بهجة الحدائق في شرح نهج البلاغة المجلد 4

هوية الکتاب

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق العراقية ببغداد 2980 لسنة 2018

مصدر الفهرسة:

IQ-KaPLI ara IQ-KaPLI rda رقم تصنيف BP38.08.S24 B3 2018 : LC

المؤلف الشخصي: السلامي، غيداء كاظم عبد الله - مؤلف.

العنوان: بهجة الحدائق في شرح نهج البلاغة لعلاء الدين محمد بن ابي تراب الحسني /

بيان المسؤولية: دراسة وتحقيق م. د. غيداء كاظم عبد الله السلامي؛ تقديم نبيل قدوري حسن الحسني.

بيانات الطبع: الطبعة الأولى.

بيانات النشر: کربلاء، العراق: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة، 2018 / 1439 للهجرة.

الوصف المادي: 6 مجلد؛ 24 سم.

سلسلة النشر: (العتبة الحسينية المقدسة؛ 514).

سلسلة النشر: (مؤسسة علوم نهج البلاغة؛ 153).

سلسلة النشر: (سلسلة تحقيق المخطوطات؛ 9).

تبصرة عامة: الكتاب في الاصل رسالة ماجستير.

تبصرة ببليوجرافية: يتضمن ارجاعات ببليوجرافية.

موضوع شخصي: الشريف الرضي، محمد بن الحسين، 359 - 406 للهجرة - نهج البلاغة.

موضوع شخصي: علي بن ابي طالب (عليه السلام)، الإمام الأول، 23 قبل الهجرة - 40 للهجرة - احاديث.

موضوع شخصي: کلستانه اصفهاني، محمد بن ابي تراب، توفي 1110 للهجرة -- بهجة الحدائق في شرح كلمات كلام الله الناطق.

موضوع شخصي: علي بن ابي طالب (عليه السلام)، الامام الاول، 23 قبل الهجرة - 40 للهجرة - رسائل.

موضوع شخصي: علي بن ابي طالب (عليه السلام)، الامام الاول، 23 قبل الهجرة - 40 للهجرة - كلمات قصار.

مؤلف اضافي: الحسني، نبيل قدوري، 1965 -، مقدم.

مؤلف اضافي: دراسة ل (عمل): کلستانه اصفهاني، محمد بن ابي تراب، توفي 1110 للهجرة -- بهجة الحدائق في شرح كلمات كلام الله الناطق.

اسم هيئة اضافي: العتبة الحسينية المقدسة (كربلاء، العراق). مؤسسة علوم نهج البلاغة - جهة مصدرة.

عنوان اضافي: بهجة الحدائق في شرح کلمات کلام الله الناطق.

عنوان اضافي: حدائق الحقايق في شرح كلمات کلام الله الناطق

تمت الفهرسة قبل النشر في مكتبة العتبة الحسينية

ص: 1

اشارة

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق العراقية ببغداد 2980 لسنة 2018

مصدر الفهرسة:

IQ-KaPLI ara IQ-KaPLI rda رقم تصنيف BP38.08.S24 B3 2018 : LC

المؤلف الشخصي: السلامي، غيداء كاظم عبد الله - مؤلف.

العنوان: بهجة الحدائق في شرح نهج البلاغة لعلاء الدين محمد بن ابي تراب الحسني /

بيان المسؤولية: دراسة وتحقيق م. د. غيداء كاظم عبد الله السلامي؛ تقديم نبيل قدوري حسن الحسني.

بيانات الطبع: الطبعة الأولى.

بيانات النشر: کربلاء، العراق: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة، 2018 / 1439 للهجرة.

الوصف المادي: 6 مجلد؛ 24 سم.

سلسلة النشر: (العتبة الحسينية المقدسة؛ 514).

سلسلة النشر: (مؤسسة علوم نهج البلاغة؛ 153).

سلسلة النشر: (سلسلة تحقيق المخطوطات؛ 9).

تبصرة عامة: الكتاب في الاصل رسالة ماجستير.

تبصرة ببليوجرافية: يتضمن ارجاعات ببليوجرافية.

موضوع شخصي: الشريف الرضي، محمد بن الحسين، 359 - 406 للهجرة - نهج البلاغة.

موضوع شخصي: علي بن ابي طالب (عليه السلام)، الإمام الأول، 23 قبل الهجرة - 40 للهجرة - احاديث.

موضوع شخصي: کلستانه اصفهاني، محمد بن ابي تراب، توفي 1110 للهجرة -- بهجة الحدائق في شرح كلمات كلام الله الناطق.

موضوع شخصي: علي بن ابي طالب (عليه السلام)، الامام الاول، 23 قبل الهجرة - 40 للهجرة - رسائل.

موضوع شخصي: علي بن ابي طالب (عليه السلام)، الامام الاول، 23 قبل الهجرة - 40 للهجرة - كلمات قصار.

مؤلف اضافي: الحسني، نبيل قدوري، 1965 -، مقدم.

مؤلف اضافي: دراسة ل (عمل): کلستانه اصفهاني، محمد بن ابي تراب، توفي 1110 للهجرة -- بهجة الحدائق في شرح كلمات كلام الله الناطق.

اسم هيئة اضافي: العتبة الحسينية المقدسة (كربلاء، العراق). مؤسسة علوم نهج البلاغة - جهة مصدرة.

عنوان اضافي: بهجة الحدائق في شرح کلمات کلام الله الناطق.

عنوان اضافي: حدائق الحقايق في شرح كلمات کلام الله الناطق

تمت الفهرسة قبل النشر في مكتبة العتبة الحسينية

ص: 2

سلسلة تحقيق المخطوطات

وحدة تحقيق الشروحات

بهجة الحدائق

فی شرح

نهج البلاغة

لعلاء الدین محمد بن ابی تراب الحسنی کلستانه

المتوفي سنة 1110 ھ

الجزء الرابع

دراسة وتحقيق

م. د. غيداء كاظم السلامي

اصدار

مؤسسة علوم نهج البلاغة

في العتبة الحسينية المقدسة

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة

العتبة الحسينية المقدسة

الطبعة الأولى

1439 ه - 2018 م

العراق - كربلاء المقدسة - مجاور مقام علي الأكبر عليه السلام

مؤسسة علوم نهج البلاغة

هاتف: 07728243600 - 07815016633

الموقع الألكتروني:

www.inahj.org

الإيميل:

Info@lnahj.org

تنويه:

إن الأفكار والآراء المذكورة في هذا الكتاب تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر العتبة الحسينية المقدسة

ص: 4

بسم الله الرحمن الرحيم

«وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ»

صدق الله العلي العظيم

سورة هود الآية 88

ص: 5

ص: 6

[(ومن خطبة له عليه السَّلام)]:

(بعثهُ والنَّاسُ ضلالٌ في حیرةٍ، وخابطون(1)في فتنةٍ، قداستهوتهم الأهواء واستزلتهم الكبرياء، واستخفتهم(2)[الجاهلية](3)الجهلاء) الواو للحال، والخابط من يمشي في الليل بغير مصباح فيتحير ويضل، وفي بعض النسخ (حاطبون)(4))(5)وهو تشبيه بمن يجمع الحطب، يقال: حاطب ليل لمن يجمع بين الخطأ والصواب، ويتكلم بالغث [والسمين](6)كما أنَّ حاطب(7)الليل لا يبصر ما يجمع في حبله، والهوى العشق يكون في الخير والشر وغلب استعماله في الميل المذموم، واستهواه الشيطان إذا ذهب به في المهاوي والمهالك، واستفعال من هوى(8) يهوى إذا ذهب، وقيل أي ذهب بهواه وعقله، وقال

ص: 7


1- (حاطبون) في أ، ع، تصحيف، وفي شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 53، وشرح نهج البلاغة، صبحي الصالح: 175
2- (استخهم) في ث
3- [الجاهلية] ساقطة من ع
4- (خاطبون) في ر، م، تصحيف
5- (حاطبون) في: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 53، ونهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح: 175
6- [السمين] ساقطة من ث
7- (خاطب) في م، تصحيف
8- (هو) في ر، تحریف

بعض الشارحين: استهوتهم الأهواء: أي دعتهم إلى أنفسها(1)، والزلل الزلق في طين أو منطق أو فعل، وأزاله غيره واستزله، والكبرياء التجبر والعظمة والرفعة في الشرّف أي جعلهم الميل الى العظمة والرفعة ذوی زلل وخطأ وفي بعض النسخ (واستزلهم الكبراء) بتذكير الفعل أي اضلتهم طاعة ساداتهم وأكابرهم كما قال عز وجل: «وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا»(2)، واستخفتهم أي حملتهم على الخفة(3)والطيش والجهل، والجاهلية الحالة التي كانت العرب عليها قبل الإسلام کما تقدم والوصف للتأكيد نحو ليل ألليَّل ووتد واتد وشعر شاعر (حيارى في زلزالٍ منْ الأمرِ، وبلاءٍ من الجهلِ فبالغَ (صلى الله عليه وآله) فِي النصيحة

ومضى على الطريقةِ، ودعا الى الحكمةِ والموعظةِ الحسنةِ) الحَيارى بالفتح جمع حيران، والزَلزال بالفتح کما في النسخ مصدر (زلزلةَ)(4)وكذلك بالكسر، وقيل: بالفتح اسم وبالكسر مصدر، و(الزلزلة في الأصل: الحركة العظيمة والازعاج الشديد)(5)، والزلازل الشدائد، وفي بعض النسخ (بلبال) من الجهل وهو الهم، ووسوسة الصدر(6)والنصيحة ارادة الخير للمنصوح له،

ص: 8


1- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 53، وفيه: (استهوتهم الأهواء: أي دعتهم الى نفسها)
2- الأحزاب / 67
3- (الحفة) في ح، تصحيف
4- (زلزلزله) في ح
5- لسان العرب، مادة (زلل): 11 / 308
6- ينظر: تاج العروس، مادة (بلل): 14 / 66

وأصل النصح في اللغة (الخلوص)(1)، ومضى على الطريقة أي سلك سبيل الحق من غير عدول وانحراف، والحكمة الدليل الموضح للحق المزيح للشبهة، والموعظة الحسنة الكلمات المقنعة والعبر النافعة ولفظة الحسنة غير موجودة، وفي بعض النسخ والكلام اشاره الى قوله تعالى: «ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ»(2).

[ومن أخرى](3): (الحمدُ للهِ الأولِ فلَا شيءَ قبلهُ، والآخرِ فلَا شيءَ بعدهُ، والظاهرِ فلاَ شيءَ فوقهُ، والباطنِ فلاَ شيءَ دونهُ) يحتمل أن يكون المراد بنفي کون شيء قبله اثبات الأولية الحقيقية وسلب الاضافية، وذلك واضح سواء حمل القبلية على الزمانية، أو الذاتية، وأما البعدية فهو كذلك لو أريد به البقاء ذاتاً لكون بقائه سبحانه بنفس الذات بخلاف باقي الأشياء، ويحتمل أن يكون المراد في المقام نفي كون شيء قبله وبعده، لا نفي كونه معه زماناً، وإن صدق ذلك النفي في جانب القبلية، ويحتمل على القول بانعدام العالم بأسره قبل القيامة كما هو مذهب كثير من المتكلمين، وهو صريح کلامه (عليه السّلام) في الخطبة الجامعة لاصول العلم - كما سيجيء إن شاء الله تعالى - أن يكون المراد القبلية والبعدية باعتبار هذا الوجود، وإن كانت الأشياء معه زماناً باعتبار الوجود بعد الاعادة، ويحتمل أن يكون المراد على ما يقوله كثير من الحكماء والمتكلمين من أنه سبحانه لیس زمانياً نفي القبلية والبعدية والمعية الزمانيات والله تعالى يعلم، والظاهر أما بمعنى البين أي

ص: 9


1- المصدر نفسه، مادة (خلص): 4 / 231
2- النحل / 125
3- [ومن اخری] بیاض في ث، ر، م

الذي / ظ 129 / عرفت وجوده بطرق الاستدلال وآیات الأنفس والآفاق ولا شيء [بعده](1) فوقه، أي لا يواري وجوده شيء ولا يحجبه فالباطن بمعنی الخفي بكنه حقيقيته ولا شيء أخفى منه، وأما بمعنى الغالب أي الذي ظهر فوق كل شيء بقدرته وعلا عليه، والباطن الغائر في الأشياء بعلمه، وقال بعض الشارحين: الظاهر هاهنا العالم فلذلك حسن تأكيده بسلب فوقية الغير له(2)، والباطن العالم بمواطن الأمور فهو بهذا الاعتبار أقرب الأشياء اليها فلا شيء دونه أي أقرب اليها منه.

[منها في ذكر رسول الله (صلى الله عليه وآله)](3)(مستقرَّهُ خیُر مستقرٍ، ومنبتُهُ أشرفُ منبتٍ، فِي معادنِ الكرامةِ ومماهدِ السلامةِ، قدْ صرفتْ نحوهُ أفئدةُ الأبرارِ، وثنيتْ اليهِ أزَّمةُ(4)الأبصارِ) المستقر موضع الاستقرار، والمنِبت بالكسر وهو شاذ ولعل المراد بالمنبت مكة، وبالمستقر(5)(المدينة)(6)شرفهما الله تعالى، ويمكن أن يراد بالمنبت الصلب، وبالمستقر الرحم، وقال بعض الشارحين: (اشار بالمستقر الى مكة)(7)، قال: (ويحتمل أن يريد محلة من جود الله وعنايته)(8)، وعدن بالبلد يعدن ويعدن أي أقام، ومهده کمنعه بسطه، والمهد

ص: 10


1- [بعده] ساقطة من أ، ث، ر، م
2- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 2 / 400
3- [منها في ذکر رسول الله (صلى الله عليه وآله)] بياض في ث
4- (أزفة) في م، تحریف
5- (المستقر) في ح، ر، م
6- (مدينة) في ح، والسياق يقتضي التعريف
7- شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 2 / 401
8- شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 2 / 401

والمهاد الفراش، قال بعض الشارحين: (ولما قال: (معادن) قال بحكم القرينة والازدواج (مماهد) وإن لم يكن الواحد (ممهداً) كما قالوا: الغدايا والعشايا، ومأجورات ومأزورات(1)، ويعني بالسلامة البراءة من العيوب، أي في نسب طاهر غير معيب(2)، ويحتمل أن يراد بمعادن الكرامة ومحاهد السلامة مکارم الأخلاق، ومحاسن الآداب التي نشأ (صلى الله عليه وآله) عليها وهي الممهدة للسلامة من سخط الله عز وجل والأبرار الاخيار والمحسنون جمع بَر بالفتح وجمع البار برره، وصرف أفئدة الأبرار تعظيم له (صلى الله عليه وآله) وتوفيق لهم في الاستضاءة بأنوار هدايته وثنيت أي عطفت، والزِمام بالکسر ما يجعل في أنف البعير ليقاد به من الزم وهو الشد والمراد بالإبصار البصائر أو العيون لأنَ ذلك شأن العظماء (دفن به(3)الضغائنَ(4)، وأطفأَ بهِ النوائرَ(5)، ألفَ بهِ إخواناً، وفرَّقَ بِهِ أَقراناً، أعزَّ بِهِ الذِّلَّةَ، وأذلَّ بِهِ العزَّةِ، كلامُهُ بيانٌ وصمتهُ(6)لسانٌ) دفن أي ستر وواری، والضغينة والضغن الحقد، وفي الكلام اشعار بأنَّ الحقد لا يزول بسهولة، وإنَّما يختفي(7) ويستتر، وقد اختفت أحقاد أهل الجاهلية وغيرهم بزواجز الشريعة، وإن كانت تبرز أحياناً، وطفئت النار کسمع ذهب

ص: 11


1- (ماذورات) في ح، م، تحریف
2- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 55
3- (دفن الله به) في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 55، ونهج البلاغة، تحقيق: صبحي الصالح: 176
4- (الصغائن) في ث، تصحيف
5- (الثوائر) في شرح نهج البلاغة، صبحي الصالح: 176
6- (صمته) في ر
7- (يحتفي) في أ، ث، ر، تصحيف

لهبها، والنائرة (العداوة)(1)(والشحناء مشتقه من النار)(2)، ونائرة الفتنة هيجها ونارت الفتنة تنور إذا انتشرت، واطفاء النائرة تسكين الشر والفتنة، وألف بينهم أي أوقع الألفة بينهم والمراد بالإخوان(3)المتحابون(4)بذلك(5)التأليف، وإن تباعدوا قبله، قال الله عز وجل: «وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا»(6)ويحتمل أن يكون المراد تألیف المتباغضين من الاخوان بالأمر(7)بصلة الرحم والمواعظ البالغة والمتفارقين من الأحباب بالأمر بالتواد فالوصف باعتبار الماضي والظاهر أن الأقران جمع قِرن بالكسر وهو الكفؤ والنظير وأكثر ما يستعمل في الكفؤ في الشجاعة والحرب، والذلة ذلة الاسلام وأهله، والعزة عزة الشرك وأهله أي أعز به الإسلام وأذل به الشرك كما ذكره بعض الشارحين، ويحتمل أن يكون المعنى أعز به كثيراً من الأذلة بين القوم بسبب الفقر ودناءة النسب، فإنَّ العزة في الإسلام بالتقوی کما قال عز وجل: «إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ»(8)، وأذل به كثيراً من الأغنياء والرؤساء وغيرهم وكلامه بیان أي مبين لما انغلق من الأحكام وصمته لسان لأَنَّه كان يعلم بسكوته أن ما سكت عنه مما لا ينبغي الخوض فيه وتركه أحرى، أو لأنَّ سكوته عن فعل القوم وعدم انکاره کان دليلاً على الإباحة.

ص: 12


1- (العدالة) في ح، تحریف
2- المصباح المنير، مادة (نور): 2 / 630
3- (بالاخواز) في ر، تصحيف
4- (المتجابون) في ر، تصحيف
5- (بدلك) في م، تصحيف
6- ال عمران / 103
7- (الامر) في ع
8- الحجرات / 13

[ومن كلام / و130 / له (عليه السَّلام):]

(ولئنْ أمهلَ اللهُ الظالمَ فلنْ يفوتَ أخذهُ، وهوَ لهَ بالمرصادِ، علَى مجازِ طريقهِ، وبموضعِ الشَّجَى منْ مساغِ ريقِه) أمهلته إمهالا أخرت طلبه وانظرته ومهلته تمهیلاً مثله قال الله عز وجل: «فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا»(1)وفات الشيء فوتاً وفواتاً والأصل فات وقت فعله ومنه (فاتت)(2)الصلاة إذا خرج وقتها وفاته الأمر ذهب عنه، والأخذ التناول والعقوبة والإيقاع بالشخص وأخذه في أكثر النسخ مرفوع فيكون فاعلاً للفعل على الاستعمال الأول، وقال بعض الشارحين: (المفعول محذوف تقديره: ((فلن يفوته)))(3)، ورصدت فلاناً كنصرته إذا قعدت له على الطريق ورقبته والمرصاد الطريق والمكان يرصد فيه العدو: «إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ»(4)أي مراقبك فلا يخفى عليه شيء من أفعالك ولا تفوته، والمجاز موضع السير ومصدر، والشجي ما ينشب ويعترض في الحلق من عظم وغيره فلا ينفد فيه، وموضع الشجي هو الحلق ومساغ(5)ريقه موضع اساغته، (تقول)(6): اسغت الشراب أي أوصلته الى المعدة، وساغ الشراب نفسه سهل مدخله في الحلق، وسغت الشراب

ص: 13


1- الطارق / 17
2- (فات) في ث، ح، تحریف
3- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 58
4- الفجر / 14
5- (ساغ) في ح، تحریف
6- (يقول) في أ، ث، ح، ر، ع، م، تصحيف، والصواب ما أثبتناه

يتعدى ولا يتعدی، قاله بعض الشارحين(1)، ويحتمل أن يكون المعنى منزلته منزلة الشجي من موضع السوغ أو السوغ، والغرض أنَّه يأخذه إذا شاء أخذ عزيز مقتدر والكلام تهديد لأهل الشام وتثبيت لقلوب الأصحاب برجاء الظفر، أو تعريض للأصحاب ويناسبه قوله (عليه السّلام): بعد ذلك أخاف ظلم رعيتي (أمَّا والَّذِي نفسِيِ بيدهِ، ليظهرنَّ هؤلاءِ القومُ عليكُم، ليسَ لأنَّهمْ

أولى بالحقِّ منكمْ، ولكنْ لإسراعهمْ الى باطلِ صاحبهمْ(2)وإبطائكمْ(3)، ولقدْ أصبحتِ الأممُ تخافُ ظلمَ رعاتِهَا، وأصبحتُ أخافُ ظلمَ رعيتِي) ظهر عليه أي غلبه، وباطل صاحبه أمر معاوية وطاعته، وفي بعض النسخ (باطلهم) موضع باطل صاحبهم أي طريقتهم وطاعة سلطانهم وراعي القوم من ولي أمرهم اسم فاعل من رعیته إذا حفظته والقوم رعيته، (استنفرتُكُمْ للجهادِ فلمْ تنفرُوا، وأسمعتكمْ فلمْ تسمعُوا، ودعوتكُمْ سِراً وجَهراً فلمْ تستجيبُوا، ونصحتُ لكمْ فلمْ تقبلُوا. شهودٌ كغيابِ، وعبيدٌ كأربابِ) الاستنفار الاستنجاد والاستنصار، ونفر کضرب كما في النسخ، وفي لغته كنصر، ونفر الى الشيء إذا أسرع ودعوتهم سراً دعوة كلّ لا بمحضر أصحابه على رؤوس الاشهاد، والنصيحة ارادة الخير للمنصوح له، وشهده کسمعه حضر فهو شاهد والجمع شهود وشهد والهمزة غير موجودة، وفي بعض النسخ وكونهم کالغياب لعدم السماع والانتفاع، وكونهم عبيدا؛ لأنَّ شأنَّ الرعية الطاعة

ص: 14


1- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 58
2- (باطلهم) في: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 55
3- (وإبطائكم عن حقي) في شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: 57، في شرح نهج البلاغة، صبحي الصالح: 177

والانقياد وهم کالأرباب في الاستكبار وترك الطاعة والرب المالك والسّيد، وقال بعض الشارحين: يريد أنَّ أخلاقهم أخلاق العبيد من الخلاف، ودناءة الأنفس، وفيهم مع ذلك كبر السادات، والأرباب وتيههم، فقد جمعوا خصال السوء كلها(1)، (أتلُوا عليكمُ الحكمَ فتنفرونَ منهَا، وأعظكمْ بالموعظةِ البالغةِ فتتفرَّقونَ عنهَا، وأحثكُمْ عَلى جهادِ أهلِ البَغي فمَا آتِى عى آخرِ قولِي حتَّى أراكمْ متفرقینَ أيادِي سَبَا. ترجعونَ الى مجالسكمْ، وتتخادعون عنْ مواعظكُم) في بعض النسخ (الحكمة) بإفراد اللفظ، والمراد بالحكمة الكلام النافع لهم في معاشهم ومعادهم وكل كلام حق، والوعظ النصح والتذكير بالعواقب والبالغة الجيدة الكافية لأهلها، والحث الحضّ(2)و (التحريض)(3)، و(4)البغي الظلم والعدول عن الحق، والمراد بأهل البغي أهل الشام، وأيادي سبا وكذلك [...](5)(أيدي سبا)(6)مثل يضرب للمتفرقين وهما اسمان جعلا [اسماً](7) واحداً مثل: معدی کرب ولا يقع إلاَّ حالًا ذكره الجوهري(8)، وسبأ في الأصل أبو عرب اليمن كلها وهو ابن يشجب(9)بن يعرب بن قحطان

ص: 15


1- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 61
2- (الخص) في أ، تصحيف
3- (التحريص) في أ، ث، ح، ر، ع، م، تحريف، والصواب ما اثبتناه
4- (أو) في أ، ع
5- [و] زائدة في أ
6- مجمع الأمثال: 1 / 287
7- [اسمًا] زيادة يقتضيها السياق
8- ينظر: الصحاح، مادة (سبي): 9 / 2371
9- (بشحب) في ث، وفي ع: (يشحب)، تصحيف

[وهو](1)في الأصل مهموز يصرف ولا يصرف وتسمى به القبيلة والبلد، وروي انَّه سئل رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن سبأ أرجل أم امرأة، فقال: هو رجل من العرب ولد عشرة / ظ 130 / يتأمن منهم ستة، وتشأم منهم أربعة فأما الذّين تيامنوا فالأزد وكندة ومذحج والأشعرون وانمار وحمير(2)، فقال رجل من القوم: ما أنمار؟ فقال الذّين منهم خثعم وبجيلة وأما الذّين تشأموا فعاملة وجذام ولخم وغسان وقد تفرق أولاد الرّجل أشد تفرق فيضرب بهم المثل كما قال عزّ وجلّ: «فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ»(3)، وقصة تفرقهم مذكورة في مجمع البيان(4) وغيره، وقال الشيخ الرضي: (الأيدي كناية عن الأبناء والأسرة؛ لأنهم في التقوى والبطش بهم بمنزلة الأيدي، ويجوز أن يكون في الأصل انتصابه على الحال على حذف المضاف، وهو (مثل) ويجوز أن يكون (على)(5)المصدر والتقدير: مثل تفرق أيدي سبا والزم ياء (أيدي) السكون، وسکن همزة سبأ، ثم قلبت الفاً، وقد يستعمل: أيدي سبأ بالتنوين، فيكون أيدي، وأيادي مضافين الى سبأ، لكن يلزم سکون یائهما(6)وقلب همزة سبأ)(7)، وقال بعض الشارحين(8): (تخادعون)(9)

ص: 16


1- [وهو] ساقطة من ح
2- (خمیر) في أ
3- سبأ / 19
4- ينظر: مجمع البيان: 8 / 209
5- (على) خرم في ح
6- (بائهما) في ث، م، تصحیف
7- ينظر: شرح الرضي على الكافية: 3 / 141، 142
8- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 61
9- (تخادعون) طمس في ح

عن مواعظكم أي تمسكون عن الاتعاظ والانزجار، وتقلعون عن ذلك من قولهم كاد فلان أن يعطي ثم خدع (أي أمسك(1)وأقلع ويجوز أن يريد تتلونون وتختلفون في قبول الموعظة، من قولهم: خلق فلان خلق خادع، أي متلوّن (وسوق)(2)خادعة أي مختلفة متلونة، ولا يجوز أن يراد باللفظة المعنى المشهور منها؛ لأنَّه إنَّما يقال: فلان يتخادع(3)لفلان، (إذا كان)(4)يريه انَّه منخدع له وليس بمنخدع في الحقيقية، وهذا لا يطابق معنى الكلام. انتهى، وفيه تأمل، وقال بعضهم: لما كانت)(5)المخادعة)(6)هي الاستغفال عن المصلحة، قال يتخادعون: أي أنهم إذا رجعوا عن مجلس وعظه أخذ كل منهم يستغفل (صاحبه)(7)عن تذكر الموعظة ويشغله(8)بغير ذلك من الأحاديث وإن لم يكن عن قصد خداع بل (تقع)(9)منهم صورة المخادعة(10)(ولعله)(11)، يمكن أن يكون المراد إذا رأى أحد من صاحبه الميل الى قبول الموعظة والرغبة الى الجهاد ختله وصرفه (عن عزمه)(12)بالخديعة من المعنى

ص: 17


1- (أي أمسك) طمس في ح
2- (وسوق) طمس في ح
3- (ينخادع) في أ، ر، وفي ع: (يخادع)
4- (إذا كان) طمس في ح
5- (كانت) طمس في ح، وفي أ: (كان)
6- (المخادعة) طمس في ح
7- (صاحبه) طمس في ح
8- (تشغله) في م، تصحيف
9- (يقع) في أ، ث، ح، تصحیف، وفي ر: (نقع)
10- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 313
11- (ولعله) طمس في ح
12- (عن عزمه) طمس في ح

المشهور وهو الختل وارادة المكروه بالغير من حيث لا يعلم والله تعالى يعلم (أقوِّمكمْ(1)(غدوةً)(2)وترجعونَ إلَّي عشيةً؛ كظهرِ الحنيةِ(3)عجزَ المُقوِّمُ، وأعضلَ المُقوَّمُ) قومت الشيء أي عدلته فهو قویم (ومستقیم)(4)، والغُدوة بالضم ما بين صلاة الصبح وطلوع الشمس، والعشي والعشية من صلاة المغرب الى (صلاة)(5)العتمة، وقيل: آخر النهار، وقيل: من زوال الشمس الى الصباح، والحنية على فعيلة (القوس)(6)، والحني القسي (وحناه)(7)يحنيه أي عطفه، ويحنوء(8)لغة، وأعضل الأمر، وأعضل بي على صيغة المعلوم إذا اشتد، ومنه قول عمر: (أعوذ بالله من كل (معضلة)(9)وليس لها أبو حسن)، وقول معاوية وقد جاءته مسألة مشكلة: (معضلة ولا أبا حسن) ذكرهما في النهاية(10). ([أيهَّا](11)[القومُ](12)الشاهدةُ أبدانهمْ، الغائبةُ عنهمْ عقولهمْ، المختلفةُ أهواؤهمْ، المبتلى بهمْ أمراؤهُم، صاحبكمْ (يطيعُ)(13)اللهَ

ص: 18


1- (اقدمكم) في ث، تحریف
2- (غدوه) طمس في ح
3- (الجنة) في ر، تحریف
4- (والمستقيم) طمس في ح
5- (صلاة) طمس في ح
6- العين، مادة (حنو): 3 / 302
7- (وحناه) طمس في ح
8- (يحنوه) في أ، ح، ع، تحریف
9- (معضلة) طمس في ح
10- ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر: 3 / 254، وفيه: (... وليس لها أبو حسن)
11- [أيها] ساقطة من ث، طمس في ح
12- [القوم] ساقطة من أ، ث، ح، ر، ع، م
13- (يطيع) طمس في ح

وأنتمْ تعصونَهُ، وصاحبُ أهلَ الشامِ يعصي اللهَ وهمْ يطيعونَهُ، لوددتُ واللهِ أنَّ معاويةَ صارفني (بكمْ صرفَ)(1)الدنيا بالدرهمْ، فأخذَ منِّي عشرةٍ منكمْ وأعطانِي رجلاً منهمْ)، الشهود الحضور وغيبه عقولهم تركهم (العمل)(2)بما يقتضيه عقولهم لو خلوها وطباعها أو انطفاء نورها باتباع الأهواء والشهوات فعبر عن الوجود (بالقوة بالغيبة)(3)و(4)الغيبة عبارة عن العدم، والهوى ارادة النفس وميلها الى شيء، وصرفت الذهب بالدراهم أي بعته، وقيل: (الصرف فضّلَّ)(5)الدرهم على الدرهم في الجودة، واسم الفاعل صيرفي وصيرف وصراف للمبالغة.

(يا أهلَ الكوفةِ منيتُ (منكمْ بثلاثٍ)(6)واثنتیِنِ، صمٌّ ذَوُو اسماعٍ، وبكمٌ ذوو كلامٍ، وعمىٌ ذوو أبصارٍ، لا أحرارُ صدقٍ عندَ (اللِّقاءِ)(7)، ولَا إخوانُ ثقةٍ عندَ البلاءِ، تَرِبَتْ(8)أيديكمْ! يا أشباهَ الإبلِ، غابَ عنهَا رعاتَهُا! كُلُّما جمُعتْ من جانبٍ (تفرقتْ)(9)من آخرَ) مني فلان بكذا على صيغة المجهول أي / و131 / ابتلى به، ولكذا أي وفق وتفريق الخصال الثلاث لشدة (التناسب

ص: 19


1- (بکم صرف) طمس في ح
2- (العمل) طمس في ح
3- (بالقوة بالغيبة) طمس في ح
4- (و) في أ، ث، ح، ع، م
5- (الصرف فضل) طمس في ح
6- (منکم بثلاث) طمس في ح
7- (اللقاء) طمس في ح
8- (برثت) في أ، ع، تحریف
9- (تفرقت) طمس في ح

بینها)(1)، أو لأنها ايجابية على ما ذكره بعض الشارحین(2)وصممهم عدم استماعهم(3)الى الحق وعدم انتفاعهم بسماعه فكأنهم فاقد (الاله)(4)، وكذلك البكم والعمى والحُر بالضم خلاف العبد، والخيار من كل شيء والصِدق بالكسر الشدة، يقال: هو رجل صدق (وصديق)(5)صدق مضافين وكذلك امرأة صدق وحمار شدید، ولعله مأخوذ(6)من الصدق خلاف الكذب، كأنه صادق في (الرجولية)(7)والصداقة ونحوهما، والمراد باللقاء ملاقاة الأحباب أو لقاء العدو على ما حمله بعض الشارحين(8)، ووثق به (کورث)(9)ثقة وموثقاً ائتمنه، وترب الرجل كتعب أي افتقر كأنَّه لصق بالتراب وتربت يداك أي لا أصبت خيراً وكأنَّه دعاء (على)(10)المخاطب بالفقر والخسران حتی لا يكون في (يده)(11)إلَّا التراب وهو على الدعاء على ما ذكره الجوهري، وقال في النهاية: هذه الكلمة جارية على ألسنة العرب، لا يريدون بها الدعاء على المخاطب، ولا وقوع الأمر بها كما يقولون: قاتله الله، وقيل: معناه: لله

ص: 20


1- (التناسب بينها) طمس في ح
2- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 62
3- (اسماعهم) في م، تحریف
4- (الاله) طمس في ح
5- (صدیق) طمس في ح
6- (مأخود) في م، تصحيف
7- (الرجولية) طمس في ح
8- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 2 / 407
9- (کورث) طمس في ح
10- (على) طمس في ح
11- (بده) في ح، ر، تصحيف

درك)(1)، قال: (وكثيراً (ترد)(2)للعرب ألفاظ ظاهرها الذم، وإنَّما يريدون بها المدح كقولهم: لا أب لك ولا أم (لك)(3)وهوت أمه، ولا أرض لك ونحو ذلك)(4)، والأنسب بالمقام الدعاء وإن كان للمدح على وجه التلطف وجه (ورعاتها)(5)أي المواظبون عليها العارفون بشأنها فكلما جمعها غيرهم من جانب تفرقت من آخر لعدم انقيادها لهم، ((والله)(6)لكأني بكم فيما أخال أن لو حَمِسَ الوغى، وحمى الضرابُ، قد انفرجتم عن ابن أبي طالب انفراج المرأة عن قُبُلها، (إني)(7)لعلى بينةٍ من ربي، ومنهاج من نبيي، وإني لعلى الطريق الواضح ألقُطُهُ لَقَطاً) كأن هاهنا للتقريب، قال المطرزي(8)في قولهم: كأني بك تنحط الأصل، كأني أبصرك تنحط، ثم حذف الفعل وزيدت الباء، ويحتمل

ص: 21


1- ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر: 1 / 184، وفيه: (... ولا وقوع الامر به...)
2- (یرد) في أ، ث، ح، ر، ع، م، تصحيف، والصواب ما أثبتناه
3- (لك) طمس في ح
4- النهاية في غريب الحديث والأثر: 1 / 184، 185
5- (ورعاتها) طمس في ح
6- (والله) طمس في ح
7- (أني) طمس في ح
8- ناصر بن عبد السيد بن علي المطرزي الخوارزمي، يكنى أبا الفتح ولد في جرجانية خوارزم، سنة (538 ه)، أديب نحوي عالم باللغة من فقهاء الحنفية، وشيخ المعتزلة، دخل بغداد حاجاً سنة (601 ه)، من مؤلفاته: الايضاح في شرح مقامات الحريري، والمصباح في النحو، والمغرب في ترتيب المعرب، ومختصر اصلاح المنطق لابن السكيت، والاقناع في اللغة، توفي في خوارزم سنة (610 ه)، ورُثِي بأكثر من ثلاثمائة قصيدة. ينظر: وفيات الاعيان: 5 / 369، 370، وسير أعلام النبلاء: 22 / 28، وفوات الوفيات: 2 / 541، وكشف الظنون: 2 / 1747، معجم المؤلفين: 13 / 71، والاعلام: 7 / 348

أن يكون (الباء)(1)[متعلق بملتصق ونحوه نحو به داء أو بمعنى في وحاصل المعنى اعلم تلك الحالة الاتية فيكم كمن شاهدها وعاينها](2)وخال الشيء يخال أي ظنه، وتقول: خِلت أخال بالكسر وهو أفصح وأكثر استعمالاً(3)، وأخَال بالفتح وهو القياس، ولغة بنى أسد(4)في النسخ وما مصدرية أي في ظني (وحَمِسَ)(5)كفرح أي (اشتد)(6)، والوغى (الصوت والجلبة)(7)، ويقال للحرب: وغي لما فيها من الأصوات والأواغي، وحمي النهار (والتنور)(8)كرضي أشتدّ حرهما، والضراب المضاربة بالسيف وأنفراجهم تفرقهم، والقُبل والقُبُل بضم وبضمتين نقيض (الدبر)(9)، قال بعض الشارحين: (تسليم المرأة لقبلها وانفراجها عنه وقت الولادة أو وقت الطَّعان)(10)والأظهر الأوَّل (و)(11)التشبيه في العجز والدناءة والغرض ارجاع(12)القوم الى الانفة والحمية وبينة الرّبّ آياته وحججه التامة الواضحة الفاصلة بين

ص: 22


1- (الباء) طمس في ح
2- [متعلق بملتصق ونحوه نحو به داء أو بمعنى في وحاصل المعنى اعلم تلك الحالة الاتية فيكم كمن شاهدها وعاينها] بياض في ح
3- (وحمس) طمس في ح
4- ينظر: لسان العرب، مادة (خال): 11 / 226
5- ينظر: لسان العرب، مادة (خال): 11 / 226
6- المصدر نفسه، مادة (حمس): 6 / 57
7- الصحاح، مادة (وغي): 6 / 2526
8- (والتنور) طمس في ح
9- (الدبر) طمس في ح
10- شرح نهج البلاغة، ابن ميثم البحراني: 2 / 407
11- (و) طمس في ح
12- (ارحاء) في ع، تصحيف

الحق والباطل، والمنهاج وكذلك المنهج الطريق الواضح، ومنهاج النبي سنته وملته البيضاء(1)(و)(2)التنوين في البينة، والمنهاج للتعظيم، ولعل التعظيم يفيد شدة وضوح الحق عنده وكونه على يقين والغرض (من الكلام)(3)تنبيههم على الخطأ وفي تفرجهم وعدم انقيادهم له (عليه السَّلام)، ولقطه كنصره أخذه من الأرض ولعلَّ الغرض التنبيه على غلبة طرق الضلال وإنه يحتاج الاهتداء الى طريق الحق الى الاجتهاد والاهتمام حتى يتميز منهاج الحق عن طرق الضلال المتكثرة المتشتتة. وقال بعض الشارحين: يريد أنه يلتقط طريق الهدى من بين طرق الضلال كما يسلك الانسان طريقاً دقيقة، قد اكتنفتها الشوك والعوسج من جانبيها(4) كليهما، فهو يلتقط المنهج التقاطاً(5)، وفيه شيء.

(أنظرُوا أهلَ بيتِ نبيكمْ فالزمُوا سمتهمْ، واتبعُوا أثرهمْ، فلنْ يخرجوكمْ منْ هدًى، ولنْ يعيدوكمْ فِي ردىً، فإنْ لبدُوا فالبُدوا، وإنْ نهضُوا فانهضُوا، ولاَ

تسبقوهمْ فتضلُّوا، ولاَ تتأخرُوا عنهمْ فتهلكُوا.)(نظره)(6)كنصره ونظر اليه أي تأمله بعينه وهو على تشبيه المعقول بالمحسوس / ظ 131 / ،أو المراد باللفظ

ص: 23


1- (البصاء) في م، تحريف
2- (و) طمس في ح
3- (من الكلام) طمس في ح
4- (حانبيها) في م، تصحيف
5- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 62
6- (نطره) في أ، ث، ر، ن، تصحيف

النظر(1)بعين القلب، ولزمه كعلمه إذا لم يفارقه، والسمت (الطريق)(2)وهيئة أهل الخير وأثر الشيء بقيته وعلامته ومنه أثر المشي في الأرض واتباع الأثر الاقتداء والطاعة والفاء للتعليل، والردى الهلاك والتعبير بالإعادة لأنَّ القوم كانوا في ضلالة، أو لأنَّ الضلالة مقتضى النفس، والهوى وفي الكلام تعريض بغير أهل البيت (عليهم السلام)، ولبد بالمكان كنصر إذا لزمه وأقام به، ومنه اللبد ككتف، وصرد لمن لا يبرح منزله ولا يطلب معاشاً، ونهض كمنع نهوضاً أي قام والمراد باللبود والنهوض القعود عن طلب الخلافة والقيام به على ما ذكره بعض الشارحين(3)أو الاعم والمراد بأهل البيت الائمة المعصومين (عليهم السلام) الذي أوصى الرسول (صلى الله عليه واله) بالتمسك بهم في حديث الثقلين وغيره والسبق عليهم طلب الخلافة لهم بغير أمرهم أو ارتكاب كل بدعة والتأخر عنهم مخالفة أمرهم وترك الاقتداء بهم وشأن المتقدم على الدليل في الأسفار الضلال كما أن عاقبة المتأخر عن القوم الهلاك بأيدي اللصوص وغير ذلك، (لقدْ رأيتُ أصحابَ محمدٍ (صلَّى اللهُ عليهِ واله) فمَا أرَى أحداً يشبههمْ(4)، لقدْ كانُوا يصبحونَ(5)شعثاً غبراً؛ قدْ(6)باتُوا سجداً وقياماً، يراوحونَ بینَ جباههمْ وخدودهِمْ، ويقفونَ عَلَى مثلِ الجمْر منْ ذكرِ

ص: 24


1- (النظر) في أ، تصحيف
2- القاموس المحيط، مادة (سمت): 1 / 150
3- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن ميثم البحراني: 2 / 408
4- (يشبههم منكم) في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 62، نهج البلاغة، تحقيق: صبحي الصالح: 178
5- (يصيحون) في ع، تحريف
6- (وقد) في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 62، نهج البلاغة، تحقيق: صبحي الصالح: 178

معادهمْ، كأنَّ بینَ أعينهمْ ركبَ المعزَى، منْ طولِ سجودهمْ) اشبهه وشابهه أي ماثلة، والأشعث الذي تشتت أمره وتفرق(1)، والأغبر الذي أشبه لونه لون الغبار،(2)والغبر بالتحريك (الأرض)(3)وكونهم شعثاً غبراً أما لفقرهم فيكون مدحاً لهم بالصبر على الفقر، أو لتركهم زينة الدنيا ولذاتها على ما ذكره بعض الشارحين(4) وينبغي التقييد بعدم القدرة أو التخصيص ببعض الأفراد أو لقشف العبادة وقيام الليل وصوم النهار وهجر الملاذ فتكون(5)الغبرة كناية عن صفرة اللون والأظهر الأول، وفي الحديث: ((رب أشعث أغبر ذي طمرين لايُؤبَهُ لهُ، لو أقسم على الله لأبرَّه))(6)ومن(7)أدركه الليل فقد(8)بات نام أو لم ينم، والسجد جمع ساجد كالقيام جمع قائم أو القيام مصدر أجرى مجراه، والتخصيص بالليل لكون العبادة فيه أحمز(9)وأبعد من الرئاء، والمراوحة بين (الجبهة)(10)والخد وضع كل على الأرض تارة حتى يستريح الآخر وكأنه يستريح وليس الغرض الاستراحة وذلك في سجدة الشكر، وإن كان وضع

ص: 25


1- ينظر: تاج العروس، مادة (شعث): 3 / 225
2- (العبر) في ع، تصحيف
3- تاج العروس، مادة (غبر): 7 / 288
4- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن ميثم البحراني: 2 / 408
5- (فيكون) في أ، ث، ر، ع، م، تصحيف، والصواب ما اثبتناه
6- المبسوط، السرخسي: 9 / 92، والنهاية في غريب الحديث والاثر: 5 / 147
7- (من) في ن، تحريف
8- (لقد) في ع، تحريف
9- (أخمز) في أ، وفي ث: (أحمد)، وفي ع: (أحمز)، وفي ر، م، ن: (أخمر)، تصحيف
10- (الجهة) في أ، ر، ن، تحريف

الجبهة(1)شاملًا لسجود الصلاة، والجمر بالفتح جمع جمرة بالتاء وهي النار المتقدة، ووقوفهم على مثل الجمر قلقهم واضطرابهم من خوف المعاد وعذاب النار، والمِعزى بكسر الميم خلاف الضأن من الغنم كالمعز والمراد بين أعينهم (جباههم)(2)العلاقة المجاورة أو الموضع حقيقة للإرغام به في السجود والأول أظهر (إذا ذكرَ اللهُ هملتْ أعينهمْ حتَّى تبلَّ جيوبهمْ، ومادُوا كمَا يميدُ(3)الشجرُ يومَ الريحِ العاصفِ، خوفاً منْ العقابِ، ورجاءً للثوابِ) هملت كضربت ونصرت أي سالت وفاضت(4)، وهملت السماء إذا دام مطرها في سكون(5)، والبِلة(6)بالكسر (النداوة)(7)، ويقال: بله بالماء كمد بلًا وبله، وجيب القميص ونحوه بالفتح طوقة، ومادوا أي تحركوا واضطربوا والشجر كل ماله ساق صلب يقوم به على الأرض كالنخل ونحوه والواحدة شجرة، والفعل مؤنث في كثير من النسخ، والريح العاصف والعاصفة الشديدة، وخوفاً أما مفعول له لقوله (عليه السلام) مادوا فقط فيكون سيلان العين للحب والشوق أو للفعلين جميعاً أو للجميع على بعد، ولعل فيه منافرة للإخلاص الكامل وقد تقدم الكلام في ذلك في شرح الخطبة الغراء.

ص: 26


1- (الجبهة) في ن، تصحيف
2- (حباههم) في أ، ر، ن، تصحيف
3- (تميد) في أ، ر، ع، م، ن، والانسب ما اثبتناه
4- ينظر: لسان العرب، مادة (همل): 11 / 710
5- ينظر: لسان العرب، مادة (همل): 11 / 710
6- (بالبلة) في م، تحريف
7- القاموس المحيط، مادة (بلل): 3 / 337

[ومن كلام له (علیه السلام)]

(واللهِ لاَيزالونَ حتَّى لاَ يدعُوا للهِ(1)محرماً إلاَّ استحلوهُ، وَلا عقداً إلاَّ حلوُه، وحتَّى لاَ يبقَى بيتُ مدرٍ ولاَ وبرٍ إلاَّ دخلهُ ظلمهمْ، ونبا بِهِ سوءُ رعتهمْ) الكلام في شرح حال بني أمية، وقال بعض الشارحين: تقدير الكلام: لايزالون / و132 / ظالمين، فحذف الخبر، وسدت (حتى) وما بعدها مسد الخبر، ولا يصح ما ذهب اليه بعض المفسرين من أن (زال) بمعنى تحرك وانتقل، فلا تكون(2)محتاجه الى الخبر بل تكون(3)تامة؛ لأنَّ تلك مستقبلها بالواو، ولا (تكون)(4)بالألف إلا ناقصة(5)، وحكى في القاموس عن أبي علي ((زال يزول ويزال قليلة))(6)، ولعل الأظهر على التقدير الأول تقدير مسلطين ونحو ذلك فيكون الكلام أخباراً ببقاء ملكهم الى أوان تحقق الأمور الآتية، وعلى ما ذكره يكون بياناً لغاية ظلمهم، والمحارم كل ما حرمه الله، وفي بعض النسخ (مُّحرماً) بضم الميم والتشديد ولا يدعو الله أي لا يتركوا، ويحتمل تعلق الظرف(7)بالمحرم، والمراد بالعقد ما أسسه الشرع لينتظم به أمر الخلق في معاشهم ومعادهم، والمدر بالتحريك (قطع الطين اليابس)(8)،

ص: 27


1- (الله) في م
2- (يكون) في أ، ث، ع، ر، م، تصحيف، والصواب ما اثبتناه
3- (يكون) في أ، ث، ع، ر، م، تصحيف، والصواب ما اثبتناه
4- (يكون) في أ، ث، ع، ر، م، تصحيف، والصواب ما اثبتناه
5- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 64
6- القاموس المحيط، مادة (زال): 3 / 391
7- (الطرف) في أ، ن، تصحيف
8- لسان العرب، مادة (مدر): 5 / 162

وقيل: (العلك الذي لا رمل فيه)(1)، والعرب تسمي القرية مدره لأنَّ بنيانها غالباً من المدر، وفلان سيد مدرته أي قريته، والوَّبر بالتحريك للإبل كالصوف للغنم، والشعر للمعز والمراد شمول بغيهم لأهل البدو والحضر، ونبا(2)الشيء ينبو نبوّا أي بعد(3)، ونبا(4)الطبع عن الشيء نفر ونبا بفلان منزله إذا لم يوافقه وكذلك فراشه، والرِعة بكسر الراء اسم من قولك ورع الرّجل كورث ووجل، وراعته بالكسر وورعاً بالفتح وورعاً بالتحريك أي اتقى تقوى(5)، وسوء الرعة كناية عن ظلمهم، وفي بعض النسخ سوء رعيهم مصدر قولك رعاه(6)إذا حفظه، ومنه قيل للأمير والحاكم راعٍ لقيامه بتدبير الناس وسياستهم وهم رعيته ولعله أوضح.

(وحتَّى يقومَ الباكيانِ يبكيانِ: باكٍ يبكِي لدينهِ، وباكٍ يبكِي لدنياهُ، وحتَّى تكونَ نصرةُ أحدكمْ منْ أحدهمِ كنصرةِ العبدِ منْ سيدهِ، إذا شهدَ أطاعهُ، وإذا غابَ اغتابهُ(7)قيام الباكين لعموم ضررهم وشموله لدين الناس ودنياهم، والنصرة الاسم من قولك: نصره على عدوه، ونصرة أحدكم أيانتصاره وانتقامه، وقد تقدم قوله (عليه السلام) حتى لا يكون انتصار أحدكم منهم إلا مثل انتصار العبد من ربه، والغرض عدم القدرة

ص: 28


1- المصدر نفسه، مادة (مدر): 5 / 162
2- (بناء) في أ
3- ينظر: تاج العروس، مادة (نبو): 20 / 215
4- (بنا) في أ، تصحيف
5- ينظر: المصدر نفسه، مادة (ورع): 11 / 505
6- (رعاء) في م، تحريف
7- (اعتابه) في: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 64

على الانتقام إلاَّ بالاغتياب في المغيب، وقيل: المصدر مضاف الى المفعول في الموضعين، وتقدير الكلام: حتى تكون(1) نصرة أحد هؤلاء الولاة لأحدكم كنصرة العبد الشيء(2)الطريقة والمضاف محذوف في الموضوعين أي من جانب أحدهم ومن جانب سيده وفيه ما فيه، والاغتياب ذكر المرء بما يسوءه (وحتَّى يكونَ أعظمكمْ فيهَا عناءً(3)أحسنكمْ بالله ظناً، فإنَّ أتاكمُ اللهُ بعافيةٍ فاقبلُوا، وإنِ ابتليتمْ فاصبرُوا، فإنَّ العاقبةِ للمتقینَ) أعظمكم بالرفع في بعض النسخ، وفي بعضها بالنصب ورفع أحسنكم وهو أظهر، والضمير المؤنث راجع الى الدولة، أو الفتنة المفهومة من الكلام، والعناء التعب، والباء في بعافية للتعدية أي أتاكم عافية وقبولها الشكر عليها، والابتلاء في الأصل الامتحان والاختبار(4)، يقال: بلوته وابليته وابتليته، وعاقبة كل شيء آخره، والعاقبة للمتقين أي العاقبة الحسنة، أو المراد مطلق العاقبة، فإن ماله عاقبه سيئة كأنَّه منقطع من وسطه، والتقوى الاسم من قولك: اتقيت الشيء أي حذرته، وقال الله عز وجل: «إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ»(5)، وفي التعليل في كلامه (عليه السلام) دلالة على أنَّ الصبر على البلاء هو الركن الأعظم من أركان التقوى والله الموفق.

ص: 29


1- (يكون) في أ، ر، ن، تصحيف
2- (الشيء) في ث، ر، م، تصحيف
3- (غناءً) في: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 64
4- ينظر: لسان العرب، مادة (بلا): 14 / 84، وفي ث: (الاختيار) تصحيف
5- يوسف / 90

[ومن خطبة له (علیه السلام)]:

(نحمدهُ علَى مَا كانَ، ونستعينهُ منْ أمرنَا علَى مَا يكونُ، ونسألهُ المعافاةَ فِي الأديانِ، كمَا نسألهُ المعافاةَ(1)فِي الأبدانِ) المراد بالحمد هو الشكر والتخصيص؛ لأنَّ الشكر مترتب على الوقوع كما أن طلب العون يكون لما يكون، والعافية دفاع(2)الله عن العبد والسلامة، وعافاه الله من المكروه معافاة وعافية أي وهب له العافية من العلل والبلايا، / 132 / وقيل: المعافاة أن يعافيك الله تعالى من الناس ويعافيهم منك، والتشبيه لشدة اهتمام الجمهور وإن كان المشبه أهم عند أولى الألباب (أوصيكمْ بالرفضِ لهذهِ الدنيَا التاركةَ لكمْ وإنْ لمْ تحبُوا تركهَا، والمبليةِ لأجسامكمْ وإنْ كنتمْ تحبونَ تجديدهَا) أوصى فلاناً، ووصاه توصية أي عهد إليه وذكره تذكيراً وأمره، والاسم الوصية والوصاية بالفتح، والرفض الترك والتاركة فاعلة للمستقبل أو شاملة للأوقات فأن زوال كل لذة ونعمة فرد من أفراد الترك والاضافة الى ضمير الدنيا من اضافة المصدر الى المفعول، أي لا تحبكم الدنيا مع حبكم إياها، ولا يعاملكم بما يقتضيه حبكم إياها، أو الى الفاعل، أي يترككم البتة وإن كنتم كارهين ولا يبالي بسخطكم ولاريب أن الأحرى ترك محبوب شأنه ذلك، وقال بعض الشارحين: من أكبر المصالح ترك محبوب لابد من مفارقته تركاً باستدراج النفس واستغفالها كيلا يقدحها(3)مفارقته دفعه مع تمكن محبته

ص: 30


1- (المعاة) في م، تحريف
2- (فادع) في ر، م، تحريف
3- (يفدحها) في أ، ث، ع، تصحيف

من جوهرها فيبقی کمن نقل الى موضع(1)ظلماني شديد(2)الظلمة(3)وبِلي الثوب کرضي بِلي بالكسر والقصر وبلاء بالفتح والمد خلق وأبلاه اخلقه والابلاء(4)في القبر وبعد الموت أو شامل لتوابع(5)الامراض والهرم وكرور الايام، وفي بعض النسخ لأجسادكم والاضافة في تجديدها کترکها (فإنَّما مثلكمْ ومثلهَا كسفرٍ سلكُوا سبيلاً، فكأنَّهم قدْ قطعوُه، وأمُّوا علماً فكأنهمْ قدْ بلغوُه. وكمْ عسّى المجرِى الى الغايةِ أنْ يجريَ اليهَا حتَّى يبلغهَا! ومَا عسَى

أنْ يكونَ بقاءُ منْ لهُ يومٍ لا يعدوُهُ، وطالبٌ حثيثٌ يحدوهُ(6)فِي الدنيا(7)حتَّى يفارقها(8)) الفاء للتعليل وما بعدها علة لكون الدنيا تارکه لهم وحقيقاً بالرفض، وفي بعض النسخ (وإنما) بالواو، والمثل بالتحريك في الأصل بمعنی النظير، ثم استعير لكل صفة وحال أو قصة لها غرابة وشأن، والسَفر بالفتح جمع سافر کرکب وراكب، والغرض تشبیه حالهم بالمسافرين وحال الدنيا بالسبيل في قرب انقضاء السفر والوصول الى الغاية، فكأنهم في حال كونهم غير قاطعين للسبيل قاطعون له لشدة قرب احدى الحالتين من الأخرى،

ص: 31


1- (مرضع) في ث، تحریف، وفي ر: (الموضع)
2- (لشديد) في ر
3- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 3 / 3، 4
4- (والابلاه) في ر، تحریف
5- (التوابع) في أ
6- (يحدوه ومزعج) في: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 66، ونهج البلاغة، تحقيق: صبحي الصالح: 180
7- (في الدنيا عن الدنيا) في: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 66
8- (يفارقها رغمًا) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 66، ونهج البلاغة، تحقيق: صبحي الصالح: 180

وأموا أي قصدوا، والعلم بالتحريك المنار والجبل في الطريق يهتدي به، وكم عسى وما عسی استفهام في معنى التحقير لمدة الجري والبقاء والغاية نهاية السير، واجراء الفرس ارساله وحمله على السير، وعدا الأمر وعنه أي جاوزه وتركه، والحثيث المسرع الحريص(1)والطالب الحثيث هو الموت وأسبابه، وحدوته(2) على السير أي حثثته وبعثته عليه ومنه الحداء للغناء المعروف للإبل (فلاَ تنافسُوا فِي عزِّ الدنيَا وفخرهَا، ولاَ تعجبُوا بزينتهَا ونعيمهَا، ولا تجزعُوا منْ ضرائهَا وبؤسهَا، فإنَّ عزَّها وفخرَها(3)الیَ انقطاعٍ، [وإن](4)زينتهَا ونعيمهَا الَی زوالٍ وضراءهَا وبؤسهَا الى نفادٍ، وكلُّ مدةٍ فيهَا الَی انتهاءٍ، وكلُّ

حيٍّ فيهَا الَی فناءٍ) المنافسة الرغبة في الشيء والانفراد به لنفاسته وجودته في نوعه ومن لوازم المنافسة المحاسدة والمباغظة، وفي بعض النسخ (تَنَافَسوا) على صيغة التفاعل، وحاصل المعنى واحد، وعجب بالشيء كعلم إذا عظم موقعه عنده وعده عجيباً، والجَزَعُ محركة نقيض الصبر، والضراء الحالة التي تضر، وهي نقيض السراء التي تسر وهما بناءان للمؤنث ولا مذكر لهما(5)ويراد بالضراء الزمان والشدة(6)، وكل ضرر في الأموال والأنفس وبئس الرجل کسمع بُؤساً بالضم إذا اشتدت حاجته ومتعلق الظروف راجع وائل ونحو ذلك، والنفاد الفناء والذهاب، يقال: نفد کسمع، (أوَ ليسَ لكمْ فِي آثارِ الأولينَ

ص: 32


1- ينظر: معجم مقاییس اللغة، مادة (حث): 2 / 29
2- (وحدوته) في ح، ع، ن تصحيف
3- (فخرها وعزها) في م
4- [وإن] غير موجوده في من شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 66
5- ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر: 3 / 82
6- ينظر: لسان العرب، مادة (ضرر): 4 / 483

مزدجرٌ، وفِي آبائكمُ الماضيين(1)تبصرةٌ(2)ومعتبرٌ؛ إنْ كنتمْ تعقلونَ! أوَلْم ترُوا الى

الماضيینَ منكمْ لاَ يرجعونَ، والَی الخلفِ الباقي(3)لَا يبقونَ!)الأثر محركة بقية الشيء(4)وعلامته، و133 / ونقل الحديث والأثر على صيغة الفاعل المخبر، والمقام يحتمل الوجوه، والزجر المنع والنهي يقال: زجره وازدجره فأنزجر وازدجر والمزدجر[...](5)يحتمل المكان والمصدر، والكلمة غير موجودة في كثير من النسخ فالخبر تبصره ومعتبر، والتبصرة مصدر بصره تبصيراً، أي جعله بصيراً، وعرفه وأوضحه، والمعتبر يحتمل المكان أي موضع الاعتبار والمصدر وهو أنسب والاعتبار الاتعاظ قال الله تعالى: «فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ»(6)، والعبرة اسم منه، قال الخليل: العبرة والاعتبار بما مضى(7)أي التذكر والاتعاظ ويكون العبرة والاعتبار بمعنى الاعتداد بالشيء في ترتيب الحكم، والخَلَف بالتحريك كما في النسخ، وكذلك بالتسكين كل ((من يجيء بعد من مضى إلاَّ أنه بالتحريك في الخير(8)وبالتسكين في الشر، يقال: خلَف صدق، وخلْف سوء))(9)، وفي المقام أعم، ويكون بالتحريك بمعنى العوض

ص: 33


1- (الاولين) في: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 66
2- (نبصرة) في ر، تصحيف
3- (الباقين) في: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 66، وشرح نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح: 181
4- (السيء) في ع، تصحيف
5- [والمراد] زائدة في ر
6- الحشر / 2
7- ينظر: العين، مادة (عبر): 2 / 129
8- (الخبر) في ر، تصحيف
9- مجمع البحرین، (خلف): 5 / 52

والبدل ولا يبقون أي دائما (أوَلستمْ ترونَ أهلَ الدنْيا يمسونَ ويصبحونَ علَى

أحوالِ شتَّى: فميتٌ يُبكَى وآخر يعزَّى(1)، وصريعٌ مبتلًى، وعائدٌ يعودُ، وآخرُ بنفسهِ يجودَ، وطالبٌ للدنْيا والموتُ يطلبهُ، وغافلٌ وليسَ بمغفولِ عنهُ؛ وعلَى

أثرِ الماضِي مَايمضِيِ الباقِي!) شت الأمر كفر شتاتاً إذا تفرق وأشياء شتی [أي متفرقة وقوم شتي](2)أي [...](3)متفرقون، وبكيته(4)وبكيت عليه بمعنی والعزاء الصبر أو حسن الصبر وعزاه(5)تعزیه قال له: أحسن الله عزاك أي رزقك الصبر الحسن، وصرعه أي طرحه على الأرض، والصريع من الأغصان ما تهدل وسقط إلى الأرض، ومنه قيل للقتيل: صريع)(6)، والمراد بالصريع أما المشرف على القتل أو القتيل فيكون ابتلاؤه قبل قتله، أو المريض العاجز عن القيام، وعدت المريض أي (زرته)(7)، والفعل يفيد الاشتغال بالفعل بالعيادة وكونه مشتقاً من العود مفيداً للتكرار بعيد، ويجود فلان بنفسه إذا كان يخرجها وهي تفارقه كما يدفع الانسان ما في يده ويبذله إذا(8)جاد به وغافل أي عن الموت وما يراد به وما يصيبه من المكاره والمصائب وليس بمغفول

ص: 34


1- (يغري) في ر، تصحيف
2- [اي متفرقة وقوم شتی] ساقطة من ع
3- [وقوم شتی أي] زيادة مكررة في ر
4- (وبكيه) في أ، تحریف
5- (عزاء) في ر، تحریف
6- المصباح المنير، مادة (صرعته): 1 / 338
7- المصباح المنير، مادة (عاد): 2 / 436
8- (أي) في ر، تحریف

عنه فإن الكتبة(1)تحفظ(2)عمله والله سبحانه رقيب عليه، وفلان يمضي على أثر فلان أي يحذو حذوه كأنه يضع القدم على أثر قدمه، و(ما) في ما يمضي مصدرية، أو زائدة، والمعنى شأن الباقين في الأمور المذكورة ما شاهدتموه من أحوال الماضيين، أو المراد يذهب الباقون کما مضى من مضى وعاقبة الجميع الفناء، وقال بعض الشارحين: أي على أثر من سلف يمضي من خلف، فتزودوا فإنَّ خير الزاد التقوى)(3).

(ألاَ فاذكرُوا هادمَ(4)اللذاتِ، ومنغصَ الشهواتِ، وقاطعَ الأمنياتِ، عندَ المساورةِ للأعمالِ القبيحةِ، واستعينُوا اللهَ علَى أداءِ واجبِ حقِهِ، ومَا لاَ يحصَى منْ أعدادِ نعمهِ وإحسانِه) المراد بالذكر الاحضار في القلب، وهادم اللذات الموت، [و](5)المنغص(6)المكدر، يقال: نغص الله عليه العيش وانغص أي کدر(7)، والأمنيات والأماني جمع أمنية وهي الاسم من تمنيت الشيء أي اردته، وقيل: مأخوذ من المني وهو القدر؛ لأنَّ صاحبه يقدر حصوله، ويقال: الأماني للأحاديث التي تمنى من تمنيته أي اختلقته(8)ولا أصل له، وساوره أي واثبه(9)والمراد الإقبال اليها عن شهوة شديدة وميل قوي وواجب حق الله

ص: 35


1- (الكبته) في أ، ر. تصحيف
2- (يحفظ) في ث، ر، م، تصحیف
3- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 68، وفيه: (على أثر من سلف...)
4- (هاذم) في: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 66
5- [و] ساقطة من ث
6- (المنعص) في ر، تصحيف
7- ينظر: الصحاح، مادة (نغص): 3 / 1059
8- ينظر: تاج العروس، مادة (منو): 20 / 201، 203، 204
9- تاج العروس، مادة (سور): 6 / 552

شكره وطاعته، والظاهر أنَّ الموصول معطوف على الضمير المجرور أي حق مالا يحصى من أعداد نعمه والعطف في قوة اقامة الدليل على وجوب حق الله سبحانه على عباده، والعدد الاسم من العدوهو الإحصاء وقد مر الكلام في العد والإحصاء في شرح قوله (عليه السلام) في الخطبة الأولى (لا يحصى نعماء العادون)(1).

[ومن أخرى](2)(الحمدُ للهِ الناشِر فِي الخلقِ فضلهُ، [...](3)والباسطِ / ظ 133 / فيهمْ بالجودَيده. نحمدهُ فِي جميعِ أمورهُ، ونستعينهُ علَى رعايةِ حقوقهِ) النشر (التفريق)(4)والبسط، وفيه دلالة على تساوي نسبة الفواضل الى الخلق وإن كان يصيب كلاً منهم ما يستحقه ويستعد له، وبسط اليد كناية عن الاعطاء؛ لأن البخيل يقبض على ما في يده، وقال بعض الشارحين: (يده هاهنا نعمته، يقال لفلان: عندي يد، أي نعمة وإحسان)(5)، والأمور جمع أمر، بمعنى: الحالة، ويكون بمعنى (الحادثة)(6)، والمراد الأمور المتعلقة به سبحانه بالصدور عنه من النعم والبلايا والحمد على الجميع؛ لأنَّ فعله سبحانه لا يكون إلا جميلاً مطابقاً لمقتضى الحكمة، وأما الأمر ضد النهي فيجمع على أوامر فرقاً بينه وبين الأمر المذكور، وقال في المصباح المنير: من الائمة من يصححه، ويقول أن الأمر مأمور به، ثم حول المفعول الى

ص: 36


1- ينظر: صحيفة رقم 8
2- [ومن اخری الحمد لله الناشر في الخلق فضله] مكررة في ن
3- [ومن اخری] بياض في ث
4- تاج العروس، مادة (نشر): 7 / 525
5- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 69
6- لسان العرب، مادة (أمر): 4 / 27

فاعل، وقيل أمر عارف وأصله معروف وعيشه راضية، والأصل مرضية الى غير ذلك، ثم جمع فاعل على فواعل (فأوامر) جمع (مأمور)(1)ورعاية حقوق الله شكره وطاعته سبحانه (ونشهدُ أنْ لاَ إلهَ غیرهُ، وأنَّ محمداً عبدهُ

ورسولهُ، أرسلهُ بأمرهِ صادعاً، وبذكرهِ ناطقاً، فأدَّى أميناً، ومضَى رشيداً، وخلَفَ فينَا رايةَ الحقِّ، منْ تقدَّمهَا مرقَ، ومنْ تخلَّفَ عنهَا زهقَ، ومنْ

لزمهَا لحقَ) قيل: الصدع: (الشق)(2)و (التفريق)(3)، وقوله تعالى: «فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ»(4)، أي شق جماعتهم بالتوحيد او فرق بين الحق والباطل(5)، وقال بعض الشارحين: استعار لفظ الصادع للرسول (صلى الله عليه واله) لأنَّه شق بأمر الله بيضة الشرك وقلوب المشركين، فأخرج ما كان فيها من الكفر والجهل(6)، وقيل: أصله الإبانة والاظهار، واصدع بما تؤمر أي اجهر به من صدع بالحجة إذا تكلم به جهاراً(7)والظاهر تعلق الظرف بالصدع کما بعده بالنطق، والرشد اصابة الصواب وهو خلاف الغي والضلال، وقيل: الاستقامة على طريق الحق مع تصلب فيه، وفسر الرشيد في أسمائه سبحانه بالذي أرشد الخلق الى مصالحهم فعيل بمعنى مفعل(8)، وقيل: أي تنساق تدبيراته الى غاياتها على سنن السداد من غير اشارة مشير ولا تسديد

ص: 37


1- ينظر: المصباح المنير، مادة (الامر): 1 / 21
2- الصحاح، مادة (صدع): 3 / 1241
3- المصدر نفسه، (صدع): 3 / 1242
4- الحجر / 94
5- ينظر: المصباح المنير، مادة (صدعته): 1 / 335
6- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 3 / 7
7- ينظر: منهاج البراعة شرح نهج البلاغة، الراوندي: 2 / 412
8- ينظر: لسان العرب، مادة (رشد): 3 / 175

مسدد(1)، وخلف المسافر ثقله بالتشديد أي خلاه وراء(2)ظهره، والراية العلم والمراد براية الحق كتاب الله والعترة الطاهرة (صلوات الله عليهم أجمعين) کما يدل عليه رواية الثقلين المعروفة بين العامة والخاصة، ومرق السهم من الرمية كعقد إذا خرج من المرمي به وخرقه، والمراد خروج من تقدمها ولم يقِتد بها من الدين كما قال (صلى الله عليه واله) في الخوارج: ((إنهم يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية)) وزهق(3)الشيء كمنع بطل وهلك، وزهق الباطل أي اضمحل، ويقال: زاهق للسهم(4)الذي يقع وراء الهدف ولا يصيب، والغرض ضلال المفرط والمفرط، ولزمه كعلمه إذا لم يفارقه ولحق أي أصاب الحق. (دليلهَا مكيثُ الكلامِ، بطيءُ القيامِ، سريعٌ إذا قامَ، فإذا أنتمْ ألنتمْ لهُ رقابكمْ، وأشرتمْ إليهِ بأصابعكمْ، جاءهُ(5)الموتُ فذهبَ بهِ، فلبثتمْ

بعده ما شاء الله، حتى يطلعَ اللهُ لكمْ منْ يجمعكمْ ويضمُّ نشركمْ) الضمير راجع الى راية الحق، والمراد بالدليل نفسه (عليه السلام) وهو شجرة العترة والعالم بالكتاب وهادي الامة، والمكث (اللبث)(6)، والمكيث (الرزين)(7)، ومکيث الكلام الذي لا يبادر القول ولا يتكلم من غير روية، أو من كان كلامه متیناً غیر سخيف، وبطؤ القيام كناية عن ترك العجلة والطيش في

ص: 38


1- ينظر: لسان العرب، مادة (رشد): 3 / 175
2- (وراه) في ر، تحریف
3- (ورهق) في ر. تصحيف
4- (السهم) في ع
5- (جاته) في م، تحریف
6- الصحاح، مادة (مکث): 1 / 293
7- المصدر نفسه، مادة (مکث): 1 / 293

امضاء الأحكام والتأني(1)والتثبت في الأمور، والسرعة إذا قام انتهاك(2)الفرصة والمبادرة الى وجه المصلحة (ب) وإلانة الرقاب كناية عن الطاعة والانقياد والاشارة إليه بالأصابع والإجلال وعظم الموقع في القلوب ومدة لبثهم أيام بني أمية على ما قيل والصواب أنها ما بين رحلته (عليه السلام) الى ظهور القائم من أهل البيت (عليهم السلام) وطلع الكوكب والشمس طلوعاً / و134 / ظهروا طلعه الله أظهره، والنشر المنشور المتفرق أو التعليق تجوز (فلا تطمعُوا في غیرْ مقبلِ، ولا تيأسُوا منْ مدبرٍ، فإنَّ المدبرَ عسىَ أنْ تزلَّ(3)إحدى(4)قائمتيهِ وتثبتَ الاخرى، فترجعَا حتَّى تثبتَا جميعاً) الأظهر أن يكون المراد بغير المقبل من أثر الخلوة من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) ولم يقبل على طلب الخلافة، فالمراد بترك الطمع تفویض الأمر اليهم والرضا بما رضوا به والصبر على(5)قيامهم بالطلب بأمر الله، وقيل: المراد من انحرف عن الدين من السلاطين بارتكاب منکر أي لا تطمعوا في كونه أميراً قائماً بالحق؛ لأنه ليس أهلاً لذلك، وفي بعض النسخ (فلا تطعنوا في عين مقبل) أي من أقبل من أهل البيت على طلب الأمر فلا تردوه ولا تقاتلوه بل أعينوه على طلب الحق وقوله (عليه السلام) فلا تيأسوا(6)أو لا تأيسوا بتقديم الهمزة

ص: 39


1- (الثاني) في أ، تصحيف
2- (انتهاز) في ث، ر، م، ن، وفي ع: (انتهاء)، تحریف
3- (نزل) في ر، تصحيف
4- (تزل به احدى) في: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 69، نهج البلاغة، تحقيق: صبحي الصالح: 182
5- (الى) في أ، ث، ع، ن
6- (يتأسوا) في ر، تصحيف

على ما في بعض النسخ [أي ](1)من أدبر عن طلب الخلافة ممن هو أهل لها فلا تيأسوا(2)من عودة واقباله على الطلب بل انتظروا وتأهبوا لنصره فإنَّ الإدبار والقعود عن الطلب ربما كان لفقد بعض الشروط كقلة الناصر وزوال إحدى القائمتين كناية عن ذلك، كما أن ثبات الأخرى كناية عن وجود بعضها ولا تنافي بين النهيين(3)لأنَّ عدم اليأس هو التجویز والطمع فوق التجویز، وقيل: النهي عن الطمع في حالة عدم الشروط والاعراض عن الطلب [...](4)لذلك والنهي عن الاياس لجواز حصول الشرائط وتكاملها، وقيل: الاياس الشك في الإمام الحق، أو زعم أنه على الباطل الاضطراب الأمر واختلال الحال في الظاهر والنهي لأنَّ اضطراب الأمر لا يدل(5)[على البطلان](6)، وعسى أن ينتظم الأمر بعد الاضطراب إذا شاء الله.

(إلاَّ إنَّ مثلَ آل محمدٍ (صلَّى اللهُ عليهِ والهِ) كمثل نجومِ السماءِ، إذا خوى نجمٌ طلعَ نجمٌ، فكأنكمْ قدْ تكاملتْ منَ اللهِ فيكمُ الصنائعُ، وأراكمْ مَا كنتمْ تأملونَ) خوی کرمی أي سقط، والتشبيه بالنجوم أما في الاهتداء والاستنارة(7)، أو في أنَّ الأرض لا تخلو(8)من حجة وهاد منهم (عليهم السلام) كما أنَّ المشاهد

ص: 40


1- [ای] ساقطه من ر، م
2- (يتأسوا) في ر، تصحيف
3- (النهين) في ر، ن
4- [هو] زيادة في ع
5- (بدل) في ث، تصحيف
6- [على البطلان] ساقطة من أ، ع
7- (الاستبارة) في ث، وفي م: (الاستارة)
8- (لايخلو) في أ، ث، ع، ر، م، تصحيف، والصواب ما أثبتناه

من السماء لا تخلو(1)من النجوم فتكون الشرطية تفسيراً لوجه التشبيه، وكأنَّ للتقريب کما قاله الكوفيون(2)نحو قولهم: كأنك بالفرج آت، وكأن الشتا مقبل، وتكاملت أي كملت وتمت، ويمكن أن يراد بالصيغة معناها الظاهر والصنيعة العطية والكرامة والإحسان(3)، وتأملون أي ترجون(4)وحاصل الكلام البشارة بقرب ظهور القائم (عليه السلام) والظفر على الأعداء واضمحلال الظلم والضلال وهذا التقريب مثله في قول الله عز وجل: «اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ»(5)، وقوله تعالى: «إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا، وَنَرَاهُ قَرِيبًا»(6)، وظاهر الكلام حيث وجه البشارة الى المخاطبين أن المراد رؤية المأمول في الرجعة التي تظافرت الأخبار في اثباتها عن الأئمة الأطهار (صلوات الله عليهم أجمعين).

[[ومن أخرى](7)تشتمل(8)على ذكر الملحمة](9)(الأوَّلُ(10)قبلَّ كلِّ أولٍ، والآخرُ بعدَ كلِّ آخرٍ) ظاهر الكلام ان الغرض اثبات الأولية والآخرية

ص: 41


1- (لايخلو) في أ، ث، ع، ر، م، تصحيف، والصواب ما اثبتناه
2- مغني اللبيب: 1 / 211
3- (الاححان) في أ، تحریف
4- (ترجعون) في ع، تحریف
5- القمر / 1
6- المعارج / 6، 7
7- [ومن اخرى] ساقطة من ث
8- (يشتمل) في ع، تصحيف
9- [ومن أخرى تشتمل على ذكر الملحمة] ساقطة من م
10- (الحمدُ للهِ الاولِ) في: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 78، نهج البلاغة، تحقيق: صبحي الصالح: 182

الحقيقيتين(1)له سبحانه، وإنَّ المراد من اللفظين ليس المعنى الاضافي کما يراد في غيره سبحانه ولا خفاء في الأول سواء أريد به الأولية الذاتية، أو الزمانية، وأما الآخر ففيه خفاء على بعض الوجوه لخلود أهل الجنة والنار بالاتفاق، وليس في كلام الشارحين في هذا المقام ما يكشف الغطاء ويزيل الاشتباه، وما قيل من أنَّ الباري عز اسمه موجود قبل كل شيء يشير العقل إليه ويفرضه أول الموجودات، وكذلك هو موجود بعد كل شيء يشير العقل إليه ويفرضه آخر جميع الموجودات فأذن الباري سبحانه بالاعتبار الأول يكون أولاً قبل كل ما يفرض أولاً وبالاعتبار الثاني يكون آخراً بعد كل ما يفرض أخراً فهو / ظ 134 / کما تری، وقد فسر الأول في أسمائه سبحانه بالسابق على جميع الموجودات ذاتاً؛ لأنه علة العلل وزماناً لأنَّ الحق حدوث ما سواه(2)والآخر بالباقي بعد فنائها بالنظر الى ذاته والى ذواتها، أو على الحقيقة على ما ذهب إليه كثير من المتكلمين من انعدام العالم بأسره قبل قيام الساعة وبقائه سبحانه لا شيء معه كما كان قبل ايجاد الأشياء وهو صریح كلامه (عليه السلام) في الخطبة الجامعة لأصول العلم کما سیجئ إن شاء الله تعالى ومناسب لما في بعض الأدعية المأثورة الآخر بعد فناء الأشياء وما في بعض الأخبار الأخر بعد فناء العالمين وقد أنكر طائفة بناءً على زعمهم بداهة امتناع اعادة المعدوم، وتعويلاً على أدلة لاتسمن ولا تغني من جوع، وفسر الأول بالذي يبتدئ منه الأسباب، والآخر بالذي ينتهي إليه المسببات، والأول بالسابق خارجاً، والآخر بالآخر ذهناً، وحينئذ نقول يمكن أن يراد بالآخر

ص: 42


1- (الحقيقيين) في أ، تحریف
2- (سواء) في ر، تحریف

الباقي الدائم فيكون المراد ببعديته(1)سبحانه بعد كل آخر بقاؤه بذاته بخلاف غيره فلا ينافي ذلك خلود غيره، ويمكن أن يراد به على القول بانعدام العالم الباقي زماناً بعد فناء غيره والعراء عن الوجود الابتدائي على الحقيقية فلا ينافيه خلود غيره سبحانه بعد الاعادة، ويمكن أن يراد به الآخر في سلسلة الاحتياج لافتقار الكل إليه، وأن يراد به الآخر في الوجود العلمي؛ لأنَّ الجميع طرق العلم [إليه](2)وإن كان بعض الوجوه أظهر وأقرب. (بأوليتهِ(3)(وجبَ)(4)أنْ لَا أوَّلَ لهُ، وبآخريَّتهِ وجبَأنْ لَاآخرَ لهُ)، قال بعض الشارحين(5): يمكن أن يفسر هذا الكلام على وجهين: أحدهما: أنه سبحانه لما فرضناه أولاً مطلقاً، تبع هذا الفرض أن يكون قدیماً أزلياً، وهو المعنى بقوله: ((وجب أن لا أول)) له لأنه لو لم يكن أزلياً لكان له محدث متقدم عليه فلا يكون أولاً مطلقاً ولما فرضناه أخراً مطلقاً تبع هذا الفرض ان يكون مستحيل العدم وهو المعنى بقوله وجب أن لا آخر له؛ لأنه لو عدم بعد استمرار الوجود لما عدم الا بضد يبقى بعده فلا يكون اخراً مطلقاً، هذا محصل كلامه ثم قال: ثانيهما: أن لا تكون(6)الضمائر الأربعة راجعة الى الباري سبحانه، بل يكون منها ضمیران راجعان الى غيره، أي بأوليته [الأول](7)الذي فرضنا

ص: 43


1- (بتعديته) في أ، تصحیف
2- [اليه] ساقطه من ر
3- (وبأوليته) في: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 78
4- (وحب) في أ، ن، تصحيف
5- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 78
6- (يكون) في أ، ث، ر، تصحيف
7- [الأول] ساقطة من ث، وفي ع: (الاولة)

کون الباري سابقاً عليه، علمنا أنَّ الباري لا أول له، وبآخريته الآخر الذي فرضنا أنَّ الباري متأخر عنه، علمنا أنَّ الباري لا آخر له، وإنَّما علمنا ذلك؛ لأنه لو كان سبحانه أولاً لأول الموجودات وله مع ذلك أول لزم التسلسل، وإثبات محدِثين ومحدَثين الى غير نهاية، وهذا محال. ولو كان سبحانه آخراً لآخر الموجودات وله مع ذلك آخر لزم التسلسل، وإثبات أضداد يعدم ويعدمها غيرها الى غير نهاية، وهذا أيضاً محال(1)، ولا يذهب عليك أنَّ الوجه الأول على ما قرره موقوف على القول بأنَّ العدم لا يكون إلاَّ بوجود الضد وهو باطل والتزام التخصيص في كونه سبحانه آخر بعد كل آخر بغير الفناء الذي يزعمونه ضد الأشياء وجودياً، وهو ينافي الآخرية الحقيقية الظاهرة من الكلام السابق اللهم إلاَّ أن يوجه(2)بأنه يصدق الآخرية بالنسبة الى الفناء بعد إعادة الأشياء فيصدق بالنسبة الى الجميع، ولو كان كل في وقت وفيه مع التكلف ابتناؤه على وجودية الفناء وكونه قائماً بنفسه وفسادهما واضح وبعد الوجه الأخير ظاهر، وقال بعضهم: لما أراد بأوليته كونه مبدأ لكل شيء، وبآخریته کونه غاية ينتهي اليها كل شيء في جميع أحواله، كان بذلك الاعتبار يجب أن لا يكون له أول هو مبدئه، ولا آخر يقف عنده وينتهي(3)، وهذا القائل قد شرح آخريته سبحانه في موضع آخر بكونه آخر مراتب السالكين في منازل العرفان إذ معرفته هي الدرجة القصوى وآخر المنازل، والظاهر أنَّ مراده في هذا المقام بكونه غاية ينتهي اليها كل شيء في جميع أحواله أنَّه آخر

ص: 44


1- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 79
2- (توجه) ث، ر، م، تصحيف
3- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 3 / 11

سلسلة الاحتياج، / و135 / ویکون حاصل الكلام على هذا التفسير وما يقرب منه أنَّه سبحانه لما كان أولاً حقيقياً، [وآخراً حقيقياً](1)وجب أن لا يتقدم عليه شيء، ولا يتأخر عنه شيء، وهو في المعنى تفسير للأولية الحقيقية، وتأكيد للكلام السابق، ويمكن أن يكون المراد أنَّه لما كان أوليته سبحانه وآخريته بمعنی سبقه على الأشياء زماناً، وبقاؤه بعد فناء الأشياء أو مبدائيته للجميع وانتهاء الكل اليه في الحاجة ونحو ذلك لوجوبه الذاتي وجب أنْ لا يكون لوجوده نهاية أزلا وابداً فظهر التغاير بين الأولية وإن لا أول له، وبين الآخرية وإن لا آخر له ولا حاجة الى التمسك بأن العدم إنما يكون بطریان(2)الضد ونحو ذلك والله تعالى يعلم مقاصد أوليائه.

(وأشهدُ أنْ لا الهِ إلاَّ اللهُ شهادةً يوافقُ فيهَا السرُّ الاعلانَ، والقلبُ اللسانَ) قيل الشهادة الاخبار بالشيء ولهذا يعدی بالباء فالصفة في الكلام مخصصة، وقيل: الخبر القاطع، وقيل: اسم من المشاهدة وهي الاطلاع على الشيء عياناً فالصفة موضحة، أو المراد أعم مما يسمى شهادة في الظاهر أو مطلق الاخبار على التجوز والغرض [ثبوته](3)تبرئة الشهادة من شائبة النفاق، ويمكن أن يراد بالموافقة التامة الكاملة لا المأخوذة في التسمية فالغرض وصفها بالإخلاص الكامل والصفة مخصصة. (أيُّها الناسُ لاَ يجرمنكُمْ شقاقِي، ولاَ يستهوينكُمْ عصياني، ولاَ تتراموْا بالأبصارِ عندمِا تسمعونهُ مِنّي، فوَ الَّذِي

ص: 45


1- [وآخرا حقيقياً] ساقطة من أ، ع
2- (بطربان) في ر، تصحيف
3- [ثبوته] ساقطة من أ، ث، ر، ع، ن

فلقَ الحبةَ، وبرأَ النسمةَ، إنَّ الَّذي أنبئكمْ بهِ عنِ النَّبيّ(1)(صلىَّ الله عليه وآله) مَا كذبَ المبلغُ، ولاَ جهلَ السامعُ) قيل في قوله تعالى: «وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ»(2)أي لا يحملنكم ويحدوكم عداوتي على مخالفة ربکم فيصبكم من العذاب مثل ما أصاب من قبلکم فمعنى الكلام لا يحملنكم عداوتي على أن تكذبوني أو تكذيبي، وقيل: أي لا يكسبنکم معاداتي أن يصيبكم وإن بصلتها ثاني مفعولي جرم فانه يعدی الى مفعولين ککسب فالمعنى لا يكسبنكم شقاقي تکذيبي وحذف المفعول في الكلام كثير، وقال بعض الشارحين: ((يجرمنكم أي يحق عليكم))(3)من جرم(4)بمعني وجب وحق وأنكره الفراء وإن اثبته بعضهم، والشقاق والمشاقة الخلاف والعداوة، ولا يستهوينكم عصياني أي لا يذهب بهواكم وعقلکم، أو لا يهوینکم ویزلکم من قولهم: هوی من شاهق إذا تردی منه ويشبه به من زل عن الطريق المستقيم، يقال: اهويته واستهويته بمعنی کما يقال: أزله واستزله واجابه واستجابه، أو لا يدعونكم الى اتباع الهوى، وقيل: استهواه(5)أي حيرة، وقيل: اهلكه ولا تتراموا بالأبصار أي لا ينظر بعضكم الى بعض اشعاراً(6)بأن كلامي کاذب، وفلق الحبة: أي شقها(7)، قال الله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ

ص: 46


1- (النبي الامي) في: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 79، نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح: 183
2- هود / 89
3- شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 3 / 10
4- (حرم) في ن، تصحيف
5- (استهواء) في ر، تحریف
6- (استعارا) في م، تحریف
7- ينظر: لسان العرب، مادة (فلق): 10 / 309

وَالنَّوَى»(1)، قيل: المراد شقهما بإخراج النبات والشجر(2)، وقيل: المراد الشقان (3)اللذان في الحنطة والنواة(4)، والأول أظهر، [...](5)وبرأ أي (خلق)(6)، قال ابن الاثير: وقلما يستعمل في غير الحياة، فيقال برأ الله الانسان، وخلق الله السموات والأرض(7)، والنسمة محركة الانسان، وقيل كل دابة فيها روح [وكان (علیه السلام) يقسم بهذه اللفظة كثيراً، وقال بعض الشارحين(8): انه من مبتدعاته (عليه السلام)](9)والمراد بالمبلغ الرسول (صلى الله عليه واله) وبالسامع نفسه (عليه السلام) (لكأنَّي أنظرُ الى ضليلٍ قدْ نعقَ بالشَّام، وفحص براياتهِ في ضواحِي كوفانَ، فإذا فغرتْ فاغرتُهُ، واشتدتْ شكيمتُهُ، وثقلتْ فِي الأرضِ وطأتُهُ، عضَّتِ الفتنةُ أبناءَها بأنيابهَا، وماجت الحربُ بأمواجهَا، وبدا مِنَ الأيامِ كلوحهَا(10)، ومِنَ الليالِي كدوحُهَا) الضليل کسکیت الكثير الضلال وقد عبَّر (عليه السلام) عن امری القيس بالملك الضليل، ونعق بغنمه کمنع وضرب صاح بها وزجرها ونعق الغراب إذا صاح، والمراد بنعيقه

ص: 47


1- الأنعام / 95
2- ينظر: مجمع البيان: 4 / 117، وتفسير الميزان: 7 / 287
3- (الشقاق) في م، تحریف
4- ينظر: الكشاف، الزمخشري: 2 / 37
5- [وكان (عليه السلام) يقسم بهذه اللفظة كثيراً، وقال بعض الشارحين: من مبتدعاته (عليه السلام)] في ر، ن جاء ذكرها مقدم
6- العين، مادة (برأ): 8 / 289
7- ينظر: النهاية في غريب الحديث والاثر: 1 / 111
8- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 80
9- [وكان (عليه السلام) يقسم بهذه اللفظة كثيراً، وقال بعض الشارحين: من مبتدعاته (عليه السلام)] سبق ذكرها في ر، ن، بعد قوله: (والاول اظهر)
10- (کلوجها) في ر، تصحيف

جمعه / ظ 135 / العساکر، أو ظهور شوكته وبطشه و(فحص عنه کمنع)(1)أي (بحث)(2)وكشف، قيل: هو مأخوذ من فحصت القطاة إذا حفرت في الأرض موضعاً تبيض فيه(3)، وذلك الموضع مفحص بالفتح وافحوص(4)، قال بعض الشارحين: كأنهم جعلوا ضواحي كوفان مفحصاً لراياتهم(5)، وضاحية المدينة ما تنحى عن المساكن وكان بارزاً، والمراد رساتیق(6)كوفان ونواحيها، وکُوفان بالضم كما في النسخ وقد يفتح کوفة هي في الأصل الرملة الحمراء و(كل رمله يخالطها حصباء)(7)، وبذلك سميت البلدة، وقيل هي من الكيف بمعنى القطع سمیت، لأنَّ أبرويز(8)أقطعها لبهرام، أو لأنهَّا قطعة من البلاد، والأصل کُیفه قلبت الياء واواً(9)، وقيل: غير ذلك، وفغر

ص: 48


1- القاموس المحيط، مادة (فحص): 2 / 310
2- المصدر نفسه، مادة (فحص): 2 / 311
3- ينظر: لسان العرب، مادة (فحص): 7 / 63
4- (وافحص) في ث، وفي ر: (وافحوض)، تصحيف
5- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 81
6- (رسانيق) في ر، تصحيف
7- معجم البلدان: 4 / 491، وينظر: القاموس المحيط، مادة (كوف): 3 / 192
8- أبرويز بن هرمز، وأبرويز في العربية بمعنى المظفر، كان من أشد ملوك الفرس بطشاً وأنفذهم رأياً في البأس والنجدة، وجمع الاموال، وقد قتل قتلة أبيه (هرمز)، وغزا الشام، وبلغ مصر، وحاصر الروم بالقسطنطينية، تزوج ابنة ملك الروم (مریم) فأنجبت له ابنه (شیروية) الذي حين أشتد بأسه قتل اباه (أبرويز)، وكانت مدة حكم أبرویز ثماني وثلاثين سنة. ينظر: المعارف: 665، وتاريخ الطبري: 1 / 590، والتنبيه والاشراف: 89، والكامل في التاريخ: 1 / 472، 473
9- ينظر: المصدر نفسه، مادة (كوف): 3 / 193، وتاج العروس، مادة (كوف): 12 / 469، وتاريخ الكوفة، البراقي: 126

الفم کمنع (انفتح)(1)، وفغرته فتحته يتعدى ولا يتعدى، والفاغرة(2)فاعلة منه، أي إذا انفتح فوه کما یفتح الأسد فاه عند الافتراس، والتأنيث للفتنة کما ذكره بعض الشارحين(3)، والشكيمة في الأصل حديدة(4) معترضة في اللجام في فم الدابة(5)، ويقال: فلان شديد الشكيمة إذا كان عسر الانقياد شدید النفس أبياً قوياً(6)، قيل: لأنَّ قوة الشكيمة [تدل](7)على قوة الفرس(8)، والوطئ في الأصل (الدوس بالقدم)(9)والوطأة الضغطة، والاخذة الشديدة)(10)، (وموضع القدم)(11)، وثقل وطأته شدة ظلمه، وجوره وعضه وعض عليه أمسكه بأسنانه ولزمه، والناب السن خلف الرباعية، وأبناء الفتنة أهل ذلك الزمان ومن اصابته الفتنة فالمراد بعضها إياهم شدة الاضرار بهم، أو الموقدون لنار الفتنة فالمراد لزومها إياهم وتمسكها بهم، والأول أنسب بالعض بالناب، والثاني بإضافة الأبناء إليها، ويمكن على الثاني أن يحمل عض أبنائها على رجوع الضرر عليهم، لكن لا يخلو عن بعد عن السياق. وماج البحر موجاً

ص: 49


1- الصحاح، مادة (فغر): 2 / 727
2- (الفاعزة) في ع، تصحيف
3- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 81
4- (جديدة) في ع، تصحيف
5- ينظر: العين، مادة (شکم): 5 / 300
6- ينظر: لسان العرب، مادة (شکم): 12 / 324
7- [تدل] زيادة يتطلبها السياق
8- ينظر: لسان العرب، مادة (شکم): 12 / 324
9- تاج العروس، مادة (وطأ): 1 / 278
10- المصدر نفسه، مادة (وطأ): 1 / 278
11- المصدر نفسه، مادة (وطأ): 1 / 278

اضطرب، والأمواج جمع موج والموجة أخص منه وجمعها موجات کروضه وروضات، وبدأ يبدو إذا ظهر، والکُلُوح بالضم (العبوس)(1)، والکُدوح بالضم جمع کَدح بالفتح وهو (الخدش)(2)وأثر الجراحة والعض ونحو ذلك. (فإذا أينعَ زرعُهُ، وقامَ علَى ينعِهِ، وهدرتْ شقاشِقُهُ، وبرقتْ بوارِقُهُ، عقدتْ راياتُ الفتنِ المعضلةِ، واقبلنَ كالليلِ المظلمِ، والبحرِ الملتطمِ) أينع الزرع على صيغة الأفعال کما في كثير من النسخ، وكذلك ينعك منع وضرب ينعاَ إذا نضج وحان قطافه وقام على ينعه أي [على](3)حاله ونضجه، قال بعض الشارحين:

والاحسن أن يكون ينع هاهنا جمع يانعك صحب وصاحب ذكر ذلك ابن کیسان(4)، واليانع الثمر الناضج، وایناع زرعه وقيامه على ينعه کناية عن انتظام أمره وظهور شوكته، وهدرت كضربت أي صوتت، والشِقشِقة بالكسر شيء كالرية يخرج من فم البعير إذا هاج، ويقال للخطيب: ذو شقشقه تشبيها له بالفحل، وهدير شقاشقه ظهور طغيانه وبأسه، وبرق کنصر أي لمع وبوارقه سيوفه ورماحه، والمعضلة المشكلة العسرة العلاج والتشبيه بالليل المظلم في عدم الاهتداء الى طريق الخلاص، أو الحق والتطمت أمواج البحر إذا ضرب بعضها بعضاً، ثم أنه اختلف في هذا الضليل الموصوف، فقيل: إنه السفياني الموعود، وقال الشارح عبد الحميد ابن أبي الحديد:هذا

ص: 50


1- معجم مقاییس اللغة، مادة (كلح): 5 / 134
2- الصحاح، مادة (خدش): 1 / 398
3- [على] ساقطة من أ، ع
4- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 82

كناية عن عبد الملك بن مروان لأنَّ هذه الصفات والامارات فيه أتم منها في غيره؛ لأنَّه قام بالشام حين دعا الى نفسه، وهو معنی نعیقه وفحصت راياته بالكوفة تارة حين شخص بنفسه الى العراق، وقيل مصعباً، وتارة لما استخلف الامراء على الكوفة كبشر بن مروان أخيه وغيره، وتفاقمت الفتن مع الخوارج وعبد الرحمن بن الاشعث فلما اكمل عبد الملك وهو معنی اینع زرعه هلك وعقدت رايات الفتن المعضلة بعده کحروب اولاده مع بني المهلب و کحروبهم مع زيد بن علي (عليه السلام) وکالفتن الكائنة بالكوفة أيام يوسف بن عمر وخالد القسري وعمر بن هبيرة وغيرهم وما جرى فيها من الظلم / و136 / واستيصال الأموال، وذهاب النفوس(1)، قال: وقد قيل: إنه كناية عن معاوية وما حدث في أيامه من الفتن، وما حدث بعده من فتنة يزيد وعبيد الله بن زياد، وواقعه الحسين (عليه السلام) والأول أرجح، لأنَّ معاوية في أيام أمير المؤمنين (عليه السلام) كان قد نعق بالشام، ودعاهم الى نفسه، والكلام يدل على انسان ينعق فيما بعده(2)، والله تعالى يعلم. (هَذا، وكمْ يخرقُ الكوفةَ منْ قاصفٍ، ويمرُّ عليهَا منْ عاصفٍ!، وعنْ

قليلٍ تلتفُّ القرونُ بالقرونِ، ويحصدُ القائمُ، ويحطمُ المحصودُ!) خرق الشيء کضرب أي جابه ومزقه، وخرق الثوب شقه، وقصفت العود فانقصف مثل کسرته فانكسر وزناً ومعنىً، وعصفت الريح كضربت اشتدت فهي عاصف وعاصفة، وجمع الأولى عواصف، والثانية عاصفات والقاصف والعاصف كناية عما يجري على أهلها من الشدائد، ويمكن أن يكون المراد بمرور

ص: 51


1- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 81
2- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 81

العاصف خرابها بعد القواصف وبقاءها كذلك أياماً فإنَّ الجدران والسقوف من موانع هبوب الرياح، وكلمة عن مرادفه لبعد کما قالوا في قوله تعالى: «عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ»(1)، و «لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ»(2)، وقال الشيخ الرضي: (أي طبقاً متجاوزاً في الشدة عن طبق آخر دونه في الشدة، فيكون كل طبق أعظم في الشدة مما قبله، وقوله عن طبق صفة طبقاً(3)، قال: (والأولى إبقاء الحروف على معناها ما أمكن)(4)، والتف النبات والشجر بعضه ببعض اختلط، والتف بثوبه اشتمل به، والقَرن بالفتح الجيل(5)من الناس، وأهل كل زمان، قال بعض الشارحين: هذا كناية عن الدولة العباسية التي ظهرت على دولة بني أمية(6)، ولعل الأظهر إنه اشارة الى ما سيكون في آخر الزمان، وحصد الزرع والنبات كنصر وضرب قطعه وحطمه كضربه کسره، وقيل: إنه خاص باليابس وحصد القائم وحطم المحصود كناية عن الاستيصال التام وعموم البلاء، وقال بعض الشارحين: كناية عن قتل الأمراء من بني أمية في الحرب، ثم قتل المأسورين منهم صبراً، وهكذا وقعت الحال مع عبد الله بن علي، وأبي العباس السفاح، وقال بعضهم: (كني بالتفاف بعضهم ببعض عن اجتماعهم في بطن الأرض)(7)، و (بحصدهم عن موتهم، أو قتلهم، وبحطم

ص: 52


1- المؤمنون / 40
2- الانشقاق / 19
3- ينظر: شرح الرضي على الكافية: 4 / 320، وفي ر: (صفة طبقات)
4- المصدر نفسه: 4 / 320
5- (الجبل) في ع، تصحيف
6- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 82، وفيه: (وهذا كناية...)
7- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 3 / 12

محصودهم عن فنائهم وتفرق أوصالهم في التراب)(1)، ويحتمل أن يكون التفافهم كناية عن اجتماعهم في موقف الحساب، أو طلب بعضهم مظالمهم من بعض، وحصدهم عن ازالتهم عن الموقف وسوق أهل النار [الى النار](2)وحطمهم عن تعذيبهم في النار الحطمة والله تعالى يعلم. [ومن أخرى تجري هذا المجرى](3)(وذلكَ يومٌ يجمعُ اللهَ فيهِ الأولیَن والآخرينَ لنقاشِ الحسابِ وجزاءُ الأعمالِ، خُضُوعاً، قياماً، قدْ ألجمهمُ العرقُ، ورجفتْ بهمُ الأرضُ، فأحسنهمْ حالاً، منْ وجدَ لقدميهِ مَوْضِعاً، ولنفسِهِ مُتَّسَعاً) النقاش والمناقشة في الحساب الاستقصاء والتدقيق فيه، والخضوع جمع خاضع من الخضوع بمعنى الذلة والاستكانة، قيل: (الخضوع قريب من معنى الخشوع إلاَّ أنَّ الخشوع أكثر ما يستعمل في الصوت، والخضوع في الأعناق)(4)، والقيام جمع قائم أي قائمين، أو مصدر أقيم مقام اسم الفاعل على ما قيل في قوله تعالى: «وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا»(5)، وألجمهم العرق أي سال منهم حتى بلغ موضع اللجام من الدابة فمنعهم عن الكلام، وفي الحديث: ((يبلغ العرق بهم ما يلجمهم))(6)، ورجفت الأرض أي تحركت واضطربت شديداً، والباء للتعدية ومن أسماء البحر الرجاف لكثرة اضطرابه(7)، ولنفسه متسعاً

ص: 53


1- المصدر نفسه: 3 / 12
2- [الى النار] ساقطة من ع
3- [ومن أخرى تجري هذا المجری] بیاض في ث
4- المصباح المنير، مادة (خضع): 1 / 172
5- الفرقان / 64
6- النهاية في غريب الحديث والأثر: 4 / 234
7- ينظر: تاج العروس، مادة (رجف): 12 / 221

أي موضعاً يسعه(1)فلم يكن في شدة لضيق المكان، وفي بعض النسخ (ولنفسه) بالتحريك أي وجد مكاناً يقدر فيه على التنفس بسهولة والأخبار في وصف أهوال يوم القيامة وسوء أحوال الناس فيه إلاَّ من رحمه الله كثيرة، وما ذكره بعض الشارحين من أنَّ قيام الناس بين يدي الله (كناية عن کمال براءتهم من حولهم، وقوتهم إذن وتيقنهم(2)أن لا سلطان إلا سلطانه)(3)والجام العرق کناية عن بلوغهم / ظ 136 / الغاية من الجهد إذ غاية التاعب أن يكثر عرقه(4)، وما حكاه عن بعضهم من أن (المراد بالأرض الراجفة والمرتجة أرض القلوب عن نزول خشية الله عليها، وشدة أهوال يوم القيامة)(5)، والمراد بقوله (عليه السلام): (من وجد لقدميه موضعاً) إلى آخره من وجدت قدماً عقله موضعاً من معرفة الله تعالى وعبادته ومن وجد لنفسه متسعاً في [حظائر](6)قدس الله وسعة رحمته(7)، ثم قال: وحمله على ظاهر الشريعة ممكن(8)فمبني على الميل عن النهج القويم واتباع آراء الفلاسفة ومن يحذوا حذوهم في الانکار أو الشك فيما نطقت به الآيات والاخبار وثبت من دين نبينا محمد (صلى الله عليه واله) ضرورة من المعاد الجسماني وقيام الناس لرب العالمين والحساب

ص: 54


1- (بسعه) في ع، تصحيف
2- (ويتقهم) في أ، وفي ع، ن (ويتفهم)
3- شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 3 / 13
4- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 3 / 13
5- المصدر نفسه: 3 / 13
6- [حظائر] ساقطة من ر، وفي ث: (حطائر) تصحيف
7- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 3 / 13
8- قول متصرف به: ينظر : شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 3/ 13

والصراط والميزان والجنة والنار أعاذنا الله من اتباع الشياطين والانحراف عن مناهج الدين المبين ووفقنا لما يحبه ويرضاه إنه جواد کریم.

[منها](1): (فتنٌ كَقِطَعِ الليلِ المظلمِ، لَا تقومُ لَها قائمةُ، ولَا تردُّ لَها رايةٌ، تأتيكمْ مزمومةً مرحولةً، يحفزُها قائدُها، ويجهدُهَا راكبهَا) القطع كعنب جمع قِطعة بالكسر وهي الطائفة من الشيء كسِدرة وسِدر ولقحه ولقح وقال بعض الشارحين(2): جمع قِطْع بالكسر، وهو الظلمة، قال تعالى: «فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ»(3)، وهو سهو، ولا تقوم لها قائمة أي لا تنهض ولا تثبت لدفع تلك الفتن ومقابلتها فئة قائمة، وقيل: لا تثبت لها قائمة فرس أي لا سبيل الى قتال أهلها، وقيل: قلعة أو بُنية قائمة بل تنهدم(4)، وقيل أي لا يمكن مقابلتها بما يقاومها ويدفعها والتأنيث لمقابلة الفتنة ولا ترد لها راية أي لا تنهزم رایه من راياتها أو لا تعود رایه لدفعها ومحاربة أهلها، والزمام ککتاب مايقاد به البعير، وقيل: الزمام في الأصل الخيط الذي يشد في البرة، أو في الخشاش، ثم يشد إليه المقود ثم سمي به المقود نفسه، والبرة حلقة تجعل في أنف البعير تكون من(5) صفر ونحوه، والخشاش من خشب و(الرحلَّ مرکب للبعير)(6)

ص: 55


1- [منها] بياض في ث
2- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 84، وفيه: (قِطْع بالكسر...)
3- هود / 81
4- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 84
5- (في) في أ، ع، تحریف
6- لسان العرب، مادة (رحل): 11 / 274

أصغر من القتب(1)، ومزمومة(2)مرحولة أي كاملة تامة الأدوات کالناقة ذات الزمام، والرحل المستعدة للركوب، والحفز بالزاي الحث والاعجال ويجهدها راكبها أي يحمل عليها في السير فوق طاقتها يقال: جهد دابته واجهدها والمراد جد أهلها واجتهادها في اضرامها رجلاً وفرساناً فقائدها راجلها وراكبها فارسها (قومٌ(3)شديدٌ كلبهمْ، قليلٌ سلبهمْ، يجاهدهمْ فِي اللهِ قومٌ أذلةٌ عندَ المتكبرينَ، فِي الأرضِ مجهولونَ، وفِي السماءِ معروفونَ) الكَلَب بالتحريك الشدة من برد وقحط وعدو وغيره(4)، وشبه الجنون المعتري من عض الكَلب الكلِب ودفعت عنك كلب فلان أي شره وأذاه(5)، والسَلَب بالتحريك ما يأخذه أحد القرنين في الحرب من قرنه مما يكون عليه(6)من سلاح وثوب ودابة وغيرها وهو فعل بمعنى مفعول، وفي الله أي لله وأولها الشيخ الرضي إلى الظرفية بتقدير مضاف، والمجاهدون طائفة من المؤمنين لا يعرفهم الناس لخمولهم ويعرفهم الملائكة لعلو قدرهم، وما قيل من أنَّهم الملائكة المعروفون في السماء وإنَّ كان لا يأبی عنه لفظ القوم، وقد قال سبحانه في الجن: «وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ»(7)، لكن يأبی عنه قوله (عليه السلام): أذلة عند المتكبرين، واختلفوا في المراد من القوم أهل الفتنة، فقال بعض الشارحين:

ص: 56


1- القَتَب: (رحل صغير على قدر السنام) الصحاح، مادة (قَتَبَ): 1 / 198
2- (ومن مومة) في ر. تحريف
3- (اهلها قوم) في: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 84، نهج البلاغة، تحقيق: صبحي الصالح: 185
4- ينظر: الصحاح، مادة (كلب): 1 / 214
5- (الازاء) في ر، تحریف
6- (علبه) في ع، تصحيف
7- الاحقاف / 29

إنَّ الكلام إنذار بملحمة تجري في آخر الزمان، وقد انذر(1)(النبي صلى الله عليه واله) بنحو ذلك)(2)، وقال(3)بعضهم: الكلام اشارة الى صاحب الزنج وأصحابه(4)، وأيده بما رواه من قوله (عليه السلام) في خطبة البصرة هم جيل كأنهم الشياطين سود ألوانهم، منتنه أرواحهم، شديدة كلبهم، قليل سلبهم، طوبى لمن قتلوه، ينفر لجهادهم قوم هم أذلة عند المتكبرين من أهل ذلك الزمان، مجهولون في الأرض، معروفون في السماء، ثم قال (عليه السلام): ويحك يا بصرة من جيش لا رهج له ولاحس) وقد ذكرنا / و137 / هذه الخطبة وفسرنا الفاظها في حدائق الحقائق، (فويلٌ لكِ يا بصرةُ عندَ ذلكَ منْ جيشٍ مِنْ نِقمِ اللهِ! لاَ رهجَ لهُ ولاَ حسًّ، وسيبتلى أهلكِ بالموتِ الأحمرَ، والجوعِ الأغبرِ!) النِقم کعنب كما في النسخ، وککلِم أيضاً جمع نِقمة (5)بالكسر، وكفرحة وهي (المكافاة بالعقوبة)(6)، والرَّهَجُ بالتحريك (الغبار)(7)، والحِس بالكسر الصوت والحركة وإن يمر بك قريباً فتسمعه ولا تراه، قال بعض الشارحين(8): الخطاب لأهل البصرة بما سيقع بها من فتنة الزنج، وظاهر أنه لم يكن لهم غبار ولا أصوات، إذ لم يكونوا أهل خيل ولا قعقعة لجم فإذن لا رهج لهم ولا حس، وظاهر كونهم من نقم الله للعصاة وإن عمت الفتنة،

ص: 57


1- (أندر) في أ، ن، تصحيف
2- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 85
3- (وفال) في أن تصحيف
4- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 3 / 14
5- (نغمة) في أ، تصحيف
6- القاموس المحيط، مادة (نقم): 4 / 183
7- العين، مادة (رهج): 3 / 389
8- شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 3 / 15

إذ قلما تخص العقوبة النازلة بقوم بعضهم كما قال تعالى: «وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً»(1)وحكي في تفسير الموت الأحمر والجوع الأغبر أن الأول (اشارة الى قتلهم بالسيف من قبل صاحب الزنج، أو من قبل غيرهم ووصف الموت بالحمرة كناية عن شدته، وذلك أنَّأشد الموت ما كان بسفك الدم(2)، ثم قال: (وأقول قد فسره (عليه السلام) بهلاكهم من قبل الغرق)(3)في الخطبة المروية بقوله (عليه السلام): ثم الموت الأحمر، وهو الغرق (وهو أيضا في غاية الشدة، وكذلك وصف الأغبر لأنَّاشد الجوع ما أغبر معه الوجه، لقلة مادة الغذاء ورداءته فلذلك سمي أغبر، وقيل: لأنَّه يلصق بالغبراء وهي الأرض(4)وقال الشارح عبد الحميد بن أبي الحديد: کنی بهذا الجيش عن طاعون يصيبهم حتى يبیدهم(5)، وقال: (وقد فسر قوم هذا الكلام بواقعة صاحب الزنج، وهو بعيد؛ لأنَّ جيشه كان ذا حس ورهج، ولأنَّه أنذر البصرة بهذا الجيش عند حصول تلك الفتن، ألا تراه يقول: (فویل لك يا بصرة عند ذلك)، ولم يكن عند خروج صاحب الزنج فتن شديدة على الصفات التي ذكرها أمير المؤمنين (عليه السلام)(6)، قال: والموت الاحمر كناية عن الوباء والجوع الأغبر كناية عن المحل، وهو انقطاع المطر وسمي

ص: 58


1- الأنفال / 25
2- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 3 / 15
3- المصدر نفسه: 3 / 15
4- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 3 / 15
5- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 85
6- قول متصرف به، ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 85

الموت أحمر لشدته، ومنه الحديث: ((كنا إذا أحمر البأس اتقينا برسول الله(1)(صلى الله علیه واله) ووصف الجوع بالأغبر؛ لأنَّ الجائع يرى الآفاق كلها كأن عليها غبرة وظلاماً(2)ولا يذهب عليك أن قوله (عليه السلام) في هذه الخطبة: فويل لكِ یا بصرة عند ذلك لا يناسب أن يكون المراد بقوله: قوم شدید کلبهم صاحب (الزنج) وأصحابه کما زعمه بعض الشارحين(3)وإن كان لا يأباه لفظ الخطبة المروية وإن الظاهر من الموت الأحمر وإن كان هو القتل مع قطع النظر عن التفسير المنقول في الخطبة الأخرى بالغرق إلا أنه بعد وقوعه يتعين(4)الحمل عليه والأظهر في وصف الجوع بالأغبر أنه لمناسبة الوصوف باصفرار لون الجائع، ويبس بشرته، وذهاب الطراوة عن وجهه، والله تعالى يعلم.

[ومن خطبة له (عليه السلام)]

(انظروا(5)الى الدُّنيا نظرَ الزاهدينَ فيهَا، الصادقیَن عنهَا، فإنَهَّا، واللهِ عمَّا قليلٍ تزيلُ الثاويَ الساكنَ، وتفجعُ المترفَ الآمنَ، لا يرجعُ مَا تولَّی منهَا فأدبرَ، ولاَ يدرَى ما هوَ آتٍ منهَا فينتظرَ) الزهد في الشيء وعن الشيء ترکه وعدم الرغبة فيه، وكذلك الزهادة على ما قيل وفلان يتزهد (أي يتعبد)(6)، وقال

ص: 59


1- الفائق في غريب الحديث: 1 / 277، والنهاية في غريب الحديث والأثر: 3 / 479
2- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 85
3- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 3 / 15
4- (تعين) في ر، وفي م (بتعين)
5- (أيها الناس انظروا) في: نهج البلاغة، تحقيق: صبحي الصالح: 186
6- ينظر: لسان العرب، مادة (زهد): 3 / 197

الخليل: الزهادة في الدنيا والزهد في الدين(1)وصدف عن الشيء كضرب (أي أعرض)(2)، وكلمة عن بمعنی بعد، أو يتعلق بالتجاوز ونحوه کما تقدم وما زائدة، وقيل: إنَّها بعد حرف الجر نكرة مجرورة والمجرور بعدها بدل منها، وثوى المكان وبالمكان کرمی إذا أقام فيه(3)، وفجعه کمنعه أي أوجعه، وقيل: الفجع أن يوجع الإنسان بشيء، يكرم عليه فيعدمه، وأترفته النعمة أي أطغته(4)، والمترف كمكرم المتروك يصنع ما يشاء ولا يمنع، والآمن ضد الخائف من الأمن والأمان، وتولى أي أعرض ولا يدري ما هو آتِ منها، أي من فرح وترح، أو صحة، أو مرض، أو موت، أو حياة، وغير ذلك.

(سرورهَا / ظ 137 / مشوبٌ بالحزنِ، وجلدُ الرجالِ فيهَا الى الضعفِ والوهنِ، فلا تغرنكُمْ كثرةُ ما يعجبكمْ فيهَا لقلة ما يصحبكمْ منهَا) الجلد بالتحريك (الصلابة)(5)و (القوة)(6)، والظرف متعلق براجع ومنتهی ونحو ذلك وغره أي خدعه وأطمعه بالباطل فاغتر، وتقول: أعجبني هذا الشيء إذا رأيته حسناً جميلاً وسررت به، وكذلك إذا حملك على التعجب، والمراد (بما يصحبكم منها) الكفن، ونحوه أو التمتع والانتفاع بلذاتها وزخارفها فإنَّ متاع الدنيا قليل، ولعل الأول أظهر. (رحمَ اللهُ أمرأً تفكرَ فاعتبرَ، واعتبرَ

ص: 60


1- نص الخليل: (الزهد في الدين خاصة، والزهادة في اِلأشياء كلها) العين، مادة (زهد): 4 / 12
2- لسان العرب، مادة (صدف): 9 / 187
3- ينظر: الصحاح، مادة (ثوی): 6 / 2296
4- (اطغثه) في أتصحيف، وفي ر: (اطعنته) تحریف
5- تاج العروس، مادة (جلد): 4/ 395
6- المصدر نفسه، مادة (جلد): 4 / 395

فأبصرَ، فكان مَا هوَ كائنٌ مِنَ الدُّنيا عنْ قليلٍ لمْ يكنْ، وكأنَّ مَا هوَ كائنٌ مِنَ الآخرةِ عَمَّا قليلٍ لمْ يزلْ، وكلُّ معدودٍ منقضٍ، وكُلُّ متوقَّعٍ آتٍ، وكُلُّ اتٍ قريبٌ دانٍ) المراد بالتفكر التفكر في حال الدنيا وما يؤول إليه أمرها، كمن يمر بالخربة فيقول: أين ساكنوك؟ أين بانوك؟، والاعتبار الاتعاظ والاستدلال من أمر على آخر من جنسه، والبصر العلم وبصرت بالشيء علمته، قال الله تعالى حكاية عن السامري: «بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ»(1)، والغرض إصابة الحق والانتقال الى وجوب العمل للآخرة والاعراض عن الدنيا وعن قليل قد مرَّ عن قريب، وكذلك عما قليل وانقضى الشيء أي فنى وانصرم، وفي بعض النسخ (منتقص) على صيغة الفاعل أو المفعول، والانتقاص يكون لازماً ومتعدياً، وكذلك النقص، يقال: نقصه وانتقصه فنقص وانتقص؛ أي كل معدود يلحقه النقص بالعدّ، والداني كالتفسير للقريب.

[منها](2): (العالمُ منْ عرفَ قدرهُ، وكفَى بالمرءِ جهلًا ألاَّ يعرفَ قدرهُ، وإنَّ أبغضَ(3)الرجالِ الیَ اللهِ لعبدٌ) وفي بعض النسخ (وإنَّ من أبغضِ الخلقِ

الى اللهِ(4)لعبداً وكلهُ اللهُ الیَ نفسهِ، جائرٌ عنْ قصدِ السبيلِ، سائرٌ بغیِرِ دليلٍ) قدر كل شيء مبلغه ومقداره، والمراد بقدر الرجل الدرجة التي جعلها الله له في الوجود وبين الخلق وكشفت عنه الشريعة المقدسة، وقوله (عليه السلام):

ص: 61


1- طه / 96
2- [منها] بياض في ث
3- (وإنَّ من أبغض) في: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 88، ونهج البلاغة، تحقيق: صبحي الصالح: 187
4- (الله تعالى) في: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 88، ونهج البلاغة، تحقيق: صبحي الصالح: 187

(كفى بالمرء جهلاً) تنبيه على كمال ذلك وعظم محله، ووكل الأمر إليه كوعد أي فوضه اليه واكتفى به، والمراد بذلك التفويض سلب التوفيق، وجار عن الطريق أي مال وعدل، والقصد الوسيط بين الطرفين والدليل هداية الله سبحانه وعلى ما في بعض النسخ (جائراً) و(سائراً)(1)منصوباً بأن على أنهما صفتان لعبد(2)(إن دُعيَ الیَ حرث الدنيا عمل، والى حرثِ(3)الآخرةِ كسلَ، كأنَّ مَا عَمِل لهُ واجبٌ عليهِ، وكأنَّ مَا ونَى فيهِ ساقطٌ عنهُ) الحرث الكسب والزرع وجمع المال، قيل: وأصله إلقاء البذر في الأرض، ويقال للزرع الحاصل منه، وكسِل عن الشيء كفرِح أي تثاقل عنه وفتر، وونى فيه أي قصر وفتر.

منها: (وذلكَ زمانٌ لا ينجُو فيهِ إلاَّ كُلُّ مؤمنٍ نُؤمةٍ، إن شهد لم يُعرف، وإن غابَ لمْ يفتقدْ، أولئكَ مصابيحُ الهُدى، وأعلامُ السُّرى، ليسُوا(4)بالمساييحِ(5)ولا المذاييعِ البُذرِ، أولئكَ يفتحُ اللهُ لهمْ أبوابَ رحمتهِ، ويكشفُ عنهمْ ضراءِ نقمتِهِ) النومة في بعض النسخ بهمزة مفتوحة بعد النون المضمومة(6)، وفي بعضها بهمزة ساكنة، وفي بعضها بواو مفتوحة(7)، - وقال ابن الأثير في

ص: 62


1- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 88، ومنهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، الراوندي: 1 / 444، وشرح نهج البلاغة، البحراني: 3 / 18، وبحار الانوار 2 / 58
2- (لعبداً) في أ، ث، ر، ع، ن
3- (وأن دعي الى حرث) في: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 88، ونهج البلاغة، تحقيق: صبحي الصالح: 187
4- (ليس) في ث
5- (المسباييح) في أ، وفي ث: (بالمسابيح)
6- ينظر: بحار الانوار 66 / 273
7- ينظر: منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة: 1 / 444، وشرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 89، وشرح نهج البلاغة، ابن ميثم البحراني: 3 / 19

النهاية - في النون مع الواو في حديث علي (عليه السلام): (أنه ذكر آخر الزمان والفتن، ثم قال: خير أهل ذلك الزمان كل مؤمن نومةٍ النومة بوزن الهمزة. الخامل(1)الذكر: الذي لا يؤبه له)(2)، وقيل الغامض في الناس الذي لا يعرف الشر وأهله، وقيل: النومة بالتحريك: الكثير النوم، وأما الخامل(3)الذي لا يؤبه له، فهو بالتسكين(4)، ومن الأول حديث ابن عباس: قال لعلي (عليه السلام): ما النومة؟ قال: الذي يسكت في الفتنة، فلا يبدو [منه](5)شيء انتهى(6)، ولم يذكر الجوهري النومة بالهمزة، وقال: رجلُ: نُوْمة بالضم ساكنة الواو، أي لا يؤبهُ له، ورجل نوَمة بفتح الواو، أي نوّم، وهو الكثير النوم(7)، وقال في القاموس: هو نائم ونؤم ونؤمة كهمزة وصرد(8)، / و138 / ثم قال: (ونومة كهمزة وأمير: مغفل أو خامل(9)(10)، والأول بالهمزة، والثاني بالواو، وفي النسخة التي عندنا، والشهود الحضور، وافتقده أي طلبه عند غيبته، والجملتان كالتفسير للنومة على الظاهر فيكون المراد بها الحامل(11)، والسُرى

ص: 63


1- (الحامل) في أ، ث، ر، ع، م تصحيف
2- النهاية في غريب الحديث والأثر: 5 / 131
3- (الحامل) في أ، ث، ع
4- النهاية في غريب الحديث والأثر: 5 / 131، وفيه: (... أمل الخال)
5- [منه] زيادة يقتضيها السياق، ذكرها ابن الاثير في النهاية: 5 / 131
6- ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر: 5 / 131
7- ينظر: الصحاح، مادة (نوم): 5 / 2047
8- القاموس المحيط، مادة (نوم): 4 / 183، وفيه: (نؤوم)
9- (حامل) في ع، تصحيف
10- القاموس المحيط، مادة (نوم): 4 / 184
11- (الحامل) في ث، ع، تصحیف

كالهُدى السير عامة الليل(1)، وأعلام السرى كلّ ما يهتدي به في ذلك السير. وليسوا بالمسابيح سيجئ تفسيره، والضراء الحالة التي تضر نقيض السراء والمراد انه ببركاتهم تنزل(2)الخيرات وتندفع الشرور والآفات (أيهَّا النَّاسُ سيأتي عليكم زمانٌ يُكفأ فيهِ الاسلامُ كمَا يُكفأ الإناءُ بمَا فيهَ. أيَّها الناسُ إنَّ اللهَ تعالى قد(3)أعاذكمْ منْ أنْ يجورَ عليكمْ، ولْم يُعذكمْ منْ أنْ يبتليكمْ، وقدْ قالَ

جلَ منَ قائلٍ: «إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ»(4)، كفأه كمنعه كبهُ وقلبهُ، والابتلاء في الأصل الامتحان والاختبار(5)، وابتلاه(6)أي اصابه ببلاء، والآية وكلامه (عليه السلام) يحتملهما، ومرجع الاصابة بالبلاء الى الاختبار، وإن مخففة من المثقلة بقرينة اللام، وزعم الكوفيون أنَّها نافية واللام بمعنى إلاَّ(7).

قوله (عليه السلام): (كل مؤمن نؤمةٍ) فإنَّما أراد به الخامل(8)الذكر القليل الشر، والمساييح: جمع مسياح(9)، وهو الذي يسيح بين الناس بالفساد والنائم، والمذاييع جمع مذياع، وهو الذي إذا سمع لغيره بفاحشةٍ

ص: 64


1- ينظر: العين، مادة (سري): 7 / 291
2- (ينزل) في ر، تصحيف
3- (إنَّ الله قد) في: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 90، ونهج البلاغة، تحقيق: صبحي الصالح: 188
4- المؤمنون / 30
5- (الاختيار) في أ تصحيف
6- (ابتلاء) في ر، تحريف
7- [إلا] ساقطة في ر
8- (الحامل) في ع، ث، تصحيف
9- (مسباح) في ر، ع، تصحيف

أذاعها، ونوه بها. والبذر: جمع بذور، وهو الذي يكثر سفهه ويلغو منطقه، والمسياح كمفتاح مبالغة في السيح وهو [السعي]1بالشر والنميمة(1)، وأصل السيح ((الذهاب في الأرض))(2)، قيل: ((وأصله من السيح وهو الماء الجاري المنبسط على وجه الأرض))(3)، وحكى ابن الاثير في النهاية في شرح كلامه (عليه السلام): إنَّه من التسيح(4)في الثوب وهو أن يكون فيه خطوط مختلفة(5)، والنميمة: (نقل الحديث من قوم الى قوم على جهة الافساد والشر)(6)، وإذاعة الشر، إظهاره وإفشاؤه وقد يبني مفعال وكذلك فعَّال وفعول من أفعل نحو: مهوان من اهان وحسّاسٍ ودرّاك من أحسّ وأدرك، ونوه به أي شهره وعرفه، والبذر (التفريق)(7)، والبث(8)، ويقال: بذرت الكلام بين الناس كما تبذر الحبوب أي أفشيته وفرقته، قال بعض الشارحين: الذي يذيع(9)الاسرار، وليس كما قال الرضي (رحمه الله): فقد يكون الانسان بذوراً وإن لم يكثر سفهه(10)ولم يَلْغِ منطقه(11)بأن يكون علنةً مذياعاً من غير

ص: 65


1- ينظر: معجم مقاييس اللغة، مادة (سيح): 3 / 120
2- العين، مادة (سيح): 3 / 273
3- النهاية في غريب الحديث والاثر : 2 / 432
4- (التسييح) في أ، تحريف، وفي ر: (التسبيح)
5- ينظر: النهاية في غريب الحديث والاثر: 2 / 432
6- تاج العروس، مادة (نمم): 17 / 707
7- المصدر نفسه، مادة (بذر): 6 / 67
8- المصدر نفسه، مادة (بذر): 6 / 67
9- (بذيع) في ر، تصحيف
10- (سفيه) في ر، تحريف
11- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 90، وفيه: (رحمه الله تعالى)

سفه ولا يذهب عليك أنَّ كثرة الإذاعة وافشاء الأسرار كما هو مفاد صيغة المبالغة لا ينفك عن كثرة السفه واللغو في المنطق.

[ومن خطبةِ له (عليه السلام)] وقد تقدم مختارها بخلاف هذه الرواية

(أمَّا بعدُ فإنَّ اللهَ سبحانهُ(1)بعثَ محمداً (صلىَّ الله عليهِ والهِ) وليسَ أحدٌ من العربِ يقرأ كتاباً، ولا يدَّعِي نبوَّةٍ ولاَ وَحياً، فقاتلَ بمنْ أطاعهُ منْ عصاهُ، يسوقهُم الَی منجاتهمْ، ويبادرُ بهمُ الساعةَ أنْ تنزلَ(2)بهمْ) قد سبق في شرح ما أورده السيد (رضي الله عنه) من هذه الخطبة ما يتعلق بقوله (عليه السلام): (ليس أحد من العرب يقرأ كتاباً، ولا يدعي نبوة ولا وحياً)، والمنجاة محل النجاة، ويحتمل المصدر، والأول أظهر، ويبادر بهم الساعة أي يسارع إلى هدايتهم وارشادهم حذراً من أن تنزل بهم الساعة فتدركهم على الضلالة، ويقعوا في مهاوي الهلاك وأليم العذاب. (يحسرُ الحسیرُ، ويقفُ

الكسیرُ(3)فيقيمُ عليْه حتَّى يلحقهُ غايتهُ، إلاَّ هالكاً لَا خیَر فيهِ، حتَّى أراهمْ منجاتهمْ، وبوّأهمْ محلتهمْ، فاستدارتْ رحاهُمْ، واستقامَتْ قناتهُمْ) حَسِر البعير کفرِح أي (أعيا)(4)، والكسير المكسور، والاقامة على الحسير والكسير مراقبة من تزلزل اعتقاده، أو عرضت له شبهة من الامة في سلوك الطريقة القويمة لضعف في البصيرة، أو وسوسة من الشيطان بالنظر في أمره على وجه

ص: 66


1- (سبحانه وتعالى) في: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 93
2- (ينزل) في ع، تصحيف
3- (الكثير) في ر، تحریف
4- لسان العرب، مادة (حسر): 4 / 188

الرأفة والاشفاق وهدايته الى الصراط المستقيم حتى يبلغه الغاية التي هي الغرض من الايجاد والتكليف إلاَّ من أصر على / ظ 138 / الشقاق والنفاق فلم يمكن هدايته وإبلاغه إلى طريق الرشاد، وقيل: الغرض من الكلام وصفه (صلى الله عليه واله) بالشفقة على الخلق في الأسفار الى الغزوات ونحوها: أي(1): أنه كان يسير في آخرهم ويفتقد المنقطع منهم عن إعياء، أو(2)انكسار مركوب فلا يزال يلطف بهم ويدبر أمرهم حتى يبلغه أصحابه إلاَّ من لا يمكن إيصاله ولا يرجى لحوقه، ولعل الوجه الأول أظهر، وإن كان الثاني بما سيذكر من استدارة الرحى واستقامة القناة لا يبعد أن يكون أنسب، ومنجاتهم أي نجاتهم أو محل نجاتهم، والمحل أنسب بالمحلة، وبوأهم أي أسكنهم، ومحلتهم منزلهم وغاية سفرهم على الوجهين واستدارة، رحاهم انتظام أمرهم، فإنَّ الرحي إنَّما تدور(3)بتكامل الآلات والأدوات، وقال بعض الشارحين: ((استعار لهم لفظ الرحى لاجتماعهم وارتفاعهم على غيرهم كما ترتفع(4)القطعة من الأرض عن تالف التراب ونحوه))(5)وهو كما تری، والقناة الرمح والعصا، وقناة الظهر التي ينتظم الفقار.

(وايمُ اللهِ لقدْ كنتُ في(6) ساقتِهَا حتَّى تولتْ بحذافيرهَا، واستوسقتْ فِي

ص: 67


1- (أنه) في أ
2- (و) في ر
3- (يدور) في أ، ث، ر، ع، م، تصحيف
4- شرح نهج البلاغة، ابن ميثم البحراني: 3 / 22
5- (يرتفع) في أ، ث، ر، ع، م، تصحيف
6- (من ساقتها) في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 93، ونهج البلاغة، صبحي الصالح: 189

قيادِهَا، مَا ضعفتُ ولاَ جبنتُ، ولاَ خنتُ ولاَ وهنتُ. وايمُ اللهِ لأبقرنَّ الباطلَ حتَّى أخرجَ الحقَّ مِنْ خاصرتِهِ) ايم الله اسم وضع للقسم كما تقدم، والساقة جمع سائق كحاكة وحائك، وساقة الجيش الذين يسوقون(1)الغزاة ويكونون من ورائه يحفظونهم والضمير راجع الى الجاهلية المدلول عليها بالمقام، أو المذكورة في محذوف من سابق الكلام وتولت أي أدبرت، وحذافير الشيء جوانبه، وقيل: أعاليه، واحدها حذفار، وقيل: حذفور والمعنى أدبرت بأسرها، واستوسقت أي اجتمعت، والقِياد والمِقود بالكسر فيهما ما يقاربه والخيانة أن يؤتمن الانسان فلا ينصح، والوهن والضمير راجع الى الجاهلية كالسابقين فالمراد بالقياد قياد الذل، أو الى الملة الاسلامية كما قيل: أي حتى أدبرت الجاهلية، وانتظم أمر الدعوة الاسلامية والخيانة أن يؤتمن الانسان فلا ينصح، والوهن الضعف، والبقر الشق أي أشقن جوف الباطل كالحيوان المبتلع جوهراً ثميناً لاستخراجه، والخاصرة ما بين أسفل الاضلاع وعظم الورك.

[ومن خطبةِ لهُ (علیه السلام)]

(حتَّى بعثَ اللهُ محمداً (صلَّى اللهُ عليهِ والهِ) شهيداً وبشیراً ونذيراً، خیرَ البريَّةِ طفلاً، وأنجبهَا كهلاً، أطهرَ المطهَّرينَ شيمةً، وأجودَ المستمطرينَ ديمةً) الشهيد الشاهد والأمين في شهادته والذي لا يغيب عن علمه شيء وهو (صلى الله عليه واله) شهيد على الأنبياء (عليهم السلام) يشهد لهم بتبليغ الرسالة وعلى أمته بالإيمان وغيره والبشارة الخبر السار؛ لأنه يظهر أثر السرور في

ص: 68


1- (يسوفون) في ر، تصحيف

البشرة والانذار التخويف والتحذير، والنجيب من كل نوع من الحيوان الفاضل النفيس منه(1)، يقال: نَجُب الرجل ککرُم وزناً ومعنی، [و](2)الكهل (من جاوز الثلاثين ووخطّه الشيب)(3)أي خالطه، وقيل: من بلغ الأربعين، وقيل: من جاوز أربعاً وثلاثين الى إحدى وخمسين، (وعن ثعلب في قوله تعالى: «وَكَهْلًا»(4)، قال: ينزل عیسی بن مریم (عليهما السلام) الى الأرض کهلاً ابن ثلاثين سنةً)(5)، والشِيمة بالكسر (الطبيعة والجِبلّة)(6)والجَود بالفتح (المطر الغزير)(7)، يقال: (جاد المطر جوداً فهو جائد)(8)، وجاد الشيء جودة أي صار جيداً، وجاد الرجل بما له جوداً فهو جواد، ولعل الأظهر أن الأجود أفعل من الأول (والاستمطار (الاستستقاء)(9)والاستنجاد، ومنه قوله الفرزدق: استمطروا من قريش كل منخدع

أي سلوه أن يعطي كالمطر، والدِيمة بالكسر: (المطر الدائم في سكون)(10)والمراد بالديمة عطاياه وافاضاته (صلى الله عليه واله) [أو فيوضه](11)

ص: 69


1- ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر: 5 / 17
2- [و] ساقطة من ر
3- الصحاح، مادة (کهل): 5 / 1813
4- ال عمران / 46
5- المصباح المنير، مادة (الكهل): 2 / 543
6- المصدر نفسه، مادة (الشيمة): 1 / 329
7- الصحاح، مادة (جود): 2 / 461
8- المصدر نفسه، مادة (جود): 2 / 461
9- لسان العرب، مادة (مطر): 5 / 179
10- لسان العرب، مادة (دوم): 12 / 219
11- [أو فيوضه] ساقطة من ر

سبحانه وما أعطاه الله من الدرجات العالية على ما في بعض النسخ وأجود المستمطرين على صيغة اسم الفاعل (فمَا أحلولتْ لكمْ الدُّنيَا فِي لذاتِهِا، ولاَ تمكنتمْ / و139 / منْ رضاعِ أخلافِهَا إلاَّ منْ بعدهِ. صادفتُمُوها(1)جائِلًا خطامُهَا(2)، قلقاً وضينُهَا) أحلولى الشيء صار حلواً ضد المر وجاء متعدياً، قالوا: ولم يجيء افعوعل متعدياً إلاَّ هذه الكلمة، واعروريت الفرس أي ركبته عرياناً، والرَّضاع بفتح الراء مصدر رضِع الصبي أمُهُ بالكسر أي امتص ثديها، والاخِلاف جمع خِلف بالكسر وهو حلمة ضرع الناقة(3)، أو (الضرع لكل ذات خف وظلف، وقيل: مقبض يد الحالب من الضرع)(4)، وقيل: هو للناقة كالضرع للشاه، والجملتان كنايتان عن انتفاعهم وتمتعهم من الدنيا وصادفته أي وجدته، والجائل الدائر المتحرك والذي يذهب ويجيء ومنه الجولان في الحرب، وخِطام البعير بالكسر الحبل الذي يقاد به، والقلق المتحرك الذي لا يستقر في مكانه، و (الوضين بطان(5)منسوج بعضه على بعض يشد به الرحل على البعير)(6)، كالحزام(7)للسرج والغرض عدم تمكنهم من الانتفاع بالدنيا وصعوبتها عليهم وعدم انقيادها لهم كما

ص: 70


1- (وصادفتموها) في ر
2- (حظامها) في ر، تصحيف
3- لسان العرب، مادة (خلف): 9 / 92
4- المصدر نفسه، مادة (خلف): 9 / 92
5- (بظان) في ر، تصحيف
6- لسان العرب، مادة (وضن): 13 / 450
7- (کالخرام) في ث، ر، تصحيف

تستصعب(1)الناقة على راكبها إذا كانت جائلة الخطام(2)ليس زمامها في يد راكبها قلقة الوضين لا يثبت رحلها تحت راكبها (قدْ صارَ حرامهَا عندَ أقوامٍ بمنزلةِ السدرِ المخضودِ، وحلالَها بعيداً غیرَ موجودٍ، وصادفتموهَا واللهِ ظلاً ممدوداً إلَی أجلٍ معدودٍ) السدر بالكسر: (شجر النبق)(3)، والواحد سدرة، والخضد عطف العود اللين، يقال: (خضدت العود فانخضد، أي ثنيته فانثنی من غير کسر)(4)، وخضدت الشجر أي (قطعت شوکه)(5)، والسدر المخضود الذي أنثنی(6)أغصانه من كثرة الحمل(7)، أو(8)الذي قطع شوکه ونزع، قيل: نظر المسلمون الى وادِ بالطائف فأعجبهم سدره، وقالوا: يا ليت لنا مثل هذا، فنزل قوله تعالى: «فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ، وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ»(9)(10)وصيرورة الحرام عندهم کالسدر المخضود كناية عن أكلهم إياه برغبة كاملة ومیل شدید، كقوله (عليه السلام) في الخطبة الشقشقية: (يخضمون مال الله خضم الإبل نبتة الربيع)(11)، والظل الممدود الدائم الذي لا ينسخه الشمس، أو الطويل

ص: 71


1- (يستصعب) في أ، ر، ع، م، تصحیف، وفي ث: (يستضعف)
2- (الحظام) في ر، تصحیف
3- القاموس المحيط، مادة (سدر): 2 / 46
4- الصحاح، مادة (خضد): 2 / 468
5- المصدر نفسه، مادة (خضد): 2 / 469
6- (انثنى) في ر، تصحيف
7- (الجمل) في ث
8- (و) في ث، ر
9- الواقعة / 28، 29
10- ينظر: أسباب نزول الآيات، الواحدي: 270، وتفسير مجمع البيان: 9 / 363
11- ينظر: صحيفة 47

المنبسط لعلو الشاخص وعظمه وقد ورد في الخبر أن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة لا يقطعها وكلما كان ذو الظل أطول وأعظم كان ظله الى البرد أقرب، والأجل مدة الشيء وغاية الوقت ووصف المدة بالمعدود باعتبار أجزائها (فالأرضُ لكمْ شاغرةٌ، وأيديكمْ فيهَا مبسوطةٌ، وأيدِي القادَةِ

عنكمْ مكفوفةٌ، وسيوفكمْ عليهَا مسلطةٌ، وسيوفهمْ عنكمْ مقبوضةٌ) شغرت الأرض أي (لم يبقَ بها أحد يحميها، ويضبطها)(1)، وشغر البلد شغوراً كعقد إذا خلا من حافظ(2) يمنعه، (وبلدة شاغرة برجلها إذا لم تمنع من غارة أحد)(3)وكون الأرض لهم شاغرة خلوها عن منازع وقاهر يقهرهم(4)ويمنعهم عن التصرف فيها كيف شاؤا، وقال ابن الاثير في النهاية: قيل الشغر(5): البعد، وقيل: الاتساع(6)، ومنه حديث علي (عليه السلام): فالأرض لكم شاغرة، أي واسعة(7)وقال بعض الشارحين(8): يعني أن الأرض بهؤلاء السكان فيها صورة خالية عن معنی کما قال الشاعر:

ما أكثر الناس لا بل ما أقلهمُ ٭٭٭ الله يعلم أني لم أقل فنداً

ص: 72


1- القاموس المحيط، مادة (شغر): 2 / 60
2- (حافط) في أ، تصحيف
3- القاموس المحيط، مادة (شعر): 2 / 60
4- (بقهرهم) في ر، تصحيف
5- (الشعر) في ث، ر، تصحيف
6- النهاية في غريب الحديث والأثر: 2 / 482
7- ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر: 2 / 483
8- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 98

إني لأفتحُ عيني ثم أغمضها(1)على كثير، ولكن لا أرى أحداً(2) هو کما تری وبسط اليد التسلط كما أنَّ كفها عدم القدرة، والقادة(3)ولاة الأمر المستحقون للإمارة والرئاسة وتسلط السيوف إشارة إلى واقعة الحسين (عليه السلام)، وما كان من بني أمية وغيرهم من القتل وسفك الدماء.

(ألاَّ أنَّ(4)لكل دمٍ ثائراً، ولكل حقٍ طالباً، باللهِ يَا بني / ظ 139 / أميةَ عمَّا قليلٍ لتعرِفُنَّها فِي أيدِي غيركمْ، وفِي دارِ عدوِّكُمْ.) ثأر(5)بهِ وثأره(6)ثأراً کمنع طلب دمهُ وقتل قاتله، والثائر الذي لا يبقي على شيء حتى يدرك ثأره(7)، والثأر الدم وقاتل الحميم وإنَّ الثَّائرَ فِي دِمائنَا(8)كالحاكمِ في حِق نفسهِ، وهوَ اللهُ الَّذِي لاَ يعجزُهُ مِنْ طلبَ، ولاَ يفوتُهُ منْ هربَ. فأقسم أيضاً وكون الثائر کالحاكم في حق نفسه استيفاؤه الحق بنفسه البتة من غير افتقار الى الاثبات، وحکم حاکم(9)والضمير في (تعرفنها)(10)راجع الى الإمارة، أو الى الدنيا كالضمائر المتقدمة والكلام اخبار بانتقال الدولة عن بني أمية واخر

ص: 73


1- وردت في ديوان دعبل، (حين افتحها)
2- البيت لدعبل الخزاعي، من البحر البسيط، دیوانه: 84، 85
3- (الفادة) في ر، تصحيف
4- (الا وإِنَّ) في: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 96، ونهج البلاغة، تحقيق: صبحي الصالح: 190
5- (دمائها) في ع، تحریف
6- (تأر) في ر، تصحيف
7- (تأره) في ر، تصحيف
8- (تاره) في ر، تصحيف
9- (خاکم) في أ، تصحيف
10- (تعرفها) في ث، ر، تحریف

الأمويين(1)مروان بن محمد بن مروان فر يوم الزاب عن عبدالله [بن علي بن عبدالله](2)بن العباس في الحرب وقتل بأرض مصر.

(ألاَّ إِنَّ أبصرَ الأبصارِ مَا نفذَ في الخیرِ طرفُهُ! ألاَ إنَّ أسمعَ الأسماعِ مَا وعَى(3)التَّذكیَر وقبلهُ! أيُّها الناسُ، استصبحُوا منْ شعلةِ مصباحٍ واعظٍ مُتَّعظٍ، وامتاحُوا منْ صفو عینٍ قدْ روقتْ من الكدرِ) طَرف العين بالفتح نظرها يطلق على الواحد وغيره؛ لأنَّه مصدر، ويقال: طرف بعينه إذا حرك(4)جفنيها، والمرة منه طرفه ونفوذ الطرف(5)في الخير(6)روية خيار الأشياء وهي كناية عن اتباع محاسن الأشياء كما قال عز وجل: «الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ»(7)، ووعي الحديث کرمی أي حفظه وتدبره، والمصباح السراج، واستصبح به أي أسرج به، والشعلة مضافة إلى المصباح وهو الي واعظ ويظهر بعض الشروح أنه روی بتنوين مصباح، والمراد بالمصباح نفسه (عليه السلام) ووصف الواعظ بالاتعاظ(8)؛ لأن الموصوف أحرى(9)بأن يقبل قوله، والامتياح(10)

ص: 74


1- (الاموتين) في أ، ث، تصحيف
2- [علي بن عبد الله] ساقطة من ر، م
3- (وعن) في م، تحریف
4- (جرك) في م، تصحيف
5- (الظرف) في ع، تصحيف
6- (الخبر) في ع، تصحيف
7- الزمر / 18
8- (بالاتعاذ) في ث، تحریف
9- (اخری) في أ، ر، تصحيف
10- (الامتياج) في ث، ر، تصحیف، وفي م: (الاحتياج)، تحریف

نزول البئر وملؤ الدلو منها(1)، وصفو الشيء وصفوته ما صفی منه وراق الشراب يروق روقاً إذا صفا وروقته أنا ترويقاً، ووصف العين بالجملة لإفادة عدم اشتمالها على الكدر دفعاً لما توهمه اضافة الصفو اليها، والمراد بالعين أيضاً نفسه (عليه السلام). (عبادَ الله لاَ تركنُوا الَی جهالتكمْ، ولاَ تنقادُوا لأهوائكمْ(2)، فإنَّ النازلَ بهذا المنزلِ نازلٌ بشفا جرفٍ هارٍ، ينقلُ الرَّدى عنْ ظهرهِ منْ موضعٍ الى موضعٍ، لرأيٍ يحدثُهُ بعدَ رأيٍ يريد أنْ يُلْصِقَ مَا لاَ يَلْتَصِقُ، ويُقرِّب مَا لاَ يتقاربُ!) ركن الى الشيء مال إليه واعتمد عليه، وفيه لغات(3)رکن کعلم وعليه ما في الأصل كقوله تعالى: «وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ»(4)ورکن کنصر، قال الازهري: وليست بالفصيحة(5)، ورکن کمنع وهي من تداخل اللغتين(6)وفي بعض النسخ (لا تركنوا الى جهالكم) جمع جاهل، والهوى ارادة النفس والعشق يكون في الخير والشر، والشفا شفير الشيء وجانبه، والجُرُف بضمتين كما في النسخ، والجُرف بالضم ما تجرفه السيول وأكلته من الأرض، و(الهار: الساقط الضعيف)(7)، يقال: هار البناء یهور هوراً إذا سقط فهو هائر وهارٌ وهارٍ بالرفع والجر، أما هائر فهو الأصل وأما هارٌ بالرفع فعلى حذف الهمزة، وأما هارٍ بالجر فعلى نقل الهمزة الى بعد

ص: 75


1- ينظر: الصحاح، مادة (ميح): 1 / 408
2- (الى أهوائكم) في: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 136
3- ينظر: لسان العرب، مادة (رکن): 13 / 185
4- هود / 113
5- تهذيب اللغة، مادة (رکن): 10 / 189، وفيه: (وليست بفصیحة)
6- ينظر: الخصائص: 1 / 375
7- لسان العرب، مادة (هار): 5 / 268

الراء، کما قالوا في شائك السلاح، أي حديد السلاح: شاكٍ(1)، ولاث النبات أي (التف بعضه ببعض)(2)فهو لاثٍ، ثم عمل به ما بالمنقوص نحو قاض وداعٍ، والرَدی جمع رَداة بالفتح فيهما وهي (الصخرة)(3)أي ينقل الصخور عن ظهره من موضع الى موضع ولا يخفف عن نفسه بوضعها بل هو في تعب دائماً، وفسره بعض الشارحين: ب(الهلاك)(4)، والصاق ومالا يلتصق وتقريب مالا يتقارب اثبات الباطل بحجج باطلة وتقربه الى الافهام بمؤیدات فاسدة. (فاللهَ اللهَ أنْ تشكُوا الَی منْ لاَ يُشكِى شجوَكمْ، ولاَ ينقضُ برأيهِ مَا قدْ أبرمَ لكمْ.) [نصب الكلمة الجليلة بفعل مقدر، والمعنى اتقوا الله في ذلك الشكوى](5)وشكا أمره الى الله شکوی وشكاية(6)رفعه إليه ليزيل همه، أو يدفع عنه / و140 / الظلم وأشكاه أي أزال شکایته، والهمزة للسلب نحو أعربته(7)أي أزلت عربه وهو فساده، والشجو الهم والحزن و(8)الغرض النهي عن اتباع إمام لا يقدر على كشف المعضلات وحل المشكلات في المعاش والمعاد لقلة البصيرة وانحطاط الدرجة في العلم والعجز عن القيام بلوازم الأمامة کما

ص: 76


1- ينظر: المصدر نفسه، مادة (هار): 5 / 268
2- القاموس المحیط، (لوث): 1 / 174
3- لسان العرب، مادة (ردی): 14 / 319
4- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 137
5- [نصب الكلمة الجليلة بفعل مقدر، والمعنى اتقوا الله في ذلك الشكوی] بیاض في ر، م
6- (وشكابة) في ر، تصحيف
7- (اعربية) في ر، تحریف
8- (أو) في أ، ع

سبق منهم، وأبرم الحبل أي جعله طاقين ثم(1)فتله وابرم الأمر أي أحكمه ونقض الابرام حل الأشكال وكل عقد والغرض التحذير عن اتباع من لا يقدر على حلّ ما أبرمه الشيطان، وكل داع الى الباطل في صدورهم، وفي بعض النسخ (ومن ينقض برأيه) بدون كلمة (لا) فالمعنى لا تتبعوا من ينقض برأيه الفاسد ما أحكمه الشرع وفرضه عليكم ولعله أوضح. (إنهُ ليسَ علَى الإمامِ

إلاَّ مَا حُمِّلَ منْ أمرِ ربِّهِ: الابلاغُ فِي الموعظةِ، والاجتهادُ فِي النصيحةِ، والإحياءُ للسُّنَّةِ، وإقامةُ الحدودِ علَى مستحقِّيهَا(2)، واصدارُ السُهُمانِ علىَ أهلهَا) السُهُمان بالضم جمع سهم وهو (الحظ)(3) والنصيب(4)، واصدار السهم على أهله [ارجاعه](5)وايصاله إليهم من الصدور وهو رجوع الشاربة عن الماء بعد الارتواء، ولعل الغرض من النفي في الكلام ازالة الأطماع الفاسدة والتوقع للتفضيل في العطاء المعهود من السابقين (فبادرُوا العلمَ منْ قبلِ تصويحِ نبتِهِ، ومنْ قبلِ أنْ تشغلُوا بأنفسكم عنْ مستثارِ العلمِ منْ عندِ أهلهِ، وانهُوا عنْ المنكرِ وتناهُوا عنهُ، فإنَّما أمرتُمْ بالنهيِ بعدَ التناهِي) بادر الأمر(6)مبادرة وابتدره وبدر(7)غيره إليه أي عاجله، وصوح النبات إذا يبس وتشقق(8)، أو إذا

ص: 77


1- (ثم) في أ، ع، تحریف
2- (مستحيفها) في ر، تحریف
3- تاج العروس، مادة (سهم): 16 / 376، وفي ث: (الخط) تصحيف
4- المصدر نفسه، مادة (سهم): 16 / 376
5- [وارجاعه] ساقطة من ر، م
6- (العلم) في ر، م
7- (وابتدر وبدره) في م
8- الصحاح، مادة (صوح): 1 / 384

جف أعلاه، وتصویح(1)نبت(2)العلم كناية عن ذهاب العالم، كما قال (عليه السلام): (سلوني قبل أن تفقدوني) والاستثارة الانهاض، والتهيج والمستثار مصدر بمعناه والتناهي والانتهاء الكف والترتيب بين الأمر بالنهي، والأمر بالتناهي لا بين النهي والتناهي حتى يلزم الاشتراط وتقديم الأمر بالتناهي لكون اصلاح المرء نفسه أهم من الاعتناء بإصلاح غيره، ولما ورد من أن الموعظة إذا خرجت من القلب أثرت في القلب، وإذا خرجت من اللسان لم تتجاوز(3)الآذان، ويمكن أن يعتبر الترتيب بين النهي والتناهي لذلك فالمراد بالأمر الأمر الاستحساني والله تعالى يعلم.

[وفي خطبة له (عليه السلام)]

(الحمدُ للهِ الَّذِي شرعَ الاسلامَ فسهلَ شرائعهُ لمنْ وردهُ. وأعزَّ أركانهُ علَى منْ غالبهُ، فجعلهُ أمناً لمنْ عَلِقَهُ، وسِلماً لمنْ دخلهُ، وبُرهاناً لمنْ تكلَّم بهِ،

وشاهداً لمنْ خاصمَ به(4)، ونُوراً لمنِ استضاءَ(5)بهِ) الشَرع بالفتح والشريعة ما شرع الله لعباده من الدين أي سنه وافترضه عليهم، وشرع الله لنا كذا أي اظهره وأوضحه، والشريعة مورد الإبل على الماء الجاري، وكذا المشرعة، قال الازهري: ولا تسميها العرب مشرعه إلاَّ إذا كان الماء غير منقطع کماء

ص: 78


1- (تضویح) في ث، تصحيف
2- (بنت) في أ، ر، تصحيف
3- (يتجاوز) في م، تصحيف
4- (عنه) في: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 139، ونهج البلاغة، تحقيق: صبحي الصالح: 192
5- (تضاء) في م، تحریف

الأنهار، ويكون ظاهراً معيناً ولا يستقي منه برشاء فإن كان من ماء الأمطار فهو الکَرَع بفتحتين(1)، والناس في هذا الأمر شَرَع بفتحتين، وشْرَع بسكون الراء للتخفيف أي سواء ووردت الماء کوعدت إذا حضرته لتشرب، ورکن الشيء (جانبه)(2)، أو الجانب الأقوى منه(3)والعزو والمنعة وما يتقوى به من ملك وجند وغیرہ کما يستند الى الركن من الحائط عند الضعف، والعز: (القوة والشدة والغلبة)(4)، وأعزه أي جعله عزيزاً، وغالبه أي حاول أن يغلبه، واعزاز أركانه على من غالبه تأییده حتى يقهر من نازعه، والأمن ضد الخوف، وعلقه وعلق به کفرح إذا نشب به واستمسك والتعليق بالمصدر للمبالغة، والسِلم بالکسر کما في النسخ وكذلك بالفتح الصلح وكونه سلما لمن دخله أنَّ من دخله لا يحارب(5)والبرهان الحجة والدليل، (وفهماً لمنْ عَقَلَ، ولباً لمنْ تدبَّرَ، وآيةً لمنْ توسمَ، وتبصرةً لمنْ عزمَ، وعبرةً لمنْ اتعظَ، ونجاةً لمنْ صدق، وثقةً لمنْ توكلَ، وراحةً لمنْ فوضَ، وجنةً لمنْ صبرَ) عقلت الشيء عقلاً كضربت أي تدبرته، وعقل كعلم لغة فيه، والموجود في النسخ هو الأول، / ظ 140 / ويمكن أن يراد بمن عقل من كان [من](6)أهل العقل وهو قوة بها يكون التميز بين الحسن والقبيح، وقيل: غريزة يهيأ بها الإنسان لفهم الخطاب، واللُب بالضم العقل، والآية: العلامة، والتوسم:

ص: 79


1- ينظر: تهذيب اللغة، مادة (شرع): 1 / 425
2- لسان العرب، مادة (رکن): 13 / 185
3- ينظر: المصدر نفسه، مادة (رکن): 13 / 185
4- تاج العروس، مادة (عزز): 8 / 100
5- (يجارب) في ث، م، تصحيف
6- [من] ساقطة من، أ، ع

التفرس وهو التثبت والنظر، والعزم الجد والصبر وتوكيد الرأي على الطاعة والوفاء بعهد الله، والعِبرة بالكسر ما يتعظ به الإنسان ويعتبره ليستدل به على غيره، والمراد بالثقة ما يؤتمن ويعتمد عليه، يقال: وثِقت به أثِق بكسر هما ثقة ووثوقاً أي أئتمنه ووثُق الشيء بالضم وثاقه فهو وثيق، أي ثابت محكم، وتوكل أي فوض الأمر وسلم، والجُنة بالضم كل ما وقی من سلاح وغيره (فهوَ أبلجُ(1)المناهجِ، واضحُ الولائجِ، مشرفُ المنارِ، مشرقُ الجوادِّ، مضيءُ المصابيحِ، كريمُ المضمارِ، رفيعُ الغايةِ، جامعُ الحلبةِ، متنافسُ السبقة، شريفُ الفرسانِ) البلوج الاشراق(2)وصبح أبلج أي: (مشرق مضيء)(3)، والمنهج والمناهج الطريق الواضح، والولائج جمع وليجة وهي المدخل الى الوادي(4)وغيره(5)، والمشرف العالي، والمنار جمع منارة وهي (العلامة) وأصلها منورة موضع النور والاشراق الاضاءة، واشراق الجواد وضوح الطرق، والمضمار موضع تضمير الفرس، أو زمانه وهو أن يعلف حتى يسمن ثم يرد الى القوت، وذلك في أربعين يوماً، والغاية منتهى السباق(6)، أو الراية المنصوبة في آخر المسافة وهي خرقة تجعل(7)على قصبة وتنصب في آخر المدى يأخذها(8)

ص: 80


1- (أبلح) في م، تصحيف
2- الصحاح، مادة (بلج): 1 / 300
3- المصدر نفسه، مادة (بلج): 1 / 300، وفيه: (مشرق ومضيء)
4- (الواذي) في أ، تصحيف
5- ينظر: تاج العروس، مادة (ولج): 3 / 510
6- (السياق) في م، تصحيف
7- (يجعل) في أ، ث، ر، ع، ن، تصحيف، والصواب ما اثبتناه
8- (يأخدها) في أ، ن، وفي ر: (باخدها)، تصحيف

السابق من الفرسان، والحَلبة بالفتح: خیل تجمع للسباق(1) من كل أوب أي ناحية لا تخرج(2)من اصطبل واحد)(3)، ويقال للقوم إذا جاءوا من كل أوب للنصرة، قد أحلبوا(4)وكون الحَلبة(5)جامعة عدم خروج أحد منها، والتنافس الرغبة في الشيء النفيس الجيد في نوعه، والسبقة بالسكون - كما في النسخ - مصدر سبقت، والسَبق بالتحريك: ما يجعل من المال رهناً على المسابقة، والفُرسان بالضم جمع فارس کالفوارس وقد فسر (عليه السلام) ما أبهم من الأمور المذكورة فقال: (التصديقُ منهاجُهُ، والصالحاتُ منارهُ، والموتُ غايتهُ، والدنُّيَا مضمارُهُ، والقيامةُ حلبتهُ(6)، والجنَّةُ سبقتهُ) الصالحات الأعمال الصالحة وكونها مناراً لإضاءتها وإشراقها؛ ولأنه يُهتدى بها من يهتدي، وكون الموت غاية؛ لأنه نهاية المُدة، أو لأنه الفائدة المطلوبة من السباق؛ لأن الدنيا سجن المؤمن وبه الخلاص والفوز بالسعادة الابدية، والدنيا مضمار؛ لأنها دار ممر لا دار مقرّ(7)وفيها يستعد الفائزون للجنة والدرجات العالية، وكرم ذلك المضار لكونه جامعاً لجهات المصلحة التي خلق لأجلها وهي: اختبار(8)العباد، وفوز الفائزين، ولا ينافي ذلك ما ورد في ذم الدنيا؛ لأنه يرجع [الى

ص: 81


1- (للسياق) في ع، تصحيف
2- (یخرج) في ر، م، تصحيف
3- الصحاح، مادة (حلب): 1 / 114
4- (أجلسو) في ع، تحریف
5- (الحلية) في أ، تصحيف
6- (جلسته) في ث، ر، وفي م: (جلسة)، تحریف
7- (مفر) في ر، صحیف
8- (اختيار) في أ، ع، تصحيف

ذم](1)من ركن إليها، وقصر النظر عليها، وقد أوضح (عليه السلام) [...](2)هذا المعنى في كلام له وقد سمع رجلًا يذم الدنيا کما سيجيء إن شاء الله تعالى. والقيامة جلسة أي ذات جلسة وموضعها الذي يجتمع الكل فيها من كل ناحية والجنة سبقته أي جزاء سبقته، ويحتمل أن يكون إسكان الباء في الموضعين من قلم النساخ، وقد مرَّ في كلامه (عليه السلام) (الا وإنَّ اليوم المضمار، وغداً السباق) والسبقة الجنة والغاية النار.

[منها في ذكر النَّبِي (صلَّى اللهُ عليهِ والهِ)](3): (حتَّى أورى قَبساً لقابسٍ، وأنارَ علماً لحابسٍ، فهوَ أمينكَ المأمونُ، وشهيدكَ يومَ الدِّينِ، وبعيثكَ نعمةً، ورسولكَ بالحقِ رحمةً.) وری(4)الزند کرمی إذا خرجت ناره(5)وأوراه غيره إذا استخرج ناره، والقبس(6)الشعلة، والقابس طالب الاستصباح منها أي حتى أظهر نور الحق للطالبين، والعلم بالتحريك المنار والجبل وإنارة العلم أن يوقد عليه النار ليهتدي المهتدي بالليل، ولعل المراد بإنارة العلم تعيين الإمام والنص عليه، والحابس الذي حبس ناقته لا يدري كيف يهتدي المنهج وهو أمينك أي من ائتمنته على الوحي وتبليغ الرسالات، وهو المأمون أي في نفس الأمر حقاً وشهیدك يوم الدين أي على أمته وعلى / و141 / الأنبياء (عليهم السلام) کما تقدم، والبعيث المبعوث أي من بعثته نعمه على العباد

ص: 82


1- [الى ذم] ساقطة من، ر، م
2- [في] زيادة في ر
3- [منها في ذكر النَّبِي (صلىَّ اللهُ عليهِ والهِ) بیاض في ث
4- (وروی) في ر، تحریف
5- (ناره) في ر، تصحيف
6- (العابس) في م، تحریف

بهدايتهم الى الجنة والحق ورسولك رحمة كما قال عز وجل: «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ»(1)، قيل: أي (ما بعثت به سبب لإسعادهم وموجب اصلاح معاشهم ومعادهم، وقيل: كونه رحمة للكفار أمنهم من الخسف والمسخ وعذاب الاستئصال)(2).

(اللهمَّ اقسمْ لهُ مقسماً من عدلكَ، واجزهِ(3)مضاعفاتِ(4)الخیِرِ منْ فضلكَ اللهمَّ. أعلِ(5)علىَ بناءِ البانیَن بناءهُ، وأكرمْ لديكَ نزلهُ، وشرِّف عندكَ منزلته(6)، وآتِهِ الوسيلة، وأعطه السناء والفضيلة) المقسَم بفتح السين النصيب ويحتمل المصدر، والتنوين للتعظيم، أو المراد أعطه مقسماً يستحقه كما هو مقتضى العدل، وقوله: ((واجزه مضاعفات الخير)) دعاء(7)له بأن يعطيه أضعاف ما يستحقه من الإنعام والإحسان بالتفضل، وفي بعض النسخ (مضعفات الخير)(8)على صيغة المفعول من باب التفعيل، وضعف الشيء إذا

ص: 83


1- الأنبياء / 107
2- أنوار التنزيل وأسرار التأويل: 4 / 61
3- (واجره) في ث، تصحيف
4- (مضعفات) في: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 140، ونهج البلاغة، تحقيق: صبحي الصالح: 193
5- (واعل) في: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 140
6- (منزله) في: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 140، ونهج البلاغة، تحقيق: صبحي الصالح: 193
7- (دعا) في م
8- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 140، ومنهاج البراعة في شرح نهج البلاغة: 1 / 451، وشرح نهج البلاغة، البحراني: 3 / 33

زاد(1)وضعفته، واضعفته، وضاعفته بمعنى وضعف الشيء، قيل: هو مثله وضعفاه(2)مثلاه، وقال الخليل: التضعيف أن يزاد على أصل الشيء فيجعل مثلين أو أكثر(3)، وكذلك الأضعاف والمضاعفة، وقال الأزهري: ((الضِعف في كلام العرب المِثل))(4)هذا هو الأصل، ثم استعمل الضعف في المثل وما زاد وليس للزيادة حد، قال: ((وجاز في كلام العرب هذا ضعفه أي مثلاه وثلاثة أمثاله؛ لأن الضعف زيادة غير محصورة))(5)، والبِناء بالكسر مصدر بناه يبنيه نقیض(6)هدمه، والمبنى أيضاً ويجمع على أبنية، والمراد بناؤه قواعد دينه أو كمالاته (صلى الله عليه واله) التي بناها لنفسه بالأعمال والعبادات أو إعلاء(7)البناء كناية عن رفع الدرجة، والنُزُل بضمتين ما هُيء للضيف أن ينزل من طعام ونحوه(8)، والمنزلة ((الدرجة))(9)، ((وموضع النزول))(10)، والمنزل الموضع أي شرف مقامه في حضرة القدس والوسيلة درجة رفيعة في الجنة أعدت له (صلى الله عليه واله)، وهي في الأصل ما يتوسل به الى الشيء

ص: 84


1- (راد) في ر، تصحيف
2- (وضعفاء) في ر، ع، وفي م: (وصعفاه)، تصحيف
3- العين، مادة (ضعف): 1 / 282
4- تهذيب اللغة، مادة (ضعف): 1 / 480
5- المصدر نفسه، مادة (ضعف): 1 / 480، 481
6- (بفيض) في ر، تصحيف
7- (أعلاه) في ر، م، تحریف
8- ينظر: لسان العرب، مادة (نزل): 11 / 658
9- المصدر نفسه،، مادة (نزل): 11 / 658
10- المصدر نفسه،، مادة (نزل): 11 / 658

ويتقرب به، والسناء بالمد الرفعة، وفي الحديث: ((بشر أمتي بالسناء))(1)أي بارتفاع القدر والمنزلة عند الله تعالى. (واحشرنَا فِي زمرتِهِ، غیرَ خزايَا

ولاَ نادمینَ، ولاَ ناكبینَ، ولَا ناكثینَ، ولَا ضالِّینَ، ولَا مفتونینَ(2)وقد مضى هذا الكلام فيما تقدم إلاَّ أنا کررناه هاهنا لما في الروايتين من(3)الاختلاف ((الزُمرة بالضم: الفوج))(4)، ((والجماعة في تفرقة))(5)، وخزي کرضي ((وقع في بلية(6)وشهرة فذل بذلك))(7)، والنعت خزیان وخزي كعطشان وعطشی والجمع خزايا أي غير خزایا بقبائح الذنوب وفضائح الأعمال بالتوفيق للترك في الدنيا، أو الستر في الآخرة، ولا نادمين أي على التفريط في جنب الله والعمل بطاعته، ونكب عن الطريق كنصر وفرح أي عدل عنه(8)أي ولا عادلين عن الصراط المستقيم بالميل إلى الافراط والتفريط، والنَكث بالفتح نقض العهد، والاسم النِكث بالكسر، يقال: نکث کضرب ونصر أي ولا ناقضين(9)لعهود الله ومواثيقه. قال الله تعالى: «أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ

ص: 85


1- المستدرك، النيسابوري: 4 / 318، والمبسوط، السرخسي: 7 / 5، والنهاية في غريب الحديث والأثر: 2 / 414
2- (ولا مضلين، ولا مفتونين) في: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 140، ونهج البلاغة، تحقيق: صبحي الصالح: 193
3- (في) في أ، ع، تحریف
4- تاج العروس، مادة (زمر): 6 / 470
5- المصدر نفسه، مادة (زمر): 6 / 470
6- (بليته) في ر، م، ن، تحریف
7- القاموس المحيط، مادة (خزي): 4 / 324
8- ينظر: الصحاح، مادة (نکب): 1 / 228
9- (ناقصين) في ر، م، تصحيف

لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ»(1)، وذلك العهد يوم الميثاق أو على ألسنة الرسل والأوصياء (عليهم السلام) وبنصب الحجج والبراهين. وفتنه کضربه إذا امتحنه وقد كثر استعمال الفتنة في الاختبار بالمكروه، ثم كثر حتى استعمل بمعنى الإثم والكفر والقتال والعذاب والإحراق والإزالة والصرف عن الشيء والفضيحة والاضلال وغير ذلك.

[منها في خطاب أصحابه](2): (وقدْ بلغتمْ منْ كرامةِ اللهِ(3)لكمْ بمنزلةٍ تكرمُ بِها إماؤكمْ، وتوصلُ بِها جيرانكمْ ويفضلكمْ منْ لاَ فضلَ لكمْ عليهِ، ولَا يد لكمْ عندهُ، ويهابكمْ منْ لا يخاف لكمْ سطوةً، ولَا لكمْ عليهِ إمرةٌ) الوصل ضد القطع والهجران، يقال: وصله وصلاً / ظ 141 / وصلةً، والهاء عوض عن الواو وصلة الرحم وغيره كناية عن الإحسان إليهم والتعطف عليهم والرفق بهم كأنه بالإحسان اليهم قد وصل ما بينه وبينهم من علاقة القرابة ونحوها، والجار الذي اجرته من أن يظلم، والمجاور في المسكن والحليف والناصر والجمع جِيران وجِيرة بالكسر فيهما، واليد النعمة والإحسان، وهابه کخافه وزناً ومعنی، والسطوة: (البطش بشدة)(4)، يقال: سطا عليه وبه(5)سطواً وسطوة إذا قهره وأذله(6)، والإمرة والإمارة الولاية، قال بعض

ص: 86


1- يس / 60
2- [منها في خطاب أصحابه] بیاض في ث
3- (الله تعالى) في: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 140، ونهج البلاغة، تحقيق: صبحي الصالح: 193
4- المصباح المنير، مادة (الاسطوانة): 1 / 276
5- [به] ساقطة من ر
6- ينظر: المصباح المنير، مادة (الاسطوانة): 1 / 276

الشارحين: هذا خطاب لأصحابه الذين أسلموا مدنهم(1)ونواحيهم الى جيوش معاوية التي كانت تُغير على أطراف أعماله (عليه السلام) کالأنبار وغيرها، قال (عليه السلام): إنَّ الله أكرمكم بالإسلام بعد أن كنتم مجوساً أو عباد أصنام، وبلغتم من كرامة الله إياكم بالإسلام منزلة عظيمة تكرم بها إماؤكم، ومن كانت مظنة المهانة والذلة [و](2)توصل بها من التجأ إليكم من مُعاهد أو ذمّي ويحفظ دماؤهم وأموالهم ويعظمكم من لا فضل لكم عليهم، ولا نعمة لكم عندهم(3)کالروم والحبشة فإنَّهم عظموا مسلمي العرب لتقمصهم لباس الدين ولزومهم ناموسه واظهارهم شعاره. ويهابكم من لا سطوة لكم عليهم، ولا لكم عليهم إمرة، كالملوك الذين في أقصى البلاد کالهند والصين، وذلك؛ لأنَّه شاع وذاع إنَّ المسلمين قوم صالحون، إذا دعوا الله استجاب لهم، وأنهم يقهرون الأمم بالنصر من السماء وبالملائكة(4). (وقدْ ترونَ عهودَ اللهِ منقوضةً فَلَا تغضبونَ، وأنتمْ لنقضِ(5)ذممِ آباؤكمْ تأنفونَ، وكانتْ أمورُ اللهِ عليكمْ تردُ، وعنكمْ تصدرُ، وإليكمْ ترجعُ، فمكَّنتمْ الظلمةَ منْ منزلتكمْ، وألقيتمْ إليهمْ أزمتكمْ، وأسلمتمْ أمورَ اللهِ فِي أيديهمْ، يعملونَ

بالشبهاتِ، ويسیرونَ فِي الشهواتِ) الواو في (وأنتم) للحال، والذمم جمع ذمة والذِمة والذِمام بالكسر فيهما العهد والأمان والضمان والحرمة والحق، قيل سمي الذمام لأنَّه يذم الرجل على اضاعته، وأنف کفرح استنكف والغرض

ص: 87


1- (مدتهم) في ع، تصحيف
2- [و] ساقطة من ع
3- (عندي) في أ، ع، تحریف
4- ينظر: شرح نهج اللاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 143، 144
5- (لنقص) في ر، م، تصحيف

توبيخهم على تركهم انكار المنكرات وعدم غضبهم منها وهو الرضا بالمنكر حقيقة، وسيجيء في كلامه (عليه السلام) أنَّ الراضي بفعل قوم کالداخل فيه معهم، والمراد بنقض(1)العهود ما ظهر من الناكثين والقاسطين والمارقين وأهل الشام وغيرهم من نقض البيعة وقتل(2)المسلمين والإغارة عليهم والخروج عن طاعة الإمام وغير ذلك من المنكرات ولا ريب أنَّ السكوت عن انکار تلك المنكرات مع الاستنكاف عن نقض ذمم الاباء يدل على أنَّ عهود الله أضعف عندهم من عهود آبائهم وهو في معنى الكفر وكانت أمور الله عليكم ترد أي وأنتم المخاطبون بالأوامر والنواهي فلا يليق بكم السكوت عن نقض العهود على ما يظهر من كلام بعض الشارحين(3)، أو وكنتم قبل(4)ذلك في أيام الرسول (صلى الله عليه واله) موارد أمور الله ومصادرها مطيعين له منکرین للمنكرات فلماذا تركتم الطاعة؟ ورضيتم بالمنكرات ونقض العهود! ولا يبعد تخصيص الورود بالسؤال والصدور بالجواب والرجوع بالتحاكم، ويمكن(5)تعميم الورود والصدود وإن يراد بالرجوع رجوع النفع والضر في الآخرة والدنيا. وقال بعض الشارحين: كانت أمور الله عليكم ترد أي بتعليمي لكم وعنكم تصدر الى من تعلمونه إياها، ثم إليكم ترجع بأن يتعلمها بنوكم وإخوتكم(6)، والمراد بالظلمة أئمة

ص: 88


1- (بنقص) في م، تصحيف
2- (قيل) في ر، تصحيف
3- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 144
4- (قيل) ذلك في أ، ع، تصحيف
5- (تمكن) في ر، تصحيف
6- قول متصرف به، ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 144

الضلال، وزَمَّه(1)أي شدة وزمام البعير ککتاب، الخيط الذي يشد في البرُة أو في الخشاش ثم يشد في طرفه المقود، وقد يسمى المقود زماماً، والبرة حلقة من صفر ونحوه تجعل في أنف البعير، والخشاش من الخشب كما تقدم(2)، والشبهة الباطل الشبيه بالحق والسير في الشهوات العمل بما (يقتضيه)(3)الهوى و(تميل)(4)إليه النفس الامارة بالسوء، (وايمُ اللهِ لوِ فرقوكمْ تحتَ كُلِّ كوكبٍ، لجمعكُم / و142 / اللهُ لشرِّ يومٍ لهُمْ) أي لو فرقتكم بنو أمية لدفع ما سینزل عليكم من البلاء تحت کل کوکب لم ينفعكم ذلك، وجمعكم الله ليوم هو شر الأيام لهم فيعمكم البلاء وهو يوم ظهور المسودة، أو ظهور المهدي (عليه السلام) والجمع في الرجعة.

[ومن خطبة له (عليه السلام) في بعض أيام صفين]

صفين كسجين موضع قرب الرقة بشاطئ الفرات كانت به الوقعة العظمی غرة صفر سنة سبع وثلاثين، ومن ثم احترز(5)الناس من السفر في صفر وفي بعض النسخ (الصفين) معرفاً باللام وبدونها أكثر (وقدْ رأيتُ

ص: 89


1- (ورمه) في م، تصحيف
2- [كما تقدم] ساقطة من ر
3- (يقتصیه) في ن، تصحيف
4- (يميل) في أ، ث، ر، ع، م، ن، تصحيف، والصواب ما اثبتناه
5- (خرز) فيع، تحریف

جولتكُمْ(1)وانحيازكُمْ عنْ صفوفكمْ، تحوزكمُ(2)الجفاةُ الطغامُ(3)، وأعرابُ أهلَ الشامِ، وأنتمْ لهاميمُ العربِ، ويأفيخُ الشرفِ، والأنفُ المقدَّمُ، والسنامُ الأعظمُ.) جال(4)في الحرب وفي البلاد جولة أي طاف، وانحاز عنه أي عدل وانحاز القوم أي تركوا مراكزهم، والجفاة جمع جاف من الجفاء وهو ضد البر(5)، ويقال: الجفاء غالب على أهل البدو أي الفضاضة، والغلظ في العشرة(6)، والحرق في المعاملة، وترك الرفق، قيل: هو (مأخوذ من جفا الثوب يجفو(7)إذا غلظ)(8)، والطَغام(9)بالفتح الأوغاد والأراذل والحمق(10)، والعَرب بالتحريك خلاف العجم مؤنث وهم سكان الأمصار، أو عام والأعراب(11)منهم سكان البادية لا واحد لها، ويقال للواحد: إعرابي، وقال الازهري(12): الأعراب أصحاب نجعة وارتياد للكلأ سواء كانوا من العرب أو من مواليهم ومن نزل بلاد [...](13)الريف واستوطن المدن والقرى وغيرها ممن ينتمي الى

ص: 90


1- (حولتكم) في ث، تصحيف
2- (تحوركم) في ث، (تجوزكم) في ر، م، تصحيف
3- (الطعام) في ر، تصحیف، وفي ع: (الغطام) تحریف
4- (حال) في أ،، ع تصحيف
5- ينظر: الصحاح، مادة (جفا): 6 / 2303
6- (العسرة) في م، تصحيف
7- (یجف) في م، تحریف
8- المصباح المنير، مادة (جفا): 1 / 104
9- (الطعام) في أ، ع، تصحيف
10- ينظر: تاج العروس، مادة (طغم): 17 / 441
11- (العراب) في م، تحریف
12- ينظر: تهذيب اللغة، مادة (عرب): 2 / 360، 361
13- [العرب] زيادة في أ، ع

العرب فعرب وإن لم يكن فصيحاً، ويقال: العرب العاربة هم الذين تكلموا بلسان يعرب بن قحطان، وهو اللسان القديم، والعرب المستعربة هم الذين تكلموا بلسان إسماعيل بن إبراهيم (عليهما السلام) وهو لسان الحجاز وما والاها(1)، واللهامیم جمع لهموم وهو: (الجواد من الناس والخيل)(2)واليأفيخ جمع یافوخ (وهو الموضع الذي يتحرك من رأس الطفل)(3)، ويافوخ الليل (معظمه)(4)، وقيل: إن (أصله يفخ)(5)، والجمع (يوافيخ)(6)، والغرض من الكلام تبكيت الاصحاب وتوبيخهم باختيار الفرار والرضا بالمهانة مع أنهم أهل الشرف في العرب وبمنزلة اليافوخ الذي هو أرفع الأعضاء والأنف الذي به حسن الوجه وهو المقدم على سائر الأعضاء، والسنام الذي هو أعلى بالنسبة الى سائر الأعضاء من الجمل. (ولقدْ شفى و حاوحَ صدرِي أنْ رأيتكمْ بآخرةٍ، تحوزونهمْ كمَا حازوكمْ، وتزيلونهمْ عنْ مواقفهمْ كمَا أزالوكمْ، حَسّاً بالنضالِ(7)، وشجراً بالرماحِ، تركبُ أولاهمْ آخراهم(8)كالابلِ الهيمِ المطرودةِ، تُرمى عن حياضهَا، وتذادُ عنْ مواردهَا) (الوحوحة: صوت معه بحح)(9)

ص: 91


1- ينظر: المصباح المنير: 2 / 400
2- تاج العروس، مادة (لهم): 17 / 670
3- المصدر نفسه، مادة (أفخ): 4 / 257
4- المصدر نفسه، مادة (أفخ): 4 / 257
5- المصدر نفسه، مادة (أفخ): 4 / 257
6- المصدر نفسه، مادة (أفخ): 4 / 257
7- (بالنصال) في: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 145، ونهج البلاغة، تحقيق: صبحي الصالح: 195
8- (اخريهم) في ث، ر، م، تصحیف
9- تاج العروس، مادة (وحح): 4 / 245 وفي ر: (بحج) وفي ع: (نحج)

يصدر عن المتألم، والمراد بوحوحة الصدر حرارته وحرقته من الغيظ، وبآخرةٍ بالتحريك أي أخيرا، يقال: جاء بأخره وأخرةً وأخيراً وأُخُر بضمتين، والحوز الجمع وضم الشيء والسوق اللين والشديد ضد، والمراد السوق الشديد وإن كان الجمع ملزوماً لنوع من الغلبة، وحسَّسناهم حساً بالفتح أي استأصلناهم قتلاً، ويقال: حس البرد الکلاء إذا ذهب به، والنصال بالمهملة جمع نصل وهو نصل السهم والسيف وغيرهما، وفي بعض النسخ(1)بالمعجمة مصدر ناضلته إذا راميته(2)والأول أنسب، وشجرت زيداً بالرمح طعنته وموصوف الأولى والأخرى الكتيبة والطائفة ونحوهما، والهِيم بالكسر العطاش، والرمي عن الحياض بيان للطرد ولا تطرد الإبل عن حياضها إلاَّ بطرد شدید وزجر عنيف، والذود(3)الصد والمنع، ومواردها المواضع التي تردها للشرب من الأنهار وغيرها، والكلام تأليف لقلوبهم بعد التوبيخ والزجر حذراً من النفار(4)وتحريص على الإقدام.

[ومن خطبة له (عليه السلام) وهي من خطب الملاحم]

الملحمة هي (الحرب)(5)أو الوقعة العظيمة في الحرب، وموضع القتال(6)،

ص: 92


1- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 145، ونهج البلاغة، تحقيق: صبحي الصالح: 195
2- (میته) في أ
3- (النور) في ر، تصحيف
4- (النقار) في ر، تصحیف، وفي ع: (النهار)، تحریف
5- لسان العرب، مادة (لحم): 12 / 537
6- ينظر: المصدر نفسه، مادة (لحم): 12 / 537

(مأخوذ من / ظ 142 / اشتباك الناس واختلاطهم فیها کاشتباك لحمة الثوب بالسدی)(1)، وقيل: (هو من اللحم لكثرة لحوم القتلى فيها)(2)(الحمدُ للهِ المتجلِّي لِخلقهِ بخلقهِ، وَالظاهر لقلوبهمْ بحجتهِ، خلقَ الخلقَ منْ غیرِ رويَّةٍ، إذْ كانتِ الروياتُ لاَ تليقُ(3)إلاَّ بذوِي الضمائرِ، وليسَ بذِي ضمیرٍ فِي نفسهِ. خرقَ علمُه باطنَ غيبِ الستراتِ، وأحاطَ بغموضِ عقائدِ السريراتِ) التجلي هو الانكشاف، والخلق الثاني يحتمل المصدر والمخلوق، والروية الفكر والتدبر وما يرويه الإنسان في نفسه من القول والفعل أي يزور ويفكر وهي كلمة جرت على ألسنتهم بغير همز تخفيفاً وأصلها الهمز(4)، يقال: (روأت في الأمر)(5)أي نظرت فيه، والضمير الاسم من أضمرت في نفسي شيئاً، أي أخفيت وضمير الإنسان قلبه وباطنه ويجمع على ضمائر تشبيهاً بسريرة وسرائر، وإن كان القياس في باب فعيل إذا كان اسماً لمذكر أن يجمع على أفعلة وفعلان کرغيف وأرغفة ورغفان(6)، والمراد بالضمير أما القلب، أو ما يضمر من الصور، والظرف أما صفة أي كائن في نفسه، أو المعنى ليس بذي ضمير في حد ذاته إذا تأمل فيه متأمل بصحيح النظر، والسُترة بالضم ما یستر به كائناً ما كان والغامض من الأرض المطمئن ومن الكلام وغيره خلاف الواضح والعقيدة ما عقد عليه القلب وقد يخص بما يدين الإنسان

ص: 93


1- المصدر نفسه، مادة (لحم): 12 / 537
2- المصدر نفسه، مادة (لحم): 12 / 537
3- (يليق) في ر، تصحيف
4- ينظر: لسان العرب، مادة (روي): 14 / 350، وفي ث: الهمر
5- المصدر نفسه، مادة (روي): 14 / 350
6- ينظر: کتاب التكملة، أبو علي الفارسی: 437

به، والسريرة كالسر الذي يكتم، والغرض من الكلام واضح.

[منها في ذكر النبي (صلى الله عليه واله)](1): (اختارهُ منْ شجرةِ الأنبياءِ، ومشكاةِ الضياءِ، وذؤابةِ العلياءِ، وسرةِ البطحاءِ، ومصابيحِ الظلمةِ، وينابيعِ(2)الحكمةِ) المشكاة قيل کوة غير نافذة يجعل فيها المصباح(3)، وقيل: عمود القنديل الذي فيه الفتيلة(4)، وقيل: القنديل، والذُؤابة بالضم والهمزة(5)(الناصية)(6)، أو منبتها من الرأس(7)، وقيل: الضفيرة من الشعر إذا كانت مرسلة فإذا كانت ملوية فهي عقيصة(8)، [وفي النسخ بالواو، وقال الفيروز آبادي: (الأصل الهمز، ولكنه جاء على غير قياس)(9)](10)، والعَلياء بالفتح والمد (كل مكان مشرف)(11)، و(السماء)(12)، و(رأس الجبل)(13)، والسُرة بالضم ما يبقى بعد القطع مما تقطعه القابلة، والسرر بالتحريك والسُر بالضم ما

ص: 94


1- [منها في ذكر النبي (صلى الله عليه واله)] بياض في: ث
2- (يبابيع) في ع، تصحيف
3- ينظر: تاج العروس، مادة (شکی): 19 / 582
4- ينظر: المصدر نفسه، مادة (شکی): 19 / 582
5- (الهمز) في ث
6- لسان العرب، مادة (ذأب): 1 / 379
7- ينظر: المصدر نفسه، مادة (ذأب): 1 / 379
8- ينظر: المصباح المنير، مادة (ذاب): 1 / 211، وفي ث: (عقيضه) تصحيف
9- القاموس المحيط، مادة (ذاب): 1 / 69
10- [وفي النسخ بالواو، وقال الفيروز آبادي: (الأصل الهمز، ولكنه جاء على غير قیاس)] ساقطة من ر، م
11- لسان العرب، مادة (علا): 15 / 90
12- المصدر نفسه، مادة (علا): 15 / 90
13- المصدر نفسه، مادة (علا): 15 / 90

تقطعه، وسرة البطحاء وسطها(1)تشبيها بسرة الانسان والبطحاء والابطح (مسيل واسع فيه دقاق الحصى)(2)، وقيل: ((بطحاء الوادي وابطحه حصاه اللين في بطن المسيل))(3)، وكانت بنو كعب بن لؤي(4)يفتخرون(5)على بني عامر بن لؤي(6)بأنهم سكنوا البطاح، وسكنت بنو عامر الجبال المحيطة(7)بمكة، وسكن معها بنو فهر بن مالك(8)رهط أبي عبيدة بن الجراح(9)

ص: 95


1- ينظر: تاج العروس، مادة (سرر): 6 / 514
2- الصحاح، مادة (بطح): 1 / 356
3- النهاية في غريب الحديث والاثر: 1 / 134، وتاج العروس، مادة (بطح): 4 / 13
4- (يفتحرون) في ث، تصحيف
5- کعب بن لؤي بطن من غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر، من العدنانية، وكان كبيرهم کعب بن لؤي يكنى أبو هصيص، وهو خطیب، عظيم القدر عند العرب، وهو أول من سنَّ الاجتماع يوم الجمعة. ينظر: الاعلام: 5 / 228، ومعجم قبائل العرب: 3 / 987
6- عامر بن لؤي: بطن من قريش، من العدنانية، وهو: بنو عامر بن لؤي بن غالب بن فهر بم مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة (عمرو) بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن العدنان) معجم قبائل العرب: 2 / 713
7- (المحيط) في ث
8- فهر بن مالك: بطن من كنانة من العدنانية، وهو: بنو فهر بن مالك بن النضر بن كنانة، وقريش كلهم ينسبون اليه) معجم قبائل العرب: 3 / 929
9- هو: عامر بن عبد الله بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة أبو عبيدة، اشتهر بكنيته ونسبته الى جدهِ فيقال: أبو عبيدة بن الجراح، أمه أميمة بنت غنم بن جابر من بني الحارث، شهد بدراً واحداً والمشاهد كلها مع رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وهو من السابقين إلى الإسلام، هاجر الى الحبشة والى المدينة وكان يدعى (القوي الأمين)، ولاه الخليفة عمر بن الخطاب قيادة الجيش الزاحف الى الشام بعد خالد بن الوليد فتم له فتح الديار الشامية، وبلغ الفرات شرقاً وآسيا الصغری شمالاً، وكان أهتم؛ ذلك انه نزع الحلقتين اللتين دخلتا في وجه الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) من المغفر يوم احد فانتزعت ثنيتاه، توفي بطاعون عمواس سنة (18 ه)، ودفن بغور بيسان. ينظر: أنساب الاشراف: 1 / 223، 224، وأسد الغابة: 3 / 84، 85، وسیر أعلام النبلاء: 1 / 5، والأعلام: 3 / 252

وغيره، قال الشاعر:

فحللت منها بالبطاح ٭٭٭ وحل غيرك بالظواهر(1)

وقال بعض الطالبين:

وأنا ابن معتلج البطاح إذا غدا ٭٭٭ غيري، وراح(2)على متون ظواهر

والمصباح السراج أُضيف إليها؛ لأنَّها محيطة به وكالمكان له، أو لأنَّه المزيل لها فله نوع اختصاص بها، والينبوع العين، وقيل: الجدول الكثير الماء ونبع الماء إذا خرج من العين، قال بعض الشارحين استعار (عليه السلام) لفظ الشجرة لصنف الانبياء (عليهم السلام) وفروعها اشخاصهم وثمرتها العلوم والكمالات ومشکاة الضياء لآل إبراهيم (عليه السلام) وذؤابة العلياء لقريش، وسرّة البطحاء(3)لمكة شرفها الله تعالى، والمصابيح والينابيع هم الانبياء (عليهم السلام)(4).

[منها](5): (طبيبٌ دوارٌ بطبِّه، قدْ أحكمَ مراهمهُ، وأَحمى مواسمهَ، يضعُ

ص: 96


1- البيت للكميت بن زيد، وورد في ديوانه فحللت معتلج بالبطاح وحل غيرك بالظواهر الكميت: 130، والاغاني: 17 / 13، ولسان العرب، مادة (ظهر): 4 / 524، وتاج العروس، مادة (ظهر): 7 / 169
2- (وواح) في أ، تحریف
3- (البطخاء) في أ، تصحيف
4- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 3 / 39، 40
5- [منها] بیاض في ث

من ذلكَ حيثُ الحاجةُ إليهِ، من قلوبٍ عميٍ، وآذانٍ صمٍ، وألسنةٍ بكمٍ، متتبعٌ بدوائهِ مواضعَ الغفلةِ، ومواطنَ الحیرةِ) والمراد بالطبيب نفسه، والدوران بالطب(1)إتيان(2)المرضى وتتبعهم؛ وإن كانوا تاركين لطلب الدواء الذي هو شأنهم، فهو تفضل منه عليهم وفيه تعريض بالأصحاب بقعودهم عما يجب عليهم، أو(3)المراد: بیان کمال الطبيب [فإنَّ الطبيب](4)الدوار أكثر تجربة من غیره کما قيل، والمرهم كمقعد طلاء لين يطلى به الجرح مشتق من الرِهمة(5) بالكسر وهي (المطر الضعيف)(6)للينه / و143 / وأحكامها اتقانها ومنعها عن الفساد، والوسم: (أثر الكي)(7)، والمِيسم بكسر الميم (المكواة)(8)، ويجمع على (مواسم ومیاسم)(9)وأحماها أي: أسخنها، والمراد تهيئتها، ولعل احکام المراهم اشارة الى البشارة بالثواب وإزالة اليأس من روح الله كما أنَّ إحماء المواسم إشارة الى الانذار من العقاب والردع عن(10)الامن من مكر الله، أو(11)

ص: 97


1- (بالطلب) في ث، تحریف
2- (إيتان) في أ، تصحيف
3- (و) في ع
4- [فإنَّ الطبيب] ساقطة من أ، ع
5- قال ابن دريد: ((... والرِّهم جمعٌ، والواحدة رِهمة، وهو المطر اللين السهل. أرهمت السماء إرهاماً. وأحسب المَرهَم من هذا اشتقاقه)) الاشتقاق: 113
6- لسان العرب، مادة (رهم): 12 / 257
7- المصدر نفسه، مادة (وسم): 12 / 635
8- المصدر نفسه، مادة (وسم): 12 / 636
9- المصدر نفسه، مادة (وسم): 12 / 636
10- (على) في ر، تحریف
11- (و) في أ، ر

الأول عبارة عن الأمر بالمعروف، والثاني(1)[عن النهي](2)عن المنكر واقامة الحدود وما بعد حيث مرفوع لأنها تضاف إلى الجملة في الأغلب، والقلوب العمي هي التي تجهل الحق ولم تستبصر بأنوار الهداية، والآذان الصم التي لم تسمع المواعظ ولم تنتفع بها، والألسنة البكم(3)التي لا تنطق [بالحق](4)وشهادة(5)التوحيد وما جاء به النبي (صلى الله عليه واله) وتلاوة القرآن والأمر بالمعروف ونحو ذلك فيعالجها الطبيب بمراهم الهداية والتذكير ومواسم الانذار والتخويف، (لمْ يستضيئوا بأضواءِ الحكمةِ، ولمْ يقدحُوا بزنادِ

العلومِ الثاقبةِ، فهم في ذلكَ كالأنعامِ السائمةِ، والصخورِ القاسيةِ) قدح بالزند کمنع رام الايراء به واستخرج النار منه، والمقدح والمِقدحة بكسر الميم فيهما الحديدة، والقداح والقداحة الحجر، والزَند بالفتح العود الذي يقدح به النار وهو الأعلى والسفلى زنده بالهاء ويجمع على زناد مثل: سهم وسهام، وثقبت النار اتقدت، وثقب الكوكب اضاء، ووصف العلوم بالثاقبة على التشبيه بالنار والكوكب، أو بالسهام النافذة، والمعنى: لم يتفكروا ولم يتعلموا ما يخرجهم من ظلمات الجهالة والغواية(6)وذلك اشارة الى ذلك، والسائمة من الإبل وغيرها الراعية(7)، ضد المعلوفة وأسامها ارعاها، والصخرة الحجر العظيم الصلب،

ص: 98


1- (الناهي) في ر، م، تحریف
2- [عن النهي] ساقطه من ر، م
3- (اليكم) في ث، وفي ر، م: (الابكم) تحریف
4- [بالحق] ساقطة من ر، م
5- [بشهادة] في م
6- (الغوايد) في ر، تحریف
7- ينظر: تاج العروس، مادة (سوم): 16 / 372، وفي ث: (الراغبة)، تصحيف

وقسا يقسو قسوة اذا اشتد وغلظ ولم ينفعل بسهولة (قدِ انجابتِ السرائرُ لأهلِ البصائرِ، ووضحتْ محجةُ الحقِّ لخابِطِهَا، وأسفرتْ الساعةُ عن وجههَا،

وظهرتْ العلامةُ لمتوسِّمِهَا) انجابت السحابة أي انكشفت والسرائر الأسرار المكتومة، ولعل المراد بها ما أضمره المعاندون للحق والمنافقون في قلوبهم من اطفاء(1)نور الله وهدم أركان الشريعة، والخروج عن الطاعة، وقيل: اشارة الى انکشاف ما يكون بعده لنفسه القدسية [و](2)لأهل البصائر من استيلاء بني أمية وعموم ظلمهم، أو انکشاف أسرار الشريعة لأهلها، والمحجة جادة الطريق، والخابط السائر على غير هدى، ويقال: خبط في عمياء إذا ركب أمراً بجهالة، ولعل المراد أنَّ ضلال الضالين ليس لخفاء(3)الحق بل للإصرار على الشقاق والنفاق، فالهالك يهلك عن بينه، والحي يحي عن بينه، وسفر الصفح کضرب وأسفر أي أضاء وأشرق وأسفرت المرأة كشفت عن وجهها فهي سافر، والساعة القيامة أو الوقت الذي تقوم فيه القيامة، والتوسم التفرس والتخيل، والمراد بأسفار الساعة وظهور العلامة قرب القيامة بعدم بقاء نبي ينتظر بعثته وظهور الفتن والوقائع التي هي من أشراطها.

(مالِي أراكمْ أشباحاً بلا أرواحٍ، وأرواحاً بلا أشباحٍ، ونُساكاً بلَا

صلاحٍ، وتجاراً بلَا أرباحٍ، وأيقاظاً نُوَّماً، وشهوداً غيباً، وناظرةً عُمياً(4)،

ص: 99


1- (اطفا) في أ
2- [و] ساقطة من ع
3- (لخقاء) في أ، تصحيف
4- (عمياء) في: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 151، ونهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح: 151

وسامعةً صماً(1)، وناطقةً بكمًا(2)!) هذا النوع من الاستفهام يتضمن تفظيعاً(3)لشأن المخاطبين، أي لا يجوز العقل اتصاف أحد بما أری فیکم لشناعته، فما لي أراكم كذا، وقد يكون لنوع من التلطف، أو رعاية الأدب، وهو غير مناسب للمقام، [و](4)الشبح(5)بالتحريك سواد الإنسان وغيره تراه من بعيد، والمراد من كونهم أشباحاً بلا أرواح تشبيههم بالجمادات والأموات في عدم الانتفاع، بالعقل وعدم تأثير المواعظ والتذكير فيهم کما قال عز وجل: «كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ»(6)، وأما كونهم أرواحاً بلا أشباح، فقيل: المراد بیان نقصهم لأَّن الروح بلا جسد ناقصة عن الاعتماد والتحريك عاطلة / ظ 143 / عن الأفعال، وقيل: اشارة الى خفتهم وطيشهم في الأفعال(7)، وقيل: المراد أن منهم من هو كالجماد، والأموات کما ذکر ومنهم من له عقل وفهم ولكن لا قوة له على الحرب فالجميع عاطل عما يراد منهم، وقيل: المراد أنهم إن خافوا ذهلت عقولهم، وطارت ألبابهم، فكانوا كأجسام بلا أرواح وإن أمنو تركوا الاهتمام بأمورهم وضيعوا(8)

ص: 100


1- (صماء) في: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 151، ونهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح: 151
2- (بكماء) في: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 151، ونهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح: 151
3- (تقطیعان) في ث، تحریف، وفي ر: (تفطيعاً)، تصحيف
4- [و] ساقطة من ر
5- (الشيخ) في ر، تحریف
6- المنافقون / 4
7- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 152
8- (ضيقوا) في ث، تصحيف

الفرص(1)ومصالح الاسلام حتى كأنهم أرواح لا تعلق لها بالأجسام، والنساك العباد وسُئِلَ ثعلب عن الناسك فقال: مأخوذ من النسيكة وهي سبيكة الفضة المصفاة كأن الناسك صفَّی نفسه لله تعالى، والمراد كونهم منافقين أو(2)مرائين غير مخلصين لله فيعبدون الله لمصالح دنياهم وإن تزهدهم ليس عن علم وليس عملهم على الوجه المأمور به کما روي عن النبي (صلى الله عليه واله): (الزاهد الجاهل مسخرة الشيطان)(3)، أو أنهَّم يعملون بالفروع وقد تركوا الأصول ومهمات الشريعة فلم يعرفوا الإمام حق المعرفة، ولا يقومون بالجهاد ورفع المنكرات ودفع الأعداء، وكونهم تجاراً بلا أرباح لعدم ترتب(4)الثواب على أعمالهم كما قال (عليه السلام): (كم من صائم ليس له من صيامه إلاَّ الظمأ كم من قائم ليس له من قيامه إلاَّ العناء)، وایقاظا أي في الظاهر نوّماً حقيقةً، وكذلك التوالي وموصوف الناظرة وما بعدها الطائفة، أو نحوها (رايةُ ضلالةٍ قدْ قامتْ علَى قطبهَا، وتفرقتْ بشعبهَا، تكيلكمْ(5)بصاعهَا، وتخبطكمْ بباعهَا، قائدهَا خارجٌ منَ الملةِ، قائمٌ علَى الضلةِ) قال بعض الشارحين: هذا كلام منقطع عمَّا قبله، التقطه الرضي (رضي الله عنه) من كلامه (عليه السلام) على عادته وهو إشارة الى ما يحدث في آخر الزمان من الفتن كظهور السفياني وغيره(6)والراية العلم، والقطب: حديدة تدور

ص: 101


1- (الفرض) في ع، م
2- (لو) في أ، تحریف
3- عوالي اللئالي، ابن أبي جمهور الاحسائي: 1 / 272
4- (تربت) في ر، تحریف
5- (تليلكم) في ع، تحریف
6- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 152

عليها الرحي، وملاك الأمر ومداره وسيد القوم وقيامها على قطبها کناية عن انتظام أمرها باجتماع كلمة الجيش وطاعتهم لقائدها أو استقلالها بنفسها کالرحي الدائرة القائمة على قطبها، وقيل: المراد بالقطب (الرئيس الذي يدور عليه أمر الجيش)(1)، وتفرق وشعبها انتشار فتنتها في الآفاق وتولد فتن أُخر عنها، وقال بعض الشارحين: (الشَعب بالفتح القبيلة العظيمة، وليس التفرق للراية نفسها بل لنصارها وأصحابها، فحذف المضاف، ومعنی تفرقهم، أنهم يدعون الى تلك الدعوة المخصوصة في بلاد متفرقة، أي تفرق ذلك الجمع العظيم في الأقطار، داعين إلى أمر واحد)(2)، ثم قال: (ویروی ((بشعبها)) جمع شعبة)(3)، والموجود في النسخ التي ظفرنا بها (شُعَبها) بضم الشين، وفتح العين، وهو أظهر، وتکیلکم بصاعها أي تأخذكم للإهلاك زمرة زمرة فلا تقدرون على الخروج من يدها کالكيّال يأخذ ما يكيله جملة جملة أو يقهركم أربابها على الدخول في أمرهم ويتلاعبون بكم يرفعونكم ويضعونكم کما يفعل كيال البُريه إذا کاله بصاعه، أو تكيل لكم بصاعها على حذف اللام كما في قوله تعالى: «وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ»(4)أي تحملكم على دينها ودعوتها وتعاملكم بما تعامل به من استجاب لها أو تفرز لكم من فتنها شيئاً ويصل الى كل منكم نصيب منها، والخَبط بالفتح (ضرب الشجر بالعصا ليتناثر ورقها)(5)، وخبط البعير الأرض بيده خبطا أي ضربها،

ص: 102


1- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 152
2- المصدر نفسه،: 7 / 153
3- المصدر نفسه،: 7 / 153
4- المطففين / 3
5- لسان العرب، مادة (خبط): 7 / 281

والكلام على الوجهين يفيد الذلة، والانقهار والعدول عن اليد الى الباع وهو قدر مد اليدين مبالغة واضحة، وقال في النهاية: (وفي حديث الدعاء: ((أعوذ بك أن يتخبطني الشيطان)) أي يصرعني ويلعب بي)(1)وقائدها أميرها لا حاملها وفي بعض النسخ (عن الملة) موضع (من الملة)، والقيام على الضلة الاصرار على الضلال،(فلاَ يبقَى يومئذٍ منكمْ إلاَّ ثفالةٌ(2)كثفالةِ القدرِ، أوْ نفاضةٌ كنفاضةِ العكمِ(3)، تعرككمْ عركَ الأديمِ، وتدوسكمْ دوسَ الحصيدِ، وتستخلصُ المؤمنَ منْ بينكمْ / و144 / استخلاصَ الطیرِ الحبةَ(4)البطينةَ منْ بینَ هزيلِ الحبِّ) الثُفل بالضم والثافل ما استقر تحت الشيء من کدره(5)وثُفالة القدر بالضم ما سفل فيه من الطبيخ(6)وهي كناية عن الأرذال ومن لا ذكر له بين الناس للحقارة فيبقى يومئذ قليل من هؤلاء لعدم الاعتناء بقتلهم والالتفات اليهم، والنُفاضة بالضم ما سقط من النفض وهو تحريك الثوب ليسقط منه ما لزق به من التراب ونحوه(7)، و (العِكم بالكسر: العدل)(8)، و(نمط تجعل المرأة فيه ذخيرتها)(9)، قال في النهاية: العكوم الأحمال التي تكون فيها الأمتعة وغيرها، واحدها عِكم بالكسر، ومنه حديث

ص: 103


1- النهاية في غريب الحديث والأثر: 2 / 8
2- (سقالة) في أ، تحريف
3- (العكم) في ع، تحریف
4- (الجنة) في ر، م، تصحيف
5- ينظر: لسان العرب، مادة (ثفل): 11 / 84
6- (الطبيح) في ث، تصحیف، وفي م: (الطيخ)، تحریف
7- ينظر: المصدر نفسه، مادة (نفض): 7 / 240
8- الصحاح، مادة (عكم): 5 / 1989 وفي ر، م: (العذل)
9- المصدر نفسه، مادة (عكم): 5 / 1989

علي (عليه السلام): (نفاضة [كنفاضة](1)العِكم)(2)، ولعل المراد ما يبقى في العدل بعد التخلية من غبار أو بقية زاد لا يعبأ به فيفض، وعرکه کنصره دلکه وحکه، والأديم الجلد، أو المدبوغ منه، وداس الرجل الحنطة دقه ليخرج الحب من السنبل، قيل: كأنَّه مأخوذ من داس الأرض دوساً إذا شدد وطأة عليها بقدمه، والحصيد الزرع المحصود أي المقطوع واستخلصه لنفسه أي استخصه، والغرض تخصيص المؤمن بالقتل والاهتمام بإيقاع المكروه به، والبطينة السمينة تشبيهاً بالرجل العظيم البطن، والهزيل نقيض السمين، والمراد بالمؤمن أما أهل الولاية فإنَّ كثيراً من القوم بل الأكثر كانوا قائلين بتقديم الخلفاء وكثير منهم كانوا من أهل النصب والنفاق أو المراد الكامل الإيمان (أينَ تذهبُ(3)[بكمُ](4)المذاهبُ، وتتيهُ بكمُ الغياهبُ، وتخدعكمُ الكواذبُ؟ ومنْ أينَ تؤتونَ، [وأنَّى تؤفكونَ](5)! فلكلِّ أجلٍ كتابٌ، ولكلِّ غيبةٍ(6)إيابٌ(7)الباء في الموضعين للتعدية والمذاهب الطرق والعقائد كأنَّ الطرق الباطلة والآراء الفاسدة لشدة اهتمامهم بسلوكها واتباعها هي الفاعلة لإذهابهم فاسند اليها، وتاه يتيه تَيهاً وتِيهاً بالفتح والكسر أي تحير وضل، والغيهب الظلمة، والشديد السواد من الليل، وخدعه ختله وأراد به المكروه

ص: 104


1- [كنفاضة] ساقطة من ر، وفي ث: (نقاضة كنقاضة) تصحيف
2- النهاية في غريب الحديث والأثر: 3 / 285
3- (يذهب) في ر، تصحيف
4- [بكم] ساقطة من أ
5- [وانی تؤفكون] ساقطة من ر
6- (عيبة) في ع، تصحيف
7- (أيات) في ر، م، تصحيف

من حيث لا يعلم، والكواذب الأماني الباطلة والأوهام الفاسدة، (ومن أين تؤتون؟) أي من أي جهة وطريق يأتيكم من يضلكم من الشياطين، أو تلك الأمراض وأفكه أي قلبه وصرفه عن الشيء، ومنه قوله تعالى: «قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا»(1)و(أنی) یكون بمعنى أين ومتى وكيف(2)(وأنی تؤفكون)، أي أنی تصرفون عن قصد السبيل، وأين تذهبون؟ وقال بعض الشارحين: (أي متى يكون انصرافكم عما أنتم عليه من الغفلة)(3)، والأجل مدة الشيء وغاية الوقت، وقوله (عليه السلام): (فلكل أجل كتاب)، أي لكل أمد ووقت حکم مكتوب على العباد، وفي بعض النسخ (ولكل أجل) بالواو والإِياب بالكسر الرجوع قال بعض الشارحين: أظن هذا الكلام منقطعاً عما قبله كالفصل المتقدم ويحتمل على بعد أن يكون متصلاً بما هو مذکور هاهنا، وقال بعضهم الكلام تهدید بالإشارة الى قرب الموت وإنهم بمعرض أن يأخذهم على غفلتهم فيكونوا من الأخسرين أعمالاً (فاستمعُوا من ربانيكمْ، وأحضروهُ قلوبكمْ، واستيقظُوا إِنْ هتفَ بكمْ) (الرباني:، (المنسوب الى الرب بزيادة الألف والنون للمبالغة، وقيل: هو من الرب بمعنى التربية)(4)، والرباني يربى المتعلمين بصغار العلوم قبل(5)كبارها(6)

ص: 105


1- الأحقاف / 22
2- ينظر: حروف المعاني، الزجاجي: 61
3- شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 3 / 46
4- النهاية في غريب الحديث والأثر: 2 / 181
5- (قيل) في أ، ر، تصحيف
6- النهاية في غريب الحديث والأثر: 2 / 181

وهو (المتأله العارف بالله عز وجل)(1)، أو (الذي يطلب بعلمه وجه الله)(2)، (وقيل: العالم العامل المعلم)(3)والمراد بالرباني نفسه (عليه السلام)، واحضار القلب إياه الإقبال التام الى كلامه ومواعظه، وايقظته من نوم فاستيقظ أي نبهته فتنبه وكلمة (إِن) بكسر الهمزة في بعض النسخ(4)وبفتحها في بعضها(5)أي استيقظوا لهتافه بكم وهو الصياح والمراد الأتعاظ بالتذكير البالغ واجابة الدعوة الجازمة(6). (وليصدقْ رائدٌ أهلهُ، وليجمعْ شملهُ، وليحضْر ذهنهُ،

فلقدْ فلقَ لكمْ الأمرَ فلقَ الخرزةِ، وقرفهُ قرفَ الصمغةِ) (الرائد: الذي يتقدم القوم يبصر لهم الكلأ ومساقط الغيث)(7)وفي المثل (لا يكذب / ظ144 / الرائد أهله)، ولعل المراد بالرائد نفسه (عليه السلام) فإنَّه الهادي الى ما به حياتهم وصلاح معاشهم ومعادهم أي وظيفتي الصدق فيما أخبركم به مما تردون عليه من الأمور المستقبلة في الدنيا والآخرة من الفتن وأهوال يوم القيامة، كما أنَّ وظيفتكم الاستماع واحضار القلب والاستيقاظ للهتاف والشمل ما تشتت من الأمر أي تشعب وتفرق والمراد الأفكار والغرائم(8)، والذهن الفهم والعقل وحفظ القلب والفطنة أي يجب علي التوجه الى

ص: 106


1- تاج العروس، مادة (ربب): 2 / 5
2- لسان العرب، مادة (ربب): 1 / 404
3- المصدر نفسه، مادة (ربب): 1 / 404
4- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 153، وشرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 3 / 41، وبحار الانوار: 34 / 241
5- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة: 1 / 454
6- (الجازحة) في ر، تحریف
7- لسان العرب، مادة (رود): 3 / 187
8- (العزائم) في أ

نصحكم وتذكيركم بقلب فارغ عن الوساوس والشواغل (وإقبال تام)(1)الى هدایتکم، ويحتمل أن يكون المراد بالشمل حينئذ من تفرق من القوم في مهاوي الضلالة والفاعل في فلق هو الرائد، وقال بعض الشارحين: الرائد لما كان هو الذي يبعثه القوم لطلب الكلأ والماء اشبهه الفكر في كونه مبعوثاً من قبل النفس في طلب مرعاها وماء حياتها من العلوم وسائر الكمالات فکنی به عنه وأهله على هذا البيان هو النفس فكأنه (عليه السلام) قال: فلتصدق أفكاركم ومتخيلاتكم نفوسكم، وصدقها إياها تصرفها على حسب اشارة العقل من دون التفات الى مشاركة الهوى(2)، قال: ويحتمل أن يريد بالرائد أشخاص من حضر عنده فإنَّ كلا منهم له أهل وقبيلة يرجع اليهم فأمره أن يصدقهم أمر تبلیغ ما سمع على وجه الذي ينبغي والنصيحة والدعوة إليه کما یرجع طالب الكلأ والماء الواجد لهما الى قومه فيبشرهم به ويحملهم اليه، وقوله: وليجمع شمله: أي ما تفرق وتشعب من خواطره في أمور الدنيا ومهماتها، وليحضر ذهنه: [أي](3)يوجهه الى [ما](4)أقول(5)انتهى. وفلقت الشيء: شققته، والخرزة بالتحريك الجوهر وما ينظم، وقرفه قرف الصمغة. أي قشره(6) کما تقشر(7)الصمغة عن عود الشجر وتقلع، ويقال: تركته على

ص: 107


1- (طمس) في ن
2- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن میثم الحراني: 3 / 46، 47
3- [أي] ساقطة من ر، م
4- [ما] ساقطة من ث
5- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن میثم الحراني: 3 / 47
6- (القرِف بالكسر: القشر، وجمعه قروف) تاج العروس، مادة (قرف): 12 / 427
7- (يقشر) في ث، ر، م

مثل مقرف الصمغة أي على خلو؛ لأنَّ الصمغة إذا قلعت لم يبق لها أثر، والمعنى أوضح لكم أمر الفتن أو طريق الحق ایضاحاً تاماً فأظهر لكم باطن الأمر کما تری(1)باطن الخرزة بعد شقها ولم يدخر عنكم شيئاً بل ألقى الأمر بكليته اليكم. (فعندَ ذلكَ أخذَ الباطلُ مآخذهُ، وركبَ الجهلُ مراكبهُ، وعظمتِ الطاغيةِ، وقلتِ الداعيةُ)، وفي بعض النسخ (الراعية) بالراء، قال بعض الشارحين: (قوله (عليه السلام): (فعند ذلك) متصل بقوله: (من بين هزيل الحب)، أي: فعندما تفعل بكم تلك الفتن، وراية الضلال ما تفعل أخذ الباطل مآخذه(2)، فيكون التشويش من السيد (رضي الله [عنه](3)، ويمكن أن يكون ذلك إشارة إلى الأمر المذكور في الكلام المتصل بهذا الكلام وأخذ الشيء مآخذه، أي: تمكن واستحکم وبلغ کل مبلغ، ومثله ركب مراكبه، والطاغية الطغيان فاعله بمعنى المصدر کما قيل في قوله تعالى: «لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ»(4)، أو صفة فاعل محذوف أي الفئة الطاغية والداعية أيضاً الدعوة، أو الفرقة الداعية الى الله عز وجل، وكذلك الراعية الرعاية أو الطائفة الناصحة الحامية للدين وأهل الرعاية، (وصالَ الدهرُ صيالَ السبعِ العقورِ، وهدرَ فنيقُ الباطلِ بعدَ كظومٍ، وتواخَى الناسُ علَى الفجورِ، وتهاجرُوا علَى الدينِ، وتحابُوا علَى الكذبِ، وتباغضُوا علَى الصدقِ) الصولة الحملة والوثبة، يقال: (صال على قرنة صولا وصيالاً)(5)، والسبع المفترس

ص: 108


1- (نری) في أ، ع، تصحيف
2- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن میثم الحراني: 3 / 47
3- [عنه] زيادة يتطلبها السياق
4- الواقعة / 2
5- القاموس المحيط، مادة (صال): 4 / 4

من الحيوان والعقور الذي يجرح ويفترس وهو من أبنية المبالغة، وصولة الدهر كناية عن كثرة الشرور والبلايا فيه، أو المعنی: صال أهل الدهر، والفنيق الفحل من الإبل(1)، وهدر أي (ردد صوته في حنجرته)(2)في غير شقشقة(3)، والكظوم (الإمساك)(4)، و(السكوت)(5)، وتواخى الناس أي اتخذ كل صاحبه أخاً، والأصل تآخي بالهمزة أبدلت واواً كأزر ووازر(6)، والفجور الانبعاث في المعاصي والمحارم والتهاجر التقاطع والمراد بالدين الطاعة والعبادة، ويحتمل أن يراد به الملة. (فإذا كانَ ذلكَ كان الولد غيظاً، والمطرُ

قيضاً، وتفيضُ اللئامُ فيضاً، وتغيضُ الكرامُ / و 145 / غيضاً، وكانَ أهلُ ذلكَ الزمانِ ذئاباً، وساطنيهِ سباعاً، وأوساطهُ أكالاً، وفقراؤهُ أمواتاً) الغيظ الغضب، أو أشده، أو سورته، وكون الولد غيظاً لكثرة العقوق، أو لاشتغال كل امرئ بنفسه فيتمنى أن لا يكون له ولد، والمطر قيضاً بالضاد المعجمة أي كثيراً، يقال: بئر مقيضة أي كثيرة الماء قيل: إنَّه من علامات تلك الشرور أو من أشراط الساعة، وقيل: إنَّه أيضاً من الشرور إذا جاوز الحد فيخرب(7)الأبنية بالسيول وتواتر الأمطار ويفسد الزروع والثمار، وفي بعض النسخ (قيظاً)(8)بالظاء المعجمة وهو صميم الصيف من طلوع الثريا الى

ص: 109


1- ينظر: تاج العروس، مادة (فتق): 13 / 408
2- الصحاح، مادة (هدر): 2 / 853
3- ويأتي بمعنى: (صوَّت في غير شقشقة) تاج العروس، مادة (هدر): 7 / 614
4- لسان العرب، مادة (كظم): 12 / 520
5- المصدر نفسه، مادة (كظم): 12 / 520
6- ينظر: تاج العروس، مادة (أخو): 19 / 144، وفي ر، م: (ورازر)
7- (فيحرب) في ث، تصحیف، وفي ع: (فتخرب) تصحيف
8- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، الراوندي: 1 / 454، وشرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 155، وشرح نهج البلاغة، ابن ميثم البحراني: 3 / 41

طلوع سهيل، ويقال: قاظ يومنا أي اشتد حره، وهو المطابق لما ذكره في النهاية، قال: ((ومنه حديث اشراط الساعة أن يكون الولد غيظاً، والمطر قيظاً؛ لأن المطر إنَّما يراد للنبات، وبرد الهواء والقيظ ضد ذلك))(1)، وحينئذ يحتمل أن يكون المراد تبدل المطر بشدة الحر، أو قلة المطر، أو كثرته في الصيف دون الربيع والشتاء، أو المراد أنه يصير سبباً لاشتداد الحر لكثرته في الصيف إذ يثور به الأبخرة ويفسد الهواء ويتولد منه الطاعون والأمراض، أو يصير سبباً على خلاف مجرى العادة لشدة الحر والله تعالى يعلم، وتفيض اللئام أي: تكثر، وتغيض الكرام أي: تقل، أو(2)المراد قدرة اللئام وضعف الكرام وأهل ذلك الزمان أي أكابر الناس ومن هو أعلى مرتبة من الأوساط وأدنى مرتبة من السلاطين، والأُكَّال بضم الهمزة وتشديد لكاف الآكلون فمأكولهم من هو أدنى منهم، أو أموال أذانيهم وأنفسهم بالباطل لشيوع الربا والسرقة والحيل بينهم، وقال بعض الشارحين: روي ((أَكالاً)) بفتح الهمزة وتخفيف الكاف، يقال: ما ذقت أكالا أي طعاماً(3)، قال: وفي هذا الموضع إشكال؛ لأنه لم ينقل هذا الحرف(4)إلاَّ في الجحد خاصة كقولهم: ما بها صافر، أي أحد، فالأجود الرواية الأخرى وهي (آکالاً) بمد الهمزة على ((أفعال)) جمعٍ أُكل، وهو ما أکِل كقفل وأقفال، وقد روي ((أكالاً)) بضم الهمزة على ((فعال))،

ص: 110


1- النهاية في غريب الحديث والأثر: 4 / 132
2- (و) في ر
3- ينظر: بحار الأنوار: 34 / 248، والمقصود بالشارحين أبن أبي الحديد، ينظر: شرح نهج البلاغة: 7 / 156
4- (الجرف) في ع، تصحيف

وقالوا: إنه جمع ((أكل)) للمأكول كعِرْق وعُراق، وظِئْر وظُؤارٍ(1)إلا أنه شاذ عن القياس ووزن أحدهما مخالف لوزن ((أُكال)) لو كان جمعاً، أي صار أوساط الناس طُعمه للولاة وأصحاب السلاطين، كالفريسة للأسد(2)انتهى. وعلى رواية آکالاً بمد الهمزة على ما ذكره لا يبعد أن يكون المعنی مأكل السلاطين وارزاق الجند على ما ذكره في القاموس(3)(وغارَ(4)الصدقُ، وفاضَ الكذبُ، واستعملتِ المودةُ باللسانِ، وتشاجرَ الناسُ بالقلوبِ، وصارَ الفسوقُ نسباً، والعفافُ عجباً، ولُبِسَ الاسلامُ لُبْسَ الفروِ مقلوباً) غار الماء إذا ذهب في الأرض وفاض أي كثر حتی سال کالوادي، وفي بعض النسخ (وفار الكذب) بالراء المهملة من فار القدر إذا جاش، والتشاجر التنازع والتخالف، واستعمال المودة باللسان مع تخالف القلوب هو النفاق، والفسق الترك لأمر الله تعالى والخروج عن طريق الحق والزنا ويجمع على فسوق(5)كحمل وحمول ويكون الفسوق مصدراً بمعنى الزنا والانبعاث في المعاصي ومعنى الكلام على ما ذكره الشارحان: إنه يصير الفاسق في ذلك الزمان صديقا للفاسق حتی یکون ذلك كالنسب بينهم، ولعل الأقرب أن يجعل الفسوق بمعنی الزنا لمناسبه النسب ومقابلة العفاف، فإنَّه وان كان في الأصل الكف عما لا يحل إلاَّ أنه شاع استعماله في كف الفرج وصيرورة العفاف عجباً سواء كان بالمعنى الأول، أو الثاني لقلته بين الناس، والُلبس بالضم مصدر لبس الثوب

ص: 111


1- (طئر وطوار) في م، تصحيف
2- ينظر: ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 156
3- ينظر: القاموس المحيط، مادة (أكل): 3 / 329
4- (عار) في ع، تصحيف
5- (فسق) في م، تحریف

کسمع ووجه القلب أنه لما كان الغرض الأصلي من الإسلام أن يكون باطناً ينتفع به القلب، ويظهر فيه منفعته فقلب المنافقون غرضه واستعملوه بظاهر ألسنتهم دون قلوبهم أشبه قلبهم له لبس الفرو إذ كان أصله أن يكون خمله / ظ145 / ظاهراً لمنفعة الحيوان الذي هو لباسه فاستعمله الناس مقلوباً(1)كذا ذكره بعض الشارحين، ويحتمل أن يكون الوجه اظهار الناس نياتهم وأفعالهم الحسنة بزعمهم لغيرهم رئاء وقد أحب الله اخفاءها، کما قال (عليه السلام): (أفضل الزهد [اخفاء الزهد](2)والله تعالى يعلم.

[ومن خطبةٍ له (عليه السلام)]

(كلُّ شيءٍ خاشعٌ لهُ، وكلُّ شيءٍ قائمٌ بهِ، غِني كلِّ فقیرٍ، وعزُّ كلِّ ذليلٍ، وقوةُ كلِّ ضعيفٍ، ومفزعُ كلِّ ملهوفٍ) الخشوع والخضوع بمعنى وهو التواضع والتطامن، وقيل الخضوع في البدن، والخشوع في الصوت والبصر، ولعل المراد بخشوع كل شيء مقدوريته [ومقهوریته](3) للإمكان والحاجة، أو الخشوع في كل نوع من العباد والجمادات بمعنى: فيكون من قبيل استعمال المشترك في أكثر من معنى بقرينة إسناده الى كل شيء على ما قيل، وقيام كل شيء به عبارة عن وجوده وظهور الاثار منه بإيجاده واقداره وكونه سبحانه غني كل فقير؛ لأنه يعطي كل محتاج من الممكنات ما يستحقه على وفق المصلحة كما أنه يعز كل ذلیل ماسور في ربقة الإمكان ويقوي كل ضعيف

ص: 112


1- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 3 / 49
2- [اخفاء الزهد] ساقطة من م
3- [ومقهوريته] ساقطة من م

لا يقدر في ذاته وبنفسه على شيء فيعطيه(1)من القدرة ما يصلح به شأنه وتقتضيه(2)المصلحة فالفقر والذل والضعف منبعث عن الامكان الذي لا يخرج رقبه مخلوق عن ربقته، أو لأنَّه سبحانه يدخر لكل فقير في(3)الدنيا من ذخائر إنعامه وكنوز نواله في الاخرة ما يغنيه على حسب استحقاقه کما انه يعز كل ذليل بين الناس، ويقوي كل ضعيف يوم الجزاء حتى ينتصف ممن ظلمه وقهره، والعزيز الغالب القوي الذي لا يغلب، والعزة في الأصل القوة والشدة والغلبة، وقيل العزيز هو الخطير الذي يقل وجود مثله ويشتد الحاجة ويصعب الوصول إليه بأي معني كان، ولاريب أنه سبحانه معز كل ذليل، وفي بعض أدعية سيد الساجدين (عليه السلام): (واعصمني من أن أظن بذي عدم خساسةً، أو أظن بصاحب ثروة فضلاً، فإنَّ الشريف من شرفته طاعتك، والعزيز من أعزته عبادتك)(4)والمفزع الملجأ والمستغاث، يقال: فزعت إليه فافزعني، أي: لجأت واستغيث إليه فأغاثني، ويكون أفزع بمعنی خوّف من الفزع بمعنى الخوف، والملهوف المكروب، والمظلوم المضطر يستغيث ويتحسر وكونه سبحانه مفزع كل ملهوف، أما لأن النفوس مفطورة على الفزع إليه عند مفاجأة النوازل والشدائد كما هو المشاهد في راكب السفينة عند تلاطم الأمواج، وقد اشار إليه سبحانه في مواضع من الكتاب الكريم(5)، والزم به الصادق (عليه السلام) بعض الزنادقة، أو لأنَّ

ص: 113


1- (يعطيه) في ر
2- (ونقيصة) في أ، ن، وفي ر: (ونقیضیه)، تحریف
3- (من) في ر، تحریف
4- الصحيفة السجادية الكاملة: 181
5- قال تعالى: ((ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله وكل أتوه داخرين)) 87 / النمل. وقوله عز وجل: ((من جاء بالحسنة فله خیر منها وهم من فزع يومئذ آمنون)) النمل / 89

المفزع الذي يقدر على تفريج كل كرب واغاثة كل مستغيث وينبغي الفزع اليه هو الله سبحانه دون غيره، ومن فزع إلى غيره فقد ضل عن سواء السبيل. (منْ تكلمَ سمعَ نطقهُ، ومنْ سكتَ عِلمَ سرهُ، ومنْ عاشَ فعليهِ رزقهِ، ومنْ ماتَ فاليهِ منقلبهُ) السر كل ما يكتم، والعيش الحياة، والمعيشة ما يعاش به من المأكل والمشرب وكل ما يكون به الحياة، والمنقلب مصدر بمعنى الرجوع والانصراف، يقال: قلبه كضربه أي حوله عن وجهه، وقلبت الشيء فانقلب، أي انكب، والمكان منقلب أيضاً وتسمیه توجه الخلق الى دار الجزاء التي خلقوا له بعد ارسالهم مدة للامتحان والاختبار الى دار الدنيا رجوعا؛ لأنَّه يشبه انصراف الإبل والماشية عن المرعى الى المأوی (لمْ تركَ العيونُ فتخبرَ عنكَ، بلْ كنتَ قبلَ الواصفینَ منْ خلقكَ. لمْ تخلقِ الخلقَ لوحشةٍ، ولاَ استعملتهمْ لمنفعةٍ، ولاَ يسبقكَ منْ طلبتَ، ولَا يفلتكَ منْ أخذتَ، ولاَ ينقصُ سلطانكَ

منْ عصاكَ، ولاَ يزيدُ فِي ملككَ منْ أطاعكَ، ولاَ يردُّ أمركَ منْ سَخِطَ قضاءَكَ، ولاَ يستغنِي عنكَ منْ تولَی عنْ أمركَ) الكلام التفات من الغيبة الى الخطاب والنكتة ما فصلوه في «إِيَّاكَ نَعْبُدُ / وَإِيَّاكَ و146 / نَسْتَعِينُ»(1)، والفاء في قوله (عليه السلام) (فتخبر) للسبية، والفعل منصوب بتقدير (أن) واسناد الاخبار الى العيون مجازاً، والإخبار مجاز في العلم من جهتها، أو المعنى فتخبر عنك أربابها، وكلمة (بل) للإضراب(2)، ولعل المراد بالوجود

ص: 114


1- الفاتحة / 5
2- ينظر: المقتضب: 1 / 58، والاصول في النحو: 2 / 57

قبل الواصفين هو القدم المنافي للجسمية والجسمانية، فيستلزم نفي الإخبار بالعيون والتعبير بالواصفين عن المبصرين لمناسبة الإخبار، والوحشة ضد الانس والهم والخوف، أي لم تعرض لك وحشه حتى تخلق الخلق لازالتها لتنزهك عن الصفات النفسانية والنقص وسبقه أي تقدمه ولم يدركه والمعنى لا يقدر على الهرب منك من طلبته، والإفلات والتفلت والانفلات التخلص من الشيء فجاءة من غير تمکث(1)ويكون أفلت بمعنی خلص والمعنى ولا يتخلص منك من اخذته، والغرض من الفقرتين اثبات القدرة الكاملة والسلطان قدرة الملك، ويكون بمعنى الوالي والحجة والبرهان، ولعل المراد بالأمر الحكم، وبالقضاء المقضي، ويحتمل المصدر، أي: لا يقدر من قضيت [عليه](2)بمكروه قضاء حتمًا أن يرده ويدفعه عن نفسه كما قال عز وجل: «وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ»(3)، وأصل القضاء القطع والفصل، وقضاء الشيء أحكامه وامضاؤه، وقال بعض الشارحين: المراد بالأمر القدر النازل على وفق القضاء الالهي، وهو تفصيل القضاء(4)، وتولى أي: أعرض، ولعل [المراد](5)[بالأمر](6)هاهنا هو الأمر التكليفي ولاريب أنَّ العاصي(7)أحوج من المطيع فكيف يستغني عنه سبحانه. (كلَّ سرٍّ عندكَ

ص: 115


1- (تمكت) في م، تصحيف
2- [عليه] ساقطة من ر
3- الأنعام / 17
4- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 3 / 55
5- [المراد] ساقطة من ر
6- [بالأمر] ساقطة من ث
7- (المعاصي) في ر

علانية، وكلُّ غيبٍ عندكَ شهادةٌ. أنت الأبد لا(1)أمدَ لكَ وأنتَ المنتَهى لَا محيصَ عنك، وأنتَ الموعدُ لَا منجَا منكَ(2). بيدكَ ناصيةُ كلِّ دابةٍ، واليكَ

مصیرُ كلِّ نسمةٍ) السر ما یکتم، وعلن(3)الأمر كنصر وضرب وكرم وفرح علانية أي ظهر، والغيب ماغاب عنك، والشهادة مصدر شهده کسمعه إذا احضره وحمل المصدر على الاسم للمبالغة، وكون شيء غائباً أو مستوراً إنما يتصور مع عدم مساواة نسبة العلم الى المعلومات وهو يعود الى نوع من الجهل المنفي عنه سبحانه فلا جرم كان كل سَّر وغيب عنده علانية وشهادة، والأبد الدائم، ذكره الجوهري(4)، والفيروز آبادي(5)، والأمد الغاية والمعنى واضح، وقال بعض الشارحين: هذا كلام شريف لا يفهمه إلاَّ الراسخون في العلم وفيه شمة(6)من قول النبي (صلى الله عليه واله): (ولا تسبوا الدهر فإنَّ الدهر هو الله)(7))(8)، ثم وجه الكلام بوجهين أحدهما: أنَّ المراد: أنت ذو الأبد كما قالوا: رجل خال، أي ذو خال، والخال الخيلاء، ورجل داء ومال،،

ص: 116


1- (فلا) في: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 157، نهج البلاغة، تحقیق، صبحي الصالح: 199
2- (لا منجى منك الا اليك) في: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 157، نهج البلاغة، تحقيق، صبحي الصالح: 199
3- (علق) في ع، تحریف
4- الصحاح، مادة (أمد): 2 / 442
5- القاموس المحیط، مادة (أمد): 1 / 275
6- (تتمة) في ع، م، تحریف
7- وروي الحديث النبوي الشريف: ((ولا تسبوا الدهر فإنَّ الله هو الدهر)) مسند أحمد: 2 / 395، وصحیح مسلم: 7 / 45، والسنن الکبری: 6 / 457، ومجمع الزوائد: 8 / 71
8- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 160

وثانيهما: أنه لما كان الأبد لا ينفك عن وجوده سبحانه جعله (عليه السلام) أبداً كقولهم: أنت الطلاق للمبالغة في البينونة(1)، والمحيص (المهرب)(2)، (والمحيد)(3)وحاص(4)عنه محيصاً أي عدل وحاد، ويقال للأولياء: حاصوا(5)عن العدو، وللأعداء انهزموا وهو في الكلام يحتمل المصدر والمكان وكذلك المنجا والنجاة الخلاص، والناصية (قصاص الشعر)(6)، والأخذ بالناصية كناية عن كمال القدرة، والنسمة محركة الإنسان، أو النفس والروح، أو كل دابة فيها روح.

(سبحانكَ(7)مَا أعظمَ مَا نرَى منْ خلقكَ، ومَا أصغرَ عظيمةٍ فِي جنبِ قدرتكَ! ومَا أهولَ مَا نرَى منْ ملكوتكَ، ومَا أحقرَ ذلكَ فيمَا غابَ عنَّا منْ سلطانكَ، ومَا أسبغَ نعمتكَ فِي الدُّنيَا، ومَا أصغرهَا فِي نعمِ الآخرةِ) الملكوت اسم مبنيٌّ من المُلك بالضم كالجبروت، والرهبوت من الجبر والرهبة، وهو العز والسلطان وهو قدرة الملك كما تقدم(8)، والمراد مظاهر العز والقدرة،

ص: 117


1- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 161
2- تاج العروس، مادة (حيص): 9 / 264
3- المصدر نفسه، مادة (حيص): 9 / 264
4- (خاص) في ر، تصحيف
5- (خاصوا) في أ، وفي ر (حاضوا) تصحيف
6- لسان العرب، مادة (نصا): 15 / 327
7- (سبحانك ما اعظم شأنك، سبحانك...) في: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 157، نهج البلاغة، تحقیق، صبحي الصالح: 199
8- ينظر: صحيفة 196

والسابغ الكامل الوافي(1)، وفي بعض النسخ (نعمك)(2)على صيغة الجمع وصغر نعم الدنيا في الكم والكيف والدوام والشرف.

منها: (منْ ملائكةٍ أسكنتهمْ سمواتكَ، ورفعتهمْ عنْ أرضكَ همْ أعلمُ خلقكَ بكَ، وأخوفهمْ لكَ، وأقربهمْ منكَ، لمْ يسكنُوا الأصلابَ، ولمْ يضمَّنُوا الأرحامَ، ولمْ يخلقُوا منْ ماءٍ مهینٍ، ولمْ يشتعبهمْ ريبُ المنونِ) يمكن أن يكون الكلام في وصف الملائكة السماوية لعدم ما يدل على العموم، فلا يدل على نفي الملائكة الأرضية، ويمكن أن يكون المراد بالإسكان / ظ 146 / في السموات الإسكان أحياناً، وكذلك الرفع عن الأرض فلا ينافي نزول المقربين على حسب المصلحة، ويجوز التناوب على الملائكة الحافظين للعباد والثمار وغيرها مما ورد في الأخبار(3)وصعودهم بعد موت العباد وبلوغ الثمار وامتثال الأوامر، وأما الكرام الكاتبون فالأخبار صريحة في صعودهم ونزولهم فيكون الوصف للجميع والرفع عن الأرض أقدارهم على الصعود، أو رفع رتبتهم(4)حيث لم تجعل الأرض مع انحطاط رتبتها مسكناً لهم وكونهم أعلم لمشاهدتهم آثار القدرة ودلائل الوجود أكثر من غيرهم ولتنزه علومهم عن کدر الوساوس وشوائب الشهوات، ولا ريب أنَّ الأعلم أخوف کما قال عز وجل: «إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ»(5)، ومن أسباب شدة خوفهم معاينة

ص: 118


1- ينظر: لسان العرب، مادة (سبغ): 8 / 432
2- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، الرواندي: 1 / 462، وشرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 157، وشرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 3 / 50
3- ينظر: نهج الایمان، ابن جبر: 637، ومجمع الزوائد، الهيثمي: 2 / 253
4- (زينتهم) في أ، ع
5- فاطر / 28

النار وليس الخبر كالعيان، والأخوف أقرب کما قال عز وجل ](1): «إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ»(2)والعلم أيضاً من موجبات(3)القرب، والتضمين جعل الشيء في وعاء(4)، وضمن الكتاب طيه وتضمنه، أي اشتمل عليه، والمهيمن الحقير والقليل، ونجاسة النطفة دليل على حقارتها (ولم يشتعبهم) أي لم يفرقهم، وفي بعض النسخ (لم يتشعبهم)(5)على صيغة التفعل، والمعنى واحد وتسمى المنية شعوباً کرسول؛ لأنَّها تفرق الخلائق، والمنون الدهر والمنية؛ لأنها تقطع الأعمار من المن بمعنى القطع(6)ورابني الشيء، أي ساءني، وفي الحديث أن رسول الله (صلى الله عليه واله) قال في فاطمة (عليها السلام): (يريبني مايريبها)(7)، أي يسؤني مايسؤها، ويزعجني(8)ما يزعجها. وريب المنون ما تغلق النفوس من مکاره الدهر وصروفه، أو نوازل الموت، أو الموت نفسه على الاضافة البيانية، والمراد أنَّه لم يفرقهم بالتباعد المكاني اللازم للموت والأسفار، أو لم يفرق خواطرهم وآراءهم بالوساوس وخوف الموت، وفي الأوصاف الأربعة تعريض بالبشر، قال بعض الشارحين: (هذا الكلام

ص: 119


1- [((إنَّمَا يْخَشَى اللهَّ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ))(2)، ومن أسباب شدة خوفهم معاينة النار وليس الخبر کالعيان، والأخوف أقرب کما قال عز وجل] ساقطة من ع
2- الحجرات / 13
3- (موحبات) في أ، تصحيف
4- ينظر: الصحاح، مادة (ضمن): 6 / 2155
5- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، الراوندي: 1 / 462، وشرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 162، وشرح نهج البلاغة، ان میثم البحراني: 3 / 57
6- ينظر: معجم مقاییس اللغة، مادة (من): 5 / 267
7- النهاية في غريب الحديث والاثر: 2 / 287، وکنز العمال: 12 / 107
8- (يرعبني) في ر، تصحيف

يدل على صحة ما ذهب إليه أصحابنا من أنَّ الملائكة أفضل من الأنبياء (عليهم السلام)(1)، ثم قال: وأعلم أنَّ مسألة تفضيل الملائكة على الأنبياء لها صورتان: أحدهما: أن الملائكة أفضل بمعنی کونهم أكثر ثواباً، والأخرى كونهم أفضل بمعنى أشرف، کما تقول: إنَّ الفلك أشرف من الأرض، أي أنَّ الجوهر الذي منه جسميته(2)أشرف من الجوهر الذي منه جسمية الأرض)(3)، وجعل تفضيلهم في القرب الذي أشار إليه (عليه السلام) دليلاً على أنهم أكثر ثواباً، والمزايا الأربع المذكورة بعد أدلة على أنهم أشرف، ولا يخفى أن وصف الملائكة (عليهم السلام) بأنَّهم لم يسكنوا الأصلاب ونحوه، وإنَّ اقتضى كونهم أشرف من هذه الجهة إلاَّ أنه لا ينفي(4)كون الأنبياء (عليهم السلام) أشرف من جهات اخر، وأما قوله (عليه السلام): (هم أعلم خلقك بك، وأخوفهم لك، وأقربهم منك) فلا يدل على أنَّهم أكثر ثواباً من الأنبياء (عليهم السلام)؛ لظهور أن المراد بالخلق في هذا المقام من سواهم (عليهم السلام)، وكذلك الأوصياء والأئمة (سلام الله عليهم) بل لا يشمل الخلص من المؤمنين بقرينة قوله (عليه السلام) بعد هذا الكلام: (فلا الداعي اجابوا، ولا فيما رغبت رغبوا) الى آخر الكلام، وإنما المراد أكثر الخلق وعوامهم، وتفضيل الأنبياء (عليهم السلام) مما اتفقت عليه كلمة الإمامية والأشاعرة،

ص: 120


1- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 165
2- (جسمیه) في ع، ن، تحریف
3- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 166
4- (يبقي) في ر، تحریف

وخالفهم(1)المعتزلة ومن يحذو حذوهم(2)وأجمعت الإمامية على أنَّ ائمتنا (صلوات الله عليهم) أيضاً أفضل من الملائكة لأخبار لا تحصى وأدلة القوم في التفاضل بين الأنبياء والملائكة (عليهم السلام) والأخبار الواردة في هذا الباب مذكورة في كتب الكلام والأخبار، ولا يسعها المقام (وإنَّهمْ علَى مكانهمْ منكَ، ومنزلتهمْ عندكَ، واستجماعِ أهوائهمْ فيكَ، وكثرةِ طاعتهمْ لكَ، وقلةِ غفلتهمْ عنْ أمركَ، لوَ عاينوا كنهَ(3)مَا خفَي عليهمْ منكَ، لحقرُوا أعمالهمْ، ولرزوا(4)على أنفسهمِ، ولعرفُوا أنهمْ لْم يعبدوكَ حقَّ عبادتكَ، ولْم يطيعوكَ حقَّ طاعتكَ. سبحانكَ خالقاً ومعبوداً) مَکُن فلان عند السلطان مكانة ککرم كرامة، أي عظم عنده وارتفع قدره كان السلطان / و147 / عين له مکاناً، أو وطأه ومهّده له، وكذلك المنزلة والهوى الحب وميل النفس، ويكون في الحق کما یكون في الباطل واستجماع أهوائهم اتفاق عزائمهم(5)وآرائهم على التوجه الى الطاعة من غير منازعة الصوارف من الشهوات والوساوس، وكنه الشيء جوهره وحقيقته ونهايته وقدره ومعاينة الكنه العلم الكامل المقابل للعلم بالوجه المصطلح بين المحصلين، أو العلم بوجه أكمل مما حصل لهم، وحقره بالتخفيف كما في النسخ كضربه وحقره وأحقره واستحقره، أي أذله وعده حقيراً، وحقر الشيء كضرب وكرم، أي ذل،

ص: 121


1- (وخالعهم) في م، تصحيف
2- (حذفهم) في م، تصحيف
3- (کته) في ر، تصحيف
4- (ولزروا) في أ، ر، ع، ن، تصحيف
5- (غرائمهم) في ر، ن، تصحيف

وزری(1)علیه کرمی زريا عابه وعاتبه، وفي بعض النسخ (أزروا)(2)على صيغة الأفعال بمعناه وهو أكثر، وخالقاً ومعبوداً حالان من الفعل المفهوم من سبحانك، أي أسبحك خالقاً ومعبوداً وأنزهك في هذين الاعتبارین عن أن يكون لك مثل، أو شبه، أو أن يعرفك أحد حق معرفتك ويعبدك حق عبادتك (بحسنِ بلائكَ عندَ خلقكَ خلقتَ داراً، وجعلتَ فِيهَا مأدبة، مشرباً ومطعماً وأزواجاً، وخدماً وقصوراً، وأنهاراً وزروعاً وثماراً، ثمَّ أرسلتَ داعياً يدعُو إليها، فلَا الدَّاعي أجابُوا، ولاَ فيمَا رغبتَ فيه رغبوا(3)، ولاَ الى مَا شوقتَ اليهِ اشتاقُوا) الجار متعلق بخلقت ويحتمل التعلق بمعبود، وبلوت الرجل وأبليت عنده بلاء حسناً، أي أنعمت عليه، وأحسنت اليه، وبلاه الله بلاء وأبلاه الله ابلاء حسناً، وابتلاه، أي اختبره وامتحنه، وأصل الابتلاء [...](4)الامتحان والوجهان يحتملهما المقام، والمأدبة بضم الدال كما في النسخ وهو المشهور، وأجاز بعضهم فيها الفتح الطعام الذي يصنعه الرجل يدعو إليه الناس(5)، والمراد بالمأدبة الجنة وبالدار الإسلام؛ لأنَّه يجمع أهله ويحميهم، وقد ورد في الخبر أنَّ الله جعل الإسلام داراً، والجنة مأدُبة، والداعي إليها محمد (صلى الله عليه واله)، ويحتمل أن يراد بالدار الدار الآخرة؛ لأنَّها مجمع العباد

ص: 122


1- (ورزی) في ع، تصحيف
2- (ولزروا) في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 162، وشرح نهج البلاغة، صبحي الصالح: 200
3- (ولا فيما رغبت رغبوا) في: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 162، ونهج البلاغة، تحقيق: صبحي الصالح: 200. وفي ث: (رعبوا) تصحيف
4- [و] زائدة ر، م
5- لسان العرب، مادة (أدب): 1 / 207، وفيه: (ویدعو)

ومستقرهم، أو الجنة فالمأدبة ما أعده الله فيها من النعيم وتخصيص الداعي بمحمد (صلى الله عليه واله)؛ لأنَّ الكلام في شأن هذه الأمة والغرض وعظهم وتذكيرهم، ويحتمل الجنس والمنصوبات مميزات لتلك المأدبة، والاشتمال على الزوائد زيادة في الأنعام، ويحتمل أن يكون أزواجاً(1)معطوفاً على مأدبة، أو داراً، والخَدم بالتحريك جمع خادم كخدام غلاماً كان، أو جارية والحاق الهاء في المؤنث قليل، والزرع يشمل انبات الحب والشجر کما ذکره بعض الشارحین(2)وحمله على انبات الشجر، ثم قال: ولو قال قائل: إنَّ في الجنة زروعاً من البر ونحوه لم يبعد(3)، ولعل الأظهر تخصيصه بالحب والخضرة وغرس الشجر انباته يفهم من الثمار، وفي بعض النسخ (ولا فيما رغبت رغبوا) بحذف الجار مع العائد اقبلوا. (علَى جيفةٍ قدْ افتضُحوا [بأكلها، واصطلحُوا](4)علىَ حبِّها، ومنْ عشقَ شيئاً أعشى بصرهُ، وأمرضَ قلبهُ، فهوَ ينظرُ بعینٍ غیرِ صحيحةٍ، ويسمعُ بأُذنٍ غیر سميعةٍ) الجيفة جثة الميت إذا أنتن، وفضحه کمنعه کشف مساويه فافتضح، أي ظهرت عيوبه واصطلحوا على حبها، أي اتفقوا(5)اطلاقاً فالاسم الملزوم على لازمه فإنَّ الاصطلاح عبارة عن التراضي بعد التغاضب، ويلزمه الاتفاق، ويحتمل أن يكون المعني أن حبها صار سبباً لصلحهم وتراضيهم كما قال (عليه السلام): (فهو عبد لها، ولمن في يديه شيء منها)، والعشق الإفراط في المحبة، أو عجب

ص: 123


1- (أرواحاً) في أ، ع، تصحيف
2- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 168
3- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 168
4- [بأكلها، واصطلحُوا] ساقطة من ع
5- (أنفقوا) في م، تصحيف

المحب بمحبوبه، يقال: عشقه كعلمه عِشقاً بالكسر، وعشقاً بالتحريك، وأعشی بصره أي جعله أعشی، والأعشى الذي لا يبصر بالليل ويبصر بالنهار، أو العشا العمى، أو سوء البصر بالليل والنهار، والمراد بالبصر البصيرة، وعشاه انغمار عقله بالجهل ووساوس الحب، أو الباصرة، وعشاه عدم العبرة بما يراه من مواضع العبرة، وعدم الاعتداد بما يراه من العيوب، واعظام ما يراه من المحاسن الحقيرة، والعين مؤنثة / ظ 147 / كالأُذُن بالضم وبضمتين، وفي النسخ (بضمتين)، والسماع بآذن(1)غير سميعه عدم التأثر(2) والانتفاع بسماع المواعظ، وعدم التصديق بما يسمع من عيوب المحبوب (قدْ خرقتْ الشهواتُ عقلهُ، وأماتتِ الدُّنيا قلبهُ، وولهتْ عليها نفسهُ، فهوَ عبدٌ لها ولمنْ فِي يديهِ شيءٌ منهَا، حيثُ مَا زالتْ زالَ إليهَا، وحيثُ ما أقبلتْ أقبلَ عليهَا)، لعل المراد بخرق الشهوات افسادها العقل وابطالها إياه بتشویشه وتغريقه في الخواطر الباطلة [حتى](3)كان كالثوب المخرق الممزق الذي لا ينتفع به، وإماته القلب جعله كالميت العاجز عن القيام بشأنه والحركة إلى ما يعنيه وادراك المضار والمنافع، والوله ذهاب العقل من فرح أو حزن، والحيرة والخوف، يقال: وَلِه كتعِب ووله کوعد في لغة قليلة، والوله على الدنيا بمعنى ذهاب العقل للفرح(4)بما وجد منها والحزن على ما فقد منها واضح، وكذلك بمعني(5)الحيرة لشدة الحب والميل إليها، وبمعنی

ص: 124


1- (بادن) في أ، ر
2- (الناثر) في ع، تصحيف
3- [حتی] ساقطة من أ
4- (للفرج) في ر، تصحيف
5- (يعني) في ع، تحریف

الخوف على فراق ما وجد منها وعدم الاصابة بالمأمول منها، وقوله (عليه السلام): (حيث ما زالت) کالبيان للعبودية، والزوال الذهاب(1)والتحرك، أي إذا ذهبت الدنيا يذهب إليها ويتبعها كما أنَّه إذا أقبلت يستقبلها وهذا النوع من العبودية يكون من صميم القلب ومحض الشهوة وهو أتم من عبودية الرق القسري کما قال (عليه السلام): (عبد الشهوة أذل من عبد الرق)(2)، (لَا ينزجرُ منَ اللهِ بزاجرٍ، ولَا يتعظُ منهُ بواعظٍ، وهُوَ يرى المأخوذينَ علَى الغرةِ(3)، حيثُ لاَ إقالة(4)ولَا رجعةَ، كيفَ نزلَ بهمْ ما كانُوا يجهلونَ وجاءهمْ منْ فراقِ الدُّنيا مَا كانُوا يأمنونَ وقدمُوا منْ الاخرةِ علَى مَا كانُوا يوعدونَ) زجره کنصره، أي منعه ونهاه فانزجر وازدجر، أي امتنع وانتهى، والوعظ النصح والتذكير بالعواقب والاتعاظ قبول الموعظة والواو للحال، و(الغرة(5): الغفلة)(6)، (والغار: الغافل)(7)ويجوز أنْ يكون بمعنى الخديعة والاطماع بالباطل، يقال: غره غروراً، وغِرة بالكسر إذا (خدعه وأطمعه بالباطل)(8)(والغرور، کصبور الدنيا)(9)، وقال بعض الشارحين: يجوز أن

ص: 125


1- (الذهاب الزوال) في أ، ع
2- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 20 / 277
3- (العزة) في أ، ر، ع
4- (لا اقالة لهم) في: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 162
5- (العزة) في أ، ر، ع
6- تاج العروس، مادة (غرر): 7 / 304
7- المصدر نفسه، مادة (غرر): 7 / 304
8- تاج العروس، مادة (غرر): 7 / 299
9- المصدر نفسه، مادة (غرر): 7 / 299

يعني به الحداثة، تقول: كان ذلك في غرارتي وغرتي، أي في حداثتي وصبائي(1)وقِلته البيع بالكسر وأقلته، أي فسخته واستقاله طلب اليه أن يقيله، وقيل: الإقالة من القول والهمزة للسلب، فأقال بمعنى أزال القول الأول وهو البيع كأشكاه، أي أزال شکایته، ولعله وهم والبيع الذي لا اقاله له بيع الانسان نفسه وعمره بالدنيا، ولعل المراد بما كانوا يجهلون هو الموت وجهله ترك الاستعداد للقائه وتهيئة ما يحتاج إليه لنزوله(2)فإنَّ المغتر بالدنيا المنخدع بأباطيلها كالجاهل بنزول الموت رأساً، كما أنَّه كالآمن من فراق الدنيا والعلم المسلوب عنه أثره کالمعدوم وكذلك الخوف وإن كان يخطر بالبال أحياناً [...](3)، وقال بعض الشارحين: المراد تفصيل سكرات الموت وأهواله وما كانوا يأمنون، اشاره إلى الموت وما بعده، فإنَّ الغافل حال انهما که في لذات الدنيا لا يعرض له خوف الموت بل يكون في تلك الحال آمنا منه(4)، وقُدم من سفره كعلم قدوماً بالضم، أي أب فهو قادم، ولعل التعبير بالقدوم لأنَّ الآخرة هي الدار التي خلق الانسان له والدنيا ممر لا دار مقرٍ، وقوله (عليه السلام) من الآخرة بيان لما كانوا يوعدون، والوعد يستعمل في الخير والشر، يقال(5): وعدته خيراً، ووعدته شراً، وإذا اسقطوا الخير والشر قالوا في الخير: الوعد والعدة، وفي الشر الايعاد، وظاهر المقام شرور الآخرة (فغیرُ موصوفٍ مَا نزلَ بهمْ، اجتمعتْ عليهمْ سكرةُ الموتِ، وحسرةُ الفوتِ، ففترتْ لَها

ص: 126


1- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 168
2- (لنزول) في ع
3- [على] زيادة في أ، ع، ن
4- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 3 / 64
5- [يقال] ساقطة من ر

أطرافهمْ، وتغیرتْ لَها ألوانهمْ)، لعل المعنى لا يمكن وصف ما نزل بهم حق الوصف وإنما المذكور في ذيل الكلام شيء منه وتصوير له بوجه يقتضيه(1)المقام وحكي عن التورية أنَّ مثل الموت كمثل شجرة ذات شوك أدرجت في بدن ابن آدم فعلقت كل شوكة بعرق وعصب، ثم جذبها / و148 / رجل شدید الجذب فقطع ما قطع وأبقى ما أبقى، وسكرة الموت شدته الذاهبة بالعقل وغشيته، وحسرة الفوت التلهف على فوت لذات الدنيا ومفارقة الأموال والبنين، أو فوت وقت العمل والتوبة واستدراك ما سلف من الذنوب والأطراف من البدن اليدان والرجلان والرأس، وفتورها سكونها بعد الحدة، ولينها بعد الشدة، والضمير في الموضعين راجع الى السكرة أو كل واحد من السكرة والحسرة.

(ثُمَّ ازْدَادَ الْمَوْتُ فِيهِمْ وُلُوجاً، فَحِيلَ بَیْنَ أَحَدِهِمْ وَبَیْنَ مَنْطِقِهِ، وَإِنَّهُ لَبَیْنَ أَهْلِهِ يَنْظُرُ بِبَصَرِهِ، وَيَسْمَعُ بِأُذُنِهِ، عَلَى صِحَّةٍ مِنْ عَقْلِهِ، وَبَقَاءٍ مِنْ لُبِّهِ، يُفَكِّرُ فِيمَ أَفْنَى عُمُرَهُ، وَفِيمَ أَذْهَبَ دَهْرَهُ! وَيَتَذَكَّرُ أَمْوَالًا جَمَعَهَا، أَغْمَضَ

فِي مَطَالِبِهَا، وَأَخَذَهَا مِنْ مُصَرَّ حَاتِهَا وَمُشْتَبِهَاتِهَا) الولوج الدخول، وولوج الموت كناية عن تصرفه في الرجل وقربه، وحال الشيء بيني وبينك أي حجز ومنع، والحاجز ضعف العضلات والعارض لدنو الموت، واللب العقل وفكر في الشيء وأفكر وتفكر بمعنی، وفيمَّ أي في أي شيء وحذف الالف في (ما) استفهامها وإبقاء الفتحة دليلاً عليها إذا جرت غالب إلا إذا جاء بعدها (ذا) نحو: بماذا تشتغل، والدهر الزمان الطويل ومدة الحياة، واغمضتُ

ص: 127


1- (تقتضيه) في ع، تصحيف

العين إغماضاً وغمَّضتها تغميضاً إذا أطبقت الأجفان ومنه: اغمضت عنه إذا تجاوزت، وأغمضت عنه في البيع أي تساهلت، والاغماض في المطالب ترك الاعتناء بأنها من المحرمات وعدم الالتفات إلى ذلك وأخذ المال وان علم انه حرام أو افتاء الرجل لنفسه وتصحيح أخذ المال بتأويلات ضعيفة وتوجيهات سخيفة، وقال بعض الشارحین(1): ويمكن أن يحمل على وجه آخر وهو أنه قد كان يحتال بحيل غامضة دقيقة في المطالب حتى حصلها واكتسبها وهو بعيد، ومصرحاتها ما صرح بإباحته أو بتحريمه، أو بإباحته وتحريمه أي من الجميع.

(قَدْ لَزِمَتْهُ تَبِعَاتُ جَمْعِهَا، وَأَشْرَفَ عَلَى فِرَاقِهَا، تَبْقَى لِمَنْ وَرَاءَهُ يَنْعَمُونَ فِيهَا، وَيَتَمَتَّعُونَ بِهَا، فَيَكُونُ الْمَهْنَأُ لِغَیْرِهِ، وَالْعِبْءُ عَلَى ظَهْرِهِ) التبعة كفرحة ما يتبع الشيء وتبعه جمع المال الإثم والعقاب والسؤال، والتنعم الترفه ونِعَم عیشه کفرح اتسع وينعمون فيها أي يعيشون عيشاً طيباً واسعاً، والمهناء والهنيء والمهنأ كمقعد وکریم ومعظم ما أتاك بلا تعب ولا مشقة، ويقال: هنِيء الطعام وهنُؤ بالكسر والضم أي ساغ، وفي حديث طعام العمال: ((لك المهنأ وعليه الوزر))(2)أي يكون أكلك له هنيئاً لا تؤاخذ به ووزره على من کسبه وقد يخفف الهمزة في المهناء، وفي النسخ بالهمز، والعِبء بالكسر الحمل والثقل من أي شيء كان والجمع أعباء وعبء الأموال إثمها وما يتبعه من السؤال والعقاب.

ص: 128


1- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 169
2- غريب الحديث، ابن قتيبة: 2 / 283، والفايق في غريب الحديث، الزمخشري: 3 / 409، والنهاية في غريب الحدیث والاثر: 5 / 277

(وَالْمَرْءُ قَدْ غَلِقَتْ رُهُونُهُ بِهَا، فَهُوَ يَعَضُّ يَدَهُ نَدَامَةً عَلَى مَا أَصْحَرَ لَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ مِنْ أَمْرِهِ، وَيَزْهَدُ فِيمَا كَانَ يَرْغَبُ فِيهِ أَيَّامَ عُمُرِهِ، وَيَتَمَنَّى أَنَّ الَّذِي كَانَ يَغْبِطُهُ بِهَا وَيَحْسُدُهُ عَلَيْهَا قَدْ جازَهَا دُونَهُ) قال في النهاية: ((فيه: لا يغلق الرهن بما فيه))(1)يقال: غلق الرهن کفرح غلوقاً إذا بقي في يد المرتهن لا يقدر راهنة على تحصيله، والمعنى أنه لا يستحقه المرتهن إذا لم يستفکه صاحبه وكان من فعل الجاهلية أنّ الراهن إذا لم يؤدّ ما عليه في الوقت المعين ملك المرتهن الرهن فأبطله الإسلام، قال الأزهري(2): يقال: غلق الباب إذا عسر فتحه، والغلق في الرهن ضد الفك فإذا فك الراهن الرّهن فقد أطلقه من وثاقه عند مرتهنه، وقال في المصباح المنير: ((في الحديث: ((لا يغلق الرّهن بما فيه)) أي لا يستحقه المرتهن بالدين الذي هو مرهون به))(3)، والظاهر أن المراد بالرهون السعادات المعدة للمرء لو لم يكتسب تلك الأموال من غير حلها ولم يلزمه تبعات جمعها وقد كان يمكنه فك رهونه بالتوبة والأعمال الصالحة / ظ 148 / وأداء الأموال إلى مستحقيها فلما مضى وقت التوبة والاداء فقد غلقت الرهون وخرجت من يده بتلك الأموال أي بسبب اكتسابها أو عوضاً عن تلك الاموال، وقال بعض الشارحين(4): أراد انه لما شارف الرحيل صارت تلك الأموال التي جمعها مستحقة لغيره ولم يبق له فيها تصرف فأشبهت الرّهن الذي غلق على صاحبه فخرج عن كونه مستحقاً له وصار مستحقاً

ص: 129


1- النهاية في غريب الحديث والاثر: 3 / 379
2- ينظر: تهذيب اللغة: 17 / 139
3- المصباح المنير: 2 / 451
4- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 169

لغيره وهو المرتهن، واورد عليه بعضهم(1)بأنه حينئذ يضيع فائدة قوله (عليه السلام) بها لأن الضمير يعود الى الاموال المجموعة وهي ليست إلا نفس الرهون، ويحتمل أن يراد بالرّهون ما كان يؤمل الرجل أن يناله من الملاذ، والاغراض الدنيوية التي خرجت من يده بخروج تلك الأموال وعدم تمكنه من التصرف فيها. وعضضت اللقمة من باب سمع وبها وعليها أي أمسكته بأسناني ومن باب نفع لغة قليلة، وفي بعض النسخ (فهو يعض يديه)، والعض على اليد حينئذ كناية عن شدة أسفه وحزنه، ولو قدر لفعل أصحر له أي انكشف، وأصله الخروج الى الصحراء والبروز من الممكن، والضمير في أمره راجع الى المرء، ويحتمل بعيداً رجوعه الى الموت وإن كان أقرب.

والزهد خلاف الرغبة وما كان يرغب فيه تلك الأموال بقرينه السابق واللاحق من الكلام ويحتمل الأعم منها ومن سائر المشتهيات، وغبطه کضربه أي تمني مثل ما ناله من غير أن يريد زواله عنه لما أعجبه منه وعظم عنده فإذا تمنى زواله فهو الحسد ویکون الغبطة بمعنى الحسد وهو أظهر في المقام، ويحتمل أن يكون المراد بالموصول أولا الجنس المشتمل على الصنفين أو [المراد](2)الذي كان يغبطه أحياناً ويحسده أحياناً، وحازه يحوزه أي قبضه وجهه وملکه.

(فَلَمْ يَزَلِ الْمَوْتُ يُبَالِغُ فِي جَسَدِهِ حَتَّى خَالَطَ سَمْعَهُ فَصَارَ بَیْنَ أَهْلِهِ لَا يَنْطِقُ بِلِسَانِهِ وَلَا يَسْمَعُ بِسَمْعِهِ يُرَدِّدُ طَرْفَهُ بِالنَّظَرِ فِي وُجُوهِهِمْ يَرَى حَرَكَاتِ

ص: 130


1- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 3 / 65
2- [المراد] ساقطة من ر، م

أَلْسِنَتِهِمْ وَلَا يَسْمَعُ رَجْعَ كَلَامِهِمْ) بالغ في الشيء مبالغة وبلاغاً إذا اجتهد ولم يقصر، والخلط المزج وخالطه مازجه [والطرف لغير لا يجمع لأنه في الأصل مصدر](1)، وطرف بعينه حرّك جفينها وطرف بصره أطبق أحد جفنيه على الآخر وترديد الطرف بعد النظرة، ورجعت الكلام أي رددته ولا يسمع رجع كلامهم أي ما يتراجعونه بينهم من الكلام.

((ثُمَّ ازْدَادَ الْمَوْتُ التياطاً(2)بِهِ فَقُبِضَ بَصُرَهُ كَمَا قُبِضَ سَمْعُهُ وَخَرَجَتِ الرُّوحُ مِنْ جَسَدِهِ فَصَارَ جِيفَةً بَیْنَ أَهْلِهِ قَدْ أَوْحَشُوا مِنْ جَانِبِهِ وَتَبَاعَدُوا مِنْ قُرْبِهِ لَا يُسْعِدُ بَاكِياً وَلَا يُجِيبُ دَاعِياً)) نبه (عليه السلام) في هذا الكلام على أنَّ آلة النطق من الانسان تبطل قبل آلتي [السمع والبصر ثم الة ](3)السمع قبل الة البصر وأن آلة البصر تبطل مع مفارقة الروح والزيادة النموّ وزاد یکون لازماً ومتعدياً، تقول(4): زاده الله خيراً فزاد وازداد، وفي بعض النسخ (از داد)(5)ولاط الشيء بقلبي يلوط و يلط لوطاً وليطاً أي الصق والتاط أي لصق، والجيفة جثة الميت إذا انتن کما تقدم، والوحشة الخوف والهم والخلوة وأوحشت الرجل فاستوحش واوحشوا على صيغة المجهول كما في النسخ أي جعلوا مستوحشين، وقال بعض الشارحين(6): ويروى ((أو حشوا)) أي خلوا

ص: 131


1- [والطرف لغير لا يجمع لأنه في الأصل مصدر] ساقطة من ث، ر
2- [التباطاً] في ر، م، تصحيف
3- [السمع والبصر ثم الة] زائدة في ر
4- (يقول) في ر، م، تصحيف
5- ينظر: منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، القطب الراوندي: 1 / 463، وشرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 163
6- ينظر: ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 170

منه وافقروا، يقول: قد أوحش المنزل من أهله أي أقفر وخلا. والاسعاد الاعانة ودعوت الرجل أي ناديته ((ثُمَّ حَمَلُوهُ إِلَی مَخَطٍّ فِي الْأَرْضِ فَأَسْلَمُوهُ فِيهِ إِلَی عَمَلِهِ وَانْقَطَعُوا عَنْ زَوْرَتِهِ حَتَّى إِذَا بَلَغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَالْأَمْرُ مَقَادِيرَهُ وَأُلْحِقَ آخِرُ الْخَلْقِ بِأَوَّلِهِ وَجَاءَ مِنْ أَمْرِ اللهِ مَا يُرِيدُهُ مِنْ تَجْدِيدِ خَلْقِهِ)) المحط بالحاء المهملة كما في كثير من النسخ(1)المنزل، يقال: حط القوم إذا نزلوا وفي بعض النسخ (الى المخط)(2)بالخاء المعجمة، قال بعض الشارحين(3): أي الى خط يعني اللحد سماه مخطاً لدفته، وقال بعضهم: المخط موضع / و149 / الخط أولا ثم يحفر، وسلمت إليه الشيء فتسلمه أي اخذه والتسليم بذل الرضا بالحكم واسلم أمره لله أي سلم وزاره أي قصده واصله القصد للقاء وأما في الاموات فعلى التشبيه ونوع من التعظيم ويمكن أن يراد بالانقطاع القلة والكتاب بمعنى المكتوب من كتب بمعنی قضى وحكم واوجب والمراد مدة عمر الدنيا، والأجل منتهي المدة والامر أما بمعنى القضاء أو بمعنی الشيء، والحالة كناية عن المدة ومقدار الشيء مبلغه أي بلغ القضا أو المدة الى الحد الذي ينبغي ان يبلغ على وفق المصلحة، وقال بعض الشارحين: أراد بالأمر القضا ومقاديره تفاصيله من الاثار التي توجد على وفقه(4)ولحوق آخر الخلق بأوله شمول الموت والفناء للجميع واجتماعهم في عالم البرزخ وجاء من أمر الله ما يريده أي حان حينه على مقتضى الحكمة الالهية ((أَمَادَ

ص: 132


1- ينظر: منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، القطب الراوندي: 1 / 463
2- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 163
3- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 170
4- شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 3 / 68

السَّمَاءَ وَفَطَرَهَا وَأَرَجَّ الْأَرْضَ وَأَرْجَفَهَا وَقَلَعَ جِبَالَهَا وَنَسَفَهَا وَدَكَّ بَعْضُهَا بَعْضاً مِنْ هَيْبَةِ جَلَالَتِهِ وَمَخُوفِ سَطْوَتِهِ وَأَخْرَجَ مَنْ فِيهَا فَجَدَّدَهُمْ بَعْدَ

إِخْلَاقِهِمْ وَجَمَعَهُمْ بَعْدَ تَفَرُّقِهِمْ)) ماد الشيء كباع میدا ومیدانا بالتحريك تحرك واضطرب واماده حرکه واقلقه وقال في المصباح المنير(1): ومنه الميدان لتحرك جوانبه عند السباق والجمع میادین(2)کشيطان وشياطين ويجوز فيه الكسر، وقال بعض الشارحين(3): ويروى ((وامار)) السماء بالراء، والموران الحركة بسرعة(4)، ومار إذا تردد في عرض، ومار البحر إذا اضطرب وهذه الرواية مطابقة لقوله تعالى: «يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا، وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا»(5)وفطرها أي شقها قال الله تعالى: «إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ»(6)«إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ»(7)وارج أي حرك من رج إذا تحرك ويكون رج بمعنی حرك وزلزل قال بعض الشارحين: وروي ((ورجَّ الارض)) بغير همز وهو الأصح وعليه ورد القرآن «إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا»(8)، وأرجفها أي حركها، يقال: رجف كنصر أي تحرك وحرك ويسمى البحر رجاً فالاضطرابه، قال الله عز وجل: «يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا»(9)، وقال تعالى:

ص: 133


1- ينظر: المصباح المنير: 2 / 587
2- (مبادین) في ر، تصحيف
3- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 170
4- ينظر: القاموس المحيط: 2 / 136
5- الطور / 9، 10
6- الانفطار / 1
7- الانشقاق / 1
8- الواقعة / 4
9- المزمل / 14

«يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ، تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ»(1)وهذه الرجفة هي زلزلة الساعة التي اشار اليها عز وجل بقوله: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ»(2)ونسف البناء كضرب أي قلعه من أصله قال الله عز وجل: «وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا ٭ فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا ٭ لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا»(3)والدك الدق والهدم قال الله عز وجل: «وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً»(4)، والهيبة والمهابة المخافة، والسطوة الصولة أو القهر بالبطش ظاهر الكلام أن هذا الدك ناش عن نوع شعور وقدرة عن الجبال بأن يكون السبب فيه تجلى نوع من الجلالة والسطوة عليها وهو على القول بأن للجمادات نوعاً من الشعور کما يدل عليه ظاهر قوله عز وجل: «وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ»(5)واضح، ولو ثبت انتفاء الشعور عنها رأساً لتطرق الى الكلام ضرب من التأويل وخلق الثوب كنصر وسمع وكرم أي بل واخلقه جعله باليا وهذا التجديد والجمع هو المذكور بألفاظ مختلفة في عدة مواضع من الكتاب الكريم ((ثُمَّ مَيَّزَهُمْ لِمَا يُرِيدُهُ مِنْ مَسْأَلَتِهِمْ عَنْ خَفَايَا الْأَعْمَالِ وَخَبَايَا الْأَفْعَالِ

وَجَعَلَهُمْ فَرِيقَیْنِ أَنْعَمَ عَلَى هَؤُلَاءِ وَانْتَقَمَ مِنْ هَؤُلَاءِ)) الظاهر أن اللام في قوله (عليه السلام) لما يريد للغاية فيكون التميز قبل الحساب وهو الظاهر من كلمة يريد وتقديم الماضي عليه وحمله على التعليل وجعل التمييز بعد

ص: 134


1- النازعات / 6، 7
2- الحج / 1
3- طه / 105، 106، 107
4- الحاقة / 14
5- الاسراء / 44

المساءلة حتی یکون قوله (عليه السلام) وجعلهم فريقين كالتفسير لهذا التميز بعيد وحينئذ يحتمل أن يكون المراد بالتمييز التفريق بين الاخيار والاشرار وجعلهم صنفين أصحاب اليمين وأصحاب / ظ 149 / الشمال بعد خلط الناس جميعاً في بعض المواقف وعقبات يوم النشور وأن يكون المراد توسيع المكان وأبعاد كل أحد عن الباقين بعد التضييق والتشبيك في بعض المواقف کما مرت الاشارة إليه في قوله (عليه السلام): ((فأحسنهم حالاً من وجد لقدميه موضعاً ولنفسه متسعاً))، وفي بعض النسخ (عن الاعمال)(1)بحذف كلمة (الخفايا) فيكون ذكر الخبايا كالتخصيص بعد التعميم لدفع توهم الاختصاص بغيرها أو غير ذلك من الاغراض أما على الأصل فلعل التخصيص لدفع التوهم في أول الأمر ويفهم غيرها من باب مفهوم الموافقة، أو لأن الأعمال كلها مخفية عن أكثر أهل المحشر، وإنما المطلع على ما شاع وذاع في دار الدنيا قطرة في بحر لجي، وخبأه كمنعه ستره، والخبئ كلمة ستر وغاب والظاهر أن جعلهم فريقين بعد المساءلة والحساب ((فَأَمَّا أَهْلُ الطَّاعَةِ فَأَثَابَهُمْ بِجِوَارِهِ وَخَلَّدَهُمْ فِي دَارِهِ حَيْثُ لَا يَظْعَنُ النُّزَّالُ ولا تتغيرُ(2)بِهِمُ الْحَالُ وَلَا تَنُوبُهُمُ الْأَفْزَاعُ وَلَا تَنَالُهُمُ الْأَسْقَامُ وَلَا تَعْرِضُ لَهُمُ الْأَخْطَارُ وَلَا تُشْخِصُهُمُ الْأَسْفَارُ)) الثواب والمثوبة جزاء الطاعة واثابه واثوبه وثوبه مثوبه اعطاه المثوبة، والجوار بالکسر کما في النسخ وهو الافصح ويجوز فيه الفتح المجاورة والجار المجاور في السكن والذي اجرته من أن يظلم وبناء الأول على التشبيه

ص: 135


1- ينظر: منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة: 1 / 464، هامش: 2: في نسخة (م. ب الف، یا)
2- (يتغير) في ر، م

بالقرب المكاني واضافة الدار الى ضميره سبحانه لاكتساء الشرف كما في قوله تعالى: «وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي»(1)وغير ذلك وظعن كمنع أي ارتحل وعدم التغير ما فسر بالكلمات التالية، ونابه أمر ينوبه أي أصابه والنائبة النازلة، والفزع(2) بالتحريك الخوف وهو في الأصل مصدر ويجمع على أفزاع(3)، ونلته انیله واناله نیلًا اصبته، والخَطر بالتحريك الاشراف على الهلاك وخوف التلف وشخص کمنع شخوصاً خرج من موضع الى غيره وسار في ارتفاع واشخصه أخرجه والاسناد الى الاسفار توسع ((وَأَمَّا أَهْلُ الْمَعْصِيَةِ فَأَنْزَلَهُمْ شَرَّ دَارٍ وَغَلَّ الْأَيْدِيَ إِلَی الْأَعْنَاقِ وَقَرَنَ النَّوَاصِيَ بِالْأَقْدَامِ وَأَلْبَسَهُمْ سَرَابِيلَ الْقَطِرَانِ وَمُقَطَّعَاتِ النِّیرَانِ)) الغُل بالضم القيد المختص باليد، والعنق والجمع الاغلال(4)، وغل الأيدي أي جعلها فيها منضمه(5)الى الاعناق، والناصية ((قصاص الشعر))(6)والام في الأربعة عوض عن الضمير، والسربال القميص أو الدرع يؤكل ما لبس، والقَطِران بفتح القاف وکسر الطاء کما في النسخ(7)ويجوز فيه اسكان الطاء مع فتح القاف وكسرها ما يطلى به الابل(8)شيء اسود لزج منتن ويطلى به أهل النار فيصير كالقميص

ص: 136


1- الحجر / 29
2- (الفرع) في أ، تصحيف
3- (افراغ) في أ، تصحیف
4- ينظر: الصحاح، مادة (غلل): 5 / 1783
5- (متضمه) في أ، تصحیف
6- المصباح المنير: 2 / 609
7- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 163، وشرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 3 / 67
8- ينظر: الصحاح، مادة (قطر): 2 / 795

عليهم ثم ترسل النار فيهم ليكون اسرع إليهم وأبلغ في الاشتعال(1)وأشد في العذاب، وقيل نحاس أو صفر(2)مذاب قد انتهى حره وهو غير معروف بين اللغويين، وقرئ في قوله تعالى: «سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ»(3)قطرانٍ على كلمتين منونتين(4)، قال ابن جني: القِطر بالكسر الصفر والنحاس والانی الذي قد آنی وادرك أي بالغ في الذوبان والحر، وجوز(5)بعضهم(6)على القراءتين أن يسربلوا سربالين أحدهما من القطران والأخر من القطر الانی وهو مبني على ما اشتهر بينهم من نزول القرآن على سبعة أحرف ومقطعات النيران، النيران التي توقد عليهم على قدر جثثهم كأنها ثياب شاملة لهم کما قال عز وجل: «فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ»(7)وقيل المقطعات الثياب القصار؛ لأنها قطعت عن بلوغ التمام وهو غير مناسب للمقام وقيل المقطع من الثياب كل ما يفصل ويخاط من قميص وغيره وما لا يقطع منها كالآزر(8)والأردية(9)وقيل المقطعات لا واحد لها فلا يقال للحبة القصيرة:

ص: 137


1- (الاشتغال) في أ، تصحيف
2- (صقر) في ر، تصحيف
3- إبراهيم / 50
4- ((قرأ زيد، عن يعقوب (من قطر آن) على كلمتين منونتين، وهي قراءة أبي هريرة، وابن عباس، وسعيد بن جبير، والكلبي، وقتادة، وعيسى الهمداني، الربيع. وقرأ سائر القراء: (قطران))) مجمع البيان: 6 / 90
5- (حوز) في أ، تصحیف
6- قراءة الجبائي، ينظر: مجمع البيان: 6 / 95
7- الحج / 19
8- (کالازار) في م
9- (اردبة) في أ، تصحیف

مقطع ولا للقميص مقطع وإنما يقال لجملة الثياب مقطعات والواحد ثوب ((فِي عَذَابٍ قَدِ اشْتَدَّ حَرُّهُ وَبَابٍ قَدْ أُطْبِقَ عَلَى أَهْلِهِ فِي نَارٍ لَهَا كَلَبٌ وَلَجَبٌ

وَلَهَبٌ سَاطِعٌ وَقَصِيفٌ هَائِلٌ)) الطبق بالتحريك كل غطاء لازم على الشيء / و 150 / واطبقته أي غطيته، وأطباق الباب اغلاقه، والكُلب بالتحريك الشدة(1)واللجب محركة وكذلك الجلب کما في بعض النسخ الصوت أو اختلاطه(2)قيل وكان أول مقلوب الثاني والهب بالتحريك والهيب اشتعال النار إذا خلص من الدخان، وقيل لهبها لسانها ولهيبها حرها، والساطع المرتفع، والقصيف الصوت الشديد(3)، والهول المخافة من الأمر لا يدري ما يهجم عليه منه. (لَا يَظْعَنُ مُقِيمُهَا وَلَا يُفَادَى أَسِیرُهَا وَلَا تُفْصَمُ كُبُولُهَا لَا مُدَّةَ لِلدَّارِ فَتَفْنَى وَلَا أَجَلَ لِلْقَوْمِ فَيُقْضَى) ظعن كمنع ارتحل، وفداه وفاداه اعطى شيئاً فانقذه، وفصمه کضربه کسره، والكَيل بالفتح القيد، والأجل المدة وانتهاؤها والقضاء انقطاع الشيء وتمامه واتمام الشيء واكماله والمعنى واضح وهذه الخطبة كما تری ناطقة بانطق بما الكتاب العزيز والأخبار التي جاوزت حد التواتر من فناء الأرض والسموات وبعث الأموات وحشر الأجساد والخلود في الجنة والنار لبعض الشارحين في هذا المقام حكاية أقوال ووجوه سخيفة ابطالها وتزيفها موکول إلى حدائق الحقائق ومن الله العصمة والتأييد.

ومنها في ذكر النبي (صلى الله عليه وآله): قَدْ حَقَّرَ الدُّنْيَا وَصَغَّرَهَا وَ

ص: 138


1- ينظر: الصحاح، مادة (كلب): 1 / 214
2- ينظر: المصدر نفسه، مادة (لجب): 1 / 218
3- ينظر: المصدر نفسه، مادة (قصف): 4 / 1416

أَهْوَنَ بِهَا وَهَوَّنَهَا وَعَلِمَ أَنَّ اللهَّ زَوَاهَا عَنْهُ اخْتِيَاراً وَبَسَطَهَا لِغَیْرِهِ احْتِقَاراً فَأَعْرَضَ عَنِ الدُّنْيَا بِقَلْبِهِ وَأَمَاتَ ذِكْرَهَا عَنْ نَفْسِهِ وَأَحَبَّ أَنْ تَغِيبَ زِينَتُهَا عَنْ عَيْنِهِ لِكَيْلَا يَتَّخِذَ مِنْهَا رِيَاشاً أَوْ يَرْجُوَ فِيهَا مَقَاماً)) حقر الشيء كضرب أي ذل وحقره كضربه أي أذله كحقره بالتشديد واحقره واستحقره والتشديد في الكلام يفيد التكثير، وصَّغَّره بالتشديد أي جعله صغير أو الهوان والمهانة الذلة والضعف واهونها وهونها أي استخف بها واذلها وفي بعض النسخ (أهون بها)(1)وما في الأصل أظهر ومجيء أفعل من الأجوف مصححاً غير نادر في كلام العرب، قال ابو حيان في كتاب ارتشاف الضرب(2): وجاء مصححاً ومُعلا أجود اجواداً، وأغیمت السماء اغياماً وأغيلت المرأة اغيالا وأطيب وأطول استغيل الصبىّ واستروح الريح ومصححا فقط اعول اعوالاً، واستحوذ واستنوق الجمل استنواقاً واستصوب رأيه واستسیت الشاة، ومذهب الجمهور رأيه أنه لا يقاس على ما جاء مصححاً وقاس عليه أبو زيد، وحکی عنه الجوهري أنه حکی عنهم تصحيح أفعل وأستفعل تصحيحاً مطرد في الباب كله، وقال الجوهري(3) أيضا: تصحيح هذه الأشياء لغة صحيحة فصيحة، وأحدث ابن مالك قولا ثالثاً وهو أنه يقاس إذا أهمل الثلاثي انتهى كلام ابن حيان، ويهمل(4)الثلاثي في الالوان والعيوب نحو عور وسود، لأن الأصل فيهما هو باب أفعال نحو: أعوار(5)وأسواد وإنما

ص: 139


1- شرح نهج البلاغة، ابن ابي الحديد: 7 / 175
2- ينظر ارتشاف الضرب: 2 / 295
3- ينظر: الصحاح، مادة (حوذ): 2: 563
4- (تهمل) في أ
5- (اعواز) في أ، م، تصحیف

لم يعل هذا الباب؛ لأنه لو أعل أسواد تحركت السين وحذفت الف الوصل واجتمع الفان وبعد حذف احداهما(1)يصير ساد فلا يدري هل هو أفعال أو فاعل وحيث لم يعل الاصل لم يعل الفرع وما تصرف منه نحو: اعورته، واستعورته، وقد ذكر بعضهم لما جاء من أفعل مصححاً أمثلة كثيرة، ولعل المراد بتحقيره(2)الدنيا عدها حقيراً عند نفسه وبتصغيرها عند غيره وكذلك الاهانة والتهوين وزواها أي قبضها واختياراً أي باختيار، ورضى منه (صلى الله عليه وآله) بذلك كما قيل وقبضها عنه لاصطفائه من بين البرية وتنزيهه عن التدنس بها على تقدم الاصطفاء نحو: قعدت عن الحرب جبناً أو تأخره نحو: ضربته تأدیباً، وبسطها لغيره أي اعطاه إياها ومكنه من التصرف فيها، واحتقره واستحقره وحقره بالتشديد أي استصغره، والمراد احتقار الغير أو الدنيا أو هما جميعا وأماته ذكراها عن النفس الصفح عنها رأساً وعدم الالتفات إليها أصلاً، وفي بعض النسخ(3)/ ظ 150 / (من نفسه) بدل (عن نفسه)، والرِياش بالكسر (اللباس الفاخر))(4)أو ((ما ظهر من اللباس))(5)، ويطلق على المعاش والمال المستفاد، والمُقام بضم الميم الاقامة والمكان بعيد والاخبار في أعراضه (صلى الله عليه واله) عن الدنيا كثيرة منها ما رواه محمد بن يعقوب (رضي الله عنه) في الروضة(6)عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر

ص: 140


1- (احدیهما) في ر، م
2- (تحقير) في ر، في م (بتحقير)
3- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 175
4- الصحاح، مادة (ریش):
5- لسان العرب، مادة (ریش): 6 / 310
6- ينظر: الكافي، الكليني: 8 / 130

(عليه السلام) في حديث طويل انه قال: يا محمد لعلك ترى أنه شبع من خبز البر ثلاثة أيام متواليه من أن بعثه الله تعالى إلى أن قبضه، ثم ردَّ على نفسه فقال والله ما شبع من خبز البر ثلاثة أيام متواليه منذ بعثه الله تعالى الى أن قبضه، أما أني لا أقول إنه كان لا يجد لقد كان يجيز الرجل الواحد بالمائة من الابل فلو أراد أن يأكل لأكل، ولقد أتاه جبرئیل (عليه السلام) بمفاتيح خزائن(1)الارض ثلاث مرات يخبره من غير أن ينقصه الله تبارك وتعالى ما اعد له يوم القيامة شيئا فيختار التواضع لربه جل وعز. (بَلَّغَ عَنْ رَبِّهِ مُعْذِراً وَنَصَحَ لِأُمَّتِهِ مُنْذِراً وَدَعَا إِلَی الْجَنَّةِ مُبَشِّرّاً نَحْنُ شَجَرَةُ، النُّبُوَّةِ وَمَحَطُّ الرِّسَالَةِ وَمُخْتَلَفُ الْمَلَائِكَةِ وَمَعَادِنُ الْعِلْمِ وَيَنَابِيعُ الْحُكْمِ نَاصِرُنَا وَمُحِبُّنَا يَنْتَظِرُ الرَّحْمَةَ وَعَدُوُّنَا وَمُبْغِضُنَا يَنْتَظِرُ السَّطْوَةَ.) الاعذار یكون بمعنى المبالغة في الأمر، ويكون بمعنی ابانة العذر فعلى الأول المعنى بلغ الرسالة عن ربه مبالغاً کما ذكره بعض الشارحين(2)وعلى الثاني مظهر اعذر الله في عقاب العاصين، وقال ابن الأثير في النهاية فيه: لقد أعذر الله الى من بلغ به العمر ستين سنة ((أي لم يبق فيه موضعاً للاعتذار حيث أمهله طول هذه المدة ولم يعتذر))(3)فالهمزة للسلب نحو اشکيته أي أزلت شکایته، وقال المطرزي(4)في المغرب [...](5)اعذر أي بالغ في العذر، ويقال أعذر من انذر والنصح ارادة الخير للمنصوح له، والمراد بالضمير أهل البيت (عليهم السلام)، والمحط المنزل،

ص: 141


1- (حزاین) في ر
2- ينظر: ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 176
3- ينظر: النهاية في غريب الحديث والاثر: 3 / 196، 197
4- المغرب في المعرب، المطرزي، مادة (عذر): 2 / 49: وفيه (واعذر بالغ في العذر...)
5- [أي] زائدة في أ، م

والاختلاف التردد ومجيء كل خلف الاخر وعقيبه، وقال بعض الشارحين: ((ومختلف الملائكة: أي موضع اختلافها في صعودها ونزولها))(1)، وانتظار الرحمة والسطوة لأن الفرقين ينتظر أن الموت وهو مقدمة للأمرين کما ذکره بعض الشارحين(2)، أو المعنى كل في معرض أحد الأمرين مستحق له فكأنه منتظر له، والسطوة القهر والبطش والصولة.

ومن خطبة له (عليه السلام)

((إِنَّ أَفْضَلَ مَا تَوَسَّلَ بِهِ الْمُتَوَسِّلُونَ إِلَی اللهَّ سُبْحَانَهُ الْإِيمَانُ بِهِ وَبِرَسُولِهِ وَالْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ فَإِنَّهُ ذِرْوَةُ الْإِسْلَامِ وَكَلِمَةُ الْإِخْلَاصِ فَإِنَّهَا الْفِطْرَةُ وَإِقَامُ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا الْمِلَّةُ)، قال بعض الشارحين(3): يعني بالإيمان هاهنا مجرد التصديق بالقلب، مع قطع النظر عما عدى ذلك من التلفظ بالشهادة والاعمال، وقد ذهب الى ذلك جماعة من المتكلمين ولاصحابنا أن يقولوا أن أمير المؤمنين (عليه السلام) جاء باللفظ على وضعه(4)اللغوي کما قال تعالى: «وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ»(5)أي بمصدق واطلاقه على المعنى اللغوي لا ينافي ما ذهب إليه أصحابنا في معناه الشرعي كالصلاة والزكاة وغيرهما وتقديمه على غيره؛ لأنه الأصل وأما تقديم الجهاد على الاقرار وغيره لأنه

ص: 142


1- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 176. وفيه: (ومختلف الملائكة: موضع اختلافها...)
2- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 178
3- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 179
4- (وصفه) في ر
5- يوسف / 17

المظهر للشهادة وشرائع الدين وبه يتمكن(1)الناس من الاعلان بها، وذِروة كل شيء بالكسر أعلاه، والفِطرة بالكسر ما فطروا عليه أي خلقوا فإنَّ الناس لو خلو وما خلقوا عليه ولم يضلهم الصوادف عن الحق لأقروا بكلمة الاخلاص کما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) (كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه هما اللذان يهودانه وينصرانه ويمجسانه)(2)، وقيل المعنى أنها العهد المأخوذ من بني آدم إذ أشهدهم ربهم على أنفسهم، وقيل هي الفطرة التي خلقوا لها كما قال عز وجل: «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ»(3)وأصل الكلمة الاخلاص شهادة أن لا إله إلا الله والاقرار بالرسالة / و151 /، والولاية تبع ومتمم لها وأقام الصلاة وإقامتها تعديل أركانها وحفظها من أن يقع زيغ في أفعالها وشروطها من أقام العود إذا قومه أو ادامتها والمواظبة عليها من قولهم: قامت السوق إذا نَفَقَت وراجت فإنه إذا حوفظ عليها كانت كالنافق المرغوب فيه أو التشمر لآدائها من غير فتور ولا توان من قولهم: قام بالأمر إذا جدّ فيه وضده القعود عن الامر أو ادؤها لأنها بالآداء تكون الشخص القائم أو عبر عن ادائها بالإقامة لاشتمالها على القيام کما عبر عنها بالركوع والسجود والتسبيح والتاء في الاقامة عوضاً عن العين الساقطة بالإعلال وفي الاقام عوضت الاضافة عنها كقوله: (واخلفوك عد الأمر الذي وعدوا والملة الدين والصلاة ركنها الاعظم کما قال (صلى الله عليه وآله) الصلاة عماد الدّين (وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ فَإِنَّهَا فَرِيضَةٌ وَاجِبَةٌ وَصَوْمُ

ص: 143


1- (تمكن) في أ
2- ينظر: صحيح البخاري: 2 / 104 والفايق في غريب الحديث: 3 / 39
3- الذاريات / 56

شَهْرِ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ جُنَّةٌ مِنَ الْعِقَابِ وَحَجُّ الْبَيْتِ وَاعْتِمَارُهُ فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَيرخَصانِ الذَّنْبَ) المراد بالفريضة ما نطق الكتاب الكريم بوجوبه وذكر الوجوب تأكيد وإيتاء الزكاة مقرون بإقامة الصلاة في القرآن أو المراد السهم المقتطع من المال من الغرض بمعنى القطع كما ذكره بعض الشارحين(1)، والجُنة بالضم: كل ما وقی من سلاح وغيره(2)، ويرخصان الذنب أي يغسلان(3)، وفي بعض النسخ يدحضان بدال المهملة موضع الراء، والدحض: ((الزلق))(4)أي: يزيلان الذنب ويذهبان به ((وَصِلَةُ الرَّحِمِ فَإِنَهَّا مَثْرَاةٌ فِي الْمَالِ وَمَنْسَأَةٌ فِي الْأَجَلِ وَصَدَقَةُ السِّرِّ فَإِنَّهَا تُكَفِّرُ الْخَطِيئَةَ وَصَدَقَةُ الْعَلَانِيَةِ فَإِنَّهَا تَدْفَعُ مِيتَةَ السُّوءِ وَصَنَائِعُ الْمَعْرُوفِ فَإِنَّهَا تَقِي مَصَارِعَ الْهَوَانِ)) الرحم ككتف القرابة أو أصلها وأسبابها وذو الرحم من كان بينك وبينه نسب وصلة الرحم الاحسان الى الأقربين من ذوي الأنساب، وقيل والأصهار والتعطف عليهم والرفق بهم والرعاية لأحوالهم والهاء في الصلة عوض عن الواو والمحذوفة تقول(5): (وصله) کوعده وصلًا وصلةً، والثَراء والثَروة بالفتح فيهما الكثرة، والمثراة مفعله للموضع المستكثر ومنساهُ أي موضع ومظنهُ للتأخير، تقول(6): نسأتُ الشيء نسأً وانسأته انساءً إذ اخرته(7)، والمراد بالأجل غاية المدة، وقد

ص: 144


1- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 180
2- ينظر: الصحاح، مادة (جنن): 5 / 2094
3- ينظر: المصدر نفسه، مادة (رحض): 3 / 1077
4- المصدر نفسه، مادة (دحض): 3 / 1075
5- (يقول) في ر، م
6- (يقول) في أ
7- ينظر: العين، مادة (نسی): 7 / 305

يراد به المدة، وكَفَر الشيء كضَرب كفراً بالفتح أي ستره وغطاه(1)وكذلك كفره تكفيراً، ويقال للفلاح(2)کافر؛ لأنه يكفر البذر أي يستره وللیل کافر؛ لأنه يستر بظلمته، والكفارة الخصلة التي تغطي الذنب وتمحوه وتكفر في النسخ بالتشديد، والمِيته بالكسر حاله الموت وهيئته، والسَوء بالفتح کما في النسخ مصدر ساءة يسؤه إذا فعل به ما يكره، والسُّوء بالضم اسم منه، قال الجوهري يقول: هذا رجل سَوء بالفتح بالإضافة، ثم تدخل عليه الالف واللام فتقول(3): هذا رجل السوء، وقال الاخفش: ولا يقال الرجل السوء، ويقال الحق اليقين وحق اليقين جميعاً؛ لأن السوء ليس بالرجل واليقين هو الحق قال: ولا يقول أحد هذا رجل السوء بالضم(4)، وقال في المصباح المنير: ((هو رجل سوء بالفتح والاضافة و(عمل سوء) فإنَّ عرفت الأول قلت الرجل السوء والعمل السوء على النعت))(5)، وميتة السوء الميتة على غير عدة بسبب من الاسباب كالغرق والهدم(6)وغير ذلك، والصنيعة العطية والكرامة والاحسان، ويقال: صنع إليه معروفاً وصنع به صنيعاً قبيحاً أي فعل، والمعروف اسم جامع لكل ما عرف من طاعة الله، والتقرب إليه والاحسان الى الناس وكلما ندب الشرع إليه وهو من الصفات الغالبة أي أمر معروف بين الناس إذا رأوه ولا ينكرونه، والمعروف النَّصفة وحُسن الصحبة

ص: 145


1- ينظر: الصحاح، مادة (كفر): 2 / 807
2- (للفلاج) في ر، تصحيف
3- (فيقول) في أ، ر، م
4- ينظر: المصدر نفسه، مادة (سوأ): 1 / 56
5- المصباح المنير: 1 / 298
6- (العدم) في ر

مع الأهل و / ظ 151 / غيرهم من الناس والمنكر ضد ذلك جميعه وصرعته طرحته على الأرض والمصرع موضع، ومصدر والهوان الذل والحقارة وتقي مصارع الهوان أي تقي منها أو تقيها وتصونها فلا تصل الى الرجل ومصارع الهوان كاسر الروم للمسلم وقهر الظلمة وسلطانهم على مظلوم. (أَفِيضُوا فِي ذِكْرِ اللهَّ فَإِنَّهُ أَحْسَنُ الذِّكْرِ وَارْغَبُوا فِيمَا وَعَدَ الْمُتَّقِینَ فَإِنَّ وَعْدَهُ أَصْدَقُ الْوَعْدِ وَاقْتَدُوا بِهَدْيِ نَبِيِّكُمْ فَإِنَّهُ أَفْضَلُ الْهَدْيِ وَاسْتَنُّوا بِسُنَّتِهِ فَإِنَّهَا أَهْدَى السُّنَنِ. وَتَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ أَحْسَنُ الْحَدِيثِ وَتَفَقَّهُوا فِيهِ فَإِنَّهُ رَبِيعُ الْقُلُوبِ) الافاضة في الأصل الصبّ، ثم استعيرت للدفع في السير والاسراع(1)فيه وأصله أفاض نفسه، أو راحلته، فرفضوا ذكر المفعول حتى أشبه غير المتعدي، وأفاض القوم في الحديث أي اندفعوا فيه، والغرض الجد والاجتهاد في الذكر، والذكر يكون بالقلب وباللسان، والهدى بالفتح ((السيرة والهيئة والطريقة))(2)، والسُنة بالضم الطريقة والسيرة حميدة كانت أو ذميمة، ويراد في الشرع بها ما أمر به النبي (صلى الله عليه وآله) ونهی عنه، وندب إليه قولاً وفعلاً مما لم ينطق به الكتاب العزيز، والحديث الخبر وكل ما يتحدث به وينقل ويجمع على أحاديث على غير قياس، وقال الفراء: نرى أن واحد الأحادیث احدوثة أي ما يتحدث به، ثم جعلوه جمعاً للحديث(3)، والفِقه بالكسر فهم الشيء والعلم به(4)ويقال: فقه كعلم إذا علم وفقه کحسن إذا صار الفقه له سجية،

ص: 146


1- ينظر: لسان العرب، مادة (فیض): 7 / 213
2- النهاية في غريب الحديث والاثر، ابن الاثير: 5 / 253
3- ينظر: الصحاح، مادة (حدث): 1 / 278
4- ينظر: المصباح المنير: 2 / 479

والتفقه التعلم وربيع الزمان عن العرب ربيعان الأول الذي يأتي فيه الكمأة والنور والثاني الذي تدرك فيه الثمار وكل منهما يرتاح فيه القلب ويميل إليه وأما ربيع الشهر فالشهران (وَاسْتَشْفُوا بِنُورِهِ فَإِنَّهُ شِفَاءُ الصُّدُورِ وَأَحْسِنُوا

تِلَاوَتَهُ فَإِنَّهُ أَنْفَعُ الْقَصَصِ وَإِنَّ الْعَالِمَ الْعَامِلَ بِغَیْرِ عِلْمِهِ كَالْجَاهِلِ الْحَائِرِ الَّذِي لَا يَسْتَفِيقُ مِنْ جَهْلِهِ بَلِ الْحُجَّةُ عَلَيْهِ أَعْظَمُ وَالْحَسْرَةُ لَهُ أَلْزَمُ وَهُوَ عِنْدَ اللهَّ أَلْوَمُ.) الاستشفاء بنور القرآن كناية عن تعلمه والتبدر فيه، ثم العمل بمضامنه، والتلاوة كالكتابة القراءة ولعل المراد بالتلاوة الحسنة ما اشتملت على التدبّر والتفهم وقوله (عليه السلام) فإنَّ العالم يحتمل أن يكون تعليلاً للكلمات السابقة المتضمنة للترغيب في العمل ويحتمل أن يكون تعليلاً للجملة الاخيرة؛ فإنَّ الغرض من إحسان التلاوة العمل لا مجرد القراءة، والتدبر، والحائر الذي ينظر الى الشيء فلا يهتدي لسبیله، وفي بعض النسخ کالجائر(1)بالجيم، والجور نقيض العدل وضد القصد، ويقال: جار عن الطريق أي مال عنه وضل وأفاق واستفاق أي رجع الى ما كان قد شغل عنه وعاد الى نفسه، ومنه افاقه المريض والمجنون والمغشى عليه والنائم والسكران ويصح تشبيه الجاهل بكل من هؤلاء وان كان بعضهم أظهر وألوم أي كثر ملوميه من سائر الملومين وهو مما جاء من أفعل للمفعول ونحوه أشهر واعذر وأشغل وقياسه أن يكون للفاعل واللّوم والملامة العدل والتعنيف.

ومن خطبة له (عليه السلام)

(أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أُحَذِّرُكُمُ الدُّنْيَا فَإِنَّهَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ حُفَّتْ بِالشَّهَوَاتِ

ص: 147


1- (كالجابر) في ر

وَ تَحَبَّبَتْ بِالْعَاجِلَةِ وَرَاقَتْ بِالْقَلِيلِ وَتَحَلَّتْ بِالْآمَالِ وَتَزَيَّنَتْ بِالْغُرُورِ) الخضرة النضارة والطراوة وحفوا حوله كمدّوا أي أطافوا به واستداروا، وحفه بالشيء احاطه به كأنَّ الشهوات مطيفة بالدنيا محيطة بها وتحببت بالعاجلة أي صارت محبوبة للناس بكونها لذة عاجلة والنفوس مولعة بحب العاجل فحذف الجار والمجرور والقائم مقام المفعول کما ذكره بعض الشارحين(1)ولعل فيه إشارة الى حقارتها كما مرَّ في قوله (عليه السلام) وهي حلوة خضرة / و152 / قد عجلت للطالب أي اعطی معجلاً فإن كان قصير الهمة رضي به وقعد عن طلب ما وراءها من نعيم الآخرة وإن كان بعيد الهمة طلب ما هو خير له، وأبقى قال الله عز وجل: «مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا ٭ وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا»(2)فيكون المعنى تحببت بالنعمة العاجلة التي شأنها الحقارة والقلة وراقني الشيء يروقني أي أعجبني، ومنه جوارٍ روقه وغلمان روقُة بالضم أي احسان أي اعجبت بشيء قليل كما قال عز وجل: «قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ»(3)والحَلى بالفتح ما تتزين به المرأة وتحلت بالحلي أي تزيين به وما تتزين به الدنيا هي الآمال التي لا يدرك أكثرها وأكثر ما يستعمل الأمل فيما يستبعد حصوله ومن عزم على سفر الى بلد بعيد، يقول: أملت

ص: 148


1- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 185
2- الاسراء / 18، 19
3- النساء / 77

الوصول، ولا يقول: طمعت إلا إذا قرب منه، وغرّه(1)غروراً أي: خدعه وأطمعه بالباطل أي تزينت بأمور لا حقيقة لها.

(لَا تَدُومُ حَبْرَتُهَا وَلَا تُؤْمَنُ فَجْعَتُهَا غَرَّارَةٌ ضَرَّارَةٌ حَائِلَةٌ زَائِلَةٌ نَافِدَةٌ بَائِدَةٌ أَكَّالَةٌ غَوَّالَةٌ) الحَبرة بالفتح السرور والنعمة(2)، وفجعه کمنعه أوجعه، والفَجع بالفتح أن يوجع الانسان بشيء يكرم عليه فيعدمه أي كل نعمة من نعمها يخاف زوالها والفجعة بها، والغرارة مبالغة في الغرور کالضرارة في الضرر وحائله أي متغيره من حال الشيء إذا تغير، أو مانعته عن الوصول الى الغاية القصوى، وهي قربه سبحانه ونعيم الآخرة من حال بين الشيئين إذا حجز، والأول أظهر، ونفد الشيء کسمع نفاداً، ونفد أفنی وذهب، وباد أي هلك وانقطع، وغاله أي أهلکه وأخذه من حيث لم يدر، ومنه الغول وفي المثل: ((الغضب غول الحلم))(3).

(لَا تَعْدُو إِذَا تَنَاهَتْ إِلَی أُمْنِيَّةِ أَهْلِ الرَّغْبَةِ فِيهَا وَالرِّضَاءِ بِهَا أَنْ تَكُونَ كَمَا قَالَ الله تَعَالَی سُبْحَانَهُ: «الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا»(4)عداه يعدوه أي جاوزه ويقال: ما عدا فلان أن صنع كذا ومالي عن فلان معدی أي لا يجاوز إلى غيره ولا أجاوزه، وتناهی وانتهى أي بلغ النهاية، وتناهی إليه أي بلغ وانتهى، والأُمنية بالضم ما يتمناه الإنسان أي يريده ويأمله،

ص: 149


1- (عزه) في ر
2- ينظر: لسان العرب، مادة (حبر): 4 / 158
3- مجمع الامثال: 2 / 7
4- الكهف / 45

وقيل هو مأخوذ من المنا كالعصا وهو القدر؛ لأن صاحبه يقدر حصوله(1)أي غاية موافقة الدنيا لأهلها لا يجاوز(2)المثل المضروب لها في الكتاب الكريم، والمراد بالماء المطر واختلاط النبات دخوله في خلل النبات عند النمو، وقيل المعنى التفّ وتكاثف بنزوله بعض النبات بالبعض فالغرض إفادة كثرة النبات وبلوغه الغاية في النمو أو التف ما يأكل الناس منه بما يأكل الأنعام وما يقتات بما يتفکه به، والهشيم نبت یابس متكسر، أو يابس کل کلاء وكل شجر(3)من هشمه كضربه إذا كسره أي أصبح النبات مهشوماً مكسوراً، وذرت الريح الشيء تذروه(4)ذرواً وأذرتهُ وذَرّته أطارته وأذهبته والمشبه به الكيفية المنتزعة من الجملة وهي حال نبات المنبت بالماء يكون أخضر ناضراً، ثم هشيماً تطيره الرياح فيصير كأن لم يكن، وقيل هو الماء فيما يكون به الانتفاع، ثم الانقطاع، وقيل هو النبات على ما وصفه سبحانه من الإغترار به، ثم المصير الى الزوال، والأول أظهر معنى والثاني لفظاً (لَمْ يَكُنِ امْرُؤٌ مِنْهَا فِي حَبْرَةٍ إِلَّا أَعْقَبَتْهُ بَعْدَهَا عَبْرَةً وَلَمْ يَلْقَ فِي سَرَّائِهَا بَطْناً إِلَّا مَنَحَتْهُ مِنْ ضَرَّائِهَا ظَهْراً وَلَمْ تظله وفِيهَا دِيمَةُ رَخَاءٍ إِلَّا هَتَنَتْ عَلَيْهِ مُزْنَةُ بَلَاءٍ) الخَبرة بالفتح السرور والنعمة کما مر(5)، والعَبرة بالفتح سيلان الدمع، أو(6)الدمعة

ص: 150


1- ينظر: اللصحاح، مادة (منا): 6 / 2497، ومجمع البحرین، مادة (منا): 1 / 401
2- (لا يجاوز) في ر، تصحيف
3- ينظر: القاموس المحيط، مادة (هشم): 4 / 190
4- (یذروه) في ر، م
5- ينظر صحيفة: 264
6- (و) في ر

نفسها أو تردد / ظ 152 / البكاء في الصدر، أو الحزن بلا بكاء(1)، والسراء مصدر كما صرح به الشيخ الرضي بمعنى المسرة(2)نقيض الضراء بمعنى الشدة، ومنحه كمنعه وضربه أي اعطاه، والاسم المِنحة بالكسر وتخصيص البطن بالسراء والظهر بالضراء؛ لأن الاقبال يكون بالأول كما أنَّ الادبار بالثاني، أو لأن الترس بطنه يكون اليك وظهره إلى عدوك وفي كتاب أمير المؤمنين (عليه السلام) الى ابن عباس قلبت لأبن عمكَ ظهر المجن، وقيل لأنَّ المشي في بطون الأودية أسهل من السير على الظراب والاكام والتعبير بما يدل على معنى الاعطاء على التهكم، أو لأن اعطاء الدنيا لا يكون إلا بإصابة الضراء، والطَلَّ بالفتح المطر الضعيف، أو أخف المطر، تقول منه: طَلَت الأَرض بالفتح كَمُدَت وبالضم أكثر، وطلها الندى فهي مطلولة، وطلها(3)السحاب(4)إذا أمطر قليلًا(5)، والدِيمة بالكسر مطر يدوم في سكون بلا رعد وبرق أقله ثلث النهار أو ثلث الليل(6)وأكثره ما بلغ من العدة، وهتنت السماء كجلس هتناً وهتوناً انصبت، أو هو فوق الهطل، وقيل هو المطر الدائم وقيل مطر ساعة ثم يفتر ثم يعود(7)، والمُزنة بالضم القطعة من

ص: 151


1- ينظر: لسان العرب، مادة (عبر): 4 / 531، والقاموس المحيط، مادة (عبر): 2 / 83
2- (المسمره) في ر، م
3- (طله) في م
4- (اسحاب) في ر
5- ينظر: الصحاح، مادة (طلل): 5 / 1752
6- ينظر: المصدر نفسه، مادة (ديم): 5 / 1924
7- ينظر: القاموس المحيط، مادة (هتن): 4 / 276

السحابة البيضاء، أو ذات الماء(1)أي إذا أعطت قليلا اعقبته بكثير من الشر. (وَحَرِيٌّ إِذَا أصْبَحَتْ لَهُ مُنْتَصِرَةً أَنْ تُمْسِيَ لَهُ مُتَنَكِّرَةً وَإِنْ جَانِبٌ مِنْهَا اعْذَوْذَبَ وَاحْلَوْلَی أَمَرَّ مِنْهَا جَانِبٌ فَأَوْبَى) المبتدأ المحذوف هو الضمير الراجع إلى امرؤ، وانتصر منه أي انتقم، فنكره فتنكر أي غيره فتغير إلى مجهول أي المرء وجدير بأن يتغير أمر الدنيا في حقه من حاله الانتقام له من أعدائه إلى ما يضادها ويباينها، وقال بعض الشارحين: إنما قال: حريّ ولم يقل حريّه مع أنه يخبر عن الدنيا؛ لأنه أراد شأنها فذكر أي: شأنها خليق أن يفعل كذا(2)، واعذوذب أي صار عذباً، وإحلولى أي صار حلواً، والمر ضد الحلو، وأمرّ أي صار مراً، و((الوبا بالقصر والمد والهمز: الطاعون أو المرض العام))(3)، وأوبأت الأرض فهي موبئة أي صارت ذات وباء ولين الهمزة للسّجع وان دخلت على الفعل تقديرا أي وان اعذوذب منه جانب كقوله تعالى: «وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ»(4).

(لَا يَنَالُ امْرُؤٌ مِنْ غَضَارَتِهَا رَغَباً إِلَّا أَرْهَقَتْهُ مِنْ نَوَائِبِهَا تَعَباً وَلَا يُمْسِيِ مِنْهَا فِي جَنَاحِ أَمْنٍ إِلَّا أَصْبَحَ عَلَى قَوَادِمِ خَوْفٍ غَرَّارَةٌ غُرُورٌ مَا فِيهَا فَانِيَةٌ فَانٍ مَنْ عَلَيْهَا لَا خَیْرَ فِي شَيْ ءٍ مِنْ أَزْوَادِهَا إِلَّا التَّقْوَى) الغَضارة بالفتح النعمة والسعة والخصب والطيب(5)، ورغبت في الشيء رغبةً ورغباً بالتحريك أي

ص: 152


1- ينظر: الصحاح، مادة (مزن): 6 / 2203
2- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 186
3- النهاية في غريب الحديث والاثر، ابن الاثير: 5 / 144
4- التوبة / 6
5- ينظر: القاموس المحيط، مادة (غضر): 2 / 102

أردته والمراد به المراد وارهقته أي كلفته وحملته، ونوائب الدهر ما ينوب الإنسان أي ينزل به من الحوادث والمصائب، يقال: نابه ينوبه نوباً وانتابه إذا قصده مرة بعد أخرى، والقوادم والقدامى كحبارى أربع أو عشر ريشات في مقدم جناح الطائر، الواحدة قادمته، ولا ريب أنَّ خطر السقوط فيما كان عليها أعظم كما أنَّ الساكن تحت الجناح احرى بالأمن محفوظ من البرد ونيل المكروه. (مَنْ أَقَلَّ مِنْهَا اسْتَكْثَرَ مِمَّا يُؤْمِنُهُ وَمَنِ اسْتَكْثَرَ مِنْهَا اسْتَكْثَرَ مِمَّا يُوبِقُهُ وَزَالَ عَمَّا قَلِيلٍ عَنْهُ كَمْ مِنْ وَاثِقٍ بِهَا قَدْ فَجَعَتْهُ وَذِي طُمَأْنِينَةٍ إِلَيْهَا قَدْ صَرَعَتْهُ وَذِي أُبَّهَةٍ قَدْ جَعَلَتْهُ حَقِیراً وَذِي نَخْوَةٍ قَدْ رَدَّتْهُ ذَلِيلًا) الاقلال من الدنيا أخذ القليل من متاعها والرضا به واستكثر من الشيء رغب في الكثير منه أو أخذ الكثير منه وأمنه أي أزال عنه الخوف وما يؤمن الإنسان هو الاعراض عن متاع الدنيا ولما كان الاقلال من الدنيا بترك الكثير منها والترك هو المؤمن كان الاقلال(1)منها استكثار مما يؤمن ويوبقه أي يهلكه، ولما كان الاهلاك في الآخرة والزوال في الدنيا عبر عن / و153 / الأول بالمضارع والثاني بالماضي وعن بمعنى بعد وما نكره موصوفة بمفرد أي زال بعد زمان قليل عنه، ووثق به كورث ثقةً موثقاً ائتمنه، والفجيعة ((الرزية))(2)وفجعته المصيبة أي أوجعته، واطمَأن إليه طمَئناناً وطمَأْنينة بفتح الميم وسكون الهمزة أي أسكن وقر وصرعه أي طرحه على الأرض، والابهة كسكرة ((العظمة))(3)، والكبر، ونَخا يَنخو نَخوة بالفتح أي افتخر وتعظم، وردّه أي صرفه ورجعه، والتعبير

ص: 153


1- (الافلال) في ر، تصحيف
2- الصحاح، مادة (فجع): 3 / 1256
3- لسان العرب، مادة (أبه): 13 / 466

بالردّ؛ لأن الأصل الذلة وإنما العزة أمر عارض زائل. (سُلْطَانُهَا دُوَّلٌ وَعَيْشُهَا رَنِقٌ وَعَذْبُهَا أُجَاجٌ وَحُلْوُهَا صَبِرٌ وَغِذَاؤُهَا سِمَامٌ وَأَسْبَابُهَا رِمَامٌ) السلطان الولاية والسلطنة ويكون بمعنى الحجة والبرهان، والدَولة بالفتح: ((انقلاب الزمان))(1)والجمع دُول مثلثة، وفي الأصل بضم الدال، وفي بعض النسخ بالكسر(2)، والدُولة بالضم ما يتداول من المال يكون مرة لهذا ومرة لهذا ويجمع على دُول بضم الدال أو مثلثة، والغرض أنَّ سلطان الدنيا في معرض الزوال والعيش الحياة وما يعاش به، ورنق الماء كفرح ونصر [رنقاً](3)، ورنقاً بالفتح والتحريك أي كدرَ، والرِنِق بكسر النون كما في الأصل، وفي بعض النسخ رَنق بالفتح فالمضاف محذوف، أو الحمل على المبالغة، وماء أجاج أي ملح مرّ ضدّ العذب وهو الطيب والصبر ككتف ولا يسكن إلا في ضرورة شعر، عصارة شجر مُرّ ويسمى كل مُرّ صبراً، والسِّمام بالكسر جمع سُم بالضم والفتح أي القاتل المعروف(4)، والسبب في الأصل الحبل الذي يتوصل به الى الماء ثم استعير لكل ما يتوصل به إلى شيء، ((والرِّمام بالكسر: جمع رُمَّة بالضم وهي قطعة حبل بالية))(5).

(حَيُّهَا بِعَرَضِ مَوْتٍ وَصَحِيحُهَا بِعَرَضِ سُقْمٍ مُلْكُهَا مَسْلُوبٌ وَعَزِيزُهَا مَغْلُوبٌ وَمَوْفُورُهَا مَنْكُوبٌ وَجَارُهَا مَحْرُوبٌ) العَرَض في كثير من النسخ(6)

ص: 154


1- القاموس المحيط، مادة (دول): 3 / 377
2- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 184
3- [رنقاً] ساقطة من ر
4- ينظر: العين، مادة (سم): 7 / 206
5- لسان العرب، مادة (رمم): 12 / 252
6- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 184، وشرح نهج البلاغة، ابن ميثم البحراني: 3 / 84

في الموضعين بالتحريك وهو ما يعرض للإنسان من مرض ونحوه وإن يصيب الشيء على غرّه، ويقال: أصابه سهم عرضٍ وحجر عرض بالإضافة إذا تعمد به غيره فأصابه، فالمعنى حيها مظنة، لأن يعرض له الموت ويصيبه بغته، وفي بعض النسخ بالتسكين من قولهم: عرض له كذا عرضاً كضرب ضرباً إذا ظهر وبدا، وعرض الشيء له أي أظهره وعرضه عليه أي أراه إياه وعرض لي عارض في الطريق من حبل ونحوه أي مانع يمنع من المسير، والسُقم بالتحريك وبالضم المرض، ويوجد في النسخ على الوجهين(1)، والمُلك بالضم العظمة والاسم من قولك: ملك على الناس أمرهم كضرب إذا تولى السلطنة، ويقال: ملكه كضربه ملكا مثلثه أي(2)احتواه قادراً على الاستبداد به، [و](3)سبله کنصره سلبا وسَلبا بالفتح والتحريك أي اختلسه، وسلبته ثوبه أي أخذته منه، والموفور الشيء التام يقال: وفرت الشيء كوعدت وفراً أي اتممته وكلمته، ووفر الشيء بنفسه وفورا يتعدى ولا يتعدى، وقال بعض الشارحين: ((موفورها ذو(4)الوفر، والثروة منها))(5)، والوفر: المال الكثير قد مرَّ في كلامه (عليه السلام) في خطبة الأشباح(6).

ص: 155


1- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 184، وشرح نهج البلاغة، ابن ميثم البحراني: 3 / 84
2- (إذا) في ر، م
3- [و] ساقطة من ر، م
4- (دو) في ر
5- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 187
6- ينظر صحيفة رقم: 192

(الحمد لله الذي لا يفره المنع ولا يُكديه الإعطاء) والجود(1)والنكبة بالفتح والمصيبة وما يصيب الإنسان من الحوادث ويقال: نكبه الدهر كنصره أي أصابه بنكبة والجار والمجرور والذي جرته وأعذته من ان يظلم، فحربه حربا كطلبه سلبه ماله ونهب وتركه لا شيء له فهو محروب وحريب (أَلَسْتُمْ فِي مَسَاكِنِ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ أَطْوَلَ أَعْمَاراً وَأَبْقَى آثَاراً وَأَبْعَدَ آمَالًا، وَأَعَدَّ عَدِيداً، وَأَكْثَفَ جُنُوداً) تعدبوا للدنيا أي تعبدٍ وآثورها أي إثارٍ ثم ظعنوا عنها بغير زادٍ مُبلغٍ ولا ظهرٍ قاطعٍ أطول منصوب على أنه خبر كان، ويحتمل الحالية فتكون(2)(كان) تامة وطول أعمار القوم معلوم من السير والكتاب الكريم قال عز وجل: «فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا»(3)/ ظ 153 / ومن آثارهم الباقية الأهرام والايوان ومنارة الاسكندرية وغيرها وبعد الآمال مما يترتب على طول الأعمار ولا ريب في أنهم كانوا اعلا همماً أيضاً فإنَّ منهم من ملك مشرق الأرض وغربها فيمكن أن يراد ببعد الأمل علو الهمة، والعد الاحصاء والاسم منه العد والعديد وأعد عديد أي أكثر عدد أو كثافة الجند بالفتح كثرته والعبادة الطاعة والتعبد التنسك، ولعل صيغة التفعل هاهنا بمعنى استفعل نحو تكبر وتعظم كأنهم طلبوا من أنفسهم العبادة وبالغوا في ذلك أي صفة لمصدر محذوف دالة على معنى الكمال كقولهم: زيد رجل أي رجل أي كامل في الصفات أي تعبدوا للدنيا تعبداً كاملاً وآثروها أي اختاروها على الآخرة ويكون آثره بمعنى أكرمه،

ص: 156


1- (الجرد) في أ
2- (فيكون) في أ، م، تصحيف
3- العنكبوت / 14

وظعن كمنع ارتحل وسار والزاد المبلغ هو التقوى والعبادة والظهر الركاب أي الإبل التي يسار عليها وقاطع أي للمسافة. (فَهَلْ بَلَغَكُمْ أَنَّ الدُّنْيَا سَخَتْ

لَهُمْ نَفْساً بِفِدْيَةٍ، أَوْ أَعَانَتْهُمْ بِمَعُونَةٍ أَوْ أَحْسَنَتْ لَهُمْ صُحْبَةً بَلْ أَرْهَقَتْهُمْ بِالْقَوَادِحِ، وَأوهنتهم بِالْقَوَارِعِ، وَضَعْضَعَتْهُمْ بِالنَّوَائِبِ، وَعَفَّرَتْهُمْ لِلْمَنَاخِرِ، وَوَطِئَتْهُمْ بِالْمَنَاسِمِ، وَأَعَانَتْ عَلَيْهِمْ رَيْبَ الْمَنُونِ) السخاء الجود وسخی به نفساً أي سخت نفسه به كقولهم ضاق به ذرعاً أي ضاق ذرعه به، وسخيت نفسي عن الشيء إذا تركته وفداه وفاداه أي أعطى شيئاً فانقذه، والفداء ككساء، والفدية كفتيه ذلك لمعطى أي هل أعطت الدنيا شيئاً عوضاً عنهم حتى يستخلصهم وينجيهم عن المسير إلى ذلك السفر، والعون الظهير على الأمر، تقول: استعنته فأعانني والاسم المعونة، وقال الجوهري: ((المعونة: الاعانة))(1)ولا يناسب الكلام، والصُحبة بالضم: المعاشرة(2)واحسنت لهم صحبة أي قيل ضعنهم وفراقهم، أو بعد ذلك بأن تشيعهم ولا تفارقهم، والأول يناسب آخر الكلام والثاني أوله ورهقه كفرح أي غشيه ولحقه ودنا منه سواء أخذه أو لم يأخذه والإرهاق أن يحمل الانسان على ما لا يطيقه يقال: أرهقه عسراً أي كلفه إياه ولا ترهقني لا أرهقك الله أي لا تعسرني لا أعسرك الله، وكان في نسخة الشارح عبد الحميد بن أبي الحديد (أوهقتهم) بالواو بدل الراء قال: أي جعلتهم في الوهَق بفتح الهاء، وهو حبل كالطِّوَل(3)

ص: 157


1- الصحاح، مادة (عون): 6 / 2168
2- ينظر: لسان العرب، مادة (صحب): 1 / 519
3- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 188 وفيه: ((وأوهقتهم: جعلتهم في الوهق، بفتح الهاء، وهو حبل كالطِّوَل))

وهو كعنب الحبل الذي يطول للدابة فترعى فيه(1)، والفوادح بالفاء كما في بعض النسخ المثقلات، يقال: قدحه الدين كمنعه إذا أثقله والفادحة النازلة وفوادح الدهر خطوبه(2)، وفي بعض النسخ (القوادح)(3)بالقاف، والقادحة: ((الدودة))(4)، وقدح الدّود في الشجر والأسنان التآكل الذي يقع فيهما والوهن الضعف، يقال: وهن الإنسان كوعد وورث وكرم ووهنه غيره کورث وأوهنه ووهّنه، والقارعة ((الداهية))(5)يقال: قرعه أمر إذا أتاه فجاءة وجمعها قوارع، ومن ذلك سميت القيامة في الكتاب العزيز بالقارعة كما قيل، وضعضعتهم أي أذلتهم وأخضعتهم وضعضعه أي ((هدمه حتى الأرض))(6)، ونوائب الدهر ما ينوب الإنسان أي ينزل به من الحوادث والمصائب كما تقدم، والعفر بالتحريك ويسكن ظاهر التراب(7)وعفره في التراب كضربه وعفره بالتشديد كما في النسخ مرغه فيه أو دسه وضرب به الأرض والمَنخَر بفتح الميم والخاء وبكسرهما وبضمهما وكمجلس الأنف ووطئه كعلمه داسه، والمنسم كمجلس خف البعير(8)، وريب الدهر صروفه، وهو في الأصل مصدر والمنون الدهر والمنية ويؤنث حينئذ قيل كأنها اسم فاعل من المن وهو القطع؛ لأنها تقطع الأعمار واعانت ريب المنون عليهم أي

ص: 158


1- ينظر: تاج العروس، مادة (وهق): 13 / 489
2- ينظر: لسان العرب: 2 / 540
3- شرح نهج البلاغة، ابن ميثم البحراني: 3 / 84
4- العين، مادة (قدح): 3 / 40
5- الصحاح، مادة (قرع): 3 / 1263
6- مجمع البحرين، مادة (ضعضع): 4 / 365
7- ينظر: الصحاح، مادة (عفر): 2 / 751
8- ينظر: العين، مادة (نسم): 7 / 275

سلطنه عليهم (فَقَدْ رَأَيْتُمْ تَنَكُّرَهَا لِمَنْ دَانَ لَهَا وَآثَرَهَا وَأَخْلَدَ إِلَيْهَا حِینَ ظَعَنُوا عَنْهَا / و154 / لِفِرَاقِ الْأَبَدِ وَهَلْ زَوَّدَتْهُمْ إِلَّا السَّغَبَ أَوْ أَحَلَّتْهُمْ إِلَّا الضَّنْكَ

أَوْ نَوَّرَتْ لَهُمْ إِلَّا الظُّلْمَةَ أَوْ أَعْقَبَتْهُمْ إِلَّا النَّدَامَةَ) التنكر التغير إلى مجهول کما سبق، وفي بعض النسخ (شكرها) أي مقابلتها ومجازتها لخضوع من خضع لها وطاعة من أطاعها وآثرها أي اختارها واخلد إليها أي مال وركن قال الله تعالى: «وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ»(1)و(حتى) غاية لتنكرها، وفي بعض النسخ (حين)(2)فيكون ظرفاً له وظعنوا عنها ارتحلوا وساروا وزوّدتهم(3)أي اعطتهم زاداً، و السّغب بالتحريك الجوع أو ما لا يكون إلا مع تعب وحل المكان كمدّ وفرّ نزل واحلّه انزله والضنك الضيق في كل شيء ونورت لهم أي مكانهم إلا الظلمة أي بالظلمة وهو من باب إقامة الضدّ مقام الضدّ كالتزويد بالسّغب واعقبه أي جازاه واكل اكلة اعقبته سقما أي أورثته وقيل في قوله تعالى: «فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا»(4)أي جعل عاقبة أمرهم نفاقا (أَفَهَذِهِ تُؤْثِرُونَ أَمْ إِلَيْهَا تَطْمَئِنُّونَ أَمْ عَلَيْهَا تَحْرِصُونَ فَبِئْسَتِ الدَّارُ لِمَنْ لَمْ يَتَّهِمْهَا وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا عَلَى وَجَلٍ مِنْهَا) الاشارة للتحقير أي هذه الدنية الخسيسة الموصوفة وتؤثرون أي تختارون وتطمئنون أي تسكنون وتميلون وتحرصون كتضربون واتهمه أي ادخل علیه التهمة كهمزة أي ما يتهم عليه فاتّهم هو، وأصل التاء الواو قلبت ياء لانكسار ما قبلها، ثم أبدلت منها التاء فأدغمت في تاء

ص: 159


1- الاعراف / 176
2- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 184
3- (رودتهم) في ر، تصحيف
4- التوبة / 77

الافتعال، ثم بنيت على هذا الادغام فيه، وفي أمثاله أسماء وإن لم يكن فيها تلك العلة توهما أن التاء أصلية؛ لأن هذا الإدغام لا يجوز إظهاره في حال فمن تلك الأسماء التهمة والتراث والتقوى والتُكله والتُكلان والتُخمة وإذا صغرت قلت تُكَيلهُ وتُخَيمه ولا تعيد الواو؛ لأنَّ هذه حروف الزمت البدل فثبت في التصغير والجمع، والوَجَل بالتحريك الخوف، والغرض أنَّ الدنيا دار ذميه ضرارة للأشرار الراكنين إليها وأما من أساء الظن بها واتقى منها فهي وسيلة لارتقائه إلى منازل الأبرار كما سيجيء في كلامه (عليه السلام) أيها الذام للدنيا.

(فَاعْلَمُوا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ بِأَنَّكُمْ تَارِكُوهَا وَظَاعِنُونَ عَنْهَا وَاتَّعِظُوا فِيهَا بِالَّذِينَ قَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً حُمِلُوا إِلَی قُبُورِهِمْ فَلَا يُدْعَوْنَ رُكْبَاناً وَأُنْزِلُوا الْأَجْدَاثَ فَلَا يُدْعَوْنَ ضِيفَاناً) لعل العلم المأمور به هو اليقين المستتبع للأثر وهو العمل أي أيقنوا بأنكم ستتركونها وتترحلون عنها وأنتم تعلمون ذلك لكن علما لا يترتب عليه الأثر ويحتمل أن يكون المعنى اعلموا ذلك، وأنتم من أهل العلم وشأنكم المعرفة وتمييز الخير من الشر، وفي بعض النسخ (فاعملوا وأنتم تعملون فأنكم) بتقديم الميم على اللام في صيغة الأمر، وبالفاء موضع الباء أي اعملوا للآخرة بمقتضى علمكم ووعظه كوعده ذكر له ما يلين قلبه فاتعظ، والمحكى عنهم ذلك القول في الآية قوم عاد ويحتمل أن يكون المراد كل مغتر بقوته وحملوا أي على السرير وانزلوا أي في القبور، والضِيفان بالكسر والأضياف(1)والضيوف جمع ضيف وهو من انزلته عندك

ص: 160


1- (الاصياف) في ر، تصحيف

وقربته واحداً كان، أو متعدداً وأصله مصدر، يقال: ضافه ضيفاً إذا نزل عنده وأضفته وضيفته إذا انزلته وقربته والاسم الضيافة وعدم تسميتهم بالركبان والضيفان لانفكاك الخواص. (وَجُعِلَ لَهُمْ مِنَ الصَّفِيحِ أَجْنَانٌ وَمِنَ التُّرَابِ أَكْفَانٌ وَمِنَ الرُّفَاتِ جِیرَانٌ فَهُمْ جِیرَةٌ لَا يُحِيبُونَ دَاعِياً وَلَا يَمْنَعُونَ ضَيْماً وَلَا يُبَالُونَ مَنْدَبَةً) الفصيح الحجر العريض والسيف العرض ووجه كل شيء عريض صفيحته، والجَنَن بالتحريك القبر، وكون التراب كفناً لهم لا ندراس / ظ 154 / الكفن وانقلابه تراباً عن قريب، أو لأن الميت محفوف بالتراب في أول الأمر، والرُّفات بالضم كل مدقوق مكسور، والجيران والجيرة والاجوار جمع جار أي المجاور، والضيم والظلم ولا يبالي بالشيء أي لا يكترث له ونبده الأمر كنصره فانتدب له أي دعاه فأجاب، وندبت المرأة الميت بكت عليه وعدّت محاسنه، والندبة بالضم اسم منه، والمندبة في المقام يحتمل الوجهين وخصه بعض الشارحين بالثاني ولعله أظهر. (إِنْ جِيدُوا لَمْ يَفْرَحُوا وَإِنْ قُحِطُوا لَمْ يَقْنَطُوا جَمِيعٌ وَهُمْ آحَادٌ وَجِیرَةٌ وَهُمْ أَبْعَادٌ مُتَدَانُونَ لَا يَتَزَاوَرُونَ وَقَرِيبُونَ لَا يَتَقَارَبُونَ حُلَمَاءُ قَدْ ذَهَبَتْ أَضْغَانُهُمْ وَجُهَلَاءُ قَدْ مَاتَتْ

أَحْقَادُهُمْ لَا يُخْشَى فَجْعُهُمْ وَلَا يُرْجَى دَفْعُهُمْ) الجَود بالفتح المطر الغزيز أو ما لا مطر فوقه، يقال: جاد المطر جوداً فهو جائد والجمع جود كصاحب وصحب(1)، وجيدت الارض وأجيدت فهي مجوده وجيدوا أي جيدت أرضهم أو(2)على تشبيههم بالأرض، والقَحط بالفتح احتباس المطر، يقال: قحط العام كمنع وفرح وقحط النّاس كسمع وقُحُطوا واقحُطوا بضمهما، والقنوط:

ص: 161


1- ينظر: الصاح، مادة (جود): 2 / 461
2- (و) في أ

((اليأس))(1)وفيه لغات(2)، والموجود في النسخ(3)بفتح العين وأخذ السيد الرضي (رحمه الله) معنى قوله (عليه السلام) جميع وهم أحاد فقال: بادون في صور الجميع وأنهم متفردون تفرد الآحاد ومتدانون أي متقاربون بحسب امكنتهم ولا يتقاربون أي بأجسادهم، والحِلم بالكسر الاناة والعقل وجمعه أحلام وهو حليم وجمعه حلماء واحلام و[...](4)الكلام يحتمل المعنيين، والاضَغان جمع ضِغن بالكسر وهو ((الحقد))(5)، والجهل ضدّ العلم ويطلق على معنى الخفة والطيش ضد الاناة ولعل فرع الأول ومنه ما قيل في بيان الحديث ((من استجهل مؤمناً فعليه إثمه))(6)أي من حمله على الشيء ليس من خلقه فيغضبه فإن إثمه على من احوجه الى ذلك قال بعض الشارحين: لما كان من عادة الاحياء أن يحملوا عند وجود الاضغان ويجهلوا عند قيام الاحقاد سلبت عنهم تلك الصفات وعرفوا بأضدادها كسائر الصفات(7)، ولعله حمل الحلم على المعنى الأناة والجهل على ما يضادها وجعلهما من صفات الاحياء؛ لأنهم عند وجود الضعن والحقد يحلمون ويصفحون تارة ويجهلون أخرى وهؤلاء لما ذهبت أضغانهم وأحقادهم ارتفع عنهم ذلك الحلم والجهل الثابتان للأحياء وفجعه كمنعه أي أوجعه وقيل، الفجع أن

ص: 162


1- ينظر: الصحاح، مادة (قنط) 3 / 1155
2- ينظر: المصدر نفسه، مادة (قنط ) 3 / 1155
3- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 184، وينظر:: شرح نهج البلاغة، ابن ميثم البحراني: 3 / 85
4- [في] زائدة في أ
5- لسان العرب، مادة (ضغن): 13 / 255
6- الفائق في غريب الحديث: 1 / 216، النهاية في غريب الحديث والاثر: 1 / 322
7- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن ميثم البحراني: 3 / 88، 89

يوجع الإنسان بشيء يكرم عليه فيعدمه والاضافة في الموضعين من اضافة المصدر إلى الفاعل أي لا يخشى منهم ضربان يوجعوا أحداً أو يتلفوا(1)عليه شيئاً نفيساً، ولا يرجى منهم دفع مضرة وتفريح كرب عن أحد ويحتمل على بعد أن يكون من الاضافة الى المفعول (اسْتَبْدَلُوا بِظَهْرِ الْأَرْضِ بَطْناً وَبِالسَّعَةِ ضِيقاً، وَبِالْأَهْلِ غُرْبَةً وَبِالنُّورِ ظُلْمَةً فَجَاءُوهَا كَمَا فَارَقُوهَا حُفَاةً عُرَاةً قَدْ ظَعَنُوا عَنْهَا بِأَعْمَالِهِمْ(2)إِلیَ الْحَيَاةِ الدَّائِمَةِ وَالدَّارِ الْبَاقِيَةِ كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ: «كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ»(3)استبدل الشيء بغيره أي اتخذه بدلاً منه، والضمير المنصوب في جاؤها وفارقوها راجع الى الدنيا وقد عكس التشبيه على اعتبار أصاله في المفارقة؛ لأن الآخرة هي دار القرار والدنيا دار ممر أي فارقوها كما جاؤها ويحتمل إرجاعه إلى الارض فالمراد بالمجيء الدفن فيها، وبالمفارقة الخلق منها كما قال الله عز وجل: «هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ»(4)على ما قيل لكن ينبغي حينئذ حمل المفارقة على الولادة حتى يستقيم الحكم بكونهم حفاة عراة وفيه تكلف وجعله راجعاً إلى الدار الآخرة المفهومة من استبدالهم بظهر الأرض بطناً وهي / و155 / الدار التي خلقوا لها فكان مجيئهم إلى الدنيا مفارقه منها لا يناسبه ارجاع الضمير في ظعنوا عنها الى الدنيا والتعبير عنها بالاسم الظاهر بعد ذلك فتدبر والحفاة بالضم جمع حاف وهو الذي يمشي بلا خف كالعراة جمع عار، والكفن في

ص: 163


1- (تبلغوا) في ر
2- (بافعالهم) في ر
3- الأنبياء / 104
4- غافر / 67

حكم العدم وليس من لباس الاحياء فلا ينافي لبس الكفن كون المفارقين عراة، وقوله عز وجل: «كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ»(1)قيل أي كما بدأناهم في بطون أمهاتهم حفاة عراة عُزلا كذلك نعيدهم، وروى ذلك مرفوعاً، وقيل معناه نبعث الخلق كما إبتدأناه أي قدرتنا على الاعادة كقدرتنا على الابتداء، وقيل معناه نهلك كل شيء كما كان أوّل مرة ووعداً منصوب بفعل مقدر أي وعدناكم وعداً، وقيل منتصب بالمذكور؛ لأنه عدة بالإعادة وعلينا أي علينا إنجازه «إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ»(2)أي: نفعل ما وعدناكم من ذلك لا محاله.

ومن خطبةٍ لهُ (علیه السلام) ذكر فيها ملك الموت

وفي بعض النسخ (وتوفيه الأنفس)(3)توفي حقه واستوفى بمعنى وتوفى الأنفس قبض الأرواح (هَلْ تُحِسُّ بِهِ إِذَا دَخَلَ مَنْزِلًا أَمْ هَلْ تَرَاهُ إِذَا تَوَفَّی أَحَداً بَلْ كَيْفَ يَتَوَفَّی الْجَنِینَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَ يَلِجُ عَلَيْهِ مِنْ بَعْضِ جَوَارِحِهَا أَمْ الرُّوحُ

أَجَابَتْهُ بِإِذْنِ رَبِّهَا أَمْ هُوَ سَاكِنٌ مَعَهُ فِي أَحْشَائِهَا كَيْفَ يصف(4)إِلَهَهُ مَنْ يَعْجَزُ عَنْ صِفَةِ مَخْلُوقٍ مِثْلِهِ.) أحس الرجل الشيء إحساساً إذا علم به بالمشاعر وهي الحواس قال الله تعالى: «فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ »(5)ويزاد الباء فيقال: أحس به على معنى شعر به وحسسته وحست به كنصرت لغة فيه، وفي النسخ على صيغة الأفعال، وكلمة بل للانتقال إلى استفهام أتم وأدق،

ص: 164


1- الأنبياء / 104
2- الأنبياء / 104
3- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 191
4- (بصف) في ر، تصحيف
5- ال عمران / 52

((والجنين: الولد ما دام في البطن))(1)فإذا ولد فهو منفوس، قيل: سمي به لاستتاره وكل مستور جنين وجمعه أجنة(2)، كدليل وأدلة، وولج كوعد أي دخل، والحشا بالفتح والقصر المعا كإلى، وقيل: ما اضطمت عليه الضلوع، وقيل ما دون الحجاب مما في البطن، ومن كبد وكرش وطحال وغير ذلك، والغرض من ذلك الملك بيان العجز عن وصف الباري جل شأنهُ فلذلك انتقل إلى الاستفهام على سبيل التعجيز وهذا هو الذي يسميه أرباب البيان بالتخلص وكثيراً ما يستعمله الشعراء، والضمير في مثله راجع الى الموصول فلا يفهم تحقير الملك أي من عجز عن وصف مخلوق مجانس له في المخلوقية والامكان فهو بالعجز عن وصف خالقه المتعالي عن شبه المخلوقين أحرى وأجدر وظاهر التقسيم كالأخبار المتظافرة يدل على تجسم الملك وما يشعر به کلام بعض الشارحين(3)من القول بالتجرد فإنما نشأ من ميله إلى الأصول الفاسدة التي استفادها من كتب الفلاسفة ومن الله العصمة والتأييد.

ومن خطبة له (علیه السلام)

(وَأُحَذِّرُكُمُ الدُّنْيَا فَإِنَّهَا مَنْزِلُ قُلْعَةٍ وَلَيْسَتْ بِدَارِ نُجْعَةٍ قَدْ تَزَيَّنَتْ بِغُرُورِهَا وَغَرَّتْ بِزِينَتِهَا دَارُهَا هَانَتْ عَلَى رَبِّهَا فَخَلَطَ حَلَالَهَا بِحَرَامِهَا وَخَيْرَهَا بِشَرِّهَا وَحَيَاتَهَا بِمَوْتِهَا وَحُلْوَهَا بِمُرِّهَا لَمْ يُصْفِهَا اللهُ تَعَالَی لِأَوْلِيَائِهِ وَلَمْ يَضِنَّ بِهَا عَلَى أَعْدَائِهِ) القُلعة بالضم: ((المال العارية))(4)، أو ما لا يدوم، والضعيف الذي

ص: 165


1- الصحاح، مادة (جنن): 5 / 2094
2- ينظر: المصباح المنير: 1 / 111
3- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 191
4- الصحاح، مادة (قلع): 3 / 1271

إذا بطش به في الصراع لم يثبت وما يقلع من الشجرة، ويقال: منزلنا منزل قلعة أي ليس بمستوطن، وقيل: أي لا نملكه أو لا ندري متى نتحول عنه مأخوذ من قلعه كمنعه إذا انتزعه من أصله، والنُجعة بالضم طلب الكلاء ومساقط القطر(1)، ويقال: انتجع فلان فلاناً إذا طلب معروفه(2)، وغره غروراً أي خدعه وأطمعه بالباطل كما تقدم وأهانه أي استخف به واستحقره، والاسم الهوان والمهانة ورجل فيه مهانة أي ذل وضعف، وهان عليه أي ذل وحقر عنده، وصفا الشيء يصفو إذا خلص من الكدر وصفيته تصفية أزلته عنه والمعنى لم يجعلها الله / ظ 155/ عز وجل خالصاً من شوائب(3)الآلام والشرور ونحو ذلك لأحبائه بخلاف الدّار الآخرة فإنها صافية لهم أو لم يصفها لأوليائه عن تصرف الأعداء والمنازعين حتى يكون خالصه لهم فيكون ما بعده كالتفسير له، وضننت به كعلمت، أي: بخلت، وقال الفراء: ضننت كضربت لغه فيه(4)، ويوجد في النسخ(5)على الوجهين، ويتعدى بعن وعلى وكلاهما موجودان في النسخ.

(خَيْرُهَا زَهِيدٌ وَشَرُّهَا عَتِيدٌ وَجَمْعُهَا يَنْفَدُ وَمُلْكُهَا يُسْلَبُ وَعَامِرُهَا يَخْرَبُ فَمَا خَیْرُ دَارٍ تُنْقَضُ نَقْضَ الْبِنَاءِ وَعُمُرٍ يَفْنَى فِيهَا فَنَاءَ الزَّادِ وَمُدَّةٍ تَنْقَطِعُ

ص: 166


1- ينظر: الصحاح، مادة (نجع): 3 / 1288
2- ينظر: المصدر نفسه، مادة (نجع): 3 / 1288
3- (شواب) في ر
4- ينظر: الصحاح، مادة (ضنن): 6 / 2156
5- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 198، وفيه: ((يضن بها))، وشرح نهج البلاغة، ابن ميثم البحراني: 3 / 93

انْقِطَاعَ السَّیْرِ) الزهيد القليل والعتديد الحاضر المهياء، يقال: عتد(1)كکرم واعتدته أنا قال الله تعالى: «وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً»(2)، ونفد كسمع نفادا ونفداً أي فنى وذهب، والمُلك بالضم الاسم من ملك على النّاس أمرهم كضرب إذا تولى السلطنة، ويكون بمعنى العظمة، وسلبه كنصره أي اختلسه وسلبته ثوبه أي اخذته منه والخراب ضد العمران يقال: خرب [...](3)كفرح وفي بعض النسخ يتخرب على صيغة التفعل وما في الأصل أظهر.

(اجْعَلُوا مَا افْتَرَضَ اللهَّ عَلَيْكُمْ مِنْ طَلَبِكُمْ وَاسْأَلُوهُ فاسألوه(4)مِنْ أَدَاءِ حَقِّهِ مَا سَأَلَكُمْ وَأَسْمِعُوا دَعْوَةَ الْمَوْتِ آذَانَكُمْ قَبْلَ أَنْ يُدْعَى بِكُمْ) الطلِبة بكسر اللام ما طلبته من الشيء، والمعنى كونوا راغبين في القيام بما افترض الله عليكم حتى تكون من جملة مطالكم وحبوباً لكم كسائر ما تحبونه من المال والبنين وغير ذلك واجعلوا التوفيق على القيام بالحقوق الواجبة في سلك ما تطلبونه بالدعاء من الله جل ذكره کما ورد عن سيد العابدين (عليه السلام) (اللهم انك كلَّفتَني من نَفسي ما أنتَ أملَكُ به مِنّي)(5)فيكون ما بعده كالتفسير له ما أسألكم أي ما أمركم به، وافترضه عليكم والتعبير بالسؤال للمشاكلة والمقابلة، ويمكن أن يخص الثاني بالمندوبات واسماع دعوة الموت الاعداد له والتهيئة لنزوله أو التتبع لما يذكر الموت كمجالسة الصالحين وزيارة القبور

ص: 167


1- (عبد) في ر
2- يوسف / 31
3- [كمنع] زيادة في ر، م
4- (واسألوه) في ر، وشرح نهج البلاغة، ابن ابي الحديد: 7 / 198
5- الصحيفة السجادية: 117

ونحو ذلك، وقيل: أن يدعى بكم أي: قبل حضور الموت ودعوة القابضين للأرواح فتجيبونهم وإن كنتم كارهين له.

(إِنَّ الزَّاهِدِينَ فِي الدُّنْيَا تَبْكِي قُلُوبُهُمْ وَإِنْ ضَحِكُوا وَيَشْتَدُّ حُزْنُهُمْ وَإِنْ فَرِحُوا وَيَكْثُرُ مَقْتُهُمْ أَنْفُسَهُمْ وَإِنِ اغْتَبَطُوا بِمَا رُزِقُوا) الزهد في الشيء خلاف الرغبة فيه، وتعلق الظرف بالأفعال الآتية بعيد، ومقته كنصره أي ابغضه، والغِبطة بالكسر حُسن الحال والمسرة والحسد، واغتبط فلان على صيغة المعلوم أي حسنت حاله وفرح وغبطته كضربته، قيل: وسمعته إذا تمنيت مثل ما ناله من غير أن تريد زواله عنه لما أعجبك منه وعظم عندك فإذا تمنيت زواله فهو الحسد، والمغتبط على صيغة الفاعل المغبوط، والاغتباط أيضاً التبجح والفرح بالحال الحسنة،، والموجود في أكثر النسخ (اغتبطوا) على صيغة المجهول، وفي بعضها(1)على صيغة المعلوم وهو الظاهر، والمعنى [على](2)ما ذكره بعض الشارحين(3)أنهم يكثر بغضهم(4)لأنفسهم فيتركون الالتفات إليها بالزينة وطاعتها فيما تدعوهم اليه من متاع الحياة الحاضرة وإن غبطهم غيرهم بما قسم لهم من رزق، وقال بعضهم(5)اغتبطوا أي فرحوا، ولعل مراده ان المعنى انهم يمقتون انفسهم لما زعموا من تقصيرهم في العبادة وان فرحوا بما رزقهم الله من متاع الدنيا أو من التوفيق من الله سبحانه أي يكونون شاكرين لخالقهم

ص: 168


1- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 198
2- [على] ساقطة من أ
3- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن ميثم البحراني: 3 / 95
4- (بعضهم) في ر، تصيف
5- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 200

مبغضين لأنفسهم ويحتمل أن يكون المراد أنهم يعدون أنفسهم مقصرين في عبادة ربهم فيمقتونها وان غبطهم غيرهم بما رزقوا من التأييد والقوة على الطاعة أو لإحسانه سبحانه إليهم / و156 / جزاء لحُسن عملهم، وقد ورد عن بعض أصحاب العصمة (سلام الله عليهم) لا أخرجك الله من حدّ التقصير أي: أن تضن بنفسك التقصير، ولا يلحقك العجب وإن كنت مجتهداً في طاعة ربك. (قَدْ غَابَ عَنْ قُلُوبِكُمْ ذِكْرُ الْآجَالِ وَحَضَرَتْكُمْ كَوَاذِبُ الْآمَالِ، فَصَارَتِ الدُّنْيَا أَمْلَكَ بِكُمْ مِنَ الْآخِرَةِ، وَالْعَاجِلَةُ أَذْهَبَ بِكُمْ مِنَ الْآجِلَةِ، وَإِنَّمَا أَنْتُمْ إِخْوَانٌ عَلَى دِينِ اللهَّ مَا فَرَّقَ بكم إِلَّا خُبْثُ السَّرَائِرِ، وَسُوءُ الضَّمَائِرِ فَلَا تَوَازَرُونَ، وَلَا تَنَاصَحُونَ، وَلَا تَبَاذَلُونَ وَلَا تَوَادُّونَ) الأجل غاية الوقت ومدة الشيء، والمراد غاية العمر أو العمر باعتبار الانقضاء، وكواذب الآمال ما لا يدرك منها كأنها تعد فتكذب، وأملك بكم أي أقدر عليكم، يقال: فلان أملك لنفسه أي: أقدر على منعها من السقوط في شهواتها وأذهب بكم أي أشدَّ إذهاباً، وهو كناية عن شدة ميلهم إلى العاجلة وحبهم إياها وأنتم إخوان على دين الله أي الدين والإيمان يقتضى الاخاء، والموادة واجتماعكم في الظاهر والباطن كما قال عز وجل: «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ»(1)وقال بعض الشارحين(2): أي كلكم مخلوقون على فطرة واحدة وهي دين الله وتوحيده، والسرائر جمع سريرة وهي ما يكتم، والضمائر جمع ضمير وهو داخل الخاطر وما اضمرت في نفسك، وتوازرون(3)على صيغة

ص: 169


1- الحجرات / 10
2- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 200
3- (وتوارزون) في ر

المضارع من باب التفاعل كما في أكثر النسخ(1)بحذف إحدى التائين كقوله تعالى: «مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ»(2)، وعلى صيغة المفاعلة كما في بعضها، والتّوازر والموازرة التعاون كأن كلاً يحمل وزر الآخر أي ثقله، ومنه سمى الوزير؛ لأنه يحمل وزر الملك، والنصح والنصيحة إرادة الخير للمنصوح له والبذل الاعطاء والجود بالشيء والودّ والحبّ. (مَا ما لكم تَفْرَحُونَ بِالْيَسِیرِ مِنَ

الدُّنْيَا تُدْرِكُونَهُ وَلَا يَحْزُنُكُمُ الْكَثِیرُ مِنَ الْآخِرَةِ تُحْرَمُونَهُ وَيُقْلِقُكُمُ الْيَسِیرُ مِنَ الدُّنْيَا يَفُوتُكُمْ حَتَّى يَتَبَیَّنَ ذَلِكَ فِي وُجُوهِكُمْ وَقِلَّةِ صَبْرِكُمْ عَمَّا زُوِيَ مِنْهَا عَنْكُمْ كَأَنَّهَا دَارُ مُقَامِكُمْ وَكَأَنَّ مَتَاعَهَا بَاقٍ عَلَيْكُمْ) في بعض النسخ (ما بالكم تفرحون)(3)أي ما حالكم ويكون البال بمعنى القلب، والخاطر والمحروم الممنوع من الخير، يقال: حرمه كضربه، وقيل: وكعلمه أي منعه إياه واحرمه لُغيّة فيه، والقَلَق بالتحريك الانزعاج والاضطراب، يقال: ازعجه الهم أي قلعه من مكانه فانزعج ومحل تدركونه وتحرمونه ويفوتكم النصب على الحالية وقله مجرور بالعطف على وجوهكم وزوى عنكم أي نحي وقبض وجمع ومُقامكم، بالضم الميم أي اقامتكم أو موضع اقامتكم على الاضافة البيانية والمتاع المنفعه وكل ما ينتفع به من عروض الدنيا قليلها وكثيرها (وَمَا يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ أَنْ يَسْتَقْبِلَ أَخَاهُ مما يَخَافُ مِنْ عَيْبِهِ إِلَّا مَخَافَةُ أَنْ يَسْتَقْبِلَهُ

بِمِثْلِهِ قَدْ تَصَافَيْتُمْ عَلَى رَفْضِ الْآجِلِ وَحُبِّ العاجلة وَصَارَ دِينُ أَحَدِكُمْ

ص: 170


1- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 198، وشرح نهج البلاغة، ابن ميثم البحراني: 3 / 93
2- الصافات / 25
3- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 198، وشرح نهج البلاغة، ابن ميثم البحراني: 3 / 93

لُعْقَةً عَلَى لِسَانِهِ صَنِيعَ مَنْ قَدْ فَرَغَ مِنْ عَمَلِهِ وَأَحْرَزَ رِضَی سَيِّدِهِ) الضمير في يخاف راجع الى الأخ لا الى المستقبل والعيب يكون مصدرا واسما واستقبال الأخ بالعيب إظهاره له، وملامته أي لما كنتم شرکاء لإخوانكم في العيوب تخافون في إظهار عيوبهم أن يظهر عيوبكم فلذلك تمسكون عن القيام بالنهي عن المنكرات، وفي بعض النسخ (من عتبة) بالتاء الساكنة المثناة من فوق أي ملامته، وصفا الشيء وصفوه خالصة وأصفيته الود أي اخلصته له وتصافينا أي تخالصنا(1)، وفي بعض النسخ (وقد تصافيتم) مع الواو العاطفة والمعنى تصالحتم واتفقتم(2)والرفض الترك، يقال: رفضه(3)کنصره وضربه ولعقه کسمعه أي لحسه، واللُعقة بالضم ما يؤخذ / ظ 156 / بالملعقة(4)، والعرض وصف دينهم بالقلة حتى صار كالشيء القليل الذي يؤخذ بالملعقة، أو الاقتصار على اللسان من صفة الدين أي ليس في قلوبكم، أو اللعقة أي لم تصل الى جوفكم ولم تشبعكم والصنيع، والصُنع بالضم العمل، ويظهر من کلام بعضهم اختصاص الصَنيع بالقبيح، يقال: صنع به صنيعاً أي قبيحاً، ونصب الكلمة على المصدر أي صنعتم صنيع من تم عمله وخرج عن عهدة التكليف وأحرزه أي حفظه وضمه إليه، وقيل: أصل حرزه(5)كضربه حرسه بالسين واحراز رضي السيد كناية عن العمل بما أمر به على وجهه.

ص: 171


1- (مخالصا) في ر
2- (انقضتم) في ر
3- (رفض) في ر
4- ينظر: العين، مادة (لعق): 1 / 166
5- (حرره) في ر

ومن خطبة له (عليه السلام)

(الْحَمْدُ لله الْوَاصِلِ الْحَمْدَ بِالنِّعَمِ وَالنِّعَمَ بِالشُّكْرِ نَحْمَدُهُ عَلَى آلَائِهِ كَمَا نَحْمَدُهُ عَلَى بَلَائِهِ وَنَسْتَعِينُهُ عَلَى هَذِهِ النُّفُوسِ الْبِطَاءِ عَمَّا أُمِرَتْ بِهِ السِّرَاعِ إِلَی مَا نُهِيَتْ عَنْهُ) قال بعض الشارحين: أما كونه واصلاً الحمد له من عباده بالنعم، منه عليهم فمعلوم، وأما وصل النعم المذكورة بالشكر مع أنَّ الشكر من أفعال العباد وليس من أفعاله ليكون واصلاً للنعم به، فهو أنه لما وفق العباد للشکر بعد أن جعل وجوبه مقرراً في عقولهم وبعد أن أقدرهم عليه صار كأنه الفاعل له فإضافة إليه توسعاً كما يقال: أقام الوالي الحد، وقتل الأمير اللص، وقال بعضهم بعد ذكر ما یؤل إلى الوجه المذكور: ((ويحتمل أن يريد الشكر منه تعالى لعباده الشاکرین))(1)، كما قال الله تعالى: «فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ»(2)ولا ريب في أنَّ الشكر من المنعم عليه(3)التفضل والانعام، ويمكن أن يكون المراد بوصل الحمد بالنعم أنه سبحانه فرض الحمد عليهم بإزاء النعمة لا انه اعطاهم بعد الحمد وبوصل النعم بالشكر أنه جعل الشكر سبباً للإنعام والزيادة كما قال عز وجل: «لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ»(4)أو عكس ذلك ويمكن أن يكون المراد بیان شدة الارتباط بين الحمد والنعم ويكون التكرير للتأكيد والتعبير باللفظين للتفنن كما هو الظاهر في الوجوه السابقة والله تعالى يعلم والالاء النعم واحدها الا بالفتح وقد تكسر(5)و

ص: 172


1- شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 3 / 98
2- البقرة / 158
3- (غاية) في ر، م
4- إبراهيم / 7
5- (یکسر) في ر، م

تكتب بالياء كمعاً وامعا أبدلت الهمزة التي [هي](1)فاء الكلمة الفاً استقالاً لاجتماع همزتين والمراد بالبلاء نوائب الدهر وصروفه وأن كان يستعمل في الخير والاحسان، ولما كانت البلاء سبب للثواب الاجل ونزول المكاره(2)لمصالح العباد في العاجل فهي في الحقيقة نعمة يجب الحمد عليها وان كانت في الظاهر بلاء ومكروهاً ولذا قیل سبحان من لا يحمد على المكروه سِواه وإنما لم يقل (عليه السلام): نحمده على بلائه کما نحمده على آلائه؛ لأن الكلام كان في معرض ذكر النعم والشكر عليها فاستهجر(3)أن يعقبه بذکر الحمد على البلاء للمنافرة بينهما ظاهراً وأن كانت نعمه حقيقه ولإفاده المبالغة في الحث على الحمد بإزاء البلاء والصبر عليها حتى كأنَّه الأصل کما جعل في التشبيه أصلاً والاستعانة على الشيء طلب العون وهو الظهير لدفعه والظفر عليه والبطاء جمع بطيئة وبطيء وكذلك السراع ومثلهما صباح وضراف وغيرهما (وَنَسْتَغْفِرُهُ مِمَّا أَحَاطَ بِهِ عِلْمُهُ وَأَحْصَاهُ كِتَابُهُ عِلْمٌ غَیْرُ قَاصِرٍ وَكِتَابٌ غَیْرُ مُغَادِرٍ وَنُؤْمِنُ بِهِ إِيمَانَ مَنْ عَايَنَ الْغُيُوبَ وَوَقَفَ عَلَى الْمَوْعُودِ إِيمَاناً نَفَى إِخْلَاصُهُ الشِّرْكَ وَيَقِينُهُ الشَّكَّ) الظاهر أنَّ المراد بالكتاب صحيفة الأعمال، قال الله عز وجل: «وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا»(4)وغادره أي بقاه و ترکه

ص: 173


1- [هي] ساقطة من ر، م
2- (المكان) في ر، م
3- (فاستهجن) في ر، م
4- الكهف / 49

أي لا يبقى شيئاً من الأعمال إلا أحصاه وأحاط به وعلم خبر مبتدأ محذوف، وعاينت الشيء عياناً / و157 / أي رأيته بعيني والغيوب ما حجب عن العباد من الثواب والعقاب في الآخرة ولا ريب أن إيمان العيان اکمل وأوثق من إيمان الخبر والوقوف على الموعود الاطلاع عليه والمعاينة له، ولعل المراد بنفي الشرك والشك استيصالهما(1)بحيث لا يبقى احتمال عروضهما للمؤمن بالتشكيك، ويحتمل أن يراد نفيهما راساً على المبالغة والله يعلم.

(وَنَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهَّ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عبدهُ رَسُولُهُ (صَلَّى اللهَّ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) شَهَادَتَيْنِ تُصْعِدَانِ الْقَوْلَ وَتَرْفَعَانِ الْعَمَلَ لَا يَخِفُّ مِيزَانٌ تُوضَعَانِ فِيهِ وَلَا يَثْقُلُ مِيزَانٌ تُرْفَعَانِ عَنْهُ) وفي بعض النسخ (منه)(2)بدل عنه قال بعض الشارحين: قوله (عليه السلام) (يصعدان) القول إشارة الى قوله تعالى يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه وروی یسعدان بالسين أي هما شهادتان يعضدان الشهادة باللسان أمّا انه لا يثقل میزان ترفعان عنه فواضح، وأمّا إنه لا يخف میزان توضعان فيه(3)فظاهرة يشعر بمذهب المرجئة الخلص وهم أصحاب مقاتل بن سليمان القائلون بأنه لا يضر مع الشهادتين معصيه أصلاً وأنه لا يدخل النار من في قلبه ذرة من الإيمان فيقول في تأويل ذلك إنه لم يحكم بهذا على مجرد الشهادتين بل على شهادتين مقیدتین قد وصفهما بأنهما تصعدان القول وترفعان العمل وإنما هما الشهادتان اللتان يقارنهما فعل الواجب وتجنب القبيح فقد بطل قول

ص: 174


1- (استصالها) في ر، م
2- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 201
3- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 204

من يجعل الكلام حجة للمرجئة، ولا يخفى أن هذا التقييد ليس تأویلاً بل الظاهر الشائع في المقام ذلك كقولهم (عليهم السلام) في مقام الحمد أحمدك حمداً يفوق حمد الحامدين فالمفعول المطلق للنوع وليس المعنى أن حمدي مطلقاً يفوق حمد الحامدين ويمكن ان يقال على بعد ان الشهادتين لو وضعتا في الميزان لم يخف لكنهما إذا تجردتا عن الشروط لم توضعا فيه كما ورد في الأخبار انهما يسلبان عن بعض الناس.

(أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللهَّ بِتَقْوَى اللهَّ الَّتِي هِيَ الزَّادُ وَبِهَا الْمَعَاذُ زَادٌ مُبْلِغٌ وَمَعَاذٌ مُنْجِحٌ دَعَا إِلَيْهَا أَسْمَعُ دَاعٍ وَوَعَاهَا خَیْرُ وَاعٍ فَأَسْمَعَ دَاعِيهَا وَفَازَ وَاعِيهَا) التقوی اسم من اتقيته اتقاء أي حذرته وقوله تعالى: «هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى»(1)أي: أهل أن يتقي عقابه والتاء فيه مبدله من الواو وأصله وتقوى من وقيت لكنه ابدلت ولزمت التاء في تصاريف الكلمة، وقيل هو اسم من تقيته اتقيه تُقي بالضم، وتقاء ککساء أي حذرته واصله تقياً قلبت الياء واواً ويقلب في كل فعلي إذا كان اسماً كبقوى بخلاف الصفة نحو صدیا وريا، وفي الكلام اشارة الى قوله تعالى: «وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى»(2)، والمعاد بالدال المهملة كما في بعض النسخ(3)مصدر عاد أي رجع والباء بمعنى الى وفي بعض النسخ بالدال المعجمة مصدر عُذت بكذا أي لجأت إليه، والنَجاح بالفتح والنُجح بالضم ((الظفر بالحوائج))(4)، يقال: نجح كمنع وانجحه الله

ص: 175


1- المدثر / 56
2- البقرة / 197
3- في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 201، (العِمَاد)
4- الصحاح، مادة (نجح): 1 / 409

واسمع داع أي أكثر الداعين، أو أشدهم اسماعاً لا سماعاً، وبناء صيغة التفضيل من باب أفعل قياس عند سيبويه وإن كان من المزيد فيه، ومنه هو اعطاهم للدينار وأولاهم للمعروف وأكرم لي من فلان، ونقل عن الأخفش والمبرد جواز بنائها من سائر أبواب الثلاثي المزيد فيه، وقال بعض الشارحين: وروي: ((دعا إليها أحسن داعٍ))(1)، قال: ((أي أحسن داع دعاء لابد من تقدير هذا المميز؛ لأنه تعالى لا يوصف ذاته بالحسن وإنما يوصف بالحسن أفعاله))(2)، وفيه تأمل [ومثله](3)قوله عز وجل(4): ((فتبارك الله احسن الخالقين)) ويمكن أن يكون المراد بالأحسن أو الاسمع الرسول (صلى الله عليه وآله) وقد مر في كلامه (عليه السلام) / ظ 157 / ثم ارسلت داعياً يدعوا إليها ووعيت الحديث کرمیت أي فهمته وحفظته والضمير في وعاها راجع الى الدعوة کما ذكره بعض الشارحين قال وفازوا عيها أي أفلح من فهمها وأجاب إليها لابد من تقدير هذا والا فأي فوز(5)يحصل لمن فهم ولم يجب أو راجع الى التقوى وحفظها هو العمل بما هو سبيل الى النجاة في الآخرة، والمراد بخیر واع المتقون أو نفسه (عليه السلام) کما قيل أو الرسول (صلى الله عليه وآله) على تقدير أن يكون الداعي هو الله سبحانه، ولا يخلو عن بعد...

ص: 176


1- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 205
2- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 205، وفيه: (... ولابد،.... لاتوصف ذاته...)
3- [مثله] ساقطة من ر
4- (وقد قال عز وجل) في ر، م
5- (فور) في ر

(عِبَادَ اللهَّ إِنَّ تَقْوَى اللهَّ حَمَتْ أَوْلِيَاءَ اللهَّ مَحَارِمَهُ وَأَلْزَمَتْ قُلُوبَهُمْ مَخَافَتَهُ حَتَّى أَسْهَرَتْ لَيَالِيَهُمْ وَأَظْمَأَتْ هَوَاجِرَهُمْ فَأَخَذُوا الرَّاحَةَ بِالنَّصَبِ وَالرِّيَّ بِالظَّمَإِ وَاسْتَقْرَبُوا الْأَجَلَ فَبَادَرُوا الْعَمَلَ وَكَذَّبُوا الْأَمَلَ فَلَاحَظُوا الْأَجَلَ) حمى الشيء يحميه حَمياً بالفتح، وحِمايةً بالكسر، أي: منع منه من يقربه ودفع عنه، وحمى المريض ما يضره منعه إياه، والحِمی بالکسر ما يحمي من شيء من المرعى وغيرها، وسَهر کفرح أي لم ينم ليلاً وأسهره منعه من النوم، والظمأ بالتحريك العطش أو أشده يقال: ظمئ [كفرح فهو ظمئٌ](1)وظمأن واظماه غيره، والهاجرة والهجير اشتداد الحر نصف النهار، أو نصف النهار عند زوال الشمس مع الظهر، أو من عند زوالها الى العصر(2)؛ لأن الناس يستكنون في بيوتهم كأنهم قد تهاجروا، والتعليق بالليالي والهواجر من قبيل التعليق بالظرف ونظيره الاسناد إليه نحو: نهاره صائم، وليله قائم، ولو أريد بالهاجرة اشتداد الحر فمن قبيل التعليق بالمصاحب والغرض الايماء الى شدة الظماء والراحة راحة الآخرة والنصب بالتحريك التعب في الدنيا بالقيام والعبادة والباء للمقابلة نحو اشتريته به وبدلته به، والري بالكسر کما في النسخ وكذلك بالفتح مصدر روی من الماء واللبن کرضى، فهو ريان ضدّ عطشان والمراد الرّي من الكوثر وعيون الجنة واستقربوا الأجل أي عده قريباً واعتقدوه كذلك نحو استعظمه واستسمنه أي عده عظيماً وسميناً، وبادر الى الشيء أي أسرع وبادره عاجله والظاهر أنَّ حرف الجر محذوف أي اسرعوا الى العمل، أو المعنى سابقوا الى العمل واجتهدوا أن لا يسبقهم العمل

ص: 177


1- [كفرح فهو ظمئ] ساقطة من ر
2- ينظر: لسان العرب، مادة (هجر): 5 / 254

فيفوتهم(1)والفاء للتفريع وتكذيب الأمل عدم اتباعه والملاحظة مفاعلة من اللحظ وهو النظر بمؤخر العين والالتفات فيه أشد من الشزر(2)ويكون في المأمول والخوف والغرض عدم الغفلة عن الأجل والعمل للآخرة(3)(ثُم إِنَّ الدُّنْيَا دَارُ فَنَاءٍ وَعَنَاءٍ وَغِیَرٍ وَعِبَرٍ فَمِنَ الْفَنَاءِ أَنَّ الدَّهْرَ مُوتِرٌ قَوْسَهُ لَا تُخْطِئُ سِهَامُهُ وَلَا تُؤْسَى جِرَاحُهُ يَرْمِي الْحَيَّ بِالْمَوْتِ وَالصَّحِيحَ بِالسَّقَمِ وَالنَّاجِيَ بِالْعَطَبِ آكِلٌ لَا يَشْبَعُ وَشَارِبٌ لَا يَنْقَعُ) العَناء بالفتح التعب، والغِيَر بکسر الغين المعجمة وفتح الياء المثناة من تحت يحتمل المفرد والجمع وهو أظهر لكن المشهور هو الأول، فأما المفرد فالاسم من قولك: غيرت الشيء فتغير وتغير الحال وانتقالها من الصلاح الى الفساد، وأما الجمع فأحداث الدهر المغيرة للحال، والعبر جمع عبرة وهي ما يتعظ به الانسان ويعتبره ليستدل به على غيره، وقال الخليل: العبرة والاعتبار بما مضى(4)أي: الاتعاظ والتذكر ويكون العبرة والاعتبار بمعنى الاعتداد بالشيء في ترتيب الحكم، والوتر بالتحريك: ((شرعة القوس))(5)واترها أي جعل لها وتراً ووترها توتير أشد وترها، وموتور قوسه بالاضافة على صيغة الافعال في النسخ، وقال بعض الشارحين: وروی (وموتر) بالتشديد(6)واسوت الجرح اسوه اسواً أي داويتهُ، والأسى الطبيب، والجِراح بالكسر جمع جِراحه بالكسر، ورمي الصحيح

ص: 178


1- (سابق العمل واجتهد ان لا يسبقه العمل فيفوته) في ر
2- (الشرر) في ر
3- (عن الآخرة) في ر، م
4- ينظر: العين، مادة (عبر): 2 / 129
5- القاموس المحیط، مادة (وتر): 2 / 152
6- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 206

بالسقم من مقدمات الفناء وأسبابه، فلذلك عدّ من الفناء، والعطب: ((الهلاك))(1)، ونقع کفرح / و158 / (وَمِنَ الْعَنَاءِ أَنَّ الْمَرْءَ يْجَمَعُ مَا لاَ يَأْكُلُ، وَيَبْنِي مَا لَا يَسْكُنُ، ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَی اللهِ(2)لاَ مَالاً حَمَلَ وَلاَ بِنَاءً نَقَلَ! وَمِنْ غِيِرَهَا أَنَّكَ تَرَى الْمَرْحُومَ مَغْبُوطاً، وَالْمَغْبُوطَ مَرْحُوماً. لَيْسَ ذَلِكَ إِلَّا نعيماً(3)زَلَّ وَبُؤْساً نَزَلَ) لحوق التعب للمرء المذكور في الدنيا بتحمل المشاق في الجمع والبناء مع الحسرة لعدم التمتع والبقاء في عهدة الحساب واضح، والرحمة الرقة و[التعطف](4)يقال: رحمته وترحمت عليه والمراد بالمرحوم من كان محلًا للرحمة ويرحمه الناس لسوء الحال، والغبطة [تكون](5)بمعنى الحسد، وتمنی مثل ما ناله(6)الغير من النعمة من غير أن يتمنى زواله عنه، وكلاهما يناسبان المقام أي من غير الدنيا انقلاب الأمر من سوء الحال بالفقر وغيره الى حسن الحال وبالعکس، وفي بعض النسخ قوله (عليه السلام) (والمغبوط مرحوماً) مقدم على الفقرة السابقة عليه وزالت منه نعمة الى فلان، أي انتقلت، وأزالها إليه، ((وأصله من الزليل، وهو انتقال الجسم من مكان الى مكان))(7)، وزل

ص: 179


1- الصحاح، مادة (عطب): 1 / 184
2- (الله تعالى) في: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 202، ونهج البلاغة، تحقيق: صبحي الصالح: 213
3- (نفيمًا) في ر، تصحيف
4- [التعطف] طمس في ن
5- [تكون] طمس في ن، وفي أ، ث، ر، ع: (يكون) تصحيف
6- (ما نال) في ع
7- النهاية في غريب الحديث والأثر: 2 / 310، وينظر: تاج العروس، مادة (زلل): 14 / 310

فلان زلولاً وزليلاً، أي: مر سريعاً، وفي بعض النسخ (زال)(1)من الزوال وهو واضح. وبئس کسمع بؤساً، أي اشتدت حاجته، ولعل مفاد الحصران انقلاب حال الرجلين ليس إلاَّ لأمر عارض كثير الوقوع خارج عن قدرة المرء واختياره.

(وَمِنْ عِبرهَا(2)أَنَّ الْمَرْءَ يُشِرْفُ عَلىَ أَمَلِهِ، فَيَقْتَطِعُهُ حُضُورُ أَجَلِهِ، فَلاَ أَمَلٌ يُدْرَكُ، وَلَا مُؤَمَّلٌ يُتْرَكُ. فَسُبْحَانَ اللهَّ مَا أَعَزَّ سُرُورَهَا، وَأَظْمَأَ رِيَّهَا، وَأَضْحَى

فَيْئَهَا!) الإشراف على الأمل، أي المأمول قرب حصوله واقتطعت(3)من الشيء قطعةً على صيغة الافتعال، أي قطعت، وفي بعض النسخ فيقطعه على الثلاثي المجرد كأن حضور الأجل يقطع المرء عن الأمل، أو بالعکس وغرور سرور الدنيا لأنه لا بقاء ولا حقيقة له، وهو من الصوارف عن العمل للآخرة، ووصف الرِي بالكسر، وهو ضد العطش بالظمأ وهو العطش على التجوز والمبالغة وضحی کدعا وسعی ورضى أي برز للشمس، والفيء في الأصل الظل الذي يكون بعد الزوال؛ لأنه يرجع من جانب الغرب الى جانب الشرق.

(لَا جاءٍ يردُّ، ولَا ماضٍ يرتدُّ، فسبحانَ اللهِ، مَا أقربَ الحيَّ منْ الميتِ للحاقهِ بهِ، وأبعدَ الميِّتَ منَ الحيِّ لانقطاعهِ عنهِ)، لعل المراد بالجائي الأجل وآفات الدهر وبالماضي الميت، وما فات من ملاذ الدنيا ومشتهياتها، والجائي لا يرد أي لا يقدر أحد على أن يدفعه عن نفسه، والماضي لا يرتد، أي لا يقدر نفسه على الرجوع، ولَحَقه ولحَق به لحاقاً بالفتح أي أدركه ولُطف الكلام

ص: 180


1- بحار الانوار 75 / 22
2- (غيرها) في ث، م، تصحيف
3- (اقتسطعت) في م

وعلوّ درجته واضح. (إنهُ ليسَ شيءٌ بشرٍّ منْ الشرِّ إلاَّ عقابهُ، وليسَ شيءٌ بخیرٍ منَ الخیرِ إلاَّ ثوابهِ، وكلُّ شيءٍ منْ الدُّنيَا سماعهِ أعظمُ مِن عيانِهِ، وكُلٌّ شيْءً مِن الآخِرةِ عيانُهُ أعظُمُ مِن سماعِهِ، فليَكُفُّكُم مِن العيانِ السُّمّاعِ، ومِن الغيْبِ

الخبِرِ)، قال بعض الشارحين: يحتمل أن يريد الشر والخير المطلقين، ويكون ذلك للمبالغة، إذ يقال: للأمر الشريف: هذا أشد من الشدائد، وأجود من الجيد، ويحتمل أن يريد شر الدنيا وخيرها، فإنَّ أعظم شر في الدنيا مستحقر في عقاب الله، وأعظم خير فيها مستحقر بالنسبة الى ثواب الله(1)، ولا يذهب على الفطن أنه لو أريد بالخير والشر ما يشمل كل حسن و قبيح من الأعمال سواء كان ساراً نافعاً كأنواع الإحسان والإنعام، وضاراً مؤلماً كأنواع الظلم والفساد أو لم يكن كذلك كالصلاة والصيام وتركهما مثلاً لم يتضح المقصود حق الاتضاح، فإنَّه لو أريد بالبشرية الإيلام وبالخيرية ما يقابله لم يكن بعض أفراد المفضل عليه في الفقرة الأولى شراً، وبعضها في الثانية خيراً، ولو أريد النقص والكمال والقبح(2) والحسن، وما يقرب من ذلك لم يكن العقاب شراً إلاَّ على تجوز وتكلف، ولعل الأظهر أن يخصص(3)الشر / ظ 158 / المفضل عليه بالظلم وما يتضمن الايذاء والإيلام، فالمراد بكون العقاب شراً منه كونه أشد وأبلغ في الإيذاء والإيلام كما قال (عليه السلام): (يوم العدل على الظالم أشد من يوم الجور على المظلوم) والخير بالإحسان وما يتضمن ادخال السرور على الغير وايصال النفع إليه، فيكون الثواب خيراً منه کونه

ص: 181


1- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 3 / 101
2- (القبيح) في ع، تحریف
3- (يحضص) في ع

أبلغ وأكمل والله أعلم، والعِيان بالكسر المعاينة، يقول: (عاينت الشيء عياناً إذا رأيته بعينك)(1)، والغيب كل ما غاب عنك والفاء لتفريع كفاية السماع على أن عيان كل شيء من الآخرة أعظم من سماعه، وكون الحال في مسار الدنيا ومضارها على عكس ذلك واضح للبصير.

((وَاعْلَمُوا أَنَّ مَا نَقَصَ مِنَ الدُّنْيَا وَزَادَ فِي الْآخِرَةِ، خَیْرٌ مِمَّا نَقَصَ مِنَ الْآخِرَةِ وَزَادَ فِي الدُّنْيَا، فَكَمْ مِنْ مَنْقُوصٍ رَابِحٍ، وَمَزِيدٍ خَاسِرٍ! إِنَّ الَّذِي أُمِرْتُمْ بِهِ أَوْسَعُ مِنَ الَّذِي نُهِيتُمْ عَنْهُ، وَمَا أُحِلَّ لَكُمْ أَكْثَرُ مِمَّا حُرِّمَ عَلَيْكُمْ، فَذَرُوا

مَا قَلَّ لِمَا كَثُرَ وَمَا ضَاقَ لِمَا اتَّسَعَ) كلما زاد ونقص يكونان لازمين ومتعدين، ولذلك يبني منهما صيغة المفعول، وقوله (عليه السلام): (إنَّ الذي أمرتم به) يشمل المباح وتسميته مأموراً به؛ لاشتراكه مع الواجب والمندوب في أنَّه لا حرج في فعله على ما ذكره بعض الشارحين(2)، قال: (وقد سمي كثير من الاصوليين المباح مأموراً به(3)؛ لذلك ويحتمل أن يكون على التغليب، والظاهر أن قوله (عليه السلام): (ما أحل لكم) بیان وتأكيد للفقرة السابقة.

(قَدْ تَكَفَّلَ لَكُمْ بِالرِّزْقِ وَأُمِرْتُمْ بِالْعَمَلِ فَلَا يَكُونَنَّ الْمَضْمُونُ لَكُمْ طَلَبُهُ أَوْلَی بِكُمْ مِنَ الْمَفْرُوضِ عَلَيْكُمْ، عَمَلُهُ مَعَ أَنَّهُ وَاللهَّ لَقَدِ اعْتَرَضَ الشَّكُّ، وَدَخِلَ الْيَقِینُ، حَتَّى كَأَنَّ الَّذِي ضُمِنَ لَكُمْ قَدْ فُرِضَ عَلَيْكُمْ، وَكَأَنَّ الَّذِي فُرِضَ عَلَيْكُمْ قَدْ وُضِعَ عَنْكُمْ) التكفل (الضّمان)(4)، وقال بعض الشارحين: قد يتوهم قوم

ص: 182


1- الصحاح، مادة (عين): 6 / 2172
2- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 209
3- المصدر نفسه: 7 / 209
4- تاج العروس، مادة (كفل): 15 / 658

أنه ارتفع ((طلبه)) ب(المضمون)) كقولك: المضروب أخوه، وهذا غلط؛ لأنه لم يضمن طلبه وإنما ضمن حصوله، ولكنه ارتفع؛ لأنَّه مبتدأ وخبره أولى، وهذا [المبتدأ والخبر في موضع نصب لأنه خبر (يكونن) أو ارتفع لأنه بدل من المضمون وهذا](1)أحسن وأولى من الوجه الاول وهو بدل الاشتمال)(2)، ولا يذهب عليك أنَّ ظاهر السياق مقابلة الطلب بالعمل كالمضمون بالمفروض، وجعل الطلب مضموناً بعد ضمان الحصول غير بعيد، والمعنى كفاية أمر الطلب واعترض الشيء، أي صار عارضاً كالخشبة المعترضة في النهر ودخل اليقين على صيغة المجهول، أي صار مدخولاً معیوباً من الدخل بالتحريك، وهو العيب والغش والفساد، قیل: وحقيقته أن يدخل في الشيء أمور ليست منه. ((فَبَادِرُوا الْعَمَلَ، وَخَافُوا بَغْتَةَ الْأَجَلِ، فَإِنَّهُ لَا يُرْجَى مِنْ رَجْعَةِ الْعُمُرِ مَا يُرْجَى مِنْ رَجْعَةِ الرِّزْقِ. مَا فَاتَ الْيَوْمَ مِنَ الرِّزْقِ رُجِيَ غَداً زِيَادَتُهُ، وَمَا فَاتَ أَمْسِ مِنَ الْعُمُرِ لَمْ يُرْجَ الْيَوْمَ رَجْعَتُهُ. الرَّجَاءُ مَعَ الْجَائِي، وَالْيَأْسُ مَعَ الْمَاضِي، فَاتَّقُوا اللهَّ حَقَّ تُقاتِهِ، وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) بادرت الى الشيء أي اسرعت إليه وبادره مبادرة وبداراً عاجله، والمعنى اسرعوا الى العمل، أو اجتهدوا حتى لا يكون العمل سابقاً عليكم فيفوتكم كما تقدم وجاءه بغتة، أي فجأةً على غرة ومن غير عدة، والتقاة التقية والحذر والواو للحال أي لا تكونن(3)على حال إلاَّ على الإسلام إذا أدرككم الموت.

ص: 183


1- [المبتدأ والخبر في موضع نصب لأنه خبر (یکونن) أو ارتفع لأنه بدل من المضمون وهذا] ساقطة من ن
2- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 209
3- (يكونن) في ر، م، تصحيف

[ومن خطبةٍ له (عليه السلام) في الاستسقاء]

(اللّهُمّ قد اِنصاحتْ جِبالُنا(1)، وأُغبرِتْ أرضُنَا، وهامتْ دوابُّنا، وتحیرّتْ في مرابِضِها، وعُجّتْ عجيجَ الثَّكالى على أوْلادِها، ومِلتِ التّردُّد في مراتِعِها،

والحنینَ الى مواردهَا) الاستسقاء طلب السُقيا، وهو بالضم الاسم من سَقاه سَقيا بالفتح، وانصاحت، (أي تشققت وجفت لعدم المطر)(2)، والغبرة: (لون الأغبر، وهو شبيه / و 159 / بالغبار)(3)، ويقال منه: أغبر الشيء اغبراراً، ويقال: أغبر اليوم اغبراراً إذا اشتد غباره، (وهامت دوابنا، أي عطشت)(4)على ما سيجيء في كلام السيد (رضي الله عنه)، أو ذهبت على وجوهها لشدة المحل(5)، يقال: هام على وجهه يهيم [هيمًا](6)وهيماناً إذا ذهب من العشق وغيره على ما ذكره بعض الشارحين(7)أو تحيرت فيكون ما بعده كالتفسير له والمرابض للغنم كالمعاطن للإبل، وهو مبرکها حول الحوض واحدها مربض کمجلس، وقيل(8): مربضها کمبرك الإبل، وربوض الغنم والبقر والفرس والكلب كبروك الإبل، وجثوم الطير وعجت، أي صاحت ورفعت أصواتها، والثُكل بالضم فقد الولد، وامرأة ثاكل وثُكلى ورجل ثَاكل وثَکلان بالفتح

ص: 184


1- (حبالنا) في م
2- تاج العروس، مادة (صوح): 4 / 129
3- لسان العرب، مادة (غبر): 5 / 5
4- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 212
5- ينظر: المصدر نفسه، ابن أبي الحديد: 7 / 212
6- [هیمًا] ساقطة من م
7- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 212
8- (قبل) في ع، تصحيف

فيهما، والضمير في أولادها يحتمل الرجوع الى الثكالى والى الدواب، وملِلته وملِلت منه بالكسر، أي سئمته(1)، ورتعت الماشية كمنعت، أي أكلت وشربت ما شاءت في خصب وسعه، أي أكثرت التردد في المواضع التي كانت مراتع لها فلم تجد مرتعاً فملت، والحنين الشوق وشدة البكاء وصوت الطرب عن حزن، قيل: وأصله ترجيع الناقة صوتها أثر ولدها، ومواردها مواضعها التي كانت تأتيها فتشرب منها. (فارحمْ(2)أنیّنَ الآنِةِ، وحنیَن الحانةِ! اللّهُمُّ فاِرحمْ حيْرتها في مذاهِبِها، وأنيَنّها في موالِجِها! اللّهُمَّ خُرِجنا إليكَ حینَ اعتكرتْ علينَا حدابیرُ(3)السِّنّيَنْ، وأخلفتِنا(4)مخايلُ الجودِ، فكِنتِ الرّجاءَ للمبتئسِ، والبلاغَ لِلمُلتمسِ) الأنين التأوه، قيل: وأصله صوت المريض وشكواه من الوصب(5)، والآنة: الشاة(6)كما أنَّ (الحانة: الناقة)(7)، يقال: ((ماله حانة ولا آنة))(8)، وحنين الحانة صوتها أثر ولدها كما ذكر، والمذاهب المسالك، والموالج المداخل(9)، و(الاعتکار: الازدحام والكثرة)(10)والحملة،

ص: 185


1- (شمته) في م
2- (اللهم فارحم) في: شرح ابن أبي الحديد: 7 / 211، ونهج البلاغة، تحقيق: صبحي الصالح: 215
3- (جدابير) في أ، ع
4- (اخلقتنا) في ر، تصحیف
5- ينظر: تاج العروس، مادة (أنن): 18 / 29
6- ينظر: القاموس المحيط، مادة (أنَّ): 4 / 198
7- تاج العروس، مادة (حنن): 18 / 160
8- فرائد الخرائد في الامثال: 501
9- ينظر: الصحاح، مادة (ولج): 1 / 347، وفي ث: (المداحل) تصحيف
10- لسان العرب، مادة (عكر): 4 / 600

يقال: اعتكر عليّ أي كرَّ، وقال بعض الشارحين: اعتكرت علينا: أي: ردف بعضها بعضاً(1)، والحدابیر: جمع حِدبار بالكسر، وهي الناقة التي بدا عظم ظهرها من الهزال فشبه بها السنين التي كثر فيها الجدب والقحط(2)، وأخلفتنا(3)أي لم تفِ بوعدها ولم تمطرنا، والمخيلة (السحابة الخليفة بالمطر)(4)، قال الجوهري: (يقال: ما أحسن مخيلتها أي خلاقتها للمطر(5)، وقال في المصباح المنير(6): أخالت السحابة إذا رأيتها، وقد ظهرت فيها دلائل المطر، فحسبتها ماطرة، فهي مُخيلة بالضم اسم فاعل، ومخيلة بالفتح اسم مفعول؛ لأنَّها احسبتك فسحبتها وهذا كما يقال: مرض مُخيف بالضم اسم فاعل؛ لأنَّه أخاف الناس، ومخَوف بالفتح لأنَّهم خافوه، ومنه قيل: أخال الشيء للخير، والمكروه إذا ظهر فيه ذلك فهو (مُخیل)(7)بالضم، وقال الازهري: (أخالت) السماء إذا تغیمت فهي (مُخيلة) بالضم فإذا ارادوا السحابة نفسها قالوا: (مَخيلة) [بالفتح وعلى هذا فيقال: رأيت (مُخيلة)](8)بالضم، لأنَّ القرينة (أخالت) أي أحسبت غيرها و( مخيلة) بالفتح اسم مفعول؛ لأنَّك ظنتها، والمبتئس ذو البؤس وهو الضر وسوء الحال، والبلاغ الكفاية والملتمس الطالب، أي أنت المرجو والكافي.

ص: 186


1- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 213
2- ينظر: لسان العرب، مادة (حدر): 4 / 175، وفي ث: (القطع)
3- (واحلفتنا) في ث، تصحيف
4- النهاية في غريب الحديث والأثر: 2 / 93، ولسان العرب، مادة (خال): 11 / 228
5- ينظر: الصحاح، مادة (خيل): 4 / 1692
6- ينظر: المصباح المنير، مادة (الخيل): 1 / 186، 187
7- (محيل) في ر، م
8- [بالفتح وعلى هذا فيقال: رأيت مخيلة] ساقطة من ر

(ندعوكَ حینَ قنَطَ الأنامُ، ومنعُ الغمامُ، وهلُك السّوامُ، ألاّ تؤاخذنا بِأعمالِنا، ولا تأخُذنا بِذُنوبِنا، واِنشِرْ(1)علينا رحمتكَ بِالسّحابِ المنبعق، والرّبيعِ المُغدِق، والنّباتِ المونق، سحاً وابِلًا، تُحيّي بِهِ ما قد ماتَ، وترُدُّ بِهِ ما قد فاتَ) قنط کضرب وعلم، وفي النسخ كعلم، وقیل: وكنصر وحسب وکرم، أي يئس، والغَمام بالفتح جمع غَمامة بالفتح وهي: السحابة، وقيل: الغمام السحاب، والغمامة أخص منه، وهي: السحابة البيضاء، والمراد منع الغمام فلا تمطرنا أو لا تظلنا فكيف بالأمطار، قال بعض الشارحين: ((ومُنِع الغمام) على البناء للمفعول؛ لأنَّه كره أن يضيف المنع إلى الله عز وجل، وهو منبع النعم فاقتضى(2)حسن الأدب أنَّ لم يسم الفاعل. ويروى (ومَنَعَ الغمام) على البناء للفاعل أي مَنَع الغمام القطر، فحذف المفعول(3)، والسَوام بالفتح والسائمة (بمعنی: وهو المال الراعي)(4)، يقال: سامت الماشية / ظ 159 / من باب قال، أي رعت بنفسها، ويتعدى بالهمزة، فيقال: اسامها راعيها، والأخذ بالذنب، والمؤاخذة به: الحبس(5)والمجازاة عليه والمعاقبة به، ولعل التغيير في التعبير للتفنن، وقال بعض الشارحين: (المؤاخذة دون الأخذ، لأنَّ الأخذ استئصال، والمؤاخذة عقوبة وإن قلَّت)(6)، والسحاب جمع سحابة وهي الغيم على ما صرح به

ص: 187


1- (واستر) في م
2- (واقتضى) في م
3- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 214
4- لسان العرب، مادة (سوم): 12 / 311
5- (الجنس) في ر، تحریف
6- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 214

الجوهري(1)، والفيروز آبادي(2)، [وهو مذهب الكوفيين](3)، واسم جنس على ما ذهب إليه كثير من أهل العربية من أن ما يميز واحدهُ بالتاء ليس بجمع، بل اسم جنس، وحينئذ فالوجه في إفراد الصفة وتذكيرها واضح، ومثله قوله تعالى: «وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ»(4)، وقد وصف بالجمع في قوله تعالى: «وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ»(5)؛ [لأنَّ المراد به معنى الجمع، وجعل الشيخ الرضي (رضي الله عنه) وصف مثله بالمفرد دليلاً على فساد قول من زعم أنَّه جمع](6)، (والبُعاق بالضم: سحاب يتصبب(7)بشدة)(8)، ويقال: انبعق السحاب إذا انفرج من المطر وانشق(9)، والغدق بالتحريك (الماء الكثير)(10)، وأغدق المطر واغدودق إذا كثر قطره، والمراد بالربيع أما المطر مجازاً على ما ذكره بعض الشارحین(11)، أو معناه الظاهر على تجوز في التوصيف، والمونق

ص: 188


1- الصحاح، مادة (سحب): 1 / 146
2- القاموس المحيط، مادة (سحب): 1 / 81
3- [وهو مذهب الكوفيين] ساقطة من ر، م
4- البقرة / 164
5- الرعد / 12
6- [لأنَّ المراد به معنی الجمع، وجعل الشيخ الرضي (رضي الله عنه) وصف مثله بالمفرد دليلاً على فساد قول من زعم أنَّه جمع،] ساقطة من ر، م
7- (يتصيب) في أ، ر، م
8- الصحاح، مادة (بعق): 4 / 1450
9- ينظر: المصدر نفسه، مادة (بعق): 4 / 1450
10- المصدر نفسه، مادة (غدق): 4 / 1536
11- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 214

المعجب(1)، و(السَح: الصب والسيلان من فوق)(2)، ونصب الكلمة على المصدر أو الحالية، و(الوابل: المطر الشديد الضخم القطر)(3)، والنصب على الحالية وما قد مات الأراضي الميتة بالجدب، وما قد فات الزروع والثمار، وقال بعض الشارحين: أي تستدرك(4)به الناس ما فاتهم من الزرع والحرث(5).

(اللّهُمَّ سُقيا مِنكَ مُحييَةً مُرويةً، تامةً عامةً، طيبةً مُباركةً، هنيئةً مُريعةً، زاكيا نبْتُها ثامِرًا فرعها، ناضِراً ورقُهَا، تُنعِشُ بِها الضّعيفَ مِنْ عِبادِكَ، وتحييُّ بِها الميِّتَ مِنْ بِلادِكَ!) السُقيا بالضم الاسم من سَقاه سَقياً بالفتح کما تقدم، والمريعة الخصيبة، والزاكي النامي، وثمر الشجر کنصر واثمر، أي صار فيه الثمر، وقيل: (الثامر:ماخرج ثمره)(6)، (والمثمر: ما بلغ أن(7)يجنى)(8)، والنَضرة والنَضَارة بالفتح فيهما الحسن والناضر الشديد الخضرة ويبالغ به في كل لون يقال: أخضر ناضر، وأحمر ناضر، وأصفر ناضر، ونعشه الله کمنعه رفعه.

(اللّهُمَّ سُقيا مِنكَ تُعشِبُ بِها نجّادُنَا، وتَجرى بِها وهادُّنا، وتُخصِبُ(9)

ص: 189


1- ينظر: العين، مادة (أنق): 5 / 221
2- القاموس المحيط، مادة (سح): 1 / 227
3- المصدر نفسه، مادة (وبل): 4 / 63
4- (يسترك) في م
5- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 214
6- تاج العروس، مادة (ثمر): 6 / 150
7- (أي) في ع، تصحيف
8- تاج العروس، مادة (ثمر): 6 / 150
9- (تخضب) في ث، و (یخصب) في: شرح ابن أبي الحديد: 7 / 211، ونهج البلاغة، تحقيق: صبحي الصالح: 216

بِها جنابُنا، وتقبلُ(1)بِهِا ثِمارُنا، وتعيشُ بِهِا مواشيَنا، وتندى بِهِا أقاصيَنا(2)، وتستعينُ بِها ضواحِيَنا، مِنْ بركاتكَ الواسِعةِ، وعطاياُكَ الجزيلةِ، عاى برّيّتِكَ المِرملةِ، ووَحشُكَ المُهملةِ) (العشب: الكلأ الرطب)(3)، واعشبت الأرض أي أنبتته، قيل: وعشب الموضع من باب تعب، أي نبت عشبه، وقال الجوهري: (تقول(4): بلد عاشب. ولا يقال في ماضيه إلاَّ أعشبت الأرض إذا أنبتت(5) العشب)(6)، والنجاد جمع نجد، وهو (ما ارتفع من الأرض)(7)، والموجود في النسخ (نجادنا) بالرفع وهو الأظهر، وقال بعض الشارحين: ويروى ((نجادنا)) بالنصب على أنه مفعول(8)، فضمير الفاعل راجع الى الله سبحانه وأعشاب النجاد إنما يكون مع كثرة الأمطار، والوهاد والوهد، جمع وهدة وهي (الأرض المنخفضة)(9)، وقيل: الوهد مفرد کالوهدة، والخِصب(10)بالكسر كثرة العشب ورفاعة(11) العيش، ويقال: اخصبت الأرض ومكان مخصب، وقيل: ويقال خصب البلد كعلم وضرب واخصب، (والجَناب(12)

ص: 190


1- (تقيل) في م، تصحيف
2- (اقاضينا) في ر، تصحيف
3- لسان العرب، مادة (عشب): 1 / 601
4- (يقول) ف أ، ث، ر، ع، م، ن، والصواب ما أثبتناه
5- (اتيت) في أ، وفي ر، ن: (اثبت)
6- الصحاح، مادة (عشب): 1 / 182
7- المصدر نفسه، مادة (نجد): 2 / 542
8- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 214
9- تاج العروس، مادة (وهد): 5 / 329
10- (الخصيب) في أ
11- (رفاعة) في ث، ر، تصحيف
12- (والخنار) في ع، تحریف

بالفتح: الفناء)(1)و (الناحية)(2)، [ولعل التأنيث باعتبارها](3)، والثمر حمل الشجر، وأنواع المال والثمار يكون مفرداً بمعناه وجمعاً، والواحدة ثمرة وجمع الجمع ثُمُر بضمتين، وجمع جمع الجمع أثمار، والعيش الحياة، والماشية الإبل والغنم، قاله ابن السكيت وجماعة وبعضهم يجعل البقر من الماشية(4)، وندی کرضي فهو ندٍ، أي ابتلَّ وأرض ندية وفيها نداوة، وقال بعض الشارحين: تندی بها، أي تنتفع، والأقاصي الأباعد، والقاصية الناحية وضاحية كل شيء ناحيته البارزة، ويقال: هم ينزلون الضواحي، والمراد أهل ضواحينا، والمرملة / و160 / على صيغة الفاعل الفقيرة(5)، يقال: أرمل الرجل إذا افتقر ونفد زاده(6)، والمهملة على صيغة المفعول التي لا راعي لها ولا مشفق ولا صاحب (وأنزِلْ علينَا سماءً مخضلةً(7)، مِدرارا هاطِلةً، يُدافِعُ الوَدقُ [مِنها الوَدقَ](8)، ويحَفِزُ(9) القطرُ مِنها القطرَ) غیْر خُلبٍ برقُها ولَا جهامٍ عارِضُها،

ولا قزعٍ ربابُها، ولَا شفّانٍ ذهابُها) السماء يكون بمعنى المطر والمطرة الجيدة، ومخضلة بتشديد اللام، أي مبتلة(10)، وتأنيث الصفة لظاهر لفظ السماء وإن

ص: 191


1- الصحاح، مادة (جنب): 1/ 102
2- ينظر: المصدر نفسه، مادة (جنب): 1 / 101
3- [ولعل التأنيث بأعتبارها] ساقطة من ر، م
4- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 214
5- ينظر: المصباح المنير، مادة (رمل): 1 / 239
6- ينظر: المصدر نفسه، المصباح المنير، مادة (رمل): 1 / 239
7- (محضلة) في ث، تصحيف
8- [منها الودق] ساقطة من ر
9- (ويحفر) في ث، ر، تصحيف
10- ينظر: الصحاح، مادة (خضل): 4 / 1685

أريد به المطر، وهو كناية عن كثرة المطر، يقال: اخضل النبت اخضلالاً إذا ابتل، وقال بعض الشارحين: (أي ذات نبات وزروع مخضلَّة)(1)، [ویروی مخضلة(2)](3)على صيغة الفاعل من باب الأفعال وهو أظهر، أي التي تخضل النبت(4)أي تبله تقول(5): اخضلت الشيء فهو مخضل إذا بللته، وللسماء دِرة بالكسر، أي (صب)(6)، (وسماء مدرار: أي تدر بالمطر)(7)والهطل تتابع المطر والدمع وسيلانه، والوَدق بالفتح (المطر)(8)، وقد ودق کوعد (أي قطر)(9)، وحفزه(10)کضربه أي دفعه بشدة، وأصله الدفع من خلف(11)، والبرق الخُلَّب بضم الخاء المعجمة وفتح اللام المشددة الذي لا غيث معه(12)، كأنَّه خادع، ومنه قيل لمن يعد ولا ينجز: (إنما أنت کبرقٍ خُلَّب)(13)، والخلب أيضاً

ص: 192


1- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 214
2- (محضلة) في م، تصحيف
3- [ویروی مخضلة] ساقطة من م
4- (البنت) في ر، تصحيف
5- (يقول) في ر، تصحيف
6- الصحاح، مادة (درر): 2/ 656
7- المصدر نفسه، مادة (درر): 2 / 656
8- المصدر نفسه، مادة (ودق): 4 / 1563
9- المصدر نفسه، مادة (ودق): 4 / 1563
10- (حفرة) في ث، ر، تصحيف
11- تاج العروس، مادة (حفز): 8 / 50
12- المصدر نفسه، مادة (خلب): 1 / 472
13- وروي: ((إنما هو كبرق الخُلب)) في: مجمع الامثال: 1 / 30، وفرائد الخرائد في الامثال: 41

السحاب الذي لا مطر فيه(1)، (والجَهام بالفتح: السحاب الذي لا ماء فيه)(2)، والعارض (السحاب الذي يعترض في أفق السماء)(3)، والقَزع بالتحريك (قطع من السحاب رقيقة)(4) جمع قزعة بالتحريك، والرَباب بالفتح (سحاب أبيض)(5)، أو السحاب الذي تراه كأنَّه دون السحاب قد يكون أبيض وقد يكون أسود(6)، والواحدة [ربابة](7)ذكره الجوهري(8)، وقال ابن الأثير في النهاية: (الرَبابة بالفتح: السحابة التي ركب بعضها بعضاً)(9)، ولعل المراد في كلامه (عليه السلام) مطلق السحاب أي لا يكون سحابها قطعاً متفرقة بل عامة لجميع النواحي، والشفان (برد ريح في نُدوة)(10)، و(يقال: هذه غداة ذات شفان)(11)، والذهاب جمع ذِهبة بالكسر فيهما وهي المطرة الضعيفة اللينة(12)أي سماء(13)لم يكن معها برد وريح يضر بالثمار ونحوها. (حتَّى يُخصب لإمراعِها المجدبونَ،

ويحيى بركاتَها المسنتونَ، فإنكَ تنزلُ الغيثَ منْ بعدِ ما قنطُوا، وتنرُ رحمتكَ

ص: 193


1- ينظر: تاج العروس، مادة (خلب): 1 / 472
2- المصدر نفسه، مادة (جهم): 16 / 124
3- لسان العرب، مادة (عرض): 7 / 174
4- الصحاح، مادة (قزع): 3 / 1265
5- المصدر نفسه، مادة (ربب): 1 / 133
6- مبادئ اللغة، الاسكافي (ت 421 ه): 17
7- [ربابة] ساقطة من م
8- ينظر: الصحاح، مادة (ربب): 1 / 133
9- النهاية في غريب الحديث والأثر: 2 / 181
10- العين، مادة (شف): 6 / 222
11- تاج العروس، مادة (شفف): 12 / 309
12- ينظر: المصدر نفسه، مادة (ذهب): 1 / 507، 508
13- (سماه) في ر، م، تحریف

وأنتَ الوليُّ الحميدُ) المخصب(1)على صيغة الفاعل من ناله الخِصيب(2)بالكسر، وهو كثرة العشب ورفاغة العيش، وأمرع الوادي ومرع مثلثة الراء، أي أكلا وكثر عشبه، والمجدب على صيغة الفاعل ضد المخصب، ويقال: اجدبت البلاد إذا قحطت وغلت(3)الأسعار، وأسنت القوم، أي (أجدبوا)(4)، (وأصله من السنة)(5)وهي (الجدب)(6)(يقال: أخذتهم السنة إذا اجدبوا وقحطوا، وهي من الأسماء الغالبة نحو الدابة في الفرس والمال في الإبل)(7)قلبوا الواو في أسنت تاء، (ليفرقوا بينه وبين قولهم: أسنى القوم إذا اقاموا سنة في موضع)(8)، وقال الفراء: توهموا أنَّ الهاء أصلية أو وجدوها ثالثة، فقلبوهاتاء(9)، وتتمة الكلام اقتباس من قوله تعالى: «وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ»(10)، قوله (عليه السلام): (انصاحت جبالنا) أي تشققت من المحول، يقال: انصاح الثوب إذا انشق، ويقال أيضاً: انصاح النبت وصاح وصوحاً إذا جف ويبس، وقوله: (وهامت دوابنا)، أي عطشت، والهيام العطش، وقوله: (حدابير السنين) جمع

ص: 194


1- (المحصب) في ث، وفي م: (المخضب)، تصحيف
2- (الخصب) في ث، ن
3- (علت) في أ، ع، تصحیف، وفي ث: (غلب)
4- تاج العروس، مادة (أسنت): 3 / 75
5- الصحاح، مادة (سنت): 1 / 254
6- لسان العرب، مادة (سنت): 13 / 502
7- المصدر نفسه، مادة (سنت): 13 / 502
8- الصحاح، مادة (سنت): 1 / 254
9- ينظر: الصحاح، مادة (سنت): 1 / 254
10- الشوری / 28

حدبار وهي الناقة التي أنضاها السير، فشبه بها السنة التي فشا فيها الجدب، قال ذو الرمة:

حدابير مَا تَنْفَك إلاَّ مُناخَةً ٭٭٭ على الخَسْفِ أو نَرْمي(1)بِها بَلَداً قفرا(2)

(المحل: انقطاع المطر)(3)مصدر، وقيل: اسم، (يقال: بلد ماحل وزمان ماحل وأرض محل وأرض محُول)(4)بالضم، (كما قالوا: بلد سبسب، وبلد سباسب، وأرض جدبة / ظ 160 / وأرض جدوب یریدون بالواحد الجمع)(5)ذكره الجوهري، وأنضاها السير، أي هزله، وقال بعض الشارحين: البيت الذي أنشده الرضي (رحمه الله) لا أعرفه إلاَّ حراجيح، وهكذا رأيته بخط ابن الخشاب، وفيه (مسألة)(6)نحوية وهي أنه كيف نقض النفي في (ما تنفك) وهو غير جائز، كما لا يجوز مازال زيد إلا قائماً؟ وجوابها أن تنفك هاهنا تامة(7)، أي تنفصل(8)، والحرجوج(9): (الضامر)(10)أو (الناقة الطويلة

ص: 195


1- (ترمي) في ع، م
2- البيت من البحر الطويل، دیوان ذي الرمة: 2 / 153. وفيه: حراجيج مَا تَنْفَك إلاَّ مُناخَةً على الخَسْفِ أو نَرْمي بِها بَلَداً قفرا
3- العين، مادة (محل): 3 / 242
4- الصحاح، مادة (محل): 5 / 1817
5- المصدر نفسه، مادة (محل): 5 / 1817
6- (مسئلة) في ث، ن
7- (قامة) في ر، تحریف
8- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 213
9- (الجرجور) في م، تحریف
10- الصحاح، مادة (حرج): 1 / 306

على وجه الأرض)(1)، ومناخة منصوب على الحال، وأنخت الجمل فناخ(2)، أي ابركته فبرك، والخسف أن تحبس الدابة بغير علف، (ويقال: شربنا على الخسف، أي: على غير أكل)(3)، و(الخاسف: المهزول)(4)و (المتغير اللون)(5)، والقَفر بالفتح مفازة لانبات فيها ولا ماء(6)، يقال: أرض قفر ومفازة قفر وقفرة أيضاً،

(وقوّلهُ: (ولا قزعٌ ربابُها) القزعُ القطعُ الصّغارُ المُتفرِّقةُ مِنَ السّحابِ، وقوّلُهُ: (ولاشفانٍ ذهابُها) فإنَّ تقديرهُ: [ولَا](7)ذاتٌ شفانٍ ذهابُها، والشّفّانِ الرّيح البارِدة، والذّهابُ الامطار اللّيِّنة، فحذف ذاتٌ لِعلِم(8)السّامِعُ بِهِ)(9).

[ومن خطبةٍ له (عليه السلام)]

(أرسلهُ داعياً الَی الحقِّ، وشاهداً علَى الخلقِ، فبلَّغَ رسالاتِ ربهِ، غیرَ وانٍ ولَا مقصرٍ، وجَاهدَ فِي اللهِ أعداءهُ، غیر واهنٍ ولا معذِّرٍ، إمامُ منِ اتقَّى،

وبصرُ من اهتدَى) شهادته (صلى الله عليه واله) على الخلق للمطيع بالطاعة

ص: 196


1- المصدر نفسه، مادة (حرج): 1 / 306
2- (فتاخ) في م، تصحيف
3- تاج العروس، مادة (خسف): 12 / 166
4- المصدر نفسه، مادة (خسف): 12 / 166
5- المصدر نفسه، مادة (خسف): 12 / 166
6- ينظر: لسان العرب، مادة (قفر): 5 / 110
7- [ولا] ساقطة من م
8- (العلم) في ر
9- هذا شرح الرضي، مذكور في شرح ابن أبي الحديد: 7 / 212

وللعاصى بالعصيان، ووني في الأمر كوقي فهو وانٍ، أي فتر وضعف، والوهن الضعف، يقال: وهن الإنسان ووهنه غيره يتعدى ولا يتعدى، والمعذر الذي يعتذر من تقصيره بغير عذر موهماً أن له عذراً، وقيل: هو المعتذر الذي له عذر،(1)واختلف في تفسير قوله تعالى: «وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ»(2)على الوجهين(3)، وقرأ ابن عباس: (وجاء المعذرون) بتخفيف الذال(4)من أعذر وكان يقول: لعن الله المعذرين كأنَّ المعذر عنده إنما هو غير المحق، وبالتخفيف من له عذر(5).

ومنها: (ولوْ تعلمونَ مَا أعلمُ مِمَّا طُوى عنكُم غُيّبهُ، إذاً لِخرجتُمْ

الى الصّعِداتِ، تبكونَ علَى أعمالِكُمْ، وتلتدمونَ علَى أنفُسِكُمْ، ولتُرِكتُمْ أموالكُمْ لَا حارِسَ لَها، ولَا خالفَ عليُّهَا، ولُهمَّت كُلَّ أمرىٍ مِنكُمْ نفسُهُ،

لا يلتفِتُ الى غيْرهَا) طوى عنكم أي كتم وأخفي، يقال: طوى الحديث إذا كتمه وغيبه(6)، أي علمه الغائب عنكم، والصعدات جمع صعد وهو جمع صعيد كطريق وطرق وطرقات، وقيل: (جمع صعدة كظلمة وظلمات، وهي

ص: 197


1- ينظر: الصحاح، مادة (عذر): 2 / 740
2- التوبة / 90
3- قرأ الكسائي وعاصم الشنبودي وابن عباس وزيد بن علي والاعرج وأبو صالح وعیسی بن هلال وقتيبة ومجاهد وشعبة ويعقوب المعذرون بتخفيف الذال، والباقون بالتشديد. ينظر: ينظر: مجمع البيان: 5 / 102، 103، وتقريب النشر في القراءات العشر: 201، ومعجم القراءات القرآنية، الدكتور. أحمد مختار عمر، الدكتور عبد العال سالم: 3 / 35
4- ينظر: مجمع البيان: 5 / 102
5- ينظر: الصحاح، مادة (عذر): 2 / 741، والجامع لأحكام القرآن: 8 / 225
6- ينظر: لسان العرب، مادة (طوی): 15 / 19

فناء باب الدار وممر الناس بين يديه)(1)، قال ابن الاثير: (ومنهُ الحديث ((ولخرجتم الى الصعدات تجأرون إلى الله)))(2)، والصعيد يطلق على التراب الذي على وجه الأرض، [...](3)، وعلى الطريق، وتجمع(4)هذه على صعد وصعدات، وذكرهُ في المصباح المنير(5)ويطلق على القبر ذكرهُ في القاموس(6)والمعنى: خرجتم عن البيوت والدور وتركتم الاستراحة والجلوس على الفرش(7)والبسط[...](8)للقلق(9)والانزعاج وجلستم في الطرق، أو على التراب، أو لازمتم القبور واعرضتم عن الدور والله تعالى يعلم، والالتدام ضرب النساء صدورهن، أو وجوههن للنياحة(10)، والخالف المستخلف الذي يصلح شأن الرجل بعده، وقد يخص بمن لا خير فيه، وهمه الأمر هماً حزنه كأهمه فاهتم ذكره في القاموس(11)وفي المصباح المنير(12)، وكلمة (كل) منصوب على المفعولية والفاعل نفسه، وقال بعض الشارحين: ((ولهمت(13)كل امرئ

ص: 198


1- ينظر: لسان العرب، مادة (صعد): 3 / 254، 255
2- النهاية في غريب الحديث والأثر: 1 / 232، وفيه: (لخرجتم ...)
3- (وعلى وجه الارض) زائدة في ر، ن
4- (يجمع) في ر، ع، م، تصحيف
5- ينظر: المصباح المنير، مادة (الصعید): 1 / 340
6- القاموس المحيط، مادة (صعد): 1 / 307
7- (الفرس) في ث، تصحيف
8- [على] زائدة في م
9- (القلق) في ع
10- ينظر: تاج العروس، مادة (لدم): 17 / 646
11- ينظر: القاموس المحيط، مادة (الهم): 4 / 192
12- ينظر: المصباح المنير، مادة (الهم): 2 / 641
13- (وهمت) في ع

منكم نفسه))، أي نحلته وأذابته، يقال: هممت الشحم، أي أذبته، ويروى: ((ولا همت كل امرئ)) وهو أصح من الرواية الأولى يقال: أهمني الأمر، أي حزنني(1)، ويحتمل أن يكون من الهم بمعنى القصد، تقول: هممت بشيء إذا قصدته وأردته إلاَّ أنه أكثر ما يستعمل بالباء، قال الله تعالى: «وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ»(2).

(لكِنَّكُمْ نسيتُمْ ما ذكرتُمْ، وأمّنتُمْ ما حذّرتُمْ، فتاهَ عنكُمْ رأيَكُمْ، وتشتُّتَ عليُّكُمْ أمرِكُمْ. لِوَددتُ(3)أنَّ اللهَ فِرقَ بيْني وبيْنكُمْ، وألحقُنِي بِمنْ هوَ أحقُّ بِي مِنكُمْ) تاه فلان يتيه إذا تحير وضل وتاه يتوه، أي هلك واضطرب عقله وتشتت، أي تفرق، والمراد بمن هو أحق به (عليه السلام) / و161 / رسول الله (صلى الله عليه واله)، وحمزة وجعفر (عليهما السلام)، ومن لم يفارق الحق من الصحابة، (قومٌ واللهِ ميامینُ الرأي، مراجيحُ الحلمِ، مقاويلُ بالحقِ، متاريكُ للبغيِ، مضوا قُدُماً علَى الطريقةِ، وأوجفُوا علَى المحجة، فظفُروا بالعُقبى

الدائمةِ، والكرامةِ الباردةِ.) اليمن البركة، والميامين جمع میمون، والمراجيح من الإنسان الحکماء، ومن الإبل ذوات الارتجاح والترجح وهو اهتزازها من رتکانها(4)، وهو أن يقارب بين خطاها، وقال الجوهري: أرجحته فرجحته، أي كنت أرزن منه(5)، ومنه: قوم مراجيح الحلم، وكأنه جمع مِرجاح بالكسر،

ص: 199


1- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 222
2- يوسف/ 24
3- (ولوددت) في: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 222، ونهج البلاغة، تحقيق: صبحي الصالح: 219
4- ينظر: لسان العرب، مادة (رجح): 2 / 446
5- ينظر: الصحاح، مادة (رجح): 1 / 364

والحلم يكون بمعنى العقل وبمعنى الأناءة، ولعل الأول أنسب، والمقاويل جمع مقوال، يقال: رجل مِقوال ومِقول بكسر الميم فيهما، أي (حسن القول)(1)، أو كثير القول، لَسِن(2)، والمتاريك جمع متراك، أي (كثير الترك)(3). والبغي الظلم والعدوان والعدول عن الحق والاستطالة والكذب والقدم بالضم وبضمتين الشجاع والقدم بضمتين المضي امام امام(4) ومضى قدماً بضمتين إذا لم يعرج ولم ينثنِ، ومضوا قُدُماً بضمتين، كما في النسخ وبالضم کما في أكثرها، أي مقدمين غير معرجين واوجفوا، أي اسرعوا، والمَحجة بفتح الميم جادة الطريق، والكرامة الباردة مالا تعب فيه ولا مشقة، وعيش باردٌ أي هنيء وكل محبوب عند العرب بارد، ولعله لكثرة التأذي بالحر في بلادهم.

(أما والله ليُسلطنَّ عليكمْ غلامُ ثقيفٍ الذَّيَّالُ(5)، الميالُ يأكلُ خضرتكُمْ، ويذيبُ شحمتكُمْ. إيهٍ أبا وذحةَ!) قال السيد: (الوذحة الخنفساءُ، وهذا القول يُؤمئ بهِ الَی الحجاح، ولهُ معَ الوذحةِ حديثٌ ليسَ هذا موضع ذكرهِ) الثقيف كأمير أبو قبيلة من هوازن، واسمه قسي بن منبه بن بکر بن

ص: 200


1- القاموس المحيط، مادة (قول): 4 / 42
2- ينظر: الصحاح، مادة (قول): 5 / 1806
3- المخصص، مادة (ترك): 3 / القسم الثالث: 101
4- ينظر: لسان العرب، مادة (قدم): 12 / 466، وفي م: (المضى امام)
5- (الذبال) في أ، ع، تصحيف

هوازن(1)وهو ثقفي وثقيف بالجر والتنوين، في بعض النسخ(2)وبالفتح في بعضها، والذيال الطويل القدم(3)الطويل الذيل المتبختر في مشيه(4)، وتذيل فلان أي تبختر، والميال أي عن الحق بالظلم والجور، وقال ابن الاثير في النهاية: فيه: ((مائلات مميلات))، المائلات: الزائغات عن طاعة الله وما يلزمهن(5)حفظه، ومميلات: يعلمن غيرهن الدخول في مثل فعلهن، وقيل مائلات: أي متبخترات، مميلات لأكتافهن وأعطافهن(6)، والخضر والخَضرِة بفتح الخاء وكسر الضاد المعجمتين الزرع والبقلة الخضراء، والغصن(7)وأكل الخضرة(8)كناية عن النهب واستئصال الأموال وإذابة الشحمة مثله على ما ذكره بعض الشارحين(9)، أو تعذيب الأبدان، و (إيهٍ) بكسر الهمزة والتنوين - كما في النسخ - كلمة (استزادة واستنطاق)(10)أي زد في العمل، أو

ص: 201


1- قسي بن منبه بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة من عدنان، جد جاهلي، أمه أميمة بن سعد بن هذيل، وأولاده: عوف، وجشم، ودارس، وسلامة، وناصرة، وكان قسي أول من جمع بين أختين من العرب. ينظر: أنساب الأشراف: 13 / 341، وجمهرة أنساب العرب: 266، وتاريخ ابن خلدون: 2 / القسم الاول: 338، والأعلام: 2 / 100
2- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 222
3- (القد) في ث، ر، ع، ن
4- ينظر: لسان العرب، مادة (ذيل): 11 / 261
5- (يلزم من) في ع
6- ينظر: النهاية في غريب الحدث والأثر: 4 / 382
7- (العصن) في ث، وفي ع: (العضن)، تصحيف
8- (الخصرة) في أ، تصحيف
9- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 223
10- لسان العرب، مادة (إيه): 13 / 474، والقاموس المحيط، مادة (إيه): 4 / 280

الحديث يستعمل منوناً وغیر منون، والوذح بالتحريك على ما ذكره أكثر أهل اللغة (ما تعلق بأصواف الغنم من البعر والبول)(1)، والواحدة وذحة والجمع وُذُح بالضم كبدن، وقال ابن الاثير في النهاية: الوذحة بالتحريك: الخنفساء من الوذح: وهو ما يعلق بألية الشاة من البعر فيجف(2)، وقال بعض الشارحين بعد ذكر تفسير السيد (رضي الله عنه) الوذحة بالخنفساء وهي هذه الدويبة السوداء أقول: (لم أسمع من شيخ من أهل الأدب ولا وجدته في كتاب من كتب اللغة)(3)، والمشهور أن الوذح ما يتعلق بأذناب الشاء من أبعارها فيجف، ثم إنَّ المفسرين بعد الرضي (رحمه الله) قالوا في قصة هذه الخنفساء وجوهاً: منها: أن الحجاحَ رأی خنفساء تدب الى مصلاه، فطردها فعادت، ثم طردها فعادت، فأخذها بيده، فقرصته قرصاً أي لسعته، فورمت يده منه ورماً كان فيه حتفه قتله(4)الله تعالى بأهون مخلوقاته، کما قتل نمرود بن کنعان(5)بالبقة التي دخلت في أنفه فكان [فيها](6)هلاکه، ومنها أن الحجاج كان إذا رأى خنفساء يأمر بأبعادها، ويقول: هذه وذحة من وذح

ص: 202


1- القاموس المحيط، مادة (وذح): 1 / 254، وينظر: العين، مادة (وذح): 3 / 285، والصحاح، مادة (وذح): 1 / 415
2- ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر: 5 / 170
3- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 223
4- (قبله) في ث، ر
5- نمرود بن کنعان بن سنحاريب بن کوش بن حام، ملك مشارق الارض ومغاربها، وهو أول من تجبر وقهر وسن سنن السوء، وأول من لبس التاج واهتم لامر النجوم فعمل بها، دخلت في أنفه بعوضه هلك بسببها. ينظر: المعارف: 31، وتاريخ اليعقوبي: 1 / 23، والمنتظم في تاريخ الملوك والامم: 1 / 259، والكامل في التاريخ: 1 / 116
6- [فيها] ساقطة من أ، ع

الشيطان تشبيهاً لها بالبعرة، قالوا: وكان مغزی بهذا القول،، ومنها أنه قد رأي خنفساوات مجتمعات: فقال: واعجباً لمن يقول إن الله خلق هذه! قيل: فمن خلقها أيها الأمير؟ قال: الشيطان، إن ربكم / ظ 161 / لأعظم شأناً أن يخلق هذه الوذح! قالوا: فجمعها على ((فُعُل)) كَبَدَنَة وبُدُن، فنُقل(1)قوله: هذه الى الفقهاء فأكفروه. ومنها أن الحجاح كان مثفاراً(2)، وهو المأبون(3)، وكان يمسك الخنفساء حية ليشفي بحركتها في الموضع حكاكة، قالوا: ولا يكون صاحب هذا الداء إلاَّ شائناً(4)مبغضاً لأهل البيت (عليهم السلام) قالوا: ولسنا نقول كل مبغض فيه [هذا](5)الداء، وإنما قلنا: كل من به هذا الداء فهو مبغض. قالوا: وقد روى أبو عمر الزاهد(6)- ولم یکن من رجال الشيعة - في آماليه وآحادیثه عن السياري(7)عن أبي خزيمة الكاتب، قال: ما فتشنا أحد فيه هذا الداء إلاَّ وجدناه ناصباً، قال أبو عمر: واخبرني

ص: 203


1- (فيقل) في أ، ع، تحریف
2- (مثقاراً) في ر، تصحيف
3- (المأيون) في ر، م، تصحيف
4- (شاتياً) في أ، تحریف
5- [هذا] ساقطة من ع
6- هو: محمد بن عبد الواحد بن أبي هاشم المطرز الباوردي المعروف بالزاهد، ولد سنة (261 ه)، كانت صناعته تطريز الثياب نسبة الى باورد وهي أبيورد بخراسان، وكان أديباً لغوياً صحب ثعلباً زمناً حتی عرف بغلام ثعلب، من كتبه: (شرح کتاب الفصيح)، و(فائت المستحسن) و (الساعات) و(أسماء الشعراء) و (التفاحة) و (فائت الجمهرة) و(القبائل) (المرجان) و (النوادر) و (اليواقيت في الللغة) و(يوم وليلة)، توفي في بغداد سنة (345 ه). ينظر: فهرست ابن الندیم: 82، 83، وهدية العارفين: 2 / 42، والأعلام: 6 / 254
7- (السياق) في ر، تحریف

العطا عن رجاله قالوا: سئل جعفر بن محمد (عليهما الصلاة والسلام) عن هذا الصنف من الناس، فقال: رحم منكوسة يُؤتى ولا يأتي، وما كانت هذه الخصلة في ولي الله قط، ولا تكون أبداً، وإنَّما تكون في الكفار والفساق والناصب للطاهرين. وكان أبو جهل بن هشام المخزومي من القوم، وكان أشد الناس عداوة للرسول (صلى الله عليه واله) قالوا: ولذلك قال عتبه بن ربيعة يوم بدر: يا مصفر أسته.

فهذا مجموع ما ذكره المفسرون، ويغلب على ظني أنه معنى آخر، وذلك أنَّ عادة العرب أن تكني الإنسان إذا أرادت تعظيمه بما هو مظنة التعظيم وإذا أرادت تحقيره بما هو يستحقر ويستهان به كقولهم: في کُنية يزيد بن معاوية: أبو زنة، يعنون القرد، وكقولهم في كنية سعيد بن حفص البخاري المحدث أبو القار، وكقولهم للطفيل: أبو لقمة، وكقولهم لعبد الملك: أبو الذَّبان(1)لبخره، وكقول ابن بسام(2)لبعض الرؤساء:

فأنت لعمري أبو جعفر ولكننا نحذف الفاء منهُ وقال أيضاً: لينم

ص: 204


1- ينظر: أنساب الاشراف: 2 / 59، وکمال الكمال: 3 / 406، وربيع الابرار ونصوص الاخبار: 1 / 321، وبغية الطلب في تاريخ حلب، عمر بن أحمد العقيلي (ت 660 ه): 7 / 3191
2- علي بن محمد بن نصر بن منصور بن بسام البغدادي، ويكنى (أبا الحسن)، وأمه أمامة بنت حمدون، شاعر وأديب، من الظرفاء، من مؤلفاته: أخبار الاحوص، واخبار إسحاق بن إبراهيم بن النديم، وأخبار عمر بن ربيعة، وديوان الرسائل، ومناقضات الشعراء، مات سنة (303 ه). فهرست ابن النديم: 167، ومعجم الادباء: 14 / 139 - 152، وکشف الظنون: 1 / 25، وهدية العارفين: 1 / 675

درن الثوب نظيف القعب والقذر أبو النتن، أبو الدَّفرِ(1)أبو البعر، أبو الجعر، فلما كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يعلم من حال الحجاج نجاسته بالمعاصي والذنوب، التي لو شوهدت بالبصر لكانت بمنزلة البعر الملتصق بشعر الشاه کناه ((أبا وذحة(2)))، ويمكن أيضاً أن يكنيه بذلك لذمامته في نفسه، وحقارة منظره وتشويه خلقته، فإنه كان قصيراً ذميماً نحيفاً، أخفش العينين، معوج الساقين، قصير الساعدين، مجدور الوجه، أصلع الرأس فكناه بأحقر الأشياء، وهو البعرة، وقد روي قوم هذه اللفظة بصيغة أخرى، فقالوا: ((إيهٍ أبا ودجة(3)))، قالوا واحدة الأوداج، کناه بذلك، لأنَّه كان قتالا يقطع الأوداج بالسيف، ورواه قوم ((أبا وحره))، وهي دويبة تشبه الحِرباء قصيرة(4)الظهر، شبهه بها. وهذا وما قبله ضعيف، وما ذكرناه نحن أقرب إلى الصواب(5)انتهى. والذِباّن بكسر الذال وتشديد الباء جمع ذُباب بالضم، ومن عادة الذُباب أن يجتمع على الشيء المنتن، والقَعب بالفتح القدح الضخم والدفر بالدال المهملة والفاء (النتن)(6)و(الذل)(7)، وبالقاف مصدر دقر کفرح (إذا امتلأ من الطعام)(8)، والبَعر بالفتح (رجيع الخف

ص: 205


1- (ابو الدقر) في أ، ث، ع
2- (ودجة) أ، ع، م
3- (وذحة) في ر
4- (قطيرة) في أ، ع، تحریف
5- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 223، 224
6- تاج العروس، مادة (دفر): 6 / 407
7- المصدر نفسه، مادة (دفر): 6 / 407
8- المصدر نفسه، مادة (دقر): 6 / 408

والظلف)(1)، والجَعر بالفتح (ما يبس من العذرة في المجعر، أي الدبر(2).

ومن كلام له (عليه السلام)

(فلا أموالَ بذلتمُوها لِلَّذيِ رزقَها، ولا أنفسَ خاطرتُم بِها لِلَّذي خلقهَا، تُكرِّمونَ بِاللهِ على عِبادِهِ، ولا تُكرّمونَ اللهَ في عِبادِهِ! فاِعتبروا بِنُزولِكُمْ منازِلَ مِنْ كانَ قِبلُكُمْ، واِنقِطاعُكُمْ عنْ أوَصلِ إخوانِكُم!) انتصاب (أموال) بفعل مقدر دل عليه (بذلتموها)، وكذلك أنفس وخاطر فلان بنفسه وبما له، أي لقاهما في الهلكة، أي: لم تبذلوا أموالكم في رضا من رزقكم إياها، ولم تخاطروا بأنفسكم بالجهاد في سبيل من خلقها والأحرى بذل المال في رضا رازقه، والنفس في سبيل خالقها، وكرمُ الشيء كحسُن، أي عز ونفَس فهو کریم، أي تتوقعون أن تكونوا أعزة في الناس، أو تكونون كذلك وتفتخرون على عباد الله بأنكم أهل طاعة ولا تكرمون الله، ولا تطيعونه في نفع عباده والإحسان إليهم، واعتبروا بنزولكم، أي: اتعظوا بمفارقة الآباء والأسلاف هذه المنازل، وأيقنوا بأنَّكم مفارقوها، قال الله تعالى: «وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ»(3)، واتعظوا بانقطاعكم، أي انفصالكم عمَّن كان إخوانكم أشد اتصالاً بكم واعلموا أن عاقبة الدنيا الفراق والانقطاع، وفي بعض النسخ (عن أصل إخوانكم) قيل: أي بموت الأب فإنَّه ينقطع به الأصل الواشج(4)بين الرجل وبين أخيه

ص: 206


1- المصدر نفسه، مادة (بعر): 6 / 100
2- المصدر نفسه، مادة (جعر): 6 / 198
3- إبراهيم / 45
4- (الوشح) في م

والرواية الأولى أظهر(1).

[ومن كلام له (عليه السلام)]

(أنتمْ الأنصارُ علَى الحقِّ، والأُخوانُ فِي الدينِ(2)، والجننُ يومَ البأسِ، والبطانةُ دونَ الناسِ بكمْ أضربُ المدبرَ، وأرجوا طاعةَ المقبلِ، فأعينوني بمناصحةٍ خليَّةٍ منْ الغشِّ، سليمةٍ من الريبِ، فو اللهِ إنِّي لأولَی الناسِ بالناسِ) قال بعض الشارحين: (هذا الكلام قاله (عليه السلام) للأنصار بعد فراغه من حرب الجمل، وقد ذكره المدائني، والواقدي في كتابيهما(3)، والجُنُن جمع جنة بالضم وهي ما يستتر ويتوقی به من ترس وغيره(4)، والبأس الشدة في الحرب، وبطانة الرجل خواصه وأصحاب سره، والمدبر من أدبر عن الحق، وطاعة المقبل الانقياد في الباطن واخلاص العقيدة بعد الإقبال في الظاهر؛ وذلك للدعوة الى الحق والهداية والموعظة، أو لمشاهدة السيرة الحسنة والأخلاق الكريمة، ويمكن أن يراد بالمقبل من كان الإقبال والطاعة من شأنَّه والمناصحة ارادة الخير للمنصوح له، والغِش بالكسر اظهار خلاف ما أضمر في النفس، وضد النصح من الغش بالتحريك وهو المشرب الكدر(5)،

ص: 207


1- (أطهر) في أ، تصحيف
2- (الدنيا) في م
3- يقصد كتاب (الجمل) للمدائني، والواقدي، فذكر كتاب (الجمل) للمدائني في الفهرست، لأبن الندیم: 115، وفي هدية العارفين: 1 / 671، کما ذکر کتاب (الجمل) للواقدي في فهرست ابن النديم: 111، وفي هدية العارفين: 2 / 10
4- ينظر: الصحاح، مادة (جنن): 5 / 2094
5- لسان العرب، مادة (غشش): 6 / 323

والريب الشك والتهمه، وقوله (عليه السلام): ((إني لأولى الناس بالناس)) تصدیق قول الرسول (صلى الله عليه واله) یوم غدیر خم: ((ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، فقال: من کنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، وأخذل من خذله)(1).

[ومن كلام له (عليه السلام)] وقد جمع الناس، وحضهم على الجهاد

فسكتوا ملياً، فقال (عليه السلام): (مَا بالكمْ! أمخرسونَ أنتمْ؟ فقالَ قومٌ منهمْ: يا أمیرَ المؤمنینَ، إنْ سرتَ سرنَا معكَ. فقال: ما بالكمْ! لاسددتمْ

لرشدٍ، ولهديتمْ لقصدٍ(2)) قال بعض الشارحين: هذا كلام قاله أمير المؤمنين (عليه السلام) في بعض غارات أهل الشام على أطراف أعماله بالعراق بعد انقضاء أمر صفين والنهروان(3)، والحض(4)التحريض(5)کالحث، وسكتوا ملياً، أي ساعة طويلة، وقيل: المليء طائفة من الزمان لا حد لها، والبال الحال والخاطر، وخرس کفرح أي صار أخرس وهو المنعقد اللسان عن الكلام، وأخرسه الله أي جعله أخرس، وفي بعض النسخ موضع قوله (عليه السلام): ما بالكم ثانياً مالكم والسداد الاستقامة والقصد في الأمر والعدل

ص: 208


1- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 226
2- (لقصده) في ع
3- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 228، وفيه: (وهذا الكلام...)
4- (الخص) في أ، ر تصحيف
5- (التحريص) في أ، ث، ر، ع، م، ن، تصحيف والصواب ما أثبتناه

فيه والصواب في القول والعمل وسدده الله تسديداً قومه ووفقه لذلك ولأسددتم دعاء عليهم بسلب التوفيق، ويحتمل الإخبار [التوفيق](1)، وفي بعض النسخ (لأسددتم) بالتخفيف على صيغة المجهول، کالأول والتشديد هو الظاهر، والرُشد بالضم الاهتداء خلاف الغي، والقصد من الأمور المعتدل الذي لا يميل إلى أحد طرفي الإفراط أو التفريط. (أفِي مثلِ هذا ينبغِي أنْ أخرجَ، إنَّما(2)يخرج في مثل هذا رجلٌ ممَّن أرضاهُ من شجعانكُم، وذوي بأسكمْ، ولا ينبغي لِي أنْ أدعَ الجندَ والمصرِ وبيتَ المالِ وجبايةَ الأرضِ، والقضاءَ بنَ المسلمينَ، والنظرَ فِ حقوقِ المطالبنَ، ثمَّ أخرج في كتيبةٍ أتبعُ أخرى، أتقلقلُ تقلقلَ القِدح في الجفیرِ الفارغِ) الشجاعة (شدة القلب عند البأس)(3)، يقال: شجع الرجل ککرم فهو شجاع وقوم شُجعان بالضم والكسر، وفي النسخ بالضم، وفي بعض النسخ (شجعائكم)، يقال: (رجل شجيع أي شجاع)(4)، وقوم شجعاء كفقيه وفقهاء، والبأس الشدة في الحرب، يقال: [بؤس الرجل ککرم فهو بئيس، أي شجاع، والجند العسكر، والأعوان والجِباية(5)والجِباوة بالكسر فيهما الجمع، يقال](6): جبي(7)الخراج کرمی

ص: 209


1- [التوفيق] ساقطة من ث، ع
2- (وانما) في: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 227، ونهج البلاغة، تحقيق: صبحي الصالح: 221
3- العين، مادة (شجع): 1 / 212
4- المصدر نفسه، مادة (شجع): 1 / 212
5- (الجناية) في ث، تصحيف
6- [بؤس الرجل ککرم فهو بئيس، أي شجاع، والجند العسكر، والأعوان والجِباية والجِباوة بالكسر فيهما الجمع، يقال] ساقطة من ع
7- (حجب) في ع، تحریف

وسعى، والنظر التأمل والفكر في الشيء تقدره وتقيسه، وأخرج بالنصب معطوف على أَدع، وفي بعض النسخ بالرفع، وهو غير واضح و(الكتيبة: الجيش)(1)، أو (الطائفة من الجيش مجتمعة)(2)، أو القطعة العظيمة منه(3)، أو (جماعة الخيل إذا / ظ 162 / اغارت من المائة الى الألف)(4)، والعطف على ينبغي المذكور، أولا حتی یکون مدخولاً لهمزة الاستفهام بعيد، والتقلقل: (التحرك)(5)، والقِدح بالكسر (السهم قبل أن يراش وينصل)(6)، يقال للسهم أول ما يقطع: [قطِع](7)بالكسر، ثم ينحت ویبری فیسمی بَرياً بالفتح، ثم يقوم فيسمى قدحاً، ثم يراش ویرکب نصله فيسمی سهماً(8)، والقدح أيضاً (السهم الذي كانوا يستقسمون به)(9)، والتعبير بالقدح؛ لأنَّ الريش يمانع ظهور الصوت في الحركة، والنصل لثقله يمنع الحركة في الجملة، و (الجفير: الكنانة)(10)، وقيل: وعاء للسهام أوسع من الكنانة(11)، وقيل: (جعبة(12)من

ص: 210


1- لسان العرب، مادة (كتب): 1 / 701
2- المصباح المنير، مادة (كتب): 2 / 525
3- ينظر: لسان العرب، مادة (كتب): 1 / 701
4- المصدر نفسه، مادة (كتب): 1 / 701
5- القاموس المحيط، مادة (قل): 4 / 40
6- العين، مادة (قدح): 3 / 41
7- [قطِع] ساقطة من أ، ث، ع
8- ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر: 4 / 20
9- المصدر نفسه: 4 / 20
10- لسان العرب، مادة (جفر): 4 / 143
11- ينظر: العين، مادة (جفر): 6 / 111
12- (جعة) في أ، ع، تحریف

جلود لا خشب فيها، أو من خشب لا جلود فيها)(1)، والغرض التشبيه في اضطراب الحال والانفصال عن الجنود والأعوان. بالقدح الذي لا يكون حوله أقداح يضبطه عن التقلقل ولا يتمكن في مكانه.

(وإنَّما أنا قطبُ الرَّحى، تدور عليَّ وأنا بمكاني، فإذا فارقتهُ استحارَ مدارهَا، واضطربَ ثفالَهُا. هذا لعمرُ اللهِ الرأيُ السوءُ) قطب الرحى الحديدة التي ركبت في وسط الحجر السفلي من حجري الرحى التي تدور حولها العليا، والرحى مؤنثة، والواو للحال، واستحار الرجل إذا نظر الى الشيء فعشى ولم يهتد لسبيله(2)، واستحار السحاب إذا ثقل وبقي متردداً لم يتجه جهة، ولم يكن له ريح تسوقه(3)، والمدار مصدر والاسناد تجوز أي بقيت الرحى كالمتحير الذي لا يهتدي لسبيله، وقال بعض الشارحين: أي اضطرب مدارها(4)، والثِفال بالكسر جلدة أو نحوها توضع تحت الرحى يقع عليها الدقيق(5)، ويسمى الحجر الأسفل من حجري الرحى أيضاً ثفالًا، ولعله أنسب، والسَوء بالفتح كما في النسخ مصمدر سماءه نقيض سره، والسُوء بالضم اسم منه، قال الجوهري: قال الأخفش: لا يقال الرجل السوء يعني بالفتح، ويقال: الحق اليقين، وحق اليقين جميعاً؛ لأن السوء ليس بالرجل، واليقين هو الحق، ولا يقال: هذا رجل السُوء بالضم(6)، وعلى هذا فالمناسب الضم.

ص: 211


1- لسان العرب، مادة (جفر): 4 / 143
2- ينظر: تاج العروس، مادة (حير): 6 / 320
3- ينظر: المصدر نفسه، مادة (حير): 6 / 322
4- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 228
5- ينظر: لسان العرب، مادة (ثفل): 11 / 85
6- ينظر: الصحاح، مادة (سوأ): 1 / 56

(واللهِ لولَا رجاي الشهادةَ عندَ لقائِي العدوَّ لوْ قدْ حُمَّ لِي لقاؤهُ، لقربتْ ركابِي، ثمَّ شخصتْ عنكمْ فلاَ أطلبكمْ، ما اختلفَ جنوبٌ وشمالٌ(1)، إنهُ لاَ غناءَ في كثرةِ عددكمْ، مع قلةِ اجتماعْ قلوبكمْ) في بعض النسخ (رجائي)(2)بألف ممدودة مع ياء المتكلم، ولقاء العد وبدون ياء المتكلم وحُمَّ(3)الأمر بالضم أي (قُضِي)(4)، و(قدر)(5)، والركاب ككتاب الإبل التي يسار عليها، والواحدة راحلة، ولا واحد لها من لفظها والجمع ركب ككتب، وشخصت(6)أي خرجت، والشخوص في الأصل الارتفاع(7) و(يقال للرجل إذا أتاه ما يقلقه: قد شخص به كأنَّه رفع من الأرض لقلقه وانزعاجه، ومنه شخوص المسافر أي خروجه من منزله)(8)، والجَنوب بفتح الجيم يقابل الشَمال بفتح الشين، قيل: الصحيح أن الشَمال ما مهبه بين مطلع الشمس وبنات نعش، أو من مطلع النعش الى مسقط النسر الطائر(9)، والمراد بالاختلاف، أما التخالف أو ترددهما واقبالهما وادبارهما، والغَنَاء بالفتح والمد النفع. (لقدْ حملتُكُمْ علَى

ص: 212


1- (وشمال طعانين عيابين، حيادين رواغين) في: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 227، ونهج البلاغة، تحقيق: صبحي الصالح: 222
2- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة: 2 / 15، وشرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 227 و، شرح نهج البلاغة، ابن ميثم البحراني: 3 / 110، وبحار الانوار: 34 / 96
3- (جم) في ع، تصحيف
4- تاج العروس، مادة (حمم): 16 / 172
5- الصحاح، مادة (حمم): 5 / 1904
6- (شخصب) في أ، ع، تصحيف
7- ينظر: معجم مقاييس اللغة، مادة (شخص): 3 / 254
8- ينظر: تاج العروس، مادة (شخص): 9 / 269
9- ينظر: القاموس المحيط، مادة (شمال): 3 / 402

الطّريقِ الواضِحِ الَّتي لاَ يُهلِكُ عليهَا إلاَّ هالِكٌ. مِن اِستقامَ فإلى الجنَّةِ، وِمَنْ زلَّ فإلى النّارِ) الطريق يذكر ويؤنث، والتنوين في هالك للتعظيم، أي كامل بالغ في الهلاك(1)، واستقام أي اعتدل ولزم الطريق الواضح وزل، أي زلق وعدل عن الطريق.

[ومن كلام له (علیه السلام)]

(تاللهِ لقدْ علمتُ تبليغَ الرسالاتِ، واتمامَ العداتِ، وتمامَ الكلماتِ، وعندنَا أهلَ البيتِ أبوابُ الحكمِ، وضياءُ الأمرِ. ألاَ وإنَّ شرائعَ الدينِ واحدةٌ، وسبلهُ

قاصدةٌ، منْ أخذَ بهَا لحقَ وغنمَ، ومنْ وقفَ عنهَا ضلَّ وندمَ) قال بعض الشارحين: رواها قوم ((لقد علمت)) بالتشديد على صيغة المجهول، وقوم لقد علمت بالتخفيف على صيغة المعلوم، والرواية الأولى أحسن وتبليغ الرسالات تبليغ الشرائع بعد وفاة رسول الله (صلى عليه واله) / و163 / الى المكلفين، وفيه اشاره الى قوله تعالى: «الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ»(2)، والى قول النبي (صلى الله عليه واله) في قصة براءة: ((لا يؤدي عني إلاَّ أنا أو رجل مني))(3)، واتمام العدات: انجازها، وفيه اشارة الى قوله تعالى: «مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ»(4)، وإلى قول النبي (صلى الله عليه واله) في حقه (عليه السلام): ((قاضي ديني،

ص: 213


1- (الهالك) في م، تحريف
2- الأحزاب / 39
3- السنن الكبرى، النسائي: 5 / 128، والدر المنثور في التفسير بالمأثور: 3 / 209.
4- الأحزاب / 23

ومنجز وعدي))(1))(2)، وهو شامل الانجاز مواعيد رسول الله (صلى الله عليه واله) التي وعد بها لواحد(3)من الناس نحو أن يقول: سأعطيك كذا ومواعيده بأمر سيحدث كأخبار الملاحم والأمور المتجددة وانجاز الأول الاعطاء، والثاني البيان(4)، وتمام الكلمات تأويل القرآن وبيانه الذي به يتم وفيه اشاره الى قوله تعالى: «وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا»(5)، والى قوله (صلى الله عليه واله) في حقه (عليه السلام): ((اللهم اهد قلبه، وثبت لسانه))(6)(7)، وأهل البيت منصوب على الاختصاص، ولعل المراد بأبواب الحُكم بالضم أو الحِكَم بكسر الحاء وفتح الكاف على اختلاف النسخ الأحكام الشرعية والفتاوى الدينية وبضياء الأمر العقائد العقلية والبراهين اليقينية، أو بالعكس والمراد اختصاص أهل البيت (عليهم السلام) بفصل الخطاب والعلوم المخصوصة بالأوصياء والحجج.

(ألَا وإنَّ شرائعَ الدينِ واحدةٌ، وسبله قاصدةٌ، منْ أخذَ بهَا لحقَ وغنمَ، ومنْ وقفَ عنهَا ضلَّ ونَدِمَ) الشريعة مورد الإبل وغيره على الماء الجاري، والقاصدة المعتدلة والمستقيمة، وقيل: القريبة(8) السهلة(9)، ويقال: (بيننا وبين

ص: 214


1- دلائل الإمامة، محمد الطبري: 236، وخصائص الإمامة، الرضي: 49
2- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 230
3- (واحد) في أ، ع
4- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 230
5- الأنعام / 115
6- الطبقات الکبری، ابن سعد: 2 / 337، وسنن ابن ماجه: 2 / 774
7- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 230
8- (القرينة) في أ، ر، تصحيف
9- ينظر: الصحاح، مادة (قصد): 2 / 524

الماء ليلة قاصدة)(1)رافهة، أي هينه السير لا تعب فيها ولا بعد(2)، والمراد بشرائع الدين وسبله أما أهل البيت (عليهم السلام) الذين [هم](3)لطلاب العلوم كالموارد للشاربة وهم الطرق الواضحة الموصلة الى رضوان الله ولاريب أنَّ أقوالهم في الدين واحدة خالية عن الاختلاف، فالمراد بوحدتهم وحدة أحكامهم وأقوالهم، أو أن طاعتهم جميعاً طاعة الله عز وجل، أو أنَّ أرواحهم وطينتهم من نور واحد ويتبعه اتحاد أحكامهم [وأقوالهم](4)وأما قوانين الشريعة وأحكام الدين ووحدتها ايصال العمل بها جميعاً الى الثواب والجنة ولعل الأول أنسب بالمقام إذ الكلام في بيان فضلهم (عليهم السلام) ويحتمل أن يكون المراد نفي الاختلاف في الاحكام بالآراء والمقاييس كما مر من كلامه (عليه السلام) في ذم اختلاف العلماء في الفتيا. قال (عليه السلام): ((ترد على أحدهم القضية في حكم من الأحكام فيحكم فيها برأيه، ثم ترد تلك القضية بعينها على غيره فيحكم فيها بخلاف قوله، ثم يجتمع القضاة بذلك عند الإمام الذي استقضاهم فيصوب آرائهم جميعاً وإلههم واحدٌ ونبيهم واحدٌ وكتابهم واحدٌ الى آخر كلامه (عليه السلام)، وإذا لم يجز(5)ذلك الاختلاف في الأحكام ظهر بطلان إمامة غير أهل البيت (عليهم السلام)؛ لأنَّ غيرهم كائناً من كان ليس عالماً بتعليم من الله سبحانه بجميع الأحكام، فلابد له من العمل بالرأي والقياس ومعه يقع الاختلاف في الأحكام لامحالة

ص: 215


1- لسان العرب، مادة (قصد): 3 / 354
2- ينظر: المصدر نفسه، مادة (قصد): 3 / 354
3- [هم] ساقطة من ر، م
4- [وأقوالهم] ساقطة من أ، ث، ع
5- (يحر) في أ، ع، وفي ث: (تجر)، وفي ر: (يجر) تصحيف

وحينئذ تظهر(1)مناسبة الكلام للمقام، ولحق أي بالسابقين من السالكين في سبيل مرضاة الله عز وجل.

(اعملوا ليومٍ تذخرُ لهُ الذخائرُ، وتُبلى فيهِ السرائرُ، ومنْ لا ينفعهُ حاضرُ لبهِ فعازبهُ(2)عنهُ أعجزُ، وغائبهُ أعوزُ) الذخيرة ما أعده الانسان لوقت الحاجة اليه، وهو الذُخر بالضم، والمصدر الذَخر بالفتح، يقال: (ذخره(3)، كمنعه)(4)، وادخره على صيغة الافتعال، وقيل: الذُخر بالضم مصدر وتذخر له الذخائر، أي هو اللائق بذلك، أو يذخر له أولوا الألباب، وتبلى أي تمتحن وتختبر، يقال: ابلاه وابتلاه بمعنى، والسريرة والسر ما يكتم وقال في مجمع البيان في تفسير قوله تعالى: «يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ»(5): السرائر أعمال بني آدم، والفرائض / ظ 163 / التي أوجبت عليهم وهي سرائر بين الله وبين العبد، وتبلى أي تختبر تلك السرائر يوم القيامة حتى يظهر خيرها من شرها، ومؤديها من مضيعها، روي ذلك مرفوعاً عن أبي الدرداء(6)، قال: قال:

ص: 216


1- (يظهر) في أ، ث، ر، ع
2- (فغازبه) في م، تصحيف
3- (دخره) في أ
4- القاموس المحيط، مادة (ذخر): 2 / 34
5- الطارق / 9
6- اختلفوا في اسم ابيه فذكر البغدادي وابن الاثير انه: عويمر بن زيد، وذكر الصفدي انه: عويمر بن قيس، واختار خير الدين الزركلي عويمر بن مالك، ولم يذكر غيره، بخلاف ابن قتيبة وأبي حاتم الرازي والذهبي الذين اوردوا الاسماء المتقدمة ولم يرجحوا منها، كانت له صحبة مع الرسول (صلى الله عليه واله وسلم)، لم يشهد بدر، وقيل إنه شهد الخندق، هو من جماع القرآن الكريم على عهد الرسول (صلى الله عليه واله وسلم)، من الحكماء الفرسان القضاة، كان قبل البعثة يعمل بالتجارة، ثم انقطع للعبادة، ولاه معاوية قضاء دمشق بأمر الخليفة عمر بن الخطاب، وهو أول قاض بها، مات بالشام عام (32 ه). ينظر: المعارف: 268، وأخبار القضاة، محمد بن خلف (ت 306 ه): 3 / 200، والجرح والتعديل، أبو حاتم الرازي: 7 / 26، والفهرست: 30، وتاريخ مدينة دمشق: 47 / 100، وأسد الغابة: 4 / 160، وسیر أعلام النباء: 2 / 335 ، والوافي بالوفيات: 14 / 6، والاعلام: 5 / 98

رسول الله (صلى الله عليه واله): ((ضمن الله خلقه أربع خصال الصلاة، والزكاة، وصوم رمضان، والغسل من الجنابة))(1)وهي السرائر التي قال الله تعالى: «يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ»(2). وعن معاذ بن جبل(3)، قال: سألت رسول الله (صلى الله عليه واله) ما هذه السرائر التي تبلى بها العباد في الآخرة؟ فقال:)) سرائركم هي أعمالكم من الصلاة، والصيام، والزكاة، والوضوء، والغسل من الجنابة، وكل مفروض لأنَّ الأعمال كلها سرائر خفية فإن شاء قال الرجل: صليت ولم يصل، وإن شاء قال: توضأت ولم يتوضأ، فذلك قوله: «يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ»، وقيل: يظهر الله أعمال كل أحد لأهل القيامة حتى يعلموا لأي شيء أثابه، ويكون فيه زيادة سرور له، وإن يكن من أهل العقوبة ليعلموا على أي شيء عاقبه، والسرائر: ما أسره من خير وشر، وما

ص: 217


1- ينظر: مجمع البيان: 10 / 323
2- الطارق / 9
3- معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس بن عائد بن عديّ الانصاري الخزرجي يكنى أبا عبد الرحمن، أمة هند بنت سهيل، أسلم وهو فتى وشهد العقبة مع الانصار السبعين، وشهد بدراً وأحدً وخندقً والمشاهد كلها مع رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) بعثه الرسول الكريم (صلى الله عليه واله وسلم) بعد غزوة تبوك الى اليمن مرشداً وقاضياً لهم، مات بطاعون عمواس سنة (18 ه) في عمان. ينظر: المعارف: 254، والعبر في خبر من غبر: 1 / 22، والاعلام: 7 / 258

أضمره من إيمان، أو كفر(1)، وحاضر لبه أي ما حضر عند عقله، أو عقله الحاضر عنده وغرب كنصر وضرب، أي غاب وذهب وعوز الشيء كفرح، أي لم يوجد وإذا لم تجد شيئاً تقول: عازني، قال بعض الشارحين: المعنى من لا ينفعه لبه الحاضر، وعقله الموجود عنده فهو بعدم الانتفاع بما هو غير حاضر ولا موجود من العقل عنده أولى وأحرى(2)، أي من لم يكن له من نفسه واعظ وزاجر عن القبيح فبعيد أن ينزجر، وأن، وأن يرتدع بعقل غيره وموعظة غيره له(3)، وقال بعضهم: المراد أن من لم يعتبر حال حضور عقله ولم ينتفع به، فأولى بأن لا ينتفع به بعد الموت وغروب عقله عنه، ويحتمل أن يكون المراد من لم يعمل بما فهم وحكم به عقله وقت امكان العمل ولم ينتفع به فأحرى بأن لا ينتفع به بعد انقضاء وقته بل لا يورثه فوت الفرصة إلا الحسرة والندامة(4)(واتقوا ناراً حرهَا شديدٌ، وقعرهَا بعيدٌ، وحليتهَا حديدٌ) وفي بعض النسخ (وشرابها صديدٌ)(5)الحِلية بالكسر ما يزين(6)به من مصوغ المعدنيات والحجارة والجمع حلِىً بالكسر كلحية ولحيً، وقد يضم، وحلِية النار السلاسل والأغلال، والصديد (الدم والقيح الذي يسيل من

ص: 218


1- ينظر: مجمع البيان، الطبرسي: 10 / 323، 324
2- (اخرى) في ر، تصحيف
3- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 230
4- ينظر: بحار الأنوار: 34 / 222، ومنهاج البراعة، حبيب الله الهاشمي: 8 / 127
5- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، الراوندي: 2 / 16، وشرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 229، وشرح نهج البلاغة، ابن ميثم البحراني: 3 / 112، وبحار الانوار: 34 / 221
6- (یزیدین) في ر

الجسد)(1)، وقيل: (ماء الجرح الرقيق)(2)، والحميم أغلى حتى غلظ. (ألَا وإنَّ اللسانَ الصالحَ(3)يجعلهُ اللهُ(4)للمرءِ في الناسِ، خیرٌ لهُ منْ المالِ يورثهُ منْ لا يحمدُهُ) ((اللسان يذكر ويؤنث))(5)، واللسان الصالح الذكر الجميل واورثه أبوه مالا جعله له ميراثاً ومن لا يحمده وارثه الذي لا يعد ذلك الايراث فضلاً ونعمة، وفي حديث الحقوق عن علي بن الحسين (عليه السلام): وأما حق مالك فإنَّ لا تأخذه إلاَّ من حله، ولا تنفقه إلاَّ في وجهه، ولا تؤثر على من لا يحمدك، فأعمل(6)به بطاعة ربك، ولا تبخل به، فتبوء بالحسرة والندامة والتبعة، ولا قوة إلاَّ بالله(7).

[ومن كلامٍ له (علیه السلام)] وقد قام اليه رجلٌ من أصحابه

فقال: نهيتنَا عنْ الحكومةِ ثمَّ أمرتنَا بهَا، فما ندري(8)أيّ الأمرينِ أرشدُ؟ فصفقَ (عليه السلام) إحدى يديهِ على الأُخرى، ثم قال: هذا جزاءُ منْ تركَ العقدةَ!) المراد بالحكومة نصب عمرو ابن العاص، وأبي موسى الاشعري

ص: 219


1- النهاية في غريب الحديث والأثر: 3 / 15، وتاج العروس، مادة (صدد): 5 / 53
2- تاج العروس، مادة (صدد): 5 / 53
3- (الضالح) في ر، تصحيف
4- (الله تعالى) في: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 229، ونهج البلاغة، تحقيق: صبحي الصالح: 223
5- المذكر والمؤنث، السجستاني: 112
6- (وأعمل) في ع
7- ينظر: رسالة الحقوق، الامام الحسين: 35، والأمالي، الشيخ الصدوق:: 455، ومكارم الأخلاق، الطبرسي: 422
8- (تدري) في ع، تصحيف

للحكم بين الفريقين بمقتضى كتاب الله عز وجل بعد رفع أصحاب معاوية المصاحف بمكيده عمرو ابن العاص والصفق الضرب يسمع [له](1)صوت(2)، والتصفيق الضرب بباطن أحدى الراحين على الأخرى، والعُقدة بالضم الرأي والنظر في المصالح وما فيه بلاغ الرجل وكفايته، قال بعض الشارحين: في هذا الكلام اعترف بأنَّه بانَّ له وظهر فيما فيما بعد أن الرأي الأصلح كان الاصرار والثبات على الحرب(3)، وهو توهم فاسد فإنَّ قوله (عليه السلام) بعد ذلك: (ولكن بمن وإلى من!) صريح في أنَّ ترك العقدة وهو الحرب كان لعدم الأعوان والانصار مع أن الأمر لا يتم إلاَّ بهم، وقد ذكر / و164 / أرباب السير أن رضاه (عليه السلام) وتصديقه الظاهري بالحكومة لم يكن إلاَّ بعد تنازع(4)مالك بن الحارث الاشتر، والاشعث بن قيس وتضاربهما بالسوط وظهور إمارات وقوع المحاربة والقتال بين أصحابه (عليه السلام)، وقد كان أكثر أصحابه (عليه السلام) في الباطن كارهين للحرب، وكان مبدأ اثارة الفتنة في أصحابه (عليه السلام) الأشعث بن قيس فإنَّه خطب أصحابه ليلة الهرير، وقال في خطبته: يا معشر المسلمين قد رأيتم ما كان في يومكم هذا الماضي وما قد فنى فيه من العرب، ألاَ فليبلغ الشاهد الغائب، إنا إن نحن توافقنا غداً إنه لفناء العرب وضيعة الحرمات، أما والله ما أقول هذه المقالة جزعاً من الحرب، ولكني رجل مسن أخاف على النساء والذراري غداً إذا فنينا فانطلقت

ص: 220


1- [له] ساقطة من ع
2- ينظر: الصحاح، مادة (صفق): 4 / 1507، وفي ع: (الصوت)
3- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 232
4- (منازع) في أ، ع، ن تحريف

عيون معاوية إليه بخطبة الأشعث، فقال: أصاب ورب الكعبة، لئن نحن التقينا غدا لتمكن الروم على ذراري أهل الشام ونسائهم وليمیلن فارس على ذراري أهل العراق ونسائهم، إنما يبصر هذا أولوا الأحلام والنُّهي، ثم قال لأصحابه أربطوا المصاحف على أطراف القنا فثار أهل الشام في سواد الليل ينادون عن قول معاوية وأمره يا أهل العراق من لذرارينا أن قتلتمونا ومن لذراریكم(1)أن قتلناكم الله [الله](2)في البقية وأصبحوا وقد رفعوا المصاحف على (رؤوس)(3)الرماح ينادون يا أهل العراق كتاب الله بيننا وبينكم فجاء عدي بن حاتم، ومالك وعمرو بن الحمق(4)اليه (عليه السلام) (يحرضونه)(5)على القتال وقام الاشعث بن قيس فقال: يا أمير المؤمنين ما من القوم أحد أحنى على أهل العراق ولا أوتر لأهل الشام مني، فأجب القوم إلى كتاب الله عز وجل فأنك أحق به منهم، ونادى أصحابه (عليه السلام) من كل جانب الموادعة

ص: 221


1- (الذرارينا) في ع
2- [الله] ساقطة من ر
3- (روس) في ث، ن
4- عمر بن الحمق بن الكاهن بن حبيب بن عمرو بن القين بن رزاح بن عمرو بن سعد بن کعب بن عمرو بن ربيعة الخزاعي، بایع الرسول (صلى الله عليه واله سلم) في حجة الوداع، وحفظ عنه أحاديث، وسكن الكوفة، وانتقل إلى الشام، وكان من انصار الامام علي (عليه السلام) وشهد معه المشاهد كلها الجمل وصفين والنهروان، وأعان حجر بن عدي وأصحابه، طلبه زیاد فرحل الى الموصل ودخل غاراً فنهشته حية فمات، فأخذ عبد الرحمن بن أم الحكم وهو عامل معاوية على الموصل رأسه فحمله الى زياد وبعث به زیاد الى معاوية وهو أول رأس حمل من بلد إلى بلد في الإسلام وكانت وفاته سنة (50ه) أرسل معاوية رأسه الى زوجته آمنة بنت الشريد التي سجنها في دمشق. ينظر: المعارف: 291، 292، وأسد الغابة: 1 / 100، 101، والاصابة: 4 / 514، 515
5- (يحرصونه) في أ، ث، ر، ع، م، ن، تصحيف، والصواب ما أثبتناه

الموادعة فقال (عليه السلام) في كلام له: ويحْكُم إنَّها كلمة حق يراد بها باطل، إنها الخديعة والوهن والمكيدة أعيروني سواعدكم(1)وجماجمكم ساعة واحدة فقد بلغ الحق مقطعة ولم يبقَ إلاَّ أن يقطع دابر الظالمين، فجاء من أصحابه زها عشرين الفا مقنعين في الحديد سالي سيوفهم على عواتقهم وقد أسودت جباههم من السجود فنادوه باسمه لا بأمرة المؤمنين: ياعلي أجب(2)القوم الى كتاب الله إذا(3)دعيت اليه وإلاَّ قتلناك کما قتلنا ابن عفان فو الله لنفعلنها(4)إن [لم](5)تجبهم(6)، فقال (عليه السلام) في كلام له: إني(7)[قد](8)أعلمتكم أنهم قد کادوكم وأنهم ليس العمل بالقرآن يريدون، قالوا فأبعث الى الأشتر ليأتيك وقد كان أشرف على عسکر معاوية ليدخله، فبعث - یزید بن هاني - إلى الأشتر، فقال: ليس هذه الساعة التي ينبغي لك أن تزيلني عن موقفي إني قد رجوت الفتح فلا تعجلني - وكانت قد ظهرت دلائل الفتح لأهل العراق ودلائل الخذلان والأدبار على أهل الشام - فقال القوم لعلي (عليه السلام): ما نراك أمرته إلاَّ بالقتال، قال: أرأيتموني سارت رسولي اليه، اليس إنما كلمته على رؤوسكم علانية وأنتم تسمعون، قالوا: فأبعث اليه فليأتيك وإلاَّ والله اعتزلناك، فقال (عليه السلام) ليزيد بن هاني: قل له أقبل إليَّ، فإنَّ الفتنة

ص: 222


1- (مواعدكم) في ر، ع، ن، تحریف
2- (احب) في أ، ع
3- (إذ) في أ، ر، ع، ن
4- (لنفعلها) في أ
5- [لم] ساقطة من ث
6- (تحبهم) في ث، تصحيف
7- (إلى) في م، تحریف
8- [قد] ساقطة من أ، ع

قد وقعت، فأتاه فأخبره فقال: ألا ترى الى الفتح ألا(1)ترى الى مايلقون، فقال يزيد: أتحب أنك ظفرت ههنا؟ وإن(2)أمير المؤمنين يسلم إلى عدوه! فقال: لا والله لا أحب ذلك، فأقبل الأشتر حتى انتهى اليهم فتنازعوا(3)وسبوه وسبهم وضربوا بسياطهم وجه دابته، وضرب بسوطه وجوه دوابهم، وصاح بهم علي (عليه السلام) فكفوا فتصايحوا(4)أن أمير المؤمنين قد قبل الحكومة، ورضي بحكم القرآن وهو ساکت مطرق الى الأرض لا يتكلم بكلمة، ثم قام فسكت الناس كلهم، وكلمهم بكلام قال في جملته: ألاَ أني كنت أمس أمير المؤمنين، فأصبحت اليوم مأموراً، وكنت ناهيا فأصبحت منهياً. وتكلم رؤساء القبائل كل بما يهواه، ثم عزموا على التحكيم ولم يرضِ أصحابه إلاَّ بأبي / ظ 164/ موسى الأشعري وانتهت الحال [الى](5)ما هو مذكور في كتب السيرة فهل يظن عاقل أنَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يمكنه في مثل تلك الحال الاصرار على القتال حتى يكون هذا الكلام اعترافاً بأنه بأن له أن الرأي الأصلح كان الاصرار والثبات على الحرب وهو (عليه السلام) أجل قدرا من أن يقع منه مثل هذا الخطأ في الظن والتدبير بل الحق أنه (عليه السلام) كان عالماً بأخبار الرسول (صلى الله عليه وآله) بجميع ما جرى عليه وفعل ما فعل على علم منه بحكم الله وأمره، وقد روي هذا الشارح(6)جميع

ص: 223


1- (إلى) في م
2- (فأن) في م
3- (فتنارعوا) في أ
4- (فتصاحبوا) في ر، تحریف
5- [الى] ساقطة من أ، ع
6- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 2 / 162

ما ذكرنا في شرح کلامه [(عليه السلام)](1)وقد سبق (الحمد لله وإن أتی الدهر بالخطب الفادح(2)والحدث الجليل) فظهر أن المراد أن العقدة كانت هي الحرب لو كان اليها سبيل، ولكن تركت عن اضطرار لعدم الاعوان ونفاق الأصحاب کما يدل عليه تتمة الكلام، وقيل: المراد هذا جزاؤكم حين تركتم الرأي الأصوب وكلمة هذا اشارة الى حيرتهم التي يدل(3)عليها قولهم فما ندري أي الأمرين أرشد فيكون ترك العقدة منهم لا منه (عليه السلام)، ولعل الأظهر الأنسب بالكلام الآتي ما ذكرنا والله تعالى يعلم (أما والله لو أنِّي حینَ أمرتكمْ بما امرتكمْ بهِ حملتكمْ علَى المكروهِ الَّذي يجعلُ اللهُ فيهِ خیراً، فإنِ استقمتمْ هديتكمْ، وإنِ اعوججتمْ(4)قومتكمْ، وإنْ أبيتمْ تداركتكمْ، لكانتِ الوثقى، ولكنْ بمن والَی منْ! أريدُ أنْ أداويَ بكمْ وأنتمْ دائِي، كناقشِ

الشوكةِ بالشوكةِ وهو يعلمُ أنَّ ضلعهَا معهَا!) المراد بالمكروه الحرب التي كانوا كارهين لها وفي الكلام إشارة إلى قوله تعالى: «فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا»(5)، والاستقامة قبول الهداية، والاعوجاح اليسير من العصيان كفتور الهمة، وقلة الجد في الحرب والتقويم الإرشاد والتأديب (والتحريض)(6)والتشجيع والإباء الاستنكاف التام والتدارك الاستنجاد

ص: 224


1- [عليه السلام] ساقطة من ع
2- (القادح) في ع، تصحيف
3- (تدل) في ث، ر، م، ن، تصحيف
4- (اعوحجتم) في أ، ث، م، ن، وفي ر: (اعوخجتم)، تصحيف
5- النساء / 19
6- (التحريص) في أ، ث، ر، م، ن، تصحیف

بغيرهم من قبائل العرب وأهل الحجاز(1)وخراسان فإنَّ كلهم كانوا من شیعته (عليه السلام) على ما ذكره بعض الشارحين(2)، ويحتمل أن يكون المراد بالتدارك قتل بعضهم وتعذيبهم، والوثقی الخصلة المحكمة التي يعتمد عليها، (ولكن بمن)، أي: [بمن](3)استعين في هذا الأمر الذي لا بد له من ناصر ومعين، والى [من](4)أي [من](5)[...](6)أرجع فيه، والنَّقش بالفتح (استخراج الشوك)(7)وما يخرج به منقاش ومنقش، والضلع في أكثر النسخ بالتحريك وهو الميل(8)والهوى على ما ذكره بعض أهل اللغة(9)، وقال ابن الأثير في النهاية: ويوافقه کلام غيره وفيه أعوذ بك من الكسل وضلع الدَّين، أي: ثقله، والضلع الاعوجاج أي: يثقله حتى يميل صاحبه عن الاستواء والاعتدال، يقال: ضِلع بالكسر یضلع ضلعاً بالتحريك، وضَلع بالفتح يضلع ضَلعاً بالتسكين أي: مال. ومن الأول حديث علي (عليه السلام): ((واردد إلى الله ورسوله مايضِلعك من الخطوب)) أي يثقلك، ومن الثاني الحديث:

ص: 225


1- (الحجار) في م، تصحيف
2- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 232
3- [بمن] ساقطة من ر
4- [من] ساقطة من م
5- [من] ساقطة من أ، ع
6- [أي من] زيادة في ث، م
7- تاج العروس، مادة (نقش): 9 / 213
8- (المبل) في ر، ن
9- ينظر: العين، مادة (ضلع): 1 / 280، والصحاح، مادة (ضلع): 3 / 1251، ولسان العرب، مادة (ضلع) 8 / 227

((لا تنقش الشوكة بالشوكة فأن ضَلعها معها)) أي: ميلها، وقيل: [...](1)هو مثل)(2) وقريب(3)منه كلام الجوهري(4)، وقال الفيروز آبادي بعد تفسير الضلع بالتسكين بمعنى الميل والهوى وذكر المثل المذكور وقيل: (القياس تحریکه لأنهم يقولون: ضلع مع فلان کفرح ولكنهم خففوا)(5)، والأظهر التسكين كما في بعض النسخ(6)والمعنى کما أنَّ من يستخرج الشوكة بمثلها لا يجديه لأنه كما أنَّ الأولى انكسرت في رجله وبقيت في لحمه تنكسر الثانية وتبقى في لحمه، كذلك يميل بعضكم الى بعض لموافقة الطباع ولا يتحصل منكم [...](7)الغرض.

(اللهم قد ملت أطباءُ هذا الداء الدَّوي، وكلتِ النزعةُ بأشطانِ الرَّكيِّ!) مللت الشيء وملِلت منه بالكسر، أي: سئمته، والدوی مقصور (المرض)(8)تقول: منه دوِي بالكسر، والدَوي اسم فاعل منه أي: الشديد، والداء الدوي، مثل قولهم: شعر شاعر، وليل أليل، والكلال الإعياء(9)، والنزعة

ص: 226


1- [و] زائدة في م
2- ينظر: فرائد الخرائد في الامثال: 480
3- (وقرب) في أ، ع، تحریف
4- ينظر: الصحاح، مادة (ضلع): 3 / 1251
5- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 231، وشرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 3 / 116
6- ينظر: القاموس المحيط، مادة (ضلع): 7 / 57
7- [و] زائدة في أ، ع
8- لسان العرب، مادة (دوي): 14 / 278
9- ينظر: تاج العروس، مادة (كل): 15 / 666

جمع نازع وهو الذي يستقي الماء من البئر(1)، والشَطن بالتحريك الحبل الطويل أو مطلق الحبل/ و165 /، والركي جمع ركية (وهي البئر)(2)ورکا کدعا أي: حفر، قال بعض الشارحين: كأنَّهم عن المصلحة في قعر بئر عميق وَكلَّ (عليه السلام) من جذبهم اليه(3)، ويحتمل أن يكون المراد تشبيههم بزرع واسع يستقي له من بئر عميق عجزت النزعة عن سقيه لسعته وعمق البئر وتشبيه وعظهم وزجرهم بذلك الاستقاء.

(أين القومُ الَّذينَ دعُوا الى الاسامِ فقبلوهُ، وقرأوا القرآنَ فأحكموهُ، وهيجُوا الى الجهادِ فولُهوا ولهَ اللقاحِ الى أولادهَا، وسلبُوا السيوفَ أغمادهَا،

وأخذُوا بأطرافِ الأرضِ زحفاً زحفاً، وصفاً صفاً، بعضٌ هلكَ، وبعضٌ

نجا، لا يُبشرونَ بالأحياءِ، ولا يعزِّونَ عن الموتَى) لعلَّ المراد بأحكام القرآن مراعاة اللفظ عن التحريف والتدبر في معناه والعمل بمقتضاه، وهاج وهاجه أي: ثار وأثاره وإثارتهم تحريضهم(4)وترغيبهم(5)، والوَله بالتحريك ذهاب العقل، والتحير(6)من شدة الوجد، وقيل من حزن أو فرح، وقال بعض الشارحين: هو شدة الحب(7)، ولعل الحب منشأ الوله لا هو نفسه، يقال:

ص: 227


1- ينظر: لسان العرب، مادة (نزع): 8 / 350
2- ينظر: لسان العرب، مادة (رکا): 14 / 333
3- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 3 / 117
4- (تحريصهم) في أ، ث، ر، م، ن، تصحيف
5- (توبيخهم) في ع، تحریف
6- (التحيز) في ر، تصحيف
7- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 234

وله كفرح، وفي لغة قليلة كوعد، ويقال: (امرأة واله ووالهه)(1)، والوَله الى الشيء الاشتياق اليه، واللقاح ككتاب الإبل أو الناقة ذات اللبن واللقوح واحدتها، وقيل التي نتجت لقوح إلى شهرين أو ثلاثة، ثم هي لبون، وحاصل المعنى اشتاقوا الى الحرب بعد الترغیب اشتياق اللقاح الى أولادها، وفي بعض النسخ (فولّهوا اللقاح) أولادها على صيغة التفعيل وحذف المصدر وكلمة (الى) والتوليه أن يفرق بين المرآة وولدها، قال بعض الشارحين: أي (جعلوا اللقاح والهة إلى أولادها بركوبهم إياها عند خروجهم الى الجهاد )(2)، وقوله (عليه السلام) أولادها نصب باسقاط الجار إذ الفعل أعني (وله) غير متعد الى مفعولين بنفسه، والغمِد بالكسر جفن السيف، واخذوا بأطراف الأرض [أي اخذوا الأرض](3) بأطرافها على ما ذكره بعض الشارحين(4)أو أخذوا على الناس بأطراف الأرض أي حصروهم، يقال لمن استولى على غيره وضيق عليه: قد أخذ بأطراف الأرض، قال الفرزدق:

أَخذنا بأطراف السِّماءِ عَلَيْكُمُ ٭٭٭ لَنَا قَمَرَاها وَالنّجُومُ الطّوالِعُ(5)

على ما ذكره بعضهم(6)، ويحتمل أن يكون المعنى أخذوا أطراف الأرض من قبيل أخذت بالخطام والزحف الجيش يزحفون الى العدو(7)، أي: يمشون

ص: 228


1- الصحاح، مادة (وله): 6 / 2256
2- بحار الأنوار: 33 / 364
3- [أي اخذوا الأرض] ساقطة من أ، ع
4- بحار الانوار: 33 / 364
5- البيت من البحر الطويل، ديوان الفرزدق: 307، وفيه: (أخذنا بآفاق...)
6- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 234
7- (الغدو) في أ، ع، تصحيف

ومصدر يقال: زحف اليه كمنع زحفاً إذا مشی نحوه، والصفّ واحد الصفوف، ويكون مصدراً بمعنى التصفيف، وزحفاً زحفاً(1)أي زحفاً بعد(2)زحف متفرقين في الأطراف كذلك صفاً صفاً والنصب على الحالية نحو قولهم: بوبته(3)باباً باباً، وجاؤني رجلًا رجلًا ورجلين، وقال بعض الشارحين: زحفاً زحفاً، منصوب على المصدر المحذوف الفعل، أي يزحفون زحفاً، والكلمة الثانية تأكيد للأولى، وكذلك قوله (عليه السلام): ((صفاً صفاً))(4)وقوله (عليه السلام): (بعض هلك وبعض نجا) اشارة الى قوله تعالى: «فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا»(5)، والعزاء(6)(الصبر)(7)أو حسن الصبر وعزیته تعزية أي قلت له: أحسن الله عزاك أي: رزقك الصبر الحسن(8)، وهو اسم من ذلك نحو سلم سلاماً، وكلم کلاماً، قال بعض الشارحين: (المعنى أنهم لما قطعوا العلائق الدنيوية إذا ولد لأحدهم(9)مولود لم يبشر به وإذا مات منهم أحد لم يعزوا عنه)(10)،

ص: 229


1- (رحفاً) في أ، تصحيف
2- (أبعد) في م، تحریف
3- (بربته) في ر، وفي م: (يرتبه)، وفي ن: (توبته)، تحریف. (4)
4- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 234
5- الأحزاب / 23
6- (العراء) في ث، وفي ر: (الغراء)، تصحيف وفي م: (الغرا)، تحریف
7- القاموس المحیط، مادة (عزا): 4 / 362
8- ينظر: مجمع البحرین: 1 / 290
9- (لأحد) في أ، ع، تحریف
10- بحار الأنوار: 66 / 309

وكانت نسخته موافقة لما في الأصل، وفي بعض النسخ (عن القتلى)(1)موافقاً لما في نسخة بعضهم، قال: أي لشدة ولهم الى الجهاد لا يفرحون ببقاء حيّهم حتى يبشروا به ولا يحزنون لقتل قتيلهم حتى يعزوا به. (مُرْهُ العيونِ منِ البكاءِ، خمصُ البطونِ منَ الصيامِ، ذبلُ الشفاهِ(2)[منِ الدعاءِ](3)، صفرُ الألوانِ منَ السهرِ، علَى وجوههمْ غبرةُ الخاشعينَ، أولئكَ أخوانِي الذاهبونَ، فحقَّ

لنَا أنْ نظمأَ إليهمْ، ونعضَّ الأيدِي على فراقهمْ!) مرهت عينه كفرح، أي: (فسدت لترك / ظ 165 / الكحل)(4)، والمراد [الفساد](5)الشبيه به، وخمص البطن مثلثة الميم أي: (خلا)(6)، وخمص الرجل خمصاً كقرب إذا جاع، وذبل الشيء ذبولاً كقعد ذهبت ندوته وقل ماؤه، والسهر بالتحريك عدم النوم في الليل كله، أو بعضه يقال: سهر کفرح فهو ساهر وسهران، والغبرة بالتحريك الغبار والكدورة، وحق لنا أن نفعل على صيغة المجهول كما في أكثر النسخ، وحققت أن تفعل كذا کعلمت وهو حقيق به أي: خليق جدير (وفي بعض النسخ حق على صيغة المعلوم وظمئ کفرح ظمأً بالتحريك، أي عطش، وقيل: (الظمأ أشد العطش)(7)، وظمئ اليه أي: اشتاق وعضضته وعضضت عليه کسمع، وفي لغة كمنع أي: مسكته بأسناني.

ص: 230


1- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، الراوندي: 2 / 26
2- (الشفاء) في ع، تحریف
3- [من الدعاء] ساقطة من ث
4- الصحاح، مادة (مره): 6 / 2249
5- [الفساد] ساقطة من ع
6- القاموس المحيط، مادة (خمص): 2 / 301
7- تاج العروس، مادة (ظمأ): 1 / 206

(أنَّ الشيطانَ يسني لكمْ طُرُقَهُ، ويريدُ أنْ يُحلَّ دينكمْ عقدةً عقدةً، ويعطيكمْ بالجماعةِ الفرقةَ(1)، فأصدفوا(2)عنْ نزغاتِهِ ونفثاتهِ(3)واقبلُوا النصيحةَ ممنْ أهداها إليكمْ،، واعقلوهَا على أنفسكمْ) سناه تسنية أي: فتحه وسهله، وكل حكم من أحكام الشريعة عقدة عقدها الشارع وحلها محقها وترك العمل بها ومن جملتها الاجتماع على الحق، وصدف عن(4)الشيء كضرب(5)أي أعرض وصدفه عنه صرفه كأصدفه، ونزغ(6)الشيطان بينهم أي أفسدوا، غرى ووسوس(7)، والنفث بالضم كالنفخ وهو أقل من التفل؛ لان التفل لا يكون إلاَّ ومعه شيء من الريق ونفث في روعي أي القى في نفسي وقلبي ونفثات الشيطان وساوسه، واهدى له وإليه أي: بعث إكراماً واعقلوها على أنفسكم أي: اربطوها والزموها من عقل البعير كضرب أي شد وظيفة مع ذراعه بحبل وهو العقال.

[ومن كلام له (علیه السلام)] قالهُ للخوارج وقد خرج الى معسكرهم

ص: 231


1- (الفرقة، وبالفرقة الفتنة) في: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 231، ونهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح: 224
2- (فاصدقوا) في ع، تحريف
3- (نقثاته ونزغاته) في ن، وشرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 231، ونهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح: 224، وفي ث، ر، م: (نزعاته) تصحيف، وفي م: (نفشاته)، تحريف
4- (و) في ع
5- (كنصر) في أ، ع، تحريف
6- (نزع) في ث، ر، تصحيف
7- [ووسوس] ساقطة من ر

وهم مقيمونَ على انكارِ الحكومةِ

فقالَ (عليه السلام): (أكُلُّكُمْ شُهّدَ معنا صفّیْنَ؟ فقالوا: مِنَّا منْ شُهّدَ، ومِنّا مَنْ لمْ يشهدْ. قالَ: فاِمتازوا فرقتیْنِ، فليَكُنْ مَنْ شُهّدَ صفّیْنَ فرِقةً، ومن لم يشهدها فرِقةً؛ حتّى أُكلِم(1)كلًاُ بِكلامِهِ. ونادى النّاسُ، فقالٌ: اُمسُكوا عنِ الكلامِ، واِنصِتوا لِقوْليٍ، وأقبلوا بِأفئِدتِكُم إليّ، فمِن(2)نشدناهُ شهادةً فليَقِلُّ بِعِلمِهِ فيها. ثمّ كلمِهُم (عليه السّلام) بِكلامٍ طويلٍ، مِنه: ألم تقولوا عند رفعهم المصاحف حيلة وغيلة، ومكراً وخديعة، إخواننا وأهل دعوتنا، استقالونا(3)واستراحوا الى كتاب الله سبحانه، فالرأي القبول منهم، والتنفيس عنهم) المعسکَر بفتح الكاف موضع العسكر، وبکسرها جامع العسكر من عسکرت الشيء أي جمعته، و (العسكر: الجيش)(4)، وقال ابن الجواليقي: ((فارسي معرب))(5)وانکار الحكومة الذي أخطأت الخوارج في انكارهم على أمير المؤمنين (عليه السلام) رضاه(6)الاضطراري بالحكومة وإلاَّ فلا ريب في أن أصل الحكومة منكر وشهد كعلم أي: حضر، ومازه(7)ومیزه فأمتاز أي، عزله، وافرزه وامتازوا أي تفردوا قال الله تعالى: «وَامْتَازُوا الْيَوْمَ

ص: 232


1- (أكلمكم) في: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 231
2- (فلم) في أ، ع، تحریف
3- (استقالوا) في ع
4- الصحاح، مادة (عسكر): 2 / 746
5- المعرب من الكلام الاعجمي على حروف المعجم، الجواليقي (ت 540 ه): 115
6- (رضاء) في م، تحریف
7- (ماره) في ر، تصحيف

أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (59)»(1)أي انفردوا عن المؤمنين، أو تفرقوا في النار، وأُكلم(2)كلًا بكلامه أي: بالكلام الذي يليق به وامسكه أي حبسه وأمسك عن الكلام سكت وحبس لسانه عنه ونصت كضرب وانصت سکت ومن نشدناه شهادة أي سألناه عن شهادة قال ابن الاثير في النهاية: نشدت الضالة فأنا ناشداً إذا طلبتها وانشدتها فأنا منشد اذا عرفتها(3)، وفيه((نشدتك الله والرحم)) أي سألتك بالله وبالرحم، يقال: نشدتك الله وأنشدك الله وبالله، أي سألتك وأقسمت عليك وتعديته الى مفعولين أما لأنَّه بمنزلة دعوت حيث قالوا: نشدتك الله وبالله، کما قالوا: دعوت زيداً وبزيد، أو لأنَّهم ضّمنوه معنى: ذكرت فأما أنشدك بالله على صيغة الافعال فخطأ(4). (5)(انتهى)، وفيه تأمل. والغِيلة بالكسر (الخديعة)(6)، وهو الاسم من خدعه كمنعه أي ختله وأراد به المكروه من حيث لا يعلم والدعوة دعوة الاسلام وهو اظهار الشهادتين واطلاق المسلم عليهم في الظاهر لا ينافي كفرهم بحسب الحقيقة / و166 / مع أن هذا من كلام هؤلاء وليس من كلامه (عليه السلام) وليس المقام [مقام](7) التقرير فلا حاجة الى ما ارتكبه بعض الشارحين(8)في توجيه اطلاق المسلم عليهم، والاستقالة طلب الاقالة وهو فسخ البيع في الأصل والمراد

ص: 233


1- یس / 59
2- (الحكم) في م، تحريف
3- ينظر: النهاية في غريب الحديث والاثر: 5 / 53
4- (فحطأ) في ث، تصحيف
5- ينظر: النهاية في غريب الحديث والاثر: 5 / 53
6- تاج العروس، مادة (غيل): 15 / 561
7- [مقام] ساقطة من أ، ع
8- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7/ 238

طلبهم الكف عن الحرب والندم عنه واسراح اليه أي: سكن اليه واطمأن

والتنفيس التفريج(1) والترفيه، (يقال: نفس الله عنه كربته أي: فرجها)(2).

(فقلت: لكم هذا أمرٌ ظاهره إيمان، وباطنه عدوان، وأولهُ رحمة، وآخره ندامة، فأقيموا على شأنكم، والزموا طريقتكم، وعضوا على الجهاد بنواجذكم(3)، ولا تلتفتوا الى ناعق نعق، إن أُجيبَ أضلَّ، وإن ترك ذلَّ) كون ظاهر الأمر إيماناً؛ لأن رفعهم المصاحف كان في الظاهر تصديقاً بحكم القرآن ورضا به وكون أوّله رحمة لأنَّه كان وسيلة الى ترك القتال، وحقن الدماء

وآخره ندامة أي: لكم لتام حيلتهم ومكرهم عليكم بعد رضاكم بالحكومة، أو للكلّ لاستلزامه غلبة الباطل ومحو(4) الحق ومشيد الباطل عاقبة أمره الندامة (وأقيموا عى شأنكم) أي ما كنتم عليه من الاجتهاد في الحرب، والزموا طريقتكم أي: متابعة إمامكم وتأييد الحق والنواجذ أقاصي الأسنان، وقيل: جميع الاضراس، وقيل: (هي التي تلي الأنياب)(5) وشدة العض بها نجذ والعض على الشيء بالنواجذ شدة الاهتمام به والتصلب فيه كما يبالغ

في العض من يعض بالنواجذ ونعق الرّاعي كرب ومنع [...](6) نعيقاً، أي

صاح بغنمه وزجرها ونعق الغراب صاح والمراد بالناعق المشر عليهم برفع

ص: 234


1- (التفريح) في أ، ث، ر، تصحيف وفي م: (التفريع)، تحريف
2- الصحاح، مادة (نفس): 3 / 985
3- (نواجدكم) في ع، تصحيف
4- (محق) في ث، ر، م، ن، تحريف
5- تاج العروس، مادة (نجذ): 5 / 401
6- [أي] زائدة في ع

المصاحف، أو كل من طلب الحكومة كما ذكره بعض الشارحین(1)، و(إن أجيب أضلّ) أي تحقق اضلاله وتمت حيلته وكان في نسخة بعض(2) الشارحين (ضل)(3) على صيغة المجرد، قال: أي ازداد ضلالًا لأنه قد ضلَّ قبل أن يجاب، وقد كانت هذه الفعلة وقد رأيتكم اعطيتموها والله لئَن أبيّتها ما وجبت عليّ فريضتها ولا حملني الله ذنبها و والله إن جئتها إني للمُحِق الذي يتبعُ، وإن الكتاب لمعي [ما](4) فارقته مذ صحبته، قال بعض الشارحين: هذا الفصل غير متصل بالسابق قد اسقط السّيد (رضي الله عنه) ما بين الكلامين على عادته في هذا الكتاب(5)، والفَعلة بالفتح المرة من الفَعل بالفتح، وهو مصدر فعل کمنع، والمراد الرضا بالحكومة وفريضتهاما وجب بسببها وترتب عليها (وإن الكتاب لمعي [ما](6) فارقته مذ صحبته) أي: ما خالفته قط، ويحتمل أن يكون المراد أن الكتاب كما أنزل معي دون غيري فأنا أعرف بأحكامه(7) من غيري ولعله كان فيه ماهو اصرح في وجوب القتال مّما في أيدي الناس اليوم. (فلقد كنا مع رسول الله (صلى الله عليه واله) وإن القتل ليدور بين الآباءِ والأبناء والإخوان والقرابات، فما نزداد على كل مصيبة وشدة

ص: 235


1- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 3 / 119، وفي ر: (صل) تحریف
2- (بغض) في أ، تصحيف
3- وردت في النسخ المطبوعة جميعها (أضل)، ينظر: منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، الراوندي: 2 / 27، وشرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: ونهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 3 / 119
4- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 237
5- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 237
6- [ما] ساقطة من ر
7- (احکامه) في ع

إلاَّ إيماناً ومضياً على الحق، وتسليماً للأمر، وصبراً على مضض الجراح.) هذا

الفصل أيضاً منفصل عن السابق على ما ذكره بعض الشارحين(1)، والمُضّي بضم الميم وكر الضاد وتشديد الياء، والمُضُوّ بضم الميم والضاد وتشديد الواو مصدران لمى كرمى أي: نفذ(2)، والمضض بالتحريك وجع المصيبة، ويقال: مضضت كفرحت مضضاً ومضيضاً ومضاضه، والجِراح(3) بالكسر جمع جِراحة بالكسر، والغرض من الكلام الترغيب في التأسي بالماضن من

كبار الصحابة. (ولكنّا إنَّما أصبحنا نقاتل إخواننا في الإسلام على ما دخل فيه من الزيغ والإعوجاج، والشبهة والتأويل، فإذا طمعنا في خصلةً يَلُمُّ الله به شعثنا، ونتدانى بها الى البقية فيما بيننا، رغبنا فيها، وأمسكنا عمّا سواها!) هذا الفصل أيضاً منقطع عما سبقه على ما ذكره بعض الشارحين(4)، وتسمية القوم بالإخوان على الظاهر والزيغ الشك والجور عن الحق وطمع فيه وبه كفرح حرص عليه، / ظ 166 / ولّمه كمده أي جمعه، و(الشعث بالتحريك: انتشار الأمر)(5)، ولم الله شعثه أي: جمع أمره [...](6) المنتشر ونتدانى أي

نتقارب والبقية الحالة الباقية من الخیر والإسلام، [وقيل في تفسر قوله

تعالى: «بَقِيَّةُ اللهَّ خَیْرٌ»(7)، أي: طاعته وانتظار ثوابه(8)، والمعنى نجتهد ونسعى

ص: 236


1- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 237
2- (نفذوا) في ر، تحريف
3- (الحراح) في ر، تصحيف
4- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 237
5- الصحاح، مادة (شعث): 1 / 285
6- [و] زائدة في ر، م
7- هود / 86
8- ينظر: مجمع البيان: 5 / 321

في ابقاء ما بقي من احكام الاسلام](1) والامساك عن اليء حبس النفس والكف عنه، ولعل الغرض ابداء العذر في الرضا بالحكومة في الظاهر وبيان انه كان للخوف من ذهاب الإسام والرجاء في رجوع بعض المحاربن الى الحق والطاعة.

[ومن كلام له (علیه السلام)] قاله لأصحابه في ساعة الحرب

(وأيُّ امرئٍ أحس(2) من نفسه رباطة جاش عند اللقاء، ورأى من أحد من إِخوانه فشلاً، فليذبَّ عن أخيه بفضل(3) نجدته التي فُضّلَ بها عليه، كما يذب(4) عن نفسه، فلو شاء الله لجعله مثله) أحسست وأحسيت وأحست بسین واحدة وهو من شواذ التخفيف أي وجدت وظننت وعلمت وأبصرت (وربط جأشه رِباطة بالكسر اشتد قلبه)(5)، وربط الله عى قلبه أي: (الهمه

الصر وقواه)، ذكره الفروز آبادي(6)، وقال بعض الشارحين: رباطة [...](7) جأش(8)، أي شدةَ قلب: والماضي ((ربط)) كأنَّه يربط نفسه عن الفرار.

ص: 237


1- وقيل في تفسير قوله تعالى:)) بقية الله خيرٌ))(2)، أي: طاعته وانتظار ثوابه(3)، والمعنى نجتهد ونسعى في ابقاء ما بقي من احكام الاسلام] ساقطة من ع
2- (منكم أحس) في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 239، ونهج البلاغة، صبحي الصالح: 226
3- (يفضل) في م
4- (يدب) في ر، تصحيف
5- القاموس المحيط، مادة (ربط): 2 / 361
6- المصدر نفسه، مادة (ربط): 2 / 361
7- [على] زائدة في م
8- (خاش) في أ، ع، تصحيف، وفي ث: (حاش)

والمرويّ: ((رِباطه)) بالكسر، ولا أعرفه نقلاً وإنَّما القياس لا يأباه، مثل عَمِر عِمارة، وخَلَب خِلابة(1). والجأش في الأصل مهموز وهو (رواع القلب إذا اضطرب عند الفزع)(2)، والقلب والنفس، وقال ابن الأثير: يقال: فلان رابط [الجأش](3) أي: ثابت القلب [...](4) لا يرتاع ولا ينزعج للشدائد(5) ولقيه کرضيه لِقاءً بالكسر والمدّ أي رأهُ وصادفه ولاقاه(6) [ملاقاةً](7) ولقاءً كذلك والمراد لقاء العدو عند الحرب، وفشل كفرح فشلاً بالتحريك أي: جبن وكسل وضعف وتراخي وذب عنه کمدّ أي (دفع ومنع)(8)، وفي بعض النسخ (فليذبّ(9)) على صيغة التفعيل، يقال: ذبب أي: أكثر الدفع والمنع والتشديد للمبالغة وقال بعض الشارحين: وفي بعض الروايات ((فليذبب))(10) بفك الادغام(11) والنَجدة بالفتح (الشجاعة والشدة)(12)، ولعل الغرض من التشبيه الأمر بالإجهاد في الدفع على حسب القدرة ولو شاء الله لجعله مثله أي: لو شاء لجعل الشجاع مثل الجبان بأنَّ يسلب عنه قوة الشجاعة، أو بأن

ص: 238


1- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 239
2- العين، مادة (جأش): 6 / 158
3- [جأش] ساقطة من ث
4- [و] زائدة في ر
5- ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر: 1 / 232
6- (لافاة) في ث، تصحیف
7- [ملاقاة] ساقطة من ر، م
8- لسان العرب، مادة (ذبب): 1 / 380
9- (فليدبب) في ث، وفي ر: (فليذبب)
10- (فليدبب) في أ، ث، ع، تصحيف
11- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 239
12- المصباح المنير، مادة (نجدته): 2 / 593

لا يعطيه أولاً، أو بأن يجعله مع شجاعته محتاجاً الى أن يذب(1) غیره عنه لكنه

تفضل عليه بتلك النعمة فوجب عليه الشكر بالدفع عن الأخ وترك الشكر قد يزيل النعمة والعكس بأن يكون المراد: لو شاء لجعل الجبان شجاعاً غیر محتاج الى أن يذب(2) عنه غره لكنه لم يجعل اختباراً للشجاع لا لعدم القدرة،لا يخلو عن بعد.

(أن الموت طالبٌ حثيث لا يفوته المقيم، ولا يعجزه الهارب. إنَّ أكرمَ الموت

القتل، والذي نفس ابن أبي طالب بيده، لألفُ ضربةٍ بالسيفِ أهونُ من ميتةٍ

على الفراش)(3) وفي بعض النسخ (أهون عليَّ من ميتةٍ عى الفراش) الحثيث السريع كالحثوث، والمقيم للموت الراضي به كما أنَّ الهارب(4) عنه الساخط(5) له وأهون أي: أسهل، (والمِيتة بالكر هيئة الموت كالجلسة والرِكبة، يقال: مات فان ميتة حسنة)(6)، قال بعض الشارحين: (المروي في نهج البلاغة بالكسر في أكثر الروايات، وقد روي ((من موتةٍ)) وهو الأليق، يعني المرَّة ليقع في مقابلة الألف)(7)، ولا مانع من حمل الكلام عى ظاهره بأن يكون مفارقة الروح في القتل أسهل وأهون من المفارقة في الموت عى الفراش بألف

ص: 239


1- (ندب) في أ، ر، ع، م، ن، تصحيف، والصواب ما اثبتناه
2- (يدب) في ث، تصحيف
3- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، الراوندي: 2 / 28، وشرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 239، وشرح نهج البلاغة، ابن ميثم البحراني: 3 / 121، و بحار الانوار: 33 / 455
4- (الهاوب) في ر، تحريف
5- (الشاخط) في ع، تصحيف
6- الصحاح، مادة (موت): 1 / 767
7- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 239

درجة أما مطلقاً، أو في صورة الشهادة، أو القتل ظلماً ولا سبيل للعقل الى

ادراك مقدار الألم في الحالن، ولا عبرة بما يرى في الظاهر من سكون بعض

الناس عند موتهم عى الفراش، فلعله يبلغه من الألم والأذى ما لا يُقدر قدره

إلاَّ الله عز وجل وقد ورد في بعض الأخبار ما يدل عى انه لا عبرة بما يظنه

الحاضرون / و 167 / عند الميت من عسر الأمر وعدمه فقد يقول الناس:

شدد على فان، وقد هون عليه، وقد يكون بالعكس، ولا يبعد أن يكون (معظم الألم بعد الازهاق)(1) (وأن يهون الله الأمر على من قتل بالسيف في سبيل الله، أو ظلماً في غر حالة الازهاق وبعده)(2) كما ذكر فلا حاجة الى تجشم ما ارتكبه بعض الشارحين(3) من التأويلات، وعلى ما في بعض النسخ يمكن أن يكون الكلام مسوقاً لحكاية الحالة الخاصة به (عليه السلام) نظر قوله (عليه السلام): والله لابن أبي طالب أنسٌ بالموت من الطفل بثدي أمهِ

وما سبق أظهر وأنسب بالمقام منها، وفي بعض النسخ(4) ومن كلام له (عليه

السلام): (وكأنَّ أنظر اليكم تَكِشُّون كَشِيشَ الضبابِ، لا تأخذونَ حقاً، ولا تمنعونَ ضيماً، قد خُليتم والطريق، فالنجاة للمقتحم، والهلكة للمتلوِّم) كشيش

ص: 240


1- (الشدة غر مقصورة فلا نفس الازهاق فلعل شدة الالم الحاصل بعده لبعض الناس قد بلغت من الغاية ما لا يعلمه الا الله ولا بعد) في ر، م
2- (في أن يهون الله الامر في حال الازهاق وبعده عى من قتل بالسيف في سبيله أو ظلمًا) في ر، م
3- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 239
4- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، الراوندي: 2 / 28، وشرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 7 / 242، وشرح نهج البلاغة، ابن ميثم البحراني: 3 / 121، و بحار الانوار: 33 / 455

الأفعى والضب صوت جلدهما عند الحركة(1)، يقال: کشت الأفعی کفرّت وليس صوت فمها، وهو فحيحها أي: كأنكم لشدة خوفكم واجتاعكم من الجبن كالضباب المجتمعية التي تحك بعضها بعضا إذا تحركت، قال الراجز:

کشیش أفعى أجمعت لعضِّ *** وهي تحك بعضها ببعض(2)

والضيم الظّلم، والمراد بالنجاة النجاة في الآخرة، أو الدنيا، أو فيهما، وقحم(3) في الأمر كنصر قحوماً(4) رمى بنفسه فيه فجأة بلا رويّة، وقحمته تقحيماً واقحمته فانقحم واقتحم واقتحم المنزل هجمه، واقتحم عقبه، أو وهدة(5) إذا رمى بنفسه فيها، قيل: (وكأنَّه مأخوذ من اقتحم الفرس النهر إذا دخل فيه)(6)، والهلكة حركة الهلاك، وتلوّم في الأمر توقف وانتظر وتمكث. [منها](7)، وفي بعض النسخ(8)

ص: 241


1- ينظر: القاموس المحيط، مادة (کشش): 2 / 286
2- الأرجوزة غير منسوبة ومقدمتها: (كأنَّ صوت شخبِها المُرفضِّ) لسان العرب، مادة (کشش): 4 / 341. وقد وردت الارجوزة بأكثر من رواية، اذ نجد الجوهري يرويها: کُشِیشُ افعی أرمَقَتْ لِقضّ، الصحاح 3 / 1018، وفي رواية الزبيدي عن الاازهري: کشیش افعی از معت بعض تاج العروس 17 / 359
3- (فحم) فيع، تصحیف
4- (فحوماً) في ر، ع، تصحيف
5- (وهذه) في ر، تصحيف
6- المصباح المنير، مادة (قحم): 2 / 491
7- [] بياض في أ، ث، ع، ن
8- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، الراوندي: 2 / 28، وشرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 8 / 3، وشرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 3 / 121، و بحار الانوار: 33 / 455

ومن كلام له (عليه السلام) في حضّ أصحابه على القتال

(فقدموا الدّارع، واخّرِوا الحاسِرَ، وعَضَّوا على الأضراس فإنَّه أنبى للسيوف عن الهام والتووا في أطراف الرماح فإنَّه أمور للأسنةِ وغُضَّوا [...](1) الأبصار فإنَّه أربط للجأش، واسكن للقلوب، واميتوا(2) الأصوات فإنَّه أطرد للفشل) الدارع لابس الدرع، والحاسر الذي لا درع ولا مغفر له، أو(3) لا

جُنّة له وعضضته، وعليه كسمع ومنع مسكته بأسناني، والضِرِس بالكسر

السن، ونبا(4) السيف عن الضريبة ينبوا نبواً أي: كَلَّ ولم يعمل فيها، والهام جمع هامة وهي (رأس كل شيء)(5) قيل: فائدة العضّ على الأضراس تصلب الأعضاء والعضات وزوال الاسرخاء فكأنَّ تأثر السيف في الرأس أقل، وقال القطب الراوندي (رحمه الله): هذا كناية عن الأمر بتسكين القلب وترك الاضطراب كأنَّه (عليه السلام) قال: فإنَّه أشد ابعاداً لسيف العدو عن هامتكم(6)، وتمكنهم منكم ولعله يقرب من هذا المعنى ما مرّ من قوله (عليه السلام): (وعضّوا على(7) الجهاد بنواجذكم) فيكون كناية عن الجد

فيه وشدة الأخذ كالعاض(8) على شيء بأقصى أضراسه ولا ريب في أنه من

ص: 242


1- [على] زائدة في أ، ع
2- (واميثوا) في ث، تصحيف
3- (و) في م
4- (بنا) في ر،ع، تصحيف
5- العين، مادة (هوم): 4 / 99
6- ینظر: منهاج البراعة شرح نهج البلاغة، الرواندي: 2 / 34
7- (عن) في أ، ع، تحريف
8- (كالغاض) في أ، تصحيف

طرق الخلاص وعدم تمكن العدو، والتووا في أطراف الرماح أي إذا وصلت اليكم الأسنة فانعطفوا واميلوا جانبكم لتزلق فلا تنفذ، والمور التحرك والاضطراب وغضَّ(1) البصر والطرف(2) خفضهما وفائدة غض البصر عدم رؤية الهائل وما يوجب الجبن(3) واربط للجأش، أي اثبت للقلب کما تقدم وما بعده كالتفسير له، والموت (يطلق على السكون، يقال: ماتت الريح أي سكنت)(4)، وعلى النوم وغيره(5)، والطرد الأبعاد والفشل الجبن.

(ورایتکم فلا تميلوها ولا تخلوها، ولا تجعلوها إلاّ بأيدي شجعانكم، والمانعين الذَّمار، منكم فإنَّ الصابرين على نُزوُل الحقائق هم الذين يحفون(6) براياتهم، ويكتنفونها: حفا فيها، ووراءها وأمامها، لا يتأخرون عنها فيسلموها، ولا يتقدمون عليها فيفردوها) الراية العلم وميلها من أسباب انكسار العسكر والتخلية مايفسره قوله (عليه السلام) بعد ذلك: (لا يتأخرون عنها) إلى آخره، والشُجعان بالضم والكسر ويوجد في النسخ بها، والذِمار / ظ 167 / بالكسر: ما يلزم الرجل حفظه وحمايته(7)، وسمي ذماراً؛ لأنه يجب(8) على أهله التذمر له)(9) يقال: تذمر فلان أي لام نفسه على فائت وتغضَّب له،

ص: 243


1- (عض) في أ، ع، تصحيف
2- (الظرف) في ر، تصحيف
3- (الجين) في أ، وفي ر، ن: (الحبن)، تصحيف
4- لسان العرب، مادة (موت): 2 / 92
5- ينظر: المصدر نفسه، مادة (موت): 2 / 92
6- (يخفون) فيع، تصحيف
7- ينظر: تاج العروس، مادة (ذمر): 6 / 445
8- (يجب) في ث، ر، ع، م، تصحيف
9- المصدر نفسه: تاج العروس، مادة (ذمر): 6 / 445

ومنع الذمار المنع له والدفع عنه، والحقائق جمع حاقة وهي (النازلة الثابتة)(1)، ومنه قوله تعالى: «الْحَاقَّةُ * مَا الْحَاقَّةُ»(2)، وفسرت بالساعة والحالة التي يحق وقوعها والتي يحق فيها الأمور أي تعرف حقيقتها، أو تقع(3) فيها حواق الأمور من الحساب والجزاء على الاسناد المجازي(4)، وحفوا حول الشيء کمدوا أي اطافوا به واستداروا ويكتنفونها(5) أي يحيطون بها وحفافاً الشيء جانباه، وفي بعض النسخ (حفافيها وراءها) بدون حرف العطف، فیکون وراءها وأمامها بياناً لما أريد من حفافيها، ولعل ما في الأصل أظهر وأسلمته اليه أي سلمته واعطيته وأسلم فلان فلاناً إذا القاه الى الهَلكة، ولم یَحُمهِ من عدوه وهو عام في كل من أسلمته الى شيء، لكن دخله التخصيص وغلب عليه الالقاء في الهلكة، ومنه الحديث (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه)(6)، وأسلمه أي خذله وفرد الشيء مثلثة الراء، وانفرد بمعني وأفرده أي جعله فرداً (أجزا امرؤ(7) قرنه أسى أخاه بنفسه، ولم يكل قرنه الى أخيه، فيجتمع عليه قرنه وقرن أخيه) أجزاء(8) الشيء إياي أي كفاني، والقِرن بالكسر كفو الرجل في الشجاعة، أو عام لكل من قارنه في الحرب، وآسيته بنفسي بالمدّ

ص: 244


1- المصدر نفسه: تاج العروس، مادة (حقق): 13 / 81
2- الحاقة / 1، 2
3- (يقع) في أ، ع، تصحيف
4- ينظر: الكشاف عن حقائق التنزيل: 4 / 14، و جوامع الجامع، الطبرسي: 3 / 122
5- (تكشفونها) في أ، ع، تحریف
6- مسند الإمام أحمد بن حنبل: 2 / 91، وصحيح مسلم: 8 / 18، و صحیح بخاری: 3 / 98، و سنن ابن داود: 2 / 454، و سنن الترمذي: 2 / 440، و السنن الكبرى: 6 / 96
7- (امرا) في م
8- (اجزا) في م

أي سويته وتبدل الهمزة واواً في لغة اليمن، فيقال: واسيته(1)، والمواساة في

الأصل أن يعطي الرجل أخاه من ماله ويجعله فيه أسوة، وقيل: لا يكون

ذلك إلاَّ من كفاف، فإنَّ كان من فضل(2) المال فليس بمواساة، ووكل الأمر اليه كوعد أي سلمه وتركه والمعنى لم يتركه إذا أراه متوجها الى أخيه، أو لم يفر من قرنه اعتمادا عى أخيه في دفعه، أو من غر اعتماد، والضمر في عليه راجع الى الأخ، ويحتمل أن يعود الى المرء نفسه أي بعد قتل أخيه، قال بعض الشارحين: من الناس من يجعل هذه الصيغة وهي صيغة الإخبار بالفعل الماضي، في معنى الأمر، أي ليجزئ كل أمر قرنه(3) كالأمر بلفظ المستقبل في قوله تعالى: «وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ»(4)، ومنهم من قال: معنى ذلك: هَلاّ أجزا امرؤ قرنه! فيكون تحضيضاً(5) محذوف الصيغة للعلم بها(6)، (وايم

الله لئن فررتم من سيف العاجلة، لا تسلموا من سيف الآخرة، أنتم لهاميم

العرب، والسنام الأعظم. إن في الفرار موجدة الله، والذل الازم، والعار

الباقي. وإن الفارَّ لغر مزيدٍ في عمره، ولا محجوز(7) بينه وبن يومه) ايم الله أصله ايمن الله، وهو اسم استعمل في القسم والتقدير ايمن الله قسمي، والتزم رفعه كما التزم رفع لعمر الله، وهمزته عند البصرين وصل واشتقاقه(8) من.

ص: 245


1- ينظر: لهجات اليمن قديماً وحديثاً، أحمد شرف الدين: 69
2- (فضل) في ر، تصحيف
3- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 8 / 5
4- البقرة / 233
5- (تخصيضاً) في أ، وفي ر: (تحصيصاً) وفي ع: (تخصيصاً)، تصحيف
6- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 8 / 5
7- (محجون) في م، تحريف
8- (واستقاقه) في ع، تصحيف

اليمن وهو البركة وعند الكوفيين قطع؛ لأنَّه جمع يمين عندهم، وموصوف العاجلة الدار، والمراد بسیف الآخرة عقاب الله، وقال بعض الشارحين: المراد به الموت(1) ووجه المشابه ابطال الحياة ولا استبعاد في تعذيب الفار بالسيف في الاخرة، واللُهموم بالضم (الجواد من الناس والخيل)(2)، كاللِهمم واللِهميم بكسرهما والسنام کسحاب في الأصل سنام الابل، وسنام كل شيء أعلاه کما أنَّ سنام البعير أعلى أعضائه والمراد شرفهم وعلوهم في العرب، ووجد عليه کوعد وجدا ومَوجِدة أي غضب وسخط، واللازم غير المفارق، وقال بعض الشارحين: ويروي: ((اللاذم(3))) بالذال المعجمة، وهو بمعنى اللازم(4)، يقال: لذِمتُ بالمكان بالكسر أي لزمته وزاد يتعدى ولا يتعدى يقال: زاده الله خير فزاد(5) وازداد، وحجزه(6) کنصره(7) وضربه أي: كفه ومنعه، ويومه أي انقضاء أجله. (مَنْ رائحٌ إِلى اللهِ كالضَّمآنِ / و 168 / يَرِدُ المَاءَ! الجَنُّةً تَحْتَ أطرافِ العَوَالي. اليَوْمَ تُبْىَ الأخبارُ) الرَّواحُ بالفتح (نَقيضُ الصَّبَاح، وهو

اسمٌ للوقت من زوال الشَّمس إلى الليَل)(8) ويكون مصدر قولك: رَاحَ يَرُّوحُ رَوْاحاً أي: سَارَ في ذلك الوقت نقيضُ قولك: غَدا يَغْدُو غَدْواً(9)، وقيل:

ص: 246


1- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 3 / 120
2- الصحاح، مادة (هم): 5 / 2037
3- (اللازم) في ر، م، تحریف
4- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 8 / 6
5- (فراد) في ر، تصحيف
6- (حجزه) في ر، تصحيف
7- (کنصر)
8- الصحاح، مادة (روح): 1 / 368
9- المصدر نفسه، مادة (روح): 1 / 368

الرَّواح والغدو عند العرب يستعملان في المسير، أي: وقت كان من الليل أو النهار قاله الأزهري(1) [...](2) وغيره، وظمی کفرح ظمأ بالتحريك، فهو ظمأن وهي ظمأنه أي: عطش، أو أشد العطش والعالية(3) ما يلي السنان من الرمح والجمع العوالي(4)، والمراد بالعوالي الرماح على ما ذكره بعض الشارحين(5)، والسيوف کما يظهر من كلام بعضهم قال: (وهذا من قول رسول الله (صلى الله عليه واله)): ((الجنة تحت ضلال السيوف))(6))(7)، سميت بالعوالي؛ لأنَّها تعلو فوق الرؤوس وإذا كانت الجنة تحتها فمن كان تحتها كان في الجنة، وتقول: علوته بالسيف إذا ضربته، والابتلاء الامتحان والاختبار، ويقال: بلوته وابليته وابتليته بمعنى، والاخبار(8) بالباء الموحدة في بعض النسخ(9) أي تمتحن وتختبر السرائر والضمائر من الإيمان والنفاق أو الشجاعة والجبن أو حسن العاقبة وسوءها، وقال الله عز وجل: «وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ»(10)، وفي بعض

ص: 247


1- ينظر: تهذيب اللغة، مادة (روح): 5 / 221
2- [وقوله] زائدة في ر
3- (الغالية) في أ، ع، تصحيف
4- ينظر: تاج العروس، مادة (علو): 19 / 694
5- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 3 / 123
6- مسند الإمام أحمد: 4 / 354
7- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 8 / 6
8- (الاختبار) في ح، م، تحریف
9- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، الراوندي: 2 / 29، و شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 8 / 5، و شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 3 / 123، وبحار الانوار: 33 / 455
10- محمد / 31، وفي ع، م : (تعلم)، تصحيف

النسخ بالياء المثناة من تحت، أي تمتاز الأخيار من الأشرار. (والله لأنا أشوق

الى لقائهم منهم الى ديارهم) اللِقاء بالكسر الملاقاة، ويكون مصدر قولك: لقيته كرضيته إذا رأيته والضمر راجع الى الأعداء، والديار جمع داراً وهي

المحل بجمع البناء والعرصة، وتسمى البلد دارا و يطلق عى القبيلة مجازا(1) وهذه الفقرة غیر موجودة في بعض النسخ الصحيحة والغرض بيان(2) شدة شوقه (عليه السلام) الى الجهاد تأكيداً لتشويق الاصحاب وتحريضهم(3).

(اللهم فإنَّ ردوا الحق فأفضض جماعتهم، وشتت كلمتهم، وأبسلهم بخطاياهم) فضضت(4) الشيء كنصرت أي: فرقته، وشت الأمر كفر شتاتاً أي: تفرق وشتته تشتيتاً فرقه، ويكون شتّ بمعنى: فرق وشتات الكلمة اختلاف الأقوال الناشيء من اختاف الآراء، وأبسلته أي: أسلمته الى

الهلكة، قال الله عز وجل «أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا»(5)، قال بعض الشارحين: هذه الالفاظ كلها لا يتلو بعضها بعضاً، وإنما هي منتزعة من كلام طويل، انتزعها الرضي (رحمه الله) وطرح ما عداها(6).

(إنهم لن يزولوا عن مواقفهم دون طعن دراك يخرج منه النسيم، وضرب

يفلق الهام، ويطيح العظام، ويندر(7) السواعد والاقدام) دون بمعنى غیر

ص: 248


1- (محازاً) في ر، تصحيف
2- (بيان) في م، تصحيف
3- (تحريصهم) في أ، ث،ع، ر، م، ن، تصحيف، والصواب ما اثبتناه
4- (قضضت) في أ
5- الأنعام / 70
6- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 8 / 6
7- (يثدر) في ث، وفي ر: (ينذر)، تصحيف

ويدخل عليه من والباء قليلاً، وطعنه بالرمح کمنعه ونصره طعناً ضربه والدراك ككتاب اتباع الشيء بعضه على بعض، والمراد بالطعن الدراك: (المتتابع)(1) المتتالي(2)، والنسيم أوّل الريح قبل أن يشتد(3)، والريح الطيبة وخروج النسيم عن موضع الطعن(4) عبارة عن سعته، وروي (یخرج منه النسم) بالتحريك وهو نفس الروح(5) أي طعن يخرق الجوف بحيث يتنفس المطعون من موضعه ويكون بمعنى النسيم، وجمع نسمة بالتحريك أيضاً أي: النفوس، وفلقت (الشيء كضربت أي: شققته فأنفلق - والهامة رأس كل شيء والجمع هام - وطاح الشيء يطوح ويطيح(6) أي سقط وهلك وتاه في الأرض واطاحه غيره، وندر الشيء كقعد ندوراً سقط أو من جوف شيء، أو من بين أشياء وندر العظم من موضعه أي زال ويتعدى بالهمزة وساعد الإنسان ذراعه، والقدم الرجل مؤنثة.

(وحتى يرموا بالمناسر تتبعها المناسر، ويرجموا بالكتائب تقفوها الجلائب، وحتی یجر ببلادهم الخميس(7)، وحتی تدعق الخيول في نواحر أرضهم، وبأعنان مساربهم(8) ومسارحهم) قال الشريف: الدعق: الدَّقُ، أي تدق

ص: 249


1- وفي ع: (المتابع)
2- (المتالي) في ر، وفي م: (التالي)، تحریف
3- ينظر: الصحاح، مادة (نسم): 5 / 2040
4- (العطن) فيع، تحریف
5- (الروج) في ر، تصحيف
6- (بطيح) في ر، تصحيف
7- (يجر ببلادهم الخميس يتلوه الخميس) في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 8 / 7، ونهج البلاغة، صبحي الصالح: 229
8- (مساريهم) في م، تصحيف

الخيول بحوافرها أرضهم. ونواحر أرضهم: متقابلاتها: يقال(1): منازل بني فلان تتناحر / ظ 198 /، أي تتقابل) حرف العطف محذوف في بعض النسخ(2)، والمَناسِر جمع مَنسِر بفتح الميم وكسر السين(3)، ويجوز مِنسرَ بكسر الميم وفتح السين، وقيل: إنّها اللغة الفصحى، وهو قطعة من الجيش [تكون](4) [...](5) [إمام](6) الجيش الأعظم(7) وما بين الثلاثين إلى الأربعين من الخيل، أو من الأربعين إلى الخمسين، أو إلى الستين، أو من المائة إلى المئتين، والرّجم(8) في الأصل الضرب بالرجم(9) بالتحريك أي الحجارة، و ((الكتيبة: الجيش))(10) أو الطائفة من الجيش مجتمعة، أو الجماعة من الخيل إذا أغارت من المائة إلى الألف، وقَفوته قفواً أي تبعته، والحلائب بالحاء المهملة جمع حليبة(11) وهي الطائفة المجتمعة من حلب(12) القوم كنصر حلباً وحلوباً أي اجتمعوا من كل وجه، وقال بعض الشارحين: (تقفوها الخلائب أي تتبعها طوائف لنصرها،

ص: 250


1- (ويقال) في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 8 / 7
2- شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 3 / 123، و بحار الانوار: 33 / 456
3- (الشين) في م، تصحيف
4- [تكون] ساقطة من ث، وفي أ: (يكون تصحيف
5- [من] زيادة في ث
6- [أمام] ساقطة من ث
7- ينظر: لسان العرب، مادة (نسر): 5 / 205
8- (الرحم) في ر، تصحيف
9- (بالرحم) في ث، تصحيف
10- لسان العرب، مادة (كتب): 1 / 701
11- (حلية) في ث، م، تصحیف، وفي ر: (حليته)
12- (جانب) فيع، تحریف

و المحاماة عنها، يقال: قد أحلبوا، إذا جاؤوا من كل أوب للنصرة، ورجل محلب أي: ناصر، و حالبت الرجل، إذا نصرته وأعنته)(1)، وفي بعض النسخ (الجلائب)(2) بالجيم، فيحتمل أن يكون جمع جلوبة(3) أي (ذكور الأبل)(4)، أو التي تحمل عليها متاع القوم فالغرض وصف الكتائب بالاستعداد وأخذ الأهُبة للمسير وإن بعدت الغاية، ويحتمل أن يكون جمع جليبة وهي الطائفة المجتمعة من جلب(5) کسمع إذا اجتمع، أو المسوقة للإغارة من حلبه کنصره وضربه إذا ساقه من موضع إلى أخر، فجلب هو كنصر وانجلب، (والخميس الجيش)(6)؛ لأنّه خمس فرقة المقدمة والقلب و الميمنة والميسرة والساقة(7)، والدعق(8) [...](9) الوطؤ الشديد المؤثر في الطريق(10)، يقال: دعقت الدواب الطريق كمنعت إذا أثرت فيه، وقال بعض الشارحين: الدعق(11) قد فسره الرضي (رحمه الله)، ويجوز أن يفسر بأمر آخر وهو الهيج و التنفير(12)، يقال:

ص: 251


1- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 8 / 8
2- (الجائب) في بحار الانوار: 33 / 456
3- (جلوية) في ر، تصحيف
4- تاج العروس، مادة (جلب): 1 / 317
5- (حلب) في أ، ر، تصحيف
6- العين، مادة (خمس): 4 / 205
7- (الناقة) في ع، تحریف
8- (الدعو) في ث، تحریف
9- [عن] زائدة في م
10- ينظر: العين، مادة (دعق): 1 / 145
11- (الدعوة) في م، تحریف
12- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 8 / 8، وفيه: (والدعق...)

دعق(1) القوم أي: هاجهم و نفرهم، ويمكن أن يفسر النواحر(2) بأمر آخر وهو أن يريد بهِ أقصى أرضهم وآخرها من قولهم لآخر ليلة من الشهر: ناحرة. وأعنان الشيء أطرافه و نواحيه، و المسارب(3) و المسارح المراعي(4) والفرق بين ((سرح)) و ((سرب)) أن السّروح إنَّما يكون في أول النهار(5)، وليس ذلك بشرط في السروب، وفسر بعضهم السّروح بالأعم(6).

[ومن كلامه (عليه السلام)] في التّحكيم

(إنا لم نحكّم الرّجال، وإنَّما حَكمنا القرآن، وهذا(7) القرآن انّما هو خطٌّ مسطورٌ(8) بين الدَفَّتين، لا ينطق بلسانٍ، ولا بُدّ له من ترجمانٍ وإنّما ينطق عنه الرجال. ولما دَعانا القومُ إلى أن نُحَکِم(9) بيننا القرآن، لم تكن الفريق المتولي عن كتاب اللهِ تعالى(10)، وقد قال الله سَبحانَهُ(11): «فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ

ص: 252


1- (وعق) في م، تحریف
2- (النواخر) في ث، وفي م: (النواجز)، تحریف
3- (المشارب) فيع، تصحيف
4- ينظر: العين، مادة (سرح): 3 / 137، و الصحاح، مادة (سرب): 1 / 167
5- ينظر: لسان العرب، مادة (سرح): 2 / 478
6- ينظر: العين، مادة (سرح): 3 / 137
7- (هذا غير موجودة في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 8 / 82
8- (مستور) في أ، ع، وفي نهج البلاغة، صبحي الصالح: 230
9- (نجکم) في ر، تصحيف
10- (سبحانه وتعالى) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 8 / 82، و نهج البلاغة، صبحي الصالح: 230
11- (تعالى عز من قائل) في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 8 / 82

فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ»(1) فردُهُ(2) إلى الله أن نحكم بكتابهِ، وردُّهُ إلى الرسول أن نأخذ(3) بُسنِّتهِ، فاذِا حُکِمَ بالصدقِ في كتابِ اللهِ، فنحنُ أحق النّاس بهِ وإنِ حُکم بِسُنته رسولِ الله (صَلّى الله عليه والهِ)(4) فنحن أولاهُم به(5) في بعض النسخ(6) العنوان هكذا، (ومن كلام له (عليه السلام) في الخوارج لّما انكروا تحكيم الرّجال، ويذمّ فيه أصحابه)، وسطر الكتاب سطراً كنصر أي كتبه و السّطر الصفّ من الكتاب و الشجر وغيره وهو في الأصل مصدر(7)، والدف (الجنب من كل شيء، والجمع دفوف مثل: فلس و فلوس، وقد يؤنث بالهاء، فيقال: (الدّفة)، ومنه: دفتا المصحف)(8) أي جانباه(9) المكتنفان به، و كانوا يعملونهما قديماً من خشب، و التَرجَمان بفتح التاء والجيم مفسر اللغةِ بلسان آخر، والجمع التَراجم، مثل: زعفران و زعافر(10)، و يجوز ضم الجيم وحدها، وهكذا في النسخ وضمهما جميعاً، وترجم الكلام أي فسره

ص: 253


1- النساء / 59
2- (فردوه) في ر
3- (تأخذ) في م، تصحيف
4- (صلى الله عليه) في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 8 / 82
5- (فنحن أحق الناس و أولاهم بها) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 8 / 82، ونهج البلاغة، صبحي الصالح: 230
6- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، الراوندي: 2 / 36، و شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 8 / 82
7- ينظر: الصحاح، مادة (سطر): 2 / 684
8- المصباح المنير، مادة (دف): 1 / 199، 197 وفي ع: (الصحف)، تحریف
9- (حانباه) في أ، ر، تصحيف
10- (زعارف) في م، تحریف

بلسان آخر، قال في القاموس: (والفعل يدل على أصاله التاء)(1)، ويظهر من كلام غيره إنها زائدة، والمراد حاجة القرآن إلى بيان المراد منه، وإن كان باللغة العربية وتولى عن الشيء أي اعرض عنه وحاصل الكلام انالم نرض(2) بتحكيم الرجلين مطلقاً بل لو حكما بالصّدق في الكتاب و السّنة لأنَّ القوم دعونا إلى كتحکیم القرآن لا(3) الرجلين وحمنا الرجلين لاحتياج القرآن الى البيان فالحاكم حقيقة هو القرآن لا الرجلان، فإذا / و 169 / خالفا حكم الكتاب والسنة لم يجب علينا اتباع قولها، وقد عرفت فيما تقدّم أنّه (عليه السلام) لم يرضَ بالتحكيم الذي دعا اليه الخصوم و المنافقون من أصحابه بل أكره عليه نعم كان راضياً بما حکم به القرآن والسنة في الواقع ولما كان دعاء الخصوم إلى كتاب الله آمراً ظاهره إيمانٌ وباطنه عدوان واتفق المنافقون من أصحابه ووافقوا الخصوم في وجوب الرضا بالتحكيم لم يتمكن (عليه السلام) من رده رأساً؛ لأنّهم كانوا يعدّونه توليا واعراضاً عن - كتاب الله فاضطرا إلى القبول خوفاً من وقوع الفتنة بين قومه کما تقدم وقوله (عليه السلام) فإذا حكم بالصِّدق في كتاب الله فنحن أحقّ النّاس بهِ يحتمل أن يكون المراد بهِ أنه لو حكم بالصّدق في الكتاب لوجب عليهم طاعتنا لأنّا أحق و أولى بالكتاب أو بالله من غيرنا. بحكم القرآن و يحتمل أن يراد بهِ إنّا أحقّ الناس باتّباع الاحكام المستنبطة من القرآن على وجه الصّدق ولكن الرجال لم يحكموا بالصّدق في القرآن، وإلاّ لحكموا بفرض

ص: 254


1- القاموس المحيط، مادة (ترم): 4 / 83
2- (ترض) فيع، تصحيف
3- (لأن) في أ، تحریف

طاعتنا ووجوب قتال من خالفنا لقوله عزّ وجل: «وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ»(1) و يحتمل أن يكون المراد إذا رضي النّاس بحکم القرآن بالصِدق فنحن أحق الناس بذلك الحكم فيجب عليهم اتباع أمرنا و التزام طاعتنا فالضمير يحتمل أنْ يعود الى كتاب الله، والى الله و المآل واحد، والى الحكم المذكور وفي قوله: (فنحن أولاهم بهِ) يحتمل الرّجوع الى الرّسول (صلّى الله عليه واله) وإلى الحكم المذكور والله يعلم.

(وأمَّا قولكم: لم جعلتُ بينكم وبينهم أجلاً في التّحكيم؟ فإنّما فعلتُ ذلك ليَّتبين الجاهِلُ، و يتثبتَ العالِمُ، ولعَلَّ اللهَ أنْ يُصلِحَ في هذِه الهُدَنَةِ أمر هَذِه الأمَّةِ، ولا تُؤخَذَ بأكظامِها فتعجل عن تبيّن الحَقّ، وتَنقادَ لأوّلِ الغيِّ.) تبين الشيء أي ظهر و تبيّنتُه أنا يتعدى و لا يتعدى ويكون التبين بمعنى التثبت، ومنه الحديث: (ألاَّ أنَّ التبين من الله والعجلة من الشيطان فتبينوا)(2) والغرض(3) طلب بيان الحق، وظهور طريق الرّشاد والتثبت التأني و تثبت واستثبت بمعنی و تثبت العالم لدفع الشبه واطمئنان القلب، والهُدنة بالضم السكون والصّلح و الموادعة بين كل متحاربين والكظم بالتحريك مخرج النفس من الحلق(4) و الجملة معطوفة على قوله (عليه السلام) يتبين أي إنما فعلت ذلك لئلا تؤخذ الأمة بغتة، وعلى غرّة فيمنعهم ذلك عن ظهور الحق لهم والغّي

ص: 255


1- الحجرات / 9 وفي ر، ع، م، ن: (احدیها)، تحریف
2- غريب الحديث، ابن سلام: 2 / 32، و الفايق في غريب الحديث: 1 / 127
3- (العرض) في أ، ث، تصحيف
4- (الخلق) في ر، تصحيف

الضلال والانقياد لأوّل الغي [...](1) الضلال قبل تمام الحجة والمعنى إنماّ فعلت ذلك ليهلك من هلك عن بينة ويحيي من حيّ عن بينةٍ.

(إنَّ أفضَلَ الناس عند الله من كان العمل بالحق أحب اليه، وإن نقصه وكرثه، من الباطِلِ، وإن جر إليه فائدةً وزادهُ، فأين يتاهُ(2) بکم! ومن أين أتيتم! استعدّوا للمسير إلى قومٍ حيارى عن الحق لا يبصرونهُ، وموزعين بالجور لا يعدلون به جفاةٍ عن الكتاب، نكب عن الطريق.) کرثه كضربه ونصره (اشتد عليه وبلغ منه المشقة)(3)، وكلمة (فائدة) غير موجودة في بعض النسخ(4) وتاه يتيه(5) تيهاً إذا تحير وضلّ وإذا تكبر، والتيه بالكسر المفازة يُتاه فيها، وفي الكلام دلالة على أنهم ضلّوا بفعل غيرهم، وروي (فأنّی یُتاه(6) بکم) والمعنى: إلى أيّ غاية يكون هذا التيه الذي أخذتم فيه؟ ومن أين أتيتم؟ أي من أي وجه أتاكم الشيطان فأضلكم أو دخلت عليكم الشبهة أو الحيلة، و الاستعداد التهيؤ وأخذ العُدة بالضّم أي ما أعددته من مال وسلاح وغير ذلك وحار في أمره يحار أي تحيّر ولم يهتدِ لسبیله فهو حيران، وقوم حَیاری الفتح وقد يضم وفي النسخ بالفتح، واوزعته بالشيء أي اغريته به فهو موزع به أي مغرى و أوزعني / ظ 169 / شكر نعمتك أي الهمني ولا يعدلون به

ص: 256


1- [و] زائدة في ر
2- (تياه) في أ، ر، ع، تصحيف
3- الصحاح، مادة (كرث): 1 / 290
4- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 8 / 82
5- (يبية) في ر، تصحیف
6- (تياه) في م، تصحيف

أي لا يجعلون له عِدلا و مثلاً، وفي بعض النسخ (لا يعدلون عنه)(1) أي لا يتركونه ولا يجاوزونه إلى غيره، و الجَفاء بالفتح البعد عن وجفا يجفو وتجافي أي لم يلزم مكانه، ونكب عن الطريق كنصر وفرح أي ((عدل))(2) فهو ناكب والجمع نُكب بالضم كما في أكثر النسخ ونُکُب بضمتين كما في بعضها(3). (ما أنتم بوثيقة يُعلق(4) بها، ولا زوافر يعتصم اليها، لبئس حشاش نار الحرب أنتم! أف لكم! لقد لقيتُ منکم برحاً يوماً أناديكم، ويوماً أناجيكم، فلا أحرارٌ عند النداء، ولا إخوان عند النجاءِ) وثق به کورث ثقة أي ائتمنه و الوثيق المحكم و أخذ بالوثيقة في أمره أي بالثقة، قال: بعض الشارحين: (ما أنتم بوثيقة، أي بعروة وثيقة)(5)، وقال بعضهم: أي بذوي(6) وثيقة، فحذف المضاف(7)، وعلق بالشيء کفرح و تعلق به أي نشب، واستمسك. (وزافرة الرجل: انصاره وخاصته(8))(9)، أو عشيرته، والحُشاش(10) بضم الحاء المهملّة وتشديد الشين المعجمة كما في كثير من النسخ(11) جمع حاش وهو الموقد

ص: 257


1- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 8 / 82
2- الصحاح، مادة (نکب): 1 / 228
3- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 8 / 82، و شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 3 / 127
4- (يغلق) في ر، تصحيف
5- شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 3 / 130
6- (ندوي) في أ، وفي ث: (يذوي) تصحيف
7- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 8 / 85
8- (وخاصة) في ر
9- لسان العرب، مادة (زفر): 4 / 326
10- (الخشاش) في ث، تصحيف وفي م: (الحشيش)، تحریف
11- شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 3 / 127

للنار، تقول: حششت(1) النار إذا اضرمتها والهبتها، والمِحَش بكسر الميم وفتح الحاء، حديدة يوقد بها النّار(2)، وفي بعض النسخ (حِشاش) بکسر الحاء وتخفيف الشين، قال بعض الشارحين: وهو أيضاً جمع حاش، وقيل: هو ما يحش(3) به النّار: أي يوقده(4)، وقال بعضهم: وروی ((حَشاش)) بالفتح كالشَّياع وهو الدق من الحطب الذي يلقى في النّار(5)، و(أُفٍّ) بالکسر کما في بعض النسخ، وبالكسر والتنوين کما في بعضها(6)، كلمة تكره وتضجر(7) ولغاتها أربعون على ما ذكره في القاموس(8)، والبَرح بفتح الباء الموحدة وسكون الراء (الشدة والشرّ)(9)، وفي بعض النسخ (تَرحاً) بفتح التاء المثناة من فوق وفتح الراء، وهو (الهم)(10) (ضد الفرح)(11)، وفي الحديث: (ما من فرحه إلاَّ ويتبعها ترحة)(12)، وأناديكم أي أدعوكم جهاراً،

ص: 258


1- (حشت) في ر
2- ينظر: تاج العروس، مادة (حشش): 9 / 90
3- (ما هو يحش) في م
4- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 3 / 127
5- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 8 / 85 و شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 3 / 127
6- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 8 / 82، و
7- ينظر: الأمالي الشجرية، أبو السعادات: 1 / 391، والنحو الوافي: 4 / 140، و معاني النحو: 4 / 38
8- ينظر: القاموس المحيط، مادة (أف): 3 / 117
9- المصدر نفسه، مادة (برح): 1 / 215
10- المصدر نفسه، مادة (ترح): 1 / 217
11- العين، مادة (ترح): 3 / 190
12- مجمع البحرین: 2 / 344، وروى ابن الأثير: (ما من فرحة الا وتبعها ترحه) النهاية في غريب الحديث والأثر: 1 / 186

أو من بعيد وأناجيكم أي: سّراً أو من قريب، يقال: (ناجاه [مناجاة](1) ونجاء أي ساره)(2)، (والنجوى السرّ)، والحُر خلاف العبد وخيار كل شيء، والمراد بنفي الحرّية عنهم نفي لازمها العادّي وما يليق بالأحرار وهو النصر و المحاماة، وفي بعض النسخ (فلا أحرار صدقِ)(3) بالإضافة، يقال: فلان صدیق صدق ورجل صدق إذا كان مستكملاً للوازم المضاف والصدق تستعمل في الحديث وفي الحب و النصح وغير ذلك، والأخوة(4) کما یکون من النسب يكون من الدين والصداقة و المصاحبة، وفي بعض النسخ (ولا أخوان ثقة عند النجاء(5)) بالإضافة أي لستم بإخوان يعتمد عليكم في كتمان الأسرار ولوازم الإخاء.

ومن كلامٍ له (عليه السلام) لّما عوتب على التسوية في العطاء

(أتأمروني أن اطلب النصرَ بالجور فيمن وليت عليه! والله لا أطورُ بهِ ما سمر سمير، وما أمَّ نجمٌ في السماء نجماً! لو كان المال لي لسوّيت بينهم، فكيف وإنما المال مالُ الله! ألاَّ وإنَّ إعطاء المال في غير حقه تبذيرٌ وإسِرافٌ) وفي

ص: 259


1- [و مناجاه] ساقطة من ر
2- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، الراوندي: 2 / 37، و شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 8 / 82، و شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 3 / 127
3- المصدر نفسه، مادة (نجا): 4 / 393
4- (الأخرة) في م، تحریف
5- (النحاء) في م، تصحيف

بعض النسخ (فكيف وإنمّا المال لهم)، ثم قال (عليه السلام): (ألاَّ وإنَّ إعطاء المال) إلى آخِره، والعنوان في بعض النسخ هكذا (ومن كلام له (عليه السلام) لّما عوتب على تصييره الناس أسوة في العطاء من غير تفضيل أولى السابقات والشرف)(1) والعتاب(2) و المعاتبة الملامة و مذاكرة الموجدة، والُأسوة بالضم والكسر (القدوة)(3) وتصيير الناس أسوة التسوية بينهم كان كلًا منهم قدوة صاحبة، والمراد بالعطاء ما يعطي المهاجرون وغيرهم من الغنائم والصدقات وغيرها مما يحرز في بيت مال المسلمين، وفلان له سابقة في هذا الأمر إذا سبق الناس اليه، والمراد بالسابقات الخصال الحميدة من السبق الى الاسلام وشهود المواقف كبدر و الأحزاب مع الرسول (صلى الله عليه واله)، وبذل الأموال والأنفس في نصرة الإسلام ونحو ذلك، والشرف المجد وعلو الحسب، وقد روى المخالف والمؤالف أن / و 170 / التسوية من سنن الرّسول (صلّى الله عليه وآله) وهو مذهب الشافعي من العامّة، وكان أبو بكر يسوّي بين المسلمين في خلافته، فأشار اليه عمر بن الخطاب بالتفضيل فأبى، وقال: إنَّ الله لم يفضل أحد على أحد، وقال: إنّما الصدقات للفقراء والمساكين، فلما انتقل الأمر إلى عمر بن الخطاب فضّل المهاجرين كافة على الأنصار، والعرب على العجم والصّريح على المولى، وأمّا عثمان فقد بلغ الغاية في ذلك وأعطى الناس على حسب هواه فيهم وقد فصّلنا(4) الكلام في ذلك في شرح خطبة الشقشقية من

ص: 260


1- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 8 / 87
2- (العتاف) في ر، وفي م: (العقاب)، تحریف
3- لسان العرب، مادة (أسا): 14 / 35
4- (قصلنا) في أن تصحيف

کتاب حدائق الحقائق و(تأمروني) بالإدغام أصله تأمرونني(1)، وفي الكتاب الكريم «قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ»(2)، وولیت علیه کرضیت أي: صرت والياً وأميراً عليه، وفي بعض النسخ (وُلّيت)(3) على صيغة المجهول من باب التفعيل أي: جعلت والياً عليه بأمر الله، والطَور بالفتح (الحوم حول الشيء)(4)، ولا أطور به أي لا أقربهِ قيل: وأصله من الطَوار بالفتح والكسر وهو ما كان ممتد من الفناء مع الدار(5)، والسمير (الدهر)(6) وابنا سمير (الليل والنهار)(7)، ولا أفعله ما سمر سمير، أي: ما أختلف الليل والنهار، و(أمَّ) أي تقدم، أو قصد كان بعض النجوم بحركته يقصد بعضاً. أو المراد قصد بعض السيارات بعضها وغيرها، ويمكن أن يشمل النجم الشهاب، وقد سماه الله عز وجل مصباحاً، بقوله: «وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ»(8) على بعض التفاسير(9)، وكوكباً بقوله: «إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ»(10)، والتبذير التفريق، ومنه التبذير في المال، لأنّه تفريق له في

ص: 261


1- (تأمروني) في ر
2- الزمر / 64
3- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 8 / 87، و شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 3 / 130
4- تاج العروس، مادة (طور): 7 / 148
5- ينظر: المصدر نفسه، مادة (طور): 7 / 148
6- المصدر نفسه، مادة (سمر): 6 / 541
7- المصدر نفسه، مادة (سمر): 6 / 541
8- الملك / 5
9- ينظر: الكشاف عن غوامض التنزيل: 4 / 135، و مجمع البيان: 10 / 70، و البحر المحيط: 8 / 293
10- الصافات / 6، 7

غير القصد کما يفرق الحَّب للّزرع، وقال الله عزّ وجل: «وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا، إِنَّ

الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا»(1) و الإسراف(2) التبذير، أو انفاق المال في غير طاعة الله عزّ وجل، وقال الله عزّ وجل: «وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ»(3)، وظاهر الكلام إنَّ الإسراف والتبذير أعم من المعروف بين الناس في معناهما (وهو يرفع صاحبه في الدّنيا، ويضعه في الآخرة، ويكرمه(4) في الناس، ويهينه عند الله، ولم يضع امرؤ [ماله](5) في غير حَقِّه، وعند غير أهلهِ؛ إلاَّ حَرَمُه الله شكرهَمُ، وكان لغيره ودهُم، فإنَّ زلت به النَّعل يُوماً فاحتاجَ الى معونتهم فشرُّ خدين، وَالأَمُ خليل(6) [الوضع](7)) الحطّ(8) ضد الرّفع ورفع الإسراف أو اعطاء المال في غير حقه صاحبه في الدنيا و اکرامه عند الناس للذكر الجميل والوصف بالسخاء بين العوام ومن لا يعرف حقيقة(9) الجود وحرمه كضربه أي منعه، ولعلّ المراد بالشكر المسلوب مايعتد به والمقرون بخير العاقبة ولا يضر شكر الأرذال أحياناً، والباء في زلت به للتعدية، والمراد الفاقة والحاجة والنعل مؤنث(10)، والعون الظهير

ص: 262


1- الإسراء / 26، 27
2- (الاشراف) في ر، تصحيف
3- الانعام / 141
4- (یکرمه) في م، تصحيف
5- [ما له] ساقطة من ع
6- (خدين) في ث
7- [المواضع] ساقطة من ث
8- (الخط) في ع، تصحيف
9- (حقيقة) في ر، تصحيف
10- (المؤنث) في ر

واستعانه وبه فأعانه والاسم المعونة والخدين والخِدن بالكسر (الصدیق)(1) والصاحب، وقيل: (الصديق في السّر)(2) وقيل: من يخادنك في كل أمر(3) ظاهر وباطن(4)، واللُّؤم بضم اللام وهمزة ساكنة ضّد الكرم، (والخليل الصدیق)(5)، أو من أصفى المودة وأصحها، وفي بعض النسخ (فشرّ خليلٍ، والامُ خدين)(6) وحاصل المعنى أن افتقر يوماً واحتاج اليهم والى نصرهم يعدونه شرّ صديق ولا يذكرون ما أعطاهم من الأموال و يتقاعدون عن نصره.

[ومن كلامه (عليه السلام) للخوارج]

وفي بعض النسخ (ومن كلامٍ له (عليه السلام) قاله للخوارج أيضاً)(7): (فإن أبيتم إلاَّ أن تزعموا أنِّي أخطأت و ظللتُ(8)، فلم تُضللون عامَّة أمَّةِ مُحمدٍ (صَلّى اللهُ عليه والهِ) بضلالي، وتأخذونهم بخطائي، وتكفرونهم بذنوبي! سيوفكم على عواتقکم تضعونها مواضع(9) البراءة والسقم، وتخلطون من اذنب بمن لم يذنب، وقد علمتم أن رسول الله (صلى الله عليه واله) رجم

ص: 263


1- لسان العرب، مادة (خدن): 13 / 139
2- المصباح المنير، مادة (الخدن): 1 / 165
3- (کلام) في م
4- ينظر: لسان العرب، مادة (خدن): 13 / 139
5- المصدر نفسه، مادة (خلل): 11 / 217
6- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، الراوندي: 2 / 38، و شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 8 / 87، و شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 3 / 131
7- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 8 / 89
8- (ضلت) في أ، ع
9- (موضع) في ر

الزاني، ثم صلى عليه، ثم ورثهُ أهله، وقتل القاتل، وورث میراثه أهله، و / ظ 170 / قطع السارق وجلد الزاني غير المحصن، ثم قسم عليهما من الفيء، و نکحا المسلمات، فأخذهم رسول الله (صلّى الله عليه واله) بذنوبهم، وأقام حق الله فيهم، و لم يمنعهم سهمهم من الاسلام، ولم يخرج أسماءهم من بين أهله.) الزَعم بالفتح والضم قريب من الظن وأكثر ما يستعمل في الباطل وما لا يوثق به من الأحادیث کما تقدم(1)، وظللت كزللت کما في بعض النسخ ومللت کما في بعضها، وتضللون أي تنسبون إلى الضلال وتسمون ضالين، وكذلك تكفرون، والعواتق(2) جمع عاتق وهو (موضع الرداء من المنکب)(3) [أو بين(4) المنكب](5) والعنق(6) وقد يؤنث(7)، وورثه على صيغة التفعيل أي جعله من الورثة واعطاه(8) الميراث، وقد يكون بمعنى أدخله في الورثة، ولم يكن منهم، وأما أورثه(9) على صيغة الأفعال، فمعناه ترك له ميراثاً، وما في الخبر الموضوع: (نحن معاشر الأنبياء لا نورث)، ليس منهما بل هو على صيغة المجهول من المجرد يقال: ورِث فلان أباه بكسر الرّاء، فهو وارث،

ص: 264


1- ينظر: النص المحقق، صحيفة: 147
2- (العوائق) في ر، وفي ع: (العوانق)، تصحيف
3- الصحاح، مادة (عتق): 4 / 1521
4- (من) في م
5- [أو بين المنكب] ساقطة من ع
6- (العتق) في ر، م، تصحيف
7- ينظر: المذكر والمؤنث، لابن التستري (361 ه): 93
8- (اعطاء) فيع، من
9- (ورثه) في ع

وأبوه موروث، وظاهر السياق أن السرقة من الكبائر أو بزعمهم(1)، وقد ذهبت الخوارج قاطبة إلى تكفير أصحاب الكبيرة مطلقاً وهذه شبهتهم في تكفير من رضي بالتحكيم والاحصان(2)، والتحصين في الأصل [المنع](3) (4)، قال الله عزّ وجلّ: «لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ»(5)، وقال تعالى: «فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ»(6)، و ورد في الشرع بمعنى الإسلام و البلوغ و العقل والترويج و العفة عن الزنا والإصابة في النكاح والموجب(7) للرجم(8) في المشهور أن يكون الواطئ بالغاً حراً متمكناً من فرح(9) مملوك بالعقد الدائم أو الرق يغدو عليه ويروح وفي اعتبار کمال العقل خلاف، وفي رواية مهجورة(10) إذا كان بينهما دون مسافة التقصير، ونكحا أي السارق و الزّاني بحكم الشرع والظاهر رجوع الضمير في أهله [الى](11) الإسلام واحتجاجه (عليه السلام) بما ذکر ابطال لما زعموا من أن الدار دار کفر لا يجوز الكف عن أحد من أهلها وقتلوا الناس حتى الأطفال، وقتلوا البهائم واحتجوا لما ذهبوا بحجج باطلة

ص: 265


1- (يزعمهم) في ع، تصحيف
2- (الاحصاد) في م، تحریف
3- [المنع] ساقطة من ر
4- ينظر: لسان العرب، مادة (حصن): 18 / 148
5- الأنبياء / 80
6- الحشر / 14
7- (الموحب) في أ، ع، تصحيف
8- (للرحم) في أ، ع، تصحيف
9- (فرج) في ث، ر، م، تصحيف
10- (مهجوزة) في ر، تصحیف
11- [الى] ساقطة من ر

ذكرها بعض الشارحين(1)، (ثمّ أنتمَ شرار الناس، ومن رمی بهِ الشيطان مُراميه وضَرَب بهِ تيههُ. و سيهلكُ فِيَّ صنفان مُحبٌ مفرطٌ يذهب بهِ الحُبُّ إلى غير الحق، ومبغض مفرطٌ يذهب به البغض إلى غير الحق، وخير الناس في حالاً النمط الأوسط فالزموه) مرامي الشيطان طرق الضلال التي يقود الإنسان اليها بوساوسه، والتِيه بالكسر المفازة التي لا علامة فيها يقتدى بها، وتاه الانسان يتيه تَيهاً وتِيها بالفتح والكسر إذا ضل وتحير وضرب به يتيه أي وجهه اليه من ضربت في الأرض إذا سافرت والباء للتعدية كما في رمی به، وأفرط في الأمر أي جاوز فيه الحد، و التقييد في الثاني لتخصيص اكمل الإفراد بالذكر أو لأن المبغض(2) مطلقاً مجاوز عن الحد فالمفرط من أفرط للبغض(3) لا في البغض(4)، أو لأنَّ الكلام اخبار عن حال من سيوجد من المبغضين ومن وجد منهم كان مفرطاً، ولا [يضر](5) امكان غيره وهلاكه لو وجد وفيه رعاية للازدواج، وقد اتفقت(6) كلمة الفريقين في أنَّ النبي (صلى الله عليه واله) قال له (عليه السلام): (لا يحبك إلاَّ مؤمن ولا يبغضك إلاّ منافق)(7) وقد ذكرنا طرفاً من الأخبار في ذلك في مقدمة شرح

ص: 266


1- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 8 / 90 - 93
2- (البعض) في أ، ع، تحریف، وفي ن: (المبعض)
3- (للبعض) في أ، ع، وفي ر، ن: (للبغص)
4- (البعض) في أ، ع، وفي ن: (البعض)
5- [يضر] ساقطة من ر
6- (انقضت) في ع، تحریف
7- مسند أحمد: 1 / 95، و سنن الترمذي: 5 / 306، وسنن النسائي: 8 / 116، و مجمع الزوائد: 9 / 133، و فتح الباري: 1 / 60

الخطبة الشقشقية من كتاب حدائق الحقائق(1) ومقالات(2) الغلاة المفرطين في حبه (عليه السلام) مذكورة في كتب المقالات و النمط بالتحريك الطريق من الطرائق والجماعة من الناس أمرهم واحد والصنف و النوع يقال: هذا [من نمط هذا](3) أي من نوعه، والأنسب بقوله: (فالزموه) المعنى الأول إلا أنّه لا بد من تقدير مضاف أي خير الناس في حالا لازم النمط الأوسط وعلى الأخيرين معنى اللزوم الكون منه والدخول فيه، ولزمه کسمع إذا لم يفارقه (والزمُوا السواد الأعظم؛ فإنَّ يد الله على الجماعة، وإیاکم والفرقة، فإنَّ الشاذَّ / و 171 / من الناس للشيطان، كما أنّ الشاذة(4) من الغنم للذئب) السواد (العدد الكثير)(5)، والجماعة من الناس ويسمى الشخص سوادا؛ لأنّه يُرى من بعيد أسود کما يسمى الخضرة سواداً، ومنه سواد العراق لكثرة أشجاره وزروعه(6)، ولعلّ تسمية الجماعة به أيضاً لذلك ويد الله كناية عن الحفظ والدّفاع، أي أن الجماعة في كنف الله وحفظه، والشاذ النادر الخارج عن الجماعة، وفي هذا الكلام دلالة على رجحان العمل بالقول المشهور إلاَّ إذا قام دليل أقوى على خلافه. (أَلاَ من دعا إلى هذا الشعار فاقتلوه، ولو كان تحت عمامتي هذه، وإنما حكم الحكان ليُحيياما أحيا القرآن، ويميتاما أمات

ص: 267


1- ينظر: مخطوط حدائق الحقائق: 179
2- (مقالات) في ر، م، تصحيف
3- [من نمط هذا] ساقطة من ع
4- (الشادة) في أ
5- تاج العروس، مادة (سود): 5 / 34
6- ينظر: معجم مقاییس اللغة، مادة (خضر): 2 / 195، و المصباح المنير، مادة السواد): 1 / 294

القرآن، وإحياؤه الاجتماع عليه، وإماتته الافتراق عنه، فإنَّ جرَّنا القرآن اليهم اتبعناهُم وإن جرّهم الينا اتبعونا) الشعار ککتاب علامة القوم في الحرب وفي السفر وهو ما ينادون به ليعرف بعضهم بعضاً(1)، وكان شعار الخوارج (لا حكم إلا الله)، أو (لا حكم إلاّ للهِ)، وقال بعض الشارحين: كان شعارهم أنهم يحلقون وسط (رؤوسهم)(2) و يبقون الشعر مستديراً حوله كالإكليل(3)، وقال بعضهم: المشار اليه بهذا الشعار مفارقة الجماعة والاستبداد بالرأي(4)، والعِمامة بالكسر مايلف على الرأس، والمغفر و البيضة، وقيل في قوله (عليه السلام): (ولو كان تحت عمامتي هذه) أي ولو اعتصم واحتمى(5) بأعظم الأشياء حرمة، وقيل: کنی بها عن أقصى القرب من عنايته أي ولو كان ذلك الداعي في هذا الحد من عنايتي به، وقيل: أراد ولو كان ذلك الداعي أنا وقوله (عليه السلام) وإنَّما حكم الحكمان جواب عن شبهة التحكيم(6) ووجوب متابعة الحكمين وفي بعض النسخ (فإنّما)(7) بالفاء واحياؤه أي ما يحييه القرآن هو الاجتماع عليه واماتته أي ما يميته الافتراق عنه فيكون من اضافة المصدر إلى الفاعل، أو(8) هو من اضافته إلى المفعول فالمعنى أن الاجتماع على القرآن احياء للقرآن إذ

ص: 268


1- ينظر: المصباح المنير، مادة (الشعر): 1 / 315
2- (رؤسهم) في ن
3- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 8 / 98
4- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 3 / 135، 136
5- (اجتمى) في ر، تصحيف
6- (التحكم) في م، تحریف
7- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، الراوندي: 2 / 39، شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 8 / 89، و شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 3 / 133
8- (و) في أ، ع، م

به يحصل الأثر والفائدة المطلوبة من القرآن أي عبادة الله عز وجل وطاعته والافتراق عنه اماته(1) [له](2) أي محق و ابطال له والغرض أن من لم يحكم بحكم القرآن لم يقتصر على ترك احياء ما أحيي القرآن ولم يرضَ(3) بعدمه، بل أمات القرآن أيضاً. (فلم آتِ - لا أبالكم - بجراً، ولا ختلتكم عن أمركم، ولا لبسته علیکم. إنّما اجتمع رأي ملأكم(4) على اختيار رجلين، أخذنا عليهما أن لا يتعدّيا القرآن، فتاها عنهُ، وتر کا الحق وهما يبصرانه(5)، وكان الجور هواهما، فمضيا عليه، وقد سبق استثناؤنا عليهما في الحكومة بالعدل، والصَّمد للحقِ. سُوء رأيهما، وجور حُکمهما) اتيت الأمر أي فعلته، ولا أبالك أكثر ما يذكر في المدح أي: لا كافي لك غير نفسك، وقد يذكر في معرض الذم نحو لا أم لك، وقد يذكر في معرض التعجب و دفعاً للعين كقولهم: لله دُّرك، وقد يذكر بمعنی جدّ في أمرك وشمِّر؛ لأن من له أب اتكّل عليه في بعض شأنه وقد يحذف اللاّم فيقال: لا أباك بمعناه و المناسب للمقام الذّم، والبُجر بالضم والفتح وفي النسخ بالضم (الداهية)(6) و (الأمر العظيم)(7)، وختله كضربه أي: خدعه وختل الذئب الصّيد إذا تخفأله، ولبس(8) عليه الأمر كضرب أي: خلطه و التلبيس التخليط، و التشديد للتشديد و التكثير، والملأ بالتحريك الجماعة

ص: 269


1- (أمانه) في ر، تصحیف
2- [له] ساقطة من ر
3- (برض) في ر، تصحيف
4- (ملا بكم) في ر، م، تحریف
5- (ينصرانه) في أ، ر، م، تصحيف
6- القاموس المحيط، مادة (بجر): 1 / 367
7- المصدر نفسه، مادة (بجر): 1 / 367
8- (ليس) في أ، ع، تصحيف

وتاها أي ضلاّ، والجور ضدّ العدل و نقیض(1) القصد، والهوى مقصوراً ارادة النفس والعشق و يستعمل في الخير والشر و(الصمد القصد)(2)، ويظهر من الكلام جوابان عن شبهتهم في التحكيم: أحدهما: إنّه لم يكن التحكيم واختيار الرّجلين برضاه (عليه السلام) واختياره، وإنّما ذلك أمر اتفقوا عليه کما ذکره أرباب السّير، وثانيهما: إن الرضا على تقديره إنَّما كان بما حکما به متبعين للحق قاصدين للعدل لا مطلقاً ولا حرج(3) في الرّضا بحكم أحد إذا حكم بالحق و اتبع أمر الله ولا ينافي ما تشبثوا به من أنه لا حكم إلاّ الله، ويظهر من ذلك عدم وجوب اتباع ما حكما به / ظ 171 / لخروجهما عما شرط عليهما وتعمدهما الجور والخروج عن الحق اتباع لهواهما.

[ومن كلامه (عليه السلام)] فيما يخبر به عن الملاحم بالبصرة:

(يا أحنف، كأنّي به وقد سار بالجيش الذي لا يكون له غبارٌ ولا لجبٌ، ولا قعقعة لجمٍ، ولا حمحمة خيلٍ، يثيرون الأرض بأقدامهِم كأنها أقدامُ النعام.) يومئ بذلك إلى صاحب الزنج الملحمة الوقعة العظيمة في الفتنة و القتال وهذا الفصل من خطبته شرحناها بطولها في كتاب حدائق الحقائق، وأحنف(4) اسمه صخر، وقيل: الضحاك بن قيس بن معاوية من بني تميم،

ص: 270


1- (فیض) في ع، تحریف
2- معجم مقاییس اللغة: 3 / 309، و القاموس المحيط: 1 / 308
3- (جرح) في أ، ع، تحریف
4- صخر بن قيس بن معاوية بن حصن بن عباد بن مره بن عبيد من تميم، وقیل اسمه الضحاك بن قيس، لقبه الأحنف لأنه ولد أحنف، وأمه حبة بنت عمرو بن ثعلبة من بني أود من الباهلة، كان من عقلاء الناس وفصحائهم وحکمائهم، شهد مع الامام علي (عليه السلام) صفين، ولم يشهد الجمل مع أحد من الفريقين، مات بالكوفة سنة (67 ه) في إمارة ابن الزبير. ينظر: المعارف: 423، و أنساب الاشراف: 12 / 310، و الانساب: 3 / 255، و وفیات الاعیان: 2 / 504

وكنيته أبو بحر وشهد مع علي (عليه السلام) الجمل ولم يشهد صفين مع أحد الفريقين، واللجب بالتحريك(1) الصّياح(2) [واختلاط الأصوات، ولعلّ خفض الصوت كان من عادتهم، والكلمة غير موجودة في بعض النسخ](3) و(القعقعة: حكاية [صوت](4) السلاح ونحوه)(5)، واللجم جمع لجام ككتب وكتاب و(الحمحمة: صوت الفرس دون الصهيل)(6)، و(الخيل: جماعة الأفراس لا واحد له)(7)، وقيل: واحد خائل لأنه يختال ويتكبر(8)، وثار الغبار أي: سطع واثاره غيره، ولعل اثارتهم الأرض بأقدامهم كناية عن شدة وطنهم الأرض وزحامهم، لا ما ذكره بعض الشارحين من أن المعني: أنهم يثيرون التراب بأقدامهم؛ (لأنَّ أقدامهم في الخشونة(9) كحوافر الخيل)(10) فإنَّه بظاهره ينافي ما سبق من قوله (عليه السلام) لا يكون له غبار اللهم

ص: 271


1- (بحركة) في ر، وفي م: (محركة)، تحریف
2- (الصباح) في ث، ر، تصحیف، ينظر: لسان العرب، مادة (لجب): 1 / 735
3- [واختلاط الأصوات، ولعلّ خفض الصوت كان من عادتهم، والكلمة غير موجودة في بعض النسخ] ساقطة من م
4- [صوت] ساقطة من م
5- الصحاح، مادة (قعع): 3 / 1269
6- النهاية في غريب الحديث والاثر: 1 / 436
7- حياة الحيوان الكبرى، الدميري: 1 / 436
8- حياة الحيوان الكبرى، الدميري: 1 / 431
9- (الخشونة) في ر، تصحيف
10- بحار الأنوار: 32 / 251

إلاّ أنَّ يكون المنفي الغبار الشديد الذي جرت العادة بسطوعها عند مسیر الجيوش و الفرسان، و النَعام بالفتح اسم جنس للطائر المعروف يقع على الواحد و الجمع، وصاحب الزنج اسمه عليّ وكان يدّعي أنّه عليّ(1) بن محمد بن أحمد بن عیسی بن زید [بن علي](2) بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السَّلام)، وأكثر أرباب السّير قدحوا في نسبه خصوصاً الطّالبيون و جمهور النسابين(3) اتفقوا على أنّه من عبد القيس وإنه علي بن محمد بن عبد الرحيم جدّه محمد بن حكيم الأسدي أحد الخارجين مع زيد بن [علي (عليه السلام) على هشام بن عبد الملك، وفي بعض الأخبار أن ارتفاع أمره كان قريباً من وفاة سيدنا أبي محمد](4) الحسن العسكري (عليه السلام) وإنه شغل أمره أصحاب الخليفة عن الفحص عن حال القائم (عليه السلام) وكان وفاته (عليه السلام) سنة ستين ومأتين في أيام المعتمد، وقيل في أيام المعتز، والأول أصح وبعض الناس كانوا يرمونه بالزندقة و الإلحاد، وكان

ص: 272


1- هو علي بن محمد بن عبد الرحيم، ينسب إلى عبد القيس، كان قاسي القلب ذمیم الاخلاق، خرج بالاهواز في خلافة المهتدي، وسار الى البصرة وملكها، وكان قد استغوی الزنج وهم إذ ذاك بالبصرة والاهواز ونواحيها، وتوجه الى بغداد في زمن المعتمد على الله أبي العباس أحمد بن المتوكل فقام بحربه طلحة بن المتوكل، وهو الملقب بالموفق. ينظر: تاريخ الطبري: 7 / 543، و الكامل في التاريخ: 7 / 206، و عمدة الطالب في أنساب ال أبي طالب، أحمد بن حسين (ابن عنبه) (ت 828 ه): 292
2- [ابن علي] ساقطة من أ، ع
3- ينظر: المختصر في أخبار البشر، أبي الفداء(ت 732 ه): 2 / 46، و الوافي بالوفيات: 21 / 268، و البداية والنهاية: 11 / 26
4- [علي (عليه السلام) على هشام بن عبد الملك، وفي بعض الأخبار أن ارتفاع أمره كان قريباً من وفاة سيدنا أبي محمد] ساقطة من ع

يقتل الرّجال و النساء(1) والأطفال والشيخ الفاني والمريض وكان أكثر اتباعه في أوّل الأمر عبيد الدهاقين بالبصرة من الزنج استمالهم إلى نفسه بالمواعيد واستنقاذهم من أيدي ساداتهم و استخلاصهم من سوء الحال وما يلقونه من شدة العبودية وحلف لهم بالأيمان الغليظة إنه يملكهم الأموال و الضياع ويجعلهم حكاماً على السادة وكانوا مشاة حفاة أقدامهم عراض غلاض وقد اشار اليه (عليه السّلام) بقوله: (يثيرون الأرض بأقدامهم كأنها أقدام النعام) وقيل كان(2) قدومه البصرة سنة أربع وخمسين وماتین وذكر المسعودي في مروج الذهب(3) أن هذه الوقعة بالبصرة هلك فيها من أهلها ثلاثمائة ألف انسان، وقصة ما فعله بأهل البصرة وغيرهم بطولها مذكورة في شرح الفاضل عبد الحميد بن أبي الحديد(4)، ثم قال (عليه السلام): (ويلٌ لسكككم العامِرة، والدّور المُزخرفة التي لها أجنحة كأجنحة النسور، وخراطيم كخراطيم الفيلة، من أولئك الذين لا يندب قتيلهم، ولا يفقد غائبهم) السكك جمع سِكة بالكسر، وهي (الزقاق)(5) و (الطريق المستوي)(6) و(الطريقة المصطفة من النخل)(7)، والمزخرفة المزينة، أو المزينة بالذهب، و الزخرف في

ص: 273


1- [النساء] ساقطة من ر
2- (قیل و کان) في ث، ر، ن
3- ينظر: مروج الذهب: 4 / 119
4- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 8 / 100 - 168
5- لسان العرب، مادة (سكك): 10 / 441
6- المصدر نفسه، مادة (سكك): 10 / 441
7- المصدر نفسه، مادة (سكك): 10 / 441

الأصل (الذهب)(1)، وأجنحة الدّور المشبهة بأجنحة النسور رواشنها(2) على ما ذكره بعض اللغويين، وقيل: الجناح و الروشن يشتركان في اخراج الخشب من(3) حائط الدار الى / و 172 / الطريق بحيث لا يصل إلى الجدار المقابل فيبني عليه ولو وصل فهو السّاباط، و الفرق بينهما إن الجناح يوضع له أعمدة من الطريق، بخلاف الروشن وخراطيمها ما يعمل من الأخشاب و البواري بارزة عن السقوف(4) لوقاية الغرف(5) ونحوها عن الأمطار وشعاع الشمس، وقال بعض الشارحين: الأجنحة الرواشن وما يعمل من الأخشاب(6) و البواري کما ذکر والخراطيم الميازيب التي تطلى بالقار یكون نحوا من خمسة أذرع، أو أزيد تدلى من السطوح حفظاً للحيطان(7) والنسر الطائر المعروف سمي به؛ لأنه ينسر اللحم وغيره أي ينتفه ويقتلعه والفيلة کعنبة جمع فِيل بالكسر، و النُدبة بالضم البكاء على الميت وعّد محاسنه(8) وفقده كضربه أي: عدمه و افتقده وتفقده أي: طلبه عند غيبته، ومات فلان غیر فقید و لا حميد وغير مفقود، أي: لا يُكترث لفقدانه ولا يبالي به وكونهم لا يندب قتيلهم، ولا يفقد غائبهم؛ لأنَّهم كانوا عبيداً غرباء لم يكن لهم أهل وولد يبكون عليهم و يفتقدونهم، وقيل إنه وصف لهم بشدة البأس والحرص

ص: 274


1- الصحاح، مادة (زخرف): 4 / 1369
2- (واشنها) في ع، م، تحريف
3- (عن) في م
4- (السفوف) في أ
5- (العرف) في ع، تصحيف
6- (الخشاب) في ر، م، تحریف
7- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 3 / 138
8- ينظر: الصحاح، مادة (ندب): 1 / 223

لى القتال، وإنهم لا يبالون بالموت، وقيل: لا يفقد غائبهم لكثرتهم، وإنَّه إذا قتل منهم قتیل قام غيره مقامه. (أنا كابُّ(1) الدنيا لوجهها، وقادرها بقدرها، وناظرها بعينها!) كببت الشيء كمددته(2)، أي قلبته وصرعته، وكذلك أكبته فأكب هو على وجهه وهو من النوادر، وكبّ الإناء اهراق ما فيه، والمراد بكب الدنيا على وجهها إما تركها وعدم الالتفات إليها كمن يكفأ الإناء لأنه لا حاجة له فيه وحكي عن عیسی (عليه السلام) إنّه قال: أنا الذّي كببت الدّنيا على وجهها، ليس لي زوجة تموت، ولا بيت يخرب. وسادي الحجر، وفراشي المدر، وسراجي(3) القمر(4)، وإمّا العلم بباطنها وفنائها وما يلحقها من التغير و الانقطاع کما يقال: قلبت هذا الأمر ظهراً لبطنّ فإنَّ قلب الشيء يورث الاطلاع على باطنه [...](5)، وعلى الوجهين وإن كان مناسباً لما بعده إلاّ أنّه لا يظهر ملائمته لسابق الكلام فلعلّه حذف السّيد (رضي الله عنه) كلاماً من البين كما هو دأبه، و يحتمل أن يراد به ما یعّم الاطلاع على الأمور الغائبة فإنّها بمنزلة الوجه الآخر للدنيا يظهر لمن يقدر على كب الدنيا و قلبها و يخفى(6) على من لا يرى إلّا الحاضر منها وحينئذ يناسب الكلام السابق و القدر بالتحريك و التسكين و يوجدان في النسخ مبلغ الشيء ومقداره وقدر الشيء كنصر وضرب أي عرف قدره قال الله عزّ

ص: 275


1- (کابت) في م، تحریف
2- (کمددیه) في أ، ع، تصحيف
3- (سراحي) فيع، تصحيف
4- ينظر: ربيع الابرار ونصوص الأخبار: 5 / 331
5- [على باطنه] زيادة مكررة في م
6- (ويحفی) في أ، ث، ن

وجل: «وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ»(1)، أي ما عرفوه حق معرفته وما عظموه حق تعظيمه وناظرها بعينها أي أنا انظر إلى الدنيا بعين يليق أن ينظر اليها بها وهي عين الحقارة أو العبرة أو ما يعمّ الاطلاع على عواقبها وما سيكون فيها و يحتمل على بعد أن يراد بالعين الذات و النفس أي أنا أراها و أعرفها بحقيقتها وكنهها بخلاف غيري فإنّه لا يرى إلاّ شبحها و خیالها.

ومنها(2) [...](3) يُومِئ به إلى وصف الأتراك: (كأنَّي أراهم قوماً كأنَّ وجوههم المجانُّ المطرقةُ، يلبسون السَّرَقَ و الديباج، و يعتقبون الخيل العتاق) التُرك بالضم الجيل المعروف من الناس وكأنَّي أراهم أي: اعلم حالهم وانظر اليهم بعين البصيرة من غير شك كما ينظر الانسان الى شيء و يحس به، والمجان جمع مِجَن بكسر الميم وفتح الجيم وهو (التُرس)(4)، و المُطْرَقة بضم الميم وسكون الطاء المهملة وفتح الراء على صيغة المفعول من الأفعال کا في بعض النسخ(5) أي: التي قد أطرق بعضها إلى بعض أي ضُمت طبقاتها. كطبقات النعل، (يقال: أطرق النعل وطارقها)(6) (إذا صيرّها طاقاً فوق طاق(7)، وركب بعضها فوق بعض)(8) وفي بعض النسخ على صيغة التفعيل،

ص: 276


1- الأنعام / 91
2- [منها] بیاض في ث
3- [و] زائدة في ث، ر، م، ن
4- لسان العرب، مادة (مجن): 13 / 400
5- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، الراوندي: 2 / 40، وشرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 8 / 168، و شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 3 / 139
6- لسان العرب، مادة (طرق): 10 / 219
7- (طارقاً فوق طارق) في ع، تحریف
8- لسان العرب، مادة (طرق): 10 / 220

أي: كالتروس المتخذة من الحديد مطرق بالمطرقة وهي آلة الحدادين من الطَرق بالفتح وهو الضرب والدّق، وقال ابن الأثير في النهاية بعد رواية / ظ 172 / التخفيف: (ورواه بعضهم بتشديد الرّاء للتكثير، والأول أشهر)(1)، والسرق بالتحريك جمع سرقه بالتحريك أيضاً أي: (شقق الحرير)(2) أو(3) جيدة، وقيل: لا تسمی(4) سرقة إلاَّ إذا كانت بيضاء، وهي فارسية أصلها (((سره)) أي الجيد)(5)، والديباج ثوب سداه و لحمته أبريسم، ويقال هو معرب(6) ثم كثر حتى اشتقت(7) العرب منه فقالوا: دبج(8) الغيث الأرض کضرب إذا سقاها فأنبت أزهار مختلفة؛ لأنَّه عندهم اسم للمنقش واختلف في الياء، فقيل: زائدة ووزنه فيعال ولهذا يجمع بالباء، فيقال: دبابيج وقيل: أصلّية، والأصل دِباج بالتضعيف فأبدل من أحد المضعفين حرف العلّة ولهذا يرّد في الجمع إلى أصله فيقال: دبابيج بباء موحدة بعد الدّال(9). ويعتقبون الخيل أي يحبسونها لينتقلوا من غيرها إليها على ما ذكره بعض الشارحين(10)، يقال: اعتقب السلعة إذا

ص: 277


1- النهاية في غريب الحديث والاثر: 3 / 122
2- الصحاح، مادة (سرق): 4 / 1496
3- (و) في م
4- (يسمى) في أ، ث، ر، ع، م، تصحيف، والصواب ما اثبتناه
5- الصحاح، مادة (سرق): 4 / 1496
6- المعرب من الكلام الأعجمي: 72
7- (اشتهت) في أ، ع، ن، تحریف، وفي ر: (استقت) تصحيف
8- (دبح) في ث، ر، ع، ن، تصحيف
9- ينظر: المصباح المنير، مادة (الدیباج): 1 / 188
10- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 8 / 169

(حبسها عن المشتري حتى يقبض الثمن)(1)، أو يحبسونها ويرتبطونها على ما ذكره بعضهم(2)، أو يتناوبونها في الركوب واحداً بعد واحد على ما يظهر من کلام ابن الاثير(3)، قال في الحديث: وكان الناضح(4) يعتقبه منّا الخمسة) أي، يتعاقبونه في الركوب واحدة بعد واحد)(5)، والعتاق من الخيل النجائب، والعتق يكون بمعنى (الجمال)(6) و(الشرف)(7) و (النجابة)(8) و (الحرية)(9). (و يكون هناك استحرار قتل حتى يمشي المجروح على المقتول، ويكون المفلت أقل من المأسور(10)) استحر القتل أي اشتد من الحرّ بمعنى الشدة، وأفلت الطائر وغيره افلاتاً أي: تخلص وأفلته غيره أي: اطلقه و خلصه(11)، والأسر الشد والمأسور والأسير المقيد و المسجون، قال الشارح عبد الحميد بن أبي الحديد: هذا الغيب الذي أخبر عنه (عليه السلام)، قد رأيناه عيانا، ووقع في زماننا وكان الناس ينتظرونه من أول الإسلام(12)، وهذا القوم هم التتر و

ص: 278


1- الصحاح، مادة (عقب): 1 / 187
2- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 3 / 139
3- ينظر: النهاية في غريب الحديث والاثر: 3 / 268
4- (الناصح) في ث، ر، م، تصحيف
5- النهاية في غريب الحديث والاثر: 3 / 268، وفيه: (فكان...)
6- تاج العروس، مادة (عتق): 13 / 314
7- المصدر نفسه، مادة (عتق): 13 / 314
8- المصدر نفسه، مادة (عتق): 13 / 314
9- تاج العروس، مادة (عتق): 13 / 314
10- (المأمور) في م، تحریف
11- (أطلقته و خلصته) في أ، ع، تحریف
12- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 8 / 170

الناس يقولون التتار بألف، ورئيسهم جنكيز خان(1)، وقد كانوا في أقاصي بلاد الشرق من بلاد الصين، وبينهم وبين بلاد الإسلام التي ما وراء النهر ما يزيد على مسیر ستة أشهر فخرجوا ووردت خيلهم العراق و الشام وفعلوا ببلاد الإسلام ما لم تحتوي التواريخ بمثله منذ خلق الله آدم (عليه السلام)، ولم يسلم منهم سوی بغداد کما يلوح من كلامه (عليه السلام) حيث قال: (ويكون هناك استحرار قتل) وهناك للبعيد فإنّه (عليه السَّلام) خطب بها في البصرة ومعلوم أنَّ البصرة وبغداد شيء واحد فلو كان لهم استجرار قتل في العراق لما قال هناك بل هنا بدون الكاف، وتفصيل هذه القصة مذكور في كتب السّير.

(فقال له بعض أصحابه: لقد أعطيت يا أمير المؤمنين علم الغيب؟ فضحك (عليه السلام) و قال للرّجل - وكان كلبياً -: يا أخا کلبٍ، ليس هو بعلم غیبٍ، وإنّما هو تعلّمٌ من ذي علم)، قال بعض الشارحين: كان ضحكه (عليه السلام) من السرور بما أتاه الله من العلم و ليس السرور

ص: 279


1- واسمه (تيموجين)، وقيل (تیموتشجين) الابن الأكبر (لبيسوكاي)، وأمه (أو - إلون)، ولد أثناء اغارة والده على عدوه (تیموجینا) وعندما رجع أبوه سماه باسم عدوه الاسير، وكان يقطن الصين ب(ديلي أون) بولداق قرب تلة دلي أون المنفردة (بولداق) على الضفة اليمنى لنهر أوتون، لقب بالقاب عدية منها السفاح القادر، و طاغية التتار اجتاحت جحافل جنكيز خان البلاد الاسلامية عام (1215 م) فدمرت وخربت البلاد واستباحت الحرمات، واحرقت الكتب، مات سنة (1227 م). ينظر: جنكيز خان قاهر العالم، رينيه غروسیه: 49، و جنكيز خان امبراطور العالم، هارولد أوجن: 1، 8، والاسماعيليون والمغول ونصر الدين الطوسي، حسن الامین: 41، وحياة تیموتشجین (جنكيز خان الذي فكر في السيطرة على العالم): ي. إ. کیتشانوف: 325، وفي أ، ر، ع، ن: (حنكيز خان)

و الابتهاج بمذموم إذا خلا من التيه و العجب(1) وقد قال تعالى في صفة أوليائه: «فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ»(2)، وقد ضحك رسول الله (صلى الله عليه واله) في الاستسقاء لما اشار بيده الى السحاب فانجاب حول المدينة كالإكليل وهو (صلى الله عليه واله) يخطب(3) على المنبر، فضحك حتّى بدت نواجذه، وقال أشهد أنّي رسول الله ويحتمل أن يكون الابتهاج لظهور إيمان القائل، وإذعانه بصدقه (عليه السلام) في أخباره، ثم أنه يظهر من جوابه (عليه السلام) إنه علم أن مراد القائل لقد أعطيت يا أمير المؤمنين علم الغيب أنّه (عليه السلام) يعلم الغيب من غير تعلم وإن كان لفظ الإعطاء في كلامه لا ينافي التعلم فمراده بالإعطاء أنه (عليه السلام) أتاه الله قوة يقتدر بها على علم الغيب من غیر توسط النبي (صلّى الله عليه وآله)، أو الهام الهيّ، أو توسط الملائكة والرّوح النازلين في ليلة القدر ونحو ذلك فنفاه (عليه السلام) وقال: إن علمه بما أخبر به ليس إلاّ على وجه التّعلم وحينئذ يظهر وجه الجمع بين قوله عزّ وجلّ: «قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ»(4) وبين / و 173 / ما ثبت من أخبار الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) عن المغيبات وهذا الوجه هو الذي يظهر من قوله عزّ وجلّ: «عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا، إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ»(5) فإنَّه يدل على جواز اطلاع غيره سبحانه على الغيب بتعليم واظهار الهي، ولعل الرسول في هذا الكلام

ص: 280


1- قول متصرف به، ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 8 / 170
2- آل عمران / 170
3- (يحظب) فيع، تصحيف
4- النمل / 65
5- الجن / 26، 27

يشمل النبي والملك لا کما زعمه بعض المفسرين من أنه يخص(1) الملك، إذ(2) لا مانع من اطلاع بعض الأنبياء (عليهم السلام) على غيب بلا توسط ملك من الملائكة (عليهم السلام)، و أما الهام غير الأنبياء (عليهم السلام) فلعلّه بتوسط الملك و المراد الاظهار بغير واسطة، فلا ينافي اطلاع الخواص بل العوام على بعض الغيوب بأخبار الوسائط و امّا علم النجوم فقد سبق الكلام فيه في شرح کلامه (عليه السلام) لمّا عزم على المسير إلى الخوارج(3) ويلزم الإشكال لو ثبت أنّ له أصلاً و حقيقه وإنّه يفيد العلم القطعي، وإنَّ المتأصل منه ليس مستفاداً من تعليم الهيّ بل استخرجه النّاس(4) بأفكارهم، وإن عمله ليس مخصوصاً بالأنبياء والأئمة (سلام الله عليهم) أمّا لو لم يكن له حقيقه وأصل كما هو الظاهر من مذهب السيد الأجلّ المرتضى (رضي الله عنه) ويطابقه(5) بعض الأخبار فالأمر واضح ولو لم يكن مفيداً للعلم، بل كان مورثاً(6) للظن لتوقف مدلولاته على عدم تعلق مشيئة(7) الله عزّ و جلّ تبدّلها(8) و تغيرها و اشتراطها بشروط لا يعلمها إلّا الله عز وجل كان خارجاً

ص: 281


1- (يحض) في ث، تصحيف
2- (إد) في أ، ر، ع، ن، تصحیف، وفي م: (او)، تحریف
3- (الخواض) في ع، تصحيف
4- (النار) في أ، ع، تحریف
5- (تطابقه) في أ
6- (مورتاً) في أن تصحيف
7- (مشيه) في أ، ن، وفي ر: (مشینه)
8- (تبيد لها) في ر

[عن](1) علم الغيب فإنَّه لا مانع من حصول الظن ببعض الأمور المستقبلة بالتوسم و التفرس و التجربة و النظر في القرائن و الامارات وغير ذلك، ولو كان المتأصل منه ممّا في أيدي المنجمين مأخوذاً عن الأنبياء و الأئمة (عليهم السلام)، أو معلوماً بالهام الهي كان داخلاً في قسم التعلم من ذي العلم ولو كان علمه مخصوصاً بهم (عليهم السلام) كان كسائر علومهم داخلاً في التعلم من ذي العلم دون علم الغيب، وقد عرفت فيما سبق أنَّ الظاهر أن له أصلاً في الجملة وإنَّ دلالة النجوم والأوضاع ليست من جهة التأثير تامّاً، أو ناقصاً، بل هي من قبيل العلامات و الإمارات أمّا مفيدة للعلم العادي، لكن العلم بوقوع مدلولاتها مخصوص(2) بهم (عليهم السلام) لتوقفه على العلم بوجود الشرائط و ارتفاع الموانع، ومن جملة الموانع تعلق ارادته سبحانه بالتخلف المصلحة ولا سبيل إلى ذلك العلم إلاّ بتعليم الهي أو مفيدة للظّن، وما في أيدي الناس ليس بذلك العلم أصلاً، أو بعضه منه لكنه غير معلوم بخصوصه ولا يفيد العلم قطعاً، وإفادته نوعاً من الظن مشكوك فيه، وإنّ العمل(3) بهذا الذّي في أيدي الناس أمّا محرّم، أو مکروه کراهة شديدة، ولعل الأول اظهر، و النظر فيه و تعلمه دائر بين الأمرين والله تعالى يعلم، (وإنما علم الغيب عِلمُ الساعةِ وما عددهُ اللهُ سبحانه بقوله: «إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ»(4) الآية فيعلم سبحانه ما في الأرحام من ذكر أو انثی، و قبيح أو جميل، و شقي أو

ص: 282


1- [عن] ساقطة من م
2- (محضوض) في ع، تصحيف
3- (العلم) في أ، ع، تحریف
4- لقمان / 34

سعيد، ومن يكون في النار حَطباً، أو في الجنان للنبيين مرافقاً، فهذا علم الغيب الذّي لا يعلمُهُ أحدٌ إلاَّ الله، وما سوي ذلك فعلمٌ علّمَهُ اللهُ نبيه فعلمنيه، ودعا لي بأن يعيهُ صدري، و تضطمّ عليه جوانحي) الساعة يوم القيامة، والساعة في الأصل تكون(1) لمعنيين: أحدهما: الجزء القليل من النهار، أو الليل، تقول(2): جلست عندك ساعة من النهار، أي وقتاً قليلاً منه، وثانيهما: الوقت الحاضر، ثم استعير ليوم القيامة(3)، و(قال الزجاج: معنى السّاعة في كل القرآن: الوقت الذي تقوم فيه القيامة، والمعنى أنّها ساعة خفيفة يحدث فيها أمر عظيم فلقلة الوقت الذي تقوم(4) سماها ساعة)(5)، والله تعالى يعلم، و في بعض النسخ (من يكون للنّار حطباً)(6) باللام بدل (في)، والمرافق الرفيق وهو في الأصل مخصوص / ظ 173 / بالطريق، و يطلق على الصاحب(7) والجليس، ووعاه أي حفظه و جمعه، وتضطم افتعال من الضم، وهو الجمع، (وقبض الشيء الى شيء)(8)، والجوانح جمع جانحة وهي الضلع تحت الترائب مما يلي الصّدر(9)، واضطمت عليه الضّلوع أي: اشتملت، ثم أنَّ كلامه (عليه السلام) يتضمن

ص: 283


1- (يكون) في أ، ث، ر، ع، م، ن، تصحيف، والصواب ما أثبتناه
2- (يقول) في أ، ث، ع، م، تصحيف
3- ينظر: لسان العرب، مادة (سوع): 8 / 169
4- (يقوم) في ث، م، تصحيف
5- لسان العرب، مادة (سوع): 8 / 169
6- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 8 / 168
7- (الصاحبة) فيع، تحریف
8- تاج العروس، مادة (ضمم): 17 / 429
9- ينظر: لسان العرب، مادة (جنح): 2 / 429

الفرق بين الخمسة وما سواه(1) في الاختصاص بعلم الله عزّ وجلّ بعد الفرق بين علمه سبحانه وبين علمه (عليه السلام)، بأنَّ الثاني تعلّم من ذي علم، فالمراد بالأول العلم من غير تعلم وبه يتم الجواب عن الشك الناشيء في المقام، فهذا الفرق الأخير أما جواب آخر على الاستقلال(2) أو التنزل ومآله تخصيص ما ظاهره العموم من الآيات الواردة في اختصاص علم الغيب به سبحانه وغيرها والفرق أمّا باعتبار العموم في الخمسة.

من حيث الإفراد فيكون العلم بجميع ما تكسب نفس [...](3) غداً مثلًا مخصوصاً به سبحانه فلا ينافي علم الرسول (صلى الله عليه واله) وغيره ببعض ما يكسب غداً، وحينئذ يمكن اعتبار التعدد في علم الساعة بوجه لا يخلو من شوب تكلف، وإمّا بأخذ الخصوصيات حتى يكون العلم بنزول الغيث مثلاً بجميع الخصوصيات من عدد القطرات و منزل كل منها و مقدارها في العظم و الصغر وغير ذلك مخصوصاً به عزّ وجلّ، فلا ينافي علم غيره ببعض الخمسة على وجه غير مصفى من الإجمال، وإمّا باعتبار البداء فيكون العلم بها على وجه غير محتمل للبداء [وعلى الحتم مختصاً به تعالى فلا ينافي علم الغير بشيء من ذلك على وجه محتمل للبداء](4) والتغيير وربما يوجد في الإخبار مایؤید کلاً من الوجوه، ولعل التفصيل في كلامه (عليه السلام)

ص: 284


1- (سواء) في م، تحریف
2- (الاستقال) في م، تحریف
3- ([نفس] زائدة مكررة في ر
4- [وعلى الحتم مختصاً به تعالى فلا ينافي علم الغير بشيء من ذلك على وجه محتمل للبداء] ساقطة من أ، ع، ن

يؤيد الوجه الثاني والله تعالى يعلم.

[ومن خُطبة له (عَليهِ السَّلام)] في ذكر المكائيل

وفي بعض النسخ(1) و الموازين، قال بعض الشارحين: لست أرى في هذه الخطبة ذكراً للموازين و المكائيل التي اشار اليها الرضي (رحمه الله) اللهم إلاّ أن يكون قوله (عليه السلام): ((وأين المتورعون(2) في مكاسبهم؟))، أو قوله: ((ظهر الفساد)) ودلالتهما(3) على المكائيل والموازين بعيدة(4)، ولعلّ الأظهر اشتمال الخطبة على ذكر المكائيل و الموازين و اشتهارها بذلك و اسقاط ما اشتمل عليها من السيد (رضي الله عنه) على عادته ولا يبعد أن يكون ذکر عنده (عليه السلام) تطفيف النّاس في المكائيل و الموازين وشيوع ذلك بينهم فخطب (عليه السلام) بهذه الخطة ونهاهم عن ذلك المنكر على الاجمال ووبخهم(5) بفعلهم بقوله: أين المتورعون في مكاسبهم ونحو ذلك، فالمراد بقوله: في ذكر المكائيل عند ذكرها، وفي وقته لا أنها مذكورة في الخطبة صريحاً (عِبَادَ اللهِ إِنَّكُمْ [وَ](6) مَا تَأْمُلُونَ مِنْ هَذِهِ الدُّنْيَا أَثْوِيَاءُ مُؤَجَّلُونَ، وَ مَدِينُونَ

ص: 285


1- ينظر: منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، الراوندي: 2 / 46، وشرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 8 / 190
2- (المنورعون) في ر، تصحيف
3- (دلالتها) في ر
4- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 8 / 192
5- (و تخمهم) في ر، تحریف
6- [و] ساقطة من ر

مُقْتَضَوْنَ(1)؛ أَجَلٌ مَنْقُوصٌ؛ وَعَمَلٌ مْحَفُوظٌ، فَرُبَّ دَائِبٍ مُضَيَّعُ، وَرُبَّ كَادِحٍ خَاسِرٍ)، الأمل ضد اليأس، يقال: أمله كطلبه أملاً بالتحريك، و أكثر ما يستعمل فيما يستبعد حصوله، والأثرياء جمع ثوي وهو (الضيف)(2) كقوي وأقوياء، و مؤجلون أي: مؤخرون إلى وقت معلوم، والمدين کمبيع المديون، يقال: دُنت الرّجل أي: أقرضته، فهو مدين و مديون، ومقتضون جمع مقتضى على صيغة المفعول، کمرتضون و مرتضى ومصطفون و مصطفی و الغرض من الكلام تشبيه كل من العباد وما يأملونه بالضيف المؤجل، و المدين المقتضى على ما يظهر من كلام بعض الشارحين(3)، فما يضيفون به و الدّين المدّة المضروبة لكل واحد و يحتمل أن يكون المراد تشبيه أمرين بأمرين أي: إنكم وما تأملون کالأضياف وما يُضيفون به و المدينين(4) و الديون كقوله (عليه السلام): إنها مثلكم ومثلها أي الدنيا کرکبٍ سلكوا سبيلاً فكان قد قطعوه، والأجل المدة المقدرة، و المنقوص الناقص و نقص لازم متعد کزاد(5) و المعنى أجلكم أجل منقوص و انتقاص الأجل بذهاب اللحظات(6) / و 174 / و انقضاء الساعات وحفظ العمل سطره في الصحيفة و ظهوره عند الرقيب العتيد و دأب في عمله کمنع أي جدّ تعب و المضيّع في أكثر النسخ على صيغة التفعيل، ويروى على

ص: 286


1- (تقضون) فيع، تحریف
2- تاج العروس، مادة (ثوی): 19 / 263
3- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 8 / 192
4- (المدينون) في م، تحریف
5- (کراد) في ث، م، تصحيف
6- (اللحظاب) في أ، ع، وفي ث، ر: (اللخطات)، تصحيف

صيغة الأفعال، يقال: ضّيع الشيء و أضاعه إذا أتلفه(1) [وأهلكه](2) وأهمله، وكدح في العمل منع أي: سعی و کدّ و کسب، و الخسر النقص و خسر کفرح و ضرب ضلّ و خسر التاجر وُضِع في تجارته، أو غُبِن و الغرض الحث على مراقبة العمل و التدبر فيه، و الردع عن الاغترار بالعمل، وإنَّ القصد فيه الصلاح فإنَّه قد لا يثمر إلاَّ الفساد و الخسران كما قال عز وجل: «[قُلْ هَلْ](3) نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا»(4) (وَقَدْ أَصْبَحْتُمْ فِي زَمَنٍ لَا يَزْدَادُ الخَیُرْ(5) فيِهِ إِلَّا إِدْبَاراً، وَ الشَّرُّ فِيهِ إِلَّا إِقْبَالاً، وَالشَّيْطَانُ فِي هَلاَكِ النَّاسِ إِلاَّ طَمَعاً؛ فَهَذَا أَوَانُ قَوِيَتْ عُدَّتُهُ، وَعَمَّتْ مَكِيدَتُهُ، وَأَمْكَنَتْ فَرِيسَتُهُ) الواو في قوله (عليه السلام) (وقد أصبحتم) غير موجود في بعض النسخ(6) وكذلك كلمة (فيه) في قوله (عليه السلام): (والشرّ فيه إلاّ إقبالاً)(7)، [و الزمن محركة [...](8) کسحاب

ص: 287


1- (تلفه) في ر، م
2- [وأهلکه] ساقطة من م
3- [قل] ساقطة من ر، [قل هل] ساقطة من م
4- الكهف / 103، 104. وفي نسخة ر ورد تحريف: ((هل ننبئكم بالأخسرين أعمالًا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسبون انهم يحسنون صُنعاً))
5- (الخبر) في ر، تصحيف
6- بحار الأنوار: 100 / 108
7- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، الراوندي: 2 / 46، وشرح نهج البلاغة، ابن أبي الحدید: 8 / 190
8- [و] زائدة في أ، ن، لا تناسب السياق

العصر [...](1) (اسمان لقليل الوقت وكثيرة)(2)](3)، والَأوان بالفتح وكذا في النسخ، وقد يكسر الحين، و العُدة بالضم الاستعداد، و ما أعددته وهيأته من مال أو سلاح(4) وعمّ الشيء كمدّ(5) عموماً شمل و المكيدة و الكيد المكر والخبث، والفَرس بالفتح القتل، [و](6) الفريس القتيل، وفرس الذبيحة (كسر رقبتها قبل أن تبرد)(7)، وفرس الأسد فريسته دقّ عنقها(8)، وأمكنت فريسته أي أمكنته، [و](9) يقال: أمكنني الأمر أي سهل و تيسر وكان لي عليه سلطان وقدره، و الغرض عموم الضلال و اتباع الشيطان في الناس. (أضْرِبْ بِطَرْفِكَ حَيْثُ شِئْتَ مِنَ النَّاسِ؛ فَهَلْ تُبْصِرُ إِلاَّ فَقِراً يُكَابِدُ فَقْراً، أَوْ غَنِيّاً بَدَّلَ نِعْمَةَ اللهِ كُفْراً، أَوْ بَخِياً اتَّخَذَ الْبُخَلُ بِحَقِّ اللهِ وَفْراً، أَوْ مُتَمَرِّداً كَأَنَّ بِأُذُنِهِ عَنْ سَمْعِ الْمَوَاعِظِ وَقْراً!)، طَرف العين بالفتح نظرها، و طرف بصره کضرب حرّك جفنيها أو أطبق أحد جفينها على الآخر(10)، و طرفت البصر عنه صرفته، وفي بعض النسخ (تنظر) موضع (تبصر)، و مكابدة الفقر مقاساته و تحمل

ص: 288


1- [و] زائدة في أ، ن، لا تناسب السياق
2- القاموس المحيط، مادة (زمن): 4 / 232، وتاج العروس، مادة (زمن): 18 / 293. وفي أ، ع، ن: (واسمان)
3- [و الزمن محركة سحاب العصر اسان لقليل الوقت وكثيرة] ساقطة من ر، م
4- (صلاح) فيع، تحریف
5- (مکد) في ر، تحریف
6- [و] ساقطة من ر
7- النهاية في غريب الحديث والأثر: 3 / 428
8- ينظر: معجم مقاییس اللغة، مادة (فرس) ی: 4 / 485
9- [و] ساقطة من ر، م
10- ينظر: لسان العرب، مادة (طرف): 9 / 213

المشاق فيه من الكبد(1) بالتحريك، وهو (المشقة)(2) و [الشدة](3)، وذكر الفقير المكابد للفقر في هذا المقام أمّا لأنَّ الغرض بيان ما سبق من إدبار الخير و إقبال الشرّ و عموم الضلال ومقاساة الفقراء بيان للأولين کما أنَّ ما سيجي بيان للأخير بل للجمیع کما يظهر من كلام بعض الشارحين(4)، فالخير يعم الدنياوي وكذلك الشر، ولا يخلو عن بعد عن المقام وأمّا لأنَّ شيوع الفقر بل وجوده في الخلق لمنع الزكاة وحبس الحقوق الواجبة، فإنَّ الله فرض في أموال الأغنياء ما يكفي الفقراء کما تدل(5) عليه الأخبار، فذلك أيضاً يعود إلى شيوع المنكرات و متابعة الشيطان، و يحتمل أنَّ يكون المراد بمكابدة الفقر عدم الصبر عليه و الخط لقضاء الله فالغرض(6) خروج الخلق جميعاً غنيهم و فقيرهم عن طاعة الله وتركهم ما يجب عليهم من الصبر و الشکر واداء الحقوق وقبول المواعظ و الله يعلم، و المراد بنعمة الله أما نعمة الغني فالكفر سترها وترك مقابلتها بالشكر وآداء الحقوق، وأما نعمة بعث الرّسول (صلّی الله عليه وآله)، وفرض الولاية فقد روى علي بن إبراهيم في تفسيره عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: نحن و الله نعمة الله التي أنعم بها على عباده، وبنايفوز من فاز(7)، وفي حديث الصحيفة السجادية عنه (عليه السلام) أنه

ص: 289


1- (الكيد) في ع، تصحيف
2- العين، مادة (کبد): 5 / 333
3- لسان العرب، مادة (کبد): 3 / 376، [والشدة] ساقطة من ع
4- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 3 / 143
5- (یدل) في أ، ث، ع، ر، م، تصحيف، والصواب ما أثبتناه
6- (والغرض) في أ
7- تفسير القمي، علي بن إبراهيم: 1 / 388، وفيه: (نحن والله نعمة الله التي أنعم الله بها على عباده وبنا فاز من فاز)

قال: و أنزل الله تعالى فيهم: «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا»(1) و نعمة الله محمد وأهل بيته حبّهم إيان يدخل الجنة، و بغضهم(2) کفر و نفاق يدخل النّار، و الكفر حینئذ يحتمل ضد الايمان أيضاً و التخصيص بالأغنياء القوتهم، / ظ 174 / وكون ترتب(3) الآثار على كفرهم أظهر و أشدّ الوَفر بالفتح الغني و المال الكثير، ووفرت الشيء و فراً کوعدت أتممته و أكملته ووفر و فوراً، تمَّ(4) و كمل يتعدى ولا يتعدى و المصدر فارق و مرد کنصر و کرم و تمرد فهو مارد و مرید و متمرد أي عتّا(5) و استكبر، والوَقر بالفتح (الثقل في الأذن)(6) و ذهاب السمع كله(7).

(أَيْنَ خِيَارُكُمْ(8) وَصُلَحَاؤُكَمْ، وَ أَيْنَ أَحْرَارُكُمْ وَ سُمَحَاؤُكُمْ، وَ أَيْنَ الُتَوَرِّعُونَ فِي مَكَاسِبِهِمْ، وَ الْمُتَنَزِّهُونَ فِي مَذَاهِبِهِمْ!) الخيار و الأخيار جمع خَير بالفتح ضدّ الأشرار، و الحُرّ بالضم خلاف العبد و خيار كل شيء، قيل(9) هو مأخوذ من: حُرّ الرّمل الخالص من الاختلاط بغيره للخلوص من الرّق و

ص: 290


1- إبراهيم / 28
2- (تربت) في ر، تصحيف
3- (بعضهم) في أ، ر، تصحیف
4- (اتم) في م، ر
5- (عنا) في ر، تصحیف
6- معجم مقاییس اللغة، مادة (وقر): 6 / 132
7- القاموس المحيط، مادة (وقر): 2 / 155
8- (أخياركم) في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 8 / 190، و شرح نهج البلاغة، صبحي الصالح: 236
9- (قبل) في ر، تصحیف

العيب، و السَماحة بالفتح (الجود)(1) و الكرم، وقيل: الموافقة على ما أريد منه(2)، يقال: سمح کمنع و کرم فهو سمح ككتف، و سَمح بالفتح على التخفيف، و امرأة سمحة و قوم سمحاء و أصله الاتساع(3)، (ومنه يقال في الحق (مسمح) أي مُتسع، و مندوحة عن الباطل)(4)، والورع بالتحريك التقوی(5)، و ورع کورث كفّ، و ورعته توریعاً فتورع أي كففته فتكفف(6)، والتنزه التباعد عن القبيح (أَلَيْسَ قَدْ ظَعَنُوا جَمِيعاً عَنْ هَذِهِ الدُّنْيَا الدَّنِيَّةِ، وَالْعَاجِلَةِ الَمُنغِّصَةِ! وَهَلْ خُلِّفْتُمْ إِلاَّ فِي حُثَالَةٍ لَا تَلْتَقِي بِذَمِّهِمُ الشَّفَتَانِ؛ اسْتِصْغَاراً لِقَدْرِهِمْ، وَ ذَهَاباً عَنْ ذِكْرِهِمْ! فَإِنَّا للهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ!(7)) ظعن كمنع أي ((سار وارتحل))(8)، ونغص الله عيشه تنغيصاً(9) وانغصه(10) أي كدره و خلفتم على صيغة المجهول من باب التفعيل أي ترککم القوم و ارتحلوا عنكم من قولهم: خلفوا أثقالهم(11) تخليفاً أي: خلّوها وراء ظهورهم، أو جعلوكم خليفة لهم، والحُثالة بالضم (الرديء من كل

ص: 291


1- لسان العرب، مادة (سمح): 2 / 489
2- ينظر: المصباح المنير، مادة (سمح): 1 / 288
3- ينظر: المصدر نفسه، مادة (سمح): 1 / 288
4- المصباح المنير، مادة (سمح): 1 / 288
5- ينظر: الصحاح، مادة (ورع): 3 / 1297
6- مجمع البحرین، مادة (ضعن): 6 / 278
7- (ف (إنا لله وإنا إليه راجعون)) في شرح نهج البلاغة، صبحي الصالح: 236
8- مجمع البحرین: 6 / 278
9- (تبغيضاً) في ر، تحریف
10- (انغضه) في م، تصحیف، (ابغضه) فيع، تحریف
11- (اثفالهم) في ر، تصحيف

شيء)(1)، و[...](2) ما لا خير فيه ولا يلتقي بذمهم الشفتان، أي هم أحقر من أن يشتغل الانسان بذمهم، ولابد في الذم(3) من أطباق أحد الشفتين على الأخرى و ذهاباً عن ذكرهم أي ترفعا، يقال: فلان يذهب بنفسه عن كذا، أي: يرفعها(4) عنه ولا يلتفت اليه، وقوله (عليه السلام): (فإنّا للهِ) أي إذا أصابتنا تلك المصيبة فنسترجع كما هو دأب المصاب.

ظَهَرَ الْفَسَادُ فَلاَ مُنْكِرٌ مُغَیِّرٌ، وَلَا زَاجِرٌ مُزْدَجِرٌ. أَفَبِهَذَا تُرِيدُونَ أَنْ تُجَاوِرُوا

اللهِ فِي دَارِ قُدْسِهِ، وَتكُونُوا أَعَزَّ أَوْلِيَائِهِ عِنْدَهُ! هَيْهَاتَ لَ يُخْدَعُ اللهُ عَنْ جَنَّتِهِ،

وَلَا تُنَالُ مَرْضَاتُهُ [إِلاَّ بِطَاعَتِهِ](5). لَعَنَ اللهُ الْمِرِينَ بِالْمَعْرُوفِ التَّارِكِیَن لَهُ، وَالنَّاهِینَ عَنِ الُنْكَرِ الْعَامِلِینَ بِهَ!) الازدجار افتعال من الزجر، والمعنى: ليس في الناس من يمنعهم وينهاهم عن القبيح وينزجر نفسه أيضاً عنه، والاشارة إلى العمل والصنيع المفهوم من سابق الكلام ودار قدس الله الجنة؛ لأنَّ أهلها هم الذين يقدسون الله عز وجل وينزهونه عن الاشباه(6) والأنداد ويطهرونه عن النقائص والعيوب، أو لأنَّ أهلها منزهون عن العيوب وارتكاب القبائح واضافتها الله سبحانه للتشريف والتعظيم ومجاورة الله سكون تلك الدار والزلفة لديه، وهيهات أي بعدما تريدون ولا يخدع الله عن جنته أي لا يمكن نيلها وأخذها منه سبحانه بالحيلة والخديعة فإنَّه العالم بالسرائر ولا

ص: 292


1- لسان العرب، مادة (حثل): 11 / 142
2- [لا لا] زائدة في ر
3- [الذم من] ساقطة من ر
4- (يرفعه) في ر
5- [إلا بطاعته] ساقطة من أ، ع
6- (الاشياء) في ع، تحریف

تخفى عليه خافية، والمرضاة الرضا، يقال: رضي الله [عنه رضا](1) ورضواناً ومرضاة، واللعن الطرد والابعاد وظاهر الكلام اشتراط الأمر والنهي بالعمل والانزجار ويدل عليه ظاهر قوله (عليه السلام) في موضع آخر إنما أمرتم بالنهي بعد التناهي والمعروف بين الأصحاب اعتبار الشروط الأربعة المشهورة فقط، وحكي عن بعض العلماء اعتبار العدالة وإن لا يكون الأمر والناهي مرتكبا للمحرمات واستدل عليه بقوله تعالى: «أَتَأْمُرُونَ [النَّاسَ](2) بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ»(3)، وبقوله تعالى: «كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ»(4)، وبما روي عن النبي (صلى الله عليه واله) أنه قال: (مررت ليلة أسري بي بقوم تقرض شفاههم بمقاريض / و 175 / من نار، فقلت: من أنتم؟ فقالوا: كنا نأمر بالخير ولا نأتيه، ونهى عن الشر ونأتيه)(5)، وأجيب بأن الإنكار في الآيتين على عدم العمل بما يأمرون بها ويقولون لا على الأمر والقول وكذلك ما تضمنه(6) حديث الاسراء، وبأنه

ص: 293


1- [عنه رضا] ساقطة من ر
2- [الناس] ساقطة من أ، ع
3- البقرة / 44
4- الصف / 3
5- إحياء علوم الدين، الغزالي: 1 / 106، و شرح أصول الكافي، محمد المازندراني: 9 / 305، وقد ورد الحديث في بعض كتب الحديث: (قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): مررت ليلة أسري بي على قوم تقرض شفاههم بمقاريض من نار، قلت ما هؤلاء؟ قال: هؤلاء خطباء أمتك من أهل الدنيا كانوا يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب أفلا تعقلون.) مسند أحمد: 3 / 180، وينظر: صحيح ابن حبان: 1 / 249، والفائق في غريب الحديث: 3 / 373، و الترغيب والترهيب من الحديث الشريف، عبد العظيم المنذري (656 ه): 1 / 124، و مجمع الزوائد: 7 / 276
6- (يضمنه) في ر، م، تصحيف

لو تمت الدلائل لدلت على عدم وجوبهما على غير المعصوم، ومن لم يقع منه صغير ولا كبير، فينسد باب الجنة(1)، ولا يذهب عليك أن ظاهر اللفظ في الآية الثانية ترتب الإنكار على القول دون الفعل، وإن كان يستعمل مثل هذا [الكلام عرفاً في](2) الإنكار على الفعل، وإن مثل هذا الاشتراط لا يستلزم عدم الوجوب المذكور لدخول الشرط تحت القدرة ثم على تقدير ثبوت الاشتراط يحتمل أن يكون الشرط العمل بالمعروف المأمور به بخصوصه وكذا في النهي فلا يلزم اشتراط عصمة الأمر إلا إذا كان شأنه الرئاسة العامة ولا فساد فيه ولا يبعد أن يكون غرضه (عليه السلام) التعريض بالسابقين، وقد روى أن أبا ذر كان ينادي بمثل هذا الكلام تعريضاً بعثمان والله تعالى يعلم.

[ومن كلام له (عليه السلام)] لابي ذر (رحمه الله) لما أُخرِجَ الى الربذة

الربذة بالتحريك الموضع المعروف قرب المدينة الطيبة بها قبر أبي ذر (رحمه الله) وأخرجه اليه عثمان في خلافته، والقصة معروفة، وقال الشارح [الفاضل](3) عبد الحميد بن أبي الحديد: قد روي هذا الكلام أحمد بن عبد العزيز الجوهري في كتاب «السقيفة» عن ابن عباس، قال: لمات أخرج أبو ذر الى الربذة، أمر عثمان فنودي في الناس: أن لا يكلم أحداً أبا ذر ولا يشيعه، وأمر مروان ابن الحكم أن يخرج به ولم يشیعه إلا علي بن أبي طالب، والحسنان

ص: 294


1- (الحسبة) في أ، ر، ع، م، ن، تحريف، والصواب ما اثبتناه
2- [عرفاً في] بياض في أ، ع، وفي ث: (مثل هذا الكلام في الانکار)، [الكلام عرفاً في] بياض في ن
3- [الفاضل] ساقطة من أ، ث، ر، ع، ن

(عليهم السلام) وعقيل وعمار، فجعل الحسن (عليه السلام) يكلم أبا ذر، فقال له مروان: إيهاً یا حسن! ألاَّ تعلم أنَّ أمير المؤمنين قد نهی عن کلام هذا الرجل! فإن كنت(1) لا تعلم فأعلم ذلك؛ فحمل علي (عليه السلام) على مروان، فضرب بالسوط بين أذني(2) راحلته، وقال: تنح نحاك الله إلى النار. فرجع مروان إلى عثمان مغضباً فأخبره الخبر، فتلظى على علي (عليه السلام) ووقف أبو ذر فودعه القوم، ومعه ذكوان مولى أم هاني بنت أبي طالب (عليه السلام) قال ذكوان: فحفظت کلام القوم وكان حافظاً(3)، ثم ذكر كلامه (عليه السلام) قال: ثم قال لأصحابه: ودعوا عمكم، وقال لعقيل: ودع أخاك، فتكلم عقيل، وذكر كلامه(4)، ثم تكلم(5) الحسن، ثم الحسين (عليهما السلام)، وذكر كلامهما، ثم تكلم عمار مغضباً وذكر كلامه، فبكى أبو ذر وكان شيخاً كبيراً وقال: رحمكم الله يا أهل بيت الرحمة إذا رأيتكم ذكرت یکم رسول الله (صلى الله عليه واله) وذكر تمام کلامه وما جرى بعد ذلك بين علي (عليه السلام) وبين عثمان الى تمام القصة(6) ومن أراد التفصيل فليرجع إلى شرح الخطبة الشقشقية من كتاب حدائق الحقائق (يا أَباذَرٍّ إِنَّكَ غَضِبْتَ للهِ فَأرْجُ مَنْ غَضِبْتَ لَهُ. إِنْ الْقَوْمَ خَافُوكَ عَلَى(7) دُنْيَاهُمْ وَخِفْتَهُمْ(8) عَلَى دِينِكَ،

ص: 295


1- (كبت) في أ، ع، تصحيف
2- (أدني) في ر، تصحيف
3- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 8 / 197
4- (كلامهما) في ث
5- (يكلم) في ر، م، تصحيف
6- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 8 / 197 - 203
7- [على] ساقطة من ر
8- (وحفتم) في ر، تصحيف

(فَاتْرُكْ فِي أَيْدِيهِمْ مَا خَافُوكَ عَلَيْهِ، وَاهْرَبْ مِنْهُمْ بِمَا خِفْتَهُمْ عَلَيْهِ، فَمَا أَحْوَجَهُمْ

إِلَی مَا مَنَعْتَهُمْ، وَأَغْنَاكَ(1) عَمَّا مَنَعُوكَ! وَسَتَعْلَمُ مَنْ الرَّابِحُ غَداً، وَالْأكْثَرُ حَسَداً) السبب في غضب أبي ذر على ما ذكره أرباب السير إن عثمان أعطى مروان بن الحکم وزید بن ثابت وغيرهما ما شاء من بيت مال المسلمين فكان أبو ذر يقول بين الناس وينادي في الطرقات والشوارع: بشر الكافرين بعذاب أليم، ويتلوا قوله تعالى: «وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ»(2)، فرفع ذلك إلى عثمان مراراً فأرسل اليه أن انته عما بلغني عنك، فقال: أينهاني عثمان عن قراءة كتاب الله تعالى، وعيب من ترك أمر الله تعالى! فو الله لأن أرضي الله بسخط عثمان أحب إلي من أن أرضي عثمان بسخط الله، ثم قال له عثمان بعد التشاجر إلحق بالشام وأخرجه إليها، فخرج وكان ينكر على معاوية أشياء يفعلها فكتب معاوية بذلك إلى عثمان فكتب اليه أن أحمل جنیدباً(3) إلي، على أغلظ مرکب وأوعره فوجه به من سار(4) به الليل والنهار، وحمله على شارف(5) ليس عليه إلَّا قتب(6)، حتی قدم به [المدينة](7)، وقد سقط لحم فخذيه / ظ 175 / من الجهد، فبعث اليه أن الحق بأي أرض، قال: بمكة، قال: لا، قال بیت المقدس، قال: لا، قال:

ص: 296


1- (وما أغناك) في شرح نهج البلاغة، صبحي الصالح: 237
2- التوبة / 34
3- (جندباً) في أ، ث، م، تحریف
4- (شار) في ع، تصحيف
5- (الشارف: المسنة من النوق) الصحاح: 4 / 1380
6- (القتب: رحل صغير على قدر السنام) الصحاح: 1 / 198
7- [المدينة] ساقطة من ع

بأحد المصرين، قال: لا، ولكني مسيرك الى الربذة، فسيره اليها، فلم يزل بها حتى مات، ومعنى الكلام واضح، والحسد جمع حاسد کسجد وساجد وأكثرية الحساد من لوازم أكثرية الربح(1) والفوز بالغنيمة، (وَلَوْ أَنّ السَّمَوَاتِ وَالأرْض(2) كَانَتَا عَلىَ عَبْدٍ رَتقْاً؛ ثُمَّ اتَّقَى اللهَ، لَجَعَلَ اللهُ لَهُ مِنْهُاَ مْخَرَجاً. لَا يُؤْنِسَنَّكَ إِلاَّ الْحَقُّ، وَلَا يُوحِشَنَّكَ إِلاَّ الْبَاطِلُ، فَلَوْ قَبِلْتَ دُنْيَاهُمْ لأَحَبُّوكَ، وَلَوْ

قَرَضْتَ مِنْهَا لَأَمَّنُوكَ) الرَتق بالفتح السد (ضد الفتق)(3) وهو الشق، وكون السموات والأرض رتقاً كناية عن غاية الشدة، والأُنس بالضم ضد الوحشة، أي: سكون القلب إلى الشيء وعدم نفاره منه، وقبلت دنیاهم أي: وافقتهم في حب الدنيا والميل اليها وترك الآخرة، وقرضه کضربه أي: قطعه، والقرض من الدنيا كناية عن الأخذ منها، وأمنوك على صيغة الأفعال في أكثر النسخ من الأمان والأمن ضد الخوف، أي: لم يفعلوا ما يوجب خوفك بل أزالوا خوفك، وفي بعض النسخ (أمنوك) على صيغة المجرد من باب علم أي: لم يخافوك على دنياهم.

[ومن كلام له (عليه السلام)]

(أَيَّتُهَا النُّفُوسُ المُخْتَلِفَةُ، وَالْقُلُوبُ الْمُتَشَتِّتَةُ، الشَّاهِدَةُ أَبْدَانُهُمْ، وَالغَائِبَةُ

عَنْهُمْ عُقُولُهُمْ، أَظْأَرُكُمْ عَلَى الْحَقِّ وَأَنْتُمْ تَنْفِرُونَ عَنْهُ نُفُورَ المِعْزَى مِنْ وَعْوَعَةِ

ص: 297


1- (الريح) في أ، ع، م، تصحيف
2- (الأرضين) في شرح نهج البلاغة: ابن أبي الحديد 8 / 196، وشرح نهج البلاغة، صبحي الصالح: 236
3- لسان العرب، مادة (رتق): 10 / 114

الْأَسَدِ! هَيْهَاتَ أنْ أُطْلِعَ بِكُمْ سِرَارَ الْعَدْلِ، أَوْ أُقِيمَ اعْوِجَاجَ الْحَقِّ) في بعض النسخ (أيها)(1) بدون التاء، والتشتت التفرق و غيبة العقول كناية عن عدم الاهتداء وركوب الضلال وغيبتها عنهم أبلغ في الدلالة من غيبتها عمن اعتبر الشهود بالنسبة اليه، وظأر کمنع أي عطف، ومنه الظئير(2) للمرضعة العاطفة على غير ولدها(3)، ونفركضرب إذا شرد وذهب، المِعزی بالکسر خلاف الضأن من الغنم، ووعوعة الأسد صوته، والطلوع الظهور وكل ما بدا لك من علو فقد طلع وأطلع على صيغة الأفعال أي أظهر، والسرار ککتاب آخر ليلة من الشهر ومصدر ساره مسارة(4) أي ناجاه، قال بعض الشارحين: هذا الكلام يفسره الناس بمعنی: هيهات أن أطلعكم مضيئين و منورین سرار) العدل، والسرار آخر ليلة في الشهر، وتكون(5) مظلمة، ويمكن عندي أن يفسر بوجه آخر وهو أن يكون السرار بمعنى السرر، وهي خطوط مضيئة في الجبهة، وقد نص أهل اللغة على أنه يجوز فيهاسرار، قالوا: ويجمع سرار على أسرة، مثل: حمار وأحمرة ويقولون: برقت أسرة وجهه، فيكون معنی کلامه (عليه السلام): هيهات أن تلمع بکم لوامع العدل، ويبرق وجهه، ويمكن أيضاً فيه وجه آخر، وهو أن ينصب ((سرار)) هاهنا على الظرفية ويكون التقدير: هيهات أن أطلِع بكم الحق زمان استسرار

ص: 298


1- بحار الانوار: 36 / 110
2- (الضئر) في ث، ع، تحریف
3- ينظر: معجم مقاییس اللغة: 3 / 473
4- ينظر: العين، مادة (سر): 7 / 187، و لسان العرب، مادة (سرر): 6 / 516
5- (يكون) في أ، ث، ر، ع، م، ن، تصحيف، والصواب ما أثبتناه

العدل واستخفائه، فيكون قد حذف المفعول وحذفه كثير(1)، وقال بعضهم: (سرار العدل: ما خفي منه)(2)، ولعله [جعله](3) مصدراً بمعنى المسارة کما ذكر (اللَّهُمَّ إِنَّكَ قَدْ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنِ الَّذِي كاَنَ [مِنَّا](4) مُنَافَسَةً فِي سُلْطَانٍ، وَلاَ الْتِمَاسَ شَيْءٍ مِنْ فُضُولِ الحُطَامٍ، وَلَكِنْ لِنَرِدَ الْمَعَالِمَ مِنْ دِينِكَ، وَنُظْهِرَ الْإِصْلاَحَ فِي بِاَدِكَ، فَيَأْمَنَ المَظْلُومُونَ مِنْ عِبَادِكَ، وَتُقَامَ الْمُعَطَّلَةُ مِنْ حُدُودِكَ) لعل المراد بالذي كان الرغبة في الخلافة أو الحرب(5)، أو الجميع ولم يكن ناقصة وكان تامة، والمنافسة الرغبة في الشيء النفيس، أي الجيد، والسلطان الولاية والسلطنة والالتماس الطلب، والحطام كغراب (ما تكسر من اليبيس)(6)، والمراد بفضول الحطام: زخارف الدنيا وزينتها، والمعلم ما يستدل به وما يجعل علامة للطرق والحدود، ومعالم الدين قواعده وما يهتدى به منه، وفي الكلام دلالة على بطلان كثير من قواعد / و 176 / الشريعة في خلافة المتقدمين، وحدود الله محارمه وعقوباته التي قرنها بالذنوب وأصل الحد المنع والفصل بين الشيئين كأنَّ حدود الشرع مانعة عن الحرام فاصله بينه وبين الحلال (الَّلهُمَّ إنِّ أوَّلُ مَنْ أَنَابَ، وَسَمِعَ وَأَجَابَ؛ لَمْ يَسْبِقْنِي إِلَّا رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَاله وسلم)(7) بِالصَّلاَةِ) أناب إلى الله وناب أي: أقبل ورجع وسمع أي داعي الله وسبقه (عليه

ص: 299


1- شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 3 / 148
2- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 8 / 205
3- [جعله] ساقطة من م
4- [منا] ساقطة من ع
5- (الحروب) في أ، ث، ن
6- لسان العرب، مادة (حطم): 12 / 138
7- (صلى الله عليه وسلم) في شرح نهج البلاغة: ابن أبي الحديد 8 / 204، (صلى الله عليه وآله) في شرح نهج البلاغة، صبحي الصالح: 238

السلام) إلى الصلاة يدل على بطلان ما ذهب إليه كثير من العامة من أن أبا بكر هو السابق الى الاسلام وذكر السبق الى الاسلام دفع لتوهم من زعم أن تجريده السيف كان للرغبة إلى الدنيا، فإنَّ الرغبة الى الاسلام قبل ظهوره(1) وغلبته(2) [و](3) مقاساة الشدائد له دليل واضح على خلوص النية وصدق العزيمة؛ ولأنَّ من سبق الناس طراً الى الاسلام كان أول المقربين لقوله تعالى)): وَالسَّابقونَ السَّابقونَ أُولئِكَ المُقَرَبُونَ))(4) ولا يتوهم عاقل في مثله أن غرضه نیل الدنيا واكتساب زخارفها، وفيه تقوية لما سيجيء من القدح في خلافة المتقدمين، (وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى(5) الْفُرُوج وَالدِّمَاِء وَالْمَغَانِمِ وَالْأَحْكَامِ وَإمَامَةِ المُسْلِمينَ الْبَخِيلُ، فَتَكُونَ فِي أَمْوَالِهِمْ نَهْمَتُهُ، وَلَا الْجَاهِلُ فَيُضِلَّهُمْ بِجَهْلِهِ، وَلَا الْجَافِي فَيَقْطَعَهُمْ بِجَفَائِهِ، وَلَا الْحَائِفُ(6) لِلدُّوَلِ فَيَتَّخِذَ قَوْماً دُونَ قَوْمٍ، وَلَا الْمُرْتَشِيِ فِي الْحُكْمِ، فَيَذْهَبَ بِالْحُقُوقِ، وَيَقِفَ بِهَا دُونَ الْمَقَاطِعِ وَلَا الْمُعَطَّلُ لِلسُّنَّةِ، فَيُهْلِكَ(7) الُأْمَّةَ) التهمة بالفتح (الحاجة)(8)، (وبلوغ الهمة، والشهوة في الشيء)(9) وهو (منهوم بكذا أي مولع به)(10)، و بالتحريك

ص: 300


1- (طهوره) في ر، تصحيف
2- (غلبه) في أ، ث
3- [و] ساقطة من أ، ع
4- الواقعة / 10، 11
5- (الوالي على) في شرح نهج البلاغة، صبحي الصالح: 238
6- (الخائف) في ر، م، تصحيف
7- (فهلك) في ن
8- لسان العرب، مادة (نهم): 12 / 593
9- المصدر نفسه، مادة (نهم): 12 / 593
10- المصدر نفسه، مادة (نهم): 12 / 593

کما في بعض النسخ (إفراط الشهوة في الطعام)(1)، وإن لا تمتلئ عين الأكل ولا تشبع، والجفاء بالمدخلاف البر والصلة، ورجل جافي الخلقة والخلق، (أي: کز غليظ)(2)، و(الكزازة(3): اليبس والانقباض)(4)، و يقطعهم بجفائه أي: عن حاجتهم لغلظته عليهم وخوفهم عن الرجوع اليه، أو بعضهم عن بعض؛ لأنه يصير سبباً لتفرقهم وتقطع(5) الفتهم، والحائف بالحاء المهملة من الحيف وهو الظلم والجور(6)، والدُول بضم الدال المهملة جمع دُولة بالضم - كغرفة وغُرف وهي اسم المال الذي يتداول به ويتناوب(7)، قال الله تعالى: «كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ»(8)، فالمعنى الذي يجور(9) ولا يقسم بالسوية، وكما فرض الله عز وجل فيتخذ(10) قوماً مصرفاً، أو جيباً فيعطيهم ما يشاء ويمنع آخرين حقوقهم ويظلمهم، وفي بعض النسخ (الخائف)(11) بالخاء المعجمة، والدِول بکسر الدال جمع دَولة بالفتح وهي الغلبة في الحرب

ص: 301


1- المصدر نفسه، مادة (نهم): 12 / 593
2- تاج العروس، مادة (جفی): 19 / 287
3- (الكزارة) في ر، تصحيف
4- العين، مادة (كز): 5 / 272
5- (ويقطع) في أ، ر، ع، م، تصحيف
6- ينظر: القاموس المحيط، مادة (حيف): 3 / 131، و تاج العروس، مادة (حيف): 12 / 154
7- ينظر: الصحاح، مادة (دول): 4 / 1699
8- الحشر / 7
9- (يجوز) فيع، تصحيف
10- (فينخد) في ر، تصحيف
11- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، الراوندي: 2 / 48

وغيره وانقلاب الزمان(1)، فالمراد الذي يخاف تقلبات الدهر وغلبة(2) أعدائه فيتخذ قوماً يتوقع نصرهم ونفعهم في دنياه ويقويهم بتفضيل العطاء وغيره ويضعف آخرين ويظلمهم لما رأه مصلحة لنفسه وفي بعض النسخ بالمعجمة وضم الدال أي الذي يخاف ذهاب الأموال وعدمها(3) عند الحاجة، والرشوة مثلثة(4) الجعل، ورشاه أي أعطاه إياها وارتشی أي أخذها واسترشى أي طلبها، ويذهب بالحقوق أي يبطلها(5) و يخرجها من يد صاحبها ويقف بها دون المقاطع أي يجعلها واقفه عند مواضع قطعها وهي مواضع الحكم، فلا يحكم بها بل يحكم بالباطل، أو يسوف في الحكم حتى يضطر المحق ويرضى بالصلح وذهاب شيء من حقه، ويحتمل أن يكون كلمة (دون) بمعنی غیر أي يقف بها في غير مقاطعها وهو الباطل، والسنة الطريقة والسيرة ويراد بها في عرف الشريعة ما أمر به النبي (صلى الله عليه واله) و نهی عنه وندب إليه قولاً، أو فعلاً مما لم ينطق به الكتاب العزيز، وربما يراد بها ما يشمله ويهلك على صيغة المذكر من باب الأفعال ونصب الأمة في بعض النسخ وعلى صيغة المؤنث المجرد ورفع الأمة في بعضها، قال الشارح عبد الحميد بن أبي الحديد: فإن قلت: أفتراه (عليه السلام) / ظ 176 / عني بهذا الكلام قوماً بأعيانهم؟ قلت: الإمامية تزعم أنه (عليه السلام) رمز بالجفاء والعصبية لقوم

ص: 302


1- ينظر: الصحاح، مادة (دول): 4 / 1700
2- (قلبت) في أ، ع، تحریف
3- (وعدا ما) في ع، تحریف
4- وهي من المثلث المتفق المعاني ((والرَّشْوَةُ والرِّشْوَةُ والرُّشْوَةُ: والاقيس أن تكون الرَّشْوَةُ المفتوحة مصدراً، والمكسورة والمضمومة اسمين)) المثلث البطليوسي 2 / 29
5- (يطلبها) في ع، تحریف

دون قوم إلى عمر، وبالجهل إلى من كان قبله، و بتعطيل السنه الى عثمان، وأما نحن فنقول: إنه (عليه السلام) لم يعنِ ذلك، وإنما قال: قولاً(1) كلياً غير مخصوص، وهو اللائق بشرفه (عليه السلام)، وقول الإمامية لا دليل عليها، ولا يعدم(2) كل أحد أن يستنبط من كل كلام ما يوافق غرضه، وإن غمض ولا يجوز أن تبنی(3) العقائد على مثل هذه الاستنباطات الدقيقة(4)، ولا يذهب عليك أن تظلماته (عليه السلام) وكلماته المشتملة على القدح في المتقدمين کما فصلنا ما وقفنا عليها من ذلك في مقدمة شرح الخطبة الشقشقية من كتاب حدائق الحقائق(5) أدلة واضحة على صحة أمثال هذه الاستنباطات، وقد اعترف هذا الشارح في شرح قوله (عليه السلام): (اللهم إني استعديك على قريش ومن أعانهم) بتواتر الكلمات المشتملة على التظلم والشكوى و فصل هناك جملة منها(6)، وعقيدة الإمامية مبنية على الكلمات الصريحة والدلائل الواضحة ويجعلونها قرائن على ما يستنبطونه بآرائهم الصائبة من الكلمات المرموزة ويحتمل أن تكون(7) الاشارة بالبخل إلى عثمان لما هو المعروف من حبسه حقوق المسلمين، وأكله أموالهم وتخصيص قومه بها، كما صرح به (عليه السلام) في الخطبة الشقشقية بقوله: (إلى أن قام ثالث القوم نافجاً

ص: 303


1- (قوماً) في ر، تحریف
2- (لايقدم) في م، تحریف
3- (يبني) في أ، ر، م، تصحيف
4- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 8 / 206
5- ينظر: مخطوط حدائق الحقائق: 168
6- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 9 / 243
7- (يكون) في أ، ث، ر، ع، م، تصحيف

حضنيه(1) بين نثيله ومعتلِفهِ وقام معه بنوا أبيه يخضمون مال اللهِ خضم الإبل نبتة الربيع وبالجهل الى الجميع، وبالجفاء إلى عمر بن الخطاب کما اشار اليه بقوله (عليه السلام): (فجعلها في حوزة خشناء، يغلظ كلمها، ويخشن مسها)، وبالحيف أو الخوف للدول إلى عمر وعثمان لإقطاعهما القطائع والتفضيل في العطاء وبالتعطيل للسنه الى الجميع لغصبهم الخلافة المستلزم لضلال الناس وشيوع البدع فيهم الى يوم القيامة.

[ومن خطبة له (عليه السلام)]

(نَحْمَدُهُ عَلَى مَا أَخَذَ وَأَعْطَى، وَعَلَى مَا أَبْلَى وَأبْتَلَى، الْبَاطِنُ لِكُلِّ خَفِيَّةٍ، وَالْحَاضِرُ لِكُلِّ سَرِيرَةٍ، الْعَالِمُ بِاَ تُكِنُّ الصُّدُورُ، وَمَا تَخُونُ الْعُيُونُ.) الإبلاء الإحسان والإنعام، والابتلاء في الأصل الامتحان والاختبار(2)، وكثيراً(3) ما يستعمل في انزال المضرة كالفقر والمرض والمصيبة والحمد على السراء والضراء، لأن الله سبحانه لا يفعل إلاَّ الجميل، وبطنت الأمر أي عرفت باطنة، والسريرة والسر كل ما يكتم، والکِن بالكسر الستر، وأكنه وكنه أي ستره، والحون والخيانة أن يؤتمن الإنسان فلا ينصح، وخائنة الأعين ما يسارق من النظر الى ما لا يحل، وإن ينظر الإنسان نظرة بريبة، وقيل(4): کسر الطرف بالإشارة الخفية، وقال ابن الأثير في الحديث: (ما كان النبي أن تكون له خائنه

ص: 304


1- (خصينة) في ث، وفي ع: (حصينة)، تحریف
2- ينظر: لسان العرب، مادة (بلا): 14 / 84
3- (كثير) في ر
4- (قبل) في ع، تصحيف

الأعين)(1) أي يضمر في نفسه غير ما يظهره، فإذا كف لسانه، وأومأ بعينه فقد خان، وإذا كان ظهور تلك الحالة من قبل العين سمیت خائنة الأعين والخائنة بمعنى الخيانة من المصادر التي جاءت على لفظ الفاعلة كالعافية (وَنَشْهَدُ أن لَا إلهَ غَیْرُهُ، وَإنَّ مُحَمَّداً(2) نَجِيبُهُ وَبَعِيثُهُ، شَهَادَةً يُوَافِقُ فِيهَا السِرُّ الْإِعْلَانَ، وَالقَلْبُ اللِّسَانَ) النجيب الكريم الحسیب، يقال، نُجب ککرم فهو نجيب والانثي نجيبة ويسمى الفاضل من كل نوع نجيباً وبعثه کمنعه أرسله، والبعيث(3) المبعوث، والموافقة خلوص الشهادة من النفاق والرثاء.

[منها](4) (فَإنَّهُ وَاللهِ الجِدُّ لَا اللَّعِبُ، وَالْحَقُّ لَا الْكَذِبُ، وَمَا هُوَ إلاَّ المَوْتُ أَسْمَعَ دَاعِيهِ؛ وَأَعْجَلَ حَادِيهِ. فَلَا يَغَرَّنَّكَ سَوَادُ النَّاسِ مِنْ نَفْسِكَ) الضمير راجع إلى الأمر المفهوم أو [...](5) المذكور في سابق الكلام، وقوله (عليه السلام): (وما هو إلاَّ الموت) ایضاح لذلك المجمل، والاضافة في داعية وحادية إما بیانه کما يظهر من كلام بعض الشارحين(6) فالداعي والحادي هو الموت، وإما لامية، والداعي والحادي نزول الموت بالأقارب والأصحاب وهجوم الأمراض ونحو ذلك، وأعجل أي استحث وحمل على السير والسرعة، وحدا الإبل حدواً زجرها / و 177 / وساقها وتغنى لها،

ص: 305


1- النهاية في غريب الحديث والأثر: 2 / 89
2- [صلى الله عليه ] في شرح نهج البلاغة: ابن أبي الحديد، 8 / 208
3- (البعث) فيع، تحریف
4- [منها] بياض في ث
5- [الى] زائدة في ر، م
6- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 8 / 209

قال بعض الشارحين: (اسمع وأعجل محلهما النصب على الحال من معنی الاشارة)(1)، وفي بعض النسخ (فأعجل) بالفاء مكان الواو، وغرة كمده غروراً أي: خدعه وأطمعه بالباطل(2) فاغتر هو، والسواد العدد الكثير، ومن الناس عامتهم، قال بعض الشارحين: كلمة من هاهنا أما بمعنى الباء، أي لا يغرنك سواد الناس بنفسك وصحتك وشبابك، فتستبعد الموت اغترار بذلك، فتكون متعلقة بالظاهر، وإما أن تكون(3) متعلقة بمحذوف تقديره: متمکناً من نفسك، وراكناً إليها(4)، والمعنى لا تغتر ولا تستبعد الموت من نفسك بملاحظة سواد الناس وكثرة الاحياء(5)، فيطول أملك فإنَّ الموت لابد منه، ويدركك على غفلة منك، (قَدْ(6) رَأَيْتَ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ مِمِّنْ جَمَعَ

الْمَالَ وَحَذِرَ الْإِقْلاَلَ، وَأَمِنَ الْعَوَاقِبَ: طُولَ أَمَلٍ وَاسْتِبْعَادَ أَجَلٍ؛ كَيْفَ نَزَلَ بِهِ الْمَوْتُ فَأَزْعَجَهُ عَنْ وَطَنِهِ وَأَخَذَهُ مِنْ مَأْمَنِهِ، مَحْمُولاً عَلَى أَعْوَاد الْمَنَايَا، يَتَعاطَى بِهِ الرِّجالُ [...](7) الرِّجَالَ، حْمَلًا عَلَى الْمَناكِبِ؛ وَإمْساكَاً بِالَأْنامِلِ) في بعض النسخ (وقد رأيت) بالواو الحالية، وحذر كعلم أي: احترز، والإقلال الفقر(8)، وعاقبة كل شيء آخره، وطول أملِ منصوب على أنه مفعول له

ص: 306


1- شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 3 / 151
2- (واطمعه الباطل) فيع، تحریف
3- (يكون في أن ث، ع، تصحيف
4- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 8 / 209
5- (الاحباء) في م، تصحيف
6- (وقد) في شرح نهج البلاغة: ابن أبي الحديد، 8 / 209، و (فقد) في نهج البلاغة، صبحي الصالح: 239
7- [و] زائدة في م
8- ينظر: لسان العرب، مادة (قلل) / 11 / 564

للفعل السابق، أو(1) الأفعال السابقة كقولك: قعدت(2) عن الحرب جبناً، وما ذكره بعض الشارحين من أنَّ طول الأمل کیا یکون علة للأمن كذلك يجوز أن يكون(3) الأمن علة لطول الأمل، فمستغني عنه إذ المفعول له هو العلة للفعل دائماً كما يدل عليه اللام فإنها تدخل على العلة لا على المعلول، نعم قد تكون علة غائية متأخرة في الوجود الخارجي نحو ضربته تأدیباً، وقد تكون(4) علة متقدمة في الوجود الخارجي نحو قعدت عن الحرب جُبناً(5)، نص عليه الشيخ الرضي (رحمه الله)، وقال بعضهم: يحتمل أن يكون مصدراً سد مسد الحال، أو(6) ظرفاً والعامل أمن، وقيل: هو بدل من قوله (عليه السلام) من كان قبلك(7)، أي رأيت طول أمل من كان قبلك، وقال بعض الشارحين: وروي بطول أمل(8)، وأزعجه أي أقلقه و قلعه من مكانه، وأعواد المنايا الأخشاب(9) التي یُحمل الميت عليها، والتعاطي التنازع في الأخذ ويتعاطى به الرجال أي يتداولونه [تارة](10) على أكتاف هؤلاء وتارة

ص: 307


1- (و) في ر، م
2- (عقدت) في أ، تحریف
3- (بکون) في ر، تصحيف
4- (يكون) في أ، ث، ر، ع، م، تصحيف
5- (يكون) في أ، ث، ر، تصحيف
6- (و) في ع
7- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 3 / 152
8- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 3 / 152
9- (الاحشاب) في ث، وفي ر: (الأختاب)، تحریف
10- [تارة] ساقطة من ع

على أكتاف هؤلاء، (أَمَا رَأَيْتُمْ الَّذِينَ يَأْمُلُونَ بَعِيداً، وَيَبْنُونَ مَشِيداً، وَيَجْمَعُونَ

كَثِراً؛ أصْبَحَتْ(1) بُيُوتُهُمْ قُبُوراً؛ وَمَا جَمَعُوا بُوراً، وَصَارتْ أَمْوَالُهُمْ لِلْوَارِثِیَن، وَأَزْوَاجُهُمْ لِقَوْمٍ آخَرِينَ، لَا فِي حَسَنَةٍ يَزِيدُونَ(2)، وَلَا مِنْ سَيِّئَةٍ يُسْتَعْتَبُونَ) شاد الحائط بشیده أي طلاه بالشيد، وهو ماطلي به حائط من جص ونحوه، والمشيد المعمول به، والمشيد كمؤيد المطول، وقال بعض الشارحين: (المشيد المعلى)(3)، ولعله كان في نسخته مشيداً بالتشديد إلا أنه غير موجود في شيء من النسخ التي رأينا وبعيد عن السجع. وأصبحت بيوتهم قبوراً أي أصبحت القبور بيوتاً لهم على القلب، أو المراد بالبيت الأمر الكلي أي المسكن بالمعنى الأعم، فالمعنى تحققه في ضمن هذا الفرد، والبُور بالضم الهالك لا خير فيه، والفاسد يستوي فيه الاثنان والجمع والمؤنث، قال بعض الشارحين: يستعتبون هاهنايفسر بتفسيرين على اختلاف الروايتين: فمن رواه بالضم على ما لم يسم فاعله، فمعناه لا يعاتبون على فعل سيئة صدرت منهم أيام حياتهم، أي لا يعاتبهم الناس ولا يستطيعون وهم موتى أن يسيئوا إلى أحد يعاتبون عليها، ومن رواه ((يَستعتبون)) بفتح حرف المضارعة، فهو من استعتب فلان، أي طلب أن يُعتَب، أي يرضى، يقال: استعتبته فأعتبنی، أي استرضيته فأرضاني(4)، والموجود في النسخ التي عندنا (یَسْتَعْتَبُون) على صيغة المجهول، والاستعتاب: طلب الرضا والرجوع عن الأساءة، ويكون

ص: 308


1- (اضبحت) في ر، تصحيف
2- (یریدون) فيع، تصحيف
3- شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 3 / 151
4- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 8 / 210

بمعنى إعطاء الرضا، ولعل الأظهر أنَّ المعنى لا يطلب منهم أن يعتبوا ربهم أي برضوه ويرجعوا / ظ 177 / عن اسأتهم؛ لأنَّ الآخرة ليست بدار عمل وتكليف، بل دار جزاء ومكافأة كما ذكروه في قوله تعالى: «فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ»(1) على صيغة المجهول، وقيل: أي لا يقبل منهم العتبي والاعتذار، وفي الكلام تحريص للأحياء بالاستزادة في الحسنات، والتوبة عن السيئات قبل فوات المهلة وانقضاء الفرصة. (فَمَنْ أَشْعَرَ التَّقْوُى قَلْبَهُ، بَرَزَ مَهَلُهُ، وَفَازَ عَمَلُهُ، فَاهْتَبِلُوا هَبَلَهَا، وَاعْمَلُوا لِلْجَنَّةِ عَمَلَهَا) الشعار کتاب ما تحت الدثار من اللباس وهويلي شعر الجسد، واشعره غيره ألبسه إياه، وكل ما الزقته بشيء فقد اشعرته به، والمعنى: جعل التقوى شعار لقلبه، لازماً له، وبرز تبریزاً فاق أصحابه فضلا، أو شجاعة والفرس على الخيل سبقها وراكبه نجاه، و (المهل محركة: التقدم في الخير)(2)، وقال ابن الأثير في حديث علي (عليه السلام): إذا سرتم الى العدو فمهلاً مهلاً، فإذا وقعت العين على العين، فمهلاً مهلاً الساكن: [الرفق](3)، والمتحرك: التقدم، أي إذا سرتم فتأنوا، فإذا ألقيتم فاحملوا كذا، قال الأزهري(4) وغيره، وقال الجوهري: ((المهل بالتحريك التؤدة))(5) والتباطئ، والاسم المُهلة بالضم، وفلان ذو مهل بالتحريك أي ذو تقدم في الخير، ولا يقال في الشر(6) وقال

ص: 309


1- الجاثية / 35
2- القاموس المحيط، مادة (مهل): 4 / 53
3- [الرفق] ساقطة من أ، ع
4- ينظر: تهذيب اللغة، مادة (مهل): 9 / 321
5- الصحاح، مادة (مهل): 5 / 1822
6- ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر: 4 / 375

بعض الشارحين: برز مهله يروی بالرفع(1) والنصب، فمن رواه بالرفع جعله فاعل ((برز)) أي فاق شوطه، يقال: برز الرجل على أقرانه أي فاقهم، والمهل شوط الفرس، ومن رواه بالنصب جعل ((برز)) بمعنی أبرز، أي أظهر وأبان، فنصب حينئذ على المفعولية(2)، وقال بعضهم: أي برزت تؤدته، أي ظهرت عليه آثار الرحمة الإلهية في السكينة والوقار، والحلم والأناة عن التسرع إلى مطالب الدنيا(3) والفوز النجاة والظفر بالخير والاسناد الى العمل اسناد الى السبب، واهتبل فلان الصيد أي طلبه(4) وكلمته حكمةٍ أي اغتنمها، والهبال (الكاسب المحتال)(5) و (الصياد)(6)، قال بعض الشارحين: و ((هبلها)) منصوب على المصدر كأنَّه من هبل مثل غضب غضباً، أي: اغتنموا وانتهزوا الفرصة، الانتهاز الذي يصلح لهذه الحالة، أي ليکن(7) هذا الاهتبال(8) بجد و همه عظيمة(9)، (وأعملوا للجنة عملها) أي العمل اللائق بها (فَإِنَّ الدُّنْيَا لَمْ تُخْلَقْ لَكُمْ دَارَ مُقَامٍ، بَلْ خُلِقَتْ

لَكُمْ مجَازاً؛ لَتَزَوَّدُا مِنْهَا الْأَعْمَالَ إِلَی دَارِ الْقَرَارِ. فَكُونُوا مِنْهَا عَىَ أَوْفَازٍ،

ص: 310


1- (بالفتح) في ر، م، تحریف
2- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 8 / 210
3- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 3 / 152، وفيه: (برزت...)
4- تاج العروس، مادة (هبل): 10 / 791
5- المصدر نفسه، مادة (هبل): 15 / 791
6- المصدر نفسه، مادة (هبل): 15 / 791
7- (يسكن) في أ، ع، تحریف
8- (الامبتال) في ر، تصحيف
9- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 8 / 210

وَقَرِّبُوا الظُّهُورَ(1) لِلزِّيَالِ) المقام بالضم مصدر بمعنى الاقامة، والمَجاز بالفتح موضع السير أي الطريق(2)، والتزود أخذ الزاد وهو الطعام يتخذ للسفر، والَوفز(3) بالفتح وبالتحريك (العجلة)(4)، أي: كونوا كالمستعجل العازم على الارتحال، والظهر الإبل التي يحمل عليها ويركب، والزيال(5) المزايلة(6) أي استعدوا لفراق الدنيا والارتحال منها.

[ومن خطبة له (عليه السلام)]

(وَانْقَادَتْ لَهُ الدُّنْيَا وَالْخِرَةُ بِأَزِمَّتِهَا، وَقَذَفَتْ(7) إِلَيْهِ الْسَّمَوَاتُ وَالأرَضُونَ

مَقَالِيدَهَا، وَسَجَدَتْ لَهُ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ الأَشْجَارُ النَّاضِرَةُ، وَقَدَحَتْ لَهُ مِنْ

قُضْبَانِهَا النَّرَانُ الْمُضِيئَةُ، وَآتَتْ(8) بِكَلِمَاتِهِ الْثِّاَرُ الْيَانِعَةُ) قد تقدم ذكره سبحانه في سابق الكلام، والزمام ککتاب ما یزم به أي يشد، وزمام البعير ما يجعل في أنفه ليقتاد به(9)، والقذف (الرمي بقوة)(10) وقذف بالحجارة كضرب

ص: 311


1- (ظهوراً) في ر
2- ينظر: تاج العروس، مادة (جوز): 8 / 34
3- (الوفر) في أ، ث، تصحیف، وفي ع: (الوقر)، تحریف
4- الصحاح، مادة (وفز): 3 / 901
5- (الزبال) في ر، تصحيف
6- (المزايلة) في ر، تصحيف
7- (قدفت) فيع، تصحيف
8- (وآتت أكلها) شرح نهج البلاغة: ابن أبي الحديد: 8 / 211، و نهج البلاغة، صبحي الصالح: 241
9- ينظر: تاج العروس، مادة (زمم): 16 / 324
10- الصحاح، مادة (قذف): 9 / 277

رمى بها، والمقاد: المفتاح والخزانة، وقال بن عباس ومقاتل في قوله تعالى: «لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ»(1)، أي مفاتيحها بالرزق والرحمة(2)، وقال ليث(3): المقاد الخزانة(4)، والقذف مجاز في التسليم وكأنَّها انسلخت عنها بشدة؛ لغلبة القدرة، ويحتمل الاعطاء طوعاً وسجد سجوداً أي: خضع وذل وسجد البعر إذا خفض رأسه عند ركوبه، وقالوا في قوله تعالى: «وادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا»(5) أي ركعاً، و((الغُدوة بالضم: البكرة))(6)، وقيل: ((ما بن صلاة الفجر وطلوع الشمس كالغداة))(7)، والجمع (غدو) يقال: غداً غدوا، أي: ذهب غدوة ويستعمل في الذهاب أي وقت كان، و / و 178 / الأصيل (الوقت بعد العر الى المغرب)(8) والجمع أُصُل بضمتین، وآصال، والنضارة الحسن والناضر الشديد الخرة ويبالغ به في كل لون، وسجود الأشجار(9)

له سبحانه كونها مسخرة لقدرته منقادة لتدبره، أو دلالتها بذلها عى عظمة

مدبرها، أو معنى آخر لا تصل(10) إليه عقولنا كتسبيح الأشياء عى ما هو

الأظهر في قوله تعالى: «وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ

ص: 312


1- الزمر / 63
2- ينظر: مجمع البيان: 8 / 413
3- (ليس) في ر، تحريف
4- ينظر: مجمع البيان: 8 / 413
5- البقرة / 58
6- القاموس المحيط، مادة (غدا): 4 / 368
7- القاموس المحيط، مادة (غدا): 4 / 368، 369
8- لسان العرب، مادة (أصل): 11 / 17
9- (الاسجار) فير، تصحيف
10- (لايصل) في أ، ث، ع، ن

تَسْبِيحَهُمْ»(1)، وقدح بالزند کمنع أي استخرج النار، والمِقدح والمِقدحة بالكسر فيهما (الحديدة)(2) والقداح والقداحة (الحجر)(3)، والقُضبان بالضم جمع قضيب وهو الغصن المقطوع من قضبت(4) الشيء قضباً كضربت(5)، أي: قطعته، والمعنى خرجت لأمره النار من الشجر الأخضر مع أنه ضده، قال الله تعالى: «الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ»(6) والاسناد الى الأشجار من قبيل الاسناد الى السبب المادي، وفي بعض النسخ قدحت على صيغة المجهول ورفع النيران والمضيئة وينع الثمر کمنع وضرب أي حان قطافه كأينع(7) واليانع(8) الثمر الناضح، والأحمر من كل شيء، وفي بعض النسخ (وأتت أكلها) بكلماته الثمار اليانعة برفع الثمار واليانعة، والأُكُل بضمتين الثمر والرزق أي: اعطت مايؤكل منها بكلماته أي: بقدرته ومشيئته المعبر عنها بلفظ کُن واطلاق الكلمات عليها استعارة النفوذ تلك الاحکام کالأوامر القولية.

منها (وَكِتَابُ اللهِ بَیْنَ أَظْهُرِكُمْ نَاطِقٌ لَا يَعْيَا لِسَانُهُ، وَبَيْتٌ لَا تُهْدَمُ أَرْكَانُهُ،

وَعِزٌّ لَا تُهْزَمُ أَعْوَانُهُ) بين أظهركم أي بينكم يقال: فلان بين أظهر القوم

ص: 313


1- الإسراء / 44
2- العين، مادة (قدح): 3 / 40
3- المصدر نفسه، مادة (قدح): 3 / 40
4- (قضيت) في م، تصحيف
5- ينظر: لسان العرب، مادة (قضب): 1 / 978، و ينظر: تاج العروس، مادة (قضب): 2 / 329، وفي ث: (كضربته)
6- يس / 80
7- (كأنيع) في أ، وفي ر، م: (کانیع)، تحریف
8- (النايغ) في ر، تصحيف

وظهريهم وظهرانيهم أي: نازل بينهم وفي وسطهم والتخصيص بالظهر دون الصدر مثلاً للإشعار بشدة المحاماة عنه؛ لأنَّ النزيل إذا حامي القوم عنه استقبلوا الرماح والسيوف ودفعوها عنه بصدورهم وكان هو محروساً وراء ظهورهم والظاهر في المقام أن الغرض وجود الكتاب فيهم مستحقاً لشدة المحاماة لا شدة محاماتهم عنه والعي خلاف البيان، يقال: وعيى(1) وعی في المنطق کرضي إذا حُصر وعيي في(2) أمره [وعی](3) إذا لم يهتدِ لوجه مراده وعجز عنه ولسان الكتاب(4) بيانه والاسناد مجازي، ويحتمل أن يكون المراد بلسان الكتاب نفسه (عليه السلام) إذ هو الناطق عنه المبين له، وأركان الكتاب قواعده وأحكامه المستنبطة منه، أو الأئمة (عليهم السلام)، أو المراد بقاؤه إلى يوم القيام والعز و العزة في الأصل الشدة والقوة والغلبة، والمراد بأعوانه الباري سبحانه وملائكته والرسول والأئمة (صلوات الله عليهم) أجمعين.

[منها](5) (أرْسَلَهُ عَلىَ حِینِ فَتَرْةٍ(6) مِنَ الرُّسُلِ، وَتَنَازُعٍ مِنَ الْأَلْسُنِ فَقَفَّى بِهِ الرُّسُلَ، وَخَتَمَ بِهِ الْوَحْيَ، فَجَاهَدَ في الله الْمُدْبِرِينَ عَنْهُ، وَالْعَادِلِینَ بِهِ) الفترة بالفتح ما بين الرسولين من رسل الله تعالى من الزمان الذي انقطعت فيه الرسالة، وقوله تعالى: «عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ»(7) أي على انقطاع بعثهم

ص: 314


1- (عني) في أ، ث، ع، ن، وفي ر، م: (عي)
2- (و) في ث
3- [وعی] ساقطة من ع
4- (الكتان) في ر، تصحيف
5- [منها] بیاض في ث
6- (فطرة) فيع، تحریف
7- المائدة / 19

ودروس معالم دينهم وتنازع الألسن لاختاف كلمتهم فإنَّ قوماً من أهل

الجاهلية كانوا يعبدون الأصنام، وكان لكل قوماً صنم، وقوماً كانوا يعبدون

الشمس، وقوماً يعبدون المسيح وكان من الناس اليهود والنصارى والصابئون

والمجوس وغر ذلك وكان كل قوم يجادل مخالفيها بألسنتها تقوية لمعتقدها،

وقفوت فلاناً أي تبعته وقفيته زيداً، و بزيد(1) تقفيته أي اتبعته إياه وسميت

قوافي الشعر؛ لأن بعضها يتبع بعضاً، والمعنى أرسله بعد الرسل وجعله

خاتم الأنبياء (صلى الله عليه واله) والعادلون بالله الجاعلون له شبيها وعديلاً

ومنه قوله (عليه السلام) في خطبة الأشباح ((کذب العادلون بك إذ شبهوك

بأصنامهم)).

[منها](2) (وَإِنَّمَا الدُّنْيَا مُنْتَهَى بَصِرَ الَأْعْمَى، لَا يُبْصُرِ مِمَّا وَرَاءَهَا شَيْئاً، وَالْبَصِرُ يَنْفُذُها بَصَرُهُ، وَيَعَلَمُ أَنَّ الدَّارَ وَرَاءَهَا، فَالْبَصِیرُ مِنْهَا شاخِصُ، وَالأعْمَى إِليْهَا شَاخِصٌ، وَالْبَصِیرُ مِنْهَا مُتَزَوِّدٌ، [وَالْأَعْمَى لَهَا مُتَزَوِّدٌ](3)) شبه (عليه السلام) الدنيا بما يتخيله الأعمى، و / و 178 / يظن أنَّه ظلمه،

وإنَّ كان لا يرى شيئاً وفيه إشعار بأنَّ أهل الدنيا لا يرون الدنيا أيضاً، إذ لو

رأوها حق رؤيتها لما ركنوا إليها ورفضوها، وإنَّ أهل الآخرة يرون الدنيا

والآخرة، فلذلك أعرضوا عن الدنيا لما ظهرت لهم من عيوبها، وأقبلوا

الى الاخرة والعمى والبر في المشبه عمى القلب والبصرة، وفي المشبه به

ص: 315


1- (يزيد) في ر، تصحيف
2- [منها] بياض في ث
3- [والاعمى لها متزود] ساقطة من ث، ع

الحسيان، وماجوزه بعض الشارحين(1) من كون العمى في المشبه عمی القلب، والبصر(2) قوة الإحساس، لا يخفى عدم استقامته ونفذه(3) کنصرة أي جازه، والشخوص في الأصل الارتفاع(4)، يقال: شخص کمنع إذا ارتفع، ومنه شاخص الظل وشخص بصره بالرفع إذا ارتفع أجفانه، وفتح عينيه وجعل لا يطرف، وشخص بصره بالنصب أي رفعه(5)، وشخص ببصره(6) كذلك وشخص من بلد إلى بلد ذهب وصار في ارتفاع(7)، قيل: ولا يسمى الشخص إلاَّ إذا كان له شخوص وارتفاع، قال بعض الشارحين: هذا هو الذي يسميه أرباب الصناعة الجناس التام، فالشاخص الأول الراحل، و الثاني من شخص بصره إذا فتح عينيه نحو الشيء مقابلاً له وجعل لا يطرف(8)، والجناس على سبعة أضرب: أحدها: التام وحده أن تتساوی حروف الكلمتين وزناً و ترکیباً، ولا يخفى لطف تشبیه توجه الأعمى نحو الشيء بالشاخص إلى شيء، ويحتمل أن يكون الشاخص في الموضعين بمعنى الراحل، فإنَّ الشخوص والسفر الى مكان يستلزم کونه مقصداً أصلياً للمسافر والبصير مطمح نظره(9) الدار الآخرة فكأنه راحل من الدنيا التي هي مجازه وسجنه

ص: 316


1- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 8 / 214
2- (الابصار) في ر، م، تحریف
3- (نفده) في أن تصحيف
4- ينظر: معجم مقاییس اللغة، مادة (شخص): 3 / 254
5- (رفع) في ر
6- (بصره) في ع
7- ينظر: تاج العروس، مادة (شخص): 9 / 295
8- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 8 / 214
9- (نطره) في أ، ث، ن تصحيف

اليها والأعمی مطمح نظره(1) الدنيا التي هي دار القرار عنده وجنته فكأنَّه راحل اليها، ولعله أنسب بقوله (عليه السلام) البصير منها متزود، ويحتمل أن يكون في الموضعين بمعنى الطامح ببصره نحو الشيء، والشاخص من الشيء من جعله آله الملاحظة غيره و توجه به إليه وإلى الشيء من ركن إليه وقصد نحوه وقصر نظره(2) عليه ونظيره(3) قوله (عليه السلام) من أبصر بها بصرته ومن أبصر إليها أعمته، والتزود أخذ الزاد کا سبق وزاد البصير التقوى، قال الله تعالى: «وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى»(4) وزاد الأعمى حطام الدنيا وزينتها.

[منها] (وَاعْلَمُوا أَنَّ(5) لَيْسَ مِنْ شَيءٍ إِلَّا وَيَكَادُ صَاحِبُهُ يَشْبَعُ مِنْهُ وَيَمَلُّهُ، إِلاَّ الْحَيَاةَ فَإِنَّهُ لَا يَجِدُ لَهُ فِي الْمَوْتِ رَاحَةً) مللته ومللت(6) منه كعملت أي: سئمته، قال بعض الشارحين: (فإنَّ قلت: كيف يقول (عليه السلام) إنَّه لا يجد في الموت راحة؟ وقد قال رسول الله (صلى الله عليه واله): ((الدنيا سجن المؤمن، وجنة الكافر))(7)، وروي عنه (صلى الله عليه واله): ((ليس للمؤمن

ص: 317


1- (نطره) في أن تصحيف
2- (نطره) في أن تصحيف
3- (نطيره) في أ، ث، ن تصحيف
4- البقرة / 197
5- (انه) في شرح نهج البلاغة: ابن أبي الحديد: 8 / 223.، ونهج البلاغة، صبحي الصالح: 241
6- (ملین) في م، تصحيف
7- مسند أحمد: 2 / 323، و صحیح مسلم: 8 / 210، و سنن الترمذي: 3 / 385، و المعجم الكبير: 6 / 239، و المستدرك: 3: 604

راحة دون لقاء الله، وروي أيضاً: ((ما أرجو الراحة إلاَّ بعد الموت!))، قلت:

لا منافاة، فإنَّ الصالحن، إنما طلبوا أيضاً الحياة المستمرة بعد الموت، وليس

الموت مطلوباً لهم لذاته، بل إنَّما يطلبونه للحياة المتعقبة له، وفي قوله (صلى الله

عليه واله): ((ما أرجو الراحة إلاَّ بعد الموت)) تصريح بأنَّ الراحة في الحياة

التي تعقب(1) الموت، فإنَّ قلت: فقد تطرأ على الانسان حاله يستصعبها فيود الموت لنفسه، ولا يفكر فيما يتعقبه من الحياة ولا يخطر بباله؟ قلت: شاذ نادر فا يُلتفت اليه، والحكم للأعم الاغلب. و أيضاً فإنَّ ذاك(2) لا يلتذ بالموت وإنَّما يتخلص به من الألم، وقال أمر المؤمنین (عليه السلام): ما من شيء من الملذات إلاَّ وهو مملول(3) منه إلاَّ الحياة، وبن الملذ والمخلص من الالم فرق واضح(4)، ولعل الأظهر أن يقال: ذلك التمني ليس للشبع من الحياة والمال منها بل للتألم والمال مما قارنها والفرق واضح وليست الراحة التي يجدها(5) في الموت لنفسه بل الأمر خارج، وقال بعضهم: فقدان الراحة في الموت مخصوص بأهل الشقاوة في الآخرة، فأمَّا أولياء الله فلهم في الموت

الراحة الكبرى(6)، وقيل: بل يحمل على العموم مراعاة لظاهر الكلام وذلك

من وجهین: أحدهما: أن بالموت يفوت متجر الآخرة فالولي لا يجد الراحة

ص: 318


1- (يتعقب) في أ، ث، ع، م، وفي ر: (بتعقب)، تحريف
2- (ذلك) في ث، ر، م، تحريف
3- (مملوك) في ث، ع، تحريف
4- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 8 / 225، 226
5- (تجدها) في ر، م، تصحيف
6- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن ميثم البحراني: 3 / 158

[التي](1) يلحقه بما يفوته من ذلك، والثاني: أن النفوس / و 179 / البشرية لما لم يكن معارفها ضرورية ولم تمکن مادامت في هذه الأبدان من الاطلاع على ما بعد الموت من سعادة أو شقاوة فبالحري أن لا تجد لها راحة تتصورها(2) في الموت مادامت في دار الدنيا، وذلك لا ينافي أن تحصل(3) لها الراحة عند لقاء الله وفي الجميع تأمل والظاهر أن المراد أن الحياة لذاتها مع قطع النظر عما يقارنها لا يشبع منها صاحبها، ولا يجد في الموت لنفسه راحة، والله يعلم.

(وَإِنَّاَ ذلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْحِكْمَةِ الَّتِي هِيَ حَيَاةٌ لِلْقَلْبِ الْمَيِّتِ، وَبَصَرٌ لِلْعَیْنِ الْعَمْيَاءِ؛ وَسَمْعٌ لِلْأُذُنِ الصَّمَّاءِ، وَرِيٌّ لِلظَّمْآنِ؛ وَفِيهَا الْغِنَى كُلُّهُ وَالسَّاَمَةُ) قبل الحكم والحكمة في الأصل ((المنع))(4)، وسميت الحكمة؛ لأنهَّا تمنع صاحبها من اخلاق الأرذال(5) وأفعال الجهال ويكون في اللغة بمعنى العلم والحلم والعدل وغير ذلك(6) وفسرت بمعرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم وباستكمال النفس الإنسانية في العلم والعمل على قدر الطاقة وبالعلم النافع في الآخرة، وفي بعض الأخبار بمعرفة أهل البيت (عليهم السلام) و ولايتهم والأُذُن بضمتين(7) في النسخ، والرِي(8) بالكسر الاسم من روي من الماء واللبن

ص: 319


1- [التي] ساقطة من ر، م
2- (يتصورها) في ث، ر، م، تصحيف
3- (يحصل) في ث، ر
4- معجم مقاییس اللغة، مادة (حکم): 2 / 91
5- (الاوذال) في ر، تحریف
6- ينظر: لسان العرب، مادة (حکم): 12 / 141
7- (بصمتين) في ر، تصحيف
8- (الراي) في ر، تحریف

کرضی رَیاً ورِياً بالفتح والكسر، والظمأ(1) بالتحريك (أشد العطش)(2)، أو (العطش)(3) والصفة ظمآن وظمأنه، قال بعض الشارحين: هذا الكلام غير ملتئم بالكلام السابق وهو(4) اشارة الى كلام من کلام رسول الله (صلى الله عليه واله)، رواه (عليه السلام) لهم، ثم حضهم(5) على التمسك به والانتفاع بمواعظه، وقال: إنه بمنزلة الحكمة)(6)، وقال بعضهم: ذلك اشارة الى الأمر الذي هو أحق بأن لا يمل ولا يشبع منه(7).

كِتَابُ اللهِ تُبْصِرُونَ بِهِ، وَتَنْطِقُونَ بِهِ، وَتَسْمَعُونُ بِهِ؛ وَيَنْطِقُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ،

وَيَشْهَدُ بَعْضُهُ عَىَ بَعْضٍ، وَلَا يَخْتَلِفُ فِي اللهِ، وَلَا يُخَالِفُ بصَاحِبِهِ عَنِ اللهِ)، قال بعض الشارحين: قوله (عليه السلام) كتاب الله خبر مبتدأ: أما خبر ثان لذلك وما كان بمنزلة الحكمة خبر أول، أو لمبتدأ محذوف تقديره(8)، هو کتاب الله(9) قال: ويحتمل أن يكون عطف بيان لما هو بمنزلة الحكمة)(10) و(ينطق بعضه ببعض) أي يفسر بعضه بعضا کالمبين للمجمل(11)، والمقيد للمطلق،

ص: 320


1- (الطماء) في ع، تصحيف
2- تاج العروس، مادة (ظمأ): 1 / 203
3- لسان العرب، مادة (ظمأ): 1 / 116
4- (هذا) في ر، م، تحریف
5- (خصهم) في أ، ع، تصحيف
6- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 8 / 228
7- [تقديره] ساقطة من ر
8- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 3 / 158
9- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 3 / 159
10- (للمحمل) في أ، تصحيف
11- شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 3 / 159

والخاص للعام، ويشهد بعضه على بعض أي: يصدقه ولا يضاده کما قال عز وجل: «وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا»(1)، وقال بعض الشارحين: أي يستشهد ببعضه على المراد بعض آخر، وهو قريب مما قبله(2)، ولعله بعيد(3) ولا يختلف في الله أي في الدلالة على الله وصفاته وغير ذلك وحينئذ يمكن تخصيص ماسبق بالقصص ونحو ذلك، أو في الغاية والثمرة المطلوبة منه أي الوصول إلى الله سبحانه، والزلفة لديه ولا يخالف بصاحبه عن الله أي لا يضلهم عن سبيل الله ولا يصدهم عن صراطه، وقال بعض الشارحين: (قوله: ((لا يخالف بصاحبه عن الله)) فصل آخر مقطوع عما قبله، و متصل بها لم يذكره جامع نهج البلاغة)(4).

(قَدِ اصْطَلَحْتُمْ عَلَى الْغِلِّ فِيمَا بَيْنَكُمْ؛ وَنَبَتَ الْمَرْعَى عَلَى دِمَنِكُمْ(5)، وَتَصاَفَيْتُمْ عَلَى حُبِّ الْآمَالِ، وَتَعَادَيْتُمْ فِي كَسْبِ الْأَمْوَالِ. لَقَدِ اسْتَهَامَ بِكُمُ الْخَبِيثُ. وَتَاهَ بِكُمُ الْغَرُورُ، وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى نَفْسِيِ وَأَنْفُسِكُمْ) الاصطلاح والتصالح المصالحة والمراد الاتفاق على الشيء، والغل بالكسر الحقد والضغن والغش(6)، والدِمَن بكسر الدال وفتح الميم جمع منه بالكسر وهي (آثار الناس وما سودوه)(7)، و دمنه الإبل والغنم بأبوالها(8) وأبعارها أي لبده في مرابضها، وربما نبت فيها

ص: 321


1- النساء / 82
2- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 3 / 160
3- (يعيد) في ر، تصحيف
4- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 8 / 228
5- (دینکم) في ع، تحریف
6- ينظر: الصحاح، مادة (غلل): 5 / 1783
7- المصباح المنير، مادة (الدمن): 1 / 200
8- (بأموالها) في ر، تحریف

النبات الحسن النضير، ومنه الحديث: ((إياكم وخضراء الدمن))(1)، والمرأة الحسناء في منبت السوء، والدمنة (الحقد)(2)، أو القديم منه، والمعنى قدم أحقادكم وضغائنكم وطال مكثها في صدوركم حتى كأنَّها نبت المرعى عليها، وقال بعض الشارحين: نبت المرعى على دمنکم مثل يضرب للمتصالحين في الظاهر مع غل القلوب فيما بينهم، ووجه مطابقة المثل أنَّ ذلك الصلح سريع الزوال / ظ 179 / لا أصل له کما یسرع جفاف النبات في الدمن(3)، والصفو نقيض الكدر، وأصفيته الود وصافيته، أي: أخلصته له وتصافينا(4)، أي تخالصنا والتعادي في كسب الأموال بيان للغل الذي اشار (عليه السلام) إليه أولاً، والمراد بالأمل المأمول، ويحتمل المصدر، وهام يهيم هيماً، أي: خرج على وجه لا يدري أين يتوجه(5) فهو هائم إن سلك طريقاً مسلوكاً، فإنَّ سلك طريقاً غير مسلوك فهو راكب التعاسيف وهام يهيم، أيضاً إذا أحب امرأة، والهُيام بالضم كالجنون من العشق وقلب مستهام أي هائم، الخبيث ضد الطيب والمراد أبليس، قال بعض الشارحين: (لقد استهام بكم الخبيث) أي جعلكم هائمين، أي استهامكم، فعداه بحرف الجر، كما تقول: في ((استنفرت القوم إلى الحرب)): استنفرت بهم، أي جعلتهم نافرين، أو بمعنى الطلب والاستدعاء، أي: استدعى منكم أن تهيموا(6) و تقعوا في التيه والضلال

ص: 322


1- غريب الحديث، ابن سلام: 3 / 99، و الجرح والتعديل، الرازي (ت 327 ه): 4 / 139، و مسند الشهاب (ت 454 ه) 2 / 96
2- الصحاح، مادة (دمن): 5 / 2114
3- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 3 / 160
4- (تصافيفا) في أ، ع، تحریف، وفي م: (صافينا)
5- (متوجه) في أ، تحریف
6- (تقيموا) في م، تحریف

والحيرة(1)، وقال بعضهم: (أي اشتد عشقه لكم ولازمكم)(2)، ولعل الأظهر على هذا الوجه أن يكون المعنى جعلکم عاشقين وتاه الإنسان يتيه تيهاً إذا ضل عن الطريق، والتِيه بالكسر المفازة لا علامة فيها يقتدى بها(3) وتاه أيضاً إذا تكبر وتاه بکم أي جعلکم، تائهين وغره أي خدعه وأطمعه [بالباطل، فأغتر وماغرك](4) بفلان أي: كيف اجترأت عليه؟، واغتررت به!، أي: ظننت الأمن، فلم أتحفظ، وفسر الغرور في قوله تعالى: «وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ»(5) بالشيطان وبكل شيء غرك حتى تعصي الله وتترك ما أمرت به، وقيل: (الغرور: الدنيا)(6)، وقيل: هو (تمنيك(7) المغفرة في عمل المعصية)(8)، وقرئ في الشواذ بضم الغين(9)، وكذا يوجد في بعض النسخ، وفسر بغرور الدنيا بخدعها الباطلة، وغرور النفس بشهواتها الموبقة، ويعم كل غرور، (والعون: الظهير على الأمر)(10)، واستعنت(11) بفلان، فأعانني، وقد يتعدى بنفسه، فيقال: استعانه واستعان عليه أي طلب العون للظفر عليه.

ص: 323


1- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 8 / 229
2- شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 3 / 161
3- ينظر: لسان العرب، مادة (توه): 13 / 482
4- (بالباطل، فاغتر وما غرك) ساقطة من ر، م، وفي ث: (فاعتر) تصحيف
5- لقان / 33، فاطر / 5
6- المخصص: 1 / 82
7- (تمينك) في أ، تحریف
8- تفسير مجمع البيان: 8 / 95
9- قراءة (ساك بن حرب، أبو حيوة، بن السميفع) معجم القراءات القرآنية: 5 / 94
10- (استعينت) فيع، تحریف
11- تاج العروس، مادة (عون): 18 / 395

[ومن كلامٍ له (عليه السلام وقد شاوره عمر في الخروج الى الروم]

(وَقَدْ تَوَكَّلَ اللهُ لِأَهْلِ هَذَا الدِّينِ بِإعْزَازِ الْحَوْزَةِ، وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ، وَالَّذِي نَصَرَهُمْ، وَهُمْ قَلِيلٌ لَا يَنْتَصِرُونَ، وَمَنَعَهُمْ وَهُمْ قَلِيلٌ لَا يَمْتَنِعُونَ، حَيٌّ لَا يَمُوتُ) الرُوم بالضم جيل من ولد الروم بن عيصُو(1)، يقال: رجل رومي والجمع روم، مثل زنجي و زنج، فليس بين الواحد والجمع إلاَّ الياء المشددة، كما يقال: تمر وتمرة، وليس بين الواحد والجمع إلاَّ الهاء، وهذه الغزاة(2) هي غزاة(3) فلسطين التي فتح فيها بیت المقدس، ووكلت الأمر إلى فلان کوعدت أي فوضته اليه واكتفيت به، والوكيل فعيل: بمعنی مفعول، لأنَّه موکول إليه، ويكون بمعنی فاعل إذا كان بمعنى الحافظ، قالوا: ومنه حسبنا الله ونعم الوكيل، ووكلته توکيلاً فتوكل، أي: قبل الوَكالة بفتح الواو والكسر لغة وتوكل على الله، أي اعتمد عليه، ووثق وأظهر العجز، قال بعض الشارحين: ويروي: ((وقد تكفل)) الله، أي صار کفیلاً(4)، والكفيل الضامن، والحَوزة بالفتح (الناحية)(5)، وحمي حوزة الإسلام أي حدوده ونواحيه، وفلان مانع الحوزته أي: لما حيزه، وحوزه الملك بيضته واعزاز(6) الحوزة حفظها عن غلبة

ص: 324


1- روم بن عيصو بن إسحاق بن إبراهيم (عليهما السلام) وكان الروم رجلًا جلداً أحمر أصفر في بياض، شديد الصفرة من أجل ذلك سميت الروم بني الأصفر، وأمه ابنة إسماعيل ابن إبراهيم (عليهما السلام). ينظر: المعارف: 38، 39
2- (الغراة) في أو، عن، تصحيف
3- (غراة) في أ، وفي ع: (عزاة)، تصحيف
4- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 8 / 230، وفيه: (وقد تكفل والله ...)
5- المصباح المنير، مادة (حزت): 1 / 156
6- (واغرار) في أ، وفي ر: (واغراز)، تصحيف

الأعداء، (والعورة في الثغر(1) والحرب: خلل يخاف منه)(2) وكل شيء يستره الإنسان أنفه أو حياء أو مخافة فهو عورة والجمع عورات بالسكون للتخفيف والقياس الفتح؛ لأنَّه اسم وهو لغة هذيل، قال بعض الشارحين: کنی (عليه السلام) بالعورة عن هتك الستر في النساء ويحتمل أن تكون استعارة لما يظهر عليهم من الذل والقهر لو أصيبوا فضمن(3) سبحانه ستر ذلك بإفاضة النصر عليهم وانتصر منه أي انتقم ولا ينتصرون أي لا يقدرون على الانتصار، ومنعهم أي دفع عنهم وحماهم وحاطهم وامتنع فلان بقومه أي: تقوى بهم في مَنعه بفتح النون، أي: في عز قومه فلا يقدر عليه من يريده، والحاصل أنَّ الذي / و 180 / نصرهم في حال ضعفهم حي لا يموت فهو ينصرهم في حال ضعفهم ويتم نعمته عليهم.

(إِنَّكَ مَتَى تَسِرْ إِلَی هَذَا العَدُوِّ بِنَفْسِكَ، فَتَلْقَهُمْ فَتُنْكَبُ، لَا تَكُنْ(4) لِلْمُسْلِمينَ كَانفةٌ(5) دُونَ أَقْصَى بِلَدِهِمْ. لَيْسَ بَعْدَكَ مَرْجِعٌ يَرْجِعُونَ إِلَيْهِ، فَابْعَثْ إليْهِمْ رَجُاً مْجِرَباً(6)، وَاحْفِزْ مَعَهُ أَهْلَ الْبَاَءِ وَ النَّصِيحَةِ(7)، فَإِنْ أَظْهَرَ

ص: 325


1- (الثعر) في م، تصحيف
2- المصباح المنير، مادة (عورت): 2 / 437
3- (فصمن) في أ، ع، ن، تصحيف
4- (لا يكن) في شرح نهج البلاغة: ابن أبي الحديد: 8 / 230
5- (کهف) في شرح نهج البلاغة: ابن أبي الحديد: 8 / 230
6- (محربا) في شرح نهج البلاغة: ابن أبي الحديد: 8 / 230، ونهج البلاغة، صبحي الصالح: 243
7- (النصبحة) في م، تصحيف

اللهُ فَذَاكَ(1) مَا تِحُبُّ، وَإنْ تَكُنِ الُأْخْرَى كُنْتَ رِدْءاً لِلنَّاسِ، وَمَثَابَةً لِلْمُسلِميَن) نكب الرجل بالحرة أي أصابته حجارتها، ومنه النكبة بالفتح وهي المصيبة وما يصيب الإنسان من الحوادث، وكلمة تنكب مجزومة عطفاً على تسر وكنفه کنصره صانه وستره، ومنه الكنيف؛ لأنه يستر قاضي الحاجة و الكنف بالتحريك الناحية(2) و الجانب والظل(3)، والكانفة الساترة(4)، والمراد جهة عاصمة من شر العدو، والضمير في اليهم راجع إلى الأعداء وفي بعض النسخ (عليهم) فيرجع الى العسكر، ويحتمل الأعداء والمجرب بالتشديد على صيغة اسم المفعول کما في أكثر النسخ من جربتهُ الامور واحكمته(5)، قال الجوهري: فإنَّ كسرت الراء جعلته فاعلاً إلا أنَّ العرب تكلمت به بالفتح)(6)، وقال الفيروز آبادي: (جربه تجربة: اختبره، ورجل مجرب، كمعظم(7): بلي ماعنده، ومجرب(8) عرف الأمور)(9)، وفي بعض النسخ (مِحْرِباً)(10) بكسر الميم وسكون

ص: 326


1- (فداك) فيع، تصحيف
2- (الناجبة) في ر، تصحيف
3- ينظر: لسان العرب، مادة (کنف): 9 / 308
4- (احکمنه) في ر، تصحيف
5- ينظر: لسان العرب، مادة (کنف): 9 / 309
6- ينظر: الصحاح، مادة (جرب): 1 / 98
7- (کعظم) في ع، تحریف
8- (مجرب) في م، تصحيف
9- القاموس المحيط، مادة (جرب): 1 / 45
10- (مجرباً) في أنع، تصحیف، و منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، الراوندي: 2 / 55، وشرح نهج البلاغة: ابن أبي الحديد: 8 / 230 و في ث: (محرياً) تصحيف

الحاء المهملة وفتح الراء، يقال: رجل محرب(1) و محراب أي شديد الحرب شجاع(2)، وحفزته(3) بالحاء(4) المهملة والفاء والزاي(5) كضربته، (أي دفعته من خلفه)(6) وسقته سوقاً شديداً، والمراد البعث والارسال، وبلوته بلوىً وبلاء أي اختبرته وامتحنته، والبلاء یکون محنه ومنحة، قال عز وجل: «وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً»(7) و النصيحة إرادة الخير للمنصوح له، وظهرت على الرجل غلبته وأظهره الله على عدوه - أظفره -، و(الرِدءُ بالكسر العون، والمادة)(8) والمثابة(9) المرجع وحاصل الكلام الاشارة الى عدم اقتضاء المصلحة أن يحضر الأمير الحرب بنفسه، قال بعض الشارحين: فإن قلت: فما بال أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يشهد الحروب بنفسه، قلت عن هذا جوابان احدهما: إنه كان عالماً بأنه لا يقتل في هذه الحروب(10) ويشهد لذلك الخبر المتفق عليه بين الناس كافه ((سيقاتل بعدي الناكثين والقاسطين

ص: 327


1- (مجرب) في ر، تصحيف
2- ينظر: القاموس المحيط، مادة (حرب): 1 / 53
3- (حفرته) في أ، ر، م، وفي ع: (حقرته)، تصحیف
4- (بالخاء) في أ، ع، تصحيف
5- (الراي) في ث، تصحيف
6- الصحاح، مادة (حفز): 3 / 874
7- الأنبياء / 35
8- القاموس المحیط، مادة (ردأ): 1 / 16
9- (المنامة) في ر، تصحيف
10- (الحرب) في أ، ع، تحریف

والمارقين(1))) وثانيها: إنه لا يقوم مقامه في هذه الحروب أحد ولم يجد اميراً مجرباً من أهل البلاء والنصيحة(2)، ولعل من كان مجرباً من أصحابه لم يكن ناصحاً له، ومن كان ناصحاً لم يكن مجرباً، ولعله لو وجد فيهم الناصح المجرب لم يكن مطاعاً يتمشى منه(3) أمر الإمارة والقتال، والحاصل أنه كان حضوره(4) (عليه السلام) لضرورة مفقودة في الحال التي أشار فيها بترك الخروج.

[ومن كلامٍ له (عليه السلام)] وقد وقعت مشاجرة بينه وبين عثمان،

فقال: المغيرة بن الأخنس لعثمان: أنا أكفيکَهُ(5)، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): للمغيرة: (يا ابنَ(6) اللَّعِینِ الَأْبْتِرَ، وَالشَّجَرَةِ الَّتي لَا أصْلَ لَهَا، وَلَا فَرعْ)، المشاجرة المنازعة، والمغيرة بن الأخنس الثقفي(7) حليف بني زهرة كان عثمانياً خرج بسيفه يوم الدار لما أحرق الناس باب عثمان فقتل، قال بعض الشارحين: ((إنما قال: (عليه السلام) یا ابن اللعين؛ لأنَّ الأخنس(8) بن

ص: 328


1- (المارفين) في ر، تصحيف
2- قول متصرف به، ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 8 / 231
3- (من) في ر، م، تحریف
4- (حصوره) في ث، م، تصحيف
5- (کفیکه) في ر
6- (يابْنَ) في شرح نهج البلاغة: ابن أبي الحديد: 8 / 234
7- المغيرة بن الأخنس بن شريق بن عمرو بن وهب بن علاج الثقفي، حليف بني زهرة، عامل مروان بن الحكم على البحرين، قتل يوم مقتل الخليفة عثمان بن عفان. ينظر: أنساب الاشراف: 13 / 437، وجمهرة انساب العرب: 268، و الاصابة: 6 / 155
8- أسمه أُبي بن شريق بن عمرو بن وهب بن علاج بن أبي سلمة بن عبد العزی بن غیره بن عوف بن ثقيف، يكنى أبا ثعلبة، حليف بني زهرة، ولما أشار عليهم بالرجوع إلى مكة في وقعة بدر قبلوا بكلامه ورجعوا عندها فیل خنس بهم فسموه بالأخنس. أعطاه الرسول (صلى الله عليه وسلم) مائة من الابل من غنائم حنين مع المؤلفة قلوبهم، مات في زمن الخليفة عمر بن الخطاب ينظر: أنساب الاشراف: 13 / 437، وأسد الغابة: 1 / 47، 48، و الاصابة: 1 / 192

شريق كان من أكابر المنافقين ذكره أصحاب الحديث كلهم في المؤلفة قلوبهم الذين أسلموا يوم الفتح بألسنتهم دون قلوبهم، وأعطاه رسول الله (صلى الله عليه واله) مائة من الإبل من غنائم حنين(1)، يتألف بها قلبه، وابنه أبو الحكم بن الأخنس، قتله أمير المؤمنين (عليه السلام) کافراً في الحرب، وهو أخو المغيرة، هذا والحقد الذي كان في قلب المغيرة كان من هذه الجهة، وإنما قال له: يا ابن الأبتر، لأنَّ من كان عقبه ضالاً خبيثاً، فهو كمن لا عقب له، بل(2) من لا عقب له خير منه(3)، ونفي الأصل والفرع كناية عن دناءته وحقارته، أو لأن في نسب ثقیف طعناً على ما قيل، أو لدناءة / ظ 180 / أصوله وفروعه (أنْتَ تَكْفِيني؟ فَوَ اللهِ مَا أعَزَّ اللهُ مَنْ أنْتَ نَاصِرُهُ، وَ لَا قامَ مَنْ أنْتَ مُنْهِضُهُ، اخْرُجْ عَنَّا أَبْعَدَ اللهُ نَوَاكَ(4)؛ ثُم أبْلُغْ جَهْدَكَ؛ فَلاَ أبْقَى(5) اللهُ عَلَيْكَ إِنْ أبْقَيْتَ.) عز كفر أي صار عزیزاً وقوي بعد ذله وأعزه وعززه جعله عزيزة، والقيام كناية عن نيل المطالب، والعزة و نحو ذلك، وروی ولا أقام بالهمزة أي: لا أقام الله، ومنهضه أي مقيمه كناية عن الإعانة والتقوية،

ص: 329


1- (حين) في ر، م، تحریف
2- (يا) في ع، تحریف
3- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 8 / 234
4- (فواك) في ر، تحريف
5- (اتقی) فيع، تصحیف

(والنوى: الدار)(1) والوجه الذي تذهب فيه(2) أي: أبعد الله دارك، أو مقصدك حتى لاتصل اليه، وفي بعض النسخ (نوأك)(3) بالهمزة أي خير من أنواء النجوم التي كانت العرب تنسب المطر اليها، أو نهوضك وظهورك من ناء نوءاً أي طلع ونهض، وقيل: أي نهض بجهد ومشقة، و (الجَهد) بالفتح كما في بعض النسخ وهو لغة غير أهل الحجاز، وبالضم كما في بعض النسخ وهو لغة الحجاز بين (الوسع والطاقة)(4)، وقيل المضموم الطاقة والمفتوح المشقة، والجَهد بالفتح لا غير النهاية والغاية(5) وهو مصدر من جهد في الأمر، کمنع إذا طلب حتى بلغ غايته في الطلب، وجهده الأمر والمرض جهداً إذا بلغ منه المشقة، ومنه جهد البلاء، وأبقيت على فلان أي رحمته، وأشفقت عليه وفي دعاء صلاة الليل لسيد الساجدين (عليه السلام): ((ومن نارٍ لا تبقى على من تضرع اليها، ولا ترحم من استعطفها)(6)، ولعل المعنى أخرج عنا حتى نستريح من لقائك، ثم ابلغ غاية جهدك في الإضرار بي والعداوة، ولا ترحمني فإني لا أخاف منك ولا أبالي بعداوتك.

[ومن كلام له (عليه السلام)]

(لَمْ تَكُنْ بَيْعَتُكُمْ إِيَّايَ فَلْتَةً، وَلَيْسَ أَمْرِي وَأَمْرِكُمْ وَاحِداً، إِنِّ أُرِيدُكُمْ للهِ، وَ

ص: 330


1- لسان العرب، مادة (نوی): 10 / 347
2- ينظر: المصدر نفسه، مادة (نوی): 15 / 347
3- (نؤك) في منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، الراوندي: 2 / 55
4- المصدر نفسه، مادة (جهد): 3 / 133
5- ينظر: المصدر نفسه، مادة (جهد): 3 / 133
6- الصحيفة السجادية: 152

أَنْتُمْ تُرِيدُونَنِي لِأَنْفُسِكُمْ. أَيُّهَا النَّاسُ أَعِينُونِ عَلَى أَنْفُسِكُمْ؛ وَايْمُ الله لَأُنْصِفَنَّ

الْمَظْلُومَ(1) و لُأَقودَنَّ الظَّالَمِ بِخِزَامَتِهِ، حَتَّى أُورِدَهُ مَنْهَلَ الْحَقِّ، وإن كَانَ كَارِهاً.) الفلتة(2) الأمر يقع من غير تدبر ولا روية، وفي الكلام تعريض ببيعة أبي بكر، واشارة الى قول عمر بن الخطاب: ((كانت بيعة أبي بكر فلته وقي الله المسلمين شرها، إلاَّ فمن عاد الى مثلها فاقتلوه))، و(تريدونني لأنفسكم) أي: تحبون إمارتي، وتطيعونني لأغراضكم الدنياوية، و(أعينوني على أنفسكم) أي: كونوا أعواناً لي حتى أكفكم عما (تقودكم)(3) إليه، نفوسكم من موارد الهلكة، والمراد بالإعانة الطاعة وامتثال الأوامر، وايم الله مخفف ایمن الله من ألفاظ القسم کما تقدم، والانصاف المعاملة بالعدل، وفي بعض النسخ (لأَنصفن) بفتح الهمزة، يقال: نصفته [كضربته](4) ونصرته أي خدمته، ولعل الأول أظهر، والخِزامة بالكسر حلقه من شعر تجعل في وتره أنف البعير ليشد فيها الزمام ويسهل قيادة، والورد حضور الماء للشرب، والإيراد الاحضار، ونهل کفرح أي شرب، و (المنهل: المشرب)(5)، وقيل: المنهل من المياه كل ما تطؤه الطريق وما كان على غير الطريق لا يدعی منهلاً، ولكن يضاف إلى موضعه، أو إلى ما هو مختص به(6)، فيقال: منهل بني فلان، وفي الكلام دلالة على أنَّ

ص: 331


1- (لأنصفن المظلوم من ظالمه) في شرح نهج البلاغة: ابن أبي الحديد، 9 / 20، ونهج البلاغة، صبحي الصالح: 244
2- (الغلة) في أ، ع، تحریف، وفي ث (الفلثة)
3- (يقودكم) أ، ث، ر، ع، م، ن، تصحيف، والصواب ما أثبتناه
4- [كضربته] ساقطة من ع
5- لسان العرب، مادة (هل): 11 / 681
6- ينظر: لسان العرب، مادة (نهل): 11 / 681

الحق يشفى ويزيل العطش، وإن كان الوارد کارهاً له.

[ومن كلام له (عليه السلام)] في معنى طلحة والزبير

(وَاللهِ مَا أَنْكَرُوا عَلَيَّ مُنْكَراً، وَلَا جَعَلُوا بَينِي وَبَيْنَهُمْ نِصْفاً؛ وَإِنَّهُمْ لَيَطْلُبُونَ حَقّاً تَرَكُوهُ(1)، وَدَماً هُمْ سَفَكُوهُ، فَإِنْ كُنْتُ شِرَيكَهُمْ فِيهِ؛ فَإِنَّ لَهُمْ نَصِيبَهُمْ مِنْهُ، وَإنْ كَانُوا وَلوُهُ دُونِي فَمَا الطّلِبَةُ إلاَّ قِبَلَهُمْ. وَإنَّ أَوَّلَ عَدْلِهِمْ

لَلْحُكْمُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ) في معنى طلحة والزبير أي: في أمرهما والمقصد المتعلق بهما، أو في بيان مقصدهما، وأنكرته انکاراً خلاف عرفته، وأنكرت على فلان فعله إذا عبته ونهيته، والمنكر ضد المعروف وهو الخير، وکلما قبحه الشرع وحرمه و کرهه فهو منکر، و (النِصف) بالکسر کما في بعض النسخ اسم من الانصاف وكذلك النصف بالتحريك كما في بعضها / و 181 / والمعنى: لم يجعلوا بيني وبينهم حكماً ذا انصاف يحكم بالعدل وانصافاً، والمراد بالحق ما طلبوه وزعموه حقاً، وقال بعض الشارحين: أي أنهم يظهرون أنهم يطلبون حقاً بخروجهم إلى البصرة وقد تركوا الحق بالمدينة(2)، وسفك الدم كضرب أي صبه وولي الأمر كحسب، أي: تولاه وقام به، الطِلبة بالكسر ما تطلبه من غيرك، وهو الاسم من طالبه مطالبه، أي: طلبه بحق ولي قبل فلان حق کعنب، أي: عنده، وحاصل المعنى: أنَّ ما زعموه منكراً، وانكروه عليّ ليس بمنكر في الواقع، ولو كان حقاً فلا

ص: 332


1- (هم تركوه) في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 9 / 29، ونهج البلاغة، صبحي الصالح: 244
2- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 8 / 28

أقل من أن يكونوا شركاء فيه، فالعدل يقتضي أن يحكموا على أنفسهم، وقد روی أرباب السير أن طلحة كان يوم قتل عثمان مقنعاً بثوب قد استتر به عن أعين الناس يرمي الدار بالسهام، ولما امتنع على الذين حصروا عثمان الدخول من باب الدار حملهم طلحة إلى دار لبعض الأنصار فأصعدهم إلى سطحها وتسوروا(1) منها على دار عثمان فقتلوه، وإنه قال مروان بن الحكم يوم الجمل: والله لا أترك ثأري وأنا أراه ولأقتلن طلحة بعثان فإنَّه قتله، ثم رماه بسهم فأصاب مأبضه، فنزف(2) الدم حتى مات، وإنَّ الزبير كان يقول: اقتلوه فقد بدل دینکم، فقالوا: إن ابنك يحامي عنه بالباب، فقال: ما أكره أن يقتل عثمان ولو بُدئ(3) بابني [...](4)..

(وَإنَّ مَعِي لَبَصِیرَتِي، مَا لَبِسْتُ وَلَا لُبِسَ عَليَّ. وَإِنَّهَا لَلْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ فِيهَا الْحَمَا وَالْحُمَةُ والشُّبْهَةُ المُغْدَقَةُ) لبَس الأمر بالفتح أي: خلط بعضه ببعض، وقد يشدد للتكثير والتلبيس التخليط والتدليس، أي: ما لبست الأمور على الناس أولاً على نفسي، ولا على الناس، ولا لبسها رسول الله (صلى الله عليه واله) علي بل أخبرني بالحق والصدق، أو ما لبسه أحد علي، والبغي الظلم والعدول عن الحق والعلو والاستطالة، وتعريف الفئة للدلالة على أنَّ الرسول (صلى الله عليه واله) أخبر بخروجها ووصفها بالبغي، والحَمأ بالفتح

ص: 333


1- (تسودوا) في م، تحریف
2- (فنرف) في أ، ر، ع، ن، تصحیف، وفي م: (فرف)، تحریف
3- (يدي) في ر، تصحيف
4- کلام نابي على عثمان تحرجت من ذكره

مهموزاً كما في بعض النسخ (الطين الأسود المنتن)(1)، ومثلة الحمأ بالتحريك، وهو كناية عن الضلال والفساد أو الغل والحقد الذي كان في صدور القوم، وفي بعض النسخ (الحمی) بألف مقصورة، قال بعض الشارحين: هو كناية عن الزبير؛ لأنَّ كل من كان نسيب الرجل فهم الاحماء، واحدهم ((حما)) مثل: قفا(2) واقفاء، وما كان نسيب المرأة فهم الأحمات فأما الأصهار فيجمع الجهتين جميعاً، وكان الزبير ابن عمة رسول الله (صلى الله عليه واله)، وقد كان النبي (صلى الله عليه واله) اعلم علياً (عليه السلام) بأنَّ فئة تبغي عليه في أيام خلافته فيها بعض زوجاته، وبعض أحمائه، فکنی علي (عليه السلام) عن الزوجة بالحُمة(3) وهي اسم للعقرب(4) (انتهى) والمعروف أنَّ الحُمة كثبةٍ السم وتطلق(5) على إبرة العقرب والزنبور وغيرهما للمجاورة لأن السم منها يخرج وأصلها حُموٌ(6)، أو حمي كصرُدٍ، والهاء عوض عن الواو المحذوفة أو الياء(7)، و (أغدفت المرأة قناعها أي(8): أرسلته على وجهها)(9)، وأغدف

ص: 334


1- العين، مادة (حما): 3 / 312
2- (ففا) في ر، تصحيف
3- (حمة العقرب: سمها) الصحاح، مادة (مم): 5 / 1906
4- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 9 / 27
5- (يطلق) في أ، ث، ر، تصحيف
6- (حمر) في ع، تحریف
7- ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر: 1 / 446، و تاج العروس، مادة (حمی): 19 / 344
8- (أو) في ث
9- تاج العروس، مادة (غدف): 12 / 406

الليل أي: أرخى سدوله، وأغدف الصياد الشبكة على الصيد، أي: أسبلها(1)، والمراد بالشبهة المغدِفة(2) بكسر الدال على ما في النسخ التي عندنا الشبهة الساترة(3) للحق، أو المظلمة ونحو ذلك، وقال بعض الشارحين: وروى: ((المغدفة)) بفتح الدال، أي: الخفية(4) وهي شبهتهم في الطلب بدم عثمان، أو أنَّهم كانوا من أهل القبلة، وكانت فيهم أم المؤمنين وبعض العشرة المبشرة بالجنة بزعمهم، (وَإِنَّ الْأَمْرَ لَوَاضِحٌ؛ وَقَدْ زَاحَ الْبَاطِلْ عَنْ نِصَابِهِ، وَانْقَطَعَ

لِسَانُهُ عَنْ شَغْبِهِ(5)، وَايْمُ الله لُأَفْرِطَنَّ لَهُمْ حَوْضاً أَنا مَاتُحِهُ؛ لَا يَصْدُرُونَ عَنْهُ بِرِيٍ، وَلَا يَعُبُّونَ بَعْدَهُ فِي حَسْي) زاح الشيء يزيح أي بعد وذهب ونصاب كل شيء أصله ومرجعه، والشَغب بالفتح کما في بعض النسخ و بالتحريك كما في بعضها، وهو لغة ضعيفة (تهيج الشر)(6) والغرض الإشارة / ظ 181 / إلى ظهور ضعف الشبهة، و (لأَفرُطن) بفتح الهمزة وضم الراء من فرط القوم إذا سبقهم ليرتاد هم الماء وتهيء لهم الدلاء، أي: لأفرطن لهم الى حوض وهم أي: لأجلهم، أو اللام زائدة، وقد تقدم هذا الكلام في أوائل الكتاب، وكان هناك في بعض النسخ (لأفرطن)(7) على صيغة الأفعال أي لأملان، يقال: أفرط مزادته أي: ملاءها حتى فاض، والماتح بنقطتين من فوق المستقي من

ص: 335


1- ينظر: المصدر نفسه، مادة (غدف): 12 / 406
2- (المغدقة) في ث، ع، تصحيف
3- (السائرة) في م، تحریف
4- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 3 / 166
5- (شنبه) فيع، تصحيف
6- العين، مادة (شعب): 4 / 361
7- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 9 / 26، شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 3 / 165

فوق البئر، ومن تحت المالي للدلو من تحت، والصدور رجوع الشاربة عن الورد(1) والمسافر من مقصده، يقال: صدر كنصر، والري بالكسر الاسم من قولك: روي من الماء واللبن رَیا ورِیا بالفتح والكسر، وعبَ کمد إذا شرب الماء بلا تنفس(2)، وقيل العب الشرب أو جرع الماء أو تتابعه(3) والحِسْي(4) بالكسر وسكون السين حفيرة قريبه القعر، قيل: إنه لا يكون إلا في أرض أسفلها حجارة وفوقها رمل، فإذا أمطرت نشفه الرمل، فإذا انتهى إلى الحجارة أمسكه(5)، وماء الحسي يكون بارداً عذباً، والغرض من الكلام التهديد والوعيد بالحرب والقتل [وتوابعهما](6).

[منها](7): (فَأَقْبَلْتُمْ إِليَّ إِقْبَالَ الْعُوذِ المَطَافِيلِ عَلَى أَوْلَدِهَا، تَقُولُونَ: الْبَيْعَةَ [الْبَيْعَةَ](8)! قَبَضْتُ يَدِي فَبَسَطْتُمُوهَا، وَنَازَعْتُكُمْ يَدِي(9) فَجَاذَبْتُمُوهَا) العُوذ بالضم (الحديثات النتاج من الظباء والإبل)(10) وكل أنثى واحدها عائذ، مثل: حائل وحُول والمطافيل جمع مطفل کُمحسن وهي (ذات الطفل من

ص: 336


1- (الورود) في ع، تحریف
2- ينظر: العين، مادة (عب): 1 / 93، و لسان العرب، مادة (عبب): 1 / 573
3- ينظر: لسان العرب، مادة (عبب): 1 / 573
4- (الحمى) في ع، تحریف
5- ينظر: الصحاح، مادة (حسا): 6 / 2313
6- [وتوابعهما] طمس في ن
7- [منها] بياض في ث
8- [البيعة] ساقطة من م
9- (كفي) في شرح نهج البلاغة: ابن أبي الحديد، 9 / 30، ونهج البلاغة، صبحي الصالح: 245
10- الصحاح، مادة (عوذ): 2 / 567

الإنس والوحش)(1)، وخصها بعضهم بما كانت قريبة العهد بالنتاج(2) وعلى التقديرين لا غبار في التوصيف، وقال بعض الشارحين: المطفل هي التي زال عنها اسم العياذ ومعها طفلها، قال: وقد يسمى المطافيل عوذاً إلى أن يبعد العهد بالنتاج مجازاً، وعلى هذا الوجه قال أمير المؤمنين: (عليه السلام) ((إقبال العوذ المطافيل))، وإلا فالاسمان معاً لا يجتمعان حقيقة، وإذا زال الأول ثبت الثاني(3)، وهذا الذي ذكره مأخوذ من قول الجوهري في تفسير العائذ، (وذلك إذا ولدت عشرة أيام، أو خمسة عشر يوماً، ثم هي مطفل)(4)، ولعل غرضه أنه لا يطلق عليها بعد ذلك العائذ(5) لا أنه لا يصدق عليها مطفل قبل(6) ذلك، والبيعة منصوب على الاغراء والتكرير(7) للتأكيد، وما حكي عن بعض الشارحين عن أنَّ (فائدة التكرار دلالة المنصوب الأول على تخصيص الأمر الأول بالحال، ودلالة الثاني على تخصيص الأمر الثاني بالاستقبال، أي: خذ البيعة في الحال، وخذها للاستقبال، قال وكذلك قوله الله الله، أي: اتقوا الله في الحال واتقوه في الاستقبال)(8) بعيد غاية البعد [وجذب الشيء أي مده](9) وحوله عن موضعه، وكذلك جاذبه کما قيل: وجاذبته

ص: 337


1- لسان العرب، مادة (طفل): 11 / 402
2- ينظر: الصحاح، مادة (طفل): 5 / 1751
3- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 9 / 30
4- الصحاح، مادة (عوذ): 2 / 567
5- (العاند) في ر، ن، تحریف، وفي ث، م: (العائد)، تصحيف
6- (قيل) في أ، تصحيف
7- (التكوير) في م، تحریف
8- شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 3 / 167
9- [وجذب الشيء أي مده] طمس في ن

الشيء أي نازعته، ولعل المفعول الأول في الكلام محذوف، أي: جاذبتمونيها، والظاهر أنَّ [السبب](1) في قبض الكف والإمساك اتمام الحجة على القوم.

(اللَّهُمَّ إِنَّهُمَا قَطَعَانِي(2) [وَظَلَماَنِي](3)، وَنَكَثَا بَيْعَتِي وَ ألَّبَا أَلنَّاسَ عَلَّي فَاحْلُلْ مَا عَقَدَا، وَلَا تُحْكِمْ لَهُمَا مَا أَبْرَما، وَأَرِهِمَا المَسَاءَةَ فِيمَا أَمْاَ وَعَمِلَا) القطع في الرحم وغيره ضد الوصل، ونكث العهد والحبل(4) كنصر وضرب [نقضه](5) وألَّبَا من التأليب وهو الافساد (والتحريض)(6)، (يقال: حسود مؤلب)(7) أي: أفسد الناس (وحرضهم)(8) على قتالي و خلافي، (وما عقدا) هو الغروم الفاسدة والآراء الكاسدة المضمرة في نفوسهم، وحلها جعلها منتجة لخلاف المطلوب، وأحكم الشيء أتقنه فاستحکم وأبرم الأمر أحكمه، وأبرم الحبل جعله طاقين، ثم فتله، والمساءة مصدر ساءه إذا فعل به ما یکره و الاسم السُوء بالضم، وأمله بالتشديد، أي: رجاه كاملةً بالتخفيف، (وَلَقَدِ اسْتَثَبْتُهُمَا(9) قَبْلَ الْقِتَالِ، وَاسْتَأْنَيْتُ بِهِمَا أَمَامَ الْوِقَاعِ، فَغَمَطَا النِّعْمَةَ وَرَدَّا الْعَافِيَةَ) استثبتهما بالثاء المثلثة استفعال من ثاب يثوب إذا رجع، وسمي المنزل مثابة لأنَّ أهله

ص: 338


1- [السبب] طمس في ن
2- (قطعوني) في ث
3- [وظلماني] ساقطه من ث
4- (الحيلة) فيع، تحریف
5- [نقضه] طمس في ن
6- (التحريص) في أ، ث، ر، ع،، م، ن، تصحيف، والصواب ما اثبتناه
7- الصحاح، مادة (ألب): 1 / 88، وفي ع: (حسور)، تحریف
8- (وحرصاهم) في أ، ر، ع، م، ن، تحریف، وفي ث (وحرضاهما)
9- (أشتثبتها) في م، تحریف

يرجعون اليه(1)، وقيل للإنسان إذا تزوج ثيب(2) / و 182 / يستوي فيه المذكر والمؤنث(3) (واطلاقه على المرأة أكثر؛ لأنهَّا ترجع إلى أهلها بوجه غير الأول)(4)، وفي بعض النسخ (استثْبتهما) بسكون الثاء [المثلثة](5) وتشديد التاء المثناة من فوق من الثبات أي طلبت منهما [أن يثبتا على](6) على البيعة والحق، وقال بعض الشارحين: ويروي: ((استتبهما)) بالتاء المثناة الفوقانية من التوبة أي طلبت منها أن يتوبا إلى الله تعالى من ذنبهما في نقض [...](7) البيعة(8) و[استأنی](9) بفلان انتظر به و تربص، ويقال: آنیت وأنيت(10) من الأفعال والتفعيل، وتأنيت واستأنیت بمعنی، (والوقعة: صدمة الحرب)(11)، والوقاع و المواقعة المحاربة، وغمط كسمع كما في النسخ وكضرب، أي: استحقر وغمط فلان العافية أي لم يشكرها، والمراد بالنعمة أما ذلك الطلب والتربص، أو(12) النصيب من الفيء فإين الباعث على نكثهما كان التسوية

ص: 339


1- ينظر: الصحاح، مادة (ثوب): 1 / 95
2- (يثب) في ر، ع، م، تصحيف
3- ينظر: الصحاح، مادة (ثوب): 1 / 95، و لسان العرب، مادة (ثوب): 1 / 248
4- المصباح المنير، مادة (الثوب): 1 / 87
5- [المثلثة] طمس في ن
6- [[أن يثبتا على] طمس في ن
7- [في نقض] مکررة، زائدة في ر
8- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 9 / 30
9- [استأنی] طمس في ن
10- (اینت) في ع، م
11- الصحاح، مادة (وقع): 3 / 1301
12- (و) في ع

بينهما، وبين سائر(1) الناس في العطاء، وحاصل الكلام إني أتممت الحجة عليهما بطلب(2) الرجوع أو الثبات(3) على الحق، وتركت التعجيل وانتظرت رجوعهما فاستحقرا النعمة ولم يقبلا العافية واختارا(4) الخزي(5) في الدنيا والاخرة.

[ومن خطبة له (عليه السلام) في ذكر الملاحم]

(يَعْطِفُ الْهَوَى عَلَى الْهُدَى، إِذَا عَطَفُوا الْهُدَى عَلَى الْهَوَى، وَيَعْطِفُ الرَّأْيَ عَلَى الْقُرْآنِ، إِذَا عَطَفُوا الْقُرْآنُ عَلَى الرَّأْيِ) الملحمة (القتال)(6)، و(الوقعة العظيمة في الفتنة)(7)، وعطفت الشيء كضربت أملته وثنيته، وعطف هو أي مال، لازم متعد، وعطفته عن حاجته صرفته عنها، والهوى مقصور مصدر هویت کرضيت إذا أحبته وعلقت به، ثم أطلق على ميل النفس وانحرافها نحو: الشيء، ثم استعمل في الميل المذموم، فيقال: اتبع هواه، والرأي الاعتقاد

ص: 340


1- (مسائر) في ر
2- (يطلب) في ث، ر، تصحيف
3- (الثابت) في ع، تحریف
4- (اختار) في أ، ر
5- (التحزي) في ر، تحریف
6- لسان العرب، مادة (لحم): 12 / 537
7- المصدر نفسه، مادة (لحم): 12 / 537

والظن، (ويسمون أصحاب(1) القياس أصحاب الرأي؛ لأنهَّم يأخذون بآرائهم فيما أشكل)(2)، وفيما لم يأت فيه نص، والمعنى إنه يجعل الهوى تابعاً

للحق والراي تابعاً للقرآن إذا اتبع الناس الهوى، ويأولون القرآن بآرائهم والمخر عنه هو قائم ال محمد (عليهم السلام).

[منها](3): (حَتَّى تَقُومَ الْحَرْبُ بِكُمْ عَلَى سَاقٍ؛ بَادِياً نَوَاجِذُهَا، مْمَلُؤَةً أخْلَفُهَا، حُلْواً رَضَاعُهَا، عَلْقَماً عَاقِبَتُهَا) الساق ما بن الكعب والركبة، والساق الشدة أو (الأمر الشديد)(4) وكشف الساق، مثل في شدة الأمر(5)، وأصله أنَّ الإنسان إذا وقع في أمر شديد شمر عن ساعده وكشف عن ساقه

للاهتام بذلك الأمر، والمخدرات(6) يشمرن عن سوقهن في الهرب، وقيل في قوله تعالى: «يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ»(7) أي: [...](8) (يوم يكشف عن

أصل الأمر وحقيقته [بحيث](9) يصر عياناً مستعار من ساق الشجر، وساق الإنسان)(10)، والمراد بقيام الحرب بهم عى ساق اشتداده(11) بهم، على أن

ص: 341


1- (أصحابنا) في ر، م، تحريف
2- لسان العرب، مادة (رأي): 14 / 300
3- [منها] بياض في ث
4- لسان العرب، مادة (سوق): 10 / 168
5- ينظر: المصدر نفسه، مادة (سوق): 10 / 168
6- (المحذرات) في ر، تصحيف
7- القلم / 42
8- [يوم يكشف عن ساق أي] زيادة في ث، ر
9- [بحيث] ساقطة من م
10- أنوار التنزيل وأسرار التأويل: 5 / 237
11- (اشتدادها) في ر، م، تحريف

يكون الساق بمعنى الشدة كما ذكره بعض الشارحین(1)، أو اقامتهم على السوق وانهاضهم خوفاً واضطراراً، فيذهب عنهم القعود والاستراحة فيكون الباء للتعدية، أو اشرافه واستيلاؤه عليهم كقولهم: كأنّي به وقد فعل كذا، والنواجذ أقصى الأضراس وهي أربعة، وقيل: الأضراس التي تلي الأنياب، وقيل: الأضراس كلها نواجذ، وظهور النواجذ (كناية عن بلوغ الحرب غايتها، كما أنَّ غاية الضحك أن تبدو النواجذ)(2)، كذا قال بعض الشارحين، وقال بعضهم: (ما ذكره وإن كان محتملاً إلاَّ أنَّ الحرب مظنة الغضب لا الضحك)(3)، قال ومن أوصاف الأسد عند غضبه وإرادته الافتراس أن تبدو(4) نواجذه(5)، ويحتمل أن يكون المراد ابتهاجها و سرورها(6) بهلاكهم، وإن يكون الكلام مبنياً على التهكم كالوصف التالي، و(الأَخلاف جمع خِلف بالكسر، وهو الضرع لكل ذات خُف وظلف، وقيل: هو مقبض يد الحالب من الضرع)(7)، وقيل: (هو للناقة(8) كالضرع للشاة)(9)، ورضع الصبي أمه رضاعاً کسمع سماعاً، وأهل نجد يقولون: رضع رضعاً، كضرب ضرباً، والعلقم الحنظل وشجر مر، ويقال لكل شيء مُر: علقم وحلاوة رضاع

ص: 342


1- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 9 / 33
2- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 9 / 33
3- شرح نهج البلاغة، میثم البحراني: 3 / 170
4- (يبدو) في أ، ث، ر، ع، م، تصحيف، والصواب ما اثبتناه
5- (نواجده) في ع، تصحيف
6- (شرورها) في م، تصحیف
7- لسان العرب، مادة (خلف): 9 / 92
8- (الناقة) في ع
9- تاج العروس، مادة (خلف): 12 / 185

الحرب، لأنَّ الشجعان وأهل النجدة في أول الحرب يقبلون عليها، ويستحلون / ظ 182 / مغالبة أقرانهم وقد أخذ الشاعر(1) هذا المعنى [قال](2):

الحرب أول ما تكون فتيةٌ *** تسعى بزينتها لكل جهول

حتى إذا اشتعلت وشب ضِرامُها *** عادت عجوزاً غير ذات خلیل

شمطاء جُزت رأسها وتنكرت *** مکروهةً للشم والتقبيل

ومرارة عاقبتها؛ لأنها الهلاك ومصير كثير من أهلها الى النار، والمنصوبات الأربعة أحوال والمرفوعات فواعل، والعلقم اسم صريح أقيم مقام اسم الفاعل.

(أَلَا وَفِي غَدٍ - وَسَيَأْتِ غَدٌ بِمَا لَا تَعْرِفُونَ - يَأْخُذُ الْوَالِي(3) عُمَّلَهَا عَلىَ مَسَاوِئِ أَعْمَالَهِا، وَتُخْرِجُ لَهُ الْأَرْضُ أَفَالِيذَ كَبِدَهَا، وَتُلْقِى إِلَيْهِ سِلْماً مَقَالِيدَهَا،

فَيُريكُمْ كَيْفَ عَدْلُ السِّرَةِ، وَيُحْيى مَيشِّتَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.) قوله (عليه السلام): (وسيأتي غد بما لا تعرفون) ملة اعتراضية لتعظيم شأن الغد الموعود بمجيئه والتهويل بذكر مايقع فيه، وقد كان سبق ذكر طائفة من الولاة ذات ملك وأمرة فذكر عليه السلام) إنه يأخذ القائم (عليه السلام) عمال(4) هؤلاء على قبائح أعالهم، والمساوئ المعائب، والنقائص جمع مساءة،

ص: 343


1- نسبة الأبيات فيها خلاف، نسب ابن قتيبة، والمسعودي جميع الأبيات الى عمرو ابن معد یکرب، بينما نسب ابن منظور، والزبيدي البيت الأول منها فقط إلى معدیکرب، ونسبها العيني الى امرؤ القيس. ينظر: عيون الأخبار: 1 / 209، 210، ومروج الذهب: 2 / 324، 326، ولسان العرب، مادة (خدع): 8 / 64، وعمدة القارئ: 24 / 201، وتاج العروس، مادة (خدع): 11 / 84
2- [قال] ساقطة من م
3- (يأخذ الوالي من غيرها) في شرح نهج البلاغة: ابن أبي الحديد، 9 / 33.، ونهج البلاغة، صبحي الصالح: 246
4- (عما) في أ، ع

وأصلها مسواءة(1) على مفعلة، ولهذا ترد الواو في الجمع والأخذ بمساوئ الأعمال والمؤاخذة بها واحد، والفِلذة بالكسر (القطعة من الكبد ومن الذهب والفضة)(2)، وقيل: (القطعة والمقطوعة طولًا)(3)، وأفاذ كبد الأرض وأفاليذها كنوزها المدفونة فيها، والسِلم بالكر: الصلح وتلقى اليه سلماً أي طوعاً، والمقاليد: المفاتيح، والسِیرة بالكسرة: السنة والطريقة، وأحياء ميت الكتاب والسنة العمل بمقتضاهما بعد ما (نبذهما)(4) القوم وراء ظهورهم.

منها: (كَأنِّ بِهِ قَدْ نَعَقَ بِالشَّامِ، وَفَحَصَ بِرَايَاتِهِ فِي ضَوَاحِي كُوفَانَ، فَعَطَفَ عَلَيهَا(5) عَطْفَ الضُرَّوسِ، وَفَرَشَ الْأرْضَ بالرُّؤوسِ، قَدْ فَغَرَتْ فَاغِرَتُهُ، وَثَقُلَتْ فِي الأرْضِ وَطْأَتهُ، بَعِيدَ الْجَوْلَةِ، عَظِيمَ الصَّوْلَةِ.) قال بعض الشارحين: (هذا الكلام إخبار عن عبد الملك بن مروان وظهوره بالشام وملكه بعد ذلك العراق وبعد ما قتل من العرب فيها إيام عبد الرحمن بن الاشعث وقتله أيام مصعب بن الزبیر.(6)))(7)، ونعق الغراب كمنع وضرب،

ص: 344


1- (مسوءة) في م
2- القاموس المحيط، مادة (فلذ): 1 / 357
3- النهاية في عريب الحديث والأثر: 3 / 470
4- (نبدهما) في أ، ع، ن، تصحيف
5- (إليها) في شرح نهج البلاغة: لإبن أبي الحديد، 9 / 37
6- مصعب ابن الزبر بن العوام بن خويلد القرشي الاسدي، ويكنى أبا عيسى، وأمه الرباب بنت أنيف الكلبية، تزوج سكينة ابن الحسن ابن عي بن أبي طالب (عليهم السلام) ولاه أخوه عبد الله البرة سنة (67 ه)، وهو الذي قتل المختار، تولى العراق، وذهب الى قتال عبد الملك بن مروان فحدثت بينها معركة عند دير الجاثليق قتل فيها مصعب عى يد زائدة ابن قيس السعدي سنة (72 ه). ينظر: المعارف: 224، و وفيات الاعيان: 2 / 394، و سر أعام النباء: 4 / 140، 141، 143، والاعام: 7 / 248
7- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 9 / 37

أي: صاح ونعق الراعي بغنمه صاح بها وزجرها، وفحص کمنع، أي: بحث وكشف، وفحص المطر التراب أي قلبه(1)، وفحص القطا التراب اتخذ فيه افحوصاً وهو موضعه الذي تجثم فيه وتبيض(2)، _ كأنهَّا تفحص عنه التراب، وفحص فلان أي: أسرع(3)، قال بعض الشارحين: هاهنا مفعول محذوف تقديره (و فحص الناس برایاته) أي: نحاهم وقلبهم يميناً وشمالاً، ويمكن أن يكون مأخوذاً من فحص القطا أي: أقام وأركز راياته في الأرض في ضواحي كوفان، وإن يكون بمعنى أسرع وضاحية البلد ناحيته البارزة وما قرب منه من القرى ضد الباطنة، وهي مجتمع الدور والأسواق، وكوفان الكوفة وذكروا في وجه التسمية وجوهاً(4) و عطف عليه كضرب أي: أشفق، والضروس(5) [والضرَس](6).

بالفتح العض الشديد بالأضراس والضروس: الناقة السيئة الخلق تعض حالبها(7)، وفرشه كنصر أي بسطه، و(فرش الأرض بالرؤوس) أي: غطاها بها، (و فغرت فاغرته) أي: انفتح فوه، وفَغَرَ كَمَنَعَ ونَصَرَ يكون لازماً ومتعدياً، يقال: فغرفاه أي: فتحه، وفغر فوه أي: انفتح(8)، ووطئِه بالكسر،

ص: 345


1- ينظر: الصحاح، مادة (فحص): 3 / 1048
2- ينظر: تاج العروس، مادة (فحص): 9 / 319
3- ينظر: المصدر نفسه، مادة (فحص): 9 / 319
4- ذکرت هذه الوجوه في صحيفة 238، 239، وفي م: (وجوعة)، تحریف
5- [والضروس] ساقطة من ر
6- [والضرس] ساقطه من ث
7- ينظر: القاموس المحیط، مادة (ضرس): 2 / 225
8- ينظر: الصحاح، مادة (فغر): 2 / 782

يطاه أي: (داسه)(1) وعلاه، والوطأه (الأخذة)(2) وزناً ومعنى، وثقل الوطأة كناية عن الجور والظلم، وجال واجتال أي ذهب(3) وجاء، ومنه الجولان في الحرب، وجال في البلاد، أي: طاف، وبعد الجولة كناية عن اتساع الملك، أو كثرة الحركة، أو بعد الهمة، والصولة: الحملة(4) والوثبة، وبعيد وعظيم منصوبان على الحالية، وفي بعض النسخ مرفوعان على الخبرية.

(وَالله لَيُشَرِّدَنَّكُمْ فِي أَطْرَافِ الْأَرْضِ حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْكُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ كَالْكُحْلِ فِي الْعَیْنِ، فَلَا تَزَالُونَ / و 183 / كَذَلِكَ حَتَّى (تَؤُوبَ)(5) إِلیَ الْعَرَبِ عَوَازِبُ

أَحْلَامِهَا) شرد البعير کَنَصَرَ، أي: نَفَرَ وذَهَبَ في الأرض، والتشريد الطرد والتفريق، و آب [الشيء](6) (يؤوب)(7) أي رجع وغرب كنصر وضرب، أي: غاب والأحلام جمع حِلم بالكسر، وهو العقل والأناة، والمراد بعوازب أحلام العرب: ماغاب عنهم من العقول العلمية في نظام أمورهم، ودفع شر الأعداء عن أنفسهم، والعرب هاهنا بنو العباس ومن اتبعهم من العرب، كما ذكره الشراح(8)، قال بعض الشارحين: (فإن قلت قوله (عليه

ص: 346


1- لسان العرب، مادة (وطأ): 1 / 195
2- المصدر نفسه، مادة (وطأ): 1 / 197
3- (دهب) في ر، تصحيف
4- (الجملة) في ر، تصحيف
5- (تؤب) في أ، ر، ن، وفي ث (توعب)
6- [الشيء] ساقطه من ث
7- (يؤب) في أ، ث، ر، ن
8- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 9 / 38، و شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 3 / 173

السلام: ((حتى (يؤوب)(1))) يدل عى انقطاع تلك الدولة بظهور العرب وعود عوازب أحلامها، وعبد الملك قد مات، وقام بنوه بالدولة بعده ولم

يزل الملك عنه بظهور العرب، فأين فائدة الغاية؟ قلت: إنَّ تلك الغاية ليست غاية لدولة عبد الملك، بل غاية كونهم لايزالون مشردين في الباد،

وذلك الانقهار وإن كان اصله من عبد الملك إلاَّ أنه استمر في زمن أولاده الى حن انقضاء دولتهم، فكانت غايته ما ذكر، قال وقال بعض الشارحين

في الجواب: إن ملك أولاده ملكه، وما زال الملك عن بني مروان حتى أبت الى العرب عوازب أحلامها، وهذا جواب من لم يتدبر كلامه (عليه السلام) ولم يتتبع(2) ألفاظ الفصل حتى يعلم أن هذه الغاية، لأي شيء منه، فيلحقها [به](3))(4).

(فَالْزَمُوا الْسُّنَنَ الْقَائِمَةَ(5)، وَالآثَارَ الْبَيِّنَةَ، وَالْعَهْدَ الْقَرِيبَ الَّذِي عَلَيْهِ بَاقِي النُّبُوَّةِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ الشَّيْطَانَ إِنَّمَا يُسَنِّى لَكُمْ طُرُقَهُ لِتَتّبِعُوا عَقِبَهُ.)، لزمت الشيء كعلم أي لم أفارقه، وقيل لزم اليء أي ثبت ودام فيكون لازماً، والسنة الطريقة والسرة، وقيام السنن ثباتها ودوامها الى انقضاء الدهر، أو ظهورها فإنَّ القائم اظهر من القاعد. والأثر بالتحريك بقية اليء واسم من أثرت الحديث أي نقلته والمراد أحكام الشريعة المقدسة، أو الاخبار النبوية،

ص: 347


1- (يؤب) في أ، ر، ن، وفي ث (تؤاب). ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 9 / 38
2- (يتبع) في ث، ر، م
3- [به] ساقطه من ر، م
4- شرح نهج البلاغة، ابن ميثم البحراني: 3 / 174
5- (القاطعة) في م، تحريف

والعهد القريب الأمر المعهود المعروف عن قريب، وباقي النبوة الأحكام الباقية المعلومة من الشريعة المطهرة، وسناه تسنيه أي فتحه وسهله، والعقب ککتف مؤخر القدم، واتباع عقب الشيطان متابعة ما دعى اليه وطاعته وفي الامر بلزوم السنن والحذر عن اتباع الشيطان دفع لما ربما يتوهم من عود عوازب الأحلام بعد دولة ذلك الجبار من لزوم اتباع الدولة الجديدة وحقيقتها فأمر (عليه السلام) بلزوم الشريعة دون تلك الدولة وما سول لهم الشيطان.

[ومن كلامٍ له عليه السلام] في وقت الشورى

(لَنْ يُسْرِعَ أَحَدٌ قَبْلِي إِلَی دَعْوَةِ حَقٍّ، وَصِلَةِ رَحِمٍ، وَعَائِدَةِ كَرَمٍ؛ فَاسْمَعُوا قَوْلِي، وَعُوا مَنْطِقِي. عَسَى أَنْ تَرَوْا هَذَا الْأَمْرَ مِنْ بَعْدِ هَذَا الْيَوْمِ؛ تُنْتَضَ فِيهِ

السُّيُوفُ، وَتُخَانُ(1) فِيهِ الْعُهُودُ، حَتَّى يَكُونَ بَعْضَكُمْ أَئِمَّةً لَأِهْلِ الضَّلَالَةِ، وَشِيعَةً لِأَهْل الْجَهَالَةِ.) دعوة حق على الاضافة الدعاء(2) إلى الحق، والأمر بطاعة الله عز وجل، والعائدة اسم من عاد بمعروفه واحسانه، كقال إذا أفضل وأنعم، ووعيت الحديث من باب وعد أي حفظته وجمعته، و (المنطق: الكلام)(3)، ونضی(4) السيف من غمده وانتضاه إذا أخرجه(5)، وخيانة العهد نقضه وترك

ص: 348


1- (دتخان) في ر، تحریف
2- (الدعاة) في ر، م
3- الصحاح، مادة (نطق): 4 / 1559
4- (فضي) في أ، تحریف
5- ينظر: الصحاح، مادة (نضا): 6 / 2511

مراعاته بمعاينه من الوصية والحفاظ، والذمام والأمان [و](1) الحرمة والموثق واليمين وما قدم إلى المرء في شيء، وشيعة الرجل اتباعه وانصاره، وأصل الشيعة الفرقة من الناس ويقع على الواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث وقد غلب على من يتولى أمير المؤمنين وأهل بيته (عليهم السلام) فصار أسماً لهم(2) وقد فصلناه ما جرى في الشورى في كتاب حدائق الحقائق(3).

[ومن كلام له (عليه السلام)] في النهي عن غيبة الناس

(وَإِنَّمَا يَنْبَغِي لأهْلِ الْعِصْمَةِ وَالمَصْنُوعِ(4) إِلَيْهِمْ فِي السِّاَمَةِ أَنْ يَرْحُمَوا أَهْلَ الذُّنُوبِ وَالمَعْصِيَةِ، وَيَكُونَ الشُّكْرُ هُوَ الْغَالِبَ عَلَيْهُمْ وَالحَاجِزَ لَهُمْ عَنْهُمْ،

فَكَيْفَ / ظ 183 / بِالْغَائِبِ الَّذِي غَابَ(5) أَخَاهُ وَعَیَرَّهُ بِبَلْوَاهُ) أهل العصمة من عصمهم الله سبحانه بحسن التوفيق عن اقتراف الآثام وارتكاب المعاصي، وصنع إليه معروفاً کمنع صُنعا بالضم أي احسن وصنع به صنیعاً قبيحاً أي فعله وصنعَ الشيء صُنعاً بالفتح والضم أي عمله، والمصنوع اليهم في السلامة من أنعم الله عليه بالسلامة عن ارتكاب الذنوب، وحجزه يحجِزه(6)

ص: 349


1- [و] ساقطة من أ
2- ينظر: لسان العرب، مادة (شيع): 8 / 189
3- ينظر: مخطوط حدائق الحقائق: 107
4- (الخضوع) فيع، تحریف
5- (عاب) في شرح نهج البلاغة: ابن أبي الحديد، 9 / 48، ونهج البلاغة، صبحي الصالح: 248
6- (وبحجزه) في ر، تصحيف

ويحجُزه(1) بالكسر والضم أي منعه وكفه، وفي بعض النسخ (الغالب عليهم

الحاجز) بدون الواو، والغائب العائب الذي يذكر غیره بما فيه من السوء، يقال: غابه واغتابه بمعنى والغيبة الاسم منه، فلو ذكره بما ليس فيه، يقال: غابة واغتابه في بهت، والعار كل شيء يلزم [...](2) به عيب وعیره كذا و(3) بكذا(4) قبحه عليه و نسبه اليه، و قيل: و لا يقال عیره بكذا و هذا الكلام حجة عليه(5) و باه الله بخیر أو شر يبلوه بلواً و ابلاه و ابتلاه أي امتحنه، و الاسم البلاء و البلوى و البلية، و قيل: يقال: من الخر ابليته ابلاء ومن الشر بلوته بلاء، و المراد ببلواه العيب أو الذنب(6) الذي عُیر به، و حاصل المعنى انه إذا كان اللائق بمن عصمهم الله عن الذنوب أن يرحموا أهل الذنوب ويمنعهم الشكر عن التعرض لعيوب الناس، فبالأولى أن يرك الغائب الغيبة و يشتغل بصون نفسه عن القبيح، (أَمَا ذَكَرَ مَوْضِعَ سَتْرِ اللهِ عَلَيْهِ مِنْ ذُنُوبِهِ

مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ الذَّنْبِ(7) الَّذِي عَابَهُ بِهِ! وَ كَيْفَ يَذُمُّهُ بِذَنْبٍ قَدْ رَكِبَ مِثْلَهُ فَإِنْ لَمْ يِكُنْ رَكِبَ ذَلِكَ الذَّنْبِ بِعَيْنِهِ فَقَدْ عَلَى اللهَ فِيمَا سِوَاهُ؛ مِّمَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ) ذكر موضع الشيء أي مكانه تذكر مرتبته و مقداره، و السِتر بالكسر كما في النسخ ما يستتر به، و بالفتح مصدر سرت اليء فاستتر(8) هو و تستر،

ص: 350


1- (وبحجزه) في ر، تصحيف
2- (من) زيادة في ث
3- (أو) في ث
4- (كدا) في م، تصحيف
5- [عليه] ساقطة من ر
6- (الذنوب) في م، تحريف
7- (الذنوب) في م، تحريف
8- (فاشتر) في ر، تحريف

وركب الذنب کسمع (أي اقترفه)(1) وكأنَّه على التشبيه، (وَايْمُ اللهِ لَئِنْ لْمَ يِكُنْ

عَصاهُ فِي الْكَبِرِ وَعَصَاهُ فِي الْصَّغِرِ لِجُرْأَتُهُ عَلَى عَيْبِ(2) النَّاِس أَكْبُرَ. يَا عَبْدَ اللهِ

لَا تَعْجَلْ فِي عَيْبِ أَحَدٍ بِذَنْبِهِ فَلَعَلَّهُ مَغْفُورٌ لَهُ وَ لَا تَأْمَنْ عَلَى نَفْسِكَ صَغِرَ مَعْصِيَةٍ فَلَعَلَّكَ مُعَذَبٌ عَلَيْهِ فَلْيَكْفُفْ مَنْ عَلِمَ مِنْكُمْ عَيْبَ غَیْرِهِ لِمَا يَعْلَمُ مِنْ عَيْبِ نَفْسِهِ، وَ لْيَكُنِ الشُّكْرُ شَاغِلاً عَلَى مُعَافَاتِهِ مِمَّا ابْتُلِيَ بِهِ غَیْرُهُ) لعل کون الجرأة على العيب أكبر مبني على الغالب و التخصيص بغير الشرك و نحوه و قد روي عن النبي (صلى الله عليه و اله) انه قال: ((إياكم الغيبة، فإنَّ الغيبة أشد من الزنا، إنَّ الرجل يزني فيتوب الله عليه، وأن صاحب الغيبة لا يغفر له حتى يغفر له صاحبه))(3)، والعيب مصدر عابه بكذا ويكون اسمًا و يجمع على عيوب، والأولان في الكلام من الأول والأخيران من الأخير، و في بعض النسخ (عبدٍ) موضع أحد، و كففته عن كذا منعته و صرفته فكف هو أي ترکه، فعلى الأول تقدير الكلام: فليكفف من علم منكم غيب غيره عنه، و على الثاني فليترك من علم منكم عيب غيره عيبه، و المعاناة مصدر عافاه الله من المكروه أي وهب له العافية.

[ومن كلام له (عليه السلام)]

(أَيُّهَا النَّاسِ مَنْ عَرَفَ مِنْ أَخِيهِ وَثِيقَةَ دِينٍ وَسَدَادَ طَرِيقٍ فَلاَ يَسْمَعَنَّ فَيهِ أَقاوِيلَ الرِّجالِ، أَمَا إِنَّهُ قَدْ يَرْمِي الرّامِي وَتُخْطِئُّ السِّهامُ وَ يُحِيلُ الْكَلامُ

ص: 351


1- تاج العروس، مادة (رکب): 2 / 33
2- (غیب) في ر، تصحيف
3- ينظر: الجامع الصغیر: 1 / 450، و کنز العمال: 3 / 586

وَ بَاطِلُ ذَلِكَ يَبُورُ وَ اللهُ سَمِيعٌ وَ شَهِيدٌ، أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ بَیْنَ الْبَاطِلِ وَالْحَقِّ(1) إلاَّ أَرْبَعُ أَصابِعَ فَسُئِل (عَلَيْهِ السَّلَامُ) عَن مَعنَى قَوله هَذا فَجَمَعَ أصابعَه ووضعهَا بَیْنَ أُذُنه وَعيْنِه، ثُمَ قال: الْبَاطِلُ أَنْ تَقُولُ سَمِعْتُ، وَالْحَقُّ أَنْ تَقُولَ رَأَيْتُ)، وثق الشيء ككرم وثاقه إذا قوى وثبت، ووثق به کورث ثقه وموثقاً إذا ائتمنه و أخذ بالوثيقة في أمره أي بالثقة، و المراد بوثيقة الدين اللزوم الأحكام الشريعة و التقيد(2) بها لا ك((مَنْ يَعْبُدُ اللهَّ / و 184 / عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَیْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَىَ وَجْهِهِ))(3)، والسَداد بالفتح (الصواب من القول و العمل)(4)، والاستقامة، ولعل المراد بوثيقة الدين صحة العقيدة و بسداد الطريق حسن العمل، و الأقاويل جمع أقوال جمع قول، وفي بعض النسخ أقاويل الناس و المُحال من الكلام بالضم (ما عُدل عن وجهه كالمستحيل)(5) وأحال الرجل في منطقة أي أتی به و تکلم بكلام لا حقيقة له(6) و يحيل الكلام على ما في بعض النسخ(7) أي يكون باطلاً، و في بعض النسخ (ويحيك الكلام) بالكاف بفتح الياء و ضمها على صيغة الأفعال، يقال: حاك السيف حيكاً، وأحاك في الضربة إذا أثر، و القول

ص: 352


1- (الحق والباطل) في شرح نهج البلاغة: ابن أبي الحديد، 9 / 58، و نهج البلاغة، صبحي الصالح: 249
2- (التفيد) في ر، وفي م: (التعبد)، تحریف
3- الحج / 11
4- القاموس المحيط، مادة (سدد): 1 / 300
5- المصدر نفسه، مادة (حول): 3 / 363
6- المصدر نفسه، مادة (حول): 3 / 363
7- ينظر: منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، الراوندي: 2 / 58، شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 9 / 58، شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 3 / 179

في القلب إذا أخذ(1) والمعنى السهم قد يخطی، والقول يؤثر على كل حال وإن لم يكن حقاً، قال بعض الشارحين: ((والرواية والرواية الأولى أشهر و أظهر))(2). وبار يبور (أي هلك)(3) و بار عمله أي (بطل)(4) ومنه قوله عز وجل: «وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ»(5) وهذا الكلام نحو قوله عز وجل: «إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا»(6)، و الغرض تحقير ثمرة القول الكاذب و التهديد بعقوبة السميع الشهيد، و في بعض النسخ: (سمیعٌ و شهیدٌ) و الباطل أن تقول(7): سمعت أي ما أخبرت به من جهة السماع من أفواه الرجال من غير علم ووثوق بالمخبر کما هو الغالب الشائع في المغتابين و المفسدين بين الناس و حقيقة ما رآه الانسان لا يقتضي جواز ذكره(8) وافشائه بين الناس، وقد ورد عن الصادقين(9) (عليهم السلام): (من قال في مؤمن ما رأته عيناه و سمعته أذناه فهو من أهل هذه الآية: «إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ»(10).

ص: 353


1- ينظر: لسان العرب، مادة (حيك): 10 / 419
2- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 9 / 9 / 59
3- الصحاح، مادة (بور): 2 / 597
4- الصحاح، مادة (بور): 2 / 597
5- فاطر / 10
6- الإسراء / 81
7- (يقول) في أ، ث، ع، م، ن، وفي ر: (بقول)، تصحيف
8- (دكره) في ن، تصحيف
9- نسب الكليني هذا القول للحسن (عليه السلام) ونسبه الشيخ المفيد و النوري الطبرسي للصادق (عليه السلام)، ينظر: الاصول من الكافي: 2 / 357، و الاختصاص، الشيخ المفيد: 227، و مستدرك الوسائل، حسين النوري الطبرسي: 9 / 115
10- النور / 19

ص: 354

المحتويات

ص: 355

ص: 356

المحتويات

[(ومن خطبةٍ له عليه السَّلام)]:...7

[ومن کلامٍ / و 130 / له (عليه السَّلام)]:...13

[ومن كلام له (عليه السلام)]...27

[ومن خطبة له (عليه السلام)]:...30

[و من خطبة له (عليه السلام)]...59

[ومن خطبة له (عليه السلام)] وقد تقدم مختارها بخلاف هذه الرواية...66

[ومن خطبةٍ لهُ (عليه السلام)]...68

[وفي خطبة له (عليه السلام)]...78

[ومن خطبة له (عليه السلام) في بعض أيام صفين]...89

[و من خطبةٍ له (عليه السلام) وهي من خطب الملاحم]...92

[ومن خطبة له (عليه السلام)]...112

ومن خطبة له (عليه السلام)...142

ومن خطبة له (عليه السلام)...148

ص: 357

ومن خطبةٍ لهُ (عليه السلام) ذكر فيها ملك الموت...164

ومن خطبةٍ له (عليه السلام)...165

ومن خطبة له (عليه السلام)...172

[و من خطبةٍ له (عليه السلام) في الاستسقاء]...184

[ومن خطبة له (عليه السلام)]...197

ومن كلامٍ له (عليه السلام)...206

[ومن كلامٍ له (عليه السلام)]...207

[ومن كلام له (عليه السلام)] وقد جمع الناس، وحضهم على الجهاد...208

[ومن كلام له (عليه السلام)]...213

[ومن كلام له (عليه السلام)] وقد قام اليه رجلٌ من أصحابه...219

[ومن كلام له (عليه السلام) قالهُ للخوارجِ وقدْ خرجَ إلى معسكرهمْ وهم مقيمونَ على انكارِ الحكومةِ...231

[ومن كلام له (عليه السلام)] قاله لأصحابه في ساعة الحرب...236

[ومن كلام له (عليه السلام) في حضّ أصحابه على القتال...241

[ومن كلامه (عليه السلام)] في التّحكيم...252

ومن كلامٍ له (عليه السلام) لمّا عوتب على التسوية في العطاء...259

[ومن كلامه (عليه السلام) للخوارج]...263

[ومن كلامه (عليه السلام)] فيما يخبر به عن الملاحم بالبصرة:...270

ص: 358

[ومن خُطبة لهُ (عَليهِ السَّلام) في ذِكر المكائيل...285

[ومن كلامٍ له (عليه السلام)] لأبي ذر (رحمه الله) لما أُخرِجَ إلى الربذة...294

[ومن كلام له (عليه السلام)]...297

[ومن خطبة له (عليه السلام)]...304

[ومن خطبةٍ له (عليه السلام)]...311

[ومن كلامٍ له (عليه السلام) وقد شاوره عمر في الخروج الى الروم]...323

[ومن كلامٍ له (عليه السلام)] وقد وقعت مشاجرة بينه وبين عثمان،...328

[ومن كلام له (عليه السلام)]...330

[ومن كلامٍ له (عليه السلام) في معنى طلحة والزبير...332

[ومن خطبة له (عليه السلام) في ذكر الملاحم]...340

[ومن كلام له (عليه السلام) في وقت الشورى...348

[ومن كلام له (عليه السلام)] في النهي عن غيبة الناس...349

[ومن كلام له (عليه السلام)]...351

ص: 359

ص: 360

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.