3) في أكثر النسخ وفي بعضها المثل بالتحريك، وهو النظیر في
الأصل، يقال: مِثل ومَثَل ومثيل كشَبه وشبه وشبيه وغلب استعماله في القول
السائر الممثل مضربه بمورده ويستعمل في كل حال أو صفه أو قصة لها شأن
وغرابة، والشِبِه بالكسر المثل وفي بعض النسخ على شُبْهه بضم الشین / ظ
199 / وسكون الباء وهاء التأنيث وحذف الضمیر والشبهة أيضاً المثل وما
في الأصل أظهر قال بعض الشارحين: إنما رمز (عليه السلام) بباطن هذا
الكلام الى الرؤساء يوم الجمل لانهم حاولوا أن يشفوا غيظهم بإهلاكه وإهلاك
غیره من المسلمين وغروه(4) (عليه السلام) بأمرهم فعلوه وهو التأليب على
عثمان وحصره واستنجحوا(5) حاجتهم بإظهار البدعة والفتنة ولقوا الناس
بوجهین ولسانين لأنهم بايعوه واظهروا الرضا به، ثم دبوا له الخمر أي
أضمروا النكث العداوة، فجعل ذنوبهم هذه مماثلة للرك بالله سبحانه في أنها
ص: 103
لا تغفر إلاَّ بالتوبة وهذا هو معنى قوله اعقل ذلك، فإنَّ المثل دليل على شبهه(1)، قال: وروى ((فإنَّ المثل)) واحد الامثال، أي هذا الحكم بعدم المغفرة لمن أتى شيئاً من هذه الاشياء عام، والواحد منها دال عى ما يماثله ويشابهه(2) انتهى، ولا يبعد أن يكون المرموز حال الخلفاء المتقدمین، وكل من خالفه وإن يحمل الشرك على ظاهره أو يراد به ما يعم الرئاء واظهار التقوى والأعمال الصالحة للدنيا ونيل الرئاسة والخلافة. والله يعلم. (إنَّ البَهَائِمَ هَّمُهَا بُطُونُهَا، وإنَّ السِّبَاعَ هَّمُهَا العُدْوَانُ عَلَى غَيْرِهَا، وَ إنَّ النِّسَاءَ هَّمُهُنَّ زِينَةُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَ الفَسادُ فيهَا إنَّ المُؤمِنینَ مُسْتَكِينونَ، إنَّ المُؤْمِنینَ مُشْفِقُونَ، إنَّ المُؤْمِنینَ خَائِفُونَ) الهَم بالفتح الحزن(3) وأول العزم أو العزم القوي أي ما يحزن البهائم فقده وتهتم بشأنه، أو مقصودها الأصلي أمر بطونها، والعدوان الظلم وأصله
التجاوز عن الحد وفي ذكر النساء تعريض بعائشة على ما ذكره بعض
الشارحين(4) والاستكانة الخضوع والذلة قيل: إن استكان استفعل من الكِينة
بالكسر وهي الحالة السيئة أو الشدة المذلة وذكره في القاموس في الكون(5)،
وقيل: انه افتعل وأصله استكن من السكون(6)، وقيل: ((من المسكنة اشبعت حركة عينه))(7) ويستعمل عى الأصل، والاشفاق حرص الناصح على
اصلاح المنصوح، وتقول: أشفقت على الصغر إذا حنوت وعطفت عليه
ص: 104
والاسم الشفقة وهو مشفق وشفيق ويكون بمعنی الخوف ولا حاجة الى الحمل عليه حتی یکون ذكر الخوف تأكیداً كما يظهر من كلام [...](1) الشارحين(2)، وبالله التوفيق.
(وَنَاظِرُ قَلْبِ اللَّبيبِ بِهِ يُبْصرُ أَمَدَهُ، وَيَعْرِفُ غَوْرَهُ وَ نَجْدَهُ، دَاعٍ دَعَا،
وَرَاعٍ رَعَى؛ فَاسْتَجِيبُوا للدَّاعِي، واتَّبِعُوا الرَّاعِي) الناظر من [...](3) المقلة (السواد الأصغر الذي فيه انسان العين)(4)، و(اللبيب: العاقل(5))(6)، والأمد بالتحريك الغاية(7) والمنتهى، والغور المطمئن من الأرض وقعر كل شيء، والنجد (المرتفع من الأرض)(8)، ومنه قولهم للعالم(9) بالأمور:طلاع أنجد(10) والغرض أن قلب اللبيب له عين يبصر بها غايته التي يجري اليها ويعرف من أحواله المستقبلة ما كان مرتفعاً شريفاً ومنخفضاً ساقطاً فيرتقي مدارج السعادة، ويتجنب مهاوي الردى والضلالة وداع مبتدأ محذوف الخبر أي في
ص: 105
الوجود داع أو الجملة خر له أي من كان من شأنه الدعوة دعا وأتى(1) بما كان عليه، وكذلك راع رعى(2) والمراد بالداعي الرسول (صلى الله عليه وآله)
وبالراعي نفسه (عليه السلام)، وفي بعض النسخ (فاستجيبوا الداعي)(3) بدون حرف الجر.
(قَدْ خَاضُوا بِحَارَ الفِتَنِ، وأَخَذُوا بِالبِدَعِ دُونَ السُّنَنِ؛ وأَرَزَ المُؤمِنُونَ، وَ
نَطَقَ الضَّالُّونَ المُكَذِّبُونَ. نَحْنُ الشِّعارُ وَالأَصْحَابُ، والخَزْنَة وَالأَبْوَابُ؛ وَلَا
تُؤْتَى البُيُوتُ إلاَّ مِنْ أَبْوَابِهَا؛ فَمَنْ أَتَاهَا مِنْ غَیْرِ أَبْوَابِهَا سُمِّىَ سَارِقاً) هذا
الكلام منقطع عما قبله متصل بكلام في ذكر الخلفاء لعله حذفه السيد (رضي
الله عنه) تقية لصراحته فيهم كما يظهر لمن تتبع كلامه وعرف حذفه
المصرحات وتعبره بالكناية عن صريح الأسماء كحكايته في الشقشقية (أما
والله لقد تقمصها فان / و 200 / وأدلى(4) بها الى فان بعده) وأرَزَ كضَرَبَ كما
في بعض النسخ وكَعَلَمَ كما في بعضها أي انقبض وتجمع وثبت(5) وأرزت
الحية(6) أي (لاذت بحجرها ورجعت اليه)(7)، وتثبتت في مكانها، والشعار
ككتاب ما تحت الدِثار من الثياب وهو يلي شعر الجسد، وصَحِبَه كَسَمِعَه
صُحبة بالضم، وصَحابة بالفتح فهو صاحب أي عاشرة ويجمع صاحب على
ص: 106
صَحب بالفتح كراكب وركب وهو على(1) أصحاب كفرخ وأفراخ وهو على
أصاحيب وخزن(2) المال كنصر أي أحرزه وجعله في (المخزن)(3) والمراد أنهم
(عليهم السلام) خزنة(4) علم الرسول (صلى الله عليه وآله) وأبوابه كما قال
(صلى الله عليه وآله) فيه (عليه السلام): خازن علمي، وتارة (عيبة علمي)(5)،
و(أنا مدينة العلم وعلي بابها)(6) أو خزنة(7) الجنة وأبوابها كما نطق الأخبار
بأنه (عليه السلام) قسيم الجنة والنار يقول للنار: هذا لي فذريه وهذا لك
فخذيه، أو خزنة العلم والجنة وأبواب الوصول الى الله والرسول (صلى الله
عليه وآله)، ولعله أنسب بقوله (عليه السلام) فمن أتاها من غیر أبوابها
سمي سارقاً، وفي بعض النسخ (لا تؤتي البيوت) بدون الواو وفيه اشارة الى
قوله تعالى: «وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ»(8). [منها](9) (فِيِهمْ كَرَائِمُ القرآن، وَهمْ
كُنُوزُ الرَّحْمَنِ، أنْ نَطَقُوا صَدَقُوا، وإنْ صَمَتُوا لَمْ يُسْبَقُوا، فَلْيَصْدُقْ رَائِدٌ أَهْلَهُ
ص: 107
وَلْيَحْضِرْ عَقْلَهُ وَلْيَكُن مِنْ أَبْنَاء الآخِرِةِ، فَإنَّه مِنْهَا قَدِمَ وَإلَيْهَا يَنْقَلِبُ) الضمائر راجعة الى آل محمد (صلى الله عله وآله) الذين عناهم (عليه السلام) بقوله: (نحن الشعار والأصحاب والخزنة(1) والأبواب) کَرُمَ الشيء بالضم نفس وعز، فهو کریم وهي کريمة، وكرائم المال خیارها ونفائسها، ولعل المراد بکرائم القرآن الآيات المادحة الدالة على الشرف ورفعة المنزلة كسورة «هَلْ أَتَى»(2)، وآية التطهير(3) والمباهلة(4) وغيرها و آیات الرحمة فالكرم من جهة المدلولات ويقابلها آیات العذاب [...](5) الدالة على الذم وإن كانت الآيات كلها من حيث انها كلام الله تعالى كريمة، ويحتمل أن يكون المراد الخصال الكريمة المفهومة من القرآن والصفات الحسنة والمكارم المذكورة في مقام المدح وفي كثير من النسخ الصحيحة كرائم الایمان وهي الصفات الجميلة والأخلاق الحسنة والأعمال الصالحة المختصة بأهل الإيمان وهم كنوز الرحمن أي خزائن علمه وسدنه جنانه وقربه أو هم [المذخورون](6) لايضاح المشكلات وغوامض العلوم المال المذخور للمأرب والأغراض(7)
ص: 108
وإن صمتوا لم [يسبقوا](1) أي ليس سكوتهم وكفهم عن الكلام لقصورهم وعيهم(2) بل لمحض الحكمة وإن المقام لا يسع الكلام، والرائد من يتقدم القوم إذا أرادوا منزلاً ليبصر لهم الكلأ ومساقط الغيث، قال بعض الشارحين: أي أمر الانسان أن يصدق نفسه ولا يكذبها بالتسويف والتعليل(3)، وقال بعضهم: أي من يحضرنا طلباً لاختيارنا، فليصدق من يعينه أمره أننا على الحق وينابيع العلوم والحكمة والادلاء الى الله كما يصدق الرائد لطلب الكلاء
والماء أهله مبشراً بهما وليحضر عقله لما يقوله ليعرف صحة ما ادعيناه(4)،
والقدوم من الآخرة اشارة الى خلق الأرواح قبل الأجساد كما روي في
الإخبار(5)، وفسر قوله تعالى: «وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ»(6)، على ما ذكره بعض الشارحين، قال: (ويمكن أن يفسر على وجه آخر، وهو أن الآخرة اليوم عدم محض، والانسان قدم من العدم، والى العدم ينقلب)(7)، ولا يخفى أن خلق الروح قبل الجسد بمجرده ليس قدوماً
من الآخرة وكون الآخرة اليوم عدماً محضاً مبني على أنَّ الجنة والنار لم يخلقا
بعد وهو خاف ما تدل(8) عليه الإخبار إلاَّ أن يراد بعدم الآخرة عدم قيام القيامة والمجازاة وفيه تكلف، وقال بعضهم: المعنى كما أن الابن يقدم من
ص: 109
الام وإليها ولهه ورجوعه كذلك الانسان مبدؤه الحرة الالهية وينقلب
اليها / ظ 200 /، فينبغي أن يكون من أبنائها بالرغبة فيها والوله اليها والعمل
لها(1)، وفيه تكلف أيضاً، ولعل الأظهر أن القدوم من الأخرة اشارة الى هبوط
آدم (عليه السلام) من الجنة والانقاب الى الجنة لو كان الانسان من أهلها
واضح والله تعالى يعلم. (فالناظر بالقلب العامل (بِالبَصَرِ يَكُونُ مُبْتَدأُ عَمَلِهِ
أَنْ يَعْلَمَ أَعَمَلُهُ عَلَيْهِ أَمْ لَهُ! فَإنْ كَانَ لَهُ مَضَى فِيْهِ، وإنْ كَانَ عَلَيْهِ وَقَفَ عَنْهُ،
فَإنَّ العَامِلَ بِغَیْرِ عِلْمٍ كَالسَّائِرِ عَلَى غَیْرِ طَرِيقٍ، فَلَا يَزِيدُهُ بُعْدُهُ عَنْ الطَّرِيقِ إلاَّ
بُعْداً عَن(2) حَاجَتِهِ، وَالعَامِلُ بِالعِلْمِ كَالسَّائِرِ عَلَى الطَّريِقِ الوَاضِحِ، فَليَنْظُرْ
نَاظِرٌ سائرٌ(3) هُوَ أمْ رَاجعٌ) البصر حاسة البر والعلم أيضاً، يقال: بصرت
بالشيء أي علمته، وبه فسر قوله تعالى: «بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ»(4)، والمراد
بالعامل بالبصر من حاول أن يكون عمله على ما تقتضيه(5) البصرة والعلم
لا من لا يبالي بما يعمل، أو المراد بالبصر الحاسة تشبيها للعامل بالمبصر الذي
يسلك طريقاً، فيتحرز المهاوي ويتجنب المهالك لا الأعمى الذي لا يبصر ما
يرديه(6) ولا يبالي به، وقال بعض الشارحين: أي الناظر بالقلب العامل بجوارحه(7)، وفي بعض النسخ (العالم بالبصر) أي بالبصيرة، فيكون تأكيداً
ص: 110
للناظر بالقلب، والمراد بالعمل في قوله (عليه السلام) مبتدأ عمله مایعم العلم، فيكون العلم المذكور من افراده ويحتمل أن يراد بالمبتدأ ما تقدم عمله وسبقه، وفي بعض النسخ (مبتدأ علمه)، أي العلم الذي ينبغي أن يكون أول علومه وعمله عليه أي يضره و(على) للاستعلاء المجازي كان العمل علاه، وقهره والراجع الذي يبعد [عن](1) حاجته لا أنه سلك الطريق فرجع. (وَاعْلَمْ أَنَّ لِكُلَّ ظَاهِرٍ بَاطِنَاً عَلَى مِثَالِهِ فَمَا طَابَ ظَاهِرُهُ طَابَ بَاطِنُهُ وَما خَبُثَ ظَاهِرُهُ خَبُثَ بَاطِنُهُ، وَقَدْ قَالَ الرَّسُولُ الصَّادِقُ (صَلَّى اللهُ عليْهِ وَالهِ): ((إنَّ الله
يُحِبُّ العَبْدَ وَيُبْغِضُ عَمَلَهُ، وَيُحِبُّ العَمَلَ وَيُبْغِضُ بَدَنَهُ))(2)) المِثال بالكسر الاسم من قولك: ماثله مماثلة إذا شابهه، ويستعمل بمعنى المقدار والصفة والصورة، والأظهر في سياق الكلام أن يكون ذکر کلام الرسول (صلى الله عليه واله) مؤيد لما سبقه من الكلام، وفيه اشكال ولم يتعرض لدفعه الشارحان صريحاً(3) وحمل بعضهم الحكم بأنَّ لكل ظاهر باطنا على مثاله وما فرع عليه على أنه أكثري لا كلي، وحينئذ يكون قوله (عليه السلام) وقد قال الرسول الصادق (صلى الله عليه واله) بمنزلة استثناء واستدراك عن سابقه لا مؤيداً له، فيتخصص الحكم الكلي ببعض الأفراد، والمراد بالظاهر کیا هو المناسب لذكر الحديث تأییداً او استدراكا الأفعال والأعمال الظاهرة، وبالباطن الاخلاق والملكات النفسانية، وحينئذ يكون الموصول عبارة عن
ص: 111
الصفة المشتملة على الظاهر والباطن، أو الأعم منها حتى يصح اضافة الظاهر والباطن اليه أو عن الأشياء الموصوفة بالصفات الشاملة للأشخاص الانسانية وغيرها حتى يصح التعبير بما ويمكن أن يقال إنه (عليه السلام) إنما حكم بأن لكل ظاهر باطناً، ولم يقل لكل باطن ظاهر، أو قد قيد الباطن بأنه على مثال الظاهر ومقداره فطيب الظاهر يقتضي وجود(1) أمر حسن في الباطن على حذو ذلك الظاهر، ولا ينفي وجود أمر خبيث في الباطن لا يكون على مثاله خبيث في الظاهر، فيضمحل به حسن الظاهر والباطن الذي على مثاله وكذلك عكسه وحينئذ يحب الله العبد ويبغض عمله ويحب العمل ويبغض بدنه فالسابق محمول على العموم وإنما يدل الحديث على أنَّ كل باطن لا يجب أن يكون له ظاهر على مثاله، فلا ينبغي الاغترار بحسن الظاهر المشاهد في بعض الناس، ولا القطع بأن الرجل من الأشرار إذا رأى منه الانسان اقتراف بعض الآثام، فعسى أن يكون الأول ممن يحب الله عمله ويبغض بدنه، والثاني ممن يحبه الله ويبغض عمله، ولعل المراد مما طاب في الظاهر العمل الصالح الخالص من الرياء / و201 / والسمعة ونحو ذلك لا ما يشمل ما يرى في الظاهر طيباً وخبث(2) حقيقه فإنَّ الظاهر أنه ليس لمثله باطن طيب بل هو خبيث في الظاهر والباطن كأعمال المرائين والمنافقين، وإنما المراد بالظاهر العمل الذي يظهر للناس وقد طاب في الواقع ويقابله النية وصفات النفس، فما طاب ظاهره ما ظهر(3) حسنه الواقعي وكذلك ما خبث
ص: 112
ظاهره ولا يبعد عن المقام حيث(1) كان الكلام في الحث على اتباع أهل البيت (عليهم السلام) وذم من خاضوا بحار الفتن واخذوا بالبدع دون السنن أن يكون الغرض التعريض بمن اغتر الناس بحسن ظاهرهم من الخلفاء، وبعض الصحابة الذين عدلوا عنه (عليه السلام) واتبعوا غيره، فيفيد الكلام أنهم لو سلم حسن بعض أعمالهم كما تظنون فهم(2) ممن يحب الله عمله ويبغض بدنه لسوء سريرتهم، واضمارهم النفاق، واتباع الهوى ونحو ذلك، وهو من الباطل الذي ليس له في الوجود ظاهر على مثاله أي ما ظهر لكثير من الناس وإن كان قد ظهر ما اضمروا في نفوسهم لأولي الألباب المقتفين(3) آثار أهل البيت (عليهم السلام) ويحتمل أن يكون المراد من الظاهر العمل، ومن الباطن ما استحقه العبد بعمله من الثواب والعقاب، أو رضاه سبحانه وسخطه، فيفيد الكلام أن لكل عمل ثواب، أو عقاب على مثاله لكن قد يحب الله عبداً لحسن سريرته وإن أبغض عمله، وقد يبغض العبد لسوء سريرته وإن أحب عمله، وفسر بعض الأعلام كلامه (عليه السلام) بوجه آخر وأنا أذكر كلامه بلفظه قال: (معناه والله أعلم إنَّ كل(4) ظاهر له باطن يماثله ولا ينافيه وجود غير المماثل (ظاهراً)(5) لأن الغرض يتعلق بوجود المماثل فإن كان الظاهر حسنا في الواقع كان ناشئا عن باطن حسن؛ لأنَّه لا يكون مع عدم حسنه كذلك ناشئاً عن الباطن الحسن، ولا مماثلا له وحينئذ
ص: 113
فإذا كان الظاهر طيباً كان الباطن طيباً، وإذا كان الظاهر خبيثاً كان الباطن كذلك؛ لتعلق كل منهما بالآخر وربطه به وحينئذ لا يتحقق طيب احدهما مع [خبث](1) الآخر، ففيه افادة للإنسان وحث له على أن يبذل جهده في تحصيل الموافقة بينهما في الحسن والطيب إذ هو قادر على ذلك ولا يكتفي بطيب الظاهر ظاهراً مع خبث الباطن فإنه لا طيب حينئذ في الظاهر ولما كان الظاهر دليلاً على الباطن لظهوره وخفاء الباطن كان طيبه دالاً على طيبه وخبثه دالا على خبثه وهذا بالنسبة إلى معرفة الغير ذلك وإن خرج عن المقام فقد علم أن الطيب من الظاهر ما كان موافقاً للطيب من الباطن وكذا الخبيث لأن الظاهر الخبيث لا بد أن يكون الباطن معه خبيث، وقد ظهر أن ما كان طيباً بحسب الظاهر لا يسمى طيبة في الواقع ونحوه الخبيث، فإنه قد يتخيل خبث شيء وهو ليس كذلك، ولما كان هذا الكلام الشريف لإفادة الجمع بين الباطن الحسن والظاهر الحسن فلا ينافيه ما إذا كان ظاهر طيباً بحسب الظاهر وعكسه فإنَّ الكلام مسوق لكون الإنسان ينبغي له أن يجمع بين الأمرين في طيبهما، وأن يترك الجمع بين الأمرين في خبثهما(2) على أنه لو أريد به ما یشمل معرفة الغير بذلك يكون مبنياً على المعاشرة التي يظهر منها الخلق من التخلق، والطبع من التطبع على نحو ما اعتبر في أمر العدالة ويكون العهدة في المتكلف عليه لو كان على خلاف ذلك، والظاهر أن هذا ليس (بمراد)(3) دخوله بل له حكم آخر إذا تقرر ذلك فقوله (عليه السلام):
ص: 114
وقد قال الرسول الصادق (صلى الله عليه وآله): (إن الله يحب العبد ويبغض عمله ويحب العمل ويبغض بدنه) معناه والله أعلم أنَّ الله سبحانه يحب العبد الإيمانه فيريد له ترتب الثواب، وأن يعمل باختياره ما يوافق هذه المحبة ويوافق إيمانه بأن يكون عمله طيباً، فإذا عمل عملاً خبیثاً یکون قد حرم نفسه باختياره / ظ 201 / مع محبة الله له ويبغض الكافر لكفره ويحب عمله إذا كان حسناً ففي كل منهما عدم موافقة الظاهر للباطن فإنَّ ظاهر عمل المؤمن خبيث وباطن الكافر خبيث فلا ينفع المؤمن حب الله لأيمانه إلا أن يعفو عنه بسبب حبه لإيمانه أو يتوب ولا ينفع الكافر حسن عمله مع محبة الله لعمله لخبث الباطن فليس كل من الظاهر والباطن مماثلاً للآخر فيهما(1) فظهر وجه ربط هذا الكلام بما قبله و مناسبته له ففيه افادة انه اذا لم يتوافق الظاهر والباطن لم يتم ذلك ولو كان المؤمن يحبه الله لإيمانه، والكافر يحب الله عمله ولا يتوهم أن محبة الله له تنافي(2) ما ذكر(3) بعد تدبر ما تقرر، فالمراد تحصيل هذا من العبد، ولا ينافيه الفرق بين المؤمن والكافر من جهة أخرى، وفي التعبير في الكافر بالبدن لطيفة والله اعلم)) انتهى. وحمل بعض الأفاضل طيب الظاهر على حسن الصورة، أو ما يشمله وجعل الحديث مؤيداً لما سبقه ووجه الكلام بتوجيه مشتمل على تكلفات طوينا الكشح عن ذكره والله تعالى يعلم حقيقة الحال ومنه نرجوا العصمة والتسديد.
ص: 115
(وَاعْلَمْ أَنَّ كل(1) عَمَلٍ نباتٌ، وَكُلُّ نَبَاتٍ لاَ غِنَى بِهِ عَنِ المَاءِ. وَ المِيَاهُ مُخْتَلِفَةٌ، فَمَا طَابَ سَقْيُهُ، طَابَ غَرْسُهُ، وَحَلَتْ ثَمَرَتُهُ، وَمَا خَبُثَ سَقْيُهُ، خَبُثَ غَرْسُهُ وَأَمَرَّتْ ثَمَرَتُهُ) وفي بعض النسخ (واعلم أن لكل عمل نباتاً)، فالمراد بالنبات ما يترتب على العمل من السعادة والشقاوة والثواب والعقاب والغنی کإلى ضد الفقر، تقول(2): غنی فلان يغنى غنىً(3) مثل رضي يرضى رِضىً، فهو غني، والغناء كلام کما في بعض النسخ الاكتفاء وليس عنده غناء، أي: ما يكتفي [به](4)، والسَقي بالفتح کما في النسخ مصدر سقاه يسقيه وفي النسبة تجوز، وأما النصيب من الماء فهو السِقي بالكسر(5)، ويظهر من كلام بعض الشارحين(6) إنه كان في نسخته سِيقيه بالكسر [...](7)، وغَرَسْتُ الشجر غرساً كَضَرَبْتُ ضرَباً أي اثبته في الأرض فالشجر مغروس ويطلق عليه غرس أيضاً وغِراس بالكسر ، وحَلا الشيء يَحلو حَلاوة بالفتح، فهو حُلُو بالضم، وأمر الشيء، أي: صار مُراً، فهو ممر، و مَرَّ كَفَرَ وعَضْ (فهو (مر) لغة، والانثی (مرة)، وجمعها (مرائر) على غير قیاس)(8) والغرض من الكلام ان العمل أو ما يترتب عليه ينمو ويزداد
ص: 116
بفضل الله ويحتاج إلى الماء كالنبات(1) فما سُقِي بصدق النية والاخلاص اثمر حلواً وهو الزلفي والفوز بالجنة وما سقي بالرياء والسمعة وخبث النية اثمر مراً وهو الشقاء وعذاب النار.
(الحَمْدُ للهِ الَّذِي انْحَسَرَت الأَوْصَافُ عَنْ كُنْهِ مَعْرِفَتِهِ وَرَدَعَتْ عَظَمَتُهُ العُقُولَ فَلَمْ تَجِدْ مَسَاغاً إلى بُلُوغِ غَايَةِ مَلَكُوتِهِ) الخفش بالتحريك صغر العينين وضعف في البصر(2) وهو مصدر خفش(3) كتعب، فهو أخفش وهي خفشاء ويكون خلقته وصاحبه يبصر بالليل دون النهار، أو أكثر من النهار ويبصر في يوم غيم دون صحو، أو أكثر منه، ومنه الخُفاش بالضم کرمان للطائر المعروف وهو الوطواط، وقيل: الوطواط الخطاف، أو ضرب من خطاطيف الجبال ويجمع على خفافيش، وحَسَرَ البعير حسوراً کقَعَدَ قعودا إذا كلَّ لطول مدى ونحوه(4)، وحسرته أنا يتعدى ولا يتعدى، وانحسرت أي کلت واعيت ووصفه کوعد وصفاً وصفةً أي نعته بما فيه، وكُنه الشيء بالضم حقیقته ونهايته وانحسار الأوصاف عن كنه معرفته لعجز العقول عن الوصول الى كنه معرفته و تنزهه سبحانه عن انحاء التراكيب، وكذا عن عروض الصفات وردعته عن الشيء كمنعته أي منعته وزجرته، وساغ
في ث.
ص: 117
الشراب سوغاً (سهل مدخله)(1) والمساء المسلك، والملكوت العز والسلطان وهو اسم مبني من الملك الجبروت والرهبوت من الجبر والرهبة (هُوَ اللهُ الحَقُّ(2) / و 202 / المُبِنُ أَحَقّ وَأَبْیُنَ مِمَّا تَرَى العُيُونُ، لْمَ تَبْلُغْهُ العُقُولُ بِتَحْدِيدٍ فَيَكونَ مُشَبَّهاً، وَلَمْ تَقَعْ عَلَيْهِ الأَوْهَامُ بِتَقْدِيرٍ فَيَكُونَ مُمَثَّلاً) الحق أي المتحقق(3) وجوده والحيته أو الموجود حقيقه وأبان أي وضح وأوضح يستعمل لازماً و متعدياً و المبين على الأول الظاهر وجوده وهو المناسب للمقام، وعلى الثاني الذي يظهر الأشياء بالإيجاد وكشف السرائر وكونه سبحانه أحق وأبين مما ترى العيون؛ لأنَّ العلم بوجوده سبحانه عقلي يقيني [لا ينظروا اليه کما ينظروا](4) الى المحسوسات من الغلط کرؤية الكبير صغيراً من بعيد والشط متحركا في سفينة والخشب المستقيم معوجاً في الماء والصغير كبيراً فيه، والظل المتحرك ساكناً ونحو ذلك، والحد في اللغة المنع والحاجز بين الشيئين ونهاية الشيء وطرفة، وفي عرف المنطقين التعريف بالذاتي، والأنسب أن يراد بالتحديد اثبات النهاية والطرف وهو مستلزم للمشابهة بالأجسام والتحديد المنطقي أيضاً وإن كان [لا ينفك](5) عن التشبيه بالمركبات والممكنات لكنه لا يخلو عن البعد في كلامهم (عليه السلام) [والتقدير اثبات المقدار وهو
ص: 118
يستلزم](1) التشبيه بذوي المقادير من الممكنات [خلق](2) الخلق على غير تمثيل [ولا مشورة مشير ولا معونة معين فتم خلقه](3) بأمره وأذعن لطاعته [فأجاب ولم يدافع](4) وانقاد [ولم ينازع لعل المراد بالتمثيل](5) ايجاد الخلق على حذو ماقد خلقه غيره حتی یکون (مقلداً له) خالقاً لشيء على مثال ما خلقه غيره وهو المناسب لقوله (عليه السلام) في آخر الخطبة: (فسبحان البارئ لكل شيء على غير مثال خلا من غيره) ويحتمل أن يكون المراد أنه لم يجعل لخلقه مثالاً قبل الايجاد كما يفعله البناء تصويرا لما يريد بناءه حتى يجيء خالياً من النقص والعيب، والمشورة مفعلة من اشار عليه بكذا أي أمره(6) به والمشُورة بضم الشين كما في النسخ والشوری بمعناه، والمعونة الاسم من اعانه وعونه کالعون والمعون، وتم خلقه أي بلغ كل مخلوق إلى کماله الذي أراده الله سبحانه منه أو خرج جميع ما اراده من العدم إلى الوجود بمجرد أمره وأذعن له أي خضع وأقر وأسرع في الطاعة وانقاد والجملتان كالتفسير للاذعان، ولعل المراد من الإذعان دخوله تحت القدرة الإلهية وعدم الاستطاعة للامتناع، وقوله (عليه السلام) لم يدافع بيان للإجابة كما أنَّ قوله (عليه السلام) لم ينازع بیان للانقياد والا لكان العكس أنسب، ويحتمل أن يكون المراد معنى لا يصل اليه عقولنا کتسبيح الاشياء على ما هو الظاهر
ص: 119
من قوله تعالى: «وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ»(1) والوجهان يجريان في قوله تعالى: «فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ»(2)، (وَمِنْ لَطَائِفِ صِنْعَتِهِ، وَعَجَائِبِ
حكِمْتَهِ(3) مَا أَرَانَا مِنْ غَوَامِض الحِكْمَةِ فِي هَذِهِ الخَفَافِيشِ الَّتِي يَقْبُضهَا الضِّيَاءُ
البَاسِطُ لِكُلِّ شَيءٍ، وَيَبْسُطُهَا الظَّامُ القَابِضُ لِكُلِّ حَيٍّ) اللطائف جمع لطيفة وهي ما صغر ودق(4) والعجائب جمع عجيبة ككريمة وكرائم ودقیقه ودقائق و عجیب، قيل: يجمع على عجائب كأفيل وآفائل(5) وتبيع وتبایع، وقيل: لا يجمع عجيب والغامض خلاف الواضح وكل شيء خفي مأخذه و حاصل الكلام التعجب من مخالفتها لجميع الحيوانات في الانقباض عن الضوء والاشارة الى خفاء العلة في ذلك، والمراد بالانقباض(6) [انقباض أعينها في الضوء](7) على ما ذكره بعض الشارحين، قال: ويكون [ذلك عن إفراط التحلل في](8) الروح النوري لحر [النهار ثم يستدرك ذلك](9) برد الليل
ص: 120
فيعود الابصار(1) [وفيه تأمل، ولعل الأظهر أنه ليس لمجرد](2) الحر والالزم أن لا يعرضه الانقباض في الشتاء إلاَّ إذا ظهرت الحرارة في الهواء وفي الصيف(3) [أيضاً في أوائل النهار بل](4)، ذلك لضعف في قوتها الباصرة ونوع من التضاد و / ظ 202 / التنافر بينها وبين النور کالعجز العارض لسائر القوى المبصرة عن النظر الى جرم الشمس وأما، أن [علة التنافر](5) ماذا ففيه خفاء وهو منشأ التعجب الذي يشير اليه الكلام ويمكن أن يعود الضمير اليها من غير تقدير مضاف، ويكون المراد بانقباضها ما هو منشأ اختفائها نهاراً وإن كان ذلك ناشئاً من جهة الإبصار (وَ كَيْفَ عَشِيَتْ(6) أَعْيُنُها عَنْ أَنْ تَسْتَمِدَّ مِنَ
الشَمْسِ المُضِيئَةِ نُوراً تَهْتدِي بِهِ فِي مَذَاهِبِها وَتَتَّصِلُ(7) بِعَلَنِيَةِ بُرْهانِ الشَّمْسِ إِلى
مَعَارِفِهَا، وَرَدَعَها بِتَلألئ ضِيَائِهَا عَنِ المُضِيِّ فِي سُبُحَاتِ إشْرَاقِهَا، وَأَكنُّهَا فِي
مَكَامِنِهَا عَنِ الذَّهَابِ فِي بُلَجِ ائْتِلاَقِهَا) العَشى بالفتح مقصوراً سوء البصر بالنهار أو بالليل والنهار أو العمى، والمعنی کیف عجزت وعميت وتستمد أي تستعين وتتقوى(8) تقول: امددته بمدد إذا أعنته وقويته ومذاهبها وطرق معاشها ومسالكها في سيرها وانتفاعها، وتصل في أكثر النسخ منصوب عطفاً على تستمد، وفي بعضها مرفوع عطفاً على تهتدي، وفي بعض النسخ تتصل بالنصب موضع
ص: 121
تصل، والاتصال الى الشيء هو الوصول اليه والبرهان والحجة والدليل، ومعارفها ما تعرفه من طرق انتفاعها وردعه کمنعه کفه ورده وتلألأ البرق أي المع، والسُبُحات بضمتين جمع سُبحة بالضم وهي النور، وقيل: (سبحات الوجه محاسنه؛ لأنك إذا رأيت الوجه الحسن قلت سبحان الله)(1)، وقيل: (سبحات الله تنزیه له أي سبحان وجهه)(2)، والبين بالكسر الستر وأكنه ستره واستكن استتر وکمن کَنَصَرَ ومَنَعَ أي استخفى والمكمن الموضع، و(البلج)(3) بالتحريك مصدر (بلج)(4) كتعب أي ظهر ووضح، ومنه قيل: (بلج(5) الحق) وهي لغة ذكره في المصباح المنير(6) وصبح أبلج(7) بين البلج(8) (أي مشرق مضيء) ذکره الجوهري(9)، وقال بعض الشارحين: البلج(البلح) في أ، ر، ع، م، ن، تصحيف، والصواب ما اثبتناه جمع بُلجة(بلحة) في أ، ر، ع، م، ن، تصحيف، والصواب ما أثبتناه بالضم، وهي أول ضوء الصبح، وجاء بلجَة(10) أيضا بالفتح(11) [ولم أجده في كلامهم. والابتلاق](12)
ص: 122
اللمعان يقال: ائتلق وتألق إذا التمع ([فَهِيَ](1) مُسْدَلَةُ الجُفُونِ بِالنَّهارِ [عَلَى أَحْدَاقِها(2) وَجَاعِلَةُ اللَّيْلِ سَرِاجاً](3) تَسْتَدِلُّ بِهِ فِي الْتَماسِ [أَرْزَاقِهَا، فَلاَ يَرُدُّ](4) أَبْصَارَهَا أَسْدَافُ ظُلْمَتِهِ، وَلاَ تَمْتَنِعُ مِنَ المُضِيِّ فِيْهِ [لِغَسَقِ](5) دُجُنَّتِهِ فَإذا أَلْقَتِ
الشَمْسَ قِنَاعَها وَبَدَتْ أَوضاحُ [نَهارِهَا](6) وَدَخَلَ إشَرْاقِ(7) نُورِها عَلَى الضِّبَابِ فِي وِجارِهَا أَطْبَقَتْ الأَجْفَانَ عَلَى مَآقِيهَا وَتَبَلَّغَتْ بِما اكْتَسَبَتْهُ مِنَ المَعَاشِ فِي ظُلَمِ لَيَالِيهَا) سدل ثوبه يسدله ويسدله واسدله (أي ارخاه)(8) وأرسله، والجَفن بالفتح غطاء العين من أعلاها وأسفلها، والجمع أجفان(9) و جُفون وأجفن(10)، والحدقة محركة سواد العين وتجمع على حداق(11) کما في بعض النسخ کرقبة ورقاب على القياس وعلى أحداق كما في بعض النسخ، وأسدال جفونها لانقباضها وتأثر حاستها عن الضياء، وقال بعض الشارحين: ((لأنَّ تحلل الروح الحامل للقوة الباصرة سبب للنوم أيضاً فيكون ذلك الاسدال
ص: 123
ضرباً من النوم))(1) والالتماس الطلب، وأسدف الليل أي: اظلم، وفي بعض النسخ (أَسداف) بفتح الهمزة جمع سَدَفَ بالتحريك كجَمَل وأجمال وهو الظلمة، والاضافة للمبالغة والضمير في (فيه) راجع إلى الليل، والغَسق بالتحريك ظلمة أول الليل، والدُجُنَّة بضم الدال المهملة والجيم وتشديد النون كخُرقُة، والدُجن کعتل الظلمة، وحاصل الكلام التعجب من کون حالها في الابصار والتماس الرزق على عکس سائر الحيوانات، ومِقنعة المرأة بكسر الميم ما تغطي(2) به رأسها، والقِناع بالكسر أوسع منها، وقِناع الشمس كناية عن الظلمة أو ما يحجبها من الآفاق والقاء القناع طلوعها، والوضح بالتحريك (البياض من كل شيء)(3)، وبياض الصبح والقمر، وفي بعض النسخ دخل من أشراق نورها بزيادة (من) التبعيضية أي دخل شيء من إشراق نورها، والضِباب بالكسر جمع ضب الدابة المعروفة، ووجارِها بالكسر جحرها الذي تأوي اليه ومن عادتها الخروج من وجارها عند طلوع الشمس لمواجهة النور على عكس الخفافيش، ومَأْقِيْها بفتح الميم وسكون الهمزة وكسر القاف وسكون الياء كما في أكثر النسخ لغة في المُؤْق بضم الميم وسكون الهمزة [أي طرف عينها مما يلي الانف](4) وهو مجرى الدمع [من العين، وقيل مؤخرها](5)، وقال الأزهري: اجمع [أهل اللغة أن المُؤق والمَأق بالضم والفتح
ص: 124
طرف](1) العين الذي يلي الأنف وإن الذي يلي الصدغ(2) [يقال له: اللحاظ، والماقي لغةً فيه(3)، وقال ابن القطاع(4)](5): ماقي العين فعلي وقد غلط فيه جماعة من العلماء، فقالوا: هو مَفْعِل وليس كذلك بل [الياء في آخره للألحاق](6) قال الجوهري: وليس هو مفعل لأنَّ الميم أصلية وإنما زيدت في آخره الياء للإلحاق(7)، ولما كان فعلیِ بكسر اللام نادراً لا أخت لها أُلحِقَ بِمَفْعل، ولهذا جمع على ماقي على التوهم، وفي بعض النسخ مأقيها على صيغة الجمع و تبلیغ بكذا أي أكتفي والمعاش مایعاش(8) به ومایعاش فيه ومصدر بمعنى الحياة والمناسب هاهنا الأول، وفيما سيجيء الثاني، وفي بعض النسخ ليلها موضع لياليها (فَسُبْحَانَ مَنْ جَعَلَ الليْلَ لَهَا نَهَاراً وَمَعَاشاً، وَالنَّهار سَكَناً وَقَرَاراً، وَجَعَلَ لَهَا أَجْنِحَةً مِنْ لَحْمِهَا تَعْرُجُ بِهَا عِنْدَ الحَاجَةِ إلَی الطَّیَران، كَأنَّها شَظَايَا الآذَانِ، غَیْرَ ذَوَاتِ رِيشٍ وَلَا قَصَبٍ، إلَّا أَنَكَ تَرَى مَوَاضِعَ العُرُوقِ بَيِّنَةً
أَعْلَاماً، لَهَا جَنَاحَان لَّمَا يَرقَّا فَيَنْشَقَّا، وَلمْ يَغْلُظَا فَيَثْقُلَا) السكن بالتحريك ما تسكن اليه النفس، وتطمئن، وقر الشيء کفر أي استقر بالمكان والاسم
ص: 125
القَرار بالفتح، وقيل: هو مصدر، والشظية(1) الفلقة(2) من شيء فعيله من قولك: تشظت العصا إذا صارت فلقاً والجمع شظايا(3)، والقصب الذي في أسفل الريش للطيور، والأَعلام جمع علم بالتحريك وهوطراز الثوب ورسم الشيء ورقمه وأعلاماً في المعنی کالتأكيد لبينه وكلمة (لها) غير موجوده، في بعض النسخ فيكون قوله (عليه السلام) جناحان خبر مبتدأ محذوف أي جناحاها الذي فهم من الكلام لم تجعلا رقيقين بالغين في الرقة ولا في الغلظ حذراً من الانشقاق، والثقل المانع من الطيران (تَطِیرُ وَوَلَدُهَا لَصِقٌ بِهَا لاَجئٌ إلَيْهَا، يَقَعُ إذَا وَقَعَتْ، وَيَرْتَفِعُ إذَا ارْتَفَعَتْ، لَا يُفَارِقُهَا حَتَّى
يَشْتَد أَرْكَانُهُ، وَيْحِملَهُ [للنَّهُوضِ جَنَاحُهُ وَيَعْرِفَ](4) مَذَاهِبَ عَيْشِهِ وَمَصَالِحَ
نَفْسِهِ فَسُبْحَانَ البَارِئ لِكُلِّ شَيءٍ) [عَلَى غَیْرِ مِثَالٍ خَلَا مِنْ غَیْرِهِ) لَجأ(5) إِلى الشيء أي](6) لاذ واعتصم به ووقوع [الطير ضد ارتفاعه](7) وأركان كل شيء جوانبه التي يستند اليها ويقوم بها والنهوض [التحرك بالقيام ونهض](8) الطائر إذا بسط جناحيه ليطير والعيش الحياة ومصالح الشيء ما فيه صلاحه [ضد الفساد](9) والبارئ الخالق، ومثال الشيء شبهه وهو الاسم من ماثله
ص: 126
مماثله کما سبق، وخلا أي مضى، وسبق أي لم يخلق الاشياء على حذو خالق سبقه بل ابتدعها على اقتضاء الحكمة والمصلحة.
(فَمَنِ اسْتَطَاعَ عِنْدَ ذَلِكَ أَنْ يَعْتَقِلَ نَفْسَهُ عَلَى اللهَ(1) فَلْيَفْعَلْ، فَإنَّ(2) أَطَعْتُمُونِي؛ فإني حَامِلُكُمْ إنْ شَاءَ اللهَ عَلَى سَبِيلٍ الجَنّةِ؛ وَإنْ كَانَ ذَا مَشَقَّةٍ
[عَظِيْمَة](3) شَدِيدَةٍ(4)، وَمَذاقَةٍ(5) مَرِيرَةٍ) اقتصصت الحديث أي رويته على وجهه، والملحمة الوقعة العظيمة القتل وقد تقدم مراراً، ويعتقل نفسه على الله أي: يحبسها على طاعة الله ولا يتعدى ما أمر [الله به](6) تقول: اعتقلت الرجل إذا حبسته، واعتقل لسانه على البناء للفاعل والمفعول إذا حبس عن الكلام فلم يقدر عليه وحمله على الأمر أي: اغراه به، والغرض إني أسلك یکم سبیل الجنة، وأقودكم اليه، وإن کنتم تختارون غيره لجهلكم بالعاقبة، وفي بعض النسخ (عظيمة) موضع (شديدة) وذاق الشيء ذوقاً ومذاقاً ومذاقة / ظ 203 / أي: اختبر طعمه، والمريرة فعيله من مُر الشيء، يَمَر ويَمُر بالفتح والضم مَرارة بالفتح (وَأمَّا فُلَنَةُ فَأَدْرَكَهَا رَأْىُ النِّسَاءِ، وَضَغْنٌ غَلَا فِي صَدْرهِا
ص: 127
كَمِرْجَلِ القَیْنِ(1)، وَلَوْ دُعِيَتْ لِتَنَالَ مِنْ غَیْرْي مَا أَتَتْ إليَّ؛ لْمَ تَفْعَلْ. وَلَهَا بَعْدُ حُرْمَتُهَا الأُولَی، وَالحِسَابُ عَلَى اللهِ) المراد بفلانة عائشة بنت أبي بكر والظاهر أنَّ التعبير بلفظ الكناية نوع تقية من السيد (رضي الله عنه) كفلان في الخطبة الشقشقية ونحو ذلك، والضِغن بالكسر الحقد والانطواء على العداوة والبغضاء كالضغينة، وغلت القدر تغلي غلياناً بالتحريك، والمِرجل كمِنبر (القدر)(2) و (القين: الحداد)(3)، ويطلق على كل صانع، والمراد بمرجل القين المرجل من الحديد [کما ذكره](4) بعض الشارحين(5)، ولعل التخصيص لأنه إذا غلى [كان غليانه أشد وأدوم وقد كانت](6) عائشة [تبغض أمير المؤمنين عليه](7) السلام حتی روي أنها [سمت عبداً لها بعبد الرحمن تذكر العبد الرحمن بن ملجم و](8) كانت تحسد فاطمة (صلوات الله عليها) وتبغضها وتأكد [بذلك بغضهاله (عليه السلام) ومن أسباب](9) حقدهاسوی الشقاوة الجبلية، سد رسول الله (صلى الله عليه واله) باب [أبيها(10) أبي
ص: 128
بكر من المسجد وابقاءه](1) باب (علي عليه السلام) و بعثه (عليه السلام) ليأخذ سورة براءة من أبي بكر وغير ذلك مما هو مذكور في كتب الأخبار والسير(2) (وَلَوْ دُعِيَتْ لِتَنَالَ مِنْ غَیْرْي مَا أَتَتْ إليَّ) أي لو دعاها أحد كطلحة والزبير أو غيرهما لتأخذ من غيري ما (اتت الي) وهي الامارة والخلافة لم تجبه الى الخلاف والشقاق؛ لأنه ليست في صدرها من الضغن لأحد مثل ما في صدرها من الحقد علي، وقال بعض الشارحين: (إنما يعني بذلك الغير عمر(3) أي لو أن عمر ولي الخلافة بعد قتل عثمان على الوجه الذي قتل عليه ونسب الى عمر أنه كان (يحرض)(4) الناس على قتل عثمان ودعيت الى أن تخرج عليه وتثير الفتنة لم تفعل، والأظهر حمل اللفظ على العموم وهو أدل على الضغن، وحرمتها الأولى أي كونها من أمهات المؤمنين والحساب على الله أي مجازاتها على الضغن والخروج عن الطاعة واثارة الفتنة المؤدية الى قتل طائفة من المسلمين على الله عز وجل.
منه (سَبِيلٌ أَبْلَجُ الْمِنْهَاجِ أَنْوَرُ السِّرَاجِ؛ فَبِالإِيمَانِ يُسْتَدَلُّ عَلَى الصَّالِحَاتِ، وَبِالصَّالِحَاتِ يُسْتَدَلُ عَلَى الْإِيمَانِ، وَبِالْإِيمَانِ يُعْمَرُ الْعِلْمُ، وَبِالْعِلْمِ يُرْهَبُ المَوْتُ، وَبِالمْوِتُ تُخْتَمُ الدُّنْيَا، وَبِالدُّنْيَا تُحْرَزُ الْآخِرَةُ،(5) وَإنَّ الْخَلْقَ لَا مُقْصَرَ
ص: 129
لَهُمْ عَن الْقِيَامَةِ، مُرْقِلِنَ فِي مِضْمَرِهَا إِلَی الْغَايَةِ الْقُصْوَى) (بَلَجَ)(1) الصبح أي اضاء وأشرق، والمنهاج(2) الطريق، ويمكن أن يراد به نفس الجادة، والظاهر أن الكلام في وصف الدين ومناهجه قوانينه وسراجه الأنور الرسول الهادي اليه والأئمة (صلوات الله عليهم)، قال بعض الشارحين: يريد بالإيمان، أولاً: مسماه [اللغوي وهو التصديق قال](3) الله تعالى: «وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ»(4) أي بمصدق [وثانياً: معناه الشرعي أي التصديق والاقرار](5) والعمل أي من حصل عنده [التصديق بالوحدانية](6) والرسالة [استدل بهما على وجوب الاعمال](7) الصالحة عليه أو ندبه اليها وبأعماله الصالحة يعلم ایمانه(8) وبهذا [التفسير يسلم من إشكال](9) الدو، وقال بعضهم: الصالحات معلولات للإيمان وثمرات له، فيستدل [بوجوده في](10) قلب العبد على ملازمته للصالحات استدلالا بالعلة على المعلول وبصدورها عن العبد على وجوده في القلب استدلالا بالمعلول على العلة(11) وعلى هذا الوجه يكون
ص: 130
الايمان في الموضوعين بالمعنى اللغوي وحينئذ يمكن أن يكون المعنى يستدل بالإيمان على الصالحات أي يكون الايران دليلاً للإنسان نفسه، وقائداً یود به الى فعل الصالحات وبأعماله الصالحة يعلم غيره إنه من المؤمنين وحينئذ يكون الاستدلال في كل موضع بمعنی، ویمکن أن / و204 / يراد في الثاني أن مشاهدة الاعمال الصالحة يؤدي من يشاهدها الى الايمان ويحتمل أن يكون المراد أنَّ الایمان یهدي الى صالح الاعمال والاعمال الصالحة يورث كمال الايمان أو الايمان يقود الإنسان إلى الأعمال الصالحة [والاعمال الصالحة](1) الناشئة من حسن السريرة و خلوص النية يورث توفيق الكافر للإيمان أو يستدل بإيران الرجل إذا علم على حسن عمله وبقدر(2) اعماله على قدر ایمانه وكماله أو يستدل بكل منهما إذا علم على الآخر ولا دور والغرض بیان شدة الارتباط بينهما ونوع من التلازم وبالإيمان يعمر العلم [فإنَّ العلم](3) وجوده العقل إذا خلا من الإيمان كان كالخراب لا ينتفع به أو لأنَّ حسن العمل من أجزاء الإيمان والعلم بلا عمل کالخراب لا فائدة فيه وبالعلم يرهب الموت أي يخشی عقاب الله بعد الموت كما قال عز وجل: «إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ»(4) وبالموت تختم الدنيا، والموت لا مهرب منه فلا بد من القطع بانقطاع الدنيا ولا ينبغي اللعاقل أن يكون همته [مقصورة عليها وبالدنيا](5) تحرز الآخرة أي تحاز(6)
ص: 131
و تجمع سعادتها [فإنَّ الدنيا مضمار الاخرة](1) ومحل الاستعداد [واكتساب الزاد ليوم المعاد](2) أو المراد بالدنيا الأموال [ونحوها أي يمكن للإنسان أن يصرف ما اعطاه الله](3) من المال ونحوه على وجه یکتسب به الآخرة، وفي نسخة بعض الشارحين ((وبالقيامة [تزلف الجنة للمتقين وتبرز](4) الجحيم اللغاوين))(5)، والزُلفة والزُلفی بالضم فيهما (القربة)(6)، وأزلفه أي قربه فاز دلف، ومنه سميت [مزدلفه؛ لأنَّه يتقرب](7) فيها أو لإقترابها من عرفات کما قيل(8)، وقيل: سمیت ((لاجتماع الناس بها))(9)، تقول: أزلفت الشيء أي جمعته [وابرز](10) الشيء ابرازاً وبرزه تبریزاً أي اظهره وكشفه والغاوي العامل بما یوجب الخيبة أي بالقيامة أو فيها تقرب الجنة للمتقين ليدخلوها أو ليستبشروا بها وتكشف الغطاء عن الجحيم للضالين قال الله عز وجل: «وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ، وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ»(11) قيل: وفي اختلاف
ص: 132
الفعلين دلالة على غلبة الوعد، والقَصر بالفتح (الغاية)(1)، وهو القَصَار بالفتح والقُصاری بالضم، وقَصرت الشيء أي حبسته، وقصرت فلاناً على كذا أي رددته إلى شيء دون ما أراد ذكره في العين(2) أي لا م حبس للخلق أو لا غاية لهم دون القيامة، أو لا مرد هم عنها، وأرقل أي (أسرع)(3)، وسمي هاشم بن عتبة بالمرقال، لأن أمير المؤمنين (عليه السلام) اعطاه الراية يوم صفين وكان يرقل بها، والمضمار: موضع تضمير الفرس ومدته وهو أن تعلفه حتی يسمن ثم ترده الى القوت وذلك في اربعين يوماً، وقيل: أن تشد على الخيل سروجها وتجلل بالأجله حتى تعرق تحتها ويشتد لحمها، وفسر المضار بالميدان [وهو أنسب بالمقام منه](4) قَدْ شَخَصُوا [مِنْ مُسْتَقَرِّ الّْجْدَاثِ،(5)](6) وَصَارُوا إلى مَصَائِرِ الْغَايَاتِ؛ لِكُلِّ [دَارٍ أَهْلُهَا؛ لَا](7) يَسْتَبْدِلُونَ بِهَا وَلَا يُنْقَلُونَ عَنْهَا؛ وَإنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيَ عَنِ المُنْكَرِ، لَخُلُقَانِ مِنْ خَلَقِ اللهِ سُبْحَانَهُ، وَإنَّهُمَا لَا يُقَرِّبَانِ مِنْ أَجَلٍ وَلَا يَنْقُصَانِ مِنْ رِزْقٍ) شخصوا أي خرجوا أو المستقر موضع الاستقرار، والاجداث(8) جمع جدث(9) بالتحريك وهو القبر ومصائر الغايات أي ما يؤول ويرجع الناس اليه وهي
ص: 133
منتهى المصائر ليس بعدها مصير هم ولكل دار أهلها على ما في بعض النسخ أي خص بکل دار من استعد لها واستحقها، وفي بعض النسخ (لكلٍ دارٌ) بتنوين كل ورفع دار فأهلها مبتدأ خبره الجملة المتأخرة عنه وفي بعض النسخ (لا ينتقلون عنها) على صيغة الأفتعال وهو كالتفسير للاستبدال، والخلق بالضم وبضمتين ويوجدان في النسخ السجية والطبيعة والمعنى إنهما ليسا بمكتسبين(1) له سبحانه لبراءته عن الاكتساب والتغير حال من الحال ونقص يكون لازماً و متعدياً، ونفي الأمرين لدفع توهم من يكف عن نهي الظلمة والأغنياء حذراً من أن يبطشوا به فيقتلوه(2) أو يحرموه ولا يعطوه وذلك في غير مواضع التقية، أو لدفع توهم من يتوهمها مطلقاً (وَعَلَيْكُمْ بِكِتَابِ اللهِ، فَإنَّهُ الْحَبْلُ المَتِینُ، / ظ 204 / وَالنُّورُ المُبِینُ، وَالشِّفَاءُ النَّافِعُ، وَالرِّيُّ النَّاقِعُ، وَالْعِصْمَةُ لِلْمُتَمَسِّكِ، وَالنَّجَاةُ لِلْمَتَعَلِّقِ؛ لَا يَعْوَجُّ فَيُقَامَ، وَلَا يَزِيغُ فَيُسْتَعْتَبَ، وَلَا تُخْلِقُهُ كَثْرَةُ الرَّدِّ، وَ وُلُوجُ السَّمْعِ، مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ، وَمَنْ عَمِلَ بِهِ سَبَقَ) الحبل الرسن والعهد والميثاق وفي حديث الثقلين (اني تارك فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا بعدي كتاب الله حبلٌ ممدودٌ من السماء إلى الأرض [وعترتي أهل بيتي لن يفترقا حتى یردا على الحوض)، ولعله على التشبيه، وقال ابن الأثير(3): أي نور ممدود من السماء إلى الأرض](4) يعني: نور هداه، والعرب تشبه النور الممتد بالحبل والخيط، ومنه قوله تعالى: «حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ
ص: 134
الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ»(1) یعني نور الصبح من ظلمة الليل. وفي حديث آخر (وهو حبل [الله](2) المتين) أي نور هداه، وقيل عهده وأمانه الذي يؤمن من العذاب(3)، [ومتُن الشيء](4) بالضم متانه أي اشتد وقوي فهو متين، والرِي بالكسر الاسم من رَوِي من الماء واللبن [رَيّاً ورِياً بالفتح والكسر](5)، والناقع(6) القاطع [للعطش](7)، ويقال: نقع الرجل إذا روی من الماء فتغير(8) لونه ذكره في العين(9)، [والعِصمة بالكسر](10) الاسم من عصمة الله من المكروه من باب ضرب أي حفظه الله ووقاه والتمسك التعلق [والاعتصام](11)، وعصمة القرآن الحفظ من الضلالة والمكاره والاسقام ونحوها في الدنيا ومن العذاب في الآخرة، وقام الأمر أي اعتدل واستقام واقامه غيره، والزيغ الميل والجور عن الحق والشك ولا يزيغ فيستعتب أي الايميل ولا يجور حتى يطلب(12) منه الرجوع، يقال: اعتبني فلان أي ترك ما
ص: 135
كنت أجده منه ورجع إلى مسرتي ذكره في العين(1)، وقال بعض الشارحين: أي لا يزيغ، فيطلب منه العتبي وهو الرضا، كما يطلب من الظالم (يميل)(2) فيسترضى(3)، وخلق الثوب كنَصَرَ وسَمِعَ و کَرُمَ أي بلى واخلقته أنا، ولعل المراد بالرد تكرير القراءة ومنه ترديد الصوت في الحلق(4) للترجيع، وحمله على رد المنكرين بعيد، وولج کورد ولُوجاً بالضم أي دخل، ومن خصائص القرآن أنه لا يزال غضاً طرياً لا يمل أحد من المؤمنين من كثرة استماعه وقراءته وكون القائل به من الصادقين والعاملين به من السابقين واضح.
(وقام اليه (عليه السلام) رجلٌ فقال أخبرنا عن الفتنة وهل سألت عنها رسول الله (صلى الله عليه واله)؟ فقال (عليه السلام):(5) لمَّا أَنْزَل اللهُ سُبْحَانَهُ قَوْلَه: «آلم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ»(6) عَلِمْتُ
أَنَّ الْفِتْنَةَ لَا تَنْزِلُ بِنَا، وَرَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهِ عَلَيْهِ وَالهِ)(7) بَيَنْ أَظْهُرِنَا) [الفتنة](8) تكون(9) لمعاني منها الامتحان والاختبار(10) وكثر استعماله في المكروه ومنها
ص: 136
الاضلال والعذاب والفضيحة واختلاف الناس في الآراء والكفر والاثم والاعجاب بالشيء وظاهر كلامه (عليه السلام) أن المراد [بالفتنة في](1) الآية ليس الامتحان بالتكاليف کما ذكره بعض المفسرين لثبوت ذلك في أيام الرسول (صلى الله عليه واله) بل ماسنح بعده (صلى الله عليه واله) من الضلال واختلاف الناس ونحو ذلك، وأما قوله (عليه السلام) علمت فالأظهر منه أن ما بعده مما (تدل)(2) عليه الآية أما بوجه هو (عليه السلام) يعلمه، وأما بالعدول عن المخاطبة بلفظ [يا أيها الذين أمنوا](3) ونحو ذلك مما شاع في الكتاب الكريم إذا أخبر عن [وقائع ذلك الزمان](4) وأحكامه [بالتعبير بلفظ الناس ويحتمل أن يكون](5) العلم من غير تلك الآية الكريمة [كقوله تعالى](6): «وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ»(7) [على ما ذكره](8) [...](9) الشارحين(10) إلَّا أنه يستعدی کون المراد من العذاب مثل تلك الفتنة أو من آية أخرى أو خبر هو (عليه السلام) يعلمه وبين أظهرنا أي فينا وقد تقدم ذكره. (فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا هَذِهِ الْفِتْنَةُ الَّتِي أَخْبَرَكَ اللهُ بِهَا؟ فَقَالَ:
ص: 137
يَا عَلِيُّ إنَّ أُمَتِي سَيُفْتَنُونَ مِنْ(1) بَعْديِ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَوَ لَيْسَ قَدْ قُلْتَ لِي يَوْمَ أُحُدٍ حَيثُ اسْتُشْهِدَ [مَنِ اسْتُشْهِدَ](2) / و 205 / مِنَ المُسْلِمِيَن، وَحِيزَتْ عَنِّى الشَّهَادَةُ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيَّ، فَقُلْتَ [لِي](3): ((أَبْشْرِ فَإنَّ الشَّهَادَةَ مِنْ
وَرَائِكَ؟)) فَقَالَ [لِي](4): ((إنَّ ذَلِكَ لَكَذَلِكَ فَكَيْفَ صَبُرْكَ إذاً))! فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ لَيْسَ هَذَا مِنْ مَوُاطِنِ الصَّبْرِ؛ وَلَكِنْ مِنْ مَوُاطِنِ الْبُشْرَى وَالشُّكْرِ) في بعض النسخ (سيفتتنون) على صيغة المضارع المعلوم من باب الافتعال، وبيان الفتنة المسؤول(5) ما سيجيء في الكلام وتمنيه (عليه السلام) قبل البيان بعد أن علم بنزول الفتنة بعده (صلى الله عليه واله) لشوقه الى ادراك الشهادة قبل نزولها، واستشهد، واشهد على صيغة المجهول فيهما، أي قتل في سبيل الله، وحيزت عني أي منعت مني، ولم يتيسر لي، وأصله الجمع وضم الرجل الشيء الى نفسه، وابشر على صيغة الماضي من باب الأفعال أي فرح، ومنه أبشر بخيرٍ بصيغة الأمر، والبُشری بالضم الاسم من الأبشار والبشور والاستبشار کالبِشارة بالكسر ، قال بعض الشارحين(6): كلامه (عليه السلام) يدل على أن الآية المذكورة انزلت بعد أحد، وهذا خلاف قول أرباب
ص: 138
[التفسير لأنَّ سورة](1) العنكبوت عندهم بالاتفاق مكية(2) [ويوم](3) أحد كان بالمدينة وينبغي أن يقال في هذا أن هذه الآية [خاصة](4) أنزلت بالمدينة واضيفت الى [السورة](5) المكية، فصارتا واحدة، وسميت مكية؛ لأن الأكثر كان بمكة، ومثله(6) كثير سورة النحل فإنها مكية [بالاجماع](7) وآخرها ثلاث آيات انزلت بالمدينة بعد يوم احد [وهي](8) قوله تعالى: «وَإِنْ عَاقَبْتُمْ [فَعَاقِبُوا](9)» إلى آخر السورة(10). (وَقَالَ: يَا عَلِيُّ إنَّ [الْقَوْمَ سَيُفْتَنُونَ](11) بِأَمْوَالِهِم، وَيَمُنُّونَ بِدِينِهِمْ [عَلَى رَبِّهِمْ، وَيَتَمَنَّوْنَ](12) رَحْمَتَهُ، وَيَأْمَنُونَ سَطْوَتَهُ وَيَسْتَحِلُّونَ [حَرَامَهُ](13) بِالشُّبُهَاتِ الْكَاذِبَةِ، وَالْأَهْوَاءِ [السَّاهِيَةِ](14)، فَيَسْتَحِلُّونَ
ص: 139
الْخَمْرَ [بِالنَّبِيذِ](1)، وَالسُّحْتَ بِالْهَدِيَّةِ وَالرِّبَا بِالْبَيْع) الظاهر أن المراد بالفتنة هاهنا الاعجاب بالأموال، أو الوقوع في الضلال، أو الكفر، أو الاثم، أو العذاب بسببها وهذه من جملة الفتنة المخبر عنها أولا، ويقال: فتنه كضربه إذا اوقعه في الفتنة، فهو مفتون وافتنه فهو مفتن وفتن هو وافتن على صيغة المعلوم فيهما إذا وقع في الفتنة لازماً ومتعدياً، والسطوة القهر والاذلال والبطش بشدة، يقال: سطا عليه وبه، والشبهة الباطل يشبه الحق وقد مَرَّ في كلامه(2) (عليه السلام)، والوصف للكشف وفسرت بالالتباس والهوى ارادة النفس والعشق يكون في الخير والشر، ووصف الاهواء بالساهية للمبالغة تجوزاً، والنبذ الطرح والرمي، تقول(3): نبذت(4) الشيء كضربت، فهو نبيذ ومنبوذ والنبيذ ما يعمل من الأشربة من التمر والزبيب والعسل إذا تركت عليه الماء ليصير نبيذاً مسکراً كان أو غيره، ويقال للخمر أيضاً: نبيذ، كما يقال للنبيذ خمر، واستحلال الخمر(5) بالنبيذ استحلال النبيذ الذي هو خمر، أو مسكر على أن يكون المراد بالخمر المسكر، وذلك مما شاع بين العامة، والسُحت بالضم: (الحرام)(6) الذي لا يحل کسبه؛ لأنه يسحت(7) البركة أي يذهبها، والمراد بالسحت الرشوة التي يأخذها بعض الحكام باسم الهدية، أو
ص: 140
الأعم منها [ومما يأخذه](1) الولاة والشهود ونحو ذلك، وروی الصدوق (رضي الله عنه) في العيون عن الرضا (عليه السلام) في قوله تعالى: «أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ»(2) قال: (هو الرجل يقضي لأخيه حاجة، ثم يقبل هديته)(3)، وفي (ثواب)(4) الأعمال (عن الأصبغ عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: أيما والٍ احتجب عن حوائج الناس احتجب الله عنه يوم القيامة وعن حوائجه، وإن أخذ هدية كان غلولاً، وإن أخذ الرشوة فهو مشرك)(5)، وفي الخصال بسند صحيح عن عمار بن مروان عن أبي عبد الله (عليه السلام) إنه قال: والسحت أنواع كثيرة منها ما أصيب من أعمال الولاة الظلمة، ومنها أجور(6) القضاة، وأجور الفواجر، وثمن الخمر، والنبيذ المسكر، والربا بعد البينة فأما الرشا يا عمار في الأحكام فإنَّ ذلك الكفر بالله العظيم وبرسوله (صلى الله عليه واله)(7) / ظ 205 /، واستحلال [الربا](8) بالبيع أما أخذ أموال [الناس بالبيع الفاسد](9) فالمراد الانتفاع بالأموال أو أخذ
ص: 141
الزيادة على [الثمن في](1) الربا کما هو ظاهراً للفظ [إلا أنَّ](2) الظاهر من المقام شيوع ذلك بين الأمة وفي زمانه (عليه السلام) [لقوله](3) (عليه السلام) بعد ذلك فبأي المنازل أنزلهم عند ذلك وهو غير واضح، ويحتمل أن يراد بالبيع ما يشمل القرض فيدخل فيه ما شاع في زماننا من [أخذ الزيادة بالحيل](4) كالإجارة والمصالحة(5) وغير ذلك، وقيل: [المراد أخذ الزيادة](6) بصورة البيع بالشرط [مع الاجازة والصلح](7) وهذان(8) الأمران وإن شاعا في هذه الأزمان(9) إلاَّ أنَّ شيوعهما في زمانه (عليه السلام)، وكذا تحريمهما مطلقاً محل نظر و تأمل والله تعالى يعلم حقيقة الحال. ([فَقُلْتُ]:(10) يَا رَسُولَ اللهِ، فَبِأَيِّ المَنَازِلِ أُنْزِلُهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ؟ أَبِمَنْزِلَةِ(11) رِدَّةٍ أَمْ بِمَنْزِلَةِ فِتْنَةٍ؟ فَقَالَ:
بِمَنْزِلَةِ فِتْنَةٍ) قال الشارحان(12): هذا الخبر، قد رواه كثير من المحدثين عن
ص: 142
علي (عليه السلام) قال: إن رسول الله (صلى الله عليه واله) قال لي: (إن الله قد کتب عليك جهاد المفتونين کما کتب علي جهاد المشركين، قال: فقلت: يا رسول الله، ما هذه الفتنة التي كتب عليَّ فيها الجهاد؟ قال: قومٌ يشهدون أن لا اله إلاَّ الله وإني رسول الله، وهم مخالفون للسنة، فقلت: يا رسول الله فعلام أقاتلهم وهم يشهدون کما أشهد!، قال: على الأحداث في الدين ومخالفة الأمر، فقلت يا رسول الله: أنك كنت وعدتني الشهادة، فأسأل الله أن يعجلها(1) لي، بين يديك قال: فمن يقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين؟ أما إني قد وعدتك الشهادة، وستشهد تُضّرب على هذه فتخضب هذه، فكيف صبرك (إذن)(2)؟، فقلت: يا رسول الله ليس ذا بموطن صبٍر هذا موطن شکرٍ، قال: أجل أصبت فأعد للخصومة فإنك مخاصم فقلت: يا رسول الله لو بينت لي قليلاً، فقال: إنَّ أمتي ستفتن من بعدي فتتأول القرآن، وتعمل بالرأي، وتستحل الخمر بالنبيذ والسحت بالهدية والربا بالبيع وتحرف الكتاب عن مواضعه وتغلب كلمة الضلال، فكن حِلْسَ بيتك حتى [تقلدها فإذا قلدتها](3) جاشت عليك الصدور، وقلبت لك الأمور، فتقاتل حینئذ على تأويل القرآن [کما قاتلت على تنزيله فليست حالهم](4) الثانية [بدون حالهم](5) الاولى فقلت یا رسول الله فبأي المنازل [أنزل هؤلاء المفتونين من
ص: 143
بعدك](1) بمنزلة فتنة [أم بمنزلة](2) ردۃٍ فقال: بمنزلة فتنةٍ يعمهون فيها الى أن يدركهم العدل فقلت: يا رسول الله أيدركهم العدل منا أم من غيرنا؟ قال: بل منا، بنا فُتِحَ [وبنا يختم وبنا ألف الله بين](3) القلوب بعد الشرك وبنا يؤلف بين القلوب بعد [الفتنة فقلت: الحمد لله على ما وهب](4) لنا من [فضله انتهى(5) [توضيح](6): كن](7) حِلس بيتك بالكسر أي ملازماً له غير مفارق له [بالخروج للقتال](8) ودفع أهل الضلال، [قال في العين](9): الحِلس ما ولي ظهر البعير تحت الرحل(10)، يقال: فلان من أحلاس الخيل في الفروسية كالحلس اللازم لظهر الفرس(11)، (والحلس للبيت: ما يبسط تحت حر المتاع من مسحٍ وغيره)(12)، والضمير المنصوب في تقلدها على صيغة المجهول، وكذلك قلدتها راجع الى الخلافة والامارة وتقليد الولاة الأعمال مأخوذ من تقليد المرأة القلادة، أي جعلها في عنقها، والمعنى: حتى تنتقل(13)
ص: 144
اليك الخلافة بأن اطاعك الناس وتركوا العناد وجاش القدر، أي غلا والغرض ثوران الاحقاد التي في قلوب القوم، وقلبت(1) لك الأمور أي دبروا بأنواع المكائد والحيل لدفعك ودوروا الآراء في ابطال امرك، وليست حالهم الثانية بدون حالهم الأولى أي: في الكفر والضلال واستحقاق العذاب، ثم إنه لا خلاف بين أصحابنا في كفر من حاربه (عليه السلام) فتنزيلهم منزلة الفتنة دون الردة لعلة في سقوط القتل عنهم بالتوبة وعدم اجراء جميع أحكام الكفار / و 206 / عليهم لإظهارهم الشهادتين بخلاف المرتد عن فطرة ويحتمل أن يكون ذلك التنزيل قبل ظهور العدل وقيام القائم (عليه السلام) لاقتضاء المصلحة، وبعده ينزلون منزلة الردة، ويحكم فيهم بمحض الحق کما يدل عليه هذا الخبر المروي والاشتباه في [المتن نشأ من حذف](2) السيد (رضي الله عنه) تتمة الكلام على عادته والله يعلم.
فلأن أول الكتاب العزيز «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ»(1) والقرآن هو الذكر، قال سبحانه: «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ»(2) على ما ذكره بعض الشارحين(3) [أو](4) لأنه جعله مفتاحاً لذكره في عدة [سور على ما ذكره بعضهم أو](5) لأنه ندب إلى افتتاح ذكره بحمده وافتتح به [على احتمال وأما](6) كونه سبباً [لزيادة فضله فلقوله عز وجل: «لَئِن](7) شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ»(8) على أن يكون المراد [بالحمد الشكر أو](9) ما يصدق عليه، أو لأن مزيد الفضل من فروع رفعة شأن الحمد واما دلالته على نعمائه فلأنه لا جود أعظم من جود من يعطي من يحمده لا حمداً متطوعا بل حمداً واجباً عليه ولاختصاص الشكر بمولى النعم، واما دلالته على عظمته فلأنه دال على أن قدرته لا يتناهی ابداً بل كلما ازداد الشكر ازدادت النعمة. (عِبَادَ اللهِ؛ إنَّ
الدَّهْرَ يَجْرِي بِالْبَاقِنَ كَجَرْيِةِ بِالْمَاضِینَ، لَا يَعُودُ مَا قَدْ وَلَّی مِنْهُ، وَلَ يَبْقَى سَرْمَداً
مَا فِيهِ. آخِرُ فَعَالِهِ كَأَوَّلِهِ، متسابقةٌ(10) أُمُورُهُ، مُتَظَاهِرَةٌ أَعْلَامُهُ. فَكَأَنَّكُمْ بِالسَّاعَةِ
ص: 146
تَحْدُوكُمْ حَدْوَ الزَّاجِرِ بِشَوْلِهِ) ولى الشيء وتولى أي أدبر، والسرمد الدائم الذي لا ينقطع وليل سرمد أي طويل، والفَعال بالفتح کما في بعض النسخ مصدر، مثل: ذَهَبَ ذَهَاباً، وبالكسر [كما في بعض النسخ جمع فعِل بالكسر](1)، مثل: قدح وقدِاح وبئر وبئار، وهو الاسم والمصدر فعَل بالفتح والضمير في أوله راجع الى الفعال على النسخة الأولى، وعلى النسخة الثانية قيل الى الدهر على حذف المضاف أي أفعال الدهر، ويحتمل الرجوع إلى الآخر ولا يخلو عن بعد، وفي بعض النسخ (كأولها) بتأنيث الضمير وهو واضح على النسخة الثانية وتسابق أموره تتابع مصائبه والامة وكل ماقدر فيه كالخيل المتسابق، وقال(2) بعض الشارحين: ويروى متشابهة أموره أي كما كان من قبل يرفع ويضع ويغني(3) ويفقر ويعدم(4) [ويوجد فهو كذلك الآن وهو من قبيل(5)](6) الاسناد الى الظرف و [المعد](7) والتظاهر التعاون [والتساعد وأعلامه دلالاته تشبيهاً بالجبل(8) الذي يهتدي](9) به أي [دلالاته على](10) سجيته التي يعامل
ص: 147
بها الناس قديماً [وحديثاً متعاونه متعاضده](1) ويحتمل أن [يكون المراد بالاعلام](2) الرايات تشبيها لحوادث(3) الدهر ونوازله بالأفواج من العسكر يتلو بعضها بعضاً(4) [ويعاضد بعضها(5) بعضا](6)، ولعله أنسب بتسابق أموره [والساعة القيامة، والحدو](7) سوق الإبل وحثها(8) على السير بالحداء مثل غراب أي الغناء لها، وزجر الابل [كنصر إذا حملها على السرعة](9) وعنف بها، والشَول [بالفتح جمع شائله](10) وهي من الابل التي شال لبنها، أي ارتفع(11) وكبرت أولادها [فاستغنت](12) بالماء والكلاء عن الرضاع(13)، وقيل: [الشول](14) التي لم يبق في ضرعها الاشوال من اللبن أي بقية، فهي ذات شول والشول الإبل إذا شولت فلزقت بطونها بظهورها،
ص: 148
قال بعض الشارحين: وسائق الشول یعنف بها لخلوها من العشار(1). (فَمَنْ شَغَلَ نَفْسَهُ بِغَیْرِ نَفْسَهُ تَحَیَّر فِي الظُّلُمَاتِ، وَارْتَبَكَ فِي الْهَلَكَاتِ؛ وَمدَّتْ بِهِ(2) شَيَاطِينُهُ فِي طُغْيَانِهِ، وَزَيَّنَتْ لَهُ سَيِّيءَ أَعْمَلِهِ فَالْجَنَّةُ غَايَةُ السَّابِقِينَ، وَالنَّارُ غَايَةُ المُفَرِّطِینَ)، لعل شغل النفس بغير النفس تعرض الانسان لحال الخلق والتجسس عن سرائرهم وذكر عيوبهم وارتكاب أمور لا تغنيه(3) ولا تنفعه [كما قال (عليه السلام): وحاسب نفسك](4) قبل أن تحاسب / ظ 206 /، فإن [غيرها من الانفس عليها حسيب](5) غيرك، والغرض الاشتغال [بمحاسبه النفس والاهتمام](6) بصرف العمر، فما خلق الانسان له [والكف](7) عن الناس، وقال بعض الشارحين: شغل نفسه بغير نفسه أي لا يوافي (النظر)(8) حقه، ويميل إلى الأهواء ونصرة الاسلاف ومذهب معين يشق عليه فراقه(9) وهذا الوجه وإن كان أنسب بالتحير في الظلمات أي ظلمات الشبه والجهالات إلاَّ أنه لا يخلو عن بعد عن اللفظ وارتبك في الأمر إذا وقع فيه ونشب ولم يكد يتخلص منه ومنه ارتبك الصيد في الحبالة ومدت به شياطينه أي جروه وجذبوه أو طولوا له بالإمهال اشارة إلى قوله تعالى: «وَإِخْوَانُهُمْ
ص: 149
يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ»(1) کما ذكره بعض الشارحين، قال: ((وروي ((ومدت له شياطينه)) باللام))(2)، والطغيان مجاوزه [القدر والعلو في الكفر والإسراف في المعاصي والظلم، وغاية الشيء](3) مداه ومنتهاه، والسابقين [أي الذين سبقوا الى الايمان والطاعة بعد ظهور الحق أو في حيازة الفضل](4) والكمال، أو إلى الجنة بحسن الأعمال [وفرط في الأمر تفریطاً أي قصر وقدم العجز فيه وضیّعه](5) (اعلموا عباد الله أن التقوی دار حصن عزيزٍ، والفجور دار حصن ذليلٍ لا يمنع أهله ولا [يحرز](6) من لجأ اليه، اَلا وبالتقوى تقطع حمة الخطايا وباليقين تدرك الغاية القصوى) [الحِصن بالكسر المكان](7) لا يقدر عليه لارتفاعه أو لا يوصل إلى جوفه [وحصن کحسن](8) حصانه فهو حصين أي [منيع(9)، قال بعض الشارحين: اقيم الاسم](10) مقام المصدر(11)، أي دار حصانه عزيزه(12)، والعزة خلاف الذلة وأصله القوة والشدة
ص: 150
والغلبة(1)، ولا يمنع أهله أي لا يحميهم، وامتنع فان بقومه أي تقوى بهم فلا يقدر عليه من يريده بر، واحرزه أي حفظه وكذلك حرزه، وقيل هو إبدال والأصل والأصل حرسه، ولجأ إليه أي اعتصم به، والحُمة بضم الحاء
والتخفيف السم، وإبرة العقرب وغیره، وقال ابن الاثیر(2): وتطلق على الإبرة للمجاورة؛ لأنَّ(3) السم يخرج منها وأصلها حموٌ أو حميٌ، كصرد والهاء عوض عن الواو أو(4) الياء المحذوفة، وقطع الحمة على الثاني واضح، وعلى الأول قطع سريان سم(5) الخطايا في أبدان العباد بالتقوى، كما أنَّ السموم
[تقطع](6) سريانها في بدن الملسوع بالترياقات عى ما ذكره بعض الشارحين(7)، أو سلب السمية والتأثیر عن الخطايا والغاية القصوى منتهى مراتب الكمال لكل أحد باستعداده. (عِبَادَ اللهِ، اللهَ اللهَ فِي أَعَزِّ الْأَنْفُسِ عَلَيْكُمْ،
وَأَحَبِّهَا؛ إِلَيْكُمْ، فَإنَّ اللهَ قَدْ أَوْضَحَ(8) سَبِيلَ الْحَقِّ وَأَنَارَ طُرُقَهُ: فَشِقْوَةٌ لَزِمَةٌ أَوْ سَعَادَةٌ دَائِمَةٌ. فَتَزَوَّدُوا فِي أَيَّامِ الْفَنَاءِ، لِأَيَّامِ الْبَقَاءِ)) الله الله أي: راقبوا الله وأعز الأنفس وأحبها على الانسان نفسه، وقال بعض الشارحين: في الكلام اشارة الى أن للإنسان نفوساً متعددة فهي باعتبار مطمئنه وامارة بالسوء
ولوامة وباعتبارها عاقلة وشهوية وغضبية والاشارة الى الثاث الاخیرة،
ص: 151
وأعزها النفس(1) العاقلة إذ هي الباقية بعد الموت ولها الثواب وعليها العقاب
[وفيها الوصية(2). وبعده واضح، والشِقوة](3) بالكسر كما في النسخ الشقاوة ضد](4) السَعادة كالشَقاوة بالفتح وشقوة وسعادة مرفوعان(5) على الخبرية أي: فعاقبتكم أو جزاؤكم شقاوة أو سعادة [والازم غر المفارق، والدائم
غیر الزائل وإذا كان لابد من أحد الامرين](6) فالغفلة عن العاقبة سفاهة
وجهالة والتزود في أيام [الغناء](7) أخذ [الزاد والاستعداد لما بعد الموت قد دللتم](8) (عَلىَ(9) الزَّادِ، وَأُمِرْتُمْ بِالظَّعَنِ، وَحُثِثْتُمْ عَلَى الْمَسِیرِ؛ فَإنَّمَا أَنْتُمْ كَرَكْبٍ وُقُوفٍ لَا يدْرُونَ [مَتَى تُأمرونَ](10) بِالسَّیْرِ أَلَا فَمَا يَصْنَعُ بِالدُّنْيَا مَنْ
ص: 152
خُلِقَ [لِلآخِرَةِ! وَلَا(1) يَصْنَعُ بِالْمَالِ](2) مَنْ عَمَّا قَلِيلٍ [يُسْلَبُهُ وَتَبْقَى عَلَيْهِ] تَبِعَتُهُ
وَحِسَابُهُ!) المراد بالزاد التقوى [قال الله تعالى: «وَتَزَوَّدُوا](3) / و207 / فَإنَّ خَیْرَ الزَّادِ التَّقْوَى»(4)، [والضعن السير](5) والحث الحض و(التحريض)(6) والمراد بالظعن والمسیر الخروج من الدنيا الى الدار الاخرة أي [أنتم كالمأمورين](7) لا قدرة لكم على الاقامة في الدنيا ولا بد لكم من
الخروج عنها، أو الخروج بالقلوب عما تشتهيه(8) الأنفس والمسیر في الدرجات العلى، قال الله عز وجل: «وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ»(9)، وقال(10): «فَفِرُّوا إِلَی اللهَّ»(11) على ما ذكره بعض الشارحين(12)، والرَكب اسم
جمع للراكب والفرق بينه وبن الجمع في افراد لفظه بجوار(13) تذكر ضمیره
ص: 153
وتصغيره على لفظه، ووقوف جمع واقف كركوع وسجود وشهود وحضور، وذلك فيما جاء مصدره على فعول أيضاً، ولا (تدرون)(1) في بعض النسخ على صيغة المخاطب، وكذلك تؤمرون، وفي بعضها على صيغة الغائب(2) وصفاً للمشبه به حتى يقاس عليه [وفي بعض النسخ](3) بالمسیر موضع بالسیر، وعما قليل أي بعد قليل و(عن) بمعنى (بعد) و(ما) زائدة وسلبت زيداً ثوبه أي اخذت الثوب منه، والتبعة ككلمة ما يتبع المال من حق، واثم وعقوبة(4) ونحو ذلك. (عِبَادَ اللهِ إنَّهُ لَيْسَ لِمَا وَعَدَ اللهُ مِنَ الْخَیِرْ مُتَرْكٌ وَلَا فِيماَ نَهَي عَنْهُ مِنَ الشَّرِّ مَرْغَبٌ. عِبَادَ اللهِ، احْذَرُوا يَوْمَاً تُفْحَصُ فِيهِ الْأَعْمَالُ وَيَكْثُرُ
فِيهِ الزِّلْزَالُ، وَتَشِيبُ(5) فِيهِ الَأْطْفَالُ.) المترك موضع أو مصدر أي ليس ما وعد الله من الثواب مما ينبغي للمرء تركه، [وليس له عوض](6)، وليس الشر الذي نهي عنه مما ينبغي أن يرغب فيه و [ليست فيه مصلحة وخیر(7)، والفحص الكشف والبحث عن الشيء ويكثر في](8) بعض النسخ على صيغة
المعلوم، وفي [بعضها على صيغة المجهول من باب الافعال، والزِلزال بالكسر
ص: 154
كما في بعض](1) النسخ مصدر(2) قال الله تعالى: «وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا»(3)، وبالفتح اسم وهو [الحركة الشديدة والمراد زلزلة الساعة التي وصفها الله](4) بالعظمة، قال عز وجل: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ»(5) أو اضطراب الناس وقلقهم لمشاهدة الأهوال ومعاينة الأفزاع، والشيب ابيضاض الشعر [المسود، ويقال: شاب](6) الرجل شيباً وشيبه وشيب الحزن رأسه وبرأسه وأشاب [فشاب وذلك](7) الشيب لشدة الأهوال
[والاحزان أو لطول](8) المدة، قال بعض الشارحين: ذلك كناية عن شدة
[ذلك اليوم فإنَّ](9) الامة مجمعة(10) على أنَّ الاطفال لا يتغیر حالهم في الآخرة(11). (اعْلَمُوا - عِبَادَ اللهِ - أَنَّ عَلَيْكُمْ رَصَداً مِنْ أَنْفُسِكُمْ، وَعُيُوناً مِنْ جَوَارِحِكُمْ، وَحُفَّاظَ صِدْقٍ يَحْفِظُونَ أَعْمَالَكُمْ، وَعَدَدَ أَنْفَاسِكُمْ، لَا تَسْتُرُكُمْ
مِنْهُمْ ظُلْمَةُ لَيْلٍ دَاجٍ، وَلَا يُكِنُّكُمْ مِنْهُمْ بَابٌ ذُو رِتَاجٍ(12)؛ وَإنَّ غَداً مِنَ الْيَوْمِ
ص: 155
قَرِيبٌ؛ يَذْهَبُ الْيَوْمُ بِمَا فِيهِ، وَيَجِيءُ الْغَدُ لَحِقاً بِهِ؛) الترصد(1) الترقب والرصيد السبع الذي يرصد ليثب(2)، والرصد بالتحريك القوم يرصدون كالحرس(3) يستوي فيه الواحد والجمع والمؤنث وربما قالوا: أرصاد، والعین
الديدبان والجاسوس والحمل على الباصرة(4) بعيد والرصد من الأنفس أعم
من العيون من الجوارح(5) وقال الله عز وجل: «يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ»(6) وقال سبحانه: «حَتَّى إِذَا [مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ](7) وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا [كَانُوا يَعْمَلُونَ](8) * [وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا](9)»(10) وحفاظ صدق أي
الكرام الكاتبون، والمعنى أنهم حفَّاظ لا يكذبون، أو من قبيل قولهم: فلان
رجل صدق وصديق صدق أي كامل فيما اضيف الى الصدق، ودجا الليل إذا
أتمت ظلمته والبس كل شيء، والكِن بالكسر الستر واكنه ستره، ورتج الباب
وارتجه أي: اغلقه اغلاقاً وثيقاً، ومنه ارتج على القارئ إذا لم يقدر على القراءة
ص: 156
وكأنه منع منها(1)، والرِتاج بالكسر [الباب المغلق وقيل الباب العظيم المغلق
و](2) عليه باب صغیر، وقال بعض الشارحين: (الرتاج الغلق)(3) ولا ريب انه أنسب إلا أني لم أجده فيما / ظ 207 / حضرني من كتب اللغة (فَكَأَنَّ كُلَ امْرئٍ مِنْكُمْ قَدْ بَلَغَ مِنَ الْأَرْضِ مَنْزِلَ وَحْدَتِهِ وَمَخَطَّ(4) حُفْرَتِهِ، فَيَا لَهُ مِنْ [بَيْتِ وَحْدَةٍ، وَمَنْزِلِ وَحْشَةٍ وَمَفْرَدِ](5) غُرْبَةٍ! وَكَأَنَّ الصَّيْحَةَ قَدْ أَتَتْكُمْ، وَالسَّاعَةَ قَدْ غَشِيَتْكُمْ، [وَبَرَزْتُمْ](6) لِفَصْلِ الْقَضَاء؛) منزل [الوحدة القبر](7)، والمحط في بعض النسخ بالحاء المهملة أي المنزل، يقال: حط القوم أي نزلوا، والحط ضد الرفع [وانحطاط الحفرة واضح، و](8) في بعضها بالخاء المعجمة
[والخط](9) الطريقة المستطيلة في الشيء، ويقال: خط على [الارض خطاً أي
اعلم علامة و](10) الغرض تحقر ذلك [المنزل، والصيحة](11) الصوت بأقصى الطاقة، قال الله عز وجل: «يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ
ص: 157
الْخُرُوجِ»(1)، وقال سبحانه: «إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ»(2)، وغشيه يغشاه إذا جاءه و(إذا)(3) لابسه وغشاه وتغشيه
أي غطاه، وبرز كنر أي خرج الى الفضاء وظهر بعد الخفاء، والفصل القطع
والفرق، والقضاء الحكم بن الخصمین (قد زَاحَتْ عَنْكُمْ الْأَبَاطِيلُ، وَاضْمَحَلَّتْ عَنْكُمْ الْعِلَلُ، وَاسْتَحَقَّت بِكُمْ الْحَقَائِقُ، وَصَدَرتْ بِكُمُ الْأُمُورُ مَصَادِرَهَا؛ فَاتَّعِضُوا بِالْعِبَرِ، وَاعْتَبِرُوا بِالْغِیَرِ، وَانْتَفِعُوا بِالنُّذُرِ) زاح الشيء يزيح أي بعد وذهب، والأباطيل جمع باطل(4)، والقياس بواطل(5)، والمراد الآراء والاهواء الباطلة، وقال بعض الشارحين: أي الهيئات الباطلة الممكنة الزوال من النفوس التي لها استكمال ما(6)، واضمحل الشيء وامضحل أي: ذهب وانحل واضمحل السحاب إذا تقشع، والعلة المرض الشاغل، والسبب، والمراد الأمراض النفسانية الداعية الى الباطل والضلال، أو
الشهوات التي هي أسباب العصيان، أو الأعذار الباطلة التي يزعمها الانسان
داعياً الى ما يرتكبه من الآثام، واستحقت بكم أي حقت ووقعت استفعل بمعنى فعل كقولك: استمر على باطله أي مَرَّ والحقيقة ما يصر اليه حق الامر ووجوبه وبلغت حقيقة هذا أي يقن شأنَّه، والمعنى لزمتكم ووقعت
بكم ما وجبت لكم باستحقاقكم [واستعدادكم بالحق والصدور رجوع
ص: 158
الشاربة عن الماء](1) وصدرت بكم أي أصدركم ومصادرها [أي المصادر
اللائقة بها والعبرة ما يعتره الانسان ليستدل به](2) على غره كأيام الأمم الماضین ونحو ذلك [والغِیر كعِنَب الاسم من غیرت اليء فتغیر وغیر](3) الدنيا الانتقال من الصحة الى السقم والغنى الى الفقر وبالعكس [ونحو](4)
ذلك والانذار الابلاغ، ولا يكون إلاَ في التخويف، وقيل: أكثر ما يستعمل في
التخويف، والاسم النذر بضمتین، قالوا: ومنه قوله [تعالى: «فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي](5) وَنُذُرِ»(6) أي انذاري(7) والانتفاع بالنذر التصديق [و العمل](8).
[أَرْسَلَهُ عَلَى حِینِ فَتْرَةٍ مِنَ](9) الرُّسُلِ وَطُولِ هَجْعَةٍ مِنَ الْأُمَمِ، وَانْتِقَاضٍ مِنَ المُبْرَمِ؛ فَجَاءَهُمْ(10) بِتَصٍدِيقِ الَّذِي بَیْنَ يَدَيْهِ وَالنُّورِ المُقْتَدَى بِهِ ذَلِكَ الْقُرْآنُ فَاسْتَنِطُقوهُ؛ وَلَنْ يَنْطِقَ(11) وَلَكِنْ اُخْبُرِكُمْ عَنْهُ... أَلَا إنَّ فِيهِ عِلْمَ مَا يَأْتِي، وَالْحَديثَ
ص: 159
عَنِ المَاضِي وَدَوَاءَ دَائِكُمْ، وَنَظْمَ مَا بَيْنَكُمْ) الفَترة بالفتح ما بن الرسولين من الزمان الذي انقطعت فيه الرسالة، والهَجعة المرة من الهجوع أي النوم ليلاً دون النهار، والنقض في البناء والحبل وغیره ضد الابرام وهو احكام الفتل، والغرض بطلان الاحكام برك الناس العمل بها والذي بن يديه الكتب
السالفة وما جاء به الانبياء الماضون (عليهم السلام)، والنور بالجر معطوف
على الذي وذلك خبر مبتدأ محذوف أي هو ذلك القرآن، أو مبتدأ [خبره القرآن](1)، قال بعض الشارحين: فإن قلت التوراة والانجيل قبله (صلى الله عليه واله) فكيف يكون بین يديه؟ قلت: أحد جزئي الصلة محذوف وهو
المبتدأ والتقدير بتصديق الذي هو بن يديه وهو ضمر القران أي وبتصديق
الذي القرآن بن يديه وحذف أحد جزئي الصلة هاهنا مثل حذفه في قوله
تعالى: «تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ»(2) / و 208 / في قراءة من جعله اسما مرفوعا، وأيضاً فإنَّ العرب تستعمل(3) بن يديه بمعنى (قبل) قال تعالى: «بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ»(4) انتهى(5). ولا يخفى ما في التوجيه من التكلف وعدم الداعي اليه فإنَّ استعمال اللفظ فيما ليس بحاضر حقيقة سواء كان متقدماً، أو متأخراً تجوز وتنزيل له منزلة الحاضر الذي [يتوجه اليه الانسان، وقد قال عز وجل حكاية عن عيسى (عليه السلام)](6): «وَمُصَدِّقًا لِمَا [بَيْنَ
ص: 160
يَدَيَّ](1) مِنَ التَّوْرَاةِ»(2) وعدم جریان [هذا التوجيه فيه واضح، ويحتمل أن يكون استعمال اللفظ باعتبار حضور الكتب](3) المتقدمة لا باعتبار تقدمها لكنه بعيد، واستنطقوه أي [استفهموا مضامینه [من](4) موضعه ومن عند أهله](5) فإنَّه لا ينطق بنفسه ولكني أخبركم عنه، أي أنا أهله ودواء دائكم أي داء الجهالة والضلالة [أو الاعم](6) و نظام ما بینکم أي استقامة أمور [معاشكم بالتزام قوانينه المحكمة](7) وقواعده المتينة.
[منها](8) ([فَعِنْدَ ذَلِكَ](9) لَا يَبْقَى(10) بَيْتُ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إلَّا وَأَدْخَلَهُ [الظَّلَمَةُ تَرْحَةً، وَأَوْلَجُوا فِيهِ](11) نِقْمَةً، فَيَوْمَئِذٍ لَا يَبْقَى [لَهُمْ فِي السَّماءِ](12) عَاذِرٌ وَلَا فِي الْأَرْضِ نَاصِرٌ)، قال بعض الشارحين: [ذلك اشارة الى](13) ملك
ص: 161
بني أمية بعده(1)، و(المدر قطع الطين](2) اليابس، والوبر الصوف، وبيت المدر والوبر كناية عن البدو والحضر، والتَرحة بالفتح المرة من الترح بالتحريك ضد الفرح، وأولجوا أي أدخلوا، والنقِمة كفِرحة كما في النسخ العقوبة ويومئذ أي بعد تمكن ظلمهم وشدة باسهم(3) والعاذر الذي يقبل العذر ويرفع اللوم، وتقول عذرته فيما صنع كضربت أي رفعت عنه اللوم فهو معذور، والغرض بعد بلوغهم الغاية في الظلم والطغيان وتناهي مدة ملكهم انقطع عنهم الآمهال من الله ولم ينصرهم أحد من أهل الأرض بقضاء الله عز وجل.
(أَصْفَيْتُمْ بِالْأَمْرِ غَیْرَ أَهْلِهِ، وَ أَوْرَدْتُمُوهُ غَیْرَ ورده(4)، وَسَيَنْتَقِمُ اللهُ مِمَّنْ ظَلَمَ؛ مَأْكَلاً بِمَأكَلٍ؛ وَمَشْرَباً بِمَشْرَبٍ؛ مِنْ مَطَاعِمِ الْعَلْقَمِ، وَمَشَارِبِ الصَّبْرِ وَالْمَقِرِ، وَلِبَاسِ شِعَارِ الْخَوْفِ، وَدِثَارِ السَّيْفِ، وَإِنَّمَا هُمْ مَطَايَا الخَطيئات، وَ زَوَامِلُ الآثَامِ) اصفيته بالشيء أي اثرته وخصصته به والخطاب لأولياء هذه الظلمة وناصريهم ومن رضي بفعالهم ولم يجتهد في دفعهم، والمراد بالأمر الخلافة وورد البعير وغيره الماء إذا حضره ليشرب دخله أو لم يدخله وأوردته أنا والاسم الوِرد بالكسر وقيل: هو مصدر(5)، [وقيل: هو الماء الذي يرد عليه، واوردتموه غير ورده أي انزلتموه عند](6) غير أهله وهم أهل البيت (عليهم
ص: 162
السلام) ومأكلاً ومشرباً منصوبان بفعل مقدار أي [ليأكلون ويشربون](1) أو يبدلهم الله، والباء للمقابلة والمجازاة كقوله تعالى: «فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ»(2) [والعلقم الحنظل وكل شيء مرّ أو شجر مرّ، والصبر ككتف، قيل ولم يسمع](3) تسكين الباء إلاَّ في ضرورة(4) عصارة(5) [شجر مرّ(6) والمقر ككتف السُّم أو شبيه بالصبر](7) وقال الأصمعي: الصبر(8) وقيل: مَقِر الشيء من باب تَعِبَ، فهو مَقِر أي صار مراً، [والشِعار بالكسر](9) ما تحت الدِثار بالكسر من الثياب وهو يلي شعر الجسد، ولكون الخوف في الباطن جعل [شعاراً كما أن السيف](10) لكونه في [الظاهر جعل دثاراً و](11)، المَطايا جمع مَطية أي البعير يركب مَطاه(12) أي ظهره [ذكراً كان أو أنثى](13) أو الدابة تمطوا في [سيرها أي تسرع أو يمطي](14) بها في اليسر أي يمد، والزاملة التي
ص: 163
تحمل [عليها الطعام](1) والمتاع(2) من الابل(3) وغيرها [فاعله](4) من الزِمِل بالكسر أي (الحمل)(5) (فَأُقْسِمُ ثُمَّ أَقْسِمُ، لَتَنْخَمَنَّهَا أُمَيَّةُ مِنْ بَعْدِي كَمَا تُلْفَظُ النُّخَامَةُ، لَا(6) تَذُوقُهَا، وَلَا تَطْعَمُ بِطَعْمِهَا أَبَداً، مَاكَرَّ الْجَدِيدَانِ!) نَخِمَ(7) الرجل کَفَرِحَ وتنخم(8) أي دفع النخامة(9)، وهي التي تخرج من مخرج الخاء المعجمة أي يدعونها ويلفظونها کما تلفظ(10) النخامة، ولعل التشبيه باعتبار الاضطرار في الدفع مع التمكن في الباطن والتضييع، وکرَّ کمدَّ، أي رجع وعاد، والجديدان والاجدان الليل والنهار، قال بعض الشارحين: فإن قلت: أنهم قد ملكوا بعد قيام الدولة الهاشمية بالمغرب مدة طويلة؟ / ظ 208 / قلت: الاعتبار بملك العراق والحجاز، وما عداهما من الأقاليم النائية لا اعتداد به(11) وينبغي التخصيص بغير ملك السفياني الموعود بظهوره قبل قيام القائم (عليه السلام).
ص: 164
(وَلَقَدْ أَحْسَنْتُ جِوَارَكُمْ، وَأَحَطْتُ بِجُهدِي مِنْ وَرَائِكُمْ، وَأَعْتَقْتُكم مِنْ رِبَقِ الذُّلِ وَحَلَقِ الضَّيْمِ؛ شُكُراً مِنِّي لِلْبِرِّ الْقَلِيلِ، وَإِطْرَاقاً عَمَّا أَدْرَكَهُ الْبَصَرُ، وَشَهِدَهُ الْبَدَنُ مِنَ المُنْكَرِ الْكَثِیرِ) جاورت الرجل جواراً بالكسر كما في النسخ وبالضم أي صرت جاراً له، والجُهد بالضم الطاقة والاحاطة من الوراء دفع من يريدهم بشر؛ لأنَّ العدو الغالب يكون من وراء الهارب، والرِبق(1) کَعِنَب جمع(2) رِبقة بالكسر، وهي العروة في حبل فيه عدة عرىً يشد به البُهم وذلك الحبل رِبق بالكسر، والحَلَق بالتحريك [وكعنب ويوجدان في النسخ جمع حَلقة بالفتح، والضيم الظلم أي](3) دفعت عنكم شر الأعداء الخارجة منكم [وظلم بعضكم على بعض، واطرق أي سکت وارخي عينيه ينظر إلى الأرض وكفه](4) (عليه السلام) عن نهيهم عن تلك [المنكرات لعدم التأثير أو لاستلزامه مفسدة أشد مما تضمنه المنكرات](5).
ص: 165
(أَمْرُهُ قَضَاءٌ وَحِكْمَةٌ، وَرِضَاهُ أَمَانٌ وَرَحْمَةٌ؛ يَقْيِ بِعِلْمٍ [وَيَغْفر بِحِلْمٍ](1) اللّهُمَ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى مَا تَأْخُذُ وَتُعْطِي، وَعَلَى [مَا تُعَافِ وَتَبْتَلِي؛ حَمْداً](2) يَكُونُ أَرْضَی الْحَمْدِ لَكَ، وَأَحَبَّ الْحَمْدِ إِلَيْكَ، وَأَفْضَلَ الْحَمْدِ عِنْدَكَ؛ حَمْداً [يَمْلأ مَا
خَلَقْتَ وَيَبْلُغَ مَا أَرَدْتَ](3) حْمَداً لَا يْحُجَبُ [عَنْكَ وَلاَ يُقْصُرَ](4) دونَكَ؛ حْمَداً لَا يَنْقَطِعُ عَدَدُهُ وَلَا يَفْنَى مَدَدُهُ) قال بعض الشارحين: يجوز أن يكون الأمر [هاهنا هو الامر الفعلي](5) لا القولي کما يقال: أمر فلان مستقيم، قال تعالى: «وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ»(6)، فيكون المعنى أن شأنه تعالى ليس إلاَّ أحد شيئين وهما: ((أن يقول)) ((وأن يفعل)) فعبر (عليه السلام) عن ((أن يقول)) بقوله: ((قضاء))؛ لأن القضاء الحكم(7)، وعن ((أن يفعل)) بقوله: ((وحكمته))؛ لأنَّ أفعاله تعالى على وفق الحكمة. ويجوز أن يكون أمره هو الأمر القولي، وهو المصدر من أمرته بكذا أمراً، فيكون المعنى أن أوامره ایجاب و الزام بما فيه حكمة ومصلحة، قال الله تعالى: «وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا
ص: 166
إِلاَّ إِيَّاهُ»(1)، أي أوجب وألزم(2)، ولا يخفى أن المناسب على الوجه الأول حمل الأمر على المعنى الأعم أعني الحالة والشأن كما قال إنَّ شأنه تعالى ليس إلا أحد شيئين إلاَّ أن يكون مراده بالأمر الفعلي ذلك المعنى، والأمر فيه هين، وقال بعضهم: ((أمره هو حكم قدرته الالهية، وكونه قضاء کونه حکماً لازماً لا يرد وكونه حكمة كونه على وفق الحكمة الالهية))(3)، والأمان والأمن ضد الخوف ولعل المعنى لا خوف على من رضي سبحانه عنه بخلاف من رضي غيره عنه واما كونه رحمة فلأنه سبحانه لا يقتصر(4) على [قدر](5) الاستحقاق بل يعمل بمقتضى الفضل والرحمة، وقال بعض الشارحين: (رضاه أمان ورحمة؛ لأنّ من فاز بدرجة الرضا [فقد](6) أمن [وحصلت له الرحمة؛ لأنَّ الرضا رحمة وزيادة)(7) (ويقضي(8) بعلم) أي يحكم](9) ويفصل وأصل القضاء [القطع والفصل ويكون بمعنى الايجاب وأحكام العمل والامضاء وغير](10) ذلك وأكثر المعاني يناسب المقام [ويغفر بحلم أي](11) لاعن عجز
ص: 167
وذل بل مع القدرة على الانتقام وملأ الحمد ما خلق الله مبالغة وكناية(1) عن الكثرة [ولا يحجب عنك](2) أي يكون مقروناً بالإخلاص [مستكملًا لشرائط](3) القبول والقصر الحبس والمنع وخلاف [الطول، ولا يقصر](4) دونك على صيغة [المضارع المجهول من المجرد أي لا](5) يحُبس ولا يُمنع إذا قرب منك، وفي بعض [النسخ على صيغة المضارع](6) المعلوم [أي لا يكون قاصراً لا يبلغك و](7) في بعضها لا يقصر على صيغة المعلوم من باب التفعيل، يقال: قصر واقصر إذا انتهى وقصر عنه إذا ترکه وعجز، والمدد بالتحريك: الجيش وأمددته بمدد أي اعنته وقويته. (فَلَسْنَا نَعْلَمُ كُنْهَ عَظَمَتِكَ؛ إِلَّا أَنَّا / و 209 / نَعْلَمُ أَنْكَ حَيٌّ قَيُّومٌ؛ لَا تَأْخُذُكَ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ؛ لَمْ يَنْتَهِ إِلَيْكَ نَظَرٌ، وَلَمْ يُدْرَكْكَ بَصَرٌ أَدْرَكْتَ الْأَبْصَارَ وَأَحْصَيْتَ الْأَعْمَار(8)، وَأَخَذْتَ بِالنَّوَاصِي
وَ الْأَقْدَام) القيوم والقيام والقيَّم في اسمائه سبحانه القائم بأمور الخلق ومدبر العالم في جميع أحواله، وقيل: القيوم القائم بذاته المقيم لغيره وكل قائم بذاته [...](9) لا يكون إلاَّ واجب الوجود، والسِنة بالكسر كعِده فتور يتقدم
ص: 168
النوم، وقيل: (أول النوم)(1) و (النعاس)(2) والهاء عوض عن الواو المحذوفة والأنسب حمل النظر على العقلي، واحصاه أي عده وقيل حفظه وعقله والأظهر تعلق العد بالإعمار باعتبار الأجزاء والناصية (قصاص الشعر)(3) والأخذ بالنواصي والأقدام كناية عن كمال القدرة (وَمَا الَّذِي نَرَى مِنْ خَلْقِكَ وَنَعْجَبُ(4) لَهُ مِنْ قُدْرَتِكَ، وَنَصِفُهُ(5) مِنْ عَظِيِمِ سُلْطَانِكَ؛ وَمَا تَغَيَّبُ عَنَّا مِنْهُ وَقَصُرَتْ أَبْصَارُنَا عَنْهُ وَانْتَهَتْ عُقُولُنَا دُونَهُ، وَحَالَتْسواتر(6) الْغُيُوبِ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ أعظَمُ) كلمة (ما) للاستفهام على وجه الاستحقار والعجب والتعجب انفعال النفس لزيادة وصف في المتعجب منه يقال: عجب منه(7) کفرح وتعجب واستعجب وتغيب على صيغة التفعل أي غاب و [الغيوب يحتمل المصدر والجمع. (فَمَنْ فَرَّغَ قَلْبَهُ، وَأَعْمَلَ فِكْرَهُ، لِيَعْلَمَ كَيْفَ أَقَمْتَ عَرْشَكَ](8)، وَكَيْفَ ذَرَأْتَ خَلْقَكَ، [وَكَيْفَ عَلَّقْتَ فِي الْهَوَاءِ سَمَوَاتِكَ، وَكَيْفَ
مَدَدْتَ عَلَى مَوْرِ الْمَاءِ أَرْضِكَ](9)؛ رَجَعَ طَرْفُهُ حَسِیراً وَعَقْلُهُ مَبْهُوراً، وَسَمْعُهُ
ص: 169
وَالِاً، وَفِكْرُهُ [حَائِراً] ذرأ الشيء كجعل أي خلقه وذرأ الشيء](1) کثره ومنه الذرية لنسل الثقلين، وعَلَقَ الشيء تعليقاً أي جعله معلقاً، والمور الموج، ومار الشيء يمور [مورا](2) أي تحرك وجاء وذهب وطرف البصر [طرفاً کضرب أي تحرك](3) وطرف العين نظرها و [يطلق على الواحد](4) وغيره، لأنَّه مصدر، وقيل: هو العين [ولا يجمع؛ لأنَّه في الاصل](5) مصدر وحسر بصره [كضرب كلَّ وانقطع من](6) طول مدىً وما أشبه ذلك فهو حسير ومحسورٌ، و بهره (أي غلبه)(7)، وبِهُرَ الرجل على البناء للمجهول إذا انقطع نفسه من الإعياء، والوله الحيرة وحار(8) في أمره إذا نظر فلم يهتدِ لسبیله وفي بعض النسخ جائراً بالجيم أي عادلا مائلاً عن الطريق.
[منها](9) (يَدَّعِي بِزَعْمِهِ أَنَّهُ يَرْجُوا اللهَ، كَذَبَ والْعَظِيم! مَا بَالُهُ لاَ يَتَبَیُنَّ رَجَاؤُهُ فِي عَمَلِهِ؟ فَكُلُّ مَنْ رَجَا عُرِفَ رَجَاؤُهُ فِي عَمَلِهِ - إِلَّا رَجَاَء(10) اللهِ - فَإنَّهُ مَدْخُولٌ، وَكُلَّ خَوْفٍ مُحَقَّقٌ إلاَّ خَوْفَ الله فَإنَّهُ مَعْلُولٌ) الزعُم بالضم کما
ص: 170
في النسخ وبالفتح قريب من الظن، ويقال: زعموا في حديث لا سند له ولا ثبت فيه، ولا يوثق، به والواو للقسم، والعظيم من اسمائه سبحانه أي الذي تجاوز قدره وجَلَّ عن حدود العقول حتى لا يتصور الاحاطة بكنهه(1) ومبلغ علمه وقدرته(2)، والبال والحال والشأن والدخل بالتحريك (العيب)(3)، يقال: دخل فلان على صيغة المجهول، فهو مدخول أي معيوب، ويقال هذا الأمر فيه دخل ودغل بمعنی، وحققت الأمر أي تيقنته والمحقق من الكلام الرضين والمعلول الذي يتلهى به ويلعب وكان من الهزل دون الجد، قال الجوهري: تعلل به أي تلهى به، وعل الشيء فهو معلول(4)، وأما العلة بمعنى المرض، فلا يقال: منه معلول، وإنما يقال: منه عليل على ما ذكره الفيروز آبادي(5) وجوزه بعضهم وهو أنسب بمقابلة المدخول إلاَّ أن الأول أليق بالمحقق، وفي هذا الكلام نکته لم أرَ أحداً من الشارحين تفطن [لها وهي أنه (عليه السلام) أشعر أولاً أشعارا خفياً بكذب(6) القائل بقوله: يدعى؛ فإنَّ](7) الادعاء كثيراً ما يستعمل [في الباطل، ثم ترقى في الاشعار بقوله بزعمه؛ فإنَّ الزعم يستعمل في الأقاويل الباطلة](8) والآراء الفاسدة کما
ص: 171
عرفت [وقال تعالى: «زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا(1)»(2) وقال عز وجل: «تَقَالُوا هَذاَ للهَّ بِزَعْمِهِمْ))(3)، ثم ترقی من الأشعار الى التصريح / ظ 209 / [بأنه كذب](4)، ثم ترقي في التصريح الى الخلف [فاقسم بالعظيم](5)، ثم ترقى الى الاستدلال بتخلف اللازم والاثر وهو أبلغ من حيث هو [مع قطع النظر](6) عن خصوص القائل(7) [ففي الكلام بيان الكذب من يدعي](8) الخوف والرجاء بخمس درجات كل [لاحقة أبلغ من السابقة](9)، ولعل [ما فصله (عليه السلام) في هذا الكلام هو معنى الخبر](10) الذي رواه محمد بن يعقوب الكليني (رضي(11) الله عنه) في الكافي في باب الكذب عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: (إياكم والكذب فإن كل راج طالب، وكل خائف هارب)(12)، وقد كان ذكره في باب الخوف والرجاء أنسب ولذكره في ذلك
ص: 172
الباب اشتبه المرام على بعض الاعلام ففسره(1) بوجه لا يخلو عن بعد وتعسف. (يَرْجُوا اللهَ فِي الْكَبِرِ، وَيَرْجُو الْعِبَادَ فِي الصَّغِرِ؛ فَيُعْطِي الْعَبْدَ مَا لَا يُعْطِي الرَّبَّ! فَمَا بَالُ اللهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ يُقَصَّرُ [بِهِ](2) عَمَّا يُصْنَعُ بِعبادهِ(3)! أَتَخَافُ أَنْ تَكُونَ فِي رَجَائِكَ لَهُ كَاذِباً، أَوْ تَكُونَ لَا تَرَاهُ لِلرَّجَاءِ مَوْضِعاً! وَكَذَلِكَ إنْ هُوَ خَافَ عَبْداً مِنْ عَبِيدِهِ؛ أَعْطَاهُ مِنْ خَوْفِهِ مَا لَا يُعْطِي رَبَّهُ؛ فَجَعَلَ خَوْفَهُ مِنَ الْعِبَادِ نَقْداً(4)، وَخَوْفَهُ مِنْ خَالِقهم(5) ضِمَاراً وَ وَعْداً) يظهر من الكلام توبيخ العبد بالعمل بضد ما يقتضيه الحال في رجائه من الله ورجائه من العباد من وجهين فإنَّ عظمة شأنه سبحانه يقتضي(6) أن يبالغ العبد في التوصل الى ما يرجو منه، ويسعى إضعاف سعيه في الرجاء من العباد وكذلك عظم المطلوب في الرجاء منه سبحانه وقد انعكس الحال، فيرجو سلطاناً مثلاً ويتوسل إلى مأموله بأنواع الخدمة والشفاعات ويسترضيه بصنوف التذلل والخضوع مع حقارته وحقارة ما يؤمل(7) منه وهكذا في الخوف وقوله: (عليه السلام) اتخاف أن تكون في رجائك له كاذباً أي اتخاف أن يظهر لك كذب الرجاء بعد
ص: 173
ذلك ليلائم قوله [(عليه السلام) أو تكون لا تراه للرجاء موضعاً فتأمل والضمار ککتاب ما لا يرجی(1)](2) رجوعه والضمار [من](3) [[العدات](4) ما كان ذا تسويف ومن الدين ما كان بلا أجل، وفي بعض النسخ من خالفه](5) ضماراً بإفراد الضمير وهو يحتمل الرجوع إلى الخائف والى من يخاف منه [المذكور وبلفظ عبد من عبيده، والوعد](6) مصدر ویکون اسمًا والمراد منه الأمر الذي لم يتحقق وقوعه (وكَذَلِكَ مَنْ عَظُمَتِ الدُّنْيَا [فِي عَيْنَهِ وَكَبُرَ](7) مَوْقِعُهَا مِنْ قَلْبِهِ؛ آثَرَهَا عَلَى اللهِ(8)؛ [فَانْقَطَعَ إِلَيْهَا، وَصَارَ عَبْداً](9) لَهَا. وَلَقَدْ
كَانَ فِي [رَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهَ](10) عَلَيْهِ وَاله وَسَلَّمَ(11) كَافٍ لَكَ فِي [الْأُسْوَةِ وَدَلِيلٌ عَلَى ذَمِّ](12) الدُّنْيَا وَعَيْبِهَا، وَ كَثْرَةِ [مَخَازِيَها وَمَسَاوِئهَا](13)؛ إِذْ قَبِضَتْ
ص: 174
عَنْهُ أَطْرَافُهَا وَ وُطَّئَتْ لِغَیْرِهِ أَكْنَافُهَا وَفُطِمَ مَنْ(1) رَضَاعِهَا، وَزُوِيَ عَنْ [زَخَارِفِهَا](2)) التشبيه في ترجيح(3) الصغير على الكبير والوضيع على الشريف وكبر الموقع مصدراً أو محلاً كناية عن كبر الواقع واثرها أي اختارها وانقطع اليها أي انقطع عن غيرها متوجها راكناً اليها وكاف لك [أي](4) ما يكفيك، والاسُوة بالضم كما في النسخ وبالكسر (القُدوة)(5)، والمخازي(6) جمع مخزاة(7) وهي ما يستحيي(8) من ذكره لقبحه ومساويها أي عيوبها وقبض الاطراف كناية عن المنع و(وطئت) بالتشديد أي هيأت، وفي بعض النسخ و(طئت) بالتخفيف، يقال: وطأت لك المجلس(9) أي جعلته وطيئاً وهو من كل شيء ما سهل ولأن، وأكناف الشيء جوانبه، وفَطِمَ الصبي كضَرِبَ أي فصله عن الرضاع ورضع الصبي أمه(10) کسمع وضرب رَضاعاً بالفتح امتص ثديها، وزوي أي قبض وزخارفها أي متاعها وزينتها، والزُخرف بالضم في الأصل الذهب، وکمال حسن الشيء ومن الأرض ألوان نباتها. (وَإِنْ شِئْتَ ثَنَّيْتُ
ص: 175
بِمُوسَى كَلِيم اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) إِذ يَقُولُ(1): «رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ»(2)؛ وَاللهِ مَا سَأَلَهُ إلاَّ خُبْزاً / و 210 / يَأْكُلُهُ، لَأِنَّهُ كَانَ يَأْكُلُ بَقْلَةَ الْأَرْضِ، وَلَقَدْ كَانَتْ خُضْرَةُ الْبَقْلِ تُرَى مِنْ شَفِيفِ صِفَاقِ بَطْنِهِ، لُهِزَالِهِ وَتَشَذُّبِ لَحْمِهِ) ثناه تثنيه أي جعله اثنين [والمفعول الأسوة و(ما) في (لما أنزلت) بمعنى أي شيء [أي](3) لأي شيء أنزلت من قليل أو](4) كثير، واللام في (لما) دون الى [التضمين معنى السؤال، والخير(5) يكون بمعنى المال وما ينتفع به، وفسر في قوله تعالى: «إِنْ(6) تَرَكَ خَيْرًا»(7) بالمال، [وشف الثوب من باب فرَّ شُفوفاً وشفيفاً أي: رق فحكی ما تحته](8)، وقال بعض الشارحين: شفيفة مارق منه(9)، والصفات الجلد الأسفل تحت الجلد الذي عليه الشعر(10) وقيل: جلد [البطن كله](11) والهزُل بالضم نقيض السمن، والتشذب التفرق
ص: 176
(وَإِنْ شِئْتَ (ثَلَّثْتُ)(1) بِدَاوودَ (صَلىَّ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) صَاحِبِ المَزَامِرِ، وَقَارِئِ [أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَلَقَدْ](2) كَانَ يَعْمَلُ سَفَائِفَ [الْخُوصِ بِيَدِهِ، وَ يَقُولُ لِجُلَسَائِهِ](3): أَيُّكُمْ يَكْفِينِي بَيْعَهَا؟ وَيَأْكُلُ قُرْصَ الشَّعِيِر) [من ثمنها المزامير](4) جمع مزمار وهو [الاله المعروفة التي يزمر فيها يقال](5): زمُر یُزَمُر ويُزَمُر بالضم والكسر ولا يكاد يقال: [زامر بل زمار](6) والمرأة زامرة ولا يقال: زماره ومزامير داوود (عليه السلام) ما كان يقرأه من الزبور وضروب الدعاء، وسَف(7) الُخوص(8) کمَد أي نسجه والسفيفة المنسوجة، منه والخُوص بالضم ورق النخل، وفي بعض النسخ [شعیر بدون](9) اللام، قال بعض الشارحين: (يجب أن يحمل الكلام على أنه شرح حالة قبل(10) أن يملك)(11)، وربما يؤيده ما ذكره الشيخ الطبرسي (رحمه الله) في مجمع البيان في تفسير قوله تعالى: «وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ * أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ»(12) قال: (أي
ص: 177
دروع(1) تامات، وإنما الان الله الحديد لداوود (عليه السلام)؛ لأنه أحب أن يأكل من کسب يده، وكان أول من اتخذها وكان يبيعها ويأكل من ثمنها، ويطعم عياله، ويتصدق منه، وروي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: (إن الله أوحي إلى داوود (عليه السلام) نعم العبد أنت إلاَّ أنك تأكل من بیت المال، فبکی داوود أربعين صباحاً فألان(2) الله له الحديد، وكان يعمل كل يوم درعاً فيبعها بألف درهم، فعمل ثلاثمائة وستين درعاً فباعها بثلاثمائة وستين الفاً فاستغني عن بيت المال)(3) انتهى. ويحتمل أن (تكون)(4) سيرته الأكل من ثمن سفائف الخوص(5) في بعض أيام ملکه، أو في الأربعين والله تعالى يعلم ثم إنه قد اشتهر بين الناس أن داود (عليه السلام) كان يتغنى(6) بالزبور(7) وغيره وإنه كان اعطي من طيب النغم(8) ولذة ترجيع القراءة ما كانت الطيور لأجله تقع(9) عليه وهو في محرابه، والوحش تسمعه فتدخل(10) بين الناس ولا (تنفر)(11) منهم لاستغراقها(12) في [اللذة من حسن صوته
ص: 178
وذلك على تقدير الثبوت لا يدل على جواز التغني واستماع الغناء](1) [في](2) شرعنا کما يتوهم [ولم أجد في روايات الاصحاب(3) ما يدل على تغنيه عليه السلام، ويوجد في روايات العامة(4)](5) أن النبي (صلى الله عليه واله) سمع أبا موسى يقرأ فقال: لقد [أعطيت مزماراً من مزامير آل داوود، قال ابن الاثير](6): شبه حسن صوته وحلاوة نغمته بصوت المزمار(7)، ولا يخفى أنه مع الاغماض(8) عن عدم الحجية [ليس بصريح في الغناء](9) و حُسن الصوت أعم من الغناء والموجود [في رواياتنا أنه كان](10) إذا قرأ الزبور لا يبقى ح جر و [لا شجر ولا جبل](11) ولا طائر ولا سبع الا يجاوبه ولا [ريب أنه لا معنى (لمجاوبة)(12) الحجر](13) والشجر والجبل لطيب [النعمة وفسر
ص: 179
قوله تعالى](1): «يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ»(2) بالتسبيح معه وبالسير معه حيث سار، وتسبيح الجبل وغيره يمكن أن يكون بظهور الصوت على وجه الإعجاز وأن يكون كناية عن تسبيح الملائكة الموكلين بها، وأن يكون نوعاً من التسبيح لا نفقهه، والظاهر من بعض الأخبار هو الأول والله تعالى يعلم. (وَإنْ شِئْتَ قُلْتُ فِي عِيسَى بنِ مَرْيَمَ (عَلَيْهِ السَّلامُ)، فَلَقَدْ كَانَ يَتَوَسَّدُ الْحَجَرَ، وَ / ظ 210 / يَلْبَسُ الْخَشَنِ(3)، وَكَانَ إدَامُهُ الْجُوعَ، وَسَرِاجُهُ بِاللَّيْلِ الْقَمَرَ، وَظِلَالُهُ فِي الشِّتَاءِ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا، وَفَاكِهَتَهُ وَرَيْحَانَهُ مَا تُنْبِتُ الّْأّرْضُ لِلْبَهَائِمِ؛ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ زَوْجَةٌ تَفْتِنُهُ، وَلَا وَلَدٌ يَحْزُنُهُ، وَلَا مالٌ يَلْفِتُهُ، وَلَا طَمَعٌ يَذِلُّهُ؛ دَابَّتُهُ(4) رِجْاَهُ، وَخَادِمُهُ يَدَاهُ) يحتمل أن يراد بالقول معناه الظاهر أي ذكرت حاله للاقتداء(5) به والعرب تجعل(6) القول عبارة عن سائر الأفعال، والوسادة المخدة وتوسدت الشيء أي اتخذته وسادة وجعلته تحت رأسي (وكان إدامه الجوع) وهو بالكسر ما يؤكل مع الخبز أي لا يأكل من الخبز ما يرفع الجوع، أو كان قد يأكل الخبز(7) وقد لا يأكل فيجوع ويصبر عليه وقيل ما كان يأكل الخبز(8) إلاَّ بعد جوع شديد، والظِلال بالكسر جمع ظل وما
ص: 180
أظللت من سحاب وغیره وظلاله(1) في الشتاء أي ممكنه من الرد، والريحان كل نبت طيب الرائحة، وقيل ورقة ونبت معروف وتفتنه كتضرب(2) أي تعجبه وتصیر فتنه له، ويحزُنه كَيْنُصر(3) ويحزنه على صيغة الأفعال بمعنى ويوجدان في النسخ [أي يحزنه الاهتمام بأمره وكونه عى غر مراده ويلفته(4) كيضرب أي يصرفه عن التوجه](5) الى جنابه سبحانه [ودابته رجاه وخادمه يداه أي غالباً (فتأسَ بنبيك(6) الاطيب الاطهر صلى](7) الله عليه واله(8))، فإنَّ فيه أسوة [لمن تأسى، وعزاءً(9) لمن تعزى. وأحب](10) الْعِبَادِ إِلَی الله المُتَأَسِّ بِنَبِيِّهِ(11)، والمُقْتَصُّ لِأَثَرِهِ. وَقَضَمَ الدُّنْيَا قَضْماً(12)، [وَلْمَ يُعِرْهَا](13) طَرْفاً أَهْضَمُ أَهْلِ الدُّنْيَا كَشْحاً، [وَ](14)
ص: 181
أَخْمَصُهُمْ مِنَ الدُّنْيَا بَطْناً) تأسيت به وائتسيت أي [اقتديتُ وتأسيتُ(1)](2) أي تعزيت وتعزى [أي انتمى وانتسب](3) والاسم العَزاء(4) بالفتح، وقص أثره وأقتص أي [تتبعه واقتدى به](5)، وقَضِمَ بالضاد [المعجمة](6) كسَمِعَ [كما في كثیر من النسخ أي أكل](7) بأطراف أسنانه، وقيل يختص بأكل(8) اليابس(9) كذلك والتنوين في قضماً [للتقليل والتحقیر](10) أي لم يبالغ في تناول الدنيا بل قنع بالبلغة(11) والكفاف، وفي حديث أبي ذر: (يخضمون(12) ونقضم والموعد الله)(13)،
و(الخضم)(14) الأكل بكل الفم للأشياء الرطبة(15) وهي أسهل تناولًا، والطرف نظر العین، ولم يعرها طرفاً، أي لم يعطها نظرة على وجه العارية فكيف بان
ص: 182
يجعلها مطمح نظره، والهضم محركة انضمام الجنبن وخمص(1) البطن، والكشح ما بن الخاصرة الى الضلع الخلف، أو الخاصرة وأهضم أهل الدنيا كشحاً أي أقلهم أكلاً، والخمص (الجوع)(2) (عُرِضَتْ عَلَيْهِ الدُّنْيَا فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا، وَعَلِمَ أنَّ اللهُ سُبْحَانَهُ(3) أَبْغَضَ شَيْئَاً فَأَبْغَضَهُ، وَحَقَّرَ شَيْئاً فَحَقَّرَهُ، وَصَغَّرَ شَيْئاً فَصَغَّرَهُ. وَلَوُ لَمْ يَكُنْ فِينَا إِلَّا حُبُّنَا(4) مَا أَبْغَضَ اللهُ وَتَعْظِيمُنَا مَا صَغَّرَ اللهُ(5)، لَكَفَى بِهِ شِقَاقاً للهِ وَمَحُادَّةً عَنْ أَمْرِ اللهِ!(6)) عرضت المتاع على ذوي الرغبة(7) أي اظهرته وابرزته [لهم](8) ليشريه من يريد، وفي بعض النسخ
(عرضت عليه الدنيا عرضاً) والتنكير للتفخيم أي عرضا كاملاً يعرف به(9)
حقيقتها أو عرضاً خفيفاً لاستعلام أنه هل يلتفت اليها فلو التفتَ عرضت عرضاً تاماً، وحقر في بعض النسخ بالتخفيف في الموضعن والمعنى واحد
ص: 183
والشِقاق بالكسر والمشاقة الخلاف(1) والعداوة(2) والمحادة(3) [المعاداة](4) والمخالفة والمنازعة وهي مفاعله من الحد كأنَّ كل واحد منهما تجاوز حده الى الآخر [والغرض(5) الذي اشار (عليه السلام) اليه [...](6) قد ورد [في كثیر
من الاخبار منها ما رواه ثقة الاسلام في الروضة عن أبي جعفر (عليه السلام)
في حديث طويل انه قال](7): ولقد أتاه جبرائيل (عليه السلام) [بمفاتيح خزائن الارض ثلاث مرات يخیره من غیر أن ينقصه الله تبارك وتعالى مما أعد له شيئاً](8) (وعن أبي عبد الله (عليه السلام) إنه أتاه عند الموت بمفاتيح
خزائن الدنيا فقال: (هذه / و 211 / مفاتيح خزائن الدنيا بعث بها اليك ربك ليكون لك ما أقلت الأرض من غیر أن ينقصك شيئاً، فقال رسول الله (صلى
ص: 184
الله عليه واله): في الرفيق الاعلى(1))](2) (وَلَقَدْ كَانَ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَاله(3)) يَأْكُلُ عَلَى الْأَرْضِ، وَ يَجْلِسُ جِلْسَةَ الْعَبْدِ، وَيَخْصِفُ [بِيَدِهِ نَعْلَهُ، وَيَرْقَعُ](4) بِيَدِهِ ثَوْبَهُ، وَيَرْكَبُ الْحِمَارَ الْعَارِيَ، وَيُرْدِفُ [خَلْفَهُ؛ وَيَكُونُ](5) السِّتُر عَلىَ بَابِ بَيْتِهِ فَتَكُونُ [فِيهِ التَّصَاوِيرُ](6) فَيَقُولُ: يَا فُلَانَةُ لِإِحْدَى أَزْوَاجِهِ [غَيِّبِيهِ عَنِّي؛
فَإنِّ إِذَا نَظَرْتُ](7) إِلَيْهِ ذَكَرْتُ الدُّنيا [وَزَخَارِفَهَا](8) فَأَعْرَضَ عَنِ الدُّنْيَا بِقَلْبِهِ، وَأَمَاتَ [ذِكْرَهَا مِنْ نَفْسِهِ وَأَحَبَّ أنْ](9) تَغِيبَ زِينَتُها عَنْ [عَيْنِهِ لِكَيْلاَ يَتَّخِذَ مِنْهَا](10) رِيَاشاً، وَلَا يَعْتَقِدَهَا قَرَاراً، وَلَا يَرْجُوَ(11) فيهَا مَقَاماً، فَأَخْرَجَهَا مِنَ النَّفْسِ وَأَشْخَصَهَا عَنِ الْقَلْبِ، وَغَيَّبَهَا عَنِ الْبَصَرِ، وَكَذَلِكَ مَنْ أَبْغَضَ [شَيْئاً
ص: 185
أَبْغَضَ](1) أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهِ، وَأَنْ يُذْكَرَ عِنْدَهُ) الجلسة بالكسر الحالة التي يكون
عليها(2) الجالس وجلسة العبد أن يضع قصبتي ساقيه عى الأرض، ويعتمد
عليهما بباطن فخذيه وهي التي يقال لها بالفارسية: دوزانو ويحتمل أن يكون
المراد الجلسة عى وجه التذلل لا الترفع و(الأظهر)(3) أن المراد أنه [...](4) (صلى الله عليه واله) كان يجلس كذلك مطلقاً لا في حالة الأكل خاصة وعلى الوجهین فيه دلالة على استحباب الجلوس كذلك حالة الأكل وخصف النعل، كضرب أي خرزها قيل: وأصله الضم والجمع ورقع(5) الثوب كمَنَعَ أي
أصلحه بالرقعة، وأردف الراكب إذا أركب أحدا خلفه، والسِتر بالكسر الحجاب والتصوير والصورة، والتمثال والمثال واحد، وظاهر كلام أكثر
اللغويین والفقهاء عدم الاختصاص بذي الروح، وخصها من أصحابنا ابن
إدريس(6) (رحمه الله)، وقال في المصباح المنیر: (في ثوبه تماثيل أي صور حيوانات
مصورة)(7)، والرِياش بالكسر والريش بمعنى وهو اللباس الفاخر مثل الحِرم والحرام واللبس واللباس، وقيل الريش والرياش المال والخصب والمعاش، والقَرار بالفتح ما قر فيه، والمَقَام بالفتح كما في بعض النسخ وبالضم كما في بعضها [يكونان بمعنى الاقامة والموضع وشخص كمنع أي سار في ارتفاع أو
ص: 186
خرج(1) من موضع الى موضع](2) (وَلَقَدْ كَانَ فِي رَسُول الله [صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَآلهِ(3) مَا يَدُلُّكَ عَلىَ مَسَاوِئِ الدُّنْيَا وَعُيُوبَهِا؛ إذْ جَاعَ فِيهَا](4) مَعَ خَاصَّتِهِ، وَزُوِيَتْ عَنْهُ [زَخَارِفُهَا مَعَ عَظِيمِ زُلْفَتِهِ، فَلْيَنْظُرْ نَاظِرٌ بِعَقْلِهِ:](5) أَكْرَمَ اللهُ مُحَمَّداً(6) بِذَلِكَ أَمْ أَهَانَهُ فَإنْ قَالَ: ((أَهَانَهُ)) [فَقَدْ](7) كَذَبَ(8) وَالْعَظِيمِ(9)،
وَإنْ قَالَ: ((أَكْرَمَهُ)) [فَلْيَعْلَمْ أَنَّ اللهَ قَدْ أَهَانَ](10) غَیْرَهُ حَيْثُ بَسَطَ الدُّنْيَا لَهُ، [وَزَوَاهَا عَنْ](11) أَقْرَبَ النَّاسِ مِنْهُ). [الخاصة ضِدَ العامَة وَالذِي اخْتَصصتَهُ](12) لِنَفسِكَ وَخَاصتَهُ (صَلىَّ الله عَلَيْهِ وَآله) عترته(13) الطاهرة (صلوات الله عليهم) [أجمعین وكلمة مع هاهنا ليست](14) مثلها في قوله
ص: 187
(عليه السلام) مع عظيم زلفته، ويحتمل أن يراد بخاصته خصلته وحالته المختصة به (صلى الله عليه واله) من القرب والدرجة الرفيعة عند الله عز وجل، والزلفة والزلفى القربة والمنزلة، وفي بعض النسخ [أ أكرم](1) الله بذكر همزة الاستفهام وزواها أي صرفها وقبضها (فَتَأَسَّى مُتَأَسٍ بِنَبِيِّهِ؛ وَاقْتَصَّ أَثَرَهُ، وَوَلَجَ مُوْلِجَهُ؛ وَإِلاَّ فَاَ يَأْمَنِ الْهَلَكَةَ، فَإنَّ اللهَ جَعَلَ مُحَمَّداً (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله)(2) عِلَمًا لِلسَّاعَةِ، وِمُبَرِّاً بِالْجَنَّةِ، وَمُنْذِراً بِالْعُقُوبَةِ؛ خَرَجَ مِنَ الدُّنْيَا
خَمِيصاً، وَ وَرَدَ الْخِرَةَ سَلِيماً، لَمْ يَضَعْ حَجَراً عَلَى حَجَرٍ؛ حَتَّى مَىَ لِسَبِيِلِه،
وَأجابَ دَاعِيَ رَبِّهِ) الظاهر أن تأسى وما عطف عليه أمر بلفظ الماضي، وهو
كثر في كلامه (عليه السلام) ولا يأمن في بعض النسخ بالرفع على وجه الإخبار وعلماً للساعة أي: ما يعرف به الساعة، وختم النبوة تشبيهاً بالجبل(3) الذي يستدل به على الطريق وغیره، أو بالراية التي يتقدم الجيش، والخميص: الجائع حقيقة أو / ظ 211 / كناية عن عدم الاستمتاع من الدنيا وسليماً أي: من النقص والعيب، ومضى لسبيله أي سبيل مقصده وهو الفوز(4) بلقاء الله، وحلول دار الكرامة وداعي ربه الملك الموكل بدعوة النفوس الى دار البقاء أو
الموت. (فَمَا أَعْظَمَ مِنَّةَ اللهِ عِنْدَنَا حِینَ أَنْعَمَ عَلَيْنَا بِهِ سَلَفاً نَتَّبِعُهُ، وَقَائِداً نَطَأُ عَقِبَهُ! وَاللهِ لَقَدْ رَقَّعْتُ مِدْرَعَتِيهَذِهِ حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَاقِعِهَا، وَلَقَدْ قَالَ لِي
ص: 188
قَائِلٌ: أَلَا تَنْبِذُهَا(1) عَنْكَ! فَقُلْتُ: اعْزُبْ عَنِّي(2)؛ فَعِنْدَ [الصَّبَاحِ يْحَمَدُ الْقَوْمُ السُّرَى)، المنه في المقام يحتمل(3) النعمة والاعتداد بالعطية وسلف](4) الرجل من يتقدمه من الاباء [والقرابة وغيرهم، ونطا(5) عقبه أي يسلك(6) السبيل الذي سلكه، وكلا رفع قدماً](7) نضع(8) القدم مكانها، والعقب مؤخر القدم، ورفع(9) الثوب كمنع كما في بعض النسخ [ورقّع بالتشديد كما في](10) بعضها أي أصلحه بالرقاع والمدرِعة بكسر [الميم وفتح](11) الراء ثوب
كالدراعة، ولا يكون [إلا من صوف ذكره في القاموس](12) وتمدرع أي لبسه
وتنبذها كترب أي [تطرحها والعزوب](13) الغيبة وجاء عَزَبَ(14) [كنَصَر
ص: 189
وضَرَبَ وفي النسخ](1) بضم العین(2) وفي بعض النسخ اغرب [بالغین المعجمة والراء المهملة](3) من غَرَبَ(4) الرجل [كنَصَر الرجل أي غاب وبعد](5)، والسرُى كالهدى السیر عامة الليل يقال: سرى يري سُرى أي عند
الصباح يحمد النائم في [المنزل](6) من سار في الليل فبلغ المقصد ويذم نفسه
على تكاسله ونومه وكذلك من أخذه نوم الغفلة يحمد عند الانتباه وانكشاف
ظلمة الدنيا وكدوراتها من سار في تلك الليلة بالسعي والاجتهاد في العبادة
وتحمل المشاق ويتأسف لفوت الفرصة والخيبة والله المستعان.
(بَعثَهُ(7) بِالنُّورِ المُيِءِ، وَالْبْرُهَانِ الْجَلِيِّ، وَالْمِنْهَاجِ الْبَادِي، وَالْكِتَابِ الْهَادِي.
أُسْرَتُهُ خَیْرُ أُسْرَةٍ، وَشَجَرَتُهُ خَیْرُ شَجَرَةٍ، أَغْصَانُهَا مُعْتَدِلَةُ، وَثِمَرُهَا مُتَهَدِّلَةٌ،
مُوْلِدُهُ بِمَكَّةَ، وَهِجْرَتُهُ بِطَيْبَةَ، عَمَا بِهَا ذِكْرُهُ، وَامْتَدَّ بِهَا(8) صَوْتُهُ) في بعض النسخ ابتعثه على صيغة الافتعال موضع بعثه وهما بمعنى والنور المضيء نور
ص: 190
النبوة والبرهان الجلي المعجزات الباهرة والآيات الموضحة للنبوة، والمنهاج البادئ هو الشريعة الظاهرة والدين الواضح والكتاب الهادي، هو القران المبين يهدي للتي هي أقوم والى الجنة وسبل النجاة، والاسرة كغرفة الرهط الأدنون، وشجرته أي أصله واعتدال أغصانها تقارب أهل بيته (عليهم السلام) في الفضل أو عدم اختلافهم(1) في الأمور الدينية وغيرها والتهدل [التدلي والاسترخاء وتهدل الثمار عبارة عن ثقل الأغصان وتدليها بحمل](2) الثمار الكثيرة وسهولة الانتفاع بها، والهِجرة(3) بالكسر الاسم [من هجرة هجراً بالفتح أي ترکه، وطيبة کشيبه وطابه لغةً فيه اسم المدينة الرسول](4) (صلى الله عليه واله) قيل: وكان اسمها [يثرب والشرب الفساد فنهى](5) (صلى الله عليه واله) أن تسمی به وسماها طيبة وهو تأنيث طيب بمعنی الطيب [بالتشديد](6)، وقيل هو من الطيب بمعنى الطاهر [لخلوصها](7) من الشرك، قال بعض الشارحين: ومما أكفر الناس به [یزید بن معاوية](8)
ص: 191
عليهما اللعنة أنه سماها [خبثة مراغمة لرسول](1) الله (صلى الله عليه واله)(2)، وعلو ذكره (صلى الله [عليه واله ها لقهره](3) الاعداء بعد الهجرة [وامتداد صوته بها](4) لتمكنه من الدعوة الجلية وزوال الخوف. (أَرْسَلَهُ بِحُجَّةٍ كَافِيَةٍ، وَمَوْعِظَةٍ شَافِيَةٍ، وَدَعْوَةٍ مُتَلَفِيَةٍ. أَظْهَرَ بِهِ الشَّرَائِعَ المَجْهُولَةَ، وَقَمَعَ بِهِ الْبِدَعَ المَدْخُولَةَ، وَبَیَّنَ بِهِ الْأَحْكَامَ المَفْصُولَةَ. فَمَنْ يَبْتَغِ غَیْرَ الْإِسْلَامِ دِيناً تَتَحقَّقُ(5) شِقْوَتُهُ، وَتَنْفَصِمْ عُرْوَتُهُ، وَتَعْظُمْ كَبْوَتُهُ، وَيَكن(6) مَآبُهُ إِلیَ الْحُزْنِ الطَّوِيلِ، وَالْعَذَابِ الْوَبِيلِ) تلافاه أي تدراکه وتلافي الدعوة استدراك ما فسد من نظام الخلق والدين والشرائع المجهولة ما جهله الناس من قواعد الدين // و 212 / ولم يكونوا يهتدون اليها الا بالدعوة الباهرة وقَمَعَه كمَنَعَه أي ضربه بالمِقمعة وهي كمِكنسة العمود من حديد أو كالمحجن يضرب به رأس الفيل(7) وخشبه يضرب بها الانسان على رأسه، وقمع البدع كناية عن ازالتها وقلعها والمدخولة المعيبة وفصلت الشيء عن غيره كضربت فصلاً أي قطعته ونحيته، ومنه فصل الخصومات(8) وهو الحكم بين الخصمين وقطعها والاحكام المفصولة ما قطع ببيانه (صلى الله عليه واله) عن الباطل أو نحي عنه نحو من قتل قتيلاً، أو فصله الله سبحانه، فبعث رسوله (صلى الله عليه
ص: 192
واله) لبيانه والابتغاء الطلب، والشِقوة بالكسر الشقاوة، وفصمه کضرب أي کسره، وقيل: من غير إبانه فانفصم والعروة من الكوز والدلو المقبض، وکَبا الجواد(1) كَبوة بالفتح إذا عثر فوقع إلى الأرض، والمآب المرجع، والوبيل ذو الوبال وهو (الشدة)(2)، والثقل، وقال بعض [الشارحين(3): هو الهلاك: (وَأَتَوَكَّلُ عَلَى اللهِ تَوَكُّلَ الإنَابَةِ إِلَيْهِ وَأَسْتَرْشِدُهُ السَّبِيلَ](4) (المُؤَدِّيَةَ إِلیَ جَنَّتِهِ
[الْقَاصِدَةَ إِلَی مَحَلِّ رَغْبَتِهِ. أُوصِيكُمْ عِبَادَ الله بِتَقْوَى اللهِ وَطَاعَتِهِ، فَأنَّهَا النَّجَاةِ](5) غَداً، وَالمَنْجَاةُ أَبَداً)؛ التوكل اظهار العجز(6) [والاعتماد على الغير، وأناب الى الله أي رجع، والسبيل يذكر ويؤنث(7)](8) كالطريق والقصد استقامة الطريق ضد الجور، قال بعض الشارحين: فإن قلت: لمَ عدي [القاصدة ب(إلى)](9) قلت: لأنها تضمنت معني [الافضاء(10) إلى المقصد(11)، والرغبة
ص: 193
إرادة(1)](2) الشيء والحرص عليه والطمع [فيه و محل رغبة الله](3) جنة الخلد؛ لأنه يرغب فيها [كل أحد واعتبار اضافه المحل قبل اعتبار](4) اضافة الرغبة [ويحتمل بعيداً أن يراد](5) بالرغبة ارادته عز وجل إياها للمحسنين من عباده وأوصاه ووصاه أي عهد اليه وأمره والنجاة الخلاص والحمل للمبالغة والتقوى سبب النجاة أو المراد بالنجاة الناقة السريعة التي تنجو بمن ركبها کما ذكره بعض الشارحين(6)، والمنجاة يحتمل المصدر والمكان (رَهَّبَ فَأَبْلَغَ، وَرَغَّبَ فأَسْبَغَ، وَوَصَفَ لَكُمْ الدُّنْيَا وَانْقِطَاعَهَا، وَزَوَالَهَا وَانْتِقَالَهَا، فَأَعْرِضُوا عَمَّا يُعْجِبُكُمْ فِيهَا لِقلَّةِ مَا يَصْحَبُكُمْ مِنْهَا. أَقْرَبُ دَارٍ مِنْ سَخَطِ اللهِ، وَأَبْعَدُهَا مِنْ رَضْوَانِ اللهِ. فَغُضُّوا [عَنْكُمْ](7) عِبَادَ اللهِ غَمُومَهَا وَأَشْغَالَهَا لِمَا قَد(8) أَيْقَنْتُمْ(9) بِهِ مِنْ فِرَاقِهَا وَتَصَرُّفِ حَالَتِهَا) الرهبة الخوف والفزع أي خوف الله عباده بعذابه لو عصوه، فأجاد في التخويف، يقال: شيء بالغ أي جيد والابلاغ في الأصل الإيصال ورغب أي حرصهم على الطاعة، والفوز بالنعيم واسبغ أي: أتم وأوسع واعجبني الشيء إذا أعظم(10) موقعه عندك وتحسن في نظرك
ص: 194
لوصف(1) کامل ظنت فيه أي لا تفتتنوا بمتاع الدنيا وزخرفها؛ لأنه لا يصحبكم من الدنيا إلا الكفن، ويحتمل أن يراد بالقلة العدم، وذلك النوع من التعبير يكون على التنزل والمماشاة، أي لو سلمنا أنه يصحبكم شيء من الدنيا فلا ريب في قلته ويكون لغير ذلك، ويقال: فلان قليل الخير أي لا خير فيه، وفي الحديث: (إنه كان يقل اللغو)(2) قالوا: (أي لا يلغو أصلًا)(3) [وبه فسر قوله تعالى: «فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ»(4)](5) ويحتمل أن يراد بالصحبة التمتع والانتفاع بالفعل والتعبير بالصحبة](6) للدلالة على عدم اللصوق وان التمتع بمتاع الدنيا ليس في [درجة](7) الكمال بل من قبيل الصحبة والمعنى اعرضوا عما ترون في الدنيا من الأموال والمساكن والحدائق وسائر الزخارف فيعجبكم(8) حُسنها وبهجتها لأنكم لا ترزقون الانتفاع والتمتع إلاَّ بقليل منها فأكثر [الاموال](9) تجمع للوارثين وتبني المساكن لقوم اخرين ولا يتيسر الانتفاع بكثير مما يعجب الانسان ولا يشرب الانسان من نهر عذب إلا بقدر ما يرويه والى هذا المعنى اشار (عليه السلام) بقوله: كم من مؤمل
ص: 195
ما لا / ظ 212 یدرکه وبانٍ ما لايسكنه وجامع(1) [ما سوف يتر که وقال بعض الشارحين: إنما قال لقلة ذلك ولم يقل لعدمه لأنَّ السالكين لابد أن يستصحبوا منها [شيئاً](2) وهو ما يكتسبه(3) أحدهم من الكمالات](4) الى الآخرة، لكن القدر الذي [يكتسبه المترفون من الكمالات إذا قصدوا بأموالهم وسائر زينة](5) الحياة الدنيا الوصول إلى الله تعالى [قليل نزر](6) ومع ذلك فهم في غاية(7) الخطر من [مزلة](8) القدم في كل حركة وتصرف بخلاف أهل القشف الذين [اقتصروا منها](9) على مقدار الضرورة [البدنية وهو كما تری](10)، وغضه کمد أي نقصه(11) وغض من طرفه ومن صوته [أي خفض، قال الله](12) عز وجل: «وَاغْضُضْ [مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ](13)
ص: 196
لَصَوْتُ الْحَمِيرِ»(1)، وقال الجوهري: (وكل [شيء كففته](2) فقد غضضته)(3)، وفي بعض النسخ، فضعوا عنكم، والوضع الخط ووضعت [الشيء من](4) يدي أي تركته والتصرف التقلب وصرفت الشيء عن وجهه فتصرف وتصرف حالات الدنيا تغيرها من الوجود الى العدم(5) والقوة الى الضعف والغنی الى الفقر والشباب الى الهرم وغير ذلك. (فَاحْذَرُوهَا حذر الشَّفِيقِ
النَّاصحِ، وَالمُجِدُّ الْكَادِحِ، وَاعْتَرِوا بِمَا قَدْ رَأَيْتُمْ مِنْ مَصَارِع الْقُرُونِ قَبْلَكُمْ،
قَدْ تَزَايَلَتْ أَوْصَالُهُمْ، وَزَالَتْ أَبْصَارُهُمْ وَأَسْاَعُهُمْ، وَذَهَبَ شَرَفُهُمْ وَعِزّهُمْ(6)،
وَانْقَطَعَ سُرُورُهُمْ وَنَعِيمُهُمْ، فَبُدِّلُوا بِقُرْبِ الْأَوْلَادِ فَقْدَهَا، وَبِصُحْبَةِ الأزْوَاجْ
مُفَارَقَتَها، لَا يَتَفَاخَرُونَ وَلَا يَتَنَاسَلُونَ، وَلَا يَتَزاوَرُونَ وَلَا يَتَجَاوَرُونَ(7)) الشفقة الخوف وحرص الناصح على اصلاح حال المنصوح، وهو شفيق ومشفق ويقال: شفق وأشفق، وقيل: لا يقال إلآ أشفق، والنصح ارادة الخير للمنصوح له، قال بعض الشارحين: أي احذروها على أنفسكم لأنفسکم کما یحذر الشفيق الناصح على صاحبه(8)، والكدح: الكد والسعي(9)، ولعل ذکر
ص: 197
الكدح لدلالة [على أنه لا يكفي مجرد الحذر](1) بدون العمل، قال بعض الشارحين: أي المجد الكادح لنفسه(2)، ويحتمل أن يراد المجد في الحرب الكادح فيه، والمَصرع موضع الطرح على الأرض(3)، ويحتمل المصدر والقرن كل أمة هلكت فلم يبق منها أحد وقيل: أهل كل مدة كان فيه نبي(4) أو طبقة من أهل العلم سواء قل السنون، أو كثرت والتزایل التباين والتفارق وأوصالهم مفاصلهم، سميت بهما باعتبارین، وفي بعض النسخ (أسماعهم وأبصارهم)، والشرف [العلو والمجد، وقيل: لا يكون إلا بالإباء والعز خلاف الذل والقوة والشدة](5) والغلبة والنعيم الخفض [والمال والتنعم الترفة والتفاخر فخر بعظهم على بعض بالخصال الجميلة والتزاور](6) قصد بعضهم بعضاً، والزيارة(7) في العرف [قصد](8) المزور اکراماً له واستئناساً به [ولا يتجاورون(9) أي](10) لا يكون بعضهم جار البعض بقرب(11) المنزل فإنَّ
ص: 198
[تجاورهم(1) بالقبور](2) في حكم التباعد لعدم علم بعضهم [بحال](3) بعض بذلك [كما قال (عليه السلام): جميع](4) وهم آحاد وجيره(5) [وهم أبعاد، وفي](6) بعض النسخ (لا يتحاورون)(7) [بالحاء المهملة أي لا يكلم ولا يخاطب(8) بعضهم بعضاً و [الظاهر أن المراد وصف](9) الابدان فلا ينافي محاورة(10) الارواح [وتزاورهم](11) كما يظهر من الأخبار أو المراد نفي المحاورة(12) والتزاور بالأبدان العنصرية في البرزخ فلا ينافي وجودهما بالأبدان المثالية في البرزخ والعنصرية في الجنة والمحاورة(13) في النار (فَاحْذَرُوا - عِبَادَ اللهِ - حَذَرَ الْغَالِبِ لِنَفْسِهِ الْمَانِعِ لِشَهْوَتِهِ، النَّاظِرِ بِعَقْلِهِ؛ فَإنَّ الأمْرَ وَاضحٌ وَالْعَلَمَ قَائِمٌ، وَالطَّرِيقَ جَدَدٌ وَالسَّبِيلَ قَصْدٌ) اللام في الموضعين لتقوية
ص: 199
العمل نحو قوله تعالى: «مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ»(1)، «فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ»(2)، والعلم ما يهتدي به من جبل(3) ونحوه، والمراد به الرسول (صلى الله عليه واله) والأئمة (عليهم السلام) أو الدليل على الحق لمن أراد الاهتداء، والجدد بالتحريك الأرض الصلبة المستوية، وفي المثل من (سلك / و 213 / الجدد آمن العثار)(4) والقصد المعتدل بين طرفي الافراط والتفريط واستقامة الطريق فالحمل للمبالغة.
فقال(5) (يا أخا بَنِي أَسَدٍ؛ إِنَّكَ لَقَلِقُ(6) الْوَضِینِ(7) تُرْسِلَ فِي غَیْرِ سَدَدٍ؛ وَلَكَ بَعْدُ ذِمَامَةُ الصِّهْرِ وَحَقُّ المَسْألَةِ وَقَدِ اسْتَعْلمْتَ فاعْلَمْ) القَلَق بالتحريك الانزعاج والاضطراب والقِلق کَکَتِف الصفة منه والوضين (بطان منسوج بعضه
ص: 200
على بعض يشد به الرحل(1) على البعیر)(2)، كالحزام(3) للسرج [وإذا اضطرب الوضین اضطرب الرحل(4) ومن عليه والارسال الاطلاق والاهمال](5) والتوجيه، والسَّدد بالتحريك [والسَّداد الاستقامة والصواب والمعنى انك لست بذي ثبات ومتانه](6) في سؤالك تطلق لسانك [في غیر موضعه وتتكلم في غیر موضع](7) الكلام ولعل ذلك [لسؤاله](8) في محضر المعاندين ومن يتقيه
أمیر المؤمنن [[عليه السلام](9) في الافصاح](10) عن الحق أو لأن الامر [كان أظهر من أن يكون محلاً](11) للسؤال، والذِمامة بالكر كما في بعض النسخ وصرح به [الشارحان(12)](13) وصاحب المصباح المنیر(14) الحق والحرمة، وفي
ص: 201
بعض النسخ](1) بالفتح ويظهر من كلام صاحب القاموس(2) انه [يجوز الفتح والكسر](3) (ويروى ماته الصهر بالمد والتشديد وهو الاسم من مت اليه كمد أي توصل وتوسل بحرمه أو قرابه) والصِهر بالكسر [القرابة وحرمة الختونة وزوج بنت الرجل](4) وزوج أخته والاختان أصهار أيضاً، كذا قال في القاموس(5)، وقال في المصباح المنیر: (قال الخليل: الصهر أهل بيت المرأة)(6) قال: ومن العرب من يجعل الاحماء والاختان جميعاً أصهار، وقال الازهري:(7) الصهر يشتمل على قرابات النساء ذوي المحارم وذوات المحارم كالأبوين والاخوة وأولادهم والاعمام والاخوال والعمات والخالات فهؤلاء اصهار زوج المرأة ومن كان من قبل الزوج من ذوي قرابته المحارم
فهم اصهار المرأة أيضاً، وقال ابن السكيت: كل من كان من قبل الزوج من أبيه وأخيه أو عمه فهم الاحماء، ومن كان من قبل المرأة فهم الاختان ويجمع الصنفين(8) الاصهار وصاهرت اليهم إذا تزوجت منهم(9) انتهى ما حكاه.
وقال الشارح عبد الحميد ابن أبي الحديد: هذه الذمامة؛ لأنَّ زينب(10) بنت
ص: 202
جحش زوجة رسول الله (صلى الله عليه واله) كانت أسدية(1)، وشنع على القطب الراوندي (رحمه الله) حيث قال: (كان أمر المؤمنین (عليه السلام) تزوج في بني أسد)(2)، قال: ولم نسمع(3) أن أمیر المؤمنین (عليه السلام) تزوج فيهم(4) وفصل زوجاته (عليه السلام)(5)، وقال: ليست واحدة منهن أسدية(6)، وقال الشارح ابن ميثم: وهو محتمل ولا معنى للإنكار اعتمادا على أنه لم يبلغنا ذلك(7) والله تعالى يعلم. والمسألة السؤال.
(أمَّا الاسْتِبْدَادُ عَلَيْنَا بِهَذَا المَقامِ، وَنَحْنُ الأَعْلَوْنَ نَسَباً، وَالأشَدُّونَ بالرَّسُولِ
(صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله)(8) نوطاً، فإنها كانت أَثَرَةً شَحَّتْ عَلَيْها نُفُوسُ قُوْمٍ وَسخَتْ عَنْها نُفُوسُ [آخَرِينَ؛ وَالحَكَمُ اللهُ، وَ الْمَعْوَدُ إلَيْهِ الْقِيَامَةِ(9)) الاستبداد
ص: 203
بالأمر التفرد به وعلى التضمین](1) معنى الاستعلاء [والنسب بالتحريك والنِسبة بالكسر القرابة من قبل الاب أو الام وقيل بالاختصاص](2) بالأب وناطه نوطاً أي (علقه)(3) وقال بعض الشارحين: النوط الالتصاق(4) والإثرة [بالتحريك الاسم من قولك](5): استأثر على أصحابه أي اختار لنفسه أشياء [حسنة، وتأنيث](6) الضمیر؛ لأن الاستبداد كان [أثره، والشُح](7) بالضم
البخل والحرص وقيل: أشد البخل [وقيل البخل مع الحرص](8)، وقيل البخل في إفراد [الامور وآحادها](9) والشح عام، والسخاء الجود والكرم، [يقال: سخى كسعى ودعا وسرو(10)](11) ورضي، وعن [للمجاوزة أو تضمين(12)
معنى](13) الإعراض، والمراد بالقوم الذين شحوا أهل السقيفة وبالذين
ص: 204
سخوا أهل البيت (عليهم السلام)، والغرض الاشعار(1) بأنهم لم يميلوا الى
الاثرة من حيث أنها اثرة وامارة وإن كان الرك في الحقيقة لعدم الانصار/ ظ
213 / وعدم استكمال شرائط الطلب كما قال (عليه السلام) (لولا حضور الحاضر، وقيام الحجة بوجود الناصر، لألقيت حبلها على غاربها ولسقيت آخرها بكأس أولها، والحكم بالتحريم والحاكم منفذ الحكم، والمعود اليه المرجع، وكان في نسخة بعض الشارحين: (والمعود اليه يوم القيامة)(2) قال:
أي الوقت الذي يعود الناس كلهم اليه هو يوم القيامة وروي يوم بالنصب على انه ظرف(3) والعامل فيه المعود على أن يكون مصدراً.
(وَدَعْ عَنْكَ نَهَباً صِيحَ فِي حَجَرَاتِهِ(4) [وَهَلُمَّ الخَطْبَ](5) في ابْنَ أبِي سُفْيَانَ)، وفي نسخ الشارحين(6) بزيادة تمام البيت: ولكن حديثاً ما حديث الرواحل قالوا: وروي أن أمیر المؤمنین (عليه السلام) لم يستشهد إلا بصدره واتمه الرواة ويؤيده قوله (عليه السلام): وهلم الخطب في أبي ابن سفيان فإنه قائم مقام المراع الثاني، والبيت لأمرئ القيس وقصته أنه لما تنقل في أحياء
العرب بعد قتل أبيه نزل عى رجل من جديلة طي يقال له طريف بن
ص: 205
مك فأجاره واكرمه، فمدحه وأقام عنده، ثم انه خاف أن لا يكون له منعه وعز؛ لأنه لم يرَ له نصيباً في الجبلین لطي وهما آجاءٌ وسلمى، فتحول ونزل على [خالد بن سدوس فأغارت بنو جديلة على امرئ القيس فذهبوا بابله وهو في جوار خالد](1) فلما اتاه الخر ذكر [ذلك لجاره(2) فقال له: اعطني رواحلك الحق عليها القوم فأرد أبلك ففعل](3) فركب خالد في إثر القوم [حتى أدركهم، فقال: يا بني جديلة(4) اغرتم على إبل](5) جاري، فقالوا:
[ما هو لك بجار](6) فقال(7): بلى والله وهذه رواحله [قالوا: كذلك](8) قال: نعم، فرجعوا اليه [فانزلوه عنهن وذهبوا بهن](9) وبالابل وقيل: بل انطوى خالد على الإبل [فذهب بها فقال](10) امرؤ القيس: و [دع عنك نهباً الى آخر القصيدة](11) دع عنك أي أترك ذكره، والنهب الغنيمة(12) [والمراد ما
ص: 206
ينهب و](1) الصيحة الصوت [بأقصى الطاقة](2) (والمراد صيحة الغارة(3))، [والحجرات: النواحي](4) جمع حجرة كجمرة وجمرات، والرَواحل جمع رَاحلة وهي الناقة، تصلح لأن [يشد](5) الرحل(6) على ظهرها وانتصب حديثاً بإضمار فعل أي حدثني حديثاً، أو هات أو اسمع، ويروى حديث بالرفع أي
غرضي حديث فحذف المبتدأ وما ابهامية وهي التي تقترن(7) بالنكرة فتزيده
ابهاماً كقولك: اعطني(8) كتاباً [ما](9) أي: أيُّ كتاب، أوصله مؤكدة كما في قوله تعالى: «فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ»(10)، وأما حديث الثاني فقد ينصب على البدل من الأول وقد يرفع على أن تكون(11) (ما) موصولة وصلتها الجملة(12)
أي الذي هو حديث الرواحل، ثم حذف صدرها كما حذف في قوله تعالى: «
ص: 207
تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ»(1)، أو على أن(2) تكون(3) استفهامية بمعنى أي، والمعنى: دع ذكر النهب الموصوف؛ لأنه ليس بمستغرب واذكر أو اسمع حديثاً غريباً جديداً أو دع ذكر النهب؛ فإنه معلوم ولكن حديث الرواحل؛ لأنه مبهم(4) لا ندري(5) كيف هو لأنه قيل أن خالداً هو الذي ذهب بالرواحل والأول أظهر وأنسب بالمقام. و(هلم) تستعمل(6) لازماً ومتعدياً فاللازم بمعنى تعال، قال الخليل: أصله (لم) من قولهم: لمَّ الله شعثه، أي جمعه كأنه أراد لم نفسك الينا أي اجمعها وأقرب منا، و(ها) للتنبيه وحذفت الألف لكثرة الاستعمال وجعلت الكلمتان واحدة يستوي فيها الواحد والجمع والمؤنث في لغة أهل الحجاز، قال تعالى: «وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا»(7) وأهل نجد يقولون: هلما
وهلموا [وأما المتعدية فبمعنى هات، قال الله عز وجل: «قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ»(8) والخَطب بالفتح](9) الأمر الشديد ينزل، والمراد [بالخطب الاحوال التي
ص: 208
أدت الى أن صار معاوية مع ما عرفه الناس به من خبث](1) المولد(2) ودناءته
وقد لعنه رسول الله (صلى الله عليه واله) وأمه وأباه بقوله: لعن [الله القائد
والسائق](3) والراكب معادلًا له (عليه السلام) منازعاً في الخلافة وامرة [المؤمنین](4) / و 214 / والحاصل دع التعجب من ادعاء [المتقدمین التقدم علي](5) ووثوبهم على الخلافة، فإنه وإن كان [عجيباً مستغرباً إلا أنه](6) ليس في الغرابة كقصة [معاوية. (فلقد أضحكني](7) الدهر بعد ابكاءه ولا غرو
والله، [فيا له خطباً يستفرغ](8) العجب ويكثر [الاود). قال بعض الشارحين](9): يشیر (عليه السلام) بذلك الى ما كان عندهم من الكآبة لتقدم من سلف عليه فلم يقنع الدهر له بذلك حتى جعل معاوية نظر له فضحك (عليه
السلام) مما يحكم به الأوقات، ويقتضيه ترف الدهر وتقلبه وذلك ضحك تعجب واعتبار وعى هذا فالابكاء من القصة الأولى والإضحاك من الثانية،
أو من المجموع ويحتمل أن يكون المنشأ في كل منهما كل منهما أي إذا نظر العقل
الى كل من الأمرين يتألم ويحزن حزناً بالغاً لما يرى من غلبة الباطل وذهاب
ص: 209
الحق واضمحلاله، ثم يحمله التعجب من وقوع مثل تلك(1) الحال واشتباه الأمر [على أهل الزمان](2) على الضحك، فالبكاء في كل من الأمرين من وجه والضحك من وجه، ويحتمل أن يكون الأمران في الثانية فقط وأما الأولى فمفروغ عنها لقوله: دع عنك، والغرض الإشارة الى شدة الأولى وغرابة الثانية غرابة توجب(3) الإبكاء تارة والإضحاك أخرى، وهو المناسب لقصة البيت
المستشهد به فتأمل، ولا غرو بالغین المعجمة والراء المهملة أي (لا عجب)(4)،
قال بعض الشارحين: فسر (عليه السلام) ذلك أي نفي العجب، فقال: فيا له
خطباً يستفرغ العجب أي يستنفده(5)، ويفنيه(6)، فصار العجب لا عجب؛ لأن
ذلك الخطب استخلى المتعجب، فلم يبق منه ما يطلق عليه التعجب وهذا
من المبالغة في المبالغة، قال: ابن هاني المغربي:
قد سرتُ في الميدانِ يومَ طِرادِهم *** فَعجبتُ حتى كِدتُ أن لا أعجبا(7)
[وقال بعضهم(8): ويحتمل أن يكون قوله (عليه السلام) ولا غرو والله أي إذا نظر](9) الإنسان الى حقيقة [الدنيا وتصرف أحوالها فيكون قوله (عليه
ص: 210
السلام) بعد ذلك استئنافاً لاستعظام](1) هذا الأمر، واللام [لام التعجب نحو: يا للماء ويا للدواهي وخطباً منصوب على التمييز، والضمير](2) مبهم يفسره الخطب وقد تقدم، [والاود: الاعوجاج،](3) وأكثار الاعوجاج [لبعده](4) عن الطريقة المستقيمة جداً.
(حاوَلَ الْقَوْمُ إطْفاءَ [نُورِ اللهِ مِنْ](5) مَصْباحِهِ وَسَدَّ فَوَّارِهِ [مِنْ يَنْبُوعِهِ، وَجَدَحُوا](6) بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ شْرِباً وَبِيئاً، فإنْ تَرْتَفِعْ عَنَّا [وَعَنْهُمْ مَحِنْ الْبَلْوَى](7)، أًحْمِلَهُمْ مِنَ الحّقِّ [عَلَى مَحْضِهِ، وَإنْ تُكْنِ الأُخْرَى](8) «فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ»(9)) المراد بالقوم جميع من دخل في نقل الخلافة عن أهل البيت (عليهم السلام) من المتقدمين [والمتأخرين](10)، والمصباح معدن النور أي أرادوا استئصال نور الله واطفاءه بالكلية، وفار البئر وغيره أي جاش، والفوار مبالغة فيه، وفوار الينبوع الثقب الذي يفور الماء منه
ص: 211
بشدة، وفي بعض النسخ (فُواره) بالضم والتخفيف، يقال: فار المسك فواراً [..](1) وفوراناً(2) بالتحريك أي انتشر ريحه، وفوارة القدر ما يفور من حرها، والأول أظهر، والمجدح کمنبر عود تساط به الأشربة وربما یکون له ثلاث شعب، وجدحوا أي خلطوا وأفسدوا، والشِرب بالكسر الاسم من شربت وهو الخط من الماء، والوبئ(3) ذو الوباء وهو المرض العام، والشرب الوبي(4) الفتنة [الحاصلة من عدم انقيادهم](5) له (عليه السلام) کماء(6) مزج بسم [مهلك فإذا جدح هاج وثار](7)، والتعبير بالشرب لدلالة [على انه يصيب كل أحد](8) نصيب منها کالماء المنتاب، ومحن البلوى أي المحن التابعة لابتلاء العباد وتكليفهم باتباع الحق وارتفاعها بدخولهم في ربقة الطاعة ومتابعة أمره (عليه السلام)، والاخرى بقاؤهم على الشقاق والنفاق(9) وذهاب النفس / ظ 214 / الهلاك وإن تكن الأخرى أي تثبت وتوجدا وإن تكن موجودة «فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ»(10) أي لا
ص: 212
تهلك نفسك للحسرات على غيَّهم(1) وإصرارهم على الباطل وجمع الحسرات للدلالة على تضاعف الاغتمام على أحوالهم أو كثرة مساوئ أفعالهم المقتضية للتلهف والتأسف والحزن وعليهم ليس صلة للحسرة؛ لأن صلة المصدر لا يتقدمه(2) بل صلة تذهب أو بيان للمتحسر عليه و[المعنى لا تغتم كثيراً لسوء أعمالهم وسلطان الباطل؛ لأنه الله عالم بما يفعلون ويجازيهم](3) بأعمالهم أقول وإن كان [قد بني هذا الشرح على الاقتصار على حل الألفاظ إلا أني اذكر في هذا المقام کلاماً](4) [...](5) ذكره الشارح عبد الحميد بن أبي الحديد(6) [لانطوائه](7) على(8) بعض الفوائد، قال: وسألت أبا جعفر یحیی بن محمد العلوي](9) نقيب البصرة وقت قراءتي عليه عن هذا الكلام وكان [على](10) ما يذهب اليه من مذاهب العلوية [منصفاً وافر العقل](11) فقلت
ص: 213
له: من يعني (عليه السلام) [بقوله كانت أثرةً شحَّت عليها نفوس](1) قوم ومن القوم الذين [عناهم الاسدي](2) بقوله: كيف دفعكم قومكم عن(3) [هذا المقام؟ هل المراد يوم السقيفة](4) أو يوم الشوری؟ [فقال: يقوم السقيفة](5) فقلت: إن نفسي لا تسامحني أن أنسب إلى الصحابة عصیان الرسول (صلى الله عليه واله) ودفع النص، فقال: وأنا فلا تسامحني أيضاً نفسي أن أنسب الرسول (صلى الله عليه واله) الى(6) اهمال أمر الامامة، وان يترك الناس سُدًی مهملين وقد كان لا يغيب عن المدينة إلا ويؤمر عليها أميراً وهو حي ليس بالبعيد عنها فكيف لا يؤمر عليها وهو ميت لا يقدر على استدراك مايحدث، ثم قال: ليس يشك أحد في أنَّ رسول (صلى الله عليه واله) كان عاقلاً كامل العقل أما المسلمون فاعتقادهم فيه معلوم، وأما اليهود والنصارى والفلاسفة فيزعمون إنه حکیم تام الحكمة سدید الرأي اقام ملة، وشرع شريعة، واستجد ملكاً عظيماً بعقله وتدبيره، وهذا الرجل العاقل الكامل كان يعرف طباع العرب وغرائزهم وطلبهم بالثارات و (الدخول)(7) ولو بعد الازمان المتطاولة، وكان يقتل الرجل من القبيلة رجلًا من بيت آخر فلا يزال أهل ذلك المقتول وأقاربه يتطلبون القتال ليقتلوه؛
ص: 214
حتى يدركوا(1) ثأرهم(2) منه؛ فإن لم يظفروا به قتلوا بعض أقاربه وأهله، فإن لم يظفروا بأحدهم قتلوا واحداً، أو جماعة من تلك القبيلة به، وإن لم يكونوا رهطه الادنين. والاسلام لم يحل طباعهم، ولا غير هذه السجية المركوزة في أخلاقهم، فكيف يتوهم لبيب [ان هذا العاقل الكامل وتر العرب، وعلى الخصوص قريشاً، وساعده على سفك الدماء](3) وإزهاق [الانفس وتقلد الضغائن ابن عمه الادني وصهره(4)، وهو يعلم أنه سيموت کما یموت](5) الناس، ویترکه بعده [وعنده ابنته](6)، وله منها ابنان يجریان عنده [مجری ابنين من ظهره](7) حُنوًا عليهما، ومحبة لهما، ويعدل عنه في [الامر بعده](8)، ولا ينص عليه ولا يستخلفه، [فيحقن دمه ودم بنيه وأهله باستخلافه! ألا يعلم هذا العاقل الكامل، أنه إذا تركه](9) وترك أهله [وبنيه سُوقةً رعيةً فقد عرض دماءهم](10) للإراقة بعده؛ بل يكون هو [(صلى الله عليه واله)
ص: 215
الذي](1) [قتلهم وأشاط](2) [بدماءهم؛ لأنهم لا يعتصمون بعده](3) بأمر يحميهم، وإنما يكونون مضغة للأكل، و فريسة للمفترس، يتخطفهم الناس، ويبلغ فيهم الاغراض! فإما إذا جعل السلطان فيهم والأمر اليهم؛ فإنَّه يكون عصمهم وحقن دمائهم بالرئاسة التي يصولون بها، ويرتدع الناس عنهم لأجلها. ومثل هذا معلوم بالتجربة. ألا ترى أنَّ ملك بغداد وغيرها من البلاد لو قتل الناس ووترهم وأبقى في نفوسهم الأحقاد العظيمة عليه، ثم أهمل أمر ولده وذريته / و 210 / من بعده، وفسح لهم أن يقيموا ملكاً من عرضهم، وواحداً منهم وجعل بینه سوقه كبعض العامة لكان بنوة بعده قليلاً بقاؤهم، سریعاً هلاكهم، ولوثب عليهم [...](4) الناس ذوو الأحقاد والترات(5) من كل جهة يقتلونهم ويشردونهم كل مشرد، ولو أنه عين ولداً من أولاده للملك، وقام خواصه وخدمه حوله بأمره بعده لحُقِنَت دماء أهل بيته، ولم تطل يد أحد من الناس اليهم لناموس الملك، وأبهة السلطنة، وقوة الرئاسة، وحرمة الإمارة!، أفترى ذهب عن رسول الله (صلى الله عليه واله) هذا المعنى، أم أحب أن يستأصل أهله وذريته من بعده! وأين موضع الشفقة على فاطمة العزيزة(6) عنده الحبيبة الى قلبه! أتقول: أحب أن يجعلها كواحدة من فقراء المدينة، تتكفف الناس، وأن يجعل علياً المكرم المعظم عنده، الذي
ص: 216
كانت حاله معه معلومة كأبي هريرة الدوسي، وأنس بن مالك الانصاري(1)، يحكم الأمراء في دمه [وعرضه ونفسه وولده، فلا يستطيع الامتناع، وعلى رأسه مائة ألف سيف مسلول يتلظى أكباد](2) أصحابها عليه ويودون [أن يشربوا دمه بأفواههم، ويأكلوا لحمه بأسيافهم وقد قتل أبنائهم وأخوانهم](3) و آباءهم وأعمامهم، والعهد لم يطل، والقروح لم تتقرف(4) والجروح لم تندمل! [فقلت: لقد أحسنت فيما قلت](5) إلاَّ أن لفظه (عليه السلام) يدل على أنه لم يكن [نصَّ عليه، ألا تراه يقول](6): ونحن [الأعلون نسباً، والاشدون]
ص: 217
(1)بالرسول (صلى الله عليه واله) [نوطاً، فجعل الاحتجاج بالنسب](2) وشدة القرب فلو [كان عليه نص لقال عوض ذلك](3): وأنا المنصوص عليَّ، والمخطوب باسمي [فقال: انما اتاه من](4) حيث يعلم لا من حيث يجهل [ألا ترى انه سأله فقال](5): كيف دفعكم قومكم عن هذا المقام وأنتم أحق به؟ فهو إنما سأل عن دفعهم عنه وهم أحق به من جهة اللحمة [ولم یکن](6) الأسدي يتصور النص ولا يعتقده، ولا يخطر بباله؛ لأنه لو كان هذا في نفسه لقال له: لم دفعك الناس عن هذا المقام وقد نص عليك رسول الله (صلى الله عليه واله) ولم يقل له هذا، وإنما قال كلاماً عاماً لبني هاشم كافة، كيف دفعكم قومكم عن هذا المقام وأنتم أحق به؟ أي باعتبار الهاشمية والقربی، فأجابه بجواب أفاد قبله المعنى الذي تعلق به الاسدي بعينه تمهيداً للجواب، فقال: إنما فعلوا ذلك مع إنَّا أقرب إلى رسول الله (صلى الله عليه واله) من غيرنا لأنهم استأثروا علينا، ولو قال: أنا المنصوص عليَّ والمخطوب باسمي في حياة رسول الله (صلى الله عليه واله) لما كان قد أجابه؛ لأنه ما سأله: هل أنت منصوص عليك أم لا؟ وهل نص رسول الله (صلى الله عليه واله) بالخلافة على أحد أم لا؟ وإنما قال: لم دفعكم قومكم عن الأمر وأنتم أقرب الى ينبوعه ومعدنه منهم؟ فأجابه جواباً ينطبق على السؤال ويلائمه، وأيضاً
ص: 218
فلو أخذ يصرح له بالنص، ويعرفه تفاصيل باطن الأمر لنفر عنه واتهمه ولم يقبل قوله، ولم ينجذب إلى تصديقه، فكان أولى الأمور في حكم السياسة وتدبير الناموس أن يجيب بالانفرة منه ولا مطعن عليه فيه انتهى.
وأقول ليس الكلام خالياً عن الاشارة [الى دفع النص(1) وعصيان الرسول (صلى الله عليه واله) الذي استبعده الشارح من](2) الصاحبة، فإن قوله [(عليه السلام): (حاول القوم اطفاء نور الله) صريح في العصيان وأنهم قصدوا بذلك](3) محادة الله ورسوله [(صلى الله عليه واله)](4) إلا أنهم أرادوا بذلك اصلاح أمر الأمة وان [أخطاؤا](5) في اجتهادهم کما هو مذهب الشارح(6) [وأصحابه من معتزلة](7) بغداد واما الذاهبون [الى أنهم لم يقصدوا](8) إلاَّ الاصلاح واصابوا فمناقضه الكلام [لمذهبهم اوضح من أن يحتاج الى البيان، وفي كلامه (عليه السلام) اشارة الى قوله](9) تعالى: «يُرِيدُونَ
ص: 219
أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللهَّ [بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى الله](1) إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ / ظ 215 / وَلَوْ كَرِهَ
(الحَمْدُ للهِ خَالِقِ الْعِبَادِ، وَساطِحِ الْمِهادِ، وَمُسِيلِ الْوِهادِ، وَمُخْصِبِ(4) النِّجادِ؛ لَيْسَ لِوَّلِيَّتِهِ ابْتِداءٌ، وَلَا لِزَلِيَّتِهِ انْقَضاءٌ؛ هُوَ الأوَّلُ لَمْ(5) يَزَلْ، وَالْبَاقِي بِلَا أَجَلٍ خَرَّتْ لَهُ الْجِبَاهُ، وَ وَحَّدَتْهُ الشِّفَاهُ) الساطح الباسط، يقال: سطحه کمنعه، والجهاد بالكسر الأرض والفراش، وقيل أصله الفراش، وقال عز وجل: «أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا»(6) أي بساطاً ممكناً للسلوك، وسال الماء أي جری والمسيل المجرى له، والوهاد جمع وهدة وهي الأرض المنخفضة ومسيل الوهاد مجرى الماء فيها، والخصِب بالكسر كثرة(7) العشب، واخصب الله الأرض أي جعلها كثيرة العشب والکلاء، والنِجاد بالكسر جمع نجد بالفتح وهو المرتفع من الأرض، وفي بعض النسخ مسيل الوهاد و مخصب النجاد على صيغة التفعيل فيهما والمعنى واحد والحمد بالمذكورات باعتبار القدرة والأنعام وكونه تعالى ليس لأوليته ابتداء واضح؛ لأنه واجب الوجود وأما
ص: 220
أنه ليس لأزليته أي قدمه انقضاء، فيحتمل أن يكون المراد به أنه ليس لبقائه انقضاء کما يفهم من كلام بعض الشارحين(1)، وحينئذ يكون نفي الانقضاء عن الأزلية باعتبار أن الازلية تستلزم(2) البقاء؛ لأن ما ثبت قدمه امتنع عدمه، أو يكون المعنى ليس لوجوده الأزلي انقضاء فيكون قوله (عليه السلام): (هو الأول لم يزل، والباقي بلا أجل) تفسيراً للجملتين، ويحتمل أن يكون المراد نفي الانقضاء إذا ذهب الوهم الى جهة الأزل صاعداً فيكون بیاناً لنفي الابتداء عن الأولية وخر(3) کفر أي سقط [والجبهة مستوى ما بين الحاجبين إلى الناصية، والشفة المخففة ولامها محذوفه ومن](4) العرب من يجعلها ها [ويبني عليها تصاريف الكلمة، وتقول(5) الاصل شفهه و تجمع(6) على شفاه، مثل کلبه وکلاب، وعلى شفهات مثل](7) سجدة وسجدات، ويقول: شفيهة وكلمته مشافهة والحروف الشفهية ومنهم من [ليجعلها واواً ويقول](8) الأصل شفوه، وتجمع على شفوات [کشهوة وشهوات ويقول](9) شفية(10) وكلمته
ص: 221
مشافاة [والحروف الشفوية](1) ونقل ابن فارس(2) القولين [عن الخليل(3)، وكلامه (عليه السلام) يطابق](4) الأول، وناقض [الجوهري(5) فانكر أن يقال](6) أصلها الواو، وقال: تجمع [على شفوات ولا يكون الشفة](7) إلا من الإنسان، [ويقال في ذي الخف المشفر](8)، والجحفلة(9) في ذي الحافر، والمقمة في ذي [الظلف](10)، والخطم والخرطوم في السباع، والمَنسَر بفتح الميم وكسرها وفتح السين فيهما في ذي الجناح الصائد، والمنقار في غير الصائد، والفنطسة من الخنزير (حَدَّ الأَشْياءَ عِنْدَ خَلْقِهِ لَهَا(11) إبانَةً لَها مِنْ شَبَهِها لَا تُقَدِّرُهُ الَأوْهامُ بِالحُدُودِ وَالحَرَكَاتِ وَلَا بِالجَوَارِحِ وَالأَدَواتِ؛ لَا يُقالُ لَهُ: ((مَتَى)) وَلَا يُضْرَبُ لَهُ أَمَدٌ ب((حتّى))؛ الظَّاهِرُ لَا يُقالُ: ((مما))(12) وَالْبَاطِنُ لَا يُقالُ: ((فيمَا))(13)؟
ص: 222
لَا شَبَحٌ فَيُتَقَضَّى(1) وَلَا مْحَجُوبٌ فَيُحْوَى) الحد منتهى الشيء وحد الأشياء أي جعل لها حدوداً ونهايات خارجية أو عقلية، والابانة الكشف والإيضاح، وأبانه الشيء من الشيء تميزه منه، والشبه بالكسر المثل، وكذلك الشَبَه بالتحريك كما في بعض النسخ و(لا تُقْدِّرُهُ) على صيغة التفعيل أي لا تجعل له مقداراً وهو مبلغ الشيء وفي بعض النسخ (لا تَقدرُه) کتنصر بمعناه وجوارح الإنسان اعضاءه التي تكتسب يقال: جرح کمنع أي اكتسب، والأدوات الآلات، ولا يقال له: متی أي لا يسأل عن مبدأ وجوده بأن يقال: متى وجد الأزليته، أو لا يسأل عن زمان وجوده؛ لأنه لا يحويه زمان، والأمَد بالتحريك الغاية وضرب الامد تعيين الغاية، والظاهرِ، الواضح أي المتبين(2) للعقول بطرق المعرفة لاانه برز من شيء، والباطن [أي المحتجب عن الابصار والاوهام و بکنهه عن العقول ولا يقال ما لأنه ليس بجسم](3) و لاجسماني ويكون [الباطن في أسمائه تعالى بمعنى العالم ببواطن الأشياء لكنه في المقام خلاف](4) الظاهر، والشبح بالتحريك [الشخص(5) وهو كل](6) جسم له ارتفاع / و 216 / وظهور وسواد الإنسان تراه من بعيد، وتقضى الشيء
ص: 223
وانقضى أي فنی [وانصرم، ولعل](1) المراد ليس بجسم حتی [يتطرق اليه الفناء و](2) الزوال والمحجوب الذي ستره جسم، فيكون الساتر [حاوياً له بوجه أو](3) يكون المستور مما [يمكن أن يحويه شيء والمحوى لا يكون](4) إلا جسماً ذا مكان (لَمْ يَقْرُبْ [مِنَ الأشْياءِ بِالْتِصاقٍ](5) وَلْمَ يَبْعُدْ عَنْهَا [...](6) [بِافْتِرَاقٍ، لَا(7) يْخَفَى عَلَيْهِ](8) مِنْ عِبَادِهِ شُخُوصُ(9) لَحْظَةٍ وَلَا كُرُورُ لَفْظَةٍ، وَلَا ازْدِلَافُ رَبْوَةٍ، وَلَا انْبِساطُ خُطْوَةٍ. فِي لَيْلٍ دَاجٍ، وَلَا غَسَقٍ سَاجٍ، يَتَفَيَّؤ عَلَيْهِ
الْقَمَرُ المُنِرُ، وَتَعْقُبُهُ الشَّمْسُ ذَاتُ النُّورِ، فِي الأفُولِ وَالْكُرورِ، وَتَقْلِيبِ الأزْمِنَةِ
وَ الدُّهُورِ؛ مِنْ إقْبالِ لَيْلٍ مُقْبِلٍ، وَإِدْبارِ نَهارٍ مُدْبِرٍ)، لعله لما كان سبحانه أقرب من كل شيء [...](10) کما قال عز وجل: «وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ»(11) نفي (عليه السلام) عنه عز وجل القرب على وجه الالتصاق الذي هو منتهى القرب المكاني، أو المراد لم يقرب من الاشياء قرباً متلبساً بالالتصاق، إذا بلغ الكمال كما هو شأن القرب الجسماني، وشخص البصر
ص: 224
شخوصاً إذا ارتفع ويتعدى بنفسه فيقال: شخص الرجل بصره إذا فتح عينيه، لا يطرف، وربما تعدي بالباء فيقال: شخص الرجل ببصره فهو شاخص، وأبصار شاخصة، واللحظة النظرة أو مختص بمؤخر العين، وهو أشد التفاتا من الشزر، والكرور العود و کرور اللفظة تكرر التلفظ والإزدلاف القرب، يقال: از لفه فاز دلف، واصله ازتلف(1)، والرَبوة بالفتح کما في بعض النسخ وهو لغة بني تميم، وبالضم کما في بعضها وهو الاكثر المكان المرتفع، قال بعض الشارحين: (از دلاف الربوة تقدمها في النظر، فإن الربوة أول ما تقع(2) في العين من الأرض عند مد البصر)(3)، والخَطوة بالفتح کما في بعض النسخ، وبالضم كما في بعضها ما بين القدمين و [انبساطها امتدادها وسعتها، والدُجی بالضم الظلمة، ويقال: دجى الليل دجواً بالفتح](4) ودُجُوا کَعتوا أي اظلم و [الغسق بالتحريك الظلمة واشتدادها أو الظلمة أول الليل، وسجى الليل](5) يسجو أي ستر بظلمته ومنه تسجية [الميت إذا](6) غطيته بثوب، وقيل في قوله تعالى: «وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى»(7) أي سكن](8) أهله، أو
ص: 225
رکد ظلامه من سجى البحر سُجُواً [إذا سكنت أمواجه](1)، وتفيأ الظل أي تلقب [ومال من جانب الى جانب](2) قال عز وجل: «أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى [مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ](3) عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ»(4)، [والضمير في عليه راجع الى](5) الغسق أو إلى الليل والغسق، [قال بعض الشارحين: معنى يتفيؤ عليه](6) يتقلب(7) ذاهباً و [جائياً في حالتي أخذه](8) في الضوء إلى التبدر وأخذه في النقص إلى المحاق)(9)، ويحتمل أن يكون المراد تقلب(10) القمر بحركة من جانب الى جانب وسفل إلى علو و بالعکس، و تحويل الظلمة من موضع إلى موضع. وعقبت الرجل كنصرت و عقبته بالتشديد [ويوجدان في النسخ](11) أي جئت بعده وعلى عقبه والضمير راجع إلى القمر، ويحتمل أن يعود الى الغسق فإن الشمس تسوقه(12) من موضع إلى موضع، وكان في نسخ
ص: 226
و کم الشارحین(1) (تعقبه) على صيغة التفعل، قالوا: أي تتعقبه(2) فحذف أحدى التائين، كقوله تعالى: «تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ»(3) أي تتوافاهم، والأفول الغيبة(4)، والكرور العود کما مر أي في الغروب و الطلوع، والأزمِنة بكسر الميم جمع زمان کمکان وأمكنة ويكون للقلة والكثرة فيهما، والظرف أعني قوله من اقبال متعلق بتقليب والغرض بیان علمه تعالى بالجزئيات وأنه لا يغرب عنه شيء. (قَبْلَ كُلِّ غَايَةٍ وَمُدَّةٍ وَكُلِّ إحْصَاءٍ وَعِدَّةٍ، تَعالَی عَمَّ يَنْحَلُهُ المُحَدِّدُونَ(5) مِنْ صِفَاتِ الأَقْدَارِ وَنِاياتِ الأقْطارِ وَتَأثُّلِ المَساكِنِ وَتَمَكُّنِ الأَماكِنِ فَالحَدُّ لِخَلْقِهِ مَضْرُوبُ، وَإلَی غَیْرِهِ مَنْسُوبٌ) لما كان سبحانه مبدأ للكل فكان قبل كل غاية ومدة واحصاء وعده، والعِدة / ظ 216 / بالكسر الجماعة، تقول: لفلان عدة كتب، وفي بعض النسخ عَدَة بالفتح وهي المرة من عددته عداً، وقد مرَّ الكلام في العد والاحصاء في أول شرح الخطبة الأولى، ونحله کمنع أي أعطاه من [غير عوض(6) بطيب(7) نفس، ونحلة القول أي اضاف ونسب اليه قولًا قاله غيره والتعبير على الاول](8)؛ لأنه سبحانه ليس له [ما وصفوه به فكان
ص: 227
كمن أعطى شيئاً لم يكن له، والمحددون مثبتوا الحدود والاضافة](1) في صفات الأقدار [أما بيانية فالمراد](2) وصفه سبحانه بالمقادير إلا أنه لا يلائم الاضافة في الاخيرتين(3) أو المراد [بالأقدار](4) [ذوي المقادير على](5) حذف المضاف [أو نوع من التجوز](6)، أو المراد بصفات الأقدار ما يتبع المقدار من [الانتهاء والانقطاع](7) والزيادة [والنقصان والمساواة ونحو ذلك](8)، والأقطار جمع قُطُر بالضم، وهو [الجانب والناحية](9) والاضافة في نهايات [الاقطار ظهرت من](10) السابقة، والتأثل التأصل(11)، وبیت مؤثل أي معمور، وقيل: أصل الكلمة أن يبني الدار بالأثل(12) وهو شجر معروف، ولعل المراد بتأثل المساکن قدم البيوت المجد الاباء وعزهم أو(13) التمكن
ص: 228
والاستقرار في المساکن کما یستقر(1) أصل الشجر في الأرض، فيكون تمكن الأماكن كالتفسير له وضرب الحد اثباته وتعينه ويعبر بالضرب عن كثير من الأفعال. (لَمْ يَخْلُقِ الأشْياءَ مِنْ أُصُولٍ أَزَليَّةٍ وَلَا مِنْ أوِائِلَ(2) أبَدِيَّةٍ؛ بَلْ خَلقَ [ما خَلقَ](3) فَأَقامَ حَدَّهُ، وَصَوَّرَ ما صَوَّرَ فَأَحْسَنَ صُورَتَهُ. لَيْسَ لِشيَءٍ مِنْهُ امْتِناعٌ وَلَ لَهُ بِطَاعَةِ شَيْءٍ انْتِفَاعٌ؛ عِلمُهُ بِالأَمْوَاتِ المَاضِنَ كَعِلْمَهِ بِالأَحْياءِ الْبَاقِینَ، وَعِلْمُهُ بِمَا فِي السَّمَوَاتِ العُلَى، كَعِلْمِهِ بِمَا فِي الْأرَضِینَ السُّفْلَی) لعل المراد بالأصول الأزلية ما زعمه بعض الفلاسفة من الهيولي القديمة ونحو ذلك، والأَبَد بالتحريك (الدهر)(4)، (والدائم والقديم الأزلي)(5) صرح به في القاموس، وقيل: الزمان الطويل الذي ليس بمحدود(6)، والمراد بالأوائل الأبدية ما كان مثالاً له سبحانه حتى خلق الأشياء على حذوه، ويحتمل أن يكون تفسير، أو تأكيداً للأصول الأزلية، وفي بعض النسخ (بدية) والبدي کرضي الأول [أي](7) من أوائل سابقة على الجاده وإقامة حد الأشياء اتقان الحدود على وفق الحكمة من المقادير والإشكال، والنهايات والآجال وصور أي أوجد الصور ولا يستدعي أن (تكون)(8) المواد مخلوقة لغيره والامتناع ضد الانقياد [والتساوي في علمه سبحانه بالنسبة إلى الأشياء؛ لكمال علمه
ص: 229
وتساوي نسبته اليها والمراد](1) بالأرضين الطبقات، أو [القطعات کما قيل والسطوح(2) المحدبة من الأرض والسموات الست دون السابعة](3)؛ لأنها لا يسكن في سطحها المحدب خلق کما روي عن الرضا (عليه السلام) في قوله تعالى: «اللَّهُ [الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ](4)»(5)، وحينئذ يراد بما في [السموات العلى ما سوى](6) الساكنين، وما كان في [السطوح المحدبة به بل ما كان](7) في الأجواء دفعاً للتداخل والله [تعالى يعلم. [منها](8): أَيُّهَا المَخْلُوقُ](9) السًّوِيُّ وَ [المُنْشَأُ المَرْعِىُّ؛ فِي ظُلُماَتِ](10) الْأَرْحَامِ وَمُضَاعَفَاتِ [الْأَسْتَارِ. بُدِئْتَ مِنْ سُاَلَةٍ مِنْ طِینٍ، وَ وُضِعْتَ](11) فِي قَرَارٍ [مَكِینٍ إلَی قَدَرٍ
مَعْلُومٍ](12) وَأَجَلٍ مَقْسُومٍ) السوي (العدل)(13)، والوسط ورجل سوي أي
ص: 230
مستوي الحلقة غير ناقص، وأنشأ الله الخلق أي ابتدأ خلقهم، ونَشَأَ كَمَنَعَ
وكَرُمَ أي حي وربي، ونشأ الصبي أي جاوز حد الصغر، وانشاءه(1) الله، والمُنشأ بضم الميم اسم مفعول من انشاء، والرعاية الحفظ وكل من ولي أمر قوم، فهو راعي ومن شمله حفظ الراعي ونظره، فهو مرعي ومضاعفات الاستار (الاستار) المضاعفة، والحجب بعضها فوق بعض، قال: أرباب التشريح الرحم موضوعة فيما بين المثانة والمعي المستقيم وهي مربوطة برباطات على هيئة السلسلة وجسمها عصبي ليمكن امتدادها واتساعها وقت الولادة والحاجة الى ذلك وينضم إذا استغنی ولها بطنان تنتهيان الى فم واحد وزائدتان / و 217 / تسمیان قرني الرحم وخلف هاتين الزائدتين بيضتا المرأة وهما أصغر من بيضتي الرجل واشد تفرطحا والمفرطح العريض ومنهما ينصب مني المرأة إلى تجويف الرحم، وللرحم رقبة منتهية الى فرج المرأة وتلك الرقبة من المرأة بمنزلة الذكر من الرجل فإذا امتزج مني الرجل بمني المرأة في تجويف الرحم كان العلوق ثم ينمي من دم الطمث ويتصل بالجنين عروق تأتي إلى الرحم فَتَغْذُوْهُ حتى يتم ويكمل، فإذا لم يكتفِ بما يجيئه من تلك العروق يتحرك حركات قوية طلباً للغذاء فيهتك أربطة الرحم التي قلنا أنها على هيئة [السلسلة ويكون منها الولادة. وبدأ الله الخلق وأبدأهم وابتدأهم، أي خلقهم والسَل](2) بالفتح اخراج الشيء [(وانتزاعه)(3) في رفق وتأني،
ص: 231
والسُلالة بالضم ما أُستُل واستخرج، وفعاله للقلة](1) كقمامة وكناسة، قال الله [عز وجل: «وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ](2) مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ»(3)، قيل المراد [بالإنسان آدم](4) (عليه السلام) خلق من خلاصة [سلت من بين الكدر](5)، وقيل: جنس الانسان، فإنهم خلقوا من سلالات [جُعلت نطفاً بعد أدوار](6)، وقيل المراد [بالطين آدم (عليه السلام)؛ لأنه خلق](7) منه، والسلالة النطفة، والضمير [في جعلناه راجع إلى نسله](8) على حذف المضاف [على بعض الوجوه](9) والى السلالة على بعضها، والتذكير على تأويل الجوهر أو(10) المسلول أو الماء (وقال بعض الشارحين: الكلام الأول لآدم الذي هو أصل البشر والثاني لذريته)(11)، وقرَّ الشيء کفر وعضَّ قراراً أي ثبت وسکن، والمكين المتمكن وهو في الأصل صفة للمستقر وصف به المحل مبالغة(12) کما عبر عنه بالقرار، أو المراد تمكن الرحم في
ص: 232
[مکانها](1) مربوطة [بالرباطات](2) المذكورة وغيرها والمعنى في مستقر حصين هي الرحم والى قدر معلوم أي مقدار معين من الزمان قدره الله للولادة، وقسمه كضربه و قسمه بالتشديد أي جزاه، و فرقه وقسم أمره أي قدره والأجل المقسوم المدة المقدرة لحياة كل أحد، فيكون الظرف متعلقاً بمحذوف أي منتهياً إلى أجل [مقسوم](3) کما ذكره بعض الشارحين(4)، ويمكن أن يكون المراد بالأجل [المدة](5)، فإنبَ الوضع في الرحم غايته [ابتداء الأجل أي مدة حياة الدنيا](6)، ويمكن أن يكون الأجل [المقسوم تفسير للقدر المعلوم](7) والله تعالى [يعلم](8) و مفاد الكلام قدرة الخالق وعلمه وحكمته ورأفته وأسر الإنسان في ربقة القدرة ومهانته وحقارته (تمُورَ فِي بَطْنِ أُمِّكَ جَنِيناً لَا تُحِیرُ(9)
دُعَاءً، وَلَا تَسْمَعُ نِدَاءً. ثُمَّ أُخْرِجْتَ مِنْ مَقَرِّكَ إلَی دَارٍ لَمْ تَشْهَدْهَا وَلَمْ تَعْرِفْ
سُبُلَ مَنَافِعِهَا فَمَنْ هَدَاكَ لِاجْتِرَارِ الْغِذَاء مِنْ ثَدْيِ أُمِّكَ وَعَرّفَكَ عِنْدَ الْحَاجَةِ
مَوَاضِعَ طَلَبِكَ وإرَادَتِكَ !هَيْهَاتَ(10) إنَّ مَنْ يَعْجِزُ صِفَاتِ ذِي الْهَيْئَةِ؛ وَالْأَدَوَاتِ؛
ص: 233
فَهُوَ عَنْ صِفَاتِ خَالِقِهِ أعْجَزُ، وَمِنْ تَنَاوُلِهِ بِحُدُودِ المَخْلُوقِنَ أَقرَبُ(1)) مَارَّ الشيء كقَالَ أي (تحرك)(2) أو بسرعة و (اضطرب وتحرك)(3) في عرض، وج كَفَرَّ أي استتر والجنين الولد في البطن، فإذا ولد، فهو منفوس، والمحاورة الجواب ومراجعة النطق، ويقال: كلمته فما أحار الي جواباً أي لم يجبني ودعوته دعاء أي ناديته وطلبت اقباله ولم تشهدها أي لم تحضرها قبل ذلك ولم تعلم بحالها والاجترار والإجدرار [والاستجرار والتجرير والجر الجذب، (وعرفك عند الحاجة مواضع طلبك) أي حلمة الثدي](4) على ما ذكره بعض الشارحين(5) [والجمع باعتبار أن الطفل يمتص من غير ثدي أمه أيضاً أو عرفك عند الحاجة](6) إلى كل شيء في دار الدنيا مواضع طلبك، وفي بعض النسخ (وحرك عند الحاجة) فالمراد [بمواضع الطلب القوي والالات التي بها يحصل(7) اجترار الغذاء، وهيهات أي(8) بعد أن يحيط علمًا / ظ 217 / بصفات خالقه](9) الذي هو أبعد الأشياء منه [لعدم المجانسة والمشابهة
ص: 234
وليس له حدود المخلوقين من لا](1)يقدر على وصف [نفسه مع أنه أقرب الاشياء اليه](2)وغيره من ذوي [الهيئة والادوات](3) المجانس له في الذات [والصفات المتصف بحدود المخلوقين](4).
(لما [اجتمع](5)الناس عليه وشكوا ما نقموه(6)على عثمان وسألوه مخاطبته عنهم واستعتابه لهم فدخل عليه)(7)فقال: [...](8)اجتمع الناس عليه أي مقبلين مزدحمين، وفي بعض النسخ (اليه) أي متوجهين ونَقَمْتُ الأمر كَضَرَبْتُ أي كرهته ونقمت على الرجل أي عتبت عليه وما نقموه على عثمان أحداثه وبدعه ومخاطبته عنهم أي من قبلهم واستعتابه لهم أي أن يطلب لهم منه الرجوع عن أحداثه، أو الرضا أي ما يرضيهم عنه (إِنَّ النَّاسَ وَرَائِي وَقَدِ
ص: 235
سْتَسْفَرُونِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ؛ وَوَاللهِ مَا أَدْرِي(1)مَا أَقُولُ لَكَ! مَا أَعْرِفُ شَيْئاً تَجْهَلُهُ، وَلَا أَدُلُّكَ عَلَى أَمْرٍ لَا تَعْرِفُهُ! إِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نَعْلَمُ؛ مَا سَبَقْنَاكَ إلَی شَيءٍ فَنُخْبِرُكَ عَنْهُ وَلَا خَلَوْنَا بِشَيْءٍ فَنُبَلِّغَكَهُ؛ وَقَدْ رَأَيْتَ كَمَا رَأَيْنَا، وَسَمِعْتَ كَمَا
سَمِعْنَا، وَصَحِبْتَ(2)رَسُولَ اللهِ(3)كَمَا صَحِبْنَا. وَمَا ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ وَلَا ابْنُ الْخَطَّابِ بِأَوْلَی بِعَمَلِ الحَقِ(4)مِنْكَ وَأَنْتَ أَقْرَبُ إلیَ رَسُولُ الله (صَلىَّ اللهُ عَلَيْهِ
وَالهِ وَسَلَّمَ)(5)وَشِيجَةَ رَحِمٍ مِنْهُمَا وَقَدْ نِلْتَ مِنْ صِهْرِهِ مَا لْمَ يَنَالَا) استسفروني أي جعلوني سفيراً بينك، وبينهم وهو الرسول والمصلح بين القوم وما أردي ما أقول لك أي من الكلام النافع المؤثر فيك إذ لا يؤثر فيك قول وما أعرف شيئاً تجهله أي في قبح أحداثك وبدعك لوضوح الخطأ فيها وعدم خفا(6)الحق فيها على أحد وكذلك القول [في قوله (عليه السلام) أنك لتعلم ما نعلم وما بعده وإنما خاطبه (عليه السلام) على وجه](7)الرفق والملاطفة لإتمام [الحجة وكونه أبلغ في التذكير والردع عن المنكر كما قال عز وجل
ص: 236
لموسى وهارون](1)(عليهما السلام): ((فَقُولاَ لَهُ [قَوْلاً لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ](2)أو يخشی وأبو قحافة كقمامة وكناسة والد أبي بكر واسمه عثمان بن عامر وكونه أقرب [الى رسول الله](3)(صلى الله عليه واله) منهما [لأنه من ولد عبد مناف و](4)الواو يحتمل الحالية والعطف والوشيجة [عرق الشجر واشتباك](5)القرابة [والواشجة: الرحم المشتبكة ويقال: وشجت](6)بك قرابة فلان ووشیجه(7)نصب على التمييز [ونلت كبعت](8)وخفت أي [أصبت (فالله الله في نفسك فأنك](9)وَاللهِ مَا تُبَصُرَّ مِنْ عَمىً، وَلاَ تُعَلَّمُ مِنْ جَهْلٍ؛ وَإنَّ الطُّرُقَ لَوَاضِحَةٌ وَإِنَّ أَعْلَامَ الدِّينِ لَقَائِمَةٌ. فَاعْلَمْ أَنَّ أفْضَلَ عِبَادَ اللهِ عِنْدَ اللهِ إِمَامٌ عَادِلٌ؛ هُدِيَ وَهَدى، فَأَقَامَ سُنَّةً مَعْلُومَةً، وَأَمَاتَ بِدْعَةً مَجْهُولَةً؛ وَإنَّ السُّنَنَ لَنَیِّرَةٌ لَهَا أَعْلَامٌ، وَإِنَّ الْبِدَعُ لَظَاهِرَةٌ لَهَا أَعْلَامٌ؛ وَإنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللهِ إِمَامٌ جَائِرٌ ضَلَّ وضُلَّ بِهِ فَأَمَاتَ سُنَّةً مَأْخُوذَةً، وَأَحْيَا بِدْعَةٍ مَتْرُوكُةً) الله الله منصوب بفعل مقدر أي اتق الله وراقب(10)الله في شأن نفسك واحذر عقاب الله، واعلام الدين ما
ص: 237
یهتدي به، وسنة معلومة أي معلومة بالتصديق بأنها الحق، وبدعة مجهولة أي غير مصدقة بأنها حقٌ وأعلام السنن ما يدل عليها من الكتاب والاخبار أو الائمة (عليهم السلام)، وسنة مأخوذة أي حقيقة بأن تؤخذ(1)ويعمل بها وشأنها الأخذ بها كما أن البدعة شأنها الترك والاعراض عنها (وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلهِ)(2)يَقُولُ: يُؤْتَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالِإمَامِ الْجَائِرِ، وَلَيْسَ مَعَهُ نَصِیرٌ وَلَا عَاذِرٌ، فَيُلْقَى فِي جَهَنَّمَ(3)، فَيَدُورُ فِيهَا كَمَا تَدُورُ الرَّحَى؛ ثُمَّ يَرْتَبِطُ فِي قَعْرِهَا وَإِنِّي أَنْشُدُكَ اللهَ أَنْ(4)تَكُونَ إِمَامَ هَذِهِ الُأْمَّةِ المَقْتُولَ! / و218 / فَإِنَّهُ كَانَ يُقَالُ: يُقْتَلُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ إِمَامٌ يَفْتَحُ عَلَيْهَا الْقَتْلِ وَالْقِتَالَ إلَی يَوْمِ الْقِيَامَةِ؛ وَيَلْبِسُ أُمُورَهَا عَلَيْهَا، وَيَبُثُّ(5)الْفِتَنُ فِيهَا، فَلاَ يُبْصُرِونَ الْحَقَّ مِنَ الْبَاطِلِ؛ [يَمُوجُونَ فِيها مَوْجاً، وَيَمْرُجُونَ فِيها مَرْجا)، الجور الظلم، والميل عن الحق وعذرته فيما صنع أي](6)رفعت عنه اللوم [وقبلت عذره ويكون العاذر بمعنى الناصر وربطه وارتبطه أي شده وانشدك الله وبالله]
ص: 238
(1)کانصر أي سألتك واقسمت عليك [قال](2)ابن الاثير: و[تعديته](3)الى مفعولين أما لأنه بمنزلة دعوت [حيث قالوا: نشدتك](4)الله وبالله كما قالوا: دعوت زیداً وبزيداً [ولأنهم ضمنوه](5)معنى ذكرت فأما [ انشدك بالله أي على](6)صيغة الأفعال فخطأ [والمقتول منصوب على انه صفة للامام](7)أي أن (يكون)(8)ذلك [الامام الذي اخبرنا به](9)سيقتل والظاهر أن المخبر هو [الرسول (صلى الله عليه](10)واله) وترك التصريح(11)[لنوع من المصلحة وفاعل](12)يفتح ضمير الامام والتلبيس التخليط والتدليس، وفي بعض النسخ يلبس على صيغة الأفعال والمعنى واحد، وبث(13)کَمَدَّ وفَرَّ أي نَشَرَ وفَرَقَ، وفي النسخ بضم العين (ولا يبصرون الحق من الباطل) أي
ص: 239
لا يميزون(1)بينهما، والموج اضطراب البحر والميل عن الحق، (ویمرُجون) بضم العين کما، في بعض النسخ أي يخلطون ويحتمل أن يكون من مرجت الدابة (أي رعت(2)في المرج)(3)بالفتح وهو (الموضع تُرعى فيه الدواب)(4)، ويقال: مرجتها مرجاً أي أرسلتها ترعى(5)، وفي بعض النسخ يمرَجون بفتح العين، تقول(6): مرج(7)کفرح(8)أي اختلط واضطرب وأمر مريج أي مختلط ومنه الهرج والمرج، ومرج(9)الدين أي فسد (فَلاَ تَكُونَنَّ لِمَرْوَانَ سَيِّقَةً يَسُوقُكَ حَيْثُ شَاءَ بَعْدَ جُلَالِ السِّنِّ، وَتَقَضِّيِ الْعُمْرِ فقال: له عثمان:(10)كَلِّم النَّاسَ فِي أَنْ يُؤَجِّلُونِي، حَتَّى أَخْرُجَ إلَيْهِمْ مِنْ مَظالِمِهِم.فَقالَ (عليه السلام): مَا كَانَ بِالْمَدِينَةِ فَلَا أَجَلَ فِيهِ؛ وَمَا غَابَ فَأَجَلُهُ وُصُولُ أَمْرِكَ إلَيْهِ) السيقة ما استاقه العدو من الدواب وقد كان مروان مشيراً لعثمان يقوده حيث أراد، وجَلال السن بالفتح وكذا في النسخ کبره، يقال: جَلَّ فلان کَفرَّ جلالاً وجلاله أي (أسن)(11)، وقال بعض الشارحين: (الجُلال بالضم: الجليل، كالطوال
ص: 240
والطويل، أي بعد السن الجليلة أي العمر الطويل(1)وتقضي العمر فناؤه، والمَظلِمة بفتح الميم وكسر اللام ما يطلبه المظلوم عند [الظالم والخروج منها اداء الحق وقد فصلنا القول في الاحداث بما لا مزيد عليه في حدائق](2)الحقائق [ومن الله العصمة والتأييد].
ابْتَدَعَهُمْ [خَلْقاً عَجِيباً مِنْ حَيَوَانٍ وَمَوَاتٍ، وَساكِنٍ](3)(وَذِي حَرَكَاتٍ،
[وَأَقَامَ مِنْ](4)شَواهِدِ الْبَيِّناتِ عَلىَ لَطِيفِ [صُنْعَتِهِ وَعَظِيمِ](5)قُدْرَتِهِ، مَا
انْقادَتْ لَهُ [الْعُقُولُ مُعْتَرِفَةً بِهِ](6)، وَمُسَلِّمَةً لَهُ، وَنَعَقَتْ فِي أَسْمَاعِنا [دَلاَئِلُهُ عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ](7)لطاووس [فاعول كالكابوس والهاضوم وتصغيره](8)طويس، وتطوست المرأة [أي تزينت والحيوان بالتحريك](9)جنس الحي
ص: 241
[ويكون بمعنى الحياة والموت(1) كسحاب](2)ما لا روح فيه وأرض لم تحيي بعد والتي لا مالك لها وساكن كالأرض والجبال وذي حركات كالماء والنار أي المتحرك بطبعه(3)أو الأعم ولا يضر التداخل واللطيف الدقيق و (ما) مفعول لأقام، والضمير عائد الى (ما) وفي (به) و(له) راجع الى الله، ويحتمل أن يعود الى ما ونعقت أي صاحت والغرض الاشعار بوضوح الدلائل والضمير في دلائله راجع الى الله، ويحتمل الرجوع الى ما (وَمَا ذَرَأَ مِنْ مُخْتَلِفِ صُوَرِ الّْأّطْيارِ [...](4)الَّتِي أَسْكَنَها أَخادِيدَ الأرْضِ، وَخُرُوقَ فِجَاجِها، وَرَواسَيِ أَعْلَامِهَا(5)؛ مِنْ ذَواتِ(6)/ ظ 218 / أَجْنِحَةٍ مْخُتَلِفَةٍ؛ وَهَيْئاتٍ مُتَبايِنَةٍ؛ مُصَّرَفةٍ فِي زِمامِ التَّسْخِيرِ، وَمُرَفْرِفَةٍ بِأَجْنِحَتِهَا فِي مَخَارِقِ الْجَوِّ المُنْفَسِحِ(7)، وَالْفَضَاءِ المُنْفَرِج) ذَرَأَ الله الخلق كمنع أي خلقهم، قيل: وكان الذرء مختص بخلق الذرية، والأخاديد جمع أخدُود بالضم(8)وهو الشق في الأرض(9)، والطير الذي يسكن الاخدود كالقطا، والفِجاج بالكسر جمع فَج بالفتح وهو الطريق الواسع بين جبلين(10)والقبج(11)يسكن الفجاج، والأعلام الجبال ورواسيها
ص: 242
ثوابتها، يقال: رسا الشيء يرسوا أي ثبت، والعقبان والصقور ونحوهما تسكن الجبال الراسية، والتصريف التقليب والتحويل من حال الى حال ومصرفة منصوب على الحالية، وفي بعض النسخ مجرور على أنه صفة لذوات أجنحة وكذلك مرفرفة وزمه كمد أي شده والزمام ككتاب ما يزم به [وزمام البعير خطامه وزمام التسخير القدرة الكاملة، ورفرف الطائر بجناحيه إذا بسطهما](1) عند السقوط على شيء [يحوم عليه ليقع فوقه ومخارق الجو امكنتها التي تخرق الهواء فتدخلها والمنفسح الواسع](2)والفَضاء بالفتح المكان [الواسع، وفضى](3)المكان كدعا أي اتسع. (كَوَّنهَا بَعْدَ إذْ لْمَ [تَكُنْ(4)، [فِي](5) عَجائِبِ صُوَرٍ ظاهِرَةٍ](6)، وَرَكَّبَها فِي حِقاقِ مَفاصِلَ مْحُتَجِبَةٍ، وَمَنَعَ [بَعْضَها بِعبَالَهِ](7)خَلْقِهِ أَنْ يَسْمُوَ فِي السَّماء(8)[خُفُوفاً؛ وَجَعَلَهُ يَدِفُّ](9)دَفِيفاً؛ وَنَسَقَهَا عَلَى [اخْتِلَافِهَا فِي الأصَابِيغِ بِلَطِيفِ](10)قُدْرَتِهِ وَدَقِيقِ صَنْعَتِهِ)؛ فِي
ص: 243
[بَعض النسخ بعد أن لم تكن](1)والحِقاق بالكسر جمع حُق بالضم [وهو مجمع المفصلين من](2)الاعضاء واحتجاب [المفاصل استتارها باللحم](3) والجلد ونحوهما، وعبُل الشيء [بالضم](4)عَباله فهو عَبَل بالفتح فيهما مثل ضَخُم ضَخامة فهو ضَخم(5)وزناً ومعنى، ويسمو أي يعلو وفي السماء أي في جهة العلو، وفي بعض النسخ في الهواء والخُفوف(6)بالضم سرعة الحركة(7)، يقال: خف الى العدو خفوفاً، ودف الطائر كمَدَّ (حرك جناحيه لطيرانه، ومعناه ضرب بهما دفيه وهما جنباه)(8)، قيل وذلك إذا أسرع مشياً(9)ورجلاه على وجه الأرض ثم يستقل(10)طيراناً، ودفيف الطائر طيرانه فويق الأرض، يقال: عِقاب دفوف، ودفت الجماعة كفرت إذا سارت سيراً ليناً كذا ذكر في المصباح المنير(11)، ويظهر من كلام بعضهم أن الفعل كمد فيهما و(يدِف) في النسخ التي عندنا بكسر العين فيكون(12)بمعنى السير اللين والنعام من ذلك النوع ونسقها أي رتبها، يقال: نَسَقْتُ الدر كنَصَرْتُ أي نظمتها، ونَسَقْتُ
ص: 244
الكلام أي عطفت(1)بعضه على بعض، والاصابيغ(2)جمع أصبَاغ(3)بالفتح جمع صِبغ(4)بالكسر وهو اللون أي جعل كل منها على لون خاص على ما تقتضيه الحكمة البالغة (فَمِنْهَا مَغْمُوسٌ فِي قَالَبِ لَوْنٍ لَا يَشُوبُهُ غَیْرُ لَوْنِ مَا غُمِسَ فِيهِ، وَمِنْهَا مَغْمُوسٌ فِي لَوْنِ صِبْغٍ(5)قَدْ طُوِّقَ بِخِلاَفِ مَا صُبِغَ بِهِ)، غَمَسَهُ في الماء كضربه أي مقله والاغتماس الارتماس، وفي الكلام تشبيه للطير بالثوب الذي يغمسه الصباغ إذا أراد صبغه، [والقَالب](6) كما في النسخ بالفتح (قالب الخف وغيره)(7)كالخاتم(8)والطابع(9)واما القالِب بالكسر فهو (البسر الأحمر)(10)، وقيل: يجوز(11)في الأول الفتح والكسر، وقال الأزهري: الخاتِم بالكسر الفاعل، وبالفتح ما يوضع على الطينة(12)، وقال في القاموس: القالب: البسر الأحمر وكالمثال يفرغ فيه الجواهر وفتح لامه أكثر وشاة [قالب لون أي على غير لون
ص: 245
أمها(1)، وقال: في النهاية(2)في حديث شعيب وموسى عليهما](3)السلام: لك من غنمي ما جاءت به [قالب لونٍ تفسيره في الحديث انها جاءت على غير الوان أمهاتها، كأنَّ لونها قد انقلب](4)ومنه حديث علي [عليه السلام في صفة الطيور](5)فمنها(6)مغموس في قالب لون لا [يشوبه](7)غير لون ما غمس فيه والأظهر أن الغمس في القالب(8)[اللون / و219 / عبارة عن](9)احاطة اللون الواحد به [بجميع أجزائه كما يحيط](10)القالب بالأشياء المصنوعة بالصب فيه [من نحاس ونحوه و](11)الله يعلم ولون صبغ في [بعض النسخ بجر لون مضافاً الى](12)صبغ على الاضافة البيانية، وفي بعضها بالجر [منوناً وصبغ على](13)صيغة الماضي المجهول [أي صبغ ذلك المغموس](14)
ص: 246
والطوق حلي للعنق(1)وكل ما استدار بشيء وهذا النوع كالفواخت ونحوها (وَمِنْ أَعْجَبِها خَلْقاً الطَّاووسُ؛ الَّذِي أَقَامَهُ فِي أَحكم(2)تَعْدِيلٍ، وَنَضَّدَ أَلْوَانَهُ فِي أَحْسَنِ تَنْضيدٍ، بِجَنَاحٍ أَشْرَجَ قَصَبَهُ، وَذَنَبٍ أَطالَ مَسْحَبَهُ؛ إِذَا دَرَجَ إِلَی الأُنْثَى نَشَرَهُ مِنْ طَيِّهِ، وَسمَا بِهِ مُظِلًّا(3)عَلىَ رَأْسِهِ؛ كَأنَّهُ قَلْعٌ دَارِيٍّ عَنَجَهُ نُوتِيُّهُ(4)) التعديل التسوية، ومنه التعديل القسمة، والمراد اعطاء كل شيء منه في الخلق ما يستحقه وخلقه خالياً من نقص، ونَضَدَ متاعه كنَصَرَ ونضده بالتشديد أي جعل بعضه فوق بعض أي رتب الوانه، وقصب الجناح غضاريفه(5)وعروقه وأشرجها أي ركب بعضها في بعض كما يشرج(6)العيبة(7)أي يداخل بين أشراجها وهي عراها، وسَحَبهُ كمَنَعَهُ جره على وجه الأرض وسحبت(8)المرأة ذيلها وسمي السحاب لانسحابه في الهواء، ودرج أي مشى وطوى الصحيفة کرمی ضد نشرها، وسما كدعا أي ارتفع، وسما به أي اعلاه ورفعه واطل(9)عليه أي اشرف، والقِلع بالكسر الشراع، وداري أي منسوب الى دارين(10)وهو
ص: 247
موضع في البحر كان يؤتى منه الطيب من الهند وهي الآن خراب لا عمارة بها ولا سكنى وفيها أثار قديمة والنسبة اليه؛ لأنه كان مرسى السفن في زمانه (عليه السلام)، وعَنَجَهُ كنَصَرَهُ أي عطفه، وقيل: هو أن يجذب(1)الراكب خطام(2)البعير فيره على رحليه(3)، والنُوتي(4)بالضم الملاح، يقال: ((نات ينوت إذا تمايل من النعاس كأنَّ النوتي يميل(5)السفينة من جانب الى جانب))(6)، ولطف التشبيه واضح [يْخَتَالُ بِأَلْوَانِهِ وَيَمِيسُ بِزَيَفَانِهِ(7). يَفْضِيِ بِإفْضَاء(8)الدِّيَكَةِ، وَيَؤُرُّ بِمَلاَقِحِة أرَّ الْفُحُولِ المُغْتَلِمَةِ(9)أُحِيلُكَ مِنْ ذَلِكَ](10)
عَلَى مُعَايَنَةٍ، لَا كَمَنْ [يُحِيلُ عَلَى ضَعِيفٌإِسْنَادُهُ). الخيلاء التكبر واختال أي تكبر واعجب بنفسه ويميس أي](11)تبختر وزاف يزيف زيفاناً أي [تبختر في
ص: 248
مشيته](1)ويفضي أي يسفد(2)، ويقال: أفضى [الى المرأة أي جامعها(3)أو خلا بها، والديكة [...](4)كقردة جمع [دِيك بالكسر، وفي بعض](5)النسخ، وفي نهاية ابن [الاثير: ((يفضى كإفضاء الديكة))(6)](7)ويأر كيمد أراً بالفتح أي يجامع [وألقح الفحل الناقة أي أحبلها](8)، والملاقحة مفاعلة [منه، وكان في نسخ الشارحين(9)](10)بملاقحه على صيغة الجمع [مضافاً إلى الضمير أي بآلات تناسلة](11)واعضائه، والفحل الذكر من كل حيوان [وغَلِمَ كَعَلِمَ أي اشتد شبقه و(12)اغتلم البعير إذا هاج من شدة شهوة الضراب، وقوله (عليه السلام): السلام) أرَّ الفحول المغتلمة ليس في بعض النسخ و [حولت](13)الرداء نقلت(14)كل طرف الى موضع آخر، والحوالة مأخوذة من هذا، وقيل:
ص: 249
أصل(1)الحوالة تحويل نهر الى نهر، والاحالة من الحوالة، وعلى ضعيف اسناده أي اسناده الضعيف، والسَنَد بالتحريك(2)ما استندت إليه من حائط ونحوه، ومنه إسناد الحديث أي رفعه الى ناقله كأنك(3)[جعلته](4)مستند إليه، وفي بعض النسخ على ضعف بلفظ المصدر مبالغة. (وَلَوْ كَانَ كَزَعْمِ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ يُلْقِحُ بِدَمْعَةٍ تَسْفَحُهَا مَدَامِعُهُ فَتَقِفُ فِي ضَفَّتَيْ جُفُونِهِ، وَأَنَّ أُنْثَاهُ تُطْعَمُ ذَلِكَ؛ ثُمَّ تَبِيضُ لَا مِنْ لِقَاحِ فَحْلٍ سِوَى(5)الدَّمْعِ الْمُنْبَجِسِ(6)؛ لمَا كَانَ ذَلِكَ بِأَعْجَبَ مِنْ مُطَاعَمَةِ الْغُرَابِ!) سَفَحْتُ الدم كَمَنْعْتُ أي ارقته، والدمع أي ارسلته وفي بعض النسخ (تنشجها) كتضرب، يقال: نشج القدر والزق، أي: (غلا ما فيه حتی سمع له صوت)(7)، ولعل الأول أوضح، فإنَّ الفعل ليس متعدياً بنفسه / ظ 219 / على ما في كتب اللغة، وضفتا جفونه جانباها، وكذلك ضفتا النهر والوادي، وتطعم على صيغة التفعل بحذف احدى التائين، وبجس الماء تبجيساً فجره فتبجس وانبجس (وتوجد(8)الكلمة في النسخ بهما أي الدمع المنفجر، قال بعض الشارحين: زعم قوم أن اللقاح في الطاووس بالدمعة وأمير المؤمنين (عليه السلام) لم يحل ذلك(9). ولكنه قال: ليس بأعجب
ص: 250
من مطاعمه الغراب، والعرب تزعم أنَّ الغراب لا يسفد، ومن أمثالهم أخفى من سفاد الغراب فيزعمون أنَّ اللقاح من المطاعمة وانتقال جزء من الماء الذي في قائضه الذكر إلى الانثى من منقاره، وأما الحكماء فقلَّ أن يصدّقوا بذلك على أنهم قالوا في كتبهم ما يقرب من هذا الكلام، قال ابن سينا: والقبجة تحبلها ريح تهب من ناحية الحجل الذكر، ومن سماع صوته، قال: والنوع المسمى ما لاقيا تلاصق بأفواهها ثم تشابك فذاك سفادها، ولا يخفى أنَّ المثل المذكور لا يدل على أنَّ الغراب لا يسفد بل الظاهر منه أنه يسفد، ولكنه قلما يراه أحد، وأما كلامه (عليه السلام) فالظاهر منه أن الطاووس لقاحه بالسّفاد لقوله (عليه السلام) بملاقحة ولتعبيره عن القول الأخر بالزعم وأن الغراب بالمطاعمة والله تعالى يعلم. (تَخَالُ قَصَبَهُ مَدَارِيَ مِنْ فِضَّةٍ وَمَا أُنْبِتَ عَلَيْهَا مِنْ عَجِيبِ دَارَاتِهِ وَشُمُوسِهِ خَالِصَ العقبان وَفِلَذَ الزَّبَرْجَدِ فَإِنْ شَبَّهْتَهُ بِمَا أَنْبَتَتِ الْأَرْضُ قُلْتَ جَنًى جُنِيَ مِنْ زَهْرَةِ كُلِّ رَبِيعٍ وَإِنْ ضَاهَيْتَهُ بِالْمَلَابِسِ فَهُوَ كَمَوْشِيِّ الْحُلَلِ أَوْ كَمُونِقِ عَصْبِ الْيَمَنِ، وَإِنْ شَاكَلْتَهُ بِالْحُلِيِّ فَهُوَ كَفُصُوصٍ ذَاتِ أَلْوَانٍ قَدْ نُطِّقَتْ بِاللُّجَیْنِ الْمُكَلَّلِ) خَالَ الشيء كخَافَ أي ظنه، وخاله يخيله لغةً فيه، ويقول في المضارع للمتكلم أخال بكسر الهمزة على غير قياس وهو أكثر استعمالاً وبنو أسد يفتحون على القياس(1)، والمداري بالدال المهملة على ما في النسخ التي عندنا، ومنها نسخ عرضت على الأصل، وكذا في نسخة الشارح عبد الحميد بن أبي الحديد(2)، وهي جمع مِدری بكسر الميم، قال ابن الأثير: ((المّدري والمِدْراة شيء يعمل من حديد أو خشب على شكل
ص: 251
سن من أسنان المشط، وأطول منه يسرح به الشعر المتلبد ويستعمله من لا مشط له))(1)، وكان في نسخة الشارح ابن میثم بالذال المعجمة، قال: وهي خشبة ذات أطراف كأصابع الكف ينقى بها الطعام(2)، والدّارة: هالة القمر وما أحاط بالشيء كالدائرة، والعِقيان بالكسر الذهب الخالص(3)، وقيل ما ينبت منه نباتاً(4)، والفِلذَ كعِنَب جمع فِلذة بالكسر وهي القطعة من الذهب والفضة وغيرهما(5)، وفلذت له من الشيء كضربت أي قطعت، والزبرجد ((جوهر معروف))(6)، قيل: ويسميه الناس البلخش، وقيل: هو ((الزمرد))(7)، وجنيت الثمرة والزهرة واجتنبتها بمعنی، والجني فعيل منه، وفي بعض النسخ (جنى) كحصى وهو ما يجني من الشجر ما دام غضاً بمعنی فعيل، ولفظة الفعل المجهول لیست موجودة في بعض النسخ وزهرة النبات بالفتح نوره والواحدة زهرة كتمر وتمرة، قالوا: ولا يسمى زهراً حتى تفتح، والمضاهاة والمشاكلة والمشابهة بمعنى واستعمال فاعل بمعنی فعَّل بالتشديد كثير لا سيما في كلامه (عليه السلام)، واللِباس واللِبس بالكسر فيهما، والملبس واحد، والوشي نقش من كل لون(8)، والمشی کرمی المنقش، والحُلَلَ کصَرُد جمع حُله بالضم وهي: أزار ورداء برد أو غيره، ولا تكون حلّه إلا من ثوبين
ص: 252
أو ثوب له بطانه(1)، و((قال أبو عبيد: الحلل: برود اليمن))(2)وشيء أنيق أي حسن معجب، والمونق، مفعل منه قلبت الهمزة واواً(3)، والعَصب بالفتح ضرب من البرود(4)، والحُلّيِ بضم الحاء وكسر اللام وتشديد الياء جمع حَلى بالفتح، والتخفيف وهو ما یزین به من مصوغ المعدنيات أو / و220 / الحجارة، والفصوص جمع فص كفلس وفلوس، ((وقال الفارابي وابن السكيت: وكسر الفاء رديء))(5)، وقال الفيروز آبادي: ((الفص للخاتم مثلثه والكسر غير لحن، ووهم الجوهري))(6)، ونطقت باللجين أي جعلت الفضة كالنطاق لها وهو ککتاب شبه أزار فيه تکه تلبسه المرأة، وقيل شقه تلبسها المرأة وتشد وسطها بحبل وترسل الاعلى الى الاسفل الى الأرض والاسفل ينجر على الأرض، وكلّل فلاناً أي ألبسه الإكلِيل وهو بالکسر التاج وشبه عصابه يزين بالجوهر(7)، و((سحاب مُكلَّل أي ملّمع بالرق))(8)، وقيل: ((هو الذي حوله قطع من السحاب))(9)فهو مكلل بهنّ، وروضة مكللة أي محفوفة بالنور، قال بعض الشارحين: شبهه (عليه السلام) بالفصوص المختلفة الألوان المنطقة في الفضة أي المرصعة في صفائح الفضة،
ص: 253
والمكلل الذي جعل كالإكليل(1)، وحاصل الكلام إنه (عليه السلام) شبه قصب ریشه بصفائح من فضة رصعت بالفصوص المختلفة الألوان فهي كالإكليل بذلك الترصيع، والأظهر أنَّ المكلّل وصف للجين. (يَمْشِيِ مَشْيَ
الْمَرِحِ الْمُخْتَالِ وَيَتَصَفَّحُ ذَنَبَهُ وَجَنَاحَهُ فَيُقَهْقِهُ ضَاحِكاً لِجَمَالِ سِرْبَالِهِ وَأَصَابِيغِ وِشَاحِهِ فَإِذَا رَمَى بِبَصَرِهِ إِلَی قَوَائِمِهِ زَقَا مُغولاً بِصَوْتٍ يَكَادُ يُبِینُ عَنِ اسْتِغَاثَتِهِ
وَيَشْهَدُ بِصَادِقِ تَوَجُّعِهِ لِأَنَّ قَوَائِمَهُ حمسٌ(2)كَقَوَائِمِ الدِّيَكَةِ الْخِلاَسِيَّةِ) مَرِحَ كفَرِحَ وزناً ومعنى، فهو مرح ككتف، وقيل المرح أشد الفرح، وقيل هو للنشاط والتبختر(3)، والمختال: ذو الخيلاء وهو الكِبر والاعجاب(4)، قيل: وسميت الخيل لإعجابها بنفسها مرحاً(5)، وتصفحت الكتاب أي قلبت صفحاته وهي وجوه الأوراق وقه كفرّ أي ضحك، وقال: في ضحكه قه بالسكون فإذا كرّر قيل: قهقه قهقهة(6)، مثل دحرج دحرجة، والجمال رقة الحُسن، والحُسن في الخَلق والخُلق، والسِربال بالكسر القميص أو كل ما يلبس، والأصابيغ جمع أصباغ جمع صبغ کما تقدم، والوِشاح ککتاب شيء ينسج من أديم ويرصّع شبه قلادة تلبسه النساء(7)وزقايز قوای صاح وإعوال أي رفع صوته بالبكاء والصياح، واستغاث طلب النصر والعون،
ص: 254
وتوجعّ أي تفجع أو تشکی، وقوائمه حمش(1)أي دقاق، يقال: ((رجل أحمش الساقين))(2)، والديكة الخلاسية بالكسر هي التي بين الدجاجة الهندية والفارسية، والولد بين أبوين أبيض وسوداء، وأسود وبيضاء ذكره في العين(3).
(وَقَدْ نَجَمَتْ مِنْ ظُنْبُوبِ سَاقِهِ صِيصِيَةٌ خَفِيَّةٌ وَلَهُ فِي مَوْضِعِ الْعُرْفِ قُنْزُعَةٌ خَضْرَاءُ مُوَشَّاةٌ وَمَخْرَجُ عَنُقِهِ كَالْإِبْرِيقِ وَمَغْرِزُهَا إِلَی حَيْثُ بَطْنُهُ كَصِبْغِ الْوَسِمَةِ الْيَمَانِيَّةِ أَوْ كَحَرِيرَةٍ مُلْبَسَةٍ مِرْآةً ذَاتَ صِقَالٍ) نَجَمَ النبات وغيره كقَعَدَ نجوماً أي ظهر وطلع، والظُنْبُوب بالضم حرف العظم اليابس من القدم(4)، والصيصية في الأصل شوكة الحائك التي بها يُسوِّي السّداة واللحمة(5)، قال الجوهري: ((ومنه صيصة الديك التي في رجله))(6)، والعُرف بالضم شعر عنق الفرس وغيره(7)، والقُنزُعة بضم القاف والزاي ما ارتفع من الشعر، وقيل الخصلة من الشعر يترك على رأس الصبي(8)، وموشاة أي منقشه، والمَخرج اسم مكان أي محل خروج عنقه كمحل خروج عنق الابريق فيشعر بأن عنقه كعنق الابريق، أو مصدر أي خروج عنقه كخروج عنق
ص: 255
الابريق، فالاشعار أقوى، والابريق فارسي معرب، وغرزته كضربت أي: اثبته في الأرض، و(مغرزها) مبتدأ خبره (كصبغ الوسمة) و (بطنه) مبتدأ خبره محذوف، أي: مغرزها الى حيث بطنه موجوداً أو ممتداً ومنتهى إليه كصبغ الوسمة اليمانية وحيث تضاف إلى الجملة غالباً وهي في المعنى مضافة إلى المصدر الذي تضمنته الجملة، قالوا حيث وان كانت مضافة إلى الجملة في الظاهر لكن / ظ 220 / لما كانت في المعنى مضافة إلى المصدر فإضافتها إليها كلا اضافة، ولذا بنيت على الضم كالغايات على الاعرف، وقال الشيخ الرضي (رحمه الله) خذف خبر المبتدأ الذي بعد حيث غير قليل، والوسِمة بكسر السين کما في بعض النسخ(1)، وهي لغة الحجاز وأفصح من السكون(2)، وانكر الازهري(3)السكون، وبالسكون كما في بعض النسخ وجوزه بعضهم نبت يختضب(4)بورقه.
وقيل: هو((ورق النيل))(5)، وقيل: هو ((العظلم))(6)، والصِقال ککِتاب الاسم من صَقَلَهُ كنَصَرَ أي جلاَّه فهو مصقول وصقيل(7)، والصيقل: ((شحَّاذ السيوف وحلاوها)).(8)(وَكَأَنَّهُ مُتَلَفِّعٌ بِمِعْجَرٍ أَسْحَمَ إِلاَّ أَنَّهُ يُخَيَّلُ لِكَثْرَة مَائِهِ
ص: 256
وَشِدَّةِ بَرِيقِهِ أَنَّ الْخُضْرَةَ النَّاضِرَةَ مُمْتَزِجَةٌ بِهِ وَمَعَ فَتْقِ سَمْعِهِ خَطٌّ كَمُسْتَدَقِّ الْقَلَمِ فِي لَوْنِ القحوان أَبْيَضُ يَقَقٌ فَهُوَ بِبَيَاضِهِ فِي سَوَادِ مَا هُنَالِكَ يَأْتَلِقُ) اللِقاع ککِتاب، والملحفة أو الكساء وكل ما تتلفع به المرأة، وتلفع الرجل بالثوب إذا اشتمل به وتغطى، وفي بعض النسخ (مُتقنع) والمقنع والمِقنعة بكسر الميم فيها ما يقنع به المرأة رأسها، والقِناع ككِتاب أوسع منهما، والمِعجر کمِنبر ثوب أصغر من الردّاء تلبسهُ المرأة(1)، وقال المطرّزي: ثوب كالعصابة تلفه المرأة على استدارة رأسها، والسَحم بالتحريك والسُّحمة بالضم ((السّواد، والأسحم الأسود))(2)، وخيل له كدا بالبناء للمفعول من الخيال بمعنی الوهم والظن أي لبس عليه وووجه الوهم أو الظن إليه، وفي بعض النسخ (يخيل) على صيغة المعلوم فالفاعل ضمير المعجر أو الطاووس، والبريق اللمعان، واستدق أي صار دقیقاً وهو ضد الغليظ، والمُستدِق على صيغة اسم الفاعل، وفي بعض النسخ(3)على صيغة اسم المفعول، قال ابن الأثير: ((استدق الدنيا واجتهد رأيك أي احتقرها، واستصغرها))(4)، وهو استفعل من الشيء الدقيق الصغير والمشبه به على الأول القلم وعلى الثاني المرقوم ويمكن أن تكون(5)الاضافة على الأول إدنی ملابسة فإن الرقم الدقيق له نسبة الى القلم، والأُقحُوان بالضم البابونج، وأبيض يقق بالتحريك ((أي
ص: 257
شديد البياض))(1)، يقال: يقّ كعض أي أبيض، وائتلق وتألق أي التمع.
(وَقَلَّ صِبْغٌ إِلَّا وَقَدْ أَخَذَ مِنْهُ بِقِسْطٍ وَعَلَاهُ بِكَثْرَةِ صِقَالِهِ وَبَرِيقِهِ وَبَصِيصِ دِيبَاجِهِ وَرَوْنَقِهِ فَهُوَ كَالْأَزَاهِیرِ الْمَبْثُوثَةِ لَمْ تُرَبِّهَا أَمْطَارُ رَبِيعٍ وَلَا شُمُوسُ قَيْظٍ) علا فلان فلاناً أي غلبه وارتفع عليه، والصقال الجلا، والبريق اللمعان کما تقدم وبَصَّ کَفرَّ ((أي برق))(2)و ((لمع))(3)، والدیباج ثوب سداه ولحمته إبريسم، وقيل هو معرب ثم كثر حتى اشتقت العرب منه فقالوا: دبج(4)الغيث الأرض دبجاً إذا سقاها فانبت أزهاراً مختلفة لأنه اسم للمنقش(5)واختلف في الياء، فقيل: زائدة ووزنه فيعال ولذا يجمع علی دیابیج بالياء المثناة من تحت بعد الدّال، وقيل أصلية والأصل دبَّاج(6)بالتضعيف فأبدل من أحد المضعفين حرف العلة ولهذا يرد في الجمع إلى أصله فيقال: دیابیج بالباء الموحدة بعد الدال(7)، ورونق الشيء وماؤه وحسنه أي أخذ من كل لون نصيباً وزاد على اللون بالبريق واللمعان، والزهرة بالفتح وبالتحريك النبات ونوره الجمع أزهار وجمع الجمع أزاهير، والبث النشر والتفريق وربّ زيد الامر أي أصلحه وقام بتدبيره وربّ الدّهن أي طيبة، والقيظ فصل الصيف وشده الحر، ولعل الجمع في الامطار باعتبار الدفعات وفي الشموس
ص: 258
بتعدد الاشراق في الأيام أو باعتبار أنَّ الشمس الطالع في كل يوم فرد على حدّة لاختلاف التأثير في نضج الثمار وتربية النبات باختلاف الحر والبرد وغير ذلك. (وَقَدْ يَنْحَسِرُ مِنْ رِيشِهِ وَيَعْرَى مِنْ لِبَاسِهِ / و221 / فَيَسْقُطُ تَتْرَى وَيَنْبُتُ تِبَاعاً فَيَنْحَتُّ مِنْ قَصَبِهِ وانْحِتَاتَ أَوْرَاقِ الْأَغْصَانِ ثُمَّ يَتَلَاحَقُ نَامِياً حَتَّى يَعُودَ كَهَيْئَتِهِ قَبْلَ سُقُوطِهِ لَا يُخَالِفُ سَالِفَ أَلْوَانِهِ وَلَا يَقَعُ لَوْنٌ فِي غَیْرِ مَكَانِهِ) تحسر وبر البعير على صيغة التفعل أي تيقط من الاعياء، وفي بعض النسخ (تنحسر) على صيغة الانفعال تقول: حسره کضَرَبَه ونَصَرَه فانحسر أي: كشفه فانكشف(1)والعُری بالضم خلاف اللبس، تقول: عری یعری کرضى يرضى، ((وتَتْري فيها لغتان: وتنون، ولا تنون مثل: علقی، فمن ترك صرفها في المعرفة جعل ألفها ألف تأنيث وهو أجود وأصلها وتری من الوتر وهو الفرد، قال الله تعالى : «ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى»(2)أي واحداً بعد واحد ومن نونها جعل الفها ملحقة)) ذكره الجوهري(3)، وقال بعض الشارحين: ((تترى أي شيئاً بعد شيء وبينهما فترة))(4)، وهذا مما يغلط فيه قوم فيعتقدون أي تترى للمواصلة والالتصاق، وينبت تباعاً أي لا فترات بينهما وكذلك حال الريش الساقط، والتِباع بالكسر: ((الولاء))(5)، وأنحت ورق الشجر أي سقطت ونامياً أي زايداً، وفي بعض النسخ (سائر) الوانه،
ص: 259
قال الجوهري: ((سائر الناس أي جميعهم))(1)، وقال في المصباح المنير: ((قال الأزهري:(2)اتفق أهل اللغة أن سائر الشيء باقية قليلًا كان أو كثيراً، وقال الصنعاني سائر الناس باقيهم وليس معناه جميعهم كما زعم من قصر في اللغة باعه وجعله بمعنى الجميع من لحن العوام ولا يجوز أن يكون مشتقاً من سورة البلد لاختلاف المادتين))(3)فإن عينه التاء، ولعل المراد على صحة النسخة عدم مخالقة لون الريش النابت للباقي من السوالف، أو المراد عدم التحالف بين الأرياش النابتة في الأصل أوضح.
(وَإِذَا تَصَفَّحْتَ شَعْرَةً مِنْ شَعَرَاتِ قَصَبِهِ أَرَتْكَ حُمْرَةً وَرْدِيَّةً وَتَارَةً خُضْرَةً زَبَرْجَدِيَّةً وَأَحْيَاناً صُفْرَةً عنجديةً فَكَيْفَ تَصِلُ إِلَی صِفَةِ هَذَا عَمَائِقُ الْفِطَنِ أَوْ مقلعهُ قَرَائِحُ الْعُقُولِ أَوْ تَسْتَنْظِمُ وَصْفَهُ أَقْوَالُ الْوَاصِفِینَ وَأَقَلُّ أَجْزَائِهِ قَدْ
أَعْجَزَ الْأَوْهَامَ أَنْ تُدْرِكَهُ وَالْأَلْسِنَةَ أَنْ تَصِفَهُ) الوَرد بالفتح من كل شجرة نورها وغلب على الحوجم أي: الورد الأحمر(4)، والتارة الحين والزمان، والعسجد کجعفر ((الذهب))(5)، والعُمق بالضم وبالفتح قعر البئر ونحوها، والفِطن کعِنب جمع فطنه بالكسر وهي الحذق والعلم بوجوه الأمور، وعمائق الفطن الأذهان الثاقبة، والقريحة أول ما يستنبط من البئر(6)، ومنه قولهم: لفلان قريحه جيدة يراد استنباط العلم بجودة الطبع، واقترحت الشيء أي
ص: 260
ابتدعته من غير سبق مثال والواو في واقل للحال ولا ريب أن الشعرة اقل الأجزاء التي بها قوام الحيوان والمراد بعجز الأوهام العجز عن وصف علل هذه الألوان واختلافها واختصاص كل بموضوعه وسائر ما أشار إليه (عليه السلام) أو العجز عن إدراك جزئيات الأوصاف المذكورة وتشریح الهيئات الظاهرة والخصوصات الخفية في خلو ذلك الحيوان كما هو المناسب لقوله (عليه السلام). (فَسُبْحَانَ الَّذِي بَهَرَ الْعُقُولَ عَنْ وَصْفِ خَلْقٍ جَلَّاهُ لِلْعُيُونِ فَأَدْرَكَتْهُ مَحْدُوداً مُكَوَّناً وَمُؤَلَّفاً وَأَعْجَزَ الْأَلْسُنَ عَنْ تَلْخِيصِ صِفَتِهِ وَلا قعد بِهَا عَنْ تَأْدِيَةِ نَعْتِهِ) بَهَرَهُ کمَنَعَهُ أي غلبه، ومنه قيل للقمر الباهر لظهوره على الكواكب، وجلاّه بالتشديد أي كشفه، وكذلك جلاه بالتخفيف كما في بعض النسخ وكونه أي أحدثه وأوجده وتالف القوم أي اجتمعوا وتحابوا والف بينهم أي جمعهم واوقع الألفة بينهم وقعد بها أي أقعدها وأعجزها والغرض الدلالة على عجز العقول وتنزيهه سبحانه عن نيلها / ظ 221 / فإنها إذا عجزت عن إدراك مخلوقٍ ظاهر للعيون على الصفات المذكورة فهي بالعجز عن إدراکه سبحانهُ ووصفه أخرى، وكذلك الالسن في تلخيص صفته وتأدية نعته (وَسُبْحَانَ مَنْ أَدْمَجَ قَوَائِمَ الذَّرَّةِ وَالْهَمَجَةِ إِلَی مَا فَوْقَهُمَا مِنْ خَلْقِ الْحِيتَانِ وَالأفيلة! وَوَأَى عَلَى نَفْسِهِ أَلَّا يَضْطَرِبَ شَبَحٌ مِمَّا أَوْلَجَ فِيهِ الرُّوحَ إِلَّا وَجَعَلَ الْحِمَامَ مَوْعِدَهُ، وَالْفَنَاءَ غَايَتَهُ) في بعض النسخ فسبحان بالفاء موضع الواو، ودَمَجَ الشيء كنَصَرَ دموجاً دخل في الشيء واستحكم فيه وادمجه وغيره، والذرة واحدة الذر وهي: ((صغار النمل))(1)، ومائة منها زنة حبة شعير، والهَمَجَةَ بالتحريك الهَمج كذلك ((وهو ذباب صغیر کالبعوض يسقط على
ص: 261
وجوه الغنم والحمر وأعينها))، والحيتان جمع حوت، والأفيلة جمع فیل، والمعروف بين أهل اللغة (فِيلة) كعِنبه کما في بعض النسخ(1)، وأفيال وفيول، وقال ابن السكيت ولا تقل أفيله، ووأي أي وعدوا واضطرب أي تحرك والشبح الشخص، واولج أي ادخل، والحمام ککتاب قضاء الموت وقدره(2).
منها في صفة الجَنَّة (فَلَوْ رَمَيْتَ بِبَصَرِ قَلْبِكَ نَحْوَ مَا يُوصَفُ لَكَ مِنْهَا
لَعَزَفَتْ نَفْسُكَ عَنْ بَدَائِعِ مَا أُخْرِجَ إِلَی الدُّنْيَا مِنْ شَهَوَاتِهَا وَلَذَّاتِهَا وَزَخَارِفِ مَنَاظِرِهَا وَلَذَهِلَتْ بِالْفِكْرِ فِي اصْطِفَاقِ أَشْجَارٍ غُيِّبَتْ عُرُوقُهَا فِي كُثْبَانِ الْمِسْكِ عَلَى سَوَاحِلِ أَنْهَارِهَا وَفِي تَعْلِيقِ كَبَائِسِ اللُّؤْلُؤِ الرَّطْبِ فِي عَسَالِيجِهَا وَأَفْنَانِهَا وَطُلُوعِ تِلْكَ الثِّمَارِ مُخْتَلِفَةً فِي غُلُفِ أَكْمَامِهَا) ورميت ببصر قلبك أي تأملت وتفكرت وعرفت عن الشيء كضربت أي زهدت فيه وانصرف عنه أو مللته، والزُخرف بالضم الذهب، وکمال حسن الشيء وكل مموه، وذهل عن الشيء أي كمنع أي غفل عنه، وقيل: تركه على عمد، وقيل نسبه لشغل، وفي بعض النسخ (لذهلت)(3)على صيغة المؤنث الغائبة، فالفاعل ضمير النفس والعرض غفله الانسان وترکه بدائع الدنيا بالاشتغال(4)بالفكر في بدائع الجنة، والصفق الضرب يسمع له صوت، والريح تصفق الاشجار فتصطفق أي تضطرب وتهتز ويروي في اصطفات بالفاء من الصف أي انتظام
ص: 262
أشجارها في صف، والكثب(1)الجمع والاجتماع والدخول وانکثب(2)الرمل أي اجتمع وكل ما انصب في شيء فقد انكثب فيه ومنه سمي الكثيب من الرّمل لأنه انصب في مكان واجتمع فيه والجمع الكُثبان(3)بالضم وهي تلال الرّمل، والکِبائس جمع کِباسه بالكسر وهي العذق التام بشماريخه ورطبه(4)، والعُسلوج بالضم: ((مالان وأخضر من القضبان))(5)، وجمعه عسالیج كعصفور وعصافير، والأفنان جمع فنن بالتحريك وهو الغصن، والغُلف بالضم كما في بعض النسخ وبضمتین کما في بعضها(6)جمع غِلاف ککِتاب، والاكمام جمع کم بالكسر وهو: ((وعاء الطّلع وغطاء النّور))(7).
(تُجْنَى مِنْ غَیْرِ تَكَلُّفٍ فَتَأْتِي عَلَى مُنْيَةِ مُجْتَنِيهَا وَيُطَافُ عَلَى نُزَّالِهَا فِي أَفْنِيَةِ قُصُورِهَا بِالْأَعْسَالِ الْمُصَفَّقَةِ وَالْخُمُورِ الْمُرَوَّقَةِ قَوْمٌ لَمْ تَزَلِ الْكَرَامَةُ تَتَمَادَى بِهِمْ حَتَّى حَلُّوا دَارَ الْقَرَارِ وَأَمِنُوا نُقْلَةَ الْأَسْفَارِ) جنى الثمرة واجتناها أي قلعها من الغصن للأكل ونحوه وكلفه تكليفاً أي أمره بميثاق تكلف أي تجثمه، والمنية بالضم الاسم من تمنيت الشيء إذا اردته، وقيل: التمني مأخوذ من المنا وهو القدر؛ لأن صاحبه يقدر حصوله والطائفون على من نزل الجنة
ص: 263
الولدان المخلدون «بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ»(1)والأفنية جمع فِناء ککِساء وهو من الدار ما اتسع امامها، وتصفيق الشراب تقليبه وتحويله من إناء إلى إناء ليصفوا والأفنية والاعسال المصفقة المصفاة كما قال عز وجل / و222 /: «أَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى»(2)وراق الماء يروق أي صفا وروقته أي صفيته وقوم خبر مبتدأ محذوف أي هم قوم وتمادى فلان إذا دام على فِعله، وحللت البلد بالبلد کمددت أي: نزلت به وسكنت، والنقلة بالضم الانتقال. (فَلَوْ شَغَلْتَ قَلْبَكَ أَيُّهَا الْمُسْتَمِعُ بِالْوُصُولِ إِلَی مَا يَهْجُمُ عَلَيْكَ مِنْ تِلْكَ الْمَنَاظِرِ الْمُونِقَةِ لَزَهِقَتْ نَفْسُكَ شَوْقاً إِلَيْهَا وَلَتَحَمَّلْتَ مِنْ مَجْلِسِيِ هَذَا إِلَی مُجَاوَرَةِ أَهْلِ الْقُبُورِ اسْتِعْجَالًا بِهَا جَعَلَنَا اللهَّ وَإِيَّاكُمْ مِمَّنْ يَسْعَى بِقَلْبِهِ إِلَی مَنَازِلِ الْأَبْرَارِ بِرَحْمَتِهِ) هَجَمَ على القوم كنَصَرَ أي دخل أو دخر نعته، وهجم فلاناً ادخله يتعدى ولا يتعدى، والمنظر والمنظرة ما نظرت إليه فأعجبك، أو ساءك، والمونقة المعجبة، يقال: شيء أنيق أي حسن معجب، وزَهَقَتْ نفسه كمنعت کما في النسخ، وكذلك زهقت کسمعت أي خرجت وتحملت واحتملت أي: ارتحلت ذكره الجوهري(3)، والضمير في بها راجع الى الجنة، وفي بعض النسخ (یسعی)(4)على صيغة المضارع، وبقلبه متعلق بسعی وبرحمته يجعلنا وتأويل بعض الشارحين(5)الجنة بالجنة المعقولة من الكلمات الواهية المأخوذة من
ص: 264
الفلاسفة المنكرين للدين وشريعة سيد المرسلين صلى الله عليه آله الطاهرین.
تفسير بعض ما فيها من الغريب، ويارّ بملاحقة الأرّ كنايةٌ عن النكاح يقال: آرّ المرأة يؤرُّها إذا انكحها، وقوله: كأنه قلعٌ داری عنجه نوتيه، القِلع شِراع السَّفينة، وداری منسوب الى دارين(1)وهي بلدة على البحر يجلب منها الطيب وعنجه أي عطفه يقال عنجت الناقة اعنجها عنجاً إذا اعطفتها والنؤتي الملاح، وقوله (عليه السلام) ضفتي جفونه ارادَ جانبي جفونه والضفتان الجانبان وقوله وفلذ الزبرجد الفلذ جمع فِلذة وهي القطعة وقوله كبائس اللؤلؤ الرطب الكباسة الغِدوقِ والعساليج الغصون واحدها عسلوجٌ، الأرّ هو الجماع کما تقدم(2)وهما کنایتان عن النيك وهو الحقيقة، والبواقي کنایات کالوطى والنكاح والمباشرة والملامسة، والمراد بالنكاح الوطى على الإشتراك والحقيقة أو المجاز على الخلاف.
(لِيَتَأَسَّ صَغِيرُكُمْ بِكَبِيرِكُمْ وَلْیَرْأَفْ كَبِيرُكُمْ بِصَغِيرِكُمْ وَلَا تَكُونُوا كَجُفَاةِ الْجَاهِلِيَّةِ لَا فِي الدِّينِ يَتَفَقَّهُونَ وَلَا عَنِ اللهَّ يَعْقِلُونَ كَقَيْضِ بَيْضٍ فِي أَدَاحٍ يَكُونُ
كَسْرُهَا وِزْراً وَيُخْرِجُ حِضَانُهَا شَرّاً) التأسي الاقتداء وتأسي الصغير بالكبير لأن الكبير لكثرة التجربة احزم واکیس والرأفة الرّحمة أو اشدها وأرقها ورأفة الكبير بالصغير؛ لأنَّ الصغير مظنه لضعف والجفاء ترك الصلة والبر وغل الطبع والفظاظة من حفى الثوب بجفود إذا اغلظ والفقه العلم بالشيء
ص: 265
والفهم له وغلب على علم الدين الشرفه والتفقه التعلم ولا عن الله تعقلون أي ما يأمركم به وفي بعض النسخ(1)(يَتَفَقَهُونَ) (ويَعْقِلونَ) على صيغة الغيبة بیاناً لحال المشبه بهم، والقَيض بالفتح قشرة البيض العليا اليابسة(2)، وقيل التي خرج ما فيها من فرخ أو ماء، والبيض بالفتح اسم الجنس والواحدة بيضة كتمر وتمرة والجمع بيوض وبيضات، وفي بعض النسخ کبيض هيض أي كسر، يقال: هاض العظم يهيضه أي كسره بعد الجبور، والاداحي جمع الادحی بالضم وقد يكسر وهو موضع الذي تبيض في النعامة(3)وتفرخ وهو أقول من دحوت؛ لأنها تدحوه برجلها أي تبسطه ثم تبيض فيه؛ والوِزر بالكسر الإثم والثقل وحضن الطّائر بيضه حضناً وحضاناً وحِضانة بالكسر منها ضمه الى نفسه تحت جناحيه للتفريخ وحضانها مرفوع على الفاعلية، قال بعض الشارحين: شبههم (عليه السلام) ببيض الأفاعي في الأعشاش، يظن(4)بيض القطا فلا يحل لمن رآه أن يكسره؛ لأنه / ظ 222 / يظنه بيض القطا، وحضانه يخرج شرا؛ لأنه يفقص عن أفعى(5)، واستعار لفظ الاداحي حتى للاعشاش مجازاً؛ لأن الاداحي لا يكون إلا للنعام، وعلى هذا الوجه يمكن أن يراد بالاداحي معناه الحقيقي، أي: إذا وجد قيض بيض صغير في أداحي فالمظنون أنه بيض القطا؛ لكثرة القطا فيكون كثره وزراً للظن ويخرج
ص: 266
حضانه شراً؛ لأنه بيض الأفعى في الواقع، وقال بعضهم(1): نهاهم (عليه السلام) أن يشبهوا جفاة الجاهلية في عدم تفقههم في الدّين فيشبهون إذن بيض الأفاعي في أعشاشها، وجه الشبه انه أن كسره کاسر، ثم لتأذي الحيوان به وكذلك هؤلاء لا يحل لأحد اذاهم وإهانتهم لحرمة ظاهر الاسلام وان اهملوا وتركوا على ما هم عليه من الجهل وقلة الأدب خرجوا شياطين وفيه أن كسر بيض الأفعى لا إثم فيه إلا إذا ظنَّ أنه بيض القطا ونحوه، ولا يطلق الأدحي على عش الأفعى وغيرها لاختصاصه بالنعام.
منها: (افْتَرَقُوا بَعْدَ أُلْفَتِهِمْ وَتَشَتَّتُوا عَنْ أَصْلِهِمْ فَمِنْهُمْ آخِذٌ بِغُصْنٍ أَيْنَمَا مَالَ مَالَ مَعَهُ عَلَى أَنَّ اللهَّ تَعَالَی سَيَجْمَعُهُمْ شر يَوْمٍ لِبَنِي أُمَيَّةَ كَمَا تَجْتَمِعُ قَزَعُ
الْخَرِيفِ يُؤَلِّفُ اللهَّ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَجْمَعُهُمْ رُكَاماً كَرُكَامِ السَّحَابِ) الضمائر راجعة الى أصحابه ومن يأتي بعدهم وتشتتهم عن أصلهم وتفرقهم وتخلفهم عنه وعن اتباع أمره (عليه السلام) والغصن من خلفه (عليه السلام) من ذرية الرّسول (صلى الله عليه وآله) أي منهم من يتبع الإمام من أهل البيت (عليهم السلام) ومنهم من لا يكون كذلك واكتفى عن ذكر هذا القسم بكلمة من ولعل في الكلام اشعارا بنوع من النقص في متابعة من ثبت منهم على الحق وكلمة (تعالى) ليست في بعض النسخ والضمير في (يجمعهم) راجع الى الجميع، فيجتمعون کما يجتمع قزع الخريف، والقَزَع بالتحريك: القطع المتفرقة من السحاب، والواحدة قزعه كقصب(2)وقصبه، وقال الأزهري: ((وكل شيء
ص: 267
یکون قطعاً متفرقة فهو قزع))(1)، والرُّکام بالضم السّحاب المتراكم أي: الكثيف المجتمع، يقال: ارتكم الشيء وتراكم إذا اجتمع، والركم جمع شيء(2)، وقال بعض الشارحين: ((وكذا كان فإنَّ الشيعة الهاشمية اجتمعت على إزالة ملك بني مروان من كان منهم ثابتاً على ولاء علي بن ابي طالب (عليه السلام) ومن حادَ منهم عن ذلك؛ وذلك في أواخر أيام مروان الحمار، عند ظهور الدعوة الهاشمية))(3).
(ثُمَّ يَفْتَحُ لَهُمْ أَبْوَاباً يَسِيلُونَ مِنْ مُسْتَثَارِهِمْ كَسَيْلِ الْجَنَّتَیْنِ حَيْثُ لَمْ تَسْلَمْ عَلَيْهِ قادةٌ وَلَمْ تَثْبُتْ له أَكَمَةٌ وَلَمْ يَرُدَّ سَنَنَهُ رَصُّ طَوْد وَلَا حِدَابُ أَرْضٍ) في بعض النسخ (ثم يفتح لهم أبواباً) والأبواب وجوه آرائهم أو الأعم منها وسائر أسباب الغلبة على الأعداء، والثور الهيجان، والوثب والسطوع ونهوض القطا والجراد وآثاره واستثارة أي هيجه إلى غير ذلك، والمستثار الموضع، والمراد خروجهم باتفاق وقوة کسیل عظيم وسيل الجنتين سيل العرم الذي أرسله الله عز وجل على الجنتين لسبأ كما قال الله تعالى: «لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ ٭ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ»(4)، ((والقارة: الجُبيل
ص: 268
الصغير المنقطع عن الجبال والصخرة العظيمة))(1)، والَأكمة محركة التل من حجارة واحدةً، أو الموضع يكون أشد ارتفاعا مما حوله وهو غليظ لا يبلغ أن يكون حجراً(2)، والسمت(3)بالتحريك ((الطريق))(4)، وردّ طريق السيل أن يمنعه مانع فيجري من مسيل آخر، ورصَّ البناء يُرصّهُ بالضم أي: الصق بعضه ببعض، والطَود بالفتح الجبل، أو عظيمه، والحداب جمع حدبة وهي ما أرتفع من الأرض والغرض أنهم ينهضون كسيل لا يرده رادّ ولا يمنعه مانع.
(يُذَعْذِعُهُمُ اللهَّ فِي بُطُونِ أَوْدِيَتِهِ ثُمَّ يَسْلُكُهُمْ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ يَأْخُذُ بِهِمْ مِنْ قَوْمٍ حُقُوقَ قَوْمٍ وَيُمَكِّنُ لِقَوْمٍ / و223 / فِي دِيَارِ قَوْمٍ وَايْمُ اللهَّ لَيَذُوبَنَّ مَا فِي
أَيْدِيهِمْ بَعْدَ العلق وَالتَّمْكِینِ كَمَا تَذُوبُ الْأَلْيَةُ عَلَى النَّارِ) ذعذت الشيء بالذال المعجمة والعين المهملة أي فرقته فتذعذع، والسّر والخبر إذا أذعته، والغرض اخافئهم بين الناس في البلاد، ثم اظهارهم بالاعانة والتأييد للانتقام من قوم واحقاق الحقوق وقمع الظلمة، وذاب الشيء يذوب ضد جمد، والظاهر أنَّ الضمير في أيديهم راجع الى بني أمية وذوبان ما في أيديهم ذهاب الملك عنهم وسوء حالهم، والأَلية بالفتح ما ركب العجز من شحم أو لحم کما یكون للشاة، والجمع أَليات بالتحرك والتشبيه اليان بغير تاء.
(أَيُّهَا النَّاسُ لَوْ لَمْ تَتَخَاذَلُوا عَنْ نَصْرِ الْحَقِّ وَلَمْ تَهِنُوا عَنْ تَوْهِینِ الْبَاطِلِ لَمْ يَطْمَعْ فِيكُمْ مَنْ لَيْسَ مِثْلَكُمْ وَلَمْ يَقْوَ مَنْ قَوِيَ عَلَيْكُمْ لَكِنَّكُمْ تِهْتُمْ مَتَاهَ بَنِي
ص: 269
إِسْرَائِيلَ وَلَعَمْرِي لَيُضَعَّفَنَّ لَكُمُ التِّيهُ مِنْ بَعْدِي أَضْعَافاً) الخذل والخذلان ترك النصرة، والوهن الضعف في العمل، وقوى عليهم أي غلب وتسلط والتيه الضلال، يقال: تَاهَ يَتِيهُ تَيهاً بالفتح والكسر ومتاهاً والمتاه يحتمل المكان والمصدر، أي: ضللتم کما ضلت بنو إسرائيل وقد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: لتركبن سنن من كان قبلكم حذوا النعل بالنعل والقذة بالقذة حتى لو دخلوا حجر ضبّ لدخلتموه، فقيل: يا رسول الله اليهود والنصاری، قال: فمن إذاً(1) والاضعاف والتضعيف ويوجد الكلمة في النسخ على الوجهين، والمضاعفة أن يزاد على أصل الشيء فيجعل مثلين أو أكثر ذكره الخليل(2).
(خَلَّفْتُمُ الْحَقَّ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَقَطَعْتُمُ الْأَدْنَى وَوَصَلْتُمُ الْأَبْعَدَ، وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِنِ اتَّبَعْتُمُ الدَّاعِيَ لَكُمْ سَلَكَ بِكُمْ مِنْهَاجَ الرَّسُولِ وَكُفِيتُمْ مَئُونَةَ الِاعْتِسَافِ وَنَبَذْتُمُ الثِّقْلَ الْفَادِحَ عَنِ الْأَعْنَاقِ) خلف القوم أثقالهم تخليف أي خلّوها وراء ظهورهم وتركوها، والكلام كالتعليل لتضعيف التيه، والمراد بالأدنى أي: الأقرب نفسه (عليه السلام)، والأبعد من اتبعوه کالخلفاء ومعاوية، والداعي الى الحق هو (عليه السلام)، والمؤونة: الثقل وكفاية المؤنة حمله عن الغير، واعتسف عن الطريق أي: مال وعدل أو خبطه على غير هداية، ونبذتم أي: طرحتم، والفادح: الثقيل الصّعب، والمراد بالثقل الفادح الإثم والعذاب في الآخرة أو الأعم من ذلك ومما ينزل بهم من الخطوب في
ص: 270
الدنيا بمخالفته (عليه السلام).
(إِنَّ اللهَّ تعالى أَنْزَلَ كِتَاباً هَادِياً بَیَّنَ فِيهِ الْخَیْرَ وَالشَّرَّ فَخُذُوا نَهْجَ الْخَیْرِ تَهْتَدُوا وَاصدقوا عَنْ سَمْتِ الشَّرِّ تَقْصِدُوا الْفَرَائِضَ الْفَرَائِضَ اداءها إِلَی اللهَّ تُؤَدِّكُمْ إِلَی الْجَنَّةِ إِنَّ اللهَّ حَرَّمَ حَرَاماً غَیْرَ مَجْهُولٍ وَفَضَّلَ حُرْمَةَ الْمُسْلِمِ عَلَى الْحُرَمِ كُلِّهَا وَشَدَّ بِالْإِخْلَاصِ وَالتَّوْحِيدِ حُقُوقَ الْمُسْلِمِينَ فِي مَعَاقِدِهَا فَالْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَحِلُّ أَذَى الْمُسْلِمِ إِلَّا بِمَا يَجِبُ) النهج بالفتح: الطريق الواضح، وصَدَفَ عنه كضَرَبَ أي: اعرض، والسمت: الطريق والقصد استقامة الطريق، يقال: قصد فلان كضرب إذا رشد، والفرائض مکرراً نصب على الاغراء أي: الزموا الفرائض لتؤديكم إلى الجنة وغير مجهول أي: معلوماً للمكلف، والحُرم جمع حُرمة كغُرف وغُرفة وهو اسم من الاحترام مثل: الفرقة من الافتراق، وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: حرمة المسلم فوق كل حرمة دمه وعرضه وماله(1)وشد الحقوق بالإخلاص والتوحید ربطها بهما وهو انه تعالى كالتأكيد لقوله (عليه السلام) إلا بالحق (بَادِرُوا أَمْرَ الْعَامَّةِ وَخَاصَّةَ أَحَدِكُمْ وَهُوَ الْمَوْتُ فَإِنَّ النَّاسَ
أَمَامَكُمْ وَإِنَّ السَّاعَةَ تَحْدُوكُمْ مِنْ خَلْفِكُمْ تَخَفَّفُوا تَلْحَقُوا فَإِنَّمَا يُنْتَظَرُ بِأَوَّلِكُمْ آخِرُكُمْ) المبادرة / ظ 223 / المسابقة والعجلة للوصول الى الشيء والمراد الرضا بالموت والتهيؤ له والاستعداد لما بعده، والموت وإن كان يعمم كل حيوان إلا
ص: 271
إنَّ له مع كل أحد خصوصية وكيفية مخالفة لحالة مع غيره والناس أمامكم أي سبقوكم الى الموت، والدار الآخرة، وفي بعض النسخ (فإنَّ البأس) بالباء الموحدة والهمزة أي الشدة والعذاب والمراد شدة الآخرة وعذابها، أو شدائد الدنيا وفتنها والحروب المستقبلة و(تخففوا)، أي: بالقناعة وترك الحرص على الدنيا أو من حمل الآثام والذنوب، ويحتمل أن يكون التخفيف كناية عن ترك الرّكون إلى الدنيا واتخاذها دار ممَّر لا دار مقر، ولعله أنسب معنى، وينتظر بأولكم وآخركم، أي: إنما ينتظر ببعث الأولين ونشرهم للحساب مجيء اللاحقين حتی يبعثوا جميعاً، والغرض الأمر بالاستعداد لذلك اللحوق والنشور الذي جرى به القضاء. (اتَّقُوا اللهَّ فِي عِبَادِهِ وَبِلَادِهِ فَإِنَّكُمْ مَسْئُولُونَ حَتَّى عَنِ الْبِقَاعِ وَالْبَهَائِمِ، أَطِيعُوا اللهَّ وَلَا تَعْصُوهُ، وَإِذَا رَأَيْتُمُ الْخَیْرَ فَخُذُوا
بِهِ وَإِذَا رَأَيْتُمُ الشَّرَّ فَأَعْرِضُوا عَنْهُ) التقوى في العباد اتباع امر الله في المعاملات والامور الدائرة بين الناس وفي البلاد القيام بحق المقام والعمل في كل مكان بما أمر به، والبِقاع كجِبال جمع بُقعه بالضم وهي القطعة من الارض على غير هيئة التي الى جانبها والبهيمة ذات القوائم الأربع، ولو كانت في الماء، وقيل كل حي لا يميز، والسؤال عن البِقاع لم اخربتم هذه؟ ولم عمرتم هذه؟ ولم لم تعبدوا الله فيها، وعن البهائم لم اجمعتموها؟ ولم أوجعتموها؟ ولم لم تقوموا بشأنها وغاية حقها.
وقال له قوم من الصحابة: لو عاقبت قوماً من أجلب على عثمان فقال (عليه السلام): (يَا إِخْوَتَاهْ إِنِّي لَسْتُ أَجْهَلُ مَا تَعْلَمُونَ وَلَكِنْ كَيْفَ لِي بِقُوَّةٍ وَ
ص: 272
الْقَوْمُ الْمُجْلِبُونَ عَلَى حَدِّ شَوْكَتِهِمْ يَمْلِكُونَنَا وَلَا نَمْلِكُهُمْ وَهَا هُمْ هَؤُلَاءِ قَدْ ثَارَتْ مَعَهُمْ عِبْدَانُكُمْ، وَالْتَفَّتْ إِلَيْهِمْ أَعْرَابُكُمْ، وَهُمْ خِلَالَكُمْ يَسُومُونَكُمْ مَا شَاءُوا، وَهَلْ تَرَوْنَ مَوْضِعاً لِقُدْرَةٍ عَلَى شَيْءٍ تُرِيدُونَهُ) الجزاء في قولهم: (لو عاقبت) محذوف أي لو عاقبت لكان حسناً، واجلبوا أي: تجمعوا وتألبوا والالف في (يا أخوتاه) بدل من ياء المتكلم، والهاء الساكنة للسكت، ويجوز فيها الضم كما في بعض النسخ، والحد منتهى الشيء ومن كل شيء حدته وحد الرجل بأسه، والشوكة شدة البأس، وحد السلاح، وثار الغبار يثور أي: هاج، ومنه قيل: ثارت الفتنة، والملك كناية عن التسلط والقدرة، والعِبدان بالكسر جمع عبد، والتفت أي: انضمت وأختلطت، والأعراب: سكان البادية من العرب والواحد إعرابي، وهو الذي يكون صاحب نجعة وارتياد للكلأ، وقال الأزهري(1): سواء كان من العرب أو من مواليهم ومن نزل بلاد الريف واستوطن المدن ممن ينتمي الى العرب فهم عرب وإن لم يكونوا فصحاء، وهم خلالكم، أي: بینکم، وسام فلاناً الأمر يسومه إذا كلفه إياه وأكثر ما يستعمل في العذاب والشر، واعتذاره (عليه السلام) بعدم التمكن لرعاية المصالح وتأليف القلوب لا لأنه كان في نفسه (عليه السلام) الانتقام من المجلبين(2)کما يدل عليه قوله (عليه السلام): (الله قتله وأنا معه)، (إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ أَمْرُ جَاهِلِيَّةٍ، وَإِنَّ لِهَؤُلَاءِ الْقَوْمِ مَادَّةً إِنَّ النَّاسَ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ إِذَا حُرِّكَ عَلَى أُمُورٍ: فِرْقَةٌ تَرَى مَا تَرَوْنَ، وَفِرْقَةٌ تَرَى مَا لَا تَرَوْنَ، وَفِرْقَةٌ لَا تَرَى هَذَا وَلَا هذا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَهْدَأَ النَّاسُ وَتَقَعَ الْقُلُوبُ مَوَاقِعَهَا،
ص: 273
وَتُؤْخَذَ الْحُقُوقُ مُسْمَحَةً) المراد بالأمر المشار اليه ما قصده المجلبون على عثمان، من قتله على ما ذكره بعض الشارحين(1)، أي: إنَّ أجلابهم عليه لم يكن عن طاعة الله واتباع أمره، بل نشأ عن الحمية والعصبية كما هو شأن أهل الجاهلية ولا ينافيه كونه طاعة ومطابقاً لأمر الله سبحانه، ولم يبين (عليه السلام) حال الأمر في الواقع / و224 / للمصلحة واقتصر على بيان حال نية القوم، ولعل المراد بعضهم أو أكثرهم، ويحتمل أن يكون الاشارة الى ما أراده هؤلاء القوم من معاقبة المجلبين أي: إنما حملتكم العصبية على ما أردتم دون الطاعة والقربة، ولعل الأنسب بتقسيم الفرق أن یکون الاشارة الى الجميع وهذا كمنع أي سكن، ووقع القلوب مواقعها اطمئنانها وارتفاع الوساوس عنها، وسمح کمنع أي أعطى وجاد(2)، وقيل: أي وافق على ما أريد منه وأسمح لغةَ فيه(3)، ((وقال الاصمعي: سمح ثلاثياً بماله، وأسمح بقيادة))(4)، والغرض(5)أخذ الحقوق بسهولة والكلمة على صيغة الفاعل.
(فأهدؤا عَنِّي وَانْظُرُوا مَا ذَا يَأْتِيكُمْ بِهِ أَمْرِي، وَلَا تَفْعَلُوا فَعْلَةً تُضَعْضِعُ قُوَّةً وَتُسْقِطُ مُنَّةً وَتُورِثُ وَهْناً وَذِلَّةً، وَسَأُمْسِكُ الْأَمْرَ مَا اسْتَمْسَكَ وَإِذَا لَمْ أَجِدْ بُدّاً فَآخِرُ الدَّوَاءِ الْكَيُّ) الفعلة المرة من الفعل ضعضع فلان البناء أي هدمه حتى الأرض، و((المُنَّة بالضم: القوة))(6)، وسأمسك الأمر ما استمسك
ص: 274
أي: أصبر ما أمكن، والكيّ: إحراق الجلد بحديدة ونحوها وآخر الداء الكيّ أي: عاقبة أمر الداء ومصير أمره إلى الكي إذا لم يزل بأنواع المعالجات، وفي بعض النسخ (فآخِر الدواء الكي)(1)، قال بعض الشارحين(2): هذا مثل مشهور، ويقال: آخر الطب، ويغلط فيه العامة، فتقول: آخر الداء الكي، والكي ليس من الداء ليكون آخره انتهى. وقد أخذه من كلام الجوهري(3)والتوجيه ما عرفت، وقال: و ((ليس معناه: وسأصبر عن معاقبة هؤلاء ما أمكن الصبر، فإذا لم أجد بُداً عاقبتهم، ولكنه كلام قاله أول مسير طلحة والزبير الى البصرة، فإنه حينئذ أشار عليه قوم بمعاقبة المجلبين فاعتذر بما ذكر، ثم قال: وسأمسك الامر ما استمسك، أي: أمسك نفسي عن محاربة هؤلاء الناكثين للبيعة ما أمكنني وأدفع الأيام بمرسلتهم وتخويفهم وانذارهم، واجتهد في ردهم الى الطاعة بالترغيب والترهيب، فإذا لم أجد بُداً من الحرب، فاخر الدَّواء الكي، أي الحرب؛ لأنَّها الغاية التي ينتهي أمر العصاة إليها))(4).
(إِنَّ اللهَّ بَعَثَ رَسُولًا هَادِياً بِكِتَابٍ نَاطِقٍ وَأَمْرٍ قَائِمٍ لَا يَهْلِكُ عَنْهُ إِلَّا هَالِكٌ، وَإِنَّ الْمُبْتَدَعَاتِ الْمُشَبَّهَاتِ هُنَّ الْمُهْلِكَاتُ إِلَّا مَا حَفِظَ اللهَّ مِنْهَا، وَإِنَّ فِي سُلْطَانِ اللهِ عِصْمَةً لِأَمْرِكُمْ فَأَعْطُوهُ طَاعَتَكُمْ غَیْرَ مُلَوَّمَةٍ وَلَا مُسْتَكْرَهٍ بِهَا) الأمر القائم
ص: 275
المستقيم الذي ليس بذي عوج کما ذكره بعض الشارحين(1)أو الظاهر المبين كأنه ليس بقاعد أو ساقط حتى يخفى على الناظرين إليه و(لا يهلك عنه إلاَّ هالك)، أي: لا يهلك عادلاً عنه إلا البالغ في الهلاك كما لا يقال: لا يعلم هذا الفن إلاَّ عالم أي الكامل في العلم، والمبتدعات التي لم يكن على عهد الرسول (صلى الله عليه واله) ولم يدل عليها دليل عام أو خاص، والمشبهات أي: التي تشبه السنن، وليست منها، وفي بعض النسخ (المُشْبِّهات) على صيغة اسم الفاعل أي التي تشبه على الناس وتلبس عليهم أمورهم، وروى (المشتبهات) على صيغة الافتعال، أي الملتبسات لا يعرف حقها من باطلها، ولعل الاستثناء من الاهلاك أي: إلا ما حفظ الله منها بالتوبة والتدارك بصالح العمل أو بعدم الارتكاب فيكون منقطعاً، والسلطان الوالي والجمع السلاطين والحجة والبرهان ولا يجمع؛ لأنَّ مجراه مجرى المصدر، والولاية والسلطنة، والمراد بسلطان الله الذي فيه العصمة أي الحفظ عن الخطأ أو الذلة والهلاك في الدنيا والاخرة دين الله أو نفسه (عليه السلام) واعطوه طاعتكم غير ملومة أي: مخلصين غير ملوم صاحبها بأن ينسب إلى النفاق، وفي بعض النسخ (غير مُلَوَمَّة)(2)على صيغة التفعيل والتشديد للمبالغة، وروى غير ملويَّة أي: غير معوجة من لويت العود إذا عطفته.
((وَاللهِ لَتَفْعَلُنَّ أَوْ لَيَنْقُلَنَّ اللهَّ عَنْكُمْ سُلْطَانَ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ لَا يَنْقُلُهُ إِلَيْكُمْ أَبَداً
ص: 276
حَتَّى يَأزرَ(1)الَأْمْرُ إِلیَ غَيِرْكُمْ)) / ظ 224 / (إِنَّ هَؤُلاَءِ قَدْ تَمَالَئُوا عَلىَ سَخْطَةِ إِمَارَتِي وَسَأَصْبِرُ مَا لَمْ أَخَفْ عَلَى جَمَاعَتِكُمْ فَإِنَّهُمْ إِنْ تَمَّمُوا عَلَى فَيَالَةِ هَذَا الرَّأْيِ انْقَطَعَ نِظَامُ الْمُسْلِمِينَ) ارز کضرب أي انقبض وتجمع، وارزت الحية أي لاذت بجحرها ورجعت إليه، وملاءه على الأمر بالهمز ساعده وشایعه، وتمالؤا أي: تساعدوا واجتمعوا وتعاونوا، والسَخطة بالفتح كراهة الشيء وعدم الرضا به، وفيالة الرأي بالفتح ضعفه، قال بعض الشارحين(2): إنَّ جعلنا (حتى) في قوله (عيله السلام): (حتى يأرز الأمر) غاية لنقل السلطان عنهم أي متعلقاً بقوله: (لينقلن) لم يفهم منها عود إليهم، وإن جعلناها من عدم نقله إليهم فهم منها ذلك فإن قلت: لم قال (عليه السلام) لا يرجع إلهم أبداً وقد عاد بالدولة العباسية، قلت: اجيب من وجوه: الأول: إنَّ القوم الذين خاطبهم من أصحابه بهذا الخطاب لم ترجع إليهم أبداً فإنَّ اولئك بعد انقضاء دولة بني أمية لم يبق منهم أحد، ثم لم يرجع من أولاده أصلا. الثاني: إنه قيد بالغاية فقال: لا يصير إليكم حتى يصير في قوم آخرين، وظاهر انه كذلك بانتقاله الى بني أمية، الثالث: قال بعض الشارحين إنما عاد؛ لأن الشرط لم يقع وهو عدم الطاعة، فإن أكثرهم اطاعه طاعة غير ملومة ولا ستكره بها. الرابع: قال قوم أرادوا بقوله أبداً المبالغة كما تقول لغريمك لاحبسنه ابداً والمراد بالقوم الذين يارز الأمر إليهم بنو امية كما هو الواقع وقوله ان هؤلاء قد تمالؤا اشارة إلى طلحة والزبير وعائشة واتباعهم واومئ الى ان مسيرهم لسخطهم من امارته لا ما اظهروه من الطلب بدم عثمان انتهى.
ص: 277
وكون غاية للنقل باعتبار أنَّ نقل الدولة عن قوم في العادة بطریان وهن بعد وهن وعلى سبيل التدريج ويمكن ان يكون حتی بمعنی کي التعليلته كما في قوله تعالى: «لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا»(1)، والظاهر حينئذ تعلقها بالنقل ولا يخفى أنَّ السؤال إنما يوجه على تقدير تعلق حتى سواء كانت للغاية أو للتعليل بالنقل كما أنَّ الجواب الثاني يستقيم على تقدیر کونها غاية لعدم النقل.
(وَإِنَّمَا طَلَبُوا هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَداً لِمَنْ أَفَاءَهَا اللهَّ عَلَيْهِ فازدادوا رَدَّ الْأُمُورِ عَلَى أَدْبَارِهَا وَلَكُمْ عَلَيْنَا الْعَمَلُ بِكِتَابِ اللهَّ تَعَالَی وَسِیرَةِ رَسُولِ اللهِ (صلى الله عليه
وآله) وَالْقِيَامُ بِحَقِّهِ وَالنَّعْشُ لِسُنَّتِهِ) الكلام بيان لعله سخطهم لإمارته وهي الحسد على الدنيا والمراد بمن افاءها الله عليه أهل البيت (عليهم السلام) قال الله تعالى: «أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا»(2)، والملك العظيم الخلافة والإمامة والناس، وآل إبراهيم الأئمة (عليهم السلام) کما ورد في الخبر، وقال في مجمع البيان في تفسير العياشي باسناده عن أبي الصباح الكناني، قال: ((قال: أبو عبد الله (عليه السلام): يا أبا الصباح نحن قوم فرض الله طاعتنا لنا الانفال ولنا صفوا المال ونحن الراسخون في العلم ونحن المحسودون الذين قال الله في كتابه: «أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ»(3)الآية، وقال والمراد النبوة والحكمة
ص: 278
والفهم والقضاء والملك العظيم وافتراض الطاعة انتهى))(1). والفي الغنيمة والخراج، قال الجوهري: ((تقول منه افاء الله على المسلمين مال الكفار))(2)، ((واستفأت هذا المال أي اخذته فيأ))(3)، وقيل في قوله تعالى: «مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ»(4)أي: ردّه عليه كأنه كان في الأصل له لكونه حقيقاً بأن يكون له وأصل الفي الرجوع، وسمي الظل فيأ لرجوعه من جانب الى جانب، ويحتمل أن يكون المراد بمن افاءها الله عليه في هذا الكلام كل من أتاه الله حظاً من الدنيا أي شأن هؤلاء الحسد على من اعطاه الله الدنيا ورد الأمور على أدبارها كناية عن انتزاع الأمر منه (عليه السلام) کما انتزع اولا وفيه دلالة / و225 / على عدم استحقاق السابقين، والسيرة السنّه والطريقة والضمير في حقه راجع إلى الرسول (صلى الله عليه وآله) كالضمير في سنته أي القيام بالحقوق التي أوجبها بأمر الله عز وجل کما ذکره بعض الشارحين(5)أو القيام بحقه من المتابعة وامتثال الأمر نعشه الله تعالى كمَنَعَ أي رفعه ومنه قيل لسرير الميت: النعش؛ لأن الناس يرفعونه وإذا لم يكن عليه ميت محمول فهو سرير ونعش السنه تعظيمها بالإتباع وإجراء احكامها.
(وَقَدْ أَرْسَلَهُ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ لَمَّا قَرُبَ (عليه السلام) مِنْهَا لِيَعْلَمَ
ص: 279
لَهُمْ مِنْهُ حَقِيقَةَ حَالِهِ مَعَ أَصْحَابِ الْجَمَلِ لِتَزُولَ الشُّبْهَةُ مِنْ نُفُوسِهِمْ فَبَیَّنَ لَهُ (عليه السلام) مِنْ أَمْرِهِ مَعَهُمْ مَا عَلِمَ بِهِ أَنَّهُ عَلَى الْحَقِّ ثُمَّ قَالَ لَهُ بَايِعْ فَقَالَ
إِنِّي رَسُولُ قَوْمٍ، وَلَا أُحْدِثُ حَدَثاً حَتَّى أَرْجِعَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ (عليه السلام): أرأيت لَوْ أَنَّ الَّذِينَ وَرَاءَكَ بَعَثُوكَ رَائِداً تَبْتَغِي لَهُمْ مَسَاقِطَ الْغَيْثِ فَرَجَعْتَ إِلَيْهِمْ وَأَخْبَرْتَهُمْ عَنِ الْكَلَإِ وَالْمَاءِ فَخَالَفُوا إِلَی الْمَعَاطِشِ وَالْمَجَادِبِ مَا كُنْتَ
صَانِعاً قَالَ كُنْتُ تَارِكَهُمْ وَمُخَالِفَهُمْ إِلَی الْكَلَإِ وَالْمَاءِ فَقَالَ (عليه السلام) فَامْدُدْ إِذاً يَدَكَ فَقَالَ الرَّجُلُ فَوَاللهَّ مَا اسْتَطَعْتُ أَنْ أَمْتَنِعَ عِنْدَ قِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيَّ فَبَايَعْتُهُ (عليه السلام) وَالرَّجُلُ يُعْرَفُ بِكُلَيْبٍ الْجَرْمِيِّ.)
الحدث بالتحريك الأمر الحادث المبتدع وهو اسم من احدث الرّجل احداثاً إذا ابتدع واتی بأمر جديد، وأرأيتَ بفتح التاء وأرأيتك وأرأيتكما وأرأيتكم بمعني أخبرني واخبراني واخبروني، والرائد من ارسله القوم ليبصر لهم مواضع الغيث والكلأ، وهو بالتحريك النبات والعشب رطبه ويابسه، وأول ما يظهر يسمى رطب، فإذا طال قليلاً فهو الخلا فإذا طال فهو الكلاء فإذا يبس فهو الحشيش(1)، والمعاطش مواضع العطش أي الأمكنة التي ليس لها ما والمجادب الأراضي التي لا تخصب ولانبات فيها من الجدب وهو القحط والمحل ومخالفهم الى الكلاء والماء أي مائلا إليهما وجَرم(2)بالفتح بطنان في العرب أحدهما في قضاعة والآخر في طيئ.
ص: 280
(اللَّهُمَّ رَبَّ السَّقْفِ الْمَرْفُوعِ وَالْجَوِّ الْمَكْفُوفِ الَّذِي جَعَلْتَهُ مَغِيضاً لِلَّيْلِ
وَالنَّهَارِ وَمَجْرًى لِلشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَمُخْتَلَفاً لِلنُّجُومِ السَّيَّارَةِ وَجَعَلْتَ سُكَّانَهُ سِبْطاً مِنْ مَلَائِكَتِكَ لَا يَسْأَمُونَ مِنْ عِبَادَتِكَ) صفين كسجين موضع قرب الرقة بشاطئ الفرات كانت به الوقعة العظمى غرة صفر سنة سبع وثلاثين فمن ثم احترز الناس السفر في صفر، والسقف المرفوع السماء والجو الهواء وما بين السماء والأرض، وكفه اي جمعه وضم بعضه إلى بعضٍ وأصله الصون والمنع، قال بعض الشارحين: ((الجو المكفوف السماء أيضاً))(1)، ويمر في كلامه (عليه السلام) نحو هذا وانّ السماء هواء جامد وماء جامد، ويحتمل أن يكون المراد به الهواء والفضاء الخالي مما يمنع الحركة بين السماوات على أن يكون الكواكب متحركة في السماوات کالحيتان في الماء والحركة فيه الحركة في السماء، قال الله عز وجل: «كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ»(2)وكفه حفضه بالسماء عن الانتشار، وقد ورد عنهم (عليهم السلام) یا من كبس الأرض على الماء وسدّ الهواء بالسماء وغاض الماء يغيض غيضاً أي نضب وقل، قال بعض الشارحين(3): کونه مغيضاً لليل والنهار، لأن الفلك بحركته المستلزمة لحركة الشمس على وجه الأرض يكون سبباً لغيوبه الليل وعن وجهها لغيوبه النهار فكان كالمغيض لها وقال بعضهم: ((جعلته مغيضاً لليل والنهار، أي: غيضه لهما، وهي في الأصل الاجمة يجتمع إليها الماء، فيسمى(4)غيضه ونبت فيها
ص: 281
الشجر كأنه جعل الفلك كالغيضه والليل والنهار كالشجر النابت فيها))(1)والظاهر أنَّ الغيضة لو سمیت / ظ 225 / مغيضاً فإنما هي لأن تغيض فيها، ويحتمل أن يكون المراد نقصان الليل والنهار باختلاف الفصول، وكون السماء مجرى للشمس، والتقمر تدویر حرکتهما بنفسهما كالحيتان في الماء ويقبل التأويل لو تبين خلافة والاختلاف التردد، ((والخلفة مصدر الاختلاف)) ذكره في العين(2)، قيل: وجعل الليل والنهار خلفه، أي: هذا خلف من هذا، وهذا يأتي خلف هذا، ومعناه من فاته أمر بالليل أدرکه بالنهار وبالعکس، والسِبط بالكسر الامة والقبيلة ولا يسأمون أي لا يميلون.
(وَرَبَّ هَذِهِ الَأَرْضِ الَّتِي جعلتها قَرَاراً لِلْأَنَامِ وَمَدْرَجاً لِلْهَوَامِّ وَالْأَنْعَامِ
وَمَا لَا يُحْصَى مِمَّا يُرَى وَوَرَبَّ الْجِبَالِ الرَّوَاسِي الَّتِي جَعَلْتَهَا لِلْأَرْضِ أَوْتَاداً وَلِلْخَلْقِ اعْتِمَاداً) قَرَّ الشيء کَفَرَّ أي استقر بالمكان، والاسم القرار، والمراد موضع الاستقرار، ودَرَجَ کقَعَدَ أي مشى والمدرجة المذهب والمسلك، والهوام الحشرات، وقيل: ما له سم يقتل كالحية، وقال بعض الشارحين(3): قال بعض العلماء: من أراد أن يعرف حقيقة قوله (عليه السلام): (مما یری ومما لا یری) فليوقد ناراً صغيرة في فلاة في ليلة صيفية وينظر ما يجتمع عليها من غرائب أنواع الحيوان العجيبة الخلق لم يشاهدها هو ولا غيره، قال: وأقول يحتمل أن يريد بقوله: (وما لا يرى) ما ليس من شأنه أن يرى، أما الصغيرة أو لشفافية وكون الجبال أوتاداً للأرض قد شرحناه مستوفي في شرح الخطبة الأولى من
ص: 282
کتاب حدائق الحقائق. والاعتماد الاتكاء، قال بعض الشارحین(1): کونها للخلق اعتماداً؛ لانهم يجعلونها کالمساكن لهم فينتفعون بها ويبنون منازل إلى جانبها فيقوم مقام جدار قد استغنوا عن بنيانه؛ ولأنها أمهات العيون ومنابع المياه فكانت اعتمادا للخلق في منافعهم ومصالحهم.
(إِنْ أَظْهَرْتَنَا عَلَى عَدُوِّنَا فَجَنِّبْنَا الْبَغْيَ وَسَدِّدْنَا لِلْحَقِّ وَإِنْ أَظْهَرْتَهُمْ عَلَيْنَا فَارْزُقْنَا الشَّهَادَةَ وَاعْصِمْنَا مِنَ الْفِتْنَةِ. أَيْنَ الْمَانِعُ لِلذِّمَارِ وَالْغَائِرُ عِنْدَ نُزُولِ الْحَقَائِقِ مِنْ أَهْلِ الْحِفَاظِ الْعَارُ وَرَاءَكُمْ وَالْجَنَّةُ أَمَامَكُمْ.) ظهرت على الرجل غلبته وأظهره الله على عدوه أي أظفره، وجنبه إياه أي أبعده عنه، والبغي: الظلم والعدول عن الحق والاستطالة، وسدده أي قومه ووقفه للسداد أي الصواب، ومن القول والعمل، ولعل سؤال الشهادة يتضمن الاستعاذة عن الجرح البالغ والتنكيل والبقاء بالفرار والعصمة من الفتنة الاستعاذة من توهم ان نصرهم من عند الله لكونهم على الحق ومن عدم الرضا بالقضاء، وذِمار الرجل بالكسر: كل شيء يلزمه الدفع عنه، وان ضيعه لزمه الذَمر بالفتح أي اللوم(2)، ويكون بمعنى الحث مع لوم واستبطاء، ومانع الذمار من يمنع العدو لحفظ الذمار، أو لانتفاعه، ويقال له: حامي الذمار أيضاً، والغَائر ذو الغيرة بالفتح، والحقائق الأمور الشديدة والنوازل الثابتة ويكون الحقيقة بمعنى ما يحق أي يجب على الرجل أن يحميه، والحِفاظ بالكسر الذب عن المحارم، والعار وراءكم أي: أن ادبرتم عن العدو وهربتم أقبلتم على العار والعيب، كما أنَّ الجنة أمامكم لو اقدمتم على الحرب أو العار وراءكم؛
ص: 283
لأنه يسوقكم الى الحرب كما أنَّ الجنة تستقبلكم، وفي نسخ الشارحين النار وراءكم والمال واحد.
(الحمد لله الذي لاتوری عنه سماءٌ سماءً ولا ارضُ ارضاً) والمرارة الاخفاء، قال بعض الشارحین(1): لقائل أن يقول: لا يتوارى شيء من السماوات عن المدركين منا أيضاً لأنها شفافة فلا يختص بالباري عز وجل فينبغي أن يقال: إنَّ هذا الكلام على قاعدة غير القاعدة الفلسفية وان السماوات تحجب ما وراءها عن المدركين بالحاسة وإنها ليست طباقاً متلاصقه بل بينهما خلق من خلق الله تعالى لا يعلمهم غيره واتباع هذا القول واعتقاده أولى من اعتقاد أقوال الفلاسفة التي لا دليل عليها انتهي. لا يخفى انه لو ثبت / و226 / أن كلاً من السيارات في فلك، وأن الثوابت في الثامن ثبت أنَّ السماوات لا يحجب ما رواءها عن الابصار لكن الكلام في ذلك والظاهر من قوله تعالى: «إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ»(2)، فتكون شفافة لا يحجب الكواكب عن الأبصار ولا يلزم أن يكون غيرها شفافة وظاهر بعض الأخبار يؤيد ما ذكره، وأما تلاصق السماوات فما لا دليل عليه وتظافرت الأخبار ببطلانه ويمكن أن يكون المراد بعدم المواراة احاطة علمه سبحانه بما في السماوات وأن بُعد المسافة بينها لا يمنع علمه بجميع ما فيها بخلاف غيره سبحانه مما يؤثر في إدراكه القرب والبعد المكاني وقال كلامه (عليه السلام) يدل على
ص: 284
اثبات أرضين بعضها فوق بعض كما أنَّ السماوات كذلك ولم يأتِ في الكتاب العزيز ما يدل على هذا إلا قوله تعالى: «اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ»(1)وهو قول كثير من المسلمين وقد تأول ذلك أرباب المذهب الآخر فقالوا: إنها سبعة أقاليم فالمثلية من هذا الوجه لا من تعدد الارضين في ذاتها ويمكن أن تناول مثل ذلك كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) فيقال: إنها وإن كانت ارضاً واحدة لكنها أقاليم وأقطار مختلفة، وهي کريه الشكل فمن على حد به الكرة لا يرى من تحته ومن تحته لا يراه، ومن يراه على أحد جانبيها لا يرى من على الجانب الآخر والله تعالى يدرك ذلك كله أجمع ولا يحجب عنه شيء منها بشيء منها انتهى. والوجه في ذلك ما رواه الطبرسي (رحمه الله) في مجمع البيان(2)عن أبي الحسن (عليه السلام) إنه بسط كفيه ثم وضع اليمني، فقال: هذه الأرض الدنيا والسماء الدنيا عليها قبة والأرض الثانية فوق السماء الدنيا، والسماء الثانية فوقها قبة والأرض الثالثة فوق السماء الثانية والسماء الثالثة فوقها قبة حتى ذكر الرابعة والخامسة والسادسة فقال والارض السابعة فوق السماء السادسة والسماء السابعة فوقها قبة وعرش الرحمن فوق السماء السابعة وهو قوله تعالى: «سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ»(3)وإنما صاحب الأمر النبي (صلى الله عليه وآله) وهو على وجه الأرض وإنما ينزل الأمر من فوق من بين السماوات والارضين انتهى. وحينئذ فجدب كل كرة أرض والتي فوقها
ص: 285
سماء والتي تحت الجميع ليست إلا ارضاً كما أنَّ التي فوق الجميع ليست إلا سماء والأوساط أرض وسماء باعتبارين والله تعالى يعلم.
منها: وَقَدْ قَالَ قَائِلٌ إِنَّكَ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ يَا ابْنَ أَبِي طَالِبٍ لَحَرِيصٌ فَقُلْتُ: بَلْ أَنْتُمْ وَاللهَّ أحرص وَأَبْعَدُ وَأَنَا أَخَصُّ وَأَقْرَبُ وَإِنَّمَا طَلَبْتُ حَقّاً لِي وَأَنْتُمْ
تَحُولُونَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ وَتَضْرِبُونَ وَجْهِي دُونَهُ فَلَمَّا قَرَّعْتُهُ بِالْحُجَّةِ فِي الْمَلَإِ الْحَاضِرِينَ هَبَّ كَأَنَّهُ بُهِتَ لَا يَدْرِي مَا يُجِيبُنِي بِهِ) قال بعض الشارحين: هذا الفصل من خطبة يذكر فيها (عليه السلام) ما جرى يوم الشورى، والذي قال له: انّك على هذا الأمر لحريص هو سعد ابن أبي وقاص مع روايته فيه (انت مني بمنزلة هارون من موسی) وهذا عجيب فقال لهم: بل أنتم والله أحرص وأبعد وقد رواه الناس كافة. وقالت الامامية هذا الكلام يوم السقيفة، والذي قال له: إنك لحريص على هذا الأمر أبو عبيدة بن الجراح(1)، وقرع کمنع أي: دق، وقرعته بالمقرعة ضربته بها، والملا بالتحريك: الجماعة، وهَبَّ من نومه كمَدَّ أي انتبه واستيقظ، وروي هبّ؛ لأنه كان لا يدري ما يجيبني به، وفي بعض النسخ (بهت لا يدري ما يجيبني به)(2)وهو واضح.
(اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَعْدِيكَ عَلَى قُرَيْشٍ وَمَنْ أَعَانَهُمْ فَإِنَّهُمْ قَطَعُوا رَحِمِي وَصَغَّرُوا عَظِيمَ مَنْزِلَتِيَ وَأَجْمَعُوا عَلَى مُنَازَعَتِي أَمْراً هُوَ لِي ثُمَّ قَالُوا: أَلَا إِنَّ فِي الْحَقِّ أَنْ تَأْخُذَهُ وَفِي الْحَقِّ أَنْ تَتْرُكَهُ) الاستعداء طلب التقوية والنصرة تقول: استعديت الأمر على الظالم أي طلبت منه النصرة والانتقام والاسم / ظ
ص: 286
226 / العدوى بالفتح وهي المعونة، وقطعوا رحمي أي من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أو منهم وأجمعوا على منازعتي أي اتفقوا أمراً هو لي أي هو حقي بالنص، وتأويل بعض الشارحین(1)بالأفضلية باطل سخيف، وتأخذه وتتركه في النسخ(2)عندنا على صيغة الخطاب أي ليتهم أخذوه معترفين بأنه حقي فلم يفعلوا كذلك بل جعلوا أخذي وتركي إياه من الحق لا يرجح أحدهما على الآخر، وقال بعض الشارحين(3): وری نأخذه ونتركه على صيغة المتكلم مع الغير قال وعليه نسخة الرضي (رحمه الله)، والمراد إنا نتصرف فيه کما نشاء بالأخذ والترك دونك، وقال الشارح عبد الحميد بن أبي الحديد: أعلم إنه قد تواترت الأخبار عنه (عليه السلام) بنحوٍ من هذا القول، نحو قوله (عليه السلام): ((ما زلت مظلوماً منذ قبض الله نبيه (صلى الله عليه وآله) حتى يوم الناس هذا)). وقوله: ((اللهم أجز(4)قريشاً فإنها منعتني حقي وغصبتني أمري))، وقوله: ((فجزت(5)قريشاً عني الجوازي؛ فإنهم ظلموني حقي واغتصبوني سلطان ابن أمي))، وقوله: ((وقد سمع صارخاً ينادي: أنا مظلوم فقال: ((هلم فلنصرخ معاً فإني ما زلت مظلوماً))، وقوله: ((وإنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحی))، وقوله: ((أری تراثي نهباً))، وقوله: ((اصغيا بإنائنا وحملا الناس على رقابنا))، وقوله: ((إنَّ لنا
ص: 287
حقاً إن نُعطهُ نأخذه(1)وإن نمنعه والا نركب أعجاز الابل وإن طال السرُّی))، وقوله: ((ما زلت مستأثراً عليَّ مدفوعاً عن حقي عمَّا أستوجبه وأستحقه(2))) وأصحابنا يحملون ذلك كله على ادعائه الأمر بالأفضلية والأحقية؛ وهو الحق والصواب فإنَّ حمله على الاستحقاق بالنص تكفير أو وتفسيق لوجه المهاجرين والأنصار، ولكن الأماميَة والزيديّة حملوا هذه الأقوال على ظواهرها، وارتكبوا بها مركباً صعباً. ولعمري إنَّ هذه الألفاظ موهمه مغلبة على الظن ما يقوله القوم؛ إلا أنَّ تصفح الأحوال يبطل ذلك الظن، ويدرؤ ذلك الوهم، قال: وحدثني يحيى بن سعيد بن علي الحنبلي المعروف بابن عالية من ساكني قطفتا بالجانب الغربي(3)من بغداد واحد الشهود المعدلين بها قال: كنت حاضراً عند الفخر إسماعيل بن علي الحنبلي الفقيه، وكان إسماعيل هذا مقدم الحنابلة ببغداد في الفقه والخلاف، وكان يشتغل بشيء في علم المنطق، وكان حلو العبارة، وقد رأيته أنا وحضرت عنده، وسمعت كلامه، وتوفي سنة عشر وستمائة، قال: ابن عالية: ونحن عنده نتحدث؛ إذ دخل شخص من الحنابلة، وقد كان له دين على بعض أهل الكوفة، فانحدر إليه يطالبه به، واتفق أن حضرت زيارة يوم الغدير، والحنبلي المذكور بالكوفة؛ ويجتمع بمشهد أمير المؤمنين (عليه السلام) من الخلائق جموع عظيمة، تتجاوز حد الاحصاء. قال ابن عالية: فجعل الشيخ الفخر(4)يسائل ذلك الشخص: ما
ص: 288
فعلت؟ ما رأيت؟ هل وصل مالك إليك؟ هل بقي لك بقية عند غريمك؟ وذلك الشخص يجاوبه؛ حتى قال له: يا سيدي لو شاهدت يوم الزيارة يوم الغدير، وما يجري عند قبر علي بن ابي طالب (عليه السلام) من الفضائح والأقوال الشنيعة وسبّ الصحابة جهاراً من غير مراقبة ولا خيفة! فقال اسماعيل: أيّ ذنب لهم! والله ما جرأهم على ذلك، ولا فتح لهم هذا الباب إلا صاحب القبر، فقال ذلك الشخص: ومن هو صاحب القبر؟، قال: علي بن ابي طالب! قال: يا سيدي، هو الذي سنَّ لهم ذلك، وعلَّمهم إياه وطرقهم إليه!، قال: نعم والله، قال: يا سيدي فإن كان محقاً فما لنا نتولى فلانا وفلانا؟ وإن كان مبطلاً فما لنا نتولاه! ينبغي أن نبرأ إمَّا منه أو منهما. قال ابن عالية: فقام إسماعيل مسرعاً، فلبس نعليه / و227 / وقال: لعن الله إسماعيل الفاعل بن فاعل إن كان يعرف جواب هذه المسألة، ودخل دار حرمه، وقمنا نحن فانصرفنا انتهى(1). وأقول: إن الامامية ومن حذا حذوهم إنما ارتكبوا ذلك المركب الصعب لما في أيديهم من مقامع النصوص القاطعة ومقارع البراهين الساطعة التي تذلل كل صعب، وتودت كل شموس ولو تطرق التأويل إلى كلماته (عليه السلام) في التظلم، وقد ذكرنا منها جملة كافية في مقدمة شرح الخطبة الشقشقية من كتاب حدائق الحقائق، لا نسد باب التصريح وقد اعترف هذا الشارح في موضع من شرحه وقد تقدم الإشارة إليه بأنه ثبت عن النبي (صلى الله عليه وآله) إنه قال: (الحق مع علي وعلي مع الحق يدور معه حيثما دار)(2)وبأنه (عليه السلام) معصوم عن الخطأ في أقواله وأفعاله
ص: 289
وإنَّ لم يكن الامام واجب العصمة بزعمه والذين زعمهم وجوه الصحابة لا ضير في تفسيقهم أو تكفيرهم بعد ورود النصوص في ارتدادهم بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد روى البخاري ومسلم(1)وغيرهما(2)من ثقات محدثيهم حديث الحوض وغيره ومن اتقى ركوب ذلك الصّعب فلا محيص له في الهرب عما يلزم القوم من التناقض إلا لبس النعلين ودخول دار الحرم کما فعله إسماعيل والله يهدي من يشاء إلى سواء السبيل.
منها في ذكر أصحاب الجمل فَخَرَجُوا يَجُرُّونَ حُرمته رَسُولِ اللهَّ (صلى الله عليه وآله) كَمَا تُجَرُّ الْأَمَةُ عِنْدَ شِرَائِهَا مُتَوَجِّهِینَ بِهَا إِلَی الْبَصْرَةِ فَحَبَسَا نِسَاءَهُمَا
فِي بُيُوتِهِمَا وَأَبْرَزَا حَبِيسَ رَسُولِ اللهَّ (صلى الله عليه وآله) لَهُمَا وَلِغَيْرِهِمَا فِي جَيْشٍ مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ إِلَّا وَقَدْ أَعْطَانِي الطَّاعَةَ وَسَمَحَ لِي بِالْبَيْعَةِ طَائِعاً غَیْرَ مُكْرَهٍ) حُرمة الرجل بالضم امرأته وما يحميه، والشِراء بالكسر والمد وبالقصر من الاضداد تقول شريت الطعام اشريه أي ملكته بالبيع أو بعته(3)وانكر الكسائي المد، والكلام حجة عليه، والحبيس والمحبوس أي الممنوع من البروز والمراد به وبالحرمة عائشة وسَمَحَ كمَنَعَ أي وافق على ما أريد منه أو حاد وأعطى والمراد البيعة بأشد الرضى.
(فَقَدِمُوا عَلَى عَامِلِي بِهَا، وَخُزَّانِ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِهَا فَقَتَلُوا طَائِفَةً صَبْراً وَطَائِفَةً غَدْراً فَوَاللهَّ لَوْ لَمْ يُصِيبُوا مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا رَجُلًا
ص: 290
وَاحِداً مُعْتَمِدِينَ لِقَتْلِهِ بِلَا جُرْمٍ جَرَّهُ لَحَلَّ لِي قَتْلُ ذَلِكَ الْجَيْشِ كُلِّهِ إِذْ حَضَرُوهُ فَلَمْ يُنْكِرُوا وَلَمْ يَدْفَعُوا عَنْهُ بِلِسَانٍ وَلَا بِيَدٍ دَعْ مَا أَنَّهُمْ قَدْ قَتَلُوا مِنَ الْمُسْلِمِينَ
مِثْلَ الْعِدَّةِ الَّتِي دَخَلُوا بِهَا عَلَيْهِمْ) القتل صبر أن يمسك شيء من ذوات الروح حيا، ثم يرمي بشيء حتى يموت كذا قال ابن الأثير وغيره، ثم قال: ((وكل من قتل في غير معركة ولا حرب ولا خطأ فإنَّه مقتول صبراً))(1)، وقال الشارحان: قتلوا طائفة صبرا أي بعد الأسر(2)، والغدر نقض العهد أي أعطوهم الأمان ثم قتلوهم، وفي بعض النسخ (فوالله إنْ لو لم يصيبوا)، قال بعض الشارحين: (((إن) هاهنا زائدة، ويجوز أن تكون مخففة من الثقيلة))(3)، وفي بعض النسخ (فو الله إن لم يصيبوا) بكسر الهمزة، والاعتماد الاتكاء الاتكال والمراد القصد وفي بعض النسخ (متعمدين)(4)وهو أظهر، والجريرة: الذنب، يقال: جرّ على نفسه وغيره جريرة يجر بالضم والفتح جرّا و (ما) في (دعّ ما إنهم) زائدة أي أترك قبلهم للعدة واقطع النظر عنه، والعدة بالكسر: الجماعة، قال الشارح ابن میثم: فإن قلت المفهوم من هذا الكلام تعليل جواز قتله (عليه السلام) لذلك الجيش بعدم إنكارهم للمنكر فهل يجوز قتل من لم ينكر المنكر قلت: أجاب الشارح عبد الحميد بن أبي الحديد عنه، فقال: يجوز
ص: 291
قتلهم؛ لأنهم اعتقدوا ذلك القتل مباحاً كمن اعتقد اباحة الزنا(1)وشرب الخمر واجاب القطب الراوندي رحمه الله بأنَّ جواز قتلهم لدخولهم في عموم قوله تعالى: «إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ ا / ظ 227 / فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا»(2)الآية، وهؤلاء قد حاربوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) لقوله: (حربك يا علي حربي) وسعوا في الأرض بالفساد واعترض المجيب الأول عليه فقال: الاشكال إنما هو في التعليل بعدم إنكار المنكر، والتعليل بعموم الآية لا يدفعه وأقول الجواب الثاني أسّد والأول ضعيف؛ لأن القتل وإن وجب على من اعتقد اباحه ما علم من الدين ضرورة لكن هؤلاء كان جميع ما فعلوه من القتل والخروج بالتأويل وان كان معلوم الفساد فظهر الفرق بين حلّ الخمر والزنا وبين اعتقاد هؤلاء ما فعلوه وأما الاعتراض على الجواب الثاني فضعيف لأن له أن يقول: إنَّ قتل المسلم إذا صدر عن بعض الجيش ولم ينكر الباقون مع تمكنهم وحضورهم كان ذلك قرینه داله على الرضا من جميعهم والراضي بالقتل شريك القاتل خصوصاً(3)إذا كان معروفاً بصحبته والاتحاد به کاتحاد بعض الجيش ببعض فكان خروج ذلك الجيش على الامام محاربته لله ورسوله (صلى الله وآله) وسعياً في الأرض بالفساد وذلك عين مقتضى الآية انتهى(4)ملخص كلامه ويمكن أن يجاب عن اعتراضه على الجواب الأول بأنَّ هؤلاء مدعين لشبهه لم تكن من الشبه
ص: 292
المحتملة الدارئه للقتل؛ لأنهم خرجوا على الامام بعد البيعة طائعين غير مكرهين کما ذکره (عليه السلام) مع أنَّ الاحتمال كاف لهذا المجيب ويمكن الجواب عن أصل السؤال بأنَّ التعليل ليس بعدم انكار المنكر مطلقاً بل بعدم انکار هذا المنكر الخاص أي قتل واحد من المسلمين المعاونين للإمام (عليه السلام) بالخروج عليه، وربما يشعر بذلك قوله (عليه السلام): لحل لي قتل ذلك الجيش، فلا يلزم جواز قتل كل من لم ينكر منكراً، وأما في بعض المواد فلا استبعاد فيه إذ اقام عليه دليل، ولعل هذا مراد القطب الراوندي(1)(رحمه الله)، والدليل ما ذكره أو غير ذلك كقوله: «فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ»(2)، وظاهر كلامه (عليه السلام) أن مصداق حل القتل قتلهم واحداً من المسلمين عمداً بلا جرم وأما ما ذكره من جواز قتل الراضي بالقتل؛ لأنه شريك القاتل فينبغي تخصيصه بخصوص المادة ويرد على ما أجاب به عبد الحميد بن أبي الحديد(3)مثل ما أورده على القطب الراوندي بأنَّ يقال: الاشكال إنما هو في التعليل بعدم انكار المنكر لا في استحلال القتل ولو قدر الاستحلال في الكلام بأن يقال: المراد إذ حضروه مستحلين فلم ينكروا أمكن أن يقدر للقطب الراوندي إذ حضروه محاربين، ولو أجاب بأن الحضور مع عدم الانکار يستلزم الاستحلال فورود المنع عليه واضح وللقطب الراوندي أن يقول: الحضور في جيش بالمسير معهم وقد قتل بعضهم واحداً من المعاونين للإمام واتباعه؛ لآنه من شيعة مع
ص: 293
عدم الانكار والذب عنه محاربته لله ولرسوله (صلى الله عليه وآله) ويمكن أن يكون المراد بالحضور في قوله (عليه السلام) إذ حضروه الحضور الخاص أي ما كان على وجه المعاونة وإرادة القتال والبغي على الإمام والله تعالى يعلم.
(أَمِینُ وَحْيِهِ وَخَاتَمُ رُسُلِهِ وَبَشِیرُ رَحْمَتِهِ وَنَذِيرُ نِقْمَتِهِ. (أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ أَحَقَّ النَّاسِ بِهَذَا الْأَمْرِ أَقْوَاهُمْ عَلَيْهِ، وَأَعْلَمُهُمْ بِأَمْرِ اللهَّ فِيهِ فَإِنْ شَغَبَ شَاغِبٌ اسْتُعْتِبَ فَإِنْ أَبَى قُوتِلَ) صدر الكلام تتمه ذكر الرسول (صلى الله عليه وآله)، والنقمة كفرحة المكافأة بالعقوبة، وأحق الناس بالأمر أي: الخلافة الفاضل الذي لا يجوز تقديم المفضول عليه ولا ينعقد امامة غيره مع وجوده کما یدل عليه قوله (عليه السلام) فإن أبی قوتل ولو کان کما ذكره بعض الشارحين من أنه ((لا منافاة بين كونه أحق، وبين صحة امامة غيره))(1)لما جاز القتال الشاغب مطلقاً ويدخل في القوة السياسية والتدبير والشجاعة / و228 /، والصبر والحلم ونحو ذلك وفي بعض النسخ (أعلمهم)(2)بتقديم الميم على اللام، والشَغَب بالفتح تهيج الشر واستعتاب الشاغب طلب الرجوع منه أو الرضا بالوعظ بالقول اللين والمراسلة ونحو ذلك ويدل على قتاله لو لم يرجع قوله تعالى: «وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ»(3)
ص: 294
(وَلَعَمْرِي لَئِنْ كَانَتِ الْإِمَامَةُ لَا تَنْعَقِدُ حَتَّى تحضروها عَامَّةُ النَّاسِ فَمَا إِلَی ذَلِكَ سَبِيلٌ وَلَكِنْ أَهْلُهَا يَحْكُمُونَ عَلَى مَنْ غَابَ عَنْهَا ثُمَّ لَيْسَ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَرْجِعَ وَلَا لِلْغَائِبِ أَنْ يَخْتَارَ أَلَا وَإِنِّي أُقَاتِلُ رَجُلَیْنِ رَجُلًا ادَّعَى مَا لَيْسَ لَهُ وَآخَرَ مَنَعَ
الَّذِي عَلَيْهِ) الغرض من الكلام الردّ على المعذرين من الخارجين عن الطاعة بعدم الحضور وقت البيعة والزامهم بما جعلوه اساساً لخلافة المتقدمين من البيعة والاختيار وليس في الكلام تعرض للنص دلالة على عدمه کما توهمه بعض الشارحين(1)، وإنما لم يحتج (عليه السلام) بالنص لعلمه بعدم التفاتهم إليه كيف وقد نبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمناً قليلاً بخلافة أبي بكر مع قرب العهد بالرسول (صلى الله عليه وآله) فكيف يتوقع منهم الاذعان به بعد تمادي الأيام وقطعهم بخلافة المتقدمين في ظاهر فعلهم، ولا يذهب على المتتبع للسير أنه (عليه السلام) كان لا يصرح عند أكثر الناس ببطلان خلافة المتقدمين؛ لتوغلهم في زعمهم الباطل؛ وإنما كان يأتي بالتعريض، والكلمات المحتملة لبيان الحق بقدر الأماكن (ويحضرها) بالياء المثناة من تحت في بعض النسخ(2)، والذي صرح به في الكلام عدم توقف الاختيار على حضور الناس كافة لا صحة الاختيار وبناء الكلام على الالزام کما عرفت، والمراد بأهلها الحاكمين على من غاب أهل الاختيار في زعم القوم، أو الأئمة، (ولكنْ) في بعض النسخ(3)مخففة و(أهلها) مرفوع؛ لأن الخفيفة لا تعمل، وادعاء رجل
ص: 295
ما ليس له کدعوي الخلافة ومنع الآخر ما علیه کالامتناع من الطاعة وأداء الحقوق والمقاتلة بعد الاصرار على الشغب کما ظهر.
(أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللهِ بِتَقْوَى اللهِ فَإِنَّهَا خَیْرُ مَا تَوَاصَی الْعِبَادُ بِهِ وَخَیْرُ عَوَاقِبِ الْأُمُورِ عِنْدَ اللهَّ وَقَدْ فُتِحَ بَابُ الْحَرْبِ بَيْنَكُمْ وَبَیْنَ أَهْلِ الْقِبْلَةِ وَلَا يَحْمِلُ هَذَا الْعَلَمَ إِلَّا أَهْلُ الْبَصَرِ وَالصَّبْرِ وَالْعِلْمِ بِمَوَاضِعِ الْحَقِّ فَامْضُوا لِمَا تُؤْمَرُونَ بِهِ
وَقِفُوا عِنْدَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ وَلَا تَعْجَلُوا فِي أَمْرٍ حَتَّى تبيَّنوا فَإِنَّ لَنَا مَعَ كُلِّ أَمْرٍ تُنْكِرُونَهُ غِیَراً.) عاقبه كل شيء آخره والتقوى خير ما يرجع العبد به الى ربه بأن كتب في صحيفته أنه من المتقين، وإن كانت التقوى من عمله في الدنيا، أو هي خير العواقب أي: خير ما ختم به العمل في الدنيا أو عاقبتها خير العواقب ولا يحمل هذا العلم أي لا يعلم وجوب قتال أهل القبلة وموقعه وشروطه، وفي بعض النسخ (العَلم)(1) بالتحريك أي الرّاية وحمل هذا العلم كناية عن القيام بهذا الحرب الذي توقف عنده من لم يكن على بصيرة في الدين وثبات في الحق فاشتبه عليه الأمر وتزلزل بالشبهة والوسواس، ونقل عن الشافعي أنه قال: ((لولا علي ماعرف شيء من احكام أهل البغي))(2)، وأمضوا أي: اذهبوا، وفي بعض النسخ (قفوا لما تنهون) عنه أي عند ما تنهون عنه وتبينت الشيء أي عرفته وصرت منه على يقين واوضحته، والغرض(3)النهي عن التعجيل في العمل بما زعموه حقاً حتى يعلموه يقينا أو حتى يوضحوا ويبينوا
ص: 296
عقيدتهم عنده (عليه السلام) فيهديهم إلى الحق ويبين لهم وجه خطأهم، وفي بعض النسخ (تتبينوا)(1)بتائين والغير کعنب الاسم / ظ 228 / من قولك: غيرت الشيء فتغير، قال بعض الشارحين: ((أي ليست كعثمان أصر على ارتکاب ما نهی عنه، بل غير كل ما ینكره المسلمون، ويقتضي الحال والشرع تغييره))(2)والكلام على هذا في قوة الشرطية ولا يستدعي تحقق المقدم، وقال بعضهم: أي أن لنا مع كل أمر تنكرونه تغييرا أي: قوة على التغيير إن لم يكن في ذلك الأمر مصلحة في نفس الأمر وفائدة أمرهم بالتبيين عند استنکار أمر أنه يحتمل أن لا يكون ما استنكروه منكراً في نفس الأمر فيحكمون بكونه منكراً لعدم علمهم بوجهه ويتسرعون إلى انكاره بلسان أو يد فيقعون في الخطأ(3)، ويحتمل أن يكون المراد أن لنا مع كل أمر تنکرونه تغيراً أي ما يغير إنکارکم ويمنعكم عنه من الدلائل الواضحة فلا تعجلوا وأسئلوا حتى يتبين لكم الدليل على ما أمرناكم، ولعل كلمة (مع) أنسب بهذا المعنى وكذلك لفظة (کل) والله تعالى يعلم.
(أَلَا وَإِنَّ هَذِهِ الدُّنْيَا الَّتِي أَصْبَحْتُمْ تَتَمَنَّوْنَهَا وَتَرْغَبُونَ فِيهَا وَأَصْبَحَتْ
تعضكم وَتُرْضِيكُمْ لَيْسَتْ بِدَارِكُمْ وَلَا مَنْزِلِكُمُ الَّذِي خُلِقْتُمْ لَهُ وَلَا الَّذِي دُعِيتُمْ إِلَيْهِ أَلَا وَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِبَاقِيَةٍ لَكُمْ وَلَا تَبْقَوْنَ عَلَيْهَا وَهِيَ وَإِنْ غَرَّتْكُمْ مِنْهَا فَقَدْ حَذَّرَتْكُمْ شَرَّهَا فَدَعُوا غُرُورَهَا لِتَحْذِيرِهَا وَأَطْمَاعَهَا لِتَخْوِيفِهَا وَسَابِقُوا
ص: 297
إِلَی الدَّارِ الَّتِي دُعِيتُمْ إِلَيْهَا وَانْصَرِفُوا بِقُلُوبِكُمْ عَنْهَا وَلَا يَخِنَّنَّ أَحَدُكُمْ خَنِینَ الْأَمَةِ عَلَى مَا زُوِيَ عَنْهُ مِنْهَا) في ذكر اغضاب الدنيا توبيخ لأهلها بالدناءة بالرغبة في شيء لا يراعي حقهم كما قال (عليه السلام): رغبتك في زاهدٍ فيك ذل نفسٍ ذم لها بترك المراقبة لمن أحبها وغرور الدنيا بتزين الزخارف لأهلها واغفالهم من الفناء، وتحذيرها لما أراهم من الفناء وفراق الأحبة ونحو ذلك، والدار التي دُعي الناس إليها الجنة قال الله تعالى: «سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ»(1)الخنين بالمعجمة ضرب من البكاء دون الانتحاب(2)وأصله خروج الصوت من الأنف، کالحنين بالمهملة من الفم، وهو شدة البكاء(3)، والتخصيص بالأمة؛ لان الخنين، أو الحنين في النساء لا سيما في الإماء أكثر وأشد إذ الأنفة تمنع الرجال والحرائر عن الجزع، وزوی أي قبض، وفي بعض النسخ (ما زوی عنه)(4)أي عن أحدكم وهو أظهر.
(وَاسْتَتِمُّوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ بِالصَّبْرِ عَلَى طَاعَةِ اللهِ وَالْمُحَافَظَةِ عَلَى مَا اسْتَحْفَظَكُمْ مِنْ كِتَابِهِ أَلَا وَإِنَّهُ لَا يَضُرُّكُمْ تَضْيِيعُ دينكم شيء من دنياكم بَعْدَ حِفْظِكُمْ قَائِمَةَ دِينِكُمْ أَلَا وَإِنَّهُ لَا يَنْفَعُكُمْ بَعْدَ تَضْيِيعِ دِينِكُمْ شَيْءٌ حَافَظْتُمْ عَلَيْهِ
مِنْ أَمْرِ دُنْيَاكُمْ أَخَذَ اللهُ بِقُلُوبِنَا وَقُلُوبِكُمْ إِلَی الْحَقِّ وَأَلْهَمَنَا وَإِيَّاكُمُ الصَّبْرَ) الصبر الحبس والصبر على الطاعة حبس النفس عليها قال الله تعالى: «وَاصْبِرْ
ص: 298
نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ»(1)، ويحتمل أن يراد ضد الجزع أي الصبر على النوائب إطاعة لله ورضا بقضائه، والأول أظهر والصبر على الطاعة من الشكر الموجب للمزيد ويعبر عنه بالتمام.
(قَدْ كُنْتُ وَمَا أُهَدَّدُ بِالْحَرْبِ، وَلَا أُرَهَّبُ بِالضَّرْبِ؛ وَأَنَا عَلَى مَا3 وَعَدَنِي رَبِّي مِنَ النَّصْرِ؛ وَاللهِ مَا اسْتَعْجَلَ مُتَجَرِّداً لِلطَّلَبِ بِدَم عُثْمَانَ إلَّا خُوفاً / و229 / مِنْ أَنْ يُطَالَبَ بِدَمِهِ، لأنَّهُ مَظِنَّتُهُ؛ وَلَمْ يَكُنْ فِي الْقَوْمِ أَحْرِصُ عَلَيْهِ مِنْهُ، فَأَرَادَ أَنْ يُغَالِطَ(2)بِمَا أَجْلَبَ فِيهِ لِيَلْبِسَ(3)الْأَمْرُ، وَيَقَعَ الشَّكُّ) المعنى ما يعني بالشيء ويراد أي [في المقصود المتعلق](4) بطلحة أو في بيان مقصودة [في الطلب](5)بدم عثمان والواو وفي وما اهدد للحال [وكان تامة أي خلقت](6)ووجدت وأنا على [هذه الحال والصفة](7)، ويحتمل أن (تكون)(8)زائدة و(تكون)(9)
ص: 299
كان [ناقصة وخبرها](1)ما أهدد کما في المثل لقد كنت وما أخشى الذئب وتجرد للأمر أي جد فيه والظن يستعمل بمعنى اليقين قال الله عز وجل:«الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ»(2)قالوا، ومنه المظِنة بكسر الظاء للمعلم وهو حيث يعلم الشيء، (وقال ابن فارس: مظنة الشيء موضعه ومألفه)(3)وقيل: الموضع الذي يظن كونه فيه والمغالطة(4)الايقاع في الغلط واجلب القوم أي تجمعوا وتألبوا وليلبس الأمر بالنصب أي يخلط، وفي بعض النسخ (ليلتبس الأمر) بالرفع على الفاعلية أي ليشتبه القاتل بغيره ووقوع الشك کالتفسير لآتباس الأمر، ويحتمل أن يكون المراد بالشك الشبهة في الخروج لطلب الخلافة والسلطنة بالطلب بدم عثمان (وَوَاللهِ مَا صَنَعَ فِي أَمْرِ عُثْمَانَ وَاحِدَةً مِنْ ثَلَاثٍ: لَئِنْ كَانَ ابْنُ عَفَّانَ ظَالِماً كَمَا كَانَ يَزْعُمُ - لَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُوَازِرَ(5)، قَاتِلِيهِ أَوْ(6)يُنَابِذَ ناصريه ولئن كَانَ مُظْلُومَاً لَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يِكُونَ مِنَ الْمُنَهْنِهِینَ عَنْهُ، وَالمُعَذِّرِينَ فِيهِ، وَلئنْ كَانَ فِي شَكٍّ مِنَ الْخَصْلَتَیْنِ؛ لَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَعْتَزِلَهُ، وَيَرْكُدَ جَانِباً، وَيَدَعَ النَّاسَ مَعَهُ فَمَا فَعَل وَاحِدَةً مِنَ الثَّلَاثِ؛ وَجَاءَ بِأَمْرٍ لِمْ يُعْرَفْ بَابُهُ وَلَمْ تَسْلَمْ مَعَاذِيرُهُ) عفان کشداد علم الرجل ووازره أي حمل عنه ما حمل من الأثقال، والمراد بموازرة القاتلين المحاماة
ص: 300
عنهم بعد قتل عثمان ونصرهم، ونابذت القوم أي خالفتهم ونابذتهم الحرب أي جاهرتهم بها وكاشفهم إياها، وفي بعض النسخ (وإن ينابذه ناصريه) ونهنهه عن الأمر أي كفه وزجره فتنهنه قيل: وأصله نهَّههُ وعذرته فيما صنع أي رفعت عنه اللوم، فهو معذور أي غير ملوم، والاسم (المعذرة) واعذرته لغة فيه واعذر أي أبدا عذراً وأحدث، والمراد بالمعذرين فيه من يأتي بالمعاذير من قبله ويصحح أفعاله، والخصلة: الحالة(1)ورَكَدَ كنَصَرَ أي سكن وثبت ولم يعرف بابه أي لم يعرف اولوا(2)الألباب، والعقول الصائبة وجهه، فيكون باطلاً كما يدل [ عليه عدم سلامته](3)معاذيره.
سَائِمٌ إلَی مَرْعىً وَبٍّيٍ وَمَشْرَبٍ دَوِيٍّ؛ إِنَّمَا(1)هي كَالمَعْلُوفَةِ للمُدَى؛(2)لَا تَعْرِفُ [مَاذَا يُرَادُ](3)بَها! إذَا أُحْسِنَ إلَيْهَا تْحَسِبُ(4)يَوْمهَا دَهْرَهَا، وشِبَعَهَا أَمْرَهَا) الظاهر أن الخطاب للمكلفين كافه وكونهم غافلين، أي عما يراد بهم ومنهم وغير مغفول عنهم، أي أن أعمالهم مكتوبة محفوظة، وتاركين أي لما أمروا به وما ينفعهم ومأخوذاً منهم، أي بانتقاص الأعمار والقوى واستلاب الأحباب والأموال والاولاد والذهاب عن الله التوجه الى غيره والأعراض عن جنابه تبارك وتعالى، والنعم بالتحريك جمع(5)لا واحد له من لفظه وأكثر ما يقع على الإبل، وقال أبو عبيد: النعم الجمال فقط ويؤنث ويذكر ويجمع على انعام ونُعمان بالضم(6)، (وقيل: النعم الإبل خاصة، والأنعام ذوات الخف والظلف وهي الإبل والبقر والغنم)(7)، وإن انفردت البقر والغنم لم تسم نعمًا، وقيل: / ظ 229 / النعم الإبل والشاء، والرواح المسير أي وقت كان من ليل أو نهار، وخصه بعضهم بما كان في آخر النهار، أو بعد الزوال ورده الأكثر(8)، ويقال: راحت الإبل إذا رجعت من المرعى، ولا يكون إلاَّ بالعشي(9)، وسامت الماشية
ص: 302
من باب (قال) أي رعت بنفسها ويتعدى بالهمزة، فيقال: اسامها راعيها(1)، قيل: ولم يستعمل اسم المفعول من الرباعي، بل يقال: اسامها، فهي سائمة والراعي مسيم(2)، وقال بعض الشارحين: أي اراح بها راعيها(3)ولم نجده في كلامهم، قال: بعضهم: شبههم (عليه السلام) بالنعم التي تتبع(4)نعمًا أخرى سائمة أي راعية(5)؛ وإنما قال ذلك لأنها إذا اتبعت أمثالها كان أبلغ في ضرب المثل بجهلها من التي يسميها راعياً(6)، والوبي بالياء المشددة ذو(7)الوباء أي الطاعون أو كل مرض عام، وأصله الوبئ بالهمز والدوي ذو الداء، قال ابن الأثير(8): (وهو منسوب الى دوٍ من دوي بالكسر يدوي)(9)، وقال في القاموس: (الدواء(10)مثلثة: ما داويت به وبالقصر: المرض دوي دويٍ فهو دوٍ)(11)، وقال بعض الشارحين: الأصل في الدوي دوي بالتخفيف ولكنه شدده [للازدواج((12)، والمُدى بالضم جمع](13)مدية وهي السكين
ص: 303
والشفرة والظاهر أن الشرط من تتمة السابق أي [إنما تحسب أن الاحسان اليها لإكرامها](1)كالذي أنعم الله عليه على وجه [الاستدراج](2)فيزعم أنه لارتفاع درجته، والدهر مدة الحياة والزمان [...](3)الطويل، والأبد الممدود [وتحسب يومها دهرها أي يظن(4)أن ذلك](5)العلف كما هو [حاصل لها في هذا اليوم حاصل](6)لها أبدا [أو](7)ان نظرها مقصور على يومها وتهتم به کما يهتم العاقل بمدة حياته وشبعها أمرها أي تظن انحصار أمرها وشأنها في الشِبع وهو كَعَنَب ضد الجوع (اللهِ(8)لَوْ شِئْتُ أن أُخْبَرِ كُلَّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بمَخْرَجِهِ وَمَوْلِجهِ وَجَمِيعِ شَأْنِهِ لَفَعَلْتُ؛ وَلَكْن أَخَافُ أَنْ تَكْفُرُوا فِيَّ بِرَسُولِ الله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلهِ)(9)أَلاَ وَإنيّ مُفْضِيهِ إلیَ الخَاصَّةِ مِمَّنْ يُؤْمِنُ ذَلِكَ مِنْهُ. وَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ، واصْطَفَاهُ عَلَى الْخَلْقِ، مَا أَنْطِقُ إلَّا صَادِقاً) ولج كوعد أي دخل والغرض بيان الاطلاع على الأمور الغائبة بتعليم الله عز وجل كما قال (عليه السلام) وإنما هو تعلم من ذي علم والكفر فيه برسول الله (صلى الله عليه واله) الغلو في شأنه وتفضيله على رسول الله (صلى الله عليه واله) بل ادعاء
ص: 304
الربوبية فيه كما ذكره بعض الشارحين(1)، وقد ادعى طائفة فيه النبوة وإنه هو الرسول، ولكن الملك غلط فيه وطائفة إنه شريك الرسول (صلى الله عليه واله)، وادعى قوم فيه الحلول والاتحاد ومن أشعارهم من أبيات:
ومن أهلك عاد وثمود بدواهيه ٭٭٭ ومن كلم موسى فوق طور إذ يناديه
ومن قال على المنبر يوماً وهو راقيه ٭٭٭ سلوني أيها الناس فحاروا في معانيه
ومنها:
انما خالق الخلائق من زعزع ٭٭٭ أركان حصن خيبر جذباً
قد رضينا به اماماً ومولى ٭٭٭ وسجدنا له الهاً ورباً
ويحتمل أن يكون المراد كفرهم فيه (عليه السلام) باسناد التقصير الى رسول الله (صلى الله عليه واله) في اظهار شأنه وجلالته للناس، وقد روت الخاصة والعامة عن النبي (صلى الله عليه واله) إنه قال: (لولا أن تقول(2)فيك طوائف من أمتي ما قالته النصارى في عيسى ابن مريم لقلت فيك كلاماً لا تمر بملأ من الناس إلاَّ اخذوا التراب(3)من تحت قدميك)(4)، وافضاءه الى الخاصة(5)أخبار من يؤمن منه التزلزل(6)ببعض الأمور [الغائبة
ص: 305
وكثير من](1)ذلك مذكور في كتب السير والاخبار. (وَلَقَدْ عَهِدَ إلَيَّ بِذَلِكَ كُلِّهِ وَبِمَهْلِكِ [مَنْ يَهْلِكَ وَمَنْجَي مَنْ يَنْجُو، وَمال](2)هَذَا الَأمْرِ؛ وَ [مَا أبْقَى شَيْئاً يَمُرُّ](3) عَلىَ رَأسِي إِلاَّ أَفْرَغَهُ فِي أُذُنيَّ وَأَفْضىَ [بِهِ إلَيَّ. أَيَهُّا النَّاسُ؛ إِنيِّ](4)وَاللهِ مَا أَحُثُّكُمْ / و 230 / عَلَى طَاعَةٍ إِلَّا وَأَسْبِقُكُمْ إلَيْهَا، وَلَا أَنْهَاكُمْ عَنْ مَعْصِيَةٍ إِلَّا وَأَتَنَاهَى قَبْلَكُمْ عَنْهَا) العهد الى المرء في الشيء التقدم اليه فيه، والمهلك الهَلاك أو الموضع، والزمان وهو في بعض النسخ بفتح العين وفي بعض النسخ بالكسر وقد جاء هَلَكَ كضَرَبَ ومَنَعَ وعَلِمَ، والمراد بالهلاك أما الموت والقتل، أو الضلال والشقاء(5)وكذلك النجاة، والمراد بالأمر الخلافة، أو الدين وملك الاسلام وماله انتهاؤه بظهور القائم (عليه السلام) وما يكون في آخر الزمان، والافراغ في الاذن والافضاء كناية عن الاخبار والاعلام، وأذني في بعض النسخ على صيغة الافراد، وفي بعضها على صيغة التثنية وتشديد الياء(6)والحث التحريض(7)، وفي بعض النسخ لا أحثكم بدل ما احثكم واتناهى قبلكم عنها أي انتهي عنها واتركها، يقال: نهاه نهياً فانتهى وتناهى.
ص: 306
(انْتَفِعُوا بِبَيَانِ اللهِ؛ وَاتَّعِظُوا بِمَواعِظِ اللهِ، وَاقْبَلُوا نَصِيحَةَ اللهِ؛ فإنَّ اللهَ قَدْ أَعْذْرَ إلْيِكُمْ بِالجَلِيَّةِ وَأَخَذَ(1)عَلَيْكُمُ الحجَّةَ؛ وَبَیَنَّ لَكُمْ مَحابَّةُ مِنَ الَأعْمالِ، وَمَكارِهَهُ؛ لِتَتَّبِعُوا(2)هَذِهِ وَتْجَتَنِبُوا هَذِهِ، فإنَّ رَسُولَ اللهِ (صَلىَّ اللهُ عَلَيْهِ وَالهِ)(3)كانَ يَقُولُ: (حُفَّتْ الجَنَّةَ بِالمَكارِهِ، وَحُفَّتْ النَّارَ بِالشَّهَوَاتِ)(4)) الموعظة الاسم من الوعظ وهو تذكير ما يلين القلب من الثواب والعقاب وما فيه زجر وتخويف، والنصيحة إرادة الخير للمنصوح له، وأعذر اليكم أي أبان وأوضح عذره في عقابكم لو عصيتموه وخالفتم أوامره، وفيه تضمين معنى التوجه أي اعذر متوجهاً اليكم، والجلية الحجة الواضحة، أو المعذرة وتكون(5)الجلية بمعنى الخبر(6)اليقين، وفي بعض النسخ (واتخذ) موضع أخذ، ومحابة من الأعمال(7)أي م أحبه منها ومكارهه ما كرهه وهما مصدران بمعنى المفعول،
ص: 307
وحفه بالشيء أي أحاطه(1)به وحف القوم بالبيت أي أطافوا به فهم حافون واحاطة المكاره بالجنة كناية عن عدم امكان الوصول الى الجنة إلا(2)بتحمل ما كرهه النفس من المشاق كما أن اتباع الشهوات يقود الى النار، وفي بعض النسخ (إن الجنة حفَّت بالمكاره وإن النار [حفَّت](3)بالشهوات)، وفي بعض النسخ حجبت(4)موضع حفت في الفقرة الأولى أي المكاره حجاب بين الانسان والجنة لا يمكن الوصول اليها إلاَّ بعد هتك ذلك الحجاب، أو رفعه لا بارتكابها وتحملها دون الثانية، إذ لا يقال: حجب زيد عن الحبس؛ وإنما يقال فيما يراد نحو: حجب عن مأدبة الأمير (وَاعْلَمُوا أَنَّهُ ما مِنْ طاعَةِ اللهِ شَيْءٌ إلَّا [...](5)يَأتِي(6)فِي كُرَهٍ، وَما مِنْ مَعْصِيَةِ اللهِ شَيْءٌ إلَّا يَأتِي فِي شَهْوَةٍ فَرَحِمَ اللهُ رَجُلاً(7)نَزَعَ عَنْ شَهْوَتِهِ، وَقَمَعَ هَوَى نَفْسِهِ، فإِنَّ هَذِهِ النَّفْسَ أَبْعَدُ شْيَءٍ مَنْزعاً، وَإنَّها لَا تَزَالُ تَنْزِعُ إِلَی مَعْصِيَةٍ فِي هَوىً) في بعض النسخ (يُؤتي) في الموضعين بدل (يأتي) على صيغة المعلوم والوجه واضح، والنزع(8)في الأصل((الجذب والقلع))(9)وينزع فلان الى وطنه أي ينجذب ويميل الى الوطن لجذبه إياه والنزع عن الشيء قلع النفس عنه وجذبه الى غيره، والقَمْع القهر والهوى
ص: 308
إرادة النَفس، والمَنزع يحتمل المصدر والمكان (وَاعْلَمُوا عِبَادَ اللهِ أَنَّ المُؤمِنَ لَا يُمْسِيِ وَلَا يُصْبِحُ(1)إلاَّ وَنَفْسُهُ ظَنُونٌ عِنْدَهُ، فَلاَ يَزَالُ زَارِياً عَلَيْها، وَمُسْتَزيداً لَهَا فَكُونُوا كَالسَّابِقِينَ قَبْلَكُمْ، وَالمَاضِینَ أَمَامَكُم؛ قُوِّضُوا(2)مِنَ الدُّنْيا تَقْوِيضَ(3)الرَّاحِلِ، وَطَوَوْها طَيَّ المَنازِلِ) الظنون كصبور البئر لا يدري أفيها ماء أَم لا، وقيل: القليلة الماء، والظنون من الديون الذي لا يدري أيقضيه أخذه أم لا، فعول بمعنى مفعول، والرجل الضعيف والقليل الحيلة والمراد أن المؤمن نفسه متهمة لديه دائماً لا يعتمد عليها ولا يتبعها، أو هي قليلة الحيلة عنده فيما يعينها ضعيفة عن القيام بما يراد منها وخلقت لأجله، وزرى عليه كرمى أي عابه وعاتبه / ظ 230 / والاستزادة طلب المزيد أي يطلب(4)منها المزيد في العبادة وإن أتى بقسط كامل منها قال الله عز وجل: «وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ»(5)، والمراد بالسابقين الأبرار، وقوضت الخباء أي قلعته عن مكانه وأزلته أي قلعوا خيامهم عن الدنيا ولم يتخذوها موطناً بل جعلوها دار ممر ووطنوا(6)أنفسهم(7)على تركها، وطي المنازل قطعها (وَاعْلَمُوا أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ هُوَ النَّاصِحُ الَّذِي لَا يَغُشُّ، وَالْهَادِي الَّذِي لَا يَضِلُّ، وَالمُحَدِّثُ الَّذِي لَا يُكْذِبُ، وَمَا جَالَسَ هَذَا الْقُرْآنَ أَحَدٌ إِلاَّ قَامَ
ص: 309
عَنْهُ بِزِيَادَةٍ، أَوْ نُقْصَانٍ؛ زِيَادَةٍ فِي هُدىً؛ وَنُقْصَانٍ(1)مِنْ عَمىً) غش كمد أي لم يمحض النصح ولم يرد(2)الخير(3)، وقيل: أي أظهر له خلاف ما أضمر(4)، ولم يطابق قلبه لسانه. والمحدث الذي ينقل الحديث وهو ما ينقل ويتحدث به ومجالسة القرآن قراءته والتدبر فيه أو مجالسة حملته والاستماع منهم واستفادة معانيه والزيادة في الهدى حصول تصديق يهتدي به، والنقصان في العمى أي الجهل زوال اعتقاد فاسد وهما متغايران والترديد لمنع الخلو، ويحتمل أن يكون (أو) بمعنى (الواو) كما ذهب إليه الكوفيون(5)، والأخفش(6)كقوله: (لنفسي تقاها، أو عليها فجورها)(7)، أو(8)يكون من عطف المرادف على المرادف، على ما ذهب إليه ابن مالكوجعل من ذلك قوله تعالى: «وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا»(9)، وفسر غيره [الخطيئة](10)بالصغيرة، أو ما كان لا
ص: 310
عن عمد(1)والإثم بالكبيرة(2)أو ما كان عن عمد(3).
(وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى أَحَدٍ بَعْدَ الْقُرْآنَ مِنْ فَاقَةٍ؛ وَلَا لِأَحَدٍ قَبْلَ الْقُرْآنِ مِنْ غِنًى؛ فَاسْتَشْفُوهُ مِنْ أَدْوَائِكُمْ وَاسْتَعِينُوا بِهِ عَلَى لَأْوَائِكُمْ، فَإنَّ فِيهِ شِفَاءً مِنْ أَكْبَرِ الدَّاءِ، وَهُوَ الْكُفْرُ وَالنِّفَاقُ وَالْغَيُّ وَالضَّلَالُ فَاسْأَلُوا اللهَ بِهِ وَتَوَجَّهُوا
إِلَيْهِ بِحُبِّهِ، وَلَا تَسْأَلُوا بِهِ خَلْقَهُ، إنَّهُ مَا تَوَجَّهَ الْعِبَادُ إلَی اللهِ بِمِثْلِهِ) قال بعض الشارحين: المعنى ليس بعد نزول القرآن وبيانه الواضح للناس حاجة الى بيان حكم في إصلاح معاشهم ومعادهم ولا لأحد قبل نزوله من غنى: أي لا غنى للنفوس الجاهلة(4)والأدواء أدواء(5)الجهل، ويحتمل أن يكون المراد ليس بعد محافظته والعمل بما تضمنه من فاقه، ولا قبل الوصول إليه من غنی، ولعله كناية عن كون فقده أعظم(6)أنواع الفاقة ووجد [أنه](7)أكبر أنواع الغني، ومثله قولهم (عليهم السلام) في بعض الأدعية (الهي حاجتي حاجتي التي أن اعطيتنيها لم يضرني ما منعتني وان منعتنيها لم ينفعني ما أعطيتني اسألك فكاك رقبتي من النار)(8)واللأواء: (الشدة)(9) والاحتباس، أي: استعينوا بالقرآن في دفع شدائد الآخرة، أو الأعم منها ومن شدائد الدنيا
ص: 311
بقراءته للمطالب، والتماس الفرج ببركته، ولعل مفاد التعليل أنَّ فيه شفاء من سائر الأدواء بطريق أولى ولا تسئلوا به خلقه أي لا تجعوا تعلمكم للقرآن وتلاوته وسيلة الى القرب من المخلوقين ونيل الحطام (وَاعْلَمُوا أَنَّهُ شَافِعٌ
مُشَفَّعٌ وَقَائِلٌ مُصّدَّقٌ؛ وَأَنَّهُ مَنْ شَفَعَ لَهُ الْقُرْآنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُفِّعَ فِيهِ، وَمَنْ مَحَلَ بِهِ الْقُرْآنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صُدّقَ عَلَيْهِ، فَإنَّهُ يُنَادِي مُنَادٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أَلَا إنَّ كُلَّ
حَارِثٍ مُبْتَلًى فِي حَرْثِهِ وَعَاقِبَةِ عَمَلِهِ غَیْرَ(1)حَرَثَةِ الْقُرْآنِ. فَكُونُوا مِنْ حَرَثَتِهِ[...](2)وَأَتْبَاعِهِ، وَاسْتَدِلُّوهُ عَلىَ رَبِّكُمْ، وَاسْتْنصِحُوهُ عَلىَ أَنْفُسِكُمْ، واتِهَّمُوا(3)عَلَيْهِ آرَاءِكُمْ؛ وَاسْتَغِشُّوا فِيهِ أَهْوَاءَكُمْ) الشفاعة السؤال في التجاوز عن الذنوب والجرائم، يقال: شَفَعَ كمَنَعَ فهو شافع وشفيع، والمُشفِع على صيغة الفاعل الذي يقبل الشفاعة، والمشفع الذي تقبل شفاعته ومحل بفلان كمَنَعَ کما في النسخ أي سعی به /و231 / الى السلطان، وقال: عنده ما يضره، والمراد من شهد عليه القرآن عند الله بسوء والحرث الكسب، وجمع المال، وإثارة الأرض للزراعة، وابتلاء كل حارث لحوق التبعة، والوبال أو مناقشة الحساب له بحرثه غير حرثه القرآن؛ لأنهم يغفر لهم سيئاتهم وتضاعف لهم حسناتهم، واستدلوه أي اتخذوه دلیلاً قائداً، واستنصحوه أي اطلبوا منه النصيحة واتخذوه ناصحاً، واقبلوا أوامره؛ فإنه لا يريد بكم إلاَّ الخير. واتهمه بكذا أي ظن به ما نسب إليه، واتهمه في قوله أي شك في صدقه أو ظن به
ص: 312
الكذب، والإرءاء(1)في النسخ بهمزتين على الأصل، والغش ضد النصح من الغشش وهو (المشرب الكدر)(2)أي: إذا خالفت القرآن آراؤكم وأهواؤكم؛ فاجعلوها متهمه(3)مستغشه ولا تلتفتوا اليها (الْعَمَلَ الْعَمَلَ، ثُمَّ النِّهَايَةَ النِّهَايَةِ، وَالِاسْتِقَامَةَ الِاسْتِقَامَةَ(4)، ثُمَّ الصَّبَرْ الصَّبَرْ، وَالْوَرَعَ الْوَرَعَ! إنَّ لَكُمْ نِهَايَةً فَانْتَهُوا إلَی نِهَايَتِكُمْ، وَإنَّ لَكُمْ عَلَماً، فَاهْتَدُوا(5)بِعَلَمِكُمْ، وَإنَّ لِلإْسْلاَمِ غَايَةً، فَانْتَهُوا إِلَی غَايَتِهِ؛ وَاخْرُجُوا إِلَی اللهِ مِمَّا افْتَرَضَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَقِّهِ، وَبَیَّنَ لَكُمْ مِنْ. وَظَائِفِهِ، أَنَا شَاهِدُ لَكُمْ، وَحَجِيجُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَنْكُمْ.) العمل وما يتلوه منصوب على الإغراء بفعل مقدر، أي: الزموا وراعوا ونهاية الشيء بالکسر آخره وعاقبته أي راقبوا خاتمة أعمالكم، وعاقبتها، والوَرَع بالتحريك: التقوى والكف عن المحارم، (وإن لكم نهاية) أي: جعل الله لأمركم عاقبة وهي الجنة والرضوان لو اطعتموه فاعملوا ما يوصلكم اليها، والعَلَم بالتحريك المنار والجبل يهتدي به، والمراد بالعلم نفسه (عليه السلام) أو الأعم منه، ومن الرسول والأئمة (عليهم السلام)، والمراد بالغاية النهاية السابقة، أو العمل؛ فإن المطلوب من المسلم العمل والطاعة واخرجوا إلى الله أي اخرجوا من حقوق الله متوجهين(6)وصائرين إليه، والوظيفة في الأصل ما يقدر لك في اليوم من طعام ونحوه، وكلما قدر من عمل وغيره فهو وظيفة،
ص: 313
والمراد ما فرضه الله على عباده وقدره في الأيام والشهور من الصلاة والصيام وغير ذلك وشهادته (عليه السلام) لهم اشاره الى قوله تعالى: «يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ»(1)، وقوله تعالى: «وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ»(2)، والحجيج مقيم الحجة أي الدليل والبرهان، أنا مقيم الحجة من قبلكم ومبين عذركم في أعمالكم وشفيع لكم أو مخاصم لمن ظلمكم من المعاندين والمخالفين (أَلَا وَإنَّ الْقَدَرَ السَّابِقَ قَدْ وَقَعَ، وَالْقَضَاءَ [الْمَاضِيَ](3)قَدْ تَوَرَّدَ وَإِنِّي مُتَكَلِّمٌ بِعِدَةِ اللهِ، وَحُجَّتِهِ؛ قَالَ اللهُ تَعالى(4): «إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا(5)تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ»(6). وَقَدْ قُلْتُّمْ؛ (رَبُّنَا اللهُ) فَاسْتَقِيمُوا عَلىَ كِتَابِهِ وَعَلىَ مِنْهَاجِ أَمْرِهِ وَعَلَى الطَّرِيقَةِ الصَّالِحَةِ مِنْ عِبَادَتِهِ، ثُمَّ لَا تَمْرُقُوا مِنْهَا، وَلَا تَبْتَدِعُوا فِيهَا(7)، فَإنَّ أَهْلَ الْمُرُوقِ مُنْقَطَعٌ بِهِمْ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامةِ) القَدَر بالتحريك ما قضاه الله وحكم به من الأمور وهو مصدر قَدَرَ کضَرَبَ ونَصَرَ قدراً بالتحريك، وقد يسكن، وتقول: قدرت الأمر وقدرته بالتشديد إذا نظرت فيه ودبرته،
ص: 314
والقضاء الحكم والأحكام [و](1)الإمضاء، قيل: وأصله القطع والفصل، وقال الازهري: القضاء في اللغة على وجوه مرجعها الى انقطاع الشيء وتمامه وكلما أحكم عمله أو اتم(2)، أو ختم، أو أُدِي، أو أوجب، أو اعلم، أو انفذ، أو امضي، فقد قضي(3)، وقال ابن الاثير: (القضاء والقدر أمران متلازمان لا ينفك أحدهما [عن](4)الآخر؛ لأنَّ أحدهما بمنزلة الاساس وهو القدر، والآخر بمنزلة البناء وهو القضاء)(5)، وقد [ورد في الأخبار](6)الفرق بينهما(7)، وليس هذا المقام موضع تفصيله / ظ 231 /، والمراد بالسبق السبق في علم الله وكذا المضي أي [...](8)[قد وقع](9)ما تعلق به العلم الأزلي، ولعل المراد بالقدر السابق خلافته (عليه السلام)، قال بعض الشارحين: وروي أن هذه الخطبة من أوائل الخطب التي خطب بها أيام بويع بعد قتل عثمان(10)، وبالقضاء الماضي الفتن والحروب الواقعة في زمانه (عليه السلام) وبعده التي تدخل في الوجود شيئاً فشيئاً وهو المعبر عنه بالتورد، يقال: تورد الخيل البلدة أي دخلتها قليلاً قليلاً قطعته قطعة أو قتال الناكثين والقاسطين والمارقين
ص: 315
الذي أخبر به الرسول (صلى الله عليه واله)، ويحتمل أن يكون المراد بالقدر السابق الساعة، وبالقضاء الماضي علاماتها من الفتن وغيرها، فيكون المراد بالوقوع القرب والدنو، والعدة الوعد والهاء عوض من(1)الواو(2)وعده الله ما وعد عباده في الآية وحجته ما يحتج به عليهم بعد الأمر والنهي والدعوة الى الاسلام کما اشار اليه (عليه السلام) بقوله: (وقد قلتم ربنا الله فاستقيموا)، أو المراد بالحجة ما يأمرهم به في الكلمات الاتية وكلما يبلغه الرسول (صلى الله عليه واله)، أو الإمام فهو مما يحتج الله به على العباد يوم القيامة، أو المراد بها القرآن وما يستنبط منه، وفي بعض النسخ (جل ذكره) موضع (تعالى) و «الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ»(3)أي وحدوه وصدقوا(4)أنبياءه واستقاموا، أي على كتابه ومنهاج أمره وطاعته، (وروي محمد بن الفضيل، قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن الاستقامة، فقال: هي والله ما أنتم عليه)(5)، والمال واحد و «تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ»(6)، أي عند الموت، کما روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) وبَشِرَ بكذا كفَرِحَ وزناً ومعنى، ومنه أبشر بخير على صيغة الأفعال أي استبشر وسر، والمنهاج الطريق الواضح، ولا تمرقوا لا تخرجوا وزناً ومعنى، ومنه حديث الخوارج: ((يمرقون من
ص: 316
الدين مروق السهم من الرمية)، أي يخرقونه(1)ويتعدونه(2)کما يخرق السهم الشيء المرمي به ويخرج منه والضمير في منها راجع الى الطريقة الصالحة، أو الأمور المذكورة، وأهل المروق منقطع بهم أي هم مقطوعون عن الوصول الى المقصد بإغواء الشياطين ونفوسهم الأمارة بالسوء كمن قطع عليه الطريق والباء للتعدية. (ثُمَّ إِيَّاكُمْ وَتَهْزِيعَ(3)الَأْخْلاَقِ وَتَصِرْفهَا(4)، وَاجْعَلُوا اللِّسَانَ وَاحِداً، وَليَختزن(5)الرَّجُلُ لِسَانَهُ؛ فَإنَّ هَذَا اللِّسَانَ جُمَوحٌ بِصَحابِهِ، وَاللهِ مَا أَرَى عَبْداً يَتَّقِي تقوى تَنْفَعُهُ حَتَّى يَخْتزن(6)لِسَانَهُ؛ وَإنَّ لِسانَ المُؤْمِنِ مِنْ وَرَاءِ قَلْبِهِ؛ وَإنَّ قَلْبَ المُنَافِقِ مِنْ وَرَاءِ لِسانِهِ؛ لِأَنَّ المُؤْمِنَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِكَلَامٍ تَدَبَّرَهُ فِي نَفْسِهِ؛ فَإنْ كَانَ خَیْراً أَبْدَاهُ، وَإنْ كَانَ شَرّاً وَارَاهُ؛ وَإنْ المُنافِقَ يَتَكّلمُ بِما أَتى عَلَى لِسَانِهِ لَا يَدْرِي ماذَا لَهُ، وَماذَا عَلَيْهِ، وَلَقَدْ قالَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَاله)(7): ((لاَ(8)يَسْتَقِيمُ إيمانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ، وَلَا يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ. فَمَنِ اسْتَطاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَلْقَى اللهَ سُبْحَانَهُ وَهُوَ نَقِيُّ الرَّاحَةِ
ص: 317
مِنْ دِماءِ المُسْلِمينَ وَأَمْوَالِهمْ، سَلِيمُ اللِّسانِ مِنْ أَعْراضِهِمْ(1)، فَلْيَفْعَلْ)) الهزيع طائفة من الليل نحو ثلثه أو ربعه(2)، وهزعت الشيء تهزيعاً أي كسرته وفرقته ودققته، والمهزع (المدق)(3)، قال بعض الشارحين: (تهزيع الاخلاق النفاق)(4)؛ لأن المنافق يغير(5)أخلاقه وينقلها من حال الى حال وهو معنى تصريفها إذ(6)المنافق لا يلزم خلقاً واحداً، بل يكون تارة كاذباً، وتارة غادراً وتارة وفياً ومع الظالمين ظالم ومع أهل العدل عادل، ولعل الغرض التحذير عن ترك الحق واستعمال الأخلاق في كل مقام وعند كل أحد بما يناسب المقام ويرتضيه المخاطب، ومن هذا شأنه كأنه کسر أخلاقه، وفرقها فاستعمل كل جزء(7)من كل خلق في مقام، وذلك من فروع النفاق وشعبه وتصرف الأخلاق تغيرها، وفي بعض النسخ (تصريفها) / و232 / على صيغة التفعيل والتحذير(8)على الأول من الأثر، وعلى الثاني من التأثير، واختزان اللسان حفظته کما يحفظ الإنسان ماله في الخزانة، يقال: خَزَنَ المال كنَصَرَ واختزنه إذا احرزه وحفظه، وجَمَحَّ الفرس براكبه کمَنَعَ جمُوحاً بالضم وجِماحاً بالكسر فهو جموح بالفتح إذا استعصى حتی اعتزه وغلبه، ولسان المؤمن [من](9)وراء قلبه أي
ص: 318
تابع لعقله وما اعتقده، كما أن قلب المنافق تابع للسانه فلا يقدر على حفظه، وإن كان اعتقاده على خلاف ما جرى على لسانه، وأبداه أي اظهره وواراه أي أخفاه، ولا يدري ماذا له وماذا عليه أي لا يبالي بالضرر في العاقبة ولا يتبع النفع، والنقي النظيف(1)، والراحة الكف، وعرض الرجل بالكسر جانب الرجل الذي يصونه من نفسه وحسبه إن ينتقص(2)ويسلب، وقيل: سواء كان في نفسه، أو سلفه، أو من يلزمه أمره، وقيل: موضع المدح والذم منه وما يفتخر به من حسب وشرف، ومن استطاع ذلك فليفعل أي ليبذل في ذلك مجهوده وليسع فيه بقدر طاقته. (وَاعْلَمُوا عِبَادَ اللهِ أَنَّ المُؤْمِنَ يَسْتَحِلُّ الْعَامَ ما اسْتَحَلَّ عَاماً أَوَّلَ، وَيُحرَّمُ الْعَامَ مَا حَرَّمَ عَاماً أَوَّلَ؛ وَأَنَّ ما أحْدَثَ النَّاسُ لَا
يُحِلُّ لَكُمْ شَيْئاً مِمَّا حُرِّمَ عَلَيْكُمْ، وَلَكِن الحَلَالُ مَا أَحَلَّ اللهُ، وَالْحَرَامُ مَا حَرَّمَ اللهُ) استحل الشيء أي اتخذ حلالاً وأول بالفتح صفه لعام، ولا يصرف ويحرم الشيء أي يجعله حراماً والمراد اعتقاد(3)حرمته والمراد أنَّ ما ثبت من طريق النص أو سنة الرسول (صلى الله عليه واله) لا يجوز أن ينقض بالاجتهاد والقياس ولا يجوز نسخ النص وتخصيصه بالاجتهاد والغرض(4)[من](5)بيان أنَّ ما أحدث الناس لا يحل شيئاً ردع الناس عما عودهم عثمان من التفضيل في العطاء ونحو ذلك من الأحداث وكذلك سائر الاهواء التي كانوا يتبعونها باجتهاداتهم الباطلة واقتداء بالضالين قبلهم. (فَقَدْ جَرَّبْتُمُ
ص: 319
الْأُمُورَ وَضَرَّسْتُمُوهَا، وَوُعِظْتُمْ بِمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، وَضُرِبَتْ الأمْثَالُ لَكُمْ، وَدُعِيتُمْ إلَی الأمْرِ الْوَاضِح، فَلَا يَصمُّ عَنْ ذَلِكَ إلاَّ أَصَمُّ وَلَا يَعْمَى عَن(1)ذَلِكَإلَّا(2)أَعْمَى. وَمَنْ لْمَ يَنْفَعْهُ اللهُ بِالْبَلاَء وَالتَّجَارِبِ، لْمَ يَنْتَفِعْ بِشْيَءٍ مِنَ الْعِظَةِ؛ وَأَتَاُه التَّقْصِیرُ مِنْ أَمَامِهِ؛ حَتَّى يَعْرِفَ مَا أَنْكَرَ، وَيُنْكِرَ مَا عَرَفَ؛ فَإنَّ النَّاسَ رَجُلَانِ: مُتَّبِعٌ شِرْعَةً، وَمُبْتَدِعٌ بِدْعَةً؛ لَيْسَ مَعَهُ مِنَ الله(3)بُرْهَاُن سُنَّةٍ، وَلاَ ضِيَاءُ حُجَّة) جربت الأمر تجريباً أي اختبرته مرة بعد اخرى والاسم التجربة ورجل مُجرِّب على صيغة الفاعل أي عرف الأمور، ومُجرَّب على صيغة المفعول أي احكمته الأمور وضرَّستموّها بالتشديد أي جربتموها واحكمتموها، ويقال: ضَّرسته الحروب تضريسا أي جربته واحكمته، ورجل مُضرس ومُجرس ومُجرب بمعنی، ووعظتم بمن كان قبلكم أي أريتم واظهر لكم من أحوال الماضين ما فيه موضع العبرة والاتعاظ إن كنتم تنتفعون بالعبر، والمِثل في الأصل بمعنى النظير، يقال: مِثل ومُثل [ومَثيل](4)کشَبه وشُبه وشَبیه کما تقدم(5)، والمراد بالأمثال التي ضربها الله للناس كل حال، أو قصة، أو صفة لها شأن وغرابة بينها الله لعباده ليعتبروا بها والأمر الواضح الطريق الحق وقواعد الشريعة، أو مصير الأمر والجنة والوضوح بالآيات والأدلة ولا يضم عن ذلك الاَّصم، أي ينتفع(6)به ويعمل بمقتضاه إلاَّ من
ص: 320
بلغ الغاية في الجهل والضلال تقول ما يجهل هذا الأمر إلاَّ جاهل أي كامل الجهل والبلاء الاسم من بلاه الله بشر، أو خير وابتلاه أي امتحنه واختبره، وفي المقام يحتمل الشر والأعم، والعظة والوعظ واحد کالعدة والوعد والاسم الموعظة، وقال بعض الشارحين: ويحتمل أن يراد بالعظة(1)الموعظة(2)، وأتاه التقصير من أمامه أي أتاه التقصير جهاراً کالعدو الذي يأتي من غير خيفه ومراقبة، أو المراد أتاه من امامه ورأه عياناً وتيقن به لا على غفلة منه، وفي بعض النسخ النقص موضع التقصير ويعرف [ما أنكر](3)أي يتخيل فيما انکره ولم يعرفه انه عرفه سماه (عليه السلام) العرفان مجازا، وفي بعض النسخ وان الناس / ظ232 / [بالواو موضع الفاء](4)والشرِعة بالكسر [الدين کالشرع](5)والشريعة مأخوذ من الشريعة وهي مورد الناس [للاستقاء سميت](6)بذلك لوضوحها(7)[وظهورها والبدعة الاسم](8)من الابتداع کالرفعة من الارتفاع والعرض نفي الواسطة بين الأمرين حتى يظهر بطلان إتباع كل بدعة وذكر الحجة بعد السنة من التعميم بعد التخصيص، أو المراد بالحجة [غير السنة من](9) أفرادها وظاهر أن من ترك اتباع الشريعة ليست
ص: 321
معه حجة أصلاً. (وَإنَّ(1)اللهَ سُبْحَانَهُ لْمَ يَعِظْ أَحَداً بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ؛ فَإنَّهُ حَبْلُ اللهِ المَتِینُ وَسَبَبُهُ الأمِینُ وَفِيهِ رَبيعُ الْقَلْبِ وَيَنَابيعُ الْعِلْمِ، وَمَا لِلْقَلْبِ جَلَاءٌ غَیْرُهُ مَعَ أَنَّهُ قَدْ ذَهَبَ المُتَذَكِّرُونَ، وَبَقِيَ النَّاسُونَ و(2)المُتَنَاسُونَ، فَإذَا رَأَيْتُمْ خَیْراً فَأَعِينُوا عَلَيْهِ؛ وَإذَا رَأَيْتُمْ شَرّاً فَاْذهَبُوا عَنْهُ، فَإنَّ رَسُولَ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَاله)(3)كَانَ يَقُولُ: يَا ابْنَ(4)آدَمَ، اعْمَلِ الْخَیْرَ، وَدَعِ الشَّر؛ فَإذَا أَنْتَ جَوَادٌ قَاصِدٌ) وفي بعض النسخ (فإنَّ الله) بالفاء فلعله تعليل لقوله (عليه السلام) وعظم الى آخره، [و](5)السبب في الأصل هو الحبل الذي يتوصل [به](6)الى الماء ثم استعير لكل ما يتوصل به الى الشيء، قال الله تعالى: «وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ»(7)أي الوصل والمودات کما قيل: ومَتُنَّ الشيء بالضم متانة اشتد وقوي، والأمين المأمون الذي لا يخاف عليه الانفصام والانقطاع، والجِلاء بالكسر مصدر جلوت السيف ونحوه أي كشفت صداءه والحصر على أن أصل العلوم الجالية للقلب في القرآن على ما ذكره بعض الشارحين(8)، أو لأن المراد بالجلاء ليس [مطلق العلم والاهتداء](9)بل
ص: 322
معنی(1)لا يحصل إلا من القرآن هو (عليه السلام) أعرف به أو لأن المراد [بالجلاء الفرد الكامل](2)منه فالتنوين للتعظيم لا للتنكير) والمتناسي الذي أرى من نفسه أنه نسي أي الذين(3)يتكلفون الجهل والغفلة للأغراض الدنياوية، والأهواء الباطلة أي الباقون بعضهم كذا [وبعضهم كذا](4)، وفي بعض النسخ (أو المتناسون) بكلمة، أو موضع الواو أي المعلوم من حالهم أحد الأمرين، أو المراد الترديد على سبيل التقسيم وكون المراد أنَّ الجميع أما كذا وإما كذا بعيد، وقال بعض الشارحين(5): (وروي [الناسون](6)المتناسون بدون الواو، ولعل المعنى الناسون لبعض الأحكام المتناسون في بعضها، ولعل النسيان هاهنا يشمل مطلق الجهل ثم إنَّ قوله (عليه السلام) مع أنه يحتمل أن يتعلق بالجمل السابقة وأن يكون المراد أنَّ هذا الذي ذكر من أنَّ في القرآن ربيع القلب وينابيع العلم وإنه يجلو القلوب من أن المتذكرين للقرآن التالين(7)له حق تلاوته قد ذهبوا ومن بقي من الناس لا ينتفع به كما ينبغي فكيف لو [كانوا يتذكرونهم ويعملون](8)بما فيه والظاهر انه ليس متعلقاً
ص: 323
[بالحكم السلبي(1)في قوله](2)(عليه السلام) وما للقلب جلاء [غيره ويحتمل أن يكون اشارة](3)الى ما يدل عليه كثير من أخبارنا [من تطرق](4)الحذف وبعض أنواع التغير الى [القرآن وقد اجمع](5)الاصحاب على انه لم يتطرق إليه الزيادة فالمعنى أنَّ هذا الانتفاع الذي ذكر بالقرآن مع أنه ليس في القرآن الذي بين الناس جميع ما انزل على وجهه، والتالون له في هذا العصر أما الجاهلون به أو المحرفون له للأغراض الفاسدة وقد انكر قوم من أصحابنا ومنهم السيد الأجل المرتضى (قدس الله روحه) تطرق التغيير إليه مطلقاً، وتفصيل القول في ذلك وما ظفرنا به من الأخبار في شرح الخطبة الشقشقية من كتاب حدائق الحقائق(6)، ويحتمل أن يتعلق بقوله (عليه السلام) لم يعظ أحدا بمثل هذا القرآن أي قد وعظ الله بأبلغ المواعظ، وقد ذهب المتذكرون له وبقي من نسيه أو تناساه، فالمفاد توبیخ الباقين بتركهم التذكر لأبلغ المواعظ المشتمل على الفوائد المذكورة والله تعالى يعلم والذهاب عن الشر ترکه والانكار له على وجه المقرر في الشريعة. والجواد الفرس السابق الجيد، والقاصد الراشد غير المجاوز/ و333 / للحد لا سريع يتعب بسرعته ولا بطيء يفوت الغرض ببطؤه (أَلَا وَإنَّ الظُّلْمَ ثَلاثةٌ: فَظُلْمٌ لَا يُغْفَرُ، وَظُلْمٌ لَا
يُتْرَكُ، وَظُلْمٌ مَغْفُورٌ لَا يُطْلَبُ، فَأَماّ الظُّلْمُ الَّذِي لَا يُغْفَرُ؛ فَالشِّرِكُ بِاللهِ، قَالَ اللهُ
ص: 324
سُبْحَانَهُ(1): «إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ»(2)، وَأَمَّا الظُّلْمُ الَّذِي يُغْفَرُ، فَظُلْمُ الْعَبْدِ نَفْسِهُ عِنْدَ بَعْضِ الْهَنَاتِ، وَأَمَّا الْظُّلْمُ الَّذِي لَا يُتْرَكُ، فَظُلْمُ الْعِبَادِ بَعْضِهِمْ بَعْضاً. الْقِصَاصُ هُنَاكَ شَدِيدٌ، لَيْسَ [هُوَ](3)جَرْحاً بِالمُدَى، وَلاَ ضْرَباً بِالسِّيِاطِ؛ وَلَكِنَّهُ مَا يُسْتَصْغَرُ ذَلِكَ مَعَهُ. فَإيَّاُكْم وَالتَّلَوُّنَ فِي دِينِ [اللهِ؛ فإنَّ](4)جَمَاعَةً فِيمَا تَكْرَهُونَ مِنَ الْحَقِّ خَیْرٌ مِنَ فُرْقَةٍ فِيما تُحِبُّونَ مِنَ الْبَاطِلِ؛ وَإنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يُعْطِ أَحَداً بِفُرْقَةٍ خَیْراً مِمَّنْ مَضى، وَلَا مِمَّن بَقِيَ) عدم المغفرة في الأول مشروط [بعدم التوبة أو بكون الارتداد عن](5)فطرة بناء على عدم قبول التوبة [فيما بينه وبين الله عز وجل](6)وكون [المراد بعدم المغفرة عدم سقوط](7)القتل بعيد، والهنات جمع هنةٍ وأصلها [هنوة](8)أي شيء يسير والمراد أما الصغائر قال [الله عز وجل](9): «إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ»(10)، فالمغفرة بشرط ذلك الاجتناب، أو التوبة أو الشفاعة وأما الأعم ببعض الشروط، ولا يترك أي يقتص للمظلوم من الظالم وبعضهم في بعض النسخ
ص: 325
بالجر حملا للبدل على اللفظ، وفي بعضها بالرفع حملا [على](1)المحل، والجُرح في بعض النسخ بالضم وفي بعضها بالفتح، والمدى جمع مُدية بالضم فيهما وهي السكين والشفرة، والسياط جمع سوط سمي به؛ لأنَّه يخلط اللحم بالدم وأصله أن تخلط شيئين في إنائك ثم تضربهما بيدك حتى يختلطا ويستصغر أي يعد صغيرا، وتلون فلان أي اختلفت أخلاقه كأنه يقبل كل حين لوناً، قال بعض الشارحين: کنی به (عليه السلام) عن منافقة بعضهم لبعض، فإنَّ ذلك يستلزم الفرقة(2)، ويحتمل أن يراد به العمل بالآراء، واستلزامه للتفرق واضح، أو اتباع الأهواء وهو أنسب بقوله (عليه السلام) فيما تحبون، والفُرقة بالضم الاسم من افترق القوم (وان الله سبحانه لم يعطِ احداً خيراً) أي في الدنيا، أو لا في الدنيا ولا في الآخرة (يَا أيُّهَا النَّاسُ، طُوبَى لِمَنْ شَغَلَهُ عَيِبَهُ عَنْ عُيُوبِ النَّاسِ! وَطُوبَى لِمَنْ لَزِمَ بَيْتَهُ، وَأَكَلَ قُوتَهُ، وَاشْتَغَلَ بِطَاعَةِ رَبِهِ، وَبَكى عَلَى خَطِيئَتِهِ، فَكَانَ مِنْ نَفْسِهِ فَي شُغُلٍ، وَالنَّاسُ مِنْهُ فِي رَاحَةٍ) طوبی قيل: فعلى من الطيب أي العيش الطيب فلما ضمت الطاء انقلبت الياء واواً(3)، وقيل: طوبى لهم أي حسنی، وقيل: خير لهم، وقيل: (الجنة بالهندية)(4)، وقيل: (اسم شجرة في الجنة)(5)
ص: 326
وهو الذي تدل(1)عليه الأخبار عن الأئمة الأطهار (عليهم السلام)، وفي بعضها أنها في دار علي (عليه السلام) وفي دار كل مؤمن منها غصن، وفي بعضها أنها في دار النبي (صلى الله عليه واله)، وروي عن موسی [بن جعفر عليهما السلام](2)عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) أنه سئل رسول الله (صلى الله عليه واله) عن طوبی فقال: شجرة أصلها في [داري وفرعها على أهل الجنة](3)ثم [سُئل عنها مرة أخرى فقال](4): في دار علي [عليه السلام](5)، فقيل له في ذلك [فقال: إن داري ودار علي في الجنة بمكان واحد](6)وشغله [عيبه عن عيوب الناس أي](7)اهتم بأمر نفسه والنظر في عيوبه [فكف عن تتبع عيوب الناس وعثراتهم](8)وعن اغتيابهم وكشف عوراتهم، ولزم بيته كعلم أي لم يفارقه، ولعل المراد ترك [الخروج لإثارة الفتن وتهيج](9)الشرور کما يشعر به قوله (عليه السلام) والناس منه في راحةٍ وحضور مجالس الظلمة إلاَّ لغرض شرعي، وكذلك موائدهم وموائد أرباب الدنيا وطلب [الفضول](10)ونحو ذلك لا ترك الخروج للجهاد
ص: 327
والحج مع استكمال الشروط وكذلك الجمعة، والجماعة وعيادة المرضى والصلاة على الأموات وقضاء حوائج / ظ 333 / الأخوان، وزيارة الأقارب وسائر المؤمنين ونحو ذلك، وليس المراد مدح العزلة مطلقاً كما زعمه بعض المتصوفة، وكذلك لا يحمل على العموم ما يدل على الحث على المخالطة، وليس المراد أفضلية العزلة مطلقاً بالنسبة الى بعض الناس کما توهم، فإنَّ ذلك يؤدي الى سقوط كثير من التكاليف ومن الله العصمة والتأييد.
(فَأَجْمَعَ رَأْيُ مَلَئكُمْ عَلَى أَنِ اخْتارُوا رَجُلَیْنِ فَأَخَذْنَا عَلَيْهِما أَنْ يُجَعْجِعا عِنْدَ الْقُرْآنِ، وَلَا يُجاوِزَاهُ، وَتَكُونَ أَلْسِنَتُهُما مَعَهُ وَقُلُوبُهُما تَبَعَهُ، فَتاها عَنْهُ وَتَرَكَا الحَقَّ وَهُما يُبْصِرَانِهِ وَكانَ الجَوْرُ هواهما وَالاعْوِجاجُ رَأْيَهُمْا(1)؛ وَقَدْ سَبَقَ اسْتِثَناؤُنا عَلَيْهما فِي الحُكْمِ بِالْعَدْلِ وَالْعَمَلِ بِالحَقِّ سُوءَ رَأْيِهِما، وَجَوْرَ حُكْمِهما، والثِّقَةُ(2)فِي أَيْدِينا لِأَنْفُسِنا، حِینَ خالَفا سَبِيلَ الحَقِّ، وَأَتَيا بِما لَا يُعْرَفُ مِنْ مَعْكُوسِ الحُكْم) في معنى الحكمين أي في المقصد المتعلق بهما كما تقدم والاجماع الاتفاق والعزم على الامر، والمَلأ بالتحريك الجماعة، ويجعجعا عند القرآن أي يقيما عنده، يقال: جَعَجَعَ القوم إذا اناخوا بالجعجاع وهي الأرض، والجعجاع [...](3)أيضاً (الموضع الضيق الخشن)(4)والتبع محركة التابع يكون
ص: 328
واحداً وجمعاً ويجمع على اتباع وتاه يتيه تيهاً إذا ضل، ويكون بمعنی تحیر والهوى إرادة النفس، وفي بعض النسخ (دأبهما) موضع (رأيهما) واستثناؤنا فاعل قوله (عليه السلام) سبق ومفعوله سوء، أي الاستثناء سابق على رأيهما الباطل وجورهما في الحكم، فلا عبرة بحكمهما، والجور نقيض العدل والميل والضلال والثقة ما يعتمد عليه وهو في الأصل مصدر قولك: وثِقت به أثِق بالكسر فيهما(1)إذا ائتمنته أي نحن على برهان من أمرنا لا يجب علينا اتباع حكمهما للعلم ببطلانه، وما لا يعرف أي ينكر ولا [يصدق به والمعكوس المقلوب](2).
(لَا يَشْغَلُهُ شَأْنٌ، وَلَا يُغَیِّرُهُ زَمَانٌ، [وَلَا يَحْوِيهِ مَكَانٌ وَلَا يَصِفُهُ](3)لِسَانٌ، لَا(4)يَعْزُبُ(5)عَنْهُ قَطْرِ(6)المَاءِ، وَلَا نُجُومَ السَّمَاءِ، وَلَا سَوَافِي الرِّيحِ فِي الهَوَاءِ، وَلَا دَبِيبُ النَّمْلِ عَلَى الصَّفَا، وَلَا مَقِيلُ الذَّرِّ فِي اللَّيْلَةِ الظَّلْمَاء. يَعْلَمُ مَسَاقِطَ الْأَوْرَاقِ، وَخَفِيَّ طَرْفِ الْأَحْدَاقِ) الشأن الخطب والأمر ولا يصفه لسان أي وصفاً لائقاً بعز جلاله، أو لا يصفه بکنه حقیقته لعدم احاطة العلم بکنهه.
ص: 329
وعَزَبَ(1)كنَصَرَ وضَرَبَ أي غاب وخفي، وفي بعض النسخ (ولا يعزب(2)) بالواو، والقَطر بالفتح (المطر)(3)الواحدة قطرة كتمر وتمرة، وفي بعض النسخ (عدد قطر الماء) وسفت الريح التراب والورق واليبس سفوا أي حملت و ذرت، والسافي (والسافياء(4): ريح تحمل تراباً كثيراً عن(5)وجهه الأرض تهجمه على الناس)(6)، والتراب الذي تحمله الريح أيضاً ساف أي مسفي کماء دافق، ودَبَّ النمل كفر دبيباً أي مشي على هينه(7)والصفي مقصوراً الصخر(8)الأملس(9)، والتخصيص بالصفى لعدم التأثر بالدبيب [كالتراب إذ يمكن في التراب ونحوه ان يعلم](10)الدبيب بالأثر، والمقيل في الأصل القيلولة، أو موضعها وهي النومة [نصف النهار، والذر صغار النمل](11)والواحدة ذرة(12)، قيل: ومائة منها فإنه زنة حبة شعير(13)، ومقيل الذر
ص: 330
نومها، أو موضعه والظلاء والظلام بالفتح ذهاب [النور، وليلة ظلماء شديدة الظلمة](1)ومساقط الأوراق مواضع سقوطها من الأرض، ويحتمل المصدر [والطَرف بالفتح تحريك الجفون في النظر](2)، يقال: شخص بصره فما يطرف، والأحداق جمع حدقة بالتحريك وهي سواد العين وإضافة الطرف إليها لأنها الأصل في النظر (وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إلهَ إلَّا اللهُ غَیْرَ مَعْدُولٍ بِهِ، وَلَا مَشْكُوكٍ فِيهِ، وَلَا مَكْفُورٍ دِينُهُ، وَلَ مَجْحُودٍ تَكْوِينُهُ / و334 / شَهَادَةَ مَنْ صَدَقَتْ نِيَّتُهُ، وَصَفَتْ ذخلته وَخَلَصَ يَقِينُهُ وَثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ) عدل بالله أي جعل له مثلاً وعديلاً وقد مرَّ في كلامه (عليه السلام) (كذب العادلون بك إذ شبهوك بأصنامهم)(3)، وكَفَرَ الشيء كنَصَرَ أي غطاه وستره وهو أصل الباب، ويقال للفلاح: کافر لأنه يكفر البذر أي يستره(4)، قالوا: والكفر على أربعة [انحاء كفر انکار](5)بأن لا يعرف الله أصلا ولا يعترف به، وكفر جحود ککفر ابليس يعرف الله بقلبه ولا يقر [بلسانه وكفر عناد](6)وهو أن يعرف [بقلبه ويعترف(7)بلسانه](8)ولا يدين به حسداً وبغياً ككفر أبي جهل وإضرابه، وكفر نفاق وهو أن يقر بلسانه ولا يعتقد [بقلبه](9)، والجحود الإنكار مع العلم ودخلة الرجل بالكسر والضم
ص: 331
ويوجدان في النسخ باطن أمره، وثقل الميزان بخلوص الشهادة، وحسن الأعمال، والجمع باعتبار تعدد الوزن، وقد يراد بالميزان المقدار فالوجه واضح. (وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولَهُ، المُجْتَبَى مِنْ خَلَائِقِهِ، وَالمُعْتَامُ لِشَرْحِ
حَقَائِقِهِ، وَالمُخْتَصُّ بِعَقَائِلِ كَرَامَاتِهِ، وَالمُصْطَفَى لِكَرَائِمِ رِسَالَاتِهِ، وَالمُوَضَّحَةُ بِهِ أَشْرَاُط الْهُدَى، وَالمَجْلُوُّ بِةِ غِرْبِيبُ(1) الْعَمَى) الاجتباء الاختيار(2)، (والعِيمة بالكسر: خيار المال)(3) واعتام أي أخذها وهو يؤول إلى الاختيار، وشرح حقائقه أي إيضاح ما خفي من حقائق توحيده وعدله وشرائعه، والعقيلة الكريمة من كل شيء(4)، وعقائل الكرامات أنفسها وأَشَرْاط الساعة علاماتها واحدتها شرط بالتحريك، وبها سمیت شرط السلطان؛ لأنهم جعلوا لأنفسهم علامات يعرفون بها هكذا، قال أبو عبيد، وحكي عن بعض أهل اللغة أنه أنكر هذا التفسير، وقال: أشراط الساعة: ما ينكره الناس من صغار أمورها قبل أن تقوم الساعة وشرط السلطان نخبة(5)أصحابه [الذين يقدمهم](6)على غيرهم من جنده(7)، والاشراط من الاضداد(8)يقع على الأشراف والأرذال، [والغربيب الاسود الحالك الشديد السواد أي المكشوف](9)) (المكشوف به
ص: 332
ظلم الضلال (أَيُّهَا النَّاسُ، إنَّ الدُّنْيَا تَغُرُّ(1)المُؤَمِّلَ لَهَا، وَالمُخْلِدَ إِلَيْهَا، وَلاَ تَنْفَسُ [بِمَنْ نافَسَ فِيها، وَتَغْلِبُ مَنْ غَلَبَ عَلَيْهَا. وَايْمُ](2)اللهِ ما كَانَ قَوْمٌ قَطُّ فِي غَضِّ نِعْمَةٍ مِنْ عَيْشٍ فَزَالَ عَنْهُمْ إِلاَّ بِذُنُوبٍ اجْتَرَحُوها؛ لأنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ، وَلَوْ أَنَّ النَّاسَ حِینَ تَنْزِلُ بِهِمُ النِّقَمُ، وَتَزُولُ عَنْهُمُ النَّعم، فَزِعُوا إِلَی رَبِّهِمْ بِصِدْقٍ مِنْ نِيَّاتِهِمْ، وَوَلَهٍ مِنْ قُلُوبِهِمْ لَرَدَّ عَلَيْهِمْ كُلَّ شارِدٍ، [وَأَصْلَحَ لَهُمْ كَلَّ فَاسِدٍ](3)) اخلد إلى الشيء أي ركن إليه ومال ولزمه ونفس بالشيء کعلم أي بخل والمنافسة الرغبة في الشيء [النفيس و](4)الانفراد به، وقيل: الرغبة فيه على وجه المباراة في الكرم والمعنى أنَّ الدنيا لا تبخل(5)، ولا يضن ممن رغب فيها وأحبها، بل تتركه ولا تراعي حقه، وفي بعض النسخ (ولا تنفس) على صيغة التفعيل أي: لا تفرج الكرب، والباء بمعنى (عن) وتغلب من غلب عليها أي من أخذها بالغلبة وملكها فعن قریب تقهره وتهلکه، والحاصل أن الدنيا تعاملكم معاملة الأعداء فلا تكونوا من المحبين لها، والغَض(6)بالفتح الطري الناضر، والطلع الناعم، وغض نعمة أي نعمة طرية ناضرة والعيش الحياة وما یعاش به من المأكل والمشرب وما تكون به الحياة، واجترحوها أي اكتسبوها وأصله الاكتساب بالجوارح أي الاعضاء، ويقال: کواسب الطير والسباع جوارح؛ لأنها تكسب بيدها، وفي الكلام إشارة إلى
ص: 333
قوله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ»(1)وقوله عز وجل: «ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ»(2)، ولما كان افاضه النعمة على القوم بالاستحقاق، أو استعاد التفضل كان سلبها من الجواد المطلق عنهم من غير ذنب في عداد الظلم ظ 334 / فلذا علل بنفي الظلم، وأما المبالغة فأما لأنه لو فعل ذلك بقوم لفعل بعباده قاطبة؛ لأنَّ حكمه في الجميع واحد، فيكون ظلاماً كثير الظلم، وأما لأنَّ كثرة القوم يقتضي(3)كثرة الظلم کما قيل في قوله تعالى: «[وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ](4)»(5)أن المبالغة لكثرة العبيد، وأما لأنَّ سلب النعمة عن قوم بعد تعويدهم بها من [غير ذنب ظلم شديد](6)، ولعل الحكم مخصوص(7)بما إذا كان سلب النعمة للتعذيب كما هو الأغلب لا لنوع من اللطف واقتضاء المصلحة التعويض في الاخرة، ويمكن حمل الكلام على العموم وأن يكون المراد [عدم الوقوع بالنسبة إلى قوم](8)لا نفي الجواز والله تعالى يعلم، وفزعوا إلى ربهم كفرحوا أي استغاثوا، والوله بالتحريك الحزن وذهاب [العقل](9)من فرح أو حزن والحيرة والخوف، والمراد
ص: 334
الاخلاص والتوجه التام بالقلوب حتى كأنَّ العقول قد زالت من الخوف وبقيت الحيرة، وشرد البعير كنصر أي نفر وند، والشارد الذاهب الزائل، وإصلاح الفاسد هو رد الشارد، أو التوفيق للأعمال الصالحة بعد اكتساب الآثام (وَإنِّي لَأَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تَكُونُوا فِي فَتْرَة، وَقَدْ كانَتْ أَمُورٌ مَضَتْ مِلْتُمْ فِيها مَيْلَةً، كُنْتُمْ فِيها غَیْرَ(1)مْحَمُودِينَ، وُلئن رُدَّ عَلَيْكُمْ أَمْرُكُمْ إنَّكُمْ لَسُعَدَاءُ. وَمَا عَليَّ إلَّا الجُهْدُ، وَلَوْ أَشاءُ أَنْ أَقُولَ لَقُلْتُ: عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَفَ) الفترة ما بين الرسولين من رسل الله تعالى، ويكون بمعنى الانكسار والضعف، ولعل المراد: أخشى عليكم أن يكون حالكم كحال أهل الجاهلية في الكفر والتعبير بالخشية؛ لقرب حالهم من حال هؤلاء، أو كحالهم في التعصبات وترك الحق والميل إلى الأهواء الباطلة، والأمور كناية عن تقديم الخلفاء عليه (عليه السلام) کما يدل عليه الجمع لا اختيار عثمان يوم الشوری فقط کما ذکره بعض الشارحين(2)، وإن كانت الخطبة مما خطب بها (عليه السلام) بعد قتل [عثمان](3)في أول خلافته، وملتم أي عن الحق وعن متابعتي وغير محمودین أي مذمومين ونحوه قوله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ»(4)أي يبغضهم ولئن رد عليكم أمركم أي ما كنتم عليه من متابعة الحق في أيام الرسول (صلى الله عليه واله) وجهد في الأمر جهداً وأجتهد [أي جد وبالغ
ص: 335
ولو أشاء أن أقول أي في ميلكم عن](1)الحق وإتباعكم الباطل بلفظ صریح يكشف عن [ضلالكم ومصير امرکم واتباعكم الهوى والاراء](2)الباطلة في الميل إلى الخلفاء لقلت لكني أمسكت عنه لعدم [المصلحة](3)[في ذلك وعفا الله عما سلف](4)، لعله من الدعاء في خاتمة الخطبة كقوله (عليه السلام) في بعض خطبة [غفر الله لنا](5)[ولكم وقوله أخذ الله بقلوبنا وقلوبكم](6)الى الحق ومثله الكثير وهو من الدعاء المشروط ومن جملة [الشروط](7)التوبة واستحقاق العفو والمغفرة [وليس](8)المراد الدعاء على الاطلاق للحاضرين بالعفو عن إتباعهم الخلفاء وما سلف من ذنوبهم إذ من العلوم وجود قوم من أهل النفاق والضالين في جملتهم، ويحتمل أن يكون اخبار عن العفو بالشروط، كقوله عز وجل: «إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا»(9)وهو اقتباس من قوله تعالى: «[عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ](10)»(11)، وفيه ایماء إلى انه تعالى ينتقم من المصرين على اتباعهم، وقيل: يجوز أن يكون
ص: 336
المعنى: لو أشاء أن أقول قولاً يتضمن العفو عما سلف منكم لقت، لكني لا أقول إذ لا موضع للعفو(1)، وهو بعيد.
(وقد سأله ذعلب اليماني(2)فقال: هل رأيت ربك يا أمير المؤمنين؟ فقال: (عليه السلام) أفأعبد ما لا أرى، قال(3): وكيف تراه؟ قال: (لاَ تُدْرِكَهُ الْعُيُونُ بِمُشاهَدَةِ الْعِيانِ؛ وَلَكِنَ تُدْرِكُهُ الْقُلوبُ بِحقَائِقِ الإِيمانِ) ذعلب كزبرج(4)علم الرجل وهو في الأصل (الناقة السريعة)(5)، واليمن إقليم معروف سمي بذلك؛ لأنه على يمين الكعبة، والنسبة إليه يمني على القياس(6)وجاء يماني على غير القياس(7)، وعلى هذا ففي الياء مذهبان: أحدهما وهو الأشهر تخفيفها، ويقال: قوم يمانية، ویمانیون مثل / و335 /: ثمانية وثمانون، وثانيهما: التثقيل (8)وجوزهما بعضهم، والرؤية حقيقة في رؤية العين والقلب کما يظهر من كلام كثير من أهل اللغة، والظاهر أنَّ مراد السائل الأول لكنه (عليه السلام) أجاب أولاً بحمل الكلام على معنی ينبغي الحمل عليه، ثم كشف
ص: 337
عن المراد وفصل ونفي الإدراك بالعيون، وفي بعض النسخ (لا تره العيون)، ولعله (عليه السلام) لم يجب أولا بنفي ما قصده السائل؛ لئلا يتوهم نقصاً في علمه (عليه السلام) ويقينه بمعبوده، والمشاهدة والعِيان بالكسر المعاينة(1)والإضافة للمبالغة في دفع التوهم والتصريح الكامل بالمعنى المنفي، والمراد بحقائق الإيمان الدلائل والتصديقات اليقينية التي هي أركان الإيمان، أو الأنوار الحاصلة في القلوب بالدلائل والافاضات القدسية، وقيل: أي بما هو حق الإيمان وحقيقته، والغرض نفي النقص عن اليقين لعدم الرؤية الحسية وبیان کماله لوجود ما هو أتم وأكمل منها. (قَرِيبٌ مِنَ الأَشْياءِ غَیْرَ مُلَامِسٍ(2)، بَعِيدٌ مِنْها غَیْرَ مُبايِنٍ؛ مُتَكلِّمٌ لا [برَوِيَةٍ، مُرِيدٌ](3)بلَا هِمةٍ(4)صانِعٌ(5)لاَ بجارِحَةٍ، لَطِيفٌ لاَ يُوصَفَ بِالخَفاءِ، كبِیرٌ لاَ يُوصَفُ بِالجَفاءِ(6) بَصِیرٌ لَا [يُوصَفُ بِالحاسَّةِ](7)رَحِيمٌ لاَ يُوصَفُ بِالرِّقَّةِ. تَعْنُو الْوُجُوهُ لِعَظَمَتِهِ وَتُجب(8)الْقُلُوبُ مِنْ مَخافَتِهِ) اللمس في الأصل المس [باليد](9)وقيل المس
ص: 338
[مطلقاً(1)والغرض أن قربه سبحانه](2)من الأشياء ليس جسمانياً ينتهي الى الملامسة، بل هو عبارة عن [احاطة](3)علمه و[قدرته ولطفه بها كما أنَّ بعده](4)منها ليس بمعنى الافتراق الجسماني والمهاجرة، بل هو عبارة عن تنزهه عن نيل الحواس واحاطة العقول به وتقدسه عن مشابهة الأشياء، والرؤية الفكر والتدبر، وقد جرت(5)على الألسنة بغير همز تخفیفاً وهي من روأت في الأمر إذا نظرت فيه، وفي بعض النسخ (بلا رؤية)، والهِمة بالكسر العزم الذي يحدث في الانسان لتعقل ملائمة، أو منافرة في شيء وتنزهه سبحانه عنها واضح، والجارحة العضو، وفي بعض النسخ (بلا جارحة)، واللطف في الأجسام: الصغر والدقة، ومن شأن الصغير والدقيق الخفاء وفيه سبحانه العلم بدقائق الأمور، أو البر بالعباد والإحسان إليهم بإيصال المنافع بلطف ورفق، وقيل الرفق في الفعل، والعلم بدقائق المصالح وإيصالها الى من قدرها له من خلقه والخَفَاء بالفتح خلاف الظهور، الجَفاء بالفتح الغلظة، ومنه جَفاء البدو وهو غلظتهم وفظاظتهم، والرحم في الأصل (الرقة والتعطف)(6)والرقة ضد الغلظة في الخلق والخُلق، وفيه سبحانه التعطف بالتفضل والإحسان. وعنا يعنوا إذا خضع وذل، والوجوب في الاصل (السقوط والوقوع)(7)، ووجب
ص: 339
القلب إذا خفق(1)، وفي بعض النسخ (توجل) موضع(2)(تجب)، يقال: وجل کفرح يوجل ويجل إذا فزع، والمخافة والخوف واحد.
(أَحمَدُ اللهَ عَلَى مَا قَضَي مِنْ أَمْرٍ وَقَدَّرَ مِنْ فِعْلٍ؛ وَعَلَى ابْتِلَائِي بِكُمْ أَيَّتُهَا الْفِرْقَةُ الَّتِي إذَا أَمَرْتُ لَمْ تُطِعْ؛ وَإذَا دَعَوْتُ لَمْ تُجِبْ، إِنْ أُمهلتم(3)خُضْتُمْ، وَإِنْ حُورِبْتُمْ خُرْتُمْ، وَإنْ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى إِمَامٍ طَعَنْتُمْ، وَإِنْ أُجِبْتُمْ إلَی مُشَاقَّةِ نَكَصْتُمْ) قد مرَّ شيء من تفسير القضاء والقدر عن قريب في شرح قوله (عليه السلام): (ألا وإن القدر السابق قد وقع، والقضاء الماضي قد تورد)، وقال بعض الشارحين: (الأمر أعم [من ](4)أن يكون فعلًا، ولمَّا كان القدر هو تفصيل القضاء وايجاد الأشياء على وفقه، قال: وقدر من فعل)(5)، والابتلاء الامتحان ويكون منحة ومحنة، والمراد المحنة، وفي بعض النسخ (وعلى ما ابتلاني)، والمُهلة بالضم (السكينة)(6)و (الرفق)(7)، وأمهله أي رفق به وآخره، وفي بعض النسخ (أهملتم) أي تركتم وخضتم أي في الضلال والأهواء الباطلة،
ص: 340
وأصل الخوض الدخول في الماء / ظ 335 / أو المشي [فيه](1) (2)، وتحريکه، وخرتم بالخاء المعجمة أي ضعفتم، والخور (الضعف والوهن)(3)، أو صحتم کما یخور الثور، ومنه قوله تعالى: «عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ»(4)، وفي بعض النسخ (جرتم) بالجيم من الجور، وهو العدول عن الحق (نقيض العدل)(5)، وقال بعض الشارحين: ((أي عدلتم عن الحرب فراراً))(6)، وطعن بالقول أي قدح وعاب، وإن أجبتم أي الدعوة إلى مشاقه أي حرب، وأصل المشاقة والشقاق أن يأتي كل منهما بما يشق على صاحبه، ويكون كل منهما في شق غير شق صاحبه، ونكصتم أي رجعتم الى وراء وهو القهقرى(7)، قال الله عز وجل: «فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ»(8)، وفي بعض النسخ اجئتم بالهمزة موضع الباء على صيغة المجهول أي الجئتم واضطررتم، قال الله عز وجل: «فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ»))(9)، أي: لا تجيبون الدعوة الى الحرب على طوع منكم فإذا اضطررتم(10)إليها رجعتم وفررتم (لَا أَبَا لِغَيْرِكُمْ!
ص: 341
مَا تَنْتَظِرُونَ بِنَصْرِكُمْ، وَالْجِهَادِ عَلَى حَقِّكُمْ! المَوُتْ أَو(1)الذُّلُّ لَكُمْ! فَوَ اللهِ لَئِنْ جَاءَ يَوْمِي - [وَليأتينني](2)- لَيُفَرِّقَنَّ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، وَأَنا لِصُحْبَتِكُمْ قَالٍ،
وَبِكُمْ غَیْرُ كَثِیرٍ) قال ابن الأثير في الحديث: ((لا أبا لك وهو أكثر ما يذكر في المدح أي لا كافي لك غير نفسك، وقد يذكر في معرض الذم كما يقال: لا أم لك، وقد يذكر في معرض التعجب، ودفعاً للعين، كقولهم: لله درك، وقد يذكر بمعنی جد في أمرك وشمر؛ لأنَّ من له أب يتكل عليه في بعض شأنه، وقد تحذف اللام، فيقال: لا أباك بمعناه)(3)، وقال بعض الشارحين: ((لا أبا لغيركم دعاء بالذل لغيرهم، وفيه نوع تلطف لهم، والأصل لا أب والألف مزیدة أما لاستثقال توالي أربع حركات فاشبعوا الفتحة فانقلبت ألفا، أو لأنهم قصدوا الاضافة، وأتوا باللام للتأكيد)(4)، ولا يخفى أن هذا الوجه مبني على استعمال الكلمة في الذم، وأما على الاستعمال في المدح، فیکون ذماً لهم وهو أنسب بدعاء الموت، أو الذل لهم في تتمة الكلام والموت والذل في أكثر النسخ مرفوعان، والجملة دعائية، قال بعض الشارحين: ((كأنَّه شرع داعياً عليهم بالفناء الكلي، وهو الموت، ثم استدرك فقال): (أو الذل))؛ لأنه نظير الموت في المعنى))(5)، ولقد اجیب دعاؤه (عليه السلام) بالدعوة الثانية، فإنَّ شیعته ذلوا بعده في الأيام الأموية، ولعل الموت هاهنا يعم القتل وكلمه، أو
ص: 342
لتقسيم القوم، وقد كانوا جميعاً بين ميت على حتف أنفه عاجلاً، أو قتيل، أو ذليل، وفي بعض النسخ منصوبان على تقدير فعل أي ارجو وأطلب الموت، أو الذل لكم، فيكون دعا أيضا أو أتنتظرون(1)الموت، أو الذل لكم فيكون (تحريضاً)(2)على الجهاد قبل تسلط الاعداء وشمول الذل لهم مع نوع تقريع، وكلمه لكم لدفع توهم أن المراد أتنتظرون الموت، أو الذل للأعداء، ولئن جاء يومي أي اليوم المعين لأن القي الله عز وجل، قال بعض الشارحين: قوله (عليه السلام) وليأتينني حشوة لطيفة بين الكلام؛ لأنَّ لفظة أن أكثر ما تستعمل(3)[...](4)لما لا يعلم حصوله(5)، فأتي بعدها بما يرد ما يقتضيه أن من الشك في اتيان الموت وأشعر بأنَّ الموضع موضع إذاً، ويمكن أن يكون المراد: لئن جاء يومي في أيام صحبتكم وقبل أن يبدل الله لي بكم قوماً غيركم (وليفرقن) على صيغة المعلوم من باب التفعيل والفاعل اليوم، وفي بعض النسخ على صيغة المجهول والفاعل هو الله سبحانه وقلاه يقليه أي أبغضه، والواو في (وأنا لصحبتكم) قال للحال، وبکم غیر کثیر أي ليس لي من اجتماعكم كثرة فإنَّ فائدة الكثرة القوة في دفع الأعداء ولما لم يترتب على کثرتكم الفائدة كانت في حكم العدم وكان وجودکم کعدمكم (للهِ أَنْتُمْ! أَمَا
دِينٌ يَجْمَعُكُمْ، وَلَا حَمِيَّةٌ تَشْحَذُكُمْ! أَوَ لَيْسَ عَجَباً أَنَّ مُعَاوِيَةَ يَدْعُو الْجُفَاةَ الطَّغَامَ فَيَتَّبِعُونَهُ عَلَى غَیْرِ مَعُونَةٍ وَلَا عَطَاءٍ، وَأَنَا أَدْعُوكُمْ - وَأَنْتُمْ تَرِيكَةُ
ص: 343
الْسْلَامِ / و336 / وَبَقِيَّةُ النَّاسِ - إِلَی المَعُونَةِ أَوْ طَائِفَةٍ مِنَ الْعَطَاءِ فَتَفَرَّقُونَ عَنِّي وَتَخْتَلِفُونَ عَلَيَّ!) قال ابن الأثير: في الحديث (لله أبوك) إذا اضيف الشيء الى عظيم شریف اکتسی عظماً وشرفاً، کما قیل: بیت الله، وناقة الله، فإذا وجد من الولد ما يحسن موقعه ويحمد، قيل: لله أبوك في معرض المدح والتعجب: أي أبوك الله خالصاً حيث أنجب بك، وأتي بمثلك(1)، وقال بعض الشارحين: المراد بقوله (عليه السلام): ((لله أنتم)) لله عملكم أو سعیکم کما قالوا: لله درك! ولله أبوك، فحذف المضاف وأقام الضمير المضاف إليه مقامه(2)، واللام هاهنا فيها معنى التعجب، [وليس معنى التعجب](3)في هذه اللام إلاَّ إذا دخلت على لفظة الله كما أنَّ تاء القسم لم تأت إلاَّ في اسم الله تعالى، ولعل الظاهر في المقام أن يكون المراد التعجب على سبيل الذم، ويحتمل المدح على نوع من التلطف والمماشاة ودين مرفوع على أنه فاعل فعل مقدر يفسره المذكور، والحمية وكذا المحمية كما في بعض النسخ الآنفة، والغيرة وشحذ السكين کمنع أي حدده، والجفاء الغلظة، ومنه جفاء البدو وهو غلظتهم وفظاظتهم ورجل(4)جافٍ أي كز(5)غليظ، والطَغَام بالفتح أوغاد الناس أي الضعفاء والاخفاء العقول والأرذال، والمعونة الاسم من استعانة ووزنها مفعلة بضم العين، وقيل: الميم أصلية وهي مأخوذة من الماعون وهو اسم جامع لمنافع البيت كالقدر والفأس وغيرهما مما جرت العادة باعارته، قال
ص: 344
بعض الشارحين: معونة الجند شيء يسير من المال يعطيهم الوالي لترميم اسلحتهم واصلاح دوابهم ويكون ذلك خارجاً عن العطاء المفروض شهراً فشهراً(1)، المؤنة العيال وقضاء الديون وغير ذلك والتريكة في الأصل بيضة النعامة(2)تتركها(3)في مجثمها، والمراد أنتم خلف الإسلام وعوض الأسلاف، والطائفة القطعة من الشيء والفرقة من الناس والجماعة وأقلها ثلاثة، والمراد القدر المقرر من العطاء في الشريعة، وفي بعض النسخ بوظيفة(4)من العطاء وهي ما يقدر من رزق وطعام وعمل وغير ذلك، والظاهر أنَّ منشأ التعجب أمور: أحدها: إنَّ الداعي لهم معاوية مع علمهم بأنَّه على الباطل وتندسه بقبائح لا تحصى من خبث المولد واقتراف الآثام وغير ذلك، والداعي لهؤلاء من لا يقدر أحد على احصاء فضائله، وثانيها: إنَّ المدعو هناك الجفاة الطغام مع خلوهم غالباً عن الحمية والمروة وبعدهم عن متابعة الشريعة بخلاف هؤلاء، وثالثها: إنَّ أصحاب معاوية يتبعونه على غير معونة ولا عطاء وهؤلاء لا يجيبونه(5)(عليه السلام) الى المعونة والعطاء، قال بعض الشارحين: فإن قلت المشهور أن معاوية كان يمد أصحابه بالأموال والرغائب! قلت: إنَّ معاوية لم يكن يعطي جنده على وجه المعونة والعطاء، وإنما كان يعطي الرؤساء الأموال الجليلة يستعبدهم بها وهؤلاء كانوا يدعون اتباعهم
ص: 345
الى متابعة معاوية فمنهم من يطيع حمية، ومنهم من يطيع لأياد(1)وعوارف من اولئك الرؤساء، ومنهم من يطيع للطلب بدم عثمان، وأما أمير المؤمنين (عليه السلام) فإنَّه كان يقسم بين الرؤساء والأتباع على وجه المعونة والعطاء، ولا يرى لأحد من الرؤساء والاشراف فضلاً على غيره(2)، كما كان يقسم رسول الله (صلى الله عليه واله) وكان من يقعد عن نصره من الرؤساء أكثر ممن ينصره لذلك (إِنَّهُ لَا يَخْرُجُ إِلَيْكُمْ(3)مِنْ أَمْرِي رِضًى فَتْرَضَوْنَهُ، وَلاَ سُخْطٌ فَتَجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ؛ وَإنَّ أَحَبَّ مَا أَنَا لَاقٍ إلَيَّ الْمَوُتْ. قَدْ دَارَسْتُكُمُ الْكِتَابَ، وَفَاتَحْتُكُمُ الْحِجَاجَ، وَعَرَّفْتُكُمْ مَا أَنْكَرْتُمْ، وَسَوَّغْتُكُمْ مَا محجتم(4)، لَوْ كَانَ الْأَعْمَى يَلْحَظُ، أَوِ النَّائِمُ يَسْتَيْقِظُ! وَأَقْرِبْ بِقَوْمٍ مِنَ الْجَهْلِ بِاللهِ قَائِدُهُمْ مُعَاوِيَةَ، وَمُؤَدِّبُهُمُ ابْنُ النَّابِغَةِ) الغرض من الكلام أنكم لا تقبلون قولي، ولا تطيعون أمري / ظ 336 / ، سواء كان من شأنه أن ترضون به، أو تسخطونه، والسُخط بالتحيرك وبالضم الغضب والكراهية وضد الرضا، والي متعلق بالحب، ودَرَسَ الكتاب كَنَصَرَه وضَرَبَ أي قرأه، ودارستكم(5)الكتاب أي قرأته عليكم لتعليمكم، أو قرأتموه عليَّ، للتعلم وفتح الحاكم بين الخصمين إذا فصل بينهما والفاتح الحاكم قال ابن عباس ما كنت ادري ما قوله عز
ص: 346
وجل: «رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ»(1)حتى سمعت بنت بن ذي يزن(2)تقول لزوجها: تعال افاتحك)(3)أي أحاكمك والحجاج والمحاجة والمجادلة وأقامة الحجة أي البرهان وفاتحتكم [الحجاج أي حاكمتكم](4)بالمحاجة(5)، وأقمت الحجج علیکم وما أنكرتم أي ما جهلتم وأنكرتموه من الأحكام بجهلكم، وساغ الشراب في الحلق يسوغ إذا دخل سهلاً(6)وسوغتك إياه أي جعلته لك سائغاً، ومَجَّ الشراب من فيه کمد أي رماه أي بينت لكم من الأحكام، ووعظتكم حتى صار هنيئاً لكم ما شق علیکم للأهواء الباطلة، وقال بعض الشارحين: واستعار وصف التسويغ اما لإعطائه لهم العطيات والأرزاق التي كانوا يحرمونها من يد غيره لو كان معاوية، وإما لإدخاله العلوم في أفواه أذهانهم، وكذلك لفظ المج أما لحرمانهم من يد
ص: 347
غيره، أو لعدم العلوم عن أذهانهم ونُبُو أفهامهم عنها(1)، واللحظ النظر بشق العين الذي يلي الصدغ، وهو أشد التفاتاً من الشزر، والملاحظة مفاعلة منه، ولعل التعبير باللحظ للدلالة على أنَّ هؤلاء لا يبصرون بنظرة غير تامة فكيف بالتامة، أو هو مجاز عن الأبصار و كلمة (لو) يحتمل أن تكون(2)للتمني بمعنی ليت وهي لا تحتاج الى جواب کجواب الشرط، ولكن قد يؤتى لها بجواب منصوب کجواب لیت نحو: لو تأتني فتحدثني على قول بعضهم(3)، أو الجزاء محذوف أي لنفعكم، ولكان مفيداً، وأفعل به بلفظ الأمر من صيغتي التعجب والأخرى ما أفعله أي ما أقربهم من الجهل، وبالله متعلق بالجهل، والقرب من الجهل بالله البعد عن معرفة الله وثوابه وعقابه، والقود نقيض السوق، فهو من أمام وذلك من خلف وفيه تشبيه للقوم بالدواب أو بالعميان والتأديب تعليم الأدب وهو كل رياضه محمودة يتخرج بها الإنسان في فضيلة من الفضائل، ونبغ الشيء أي ظهر وجملة قائدهم معاوية محلها الجر صفة لقوم وفصل بين الصفة والموصوف بالجار والمجرور كما في قوله تعالى: «وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ»(4)فمحل (مردوا) الرفع صفة لمنافقون وفصل بينهما بقوله تعالى: «وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ»(5)، وقيل: جملة مردوا صفة لقوم المحذوف المقدر بعد الاعراب والله تعالى يعلم.
ص: 348
(وقد أرسل رجل من اصحابه يعلم له علم قومٍ(1)من جند الكوفة هموا(2)باللحاق بالخوارج، وكانوا على خوف منه (عليه السلام) فلما عاد إليه الرجل قال له: آمنوا فقطنوا، أم جبنوا فظعنوا! فقال الرجل: بل ظعنوا يا أمير المؤمنين) قال الشارح عبد الحميد بن أبي حديد: قد ذكرنا قصة هؤلاء عند شرحنا قصة مصقلة بن هبيرة الشيباني فمن ارادها فليراجعه(3)، ويعلم له على صيغة المجرد أي يعلم حتى يخبره (عليه السلام) بحالهم، واللَحَاق بالفتح مصدر لَحَق به کسمع ولحقه أي أدركه وتبعه، وقَطَنَ بالمكان كقَعَدَ إذا قام به فهو قاطن وقطين(4)، وجَبُنَ الرجل كقَرُب، فهو جبان أي ضعيف القلب هيوب للأشياء لا يقدم عليها وظَعَنَ كمَنَعَ أي سار. (فقال (عليه السلام) (بُعْداً لَهُمْ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ! أَمَا لَوْ أُشْرِعَتِ الاْسِنَّةَ إلَيْهِم، وَصُبَّتِ السُّيُوفُ عَلَى هَامَاتِهِمْ، لَقَدْ نَدِمُوا عَلَى مَا كَانَ مِنْهُمْ. إِنَّ الشَّيْطانَ الْيَوْمَ قَدْ اسْتَفَلَّهُمْ، وَهُوَ غَداً مُتَبَرِّئ مِنْهُمْ وَمخلٍ(5)عَنْهُمْ؛ فَحَسْبُهُمْ بِخُروجِهِمْ مِنَ الْهُدَى، وَارْتِكاسِهِمْ / و337 / فِي الضَّلَالِ وَالْعَمَى، وَصَدِّهِمْ عَنْ الحَقِّ وَجِمَاحِهِمْ
ص: 349
فِ التِّيهِ) البُعْد بالضم (ضد القرب)(1)، والبَعَد بالتحريك (الهلاك)(2)، والفعل من الأول كحُسْن، ومن الثاني كَتَعَب، هذا ما يظهر من كلام بعضهم(3)ويظهر من كلام غيرهم أن البُعد بالضم يكون بمعنى ضد القرب، وبمعنی الهلاك، ولعله أنسب بكلامه (عليه السلام) وبعداً نصب على المصدر بفعل محذوف أي أبعدوا بعدًا، والكلام دعا عليهم بأحد المعنين، وثمود غیر مصروف کما في النسخ إذا أريد منه القبيلة، ومصروف إذا أريد الحي أو اسم الأب(4)، قيل سميت ثمود لقلة مائها من الثَمَد بالفتح ويحرك وهو (الماء القليل) لا مادة له(5)، أو ما يظهر(6)في الشتاء ويذهب في الصيف(7)وهم قوم صالح (عليه السلام) وكانت مساكنهم الحجر بين الحجاز والشام الى وادي القرى، وشرعت الرماح نحوهم کمنعت أي تسددت فهي شارعة وشوارع وشرعناها وأشرعناها أي سددناها وأملناها إليهم، والصب في الأصل إراقة الماء، وفي الكلام تشبيه للضرب المتتابع المتواتر بصب الماء [والهامات جمع هامة وهي رأس كل شيء](8)واستفلهم بالفاء على ما في أكثر النسخ والفعل
ص: 350
بالفتح الكسر في حد السيف [تفللت مضاربه](1)أي تكسرت(2)، وفل القوم منهزموهم، يقال: رجل فل، وقوم فل، يستوي فيه الواحد والجمع، والفِل بالكسر الأرض التي لم تمطر ولا نبات فيها(3)، وافل الرجل أي ذهب ماله، قال بعض الشارحين: استفلهم الشيطان أي وجدهم مفلولين فاستزلهم، هكذا فسر(4)ويمكن عندي أن يريد أنه وجدهم فلًا لا خير فيهم، والفل الأرض لا نبات بها لأنها لم تمطر، قال: ((ویروی ((استفزهم)) أي استخفهم))(5)، وفي بعض النسخ الصحيحة استقلهم بالقاف، يقال: استقل الشيء أي حمله ورفعه واستقله أي عده قليلاً، أو وجده قليلاً، فالمعنى حملهم الشيطان واقتدر على التصرف فيهم فأضلهم، أو وجدهم قليلاً [فاجترى](6)عليهم، أو وجدهم مفارقين للجماعة فأغواهم فإنَّ الخارج عن الجماعة للشيطان كما أنَّ الشاذ من الغنم للذئب، وقال بعضهم: ((ویروی استقبلهم))(7)بالباء الموحدة بعد القاف أي أقبل عليهم ولقيهم بالبشر والرضا وهو غداً متبرئ منهم أي اليوم الذي اشرعت إليهم الاسنة وصبت السيوف على هاماتهم، أو يوم القيامة، أو بعد ما أغواهم وأضلهم وتم له ما أراد منهم، وفي الكتاب الكريم: «كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ
ص: 351
اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ»(1)، وخلى عنه وخلى سبيله أي تركه والباء في (بخروجهم) زائدة، والرکس رد الشيء مقلوباً (والله أركسهم بما كسبوا) أي ردهم الى كفرهم، وارتكس فلان في أمر كان قد نجا منه أي انتكس ووقع فيه، وصد عنه صدودا أي أعرض، وجَمَحَ الفرس كمَنَعَ جِماحاً بالكسر أي اعتز فارسه وغلبه، والتيه المفازة، والضلال والجماح في التيه الافراط والغلو في الضلال أو الخروج عن السّير على الاستواء، أو عن الطاعة في مفازة الضلال التي لا جادة لها، وهذا القوم أصحاب [الخريت بن ](2)راشد الناجي(3)أحد بني ناجية وقد قتله أصحاب معقل بن قيس وسبوا من بني ناجية من أظهر النصرانية وأقام معه فاشتراهم مصقلة بن هبيرة الشيباني واعتقهم، ثم هرب إلى الشام والقصة قد ذكرها الشارح عبد الحميد بن أبي [الحديد في شرح قوله (عليه السلام)](4)(قبَّح الله مصقله فَعَلَ فِعل السّادَةِ وَفَر فِرار العَبيد)(5)تم الشطر [الأول من كتاب بهجة الحدائق](6)في شرح کلمات کلام الله الناطق
ص: 352
وكان الفراغ من تأليفه في تاسع عشر شهر ربيع الأول من شهور سنة اثني وتسعين بعد الألف من الهجرة والحمد لله أولاً وأخراً والصلاة على سید أنبيائه محمد وعترته الطيبين الطاهرين المعصومين.
ص: 353
ص: 354
المحتويات
ص: 355
ص: 356
المحتویات
[ومن كلام له (عَلَيْهِ السَّلامُ)]...7
[ومن خطبة له (عليه السلام) في الإستسقاء]...10
[وَمِنْ خُطبةٍ لهُ (عليهِ السَّلام)]...15
[ومن خطبة له (عليه السلام)]...23
[ومن كلامه (عليه السلام)] لعمر بن الخطاب وقد استشاره في غزوة الفرس بنفسه...26
[ومن خطب له (عليه السلام)]...30
[ومن خطبه له (عليه السلام)]...38
[ومن كلامٍ له (عليه السلام) قبل موته]...42
[ومن خطبة له (عليه السلام) في الملاحم]...51
[ومن خطبة له (عليه السلام)]...63
[ومن خطبه له (عليه السلام)]...79
[ومن خطبة له (عليه السلام)]...94
[ومن خطبة له (عليه السلام)]...105
[و من خطبة له (عليه السلام) يذكر فيها بديع خلقة الخفاش]...117
[ومن كلام له (عليه السلام) خاطب به أهل البصرة على جهة اقتصاص الملاحم...127
ص: 357
[ومن خطبة له (عَلَيْهِ السلام)]...145
[ومن خطبةٍ له (عليه السلام)]...159
[ومن خطبة له (عليه السلام)]...165
[ومن خطبةٍ له (عليه السلام)]...166
[ومن خطبة له (عليه السلام)]...190
[ومن كلامه (عليه السلام)] لبعض أصحابه وقد سأله كيف دفعكم قومكم عن هذا المقام وأنتم أحق به؟...200
[ومن خطبة له (عليه السلام)]...220
[ومن كلام له (عليه السلام)]...235
[ومن خطبة له (عليه السلام)] يذكر فيها عجیب خلقة] الطاووس...241
ومن خطبة له (عليه السلام)...265
ومن خطبةٍ له (عليه السلام)...271
ومن كلام له (عليه السلام) بعدما بويع بالخلافة...272
ومن كلام له (عليه السلام) عند مسير أصحاب الجمل الى البصرة...275
ومن كلامٍ له (عليه السلام) کلم به بعض العرب...279
ومن كلام له (عليه السلام) لما عزم على لقاء القوم بصفين...280
ومن خطبة له (عليه السلام)...284
ومن خطبة له (عليه السلام)...294
[ومن كلامه (عليه السلام)] في معنى طلحة بن عبيد الله...299
ص: 358
[ومن خطبةِ لَهُ عَلَيْهِ السَّلَام)]...301
[ومن خطبة له (عليه السلام)]...307
[ومن كلامٍ له (عليه السلام) فِي معنى الحكمين...328
[ومن خطبة له (عليه السلام)]...329
[ومن كلام له (عليه السلام)]...337
[ومن كلام له (عليه السلام)] في ذم اصحابه...340
[ومن كلام له (عليه السلام)]...349
ص: 359
ص: 360