بهجة الحدائق في شرح نهج البلاغة المجلد 2

هوية الکتاب

بهجة الحدائق في شرح نهج البلاغة

رقم الإيداع في دا رالكتب والوثائق العراقية ببغداد 2978 لسنة 2018

مصدر الفهرسة:

IQ-KaPLI ara IQ-KaPLI rda

رقم تصنيف LC:

BP38.08.S24 B3 2018

المؤلف الشخصي: السلامي، غيداء كاظم عبد الله - مؤلف.

العنوان: بهجة الحدائق في شرح نهج البلاغة لعلاء الدين محمد بن ابي تراب الحسني /

بيان المسؤولية: دراسة وتحقيق م. د. غيداء كاظم عبد الله السلامي؛ تقديم نبيل قدوري حسن الحسني.

بيانات الطبع: الطبعة الأولى.

بيانات النشر:

کربلاء، العراق: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة، 2018 / 1439 للهجرة.

الوصف المادي: 6 مجلد؛ 24 سم.

سلسلة النشر: (العتبة الحسينية المقدسة؛ 514).

سلسلة النشر: (مؤسسة علوم نهج البلاغة؛ 153).

سلسلة النشر: (سلسلة تحقيق المخطوطات؛ 9).

تبصرة عامة: الكتاب في الاصل رسالة ماجستير.

تبصرة ببليوجرافية: يتضمن ارجاعات ببليوجرافية.

موضوع شخصي: الشريف الرضي، محمد بن الحسين، 359 - 406 للهجرة - نهج البلاغة.

موضوع شخصي: علي بن ابي طالب (عليه السلام)، الإمام الأول، 23 قبل الهجرة - 40 للهجرة - احاديث.

موضوع شخصي: کلستانه اصفهاني، محمد بن أبي تراب، توفي 1110 للهجرة -- بهجة الحدائق في شرح كلمات كلام الله الناطق.

موضوع شخصي: علي بن ابي طالب (عليه السلام)، الامام الاول، 23 قبل الهجرة - 40 للهجرة - رسائل.

موضوع شخصي: علي بن ابي طالب (عليه السلام)، الامام الاول، 23 قبل الهجرة - 40 للهجرة - كلمات قصار.

مؤلف اضافي: الحسني، نبيل قدوري، 1965-، مقدم.

مؤلف اضافي: دراسة ل (عمل): کلستانه اصفهاني، محمد بن ابي تراب، توفي 1110 للهجرة -- بهجة الحدائق في شرح کلمات کلام الله الناطق.

اسم هيئة اضافي: العتبة الحسينية المقدسة (كربلاء، العراق). مؤسسة علوم نهج البلاغة - جهة مصدرة.

عنوان اضافي: بهجة الحدائق في شرح کلمات کلام الله الناطق.

عنوان اضافي: حدائق الحقايق في شرح كلمات كلام الله الناطق

تمت الفهرسة قبل النشر في مكتبة العتبة الحسينية

ص: 1

اشارة

رقم الإيداع في دا رالكتب والوثائق العراقية ببغداد 2978 لسنة 2018

مصدر الفهرسة:

IQ-KaPLI ara IQ-KaPLI rda

رقم تصنيف LC:

BP38.08.S24 B3 2018

المؤلف الشخصي: السلامي، غيداء كاظم عبد الله - مؤلف.

العنوان: بهجة الحدائق في شرح نهج البلاغة لعلاء الدين محمد بن ابي تراب الحسني /

بيان المسؤولية: دراسة وتحقيق م. د. غيداء كاظم عبد الله السلامي؛ تقديم نبيل قدوري حسن الحسني.

بيانات الطبع: الطبعة الأولى.

بيانات النشر:

کربلاء، العراق: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة، 2018 / 1439 للهجرة.

الوصف المادي: 6 مجلد؛ 24 سم.

سلسلة النشر: (العتبة الحسينية المقدسة؛ 514).

سلسلة النشر: (مؤسسة علوم نهج البلاغة؛ 153).

سلسلة النشر: (سلسلة تحقيق المخطوطات؛ 9).

تبصرة عامة: الكتاب في الاصل رسالة ماجستير.

تبصرة ببليوجرافية: يتضمن ارجاعات ببليوجرافية.

موضوع شخصي: الشريف الرضي، محمد بن الحسين، 359 - 406 للهجرة - نهج البلاغة.

موضوع شخصي: علي بن ابي طالب (عليه السلام)، الإمام الأول، 23 قبل الهجرة - 40 للهجرة - احاديث.

موضوع شخصي: کلستانه اصفهاني، محمد بن أبي تراب، توفي 1110 للهجرة -- بهجة الحدائق في شرح كلمات كلام الله الناطق.

موضوع شخصي: علي بن ابي طالب (عليه السلام)، الامام الاول، 23 قبل الهجرة - 40 للهجرة - رسائل.

موضوع شخصي: علي بن ابي طالب (عليه السلام)، الامام الاول، 23 قبل الهجرة - 40 للهجرة - كلمات قصار.

مؤلف اضافي: الحسني، نبيل قدوري، 1965-، مقدم.

مؤلف اضافي: دراسة ل (عمل): کلستانه اصفهاني، محمد بن ابي تراب، توفي 1110 للهجرة -- بهجة الحدائق في شرح کلمات کلام الله الناطق.

اسم هيئة اضافي: العتبة الحسينية المقدسة (كربلاء، العراق). مؤسسة علوم نهج البلاغة - جهة مصدرة.

عنوان اضافي: بهجة الحدائق في شرح کلمات کلام الله الناطق.

عنوان اضافي: حدائق الحقايق في شرح كلمات كلام الله الناطق

تمت الفهرسة قبل النشر في مكتبة العتبة الحسينية

ص: 2

سلسلة تحقيق المخطوطات

وحدة تحقيق الشروحات (9)

بهجة الحدائق فی شرح نهج البلاغة

لعلاء الدین محمد بن أبی تراب الحسنی کلستانه المتوفی سنة 1110 ه

الجزء الثانی

دراسة وتحقیق

م. د. غیداء کاظم السلامی

إصدار

مؤسسة علوم نهج البلاغة

في العتبة الحسینیة المقدسة

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة

العتبة الحسينية المقدسة

الطبعة الأولى 1439 ه - 2018 م

العراق - كربلاء المقدسة - مجاور مقام علي الأكبر عليه السلام

مؤسسة علوم نهج البلاغة

هاتف: 07728243600 - 07815016633

الموقع الألكتروني:

www.inahj.org

الإيميل:

Info@Inahj.org

تنويه:

إن الأفكار والآراء المذكورة في هذا الكتاب تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر العتبة الحسينية المقدسة

ص: 4

بسم الله الرحمن الرحيم

«وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ»

صدق الله العلي العظيم

سورة هود الآية 88

ص: 5

ص: 6

[(ومن كلام له (عليه السلام)] لابنه محمد بن الحنفية لما أعطاه الراية يوم الجمل)

الحنفية خولة(1) بنت جعفر بن قيس بن مسلمة نسبة إلى حنيفة / ظ 33 / كسفينة وهو أبوهذا الحيّ، قيل إنها سبيت في أيام أبي بكر في قتال خالد بن الوليد(2) وقيل في غارة بني أسد على بني(3) حنفية في خلافته سبوها

ص: 7


1- خولة بنت جعفر بن قيس بن مسلمة بن ثعلبة بن یربوع بن الدول بن حنفية بن الجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل من سبي اليمامة، وقيل هي من سبايا بني حنيفة أيام الردة سباها خالد بن الوليد فتزوجها الامام علي (عليه السلام) وولدت له محمداً، الذي عرف بمحمد بن الحنفية. ينظر: المعارف: 210، و تاريخ اليعقوبي: 2 / 213، و تاریخ الاسلام، الذهبي: 6 / 181، 182، و الوافي بالوفيات: 4 / 75، و البداية والنهاية: 7 / 348
2- خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي القرشي، وأمه لبابة بنت الحارث الهلالية، أخت ميمونة زوج النبي (صلى الله عليه واله وسلم)، ويكنى أبا سليمان، لم يشهد بدراً ولا أحد، ولا الخندق، وكان في ذلك كله مع المشركين، اسلم سنة (8 ه) سنة صلح الحديبية، عرف بشجاعته وفروسيته، وحنكته في قيادة الجيش، قاتل المرتدين فقتل مسيلمة الكذاب، ويؤاخذ عليه قتله المالك بن النويرة، وزواجه من امرأته، وقتله لبني جذيمة إذ قال الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) عندما سمع بمقتلهم: ((اللهم إني أبرأ اليك مما صنع خالد))، وافتتح خالد الحيرة في العراق، وتوجه للشام، عزله الخليفة عمر بن الخطاب، وولى مكانه أبا عبيدة الجراح، مات خالد بحمص في فراشه. ينظر: المعارف: 267، و فیات الاعیان: 6 / 14، و سير أعلام النبلاء: 1 / 366 - 384، و الاعلام: 2 / 300
3- [بني] ساقطة من ث، ر، ح

فباعوها من علي (عليه السّلَام) فبلغ قومها خبرها فقدموا المدينة فعرفوها فأخبروه (عليه السّلَام) بموضعَها منهم ومكانها لديهم فأعتقها وتزوّجها، وقيل سبيت في أيام الرسول (صلى الله عليه وآله) لما بعثه الى اليمن ويدّل على الأوّل بعض الرّوايات(1)، وعلى الثالث بعضها(2) (تَزُولُ الجِبَالُ وَلاَ تَزُلْ، عَضَّ عَلَى نَاجِذِكَ اعِرِ اللهَ جُمْجُمَتَكَ(3)) الكلام في معنی الشرط في صورة الاخبار أي: أن زالت الجبال فلا تزل أنت ولا تؤثر الفرار، و((النَّاجِذُ: آخر الأضراسِ))(4)، والنّواجذ أربعة بعد الارحاء(5)، ((ويَسمَّى الناجذر ضِرْسَ الحُلُمِ؛ لأنَّه ينبت بعد کمالِ العقلِ))(6)، وقال في العين: هي السنّ بين الأنياب والأضراس(7)، وفي القاموسُ هي ((أقصى الأضراس، وهي أربعة، أو هي الأنياب، أو التّي تلي الأنياب، أو هي الأضراس))(8) كلها والأمر بالعضّ على النّاجذ أمّا على الحقيقة، و سيجيء في كلامه (عليه السّلَام) في تعليم أدب الحرب (وعَضُّوا عَلَى النَّواجِذِ فإنَّهُ

ص: 8


1- ينظر: المعارف: 210، وفیات الاعيان وأنباء أبناء الزمان، ابن خلکان: 4 / 170
2- ينظر: أنساب الاشراف، البلاذري: 2 / 200
3- (جمجمك) في م
4- الصحاح، مادة (نجد): 2 / 571
5- (الأرجاء) في ث، ر، تصحیف، و ينظر: لسان العرب، مادة (نجد): 3 / 513
6- الصحاح، مادة (نجد): 2 / 571
7- العين / مادة (نجد): 6 / 95، وفيه: (هو السن...)، وينظر: ومعجم مقاییس اللغة، مادة (نجد): 5 / 395
8- القاموس المحيط، مادة (نجد): 1 / 359

اَنْبا(1) لِلسِيُّوُفِ عن الهام) أي: أدفع لها عن الرّؤوس قيل إذا عضّ الانسان على الاسنان(2) اشتدّت عظام رأسه وتصلّبت أعصابه فلا يؤثر فيها السيّف تأثيرا بالغاً وقيل فائدته ذهاب الخوف، وربط الجأش وزوال الرعّدة الناشئة عن الخوف کالبرد أو على المجاز والمراد الجدّ في أمر الحرب ودفع الخوف والجبن(3) عن النفس، والجُمجُمة بالضم عظم الرأس المشتمل على الدّماغ واعادتها بذها في سبيل الله، ونظِيره قوله تعالى: «مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا»(4) قیل اومئ (عليه السّلَام) الى أنه لايقتل ولو قال بِعَ اللهِ كانَ مِشعراً بالقتل، ويمكن أن يكون أشعاراً بأنّ الشَّهادة تستلزم(5) الحياة القوله سبحانه: «بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ»(6) ويناسبه استلزام الإعارة نوعاً من الأخذ أي وطن نفسك على القتل المستلزم للحياة، وعلى الوجه الأوّل يكون الرضا بالبذل منزلا منزلة الأقباض (تِدْ فِي الأَرْضِ قَدَمَكَ، ارْمِ بِبَصَرَكَ أَقْصَى القَومِ، وَغُضَّ بَصَرَكَ، وَاعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مِنْ عِنْدِ اللهِ سُبْحَانَهُ) تِد أمر من وتَده کوعده [أي](7): اثبته کالوتد في الأرضِ(8)، وَالرمي بالبصر إلى الأقصى كناية عن عدم قصر الهمّة على رفع الأدنى فلا ينافي في غضَّ البصر، وقيل الغض عدم النظر إلى الأدنى لا مطلقاً فلا ينافي في النظر إلى الأقصى، ويمكن

ص: 9


1- (ابنا) في ر، ع
2- (الانسان) في أ، ث، تحریف
3- (الجين) في م
4- البقرة / 245، الحديد / 11
5- (يستلزم) في أ، ح، ر، ع، م، ن، وما اثبتناه انسب لسياق
6- ال عمران / 169
7- [أي] ساقطة من أ، ع
8- ينظر: لسان العرب، مادة (وتد): 3 / 444

أن يراد بالغض النظر لا بملاء العين بل بالمؤخر كما قال (عليه السّلَام) في موضع آخر: (والحَظُو(1) الشزر(2)) وهو بالفتح النظر بالمؤخر کما یکون عند الغضب(3)، وقيل هو النظر يمينا وشمالًا إذ(4) النظر (البالغ)(5) مواجهاً البريق السيّف ولمعان الدرّوع مما يوجب الخوف ويورث الجبن أويفهم منه العدوّ الجبن أوّلهما معاً ويمكن أن يكون الأمران جزئين أي: إذا نظرت الى الأدنى فإنَّ رؤية السيّوف وكلّ مخوف عن قريب(6) يورث الجبن وهذا غير الوجه الثاني ثم أمره (عليه السّلَام) بالتوكل والعلم بأنَّ النّصر من عند الله الا بالكثرة والقوّة كما قال سبحانه: «وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ»(7)؛ وذلك ممّا يؤكد الثبات.

[ومن كلامه (عليه السلام)] لما أظفره الله بأصحاب الجمل:

وقد قال له بعض أصحابه: وددت أن أخي فلاناً كان شاهدنا لیری مانصرك الله به على اعدائك، فقال (عَلَيهِ السّلَامُ)(8): (أهَوَى أخيكَ مَعَنَا؟

فَقَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَقَدْ شَهِدَنَا فِي عَسْكَرِنَا هذَا قَوْمٌ فِي أصْاَبِ الرِّجَالِ، وَأَرْحَامِ

ص: 10


1- (الخطو) في أ، ع، م، ن
2- (الشرز) في ث، ر، ع
3- ينظر: لسان العرب، مادة (شزر): 4 / 404
4- (إذا) في أ، ح، ر، ع، م
5- (البالع) في ح، ر، م
6- (عنقریب) في أ، ث، م، ن
7- ال عمران / 126
8- (فقال علي عليه السلام) في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 1 / 209

النِّسَاءِ، سَيَرْعَفُ بِهِمُ الزَّمَانُ، وَيَقْوَى بِهِمْ الْإِيمَانُ) وددت كعلمت أي: تمنّيت وشهده کسمعه حضره، والهوى مقصوراً ميل النفس وإرادة القلب والجمع الأهواء(1)، والرُعّاف بالضّم الدّم يخرج من الأنف(2) ويكون مصدراً والفعل کنصر ومنع وعلم / و34 /، وسيرعُف في النسخ بضّم العين والاسناد الى الزّمان اسناد الى الظّرف أو الشرط والمعد بحسب المصلحة، ويدل الكلام على ترتيب الثواب على نية الخير وإن لم يكن مقدوراً للمكلّف؛ وذلك تفضّل منه سبحانه على عباده.

[ومن كلام له (عليه السلام)] في ذم البصرة وأهلها:

[هذاَ الفصلُ](3) وغيره مّما سيجيء في الكتاب ملتقط منّ خطبة خطبها (عليه السّلاَم) بالبصرة بعد فتحها وقد رواهَا الشارح کمال الدّين بن میثم(4)، وشرحناها في حدائق الحقائق (كُنْتُمْ جُنْدَ الْمَرْأَةِ، وَأَتْبَاعَ الْبَهِيمَةِ) المرأة عائشة، والبهيمة جملها.

ومن كلامه (عليه السّلاَم) في كتاب طويل

وكان طلحة يرجو اليمن، والزّبير يرجو العراق، فَلما عَلِما أنّ غَیرُ مُوَلّيِهُما استأذَنَاني للعمرة يردان الغَدْر فأَتيا عَائِشَةَ واستَخَفّاَهَا مع كلّ شيء في نَفَسَهَا عليَّ وَالنَّساءِ نَواقص الايمَانِ نواقص العُقولَ نَواقِصَ الحُظُوظ، فأمّا نقصان

ص: 11


1- ينظر: تاج العروس، مادة (هوی): 20 / 346
2- ينظر: لسان العرب، مادة (رعف): 9 / 123
3- [هذا الفصل] ساقطة من ر
4- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 1 / 289

إيمانهن فقعودهُنَّ عن الصّلَوة والصَّيام في أيّام حيضهنّ، وأَمّا نقصان عقولهنّ فلاشهادة لهنّ إلاَّ في الديّن وشهادة امرأتين برجل، وأمّا نقصان حظوظهنّ فمواريثهن على الأنصاف من مواریث الرّجال، وكفاك دلالة على نقصان عقلها ما روته أرباب السّير أنّها أخذت يوم الجمل كفّا من حصى فحصبت به أصحاب أمير المؤمنين (عليه السّلاَم) و صاحَتْ بأعلى صوتها شاهت الوجُوه کما صنع رسول الله (صلى الله عليه وآله) یوم حُنين فقال لها قائل: «وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى»(1)، و كونهم جند المرأة يدل على دناعتهم کما یدّل على نقصان عقلهم ثم ذمّهم (عليه السّلاَم) باتباع البهيمة، وقد كان الجمل راية عسكر البصرة قتلوا دونه کما یقتل الرّجال تحت راياتهم وكان شجعانهم يأخذون بخطام(2) الجمل، وكان لا يأخذ أحد به إلا قتل أو قطعت يده وروی أنه أخذ الخطام سبعون رجلًا من قريش قتلوا كلهم، وقد بين (عليه السّلاَم) اتباعهم إيّاها بقوله: (رَغَا فَأَجَبْتُمْ، وَعُقِرَ فَهَرَبْتُمْ) بالضم والمد ((صوت الإبل))(3) أو (صوت ذوات الخف)(4) أو صوت الإبل والنعام والضّبع(5)، يقال: رغا البعير يرغو رُغاءً إذا ضجَّ عند شد المحمل ونحوه، (والعقر الجرح)(6)، يقال: عقره كضربه، وقال في العين: عقرت الفرس

ص: 12


1- الانفال / 17
2- (بخطام) في ث، وفي ر، م: (الحطام)، تصحيف، الخطام (هو الحبل الذي يقاد به البعير) لسان العرب، مادة (خطم): 12 / 189
3- الصحاح، مادة (رغا): 14 / 329
4- الصحاح، مادة (رغا): 6 / 2359
5- ينظر: تاج العروس، مادة (رغو): 19 / 468
6- القاموس المحيط، مادة (عقر): 2 / 93

کسفت قوائمه بالسّيف، وكذلك يفعل بالناقة فاذا سقطت تنحر مستمکناً(1) منها(2)، والكَسْفُ قَطْعُ العرقوب(3)، وروى أنه (عليه السّلَام) لما رأى أنّ الجمل مّا دام قائماً لا(4) تُطفأ الحرب، وضع سيفه على عاتقه(5)، وعطف نحوه وأمر أصحابه بذلك، ومشی نحوه، والخطام(6) مع بنی ضبة فاقتتلوا(7) قتالًا شديداً، وقُتِل منهم جمّ غفير، وخلص علي (عليه السّلَام) في جماعة من النخع وهمدان إلى الجمل، فقال لرجل من النخع اسمه بُجيرُ(8): دونك الجمل يا بُجيرُ، فضرب عجز الجمل بسيفه، فوقع لجنبه، وضرب بجرانه الأرض، وهو باطن عنقه وعج عجيجاً لم يسمع بأشد منه، ففرت الرجال وتفرقت کما تطير الجراد في ريح عاصف، واحتملت عائشة بهودجها الى دار عبدالله بن خلف(9)، وأمر (عليه السّلَام) بالجمل أن يحُرَق ثم يُذرّيْ في الريّح(10)، وقال (عليه السّلَام) لعنه الله من دابة فما اشبهه(11) بعجل بنی

ص: 13


1- (مستمسيکن) في أ
2- العين، مادة (عقر): 1 / 149
3- ينظر: الصحاح، مادة (كسف): 4 / 1421
4- (ألا) في أ، ع، ن
5- (عانقه) في ث، ر
6- (الحطام) في م
7- (فاقتلوا) في أ
8- (بحير) في أ، ث، م، تصحیف
9- عبد الله بن خلف بن أسعد بن عامر الخزاعي، وهو والد طلحة الطلحات، كان كاتباً لعمر بن الخطاب على ديوان البصرة، ثم لعثمان بن عفان شهد يوم الجمل ضد الامام علي (عليه السلام) وقتل فيه سنة (36 ه). ينظر: المعارف: 419، الأعلام: 4 / 84
10- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 1 / 224
11- (اشبه) في أ، ع، ن

اسرائيل ثم قرأ: «وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا»(1)، وقال السّيد الأجل (رضي الله عنه) في شرح قصيدة السّيد الحميري(2) (رحمهُ اللهُ) رأى من هذا الجمل كل عجب؛ لأنه كان كلما قطعت قائمة من قوائمه ثبت على أخرى حتّى روى أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) نادى اقتلوا الجمل فإنّه الشيطان وإن محمد بن أبي بكر(3)، وعمّار بن یاسر(4) (رحمهما الله) تولَيا عقره (أخلَاقُكُمْ دِقَاقٌ، وَعَهْدُكُمْ شِقَاق، وَدِينُكُمْ نِفَاقٌ، وَمَاؤُكُمْ زُعَاقٌ) الاخلاق جمع خلق بالضم وضمتين وهو الطبيعة

ص: 14


1- طه / 97
2- هو إسماعيل بن محمد بن يزيد بن ربيعة، المعروف بالسيد الحميري المكنى بأبي هاشم، ولد بعمان سنة (105 ه)، ونشأ بالبصرة، وتوفي ببغداد سنة (173 ه). ينظر: معجم المؤلفين: 2 / 294
3- محمد بن عبد الله (أبي بكر) بن عثمان بن عامر التيمي القرشي، ولد سنة (10 ه) في حجة الوداع، نشأ في المدينة في حجر الامام علي (عليه السلام) لما تزوج أمه (أسماء بنت عمیس) بعد وفاة أبيه، وكان يدعى (عابد قریش) شهد مع الإمام علي (عليه السلام) وقعتي الجمل وصفين، وولاه إمارة مصر قتل سنة (38 ه) قتله معاوية بن حديج الذي ولاه معاوية بن سفيان امرة جيش للدخول الى مصر. ينظر: أنساب الأشراف: 1 / 538، والوافي بالوفيات: 2 / 187، والأعلام: 6 / 219، 220
4- عمار بن ياسر بن عامر الكناني المذحجي العنبسي القحطاني، أبو اليقظان، ولد سنة (57 ق ه) وهو من نجباء الصحابة وأحد السابقين إلى الإسلام فكان ممن عذب في الله في أول الإسلام، وأمة (سمية بنت الخيط) أول شهيدة في الإسلام، وعمار ممن هاجر إلى الحبشة، وصلى القبلتين، وشهد بدراً والخندق واليمامة، وكان النبي (صلى الله عليه واله) يلقبه ب (الطيب المطيب)، وهو أول من بنى مسجداً في الإسلام (مسجد قباء)، ولاه الخليفة عمر الكوفة بعد أن عزل سعداً، فأقام زمناً وعزله، شهد الجمل وصفين مع الإمام علي وقتل في صفين سنة (37 ه) وله من العمر (93) سنة. ينظر: الوافي بالوفيات: 22 / 233، 232، العبر في خبر من غبر: 1 / 25، وفيات الأعيان: 2 / 329، الأعلام: 5 / 36، الوفيات: أحمد بن حسن الخطيب: 56، 57

والسّجية أي الصفة الباطنة(1)، والدّقيق ضد الجليل، وقال في العين: الدقة على أربعة / ظ 34 / أنحاء: الدقيق الطّحين، والدّقيق الأمر الغامِض، وَ الدّقيق الرجل القليل الخير، والدقيق الشيء الذي لا غلظ(2) فيه(3) ودقة الأخلاق دنائتها(4)، والشقاق بالكسر ((الخلافُ والعداوةُ))(5)، ولعل المعنى: عهدكم يثمر ما يثمره العداوة والخلاف(6)، وكأنَّه شقاق ليس بميثاق أو ما أنفقتم عليه، وصَار کالميثاق بينكم هو نقض العُهود والخلاف والدين أما المضادّ للكفر فناسب(7) الوجه الأول أو العادة والشأن فوافق(8) الثاني، والنفاق ابطان الكفر أو أن يظهر أحد غير ما أضمر(9)، وقال في النهاية: هو اسم إسلامي لم تعرفه العرب بالمعنى المخصوص به، وهو الذي يستر کفره و يظهر إيمانه، وإن كان أصله في اللغة معروفاً، وهو مأخوذ من النافقاء(10) ((إحدى حِجَرة اليَربُوعَ، يكتمها ويُظهر غيرها، وهو موضِع يرقِّقه، فإذا أتى من قِبَل القاصِعاء، ضرب النافقاء برأسه، فانتَفقَ، أي: خرجَ))(11)، وقيل هو مأخوذ

ص: 15


1- ينظر: لسان العرب، مادة (خلق): 10 / 89
2- (غلط) في ث، تصحيف
3- ينظر: العين، مادة (دق): 5 / 18
4- (دقته أو لاخلاق دنائتها) في ث، ر
5- الصحاح، مادة (شقق): 4 / 1503
6- (والحلاف) في ر، تصحيف
7- (فیناسب) في ث، ح، ر، م
8- (فيوافق) في ث، ح، ر، م
9- ينظر: لسان العرب، مادة (نفق): 10 / 359
10- ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، مادة (نفق): 5 / 98
11- تاج العروس، مادة (نفق): 13 / 464

من النّفق بالتحريك وهو سَرَب [يستتر فيه](1) لستره كفره(2)، الزُّعاق بالضمّ المالِح(3)، و((يقالُ طعام مزعوق(4) إذا كثر ملحه))(5)، والذّم بكون مائهم زعاقاً أما لسوء اختيارهم في بناء المدينة والاستيطان مع(6) قرب الموضع بالأُبلّة(7)، وهي بضم الهمزة والباء وتشديد اللام إحدى الجنّات الأربعة، والمدينة اليوم بها، وفيها العشَّاروُنَ، وقد قال (عليه السّلاَم) في هذه الخطبة سيكون في التي تسمى الابُلّة موضِع أصحاب العُشور، وأمّا التأثير ذلك الاستيطان في أخلاقهم بل وأفعالهم، وأمّا لاستلزامه المرض وسُوء المزاج، وفي ذلك الذّم فائدة تنفير كثير من الناسِ عن المقام معهم، وتفرّق جمعهم (الْمُقِيمُ(8) بَیَنْ أَظْهرِكُمْ مُرْتَهَنٌ بِذَنْبِهِ، وَالشاخِصُ عنْكُمْ مُتَدَارَكٌ برَحَمْةٍ مِنْ رَبِّهِ) الإقامة بين الأظهر اقامة بين القوم فإنَّهم لمحاماتهم عنه ودفعهم من أراده بسوء كأنَّهم مقبلون من جوانبه على عدوّه فهو بين أظهرهم(9)، والمُرتَهَن على

ص: 16


1- [يستتر فيه] ساقطة من ع
2- ينظر: تاج العروس، مادة (نفق): 13 / 493
3- ينظر: العين، مادة (زعق): 1 / 133
4- (فرعون) في ر
5- معجم مقاییس اللغة، مادة (زعق): 3 / 8
6- (منع) في ع، تحریف
7- وهي بلدة تقع على شاطئ دجلة البصرة العظمى في زاوية الخليج الذي يدخل إلى مدينة البصرة، بينها وبين البصرة أربعة فراسخ، وهي أقدم من البصرة؛ لأنَّ البصرة مصرت في أيام الخليفة عمر بن الخطاب، وكانت الأبلة حينئذ مدينة فيها مسالح من قبل کسری. ينظر: البلدان، أحمد بن محمد الهمذاني: 260، معجم البلدان: 1 / 77
8- (والمقيم) في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 1 / 212، و نهج البلاغة، صبحي الصالح: 41
9- (اظهر كم) في أي ع

صيغة المفعول هو المرهُون المأخوذ لينوب مناب الحق، فلا يخرج من يد المِرتهِن على صيغة الفاعل إلاَّ أن يؤدي الحقّ، والشخوصِ کالخروج [الخروج](1)، وشَخَص المسافرُ کمنع ذهب الى بلد أو مکان(2)، والتَدارُك التّلاحق يقالُ: تدارك القوم إذا لحق(3) آخرهم بأوّلهم(4)، والتّدارك بالرحمة أن تلحقه الرحمة كأن المقيم بينهم فاتته(5) الرحمة، وتركته فابتلي بالإقامة ثم يفعل جميل استحق أن تدركه وتلحقه، فلحقته و خلصته من المصائب الدنيوية، أو الآخروية التّابعة لمجاورة الفاسقين، أو من عموم العذاب إيّاه إذا نزل(6) بالفاسقين، أو للجميع، ويمكن أن يراد بالشاخص من لم يحضرهم فالتّدارك بالرحمة عدم ابتلائه بالمقام في ذلك المقام والأوّل أظهر (كَأَنّي بِمَسْجِدِكُمْ

كَجُؤْجُؤِ سَفِينَةٍ، قَدْ بَعَثَ اللهُ عَلَيْهَا الْعَذَابَ مِنْ فَوْقِهَا وَمِنْ تَحْتِهَا، وَغَرَّقَ مَنْ

فِي ضِمْنِها) وفي رواية أخُرىْ (وَايْمُ اللهِ لَتُغْرَقَنَّ بَلْدَتُكُمْ حَتَّى كَأَنّ أَنْظُرُ إِلى

مَسْجِدِهَا كَجُؤْجُؤِ سَفِينَةٍ أَوْ نَعَامَةٍ جَاثِمَةٍ) وَفي روَايَةِ أخُرى (كَجُؤْجُؤِ طَیْرٍ فِي

لجّة بَحْرٍ) الجؤجؤ كهُدهُد ((الصّدر))(7) أو ((عظامه))(8)، وجُوجُؤ السّفينة صدرها(9)، وجثم الطّائر والنعام والإنسان كضرب ونصر تلبدَّ بالأرض ولزم

ص: 17


1- [الخروج] ساقطة من م
2- ينظر: العين، مادة (شخص): 4 / 165
3- (ألحق) في أ، ع
4- ينظر: لسان العرب، مادة (درك): 10 / 419
5- (فاتیه) في أ، ع
6- (ترك) في أ، ع
7- لسان العرب: مادة (جاجأ): 1 / 42
8- المصدر نفسه، مادة (جاجأ): 1 / 42
9- ينظر: المصدر نفسه، مادة (جاجأ): 1 / 42

مكانه فلم يبرح أو وقع على صدره وجثوم الطّائر كبروك الإبل(1)، قال بعض الشّارحین(2): الصّحيح أن المخبرَ به قد وقع فإنَّ البصرة قد غرقت(3) مرتين، مرة في أيّام القادر بالله(4)، ومرّة في أيّام القائم(5) بأمر الله، غرقت بأجمعهَا ولم يبق منها إلا مسجدهَا الجامع [...](6) بارزاً بعضها كجُوجُوءِ الطّائر حسب ما أخبر به أمير المؤمنين (عليه السّلاَم)، جاءها الماء من بحر فارس من جهة الموضِع المعروف الآن بجزيرة الفرس، ومن جهة الجبل المعروف / و35 / بجبل الشنام، وخربت دورها، وغرق(7) كل ما في ضمنها، وهلك كثير من أهلهَا. وأخبار هذين الغرقين معروفة عند أهل البصرة

ص: 18


1- ينظر: لسان العرب، مادة (جثم): 12 / 82
2- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 1 / 213
3- (عرفت) في ث، و في ر: (عرقت)، تصحيف
4- هو أحمد بن اسحاق بن المقتدر، ويلقب بالقادر بالله، ويكنى أبا العباس، و أمة دمنة، خليفة عباسي، ولد سنة (336 ه)، وولي الخلافة سنة (381 ه) بعد موت الخليفة الطائع الله ، ودامت خلافته أحدى وأربعين سنة، كان من علماء الخلفاء، صنف كتاب في الأصول، وكان يقرأ في كل يوم جمعة في حلقة اصحاب الحديث بجامع المهدي، مات في بغداد سنة (422 ه). ينظر: الكامل في التاريخ: 9 / 80 - 82، و فوات الوفيات: 1 / 111، 112، و تاریخ الخلفاء: 442 - 448، والاعلام: 1 / 95، 96
5- هو عبد الله بن القادر بالله أحمد بن إسحاق بن المقتدر جعفر العباسي البغدادي، ويلقب القائم بأمر الله، ويكنى أبا جعفر، أمه بدر الدجى أرمنية، وقيل قطر الندى، ولد سنة (391 ه)، بويع يوم موت أبيه سنة (422 ه)، مات سنة (450 ه) أثر نرف اصابه بعد فصده . ينظر: الكامل في التاريخ: 9 / 168، و سير أعلام النبلاء: 15 / 138 - 141، و تاریخ الخلفاء: .448 - 453
6- [بازاء] زيادة فيث، ر، لا يتطلبها السياق
7- (وعرق) في أ

يتناقلها(1) خلفهم(2) عن سلفهم(3) وقال بعضهم: ظاهر قوله (عليه السّلَام) في هذه الخُطبة (وَإنّي لأعَرِفَ مَوْضِعَ مُنَفَجِرَةٍ مِن قَرْيَتكُم) أن لا تكون(4) من ناحية أخرى بل من أرضهم(5)، ويمكن أن (تكون)(6) كلمة (من) للتبعيض، لا صلة للانفجار، و الانفجار هو السّيلان، فالمعنى إني لأعرف مجراهُ من قريتكم، والقول بأن المخبر به سيقع وإن(7) كان محتمّلا إلا أنّه يستدعي عمارة المدينة القديمة التّي فيها المسجد، وكون المراد ستغرق المدينة الجديدة على وجه لا(يبقى)(8) أرض بارزة سوى مسجد القديمة لا يخلو عن بعد (أَرْضُكُمْ قَرِيبَةِ مِنَ الْمَاءِ، بَعِيدَةٌ عن الْسَّمَاءِ(9))، قال بعض الشارحين: معنى قربها من الماء كونها قريبة من الغرق بالماء، وأما بُعدها عن السّماء فإنَّ أرباب علم الهيئة وصناعة التنجيم يذكرون أن أبعد موضع في الأرض عن السّماء [الأُبلّةُ](10)، وذلك موافق لقوله (عليه السّلَام). ومعنى البعد عن السّماء هاهنا هو بعد تلك الأرض المخصوصة عن دائرة معدّل النّهار والبقاع، يختلف في ذلك. وقد دّلت الأرصاد والآلات النّجومية على أن أبعد موضع في

ص: 19


1- (تتناقلها) في ث، ح، ر، وفي م (تثاقلها)
2- (خلقهم) في ث، وفي ح: (حلفهم) تصحيف
3- (سفلهم) في ث، تحریف
4- (يكون) أ، ع، ن
5- قول متصرف فيه، ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 1 / 293
6- (يكون) في أ، ث، ح، ر، ع، م، ن، تصحيف
7- (فان) في أ، ع
8- (يبقى) في أ، ح، ع، ر، ن، تصحيف
9- (من السماء) في أن ث، ح، ع
10- [الأبلة] ساقطة من ث، ر، م

المعمورة عن دائرة معدل النّهار هو الأُّبلة، وهو قصبة البصرة(1) انتهى. وفيه نظر واضح، وقيل المراد بعدهَا عن سماء الرحّمة، والجود الآلهي مستعدة لنزول العذاب ولا يخلو عن بعد ولعل الأظهر أن المراد کونها هابطة لقربها من البحر وهبوطها يدخل الماء بساتينهم إذا مدّ البحر، و انخفاض الأرض يعدها للعفونة في هوائها، واشتداد الحر، وحصول الأمراض، ومع ذلك مضنّة للغرق(2)، ولا يبعد أن (تكون)(3) العفونة مورثة لسوء الخلق، وضعف العقل، كما يشعر به قوله (عليه السلام) بعد هذا الكلام. (خَفَّتْ عُقوُلُكُمْ، وَسَفِهَتْ حُلُومُكُم) السّفه محركة ((ضدُّ الحِلْمِ، وأصله الخِفَّةَ والحركةُ))(4)، ومنه قولهم: (تسفّهت الرّيح الشَّجر أي: مالت به)(5)، ويقال: سفِه فلان بالكسر إذا كان مُضطرب الرأي(6)، (والسّفيه الجاهل)(7)، والحُوُم جمع حلم بالكسر، وهو ((العقل و الأناءة))(8)، وقد ظهرت خفة عقلهم في اتباع المرأة والبهيمة، والخروج عليه (عليه السّلاَم) (فَأَنْتُم غَرَضٌ لِنابِلٍ، وَأُكُلَةٌ لآكِلٍ،

وَفرِيسَةٌ لِصَائِلٍ) الغرض بالتحريك ((الهَدَفُ))(9)، والنّابل صاحب النبل كاللابن صَاحب اللّبن، و ((النبل بالفتح السِّهام العربية، وهي مؤنثة لا واحد

ص: 20


1- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 1 / 225، 226
2- (للعرق) في أ، م، تصحيف
3- (يكون) في أ، ث، ح، ر، ع، م، ن، والصواب ما أثبتناه
4- الصحاح، مادة (سفه): 6 / 2234
5- المصدر نفسه، مادة (سفه): 6 / 2234
6- لسان العرب، مادة (سفه): 13 / 498
7- المصدر نفسه، مادة (سفه): 13 / 498
8- المصدر نفسه، مادة (حلم): 12 / 146
9- الصحاح، مادة (غرض): 3 / 1093

لها من لفظِها))(1)، وقيل واحِدَها نبلْة(2)، و(تقول)(3): نَبلْت فلاناً كنصرته إذا رَميْتَه بالَنْبلِ(4)، ((والُأكْلَةُ بالضّم اللُقُمة))(5) و فريسة الأسدما يفترسه أي: يصيده ويقتله، وأصل الفرس أن يدّق الأسد عنق ما يصيده(6)، ثم كثر حتى سمّي كل(7) قتل [فَرْساً](8)، وروى النهي عن فرس الذّبيحة، وهو کسر عظم رقبتها قبل أن تبردُ، والصّولة الحَملْة والوّثْبة(9)، وفي المثل: (رُبَّ قول أشدّ من صولٍ)(10)، وهذه الأوصاف مّما يترتب على خفة العقل والسّفه؛ الأن طمع القاصد بالأذي لطائفة إنما ينشأ من علمه بجهلهم بوجوه المصَالح والتّدابير، ويمكن أن يكون الأوّل من الثلَاثة إشارة الى كونهم مقصداً لمن يريد أذاهم، والثاني كناية عن كونهم معرضا؛ لأن يطمع في أموالهِم، والثالث عن كونهم بصدد أن يفترسهم من يقصد قتلهم واستئصالهم، ويحتمل أن يكون الكلام مسوقاً للدّعاء علَيهِمْ.

ص: 21


1- المصدر نفسه، مادة (نبل): 5 / 1823
2- لسان العرب، مادة (نبل): 11 / 642
3- (يقول) في أ، ث، ح.ع، ن، والسياق يقتضي ما أثبتناه
4- ينظر: الصحاح، مادة (نبل): 5 / 1826
5- المصدر نفسه، مادة (أكل): 6 / 1624
6- ينظر: معجم مقاییس اللغة، مادة (فرس): 4 / 485
7- (کما) في أ، ع
8- [فرسا] ساقطة من ر، م، ينظر: معجم مقاییس اللغة، مادة (فرس): 4 / 485، والصحاح: 3 / 958
9- ينظر: لسان العرب، مادة (صول): 11 / 387
10- جمهرة الأمثال: 1 / 472، 476، و مجمع الأمثال: 1 / 302 (يضرب عند كلام يؤثر فيمن يواجه به)

[ومن خطبةٍ لهُ (عليه السلام)] فيما رده على المسلمين [قطائع عثمان]

(وَاللهِ لَوْ وجَدْتْهُ قَدْ تُزُوِّجَ بِهِ النساءُ، وَمُلِكَ بهِ اْلإِمَاءُ؛ لَرَدَدْتُه؛ فَإِنَّ فِي الْعَدْل سَعَةً، وَمَنْ ضَاقَ عَلَيْهِ الْعَدْلُ، فالْجَوْرُ عَلَيْهِ أَضْيَقُ) قال الشّارح عبدالحميد بن أبي الحديد: القطائع: ما يقطعه الإمام بعض الرعيّة من أرض بیت المال ذاتِ الخراج، ويُسقِط عنه الخراج، ويجعل عليه ضريبة/ ظ 35 / يسيرة عوضاً عن الخراج، وقد كان عثمان أقطع كثيراً من بني أمية وغيرهم [من](1) أوليائه وأصحَابه قطائع من أرض الخراج على هذه الصّورة، وقد كان عمر أقطع قطائع، ولكن لأربابِ العناء في الحرب، والآثار المشهورة في الجهَاد، فعل ذلك ثمناً عما بذلوهُ من مهجهم في طاعة الله سبحانهُ، وعثمان أقطع القطائع صلة لرحمه، وميلاً إلى أصحابه من غير عناء في الحرب ولا أثر(2)، قال: ((وهذه الخطبة ذكرهَا الكلبي(3) مرويةٌ مرفوعة إلى أبي صالح عن ابن عباس أنَّ عليّاً (عليه السّلَام)](4) خَطب في اليوم الثاني من بيعته بالمدينة، فقال: ألا أنَّ كُلَّ قَطِيْعَةٍ أَقْطَعَها عثمانُ، وَكُلَّ مّالٍ أعطاهُ مِنْ مّال الله

ص: 22


1- [من] ساقطة من ع
2- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 1 / 227
3- محمد بن السائب بن بشر بن عمرو بن الحارث بن عبد الحارث الكلبي، ويكنى أبا نضر، عالماً بالتفسير والانساب كان جده بشر بن عمرو وبنوه: السائب وعيد وعبد الرحمن شهوداً الجمل وصفين مع الامام علي (عليه السلام)، قتل أبوه مع مصعب بن الزبير، وشهد محمد بن السائب دیر الجماجم مع عبد الرحمن بن الأشعث، مات سنة (146 ه). ينظر: المعارف: 535، 536، و وفیات الاعیان: 4 / 309 311، و العبر في خبر من غبر: 1 / 209
4- [(عليه السلام)] ساقطة من ع

فهوُ مَردود فْيِ بَيتْ المالِ، فَإنَّ الْحَقَّ الْقَدْيِمَ لا يُبطِلْهُ شَيء، ولو وجدتُه قَدْ تُزوِّجَ بهِ النسّاءِ، وَفُرّقَ في البُلْدان، لرَدَدَتَهُ اِلى حَالهِ؛ فَإنَّ في الْعَدْلِ سَعَةً، وَمَنْ ضَاقَ عَنْهُ الحق فَالْجَورُ عنه أضْيَق.(1)، قال: ((وقال الكلبي: ثم أمر (عليه السّلاَم) بكلّ سلاح وُجِد لعثمان في داره مّما يقّوي به على المسلمين فقبض، وأمر بقبض نجائب كانت في داره من إبل الصّدقة، فقبضت، وأمر بقبض سيفه و درعه، وأمر أن لا يعرض لسلاح وُجِد له لم يقاتل به المسلمون، وبالكف عن(2) جميع أمواله التي وجدت في داره و في غير داره، وأمر أن (تُرتَجَع)(3) الأموال التّي أجاز بهَا عثمان حيث أُصيبَتْ وأصيب أصحابُها. فبلغ ذلك عمرو بن العاص، وكان بأيَلة من أرض الشام، فكتب إلى معاوية: ما کنت صانعاً فاصنع، إذ قشرك ابن أبي طالب عن كلّ مال تملکه کما یُقشر عن العصا لحاءها، وقال الوليد بن عقبة(4) - وهو أخو(5) عثمان من أمه - يذكر قبض علي (عليه السّلَام) نجائب عثمان وسيفه وسلاحهِ:

ص: 23


1- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 1 / 227
2- (من) في م
3- (ير تجع) في أ، ح، ع، ر، م، ن، تصحیف، وفي ث: (يرجع)
4- الوليد بن عقبة بن معيط بن أبي عمرو بن أمية بن عبد شمس بن مناف، وهو أخو الخليفة عثمان من أمه أروی بنت کریز بن ربيعة بن حبيب، يكنى أبا وهب، أسلم يوم فتح مكة عرف بمجونه ولهوه، کان شاعراً، بعثه الرسول (صلى الله عليه واله) الى صدقات بني المصطلق فرجع واخبره بأنهم خرجوا عليه فنزلت بحقه الآية الكريمة (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) الحجرات / 6، ولاه الخليفة عثمان الكوفة بعد سعد بن أبي وقاص سنة 25 ه فشهد جماعة عند عثمان بشربه للخمر، فعزله وأقام عليه الحد، توفي سنة (61 ه). ينظر: الم عارف: 319، 318، والمغازي: 2 / 980، و الوافي بالوفيات: 27 / 276، 277، والأعلام: 8 / 122
5- (أخر) فيع، تحریف

بنى هَاشمٍ رُدُّوُا سِلاحَ ابْن أخْتِكُم *** وَلا تَنْهَبُوهُ لاَ تَحِلُّ مَنْاهِبُ

بنى هَاشِمٍ كَيفَ الهَوادِةُ بَينَنَا *** وَعِنْدَ عَلَيًّ دِرْعُهُ وَنَجائِبُهُ

قَتَلتم أخي كَيْما تَكُونوا مكانه *** كَمّا غَدَرَتْ يَوْماً بكسرى مَرازِبهُ

فأجابه: عبدالله بن أبي سفيان بن الحارث بن عبدالمطلب(1) بأبيات طويلة من جملتها:

فلا تسئلونُا سَيْفَكُم إن سَيْفَكُم *** أضيع وألقاه لدى الروّع صاحِبهُ

وَشَبَّهْتَهُ كسرى وَقَدْ كانَ مِثْلهُ *** شَبِيهَاً بكِسرى هَديُه وضَرائِبهُ(2)

أي: كان كافراً کما کان کسری كافرا. وكان المنصور إذا أنشد هذا الشعر، يقول: لعن الله الوليد! هو الذي فرق بين [بني](3) عبد مناف بهذا الشعر(4) انتهي، واقتصاره (عليه السّلَام) علی رد قطائع عثمان دون ما أقطعه عن عمر بن [الخطاب](5) طائفة للجهاد أو غيره أمّا لعدم بقائه في أيديهم بقبض عثمان لموتهم أو غير ذلك، وأمّا للتقية والخوف من ثوران الفتنة، وتفرق عسکره

ص: 24


1- عبد الله بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف أبو الهياج الهاشمي، أمه فقمة بنت همام بن الأرقم الأسدي، تزوج رملة بنت الإمام علي (عليه السلام)، روي عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) وعن الإمام علي (عليه السلام). ينظر: المحبر:، محمد بن حبيب البغدادي (ت 245 ه): 56، والاستیعاب: 3 / 921، و تاريخ مدينة دمشق: 29 / 72، وأسد الغابة، ابن الأثير (ت 630 ه)، والإصابة، ابن حجر (ت 582 ه): 4 / 101
2- نسبها المسعودي إلى الفضل بن العباس بن عتب بن أبي لهب، ينظر: مروج الذهب، ومعادن الجوهر، المسعودي: 2 / 347. مع اختلاف في ترتيب الأبيات، الأغاني: 5 / 82، 80، وهذه الأبيات من البحر الطويل
3- [بني] ساقطة من أ، ع، ن
4- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 1 / 228، 229
5- [الخطاب] ساقطة من أ، ع

کما صرح به (عليه السّلاَم) في خطبة طويلة رواها محمد بن يعقوب الكليني (رحمه الله) في الكافي(1) ذكر فيها (عليه السّلاَم) بعض البدع كتحويل المقام، وغصب فدك، وإنشاء التراويح، وأمُور غيرها فصلها (عليه السّلاَم)، وقال: لو حملت الناسِ على تركها، وحولتها إلى مواضعها إذاً لتفرق عني جندي حتّى أبقى وحدي، أو قليل من شيعتي الذين عرفوا فضلي، و فرض إمامتي(2)، ولم یکن عثمان عند النّاسِ كالشيخين حتّى يخاف (عليه السّلَام) من تغییر بدعه، كيف وقد خرج طائفة قليلة على عثمان و حصبوه على المنبر وحاصروه وقتلوه ولم ينصره أهل المدينة، والصحابة، وتركوه غير مدفون ثلَاثة أيام، ولم يقدر أولياؤه من بني أمية وغيرهم على دفنه في مقابر المسلمين، وقد كانوا يبايعونه [(عليه السّلَام)](3) في الشورى على سنة الشيخين، ولّما امتنع عنها (عليه السّلَام) وقبلها عثمان بایعه عبدالرحمن بن عوف عليها، وتابعهُ النّاس إلاّ قليل من الخواصّ، وليس الحال کَما يشعر به کلام الشّارح(4)، وصّرح به بعض الشارحين(5) من أنه لإختلاف(6) غرضهما، وجواز ما فعله عمر بن الخطاب، وأمّا ما علّل به (عليه السّلَام) ردّ(7) القطائع من اشتمال العدل على السّعة فواضح إذ به يتسق نظام العالم، ويصل كل ذي حقّ إلى حقه، وقد جعل الله لكل أحدٍ ما يسعه، وأمّا كون الجور أضيق على من ضاق

ص: 25


1- ينظر: الاصول من الكافي، الكليني: 8 / 58 - 63
2- ينظر: الاصول من الكافي: 8 / 59
3- [(عليه السلام)] ساقطة من ع
4- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 1 / 227
5- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 1 / 296
6- (لا خلاف) في ح،ر، م، تحریف
7- (ردع) في أ، ع، ن

عليه العدل، فإمّا لأنّ من لم يرض بحقه وضاق(1) / و 36 / عليه الاقتصار عليه فبالأوُلى أن يصعب عليه الصّبر على جور جرى عليه ولو فكر في نفسه وتأمل في صعوُبته صَار الصّبر على الحقّ هنيئاً لهُ، ورضى بالكفّ عن حقوق النّاسِ وإن تاقت(2) اليها نفسه للحرص والجشع، هذا لو أريد بالجور الجاري عليهِ ولو أريد الصادر منه فالضيق(3) الأشد(4) لما يلحقه من العذاب في الآخرة أو للمكافاة الدّنيوية التّي قلّ ما ينجو الظّالم عن الابتلاء بما يوازي(5) ظلمهُ وابتلاء به أو بأشد من ذلك، وأمّا لما ذكره الشّارح من ((أن الوالي إذا ضاقت عليه تدبيرات أمُوره في العَدلْ فهي [...](6) في الجَورْ أضيق(7) عليه؛ لأنّ الجائر في مظنة أن يُمنع ويُصدّ عن جوره))(8)، وهذا الوجه لا يصفوُ عن التّخصيص وغيره، وأمّا لما ذكره بعض الشارحين(9) من أن من نزل عليهِ عدل اعتقد أنه قد أخذ منه ما ينبغي أخذه منه، وإذا نزل(10) عليه جور اعتقد انه أخذ منه ما لا ينبغي أخذه ولا شك أن أخذه(11) [...](12) أصعب

ص: 26


1- (فضاق) في أ، ع، ن
2- (ناقت) في أتصيحف، وفي ح، ر، (ثاقب) تصحيف
3- (فاضيق) في ث
4- (الاسد) في ث، ح، ر، تصحيف
5- (يواري) في أ، ع، م، ن، تصحيف
6- [من] زائدة في ث
7- (الجواز ضيق) في أ، ع، ن
8- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 1 / 227، 228
9- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 1 / 295
10- (وان انزل) في ث، ر
11- (إذ اخذ) في ث
12- [ما لا ينبغي اخذه] زيادة في ث، ح، ر، ع، م، ن

على(1) النّفسِ، وأضيق من أخذ ما ينبغي وهو أمر وجداني، وأمّا لما ذكره أيضاً من أن الأوامر والنَّواهي الالهية سدّت على الجائر وجوه التّصرفات الباطلة ولا يخلو عن بعد، ثم أن من شعب السّعة في العدل والضيق في الجور أنّه إذا جرى أمور الولاة في العطايا وغيرِها على مناهج العدل دون طرق الإفراط والتفريط تقاعد الناس عن طلب الزيادة والطّمع فيما [في](2) أيدي(3) الناس ويقنع كلّ بحقه وما في يده، وإذا اشاع الجور هاج حرصهم وكثرت أطاعهم فيتمنون الزيادة في الصلات، والعطايا، ويريدون غصب الأموال وغيره وكثيرا ما يمنعهم عمّا حاولوا مانع يقهرهم أو قاهر يغلبهم أو لا(4) تساعدهم(5) الأسباب والوسائل، فلا يلحقهم إلَّا كدّ باطل واكتساب مشقة من غير طائل ولو تيسر لهم الوصول الى مرادهم فربَما انقلب المغلوب غالباً، والمقهور قاهراً فانتقم بأكثر من ظلامته، أو ينتقم له غيره لصداقه أو قرابة على وجه أبلغ، وربمّا طمع في أموالهم من كان فوقهم فلا يصدّه مانع الابتناء الأمور على الجور فيخرج عنهم أضعاف ما غصبوا وبقي عليهم وزر ما(6) اكتسبوا ولحقتهم الندامة في الدّنيا والآخرة.

ص: 27


1- (عن) في م
2- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 1 / 295
3- (فيما ابدی) في م
4- (لولا) في ث
5- (يساعدهم) في أ، ث، ح، ر، ع، م، ن، والصواب ما أثبتناه
6- (ورز ما) في ث، وفي أ، ع: (ربما)، وفي ن: (وز بما)

[ومن خطبة له (عليه السلام) لما بويع بمدينة]

هذه الخطبة قد رویت بألفاظ والتقط السّيد منها كلمات، ونورد ما ظفرنا به منها بعد تفسیر مَا ذكره منها (ذِمَّتِي بِمَا أَقَولُ رَهِينةٌ، وَأنَا بِهِ زَعِيمٌ) الذِمة بالكسر تكون بمعنى العهد والضّمان والحق والحرمة والأمَان(1)، وسمّي أهل الذمة لدخولهم في عهد المُسلمين وأمانهم، والرّهن مَا وضع عند أحد لينوب مناب ما أخذ منه(2)، والرَهينة المرهونة، وبمعنى الرهن والهاء للمبالغة كالشتيمة والشّتم، ومنه الحديث ((كلّ غلام رهينةٌ بعقيقته))(3)، والمرتهن الذي يأخذها، ويقال: رَهنتةُ لسَاني ولا يقال أرهَنتْهُ(4)، وكون الذمة رهينة كناية عن التّقلد(5) والضّمان(6)، و((الزَعِيمُ: الكفيلُ)(7)، وفي الحديث: ((الزّعيم غارم))(8) أي: ضامن، والغرض من الكلام ترغیب المخاطبين إلى الاستماع والثقة به (إِنَّ مَنْ صَرَّحتْ لَهُ الْعِبَرُ عَمَّا بَیْنَ يَدَيِهِ مِنَ

ص: 28


1- ينظر: لسان العرب، مادة (ذمم): 12 / 221
2- ينظر: المصدر نفسه، مادة (رهن): 13 / 188
3- ينظر: مسند أحمد: 5 / 7، 8، و سنن الدارمي: 2 / 81، والمعجم الكبير: 7 / 201، و السنن الكبرى: 9 / 299
4- ينظر لسان العرب، مادة (رهن): 13 / 189. وفي أ، ع، ن: (الزمان) تحریف
5- (النقلة) في ث، تحریف
6- (والزمان) في أ، تحریف
7- الصحاح، مادة نفسه (زعم): 5 / 1942
8- مسند أحمد: 5 / 267، وسنن ابن ماجه: 2 / 804، والسنن الکبری: 6 / 72، وفتح الباري: 2 / 459

المَثُلاَتِ، حَجَزَهُ(1) التَّقْوَى عَنْ تَقَحُّمِ الشُّبُهَاتِ) الصرّیح الخالص من كل شيء والتصریح کشف الأمر وانکشافه لازم متعدّ، والعِبَرَ کالعِنَب جمع عِبرة بالکسر، وهىَ مَا يعتبره الإنسان ليستدلّ به على غيره و يتّعظ به، والمَثُلاَت جمع مَثَلة بفتح الميم وضمّ الثاء وسكونها وهي العُقُوبَةُ(2)، وحجزهُ يحجزه [ويحجزه](3) منعه(4) وكفه، والتقوى الاسم من قولك:

اتّقيت الشَيء أي: حذرته، وأصله تقَيا قلبوُه للفرق بين الاسم والصفة(5)، وقَحَمَ الإنسان في الأمر كنَصَرَ، وتَقَتَحَّمَهُ واقتحمه رمی(6) نفسه فيه من غير روية وَتثبيثُ، ((والقُحْمَةُ بالضم: المَهْلَكَةُ))(7)، والشُبْهَةُ بالضم / ظ 36 / ((الالتباسُ))(8)، وسيجيء في كلامه (عليه السّلاَم) أنه إنّما سُمّيت الشُبهْة شُبهة؛ لأنّها تشبه الحقّ، وفي الكلام دلالة على وجوب الاحتياطِ واستحبابه، وكون الشّبهات مظّنة للمثلات يناسب الأوّل (أَلاَ وَإِنَّ بَلِيَّتَكُمْ قَدْ عَادَتْ كَهَيْئَتِهَا يَوْمَ بَعَثَ اللهُ نَبِيَّهُ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلهِ) الابتلاء الاختبار والامتحان، يقالُ بَلَوْتُهُ وَاَبلَيْتُهُ [وَابْتَلَيِتُهُ](9)، والاسمُ البلوى والبَليّة،

ص: 29


1- (حجزته) في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 1 / 230، و نهج البلاغة، صبحي الصالح: 43
2- ينظر: الصحاح، مادة (مثل): 5 / 1816، ولسان العرب، مادة (مثل): 11 / 615
3- [ويحجزه] ساقطة من ر
4- (يمنعه) في أ، ع، والانسب ما اثبتناه
5- ينظر: الممتع الكبير في التصريف، ابن عصفور: 345
6- (وهي) في م، تحریف
7- الصحاح، مادة (فحم): 5 / 2006
8- المصدر نفسه، مادة (شبه): 1 / 2236
9- [وابتليته] ساقطة من أ، ر

والمعروف أنّ الابتلاء يكون في الخير والشر من غير فرق بين فعليهمَا(1)، ومنه قوله تعالى: «وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً»(2)، والهيئة بالفتح وبکسر صورة الشّيء وحاله وكيفيّته، وفي کلام دلالة على ارتداد أكثر الأمة عن الدين بعد سّید المرسلين، وموت من مات على تلك الحال ميتة الجاهلية كما ورد في الأخبار عن الطاهرين (صلوات الله عليهم أجمعين)، (وَالَّذِي بَعَثَهُ بِالحقِّ

لَتُبَلْبَلُنَّ بَلْبَلَةً، وَلَتُغَرْبَلُنَّ غَرْبَلَةً، وَلَتُسَاطُنَّ سَوْطَ القِدْرِ؛ حَتَّى يَعُودَ أَسْفَلُكُمْ

أَعْلاَكُمْ، وأَعْلاَكُمْ أَسْفَلَكُمْ) بلبلة الصّدر وساوسه، والبلابل هي الهموم والأحزان(3)، وفي الحديث: ((إنما عذابها في الدنيا البلابل والفتن))(4) يعني هذه الأمة، والبلبلة ((اختلاط(5) الألسنة))(6)، و((تفريق الآراء))(7)، وتبلبلت الألسن اختلطت، وغربلت الدقيق وغيره بالغربال بالكسر أي: نخلته حتى تميز الجيد من الرديء(8) وغربلت اللحم أي: قطعته، وقيل الغربلة القتل(9)، والمُغَرْبَلُ ((المقتولُ المنتفخُ))(10)، وعلى الأول يمكن أن يراد بالغربلة الاختلاط

ص: 30


1- ينظر: لسان العرب، مادة (بلا): 14 / 84
2- الأنبياء / 35
3- ينظر: العين، مادة (بل): 8 / 320، و لسان العرب، مادة (بلبل): 11 / 69
4- لم اجد الحديث في كتب الحديث، ووجدته في لسان العرب: 11 / 69، والوافي، الفيض الكاشاني: 26 / 43
5- (الاختلال) في أ، ع، تحریف
6- تاج العروس: مادة (بلل): 14 / 66، وفي ث: (الاسنة)
7- المصدر نفسه، مادة (بلل): 14 / 66
8- ينظر: لسان العرب، مادة (غربل): 11 / 491
9- ينظر: لسان العرب، مادة (غربل): 11 / 491
10- الصحاح، مادة (غربل): 5 / 1780، و لسان العرب، مادة (غربل): 11 / 491

إذ يختلط الدقيق بعضه ببعض عند غربلته فيكون كالتأكيد للفقرة السابقة وأن يراد التفريق(1) بين الخيار الأشرار أو(2) ذهاب خيارهم وبقاء أشراهم أو التقاط الأخيار للقتل والتعذيب، والسّوط الخلط(3) ساط القِدْر بالمِسواط(4)، ((والمسواط وهو خشبة يحرك بها ما فيها ليختلط))(5) والكلام إخبار عّما جرى على الأمة من أمراء الجور من بني أمية وغيرهم، وما عرض لهُم من تشّتت الآراء، والوساوس في [قتال](6) أهل القبلة يوم الجمل وغيره، والهموم التابعة للوقائع، وتميز الهادين عن الضالين، وقتل كثير من خيار الصحابة والتابعين في الحروب وأيّام الحجّاج وبعدها، وفناء الأخيار بالموت والقتل، وبقاء كثير من الأشرار، وانحطاط الأكابر، وارتفاع [الأراذل](7) على ما يقتضيه شيوع الجور والفساد. ([وَ](8) لَيَسْبِقَنَّ سَابِقُونَ كَانُوا قَصُرَّوا،

وَلِيُقَصِّرَنَّ سَبَّاقُونَّ كَانُوا سَبَقُوا) الظاهر بقرينة باقي الخطبة كما سيجيء [باقي](9) [في](10) الروايات أنّ المراد بمن قصّر ثم سبق من قعد عن نصرته (عليه السّلاَم) بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله)، ومالوا إلى غيره، أو

ص: 31


1- (بالتفريق) في ع
2- (و) في ث، م
3- ينظر: العين، مادة (سوط): 7 / 278
4- (المسوط) في ث، ح، ر، م
5- لسان العرب، مادة (سوط): 7 / 326
6- [قتال] ساقطة من أ، ع
7- [الأراذل] ساقطة من ر
8- [و] ساقطة من ع
9- [باقي] ساقطة من ح، ر
10- [في] ساقطة من أ، ع، ن

شكوا في أمره ممَّن كان لهم سوابق في الإسلام أو غيرهم، ثم هداهم الله إلى المحجة البيضاء، ونصروه في حروبه وأطاعُوه في أوامره ونواهيه فتسميتهم سابقين بالنّظر إلى السّابق، أو لما يؤول اليه الحال، وبالطائفة الثانية من أبطل سوابقه في الإسلام للتقصير في أمره (عليه السّلاَم)، وفي صيغه المبالغة دلالة على بطلان السّوابق بذلك التقصير، وفي بعض النسخ (سابقون) في الموضعين ويحتمل أن يراد كل من انقلب حَاله لتقلب الأحول في الأزمنة المُسْتقبلة. (واَللهِ

مَا كَتَمْتُ وَشْمَةً، وَلا كَذَبَتُ كذْبْةً، وَلَقَدْ نُبِّئْتُ بِهَذَا المَقَامِ وَهَذَا الْيَومِ) حکی الجوهري عن ابن السّكيت : ((ما عَصَيْته وَشْمَةً أي: كلمةً، وما أصابتنا العامَ وشْمَةٌ أي: قطرةُ مطر))(1)، والمراد مَا كتمت كلمة ينبغي اظهارها أو يضار مّا يخبرهم به، والكذبة بالفتح کما في النسخ المرَّة من قولك: كذب کضرب(2) کذِّباً [وكذَّبا](3) وكذبةً [و](4) كذبة، والتنوين للتحقير(5) والمقام مقام الخلافة، واليوم يوم البيعة، وانکاره (عليه السّلاَم) على الخلفاء، وترك بيعتهم ستة أشهر أو(6) أقل مع اخبار الرّسول (صلىّ الله عليه وآله) إياه في أمر الخلافة دون اهماله دليل واضح على بطلانهم (أَلاَ وَإِنَّ الخَطَايَا خَيْلٌ شُمُسٌ حُمِلَ عَلَيْهَا أَهْلُهَا، وَخُلِعَتْ لُمُهَا فَتَقَحَّمَتْ بِهِمْ فِي النَّارِ.) الشُّمس بالضمّ وبضمتين جمع شُموسِ وهو النّفور من الفرس الذَّي يمنع ظهرهُ وَلا

ص: 32


1- الصحاح، مادة (وشم): 5 / 2052
2- (كدب كصرب) في ث، تصحيف
3- [كذباً] ساقطة من ع
4- [و] ساقطة من أ، ع
5- (للتحضير) في ر
6- (و) في ع

يستقّر لحدَّتِه(1)، وتقحّمت به النّاقة على صيغة التّفعل(2) أي: القَتهُ(3) في ورطة ومُهلكة(4)، وقحّم الفرسُ فارسَه إذا رماهُ فيها(5)، وفي بعض النسخ (قحَمّتْ بهم) على صيغة التفعّيل، والأصّح الأوّل (أَلاَ وَإِنَّ التَّقْوَى مَطَايَا ذُلُلٌ، حُمِلَ عَلَيْهَا أَهْلُهَا، وَأُعْطُوا أزِمَّتَهَا، فَأَوْرَدَتْهُمُ الْجَنَّةَ) المطايا والمطيّ جمع مطيّة(6)، وهي ((النّاقة التّي تركب مطاهَا))(7) أي: ظَهرَها، وقيل: يمطى بها في السّير أي: يمدَ(8)، والمطي يكونُ مفرداً أيضا / و 37 / ويذكر ويؤنث، وقيل: ويُذكَرُ المطيّة، و المَطايا فعالي وأصله فعائل(9) قلبت الياء الفاً(10)، ثم قلبت الهمزة [ياء](11) (لخفائها)(12) بين الألفين(13)، والذلُلُ بضمتين والأذلة جمع ذَلُولُ ضدّ الصّعب منَ الذِّل بالكسر وهو الليّن(14)، وبالضمّ ضدّ العّز(15)،

ص: 33


1- ينظر: تاج العروس، مادة (شمس): 8 / 329
2- (التفعيل) في ث، ر، م
3- (التقته) في م
4- ينظر: لسان العرب، مادة (قحم): 12 / 464
5- ينظر: الصحاح، مادة (قحم): 5 / 2006
6- (نطية) في ن، تحریف
7- لسان العرب، مادة (مطا): 15 / 286
8- ينظر: الصحاح، مادة (مطا): 6 / 2494، 2495
9- (فعالي) في ر، وفي ث، م: (فعال)
10- (القاً) في ن، تصحيف
11- [ياء] ساقطة من أ، ع، ن
12- (لحفائها) في ث، تصحيف
13- ينظر: کتاب سيبويه: 4 / 390، والأصول في النحو: 2 / 403، المنصف في التصريف: 2 / 55، 54، وشرح شافية ابن الحاجب: 3 / 181
14- ينظر: لسان العرب، مادة (ذال): 11 / 257
15- ينظر: المصدر نفسه، مادة (ذال): 11 / 256

والزِمام بالكسر ((المِقْودَ))(1) و ((الخيط الذي يشدّ في البرُة أو في الخِشَاشِ ثم يَشدُّ في طرفه المِقودُ))(2)، والزمُّ وهو الشدّ(3)، ولعّل الأزمّة هي حدود الشريعة والأوامر والنّواهي الإلهيّة، وهي اللجم المخلوُعة عن خيل الخَطايَا (حَقٌ وَباطلٌ، وَلِكُلٍّ أَهْلٌ، فَلَئِنْ أَمِرَ البَاطِلُ لَقَدِيماً فَعَلَ، وَلَئِنْ قَلِّ الحَقُّ فَلَرُبَّما وَلَعَلَّ؛ وَلَقَلَّما أَدْبَرَ شَيءٌ فَأَقْبَلَ) هذاَ الكَلامِ ليس متّصلاً بالكلام السَّابق بل مفصول بذكر ما تضمنّ الإنكار على من(4) تقدمهُ، والطّعن عليهم كما يظهر من الرّوايات وأمر الباطِل کَعِلم أي: كثر، ويقال: أَمِرَ أمرُ فلان أي: اشتّد وارتفع شأنه ونسبة الفعل إلى الباطل مجاز، وقال الشارح: ((يجوز أن يكون (فَعل) بمعنى (انفعل) كقوله:

قَدْ جَبَرَ الدِّيْنَ الإلهُ فَجَبَرْ(5) أي: فَانْجَرَ))(6). والحاصِل أن غلبة الباطِل على الحقّ کما غلب المتقمّصُون للخلافة عادة قديمة، والحق وإن قل وصار مقهوراً فلربّما عَاد غالباً، ولعّله رَجع قاهراً، لكن الإقبال بعد الإدبار مستبعد قليل، ((وأقول إنَّ في هذا الكلام الأدنى مِنْ مَواقِع الإِحْسَان مَا لا تَبْلُغُهُ مَواقعُ الاسْتِحْسَانِ، وإِنَّ حَظّ العَجَبِ مِنْهُ أَكْثَرُ(7) مِنْ حَظّ العُجْبِ بِهِ، وَفِيه

ص: 34


1- الصحاح، مادة (زمم): 5 / 1944
2- الصحاح، مادة (زمم): 5 / 1944
3- ينظر: لسان العرب، مادة (زمم): 12 / 272
4- (مر) في م، تحریف
5- قاله في مدح عمر بن عبيد بن معمر وتكملته * وعَّورَ الرَحمنُ من وَلَّی العَور * دیوان العجاج: 33
6- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 1 / 232
7- (أكبر) في ر، وفي م (الأكثر)

مَعَ (الحَالِ)(1) الّتِي وَصَفْنَا زَوَائِدُ مِنَ الفَصَاحَةِ لَا يَقُومُ بَهِا لِسانٌ، وَلَا يَطْلعُ

فَجَّها إنْسانٌ، وَلاَ يَعْرفُ مَا أَقُوله إلاَّ مَنْ ضَرَبَ فِي هَذِهِ الصِّنَاعَةِ بِحَقٍّ، وَجَرَى

فِيهَا عَىَ عِرْقٍ، «وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ»(2)))(3) يمكن أن يكون الأدنى صفة مادحة للكلام [...](4)، والإحسان مصدر قولك: فلان يْحُسِنُ الشيّء أي: يعلمه، والاستحسان عدّ الشيء حسنا أي: في هذا الكلام الذّي هو أقرب من غيره الى مواقع العلم لكونه من كلام أمير المؤمنين (عليه السّلاَم) من بدائع المعاني ما لا يقوم بحقّه الاستحسان، وقيل: الإحسان مصدر قولك أحسن الرجل إحسانا إذا فعل فعل حسناً، ومواقع الإحسان محاسن الكلام التي أجاد فيها القائل وأحسن مواقع الاستحسان سائر محاسن(5) کلام العرب أي: أن شيئاً(6) من محاسن کلام العرب، وما يقع عليه الاستحسان منها لا يوازي(7) هذا الكلام ولا يبلغه أو يشير بمواقع الاستحسان الى الفكر من الناس فإنَّها مجال الاستحسان أيضاً إذ الاستحسان من صفات المستحسن أي: أن الفكر لا يصل الى محاسن هذا الكلام(8)، والعَجَب بالتحريك مصدر عجبت من الشيء وذلك لعِظم موقع الشيء وخفاء سببه والعُجب بالضم الاسم من قولك: أُعجِبَ فلان برأيه وبنفسه لحسنه وفضله أي: التعجب من

ص: 35


1- (الخال) في ح، تصحيف
2- العنكبوت / 43
3- کلام الرضي في: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 1 / 230
4- (للكلام) مكررة في أ
5- (مجلس) في أ، ع
6- (شئناً) في أ، ع
7- (لا يواري) في ث، ع، م
8- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 1 / 309

بدائعه أولى من الافتخار به لو كان القائل ممن يفتخر ببلاغة كلامه، وقيل: يعني أن تعجب الفصحاء من حسنه، وبدائعه أكثر من عجبهم باستخراج محاسنه؛ وذلك لأن فيه من المحاسن وراء ما يمكنهم التعبير عنه أموراً كثيرة فهم يجدونها وإن لم يمكنهم التعبير عنها فيكون تعجبهم من محاسنه أكثر من اعجابهم من أنفسهم بما يقدرُون على استخراجه منها، أو يريد بأكثر من عجبهم به أي: أكثر من محبتهم له وميلهم اليه(1). والفَجُّ ((الطريق الواسع بين الجبلين))(2) والمطلع على الفج من يعلو الجبل ويشرف عليه، وفي بعض النسخ (فحواها) بدل (فجّها) أي: معناها، والضرب السير في الأرض لابتغاء الرزق وغيره، والإسراع في السير(3)، والحق ضد الباطل، والسهم والنصيب، والعِرق(4) بالكسر ((أصل كلّ شيء))(5)، وعرق الشجر والبدن ويقال للإنسان وللفرس عرق في الكرم(6).

[ومن هذه الخطبة](7) (شُغِلَ مَنِ الجنَّةُ وَالنَّارُ أَمَامَهُ) / ظ 37 / أي: من كان عاقبه أمره في سفره لا محال أما حلول الجنة والخلود فيها، أو المصير الى النار والبقاء فيها كفاه من المشاغل الاستعداد للفوز بالأول والنجاة من الثاني، أو

ص: 36


1- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 1 / 309
2- الصحاح، مادة (فجج): 1 / 333
3- ينظر: الصحاح، مادة (ضرب): 1 / 168
4- (العرف) في أ
5- تاج العروس، مادة (عرق): 13 / 324
6- ينظر: المصدر نفسه، مادة (عرق): 13 / 328
7- [ومن هذه الخطبة] ساقطة من ع، م، بیاض في ث

من كانت الجنة والنار نصب عينيه ولم يكن من الغافلين عن(1) عظم محلهما منعه ذلك التذكر عن الاشتغال بسائر المشاغل فالاشتغال بغيرهما لا يكون إلَّا عن الغفلة والجهل، فالمراد بكونهما أمامه تذکرهُ لهما و نظره بعين البصيرة [اليهما](2)، والكلام للحث على الاستعداد لذلك الفوز، والنجاة بالتنبيه على سببهما والتحريص على تحصيله وایراد الفعل على صيغة المجهول؛ لكون الغرض(3) مقصورا على ذكر الشغل، أو لظهور الفاعل وهو الله سبحانه، أو للتعظيم والإجلال ثم قسم (عليه السّلَام) الناس باعتبار ذلك الاشتغال الذي ندبهم اليه على ثلاثة أقسام بقوله: (سَاعٍ سَرِيعٌ نَجَا، وطَالِبٌ بَطِئٌ

رَجَا، ومُقَصِّرٌ فِي النَّارِ هَوَى) فالأولون هم السابقون المستبقون الى الخيرات، المسارعون إلى مغفرة من ربهم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض، والفرقة الثانية الطالبون للرضوان بالبطؤ والتأني والراجون للغفران [المرجون](4) لأمر الله، أما يعذبهم بذنوبهم، وأمّا يتوب عليهم بسعة رحمته وجزيل فضله، والثالثة الذين شقوا وسقطوا في دركات الجحيم لهم فيها زفيرٌ وشهيقٌ. وهوی کرمی هویّاً سقط إلى أسفل، والأقسام في الروايات الآتية خمسة (الْيَمِنُ وَالشِّمَالُ مَضَلَّةٌ، وَالطَّرِيقُ الْوُسْطَى هِيَ الْجَادَّةُ) قيل(5) اليمين والشمال طرفا الإفراط والتفريط، والمَضَلَّةُ وَ المُضِلَّة بفتح الضَّاد و کسرها(6)، وفي النسخ

ص: 37


1- (من) في أ، ر، ع
2- [اليهما] ساقطة من أ، ع
3- (العرض) في م
4- [المرجون] ساقطة من ر
5- (قبل) في ح
6- (وكسر) في أ

بالكسر الأرض يُضَلُّ فيها الطريق(1)، والطريق يذكر ويؤنث وعلى التذكير يجمع على أطرقة كرغيف وأرغِفة، وعلى التأنيث على أطرق(2) کيمين وأيمنٍ(3)، والجادة قيل: سواء الطريق، و وسطه(4)، ((وقيل: الطريق الأعظم الذي يجمع الطرق، ولابد من المرور عليه))(5)، والتوسَّط الموصوف به الطريق غير(6) ما يستفاد من لفظ الجادة على التفسير الأول (عَلَيْهَا بَاقِي الكِتَابِ وَ آثارُ النُبُّوَّةِ، وَمِنْهَا مَنْفَذُ السُّنَّةِ، وَإِليْهَا مَصیرُ العَاقِبَةِ) باقي الكتاب مايبقى من أثر مشيه، وموضع قدمه(7) كأنَّه مشى على الطريق الوسطى وقيل: باقي الكتاب مالم ينسخ منه و الأول أنسب، ((والأَثَرُ بالتحريك ما بقي من رَسم الشيء))(8)، وقولهم قطع الله أثره ((دعاء عليهِ بالزّمانة؛ [لأنه](9) إذا زمن(10) انقطع(11) مشيه فانقطع أثره)(12)، ومنفذ الشيء مخرجه(13)،

ص: 38


1- ينظر: الصحاح، مادة (ضلل): 5 / 1748
2- (اطراق) في ث، وفي ع: (الطرق)
3- ينظر: لسان العرب، مادة (طرق): 10 / 220
4- ينظر: المصدر نفسه، مادة (جدد): 3 / 109
5- المصدر لسان العرب، مادة (جدد): 3 / 109
6- (من غير) في أ، ع
7- (قد) في أيع
8- الصحاح، مادة (أثر): 2 / 575
9- [لانه] ساقطة من ث، ر، م
10- (از من) في ث
11- (القطع) في ع
12- تاج العروس، مادة (أثر): 6 / 11
13- ينظر: الصحاح، مادة (نفذ): 2 / 572

وعاقبته ((آخره))(1)، وظاهر السّياق في الرّوايات المشتملة على ما حذف من الخطبة أنّ المراد بالطريق الوسطى الموصوفة بالصّفات المسطُورة التمسّك بالعترة الطّاهرة التّي أوصى الرّسول (صلى الله عليهِ وآله) بها، وقال: إنّها لا تفارق القرآن ولا يفارقها حتى یردا عليه(2) الحوض(3) وهم الحملة(4) لسّنته، والعلماء بآثاره واحکامه واليهم مصير النّاسِ في الدّنيّا عاقبة أمرهم عند قيام القائم (عليه السّلاَم)، وفي الآخرة عند قيام الحساب، وسيظهر اشتمال بعض الروايات الخُطبة على ذكر العترة، والقائم (عليهم السّلاَم) (هَلَكَ مَنِ أدَّعَى، وَخَابَ مَنِ افْتَرى) الخيبة ((الحِرمَان والخُسران))(5) والكلام يحتمل الدّعاء على من ادّعى مَا ليس أهلا له وافترى كذبا، ويحتمل الإخبار، والمراد باللّفظ العام من تقدم عليهِ وتقمّص الخلافة (مَنْ أَبْدَى صَفْحَتَهُ لِلْحَقِّ، هَلَكَ عِنْدَ

جَهَلَهِ النَّاسِ) بدأ(6) الأمر بدواً مثل قعد قعودا ظهر و ابدیته اظهَرتْهُ، وصَفْحَةُ(7) (كلِّ شيءٍ: جانبهُ)(8)، ومن الإنسان جنبه، وصفح الشّيء وجهه وناحيته، ومن الوجهِ والسَّيفُ عرَضه و وجه كلّ شيء عريض وصفيحته

ص: 39


1- العين: مادة (عقب): 1 / 179
2- (على) في ث، ر، م
3- منه قوله (صلى الله عليه واله وسلم): (إني تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتی یردا على الحوض) مسند أحمد: 3 / 14، وينظر: المعجم الكبير: 3 / 65، ومجمع الزوائد: 9 / 162، 163
4- (الجمله) في أ. ع
5- لسان العرب، مادة (خیب): 1 / 368
6- (يدا) في أ
7- (صفحته) في ث، ح، ر
8- الصحاح، مادة (صفح): 1 / 382

وضربت عنه صفحاً أعرضت عنه وتركته(1)، وبعض الرّوايات غير مشتملة على قوله (عند جهلة الناس)، قال الشارح: وهي أصح / و 38 /، والتأويل مختلف فالمعني على تقدير وجود الزّيادة من أبدى صفحته لنصرة الحقّ غلبه أهل الجهل؛ لأنَّهم العامّة، وفيهم الكثرة فيهلكَ(2) وعلى عدمها من کاشف الحقّ مخاصماً لهُ هلك، ولم يصرّح بالمراد من الصّفحة، ولعلَّه جعلها بمعنی الوجه، و يمكن أن يراد بها الجنب والنّاحية، ويكون ابداء الصفحة عبارة [عن](3) الإعراض والمخاصمة أو عن اظهار الباطن والمكنون في القلب؛ لأن ناحية الشّيء وجانبه يخفى على من قابله ولا يظهر ظُهور وجهه، وقال ابن الأثير في النّهاية في الحديث: (((من یُبدِ لَنا صَفْحَتَهُ نُقم عَلَيْهِ کِتَابَ الله أي: من يُظهِر لنا فعله الذّي كان يخفيه أقَمْنا عليهِ الحدّ))(4)، والمعنى على الرّواية الأولى من أعرض عن المخالفين وعن كلّ من عاند(5) الحق في جميع الموادّ النصرة الحقّ أو(6) کشف عما أضمر في قلبه من الحقّ وترك المداراة والتقية في موضعها هلك لغلبة الجهّال، أو لزعمهم أنّه على الباطل فكان عندهم من الهالكين ولا يطيعونه في أمر، و لعلّ غرضه (عليه السّلاَم) على هذا الاعتذار عن ترك التّصريح ببطلان الخلفاء، والكشف عن محض الحقّ في ذلك؛ لكون التصريح مودّياً إلى الفساد ورجوع عامّة الناسِ عن طاعته (عليه السّلاَم)،

ص: 40


1- ينظر: الصحاح، مادة (صفح): 1 / 382، 383
2- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 1 / 232
3- [عن] ساقطة من أ، ع
4- النهاية في غريب الحديث والأثر: 1 / 109
5- (عائد) في ث، ر، م، تحریف
6- (و) في أ، ع

وعلى الرواية الثانية من أعرض عن الحقّ ولم يرضَ به هلك والغرض ببيان

هاك المتقدمن عليه لإعراضهم عن الحَّق، وتركهم الانقياد له (عليه السّلام)،

وتسليم الخلافة اليه، ويناسب ذلك قوله (عليه السّلام): (وَكَفى بِالْمَرءِ جَهْلاً

أَن لاَ(1) يَعْرفَ قَدْرهُ) أي: منزلته ومرتبته التّي جعلَها اللهُ لهُ فيطلب ما ليس

في شأنه، كما لم يعرف الغاصبُون للخلافة قدرهم وادّعوا ما لم يكن في شأنهم. (لاَ يَهْلِكُ عَلَى التّقْوَى سِنْخُ أَصْلٍ، وَلَا يَظْمَأُ عَلَيْهِ زَرْعُ قَوْمٍ) السّنخ هو

الأصل، ولعّل المراد أنّ ملازمة التقوى وتأسيس الأمر عليه لو تضمن بعض

المضار الدّنيويّة في بعض الموادّ لا يؤدي الى الاستئصال و الفساد الشديد الأصيل الذّي ينجّر إليه العصيان والطّغيان، وليس الإضافة لمجرّد الاختلاف اللّفظي كما ذكره ابن الاثر في النّهاية(2)، والظّمأ بالتحريك ((العطش))(3)، أو أشد العطش(4) وهو أنسب يقال: ظمِئ كعلِم، والاسم الظِّمؤ بالكسر(5) (فَاسْتَتِرُوا بِبيُوتِكُم(6)، وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ، وَالتَّوْبَةُ مِنْ وَرَائِكُمْ) الاستتار التّغطي(7)، والاستتار بالبيوت الاختفاء فِيها، وذات اليء حَقيقته ونفسه(8)

ص: 41


1- (ألا) في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 1 / 231، ونهج البلاغة، صبحي الصالح: 45
2- ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر: 2 / 408
3- ينظر: الصحاح، مادة (ظمأ): 1 / 61
4- ينظر: لسان العرب، مادة (ظمأ): 1 / 116
5- ينظر: المصدر نفسه، مادة (ظمأ): 1 / 116
6- (في بيوتكم) في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 1 / 231، ونهج البلاغة، صبحي الصالح: 45
7- ينظر: الصحاح، مادة (ستر): 2 / 676
8- ينظر: تاج العروس، مادة (ذو): 20 / 390

قالوا: والمراد منه(1) مَا اضيف اليه، والبین الوصل والفراق(2) وهو من الاضداد(3) أي: اصلحُوا حقيقة وصلكم، أو الحال التّي بها يجتمع المُسلمون أو نفس كلّ شيء بينكم والوراء أكثر ما يستعمل بمعنى الخلف، وقد يكون بمعنى القدام(4)، وهذا الكلام على ما في الرّوايات الآتية مسبوق بقوله (عليه

السّلام): (اَلا وَإنَّ اَللهَ أَدَّبَ هذِه اْلأُمَّة بِالسَّيْفِ والسَوط، وليس لأحدٍ عند

الامام فيها هوادةٌ)، أو ما يقرب من هذا(5) اللّفظ، وبعد قوله (عليه السّلام) التوبة من ورائكم قوله: (من أبدْى صَفْحَتهُ لِلحَقّ هَلَكَ) بدون التتمة التّي سبق ذكرها، وهو نهي لهم عن الاجتماع في النّوادي من غیر ضرورة بل للمفاخرات والمشاجرات كما هو دأب العرب وهو المنشأ لهيجان كثیر من الفتن والثوران الرور، ولعّل النّهي يعمُّ الأوقات وإن كان [في](6) بعضها أكد (وَلاَ يَحْمَدْ حَامِدٌ إِلاَّ رَبَّهُ، ولاَ يَلُمْ لائِمٌ إِلاَ نَفْسَهُ) أي: اشتغلوا عن مدائح

النّاس والثّناء على العَشائر وذكر مفاخر الآباء، ومدائح القبائل بحمد الله [الذّي](7) هو مبدأ الأيادي والنّعم عن ذكر مساوئ النّاس، ونشر عيوبهم وذمّ القبيلة والعشرة بلوم أنفسكم لاكتساب السيئات المورثة للمصيبات كما

ص: 42


1- (به) في أ، ع
2- ينظر: العين، مادة (بين): 8 / 380، ولسان العرب: مادة (بين): 13 / 62
3- ينظر: الاضداد، الانباري: 75
4- ينظر: المصدر نفسه، مادة (بين): 8 / 380، الصحاح، مادة (وری): 6 / 2523، ومعجم مقاييس اللغة، مادة (ورى): 6 / 104، والمخصص، مادة (ورى): 4 / 134، و تاج العروس، مادة (وراء): 1 / 275
5- (هذه) في أ
6- [في] ساقطة من أ، ع
7- [الذي] ساقطة من ث، ر، م

قال عزّ وجلّ: «مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ [وَمَا أَصَابَكَ](1) مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ»(2)، وقال: «وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو / ظ 38 / عَنْ كَثِيرٍ»(3)، ولعّله ليس الغرض النّهى عن مدح المنعم من النّاس في مَوضعه أو ذمّ المرتكب للمنكر في محلّه مطلقا أو في خصُوص الزّمان لاقتضاء المصلحة هذا ما يتعلقّ بشرح الألفاظ التّي ذكرهَا السيد (رضى الله عنه) من الخُطْبة، وقد رواها محمد بن يعقوب الكليني (قدس الله روحُه) في الرّوضة(4) بالاسناد عن أبى عبدالله (عليه السّلام)، ورواها الشّارح أيضا قال: (وهذه الخطبة من جلائل خطبه (عليه السّلام)، ومن مشهوراتها، وقد

رواها النّاس كلّهم، وفْيها زيادات حذفها الرّضي، أمّا اختصارا أو خوفاً مِن

ايحاش السّامعين، وقد ذكرها شيخنا أبو عثان الجاحظ في كتاب (البَيان

والتّبين)(5) على وجهها، ورواها عن أبى عبيدة مُعْمَر بن المثنّى قال: أوّل

خطبة خطبها أمر المؤمنين (عليه السّلام) بالمدينة في خلافته حمد الله، وأثنى

عليه وصلّى على النّبي (صلّى الله عليهِ وآله)، ثم قال: (ألا لاْ يُرعِیَنَّ مُرعٍ إلاَّ

عَلى نَفْسه شُغِلَ مِنَ الجَنَّة والنَّارُ أمامهُ)(6) الى آخر ما رواهُ، ورواها ابن ميثم في شرحه(7) مرساً بلفظ أبسط ونذكرهَا أولا بلفظَ [(اَلحَمدُ للهِ أحّقَ مْحَمُوُدٍ

ص: 43


1- [وما اصابك] ساقطه من ر
2- النساء / 79
3- الشورى / 30
4- ينظر: الاصول من الكافي، الروضة: 8 / 67
5- ينظر: الاصول من الكافي، الروضة: 8 / 67
6- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 1 / 232
7- شرح نهج البلاغة، ابن ميثم البحراني: 1 / 297

بِاْلحَمْدِ وَأَولاهُ باْلَمِجْدِ، اِلَاً واحِداً صَمَدَاً أَقامَ أركانَ العَرشِ فَأشْقَ لِضَوُءهِ شُعاعُ الشَّمْسِ خَلَقَ فَأتْقَنَ، وَاَقَامَ فَذَلَتْ لَهُ وَطأةَ المُستَمكِّنِ وأشّهَدُ اَنْ لْا اِلَهَ اِلاَّ اللهُ وَحدَهُ لا شَيْكَ لَهُ)](1) ثقة الاسلام (رضی الله عنه) لكونه أوثق من غیره ثم نشیر الى مّا يتعلق به الغرض من مواضع الاختلاف، قال: قال أبو عبد الله (عليه السّلَام): (إن أمر المؤمنین (عليه السّلَام) لما بويع بعد مقتل عثمان صعد المنبر فقال: اَلحَمْدُ للهَ الذَّي عَلاَ فَاسْتَعْلى وَدَنَا فَتَعالى، وَارْتَفَعَ

فَوقَ كُلّ مَنْظَرٍ، وَأشَهَدُ أنْ لا اِلهَ اِلاَّ اللهُ وَحدَهُ لا شَيكَ لَهُ، وَأشَهْدُ أَنَّ مُحَمّداً

عَبْدَهُ وَرَسُولُهُ خَاتَمُ النَبّيِيْنَ، وَحُجةُ اللهِ عَلَى اْلعَالْمَینَ، مُصَدِقاً لِلّرٌسُلِ اْلاَوّلينَ،

وَكانَ بِالْمُؤمِنْينَ رؤَوفاً رَحْيماً فَصَلىَّ اللهُ وَمَلاَئِكتُهُ عَلَيْهِ وَآلهِ.

أمّا بَعْدُ

أيَّهُا النَّاسُ إنَّ اْلبَغْي يقود أصحابه الى النار، وان أوَّلَ مَنْ بَغى عَلَى اللهِ

جَلَّ ذُكرُهُ عِنَاقُ بِنْتُ آدَم، وإنَّ أوَّلَ قَتْيلِ قَتَلَهُ اللهُ عناقٌ وكان مَجْلِسُهَا جَرْيّبَاً

مِنَ الأرضِ في جَريْبِ، وَكانَ [...](2) لهَا عِشُرْونَ أَصْبَعاً في كُلّ أَصْبَعٍ ظُفرَانِ(3)

مِثْلُ اْلمِنجَلَیْنِ(4)، فَسَلَّطَ اللهُ عليها(5) أسَداً كَاْلفيلِ، وَذِئباً كَالبَعْیِرِ، وَنَسراً مِثْلَ

ص: 44


1- (اَلحَمدُ للهِ أحّقَ مْحَمُوُدٍ بِاْلحَمْدِ وَأَولاهُ باْلِمَجْدِ، اِلَاً واحِداً صَمَدَاً أَقامَ أركانَ العَرشِ فَأشْقَ لِضَوُءهِ شُعاعُ الشَّمْسِ خَلَقَ فَأتْقَنَ، وَاَقَامَ فَذَلَتْ لَهُ وَطأةَ المُستَمكِّنِ وأشّهَدُ اَنْ لْا اِلَهَ اِلاَّ اللهُ وَحدَهُ لا شَيْكَ لَهُ)] ساقطة من أ، ر، ع، م
2- [جريب] زيادة في أ، ع، لا يقبلها السياق
3- (طفران) في ث، تصحيف
4- (المنحلين) في أ، ث، ع، تصحيف
5- (عليه) في أ، ث، ح، ر

البَغْلِ، فَقَتَلَوُهَا وَقَدْ قَتَلَ اللهُ اْلجَبابرَةُ عَلى أَفْضَلِ أَحْوالِهِمْ، وَآمِنَ مَا(1) كانوا

وأمات هَامانَ، وأهْلَكَ فِرْعَونَ وَقَدْ قَتَلَ عُثمانَ، إلَاَ وإِنَّ بَلِيَتَكُم قَدْ عادَتْ كَهَيْئَتِها يَوْمَ بَعَثَ اللهُ نَبِيَهُ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلهِ)، وَالذَّى بَعَثَهُ بِالحَقِ لَتُبَلبَلُنَّ بَلْبَلَةً، وَلَتُغَربلَنُ غَرْبَلَةً، وَلَتُسّاطُنَّ سّوْطَة الْقدْرِ، حَتّى يَعُودَ أسّفَلَكُم أعْلاَكُم وأعْلاَكُم أسّفْلَكُم، وَلَيَسْبِقَنَّ(2) سَابِقُونَ كانُوا سَبَقوُا، وَاللهِ مَا كَتَمتُ وشمة وَلا كَذَبْتُ، وَلَقَدْ نُبِئتُ بِذّا اَلمَقامِ وَهذّا اْليَوْمِ إلا وَ إنَّ اْلخَطايَا خَيْل شُمسٌ حُمِلَ عَلَيْها اَهْلُها وَ خُلِعَتْ لُجُمها وَتَقَحَمّتْ(3) بِهِم في النَّارِ اَلا وَ إنَّ التّقَوْى

مَطايا ذُلُلٌ حُمِلَ عَلَيْها أهلُها وَاعُطُوا أزِمَّتَها فَأوَرَدَتْهُمُ اْلجنَّةَ، وَفُتِحَتْ لَهُمْ

أبُوابُا، و وَجَدُدوا ريْحَها وَطْيِبَها، وَقْيلَ لَهُمُ، «ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ»(4)، ألَا

وَقَدْ سَبِقَنْي اِلىَ هَذاْ الأمرْ مَنْ لَمْ أشِكْهُ فيْهِ وَمَنْ لَمْ أهَبْهُ لَهُ، وَمَنْ لَيسَتْ لَهُ تَوْبَةٌ إلاَّ بنبي يُبعَثُ إلا وَلا نَبِيّ بَعْدَ مُحَمّدٍ (صَلىَّ اللهُ عَلَيْهِ وَآلهِ) أشْرَفَ مِنْهُ عَلى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانّارَ بهِ في نَار جَهَنّمَ حَقّ وَباطِلٌ، وَلِكُلٍ أهلٍ فَلَئنْ أمَرِ اْلباطِلُ لَقَديَّاً فَعَل، وَلَئِنْ قَلَّ اْلَقُّ فَلرُباَّ وَلَعَلَّ وَلَقَلَّما أدَبْرَ شَيْءٌ فأقْبَلَ، وَلَئِنْ رُدَّ عَلَيْكُم أمرُكُم إنّكُم لَسُعَداءُ وَما عَلَيَّ إِلاّ الجَهدُ، وَإنّ لأخْشى أن تَكُونُوا عَلى فَتْرَةٍ مِلْتُم عَنْيّ مَيْلَةً كُنْتُم فِيْها عْندي غَیرَ مَحْمُودي الرَّأي وَلَوْ

اَشْاءُ لَقُلْتُ عَفَا اللهُ عَمّا سَلَفَ، سَبَقَ الرَّجُلان، وَقَامَ الثَّالِثُ كَاْلغُرابِ هَمهُ

بَطْنُهُ، وَيلهُ لَو قُصَّ جَناحاهُ، وَقُطَعَ رَأسُه كَانَ خَیْراً لَهُ، شُغِلَ مَن اْلجَّنةِ والنَّارِ

ص: 45


1- (مما) في أ، ع
2- (لتسبقن) في ع، تصحيف
3- (فتقحمت) في ث، ح، ر
4- الحجر / 46

أمامهُ ثَلاَثة واثنتان خَمْسَةٌ لَيْسَ لَهُم سَادِسُ مَلَكٌ يَطْرُ بِجَنَاحَيْهِ وَ نبيٌّ آخَذَ الله

بضَبْعَيْه، وَساعٍ مُتهِدٌ، وَطالِبٌ يَرجُوُ، وَمُقَرٌّ فِي النَّار، اليمْنُ / و 39 /

وَالشِمّالُ مضَلة، وَالطَريقُ اْلوُسْطى هِىَ اْلجادّةُ، عَليْها بَاقي الكِتَاب وَآثارُ النّبُوةِ، هَلَكَ مِنَ ادَّعى، وَخابَ مَن اِفْرَى، إنَّ اَللهَ أدَّبَ هذهْ الاُمَّة بِالسَّيْف وَ السَّوْطِ وليس لأحد عند الامام فيهما هوادة، فاستتروا في بيوتكم، واصلحوا ذات بينكم، والتوبة من ورائكم من أبدى صفحته للحق هلك). الى هاهنا رواية الكافي(1)، وقال الشارح بعد حكاية ما رواه: (قال شيخنا أبو عثمان،

وقال أبو عبيدة: وزاد فيها في رواية جعفر بن محمد عن آبائه (عليهم السّلاَم)

إلا أن الأبرار عِترتي، وأطائب أرومتي، أحلم الناس صغاراً، وأعلم الناس

كباراً. ألا وإنَّا أهل بيتٍ مِنْ علم الله عِلمَنا، وبُحكم الله حكَمْنا، ومِنْ قولٍ

صادق سَمِعْنا، فأنَّ تتبعوا آثارنا تهتدوا ببصائرنا، وإن لم تفعلوا يُهلككم الله

بأيدينا. معنا رايةُ الحق؛ من تبعها لِحَق، ومن تأخر عنها غرق. ألا وبنا يدرك

تِرَةُ كل مؤمن، وبنا تخلع ربقة الذلّ عن أعناقكم وبنا فُتح لا بِكُم، وبنا يُختَمُ لا بِكُم(2). ثم قال الشارح(3) في هذه التتمة اشارة الى المهدي الذي(4) يظهر في آخر الزمان وأكثر المحدثين على أنه من ولد فاطمة (عليها السلام)، وأصحابنا المعتزلة لا ينكرونه، وقد صرحوا بذكره في كتبهم، واعترف به شيوخهم إلا أنه عندنا لم يُخلق بعد، و سيخلق، والى هذا المذهب يذهب

ص: 46


1- ينظر: الاصول من الكافي، الكليني: 8 / 67، 68
2- (نخلع) في ث، ر،ع، تصحيف
3- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 1 / 237
4- (التي) في ث، ح، ر

أصحاب الحديث أيضاً(1) قال: وروى قاضي القضاة عن كافِي الكفأة أبي

القاسم إسماعيل بن عباد(2) بإسناد متصل بعي (عليه السّلاَم) أنه ذكر المهدي، وقال: إنه من ولد الحسن (عليه السّلاَم) وذكر حِليتَه فقال(3): رجل أجىَ الجبین(4)، أقنى الأنف(5)، ضخم البطن، أزيل الفخذين(6)، أبلج

الثنايا(7)، بفخذه اليمنى شامة، وذكر هذا الحديث بعينه عبدالله بن قتيبة في

كتاب «غريب الحديث»(8) توضيح بعض ما لم يسبق شرحه، البغي على أحد الظلم والاستطالة عليه والعدول عن الحق فيه ويكون بمعنى الكذب وعلى الأخیر لا يبعد أن يكون المراد التعريض بالخلفاء في ادعائهم(9) الخلافة لكونه

ص: 47


1- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 1 / 237
2- هو إسماعيل بن عباد بن العباس بن عباد بن أحمد بن إدريس الطالقاني، وكنيته أبو قاسم، وزير مؤيد الدولة بويه بن ركن الدولة، وهو أول من سمي بالصاحب من الوزراء لأنه صحب مؤيد الدولة من الصبى ويعرف أيضاً ب(كافي الكفاة) ولد سنة (326 ه)، باصطخر، وقيل بالطالقان، كان كاتباً، فصيحاً، أديباً، سياسياً، من تصانيفه «المحيط»، «الكافي»، «الإمامة»، «الوزراء»، «الأسماء الحسنى»، «الكشف عن مساوئ شعر المتنبي» توفي بالري في صفر سنة 385 ه ونقل الى اصفهان. ينظر: سر أعام النباء: 16 / 511، 512، 513. و الوافي بالوفيات: 9 / 76، 77، والذريعة: 2 / 64، معجم المؤلفن 2 / 274
3- (فيقال) في أ، ع
4- الرجل الذي انحسر الشعر عن جبهته. ينظر: الصحاح، مادة (جلا): 6 / 2303
5- القنا في الأنف (هو ارتفاع في أعاه بن القصبة والمارن من غر قبح) لسان العرب: 15 / 203
6- (ورجل أزيل الفخذين: مخرجهما متباعدهما) لسان العرب: 11 / 317
7- (ورجل أزيل الفخذين: مخرجهما متباعدهما) لسان العرب: 11 / 317
8- غريب الحديث: 1 / 359
9- (اذعانهم) في ع، تحريف

في قوة الكذب على الله، وقد ارتكبوه في أحكامهم سوى ذلك الدَّعوى كثيرا، وعلى (الوجه)(1) الأول ظاهر والمِنْجَل(2) كَالمِنْبَر حديدة يحصد بها الزرع وفي جعل عثمان تالياً لفرعون وهامان دلالة شافية على جميع ما يدعيه الإمامية في حقه وفي رواية ابن ميثم (إن الله أهلك فرعون وهامان، وقتل قارون بذنوبهم)(3) والظاهر عى روايته أن فرعون وهامان كنايتان عن أبي بكر وعمر، وقد كان عمر كالوزير لأبي بكر وحاملاً لأوزاره، وقارون كناية عن عثمان لكونه أشبه الثلاثة به في حرصه عى جمع المال وادّخار الذهب والفضّة، وقوله (عليه السّاَم): (ومن ليس له توبة إلاَّ بنبي يبعث) يحتمل أن يراد به أن صحة توبة غاصب الإمامة ليست من الأمور المحتملة في الشريعة المقدسة فلو فرض فإنَّما [يكون](4) ببعث(5) نبي بعد محمد (صلى الله عليه وآله)، ولا نبي بعده فلذلك أشرف الغاصب لها عى شفا جرف أي: شفير واد منخفض تجرفه السيول، وتذهب به هارٍ أي: مرف عى السقوط والتهدم، قالوا هارٍ أصله هائر، ووزنه (فعل) خفف(6) كحلف من حالفٍ، وشاكٍ من شائك،

وصاتٍ من صائت، والألف ليس بألف فاعل، والأصل هور، وصوت،

وشوك، وفي رواية ابن ميثم ((أشفى منه عى شفى جُرف))(7) أي: أشرف

ص: 48


1- (الوجوه) في أ، ث،ح، ر، وما اثبت ضرورة يقتضيها السياق
2- (المنحل) في ع، تصحيف
3- شرح نهج البلاغة،ابن ميثم البحراني: 1 / 297
4- [يكون] ساقطه من أ، ع
5- (بعث) في ث، م
6- (حفف) في أ تصحيف
7- شرح نهج البلاغة،ابن ميثم البحراني: 1 / 298

ولئن رد عليكم أمركم إنكم لسعداء أي: لئن رجعت اليكم أموركم، واللفظ

هكذا في رواية الشارح، قال: يعنى إن ساعدني الوقت، وتمكنت من أن

أحكم فيكم بحكم الله تعالى ورسوله، وعادت اليكم أيام شبيه بأيام رسول

الله (صلى الله عليه وآله) وسرة مماثلة لسرته في اصحابه؛ إنَّكم لسعداء.(1)

انتهى. وفي الكلام اشارة الى بدع الخلفاء (وإني لأخشى أن تكونوا على فرة)

أي: كالأمم(2) الذين كانوا في أزمنة الفرة، وهي الأزمنة التي لم يكن فيها

نبي يتمكن(3) الناس من الرجوع اليه، وأخذ الأحكام منه كجاهلية العرب

وغيرها، والتعبر بلفظ الخشية دون التصريح بارتدادِهم عن الدين لمتابعة

الخلفاء أمّا / ظ 39 / لنوع من التقية والخوف من انكارهم عليه رأسا، أو

لكون أمرهم قريباً من حال أهل الفترة والجاهلية وللمداراة والمجاملة، قال

(عليه السّلام): (ملتم ميلة كنتم فيها عندي غر محمودي الرأي ولو أشاء

لقلت) أي: لو شئت لصرحت بحقيقة حالكم وما حقت عليكم من كلمة

العذاب وبينت فضائح(4) من اتبعتموهم وما هو(5) مصر أمورهِم وأموركُم، ثم قال: (عفا الله عمّا سلف) وهو دعا لهم بالعفو عما ارتكبوا، و فيه اشارة الى قوله تعالى: «عَفَا اللهُ عَمَّ سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ الله مِنْهُ»(6) أي: إن أصررتم عى زعماتكم الباطلة واتباع أحد غري كنتم من أعداء الله

ص: 49


1- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 1 / 237
2- (كالاعم) في ر
3- (بتمكن) في أ، ع
4- (فضاع) في ث، م
5- (ما هو) في م
6- المائدة / 95

المستوجبين لعذابه، ثم اشار (عليه السّلاَم) الى نوع من التفصيل لذلك

الإجمال بقوله: (سبق الرجان وقام الثالث)، وهذه الألفاظ موجودة في

رواية ابن ميثم(1)، ورواية الشارح أيضاً بتغير يسیر قال: وأما قوله: (قد

كانت أمور لم تكونوا عندي فيها محمودين) فمراده أمر عثمان، وتقديمه في الخلافة عليه(2)، قال: من الناس [من](3) يحمِل ذلك على خلافة الشيخين أيضاً. ويبعد عندي أن يكون إرادة؛ لأن المدة قد كانت طالت(4)، ولم يبقَ من يعاتبه ليقول قد كانت أمور لم تكونوا عندي فيها محمودين، فإنَّ هذا الكلام يشعر بمعاتبة قوم عى أمر كان أنكره منهم. وأما بيعة عثمان، ثم ما جرى بينه وبن عثمان، فإن صرف الكلام الى ما قلناه بهذا الاعتبار أليق، ولسنا نمنع من أن يكون في كلامه (عليه السّلاَم) الكثر من التوجد(5)، والتألم لرف الخلافة بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) عنه؛ وإنما كلامنا الآن في هذه اللفظات(6) التي في هذه الخطبة على أنّ قوله (عليه السّلاَم): (سبق الرجان) والاقتصار عى ذلك فيه كفاية في انحرافه عنهما(7) انتهى. وهذا الكلام وإن كان مموها بنوع من الإنصاف حيث لم يشتمل على إنكار في انحرافه (عليه السّلاَم) عن أبى بكر وعمر إلا أنه في غاية الوهن لأمور منها:

ص: 50


1- ينظر: شرح نهج البلاغة،ابن ميثم البحراني: 1 / 298
2- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 1 / 236
3- [من] ساقطة من أ، ع
4- (طالب) في ث، ر، م
5- (التوحيد) في أ، ع، وفي ث: (التوحد)
6- (اللفظان) في أ،ع
7- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 1 / 236، 237

أن الأمور بلفظ الجمع يدل على أن ميلهم عنه (عليه السّلاَم) لم يكن مرة واحدة، ثم تركه التصريح [وفي](1) عدوله(2) إلى التعريض والألغاز(3) في الكلام دليل واضح على أن الغرض ليس بمقصور على ذم عثمان و معاتبه الناس في أمره وحده، وإذ لم يحترز (عليه السّلَام) من أن يقول في عثمان: قام الثالث كالغراب همته بطنه، ويحه لو قص جناحاهُ، وقطع رأسه كان خيراً له(4)، وهذا لفظ رواية الشارح، فأي حاجةٍ إلى أن يقول بعد ذمهم بارتكاب الأمور (غير المحمودة)(5): (أما إني لو أشاء لقلت) ثم ذكر الرجلين في طي هذا الكلام بلفظ اعترف الشارح بدلالة على الانحراف عنها حجة واضحة للفطن على أن مراده (عليه السّلَام) (توبیخ)(6) النّاس باتباعهما، وميلهم اليهما أيضاً. وأما قوله: إن المدة قد طالت فسخیف(7)؛ لأنّ ذلك أمر لا يبلی بطول المدة، وقوله: لم يبق من يعاتبه فاسد لبقاء [جم](8) (غفير)(9) من المتابعين في السقيفة البائعين أديانهم بالدّنيا الدنية إلى زمان الخطبة على أن معاتبه(10) الخلف بفعل السلف، وتوبيخ الاتباع بأعمال الرؤساء أمر في غاية

ص: 51


1- [وفي] ساقطه من ث، ح، ر، م
2- (عندله) في ث
3- (الالفاظ) في ر، م
4- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 1 / 233
5- (الغير المحمودة) في أنث، ح، ر، ع، م، والاصح بدون تعریف
6- (توبيح) في ح، تصحيف
7- (ضخيف) في ث، وفي ر: (فيحلف)، وفي م، (فيحف)
8- [جم] ساقطة من ر
9- (عفير) في حار تصحيف
10- (متابعة) في م

الشهرة، وكيف جاز أن يعاتب الله عز وجل في زمان محمد (صلى الله عليه وآله) قوما بما فعله آباء آبائهم في أيام موسی (علیه السّلَام) ويمنّ عليهم بما أنعم على آبائهم فيقول: «وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ»(1)، ويقول: «وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا»(2) ويقول: «وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ»(3)، وقد قال أمير المؤمنين (عليه السّلَام) في بعض كلماته: (أيها الناس إنما يجمع الناس الرِضا والسخط، وإنما عقر ناقةَ ثمودَ رجلٌ واحدٌ فعمهم الله بالعذابِ لما عموهُ بالرّضا، فقال سبحانه: «فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ»(4)، ومن تأمل كلماته (عليه السّلاَم) بعين البصيرة، وكان من أهل المعرفة بمجاري أيامه لم يعرضه شك في أن اقتصاره (عليه السّلَام) / و 40 / على التلويح في أمر الرجلين والاجمال في ذمهما دون عثمان لم يكن إلاَّ لخوفه من ثوران الفتنة وتفرق الكلمة، فأشعر في طي الكلام، وأجمل بما يتنبه به البصير إتماماً للحجة، وإيضاحاً للحق بقدر الإمكان، وقد أشرنا إلى ذلك في اقتصاره (عليه السّلَام) على رد قطائع عثمان، وفي قوله (عليه السّلَام): (سبق الرجلان) إلغاز(5) لطيف يناسب مقام التقية، ويتضمن الكشف عن الحقّ لاحتمال الّلفظ أنّهما سبقا إلى الخير، وإنّه بعد عهدهما فلا حاجة إلى التعرض لشأنهما، وإنّهما سبقا إلى النار فقال ثالثهما،

ص: 52


1- البقرة / 61
2- البقرة / 72
3- البقرة / 50
4- الشعراء / 157
5- (على ردها) في أ، وفي ع (في ردها)

والأول يناسب زعم الجاهلين المتعصّبين، والثاني يوافق ذوق المرتابين والثالث رأي المتبصرين المهتدين، وأمّا تألمه (عليه السّلاَم) وشكواه فقد فصلناه في مقدمة شرح الخطبة الشقشقية من كتاب حدائق الحقائق(1)، (وقصّ الجناح) قطعه، وفي رواية الشارح ((ويحهُ لو قُصَّ جناحاه))(2)، وهو أما تحريف إذ الويح كلمة رحمة وتوجع(3) والمقام يأباه، أو الصحيح ما قيل من أن الویح والويل بمعنى واحد(4)، فهي كلمة العذاب في المقام کالويل، وفي رواية الشارح قبل قوله (عليه السّلَام): (شُغِلَ من الجنة والنَّار أمامه)(5) [...](6) قوله: (الا لا يرعينَّ مُرَعٍ إلاَّ على نفسهِ)(7)، والإرعاء الإبقاء(8) والرّفق، قال الشارح(9): أي من أبقى على الناس فإنما أبقى على نفسه، والظاهر أنه جعل الكلمة بمعنى النفي فيفيد معنى قوله تعالى: «إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ»(10)، و يمكن أن يكون للنهي فيكون على(11) طريقة قوله (عليه السّلَام): (لا يحمد حامدٌ إلا ربهُ ولا يلمُ لائمٌ إلا نفسهُ) أي: لا تتعرضوا

ص: 53


1- ينظر: مخطوط حدائق الحقائق: 147، 148
2- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 1 / 233
3- ينظر: لسان العرب، مادة (ويح): 2 / 638
4- ينظر: المصدر نفسه، مادة (ويح): 2 / 639، و تاج العروس، مادة (ويح): 4 / 252
5- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 1 / 232
6- [أمامه] زيادة في ع
7- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 1 / 232
8- (الايفاء) في ع
9- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 1 / 234. وفيه (من أبقى...)
10- الإسراء / 7
11- (عن) في ر، تحریف

لشأن(1) غيركم، واقتصروا على الاهتمام بأمر أنفسكم، فيناسب قوله بعده: (شُغِلَ من الجنة والنار أمامه)، والضَّبع بالفتح العضد أو الإبط(2)، والأخذ بضبعي(3) النبي كناية عن اختياره من بين الناس للرسالة، لاعن العصمة حتى يدل على نفي عصمة الإمام کما توهمه الشارح، بل على عدم عصمة الملك أيضاً على أنه يمكن دخول الإمام في السَّاعي المجتهد، ولا مانع من عصمة بعض أفراد هذا القسم أو جميعها بناء على كون غير الإمام من قسم الطالب، أو السكوت عن حكم الإمام لكونه في حكم النّبي وقد اعترف الشارح في الجزء السادس(4) بعصمته (عليه السّلاَم) وأن [لم](5) يقل بوجوب عصمة الإمام فالظاهر على ما زعمه ينافي في مذهبه أيضاً والظاهر أن (عِلْمِنا وَ حكْمِنا وَسمْعِنا) في رواية الصادق (عليه السّلَام) على لفظ الفعل، ويمكن أن يكون الجميع على لفظ المصدر، ويكون السمع بمعنى المسموع (والموتور(6) الذي قُتِل له قتیل فلم يدرك بدمه، تقول منه: وتَرهُ يترهُ وتراً وتِرّةً، ويقالُ: وتره حقه أي: نقصه)(7)، وكلاهما محتملان في المقام.

ص: 54


1- (الشأن) في ث، ر، م
2- ينظر: العين، مادة (ضبع): 1 / 284، و الصحاح، مادة (ضبع): 3 / 1247، و لسان العرب، مادة (ضبع): 8 / 216
3- (بصنعي) في أ، ع
4- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 6 / 298
5- [لم] ساقطة من ث، ح، ر
6- (الموتون) في ث، م، تحریف
7- الصحاح، مادة (وتر): 2 / 843

ومن كلام له (عليه السلام) في صفة من يتصدى للحكم بين الأمة وليس لذلك بِأهلٍ

هذا الكلام رواه ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني (رضي الله عنه) في باب البدع والرأي والمقاييس من أصول الكافي(1) مسنداً عن أبي عبدالله (عَلَيهِ السّلاَم) [عن](2) أمير المؤمنين (عَلَيهِ السّلَام) و مرفوعا عنه (عَلَيهِ السّلاَم) ورواه الشيخ الجليل المفيد (رحمه الله) في ارشاده(3) متصلا بقوله (عَلَيهِ السّلَام) (كفى بالمرء جهلا أن لا يعرف قدره) من الخطبة السابقة، وقال الشارح(4) إنه ذكره ابن قتيبة في (غريب الحديث)(5)، وفسر بعض ألفاظه ابن الأثير في النهاية(6) (إَنَّ أَبْغَضَ الْخَلَائِقِ إِلَی اللهِ(7) رَجُلَانِ: رَجُلٌ

وَكَلَهُ اللهُ إِلَی نَفْسِهِ؛ فَهُوَ جَائِرٌ عَنْ قَصْدِ السَّبِيلِ) ((وكلت أمري إلى فلان أي: الجأته اليه، واعتمدت فيه عليه))(8) ووكله إلى نفسه أي: ترکه ولم يقم بأمره، والجائر بالجيم الضال العادل عن الطريق(9)، وفي بعض نسخ الكافي(10) بالحاء

ص: 55


1- ينظر: الاصول من الكافي: 1 / 55، 56
2- [عن] ساقطة من أ، ع
3- ينظر: الإرشاد: 1 / 231
4- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 1 / 240
5- ينظر: غريب الحديث: 1 / 362
6- ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر: 2 / 408
7- (الله تعالى في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 1 / 239، ونهج البلاغة، صبحي الصالح: 46
8- لسان العرب، مادة (وكل): 1 / 374
9- ينظر: تاج العروس، مادة (جور): 6 / 217
10- الكافي: 1 / 55 وحدته بالجيم

المهملة من الحيرة في الأمر هو عدم الاهتداء لسبیله(1)، وَالقَصْدُ ((العَدْلُ))(2) و((استقامة الطريق))(3)، وسبيل قصد، وقاصد، أي: مستقیم كأنَّه يقصد الوجه الذي يأمنه السالك لا يعدل عنه(4)، (مَشْغُوفٌ بِكَلَامِ بِدْعَةٍ، وَدُعَاءِ ضَلَالَةٍ) الشغاف کسحاب ((غلاف القلب وهو جلدة دونه کالحجاب))(5)، وقيل حبة القلب وسويداؤه(6) / ظ 40 / ((قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا))(7) أي دخل حبه تحت الشغاف أو وصل إلى حبة القلب فهي مشغوفة به(8)، وفي بعض النسخ مشعوف بالعين المهملة، يقال: شُعِفَتْ به وبحبه کفرحت أي: غشي الحب القلب من فوقه، وقرئ به قوله تعالى(9)، والبدعة(10) كل فعل أتی به المكلف(11) على غير الوجه الذي وردت به الشريعة وتضمن تغيير حکم

ص: 56


1- (بسبيله) في م
2- الصحاح، مادة (قصد): 1 / 522
3- تاج العروس، مادة (قصد): 5 / 189
4- ينظر: المصدر نفسه، مادة (قصد): 5 / 189
5- لسان العرب، مادة (شغف): 9 / 179
6- ينظر: المصدر نفسه، مادة (شغف): 9 / 179
7- يوسف / 30
8- ينظر: لسان العرب: مادة (شغف): 1 / 179
9- (... قد شغفها حبا إنا لنراها في ضلال مبين) یوسف / 30. قراءة ابي الرجاء، وقراءة عوف بالعين،... وعن الأعرج (شغفها) بالغين، ووجه هؤلاء أن الحب عمها، ينظر: تفسير الطبري 19158، 11161
10- اسم من الابتداع، سواء كانت محمودة، أم مذمومة،، ثم غلب استعمالها فيما هو نقص في الدين أو زيادة منه في اسناد الى الدين، وهي في مقابل السنة، وهي في عرف الشرع مذمومة. ينظر : رسائل الشريف المرتضى: 2 / 264، القاموس الفقهي، سعدي أبو حبيب: 32
11- (المتكلف) في أ، ع

شرعي ولو بالقصد والنية وليست إلاَّ محرمة، وقد تظافرت أخبار الخاصة والعامة بأنَّ كل بدعة ضلالة، وتقسيمها الى الخمسة(1) من بدع العامة وهو مبنيُّ على تخصيص السنة المقابلة للبدعة بما ورد فيه نص أو ما في حكمة بخصوصه، ودعاء الضلالة الدعوة اليها كالدعوة الى المأدبة والضلالة هي البدعة التي اخترعتها نفسه الأمَّارة بالسوء [و](2) حرّضه(3) عليها شيطانه المغوي فاشتد حبه لها وشوقه اليها، (فَهُوَ فِتْنَةٌ لِمَنِ افْتَتَنَ بِهِ، ضَالٌ عَنْ هُدَى مَنْ كَانَ قَبلهُ مُضِلُّ لِمَنِ اقْتَدى بِهِ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ، حَمَّالٌ خَطَايَا غَیْرِهِ، رَهْنٌ(4) بخَطيئتهِ) الفتنة، تكون بمعنى الامتحان والاختبار(5)، وبمعنی الضَّلال والإضلال، والإثم والكفر والفضيحة والعذاب، والكل محتمل وبعضها أنسب، وهدى من كان قلبه سنن الأنبياء، وآثار الأوصياء، والأئمة (عَلَيهم السّلَام)، والإضلال بعد الوفاة بالبدع الباقية بين الناس وحمله الخطايا غيره لقوله (صلى الله عليه وآله): ((من سن سنة سيئة فله وزرها، و وزر من عمل بها الى يوم القيَامة))(6)، والمراد أنه يضاعف عليه العذاب لفعله الباعث لغيره على ارتكاب الخطايا، وهو يستحق تلك المضاعفة بمجرد فعله، وإلاَّ فلا تزر وازرة وزر أخرى، والرهن ما وضع عند أحد لينوب مناب ما أخذ منه كأنَّه جعل نفسه محبوسة باكتساب الخطيئة الذي هو في قوة أخذ

ص: 57


1- ينظر: معجم المصطلحات الفقهية، محمود عبد الرحمن: 1 / 362
2- [و] ساقطة من أ، ع
3- (حرصه) في أ، ث، ح، ر، ع، م
4- (وهن) في ث، ر، م
5- سبق الإشارة اليها في ص 61
6- عمدة القارئ، العيني (ت 855 ه): 24 / 34

مال الغير إذ لم يكن له ارتكابها فلا تنفك إلا بسلب اسم الإثم وأنَّی له بذلك، (وَرَجُلٌ قَمَشَ جَهْلاً، موُضِعٌ في جُهَّالِ الْأُمَّةِ، غَادٍ(1) فِي أَغْبَاشِ الْفِتْنَةِ، عَمٍ بِمَا فِي عَقْدِ الْهُدْنَةِ) (القمش: جمع الشيء [من](2) هاهنا وهاهنا)(3)، وتقمش فلان أي: أكل ما وجد وان كان دونا ويقال لرذالة الناس: قماشٍ(4)، والموضع کالمكرم الذي يحمل ناقته على سرعة السير يقال: وضعت الناقة وأوضعها راكبها(5)، وقال ابن میثم: ((الموضع بفتح الضاد المطرح، وبكسرها المسرع))(6)، أي: ((ليس من أشراف الناس، ويفهم من هذا الكلام أنَّه خرج في حق شخص معين وإن عمه وغیره))(7)، وفيه أن الموضَع بمعنى المطرح وهو الذي لم يستحکم خلقه كالمخنث إنما هو من باب التفعيل على صيغة المفعول، وأما الموضع بالكسر فهو من باب الأفعال کما ذکرنا، والظاهر من سوق كلامه أنّهما من باب واحد بل أنهما من صيغة الأفعال؛ لعدم اشعاره بتشديد الكلمة والموجود في النسخ (موضع) مخففة بضم الميم وكسر الضاد کما ذکرنا. وفي الكافي ((قمش جهلا في جهال الناس وغاد(8)))(9) بالغين(10)

ص: 58


1- (عاد) في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 1 / 239، و نهج البلاغة، صبحي الصالح: 47
2- [من] ساقطة من أ، ع
3- الصحاح، مادة (قمش): 3 / 1016
4- ينظر: لسان العرب، مادة (قمش): 6 / 338
5- ينظر: الصحاح، مادة (وضع): 3 / 1300، و لسان العرب، مادة (وضع): 8 / 399
6- شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 1 / 311
7- شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 1 / 315
8- (عاد) في ث، وفي م: (غاده)
9- الاصول من الكافي: 1 / 55
10- (بالعين) في ث، ر، م، تصحیف

المعجمة والدال المهملة كما في بعض النسخ من قولك: غدوت اليه، أي: ذهبت اليه بالغدوة، وهي البكرة أو ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس(1)كناية عن شدة الاهتمام، وفي بعضها بالعين المهملة من العدو وهو الحضر شدة سير الفرس(2)، وهو يناسب قوله (عَلَيهِ السّلَام) موضع(3)، وفي بعضها غار من الغرور وهو ((الغفلة))(4)، وهو يناسب ما بعده، وموافق رواية الإرشاد(5)، والغبش بالتحريك ظلمة آخر الليل إذا خالطها بياض وبعده الغبس بالسين المهملة، وبعده الغلس(6)، وقيل: ((يكون الغبش في أول الليل))(7)أيضا، وأغباش الفتنة جهالاتها المشوبة بالشبه، ورجل عمِي(8)القلب بكسر الميم أي: جاهل، وامرأة عمية، وقوم عمون(9)، والهدنة بالضم الصلح، وأصله السكون(10)، وهو من لوازم الصلح وحاصل المعنى رجل جمع شبهاً متشتتة(11)وعقائد سخيفة فهو مسرع في سيره بين الجهال ويضنه اتباعه، ومن هو أجهل منه عالماً ساعِ / و41 / في ظلمات الفتنة طلباً

ص: 59


1- ينظر: القاموس المحيط، مادة (غدا): 4 / 368، 369
2- ينظر: الصحاح، مادة (غدا): 6 / 2421
3- (مواضع) في ع
4- ينظر: الصحاح، مادة (غرر): 2 / 768
5- ينظر: الإرشاد: 1 / 231، 232
6- ينظر: لسان العرب، مادة (غبش): 6 / 322، والأزمنة والأمكنة: 241
7- تاج العروس، مادة (غبس): 8 / 383
8- (غمش) في م
9- (عموم) في ث، وفي أ، ع: (عمیون)
10- ينظر: العين، مادة (هدن) / 4 / 26
11- (منشته) في أ، ع. تصحيف

المقاصده(1)أو هو غافل عما يرديه من مهالك الفتن جاهل بمنافع الصلح ووجوه مصالحه، وشرور الفتن فيثير الفتنة لجهله بمفاسدها، ويمكن أن يراد بما في عقد الهدنة مالا بد منه من الشروط والأسباب التي لا ينعقد بدونها، وروی عم(2)بما [في](3)غيب(4)الهدنة، أي: بالمصالح التي في طيها وضمنها، (قَدْ سَمَّاهُ أَشْبَاهُ النَّاسُ عَالِماً، وَلَيْسَ بِهِ) في رواية الكافي(5)والإرشاد(6)(قد سماه أشباه الناس عالما، ولم يغنِ فيه يوماً سالماً)، أي: لم يقم في العلم يوماً [تاماً](7)سالماً من النقص على أن يكون سالماً صفة ليوماً، أو حالاً عن ضمير الفاعل يقال: غني بالمكان كرضي أي: أقام وغني أي: عاش (بكَّرَ فَاسْتَكْثَرَ مِنْ جَمْعٍ، مَا قَلَّ مِنْهُ خَیِرٌ مِمَّا كَثُرَ)، بكر أي خرج للطلب بكرةً، وكل من بادر الى الشيء وأسرع اليه في أي وقت كان فقد بكر اليه وأبكر(8)، ويمكن أن يكون المراد اشتغاله بالطلب من أوّل عمره، (ومن جمعٍ) يروی منوّناً فالجملة صفة لجمع والمراد به المفعول أي: من مجموع أو المصدر نفسه، وغير منوّن فیکون مضافاً قيل يحتاج الكلام الى تقدير مثل كلمة (ما) فيكون الأولى مضافا اليها، والثانية مبتدأ والتقدير: (من جمع الشيء ما قل منه خير مما كثر)، لكنه لما كان اظهار (ما) الثانية يشبه التكرار کان حذفها أولى، وقيل: المقدر المحذوف أن

ص: 60


1- (لما قصده) في أ، ع
2- (عمر) في ث
3- [في] ساقطة من م
4- (عنت) في م، تحریف
5- الاصول من الكافي: 1 / 55
6- الإرشاد: 1 / 232
7- [تاماً] ساقطة من ث، ح
8- ينظر: الصحاح، مادة (بكر): 2 / 596

على طريقة قولهم: ((تسمع بالمعيدي خير من أن تراه))(1)أي: من جمع ما أن قل منه خیر مما كثر فالفعل في موضع المبتدأ، وخير خبره، وقالَ الشارح: كلمة (ما) على تقدير التنوين موصولة، وعلى عدمه مصدرية، أي: من جمع شيء قلته خير من كثرته(2)وفي رواية الكافي(3)، والارشاد(4)(بكر فاستكثر مما قل منه خير مما كثر) وتوجيهه ظاهر مما ذكر والظاهر أن المراد بما استكثر(5)منه(6)الشبه الباطلة، والآراء المضلة فكون القليل خيرا(7)على التهكم(8)أو على التسليم أو مجموع معلوماته التي باطلها أكثر من حقها، ويمكن أن يراد بها زهرات الدنيا، وزخرفها (حَتَّى إِذَا ارتَوَى مِنْ آجِنٍ(9)، واكْتَنز(10)مِن غَیِرِ طائلٍ. جَلَسَ بَیْنِ النَّاسِ قَاضِياً، ضَامِناً لِتَخْلِيصِ مَا الْتَبسَ عَلَى غَیْرِهِ) الريان ضد العطشان(11)يقال: روى الرجل كرضى وأرتوى، وتروى بمعنى، والآجن ((الماء المتغير الطعم واللون))(12)، واكتنز(13) كاجتمع ((اجتمع

ص: 61


1- جمهرة الأمثال: 1 / 266
2- نص متصرف به، ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 1 / 242
3- (بكر فاستكثر، ما قل منه خير مما كثر) الاصول من الكافي: 1 / 55
4- (بكر فاستكثر من جمع ما قل منه خير مما كثر) الإرشاد: 1 / 232
5- (استكثرت) في ث، م
6- [منه] ساقطة من ث، م
7- (خير) في ث
8- (الهتكم) في أ، ر، ع
9- (من ماء أجن) في نهج البلاغة، صبحي الصالح: 47
10- (اكتتر) في ث، وفي ع: (أكثر)، وفي نهج البلاغة، صبحي الصالح: 47
11- ينظر: الصحاح، مادة (نهل): 5 / 1837
12- تاج العروس، مادة (أجن): 18 / 9
13- (كاكتنز) في أ، ع، وفي ث: (اكتز)

وامتلأ))(1)، وقال الشارح: ((أي: اتخذ العلم كنزا))(2)وهو غير مطابق لقول أهل اللغة(3)، والطائل ((النفع والفائدة))(4)، والتخليص والتلخيص متقاربان، والأمر المُلتبس والمُلبَس المشتبه (فَإِنَّ نَزَلَتْ بِهِ إِحْدَى الْمُبْهَمَاتِ؛ هَيَّأَ [لَهَا](5)حَشْواً(6)رَثَّاً مِنْ رَأْيِهِ، ثُمَّ قَطَعَ بِهِ) ((أَبْهَمْتُ البابَ أي: أغلقتهُ(7)))(8)، والأمر المبهم الذي لا مأتي له(9)، وفي الإرشاد المهمات(10)، ((والمُهِمُّ الأمر الشديد))(11)كأنَّه يحزنك، ((والحَشْوُ والحَاشِيَةُ صغار الإبل لا كِبارَ فيها وكذلك من الناس))(12)، وحشو(13)الكلام فضله، والرث ((الخُلق البالي))(14)، والرأي أمّا الاعتقاد أو المعتقد، و(من) على الأول ابتدائية، وعلى الثاني تبعيضيه، وقطع به أي: جزم به كأنَّه قطع تفكره عند توهمه أو قطع القضية

ص: 62


1- الصحاح، مادة (كنز): 2 / 890
2- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 1 / 240
3- ينظر: العين، مادة (كنز): 5 / 231، 322، ومعجم مقاييس اللغة، مادة (كنز): 5 / 142، والقاموس المحيط، مادة (كنز): 2 / 189
4- لسان العرب، مادة (طول): 11 / 414
5- [لها] ساقطة من ع
6- (خسوا) في ع، تصحيف
7- (اغلقت) في ع
8- الصحاح، مادة (بهم): 5 / 1875
9- ينظر: المصدر نفسه،مادة (بهم): 5 / 1875، وفي ر، م، (لا ماتی به)
10- ورد في الإرشاد (المبهمات): 1 / 232
11- الصحاح، مادة (همم): 5 / 2061
12- المصدر نفسه، مادة (حشا): 6 / 2313
13- (خشو) في ع، تصحيف
14- معجم مقاييس اللغة، مادة (رث): 2 / 384

بالحشو من رأيه (فَهُوَ مِنْ لَبْسِ الشُّبُهَاتِ فِي مِثْلِ نَسْجِ العَنْكَبُوتِ، لَا يَدْرى أَصَابَ أَمْ أَخْطَأَ فِإِنْ أَصَابَ خَافَ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَخْطَأَ وَإِنْ أَخْطَأَ رَجَا أَنْ يَكُوَن

قَدْ أَصَابَ) اللبس ((الخلط))(1)، وقال تعالى: «وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ»(2)فالإضافة الى الشبهات من اضافة المصدر الى المفعول كأنَّ الرجل خلط على نفسه، أو الفاعل كأنَّها خلطت وجه الأمر عليه، ويكون بمعنى الاختلاط فالإضافة الى الفاعل، والظاهر تشبيه الرجل بالذباب الواقع في بيت العنكبوت فآراؤه يشبه ما نسج العنكبوت في الوهن وعدم الانطباق / ظ 41 / على قانون مستقيم وهو لا يقدر على الاهتداء الى الحق كالذباب العاجز عن الخلاص.

(جَاهِلٌ خَبَّاطُ جَهَالَاتٍ عَاشٍ رَكَّابُ عَشَوَاتٍ) خَبَطَ البعیرُ [في الأرضِ](3)خَبْطاً: ((ضربها، ومنه قيل: خَبَطَ خَبطَ عشواء، وهي الناقة التي في بَصَرَها ضعفٌ تَخْبِطُ إذا مشتْ لا تتوقَّى(4) شيئاً))(5)،والخبط باليد كالرمح بالرَّجل أي: يخبط في جهالاته، أو بسببها كالماشي في الظلمة، والعَشى بالفتح والقصر

((مصدر الأَعْشَى وهو الذي لا يبصر بالليل ويبصر بالنهار))(6)، أو ضعيف البصر فيهما(7)، أو(8) الأعمى، والعشوة مثلثة(9)الأمر الملتبس مأخوذ من

ص: 63


1- لسان العرب، مادة (لبس): 6 / 204
2- الأنعام / 9، وفي ع: (وللبسا) تحريف
3- [في الارض] ساقطة من ث، ر، م
4- (نتوقن) في ث، وفي ر، م: (تتوقن)
5- الصحاح، مادة (خبط): 3 / 1121
6- المصدر نفسه، مادة (عشا): 6 / 2427، ولسان العرب، مادة (عشا): 15 / 56
7- ينظر: لسان العرب، مادة (عشا): 15 / 75
8- (و) في ع
9- هو من باب المثلث المتفق المعاني (يقال: أوطأتني عَشْوَةٌ وعِشْوَةٌ وعُشْوَةٌ وأصل ذلك أن يمشي الانسان صاحبه في الظلمة حتى يوقعه في هُوَّةٍ يضرب مثلاً لمن يُعمي عليك الامر ويفرك حتى يوقعك في مكروه)) المثلث، البطليوسي: 2 / 252، 253

عشوة الليل وهي ظلمته، وقيل من أوله الى رُبعه(1)(لْمَ يَعَضَّ عَلىَ العِلْمِ بِضِرْسٍ قاطِعٍ. يُذرِى الرِّوَايَاتِ إِذْرَاءَ الرِّيحِ الَهشِيم) العض الإمساك بالأسنان، يقال: عضه كسمعه ومنعه وعضَ عليه، والضّرس السن، والعض بالضرس القاطع كناية عن اتقان(2)القوانین، والعلم بها على وجهه تشبيهاً بإجادة(3)المضغ، أو يشبه العلم بمطعوم يقدر ذو ضرس قاطع على ابانة قطعة منه لنفسه، فمن لم يكن له [لم](4)ينل(5)منه نصيباً، وذرت الريح الشيء وأذرته تذروُه وتُذريه إذا اطارته وأذهبته كذا في القاموس(6)، والنهاية(7)، وقال الجوهري: (ذَرَّت الرِّيحُ التُّرابَ وغَیرَه، تُذِّروهُ وَتَذْرِّيه ذَرْوِّا وَذْرَيَّا أي: سفته، ومنه قولهم: ذّرَّى الناس الحنطة، وأَذْرَيْتُ الشيءَ إذا ألقيتَه كإلقائك الحَبَّ للزرع)(8)، ويقال: ((طعنه فأَذْرَاهُ عن ظهر دابتَه، أي: ألقاه))(9)قال

ص: 64


1- ينظر: الصحاح، مادة (عشا): 6 / 2427
2- (ايقان) في ع، م
3- (بإحادة) في ث، ر، م
4- [لم] ساقطة من أ
5- (يبل) في ع، تصحيف
6- قال الفيروز آبادي: (وذرت الريح الشيء ذرواً وأذرته وذرته: أطارته وأذهبته.) القاموس المحيط: 2 / 330
7- قال ابن الاثير: (ويقال ذرته الريح وأذرته وتذروه وتذريه: إذا أطارته.) النهاية في غريب الحديث والأثر: 2 / 159
8- الصحاح، مادة (ذرا): 6 / 2345
9- المصدر نفسه، مادة (ذرا): 6 / 2345

الشارح(1): أكثر الرواية (يُذرِى) من (أَذْرَى) رباعيا، وقد أوضحه قوله: (إذراء الريح)، فكأنه يقول: يُلقِى الروايات كما يُلقِى الإنسان الشيء على الأرض، والأجود الأصح (يذرو الرِّوايات ذَرْوَ الريح الهشيم)، وهكذا ذكر

ابن قتيبة في غريب الحديث(2)لما ذكر هذه الخطبة عن أمیر المؤمنین (عليه السّلاَم) قال تعالى: «فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ»(3)انتهى. كلام الشارح.

ويؤيد اتحاد اللفظین في المعنى ما في رواية الإرشاد (يذرى الروايات ذرو الريح الهشيم)(4)ووجه التشبيه صدور فعل بلا روية من غیر أن يعود به الى الفاعل نفع فإنه يمر بتصفحه على رواية بعد رواية من غیر انتفاع كالريح

تَذري(5)الهشيم من غیر شعور وانتفاع، أو افساده في الرِّوايات بالتوجيهات الباطلة وضرب بعضها ببعض، وخلطها بما يتوهمه طريقاً الى جمعها واخذها من أي موضع كان، والقائها الى غیر أهلها كمثل ما تفعله الريح (بالهشيم)(6)، [ولعله أظهر والهشيم](7)من النبات اليابس المتكسر (لا مَلىِءٌ وَاللهِ بإِصْدَار مَا ورَدَ عَلَيْهِ) ((المَلِيءّ بالهمزة الثقة [الغني](8)))(9)، أو الحسن القضاء من

ص: 65


1- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 1 / 240، 241
2- قال ابن قتيبة: (يذرو الرواية ذرو الريح الهشيم) غريب الحديث: 1 / 360
3- الكهف / 45
4- الإرشاد: 1 / 232
5- (يرزي) في ث، وفي ر، م: (يذري)، تصحيف
6- (بالهسيم) في ح، تصحيف
7- [ولعله أظهر والهشيم] ساقطة من أ، ع
8- [الغني] ساقطة من ع
9- لسان العرب، مادة (ملأ): 1 / 159

الأغنياء، يقال: ملؤ الرجل ككرم فهو مَلِيء بن الملاءِ والملاءَةِ ممدودان(1)، وفي بعض النسخ (مليّ) بالياء المشدّدة، قال في النهاية: ((وقد أولع الناس فيه

بترك الهمز وتشديد الياء))(2)، والصدر بالتحريك رجوع المسافر من مقصده، والشاربة من الماء(3)، والورود الحضور وحضور الماء للشرب(4)، والمعنى لا يقدر على حل معضلة وبيان طريق الحق للسائلين كالعاجز عن إغناء من قصده من الوفود والمسافرين لفقره، أو عن تروية العطاش لعدم القدرة على الماء، والأول أنسب بالملاءةِ، قال الشارح: ((وفي كتاب ابن قتيبة تتمه هذا الكلام: ((ولا أهل لما فَرّط به))(5)، قال أي: ليس بمستحقٍّ للمدح الذي مُدح بهِ. والذي رواه ابن قتيبة من تمام الكلام أمر المؤمنین (عليه السّلَام) هو الصحيح الجيّد؛ لأنه(6)يُستقبح(7)في العربية أن (تقول)(8): لا زيد قائم، حتى (تقول)(9): ولا عمرو، أو (تقول)(10)ولا قاعد))(11)، وفي الكافي ((ولا هو أهلا لما منه فرط من ادعائه علم الحق))(12)، وفرط بالتخفيف أي سبق الى

ص: 66


1- ينظر: المصدر نفسه، مادة (ملأ): 1 / 159
2- النهاية في غريب لحديث والأثر: 4/ 352
3- ينظر: لسان العرب، مادة (صدر): 4 / 448
4- سبق ذكره في صحيفة 62، تحقيق من 3 الى 50
5- غريب الحديث: 1 / 360
6- (لا) في ع
7- (يستفتح) في ث، تصحيف
8- (يقول) في أ، ث، ح، ر، ع، م، والمناسب للسياق ما اثبتناه
9- (يقول) في أ، ث، ح، ر، ع، م، والمناسب للسياق ما اثبتناه
10- (يقول) في أ، ث، ح، ر،ع، م، والمناسب للسياق ما اثبتناه
11- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 1 / 241
12- الاصول من الكافي: 1 / 56

الناس وفي رواية الإرشاد ((ولا يندم على ما منه فرط))(1)أي: لا يندم على التقصر وادعاء ما ليس له بأهل (لا يَحْسِبُ العِلْمَ فِي شَيْءٍ مِمَّا أَنْكَرَهُ، ولا يَرَى

أَنَّ مِنْ وَرَاءِ مَا بَلَغَ مِنْهُ مُذْهَباً لِغَیْرِهِ) في النسخ لا يَحسِب بكر السین من الحسبان بالكسر أي: لا يظن وجود العلم، أو لا يظنه موجوداً في شيء من المسائل التي أنكرها أي: جهلها، يقال: نَكِرَ فلان الأمر كَفِرَحَ، وانكرهُ / و42 / واستنكره أي: جهله، وفي بعض النسخ لا يَحسُب بالضم من الحُسبان

بالضم، والكسر بمعنى العد أي: لا يعدّ العلم في شيء أي(2)شيئاً في شيء من المسائل المجهولة له وعلى الأول لا حاجة الى هذا التقدير، ولا يرى أي: لا يعلم أو(3)لا يظن، والوراء يكون بمعنى القدَّام والخلف والثَّاني أظهر وأشهر(4)، والمذهب الطريق (وإِنْ أَظْلَمَ عَلَيْهِ أَمْرٌ اكتَتمَ بِهِ، لِمَا يَعْلَمُ مِنْ جَهْل نَفْسِهِ) الأمر المظلم الذي لا يُدرى من أين يؤتى كالبيت المظلم، وكتم الأمر واكتتمه بمعنى، فالباء(5)مثلها في قولِهِم أخذت بالخطام(6)أو كأنَّه يخفى نفسه ويسترها(7)به أي: إذا وردت عليه مسألة أو قضية معضلة لم يلتفت اليها كأنَّه لم يسمعها، لئلا يظهر للناس جهله بها، وهذا فيما جهله جهلاً بسيطاً وتحیّر عنه(8)

ص: 67


1- الإرشاد: 1 / 232
2- (أو) في ث، ر
3- (أي) في أ، ع
4- سبق الوقوف عليها
5- (فالتاء) في ر
6- (بالحظام) في ر
7- (بسرها) في ر
8- (فيه) في أ، ع

فلم يجد عنه مخرجاً بخلاف ما استفيد من الفقرة السابقة (تَصْرُخُ(1)مِنْ جَوْرِ قَضَائِهِ الدِّمَاءُ، وتَعجُّ مِنْهُ الْمَوَارِيثُ) الصَّراخ كغراب الصّوت أو شديده تقول(2): يصرخ كينصر والجور الظلم والعدول عن طريق ويعجّ كيفرّ ويملّ، أي: يرفع صوته، وفي النسخ بكسر العين وفي بعض النسخ [يضج](3)بالضّاد المعجمة والضجيج(4)رفع الصّوت عند الجزع(5)، والفعل (يضج) بالكسر وقد كثر ذلك العجيج والضجيج(6)إذا(7)حكم في ميراث الجد بسبعين قضية (إِلى اللهِ أشكو منْ مَعْشَرٍ يَعِيشوُنَ جُهَّالاً، ويَمُوتوُنَ ضُلَّالاً) تعلق الظرف بالفعل المتأخر أظهر، وفي بعض النسخ غير موجود، والظاهر تقديره والمعشر الجماعة، ولعل المراد به اتباع ذلك الرجل الذي سبق أوصافه والشكوى من تمكينهم إياه وتركهم الإنكار على قبائح أعماله، أو الكلام من قبيل الإجمال بعد التفصيل والتعبير أولا بالرجل، ثم بالمعشر من قبيل التفنن، وأوصاف المعشر أوصافه إذ ليس المراد بالرجل [فيه](8)فرداً معيناً في ظاهر اللَّفظ بل الجنس أو كل من وصف بالصفات المتأخرة من الجهل والضلال وغيرهما فيكون أعمّ من السابق مطلقاً، أو من وجه فيكون كالتعميم بعد التخصيص (لَيْسَ فِيهِمْ سِلْعَةٌ أَبْوَرُ مِنَ الكِتابِ إِذا تُلِيَ حَقَّ تِلَاوتِهِ، ولا سِلْعَةٌ

ص: 68


1- (تصرح) في ر، تصحيف
2- (بقوله) في ث، وفي أ، ح، ر، ع: (يقول)
3- [يضج] ساقطة من م، وفي أ، ث، ر: (يضح) تصحيف
4- (الضجيح) في ر، وفي ث، م (الصحيح) تصحيف
5- ينظر: لسان العرب، مادة (ضج): 2: 312
6- (الضجيح) في ث، تصحيف
7- (إذ) في أ، ح، ع
8- [فيه] ساقطة من أ، ع

أَنْفَقُ بَيْعاً، ولا أغْلَى ثَمَناً مِنَ الكِتابِ إِذَا حُرِّفَ عَنْ مَوَاضِعَهُ ولا عِنْدَهُمْ انْكرُ مِنْ المَعْرُوفِ ولا أعْرَفُ مِنَ المُنْكَرِ) السِلْعَةُ بالكسر ((المتاعُ))(1)، والبَوار بالفتح ((الكساد))(2)، ويقال: بار المتاع، وبارت السوق(3)، والتلاوة ((القراءة والاتباع))(4)، ومن اتبع غيره في فعله يقال: تلاه(5)، والتلاوة حق التلاوة على الأول قراءة(6)الكتاب كما أُنزل من غير تغيير، ورعاية الترتيل من أداء الحروف عن مخارجها والوقف في موضعه وغير ذلك من محسنات القراءة، وعلى الثاني العمل بحكمة والإقرار بمتشابهة، والتوقف في تفسير ما أشكل منه، وترك تأويله بالرأي والهوى ورد علمه الى من أتاه الله علمه وهو مقابل تحريفه عن موضعه بأي معنى كان والظاهر في المقام التلاوة والتحريف المعنويان أو ما يعم التغيير اللفظي الموجب للمعنوي وعدمه، ونفاق المتاع کسحاب رواجه، ونفاق السوق قيامها ((ضد الكساد))(7)، والمعروف ((اسم جامع لكلّ ما عرف من طاعة الله تعالى والتقرب اليه والاحسان الى الناس وكلما ندب اليه الشرع ونهى عنه من المحسنات والمقبحات))(8)سمي معروفاً؛ لأن أرباب البصائر إذا رأوه عرفوه وصدقوا به ولا ينكرونه(9)والمراد

ص: 69


1- الصحاح، مادة (سلع): 3 / 1231
2- لسان العرب، مادة (بور): 4 / 86
3- ينظر: المصدر نفسه، مادة (بور): 4 / 86
4- القاموس الفقهي: 49
5- ينظر: الصحاح، مادة (تلا): 6 / 2289
6- (قراه) في م
7- لسان العرب، مادة (نفق): 10 / 357
8- لسان العرب، مادة (عرف): 9 / 240
9- ينظر: المصدر نفسه، مادة (عرف): 9 / 240

بكون المعروف عندهم منكراّ أنه مستقبح عندهم فيما يظهرونه مع علمهم بحاله أو مجهول لهم فينكرونه ويزعمونه باطلاً، واعلم أنَّ الموجود في رواية الإرشاد في أول الكلام ((أن أبغض الخلق عند الله رجل وكله الى نفسه))(1)وموضع ما في المتن، ورجل قمش جهلاً قد قمش جهلاً فالأوصاف كلها لرجل / ظ 42 / واحد، وأمّا على ما في المتن وَالكافي(2)فقيل: المراد بالرجل الأول الضَّال في أصول العقائد كالمشبه والمجير ونحوهما، وبالثاني المتفقه في فروع الشرعيات وليس بأهل لذلك(3)، وقيل المراد بالأول من نصب نفسه لسائر المناصب الإفادة دون منصب القضاء، وبالثاني من نصب نفسه له ويمكن أن يقال: لعلَّ غرضه (عليه السّلَام) في المقام ذمّ الخلفاء، ويرشد الى ذلك كون هذا الكلام في رواية الإرشاد من تتمه الخطبة السّابقة وهي صريحة في ذمهم كما عرفت وكذا التتمة الموجودة فيها، وسيأتي إن شاء الله تعالى، والمراد بالرجل الأول من وضع [ديناً وملة](4)ودعا الناس اليه وبالثاني من ادّعى الخلافة الباطلة والقضاء بين جميع الأمة(5)، وهذا هو المناسب لقوله (عليه السّلَام) في أوصاف الثاني موضِعٌ في جُهَّال الرِّجال، فالمراد بالبدعة مثل تحريم المتعتين، ووضع التراويح، ونحو ذلك وبركوب العشوات، والخبط في الجهالات أمثال الأمر برجم الحامل والمجنونة وغير ذلك من الأمور المفصلة في شرح الخطبة الشقشقية من كتاب (حدائق الحقائق)، وأوصاف الرجلين

ص: 70


1- الإرشاد: 1 / 231
2- ينظر: الاصول من الكافي: 1 / 55
3- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 1 / 241
4- [ديناً وملة] طمس في ع
5- (القضاء بين جميع الأمة والخلافة الباطلة) في ث، ح. ر، م

توجد مجتمعة ومتفرقة في الثلاثة ونحو هذا الألغاز(1)في الكلام نوع من تقيته (عليه السّلَام)، ويعرف المراد من هو أهل له، وأمّا التتمة التي أشرنا اليها فهو قوله (عليه السّلَام): (أيَّها الناس عليكم بالطاعَة والمعرفَة بِمَنْ لا تُعْذَرُونَ بِجهالتهِ فإنَّ العِلم الذّي هبط بهِ ادمُ وجميعَ ما فُضَّلَتْ بهِ النبيونَ الى محمدٍ خاتَم النبيينَ في عِترة مَحمدٍ (صلَّى الله عليهِ وآلهِ) فأين يُتاه(2)بکم، بل أين تذهبونَ يا من نُسِخَ من أصلاب أصحاب السفينَة فهذهِ مثلُها فيکُم فإركبوها، فكما نجا في هاتيكَ من نجا كذلك ينجو في هذي من دخلها أنا رهينٌ بذلك قسماً حَقاً وما أنا من المُتَكَلِفينَ الويل لمن تخلفَّ، ثم الويل لمن تخلف أما بلغكم مَّا قال فيه نبيكم (صلى الله عليه و آله) حيث يقول في حجة الوداع: إني تاركٌ فيكمُ الثقلينِ مَا أن تمسكتُم بهما لن تَضِلوا بعدي کِتابُ الله وَعِترتي أهل بيتي، وإنَّهما لن يفترقا حتی یردا عليَّ الحوض، فأنظروا كيف تخلفوني فيهما، ألا هذا عذبٌ فراتٌ فأشربوا، وهذا ملح أجاجٌ فاجتنبوا) بيان أن يُتاه بکم من التيه بمعنى التحير والضلال، أي: أين يذهب الناس بكم متحيرين ضالين؟، بل أين تذهبون أنتم باختياركم(3) وتدعوكم(4)الى الضلال(5)أنفسكم الامّارة(6)بالسوء دون الشياطين والمضلّين سواكم؟، والنسخ الإزالة والتغيير وإقامة شيء مقام آخر أي: كنتم في أصلاب

ص: 71


1- (الغاد) في ث، وفي م
2- (تباه) في ر، وفي م: (تباه)
3- (باخیتارکم)، وفي م: (بخياركم)
4- (يدعوکم) في أ، ث، ر، ع، م. تصحيف
5- (الصلال) في ث
6- (الارة) في أ، ع

[أصحاب](1)سفينة نوح فأنزلتم عن تلك فاعتبروا بحال نجاة أجدادكم برکوب تلك السفينة، وغرق من تخلف عنها وقد روى في المشكاة عن أبی ذر(2)أنه قال: وهو أخذ(3)بباب الكعبة سمعت النبي (صلى الله عليه وآله) يقول: ((ألا أن مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها هلك))(4)وتي وذي للإشارة الى المؤنث(5)وقسما حقا، أي: اقسم قسماً [حقاً](6)وما أنا من المتكلفين أي: المتصنعين والمّدعين للباطل، ورواية الثقلين من المتواترات بين العامة والخاصة، / و43 / وقد روى مسلم(7)في صحيحه(8)في فضائل علي (عليه السّلاَم)، وأورده صاحب (جامع الأصول) في فضائل أهل البيت (عليهم السّلَام) من كتاب (الفضائل المناقب) من

ص: 72


1- [أصحاب] ساقطة من ع
2- (در) في ث
3- (هو واخذ) في ث، ر
4- المعجم الأوسط، الطبراني: 5 / 355، والمستدرك، النيسابوري: 3 / 151، مجمع الزوائد: 9 / 169، وينظر: الجامع الصغير، السيوطي: 1 / 373
5- ينظر: شرح جمل الزجاجي: 2 / 450
6- [حقاً] ساقطة من ح، ث، ر، م
7- مسلم بن الحجاج بن مسلم بن ورد بن کرشان القشيري النيسابوري الشافعي، وهو أحد الأئمة الحفاظ، ولد سنة 204 ه، رحل الى الحجاز والعراق ليسمع من ائمتها وقدم بغداد مرارا وأخذ عن البخاري وكان صديقه كما أخذ عن أحمد بن حنبل أقام بعد رحلاته العديدة بنيسابور، ومن مؤلفاته الجامع الصحيح، طبقات الرواة، رباعيات في الحديث، الاسماء والكنى، العلل، افراد الشاميين، وغيرها من الكتب، وتوفي سنة 261 ه. ينظر: وفيات الاعيان وأنباء أبناء الزمان: 5 / 194، 195، وهدية العارفين: 2 / 431، 432، ومعجم المؤلفين: 12 / 232، ومعجم المطبوعات العربية: 2 / 1744، 1745، والاعلام: 7 / 221، 222
8- ينظر: صحيح مسلم: 7 / 12

حروف الفاء عن يزيد بن حیان قال: انطلقت أنا وحصين بن سبرة وعمر بن مسلم الى زيد بن أرقم فلما جلسنا اليه قال له حصين: لقد لقيت یا زید خيراً كثيراً [رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسمعت حديثه، وغزوت(1)معه، وصليت خلفه، لقد لقيت یا زید خيراً كثيراً](2)حدثنا یا زید ما سمعت من رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: يا ابن أخي والله لقد كبرت، وقدم عهدي، ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول الله (صلى الله عليه وآله) فما حدثتكم فاقبلوا وما لا أحدثكم فلا تكلفونيه، ثم قال: قام رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوماً فينا خطيباً بماء يدعی خماً بين مكة والمدينة فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر، ثم قال: أما بعد ألا أيُّها الناس فإنَّما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربِّي فأجيب، وأنا تارك فيكم الثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به، فحث على كتاب الله ورغب فيه، ثم قال: وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي ثلَاثاً الى آخر الخبر(3). قال ابن الاثير في النّهاية فيه: ((إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي سمَّاهما ثقلين؛ لأنَّ الأخذ بهما، والعمل بهما ثقيل. ويقال(4)لكل خير نفیس ثقل، فسماهما ثقلين إعظاما لقدرهما وتفخيماً لشأنهما))(5)،

ص: 73


1- (عزوت) في أ، تصحيف
2- [رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسمعت حديثه، وغزوت معه، وصليت خلفه، لقد لقيت يا زيد خيراً كثيراً] ساقطة من ع
3- ينظر: جامع الاصول في أحاديث الرسول، ابن الأثير: 9 / 158
4- في نص ابن الاثير (وقال...) النهاية في غريب الحديث والأثر: 1 / 216
5- النهاية في غريب الحديث والأثر: 1 / 216

وقال في القاموس:(1)الثقل مُحرِّكة مَتاعُ المُسافر، وحَشَمه، وَکُلُّ شيَءٍ نَفِیس مَصُونٍ، منه الحديث: ((إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي))(2)، وقوله (عليه السّلَام): (ما أن تمسكتم) بدل من الثقلين وعدم افتراقهما؛ لكون لفظ القرآن كما أنزل ومعناه وتأويله عندهم (عليهم السّلَام) (وهذا عذبٌ فراتٌ) أي: سبيل الحق الذي أريتكموه، وهو التمسك بالعترة الطاهرة، عذبٌ وهو المستساغ من الشَّراب، ويقال للطعام أيضاً(3)، والفرات كغراب الماء العذب جداً(4)هذا، ملحٌ أجاجُ أي: سبيل الباطل، وهو العدول عنهم الى الخلفاء وغيرهم ملحٌ، وهو ضد العذب، والأُجاج الماء الملح المرُّ(5).

ومن كلام له (عليه السلام) في ذم اختلاف العلماء في الفُتيا

الفتيا بضم الفاء، والفتوى بالضم والفتح أسماء من قولك: استفتيت الفقيه في مسئلة(6)فأفتاني أي: أبانه(7)لي (تَرِدُ عَلَى أَحَدِهِمُ القَضِيَّةُ فِي حُكْمٍ مِنَ الْأَحْكَامِ فَيَحْكُمُ فِيهَا بِرَأيِهِ، ثُمَّ تَرِدُ تِلْكَ الْقَضِيَّةُ بِعَيْنِها عَلَى غَیْرِهِ؛ فَيَحْكُمُ فِيهَا بِخِلاَف قوله، ثُمَّ يَجْتَمِعُ القُضَاةُ بِذلِكَ عِنْدَ الإِمَامِ الذَّي اسْتَقْضَاهُمْ،

ص: 74


1- في نص الفيروز آبادي (والثقل...) القاموس المحيط: 3 / 342
2- القاموس المحيط: 3 / 342
3- ينظر: لسان العرب، مادة (عذب): 1 / 583، وتاج العروس، مادة (عذب): 2 / 210
4- ينظر: الصحاح، مادة (فرت): 1 / 259، ومعجم مقاییس اللغة، مادة (فرت): 8 / 498، ولسان العرب، مادة (فرت): 2 / 65
5- ينظر: الصحاح، مادة (أجج): 1 / 297، ولسان العرب، مادة (أجج): 2 / 207
6- والصواب: مسألة
7- (ابانها) في ع

فَيُصَوِّبُ آرَاءَهُمْ جَمِيعاً) القضاء في الاصلِ (القَطْع والفصل)(1)ويطلق على معانٍ، والقضيّة تكون(2)مصدراً واسمًا، والمناسب هاهنا هو الثّاني، والكلام صريح في بُطلان الآراء والمقاييس، وقد تضافرت(3)عليه الأخبار عن الأئمة الأطهار (عليهم الصلَاة والسّلام) وفي بطلان قول من زعم أنَّ كلّ مجتهد مصیب وإنّ الحقّ بالنّسبة الى كل واحدِ من المجتهدين ما أدىّ اليه اجتهادهُ واستدل، (عليه السّلاَم) على ذلك تأكيداً للحجّة بقوله: (وإِلَهُهُمْ وَاحِدٌ،

وَنَبِيُّهُمْ وَاحِدٌ، وَكِتَابُهُمْ وَاحِدٌ، أَفَأَمَرَهُمُ اللهُ سُبْحانَهُ(4)بِالاخْتِلَافِ فَأَطَاعوُهُ! أَمْ نَهَاهُمْ عَنْهُ فَعَصَوُهُ! أَمْ أنْزَلَ اللهُ(5)دِيناً نَاقِصاً فَاستَعَآنَ بِهِمْ عَلىَ إِتَمامهِ! أَمْ كَانُوا شُرِكَاءَ لهُ فَلَهُمْ أَنْ يَقُولُوا وَعَلَيْهِ أَنْ يَرْضى! أَمْ أَنْزَلَ الله سُبْحانَهُ دِيناً تامّاً فَقَصَّرَ الرَّسوُلُ (صَلّى الله عَلَيْهِ وَآلهِ) عَنْ تَبْلِيغِهِ وَأَدَائِهِ؛ واللهُ سُبْحانَهُ يَقُولُ: «مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ»(6)، وَقالَ(7): فِيهِ تِبْيان كُلِّ شَيْءٍ، وَذَكَرَ أَنَّ الْكِتَابَ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضاً وَأَنَّهُ لَا اخْتِلاَفَ فِيهِ، فَقاَلَ سُبْحَانَهُ: «وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا»(8)، لعّل الأظهر أنّ الكلام دلیل / ظ 43 /

ص: 75


1- لسان العرب، مادة (قضی): 15 / 186
2- (يكون) في ح
3- تظافرت في نسخ المخطوطة
4- (تعالى) في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 1 / 243
5- (الله سبحانه) في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 1 / 243، ونهج البلاغة، صبحي الصالح: 49
6- الأنعام / 38
7- (قال) لم ترد في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 1 / 243، ونهج البلاغة، صبحي الصالح: 49
8- النساء / 82

واحد، والشارح(1)جعله خمسة أدّلة أحدهما: أنّه لما كان الاله سبحانه واحداً وكذلك الرّسُول والكتاب وجب أن يكون الحكم واحداً؛ كالملك الذّي يرسل الى رعيته رسولاً بكتاب يأمرهم فيه بأوامر يقتضيها ملکه وأمرته، فإنَّه لا يجوز أن تتناقض(2)أوامره، ولو تناقضت لنسب الى السَّفه والجهل، ثانيها: أنَّ الاختلاف أما ما مأموراً به أو منهياً عنه(3)، والأول باطل؛ لأنّه ليس في الكتاب ما يمكن للخصم أن يتعلّق به في كون الاختلاف مأمورا به، والثاني يستلزم تحريم الاختلاف، ثالثها أنَّ دين الإسلام أمّا ناقص أو تامّ فإنَ كان الأول كان اللهُ سُبْحانه قد استعان بالمكلّفين على اتمام شریعته إما على سبيل النّيابة أو المشاركة له، وكلاهما [كفر](4)وإن كان الثاني فإمّا أن يكون الله سُبحانه أنزل الشرع تامّاً فقصر الرّسول (صلّى الله عليه وآلهِ) عن تبليغه أو لا والأوّل كفر والثاني يبطل الاجتهاد؛ لأنَّه إنما يكون فيما لم يتبين فأمّا مّا قد بيّن فلا مجال للاجتهاد فيه، رابعها أنه تعالى قال: «مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ»(5)، وقال: فيه تبيان كل شيء(6)، وقال: «وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ»(7)، والآيات تدلّ على اشتمال الكتابِ العزيز على جميع الأحكامِ، وكلّ ما ليس في الكتاب (وجب)(8)أن لا يكون في الشرّع، خامسها

ص: 76


1- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 1 / 244
2- (يتناقض) في أ، ث، ح، ع، وفي ر، م: (يتناقص)
3- (مأمور به أو نهی عنه) في ث، وفي ح: (مأمورٌ به ومنهي عنه)
4- [كفر] ساقطة من ث، ر، وفي م (باطل)
5- الأنعام / 38
6- اشاره الى قوله تعالي: «وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ» النحل / 89
7- الأنعام / 59
8- (وحب) في ح، تصحيف

أنّه تعالى قال(1): «وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا»(2)فجعل الاختلاف دليلاً على أنّه ليس من عند اللهِ لكنه من عند الله سبحانه بالأدلّة القاطعة الدّالة على صحّةَ النّبوة فوجب أن لا يكون فيه اختلاف. انتهى، وفيه تأمّل، وبالجملة يدّل كلامه (عليه السّلَام) على اشتمال الكتَاب والشريعة على جميع مَا (تحتاج)(3)إليهِ الُأمة فيجب الرّجوع [في الأحكام](4)الى حفظة الشرّع الرّاسخين في العلم العالمين بوجوه الاستنباط وهم أولوا الأمر وأصحاب الحُكم، ولا يجوز الاستناد الى الآراء والمقاييس وإذا لم يمكن التوّصل الى حضرتهم للتقية والغيبة وجب الرّجوع الى قضاياهم ورواياتهم فيما ورد فيه حكم ورواه أصحابهم والمتأخرون عنهم على وجه يجوز العمل بها، والتّوقف فيما لم يوجد فيه أثر الى ظهور الدَّليل، وأمَّا الاختلاف النَّاشي من ظهور بعض الوجوه في الجمع بين الأخبار المتعارضة في الظَّاهر عند بعض من له أهلية الاستنباط وخفائه(5)عند غيره أو في وجوه المرجحات في العمل بالأخبار بعد بذل المجهود فالظاهر أَنَّه ليس ممَّا أنكره (عليه السَّلام)، وأمَّا ما يعود [الى](6)التقصير في بذل المجهود فهو مورد للتوبيخ سواء دخل تحت هذا الكلام أمّ لا فتشنيع بعض المتأخرين على كثير من أجلّه الأصحاب ونسبتهم الى العمل بالرأي والقياس بعيد عن الصواب (وإِنَّ الْقُرْآنَ ظاهِرُهُ

ص: 77


1- (انه قال تعالى) في ع
2- النساء / 82
3- (يحتاج) في أ، ث، ح، ر، ع، م. تصحيف
4- [في الاحكام] ساقطة من ع
5- (حفائه) في أ، ع
6- [الى] ساقطة من ع

أَنيِقٌ، وَباطِنُهُ عَمِيقٌ، لاَ تَفْنَى عَجَائِبُهْ، وَلاَ تَنْقَضِي غَرَائِبُه وَلاَ تُكْشَفُ الظُّلُماتُ إِلاَّ بِه) الأَنَقُ بالتّحريك (الفرح والسّرور)(1)، والأنَيق الحسن المعجُبْ(2)وعمق باطن القرآن كناية عن عدم قصر المراد منه على ما يفهم من ظاهره بل قد يكون المراد منه معنی أو معان سوى الظَّاهر والأخبار في هذا المعنى كثيرة فلا يجوز للنَّاس تفسير القرآن بما يفهمونه برأيهم بل يجب الرّجوع فيه الى العلماء ببواطن القرآن وهم الذّين لا يفارقهم القرآن ولا يفارقونه حتى یردوا الحوض کما نطق به رواية الثقلين وغيرها(3)، فكما ظهر من الكلام بطلان القول بالرأي في الأحكامِ، ظهر بطلان التَّفسير بالرأي وعجائب القرآن وغرائبه نکته ولطائفة ودقائق معانيه التي لا تفنی بتوارد الأذهان الثاقبة / و44 / والبصائر الخاطفة في الأزمان والأعوام المتعاقبة ولا (تكشف)(4)ظلمات الشبه والجهالات إلاَّ بسواطِع أنواره ولوامع أسراره.

[ومن كلام له (عليه السلام)] قَالَه للأشعث بن قیس

وهو على منبر الكوفة يخطب، فمضى في بعض كلامه شيء اعترضه الأشعث، فقال: يا أمير المؤمنينَ، هذه عليكَ لا لكَ(5)) اسم الاشعث(6)

ص: 78


1- الصحاح، مادة (أنق): 4 / 1447
2- المصدر نفسه، مادة (أنق): 4 / 1447
3- (غيرهما) في أ، ع
4- (يكشف) في أ، ث، ح، ر، ع، تصحيف
5- (لك فخفض اليه بصره (عليه السلام) ثم قال) في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 1 / 246، وفي نهج البلاغة، صبحي الصالح: 49 (لك فخفض (عليه السلام) اليه بصره ثم قال)
6- أشعث بن قيس بن معدي كرب بن معاوية بن جبلة بن عدي بن ربيعة بن معاوية الأكرمین بن الحارث بن معاوية بن ثور بن مرتع بن كندة، يكنى أبا محمد ولد سنة (23 ق ه)، ومن المؤرخین من يسميه (معدي كرب) ويجعل الاشعث لقباً له، كالذهبي صاحب السیر، وكان أمیر كندة في الجاهلية والإسلام، شهد اليرموك فأصيبت فيها عينه، وشهد القادسية وجلولاء ونهاوند، وورد المدائن ثم عاد وولي الكوفة وتوفي فيها سنة ( 40 ه). ينظر: أسد الغابة: 1 / 97 - 99، سیر أعلام النبلاء: 2 / 38،، وتهذيب التهذيب: 1 / 33، والأعلام: 1 / 332

معدي كرب(1)وكان أبداً أشعث أي: مغبر الرأسِ فاشتهر به، و(أبوه)(2)قیس بن معد یکرب(3)كان يسمى الاشج؛ [لأنَّه](4)شجَّ في بعض حروبهم وأشعث من بني كندة وكان رئيسهم قال الشِّارح: كان الاشعث من المنافقين في خلافة عليّ (عليه السَّلام) وهو في أصحابه کما كان عبد الله بن أبي سلول(5)في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله، كلّ واحد منهما رأس النفاق في زمانه) وكان هو أصل الفتنة وتفرق الكلمة في صفين حين خطب في قومه

ص: 79


1- (معد يكرب) في ث، ح، ر، م
2- (أبو) في أ، ث، ح، تحریف
3- قیس بن معد یکرب بن معاوية بن جبلة بن عدي بن ربيعة بن معاوية الكندي من قحطان، ملك جاهلي يماني كان صاحب مراباع حضرموت، يلقب بالأشج لأثر شج في وجهه، یکنی أبا حجية، وأبا الأشعث ولد سنة (20 ق ه) في مدينة (شبوه) بحضرموت وخلف أباه الملك، ويقال له السكسكي نسبة الى مخلاف السكاسك بأعالي حضرموت الغربية. ينظر: أسد الغابة: 1 / 97، والأعلام: 5 / 208
4- [لأنَّه] ساقطة من ث، ر، م
5- هو عبد الله بن أبي سلول الأنصاري من بني عوف بن الخزرج، وسلول امرأة من خزاعة، وهي أم أبي بن مالك بن الحارث، يكنى أبا الحباب وقد سمى الرسول (صلى الله عليه واله) ابنه (عبد الله) وكان ابن ابي سلول رأس المنافقين وكانت الخزرج قد اجتمعت على ان يتوجوه وسندوا اليه امرهم قبل مبعث النبي (صلى الله عليه واله وسلم) فلما جاء الإسلام نفس على الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) النبوة واخذته العزة ولم يخلص الإسلام. ينظر: الوافي بالوفيات: 17 / 9، 10، والبداية والنهاية: 6 / 372، والإستیعاب: 3 / 940

وأقعدهم عن القتال فأتی عيون معاوية بالخبر اليه فطمع معاوية بعد اليأس والعزم على الفرار حتَّى رفعت المصاحف وانعقد التحكيم، والاعتراض المَنْع والحَجْب بين القائل وبين مراده واتمام الكلام والأصل فيه أنَّ الطَّريق إذا اعترض فيه بناء أو غيره منع السَّالك من سلوكه، والفصيح في ذكر الايراد اعترضه لا اعتراض علیه کما شاع في عبارات المصنفين والكلام الذَّي اعترضه الاشعث على ما رووه هو أنَّه (عليه السَّلام) كان يذكر على منبر الكوفة أمر الحكمين بعد أن انقضى حرب الخوارج فقام اليه رجل من أصحابه فقال: نهيتنا عن الحكومة ثم أمرتنا بها فما ندري أيّ الأمرين أرشد فصّفق (عليه السَّلام) بإحدى يديه على الأخرى وقال: هذا جَزَاءُ مَن تَرَكَ العُقْدَةَ، وكان مراده (عليه السَّلام) هذا الجهل والحيرة جزاؤكم إذ تركتم الرأي والحزم(1)وهو اتباع أمري وأصررتم على إجابة أصحاب معاوية الى التّحكيم حين رفعوا المصّاحف وقد كان من إصرارهم أنْ سبّوا(2)مالك بن الحارث الأشتر(3)لما حرّضهم على القتال وسبّهم(4)، وضربوا بالسَّياطِ وجه دابته وضرب وجوه دوابهم وكاد أن يشتعل نار الحرب في عسكره (عليه السّلَام) وكان

ص: 80


1- (الحرم) في م
2- (سهوا) في ث، م
3- مالك بن الحارث بن يغوث بن مسلمة بن ربيعة بن الحارث بن خزيمة بن سعد بن مالك النخعي، المعروف بالأشتر، أمير من كبار الشجعان كان سيد قومه عرف بفصاحته، أدرك الجاهلية، سكن الكوفة وكان له نسل فيها، شهد اليرموك وذهبت عينه فيها، شهد يوم الجمل وصفين مع أمير المؤمنين علي (عليه السلام) ولاه الامام على (مصر) فقصدها لكنه مات في الطريق فقال عنه أمير المؤمنين علي (عليه السلام): (رحم الله مالكاً فلقد كان لي كما کنت لرسول الله)). ينظر: المحبر: 303، الأعلام: 5 / 259، قبيلة النخع: 10 / 23
4- (وصبهم) في أ، تحريف

من أشدّهم في النهي عن القتال والتّحريص على التحكيم الأشعث فصاح بهم علي (عليه السّلَام) فكفّوا وقال في كلامهِ لهم: كُنْتُ أمْسِ أمير المؤمنين فأصبحت اليَومْ مَأمُوراً، وكُنْتُ نَاهياً فأصبحت منهیّا فعند ذلك أذعن (عليه السّلاَم) بما كلفُوه وانتهت الحال الى حيث انتهى، فلما سمِع الأشعث ذلك الكلام في الكوفة جهل مراده (عليه السّلَام) وتجاهل وحمله على أن المراد هذا جزائي حيث تركت الرأي والحَزم ورضيت بالتحكيم فقال: هذه لا ينفعك يا أمير المؤمنين بل يضّرك، وقيل كان مراده (عليه السّلَام) هذا ممّا يترتب على ترك العقدة ولو كان للخوف من الفتنة ولا محيص في مثل تلك الواقعة، (فَخفَض)(1)إليه بصرة، ثُمَّ قَالَ لَهُ (عليهِ السّلاَم): (وَمَا يُدْرِيكَ

مَا عَلَىَّ مِمَّا لِی! عَلَيْكَ لَعْنَةُ اللهِ وَلَعْنَهُ اللَّاعِنِینَ، حَائِكٌ بن حَائِكٍ، مُنَافِقٌ بنْ كَافِرٍ) الخَفْضُ (ضدّ الرفع)(2)و (خفض)(3)البصر [يكون](4)عند التحّقير والغضب، وأدَرَيتهُ أي: اَعلْمتُه، والمراد بالحائك أمَّا معناه الظاهر، وقد قيل: إن الاشعث وأباه كانا ينسجان برود اليمن، وقيل إنَّ أهل اليمن يعيّرون بالحياكة وليس هذا ممّا يخصّ الاشعث، وقال خالد بن صفوان(5)ما أقول في

ص: 81


1- (فحفض) في ح، وفي ر: (و حفض) تصحيف
2- الصحاح، مادة (خفض): 3 / 1074
3- (حفض) في ح، تصحيف
4- [يكون] ساقطة من ث، ر، م
5- خالد بن صفوان بن عبد الله بن عمرو ابن الأهتم التميمي المنقري، من فصحاء العرب المشهورين، ولد بالبصرة ونشأ فيها، وكان أيسر أهلها مالاً، له کلمات سائرة أدرك خلافة السفاح العباسي، وكان خطيباً وأشهر الناس على مدح الشيء وذمه سمي بالأهتم لأنَّ (قيس بن عاصم المنقري) ضربه بقوم فهتم فمه، كف بصره قبل وفاته، توفي سنة (133 ه). ينظر: المعارف: 403، 404 سير أعلام النبلاء: 6 / 226، والأعلام: 2 / 297

قوم ليس فيهم إلّا حائك برد، أو دابغ جلد، أو سائس قرد، ملكتهم امرأة، وأغرقتهم فأرة(1)، ودّل عليهم هُدهُد، وقيل في وجه التعيير إنَّه لنقصان عقول الحاكة(2)لمُعاملتهم النساء والصّبيَان، وَروی ((عن الصّادق / ظ44 / جعفر بن محمّد (عليهما السّلاَم) أنَّه قالّ: عقل أربعين معلّماً عقل حائك، [وعقل حائك عقل امرأة](3)، والمرأة لاعقل لها))(4). ((وعن موسی بن جعفر (عليهما السّلَام) (لاتستشيروا)(5)المعلّمين والحوكة فإنّ الله تعالى سلبهم عقولهم))(6)، وقيل: لأنهَّا مظَنّة الكذب والخيانة، وروى أنّ رسول الله (صلى الله عليه و آلهِ) دفع الى حائك من بني النجار [غزلاً] لينسج له صوفاً فكان يمطله ويأتيه رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) متقاضياً فيقف على بابه ويقول: ردّوا علينا ثوبنا لنتجمّل به في النّاسِ ولم يزل يمطله حتى توفي رسول الله (صلى الله عليه وآلهِ وسلم)(7)، وقيل: لأنَّ ذهن الحائك عامة وقته متوجهه الى جهة صنعته مصبوب الفكر الى أوضاع(8)الخيُوط المتّفرقة

ص: 82


1- (قارة) في ث، م
2- (للحاكة) في ر
3- [وعقل حائك عقل امرأة] ساقطة من ع
4- شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 1 / 324، ومستدرك الوسائل، میرزا حسن الطبرسي (ت 1320 ه): 13 / 97
5- (لا تستسروا) في أ، ر، ع، وفي ح (لا تستشروا) تحریف
6- شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 1 / 324، وبحار الأنوار: 100 / 78، ومستدرك الوسائل، میرزا حسين الطبرسي: 13 / 98، 97
7- ينظر: شرح نهج البلاغة ابن میثم البحراني: 1 / 324، وبحار الأنوار: 100 / 78، ومستدرك الوسائل، میرزا حسين الطبرسی): 13 / 98
8- (او صاغ) في ث، وفي ر: (الوضاع)

مع احتياجه الى حركة يَديْه ورجلَيْهِ، وأمّا المراد بالحياكة مِشيَةٌ تعرف بها، قيل كان الاشعث إذا مشى يحرك منكبيه، و (يفحج)(1)بين رجليه(2)، وهذه المشية [هي](3)المعروفة بالحياكة والتعيير بها [تعبير](4)بنقصان العقل، وأمّا المُراد بها الكذب ونسج الكلام روی محمّد بن يعقوب قدّس الله روُحه في الكافي عن أبي عبد الله (عليه السّلاَم) قال: ذكر الحائك عنده (عليه السّلاَم) إنَّهُ ملعُون فقال: إنَّما ذاك الذّي يحُوك الكذب على الله وعلى رسوله (صلى الله عليه وآلهِ)(5)، وقد سبق ذكر نفاقه وكفر أبيه واضح، ولفظة حائك ومنافق في بعض النسخ بالرّفع(6)فيكون خبر المحذوف، وفي بعضها بالنصب بتقدير حرف النّداء (وَاللهِ لَقَدْ أَسَرَكَ الْكُفْرُ مَرَّةً وَالْإِسْلاَمُ أُخْرَى، فَمَا فَدَاكَ مِنْ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَالُكَ وَلَا حَسَبُكَ) أمّا أسر الأشعث في الجاهليّة والكفر فروي الشّارح عن ابن الكلبي أنه قال في جمهرة النّسب إنّ مرادا لمّا قتلت قيسَاً الاشج أبا الاشعث [خرج](7)الاشعث طالباً بثأره في بني كندة فقاتلوا بني الحارث بن کعب فأسر الأشعث ففدى نفسه بثلَاثة الآف(8)بعير ولم يفد بها عربي

ص: 83


1- (يفحح) في ح، ث، ر، م، تصحيف
2- الرجل الفحج (هو الذي تتدالی صدور قدميه، وتتباعد عقباه، وتتفحج ساقاه) الصحاح، مادة (فحج): 1 / 333
3- ([هي] ساقطة من أ موجودة في ح، ر
4- (التعيير) ساقطة من م
5- ينظر: الاصول من الكافي: 2 / 340
6- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 1 / 246
7- [خرج] ساقطة من ث
8- (الآن) في ث، تحریف

قبلهُ(1)ولا بعده(2)، فعلى تقدير صّحة النّقل يكون المراد بقوله (عليه السّلَام) ما فداك من واحدة منهما، ما نّجاك من الوقوع(3)فيْها مالك وحسبك، والغرض تعييره(4)بضعف العقل، وقلّة التدبير فقد وقع في الأسر مع كونه ذا مال وحسب متمكّنا من القتال على وجه يكون له الغلبة على الخصوم، ورّبما يدّعي أن الظّاهر من نفي الفداء من الأسر هو الوقوع في الأسر لا عدم النجاة منه ولو لم يصّح النّقل كان الأمر واضحاً، وأمّا أسره في الإسلام فهو أنّه لمّا قبض رسول الله (صلى الله عليه وآلهِ وسلم) وارتدت بنو وليعة وهم الذّين قال فيهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (لَتَنتَهُنَّ يا بني وليعة أو لأبعثهنَ اليكم رجلاً عدیل نفسي يقتل مقاتلتكم ويسبي ذراریکم، قال عمر بن الخطّاب: (فما تّمنّيت الإمارة الاّ يومئذ، وجعلت انصب له صدري رجاء أن يقول لي: هو هذا، فأخذ بيد علي (عليه السّلَام)، وقال: هو هذا)(5)وقد کان اسلامهم ضعيفاً، فلّما وصل اليهم وفاته (صلّى الله عليه وآلهِ وسلم) اظهروا الكفر وغنت بغناياهم وخضبن أيدهّن، ولما ولي أبو بكر الخلافة أمر زیاداً(6)على حضر موت وأمره بأخذ البيعة على أهلها واستيفاء صدقاتهم

ص: 84


1- (قيله) في ث، تصحيف
2- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 1 / 247
3- (الولوع) في ع
4- (يعتره) في ث، تحریف
5- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 1 / 248، وروى الطوسي (لَتَنتَهُنَّ یا بنی ولیعة أو لأبعثهنَ اليكم رجلاً كنفسي، طاعته كطاعتي، ومعصيته كمعصيتي، بعصاكم أو يقصعکم بالسيف) الأمالي: 546، وروى الهيثمي (لَتَنتَهُنَّ يا بني وليعة أو لأبعثهنَ اليكم رجلاً كنفسي يقتلهم ويسبي ذراريهم) مجمع الزوائد الهيثمي: 7 / 110
6- زیاد بن لبید بن ثعلبة بن سنان بن عامر بن عدي بن أمية بن بياضة بن عامر بن زريق الأنصاري البياضي، يكنى أبا عبد الله، شهد العقبة فخرج الى الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) وأقام معه بمكة حتى هاجر معه الى المدينة، فكان يقال له مهاجري أنصاري، شهد بدراً وأحداً والخندق والمشهد كلها مع رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) واستعمله على حضرموت، وأقره عليها الخليفة أبو بكر (رضي الله عنه)، وولاه قتال أهل الردة من كندة، وهو الذي ظهر بالأشعث بن قيس فسیره الى الخليفة أبو بكر (رضي الله عنه)، توفي في حدود (50 ه). ينظر: أسد الغابة: 2 / 217، وأنساب الأشراف: 1 / 245، والوافي بالوفيات: 15 / 6، والإصابة: 2 / 484

فتابعوه إلاّ بنو وليعة(1)، فبيتهم(2)زياد في غفلة منهم فقتل كثيراً منهم ونهب وسبی فاستنصروا الأشعث فقال: لا أنصركم حتى تملكوني عليكم فملّكوه وتوجوہ کما يتوجّ الملك من قحطان، فخرج الى زياد في عسکر کثیف وكتب أبو بكر الى مهاجر بن أمية(3)أن يسير بمن معه وقد كان أميراً على صنعاء(4)الى زياد فلقوا الأشعث فهزموه ولجأ بقومه إلى الحصن فحاصرهم المُسلمون فنزل الأشعث ليلاً الى زياد والمُهاجر فسألهما الأمان على نفسه حتى يقدما

ص: 85


1- (ولبيعة) في ث
2- (فبيتهم) في ع، تصحیف
3- مهاجر بن أبي أمية سهيل أو حذيفة بن المغيرة المخزومي القرشي، صحابي، من القادة شهد بدراً، کامأسمه الوليد فسماه رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) (المهاجر)، وأخته (أم سلمة) زوجة الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) تخلف المهاجر عن وقعة تبوك سنة 9 ه فعتب الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) عليه ثم رضى عنه - بشفاعة أختة - واستعمله أميراً على صدقات کندة، والصدف، بعثه الخليفة أبو بكر (رضي الله عنه) الى اليمن لقتال المرتدين، فتولى إمارة صنعاء سنة (11 ه)، کما ارسله لنجدة زياد بن لبيد في حصاره لحصن (النجير) قرب حضر موت فأنجده وفتح الحصن سنة (12ه) وتوفي بعد هذه السنة. الأعلام: 7 / 310
4- (صنعا) في أ، ع

به على أبي بكر فيرى فيه رأيه على أن يفتح لهم الحصن(1)ويسلم اليهم قومه ومن في الحصن ليقتلوهم، وقيل كان في الأمان عشرة من أهل الاشعث فأمناهُ وأمضيا شرطه ففتح لهم الحصن فدخلوه وقد كان الأشعث أوهم قومه أنّه طلب الأمان / و45 / لنفسه ولهُم جميعاً فاستنزلوا كلّ ما فيه وأخذوا أسلحتهم وقالوا للأشعث: اعزل العشرة فعزلهم فتركوهم وقتلوا الباقين، وكانوا ثمانمائة وحملوا الأشعث الى أبي بكر موثقاً في الحديد وكذلك العشرة فعفا عنه وعنهم، فقال لأبي بكر: (استبقني لحرمك وزوجني أختك)(2)ففعل وزوجه أخته أمّ فروة بنت أبي قحافة(3)، وكانت عمياء فولدت له بنيناً ومنهم محمد بن الأشعث(4)وخرج يوم البناء(5)عليها الى سوق المدينة فما مّر بذات أربع إلاّ عقرها والتجأ الى دار من دور الأنصار فصاح به النّاس من كلّ جانب، وقالوا: قد ارتد الأشعث مرّة ثانية فأشرف عليهم من السّطح وقال: هذه وليمة البنا وثمن كلّ عقيرة في مالي فدفع أثمانها إلى أربابها(6)،

ص: 86


1- وهو حصن (النجير) قرب حضرموت لجأ اليه أهل الردة مع الأشعث بن قيس في أيام الخليفة أبي بكر الصديق (رضي الله عنه) معجم البلدان: 5 / 272
2- الإستیعاب: 1 / 138، وسير أعلام النبلاء: 4 / 99، والإصابة: 1 / 240
3- ورد خبر زواجهما في تاريخ اليعقوبي: 2 / 123، وتاريخ الطبري: 2 / 548، والإستیعاب: 1 / 134، وتاريخ الإسلام: 3 / 610، والوافي بالوفيات: 9 / 162
4- محمد بن الأشعث بن قيس بن معد یکرب بن معاوية بن جبلة الندي، يكنى أبا القاسم، وأمه فروة بنت أبي قحافة عثمان بن عمار، قائد، من أصحاب مصعب بن الزبير شهد معه أكثر وقائعه، قتل مع عبید الله سنة (67 ه) قبل مقتل المختار الثقفي بأيام. ينظر: الطبقات الکبری: 5 / 65، والأعلام: 6 / 39
5- (النباء) في أ، ع، تصحيف
6- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 1 / 325

وبقى الأشعث من بركات أبي بكر الى أن حضر صفين وكان من شهود کتاب التحكيم بعد اقعاده النّاس عن حرب معاوية كما تقدّم.

(وَإِنَّ أمْرَأً دَلَّ عَلَى قَوْمِهِ السَّيْفَ، وَسَاقَ إِلَيْهِم الْحَتْفَ، لَحَرِيٌّ أَنْ يَمْقُتَهُ الْأَقْرَبُ، وَلَا يَأْمَنَهُ الْأَبْعَدُ) قد عرفت دلالة السّيف على قومه، والحتف بالتاء المثنّاة مِن فوق (الهلاك)(1)، وفي بعض النّسخ(2)بالياء المثّناة من تحت وهو (الجور والظّلم)(3)وكون قتلهم جورا أمّا أنهَّم رضوا بالإسلام ولم يصرّوا على الكفر ولم يكونوا ممّن وُلد على فطرة الإسلام، أو لأنَّ الأمر لم يكن لأبي بكر فما فعله ظلم(4)وإن كان موافقاً لحكم الله فيهم، أو لأنَّه (عليه السّلاَم) يرى الحكم فيهم غير ذلك، أو لأن قتلهم والاستيلاء عليهم كان على وجهِ الغدر کما سبق، أو لأنَّه كان ظلماً باعتراف الأشعث وزعمه إذ لم يكن من المذعنين بالإسلام، والحُريّ مثقلاً، وكذلك الحري بالتخفيف الجدير اللائق(5)إلاَّ أنَّ المثقل يثنى ويجمع ويذكّر ويؤنث بخلاف المخفّف فيقع على الجميع، والمَقْتُ (أشدّ البُغْض)(6)، ولما كان الغدر والظّلم بالأقرب أفحش وأفضح جعل(7)(عليه السّلاَم) للأقرب المقت، وللأبعد الخوف قَالَ السَّيِدُ: (یریدُ

ص: 87


1- لسان العرب، مادة (حتف): 9 / 38
2- اشار الى رواية الياء ابن میثم البحراني في شرح نهج البلاغة: 1 / 323، وفيه: (وروي بالياء وهو الميل)
3- لسان العرب، مادة (حيف): 9 / 60
4- (اظلم) في ث، ر، م
5- ينظر: الصحاح، مادة (حرا): 9 / 2311
6- لسان العرب، مادة (مقت): 2 / 90
7- [جعل] ساقطة من ث، وفي م: (اسند)

(عَليهِ السَّلام) أنَّهُ أُسِرَ في الكُفْرِ مَرَّةً، وفي الْإِسْلامِ مَرَّةً. وأَمَّا قَوْلُهُ: (دَلَّ عَلَى قَوْمِهِ السَّيْفَ) فَأَرَاد به حَدِيثَّا كَانَ لِلأَشْعَثِ مع خالد بن الوليد باليمامة، غرَّ فِيْهِ قومَهُ، ومَكَرَ بهِمْ؛ حَتّى أَوْقَعَ بهم خالدٌ، وكان قوْمُهُ بَعْدَ ذلِكَ يُسَمُّونَهُ

عُرْف النَّارِ، وَهُوَ اسْمٌ للْغَادر عندهم). قال بعض الشّارحين: (العرف كلّ عالٍ مرتفع)(1)، والأعراف في القرآن سور بين الجنّة والنّار ولمّا كان من شأن كلّ مرتفع عالٍ أن يستر ما(2)وراءه، وكان الغادر يستر بمكره وحيلته أموراً كثيرة وكانَ هُوَ قَد غَرّ قَوْمَهُ بالباطِل، وغدر(3)بهم صدق عليه بوجه الاستعارة لفظ عرف النّار لستره(4)عنهم ما وراءه من نار الحرب أو نار الآخرة إذ حملهم على الباطل(5)انتهى. ويمكن أن يكون تسميته بالعرف بمعنى المرتفع لكونه شريفاً في قومه وإضافته الى النّار مستحقّا لها ويخدشه تسميته مطلق الغادر کما ذكره السيّد رضي الله عنه، وأن يكون من العرف بمعنی موج البحر تشبيهاً له في كونه مظنة للشر بتلاطم النّار في التهابها وشدّة توقّدها، وقالَ الشّارح(6)لم نعرف(7)في التواريخ أنّ الأشعث جرى له باليمامة مع خالد هذا ولا شبهه، وأين كندة واليمامة! كندة باليمن، واليمامة لبني حنيفة، ولا أعلم من أين نقل الرّضي هذا!، وأمَّا تسميته بعرف النّار فحکاه

ص: 88


1- لسان العرب، مادة (عرف): 9 / 241
2- (من) في أ، ع
3- (عذر) في أ، ث، ر، ع
4- (ليستره) في م
5- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 1 / 326
6- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 1 / 250
7- (تعرف) في أ، ث، ع

هو أيضاً عن الطّبري(1)قال: [أبو جعفر محمد بن جرير في التاريخ](2): كان المُسلمون يلعنون الأشعث، ويلعنه الكافرون أيضاً وسبايا قومه، وسمّاه نساء قومه عُرف النّار وهو اسم للغادر عندهم.

ومن خطبة له (عليه السَّلام)

(فَإِنَّكُمْ لَوْ عَايَنْتُمْ(3)مَا قَدْ عَايَنَ مَنْ مَاتَ مِنْكُمْ لَجَزِعْتُمْ وَوَهِلْتُمْ وَسَمِعْتُمْ وَأطَعْتُمْ وَلَكِنْ مَحجُوبٌ / ظ 45 / عَنْكُمْ ما قَدْ عايَنُوا وَقَرِيبٌ مَا يُطْرَحُ الحِجَابُ وَلَقَدْ بُصِّرْتُمْ إِنْ أَبْصَرْتُم، وَأُسَمِعْتُمْ إِنِ سَمِعْتُمْ وَهُدِيتُمْ إِنْ اهْتَدَيْتُمْ) عاين الشيء عياناً أي: رآه بعينه، والجزع (الحزن والخوف)(4)والوَهَل بالتحّريك الضّعف والخوف(5)والتكرير على بعض الوُجوه للتأكيد والمراد بما عاينَ من مات قبلهم الحقّ الذّي ظهر لهُم عياناً، وهو أنَّه (عليه السلاَم) على الحقّ، وإنَّهم على الباطل ومن أهل النّار بمخالفته وعدم الانقياد له وهذا بظاهره يشمل عذاب القبر، ومعاينة أمير المؤمنين [(عليه السّلَام)](6)عند الموت، والعلم بالمصير والعاقبة حينئذ وأخبارنا

ص: 89


1- قال الطبري (... فكان معهم يلعنه المسلمون، ويلعنه سبايا قومه، وسماه نساء قومه عرف النار کلام یمان يسمون به الغادر) تاريخ الطبري: 2/ 548
2- [قال أبو جعفر محمد بن جرير في التاريخ] لم ترد في جميع النسخ، وذكرت في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 1 / 250 وهي زيادة يتطلبها السياق
3- (لو قد عاينتم) في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 1 / 252، ونهج البلاغة، صبحي الصالح: 50
4- لسان العرب، مادة (جزع): 8 / 47
5- ينظر: لسان العرب، مادة (وهل): 11 / 737
6- [(عليه السلام)] ساقطة من ع

متضافرة بمعاينة الرسول [(صلى الله عليه وآله)])(1)والأئمة (عليهم السّلَام) عند الموت ذكر كثيرا منها ثقة الإسلام محمد بن يعقوب (رضي الله عنه) في كتاب الجنائز من الكافي(2)، والصّدوق (رضي الله عنه) في الفقيه وغيره من كتبه وكذلك غيرهما في كتبهم، وقال الشّارح(3)بعد حکاية القول بمعاينته (عليه السّلاَم) عند الموت عن الشيعة: (ويروى عنه (عليه السّلاَم) شعراً قاله للحارث الأعور الهمداني(4):

يَا حارِ هَمدْانَ مَنْ يَمُتْ يَرَنَي ٭٭٭ مِنْ مؤمِنٍ أوْ مُنَافِقٍ(5)قُبُلَا

يَعْرفَنْي طَرفْهُ وأعَرِفُهُ ٭٭٭ بِعَيِنَيْهِ وَاسْمِه وَمَا فَعَلاَ

أقُولُ لِلنَّارِ وَهَي تُوقَدُ لِلْ ٭٭٭ عَرْضِ ذَريْهِ لا تَقْرُبْي الرَّجُلا

ذَريْه لا تَقْرَبِيْهِ إِنَّ لَهُ ٭٭٭ حَبْلاً بِحَبْلِ الْوَصِيّ مُتِصَّلاً

قال: وليس هذا بمنكر أنّ صح انّه (عليه السّلاَم) قاله عن نفسه ففي الكتاب العزيز مَا يدلّ على أنّ أهل الكتاب لا يموت منهم ميّت حتّى يصدّق بعیسی بن مریم (عليه السّلاَم)، وذلك قوله تعالى: «وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا»(6)قال كثير من

ص: 90


1- [(صلى الله عليه وآله)] ساقطة من ح، ث، ر، م
2- ينظر: الاصول من الكافي، الكليني: 3 / 128
3- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 1 / 253
4- هو الحارث بن عبد الله بن کعب بن أسد الأعور الهمداني الخارفي الحوثي الكوفي، ويكنى أبا زهير، صاحب أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، توفي أيام ولاية عبد الله بن یزید الانصاري الكوفة سنة (65 ه). ينظر: تاریخ ابن معن الدوري: 1 / 218، وسير أعلام النبلاء: 4 / 152 - 155، والإصابة: 1 / 58، وأعيان الشيعة، محسن الأمين: 4 / 365
5- (مسافر) في ع
6- النساء / 159

المفسرّین(1): يعنّي أن كلّ ميّت من اليهُود وغيرهم من أهل الكتاب إذا احتضر رأي المسيح (عليه السّلاَم) فيصدق به من لم يكن في أوقات التّكّليف مصدقا به(2)و(ما) في قوله (عليه السّلَام): (ما يطرح الحجاب) مصدريّة وهي مبتدأ خبرهُ قريب، والفعل في بعض النسخ على صيغة المجهُول(3) فیکون (الحِجابُ) مرفوعاً، وفي بعضها معلوم، [و (الحجاب) منصوب فتكون (ما) موصولة](4)، والتَّبصِير (التعريف والایضاح)(5)، ومفهُوم الشرط أمّا عدم تحقق التّبصير(6)حقيقه لعدم تأثيره من حيث عدم قبول المادة، أو الجزاء محذوف أي: إن کنتم من أهل البصيرة فيجدیكم وينفعكم (بِحَقٍّ(7)أَقوُلُ لَكُمْ: لَقَدْ جَاهَرَتْكُمُ الْعِبَر، وَزُجِرْتُمْ بِمَا فِيهِ مُزْدَجَر، وَمَا يُبَلِّغُ عَنِ اللهِ بَعْدَ رُسُلِ السَّمَاءِ إِلَّا البَشَر) العِبرَ جَمع عبرة بالكسر وهي ما يتعظ به الإنسان ويعتبره ليستدلّ به على غيره، وجَاهرتكم أي: كشفت لكم السّتر واظهرت أنفسها وعاقبة الأمرِ عندكم والازدجار يكون لازماً ومتعدیا، ويُقال زجَره أي: منعه ونهاه، وازدجرهفازدجر، والمزدجر يحتمل المّكان والمصدر ومّا فيه مزدجر النّواهي الآلهية المؤكدة بالعقوبات والمواعيد وأخبار القرون السّالفة

ص: 91


1- ينظر: جامع البيان عن تأویل آي القرآن، محمد الطبري: (ت 310 ھ): 6 / 24، والكشف والبيان عن تفسير القرآن، الثعلبي (ت 427 ه): 3 / 412، والكشاف، الزمخشري: 1 / 580
2- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 1 / 253
3- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 1 / 252
4- [و (الحجاب) منصوب فتكون (ما) موصولة ساقطة من أ، ث، ر، ع
5- لسان العرب، مادة (بصر): 4 / 65
6- (التبصر) في ح
7- (وبحق) في شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: 1 / 252، ونهج البلاغة، صبحي الصالح: 50

کما اشار اليها سبحانه بقوله: «وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ»(1)، وفي الكلام بيان لوجه التبصير والإسماع والهداية وبعد رسل السّماء أي: بعد تبليغ الملائكة وأدائهم الوحي الى من اصطفاه الله من البشر لحمل أعباء الرّسالة لا أنّ الملائكة يبلغون النّاس ثمّ الرسّل، والغرض أنَّ الحجّة قد تمّت ولم يبقَ(2)أمر منتظرٌ.

ومن خطبة له (عليه السَّلام)

(فَإِنَّ الْغَايَةَ أَمَامَكُمْ، وإِنَّ وَرَائَكُم السّاعَةَ تحْدُوكُمْ) المراد بالغاية أمّا الجنّة والنّار والثّواب والعقاب أو الأجل أو الموت، وكون الغاية أمامهم؛ لأنَّها(3)محّط رحالِهم(4) ومصيرهم(5)[في مسيرهم](6)فهم كالقاصد لها متوجهون(7)اليها وكون السّاعة / و46 / ورائهم لأنّهم في فرارهِم ونفارهم عن الموت والسّاعة كالهارب منها فتكون(8)خلفهم تحدوهم أي: تسوقهم کما پسوق(9)الراّعي إبله الى جهة لا تسرع اليها بطبعها، والحداء سَوْقُ الإبل والغِناءُ لها)(10)فتسرع عنده في سيرها أو هي وراءهم، لأنهَّا تجئ بعد يومهم

ص: 92


1- القمر / 4
2- (تبق) في أ، ع، تصحيف
3- (لأنه) في أ، ع
4- (حالهم) في ع
5- (مصبرهم) في ث، تصحيف
6- [في مسيرهم] ساقطة من أ، ع
7- (متوجهرن) في م
8- (فيكون) في أ، ع، م، تصحيف، وفي ث: (فكون)، تحریف
9- (تسوق) في ث، ر، م، تصحيف
10- الصحاح، مادة (حدا): 6 / 2309

وتجمعهم ليوم الجمع کما يسوق الراّعي إبله الى موردها ومبرکها وکون المصير الى الجنة والنّار أيضا في الأيّام المتأخرّة مع أنّه (عليه السّلاَم) جعل الغاية أمامهم لا ينافي ذلك لاختلاف الاعتبار أو لأنّ الأصل في الغاية الجنة والثواب وهما مطلوُبان بخلاف السّاعة؛ لأنّها بذاتها لا يرُغب اِلَيها، ولعلّ ما ذكر أولا أظهر وما حکی عن بعض الشّراح من أنّ المعنى الجنّة والنّار خلفكم(1)والسّاعة قدامكم فسهو، والوراء وإن كان يطلق على القدام إلاَّ أن كون السّاعة كالحادي يمنع عنه مع أن الأمام لا يكون بمعنى الخلف، وقيل حدو السّاعة تذکیرها بزواجر الموت وما بعده واز عاجها النّفوس الى الاستعداد للقاء الله والأُهبة للحساب (تَخَفَّفُوا تَلْحَقُوا، فَإنَّمَا يُنْتَظَرُ بِأَوَّلِكُمْ آخِرُكُمْ) التخففّ هو القاء الأثقال المانعة عن الإسراع في المشي واللّحوق بالسّابقين، ولعلّ المُراد بالأثقال في هذا المقام الأشغال والأعمال المانعة عن اللّحوق بالأبرار والوصول الى منازل الأخبار والنجاة للمخفيّن(2)بدلالة الأثر وشهادة العيان، ولعل توجيه التّعليل على هذا أن يقال: لما كان استقرار السّالفين من المتقيّن في المنازل المعدّة لهم موقوفاً على استعداد اللاّحقين بالأعمال الزّاكية للفوز بالكرامة حتى يجتمع الأبرار جملة وينفذ أمر الله في العدد المعلوم في علمه سبحانه دفعة واحدة فيُبلّغُ الملائكة الموکّلون بإنفاذ الأمر كلاّ منهم إلى مرتبته المعدّة له فكانت الملائكة منتظرين في إمضاء الأمر

ص: 93


1- معنى قوله (عليه السلام) (فإنَ الغاية أمامكم) فسروه بأنَّ الجنة والنار قدامكم، وليس کما ذكره ابن کلستانه بمعنى (خلفكم ينظر: منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، الراوندي: 1 / 187، وشرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 1 / 331، 330
2- (للمحفين) في ث، وفي ع: (للمحقين)، تصحيف

في الأوّلين للحوق الآخرين ويمكن أن يجعل المنتظِرين على صيغة الفاعل ذلك الأمر الآلهي على نوع من التجوّز، ويحتمل أن يكون التخفف کناية عن قطع العلاقة عن الاستقرار في الدنّيا. والركون الى الإقامة فيها فإنّها (دَار مَمرٍ لا دَار مَقرّ) وليس المراد الإسراع إلى دار الآخرة كما يتوهم من ظاهر کلام الشّارحین(1)لعدم دخوله تحت القدرة، بل المراد توطين النّفس على ترك التوطّن في الدنيا وتهيئة الزّاد للمسير الى منزل لابدّ [...](2)من المصير اليه وهو الآخرة التّي خلق النّاس لها والانتظار بالأوّلين كناية عن كونهم کمن سبق من الرّفقة الى بلدة لا يؤذن لهُم في دخولها إلاَّ بالاجتماع ولحوق الآخرين أي: لابدّ لكم من تَركِ هذه الدّار ونزول دار القرار والاجتماع بين يدي الملك الجبّار فاستعدوا للرّحيل ولا تجعلوا الدّنيا منزل استيطان، ولعلّ هذا الوجه ألصق بأوّل الكلام، وكلام الشّارحين في هذا المقام لا يخلو عن خفاء وإيهَام، قال السيّد (رحمهُ الله): (وأَقول إِنَّ هذا الكَلاَمَ لَوُ وُزِنَ بَعْدَ كلام

اللهِ سُبْحَانه، وَبَعْد كَلاَمِ رَسُولهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلهِ وسلم) بِكُلِّ كَلاَمٍ لَمَالَ بِهِ راجِحاً، وَبَرَّزَ عَلَيْهِ سَابِقاً.

فَأَمَّا قَوْلُهُ (عَلَيْهِ السّلاَمُ) (تَخَفَّفُوا تَلْحَقُوا)، فَمَا سُمِعَ كَلاَمٌ أَقَلَ مِنْه مَسْمُوعاً وَلَا أَكْثَرُ مَحْصولاً، وَمَا أَبْعَدَ غَوْرَهَا مِنْ كَلِمَةٍ! وأنْقعَ نُطْفتَهَا(3)مِنْ حِكْمَةٍ!

ص: 94


1- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 1 / 255، وشرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 1 / 331
2- [من المسير الى منزل لابد] زيادة في م، لا يقبلها السياق
3- (وانقطع نطقتها) في، م، تحریف

وقَدْ نَبَّهْنَا في كتاب (الخَصَائِص)(1)عَلىَ عِظَم قَدْرِهَا، وَشَرَف جَوْهَرِهَا) برز الفرس على الخيل تبریزاً إذا سبقَها(2)ومسموعْ الكلام كلماته ومحصوله فوائده، والنّطفة الماء الصّافي قَلَّ أو كَثُرِ، وقيل هي بالقليل [أخص](3)، ويسمى المنيّ نطفة لقلّته ونَقَع الماء العَطَشُ أي سكنه وأنقعني الماء، أي: أرواني، وفي بعض النّسخ (وأنفع نطقها) بالفاء في الكلمة الأولى، والنّطق بالقاف / ظ46 / مصدر قولك: نطقت بالكلام، والضّمير في (غورها) مبهم يفسّره ما بعده، والإبهام للتفخيم و(من) کلمة تميز عن مفرد هو الضّمير وكذلك الحال في الفقرة(4)الثانّية، والعِظم بكسر العين على ما في الأصل مصدر وبالضّم على ما في بعض النّسخ اسم من قولك: تعظّم فلان إذا تكبرّ(5).

ومن خطبة له (عليه السَّلام) هذه الخُطبة من خطب الجمل

كما ذكره الشارح عبد الحميد بن أبي الحديد(6)وذكر طائفة منها صريحة في التظلم (أَلَا وَإِنَّ الشَّيطَانَ قَدْ ذَمَرَ حِزْبَه، وَاسْتَجْلَبَ جَلَبَهُ، لِيَعُودَ الجَوْرُ إِلَی أَوْطَانِهِ، وَيِرْجِعَ الْبَاطِلُ في نِصَابِه) الذّمر الحثُّ والحَضُّ مع لوم واستبطاءٍ، قال بعض الشارحين(7): يروي: (ذَمَر) بالتخفيف (وذمّر) بالتشديد، والتشديد

ص: 95


1- ينظر: خصائص الأئمة، الشريف الرضي: 112
2- ينظر: تاج العروس، مادة (برز): 8 / 11
3- [أخص] ساقطة أ، ث ر، ع، م
4- (الفطرة) في أ، ع، تحریف
5- ينظر: لسان العرب، مادة (عظم): 12 / 409
6- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 1 / 257
7- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 1 / 256

دليل على التكثير، والحزب بالكسر (الطّائفة)(1)، وجَلبَه يْجَلُبُهُ يْجَلِبُهُ ساقَهُ من موضِع الى آخرٍ(2)، واستجلبه(3)طلب أن يجلب له، والجَلب بالتحريك الجماعة من النّاس والخَيل يجمعُ ويُجلَبُ(4)، وَالوطن (منزل الإقامة)(5)، وفي عود الجور الى أوطانه ورجوع الباطِل الى نصابه إشعار ببطلان السَّابقين، ونصاب الشيء أصله ومرجعه(6). (وَاللهِ مَا أَنْكَروُا عَلَيَّ مُنْكَراً، وَلاَ جَعَلُوا بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ نَصَفاً؛ وَإِنَّهُم لَيَطْلُبُونَ حَقَّاً هُمْ تَرَكُوه، وَدَماً هُمْ سَفَكُوُه؛ فَلَئنْ(7)كُنْتُ شَرِيكَهُمْ فِيهِ؛ فإِنَّ لَهُمْ لَنَصِيْبَهُمْ مِنْهُ، وَلَئن كَانُوا وَلُوهُ دُونِي، فَمَا التَّبِعَةُ إِلَّا عِنْدَهُمْ) المراد بمن أنكر طلحة والزُبَيّر وسائر أصحاب الجمل، وما أنكروه وهو أنَّه (عليه السّلاَم) قتل عثمان، وقد أنكر (عليه السلام) کونه منکراً، أمَّا الإستجابة القتل کما يدّل عليه قوله (عليه السّلاَم): (الله قتله و أنا مَعَهُ)، أو لأنَّه (عليه السّلاَم) لم يكن من قاتليه، وإن رضي بقتله کما رضي الله به، والنِّصف بالكسر اسم من الإنصاف وهو العدل(8)، وإيراد بعض الشّارحين على القُطب الراوندي(9)بأنَّه (لامعنى لقوله: (لاجعلوا بيني وبينهم

ص: 96


1- لسان العرب، مادة (حَزِبَ): 1 / 309
2- ينظر: المصدر نفسه، مادة (جلب): 1 / 268
3- (استجلب) في ع
4- ينظر: السان العرب، مادة (جلب): 1 / 268
5- تاج العروس، مادة (وطن): 18 / 576
6- ينظر: لسان العرب، مادة (نصب): 1 / 761
7- (فأن كنت) في شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: 1 / 256
8- ينظر: الصحاح، مادة (نصف): 4 / 1433
9- قال الراوندي: (... والنصف النصفة) منهاج البراعة في شرح نهج البراعة: 1 / 188

إنصافا))(1)، بل المراد الذي ينصف خروج عن الإنصاف لاتساع عرصة المجاز(2)والمآل [هو](3)ما ذكره، والمراد بالحق ما يطلبه المدعّى وإن كان باطلا فيه شهادة على كونه حقاً حتي ينافي الإنكار السّابق، وقد ترك طلحة والزّبير اتباعهما مّا زعموه حقاً؛ لأنهم خذلوا عثمان وكانوا من قاتلیه کما ذكره جل أرباب السّير، ووَلُوهُ بضمّ اللاّم أي: قاموا به وتصدَّوُا له وأصله (القرب والدنو)(4)، والتبعة الشيء الذي يطلبه أحدٌ ويتبعه أثم وعقوبة، والتبعة في ذلك القتل على زعمهم واعترافهم ولتعرضهم له بالباطل (وإِنَّ أَعْظَمَ حُجَّتِهِمْ لَعَلَى أَنْفُسِهِمْ) لكونهم أدخل وأحرصّ في قتله من كثير من محاصريه ومنابذيه والتّفصيل بالنسبة الى هؤلاء بالنّسبة اليه (عليه السّلاَم) إذْ لا حجة عليه، أو المُراد أنَّ ضرر حجتهم عليهم أعظم من جدواهَا لَهُم (يَرْتَضِعُونَ أُمّاً قَدْ فَطَمَتْ، ويُحْيُونَ بِدْعَةً قَدْ أُمِيتَتْ. يَا خَيْبَةَ الدَّاعِي! مَنْ دَعَا! وَإِلى ما أُجِيب!) فطم الاُمّ الصّبی کضرب أي: فصله عن الرّضاع، والبدعة التي أميتت ما سنّه عثمان من الاستئثار بالأموال وغيره، والخيبة والحرمان والخُسران ونداءها کنداء الحسرة في قوله تعالى: «يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ»(5)أي: احضري فقد حان حين حضورك، وما ذكره بعض الشّارحين من أنَّ تقديره: يا هؤلاء فحذف المنادي، ثم قال خيبة الدّاعي أي: خاب الدّاعي

ص: 97


1- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 1 / 257
2- (المحاز) في ث، تصحيف
3- [هو] ساقطة من ع
4- تاج العروس، مادة (ولي): 20 / 310
5- يس / 30

خيبة(1)فبعيد غاية البعدِ، والاستفهام تحقير للدّاعي وبيان لخيبته بالاشارة الى حقارة المدعوّ، أو حقارة نفسه، ولعلَّ الأوّل أقرب معنی / و47 /، ثم بالإشارة الى حقارة ما دُعي اليه وهو نصر الباطل وإحياء البدع (وإِنَّي لرَاضٍ بِحُجَّةِ اللهِ عَلَيْهِمْ، وعِلْمِهِ فِيهِمْ فَإِنْ أَبَوْا أَعْطَيْتُهُمْ حَدَّ السَّيْف، وَكَفَى بهِ شَافِياً مِنَ الْباطِلِ، وَنَاصِراً لِلْحَّقِ!) حجّة الله ما يدلّ عليه كلامه ويظهُر من سنّة رسوله الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والرضّا بها عدم تعديّها في الاحتجاج وعلم الله فيهم ما حكم به في شأنهم لاستحقاقهم إيّاه أي: لا أتعدّى فيما طلبوا من دم عثمان، والتّفضيل في العطاء ونحوهما ما أمر الله وقضى به فإنَّ لم برضوا به قاتلتهم وكفى بالسّيف أوجده ماحياً للباطِل ومشيّداً لأركان الحقّ (وَمِنَ الْعَجَبِ بعْثَتُهُمْ إِلَیَّ أَنْ أَبْرُزَ إِلَی الِطّعانِ وَأَنْ أَصْبِرَ لِلْجلاَدِ. هَبِلَتْهُمُ الْهَبُول! لَقَدْ كُنْتُ وَمَا أُهَدَّدُ بِاْلحَرْبِ، وَلَا أُرَهَّبُ بِالضَّرْبِ. وإِنِّي لَعَلَى يَقِینٍ مِنْ رَبِّي وَغَیْرِ شُبْهَةٍ مِنْ دِينِي) البروز الظّهور والخروج، والطّعان بالكسر التّطاعن والتّضارب بالرّماح کالجلاد بالسّيوف(2)، وهَبلته أمّه کفرح فقدته، والهَبول بالفتح (من النّساء [التي](3)لا يبقى لها ولد)(4)، و(لَقَدْ كُنُت وَمَا أُهَدَّدُ) أي: ما زلْت لا أهدّد كقوله تعالى: «وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا»(5)والواو زائدة كذا

ص: 98


1- ينظر: منهاج البراعة في شرح نهج البراعة: 1 / 189
2- ينظر: لسان العرب، مادة (طعن): 13 / 266
3- [التي] ساقطة من أ، ع
4- لسان العرب، مادة (هبل): 11 / 686
5- النساء / 17

قال بعض الشارحین(1)، ويحتمل أن (تكون)(2)الواو للحال و(كنت) تامةّ لا ناقصة لاحتياجها الى تقدير الخبر وما ذكره أقرب معنی وفي قوله (عليه السّلاَم): (وإنّي لعلى يقين) تأكيد لصبره على الحرب والعجب من بعثهم.

ومن خطبة لهُ (عليه السَّلام)

هذه الخُطبة رواها محمد بن يعقوب الكليني (رضي الله عنه) في الكافي(3)بزيادة في أوّلها يتضمّن الحثّ على الأمر بالمعرُوف والنّهي عن المنكر (أمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الأمْرَ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاء إِلَی الْأَرْضِ كَقَطْرِ الْمَطَرِ إلى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا قُسِمَ لَهَا

مِنْ زِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ) القَطْر بالفتح جمع قَطْرة أو جنس والجمع قِطار ککتاب، والمراد بالأمر ما قدر للخلائق من مال أو ولد أو غير ذلك أو التقدير الذي به يزيد وينقص ما قدّر لهم والأمر يشارك القطر في النّزول المصّرح به وفي البّث والتّفريق على المحالَ المُستعدّة للنّزول بحسب الحكمة الآلهية وفي عدم تساوى المحال في الاستعداد ونزول الأمر من السّماء لكون التّقدير في اللوح المحفُوظ، أو لأن الملائكة الموكلّين بإمضائه تنزل من السّماء وما ذكره بعض الشارحين من أنّ الحركات الفلكية لما كانت شرائط [معدّة](4)يصدر بواسطتها ما يحدث في الأرض كانت السّماء مبادئ على بعض الوجُوه لنزول الأمر)(5)فمبني على الأصُول الفاسدة ولا حاجة الى التجوز في السّماء

ص: 99


1- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 1 / 258
2- (يكون) في أ، ث، ح، ر، تصحيف
3- ينظر: الاصول من الكافي: 5 / 57
4- [معدة] ساقطة من ع، م
5- شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 2 / 5

وارادة سماء الجود(1)منهَا (فَإِذا رَأَى أَحَدُكُمْ لَأِخِيْهِ غَفِیَرةً فِي أَهْلٍ أَوْ مَالٍ أَوْ نَفْسٍ؛ فَلاَ تَكُونَنَّ لَهُ فِتْنَةً) الغفيرة الكثرة والزّيادة كما فسّر السّيد (رضى الله عنه)(2)والغفيرة في النّفس اتّصافها بالصّحة والقوة والجمال صفات الكمال، والظّاهر أنّ المراد بالفتنة الابتلاء بسخط القضاء وكراهة القدر وعدم الرّضا بقسم العليم الحكيم على حسب مصلحة العباد في المعاش والمعادِ، وفي رواية الكافي (فإن أَصَابَ أَحَدَكُم مصيبة في أهْلٍ أَومْالٍ أَوُ نَفْسٍ وَرَأى عِنْدَ أخْيهِ غَفِیْرَةً)(3)الى آخره / و47 / وقال بعض الشّارحين: (مصدر هذا الكلام النّهي عن الحسد)(4)، وذكر بعض الكلمات في ذّم الحسد والنّهي عنه داخل فيما ذكرنا (فَإِنَّ الْمَرْءَ الْمُسْلِمَ مَا لَمْ يَغْشَ دَنَاءَةً تَظْهَرُ فَيَخْشَعُ لَهَا إِذَا ذُكِرَتَ وتُغرَى(5)بَهِا لِئَامُ النَّاسِ؛ كَانَ كَاْلفَالِجِ الْيَاسِرِ الَّذِي يَنْتَظِرُ أَوَّلَ فَوْزةٍ مِنْ قِدَاحِهِ تُوْجبُ لَهُ الْمَغْنَم، وَتَرْفَعُ عنه الْمَغْرَمُ.) غشِي الرّجل الشّيء کَرِضَی إذا لابسه، والدَّناءة بالفتح الخسّة والسقوط، والخُشوُع والتذّلل والخضوع، أو الخشوع في الصّوت والبصر كالخضوع في البدن، (وتُغری بها لِئام) على صيغة المجهُول وتأنيث الضمير المجرور، ورفع اللّئام من أغريتُ الكلب بالصيد أي حرّشته وهَيّجتهُ ليصيده، أو من غری به کرضی أي (أوَلِعَ)(6)

ص: 100


1- (الجور) في ع، تحریف
2- قال الرضي: (أقول: الغفيرة ها هنا الزيادة والكثرة) ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 1 / 264
3- الاصول من الكافي: 5 / 57
4- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 1 / 266
5- (ونعرى) في ا، ث، ر، م، وفي ع: (يغرى) تصحيف
6- لسان العرب، مادة (غرا): 15 / 121

فالباء للسبية، والضّمير المجرور للدّناءة أي تولع بسبها لئام النّاس بالمَرء، وفي بعض النّسخ الصّحيحة (وتُغري به لِئام)(1) على لفظ المعلوم من الإغراء وتذكير الضمير المجرُور ونصب اللّئام والفاعل(2) الدّناءة والضّمير المجرُور للمرءَ المُسلم، واللّئام ضِدّ الکِرام(3)، وَالفالِج الغالب (الفائز)(4) يقال: فلج أصحابه وعلى أصحابه کنصر إذا غلبهم(5) والاسم الفلج بالضّم، و (الياسر المُقامر)(6)، والفّوز الظّفر، والقداح جمع قِدح بكسرهما وهو السهم قبل أن یراش(7) وينصل(8)، والغَنم بالفتح المصدر وبالضمّ الاسم، والمغنم والغنيمة وَ الغُنْم ما يصاب من الأموال(9)، والغُرُم آداء شيء لازم(10)، والمغَنم والمَغرم(11) بالفتح فيهمَا يكونان مصدرين واسمين والفعل فيهما كعلم والقداح الموجبة للمغنم السّبعة التي لها أنصباء وللمغرم الثّلاثة الباقية وقد جمعت أسماؤها في هذه الأبيات:

هِي فَذّو تَوأمٌ وَرَقيبٌ *** ثُم حِلْسٌ ونَافِسٌ ثمْ مُسْبِلٌ

ص: 101


1- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، القطب الراوندي: 1 / 190
2- (فالفاعل) في ث، ح، ر
3- ينظر: تاج العروس، مادة (لأم): 17 / 634
4- معجم مقاییس اللغة، مادة (فلج): 4 / 448
5- ينظر: لسان العرب، مادة (فلج): 2 / 348
6- تاج العروس، مادة (فلج): 3 / 460
7- (یراس) فيع، تصحيف
8- ينظر: الصحاح، مادة (قَدح): 1 / 394
9- ينظر: لسان العرب، مادة (غنم): 12 / 446
10- ينظر: المصدر نفسه، مادة (غرم): 12 / 437
11- (والمغنم) في ح

وَالمُعَلّ وَالوَغْدُ ثمَّ سَفْيحٌ *** وَمَنْيخٌ هذِهِ الثلاثَة تُهمَلْ

وَلِكُّلٍ مَّمِا(1) عَداها نَصْيبٌ *** مثله أن تُعَدَّ أوّل أوّل(2)

قيل: كانوا يعمدون إلى جزور فیجزروُنه ثمانية وعشرين ثم يجعلون القداح في كيس ويخرجها غير عارف بهَا ويدفع إلى كل واحدٍ منهم واحداً فيأخذ من فاز(3) بواحدٍ من السبعة نصيبه ويغرم أصحاب الثلاثة ثمن الجزور، وقيل: كانوا يدفعون ذلك الى الفقراء ولا يأكلون منه شيئا و كانوا يفتخرون بذلك ويذمون من لم يدخل معهم فيه ويسمّونه (البرَمَ)(4)، وقيل في كيفية اللعب بالأقداح غير ذلك وهي الأزلام التّي نهى الكتاب الكريم عنها. قال بعضّ الشارحين: (إن حملنا الخشوع على المعنى اللّغوي وهو غضّ الطّرف والتّطأمن كان(5) عطفاً على (تظهر)(6)، وإن حملناه على المعنى العرفي وهو الخضوع لله والخشية منه فالفاء للابتداء)(7) أي: بل يخشع له ويخضع له عند ذكرهَا ويَتضرّع اليه هربا من الوقوع في مثلها وخوفاً من وعيده على المعاصي ويكون قوله: (وتغري(8) بها لئام الناس) عطفاً على (يظهر) مؤخراً و [...](9) هذا الوجه لا يخلو عن بعد وقوله (عليه السلام): (كالفالج الياسر)

ص: 102


1- (ما) في ث، ر
2- البيت في البحر الخفيف، شذرات الذهب في أخبار من الذهب: 5 / 235. (3) (نار) في أ، ع، م، تحریف
3- (نار) في أ، ع، م، تحریف
4- (البرم: الذي لايدخل مع القوم في المَيْسرِ) لسان العرب، مادة (برم): 12 / 43
5- (کا کان) في ث
6- ورد في شرح ابن میثم البحراني: 2 / 6 (يظهر)
7- شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 2 / 6
8- (تعری) في أ، ع، تصحيف
9- [على] زائدة في ع

من قبيل قوله تعالى: ((وَغَرَابِيبُ سُودٌ))(1) والتقّديم سنة شائعة في كلام العرب (وَكَذلِكَ الْمَرْءُ الْمُسِلمُ الْبَرِيء مِنَ الْخِيانَةِ يَنْتَظِرُ مِنَ اللهِ إِحدَى الْحْسنَييْنِ، إِمَّا دَاعِي اللهِ فَمَا عِنْدَ اللهِ خَیْرٌ لَهُ، وَإِمَّا رِزْقَ اللهِ؛ فَإِذَا هُوَ ذُو أَهْلٍ وَمَالٍ؛ وَمَعَهُ دِينُهُ وَحَسَبُهُ) الظّاهر أنّ المراد بداعي اللهِ الموت وما ذكره بعض الشّارحين (من أنّه يحتمل أن يراد به الجوانب الالهَية، والخواطر الرّبانية التّي تسنح له فتجذبه الى طرف الزّهد الحقيقي)(2) بعيد عن الترّديد والحسب، وقيل هو في الأصل الشّرف بالإباء وما يعدّه الانسان من مفاخرهم، وقيل الحَسب والكرم يكُونان في الرجل وان لم يكن له إباء لهُم شْرف والشرف والمجد لا يكونان الاّ بالإباء(3)، وقيل الحسب / و 48 / الشرّف في الفعل والعمل الصّالح، والأنسب بالمقام الأخيران (إِنَّ الْمَالَ وَالبَنِینَ حَرْثُ الدُّنْيَا، وَالْعَمَلَ الصَّالِحَ حَرْثُ الْخِرَةِ؛ وَقَدْ يَجْمَعَهُمُا اللهُ تعالى لِأَقْوَامٍ)، الحَرْثُ [بالفتح ](4) (الزّرع)(5) و (كسب المال وجمعُه)(6) والأنسب بالمال والبنين أن يراد بالحرث الأول(7) الحاصِل وما يكتسب [وبالعمل الصالح المزروع(8) وما يكتسب

ص: 103


1- فاطر / 27
2- شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 2 / 7
3- ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر: 1 / 381. وفيه: (وما يعده الناس)
4- [بالفتح] ساقطة من م
5- الصحاح، مادة (حرث): 1 / 279
6- المصدر نفسه، مادة (حرث): 1 / 279
7- (الأول) ساقطة من أ، ر، ع، م
8- (للزروع) في ث، تحریف

منه](1)، ويمكن أن يراد بالثاني [المزروع أيضاً المعنى](2) الأول لشدة قرب العمل الصّالح من نعيم الآخرة وفي جَميع الأقوام دلالة على كثرة وقوع هذا الجمع وعدم ندرته (فَاحْذَرُوا مِنَ اللهَ مَا حَذَّرَكُمْ مِنْ نَفْسهِ، وَاخْشَوْهُ خَشْيَةً لَيْسَتْ بِتَعْذِيرٍ، وَاْعمَلوُا فْي غَیْرِ رِئَاءٍ، وَلَا سُمْعَةٍ، فَإنّهُ مَنْ يَعْمَلْ لِغَیْرِ اللهُ يَكِلْهُ اللهُ إِلَی مَنْ عَمِلَ لَهُ) التَعّذير التّقصير، ومنهُ المعذر لمن لا عُذر له بخلاف المُعذِر على صيغة الأفعال، والمضاف محذوف أي: ذات تقصير، والرّئاء والسُّمعة أن يفعل(3) ليراه الناس، ويسمعوا به، ولعل العمل لغير الله يعم كلّ ما لم يكن خالصاً لله، وقد ورد عن الصّادق (عليه السّلاَم) أنه قال: قال الله عز وجل: ((أنا خير شريك من أشرك معي غيري في عمل عمله لم أقبله إلاّ ما كان لي خالصاً))(4) (نَسْأَلُ اللهَ مَنازِلَ الْشُّهَدَاءِ، وَمُعَايَشَةَ السُّعَدَاء، وَمُرَافَقَةَ الْأنْبِيَاءِ،) الظّاهر أنّ المطالب الثلاثة صرف العمر في أسباب السّعادة، والختم بالشّهادة، ومرافقة الأنبياء في الآخرة، والواو لا يقتضي الترتيب، وقال بعض الشارحين: من حكم لهُ بالشّهادة غايته أن يكون سعيداً و السعيد غايته أن يكون في زمرة الأنبياء رفيقاً لهم(5) (أَيَهُّا النَّاسُ، إِنَّهُ لَا يَسْتَغْنِي الرَّجُلُ وَإِنْ كانَ ذَا مالٍ عَنْ عَشرَتِهِ وَدِفَاعِهم عنهُ بِأَيْدِيهِمْ، وَأَلْسِنَتِهِمْ؛ وَهُمْ أَعْظَمُ النَّاسِ حَيْطَةً مِنْ وَرَائِهِ، وأَلمُّهُمْ لِشَعَثِهِ، وأَعْطَفُهُمْ عَلَيْهِ عِنْدَ نَازِلَةٍ إذَا(6) نَزَلَتْ بِهِ، وَلِسَانُ الصِّدْقِ يْجَعَلُهُ

ص: 104


1- [وبالعمل الصالح المزروع وما يكتسب منه] ساقطة من م
2- [ايضاً المعنى] ساقطة من أ، ع، ر، م، [المزروع ايضا المعنى] ساقطة من ث
3- (تفعل) في أ، ث، ع، ر
4- الاصول من الكافي: 2 / 295
5- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 2 / 9
6- (آن نزلت) في شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: 1 / 263

اللهُ لِلْمَرْءِ في النَّاسِ خَیْرٌ لَهُ مِنَ الْمَالِ يُوَرَّثُهُ غَيْرَهُ) عشيرة الرّجل قبيلته، وقيل بنو أبيه الأدنون، والحيطة كبينة التّحنن(1)، وفي بعض النسخ حِيطة بالكسر والتخفيف أي: حياطة و رعاية، و الشعث بالتحريك (انتشار الأمر)(2) وَلّمَ اللهُ شَعَثَكَ أي: جمع أمرَكَ المنتشر، و عطف عليه أي: أشفق، وَالنّازلة الشدّيدة من شدائد الدّهر تنزل بالناسِ، ولسان الصّدق الذكر الجميل أو من يذكر المرء بالخير وفي الكلام على الوجهين ترغيب في الإنفاق على العشيرة فإنّه يستلزم الصّيت الحسن وأن يذكره النّاس بالإحسان وكذلك يذكره من أحسن اليه بإحسانه وبسائر صفاته الجميلة مِنْها. (ألَا لاَ يَعْدِلَنَّ أَحَدُكُمْ عَنِ الْقَرَابَةِ يَرَى بِهَا الْخَصَاصَةَ أَنْ يَسُدَّهَا بِالَّذِي لَا يَزِيدُهُ إِنْ أَمْسَكَهُ، وَلَا يَنْقُصُهُ إِنْ أَهْلَكَهُ) العُدول عن الشيء الانحراف عنه، والخصَاصة بالفتح (الفقر)(3) والخلل والثقب الصّغير وجملة يرى في موضع النّصب على الحال، وان يسدّها في موضع الجّر بدلاً من القرابة، والضمير المنصوب في لا يزيده يحتمل أن يعود الى الرجل أي لا ينفعه نفعا يعتدّ به لعدم حاجته اليه؛ ولأنه لا ينفقه بل هو في حفظه خازن لغيره ولا يضرّه أن(4) أهلكه أي: أنفقه وإن يعود الى الموصُول والزّيادة المنفية هي المعتبرة في نظر(5) العقل النّافعة لصَاحب المال، وحاصل الكلام الأمر بسدّ خلّة الأقرباء بالفضل من المال. (وَمَنْ يَقْبِضْ يَدَهُ عَنْ عَشیِرَتهِ فَإِنَّمَا تُقْبَضُ مِنْهُ عَنْهُمْ يَدٌ وَاحِدَةٌ، وَتُقْبَضُ مِنْهُمْ عنْهُ أَيْدٍ كَثِیرَةٌ

ص: 105


1- ينظر: لسان العرب، مادة (حوط): 7 / 280
2- المصدر نفسه، مادة (شعث): 2 / 161
3- تاج العروس، مادة (خصص): 9 / 269
4- (أي) في أ، م
5- (نطر) في ح، تصحيف

وَمَنْ تَلِنْ حَاشِيَتُهُ يَسْتَدُمْ مِنْ قَوْمِهِ الْمَوَدَّةَ) حَاشِية الرَّجُل وناحيته وجانبه وكذلك خدمه واتباعه / ظ 48 /، ولين الحاشية على الأوّل خفض(1) الجناح، ومجانبة الفظاظة والخشونة، وعلى الثاني تعطّف خدم الرجل وتواضعهم للنّاسِ وإن لا يؤذوا ضيفاً وغَيْره وذلك من فروع حسن أخلاق الرّجل وهو من أسباب دوام المودّة، والأوّل أوضح، قَالَ السَّيِدُ (رَضي اللهُ عَنهُ): (الغَفِیرَةُ هاهنا الزِّيادَةُ، وَالْكَثرَةُ مِنْ قَوْلِهِمْ للجمعِ الكِثرِ ألَجْمُّ الغفِر، وَالجّماءُ الغَفِير.(2) وَيُروى ((وعَفْوَةً منْ أهلٍ أَوْ مالٍ))، وَ العَفْوَةُ الْخِيار من الشَّيْءِ يقال: أكلْتُ عَفْوةَ الطعام، أي: خِيارَهُ(3) هذه الكلمات في بعض النّسخ بعد قوله (عليه السّلَام) (فّلا تكوُنَنَّ لّه فْتنَةً) وليست موجودة في بعضها هاهُنا ولا هناك (وَما أَحْسنَ المعنى الذِي أرَادهُ (عَليهِ السَّلام) بِقَوُلهِ: (ومن يَقْبِضْ يدهُ عَنْ عَشرتهِ...) إلى تمام الکلام فإِنَّ الْمُمْسْكَ خَیْرَهُ عَن عَشرَتهِ، إِنما يُمْسِكُ نَفْعَ

يَدٍ واحدةٍ، فإذا احْتَاجَ إِلَی نُصْرَتِهِمْ، وَاضْطَرَّ إِلى مرافَدَتِهِمْ، قعدُوا عن نصرِهِ،

وَتَثَاقَلوُا عن صَوْته: فَمٌنِعَ تَرَافُدَ الأيدي الكثرة، وَتَنَاهُضَ الأقدامِ الجَمّةِ) كلامه يشعر من المراد من اليد النّعمة والإحسان ويمكن إرادة الجارحة وإن كان المُراد بقبضها منع المعروف، والمرادفة المعاونة(4)، وتناهُض الأقدام تشاركها في القيام بنصره وأداء حقه.

ص: 106


1- (حفض) في أ، ر، تصحيف
2- ينظر: تاج العروس، مادة (غفر): 7 / 316
3- ينظر: لسان العرب، مادة (عفو): 10 / 76، 77
4- ينظر: تاج العروس، مادة (ردف): 12 / 226

ومن خطبة له عليهِ السَّلام)

(وَلَعَمْرِى ما عَلَىَّ مِنْ قِتَالِ مَنْ خَالَفَ اْلحَقَّ، وَخَابَطَ الْغَيَّ منْ إِدْهَانٍ وَلا إِيهَان) الخبط المشي على غير استقامة وأصله من خبط البعير إذا ضرب الأرض بيده في مشيه ولم يحترز عما يعترض في طريقه(1)، قال بعض الشّارحين: كأنَّه عَليهِ السّلاَم جعل الرّجل والغي متخابطين يخبط(2) أحدهما في الآخر وذلك أشدّ مبالغة من أن يقول خبط في الغيّ؛ لأنّ من يخبط ويخبطه غيره يكونان أشدّ اضطراباً ممن يخبط ولا يخبطه غيره، والإدمان والمُداهنة کالمُصانعة، وقيل: أن تُظْهِر(3) خلاف مَا تُضمر(4) وأوهَنه أضْعفه، ولعلّ المعنى لا أصانعهم(5) في القتال ولَيسُوا بمضعفين لي وليس عليَّ في قتالهم عجز (فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، وَفِرُّوا إِلَ اللهَ مِنَ اللهِ) أي: فروّا من غضب الله وعذابه الى فضله ورحمته، ولا تلجؤوا إلى غيره، وما ذكره بعض الشّارحين من أنّ لهذا الفرار ثلث مراتب الفرار من بعض الآثار الى الآثار كالفرار من الغضب إلى الرّحمة، والتّرقي من مشاهدة الأفعال الى مصَادرهَا وهي الصّفات وعن مقام الصّفات الى الذّات(6) فتعّسفه(7) (واضح)(8) (وَامْضُوا في الذِي نَهَجَهُ لَكُمْ ولكم

ص: 107


1- سبق تخريج معناه في صحيفة رقم 15
2- (بخبط) في أ، ح، ر، ع، م، تصحيف
3- (يظهر) في ث، م، تصحيف
4- ينظر: لسان العرب، مادة (دهن): 13 / 162
5- (صانهم) في أ، ع
6- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 2 / 14، 15
7- (فتعسف) في ع
8- (واصح) في ح، تصحيف

قُومُوا بِمَا عَصَبَهُ بِكُمْ، فَعَليٌّ ضَامِنٌ لِفَلْجِكُمْ آجِلاً إِنْ لَمْ تمْنَحُوهُ عَاجِلاً) نهج کمنع وضحَ وأَوضح، وعَصَبهُ بكم أي: ناطه وقرنه بکم کالعَصابَة يشدّ بها الرأس(1)، ويقال: عصَب الريق فاه أي لصق به(2)، والعَصْب أيضاً (الفَتْل(3)، والعَصّاب(4) الغزال)(5)، والفلج بالفتح (الظّفر والفوز)(6) وفي المثل (مَنْ

يَأْتِ اْلحكمَ وَحْدَهُ يَفلُجُ)(7) والاسم الفُلْج بالضّم، والمَنْح (العَطاء)(8) مَنَحَهُ

كمَنَعَهُ، (والاسم المِنْحَةُ بالكسر وهي العطية)(9).

ومن خطبة له (عليه السلام) وقد تواترت عليه الأخبار باستيلاء أصحاب معاوية على البلاد وقدم عليه عاملاه على اليمن

وهما: عبيد الله بن عباس(10)،

ص: 108


1- ينظر: الصحاح، مادة (عصب): 1 / 183
2- ينظر: لسان العرب، مادة (عصب): 1 / 607
3- (القتل) في ث، تصحيف
4- (عضاب) في ر
5- لسان العرب، مادة (عصب): 1 / 604
6- القاموس المحيط، مادة (فلج): 1 / 203
7- جمهرة الأمثال: 2 / 220، و لسان العرب، مادة (فلج): 2 / 347
8- الصحاح، مادة (منح): 1 / 608
9- المصدر نفسه، مادة (منح): 1 / 408
10- عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم القرشي الهاشمي، ابن عم رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)، أمة لبابه بنت الحارث بن حزن الهلالية، يكنى أبا محمد، رأى النبي وسمع منه، كان أميراً، شریفاً، جواداً، استعمله الخليفة علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) على اليمن، ولما بعث معاوية بسر بن ارطاة إلى اليمن قتل ولدا عبيد الله وهما عبد الرحمن، وقثعم، اختلفوا في سنة وفاته، فقيل توفي سنة (58 ه)، وقيل سنة (87 ه). ينظر: المحبر: 17، وتاريخ الطبري: 4 / 104، 105، والاستيعاب: 3 / 1009، وسير أعلام النبلاء: 3 / 513، 514

وسعيد بن نمران(1) لما غلب عليهما بسر بن أرطاة(2) فقام إلى(3) المنبر ضجراً بِتَثاقُل أصحابه عن الجهاد، ومخالفتهم له في الرأي فقال: (عَليهِ السّلاَم) هذه الخطبة خطب بها أمير المؤمنين (عليهِ السّلَام) بعَد فراغه من صفيّن وانقضاء أمر / و 49 / الحكمين والخوارج، والتواتر التّتابع(4) مطلُّقا أو(5) مع فترات کما ذكره الجوهري، وقال: إذا لم يكن بين الأشياء فترة فمتابعتها مواصلة ومداركة(6)، ويقال: (واتَرْتُ الكُتُبَ فَتَواتَرَتْ أي (جاءت)(7) بعضها في إثْر

ص: 109


1- سعید بن نمران الناعطي الهمداني، أدرك حياة النبي (صلى الله عليه واله وسلم)، شهد اليرموك، وسار الى مدداً لأهل القادسية، وكان من أصحاب الإمام علي (رضي الله عنه) فاستكتبه، وضمه الى عبيد الله بن العباس حين ولاه اليمن، وهو من أصحاب حجر بن عدي وقد سيره زياد الى الشام معه فأراد معاوية قتله مع حجر فشفع له حمزة بن مالك الهمداني فخلى سبيله، فرحل إلى جرجان، ثم استقضاه مصعب بن الزبير عندما تولى الكوفة، ثم عزله مات سنة (70 ه). ينظر: الطبقات الکبری، ابن سعد: 6 / 84، والاستیعاب: 2 / 929، وأسد الغابة: 2 / 316، الإصابة: 3 / 212، و الأعلام: 3 / 103
2- بسر بن أرطاة، وقيل بن أبي أرطاة العامري القرشي، واسم أبي أرطاة عمير، وقيل عويمر بن عمران بن الحليس بن سیار بن نزار بن معيص بن عامر بن لؤي، وكنية بسر أبا عبد الرحمن، سیره معاوية إلى الحجاز واليمن ليقتل شيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) فهدم من بيوتهم في المدينة وأغار علی همدان باليمن وسبيي نساءهم، فكن أول مسلمات سبين في الإسلام، شهد صفين مع معاوية، و ولاه معاوية على البصرة سنة (41 ه)، ثم ولاه البحر فغزا الروم سنة (50 ه) وقيل مات في دمشق، وقيل بالمدينة سنة (86 ه). ينظر: الاستیعاب: 1 / 156 - 165، و أسد الغابة: 1 / 180، 179، و سير أعلام النبلاء: 3 / 409، 410، والإصابة: 1 / 421، 422، والأعلام: 2 / 51
3- (على) في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 1 / 280، و نهج البلاغة، صبحي الصالح: 57
4- (الشايع) في ع، تحریف
5- (و) في أ، ر، ع
6- نص متصرف به، ينظر: الصحاح، مادة (وتر): 2 / 893
7- (جائت) في ح

بَعْضٍ وِتْراً وِتراً)(1)، وقد طعن على السيّد في كلامه هذا وعدوا ذلك مِمَّا تغلط فيه الخاصّة(2)، وقد فسر بالتتابع(3) مطلقاً كما ذكرنا ولا دليل على عدم وقوع الفترات بين الاَخْبار ومع قطعِ النّظر عنهم فالمجال في التّوسعِ وسِيعٌ، وبُسر(4) بن أرطاة [أو أبي](5) أرطاة هو الذَّي بعثه معاوية وأمره أن يأخذ طريق الحجاز ومكةّ والمدينة حتى ينتهي إلى اليمن وأن يقتل شيعة أمير المؤمنين (عليه السّلَام) حيث كانوا فأغار على أعماله (عليه السّلَام) وقتل من قتل، وقد ذكر قصته الشّارح عبد الحميد بن أبي الحديد(6) قال: ودعا عليهِ علياً (عليه السّلَام) بأن لا يُميتَهُ الله حتّى يسلبه عقله(7)، ولعنه [و](8) لعن معاوية وعمرو(9) فلم يلبث بعد ذلك إلَا يسيراً حتّى ذهب عقله(10) وكان (یهذي)(11) ويقول: أعطوني سيفاً أقتل به ولا يزال(12) يردد ذلك حتّى اتخذوا له سيفاً من خشب وكانوا يدنون منه المرفقة فلا يزالُ

ص: 110


1- الصحاح، مادة (وتر): 2 / 843
2- ينظر: درة الغواص في أوهام الخواص، الحريري: 62 - 68
3- (بالتبابع) في أوفي ع: (بالتیایع)
4- (یسر) في ث، تصحيف
5- [أو أبي] ساقطة من ث، ر، ع، م
6- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 1 / 2، 287 / 3 - 15
7- رواه ابن أبي الحديد عن أبي الحسن المدائني: ينظر شرح نهج البلاغة: 2 / 10
8- [و] ساقطة من ر، م
9- رواه ابن أبي الحديد عن أبي الحسن المدائني: ينظر شرح نهج البلاغة: 2 / 15
10- ينظر: أسد الغابة: 1 / 180، وسير أعلام النبلاء: 3 / 410، و الإصابة: 1 / 422
11- (يهدي) في ث، ح، ع، تصحيف
12- الافصح: ما يزال

يضربها حتى يغشى عليه فلبث كذلك [الى](1) أن مات(2) لعنهُ الله. وحکی في الاستيعاب(3) کشفه العورة في صفين اتباعا(4) لأثر عمرو بن العاص لمّا صرعه علي (عليهِ السّلَام). والضَّجَرُ بالفتح (القَلَقَ مِنَ الغَمّ)(5) يقال: ضجر به ومنه فهو ضجر بالكسر فيهما، والتثاقل ترك النّهوض بَعْدَ الاستنهاض (مَاهِيَ إلَّا الْكُوفَةُ أَقْبِضُهَا وَأَبْسُطُهَا، إِنْ لَمْ تَكُونْي(6) إِلَ أَنْتِ تُهَبُّ أَعَاصِرُكِ فَقَبَّحَكِ اللهُ!) الضمير راجع الى مَا علم من المقام أي: ما مملكتي الا الكوفة ويحتمل أن يكون للقصّة و(أقبضها) خبراً عن الكُوفة أو عن مبتدأ مقدر أي: أنا أقبضُها والمراد بالقبض والبسط وجوه التّصرف فيها كما يتصرف الانسان في ثوبه أي: ما أصنع بتصرّفي فِيها مع حقارتها ويحتمل أن يكون المراد عدم التّمكن التّام من التّصرف فيها لنفاق أهلها كمن لا يقدر على لبس ثوب مثلاً بل [على](7) قبضه وبسطه وفي قوله (عليهِ السّلاَم) (إن لم تكوني) التفات(8) إلى الخطاب كأنهَّا حضرت بعد ذكرهَا، والخبر محذوف أي: إن لم تكوني عُدّة لي وحظاً(9) من الملك كما قيل، أو إن لم تكوني موصوُفة بأحد من وصفي الانفراد والاجتماع مع غيرك إلاَّ بوصف الانفراد وجُمْلة

ص: 111


1- [الى] ساقطة من ر
2- قول متصرف به، ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 2 / 15
3- ينظر: الاستیعاب: 1 / 165
4- (انباعا) في أ، تصحيف
5- الصحاح، مادة (ضجر): 2 / 719
6- (يكن) في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 1 / 280
7- [على] ساقطة من أ، ر، ع
8- (الثقات) في ع
9- (خطا) في أ، ر، ع، تصحیف، وفي ث: (وحطاً) تصحيف

(تهب أعاصيرك) في موضع الحال، ويحتمل أن يقدّر المستثنى منه حال من الأحوالِ أي: (إن لم تكوني على حالٍ إلاّ أن تهبَ فيك الأعاصير دون أن يكون فيك من يستعان به على العدّو)، والإعصار ريح تهبّ وتمتدّ من الأرض کالعُمود(1) نحو السماء، وقيل كلّ ريح فيْهَا العصار وهو الغبار الشّديد، والكوفة موضع الرّياح والأعاصير فيحتمل أن يكون المراد ذمّه بذلك، أو هبوب الإعصار فيها كناية عن اختلاط النفاق بآراء أهلها الفاسدة وإثارتها الفتن والفساد كما أن الإعصار يثير(2) التراب ويفسد الأرض وغيرها ويؤذي النْفوسَ، وقبحه الله بالتخفيف أي: نحَّاه عن الخير فهو من المقبوحين والتشديد(3) کما في النّسخ يدل على الشدّة وتمثَل:

لَعَمْرُ أَبيكَ الْخَيْرُ يَا عَمْرُو إِنَّنِي *** عَلَی وَضَرٍ مِنْ ذَا الْإِنَاءِ قَلِيلِ

تمثل أي أنشد، والوضر بالتحريك (الدَرَنَ والدَسَم)(4) وما يشمة الإنسان من ريح يجدها مِنْ طَعامٍ فاسد وغسالة القصعة وغيرها(5)، واللّطخ(6) من زَعفرانٍ ونحوه، أي لم بيق لي ما ينتفع به / ظ 49 /، وفي بعض النّسخ الالاّء باللاّم وهو کَسحاب (شجر مر دائم الخضرة)(7)، قيل: أي لا أنتفع من الدنيا إلاّ كما ينتفع(8) النّاظر إلى ذلك الشجر من حسن منظره دُون ثمره والأوّل

ص: 112


1- (کالعود) في ع
2- (تثير) في م
3- (والتسديد) في أ، ع، تصحيف
4- الصحاح، مادة (وضر): 2 / 846
5- ينظر: الصحاح، مادة (وضر): 2 / 846
6- (اللظح) في ر، م، تصحيف
7- تاج العروس، مادة (الاء): 1 / 107
8- (ينفع) في أ

أظهر، ثم قال (عليهِ السّلَام): (أُنْبِئْتُ بُسْراَ قَدِ اطَّلَعَ اليَمَنَ، وَإِنّ وَاللهِ لَأَظُنَّ

هَؤُلاءِ الْقَومَ سَيُدَالُونَ مِنْكُمْ بِاجْتِماعِهِمْ عَلَى بَاطِلِهِمْ، وَتَفَرُّقِكُمْ عَنْ حَقِّكُمْ، وَبِمَعْصِيَتِكُمْ إِمَامَكُمْ فِي الْحَقِّ؛ وَطَاعَتِهِمْ إِمامَهُم في الْبَاطِلِ، وَبِأَدَائِهمُ الْأَمَانَةَ إِلى

صَاحِبِهِمْ وخيانتكم، وَبِصَلَحِهِمْ في بِلَدِهِمْ وَفَسَادِكُمْ، فَلَوِ ائْتَمَنْتُ أَحَدَكُمْ

عَلَى قَعْبٍ لَخَشِيتُ أَنْ يَذْهَبَ بِعِلَاقَتِهِ.) أُنْبِئْتُ على صيغة الأفعال، وفي بعض النّسخ على صيغة التفعيل، والاطلاع الإشراف من مكانٍ عالٍ، والمراد غلبته وإغارته على أهلها ويُدالوُن منكم أي: يعطهم الله الغلبة علیکم وكانت الدّولة لهم، ولعلّ المُراد بالحقّ الذّي تفّرقوا عنه تصّرفهم في الفيء والغنائم وغيرها بإذن الإمام، فالتّفرق غير معصية الإمام في الحقّ وأداء الأمانة الوفاء بالعَهْد و البيعة أو مطلقاً، والصّلاح في البلاد ترك التعرض لأموال النّاس ونُفُوسهم وتهيج(1) الفتن، والقَعْبُ(2) بالفتح (قَدَح مِن خَشَب مُقَّعرٌ)(3)، والضّمير في (يذهب) يمكن أن يرجع إلى (الاحد) فطمعه(4) في العلاقة مع حقارتها يدّل [على](5) دناءته وشدّة خيانته، وأن يعود الى القعب(6) فيكون من قبل قولهم: ذهب الأسير بأسْرهِ (اللَّهُم إِنِّ قَدْ مَلِلْتُهُمْ وَمَلُّونِي، وَسَئِمْتُهُمْ وَسَئِمُونِي، فَأَبْدِلْني بِهِمْ خَرْاً مِنْهُمْ، وَأَبْدِلُهْمْ بي شَرّاً مِنّي! اللّهُمَّ مِثْ قُلُوبَهُمْ

ص: 113


1- (وتهج) في ر، تحریف
2- (العقب) في م
3- الصحاح، مادة (قعب): 1 / 204
4- (فطعمه) في أ، ع، تحریف
5- [على] ساقطة من أ، ث، ر، ع، م
6- (العقب) في أ، ع، تحریف

كما يُمَاثُ اْلمِلْحُ في اْلمَاءِ) سئمت من الشّيء وسئمته(1)، ومَللْت منهُ مَلِلَتْه بكسر العين فيهما بمعنى وهو إعراض النّفس عن الشيّء وانقباضه لكلالٍ أوجهه منفرة، ومُث قلوبهم بضمِ الميم في أكثر النّسخ وفي بعضها بكسرها وهُما بمعنی تقول(2): مُثتُ(3) الشّيء في الماء أمُوثه و أمِيثه إذا دُفتَه فيه أي: بللته لَيِذُوبَ(4)، وَذلك الموث یکون بالابتلاء بالغم والبلايا، والمراد بمن هو خير منهم أمّا أصحاب مُطيعون سامعُون بُراء من النفاق والشّقاق ويناسبه تمنّي الفوارس من بني فراسِ أو النبيّون(5) والصّديقُون والشّهداء والصّالحُون و حَسُن أولئك رفيقا وقد مرّ في كلامه (عليه السّلاَم) (واللهُ لاَبن أبي طالبٍ آنسُ بالمَوتِ مِنَ الطّفلِ بِثَدي أُمِهِ)، والتّفضيل(6) في الصّيغتين(7) على التّسليم والبناء على [زعم](8) المخاطبين(9) ومَا يلوُحُ من أفعالهم أو الكلام من قبيل قوله تعالى: «أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ»(10)، وقوله عز وجل: «قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ»(11)،

ص: 114


1- (سمته) في أ
2- (يقول) في ر، م، تصحيف
3- (منثت) في أ
4- ينظر: لسان العرب، مادة (موث): 2 / 192
5- (البنيون) في ر، تصحيف
6- (التفصيل) في ث
7- (الضيغتين) في ر، تصحيف
8- [زعم] ساقطة من أ، ع
9- (المحاطبين) في ر، تصحیف
10- فصلت / 40
11- الفرقان / 15

والصيغة تكونُ(1) لأثبات الفضل فيكون المراد من فيه خير ومن فيه شرّ ويمكن حمل الكلمة الأولى [على الحقيقة](2) لعدم خلو الإنسان عن الخير بأسره وإن غلب شره وخلا عن خير يعتدّ به والدّعاء بتسلّط(3) أهل الشرّ عليهم لليأس من عودهم إلى الصّلاح کما دعا نوح (عليه السّلاَم) «رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا»(4)، وفيه فائدة رجوع من لم يطبع [الله](5) على قلبه منهم وينفعه الترهيب (أَمَا وَاللهِ لَوَدَدْتُ أَنَّ لي بِكُمْ أَلْفَ فارِسٍ مِنْ بَني فِرَاسِ بنِ غَنْمٍ) وددت بالكسر أي: تمنيّت، وبالفتح أحَببت، وفي النّسخ بالكسر، وبنو فراس(6) حي من بني كنانة مشهود بالشجّاعة منهم علقمة بن فراس(7) المشهُور بحامي الظّعن حيّا ومّيتاً عرض له فُرسان بني سليم / و 50 / ومعه

ص: 115


1- (يكون) في أ، ر، ع، م
2- [على الحقيقة] ساقطة من أ، ث، ع، م
3- (يتسلط) في ث، م
4- نوح / 26، 27
5- [الله] ساقطة من ر
6- هم بطن من كنانة يعود نسبهم إلى مضر بن نزار بن معد بن عدنان، كانوا على غاية من الشجاعة والفروسية، من ديارهم بزرة، أقاموا بمصر، وأوقعت بني فراس ببني سليم ببزرة. ينظر: معجم قبائل العرب: 3 / 911
7- علقمة بن فراس بن غنم بن ثعلبع بن مالك بن كنانة بن خزيمة بن مدركه، لقب ب(جذل الطعان) أي كأصل الشجرة لثباته للطعان وشهرة حامي الظعن التي نسبها اليه ابن کلستانه هي في الحقيقة لأحد أحفاده وهو ربيعة بن مکدم بن عامر بن جدبان بن جذيمة بن علقمة. ينظر: أنساب الأشراف: 11 / 89، 138، و جمهرة أنساب العرب: 188، و إكمال الكمال، ابن ماکولا (ت 475 ه): 2 / 65

ظعائن وهي الهوادج من أهله يحميها وحده فرماهُ نُبيشّة(1) بن حبيب(2) بسهم أصاب قلبه فنصب رمحه في الأرض واعتمد عليه وهو ثابت في سرجه لم يزل ولم يمل واشار الى الظّعائن بالرّواح فسرن حتی بلغن(3) بيوت الحي وبنو سليم قيام بإزائه يظنونه حيّا حتى قال قائل منهُم: لا أراه إلا ميّتاً، ولو كان حيا لتحّرك إنّه والله لماثل(4) ثابت(5) على هيئة واحدة لا يرفع(6) يده ولا يحرك رأسه فلم يقدم أحد منهم على الدنوّ منه حتى(7) رموا فرسه بسهم فوقع وهو ميّت، وفاتتهم الظّعائن، كذا قال بعض الشّارحین(8)، وقال بعضهم: هم الروّم(9) ولعلّ الصّحيح هو الأول.

هُنَالِكَ لَوْ دَعَوْتَ أَتَاكَ مِنْهُمْ *** فَوَارِسُ مِثْلُ أَرْمِيَةِ الحَمِيمِ(10)

ثم نزل (عليهِ السَّلام) من المنبر.

ص: 116


1- (بنيشة) في أ، ر، ع، م، تصحيف
2- نبیشة بن حبيب بن عبد العزى السلمي فارس عربي من الجاهلية، كان مع امرئ القيس حين خرج الى قيصر ملك الروم وهو الذي قتل ربيعة بن مكدم. ينظر: أنساب الأشراف: 11 / 65، والروض المعطار في خبر الأقطار، محمد الحميري (ت 900 ه): 490، والأعلام: 8 / 8
3- (بلعن) في ر، تصحيف
4- (لمائل) في ث
5- (رابت) في أ، ر، ع، م، تحریف، وفي ث: (وابت)
6- (لا ترفع) في أ، ع
7- (على) في أ، ع
8- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 1 / 288، 289
9- ينظر: منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، الراوندي: 1 / 197
10- أساس البلاغة: 374، وروى العجز صاحب الأصفهاني، وابن منظور (رجال مثل أرمية الحميم) الأغاني: 21 / 148، ولسان العرب: 14 / 337

البيت لأبي جندب الهذلي في أبيات أوّلها:

أَلا يا أمُ ذَنباع أَقيِمْى *** صُدُوَر اْلعَيْسِ نَحو بَنى تَميْمٍ(1)

والعِيس بالكسر الإبل البيض يخالط بياضها شقرة(2)، قال السيّد: (الاْرْمِيَةُ: جمع رَمِىٍّ؛ وهو السحابُ. والحميمُ هاهنا: وقتُ الصَّيفِ، وإِنما خصَّ الشاعر سحاب الصيفِ(3) بالذِّكر لأنه أَشدُّ جفُولًا، وَأَسرعُ جُفُوفاً(4)، لأنه لا ماءَ فيهِ، وإنما يكون السحابُ ثَقْيلاً) وفي بعض النّسخ (ثَقِيلَ السَّیْرِ لامْتِلائِهِ بالماء؛ وذلك لا يكون [في الأكثرِ إلا](5) في أَزمْانِ الشّتاءِ؛ أراد(6)

وصفَهُمْ(7) بالسْرُّعةِ إذا دُعُوا، و الإغاثةِ إِذا اسْتُغِيثوا، والدليل(8) عليه(9) قَولهُ: هُنالِكَ لَوْ دَعَوْتَ أَتَاكَ مِنْهُمْ

الجُفوُل بالضّم الِاسْراعُ(10) كالُخفوُف العجلة(11) وَالرَّمِىُّ كَغِنىَ (السَّحابَةَ

ص: 117


1- رواه الأصفهاني: (أقول لأم زنباع أقيمي صدور العيس شطر بني تميم) الأغاني: 21 / 148
2- ينظر: الصحاح، مادة (عیس): 3 / 954
3- (الضيف) في ر، تصحیف
4- (خفوفاً) في أ، ع، تصحیف، وفي ث، م: (جفولا)
5- [في الاكثر الا] ساقطة من ث
6- (آزاد) في م، تصحيف
7- (اراد الشاعر وصفهم) في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 1 / 281، ونهج البلاغة، صبحي الصالح: 58
8- (والذليل) في أن تصحيف
9- (والدليل على ذلك) في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 1 / 281، ونهج البلاغة، صبحي الصالح: 58
10- ينظر: لسان العرب، مادة (جفل): 11 / 114
11- ینظر: لسان العرب، مادة (خف): 9 / 81

العظيمة القطر الشّديدةُ الوقع من سحائب الحميم والخَريف)(1)، والحَميمُ القيظ(2) والمَطرُ الذَّي يأتي في شدة الحر أيضاً.

وَمِنْ خُطْبَةٍ لَهُ (عَلَيهِ السَّلاَمُ)

(إِنَّ اَللهَ سُبحَانَهُ بَعَثَ(3) مَحُمَّداً صَلىَّ اَللهُ عَلَيْهِ وَآلهِ(4) نَذِيراً لِلْعَالَن وَأَمِيناً عَلَى التَّنْزِيِل، وَأنْتُمْ مَعْشَرَ العَرَبِ عَلَىَ شَرِّ دِينٍ، وَفِي شَرِّ دَار، مُنِيخُونَ بَیْنَ حِجَارةٍ خُشْنٍ، وَحَيَّاتٍ صُمٍّ) النذير فعيل بمعنى مُفعِل كالبديع، ويكون مصدراً، يقال: اَنذَرهُ بالأمر نذير أي: اعلمه وخوفه وحذّره في إبلاغه، و(المعشر: الجماعة)(5) وهو في أكثر النّسخ منصوب بحذف حرف النّداء وهو أصحّ والجملة في موضع الحال، والمراد بشرِّ دار البوادي لأن أكثرهم(6) كانوا يسكنونها ثمّ فتح الله عليهم البلاد والرّيف(7)، والإناخة(8) بين الأحجار والحّيات کَالتفسير لهُ، وقيل الدّار دار الجاهلّية وهو بعيد وكَون المراد به البلاد من حيثُ إنّهم كانوا يعبدُون فيها الأصنام لا يخلوا عن بعد وَ(أَنخْتُ

الجَملَ فاسْتَناخَ: أَبْركتُهُ فَبَرَكَ)(9) والإناخة كناية عن الإقامة و(النّوخة:

ص: 118


1- الصحاح، مادة (رمی): 9 / 2363
2- (الفيظ) في ر، تصحيف
3- (إنَّ الله بعث) في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 2 / 16، ونهج البلاغة، صبحي الصالح: 59
4- (صلى الله عليه) في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 2 / 16
5- لسان العرب، مادة (عشر): 4 / 574
6- (أكثر) في ر، تحریف
7- (الزيف) في ر، تصحيف
8- (والاناحة) في ر، تصحيف
9- الصحاح، مادة (نوخ): 1 / 434

الإقامة)(1)، والحجارة والحيات أمّا محمُولة على الحقيقة وكذلك الصّمم في الحّيات أو الحّية(2) الصّماء التّي لا تنزجر كأنهَّا لا تسمع أو التّي سَّمها في غاية الحدّة لاستيلاء الحرارة واليبس(3) أو المراد بهماَ الأعداء الأشدّاء في الخصَامِ (تَشْرَبُونَ الكَدِرَ، وَتّأْكُلُونَ الْجَشِبَ، وَتَسْفِكُونَ دِمَاَءكُمْ(4)، وَتَقْطَعُونَ أَرْحَامَكُم. الْأَصْنامُ فِيكُمْ مَنْصُوبَةٌ، وَالْثَامُ بِكُمْ مَعْصُوبَةٌ.) الكدورة ضدّ الصّفا(5)، ومياه العرب أكثرها الآبار والغدران المكدّرة بالرياحِ و ورودهم عليها، والجَشِب بكسر الشّين الطّعام(6) الغليظ أو الذّي لا آدامَ معَهُ وطَعام أهل البرّ كل ما دبّ ودرج، ونَصْب(7) الشّيء اقامته، ومعصوبة أي: مقرونة بکم کالعصّابة بالرأس أو مفتولة كما تقدّم.

منهَا (فَنَظَرْتُ فَإذا لَيْسَ لِي مُعِنٌ إِلَّا أهَل بَيْتِي، فَضَنِنْتُ بِهِمْ عَنِ الْمَوْت، وَأَغْضَيْتُ عَلَىَ اْلقَذَى، وَشَرِبْتُ عَلَى الشَّجَى، وَصَبَرْتُ عَلَى أَخْذِ الْكَظَم / ظ

50 /، وَعَلَى أَمَرَّ مِنْ طَعْمِ الْعَلْقم) هذا الفَصْل من كلام ذكر فيه [(عليه السّلاَم)](8) حاله بعد بيعة السّقيفة وهو من الكلمات الصرّيحة في التّظلم، وقد روى الجمهُور قوله (عليه السّلَام): ((لو وجدت أربعين ذوي عزمّ لناهَضْتهم

ص: 119


1- لسان العرب، مادة (نوخ): 3 / 65
2- (الحيات) في أ، ع
3- ينظر: لسان العرب، مادة (صمم): 12 / 344، 345
4- (دمائكم) في أ
5- ينظر: العين، مادة (کدر): 5 / 325
6- ينظر: تاج العروس، مادة (جشب): 1 / 367
7- (نضب) في ع
8- [(عليه السلام)] ساقطة من ع

أو لَقاتَلتهْم)) وكانت مدّة تأخرّه (عليه السّلَام) عن(1) البيعة على ما رواه البخاري(2) ومسلم(3) وغيرهما ستّة أشهر، [و](4) قيل غير ذلك، وضنِنْتُ به کعلمت وضَربت أي: نجلت لمكانه مني وموقعه عِندي، وفي النسخ بالكسر، والإغضاء(5): إطباق الجَفْن(6) و القذى(7) مايسقط في العين فيؤذيها(8) والشجي ما يعترض في الحلق فلا يسغ الانسان معه الشراب(9)، والكَظَم بالتّحريك مخرج النفس من الحَلق(10)، و (العَلْقَمُ شجرٌ مُرٌّ، ويقال للحنظل وكلِّ شيءُ مرٍّ عَلْقَمٌ)(11). ومنها (وَلْمَ يُبَايِعْ حتَّى شَرَطَ أَنْ يُؤْتِيَهُ عَلَى الْبَيْعَةِ ثَمَناً. فَلَا ظَفِرَتْ يَدُ المُبَايِع(12)، وَخَزِيَتْ أَمانةُ المُبْتَاع!) البيعة والمبايعة المبايعة عبارة عن المعاقدة

ص: 120


1- (على) في أ، تحریف
2- ينظر: صحيح البخاري: 5 / 83، والبخاري هو: محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري الجعفي ويكنى أبا عبد الله، محدث، حافظ، فقیه، مؤرخ، ولد سنة (194 ه) رحل في طلب العلم إلى سائر الأمصار فذهب إلى الحجاز والشام ومصر، ومن مؤلفاته: الجامع الصحيح: التاريخ الكبير، خلق افعال العباد. الانساب: 1 / 293، وسیر اعلام النبلاء: 12 / 391، 392، و الوافي بالوفيات: 2 / 148، ومعجم المؤلفين: 9 / 52، 53، و الاعلام: 6 / 36
3- ينظر: صحیح مسلم: 5 / 154
4- [و] ساقطة من ع
5- (الاعضاء) في أ، ع، تصحيف
6- ينظر: لسان العرب، مادة (غضی): 15 / 128
7- (القدي) في ث، تصحيف
8- (فيوديها) في ع
9- سبق بيان معناهما عند اللغويين في صحيفة رقم 39
10- لسان العرب، مادة (كظم): 12 / 520
11- الصحاح، مادة (علقم): 5 / 1991
12- (المبائع) في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 2 / 49، ونهج البلاغة، صبحي الصالح: 60

في النّصر والطّاعة (مأخوذة)(1) عن البيع وهذا الفصل من اقتصاص بيعة عمرو بن العَاصِ لمعاوية، والثمن الذي أعطاه معاوية ولاية مصر، والمبايع في أكثر النّسخ على صيغة الفاعل من باب المفاعلة، وفي بَعضِهَا (البايع) بغیر ميم و الظّاهر أن المراد به عمرو فإنَّه بایع معاوية وباع دينه ونفسه بالثمن الذّي هو ولاية مصر و المبتاع معاوية أي: الذَّي قبل البيع أو البيعة اسم فاعل من باب الافتعال، وخزی فلان أي: ذلّ وهان أو وقع في بلية وشهرة فذلّ بذلك وأخزاه الله أي: فضحه وأمانة المبتاع مَا أفاء اللهُ [...](2) على المُسلمين من المال والبلد وذلّتها إنَّها جعلت ثمناً للبيعة التّي علما ببطلانها أو المراد بالأمانة معناهَا الحقيقي بناء على زعم المبتاعين وفي الظّاهر وذلّتها بظهورِ الخيانة أو الذلّة لسُوء العاقبة وهو توبيخ للمبتاع کما قيل أو دعاء وهو المناسب للظّاهر من القرينة السابقة، وقال بعض الشّارحين: البايع يعني بغیر میم معاوية والمبتاع عمرو(3)، ولعله(4) جعل البيع بمعنى الاشتراء وهو من الأضداد والمبتاع اسم مفعُول واضافة الأمانة اليه بيانية أو لامية والمراد بالأمانة دينه الذي باعه بالدنيا أو نفسه أو معناهَا الحقيقي وبعده واضح روى أنّه لَما دعا معاوية عمرو بن العاص بإشارة عتبة بن أبي سفيان(5) في

ص: 121


1- (مأخوذة) في ح، تصحيف
2- [ما أفاء اللهُ] زيادة مكررة في أ، ث، ح، ر، ع
3- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 2 / 49
4- (لعله) في أ
5- عتبة بن أبي سفيان بن حرب بن أمية، اخو معاوية بن أبي سفيان بن أبي حرب من أمه وأبيه، ويكنى أبا الوليد، ولد على عهد الرسول (صلى الله عليه واله وسلم)، وكان فصيحاً خطيباً، ولاه الخليفة عمر الطائف وصدقاتها، ثم ولاه معاوية مصر حين مات عمرو بن العاص، فأقام عليها سنة وتوفي بها ودفن في مقبرتها سنة (44 ه)، وقد شهد عتبة صفين مع معاوية، كما شهد الجمل مع عائشة. ينظر: الاستيعاب: 3 / 1026، 1025، و اسد الغابة: 3 / 361، 362، و الوافي بالوفيات: 19 / 292، والاعلام: 4 / 200

استعانته(1) به فإجابه عمرو بعد الترّدد، قال له معاوية: أدعُوك إلى جهاد(2) هذا الرّجل الذّي عصى الله(3) وشق عصا المسلمين، وقتل (الخليفة)(4) وأظهر الفتنة فقال عمرو: من هو؟ قال: علي، فقال: والله يا معاوية ما أنت وعلي حملي(5) بعير ليس لك هجرته ولا سابقته(6) ولا صحبته ولا جهاده و[لا](7) فقهه ولا علمه، فما تجعل لي إن شايعتك على حربه وأنت تعلم ما فيه من الغرر والخطر؟ قال: حُكمك، فقال: مصر طُعمة، فتلّكأ عليه [معاوية](8) وقال: إنَّي أكره أن تتحدث العرب عنك أنّك إنما دخلت في هذا الأمر لغرض الدنيا فقال: دعني عنك، وأنشأ يقول:

مُعاوِي لا أعُطْيِكَ دْينْي وَلَمْ أَنَلْ *** بِه مِنْكَ دُنيا فأنْظَرُنَ كَيْفَ تَصْنَعَ(9)

إلى آخر الابيات(10)، ثم [قال](11) عتبة بن أبي سفيان لمعاوية: أما ترضى

ص: 122


1- (واستعانته) في ر
2- (الجهاد) في ح
3- (الله) ساقطة من ر
4- (الحليفة) في ح، ر، تصحيف
5- (حمل) في ع
6- (سنابقته) في ث. وفي ر: (سابقه)
7- [لا] ساقطة من أ، ع
8- [معاوية] ساقطة من أ
9- البيت في البحر الطويل، عيون الأخبار: 1 / 277، وربيع الأخبار ونصوص الأخبار: 2 / 11، ومروج الذهب ومعادن الجواهر: 2 / 354
10- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 2 / 53، ينظر: وقعة صفين: 39
11- [قال] ساقطة من أ، ع

أن تشتري عمرو بمصر إن هي صَفت لك! لَيتك لا تُغلب على الشّام، فقال یا عتبة: بت عندنا الليلة فلّما جنّ الّليل على عتبة رفع صوته ليسمع معاوية وقال:

أيَّها المانِعُ سيفاً لم يهز *** إنَّما مِلْتَ عَلى خَزٍّ وَقَزُّ

إنَّما أَنْتَ خَروُف ماثِلٌ *** بين ضَرْعينِ وصُوفٍ لم يُجزُّ

أعْطِ عَمرواً إنَّ [عَمرواً](1) تَارِكٌ *** دِينَهُ اليَوْمَ لَدِنيا لْمَ تُزْ

أَعْطِه مْصِراً وَزدهُ مِثْلَها / و 51 / *** إنَّمِا مِصرٌ لِمَنّ عز فبز(2)

في أبيات فلما سمع معاوية قوله أرسل إلى عمرو، فأعطاه مصراً، فخرج عمرو من عنده، وقال له ابناه ما صنعت؟ قال: أعطاني مصر طعمة، فقالا: وما مصر في ملك العرب! قال: لا أشبع الله بطونكما إن لم تشبعكما(3) (فَخُذُوا للِحَرْبِ أُهبْتَهَا، وَأعِدُّوا [لَها](4) عُدَّتَهَا، فَقَدْ شَبَّ لَضَاهَا، وَعَلاَ سَنَاهَا)، وفي بعض النّسخ (وَاسْتَشْعِرُوا الصَّبرَ، فَإِنَّهُ أَدْعَى [إِلى](5) النَّصرْ)(6) الحرب مؤنَث وقد يذكرّ، الأهُبة بالضّم العدّة، وأعده لأمرٍ هَيأهُ له، والقرينة الثّانية کالتأكيد، وشَّبت النّار وشبت أوُقَدت لازم، متعدّ، وفي أكثر النّسخ بصيغة

ص: 123


1- [عمرواً] ساقطة من ع
2- البيت من البحر الرمل، ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 2 / 54
3- ينظر: المصدر نفسه: 2 / 52، 54
4- [لها] ساقطة من أ، ع
5- [الى] ساقطة من أ، ع
6- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 2 / 49، و شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 2 / 27

المعلوم، واللَظَى (النّار)(1) أو لَهبها(2)، وعلا ارتفع، والسنا مقصورا (ضوء البرق)(3) أو مطلقاً، (والسناء من الرّفعة)(4) ممدُود واستشعروا الصّبر أي: اتخذوه شعاراً ككتاب وهو الثوب الذّي يلي الجسد؛ لأنَّه يلي شعره وشعار القوم في الحرب علامتهم التّي يتعارفون بها(5)، وذلك على التقديرين من أقوى أسباب النّصر أما على الاوّل فواضح، وأمّا على الثاني فلأن النداء به، وذكره يوجب تذکره وعدم الغفلة عنه، وقال بعض الشّارحين: (يحتمل أن یکون اشتقاقه من الشعّور أي: ليكن في شعوركم الصّبر)(6) وفيه غفلة.

ومن خطبة له (عَليهِ السَّلام)

هذه الخطبة رواها محمد بن يعقوب الكليني (رحمه الله) في الكافي(7)، وقال الشارح عبد الحميد بن أبي الحديد: (هذه الخطبة من مشاهير خطبه (عليه السّلام) قد ذكرهَا كثير من النّاسِ، ورواها أبو العبّاس المبرد في أول الكامل(8))(9) (أَمَّا بِعْدَ؛ فَإِنَّ الْجِهَادَ بَابٌ مِنْ أَبُوابِ الْجَنَةِ، فَتَحَهُ اللهُ لِخَاصَّةِ أوْلِيَائِهِ) أي: الجهاد من أعظم الوَسائل الى الجنّة، وقد روي في الكافي عن

ص: 124


1- الصحاح، مادة (لفظی): 9 / 2482
2- ينظر: المصدر نفسه، مادة (لظی): 6 / 2482
3- المصدر نفسه، مادة (سنا): 6 / 2383
4- المصدر نفسه، مادة (سنا): 6 / 2383
5- المصدر نفسه، مادة (شعر): 2 / 699
6- شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 2 / 28
7- الاصول من الكافي: 5 / 4
8- ينظر: الكامل في اللغة والأدب، المبرد: 1 / 20
9- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 2 / 61

النّبي (صلى الله عليه وآله) إنَّه قال: (للجنّة باب يقال له: باب المجاهدين يمضون اليه فإذا هو مفتوح وهم متقلّدون بسُيوُفهم والجمع [...](1) في الموقف والملائكة ترحب بهم)(2)، وعنه (صلى الله عليه وآله) إنَّه قال: (السّيوف مقاليد الجنّة والنّار)(3)، ولما كان بذل المهجة أعلى مراتب الطّاعة (كان هذا الباب الخواصّ الأولياء، (وَهُوَ لِبَاسُ الْتَّقوْى، وَدِرْعُ اللهِ الْحَصِينَةُ، وَجُنَّتُهُ الْوَثِيقَةُ) التّقوى في الأصل الحذر والخشية وشاع في الخشية من الله، والحذر من سخطه، والمراد هاهنا أمّا المعنى(4) الشائع والجهاد ولما كان دافعاً للمضارّ عن الديّن وحافظاً للإيمان الذّي به قوام التّقوى وللمؤمنين کما يدفع مضرة البرد والحر عن الشّخص كان لباساً للتقوى، أو لأهلها على حذف المضاف، أو لما كان القائم بالجهاد حق القيام من يخشى الله ويتقیه کان الجهاد للتّقوی کالّلباسِ للرّجل حيث لا يتجرد عنه، أو للرّجل والاضافة الملابسه خفيّه وحينئذ يمكن أن يكون المضاف مقدراً، وَيحتمل أن يراد بالتقوى الحذر من العدوّ أي بالجهاد يتخلص(5) من شرّ الأعداء(6) كقوله تعالى: «وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ»(7)، و(دِرْعُ الحديدِ مؤنَّثةٌ)(8)، وقيل يذكّر ويؤنث(9)،

ص: 125


1- [والجمع] زيادة، مكررة في أ
2- الاصول من الكافي: 5 / 2
3- المصدر نفسه: 5 / 2
4- (المانع) في ر، تحریف
5- (يتحلص) في أ، تصحيف
6- (من شر الاعداء الاعادي) في ح، وفي ث: (الاغداء) تصحيف
7- البقرة / 179
8- الصحاح، مادة (درع): 3 / 1206
9- ينظر: المذكر والمؤنث، السجستاني: 161

ودرعُ المرأة أي: قميصها مذكّر(1) والإضافة كإضافة بيت الله أو المضاف مقدرّ والأوّل أظهر أو من قبيل اضافة العطاء الى المعطي و الصّنعة إلى الصّانع؛ لكونه مفروضاً بأمره صيانة لعبَاده، والجُنّة بالضّم كلّ ما وقاك(2) واستترت به من سلاح وغيره(3)، والحصينة والوثيقة المحكمة(4) و حُصن ککرم أي: (منع)(5) (فَمَنْ تَرَكَهُ أَلْبَسَهُ اللهُ لِباسَ(6) الذُّلِّ)، وفي بعض النّسخ(7)، وفي رواية الكافي (فمن ترکه رغبة عنه)(8)، / ظ 51 / والرّغبة عن الشيء ضدّ الرّغبة فيه، وفي بعضها (ثوب الذّل)، والاضافة بيانية أي: ابتلاء بذل شامل له كالثوب (وَشَمِلَهُ الْبَاءُ، وَدُيِّثَ بِالصَّغَارِ وَالْقَمَاءَ(9)) وفي رواية الكافي (وفارق(10) الرّضا، (وَدُیثَ)(11))(12) وبعَير مدیّث أي: مذللّ بالرّياضة(13) ضدّ

ص: 126


1- ينظر: المذكر والمؤنث، السجستاني، مادة (درع): 3 / 1206
2- (وقالت) في أ، تحریف، وفي ث: (وقال)
3- ينظر: الصحاح، مادة (جنن): 5 / 2094
4- ينظر: لسان العرب، مادة (حصن): 13 / 119
5- المصدر نفسه، مادة (حصن): 13 / 119
6- (ثوب) في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 2 / 60، ونهج البلاغة، صبحي الصالح: 61
7- منهاج البلاغة في شرح نهج البلاغة، القطب الراوندي: 1 / 208، و شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 2 / 60، وشرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 2 / 29. 60
8- الكافي: 5 / 4
9- (القماءة) في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 2 / 60، و نهج البلاغة، صبحي الصالح: 61
10- (مارق) في ث، تحریف
11- (دُبِثَ) في ح، تصحيف
12- الأصول من الكافي: 5 / 4
13- ينظر: لسان العرب، مادة (ديث): 2 / 149

صعب، ومنه الديّوث للذّي لا يغار على أهله(1)، وقيل هو سرياني مُعَّرب(2)، والصَغَار بالفتح الذلّ والهوان(3)، أو الصَاغِرُ الرّاضي بالذّل(4)، وقماء الرّجل کجمع وَکَرُم قماءً وقماءة بالفتح فيهما فهو قميءُ أي: صغر وذلّ(5)، والقمی بالقصر کما رواه بعض الشارحين(6) غير موجود في النسخ غير معروف في الّلغة (وَضُرِبَ عَلَى قَلْبِهِ بالْأَسْدَادِ(7)، وَأُدِيلَ الْحَقُّ مِنْهُ بِتَضْيِيعِ الْجِهَادِ، وَسِيمَ الْخَسفَ، وَمُنِعَ النِّصَفَ) الأسداد جمع سدّ أي: سدت على قلبه الطّرق، وعميت عليه المذاهب(8) كقوله تعالى: «وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا»(9)، وفي بعض النّسخ(10) (بالإسهاب)(11) يقالُ: أُسهبَ الرّجل على مَا لم يَسُم فاعله إذا ذهب عقله من لدغ الحيّة، وقيل مطلقاً قال بعض الشارحين: يمكن أن يكون من الإسهاب الذّي هو كثرة الكلام؛ لأنَّه

ص: 127


1- ينظر: المصدر نفسه، مادة (دِیث): 2 / 150
2- ينظر: المعرب من الكلام الاعجمي، الجواليقي (ت 540 ه): 79، ولسان العرب، مادة (دیث): 2 / 150، وتاج العروس، مادة (دیث): 3 / 213
3- ينظر: الصحاح، مادة (صغر): 2 / 713
4- ينظر: المصدر نفسه، مادة (صغر): 2 / 713
5- ينظر: تاج العروس، مادة (قمأ): 1 / 224
6- ينظر: منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، الراوندي: 1 / 208
7- (بالاسهاب) في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 2 / 60، ونهج البلاغة، صبحي الصالح: 61
8- ينظر: تاج العروس، مادة (سدد): 5 / 12
9- الأنعام / 25
10- معارج نهج البلاغة: 116، و منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، القطب الراوندي: 1 / 208، و شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 2 / 60، و و شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 2 / 29
11- (بالاسباب) في أ، تحريف

عوقب بأن يكثر كلامه فيما لا فائدة تحته(1)، ولَعَلَّه من قبيل الإسهاب(2)، والإدَالَةَ النَّصر يقال: أدالَ الله له أي: نَصَرَهُ وأَعطَاهُ الدوّلة، والغلبةُ، وأدالَ منهُ وعليهِ أي: جعله مغلوباً لخصمهِ(3)، وفي بعض أدعية سيّد العابدین (عليه السّلام): ((اللّهُمَّ أَدِلْ(4) لَنا ولا تُدِلْ مِنَّا))(5) و أدِيُل(6) الحَقُّ مِنه أي: جعل مغلوباً للحقّ فيصيبه وخامة العاقبة لخذلانه الحقّ، وقول بعض الشَّارحين: (أي: غلبه عليهِ عدوه)(7) توهَّم، والباء الدَّاخلة على التّضييع للسَّبية لا التَّعدية كالسَّابقين، وسِيمَ على صيغة الماضي المجهول أي: (کُلِّفَ والزِمُ)(8)، والخَسف: (الذلّ)(9)، وقيل: (المشقةَ)(10)، والخَسف أيضاً (النَّقصان)(11) وأما سیّما الخَسف بالألف المقصورة أي : علامته فمن توهم بعض الرّواة، والنِّصف بالكسر الإنصاف أي: العدل أو اسم منه ومنع النّصف أن لا يتمكن من الانتصاف والانتقام بل يظلمه عدوّه وغيره وإرادة الابتلاء بالظلم بعيد (ألَا وَإِنِّي قَدْ دَعَوْتُكُمْ إِلَی قِتَالِ هَؤُلَءِ الْقَوْمِ لَيْلاً وَنَهَاراً، وَسِرًّا وَإِعْلَاناً، وَ قُلْتُ

ص: 128


1- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 2 / 62، وفيه: (كأنه عوقب)
2- (الاسباب) في ع
3- ينظر: الصحاح، مادة (دول): 4 / 1700
4- (أذل) في ث، ر، تصحيف
5- ورد الدعاء (... وأمكر لنا ولا تمكر بنا، وأدل لنا ولا تدل منا) الصحيفة السجادية: 44، وحاشية ابن إدريس على الصحيفة السجادية: 140
6- (أذيل) في ر، تصحيف
7- شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 2 / 29
8- لسان العرب، مادة (وسم): 12 / 312
9- المصدر نفسه، مادة (خسف): 9 / 68
10- المصدر نفسه، مادة (خسف): 9 / 68
11- المصدر نفسه، مادة (خسف): 9 / 68

لَكُمْ؛ اغزُوهُمْ(1) قَبْلَ أَنْ يَغْزُوكُمْ(2)؛ فَوَ الله ما غُزِيَ قَوْمٌ قَطُّ فِي عُقْرِ دارِهِمْ إِلَّا

ذَلُّوا. فَتَوَاكَلْتُمْ وَ تَخَاذَلْتُمْ؛ حَتَّى شُنَّتْ عَلَيْكُمُ الْغَارَاتُ، وَمُلِكَتْ عَلَيْكُمُ الْأَوْطاَنُ) الغَزو السَّيرُ الى العدوّ للقتال وأصله القَصد والطّلب، وقطّ لا يستعمل أبداً إلاّ بمعنى أبداً، وهو مشتق من القطّ وهو القَطُع كما (يقول)(3): لا أفعله البتة وهو مبني(4) لتضّمنه لام الاستغراق لزوماً لاستغراقه(5) جميع أزمنة الماضي، وأشهر لغاته(6) مفتوح القاف مضموم الطّاء المشدّدة وقد يخفف الطّاء وقد يضم القاف اتباعاً لضمة الطّاء(7) المشدّدة أو المخفّفة، وُعقر الدّار بالضم (أصلها)(8) و (وسطها)(9)، وتواكل القوم اتكل بعضهم على بعضٍ وترك الأمر اليه، وتخاذلوا أي: خذل(10) بعضهم بعضاً وهو ترك العون والنّصُرة، وشُنَّت أي صُبَّت من كلّ وجهٍ متَّفرقة وأمَّا الصَّب من غير تفریق فهو [السَّن](11) بالسّین المهملة(12)، والغارة الخَيل المُغيرة تهجم على

ص: 129


1- (اغروهم) في ث، تصحیف
2- (تغزو كم) في م
3- (يقول) في أ، ث، ح، ر، تصحيف، والانسب ما أثبتناه
4- (منهر) في م
5- (لاستغراق) في ر
6- (لغايه) في أ، ث، ح، ر،ع، م، تصحيف، والصواب ما أثبتناه
7- (التاء) في ع
8- لسان العرب، مادة (عقر): 4 / 596
9- المصدر نفسه، مادة (عقر): 4 / 596
10- (خذ) في أ، ع
11- [السن] ساقطة من أ، ع
12- ينظر: الصحاح، مادة (سنن): 5 / 2141

القوم فتقتل(1) وتنهب وكلمة (على) في (مُلِکت علیکم) تفيد الاستعلاء بالقهر والغلبة أي: أخذوا الأوطان منکم بالاستيلاء والقهر (هذاَ(2) أَخُو غَامِدٍ، قَدْ وَرَدَتْ خَيْلُهُ الْأَنْباَرَ، وَقَدْ قَتَلَ حَسّانَ بْنَ حَسَّان الْبَكْرِيَّ، وأَزَالَ

خَيْلَكُمْ عَنْ مَسَالِحِهَا) غامد(3) قبيلة من اليمن أبوهم غامد(4) وهي الأزَدُ أزَدَ شَنُؤَة(5) و اسم غامد عمر بن عبد الله بن الحارث بن کعب / و 52 / سمي غامداً؛ لأنَّه كان بين قومه شرّ(6) فتغمده وأصلح بينهم، وأخو غامد سفیان

ص: 130


1- (فيقتل) في أ، ث، ع، وفي ر، م: (فتصل)
2- (فهذا) في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 2 / 60، وفي نهج البلاغة، صبحي الصالح: 62 (وهذا)
3- (عامد) في ر، تصحيف
4- (عامد) في ر، تصحيف
5- الأزد من أعظم قبائل العرب وأشهرها، تنسب إلى الأزد بن غوث بن نبت بن مالك بن کهلان من القحطانية، وتنقسم إلى أربع أقسام: أزد شنوءة، وأزد السراة، وأزد غسان، وأزد عمان، وأزد شنوءة ترجع نسبتهم الى کعب بن الحارث بن کعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد، وهي مخلاف باليمن، بينها وبين صنعاء اثنان وأربعون فرسخاً، والشناعة مثل الشناعة: البغض، والشنوءة على فعولة: التعزز وهو التباعد من الأدناس . ينظر: الأنساب: 1 / 138، معجم البلدان: 3 / 398، 369، واللباب في تهذيب الأنساب: 1 / 46، ومعجم قبائل العرب: 1 / 14، 15، والأعلام: 1 / 290
6- غامد بن عمر بن عبد الله بن کعب بن الحارث بن کعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد القحطاني جد جاهلي ياني، سمي غامداً؛ لأنَّه تغمَّد أمراً كان بينه وبين عشيرته فستره، فسماه ملك من ملوك حمير غامداً، بنوه قبائل وبطون كثيرة من وأولاده سعد، ومناة، وظبيان، ومالك، منازلهم إلى الآن في جبال السراة، جنوبي الطرائف، مائلة إلى الشرق بین تهامة ونجد، وكانت ديارهم تسمي (راة غامد) وتعرف اليوم ببلاد غامد. ينظر: أسد الغابة: 3 / 16، و لسان العرب، مادة (غمد: 3 / 326، و الأعلام: 5 / 116

بن عوف بن المغفل الغامدي(1)، والأنبار بلد بالعراق قديم ومواضع بين البرّ والريّف(2)، وحسّان(3) كان عاملا من قبله (عليه السَّلام) على الأنبار، والاسم غير منصرف فإنَّ الألف والنّون زائدتان، وهو من الحَسِّ لا من الحُسن(4)، والخَيل الفرسان وكذلك الأفراس، والمسالح جمع مَسلحة وهي الحدود التي ترتب(5) فيها ذَوُو الأسلحة لدفع العدّو کالثّغر(6) روي إنَّ معاوية دعا سفيان بن عوف وقال: إني باعثك في جيش كثيف ذي أداة وجلادة، فالزم جانب الفرات حتى تمرّ بهيت، فإنّ وجدت بهَا جنداً فاغر عليها، وإلاَّ فامضِ حتّى تغير على الأنبار، فإن لم تجد بها جنداً فامض إلى المدائن وَاتَّقِ أن تقرب الكوفة واعلم أنَّك إن(7) أغَرتَ على أهل الأنبار والمدائن فكأنك قد

ص: 131


1- سفیان بن عوف بن المغفل بن عوف بن عمر بن کلب بن ذهل بن سيار الأزدي الغامدي صحب النبي (صلى الله عليه واله وسلم)، شهد فتح الشام أرسله معاوية في ستة الأف من أهل الشام ليغيروا على هيت والأنبار، فقتل وسبي، واستعمله معاوية على الصوائف، ثم سيره بجيش إلى الروم فأوغل فيها إلى أن بلغ أبواب القسطنطينية فتوفي (سنة 52 ه) في مكان يسمى الرنداق. ينظر: أنساب الأشراف: 2 / 441، 442، و تاريخ مدينة دمشق، ابن عساکر: 21 / 351، الإصابة: 3 / 106، 107، والأعلام: 3 / 105
2- الأنبار مدينة على الفرات في غربي بغداد بينهما عشرة فراسخ، يسمونها الفرس (فیروز سابور)، وكان أول من عمرهاسابور بن هرمز ذو الأكتاف، ثم جددها أبو العباس السفاح، وبنى بها قصوراً وأقام بها الى أن مات، وقيل سميت الأنبار لأنَّ الأكاسرة اتخذوها مخزناً للحنطة والشعير والقت والتين. ينظر: معجم البلدان: 1 / 257
3- لا يوجد له ذكر في كتب الرجال، وهو عامل أمير المؤمنين على الانبار وقتل شهيداً، ينظر: مستدرك علم رجال الحدیث، الشاهرودي: 2 / 330
4- ينظر: الصحاح، مادة (حسن): 5 / 2100
5- (يرتب) في أر، ع، و في ث، م: (تربت)
6- ينظر: تاج العروس، مادة (سلح): 4 / 92
7- (إذا) في ث، ر

أغَرتَ على الكوفة، فإنَّ هذه الغارات ترعب(1) قلوب أهلِ العراق ويفرح بها كل من له فينا هوى منهم ويدعو الينا كلَّ من خاف الدَّوائر فاقتل من لقيت من ليس على مثل رأيك وأخرب كلمّا(2) مررت به من القرى وانهب الأموال فإنَّه شبيه بالقتل، وهو أوجع للقلب، فخرج سفیان و مضى على شاطئ الفرات، وقتل(3) عامله (عليه السَّلام) في نحو من ثلاثين رجلًا وحمل الأموال وانصرف(4) (وَلَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ كَانَ يَدْخُلُ عَلىَ الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ وَالْأُخْرَى الْمُعَاهِدَةِ، فَيَنْتَزِعُ حِجْلَهَا وَقُلُبَهَا، وَقَلائِدَهَا وَرُعُاثَهَا، ما

تَمْتَنِع مِنْهُ إلَّ بِالاسْتِرْجَاعِ وَالاسْتِرْحَامِ. ثُمَّ انْصَرَفُوا وَافِرِينَ، مَا نَال رَجُلاً مِنْهُم كَلْمٌ، وَلَا أُرِيقَ لَهُ دَمٌ؛ فَلَوْ أَنَّ اْمْرَأً مُسْلِماً ماَتَ مِنْ بَعْدِ هَذَا أَسَفاً مَا كَانَ بِهِ مَلوُماً، بلْ كَانَ بِهِ عِنْدِي جَدِيراً!) المعاهدة الأمية ذات العهد والأمان(5) واللَّفظ في النّسخ بكسر الهاء، وقيل استعماله بالفتح أشهُر وأكثر، وانتزع افتعل بمعنی فعل يقال: نَزعَتْ الشّيء وَانْتَزَعَتُهُ فاْنتَزَعَ أي: اقْتَلَعَتْهُ فاقْتَلَعَ،

والحِّجلُ بالكسر والفتح (الخَلخالُ)(6) ويوجدان في النسخ ومنه الفرس المحجَّل وهُوَ الذَي يرتفع البياض في قوائمه الى موضع القيد(7)، والقُلّب

ص: 132


1- (ترغب) في ث، ر، م، تصحيف
2- (کلمات) في ع
3- (قيل) في أيث، ع، تصحيف
4- ينظر: الغارات: 2 / 464، و أنساب الأشراف: 2 / 441،442
5- ينظر: الصحاح، مادة (عهد): 2 / 515
6- ينظر: الصحاح، مادة (حجل): 4 / 1666
7- ينظر: لسان العرب، مادة (حجل): 11 / 145

بالضم (سوار المرأة)(1)، وقيل: المصمت(2) منه، والرِّعاث بالكسر جمع رَعثة بالفتح وبالتحريك أيضاً وهي القرُط(3)، والاسترجاع قول «إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ»(4)، والاسترحام المناشدة بالرّحِم بكسر الحاء على ما قيل أو طلب الرّحمة والتّعطُفُ وحاصل المعنى عجزها عن الامتناع، و وافرين أي: تامین وفي رواية المبرد في الكال على ما نقل (مَوفورين)(5) والموفور أيضا التّام يقال: وَفَرْتُ الشَّيءَ وَفْراً وَوَفَرَ الشَّيْءُ نفسهُ وُفُورا يتعدّى ولا يتعدّى(6)، والمعنى لم ينل أحد منهم نقص(7) کما بیّنه (عليه السّلام) بقوله: (مّا نال رجلا منهُم کَلم)، والكلم بالفتح (الجَرح)(8)، والإراقة الصّبّ(9)، [و](10) الأسَفَ بالتّحريك أشدّ الحُزْن، واللَّومْ والمَّلامة العزل و التّوبيخ (فَيَا عَجَبَا

عَجباً! وَاللهَ يُمِيتُ الْقَلْبَ، وَيَجْلِبُ الْهَمَّ، مِنَ اجْتِاَعِ هَؤُلَاءِ(11) عَلَى بَاطِلِهِمْ، وَتَفَرُّقِكُم عَنْ حَقِّكُمْ! فَقُبْحاً لَكُمْ وَتَرْحاً، حِینَ صِرْتُمْ غَرَضاً يُرْمَى، يُغَارُ

ص: 133


1- المصدر نفسه، مادة (قلب): 1 / 688
2- يطلق على الذهب والفضة بالصامت، ينظر: الصحاح، مادة (صمت): 1 / 207
3- ينظر: المخصص، مادة (رعث): 1 / 43
4- البقرة / 156
5- الكامل، المبرد: 1 / 21
6- ينظر: الصحاح، مادة (وفر): 2 / 847
7- (نقض) في ث، ر، تصحيف
8- القاموس المحیط، مادة (كلم): 4 / 172
9- ينظر: المصدر نفسه: مادة (راق): 3 / 239
10- [و] ساقطة من أ، ع
11- (هؤلاء القوم) في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 2 / 60، ونهج البلاغة، صبحي الصالح: 62

عَلَيْكُمْ وَلَ تُغِیرُونَ(1)، وَتُغْزَوْنَ وَلَا تَغْزُونَ، وَيُعْصَى اللهُ وَتَرْضَوْنَ) أصل یا عجباً یا عجَبي أي: احضر فهذا أوان حضورك، وعجباً منصوب بتقدير الفعل على المصدريَّة، والجلب سوق الشّيء من موضع إلى آخر، ولعلَّ المراد يجلب الهم والحُزن لغير أرباب القُلوب والبصائر فهو في المرتبة بعد إماتة قلوبهم أو يصير سبباً لحزن / ظ 52 / بلا سبب کما يشعر به (الجلب)، والقبح الأبعاد، يقال: (قَبَحَهُ الله أي: نَحاهُ عنِ الخیرِ فهو من المقبوحين) والتَّرح كالفرح مصدرا وفعلاً (الهمّ)(2)، و(الهُبوط)(3) ونصبها(4) على الدُّعاء، والغرض الهدف وتتّمة الكلام بيان للغرض (فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِالسَّیرِ إِلَيْهِمْ فِي أَيَّامِ الحَّرِّ قُلْتُمْ: هذِهِ حَمَارَّةُ الْقَيْظِ، أَمْهِلْنَا يُسَبَّخْ عَنَّا الحَرُّ وَ إِذَا أَمَرْتُكمْ بِالسَّیرِ إِلَيْهِمْ فِي الشِّتَاءِ قُلْتُم هذِهِ صَبَارَّةُ الْقُرِّ، أَمْهِلْنَا يَنْسَلِخْ عَنَّا الْبَرْدُ؛ كُلُّ هَذَا فِرَاراً مِنَ الحرِّ وَالْقُرِّ)، وفي بعض النسخ (فَإِذَا كُنْتُمْ مِنَ الحَرِّ وَالبَرد تَفِرُّونَ؛ فَأَنْتُمْ وَاللهِ مِن السَّيْفِ أَفَرُّ)(5) حمَارَّةَ القيظ بتخفيف الميم وتشديد الراء شدّة الحرُّ(6) کالصَّبارَة شدّة البرد، والقيظ الصَّيف، والقر بالضَّم البرد، وقيل يخص(7) الشّتاء، [والتسبيخُ بالخاء المعجمة التخفيف والتسكين والفِعلُ في أكثر النّسخ

ص: 134


1- (تعیزون) في م، تصحيف
2- (الحلب) في أ، ح، ر، ع، م
3- المصدر نفسه، مادة (ترح): 1 / 217
4- (نصبها) في ث، ر، ح، م
5- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة: 1 / 209
6- ينظر: لسان العرب، مادة (قيظ): 7 / 456
7- (يحض) في ث، تصحيف

على صيغة المجهُول أي: أمهلنا حتّى يخفف الله الحرّ عنا](1)، وفي بعضها بصيغة المعلوم [أي](2): حتى يخفف الحَرُّ شدّته عنَّا، والأوّل أكثر وأظهر والانسلاخ الانقضاء ومنه أسلاخ الشهر وانتم وَالله من السَّيف أفرّ أي: منكم من الحرّ والبَرد أو من كلّ فارّ من كلّ شيء فالحذف للتعميم (يَا أَشْبَاهَ

الرِّجَالِ وَلَا رِجَالَ، حَلُومُ الْطْفَال، وَعُقُولُ رَبَّاتِ الحِجالِ) كلمة (لا) لنفي الجنس والخبر محذوُف أي: موجود فیکم أو مطلقا، والحلوم کالأحلام جمع حلم بالكسر وهو (الاناءةَ)(3)، والتثبت في الأمور، وقيل: والعقل أيضاً، وربّ الشيء صَاحبه ومالكه ومستحقه وباللام لا يطلق لغير الله عز وجل، والحِجَالُ جمع حَجَلَةُ محركة، وهي بيتٌ یُزَيَّنُ بالثِياب والسُّتور للعروس(4)، وأمَّا الحجل بمعنى الخلخال فجمعه (أحجال وحُجُول)(5) (لَوَدِدْتُ أَنِّ لْمَ أَرَكُمْ وَلَمْ أَعْرِفْكُمْ مَعْرِفَةً - واللهِ - جَرَّتْ نَدَماً وَأَعْقَبَتْ سَدَماً. قَاتَلَكُمُ اللهُ! لَقَدْ مَلَأْتُمْ قَلْبِي قَيْحاً، وَشَحَنْتُمْ صَدْرِي غَيْظاً، وَجَرَّعْتُمُونِ نُغَبَ التَّهْمَمِ أَنْفَاساً) ودِدت كعلمت أي: تمنيّت، والسّدم محرّكة (الهمّ)(6) أو مع ندم أو غيظ(7)، وفي بعض النسخ (أعقبت ذمّاً)(8) أي: ذمّي إياكم أو إياها لاستتباعها الآثار

ص: 135


1- [والتسبيخُ بالخاء المعجمة التخفيف والتسكين والفِعلُ في أكثر النّسخ على صيغة المجهُول أي: أمهلنا حتّى يخفف الله الحرّ عنا] ساقطة من ع
2- [أي] ساقطة من ر
3- الصحاح، مادة (حلم): 5 / 1903
4- ينظر: المصدر نفسه، مادة (حجل): 4 / 1666
5- لسان العرب، مادة (حجل): 11 / 145
6- المصدر نفسه، مادة (سده): 12 / 283
7- ينظر: لسان العرب، مادة (سده): 12 / 283
8- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، القطب الراوندي: 1 / 210، هامش: 3، نسخة: نا، ب: (ذماً)

المذمومة، ومقاتله الله مجاز عن الَّلعن والإبعاد والابتلاء بالعذاب فإنَّ المقاتلة لا (تكون)(1) إلاّ لعداوة بالغة، والقيح ما يكون في القرحة من صديدها مالم يخالطهُ دم(2) أي: قرحتم قلبي (...)(3) حتى امتلات من القيح وهو كناية عن شَّدة التّألّم، وشَحَنتُ السفينة ملأتُها، قال الله [تعالى](4): ((في الفُلْكِ

المَشحُون))(5)، والغيظ: (الغضب)(6) أو سورته أو أشدَّهُ، وجعتموني أي: سقيتموني الجُرع والجُرعة بالضم الاسم من الحَسو والشّرب اليسير، وبالفتح المرَّة منه(7)، والنُغب جمع نغبة وهي كالجرعة بالضَّم لفظاً و معنی مفرداً أو جمعاً(8)، والتَّهمام الهمّ، ويفيد هذا الوزن المبالغة في مصدر الثلاثي كالتّلعاب والتّرداد والتاء مفتوح في هذا البناء إلاَّ في البيان والتلقاء(9)، ولم يجئ تفعال بالكسر إلا ستّة عشر اسماً منها المصدران(10) وأنفاساً أي: جرعة بعد جرعة وهو جمع نفس بالتحريك وهو الجرعة(11)، وقال الجوهري: قول الشّاعر:

عَيْنَيَّ جُودا عَبْرَةً أَنْفاساً

ص: 136


1- (يكون) في أ، ث، ح، ر، ع، م، تصحيف
2- ينظر: تاج العروس، مادة (قيح): 4 / 178
3- (قلبي) مكررة زيادة في أي ع
4- [تعالی] ساقطة من أ، ث، ع
5- يس / 41
6- القاموس المحيط، مادة (غیظ): 2 / 397
7- ينظر: لسان العرب، مادة (جرع): 8 / 46
8- ينظر: المصدر نفسه، مادة (نغب): 1 / 790
9- کتاب سيبويه: 4 / 256، 257
10- شرح شافية ابن الحاجب، الرضي: 1 / 167، 168
11- ينظر: الصحاح، مادة (نفس): 3 / 984، 985

أي: (ساعة بعد ساعة)(1) (وَأَفْسَدْتُمْ عَليَّ رَأْيِي بْالْعِصْيَانِ وَالْخِذْلَانِ، حَتَّى قَالَتْ(2) قُرَيْشٌ: ابْنَ(3) أَبِي طَالِبٍ رَجُلٌ شُجَاعٌ، وَلكِنْ لَا عِلْمَ لَهُ بِالْحَرْب.) أي: لما تركتم نصرتي، وعصيتم أمري فسد ما دبرته / و 53 / في أمر العدوّ وقتالهم، ولم أظفر بالمراد من الآراء والتدابير، توهم النّاس أنَّ ذلك لقصور التّدبير ولم يعلموا أنَّه نتيجة الخذلان والعصيان، وقريش تنصرف کما في النسخ، ولا تنصرف بإرادة الحيّ والقبيلة(4) سميت بذلك؛ لاجتماعها بمكة بعد تفرقها في البلاد من قَرشه وتقرّشه إذا جمع من هاهنا وهاهنا(5)، أو لأنَّ (أباهم)(6) النضر بن کنانة(7) اجتمع في ثوبه يوماً فقالوا: تقّرش(8)، أو سُّمیت بمصّغر القرش وهو دابة بحرية يخافها دوابّ البحر كلّها و[تأكلها](9)، وروی

ص: 137


1- المصدر نفسه، مادة (نفس): 3 / 984
2- (حتى لقد قالت) في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 2 / 61، ونهج البلاغة، صبحي الصالح: 63
3- (إنَّ ابن) في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 2 / 61، ونهج البلاغة، صبحي الصالح: 63
4- ينظر: معاني القرآن: 1 / 42
5- ينظر: العين، مادة (قرش): 5 / 39
6- (أبوهم) في أ، ث، ح، ر، ع، م
7- النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدرکه، من بني نزار، من عدنان، جد جاهلي، كنيته أبو نجلد، وقيل اسمه قيس، ومن النسابين من يرى أنه هو قريش، ولقب بالنضر لجماله، وأمه برة بنت مر بن أد، بنوه قبائل وبطون كثيرة، كانت مساكنهم حول مكة، وولده مالك، والصلت. وقریش ترجع الى مالك بن النضر فهو أبوها كلها، وأولاد الصلد صاروا إلى اليمن. ينظر: المعارف: 67، و الأنساب: 4 / 485، والأعلام: 8 / 33
8- ينظر: أنساب الأشراف: 11 / 81
9- [وتأكلها] ساقطة من أ، ع، ينظر: لسان العرب، مادة (قرش): 6 / 335، و عمدة القارئ: 6 / 388

عن ابن عّباس إنه أنشد في ذلك:

وقريشٌ هي التّي تسكن البحر *** وبها سُمِّيَتْ قُريش قُريشاً(1)

وقيل غير ذلك. (للهِ أَبُوهُمْ؛ وَهَلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَشُّدُ لَهَا مِرَاساً وَأَقْدَمُ فِيهَا مُقَاماً مِنِّي! لَقَدْ نَهَضْتُ فِيهَا وَمَا بَلَغْتُ الْعِشْرِينَ؛ وَها أَنَا ذَا قَدْ ذَرَّفْتُ عَلَى السِّتِّینَ! وَلَكِنَّه(2) لَا رَأْيَ لِمَنْ لَا يُطاَعُ!) للهِ أبُوك كلمة يستعملها العرب في المدح والتَّعجب وأصلها المدح(3) من قبيل نسبة الشيء الى العظيم الشريف ليكتسب شرفاً وعزَّاً أي: ما أحسن أبوك حيث أتي بمثلك!، والمراس مصدر مارسه(4) أي: زاوله وعالجه، والمَقام بفتح الميم وضمها مصدر ويجوز أن يكون بمعنى الموضع والنُّهوض القيام والضَّمائر الثلاثة راجعة إلى الحرب وهي مؤنثة وقد يذکر کما ذکر وذَرَّفتُ بالتَّشديد أي: زدتُ ولَّما لم يترتب الأثر على رأي الأمير مع عصيان الاتباع [نزل](5) منزلة العدم وفي رواية المبرّد في الكامل(6) انَّه لما خطب (عليه السَّلام) بهذه الخطبة قام(7) اليه رجل ومعه أخوه فقال: يا أمير المؤمنين إني وأخي هذا كما قال الله تعالى: «رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي»(8) فمرنا بأمرك، فو الله لَنَنتَهِینَّ اليه ولو حال بيننا

ص: 138


1- البيت منسوب الى المشرج بن عمرو الحميري في الاغاني 1 / 206، وهو الى الجمحي في البداية والنهاية 2 / 255، و مجمع الزوائد: 9 / 159
2- (ولكن) في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 2 / 61، ونهج البلاغة، صبحي الصالح: 64
3- ينظر: لسان العرب، مادة (أبی): 14 / 12، 13
4- (مراسه) في أ، وما أثبتناه هو الصواب
5- [نزل] ساقطة من ع
6- ينظر: الكامل، المبرد: 1 / 21
7- (قال) في أ، ع، تحریف
8- المائدة / 25

وبَينهُ جَمْرُ الغَضا، وَشَوْكُ القَتادِ فدعا لهما بخير(1)، وقال: أين تقعان أنتما ممَّا أريد! ثم نزل.

ومن خطبة له (عَليهِ السَّلام)

(أَمَّا بَعْدُ؛ فَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ أدْبَرَتْ وَآذَنَتْ بِوَدَاع، وَإِنَّ الْآخِرَةَ قَدْ أَقْبَلَتْ وأشْرَفَتْ بِاطِّلاعٍ) إدبار الدّنيا سرعة تصرّ مها(2) وتطرق النّقص والفناء الى متاعها من صّحة وشباب وجاهٍ و مالٍ وذلك علة لإقبال الآخرة التّي يتلوهَا، والايذان الإعلام(3)، يقال: آذن إيذاناً وأذن تأذيناً إلا أنَّ المشدّد مخصُوصٍ في الاستعمال بأعلام الصّلاة(4)، والوَدَاع بالفتح الاسم من التَودِيعُ يقال: ودعه تودیعاً(5)، وودعه أيضاً بالتَّخفيف وهو تخليف المُسافر الناس خافضين وهم يودّعونه نفَّالا بالدّعة التَّي يصير(6) اليّها إذا رجع أي: يتركونه وسفره وفيه(7) معنى الدّعة والترّك(8) والاطلاع الاشراف من مكان عالٍ(9)، والمقبل إلى الانحدار أحرى بالوصول، ومّا ذكره بعض الشارحین(10) من أنَّ اسناد الاشراف الى ربّ الاخرة وعبرّ بها للتعظیم کما یکنی عن الفاضل

ص: 139


1- (بخبر) في ع
2- (تصرفها) في ح
3- ينظر: معجم مقاییس اللغة: 1 / 77
4- ينظر: تاج العروس، مادة (أذن): 18 / 14
5- ينظر: الصحاح، مادة (ودع): 3 / 1295
6- (تصير) في ث، ح، م
7- (ففيه) في ث، ح، ر
8- ينظر: لسان العرب، مادة (ودع): 8 / 385
9- ينظر: تاج العروس، مادة (طلع): 11 / 324
10- شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 2/ 42

بمجلسه وحضرته وكيفية الاطلاع قرينة لذلك بعيد (أَلَا وَإِنَّ الْيَوْمَ الْمِضْمَارَ، وغَداً السِّبَاق، وَالسَّبَقَةُ الْجَنَّةُ وَالْغَايَةُ النَّار) المضمار مدّة تَضمِير الفرس وموضعه أيضاً(1) وهو (أن تعلفه حتى يسمن ثم ترده الى القوت(2) وذلك في أربعين يوماً)(3)، والسّباق المُسابقة وليس جمعاً للسَّبقة بالضَّم أي: الذي يسبق اليه کما توهَّمه بعض الشارحين(4) فإنَّ جمعها أسباق (والسَبَقُة بالتحريك الخَطَر [أي المال](5) الذي يوضَع بين أهل السِّباقِ)(6)، وغاية كلّ شيء منتهاه ولا يعتبر في مفهومها أن يكون مَطلُوباً حَّتى يتكلف لكون النار غاية بأنَّها غاية عرضَّية(7) لمحبَّة(8) الدُّنيا، والانهماك في لذاتها کما / ظ 53 / يظهر من کلام بعض الشَّارحين(9)، بل النَّار غاية؛ لأنَّ المصير اليَّها منتهى السَّيئات(10)، ثم أنَّ كلمة المِضمار في بعض النسخ بالرفع على الخبرية وفي بعضها بالنَّصب فالظَّرف خبر، قال بعض الشارحين: فيه شك إذ المضمار زمان، واليوم(11)

ص: 140


1- ينظر: الصحاح، مادة (ضمر): 2 / 722
2- (القوة) في ر
3- الصحاح، مادة (ضمر): 2 / 722
4- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 2 / 41
5- [أي المال] ساقطة من ح
6- الصحاح، مادة (سبق): 4 / 1494
7- (صحیف. غرصية) في ث، ت
8- (بمحبة) في أ، ع
9- ينظر: منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، قطب الدين الراوندي: 1 / 210، و شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 2 / 39، 40
10- (السينات) في أ، وفي ع: (السبات) وفي ث، م: (السيات)
11- (النوم) في أ، ع

زمان، وكان الكلام إخبارا عن وقوع الزّمَان في الزَّمان وأجاب بأنَّ [بعض](1) أجزاء الزَّمان قد يخبر عنها بالزَّمان بمعنى أنها أجزاؤه، و الجزء في الكلّ(2) وهذا انما يستقيم على اعتبار تخصیص في المضمار وتعميم في اليوم بأنَّ يجعل المضمار عباره(3) عن عمر كلّ واحد من المكلفين، ويراد باليوم الحياة الدُّنيا ولا يتوهم [حينئذ](4) جواز الإخبار عن الزَّمان بالزَّمان على طريق الحمل إذا تغاير المفهوُمين(5) لعدم استقامة الحمل على تقدير [نصب](6) اليوم والمضمار نعم يستقيم على تقدير رفع المضمار(7) [والنسخ متَّفقه فيه](8)، والسِّباق في بعض النسخ بالنصب، وفي بعضها بالرفع فتكون الجملة معطوفة على مجموع الجملة السَّابقة لا على مدخول (إنَّ) وقال بعض الشَّارحين(9): رفعه وجَه له إلاَّ أن يكون مبتدأ خبره غداً ويكون اسم (إنَّ) ضمير الشَّأن، قال: وقال بعض الشَّارحين(10): يجوز أن يكون خبر (إنَّ) وهو ظاهر الفَساد لانحصار الحكم في المواطاة والاشتقاق ولا يصح شيء منهما في الحكم بالسباق على غدٍ فيمتنع أن يكون خبر (إنَّ) اللهم إلا على تقدير مضاف أي: (وإن غداً وقت

ص: 141


1- [بعض] ساقطة من أ، ع
2- نص متصرف به، ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 2 / 43
3- (بان يجعل المضمار على عبارة) في ر
4- [حینئذ] ساقطة من ح
5- (المفهومان) في ح
6- [نصب] ساقطة من أ، ع
7- (والمضمار نعم يستقيم على تقدير رفع المضمار) ساقطة من ح
8- [والنسخ متفقة فيه] ساقطة من أ، ث، ر، ع، م
9- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 2 / 43، وفيه: (وأمَّا رفعه...)
10- ينظر: منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، قطب الدين الراوندي: 1 / 218

السِّباق)(1)، والسَّبقة والغاية في بعض النسخ بالنَّصب، وفي بعضها بالرَّفع والألفاظ الأربعة في أكثر النسخ(2) بالنَّصب وهو الأظهر کما ظَهر ممَّا سبق (أَفَلَا تَائِبٌ مِنْ خَطِيئَتِهِ قَبْلَ مَنِيَّتِهِ! أَلَا عَامِلٌ لِنَفْسِهِ قَبْلَ يَوْمِ بُؤُسِهِ! أَلَا وَإنَّكَمُ(3) فِي أيَّامِ أَمَل، مِنْ وَرَائهِ أَجَل؛ فَمَنْ عَمِلَ [في](4) أيَّامِ أَمَلِه قَبْلَ حُضُورِ

أَجلِه، نَفَعَهُ(5) عَمَلُهُ، وَلْمَ يَضُرْرْهُ أَجَلُه. وَمَنْ قَصَرّ فِي أيَّامِ أَمَلَهِ قَبْلَ حُضُورِ أَجَلِه، فَقَدْ خَسِرَ عَمَلُه، وَضَرَّهُ أَجَلُه. أَلَا فَاعْمَلُوا فِي الرَّغْبَةِ، كَمَا تَعْمَلُونَ فِي الرَّهْبَةِ) المنيّة الموت فعيلة(6) من قَولِكِ: مَنى اللهُ عَلَيكَ خَیراً کرمی أي: قدَّر، والبُؤس الخضوع وشدَّة الحاجة(7) وفعله کسمع، والأمل (الرَّجاء)(8)، وأيَّام الأمل مدَّة العمر يرجي(9) فيها التوفيق لصَالح الأعمال والاستعداد للفوز بعوالي الدَّرجات، والأجل مدةَّ الشيء وغايتها، والأنسب هاهنا الثَّاني لاستغنائه(10) عن تقدير الانقضاء، وخَسِر كعلم نقص، وخسر التَّاجر غبُن ويُنسب الخُسران إلى التاجر والى التجارة؛ لأنَّها المناط والاسناد الى العمل من

ص: 142


1- نص متصرف به، ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 2 / 43
2- (والجميع في أكثر النسخ) في ح
3- (فإنكم) في ع
4- [في] ساقطة من أ، ع
5- (فقد نفعه) في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 2 / 73، و نهج البلاغة، صبحي الصالح: 65
6- (فعلية) في أ، ع
7- ينظر: لسان العرب، مادة (بؤس): 6 / 21
8- العين، مادة (أمل): 8 / 347
9- (برحی) في أ، وفي ح: (يرخی)، وفي ر (یرحی)، تصحيف
10- (لاستثنائه) في أ، (لاستغنانه) في ر، وما اثبتناه من ح هو الصواب

هذا القبيل، وفي الأمر بالعمل في الرغبة وهي حَالة الخلو(1) من الخوف والحذر عن بليه عاجلة يفزع الإنسان عندَها توبيخ للمكلَّف بغفلته عن ذكر الله وعبادَته في حالة الرَّخاء(2) كما أشار اليه سبحانه بقوله: «وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ»(3) وبقوله عزَّ وجل: «إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إذا مسه الشر جزوعاً * وإذا مَسَّهُ الخَيرُ مَنُوعاً»(4) والاشارة اليه في القرآن كثير، والظَّاهر أنَّه ليس المراد الرَّهبة من [عقاب](5) الآخرة [إلا](6) لقلة ما يعمل الإنسان لها کالرّغبة وإن كان محتملاً (أَلَا وَإِنِّى لَمْ أَرَ كَالْجَنَّةِ نَامَ طَالِبُهَا، وَلَا كَالنَّارِ نَامَ هَارِبُهَا) أي: لا ينبغي للعاقل التَّقصير في استعداد الوصول الى مثل هذا المرغوب والحذر عن(7) ذلك المرهوب والضّميران المجُروران يعودان الى(8) المفعول الأوَّل للفعل المنفي و التَّقدير : (لم أرَ کالجنَّة نعمة ولا كالنَار نقمة) (و نام) في محل النَّصب حتى يكون مفعولاً ثانياً له (أَلَا وَإنَّهُ مَنْ لَا يَنْفَعُهُ الْحَقُّ يَضُرُّرهُ

البَاطِل، وَمَنْ لَمْ يَسْتَقِمُ(9) / و 54 / بِهِ الْهُدَى، يُجَرُّ بِهِ الضَّلاَلُ) وفي بعض النّسخ

ص: 143


1- (الخلق) في ح
2- (الرجاء) في ع
3- يونس / 12
4- المعارج / 19، 20، 21
5- [عقاب] ساقطة من أ، ع
6- [إلا] ساقطة من ث، ح، ر، م
7- (من) في ع
8- (يعود الى) في ث، م
9- (من لا يستقيم) في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 2 / 73، ونهج البلاغة، صبحي الصالح: 65

(الى الرَّدی)(1) الباء في الموضعين للتَّعدية والجور الميل عن القصدِ ويقال: جار عن الطَّريق أي: مَال وضلّ والرَّدي الهلاك، قال بعض الشَّارحين(2) في بيان الملازمة الاولى وجود الحَّق مستلزم لمنفعته، فعَدم منفعته مستلزم لعدمه، وعدمه مستلزم لوجود الباطل؛ لأنَّ اعتقاد المكلَّف وعمله أمَّا أن يطابقا أوامر الله تعالى، أو ليس. والأوَّل هو الحَّق، والثاني هو الباطِل وظاهر أن عدم الأوَّل مستلزم لوجود الثاني، ووجود البَاطِل مستلزم لمضرَّته، فعدم منفعة الحَّق مُستلزم لمضَّرة الباطل، ويحتمل أن يكون المراد ردع المائلين إلى الحرام والبَاطِل إذا لم يفوزوا بما أرادوُه في متابعة الحَّق فإنَّ كثيراً من النَّاسِ إذا لم يتهيَّأ(3) لهم الأسباب في متابعة الحَّق لتحصيل المال وغيره من المقاصد الدُّنياوية وهذا هو المراد من عدم الانتفاع بالحَّق توسَّلوا الى تلك المقاصد بالظُّلم وغيره من طرق الباطِل وركوُب الباطِل وإن كان يقضى بهم إلى مقاصِدهم أحياناً إلاَّ أنّه لا يفوتهم وخامة العَاقبة ولحوق الضَّرر، أمَّا في الأجل فلأنَهُ سبحانه هو الحاكم(4) بين عباده العَالم بما كسبت أيديهم سرَّاً و جهاراً «وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ»(5)، وأمَّا في العاجل فلأنَّه كثيراً ما ينقلب الزَّمان ويعُود المغلُوب غالباً، فيتضرر(6) الظَّالم بتلك الغلبة، وقلماَّ

ص: 144


1- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، القطب الراوندي: 1 / 211، و شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 2 / 73، و شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 2 / 47
2- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 2 / 47
3- (هیئ) في ع
4- (الحالم) في ر، تحریف
5- الزلزلة / 8
6- (فيتضر) في أ، ع

يقتصر من عَاد غالباً على أخذ الحَّق فقط ولو لم يساعد الدَّهر ذلك المظلُوم حتَّى ينتقم وتأخر انتصافه من الظَّالِم إلى يوم الحِساب فمن خواص الظُّلم الابتلاء وتسلط الأشرار والمصَائب الدُّنياويَّة كما هو المشاهد في كثير من الظَّلمة وكذلك سَائر المعاصي يتبعها سوء العَاقبة في الدُّنيا وهذا الحكم وإن لم يكن كلياً إلاَّ أنَّه كثير الوقوع بخلاف لحوق الضَّرر(1) في الأجل فإنَّهُ مطَّرد لا ينكسر فالغرض النَّهي عن الاغترار بارتكاب البَاطل لعدم الانتفاع باتباع الحَّق والرَّضا بما قَدر اللهَ ورضى لعبده، وأمَّا الملازمة الثانية فلأنه لا واسطة بين الهدى والضَّلال کما اشار اليه سبحانه بقوله: «فَمَاذَا(2) بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ»(3) فعاقبة ترك متابعة طريق الهدى ليس إلاّ الهلاك والرَّدي (أَلَا وَإِنَّكُمْ قَدْ أُمِرْتُمْ بِالظَّعْن(4)، وَذُلِلْتُمُ عَلىَ الزَّادِ؛ وَإِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ(5) عَلَيْكُم اتِّبَاعُ الَهوَى، وَطُولُ الَأْمَل، تَزَوَّدُوا(6) فِي الدُّنْيَا مِنَ الدُّنْيَا مَا تُحْرِزُونَ بِهِ أَنْفُسَكُمْ غَداً) الظَّعن(7) بالفتح السَّير قال الله تعالى: «يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ»(8)، والمراد بالأمر بالظَّعن(9) أمّا الأوامر الواردة في الحث على

ص: 145


1- (الضّر) في أ، ع
2- (فما) في أ، ع، تحریف
3- يونس / 32
4- (بالطعن) في ع
5- [ما أخاف] ساقطة من ر
6- (فتزودوا) في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 2 / 73، ونهج البلاغة، صبحي الصالح: 65
7- (الطعن) في ع
8- النحل / 80
9- (الظعن) في ث، ح

الاستعداد للقاء الله والفوز بنعيم الآخرة كقوله تعالى: «سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ»(1) أو الأمر بالظعن كناية عن لزوم الارتحال عن دار الدُّنيا وإنُّه كتب عَلَيها الفناء والزَّوال، وعلى أهلهَا الجلاء والمَوت وقد دلَّ سبحانه عباده بالزَّاد للسَّفر على أي المعنيين بقولَه: «وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى»(2) والهوى مقصوراً إرادة النَّفس وميلها(3) إلى المستلذات، والأمل الرَّجاء، والإحراز الحفظ والصّيانَّة(4)، وفي بعض النَّسخ(5) (تَحوُزُون)(6) بالواو من الحيازة وهو الجمع والضَّم أي: ما تجمعون به أموركم وَيحفظونها عن الشَّتات والأوَّل أظهَر، قَال السَّيدُ: (لَو(7) كَانَ كلامٌ يَأْخُذ بِالأعْنَاقِ إِلَی الزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا، ويَضْطَرُّ إِلَی عَمَلِ الآخِرَةِ لَكَانَ / ظ 54 / هَذَا الْكَلَامَ. وَكَفَى بِهِ قَاطِعاً لِعَلَائِقِ الآمال، وَقَادِحاً زِنَادَ الاتِّعَاظِ وِ الازْدِجارِ) الأخذ بالأعناق إلى الزُّهد جذب النُّفوسِ قهر إليه، والزُّهد في الشيء وعن الشيء خلاف الرغبة وليس في للظَّرفية وإن كان يحتملها، والاضطرار (الاحتياج إلى الشَّيء)(8) وَيقال اضطره اليه أي: الجأه فاضطُر بضم الطاء، وإضافة

ص: 146


1- الحديد / 21
2- البقرة / 197
3- (میله) في ح
4- ينظر: لسان العرب، مادة (حرز): 5 / 333
5- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، القطب الراوندي: 1 / 211، هامش 8، وفيه: (في نا: تحوزون)
6- (تجوزون) في ر، تصحيف
7- (قال الرضي (رحمه الله) وأقول إنه لو) في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 2 / 73، وفي ونهج البلاغة، صبحي الصالح: 65 (قال السيد الشريف (عليه السلام) وأقول إنه لو)
8- لسان العرب، مادة (ضرر): 4 / 483

العلائق تحتمل البيانية واللامية، والقدح استخراج النار من الزَّند والحجر(1)، والزَّند بالفتح العود الذي يقدح بهِ النَّار وهو الأعلى(2)، والزَّندة السَّفلى فيها ثقب وهي الأنثى فإذا اجتَمَعا قيل: زندان ولم يُقَل: زَندتَان والجمع زناد وأزنُد وأزناد(3)، والاتعاظ والازدجار قبول الوعظ والزَّجر. ومن أَعْجَبِهِ قولُه (عَليْهِ السَّلام): (أَلَا وَإِنَّ الْيَوْمَ الْمِضْمَارَ وَغَداً السِّبَاقَ، والسَّبَقَةُ الْجَنَّةُ وَالْغَايَةُ النَّار) فَإِنَّ فِيهِ [مَعَ](4) فَخَامَةِ اللِّفْظِ، وَعِظَم قَدْرِ الْمَعْنَى، وَصَادِقِ التَّمْثِيْل،

وَوَاقِعِ التَّشْبِيِه، سِرّاً عَجِيباً، وَمَعْنىً لَطِيفاً، وَهُوَ قَوْلهُ (عَليهِ السَّلام): (وَالسَّبْقَةُ

الْجَنَّةُ وَالْغَايَةُ النَّار) فَخَالَفَ بَینَ اللَّفْظَینِ لِاخْتِلَافِ الْمُعْنَيَيْنِ وَلَمْ يَقُلْ (السَّبَقَة

النَّار) كَمَا قَالَ: (وَالسَّبَقَةُ الْجَنَّةُ)؛ لِأنَّ الْسْتِبَاق إِنَّمَا يَكوُنُ إِلَب أَمْرٍ مَحْبُوبٍ،

وَغرَضٍ مَطْلُوبٍ، وَهذِهِ صِفَةُ الْجَنَّةِ، ولَيْسَ هذا المعْنَى موجُوداً في النَّار، نَعُوذُ

بِالله! مِنْهَا فَلَمْ يَزْ أَنْ يَقُولَ: (وَالسَّبَقَةُ النَّارُ) بلْ قَالَ: (وَالْغَايَةُ النَّار)؛ لِأَنَّ الغايَةَ قَدْ يَنْتَهِي إِليهَا مَنْ لَا يَسُرُّهُ [الانْتِهَاءِ إِليهَا، وَمَنْ يَسُرُّهُ](5) ذَلِكَ فَصَلَحَ أَنْ يُعَبَّرَ بِهَا عَنِ الْأَمْرَيْنِ مَعاً، فَهِيَ فِي هَذَا الْمَوْضِع كَالْمصِیرِ وَالْمَآلِ، قَالَ اللهُ تَعَالَی: ((قُلْ تَمْتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَی النَّار))(6)، وَلَا يُجَوزُ فِي هَذَا الْمَوْضِع أَنْ يُقَال: فَإِنَّ (سَبَقتَكُمْ بسكوُن الباء إِلى النَّارِ). فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَبَاطِنُهُ عَجِيب،

ص: 147


1- ينظر: لسان العرب، مادة (قدح): 2 / 554
2- ينظر: المخصص، مادة (زند): 3 / 26
3- ينظر: لسان العرب، مادة (زند): 3 / 196
4- [مع] ساقطة من ث، ر
5- [الانْتِهَاءِ إِليهَا، وَمَنْ يَسُّرُهُ] ساقطة من ع
6- إبراهيم / 30

وَغَوْرُهُ بَعيدٌ(1)، وَكَذَلِكَ أكْثَرُ كَلَمِهِ (عَليهِ السَّلام) وفي بَعْضِ النُّسَخِ، وَقَدْ

جَاءَ في رِوايَةٍ أُخْرَى (والسُّبْقَةُ الْجَنَّةُ)(2) بضمّ السّین، وَالسُّبْقَةُ عِنْدَهُمْ: اسْمُ لِمَا

يُجْعَلْ للِسَّابِقِ، إذَا سَبَقَ مِنْ مال أَوْ عَرَضٍ؛ وَالمَعْنَيان مُتَقَارِبَانِ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَا

يَكُونُ جَزَاءً عَىَ فِعْل الْأَمْرِ المذْمُوم، وَإِنَّمَا يَكُونُ جَزَاءً عَلَى فِعْلِ الْأَمْر الْمَحْمُود.

ومن خطبة له (عَليهِ السَّلام)

هذهِ الخُطبة خَطب بها أمير المؤمنين (عليه السَّلام) في غارة الضَّحاك بن قیس(3) بعد التحكيم قبل قتال أهل النَّهروان بعثهُ معاوية فأغار على نواحي الكوفة، ومر بالثَّعلبية(4)، وأغار على الحاجَّ وأخذ أمتعتهم، وقتل

ص: 148


1- (بعيد لطيف) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 2 / 74، ونهج البلاغة، صبحي الصالح: 66
2- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، القطب الراوندي: 1 / 212، هامش: 4، في نسخة: يد
3- الضحاك بن قيس بن خالد الأكبر بن وهب بن ثعلبة بن فهر القرشي الفهري، یکنی أبا أنيس، وقيل أبو عبد الرحمن، قيل ولد قبل وفاة النبي (صلى الله عليه واله) بسبع سنين أو نحوها، كان على شرطة معاوية، ثم صار عاملاً له على الكوفة بعد زیاد سنة ثلاث وخمسين، وعزله سنة سبع وخمسين وولى مكانه عبد الرحمن ابن أم حاکم، وضمه إلى الشام فكان مع معاوية إلى أن مات، وبقي مع ابنه يزيد وأبنة معاوية، وبايع الضحاك أكثر أهل الشام لابن الزبير، ودعاله، فأقتتل مع جند مروان في مرج رهط وقتل فيها سنة (64 ه). ينظر: الطبقات الکبری، ابن سعد: 7 / 411، 410، والتأريخ الكبير، البخاري: 4 / 332، و الإستیعاب: 2 / 745، 744، و أسد الغابة: 3 / 37، و سير أعلام النبلاء: 3 / 241 - 245، والوافي بالوفيات: 16 / 202، 203
4- الثعلبية من منازل طريق مكة من الكوفة بعد الشقوق وقبل الخزيمية،... وقال الزجاجي: سميت الثعلبة بثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة بن مدركة بن الياس بم مضر، وهو أول من حفرها ونزلها) معجم البلدان: 2 / 78

عمرو بن عمیس(1) ابن أخي عبد الله بن مسعود(2) وأناساً من أصحابه، ورواها محمدّ بن يعقوب الكليني (رحمة الله) في الكافي قال: (أَيُّهَا النَّاسُ الْمُجْتَمِعَةُ أَبْدَانُهُم، الْمُخْتَلِفَةُ أَهْوَائُهُم كَلَمُكُمْ يُوهِي الصُّمَّ الصِّاَبَ وَفِعْلُكُمْ

يُطْمِعُ فِيكُمُ الْأَعْدَاءَ. تَقُولُونَ فْي المَجَالِسِ كَيْتَ وَكَيْتَ، فَإذَا جاَءَ الْقِتَالُ قُلْتُم؛ حِيْدِي حَيَادِ!) وهي الحجر وَالسَّقاء کوقی أي: انشق و أوهاه شَقَّه والصُّم الصَّلابَ الأحجَار(3)، و (الصَّخرة الصَّماء الَّتي ليسَ فِيْها صَدْعٌ وَلا خرق)(4)، وکَیت مثل ذيتَ كناية عن الكلام ولا تستعملان إلاَّ مكرّرتين بواو العَطف وهما مخَّففتان من کَيَّةَ وذَیَّةَ(5) بحذف اللاَّم وابدال التاء منها

ص: 149


1- عمر بن عميس بن مسعود بن غافل بن حبيب بن شمخ بن فار بن مخزوم، وهو ابن أخي عبد الله بن مسعود، كان من عمال الإمام علي (عليه السلام)، قتله الضحاك بن قيس في القطقطانة. ينظر: أنساب الأشراف: 2 / 438، و اللباب في تهذيب الأنساب: 3 / 179
2- عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب بن شمخ بن فار بن مخزوم بن صاهلة بن مضر الهذلي، يكنى أبا عبد الرحمن، صحابي، وأمة أم عبد بنت عبد ود بن سواء من هذيل، وهو من السابقين بالإسلام، وأول من جهر بقراءة القرآن الكريم بمكة، وكان خادم رسول الله (صلى الله عليه واله)، وصاحب سره ورفيقه في حله وترحلة وغزوته، يدخل عليه في كل وقت ويمشي معه، هاجر الهجرتين، وشهد بدراً وأحداً والخندق وبيعة الرضوين، وسائر المشاهد مع رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)، تولى بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) بيت مال الكوفة، ثم قد المدينة في خلافة عثمان (رضي الله عنه)، فتوفي فيها سنة (32 ه) عن عمر ستين عاماً. ينظر: أسد الغابة: 3 / 256 - 260، والوافي بالوفيات: 17 / 324، 325، والأعلام: 4 / 137
3- ينظر: الصحاح، مادة (صمم): 5 / 1967
4- تاج العروس، مادة (صمم): 17 / 416
5- (كيته وذيته) في أ، ع، وفي ث: (کیه ودية) تصحيف

کما في بنت(1) والوقف عليهما بالتاء مثلها(2)، وحاد عن الشيء أي: مالَ عنه وعدل وحیدی چیاد كلمة تقولها العرب عند الفرار، وقال الجوهري: حیدي حِياد كفَيحى فياح(3)، وفاحَتِ الغارة تفيح(4) أي: اتَّسعت، وفَياحِ مثل قطام / و55/ اسم للغارة(5)، وقال بعض الشارحين: حيادَ اسم للغارة والمعنی اعدلي عنَّا ايَّتها الحرب(6) [و](7) قال: (ويحتمل أن يكون حَياد من أسماء الأفعال کنزال فيكون قد أمر بالتنحي مرتين بلفظين مختلفين)(8) وقسم الشيخ الرَّضي (رحمه الله) صيغة فعال(9): المبنى الى أربعة أقسام وعد منها ما كانت صفة للمؤنث غير لازمة للنّداء وعدّ من ذلك القسم حَيادِ وفَياحِ(10)، وقال: (حیدِی حَیاد أي: أرجعي يا راجعة)(11)، وجعل حذف حرف النَّداء عن حِياد وأمثالِها دَلِيلاً على أنَّها أعلام للجنس(12)، وحينئذ لا يكون حياد اسماً للغارة ولا بمعنى الأمر وهي وأمثالها مبنية بالكسر (مَا غَرت دَعوَةُ مَن دَعَاكُم، وَلَا استَرَاحَ قَلبُ مَن قَاسَاکُم) العّزة في الأصل الغلبةٍ والقوة

ص: 150


1- (بیت) في ث، ر، تصحيف
2- ينظر: شرح الرضي على الكافية: 3/ 153
3- ينظر: الصحاح، مادة (حید): 2/ 467
4- (تفتح) في ح، تصحيف
5- ينظر: تاج العروس، مادة (فوح): 4/ 161
6- نص متصرف به، ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 2/ 50
7- [و] ساقطة من أ، ث، ع
8- شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 2/ 50
9- (صنعته فقال) في ح، تحریف
10- ينظر: شرح الرضى على الكافية: 3/ 111، 112
11- شرح الرضى على الكافية: 3/ 112
12- ينظر: شرح الرضي على الكافية: 3/ 113

والشدَّة و اسناد المنفي الى الدَّعوة توسع، والمراد ذلَّة من دَعاهُم لعدم الاجابة والخذلان، واستراح أي: وجد الراحة وأصل الاستراحة رجُوع النَّفس الى الرَّجل بعد الإعياء(1) والمقاساة المكابدة(2) وتَحمَّل الشَّدة والاذي [أي](3): من قاسي الشَّدائد اللاّزمة لمعاشرتكم لم يسترح أبداً؛ لعدم انقطاع آثارها، أو لأنَّها تميت القلب فلا يجد راحة أبداً (أَعَالِيلُ بِأَضَالِيلَ؛ دِفَاعُ ذِي الدَّينِ المَطُول)، قال بعض الشَّارحين: أعاليل جمع اعلالِ، وهي جمع علة اسم لما يتعلّل به من مرض وغيره، وكذلك أضاليل جمع أضلال، جمع ضلة اسم من الضَّلال(4)، وأعاليل خبر لمبتدأ محذوف أي: إذا دعوتكم تعللتم وهي أعاليل باطلة ضالة عن سبيل الله، والباء متعلق بأعاليل، والدفاع المدافعة، والمَطُول كالمطال الكثير المَطَل(5) بالفتح، وهو التسويف بالعدة والدّين(6) أي: تدافعون کدفاعه، أو دفاعكم كدفاعه فنصبه بحذف الجار (لَا يَمنَعُ الضَّيمَ الذَّلِيلُ، وَلَا يُدرَكُ الحَقُّ إِلَّا بِالجِدِّ) الضَّیمُ (الظُّلم)(7)، والذّل المهانة، والمراد الرَّاضي بالذّل، وأمَّا ضدَّ الصّعوبة فالصفة منه ذَلوُل، والجدّ بالكسر الاجتهاد في الأمر، وضدّ الهزل(8) وهو أيضاً محتمل تنزيلًا لسعيهم في

ص: 151


1- (الاعباء) في ر، تصحيف
2- (المكايدة) في م، تصحيف
3- [أي] ساقطة من أ، ع
4- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، الراوندي: 1/ 222، 223، و شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 2/ 50
5- [المطل] ساقطة من ر
6- ينظر: لسان العرب، مادة (مطل): 11/ 624
7- تاج العروس، مادة ((ضيم): 17/ 431
8- ينظر: الصحاح، مادة (جدد): 2/ 452

دفع الأعداء منزلة الهَزل (أيَّ دارٍ بَعدَ دَارِکُم تَمنَعُونَ! وَمَعَ أيَّ إِمَامٍ بَعدِي تُقَاتِلُونَ!) المُراد بالدار أمَّا دار الاسلام الذّي أعزه اللهُ ورضيه لهُم دنيا أو مَواطَنُم أي: إذا أخرَجكُم العدوّ عنها ولم تدفعوهم فعن أيّ دار أو في أي دار تمنعونهم وتدفعون(1) أذاهُم؟، وفي بعض النسخ (تمتَّعون) بالتاء المشدَّدة بدل النون على صيغة التّفعيل(2) بحذف أحدى التائين أي: بأيّ دارٍ تنتفعون أو في أيّها تعيشون، والمقاتِلة مع الإمام قتال الأعداء بأمره و تحت لوائه (المَغرُورُ وَالله مِن غَرَرتُموهُ، وَمَن فَازَ بِکُم(3) [فَازَ](4) بالسَّهمِ(5) الأخیَب، وَمَن رَمَی بِکُم فَقَد رَمَی بِأَفوَقَ نَاصَلٍ) تعريف المغرُور يفيد الحصِر أو المراد المغرور الكامِل وغرَّه [کَمدَّه](6) خَدَعه وأطمعه(7) بالباطِل(8)، والتعبير عن الابتلاء بهم بالفوز من قبيل التهكم، والسّهم الأخيب (الذَّي لا نَصيب(9) له)(10) والخيبة موجود فيما كان نصيبه أقل، وقال ابن الاثير(11): السَّهم الاخيب

ص: 152


1- (يدفعون) في أ، ح، ع
2- (التفعل) في أ، ح، ع
3- (ومن فاز بکم فقد فاز) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 2/ 89، ونهج البلاغة، صبحي الصالح: 67
4- [فاز] ساقطة من أ
5- (فاز والله بالسهم) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 2/ 89، ونهج البلاغة، صبحي الصالح: 67
6- [كمده] ساقطة من أ، ع
7- (اطعمه) في أ
8- ينظر: الصحاح، مادة (غرر): 2/ 769
9- (لانصب) في ع
10- لسان العرب، مادة (خیب): 1/ 368
11- النهایة في غريب الحديث والأثر: 2/ 90. وفيه: (السهم الخائب...)

الخائب الذّي لا نصيب له من قداح الميسر وهي ثلاثة: المنيح، والسّفيح، والوغد، والخَيبة الحرمَان والخُسران، والأفوق المكسور الفُوق(1) بالضّم وهو موضع الوتر من السَّهم(2)، والنَّاصل الذّي لانصَل له، يقال: نصل السَّهم [إذا خرج منه النصل ذكره الجوهري](3) (4) و أنصَله أي: جعل فيه نصلًا، وَأزالهُ عنه وهو من الأضداد(5). (أَصبَحتُ وَاللهِ لا أُصَدِّقُ قَولَكُم وَلاَ أطمَعُ في نَصرِ کُم، وَلَا أُوعِدُ العَدُوَّ بِکُم. مَا بَالُكُم؟ مَا دَوَاؤُکُم؟ مَاطِبُّکُم؟ القَومُ رِجَالٌ أَمَثالُكُم.) (الوعد)(6) يستعمل(7) في الخير والشر يقال: وعدته /ظ 55/ خيراً ووعدته شراً فإذا اسقطوا الخَير والشر قالوا في الخير الوعد و العِدة وفي الشَّر الایعادُ والوعيد، والمعنى لا أهدِد الأعداء بکُم لعدم الطَّمع في نصرکم؛ أو لأنَّهم لا يخافونکُم ويعلمون بخذلانكم والبال الحال والشأن والخاطر والقلب، والطّب علاج الجسم والنَّفس والعادة أيضاً والاضافة على الأوَّل الى المَفعُول والمراد بالقوم الخُصوم. (أَقَولاً بِغَيرِ عِلمٍ، وَغَفلةً مِن غَيرِ وَرَعٍ، وَطَمَعاً في غَيرِ حَقٍّ!) نصب المصادر بالأفعال المقدرة والمراد بالقول بغير علم قولِهم: إنا سنفعل بالخصوم كذا وكذا مَع أنَّه ليس في قلوبُهم الحرب والقتال، أو قولهم: إنَّا مؤمنون مطيعُون للإمام مع انَّهُم لا يطيعُون، فالظَّاهر

ص: 153


1- [الفوق] ساقطة من ع
2- ينظر: لسان العرب، مادة (فوق): 10/ 319
3- [إذا خرج منه النصل ذكره الجوهري] ساقطة من ح
4- ينظر: لسان العرب، مادة (نصل): 11/ 662
5- ينظر: ثلاث كتب في الاضداد (الاصمعي، السجستاني، ابن السكيت): 246
6- (الوغد) في ح، تصحيف
7- (فيسعمل) في م، تحریف

من حالهِم انَّه قول من غير إذعَان وفي بعض النّسخ (بغير عمل)(1) أي: تقولوُن(2) ما لا تفعَلونُ في أمر الحَربِ أو الأعم، والمراد بالغفلة على ما ذكره بعض الشَّارحين الغفلة عن مصالح الحرب والمعاش وبالورع(3) لزوم الأفعال الجميلة الموجبة للفوز بجميل الثواب فإن الغفلة عن الأمور الدّنياوية مع ذلك الورع ليست بضارَّه(4) وفيه تأمَّل فإنَّ ما غفلوا عنه وتركوه ليس من الأمور الدنياوية المحضة حتى لا تضر الغفلة عنه لو لم تضر(5) الغفلة عنها، ويحتمل أن يكون المراد توبیخهم بالغفلة المحضة أي: تغفلون عما يصلحكم وليس لكم ورع يحجز كم عن المحارم حتَّی ينبهكم(6) عن رقدة الغفلة فلا يلزم کون الغفلة النَّاشئة عن الورع محمودة، وفي بعض النَّسخ (وعفة من غير ورع)، ولعلَّ المعنی: تظهرُون العّفة والزُّهد في الدنيا ولا تخافون من الله، ولو خفتم لأطعتم(7) إمامكم في قتال الأعداء وتوبيخهم بالطمع في غير [حق](8)؛ لأنَّ كثيراً منهم كانوا يطمعون التفضيل في العطاء كما كان يفعل معاوية وقد قعدوا عن نصره لأنَّهم لم يفوزوا بذلك منه (عليه السَّلام).

ص: 154


1- شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 2 / 53. ذكرها في الشرح لا المتن
2- (يقولون) في ث، م، تصحيف
3- (بالورع) في ر
4- ينظر: شرح نهج البلاغة: 2 / 53
5- (يضر) في ث، ح، تصحیف، وفي ر: (تصر) تصحيف
6- (ينبهنكم) في ح، ر، تحریف
7- (لاطعم) في أ، ع، تحریف
8- [حق] ساقطة من أنع

[ومن كلام له (عَليهِ السَّلام)] في معنى قتل عثمان

(لَوْ أَمَرْتُ بِهِ لَكُنْتُ قَاتِلاً، أَوْ نَهَيْتُ عَنْهُ لَكُنْتُ نَاصِراً؛ غَیرَ أَنَّ مَنْ نَصَرَهُ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقولَ: خَذَلَه مَنْ أَنَا خَیرٌ مِنْهُ، وَمَنْ خَذَلَهُ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقُولَ: نَصَرَهُ مِنْ هُوَ خَیرٌ مِنِّي) [لعلَّ](1) المراد بالقاتل أعمّ من المباشر وهو معنی شائع في العرف، وخذله کَنَصَرهُ ترك نَصَرهُ، وحاصل الكلام تبريه(2) (عليه السَلام) عن قتله ونصره وإن خاذلیه خير من ناصر یه باتفاق الخاذلين والناصرين، والسَّبب في التبري عن قتله اطفاء ثائرة(3) الفتنة فإنَّ معاوية واصحابه لم يستندوا في الخروج عن ربقة طاعته (عليه السَّلام) إلاَّ بما أرجفوا(4) بين النَّاسِ من أنَّه (عليه السَّلام) أمر بقتل عثمان والتبري عن نصره الإظهار الحق، والكشف عن بطلانه، وترك نصره والنَّهي عن قتله يدلُّ على جواز قتله وتفضيل(5) الخاذلين يشعر برجحَانه، ولا واسطه بين النصر وتركه، وقد صرّح (عليه السَّلام) بأنَّه لم ينه عن قتله(6)، ولم ينصره، فكان من خاذليه، فلا معنى لقول بعض الشَّارحين إنَّه (عليه السَّلام) سلم تسليماً(7) جدل أنه كان من الخاذلين(8) وأمّا أنَّ خاذليه خير من ناصریه فبالاتفاق أمَّا

ص: 155


1- ([لعل] ساقطة من أ، ع
2- (تنزيه) في م، تحریف
3- (نائرة) في أ، ث، ح، ر، ع، م، تصحیف
4- (أرجفوا: خاضوا في الأخبار السيئة من الفتنة ونحوها.) العين: 6 / 109
5- (تفصيل) في أ، ع، تصحيف
6- (قبله) في ر، تصحيف
7- (سلم) في أ، ح، ر، ع، وفي ث: (تسليم)
8- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 2 / 57

عندنا فلأنَّه (عليه السَّلام) وأهل بيته وشیعته جميعاً كانوا من الخاذلين، وأمَّا عند الجمهور فلأن جمهُور الصَّحابة وأعيان المهاجرين والأنصار لم ينصروه وإنما نصره مروان و شرذمة من بني أميَّة وغلمانه ومن حذا حذوهم وكانت عائشة تنادي اقتلوا (نعثلاً)(1) قتل الله نعثلًا، واخراج القميص وما قالت و 56 / في عثمان معروف عند أرباب السّير(2)، قيل وغرضه (عليه السَّلام) من ترجيح الخاذلين صرف الذّم عنهم بترك نصرته وانّه لو توجَّه هناك ذمّ لتوجّه الى النَّاصرين إذ الفاضل أولى بالابتاع من المفضول، وقيل المراد أنَّ نصره لا يصلح منشأ للأفضلية كما أنَّ خذله لا يورثُ المفضوليّة(3) ولا يخلو عن بعد(4)، وقد ورد في كلماته (عليه السَّلام) ممَّا يدل على رضاه بقتله كثير مثل قوله (عليه السَّلام): (ما سرني ولا سأني)، وقوله لما قيل لهُ: ارضيت بقتله؟ فقال: لم اَرضَ، فقيلَ: اسخَطتُ قتله؟ فقال: لم اسخط، ولعلَّ المراد بالرَّضا(5) المنفي ما بلغ حدَّ الأمر والمعاونة بقرينة نفي السخط فيكون المؤدَّی ما أمرت [وَلاَ](6) نهیت کما افاده هذا الكلام وقوله (عليه السَّلام): كنت رجلًا من المُسلمين وردَت إذ وَرَدَوُا وصَدرت إذ صَدَرُوا، وقوله (عليه السَّلام): (الله قتله وأنا معه) و تأويل هذه الكلمة بأنَّ الله توفَّاه بالقتل وسيوافيني(7)

ص: 156


1- (نعتلًا) في ح، تصحيف
2- ينظر: تاريخ الطبري: 3 / 477، و المحصول، الرازي: 4 / 343، و الكامل في التاريخ: 3 / 206
3- (المفصولية) في أ، ع، تصحيف
4- (و) في أ
5- (الرضا) في أ، ع
6- [ولا] ساقطة من أ، ع
7- (سيتوفاني) في أن ع

بالقتل أو(1) الموت کما زعمه قاضي القضاة باطل، اذ لو أراد ذلك لقال: وإياي معه، وأمثال ذلك كثير (وَأَنَا جَامِعٌ لَكُمْ أَمْرَهُ، اسْتَأْثَرَ فَأَسَاءَ الْأَثَرَة، وَجَزِعْتُمْ فَأَسَأْتُمُ الجَزَع، وَللهِ حُكْمٌ وَاقِعٌ فِي الْمُسْتَأْثِرِ وَالْجَازِعِ) جمع الأمر بیانه على وجه يتضمن ما یعتَّد به منه على وجه الإجمال، وَاستأثرَ [الرَّجل](2) على أصحابه أي: اختار لنفسه أشياء حسنة والاسم الأثرة محركة، والاستيثار الاستبداد والانفراد بالشيء(3)، وقيل: (الأثرة اسم مِن آثَرِ يُؤثر إيثاراً إذا أعطى)(4) فالمراد تفضيل الأقارب و غيرهم في الفيء والعطاء وكونه مسيئاً في الاستيثار واضح لمخالفته لسنة الرَّسول (صَلَى الله عليه وآله)، وجزع کسَمِع نقیض صبر، وقيل حزُن وخاف أي: جزعتم لقتله فأسأتم بقرينة سابق الكلام ومَا سبق من كلامه (عليه السَّلام) ولو كان محلاً للجزع لنهى (عليه السَّلام) عنه، وقد روى بعض الشَّارحين(5) أن المخاطب بهذا الكلام بعض من أنكر بحضرته (عليه السَّلام) قعود من قعد عن(6) نصرة عثمان، وقيل: جزعتم للأثرة فقتلتموه وهو باطل لما ذكروا(7)؛ لأنَّه لا حرَج في الجزع للأثرة إذا كانت من المنكرات ولو لم يجز لهم المبادرة إلى قتله من دون أمره (عليه السَّلام)، وكان المراد ذلك لكان المناسب تخطئتهم بذلك لا بالجزع نفسه،

ص: 157


1- (و) في أ، ع
2- [الرجل] ساقطة من أ، ع
3- ينظر: لسان العرب، مادة (أثر): 4 / 8
4- ينظر: المصدر نفسه، مادة (أثر): 4 / 8
5- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 2 / 57
6- [عن] ساقطة من م
7- (ذكرو) في ح

والمراد بالحكم أما ما يجري على كل من المستأثر والجازع بقضاء الله الذّي لا رادّ له ووقوعه ذلك أو ثبوته في علمه سبحانه وفي اللّوح المحفوظ أو المراد النَّكال في الآخرة التابع للإساءة وهو واقع في علمه سبحانه، أو سيقع في الآخرة والأخير أظهر معنی(1).

ومن كلام له (عَلَيهِ السَّلام) قَالَه لاِبنِ العَبَّاسِ

لَّمَا انَفَذَهُ الى الزُّبیرْ يَسْتَفيئهُ الى طاعَتِه قَبْلَ حَرْبِ الجَمَلِ يستیفئه أي: يطلب رجوعه من فَاءَ إذا رَجَعَ، ومنه سمي الظّل بَعد الزُّوال فيئا(2) (لا تَلْقَينَّ طَلْحَةَ، فَإِنَّك إنْ تَلْقَهُ تَجِدَهُ كَالثَّوْرِ (عَاقِصاً)(3) قَرْنَه، يَرْكبُ الصَعْبَ ويَقُولُ: هَوَ الذلُول) في بعض النَّسخ (تُلفِه) موضع تجده، يقال: ألفيتهُ(4) على كذا أي: وجدته، وعقص شعره کضَرَب أي: ضفره(5) وفتله(6)، وهو ادخال أطراف الشعر في أصوله(7)، والَأعقَص من التيّوسِ وغيرها مَا التوى قَرَناه على أُذنَيه من خَلفه(8) وأمَّا عَقِص بالكسر فهو بمعنی بَخَلَ وَسَاءَ خُلقَهُ(9)، وقول بعض الشَّارحين توهّم(10)، وعَاقِصاً أمَّا مفعول ثانٍ لتجده والضَّمير

ص: 158


1- (معنی) في أن تصحيف
2- ينظر: الصحاح، مادة (فيأ): 1 / 63
3- (عاقضاً) في ح، تصحيف
4- (الفنة) في ع
5- (صفره) في م، تصحیف
6- (قتله) في ث، ر، تصحيف
7- ينظر: لسان العرب، مادة (عقص): 7 / 56
8- ينظر: الصحاح، مادة (عقص): 3 / 1046
9- ينظر: المصدر نفسه،، مادة (عقص): 3 / 1046
10- ينظر: منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، الراوندي: / 225

المجرور عائد الى طلحة والقرن استعارة، وأما حال عن الثور والضَّمير راجع اليه والقرن حقيقة والمراد تشبيهه في شراسة الخلق واستقباله النصح بالرّد والخشونة بالثور الناطح لمن يستقبله، وقيل وجه الشّبه التواؤه في آرائه وانحرافه [عنه](1) (عليه السَّلام) كالتواء قرن الثور، والصَّعب غير المطيع / ظ 56 / ضَّد الذَّلول، وفي تعريف الذّلول نوع مبالغة (وَلَكِن الْقَ الزُّبَیرَ، فَإِنَّهُ أَلْیَنُ عَرِيكَةً، فَقُلْ لَهُ: يُقُولُ لَكَ ابْنُ خَالِكَ: عَرَفْتَنِي بِالحِجَازِ، وَأنْكَرْتَنِي

بِالعِرَاقِ، فَمَا عَدَا مَمَّا بَدَا!) قالَ السَّيد: هُوَ أوَّلُ مَنْ سُمِعت منه هذه الْكلمة - أَعْني: (فَمَا عَدا مِمَّا بَدَا!) قالَ السَّيد: هُوَ أوَّلُ مَنْ سُمِعت منه هذه الْكلمة - أَعْني: (فَمَا عَدا مِمَّا بَدَا). العريكة (الطبيعةُ)(2)، وفلان لينِّ العَرِيکَةِ إذا كان مطاوعاً منقاداً قليل الخلاف والنَّفور(3)، وفي قوله (عليه السَّلام) ابن خالك نوع من الاستعطاف والاستمالة بذكر الرحم كقول هارون (عليه السَّلام) وتركٌ للاستعظام والتَّرفع بالتعبير بأمير المؤمنين وانکره واستنكره وتناكره جهله، وانکاره خروجه عن الطَّاعة ونكث البيعة، وعداهُ(4) يعدُوهُ أي: جاوزه وتركه، وعدوته عن الأمر صرَفتُهُ و شغلته(5)، وبدا الأمر يبدو(6) وظهر وبدا له في الأمر ظهر له رأي بعد رأي، وذكر الشارحون في قوله (عليه السَّلام): (فما عَدا ممَّا بَدا) وجوهاً منها ما صرفك عما كان بدا منك أي: ظهر؟ أي: ما الذَّي صَّدك عن طاعتي بعد اظهارك لها؟، (ومن) هاهنا بمعنى (عن)

ص: 159


1- [عنه] ساقطة من أ، ع
2- الصحاح، مادة (عرك): 4 / 1599
3- ينظر: الصحاح، مادة (عرك): 4 / 1599، و معجم مقاییس اللغة، مادة (عرك): 4 / 291
4- (وعدا) في أ، وما أثبتناه مناسب السياق
5- ينظر: المخصص، مادة (ردّ): 3 / 102
6- (بيدو) في أ، ح، ر، ع

كقول(1) ابن قتيبة: حدَّثني فلان من فلان، ولَهَيتَ من كذا وضمير المفعول محذوف، كقوله تعالى: «وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا»(2)، ومنها أن (عدا) بمعنی جاوز و(من) لبيان الجنس، والمراد: ما الذّي جاوز بك عن بیعتي ممَّا بدا لك بعدها من الأمور التي ظهرت لك؟، ولعل الأنسب، ما صرفك عن البيعة والطاعة من الأمور التّي بَدَت لك؟ فيوافق الأوَّل في الجزء الأوَّل(3) والثاني في الثاني، ولا يجعل (من) بمعنى (عن)، ولا يقدّر الجارّ، وروی بعض الشارحين(4) عن الصَّادق جعفر بن محمد، عن أبيه عن جدّه (عليهم السَّلام) قال: سألت ابن عباس عن تلك الرّسالة، فقال، بعثني فأتيت الزبير، فقلت له: فقال إني أريد ما تريد - كأنَّه يقول: الملك - ولم يزدني على ذلك، فرجعت الى أمير المؤمنين (عليه السَّلام) فأخبرته.

ومن خطبة له (عليه السَّلام)

(أَيَّهَا النَّاسُ إِنَّا قَد أَصبَحنَا فِي دَهرٍ عَنُود، وَزَمَنٍ شَدِيدٍ، يُعَدُّ فيهِ المُحسِنُ مُسِيئاً، وَيَزدَادُ الظَّالِمُ فيه عُتُوّاً) عَنَدَ عن الطَّريق كنَصر أي: عدل ومال، والعنود والعَنيد فعُول و فعيل بمعنی فاعل، وقيل مفاعل(5) والزَّمن بالتَّحريك (اسمٌ لقليل الوقت وكثيرهِ)(6) کالزمان، والشديد فعيل من الشدَّة، أو هو

ص: 160


1- (قول) في أ، ع
2- الزخرف / 45
3- (والاول) في ح
4- ينظر: شرح نهج البلاغة، أن أبي الحديد: 2/ 131، 132، وشرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 2/ 61
5- ينظر: لسان العرب، مادة (عند): 3/ 307
6- الصحاح، مادة (زمن: 5/ 2131

بمعنى البخيل كما ذكره بعض الشَّارحين(1)، قال: ومنه قوله تعالى: «وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ»(2) وفي بعض النّسخ (وزمن کنوُد)(3) وهُوَ الكفُور قال الله تعالى: «إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ»(4)، قيل الكنود اللَّوام لربه تعالى ووصف الزَّان بالأوصَاف الذّميمة، في الحقيقة توصيف لأهله كما يدّل عليه الكلام، الاتي لا لأنَّه من الأسبَاب المعدَّة للخَير والشَّر كما زعمه بعض الشَّارحين(5)، وعدّ المحسِن مسيئاً أما لعدم الإذعان [بالحَّق](6)، أو لحملهم الأفعَال الجميلة على المحامل القبيحة، كزعم العَابد مرائياً، ونحو ذلك، والعتوّ الاستكبار ومجازة الحد(7) وعتوا الظالم لَعَدم النَّاهي عن المنكر مع ميل النّفوسِ الأمارة بالسّوءِ اليه، أو لأعانة أهله، ومعاضدتهم الظَّالمين (لَا نَنتَفِعُ(8) بِمَا عَلِمنَا، وَلَا نَسأَلُ عَمَّا جَهِلنَا، وَلَا نَتَخَوَّفُ قَارِعَةً حَتَّى تَحُلُّ بِنَا) الكَلام من قبيل: (إيَّاك أعني واسمعي يا جارة)(9)، وعدم الانتفاع بالعِلم لترك(10) العمل، وعدم

ص: 161


1- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 2/ 140
2- العاديات / 8
3- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 2/ 138، هامش: 1، نسخة ج: شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 114/4
4- العاديات / 6
5- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 2/ 64
6- [بالحق] ساقطة من ث، ر، م
7- ينظر: لسان العرب، مادة (عتا): 15/ 27
8- (تنتفع) في أ، ث، ع، ر
9- المثل لسيار بن مالك الفزاري قاله لأخت حارثة بن لأم الطائي وذلك انه نزل بها فنظر الى بعض محاسنها فهويها واستحيا ان يخبرها بذلك فجعل يثيب بامرأة غيرها) جمهرة الأمثال: 29/1، ونسبه الميداني لسهل بن مالك الفزاري، مجمع الأمثال: 1/ 50
10- (بالترك) في م

السؤال لعدم العلم بفضل العلم، مع عدم الرَّغبة في العمل بمقتضاه، والقارعة (الدَّاهية)(1) (يقال: قَرَعَهُ أمر إذا أتاه فجأة)(2) وحل بالمكان كمدَ، نزل به وترك الاحتراز عن القوارع هو ترك الاستعداد لدفعها قبل نزولهَا وذلك لعدم التّفكر في العواقب، والمراد بها أمَّا مصائب الدّنيا كإغارة العدّو وغَيرهَا أو يعم نکال الآخرة (فَالنَّاسُ(3) عَلىَ أَربَعَةِ أَصنَافٍ: مِنهُم مَن لاَيَمنَعُهُ الفَسَادَ فِي الأرضِ / و 57/ إلّا مَهَانَةُ نفسه وکَلاَلةُ حَدِّهِ، وَنضِيضُ وَفرِه) المهانة اسم أو مصدر من هان هوُناً بالضَّم كالهوان وهو الذّل والضَّعف أو هو اسم من قولك امتهنته أي: أضعفته، والمهين الحقير والميم على الثاني أصلية، وكلّ السّيف کَفَرّ إذا وقف عن القطع وفي بعض النّسخ (وکلال حده) بدون التاء، وحدّ السّيف حِدّتَهُ وحدّ الرّجل بأسه(4)، و الاضافة على التوسّع، ونَضَّ الماء نَضِيضاً: (سال قليلًا قليلاً)(5)، و(النَضِيض: الماءُ القليلُ)(6)، والوَفر (المال الكثير)(7)، والمراد (بنضيض)(8) وفرِه قلّة مَاله، قال بعض الشّارحين: الاضافة(9) مثلها [في](10)

ص: 162


1- لسان العرب، مادة (قرع): 8/ 265، و تاج العروس، مادة (قرع): 11/ 364
2- لسان العرب، مادة (قرع): 8/ 265
3- (والناس) في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 2/ 138، ونهج البلاغة، صبحي الصالح: 69
4- ينظر: لسان العرب، مادة (جدد): 3/ 143
5- الصحاح، مادة (نضض): 3/ 1107
6- المصدر نفسه، مادة (نضض): 3/ 1108
7- المصدر نفسه، مادة (وفر): 2/ 847
8- (بتضیص) في ث، وفي ح، ر: (بنصيص)، تصحيف
9- (الاصافة) في ر، تصحيف
10- [في] ساقطة من أ

جرد قطيفه(1)، والمراد بالناس غير المتّقين الذين اشار اليهم [(عليه السَّلام)](2) بقوله: وبقي رجَال ولم يجعلهم(3) قسمًا من أهل الزَّمان لقلّتهم، والقسم الأوَّل من الأربعة المريد للدُّنيا المائل الى الفساد بطبعه المحروم عن نيل الدّنيا والاحتيال لتحصيلهَا لعدم القدرة وفقد الأسبَاب (وَمِنهُم المُصلِتُ(4) بِسَيفِهِ، وَالمُعلِنُ بِشَرِّهِ، وَالمُجلِبُ بِخَيلِهِ وَرَجلِهِ؛ قَد أشرَط نَفسَهُ، وَأَوبَقَ دِينَهُ؛ لِحُطَامٍ يَنتَهِزُهُ، أَو مِقنَبٍ یَقُودُه، أَو مِنبَرٍ يَفرَعُه، وَلَبِئسَ المُتجَرُ أَن تَرَى الدُّنيَا لِنَفسِكَ ثَمَناً، وَمِمَّا لَكَ عِندَ اللهِ عِوَضاً!) أصلَتَ السَّيف أي: (جَرَّدَهُ مِن غِمده)(5) وإصلات السّيف هو إعلان الشَّر والفساد، وفي بعض النسخ (بِسره) بالسين المهملة أي(6): باطنة الخبيث، [و](7) أجلب عليه أي: تجمع وتألب، وكذلك إذا صَاحَ بهِ واستَحثه وأجلبه أي: أعانَهُ(8)، والخيل الخيالة، ومنه الحديث: (يا خيل(9) الله اركبي)(10)، وقيل أي: فرسَان خيل الله أيضاً الخيول، ومنهُ قوله تعالى: «وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا»(11)، والرَّجل اسم جمع أو جمع

ص: 163


1- قول متصرف به، ينظر : شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 2/ 140
2- [عليه السلام] ساقطة من ع
3- (يحملهم) في م
4- (المضلت) في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 2/ 138
5- الصحاح، مادة (صلت): 1/ 256
6- (الي) في ع
7- [و] ساقطة من ع
8- ينظر: لسان العرب، مادة (جلب): 1/ 272
9- (يا حبل) في ع، تصحيف
10- الفائق في غريب الحديث: 1/ 280
11- النحل / 8

للراجل کالركب(1) والصّحب وذكر الرّجل قرينة على الاستعمال الأوَّل للخيل [أو](2) حذف المضاف والمجلب(3) بالخيل [والرّجل](4) المجتمع(5) [بهم](6) أو الصّائح(7) من الجَلَبَة(8) وهي (الصّياح)(9) كما قيل في قوله تعالى: «وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ»(10)، وقال بعض الشَّارحين: أي المستعين على الأمر بالجمع(11)، وأشرط نفسه أي: أعلمها(12) وأعدّهَا للفَساد أو للحطام على التنازع(13)، (قالَ الأصمعيّ: ومنه سمِّي الشُرطُ لأنَّهم جعلوا لأنفسهم علامةً)(14)، (وقال أبو عبيدة: لأنَّهم أُعِدُّوا)(15)، وأوبن دينه أي: أهلكه، والحطام ما تكسر من اليبس(16)، والمراد به المال الذي لا يبقى، وينتهزه أي:

ص: 164


1- (کالراكب) في أ، ث، ر، ع، وما اثبتناه أنسب
2- [او] ساقطة من أ، ع
3- (المحلب) في أ، ث، ح، ر، ع، تصحیف
4- [والرجل] ساقطة من أ، ع
5- (المتجمع) في ح
6- [بهم] ساقطة من ث
7- (الصانح) في ث، تحریف
8- (الحلبة) في أ، ث، ر، تصحیف
9- تاج العروس، مادة (جلب): 1/ 370
10- الإسراء / 64
11- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 2/ 64، وفيه: (المستعين على الأمر بالجمع)
12- (أعملها) في ث، ر، تحریف
13- (الشارع) في ر، ع
14- الصحاح، مادة (شرط):3/ 1136
15- المصدر نفسه، مادة (شرط) :3/ 1136
16- ينظر: القاموس المحيط، مادة (حطم): 4/ 98

يسرع الى تناولهِ، والنُّهزة(1) بالضّم (الفُرصة)(2)، وانتهازها(3) اغتنامها، والمِقنب بالكسر جماعة الخيل والفُرسان، قيل هي دون المائة، وقيل ما بين الثلاثين الى الأربعين(4)، وقائد الجيش أميُرِهُم، ويفرعه(5) أي: يعلوه (وفَرعُ(6) كلِّ شيء أعلاه)(7)، والمتجر مصدر والمكان بعيد ومَالك عند الله أي: على تقدير الطَّاعة وهذا القسم هو المريد للدُّنيا المعلن بالعلو والفَساد القادر عليها البائع آخرته بدُنياه (وَمِنهُم مَن يَطلُبُ الدُّنيَا بِعَمَلِ الآخِرةِ، وَلَا يَطلُبُ الآخِرَة بِعَمَلِ الدُّنيَا، قَد طَأمَنَ مِن شَخصِهِ، وَقَارَبَ مِن خَطوِهِ، وَشَمَّرَ مِن ثَوبِهِ، وَزَخرَفَ مِن نَفسِهِ لِلأَمَانَةِ، وَأَتَّخَذَ سِترَ اللهِ ذَرِيعَةً إِلَى المَعصِيَةِ) عمل الدّنيا مَا يفعله المكلَّف فيها فالإضافة كمصارع مصراً، و ما يصير بانضمامِ القربة والتّوصل به الى الطّاعة طاعة فيناسبُ الاضافة السّابقة وطأمن بالهمز مقلوب طمأن(8) أي: سكن، وطامن منه أي: سكّنه، وقارَب من خطوه أي: لم يبعد بين قدميه في المشي اظهاراً(9) للوقار، ويقال: قارب في الأمر إذا اقتصد

ص: 165


1- (النهرة) في ر، تصحيف
2- الصحاح، مادة (نهز): 3/ 900
3- (ایثارها) في ر
4- ينظر: تاج العروس، مادة (قنب): 2/ 342
5- (ويقرعه) في ث، تصحيف
6- (قرع) في ث، ع، تصحيف
7- الصحاح، مادة (فرع): 3/ 1256
8- ذهب الى هذا الرأي أبو عُمر الجرمي، قال ابن جني: ((علم أن أبا عمرو الجرمي خالف سیبویه في هذه اللفظة فذهب الى ان (أطمأن) غیر مقلوب، وأن (طأمن) هو المقلوب كأن أصل هذا الفعل عنده أن يكون الميم قبل الهمزة)) المنصف: 2/ 104 و ينظر: شرح شافية ابن الحاجب: 1/ 22
9- (اطهارا) في أ، ح، تصحيف

وترك الغلو والتّقصير، والخَطو بالفتح کما في النّسخ مصدر وبالضّم بعد ظ 57/ ما بين القدمين في المشي(1)، وشمّر من ثوبه أي: (رفعه)(2)، ولعلّ ذلك لإظهار التّنزه والاحتراز من النجاسة والقذارة، وقال بعض الشَّارحين: أي: قصر ثوبه(3)، وهو غير معروف في اللّغة وعلى تقديره فهو للتّنزه، أو لرفض(4) اعادة المُستكبرين من العرب في اطالة الثّوب واتباع السّنة في قصره الى نصف الساق أو الى القدم، والزُّخرف بالضّم في الأصل (الذهب ثُمَّ يُشَبَّهُ به کلّ مُموَّهٍ [و](5) مُزوَّرٍ، والمُزخرف المزَيّنُ)(6)، والظَّرف أعني للأمانة متعّلق بالأفعال الأربعة أو الأخير أي: زيّن نفسه؛ لأن يتّخذه النَّاس أميناً في أمُور دينهم ودنياهم ويقتدوا بهِ، أو في أموالهم، وستر الله تلك الأمانة أو التقوى فإنَّ الله تعالى حرم على النَّاسِ تتبع عَورات أهلها وذكر عيوبهم، والذّريعة (الوسيلة)(7)، والمعصية التّي جعل ستر الله ذريعة اليها ما يطلبه من العلوّ في الدنيا و الرئاسة بغير حَّق، وهذا الصّنف(8) هو المُريد للدُّنيا المعدّ نفسه بالتّمويه والتّزوير لأمور دون الملك وإراقة الدماء والظّلم الظَّاهر (ومِنهُم مِن أقعَدَهُ(9)

ص: 166


1- ينظر: الصحاح، مادة (خطا): 6/ 2328
2- القاموس المحيط، مادة (شمر): 2/ 63
3- ينظر: منهاج البراعة شرح نهج البلاغة، قطب الدين الراوندي: 1/ 232
4- (لرفص) في ر، تصحيف
5- [و] ساقطة من ث، ح، ر، م
6- الصحاح، مادة (زخرف): 1369/4
7- لسان العرب، مادة (ذرع): 8/ 96
8- (الضف) في م، تحریف
9- (أبعده) في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 2/ 138، و نهج البلاغة، صبحي الصالح: 70

عَن طَلَبِ المُلكِ ضُؤولَةَ نَفسِهِ، وَانقِطَاعُ سَبَبِهِ، فَقَصَرَته الحَالُ عَلَى حَالِهِ، فَتَحَلَّى بِاسمِ القَنَاعَةِ، وَتَزَيّن بِلِبَاسِ أهلِ الزَّهَادَةِ، وَلَيسَ مِن ذَلِكَ فِي مَرَاحٍ وَلَا مَغدًى) الضُؤُولة بالضّم (الحقارة)(1) ورجلٌ ضَئِيل الجسم إذا كان ضعيفاً نحيفاً(2)، والسَّبب الحبل وكلّ ما يتوصل بهِ الى شيء، وقصرّته بالتشديد على صيغة المؤنث، وفي بعض النّسخ (قَصُرَ بِهِ) بالتخفيف مع الظَّرف والفاعل الحال على كلّ حالٍ لأنَّه يذكر ويؤنث، وتحلّى بالحَلي أي: تزین بهِ، (وَالمَراحُ بالفتح الموضع الذّي يَرُوح منه القوم أو يروحون اليهِ)(3) من الرَّواح، وهو اسم للوقت من زوال الشمس الى الليل نقيض الغداة أي: الصباح، ومنه المغدی(4)، و [أما](5) المراح أي: الموضِع الذّي تأوي الَيه الماشية باللّیل کما فسرّه بعض الشَّارحين(6) فهو بالضَّم، ومعنى الكلام ليس من ذلك في شيء كقولهم: (مَا ترك(7) فلان من أبيه مَغدىً ولا مَراحاً إذا أشبَهه في أحواله كلّها)(8)، ويمكن أن يكون الكلام إيماء إلى أنَّه لا يشبه يوم الرّجل يوم العباد والزّهاد في الصّيام وغیرہ کما لا يشبه ليلة لياليهم(9) في القيام وغيره والفرق بين هذا القسم والقسم الأوّل أنَّ الأوّل غرضه الفساد والظّلم، والثاني الملك

ص: 167


1- تاج العروس، مادة (ضأل): 15 / 417
2- ينظر: الصحاح، مادة (ضأل): 5/ 1747
3- الصحاح، مادة (روح): 1/ 369
4- المصدر نفسه، مادة (روح): 1/ 368
5- [اما] ساقطة من أ، ع
6- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 2/ 64
7- (سأترك) في ع
8- الصحاح، مادة (روح): 1/ 369
9- (ليالهم) في أ، ع

والسّلطان لو خليّا وما يطلبان وهما مختلفان من وجه ومهانة النّفس في الأوّل أقعده عن التزين(1) بلبَاس العباد بخلاف الضؤولة في الثاني، والأول خال عن ذلك التمويه بخلاف الثاني والأول يشمل من كان الظاهر من حاله الغِني بخلاف الثاني كما هو ظاهر الكلام (وَبَقِيَ رِجَالٌ غَضَّ أبصَارَهُم ذِكرُ المَرَّجِع، وَأرَاقَ دُمُوعَهُم خَوفُ المَحشَر؛ فَهُم بَينَ شَريدٍ نَادٍّ، وَخَائِفٍ مَقمُوعٍ، وَساکِتٍ مَکعُومٍ، وَداعٍ مُخلِصٍ، وَ ثَکلَانُ مُوجَعٍ) غضّ طرفهُ كنصر أي أطرق ولم يفتح عينه للحياء أو الخوف(2)، والمرجِع بكسر الجيم مصدر أو اسم مکان(3)، والمراد به من اليه مصير العباد أو يوم القيامة أو الرّجوع اليهما والأولى حمل المرجع على المكان وإن يكون المراد بهِ هُوَ الله سبحانه وإن يكون غضّ البصر للحياء وأراق أي: صّب والمحشَر بفتح الشيّن وكسرها (المجمع)(4) أو الجمع، وفي النّسخ بالفتح، وشَرَدَ البعير کنَصَرَ نفر وذهب في الأرض وكذلك ند كفّر قمعه قهره وذَلّله وضربه بالمِقمَعَة بكسر الميم وهي (حديد المحَجِن يُضرَب بها رأس الفيل)(5) أو عمود من حديد، والكعام ککتاب شيء يجعل في فم البعير عند الهياج، وكعمتُ(6) [الوعاء](7) إذا شددت

ص: 168


1- (التربي) في أث،، ع
2- ينظر: لسان العرب، مادة (غضض): 7/ 197
3- ينظر: لسان العرب، مادة (رجع): 8/ 114
4- المصدر نفسه، مادة (حشر): 4/ 190
5- الصحاح، مادة (قمع): 3/ 1272
6- (كعمته) في ح، ر، ع
7- [الوعاء] ساقطة من ح، ر، ع

[بهِ فمه فهو مكعُومٌ وکَعَمتُ الوعاء(1) اذا شددتَ](2) رأسه(3)، الثُّكل بالضمّ فقد الولد أو(4) الحبيب(5)، يقال: امرأة ثاكل وثكلى، ورجل ثاکِل و ثَکلان(6)، والإيجاع الإيلام، والمُوجَع بفتح الجيم من أصّابه الألم وَالحاصل و 58/ أنّ القليل من أهل الدّهر قوم غضوا بصرهم الظّاهر عما حرّم الله أو(7) عن النّظر الى أكثر الأشياء لخشُوعهم أو غضُوا أبصَار قلُوبهم عن الالتفات الى غيره سبحانه أو الى مَا نهى الله عنه واشتغلوُا بالبُكاء لخوف المحشر فهم(8) دائروَن بين تارك للوطن أو مجامع النّاس للخوف من الظّالمين وكثرة الأذى، أو لقلّة صبره على مشاهدة المنكرات كما ذكره بعض الشّارحين(9) وغير شرید مقهوراً إذا أنكر منكراً أو طلب حقّاً خائف ممّا يجري عليه بعد ذلك وساکت عن الإنكار أو الطّلب قسراً و مشتغل بالدعّاء على وجه الإخلاصِ فصار ذلك همّه وشأنه، ومتألم من أذى الظّالمين، أو لما يرى من مصائب الدّين قد شغله ذلك عن غيره.

(قَدْ أَخْمَلَتْهُمُ التَّقِيَّةُ، وَشَمِلَتْهُمُ الذِّلَّةُ، فَهُمْ في بَحْرٍ أُجَاجٍ أَفْوَاهُهُمْ

ص: 169


1- (الوغاء) في ح، ر، تصحيف
2- [به فمه فهو مكعُوم وكعمتُ الوعاء اذا شددت] ساقطة من ث، م
3- ينظر: الصحاح، مادة (كعم): 5/ 2023
4- (و) في ع
5- (الجيب) في ث، تحریف
6- ينظر: تاج العروس، مادة (ثكل): 14/ 87
7- (و) في ر
8- (فيهم) في ث، م
9- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن میثم الحراني: 2/ 70

ضَامِزَةٌ(1)، وَقُلُوبُهُمْ قَرِحَةٌ)، خمل ذکر فلان وصوته كنصر خمولًا خفِي، وأخمله(2) الله فهو خامل أي: ساقط لا نباهة له(3)، والتقية الحذر والخوف(4)، والماء الأُجاج بالضّم الملحِ المرّ(5) وشأن البحر الأجاج أنّ السّابح فيه مع شدة التعب لا يمكنه(6) الشرب منه وإن بلغ غاية العطش، وضمز بالزاي(7) کضرب ونصر سکت ولم يتكلّم(8)، وفي بعض النسخ (صامتة)، والقُرح بالضّم والفتح الجرح من عضَّ السلاح وما يخرج بالبدن، وقيل بالفتح مصدر وبالضّم اسم، وقيل بالفتح الآثار وبالضّم الآلم، والفعل كمنع جرح وكسمع خرج(9) به القروح وقرحَ قلوب هؤلاء لكثرة الظّلم، أو لكثرة المنكرات وسكوتهم(10) لعدم المغيث، أو لعدم تأثير الإنكار مع الخوف وسكوتهم يرجع الى التقية كما أنَّ قرح قلوبهم من فروع الذّلة، ففي الكلام نشر على ترتيب اللّف والفقرتان الأخيرتان بيان لكونهم في بحر أجاج کما أنّه متفرع على السّابقتين فإنهم مع قرح القلوب لا يقدرون على التظّلم و اظهار ما في صدورهم ولو كشفوا عنه لزاد قرح قلوبهم كما أنَّ العطشان في

ص: 170


1- (ضامرة) في ث، ر، تصحيف
2- (فاخمله) في أ، ع
3- ينظر: القاموس المحيط، مادة (خمل): 3/ 371
4- ينظر: لسان العرب، مادة (تقي): 15/ 402
5- ينظر: تاج العروس، مادة (أجج): 3/ 285
6- (يمكن) في ع
7- (ضمر بالزاي) في أ، وفي ث: (ضمر بالراي)، وفي ع: (ضمر بالضاد)
8- الصحاح، مادة (ضمز): 822
9- (حرح) في ث، وفي م: (حرج)، تصحيف
10- (سكونهم) في ح، ر، م، تصحيف

البحر الأجاج لا يقدر(1) على التروّي، ولو شُرب منه لأزداد عطشاً، وقال بعض الشّارحين: (وجه المشابهة أنَّ الدنيا كما لا تَصلح للاقتناء(2) والاستمتاع بها بل يكون سبباً للعَذاب في الآخرة كذلك البحر لا يمكن سابحه وإن بلغ به جَهد العطش مبلغه شربه والتّروي به)(3)، قال(4): وقوله أفواههم ضامرة أي: إنَّهم لما فطموا أنفسُهَم عن لذّاتها ومخالطة أهلَها فيما هم فيه من الانهماك فيها لا جَرم كانت أفواههم ضامرة لكثرة صيامهم بعيدة العهد بالمضغ، وقُلوبهم قرحة جوعاً، أو خَوفاً من الله، أو عطشاً الى رحمته ورضوانه، أو لما يشاهدُونه من كثرة المنكرات وعدم تمكنهم من انكارها، ومن روی (ضامزة)(5) بالزّاي المعجمة أراد سُکوتهم وقلّة كلامهم انتهى. وفيه من شوائب البعد ما لا يخفى ولم نجد ضامرة بالرّاء المهملة في النّسخ التّي ظفرنا بهَا. (قَد وَعَظُوا(6) حَتَّى مَلُّوا، وَقُهِرُوا حَتَّی ذَلُّوا، و قُتِلُوا حَتَّى قَلُّوا) في كثير من النسخ (وُعِظُوا) على صيغة المعلوم أي: ذكروا للناس ما يلين قلوبهم من الثواب والعقاب ونهوهم عن المنكر حتى ملّوا لعدم التأثير، وفي بعض النّسخ (وَعِظُوا) على صيغة المجهُول أي: خوفهم النّاس وحذّروهم عن مجانبة ما هم عليه من الباطل للحوق الضّرر الدّنيوي أو الاخروي لزعمهم

ص: 171


1- (لا يقدرون) في ث، ر، م
2- (للاقتناء) في ث، وفي ر، م: (للافناء)، تحریف
3- شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 2/ 70
4- شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 2/ 70، وفيه: (وقوله: أفواههم ضامرة وقلوبهم قرحة أي أنهم...)
5- (ضامرة) في أ، ر، ع، م، تصحيف
6- (وعطوا) في م، تصحيف

أنَّهم على الحق وهؤلاء على الباطل حتی مّل هؤلاء من سماع الباطل واسناد القتل الى الجميع لجريانه على البعض أو الأكثر، ولشمول قصد القتل كافّتهم.

(فَلتَكُنِ الدُّنيَا أَصغَرَ فِي أعيُنِكُم(1) مِن حُثَالَةِ القَرَظِ، وَ قُرَاضَةِ الجَلَمِ(2)، وَ اتّعِظُوا بِمَن كَانَ قَبلَكُم قَبلَ أَن يَتَّعِظَ بكم مَن بَعدَكُم، وَارفُضُوهَا ذَمِيمةَّ، فَإِنَّهَا قَد رَفَضَت مَن كَانَ أَشغَفَ(3) بِهَا مِنکُم) القَرَظُ(4) بالتّحريك ورَقُ السَلَمِ يُدبَغُ بهِ الأدِيم(5)، وحُثَالَتُه بالضّم ثفله وما يسقط / ظ 58/ من قشر الشعير والأرُزَّ وغيرهما إذا نقي وَالرّديء من كل شيء حُثالة(6)، و(الجَلَم)(7) بالتحريك ما يجز به: أي يقطع الصّوف من الغنم وغيره(8)، وهو المقراض وقراضته ما يسقط بالقرض، والاتعاظ قبول الوعظ والعمل بما يقتضيه ومحل الاعتبار من أحوال الماضيين مفارقة ما كانوا يركنون اليها و يؤثرُونَها من نعيم الدّنيا وزخارفها وبقاء الحسرة والنّدامة، أو نزول العذاب وحلول الخزي على العاصيين، وتغيّر النعم وزوالها عمّن بدّل نعمة الله كفرا ولم يطيعوا أنبياء الله و أوصياءه. والرّفض التّرك والإعراض عن الشيء، والذّميم المذموُم،

ص: 172


1- (فلتكن الدنيا في أعينكم أصغر) في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 2/ 139، ونهج البلاغة، صبحي الصالح: 72
2- (الحلم) في ع، تصحيف
3- (اشعف) في أ، ث، ح، ر، ع، م، تصحيف
4- (القرط) في أ، ع، تصحيف
5- ينظر: الصحاح، مادة (قرظ): 3/ 1177
6- ينظر: المصدر نفسه، مادة (حثل): 4/ 1666
7- (بالحلم) في ث، وفي ح، ع: (الحلم)، تصحيف
8- ينظر: لسان العرب، مادة (جلم): 12/ 102

والشغف(1) الحب الشّديد الذّي يحرق القلب أو يغشاه أو يمرضه، أي: لما ترك الدّنيا من ركن اليها منکم فاتركوها فإن الرّغبة في الزّاهد فيكم ذلّ نفس والحميّة يقتضي مكافأتها بإساءتها وإذا رفضت من كان (أشغف)(2) بها منكم فترفضكم لا محالة.

قال السَّيِدُ: (وهذه الخُطبَةُ رُبَّمَا نسبها من لا عِلمَ له إِلى معاوِية؛ وَ [هِيَ](3) من كلام أمير المؤمنين (عَليهِ السَّلام) [الَّذِي](4) لاَيُشكُّ فِيه. وأين الذَّهبُ من الرَّغامِ! وَالعذبُ(5) منَ اَلأجَاجُ!) (الرَغَامُ بالفتح: التراب)(6)، ومنه إرغام الأنف إلصَاقهُ بالتراب(7)، والعَذب بالفتح الماء الطّيب الذّي لا ملوحة فيه(8)، والاجاج الملح المرّ. (وقد دَلَّ على ذلك الدَّليلُ الخِرّيت، ونقدهُ النَّاقِدُ البَصِيرُ، عَمرُو بن بحرٍ الجاحِظُ) دلالته [على](9) تصريحه بذلك كما سيأتي، والخريت(10) کسکیت الحاذق(11)، والنقد تمييز الدّرهم وغيره(12)، وجحظت

ص: 173


1- (الشعف) في أ، ث، ح، ر، ع، م، تصحيف
2- (أشعف) في أ، ث، ح، ر، ع، م، تصحيف
3- [هي] ساقطة من ع
4- (الذي) ساقطة من ث، ر
5- (أين الذهب) في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 2/ 139، ونهج البلاغة، صبحي الصالح: 74
6- الصحاح، مادة (رغم): 5/ 1934
7- ينظر: المصدر نفسه، مادة (رغم): 5/ 1934
8- ينظر: لسان العرب، مادة (عذب): 1/ 583
9- [على] ساقطة من أ، ح، ع
10- (الحزيت) في ث،ر، تصحيف
11- ينظر: لسان العرب، مادة (خرت): 2/ 29
12- ينظر: تاج العروس، مادة (نقد): 5/ 282

عینه کمنعت أي: (خرجت مقلتها)(1) ولعلّه لُقّبَ بذلك لذلك (فإنهُ ذكر هذه الخطبة في كتاب «البَيانِ والتَبيينِ»(2)، وذكر من نَسَبَها إلى مُعَاويةَ. ثمَّ تكلّم من بعدها بكلام في معناها) أي: في المقصد المتعلّق بها وهو بيان قائِلها (جُملته) أي: مُجمله، يقال أجملت الحِسَابَ إذا ردّ الى الجملة (أنه قال: وهذا الكلام بكلام عَليٍّ (عَليهِ السَّلام) أشبهُ وَبمذهبهِ في تصنيف النَّاسِ) أي: بطريقته في تمييز النّاس بعضهم عن بعضٍ وجعلهم أصنافاً (وفي الإخبَارِ عَمَّاهُم عليهِ من القَهر والإذلالِ، ومن التقيَّةِ(3) والخوفِ أَليقُ. قالَ:) وهذه اللّفظة(4) ليست في بعض النّسخ فما بعدها يمكن أن يكون من كلام السّيد نفسه (ومتی وجدنا معاويَةَ في حال من الأحوال يسلُكُ في كلامه مسلك الزُهَّاد، ومذهبَ(5) العباد!).

[ومن خطبة له (عليه السَّلام)] عند خروجه لقتال أهل البصرة

قال عبدالله بن العباس: دخلت على أمير المؤمنين بذي قَارِ، وهو يخصِف نعله، فَقَال لي: مَا قيمةَ هذِهِ(6) النعل؟ فقلت: لا قيمةَ لهَا، قَالَ(7):

ص: 174


1- تاج العروس، مادة (حجظ): 10/ 461
2- ينظر: البيان والتبيين: 241، 242
3- (البقية) في ث، ر، تصحيف
4- (الخطبة) في ع
5- [ومن خطبة له (عليه السلام)] ساقطة من ث
6- (هذا) في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 2/ 147، و شرح نهج البلاغة صبحي الصالح: 73
7- (فقال) في شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: 2/ 147. وشرح نهج البلاغة، صبحي الصالح: 73

وَالله لَهِيَ أحبُ إليَّ من إِمرَتكم، إلا أَن أقيم حقّاً، أَو أدفعَ باطلاً، ثم خرج فخطب الناس فقال: ذوُ قار موضع قريب من البصرة(1)، ويوم ذي قار يوم نصرت فيه العرب وهو أوّل انتصارهم على العجم(2)، ويخصف نعله أي: يخرزها من الخُصف الضّم والجمع، والنعل مؤنثة وهي الحذاء(3) أوَ ما وقيت به القدم من الأرض، والإمرة بالكسر اسم من الإمَارَة أو مصدر على قول الجوهريّ(4) (إِنَّ اللهَ سُبحَانَهُ بَعَثَ مُحَمَّداً (صَلىَّ اللهُ عَليهِ وَآله)(5) وَلَيسَ أحدٌ مِنَ العَرَبِ يَقرَأُ كِتاباً وَلَا یَدَّعِی نُبُوَّةً)، الواو للحال، وعدم ادعاء أحد من العرب النبوة حال بعثته (صلى الله عليه وآله) واضح ولم يعرف نبيّ من العرب إلا خالد بن سنان العَبسي(6) على ما ورد من طرق أصحابنا عن بشير النبال(7) عن الصّادق (عليه السّلام)، وذكره صَاحب الكامل(8) وغيره/ و 59/ من الجمهُور(9)، وهو الذي دفن نار الحرتين أو نار(10) الحدثان دعا

ص: 175


1- (وذو قار: ماء لبكر بن وائل قريب من الكوفة بينها وبين واسط، وحنو ذو قار: على ليلة منه وفيه كانت الوقعة المشهورة بين بكر بن وائل والفرس.) معجم البلدان: 4/ 293
2- (الحذا) في أ، ح، ر، ع، م، وفي ث: (الخذا)
3- ينظر: فتوح البلدان: 2/ 365، و تاريخ اليعقوبي: 1/ 215، الكامل في التاريخ: 1/ 482
4- ينظر: الصحاح، مادة (أمر): 2/ 581
5- (صلى الله عليه) في شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: 2/ 147
6- حکیم من أنبياء العرب في الجاهلية، كان في أرض بني عبس يدعو الناس الى دین عیسی. ينظر: الأنساب: 5/ 456، واللباب في تهذيب الأنساب: 3/ 296، و الأعلام: 2/ 296
7- ينظر: کمال الدین وتمام النعمة، الشيخ الصدوق: 660
8- ينظر: الكامل في التاريخ: 1/ 376
9- ينظر: مروج الذهب، المسعودي: 2/ 211، و الأنساب، السمعاني: 5/ 456، و الاصابة، ابن حجر: 2/ 309
10- (بار) في ث، ر، م، تصحيف

قومهُ فأبوا أن يؤمنوا كانت تأتيهم كلّ سنة فتأكل ما تليها من مواشيهم وما أدركت لهم، وكانت تخرج في وقت معلُوم، فقال: إن رددتها أتؤمنون بي؟ قالوا: نعم، فلمّا جاءت استقبلها بثوبه فردّها، ثم تبعها حتى دخلت کهفها، ودخل معها وجلسوا على باب الكهف فمكث حتّی طال عليهم مكثه، فقالوا: إنَّا لنراها(1) قد أكلته، فخرج وقال: أتجيبوني وتؤمنُون(2) بي؟ قالوا: نار خرجت ودخلت لوقت، فقال لهم: إنّي ميت بعد كذا فإذا أنا مّت فادفنوني وإنه ستجيء(3) عانه(4) من حمر(5) يقدمها(6) غير(7) أبتر(8) حتّى تقف(9) على قبري فانبشوني(10) وسلوني عمّا شئتم، فلمّا مات ودفنوه وجاءت العير، قالُوا: ما أمنتم به في حياته، فكيف تؤمنُون به بعد وفاته! فتركوه وفي هذه النّار قول الشاعر:

کنار الحرّتين لها (زفير)(11) *** تصم مّسامعَ الرّجُل السّميع(12)

وأمّا قراءة الكتاب، فيمكن أن يراد بها قراءته على النّاس من عند الله

ص: 176


1- (لنريها) في أ، ث، ح، ر، ع، م
2- (ويؤمنون) في أ، ح، ع، وما اثبتناه مناسب للسياق
3- (سيجيء) في أ، ح، ع، م، تصحيف
4- (غانة) في ث، تصحيف
5- (جمر) في ث، ر، م، تصحیف
6- (تقدمها) في أ، ع، تصحيف
7- (غير) في ث، وفي أ، ع، تصحیف
8- (أمتر) في ث، تحریف
9- (يقف) في ث، ح، ر، م، تصحيف
10- (فانیشوني) في ث، تصحيف
11- (رفير) في ث، ح، تصحيف
12- البيت لم ينسب لشاعر، ورد في نهاية الأرب في فنون الأدب، النويري: 1/ 113

سبحانه، وقال بعض الشّارحين: الكتاب الذّي يدعيه اليهود محرف ولا اعتماد على النّصارى لكفرهم وقولهم بالتثليث، [والنّافون للتثليث](1) في غاية القّلة فلا يفيد قولهم إنّ ما في أيديهم هو إنجيل عيسى، فإذن لا يكون ما يقرؤونه کتاباً من عند الله سُبحانه سلمناه، ولكن يحتمل أن يريد بالعرب جمهورهم فإنه لم يكن لأكثرهم [دین](2)، ولا كتاب وإنّما كان بعضهم يتمسكون بآثار من شريعة إسماعيل، وبعضهم برسوم لهم(3).

(فَسَاقَ النَّاسَ حَتَّى بَوَّأَهُم مَحَلَّتَهُم، وبَلَّغَهُم مُنجَاتَهُم، فَاستقَامَت قَنَاتُهُم، وَاطمَأَنَّت صَفَاتُهُم) بؤاه الله منزلا أي: اسکنه إيّاه أي: ضربَ النّاسِ بسيفه ودَعاهم الى الاسلامِ حتّى أوصلهم اليه ففازوا بالنّجاة والمنجاة مصدرا، ومحل وهو أنسب بالمحلة و [الحلول](4) هو النّزول، والقناة: (الرّمح)(5) وهو إذا كان معوجاً لا يترتّب(6) عليه الأثر المَطلوب، وفسّر بعض الشّارحين القناة (بعمود الظّهر المنتظم للفقار)(7) ولم نجده في کلام اللغويين(8) وفسرّها بعضهم بالعَصَا المُستوية أو ما يشمل المعوجة(9)

ص: 177


1- [النافون للتثليث] ساقطة من ث، وفي م: (الناقون)، تصحيف
2- [دین] ساقطة من أ، ع
3- قول متصرف به، ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 2/ 73
4- [الحلول] ساقطة من ع
5- لسان العرب، مادة (قنا): 15/ 203
6- (تترتب) في ح، تصحيف
7- شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 2/ 72
8- (ولم نجده في كلام اللغويين) محذوفة في ح
9- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 2/ 148

والصَفَاةُ [بالفتح](1) الحجر(2) الصلد(3) الأملس شبه (عليه السّلام) حَالُهم قبل الإسلام في تزلزلهم للنّهب والغارة والخصومات بالصّخرة المتدحرجة الزّائلة عن مكانها. (أما وَالله إِن کُنتُ لَفِي سَاقَتِها حَتَّى وَلَّت بِحَذَافِيرِها؛ مَا عَجَزت(4) وَلاَ جَبُنتُ، وإِنَّ مَسِيِري هَذا لِمثلِهَا، فَلَأَنَقُبَنَّ البَاطِلَ حَتَّى يَخرُجَ الحَقّ مِن جَنبهِ) كلمة (إن) مخففة من المثقلة واللّام المفتوحة قرينة لها، وفي بعض النسخ (لقد كنت)(5)، والسّاقة جمع سائق کحائك وحاكة، وهم الذّين يسوقون جيش الغزاة ويكونون من ورائه يحفظونه ومنه ساقة الحاجّ(6)، وولّی وتولى أي: أدبر هارباً، وفي بعض النسخ (تولّت)(7)، وحَذَافِيرُ الشيء جوانبه(8)، وقيل: (أعاليه)(9) واحدها (حِذفَارٌ)(10)، وقيل: (حذفور)(11)، والمراد: أدبرت بأسرها، والجبن ضدّ الشجاعة، والنَقبِ (الثقب)(12) وفي

ص: 178


1- [بالفتح] ساقطة من أ، ث، ر، م
2- (الحجرة) في أ
3- ينظر: الصحاح، مادة (صفا): 6/ 2401
4- (ما ضعفت) في شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: 2/ 147
5- معارج نهج البلاغة: 200
6- ينظر: الصحاح، مادة (سوق): 4/ 1499
7- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، القطب الراوندي: 1/ 234
8- ينظر: لسان العرب، مادة (حذفر): 4/ 177
9- المصدر نفسه، مادة (حذفر): 4/ 177
10- الصحاح، مادة (حذفر): 2/ 626
11- لسان العرب، مادة (حذفر): 4/ 177
12- تاج العروس، مادة (نقب): 2/ 443

بعض النسخ (لأبقرن) [كانصُرنّ](1)، والبقر الشق(2) شبه (عليه السّلام) الباطل بحيوان ابتلع جوهراً ثميناً فاحتيج الى شق بطنه في استخراج ما ابتلع.

(مَالِي وَلِقُرَيشٍ، وَاللهِ لَقَد قَاتَلتُهُم كَافِرِين، وَلَأُقَاتِلَنَّهُم مَفتُونِينَ؛ وَإِنّي لَصَاحِبُهُم بِالأَمسِ کَمَا أَنَا صَاحِبُهُمُ اليَومَ) مَالي ولهم أي: لا أداهنهم ولا اترحمُ عَلِيهم، وَالمفتون من أصابته الفتنة وهي تطلق على الامتحان والضّلال والكفر والإثم والفضيحة والعذاب / ظ 59/ وغير ذلك، والمراد بالمفتُون ما يقابل الكافر الأصلي الذّي لم يدخل في الاسلام ولم يظهره أصلا إذ لا شك في أنَّ من حاربه (عليه السّلام) کافر لقوله (صلى الله عليه وآله): (حربك حربي)(3) وغير ذلك من الأخبار والادلة وسيجيء تمام الکلام في ذلك في شرح بعض الكلمات الآتية إن شاء الله تعالى.

[ومن خطبة له (عليه السّلام)] في استنفار الناس إلى أهل الشام

روی انّه (عليه السّلام) خطب بهذه الخطبة بعد فراغه(4) من أمر الخوارج بالكوفة، وكان أمر الناس أن يلزموا معسكرهم بالنخيلة ويوطنوا على الجّهاد أنفسهم ويقلوا زيارة نسائهم وأبنائهم حتّى يسير بهم الى عدّوهم فتركوه وما معه إلا قليل من وجوههم وبقي(5) المعسكر خالياً فلما رأى ذلك دخل الكوفة

ص: 179


1- [كانصرن] ساقطة من أ، ث، ر، ح، م
2- ينظر: تاج العروس، مادة (بقر): 6/ 105
3- الأمالي، الصدوق: 156
4- (فراعه) في ح، تصحيف
5- (وهي) في ر

(أُفٍّ لَکمْ! لَقَدْ سَئِمْتُ عِتَابَکمْ(1). أَرَضِیتُمْ بِالْحَیاةِ الدُّنْیا مِنَ الْآخِرَةِ عِوَضاً، وَ بِالذُّلِّ مِنَ الْعِزِّ خَلَفاً!) أُفٍّ بالضّم والتّشديد والتنوين كلمة تضّجر وتكره ولغاتها أربعون(2) منها كسر الفاء کما في بعض النسخ، وسِئمتُ الشيء ومنه تعلمت مللته، والعتاب المَلَامَة، والخَلف بالتّحريك كلّ من يجيء بعد من مضى، وقيل: الخَلَف بالتّحريك في الخير، وبالتّسكين في الشّر، يقال: خَلَف صدق بالتّحريك، وخلف سوء بالتّسكين(3)، فالتّحريك كما في النسخ على ظنّ المخاطبين المنبئ(4) رضاهُم عنه.

وفي الكلام اشارة الى قوله تعالى: «أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [فِي الْآخِرَةِ](5) إِلَّا قَلِيلٌ»(6) وعوضاً وخلفاً منصوبان على التّمييز ([...](7) إِذَا دَعَوْتُکمْ إِلَی جِهَادِ عَدُوِّکمْ دَارَتْ أَعْینُکمْ، کأَنَّکمْ مِنَ الْمَوْتِ فِی غَمْرَةٍ، وَ مِنَ الذُّهُولِ فِی سَکرَةٍ) دوران أعينهم(8) أمّا للخوف من العدّو والجبن، أو للحيرة وَالتردد بين مخالفته (عليه السّلام) وبين الإقدام على الحرب وفي كلیهما خطر عندهم، (والغَمرَةُ: الشّدة)(9)، (وغَمَرَات الموتِ:

ص: 180


1- (عنابكم) في ع، تصحيف
2- ينظر: تاج العروس، مادة (أفف): 12/ 84
3- ينظر: لسان العرب، مادة (خلف): 9/ 85
4- (المبني) في أ، ث، ر، تصحيف
5- [في الآخرة] ساقطة من أ، ع
6- التوبة / 38
7- [و] زيادة في م
8- (اعينكم) في أ، ع، وما أثبتناه مناسب للسياق
9- الصحاح، مادة (غمر): 2/ 772

شدائُده)(1)، والذّهول الغفلة والنّسيان(2)، والسَّكر بالفتح ضدّ الصّحو، والاسم بالضّم، وسكرة الموت شدّته وغشيته وكأنّه على التّشبيه، وفي الكلام اشارة الى قوله تعالى: «يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ»(3) (یرْتَجُ عَلَیکمْ حَوَارِی فَتَعْمَهُونَ، فَکأَنَ قُلُوبَکمْ مَأْلُوسَةٌ، فَأَنْتُمْ لَا تَعْقِلُونَ) يُرتَج على صيغة المجهول أي: يغلق، والحِوار بالكسر المحاورة وَالمخاطبة، والعَمَه محركة التَرُّددُ في الضّلال والتَّخير(4) في منازعة أو طريق(5)، والفعل كعلم، والأَلس بالفتح: اختلاط العقل والجنون، يقال: الس کعنی فهو مألوس(6) (مَا أَنْتُمْ لِی بِثِقَةٍ سَجِیسَ اللَّیالِی، وَ مَا أَنْتُمْ بِرُکنٍ یمَالُ بِکمْ، وَ لَا زَوَافِرُ عِزٍّ یفْتَقَرُ إِلَیکمْ) وثِق بفلان كوَرِث إذا ائتَمنهُ، وسجيس الليالي [أي](7): آخر الدّهر(8)، (ومنه قيل(9) للماء الرّاكد: سجيس؛ لأنّه آخِر مَا يبقى)(10) ويقال: لا آتيكَ سجيسَ الليَّالي، و (سجيس الأوجَس [أي](11)

ص: 181


1- الصحاح، مادة (غمر): 2/ 772
2- ينظر: لسان العرب، مادة (ذهل): 11/ 259
3- الأحزاب / 19
4- (التحير) في أ، ث، ع،، م تصحيف
5- ينظر: الصحاح، مادة (عمه): 6/ 2242
6- ينظر: المصدر نفسه، مادة (ألس): 3/ 904
7- [أي] ساقطه من ع
8- ينظر: لسان العرب، مادة (سجس): 6/ 104. وفي ع (أواخر)
9- (قبل) في أ، ع
10- القاموس المحيط، مادة (سجس): 2/ 221
11- [أي] ساقطه من ح، ر

أَبداً)(1) ورکُن الشيء بالضّم (جانبه الأقوى)(2) وهو يأوي الى ركن شديد أي: عزّ ومنعة، ويمال بكم أي: يمال على العدّو بعزكم وقوتكم ويستند اليكُم كما قال بعض الشّارحين(3)، أو(4) یمال بكم أي: اليكُم نحو احسن به أي: اليه، وزافِرةُ الرّجل خَاصَّتَهُ وعَشيرَتُه(5)، وزوافر المجد أعمدته وأسبابه المقوية له، وقال بعض الشّارحين: ويجوز أن يكون زوافر(6) عِزّ أي: حوامل عزّ يقال: زفرت الحمل أزفره زفراً أي: حملته(7)، والزفر الحمل بكسرهما وزوافر(8) في أكثر النسخ بالجر عطفاً على المجرور، وفي بعضها بالنّصب عطفاً على الظّرف (مَا أَنْتُمْ إِلَّا کإِبِلٍ ضَلَّ رُعَاتُهَا، فَکلَّمَا جُمِعَتْ مِنْ جَانِبٍ انْتَشَرَتْ مِنْ آخَرَ) (الإبلُ لا واحدا من لفظها وهي مؤَّنثة؛ لأنّ أسماء الجموع التّي لا واحد لها من لفظها إذا كانت لغير الآدميين فالتأنيث لها لازمٌ، وإذا صغّرتها أدخلتها الهاءُ فقلت أُبَيلةٌ وغُنَيمَةٌ)(9) كذا قال الجوهري، وقال الشّيخ الرّضي: (ما لا يجيء من تركيبه لفظيقع على المفرد و 60/ كالغنم [والإبل](10) والخيل والنفر والرهط والقوم فلا خلاف في أنّها اسم

ص: 182


1- الصحاح، مادة (سجس): 3/ 937، و مجمع الامثال، الميداني: 2/ 179
2- معجم مقاییس اللغة، مادة (رکن): 2/ 430
3- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 2/ 152
4- (أي) في ث، ر، م، تحریف
5- ينظر: الصحاح، مادة (زفر): 2/ 670
6- (روافر) في ث، ح، تصحيف
7- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 2/ 152
8- (روافز) في أ، ر، تصحیف، وفي ث: (وروافر)
9- الصحاح، مادة (أبل): 4/ 1618
10- [والابل] ساقطة من ث، ر، م

جمع وليست بجمع)(1)، وفي القاموس: (الإبل واحد يقع على الجمع ليس بجمع ولا اسم جمع)(2)، وراعي الإبل من ولي أمرها وضلّ رعاتها أي: ضاع وهلك من يعلم حَالها والحيلة في جمعها فيتولى جمعها من لا يعلم حالها فكلمّا جمعها من جانب تفرقت من آخر، ويحتمل أن يكون من الضّلالِ ضدّ الهدى أي: لم يهتد من يرعَاهَا الى طريق جَمعها، والغرض ذمهم بتشتت الآراء و تفرق الأهواء (لَبِئْسَ لَعَمْرُ اللَّهِ سُعْرُ نَارِ الْحَرْبِ أَنْتُمْ!) اللّام جواب للقسم والتكرير للتأكيد والعَمر بالفتح العُمر ولا يقال في القسم إلّا بالفتح، ولعمرُ الله قسم ببقاء الله ودوامه وهو رفع بالابتداء، والخبر محذوف تقديره لعُمر الله قسمي، أو ما أقُسمَ به، واللّام للتأكيد فإن لم تأت باللّام نصبته نصب المصادر كذا قال الجوهري(3)، وقال الشّيخ الرّضي (رحمهُ الله): يجوز نصبه بفعل القسم المضمر والنّصب أكثر من الرّفع، والسّعر بالفتح اسم جمع [لساعر](4) کسائر ما جاء على وزن فَعل وواحدة اسم فاعل كصحب وشرب على مذهب سيبويه ويذكر الضّمير الرّاجع اليه، وقال الأخفش: جمع تكسير(5) واحدة ذلك الفاعل وهو مقصور على السّماع فلا يقال: جلس و کتب(6) في جالس وكاتب(7)(8)، وسعرت النار والحرب کمنعت إذا أوقدتهما وهيجتهما، وقرئ

ص: 183


1- شرح شافية ابن الحاجب، رضي الدين الاستراباذي: 2/ 204
2- القاموس المحيط: 3/ 325، 326
3- قول متصرف به، ينظر: الصحاح، مادة (عمر): 2/ 756
4- [لساعر] ساقطة من ع
5- (تكبير) في ر، تحریف، وفي ع: (تكثير)
6- (وكبت) في ث، ر، تصحیف
7- (كابت) في ث، ر، تصحیف
8- ينظر: شرح شافية ابن الحاجب، رضي الدين الاستراباذي: 2/ 203

قوله تعالى: «وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ»(1) بالتخفيف والتشديد(2)، و التّشديد للمبالغة و (الغرض)(3) ذمهم بعدم القدرة على اسعار نار الحرب أو بأنّهم هيجون الفتنة ولا يصبرون على الشدّة ولا يقيمون مراسم الحرب ودفع الأعداء (تُکادُونَ وَ لَا تَکیدُونَ، وَ تُنْتَقَصُ أَطْرَافُکمْ فَلَا(4) تَمْتَعِضُونَ لَا ینَامُ عَنْکمْ وَ أَنْتُمْ فِی غَفْلَةٍ سَاهُونَ. غُلِبَ وَ اللَّهِ الْمُتَخَاذِلُونَ!) الكيد المكر والاحتيال، وربما سمي الحرب کیدا؛ لأن الحرب خدعة، ونقص لازم متعدّ، وامتعض بالمهملة ثم المعجمة إذا (غضب(5) وشق عليه)(6) وفي بعض النسخ (ولا تمتعضون) بالواو مکان الفاء ونام عنه إذا غفل ولم يقم به وتخاذل القوم لم ينصر بعضهم بعضاً (وَ ایمُ اللَّهِ؛ إِنِّی لَأَظُنُّ بِکمْ أَنْ لَوْ حَمِسَ الْوَغَی وَ اسْتَحَرَّ الْمَوْتُ قَدِ انْفَرَجْتُمْ(7) عَنِ ابْنِ ابی طَالِبٍ انْفِرَاجَ الرَّأسِ) اَیَمُ الله بفتح الهمزة وضّم الميم مخفف ایمن الله والتقدير (ایم الله) قسمي وهو اسم وضع للقسم في الأشهر وحَمس(8) كفرح اشتّد، والوغى بالمعجمة كالوعي بالمهملة [بالفتح

ص: 184


1- التكویر/ 12
2- من الذين قرأوا بالتشديد ابن ذكوان وحفص ورویس، وقرأ الباقون التخفيف، ينظر: النشر في التقريب العشر، ابن الجزري (ت 833 ه): 1/ 398
3- (العرض) في ث، ح، ر، تصحيف
4- (ولا) في ح
5- (غضب) في ح، و (غصب) في ث، ر، ع، م
6- لسان العرب، مادة (معض): 3/ 1107
7- (انفر حتم) في ث، ر، تصحيف
8- (خمس) في ث، ع، تصحيف

والقصر فيهما](1) الأصوات والجلبة، ومنه قيل للحرب: وغی(2) لما فيها من الصّوت الجلبة، واستحر(3) الموت أي: اشتدّ وكثر وهو استفعل من الحر بمعنی [...](4) الشدّة كما ذكره ابن الاثير(5)، وقيل من الحرارة لشبه اشتداده بها واشتقاقه من الحرّية لخلوص الموت كما قال بعض الشّارحين بعيد، وانفرجتم أي: تفرقتم والتعدية ب(عن) لتضمين معنى البعد والعُدول ونحوهما وانفراج الرأس مَثل لشدّة(6) التّفرق، قال بعض الشّارحين: قيل: أوّل من تكلّم به أكثم بن صيفي في وصية له: يا بني لا تنفرجوا عند الشدائد انفراج الرأس فإنکم بعد ذلك لا تجتمعون على عزّ، وفي معناه أقوال أحدها: قال ابن درید: معناه أنّ الرأس إذا انفرج عن البدن لا يعود اليه، الثاني: قال المفضل: الرأس اسم رجل تنسب اليه قرية من قرى الشّام يقال لها: بیت الرأس وفيها يباع(7) الخمر وهذا الرّجل قد انفرج عن قومه ومكانه فلم يعد؛ فضرب به المثل، الثالث: قال بعضهم معناه أن الرأس اذا انفرج بعض عظامه عن بعض كان بعيدا عن الالتئام والعود الى الصّحة، الرابع قال بعض الشّارحين / ظ 60/: معناه انفرجتم عنّي [رأساً](8) وردّ عليه بأنَّ رأساً لا يعرف، الخامس، قال أيضا: المعنى انفراج رأس من أدنى رأسه الى غيره

ص: 185


1- [بالفتح والقصر فيهما] ساقطة من أ، ث، ر، ع
2- (وعی) في ح، ر، تصحيف
3- (استخر) في ع، تصحيف
4- [بمعنی] زائدة في ح، ر، تكررت مرتين
5- ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر: 1/ 364
6- (الشدة) في ث، ر
7- (بياع) في أ، ع، م، تصحيف
8- [راسا] ساقطة من ع

ثم حرّف رأسه عنه وردّ بانّه لا خصوصية للرأس في ذلك، السّادس، قيل معناه: انفراج المرأة عن رأس ولدَها حالة الوضع فإنّه في غاية الشدّة ونحوه قوله عليه السّلام في موضع آخر: انفراج المرأة عن(1) قبلها(2) وبعده واضح (وَاللّهِ إِنَّ امْرَأً یُمَکِّنُ عَدُوَّهُ مِنْ نَفْسِهِ، یَعْرُقُ(3) لَحْمَهُ وَیَهْشِمُ عَظْمَهُ، وَیَفْرِی جِلْدَهُ، لَعَظِیمٌ عَجْزُهُ، ضَعِیفٌ ما ضُمَّتْ عَلَیْهِ جَوانِحُ صَدْرِهِ) مكنه من نفسه وأمكنه أي: جعل له منها مکاناً ولم يدفعه، وعَرَقَ اللّحم كنصر أكله ولم يبق منه على العظم شيئاً(4)، وهَشَمَ العظم کضرب کسرهُ، وَفَرَيتُ الشيء کرمیته [قطعتُهُ](5)، وقيل: شققته فاسداً أو صالحاً(6)، والجوانح الأضلاع التي تحت الترائب وهي مما يلي الصّدر كالضّلوع ممّا يلي الظّهر والواحدة جانحة(7) وما ضمّت عليه هو القلب والمذكورات کنایات عن النّهب و الأسر والاستئصال وأنواع الإيذاء والأضرار(8).

(أَنْتَ فَکُنْ ذاكَ إِنْ شِئْتَ، فَأَمّا أَنَا فَوَاللّهِ دُونَ أَنْ أُعْطِیَ ذَلِكَ ضَرْبٌ بِالْمَشْرَفِیَّةِ تَطِیرُ مِنْهُ فَراشُ الْهامِ، وَتَطِیحُ السَّواعِدُ وَالْأَقْدامُ، وَیَفْعَلُ اللّهُ بَعْدَ ذَلِکَ ما یَشاءُ) المخاطب بقوله (عليه السّلام) أنت كلّ من مکَّن عدوه من

ص: 186


1- (من) في ع، تحریف
2- هذه الأقوال متصرف بها وردت في شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 2/ 80، 81
3- (يغرق) في م، تصحيف
4- ينظر: الصحاح، مادة (عرق): 4/ 1523
5- ينظر: المصدر نفسه، مادة (فرا): 6/ 2454، [قطعته] ساقطة من ع
6- ينظر: تاج العروس، مادة (فری): 20/ 46
7- (حانحة) في أ، تصحیف، ينظر: تاج العروس، مادة (جنح): 4/ 29، 30
8- (الاضراس) في ث، تحریف، وفي ع: (الاصرار)، تصحيف

نفسه لو كان الكلام على الترتيب المذكور، وقال بعض الشّارحين: الرّواية وردت بأنّه (عليه السّلام) خاطب بذلك الأشعث بن قیس فإنّه قال لعلي (عليه السّلام) وهو يخطب ويلُوم النّاس على تقاعُدهم وتخاذلهم: هلا فعلت فعل ابن عفّان!، فقال (عليه السّلام): إنَّ فِعلَ ابنِ عَفّان لَمخزاةٌ(1) على مَن لا دين لهُ ولا وثيقَةَ مَعَهُ واِنَّ أمرَأَ اَمَکُن عدّوه من نفسه يهشم عَظمهُ ويفري جلدهُ لضعيف رأيه مأفون عَقله أنت فکُن ذاك إن أحببت(2) الى آخر الفصل، والأَفنُ (النَقص)(3)، ورجل أفين ومأفون أي: ناقص العقل وحينئذ فالمخاطب هو الأشعث والمشار اليه من فعل فعل ابن عفّان، والظّاهر أن خبر (أنا) الجملة التي خبرها (دون)، والمبتدأ قوله (عليه السّلام): (ضرب) و (ذلك) أو (ذاك) على ما في بعض النّسخ اشارة التي تمكين العدّو او فعل ما فعله عثمان ونحو ذلك والمَشرَفية بفتح الميم والرّاء سيُوف منسوبة الى المشارف(4)، وهي القرى التي تقرب(5) من المُدن، وقيل القرى التي بين بلاد الريف وجزيرة العرب، قيل لها ذلك لأنّها اشرفت على السّواد(6)، وفَرَاشُ الهام بفتح الفاء العظام الرّقيقة تلي القِحفَ وهو بالكسر [العظم](7) الذّي

ص: 187


1- (لمنخزاة) في أ، ع، تحریف
2- قول متصرف به، ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 2/ 153، وفي ح، ع، م: (اجبت) تحریف
3- الصحاح، مادة (أفن: 5/ 2071
4- ينظر: لسان العرب، مادة (شرف): 9/ 174
5- (يقرب) في ث، ح، ر، م، تصحيف
6- [العظم] ساقطة من ث، ر، م
7- ينظر: معجم البلدان: 5/ 131، ولسان العرب، مادة (شرف): 9/ 174

فوق الدّماغ وكلّ عظم رقیق فراشه ومنه فراشة القُفلِ(1)، والهَام جمع هَامَة وهي (الرأس)(2) قال ابن الاثير: ذكرها الهروي في الواو والجوهري في الياء(3) وذكرها الفيروزابادي في الياء وقال في الواو: (الأهوم: العظيم الهامة)(4)، وتطيح أي: تسقط يقال: طاح يطيح ويطوح أي: سقط و هلك ويفعل الله [بعد ذلك](5) ما يشاء أي: من النّصر والخذلان قال تعالى: «وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ»(6).

(أَیُّهَا النّاسُ، إنَّ لی عَلَیکُمْ حَقّا وَلَکُمْ عَلَیَّ حَقٌّ، فَأَمّا حَقُّکُمْ عَلَیَّ فَالنَّصِیْحَةُ، لَکُمْ، وَ تَوْفیرُفَیْئِکُمْ عَلَیْکُم، وَ تَعْلِیْمُکُمْ کَیْلا تَجْهَلُوا، وَ تَأدیبُکُمْ کَیْما(7) تَعْلَمُوا) النصيحة كلمة يعبر بها عن جملة هي ارادة الخير للمنصوح له وليس لهذا المعنى لفظ مفرد غيره، وأصل النّصح الخلوص(8)، (والفيء الغنيمة والخراج)(9) / و 61/ وتوفير الفيء بكثرة الجهاد وحسن تدبیر الأراضي الخراجية وما تعود منافعها الى المسلمين وتفريقه في وجوهه على الوجه المأمور به، (وکیلا تجهلوا) أي: لا تستمروا على الجهل ولا تقعوا في

ص: 188


1- ينظر: الصحاح، مادة (فرش): 3/ 1015
2- الصحاح: مادة، (هیم): 5/ 2063
3- ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر: 5/ 283 وفيه: (ذكرها الهروي في الياء والواو والجوهري في الماء والياء)
4- القاموس المحيط، مادة (هوم): 4/ 193
5- [بعد ذلك] ساقطة من ع
6- ال عمران / 126
7- (کیلا) في ح
8- ينظر: الصحاح، مادة (نصح): 1/ 411
9- لسان العرب، مادة (فاء): 1/ 126

طرق(1) الضّلال، وقال بعض الشّارحين: المنة بعدم الجهل أظهر ولذلك يتأذى(2) الرجل من قولك: يا جاهل أشد من قولك: لست بعالم(3)، و (كي) في كيلا تجهلوا بمنزلة (أن) المصدّرية عملاً ومعنى إذا قّدرت اللّام قبلها، فإن لم تّقدر فتعليليه بمنزلة لام العلّة عملاً و معنی نحو: (کیما تعلموا) وكلمة (ما) مصدرية، وفي بعض النّسخ (تعملوا) بتقديم الميم وهو أظهر. (وَأَمّا حَقّی عَلَیْکُمْ فَالْوَفاءُ بِالْبَیْعةِ، وَالنَّصِیحَةُ فِی الْمَشْهَدِ وَالْمَغِیبِ، وَالاْجابَةُ حینَ أدْعُوکُم، وَالطّاعَةُ حینَ آمُرُکُم) الشّهود الحضُور والكلمةُ تحتمل(4) المصدر والمكان كالمغيب.

ومن خطبة له (عليه السَّلام) بعد التحكيم

هو نصب الحكمين عمرو بن العاص، وأبي موسى الأشعري(5) وكان

ص: 189


1- (طرف) في ع، تصحیف
2- (تنادی) في ث، وفي ر، م: (تناذی)، تحریف
3- قول متصرف به، ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 2/ 83
4- (يحتمل) في أ، ث، ح، ر، ع، م، تصحيف
5- عبد الله بن قيس بن سليم بن حضار ابن حرب، أبو موسى الأشعري من بني الأشعر من قحطان، وأمة ظبية بنت وهب بن عك أسلمت وماتت بالمدينة، صحابي من الولاة الفاتحين، ولد في زبيد (اليمن) قدم المدينة بعد فتح خیبر، واستعمله الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) على زبيد واليمن، وولاه الخليفة عمر بن الخطاب البصرة سنة (17 ه)، وافتتح أصبهان والاهواز، ولما ولي الخليفة عثمان اقره عليها، ثم عزله، ثم ولاه بعد أن طلب أهلها، وكان احد المحكمين بين الامام علي (عليه السلام) ومعاوية، وقد اقرأ أبو موسى أهل البصرة وفقههم في الدين، وكان أحسن الصحابة صوتا في التلاوة، توفي سنة (44 ه). ينظر: الانساب: 4/ 150، و سير أعلام النبلاء: 2/ 381 - 402، الإصابة: 181، 182، 183، الأعلام: 4/ 114، الوفيات: 61

ذلك لحيلة عمرو بن العاص بعد ليلة الحرير في رفع المصاحف لمّا لاحت امارات النّصر في أهل العراق، وهذا الفصل من خطبة خطب بها (عليه السّلام) بعد خديعة عمرو بن العاص لأبي موسى الاشعري وافتراقهما، وقبل وقعة النّهروان(1) (الْحَمْدُ للَّهِ ِ وَإِنْ أَتَى الدَّهْرُ بِالْخَطْبِ الْفَادِحِ، وَالْحَدَثِ الْجَلِيلِ) الخَطب بالفتح (الأمر الذّي يقعفيه المخاطبة والشأن والحال)(2) و(قولهم جَلَّ الخطب أي: عظم الأمر و [الشأن](3) (4) والفادح الصعب الذّي يعجز الحامل عن حمله، وفدحه الدّينُ(5) أَثقَلَهُ، والحدث الأمر الحادث المنكر الذّي ليس بمعتاد والمراد بالخطب والحدث التّحكيم وما تفرع عنه والشّكوى من أهل الدّهر وإن اسند اليه الفعل ومايستفاد من فحوى النّهي عن سبّ الدّهر کما ورد في بعض الأخبار(6) ولا ينافي في الاسناد اللّفظي إذا لم يقترن باعتقاد أَن الدّهر هو الفاعل كما كانت العرب تزعمه وكانوا يذمون الدّهر ويسبونه عند النوازل والحوادث ويقولون: أَبادَهُمُ الدّهر، وقال رجل منهم فلان أكثر

ص: 190


1- وقعة حصلت بين جيش المسلمين بقيادة الإمام علي (عليه السلام) وبين الخوارج سنة (39 ه) قتل فيها زعيمهم عبد الله بن وهب السبائي وأكثر أصحابه، وقتل من جند الإمام اثنا عشر رجلاً، سميت الوقعة بالنهروان لأنها وقعت في منطقة النهروان وهي كورة واسعة بين بغداد وواسط من الجانب الشرقي. ينظر: تاريخ اليعقوبي: 2/ 193، وتاريخ الاسلام: 3/ 588، ومعجم البلدان: 5/ 324، 325
2- لسان العرب، مادة (خطب): 1/ 360
3- [الشأن] ساقطة من ع
4- لسان العرب، مادة (خطب): 1/ 360
5- (الذين) في ث، ر، تصحیف، (الذي) في م
6- قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم): (لا تسبوا الدهر فإن الدهر هو الله). النهاية في غريب الحديث والأثر: 2/ 144

ذنوباً من الدّهر، والغرض حمد الله سبحانه على السّراء والضّراء (وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلّا اللَّهُ وحده لا شَرِيكَ لَهُ، لَيْسَ [مَعَهُ](1) إِلَهٌ غَيْرُهُ؛ وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ (صلى الله عليه وآله)(2).

أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ مَعْصِيَةَ النَّاصِحِ الشَّفِيقِ الْعَالِمِ الْمُجَرِّبِ، تُورِثُ الْحَيْرَةَ، وَتُعْقِبُ النَّدَامَةَ) الناصح من أراد الخير للمنصوح کما سبق، والشفقة الخوف مع الاعتناء والحرص على صلاح المنصوح يقال: هو شفیق و مشفُق، والمُجَّرَب بفتح الرّاء کما في أكثر النّسخ العارف بالأموُر كأنّها أحكمته قال الجوهري: (فإنَّ كسرت الراء [...](3) جعلته فاعلا إلا أن العَرب تَكَّلَمَت به بالفتح)(4) ويظهر من كلام صاحب العين وغيره إنّه يكون بالفتح والكسر(5). (وَقَدْ كُنْتُ أَمَرْتُكُمْ فِي هَذِهِ الْحُكُومَةِ أَمْرِي، وَنَخَلْتُ لَكُمْ مَخْزُونَ رَأْيِي؛ لَوْ كَانَ يُطَاعُ لِقَصِيرٍ أَمْرٌ!) نَخَلتُ أي: اَخترت وصفیّت کما ينخل الدقيق(6)، وفي الحديث: (لا يقبل من الدّعاء الا الناخلة، أي المنخولة الخالصة، فاعله بمعنى مفعولة)(7)، ومحزون الرأي محتاره؛ لأنّه إنما يخزن(8) الخيار والظّاهر أن قوله (عليه السّلام): (قد کنت) ليس جواباً لحرف الشّرط؛ لأنّه (عليه

ص: 191


1- [معه] ساقطة من م
2- (صلى الله عليه) في شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: 2/ 162
3- [الراء] زيادة مكررة في ح، ر، م
4- الصحاح، مادة (جرب): 1/ 98
5- ينظر: العين، مادة (جرب): 6/ 112، 113، ولسان العرب، مادة (جرب): 1/ 262
6- ينظر: لسان العرب، مادة (نخل): 11/ 651
7- ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر: 5/ 33، وفيه: (لا يقبل الله من الدعاء...)
8- (يحزن) في ث، ر، ع، وفي أ، ح: (يخرن)

السّلام) قد بالغ في نفي التحكيم فأصروا عليه كما هو معروف بين أهل السّير، وقال بعض الشّارحين: الحّق أن جوابها محذوف، والتّقدير: «إني(1) أمرتكم ونصحت لكم فلو أطعتموني لفعلتم ما أمرتكم به»(2)، وقوله (عليه السّلام) بعد ذلك (فَأَبیتم) في تقدير استثناء نقيض ذلك التالي وتقديره (لكنكم أَبيتُم)، ولعل الأنسب على ذلك التّقدير تقدير / ظ 61/ قولنا لكان حسنا، أو لما أصابكم حسرة وندامته ونحو ذلك ويحتمل أن (تكون)(3) كلمة (لو) للتّمني فلا يحتاج الى تقدير جواب کما قيل، وقصير هو ابن سعد اللّخمي(4) مولى جذيمة بن الابرش(5) بعض ملوك العَربَ والكلام من قبيل

ص: 192


1- (ان) في ع
2- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 2/ 86
3- (يكون) في أ، ث، ح، ر، ع، م، تصحيف
4- قصير بن سعد بن عمرو اللخمي، كان صاحب رأي ودهاء في الجاهلية، جدع أنفه وإذنه وذهب الى الزباء يشكو اليها من عمرو بن عدي، وكانت هذه خدعه منه ليثأر لجذيمة، فصدقته واعطته مالاً، فأمكن منها عمرو بن عدي ليثأر لمقتل خاله جذيمة. ينظر: تاریخ ابن خلدون: 2/ 261، و الأعلام: 5/ 199
5- هو جذيمة بن مالك بن فهم بن غنم بن دوس التنوخي، وكان يقال له الأبرص لأصابته بهذا المرض، فلما ملك قالوا له: الأبرش، ولما اشتد ملکه وعظم قالوا له: الوضاح، جاهلي، ثالث ملوك الدولة التنوخية في العراق، وأفضلهم، وأبعدهم مغارا، وأشدهم حزما، كانت منازله بين الحيرة والعراق والأنبار وهيت ونواحيها طمح الى امتلاك مشارف الشام فغزاها وقتل ملكها عمرو بن الظراب أبا الزباء، فنصبت له الزباء مکیده انتقاماً لأبيها، قتل فيها نحو (366 ق ه). ينظر: الجاحظ: البرصان والعرجان والعميان والجولان: 116، والمحبر: 299، والمعارف: 108، وانساب الأشراف: 10/ 102، و تاریخ ابن خلدون: 2/ 262، والأعلام: 2/ 114

المثل وأصله أن جذيمة(1) [كان](2) قتل أبا الزّبا ملكة الجزيرة، فبعثت اليه بعد حين خدعة إني أريد التزوج وسألته القدوم عليها، فأجابها جذيمة الى ذلك، وخرج في ألف فارس، وخلف باقي جنوده مع ابن أخته وكان قصير مولاه اشار عليه بأن لا يتوجه اليها، فلم يقبل رأيه فلما قرب جذيمة من الجزيرة استقبله جنود (الزّبا)(3) بالعدّة(4) ولم ير منهم اكراماً له، فأشار عليه قصير بالرجوع عنها وقال: إنَّها امرأة ومن شأن النساء الغدر، فلم يقبل فلما دخل اليها قتلته، فقال قصير: لا يُطاع لقصير أمر، فجری مثلاً لكل ناصح عُصِىَ وهو مصيب في رأيه(5) (فَأَبَيْتُمْ عَلَيَّ إِبَاءَ الْمُخَالِفِينَ الْجُفَاةِ، وَالْمُنَابِذِينَ الْعُصَاةِ) الجفاء ترك البّر والصّلة وغلظ الطبع والبُعدٍ عن الشيء والكلّ غير بعيد، والمنابذة التنحي والمكاشفة في الحرب واظهار كلّ من الفريقين العزم على قتال الآخر والاخبارا بذلك اخباراً مکشُوفاً(6) (حَتَّى ارْتَابَ النَّاصِحُ بِنُصْحِهِ، وَضَنَّ الزَّنْدُ بِقَدْحِهِ) ارتابَ النّاصح أي: شكّ في أنّ رأيه نصح أو غشّ، وضنّ كعض وفرّ أي: بخل، والزَّند بالفتح العود الذّي تقدح به النّار، ويقال للسّفلى زَندةَ بالتاء، والقَدح بالفتح ایراء النّار واستخراجه والمراد بالناصِح نفسه (عليه السّلام) والكلام محمول على التجوز للمبالغة أي: لو كان غيري هو الناصح لاعتراه ريب في النّصح لاجماعكم واصراركم

ص: 193


1- (جديمة) في ث، تصحيف
2- [كان] ساقطة من ع
3- (الزنا) في ح، تصحيف
4- (لعدة) في م
5- ينظر: جمهرة الأمثال: 2/ 394، ومجمع الأمثال: 1/ 244
6- ينظر: لسان العرب، مادة (نبذ): 3/ 512

على المخالفة لا کما زعمه بعض الشّارحين من أن استخراج وجه المصلحة أمر ظني اجتهادي فإذا كثرت المخالفة جاز أن يتشكك(1) الانسان فيما ظنه صلاحاً(2)، فإنّه (عليه السّلام) أجل من أن يحوم حول رأيه شك لمخالفة المخالفين (فَكُنْتُ أَنَا وَإِيَّاكُمْ(3) كَمَا قَالَ أَخُو هَوَازِنَ:

أَمَرْتُكُمْ أَمْرِي بِمُنْعَرَجِ(4) اللِّوَى *** فَلَمْ تَسْتَبِينُوا النُّصْحَ إِلّا ضُحَى الْغَدِ)(5)

أخو هوازن هو دريد بن الصّمة من بني جشم بن معاوية بن بكر(6) هوازن قبيلة، والاضافة كقوله تعالى: «وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ»(7) ويراد بالإخوة الملابسة، وفي بعض النسخ (أمرتهم)(8) بضمير الغيبة [ويستبينوا على صيغة الغائب](9)، ويقرأ بضم الميم مع الاشباع، (وانعَرَجَ الشيءُ أي: انعَطَفَ،

ص: 194


1- (يتشکل) في أ، ح، ع، تحریف
2- (بمعزج) في ع، تحریف
3- (فكنت أنا وإياكم) في شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد 2/ 162، وشرح نهج البلاغة، صبحي الصالح: 78
4- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 2/ 87
5- البيت لدريد بن الصمة، من البحر الطويل وقد ورد في ديوانه: (امرتهم أمري بمنعرج اللوى فلم يستبنوا الرشد الاضحى الغدِ) دیوان دريد بن الصمة: 61، و جمهرة اشعار العرب: 211، وشرح دیوان الحماسة، التبريزي (502 ه): 2/ 306
6- دريد بن الصمة الجشمي البكري من هوازن من الشعراء المعمرين في الجاهلية، كان سيد بني جشم وفارسهم وقائدهم، ادرك الاسلام ولم يسلم استصحبته هوازن تيمناً به عندما خرجت لقتال المسلمين في معركة حنين، فقتل سنة (8 ه) على يد ربيعة بن رفيع بن أهبان السلمي. ينظر: الانساب: 3/ 291، و الوافي بالوفيات: 14/ 9، والأعلام: 2/ 229
7- الأحقاف / 21
8- [ویستبينوا على صيغة الغائب] ساقطة من أ، ث، ح، ع، و في ر: (ويراد بالاخوة ويستبينوا على صيغة الغائب وفي بعض النسخ امرتهم بضمير الغيبة الملابسة ويقرا بضم الميم)
9- معارج نهج البلاغة: 125

ومُنعَرَج الوادي بفتح الرّاء مُنعَطَفَهُ يَمَنَةً وَيَسرَةً)(1)، واللّوى ك(اليِ) ما التوى من الرّمل أي: اعوج، أو مسترقه، ولعلّه سمى الموضع بمنعرج اللّوى لانعطاف الكثيب من الرّمل، واستبان أي: أوضح، ووضح [لازم](2) متعد ک(بان) وبيّن وتبين وأبان أي: لم يعرفوا إني ناصح إلَّا ضحى الغد، وقد جرى في اليوم ما جرى فلم تنفعهم معرفتهم، وفي بعض النّسخ (الرّشد)(3) موضع النّصح، والرَّشد بالضّم الاهتداء أي: لم يعرفوا صحّة قولي. والبيت من قصيدة في الحماسة، والقصّة مذكورة في بعض الشّروح.

[ومن خطبة له (عليه السَّلام)] في تخويف أهل النهروان

(فَأَنَا نَذِیرٌ لَکُمْ أَنْ تُصْبِحُوا صَرْعَی بِأَثْنَاءِ هَذَا اَلنَّهَرِ، وَ بِأَهْضَامِ هَذَا اَلْغَائِطِ، عَلَی غَیْرِ بَیِّنَةٍ مِنْ رَبِّکُمْ، وَ لاَ سُلْطَانٍ مُبِینٍ مَعَکُمْ، قَدْ طَوَّحَتْ بِکُمُ اَلدَّارُ وَ اِحْتَبَلَکُمُ(4) اَلْمِقْدَارُ) في بعض النسخ (وأنا نذیر) بالواو، وصرعی جمع صريع وهو المطروح على الأرض فعيل بمعنی مفعول، ويجمع على فعلی إذا كان من الآفات والمكاره التي يصاب بها / و 62/ الحيّ كالقتل وغيره، والأثناء جمع ثِني بالكسر، وهو من الوادي والجبل منعطفة ومن الثوب معاطفة وتضاعيفه(5) والمراد أطراف النّهر، والأهتمام جمع هِضم بالكسر

ص: 195


1- الصحاح، مادة (عرج): 1/ 328
2- [لازم] ساقطة من م
3- معارج نهج البلاغة: 126
4- (احتلكم) في ع، تحریف
5- ينظر: الصحاح، مادة (ثنی): 6/ 2294

أو بالفتح أيضاً وهو (المطمئن من الأرض)(1)، (وقيل: أسفل الوادي)(2) والغائِط(3) (المطمئنُّ من الأرضِ)(4) [من](5) الغوط و (هو عمق الأرض الأبعد)(6)، ولعلّ المراد بالبينة من الرب المعجزة الدّالة على صدق الدعوى، وبالسّلطان المبين الحجّة الدّالة على ما يزعمونه حقاً من جهة الشرع، أو العقل أو البينة الحجّة الشّرعية والسّلطان البرهان العقلي وهو بمعنى الحجّة والبرهان لا يجمع لأن مجراه مجرى المصدر وإنما يجمع إذا أريد به الوالي يذكر(7) ويؤنث(8)، (وَطوَّحَهُ أي: تَوَّهَهُ وذهب [به](9) هَاهُنَا وَهَاهُنَا)(10)، وفي القاموس طوح بزيد (حمله على ركوب مَفازة مُهلكة)(11) والدَّار هي الدُّنّيا واحتبلكم أي: أوقعكم في الحبالة والمقدار والقدر قضاء الله المحيط بهم كالحبالة للصيد وقد أحاطَ بهم حتى لم يبق منهم عشرة كما سيجيء. (وَ قَدْ کُنْتُ نَهَیْتُکُمْ عَنْ هَذِهِ اَلْحُکُومَةِ؛ فَأَبَیْتُمْ عَلَیَّ إِبَاءَ اَلْمُنَابِذِینَ، حَتَّی صَرَفْتُ رَأْیِی إِلَی هَوَاکُمْ. وَ أَنْتُمْ مَعَاشِرُ أَخِفَّاءُ اَلْهَامِ؛ سُفَهَاءُ اَلْأَحْلاَمِ؛ وَ لَمْ آتِ - لاَ أَبَا لَکُمْ - بُجْراً وَ لاَ أَرَدْتُ لَکُمْ ضُرّاً)

ص: 196


1- المصدر نفسه، مادة (هضم): 5/ 2059
2- تاج العروس، مادة (هضم): 17/ 759
3- (الغانط) في ث، تحریف
4- الصحاح، مادة (غوط): 3/ 1147
5- [من] ساقطة من ح
6- لسان العرب، مادة (غوط): 7/ 365
7- (ويذكر) في ث، ح
8- ينظر: المذكر والمؤنث، السجستاني: 134
9- [به] ساقطة من م
10- الصحاح، مادة (طوح): 1/ 389
11- القاموس المحيط، مادة (طوح): 1/ 238

المنابذة التنحي(1) واظهار كل من الفريقين العزم على حرب الآخر کما مرَّ، و الواو للحال، والعامل صرفت، والمعاشر جمع معشر وهو الجماعة، والجمع يدلُ على عدم اتفاقهم، وتشتت آرائهم، والهام جمع هامة وهي الرأس، وخفتها كناية عن قلة العقل، فما بعده كالتأكيد أو عن الطيش وعدم الثبات في الرأي، والأحلام جمع حِلم بالكسر وهو الاناءة والعقل، ويقابله السفه بالمعنيين والأظهر في الكلام الثاني لا الأوّل كما يظهر من كلام بعض الشارحين(2)، والاضافة تجوز، و (لا أبالك كلمة تستعمل(3) في المدح كثيرا(4)، وفي الذّم أيضاً نحو (لا أمّ لك)، وفي معرض التعجب، ودفع العين نحو: لله درك، وبمعنی جد في أمرك وشمر لأن من له أب اتكل عليه في بعض أموره(5)، والظاهر في المقام الذّم أو التعجب، ويحتمل بعيد المدح تلطفاً ومماشاة، والبُجر بالضم كما في النسخ(6) (الشّر، والأمر العظيم)(7) و حاصل الكلام تخطئتهم في الرضا بالحكومة أولاً، والإنكار عليه (عليه السّلام) مع عدم الاختيار ثانياً.

[ومن كلام له (عليه السَّلام)] يجري مجرى الخُطبة

ص: 197


1- (السخي) في ح، ع، تحریف
2- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 2/ 92
3- (يستعمل) في أ، ح، ر، ع، م، تصحيف، والصواب ما أثبتناه
4- ينظر: العين، مادة (أبو): 8/ 419، ولسان العرب، مادة (أبي): 14/ 11
5- ينظر: لسان العرب، مادة (أبي): 14/ 12
6- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 2/ 209، و شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 2/ 89
7- القاموس المحيط، مادة (بجر): 1/ 367

قال بعض الشّارحين: (هذه فصول أربعة، لا يمتزج بعضُها ببعض، التقطها السّيد من كلامه (عليه السّلام) بعد وقعة النهروان وقد ذكر فيه حاله منذ توفي رسول الله (صلى الله عليه و آله) الى أوان الكلام، وهو كلام طویل منتشر فجعل الفصول الملتقطة(1) سرداً يزعم(2) السّامع أنَّ مقصدها واحد(3) ونشير الى مقصد كل فصل (فَقُمْتَ بالأَمْرِ حِینَ فَشِلوا، وَنَطَقْتَ حِینَ تَتَعْتَعُوا) وفي بعض النسخ (وَنَطَقْتُ حِینَ تَعْتَعُوا، وَتَطَلَّعْتُ حِینَ تَقَبَّعُوا)(4) وهو أظهر کما سيظهر (وَمَضَیْتُ بِنُورِ اللّهِ حِینَ وَقَفُوا. وَکُنْتُ أَخْفَضَهُمْ صَوْتاً، وَأَعْلاهُمْ فَوْتاً، فَطِرْتُ بِعِنانِها، وَاسْتَبْدَدْتُ بِرِهانِها) هذا الفصل في ذكر مقاماته في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أيام عثمان لما أحدث الأحداث على ما ذكره بعض الشّارحين(5) أو يعم(6) الأيام السّابقة، والفشل الكسل والضّعف، والتّراخي والجبن(7) [والفعل كفرح](8) الجميع(9) مشترك في عدم القيام بالأمر والتطلع الظهور ضد التقبع وهو الاختفاء وأصله من

ص: 198


1- (المنتقلة) في ع
2- (تزعم) في ث، وفي ر، م: (بزعم)، تصحیف، وفي ح: (زعم)
3- قول متصرف به، ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 2/ 224
4- في: منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، القطب الراوندي: 1/ 244، و شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 2/ 224 (وتطلعت حين تقبعوا وتطلعت حين تعتوا)، وفي م: (تتبعوا)، (وتطلعت حين تقبعوا ونطقت حين تعتوا)، في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 2/ 224، وشرح نهج البلاغة، صبحي الصالح: 80
5- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 2/ 224
6- (بعم) في أ، ع، تصحيف
7- (الحين) في ث، تصحيف
8- [والفعل كفرح] ساقطة من ر، م
9- (الجمع) في أ، ع، تحریف

قَبَعَ القُنفُذُ إذا أدخل رأسه في جلده(1)، والتعتعة في الكلام الترّدد فيه من حصرٍ أو عيٍّ(2)، والخفض ضد الرفع، ووقفوا / ظ 62/ أي: تحيروا في سلوك طريق الحقّ للجهل، وخفض(3) الصوت اشارة الى التواضع ونفي الكبر والإعجاب أو ربط الجأش وثبات القلب؛ لأنَّ رفع الصوت في المخاوف من الجبن والفزع، والفوت(4) السبق الى الشيء من دون ائتمار واستشارة(5)، ومنه قولهم: (فلان لا يُفتَاتُ(6) عليه أي: لا يُعمل شيءٌ من دَون أمره)(7)، والغرض(8) نفي الاحتياج الى الغير في استعلام الحقّ، والطيران(9) بالعنان كناية عن السّبق العقلي، والضّميران(10) في عنانها ورهانها راجعان الى الفضيلة المدلول عليها بالمقام، والظاهر أنَّ الظرف متعلق بمحذوف أي: طرت ممسكاً بعنانها، وفي الحديث: (خَیرُ النّاسِ رَجُلٌ مُمسِكٌ بِعِنانِ فَرَسِهِ فِی سَبِیلِ اللّهِ کُلَّما سَمِعَ هَیعَهً طارَ إِلَیها)(11)، والهيعة الصوت الذي يفزع منه(12) والمشبه به هو

ص: 199


1- ينظر: الصحاح، مادة (قبع): 3/ 1260
2- ينظر: تاج العروس، مادة (تعع): 11/ 46، وفي م (ادعی)
3- (حفض) في ر
4- (القوت) في ع، تصحيف
5- ينظر: الصحاح، مادة (فوت): 1/ 260
6- (يقتات) في ع، تصحیف
7- الصحاح، مادة (فوت): 1/ 260
8- (العرض) في ح، ر، تصحيف
9- (والطير) في أي ع
10- (الضمير) في ع
11- غريب الحديث، ابن سلام: 1/ 6، و الفائق في غريب الحديث والأثر: 3/ 415، و النهاية في غريب الحديث والأثر: 5/ 288
12- ينظر: تاج العروس، مادة (هيع): 11/ 551

الفارس السابق في الفرسان لا الفرس کما يظهر من كلام بعض الشّارحین(1) والاستبداد بالشيء الانفراد به(2)، والرِهان بالكسر (المخاطرة)(3) والمسابقة على الخيل لا ما يرهن وتسبق علیه کما زعمه بعض الشّارحين(4) انعم الاستبداد بالرهان كناية عن الانفراد بأخذ الخطر الذّي يتراهن عليه، ويجمع رهن وهو ما وضع عندك لينوب(5) مناب [ما](6) أخذ منك على رهان وهو لا يناسب المقام (کَالْجَبَلِ لاَ تُحَرِّکُهُ(7) اَلْقَوَاصِفُ، وَ لاَ تُزِیلُهُ اَلْعَوَاصِفُ؛ لَمْ یَکُنْ لِأَحَدٍ فِیَّ مَهْمَزٌ، وَ لاَ لِقَائِلٍ فِیَّ مَغْمَزٌ؛ اَلذَّلِیلُ عِنْدِی عَزِیزٌ حَتَّی آخُذَ اَلْحَقَّ لَهُ، وَ اَلْقَوِیُّ عِنْدِی ضَعِیفٌ حَتَّی آخُذَ اَلْحَقَّ مِنْهُ).

هذا الفصل في ذكر حاله (عليه السّلام) أيام الخلافة الظاهرة على ما ذكره بعض الشّارحين(8) والقواصف الرّياح الشّديدة التي تكسر(9) السّفن ونحوها أو شديدة الصوت الرعد(10)، والريح العاصف والعاصفة الشّديدة، ولعلّ المراد بالعواصف أشد من القواصف لنفي التحريك عن الثاني والإزالة عن الأول، والمهمز والمغمز مصدران أو مكان من الهمز والغمز وهما بمعنی،

ص: 200


1- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 2/ 95
2- ينظر: تاج العروس، مادة (بدد): 4/ 346
3- لسان العرب، مادة (رهن): 13/ 189
4- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 2/ 95
5- (ليتوب) في ث، تصحيف
6- [ما] ساقطة من أ، ع
7- (یحرکه) في ر، تصحيف
8- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 2/ 225
9- (یکسر) في أ، ث، ع، تصحيف وفي ح (بكسر)
10- ينظر: الصحاح، مادة (قصف): 4/ 1416

أو الهمز (الغيبة والوقيعة في النّاس وذكر عيوبهم)(1) والغمز الاشارة بالعين خاصة، أو بالعين والحاجب واليد وفي فلان مغمز أي مطعن(2)، والهمّاز والهُمزَة (العَیّاب)(3)، والنفي لظهور الفساد، والذّليل(4) المغلوب المظلوم، وأخذ الحق كالعلة الغائية لاعزازه أو(5) انتهاء مدّة الاعزاز(6)، وبعده يكون عنده (عليه السّلام) كسائر النّاس وإعزازو الاعتناء بحاله(7) (رَضِینَا عَنِ اَللَّهِ قَضَاءَهُ، وَ سَلَّمْنَا(8) لِلَّهِ أَمْرَهُ. أَتَرَانِی أَکْذِبُ عَلَی رَسُولِ اَللَّهِ (صلی الله علیه وسلم)(9) وَ اَللَّهِ لَأَنَا أَوَّلُ مَنْ صَدَّقَهُ، فَلاَ أَکُونُ أَوَّلَ مَنْ کَذَبَ عَلَیْهِ) هذا الفصل من كلام له (عليه السّلام) قاله لما تفرس في قوم من أصحابه أنهم يتهمونه فيما يخبر به من(10) الملاحم والوقائع المستقبلة وقد كان منهم من واجَههُ(11) بذلك كما روى انه (عليه السّلام) لما قال: (سلوني قبل أن تفقدُوني)(12)، قام

ص: 201


1- لسان العرب، مادة (همز): 5/ 426
2- ينظر: تاج العروس، مادة (غمز): 8/ 118، 119
3- المصدر نفسه، مادة (همز): 8/ 175
4- (الدليل) في ر، م، تصحيف
5- (و) في أ، ع
6- (الاعزار) في ث، تصحيف
7- (بماله) في ع، تحریف
8- (وسلمناه) في شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: 2/ 224
9- (صلى الله عليه وسلم) في شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: 2/ 224
10- (عن) في ع، تحريف
11- (وجهه) في ع، تحریف
12- الغارات: 1/ 7، والأمالي، الشيخ الصدوق: 422، و رسائل الشريف الرضي: 1/ 391

اليه أنس النخعي(1) فقال: أخبرني(2) كم في رأسي ولحيتي من طاقة شعر، فقال: (عليه السّلام): والله لقد حدثني خليلي [أنَّ](3) على كل طاقة شعر من رأسك ملكا يلعنك، وإن على كل طاقة شعر من لحيتك شيطانا يغويك، وإن في بيتك سخلاً يقتل(4) ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكان ابنه سنان بن أنس(5) قاتل الحسين (عليه السّلام) يومئذ طفلًا يحبو وأمثال ذلك كثيرة و (تُراني) في النسخ بضم التاء على لفظ المضارع المجهول من باب الأفعال، وأكذب على رسول الله (صلى الله عليه وآله) أي: أفترى عليه، ولعل اقحام لفظه الأول ثانياً للمشاكلة أو لأن(6) من شأنه (عليه السّلام) السبقة الى كل ما يفعله هذا [على](7) ما ذكره بعض الشارحين(8) ولا يبعد أن يكون ما زعموا كذبه دعوى النص في الإمامة وهي أول ما ادّعی/ و63/ عليه بعد وفاته (صلى الله عليه وآله) هذا هو المراد بالأولية(9) حينئذ ویکون المراد بقضاء الله وأمره انتقال الخلافة إلى غير أهلها وكونه (عليه السّلام) أول من صدق

ص: 202


1- لاتوجد له ترجمة فيما توافرت لدي من مصادر
2- (خبرني) في أ
3- [أن] ساقطة من أ، ع
4- (تقتل) في ح، ع، تصحيف
5- هو من احتز رأس الامام الحسين (عليه السلام) سنة (61 ه)، هرب إلى البصرة حين ثأر المختار لمقتل الامام، فهدم داره ولحق به، ثم عاود الفرار الى القادسية، فأمسك به جماعة الختار، وقتلوه. ينظر: أنساب الأشراف: 6/ 140، و المعجم الكبير: 3/ 117، و الإستیعاب: 1/ 393، و أسد الغابة: 2/ 21، وسير أعلام النبلاء: 3/ 299، والأعلام: 2/ 243
6- (لأنه) في أ، ع
7- [على] ساقطة من أ، ع
8- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 2/ 233
9- (بالأقلية) في أ

الرسول (صلى الله عليه وآله) مما(1) اعترف به طائفة من العامة و سيجيء الكلام فيه إن شاء الله تعالى. (فَنَظَرْتُ فِی أَمْرِی؛ فَإِذَا طَاعَتِی قَدْ سَبَقَتْ بَیْعَتِی؛ وَ إِذَا اَلْمِیثَاقُ فِی عُنُقِی لِغَیْرِی) قال بعض الشّارحين: هذه كلمات مقطوعة من كلام يذكر فيه حاله (عليه السّلام) بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه كان معهودا اليه أن لا ينازع في الأمر، بل يطلب بالرّفق فإن حصل له وإلا أمسك(2)، وقوله (عليه السّلام) طاعتي أي: وجوب طاعتي لرسول الله (صلى الله عليه وآله) قد سبقت بیعتي للقوم فلا سبيل لي الى الامتناع من البيعة؛ لأنه (صلى الله عليه وآله) أمرني بها وإذا الميثاق في عنقي لغيري أي: الميثاق بترك المنازعة(3) كان قد أخذه رسول الله (صلى الله عليه وآله) علّي فلم يجز لي أن اتعدى أمره، وقال بعضهم(4): فيه احتمالان: أحدهما: ما ذكر، وثانيهما أن يكون الكلام في تضجر(5) من ثقل(6) أعباء الخلافة وتكلف مداراة النّاس على اختلاف أهوائهم أي: نظرت فإذا طاعة الخلق لي واتفاقهم عليَّ قد سبقت بیعتهم لي، وإذا میثاقهم قد صار في عنقي فلم أجد بداً من القيام بأمرهم(7) ولم يسعني عِندَ الله إلاَّ النّهوض [بأمرهم](8) ولو لم يكن كذلك

ص: 203


1- (ما) في ر، ع
2- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 2/ 233
3- (المنارعة) في أ، م، تصحيف
4- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 2/ 97
5- (تضجرة) ث، ح، ر، م
6- (نقل) في أ، ع
7- (بامر) في أ، ع
8- [بأمرهم] ساقطة من ر

لترکت کما قال في الشقشقية: لالقيت حبلها على غاربها(1)، قال: (والأول أشهر بين الشّارحين)(2) وعلى هذا يكون الفصل في حكاية الحال بعد قتل عثمان، ولعل الأظهر أن يكون المراد بالطاعة طاعته لله ولرسوله (صلى الله عليه وآله) وكذا الميثاق، وبالبيعة مُبايعته لأبي بكر أي: بيعتي مسبوقة بوجوب طاعة الله في ترك متابعتهم وميثاق الله عليَّ [في](3) عدم امتثال(4) أوامرهم فلم يلزمني القيام بلوازم تلك البيعة.

[ومن خطبة له (عليه السّلام)]

(إِنَّمَا سُمِّیَتِ اَلشُّبْهَةُ شُبْهَةً لِأَنَّهَا تَشْبَهُ اَلْحَقَّ، فَأَمَّا أَوْلِیَاءُ اَللَّهِ فَضِیَاؤُهُمْ فِیهَا اَلْیَقِینُ، وَ دَلِیلُهُمْ سَمْتُ اَلْهُدَی. وَ أَمَّا أَعْدَاءُ اَللَّهِ فَدُعَاءَهُمْ إِلَیْهَا اَلضَّلاَلُ، وَ دَلِیلُهُمُ اَلْعَمَی) الشُّبهة بالضم في الأصل الالتباس، والمراد بها أَمّا الباطل المشابه للحق كما هو المناسب للمقابلة، أو موضع الالتباس کما هو المناسب للتقسيم، والظاهر من اليقين ما قابل الظّن والشك فيدل على عدم جواز العمل بالظن، ولو ثبت في خصوص المقام بدليل قطعي جواز العمل بالراجح كان من قبيل اتباع اليقين، ويحتمل ارادة الأعم بقرينة مقابلة الضلال والعمى. والسَمَت بالفتح (سَمَت يَسمُتُ بالضم أي: قصد)(5)، والمراد بالدّعاء الدّاعي أو ما يدعون اليه (فَمَا یَنْجُو مِنَ اَلْمَوْتِ مَنْ خَافَهُ، وَ لاَ یُعْطَی اَلْبَقَاءَ مَنْ أَحَبَّهُ)

ص: 204


1- ينظر: شرح نهج البلاغة: 2/ 97
2- المصدر نفسه: 2/ 97
3- [في] ساقطة من أ، ع
4- (امثال) في أ، ع
5- الصحاح، مادة (سمت): 1/ 254

قال بعض الشّارحين: (هذا كلام أجنبي مما تقدم)(1)، وإنَّما جمعهما(2) السّيد على عادته في هذا الكتاب، وقال بعضهم: يحتمل أن يكونا فصلين وأن يكون الكلام متصلاً، وقد سبق لهذا(3) الكلام قبل الأوّل كلام يحسن تعلقه به(4) ولا يبعد أن يكون المراد أنّ الموت ممّا ينجل به الشبهات ويمتاز بعده الحق من الباطل ولا بد لكل أحد أن يلاقيه فأعداء الله لا ينفعهم الاغماض عن الحق واتباع الأهواء ويلحقهم لا محالة سوء العاقبة و وبال الأعمال.

[ومن خطبة له (عليه السّلام)]

روی بعض الشّارحين(5) أنه (عليه السّلام) خطب بها في غارة(6) النعمان بن بشير الانصاري(7) على عين التّمر(8) وذلك بعدما قدم هو وأبو هريرة

ص: 205


1- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 2/ 236
2- (جمعها) في أ، ع
3- (سبق في هذا) في ر
4- قول متصرف به، ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 2/ 98
5- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 2/ 238
6- (غازة) في أ، تصحیف، وفي ث: (عارة) تصحيف
7- النعمان بن بشير بن سعد بن ثعلبة الأنصاري الخزرجي، يكنى أبو عبد الله أمير وخطيب وشاعر، ولد سنة (2 ه) من امراء معاوية فولاة الكوفة مدة، ثم ولي قضاء دمشق بعد فضالة بن عبيد (53 ه)، ثم ولي إمرة حمص، ولما دعا أهل حمص الى بيعة الزبير انقلبوا عليه فهرب من حمص لكنهم مسكوه وقتله خالد الكلابي سنة (65 ه)، وقيل قتل بعد وقعة راهط. ينظر: أنساب الأشراف: 2/ 445، و الغارات: 2/ 445، والاستیعاب: 4/ 1499، 1500، وسیر اعلام النبلاء: 3/ 412، و تقريب التهذيب: 2/ 248، و الاعلام: 8/ 36
8- بلدة قريبة من الأنبار غربي الكوفة بقربها موضع يقال له شفاتا، منها يجلب القسب والتمر الى سائر البلاد، وهو بها كثير جدا، وهو على طريق البرية، وهي قديمة افتتحها المسلمون في أيام أبي بكر على يد خالد بن الوليد في سنة (12 ه) وكان فتحها عنوة فسبي نساءها وقتل رجالها) معجم البلدان: 4/ 176

من عند معاوية يسألانه (عليه السّلام) أن يدفع اليهم قتله عثمان وقد كان معاوية يعلم أنه (عليه السّلام) لا يدفعهم اليه وانّما أراد أن يكونا شاهدين له عند أهل الشام ويظهرا عذره فرجع أبو هريرة وأقام النعمان عنده (عليه السّلام) أشهراً ثم خرج فارا فلما [مرّ](1) بعين التمر أخذه مالك بن کعب الأرجتي(2) وكان عامل علي (عليه السّلام) / ظ 63/ عليها فحبسه ثم الح [عليه](3) قرطة بن کعب الانصاري(4) وهو كاتب عين التمر يجني خراجها فخلى سبيله فلحق بالشام ثم بعثه معاوية في ألفي رجل ليغير على شاطئ الفرات ويرعب أهل العراق فأقبل حتی دنا من عين التّمر وبها مالك بن کعب ومعه مائة(5) رجل او نحو ذلك(6) فأخبره(7) (عليه السّلام) بالخبر فلما وصل الكتاب صعد (عليه السّلام) المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم أمرهم

ص: 206


1- [مرّ] ساقطة في ع
2- عامل الامام علي (عليه السلام) على عين تمر. ينظر: الغارات: 2/ 447، و تاريخ اليعقوبي: 2:195، وفي ع: (الأرجي)
3- [عليه] ساقطة من أ، ع
4- هو قرظة (بالظاء) بن کعب الانصاري أحد بني الحارث بن الخزرج، حليف لبني عبد الاشهل من الأوس، ويكنى أبا عمرو، وهو أحد العشرة من الانصار الذين وجههم الخليفة عمر بن الخطاب الى الكوفة فنزلها وابتنی بهادارة في الانصار ومات بها، في زمن الخليفة علي (عليه السلام) فصلى عليه بالكوفة، ويقال انه هو الذي افتتح الري. ينظر: الطبقات الكبرى:6/ 17، و الكنى والألقاب: 1/ 162، و أعيان الشيعة 25/1
5- (مانة) في ث، تحریف
6- (دلك) في ث، تصحیف
7- (فاخبر) في ر

بالخروج فلم يخرجوا، فأرسل الى وجوههم وكبرائهم وأمرهم أن ينهضوا ويحثوا الناس على المسير فلم يفعلوا واجتمع منهم نفر يسير نحو ثلاثمائة رجل أو دونها فقام (عليه السّلام) فقال: (مُنِیتُ بِمَنْ لا یُطِیعُ إِذا أَمَرْتُ، وَلا یُجِیبُ إِذا دَعَوْتُ، لا أَبالَکُمْ! ما تَنْتَظِرُونَ بِنَصْرِکُمْ رَبَّکُمْ؟ أَما دِینٌ یَجْمَعُکُمْ، وَلا حَمِیَّةَ تُحْمِشُکُمْ!) منّى الرجل بكذا أي: ابتلی به ولكذا أي، وفق له على صيغة(1) المجهول، ومنيته ومنوته أي ابتليته على صيغ المعلوم، ولا أبا لك كلمة المدح أي: لا كافي لك غير نفسك والذّم أيضا كقولهم لا أملك، والتعجب أيضا نحو لله درك، والأوّل أكثر، والثاني أنسب بالمقام، وتُحمشکم بضم التاء کما في أكثر النسخ وبفتحها كما في بعضها أي: تغضبكم(2) و تهيجكم(3) تقول: احمشت النار إذا ألهبتها(4) (أَقُومُ فِیکُمْ مُسْتَصْرِخاً، وَأُنادِیکُمْ مُتَغَوِّثاً، فَلا تَسْمَعُونَ لِی قَوْلاً، وَلا تُطِیعُونَ لِی أَمْراً، حَتَّی تَکَشَّفَ الْأُمُورُ عَنْ عَواقِبِ الْمَساءَةِ، فَما یُدْرَكُ بِکُمْ ثارٌ، وَلا یُبْلَغُ بِکُمْ مَرامٌ) الصّراخ كغراب الصوت أو شديده، والمستصرخ المستغيث(5)، [والمصرخ المغيث](6)، والصارخ(7) المغيث والمستغيث وهو من الاضداد(8) كالصريخ وهو صوت المستصرخ والصارخ والمتغوث القائل واغوثاه، و تكشف أي: انكشف، والتكشف عن الشيء ارتفاع

ص: 207


1- (صیغ) في ث، ح، ر، م
2- (تغضيكم) في ث، تصحيف
3- (تهجكم) في أ، ع، وفي ث: (نهجكم)
4- ينظر: لسان العرب، مادة (حمش): 6/ 288
5- (المستغیب) في أ، ع، تصحيف
6- [والمصرخ المغيث] ساقطة من أ، ع
7- (الصارح) في ث، تصحيف
8- ينظر: الاضداد في كلام العرب، أبو الطيب اللغوي (ت 351 ه): 274

الحجاب عنه وظهوره(1)، والمساءة ضد المسرة(2) والاضافة للاستتباع أو بيانية، والثأر بالهمز، و يقلب الفاً كما في النسخ(3) طلب الدّم، ويقال: ثَأرتُ القتيل أي قَتَلتُ قاتِلَهُ(4)، (والمرام: المطلب)(5) (دَعَوْتُکُمْ إِلَی نَصْرِ إِخْوَانِکُمْ فَجَرْجَرْتُمْ جَرْجَرَهَ اَلْجَمَلِ اَلْأَسَرِّ، وَ تَثَاقَلْتُمْ تَثَاقُلَ(6) اَلنِّضْوِ اَلْأَدْبَرِ) المراد بالإخوان مالك بن کعب وأصحابه، والجرجرة صوت يردده(7) البعير في حنجرته وأكثر ما يكون عند الأعياء والتعب(8)، والسرّر بالتحريك قرحة کرکرة البعير(9) وهي الثفنة(10) التي تكون(11) في صدره، والتثاقل ترك النهوض بعد الاستنهاض، والنِضو بالكسر (المهزول من الإبل وغيرها)(12)، والدبر بالتحريك: (قرحة الدابة)(13) (ثُمَّ خَرَجَ إِلَیَّ مِنْکُمْ جُنَیْدٌ مُتَذَائِبٌ ضَعِیفٌ؛ کَأَنَّما یُساقُونَ إِلَی اَلْمَوْتِ

ص: 208


1- ينظر: لسان العرب، مادة (كشف): 9/ 300
2- ينظر: الصحاح، مادة (سوأ): 1/ 55
3- ينظر: منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، القطب الراوندي: 1/ 245، و شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 2/ 100
4- ينظر: الصحاح، مادة (ثأر): 2/ 603
5- تاج العروس، مادة (روم): 16/ 308
6- (وتثاقل) في أ
7- (تررده) في ث، ر، م، تصحيف
8- ينظر: تاج العروس، مادة (جرر): 6/ 182
9- ينظر: لسان العرب، مادة (سرر): 4/ 360
10- الثفن في البعير: (ما يصيب الأرض من اذا برك، ويحصل فيه غلظ من أثر البُروك) لسان العرب، مادة (ثفن): 13/ 79
11- (يكون) في أ، ث، ع، تصحيف
12- لسان العرب، مادة (دبر): 4/ 273
13- المصدر نفسه، مادة (دبر): 4/ 273

وَ هُمْ یَنْظُرُونَ) قال السيد:(1) (مُتَذَائِبٌ أي مُضطَرِب؛ مِن قولهم: تَذَائبَ(2) الرِّيحُ، أي: اضطَرَبَ هُبُوبَها، وَمِنه سُمِّيَ الذِّئبُ(3) لاِضطِرابِ مِشيَته)(4) الجنيد مصغر الجند وشبههم [(عليه السّلام)](5) في كراهتهم المشي الى القتال [بمن](6) يساق قهراً الى الموت وهو يعاين الموت أو أسبابه فاستولى الخوف والرعب [عليه](7)، والمشية في كلام السيد(رضي الله عنه) بكسر الميم النوع من المشي کالجلسة.

[ومن (كلام) له (عليه السَّلام)] في الخوارج لما سمع قولهم: لا حكم إلا لله)

وفي بعض النسخ (لا حَکَمَ) بالتَّحريك بدون اللام(8) الجارة في (الله)،

ص: 209


1- (قال الرضي (رحمه الله) قوله (عليه السلام) في شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: 2/ 237، (قال السيد الشريف: أقول: قوله (عليه السلام) في شرح نهج البلاغة، صبحي الصالح
2- (تذائبت) في ح، (تذاءبت) في شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: 2/ 237، في شرح نهج البلاغة، صبحي الصالح: 82
3- (الذئب ذئباً) في شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: 2/ 237، و في شرح نهج البلاغة، صبحي الصالح: 82
4- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 2/ 237
5- [عليه السلام] ساقطة من أ
6- [بمن] ساقطة في أ، ع
7- [عليه] ساقطة من أ، ع
8- الافصح: من دون

وكذلك فيما [يجئ](1) من كلامه (عليه السّلام) (کَلِمَةُ حَقٍّ یُرَادُ بِهَا بَاطِلٌ) [إضافة](2) الكلمة الى الحق لكون معناها حقاً، وقد اخذوها من قوله تعالى: «إِنِ الحُکْمَ إِلاَّ لِلَّهِ»(3) وهو يدل على نفي الحَكَم بالتحريك كما في بعض النسخ (نَعَمْ إِنَّهُ لاَ حُکْمَ إِلاَّ لِلَّه، وَ لَکِنَّ هَؤُلاَءِ یَقُولُونَ: لاَ إِمْرَةَ) الظاهر أنَّ المراد بالكلمة الحق قولهم: لا حكم إلا للهِ والباطل الذّي أريد بها المعنى الذّي قصدوه لا مايفهم من كلام بعض الشّارحين من أنَّ المعنى أنَ دعاء أصحاب معاوية إياكم إلى كتاب الله كلمة حق، لكن مقصودهم بها ليس کتاب الله بل غرض آخر باطل وهو فتور الحرب عنهم وتفرق أهوائكم(4) ونحو ذلك، ومعناها الحق حصر الحكم حقيقة فيه سبحانه کما قيل بناء على أنَّ / و 64/ حكم غيره إنَّما يجب اطاعته إذا أمر الله بإطاعته فالحكم المطاع هو ذلك الأمر وحينئذٍ يعمّ الحكم نحو ذلك الأمر والفصل بين المتخاصمين(5) وفيه تأمل، أو حصر الحكم الذّي يجب اطاعته من حيث إنَّه حکم به ذلك الحاكم فلا ينافي صدق الحكم من غير تجوز على حكم الرسول والإمام وقضاة العدل، قال الله تعالى: «فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ»(6)،

ص: 210


1- [يجئ] ساقطة من أ، ع
2- [اضافة] ساقطة من ع
3- الأنعام / 57
4- (اهوائهم) في أ، ع
5- (المخاصمين) في أ، ع وفي ر: (المتخاصمين)
6- المائدة / 42

وقال سبحانه: «إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ»(1)، وقال عزّ وجل: «يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ»(2)، وهذه الآيات و غيرها تدل على بطلان ما قصدوه من الكلمة ونفي الإمرة مطلقاً من لوازمه ويمكن أن يكون ذلك مقصودهم من الكلمة على وجه الخصوص لكنه غير معروف (وَ إِنَّهُ لاَ بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ أَمِیرٍ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ، یَعْمَلُ فِی إِمْرَتِهِ الْمُؤْمِنُ، وَ یَسْتَمْتِعُ فِیهَا الْکَافِرُ، وَ یُبَلِّغُ اللَّهُ فِیهَا الْأَجَلَ) قال بعض الشّارحين: الألفاظ كلها ترجع الى إمرة الفاجر، قال: يعمل فيها المؤمن أي: لیست بمانعة للمؤمن من العمل؛ لأنَّه يمكن له أن يصلي ويصوم ويتصدّق، وإن كان الأميرُ فاجراً في نفسه، ويستمتع فيها الكافر أي: يتمتع بمدته، كما قال سبحانه: «قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ»(3) ويبلغ الله فيها الأجل؛ لأن إمارة الفاجر كإمارة البرّ في أن المدة المضروبة فيها ينتهي الى الأجل المؤقت(4) للإنسان(5)، وقال بعضهم: الضمير في امرته راجع الى الأمير مطلقا فالأمرة التي يعمل فيها المؤمن الامرة [البرة](6) والتي يستمتع فيها الكافرة(7) الفاجرة(8)، قال: وهذا أولى من قول بعض الشّارحين(9): إن

ص: 211


1- المائدة / 44، وفي ع ( البينون) تحریف
2- سورة ص / 26
3- إبراهيم /30
4- (المؤقت) في ع
5- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 2/ 243، 244
6- [البرة] ساقطة من م
7- (الكافر) في ث، ح، ر، م
8- قول متصرف به، ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 2/ 103
9- يقصد شرح ابن أبي الحديد، ينظر: 2/ 243

الضمير يعود الى الفاجر(1) فإنَّ امرة الفاجر لیست مظنة تمكن المؤمن من عمله والمراد بعمل المؤمن في امرة البر عمله على وفق أوامر الله ونواهيه، واستمتاع(2) الكافر في إمرة الفاجر انهماكه في اللذات الحاضرة ويبلغ الله فيها الأجل أي في امرة الامير سواء كان براً أو فاجراً وفائدة هذه الكلمة تذكير العصاة ببلوغ الأجل وتخويفهم به(3) ويمكن أن يكون المعنى لابد في انتظام(4) دار التكليف واتساق أمور المعاش من أمير بر أو فاجر ليعمل المؤمن في الدّنيا ما يستوجب به جنات النعيم ويستمتع فيها الكافر ليكون حجة عليه يوم الجزاء ومن عمل المؤمن صبره على المكاره في إمرة الفاجر ومن استمتاع الكافر أنه يقرر على الكفر ويقبل منه الجزية في أمرة البرّ فلا يختصّ(5) العمل والاستمتاع بإحدى الأمرتين وعدم الاختصاص في تبليغ كلَّ شيء الى أجله المقدر له واضح و وقوع الظّلم في امرة الفاجر لا ينافي تحقق ما لابدَّ منه في انتظام دار التكليف (وَ یُجْمَعُ بِهِ الْفَیْءُ، وَ یُقَاتَلُ بِهِ الْعَدُوُّ، وَ تَأْمَنُ بِهِ السُّبُلُ(6)، وَ یُؤْخَذُ بِهِ لِلضَّعِیفِ مِنَ الْقَوِیِّ، حَتَّی یَسْتَرِیحَ بَرٌّ، وَ یُسْتَرَاحَ مِنْ فَاجِرٍ) الضمائر المجرورة راجعة الى الأمير، والفيء ما يحصل في أيدي المسلمين(7) من أموال الكفار من غير قتال والغنيمة والخراج وكلمة حتى

ص: 212


1- (الفاجرة) في ر
2- (وباستمتاع) أ، ث، ح، ر، م
3- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 2/ 103
4- (انتظار) في ر
5- (يحتص) في أن تصحيف، وفي ث: (فا يختص)
6- (السبيل) في أي ع
7- (المؤمنين) في أ، ع

أمّا لبيان الغاية والمعنى يستمر تلك الحال حتى يستريح البر من الأمراء(1) وهو الظاهر أو مطلقا ويستريح الناس من الأمير الفاجر أو مطلقاً بالموت والعزل وفيهما(2) راحة للبرّ لأنَّ الآخرة خير له من الأولى ولا تجرى(3) الأمور غالباً على مراده و [لا](4) يستلذ کالفاجر بالانهماك في الشهوات وراحة للناس من الفاجر لخلاصهم من جوره وإن انتظم به نظام الكل في المعاش، وأمّا لترتب الغاية أي: حتى يستريح البرّ من الناس في دولة البرّ من الأمراء ويستريح الناس مطلقاً من بغي(5) بعض الفجار ومن الشرور والمكاره في دولة الأمير مطلقاً برا كان/ ظ 64/ أو فاجراً ولا ينافي ذلك إصابة المكروه من فاجر أحياناً کما سبق (وفي روايةٍ اُخری لمّا(6) سمع تحكيمهم قَال: حُکمَ الله أَنتَظِرُ فِيکُم)، قال الجوهري: (الخوارجُ يسمَّون المُحَكَّمة لإنكارهم أمر الحَكَمَينِ وقولِهم لا حُكمَ إلاّ لله)(7)، وفي القاموس: تحكيم الحرورية قولهم: لا حکم الا لله(8) ولعل المراد بالحكم المنتظر جریان القضاء بقتلهم وحلول وقته (وَ قَالَ أَمَّا الْإِمْرَهُ الْبَرَّةُ فَیَعْمَلُ فِیهَا التَّقِیُّ، وَ أَمَّا الْإِمْرَةُ الْفَاجِرَةُ فَیَتَمَتَّعُ(9)

ص: 213


1- (البراء) في م. تحريف
2- (وفيها) في ع
3- (يجري) في أ، ث، ح، ر، ع، م، والصواب ما أثبتناه
4- [لا] ساقطة في ع
5- (نعي) في ح، ر، م، تحریف
6- (أنه (عليه السلام) لما) في شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: 2/ 242، و في شرح نهج البلاغة، صبحي الصالح: 83
7- الصحاح، مادة (حکم): 5/ 1902
8- القاموس المحيط، مادة (حكم): 4/ 98، وفيه: (وتحكم الحرورية...)
9- (فيمنع) في ر، وفي م: (فتمتع)

فِیهَا الشَّقِیُّ إِلَی أَنْ تَنْقَطِعَ مُدَّتُهُ، وَ تُدْرِکَهُ مَنِیَّتُهُ) يحتمل أن يراد بانقطاع المدة انقضاء الدولة بالعزل ونحوه فالواو بمعنى أو وأن يكون ادراك المنّية تفسيراً له، والمنية الموت؛ لأنها مقدرة بوقت مخصوص(1) من قولهم مَنَى اللهُ له وَمَنَاهُ أي قدَّرَ(2).

[ومن خطبة له (عليه السّلام)]

(إِنَّ الْوَفَاءَ تَوْأَمُ الصِّدْقِ، وَ لاَ أَعْلَمُ جُنَّةً أَوْقَى مِنْهُ، وَ لاَ يَغْدِرُ مَنْ عَلِمَ كَيْفَ الْمَرْجِعُ) الوفاء لزومُ العهد والوعدِ وهو ضد الغدر، وفسر بإنجاز المواعيد وقضاء الحقوق، والتوأم من جميع الحيوان المولود مع غيره في بطن، ويقال اتأمت المرأة إذا وضعت كذلك والظاهر أنَّ كون الوفاء توأم الصّدق التلازمهما غالبا أو مطلقاً مع التشارك في الفضل(3) وترتيب الآثار الجميلة والوفاء يتعلق بالإنشاء، والصّدق بالأخبار وليست النسبة بينهما العموم والخصوص لعدم الصدق وأن كان(4) الصدق يطلق على معنى الوفاء ومنه صادق الوعد، و(الجُنَّة) بالضم كل ما وقی واشنتر [به](5) من سلاح أو مطلقاً، والوقاية الصيانة والستر عن الأذى والوفاء يقي(6) من العار في الدّنيا، ومن النار في الآخرة، والغادر يلحقه شؤم الغدر ولا يعتمد على قوله: (من

ص: 214


1- (محضوض) في أ، ع، تصحيف
2- ينظر: لسان العرب، مادة (مني): 15/ 292
3- (الفصل) في أ
4- (وأركان) في ح
5- [به] ساقطة من أ، ع
6- (بقي) في ر، ع، تصحيف

علم بغدره)، والمرجِع بكسر الجيم أما مصدر أي: علم كيف الرجوع إلى الله، أو عن الغدر أي: علم عاقبته، أو اسم مكان أي: علم بكيفية المعاد، أو العاقبة في الدّنيا والآخرة (وَ لَقَدْ أَصْبَحْنَا فِي زَمَانٍ قَدِ اتَّخَذَ أَكْثَرُ أَهْلِهِ الْغَدْرَ كَيْساً، وَ نَسَبَهُمْ أَهْلُ الْجَهْلِ فِيهِ إِلَى حُسْنِ الْحِيلَةِ) لفظة قد في (قد اتخذ) غير موجودة(1) في بعض النسخ، والكَيَس الفِطنة(2) وجودة الرأي خلاف الحمق(3) والضمير في فيه راجع الى الغدر [أو الزمان](4) لا الاتخاذ کما يتوهم، والحيلة كالاحتيال الحذق وجودة النظر والقدرة على التصرف (مَا لَهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ! قَدْ يَرَى الْحُوَّلُ الْقُلَّبُ وَجْهَ الْحِيلَةِ وَ دُونَهُ(5) مَانِعٌ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ وَ نَهْيِهِ، فَيَدَعُهَا رَأْيَ عَيْنٍ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا، وَ يَنْتَهِزُ فُرْصَتَهَا مَنْ لاَ حَرِيجَةَ(6) لَهُ فِي الدِّينِ(7)) قيل: قاتلهم الله أي: لعنهم الله وقيل: قتلهم، وقيل: عاداهم، ورجل حول قلب کسكر أي: بصير بتحويل(8) الأمور وتقليبها وكذلك حولي(9) قلبي والوجه يكون بمعنی الجهة والحمل على المعنى المعروف لا يخلو عن وجه ويقال: هذا وجه الرأي أي: هو الرأي نفسه، والضّمير في دونه يعود الى وجه الحيلة أي: أقرب منه

ص: 215


1- (موجود) في أ، ع
2- (الفتنة) فيع، تحریف
3- ينظر: الصحاح، مادة (کیس) :3/ 972
4- [أو الزمان] ساقطة من ح
5- (دونها) في شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: 2/ 246، و في شرح نهج البلاغة، صبحي الصالح: 83
6- (حريحة) في ث، تصحیف، و في شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: 2/ 242
7- (العين) في م، تحريف
8- (يصير تحویل) في ع
9- (حول) في ع

وقيل الوصول [اليه أو(1)](2) الى الحول القلب أي: أمامه، وفي بعض النسخ دونها فيعود الى الحيلة، ورأي عين أي: رؤية معاينه وهو منصوب على المصدر من يدع بتقدير موصوف أي: يتركها تركاً معاینا غير ناشئ عن غفلة، وقيل على الحالية أي: يتركها حال ماهي مرئية له وجوز بعضهم في قوله تعالى: «يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ»(3) أن يكون ظرفاً(4) للمكان كما يقول: ترونهم أمامكم(5) ونصبه عن فعله(6) السّابق لا وجه له وانتهاز الفرصة اغتنامها (والحريجة(7): التحرج(8) وهو التّحرز من الحرج والاثم)(9) على ما ذكره بعض الشّارحين فيكون مصدراً كالفضيحة لكن لم أجده في كلام أهل اللغة، والوزن مقصور على السّماع، وقال بعضهم: (الحريجة: التقوى)(10) والحرج في الأصل (الضيق)(11)، ويطلق على الإثم والحرام(12).

ص: 216


1- (و) في أ، ع
2- [اليه أو] ساقطة من ح
3- ال عمران/ 13
4- (طرفا) في ح
5- (امامهم) في ر، تحریف
6- (فعل) في أ، ع، تحریف
7- (الجريحة) في ع
8- (التجرح) في ح، ع، م
9- شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 2/ 104
10- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 2/ 146
11- لسان العرب، مادة (حرج): 2/ 233
12- ینظر: الصحاح، مادة (حرج): 1/ 305، 306، و لسان العرب، مادة (حرج): 2/ 233

[ومن خطبة له (عليه السَّلام)]

(أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّ أَخْوَفَ(1) مَا أَخَافُ عَلَیْکُمُ اِثْنَتَانِ: اتِّبَاعُ الْهَوَی وَ طُولُ الْأَمَلِ؛ فَأَمَّا اتِّبَاعُ الْهَوَی فَیَصُدُّ عَنِ الْحَقِّ، وَ أَمَّا طُولُ الْأَمَلِ فَیُنْسِی الآْخِرَةَ) الهوى بالقصر العشق وارادة النفس، ولعل المراد ميل النفس الأمارة بالسوء الى متقضي طباعها من اللذات الى حد يخرج عن حدود الشريعة، والأمل بالتحريك (الرّجاء)(2)، والصّد المنع والصرّف (أَلاَ وَ إِنَّ الدُّنْیَا قَدْ وَلَّتْ (حذّاءَ)(3)، فَلَمْ یَبْقَ مِنْهَا / و 65/ إِلاَّ صُبَابَةٌ کَصُبَابَةِ الْإِنَاءِ اصْطَبَّهَا(4) صَابُّهَا) ولى الشيء تولية أي أدبر کتولّى، وحذاء بالحاء المهملة والذال المعجمة كما في أكثر النسخ(5) أي: خفيفة(6) سريعة(7)، ومنه قيل للقطاة حذاء إذا خفّ ریش ذنبها(8)، وفي بعض النسخ جذاء بالجيم والجذا القطع أي: (قد انقطع دَرُّها وخيرها)(9)، وقيل: يكون بمعنی (الاسراع)(10)، والصّبابة بالضم:

ص: 217


1- (الخوف) في ع
2- القاموس المحيط، مادة (أمل): 3/ 330
3- (جذاء) في أ، ث، ح، ر، ع، تصحيف
4- (اصطبتها) في أ
5- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، القطب الراوندي: 1/ 254، و شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 2/ 251
6- (حفيفة) في أ، ر، تصحيف
7- (الحذذ: السرعة، وقيل السرعة والخفة) لسان العرب، مادة (حذذ): 3/ 482
8- ينظر: لسان العرب، مادة (حذذ): 3/ 483
9- مجمع البحرین، مادة (حذذ): 3/ 180
10- القاموس المحيط، مادة (جذ): 1/ 351

البقية اليسيرة من الشراب تبقى(1) في أسفل الاناء، واصطبها أي: صبّها ويكون اصطب مطاوعاً لصب و في الابهام اشارة الى عدم تعلق الغرض بالتعيين وإنما الغرض بيان تحقق الفعل (أَلاَ وَإِنَّ الاْخِرَةَ قَدْ أَقْبَلَتْ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا(2) بَنُونَ، فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الاْخِرَةِ وَلاَ تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا، فَإِنَّ كُلَّ وَلَد سَيُلْحَقُ بأُمِّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَإِنَّ الْيَوْمَ عَمَلٌ وَ [لاَ](3) حِسَابَ، وَغَداً حِسَابٌ وَلاَ عَمَلَ) في بعض النسخ (ولكل واحدٍ منهما بنون)، والمعنى واحد(4) وأبناء الدّنيا المائلُون اِلَيهَا الرّاغِبُون فِيهَا رغبة الطّفل الى أُمِّهِ، وكذلك أبناء الآخرة، وعمل قائم مقام الخبر أي: اليوم يوم عمل ومدخول لا في بعض النسخ مرفوع في الموضعين، [وفي](5) بعضها مفتوح.

[ومن كلام له (عليه السَّلام)] وقد اشار عليه أصحابه بالاستعداد للحرب

بعد ارساله جریر بن عبد الله إلى معاوية أشار على فلان أي: بالرأي واليه، [أي ](6) باليد، و جریر بن عبد الله البجلي(7) كان عاملا لعثمان على ثغر

ص: 218


1- (يبقى) في أ، ث، ر، ع، م
2- (منها) في أ، ع
3- [لا] ساقطة من أ، ع
4- (ما حد) في ع
5- [وفي] ساقطة من أ، ع
6- [أي] ساقطة من أ، ع
7- (البحلي) في أن تصحيف، جریر بن عبد الله البجلي الاحمسي اليمني، يكنى أبا عمرو وهو من بجيلة وكان بدیع الجمال مليح الصورة الى الغاية طويلاً الى سنام البعير، قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) فيه: (على وجهه مسحة ملك)، قدم جرير الى النبي (صلوات الله عليه) هو وجماعة من قومه في سنة عشر في رمضان فبايعه واسلم، شهد مع المسلمين يوم المدائن وفتوحات العراق وكان على الميمنة يوم القادسية، اصيبت عينه بسهم فذهبت عند قتاله أهل همذان عندما وجهه المغيرة بن شعبه اليها، نزل الكوفة وسكنها زمناً ثم انتقل الى قرقيسيا ومات بها سنة احدى وخمسين وقيل سنة واربع وخمسين. ينظر: المعارف: 292، البلدان: 460، وسير أعلام النبلاء: 2/ 531، 532، و الوافي بالوفيات 11/ 57 - 59

همدان(1) فلما صار الأمر اليه (عليه السّلام) طلبه فأجاب بالسمع والطاعة، وقدم اليه (عليه السّلام) فأرسله الى معاوية، وروى أنه كتب اليه مع جریر: أني قد عزلتك ففوض الأمر الى جرير والسّلام، وقال لجرير: صن نفسك عن خداعه فإن سّلم اليك الأمر وتوجه الي فأقم أنت بالشام وإن تعلل بشيء فارجع فلما جاءه تعلل بمشاورة [أهل الشام](2) وغير ذلك، فرجع جریر فكتب معاوية في إثره على ظهر كتابه (عليه السّلام) من ولاك حتى تعزلني والسّلام، وروى في صورة الكتاب غير ذلك وإن جرير لما أراد (عليه السّلام) أن يبعثه قال: والله يا أمير المؤمنين ما أدخر من نصرتي شيئا وما أطمع لك في معاوية، فقال (عليه السّلام): قصدي حجة أقمتها، وكانت اشارة الاصحاب لظنهم به ما ظنه جریر (إِنَّ اسْتِعْدادِی لِحَرْبِ أَهْلِ الشّامِ وَجَرِیرٌ عِنْدَهُمْ، إِغْلاقٌ لِلشّامِ، وَصَرْفٌ لِأَهْلِهِ عَنْ خَیْرٍ إِنْ أَرادُوهُ) أغلق الباب فانغلق واستغلق أي: جعله بحیث یعسر فتحه، والمراد بالخير الطاعة، والغرض

ص: 219


1- سمیت همذان نسبة الى همدان بن الفلوج بن سام بن نوح (عليه السلام)، وذكر بعض الفرس أن اسم همذان مقلوب انما هو نادمة ومعناه المحبوبة، وكان فتح همذان في جمادي الاولى على رأس ستة أشهر من مقتل الخليفة عمر بن الخطاب والذي فتحها المغيرة بن شعبة في سنة (24 ه). ينظر: البلدان: 460، ومعجم البلدان: 5/ 410
2- [اهل الشام] ساقطة من أ، ع

أنَّ الاستعداد للحرب في تلك الحال مخالف لغرض اتمام الحجة (وَلَکِنْ قَدْ وَقَّتُّ لِجَرِیرٍ وَقْتاً لا یُقِیمُ بَعْدَهُ إِلاَّ مَخْدُوعاً أَوْ عاصِیاً، وَالرَّأْیُ عِنْدِی مَعَ الْأَناهِ فَأَرْوِدُوا، وَلا أَکْرَهُ لَکُمُ الْإِعْدادَ) التوقيت تحديد الوقت وتعيينه، وفي الكلام تجريد وذكر الوقت تمهيد للوصف، والمراد بصيرورته مخدوعاً(1) أن(2) يتوهم لشبهات معاوية وغيره أنَّه ليس في الإقامة عصيان، والأناة كالقناة اسم من التأني وهو (التثبت)(3)، يقال: آنیت وَ أنَيتُ على صيغة الأفعال والتفعيل وتأنيت واستأنیت، و أروِدوا على صيغة الأفعال أي: ارفقوا(4)، ومنه روید بمعنى (أَمهِل)(5) والنَّهي عن العجلة؛ لأنَّها مظنة الغفلة عن العواقب والضلال عن طرق الصواب، والإعداد التهيئة كالاستعداد التهيؤ، يقال: أعدّه لأمر كذا أي: هيأهُ له [...](6) واستعد له أي: تهیأ، ثم أنَّ الشّارحين ذكروا لدفع(7) توهم(8) التدافع بين هذا الكلام وبين ما سبق وجوهاً منها: أنَّه كره (عليه السّلام) استعداده(9) دون إعداد أصحابه(10)، ورد بأنَّ التعليل بالإغلاق والصّرف يقتضي کراهة الأمرين بل الثاني أولى بالكراهة؛ لأنَّ شياع

ص: 220


1- (محدوعاً) في ث، تصحيف
2- (أو) في ر
3- (الثبت) في أن لسان العرب، مادة (أني): 14/ 48
4- ينظر: لسان العرب، مادة (رود): 3/ 189
5- الصحاح، مادة (رود): 1/ 476
6- [منها] زائده في ع
7- (للدفع) في ر
8- (توقع هم) في أ
9- (استعداد نفسه) في ح
10- ينظر: منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، الراوندي: 1: 257

إعداد العسكر خيولهم وآلات [حربهم](1) أعظم من شياع استعداده وعده(2) لإمكان كتمانه، بخلاف استعداد العساكر العظيمة(3)، ويمكن توجيهه بأنَّ استعداده (عليه السّلام) ليس تهيّؤه وحده بل جمع العسكر وعرضهم(4) و (تحريضهم)(5) على القتال والخروج الى العدو ظ 65/ ونحو ذلك مما هو شأن الأمير والوالي واستعداد الأصحاب تهيئة كل منهم فرسه وسيفه وآلات حربه ونحو ذلك مما لا ينبغي لهم الغفلة عنه أبداً وليس الشياع في هذا أعظم [من](6) ذلك، ومنها أنَّ المكروه اظهار الإعداد دون الإعداد سراً، ومنها أنَّ المراد من قوله (عليه السّلام): (لا أكره لكم(7) الإعداد) تنبيههم على أنَّه ينبغي لهم أن يكونوا على يقظة(8) من الأمر حتى يكونوا حال اشارته اليهم قريبين من الاستعداد، ومنها أنَّ المراد رفع(9) توهم واهم فيه مداخلة ضعف [عن](10) مقارعة أهل الشام فيتداخلهم بذلك فشل وضعف عزيمة(11) وفي الأخيرين نوع من الوهن (وَلَقَدْ ضَرَبْتُ أَنْفَ هَذا الْأَمْرِ وَعَیْنَهُ، وَقَلَّبْتُ

ص: 221


1- [حريهم] ساقطة من أ
2- (حده) في أ، ث، ح، ر، م
3- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 2/ 254، 255
4- (وعرصهم) في ع
5- (وتحريصهم) في ث، ح، ر، ع
6- [من] ساقطة من أ
7- (لهم) في أ، ع
8- (يقطة) في ث، تصحیف، وفي ر: (نقظة)، تصحيف
9- (دفع) في أي ع
10- [عن] ساقطة من أ
11- (غريمة) في أ، (غطيمة) في ر، تحریف

ظَهْرَهُ وَبَطْنَهُ، فَلَمْ أَرَ لِی(1) إِلاَّ الْقِتالَ أَوِ الْکُفْرَ) وفي بعض النسخ (بما أنزل على محمد (صلى الله عليه وآله))(2) الضرب يطلق على جميع الأفعال کما صرح به صاحب العين(3)، وضرب الأنف والعين مثل للعرب يراد منه الاستقصاء في البحث والتأملو التخصيص لكون الأنف والعين أبين أجزاء الوجه وأدخلها في معرفة الإنسان) بالوجه الذّي هو أدخل الأعضاء فيها، وقلب الظهر والبطن أو تقليبهما(4) على اختلاف النسخ التأمل في ظاهر الأمر وباطنه والمراد نفي الواسطة بين الكفر والقتال، قال بعض الشّارحين: ترکه القتال فسق أطلق عليه الكفر تغليظاً(5) في الزجر عنه(6) وفيه بعد، وقال بعضهم: مخالفة الأمر الصريح لا يتصور(7) [من](8) مثله (عليه السّلام) إلَّا عن عدم اعتقاد صحته(9)، وفيه تأمل اللهم إلا أن يحمل على الزام أحد المُحالين بنفي الآخر، فإن معصية الإمام وإن لم يكن على وجه الجحود(10) محال أيضا، ويمكن أن

ص: 222


1- (فلم أر فيه) في شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: 2/ 254، (فلم أر لي فيه) في شرح نهج البلاغة، صبحي الصالح: 85
2- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، القطب الراوندي: 1/ 254، هامش 1: (وفي الف، ب، انا: بما انزل مكان (ما جاء)
3- ينظر: العين، مادة (ضرب): 7/ 30، (بما جاء به محمد (صلى الله عليه)) في شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: 2/ 254
4- (يقلبهما) في ح
5- (تعليظا) في أ، تصحيف
6- قول متصرف به، ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 2/ 255
7- (يتصدر) في ع
8- [من] ساقطة من ث
9- قول متصرف به، ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 2/ 113، 114
10- (الحجود) في أ، ث، ر، ح، م، والصواب ما أثبتناه

يكون مخالفة هذا الأمر بخصوصه مطلقاً أو من الإمام (عليه السّلام) كفراً لعود الضرر الشديد الى الإسلام وإن لم يكن على وجه الجحود(1) (إِنَّهُ قَدْ کانَ عَلَی الْنَّاسِ(2) والٍ أَحْدَثَ أَحْداثاً، وَأَوْجَدَ النّاسَ مَقالاً فَقالُوا، ثُمَّ نَقَمُوا فَغَیَّرُوا) المراد بالوالي(3) عثمان بن عفان، والحدث بالتحريك على ما فسره في النهاية (الأمر الحادث المنكر الذّي ليس بمعتاد(4) ولا معروف في السنة)(5)، وروى الحميري(6) (رحمه الله) في قرب الاسناد عن جعفر بن محمد (عليهما السّلام) قال: (حدثني زيد بن أسلم إنّ رسول الله (صلى عليه الله وآله) سئل عمن أحدث حدثاً أو أوى محدثاً ما هو فقال: من ابتدع بدعة في الإسلام أو مثل بغير حد أو من انتهب نهبة يرفع المسلمون اليها أبصارهم أو يدفع عن صاحب الحدث أو ينصره أو يعينه)(7) وأحداثه المشار اليها كثيرة، منها: تولية الفساق لقرابتهم منه كالوليد بن عقبة الذّي كان منه شرب الخمر وغيره، وردّ الحكم بن أبي العاص طرید رسول الله (صلى الله عليه وآله)

ص: 223


1- (الحجود) في أ، ث، ر، ح، م، والصواب ما أثبتناه
2- (الأمة) في شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: 2/ 254، وشرح نهج البلاغة، صبحي الصالح: 85
3- (بالوال) في ع
4- (بمعناد) في أتصحيف، وفي ع: (بمعناه)
5- النهاية في غريب الحديث ولأثر: 1/ 351
6- عبد الله بن جعفر بن الحسين بن مالك بن جامع الحميري القمي، يكنى أبا العباس من فقهاء الشيعة كان شيخا ووجيهاً للشيعة بقم، ثم ذهب للكوفة فأخذ عنه أهلها، من كتبه (الإمامة)، و (العظمة والتوحيد)، و (فضل العرب)، و (قرب الاسناد)، و (المسائل والتوقعات)، و (کتاب الغيبة). ينظر: الفهرست، الطوسي: 167، و الذريعة، اغابرزك: 16/ 83، والأعلام: 4/ 76
7- قرب الإسناد، عبد الله بن جعفر الحميري: 104

وإيثار أهله بالأموال العظيمة كإعطاء مروان مائة ألف دينار، وروی خمس أفريقية وأربعة من قریش زوجهم بناته أربعمائة ألف دينار، وحَمي الحمی عن المسلمين واعطاء بيت مال(1) الصّدقة المقاتلة وغيرها وضرب عبد الله بن مسعود و كسر بعض أضلاعه وجمع الناس على قراءة زيد بن ثابت وإحراق(2) المصاحف وضرب عمار بن یاسر حتى حدث به الفتق ونفي أبي ذر وإيذائه، وتعطيل الحدّ على عبد الله بن عمر بن الخطاب، وقد فصلنا الكلام في الأحداث بما لا يزيد عليه في شرح الخطبة الشقشقية من كتاب حدائق الحقائق. وأوجد الناس مقالا أي: جعلهم واجدين للمقال، وأبدى لهم طريقا اليه بأحداثه، وقال بعض الشّارحين: (أوجد أي أغضب)(3) وفيه أنَّه يخلو المقال حينئذ عن الناصب، والتقدير غير مناسب، والمراد بالمقال طعنهم عليه في المشهد والمغيب، ونقموا كضربوا أي: عتبوا عليه وقد طعنوا عليه في وجهه وحصبوه على المنبر حتى خر مغشياً عليه وآل الأمر الى الحصار والقتل وغرضه (عليه السّلام) تبرئة نفسه من دم عثمان، وقد جعل معاوية اتهامه(4) (عليه السّلام) بدم عثمان وسيلة الى عصيانه، وبعث قوماً لينشروا ذلك في أهل الشام فتابعوه على العصيان وَردُوا جرير بن عبد الله مصرِّین على الخلاف.

ص: 224


1- (المال) في ر، والصواب ما أثبتناه
2- (احراز) في ع، تحریف
3- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، الراوندي: 1/ 258
4- (انهامه) في أ، ع

[ومن كلام له (عليه السَّلام)] لما هرب مصقلة بن هبيرة الشيباني إلى معاوية

وكان قد ابتاع سبيَ بَنِي ناجية من عامل أمير المؤمنين (عليهِ السَّلام) واعتقهم(1)، فلما طالبه بالمال خاس(2) به وهرب إلى الشام، بنو ناجية(3) ينسبون أنفسهم الى قريش، وقريش تدفعهم عنه / و 66/ وينسبونهم الى ناجية وهي أمهم وقد عدوا من المبغضين لعلي (عليه السّلام) واختلفت الرواية في سبيهم، ففي بعضها أنَّه لما انقضى أمر الجمل دخل أهل البصرة في الطاعة غير بني ناجية(4) فبعث اليهم علي (عليه السّلام) رجلاً من أصحابه في خيل ليقاتلهم فأتاهم وقال لهم: ما لكم عسکرتم وقد دخل في الطاعة غيركم

ص: 225


1- (اعتقه) في شرح ابن أبي الحديد: 3/ 94
2- (خاص) في ر، تحریف
3- بنو ناجية هم قوم رحلوا قبل الإسلام الى بلاد اخوالهم (بني جرم) في عمان... وسكنوا البصرة في ايام الفتوح وكان من زعمائهم فيها (الخريت بن راشد)، وخرج ثلاثمائة من بني ناجية بقيادة (الخريت بن راشد) الى الكوفة لنصرة الامام علي (عليه السلام)، فشهدوا معه الجمل وصفين ولكنهم خالفوه في التحكيم واصرفوا الى جهة الفرس، فبعث (عليه السلام) اليهم معقل بن قيس، ويعود تسميتهم بهذا الاسم نسبة الى ناجية بنت جرم بن ربان، من قضاعة من عمان تزوجها (الحارث) بعد أبيه (سامة بن لؤي) فولدت له (عبد البيت) فعرف بابن ناجية. ينظر: جمهرة أنساب العرب: 173، وإكمال الكال: 4/ 113، ومعجم قبائل العرب: 3/ 1166، والأعلام: 7/ 344، 345
4- (فاجية) في ر، تحریف

فأفترقوا ثلاث فرق، فرقة قالوا: كنا نصارى فأسلمنا ونبايع فأمرهم فاعتزلوا، وفرقة قالوا: كنا نصاری ولم نسلم وخرجنا مع القوم كرهاً فندخل(1) فيما دخل الناس ونعطيكم الجزية [كالنصاری](2)، فقال [لهم](3): اعتزلوا، وفرقة قالوا: كنا نصارى فأسلمنا ولم يعجبنا الإسلام فرجعنا فنعطيكم الجزية کالنصارى، فقال لهم: توبوا وارجعوا للى الإسلام فأبوا، فقاتل مقاتلتهم وسبي ذراريهم، فقدم بهم على أمير المؤمنين (عليه السّلام) وفي بعضها إن الأمير من قبل عليّ (عليه السّلام) كان معقل بن قیس(4) ولما انقضى أمر الحرب لم(5) يقتل من المرتدين من بني ناجية إلا رجلًا واحدا ورجع الباقون الى الإسلام واسترق من النصارى منهم الذين ساعدوا في الحرب وشهروا السيف على جيش الإمام، ثم أقبل بالأساری حتی مر على مصقلة بن هبيرة الشيباني وهو عامل لعليّ (عليه السّلام) على أردشير خرة(6) وهم خمسمائة انسان

ص: 226


1- (فيدخل) في أث،، ع، تصحيف
2- [کالنصاری] ساقطة من ح، ر، م
3- [لهم] ساقطة من ح، ر، ع
4- هو معقل بن قيس الرياحي، من بني يربوع، وكنيته أبا رميلة قائد من الشجعان الأجواد، أدرك عصر النبوة، أوفده عمار بن یاسر على الخليفة عمر بن الخطاب بشيرلً بفتح (تستر) وكان من أمراء الصفوف يوم الجمل، کما تولی شرطة زمن الإمام علي (عليه السلام) وقد وجهه الى بني ناجيه حين ارتدوا فرفع لهم راية الأمان، وقتل من قاتله وسبی منهم جماعة، ولما خرج المستورد بن علفة الخارجي جهز له معقلاً ثلاثة الاف مقاتل وسار لقتاله فتواجها على شاطئ دجلة فقتل كل منهما الآخر سنة (43 ه). ينظر: أنساب الأشراف: 2/ 415، 11/ 275، 12/ 160، و الأنساب: 4/ 227، و الإصابة: 6/ 241، و الأعلام: 7/ 271
5- (ما) في ع
6- أَردَشِير خُرَّه، اسم بلدة مركب معناه (بهاء أردشیر) سميت باسم الملك أردشير بن بابك بن ساسان وهو أحد ملوك الفرس الذي أمر ببنائها، وتسميها العرب (جور) وهي تلي (اصطخر) في العظم وفي أردشير خره، وهي شديدة الحر، كثيرة الثمار. ينظر: البلدان: 405، 406، و معجم البلدان: 1/ 146

فبكى اليه النساء والصبيان و تصایح(1) الرجال وسألوا أن يشتريهم ويعتقهم فابتاعهم(2) بخمسمائة ألف درهم فأرسل اليه أمير المؤمنين (عليه السّلام) أبا حرة الحنفي(3) ليأخذ منه المال فأدى اليه ماءتي ألف درهم وعجز عن الباقي فهرب الى معاوية فقيل له (عليه السّلام): اردد الأساري في الرق، فقال ليس ذلك في القضاء بحق قد عتقوا(4) إذا اعتقهم الذي اشتراهم وصار مالي ديناً عليه فعلى الرواية الاولى كانوا من المرتدين عن الإسلام ولا يجوز سبي ذراريهم عندنا وعند الجمهور أيضاً إلاَّ أن أبا حنيفة قال بجواز استرقاق المرأة المرتدة إذا لحقت بدار الحرب(5) وأيضً [...](6) ما فيها من انه قدم بالأساری الى عليّ (عليه السّلام) يخالف المشهور من اشتراء(7) مصقلة في عرض الطريق وقد قال بعض الأصحاب بجواز سبي البغاة إلاَّ أنَّ الظاهر أنَّه مع اظهار الكفر(8) والارتداد لا يبقى حكم البغي، والصحيح ما في الرواية الثانية من أَّنَّ

ص: 227


1- (وتسامح) في أ، ع، تحریف
2- (فاتباعهم) في ث، ح، ر، ع، م
3- لا توجد له ترجمة غير ان الامام علي (عليه السلام) اختاره رسولاً الى مصقلة بن هبيرة الشيباني ليأخذ منه المال الذي عليه من عتقه لبني ناجية. ينظر: تاريخ الطبري: 1/ 364
4- (اعتقوا) في ر
5- ينظر: الفقه على المذاهب الأربعة، عبد الرحمن الجزيري: 5/ 642، 644
6- [ايضا] زائدة مكررة في ر
7- (اشتراه) في ح، ر
8- (الكفر) ساقطة من ر

الأساری کانت من النصارى، وخاَس به أي: غدر(1) وخان(2) وخاس بالوعد أي: أَخلف(3) (قَبَّحَ(4) اللَّهُ مَصْقَلَةَ! فَعَلَ فِعْلَ السَّادَةِ، وَفَرَّ فِرَارَ الْعَبِيدِ، فَمَا أَنْطَقَ مَادِحَهُ حَتَّى أَسْكَتَهُ(5)، وَلا صَدَّقَ وَاصِفَهُ حَتَّى بَكَّتَهُ) قبحه الله بالتخفيف(6) کما في بعض النسخ أي: نحاه عن الخير(7)، فهو مقبوح، و قبحت البيضة کسرتها(8)، والتشدید کما في بعضها يفيد المبالغة، والسادة جمع سید وهو يطلق على الرب والمالك والشريف والفاضل والكريم والحليم ومتحمل الأذى من قومه والزوج والرئيس والمقدم، وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قيل له: ما في أُمتك من سید؟ فقال: بلی مَن آتاهُ اللهُ [مالاً](9)، وَرزق(10) سماحة فأدّى شكره، وقلت شکایته في الناس(11)، والفِرار بالكسر الهَرَبُ، قال بعض الشارحين: كلمة (حتى) يحتمل أن تكون)(12) بمعنى اللام أي: أنَّه لم ينطق مادحه ليقصد اسکاته بهربه، فإن اسکاته لو قصد لا يتصور إلاَّ بعد انطاقه

ص: 228


1- (عذر) في ث، ح، ر، ع، تصحیف، وفي م: (اعذر)
2- (وحان) في ث، تصحيف
3- ينظر: لسان العرب، مادة (خاس): 6/ 75
4- (فقال فقبح) في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 3/ 94
5- (اسکنه) في ع، تصحيف
6- (بالتحفيف) في أن تصحيف
7- ينظر: الصحاح، مادة (قبح): 1/ 393
8- ينظر: تاج العروس / مادة (قبح): 4/ 163
9- [مالًا] ساقطة من م
10- (أو رزق) في ر
11- ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر: 2/ 417. وفيه: (فما في أُمتك من سيد؟ قال: مَن آتاهُ اللهُ مالاً، وَرزق سماحة، فأدّى شكره، وقلت شکایته في الناس)
12- (يكون) في أ، ح، ر، ع، م، تصحيف

فهو(1) لم يتمم فعله الذّي يطلب به انطاق مادحه فكانه قصد اسكاته بهربه، [وفيه مع عدم جریان مثل هذا التوجيه في الفقرة التالية ان المناسب حينئذ يسكته(2) على صيغة المضارع](3) ويحتمل أن يكون المراد أنَّه لسرعة اتباعه الفضيلة بالرذيلة كأنَّه جمع بين أمرين متنافيين(4)، [وقيل المراد لم ينطق مادحه في المدة المنهية الى الإسكات أي لم ينطقه أصلاً والمراد بالإسكات / ظ 66/ المنع عن النطق](5) والتبكيت (التقريع والتعنيف)(6) و (التوبيخ)(7) و (استقبال الرجل بما يكره)(8) (وَلَوْ أَقَامَ لَأَخَذْنَا مَيْسُورَهُ، وَانْتَظَرْنَا بِمَالِهِ وُفُورَهُ) الميسور مَا تيسر وقیل مصدر على مَفعُول(9) وقيل الغني والسّعة(10) والوُفُور بالضم مصدرُ وفُر المال ککرُم و وعُد أي تم وزاد، وفي بعض النسخ (موفورة)(11)

ص: 229


1- (وهو) في ث، ح، ر
2- (يسكنه) في ر، تصحيف
3- [فيه مع بعدم جریان مثل هذا التوجيه في الفقرة التالية ان المناسب حينئذ يسكته على صيغة المضارع] ساقطة من ح
4- (غايتين متنافيتين) في ح، ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 2/ 116، 117
5- (وقيل المارد لم ينطق مادحه في المدة المنهية الى الإسكات أي لم ينطقه أصلاً والمراد بالإسكات المنع عن النطق) ساقطة من ح
6- تاج العروس، مادة (بكت): 3/ 16
7- (التونيج) في ث، وفي ر: (التوبيح)، تصحیف، تاج العروس، مادة (بكت): 3/ 16
8- تاج العروس، مادة (بكع): 11/ 28
9- ينظر: لسان العرب، مادة (یسر): 5/ 297
10- ينظر: المصدر نفسه، مادة (یسر): 5/ 296
11- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، القطب الراوندي: 1/ 261، و شرح نهج البلاغة، رابن میثم البحراني: 2/ 116، وفيهما: (ویروی موفورة)

وهو (الشيء التامُّ)(1) يقال: وفرت الشيء وفراً و وفر الشيء نفسه وفوراً(2) أي: انتظرنا(3) حصول الموفور في يده والغرض دفع عذره في الحرب وهو توهم التشديد عليه.

[ومن خطبة له (عليه السَّلام)]

(الْحَمْدُ لِلَّهِ غَیْرَ مَقْنُوطٍ مِنْ رَحْمَتِهِ، وَ لَامَخْلُوٍّ مِنْ نِعْمَتِهِ)، وَلَا(4) للتعدية، ولعل نفي القنوط واليأس والاستنكاف لانتفائها على تقدير النظر الصحيح وتنزيل القانط وغيره منزلة العدم بخلاف الحلو، والاستنكاف الأنفة والاستكبار(5)، قال الله تعالى: «وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا»(6)، ومستنكفٍ في(7) أكثر النسخ على صيغة اخواته في بعضها على صيغة الفاعل ولعل المراد على تقدير الصحة حمده سبحانه على رضاه بأن يعبده(8) العباد ويدعوه في حوائجهم صغيرها وكبيرها وقد جعل سبحانه ترك الدعاء استكبارا عن عبادته ولا تبرح أي: لا تزول ولا تفقد على صيغة المجهول أي: لا تعدم وهما متعدیان وعدم البراح والفقدان

ص: 230


1- الصحاح، مادة (وفر): 2/ 847
2- ينظر: المصدر نفسه، مادة (وفر): 2/ 847. وفيه: (... بنفسه وفوراً)
3- (انظرنا) في ح، تحریف
4- (الحارة) في أن تصحيف
5- ينظر: لسان العرب، مادة (نكف): 9/ 340
6- النساء / 172
7- (على) في أ، ع
8- (يعيده) في م، تصحيف

مطرد على تقدير قابليته المحل(1) لاقتضاء(2) ذاته سبحانه الرحمة والإنعام وعدم الشرط لا ينافي الاقتضاء. (إِنَّ اَلدُّنْیَا دَارٌ مُنِیَ لَهَا اَلْفَنَاءُ، وَ لِأَهْلِهَا مِنْهَا اَلْجَلاَءُ) هذا الفصل مفصول عن السّابق التقطه السيد (رضي الله عنه) على عادته(3) من خطبة عيد الفطر وبينهما كلام طويل وكذلك الموصول المذكور والخطبة رواها الصدوق رحمه الله في الفقيه(4) ومنى على البناء للمفعول أي: قدر، ومنه المنية الموت؛ لأنَّها مقدرة بوقت مخصوص واللام في لأهلها أما صلة له أو لمقدر(5) والجملة [معطوفة](6) على الفعلية فيكون في محل الصفة أو على الاسمية واللام للانتفاع أي: نصيبهم منها الجلاء وهو بالفتح الخروج عن البلد والوطن ويقال: جَلوا عن أوطانهم وجَلوتُهُم أنا يتعدَّى ولا يتعدَّى وكذلك أَجلَوا وأَجلَيتَهُم(7). (وَ هِیَ حُلْوَةٌ(8) خَضِرَةٌ، وَ قَدْ عَجِلَتْ لِلطَّالِبِ، وَ اِلْتَبَسَتْ بِقَلْبِ اَلنَّاظِرِ) الحلاوة والخضرة اشارة الى الجهات التي يميل(9) اليها القاصرون الغافلون عن العواقب وعجلت للطالب أي: قدمت له لحقارتها على العادة في تقديم اليسير للطالب، فإن كان قصيرة الهمة رضى به وقعد عن طلب المحزون وإلا لم يلتفت اليه وطلب ما هو خير له وأبقى، والالتباس

ص: 231


1- (محل) في ر
2- (الاقتضاء) في ر
3- (عبادته) في ع، تحريف
4- ينظر: من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق: 1/ 515
5- (المقدر) في ث، وفي ر: (و المقدر)
6- [مُعطوفة] ساقطة من ر، م
7- ينظر: الصحاح، مادة (جلا): 6/ 2304
8- (جلوة) في ع، تصحيف
9- (تميل) في أ، ث، ح، ر،ع، م، والصواب ما أثبتناه

الاختلاط والاشتباه والتباس الدنيا بالقلب خلطه المحاسن بالمساوئ لافتتانه بحسن منظرها والغفلة عن عاقبها والتعبير بالناظر لتقدم الخضرة. (فَارْتَحِلُوا عَنْهَا(1) بِأَحْسَنِ مَا یَحْضُرُکُمْ مِنَ اَلزَّادِ، وَ لاَ تَسْأَلُوا فِیهَا إِلاَّ اَلْکَفَافَ، وَ لاَ تَطْلُبُوا مِنْهَا أَکْثَرَ مِنَ اَلْبَلاَغِ) الارتحال السفر والانتقال والباء للمصاحبة والحضرة الحضور وقرب الرجل وفناؤه أي: بأحسن ما هو موجود عندكم حاضر لديكم من الزاد وهو التقوى قال الله تعالى: «وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى»(2)، والزاد طعام يتخذ للسفر والكفاف [بالفتح](3) ما كف عن الناس وأغنى والبلاغ ما يتبلغ ويتوسل به إلى الشيء المطلوب.

[ومن كلام له (علیه السَّلام)] عند عزمه على المسير إلى الشام

(اَللّهُمَّ اِنّی اَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثاءِ السَّفَرِ، وَکابَةِ الْمُنْقَلَبِ، وَسُوءِ الْمَنْظَرِ، فِی الاَهْلِ وَالْمالِ(4)) وفي بعض النسخ (في النفس والأهل والمال)(5)، والوعثاء الشدّة والمشقَّة وأصله من الوعث وهو الرمل يشقّ ويتعسَّر فيه المشي، يقال:

ص: 232


1- (منها) في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 3/ 120، ونهج البلاغة، صبحي الصالح: 87
2- البقرة / 197
3- [بالفتح] ساقطة من ع
4- (في الاهل والمال والولد) في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 3/ 130، وفي نهج البلاغة، صبحي الصالح: 88
5- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، القطب الراوندي: 1/ 255، وفيه: (في النفس والاهل والمال والولد)

رَملَ أوعَثُ، وَرَملَةَ وَعثاء(1)، والكآبة [بالفتح والمد](2) تغير النفس/ و67/ بالانكسار من شدة الهم والحزن(3)، والمنقلَب بفتح اللام الانقلاب والرجوع، والمراد رجوع المسافر بأمر يحزنه لما أصابه في سفره، أو لعودة غير مقضى الحاجة أو لآفة(4) أصابت أهله أو ماله وسوء المنظر كالتأكيد له أو يخص كآبة المنقلب بالأولين (اللّهُمَّ أنتَ الصّاحِبُ فِی السَّفَرِ، وأنتَ الخَلیفَةُ فِی الأَهلِ، ولا یَجمَعُهُما غَیرُكَ، لِأَنَّ المُستَخلَفَ لا یَکونُ مُستَصحَبا، وَالمُستَصحَبُ لا یَکونُ مُستَخلَفا) المُستخلف من يتخذه المسافر خليفة له يقوم بأمره(5)، و (المستصحب)(6) من يتخذه صاحباً وانحصار هذا الجمع فيه سبحانه لتجرده عن الجسمية مع القدرة الكاملة على دفع المضار والعلم الشامل، فعلى تقدير عدم انحصار التجرد فيه سبحانه لا حاجة [فيه](7) الى ما ذكره بعض الشارحين من أنَّ المستحق لهذا الجمع بالذات هو الله سبحانه بناء على ما زعم من أن المناط مجرد التجرد(8) قال السيد: (وابتداءُ هذا الكلام مرويٌ عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وَقَدقَفَّاهُ (عَلَيهِ السَّلام) بأبلَغ كلامٍ، وَتمَّمَهُ بِأَحسن تَمام، من قَوله: (لا يَجمَعُهُمَا غَيرُكَ) إِلَى آخر الفصل). قّفيته بفلان وفلانا أي: اتبعته

ص: 233


1- ينظر: لسان العرب، مادة (وعث): 2/ 202
2- [بالفتح والمد] ساقطة من ح
3- ينظر: لسان العرب،مادة (كأب): 2/ 694
4- (لافافة) في أ، وفي ع: (لافاقة)، تحريف
5- ينظر: الصحاح، مادة (خلف): 4/ 1354
6- (المستخلف) في ح، والسياق يقتضي (المستصحب) بدليل ما بعده
7- [فيه] ساقطة من أ، ث، ر، ع، م
8- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن ميثم البحراني: 2/ 122

إياه(1)، وجعلته على قفاهُ وهو (مؤخر العنق)(2)، والتمام يكون مصدر تم الشَيء ك (فرَّ) وبمعنى ما يتم به والمناسب هو الثاني.

[ومن كلام له (علیه السَّلام)] في ذكر الكوفة

(کَأَنِّی بِكِ یَا کُوفَةُ تُمَدِّینَ مَدَّ اَلْأَدِیمِ اَلْعُکَاظِیِّ؛ تُعْرَکِینَ بِالنَّوَازِلِ، وَ تُرْکَبِینَ بِالزَّلاَزِلِ) كأنّي بالشّيء، أي: كأني واقف بك ناظر إليك(3)، والمدّ الجذب والبسط(4)، والأديم الجلد أو مدبوغه، وقيل: الأحمر منه(5)، وعُكاظ بالضم موضع بناحية مكة كانت العرب تجتمع(6) به في كل سنة ويقيمون به سوقاً مدة شهر(7)، وقيل كانت تقوم هلال ذي القعدة وتستمر عشرين يوماً، ويتعاكظون أي: يتفاخرون ويتناشدون(8)، (قال)(9) أبو ذويب:

إذا بُنِيَ القِبَابُ على عُكاظٍ *** وَقَامَ البَيعُ واجتمعَ الأُلوفُ(10)

وينسب إليه الأديم؛ لكثرة البيع فيه، والأديم العكاظي مستحكم

ص: 234


1- ينظر: لسان العرب، مادة (قفا): 15/ 194
2- ينظر: المصدر نفسه:، مادة (قفا): 15/ 192
3- ((واقف به ناظر اليه) في أ، ث، ع وفي ر: (واقف به ناظرا اليك)، والصواب ما اثبتناه
4- ينظر: لسان العرب، مادة (مدد): 3/ 396
5- ينظر: تاج العروس، مادة (أدم): 9/16
6- (يجتمع) في أ، ث، ح، ر،ع، م، والصواب ما اثبتناه
7- ينظر: معجم البلدان: 142/4
8- ينظر: تاج العروس، مادة (عكظ): 10/ 475
9- (قالوا) في ح، تحريف
10- دیوان الهذليين 1/ 98

الدباغ(1) شديد المدّ(2) وذلك وجه الشبه، والعرك(3) الدلك والحك(4)، وعركه أي: (حمل عليه الشر)(5)، وعركت القوم في الحرب إذا مارستهم حتى اتعبتهم(6)، والنوازل المصائب والشدائد(7)، والزلازل البلايا، وتركبين بها على صيغة المجهول [كالسابقتين](8)، أي: تجعلين مركوبة لها أو بها على أن يكون الباء للسببية كالسابقة والشدائد التي أصابت الكوفة وأهلها معروفة مذكورة في السير، (وَ إِنِّی لَأَعْلَمُ أَنَّهُ مَا أَرَادَ بِكِ جَبَّارٌ سُوءاً إِلاَّ اِبْتَلاَهُ اَللَّهُ بِشَاغِلٍ وَ رَمَاهُ بِقَاتِلٍ(9)) روى عن أمير المؤمنين (عليه السّلام) أنّه قال: (هذه مدينتنا ومحلتنا ومقر شيعتنا)(10). وعن جعفر بن محمد الصادق (عليه السّلام) أنه قال: (تربة تحبنا ونحبها)(11)، وعنه عليه السلام](12): (اللَّهم إرم من رَماهَا وعَادٍ من عاداها)(13)، ومن الجبابرة الذين أرادوا بها سوء فرماه الله بقاتل

ص: 235


1- (الدماغ) في ر، تصحيف
2- ينظر: تاج العروس، مادة (عكظ): 10/ 476
3- (والعزل) في ر، تحريف
4- ينظر: تاج العروس، مادة (عرك): 13/ 612
5- المصدر نفسه، مادة (عرك): 13/ 612
6- (أتبعنهم) في أ، وفي ع: (اتبعثهم)، تحريف
7- ينظر: العين، مادة (نزل): 7/ 367
8- [كالسابقتين] ساقطة من ح، ر
9- (بقائل) في أ، ع، م، وفي ر: (بقانل)
10- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 3/ 156
11- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 3/ 156
12- [السلام] ساقطة من ح، يقتضيها السياق
13- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 3/ 156

زياد بن أبيه(1) همَّ أن يخرب الكوفة، ويستأصل أهلها فجمعهم حتى ملأ بهم المسجد والرحبة ليعرضهم(2) على البراءة من علي (عليه السّلام) وعلم أنهم سیمتنعون فيحتج بذلك على استئصالهم وإخراب ديارهم فبينا هم مجتمعون إذ خرج حاجبه وأمر الناس بالانصراف وقد رماه الله بالطاعون، وكان يقول: إني لأجد في النصف من جسدي حرّ النار، حتى مات، وروى أنه ابتلى بالفالج، ومنهم الحجاج(3) تولدت في بطنه الحيات واحترق(4) دبره حتى هلك، وأمثال ذلك مذكورة في السير.

[ومن خطبة له (علیه السّلام)] عِنْدَ اْلمَسِيْر اِلى الشَّامِ

روی انَّه (عَلَيهِ السّلامَ) خَطَب بها بالنخيلة خارجاً من الكُوفة متوجهاً

ص: 236


1- زياد بن أبيه، ويكنى أبا المغيرة، أمير من الدهاة، ولد في الطائف سنة (1 ه)، واختلفوا في نسبه فقيل: هو ابن عبيد الثقفي، وقيل هو ابن أبي سفيان، ولدته أمة (سمية) وهي جارية الحارث بن كلدة الثقفي، وتبناه عبيد الثقفي مولى الحارث بن كلدة وهو رومي الاصل، ولما امتنع زياد على معاوية، وتحصن ببلاد فارس الحقه بنسبه سنة (44 ه). اسلم زياد في عهد الخليفة أبو بكر، وكان كاتباً للمغيرة بن شعبة، ثم لأبي موسى الأشعري، أيام امارته للبصرة، وولاه معاوية البصرة والكوفة وغيرها من مدن العراق، توفي سنة (53 ه). ينظر: سير أعلام النبلاء: 3/ 6، و الوافي بالوفيات: 15/ 6 - 8، و الإصابة: 2/ 527، و الأعلام: 3/ 53
2- (لتعرضهم) في ر، تصحيف
3- الحجاج بن يوسف بن الحكم بن عقيل بن مسعود بن عمر بن متعب بن مالك بن كعب الثقفي، ويكنى أبا محمد الثقفي، كان أخفش، دقيق الصوت، وأول ولاية وليها (تباله)، هو الذي قتل ابن الزبير سنة (73 ه)، فولاه عبد الملك بن مروان الحجاز ثلاث سنين فوليها عشرين سنة، توفي سنة (95 ه) ينظر: المعارف: 395 - 398، و البداية والنهاية: 9/ 136، 138، و شذرات الذهب في أخبار من ذهب: 1/ 106،107
4- (احتر) في أ، ع، تحريف، وفي ث: (واحرف)

إلى صفين لخمس بقين من شوال سنة سبع وثلاثين (الْحَمْدُ للَّهِ كُلَّمَا وَقَبَ لَيْلٌ وَغَسَقَ، وَالْحَمْدُ للَّهِ كُلَّمَا لاحَ نَجْمٌ وَخَفَقَ، وَالْحَمْدُ للَّهِ غَيْرَ مَفْقُودِ الإِنْعَامِ، وَلا مُكَافَإِ الإِفْضَالِ) وقب الليل أي: (دخل)(1)، وغسق أي: اظلم(2) قال تعالى: «وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ»(3)، ولَاحَ أي: ظهر وفي بعض النسخ (طلع نجم)، وخفق النجم وأخفق إذا انحط في المغرب أو غاب(4)، وكافأته مكافاة وكفاء أي: جازيته وكل شيء ساوى شيئاً فهو(5) مكافئ له/ ظ 67/، الافضال الاحسان (أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ بَعَثْتُ مُقَدِّمَتِي، وَأَمَرْتُهُمْ بِلُزُومِ هَذَا الْمِلْطَاطِ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرِي) مقدِّمة (الجيش)(6) بكسر الدال أوله ومتقدموه وعن ثعلب فتح الدال والمضاف محذوف، والملطاط (بالكسر)(7) (حافة الوادي وشفيره وساحل البحر)(8) والمنهج الموطؤ والمشار إليه شاطئ الفرات ولزومه أن لا يفارقوه ولا يعدلوا عنه إلى موضع آخر (وَقَدْ رَأَيْتُ أَنْ أَقْطَعَ هَذِهِ النُّطْفَةَ إِلَى شِرْذِمَةٍ مِنْكُمْ، مُوَطِّنِينَ أَكْنَافَ دِجْلَةَ، فَأُنْهِضَهُمْ مَعَكُمْ إِلَى عَدُوِّكُمْ، وَأَجْعَلَهُمْ مِنْ أَمْدَادِ الْقُوَّةِ لَكُمْ) النُطفة بالضم الماء الصافي قل أو كثر، أو الماء مطلقاً وهو بالقليل أخص، والشّرذمة بالكسر (القليل من الناس)(9) والجار متعلق

ص: 237


1- العين، مادة (وقب): 5 / 228، والصحاح، مادة (وقب): 1/ 234
2- ينظر: الصحاح، مادة (غسق): 4/ 1537
3- الفلق / 3
4- ينظر: الصحاح، مادة (خفق): 4/ 1469، ولسان العرب، مادة (خفق): 10/ 81
5- (وهو) في رز
6- (الحيش) في ث، وفي ح: (الجيس)، تصحيف
7- (بكسر) في ح
8- لسان العرب، مادة (لطط): 7/ 390
9- لسان العرب، مادة (شرذم): 12/ 322

بمحذوف أي: متوجها إليهم، وأوطن المكان ووطنه واستوطنه اتخذه وطنا و (موطنين) على صيغة الأفعال في أكثر النسخ، وفي بعضها على صيغة التفعيل، والشرذمة الموطنين الذين سار بهم (عليه السّلام) قوم من أهل المدائن روى أنهم كانوا ثمانمائة رجل، والكنف بالتحريك الجانب والناحية(1)، ودِجلة(2) بالكسر والفتح، وفي النسخ بالکسر نهر بغداد، ونهض كمنع قام وأنهضه غيره اقامة، والأمدَاد بالفتح جمع مدد بالتحريك وهو المعين والناصر(3)، قَالَ السَّيد: (يعني (عليه السَّلام) بِالمِلطاط(4) السَّمتَ الذِي أَمَرَهم بلزومه وهو شَاطئ الفُرَات ويقال ذَلكَ أيضاً لِشَاطِئِ البحر، وَأَصله ما استَوَى مِنَ الأَرض، ويعني بالنُّطفَةِ مَاء الفُرَات، وهو من غريب العِبارتِ وعجيبها) قال بعض الشّارحين: (لا فرق بين شاطئ الفرات وشاطئ البحر وكلاهما أمر واحد وكان الواجب أن يقول الملطاط: السمت في الأرض ويقال أيضاً لشاطئ البحر)(5) وفيه ما فيه.

[ومن خطبة له (علیه السَّلام)]

الحَمدُ لله الَّذِي بَطَنَ خَفِيّاتِ الأُمُورِ،، وَدَلَّت عَلَيهِ أعلَامُ الظُهور) بِطَنتُ

ص: 238


1- ينظر: القاموس المحيط، مادة (كنف): 3/ 192
2- (والدجلة) في أ
3- ينظر: لسان العرب، مادة (مدد): 3/ 398
4- (بالملطاط ها هنا) في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 3 / 158، ونهج البلاغة، صبحي الصالح: 89
5- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 3/ 159

الأمر أي: (عرفت باطنه)(1)، وبطنت الوادي أي: (دخلته)(2)، وفسر الباطن في أسمائه سبحانه(3) بالعالم بما بطن وبالمحتجب عن أبصار الخلائق وأوهامهم(4) فلا يدركه بصر، ولا يحيط به وهم(5)، والمعنى على الأول أنَّه سبحانه نفذ علمه في الأمور الخفية، وعلى الثاني اختفى في خفيات الأمور ودخل بواطنها فلا يدرك بمشعر ولا يبلغ كنهه عقل، وهو أنسب بالفقرة التالية، والأَعلاَم جمع عَلَم بالتحريك وهو (الجبل)(6)، (والمنار)(7)، وأعلام الظهور الآيات الظاهرة الدالة على وجوده سبحانه كما قال عزّ من قائل: «سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ»(8)، ويحتمل على بعد أن يراد بالظهور وجوده سبحانه (وَامْتَنَعَ عَلَی عَیْنِ الْبَصِیرِ)، وفي بعض النسخ (عَلىَ الأبصارِ) (فَلاَ عَیْنُ مَنْ لَمْ یَرَهُ تُنْکِرُهُ، وَلاَ قَلْبُ مَنْ أَثْبَتَهُ یُبْصِرُهُ) يمكن أن يراد بالبصير ذو الحاسة(9) والعالم أيضاً، والتخصيص بالعين للإشعَار بأنَّه لا يمتنع على القلب وإن لم يبلغ كُنهه فيكون ما بعده كالتفصيل له، والمراد بنفي الإبصار ثانياً نفي إطلاع القلب على كنه حقيقته سبحانه والغرض أنَّه

ص: 239


1- لسان العرب، مادة (بطن): 13/ 55
2- المصدر نفسه، مادة (بطن): 13/ 55
3- قال تعالى: «هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ» الحديد / 3
4- (أوهام الخلائق وأبصارهم) في ح، (أبصار الخلائق واوماهم) في ر
5- ينظر: جامع البيان: 27/ 282، و الكشاف: 4/ 61، و التفسير الوسيط، الواحدي: 199/14، وتفسير البحر المحيط: 8/ 216
6- الصحاح، مادة (علم): 5/ 1990
7- لسان العرب، مادة (علم): 12/ 419
8- فصلت / 53
9- (الحاشة) في ع، تصحيف

سبحانه وإن كان باطناً محتجباً عن الأعين إلا أنه لاسبيل إلى إنكاره لدلالة أعلام الظهور كما أنَّ ظهوره للقلوب لا يوجب الاطلاع على حقيقته فخفاؤه لا يمنع الظّهور، وظهوره لا يرفع الخفاء، وحمل الكلام على أنَّه لا سبيل للعين الى إنكاره إذ حظ الحاسة إدراك المحسوس لا إنكار الوجود، وكذلك لا سبيل للقلب إلى المشاهدة، وإنما شأنه الإدراك بعيد غاية البعدِ (سَبَقَ فِی اَلْعُلُوِّ فَلاَ شَیْءَ أَعْلَی(1) مِنْهُ وَ قَرُبَ فِی اَلدُّنُوِّ فَلاَ شَیْءَ أَقْرَبُ مِنْهُ) علوّه سبحانه علو رتبته في العقل لتنزهه عن الحاجة والنقص ومشابهة الأعراض والاجسام، أو لإعطائه وافاضته الخيرات على العالمين أو لقهره(2) الأشياء، وغلبته عليها بالحكم والقدرة، ودنوه قربه إليهم بالتربية والعلم والقدرة والتحنن والرأفة، (فَلاَ اِسْتِعْلاَؤُهُ بَاعَدَهُ عَنْ شَیْءٍ مِنْ خَلْقِهِ، وَ لاَ قُرْبُهُ سَاوَاهُمْ فِی اَلْمَکَانِ بِهِ) يمكن أن يراد بالبعد المنفي ما يقابل الدنّو المذكور، ويحتمل البعد المكاني والفاء للتعقيب أو للتفريع فإن هذا النفي يتفرع على جمعه سبحانه بين الاستعلاء والقرب بالمعاني السّابقة، وفي بعض النسخ الصحيحة (سوّاهم)/ و68/ على صيغة التَفعيل، (لَمْ یُطْلِعِ اَلْعُقُولَ عَلَی تَحْدِیدِ صِفَتِهِ، وَ لَمْ یَحْجُبْهَا عَنْ وَاجِبِ مَعْرِفَتِهِ) اطلَّع على الشيء على صيغة افتعل إذا علمه وأصله الإشراف من موضع عالٍ، واطلعه عليه على صيغة افعل إذا جعله عالماً(3) وتحديد صفته الاحاطة العلمية بها أي: لم يجعل للعقول سبيلاً إلى العلم بكنه ذاته وصفاته التّي هي عين ذاته، أو لم يجعل لها سبيلاً إلى حصر كمالاته كما قيل، والحجب

ص: 240


1- (أعلا) في أ
2- (اقهره) في م، تحريف
3- ينظر: لسان العرب، مادة (طلع): 8/ 236

المنع أو الستر على القلب، أي: لم يستر واجب معرفته عنها، وواجب معرفته التصديق بوجوده وصفاته الکمالية والجلالية، والتصور الذي يتوقف عليه ذلك التصديق والمعرفة الواجبة الفطرية اللازمة التي لا تنفك عن أحدا والمراد وجوب الهامها على الله سبحانه أو الكسبية(1) الواجبة(2) تحصيلها على العباد بالنظر والتأمل في الآيات والبراهين، ولعل الأخير أنسب بقوله (عليه السّلام) (فَهُوَ اَلَّذِی تَشْهَدُ لَهُ أَعْلاَمُ اَلْوُجُودِ عَلَی إِقْرَارِ قَلْبِ ذِی اَلْجُحُودِ)، وفي بعض النسخ (قلوب ذوي الجُحود)، والجحد (والجحود الإنكار مع العلم)(3)، وظاهر الكلام أنَّ إنكار الجاحد مقصور على اللسان ولا ينكر أحدٌ وجُودَ الصانع بالقلب لظهور الأدلة، ويمكن أنَّ يكون المراد أنَّه لا يوجد الإنكار بالقلب بعد تخليه الذهن من الشبهة، وترك اتباع الاهواء(4) ومتابعة الأسلاف. (تَعَالَی اَللَّهُ عَمَّا یَقُولُهُ(5) اَلْمُشَبِّهُونَ بِهِ وَ اَلْجَاحِدُونَ لَهُ عُلُوّاً کَبِیراً) التّعالي(6) الارتفاع أي: جل شأنه عن التشبيه والانكار وتباعد عنهما غاية البعد والوصف بالكبر توسع.

ص: 241


1- (الكسبته) في ر
2- (الواجب) في أ، ث، ر، والمناسب للسياق ما اثبتناه
3- الصحاح، مادة (جحد): 1/ 448
4- (الهوى) في أ، ع، تحریف، وفي ث: (الاهو)
5- (قوله) في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 3/ 170
6- (والتعالي) في أ

[وَمِن خُطبَةٍ لَهُ (عَلَيهِ السَّلام)]

هذه الخطبة رواها ثقة الإسلام (رضي الله عنه) في الكافي في باب البدع(1) باختلاف يسيرً (إِنَّمَا بَدْءُ وُقُوعِ اَلْفِتَنِ أَهْوَاءٌ تُتَّبَعُ، وَ أَحْکَامٌ تُبْتَدَعُ، یُخَالَفُ فِیهَا کِتَابُ اَللَّهِ، وَ یَتَوَلَّی عَلَیْهَا رِجَالٌ رِجَالاً؛ عَلَی غَیْرِ دِینِ اَللَّهِ) الفتنة الامتحان والاختبار وكثرة استعمالها في الاختبار بالمكاره ويستعمل في الضلال والإثم والكفر والفضيحة والعذاب والقتال وغير ذلك، والأهواء جمع هوى بالقصر، أي: إرادة النفس وأكثر ما يستعمل في الباطل، والابتداع الانشاء والاختراع والضمير المؤنث المفرد يعود الى كل واحدٍ من الأهواء والأحكام أو اليهما؛ لأن مجموع أفرادهما جماعة، وتولاه أي: اتخذه وليا، والمراد بتولي الرجال متابعتهم ومعاضدتهم والائتمام بهم، (فَلَوْ أَنَّ اَلْبَاطِلَ خَلَصَ مِنْ مِزَاجِ اَلْحَقِّ لَمْ یَخْفَ عَلَی اَلْمُرْتَادِینَ؛ وَ لَوْ أَنَّ اَلْحَقَّ خَلَصَ مِنْ لَبْسِ اَلْبَاطِلِ، اِنْقَطَعَتْ عَنْهُ أَلْسُنُ اَلْمُعَانِدِینَ) المَزج الخَلط، ومِزَاجُ الشَرَابِ ما يخلط به(2)، وفي الكلام أضيف إلى ما يُمزج، والارتياد (الطلب)(3)، والّلبس أيضاً الخلط(4)، (وَ لَکِنْ یُؤْخَذُ مِنْ هَذَا ضِغْثٌ وَ مِنْ هَذَا ضِغْثٌ، فَیُمْزَجَانِ(5)، فَهُنَالِكَ یَسْتَوْلِی اَلشَّیْطَانُ عَلَی أَوْلِیَائِهِ، وَ یَنْجُو اَلَّذِینَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَ اَللَّهِ اَلْحُسْنی) الضِغثُ(6) بالكسر: (قُبضةُ حشیشٍ

ص: 242


1- ينظر: الاصول من الكافي: 1/ 54
2- ينظر: الصحاح، مادة (مزج): 1/ 341
3- تاج العروس، مادة (رود): 4/ 466
4- ينظر: لسان العرب، مادة (لبس): 6/ 202
5- (فيبر جان) في م، تحریف
6- (الصغث) في ر، تصحيف

مختلطة الرَطبِ باليابس)(1)، والخصلة الحسني التي قدر الله لأهل النجاة هي السعادة أو التوفيق للطاعة ومتابعة الحق.

[وَمِن كَلَامه (عَلَيهِ السَّلام)] لمَّا غَلَبَ أصحاب مُعاوية أضحابَه عَلى شَريعَة الفُرات بِصفين وَمَنعُوهُم الماءَ

الشريعة والمشرعة (مورد الإبل على الماء الجاري)(2)، وصفّين كسجينّ اسم الأرض التي كانت فيها الوقعة العظمى من أرض الشّام قرب الرقة بشاطي الفرات(3)، غير منصرف للتأنيث والعلمية والنون فيها أصلية (قَدِ اِسْتَطْعَمُوکُمُ اَلْقِتَالَ، فَأَقِرُّوا عَلَی مَذَلَّةٍ، وَ تَأْخِیرِ مَحَلَّةٍ، أَوْ رَوُّوا اَلسُّیُوفَ) وفي بعض النسخ (السيف مِنَ الدِماءِ ترَوَوا مِنَ الماءِ(4) استطعموكم القتال أي:

طلبوا منكم القتال كأنَّهم لمَا اضطروكم الى القتال إذ لا طاقة لكم على العطش، فجعلوا القتال مرغوباً لكم کما يرغب الإنسان الى الطعام الذي به قوام بدنه واقروا على مذلة أي: اعترفوا بها وإنَّه لا قدرة لكم على دفعهم واصبروا عليها و(5) اسکنوا أنفسكم في مكان الذّل و المقهورية وتأخير المحلة دناءة المرتبة

ص: 243


1- الصحاح، مادة (ضغث): 1/ 285، و ينظر: لسان العرب، مادة (ضغث): 2/ 164
2- النهاية في غريب الحديث والأثر: 2/ 460، و ينظر: الصحاح، مادة (شرع): 3/ 1236
3- سبق ذكرها في صحيفة 31
4- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، القطب الراوندي: 1/ 264، هامش: 2،(نسخة: الف: السیف)
5- (أو) في أنه، ر، ع

ورووا السيوف أي: اجعلوهارواء جمع ریی(1) ضد عطشی (فَالْمَوْتُ فِی حَیَاتِکُمْ مَقْهُورِینَ، وَ اَلْحَیَاةُ فِی مَوْتِکُمْ قَاهِرِینَ) لا يخفى علو رتبة الكلام واشتماله على الطائف البلاغة (أَلاَ وَ إِنَّ مُعَاوِیَةَ قَادَ لُمَةً مِنَ اَلْغُوَاةِ، وَ عَمَّسَ عَلَیْهِمُ اَلْخَبَرَ(2)، حَتَّی جَعَلُوا نُحُورَهُمْ أَغْرَاضَ اَلْمَنِیَّةِ) قاد الفرس ضد ساقه فالقود من أمام والسوق من خلف(3)، واللُمة بالضم والتخفيف / ظ 68/ (الجماعة)(4)، وقيل: (المثل في السن والتِّرب)(5)، وقال الجوهري: (الهاء عوضٌ عن الهمزة الذاهبة من وسطه)(6)، (وهو(7) مما أخذت عينه کسه ومُذ، وأصلها فُعلة من الملاءمة وهي الموافقة))(8)، والغواة: الضالون(9)، وعَمَّس بالمهملتين وتشديد الميم كما في النسخ أي: أهم وأخفى(10)، قال بعض الشارحين التشديد يفيد الكثرة(11)، ويظهر من كلام ابن الأثير إنّه بالتخفيف، قال بعد ذکر کلامه (عليه السّلام): (العَمس أن تُرِىَ أَنّكَ لا تَعرِف الأمر، وأَنت به عارفٌ)(12)،

ص: 244


1- (زني) في ر، تصحيف
2- (الخير) في ع، تصحيف
3- ينظر: تاج العروس، مادة (قود): 5/ 208، 209
4- العين، مادة (لمم): 8/ 323
5- لسان العرب، مادة (لم): 12/ 548
6- الصحاح، مادة (لأم): 5/ 2026
7- (وهي)، في ح تحریف
8- النهاية في غريب الحدیث والاثر: 4/ 274، وفيه: (وهو مما أخذت...)، تحریف
9- ينظر: الصحاح، مادة (غوی): 6/ 2450. و ينظر: القاموس المحيط، مادة (غوی): 4/ 372
10- ينظر: تاج العروس، مادة (عمس): 8/ 376
11- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 3/ 192
12- النهاية في غريب الحديث والأثر: 3/ 299

قال: (ویروی بالغين المعجمة)(1)، وهو موجود في بعض النسخ لكن بالتشديد وغمسه في الماء أي: (مقلة)(2)، (وغمس النجم أي: غاب)(3)، والغميس الليل المظلم والظلمة(4) والشيء (الذي لم يظهر للناس ولم يُعرف بعد)(5)، وفي بعض [النسخ](6) (ورمس عليهم) بالتشديد، والرمس كتمان الخبر(7)، والمراد بالخبر خزي الدنيا، أو عذاب الآخرة، أو الأمران جميعاً، والموت مقدمة لعذابهم فالأخيران أيضاً محتملان، والنحر: (أعلى الصدر)(8) أو موضع القلادة منه(9)، والغرض بالتحريك الهدف الذي يرمي فيه، (والمَنِيَّةُ: الموت؛ لأنها مقدرة)(10)، (يقال: مُنِی له أي: قُدِّر)(11)، روي أنَّه لما ملك أهل العراق المشرعة قال عمرو بن العاص لمعاوية: ما ظنك يا معاوية إن منعوك الماء كما منعتهم أمس؟ أتراك أن تضاربهم عليه کما ضاربوك عليه؟ ما أغنى عنك أن تكشف لهم السوءة!، فقال معاوية: دع عنك ما مضى، فما ظنك بعلّي؟ قال: ظني أنه لا يستحل منك ما استحللت منه، وقال له (عليه السّلام) بعض

ص: 245


1- النهاية في غريب الحديث والأثر: 3/ 299
2- الصحاح، مادة (غمس): 3/ 956
3- العين، مادة (غمس): 4/ 380
4- ينظر: لسان العرب، مادة (غمس): 6/ 157
5- المصدر نفسه، مادة (غمس): 2/ 157
6- [النسخ] ساقطة من أ، ع
7- ينظر: لسان العرب، مادة (رمس): 6/ 102
8- المصدر نفسه، مادة (نحر): 196/5
9- ينظر: المخصص، مادة (نحر) 1/ 20
10- الصحاح، مادة (منا): 6/ 2697
11- المصدر نفسه، مادة (منا): 6/ 2497

أصحابه امنعهم الماء يا أمير المؤمنین کما منعوك، فقال: لا خلوا بينهم وبين الماء، لا أفعل(1) ما فعله الجاهلون سنعرض عليهم كتاب الله، وندعوهم(2) الى الهدي فإن أجابوا، وإلا ففي حدّ السّيف مَا يغني(3) إن شاء الله)، فما أمسى النّاسُ حتّى رأوا سقاتهم وسقاة أهل الشام ورواياهم وروايا أهل الشام يزدحمون على الماء مايؤذي إنسان إنساناً.

[ومن خطبة له (عليه السلام)]

قَدْ(4) تَقَدَّم مُخْتارَها بِروایَة وَ نَذَکِّرها هاهُنا بِروایة اُخری(5) لِتَغایر الرَوایَتَیْن: (أَلاَ وَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ تَصَّرمَتْ وَآذَنَتْ بِانْقِضَاء(6)، وَتَنَكَّرَ مَعْرُوفُها وَأَدْبَرَتْ حَذَّاءَ) الصَّرمُ القطع(7)، ومنه الصَّارم للسيف القاطع(8) وتصرمت أي: تقطعت، وفنيت وآذنت أي: اعلمت، ويقال: آذنه الأمر وبه، والوَداع بالفتح الاسم من التوديع عند الرحيل، وتنكر أي: صار منكراً وهو ضد(9)

ص: 246


1- (افعله) في ع، تحریف
2- (تدعوهم) في أ، ع، م
3- (يعني) في أ، ث، ع، تصحيف
4- (وقد) في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 3/ 263
5- (ونذكر ما نذكره هنا برواية أخرى في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 3/ 263
6- (بانقضاء) في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 3/ 263، وشرح نهج البلاغة، صبحي الصالح: 3/ 263
7- ينظر: لسان العرب، مادة (صرم): 12/ 334
8- ينظر: المصدر نفسه، مادة (صرم): 12/ 335
9- (عند) في م

المعروف الذّي يعرفه الناس ويحسنونه(1)، وحذاء(2) في كثير من النسخ بالحاء المهملة أي خفيفة سريعة، ومنه قيل للقطاة حذاء وهي التي خف ریش ذنبها، وفي بعضها (جذاء) بالجيم أي مقطوعة أو سريعة، وقال الفراء: رحم حذاء [وجذاء](3) بالحاء، والجيم إذا لم توصل(4) وقال بعض الشارحين: (من رواه جذاء بالجيم، أراد منقطعة الدَّرّ والخير)(5) ولعله مما لا حاجة إليه. (فَهِیَ تَحْفِزُ بِالْفَنَاءِ، سُکَّانَهَا، وَ تَحْدُو بِالْمَوْتِ جِیرَانَهَا) حفزه(6) بالحاء المهملة والفاء والزاي كضربة أي: دفعه من خلفه، وحثه وأعجله(7)، وحفزة(8) بالرمح أي: (طعنه)(9) وعلى الأول شبه الفناء بالمقرعة(10) والعصا، وتحدوا أي: تبعث وتسوق من الحَدو، وهي (سَوقُ الإبل والغِناءُ لها)(11)، وهو من البواعث على سرعتها، والجار المجاور و الذي أجَرته من أن يُظلم، ولعل الأخير أنسب، ويمكن أن يراد بالجيران من كان انتفاعهم من الدنيا أو ركونهم اليها

ص: 247


1- (يحسونه) في ث، تحریف
2- (وهذا) فيع، تحریف
3- [وجذاء] ساقطة من أ، ث، ر، ع، م
4- لسان العرب، مادة (جذذ): 3/ 479، وفيه: (قال الفراء: رحم جذاءٌ وحَذاءٌ، بالجيم والحاء ممدودان، وذلك إذا لم توصل) رواء في ر، تحریف
5- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 3/ 264
6- (حفره) في ر، تصحیف
7- ينظر: لسان العرب، مادة (حفز): 5/ 337
8- (خفره) في ر، تصحيف
9- لسان العرب، مادة (حفز): 5/ 338
10- (والمقرعة) في أ، ع
11- الصحاح، مادة (حدا): 6/ 2309

أقل، وبالسكان خلافهم فيناسب التعبير بالمجاور، (وَ قَدْ اءَمَرَّ مِنهَا(1) مَا کَانَ حُلْوا(2)، وَ کَدِرَ مِنْهَا مَا کَانَ صَفْوا، فَلَمْ یَبْقَ مِنْهَا إِلا سَمَلَةٌ کَسَمَلَةِ الْإِدَاوَةِ، اءَوْ جُرْعَةٌ کَجُرْعَةِ الْمَقْلَةِ، لَوْ تَمَزَّزَهَا الصَّدْیَانُ(3) لَمْ یَنْقَعْ) أمر الشيء أي: صار مراً، وكدر الماء كدراً کفرح ضد صفا و [نحو](4) [ذلك](5) [ويجوز](6) کدر بالضم کدورة إلا أنَّ الموجود في النسخ(7) هو الأول، والسّملة بالتحريك: القليل من الماء تبقى في الإناء(8)، والإدارة بالكسر (المطهرة)(9) والجُرعة بالضم کما في النسخ(10) الاسم من الشرب اليسير، وبالفتح المرة الواحدة منه(11)، والمَقلَةُ بالفتح حَصَاة القَسم توضع في الإناء إذا عدموا الماء في السفر ثم يصب عليه ما يغمر الحصاة فيعطي كل أحد سهمه(12)، ومزة أي: (مصه)(13)، والتمزز

ص: 248


1- (فيها) في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 3/ 263، ونهج البلاغة، صبحي الصالح: 92
2- (حلو) في أ
3- (الصذيان) في أن تصحيف
4- [ونحو] ساقطة من أ، ث، ع
5- [ذلك] ساقطة من أ، ث، ر، م
6- [ويجوز] ساقطة من ح، ر، م
7- شرح نهج البلاغة، ابن الحديد: 3/ 263، وشرح نهج، ابن میثم البحراني: 2/ 137
8- ينظر: الصحاح، مادة (سمل): 5/ 1732
9- المصدر نفسه، مادة (أدا): 6/ 2266
10- شرح نهج البلاغة، ابن الحديد: 3/ 263، وشرح نهج، ابن میثم البحراني: 2/ 137
11- سبق ذكره في صحيفة 91
12- ينظر: الصحاح، مادة (مقل): 5/ 1820
13- ينظر: المصدر نفسه، مادة (مزز): 3/ 896

مصه قليلاً قليلاً(1)، (والصَدَى / و 69/: العطش)(2) ونقع الرجل بالماء أي: روی، (ونقع الماء العطش نقعاً و نقوعاً أي: سکنه وفي المثل: (الرشف أنقع)(3))(4) أي: إنَّ الشراب الذي يمص قليلا أنقع للعطش وإن كان فيه بطؤ، وصيرورتها مرّاً وكدراً وقليلا، أما لقصر الأعمار في تلك الأزمان وقلة العمر يوجب المرارة والكدورة، أو لقلة عمر الدنيا وقرب انقضائها بقيام الساعة أو لانقضاء الشباب وقلة الاستمتاع بالملاذ، وقرب الأجل في كثير من الناس، (فَاءَزْمِعُوا عِبَادَ اللَّهِ الرَّحِیلَ عَنْ هَذِهِ الدَّارِ الْمَقْدُورِ عَلَی اءَهْلِهَا الزَّوَالُ، وَ لاَ یَغْلِبَنَّکُمْ فِیهَا الْاءَمَلُ، وَ لاَ یَطُولَنَّ عَلَیْکُمْ فِیهَا الْاءَمَدُ(5) الأمر أي: أَجَمعتهُ، وعَزمتُ عَلَيهِ، أو ثبَّتُ عليه(6))، (وقال الفراء: أزمعت الأمر، وأزمعت عليه)(7)، وفي بعض النسخ (للرحيل) باللام وما في الأصل أظهر، والرحيل(8) اسم ارتحال القوم أي: انتقالهم عن مكانهم، وقدر الله ذلك عليه ککتب وضرب أي: قدره بالتشديد، والأمل: الرّجاء(9)، والأمد (الغاية والمنتهى)(10)، ولعل المعنی:

ص: 249


1- ينظر الصحاح، مادة (مزز): 3/ 896
2- المصدر نفسه، مادة (صدى): 6/ 2399
3- جمهرة الأمثال: 1/ 484، و مجمع الأمثال: 1/ 315
4- الصحاح، مادة (نقع): 3/ 1292
5- (فيها الامد) في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 3/ 263، ونهج البلاغة، صبحي الصالح: 93
6- ينظر: القاموس المحيط، مادة (زمع): 3/ 35
7- تاج العروس، مادة (زمع): 11/ 194
8- (والرحبل) في ر، تصحيف
9- سبق ذكره في صحيفة 93
10- القاموس المحيط: 1/ 275

لا تعدوا الزمان طويلاً لزعمكم الغاية بعيدة (فَوَ اَللَّهِ لَوْ حَنَنْتُمْ حَنِینَ اَلْوَالِهِ اَلْمِعْجَالِ، وَ دَعَوْتُمْ دُعَاءَ اَلْحَمَامِ، وَ جَأَرْتُمْ جُؤَارَ مُتَبَتِّلِی اَلرُّهْبَانِ، وَ خَرَجْتُمْ إِلَی اَللَّهِ مِنَ اَلْأَمْوَالِ وَ اَلْأَوْلاَدِ؛ اِلْتِمَاسَ اَلْقُرْبَةِ إِلَیْهِ فِی اِرْتِفَاعِ دَرَجَهٍ وَ غُفْرَانِ سَیِّئَهٍ أَحْصَتْهَا کَتَبَتُهُ وَ حَفِظَتْهَا رُسُلُهُ لَکَانَ قَلِیلاً فِیمَا تَرْجُونَ مِنْ ثَوَابِهِ وَ تَخْشَوْنَ مِنْ عِقَابِه) الحنين الشوق وشدة البكاء وصوت الطرب من(1) حزن أو فرح(2) (وترجيع الناقة صوتها إثر ولدها)(3)، والوله بالتحريك في الأصل ذهاب العقل والتحير من شدة الحزن(4)، يقال: رجل والهُ و [امرأة والهٌ](5) وَوالَهِهٌ وكل أنثى فارقت ولدها يقال لها: والهٌ ووالِهَةٌ(6)، والعُجول من الإبل الواله التي فقدت ولدها، ويقال: أعجلت الناقة إذا القت ولدها لغير تمام(7)، (والهَدِيلُ: صَوتُ الحمام)(8)، قالوا: كان فَرخٌ على عهد نوح (عليه السّلام) فمات عطشاً أو صاده جارح من الطير فما من حمامة إلا و هي تبكي عليه، والهديل علم له أيضاً(9)، ولعل المراد الدّعوة على وجه النوح والتضّرع، وجار کمنع جأراً وجؤراً صراخ تضرع(10) واستغاث رافعاً

ص: 250


1- (عن) في ث، ح، ر، تحریف
2- القاموس المحيط، مادة (حنن): 216/4
3- لسان العرب، مادة (حنن): 13/ 129
4- ينظر: المصدر نفسه، مادة (وله): 13/ 561
5- [وامراة واله] ساقطة من ع
6- ينظر: لسان العرب، مادة (وله): 13/ 561
7- ينظر: المصدر نفسه، مادة (عجل): 11/ 426
8- الصحاح، مادة (هدل): 5/ 1848، والمخصص، مادة (هدل): 2/ 134
9- ينظر: الصحاح، مادة (هدل): 5/ 1848
10- (اتضرع) في ر

صوته بالدّعاء(1)، والمتبتل المنقطع عن النساء أو عن الدنيا(2)، والرّهبان جمع راهب(3)، وَرُهبَنَةُ(4) النصارى ما كانوا يتعبدون به من التّخلي من أشغال الدنيا وترك ملّاذهَا، والعزلة عن أهلها وتعمد مشاقها حتى إن منهم من كان يخصي نفسه، ويضع السلسلة في عنقه ويفعل بنفسه غير ذلك من أنواع التعذيب(5) وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنَّه قال: (لا رهبانية في الاسلام)(6)، والنهي عن الرهبانية لا يستلزم النهي عن الجؤار کجؤارهم وأصله من الرهبة الخوف والخروج من الأموال تركها والالتماس الطلب، والإحصاء العدّ والضبط والوصف بالإحصاء والحفظ للتحذير.

(وَتاللّهِ(7) لَوِ انْماثَتْ قُلُوبُکُمُ انْمِیاثاً، وَسالَتْ عُیُونُکُمْ - مِنْ رَغْبَةٍ إِلَیْهِ أَوْ رَهْبَةٍ(8) مِنْهُ - دَماً ثُمَّ عُمِّرْتُمْ(9) فِی الدُّنْیا - ما الدُّنْیا باقِیَةٌ - ما جَزَتْ(10) أَعْمالُکُمْ - عَنْکُمْ وَلَوْ لَمْ تُبْقُوا شَیْئاً مِنْ جُهْدِکُمْ - أَنْعُمَهُ عَلَیْکُمُ الْعِظامَ، وَهُداهُ إِیّاکُمْ

ص: 251


1- ينظر: لسان العرب، مادة (جار): 4/ 112
2- ينظر: المصدر نفسه، مادة (بتل): 11/ 42، 43
3- ينظر: المصدر نفسه مادة (رهب): 1/ 437
4- (رهبة) في ث، ر، ع، م
5- ينظر: لسان العرب، مادة (رهب): 1/ 437، 438
6- المبسوط، السرخسي (ت 483 ه): 4/ 194، و النهاية في حديث الغريب والاثر، ابن الأثير: 2/ 280، وفتح الباري، ابن حجر العسقلاني (853 ه): 9/ 96، و جامع أحاديث الشيعة، البروجردي (ت 1383 ه): 20/ 21
7- (وبالله) في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 3/ 263
8- (ورهبط) في ر، تحریف، (أو رهبة) وفي شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 3/ 263، ونهج البلاغة، صبحي الصالح: 93
9- (غمزتم) في ر، تصحيف
10- (جرت) في ر، تصحیف

لِلْإِیمانِ) انماث الملح في الماء(1) أي: ذاب(2) ودماً تميز لنسبة السيلان الى العيون كقوله عزّ وجل: «وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا»(3) و (ما) في (ما الدنيا باقية) زمانية أي: عمرتم على تلك الحال مدة بقاء الدنيا و (ما) وفي (جزت)(4) نافيه، والجزاء المكافأة على الشيء، والجُهد بالضّم كما في النسخ (الوسع والطاقة، وبالفتح المشقة، وقيل المبالغة والغاية، وقيل هما لغتان في الوسع والطاقة، فأمّا في المشقة والغاية فالفتح لا غير)(5)، وجملة(6) (لم(7) تبقوا) معترضة وأنعمه منصوب؛ لأنَّه مفعول (جزت) و (العظام) صفة له، وفي الكلام دلالة على أنه يجوز أن يكون غاية العبادة الشكر كما أن السّابق يدل على العبادة خوفاً ورجاءً(8)، وقد قطع الأصحاب على ما حكاه الشهيد (رحمه الله) في القواعد بفساد العبادة التي كانت الغاية فيها الفوز بالثواب والخلاص من العقاب، قال: ولا يقدح في ذلك كون الطمع، ونحوه باعثاً على العبادة،؛ لأَنَّ الكتاب والسنة مشتملة / ظ 69/ على المرهبات من الحدود والتعزیرات، والذم، والايعاد بالعقوبات، وعلى المرغبات من المدح والثناء في العاجل، والجنة ونعيمها في الآجل(9)، والظاهر أَنهَّم جعلوا ضم قصد تحصيل الثواب

ص: 252


1- (الماء في الملح) في أ، والصواب ما اثبتناه
2- النهاية في غريب الحديث والاثر: 2/ 280
3- القمر / 12
4- (وفي (ما جزت)) في ث، ح
5- ينظر: لسان العرب، مادة (میث): 2/ 192
6- (حملة) في ث، تصحيف
7- (لا) في، ح، ر
8- (رجاء) في أ
9- القواعد والفوائد، محمد بن مكي العاملي: 1/ 77

والخلاص من العقاب الى وجه الله أيضاً مفسداً، وما ذكره (رحمه الله) من کون الطمع ونحوه باعثاً على العبادة وغير مقصود بها لا يخلو عن خفاء وحمل كلامه (عليه السّلام) على كون ارتفاع الدرجة وغفران السيئة مطلوباً بالدعاء لا غاية له من حيث إنه عبادة بعيد مع إنه لا يجري في الخروج من الأموال والأولاد، وكذلك حمل ارتفاع الدرجة على الارتفاع المعنوي الذّي لا يشوبه تحصيل الثواب وغفران السيئة على الخروج عن الذّل المعنوي اللازم للعصيان من غير نظر الى خوف العقاب ولا ريب في انحطاط درجة العبادة المقصودة بها تينك الغايتين كما أشار إليه أمير المؤمنين (عليه السّلام) بقوله: (ما عبدتك خوفاً من نارك، ولا طمعاً في جنتك، ولَكن وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك)(1) لكن فسادها راساً وتكليف العوام بل أكثر الخواص بإخلاص العمل عن الغايتين مطلقا مع أن ظواهر الكتاب والسنة مشحونة بالترغيب والترهيب في غاية الخفاء، وقد استدل بعض الأصحاب على عدم فساد العبادة المذكورة بما رواه ثقة الاسلام (رضي الله عنه) في الكافي بطريق حسن عن هارون بن خارجة عن الصادق جعفر بن محمد (عليهما السّلام) قال: العباد ثلاثة: قوم عبدوا الله عزّ وجل خوفاً، فتلك عبادة العبيد، وقوم: عبدوا الله تبارك وتعالى طلباً للثواب، فتلك عبادة الأُجراء(2)، وقوم: عبدوا الله عزّ وجل حباً له، فتلك عبادة الأحرار، وهي أفضل العبادة(3)، فإنَّ وجود الفضل في المفضل عليه ينافي الفساد ولو تم الدليل على الفساد أمكن جعل

ص: 253


1- الوافي: 4/ 361
2- (الاحرار) في ع، تحریف
3- ينظر: الاصول من الكافي، الكليني: 2/ 84، وفيه: (إن العباد...)

صيغة التفضيل مثلها في قوله تعالى: «قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا»(1)، والله سبحانه يعلم حقيقة الحال وأمّا الشكر فلا أعرف أحد، قال بفساد العبادة بقصده مع أن صریح كلامه (عليه السّلام) عدم قيام العبادة الموصوفة جزاء لنعمة العظام والهداية إلى الایمان، ثم أنَّه استدل بهذا الكلام على عدم وجوب الثواب على فعل الطاعة؛ لأنَّهُ شكر النعمة فلا يقتضي ثواباً، والذي يظهر من اخبار ائِمتنا (سلام الله عليهم) وجوب الثواب علیه سبحانه من جهة الوفاء بالوعد لاستحقاق العبد وكلامه (علیه السلام) لا ينافيه بل يؤكده من وجه. وسيجيء تتمة هذا الكلام في شرح الخطبة الغراء.

[وَمِن خُطبةٍ لَهُ (عَلَيهِ السَّلام)]

وفي بعض النسخ (ومنها)(2) وهو أظهر لإشعار ما في الأصل بالمغايرة وما سبق من خطبة الأضحى والخطبة بتمامها رواها الصدوق (رضي الله عنه) في الفقيه(3) في ذکر یوم النحر وصفة الأضحية، هي شاة يضحي بها، أي: يذبح ويطعم في الضحى وهي حين تشرق الشمس، وقال الأصمعي: فيها أربع لغات أُضحِيَةٌ وَإِضحيّة بالضم والكسر، والجمع أضاحي وضحية على فعيلة والجمع والجمع ضحايا وأضحاة، والجمع أضحى(4) وبها سمي يوم

ص: 254


1- الفرقان / 15
2- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 4/ 3
3- من لا يحضره الفقيه: 1/ 520، 521
4- ينظر: معجم مقاییس اللغة مادة (ضحى): 3/ 392

الأضحى ([وَمِنْ](1) تَمَامِ الأُضْحِیَةِ [...](2) اسْتِشْرَافُ أُذُنِهَا، وَسَلاَمَةُ عَیْنِهَا، فَإِذَا سَلِمَتِ الْأُذُنُ وَالْعَیْنُ سَلِمَتِ الْأُضْحِیَةُ وَتَمَّتْ، وَلَوْ کَانَتْ عَضْبَاءَ الْقَرْنِ تَجُرُّ رِجْلَهَا إِلَی الْمَنْسَكِ) قيل استشراف الإذن التأمل فيها وتفقدها حتى لا تكون بها آفة من جدع ونحوه من استشرفت الشيء إذا رفعت بصرك تنظر إليه، وبسطت كفك فوق حاجبك كالمستظل من الشمس(3)، وقيل هو من الشرفة وهي خيار المال(4)، أي: تخيرها وطلبها شريفة بالتمام، والعَضبَاء الشاة المَكسورة القَرن الداخل أو مطلقاً(5)، وذكر القرن من قبيل التأكيد وتجر رجلها أي: للعرج أو للهزال والضعف، والمَنسَك بفتح السين كما في أكثر النسخ(6)، وبكسرها کما في بعضها(7) (المذبح)(8)، والنسيكة (الذبيحة)(9) وكل موضع للعبادة منسك(10)، والذي عليه الأصحاب عدم اجزاء العرجاء البين عرجها والمشهور عدم أجزاء التي انكسر قرنها الداخل وظاهر ما في الكتاب خلاف ذلك ولفظ الخطبة على ما في الفقيه هكذا: وإن كانت عضباء

ص: 255


1- [من] في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 3/4، ونهج البلاغة، صبحي الصالح: 94، ساقطة من أ، ع
2- [و] زائدة في ح
3- ينظر: الصحاح، مادة (شرف): 4/ 1380
4- ينظر: المصدر نفسه، مادة (شرف): 4/ 1380
5- ينظر: المصدر نفسه، مادة (عضب): 1/ 183
6- شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 2/ 142
7- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 3/4، وفيه: (المَنسَكِ)
8- لسان العرب، مادة (نسك): 10/ 499
9- لسان العرب، مادة (نسك): 10/ 499
10- ينظر: المصدر نفسه، مادة (نسك): 10/ 499

القرن أو تجر برجلها الى المنسك فلا تجزي(1) وهو ضد ما في الكتاب، وحذف الجزاء للاختصار وعدم تعلق الغرض بعيد/ و 70/ غاية البعد، فهو إما سهو من قلم السيد، أو النساخ، أو من الرواة، وعلى تقدير الصحة بحمل العضباء على التي انكسر قرنها الظاهر، أو التي بقي ثلث قرنها الداخل کما ذهب إليه الصفار(2) (رحمه الله ) ويحمل جر الرجل على غير البين من العرج أو الهزال لكنه لا يخلو عن خفاء والله تعالى يعلم.

[ومن كلام له (عليه السّلام)]

(فَتَدَاکُّوا عَلَیَّ تَدَاكَّ اَلْإِبِلِ اَلْهِیمِ یَوْمَ وِرْدِهَا(3)، وَ قَدْ(4) أَرْسَلَهَا رَاعِیهَا، وَ خُلِعَتْ مَثَانِیهَا، حَتَّی ظَنَنْتُ أَنَّهُمْ قَاتِلِیَّ، أَوْ بَعْضُهُمْ قَاتِلُ بَعْضٍ [لَدَیَّ](5)).

ومن كلام له (عليه السّلام) تداكوا أي: دكَّ بعضهم بعضا، والدك هو: (الدق)(6)، وقيل: أصله الكسر، والمراد بالتداك الازدحام، والهِيم بالكسر

ص: 256


1- ينظر: من لا يحضره الفقيه: 1/ 520، 521 وفيه: (... برجليها الى المنسك فلا تجزی)
2- هو محمد بن الحسن بن فروخ الصفار مولی عیسی بن موسی بن طلحة بن عبيد الله بن عامر الأشعري، كان وجيهاً ثقةً راجحاً، قليل السقط في الرواية من كتبه: کتاب الصلاة، کتاب الوضوء، کتاب الجنائز، کتاب الطلاق، کتاب الصيد والذبائح، توفي في قم سنة 290 ه. ينظر: ایضاح المكنون 1/ 185، و هدية العارفين: 2/ 24، و معجم المؤلفين: 9/ 208، و أعيان الشيعة: 2/ 313، و معجم رجال الحدیث، الخوئي: 16/ 263
3- (وردها) في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 4/ 5، و نهج البلاغة، صبحي الصالح: 94
4- (وقد) في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 4/ 5، و نهج البلاغة، صبحي الصالح: 94
5- [لدی] ساقطة من أ
6- تاج العروس، مادة (دكك): 13/ 559

العطاش(1)، والوِرد بالكسر النصيب من الماء والاشراف عليه(2)، وفي بعض النسخ (ورودها) وهو حضورها(3) الماء لتشرب(4)، وارسلها [بالكسر](5) أي(6): أهملها وأطلقها، والثاني جمع مثناة بفتح الميم وكسرها وهي: (حبل من صوف أو شعر أو غيره)(7) تثنی وتعقل بها البعير، وقاتلي على صيغة الجمع مضافة الى ياء المتكلم، والكلام في وصف البيعة بالخلافة وسيجيء في الكتاب قول السيد (رضي الله عنه).

ومن كلام له (عليه السّلام) في وصف بیعته بالخلافة

وقد تقدم مثله بألفاظ مختلفة وهو اشارة الى هذا الكلام واللفظ المحكي هناك هكذا، (وَبَسَطْتُمْ [یَدِی](8) فَکَفَفْتُهَا، وَمَدَدْتُمُوهَا فَقَبَضْتُهَا، ثُمَّ تَدَاکَکْتُمْ عَلَیَّ تَدَاكَّ الاْبِلِ الْهِیمِ عَلَی حِیَاضِهَا یَوْمَ وِرْدِهَا، حَتَّی انْقَطَعَتِ الْنَّعْلُ، وَسَقَطَ الرِّدَاءُ، وَوُطِیءَ الضَّعِیفُ، وَبَلَغَ مِنْ سُرُورِ النَّاسِ بِبَیْعَتِهِمْ إِیَّایَ أَنِ ابْتَهَجَ بِهَا الصَّغِیرُ، وَهَدَجَ(9) إِلَیْهَا الْکَبِیرُ) ومثله ما تقدم في الشقشقية (فَمَا رَاعَنِي إلاَّ وَالنَّاسُ يَنْثَالُونَ عَلَيَّ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ) وعنوان الكلام في نسخة الشارح عبد

ص: 257


1- ينظر: المصدر نفسه، مادة (هيم): 17/ 773
2- ينظر: المصدر نفسه، مادة (ورد): 5/ 309، 310
3- (حصورها) في ع، تصحيف
4- (انشرب) في م
5- [بالكسر] ساقطة من أ، ث، ر، ع
6- (هي) في ر، م
7- تاج العروس، مادة (ثنی): 19/ 256
8- [يدي] ساقطة من أ، ع
9- (هدج، الهدجان: مشية الشيخ) الصحاح، مادة (هدج): 1/ 349

الحميد بن أبي الحديد هكذا (ومن كلام له (عليه السّلام) في ذكر البيعة)(1) فظهر أنَّ ما ذكره بعض الشارحين من أنَّ الكلام اشارة الى صفة أصحابه بصفين لما طال منعه لهم من قتال أهل الشام من قبيل الغفلة، (وَقَدْ قَلَّبْتُ هَذَا الْأَمْرَ بَطْنَهُ وَظَهْرَهُ حَتَّى مَنَعَنِي النَّوْمَ، فَمَا وَجَدْتُنِي يَسَعُنِي إِلّا قِتَالُهُمْ أَوِ الْجُحُودُ بِمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ (صلى الله عليه وآله)، فَكَانَتْ مُعَالَجَةُ الْقِتَالِ أَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْ مُعَالَجَةِ الْعِقَابِ، وَمَوْتَاتُ الدُّنْيَا أَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْ مَوْتَاتِ الْآخِرَةِ) قلبت ظهر الأمر وبطنه، أي: اعطيت النظر والتأمل فيه حقهما، ووجدتني على صيغة المتكلم، وجملة (يسعني) مفعول ثانٍ، وقد مر وجه الترديد بين القتال والجحود في شرح مثل هذا الكلام لما اشار عليه أصحابه بالاستعداد الحرب أهل الشام، والضمير في (قتالهم) يعود الى الناكثين، والمعالجة المزاولة والمداواة(2)، ولعل المراد أنَّ تحمل مشاق القتال أهون وصيغة التفضيل مثلها في قوله تعالى: «قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ»(3)، وموتات الدنيا شدائدها وأهوالها ومتاعبها بقرينة موتات الآخرة، ويحتمل أن يراد بالأولى: أنواع الموت، وبالثانية: الشدائد التي هي أشد من المَوت.

[وَمِن كَلامٍ لَهُ (عَلَيهِ السَلاَم)] وَقَد استَبطَأ أصحابه إذِنَه لَهُم فِي القِتَالِ بِصِفَينَ

استَبطاه أي: عدّه بَطيئاً، وزعم أنَّ المصلحة في التعجيل، روي أنَّه (عليه

ص: 258


1- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 4/ 5
2- تاج العروس، مادة (علج): 3/ 436، 437
3- الفرقان / 15

السّلام) لما ملك الماء بصفين، وسمح بأهل الشام في المشاركة - کما سبق - مکث أياماً لا يرسل الى معاوية أحداً، ولا يأتيه من عنده أحد، قال له أهل العراق: يا أمير المؤمنین، خلفنا نساءنا وذرارينا بالكوفة، وجئنا الى أطراف الشام لنتخذها(1) وطناً، فأذن لنا في القتال، فإنَّ الناس يظنّون أنَّك تكرهُ الحربَ كراهية الموت، ومنهم من يظن أنَّك في شكٍ من قتال أهل الشام، فأجابهم (عليه السّلام): (أَمّا قَوْلُکُمْ: أَکُلَّ ذَلِكَ کَراهِیَةَ الْمَوْتِ! فَواللّهِ ما أُبالِی، دَخَلْتُ إِلَی الْمَوْتِ أَوْ خَرَجَ الْمَوْتُ إِلَیَّ) حرف الاستفهام غير موجودة في بعض النسخ و (كل) مرفوع، وكراهية بالتخفيف منصوب في النسخ التي عندنا، وقال بعض الشارحين: من رواه (أكُلَّ ذلك) بالنصب فمفعول فعل مقدر، أي: يفعل كل ذلك، وكراهية منصوب لأنَّه مفعول له، ومن رواه (أكُلُّ ذلك) بالرفع اجاز/ ظ 70/ في (كراهية) الرفع والنصب، أما الرفع فإنَّه يجعل (کل) مبتدأ، وكراهية خبره، وأما النصب فيجعلها مفعولاً له کما في الرواية الأولى، ويجعل خبر المبتدأ محذوفاً تقديره: أكل ذلك مفعول! أو تفعله كراهية للموت(2)! وفي الكلام تشبيه [للموت](3) بالسبع، وفي بعض النسخ أم خرج مكان أو خرج (وَأَمّا قَوْلُکُمْ شَکّاً فِی أَهْلِ الشّامِ! فَواللّهِ ما دَفَعْتُ الْحَرْبَ یَوْماً إِلاَّ وَأَنا أَطْمَعُ أَنْ تَلْحَقَ بِی طائِفَةٌ فَتَهْتَدِیَ بِی، وَتَعْشُوَ إِلَی ضَوْئِی، وَذَلِكَ أَحَبُّ إِلَیَّ مِنْ أَنْ أَقْتُلَها عَلَی ضَلالِها؛ وَإِنْ کانَتْ تَبُوءُ بِآثامِها)

ص: 259


1- (لنتخذ) في أ
2- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 4/ 10
3- [للموت] ساقطة من ر

عَشا(1) النّار واِلَيها عَشوا وعُشّوّا راهَا ليلًا من بعيد بصر ضعيف فقصدها، ويقال لكل قاصدٍ عاشٍ(2)، وفيه تعريض بضعف بصائر أهل الشام، وتبوء بآثامها أي: ترجع الى ربها متلبساً بمعاصيها، قال عز وجل: «إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ»(3).

[وَمِن كَلامٍ لَهُ (عَلَيهِ السَلَام)]

قال بعض الشارحين: هذا الكلام قاله (عليه السّلام) لما قدم عبد الله بن عامر الحضرمي(4) البصرة من قبل معاوية واستنهض أمير المؤمنين (عليه السّلام) أصحابه الى البصرة فتقاعدوا(5)، وذكر القصة بطولها، وقال بعضهم هذا من كلام له (عليه السّلام) يوم صفين حين أقر الناس بالصلح(6)، وذكر أول الكلام (وَلَقَدْ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلّى اللَّه عليه وآله نَقْتُلُ آبَاءَنَا

ص: 260


1- (عشار) في ر
2- ينظر: لسان العرب، مادة (عشا): 15/ 57
3- المائدة / 29
4- عبد الله بن عامر بن کریز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس، ويكنى أبا عبد الرحمن، ولد بمكة سنة (4 ه)، وولاه الخليفة عثمان البصرة سنة (29 ه) وهو ابن خمس وعشرين سنة، افتتح الداور، وبلاداً من دار ابجرد، وهاجم مرو الرود فافتتحها وبلغ سرخس فانقادت له، وفتح ابر شهر عنوة، وطوس وطخارستان ونیسابور، شهد الجمل مع عائشة، ولاه معاوية على البصرة ثلاث سنين، ثم صرفه عنها، فأقام بالمدينة ومات بمكة سنة (59 ه). ينظر: الطبقات الكبرى، ابن سعد: 5/ 44 - 49،، وانساب الاشراف: 2/ 423، و الغارات: 2/ 373 - 392، و تاريخ مدينة دمشق: 29/ 244، 251، والاعلام: 4/ 94
5- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 4/ 27
6- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 2/ 146

وَأَبْنَاءَنَا وَإِخْوَانَنَا وَأَعْمَامَنَا مَا يَزِيدُنَا ذَلِكَ إِلّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً؛ وَمُضِيّاً عَلَى اللَّقَمِ، وَصَبْراً عَلَى مَضَضِ الْأَلَمِ، وَجِدّاً فِي جِهَادِ الْعَدُوِّ) وفي بعض النسخ (على جهاد العدو)، واللقم بالتحريك معظم الطريق أو وسطه أو الجادة الواضحة منه(1)، والمضض بالتحريك (وجع المصيبة)(2) ومضض الألم لدغه (وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ مِنَّا وَالْآخَرُ مِنْ عَدُوِّنَا يَتَصَاوَلانِ تَصَاوُلَ الْفَحْلَيْنِ يَتَخَالَسَانِ أَنْفُسَهُمَا أَيُّهُمَا(3) يَسْقِي صَاحِبَهُ كَأْسَ الْمَنُونِ) التصاول التواثب، (والصولة: والحملة الوثبة)(4)، والفحل الذكر من كل حيوان ويستعمل كثيراً في فحل الإبل، (والتخالس: التسالب(5))(6) والانتهاب كان كلًا منهما يريد أن يسلب الآخر نفسه، أي: روحه كما يسلب اللص ثوب أحد و(أي) بالضم موصولة عند سيبويه(7) والتقدير يختلس الذي يسقي صاحبه، واستفهامية على مذهب طائفة(8) مبتدأ خبره جملة (يسقي)، والمنون (المنية؛ لأنَّها تقطع المدد وتنقص العدد)(9) من الحبل أي: قطعة ومن السَّير فلانا أي: اضعفه وذهب بقوته(10)، وقال وهي

ص: 261


1- ينظر: تاج العروس، مادة (لقم): 17/ 654
2- المصدر نفسه، مادة (مضض): 10/ 155
3- (أيها) في أ
4- تاج العروس، مادة (صول): 15/ 415
5- (التثالب) في ر، م، تحريف
6- الصحاح، مادة (خلس): 3/ 923
7- ينظر: كتاب سيبويه: 2/ 399
8- ينظر: المقتضب: 2/ 568، و ينظر: المرتجل: 271
9- لسان العرب، مادة (منن): 13/ 416
10- ينظر: المصدر نفسه، مادة (منن): 13/ 415

الفّرراء المنون مؤنثة وتكون واحدة وجمعاً)(1) (فَمَرَّةً لَنَا مِنْ عَدُوِّنَا، وَمَرَّةً لِعَدُوِّنَا مِنَّا، فَلَمَّا رَأَى اللَّهُ صِدْقَنَا أَنْزَلَ بِعَدُوِّنَا الْكَبْتَ، وَأَنْزَلَ عَلَيْنَا النَّصْرَ، حَتَّى اسْتَقَرَّ الإِسْلامُ مُلْقِياً جِرَانَهُ، وَمُتَبَوِّئاً أَوْطَانَهُ)، (مرة) منصوب على الظرفية والتقدير يكون الإدالة(2) مرة لنا من عدونا، ومرة تكون له منا(3)، ولعل الغرض(4) التنبيه على أنَّ إقدامهم على القتال يومئذ لم يكن عن ظن أو يقين بالغلبة، وكبت(5) اللهُ العَدوَّ أي: صرفه وردّه بغيظه وأذله أو كسره، وجِرَانُ البعير بالكسرِ: (مُقدَّم عنقه من مَذبَحه الى منحره)(6)، والقاه الجران يكون عند التمكن والاستقرار، وبوؤه الله منزلا أي: أسكنه وتبوأ أي: اتخذه وفيه تشبيه للإسلام بالرجل الخائف الشاخص من الوطن الذّي استقر بعد الخوف کما ان القاء الجران تشبيه بالبعير الشارد الذّي اطمأن بعد النفار (وَلَعَمْرِي لَوْ كُنَّا نَأْتِي مَا أَتَيْتُمْ، مَا قَامَ لِلدِّينِ عَمُودٌ، وَلا اخْضَرَّ لِلْإِيمَانِ عُودٌ. وَايْمُ اللَّهِ لَتَحْتَلِبُنَّهَا [دَماً](7)، وَلَتُتْبِعُنَّهَا نَدَماً!) أتى فلان الأمر أي فعله، وقيام العمود تشبيها للدين بالبيت، وأخضر العود بالحديقة، وأَيمُ الله بفتح الهمزة، وضم الميم مخفف ايمن الله، والتقدير (ايم الله قسمي) وهو اسم وضع للقسم في الأشهر، والاحتلاب استخراج ما في الضرع من اللبن كالحلب والحلاب،

ص: 262


1- ينظر: المذكر والمؤنث، الفراء: 89
2- الإدالة: أي الغلبة، ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر 141/2
3- (مرة لنا من عدونا ومرة لنا تكون له منا) في ر
4- (العرض) في ث، ح، تصحيف
5- (وكتب) في أ، ر، ع
6- الصحاح، مادة (جرن): 5/ 2091
7- [دماً] ساقطة من أ، ر، ع، م

والضمير المنصوب يرجع الى أفعالهم المدلول عليها بقوله (عليه السّلام) ما اتيتم، وفيه تشبيه بالناقة التي أصيب ضرعها بتفريط صاحبها أو غير ذلك، واتبعته الشيء أي جعلته تابعاً له لا حقاً به، واحتلاب الدم واتباع الندم استثمار ضد المقصود واكتساب الحرمان والخزي في العاجل والآجل.

[وَمِن كَلام لَهُ (عَلَیهِ السَلاَم)] لأصحابه

(أَمَّا إِنَّهُ /و 71/ سَيَظْهَرُ عَلَيْكُمْ بَعْدِي رَجُلٌ رَحْبُ الْبُلْعُومِ، مُنْدَحِقُ الْبَطْنِ، يَأْكُلُ مَا يَجِدُ، وَيَطْلُبُ مَا لا يَجِدُ، فَاقْتُلُوهُ وَلَنْ تَقْتُلُوهُ) أما بالتخفيف حرف التنبيه وأصلها همزة الانكار، وما النافية فيفيد الاثبات، وقال بعض الشارحين: (يحتمل أن يكون أما مشددة، والتقدير: أما بعد إنه كذا)(1)، وهو سخيف غير موجود في النسخ و (ظهر)(2) على الرجل أي: غلبه(3)، والرَحب بالفتح الواسع، والبُلعوم بالضم كالبلعم مجرى الطعام في الحلق وهو المريء، ومندحق البطن أي: بارز البطن، (والدحوق من النوق التي تخرج رحمها بعد الولادة)(4) و اندحقت رحم الناقة أي خرجت، وقيل هو الواسع البطن من الدحق بمعنى الطرد والابعاد كأن جوانب بطنه قد بعد بعضها عن بعض فاتسعت، وأكل ما يجد عبارة عن كثرة أكله أو عن الاسراف والتبذير وطلب ما لا يجد عن الحرص أو عدم الظفر بالمقصد الأصلي والأمر بالقتل لا ينافي

ص: 263


1- شرح نهج البلاغة، ابن ميثم البحراني: 2/ 149
2- (طهر) في ح، تصحيف
3- (عليه) في ح، وفي م: (علبه)، تصحيف
4- الصحاح، مادة (دحق): 4/ 1473

العلم بعدم وقوعه وفيه بيان استحقاقه للقتل واتمام الحجة على المخاطبين واختلف في الرجل الموصوف فقيل هو زياد بن أبيه، وقيل الحجاج، وقيل المغيرة بن شعبة، وقيل معاوية(1)، وقد كان موصوفاً بكثرة الأكل، وروى أن النبي (صلى الله عليه وآله) بعث إليه يوماً يستدعيه فقيل له إنه يأكل، فبعث إليه ثانية فقيل، إنه يأكل، فقال: اللهم لا تشبع بطنه(2)، وكان يأكل حتى يمل ويقول: ارفعوا فو الله ما شبعت ولكن مللت وتعبت(3). وقال الشاعر:

وصاحب لي بطنه كالهاوية *** كأنَّ في أمعائه معاوية(4)

ولعل عدم التصريح باسمه (للاحتراز)(5) عن تقاعد الناس عن حربه إذا علموا أنَّه يبقى بعد أمير المؤمنين (عليه السّلام) فينتقم منهم (أَلا وَإِنَّهُ سَيَأْمُرُكُمْ بِسَبِّي وَالْبَرَاءَةِ مِنِّي؛ فَأَمَّا السَّبُّ فَسُبُّونِي؛ فَإِنَّهُ لِي زَكَاةٌ وَلَكُمْ نَجَاةٌ، وَأَمَّا الْبَرَاءَةُ فَلا تَتَبَرَّءُوا مِنِّي فَإِنِّي وُلِدْتُ عَلَى الْفِطْرَةِ، وَسَبَقْتُ إِلَى الإِيمَانِ وَالْهِجْرَةِ (السَبُّ: الشَتمُ)(6)، يقال: سبه يسُبه بالضم سباً، والزكاة الطهارة

ص: 264


1- صرح القطب الراوندي بأن المقصود معاوية، ينظر: منهاج البراعة شرح نهج البلاغة: 1/ 276، و رجح ابن أبي الحديد معاوية من هؤلاء الاسماء، ينظر شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 4/ 43
2- (لا أشبع الله بطنه) في مسند أبي داود السجستاني: 359، و صحيح مسلم: 8/ 27
3- وردت هذه الرواية في شروح النهج، ينظر: منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، الراوندي: 1/ 277، و شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 4/ 43، و شرح نهج البلاغة، ابن ميثم البحراني: 2/ 149
4- البيت من بحر الرجز، نسبه الثعالبي لرجل يدعى محمد الضرير القزويني، في أخبار قزوين، ينظر: يتيمية الدهر 3/ 465، وورد بدون ذكر اسم الشاعر في مجمع الامثال: 1/ 90
5- (للاحترار) في ث، ح، تصحيف
6- الصحاح، مادة (سبب): 1/ 144

والنماء والبركة والمدح(1)، والبراءة والتبري ضد الولاء والحب، والفطرة ملة الإسلام وتسمى فطرة وهي الخلقة(2)؛ لأن الناس لو خلوّا وما خلقوا له لكانوا عليها، ويمكن أن يراد بالفطرة الخلقة(3) التي لم يطرأ عليها مخالفة أمر الله ونهيه وهي العصمة، أي: لم اخرج عن اتباع أمر الله منذ(4) ولدت، والمراد بالهجرة جنسها أو الهجرة الى المدينة، ثم إن الكلام صريح في الفرق بين سب الإمام والبراءة [منه في حال التقية المعبر عنها بالنجاة ويؤيده ما رواه الكشي(5) باسناده عن حجر بن عدي قال: قال لي علي (عليه السّلام): كيف تصنع [أنت](6) إذا ضربت وأمرت بلعني(7)؟ قال: قلت له: كيف اصنع؟ قال: العني ولا تتبرأ مني، فإني على دين الله(8)، وفيه دلالة على أنَّ اللعن في حكم السب، فيمكن أن يراد بالسب واللعن التلفظ بما لا يليق به (عليه السّلام)، وبالبراءة](9) الانحراف بالقلب كما هو ظاهر اللفظين، [لكن في بعض

ص: 265


1- ينظر: معجم مقاييس اللغة، مادة (زكى): 3/ 17
2- (الحلقة) في أ، ث، ح، ع، تصحيف
3- (الحلقة) في ث، تصحيف
4- (مد) في ث، تحريف
5- محمد بن عبد عمر بن عبد العزيز الكشي، يكنى: أبا عمرو، فقيه إمامي، تعود نسبته الى (كش) من بلاد ما وراء النهر، وكان معاصرا للعياشي، أخذ عنه، وتخرج عليه في داره بسمرقند، اشتهر بكتابه معرفة أخبار الرجال، توفي في حدود (340 ه). ينظر: هدية العارفين: 2/ 22، وأعلام: 6/ 311، و معجم المؤلفين: 11/ 85، و معجم المطبوعات العربية: 2/ 1561
6- [انت] ساقطة من أ، ع
7- (أن تلعني) في ح
8- بحار الأنوار: 39 / 324. وفيه: (امرت أن تلعني)
9- [منه في حال التقية المعبر عنها بالنجاة ويؤيده ما رواه الكشي باسناده عن حجر بن عدي قال: قال لي علي (عليه السّلام): كيف تصنع [أنت] إذا ضربت وأمرت بلعني؟ قال: قلت له: كيف اصنع؟ قال: العني ولا تتبرأ مني، فإني على دين الله، وفيه دلالة على أنَّ اللعن في حكم السب، فيمكن أن يراد بالسب واللعن التلفظ بما لا يليق به (عليه السّلام)، وبالبراءة ساقطة من ث

الروايات ما يدل على أنَّ المراد بالبراءة اللفظ، روى الكشي (رحمه الله) عن ميثم قال: دعاني أمير المؤمنين وقال لي: كيف أنت يا ميثم إذا دعاك دعي بني أمية عبيد الله بن زياد الى البراءة؟ فقلت: يا أمير المؤمنين [...](1) أنا والله لا أبرأ منك، قال: إذاً والله يقتلك ويصلبك، قلت: أصبر فذاك في الله قليل، فقال: يا ميثم إذاً تكون معي في درجتي(2). وَقد دعا عُبَيد اللهُ رَشيداً الهجري(3) الى البراءة فلم يظهر البراءة حتى قطع يديه ولسانه ورجليه(4)](5) وقد حمل بعض الشارحين البراءة على اللفظية، وقال: لما لم تطلق البراءة في الكتاب الكريم إلا في حق المشركين كقوله تعالى: «بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ

ص: 266


1- [عليه السلام] زيادة في ع
2- ينظر: اختيار معرفة الرجال: 1/ 295، 296
3- رشيد الهجري من أصحاب الامام علي (عليه السلام)، كان قد القي علم البلايا والمنايا، روي عن أبيه، عنه سيف بياع السابري، ونسب الى هجر وهي اسم لثلاثة مواضع: بلدة بأقصى اليمن، واسم لجميع أرض البحرين، و قرية كانت قرب المدينة، وقد أمر بقتله عبيد الله بن زياد بعد أن قطعوا لسانه وصلبوه على باب دار عمرو بن حريث. ينظر: الجرح والتعديل، الرازي: 3/ 507، و الانساب، السمعاني: 5/ 627، و تاريخ الكوفة، السيد البراقي: 339، و أعيان الشيعة: 6/7، و معجم رجال الحديث: 8/ 197
4- ينظر: اختيار معرفة الرجال: 1/ 290، و لسان الميزان: 2/ 461
5- [لكن في بعض الروايات ما يدل على أنَّ المراد بالبراءة اللفظ، روى الكشي (رحمه الله) عن ميثم قال: دعاني أمير المؤمنين وقال لي: كيف أنت يا ميثم إذا دعاك دعي بني أمية عبيد الله بن زياد الى البراءة؟ فقلت: يا أمير المؤمنين أنا والله لا أبرأ منك، قال: إذا والله يقتلك ويصلبك، قلت: أصبر فذاك في الله قليل، فقال: يا ميثم إذا تكون معي في درجتي. وَقد دعا عُبَيد الله رَشيداً الهجري الى البراءة فلم يظهر البراءة حتى قطع يديه ولسانه ورجليه] ساقطة من ث

عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ»(1) وقوله عز وجل: «أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ»(2) بالرفع، فيحمل النهي في كلامه (عليه السّلام) على أنَّ التحريم في البراءة أشد وإنَّ كان الحكم في كل من السب والبراءة التحريم(3) وفيه نظر فإن النهي في كلامه (عليه السّلام) عن البراءة في حال الإكراه، وقد صرح هذا القائِل بجواز كل من السب والتبري على وجه التقية، وإنه(4) يجوز للمكلف أن لا يفعلهما وإن قتل إذا قصد بذلك اعزاز الدين اللهم إلاَّ أن يحمل النهي على التنزيه ويقول بالكراهة في اظهار البراءة ويجعل الصبر على القتل مستحباً بخلاف السب إلا أنه لم يصرح بهذا الفرق(5)، ولم اطلع عليه في كلام غيره، ويمكن أن يقال بكراهة الأمرين(6) وشدتها/ ظ 71/ في الثاني، ويحمل الأمر بالسب في كلامه (عليه السّلام) على الجواز ولو على وجه الكراهة وبعده واضح ولم نعرف به قائلاً، وينافي ذلك ما رواه محمد بن يعقوب (رضی الله عنه) باسناده عن مسعدة بن صدقة قال: قيل لأبي عبد الله (عليه السّلام): إنَّ الناس يروون أن علياً (عليه السّلام) قال على منبر الكوفة: أيها الناس إنكم ستدعون الى سبي فسبوني، ثم تدعون(7) الى البراءة مني فلا تبرأوا [مني](8)، فقال: ما أكثر ما يكذب الناس على علّي (عليه السّلام)، ثم قال:

ص: 267


1- التوبة / 1
2- التوبة / 3
3- قول متصرف به، ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 4/ 88
4- (فأنه) في أ، ع
5- (الاخرين) في ع، تحريف
6- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 4/ 88
7- (يدعون) في أ، ر،ع، م، تصحيف
8- [مني] ساقطة من أ، ث، ح، ر، م

إنما قال إنكم ستدعون الى سبي، فسبوني، ثم ستدعون الى البراءة مني، وإني لعلى دين محمد (صلى الله عليه وآله)، ولم يقل ولا(1) تبرأوا مني، فقال له السائل: أرأيت أن أختار القتل دون البراءة!، فقال: والله ما ذلك عليه وماله إلا ما مضى عليه عمار بن ياسر حيث اكرهه أهل مكة وقلبه مطمئن بالإيمان فأنزل الله عز وجل: فيه «إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ»(2) فقال له النبي (صلى الله عليه وآله) عندها: يا عمار إن عادوا فعد، فقد أنزل الله عذرك وأمرك أن تعود إن عادوا(3)، وقريباً من ذلك روى العياشي في تفسيره عن معمر بن يحيى بن سالم(4)، ورواه الحميري في قرب الاسناد(5)، وقد روى أيضاً بألفاظ متقاربة ينافي ما في الكتاب من التصريح بالنهي عن البراءة، فروى بعض الشارحين عن صاحب كتاب الغارات(6) باسناده عن محمد بن علي الباقر (عليه السّلام) قال: خطب علي (عليه السّلام) على منبر الكوفة فقال: سيعرض عليكم سبي وستذبحون عليه فإن عرض عليكم سبي فسبوني، وإن عرض عليكم البراءة مني، فإني على دين محمد (صلى الله عليه وآله) ولم يقل: ((فلا تبرأوا مني))(7)، وعن جعفر بن محمد الصادق (عليهما السّلام) قال: (قال علي (عليه السّلام): لَتُذبحُنَّ على سبي وأشار بيده الى

ص: 268


1- (لم) في أ، ع، تحريف
2- النحل / 106
3- ينظر: الاصول من الكافي، الكليني: 2/ 219
4- ينظر: التفسير، محمد بن مسعود العياشي (ت 320 ه): 2/ 271
5- ينظر: قرب الاسناد: 12
6- ينظر: الغارات: 1/ 85
7- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الجديد: 4/ 82

حلقه ثم قال: فإن أمروكم بسبي فسبوني، وإنَّ أمروكم أن تبرأوا منى فإني على دين محمد (صلى الله عليه وآله) ولم ينههم عن اظهار البراءة(1)، ولا يخفى أن الظاهر من الروايتين جواز اظهار البراءة، لكن وجه التفضيل لا يخلو عن خفاء إلا أن يحمل على بعض ما سبق وفيه ما سبق وذكر الشهيد (رحمه الله) في قواعده إنَّ التقية تبيح كل شيء حتى اظهار كلمة الكفر، ولو تركها حينئذ إثم إلاَّ في هذا المقام، ومقام التبرَّي من أهل البيت (عليهم السّلام) فإنه لا يأثم بتركها بل صبره أما مباح أو مستحب، خصوصاً إذا كان ممن يقتدى به(2) انتهى. ولا يخفى أنه لا يظهر من كلامه الفرق كما سبق، بل لا يبعد شمول كلمة الكفر للسب وإن قابلها بالتبرّي وما ذكره منافٍ لظاهر بعض الروايات السّابقة، وبالجملة المسألة والجمع بين الروايات في غاية الإشكال، ثم إنه ذكر بعض الشارحين في قوله (عليه السّلام) (إنه لي زكاة) وجهين: أحدهما: ما ورد في الأخبار النبوية أن سب المؤمن زكاة [...](3) له وزيادة في حسناته، و ثانيهما: أن يريد به أن سبهم لي لا ينقص في الدنيا من قدري بل أزيد به شرفاً وعلو قدر وشیاع ذكره(4)، وهكذا كان فإن الله تعالى جعل الأسباب التي حاولت الأعداء بها النقص منه عللاً لانتشار صيته في مشارق الأرض ومغاربها. وانتشار الصيت نماء وزيادة(5)، واستشكل في قوله (عليه السّلام) فإني ولدت على الفطرة بأن ميلاده (عليه السّلام) كان متقدماً على الاسلام،

ص: 269


1- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 4/ 82، وفيه: (والله لتذبحن...)
2- ينظر: القواعد والفوائد: 2/ 158، وفيه: (التقية تبيح...)
3- [من] زائدة في أ،ع
4- (ذكر) في ث، ح، ر، م
5- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الجديد: 4/ 86، 87

ولو أريد بالفطرة(1) ما يولد كل مولود عليه وإن كان أبواه يهودان وينصران ويمجسانه فذلك مما لا يختص به أحد مع أنّ الولادة على الإسلام ليست خاصة له (عليه السّلام) وأجيب بأن المراد بالولادة على الفطرة أنه لم يولد في الجاهلية لأنَّه (عليه السّلام) ولد لثلاثين عاماً مضت من عام الفيل، والنبي (صلى الله عليه وآله) أرسل لأربعين مضت من عام الفيل، وقد جاء في الأخبار الصحيحة أنَّه (صلى الله عليه وآله) مكث قبل الرسالة سنين عشراً يسمع الصوت ويرى الضوء ولا يخاطبه أحدٌ وكان ذلك ارهاصاً لرسالته فحكم تلك السّنين العشر حكم أيام رسالته (صلى الله عليه وآله) فالمولود فيها إذا كان في حجره و هو المتولي لتربيته كان مولوداً في أيام كأيام النبوة و ليس بمولود في الجاهلية ففارقت حاله حال من يدعي له الفضل من الصحابة(2)، ويقصد بالتبّري منه(3) (عليه السّلام) توليهم، وروى أن السنة التي ولد (عليه السّلام) فيها كان يسمع الهتاف من الأحجار والأشجار، وابتدأ فيها بالتبتل والانقطاع والعزلة في جبل حراء فلم يزل حتى كوشف / و 72/ بالرسالة وانزل عليه الوحي وقال لأهله ليلة ولادته وفيها شاهد ما شاهد من الكرامات والقدرة الالهية التي لم يشاهدها قبلها (لقد ولد لنا الليلة مولود يفتح اللهُ به علينَا أبواباً من النّعمة والرّحمة) وقيل المُراد الولادة على الفطرة التي لم تتغير(4) ولم تتبدل(5) بفساد العقائد باتباع الاباء ومتابعة

ص: 270


1- (الفطرة) في ع
2- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الجديد: 4/ 89
3- (عنه) في ع، تحريف
4- (يتغير) في أ، ر،ع، تصحيف
5- (يتبدل) في أ، ر، ع، تصحيف

الشبهات وإضلال المضلين وذلك أمر لا يعم كل مولود وإن كانت الولادة على الفطرة بمعنى الاستعداد للمعارف لو لم يمنع مانع من الامور المذكورة مشتركة بين الجميع(1) وأنت تعلم أنه لا بد في الوجه الأول بل في السبق الى الإيمان [و](2) الهجرة أيضاً [من](3) اعتبار عدم طریان المنافي وإلَّا فمجرد الولادة على الفطرة بالمعنى المذكور والسّبق الى الايمان والهجرة لا يوجب عدم جواز التبرّي، والوجه الثاني وإن كان لا يعم جميع المواليد(4) إلَا أنه ليس من الخصائص ويمكن أن يقال ليس الكلام في ذكر الخصائص وتعداد الفضائل وإنما المراد بیان عدم جواز التبرّي بأقل مراتب الفضائل وإلا فكان المناسب التمسك بالمزايا الباهرة كآية المباهلة والولاية [...](5) وخبر المنزلة والإخاء وأمثالها ولو أريد بالفطرة ما سبق من معنى العصمة لم يتوجه شيء مما ذكر، وأما السبق إلى الهجرة فقيل إنه [(عليه السّلام)](6) لم يسبق على جميع الصحابة وقد بات على فراشه (صلى الله عليه وآله) لما هاجر الى المدينة ومكث أياماً لرد الودائع التي كانت عنده (صلى الله عليه وآله) واجيب بأن المراد بالهجرة الجنس وأول هجرة هاجرها رسول الله (صلى الله عليه وآله) خروجه الى بني عامر بن صعصعة(7) لما مات أبو طالب (عليه السّلام) و

ص: 271


1- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الجديد: 4/ 89
2- [و] ساقطة من ع
3- [من] ساقطة من ع
4- الصواب: المواليد جميعهم
5- [حتى] زيادة في ر
6- [عليه السلام] ساقطة من ع
7- بنو ((عامر بن صعصعة بن معاوية بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان من العدنانية)) معجم قبائل العرب: 2/ 703

أوحى إليه أن أخرج فقد مات ناصرك وكانت مدة تلك الغيبة عشرة أيام ولم يصحبه في تلك الهجرة إلا عليّ (عليه السّلام) وحده، ثم هاجر الى شيبان(1) وكان معه هو (عليه السّلام) وأبو بكر، وقد كان تخلفه (عليه السّلام) في الهجرة إلى المدينة [أسبق في الرتبة على السبق](2) اليها كما لا يخفى على ذوي البصائر، وقيل: إنه (عليه السّلام) لم يعلل عدم جواز التبرّي بالولادة على الفطرة وحدها، أو بالسبق إلى الهجرة وحدها بل علله بمجموع الأمور الثلاثة ولا ريب في أنها لم يجتمع في أحد إلاَّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) وأمّا السبق إلى الإيمان فمن خصائصه (عليه السّلام) عندنا وعند كثير من مشاهير العامة وطائفة منهم أنكروا سبقه (عليه السّلام) على أبي بكر تعصباً أو لعروض شبهه ضعيفة كما يظهر لمن نظر في الأخبار المروية في هذا الباب، وقد أورد صاحب الاستيعاب أخبار الفريقين، وقال: المروي عن سلمان، وأبي ذر، والمقداد، و خباب(3)، وجابر، وأبي سعيد الخدري، وزيد بن أرقم أن علياً (عليه السّلام) أول من أسلم، وفضله هؤلاء على غيره(4) وذكر بعض الروايات عن ابن عباس أنه (عليه السّلام) أول من آمن من الناس بعد

ص: 272


1- وهم بنو شيبان بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن أبي بكر بن وائل، حارب بنو شیبان قبائل ودولا، منها حرب البسوس بينهم وبين عمهم بني تغلب، ولهم حروب مع تميم، وأياد وکعب، کما حاربوا ملك الحيرة وملك الشام، والفرس، وشاكوا في وقعة الجمل وصفين وكانوا مع الامام علي (عليه السلام) ينظر: بنو شيبان، علي الكوراني، و عبد الهادي الربيعي: 7/ 8، 15، 27، 49
2- [أسبق في الرتبة على السبق] ساقطة من ع
3- (و حباب) في ث، وفي ر: (وحاب)، تحریف
4- ينظر: الاستیعاب: 3/ 1090

خديجة(1) وقال: (لا مطعن في إسنادها لاحدٍ لصحته وثقة نقله)(2)، فلو ثبت کان المراد في كلامه (عليه السّلام) السبق على الرجال، والروايات في مبلغ سنه (عليه السّلام) يومئذ مختلفة ففي بعضها أنه آمن وهو ابن ستة عشر، وفي بعضها خمسة عشر(3)، وفي بعضها ثلاثة عشر واثنی عشر وعشر وثمان، [و](4) في بعض الروايات عنه (عليه السّلام) أنه كان يقول لقد عبدت الله قبل أن يعبده أحد من هذه الأمة خمس سنين، وقال الشارح عبدالحميد بن أبي الحديد: إن أمير المؤمنين (عليه السلام) مازال يدّعي السبق لنفسه ويصرح به(5)، (وقد قال غير مرة: أنا الصديق الأكبر، والفاروق الأول، أسلمت قبل إسلام أبي بكر وصليت قبل صلاته)(6) قال: وروى عنه هذا الكلام بعينه أبو محمد بن قتيبة في كتاب المعارف(7)، وهو غير متهم في أمره (عليه السّلام)، ومن الأبيات المروية في هذه الباب:

محمد النبيّ أخي وصنوي *** وحمزة سيد الشهداء عمي

وجعفر الذي يصبح ويمسي *** يطير مع الملائكة ابن أُمي

الى قوله:

سبقتكم الى الإسلام طُرًّا *** غلاماً ما بلغتُ أوان حُلمی(8)

ص: 273


1- ينظر: الاستیعاب: 3/ 1091
2- المصدر نفسه: 3/ 1092
3- (خمسة عشر) ساقطة من ر
4- [و] ساقطة في أ، ع
5- قول متصرف به، ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 4/ 95
6- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 4/ 95
7- ينظر: المعارف: 169
8- البيت من البحر الوافر، ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 4/ 95

[وَمِن كَلاَمٍ لَهُ (عَلَيهِ السّلاَم)] كَلَّمَ بهِ الخَوارِج

الخوارج أصحابه (عليه السّلام) وأنصارهُ في الجمل وصفين قبل التحكيم، روي أنه (عليه السّلام) [كلمهم بهذا الكلام](1) لما اعتزلوا وتنادوا من كل ناحيةٍ لا حُكمَ إلا الله، الحكم لله يا عليّ لا لك، وقالوا: بان لنا خطاؤنا فرجعنا وتبنا، فأرجع اليه [أَنتَ](2) وتُب، وقال بعضهم: أشهد على نفسك بالكفر، ثم تب منه حتی نُطبعك (أَصابَکُمْ حاصِبٌ(3)، وَلا بَقِیَ مِنْکُمْ آبِراٌ. أَبَعْدَ إِیمانِی بِاللّهِ، وَجِهادِی مَعَ رَسُولِ اللّهِ (صلی الله علیه و آله(4) أَشْهَدُ عَلَی نَفْسِی بِالْکُفْرِ! لَقَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَما أَنا مِنَ الْمُهْتَدِینَ) الحاصب الريح الشديد التي تثير الحصباء(5) وهي صغار الحصى(6)، وأصابه الخاصب كناية عن العذاب، وقيل أي: أصابکم حجارة من السماء، والحصبة (الحجارة)(7)، وسيجيء تفسير الآبر في كلام السيد (رضي الله عنه) (فَأُوبُوا شَرَّ مَآبٍ، وَارْجِعُوا / ظ 72/ عَلَی أَثَرِ الْأَعْقَابِ) الأوَب، بالفتح، والإِياب(8) بالكسر (الرجوع)(9)،

ص: 274


1- [كلمهم بهذا الكلام] ساقطة من ر
2- [انت] ساقطة من أ، ع
3- (خاصب) في أ، ح، ر، ع، تصحيف
4- (صلى الله عليه) في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 4/ 100
5- ينظر: لسان العرب، مادة (حصب): 1/ 320
6- ينظر: المصدر نفسه، مادة (حصب): 1/ 319
7- المصدر نفسه، مادة (حصب): 1/ 318
8- (الايان) في أ، تصحيف
9- لسان العرب، مادة (أوب): 1/ 217، 218

والأعقاب مؤخر الأقدام(1) وآثرها بالتحريك علامتها، والرجوع على العقب هو القهقرى(2) وهو شر أنواع الرجوع(3) فهو كالتأكيد والبيان للسّابق، قال بعض الشّارحين: هم أمر لهم بالإياب والرجوع الى الحق من حيث خرجوا منه و فارقوه قهراً(4) كأن القاهر يضرب في وجوههم ويردهم على أعقابهم والرجوع هكذا شر الأنواع، وقيل: هو دعاء عليهم بالذل وانعکاس الحال(5)، ثم اخبر عن ذلك بقوله (أَمَا إِنَّکُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِی ذُلًّا شامِلاً، وَسَیْفاً قاطِعاً، وَأَثَرَةً یَتَّخِذُها الظّالِمُونَ فِیکُمْ سُنَّةً) الشمول العموم والاحاطة أي: محيطاً بالمجمُوع، أو بكل واحِد، والإثرة بالتحريك الاسم(6) من قولك: فُلان يستأثر على أصحابه أي: يختار لنفسه أشياء حسنه ويخص نفسه بها(7)، و (الاستيثار: الانفراد بالشيء)(8)، أو من آثر يؤثر إيثاراً إذا أعطى أي: يفضل الظالمون غیرکم عليكم في نصیبکم، ويعطونهم دونكم وتفصيل ما أصابهم من الذل والقتل مذكور في شرح الشارح عبد الحميد بن أبي الحديد(9) قوله (عليه السّلام): (وَلاَ بَقَى مِنکُم آبِرٌ) يُروي بالراء، مِن قَولِهم: آبرٌ للَّذِي یَأبِرُ

ص: 275


1- ينظر: تاج العروس، مادة (عقب): 1/ 244
2- (العهقري) في ر، تصحيف
3- ينظر: تاج العروس، مادة (قهقر): 7/ 428
4- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 2/ 152
5- المصدر نفسه: 2/ 152
6- (الاثم) في أ، ع، تحریف
7- ينظر: لسان العرب، مادة (أثر): 4/ 8
8- المصدر نفسه، مادة (أثر): 4/ 8
9- (قال الرضي (رحمه الله)) في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 4/ 100، (قال الشريف) في شرح نهج البلاغة، صبحي الصالح: 98

النَّخل، أي: يَصلِحَهُ، قال بعض الشارحين: يجوز أن يُراد به النمام(1) أي: من يفسد ذات البين، وَالمِئبَرة(2) النَميِمَةُ، وأبِرَ فلان، أي: نمَّ، والآبر أيضاً: من يبغي الغوائل خفية(3)، مأخوذ من أَبَرتُ الكَلب إذا أطعَمته الإبِرة في الخُبزِ، ويجوز أن يكون أصلها من هابرٌ أي: من يضرب بالسيف فيقطع، وأبدلت الهاءِ همزة كما قالوا في: (آل) وأهل(4)، وَيُروي: (آثِرٌ) الذَّي يأثرُ الحَدِيث أي: يحيکه وَیَرويهِ وَهُوَ أصَحُّ الوُجُوهِ عِندي كأنَّه (عليه السّلام) قال: (لاَ بَقِيَ منكم مُخبِرَ)، قيل يمكن أن يراد به سَاحي باطن خف البعير، وكانوا يسحون(5) أي: يقشُرون باطن الخف بحديدة ليقبض أثره يقال: رجل آثر، وبعير مأثور، ویُروی آبزٌ بالزاء(6) معجمة وهو الواثب والهالك أيضاً(7)، يقال له آبِزٌ ذكر الهالك في المقام استطراد [وَقالَ (عَلَيهِ السّلَام)](8) لَمَّا عَزَمَ عَلَی حَرْبِ اَلْخَوَارِجِ وَ قِیلَ [لَهُ](9): إِنَّهُم قَدْ(10) عَبَرُوا جِسْرَ اَلنَّهْرَوَانِ ،

ص: 276


1- (التهام) في أ، ث، ع، تصحیف
2- (المبرة) في م، تحریف
3- (خفية) في أ
4- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 4/ 101
5- (يسجون) في أ، ع
6- (بالزاي) في م
7- ينظر: لسان العرب، مادة (أبز): 5/ 304
8- [وَقالَ (عَلَيهِ السّلَام)] بياض في ث
9- [له] ساقطة من ر
10- (ان القوم قد) في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 3/5، وشرح نهج البلاغة، صبحي الصالح: 98

الجِسِر بالكسر القنطرة، والنَهرَوان بفتح النون والراء کما في النسخ(1) ويجوز بتثلث(2) الراء ثلاث قرى أعلى واوسط وأسفل بين واسط وبغداد(3)، روی أنه (عليه السّلام) لما خرج اليهم جَاءَهُ رجل من أصحابه فقال: البشری یا أمير المؤمنين إن القوم عبروا النهر لما بلغهم وصولك فأبشر فقد منحك الله أكنافهم، فقال: أنت رأيتهم قد عبروا؟ فقال: نعم، وَاللهِ مّا(4) عَبروُه وَلن يَعبروه وإنّ مَصارِعَهُم الى آخر كلامه (عليه السّلام)، ثم جاءه جماعة من أصحابه واحد بعد واحد كلهم يخبره بما أخبر به الأول، فركب (عليه السّلام) وسار الى النهر ليبين لهم صدق ما حكم به، فوجد القوم لم يعبروا النهر وكسروا جفون سيوفهم وعرقبوا خيولهم وحكموا تحكيمه واحدة بصوت له زجل(5)، وكان شاب من أصحابه، قال في نفسه لما سمع قوله (عليه السّلام): والله لأكوننَ قريباً مِنهُ فإن كانُوا عبروا لأجعلنّ سنان رمحي في عينه، أيدّعي علم الغيب، فلمّا وجدَهُم لم يعبروا نزل عن فرسه واخبره بما خطر لهُ، وسأله أن يغفر لهُ، فقال (عليه السّلام): إنّ الله هو الذّي يغفر الذّنوب جميعاً فاستغفره. (مَصَارِعُهُمْ دُونَ اَلنُّطْفَةِ؛ وَ اَللَّهِ لاَ یُفْلِتُ مِنْهُمْ عَشَرَةٌ، وَ لاَ یَهْلِكُ مِنْکُمْ عَشَرَةٌ) يعني بالنّطفة ماءَ النَّهر، وهو أي: اللفظ وفي بعض النسخ، وهي أي: الكلمة إذ لم يقصدُ بها المعنى أفصحُ کِنايَةٍ عَن الماء وَإِن كانَ كَثِيراً

ص: 277


1- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 5/ 3
2- (ملیث) في ث، وفي ع: (تثليث)، تصحيف
3- ينظر: معجم البلدان: 5/ 324، 325
4- (بما) في ع، تحریف
5- (رجل) في ث، ر، تصحيف

جَمّاً، الصرع الطّرح على الأرض، والمَصرَعُ يكون مصدراً وموضعاً(1)، والفعل کمنع والمراد مَواضع هلاكهم والإفلات والتفلت والإنفلات (التخلص من الشيء فجأة من غير تمكث)(2)، والنُطفة بالضم الماء الصّافِي أو مطلقاً [قل](3) أو كثر(4)، وقيل(5) بالقليل أخصّ(6) وهذا الخبر من المعجزات الباهرة، وروی أنه لما قتل الخوارج وجدوا المفلت منهم تسعة تفرقوا في البلاد کما سيجيء و وجد المقتول من أصحابه (عليه السّلام) ثمانية، ويمكن أن يكون خفي على القوم مكان واحد من المقتولين، أو يكون التعبير بعدم هلاك العشرة رعاية للمشاكلة والمماثلة بين القرينتين(7) والله يعلم.

[وَقَالَ (عَلَيهِ السّلَام)] لَمّا قَتَلَ الخَوارِجَ

فَقِیلَ(8) لَهُ: یَا أَمِیرَ اَلْمُؤْمِنِینَ هَلَكَ اَلْقَوْمُ بِأَجْمَعِهِمْ، فَقَالَ (عَلَیْهِ السَّلاَمُ)(9): (کَلاَّ وَ اَللَّهِ؛ إِنَّهُمْ نُطَفٌ فِی أَصْلاَبِ اَلرِّجَالِ، وَ قَرَارَاتِ اَلنِّسَاءِ، وَ کُلَّمَا نَجَمَ

ص: 278


1- ينظر: الصحاح، مادة (صرع): 3/ 1242
2- تاج العروس، مادة (فلت): 3/ 101
3- [قل] ساقطة من أ، ع
4- (أكثر) في أ، ع، تحریف
5- (قتل) في أ، ع، تصحيف
6- سبق ذكره في صحيفة رقم 6، وفي ث: (احض) تصحيف
7- (القرينين) في ث، ح، تحریف
8- (وقيل) في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 5/ 11
9- (فقال (عليه السلام)) غير موجوده في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 11/5، ونهج البلاغة، صبحي الصالح: 99

مِنْهُمْ قَرْنٌ قُطِعَ حَتَّی یَکُونَ آخِرُهُمْ لُصُوصاً سَلاَّبِینَ) النُطفة مَاء الرَّجُل، والقرار والقَرارة بالفتح فيهما مّا قر فيه، أي: ثبَتَ وسکن، وفي الكلام كناية عن الأرحام، ونجم کنصر (ظهر و [طلع](1))(2)، والقرن كناية عن الرئيس وهوا و 73/ في الانسان موضع قرن الحيوان من رأسه، ويقال للجانب الأعلى من الرأس، وقطع القرن استیصال رؤسائهم وقتلهم، واللصوص بالضم جمع لص مثلثةٌ(3) والفتح أكثر، وهو السارق، والسّلب الاختلاسِ، وروى أن جماعة من الخوارج لم يحضروا القتال، ولم يظفر بهم أمير المؤمنين، وأمّا المفلتون من القتل فانهزم اثنان منهم الى عمان(4)، واثنان الى کرمان(5)،

ص: 279


1- [طلع] ساقطة من ع
2- تاج العروس، مادة (نجم): 17/ 679
3- ((والِلصُ والَّلصُّ بالكسر والضم: السارق)) المثلث، البطليوسي: 2/ 132
4- عُمان: تقع على ساحل اليمن شرق هجر بلد ذات نخل وزروع إلا أن حرها يضرب به المثل، يقال إنها سميت عمان بعمان بن إبراهيم الخليل وقد قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) فيها: ((إني لأعلم أرضاً من أرض العرب يقال لها عُمان على شاطئ البحر الحجة منها أفضل أو خير من حجتين من غيرها))، وقيل: من تعذر الرزق فعليه بعُمان. ينظر: مسند أحمد: 2/ 30، و السنن الكبرى، البيهقي: 4/ 335، و معجم البلدان: 4/ 150، و الروض المعطار في خبر الأقطار، الحميري (ت 900 ه): 413
5- کرمان: ولاية مشهورة وناحية كبيرة معمورة ذات بلاد وقرى ومدن واسعة بين فارس و مکران وسجستان و خراسان، فشقيقتها مکران ومفازة مابین مکران والبحر من وراء البلوص، وغربيها ارض فارس، وشمالها مفازة خرسان، وجنوبيها بحر فارس، وعرفت هذه البلاد بكثرة نخيلها ومواشيها، وقيا انها تشبه البصرة في كثرة التمور وجودتها وسعة الخيرات، وقيل انها سمیت کرمان نسبة الى کرمان بن فلوج من بني ليطي بن یافث بن نوح عليه السلام. ينظر: البلدان: 413، و معجم البلدان: 4/ 454

واثنان الى سجستان(1)، واثنان الى الجزيرة، وواحد الى تل موزن(2)، فظهرت بدعهم الى البلاد وصاروا نحواً من عشرين فرقة وكبارهاست الأزارقة(3) أصحاب نافع بن الازرق(4) وهو أكبر الفرق غلبوا على الأهواز، وبعض بلاد فارس و کرمان في أيام عبد الله بن الزبير، والنجدات(5) رئيسهم نجدة بن

ص: 280


1- سجستان: هي ناحية كبيرة وولاية واسعة، ذهب بعضهم الى ان سجستان اسم للناحية وإن اسم مدينتها زرنج، وهي جنوب هراة، وأرضها كلها رملة سبخة، والرياح فيها لا تسكن ابداً، وفيها نخيل، ولا يقع بها الثلج، وارضها سهلة، لا يرى فيها جبل، وقال حمزة انها مشتقة من اسباه وسك اسم للجند وللكلب مشترك أي انها اسم لشيئين، ذلك أنها كانت بلدة اللجند. ينظر: معجم البلدان: 3/ 190
2- بلد قديم بين رأس العين وسروج، وبينه وبين رأس عين عشرة أميال، ويزعم ان جالینوس كان به، وهو مبني بحجارة عظيمة سود، يذكر أهله أن ابن التمشكي الدمستق خربه، وفتحه عياض بن غنم سنة (17 ه). ينظر: معجم البلدان: 2/ 45
3- الأزارقة: طائفة من الخوارج، ينسبون الى نافع بن الازرق، خرجوا معه من البصرة الى الاهواز، فغلبوا عليها وعلى كورها وما وراءها من بلدان فارس و کرمان في أيام عبد الله بن الزبير، وقد أرس اليهم عبد الله بن الحارث بن نوفل النوقلي الكثير من قادة الجيش لقتالهم امثال مسلم بن عیس بن کریز واخرون فاستطاع الازارقة قتلهم، فارسل اليهم بعد ذلك المهلب بن أبي صفرة فبقي في حرب الأزارقة تسع عشرة سنة الى ان فرغ من امرهم في أيام الحجاج، ومن بدع الازارقة تكفير الامام علي (عليه السلام)، وتكفير القعدة، وقتل أطفال ونساء المخالفين لهم. ينظر: المعارف: 622، والملل والنحل: 1/ 118 - 121
4- نافع بن الازرق بن قيس الحنفي البكري الوائلي الحروري، ویکنی ابا راشد، وهو رأس الازارقة واليه نسبتهم كان أمير قومه وفقيهم، من أهل البصرة، صحب في أول أمره عبد الله بن عباس، كان من أصحاب الثورة على الخليفة عثمان، وبعد قضية التحكيم اجتمعوا في حروراء، ونادوا بالخروج على الامام علي (عليه السلام)، قتل نافع یوم (دولاب) على مقربة من الاهواز سنة (65 ه)، وقام بعده عبيد الله بن الماحوز . ينظر: المعارف: 622، و میزان الاعتدال: 4/ 241، و لسان الميزان: 6/ 144، 145، و الاعلام: 7/ 351، 352
5- النجدات: طائفة من الخوارج يقال لهم العاذرية لانهم عذروا بالجهالات في أحكام الفروع، وهم أصحاب نجدة بن عامر الحنفي، وقد بايعته طائفة خالفت الازارقة، ثم اختلفو عليه فكفره قوم منهم اثر ما فعله ابنه في اهل القطيف، من نكح النساء السبايا قبل القسمة، وأكل الغنيمة قبل القسمة وكان نجدة قد عذر ما فعله ابنه وأصحابه بالقطيف بحجة انهم جهلوا الحكم بها، ومن آراء النجدات انه من نظر نظرة أو كذب كذبة صغيرة أو كبيرة، وأصر عليها فهو مشرك، ومن زنى وشرب وسرق غير مصر عليه فهو غير مشرك. ينظر: الملل والنحل: 1/ 122، 123، 124، و اللباب في تهذيب الانساب: 2/ 371

عامر الحنفي(1) والبيهسية(2) أصحاب أبي بهيس هيصم [...](3) بن جابر(4)(5)،

ص: 281


1- نجدة بن عامر الحروري الحنفي، من بني حنيفة من بكر بن وائل، رأس الفرقة النجدية واليه نسبتهم كان أول امره مع نافع بن الازرق، اذ خرج من اليمامة مع عسكره يريد اللحاق به فاستقبله أبو فديك وطائفة مخالفة للازارقة فاخبروه بما احدثه نافع، فبايعوه وسموه أمير المؤمنين، فخرج سنة (66 ه) أيام عبد الله بن الزبير في جماعة كبيرة فأتى البحرين فاستقر بها، ووجهه اليه مصعب بن الزبير جيوش عدة فهزمهم، وقد نقموا اصحابه امورا منها ما فعله ابنه بالطائف من اكل الغنيمة ونكح النساء السبايا قبل القسمية، ومن شرائه ابنة عمرو بن عثمان بن عفان وارسالها الى عبد الملك بن مروان فخلعوه ثم قتلوه، وقيل قتله اصحاب مصعب بن الزبير سنة (69 ه) ينظر: تاريخ الطبري: 20/5، و الملل والنحل: 1/ 122،123، و الانساب: 5/ 461، و اللباب في تهذيب الانساب: 2/ 371، و الاعلام: 8/ 10
2- البيهسية: طائفة من الخوارج ينسبون الى أبي بيهس وهو رأس هذه الفرقة، وزعموا انه لا يسلم احد حتى يقر بمعرفة الله تعالى ومعرفة رسله ومعرفة ما جاء به النبي (صلى الله عليه واله)،... فمن جملة ما جاء به الشرع وحكم به ما حرم الله به وجاء به الوعيد فلا يسعه الا معرفته بعينه وتفسيره والاحتراز عنه ومنه وما ينبغي ان يعرف باسمه ولا يضره الا يعرفه بتفسير حتى يبتلى به وعليه ان يقف عند ما لا يعلم ولا يأتي بشيء الا يعلم) الملل والنحلل: 1/ 125، 126. وينظر: المعارف: 622، وتهذيب التهذيب: 1/ 267
3- [في أيام عبد الله بن الزبير] زيادة في ث
4- (حابر) في أ، ح، تصحيف
5- هيصم بن جابر الضبعي من بني سعد بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة، يكنى أبا بيهس، رأس الفرقة البيهسية والية نسبتهم، كان من الازارقة، ثم كفر رأيسهم نافع الازرق، وتبعته جماعة، وكان ذلك ايام الوليد الاموي، وطلب الحجاج أبا بيهس فهرب الى المدينة فظفر به واليها عثمان بن حيان المري، فأعتقله وكان يبعث اليه ويسامره،، ثم نفذ حكم الوليد به فقطع يديه ورجليه ثم قتله سنة (94 ه). ينظر: أنساب الاشراف: 8/ 97، 98، و الملل والنحل: 1/ 125، 126، والاعلام: 8/ 105

وكان بالحجاز وقتل في زمن الوليد، والعجاردة(1) أصحاب عبد الكريم بن عجرد(2)، والأباضية(3) أصحاب عبد الله بن أباض(4) قتل في أيام مروان بن

ص: 282


1- العجاردة: طائفة من الخوارج، ينسبون الى عبد الكريم بن عجرد، خالفو الازارقة، وقيل البيهسية، ومن الآراء التي تبنوها: يجب البراءة من الاطفال الى ان يبلغوا، و يدعوا الى الاسلام ويجب دعاؤهم اليه اذا بلغوا، ومن يقتل منهم قبل ان يقر بالإسلام فهو كافر ولا يرث ولا يورث، وأطفال المشركين في النار مع آباءهم، ولا يرون المال فيئاً حتى يقتل صاحبه، وقد افترقت العجارة، فظهرت منها أصنافاً ولكل صنف مذهب منها: الصلتية والميمونة والحمزية والخلفية والاطرافية والمحمدية والشعبية والحازمية. ينظر: الملل والنحل: 1/ 128، 129، و الفصل في الملل والاهواء والنحل: 4/ 190، والانساب: 4/ 159
2- عبد الكريم بن عجرد زعيم طائفة كبيرة من الخوارج، واليه ينتسبون، وهو من أصحاب عطية بن الاسود الحنفي اليامي الذي ينسب اليه العطوية. ينظر: الفرق بين الفرق: 96،و الانساب: 4/ 159، و الوافي بالوفيات: 19/ 57، و لسان الميزان: 4/ 50
3- (الاباصية) في ث، تصحيف، والاباضية: طائفة من الخوارج، ينسبون الى عبد الله اباض، ويرون ان مخالفيهم من اهل القبلة كفار غير مشركين ومناكحتهم جائزة وموارثتهم حلال ونيمة اموالهم من السلاح عند الحرب حلال، وما سواه حرام، وافترقت الاباضية فيما بينها أربع فرق، وهي: الحفصية، والحارثية، و اليزيدية، وأصحاب طاعة لا يراد الله بها. ينظر: الفرق بين الفرق: 103، 104، و الملل والنحل: 1/ 134
4- عبد الله بن إباض من بني مرة بن عبيد من بني تميم بن المقاعسي، وهو رأس الاباضية، واليه نسبتهم، كان معاصراً لمعاوية وعاش الى اواخر عبد الملك بن مروان، ويقال ان نسبة الاباضة الى اباض وهي قرية بالقرب من اليمامة نزل بها نجدة بن عامر، توفي عبد الله سنة (86 ه)، ينظر: المعارف: 622، و أنساب الاشراف: 12/ 351، و الاعلام: 4/ 62،61

محمد(1)، والثعالبة(2) أصحاب ثعلبة بن عامر(3)، وتفصيل خرافاتهم مذکور في كتب المقالات.

[وَقَالَ (عَليهِ السَّلام)](4): (لاَ تَقْتُلُوا(5) اَلْخَوَارِجَ بَعْدِی، فَلَیْسَ مَنْ طَلَبَ

ص: 283


1- مروان بن محمد بن مروان بن الحكم، یکنی ابا عبد الملك، ويعرف بالجعدي نسبه الى مؤدبه الجعد بن درهم، وهو اخر ملوك بني اميه في الشام، ولد بالجزيرة سنة (72 ه) خاض حروباً عديدة فافتتح (قونیه)، وولاه هشام بن عبد الملك على اذربيجان، وارمينية، والجزيرة سنة (114 ه) وقد خلع ابراهيم بن الوليد بعد مقتل ابيه، فاستولى على عرش مروان سنة (127 ه) وعند حربه مع العباسيين هرب الى (بوصیر) قرية في الفيوم في مصر فقتله فيها عامر بن اسماعيل المرادي سنة (123 ه). ينظر: المعارف: 355، ووفيات الأعيان: 3/ 151، و 7/ 11، و الاعلام: 7/ 208، 209
2- الثعالبة طائفة من الخوارج اصحاب ثعلبة بن عامر، وقال البعض هم اصحاب ثعلبة بن مشکان، والاول اشهر، وكان عامر مع عبد الكريم بن عجرد، الا انه خالفه في حكم الاطفال إذ ذهب عامر انه على الاطفال ولاتهم صغارا وكبارا الى ان يتبين لهم انكارهم الحق، فلما اختلفا في ذلك كفر بن عجرد وصار اماماً، ثم تفرقت الثعالبة فمنهم من ذكر انها اصبحت ستة فرق وهي: المعبدية، والاخنسية، و الشيبانية، والرشيدية، و المكرمية، وفرقة قامت على امامة ثعلبة ولم تقل بامامة احد غيره، وزاد الصفدي المعمولية والمجهولية، وزاد عليهن الشهرستاني البدعية. ينظر: الفرق بين الفرق: 101، 102، 103، و الملل والنحل: 1/ 131،134، والوافي بالوفيات: 11/11، و نشوء الفرق و المذاهب الاسلامية، حسن الشاکری: 128 - 134
3- ثعلبة بن عامر رأس طائفة من الخوارج سمیت بالثعالبة نسبة اليه، كان مع عبد الكريم بن عجرد يداً واحدة الى أن اختلفا في أمر الاطفال فقال ثعلبة انا الى ولائهم صغاراً وكباراً الى أن نرى منهم انکار الحق والرضى بالجور فبرأ منه عبد الكريم وأصحابه فتفرقت الثعالبة سبع فرق. ينظر: الوافي بالوفيات: 11/11
4- وَقَالَ (عَليهِ السَّلام) بیاض في ث
5- (تقاتلوا) في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 5/ 62، ونهج البلاغة، صبحي الصالح: 99

اَلْحَقَّ فَأَخْطَأَهُ کَمَنْ طَلَبَ اَلْبَاطِلَ فَأَدْرَکَهُ) یعنی(1) معاوية وأصحابه، لعل المراد لا تقتلوا الخوارج بعدي مادام ملك معاوية كما يظهر من التعليل، وقد كان يسبه (عليه السّلام) و يبرأ منه في الجُمع والأعياد ولم يكن انكاره للحق عن شبهة كالخوارج، ولم يظهر منهم من الفسوق ما ظهر منه، ولم يكن مجتهداً في العبادة وحفظ قواعد الشرع مثلَهُم، فكان أولى بالجَهادِ، وما ذكره بعض الشارحين في المقام لا يخلو عن ضعف.

[وَمِن كَلام لَه (عَلیهِ السَّلام)] لَمّا خوف مِنَ الغِيلَة

الغِيلة بالكسر فعلة من الاغتيال وهو القتل خدعة، أو في موضع لا يراهُ أحد(2)، روى أنه (عليه السَّلام) خُوّفَ من غيلة ابن ملجم لعنه الله مراراً، مرة لقيه الأشعث متقلدا سيفه، فقال له ما يقلدك السيف وليس بأوان حرب؟ فقال: اردت أن أنحر به جزُور القرية، فأتى الأشعث أمير المؤمنين فأخبره وخوفه وحثه على قتله، فقال (عليه السّلام): مّا قَتَلني بَعدُ. ومرة كان يخطب (عليه السّلام) فسمعوه وهو(3) يقول: وَالله لأريحنَّهُم منك، (فجاؤا)(4) به إليه (عليه السّلام) مُلبياً واخبروه بما سمعوا منه، فقال: فما قَتَلني بَعد، خلَّوا عَنهُ. (وَ إِنَّ عَلَیَّ مِنَ اَللَّهِ جُنَّةً حَصِینَةً، فَإِذَا جَاءَ یَوْمِی اِنْفَرَجَتْ عَنِّی وَ أَسْلَمَتْنِی؛ فَحِینَئِذٍ لاَ یَطِیشُ اَلسَّهْمُ، وَ لاَ یَبْرَأُ اَلْکَلْمُ) الجُنّة بالضم ما يستر به

ص: 284


1- (قال الرضي (رحمه الله) يعني) في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 5/ 62، و (قال الشريف يعني) نهج البلاغة، صبحي الصالح: 99
2- ينظر: الصحاح، مادة (غيل): 5/ 1787
3- (فهو) في أ، ع
4- (فجارا) في ث، تحريف، وفي ح: (فحاؤا) في، تصحيف

من ترس وغيره، والحصين من الحصن وغيره المنيع، والمراد باليوم الأجل، وانفرجت عني أي: انكشفت وتركتني(1)، واسلمتَهُ اليه وسلمتَهُ أي: اعطيتهُ فسلمهُ، أي: تناوله، وطاش السَّهمُ أي: انحرف عن الهدف وجازه(2)، ويبرأ كيمنع في النسخ، يقال: برأ المريض يبرأ(3)، و يبرؤ كينصر برُءًا(4) بالضم، وبُروءاً، والكلم(5) بالفتح(الجَرح)(6).

[وَمِن خُطبَةٍ لَهُ (عَلَیهِ السَّلام)]

(ألا وإنَّ(7) الدُّنیا دارٌ لایُسْلَمُ مِنْها إلاَّ فیهَا، وَلا یُنْجَی بِشَیْء کَانَ لَها) سَلِمَ من الآفةِ بالكسر إذا لم تصبه، ولما كانت السَّلاَمة والتخّلص من العِقاب، والآفات التي يتبع الذنوب إنّما تكتسب بالتوبة والأعمال الصّالِحات وصرف الأموال وجميع ذلك، إنّما يفعله الإنسان في دار التكليف فلا تكون(8) [السلامة](9) منها إلَّا فيها، وأما الشفاعة فاستحقاقها إنما يكون في الدنيا، وفي بعض النسخ إلا بها والباء للسببية المجازية وما كان لها ما قصد به الرئاء، وسائر الأغراض الدنياوية الباطلة دون وجه الله عز وجل(اُبْتُلِیَ اَلنَّاسُ بِهَا

ص: 285


1- ينظر: الصحاح، مادة (فرج): 1/ 334
2- ينظر: الصحاح، مادة (طيش): 3/ 1009
3- (نبراء) في ح
4- (برؤاً) في م
5- (الكلم) في ر
6- القاموس المحيط، مادة (كلم): 4/ 172
7- (ألا إنَّ) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 5/ 110
8- (يكون) في أ، ث، ر، ع، م، تصحيف
9- [السلامة] ساقطة من ث

فِتْنَةً فَمَا أَخَذُوهُ مِنْهَا لَهَا أُخْرِجُوا مِنْهُ وَ حُوسِبُوا عَلَیْهِ، وَ مَا أَخَذُوهُ مِنْهَا لِغَیْرِهَا قَدِمُوا عَلَیْهِ، وَ أَقَامُوا فِیهِ) الابتلاء الامتحان والاختبار والفتنة بمعناه فهي بمنزلة المصدر للفعل و قیل و انتصابها على أنها مفعول له فيراد بها الأثر المترتب على الامتحان، أو تجرد الفعل عن معنى الاختبار، ويراد به کونهم في الدنيا بالقضاء الالهي وما أخذوه من الدنيا للدنيا ما فعلوه للأغراض الدنياوية وخروجهم منه عدم انتفاعهم به، وما أخذوه لغيرها ما أخلصوا فيه النية وابتغوا فيه الدار الآخرة وقدومهم عليه واقامتهم فيه وتمتعهم به أبداً وهذه الفقرة كالبيان للسابقة (فَإِنَّهَا عِنْدَ ذَوِی اَلْعُقُولِ کَفَیْءِ اَلظِّلِّ، بَیْنَا تَرَاهُ سَابِغاً حَتَّی قَلَصَ، وَ زَائِداً حَتَّی نَقَصَ) لمّا تَبيّنَ في السَّابقة أَنَّ الإقامة على غير الدنيا، ولا ينتفع بها فعل لها تفرع عليها كون الدنيا كفئ الظل، وفي بعض النسخ وأنّها بالواو وَ الفيء في الأصل الرجوع، ويقال للظل بعد الزوال فَيء لرجوعه من جانب الغرب الى الشرق(1)، قال بعض الشارحين: الاضافة إما من قبيل / ظ 73/ اضافة الشيء الى نفسه(2) كما هو شائع عند العرب، أو من اضافة الخاص الى العام فإنَّه الظل الزائد بعد الزوال وفيه أن الظل بعد الزوال لا يزال في الازدياد وهو لا يناسب المقام اللهم إلاَّ أن يحمل النقص على الانعدام کما سيأتي، ويحتمل أن يراد به المعنى الأصلي ويعبر برجوع الظل عن انتقاصه بارتفاع المضي فإن الظل يمتد(3) عند الطلوع غاية الامتداد فكأنه قطع المسافة الممتدة ورجع بالانتقاص عما قطعها فالمشبه به

ص: 286


1- ينظر: لسان العرب، مادة (فيأ): 1/ 126
2- قول متصرف به: ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 5/ 113
3- (تمتد) في أ، ع، تصحيف

رجوع الظل لا نفسه وسرعة الرجوع المستفادة مما بعده بيان لوجه التشبيه و (بينا) هي بين الظرفية اشبعت فتحتها، والسابغ التام الكامل(1)، وقلص أي: انقبض، ونقص ولما كان الظل لا ينفك عن الانتقاص لدوام حركة الشمس جعل زمان ظن السبوغ أو رؤيته ظرفاً لتغير حاله بالانتقاص وكلمة (حتى) أمّا زائدة، أو متعلقة بمحذوف، ويمكن أن يراد بالنقص ظهوره وتبينّه وادعاء أنه بين ذلك الزمان لسرعة تطرق الانتقاص الى الظل وقلة امتداد الزمان ويحتمل على بعد أن يراد بالقلص والنقص انعدامه رأساً، وقال بعض الشارحين: (تحقيق الظرفية هنا أن الظل دائر بين السبوغ والتقلص، والزيادة والنقصان)(2) وفيه ما فيه.

[وَمِن خُطبَةٍ لَهُ (عَلَیهِ السَّلام)]

(وَاتَّقُوا(3) اللَّه عِبادَ الله، وَبَادِرُوا آجَالَكُمْ بِأَعْمَلِكُم) الاتقاء وهو الحَذَر والمُبادِرة الى الشيء المُسارعة اليه والمُسابقة، والأجل الوقت المضرُوب المحدُود في المُستقبل ومنتهاه، والمُبادران أمّا كلّ واحدٍ من المُخاطبين وأجله فيمكن أن يكون الباء بمعنى (الى)، والأعمال بمنزلة قصبة الرهان، أو السبق بالتحريك كأنَّ الاجل يريد احراز العمل وأخذه بأن يحول بين المرء وبينه والمرء يريد احرازه قبل حلوله، أو للسببية فيكون القصبة والسبق الجنة والثواب كأنَّ

ص: 287


1- ينظر: لسان العرب، مادة (سبغ): 8/ 432
2- شرح نهج البلاغة، ابن ميثم البحراني: 2/ 158
3- (فتقوا) في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 5 / 114، ونهج البلاغة، صبحي الصالح: 101

الأجل يحرزهما بمنع المرء من العمل، أو للتعدية تشبيهاً للأجل والعمل بفرسي الرهان أي: اجعلوا أعمالكم سابقة على آجالكم، ويحتمل أن يكون المبادر الآخر كل واحدٍ من الآخرين كقوله تعالى: «وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ»(1)، والآجال بمنزلة القصبة والسبق، والباء للسببية أو الملابسة، أي: اعملوا من الصالحات ما يَجعَلَكُم مُشتاقين الى آجالكم كقول سيد العابدين (عليه السَّلام): (وَأجعَل لَنا من صَالح الأعمال عملاً نستبطئ مَعهُ المصير اليكَ، ونحرص له على وَشكِ اللّحاق بِكَ)(2) (وَابْتَاعُوا مَا یَبْقَی لَکُمْ بِمَا یَزُولُ عَنْکُمْ، وَتَرَحَّلُوا فَقَدْ جُدَّبِکُمْ، وَاسْتَعِدُّوا لِلْمَوْتِ فَقَدْ أَظَلَّکُمْ) الابتياع الاشتراء وما يبقى نعيم الآخرة كما أن ما يزول هي زخارف الدنيا، وترحل القوم وارتحلوا أي: انتقلوا عن مكانهم، و المراد انتقلوا في منازل القرب، أو لا يتخذوا الدنيا وطناً، والجِد بالكسر (العجلة)(3)، والاستعداد طلب العُدة بالضم وهي ما يعين على دفع الاعداء والنوازل والظفر بالمطالب، أو الاعداد، أي: أخذ العدة كأستجابَ وأجاب، وأظلكم أي: أقبل عليكم ودنا منکُم كأنَّه القى عليكم ظله (وَکُونُوا قَوْما صِیحَ بِهِمْ فَانْتَبَهُوا، وَعَلِمُوا أَنَّ الدُّنْیَا لَیْسَتْ لَهُمْ بِدَارٍ فَاسْتَبْدَلُوا) الصيحة والصياح بالكسر الصوت بأقصى الطاقة(4)، والانتباه والتنبيه القيام من النوم والنوم هاهنا نوم الغفلة، والاستبدال طلب البدل، والمراد به الدار الآخرة (فَإِنَّ اللّهَ سُبْحَانَهُ لَمْ یَخْلُقْکُمْ

ص: 288


1- ال عمران / 133
2- الصحيفة السجادية: 172
3- تاج العروس، مادة (جدد): 4/ 377
4- ينظر: تاج العروس، مادة (صيح): 4 / 130

عَبَثا، وَلَمْ یَتْرُکْکُمْ سُدیً، وَمَا بَیْنَ أَحَدِکُمْ وَبَیْنَ الْجَنَّةِ أَوِ النَّارِ إِلاَّ الْمَوْتُ أَنْ یَنْزِلَ بِهِ) العبث بالتحريك (اللعب)(1)، أو ما لا غرض فيه، أو لاغرض صحيح فيه، وعبثاً أما حال أي: عابثاً، وأما مفعول له، أي: لم يخلقكم تلهياً بكم، قال الله سبحانه: «أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ»(2)، وسدیً أي: مهملين لا تكلفون ولا تجازون، قال الله سبحانه: «أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى»(3)، وإن ينزل(4) به في موضع الرفع؛ لأنه بدل من الموت، والموت نازل أو منزول به ويستفاد مِنهُ دخول الجنة أو النار بنزول الموت، فالبرزخ إما تابع للموت وكذلك الموقف أو المراد جنة البرزخ وناره وحينئذ لا يضر الخروج الى الموقف كما لا يخفى، ويمكن أن يراد بالجنة والنار استعدادهما وإنه لا يمكن التخلص بعمل بعد الموت وكون المراد معاينتهما عند الموت، وإن كان الدخول مؤجلا لا يخلو عن بعد، وما ذكره بعض الشارحين من أنه يصلح متمسكاً لما ذهب إليه الحكماء(5) في الجنة والنار(6) فمني على انکار ما ثبت ضرورة من الدين (وَإِنَّ غَایَةً تَنْقُصُهَا اللَّحْظَةُ، وَتَهْدِمُهَا السَّاعَةُ، لَجَدِیرَةٌ بِقِصَرِ الْمُدَّةِ / و74/ المراد بالغاية الزمان المحدود، أو المراد بنقصها تقريبها، والمراد بالنقص تأثير له ظهور في الجملة، وبالهدم ما كان أثره أبين فإنّ اللحظة

ص: 289


1- لسان العرب، مادة (عبث): 1/ 286
2- المؤمنون / 115
3- القيامة / 36
4- (تنزل) في ح
5- (الحكم) في ع، م
6- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 2/ 164

تنقص(1) كل غاية وأثر النقص في الساعة أنين من اللحظة، (واللحظة المرة من اللحظ)(2)، أي: النظر بمؤخر العين(3)، والمراد زمانها، والساعة الجزُء القليل من الليل والنهار(4) أو (الوقتُ الحاضُر)(5)، وقيل المراد بالساعة، وقت الموت، وفيه تأمل، والجدير والحريّ والقمين اللائق، والقِصَر كعِنَب كما في النسخ خلاف الطول كالقِصَر بالفتح وجديرة بالقصر أي: يليق بهذه الصفة والحكم بها عليها (وَإِنَّ غَائِبا یَحْدُوهُ الْجَدِیدَانِ، اللَّیْلُ وَالنَّهَارُ، لَحَرِیٌّ بِسُرْعَةِ الْأَوْبَةِ) يحدوه أي يسوقه من حدو الابل وهو سوقها والغناء لها والليل والنهار بمنزلة التفسير للجديدين، والأوبة الرجعة(6) والمراد بالغائب(7) الموت(8)؛ ولعله لسبق العدم وعدم بقاء الانسان بذاته وخلقه للفناء، وسمي حلوله أوبة، وقيل: هو الانسان إذ الدنيا ليست موطناً له وهي دار غربته(9)، وإنَّما كان الغائب حقيقاً بسرعة الرجوع لسوق الجديدين لاستلزام التجدد والتعاقب دائماً عدم الانقطاع مع تجدد القوة (وَإِنَّ قَادِما یَقْدُمُ بِالْفَوْزِ أَوِ الشِّقْوَةِ لَمُسْتَحِقٌّ لِأَفْضَلِ الْعُدَّةِ) قدم كعلم أي: رجع من سفره أو غيبته، والفوز النجاة والظفر بالخير، والشقوة ضد السعادة، والعُدة بالضم ما يعين

ص: 290


1- (ينقص) في أ، ر،ع، تصحيف، وفي ث: (تبقص) تصحيف
2- تاج العروس، مادة (لحظ): 10 / 490
3- ينظر: المصدر نفسه، مادة (لحظ): 10 / 488
4- ينظر: تاج العروس، مادة (سوع): 11/ 229
5- الصحاح، مادة (سوع): 3/ 1233
6- ينظر: لسان العرب، مادة (أوب): 1/ 219
7- (النائب) في ث، تحريف
8- (المون) في أ، ع
9- (غريبه) في ث، ع، م

على دفع المضار والظفر بالمطالب کما مر، والمراد بالقادم الذّي لا ينفك عن أحد الأمرين إما الموت فقدومه به ایراثه إياه، أو الانسان فهو ملازمته إياه ويوجد في بعض النسخ قوله (فَتَزَوَّدُوا فِی الدُّنْیَا مِنَ الدُّنْیَا مَا تَحْرُزُونَ(1) بِهِ أَنْفُسَکُمْ غَداً)(2)، وَقد مرّ في بعض الخطب وفيه بيان لأفضل العدة كما أن ما بعده تفصيل وبيان لما يحرزون به أنفسهم وعلى ما في أكثر النسخ یکون ما سيأتي بياناً لا فضل العدة (فَاتَّقَی عَبْدٌ رَبَّهُ نَصَحَ نَفْسَهُ، وَقَدَّمَ(3) تَوْبَتَهُ، وَغَلَبَ(4) شَهْوَتَهُ) الكلمات أوامر بلفظ الماضي، والنصح والنصيحة إرادة الخير للمنصوح له، قيل: لا يمكن التعبير عن هذا المعنى بلفظ آخر، وأصل النصح الخلوص، وما تقدم التوبة عليه إما الموت، أو(5) كل وقتٍ وفعل والغلبة على الشهوة العمل بحكم العقل (فَإِنَّ أَجَلَهُ مَسْتُورٌ عَنْهُ، وَأَمَلَهُ خَادِعٌ لَهُ، وَالشَّیْطَانُ مُوَکَّلٌ بِهِ، یُزَیِّنُ لَهُ(6) الْمَعْصِیَةَ لِیَرْکَبَهَا، وَیُمَنِّیهِ التَّوْبَةَ لِیُسَوِّفَهَا، حَتَّی تَهْجُمَ(7) مَنِیَّتُهُ عَلَیْهِ أَغْفَلَ مَا یَکُونُ عَنْهَا) المراد بالأجل غاية العمر، أو الوقت المحدد من حيث إنه محدود، والأمل الرجاء، وخدعه کمنعه أي: ختله و أراد به المكروه من حيث لا يعلم ووكل فلان فلاناً إذا استكفاه آمرُهُ ثقة بكفایته شبه عدم منع الشيطان من الاضلال بالتوكيل فيه وركب الشيء

ص: 291


1- (فتزودوا في الدنيا ما تحرزون) في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 5/ 114
2- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، القطب الراوندي: 1/ 211
3- (وقدم) في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 5/ 114، ونهج البلاغة، صبحي الصالح: 102
4- (وغلب) في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 5/ 114، ونهج البلاغة، صبحي الصالح: 102
5- (و) في أ، ع
6- (به) في أ، ع
7- (إذا هجمت) في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 5/ 114، ونهج البلاغة، صبحي الصالح: 102

کعلم ركوباً و مركبا أي: أعلاه کارتكبه(1)، قيل(2): الركوب في الأصل مختص بالابل، ثم اتسع فيه فعم(3) كل دابة، ثم اتسع فاستعمل في غيرها(4)، والتمني تشتهي حصول الأمر المرغوب فيه وحديث النفس بما یكون وما لا يكون يقال: تمني الشيء ومناه غيره الشيء [و](5) به وذلك الشيء منية بالضم والكسر وأُمنيه بالضم، ولعل المراد بجعل التوبة لهُ كالأماني التي من شأنها أن لا ينالها الانسان غالباً، والتسويف المطل والتأخير(6) كأنه يقول سوف أفعل و الضمير المرفوع في (يسوفها) راجع إلى العبد، قال بعض الشارحين: قد روي (یسوفها) بفتح الواو، أي: يجعل الشيطان التوبة في أمنيته ليكون مسوّفاً إيّاها، أي: يعد من المُسوفين المخدوعين،(7) قال: وعلى رواية كسر الواو يجوز أن يعني لیسوف التوبة كأنّه جعلها مخاطبة يقول لها: سوف أوقعك(8) وعلى ما ذكره تكون(9) التوبة بمنزلة الغريم وايقاعه بمنزلة الحق والشائع في استعمال التسويف والمطل أن يكون المفعول بلا واسطة الغريم لا الحق يقال: سوفه ومطله بحقه، ويمكن أن يكون من قبيل الحذف و الايصال أي: يسوف نفسه

ص: 292


1- تاج العروس، مادة (رکب): 2/ 33
2- (قبل) في ع، تصحيف
3- (نعم) في ث، تحریف، وفي ع: (فيعم) في ع، تصحيف
4- تاج العروس، مادة (رکب): 2/ 34
5- [و] ساقطة من ع
6- ينظر: تاج العروس، مادة (سوف): 12 / 289، 290
7- قول متصرف به، ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 5/ 114
8- ينظر: المصدر نفسه: 5/ 115
9- (يكون) في أ، ث، ح، ر،ع، م، تصحيف، وما اثبتناه مناسب للسياق

بالتوبة، أو(1) يسوف الشيطان إياه بها، أو يكون التسويف بمعنى التأخير مجازاً، و يهجم کينصر أي: يدخل أو بغير إذن، والمنية الموت وأغفل منصوب على الحالية (فَیَا لَهَا حَسْرَةً عَلَی کُلِّ ذِی غَفْلَةٍ أَنْ یَکُونَ عُمُرُهُ عَلَیْهِ حُجَّةً، وَأَنْ تُؤَدِّیَهُ أَیَّامُهُ إِلَی الشِّقْوَةِ) الضمير في لها مبهم يفسره الحسرة، وحسرة منصوب على التمييز، واللّام قيل للاستغاثة، أي: للحسرة على الغافلين ما أكثرك، وقيل بل لام الجر فتحت لدخولها على الضمير والمنادی محذوف / ظ 74/ تقديره: (يا قوم ادعوكم لها لتقصوا التعجب من هذه الحسرة) وإن في موضع النصب بحذف الجار(2) كأنَّه قيل: لماذا يقع الحسرة [عليهم](3)؟ فقال: علی کون أعمارهم حجة عليهم يوم القيامة (نَسْأَلُ اللّهَ سُبْحَانَهُ أَنْ یَجْعَلَنَا وَإِیَّاکُمْ مِمَّنْ لاَ تُبْطِرُهُ نِعْمَةٌ، وَلاَ تُقَصِّرُ بِهِ عَنْ طَاعَةِ رَبِّهِ غَایَةٌ، وَلاَ تَحُلُّ بِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ نَدَامَةٌ وَلاَ کَآبَةٌ) البَطَر (الطغيان عند النعمة)(4) وبطر الحق التكبر عنده(5)، وأبطره أي: جعله ذا بطر، والتقصير في الأمر: التواني فيه، وقصر عنه إذا تركه وهو يقدر عليه وتقصير الغاية به أن لا يبلغها كأنَّها جعله مقصرا لبعدها ويحل کيمد أي: ينزل، والكآبة تغير النفس بالانكسار من شدة الهم والحزن.

ص: 293


1- (و) في ع
2- (الحار) في م، تصحیف
3- [عليهم] ساقطة من ر، وفي ث: (عينهم)
4- لسان العرب، مادة (بطر): 4/ 69
5- ينظر: المصدر نفسه، مادة (بطر): 4/ 69

[وَمِن خُطبَةٍ لَهُ (عَلَيهِ السَّلام)]

(الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي لَمْ تَسْبِقْ(1) لَهُ حَالٌ حَالاً، فَيَكُونَ أَوَّلاً قَبْلَ أَنْ يَكُونَ آخِراً، وَيَكُونَ ظَاهِراً قَبْلَ أَنْ يَكُونَ بَاطِناً) تسبق في النسخ بالتاء الفوقانية والحال يذكر ويؤنث، وحال الشيء ما هو عليه وكذلك الحالة وعدم السبق المذكور إما لأنه سبحانه إنما يتصف بصفات الكمال ونعوت الجلال بذاته لا بأمر خارج عنه وليس محلاً(2) للحوادث بل ليست له صفة زائدة على ذاته بل کمال الإخلاص له نفي الصفات عنه كما تقدم في الخطبة الأولى فاتصافه سبحانه عبارة عن كون ذاته المقدسة منشأ للاعتبارات فلا يكون بعضها متقدمة على بعضٍ بل اتصافه بالجميع في الأزل وإن كانت فعلية الاضافة(3) في بعضها فيما لا يزال، وإما لأنَّه سبحانه لیس زمانياً وكذلك صفاته التي هي عين ذاته فلا يلحقها(4) التقدم والتأخر على ما قيل، والأول في أسمائه سبحانه أما بمعنی ما ليس قبله شيء، والآخر ما ليس بعده شيء کما روى عن النبي (صلى الله عليه وآله)(5) في تفسير قوله تعالى: «هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ»(6) و يناسب هذا المعنى قول سيد الساجدين (عليه السلام) (الحَمدُ للهِ الأوّلُ بِلا أوّل كان

ص: 294


1- (يسبق) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 5/ 120
2- (محل) في أ، ع
3- (الاصافة) في ر، تصحيف
4- (تلحقها) في أ، ع، تصحيف
5- تفسير الكبير، الرازي: 29/ 209
6- الحديد / 3

قبله، والآخر بلا آخر يكون بعده)(1)، و [الأول](2) الذي يبتدأ منه الأسباب، والآخر الذي ينتهي إليه المسببات، أو الأول خارجاً والآخر ذهناً على ما قيل، وفيه وهن، أو الأول المتقدم بالوجود والآخر الباقي بلا تغير بعد طریان الهلاك على الأشياء وإن بقيت بعد الاعادة ويناسبه قول سید الساجدين (عليه السّلام) في بعض الأدعية (الحمدُ لله الأوّلُ قبل الإنشاء، والآخر بعد فناء الأشياء)(3)، و(تدل)(4) بعض الروايات على أن عدم التغير مأخوذ في معنى الآخر، والظاهر الغالب على كل شيء، والباطن العالم بواطنها، أو الظاهر ما ظهر وجوده بالبراهين والآيات، والباطن ما احتجب کنهه عن الافهام أو ما لا يُدرك بالحواس الظاهرة بل بالعقل (كُلُّ مُسَمًّى بِالْوَحْدَةِ غَيْرُهُ قَلِيلٌ، وَكُلُّ عَزِيزٍ غَيْرُهُ ذَلِيلٌ) الوحدة يستعمل في حقه تعالى بأحد معنيين أحدهما: ما يستفاد منه في الشريك والشبيه، وثانيهما: مَا يَدّل على نفي الترّکُب ذهناً(5) وخارجاً و [في](6) الواحِد في حقّ غيره سبحانه يمكن أن يستعمل بمعنی مبدأ الكثرة وماله ثانٍ من نوعه أو جنسه، وبمعنى المتفرد في أمر من الأمور، والمتخلّى(7) في المكان ومن لم یکن له خدم(8) وأعوان وجليس ونحو ذلك، والمراد بالمسمى بالوَحدة ما يطلق عليه لفظ الواحد ولو

ص: 295


1- الصحيفة السجادية: 28
2- [الاول] ساقطه من أ، ع
3- الصحيفة السجادية: 556
4- (یدل) في أنث، ح، ر، ع، م، تصحيف، والصحيح ما أثبتناه
5- (دهناً) في ر، تصحيف
6- [في] ساقطه من أ، ث، ع
7- (المتجلى) في ع
8- (حدم) في ث، تصحيف

بالاشتراك(1) فيمكن أن يكون المراد بالقليل ما يقابل الكثير، والمعنى إن اتصاف غیره تعالى بالوحدة لا ينفك عن الوصف بالقلة بخلاف ذاته المقدسة إذ لا يوصف بذلك المعنى المستلزم للقلة، وليس من شأنه الاتصاف بالقلة والكثرة، بل هو واحد بمعنى آخر، والتعبير بالمسمى بالوحدة دون الواحد للإشعار بأنَّ اطلاق اللفظ ليس بمعنى واحد، بل بحسب اشتراك الاسم وغيره(2) في أكثر النسخ منصوب في المواضع؛ لأنَّه معرب بإعراب مايلي ألا في الاستثناء على المشهور، وقيل انتصابه بالحالية أو الظرفية وفي بعضها [مرفوع](3) لأنَّه صفة لكل وفيه ضعف؛ لأنَّ الشائع وصف ما أضيف إليه كل دونه لأنَّه إنما يزاد(4) لإفادة العموم فعلى الوجه الذي ذكر يكون الاستثناء متصلاً أو الوصف للتخصيص(5) على النسختين أو منقطعا أن أريد بالمسمى بالوحدة مبدأ الكثرة أو الوصف للتوضيح وهذا / و75/ مبني على ان مبدأ الكثرة يجب أن يكون من جنس الباقي، أو نوعه كما قيل، ويمكن أن يراد بالقلة الحقارة فإنها کیا تستعمل(6) في [ما](7) يقابل(8) الكثرة تستعمل(9) في دقة الجثة ونحوها وحينئذ يمكن أن يراد بالوحدة ما یعم الانفراد ونفي

ص: 296


1- (باشتراك) في ر
2- (غير) في أ، ث، ح
3- [مرفوع] ساقطه من ر، م
4- (نراد) في ث، وفي ح، ر: (تزاد) تصحيف
5- (للتحصيص) في أ، وفي ث: (للتحضيص) تصحيف
6- (يستعمل) في أ، ث، ح، ر، ع، م
7- [ما] ساقطه من أ، ح، ع
8- (مقابل) في ع
9- (يستعمل) في أ، ث، ح، ر، ع، م

المماثل والمشارك في الوجود، أو الأخص والاستثناء والوصف على نحو ما تقدم والمعنى: أن انفراد غيره لا ينفك عن الحقارة بخلاف انفراده سبحانه كما كان قبل الايجاد؛ لتمام قدرته وعدم تطرق النقص إليه، ويحتمل أن يكون التعبير بالمسمى إشعاراً بأنَّ غيره لا يوصف بالوحدة الحقيقة بل بقلة الأجزاء والوحدة الاعتبارية، والله سبحانه يوصف بها على الحقيقة كما هو المناسب الرواية فتح بن یزید الجرجاني عن أبي الحسن (عليه السلام)(1) أو بقلة الأمثال والمشارك في الجنس والصفة كما هو مناسب لاحد معنيي الواحد في حقه سبحانه ولعل الوجهين أنسب بذلة كل عزيز غيره وعلى هذا فترك التعبير بالمسمى في القرائن من قبيل الاكتفاء في الاشعار، والتحرز عن التكرار، و العزة [القوة](2) والشدة والغلبة(3)، ويقال: عز فلاناً إذا صار عزیزاً بعد ذلة(4)، وبعض الوجوه في هذه القرينة وما بعدها يعلم ممّا سبق، (وَكُلُّ قَوِيٍّ غَيْرُهُ ضَعِيفٌ، وَكُلُّ مَالِكٍ غَيْرُهُ مَمْلُوكٌ، وَكُلُّ عَالِمٍ غَيْرُهُ مُتَعَلِّمٌ، وَكُلُّ قَادِرٍ غَيْرُهُ يَقْدِرُ، وَيَعْجَزُ) مُلكهُ أي: احتواهُ قادر على الاستبداد به وضعف كل قوی و مملوكية كل مالك غيره سبحانه لكونه مقهوراً ومملوكاً له أن لم يكن لغيره، والغرض أن (الموصوفين)(5) بهذه الصفات غيره إنَّما يوصفون بها بالإضافة وفي بعض الأوقات (وَكُلُّ سَمِيعٍ غَيْرُهُ يَصَمُّ عَنْ لَطِيفِ الْأَصْوَاتِ؛ وَيُصِمُّهُ

ص: 297


1- ينظر: التوحيد، الصدوق: 56، 57
2- [القوة] ساقطه من ر، م
3- ينظر: الصحاح، مادة (عزز): 3/ 886
4- ينظر: المصدر نفسه: (عزز): 3/ 885
5- (الموصوفون) في ح

كَبِيرُهَا، وَيَذْهَبُ عَنْهُ مَا بَعُدَ مِنْهَا) صم فلان كعض(1) [يصمّ بفتحها](2) أي أنسد أذنه أو ثقل، والمراد بالصّمم عن لطيف الأصوات والعجز عن سماعة، واللطيف الصغير والدقيق(3) أي الخفي والوصف بالصغر والكبر تجوز، [ويصمه أي يجعله ذا(4) صمم، وذهابَ البعيدِ عدم سماعه لطيفاً كان أو كبيراً أو الغرض نفي العموم](5) وبيان التوقف على الشرط في حق غيره سبحانه(6) (وَكُلُّ بَصِيرٍ غَيْرُهُ يَعْمَى عَنْ خَفِيِّ الْأَلْوَانِ وَلَطِيفِ الْأَجْسَامِ) عمی عنه کرضي أي خفي عليه ولم يدركه، ولطيف الأجسام ما صغر منها جداً كالذرة و نحوها أو ما لا لون له کالهواء على ما قيل (وَكُلُّ ظَاهِرٍ غَيْرُهُ غَير بَاطِنٌ، وَكُلُّ بَاطِنٍ غَيْرُهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ) هكذا في جميع النسخ التي رأيناها وفيها ثلاثة معروضة على الأصل، وهكذا في نسخة الشارح عبد الحميد بن أبي الحديد(7)، ولعل الظاهر أنه لما كان صدق الظاهر والباطن عليه سبحانه باعتبارین مختلفين وليسا بمتضادين، أو في قوة النقيضين بخلاف غيره اجتمع الوصفان فيه دون غيره وظهوره سبحانه اما غلبته على جميع الأشياء وبطونه علمه(8) ببواطنها كانه دخل فيها، أو ظهوره سطوع براهینه و آیات وجوده في كل شيء

ص: 298


1- [كعض] ساقطه من ح
2- [يصم بفتحها] ساقطه من أ، ث، ر
3- ينظر: الصحاح: (لطف): 4/ 1426
4- (اذا) في ح
5- [ويصمه أي يجعله ذا (8) صمم، وذهابَ البعيدِ عدم سماعه لطيفاً كان أو كبيراً أو الغرض نفي العموم] ساقطة من ث
6- [سبحانه] ساقطه من ر
7- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 5/ 120
8- (عليه) في ح

وبطونه خفاء حقيقته عن الافهام أو احتجابه عن الحَواسِ، ويستفاد المعنيان من الروايات وكلمات الائمة (عليهم السلام) ولا ريب في أنَّهما لا يصدقان على غيره، وأما في حق غيره، فإنما يطلقان على معنيين متقابلين كظهور الوجود بوجه وخفائه، أو البروز على سطوح الأجسام والكون في داخلها ولا يطلق باعتبارين مختلفين فلا جرم لا يجتمعان في غيره، ولا يضرّ في هذا المقام جواز اطلاقهما على غيره أيضاً باعتبارین تعبير هما أحد كما توهم بعض الشارحين(1) وذكر رواية أخرى بدون لفظ غير في الموضعين واستشكل في النسخة المشهورة (لَمْ يَخْلُقْ مَا خَلَقَهُ لِتَشْدِيدِ سُلْطَانٍ، وَلا تَخَوُّفٍ مِنْ عَوَاقِبِ زَمَانٍ، وَلا اسْتِعَانَةٍ عَلَى نِدٍّ مُثَاوِرٍ(2)، وَلا شَرِيكٍ مُكَاثِرٍ، وَلا ضِدٍّ مُنَافِرٍ، وَلَكِنْ خَلائِقُ مَرْبُوبُونَ، وَعِبَادٌ دَاخِرُونَ) السلطان قدرة الملك ويكون بمعنى الحجة والبُرهان، وتشديده تقويته، والتخوُف الخوف وعاقبة كل شيء آخرهُ وعواقب [الامور](3) ما يحدث فيها(4) بعد أمر، (والنِد بالكسر: المثل والنظير)(5)، والمناورة (المواثبة)(6) من الثورة (وهي الهيج)(7) و المكاثر الذّي يريد الغلبة بالكثرة، / ظ 75/ يقال: كاثروهم فكثروهم أي: غالبوهم فَغلبوهم، والضِد بالكسر المخالف والمثل هو من الاضداد(8)، وضاده أي: خالفه، والمنافرة:

ص: 299


1- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 2/ 175
2- (مساور) في أ، ع، وفي م (مشاور)
3- [الامور] ساقطة من ث، ح
4- (منها) في أ، ث، ر، ع، م، تحریف
5- الصحاح، مادة (ندد): 1/ 540
6- لسان العرب، مادة (ثور): 4/ 108
7- المصدر نفسه، مادة (ثور): 4/ 108
8- المصدر نفسه، مادة (ضدد): 3/ 263

المفاخرة ثم تحکیم واحدٍ ليقضي بينك وبين الخصم(1)، والرب يطلق على المالك والسيد والمدبر والمربي والمتمم والمنعم ولا يطلق في حق غيره تعالى إلاَّ مضافاً، ((والداخر: الذّليل المُهان))(2)، وعدم تعليل الخلق(3) بالأمور لاستلزامها النقص. (لَمْ يَحْلُلْ فِي الْأَشْياءِ فَيُقالَ: هُوَ فِيها كائِنٌ، وَ لَمْ يَنْأَ عَنْها فَيُقالَ: هُوَ مِنْها بائِنٌ) يمكن أن يكون المنفي هو الكون في المكان كما هو الشائع لغة في استعمال الحلول، أو ما اصطلح عليه المتكلمون(4) من الاختصاص الناعت أو التبعية في التحيز(5) والكون في الأشياء على الأول يستلزم الجسمية والاحتياج الى مكان، وعلى الثاني نوعاً من الاحاطة والغلبة مع التحيز(6) أو بدونه، ونأى عنه أي: (بعد)(7)، والنائن المفارق(8)، والمراد إما نفي البعد(9) المكاني الذي يسبق إليه الوهم من نفي الحلول أو نفي البعد بمعنى عدم الاطلاع بالعلم والاحاطة بالقدرة والتدبير والرحمة. (لَمْ یَؤُدْهُ خَلْقُ مَا ابْتَدَأَ، وَ لاَ تَدْبِیرُ مَا ذَرَأَ، وَ لاَ وَقَفَ بِهِ عَجْزٌ عَمَّا خَلَقَ وَ لاَ وَلَجَتْ عَلَیْهِ شُبْهَةٌ فِیمَا قَضَی وَ قَدَّرَ، بَلْ قَضَاءٌ مُتْقَنٌ، وَ عِلْمٌ مُحْکَمٌ، وَ أَمْرٌ مُبْرَمٌ) آدَهُ الأَمرُ

ص: 300


1- لسان العرب، مادة (نفر): 5/ 226
2- النهاية في غريب الحديث والاثر: 2/ 107، وينظر: لسان العرب، مادة (دخر): 4/ 279
3- (الحق) في ر، م، تحریف
4- ينظر: شرح المقاصد في علم الكلام، التفتازاني (ت 792 ه): 2/ 69، وشرح المواقف، القاضي الجرجاني (ت 816 ه): 8/ 23
5- (التحیر) في ر، تصحيف
6- (التحير) في ر، تصحيف
7- لسان العرب، مادة (نأي): 15/ 300
8- (بعد) في أ، ع
9- ينظر: لسان العرب، مادة (نأي): 15 / 300

يُؤدُهُ أوداً و أوُوُداً، أي: (بلغ منه المجهود)(1)، وآدهُ الحمل أي: أثقله(2)، وذرأ أي: (خلق)(3) ووقوف العجز به لحوقه إياه، وولجت أي: دخلت(4)، والشُّبهة بالضمة الباطل المشابه للحق کما تقدم، وقضى أي: حکم، وقيل: أصل القضاء (القطع والفصل)(5)، وقيل: يستعمل في معانٍ مرجعها إلى (انقطاع الشيء وتمامهُ)(6)، وقدر أي: قضى، وقيل: القضاء والقدر أمران متلازمان أحدهما بمنزلة الأساس وهو القدر، والآخر بمنزلة البناء وهو القضاء، والمتقن المُحكم وكذلك المبرم من أبرم الحبل أي: جعله طاقين ثم فتله(7)، ويظهر من الاخبار أن القضاء والقدر وغيرهما خصال تكون في خلق الأشياء وتفصيلها عند أهل العلم (الْمَأْمُولُ مَعَ النِّقَمِ الْمَرْهُوبُ مَعَ النِّعَمِ) المأمُول المَرجُّوِ وهو مرفوع على الخبرية لمبتدأ محذوف، والنِقَم کعِنَب جمع نِقمة بالكسر وكفرحة وهي المكافأة بالعقوبة أو الكراهة البالغة حد السّخط، والرهبة الخَوف والفزع، والنِعمة بالكسر المسرة والترفه وعدم انقطاع الرجاء عنه سبحانه في كل حال واضح واليأس من روح الله من أعظم الكبائر، وكذلك الأمن من مكر الله لاحتمال الاستدراج في النعم كما قال سُبحَانهُ: «سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ»(8).

ص: 301


1- تاج العروس، مادة (أود): 4/ 338
2- ينظر: المصدر نفسه، (أود): 4/ 339
3- تاج العروس، (ذرأ): 1/ 156
4- ينظر: الصحاح، مادة (ولج): 1/ 347
5- لسان العرب، مادة (قضی): 15 / 186
6- المصدر نفسه، مادة (قضی): 15 / 186
7- (قتله) في ث، ح، ر، تصحيف
8- الأعراف / 182

[ومن كلام له (عليه السلام)] كان يقوله لأصحابه في بعض أيام صفين

قال بعض الشارحين هذا الكلام خطب به أمير المؤمنين (عليه السلام) في اليوم الذي كان(1) عشية ليلة الهریر(2) في كثير من الروايات، وفي رواية نصر بن مزاحم(3) إنه خطب به أول أيام الحرب بصفين وذلك في صفر من سنة سبع وثلاثين(4) (مَعاشِرَ الْمُسْلِمِینَ؛ اسْتَشْعِرُوا الْخَشْیَةَ وَتَجَلْبَبُوا السَّکِینَةَ) المعشر الجماعة واستشعار الخشية أن يجعلوا الخوف من الله عز وجل ملازماً لهم كالشِعار بالكسر وهو ما تحت الدثار من اللباس تلي شعر الجسد، وفائدة هذا الأمر الصبر على الحرب، وترك الفرار من الزحف وامتثال سائر الأوامر، ويحتمل أن يراد به إخفاء الخوف عن العدو إذا لم يمكن(5) سلبه عن النفس والأول أظهر والاستشعار يناسب الأول أيضاً؛ لكون الخشية من خفايا الأمور، والجِلباب بالكسر قيل هو القميص، وقيل ثوب واسع للمرأة

ص: 302


1- (كانت) في أ، ث، ح، ر، والصواب ما اثبتناه
2- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 2/ 178
3- بن مزاحم المنقري التميمي، يکنی (ابا الفضل)، وهو كوفي مستقيم الطريقة، صالح الامر، ادیب اخباري کان عطارا بالكوفة وولاه ابو السرايا سوقها، ثم سكن بغداد، من كتبه: مقتل الحسين (عليه السلام)، والمناقب، والجمل، ووقعة صفين، والغارات، ينظر: الفهرست، الطوسي: 254، 255، ومعجم رجال الحدیث، الخوئي 20/ 157، ومعجم المؤلفين: 92/13
4- حكاه ابن أبي الحديد عن نصر بن مزاحم، ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد
5- (یکن) في ر

دون الملحفة، وقيل الملحفة(1)، وقيل هو كالمقنعة تغطي به المرأة رأسها وظهرها وصدرها، وقيل الخمار، وقيل الازار، والرداء و تجلبب أي: اتخذه، والسكينة: (الوقار والتأني في الحركة والسير)(2)، والمراد شدة ملازمة الوقار والتأني فإنَّ الطيش والاضطراب يستلزمان الفشل وطمع العدو (وَعَضُّوا عَلَی النَّواجِذِ، فَإِنَّهُ أَنْبَی لِلسُّیُوفِ عَنِ الْهَامِ) عضضته وعضضت عليه کسمعت ومنعت مسكته بأسناني والنواجذ أقاصي الأضراس وهي أربعة بعد الأرحاء ويسمى الناجذ ضرس الحلم؛ لأنه ينبت(3) بعد [...](4) کمال العقل، وقيل هي(5) الضواحك أي التي تبدو عند الضحك، وقيل الانياب وقيل التي تليها وقيل الاضراس كلها ونبا السيف عن الضربية إذا لم يعمل فيها، والهام جمع هامة وهي رأس كل شيء والأمر أما محمولٍ على الحقيقة، لأن هذا العض تصلب الاعصَاب و76/ والعضلات وتدفع الاسترخاء فيكون تأثير السيف في الرأس أقل کما ذكره بعض الشارحين(6)، أو كناية عن شدة الاهتمام بأمر الحرب أو الصبر وتسكين القلب وترك الاضطراب فإنَّه أشد إبعاد السيف العدو عن الرأس، وأقرب الى النصر کما ذكره بعضهم(7)، والأول

ص: 303


1- [الملحفة] ساقطة من ر
2- النهاية في غريب الحدیث والاثر: 2/ 385، وينظر: تاج العروس، مادة (سکن): 18/ 291
3- (نبت) في ث، ر
4- [الكلام] زيادة في أ، ع
5- (هو) في أ
6- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 5/ 133
7- ينظر: منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، الراوندي: 1/ 290

أقرب لفظاً ومعنى إلاَّ أنَّ العلة لا تخلو(1) عن خفاء (وَأَکْمِلُوا اللَّأْمَةَ، وَقَلْقِلُوا السُّیُوفَ فِی أَغْمادِها قَبْلَ سَلِّها) الَأمَة بفتح اللام والهمزة الساكنة (الدرع)(2) ويجمع على لأَم ولُؤَمٍ کصُرد(3) [وكدر](4) على غير قياس كأنَّه جمع لُؤمَةٍ(5)، وقيل اللامة جميع الآت الحرب والسلاح، وما ذكره بعض الشارحين من أن الَّلأمة بالهمزة الممدودة [مع](6) تضعيف الميم جميع(7) آلات الحرب(8) فلم نجده في كتب اللغة واکمال اللامة على الأول أن يزاد عليها البيضة والسواعد ونحوهما، أو اتخاذها كاملة شاملة للجسد، والقلقلة التحريك(9)، والغِمد بالكسر جفن السيف(10)، وسل السيف إخراجه من الغمد، وقيل(11): سلها أي: قبل وقت الحاجة إلى سلها، وفائدة القلقلة التحرز من عدم خروجها أو صعوبة حالة الحاجة لصداء وغيره مما يعرض لها طول المكث في الجفن أو لعارض، (وَالْحَظُوا الْخَزْرَ، وَاطْعُنُوا الشَّزْرَ(12)) اللحظ النظر بمؤخر العين

ص: 304


1- (يخلو) في أ، ث
2- المخصص، مادة (لام): 2/ 70
3- (كقصاء) في ث
4- [وكدر] ساقطة من ح، ر
5- ينظر: الصحاح، مادة (لام): 5/ 2026، والمخصص: 2/ 70
6- [مع] ساقطة من ر، م
7- (جمع) في ر
8- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 5/ 133
9- ينظر: لسان العرب، مادة (قلل): 11/ 567
10- المصدر نفسه، مادة (غمد): 3/ 326
11- (قبل) في ث، م، تصحيف
12- (الشرز) في ث، ح

والخزر (بسكون الزاي: النظر بلحظ العين) ذكره في القاموس(1)، وقال بعض الشارحين: الذي أعرفه الخَزَرَ(2) بالتحريك فإن كان قد جاء مسكناً وإلاَّ فتسکینه جاز للسجعة(3)، والمشهور في الخزر بالتحريك الذي ذكره ضيق العين وصغرها أو أن يكون الإنسان خلقه كأنَّه ينظر بمؤخر العين(4) وطعنه کمنعه ونصره بالرمح ذكره بالقاموس(5) والعين مفتوحة في أكثر النسخ، وقال بعض الشارحين: العين مضمومة، يقال: طعنت بالرمح أطعُن، بالضم، وطعنت في نسبه أطعَن بالفتح(6)، وهو اقتصار على ما في الصحاح(7)، والشَزرُ بالفتح الطَعن عن اليمين والشمال(8)، وقال بعض الشارحين: أكثر ما يستعمل في الطعن عن اليمين خاصة(9)، وقال ابن الاثير في النهاية في حديث عليّ (عليه السّلام) (الخطو الشزر، واطعنوا اليسر) والشزر النظر بمؤخر العين وهو نظر الغضبان(10)، واليسر بالفتح (الطعن حذاء الوجه)(11)، والجزر والشزر صفتان لمصدرين محذوفين أي ألحظوا لحظاً خزر أو اطعنوا

ص: 305


1- القاموس المحيط، مادة (خزر): 2/ 19
2- (الخرز) في ث، ح، تصحيف
3- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 5/ 133
4- ينظر القاموس المحیط، مادة (خزر): 2/ 19
5- ينظر: المصدر نفسه، مادة (شزر): 4/ 244
6- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 5/ 133
7- ينظر: الصحاح / مادة (طعن): 6/ 2157
8- ينظر: المصدر نفسه: 2/ 697
9- قول متصرف به، ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 5/ 133
10- قول متصرف به، ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر: 2/ 470
11- النهاية في غريب الحديث والاثر: 5/ 296، و لسان العرب، مادة (يسر): 5/ 295

طعنًا شزراً واللام للعهد وفائدة الأمر الأول واضحة فإن النظر بمؤخر العين بهيج الحمية والغضب ويدفع طمع العدو ويغفلة عن التعرض، وبملاء العين يورث الجبن وعلامة له عند العدو ويصير سبباً لتحرزه وأخذ أُهبته والتوجه الى القرن، وأمّا الأمر الثاني، فقيل: إنَّه يوسع لمجال على الطاعن وأكثر المناوشة للخصم في الحرب تكون عن يمينه وشماله ويمكن أن تكون(1) الفائدة أن احتراز العدو عن الطعن حذاء الوجه أسهل، والغفلة عنه أقل هذا على ما في الأصل، وما في النهاية(2) يخالفه(3) (وَنافِحُوا بِالظُّبَی وَصِلُوا السُّیُوفَ بِالْخُطا) المنافحة المضاربة والمدافعة(4)، والظُبي بالضم جمع ظُبةٍ بالضم أيضاً وهي طرف السيف وحده ويطلق على حد السيف والسنان وأصل الكلمة ظبوبوزن صُرد حذفت الواو [وعوضت](5) عنها الهاء(6)، [و](7) قيل(8) المعنى: قاتلوا بالسيوف وأصله أن يقرب أحد المتقاتلين الى الآخر بحيث يصل نفح كل منهما الى صاحبه أي ريحه نفسهُ، وقيل: أي ضاربوا بأطراف السيوف، وفائدته أن مخالطة العدو والقرب الكثير منه يشغل عن التمكن من حربه، وأيضاً لا يؤثر الضرب كما ينبغي مع القرب المفرط، و وصل الشيء بالشيء جعله متصلاً به، والخطی جمع خطوة بالضم فيهما

ص: 306


1- (يكون) في أ، ث، ح، ر، ع، م، والأنسب ما أثبتناه
2- ينظر: النهاية في غريب الحديث والاثر: 5/ 296
3- (مخالف) في ع
4- ينظر: معجم مقاییس اللغة، مادة (نفح): 5/ 458
5- [وعوضت] ساقطة من ث
6- ينظر: لسان العرب، مادة (ظبا): 15 / 22
7- [و] ساقطة من أ، ث، ر، ع، م
8- (قبل) في ث، تصحيف

وهي ما بين القدمين، والمعنى: إذا قصرت السيوف عن الضربة فتقدموا تلحقوا ولا تصبروا حتى يلحقكم(1) العدو وهذا التقدم يورث القاء الرُّعب في قلب العدو، وروى أنَّه قيل له (عليه السّلام) في بعض الغزوات: ما أقصر سيفك؟ فقال: أطوله بخطوة(2)، وقد أخذ هذا المعنى الكثير من الشعراء، وفي رواية ابن الاثير (صلوا السيوف بالخطى، والرماح بالنبل)(3) أي إذا لم تلحقهم الرماح فارموهم بالسهام (وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ بِعَيْنِ اللَّهِ، وَمَعَ ابْنِ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ (صَلّى اللَّه عَلَيه وَآلِه)(4) فَعَاوِدُوا الْكَرَّ، وَاسْتَحْيُوا مِنَ الْفَرِّ؛ فَإِنَّهُ عَارٌ فِي الْأَعْقَابِ، وَنَارٌ يَوْمَ الْحِسَابِ) المراد بكونهم بعين الله أنه سبحانه يراهم ويعلم أعمالهم و الباء مثلها في قولك أنت بمرأى مني ومسمع، أي: بحيث أراك وأسمع كلامك فيكون تمهيداً للنهي عن الفرار، وإنه سبحانه يحفظهم ويرعاهم وينصرهم على العدو لكونهم على الحق کما يناسب كونهم مع ابن عم رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي أمر الله بموالاته ونصره ومعاداة أعدائه، والكَرُّ (الرجوعُ)(5) والحملة ومعاودة الكر عند التحرّف للقتال أو التحيز الى فئة أو عند الفرار للجبن / ظ 76/ واغواء الشيطان لو كان، أو المراد لا تقتصروا(6) على حملة لليأس عن حصول الغرض بل عاودوا واحملوا كرة بعد اخرى، والعار (العيب)(7) و أكثر ما يستعمل في العيوب التي

ص: 307


1- (تلحقكم) في أ
2- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 2/ 180
3- النهاية في غريب الحديث والاثر: 193/5
4- (صلى الله عليه واله وسلم) غير موجوده في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 5/ 132
5- الصحاح، مادة (كرر): 2/ 805
6- (لا يقتصروا) في أ، ث، ر
7- الصحاح، مادة (عور): 2/ 761

يعبر بها، والأعَقاب جمع عُقُب بالضم وبضمتين أي العاقبة(1)، والمعنى: أنَّ الفرار عار في عاقبة أمركم، وما يتحدث به النّاسِ في مستقبل الزمان على ما قاله الشارحان(2) أو جمع عقب ککَتِف أو عقَب(3) بالفتح أي الولد وولد الولد والمعنى أن الفرار مما يعيّر به أولادكم من بعدكم وحمل النار للمبالغة في ايجاب الفرار دخول النار قال الله تعالى: «وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ»(4) (وَطِيبُوا عَنْ أَنْفُسِكُمْ نَفْساً وَامْشُوا إِلَى الْمَوْتِ مَشْياً سُجُحاً) طاب نفسي بالشيء، وطبت به نفساً و فعلته بطيبة نفسي إذا لم يكرهك عليه أحد، والتعدية بعن لتضمين معنى التجافي والتجاوز، ونفساً منصوب على التمييز وافراده مع عدم اللبس أولى، كما قال سبحانه: «فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا»(5) وليس بمتعین کما ذكره بعض الشارحين(6)، بل يجوز المطابقة صرح به الشيخ الرّضي وغيره، ولعل المعنى وطنوا أنفسكم على بذلها في سبيل الله وارضوا به وهونوا القتل على أنفسكم لإيراثه الحياة الباقية والسرور الدائم والسُجُح بضمتين بتقديم الجيم على الحاء المهملة (السهل)(7). (وَعَلَيْكُمْ بِهَذَا السَّوَادِ الْأَعْظَمِ، وَالرِّوَاقِ الْمُطَنَّبِ) عليك به أي: الزمه و أسماء

ص: 308


1- المصدر نفسه، مادة (عقب): 1/ 184
2- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 5/ 136، و شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 2/ 181
3- (عقیب) في أ
4- الأنفال / 16
5- النساء / 4
6- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 5/ 137
7- القاموس المحيط، مادة (سجح): 1/ 227

الأفعال وإن كان حكمها في التعدي واللزوم حكم أفعالها(1)، إلا أن الباء تزاد في مفعولها كثيراً لضعفها في العمل فيعمد(2) الى حرف عادته ايصال اللازم الى المفعُول، وسواد الناس عامتهم والمشار إليه معظم القوم المجتمعين على معاوية، والرواق ککتاب الفسطاط والقبة، وقيل: (هو ما بين يدي البيت)(3)، وقيل: رواق البيت سماوية وهي الشقة التي تكون(4) دون العليا(5)، والمطنب المشدود بالإطناب، والمراد مضرب معاوية وكان في قّبة عالية وحوله صناديد أهل الشام (فَاضْرِبُوا ثَبَجَهُ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ كَامِنٌ فِي كِسْرِهِ، وَقَدْ(6) قَدَّمَ لِلْوَثْبَةِ يَداً، وَأَخَّرَ لِلنُّكُوصِ رِجْلاً) ثبج الشيء بالتحريك [وتقديم المثلثة](7) (وسطه ومعظمه)(8)، وكَمِنَ كنَصِرَ وسَمِعَ أي: (استخفی)(9)، ومنه الكَمين للقوم یکمنون في الحرب وكسر الخِباء بالكسر الشقة السفلى يرفع أحياناً ويرخي أُخرى، والوثبة الطفرة(10)، ونَکَصَ كنصر وضرب أي: (رجع)(11)، والشيطان هو إبليس لا معاوية كما ذكره

ص: 309


1- (فتعمد) في ح
2- ينظر: النحو الوافي: 4/ 149
3- لسان العرب، مادة (روق): 10/ 113
4- (يكون) في ر، م
5- ينظر: لسان العرب، مادة (روق): 10/ 113
6- (وقد) في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 5/ 132، ونهج البلاغة، صبحي الصالح: 105
7- [وتقديم المثلثة] ساقطة من ر، م
8- لسان العرب، مادة (ثبج): 2/ 220
9- المصدر نفسه، مادة (كمن): 3/ 359
10- ينظر: تاج العروس، مادة (وثب): 2/ 461
11- الصحاح، مادة (نص): 3/ 1060

بعضهم(1) فإنَّه بارز في الصدر لا کامن في الكسر، وتقديم اليد للوثبة، وتأخير الرجل للنكوص لا ينافي في إرادة إبليس فإنَّهُ من المرافقين لمعاوية وأصحابه يثب بوثوبهم ويرجع برجوعهم ويمكن أن يراد بوثبته(2) طمعه(3) في غلبة أصحاب معاوية (وتحريضهم)(4) على القتال وبالنكوص(5) ما يقابله ويحتمل أن يراد بالشيطان عمر بن العاص کما قيل(6) إلا أن الأول أظهر وحمله على القوة الوهمية على ما في كلام بعض الشارحين(7) من الأوهام الفاسدة (فَصَمْداً صَمْداً! حَتَّى يَنْجَلِيَ لَكُمْ عَمُودُ الْحَقِّ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ، وَاللَّهُ مَعَكُمْ، وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ) الصَمدَ بالفتح القصد ومنه الصَمَدُ بالتحريك لمن يُصمَدُ(8) في الحوائج(9) وناصب المصدر محذوف، والتأكيد للتحريص(10) على [ما](11) قصد العدو والصبر على الجهاد أو التقرب إلى الله وإخلاص النية في الأعمال التي من جملتها الجهاد و انجلى الشيء وتجلى أي: انكشف وظهر، وعمود

ص: 310


1- ينظر: منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، الراوندي: 1/ 292، و شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 2/ 182
2- (يوثبته) في ث، تصحيف
3- (طعمه) في أ، ع، تحریف
4- (وتحريصهم) في أ، ث، ح، ر، ع، م، تصحيف
5- (للنكوض) في ر، تصحيف
6- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 2/ 182
7- ينظر: المصدر نفسه: 2/ 182
8- (يضمد) في ر
9- ينظر: الصحاح، مادة (صمد): 1/ 496
10- (للتحريص) في أ، ح، ر، تصحيف
11- [ما] ساقطة من أ، ث، ع، م

الحقّ تشبيه له بالصبح الساطع أي: الفجر الأول وهو يشبه(1) عمود البيت والفسطاط ولعل فيه اشعاراً بعدم الظهور لأكثر القوم کما ينبغي والواو للحال وأنتم الأعلون أي: الغالبون على الأعداء بالظفر أو بأنَّكم على الحق والله معكم أي بالنصر و الخياطة أو لأنكم أنصاره ولن يتركم أي لا ينقصكم الله جزاء أعمالكم بل يوفيكم أجورکم وقيل: لا يضيع أعمالكم من وَترتُ الرَّجُل إِذَا قتلت له حميماً أو(2) قريباً فافردته عنه و جعلته وتراً، وقيل: أصل الوتر القطع، ومنه الوتر المنقطع عنه غيره بانفراده عنه، ولعل حاصل المعنى أقصدوا ربكم بأعمالكم التي منها جهاد أعدائكم وأخلصوا / و 77/ نياتكم حتى ينجلي(3) لكم أنكم على الحق کما قال الله عز وجل: «وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ»(4) والجملة الحالية تفيد أنهم على الحق ومن أنصار الله وحزبه، أو اقصدوا أعداءكم بتصميم العزم حتى يظهر آية النصر وينجز الله لكم ما وعد من الظفر ووعده الحق، ويمكن أن يراد بالحق الطريقة المستقيمة وأن يكون الظفر سباً لظهوره للقوم.

ص: 311


1- (تشبيه) في أ، ع. (من) ساقطة من ح
2- (و) في ح
3- (تنجلي) فيع، تصحيف
4- العنكبوت / 69

[ومن كلام الله عليه السلام)] في معنى الأنصار

أي: في المقصد المتعلق بهم وفي أمرهم(1) قالوا لما انتهت إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) أنباء(2) السقيفة بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال (عليه السلام): ما قالت الأنصار؟ قالوا: قالت: منا أمير ومنكم أمير، قال (عليه السّلام): (فَهَلاَّ اِحْتَجَجْتُمْ عَلَیْهِمْ بِأَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ (صلی الله علیه وآله)(3) وَصَّی بِأَنْ یُحْسَنَ إِلَی مُحْسِنِهِمْ وَ یُتَجَاوَزَ عَنْ مُسِیئِهِمْ! قَالُوا: وَ مَا فِی هَذَا مِنَ اَلْحُجَّهِ عَلَیْهِمْ؟ فَقَالَ(4) (عَلَیْهِ اَلسَّلاَمُ): لَوْ کَانَتِ اَلْإِمَامَةُ(5) فِیهِمْ لَمْ تَکُنِ اَلْوَصِیَّهُ بِهِمْ) انتَهت إِليهِ أي: بلغته، والسقيفة صفة لها سقف فعيلة(6) بمعنى مفعولة، وسقيفة بني ساعدة صفة كانوا يجتمعون فيها وأنباء(7) السقيفة ما جرى بين القوم يوم البيعة، ووصى وأوصى بمعنی والوصية في أمر الأنصار رواها من الجمهور مسلم(8) والبخاري(9)

ص: 312


1- (في المقصد المتعلق بهم وفي أمرهم) ساقطه من شرح ابن ابي الحديد 3/6
2- (ابناء) في أ، ث، تصحیف
3- (صلى الله عليه وسلم) في شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: 6/ 3
4- (فقال) في شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: 3/6، في شرح نهج البلاغة، لصبحي الصالح: 106
5- (الامامة) في شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: 3/6، في شرح نهج البلاغة، صبحي الصالح: 106
6- (فعليه) في ث، ر، تحریف
7- (ابناء) في ث، ر، ع، تحریف
8- روى مسلم (... إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الانصار کرشي و عيبتي، وإن الناس سیکثرون وقلون فاقبلوا من محسنهم، واعفوا عن مسيئهم) صحیح مسلم: 7/ 174
9- والبخاري هو: محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري الجعفي ویکنی أبا عبد الله، محدث، حافظ، فقیه، مؤرخ، ولد سنة (194 ه) رحل في طلب العلم الى سائر الأمصار فذهب الى الحجاز والشام ومصر، ومن مؤلفاته: الجامع الصحيح: التاريخ الكبير، خلق افعال العباد. الانساب: 1/ 293، وسیر اعلام النبلاء: 12/ 391، 392، و الوافي بالوفيات: 2/ 148، ومعجم المؤلفين: 9/ 52، 53، و الاعلام: 6/ 34، وقد روى البخاري: (أوصيكم بالأنصار فإنها کرشي وعيبتي، وقد قضوا الذي عليهم، وبقي الي لهم فاقبلوا من محاسنهم، وتجاوزوا عن مسيئهم) صحیح البخاري: 4/ 226

وغيرهما(1) والوصية بهم الأمر بمراعاتهم والاحسان اليهم، ثم قال: (عَلَیْهِ اَلسَّلاَمُ): فَمَا ذَا قَالَتْ قُرَیْشٌ؟ قَالُوا: اِحْتَجَّتْ بِأَنَّهَا شَجَرَهُ اَلرَّسُولِ (صلی الله علیه وآله)(2) فَقَالَ (عَلَیْهِ اَلسَّلاَمُ)(3): اِحْتَجُّوا بِالشَّجَرَةِ وَ أَضَاعُوا اَلثَّمَرَةَ!) الاضاعة والتضييع بمعنى والمراد بالثمرة أما الرسول (صلى الله عليه وآله) والاضاعة(4) عدم اتباع نصه أو أمير المؤمنين [(عليه السلام)](5) وأهل البيت (عليهم السّلام) تشبيهاً له (صلى الله عليه وآله) بالأغصان أو إتباع الحق الموجب للتمسك به دون غيره كما قيل، والغرض الزام قریش بما تمسکوا به من الاختصاص به (صلى الله عليه وآله) فإن تم فالحق لمن هو أقرب وأخص وإلاَّ فالأنصار على دعواهم.

ص: 313


1- ينظر: المعجم الكبير، الطبراني: 6/ 33، وفتح الباري: 7/ 92
2- (صلى الله علي وسلم) في شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: 6/ 4
3- [عليه السلام] في ع، ساقطة من ح، أ، ر
4- (الاضافة) في ع
5- [(عليه السلام)] ساقطة من ث، ح، ر، م

[(ومن كلام له (عليه السلام)] لما قلد محمد بن أبي بكر مضر فملكت عليه وقتل)

القلادة ما يجعل في العنق، وقلدته(1) قلادة أي: جعلتها في عنقه ومنه تقليد الولاة(2) الاعمال والولايات كأنها قلادة لهم لأنَّهم مسؤولون عن خيرها وشرها ومصر(3) هي المدينة المعروفة، قيل سمیت؛ لأنَّه بناها المصر بن نوح [و](4) قد تصرف وتذكر(5)، وملك الشيء كضرب أي: احتواه قادراً على

ص: 314


1- (وقلدته قلادته قلادة) في أ، ع
2- (الولادة) في أ، ع، تحریف
3- مصر مدينة معروفة، قيل انها سميت بمصر نسبة الى مصر بن أنيم بن حام بن نوح عليه السلام، ويسمونه البعض مصرایم بن حام، و اسمها باليونانية مقدونية، فتحها عمرو بن العاص أيام الخليفة عمر بن الخطاب، وهي مدينة ذات ارث حضاري عظيم، كانت منزلا للفراعنة، وقد هاجر اليها جماعة من الانبياء، کما ولدوا ودفنوا بها جماعة منهم يوسف، و الاسباط وموسى وهارون (عليهم السلام)، وزعموا ان المسيح (عليه السلام)، ولد بأهناس، وبها نخلة مريم (عليها السلام). ينظر: البلدان: 115، ومعجم البلدان: 5/ 137، 138
4- [و] ساقطة من أ. ع
5- ذهب سيبويه، والفراء، و المبرد الى أن (مصر) ممنوعة من الصرف لأنها اسم بلد بعينه ثلاثي الاحرف، مؤنث بدليل قوله تعالى: «ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ» البقرة / 99، وذهب ابن السراج انها مما يذكر ويؤنث مع اتفاقه معهم بأنها ممنوعة من الصرف، و علل ابن الوراق جواز تذکیر أسماء البلدان مع ان الغالب فيها التأنيث أن تأنيثها غير حقيقي. ينظر: کتاب سيبويه: 3/ 242، ومعاني القرآن، الفراء: 1/ 42، 43، و المقتضب: 291/3، و الأصول في النحو: 2/ 100، و على النحو، ابن الوراق: 629

الاستبداد به و ملکه عليه أي: أخذه منه قهرا واستولى عليه روي أنه لما قوی أمر معاوية بعد وقعة صفين طمع في مصر وقد كان أعطاه طعمه لعمرو بن العاص ليشایعه في قتال أمير المؤمنين (عليه السّلام) فبعثه إليها في ستة آلاف فارس وكان فيها طائفة من يطلب بدم عثمان وكان محمد بن أبي بكر من قتلة عثمان وإن اختلف في أنه باشر القتل بنفسه فانضافوا إلى عمرو واجتمع مع محمد أربعة آلاف فلما قاتلوا (ظفر)(1) عمرو وهرب محمد والتجأ الى خربة واختفى فيها (فظفر)(2) به معاوية بن حديج الكندي(3) وقد كان يموت عطشا فقدمه وضرب عنقه وحشاه في جوف حمار میت وأحرقه(4) وقد كان أمير المؤمنين (عليه السّلام) وجه لنصرته مع مالك بن کعب نحو(5) الفي رجل فسار بهم خمس ليال وورد الخبر إليه (عليه السّلام) بقتل محمد بن أبي بكر فجزع (عليه السّلام) عليه(6) جزعا [شديدا](7) تبين أثره في وجهه،

ص: 315


1- (طفر) في ث، ح، تصحيف
2- (فطفر) في ح، تصحيف
3- معاوية بن حندج بن قنبرة بن حارثة بن عبد شمش بن معاوية بن جعفر السكوني، یکنی أبا عبد الرحمن، وقيل: أبا نعیم، لقي الخليفة عمر بن الخطاب وروى عنه، غزا افريقيا ثلاث مرات وولي امرة غزو المغرب سنة (34 ه و 40 ه، و 50 ه) ذهبت عينة يوم دمقلة، وقيل اصيبت عندما غزا الحبشة مع ابن أبي سرح، ولاه معاوية امرة مصر، فقتل محمد بن أبي بكر، بأمر عمرو بن العاص، وكان أسب الناس للإمام علي (عليه السلام)، مات سنة (52 ه) في مصر. ينظر: الاستیعاب: 3/ 1414، 1413، و تهذیب الكمال: 28/ 162 - 167، و سير أعلام النبلاء: 3/ 37 - 40
4- ينظر: العبر في خبر من غبر: 1/ 45
5- (نحوا من) في ر، ع. م. ث
6- [عليه] ساقطة من ث
7- [شديدا] ساقطة من ث، ر، ع

وقال: رحم الله محمداً كان غلاماً حدثا إلى آخر الكلام. (وَ قَدْ أَرَدْتُ تَوْلِیَةَ مِصْرَ هَاشِمَ بْنَ عُتْبَةَ؛ وَ لَوْ وَلَّیْتُهُ إِیَّاهَا لَمَّا خَلَّی لَهُمُ اَلْعَرْصَةَ، وَ لاَ أَنْهَزَهُمُ(1) اَلْفُرْصَةَ، بِلاَ ذَمٍّ لِمُحَمَّدِ بْنِ أَبِی بَکْرٍ، فَلَقَدْ کَانَ إِلَیَّ حَبِیباً، وَ کَانَ لِی رَبِیباً) تولية الرجل الولاية جعله والياً لها، ويجوز أن يكون المفعول الأول الولاية كما وقع في هذا الكلام، والعَرصَةُ: بُقعَةٍ واسعةٍ بين الدُور أو مطلقاً لا بناء فيها(2)، والفُرصَة بالضم في الأصل (الشُربُ والنَوبَةُ)(3) يقال: جاءت فُرصَتُكَ من البئر أي نُوبَتُكَ، وانتهز(4) الفُرصَة أي: اغتنمها(5) و انتهاز الفرصة أما بمنزلة التأكيد لتمكين العدو وعدم التدبير في دفعة كما ينبغي أو تخلية العرصة كناية عن الفرار، وانتهاز(6) الفرصة تمكين الأعداء والعكس محتمل إلا أن الترقي في النفي أولى ونفي الذم لدفع الايهام ولعل عدم استحقاقه للذم لكون هذا التمكين عن عجزه لا عن التقصير و التواني / ظ 77/، وكان إليَّ حبيباً أي: كنت أحبه ومن كان محبوباً له (عليه السّلام) لا ريب في أنَّه لا يستحق الذم، وربیب الرجل ابن امرأته من غيره وربيبه (عليه السّلام) يقتبس من أنواره على حسب استعداده، وأُم محمد بن أبي بكر هي أسماء بنت عمیس کانت عند جعفر بن أبي طالب(7) (عليهما السّلام)، وهاجرت معه الى الحبشة فولدت

ص: 316


1- (انهزمهم) في م
2- ينظر: الصحاح، مادة (عرص): 3/ 1044
3- الصحاح، مادة (فرص): 3/ 1048
4- (انتهزم) في أ، ع
5- ينظر: الصحاح، مادة (فرص): 3/ 1048
6- (وانهاز) في أ، ث، ح، ر، ع، ث
7- جعفر بن أبي طالب بن هاشم صحابي هاشمي من شجعان بني هاشم، أسلم قبل أن يدخل رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) دار الأرقم، ويدعو فيها، هاجر الى الحبشة في الهجرة الثانية، فسمي ذو الهجرتين وذو الجناحين، ويلقب بالطيار ذلك انه فقد يداه في معركة مؤتة فقال النبي (صلى الله عليه واله وسلم): (لقد أبدله الله بيديه جناحين يطير بهما في الجنة) مات في نفس المعركة سنة (8 ه). ينظر: المعارف: 205، والانساب: 91/4، و الوفيات، أحمد الخطيب: 40، الاعلام: 2/ 125

له هناك عبد الله، ولما قتل جعفر يوم(1) مؤتة تزوجها أبو بكر، فولدت له محمداً، ثم تزوجها(2) أمير المؤمنين (عليه السّلام)، ونشأ محمد في حجره ورضع الولاء والتشيع ولم يكن يوالي أحداً غيره (عليه السّلام)، وكان جارياً عنده (عليه السّلام) مجری بعض ولده وكانت أم فروة(3) بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر أم الصادق جعفر بن محمد (عليهما السّلام) وذكر الكشي(4) (رحمه الله) وغيره روایات تدل على خلوص عقيدته ورفعة محله، وأما هاشم(5) فهو .

ص: 317


1- [يوم] ساقطه من ر
2- (یزوجها) في أ، ع، تصحیف
3- أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، زوجة الامام محمد الباقر (عليه السلام)، وأم ابنه جعفر الصادق (عليه السلام)، لذلك كان يقول ولدني أبو بكر مرتين. ينظر: انساب الاشراف: 3/ 147، الانساب: 507/2، وتهذيب الكمال: 5/ 74، 75، وسير أعلام النبلاء: 4/ 406
4- ينظر: اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي)، الشيخ الطوسي: 1/ 282
5- هاشم بن عتبة بن أبي وقاص، بن عبد مناف بن زهرة القرشي، وهو ابن أخي سعد بن أبي وقاص، يكنى أبا عمرو ويعرف بالمرقال، نزل الكوفة، وأسلم يوم الفتح، وكان من الشجعان الابطال، بعثه الخليفة عمر بن الخطاب لمساندة عمه سعد في فتح الجلولاء فافتتحها وهزم الفرس، فقئت عينه يوم اليرموك، شهد صفين مع الامام علي (عليه السلام)، وكانت معه الراية وهو على الراجلة، فقطعت رجلاه فجعل يقاتل وهو بارك على الارض وقتل في هذه الوقعة سنة (37 ه). ينظر: الاستیعاب: 4/ 1546، 1547، و اکمال الكمال: 4/ 298، 299، واسد الغابة: 5/ 49، والبداية والنهاية، ابن کثیر: 7/ 79، 80، والاعلام: 8/ 66

إبن عتبة ابن أبي وقاص وهو المرقال(1) سمي به؛ لأنَّه كان يرقل في الحرب أي: يسرع، قتل بصفين بين يدي أمير المؤمنين (عليه السّلام) فدفنه بثيابه، و عتبة(2) أبوه هو الذّي کسر رباعية الرسول (صلى الله عليه وآله) يوم أحد، وشج وجهه وكلم شفته عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.

[ومن كلام له (عليه السلام)] في ذم أضحابه

(کَمْ أُدارِیکُمْ کَما تُدارَی الْبِکارُ الْعَمِدَةُ، وَالثِّیابُ الْمُتَداعِیَةُ، کُلَّما حِیصَتْ(3) مِنْ جانِبٍ تَهَتَّکَتْ مِنْ آخَرَر) المداراة ملاينة الناس وحسن صحبتهم واحتمال المكروه منهم لئلا ينفروا، والبِکَار بالكسر جمع بَکر بالفتح کفرخ وفراخ وهو الفتى من الإبل بمنزلة الغلام من الناس(4)، ومن ذلك كان يخاطب أبو بكر بأبي الفصيل، والعمِدة بكسر الميم من العَمِد (الوَرَم والدَّبَر، وقيل: العَمِدَة التي كسرها ثقل حملها)(5)، وقيل التي قد انشدخت اسمتها من

ص: 318


1- (المرقال قال) في ع
2- عتبة بن أبي مقاص بن أهيب بن زهرة القرشي الزهري، أخو سعد، كان نجاراً، وهو الذي شج وجه الرسول (صلى الله عليه واله وسلم)، وكسر رباعيته يوم أحد، وقيل إن حاطب بن أبي بلتعة هو الذي قتله يوم أحد ثأراً لما فعل بالنبي (صلى الله عليه واله وسلم). ينظر: الطبقات الکبری، ابن سعد: 2/ 45، و المعارف: 576، و الاستیعاب: 3/ 927، واسد الغابة: 3/ 368، و سیر اعلام النبلاء 2/ 44، و الاصابة: 5/ 197، 198
3- (حصیت) في ح، ر، ن
4- ينظر: الصحاح، مادة (بكر): 2/ 595
5- لسان العرب، مادة (عمد): 3/ 305

داخل ظاهرها صحيح وذلك لكثرة ركوبها(1)، والثياب المتداعية(2) الخلقة التي ينخرق(3) بعضها وكأنَّه(4) يدعو الباقي الى الانخراق، وحاص الثوب يحوصه حوصاً إذا خاطهُ(5)، وتهتكت أي: تخرقت (أکُلَّما أَظَلَّ(6) عَلَیْکُمْ مَنْسِرٌ مِنْ مَناسِرِ أَهْلِ الشّامِ أَغْلَقَ کُلُّ رَجُلٍ مِنْکُمْ بابَهُ، وَانْجَحَرَ انْجِحارَ الضَّبَّةِ فِی جُحْرِها، وَالضَّبُعِ فِی وِجارِها) أظل بالمعجمة أي: أقبل اليكم(7) ودنا منكم كأنَه القي عليكم ظله، وفي بعض النسخ(8) بالمهملة أي: أشرف، والمِنسَرُ کمِجلَس، وكمِنبَر کما في بعض النسخ(9) القطعة من الجيش تمرُّ قدام الجيش الكثير(10)، والجُحر بالضم [وتقديم الجيم](11) كل شيء يحتفره السباع والهوام لأنفسها وجحر الضب کمنع أي: دخله، وجحره غيره أدخله فانجحر وتجحر، وكذلك أجحره والضبع مؤنثة، ووجارها بالكسر حجرها. (الذَّلِیلُ وَاللّهِ مَنْ نَصَرْتُمُوهُ، وَمَنْ رُمِیَ بِکُمْ فَقَدْ رُمِیَ بِأَفْوَقَ ناصِلٍ، إِنَّکُمْ وَاللّهِ

ص: 319


1- ينظر: المصدر نفسه، مادة (عمد): 3/ 305
2- (المتداعبة) في ع، تصحيف
3- (يتحرق) في ث، وفي ع: (يخرق)
4- (فكأنه) في ث، م
5- ينظر: لسان العرب، مادة (حاص): 7/ 18، (خاطه في ث، وفي: ع، (خاطبه)
6- (أطل) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 6/ 81، و نهج البلاغة، صبحي الصالح: 107
7- (علیکم) في ث
8- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 6/ 81، و شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 2/ 188
9- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 6/ 81
10- ينظر: الصحاح، مادة (نسر): 2/ 827
11- [وتقديم الجيم] في أ، ر، ساقطة من ح

لَکَثِیرٌ فِی الْباحاتِ، قَلِیلٌ تَحْتَ الرّایاتِ) رمى الشيء ورمی بالشيء إذا القاه، (وفقت السهم کسرت فوقه)(1)، وهو بالضم موضع الوتر منه فهو أفوق(2)، وقيل: (يقال: فاق السهم يفاق)(3) والنَاصل المنزوع النَصل، يقال: انصَلَ السَهمُ إذا نُزِعَ نَصلَهُ فَهو نَاصِلِ، وكذلك إذا جعل له نصلاً(4)، والبَاحة السَاحَة(5) و الراية العلم (وَإِنِّی لَعالِمٌ بِما یُصْلِحُکُمْ، وَ یُقِیمُ أَوَدَکُمْ،(6) وَلَکِنِّی وَاللهِ لا أَرَی إِصْلاحَکُمْ بِإِفْسادِ نَفْسِی) الاوَد بالتحريك (العوج)(7)، ولعل المراد بما يصلحهم اقامة مراسم السياسة من القتل والتعذيب کما هو عادة الجبابرة واعطاء الرؤساء ومن اقتضته مصلحة السّلطنة أكثر مما فرض الله لهم والعمل بالحيل والتدابير المخالفة لأمر الله ونحو ذلك مما يوجب العصيان (أَضْرَعَ اللّهُ خُدُودَکُمْ، أَتْعَسَ جُدُودَکُمْ! لا تَعْرِفُونَ الْحَقَّ کَمَعْرِفَتِکُمُ الْباطِلَ وَلا تُبْطِلُونَ الْباطِلَ کَإِبْطَالِکُمُ الْحَقَّ) الضَرَاعَة الذُلُّ والاستكانة(8)، والحد من الوجه من مؤخر العين الى الشدق، والتعس (الهلاك)(9) والانحطاط، وقيل:

ص: 320


1- القاموس المحيط، مادة (فوق): 3/ 278
2- ينظر: المصدر نفسه، مادة (فوق): 3/ 278
3- المصدر نفسه، مادة (فوق): 3/ 278
4- ينظر: الصحاح، مادة (نصل): 5/ 1830، و ثلاث كتب في الاضداد (الاصمعي، السجستاني، ابن السكيت): 246
5- ينظر: الصحاح، مادة (بوح): 1/ 356
6- (اودعكم) في أ، ع
7- ينظر: الصحاح، مادة (أود): 1/ 439
8- ينظر: المصدر نفسه، مادة (ضرع): 3/ 1249
9- المصدر نفسه، مادة (تعس): 3/ 910

(أصله الكبّ وهو ضد الانتعاش)(1)، والجد البخت و الحظ(2)، والغرض الدعاء عليهم بالخزي والخيبة، والمراد بالحق أما أوامر الله تعالى وأمور الآخرة، وبالباطل زخارف الدنيا أو(3) الحق متابعته (عليه السّلام) ونصره والباطل عصيانه وخذله أو الحق الدلائل التي تدل على فرض طاعته (عليه السّلام) وَالباطل الشبه الفاسدة كشبهتهم في حظر قتال أهل القبلة، والمعرفة أما العلم، أو العمل بما يقتضيه من نصرة الحق وانكار المنكر.

[وقال (عليه السلام)] في سُحَرة اليَومِ الذي ضرب فيه

السَّحَر بالتحريك (قبيل الصبح)(4)، والسُحرة(5) بالضم السحر الأعلى واليوم الذي ضرب فيه. (مَلَکَتْنی عَیْنی وأنا جالِسٌ، فَسَنَحَ لی رسولُ اللَّهِ (صلی اللَّه علیه و آله)(6) فَقُلتُ: یا رسولَ اللَّهِ! ماذا / و 78/ لَقِیتَ مِن اُمَّتِكَ مِن الأوَدِ(7) واللَّدَدِ؟ فَقالَ: اُدْعُ عَلَیهِم، فَقُلتُ(8): أبدَلَنِی اللَّهُ بِهِم خَیراً لی(9) مِنهُم، وأبدَلَهُم بی شَرّاً لَهُم مِنّی) يَعني (عَلَيه السّلاَم) بِالأودِ(10) الاعوجاج

ص: 321


1- المصدر نفسه، مادة (تعس): 3/ 910
2- (الخط) فيع، ر، تصحیف
3- (و) في ع
4- لسان العرب، مادة (سحر): 4/ 350
5- (الصحرة) في ر
6- (صلى الله عليه) في شرح نهج البلاغة، لابن أبي الجديد: 6/ 89
7- (الاولاد) في ع
8- (فقال) في أ، ع
9- (لي) غير موجوده في شرح نهج البلاغة، لابن أبي الجديد: 6/ 89
10- (بالاولاد) في ع

وبِاللَّددَ الخِصام(1) وَهذَا مِن أفصَحِ الكَلامِ، ملك العين كناية عن غلبة النوم، وسنح لي أي: رأيته في النوم أو مربي(2) معترضا وأصل السانح في الظبي وغيره ما مرَّ من میاسرك إلى ميامنك ضد البارح(3) و (ذا) في (ماذا لقيت) بمعنى: الذي، والاستفهام للاستعظام، والباء في (بهم) و (بي) للمقابلة نحو: اشتريته به، وصيغة التفضيل في (شراً لهم) لا تدل على أن فيه (عليه السّلام) شراً، كقوله تعالى: «قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ»(4)، وبناء التفضيل فيهما على اعتقاد القوم فإنَّ أصحابه (عليه السّلام) لما لم يطيعوه حق الطاعة كأنَّهم زعموا فيه شرّاً وأهل [النار](5) لما اختاروا موجب النار زعموا فيها خيراً، والخصام في كلام السيد رضي الله عنه المخاصمة.

[ومن كلام الله عليه السلام)] في ذم أهل العراق

العِراق بالكسر (من عبادان الى موصل طولا، ومن القادسية الى حلوان عرضا(6) (يذكر ويؤنث)(7)، (والعِراقَانِ الكُوفةُ والبصرةُ)(8) روى أنه (عليه

ص: 322


1- ينظر: الصحاح، مادة (لدد): 1/ 532
2- (أو مرني) في م
3- ينظر: تاج العروس، مادة (سنح): 4/ 96
4- الفرقان / 15
5- [النار] ساقطة من ح
6- القاموس المحيط،، مادة (عرق): 3/ 263، و تاج العروس، مادة (عرق): 13/ 326
7- الصحاح، مادة (عرق): 4/ 1523
8- الصحاح، مادة (عرق): 4/ 1523، و تاج العروس، مادة (عرق): 13/ 327

السّلام) تکلم به بعد وقعة صفين (أَمّا بَعْدُ یا أَهْلَ الْعِراقِ، فَإِنَّمَا أَنْتُمْ کَالْمَرْأَةِ الْحَامِلِ، حَمَلَتْ فَلَمّا أَتَمَّتْ أَمْلَصَتْ وَماتَ قَیِّمُها، وَطالَ تَأَیُّمُهَا، وَوَرِثَهَا أَبْعَدُهَا) الاصل في الصفات أن يفرق بين مذكرها و مؤنثها بالتاء، والغالب في الصفات المختصة بالإناث الكائنة على وزن فاعل ومفعل أن [لا](1) يلحقها التاء أن لم يقصد فيها معنى الحدوث کحائض وطالق ومرضع ومطفل(2)، وهي الظبية معها طفلها وهي قريبة عهد بالنتاج وكذلك الناقة(3) وإن قصد فيها معنی الحدوث فالتاء لازمة نحو حاضت فهي حائضة، وطلقت فهي(4) طالقة(5)، وقد يلحقها التاء وإن لم يقصد الحدوث کمرضعة وحاملة، وربما جاءت مجردة من(6) التاء صفة مشتركة بين المذكر والمؤنث إذا لم يقصد الحدوث نحو: جمل(7) ضامر وناقة ضامر ورجل أو امرأة عانس(8)، والعانس من طال مكثه بين اهله غير متزوج، وأملصت أي: ألقت ولدها ميتاً، والمملاصِ معتادته(9)،

ص: 323


1- [لا] ساقطة من ث
2- وهذا مذهب البصريين والكوفيين، ذهب البصريون الى أن علامة التأنيث حذفت من هذه الاوصاف لأنَّهم قصدوا به النسب، وذهب الكوفيون الى أن الاصل في علامة التأنيث الفصل بين المذكر والمؤنث والاشتراك بينهما في هذه الاوصاف إذا لم يقع لم يفتقر الى ادخال علامة التأنيث، وهو رأي مردود عند الانباري. ينظر: کتاب سيبويه: 3/ 384، والانصاف في مسائل الخلاف، الانباري (577 ه): 2/ 758، مسألة [111]
3- ينظر: لسان العرب، مادة (طفل): 11/ 402
4- (وهي) في أ، ع
5- ينظر: المقتضب، المبرد: 3/ 138، و التكملة، أبو علي النحوي (377 ه): 344
6- (عن) في أ، ث، ح، ع، م، والصواب وأثبتناه
7- (حمل) في ث، ع
8- ينظر: التكملة: 345
9- ينظر: لسان العرب، مادة (ملص): 7/ 94

وقيم المرأة زوجها؛ لأنَّه يقوم بأمرها وما يحتاج إليه، وتأيم المرأة خلوها من الزوج، والأَیُم [من النساء](1) في الأصل التي لا زوج لها بكراً كانت أو ثيباً مطلقة(2) [كانت](3) أو متوفي عنها(4) وقد تخص(5) بالثيب وأبعدها أي: من لم يكن له قرابة الولد ونحوه، والتشبيه بالمرأة الموصوفة؛ لأنَّهم تحملوا مشاق الحرب فلما قرب الظفر ولاحت اماراته رضوا بالتحكيم، وحرموا الظفر وبقوا غير مذعنين(6) لإمام کالخوارج أو غير مطيعين لأميرهم أذلاء کالباقين، ومكثوا على تلك الحال وورث أعداؤهم الملك و تسلطوا عليهم، (أَمَا وَاللّهِ مَا أَتَیْتُکُمُ اخْتِیاراً، وَلَکِنْ جِئْتُ إِلَیْکُمْ (اتیتکم) سَوْقاً) (المراد)(7) بالسوق الاضطرار كأنَّ القضاء ساقه إليهم فإنَّه (عليه السّلام) خرج لقتال أهل الجمل واحتاج الى الاستنصار بأهل الكوفة، واتصلت تلك الفتنة بفتنة أهل الشام فاحتاج الى المقام بين أهل العراق وفي بعض النسخ (ولا جِئتُکُم شَوقاً)(8) بالشين المعجمية أي: لرغبته إليكم ولعله يتضمن الشوق من الميل

ص: 324


1- [من النساء] ساقطة من ح
2- (مطلقا) في أ، ع
3- [كانت] ساقطة من ث
4- ينظر: الصحاح، مادة (أيم): 5/ 1868
5- (مخص) في أ، ث، ر، ع، م
6- (مدعنين) في ث، ح، ر، م،، ث، تصحيف
7- (المراق) في ح، تحریف
8- مناهج البراعة في شرح نهج البلاغة، القطب الراوندي: 1/ 301، وفيه: (وروي ولا جئتكم شوقاً)

ما لا يتضمنه(1) الاختيار (وَلَقَدْ بَلَغَنِی أَنَّکُمْ تَقُولُونَ: عَلِیٌّ یَکْذِبُ(2)، قاتَلَکُمُ اللّهُ! فَعَلَی(3) مَنْ أَکْذِبُ! أَعَلَی(4) اللّهِ فَأَنَا أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِهِ! أَمْ عَلَی نَبِیِّهِ؟ فَأَنَا أَوَّلُ مَنْ صَدَّقَهُ(5) قد كان أمير المؤمنين (عليه السّلام) كثيراً ما(6) يخبر عن الملاحم والكائنات ويومئ الى أمور أخبر بها رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: سلوني قبل أن تفقدوني(7) فيقول المنافقون من أصحابه: یکذب کما کان المنافقون الأولون(8) يكذبون رسول الله (صلى الله عليه و آله)، وقاتلكم الله أي: قتلكم الله أو لعنكم الله (کَلاَّ وَاللّهِ؛ لَکِنَّهَا(9) لَهْجَةٌ غِبْتُمْ عَنْهَا، وَلَمْ تَکُونُوا مِنْ أَهْلِها) (كلاَّ) يحتمل أن يكون للردع والانكار(10)، أي: ليس الأمر كما يقولون، ويحتمل أن يكون بمعنى حقاً كما قالوا في قوله تعالى: «كَلَّا وَالْقَمَرِ»(11)

ص: 325


1- (ما يتضمنه) في أ. ع
2- (علي يكذب) في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 6/ 101، و نهج البلاغة، صبحي الصالح: 109
3- (تعالى فعلی من) في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 6/ 101، و نهج البلاغة، صبحي الصالح: 109
4- (على) في م
5- (صدق به) في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 6/ 101
6- (من) في ر
7- سبق ذكره في صحيفة 109
8- (الاقلون) في ع
9- (لكنها) في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 6/ 101، ونهج البلاغة، صبحي الصالح: 109
10- ينظر: المعجم المفصل في دقائق اللغة العربية، الدكتور إميل بديع يعقوب: 326
11- المدثر / 32

«كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى»(1) فالمراد إثبات ما اخبر به (عليه السّلام)، واللَّهجَةٌ بالفتح (اللّسانُ)(2) ويتجوز بها عن الكلام والمراد أما لهجته (عليه السلام) أي: ما أخبركم به أمور غابت عقولكم الضعيفة عن ادراكها ولستم أهلاً لفهمها، أو لهجة رسول الله (صلى الله عليه و آله) [أي: سمعت كلامه (صلى الله عليه وآله)](3) [ولم تسمعوه](4) ولو سمعتموه لم يكونوا من أهله (وَیْلُ أُمِّهِ(5) کَیْلاً بِغَیْرِ ثَمَنٍ لَوْ کانَ لَهُ وِعاءٌ؛ وَ لَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِینٍ!) الويل / ظ 78/ (حلول الشر)(6)، و(كلمة عذاب)(7) أو (واد في جهنم)(8)، قال بعض الشارحين: الويل في الأصل دعاء بالشر أو خبر به، واضافته الى الام دعاء(9) عليها أن تصاب بأولادها(10)، والضمير راجع الى المكذب الذّي لم يفقه مقاله ولم يقتبس الحكمة منه كأنَّه قال: ويل لامهم، وقال بعضهم: الضمير راجع الى ما دل عليه الكلام من العلم الذي خص به الرسول (صلى الله عليه و آله)(11)، وهذه الكلمة تقال(12) للتعجب والاستعظام، يقال:

ص: 326


1- العلق / 6
2- الصحاح، مادة (لحج): 1/ 339
3- [أي: سمعت كلامه (صلى الله عليه و آله)] ساقطة من ث
4- [ولم تسمعوه] ساقطة من ع
5- (ویلامه) في م
6- لسان العرب، مادة (ويل): 11/ 737
7- المصدر نفسه، مادة (ويل): 11/ 737
8- المصدر نفسه، مادة (ويل): 11/ 738
9- (ودعاء) في ر
10- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 2/ 195
11- قول متصرف به، ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 6/ 106
12- (يقال) في ث، ح، أ، ر، ث، تصحيف

وَیَلُمّهُ فارساً و (تكتب)(1) موصولة وأصلها (ويل أمَّه)(2) ومرادهم التعظيم والمدح، وإن كان اللفظ موضوعاً لضد ذلك(3)، وكيلا انتصب؛ لأنَّه مصدر في موضع الحال، أو تمييز، أي: أنا أكيل لكم العلم والحكمة كيلاً ولا اطلب لذلك ثمناً لو وجدت حاملا للعلم، وهذا مثل قوله (عليه السّلام): (ها إن بين جنبي علماً جماً لو أجد له حملةً!)(4)، وقيل: الكلمة تستعمل للترحم والتعجب، والضمير راجع الى الجاهل المكذب، فيكون المفاد الترحم عليهم لجهلهم، أو التعجب من قوة جهلهم [أو من](5) كثرة(6) كيله للحكم عليهم مع اعراضهم عنها، وقال ابن الاثير في النهاية: (قد یرد الويل بمعنی التعجب)(7)، (ومنه الحديث في قوله لأبي البصير: (ويل أمه مسعر حرب)(8) تعجباً من شجاعته وجرأته واقدامه، ومنه حديث عليّ (عليه السّلام): ويل أمه کیلا بغير ثمن لو أن له وعاء أي: يكيل العلوم الجمة(9) بلا عوض، إلاَّ أنه لا يصادف واعياً، وقيل: وي كلمة مفردة، ولامه كلمة مفردة، وهي

ص: 327


1- (يكتب) في ث، ح، أ، ر، ع، م، ث، تصحيف
2- (ویلامه) في م
3- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 6/ 106
4- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 6/ 106، 107
5- [أو من] ساقطة من ح
6- (كثر) في ر
7- النهاية في غريب الحديث والاثر: 5/ 236
8- النهاية في غريب الحديث والاثر: 5/ 236، وروي (ويل أمه مسعر حرب لو كان له أحد) في مسند أحمد: 4/ 331، و صحیح البخاري: 3/ 183، و المعجم الكبير: 10/ 525
9- (الحميه) في م، و (الحمة) في ث

كلمة تفجع وتعجب وحذفت الهمزة من أمه تخفیفاً، والقيت حركتها على اللام، وينصب ما بعدها على التمييز(1) و (الحين بالكسر الدهر، أو وقت مبهم يصلح لجميع الأزمان طال أو قصر يكون سنة أو أكثر)(2)، وقيل: غير ذلك والمعنى: لتعلمن ثمرة تكذیبکم وإعراضكم عما أبين لكم من العلم والحكمة وإني صادق فيما أقول [لكم](3)، أو ستعلمون(4) عاقبة أفعالكم بعد مفارقتي لكم فيكون إشارة الى الظلم والقتل وما أصابهم من بني أُمية، أو ستعلمون صدقي فيما أخبركم به من الأمور المستقبلة بعد حضور وقتها.

[ومن خطبة له (عليه السلام)] علم فيها الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله)

(اللَّهُمَّ دَاحِيَ المَدحُوَّاتِ، ودَاعِمَ المَسمُوكاتِ، وجَابِلَ القُلُوبِ عَلَى فِطَرَتِها شَقِیِّهَا وسَعِيدِهَا) الدّحو (البَسطِ)(5)، يقال: (دحا الله الأرض يَدحُوها و بَدحَاها)(6) والمدحوات الأرضون السبع قال الله تعالى: «وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا»(7)،

ص: 328


1- ينظر: النهاية في غريب الحديث والاثر: 5/ 236، وفيه: (ويلمه...)
2- القاموس المحيط، مادة (حين): 4/ 217
3- [لكم] موجودة في ح، ساقطة من أ، ث، ر، ع
4- (سيعلمون) في ث، ح
5- لسان العرب، مادة (دحا): 14/ 251
6- القاموس المحيط، مادة (دحا): 4/ 327
7- النازعات / 30

والبسط لا ينافي الاستدارة، ودعم(1) الشيء كمنع أي: مال فأقامه و (الدِعَامَةُ: عماد البيت)(2)، وسَمَکَهُ سَمکَاً بالفتح فَسَمَكَ سموكاً رفعه فارتفع(3) و (المَسمُوکَاتُ السماواتُ)(4)، ودعامة السموات قدرته تعالى فلا ينافي قوله (عليه السّلام) في الخطبة الأولى بغير عمد يدعُمها وجبلهُ الله أي: خلقه وعلى الشيء طبعه عليه(5)، ومنه الجِبِلة بكسر الجيم والباء وتشديد اللام أي (الحلقة والطبيعة)(6)، والفطرة الحلقة التي يفطر عليها الانسان خالياً(7) من الأمر والديانات والعناية والأهوية وهي ما يقتضيه محض عقله، وشقيها بدل من القلوب أي: خالق(8) الشقي والسعيد على ما خلق (اِجْعَلْ شَرَائِفَ صَلَوَاتِكَ، وَ نَوَامِيَ بَرَكَاتُكَ، عَلَيَّ مُحَمَّدٌ عَبْدُكَ وَ رَسُولُكَ الْخَاتَمُ لِمَا سَبَقَ، وَ الْفَاتِحِ لِمَا انْغَلَقَ، وَ الْمُعْلِنِ الْحَقَّ بِالْحَقِّ) الشّرف العلو والمجد، ونما الشيء ينمو أي: زاد، وما سبق الأديان أو الوحي و الرسالة، وقال بعض الشارحين: أي المِلَل(9) و (انغلق)(10) الباب إذا عسر فتحه وما (انغلق)(11) سیبل النجاة وطريق

ص: 329


1- (دعی) في أ، ع
2- الصحاح، مادة (دعم): 5/ 1919
3- ينظر: المصدر نفسه، مادة (سمك): 4/ 1592
4- المصدر نفسه، مادة (سمك): 4/ 1592
5- ينظر: لسان العرب، مادة (جبل): 11/ 98
6- القاموس المحيط، مادة (جبل): 3/ 345
7- (حالياً) في ث، ر، تصحيف
8- (خالقي) في م
9- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 6/ 112.، وفي أ، ث، راع، م: (الملك)
10- (انعلق) في ح، ث، تصحیف
11- (انعلق) في ح، ث، تصحيف

الجنة والاهتداء الى قربه سبحانه، أو كل شبهة ومعضلة والإعلان الاظهار [واظهار](1) الحق بالحق بيان الصواب، والملة البيضاء اصولها وفروعها بطرق صحيحة [لا](2) كالذي يقيم دليلا باطلًا على دعوی صحیح، أو بالمعجزات الباهرة التي يمكن بها من اظهار الحق وقيل(3) بالحرب والخصومة، يقال: حَاقَّة فحَقّه أي: خاصَمَه(4) فغلبه(5)، وقيل: المراد انه (أظهر الحقّ بعضه ببعضٍ)(6) فإنَّ كُلّ جُزئي من الحقّ حقّ والدّين لمَ يَظهر دفعة وَإنّما بَنی اَلاِسلام على خمس ثم كثُرتَ فُروعه وبالأصل يظهر الفرع (وَ الدَّافِعِ جَيْشَاتِ الْأَبَاطِيلِ، وَالدَّامِغُ(7) صُؤُلاَتُ اَلْأَضَالِيلِ) الجيشة المرَة(8) من جاش البحر، أو القدر إذا غلا وارتفع(9)، والأباطيل جمع باطل على غير قياس والقياس بواطل(10)، وكذلك الأضاليل، والدامغ(11) المهلك من دمغه(12) کنصره ومنعه أي: (شجة حتى بلغت الشجة الدماغ)(13)، وهو مخ الرأس، وفي

ص: 330


1- [واظهار] ساقطة من ع
2- [لا] ساقطة من ع
3- (وقتل) في ح، تصحيف
4- (حاصمه) في م
5- ينظر: الصحاح، مادة (حاق): 4/ 1461
6- شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 2/ 198
7- (الدامع) في ث، تصحيف
8- (المرأة) في ع
9- ينظر: تاج العروس، مادة (جيش): 9/ 77
10- ينظر: لسان العرب، مادة (بطل): 11/ 56
11- (الدامع) في ث، تصحيف
12- (دمعه) في ع تصحيف
13- لسان العرب، مادة (دمغ ): 8/ 424

بعض النسخ (والقامع) بدل الدامغ(1)، والقمع القهر والاذلال(2)، والصولة / و 79/ الحملة والوثبة والمقصود اطفاء نائرة الشرك، ودفع الطغيان والفتن التي كانت عادة(3) لأهل الجاهلية من الحروب والغارات ونحو ذلك (كَمَا حَمِّلَ فَاضْطَلَعَ، قَائِماً بِأَمْرِكَ مُسْتَوْفِزاً(4) فِي مَرْضَاتِكَ، غَيْرَ نَاكِلٍ عَنْ قُدُمٍ، وَلاَ وَاهٍ فِي عَزْمٍ، وَاعِياً لِوَحْيِكَ، حَافِظاً لِعَهْدِكَ. مَاضِياً عَلَى تَفَّاذِ أَمْرِكَ) الكاف للتعليل كما هو مذهب بعض النحاة(5)، قال الاخفش في قوله تعالى: «كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ»(6) أي: لأجل إرسالي فيكم رسولا منكم فاذكروني(7)، وللتشبيه على مذهب بعضهم(8) والظرف متعلق بالأمر[...](9) السابق، أي: اجعل شرائف صلواتك عليه(10) لأجل أنه حُمل فقام به، أو افعل كما فعل، فالتشبيه في معنى الفعل المطلق المشترك بين المتعلق والمتعلق، أو المعنى صل عليه صلاة مناسبة لفعله، وقيل: إنَّه متعلق بمضمون

ص: 331


1- (الدامع) في ث، تصحيف
2- ينظر: الصحاح، مادة (قمع): 3/ 1272
3- (عبادة) في ر، م
4- (مستوفرا) في ع تصحيف
5- ينظر: شرح الكافية الشافية: 1/ 365
6- البقرة / 151
7- ينظر: معاني القرآن، الاخفش: 1/ 344، و الجنى الداني في حروف المعاني، المرادي (5799): 84، و مغني اللبيب، ابن هشام الأنصاري (761 ه): 1/ 195
8- ينظر: شرح جمل الزجاجي، ابن عصفور(669 ه): 1/ 536، ورصف المباني في شرح حروف المعاني، المالقي (702 ه): 272، و شرح المكودي على الفية ابن مالك، المكودي (807 ه): 153، و معاني النحو، د. فاضل السامرائي: 3/ 52
9- [متعلق بالأمر] مكررة في م
10- [عليه] ساقطة من ع

الصفات السّابقة أي: فعل الأفعال المذكورة لأجل أنَّه حمل أو [كأنَّه](1) کما حمل واضطلع أي: قوى عليه من الضلع بالتحريك وهو (القوة واحتمال الثقيل)(2)، ومستوفزاً أي: مستعجلا من الوَفز بالفتح وبالتحريك(3) أي: (العجلة)(4) ويمكن أن يكون من قولِهم: (استونز(5) في قعدته إذا قعد قعودا منتصباً غیر مطمئن)(6)، فإنَّ هذه القعدة شأن من أهتم بأمر وينتظر القيام إليه متى أمر، و المرضاة الرّضا، ونكل عن الشيء نکولاً نكص وجبن(7)، والقُدم بالضم الأقدام، أو التقدم ويظهر من کلام صاحب النهاية أنه في كلامه (عليه السّلام) بالتحريك، وقال: (أي في تقدم)(8)، والواهي الضعيف، ورعاه يعيه أي: حفظه وجمعه، ووعَيت الحديث أي: فهمته وعقلته(9)، والعهد الوصية والتقدم الى المرء في الشيء والذمة والحرمة والمراد حفظ ما أوصى الله عز وجل وأمره به في تبليغ الرسالة وغيره ونفاذ الامر مضيّه، ويقال: أمرنا فذ أي ماضِ مطاع، والمعنى ماضياً على مضي أمرك أي: على وفقه(10) تابعاً له،

ص: 332


1- [كانه] ساقطة من ع، م، ث
2- الصحاح، مادة (ضلع): 3/ 1251
3- (التحريك) في ح
4- الصحاح، مادة (وفز): 901/3، وفي م: (الجعله)
5- (استوفر) في ث، ر، ع، تصحيف
6- الصحاح، مادة (وفز): 3/ 901
7- ينظر: المصدر نفسه، مادة (نکل): 5/ 1835
8- النهاية في غريب الحديث والاثر: 4/ 26
9- ينظر: لسان العرب، مادة (وعي): 15/ 396
10- (رفقة) في أ، ع

وقال بعض الشارحين: (تقديره ماضياً مصرّاً على نفاذ أمرك)(1) (حَتَّی أَوْرَی قَبَسَ اَلْقَابِسِ، وَ أَضَاءَ اَلطَّرِیقَ لِلْخَابِطِ، وَ هُدِیَتْ بِهِ اَلْقُلُوبُ بَعْدَ خَوْضَاتِ اَلْفِتَنِ(2) وَ أَقَامَ بِمُوضِحَاتِ(3) اَلْأَعْلاَمِ وَ نَیِّرَاتِ اَلْأَحْکَامِ) وَرَى الزَنَد کرعی ووَلی أي: (خرجت نَارهُ)(4)، واوريته أنا ووريته واستوريته، والقبس محركة شعلة نار تقتبس(5) أي: تؤخذ [...](6) من معظم النار(7) والقابس الذي يطلبه والمراد نور الحق وأضاء أي: استنار، ونور يتعدى ولا يتعدى، وفي بعض النسخ الطريق بالرفع، والخبط السير ليلاً على غير هدى، والمراد بالخابط الذّي يخبط لولا الاضاءة، وخاض الماء خوضادخله، أو مشى فيه وخاض الغمرة اقتحمها(8) وبعد خوضات الفتن أي: بعد أن خاضوا في الفتن أطوار، وفي بعض النسخ (الفتن والاثم)(9) والفتنة تطلق(10) على الضلال والكفر وعلى الفضيحة(11) وغير ذلك، والعلم بالتحريك ما يستدل به على الطريق من

ص: 333


1- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 6/ 112
2- (الفتن والآثام) في نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: 6/ 110، و نهج البلاغة، صبحي الصالح: 111
3- (بموضحات) في نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: 6/ 110
4- لسان العرب، مادة (وری): 10 / 388
5- (يقتبس) في ح، تصحيف
6- أي [تؤخذ] مكررة في ع
7- ينظر: القاموس المحيط، مادة (قبس): 2/ 239
8- (اقتحمتها) في م
9- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 6/ 110، وفيه: (الفتن والآثام)، وفي الهامش: 2 من نفس المصدر: مخطوط النهج: بالاثم، وبحار الانوار: 16/ 378، وفيه: (الفتن والاثم)
10- (يطلق) في أ، ث، ح، ر، ع، م
11- (على والفضيحة) في ح، وفي ر، أ، ع، م: (الكفر والفضيحة)، وفي ث: (والصيحة الفضيحة)

جبل(1) ومنارة وغيرهما [...](2)، وموضِحات الأعلام بالكسر ما يوضح الطريق منها، ونيرات الأحكام الواضحة الحقة منها كأنها ذوات النَّور (فَهُوَ أَمِینُكَ اَلْمَأْمُونُ، وَ خَازِنُ عِلْمِكَ اَلْمَخْزُونِ، وَ شَهِیدُكَ یَوْمَ اَلدِّینِ، وَ بَعِیثُكَ بِالْحَقِّ، وَ رَسُولُكَ إِلَی اَلْخَلْقِ) الأمين الثقة والمأمون(3) تأكید له أو الحافظ أو ضد الخائن أي: أمينك على الوحي والتبليغ، والظاهر أنَّ العلم المخزون سوی ما أمر الله بتبليغه كما قال سبحانه: «عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ»(4)، والشهيد يوم الدين الذي يشهد بأعمال الأمة أو تبليغ الرسل، أو الجميع قال الله تعالى: «وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا»(5)، وقال عز وجل: «وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا»(6)، وبعثه کمنعه أي: ارسله (اَللَّهُمَّ اِفْسَحْ لَهُ مَفْسَحاً فِی ظِلِّكَ، وَ اِجْزِهِ مُضَاعَفَاتِ اَلْخَیْرِ مِنْ فَضْلِكَ فسحَ له کمنع أي: وسعَ، والظاهر أنَّ المفسح مصدر، والتنوين للتعظيم، والمراد بالظل حقیقته أي: ما أشار إليه سبحانه بقوله: «وَظِلٍّ مَمْدُودٍ»(7)، أو البر والإحسان، أو القرب والجوار، فإنَّ الكون في ظل أحد يستلزم القرب

ص: 334


1- (حبل) في أ، ح، ر، ع
2- [وموضحات الاعلام بالكسر ما يوضح الطريق من حبل ومنارة وغيرهما] زيادة مكررة في ر
3- (فالمأمون) في ث، ح، ر، م
4- الجن / 26، 27
5- النساء / 41
6- البقرة / 183
7- الواقعة / 30

منه أو الراحة فإنَّ الظل يدفع الحر ومضَاعفات الخير بالفتح الثواب الذّي زاده الله ولا ينحصر في المثلين وغيره (اَللَّهُمَّ وَ أَعْلِ(1) عَلَی بِنَاءِ اَلْبَانِینَ بِنَاءَهُ، وَ أَکْرِمْ لَدَیْكَ مَنْزِلَتَهُ(2)، وَ أَتْمِمْ لَهُ نُورَهُ) البِناء بالكسر المبنيّ وجمعه أبنية ويكون مصدراً، ويمكن أن يراد / ظ 79/ ببنائه ما شيد أركانه من الدين المبين أي: أظهره على الأديان كلها، أو منزله في الجنة كأنَّه (صلى الله عليه وآله) بناه باستحقاقه إياه لصالحات الأعمال، أو إعلاء البناء كناية عن الزيادة في التقرب الى حضرة القُدس والجلالة(3)، وكرم المنزل مصدراً كان أو مكاناً كونه محفوفاً بالتَعظيم والراحة والسرور، أو إكرام المنزل كناية عن إكرام الشخص، وقال بعض الشارحين أي: انزله المنزل المبارك الموعود(4) بقوله تعالى: «وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا»(5)، وفيه غفلة فإنَّ المخاطب به [هو](6) نوح (عليه السّلام)، وقبله قوله تعالى: «فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ»(7) والمراد بنوره أما نوره الذي بعث به و اتمامه نشره في قلوب العالمين، أو نوره يوم القيامة واتمامه جعله بحيث

ص: 335


1- (وأعل) في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 6/ 110
2- (منزلته) في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 6/ 110، ونهج البلاغة، صبحي الصالح: 112
3- (الجلال) في أن ث ر، ع، م
4- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 2/ 202. وفيه: (إنزاله المنزل...)
5- المؤمنون / 29
6- [هو] ساقطة من أ، ع
7- المؤمنون/ 28

يطفي سائر [...](1) الأنوار(2)، ويعم(3) المحشر وأهله أو نوره في كمالاته وقربه واتمامه(4) زيادته (وَ اِجْزِهِ(5) مِنِ اِبْتِعَاثِكَ لَهُ مَقْبُولَ اَلشَّهَادَةِ؛ مَرْضِیَّ اَلْمَقَالَةِ، ذَا مَنْطِقٍ عَدْلٍ، وَ خُطْبَةٍ(6) فَصْلٍ) بعثه و ابتعثه بمعنى واجزه عوضاً من بعثه مقبول الشهادة أي: صدقه فيما يشهد به لتحمّله أعباء الرسالة وأذى الأمة، [و](7) (ذا) منصوب على الحالية والمنطق العدل الذي لا ميل فيه عن الحق، والخُطَّةِ بضم الخاء المعجمة والطاء المشددة المفتوحة على ما في النسخ(8) التي رأيناها الأمر والقصة والخطب والفصل الفاصل بين الحق والباطل أو المفصول من الباطل، والخطة مضافة الى الفصل في بعض النسخ موصوفة به في بعضها وحاصل المعنى واحد، ويظهر من كلام بعض الشارحين أنه كان في نسخته (و خطبة فصل)(9) بالباء الموحدة بعد الطاء الساكنة قال: (أي يخطب خطبة فاصله يوم القيامة)(10) وهذا هو المقام المحمود الذي ذكره الله تعالى في الكتاب بقوله: «عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا»(11) (اَللَّهُمَّ اِجْمَعْ بَیْنَنَا

ص: 336


1- [الايام] زيادة في ر، لا يقبلها السياق
2- (الالوار) في ث، تحریف
3- (وتعم) في ر، م
4- (واتمام) في م
5- (واخره) في أ، ع
6- (خطبة) في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 6/ 110، ونهج البلاغة، صبحي الصالح: 112
7- [و] ساقطة من م
8- ينظر: منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، القطب الراوندي: 1/ 298
9- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 6/ 114
10- المصدر نفسه: 6/ 114
11- الاسراء / 79

وَ بَیْنَهُ فِی بَرْدِ اَلْعَیْشِ وَ قَرَارِ اَلنِّعْمَةِ، وَ مُنَی اَلشَّهَوَاتِ، وَ أَهْوَاءِ اَللَّذَّاتِ، وَ رَخَاءِ اَلدَّعَةِ، وَ مُنْتَهَی اَلطُّمَأْنِینَةِ، وَ تُحَفِ اَلْکَرَامَةِ) العيش الحياة، وبرد العيش راحته، والعيش البارد عند العرب المني الذي لا حر فيه ولا حركة، والقرَار بالفتح الثبات والسكون(1) وقرار النعمة مستقرها كما ذكره بعض الشارحين(2)، ويمكن [حمله](3) على معناه الظاهر وإن كان المراد الجمع في دار السلام، والمُني جمع مُنية بالضم فيهما وهي ما تتمناه وتريده والشهوة الرغبة في الشيء وحبه، والهوى مقصور إرادة النفس وأهواء اللذات ما يستلذه الأنفس كأن اللذة تهواه، والرَخاء بالفتح سعة العيش والدعة السكون والخفض(4)، والطَمَأنينة بفتح الميم وسكون الهمزة السكون كالاطمئنان، والتحف بفتح الحاء جمع تُحفة بالضم وهي (البر واللّطف)(5).

ص: 337


1- ينظر: تاج العروس، مادة (قرر): 7/ 387
2- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 6/ 114
3- [حمله] ساقطة من م
4- (الخفض) في ح، و(الحفص) في ر، م
5- الصحاح، مادة، (تحف): 4/ 1333

ص: 338

المحتويات

ص: 339

ص: 340

المحتويات

[(ومن كلام له (عليه السلام)] لابنه محمد بن الحنفية لما أعطاه الراية يوم الجمل)...7

[ومن كلامه (عليه السلام)] لما أظفره الله بأصحاب الجمل:...10

[ومن كلام له (عليه السلام) في ذم البصرة وأهلها:...11

ومن كلامه (عليه السّلامَ) في كتاب طويل...11

[ومن خطبة لهُ (عليه السلام)] فيما رده على المسلمين [قطائع عثمان]...22

[ومن خطبة له (عليه السلام) لما بويع بالمدينة]...28

و من كلام له (عليه السلام) في صفة من يتصدى للحكم بين الأمة وليس لذلك بأهلٍ...55

ومن كلام له (عليه السّلام) في ذم اختلاف العلماء في الفُتيا...74

[ومن كلام له (عليه السلام) قَالَه للأشعث بن قیس...78

ومن خطبة له (عليه السَّلام)...89

ومن خطبة له (عليه السَّلام)...92

ومن خطبة له (عليه السَّلام) هذه الخُطبة من خطب الجمل...95

ومن خطبة لهُ (عليه السَّلام)...99

ومن خطبة له عليه السَّلام)...107

ومن خطبة له (عليه السلام) وقد تواترت عليه الأخبار باستيلاء أصحاب معاوية على

ص: 341

البلاد وقدم عليه عاملاه على اليمن...108

وَمِن خُطبَةٍ لَهُ (عَلَيهِ السَّلامُ)...118

وبين خطبة له (عَليهِ السَّلام)...124

ومن خطبة له (عَليهِ السَّلام)...139

ومن خطبة له (عَليهِ السَّلام)...148

[ومن كلام له (عَليهِ السَّلام)] في معنى قتل عثمان...155

ومن كلام له (عَلَيهِ السَّلام) قَالَه لاِبنِ العَبَّاسِ...158

ومن خطبة له (عَليهِ السَّلام)...160

ومن خطبة له (عَليهِ السَّلام)] عند خروجه لقتال أهل البصرة...174

[ومن خطبة له (عليه السّلام)] في استِنفار النَّاسِ إِلَى أَهل الشام...179

ومن خطبة له (عليه السَّلام) بعد التحكيم...189

و من خطبة له (عليه السَّلام) في تخويف أهل النهروان...195

[ومن كلام له (عليه السّلام)] يجري مجرى الخُطبة...197

[ومن خطبة له (عَليهِ السَّلام)]...204

[ومن خطبة له (عَليهِ السَّلام)]...205

[ومن (کلام) له (عليه السَّلام) في الخوارج لما سمع قولهم: لا حكم إلا الله)...209

[ومن خطبة له (عليه السّلام)]...214

[ومن خطبة له (عليهِ السَّلام)]...217

[ومن كلام له (عليهِ السَّلام)] وقد اشار عليه أصحابه بالاستعداد للحرب...218

[ومن كلام له (عليهِ السَّلام)] لما هرب مصقلة بن هبيرة الشيباني إِلى معاوية...225

ص: 342

[ومن خطبة له (عليهِ السَّلام)]...230

[ومن كلام له (عليهِ السَّلام)] عند عزمه على المسير إِلى الشام...232

[ومن كلام له (عليهِ السَّلام) في ذكر الكوفة...234

[وَمِن خُطبَةٍ لَهُ (عَلَيهِ السّلاَم)] عِندَ المَسِير إلى الشَّامِ...236

[وَمِن خُطبَةٍ لَهُ (عَلَيهِ السَّلامُ)]...238

[وَمِن خُطبَةٍ لَهُ (عَلَيهِ السَّلامُ)]...242

[وَمِن كَلاَمهِ (عَلَيهِ السَّلامُ)] لمَّا غَلَبَ أَصحابُ مُعاوية أصحابَهُ عَلى شَريعَةِ الفُراتِ بِصفّينَ وَمَنَعُوهُمُ الماءَ...243

[وَمِن خُطبَةٍ لَهُ (عَلَيهِ السَّلامُ)]...246

[وَمِن خُطبَةٍ لَهُ (عَلَيهِ السَّلامُ)]...254

[ومن كلام له (عليه السّلام)]...256

ومن كلام له (عليه السّلام) في وصف بیعته بالخلاف...257

[وَمِن کَلامٍ لَهُ (عَلَيهِ السّلامَ) وَقَدِ أستَبطَأ أصحابُهُ إذِنَه لَهُم فِي القِتَالِ بِصِفينَ...259

[وَمِن کَلامٍ لَهُ (عَلَيهِ السّلَام)]...260

[وَمِن کَلامٍ لَهُ (عَلَيهِ السّلامَ)] لأصحابه...263

[وَمِن کَلامٍ لَهُ (عَلَيهِ السّلامَ)] كَلَّمَ بهِ الخَوارِج...274

[وَقَالَ (عَلَيهِ السّلامَ)] لمّا قَتَلَ الخَوارِجَ...278

[وَمِن کَلامٍ لَهُ (عَلَيهِ السّلامَ)] لمّا خُوِفَ مِنَ الغِيلَةِ...284

[وَمِن خُطبَةٍ لَهُ (عَلَيهِ السَّلامُ)]...285

[وَمِن خُطبَةٍ لَهُ (عَلَيهِ السَّلامُ)]...287

ص: 343

[وَمِن خُطبَةٍ لَهُ (عَلَيهِ السَّلامُ)]...294

[وَمِن کَلامٍ لَهُ (عَلَيهِ السّلامَ)] كانَ يَقُولَهُ لِأَصحابهِ فِي بَعضِ أَیّامِ صَفیَّنَ...302

[وَمِن کَلامٍ لَهُ (عَلَيهِ السّلامَ)] في معنى الأنصار...312

[وَمِن کَلامٍ لَهُ (عَلَيهِ السّلامَ)] لمَّا قَلدَّ محمَّد بِن أبي بَكر مِصرَ فَمُلِکَت عَلَيهِ وقتل)...314

[وَمِن کَلامٍ لَهُ (عَلَيهِ السّلامَ)] في ذَمّ أصحَابهِ...318

[وَقَالَ (عَلَيهِ السّلامُ) في سُحَرة اليَومِ الذَّي ضُرِبَ فيه...321

[وَمِن کَلامٍ لَهُ (عَلَيهِ السّلامَ)] فِي ذَمّ أَهلِ العِراقِ...322

[وَمِن خُطبَةٍ لَهُ (عَلَيهِ السَّلامُ)] عَلَّمَ فِيهَا الصَّلاة عَلَى النَّبيِ (صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلهِ)...328

ص: 344

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.