رقم الإيداع في دارالكتب والوثائق العراقية ببغداد 2977 لسنة 2018
مصدر الفهرسة: IQ-KaPLI ara IQ-KaPLI rda
رقم تصنيف BP38.08.S24 B3 2018 :LC
المؤلف الشخصي: السلامي، غيداء كاظم عبد الله - مؤلف.
العنوان: بهجة الحدائق في شرح نهج البلاغة لعلاء الدين محمد بن ابي تراب الحسني /
بيان المسؤولية: دراسة وتحقيق م. د. غيداء كاظم عبد الله السلامي؛ تقديم نبيل قدوري حسن الحسني.
بيانات الطبع: الطبعة الاولى.
بيانات النشر: كربلاء، العراق: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة، 2018 / 1439 للهجرة.
الوصف المادي: 6 مجلد؛ 24 سم.
سلسلة النشر: (العتبة الحسينية المقدسة؛ 514).
سلسلة النشر: (مؤسسة علوم نهج البلاغة؛ 153).
سلسلة النشر: (سلسلة تحقيق المخطوطات؛ 9).
تبصرة عامة: الكتاب في الاصل رسالة ماجستير.
تبصرة ببليوجرافية: يتضمن ارجاعات ببليوجرافية.
موضوع شخصي: الشريف الرضي، محمد بن الحسين، 359 - 406 للهجرة - نهج البلاغة.
موضوع شخصي: علي بن ابي طالب (عليه السلام)، الامام الاول، 23 قبل الهجرة - 40 للهجرة - احاديث.
موضوع شخصي: کلستانه اصفهاني، محمد بن ابي تراب، توفي 1110 للهجرة -- بهجة الحدائق في شرح كلمات كلام الله الناطق.
موضوع شخصي: علي بن ابي طالب (عليه السلام)، الامام الاول، 23 قبل الهجرة - 40 للهجرة - رسائل.
موضوع شخصي: علي بن ابي طالب (علیه السلام)، الامام الاول، 23 قبل الهجرة - 40 للهجرة - كلمات قصار.
مؤلف اضافي: الحسني، نبيل قدوري، 1965 -، مقدم.
مؤلف اضافي: دراسة ل (عمل): كلستانه اصفهاني، محمد بن ابي تراب، توفي 1110 للهجرة -- بهجة الحدائق في شرح كلمات كلام الله الناطق.
اسم هيئة اضافي: العتبة الحسينية المقدسة (كربلاء، العراق). مؤسسة علوم نهج البلاغة - جهة مصدرة.
عنوان اضافي: بهجة الحدائق في شرح كلمات كلام الله الناطق.
عنوان اضافي: حدائق الحقايق في شرح كلمات كلام الله الناطق
تمت الفهرسة قبل النشر في مكتبة العتبة الحسينية
ص: 1
رقم الإيداع في دارالكتب والوثائق العراقية ببغداد 2977 لسنة 2018
مصدر الفهرسة: IQ-KaPLI ara IQ-KaPLI rda
رقم تصنيف BP38.08.S24 B3 2018 :LC
المؤلف الشخصي: السلامي، غيداء كاظم عبد الله - مؤلف.
العنوان: بهجة الحدائق في شرح نهج البلاغة لعلاء الدين محمد بن ابي تراب الحسني /
بيان المسؤولية: دراسة وتحقيق م. د. غيداء كاظم عبد الله السلامي؛ تقديم نبيل قدوري حسن الحسني.
بيانات الطبع: الطبعة الاولى.
بيانات النشر: كربلاء، العراق: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة، 2018 / 1439 للهجرة.
الوصف المادي: 6 مجلد؛ 24 سم.
سلسلة النشر: (العتبة الحسينية المقدسة؛ 514).
سلسلة النشر: (مؤسسة علوم نهج البلاغة؛ 153).
سلسلة النشر: (سلسلة تحقيق المخطوطات؛ 9).
تبصرة عامة: الكتاب في الاصل رسالة ماجستير.
تبصرة ببليوجرافية: يتضمن ارجاعات ببليوجرافية.
موضوع شخصي: الشريف الرضي، محمد بن الحسين، 359 - 406 للهجرة - نهج البلاغة.
موضوع شخصي: علي بن ابي طالب (عليه السلام)، الامام الاول، 23 قبل الهجرة - 40 للهجرة - احاديث.
موضوع شخصي: کلستانه اصفهاني، محمد بن ابي تراب، توفي 1110 للهجرة -- بهجة الحدائق في شرح كلمات كلام الله الناطق.
موضوع شخصي: علي بن ابي طالب (عليه السلام)، الامام الاول، 23 قبل الهجرة - 40 للهجرة - رسائل.
موضوع شخصي: علي بن ابي طالب (علیه السلام)، الامام الاول، 23 قبل الهجرة - 40 للهجرة - كلمات قصار.
مؤلف اضافي: الحسني، نبيل قدوري، 1965 -، مقدم.
مؤلف اضافي: دراسة ل (عمل): كلستانه اصفهاني، محمد بن ابي تراب، توفي 1110 للهجرة -- بهجة الحدائق في شرح كلمات كلام الله الناطق.
اسم هيئة اضافي: العتبة الحسينية المقدسة (كربلاء، العراق). مؤسسة علوم نهج البلاغة - جهة مصدرة.
عنوان اضافي: بهجة الحدائق في شرح كلمات كلام الله الناطق.
عنوان اضافي: حدائق الحقايق في شرح كلمات كلام الله الناطق
تمت الفهرسة قبل النشر في مكتبة العتبة الحسينية
ص: 2
سلسلة تحقيق المخطوطات
وحدة تحقيق الشروحات
بهجة الحدائق
في شرح
نهج البلاغة
لعلاء الدین محمد بن ابی تراب الحسنی کلستانة
المتوفی سنة 1110 ه
الجزء الأول
دراسة وتحقيق
م. د. غيداء كاظم السلامي
اصدار
مؤسسة علوم نهج البلاغة
في العتبة الحسينية المقدسة
ص: 3
جميع الحقوق محفوظة
العتبة الحسينية المقدسة
الطبعة الأولى
1439 ه - 2018 م
العراق - كربلاء المقدسة - مجاور مقام علي الأكبر عليه السلام
مؤسسة علوم نهج البلاغة
هاتف: 07728243600 - 07815016633
الموقع الألكتروني: www.inahj.org
الإيميل: Info@Inahj.org
تنويه:
إن الأفكار والآراء المذكورة في هذا الكتاب تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر العتبة الحسينية المقدسة
ص: 4
بسم الله الرحمن الرحيم
«وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ»
صدق الله العلي العظيم
سورة هود الآية 88
ص: 5
ص: 6
إلى من يرنو إليه نظري وفكري وقلبي
صباحاً ومساء حباً ورجاء في شفاعته
سيد الكائنات وخير البرية رسولنا الكريم محمد (صلى الله عليه وآله).
إلى صاحب العلم والبلاغة، شهيد الحق الإمام علي (علیه السلام).
إلى ركنَي الأمان والحنان..... أبي وأمي
إلى شجرة العطاء...
إخوتي وأخواتي.
إلى النجمتين في سماء حياتي... ابنتيَّ
ص: 7
ص: 8
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي لا يبلغ مدحته القائلون، ولا يحصي نعمائه العادّون، ولا يؤدي حقه المجتهدون، الذي لا يدركه بُعد الهمم، ولا يناله غوص الفطن والصلاة والسلام على خير خلقه وصفوة رسله أبي القاسم محمد وعلى آله موضع سره، ولجؤ أمره، وعيبة علمه، وموْئل حُكمه، وكهوف كتبه، وجبال دينه، وسلم تسليماً آناء الليل وأطراف النهار.
أما بعد:
يُعد حقل (الشروحات) من الحقول المعرفية المهمة التي رافقت الحركة العلمية للأحاديث الشريفة، لا سيما الأحاديث النبوية، فقد شهدت المكتبات الإسلامية العديد من الشروحات التي التصقت بالحديث النبوي الشريف لتنافس في ذلك الحركة العلمية للتفاسير، وكان العلماء المسلمين أرادوا خلق حالة من التوازن في بيان معارف القرآن والحديث النبوي الشريف، ثم تبعوا هذا النهج الفقهاء، فقاموا بشرح كثيرٍ من المصنفات الفقهية لأساطين الفقه في المذاهب الإسلامية السبعة.
وعليه: لم يكن كتاب نهج البلاغة ببعيد عن هذا الحقل المعرفي والمنهج العلمي فقد تتوّق للإنتهال من معينه الفياض بالعلوم والمعارف أساطين
ص: 9
العلماء في اللغة، والكلام، والفقه، والتاريخ، والسيرة، والفلسفة، والعقائد، والتربية، والاجتماع، والسلوك، وغيرها من العلوم، التي وجد فيها العلماء ضالتهم؛ بل لقد أصبحت هذه الشروحات لكتاب نهج البلاغة هي بحد ذاتها منهلاً لكثير من الدراسات الأكاديمية؛ لما تحتويه على معارف كثيرة ومتجددة، مما فسح المجال لحقول معرفية جديدة بالظهور، لا سيما والعالم يشهد حركة معرفية متسارعة.
وعليه: فما هذا الشرح الذي بین أيدينا الموسوم ب(بهجة الحدائق في شرح نهج البلاغة) للعالمٍ الجليل السيد علاء الدين محمد ابن أبي تراب الحسني
(كلستانة) إلا واحداً من تلك الشروح، التي انبرى أصحابها للإدلاء بدلوهم في معین علوم كتاب نهج البلاغة، وما هذا التحقيق لهذا المخطوط إلا واحداً من الدراسات الأكاديمية القيّمة لنيل شهادة الدكتوراه للأخت الباحثة غيداء كاظم السلامي، التي بذلت قصارى جهدها في دراسة هذا المخطوط ومقابلته على سبع نسخ خطية، ووضع الهوامش العلمية والإحالات المرجعية؛ فضلاً عن تزيین العمل بالكشاف العلمي، الذي الحق بهذه الدراسة.
فجزى الله الباحثة على ما بذلت من جهود كبیرة، ونسأل الله تعالى أن ينفعها بهذا العلم في يوم الجزاء «يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ ٭ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ» (الشعراء: 88 - 89).
والحمد لله رب العالمين.
السيد نبيل الحسني الكربلائي
رئيس مؤسسة علوم نهج البلاغة
ص: 10
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
سبحانَ مَنْ لَبِسَ البهْجَةَ والجَمَالَ، سُبحانَ مَنْ تردّى بالنُّورِ وَالوَقَارِ، سُبْحانَ مَنْ يَرَى أَثَرَ النَّملِ فِي الصَّفا، سُبحانَ مَنْ يَرَى أَثَرَ الطَّیْرِ فِي الهَوَاءَ،
سُبحانَ مَنْ هُو هَكذَا وَلا هكَذا غَیْرُه، والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى أَشْرفِ مَنْ نَطَقَ بالضَّادِ سَيّدنا مُحَمَّدٍ، وعَلَى آلِهِ الطَّيبینَ الطَّاهِرينَ....
أَمَّا بَعْدُ
فإنَّ من كرم الله عليَّ ومنته أن وفقني لدراسة موضوع يتعلق بالإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، فبكلامه استعان كل واعظ بليغ، واحتج به كل عالم حکیم، لأن كلامه (عليه السلام) الكلام الذي عليه مسحة من العلم الإلهي، وفيه عبقة من الكلام النبوي.
من المعروف أنَّ كلَّ دراسة في نهجه البليغ تعطي وتضيف للباحث أكثر مما يضيف لها، ولهذا كثرت الشروح على كلامه (عليه السلام) في نهجه الكريم، وتوالت الأقلام تصفُ حسن عباراته ودقائق نظمه، وعظمة حكمته، ودرر
ص: 11
ألفاظه، ومن أول الشروح ما كتبه قطب الدين الراوندي (ت 573 ه) أو أبي الحسن البيهقي (ت 565 ه) - على اختلاف القول بين صاحب ریاض العلماء وخاتمة المستدرك(1)- إلى آخر الشروح التي خرجت لتوجيه هذا السفر الخالد دراسة وتحليلا، وعلى اختلاف اللغات من عربية وفارسية وأوردية، وتكفي نظرة واحدة إلى كتاب الذريعة، باب شروح النهج لتبيان مقدار هذه الشروح وعدّتها.
وقد انضم السيد علاء الدین کلستانة الأصفهاني إلى كوكبة الشرّاح، فقدم شرحًا للنهج مستعينًا بما سبقه من الشرّاح أمثال القطب الراوندي، وابن أبي الحديد، وابن میثم البحراني، ومن عاصره، أمثال العلامة المجلسي في كتابه بحار الأنوار، وشرح السيد كلامَ الإمام (عليه السلام) شرحًا وافيًا غير مخلٍ ولا مطنبٍ، فهو كما يصفه: (مختصر يذلل من الألفاظ صعابها، ويكشف عن عرائس المعاني على وجه الايجاز جلبابها)، وقد شبهه بأنه كالطلع لحدائق الحقائق الذي هو شرح واسع ومطول للشارح.
والحقّ أنَّ الخوضَ في غمارِ التحقيقِ ليسَ بالأمرِ الهينِ، ولاسيما أن المخطوط واسع تجاوز صحائفه الثلاثمائة صحيفة، مما تطلّب منّي مضاعفة الجهد والرجوع إلى أعداد كثيرة من المصادر المتنوعة بسبب الثقافة الموسوعية للمصنف فتعددت مصادره ما بين لغوية، وأدبيةٍ، وتاريخية، ودينية، وفلسفية وكلامية، وغير ذلك.
ص: 12
وقد بذلتُ أوقاتًا طوالاً في مقابلة النسخ وإكمال الطمس والخرم، ومعالجة بعض الكلمات غير المقروءة، هذا من جانب، ومن جانب آخر فإني حصلت على سبع نسخ خطية من داخل البلد، والخمس البقية خارج البلد - في إيران - مما تطلب الأمر إلى السفر وجلبها من إيران، وقد بذل المشرف الفاضل جهودًا مضنية لتسهيل هذا الامر؛ فقد استجلبها لي - مشكورًا - من مدينة قم المقدسة من مكتبتي (المرعشي، ودار إحياء التراث).
إلا أنّ الذي هوّن الأمر علىّ حبّي الشديد للتحقيق، ورغبتي في إحياء التراث كي يبصر النور وليفيد منه القارئون، والباحثون.
وبعد أن استوى التحقيق على سوقه من جمع نسخ خطية، ومقابلة، وتخریج، وما يلحق بها من مبادئ تحقيقية، توجهت حينها إلى الدراسة التي جاءت في قسمين:
القسم الأول: قسم الدراسة، ويشمل: المبحث الأول: حياة علاء الدين کلستانة (اسمه، نسبه،، کنیته لقبه، مولده، عصره، أساتذته، تلاميذه، مؤلفاته، أقوال العلماء فيه، وفاته).
أمّا المبحث الثاني فخصصته لموارد الشرح المتمثلة ب(الكتب) التي اعتمدها الشارح فقسمتها إلى (كتب المعجمات، کتب النحو، کتب اللغة، كتب التفاسیر، کتب الأحاديث، كتب الأنساب، كتب التاريخ). و (الأعلام) فذكرت الأعلام الذين رجع اليهم الشارح، وعلى اختلاف مواردهم.
في ما تناول المبحث الثالث منهج الشارح، فعرضت طريقة شرحه للألفاظ المتمثلة بالضدّ، والخلاف، والنقيض، والتقابل، ثم عرضت طريقة
ص: 13
ضبطه للكلمة المتمثلة بطريقتي (الوِزان)، و(وصف الكلمة)، بعد ذلك تكلمت على توجهاته الدلالية (الأضداد، الترادف، تعميم المعنى، الانسجام في المعاني التي يبينها).
ثم عرّجت على اهتماماته الصرفية، وإشارته للمذكر والمؤنث، وتوجيهه للضمائر، واشارته للقياسي وغير القياسي، وایراده لأكثر من رواية والترجيح بينهما، وتعليله للتسميات، وانتقاده لبعض الشارحين وردوده عليهم.
وتضمن المبحث الرابع شواهد الشرح المتمثلة ب(القرآن الكريم)، و(القراءات القرآنية)، و(الحديث النبوي الشريف)، و(الأمثال)، و(الشعر والرجز).
ثم جاء القسم الثاني وهو التحقيق، ويشمل منهج التحقيق، عرضت فيه الخطوات التي اتبعتها في التحقيق، وقدمتُ وصفًا لنسخ المخطوطة التي اعتمدت في التحقيق مع نماذج مصورة منها.
أتبعت الدراسة النص المحقق، وهو في شِقّينِ:
الأول: تحقيق المتن، فقمت بتحقيق المتن، وأظهرت الفرق بينه وبين متن ابن أبي الحديد، ونهج البلاغة لصبحي الصالح، واشرت إلى الفروق في الهامش، وقد اخترتهما من دون غيرهما؛ لأن المحققينِ قد رجعا إلى نسخ من مخطوطات نادرة.
والثاني: تحقیق شرح علاء الدين كلستانه.
وفي نهاية الأطروحة عرضت المصادر والمرجع العلمية التي اعتمدتها في
ص: 14
الدراسة والتحقيق، واتبعتها بمكملات التحقيق العلمية؛ فكانت الفهارس العلمية ل(القرآن الكريم، والحديث النبوي، والاشعار، والاعلام، والأمثال، والكتب، والقبائل، والاماكن والمدن).
وفي الختام لا يسعني إلا أن أتقدم بالشكر والامتنان إلى الاستاذ المساعد الدكتور علي الاعرجي على نصائحه، ومتابعته، وعلى صبره الجميل فكان نعم العون، لما أبداه من ملاحظ سديدة.
وأخيرا أقول: إني بذلت ما بوسعي من جهد وأخلصت النية، أملاً في أن يكون عملي مرضیًّا لله ورسوله وأهل بيته الطاهرين، ولا أدعي أن عملي هذا بلغ الكمال، فإن كنت أصبت فذلك من الله فضلٌ ورحمة، وإن هفوت فإن حسبي توخي الصواب وصدق النية وإن جهدي جهد إنساني، والكمال لله وحده عليه توكلت واليه أنيب.
الباحثة
ص: 15
ص: 16
ص: 17
ص: 18
هو محمد بن الأمير محمد علي شاه المعروف بأبي تراب بن أبي المعالي بن مرتضى بن أمير منصور بن غیاث بن عبد العزيز بن نظام الدين بن إسماعيل بن شرف الدين صدر بن الأمير إسماعيل بن عماد الدين علي بن الحسن شرف شاه بن عماد الدين بن أبي الفتوح محمد بن أبي الفضل - الشهير بكلستانة - ابن علي بن الحسين بن علي بن الحسين الرئيس بن علي بن الحسين بن الحسين بن القاسم بن محمد - المعروف بالبطحائي - ابن القاسم بن الحسن بن زید بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) الكلستاني البطائحي الحسني(1).
لم نقف على كنيته، أما لقبه فهو علاء الدين، وكان أبوه يلقب بأبي تراب، وكان من أعيان كلستانة.
ص: 19
يلقب علاء الدين بكلستانة(1)وهو لقب لحقه من جده الأعلى الذي كان يلقب بکلستانة؛ لأنه أول من سكن من هذه الأسرة وهي أعمال أصفهان.
لم تشر المصادر إلى تاريخ ولادته، إلا أنَّ الآبادي ذكر أن عمره يوم مات كان تسع وستون سنة(2)فإذا أثبتنا أنَّ وفاته كانت سنة 1110 ه نستطيع أن نقول إنه ولد سنة 1041 ه.
عاش علاء الدین کلستانة خلال حكم الدولة الصفوية في إيران، إذ شهد في صغره ولاية صفي بن صفی میرزا ابن عباس الكبير التي كانت فترة حكمه (1038 ه - 1052 ه)، وشهد من بعده حکم عباس الثاني الذي كان من الفترة (1052 ه - 1077 ه)، وفي أواخر حياته شهد حکم الشاه صفي الثاني الذي حكم إيران من (1077 ه) إلى (1105 ه) والسنوات الخمس الأخيرة شهد فيها حكم ابنه الشاه سلطان التي كانت فترة حكمه (1105 ه - 1135 ه)(3).
وقد ألف الشارح كتابه حدائق الحقائق خلال حكم الشاه صفي الثاني الملقب ب(سلیمان) والدليل على ذلك ما ورد في كتاب الذريعة، إذ جاء فيه: ((... والحدائق هو شرحه الكبير لنهج البلاغة خرج في ثلاث مجلدات وإنه
ص: 20
لم يتم ألفه بعد شرحه الصغير التام الذي سماه (بهجة الحدائق) کما مرَّ في ج 3 ص 161 وصدره باسم الشاه سلیمان الصفوي، أوله [الحمد لله الذي رفع النا أعلام المجد بولاء حامل لواء الحمد...]))(1)وخلال حكم الشاه سلیمان الذي استمر حكمه ثمانية وعشرون سنة كانت إيران مستقرة نسبياً فلم تتعرض لأي غزو خارجي مهم، غير أنَّ شمال إيران - استراباد والدامغان وسمنان تعرض لغزوه ترکمانية في عامي (1086 - 1087)(2). بالتأكيد فإنَّ هذا الاستقرار كان له دور في عطاء الشارح وغيره من العلماء اضافة إلى أنَّ معظم حكام الدولة الصفوية أهتموا بالعلماء وأكرموهم ووفروا لهم ما يحتاجون لغرض التأليف ونشر علوم أهل البيت وفي مقدمتهم الشاه عباس الأول الذي جعل عاصمته أصفهان(3).
- حدائق الحقائق في شرح نهج البلاغة، وهو شرح كبير، قيل إنه في ثلاثة مجلدات غير تام(1)(مخطوط)، وذكر بعضهم أنه شرح مبسوط في عشرين مجلداً(2).
- روضة الشهداء(3).
- روضة العرفاء ودوحة العلماء في شرح الأسماء الحسنی(4)، وذكرها بعضهم باسم شرح الأسماء الحسنی(5).
- شرح الرسالة الأهوازية الصادقية(6).
- منهج اليقين، وهو شرح الرسالة المُذَهَبَة للإمام الرضا (عليه السلام) التي أرسلها إلى المأمون(7).
من العلماء الذين اثبتوا في كتبهم آراءهم في السيد علاء الدين:
1 - الميرزا محمد الأردبيلي، قال عنه: ((من سادات کلستانة جلیل القدر،
ص: 23
عظیم الشأن، رفيع المنزلة، ثقةً ثقة، ثبت عين، عدل، ورع، زاهد، أورع أهل زمانه وأزهدهم، الجامع لجميع الخصال الحسنة، والعالم بالعلوم العقلية والنقلية، کُلف مرتين للصدارة فلم يقبل لكمال عقله، وغاية زهده)).(1)
2 - الشيخ عباس القمي (ت 1359 ه) قال عنه: ((هو السيد الأجل العالم الزاهد مولانا محمد بن أبي تراب))(2)
3 - قال عنه السيد محسن الأمين: ((جلیل القدر، عظيم الشأن عابد زاهد عالم بالعلوم العقلية والنقلية))(3)
4 - الزنوزي قال عنه: ((رجل عالم فاضل، کامل محقق، مدقق، متکلم، علامة منشيء بليغ إمامي))(4).
5 - قال عنه عمر رضا کحالة: ((عالم، مشارك في العلوم العقلية والنقلية))(5).
في سنة (1110 ه)(1)، ومن المحدثين من ذكر أن تاريخ وفاته كان بعد سنة (1110ه)(2)، والرواية الأولى بعيدة عن الصحة؛ ذلك أن محمد بن علي الأردبيلي(3)المتوفي سنة (1101 ه) صاحب جامع الرواة الذي فرغ من کتابته سنة (1100 ه)(4)ذكر ما يشير إلى أنَّ السيد علاء الدين كان حياً يرزق في هذه السنة، إذ قال عنه: ((... کُلف مرتين للصدارة فلم يقبل لكمال عقله وغاية زهده مدَّ الله تعالى ظله العالي وصانه وأبقاه))(5).
وورد في مقدمة الكتاب أن الأردبيلي لما أراد كتابة نسخة عن نسخة الأصل من كتابه جامع الرواة جمع جماعة من العلماء ومنهم السيد علاء الدين إلى حجرته بالمدرسة المباركة فكتب كل واحد منهم شيئًا تقديراً منهم له، وتيمناً منه بخطوطهم، فكتب له السيد علاء الدين كلمة (الذي)(6).
ص: 25
يحتل هذا الشرح أهمية من بين شروح نهج البلاغة؛ لكونه مختصراً تسهل قرأته على القراء بحيث يغني عن قراءة الشروح المطولة، وقد المحَ السيد إلى ذلك بقوله: ((مختصر يذلل من الألفاظ صعابها، ويكشف عن عرائس المعاني على وجه الإيجاز جلبابها)).
وقد استقى السيد علاء الدين موارده من كتب متنوعة، وهو أمر طبيعي بالنسبة لمن يتعامل مع كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) التي تفوق فضاءاته اللغوية كل مقدرة انسانية، ولا يمكن حصر أو تحديد الكميات ولا الكيفيات اللغوية الثرة التي يتضمنها النهج بجانب واحد (نحوي، أو دلالي، أو صوتي، أو صرفي، أو بلاغي) لأنه باختصار کلام کامل، الذي يتعامل مع هذا الكلام لابد أن يتزود بمجموعة من الكتب تعينه على کشف ومزایا كلامه (عليه السلام) وبيانها، ويستعين بآراء أعلام من أهل اللغة، لذا كانت موارده على شقين هما الكتب والاعلام.
لجأ الشارح إلى كتب متنوعة اعتمدها في شرحه، وكثيراً ما كان يصرح بها، ويمكن تصنيف هذه الكتب الى:
من أكثر المعجمات التي اعتمدها الشارح معجم الصحاح، وقد صرح
ص: 26
به كثيراً وكان ينقل - في كثير من الاحيان - نصوصاً منه، من ذلك ما نقله الشارح(1)في بيانه لمعنى (ذَرَّی) قال: ((... وقال الجوهري: (ذَرَتِ الرِّيْحُ الترُّابَ
وَغَیرهُ، تَذَرُهُ وَتَذْرِيهِ ذَرْوًا وَذَرْيًا أي: سَفَتْهُ، وَمنْه قولهم: ذَرَّى الناسُ الحِنطةَ، وأَذْرَيتُ الشيءَ إذا ألقيتَهُ كإلقائِك الحَبَّ لِلزرعِ)(2)، وفي معنى الزبرج: ((قال الجوهري(3): ويقال: الذَّهَب))(4)واعتمده في ايضاح معنى (التواتر) قال: ((والتَواتر: التَّتَابع مطلقًا أو مع فترات کَمَّا ذكرهُ الجوهري))، وقال: إذا لَمْ يَكُنْ بَینَّ الأشياءِ فَترة فمتابعتها مواصلة ومداركة(5))) وفي مواضع أخرى، واعتمد على معجم العين من ذلك ما جاء في بيانه لمعنى (الناجذ)، ((... وقال في العين(6): ((هي السنّ بيَن الأنيابِ والأضراسِ))(7)، واعتمده في معنی کلمة (الكسر): ((... وقال في العين(8): ((الكَسرْ والكِسرْ، لُغتان الشَّقَّةُ السُّفْلى مِنَ الخباءِ، ومِنْ كُلِّ قُبَّة وغشاء يُرفع أحياناً ويرخى حَتَّى يُقال لِناحيتي الصحراء: كِسْراها))(9)، وفي معنى الاعتقام: ((... وقال في العين(10):
ص: 27
((الاعْتِقَامُ الدُّخُولُ فِي الأَمْرِ))(1)، ومواضع أخر ورجع إلى القاموُس المحيط في معنى (واتر)، قال: ((... وفي القاموس(2): واتر أي ((تَابَعَ))(3)، وفي بیان معنی (ثقل): ((... وقال في القاموس(4): الثَّقَلُ مُحرَّكة: مَتاعُ المُسافِرِ، وَحَشمُه، وَكُلُّ شَيءٍ نَفِيسٍ مَصُونٍ))(5)ورجع اليه في بيان معنی (طوح) قال: ((... وفي القاموس(6)طَوَّحَ بِزَيْدٍ: حَمَلَهُ عَلىَ رُكوبِ مَفَازةٍ مُهْلِكة))(7)وغيرها من المواضع. ومن المعجمات التي اعتمدها معجم المصباح المنير في بيان معنی (قدیم)، قال الشارح: ((... وقال في المصباح المنير(8): (أصل القديم في اللسان العربي: السابق؛ لأن القديم هو القادم فيقال الله تعالى قديم بمعنى أنه سابق الموجودات كلها))(9)، وفي معنى (الأمل) قال الشارح: ((... وقال في المصباح المنير(10): (أملته أملًا من باب طلب)))(11)، وفي بيان معنی (الذُلُل) قال: ((الذُلُل بضمتين جمع ذلول وهو ضدّ الصّعب کَرَسُل ورسول صرّح به
ص: 28
في المصباح المنير(1)))(2)واعتمده أيضاً في معنى (المخيلة قال: ((... وقال في المصباح المنير(3): أخالت السحابة إذا رأيتها، وقد ظهرت فيها دلائل المطر، فحسبتها ماطرة))(4)، وفي مواضع أُخر.
رجع الشارح إلى كتاب سيبويه (ت 180 ه) من ذلك قوله: ((... والتكرمة مصدر كرّمه كالتكريم، ولكن التفعيل في غير النّاقص قیاس مطرد والتفعلة كثيرة لكنها مسموعة وكذا في المهمُوز اللاّم نحو تخطئة، وتهنئة، وعن سيبويه أنَّ تَفْعِلَةٌ لازم في المهمُوز اللام كما في النّاقص وتكون التكرمة للموضِع الخاص لجلوس الرّجل من فراش أو سرير ممّا يُعَدُّ لاكرامه(5)))(6)، واعتمد مغني اللبيب في الاستدلال على أنَّ (إذ) تكون للمفاجأة إذا جاءت بعد (بين) أو (بینا) فقال: ((... ثم قال صاحب المغني: (وهل هي ظرف مكان أو زمان أو حرف لمعنى المفاجأة، أو حرف توكيد أي زائد؟ أقوال(7)))(8)، وفي موضع آخر قال الشارح: ((وكلمة (عن) بمعنی: (بعد)، ذكره ابن هشام
ص: 29
ضم الشرح عدداً من كتب اللغة منها: كتاب البَيان والتّبيين للجاحظ (ت 255 ه)، قال الشارح: في معرض حديثه عن بعض روایات الخطب: ((وقد ذكرها شيخنا أبو عثمان الجاحظ في كتاب (البَيان والتّبيين)(3)))(4)، ورجع إلى كتاب الكامل للمبرد (ت 285 ه) قال الشارح نقلاً عن ابن أبي الحديد (ت 656 ه): ((هذه الخطبة من مشاهير خطبه (عليه السّلَام) قد ذكرهَا كثير من النّاسِ، ورواها أبو العبّاس المبرد في أول الكامل(5)))(6)، ورجع الشارح كثيراً إلى كتاب النهاية لابن الأثير (ت 606 ه)، وكان يصرح به أحياناً أو باسم مؤلفه أحياناً أخرى من ذلك قول الشارح(7): ((وقال في النهاية في تفسير قوله (عليه السلام): ((أي: اجتمعت عليه وانطويت واندرجت))(8)، وقال في موضع آخر(9): ((قال في النهاية: ((وقد أولع الناس فيه بترك الهمز وتشديد الياء))(10)، ورجع أيضا إلى كتاب غريب
ص: 30
الحديث لابن قتيبة (ت 276 ه) قال الشارح نقلاً عن ابن أبي الحديد(1): ((... حليته فقال: رجل أجلى الجبين، أقنى الأنف(2)، ضخم البطن، أزيل الفخذين(3)، أبلج الثنايا(4)، بفخذه اليمين شامة، وذكر هذا الحديث بعينه عبدالله بن قتيبة في كتاب «غریب الحديث»(5)))(6).
من التفاسير التي رجع اليها الشارح تفسير الكشف والبيان في تفسير القرآن، للثعلبي (427 ه) جاء في شرح النهج: ((... وفي تفسير الثعلبي(7)أنَّه (صلى الله عليه وآله) قبض يوم الاثنين لليلتين خلتا من ربيع الأول حين زاغت الشمس))(8)، ورجع للتبيان في تفسير القرآن، للطوسي (ت 460 ه) من ذلك قول الشارح: ((... وفي التبيان(9)عن الزجاج في قوله تعالى: «وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا»(10)انَّه جعل (عدداً) بمعنى المصدر وقال: تقديره: وأحصى كلَّ
ص: 31
شيء إحصاءً)(1)، و رجع إلى تفسير الكشاف للزمخشري (ت 538 ه)، قال: ((... قال صاحب الكشاف(2)قوله تعالى: «بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ»(3)يحتملهما فعلى الأول إما من إضافة المصدر إلى الفاعل بأن تكون الكواكب مزينا للأفلاك، أو إلى المفعول بأن زين الله الكواكب وحسنها؛ لأنها إنما زینت السماء لحسنها في أنفسها وعلى الثاني فإضافتها إلى الكواكب بيانية))(4)واعتمد تفسیر مجمع البيان للطبرسي (ت 548 ه) من ذلك قوله: ((وروى الطبرسي رحمه الله في مجمع البيان(5)عنه (عليه السَّلام) أنه قال: ((إنَّ الرجلَ ليعجبهُ شرِاكَ نعلِهِ فيدخل في هذه الآية(6)))، قال: (يعني أن من تكبر على غيره بلباس يعجبه، فهو ممَّن يريد علوا في الأرض)(7).
رجع الشارح إلى صحيحي مسلم والبخاري من ذلك قوله: ((ووصى وأوصى بمعنى والوصية في أمر الأنصار رواها من الجمهور البخاري (ت 256 ه)(8)
ص: 32
ومسلم (ت 261 ه)(1)وغيرهما(2)، والوصية بهم الأمر بمراعاتهم والاحسان اليهم)(3)، واعتمد على كتاب (الاصول من الكافي) للشيخ الكليني (329 ه) قال: ((... وأما للتقية والخوف من ثوران الفتنة، وتفرق عسکره کما صرح به (عليه السلام) في خطبة طويلة رواها محمد بن يعقوب الكليني (رحمه الله) في الكافي(4)))(5)، و اعتمد على مؤلفات الشيخ الصدوق (ت 381 ه) منها كتابيه علل الشرائع ومعاني الاخبار ((إنما سميَّ انساناً؛ لأنه عهد إليه فنسيَّ، قال تعالى: «وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا»(6)ويدل عليه رواية الصدوق (رضي الله عنه) في العلل(7)ورواية معاني الأخبار(8)))(9)، وكتاب الخصال قال: (((ومن صدقك بهذا) أي: في هذا وكون هذا التصديق تكذيباً للقرآن لادعائه العلم الذي هو عند الله كما يظهر مما رواه الصدوق رحمه الله في الخصال(10))(11)، وكتاب (من لا يحضره الفقيه) جاء فيه: ((وفي رواية الصدوق (رضي الله عنه عن الصادق (عليه السلام) (من اجتنب
ص: 33
الكبائر كَفَّرَ الله عنه جميع ذنوبه(1))(2)، واعتمد على مؤلفات الشيخ المفيد (413 ه) منها كتاب (الإرشاد) قال في حديثه عن الخطبة الشقشقية: ((... وأسندها الشيخ المفيد (قدس الله روحه) في إرشاده(3)إلى أهل النقل))(4).
منها كتاب المعارف لابن قتيبة، قال الشارح نقلاً عن كلام ابن أبي الحديد(5): ((قال: (وروی عنه هذا الكلام بعينه أبو محمد بن قتيبة في كتاب المعارف(6)))(7). واعتمد على كتاب الاستیعاب لابن عبد البرّ (ت 463 ه) كثيرا من ذلك قول الشارح: ((... وجرى ذلك في المكاتيب من يومئذ، ذكر ذلك أبو عمر بن عبد البرّ في كتاب الاستیعاب(8)))(9)، واعتمد على كتاب أنساب الأشراف للبلاذري (279 ه) من ذلك خبر استقالة أبي بكر الصديق أشار الشارح انه ورد في هذا الكتاب قال: ((في أنساب الاشراف(10))(11).
ص: 34
من الكتب التي كانت من موارد الشارح كتابا تاريخ الطبري (ت 310 ه)، والکامل لابن الاثير؛ وذلك لوجود بعض الحوادث التاريخية في كلامه (عليه السلام)، وقد ذكرهما في قوله: ((... فكونوا مع الذّين فيهم عبد الرَّحمن فسعد لا يخالف ابن عمَّه، وعبد الرحمن صهر عثمان لا يختلفان فيوليها أحدهما الآخر فلو كان الاخران معي لم يغنيا شيئاً رَواهُ الطبري(1)وابن الاثير في الكامل(2)))(3).
شرح علاء الدين كلستانة النهج مرتين، المرة الأولى بشرح کبیر سماه (حدائق الحقائق) قيل إنه في ثلاثة مجلدات غير تام(1)(مخطوط)، وبعضٌ ذكر أنَّه شرح مبسوط في عشرين مجلداً(2))، وقد صرح الشارح في مقدمة (بهجة الحدائق) ما يدل على تقدم كتاب حدائق الحقائق، وأنه ألفه أولاً، ثم الف مختصرا له وهو بهجة الحدائق، إذ قال: ((أما بعد... فيقول المرتجي صفح ربه وغفرانه علاء الدين محمد بن أبي تراب الحسني المنتمي إلى کلستانة: إني لمَّا فرغت من تأليف بعض أجزاء حدائق الحقائق في شرح کلمات کلام الله الناطق وقضيت الوطر في شرح الخطبة الشقشقية من رفع الشبه وتسكين الشقاشق رأيت كثيراً من أهل الدهر قاصر الفطنة عن صعود مراقبه وارتقاء تلك الشواهق أو مقصور المهمة على مختصر خالٍ عن الإطناب غير مشتملٍ على الدقائقِ فقدمتُ مختصراً يذلُلُ مِنْ الألفاظ صِعابُها ويكشفُ عَنْ عرائسِ المعاني على وجه الإيجاز جلبابها... ولمَّا كانَ هذا المختصر کالطلعِ لحدائقِ الحقائقِ سَميته بَهجة الحدائق))(3)) وقد جاء هذا الشرح غنياً مع اختصاره واعتمد الشارح فيه على طريقة الشرح المزجي إذ مزج المتن بالشرح مع وضع
ص: 38
خط على المتن ليتميز من الشرح.
أما طريقة شرحه للألفاظ وطريقة وزانه للكلمات واهتماماته الصرفية والدلالية وإشارته إلى القياسي وغير القياسي من الكلمات، والمذكر والمؤنث فقد وردت في معرض شرحه وهي على النحو الآتي:
اعتمد علاء الدين في شرحه للألفاظ على طرائق مختلفة منها:
وصفت كتب اللغة العلاقة الضدية من خلال تعريف معنى الضد، منها قول ابن فارس (ت 395 ه): ((المتضادان: الشيئان لا يجوز اجتماعهما في وقت واحد كالليل والنهار))(1)وحرص العرب على جمع الألفاظ المتضادة ومنهم الهمذاني (ت 327 ه) الذي خصص باباً للألفاظ المتضادة سماه باب الأضداد في كتابه الألفاظ الكتابية(2). ولا يخفى أن التضاد الوارد في نهج البلاغة يحقق ((بتناقضاته الدلالية والتركيبة تشكيلاً موسيقياً داخلياً بين الألفاظ تارة أو بين الجمل والتراكيب تارة أخرى، ليضاعف الشعور بإيقاعية اللغة في النص فضلاً عن العناصر الأخرى))(3)، ومن المواضع التي شرح فيها الألفاظ بهذه الطريقة:
في شرحه لقول الإمام (عليه السلام): ((وَآَمَنَ فِيها مَحَلّتَهُ)) قال:
ص: 39
((والأَمن: ضِدّ الخَوف(1)))(2).
في بيانه لقول الإمام (عليه السلام): ((حَتَّى إذا اِرْتَوى مِن آجِنٍ)) قال: ((الريان ضِدُّ العَطْشَان(3)))(4).
في شرحه لقول الإمام (عليه السلام): ((قَدْ ألْزَمَ نَفْسَهُ العَدْلَ فَكَانَ أَوَّلَ عَدْلِهِ نَفْيَ الْهَوَى عَنْ نَفْسِهِ)) قال: ((والعَدْل ضِدُّ الجَوْرِ(5)))(6).
في توضيحه قول الإمام (عليه السلام): ((وَمَحَطُ حُفْرَتِهِ)) قال: ((والحَط ضِدُّ الرَفْع))(7).
في بيانه لقول الإمام (عليه السلام): ((بُعْدَاً لَهُمْ كَمَّا بَعُدَتْ ثَمُوُد)) قال: ((البُعْدُ بالضم ضِدُّ القُّرْب(8)))(9)، وتوجد مواضع كثيرة اعتمد الشارح فيها هذه الطريقة.
جداً))(1).
وقد شرح علاء الدين معاني الألفاظ عن طريق ذكر ما يخالفها على سبيل المثال:
شرحه لمعنى (الزهد) في قول الإمام (عليه السلام): (وَمِنْ عَجَائِبهِ (عَلَيهِ السّلَامُ) الَتّي انْفَرَدَ بِهَا وَاَمِنَ المُشارَكَةَ فْيِهَا أنَّ كَلامَهُ الْوارِدَ في الزُّهْد
وَاْلمَواعِظِ...) قال: ((((الزُّهْد: خِلافُ الرَّغبةِ))(2)))(3).
- شرحه لمعنى (أنس) في قول الإمام (عليه السلام): (حَتَّى إِذا أَنِسَ نَافِرُها...)) قال: ((الأَنَسُ بالفتح: ((خِلافُ الوَحْشَةِ))(4)))(5).
- توضيحه لمعنى (الذكر) في قول الإمام (عليه السلام): (ووانْتَفِعُوا بِالذِّكْرِ وَالمَوَاعِظِ) قال: ((وَالذِكْرِ: خِلافُ النسيان(6)))(7).
- بيانه معنى (الصفو) في قول الإمام (عليه السلام): ((وَتَورِدُهُمْ صَفْوَهَا)) قال: (وَالصَّفْوُ: (خِلافُ الكَدر)(8)))(9).
ص: 41
- شرحه لمعنى (الرشد) في قول الإمام (عليه السلام): (سيرتهُ القَصْدُ، وسُنَتَهُ الرَّشْدُ) قال: (والرُّشد: (خِلافُ الغَيّ)(1)))(2).
النقض ((يدل على نكث شيء))(3)وهو ((ضد الإبرام))(4)يقال: ((ناقضة في الشي مناقضة ونقاضاً: خالفه))(5)و ((تناقض الكلامان تدافعا كأنَّ واحدًا نقض الاخر وفي كلامه تناقض إذا كان بعضه يقتضي ابطال بعض))(6)، ومن المواضع التي بين فيها الشارح معاني بعض الألفاظ عن طريق ذكر نقائضها:
- في بيانه معنى (الجزع) التي وردت في قول الإمام (عليه السلام): ((فَإنْ أقَلُ يَقُولوُا حَرَصَ عَلَى المُلْكِ وَإِنْ أسُكُتْ يَقُولُوا: جَزَعَ مِنَ اْلمَوتِ)) قال الشارح: ((الجَزَعُ: ((نَقِيْضُ الصَّبْر))(7)))(8). في توضيحه معنى (الضراء) التي وردت في قول الإمام (عليه السلام): ((وَلاَ تَجْزَعُوُا مِنْ ضَرَائِهَا -
وَبُؤْسِهَا)) قال: ((والضَّرّاء الحالةُ التّي تَضُرّ، وهي نَقِيْضُ السَّرّاء التي تَسُر))(9).
ص: 42
- في بيانه معنى (الهزيل) التي وردت في قول الإمام (عليه السلام): ((وتَسْتَخْلِصُ المُؤْمِنَ مِنْ بَيْنِكُمْ / و144 / اسْتِخْلاصَ الطَّیْرِ الحَبَّةَ(1)البَطِيْنَةَ
مِنْ بَیْنِ هَزِيلِ الحبِّ)) قال: ((والهَزِيلُ: نَقِيْضُ السَّمِيْن(2)))(3).
- في بيانه معنى (الرَواح) التي وردت في قول الإمام (عليه السلام): ((مَنْ رَائِحٌ إلى اللهِ كَالضَّمآنِ يَرِدُ المَاءَ! الجَنَّةُ تَحْتَ أَطْرَافِ العَوَالِي)) قال: ((الرَّوَاح بالفتح: (نَقِيْضُ الصَّبَاحُ)(4)))(5). في توضيحه معنى (القيادة) التي وردت في قول الإمام (عليه السلام): ((وَأَقْرِبْ بِقَوْمٍ مِنْ الجَهْلِ بِاللهِ قَائِدُهُمْ مُعَاويَةَ)) قال: ((وَالقَوْدُ نَقِيْضُ السَّوْق، فهو من أمام وذَلكَ مِنْ خَلْف(6)))(7).
((وجود لفظتين تحمل أحدهما عكس المعنى الذي تحمله الأُخرى، مثل: الخير والشر والنور والظلمة)(8)وهو من الطرائق التي اعتمدها الشارح عند بيانه لمعاني الألفاظ، مثال ذلك:
ما ورد في شرحه لمعنى (مبائن) في قول الإمام (عليه السلام): ((راكن أو مفارق مبائن)) قال: ((والمراد بالمفارق المبائن التارك للدين المعرض عنه وإن
ص: 43
لم يكن له دنيا فيقابل المنقطع إلى الدنيا الساكن اليه لانهماكه في لذاتها...))(1).
حرص علماء العربية على ضبط الكلمات كي تتبين المعاني المرادة منها، هذا من جهة ومن جهة اخرى كي لا تختلط بألفاظ أخرى مقاربة لها بالبناء، لذلك قدموا طريقتين لضبط الكلمات وهما: طريقة الوِزان، وطريقة وصف الكلمة بحركاتها، وقد لجأ الشارح لهاتين الطريقتين في ضبط الكلمات.
وهي طريقة قديمة لجأ اليها أصحاب المعجمات بأن يضبطوا الكلمة على وزان كلمة مشهورة، وقد سلك الشارح هذه الطريقة في ضبط الكلمات من ذلك:
((وعَثَرَ كَضَرَبَ وَنَصَر وعَلِمَ وكَرُمَ وعَثراً وعِثَاراً بالكسر وعَثِير))(2).
((ويَزْعُم كَيَنصُر قريب من يظن))(3).
((ونَكَثَ العَهْدَ كَنَصَرَ نَكْثاً))(4).
((والكِعَام كَكِتاب...))(5).
ص: 44
((وَلَعِقَهُ كَسَمِعَهُ لَعِقَهُ لَحَسَهُ))(1).
وهي من طرائق الضبط المعتمدة لدى اللغويين ذلك بأن يصفوا حركة كل حرف من الكلمة حرصاً على ضبط الكلمة وبيان معناها، وقد اعتمدها الشارح في شرحه مثال ذلك:
((والدُوَل بضم الدال وفتح الواو...))(2).
((والفِطَن بكسر الفاء وفتح الطاء جمع فِطنة بالكسر))(3).
((والسِنْخ الأصل، وفي بعض النسخ (أَشْبَاحها) جمع شبح بالشين المعجمة والباء الموحدة والحاء المهملة محركة وقد يسكن أي أشخاصها))(4).
((والشُرُك بضمتين جمع شِراك كَكِتاب وهي الطرائق))(5).
اهتم الشارح بدلالة الكلمات الواردة في كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) وبيانها، فكان يقف عند الكلمات التي تكون من الأضداد ويذكر معانيها المتضادة، كما يذكر مرادف الكلمة، ووقف أيضاً عند الكلمات التي تعمم معناها وتوسع، وحرص على الانسجام بين معاني الجمل وان كانت مختلفة
ص: 45
عن طريق مناسبة أطراف المعاني التي يوضحها، وفي الآتي أمثلة لاهتماماته الدلالية:
عَرَّفَ أبو الطيب اللغوي (ت 351 ه) الأضداد قائلاً: ((والأضداد جمع ضد، وضد كل شيء ما نافاه، نحو البياض والسواد، والسخاء والبخل والشجاعة والجبن وليس كل ما خالف الشيء ضداً له))(1)، والشرط في الأضداد اتحاد اللفظ، فإن لم يتحد اللفظ لم يكن من الأضداد بل كان من الألفاظ المتقابلة المعاني، قال أبو الطيب: ((شرط الأضداد أن تكون الكلمة بعينها تستعمل في معنيين متضادين، من غير تغيير يدخل عليها))(2)، وذهب اللغويون الأوائل في الأضداد مذهبين: منهم من انكره أمثال ابن درستويه (ت 347 ه)، الذي وضع كتاباً في إبطال الأضداد(3)، ومنهم من اثبته وأيده كالأنباري، وابن فارس(4)، ومنهم من وضع شروطاً خاصة يجب توافرها فيه من أجل قبوله قال ابن دريد: ((إنَّ شرط الأضداد، أن يكون استعمال اللفظ في المعنيين في لغة واحدة))(5)وشرط الاتحاد الزمني كما قال بعض المحدثين: ((... المفروض في الضد لكي يصح وصفة بصفة التضاد، أن يكون ضداً مستعملاً في الزمان الواحد والبيئة اللغوية الواحدة))(6)ومن
ص: 46
أمثلة الأضداد التي ذكرها الشارح:
ما ورد في شرحه لكلام أمير المؤمنين (عليه السلام): ((وَمَنْ رَمىَ بِكُم فَقَدْ رَمىَ بِأفْوَقِ نَاصِلٍ)) قال الشارح: ((والناصل المنزوع النصل، يقال: أنصل السهم إذا نزع نصله فهو ناصل، وكذلك إذا جعل له نصلاً(1)))(2).
في أثناء شرحه لقول أمير المؤمنين (عليه السلام): ((وَكَشِفَتْ عَنْهُمْ سُدَفُ الرَّيبِ)) قال الشارح: ((والسدفة من الأضداد يكون بمعنى الظلمة والضياء(3)))(4).
ما ورد في شرحه لكلام أمير المؤمنين (عليه السلام): ((فَأَسْرَعَ طَالِبَاً، وَنَجَا هَارِبَاً، فَأَفَادَ ذَخِیْرَةً)) قال: ((والإفادة من الأضداد، يقال أفدت المال أي: استفدته واعطيته(5)))(6).
ما ورد في شرحه لكلام أمير المؤمنين (عليه السلام): ((تَرِدُ عَلَيْكُمْ فِتْنَتُهُمْ شَوْهَاءَ مَخْشِيَّةً)) قال: ((والشوهاء العابسة ويكون بمعنى الجميلة ضّد(7)))(8)في موضع شرحه لقول الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): ((وَأَشْهَدُ أَنَّ
مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولَهُ، المُجْتَبَى مِنْ خَلَائِقِهِ، وَالمُعْتَامُ لِشَرْحِ حَقَائِقِهِ، وَالمُخْتَصُّ
ص: 47
بِعَقَائِلِ كَرَامَاتِهِ، وَالمُصْطَفَى لِكَرَائِمِ رِسَالَاتِهِ، وَالمُوَضَّحَةُ بِهِ أَشْرَاُط الْهُدَى، وَالمَجْلُوُّ بِةِ غِرْبِيبُ الْعَمَى)) قال الشارح: ((والأشراط من الأضداد يقع على الأشراف والأرذال(1)))(2)، وتوجد مواضع أخرى ذكر فيها الشارح الاضداد.
اعتنى اللغويون الأوائل بموضوع الترادف لكونه شكلاً من أشكال الثراء اللغوي وإن لم يصرحوا بالمصطلح، قال سيبويه ((اعلم أن من كلامهم اختلاف اللفظين لاختلاف المعنيين، واختلاف اللفظين والمعنى واحد))(3)، وكتبَ الأصمعي (ت 216 ه) كتاباً سماه ((ما اختلفت الفاظه واتفقت معانيه))، وبعضهم صرح بالمصطلح فسمى الرماني (ت 384 ه) كتابه ((الألفاظ المترادفة والمتقاربة المعنى)) واثبت كثيرٌ من أهل اللغة الترادف منهم: ابن السراج (ت 316 ه)، وابن جني (392 ه)، ووابن يعيش (ت 643 ه)، ومنهم من أنكر الترادف كابن الاعرابي (231 ه)، وثعلب (291 ه)، والأنباري (328 ه)، وابن درستویه، وابن فارس، وأبو هلال العسكري الذي ألف كتاباً في ((الفروق اللغوية))، وقد بين المحدثون أسباب وقوع الترادف وفصلوا الكلام فيها(4)، كما بينوا ندرة وقوع الترادف التام، قال بالمر: ((يمكن القول مع كل هذا انه ليست هناك مرادفات حقيقية وان ليس هناك لكلمتين نفس
ص: 48
المعنى تماماً))(1)وأيده في ذلك ستيفن أولمان إذ قال: ((والترادف التام بالرغم من عدم استحالته نادر الوقوع إلى درجة كبيرة فهو نوع من الكماليات التي لا تستطيع اللغة أن تجود بها في سهولة ويسر))(2)، فالكلمات مهما تقاربت في دلالتها يصعب أن تتطابق في ظلال معانيها، قال الدكتور محمود فهمي الحجازي: ((ففي ظل مبدأ نسبية الدلالة يندر أن تكون هناك كلمات تتفق في ظلال معانيها اتفاقاً كاملاً))(3)، ومع وجود بعض الآراء المنكرة للترادف التام فإنَّ الترادف ((واقع في العربية لا سبيل إلى إنكاره، وهو موضوع ينميه
- التطور ويدعمه الاستعمال ويشهد به الواقع اللغوي))(4)، ومن أمثلة المواضع التي ذكر فيها الشارح الكلمات المترادفة:
- ما ورد في قول الإمام (عليه السلام): ((وَأَحْصَى كُلَّ شَيءٍ عَدَدًا)) قال الشارح: ((فالإحصاء مرادف للعَدِ))(5).
- ما ورد في قول الرضي: ((... حَمْدًا للهِ الَّذِي جَعَلَ الْحَمْدَ ثَمَنَّاً لِنَعْمائهِ، وَمَعاذًا مِنْ بَلائِهِ))، قال الشارح: ((وقد قيل بترادف الحَمدِ والشكر؛ لأنَّه يوضح كلَّ مقام الاخر))(6).
- ما ورد في قول الرضي: ((إِذْ كانَ أَمِیْرُ الْؤُمِنِیْنَ (عليه السّلاَم) شرَعَ
ص: 49
الفَصاحَةِ وَمَوْرِدَهَا)) قال الشارح: ((المشرع الطريق إلى الماَء للعطشى مرادف للمورد، أو قريب منه))(1).
- ما جاء في قول الرضي: ((وَرُبَّمَا بَعُدَ العَهْدُ أَيْضَاً بِمَا اُخْتِیَر؛ أَوَلاً فَأُعِيْدَ بَعْضُهُ سَهْواً أَو نِسْيَانَاً، لاَ قَصْدَاً أَو اعْتِمَادَاً)) قال الشارح: ((السهو والغفلة والنسيان خلاف الحفظ وهما مترادفان))(2).
هو نوع من أنواع الانتقال الكمي الدلالي، ويقصد به: ((أن يصبح عدد ما تشیر إليه الكلمة أكثر من السابق، أو يصبح مجال استعمالها أوسع من قبل))(3)وهذا التعميم يتم بصورة غیر شعورية(4)، وقد انتبه اللغويون الأوائل على هذه الحالة الدلالية إذ عقد السيوطي مبحثاً في كتابه المزهرً بعنوان ((فيما وضع في الأصل خاصاً ثم استعمل عاماً))(5)وذكر بعض الباحثین المحدثین أنَّ حالة توسع المعنى (تعميم الدلالة) ((أقل شيوعاً في اللغات من التخصيص، وأقل أثراً في تطور الدلالات وتغيرها))(6)ومن المواضع التي ورد فيها تعميم المعنى:
في بيانه لمعنى (عقائل) التي وردت في قول الرضي: ((فَيَقْضِىِ الحَال أَنْ
ص: 50
يُعَاد؛ اسْتِظْهَاراً لِلإِخْتِيَار، وَغَیْرَهُ عَلَى عَقَائِلِ الكَلام) قال الشارح: ((والعقائل جمع عقيلة وهي في الأصل المرأة الكريمة النفيسة، ثم استعمل في النفيس الكريم من كل شيء من الذوات والمعاني)(1).
في شرح قول الإمام (عليه السلام): ((فَأَنْتُم غَرَضٌ لِنابِلٍ، وَأُكُلَةٌ لآكِلٍ، وَفرِيسَةٌ لِصَائِلٍ) قال الشارح: ((وفريسة الأسد مايفترسه أي: يصيده ويقتله، وأصل الفرس أن يدّق الأسد عنق ما يصيده ثم كثر حتى سمّي كل قتل فَرْساً))(2).
من الاساليب التي اعتمدها الشارح نظم سلسلة متوازية من المعاني بحيث يناسب فيها بين معنيين مختلفين لجملتين متناسقتين ايقاعياً من جمل الإمام (عليه السلام) وبذلك يقدم تناسبية متوازية بين أطراف المعاني من ذلك شرحه لقول الإمام (عليه السلام): ((عَهْدَكُمْ شِقَاقٌ، وَدِيَنُكُمْ نِفَاقٌ))، قال: ((ولعل المعنى عهدكم يثمر ما تثمره العداوة والخلاف، وكأنه شقاق، أو ما أنفقتم عليه وصار کالميثاق بينكم هو نقض العهود والخلاف، والدين أما المضاد للكفر فيناسب الوجه الأول أو العادة والشأن فيوافق الثاني))(3). فهو يناسب بين أطراف المعاني، فالطرف الأول من معنى الجملة الثانية (دِيْنِكُمْ نِفَاقٌ) الذي هو ضد الكفر متناسب مع الطرف الأول من الجملة الأولى (عَهْدَكُمْ شِقَاقٌ) أي عهدکم شقاق وليس عهداً، والطرف الثاني
ص: 51
من المعنى الخاص بالجملة الثانية قصد بالدين العادة والشأن أي عادتكم وشأنكم النفاق وهو متناسب مع ما تقدم قبله من معنى قوله (عليه السلام): ((عهدكم شقاق)) أي عادتكم نقض العهود، ويمكن توضيح ما تقدم بالمخطط الاتي:
توازي الجمل
عهدکم شقاق // دینکم نفاق
المعنى الأول: عهدكم شقاق ليس بميثاق // دینکم نفاق وكذب
المعنى الثاني: عادتكم ومیثاقكم نقض العهود // عادتكم وشأنكم النفاق
وبذلك يكون هناك توافق وانسجام بين التقابلات الايقاعية المتمثلة بجُمل الإمام (عليه السلام) التي من شأنها تحقيق شعرية النص من جهة وبين سلسلة المتوازيات المعنوية المتناسبة في ما بينهما التي قدمها الشارح.
لا يخلو شرح ابن علاء الدين من وقفات صرفية، فهو يذكر مواطن الإبدال، والقلب، والإعلال، والتعويض، في أكثر الااحيان، فيشير إليها ويذكر أمثلة توضيحية لها، ومن المواضع التي وردت في الشرح واحتوت على تحليل صر في هي:
1 - في شرحه لقول الإمام (عليه السلام): ((وَمَعَايِشَ تُحْيِيهِمْ، وَآجَالٍ تُفْنِيهِمْ، وَأَوْصَابٍ تُهْرِمُهُمْ، وأَحْدَاثٍ تَتَابَعُ عَلَيهِمْ)) قال الشارح: ((والياء في معايش لا تقلب همزة في الأكثر وكذا كلّ ما وقع بعد الف الجمع فيه واو أو ياء ليست بمدة زائدة سواء كانت أصلية كما في مقاوم ومرایب، أو زائدة
ص: 52
للإلحاق کجداول وعثاير، فيبقى على حالها، وإن كانت الواو والياء مدّة زائدة في المفرد قلبت همزة كما في تنائف وكبائر وكذا في صيغة فاعل ممّا أعلّ فعله نحو قائل وبائع بخلاف نحو عاور، وقد يهمز معایش تشبيهاً لمعيشة بفعيلة(1)))(2).
2 - في بيانه لقول الإمام (عليه السلام): ((وَمُبَايِنْ بَیْنَ مَحَارِمِهِ، مِن كَبیرٍ أوَعَدَ عَلَيْهِ نيرانَهُ، أو صَغٍیرٍ أَرصَدَ لَهُ غُفرانَهُ)) قال الشارح: ((والنّيران جمع نار وهي من الواو؛ لأن تصغيرها نويرة والجمع نُوَرَّ وأنْوُر ونیرَانُ أيضاً انقلبت الواو ياءً لكسرة ما قبلَها))(3).
3 - في شرحه لقول الإمام (عليه السلام): ((أَلا وإِنَّ التَقْوى مَطايَا ذُلُلٌ، حُمِلَ عَلَيْها أهَلُها وَأعطُوا أزِمَّتَهَا، فَأوْرَدَتْهُمُ الْجَنَّةَ)) قال الشارح: ((المطايا والمطيّ جمع مَطِيَّة، وهي ((النّاقة التّي يركب مطاهَا)) أي: ظَهرَها، وقيل: يمطي بها في السّير أي: يّمدَ، والمَطِيُّ يكونُ مفرداً أيضا ويذكر ويؤنث، وقيل: ويُذكَرُ المطّية، والمَطايا فعالى وأصله فعائل قلبت الياء الفاً، ثم قلبت
ص: 53
الهمزة ياء (لخفائها) بين الألفين(1)))(2).
4 - في شرحه لقول الإمام (عليه السلام)): ((وَمِنْهُم مَنْ يَطْلُبُ الدُّنيْا بِعَمَلِ الآخِرةِ، وَلا يَطْلُبُ الآخِرَة بِعَمَلِ الدُّنيْا، قَدْ طَأمَنَ مِنْ شَخْصِه، وَقَارَبَ من خَطْوِهِ...)) قال الشارح: ((وطأمن بالهمز مقلوب طمأن أي:
سكن، وطامن نفسه، أي: سکّنه(3)))(4).
5 - في بيانه لقول الإمام (عليه السلام): ((إِنَّ بَني أُمَيّةَ لَيَفُوِّقُونَنِيْ تُراثَ مُحَمدٍ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلهِ) تَفوْيقاً، وَاللهِ لَئِنْ بَقَيْتُ لَهُم // 188 لأنْفُضَنَّهُم
نَفَضَ اللَّحامِ اْلوِذَام التَّرِبَةَ)) قال الشارح: ((التراث الميراث وأصل التاء واو(5)))(6).
اعتنى الشارح ببيان الألفاظ من حيث التذكير والتأنيث، فكان حريصاً على إبانة اللفظة من حيث جنسها ومعناها، ومن أمثلة ذلك:
- ما ورد في شرحه لقول الإمام (عليه السلام): ((وَخَلَفَ فِيْكُمْ مَا
ص: 54
خَلَّفَتِ الأَنْبِياءِ فِي اُمَمِها - إِذْ لَمَ يتركُوُهُمْ هَمَلاً بِغیْرِ طَرِيقٍ وَاضِحٍ وَلاَ عِلَمٍ قَائم - كِتَاب رَبّكُمْ - مُبَيَّناً حَلاَلَهُ وَحَرامَهُ) قال: ((والطريق يذكر ويؤنث تقول: الطّريق الأعظم والطّريق العظمی(1)))(2).
- في كلام لَهُ (عَلَيهِ الْسّلَامُ) يَعني بِهِ الزُّبَیرْ فِي حالٍ اقْتَضَتْ ذلِك...) قال الشارح: ((الحال يذكر ويؤنث(3)))(4).
- ما ورد في شرح قول الإمام (عليه السلام): ((ولا سُلْطانٍ مُبیْنٍ مَعَكُم)) قال الشارح: ((وبالسّلطان المبين الحجّة الدّالة على ما يزعمونه حقاً من جهة الشرع، أو العقل أو البينة الحجّة الشّرعية والسّلطان والبرهان العقلي وهو بمعنى الحجّة والبرهان لا يجمع لأن مجراه مجرى المصدر وإنما يجمع إذا أريد به الوالي ويذكر ويؤنث(5)))(6).
- ما ورد في شرح قول الإمام (عليه السلام): ((وَهُوَ لِباسُ التَّقْوى، وَدِرْعُ اللهِ الْحَصِينَةُ، وَجُنَّتهُ اْلوَثِيقةُ)) قال الشارح: ((ودرعُ الحديد مؤنثة، وقيل يذكّر
ص: 55
ويؤنث(1)))(2)، وتوجد مواضع أخرى ذكر فيها الألفاظ من حيث التذكير والتأنيث.
وقف السيد علاء الدين في مواضع عده تجاه الضمائر موقف المحلل والموجه لها، ولا يخفى أنَّ مسألة إحالة الضمائر ظهرت لدى النحويين العرب على أثر تصنيفهم للألفاظ إلى ألفاظ غير مبهمة وهي الألفاظ التي لها دلالة والتي تحيل بمفردها على خارجها في الواقع، وألفاظ أخرى مبهمة لها دلالة لكنها لا يعرف لها خارج إلاَّ متى توفر لها مفسر يفسرها سواء كان هذا المفسر مقامياً أم مقالياً(3).
إنَّ ضمائر الغيبة عموماً - التي وقف عند بعضها الشارح وأخذ يحملها على أوجه - تعد من وسائل التعبير عن عنصر مقالي، ((فهي تعوض بعض عناصر المقال وتنوب منابها مستجيبة بذلك إلى مبدأ الاقتصاد بتعويض عنصر أو جزء أكبر من الخطاب بعنصر آخر أكثر طواعية، وهي بالتالي مقطوعة الصلة بمفهوم الشخص))(4). إن تعویض الضمائر وإنابتها عن عناصر المقال تدعم النص، وتسهم بدور فعال في ترابطه(5)، وفي ((تحقق التماسك الدلالي للنص))(6)ومن
ص: 56
أمثلة مواضع الضمائر التي وقف عند إحالاتها الشارح ما يأتي:
1 - في شرحه لقول الإمام (عليه السلام): ((فِعْلَ مَنْ قَدْ شَرِكَهُ الشَيْطَانُ في سُلْطَانِهِ، وَنَطَقَ بِالْبَاطِلِ عَلَى لِسَانِهِ)) قال الشارح: ((والضمير في (سلطانه) راجع إلى الموصول أي صار الشيطان شریكاً له في قدرته التي أعطاه الله وسلَّطه بها على جوارحه، أو إلى الشيطان أي كأنهم الأصل في سلطانه وقدرته على الاضلال وفي نفاذ امره في اتباعه))(1)، فهو يعطي للقارئ خيارين في حالة الضمير، الأول: أن تكون الإحالة إلى الموصول، والثاني: أن تكون الإحالة إلى الشيطان نفسه، والخيار الأول أقرب للصحة؛ لتواجد قرائن لفظية متقدمة كانت إحالتها جميعاً إلى المتحدث عنهم (الذوات) لا إلى الشيطان وهذه القرائن موجودة في قول الإمام (عليه السلام) المتقدم: ((فَنَظَرَ بِأَعْيُنِهِمْ، وَنَطَقَ بِأَلسِنَتِهِمْ، فَرَكِبَ بِهِمُ الزَّلَلَ، وَزَيَّنَ لَهُمُ الخَطَلَ)) فالقرائن اللفظية (أعينهم، السنتهم) ترجع ضمائرها إلى الذوات، أما الأفعال (نظر، ونطق، وزين) فهي أفعال ضميرها المستتر يعود إلى الشيطان، کما یعود الضمير في (شرکه) إلى الشيطان، ونطق أيضاً فيه ضمير مستتر يعود إلى الشيطان.
2 - في شرحه لقول الإمام (عليه السلام): ((وَظَهَرَتْ فِي الْبَدَائِعِ الَّتِي أَحْدَثَها آثارُ صَنْعَتِهِ وَأَعْلَامُ حِكْمَتِهِ، فَصَارَ كُلُّ مَا خَلَقَ لَهُ حُجَّةً، وَدَلِيلاً عَلَيْهِ،
وَإِنْ كَانَ خَلْقاً صَامِتاً؛ فَحُجَّتُهُ بِالتَدْبِیرِ نَاطِقَةٌ، وَدَلالَتُهُ عَلَى الْمُبْدِعِ قائِمَةٌ)) قال الشارح: ((... والضمير في قوله (عليه السلام) (فحجته) يحتمل أن يعود إلى
ص: 57
الخلق الصامت كالضمير في (دلالته) ويحتمل أن يعود إلى الله سبحانه.))(1)جعل الشارح عودة الضمير تحتمل وجهين للخلق الصامت أو لله سبحانه تعالى وإن كان عوده الضمير للخالق أقرب للصحة لان سياق الكلام المتقدم ((وإن كان خلقاً صامتاً)) والكلام الذي بعده ((ودلالته على المبدع قائمة)) صريح وواضح في أنَّ المقصود الخلق.
3 - في قول الإمام (عليه السلام): ((.. فَلَوِ ائْتَمَنْتُ أَحَدَكُمْ عَلَى قَعْبٍ لَخَشِيتُ أَنْ يَذْهَبَ بِعِلَاقَتِهِ)) وجه ابن کلستانة الضمير بقوله: ((والضمير في يذهب يمكن أن يرجع إلى (الاحد) فطمعه في العلاقة مع حقارتها يدل على دناءته وشدة خيانته، وأن يعود إلى القعب فيكون من قبيل قولهم: ذهب الاسير بأسره))(2).
وقف الشارح على بعض الكلمات مبیناً نوعها من حيث كونها موافقه للقياس أو مخالفة له فيما يخص حالات الجمع أو النسبة أو غير ذلك، ومن هذه المواضع:
شرحه لقول الإمام (عليه السلام): ((... وَسَتْرِ العَورَة)) قال الشارح: ((والعورة في الثغر والحرب: خلل يخاف منه(3)، وكل شيء يستره الإنسان أنفه أو حياء أو مخافة فهو عورة والجمع عَوْرات بالسكون للتخفيف، والقياس
ص: 58
الفتح؛ لأنَّه اسم، وهو لغة هذيل(1)))(2).
توضيحه لقول الإمام (عليه السلام): ((إذْ كَانَتِ الرَوياتُ لاَ تَلِيْقُ إلاَّ بِذَوِي الضَمَائِرِ، وَلَيْسَ بِذِي ضَمِیرٍ فِي نَفْسِهِ. خَرَقَ عِلْمُهُ بَاطِنَ غَيْبِ السَتَّراتِ)) قال الشارح: (والضمير الاسم من أضمرت في نفسي شيئاً، أي أخفيت وضمير الإنسان قلبه وباطنه ويجمع على ضمائر تشبيهاً بسريرة وسرائر، وإن كان القياس في باب فعيل إذا كان اسماً لمذكر أن يجمع على أَفْعِله وفعلان کرَغِيف وأَرْغِفَة ورِغْفَان)(3).
قول الشارح: ((واليمن إقليم معروف سمي بذلك؛ لأنه على يمين الكعبة، والنسبة إليه يمني على القياس وجاء يماني على غير القياس، وعلى هذا ففي الياء مذهبان: أحدهما هو الأشهر تخفيفها، ويقال: قوم يمانية، ویمانیون، مثل ثمانية وثمانون، وثانيهما: التثقيل وجوزهما بعضهم(4)))(5).
قول الشارح في معرض شرحه لبيت شعري: ((والبِيد بالكسر جمع بَيْداء وهي المَفَازة قالوا: والقياس بيداوات(6)))(7).
ص: 59
حرص الشارح في أثناء شرحه إلى ذكر الكلمات التي حصل فيها اختلاف عما موجود عنده من نسخة النهج، لذلك كثيراً ما ترد عنده عبارات (وفي بعض النسخ) وكان يفاضل ويرجح بين العبارات من ذلك:
شرحه لقول الإمام (عليه السلام): ((فهو الْبّحْرُ الَّذِي لاَ يُسَاجَل)) قال: ((وفي بعضها (لا يساحِل)(1)بالحاء المهلة لا يؤتي ساحله، وقيل: لا يشابه في بعد الساحل، وهو بعيد))(2).
شرحه لقول الإمام (عليه السلام): ((فَتَقَحَّمَتْ بِهِمْ فِي النَّارِ)) قال الشارح: ((وتقحّمت به النّاقة على صيغة التفعّل أي: ألقَتهُ في ورطة ومَهْلَكَة، وقحّم الفرسُ فارسَه إذا رماهُ فيها، وفي بعض النسخ (قحَمّتْ بهم) على صيغة التفعّيل(3)، والأصّح الأوّل))(4).
ما شرحه من قول الإمام (عليه السلام): ((تَزَوَّدُوا فِي الدُّنْيَا مِنَ الدُّنْيَا مَا تُحْرِزُونَ بِهِ أَنْفُسَكُمْ غَداً)) قال: ((والإحراز الحفظ والصّيانَّة، وفي بعض النَّسخْ(5)(تحَوُزُون) بالواو من الحيازة وهو الجمع والضَّم أي: ما تجمعون به
ص: 60
أموركم وَيحفظونها عن الشَّتات والأوَّل أظهَر))(1).
اعتنى الشارح بالوقوف على علة بعض التسميات سواء أكانت تسمية مدن أم غيرها، مثال ذلك:
ما ورد في شرح کلام الإمام (عليه السلام): ((وَفَرَضَ عَلَيْكُمْ حَجَّ بَيْتِهِ الحَرَامِ)) قال: ((وسميت الكعبة حراماً؛ لأنَّ الله عز وجل حَرَّمَ أن يصاد بها أو يعضد شجرها أو يختلي خلاها أو يؤخذ لقطتها إلا على وجه أو يخرج الجني منها))(2).
في شرح قول الإمام (عليه السلام): ((ولاشعْبتَهُم مَصارِفُ الرّيِبِ، ولا أقْتسَمْتَهُم أخْيافُ الهِمَم)) قال الشارح: ((الشّعبة من كل شيء الطائفة منه(3))، وشعبَهُم أي فرّقهم، ومنه سمي الموت شَعوباً بالفتح؛ لأنَّه يفرق الخلائق(4)))(5).
- تعليله لتسمية مصر: قال: ((ومصر(6)هي المدينة المعروفة، قيل
ص: 61
سمیت؛ لأنَّه بناها المصر بن نوح وقد تصرف وتذكر(1)))(2).
- تعليله لتسمية اليمن، قال: ((سمي بذلك؛ لأنه على يمين الكعبة(3)))(4).
- تعليله لتسمية ثمود ((قيل سمیت ثمود؛ لقلة مائها من الثَمَد بالفتح ويحرك وهو (الماء القليل) لا مادة له(5)، أو ما يظهر في الشتاء ويذهب في الصيف وهو قوم صالح (عليه السلام) وكانت مساكنهم الحجر بين الحجاز والشام إلى وادي القرى))(6).
- تعليله لتسمية الصبر، قال: ((والصبر: الحبس(7)، وصبر النفس على الحقوق آداء لحقوق وصرف المال فيما يجب ويثبت وإنما سمي حبساً؛ لأنه
ص: 62
خلاف مايميل اليه الطبع والنفس الأمارة بالسوء))(1).
وقف الشارح بإزاء بعض شارحي النهج موقف المنتقد وكانت انتقاداته لهم تقوم على أسباب مختلفة فمنها ما كان يخص أسلوبهم في التعبير والشرح، ومنها ما كان يتعلق بتوجهاتهم الفلسفية.
ومن نقد الشارح القائم على مخالفته لأسلوب بعض الشراح في التعبير ما ورد في معرض شرح قول الإمام (عليه السلام): ((اَيْمُ اللهِ لأَفْرِطَنَّ لَهُمْ حَوْضَاً أنَا مَاتِحُهُ، لاَ يَصْدُرون عَنْهُ، وَلاَ يَعُوُدُونَ إِليهِ)) وضَح الفرق بين (لأُفرِطَّنَ) في ضم الهمزة بمعنى لأملان، و(لأَفرُطن) بمعنی فرط القوم إذا سبقهم ليرتاد لهم الماء ويهيئ لهم الدلاء والرشاء، كما فعل ابن أبي الحديد في شرحه، واختلف معه في معنى (أنا ماتحه)، إذ قال: ((وأنا ماتحه، أي أنا المتصدي لإعداده، والمباشر لتهيئة أسبابه، أي: أقاتلهم على أبلغ وجه، وقول بعض الشارحين معناه: ((أنا خبير به، كما يقول من يدعي معرفة الدار: أنا باني هذه الدار(2)) لا يخلو عن بعد))(3)
وفي شرح قول الإمام (عليه السلام): ((حَتَّى ارْتَابَ النَّاصِحُ بِنُصْحِهِ، وَضَنَّ الزَّنْدُ بِقَدْحِهِ)) الناصح لاعتراه ريب في النّصح لاجماعكم واصرارکم على المخالفة لا كما زعمه بعض الشّارحين(4)من أنَّ استخراج وجه المصلحة
ص: 63
أمر ظني اجتهادي فإذا كثرت المخالفة جاز أن يتشكك الانسان فيما ظنه صلاحاَ، فإنّه (عليه السّلام) أجل من أن يحوم حول رأيه شكّ لمخالفة المخالفين))(1).
ومن نقده المتعلق بالمنحى الفلسفي الذي اعتنقه بعض الشارحين، قوله في معرض شرحه لقول الإمام (عليه السلام): ((وَفَتَقَ بَعْدَ الإِرْتِتَاقِ صَوَامِتَ أَبْوَابِهَا)) فتقت الثوب فتقا من باب قَتَلَ نقضت خياطته حتّى انفصل بعضه عن بعض، ورتقت الفتق رتقا من باب قتل أيضاً سددته فارتتق والأبواب الصامتة والمصمتة المغلقة منها، وفتق صوامت الأبواب إما ایجاد الأبواب فيها وخرقها بعد ما كانت رتقا لا باب فيها بل كانت جسماً متصلاً، وإما فتح الأبواب المخلوقة فيها حين ايجادها وافاضة الصورة السماوية عليها وهذه الأبواب هي التي تعرج فيها الملائكة وتهبط وتصعد الأعمال والأدعية والأرواح فيها وهي التي أشار إليها بقوله سبحانه: «إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ»(2)أو التي تنزل منها الأمطار كما أشار إليه سبحانه بقوله: «فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ»(3)أي منصب ولا يخفى أن هذا الكلام كغيره من النصوص صريح في أن للسماء أبواباً وتأويلات بعض الشارحين(4)اقتداء بالفلاسفة ناشئة من وهن الإيمان
ص: 64
ونقص الإذعان بما جاء به سید المرسلين (صلى الله عليه وآله الطاهرين)))(1).
ومن ردوده الكلامية ما ذكره في معرض شرحه لقول الإمام (عليه السلام): ((بِأَوَلِيْتِهِ وَجَبَّ أَنْ لاَ أَوْلَ لَهُ، وبِآخِرِّيَّتِهِ وَجَبَّ أَنْ لاَ آخِرَ لَهُ)) ((قال بعض الشارحین(2): يمكن أن يفسر هذا الكلام على وجهين: أحدهما: أنه سبحانه لما فرضناه أولا مطلقاً، تبع هذا الفرض أن يكون قديما أزلياً، وهو المعني بقوله: ((وَجَبَّ أَنْ لاَ أَوْلَ لَهُ))؛ لأنه لو لم يكن أزلياً لكان له محدث متقدم عليه فلا يكون أولاً مطلقاً ولما فرضناه أخراً مطلقاً تبع هذا الفرض أن يكون مستحيل العدم وهو المعنى بقوله: ((وَجَبَّ أَنْ لاَ أَوْلَ لَهُ))؛ لأنه لو عدم بعد استمرار الوجود لما عدم الا بضد يبقى بعده فلا يكون آخراً مطلقاً، هذا محصل كلامه ثم قال: ثانيهما: أن لا تكون الضمائر الأربعة راجعة إلى الباري سبحانه، بل يكون منها ضمیران راجعان إلى غيره، أي بأوليته الأول الذي فرضنا كون الباري سابقاً عليه، علمنا أن الباري لا أول له، وبآخريته الآخر الذي فرضنا أن الباري متأخر عنه، علمنا أن الباري لا آخر له، وانما علمنا ذلك؛ لأنه لو كان سبحانه أولاً لأول الموجودات وله مع ذلك أول لزم التسلسل، واثبات محدثین ومحدثين إلى غير نهاية، وهذا محال. ولو كان سبحانه آخرا لآخر الموجودات وله مع ذلك آخر لزم التسلسل، وإثبات أضداد يعدم ويعدمها غيرها إلى غير نهاية، وهذا أيضا محال، ولا يذهب عليك أن الوجه الأول على ما قرره موقوف على القول بأن العدم لا يكون إلا بوجود الضد وهو باطل والتزام التخصيص في كونه سبحانه آخر بعد
ص: 65
كل آخر بغير الفناء الذي يزعمونه ضد الأشياء وجودیا، وهو ينافي الآخرية الحقيقية الظاهرة من الكلام السابق اللهم إلا أن يوجه بأنه يصدق الآخرية بالنسبة إلى الفناء بعد إعادة الأشياء فيصدق بالنسبة إلى الجميع، ولو كان كل في وقت فيه مع التكلف ابتناؤه على وجودية الفناء وكونه قائماً بنفسه وفسادهما واضح وبعد الوجه الأخير ظاهر))(1).
ص: 66
القرآن الكريم هو دستور الاسلام الذي أُنزل على سيدنا وحبيبنا محمد (صلى الله عليه واله وسلم) بلسان عربي مبين، قال تعالى: «إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ»(1)وهو ((على حد من الفصاحة تقصر عنه قوی البشر))(2)، فألفاظه ((هي لب كلام العرب وزبدته، وواسطته وكرائمه، وعليها اعتماد الفقهاء والحكماء في أحكامهم وحكمهم، واليها مفزع حذاق الشعراء والبلغاء في نظمهم ونثرهم وما عداها، وعدا الألفاظ المتفرعَّات عنها والمشتقات منها، هو بالإضافة اليها كالقشور والنوى بالإضافة إلى أطايب الثمرة))(3).
إنَّ القرآن الكريم هو عماد الأدلة النقلية جميعاً، فالشاهد القرآني هو دلیل نقلي بنص المصحف ولفظه(4)لذلك ليس غريباً أن يكون الشارح قد اعتمد عليه كثيرا واستدل به في شرح وبيان معاني كلام أمير المؤمنين (عليه السلام).
طريقة استدلال علاء الدين واستشهادهِ بالآيات القرآنية لم تكن على
ص: 67
وتيرة واحدة، فهو يورد الآية كاملة في بعض المواضع - وهي قليلة - وفي بعضها الآخر يورد منها موطن الشاهد ويترك باقي الآية - وهو الغالب في شرحه - وموارد الاستدلال متعددة، ومتنوعة منها: -
1 - استدل بالآية الكريمة لغرض إثبات معنی نحوي، مثل:
استدلاله على أن (اللام) تأتي بمعنى (إلى) في قول الإمام (عليه السلام): ((أَحَالَ الأَشْيَاءَ لأَوْقَاتِهَا)) قال الشارح: ((... واللام في أوقاتها للتعليل کما ذكره بعض الشارحين(1)؛ لأن كل وقت يستحق مالا يستحقه غيره، أو بمعنی (إلى) كقوله تعالى: «بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا»(2)))(3).
استدلاله على أن (ثم) تأتي بمعنى (الواو) المفيدة للجمع المطلق في قول الإمام (عليه السلام): ((ثُمَّ اَنْشَأَ سُبْحَانَهُ فَتْقَ الأَجْوَاءِ، وَشَقَّ الأَرْجَاءِ،
وَسَكَائِكَ الهَواءِ)) قال الشارح: ((كلمة ثم هاهنا أما للترتيب الذكرى والتدرج في الكلام لا للتراخي في الزمان... واما بمعنى الواو المفيدة للجمع المطلق کما قيل في قوله تعالى: «وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى»(4)))(5).
2 - استدل بالآيات الكريمة لبيان اختلاف المعاني في المشترك اللفظي، مثل:
ص: 68
استدلاله بمعنى كلمة (الرجا) وهي الناحية، ومشترکها اللفظي (رجی) بمعنى (الامل أو الخوف: في اثناء شرحه لقول الإمام (عليه السلام): (وَشَقَّ
الأَرْجَاءِ)، قال الشارح: ((والأرجاء جمع الرجا مقصورا وهي ((النّاحية)) قال تعالى: «وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا»(1)، وأما الرجا من الامل أو الخوف كقوله تعالى: [مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ للهِ وَقَارًا](2)))(3).
3 - استدل بالآيات الكريمة للرد على بعض الشارحين، مثل:
استدلاله على أنَّ المقصود بقول الإمام (عليه السلام): ((وَعُلْيَاهُنَّ سَقْفًا مَحْفُوظَاً وَسَمْكَاً مَرْفُوْعَاً)) السماء العليا وليست السماء الدنيا، قال الشارح: ((... ولعل المراد بحفظ العليا إمساكها عن النقض، والهدم، والسقوط، والخرق إلا بأمره سبحانه، وقول بعض الشارحين عن الشياطين بعيد، ولو كان وصفا للسماء الدنيا كان وجها لقوله تعالى: «إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ، وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ»(4)والتّخصيص في كلامه (عليه السلام) يناسب أن يكون المراد بالسماء في قوله تعالى: «وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا»(5)السّماء العلیا.))(6).
4 - لا يقتصر بالاستدلال على معنى الكلمة بآية واحدة، مثل:
ص: 69
استدلاله على معنى كلمة (السراج) في قول الإمام (عليه السلام): [(فَأَجْرَى فِيْهَا سِرَجَاً مُسْتَطِيْرًا وَقَمَرًا مُنِیْرًا) بالشمس، قال الشارح: ((والمراد بالسّراج الشّمس، قال تعالى: «وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا»(1)، وقال سبحانه: «تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا»(2)))(3).
5 - استدل بالآيات الكريمة لإثبات قاعدة نحوية، مثل:
استدلال على أنَّ التضعيف من أسباب تعدية الفعل، وذلك في شرحه قول الإمام (عليه السلام): ((ولقاه كلمة رحمته)) قال الشارح: ((... أي استقبله بها بتعليمه إياها، يقال: لقي زيد خيرا فيُعَّدى مفعولاً واحدًا، فإذا ضعفت العين عُدِّيَ إلى المفعولين، قال الله تعالى: «فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا»(4)))(5).
6 - استدل بالآيات الكريمة لإثبات حکم فقهي، مثل:
7 - استدلاله على الرخص والقطع في شرحه لقوله (عليه السلام): (((وَرَخَصَهُ وَعَزَائِمَهُ))، قال الشارح: ((الرخصة في الأمر خلاف التشديد، وعزائم الله ما قطع الله على العبد بفعله، والعزم هو القطع على الأمر والجد
ص: 70
فيه، والرخصة كقوله تعالى: «فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ»(1)، والعزيمة كقوله: «أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ»(2)))(3)، ومثله أيضا في شرحه لقول الإمام (عليه السلام): ((وَوَاجِب فِي السُّنَّةِ أَخْذُهُ، مُرَخَّصِ فِي الكِتَابِ تَرْكُهُ)) قال الشارح: ((ويمكن أن يمثل بقوله تعالى: «وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ»(4)حيث دلت السنة على أن القصر عزيمة وكذلك آية الصفا والمروة وبقوله تعالى: «قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا»(5)حيث دلت السنة على حرمة غير ما ذكر في الآية))(6).
استدلاله بالمحرمات المؤقتة في أثناء شرحه لقول الإمام (عليه السلام): ((وَبَیْنَ وَاجِبٍ بِوْقْتِهِ وَزَائِلٍ فِي مُسْتَقْبَلِهِ)) قال الشارح: ((والمحرمات في الأوقات المخصوصة، قال تعالى: «وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا ؇ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ»(7)))(8).
7 - الاستدلال على جواز تعدي الفعل وإن حذف حرف الجر، مثل:
جواز تعدي الفعل (لأفرطن) في قول الإمام (عليه السلام): ((اَيْمُ اللهِ لَأَفْرِطَنَّ لَهُمْ حَوْضًا أَنَا مَاتِحُهُ، لاَ يَصْدُرُونَ عَنْهُ، وَلاَ يَعُودُونَ إِليْهِ)) على تقدير حرف
ص: 71
الجر، قال الشارح: ((والتقدير: (لأفرطن إلى حوض) فلما حذف الجار عدی الفعل بنفسه كقوله تعالى: «وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا»(1)، ولهم أي لأجلهم))(2).
8 - الاستدلال بآيات قرآنية تضمنها قول الإمام (عليه السلام)، مثل:
- الاستدلال على قول الإمام (عليه السلام): ((وَاعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مِنْ عِنْدِ اللهِ سُبْحَانَهُ)) قال الشارح: ((... والعلم بأنَّ النصر من عند الله لا بالكثرة والقوة كما قال سبحانه: «وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ»(3)))(4).
9 - الاستدلال على صحة المعنى اللغوي، مثل:
- الاستدلال على صحة المعنى اللغوي للبلاء في قول الإمام (عليه السلام): ((أَلاَ وَإِنَّ بَلِيَّتَكُمْ قَدْ عَادَتْ كَهَيْئَتِهَا يَوْمَ بَعَثَ اللهُ نَبِيَّهُ (صَلَّى اللهَ عَلَيْه وَآلهِ))): بأنه يكون في الخير والشر، قال الشارح: ((الابتلاء الاختبار والامتحان، يقال: بلوته وابلیته وابتليته، والاسم البلوى والبلية، والمعروف أن الابتلاء يكون في الخير والشر من غير فرق بين فعليهما، ومنه قوله تعالى: «وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً»(5)))(6).
ص: 72
عرف الزركشي القراءات القرآنية بأنها: ((اختلاف ألفاظ الوحي المذكور في كتابة الحروف أو كيفيتها من تخفيف وتثقيل وغيرهما))(1)، ومسألة الاختلاف هي قوام القراءات، والمقصود بالاختلاف ليس لفظ الوحي نفسه، وإنما الاختلاف في نطق لفظ الوحي أو كتابته، لذلك فالبعض يجدها ((بين ما هو اجتهاد من القارئ، وبين ما هو منقول بخبر الواحد))(2).
ان اختلاف لهجات العرب يُعدُّ سبباً من أسباب نشوء القراءات القرآنية واختلافها ومن ثم تطورها إلى علم قائم بذاته(3)، وقد وصف (بلاشير) کتب القراءات بأنها ((وثائق هامة لدراسة اللهجات العربية))(4)وأكد قوله الدكتور عبده الراجحي بِعدِّها ((أصل المصادر جميعاً في معرفة اللهجات العربية))(5).
ومن المواضع التي وردت فيها القراءات القرآنية:
1 - في بيانه قول الإمام (عليه السلام): ((لَبِئْسَ لَعَمْرُ اللهِ سَعْرَ نَارِ الحَربِ أَنْتُمْ))، قال: ((وسعرت النار والحرب کمنعت إذا أوقدتهما وهيجتهما،
ص: 73
وقرئ(1)قوله تعالى: «وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ»(2)بالتخفيف والتشديد، والتّشديد للمبالغة والعرض ذقهم بعدم القدرة على اسعارنا الحرب أو بأنهم يتهيجون الفتنة ولا يصبرون على الشدة ولا يقيمون مراسم الحرب ودفع الأعداء))(3).
2 - في أثناء بیانه لقول الإمام (عليه السلام): ((بل عباد مکرمون لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون)) قال: ((ومكرمون بالتخفيف من الإكرام، وقرئ(4)بالتشديد من التكريم واللام في ما يقول عوض عن المضاف إليه، أي لا يسبقون الله عز وجل بقولهم بل هو تابع لقوله عَزَّ وَجَل كما أنَّ عملهم تابع لأمره، والغرض تنزيههم عن النقائص التي يكون في البشر وكذلك بعض الكلمات الآتية...)(5).
3 - في أثناء بیانه قول الإمام (عليه السلام): ((... وَجَاهَدَ فِي اللهِ أَعْدَاءهُ، غَیْرُ وَاهِنٍ وَلاَ مُعْذِّرٍ)) قال: ((والمعذر الذي يعتذر من تقصيره بغير عذر موهماً أنَّ له عذر، وقيل: هو المعتذر الذي له عذر، واختلف في تفسير قوله تعالى: «وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ»(6)على الوجهين، وقرأ ابن
ص: 74
عباس(1): (وجاء المعذرون) بتخفيف الذال من أعذر وكان يقول: لعن الله المعذرين كأن المعذر عنده إنما هو غير المحق، وبالتخفيف من له عذر))(2).
4 - في أثناء بیانه لقول الإمام (عليه السلام): ((لَقَدْ اِسْتَهَامَ بِكُمْ الخَبِيْثُ. وَتَاهَ بِكُمْ الغَرُورُ)) قال: ((وفسر الغرور في قوله تعالى: «وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ»(3)بالشيطان وبكل شيء غرك حتى تعصي الله وتترك ما أمرت به، وقيل: (الغرور: الدنيا)، وقيل: (تمنيك المغفرة في عمل المعصية)، وقرئ في الشواذ بضم الغين(4)))(5).
يشهد تاريخ اللغة العربية بأن ليس بعد القرآن الكريم كلام قط ((أعم نفعاً ولا أقصد لفظاً ولا أعدل وزناً، ولا أجمل مذهباً، ولا أكرم مطلباً، ولا أحسن موقعاً ولا أسهل مخرجاً، ولا أفصح عن معنى، ولا أبين عن فحوى من كلامه))(6)(صلى الله عليه واله وسلم)، لذلك كانت أحاديثه (صلوات الله عليه) منبعاً ثراً للاستشهاد، لأن علماء اللغة كانوا على يقين بأن ليس ((بعد القرآن كلاماً يسامي الكلام النبوي أو يدانيه، فصاحت وبلاغة معنى، وبراعة
ص: 75
ترکیب، وجمال أسلوب، وروعة تأثير))(1)، ومع علمهم ويقينهم بمكانة الحديث النبوي الشريف نجدهم وقفوا منه موقف الحذر فانقسموا بإزائه إلى فئات ثلاث(2): فئة جوزت الاستشهاد بالحديث، وفئة منعت الاستشهاد به بحجة أنَّ الرواة جوزوا النقل بالمعنى(3)، ووقوع اللحن فيما روي من الحديث؛ لأن كثيرا من رواته كانوا من غير العرب(4)، وفئة توسطت بينهما أما الشارح (ابن کلستانه) فهو يقدم. الحديث بين يديه شاهدا على إثبات المعنى الذي يختاره في أثناء شرحه لكلام أمير المؤمنين (عليه السلام)، ومن أمثلة مواضع استشهاده بالأحاديث النبوية الشريفة:
1 - في أثناء بیانه لمعنى (المروق) في قول الإمام (عليه السلام): ((وَالمَارِقَة مِنَ السَمَّاءِ العُلْيَا أَعْنَاقُهُمْ...)) الذي يعني الخروج، قال الشارح: ((وسمیت الخوارج مارقة لقوله (صلى الله عليه واله): ((أنهم يمرقون من الدين کما يمرق السهم من الرمية(5)))(6).
2 - في أثناء بیانه لمعنى (الاقتطاع) في قول الإمام (عليه السلام):
ص: 76
((... وَاقْتَطَعْتَهُمْ عَنْ عِبَادتِهِ)) ويعني (الاخذ)، قال الشارح: ((الاقتطاع الاخذ، وفي الحديث: ((يقتطع بها مال امرئ مسلم(1)))(2).
3 - من بيانه لمعنی (رهينة) في قول الإمام (عليه السلام): ((ذِمَّتِي بِمَا أَقُولُ رَهِيْنَةٌ، وَأَنا بِهِ زَعِيْمٌ)) وتعني (المرهونة) قال الشارح: ((والرهينة المرهونة، وبمعنى الرهن، والهاء للمبالغة كالشتيمة والشتم، ومن الحديث: ((كل غلام رهينة بعقيقته(3)))(4).
4 - من توضيحه معنى كلمة (عِنان) في قول الإمام (عليه السلام): ((فَطِرْتُ بِعَنَانِهَا))، قال الشارح: ((وفي الحديث: ((خَیْرُ الناسِ رَجُلٌ مُمْسِكٌ بِعِنانِ فرسهِ فِي سبيلِ اللهِ كُلَّما سَمَعَ هَيْعَة طَارَ إليها(5)))(6).
5 - اثناء شرحه لقول الإمام (عليه السلام): ((وَجَأَرْتُمْ جُؤَارَ مُتْبَتِّلِي الرَّهْبَان)) وتوضيحه لمعنى الرهبانية روى الحديث النبوي الشريف قائلاً: ((وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنَّه قال: (لا رهبانية في الاسلام)(7)،
ص: 77
والنهي عن الرهبانية لا يستلزم النهي عن الجؤار کجؤارهم وأصله من الرهبة الخوف))(1).
6 - استدل بصحة كلام الإمام (عليه السلام): (((وَحَذَّرَكُمْ عَدُوّا نَفَذَ فِي الصُّدُور خَفِّيًا، وَنَفَثَ فِي الآذانِ نَجِّياً...)) بقول النبي (صلى الله عليه واله وسلم) في معرض شرحه إذ قال: ((والمراد دخوله في الصدور، وقد ورد في الحديث: ((إنَّ الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم(2)))(3).
7 - أثناء بیانه معنى كلمة (مُناخ) في قول الإمام (عليه السلام): ((أَلاَ أَنْبَأْتَكُمْ بِنَاعِقِهَا وَقَائِدِهَا وَسَائِقِهَا وَمُنَاخِ رَكَبِهَا...)) قال: ((والمُنَاخ بضم الميم موضع الإناخة اسم مكان من أنَاخَ الرجلُ الجمل إناخة، قالوا ولا يقال في المطاوع: فناخ، بل يقال: فبرك وتنوخ، وقد يقال استناخ، وفي الحديث في صفة المؤمن: إن قيد انقاد وإن أُنيخ على الصخرة استناخ(4)))(5).
8 - في بيانه لمعنى كلمة (يسلمونها) التي وردت في قول الإمام (عليه السلام): ((فَإنَّ الصَابِرِينَ عَلَى نُزوُل الحقائِق هُمْ الذِين يَحفونَ بِرَايَاتِهِمْ، وَيكْتَنِفُونَها: حَفَافِيْهَا، وَوَرَاءِهَا وَأَمَامِهَا، لاَ يَتَأَخَرُونَ عَنْهَا فَيَسْلَمُوهَا، وَلاَ يَتَقَدَمُونَ عَلَيْها فَيَفْرِدُوهَا)) إذ قال: ((وأسلمته واعطيته وأسلم فلان فلاناً إذا
ص: 78
القاه إلى الهلكة، ولم يَحُمهِ من عدوه وهو عام في كل من أسلمته إلى شيء، لكن دخله التخصيص وغلب عليه الإبقاء في الهلكة ومنه الحديث: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه)(1)، وأسلمه أي خذله))(2).
المثل هو ((قول يرتجل في حادثة معينة، فيعلق في أذهان سامعيه ويردد في الحوادث المشابهة، أو هو قول سائر يشبه به حال الثاني بالأول، والأصل فيه التشبيه))(3).
اعتمد الشارح في تأكيده معاني كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) على الأمثال، ويمكن عرض بعض الأمثال التي وردت في شرحه حسب طريقته في التقديم:
1 - أمثال يوردها بعبارة تميزها، نحو: (وفي المثل)، قال الشارح في بيان معنی (متلاطمًا) الذي ورد في قول الإمام (عليه السلام): ((فَأَجْرَى فِيْهَا مَاءً
مُتَلاَطِمَاً تَيَّارُهُ...)): ((اللَّطُمُ بالفتح في الأصل الضّرب على الوَجْه ببَاطن الرّاحة وفي المثل (لو ذاتُ سِوَارٍ لَطَمْتَني(4)))(5)، كما وردت هذه العبارة في اثناء شرحه لقول الإمام: ((وَامْضوُا فِي الَّذِي نَهَجهُ لَكُمْ وَقُومُوا بِمَا عَصَبَهُ
ص: 79
بِكُمْ فَعَلِيٌّ ضَامِنٌ لِفَلْجِكُمْ آجِلاً إنْ لَمْ تَمْنَحُوهُ عَاجِلاً))، قال: ((وفي المثل: (مَنْ يَأْتِ اْلحكمَ وَحْدَهُ يَفْلُجُ(1)))(2).
2 - يذكر قصة المثل، کما ورد في شرحه لقول الإمام (عليه السلام): ((فَإنْ أقُلُ يَقُولوُا حَرَصَ عَلَى المُلْكِ، وَإِنْ أسْكُتْ يَقُولُوا: جَزِعَ مِنَ اْلمَوتِ. هَيْهاتَ بَعْدَ اللِّيتّا والَّتِي!)) إذ قال: ((قيل: تزوج رجل امرأة قصيرة سّيئة الخلق فقاسي منهَا الشدائد، ثم طلقها وتزوج طويلة فقاسي منها أضعاف القصيرة فطلقها، وقال: بعد اللتيا والتي لا أتزوج أبداً، فَصار مثلاً(3)))(4). وأمثال یورد قصتها بعد أن استشهد بها أمير المؤمنين (عليه السلام) کما في قوله (عليه السلام): ((وَقَدْ كُنْتُ أَمَرْتُكُمْ فِي هذِهِ اْلحُكُومَةَ أَمرِي، وَنَخَلتُ لَكُمْ مَخزوُنَ رَأيْي، لَوْ كَانَ يُطاعُ لِقَصِیْرٍ أَمْرٌ!))، فذكر الشارح قصة المثل قائلاً: ((وقصير وهو ابن سعد اللّخمي مولى جذيمة بن الابرش بعض ملوك العَربَ والكلام من قبيل المثل وأصله أن جذيمة كان قتل أبا الزّبا ملكة الجزيرة، فبعثت اليه بعد حين خدعة إني أريد التزوج وسألته القدوم عليها، فأجابها جذيمة إلى ذلك، وخرج في ألف فارس، وخلف باقي جنوده مع ابن أخته وكان قصير مولاه أشار عليه بأن لا يتوجه اليها، فلم يقبل رأيه فلما قرب جذيمة من الجزيرة استقبله جنود (الزبّاء) بالعدّة ولم ير منهم اکرامًا لهُ، فأشار عليه قصير بالرجوع عنها وقال: إنَّها امرأة ومن شأن
ص: 80
النساء الغدر، فلم يقبل فلما دخل إليها قتلته، فقال قصير: لا يُطاع لقصير أمر، فجرى مثلاً(1)لكلّ ناصح عُصَيِ وهو مصيب في رأيه))(2).
3 - أمثال لم يقدم لها عبارات تميزها کما فَعَلَ في أثناء شرحه لقول الأمام (عليه السلام): (لاَ نَنْتَفِعُ بِمَا عَلِمْنَا، وَلاَ نَسْأَلُ عَمَّا جَهِلْنَا، وَلاَ نَتَخَوَّفُ قَارعَةً حَتّى تَحُلُّ بِنَا) فقال: ((الكَلام من قبيل: (إيَّاك أعني واسمعي يا جاره)(3)، وعدم الانتفاع بالعِلم لترك العَمَلِ، وعدم السؤال لعدم العلم بفضل العلم، مع عدم الرَّغبة في العمل بمقتضاه))(4).
4 - أمثال قدم الشارح أغراضها والمغزى منها، من ذلك ما ورد في شرحه لقول الإمام (عليه السلام): ((... كُلُّ وَاحد مِنْهُمَا حَامِلٌ ضُبٍ لِصَاحِبِهِ...)) قال: ((والعرب (تضرب) المثل بالضب في العقوق تقول: (أَعَقُ مِنْ ضَب)(5) وذلك أنه ربما يأكل حسوله))(6).
استشهد الشارح بأبيات شعرية في أثناء شرحه کلام أمير المؤمنين (عليه السلام) وكانت لشعراء من مختلف العصور، يصرح بأسمائهم أحياناً، وفي
ص: 81
أكثر الاحيان يكتفي بقوله: (قال الشاعر) من دون أن يذكر أسماءهم، كما أنه كان يذكر الابيات الشعرية التي استشهد بها شارحون آخرون في أثناء نقله نصوصهم، ومن المواضع التي استشهد بها الشارح:
1 - في معرض شرحه قول الإمام (عليه السلام): ((وَمُبَايِن بَیْنَ مَحارِمِهِ، مِنْ كَبیرٍ أوَعَدَ عَلَيهِ نِيْرَانَهُ، أَو صَغیْرٍ أَرصَدَ لَهُ غُفْرَانَهُ)): قال: ((الوعدُ يستعمل في الخير والشّر، يقال: وعدته خيراً، ووعدته شراً)) فإذا اسقطوا الخَیْر والشّر قالوا في الخير: الوعد والعدة، وفي الشّر الایعاد والوعيد) قال الشّاعر:
وإنّي وإن اوعدته أو وعدته ٭٭٭ لمُخلف ایعادي ومنجز موعدي(1)))(2).
2 - في أثناء شرحه قول الإمام (عليه السلام): ((كَرَاكِبِ الصَّعبَةِ إِنْ أَشْنَقَ لَهَا خَرَمَ وإِنْ أسْلَسَ لَهَا تَقَحُّمُ)) قال: ((وَمِنَ الّشَاهِد عَلَى أَنَ أشْنَقَ بِمَعنْى شَنَقَ قَولُ عَدّي بِنْ زَيْدٍ الْعِبادي:
سَاءَهَا مَا بنَا تَبَيَّنَ فِي الْأَيْ ٭٭٭ دِي وَأشْنَاقُهَا إِلَی الْأَعْنَاقِ(3)))(4)
3 - في معرض شرحه قول الإمام (عليه السلام): ((وَلَوْ وَهَبَ مَا
ص: 82
تَنَفَّسَتُ عَنْهُ مَعادِنُ الجِبالَ، وَضَحِكَتْ عَنْهُ أصْدافُ البحار، مِنْ فلز اللّجُیَنْ وَالْعِقْيانِ، وَنُثارَة الدُّرِ وَحَصيْد المَرْجانِ، مَا أَثَر ذلِكَ في وجوده، ولا أنْفَدَ سَعَةَ ما عِنْدَهُ)) قال: ((والمرجان صغار اللّؤلؤ)، قال الجوهريّ: وقال قوم هو البُد يعني الحجر الأحمر، ومنه قول الشّاعر يرثی امرأة:
أدْمَى لَهَا الْمَرْجانَ صَفْحَةَ خَدِّهِ ٭٭٭ وَبَكى عَلَيْهَا اللّؤلؤ المكنون(1)))(2).
4 - في معرض شرحه قول الإمام (عليه السلام): ((وذَلِكَ إذا قَلَّصَتْ حَرْبُكُمْ، وَشَمَرَتْ عَنْ سَاقٍ، وَضَاقَتْ الدُّنيا عَلَيْكُم ضِيقاً، تَسْتَطِيْلُونَ أَيَّامَ البَلاءِ عَلَيْكُمْ حَتَّى، يَفْتَحُ الله لِبَقيةِ الأَبرارِ مِنْكُم) قال: ((... وقيل: کشف عن الساق مثل في اشتداد الأمر وصعوبة الخطب، وأصله تشمير المخدرات عن سوقهن في الحرب، قال حاتم:
((أخو الحرب إنْ عَضَتْ بِهِ الحَربُ عَضَّها ٭٭٭ وإنْ شَمَرَّتْ عَنْ سَاقِها الحربُ شمرا(3)))(4).
5 - في معرض شرحه قول الإمام (عليه السلام): ((حدابير السنين)) قال الشارح: ((جمع حدبار وهي الناقة التي أنضاها السير، فشبه بها السنة التي فشا فيها الجدب، قال ذو الرمة:
ص: 83
حدابير ما تنفك إلا مناخةً على الخسف أو نرمي بها بلداً قفراً(1)))(2).
6 - اثناء شرحه لقول الإمام (عليه السلام): (وكأنَّي أنظر اليكم تَکِشُّون کَشِيشَ الضبابِ، لا تأخذونَ حقاً، ولا تمنعونَ ضیماً، قد خُليتم والطريق، فالنجاة للمقتحم، والهلكة للمتلوِّم) قال: ((کشیش الأفعى والضب صوت جلدهما عند الحركة، يقال: کشت الأفعی کفرّت وليس صوت فيها، وهو فحيحها أي: كأنكم لشدة خوفكم واجتماعكم من الجبن كالضباب المجتمعة التي تحك بعضها بعضاً إذا تحركت، قال الراجز:
كَشِيْشُ أَفْعَى أَجْمَعَتْ (لِعّضِّ) ٭٭٭ وهي تَحُكُّ بَعْضَها بِبَعْض(3).))(4)
ص: 84
1. بعد اختياري لمخطوطة الأصل بدأت بنسخها كما هي، وقد راعيت قواعد الرسم المعروفة إلا ما كان يقتضيه رسم المصحف الشريف، ذي الرسم العثماني وهو غير الاملائي.
2. نبهت على ما في النسخ الاخرى من الاختلاف بينها وبين الأصل، في مرحلة المقابلة، زيادة كانت أو نقصًا، أو تحريفًا، أو تصحيفًا، أو تقدیمًا وتأخيرًا، وأثبت ذلك في هوامش التحقيق.
3. خرجت الآيات القرآنية جميعها وحصرتها بين قوسين مزهرين، وأشرت في الهامش إلى موضعها من المصحف الكريم مبتدئتاً باسم السورة ثم رقم الآية، واشرت إلى الاخطاء التي وردت في المخطوطة.
4. خرجت القراءات التي وردت من كتب القراءات.
5. خرجت الأحاديث النبوية الشريفة من كتب الحديث، وذكرت في الهامش الروايات المختلفة.
6. رجعت في تخريج الأبيات الشعرية إلى دواوين الشعراء والى كتب الادب والمعجمات.
7. خرجت الأمثال التي وردت من كتب الامثال.
8. عرفت بالأعلام الذين ورد ذكرهم من النحاة واللغويين والشعراء، وغيرهم من كتب التراجم.
9. رجعت إلى المعجمات وكتب اللغة في تخريج معاني الكلمات.
ص: 85
10. جاء في المخطوط کلمات قد رسمت بغير ما هو مألوف لدينا في الوقت الحاضر، وقد وجدت أن لا مندوحة من ذكرها، فأهملتها وكتبتها بصورة الرسم اللغوي الحديث، ولم أُشر إلى ذلك، من ذلك: عثمن، معوية، حرث.
11. ميزت بخط أسود عريض كلام الإمام (عليه السلام) من کلام الشارح، كي يسهل الفرق بينهما لدى القارئ.
12. حصرت ما أضفته أو ما يقتضيه السياق بين عضادتين []، ونبهت على ذلك، کما استعنت بالعضادتين للإشارة إلى البياض الذي ورد في نسخ المخطوطة، كما حصرت الزيادة التي لا داعي لها التي تخل بالسياق، أو الكلمات الساقطة بين عضادتين [...].
13. اشرت إلى الطمس والخرم الوارد في المخطوطات واتممته من نسخة الاصل وقد حصرته بين عضادتين [...].
14. اثبت أرقام صفحات المخطوطة، ورمزت لوجه كل صفحة بحرف (و) ورقم صفحة المخطوط بحصرهم بين خطين مائلين على سبيل المثل / و180 /، کما رمزت إلى ظهر المخطوط بحرف (ظ) وحصرته مع رقم الصفحة بين خطين مائلين مثال ذلك / ظ 180 /.
15. راعيت علامات الترقيم المعتمدة في التحقيق.
16. الحقت في النهاية فهارس فنية للآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، والاشعار، والاعلام، والامثال، والكتب، والقبائل، والاماكن والمدن.
ص: 86
وهي نسخة مكتبة (آية الله العظمی مرعشي نجفي) في مدينة قم المقدسة في إيران مثبت في بطاقة المخطوطة اسم الكتاب: بهجة الحدائق في شرح کلمات کلام الله الناطق، اسم المؤلف: سید علاء الدين محمد بن أبي تراب کلستانة الاصفهاني عدد الاوراق: 237 ورقة، تسلسل 1847، لم يثبت مقاسها وهو 24×16 ولا عدد سطور الصحيفة وهو 23 سطرًا، وهي مكتوبة بخط النسخ.
صفحة العنوان موجودة في المخطوط، کُتِبَ في أعلى الصفحة ((بهجة الحدائق وتفسیر خطب نهج البلاغة)) لكن وسط الصفحة مطموس والهوامش الجانبية واضحة كتب على الجانب الايسر ((شرح نهج البلاغة للعلامة السيد علاء الدين محمد کلستانة، وفي الصفحة التي بعدها وضع في الاعلى وسط المخطوط عنوان ((نهج البلاغة شرح نهج البلاغة)) وبعدها ((بسم الله الرحمن الرحيم)) وابتدأ السطر الاول ب ((الحمد لله الذي أبلج نهج البلاغة في مناهج البلاغ ليكون للمستبصرين علماً مستنيراً وفتح مغاليق أسرار المعاني بمقاليد)).
هذه النسخة تامة وقد اعتمدتها أصلاً، قال الشارح في نهاية الورقة الاخيرة ((تم الشطر الأول من كتاب بهجة الحدائق في شرح کلمات کلام الله الناطق)) كما ذكر فيها تاريخ الانتهاء من تأليفه قال: ((وكان الفراغ من تأليفه في تاسع عشر شهر ربيع الاول من شهور سنة اثني وتسعين بعد الالف من
ص: 87
الهجرة، والحمد لله أولاً وآخراً والصلاة على سيد أنبيائه محمد وعترته الطيبين الطاهرين المعصومين)) وكان هذا الكلام نهاية المخطوطة.
جاءت المخطوطة على شكل وجهين في الصفحة الواحدة ما عدا الصفحة الأولى فجاءت على شكل وجه واحد.
هي نسخة مركز إحياء التراث الاسلامي في مدينة قم المقدسة في إيران برقم 2200، عدد صفحاتها 332، لم يثبت مقاسها وهوه،21 × 5، 15، ولا عدد سطور الصحيفة وهو 22 سطرًا، مكتوب في صفحة العنوان في الأعلى وسط الورقة (المجلد الأول من بهجة الحدائق في شرح کلمات کلام الله الناطق للمولى الفاضل والحبر الكامل الحسب والنسب السيد مولانا علاء الدين الحسيني طاب ثراه وجعل الجنة مثواه) في الصفحة التي بعدها (بسم الله الرحمن الرحيم) في وسط الصفحة والسطر الاول (الحمد لله الذي أبلج نهج البلاغة في مناهج البلاغ ليكون للمستبصرین علماً مستنيراً)، وقد ورد في هذه الصفحة اسم المؤلف فقد ورد ((فيقول المرتجي صفح ربه وغفرانه علاء الدين محمد بن أبي تراب الحسني المنتمي إلى کلستانة إني لما فرغت من تأليف بعض أجزاء حدائق الحقائق في شرح کلمات کلام الله الناطق وقضيت الوطر في شرح الخطبة الشقشقية...) کما ورد في هذه الصفحة عنوان الكتاب قال الشارح: ((ولما كان هذا المختصر کالطلع لحدائق الحقائق سميته ببهجة الحدائق والله المؤيد لإصابة الصواب، وعليه التوكل في فتح الابواب)).
جاءت المخطوطة على شكل وجهين في الصفحة الواحدة ما عدا الصفحة
ص: 88
الأولى والاخيرة فجاءتا على شكل وجه واحد.
على هذه النسخة ختم میرا جلال الدين، وهي تكاد تخلو من الحواشي والتعليقات إلا في مواضع قليلة جداً.
هذه المخطوطة تامة قال فيها الشارح ((تم الشطر الأول من كتاب بهجة الحدائق في شرح کلمات کلام الله الناطق))، وذكر فيها تاريخ الانتهاء من تأليفه قال: ((وكان الفراغ من تأليفه في تاسع عشر شهر ربيع الاول من شهور سنة اثني وتسعين بعد الالف من الهجرة، والحمد لله أولاً وآخراً والصلاة على سيد أنبيائه محمد وعترته الطيبين الطاهرين المعصومين)) وكان هذا الكلام نهاية المخطوطة.
وهي نسخة مكتبة الإمام الحكيم العامة في النجف الاشرف، برقم عام : 92، لم يذكر اسم الناسخ ولا تاريخ النسخ، عدد أوراقها: 314 ورقة، عدد سطور الورقة 23 سطراً، ومتوسط كلمات السطر الواحد (16) مقاسها: 23 × 16 سم.
صفحة العنوان ممزقة لم يبق منها إلاَّ جزء صغير ورد فيه اسم ((ابن کلستانة الاصفهاني)) وفي أعلى الصفحة الاولى من المخطوطة كتب عنوان ((بهجة الحدائق في شرح نهج البلاغة)) وأسفل منه كتب: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي أبلج نهج البلاغة في مناهج البلاغ ليكون للمستبصرین علماً مستنيراً وفتح مغاليق....)) وعنوان الكتاب يؤيده قول الشارح في الصحيفة الاولى: ((ولما كان هذا المختصر کالطلع لحدائق الحقائق سميته ببهجة الحدائق
ص: 89
والله المؤيد لإصابة الصواب، وعليه التوكل في فتح الابواب))، واسم المؤلف ورد أيضاً في الصفحة الاولى في نص العبارة ((فيقول المرتجي صفح ربه وغفرانه علاء الدين محمد بن أبي تراب الحسني المنتمي إلى کلستانة إني لما فرغت من تأليف بعض أجزاء حدائق الحقائق في شرح کلمات کلام الله الناطق وقضيت الوطر في شرح الخطبة الشقشقية...).
النسخة كتبت على شكل وجه واحد في كل صفحة، وهي تكاد تخلو من الهوامش إلا في موضعين، وعناوين النسخ كتبت باللون الاحمر، کما وضعت خطوط حمر على بعض الخطب وأحياناً تكون هذه الخطوط موجودة تحت الشرح.
وهذه النسخة غير تامة تنتهي في صحيفة 314، وآخر سطر فيها (تنبيههم على الخطأ وفي تفرجهم وعدم انقيادهم له عليه السلام، ولقطه كنصره اخذه من الأرض ولعل الغرض)).
وهي نسخة مكتبة (آية الله العظمی مرعشي نجفي) في مدينة قم المقدسة في إيران مثبت في بطاقة المخطوطة اسم الكتاب: بهجة الحدائق، اسم المؤلف: السيد علاء الدين محمد بن أبي تراب کلستانة عدد الاوراق: 273 ورقة، تسلسل 1089، ولم يثبت مقاسها وهو 5، 21 × 5، 16، ولا عدد السطور في الصحيفة وهو 26 سطرًا، صفحة العنوان غير موجودة في المخطوط، وكتب في أعلى الصفحة الاولى عنوان الكتاب ((بهجة الحدائق في شرح نهج البلاغة)) واسم المؤلف ((للعلامة السيد علاء الدين کلستانة)) وبعدهما مباشرةً ((بسم
ص: 90
الله الرحمن الرحيم)) جعله السطر الاول من المخطوط، والثاني ((الحمد لله الذي أبلج نهج البلاغة في مناهج البلاغ ليكون للمستبصرين علماً مستنيراً وفتح مغاليق أسرار)).
وعنوان الكتاب ورد في ضمن الصفحة الاولى إذ ورد نص عبارة: ((ولما كان هذا المختصر کالطلع لحدائق الحقائق سميته ببهجة الحدائق والله المؤيد لإصابة الصواب، وعليه التوكل في فتح الابواب)) کما ورد ذكر اسم المؤلف في الصفحة الأولى أيضاً من ضمن الكلام ونصه ((أما بعد فيقول المرتجي صفح ربه وغفرانه علاء الدين محمد بن أبي تراب الحسني المنتمي إلى کلستانة إني لما فرغت من تأليف بعض أجزاء حدائق الحقائق في شرح کلمات کلام الله الناطق وقضيت الوطر في شرح الخطبة الشقشقية...).
جاءت المخطوطة على شكل وجهين في الصفحة الواحدة ما عدا الصفحة الاخيرة جاءت على شكل وجه واحد.
على النسخة ختم مكتبة آية الله العظمی مرعشي نجفي، في وسط الصفحة الاولى في الاعلى وفي أوراق متفرقة كما ثبت في وسط الصفحة الاخيرة بالأسفل.
النسخة خالية من التعليقات والهوامش.
المخطوطة غير تامة انتهت بالسطر الاخير الذي نصه ((بالتحريك وبها سمیت شرط السلطان لانهم جعلوا لأنفسهم علامات يعرفون بها كذا قال أبو عبيد وحكي عن بعض)).
ص: 91
وهي نسخة (كتاب خانة عمومي) مكتبة (آية الله العظمی مرعشي نجفي) في مدينة قم المقدسة في إيران مثبت في بطاقة المخطوطة اسم الكتاب: بهجة الحدائق في شرح کلمات کلام... الناطق، اسم المؤلف: سید علاء الدين محمد بن أبي تراب کلستانة اصفهاني، عدد الاوراق: 356 ورقة، تسلسل 6005، ومقاسها 5، 33×18. كتب في الصفحة الأولى (بهجة الحدائق مختصر حدائق الحقائق) في الصفحة التي بعدها کتب (بسم الله الرحمن الرحيم) في وسط الصفحة والسطر الاول (الحمد لله الذي أبلج نهج البلاغة في مناهج البلاغ ليكون للمستبصرین علماً مستنيراً)، وقد ورد في هذه الصفحة اسم المؤلف جاء فيها ((فيقول المرتجي صفح ربه وغفرانه علاء الدين محمد بن أبي تراب المنتمي إلى کلستانة إني لما فرغت من تأليف بعض أجزاء حدائق الحقائق في شرح کلمات کلام الله الناطق وقضيت الوطر في شرح الخطبة الشقشقية ...) کما ورد في هذه الصفحة عنوان الكتاب قال الشارح: ((ولما كان هذا المختصر كالطلع لحدائق الحقائق سميته ببهجة الحدائق والله المؤيد لإصابة الصواب، وعليه التوكل في فتح الابواب)) جاءت المخطوطة على شكل وجهين في الصفحة الواحدة.
وهي نسخة (كتاب خانة عمومي) مكتبة (آية الله العظمی مرعشي نجفي) في مدينة قم المقدسة في إيران مثبت في بطاقة المخطوطة اسم الكتاب: بهجة الحدائق في شرح کلمات کلام الله الناطق، اسم المؤلف: سید علاء الدين محمد
ص: 92
بن أبي تراب کلستانة اصفهاني، عدد الاوراق: 229 ورقة، تسلسل 9137، ومقاسها 5، 16× 5، 29، لم يثبت عدد السطور في الصحيفة وهو 29 سطرًا. صفحة العنوان فيها تعليقات بخط إيراني، أُشِّر عليه بأنه خط حاج فرهاد میزا، واثبت عليها بخط مخالف لخط المخطوط (شرح صغير نهج البلاغة کلستانة).
الصفحة الاولى بعد صفحة العنوان بدأت (احصائها بثمن میسور وقريب التناول لا يعدمه أحد لعموم الموارد مع قلة العوائق عن الوصول إلى واحد من أفراده ولا)) وهي بذلك تكون مختلفة عن بقية النسخ لسقوط بدايتها، وبذلك لم يذكر فيها عنوان الكتاب ولا اسم المؤلف؛ لأنها من ضمن الكلام الساقط في البداية.
وعناوين النسخ كتبت باللون الأحمر، کما وضعت خطوط حمر على بعض الخطب وأحياناً تكون هذه الخطوط موجودة تحت الشرح.
على المخطوطة تعليقات وهوامش.
تمت هذه المخطوطة بعبارة ((تم الشطر الأول من كتاب بهجة الحدائق في شرح کلمات کلام الله الناطق))، وذكر فيها تاريخ الانتهاء من تأليفه قال: ((وكان الفراغ من تأليفه في تاسع عشر شهر ربيع الاول من شهور سنة اثني وتسعين بعد الالف من الهجرة، والحمد لله أولاً وآخراً والصلاة على سيد أنبيائه محمد وعترته الطيبين الطاهرين المعصومين)) وكان هذا الكلام نهاية المخطوطة.
وقد صرح الشارح باسمه في نهاية هذه النسخة إذ قال: ((وأنا الغريق في
ص: 93
بحر العصيان علاء الدين محمد بن سليمان البطاحي في سنة 1102)).
وهي نسخة مكتبة أمير المؤمنين (عليه السلام) العامة في النجف الاشرف مثبت في بطاقة معلومات النسخة اسم الكتاب: بهجة الحدائق، واسم المؤلف محمد بن أبي تراب کلستانة، برقم تسلسل: 3685 وتصنيف 167 / 4 / 14، وتاريخ الكتابة: 1092، والقطع 18 × 20 ومصدر الاقتناء: مکتبة مدرسة الجزائري، عدد الصفحات لم توثق في بطاقة العنوان وهي 446 صفحة.
لا توجد صفحة للعنوان، والصفحة الأولى من المخطوط خالية من العنوان أيضاً، وقد ذكر في الصفحة الاخيرة، كما أنَّ الصفحة الأولى لا تحمل اسم المؤلف، هذه المخطوطة تبدأ ب ((بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد حمداً لله الذي جعل الحمد ثمناً لنعمائه ومعاذاً من بلائه)) وهو السطر الاول منها، والصفحة الأولى كتبت على شكل وجه واحد أما بقية المخطوطة فقد جاءت على شكل وجهين في الصفحة الواحدة. وعناوين النسخ كتبت باللون الأحمر، كما وضعت خطوط حمر على بعض الخطب وأحياناً تكون هذه الخطوط موجودة تحت الشرح.
وعلى المخطوط ختم مكتبة أمير المؤمنين (عليه السلام) العامة على الجانب الأيسر من الصفحة الأولى، وختم دار المخطوطات العراقية في الجانب نفسه والصفحة كما يوجد هذان في أوراق متفرقة من المخطوط وفي الصفحة الاخيرة أيضاً.
هذه النسخة تامة، قال الشارح في نهاية الورقة الاخيرة: ((تم الشطر
ص: 94
الأول من كتاب بهجة الحدائق في شرح کلمات کلام الله الناطق)) کما ذکر فيها تاريخ الانتهاء من تأليفه قال: ((وكان الفراغ من تأليفه في تاسع عشر شهر ربيع الأول من شهور سنة اثني وتسعين بعد الالف من الهجرة، والحمد لله أولاً وآخراً والصلاة على سيد أنبيائه محمد وعترته الطيبين الطاهرين المعصومين))، وكان هذا الكلام نهاية المخطوطة.
ص: 95
ص: 96
ص: 97
ص: 98
الصحيفة الأولى والثانية من النسخة (أ)
الصحيفة الأخيرة من النسخة (أ)
ص: 99
الصحيفة الأولى والثانية من النسخة (ر)
الصحيفة الأخيرة من النسخة (ر)
ص: 100
الصحيفة الأولى والثانية من النسخة (ث)
الصحيفة الأخيرة من النسخة (ث)
ص: 101
الصحيفة الأولى من النسخة (ن)
الصحيفة الأخيرة من النسخة (ن)
ص: 102
الصحيفة الأولى من النسخة (م)
الصحيفتين الاخيرتين من النسخة (م)
ص: 103
الصحيفتين الأوليتني من النسخة (ع)
الصحيفتين الأخيرتين من النسخة (ع)
ص: 104
بعد الانتهاء من قسم الدراسة الخاص بالاطروحة يمكن إيجاز أهم نتائجها:
1 - استبعاد رواية وفاة علاء الدين كلستانة في سنة (1100ه) بدليل ما ذكره محمد الأردبيلي في مقدمة كتابه (جامع الرواة).
2 - كان لعصر الشارح دور في إنماء شخصيته العلمية، إذ شهد عصراً مستقراً نسبياً من الصراعات الخارجية والحروب، واهتمام الولاة أنذاك بالعلم والعلماء وإظهار مكانة أهل البيت (عليهم السلام)، إضافة إلى أنَّ مجالسته لمحمد باقر المجلسي كان لها دور مؤثر أيضاً في توجهاته الفكرية.
3 - رجع علاء الدين كلستانة في شرحة إلى كتب متنوعة منها: (کتب المعجمات، وكتب النحو، وكتب اللغة، وكتب التفاسير، وكتب الأحاديث، وكتب الأنساب، وكتب التاريخ) وهذا دليل على سعة اطلاعه، وحرصه على إغناء الشرح بعلوم وجهود العلماء.
4 - کانت للشارح اهتمامات صرفية، ودلالية، ونحوية، وهذا يتضح من خلال وقفاته الصرفية والدلالية والنحوية في شرحه لكلام الإمام (عليه السلام).
5 - اهتم الشارح كثيراً في بيان معاني الكلمات؛ لذلك نجده يقف على معاني كل كلمة من كلمات الإمام (عليه السلام) حتى وإن كان معناها واضح ومعلوم للقارئ.
6 - شخصية الشارح كانت حاضرة في شرحه، إذ كان يرجح بين الروايات التي يعرضها، وأيضاً كان ينتقد بعض الشارحين ويرد عليهم.
ص: 105
ص: 106
بهجة الحدائق
في شرح
نهج البلاغة
لعلاء الدین محمد بن ابی تراب الحسنی کلستانة
المتوفی سنة 1110 ه
التحقیق
ص: 107
ص: 108
بسم الله الرحمن الرحيم
[الحمد](1)لله الذي أبلج(2)نهج البلاغة في مناهج البلاغ ليكون للمستبصرین علماً مستنيراً، وفتح [مغاليق أسرار المعاني](3)بمقاليد بدائع البيان على السنة حججهِ [وكلماته](4)التامة [فتحاً](5)يسيراً، [وانطق بقدرته](6)الباهرة [الصُمَّ](7)[الصَّياخید](8)، والشُم(9)الجلاميد(10)فَسبحت بحمده تسبيحاً لا يفقهُ [الاّ](11)من كان سميعاً بصيراً، والصلاة على شريعة [مناهل](12)النجاح، وشراع سفينة النجاة الذي ارسلهُ رحمةً للعاملين بشيراً ونذيراً وداعياً اليه بإذنه وسراجاً [مُنيراً](13)، وأنار طرائق العرفان بأنوار هدايته وجعله فيها سراجاً مستطيراً، وعلى الصارم [المنتضی](14)الذي سَلّ
ص: 109
سیف التأويل بحكم التنزيل على المارقين من ولايته فجاهدهم به جهاداً كبيراً وجعل [الله الإمامة كلمة](1)باقيةً في عقبه واعتد لمن اعتدى عليه سلاسل وأغلالاً وسعيراً، وعلى مفاتيح [الرحمة من عترته الذين](2)اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم من كل دنسٍ تطهيراً، وتهدلت غصون عطفه [على محبيهم فأعدَّلهم](3)في جناتِهِ نعيمًا(4)ومُلكاً كبيراً، اللهم احشرنا تحت لوائهم يوم تدعو(5)كل [إناس بإمامهم واجعلهم لنا يوم](6)المصير نصيراً، ولا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا إلى معرفتهم وفجرت من قلوبنا [عيون](7)[مودتهم تفجيراً.
أما بعد...](8)
فيقول المرتجی صفح ربه وغفرانه علاء الدين محمد بن أبي تراب الحسني المنتمي إلى [كلستانة إني لمَّا فرغت من تأليف بعض أجزاء حدائق](9)الحقائق في شرح کلمات کلام الله الناطق وقضيت الوطر في [ شرح الخطبة الشقشقية من دفع الشبه](10)وتسكين الشقاشق رأيت كثيراً من أهل الدهر قاصر
ص: 110
[الفطنة](1)[عن صعود مراقیه وارتقاء تلك الشواهق، أو مقصور](2)الهمة على مختصر خالِ عن الإطناب غير مشتمل على الدقائق [فقدمت](3)مختصراً يذلل من الألفاظ صعابها ويكشف عن عرائس المعاني على وجه الايجاز جلبابها، ثم أن منحني بعد حين بالتأييد من فضله الملك المنان، وصرف عني صوارف الدهر الخوان عطفت عنان العزم نحو ما اسسته آنفاً فوقیت بحق كل مقام من التدقيق، وخضتُ كل لجُةٍ خضراء من بحار المباحث المهمة ابتغاء للظفر بدرة التحقيق؛ ولما كان هذا المختصر کالطلع لحدائق الحقائق سميته بهجة الحدائق والله المؤيد لإصابة الصّواب وعليه التوكل في فتح الأبواب. قال السيد الجليل النبيل صاحب جلائل المفاخر وکرائم المآثر الرضي المرضي مؤلف الكتاب المستطاب طيب [الله](4)ثراه وجعل فرادیس الجنة مثواه:
(بِسْمِ اللهِ الرحْمَنِ الرَّحيِمِ أمّا بعدُ، حَمْدِا للهِ الذَّي جَعَلَ الحَمدَ ثمناً لنعمائِه، ومَعاذاً مِنْ بَلائِه)، الحَمْدُ في كلامه (رضي الله عَنْهُ) وإن كان يحتمل المعنى اللّغوي المشهور، إلاَّ أنَّ المناسب لأجزاء الكلام حمله على المعنى العُرفي، وهو الفعل المنبئ عن تعظيم المنعم من حيث إنَّه منعم على الحامد، أو غيره سواء كانَ باللّسان أو الجنان أو الأركان(5)/ ظ 1 / وقد قيل بترادف الحَمدْ والشكر؛ لأنَّه
ص: 111
يوضح كلَّ مقام الآخر، وثمن الشّيء ما استحقَ به ذلك الشّيء(1)ويجمع على أثمانِ وأثْمِنة وأَثمَن، والنَعْماء بالفتح والمَد ما أنعم به عليك، والصنيعة، والمنّة، والمسّرة، والمعاذ يحتمل المَصْدر مِنْ قولك: عُذْتُ بفُلانَ أي لجأت الَيْهِ، والمكان(2)، وهو المناسب للمقام، والبلاء في الأصل ((الاختبار))(3)ويكون مِنْحَة ومِحْنَة(4)، وقيلَ: ((يقال من الخَير أبلَيْتهُ إبلاء ومِنْ الشِرَّ بلوته بلاء))(5)؛ والمُراد به مقابل النّعمة بقرينة المقابلة والاستعاذة، وقَدْ حمد الله سُبحانَه بنعمة جليلة هي أنه رضي [عوضاً](6)عن نعمائه التي عجز العَادّوُن عن احصَائها بثمن میسُورٍ قریب التَناول لا يعدمه أحد لعمومة الموارد مع قلّة العوائق عن الوصول إلى واحد مِنْ افراده، ولا يصّد عنهُ رأساً في مقام الشّكْر، والاستِعَاذة حاجزٌ من الجاحدين(7)لعدم الاطلاع على الجنانِ، وقد عدَّ سُبْحانُه بفضلهِ الجَسيْم المُعترِف بالقصُور عن شُكْره شُکورا، والعالم بأنَّ الحَمدَ نعمة منه حامداً ورضى عن عَبْده وإن عظُمت النّعمة علَيْهِ بأنْ يقول: الحمدُ لله ربّ العالمین کما يظهرُ مِنْ الاخبار، وقّدم الحمد بجعله(8)ثمناً للنعماء؛ لأنّه سُبْحانه سَبقت رحمتُه غَضبَهُ، وعوّد عباده الابتداء بآلائه الجّمة.
ص: 112
((ووَسيلاً إلى جِنانِه وسَبَباً إلى زيادَة إحسانه)) الوسیل جمع وسيلة وهي ((ما يتقرب به إلى الغير))(1)، والجِنان بالكسر جَمع جَنّة وَهي ((الحديقة ذات النّخل والشجر))(2)، قيل: وسُمِّي دارُ النعيم في الآخرة جنّة من الاجْتنَان وهو الستر؛ لتكاثف أشجارها وتظليْلها بالتفاف(3)أغْصانَهِا(4)، والسبب في الاَصْل ((الحَبْلُ الذّي يتوصل به إلى الماءِ، ثم استعيْرَ لكلّ ما يتوصّل به إلى شيء))(5)، ولعلّه لما أورد الجِنان بلفظ الجَمْعِ اشعَاراً بكثرة [عطائه](6)سُبْحانه وسبُوغ جزائه، أورد الوسيل كذلك رعاية للمُناسبة، [وفيه](7)اشارة إلى عموم مَوارد الحمد وتعدد أصنافه وهذا من القرائن على إرادۃِ المَعنْى العرفي، وفي بعض النّسخ (وسبيلاً إلى جنانه)(8)وَهُوَ أوضح وكون الحمدِ سبباً إلى زيادة الاِحسَان مغاير لكونه ثمَناً للنّعماء کما هو ظاهر عند ذي فطرة سليمة. ((والصَّلاةُ عَلى رسُوله نبيّ الرَّحْمة، وإمام الأئمة، وَسِراجِ الأمّة)) المشهُور أن الصَّلاة من الله رحمة حقيقةً، وقیل مجازاً ومن غيره طلبها، أو من الملائكة الاستغفار، ومن المؤمنين الدّعاءِ، والنبي إنسان أوحي اليهِ بشرع أمر بتبليغه، أو لم يؤمر فإنَّ أمر فرسُول أيضاً، أو أمر بتبليغه وإن لم يكن له كتاب، أو نسخ
ص: 113
لبعض شرع من قبله، فإنَّ كان فرسُول أيضاً، وقيل: هما بمعنى الرّسول على الأوّل(1)والأنسب بالنسبة على الأوّل الاشهر(2)وإن كان تأخير الرّسول لكونه أخصّ إلاَّ أنّه لعله قدمه؛ لأنَّ الانباء(3)[المشتق منه النبي لغة بعد الامر](4)يكون بعد الاخبار(5)، وقيل: النَّبي من النَّبْوة(6)بفتح النون وسکون الباء أي الرّفعة(7)، لكونه مرفوع الرّتبة على غيره، وكونه (صلىّ الله عليه وآله) نبي الرحمة، لأنَّه قائد إلى الرشاد المؤدي إلى الجّنة والرضوان، مطبوع بخلقٍ عظیم مبعُوث بالحنيفة [السمحة](8)السّهلة التي تكاليفها أسهل ورخصها أكثر مرفوع عن أمته عذاب الاستئصال في الدنيا لعلوّ رتبته وعذاب النّار في الاُخرى عن عَصاتهم بشفاعته وقد قبل الجزية دُون من قبله وفي الكلام اشارة إلى قوله تعالى: «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ»(9)، والامام من يُقتدي به في أقواله وأفَعاله(10)، وقال سبحانه مخاطباً لإبراهيم (عليه السلام):
ص: 114
«قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي»(1)وهو (صلّى الله عليه واله) إمَام الائمة؛ لأنَّه شهيد على الأنبياء (عليهم السلام)، وآدم ومن دونه تحت لوائه، وسَراج الأمة لقوله تعالى: «وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا»(2). / و2 / (المنتجَب مِنْ طينة الكَرَم، وسُلالةِ المجْد الأَقدَمِ، ومَغْرِس الفَخار المُعْرِق، وفَرْع العلاء المُثْمر المورِق) المُنتَجِب [بالجيم](3)المختار و((الطينة: الخِلقة والجبلة))(4)، والسُّلالة بالضم: ما استُلَ من شيء(5)أي استخرج، وسلالة المجد فرعه كما أنَّ طينة الكرم أصله، والمجد ((الشرف الواسع))(6)، أو الشرف بالإباء، وقيل: إذا قارن شرف الذّات حسن الفعال سمِّي مجداً، وغَرًسَّ الشجر کَضَرَبَ أثبَته في الأرض، والفخار بالكسر المفاخرة، وبالفتح الفخر وهو ادعاء العظَمْ والشرف(7)، والتمّدح بالخصَالِ، والموجود في أكثر النسخ بالكسر، ومغرس الفخار من اتّصف بالشَّرف والمکارم(8)وإن لم يفتخر کما روى عنه(9)(صلى الله عليه واله) ((أنا سيد ولد آدم وَلا فخر))(10)،
ص: 115
ولعلّ في لفظ الغرس إيماء إلى ذلك والمعرق(1)الأصيل، و((فرع كلّ شيء أعلاَهُ))(2)، ويقال: ((هو فرع قومه للشريف منهم))(3)، والمراد التّشبيه بفرع الشّجر أي غصنه، والعلاء کَسماءِ الرّفعة، ويقال: عَلى فلان في الشرف یَعلی کرضى يرضى علاءً(4)، وأثمر الشّجر أي طلع ثمره، أو المثمر ما بلغ أن يُجني، وأورق الشجر أي خرج ورقهُ، ولعلَّ تأخير المورق لرعَاية السّجع مع أن الثمر مقدّم في الرّتبة على الوَرَق. (وعلى أهلِ بيته مصابيح الظُّلَم، وعِصَم الأمَم، ومَنَار الدِّين الْوَاضِحَة، ومثاقيلِ الفَضْل الرَّاجِحَة) المراد بأهل البيت فاطمة والأئمة (عليهم السّلام) وإن كان قد يطلق على [أصحاب الكساء](5)(عليهم السلام)(6)، والعِصَم جمع عِصْمَه وهيَ المنع والحفظ ويجمع العصَم على أعْصُمْ(7)وهي على أعصام وهم (عليهم السّلام) عصم [الامم](8)؛ لأنهّم يمنعُون الأمم ويحَفظُونهم عن الهلاك والضّياع بالهداية إلى طرق النّجاة، وبهم يفوز الفائزون بكرامة الله و[فضله](9)في الدّنيا وَالآخرة،
ص: 116
والمنار جمع منارة بالفتح فيهمَا وهي ((العَلامة))(1)، ومنار الحرم أعلامه التّي ضربت على أقطاره ونواحيه(2)و[أصلها](3)النور؛ ولذلك تجمع على مناور، ومن قال: منائر فقد شبه الأصلي بالزائِد(4)، فالوَجْه في تأنيث الواضحة واضح، و[المثاقيل جمع مثقال](5)وهو في الأصل ((مقدار من الوزن، أي شيء كان من قليل أو كثير))(6)، ومثقال ذرة: وزنها، ووصفها بالرّاجحة؛ لأنَّه لا يوازن بفضلهم فضل وقيل؛ لأنَّه إذا اعتبر فضل غيرهم ونسب بعضه إلى بَعْضٍ كانوا مثاقيل راجحة لذلك الفضل يعتبر رجحان بعضه على بعضٍ بالنسبة اليها وفيه ما تری.
(صلّى الله عليهم أجْمَعینَ، صَلَاةً تكونُ إزاءً لِفَضْلِهمْ، وَمكافَأَةً لِعَملِهِمْ، وكِفاءً لطيب فَرْعِهِمْ وأصْلِهِمْ، ما أنار فَجْرٌ سَاطِعٌ، وخَوَى نَجْمٌ طالعٌ) الإِزاء بالكسر المُحاذاة والمُقابلة، وفُلانٌ إِزاء لِفُلانٍ إذا كان (مقابلاً)(7)لهُ(8)، والمكافأة بالهمزة المجازاة والمُماثلة، وفلانٌ لا کِفاء له بالكسر أي لا نَظيرَ لَهُ(9)وهو في الاَصْل مصدر، وطابَ يطيبُ طيباً وطّيبةً أي: زکی، والطيب ضدّ
ص: 117
الخبيث، وأنار یکون لازماً ومتعدياً، وَالّسطوع الارتفاع(1)وسطوع الفجر في أوله قبلَ أن يَعتَرض، والتخصيْصِ للأولية، وخوی کرمی ((سقط))(2)، وطلعَ ظهر. (فإني كنتُ في عُنْفوان السنّ، وغضاضة الغُصْن ابتدأتُ بتأليفَ كتابٍ في خَصائِصِ الأئمة (عليهم السلام) يَشْتَمِل على محاسِن أخْبارِهِمْ، وجواهِر کَلَامِهِمْ حَدَاني عَلَيْه غرضٌ ذكرتُه في صَدْر الكتاب، وجعلتُه أمَام الكلام) الفاء جزاء الشرط في قوله إمّا بعد، وعنفوان كلّ شيء أوَّله(3)، وَالغَضاضَة بالفَتَح النّضارة والطَراوة(4)، وأغصان الشجّر أطرافُه مَا دَامت ثابته(5)فيهِ، والجَوْهر مُعَرَّب(6)کوهر، وحداني أي بعثني وحملني وهو من حدو الابل / ظ 2 / أي سوقها والغناء لها(7)وهو من أعظم البواعث على سوقها، (وفرغْتُ من الخصائِص التي تَخُصّ أميرَ المؤمنين عليّاً (عليه السلام)(8)، و[عاقتْ(9)عن إتمامِ](10)بقيَّة الكتابِ مُحاجزاتُ الأيّامِ، ومُماطَلَاتُ الزَّمان، وكنتُ قَد بَوَّبْتُ ما خرج مِنْ ذلك أبواباً، وَفَصَّلتُه فصولاً)، عاقني عن كذا أي صرفني وحبسني وعوائق الدهر الشواغل من أحداثة، والمحَاجَزة بالفتح
ص: 118
((الممانعة))(1)، والمماطلة بالفتح التّسويف بالعدة والديّن وأصله من المطل وهو مد الحديد ليطول(2)، وخرج من ذلك أي تم تأليفه كأنَّه كان قبل ذلك كامناً في بيت أو وراء ستر. (فجاء فِي آخِرِها فَصْلٌ يتضمّن محاسنَ ما نُقل عنه (عليه السلام) من الكَلاَم القَصیر، في المواعِظِ والحِكَمِ والأمثالِ والآدب؛ دُونَ الخُطَبِ الطَّويِلة والكُتبِ المبْسُوطة) الموعظة ذكر ما يلين القلب من الثواب والعقاب ونحوهما(3)، والحِكمة بالكسر العِلم(4)، والأمثال جمع مَثَل بالتّحريك وهو في الأصل النّظير، كمثل ومثيل ومثلها، شبَهَ وشِبهَ وشَبيهٌ، ويقال: المَثل للقول السائر المُمثل مضربه بمورده ولا يضرب إلا ما فيه غرابة ولذلك حوفظ عليه من التْغيیر، ثم استعير لكل حالٍ، أو قصّة، أو صفةِ لها شأن وفيها غرابة، والأدب بالتحريك حسن التناول وتعلم الكتب وغيرها، وأدَّبهُ أي علّمه، والخُطب جمع خُطبة بالضَّم قيل: ((هي الكلام المنثور المسجّع))(5)، ولعلّه تعريف بالأعم مطلقاً بل من وجه، وقيل: يختص في العرف بالتّذكير بایّام الله وأمر الآخرة وعذاب النْار ونحو ذلك، وقيل: يكون في الموعظة وفي النكاح، وقيل: ما يقوله الخاطب على المنبر والظّاهر عدم الاختصاص، والمراد بالكتب [ماکتب](6)إلى ملك أو أمير أو عاملٍ ونحو ذلك.
(فاستحسنَ جماعةٌ من الأصدقاء ما اشتمل عليه الفصلُ المقدمّ ذِكْرهُ
ص: 119
معْجَبین ببدائعِهِ، ومتعجِّبین من نواصِعه، وسألوني عِنْدَ ذلك أنْ اَبْتدِئَ بتأليف كتابٍ يحتوي على مُخْتَارِ كلامِ أمیر المؤمنین (عليّهِ السّلام) في جميعِ فُنونه، ومتشعِّبات غُصونه، من خُطَبٍ وكُتب، ومواعظَ وأدبٍ) استحسن الشيء أي عدّه حسناً، ومُعجَبِين ببدائعه [بفتح الجيم](1)على صيغة اسم المفعُول من قولهم: اعجب فلان برأيه وبنفسه فهو مُعْجَب بهما إذا صارا عنده محلاً(2)؛ لأن يتعجّب منهما، والاسم منه العُجب بالضمَّ، وعجبت من كذا وتعجبّت واستعجبت على صيغ المعلوم بمعنی، وفي بعض النسّخ ([معجّبين](3)ببدائعه) بالتشديد على صيغة الفاعل أي أنهم يعجبّوُن غيرهم بها، والناصع من كل شيء الخالص(4)، يقال: ((أبيض ناصع))(5)، ((ونصع الأمر: وضح))(6)والفُنُون(7)الأنواع جمع فن، وأما الفَنَنُ بالتحريك بمعنی الغُصْنُ فَجَمْعُهُ أَفْنَان ثم أفانين(8)، والتشعب کالانشعاب التفرق، يقال: انشعبت الطريق، وأغصَان الشجرة وتشعبت(9)ورويت الكلمة بهما؛ (عِلمًا إنّ ذلك يتضمّن من عَجَائب الْبَلاغةِ، وغَرَائبِ الْفَصَاحَةِ، وجواهِر العربية، وثواقبِ الکَلِم الدينية والدُّنياوِية؛ مالايوجدُ مجتمعاً في كلامٍ، ولا مجموع
ص: 120
الأطراف في كتابٍ) علماً مفعول له لقوله: (سألوني) أو مصدر سّد مسد الحال أي عالمين، والجوهر ((كل حجر يستخرج منه شيء ينتفع به))(1)، ومن كل شيء ما وضعت(2)عليه جبلته(3)، وثواقب الكلم شرائفه شبهت بالشهاب الثاقب / و3 / الذي يثقب الظلم بنوره کما قيل، وفي بعض النسخ (یواقیت الكلم)(4)، وهي أنسب بالجواهر بالمعنى الأول، ولعل المراد بعدم کون کتاب جامعاً لأطرافها عدم اشتمال کتاب من کتب العربية على الضوابط الجامعة لها وهو مغایر لاشتمال كلام عليها (إذْ كانَ أمرُ المؤُمنين (عليه السّلام) مشرع(5)الْفَصَاحَة ومَورِدَها، ومَنْشَأ الْبَلاَغَةِ ومَوْلِدها؛ وَمنه (عَليه السّلام) ظهرت مَكْنُونُها، وعنه أخِذَتْ قوانينُها، وعلى أمثلتهِ حذا كلّ قائِل خطيبٍ، وبکلامِه استعان كلّ واعظٍ بليغ) المشرع الطريق إلى المَاء للعطشی(6)مرادف للمورد، أو قريب منه، فلو قال: ومصدرها والصدر رجوع الشاربة بعد الترويِ(7)لكان أحسن، ولعله راعى السجع والتأنيث في (ظهرت) لكون المكنون من جملة(8)ما اضيف اليها، و(الأمثِلة) بكسر المثلثة(9)جمع مِثال بالکسر،
ص: 121
وحذا على مثاله أي اقتدى به واقتفى أثره(1)، والمراد بالخطيب الفصيح لا كل خطیب [ويناسبه وصف الواعظ بالبليغ](2)، وإن كان نوع من التعميم فيه غير مضر (ومع ذَلك فقد سَبَق وقصّروا، وتَقَدّم وتأخّروا؛ لأنّ كلامه (عليه السّلَام) الكلامُ الذي عليه مَسْحةٌ من العلم الإلهيّ، وفيه عَبقْةٌ من الكلام النبوي) المراد أن كلامه (عليه السّلَام) مع التقدم على كل كلام في الإمامة لاقتفاء(3)البلغاء أثره فائق على كل كلام في الاحتواء على عجائب البلاغة وغرائب الفصاحة ولم يبلغ(4)المقتفون أثره، ويقال: عليه مسحة من جمال أي أثر، وعبقه من مسك أي رائِحة بالفتح فيهما، والعبق ((لزوق الشيء بالشيء))(5)، ورجل عبِق بكسر الباء إذا تطيَّب بأدني طيب فبقی ریحه أياماً(6). (فأجَبتُهم إلى الابتداءِ بِذَلِكَ، عالماً بما فيه من عَظِيمِ النَّفْعِ، وَمَنْشُور الذِّكْرِ، ومَذْخُورِ الأجْرِ واعتمدتُ بِهِ أن أبیّن عن عَظِيم قَدْر أمر الْؤُمِنیْنَ (عَليهِ السّلام) في هذِهِ الْفَضِيلةِ، مُضَافةً إلى المحاسن الدّثِرة، والفَضائل الجمّة) مذخور الأجر ما يصل أجلا كما ينتفع بالذخيرة بعد حين، أو عظيم الأجر؛ لأنَّه لا يدخر إلا النفيس المختار. واعتمدت أي قصدت، والدَثرة بالفتح الكثيرة يقال: له مال دثر، ومالان دثر، وأموال دُثُر(7)، والجمة بمعناها
ص: 122
والجموم هو الاجتماع والكثرة(1). (وأنّه انْفَرَدَ ببلوغ غايَتِها عن جَميع السَّلَفِ اْلأَوَّلینَ الَّذِينَ إِنَّما يُؤثَرُ عَنْهُمْ مِنْهَا القليلُ النَّادِرُ، والشَّاذّ الشارِدُ؛ فأمّا كلامُه
(عَليّه السَّلام) فهو الْبّحْرُ الَّذي لا يُساجَل، والجمّ الذي لا يُحَافَل، وأردْتُ أن يسوغَ لِي التمثُّل في الافتخار بقول الفَرَزْدَق(2):
أُولئِك آبائي فَجِئْنِي بمثْلِهِمْ ٭٭٭ إِذَا جَمَعَتْنَا يَا جَريرُ المَجَامِعُ(3)
تقييد الاوّلين ليس للتخصيص [بل](4)لبيان العّلة، وَيؤثر أي ينقل، والشاذ الخارج عن الجماعة(5)، وشرد البعير إذا نفر وذهب في الأرض، ولا یُسَاجَل بالجيم على صيغة المجهول كما في أكثر النسخ أي لا يُغالب في الامتلاء وكثرة المَاء من السجل وهو الدلو الملأى ماء(6)، وفي بعضها (لا يُسَاحِل(7)
ص: 123
بالحاء المهلة [أي](1)لا يؤتي ساحله، وقيل: لا يشابه في بعد الساحل، وهو بعيد، ولا يحافل أي لا يغالب في الكثرة، يقال: ضرع حافل أي ممتلئ كثير اللبن(2)، ويسوغ أي يجوز، والتمثل بالبيت انشاده في مقام ضرب المثل أي أردت أن يصدق تمثلي، بل أن يظهر صدقي عند الناس إذا تمثلت بالبيت مفتخراً، وما ذكره بعض الشارحين(3)من أن قوله: (يسوغ لي التمثل) مجاز في الاسناد، فإنّ السوغ حقيقة في الشراب فإسناده إلى التمثل مجاز ووجه العلاقة أنّ التمثل بمَا يريد إذا حسن بين الناس كان لذيذاً عنده فأشبه في لذاذته، وجريانه بين النّاس الماء الزلال / ظ 3 / في لذاذته، وسهولة جريانه في الحلق، فتكلف مستغنى عنه. (وَرأيت کلامهُ (عليهِ السَّلام) يدورُ على أقطاب ثلاثة: أوّلها الخُطَب وَالْأَوامِر، وثانِيها الكُتُب والرَّسَائلُ، وثَالِثُها الْحِكَم والمواعظ؛ فَأجْمَعْتُ بتوفِيقِ الله تَعالى على الابْتِداءِ بِاخْتِيارِ مَحَاسِنِ الخُطَبِ، ثُمَّ
مَحَاسِنِ الْكُتُبِ، ثُمَّ محاسِن الحِكَم وَالأدَبِ، مُفَرِداً لكلّ صِنْفٍ من ذلك باباً، ومُفَصِلاً(4)فيه أوراقاً لتكونَ لاستدراكِ ما عَسَاهُ يشذّ عَنِّي عاجِلًا، ويَقَعُ إليّ آجلا) القُطب قُطب الرّحى مثلثة(5)القاف والمعروف بالضم، وقد مَرَّ
ص: 124
تفسير الخطبة وَأخواتها، وأجمعت الأمر وعلى الأمر أي (عزمت عليه))(1)، وأحكمت النية نصّ عليه (الجوهري)(2)، وقول بعض الشّارحين: ((تقديره: أجمعت عازماً على الابتداء))(3)ممالا حاجة اليه، وقوله: (لتكون) يحتمل(4)أن تكون(5)تامة وناقصةً بتقدير الخبر، واستدركت الشيء حاولت ادراکه، وشَذَّ يَشُذُ وَيشِذُّ انفرد عن الجمهُور وندر، وعسى يستعمل في الطّمع والاشفاق(6)؛ فبالنظّر إلى الجزء الثّاني من الكلام من الأوّل، والى الأوّل من الثّاني. (وإذا جاء
ص: 125
شيءٌ من كلامهِ الخارجِ في أثناءِ حِوارٍ، أو جوابِ(1)، سؤال(2)، أو غرضٍ آخرَ من الأغراض في غَیْر الأنحاء التي ذكرتُها، وقرّرتُ القاعدةَ عليها، نَسَبْتَهُ إلى ألْيَق الأبواب بِهِ، وأشدَّها ملامحةً لغَرَضِهِ) أثناء الشيء ومثانيه تضاعيفه(3)جمع ثنِي بالكسر، والحِوار بالكسر مراجعة النطق کالمحاورة، ونسبته أي ضممته، والملاحة المشابهة، ويقال: ((فيه ملامح من أبيه أي مشابه))(4)، وفي بعض النسخ (ملاحمة)(5)أي ملائمة. (وربّما جاء فيما أختارُه من ذلك فصولٌ غيرُ مُتّسقة، وَمَحَاسنُ كَلِمٍ غير مُنتظمة لأنَّي أورِدُ النُّکَت واللُّمَعَ، ولا أَقصِد التَّتَاليَ والنَّسَقَ) اشار إلى حذفه بعض الكلمات مما يرويه من الخطب وغيرها؛ ولذلك ترى كثيرا منها كعقد [...](6)أنفصم نظامه، والنُكَتْ جمع نُکته بالضم فيهما وهي النقطة مأخوذة من النَكت بالفتح وهو أن تضرب الارض بقضيب فتؤثر فيها(7)، واللُمع جمع لمُعة بضمّهما وهي لغةً: قطعة من النَّبتْ(8)إذا أخذت في اليبس وصار(9)لها بیاض(10)وأصله من اللمعان وهو
ص: 126
الاضاءة والبريق؛ لأنّ البقعة من الأرض ذات الكلاء المذكور كأنّها تضيء دون سائر البقاع وعدى ذلك إلى محاسن الكلام وبليغه لتميزه عن سائر الكلام، فكأنه في نفسه ذو ضياء وتستنير(1)الأذهان به، [و](2)[تتالت الأمور تلا بعضها بعضاً](3)[وفي بعض النسخ التوالي](4)، والنَسَق محركة ما جاء من الكلام [وغيره](5)على نظام واحد[...](6)وتتالت الأمور وتلا بعضها بعضاً، والمتسق المنتظم.
(ومِنْ عجائِبه (عليّهِ السَّلام) التَّي انفرد بها، وأَمِنَ المشاركةَ فيها؛ أنّ كلامَه الواردَ في الزّهد والمواعظ والتَذكير والزَّواجر إذا تأمَّله [المتأمّل](7)، وفكّر فيه المُفَكّر، وخلعَ من قلبهِ أنّهُ كلامَ مثلِه، ممَّن عَظُم قَدْرُه ونفَذ أمرُه، وأحاطَ بالرّقاب مُلْكه، لم يعترضْه الشكّ في أنّه من كلامُ مَنْ لاحظّ له في غيرِ الزّهَادة، ولا شُغْلَ له بغيرِ العِبَادة، [...](8)قد قَبَع في كِسرْ بيتٍ، أو انقطع إلى سَفْح جبلٍ، لا يَسْمعَ إلا حسَّه، ولا يَرى إلا نفسَه).
ص: 127
((الزّهد: خلاف الرّغبة))(1)، يقال: زَهَدَ في الشيء [وعن الشيء](2)زُهداً بالضم وزَهادةً بالفتح، وقيل باختصاص الزُّهْد بالدينِ وَالزَّهادةُ بغيرهِ(3)، والموعظة / و4 / ذكر ما يلين القلب کما مرَّ، والتذكير [ذكر](4)ما يرفع الغفلة من الامور المعلومة كذكر الموت ونحوه، والزواجر الموانع عن العمل بمقتضى الشهوة والنسبة بين الامور المذكورة في الصدق عموم من وجه، والمُلك في النسخ بالضم والكسر [وهو بالكسر اسم من مَلَكَه مُلْكاً كضرَب فهو مالك وبالضم اسم من مَلَكَ على الناس أمرهم إذا تولى السلطنة فهو ملك و الثاني أنسب](5)، والحظ النصيب، وقَبَعَ الرجل کَمَنَع إذا ادخل رأسه في قميصه وقبع القنفذ إذا أدخل رأسه في جلده(6)، وکِسر البيت بالكسر أسفل شفة البيت التي تلي الأرض من حيث یکسر جانباه من عن يمينك ويسارك ذكره الجوهري عن ابن السكيت(7)قال: ومنه قيل: فلان مکاسري
ص: 128
أي جاري، وکسر بيته إلى جانب کسر بيتي(1)، وقال في العين: ((الكَسُرْ والكِسْرُ، لغتانِ: الشُّقّةُ السُّفْلَی من الخِباء ومن كلّ قُبّة، وغشاءُ يُرفع أحياناً ويرخى حتى يقال لناحيتي الصَّحراء: كِسْراها))(2)، وسفح الجبل أسفله حيث يسفح فيه الماء [أي سيل عليه الماء](3)من أعلاه(4)، والحِسّ بكسر الحاء والحسيس ((الصوت الخفي))(5)والضمير في يسمع وحسه راجع إلى من أي: لا يسمع إلاَّ صوت نفسه لانقطاعه عن الخلق وعدم التفاته اليهم.
(ولا يكاد يوقِن بأنّه كلامُ مَنْ يَنْغَمِس في الحرب مُصْلِتاً سيفَه، فيَقُطُّ الرّقابُ، ويُجَدِّلُ الأبطالَ، ويعودُ به يَنْطُفُ دماً، ويقطُر مُهَجاً؛ وهو مع تلك الحالِ زاهدُ الزّهاد، وبَدَلُ الأبْدَال. وهذِه من فضائله العجيبة، وخَصائصه اللّطيفة، التي جَمَع بهابين الأضْداد، وألّف بين الأشْتَات، وكثيراً [ما](6)أذاکِرّ الإخوان بها، واستخرجُ عَجَبُهم منها؛ وهي موضع للعِبْرَة بها، والفِكْرَة
ص: 129
فيها). الغمس في الشيء الدخول فيه والخوض، وأصله المقل في الماء(1)، وأَصْلَتَ سَيْفَهُ جَرَّدَهُ مِنْ غَمْدِّهِ(2)، والقطّ ((فصل الشيء عرضاً))(3)ومنه قط القلم، قال الجوهري في الحديث: كان سيف علي (عليه السلام) إذا اعتلى، قد، وأن اعترض قط(4)، وفي النهاية: اذا توسط قط(5)، والقدّ هو ((القطع طولاً))(6)، وقال بعض الشارحين: القطّ هو القطع طولًا(7)وهو سهو، ويجدل الأبطال [بالتشديد](8)أي يلقيهم على الجدالة وهي كسحابة: ((الأرض))(9)، وقيل [ارض](10): ((ذات رمل))(11)[رقيق](12)، وفي الحديث: ((أنا خاتم النبيين في أم الكتاب وإن آدم لمنجدل في طينته))(13)، والبَطّل محركة: الشجاع، لأنَّه يبطل جراحته فلا يكترث لها(14)، أو لأنَّه تبطل عنده دماء(15)
ص: 130
الاقران، والنطفة الماء الكثير والقليل وهو بالقليل أخصّ(1)، وقد نَطًفَ الماء يَنْطُف وَيَنْطِف بالضم والكسر إذا قطرَّ قليلاً [قليلاً](2)، و((المُهجة: الدم))(3)، وقيل: ((دم القلب خاصة))(4)، ويقال: خرجت مهجته إذا خرج روحه، ولو كان المراد بالمهجة القلب(5)كان نسبة القطر اليها مجازا، والمراد بالابدال ((الزُّهاد))(6)، و((العُبَّاد)(7)، وبالأشتات الاوصاف المتفرقة(8)، واستخرج عجبهم بالتحريك، وفي بعض النسخ (تعجبهم) أي استخرجه من القوة إلى الفعل بالتنبيه على غرابة هذه الخصلة قيل: وروی (عُجْبهم) بالضم من قولهم: أُعجِب فلان برأيه وبنفسه، فهو مُعجب بهما(9)، أي اذاکرهم بها لتظهر محبتهم لها وميلهم اليها، وقيل: ((واستخرج عجبهم، أي أعرفهم أنهم عاجزون عن أمثالها فلا يبقى لهم حينئذٍ عجب بأنفسهم منها أي من أجل معرفتها))(10)، والبعد فيهما واضح والموجود في النسخ الصحيحة الأولان، والعِبرة بالكسر [في الأصل](11)ما يتعظ به الانسان ويعتبره؛ ليستدل به
ص: 131
على غيره(1)، والمراد اعتبارها بالتفكر فيها والاستدلال بها على عظم قدره (عليه السلام) (وربّما جاء في أثناء هذا الاختيار اللفظُ المردّد، أو(2)المعنى المكرّر؛ والعُذْر في ذلك أنّ روایاتِ کلامه (عليه السلام) تختلفُ اختلافاً شدیداً، فربّما اتّفق / ظ 4 / الكلامُ المختار في روايةٍ فَنُقِلَ على وجهه، ثم وُجِد بعد ذلك في روايةٍ أخرى موضوعاً غير وضْعِه الأوّل؛ إمّا بزيادة مختارة، أو لفظ أحسنَ عبارة؛ فيقضي(3)الحال أن يعاد؛ استظهاراً للاختيار، وغَيرْةً على عقائل الكلام). اللفظ المردد وهو المكرر، والمعنى المكرر ما أعيد بلفظ آخر والاختلاف في الروايات أما لتكرر صدور الكلام عنه (عليه السلام) في كل مقام بلفظ خاص، أو لسهو الرواة وعدم اهتمامهم بالرواية على وجهها، أو لنقلهم بالمعنى، أو نقل بعضهم إياها كذلك، و((الظهير: المعين))(4)واستظهر به أي استعان به واستظهر له أي استعان بغيره لحفظه واستظهر عليه أي بغيره لدفعه، ((والغَیْرَة بالفتح مصدر قولك: غَارَ الرَّجلُ على أهلهِ يَغار غَیْراً وَغَاراً))(5)، وهي حمية تعرض عن تخيل مشاركة الغير في أمر مرغوب، والعقائل جمع عقيلة ((وهي في الأصل المرأة الكريمة النفيسة))(6)، ثم استعمل في النفيس الكريم من كل شيء من الذوات والمعاني(7)وسيجيء
ص: 132
في كلامه (عليه السّلامَ) قوله المختص بعقائل کراماتك.
(وربَّما بَعُدَ العهد أيضاً بما اختیر؛ أوّلا؛ فأعيد بعضُه سهواً أو نسياناً، لا قَصْداً أو اعتاداً. ولا أدّعِي مع ذلك إني أحيطُ بأقطارِ جميع كلامِه؛ حتى يشِذّ
عنّي منه شاذّ، ولا ينِدّ نادٌ، بل لا أبعِد أن يكون القاصِرُ عنّي فوق الواقع اليّ، والحاصلُ في رِبْقتي دونَ الخارج من يديّ؛ وما عليّ إِلا بذلُ الجهد، وبلاغ الوسع، وعلى الله سبحانه نَهْج السبيل، ورشاد الدليل إن شاء الله). السهو، الغفلة، والنسيان خلاف الحفظ وهما مترادفان، أو النسيان ذهاب الصورة عن الخزانة أيضاً والاعتماد هو القصد والأنسب بتغایر حرفي العطف التغاير في الاولين، والأَقطار جمع قُطر بالضم وهو الجانب والناحية(1)، ويَشِذُّ في النسخ بالكسر، ويجوز فيه الضم أي يذهب عني، ونَدَّ البعيرُ کفرَّ وشردَ وذهبَ على وجهه(2)والتعبير بالوقوع للتشبيه بالطائر ودون نقيض فوق، والمراد عدم الاستبعاد من قلة ما ظفر به، والجُهد بالضم ((الوسع والطاقة))(3)، وبالفتح ((المشقة))(4)وقيل: ((للمبالغة والغاية))(5)، وقيل: ((هما لغتان في الوسع والطاقة فأما في المشقة والغاية فالفتح لا غير)) (6)والمضبوط في النسخ على تقديره بالضم وفي بعضها الجِدّ، والنَّهْج بالفتح الوضوح والايضاح يقال:
ص: 133
((اعمل على ما نهجته لك))(1)، و((الرَّشاد خلاف الغي))(2)، وفي الكلام تسامح. (ورأيت من بعد تسميةَ هذا الكتاب ((بنهج البلاغة))؛ إذْ كان يَفتح للناظر فيه أبوابها، ويقرّب عليه طِلابَها، وفيه حاجة العالِم والمتعلم، وبُغيه البلِيغ والزاهد). النَّهْج بسكون الهاء ((الطريق الواضح))(3)ويكون بمعنی الوضوح والايضاح أيضا کما تقدم، والأول في التسمية أوضح، وأما النَّهَجُ بالتحريك فهو تواتر النفس من شدة الحركة أو فعل متعب(4)، والضمير في أبوابها و(طلابها) راجع إلى البلاغة، والطِلاب كکِتّاب المطالبة، والبِغية بكسر الباء وضمها مصدر قولك: بغيتها بغيه إذا طلبته وبمعنی ما یبتغی ویراد(5).
(ويمضي في أثنائه من عجيب الكلام في التَّوْحيد والعدل، وتنزيه الله سبحانه عن شِبْهِ الخلْق، ما هو بِلال كلّ غُلّة، وشِفاءِ كُلّ عِلَّة، وجِلَاء كلّ شبهةٍ). الشبه بالتحريك المشابهة، والبلال مثلثة(6)ما يبل الحلق من ماء أو لبن(7)أو غيرهما، وفي النسخ بالفتح والكسر(8)، والغُلة بالضم ((حرارة
ص: 134
العطش))(1)، والجِلاء بالكسر ازالة ما يعرض للسيف ونحوه من الكدر / و5 / والمراد جلاء الذهن عن كدر الشبه. (ومِنَ الله سبحانه استمدّ التوفيق والعِصْمة، واتنجّزُ التّسديد والمعونة، واستعيذه من خطأ الجَنَان قبل خطأ اللّسِان، ومِنْ زَلَة الكلِم قبل زلّة القَدَمِ، وهُو حَسْبِي وَنِعْمَ الوَكيلُ) استنجز الحاجة وتنجزها استنجحها(2)والعدة سأل انجازها أي احضارها و(الخطأ)(3)بالتحريك و(الخطاء)(4)بالمدّ أيضا ضدّ الصواب، وفي النسخ بالقصر، والجَنان بالفتح ((القلبُ))(5)و((الروّح))(6)وتقديم الجنّان لكون خطائه أفحش وأعظم، وكذلك زَلْة الكلم من [زلة](7)القدم، فإنَّ زلة اللسان قد لا ينهض صريعها، ولا يقال: عثرتها وهو حسبي أي محسبي وكافِيَّ، (ونعم الوكيل) معطوفٌ أما على جملة (هو حسبي) بتقدير المعطوفة [أما](8)خبرية بتقدير المبتدأ وما يوجبه أي مقولٌ في حقّه ذلك، أو بتقدير المعطوف عليها انشائية، أو على خبر المعطُوف عليها خاصة، وقيل الواو معترضة لا عاطفة مع أنَّ جماعة من النحاة(9)اجازوا عطف الانشائية على الخبرية وبالعكس واستشهدوا عليه بآياتٍ قرآنية وشواهد شعريّة ومن الله العصمة والتأييد.
ص: 135
الاختيار من كلامه (عليه السلام)؛ لكون بعض الكلمات في نظره أوفق بغرضٍ، أو أنْسبْ بمقام، أو لغرابة ظَنَّها في بعضها ونحو ذلك، ولكن لا يخلو من(1)سوءِ أدَب وفيه تفويت لكثير من الفوائد التي لا تَقتَبَس إِلَا مِنْ أنوارِهم (عَلَيهم السّلام)، وسأذكر(2)في شرح کل کلام إن شاء الله ما ظفرت به من تتمة الكلام(3)، أو ما يناسب المقام وعلى الله التوكل وبفضله الاعتصام (ويدخل في ذلك المختار من كلامه الجاري مجرى الحطب في المقامات المحصورة والمواقف المذكورة (و)(4)الخطوب الواردة). قد مَرَّ تفسير الخطبة في شرح الخطبة، والمَقامة بالفتح المجلس يجتمع اليه النّاس ويكون بمعنی الجماعة(5)، والمحصورة بالصّاد المهملة [كما في كثير من النسخ](6)المعدودة
ص: 136
فيناسب المذكورة، وبالمعجمة أي التي يحضرها النّاس، فيناسب المَقامات بالمعنى الأوّل، ويمكن أن يراد بالمذكورة ما اشتهرت في الألسُن وذُکِرَتُ بينَ النّاس لا في الكتابِ، والخُطُوب بالضم جمعُ خُطب بالسّكون وهو الأمر الذي يقع فيه المخاطبة والشّأنْ والحالُ، والواردة أي السّانحة والحادثة.
((الْحَمْدُ للهِ الَّذِي لاَ يَبْلُغُ مِدْحَتَهُ الْقَائِلونَ). الحَمْدُ في المشهور هو الثناء على الجميل الاختياري من نعمة أو غيرها(1)، والمدح هو الثناء على الجميل مطلقا، والشكر مقابلة النعمة قولاً وعملاً واعتقادا، فالحمد أعم من الشّكر متعلقاًة وأخصّ مورداً، والمدح أعم منه مطلقاً ومن الشّكر من وجه ونقيض المدح الذمّ وَالشّكر الكفران(2)، وقيل الحمد والشكر مترادفان، وهو الظاهر من كثير من الاخبار، وقيل بترادف الحمد والمدح أيضاً، وهو الاظهر من كلامه (عليه السّلاَمُ) في هذا المقام، ثم أنه (عليه السّلاَمُ) اعترف أولاً بالعجز عن القيام بالحمد في الحامدين لكونه(3)أكمل الأفراد کما ورد في الخبر(4)، وأبلغ في المقام، والمِدحة بالكسر الهيأة التي يكون المادح عليها في مدحه
ص: 137
والاضافة للاختصاص الخاص أي المِدحة اللائقة بجلاله وعزّه والمراد عجز كل واحد / ظ 5 / من القائلين وقد اعترف به سیّد الحامدين (صلى الله عليه وآلهِ الطاهرين)، أو [المراد عجز الجميع](1)(وَلَا يْحُصىِ نَعْمَاءَهُ الْعَادُّونَ)، وفي بعض النسخ (نِعمهُ)(2)، قال بعض الشّارحين: ((الاحصاء انهاءُ(3)العد، والاحاطة بالمعدود وهو من لواحق العدد ولذلك نسبه إلى العادين))(4)، وفيه تأمل؛ إذ الفرق بين العدْ والاحصاء وإن كان مناسباً للآية ولقوله (عليه السّلاَم) لكنه يخالف قول اللغوييّن صرح به الجوهري(5)وغيره(6)، ويؤيده ظاهر قوله تعالى: «لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا»(7)وقيل أحصاهم(8)أي قهرهم بقدرته، وعدّهم أي أحاطَ بهم علماً، ويكون معنى العدّ على هذا التّفسير قريباً مما زعمه معنى الاحصاء، وفي التبيان عن (الزّجاج)(9)في
ص: 138
قوله تعالى: «وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا»(1)انَّه جعل عدداً بمعنى المصدر(2)، وقال: ((تقديره: واحصى كلَّ شيء إحصاءً))(3)، وكلام غيره من المفسرّین كالصّريح في عدم الفرق، ثم الظّاهر أن عدّ جملة لا يصدق حقيقة بدون الاحاطة بها طُرَّاً فالإحصاء مرادف للعَدِّ، والمراد والله [تعالى](4)يعلم انه لا يُعَدُ نعماءه الذّين شأنهم العدّ والاحصاء، أو المتعرضّون لهذا الخطب الجسيم، أو العَادّون لها في الجملة على التجّوز وينبغي حمل الاِحصاءِ على الاحاطة العلمية حتى يكون اقراراً بالقصور عن الشكر الجناني بعد الاعتراف بالعجز عن اللّساني، كما أنّه ينبغي حمل قوله (عليه السّلَامُ)، (ولاَ يُؤَدِّي حَقَّه الْمُجْتَهِدُونَ) على التقصير في الوظيفة الأركانية. (الَّذِي لاَ يُدْرِكُهُ بُعْدُ الْهِمَمِ، [ولا](5)يَنَالُه غَوْصُ الْفِطَن(6)). همّ بالأمر إذا عزم عليه والهِمة ما هُمّ [به](7)من أمرٍ والقصد والارادة وبعدُها تعلّقها بعليات الأمور، والنّيل الوصُول والاصَابة(8)والغوص الخَوضُ في الماءِ، والفِطَن بكسر الفاء وفتح الطاء جمع فِطنة بالكسر وهي الحذقة وجودة استعداد الذهن لتصور ما يراد
ص: 139
عليه(1)والاسناد إلى البعد(2)، والغوص للمبالغة، والنّص على قصور ما هو في الحقيقة مناطُ النيْل والادراك، والغوص يتضمن تشبیه حركة الاذهان بنزول الغواص في الماء فيقابله ما قبله أي لا يصل اليه الاذهان في حركتها بأي جهة كانت (الَّذِي لَيْسَ لِصِفَتِهِ حَدٌّ مَحْدُودٌ، وَلاَنَعْتٌ مَوْجُودٌ، وَلا وَقْتٌ مَعْدُودٌ، وَلاَ
أَجَلٌ مَمْدُودٌ.) الصفة تكون(3) مصدراً تقول: ((وصفتُ الشيء وصفا وصِفةً))(4)صرح به الجوهري، ويطلق على المعنى المصطلح بين النحاة(5)وما يقَربُ منه، والحدُّ في اللّغة ((المنعُ))(6)والحاجزُ بين شيئين، ومنتهى الشيء(7)، وفي عرف المنطقيين التعريفُ بالذاتي(8)، والنعتُ: الوصفُ بما فيه حُسْنٌ، ولا يقالُ في القبيح إلاّ بتكلْف(9)، والوصف أعم، و((الوقتُ المقدارُ من الدّهرِ وأكثر ما يستعمل في الماضي))(10)، والاجل ((غاية الوقت))(11)، و ((مدةُ الشيء))(12)، قال
ص: 140
الشارح [عبد الحميد بن أبي الحديد](1): المراد بالصفة هاهنا كنهه وحقيقته، أي ليس لكنهه حدٌّ فَيُعْرَفُ بذلك الحدَّ قياساً على الأشياء المحدودة؛ لأنه ليس بمركب، وكُلّ محدود مرکبٌ(2)، والمراد بالنعتُ الموجود: الرسم أي لا يُدْرَكُ بالرسم کما يُدْرَكُ الاشياء برُسُومها وهو أن يعرفّ بلازم من لوازمها، وصفة من صفاتها، وقوله (عليه السّلَامُ): (وَلا وَقْتٌ مَعْدُودٌ، وَلا أجَلٌ مَمْدُودٌ.) فيه اشارة إلى الردّ على من قال: إنا نعلم کنه الباري سبحانه في الآخرة فإن القائلين برؤيته سبحانه في الاخرة يقولون: انا نعرف حينئذ کَنهه فردّ (عليه السّلاَمُ) قولهم وقال: إنه لا وقت أبدا يُعرَفُ فيه حقیقته، وكَنهه وهو الحق؛ لأنَّ الرؤية تستلزم(3)کونه تعالى في جهة وفيه من البُعْد والتكلّف ما تری، وقال بعض الشارحين: المراد [ليس](4)لمطلقِ ما (تعتبره)(5)عقولُنا و6 / له من الصفات السّلبية والاضافية نهايةٌ معَقولَةٌ يقِفُ عندها فيكون حدّاً له، وليس لمطلق ما يوصفُ به أيضاً وصفٌ موجود يجمعه فیکون نَعْتاً لَهُ، ومنحَصِراً فيه(6)قال: وأما وصفه الحدْ بالمحدودِ فللمبالغة على طريقة قولهم: شعرٌ شاعرٌ، وقيل: معنى قوله: ((ليس لصفته حدٌ)) أي ليس لها غايةٌ بالنسبة إلى متعلقاتها كالعلم بالنسبة إلى المعلومات، والقدرة بالنسبة إلى
ص: 141
المقدورات(1)(انتهى). ويمكن أن يقال: لعل المراد بالصفة المعنى المصدري، وبالحدّ النهاّيات والاطراف وهو الأظهر في كثير من الأخبار ویُحملَ النعّت الموجود على الصفات الزائدة كما قاله الاشاعرة، والوقتُ على الزمّانِ المنتهي في البداية، واَلأجلُ على المتناهي في النهاية ويكون اللام في قوله (عليه السّلَامُ): ((الَّذِي لَيْسَ لِصِفَتهِ حَدٌّ)) مثلها في قولك: ليسّ لي لإكرامه درهمٌ، وتوصیفُ الحدَّ بالمحدود على المبالغة، أو المراد بمحدودية الحدّ معلومِيتَهِ، واحاطَة الذّهن به، أو لكون بعض الحدود محدوداً ببعضِهَا کالسطح بالخَطِّ، وتوصيفُ النعّت بالموجود للدلالة على جواز وصفهِ سبحانَهُ بالسُّلوبِ والاضافاتِ، أو الموجود بمعنی ما وصل(2)اليه العقول ووجد كنههَ وتوصيف الوقت بالمعدود بالنظر إلى الاجزاء کالساعاتِ والسّنين اِشْعاراً بأنَّه سبحانه لا يوصفُ بما يعرضه العدمُ والتناهي وتوصيفُ الاجل بالممدودِ أي إلى حد معينٍ ایماءٌ إلى ذلك، أو لأنَّ المعدود والممدود يعرضهما المقدار فلا يوصف سبحانه بهما ویکون حاصل المعنى أنه تعالى لا يوصف بصفات الأجسام من الحدود، والاطراف، ولا بالنعوت الزّائدة، ولا بالأوقات والآجال، ويحتمل أن يراد بالحد التعريف بالكنه، وبالنّعت الرسّم وأن يحمل الوقت على الماضي، والأجل على الآتي أي لا يوصف سبحانه بذاتي ولا عرضي ولا بالوجود في زمانٍ مَضى أو سَيَأتي. (فَطَر الْخَلائِقَ بِقُدرَتِهِ،) ((الفَطْر: الابتداءُ والاختراعُ))(3)وأصله ((الشَّقُ))(4)،
ص: 142
وقال ابن عباس(1): ((ما كنت أدري ما فاطرُ السموات والأرض حتى احتَكَمَ اليَ اعرابيّان في بئرٍ فقال أحدهما: أنا فَطَرتُها أي ابتَدأتُ حفرهَا))(2)، والمفطورُ على الاصل أما عَدَم الشيء كأنَّه انشَقَّ فخرج منه الشيء فيكون المضاف محذوفاً، أو [هو](3)نفسَه أي انصَدَعَ فظهر منه آثارُ(4)الوجودِ، وهو أما التكوين عن العدمِ المُحَضِ كما قيل أو يَعُّمَهُ، وغيره کایجادِ الصّوُرة وما یُشاكلُها (وَنَشَرَ الرِّيَاحَ بِرَحْمَتِهِ)، نَشَرَهُ بَسَطَهُ، والريُح يجمع على رياحٍ، وأرياح، وعلى أرواح أيضاً؛ لأنَّ أصلها الواو قُلِبَت؛ لانكسارِ ما قبلَها(5)فإذا زالت الكسرةُ عادَّت، قيل عامةَ ما جاء في القرآن بلفظ الرياحِ للرحمة(6)
ص: 143
كقوله تعالى: «وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ»(1)وقوله عز وجل: «وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ»(2)، وبلفظ الريح للنقمة(3)كقوله تعالى: «وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ»(4)، وقوله سبحانه: «بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ»(5)ولعل النكتة الاشارة إلى قلة عذابه، أو ترادف الآئه، أو إلى استغناء العذاب عن الاعوان، أو الایماء إلى حقارة المقهوُرين، أو لكثرة وقوع ما عبر عنه بلفظ الجمعُ، وفي الحديث أنه (صلى الله عليه واله) كان يقول عند الهبوب: ((اللهم اجعلها رياحاً ولا تجعلها ريحاً))(6)، وفسر بما سبق، وقيل: زَعِمَت العربُ إن السحاب لا تلقحُ إلا من رياحٍ مختلفةٍ، ويمكن أن يراد بنشر الرياح في كلامه (عليه السّلاَم) أيضاً ذلك، وقال الفراء)(7): النشُر من الرياح: الطيبة اللينة التي
ص: 144
(تنشی)(1)السحاب(2)، ثم إنَّ من الريّاح التي نَشَرها الله سبحانه برحمته الرياح اللواقح، ومُهَيجِةُ السّحابِ الماطر، والحابسَة له / ظ 6 / بين السماء والارض، والعاصرة له حتى يمطر، والمجرية للجواري في البحار کما وقعت الاشارة اليها في الآيات والاخبار، وقد ورد النهي عن سبّها فإنها مأمورةٌ، وعن سَبّ الجبال، والسّاعات، واللّيالي، والأيّام، فيرجع إلى السّاب ويلحقه الاثم(3)(وَوَتَّدَ بِالصُّخُورِ مَيَدَانَ أرْضِهِ) وتَدَ الشيء بالتخفيف أي جعله محكما مُثبتاً بالوتد(4)، والصّخرة الحجرُ العظيم الصّلب، والمَيدانِ بالتحريك التحرك والاضطراب ومنه غُصُنٌ مَيّادٌ(5)؛ والغرضُ من خلقِ الجبال دفعُ المَيّدانِ؛ فلذلك جعَل موتوداً دون الارض تصريحاً بالغَرضَ ومبالغةً، واسکان الارض بالجبالِ مما اشار اليه سبحانه واختلف في وجه العلة، فالمشهور أن الأرض كانت لعدم مقاومة طبيعتها لقسر الماء كسفينة خفيفةٍ اُلقيت على وجه الماء تضطرب، وتميد وتميل فلمّا ثقلت بالجبال سکنت کالسفينة بالاحمال،
ص: 145
واعترض (الفخر الرازي)(1)في تفسيره [عليه](2)بوجوه(3)فصلناها في حدائق الحقائق(4)وذكرنا وجه دفعها ويؤيد هذا الوجه بعض الاخبار، وذكر بعض الشارحين(5)في ذلك وجوها لا يخلو عن التزلزل، والاضطراب.
(أَوَّلُ الدِّينِ مَعْرِفَتِهِ، وَكَمَالُ مَعْرِفَتِهِ التَّصْدِيقُ بِهِ، وَكَمَالُ التَّصْدِيقِ بِهِ تَوْحِيدُهُ، وَكَمَالُ تَوْحِيدِهِ الإخْلاَصُ لَهُ) الدين تطلق على معان منها الاسلامُ، والطاعةُ، والعّادةُ، والشّأنَ، والجزاءُ، والملّةُ، وغيرها(6)، والمعرفة أما التصّورُ المقدمُ على النظر أو التصديق بالصانِع، والمراد بالتصّديق الاذعان بوجوب وجوده وتقدم النظر عليها لا ينافي أوّليِتُها إذ النظرُ من المقّدمات المقصودةِ بالعَرضَ أو المراد بالمعرفة التصديق الفطري وبالتصديق ما يحصل بالنظر والتدبّر في الآفاقِ والانفسِ وإنّما كان كمال التصّديق بالتوحيد؛ لأن إثبات
ص: 146
الشريك ينافي وجوبَ الوجودِ على ما قرر في دليل التوحيد(1)، أو لأنَّه ينافي الصانعية ولو على سبيل التجویز، والمراد بالاخلاص إمّا تنزيههُ سبحانه عن الجسميّة، والعرضيّة وأشباههِما، أو جعل العبادة خالصة لوجهه وهذا وان كان أقرب لفظاً إلاَّ أنه لا يناسبُ ما بعده من قوله (عليه السّلَام): (وکمالُ الْإخْلاَصِ لَهُ نَفْىُ الصِّفَاتِ عَنهُ) وجوزَ بعضُ الشارحينَ(2)أن يراد بالمعرفة التّامة التي هي غاية العارف في مراتب السّلوك وأوليتها في العقل لكونها علة غائية(3)وبَيَنَ الترتيب(4)بأن المعرفة تزدادُ(5) بالعبادة [و](6)تلّقى الأوامر بالقبول فيستعد السالك أولاً بسببها للتصديق بوجوده يقينا، ثم لتوحيده، ثم للإخلاص له ثم لنفي ما عداه عنه فيُغُرَقُ(7)في تيار بحار العظمة وكل مرتبةٍ کمالٌ لما قبلها إلى أن يتم المعرفةُ المطلوبةُ له بحسب ما في وسعه، وبكمال المعرفة يتم الدين وينتهي السّفر إلى الله تعالى (انتهى). وفيه مالا يخفی. واعلم أنه قد اتفق الجمهور عدا الكرامية(8)على أنه سبحانه لا يوصف
ص: 147
بالحوادث، واختلفوا في الصفات القديمة فذهبت الإمامية(1)، والمعتزلة(2)إلا من شذ منهم، وجمهور الفلاسفة إلى نفيِ الصفات الزّائدة القديمة مطلقاً(3)، والاشاعرة(4)إلى الاتصاف بالمعاني القديمة من العلم، والقدرة، والارادة والحياة، والكلام، والسّمع والبصر(5)، وذهب أبو هاشم(6)إلى أن الله تعالى أحوالاً مثل العالمية، والقادرية والحيية وغيرها(7)، وتصريحه (عليه السّلاَم)
ص: 148
دليل على نفيها واکدها بالاستدلال بقوله عليه السّلَام: (لِشَهادَةِ) باللاّم، وفي بعض النسخ بالباء.
(كُلِّ صِفَةٍ أَنَّهَا غَیْرُ الْمَوصُوفِ، وَشَهَادَةِ كُلِّ مَوْصُوفٍ أَنَّهُ غَیْرُ الصِّفَةِ)، واذا ثبت المغايرة فتلك الصفات ليست ممكنة لاستلزامه افتقار الواجب في استکمالهِ إلى الممكن (فتكون)(1)واجبة (فَمَنْ وَصَفَ اللهَ سُبْحَانَهُ فَقَدْ قَرَنَهُ)، أي أثبت له قرينا / و7 / واجب الوجود، ويمكن استفادة بطلان الشق الأوّل من هذه المقدمة بأن يقال الصفة لا (تکون)(2)إلاَّ قريناً للموصُوف في الوجود والبقاء؛ لظهور بطلان كونه سبحانه عارياً عن صفاته الكمالية أزلاً ولأنه لا يقول به المثبتون أيضا إلا من لا يَعْبَأ بهم، والقرين للواجب في القِدم والازلية لا يكون إلا واجباً كما يدلُ عليه قوله (عليه السّلَام) في الخطبة الجامعة لإصول العلم في نفي قدم الكلام ولو كان قدیماً لكان اِلهاً ثانياً، ويمكن أن يكون كلامه (عليه السّلَام) اشارة إلى دليلين بأن يكون قوله (صلوات الله عليه) لشهادة كلّ صفة إلى آخره دليلاً مستقلا تقريره لو كانت له سبحانه صفة لكانت مُغايرة له والموصوف يحتاج في استكماله إلى صفته لكونه ناقصا بدونها، فيكون الواجب محتاجاً إلى الغير، والمحتاج إلى الغير لا يكون إلاَّ ممكناً فيلزم إمكان الواجب، ويكون قوله (عليه السّلاَم) (فَمَنْ وَصَفَ اللهَ سُبْحَانَهُ) بضم مقدمة المُغايرة دليلاً آخر کما قررناه، ويدلُ على بطلان كون الصفة قريناً له واجبُ الوجود أن الصفة لا تقوم(3)بذاتها،
ص: 149
ومالا يقوم بذاته لا يكون واجب الوجود وقد استدل اصحابنا على بطلان المعاني القديمة باستلزامها وجود قدیم سوى الله سبحانه وكل ممکن حادث بالاتفاق وأجَابَ بعض الاشاعرة بأن كل ممكن يكون مغایراً(1)له سبحانه، فهو حادث وأمّا المعاني(2)التّي اثبتناها(3) فلا هِي عَينه؛ لأنها مغايرة له في الوجود، ولا غيره؛ لأنّها صفته فلا استحالة في قدمها ولا يخفى أن هذا من الخرافات التي لا يُصّغي اليها عاقلٌ، ويبطله صريحاً كلامه (عليه السّلَام)، وقد فَرَعَ المحققّ الطوسي(4)(رحمه الله) نفي المعاني، والاحوال على وجوب الوجود وهو مبني على دليل الافتقار(5)ولا يحتاج إلى أخذ المقدمة القائِلة: بأن الواحد لا يكون قابلاً وفاعلاً، كما زعمه الشارح الجديد(6)وحَکَی العلامة (رحمه الله) عن فخر الرازي أنه قال: النصارى كفروا بأنهم اثبتوا قدماء ثلَاثة، وأصحابنا قد أثبتوا تسعة(7)وما استدلَت الاشاعرةُ به في إثبات
ص: 150
المَعاني من قياس الغائب على الشاهد ومن الاحتياج إلى التأويل في إطلاق العالمِ عليه تعالى فبطلانه واضح، وقد اعترف بعضهم بأنَّ العمدة في إثبات الصّفات الزائدةّ عدم ارتكاب التأويل، وانَّ الاستدلالات العقلية على اثباتها مدخولةٌ، وقد تظافرت الاخبار في نفي الصفات عن الائمة الاطهار (سلام الله عليهم أجمعين).
(وَمَنْ قَرَنَهُ فقدْ ثَنَّاهُ، وَمَنْ ثَنًّاهُ فقدْ جزَّأَهُ، وَمَنْ جزَّأَهُ فقدْ جَهِلَه)، جَزَّأهُ بالهمزة والتشديد أي قَسَمهُ أَجزَّاءٌ كجزأه بالتخفيف أي من اثبت له سبحَانه قریناً هو صفته فقَد حَکَمَ باثنينيته لمغايرة(1)الذّات والصفة، ومن أثبت له هذا التعدد فقد جزَّأَهَ نوعاً من التجزئة، فإنّه أطلق لفظة الله مثلاً على الذّات والصّفة، فجعل مسّمى هذا اللفظ متجزئا كما في إطلاق الأسود على جسمٍ وسوادٍ، ومن جَزَّأهُ كذلك أو مطلقاً فقد جهِلهُ؛ لأنَّه اعتقدَهُ على خلافِ ما هو عليه وفي الحقيقة جعله ممکن الوجود، لأن الواجب لا يكون كذلك هذا ما [ذكره الشراح(2)في هذا المقام و](3)هو کما ترى، ويحتمل أن يكون المراد والله يعلم أنّ من أثبت له قريناً مطلقاً فقد جعل الواجب [متعددّا أي أثبت](4)ذاتین واجبي الوجود؛ لأنَّ الواجب لا يكون إلا ذاتاً لأنَّ الصّفة مفتقرة إلى موصوفهَا، ولا يقوم بذاتها، أو أثبت واجبين مطلقاً ومن أثبت
ص: 151
فردین لهذا المفهوم فقد جعل الواجب مركبا بل جعلهما مركبين لاستلزام وجود الاثنين المشتركين في وجوب الوجود تشخصاً به يمتاز كل منهما عن(1)الاخر، والضمير في قوله (عليه السلام): (فقد ثناه) أما راجع إلى مفهوم واجب الوجود على نوع من الاستخدام [مع تجوز في التعليق](2)، أو يكون المراد بالتثنية إثبات الاثنين بدل الواحد وضم واحد [إليه](3)وحينئذ يكون اشارة إلى الدّليل المشهور في مقام التوحيد ويمكن أن يكون المراد بالتجزئة تجزئة الملك والصانعية على تقدير مضاف أو تعليق(4)مجازي فيكون المعنى من ثناه / ظ 7 / وأثبت له شریکاً جعل ملكهُ منقسماً بينه وبين شریکه وأسند بعض مقدوراته ومَصنُوعَاته إلى ذلك الشريك بالصّدور عنهُ بالفعل حتی [لا يلزم](5)تعطیله مطلقاً أو بالامكان حيث أثبت صَانعا يصحّ أن يصدر عنه بعض مصنُوعاته سبحانه، ومن جزأه كذلك فقد جهله فلا يكون(6)الغرض(7)الاستدلال على التوحيد ولعلّه (عليه السّلاّم) جعل اللازم الجهل به سبحانه لاستلزامه نفي المعرفة التي جعلها (عليه السّلَام) أوّل(8)الديّن ولو بنفي الكمال ([وَمَنْ جَهِلَهُ فقَدْ أشَارَ إِلَيْهِ]،(9)ومَنْ أَشارَ إِلَيْهِ فَقَدْ حَدَّهُ،
ص: 152
وَمَنْ حَدَّهُ فَقَدْ عَدَّهُ)، يحتمل أن يكون المراد بالاشارة [الاشارة](1)الحسّية أي من اشار اليه لزعمه أنه في جهة، أو جوّز الاشارة اليهِ فقد جعله محدودا بنهايات، [...](2)وأطراف کما هو شأن كلّ ذي جهة لاستلزام الاشارة للجسمّية، ومن جعله ذا حدودٍ ونهايات فقد جعله معدوداً ذا أجزاء وجعله مركباً ولو من الأجزاء الفرضية معروضاً للعدد ولو لمغايرة ذاته وعوارضه التي اثبتها له سبحانه والله سبحانه واحد لا يعرضه عدد کما سيجيء قوله (عليه السّلَام): ((واحد لا بتأويل عددٍ))، وقال بعض الشارحين: من جعله محدوداً فقد عدّه من الذّوات المحدثة(3)، ولا يخلو عن بعد، ويحتمل أن يكون المراد بالاشارة العقلية أي تصوره بکهنه، أو بوجهٍ جزئي حتى يكون محاطاً بالآلات الجزئية فيكون محدوداً بالمعنى المصطلحبين المنطقيين فيكون مركباً من جنس، وفصل معروضاً للعدد کما مرَّ، أو بمعنى أنَّه يكون له نهايةٌ عقلية ينتهي اليها وما كان كذلك لا يكون إلاَّ ممكناً معروضاً للعدد، أو يكون محدوداً محفوفاً بالغواشي المادية؛ لكونه مُدركَاً بالقُوى الجزئية فيكون معدودا؛ لكونه ممكنا. وقال بعضهم: ((كلّ محدود معدودٍ))(4)، لأنَّه مبدأ كثرة إذ العقل يِجَوّزُ وجود أمثاله (وَمَنْ قَالَ: ((فِيمَ)) فَقَدْ ضَمَّنَهُ، وَمَنْ قَالَ: ((عَلاَم؟)) فَقَدْ أخْلَى مِنْهُ) أصل (فِيمَ) وَ(عَلاَمَ) (فيما) وَ (عَلى ما) حُذِفَ الالف عن (ما) تخفیفاً وهذا في الاستفهام خاصة، وَضَمَّنهُ أي جعله مشمولاً بشيء داخلا
ص: 153
فيه ويشمل ذلك التضمين جعلَ الشيء محلا له أو مكانا يحيط به وكل منهما يتضمن نوعاً من الغلبة والاحاطةِ المُنافِيتَينِ لجلاله وعظمته سبحانه ولذلك جعل لازمَّاً مبطِلاً لِزُعم السّائل عن محله سبحانَه أو مكانه، (وأخْلَى مِنْهُ) أي جعل بعض الامكنة خاليَّاً منه مع أن نسبته إلى جميع الأمكنة(1)على السّواء کما هو شأن خالق الكل، وإبطال اللازم بمثل هذا كافٍ في مقام الخِطابة ولا يبعد کون بطلان اللازمین برهانياً فتدبر.
(كائنُ لاَ عَنْ حَدَث، مَوْجُودٌ لاعَنْ عَدَمٍ) لما كان الكون بمعنى الثبوت أعم من القدم، والحدُوث ويكون بمعنى الحدوث قيده (عليه السّلَام) بنفي الحدوث تخصيصاً، أو رفعاً للاشتباه، والوجود الإدراك، يقال: وجد المطلوبُ کَوَعَدَ ووَرَمَ يَجِدُه ويجدُه بضمّ الجيم، ولا نظير لها، ووجد من العدم على صيغة المجهوُل فهو موجود، والعدم بالتحريك كما في النسخ وبالضمّ وبضمتين الفقدان، قالوا: ((وقول المتكلمين وجد فانعدم لحن))(2)، والصّواب فَعُدِمَ على صيغة المجهوُل، و[يحتمل أن يكون](3)المراد بالفقرة الثانية [أما](4)تأكيد الأولى، والمراد من الأولى تعليم كيفية(5)اطلاق لفظ(6)الكون في حقْه سبحانه والاشعار بأن المراد منه ليس ما يسبق اليه بعض
ص: 154
الاذهان، وقيل المراد [بالأولى نفي الحدوث الذاتي](1)أو الاعم منه، ومن الزماني وبالثانية في الحدوث الذاتي(2)وهو تعسّف لعدم الاطلاق على الذاتي في عرف العَربْ، وإنّما ذلك من مصطلحات الفلاسفة ومن يحذو حذوهم. (مَع كلِّ شَيءٍ لاَ بِمُقَارَنَةٍ، وَغَیْرُ كلِّ شَءٍ لا بِمُزَايَلَةٍ) المراد بكونه تعالى مع كل شيء علمه بها أو حفظه لها أو تربيته إياها / و8 / أو تأثيره فيها على الاحتياج في البقاء أو الاعم منها، أو من بعضها وبالمقارنة المنفية المصاحبة المكانية أو الزمانية في مبدأ الوجود، أو مطلقاً كما قيل، أو الحالية والمحلية، أو الأعم وبالمغايرة المثبتة تنزهه سبحانه عن الحلول والاتحاد والمجاورة وعن شبه المخلوقين، وبالمزايلة المنفية المفارقة بعد نوع من المقارنة المتقدمة، وقيل المراد [بالمزايلة](3)بالمنفيتين(4)الحادثتان في وقت؛ فإن نسبتهما إلى أوقات وجود الاشياء على السواء، وقيل: المراد وعن الحاجة إلى غيره «إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ»(5)لا كفعل المخلوقين، فإنَّه [حركة و](6) تصرف(7)في المواد الموجودة بما أعطاهم الله من القوى والآلات. (بَصِیرٌ؛ إِذْ لا مَنْظُورَ إِلَيهِ مِنْ خلْقِهِ)، أي كان متصفاً بتلك الصفة كسائر الصّفات حين عدم المتعلقات فإنهْا قديمة، وإن كانت تعلقاتها [الخاصة](8)حادثة کما صرح
ص: 155
به بعض الاخبار، وذلك لأنَّ العلم عبارة عما هو مناط انکشاف المنکشف على العالم، والسّمع كذلك بالنّسبة إلى المسموع والبصر إلى المبصر وتلك الصفات فينا کيفیات وقوى قائمة بذواتنا وليس كذلك في حقه سبحانه إنما مناط هذه الامور ذاته الاحدية المقدسة عن عروض الكيفيات والقوى والعوارض، فهو سبحانه موصوف بها بذاته بالنسبة إلى كل ما يقبل تعلقها به، (مُتَوَحِّدٌ؛ إِذْ لا سكَنَ) بفتح النون، وفي بعض النسخ بالرفع، والسّكن بالتحريك ما تسكن اليه النفس، وتطمئن، وكلمة (إذ) هاهنا تعليلية بخلاف السابقة(1)(يَستَأنِسُ بِهِ ولا يَسْتَوْحِشُ لِفَقْدِهِ) الاستيناس الألفة، وذهاب التوحش، والظاهر من كلام الشارحين(2)أنهّم جعلوا الاستيحاش للفقدان من صفات السّكن کالاستیناس عند الوجدان، ولعل التوصيف حينئذ للإشعار بعلّة الحكم؛ فإن الاستیناس والاستيحاش يستلزمان الحاجة والنقص [وعلى هذا](3)فمقتضى(4)المقام(5)يستوحش بدون كلمة لا والظاهر انّهم جعلوهَا زائدة كما قيل في قوله تعالى: «مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا ٭ أَلَّا تَتَّبِعَنِ»(6)وقوله تعالى: «مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ»(7)وقوله تعالى: «لِئَلَّا يَعْلَمَ
ص: 156
أَهْلُ الْكِتَابِ»(1)ويحتمل أن تكون(2)الجملة مستأنفة لدفع توهم ربما نشأ من الكلام السابق؛ فإنَّ نفي السّكن واثبات التوحید مظنة الاستيحاش عند الفقدان، فلا يكون من صفات السّكن، ويحتمل بعيدا من جهة المعنى أن يكون الكلام في قوة الاستدلال بنفي الاستيحاش فقط لظهور کونه نَقصاً وتسليم جواز الاستیناسِ مما شاء(3)فتدبرَ.
(أنْشَأ الْخَلْقَ إِنْشَاءً، وَابْتَدَأَهُ ابْتِدَاءً، بِلاَ رَوِيَّة أجَالَها، ولاَ تَجرِبَةٍ اسْتَفَادَها، وَلاَ حَركةٍ أحْدَثَهَا، ولا هَمامَةِ نَفْسٍ اضْطرَب فيها) الانشاء بمعنى: الخلق کما ذکره الجوهري(4)وغيره(5)حينئذٍ فالفرق بينه وبين الابتداء، بأن الانشاء «خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ ٭ وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ»(6)وقال: «خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ»(7)، وأمثالها كثيرة، وقال بعض الشّارحین(8): لم أجد لأهل اللغة فرقاً بين الانشاء والابتداء وهو الايجاد الذي لم يسبق بمثله إلا أنه يمكن أن يفرق هاهنا بينهُما صوناً لكلامه (عليه السّلَام) عن التكرار بأن يقال: المفهوم من الإنشاء هو الايجاد الذّي لم يسبق غير الموجد [الموجد](9)اليه، والمفهوم من الابتداء هو الايجاد الذي لم يقع من الموجد قبل، ولا يخفى أنه على
ص: 157
تقدير الترادف كما يستفاد من كلام بعض أهل اللغة(1)یکون(2)[التأكيد](3)لدفع(4)توهم التجوز في لفظ الانشاء بأن يراد الايجاد من مادة مخلوقة لغيره، والرّؤية [التفكر](5)/ ظ 8 / في الامر وأصلها من المهموُز جرت في كلامهم غير مهموزة وتجمع على روايا(6)قال ابن الاثير(7): ومنه الحديث: ((شر الروایا روایا الكذب))(8)والاجالة الادارة من الجولان واجالة الرؤية حركة قوة المفكرة في تحصيل المبادئ والانتقال منها إلى المطالب، والله سبحانه منزه عنها؛ لتقدسهِ عن القوة وعن العلم بعد الجهل. والمُجرَب بفتح الراء من جربته الأمور واحكمته وايجاده سبحانه ليس بإعانة ولو مما خلقه قبل للتنزه عن الجهل وَ
ص: 158
الافتقار ولا يجوز عليه الحركة لكونها حادثة مستلزمه للانتقال من حال إلى حالٍ، وهَمَامَة النفس بالفتح اهتمامها بالأمور، وقصدها اليه، والاضطراب الحركة، والحركة في الهمامة الانتقال من رأي إلى رأي أو من قصد أمر إلى قصد امر آخر بحصول صورة، وفي بعض النسخ(1)(ولا همِة نفس) بكسر الهاء، قال بعض الشارحين(2)في نفي الهامة: ردّ على الثنوية(3)والمجوس القائلين بها، وكلماتهم(4)الواهية مذكورة في كتب المقالات.
(أَحَالَ الْأَشْيَاءَ لِأَوْقاتها) بالحاء المهملة كما في كثير من النسخ أما من الاحالة بمعنى التحويل والنقل أي نقل كلا منها إلى وقتها، واللام في لأوقاتها للتعليل کما ذكره بعض الشارحين(5)؛ لأنَّ كل وقت يستحق مالا يستحقه غيره، أو بمعنى (الى) كقوله تعالى: «بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا»(6)أي نقل كل شيء وقدر خلقه في وقت يناسبه، وأما من قولهم: حال في متن فرسه أي وثب فعدى بالهمزة أي أقر الأشياء في أوقاتها، كمن أحال غيره على فرسه کما ذكره بعضهم(7)، ولكن استعمال الكلمة باللام غير معروفٍ، وفي بعض
ص: 159
النسخ الصحيحة ورواه أيضاً بعض الشارحین(1)(آجال) بالجيم أي أدار کأنَّه سبحانه حرك الاشياء ورددّها في العدم حتى حضر وقتها فأوجدها، وروی (أجَّل) بالجيم المشددة أي آخر. (وَلاءمَ بیْنَ مُخْتَلِفَاتِها) أي جعلها ملتئمة مؤتلفة كما ألف بين العناصر المتخالفة في الطباع وبين النفوس تقول: لاءمت بين القوم ملاءمة إذا أصلحت وجمعت، فإذا اتفق الشيئان فقد التأما ((وَغَرَّزَ غَرَائِزَها، وَأَلزَمَها أَسناخها) الغريزة الخلق والطبيعة صالحة كانت أو رديئة(2)والسِنْخ بكسر السين وسكون النْون الأصل، وفي بعض النسخ (أشباحها)(3)جمع شبح بالشين المعجمة والباء الموحدة والحاء المهملة محركةٌ وقد يسكن أي أشخاصها وتغريز الغرائز ايجادها أو(4)تخصيص كل منها(5)بغريزة خاصة بها من قبيل قولهم سبحانه من ضَّوء الأضّواء، أو من تغريز العود في الارض؛ ليثمر على ما قيل والضمير المنصوب في الزمها راجع إلى الأشياء كالسوابق فالمعنى جعلها بحيث لا يفارقها أصولها أو جعل الأشخاص لازمة للكليات على ما في بعض النسخ أو راجع إلى الغرائز أي جعل كل ذي غريزة، أو كل شخص بحيث لا تفارقه(6)غريزته غالباً أو مطلقاً (عَالِماً بَهِا قبلَ ابْتدَائِهَا، مُحِيطاً بِحُدُودِهَا وانْتِهائِهَا عَارِفاً بِقَرَائِنِهَا وأَحْنَائِهَا) العامل في عالماً وما بعدها
ص: 160
أما الزم لكونه(1)أقرب أو الافعال الثلاثة الأخيرة علىَ الترّتيب [أو الاربعة دون ما قبلها بقرينة الفصل](2)، أو العامل في الاول(3)قوله (عليه السلام) انشاء [وابتدأ](4)بقرينة قوله: قبل ابتدائها [وفي ما بعده ما بعده](5)والمراد بالحدود أما الأطراف أو التشخصات أو الحدود الذهنية وبالانتهاء الانتهاء اللازم للحدود أو انقطاع الوجود بانقضاء الزمان المعيّن لوجودها، [وبالقرائن](6)ما يقترن بها على وجه التركيب، أو المجاورة، أو العروض، والأحناء جمع حِنو بالكسر أي ((الجوانب))(7)أحناء الوادي [معاطفة، و](8)في كلامه (عليه السّلام) دلالة على جواز اطلاق العارف على الله سُبحانه. ((ثُمَّ أَنْشَأَ سُبْحَانَهُ فَتْقَ الْأَجْوَاءِ، وَشَقَّ الْأَرْجَاءِ، وَسَكَائِكَ الْهَوَاءِ)) كلمة ثم(9)هاهنا أما للترتيب الذكرى والتدرّج في الكلام لا للتراخي في الزّمان، ويكون لوُجوه(10) منها الانتقال [الى التّفصْيل من الاجمال، ومنها](11)الاهتمام بتقدم المؤخّر، أو المقارن لوجه آخر ويستعمل الفاء كذلك، وأمّا بمعنی
ص: 161
[الواو](1)المفيدة للجمع [المطلق کما قيل في قوله تعالى: «وَإِنِّي لَغَفَّارٌ(2)لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى»(3)، وعلى التقديرين لا يدلّ على تقديم انشاء الخلق على ايجاد الماء والأرض والسّماء، والفتق بالفتح الفتح والشق(4)، والجو، ما بين السماء والارض، وقيل الفضاء الواسِع، والأرجاء جمع الرجّا مقصوراً وهي ((النّاحية))(5)/ و9 / قال تعالى: «وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا»(6)، وأمّا الرجّا من الامل أو الخوف(7)كقوله تعالى: «مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا»(8)أي لا تخافون عظمة الله فممدود والسُّكاك بالضم وكذا السّكاكة الهواء الملاقي أعنان السّماء(9)، [والسّكائك](10)جمع سكاكة، وفسّرهَا ابن الاثير ب((الجوّ ما بينَ السّماء والارض))(11)وقال: ((ومنه حديث علي))(12)(عليه السّلام)، والهواء بالمد ((ما بين [السماء](13)والارض))(14)،
ص: 162
ويقال لكلّ خالٍ هواء، ومنه قوله تعالى: «وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ»(1)أي خالية من العقل، أو الخير، أو من كل شيء فزعاً(2)وخوفاً، أو من الطّمع في الخير، والمراد بفتق الأجواء ايجاد الاجسام في الأمكنة الحالية بناء على وجود المكان بمعنی البعد، وجواز الخلاء، أو المراد بالجوّ البعد الموهوم، أو أحد العناصر بناء على تقدّم خلق الهواء وهو الظّاهر ممّا ذكره عليّ بن إبراهيم(3)في تفسير قوله تعالى: «وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ»(4)(5)والظاهر أنّه مضمُون الخبر(6)وقد اختلفت الرّوايات في أوّل ما خلَق الله والجمع بينَهُا بحمل بعضها على الأولية الاضافية، وحمل(7)الاختلاف في بعضهَا على اختلاف(8)التعبير عن الصّادر الأوّل کما حرر في حدائق الحقائق(9)وهذا الكلام لا يدّل صريحاً على أن
ص: 163
الصّادر الاوّل ماذا ولا على تقدّم الماء على الهواء بل العكس أظهر، وقوله (عليه السّلاَم): ((وشق الأرجاء)) كالتّفسير لفتق الأجواء، أو المراد بالأرجاء الأمكنة والفضاء، وبالأجواء عنصر الهواء، وقوله (عليه السّلام): ((وسکائك الهواء)) بالنّصب کما في كثير من النّسخ معطوف على فتق الأجواء أي انشأ سبحانك سکائك الهواء، والأظهر أن يكون بالكسر معطوفاً على الأجواء أي أنشاء سبحانهُ فتق سکائِك الهواءِ ((فَأَجْرَى فِيهَا مَاءً مُتَلَاطِمَاً تَيَّارُهُ، مُتَرَاكماً
زَخَّارُهُ)) اللَّطم بالفتح في الأصل الضّرب على الوَجْه ببَاطن الرّاحة وفي المثل (لوذاتُ سِوَارٍ لَطَمْتَنى)(1)قالته امرأة لطَمّتُها [من ](2)لم تكن(3)لها بكفؤ، وتلاطمت الأمواج ضرب بعضها بعضاً كأنّه يلطّمه، والتّيار موج البحر(4)، ولجّته، ورَکُم الشيء يرکُمه [بالضم](5)إذا جمعهُ والقى بعضه على بعضٍ، وتراكم الشيء إِذَا اجتمع(6)، وزخر البحر إذا ((مدّ وكثر ماؤُهُ وارتفعت أمواجه))(7)أي إنه سبحانه خلق الماء المتَلاطم الزّاخر في الاجواء وخلّاه وطبعه أوّلاً فجرى في الهواء، ثم أمر الرّيح برده وشدةّ [كما يدلّ](8)عليه [قوله ](9)(عليه السّلام) بعد ذلك حتّى يظهر قدرته ((حَمَلَهُ عَلىَ مَتْن الرِّيحِ
ص: 164
العَاصِفَةِ، والزَّعْزَعِ الْقَاصِفَةِ)) المتن من كلّ شيء [ما ظهر منه](1)، والمتن من الأرض ((مَا ارتفع وصلب))(2)، والمتين القويّ، وعصفت الرّيح اشتدّ هُبوبها والزّعزعة بالزاي والعين المهملة (تحريك الشيء)(3)ليقلعه ويزيله، وريح زعزع وزعازع أي يزعزعُ الاشياء، وقصفه(4)كضربه قصفا(5)کسره، وقصف الرّعد وغيره اشتد صوته أي جعل الرّیح حال عصفها حاملة له فكان متحرکا بحركتها أو جعل الرّيح التي من شأنها العصْف والقَصْف حاملة له والأول أظهر وهذه الرّيح غير الهواء المذكور أولا كما يدل عليه(6)قول الصّادق (عليه السلام) في أجوبة مسائل الزنديق قال: (الرّيح على الهواء والهواء تمسكهُ القدرة)(7)، فيمكن أن يكون متقدّمة(8)في الخلق عليه أو متأخرة عنه أو مقارنة له ويمكن أن يكون المراد بهَا مَاتحرّكَ منهُ (فَأَمَرَهَا بِرَدِّهِ، وسُلَّطَهَا عَلَى شَدِّهِ، وَقَرَنَهَا إلى حَدِّهِ). أي أمر [الرّيح](9)أن تحفظ(10)الماء وتردّه بالمنع عن الجَريْ الذّي سبقت الاشارة إليه بقوله (عليه السّلام): فأجرى فيها
ص: 165
مّاء [فكان](1)بل [الردّ قد خلىّ](2)وطبعه أي عن الجري الذّي يقتضيه طبعهُ وقواه على ضبطه كالشيء المشدوُد وجعلها مقرونة [الى انتهائه محيطة](3) به (الْهَوَاءُ مِنْ تَحْتِهَا فَتيِقٌ، وَالمَاءُ مِنْ فَوْقِهَا دَفِيقٌ) أي الهواء الذي هو محل الريح کما مرَّ في الخبر، [مفتوق أي مفتوح منبسط](4)من تحت الرّيح الحاملة للماء والماء دفيق من فوقها أي مصبوب مندفق والغرض [انه سبحانه بقدرته ضبط الماء المصبوب](5)بالرّيح الحاملة له کما ضبط الريح بالهواء المنبسط وهو موضِع العجب. (ثُمَّ أَنْشَأَ [سُبْحَانَهُ رِيحاً اعْتَقَمَ مَهَبَّهَا، وَأَدَامَ مُرَبَّها])(6)الظّاهر أن هذه الرّيح غير ما جعلها اللهِ محلا للماء بل مخلوقة من الماء، کما ورد في بعض الرّوايات، والاعتقام أن تحفر البئر فإذا قربت من الماء احتفرت بئراً صغيراً بقدر / ظ 9 / ما تجد طعم الماء فإن كان عذباً حفرت بقيتّهَا، ويكون اعتقم بمعنی صَار عقيمَّاً، ومنه الرّيح العقيم التّي لا تلقح شجراً ولا تثير سحاباً مَاطراً، وقال في العين: ((الاعْتِقَامُ الدُّخولُ فِي الأمْرِ))(7)، وقال بعض الشّارحين: (الشد والعقد))(8)، ولم نجده في كلام اللّغويين، والمَهب مصدر بمعنى الهُبوب، أو اسم مكان، ورُبَ یکون بمعنی جمع وزادَ ولزمَ وأقام والمعنى على ما ذكره بعض الشّارحين أنّ الله تعالى ارسلها بمقدار مخصُوصٍ
ص: 166
يقتضيه الحكمة ولم يرسلها مطلقاً، بل جَعل مهبها ضيقاً كما يُحتفر(1)البّئر الصغير في الكبير(2)، فالمَهب اسم مكان أو مصدر على التوسع(3)، وقيلا لمعنى جعلها عقيمة لا تلقح(4)، وهذا انَّما يصّح لو كان الاعتقام متعدّياً أو كان مهبها مرفوعاً لا منصوباً كما في النّسخ التي وقفنا عليها ويظهر من کلام بعض الشّارحين(5)أنه روی (اعقم) بدون التاء على صيغة الافعال فيصح المعنى المذكور، ويحتمل أن يكون بمعنی شدّ مهبها وعقده على مَا يقتضيه الحكمة والمصلحة، وقيل: على تقدير كون اعتقم بالتاء كما في النسخ المراد أنّه اخلى مهبّها من العوائق وإنه أرسَلها بحيث لا يعرف مهبّهَا وهو كما تری، ومعنى أدامة مربها إدامة جعلها ملازمة لتحريك الماء وَأدامه هبوُبها(6). (وَأَعْصَفَ مَجْرَاهَا، وَأَبْعَدَ مَنْشَاهَا) عصفت الرّيح أشتدّ هُبوبها، ومجراها جریانها، أو اسند إلى المحل مجازا، وأبعد مِنشأهَا أي انشأها من مبدأ بعيد، ولعلّه ادخل في شدّتها والمنشأ بالهمزة على الأصل، أو بالألف للازدواج وكلاهما موجود في النّسخ (فَأَمَرَهَا بِتَصْفِيقِ المَاءِ الزَّخَّار،ِ وَإثَارَةِ مَوْجِ
الْبِحَارِ، فَمَخَضَتْهُ مَخْضَ السِّقَاءِ، وعَصَفَتْ بِهِ عَصْفَهَا باِلفَضَاءِ) ((الصّفق الضّرب الذّي يسمع له صوت))(7)، وكذلك التصّفيق، والتشديد يدل على
ص: 167
الشدّة، والثوران الهيجان، والإثارة التهييج، والمخض: تحريك السقاء الذي فيه اللبن ليخرج زبده(1)، والعصف (بالفضاء)(2)يكون أشد لعدم المانع أي أشتدّ عصفه حتى اضمحلّ المانع. (تَرُدُّ أَوَّلَهُ على آخِرهِ، وَسَاجِيَهُ على مَائِرِهِ، حَتَّى عَبَّ عُبَابُهُ، وَرَمَى بِالزَّبَدِ رُكَامُهُ) السّاجي هو ((السّاكن))(3)ومنه قوله (عليه السلام): ((ولا ليل داج ولا بحر ساج))(4)، ((ومار الشيء يمور مورا تحرِك وجاء وذَهَبَ))(5)وبه فسّر الأخفش(6)، وأبو عبيدة(7)قوله تعالى: «يَوْمَ
ص: 168
تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا»(1)(2)، وقال (الضّحاك): ((أي تموجُ موجاً))(3)، والعُباب بالضم معظم الماء وكثرته وارتفاعه، ويقال: جاؤوا بعبابهم أي بأجمعهم، وعبّ عَبابه(4)أي ارتفع وعبَ النبت اذا طال، ورُكام الماء بالضّم ما تراکم منه واجتمع بعضه فوق بعض، وقد ورد في الاخبار أنّ الارضَ مخلوقة من هذا الزبد، ثم ثار من الماء دخان فخلقت(5)منه السّماء ((فَرَفَعَهُ فِي هَوَاءٍ مُنْفَتِقٍ، وجوٍّمُنْفَهِقٍ، فَسَوَّى مِنْهُ سَبْعَ سَموَاتٍ)) أي رفع الله ذلك الزّبد بأن جعل بعضه دخانا في هواءٍ مفتوق مفتوح بخلق ما خلق سابقا، أو برفع ذلك الدّخان وفي جو متّسع، والانفاق الاتّساع والانفتاح(6)، وقد نطق الكلام المجيد والأخبار المتظافرة بأنَّ السّماء مخلوقة من الدّخان، وإنّها متأخّرة في الخلق عن الأرض وظاهر الآيات والاخبار إنّ السّموات سبع، والعرش والكرسي ليسا من جنس السّماء، لا كما تزعمه الفلاسفة بناء على أصول فاسدة. (جَعَلَ سُفْلاَهُنَّ مَوْجاً مَكْفُوفاً؛ وَعُلْيَاهُنَّ سَقْفاً مَحْفُوظاً، وسَمْكاً مَرْفُوعاً) الكف المنع، والسّقف معروف، وقال الجوهري(7)وغيره(8)السّقف اسم للسّماء، ولعلّ المعروف أنسب بالمقام، وسَمك البيت بالفتح سَقْفُهُ،
ص: 169
وسَمك الله السّماء سمكا رفعها، والمسمُوكات السَموات أي جعل السَماء السّفلى التي هي أقرب الينا، موجاً ممنوعاً من السَيلان أمّا بامساکه بقدرته، أو بأن خلق تحته وحوله جِسْماً جَامِداً يمنعه عن الانتشار وَالسَيلان، أو بأن اجمدها بعد ما كانت سَيالة وظاهر بعض الاخبار، وهذا الكلام اختصاص الحكم بسماء الدّنيا، فقول / و10 / بعض الشّارحين(1)أن جميع السّموات كانت كذلك فما وجه التخصيص لا وجه له، وحمل الكلام على تشبيه السَماء بالموج في الارتفاع واللّون الموهوم توهم والاستدلال على كونها موجاً بارتعاد الكواكب حساً ضعيف جداً، ولعلّ المراد بحفظ العليا إمساكها عن النقض، والهدم، والسّقوط، والخرق إلاّ بأمره سبحانه، وقول بعض الشّارحين عن الشّياطين بعيد ولو كان وصفاً للسّماء الدّنيا كان وجهاً لقوله تعالى: «إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6) وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ»(2)والتّخصيص في كلامه (عليه السّلام) يناسب أن يكون المراد بالسّماء في قوله تعالى: «وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا»(3)السّماء العُليا (بِغَیِرْ عَمَدٍ يَدْعَمُهَا، وَلاَ دِسَارٍ يَنْظِمُها) العمد بالتحريك كما في النسخ جمع كثرة لعمود البيت، وكذلك العُمُد بضمتين وجمع القلة أعمدة كأسورة، وقال في العين: العُمُد بضمتين: ((جمع عِمادٍ، والأعمدة جمع عَمود من حديد أو خشب))(4)[وتذکیر الفعل لأنّه من أسماء الجمع](5)، والدَعم بالفتح أنَّ يميل الشيء فتدعمه
ص: 170
بدعام کما تدعم عروش الكرم ونحوه ليصير له مساكاً ((والدّعامة: اسم الخشبة التّي يدعم بها))(1)، (ويَدْعَمُهَا) في أكثر النّسخ(2)بالتخفيف مفتوحة العين، وفي بعضها يدّعمها بتشديد الدّال على صيغة الافتعال من الادّعام وهو الإتكاء على ما ذكره أهل اللّغة(3)ولعلّ الأوّل أظهر، والدِّسَار بالکسر المسمّار وجمعه دُسُر(4)، ونظم اللُؤلُؤ جمعه في السّلك ومنه نظمت الشعر، والنظّام الخيط الذّي ينظم به وينظِمها بكسرِ الظاء والتخفيف، وفي بعض النّسخ (ينتظمها)(5)من الانتظام وَجاء متعدّياً والظّاهر أنَّ الضّمير المنصوب في يدعمهَا وينظمُها راجع إلى السّموات، وارجاعه إلى العليَا لا يخلو عن وجه، والى السّفلى بقرينه قوله (عليه السلام) بعد ذلك: «ثُمَّ زَیَّنَهَا بِزِينَةِ الْكَوَاكِبِ»؛ حيث إنّ الظّاهِر إرجاع الضّمير فيه إلى السّفلى ليكون أوفق بقوله تعالى: «إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ»(6)لا يخلو عن بعد وإن كان الظّاهر رجوع هذا الضّمير إلى السّفلى لما ذكروا، والزينة أما مصدر كالنسبة أو اسم لما یُزانَ(7)به کاللّيقة لما يلاقُ به أي يُصَلحُ [بِهِ](8)المدِادُ، قالَ
ص: 171
صاحب الكشاف (في) قوله تعالى: «بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ»(1)يحتملهما فعلى الأوّل امّا من اضافة المَصدْرِ إلى الفاعل بأن يكون الكواكب مزينا للأفلاك، أو إلى المفعول بأن زيّن اللهُ الكواكب وحسّنها لأنّها انما زینت السّماء لحُسنها في أنفسها وعلى الثاني فاضافتها إلى الكواكب بيانية(2)وتنوين الزينة كما قرئت الآية [به](3)ليس موجوداً في النسخ وزينة الكواكب للسّماء أمّا لضوئها، أو (4)للأشكال الحاصلة منهَا كالثّريا والجوزاء ونحوهما، أو باختلاف أوضاعها بحركتها، أو لرؤية النّاس إيّاها مضيئة في اللّيلة الظّلماء، أو للجميع، وَلعلّ بعضها أوفق بقوله تعالى: «وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ»(5)ثم انّ الظاهر من التّخصيص(6)أنّ الكواكب في [السّماء](7)الدّنيا مركوزة أو متحركة بذاتها(8)كالحيتان في الماء ولا دليل على ما زعمته الفلاسفة كما فصّل في حدائق الحقائق(9)، والقول بتزيينها بالكواكب المركوزة فيما فوقها لرؤيتها فيْها خروج عن الظّاهر من غير دليل وقد اعترف بعضهم [بامكان](10)استقامة(11)الاحوال
ص: 172
والاوضاع المشاهدة وإن لم يكن الحال ما زعمُوه (وَضِياءِ الثَّواقِبِ) المراد بها أمّا الكواكب فيكون كالتّفسير لزينة الكواكب والكواكب ثواقب أي مضيئة ومنه قولهم: استثقب النّار إذا استوقدت وحَسَبٌ ثاقب أي مضي شريف، والمضيء كأنّه يثقب الظّلمة بنوره أو المراد بها الشهب التي ترمي بها الشياطين فتثقبهم(1)أو تثقب(2)الهواء بحركتها، أو الهواء المظلمة بنورها، وتفصيل الكلام في حدوث الشهب أو كثرتها ببعثة النبي (صلى الله عليه وآله) وأنها من الكواكب أم لا مذكور في حدائق الحقائق(3).
(فَأَجْرَى فَيهَا سِرَجاً مُسْتَطِيراً، وَقَمَراً مُنِیراً) / ظ 10 / وفي بعض النسخ (وأجرى)(4)بالواو مکان الفاء، والمراد بالسرّاج الشّمس، قال تعالى: «وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا»(5)، وقال سبحانه: «تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا»(6)قيل لما كان اللّيل عبارة عن ظلّ الارض وكانت الشمّس سبباً لزواله كان شبيهاً بالسّراج في ارتفاع الظّلمة به، والمُستطير المنتشر الضوءِ واستطار تفرق وسطع وأنار الشيء واستنار أي أضاء وقيل ما بالذات من النّور ضوء وبالعرض نور ولذا قال تعالى: «هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا»(7)،
ص: 173
لأنّ النّور أضعف من الضّوء(1)، وظاهر الكلام مطابقاً لظاهر قوله تعالى: «وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ»(2)حركة الشمّس والقمر في الفلك بذاتیهما والضّمير المجرُور أمَا راجع إلى السّفلی کالمنصوب في (زيّنها) على ما هو الاظهر وحينئذٍ لا يطابق ما فهم من قوله تعالى: «وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ»(3)من أن لكلّ فلكاً آخر، فيمكن أن يكون المراد في الآية كونهما في فلك کما يفهم من كلام صاحب الكشاف(4)حيث جعل التنوين للعوض لا للتنكير أي كلّهم يسبحون في فلك، ويؤيد هذا [ظاهر](5)قوله (عليه السّلام) فِي: (فيِ فَلَكٍ دَائِرٍ) وأمّا راجع إلى السّموات بقرينة قوله تعالى: «وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا»(6)، والظّرف أمّا بدل عن فيها فيفيد حركة السّفلى على تقدير أن يكون الفلك الدائر عبارة عنها ويمكن أن يستفادَ حينئذ استناد إحدى الحركتين الخاصّة واليوميّة إلى الفلك والاخرى إلى الشمّس والقمر نفسهما(7)، وامّا في موضع الحال عن المنصوبين فيمكن أن يكون المراد بالفلك الدّائر فلكاً جزئياً للسّفلى يكونان مركوزين فيه وقِسْ على ذلك لو عاد الضمير إلى السّموات، والفَلَكُ بالتحريك كلّ شيء دائر منه فَلْكة المِغْزل
ص: 174
بالتّسكين، ويقال : فلّك ثَديُ المرأة تفليكاً إذا استدار (وَسَقْفٍ سَائِرٍ، وَرَقِيمٍ مَائِرٍ)، قد مَرَّ تفسير السّقف، والرّقيم في الأصل ((الكتاب))(1)فَعِيْل بمعنی مفعُول، قال ابن الاثير: منه حديث علي (عليه السلام): في صفة السّماء (سقف سائر ورقیم مائر یرید به وشي السماء بالنجوم)(2) والمائر المتحرك(3)وليس هذا بالمَورْ الذّي قال تعالى: «يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا»(4)، والكلمات الثلاثة تدل على حركة الفلك في الجملة، ولا ينافي حركة الكواكب حركة ذاتية كما هو مقتضى الظّواهر والله تعالى يعلم (ثُمَّ فَتَقَ مَا بَیْنَ الْسَموَاتِ الْعُلاَ، فَمَلأَهُنَّ أَطْوَاراً مِنْ مَلائِكَتِهِ) الظّاهر أنّ كلمة (ثم) للترتيب المعنوي فيكون فتق السّموات بعد خلق الشمّس والقمر بل بعد جعلها سَبْعاً، وخلق الكواكب فيْها ويحتمل أن يكون للتّرتيب الذكرى، والظّاهر في المقام أنّ فتقها فَصل بعْضُها عن بعضٍ وهذا غير الفتق الذّي فسّر به في الرّواية قوله تعالى: «أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا»(5)من أنَّ السّموات والارض كانتا رتقاً بالاستواء، والصّلابة ففتق الله السَماء سبحانه(6)بالمطر، والأرض بالنبات والشجر، ويدل الكلام كغيره من الرّوايات على بطلان ما زعمت المتفلسفة من تماسَ الافلاك وعدم الفصل بينها بهواءٍ
ص: 175
ونحوه، والأَطْوار جمع طَّوْرٍ بالفتح وهو في الاصل ((التّارة))(1)قالَ الله تعالى: «وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا»(2)قيل أي طوراً نطفة، وَطْوراً علقة، وطوراً مضغة، وقيل أي حالاً بعد حال، وقيل أي خلقكم مختلفين في الصّفات أغنياء وفقراء وزمنى واصّحاء، والمناسب لكلامه (عليه السّلام) في مقام التّفضيل ما يقرب من الأخير أي اصنافاً مختلفة في عباداتهم وسيجيء تفصيل أحوالهم وبيان كثرتهم في خطبة الأشباح إن شاء الله تعالى، وفي رواية الهروي ((3)/ و11 / عن الرّضا (عليه السّلام) أنّ الملائكة خُلقت قبل السّموات، فقبل(4): فتقها كانت في مكان [...](5)يعلمهُ الله تعالى(6)، والآيات القرآنية والأخبار المتضافرة صريحة في تجسم الملائكة وانکاره کما يظهر من كلام بعض الشّارحين(7)جرياً على أصول المتفلسفين یُعَدُّ(8)من إنکار ضروريات الدّين (مِنْهُمْ سُجُودٌ لَا يَرْكَعُونَ، وَرُكُوعٌ لاَ يَنْتَصِبُونَ، وصَافُّونَ لاَ يَتَزاَيَلُونَ، ومُسَبِّحُونَ لاَ يَسْأَمُونَ) السّجُود والرُّكوع بالضّم فيهما جمع ساجدٍ، وراكع وفاعل الصفة يجمع على
ص: 176
فعولٍ إذا جاء مصدره عليه أيضاً، والانتصاب القيام، والصف ترتیب لجمع على خط کالصّف في الصّلاة، وفي الحرب، وقال أبو عبيدة: ((كلّ شيء بين السّماء والأرض لم يَضُمّ قُطرَيْه فهو صّافٌ))(1)، ومنه قوله تعالى: «وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ»(2)أي نَشَرَتْ أجنحتها، وبالوجهين فسر قوله تعالى: «وَالصَّافَّاتِ صَفًّا»(3)فقيل: هم الملائكة المُصّطَفّوُنَ في السّماء کالمؤمنين في الصلاة، وقيل هم الملائكة تصفّ أجنحتَها في الهواء إذا أرادت النّزول إلى الأرض واقفة ينتظر ما يأمُرها الله تعالى، ولعلّ الأنسب بكلامه (عليه السّلام) هو الأوّل وفسرت في الآية بالمؤمنين المصطَفين في صلَواتهم وجهَادِهم، و (التزایل): التّباين، والتفارق، والتسبيح هو التنزيه والتقديس والتّبرئة من النّقائص، والسأمة الملالة والضجر، يقال: سئم کعلم یسأم سأماً سأمةً.
(لاَ يَغْشَاهُمْ نَوْمُ الْعُيُونِ، وَلاَ سَهْوُ الْعُقُولِ، وَلاَ فَتْرَةُ الأَبْدَانِ، وَلاَ غَفْلَةُ النِّسْيَانِ) غشیه کعلمه إذا جاءه أي لا يعرضهم النّوم وغيره، والفترة الانكسَار والضعف، والنّسيان خلاف الذّكر والحفظ كالسّهو وربما يفرق بينهما بزوال الصّورة عن الخزانة في النّسيان، وظاهر الكلام اختصاص الاوصاف بهذا الصّنف ويمكن أن يكون التّخصيص بها أو ببعضها لأمرٍ آخر غير الاختصاص (وَمِنْهُمْ أُمَنَاءُ عَلَى وَحْيِهِ، وَأَلسِنَةٌ إلى رُسُلِهِ، وَمُخْتَلِفُونَ بِقَضَائِهِ، وَأَمْرِهِ) الوحي في الأصل أن يلقي الإنسان إلى صَاحبه شيئاً بالاستتار والاخفاء، ويكون بمعنى الكتابة والاشارة والرّسالة والإلهام، والاختلاف
ص: 177
التّردد ومنه الحديث: (من اختلف إلى المسجد أصاب احدى الثمان)(1)، والقضاء في الأصل القطع والفصل وقضاء الشيء أحكامه وامضاؤه والفراغ(2)[منه](3)ويكون بمعنى الخلق، وقال الازهري(4)القضاء في اللغة على وجوه مرجعها إلى انقطاع الشيء وتمامه وكلّ ما احكم عَملهُ أو أتّم أو ختم أو أدي(5)أو أوجب أو أعلم أو أنفذ أو أمضى فقد قضى(6)، قال وجاءت هذه الوجوه كلّها في الحديث والألسنة إلى الرّسل هم الذين أشارَ سبحانه اليهم بقوله عزَّ شأنه: «اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا»(7)، ولعلّ الاختلاف بالأمر والقضاء أعّم من آداءِ الرِسَّالة، فيحمل على غيره تحصیلاً للتقابل، قال بعض الشارحين(8): المراد بالقضاء الأمور المقضّية، يقال هذا قضاء الله [أي مقضي الله](9)، ولا يراد به المصدر، فإنّ معنى ذلك هو سطر ما كان وما یکون في اللّوح المحفوظ بالقلم الالهّي، وذلك قد فرغ منه كما قال
ص: 178
صلى الله عليه وآله: ((جفْ القلم بمَا هو كائن)(1)، وفيه نظر واضح (وَمِنْهُمُ الْحَفَظةُ لِعِبَادِهِ، وَالسَّدَنَةُ لِأَبْوَابِ جِنَانِه) يمكن أن يكون الحفظة للعبَاد غير الحافظين عليهم الذين أشار سبحانه اليهم بقوله: «وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ ٭ كِرَامًا كَاتِبِينَ ٭ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ٭»(2)وهم المشار اليهم بقوله تعالى: «لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ»(3)أي بأمر الله / ظ 11 / من أن يقع في ركن، أو يقع عليهِ حائط، أو يصيبه شيء حتى إذا جاء القدر خلو بينه وبينه يدفعونه إلى المقادير وهما مَلكان يحفظانه بالليل(4)، وَملکان بالنّهار يتعاقبانه. هكذا ورد عن أبي جعفر (عليه السّلام) وعن أبي عبد الله (عليه السّلام) إن الآية إنّما نزلت (يحفظوُنه بأمر الله)(5) وفسرت الحفظة في هذه الآية بالكتبة، وقال في مجمع البيان: ((روي ذلك عن أئمتنا (عليه السلام)))(6)، ويمكن أن يكون المراد بها في كلامه (عليه السّلام) هم الكرام الكاتبون بتقدير مضاف وربما فهم من بعض الأخبار اتّحاد الكتبة والحفظة والسّدنة لأبواب الجنان هم المتولّون لأمور الجنان وفتح الأبواب وإغلاقها، وأصل السّدانة في الكعبة وبيت الاصنام. ((وَمِنْهُمُ الثَّابِتَهُ فِي الْأَرَضِينَ السُّفلَى
أَقْدَامُهُم)) في بعض النسخ (في الأرض أقدامهم) وهو أظهر والجمع على ما في
ص: 179
الأصل أما باعتبار القَطعات والبقاع، أو لأنَّ كلا من الأرضين السبع موضع قدم بعضهم والوصف على الأوّل بالقياسِ إلى سائر الطّبقات وعلى الثاني بالقياس إلى السّماء، وَسيجيء بيان تعدد الأرضين وكونها سبعاً ان شاء الله تعالى. ((وَالمَارِقَةُ مِنَ السَّمَاءِ الْعُلْيَا أَعْناقُهُمْ، وَالْخَارِجَةُ مِنَ الأَقْطَارِ أَرْكَانُهُمْ،
وَالْمُنَاسِبَةُ لِقَوَائِمِ الْعَرْشِ أكتَافُهُمْ(1))) المروق كالخروج لفظاً ومعنىً، يقال: مرق السَّهْمُ من الرّميّة إذا خرج من الجانب الآخر(2)، وسمّيت الخوارج مَارقة لقوله (صلى الله عليه وآله): ((إنَّهُم يَمرُقون من الدّين كما يَمْرقُ السّهم
من الرّمية))(3)وهي فعلية بمعنى المرميّة وتفسيرها بالقوس کما وقع لبعض الفضلاء لعلّه لتوهُّمِهَا الرَّمْية بسُكون الميم وتأويل الخروج منها بالخروج من القوس أو حملها بمعنی ما یُرمی به، والأقطار: الجوانب(4)، وأركانهم جوارحهم التي يقومون بها ويستندون اليها، ولعل مناسبة أكتافهم لقوائم العرش قربها منها أو انّها تشبهها في العظم وقائمة الشيء ما يقوم به والجمع کالمفرد بالهمزة دون الياء(5)على القياس ويمكن أن يكون الموُصوُفون بهذه الصّفات هم الحملة ويناسبهُ هذه المناسبة (نَاكِسِةٌ دُونَهُ أَبْصَارَهُمْ، مُتَلَفِّعُونَ تَحْتَهُ بِأَجْنِحَتِهِمْ، مَضْرُوبَةٌ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَنْ دُونَهُمْ حُجُبُ الْعِزِّةِ، وَأَسْتَارُ الْقُدْرَةِ)
ص: 180
((النّاكس المطأطئ رأسه))(1)، وفي اسناده إلى الابصار دلالة على عَدمِ التفاتهم في النكس يميناً وشمالاً، والضّمير في (دونه وتحته) راجع إلى العرش، واللفاع ثوب يجللّ به الجسد كلّه كساء كان أو غيره، وَتلّفع بالثوب اذا اشتمل به(2)، والمراد بمن دونهم أمّا بعض الملائكة أو البشر أو الجنّ أو الأعّم، [وناكسة ومضروبة بالرفع على ما في بعض النّسخ وفي بعضها بالنّصب، ومتلفعين بالياء](3).
(لاَ يَتَوَهَّمُونَ رَبَّهُمْ بالتَّصْوِيرِ، وَلاَ يُجْرُونَ عَلَيْهِ صِفَاتِ المَصْنُوعِينَ، وَلاَ يَحُدُّونَهُ بِالْأَماكِنِ، وَلاَ يُشِیرُونَ إِلَيْهِ بِالنَّظَائِرِ) لعل [...](4)المراد تقديس الملائكة عن اثباتهم لوازم الجسمّية والامكان له سبحانه صريحاً وتوبيخ المشبهّين من البشر ضمنا، والنظّائر جمع نظيرة وهي المثل والشّبه في الاشكال، والاخلاق، والاقوال، والافعال(5)، (والنظّير: المثل في كلّ شيء)(6)وفي بعض النّسخ (لا يشيرون اليه بالنّواظر) أي بالأبصار أي لا يجوزون عليه الرّؤية وفي بعضِها بالمواطن أي الامكنة.
ثُمَّ جَمَعَ سُبْحَانَهُ مِنْ حَزْنِ الأَرْضِ وَسَهْلِهَا، وَعَذْبِهَا وَسَبَخِهَا، تُرْبَةً
ص: 181
سَنَّهَا بِالْمَاءِ حَتَّى خَلَصَتْ، وَلاَطَهَا بِالْبَلَّةِ حَتَّى لَزَبَتْ)، الحَزَن بالفتح المكان الغليظ الخشن والحُزونة بالضّم الخشونة(1)، والسّهل ضدّه، والعَذب بالفتح الذي لا ملوحة فيه، والسبخة الأرض التي تعلوها الملوحة ولا تكاد(2)تنبت / و12 / إلا بعض الشجر(3)، وسّنَّ الماء بالمهملة صّبه من غير تفريق، وأمَا الصّب المتفرق المنقطع فهو الشن بالمعجمة(4)قالوا في قوله تعالى: «مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ»(5)المسنُون المتغيرّ(6)، ومنه قوله تعالى: «فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ»(7)في بعض التّفاسير، وقيل: المصُبوب(8)، وقيل: المحكوكَ من سَنَّ الحجر إذا احكمه(9)، والأظهر(10)في كلامه (عليه السلام) مَا ذكرناه أوّلًا، وقالَ بعض](11)الشّارحين:((سّنها بالماء أي ملّسَها))(12)، واستشهد(13)بقول عبد الرّحمن بن حسان(14)، وقد حكاهُ الجوهري قال: إنّ يزيد بن معاوية قال
ص: 182
لأبيه: ألا ترى عبد الرّحمن بن حسَان يُشَبب باْبنَتِكَ؟ فقال معاوية: وما قالَ؟: قالَ: قال:
هي زَهْراءُ مِثل لُؤلُوءة اْلغَوّاصِ ٭٭٭ ميُزَتْ مِنْ جَوْهَرٍ مَكْنُونٍ(1)
فقال معاوية: صدق. فقال يزيد: وإذا مَا نَسْبتَها لَم تَجِدْها فِي سَناءٍ مِنَ اْلمَكارِمِ دُوْنٍ، قال: وصدق، قال: وأين قوله: ثُمَّ خَاصَرْتُها إلى اْلقُبَّةِ اْلخَضْراءِ
تمشي في مَرْمَرٍ مَسْنُونٍ فقال معاوية: كذب(2)، قوله خاصرتها بالخاء المُعجمة والصّاد المُهْملة، قال في العين: ((فُلانٌ مُخاصِر فلانٍ أي اخذ بيده في المشي بجنبه))(3)، ثم ذكر البيت، وخلصت [كنصرت](4)أي صارت طينة خالصة، وفي بعض النسخ (حتی خضلت) [كفر حت](5)بتقديم الضّاد المعجمة على اللاّم أي أبتلّت(6)يقال: ((بکوا حتى اخضلوا لحاهم أي بلّوها بالدّموع))(7)ولعلّه أظهر، (ولاطها بالبلْة) أي جعلها ملتصقاً بعضها ببعضٍ بسبب البلة،
ص: 183
ويقال: لاطَ الشيء بقلبي أي لصق به(1)، ولَزَبت بالفتح أي لزقت(2)، قال الله تعالى: «إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ»(3).
قيل اللاَّزب واللاَّزم بمعنى أبدلت من الميم الباء، (وقال ابن عبّاس: اللاّزب المُلتصق من الطّين الحّر الجيّد)(4)، (فَجَبَلَ مِنْها صُورَةٌ ذَاتَ أحْنَاءٍ وَوُصُولٍ، وَأعْضَاءٍ وَفُصُولٍ) جَبَل بالفتح أي خَلَقَ(5)، والأحناء الأطراف جمع حنو بالكسر، والوصول هي الفصول باعتبار (أَجْمَدَهَا حَتَّى اسْتَمْسَكَتْ، وَأَصْلَدَهَا حَتَّى صَلْصَلَتْ، لِوَقْتٍ مَعْدُودٍ، وأجلٍ مَعْلُومٍ) أي جعلها جَامدة حتّى يكون أجزاؤها لازقة بعضها ببَعْض فلا يتفرق بسهولة، وأصلدهَا أي جعلها صلبة والصلد من الحجر ((الصلب الاملس))(6)، وصلصلت أي صارت صلصالاً، قال الله تعالى: «وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ»(7)قال أبو عبيدة: ((الصّلصال الطّين الحر خلط بالرمّل فصار يتصلصل إذا جفّ، فإذا طبخ بالنّار فهو فخار))(8)، ويتصلصل أي يصّوت، قيل: كانت الريح إذا مّرت به سمع له صلصله، فلذلك سمّاه الله تعالى صلصالاً، [وقيل الصلصال المتغّير](9)، وقيل الصّلصال الطّين اليابس
ص: 184
يصلصل أي يصّوت إذا نقر(1)، واللّام في قوله (عليه السّلام) (لوقت) يحتمل أن يتعلق بمحذوف أي كائنة لوقت فينفخ(2)حينئذ روحه فيه، ويحتمل تعلّقه ب(جبل) أي خلق هذه الصّورة لوقت نفخ الروح أو ليوم القيامة ويمكن أن يكون الوقت مّدة الحياة، وَالأجل منتهاها، أو يوم القيامة، ووصف الوقت بالمعدود باعتبار الاجزاء.
(ثُمَّ نَفَخَ فِيهَا مِنْ رُوحِهِ) إضافة الروّح إلى ضميره سبحانه للّتشريف المفهوم من الاختصَاصِ كبيت الله کما صرحت به الرّواية، وفي بعض الرّوايات في الجواب عن كيفيّة(3)هذا النّفخ أن الرّوح متّحرك كالريّح مجانس لها، وإنّما اشتق اسمه منها وظاهرهَا كغيرها تجسّمُ الرّوح والأقوال في حقيقته متكثرة لا يسع المقام تفصيلها وأدّلة تجرده لا تخلو عن كلام (فَمَثّلَتْ إِنْسَاناً ذَا أَذْهَانٍ يُجِيلُها، وَفِكَرٍ يَتَصرَّفُ فيها(4)، وَجَوارِحَ يْخَتَدِمُهَا، وَأَدَوَاتٍ يُقَلِّبُهَا) مثلت بضم المثلْثة كما في النسخ ويكونُ بفتحها أي قامت منتصبة، ويقال: مثل إذا زال عن موضعه، والفاعل ضَمير الصّورة، و(إنساناً) منصوب على الخبرية بتضمين الفعل معنى الناقصة كما قيل في قوله تعالى: «فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا»(5)أو(6)الحالية كما قيل في مثله، وفي بعض النّسخ فمثلت بتشديد
ص: 185
المثلثّة على صيغة المؤنث المجهُول قال ابن الاثير: تقول(1): مثلت بالتخفيف والتّثقيل؛ إذا صورت / ظ12 / مثالاً، ومنه الحديث: رأيت الجنّة والنار ممثلين في الجدار(2). والإنسان على قول الجوهري هو: ((الانس)(3)أي ((البشر))(4)بزيادة الالف والنّون، قال: ويجمع على أناسي (فتكون)(5)(الياء عوضاً عن النّون وتقدير إنسانٍ فعلان، وإنّما زيد في تصغیره یاء کما زيد في تصغير رجل فقيل رویجل(6)، وقال في العين: ((سّمى الإنسان من النسيان والإنسان في الأصل إنسیان؛ لأنّ جماعته أناسي وتصغيره إنيسيان))(7)ترجع المدّة التي حذفت وهو الياء وكذلك إنسان العين جمعه أناسی(8)قال: ((أناسُيّ مَلحُودٌ لها في الحَواجب(9)))(10)يَصِفُ إبلًا غارَتْ عيونها من التعب والسّير، وقال الزوزني(11)
ص: 186
أناسي جمع إنسان العين مشدّد والآخر يخفف(1)ويشدّد، وفي التبّيان عن ابن عبّاس أنه ((انّما سّمى إنساناً لأنّه عُهِدَ اليه فنسی))(2)، قال تعالى: «وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا»(3)ويدلّ عليه رواية الصّدوق(4)(رضي الله عنه) في العلل(5)ورواية معاني الأخبار وفيها أنَّ ((معنى النساء انهنَّ انس للرّجال))(6)، والذّهن الفطنة والحفظ، ولعلّ المراد بالأذهان هاهنا القوى المُدركة أو الجمع لتعدّد المتعلّقات، والإجالة الادارة والتحريك والفكر جمع فِكرة بالكسر وهي الاسم من التّفكر التّأمل، وفي بعض النّسخ (يتصّرف بها)(7)، فيمكن أن يراد بالفكر القوى أو المبادئ و(يختدمها) أي يستخدمها والأدوات الجوارح فالفقرة كالتفسير لسّابقها أو أعمّ منها ومن القوى (وَمَعْرِفَةٍ يَفْرُقُ بَهَا بَيْنَ الْحَقّ وَالْبَاطِلِ، وَالْأَذْوُاقِ وَالْمَشَامِّ، وَالْأَلوَانِ وَالْأَجْنَاسِ) يُفَرُق بضم الراء من قولهم: فرقت بين الشيئين افرق
ص: 187
فرقاً وفرقانا، وفي بعض النّسخ (يفرّق) بالتشديد، والأذواق جمع ذوق وهو في الأصل اختبار الطّعم، ولعلّ المراد الطّعوم والمشام الرّوائح، والمراد بالمعرفة أمّا إدراك النّفس النّاطقة بناء على أنها هي المدركة مطلقاً أو أعمّ من إدراكها أو إدراك القوى الجزئية فالوحدة جنسّية. (مَعْجُوناً بطِينَةِ الْأَلوَانِ المُخْتَلِفَةِ، وَالْأَشْبَاهِ الْمُؤْتَلِفَةِ، وَالْأَضُدَادِ اُلْمُتَعَادِيَةِ، وَالْأَخْلَاطِ الْمُتَبَائِنَةِ(1)مِنَ الْحَرِّ وَالْبْرَدِ،
وَالْبَلَّةِ وَالْجُمودِ، والمَساَءَةِ والسُّرُو(2)معجوناً صفة لقوله (عليه السّلام): إنساناً أو حالٌ عنه، والطّينة أخّص من الطّين وطينة الإنسان خلقه وجبلّته والظّاهر أنّ المراد بالألوان الأنواع، والبِلّة بالكسر النّداوة، والاخِلاط جمع خِلط بالكسر وهو كل ما خالط الشيء وأخلاط الإنسان أمزجته(3)الأربعة، والظّاهِر أنّ البيان للّمجموع [مجملاً](4)(وَاسْتَأْدَى اللهُ سُبْحَانَهُ وتعالى(5)الْمَلائِكَةَ وَدِيعتَهُ لَدَيْهِمْ، وَعَهْدَ وَصِيَّتِهِ إِلَيْهِمْ، في الْإِذْعَانِ بِالسُّجُودِ لَهُ،
وَالْخنوعِ(6)لِتَكْرِمَتِهِ) استأدى وديعته أي طلب اداءها، والعهد المعهود المعروف الذي عاهدوا عليه أو الوصّية ومنه العهد الذي يكتب للُولاةِ وعهدت إليه أي أوصيته، أو رعاية الحرمّة والحفاظ، والإذعان الذل والخضوع وكذّا
ص: 188
الخنُوع والتكرمة مصدر [کرّمه](1)كالتكريم ولكن التفعيل في غير النّاقص قیاس مطرد والتفعلة كثيرة لكنها مسموعة وكذا في المهمُوز اللاّم نحو تخطئة، وتهنئة، وعن سيبويه(2)أنّ تفعله لازم في المهمُوز اللّام(3)كما في النّاقص(4)وتكون(5)التكرمة للموضِع الخاص لجلوس الرّجل من فراش أو سرير ممّا يُعَدَ لاكرامه، وودیعته سبحانه مَا أشار اليه بقوله عز وجل: «إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ ٭ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ»(6)وكان ذلك بعدَ مَا أفسد بنو الجانّ في الأرض، فطهرها الله منهم وعهد إلى الملائكة في آدم (عليه السّلام) قبل خلقه کما ورد في الخبر و13 / (فَقالَ: «اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ»(7)وَقَبِيلَهُ) اختلفوا في هذا السّجود بعد الإجماع على انّه ليس للعبَادة فقيل كان آدم (عليه السّلام)
ص: 189
كالقبلة وهو عبادة لله، وقيل السّجود هو الخضوع والانقياد، قال (تَرىَ الأكُمَ فِيْها سُجّداً لِلْحَوافِرِ)(1)[أي](2)الجبَال الصّغار كانت مذّللة لحوافر الخيُول ومنه قوله تعالى: «وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ»(3)، وقيل كان تعظيمًا لآدم (عليه السّلام) وتكرمة له وهذا هو المطابق للأخبار ولكلامه (عليه السّلام)، واختلفُوا أيضاً في أنّ إبليس هل كان من الملائكة أم لا، والمشهور بين أصحابنا واليه ذهب الشيخ المفيد(4)(رضي الله عنه) إنّه لم يكن من الملائكة بل كان من الجنّ قال: وقد جاءت به الأخبار متواترة عن أئمة الهُدى (سلام الله عليهم أجمعين) وهو مذهب الإمامية(5)واختار(6)شيخ الطَائفة في التّبيان أنه منهم قال: (وهو المروىّ عن أبي عَبْد الله (عليه السلام) والظاهر في تفاسيرنا)(7)، والأظهر في مقام الجمع بين الأدلة والروايات كما
ص: 190
يستفاد من بعض الأخبار أنه كان منهم بالولاء وكان بينهم بعد إهلاك بني الجانّ، وفي بعضها أنّ الملائكة كانت ترى أنه منهم وكان الله سبحانه يعلم أنه ليس منهم فلّما أمر بالسّجود لآدم ظهر أنه لم يكن منهم، ثم أنّ الظاهر من كلامه (عليه السّلام) أنّ إبليس كان له في السّماء نسل وذرّية والذي يظهر من الأخبار أن الملائكة بعد إهلاك الجان صعدوا به وحده فليس اتباعه إلا من نسله، فيمكن أن يكون عدم التعرض لقبيله في الأخبار بناء على عدم الاعتناء، ويحتمل على ظاهر بعض الاخبار من أنّ حدوث الذّرية له كان [...](1)بعد اهباطهِ إلى الأرض أن يكون المراد بقبيله طائفة خلقها الله تعالى في السّماء غير الملائكة، وقد فسّر القبيل بالجنود والأعوان كما فسّر بالنّسل والذرية، ويمكن أن يكون إسناد الاباء من السّجدة إلى القبيل من قبیل إسناد العقر إلى ثمود وسيجيء في كلامه (عليه السّلام) (أيّها ألنّاس إنَّما يجمع النّاسَ الرّضَا والسّخطُ وإنما عقر ناقة ثمود رجل واحد، فعمّهم الله بالعذاب لمَا عمّوه بالرّضَاء، فقال سبحانه: «فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ»(2)، والقبيل في الأصل الجماعة تكون من الثلاثة فصَاعداً من قوم شتى مثل الروم والزنج والعرب فإن كانُوا من أبٍ واحدٍ فهم قبيلة وجمع القبيل قُبُل بضمتين، والقبيلة قبائل(3)، قال الاخفش في قوله تعالى: «وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا»(4): ((أي قبيلًا قبيلاً))(5)((اُعْتَرَتُهْمُ الْحَمِيَّةُ، وَغَلَبَتْ عَلَيْهِمُ الشَّقْوةُ، وتَعَزُّزُوا بِخِلْقَةِ النَّارِ،
ص: 191
وَاسْتَوْهَنُوا خَلْقَ الصُّلْصَالِ) اعترا(1)أي غشيه وقصده، ((الحمّية: الانفة والانكار))(2)، [...](3)يقال: فلان ذو حّميةٍ إذا كان ذا غضب وأَنَفة، والشِقوة بالكسر نقيض السّعادة(4)والفتح لغةً فيه(5)وفي النسخ بالکسر، والتعزز التكبر وحُدَ التكبر برفع النفس إلى منزلة لا تستحقها واستوهنه أي عده وهناً ضعيفاً وقد مرَّ تفسير الصلصال (فَأَعْطَاهُ اللهُ النَّظِرَةَ اسْتِحْقَاقاً لِلسَّخْطَةِ،
وَاسْتِتْمَاماً لِلْبَلِيَّةِ، وَإِنْجَازاَ لِلْعِدَةِ فقالَ: «إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ ٭ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ»(6)النَّظِرة بفتح النّون وكسر الظاء المعجمة (( التأخير والامهال))(7)، للسّخطة بالسّكون ((الغضب))(8)والبليّة والبلاء والبلوى واحد ويكون في الخير والشر(9)والابتلاء الامتحان والاختبار واستتمام البلّية واتمامها وتتميمها بمعنى، العِدة بالكسر الوعد والهاء عوض عن الواو وإنجار الوَعْد احضاره، ولعل المراد بانجار العدة أن يعطيه ما وعده من الثواب على عبادته فاستجاب دعوته لما سأل الله الانظار بقوله: «رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ»(10)، وقول
ص: 192
بعض الشارحين: معناهُ أنَّ الله تعالى قد وعده الابقاء(1)، لا يخلو عن بعد، ويحتمل على بعد أن يراد بالعدة مَا وعد الله في عمله، أو اطلع عليه بعض ملائكته من ثواب المُحسْنين وجزاء المسيئين [بعد الابتلاء ](2)بفتنة إبليس وحينئذ فَالسخطة والبليّة والعدة يعّم إبليس وسَائر المكلفين، ويوم الوقت المَعلوم، أمّا يوم القيامة كما يظهُر من بعض الرّواياتِ، أو يوم نفخ / ظ13 / الصّورُ مَا بين النّفخة الاوَلى والثّانية كما ورد في بعضها، أو يَوْم يذبحه رسول الله (صلى الله عليه وآله) على الصّخرة التّي في بيت المقدس کما في بعضها، ولا منافاة بينها لجواز أن يراد بالانظار تأخير العذاب إلى يَومْ الدّين وعدم المُعاجلة في الدّنيا وأن يذبح مَا بين النّفختين، ولعلّ يوم الوقت معلومُ لله سبحانه من أعلمه إيّاه لا لأبليس فاندفعَ ما يتوهم من أنه اغراء بالقبيح؛ لأنه إذا علم المكلف آخر أجله أقدم على المعصية بقلب فارغ، فإذا قرب الأجل تاب فيقبل(3)اللهُ توبته على أن قبول التّوبة في إبليس ممنوع، وقيل: انّما يتم الاغراء لو جاز منه التوبة وقد علم الله انّه لا يتوبُ للاصرار أو النّسيان أو معلوم له بأنّه يوم المجازاة. (ثُمَّ اَسْكَنَ سُبحَانَهُ آدَمَ دارَاً أَرغَدَ فِيهَا عِيشَتَهُ، وآمَنَ فِيهَا مَحَلَّتَهُ) أرغد عشيتَهُ أي جعلها رَغَداً وهو الواسِع الطّيب الذّي ليس فيه عناء وتعب والعيش الحياة، والعِيشة بالكسر الحالة التي يستمر بها الحياة، وفي بعض النسخ (عَيشَهُ)(4)بالفتح بدون التاء، والامن ضدّ الخوف
ص: 193
والمحلة مصدر قولك: حلّ بالمكان، والتعليق تجوز، والمراد بتلك الدّار الجنَة واختلف في أنها هل كانَتْ في الارض أم في السّماء؟ وعلى الثاني فهل [هي](1)جنّة الخلد أم غيرها؟ والأدلة لا تخلوا عن تعارض والتّفصيل في حدائق الحقائق(2)(وحذّره اِبِلْيِسَ وَعداوَتهِ) كما قال تعالى: «قُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى» (3)(فَاغْتَرَّهُ عَدُوُّهُ نَفَاسَةً عَلَيهِ بِدَارِ الْمُقَامِ، وَمُرَافَقَةِ الْأَبْرَارِ، فَبَاعَ الْيَقِینَ بِشَكِّه، وَالْعَزِيمَةَ بِوَهْنِهِ) اغتر أي طلب غفلته وأتاه على غرة منه والغِرة [بالكسر](4)(الغفلة)(5)، واغتر فلان بالشيء أي خُدع به(6)، ونَفِسْتُ عليه الشيء وبالشيء بالكسر نَفاسَته بالفتح إذا لم تره له أهلاً، ونفست به أيضا بالكسر أي تجلت به، والمقُام بالضم مصدر أقام اقامة، ولا مقام لكم أي لا اقامه لكم ويكون للموضع أيضاً(7)، وهذا الكلام يشعر بأنّ جنّته كانت جنّة الخلد، ولعل المراد بالأبرار الملائكة، والعزيمة والعزم في الأصل توطين النفس على الفعل والقطع عليه ويستعمل بمعنى الجد والصّبر والثبات على الأمر والقوّة(8)، والوهن هو ((الضّعف))(9)وهذا البيع كان بالأكل من الشجرة واختلفت الأقوال والأخبْار في الشجّرة و
ص: 194
وجه الجَمْع ما يدل عليه رواية(1)الهروي عن الرّضا (عليه السّلام) من أنهّا تحمل أنواعاً(2)، وظاهر هذا الكلام كغيره من الآيات وَغيرهَا صدور المعصية عن آدم (عليه السّلام) وذلك عمدة ما استند به المخطئوُن لأنبياء الله (عليهم السّلام)، وقد بسطنا القول في إزالة شبههم في حدائق الحقائق(3)(وَاسْتَبْدَلَ
بِالجَذَلِ وَجَلاً، وَبِالِاغْتِرَارِ نَدَماً) جذل كفرح لفظاً ومعنی(4)جذلًا محركة، والوَجَل بالتحريك ((الخوف))(5)، وعن الصّادق (عليه السّلام) إنّ آدم (عليه السّلام) بکی على الجنّة حتّى صار في خديه مثل الأودية(6)(ثُمَّ بَسَطَ اللهُ سُبُحانَهُ لَهُ في تَوُبَتهِ، وَلَقّاهُ كَلِمَةَ رَحمَتَهَ) بسط له أي وسع عليه وفي أسّماء الله الباسط؛ لأنه يبسط الرّزق لعباده ويوسّعه عليهم وويوسع عليهم الأمر بعد الضّيق ونقلهم من العسر إلى اليسر(7)، والضمير في توبة أمّا راجع إلى آدم (عليه السّلام) كالضمير في له أو اليه سبحانه کالضّمير في رحمته وكلمة (في) للظّرفية(8) المجازية، أو للّسببية وهي راجعة اليها، (ولقاه كلمة رحمته) أي استقبله بها بتعليمه إيّاها، يقال: لقي زيد خيراً فيعدّى إلى مفعول واحدٍ، فإذا ضُعّفت العين عدّى إلى المفعولين، قال الله تعالى: «وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا»(9)
ص: 195
والكلمة تقع(1)على القليل والكثير(2)، يقولون: قال امرؤ القيس في كلمته أي قصيدته، فافرادها لا ينافي لفظ الجمع في قوله تعالى: «فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ»(3)، وقد ورد في الكلمات روايات / و14 / وفي عدّة منها أنّه توسل بالخمسة أصحاب الكساء(4)، وفي رواية في تفسير قوله تعالى: «فَأَتَمَّهُنَّ»(5)يعني (الى القائم (عليه السّلام) أثنی عشر امّاماً تسعة من ولد الحسين (عليه السّلام))(6)(ووعَدَهُ المَرَدَّ إلى جنَّتهِ) المردّ هو الرد وظاهره أنّ جنَّة آدم (عليه السّلام) هي جنّة الخلد، ولو تْم الدّليل على خلافة لا يأبی عن التّأويل (فَاَهْبَطهُ إلى دَارِ اَلبَليَّةِ وَتَناسلِ الذرّيَّةِ) البليّة والبلوى والبلاء واحد ویکون في الخير والشْر وأصلها الامتحان والاختبار کما مّر(7)، وقد تخصّ بالشرّ ولا يأبى عنه المقام وإن كان التّعميم أظهر، والنّسل الولد وتناسلوا أي ولد بعضهم من بعضٍ(8)(وذرأ الخلق يّذْرءَهُم ذرءً أي خلقهم ومنه الذّرية وهي نسل الثقلين) إلا أنّهم تركوا همزها وقيل: (الذّرء مختصّ بخلق الذّرية)(9)، [والظاهر](10)من العطف أنّ الاهباط كان بعد قبول التوبة،
ص: 196
وبه قال بعض المفسرّين(1) ويطابقه(2)ترتيب الكلام في سورة طه(3)وغيرها(4)، لكنه خلاف ظاهِر(5)الأخبار، والمشهور بين المفسّرين وظاهر قوله تعالى في سورة البقرة(6)وهو أقوى من دلالة الترّتيب، ويمكن أن يكون المراد بالاهَباطِ في كلامه (عليه السّلام) إبقاءهُ في الأرض للتكليف والتّناسل(7) لا النّزول قبل استقرار الأمر ومهبطه (سرنديب)(8)على ما يظهر من بعض الاخبار(9)و(أبو قبيس)(10)أو الصّفا على ما يدّل عليهِ بعضها ويمكن الجمع بحمل بعضها على المَسكن وقد اتفقت كلمة اهل الملل قاطبة سوى المجوُس على أنّ أوّل البشر هو آدم (عليه السّلام)، وزعمت الفلاسفة ومن يحذو
ص: 197
حذوهم إلى أنّه لا أوّل لنوع البشر، والمجوس لا يعرفون آدم ونوحاً وأول البشر عندهم (کیومرث)(1)ولبعض الشارحين في هذا المقام حكاية تأويلات واهية تؤدي إلى ردّ القرآن وإنكار الاديَان ومن الله العصمة والتّأیید.
(وَاصْطَفَى سُبْحَانَهُ مِنْ وَلَدِهِ أَنْبِيَاءَ أَخَذَ عَلَى الْوَحْي مِيثَاقَهُمْ، وَعَلَى تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ أَمَانَتَهُمْ)، الاصطفاء والاجتباء والاختيار نظائر وهو افتعال من الصّفوة للاتخاذ، وصفوة الشيء مثلثة(2)خياره وخلاصته أي أتخذ الصفوة للنّبوة(3)، وهذا من تشبيه المعقول بالمحسوس شبه خلوصهم من النّقائص والفساد بخلوص الصاّفي من الكدر وسائر الادناسِ، والولد محركة وبالضّمِ والكسر والفتح واحد وجمع(4)وفي النسخ بالتحريك، وقول بعض الشّارحين أنّ الولد لا يقال على الواحد والجمع؛ لأنه مصدر في الأصل(5)، فاسد، والوحي في الأصل أن يلقي الإنسان إلى صاحبه كلاماً بالاستتار والاخفاء [کما مرّ](6)، ويطلق على وحي النّبوة والإلهام والإشارة والكتابة، والميثاق العهد مفعال من الوثاق وهو في الاصلِ حبل أو قيد يشدّ به الاسير
ص: 198
والدابة(1)، والرِّسالة بالكسر وبالفتح اسم من الارسال وهو((التّوجيه))(2)، وفي النسخ بالكسر [...](3)والامانة الأمان والثقة، ويكون بمعنى ضّد الخيانة وما ائتُمِنت عليه، وفي بعض النسخ (وعلى تبليغ الرّسالة ذمامَهُم) والذِّمام بالكسر ((الحرمة))(4)وهي مالا تهتك، ولعل المعنى أخذ على اداء الوحي منهم ميثاقاً وعلى التبليغ أماناً يوم الميثاق أو في غيره أو أكدّ عليهم القيام بما أمُروا به (لَمَّا بَدَّلَ أَكْثَرُ خَلْقِهِ عَهْدَ اللهِ إِلَيْهِمْ، فَجَهِلُوا حَقَّهُ، وَاتَّخَذُوا الأَنْدَادَ مَعَهُ) العَهْد ما عاهدوا عليهِ واقّروا بأن لا يزولوا عنه، أو الوصّية ويكون بمعنى الحفاظَ ورعاية الحُرمة والمراد بعَهدْ الله اليِهَمْ ما أشار [إليه](5)سبحانه بقوله: «وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ(6)قَالُوا بَلَى»(7)أو(8)ما وصّاهم به من اَلعملّ / ظ14 / بطاعته والاجتناب عن مساخطه قال الله تعالى: «أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ »(9)أو ما فطرهم عليه وركزه في عقولهم من القوة على معرفته والعلم بوجوب عبَادته وحق الله ما يجب على العباد القيام به وَينبغي الوفاء به، وجهله عدم العمل بمقتضاه أو إنكاره، وعدم معرفته،
ص: 199
والأندَاد جمع نِد بالكسر وهو مثل الشيء الذّي يضادّه في أموره ويقال: نادّه أي خالفهُ(1)، والكلام إشارة إلى وجه الحكمة الالهيّة في بعث الانبياء (عليهم السّلام).
(وَاُجْتَالَتْهُمُ الشَّياطِينُ عَنْ مَعْرِفَتِهِ، وَاقْتَطَعَتْهُمْ عَنْ عِبَادَتِهِ، فَبَعَثَ فِيهِمْ رُسُلَهُ، وَوَاتَرَ إِلَيْهِمْ أَنْبِيَاءَهُ) اجتالتهم أي أدارتهم واستخفتهُم فجالوا معهم في الضّلال يقال: جَالَ واجتال إذا ذهبَ وَجاء، ((واجتال الشيء إذا ذهبَ به وسَاقه، والجائِل الزائل عن مكانه))(2)ولمّا كانت المعرفة هي العهد والفطرة ومن شأنها الثبات عليها جعلها (عليه السّلام) مكانا لهم، والاقتطاع(3)الأخذ وفي الحديث أو ((يقتطع بها مال امرئ مسلم))(4)أي يأخذه لنفسه، وواتر اليهم أي أرسلهم متفرقين بينهم فترة وزمان، ومنه مواترة الصّوم أن تصوم يوماً وتفطر يوماً وتقضيه(5)وترا وتراً، وأتبع بعضهم بعضاً، كما روى عن ابن عباس(6)في قوله تعالى: «ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا»(7)، وقال في العين: المتواترة:(8)المتابعة(9)، وفي القاموس:
ص: 200
واتر أي ((تابَعَ))(1)وليَس کما ظنَّهُ الشارح عبد الحميد بن أبي الحديد(2)اقتصارا على ما في الصحاح(3)قالَ: وهذا ممّا تغلط فيه العَامة فتظنّه کما ظنّ القطب(4)الرّاوندي(5) أنّ المراد به المرادفة والمتابعة. (لِيَسْتَأْدَوهُمْ مِيثَاقَ
فِطْرَتِهِ، وَيُذَكِّرُوهُمْ مَنْسِىَّ نِعْمَتِهِ، وَيَحْتَجُّواَ عَلَيْهِمْ بِالتَّبْلِيغِ، وَيُثِیرُوا لَهُمْ دَفائِنَ الْعُقُولِ) استيداء(6)الميثاق المطالبة بما عاهدوا عليه وفطرة الله هي الملّة التي خلق الله الناس علَيها ولأجلها وأمرهُم بالتّمسك بها قال الله تعالى: «فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا»(7)، وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): كلّ مولوُد يولد على الفطّرة حتى يكون [...](8)أبواه هما اللّذان
ص: 201
یهودانه وينصّرانه ويمجّسانه(1)، أو ما سبق في يوم أخذ الذّرية والاشهاد، وقيل في تفسير الآية: المراد بالفطرة ما دّلهم عليه ابتداء خلقه للأشياء(2)؛ لأنّه خلقهم وركَبّهُم وَصورهم على وجه يدل على أن لهم صَانِعاً قادِراً عَالِماً حيّاً قدیماً واحدا لا يشبه شيئاً ولا يشبهه شيء وإضافة الميثاق يحتمل اللامية والبيانيَة ونسيان النّعمة ترك القيام بواجب شكرها والحجّة والبُرهَان والاحتجاج أقامته وفيه إشارة إلى قوله تعالى: «لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ»(3)، وثار الغبار إذا سطع وارتفع وأثارهُ غيره وأثارة الدفينة اخراجها والإضافة في دفائن العقول، أما بمعنى في أي العلوم الحقه والعقائد اليقينّية الكامنة في العقول لترك النظر في الدلائل والبراهين، أو بمعنى اللاّم أي العلوم التّي يمكنها استخراجها، فكأنها(4)لها أو بيانية والمراد بدفائن العقول [العقُول](5)المنغمرة(6) في الجهالات المُستترة بها واثارتها إزالة الشّبهة وإزاحة الجَهالات عنها وحينئذ يمكن أن يراد بالعقول الصُور العقلية (وَيُرُوهُمْ آيَاتِ الْمَقْدِرَةِ؛ مِنْ سَقْفٍ فَوْقَهُمْ مَرْفوعٍ، وَمِهَادٍ تَحْتَهُمْ مَوْضُوعٍ) المقدرة مثلثة(7)الدّال المقدرة أي القوة، وفي النسخ بالضم، وآية الشيء علامته، والسّقف سقف البيت واسم للسّماء والأوّل أنسب وان أريد بالسّقف السّماء،
ص: 202
والمِهاد بالكسر ((الفراش))(1)والموضع يهيأ للصّبي واسم للأرض أيضا(2)، والوَضْع مقابل الرفع واراءة الآيات التنبيه على دلالتها وهي كالبَيان لإثارة دفائن العقول ویمکن / و15 / تعميم الأوّل على بعض الوجوه. (وَمَعَايِشَ تُحْيِيهِمْ، وَآجَالٍ تُفْنِيهِمْ، وَأَوْصَابٍ تُهْرِمُهُمْ، وأَحْدَاثٍ تَتَابَعُ عَلَيِهُم) المعايش جمع معيشة وهي ما تعيش بها من المطعم والمشرب وما يكون به الحياة، والعيش الحياة وَالعيش الهنئ أن يأتيك الرّزق من غير كدّ وتعب، والياء في معايش لا تقلب همزة في الأكثر(3)وكذا كلّ ما وقع بعد الف الجمع فيه واو أو ياء لیست بمدة زائدة سواء كانت أصلية كما في مقاوم ومرایب، أو زائدة للإلحاق کجداول وعثائر، فيبقى على حالها وإن كانت الواو والياء مدّة زائدة في المفرد قلبت همزة کما في تنائف وكبائر وكذا في صيغة فاعل ممّا أعلّ فعله نحو قائل وبائع بخلاف نحو عاور، وقد يهمز معایش(4)تشبيهاً لمعيشة بفعلية(5)وكذا قد يهمز المنائر في جمع منارة تشبيهاً لها بفعاله، والفصيح المناور والتزم الهمز في مصائب تشبيهاً لمُصيبة بفعيلة(6)، ومنهم من يرى الهمز في معائش لحناً
ص: 203
واسناد الاحياء إلى المعائش(1)من قبل الإسناد إلى السبب العادي، ولعلّ المراد بالإحياء إبقاء الحياة، والأَجَلُ: غاية الوقت ومدّة الشيء(2)وإفناء الأول بالبلوغ، والثاني بالإنقضاء والإسنّاد من قبيل الإسنّاد إلى المقارن، والأوصّاب الأمراض جمع وصَب بالتحريك(3)، والهرم محركة ((أقصى الكبر))(4)يقال: هرم کفرح واهرمه الدّهر، وقيل ولعلّ المراد به لازمة من الوهن والضّعف وأحداث الدّهر نوائبه التّي تحدث يوماً فيوماً، وَالتتابع التّوالي والكلمة في النسخ بحذف أحدى التائين (وَلَمْ يُخْلِ اللهَ سُبحانَهُ خَلْقَهُ مِنْ نّبيٍ مُرْسَلٍ، أَوْ كِتَابٍ مُنَزَلٍ، أَوْ حُجَّةٍ لاَزِمَةٍ، أَوْ مَحَجَّة قَائِمَةٍ) النّبي بالهمز من النباء وهو الخبر؛ لأنّ النبي مخبر عن الله سبحانه وبلا همز وهو الأكثر وهكذا في النسخ أمّا تخفيف من المَهمُوز بقَلْب الهمزة ياء، أو لأنَّ أصله من النَبْوة بفتح النون وسكون الباء أي الرفعة؛ لأن النبي مرفوع الرتبة على غيره من الخلق(5)، وقد سبق في شرح خطبة الكتاب الفرق بين النبي والمرسلِ والتّوصيف من قبيل التخصيص أو تأكيد على الترادف(6)، والحجّة ((البرُهان))(7)ولزومُها كونها بحيث لاترفع، والمراد بها الإمام المنصوص عليه، والمحجة ((جادة الطّريق))(8)، والقائمة الدّائمة
ص: 204
المستمرة التّي لا يترك(1)العمل، والمراد بها الشريعة والترديد لمنع الخلو کما اشعر به کما أول الكلام.
(رُسُلٌ لاَ تُقَصِّرُ بِهِمُ قِلَّةُ عَدَدِهِم، وَلاَ كَثْرَةُ الْمُكَذِّبِینَ لَهُمْ) أي: هم رسل كذلك و((التقصير في الامر: التواني فيه))(2)وقصرّ به أي جعله مقصراٌ، وفي بعض النسخ (يقصر) بالياء المثناة من تحت.
(مِنْ سَابِقٍ سُمّي لَهُ مَنْ بَعْدَهُ، أَوْ غَاِبرٍ عَرَّفَهُ مَنْ قَبْلَه) الغابر الماضي والآتي وهو من الأضداد(3)والمراد الثّاني بقرينة السّابق أي من نبي سابق عرف من يأتي بعدّهُ ببيان الله أو متأخر عرفه وبيّنه للنّاسِ نبي قبله کما بشر عیسی (علیه السلام) بنبينّا (صلى الله عليه وآله)، ويمكن أن يكون الفاعل في عرفه الضّمير الرّاجع إلى الله سبحانه أي متأخر بين الله له من كان قبله من الأنبياء (عليهم السّلام) وهذا أنسب بالقرينة السّابقة من وجه (عَلَى ذلِكَ نَسَلَتِ الْقُرُونُ، وَمَضَتِ الدُّهُورُ، وَسَلَفَتِ الآبَاءُ، وَخَلَفَتِ الْأَبْنَاءُ)، قال بعض الشّارحين: (نسلت القرون أي ولدت))(4)، وقال بعضهم(5): ((أي درجت(6)ومضت مأخوذة(7)من نَسل ريش الطَائر ونسل الوبر اذا وقع))(8)
ص: 205
وسقطَ، والأظهر انّه من قولهم: نسل في العَدْو ينسل كيضرب إذا أسرَعْ(1)قال الله تعالى: «وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ»(2)، والقرن ((الوقت من الزّمان))(3)، وقيل: عشرة، وقيل: عشرون وهكذا إلى ثمانين، وقيل مائة [سنةٍ](4)،(5)[قالوا: مسح رسول الله رأس غلام وقاْل: عِش قرناً، فَعاشَ مائة سنةٍ(6)، وقيل: مائة وعشرون سنة(7)](8)والدّهر ((الزّمان / ظ15 / الطّويل))(9)، أو الزّمان مُطلقاً أو ألف سنة، وسلف مثل طلب أي ((مضی))(10)، وسلفُ الرجل أباؤه [وقرابته](11)المتقدّمون، والخلف بالتسكين والتحريك من يجيء(12)بعد من مضى وخلف أي بقی، قال الله تعالى: «خَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ»(13)(إلَی أَنْ بَعَثَ اللهُ
ص: 206
سُبْحانَهُ مُحَمَّداً (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلهِ)(1)لِإنْجازِ عِدَتِهِ، وَتمْامِ(2)نُبُوَّتِهِ) البَعْث: ((الإرْسَال))(3)، وسمى نبيّاً محمداً (صلى الله عليه وآله) تعليمًا، أو الهاماً من الله تعالى، وتفاؤلاً بحمد الخلق له لكثرة خصاله الحميدة، وقیل لجدّه عبد المطلبّ، وقد سّماه يوم سابع ولادته لموت أبيه قبلَها سّميت أبنك محمداً وليس من أسماء آبائك ولا قومك، فقال: رجوت أن يحمد في السّماء والارضِ، وقد حَقق الله رجاءه، والعدة الوعد، وإنجازه إحضارهُ، والضمير راجع إلى الله [سبحانه](4)أمّا في نبوّته، فقال بعض الشّارحين: إنه راجع إلى محمّد صلی الله عليه وآله(5)، ولعلّ الأولى إرجاعه أيضاً إلى الله سبحانه أي بعثه ليتم به النّبوة ويختمها به (مَأْخُوذاً عَلَى النَّبِيَّین مِيثَاقُهُ، مَشْهُورَةً سِمَاتُهُ، كَرِيماً مِيلَادُهُ) الشهرة وضوح الامر، والسمة ((العلامة))(6)يقال: وسمتهُ وَسْمًا وسِمَة إذا أثرت فيه، والميلاد الوقت الذّي يولد فيه، والمولد الموضِع كذا في الصّحاح(7)، ويظهر من كلام صَاحب القاموُسِ أن المولد للوقت أيضاً، وقد تضافرت الرّوايات بأخذ الميثاق على الانبياء بالإقرار بنبوّة نبيّنا (صلى الله عليه وآله)، وبولاية علّي بن ابي طالب (عليه السّلام)، والأئمَة من ذّريته (صلوات الله عليهم أجمعين) وسماته الكريمة وأعلام نبوتّه مذكورة في كُتُبِ المعّجزات
ص: 207
وغيرها من كتب الأخبار، وأمّا ميلاده (صلّى الله عليه وآله)، فالمشهور بين أصحابنا أنّه اليوم السّابع عشر من شهر ربيع الأوّل(1)، وذهب محمد بن يعقوب الكليني(2)(رضي الله عنه) إلى أنه اليوم الثاني عشر منه(3)وهو الذّي صححه الجمهور وکرم میلاده أبهر من الشمس في رابعة النّهار (وَأهْلُ اْلأَرْضِ يَوْمَئِذٍ مِلَلٌ مُتَفَرِّقَةٌ، وَأَهْوَاءٌ مُنْتَشِرَةٌ، وَطَرَائقُ مُتَشَتِّتَةٌ) الملّة ((الدّين وَالشّريعة))(4)، والهوى مقصورة مَيل(5)النفس إلى شيء وَما أحبته والجمع الأهواء(6)، والطّرائق جمع طريقة وهي الحالة وَطريقة الرّجل مذهبُهُ(7)، والتشتت التّفرق والانتشار(8)والحمل أمّا مُبالغة أو على حذف مضاف أو تقدیر مبتدأ أي مللهم ملل متفرقة وهكذا وذكر الأهواء والملل يفيد فائدة التأكيد، أو الملل ما سّنه النبي وإن نسخ بعضها والأهواء مَا وضعُوه بميل طَبائعهم والطّرائق أعمّ منهما أو الأهْواء مَا وضعوه للأغراض الدُّنيْاوية، والطّرائق ما اتّبعوه لخطاء (بَیْنَ مُشَبِّهٍ للهِ بِخَلْقِهِ، أَوْ مُلْحِدٍ فِي اسْمِهِ، أَوْمُشِیرٍ إلى
ص: 208
غَیْرِهِ) الإلحاد في الاَصل ((الميل والعدول عن الشيء))(1)، والانحراف عَنِ الاستقامَة ومنه للحد الذي يحفر في جانب القبر خلاف الضّريح الذي يحفر في وسطه(2)، ويطلق على المرِاءِ والجِدالِ ومن المشبهة لله بخلقه المجسّمة ومن جوّز عليه سُبحانه الحركة والانتقال والحلول في الأجسَام ومعانقة الاولياء، ومنهم طائفة من عبدة الأوثان يقولون: نعبد أصنامنا؛ لأن الله تعالى قد حل في هياكل رجال كانوا على هذه الصّور(3)، واليهود والنَّصارى أن أثبتوا الابن على الحقيقة وإلا فهم من الملحدين(4)في أسمائه، ومن هؤلاء عبدة الاوثان الذّين اشتقوا لأصنامهم أسماء من أسماء الله تعالى كاللاّت(5)من الله، والعزي(6)من العزيز(7)والمناة(8)من المنان(9)كما قيل، ومنهم من أطلق اسمه على غيره كمن يسمّي الصّنم الهاً(10) والمُسيلمة رحمن اليَمامة(11)، أو سمى الله
ص: 209
تعالی بمَا لا يجوز تسميته بِه کتَسميته أبا (العُزير) والمسيح من غير إرادة المعنى الحقيقي کا مرّ وهذه الوجوه ذكرُوهَا في تفسير قوله تعالى: «وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ»(1)، لكَن في كلامه (عليه السّلام) إدخال من زعم(2) الصّنم الهاً على الحقيقة في المشير إلى غيره أولى، ومن زعم(3) الأصنام شفعاء عندّ الله وقال: «مَا / و 16 / نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى»(4)، واقتصر على التّسمية فهو داخل في الملحد في اسمه وامّا المشيرون إلى غيره فمنهم عبدة الأوثَان لو قالوا بأن الجسم المنحوت خالق للعالم وقد استبعد طائفة أن يقول أحد(5) به للعلمِ الضرّوري بخلاَفه، ومنهم الثنوية القائلوُن بالنّور والظّلمة، ومنهم الدّهرية الذَّينَ قَالوُا: «مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ»(6) وكانوا يسبون الدَّهرَ إذا لم يدركوا ما املوا(7)، ومنهم عبدة الشمس والقمر والكَواكب ونحوهم من أصحاب الملل الباطلة(8) (فَهَدَاهُمْ بِهِ مِنَ الضَّلاَلَةِ، وَأَنْقَذَهُمْ
بِمَكَانِهِ مِنَ الْجَهَالَةِ) أنقذهم أي نجّاهم والظّاهر أنّ المكان هاهنا مصدر كان
ص: 210
التّامّة (ثُمَّ اخْتَارَ سُبْحَانَهُ لِمُحَمَّدٍ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وآله(1) لِقَاءَهُ، وَرَضَيِ لَهُ مَا عِنْدَهُ) لقاء الله كناية عن المصر إلى دار البقاءِ والمشهوُر أن وفاته (صى الله عليه وآله) كان يوم الاثنن لليلتن بقيتا من صفر سنة عرة من الهجرة قبض مسمُوماً ذكره الشيخ رحمه الله في التهذيب(2)، وقال محمد بن يعقوب (رضي الله عنه): قبض (صلى الله عليه وآله) لاثنتي عر ليلةٍ مضت من ربيع الأوّل يوم الاثنن وهو ابن ثاث وستين سنةٍ(3)، وفي تفسر الثعلبي(4) انّه (صى الله عليه وآله) قبض يوم الاثنين [لليلتن](5) خلتا من ربيع الأوّل حن زاغت الشّمسِ(6) (وَأَكْرَمَهُ عَنْ دَارِ الدُّنْيا، وَرَغِبَ بِهِ عَنْ مَقامِ الْبَلْوى؛ فَقَبَضَهُ إِلَيْهِ كَرِيماً (صَىَّ اللهُ عَلَيْهِ وَآلهِ)(7))، [و](8) في بعض النسخ فاكرمهُ بالفاء، ومقارنة البلوى مكان مقام البلوى [والبلوى](9) والبلية والباء واحد وأصلها الامتحان والاختبار كما سبق(10) والأنسب أن يراد بها الآفات والمصائب
ص: 211
(وَخَلَّفَ فِيكُمْ مَا خَلَّفَتِ الأنْبِياءُ فِي أُمَمِها إذْ لَمْ يَتْرُكُوهُمْ هَمَلاً بِغَیْرِ طَرِيقٍ وَاضِحٍ، ولاَ عَلَمٍ قَائِمٍ كِتَابَ رَبِّكُمْ(1)، مُبَيِّنا حَلَالَهُ وَحَرَامَهُ) خلّف بالتشديد أي ترك وراءه، والهمل محركة ضوّال الإبل التي تركت مهملة لا رعاءَ لها ولا فيها من يصلحها ويهديها(2)، ومثلها النّفش إلا أنّ النّفش(3) لا يكون الّا ليلاً والهَمل يكونُ ليلاً ونَهاراً(4)، يقول: تركتها هملًا أي سُدىً إذا ارسلتها لَيْلًا ونهاراً بلاَ راع(5)، والطريق يذكر ويؤنث تقول: الطّريق الأعظم والطّريق العظمى(6)، والعلم محركة ((الجبل)(7) والمَنصُوب في الطّريق والمنار يهتدي بهَا، و(كتاب ربّكم) منصُوب على أنه عطف بيان لما في قوله (عليه السّلام): مَا خلفّت الانبياء وحينئذ يكون المراد بالطريق الواضح، والعلمِ القائم هو
القرآن، أو الشريعة التي كان تخليف القرآن سبباً في وضوحهَا، وظهورها، وَيكون مبنياً منصُوباً على أنّه حال من فاعل (خلّف)، وقي لالمراد بما خلّفَ هو الإمام (عليه السّلام) أي نصب فيكم وصيّاً ونصَّ عليه على سنن الانبياء (عليهم السلام) فيكون قوله (عليه السّلام): إذ لم يتركوهم هملاً اشارة
إلى الدّليل على وجوب نصب الإمامِ ومبنّياً حالاً من مَفعُول خلّف، وكتاب منصوبا عى أنّه مفعول مبنيّاً وكذا حلاله، وحرامهُ عى البدلّية من الكتاب،
ص: 212
وهذا الوجه وإن كان لا يخلوعن بعد لفظاً إلَا أنّه أقرب معنى فإنَّ بَیان الحلال والحرام، والفرائض، والفضائل وغيرها على الوجه التفصيلي هو وظيفة الإمام وشأنه (عليه السّلام)، ويحتمل أن يتكلّف على الوجه الأوّل لظهور الإشارة إلى نصب الإمام (عليه السلام) بأن يقال تبیینه (صلى الله عليه وآله) للحلال والحرام هو نصه على الإمام (عليه السّلام)، فالمبين هو الرّسول (صلى الله عليه وآله)، ولَكن بنصب الإمام (عليه السّلام) والمراد بالحلال أمّا المُباح، أو ما يشملَ المكروهُ (وَفَرائِضَهُ وَفَضَائِلَهُ) أي واَجباته ومندُوَباته، أو مَا يشمل المكروهُ (وَنَاسِخَهُ وَمَنْسُوخَهُ) النسخ على وجوه [نسخ](1) القرآن بالقرآن، وبالسنّة والسنّة بهاوبه والأمثلة مذكورة في محلّها (وَرُخَصَهُ وَعَزَائِمَهُ) الرخصة / ظ 16 / في الأمر خلاف التشديد، وعزائم الله مَا قطعَ الله على العبدِ بفعله، والعزم هو القطع على الأمر والجد فيه(2)، والرّخصة كقوله تعالى: «فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ»(3)، والعزيمة كقوله [تعالى](4): «أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ»(5) (وخَاصَّهُ وعَامَّهُ) يمكن أن يراد [...](6) بالخاص مَالا يجري في سائر المكلّفين كقوله تعالى: «وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ»(7) وان يراد [....](8) بالعَام
ص: 213
المخصّص كقوله تعالى: [](1) والعام على الأوّل كقوله تعالى: «وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ»(2)، وَعلى الثّاني كقوله تعالى: «وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ»(3) (وعِبَرَهُ وأَمْثَالَهُ) العِبرة بالكسر مَا يعتره الانسان ويستدلّ به على غیره، والمثل بالتحريك وبالكر كالشّبه بهمَا وقد مرّ بيانه في شرح خطبة الكتاب(4)، والكتاب الكريم مشحُون بالعبر من أحوال الماضین ودلائل القدرة، وضروب الأمثال «إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا»(5) (وَمُرْسَلِهُ وَمَحْدُودَهُ) الإرسال الإطلاق و الإهمال(6)، والحدّ الفصل بن الشّيئين(7)، والظّاهر أنّ المراد بالمرسل والمحدُود المطلق والمقيد كقوله تعالى: «فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ»(8)، وقوله سُبحانه: «فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ»(9) (ومُحْكَمَ
هُوَمُتَشَابِهَهُ) المحكم مأخوذ من احكمت اليء إذا اتقنته(10)، والمتشابَهِات من
الأشياء المُتَماثلات وذكروا في محكم القرآن ومتشابهة وجوهاً أظهرها ما روي
عن جابر أن المحكم ما يعلم تعين تأويله و المتشابه خلافه(11)، سمّي متشابهاً
ص: 214
لتماثل معانيه وتشابهها في الفهم، أمّا المحكم فكقوله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا»(1)، والمتشابه فكقوله تعالى: «الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى»(2) (مُفَسِّراً جُمَلَه(3) ومُبَيِّناً غَوامِضَهُ) التّفسير الإبانة(4) وكشف المغطى والغامض من الكلام خلاف الواضح (بَیْنَ مَأخُوذٍ مِيثَاقُ عِلْمِهِ، ومُوَسَّعٍ عَلَى الْعِبَادِ فِي جَهْلِهِ) الظّرف(5) متعلّق بمحذوف تقديره حال كون الكتاب دائر أو هو دائر بن ما كلف العباد بعلمه كقوله تعالى: «فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ»(6) وبين مَا لم يكلفوا به كالمتشابهات ومقطَّعات أوائل السّور. (وبَیْنَ مُثْبَتٍ فِي اِلْكِتَابِ فَرْضُهُ، مَعْلُومٍ فِي السُّنَّةِ نَسْخُهُ) ذهب أصحَابنا وجمهُورالعامة إلى جوازنسخ القرآن بالسّنَة المتواترة(7)، وأنكره الشافعي(8) (9)، وهذا الكلام حجة عليهِ
ص: 215
وأما بالآحاد فأكثر العلماء على عدمه، وقد مثلوا له بنسخ حبس الزانية(1) حتى تموت بالرّجم، والجلد والتغريب(2) والجز على تفصيل وخلاف وفيه کلام. (وَواجِبٍ فِي السُّنَّةِ أَخْذُهُ، مُرَخَّصٍ فِي الْكِتَابِ تَرْكُهُ) مثل له بعض الشّارحين بصوم عَاشُورا قال: ((كان وَاجباً بالسّنة، ثم نسخه صوم شهر رَمضان الواجب بنص الكتاب))(3)، وفيه نظر لعدم دلالة هذا الإيجاب على ذلك النسخ، وإنما النّاسِخ أمر آخر وإنّ قارن نزول الآية، ومثَل بعضهم بالتوجه إلى بيت المقدس حيث نسخ بالآية، و فيه نظر لبعد اطلاق الرخصة على إيجاب الترك، ويمكن أن يمثل بقوله تعالى: «وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ»(4) حيث دلت السنّة على أنّ القصر عزيمة وكذلك آية الصفا والمروة(5) وبقوله تعالى: «قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا»(6) الآية حيث دلت السنّة على حرمة غير مَا ذكر في الآية، والمناقشة(7) في اطلاق الأخذ والترك هينّ ولا ضرورة في الحمل على النسخ المصطلحِ فتأمّل. (وَبَیْنَ واجِبٍ بوَقْتِهِ(8) وَزَائِلٍ فِي مُسْتَقْبَلِهِ) كالواجبَات المؤقتة والمُحرمات في الأوقات المَخصُوصة، قال تعالى: «وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا
ص: 216
دُمْتُمْ حُرُمًا»(1)، وفي بَعض النسخ لوقته باللّام بدل الباء (ومُبَايَنُ بَیَنْ مَحَارِمِهِ،
مِنْ كَبِیرٍ أَوْعَدَ عَلَيْهِ نِيَانَهُ، أَوْ صَغِیرٍ أَرْصَدَ لَهُ غُفْرَانَهُ) المُباينة المفارقة وباين وبين كذا وكذا أي جعلهم فارقاً له، والمحارم جمع محَرم بالفتح وهو الحرام و((الوعد يستعمل في الخر والشّر، يقال: وعدته شراً، و وعدته شراً))(2) (فإذا اسقطوا الخَیرْ والشّر قالوا في الخیر: الوعد والعدة، وفي الشّر الايعاد
والوعيد)(3) / و 17 / قال الشّاعر:
وإنِّ وإن أَوْعَدْتُهُ أو وَعَدْتُهُ *** لمخْلِفَ إِيعَادِي ومنجز موعدي(4)
والنّيران جمع نار وهي من الواو؛ لأن تصغيرها نويرة والجمع نَور وأنورُ
ونیرَانُ أيضاً انقلبت الواو ياءً لكرة ما قبلَها(5)، وارصَدَ أي اعَدَّ وهَيّأ ورصدهُ أي ترقبه، والغفرانُ مصدرِ، يقال:غفر اللهُ لهُ غفراً ومغفرةً وغفراناً، وكلمة مباين في النسخ بالجّر على صيغة الفاعلِ و المفعول معاً، وقال بعض الشارحين: الواجب أن يكون مباين(6) بالرفع لا بالجّر فإنه ليس (بمعطوفٍ)(7) على ما قبله ألا ترى أنَ جميع مَا قبله يستدعي الشيّء وضّده، أو الشيء ونقيضه؛ وقوله عليه السلام(8): ((ومباين بن محارمه) لا نقيض له ولا ضّد
ص: 217
له؛ لأنّه ليس القرآن العزيز على قسمين: أحدهما مباين بن محارمه، والآخر
غیّر مباين، فإنّ ذلك لا يجوز، فوجب رفع (مباين) وأن يكون خبر مبتدأ محذوفٍ(1)، وفيه نظر إذ (الظاهر)(2) من المباينة بن المحارم تقسيمها إلى قسمين وظاهر أن بعض الآيات ليس فيها ذلك فالمعنى أن الكتاب بن مباين وبین ما ليس كذلك ونظره الفقرة التّالية له، وقال بعضهم: ((ومباين بن محارمه عطف على المجرُورات السَّابقة والياء(3) مفتوحة وفي معنى الكلام وتقديره لطف فإن المَحارم لما كانت هي محال الحكم المسّمى بالحُرمة صَار المعنى: وبن حكم مباين محاله هو الحُرمة))(4)، ولا يخفى أنه على عى تقدير كسر الياء يمكن أن يكون الضمر في محارمه راجعاً إلى الكتَاب، أو إلى الله تعالى ويكون المعنى أنّ الكتاب بن ما يفرق بَین المحارم، وما ليس كذلك ثم انّ كلامه (عليه السّلام) يدل على انقسام الذّنب إلى كبر وصغر كما ذهب اليه طائفة من أصحابنا منهم المحقق و أكثر المتأخرين وهو المطابق لظاهر قوله
سبحانه: «إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا»(5)، وقوله عزّ وجل: «الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ»(6) واللّمم صغائر(7) الذنوب(8) على المشهور
ص: 218
ويدلّ على الانقسام كثير من الأخبار ولا ينافي ذلك اشتراك الذّنوب في مخالفة أمره سُبحانه، والنّهي عن استصغار الذنب؛ لأنّ غفران الصغائر إنّما هو تفضّل من الله سبحانه وإنجاز للوعد، لا أن(1) العبد يستحقّ العفو عنه وعقابه عَليْهَا ظلم کما زعمته المعتزلة، قال شيخ الطّائفة (رحمه الله) في التّبيان(2) بعد حكاية قول المعتزلة: ((فعلى مذهب المعتزلة من اجتنب الكبائر واوقع الصّغائر فإنّ الله يكفر الصغائر عنه ولا يَحسنَ مَع اجتناب الكبائر عندهم المؤاخذة بالصّغائر ومتي واخذه بها كانَ ظُلماً وعندنا انَّه يحسَنْ من الله تعالى اَنْ يؤاخذ العاصي بأيّ معصيته فَعلها ولا يجب عليه اسقاط عقاب معصيته لمكان اجتناب مِا هو أكبر منها غير انا نقول إنه تعالى وعد تفضّلا منه أنّ من اجتنب الكبائر يكفر عنه ما سَواها بأن يسقُط عِقابَها عنه تفّضُلا ولو واخذه بها لم يكن ظالماً ولم يعين الكبائر التّي إذا اجتنَبها كفر ما عداها لأنه لو فعل ذلك لكان اغراء بها عداها وذلكَ لا يَجُوز في حكمته تعالى))(3) (انتهی)، ولعلّ مراده (رضي الله عنه) بقوله قبل هذا الكلام المعاصي وإن كانت كلّها عندنا کبائر من حيث كانت معصيته لله تعالى فإنا نقول إنّ بعضها أكبر من بعض ففيها إذاً كبير بالإضافة إلى ما هو أصغر منه نفي الصغر عن بعض الذنوب بمعنی عدم استحقاق من فارقها(4) العقاب وكون العقاب عليها ظلماً(5) لا عدم الانقسام إلى قسمَينْ وغفران بعضها تفضّلا منه سبحانه
ص: 219
کما زعمهُ الطّبرسي(1) (رحمهُ الله) في كتاب مجمع اَلبيان(2) حيث اسند القول
بأن الذّنُوب كلّها كَبائر إلى اصحَابنا ولا يخفى عى من راجع الكتابن أن
التّباين في أكثر المواضِع كالأصلِ لهذا الكتاب ولو كان مراد الشّيخ (رحمه الله)
نفي الانقسام مطلقاً لم يكن لسقوط العقاب عما سوى الكبائر(3) تفضّلا وانّ
المؤاخذة ليس ظلماً، ولعدم تعين الكبائر / ظ 17 / التّي إذا اجتنَبها(4) المكلّف كفّر الله عنه ما عداهَا كما صرح به معنى، وكون المراد باجتناب الكبائر في الآية وفي كلامه اجتناب الذّنوب والمنهيّات بأسرهَا الاَ واحدة من المعاصي كانت أصغر من جميعها حتى يكون ذلك الاجتناب مكفراً لتلكَ السيئة، ويكون الجمع في الآية باعتبار تعّدد المكلّفین، أو تكرر صدُورُهَا من مكلف بعيد غاية البعد، وفي رواية الصّدوق (رضي الله عنه) عن الصّادق (عليه السّلام) (من اجتنب الكبائر كفّر الله عنه جميع ذنوبه)(5)، وذلك قوله عزّ
وجل: «إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا»(6)، ولَعلّ في قول الشيخ (رَحمِهُ الله) المعاصي وإن كانت كلّها
ص: 220
عندنا كبائر من حيث كانت معصيته لله ایماء إلى مَا ذكرنا من أنّ المراد نفي الظَّلم على تقدير المعاقبة لا مايفهم من ظاهر القول بأن اطلاق الكبر والصّغر اضافيّة والله تعالى يعلم، وقد قال بنفي الانقسام وكون الوصف اضافياً طائفة مِن العامة واسندوه إلى ابن عَباس وغيره من المفسرين، وقد فصّلنا الكلام فيه في كتاب حدائق الحقائق(1) ولا يذهب عليك أنّ ظاهر الآية وكلامه (عليه السّلام) لا يدل على خصوص ما ذهبت اليهِ المعتزلة كما زعمه بعض الشّارحین(2). (وبَیَن مَقْبُولٍ فِي أَدْنَاهُ، ومُوَسَّعٍ فِي أَقْصَاهُ) مثلوه بالقراءة فإنَّ القليل منها مقبُول، والكثير منها موسع مرّخصٍ في تركه وَمِنها (وَفَرَضَ عَلَيْكُمْ حَجَّ بَيْتِهِ الْحَرَامِ) الفرض في اللّغة ((التوقيت))(3) و ((التقدير))(4) وأصلهُ من ((فرض القوس وهو الحز الذّي يقع فيه الوتر))، ويطلق على الواجب مطلقاً وعلى ما دّل القرآن على وجوبه، وقيل: الفرض آكد من الواجب، وقيل: الفرض الواجب بجعل جاعل؛ لأنه فرضه على صاحبه، والواجب قد يكون واجباً من غير جعل جاعل فالفرض على هذا هو الواجب الذي لم يستقل العقل في الحكم بوجوبه، والحَج بالفتح في اللغة القصد المتكرر أو مطلقاً(5)، والحِج بالكسر الاسم، وفي النسخ بالفتح(6)،
ص: 221
وقيل الفتح والكسِر لغتان، وخصّ في الشرع بقصد معين ذي شروطٍ معلومة، ويمكن أن يحمل في كلامه (عليه السّلام) على المعنى اللغوي، والحرام کمافي بعض النّسخ ماله حرمة والحرمة كلّ ما لا يجوز انتهاكه وسمّيت الكعبة حراماً لأن الله عزّ وجل حرم أن يصّاد صيدها أو يعضد شجرَها أو يختلي خلاهَا أو يؤخذ لقطتها إلاّ على وجه أو يخرج الجاني منهَا (الَّذِي جَعَلَهُ قِبْلَةً
لِلْأَنَامِ) القبلة ((الجهة))(1) وكلّ ما يستقبل والحالة التي تقابل(2) الشيء غيره عليها كما أنّ الجلسة هي الحال التي يجلس عليها ثم صّارت علماً لما يستقبل في الصلاة(3) والظاهر من هذا الكلام كون القبلة عين الكعبة ولما كان(4) تكليف النّاسِ مطلقاً كما هو ظاهر اللّفظ بالتّوجه إلى عينها حقيقة من قبيل التكليف بما لا يطاق فإرادة الجهة بالنسبة إلى البعيد غير بعيدٍ، وعرّفها بعض الاصحاب بأنها السِّمت الذّي يحتمل كون البيت فيه ويقطع بعدم خروجه عنه لإمارة شرعية (يَرِدُونَهَ وُرُدَ الْأَنْعَامِ،وَيَأْلُهَونَ(5) إِليْهِ وُلُوَه(6) الْحَمَامِ) ورود الماء حضوره للشرب، والماء ورِد بالكسر والتشبيه في الشوق والازدحام، وقيل في عدم اطلاعهم على أسرار الحج و[و](7) ظائفه(8)، و الولوه کما(9) في
ص: 222
النسخ التي رأيناها امّا مصدر آله المهموز لكن هذا المصدر غير مذکُورٍ في کلام أهل اللّغة، أو مصدر ولِه بالكسر بمعنى تحيّر، ويألهُون بمعنی يولهون، وأصل الهمزة الواو(1) کما ذکره القطب الرّاوندي(2) (رحمه الله (تعالى)(3))، وأورد عليهِ [الشارح](4) عبد الحميد بن أبي الحديد بأن ((فعولًا لا يُجوز أن يكون مصدراً من فَعِلت بالكسر))(5) وكان في نسخته (ولَهَ الحَمام)(6) بالتحريك، قال: الوله شدّة الوجد؛ حتّی یکاد العقل يذهب، ومن روی: (يألهون اليه ولوه الحَمام) فسّره بشيء آخر، وهو: يعكفون عليه / و 18 / عكوفُ الحمام. و أصل (الهَ) عبد، ومنه الآله، أي المعبُودِ. ولما كان العكوف على الشيء كالعبادة له لملازمته والانقطاع اليهِ قيل: اله فلان إلى كذا، أي عكف عليه كأنّه يعبده، قال: ولا يمتنع أن يكون مصدراً لالهَ المفتوح كقولك: دخل دخولاً(7) (انتهى)، وقد ذكر في القاموسِ (وله) ک((وعد))(8) فيكون وجهاً لكلام القطب الرّاوندي(9) (رحمه الله)، والحمام مثل في الشّوق
ص: 223
إلى وكره و فرخه، وقال في حياة الحيوان في طبع الحمام: ((انّه يطلب وكره ولو ارسل من الف فرسخ))(1) ويعود اليه بعدمَا اصطيد وغاب عنه عشر سنين(2) (جَعَلَهُ سُبْحانَهُ عَلَامَةً لِعَظَمَتِهِ(3)، وَإذْعَانِهِمْ لِعِزَّتِهِ) قد فصل (عليه السّلام) هذا المعنى في الخطبة القاصعة وسنقف عليه في شرحهَا أن شاء الله تعالى. (وَاخْتارَ مِنْ خَلْقِهِ سُمَّاعاً أَجَابُوا إِلَيهِ دَعْوَتَهُ، وَصَدَّقُوا كَلِمَتَهُ) السماع جمع سامِع وهو من الأوزان(4) التّي يجمع عليهَا فاعل الصّفة غالباً، والمراد بالدّعوة أمّا التكليف الظّاهري، أو دعوة إبراهيم (عليه السّلام) بأمره سبحانه لما بنى البيت فنادى هلم إلى الحج فأجابه من أجاب في أصلاب الرجال لبيكَ داعَيِ الله مرّة ومرّات فحجوا كذلك، ومن لم يلب لم تحج کما روته العامة والخاصّة. وروي عن أمير المؤمنين (عليه السّلام) هذا الوجه في تفسير قوله تعالى: «وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ»(5) والضّمير في (اليه) أمّا راجع إلى ما يرجع اليه أخواته، أو إلى البيت والظّرف متعلّق بالفعل بتضمين معنى التّوجه أو بالدعوة وتصديق الكلمة أمّا تأكيد لإجابة الدّعوة، أو المراد به إطاعة التكليف الظّاهري والعكس لا يخلو عن بعد (وَوَقَفُوا مَوَاقِفَ أَنْبِيَائِهِ، وَتَشَبَّهُوا بِمَلائِكَتِهِ الْمُطِيفِنَ
ص: 224
بِعَرْشِهِ) أطاف بالشيء ((أي: أحاطَ بِهِ، فَهو مُطيفٌ))(1) قاله في العين، (وأطاف به أي الم به وقاربه)(2)، وقد وردت الاخبار في حج الانبياء (عليهم السلام) (يُحْرِزُونَ الْأَرْبَاحَ فِي مَتْجَرِ عِبَادَتِهِ، وَيَتَبَادَرُونَ عِنْدَهُ مَوْعِدَ مَغْفِرَتِهِ) الاحراز الحيازة والجمع(3)، والمتجر بالفتح مصدر، أو اسمِ مکان والاضافة بَيانّیة(4) أو لاميّةٍ، والتبادر التّسارع(5)، والموعِد بالكسر يحتمل الوجهين والاضافة لاميّة (جَعَلَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعالَی لِلْإِسْلَامِ عَلَماً، ولِلْعَائِذِينَ حَرَماً) العَلَمُ بالتحريك العلامة والجبل و كلُّ ما يُهتدى بهِ(6)، ولعلّ المراد [على الأوّل](7) كون البيت أي حجّه من علامات الاسلام کَما أن بعض العبَادات من علامات الايمان، فالعَطْف يحتاج إلى ارتكاب مَا يشبه الاستخدام لعَدم الحاجة إلى تقدير المضاف وجعل الحج حرماً للعائذين بَعيد، وفي بعض النّسخ و(للعَابدین) بالباءِ الموّحدة، والدّال المُهملة فلا يبعد حينئذٍ تقديره، ويمكن عود المنصوب إلى الحج فكونه علماً للإسلام وحرماً للعَابدين على ما في بعض النسخ، وعلى الاصل يمكن أن يراد بالعَائذين المستجيرون من العذاب ولو أريد بالعلم مَا يهتدى بهِ وعاد الضّمير إلى البيت، فالمعنى واضح على النّسختين، ولو عاد إلى الحج فكونه حرماً للعَائذين بالمعجمة كما سبق وقد
ص: 225
سبق بَيان كون البيت حرماً في تفسير البيت الحرام (فَرَضَ حَجَّهُ، وَأَوْجَبَ
حَقَّهُ(1)، وَكَتَبَ عَلَيْكُمْ وِفَادَتَهُ) قد مرّ بيان [الفرض](2) والواجب والكتاب الفرض والحكم، والوِفادة بالكسر الاسم من قولهم: وفد فلان على الأمير أي: قصده لزيارة، أو(3) استرفاد وأصله الورُود للرسَّالة(4)، والمجرُورات إمّا راجعة إلى الله سُبحَانه، أو إلى البيت والمال(5) واحد وقد ورد أنّ الحاج، والمعُتمر وفد الله إن سألُوه اعطاهم، وإن دعوه اجَابَهم، وإن شفعُوا شفعَهُم، وإن سكتُوا ابتدأهم، ويعوّضوُن بالدّرهم الف درهم (فَقَال(6): «وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ»(7) الحَج بالفتح مصدر، وبالكسر اسم، وقيل إنّه مصدر أيضا، وقرئ في [الآية](8) على الوجهين(9) ويوجدان / ظ 18/ في النسخ، والنّاس عام أبدل منه من استطَاعَ بدل البعض، وتفسير الاستطاعة موكوُل إلى محلّهِ وفي ذکر
ص: 226
الكفر مكان التّرك تغليظ لا يخفي وقد ورد في الأخبار: من مات ولم يحجّ فليمت إن شاء يهودياً و إن شاء نصرانياً(1) وفي الآية ضروب من التأكيد في أمر الحج فصّلهَا المفسّرون(2).
صفيّن كسّجين اسم الأرض التّي كانَتْ فِيْهَا الوقعة العُظمى وهي من أرض الشّام قرب الرقة بشاطئ الفرات(3) غير منصرف للتأنيث والعلميّة، والنّون فيهَا أصلّية )(أَحْمَدُهُ اسْتِتْمَماً لِنِعْمَتِهِ، واسْتِسلَاماً لِعِزَّتِهِ، وَاسْتِعْصَاماً مِنْ
مَعْصِيَتِهِ) استنم الشيء وتمّمه وأتّمه بمعنى وَ استتم النّعمة طلب اتمامها والظّاهر أنّ المراد بالحمد الشكر، وفي الكَلام ایماء إلى قوله تعالى: «لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ»(4)، والاستِسلام ((الانقياد))(5) والعزة: القوة والشدّة والغلبة(6)، والعصمة: المنع والحفظ(7) وكلّ من المَنصُوبَات الثلاثة مفعُول له القوله (عليه السّلام): احمده، وكون استتمام النعمة غاية للحمد ظاهر، وأمّا الانقياد للعزة فيمكن أنَّ يكون المراد به ظهوره وترتيب الاثر عليه، ويمكن أن يقال: الانقياد هو الطّاعة ولا ريب في حصولها بالحمد ويمكن أن يكون
ص: 227
من قبيل قعدت عن الحرب جبناً(1) فإن الانقياد القبلي من أسباب الشّكر والحمد، وما ذكره بعض الشارحین(2) من أنّ العبد يستعد بكمال الشّكر لمعرفة المشکُور(3) وهيَ مستلزمه للانقياد لعزته والخضوع(4) لعظمته وهو في ذلك ناظر إلى قوله تعالى: «وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ»(5) فلا يخلو(6) عن بعد، ولمّا كان استتمام النعمة التي من جملتها الهدايات الخاصة والتوفيقات الالهيّة وكذا الانقياد للعزة من أسباب العصمة عن المعصية آخر الاستعصام عنهما وجعله بعض الشارحين(7) وسيلة إلى الغايتين السابقتين وهو كما ترى (وَأَسْتَعِينُهُ فَاقَةً إلى كِفَايَتِهِ؛ إِنَّهُ لاَ يَضِلُّ مَنْ هَدَاهُ، وَلاَيَئِلُ مَنْ عَادَاهُ، وَلاَ يَفْتَقِرُ مَنْ كَفَاهُ) العون: ((الظهير على الامر))(8) واستعنت فلاناً وبفلان طلبت منه الاعانة، وَالفَاقة: ((الفقر والحاجة))(9) يقال: افتاق الرّجل، ولا يقال: فاق، وكفاية الرّجل القيام بمَا يحتاج اليه، وَوَءَلَ(10) کوعد التجأ إلى موضِع ونجا منه ما روي في حديثه (عليه السّلام) أنّ درعه كان صدراً بلا ظهر فقيل له لَواحترزت من ظهرك فقال: إذا امكنتُ مِن ظهري فلا وألت أي لانجوت،
ص: 228
ولعلّ المراد بالمُعادَات تترك(1) الاستعَانة ولمّا كان كمال الكافي وتمامُ الفاقة إلى کفایته بعدم ضلال من هداهُ الرّاجع إلى کمال عمله وعدم من افتقار من كفاه العائد إلى کمال قدرته وهلاك من أعرض عنه العَائد إلى انحصَار الكافي فيه عللّ (عليه السّلام) الاستعانة المعللّةِ بالفاقة بالأمُورِ الثّلاثة (فَإِنَّهُ أَرْجَحُ مَا وُزِنَ، وأفْضَلُ مَا خُزِنَ) قال بعض الشّارحين: الضّمير يعود إلى الحمد المّدلول عليه بالفعل(2)، وقال بعضهم: ((يعود إلى الله سُبحانه ولا كانت ذاتهُ(3) مقدّسة عن الوزن والخزن(4) اللذين هما من صفات الاجسَام فبالحرى أن يكون المقصود رجحان عرفانه في ميزان العقل إذ لا يوازنه عرفان مَا عَداهُ بل لا يخطر ببال العَارف عند الاخلاص سَواهُ))(5) ولَعلّ الأولى على فرض التقدير تقدير الفضل والجُود حتی یکون التّعليل لعدم افتقار من كفاه المتّصل بهذا الكَلام، ويمكن أن يكون التّعليل لمجمُوع الحمد والاستعانة (وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَ اللهُ(6) شَهَادَةً مْمُتَحَناً إخْلاصُها، مُعْتَقَدا مُصَاصُهَا) الشّهادة الإخبار بالشيء عن مشاهدة، أو ما يقوم مقام المشاهدة، ومنه الشهادة / و 19 / عند القاضي؛ لأّنها أخبار عن العلمِ، والامتحان الاختبار، و((الممتحن المصّفى المهذّب يقال: محنت الفضّة أي: صفيتها وخلّصتها بالنارِ))(7)،
ص: 229
والمُصاصِ بالضّم ((خالص كلّ شيء))(1)، وفلان مُصَاصِ قومه أي أخلصهم نسباً(2) يستوى الواحدِ والأثنان والجمع والمؤنث أي اشهدُ شهادة امتحن اخلاصها فظهر خالصاً مصفى من الشّوائب اعتقد خالصها من حيث خلوُصها (نَتَمَسَّكُ بِهَا أبَداً مَا أَبْقَانَا، وَ نَدَّخِرُهَالِأَهَاوِيلِ مَا يَلْقَانَا) تمسّکت بالشيء وامتسکت به واستمسكت به وامسكت به کلّه بمعنى [...](3) اعتصمت به (وندّخرها) في كثير من النسخ(4) بالدّال المهملة المشدّدة على صيغة الافتعال، وفي بعضها بالمعجمة السّاكنة وفتح الخاء وهما بمعنی والأهَاويل جمع أهوال والأهوال جمع هول كأنعام و أَناعيم، والهَوْل المخافة من الأمر، والمراد بمَا یَلْقانَا شَدائد الآخرة أو ما هو أعمّ منهَا (فَإِنَّهَ عَزِيمَةُ الْإيمَانِ، وَفَاتِحَةُ الْإِحْسَانِ، وَمَرْضَاةُ الرحْمَّنِ، وَمَدْحَرَةُ الشَّيْطَانِ) عزائم الأمور ما وكدت رأيك عليهِ وقطعت على فعله، وعزائم الله فرائضه التّي أوجَبها والمراد بعزيمة الايمان ما لابدّ له منه، وفاتحة الشيء أوّله، والمرضاة والرّضا والرّضوان واحد والدحر الدفع بعنف على سبيل الاهانة و الاذلال، و الظّاهر أن المدحرة مصدر والحمل على المبالغة [لا](5) کما زعم بعض الشارحين(6) أنّها اسم مکان (وَأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ بِالدِّينِ الْمَشْهُورِ،
ص: 230
وَالْعَلَمِ الْمَأْثُورِ، وَالْكِتَابِ الْمَسْطُورِ) المشهور الواضحِ تقول(1): شهرت الامر وشهراً فاشتهر أي وضح، والعلم بالتحريك كل ما(2) يهتدی به والعلامة والراية، وفي بعض النسخ (العِلم) بالكسرِ، والمأثور: المنقول، تقول(3): أثرت الحديث إذا ذكرته عن(4) غيرك، قال بعض الشارحين(5): العلم المأثور يجوز أن يعني [به](6) القرآن(7)؛ لأنّه المحكي، والعلم مايهتدى به، والمتكلمون يسمعون المعجزات أعلاماً، ويجوز أن يريد به أحد معجزاته غير القرآن؛ فإنها كثيرة ويؤكد هذا قوله بعده: (والكتاب المسطُور)، وإن جاز أن يكون تأكيداً على قاعدة الخطابة، وقال بعضهم: ((المأثور المقدم على غيره، والمأثور أيضاً المنقول))(8)، ((وكونه مأثورا إما إشارة إلى كونه مقدماً على سائر الأديان كما يقدم العلم ويهتدي به قوم بعد قوم، أو إلى نقله من قرن [الى قرن](9)))(10) (انتهى)، والظاهر أنه حمل العلم على معنى الراية وجعل العلم كالتفسير للدين وهذا وإن كان لا يخلو عن مناسبه إلا أن هذه التفسير لَيْسَ بمأثور في كتب اللّغة نعم يناسب معنى الايثار وهو الاختيار ومع ذلك كون
ص: 231
هذا النّوع من التقدير إيثاراً لا يخلو عن شيء وعلى تقدير الصّحة فالأولى جعل العلمِ عبارة عن القرآن، أو غيره من المعجزات کما تقدم، والسطر ترتيب الحروف على وجه مخصوصٍ تقول(1): سطرت الكتاب اسطره سطراً أي كتبته، ((والسّطر: الصف من الشيء))(2) يقال: غرس سطرا وبنی سطرا(3) وأصله المصدر والقرآن مَسطور، لأنَّه مكتوب عند الله في الّلوح المحفُوظ(4)، أو لأنَّه يكتبه المؤمنون في الصّحائف، وَالألواح وبالوجهين فسر قوله تعالى: «وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ»(5) وقيل: القرآن مسطور؛ لأنَّه سطر حقائقه في ألواح النّفُوس، (وَالنُّورِ السَّاطِعِ، وَالضِّيَاءِ اللاَّمِعِ، والْأَمْرِ الصَّادِعِ) السّطوع الارتفاع(6)، ولمع البرق کمنع لمعاً ولمعاناً أي: أضاء، والوَصْف للتأكيد، والصدع والفرق والفصل نظائر وأصله ((الشق)(7)، وصَدع بالحق إذا تكلم به جِهارا(8)، و في الكلام إشارة إلى قوله تعالى: «فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ»(9) قيل أي أظهر وأعلن وصرح بما أمرت به غير خائف، وقيل: فافرق بين الحقّ والبَاطِل بما أمرت بهِ، وقيل: شق جماعَاتهم بالتوحيد. (إِزَاحَةً لِلشُّبُهَاتِ، وَاحْتِجَاجاً
ص: 232
بِالْبَيِّنَاتِ، وتَحْذيراً / ظ 19 / بِالْآيَاتِ، وتَخْوِيفاً للْمَثُلَاتِ(1)) زاح الباطل أي زال وذهبَ وازاحه غيره والشّبهة الباطِل يشبه الحق وسيجيء تفسيرها في كلامه (عليه السّلام)، والبيّنات الدلالات الواضحة الفاصلة بين القضية الصّادقة والكاذبة مأخوذة من إبانة احد الشيئين عن الآخرليزوُل التباسه به، والآية ((العلامة))(2)، أو التي فيها عبرة، أو التّي فيها الحجة، والآية من القرآن جماعة حروف وكلمات من قولهم خرج القوم بآیتهم أي بجماعتهم، والمراد بالآيات ما اشتمل من القرآن على الوعيد ونحوه، أو مَا نزل بالأمم المَاضين، والمَثُلات جمع مثله بفتح الميم وضم المثلثة فيهما وهي ((العقوبة))(3)، والأنسب أن يكون إزاحة الشّبهات عبارة عن إبطال الملل الباطلة، والآراء الفاسدة، والاحتجاج بالبينات عن الاستدلال على المطالب اليقينّية(4) والتّحذير بالآيات التخويف بما نزل بالأمم [مّما](5) يدل عليه الكتاب الكريم وغيره من العقوبات الدنياوية والتخويف بالمثلات عن الإنذار بالعقوبات الآخروية، والأخيرتان تحتملان العكس، (وَالنَّاسُ فِي فِتَنٍ انْجَذَمَ فِيهَا حَبْلُ
الدِّينِ، وَتَزَعْزَعَتْ سَوَارِى الْيَقِنِ) الفتن جمع فتنة وهي في الأصل ((الامتحان والاختبار))(6) تقول(7): فتنت الذهب إذا أدخلته النّار لتعلم جودته، ويكون
ص: 233
بمعنى الابتلاء بالشدائد والعذاب والكفر والقتال والضّلال واختلاف الناسِ في الآراء والفضيحة وغير ذلك، وانجذم بالجيم والذال المعجمة أي انقطع(1)، وفي بعض النّسخ بالزّاي(2) بمعناه ومنه قلم جزم للذّي لا حرف له، والحبل بالسّكون ((الرسن))(3) وكلّ ما يتوصل به إلى شيء والعهد والأمان والوصَال(4) وتزعزع أي تحّرك واضطرب تقول(5) زعزعته فتزّعزع، والسّواريجمع سَارية وهي الاسطوانة والظاهر أنّ الواو في قوله (عليه السّلام): (والنّاس في فتن) للحال والعامِل ارسله والفتن فتن الجاهلّية وحال البعثة، وانجذام حبل الدّين تشتت الأمُور واختلاف النّاس في آرائهم واضطراب دعَائم اليقين عدم ثبات أركان الدّين لغلبة الشرك وجوّز بعض الشارحين(6) أن یکون ابتداء کلام وغرضه (عليه السّلام) ذمّ اصحابه وذكر مساوئ أهل زمانه لينتهبُوا من رقدة الغفلة ويشمروا عن سَاق الجد؛ لإقامة مراسم الملة التّي من جملتها الجهاد الذّي هو من أهمّ المطالب في ذلك الزّمان، وأن يكون المراد بتزعزع سوارى اليقين موت أصحابه الذين(7) كانوا لا تأخذهم في الله لومة لائم، أو خوْفهم من الأعداء المارقين عن الدّين (وَاخْتَلَفَ النَّجْرُ، وَتَشَتَّتَ الْأَمْرُ، وضَاقَ الْمَخْرَجُ، وعَمِىَ الْمَصْدرُ) النَجْر بفتح
ص: 234
النّون وسكون الجيم ((الأصل والطّبع))(1) وسوق الابل شديدا(2)، واختلافه اختلاف النّاس في مذاهبهم وآرائهم أو أصولهم وقواعدهم أو في الفطرة و الخلقة، وتشتت الامر تفرقة، ويمكن أن يراد به الاختلاف في الفروع، والمخرج محل الخروج من الشبهة الواردة، أو الفتن، أو الخروج منها وفي النسبة تجوّز کنسبة العمى إلى المصدر وهو محّل الرّجوع عن المقصِد أو الرّجوع نفسه(3) (فَالْهُدَى خَامِلٌ، والْعَمَى شَامِلٌ، عُصَيِ الرَّحَمْنُ، ونُصِرِ الشَّيْطَانُ، وخُذِلَ الإيمَانُ، فَانْهَارَتْ دَعَائِمُهُ، وتَنَكَّرَتْ مَعَالِمُهُ، ودَرَسَتْ سُبُلُهُ، وعَفَتْ شُرُكُهُ) الحامل ((السّاقط الذي لا نباهة(4) له))(5)، وانهارت أي: تساقطت وانهدمت والانهيار كالانهيالُ لفظاً ومعنىً(6)، والدّعائِم جمع دِعامة بالكسر وهي ((عمادُ البيت الذي يقومُ عليه))(7) ويسمّى سيد القومُ دعامة(8)، ومعلم الشيء / و 20 / ما جَعل علامة له يستدّل بها عليه وقيل معالم الشّيء: اثارهُ، وتنكرت أي: تغيّرت إلى مجهولٍ، ودَرَسَ رسم الشَيء أي: ذّهب
ص: 235
وبطل وكذلك عفي، والشُرُك بضمتين جَمْع شراك كَکِتاب وهي الطّرائق(1)، وفي بعض النۀسخ (شَرَكَة) بالتحريك جمع شَرَكَة كذلك وهي ((معظم الطّريق ووسطه))(2) (أَطَاعُوا الشَّيْطَانَ فسَلَكُوا مَسَالِكَهُ، وَوَرَدُوا مَنَاهلهُ؛ بِهِمْ سَارَتْ
أَعْلَمُهُ، وقَامَ لِوَاؤُهُ.) الوروُد حضُور الماء للشَرب(3)، والنَهَل بالتحريك ((عين ماء ترده الابل في المراعي، وتسمى المنازل التّي في المفاوز على طرق السّفار مناهل؛ لأنّ فيها ماء))(4)، والأعلام جَمع علم وهو اللّواء، والانسب بقيام اللّواء أن يكون الباء في بهم للاستَعانة وإن كان مَا قبله يحتمل التعدية (فِي فِتَنٍ دَاسَتْهُمْ بِأَخْفَافِها، وَوَطِئَتْهُم بِأَظْلَفِهَا، وقَامَت عَلَى سَنَابِكهَا) الدوس بالفتح ((الوطء بالرجل))(5)، والخف للبعير والنعام بمنزلة القدم للإنسان، والحافر للخيل، والظِلف بالكسِر للبقر والشاة والظبي، والسنبك كقنفذ ((طرف مقدم الحافر))(6) بمنزلة برثن الأسد، وأصابعَ الانسان، ومخلب الطائر ومنسم البعير، قال بعض الشارحين(7): [الظرف](8) يحتمل أن يكون متعلقاً بقوله (عليه السلام): سارت أعلامه، وقام لواءه، ويحتمل التعلق بمقدر يكون خبراً ثانياً لقوله والناس، وهذه الفتن هي التي أشار اليّها أولاً، وإنّما أوردهَا ثانياً بزيادة أوصَاف فشبهها بأنواع الحيوان، ويحتمل أن يكون
ص: 236
هناك اضهار أي داستهم باخفاف إبلها، وحينئذ يكون التجوز في نسبته الوطئ والدّوس والقيام اليّها فقط وهو المجاز [في الاسناد](1) (انتهى). وفيه تأمّل (فَهُمْ فِيهَا تَائِهُونَ حَائِرُونَ جَاهِلُونَ مَفتُونُونَ) التائه الضّال المتّحير فحائرون كالتّفسير له والمفتُون من أصابته الفتنة وقد مرّ تفسيرُها (فِي خَیْرِ دَارٍ وشَرِّ جِیرانٍ؛ نَوْمُهُمْ سُهُودٌ، وكُحْلُهُمْ دُمُوعٌ؛ بِأَرْضٍ عَالِمُهَا مُلْجَمٌ، وجَاهِلُهَا مُكْرَمٌ) الظاهر أن السّهود جمع سُهد بالضّم وهو السّهر والأرق(2) لا مَصدر سَهِدَ كفَرِح کما زعمه بعض الشّارحين(3)؛ لأنّ مصدر فَعِل بكسر العين لا يجيء على فعول بالضّم والجمع أنسَبَ بالدموع، والملجم الممنُوع عن الكلام وعّما یریده لخوف ونحوه(4)، واختلف الشارحون لهذا الكلام فقيل: المراد بخیر دار أرض الشّامِ، لأنّها الأرض المقدّسة، وشر جيران أصحاب معاوية ونومهم سهود؛ لأنهم لا ينامون اهتماماً بأمر القتال، وكحلُهم دموع لبكائهم على قتلاهم، والعالم هو [عليه السّلام](5)، والجاهِل معاوية(6)، وقيل خیر دار الكوفة وشرّ جيران أصحابه (عليه السلام) الذّين خذلوه وقعدوا عن نصره(7)، ونوم الناس مطلقاً سهود لخوفهم وابتلائهم بالفتن [و كحلهم دموع البكائهم على المقتولين أو نوم المتخاذلين سهود لخوفهم من معاوية [و](8)
ص: 237
أصَحابه](1) وكحلهم دموع للبكاء على القتلى، أو لنفاقهم(2) فإنه إذا تم نفاق المرء ملك عينه وبناء الوجهين على أن يكون الكلام بياناً لحال أهل زمانه (عليه السّلام) لا زمن البعثة، وقيل: خير دار دار الدنيا وهي دار فاضلة لمن قام فيها بأمر الله کما سيجيء في كلامه (عليه السّلام) و شر جيران أهلها الجهالأ والمخاذلُون لمن انتصر بهم على أعداء الدّين ونومهم سهود لوقوع الفتن بهم وكحلهم دموع لابتلائهم بالمصائب والارض مكانهم من الدّنيا والعالم الملجم بلجام الذل من قام فيهم بالأمر بالمعروف والجاهل المكرم الاشرار الجهال وهذا الوجه يصلح و صفا لكلا الزمانين. وقيل: (خير دار) مكة، (والجِيّران) قریش(3) وهذا لفظ النّبي (صلى الله عليه وآله) في وصف حال البعثة ((كنت في خير دارٍ، وشر جیران))، ثم حكى (صلى الله عليه وآله) ما جرى له مع عقبة بن أبي معيط، والحديث مشهور، (ونومهم سهود، وكحلهم / ظ 20 / دمُوع) مثل قولك: جودهم بخل، وأمنهُم خوف، أي لو استماحهم (صلى الله عليه وآله) النوم لجادوا عليه بالسّهوُد عوضاً عنه(4)، ولو استجادهم الكحل لكان كحلهم [...](5) الذي يصلُون به الدّمُوع، ثّم قال (عليه السّلام): (بأرض عالمها ملجم) أي: من عرف صدق [محمد](6)
ص: 238
(صلى الله عليه وآله) وآمن به في تقية وخوفٍ. (وجاهلها مكرم) أي: من جحدنبوته وكذبه في عز ومنعة(1) وهذا الوَجْه أظهر الوجوه إلاَّ أنه يمكن أن يكون المراد بكون نومهم سهوداً و كحلهم دموعاً [في](2) بعض مَا سبق من شدة الفتن وتظاهرهَا والضمير في نومهم و کحلِهم يمكن أن يعود إلى الناس عامة والى الجيران أي انّهم كانوا يؤذون رسول الله (صلى الله عليه وآله) مع ابتلائهم بالشدائد والبلايا والقتل والقتال أو إلى أصحاب الرّسول (صلى الله عليه وآله) خاصة، فيكون بیاناً لشدّة بلائه (صلى الله عليه وآله) وَابتلاء أصحابه وتَحملّهم اذى القوم، وقال بعض الشارحين: الظاهر [أن](3) هذا الذي أورده السّيد رضي الله عنه من هذه الخُطبة فصول ملتقطة ليست على نظامِها التّي خرجت عليه فإن كان كذلك فربما يلوح منها لو انتظمت مقاصد توضح ما اختلفوا فيه والله تعالى يعلم.(4)
(ومنهَا ويعني آل النّبي صلى الله عليه وآلهِ هُمْ مَوْضعُ سِرِّهِ، وَلَجَاء أَمْرِهِ،
وَعَيْبَةُ عِلْمِهِ، ومَوْئِلُ حُكْمِهِ، وكُهُوفُ كُتُبِه، وجبَالُ دِينِهِ) اللّجا موضع الالتجاء كالملجأويقال: لجأت اليهِ والتجأت اليه لجاءً بالتحريك و ملجأً و((العيبة ما يجعل فيه الثياب))(5)، والموئِل بالكسر الملجأ الذّي ينجو من التجأ اليه(6)، والحُكم بالضّم العلم والفقه والقضاء بالعدل والمنع عن الجهلِ
ص: 239
والسّفه، ((والكهف کالبيت المنقور في الجبل والجمع الكهوُف، ويقال فلان کهف أي ملجأ))(1)، وجبال(2) الدّين عبَارة عما يستقر به الدّين ويحفظهُ عن الميدَان بأهله والتزَّلزل والاضطراب کما يستقر الأرض بالجَبال، أو عمّا بيهتدی النّاس به في طرق الدّين كما يهتدى النّاس في الفيافي بالجَبال وفي دلالة على علّو شأنهم ورفعة درجتهم والسنة المَجرورات أمّا راجعة إلى الله سبحانه، فالكتب هي الكتب السماوية وقد وردت في الأخبار أنها كما انزلت عندهم عليهم السّلام، وامّا عائدة إلى الرّسول (صلى الله عليه وآله)، فالمراد بها الكتاب الکریم کما أنزل والجفر والجامعة وغيرها كما يدلّ عليهِ كثير من الأخبار (بِهِمْ أقَامَ انْحِنَاء ظَهْرِهِ، وأَذْهَبَ ارْتِعَادَ فَرَائِصِه) (الارتعاد الاضطراب يقال: أرعده فارتعد والاسم الرِعدة))(3) بالكسر وبالفتح أيضاً، والفريصة(4) اللحمة بين الجنب(5) والكتف(6) التي [لاتزال](7) [...](8) ترتعد من الدّابة وجمعها فريص و فرائص(9) وارتعاد الفرائص(10) كناية عن الخوف، والضّمير المرفوع في أقام راجع إلى الله سُبحانه أو إلى الرسول (صلى الله عليه وآله)، والمجرُوران رَاجَعان
ص: 240
اليهِ (صلى الله عليه وآله) على مَا ذكره بعض الشّارحین(1) أو إلى الدّين(2) على ماهو الاقرب لفظاً ومعنىً ومنهَا في المنافقين في كثير من النسخ الصّحيحة ويعني قوماً آخرین بدل قوله في المنافقين، قال بعض الشارحين: اشارته هذه ليست إلى المنافقين كما ذكره السّيد (رضي الله عنه)، وانّما هي اشارة إلى من تغلب عليه، وجحد حقه كمعاوية وغيره، ولعل الرضي عرف ذلك و کنی عنه(3)، والظاهر أن مراده (عليه السّلام) من تقدم على آل الرّسول (صلى الله عليه وآله) وتعبير السّيد بأحدِ اللفظين لنوع من التقية. (زَرَعُوا(4) الفُجُورَ، وَسَقَوْهُ الغُرُورَ، وحَصَدُوا الثُبُورَ) الفُجُور الفسق والكذب وأصله الميل(5)، والغُرور بالضّم الخدعة(6)، وحصد الزرع كنصر وضرب قطعه بالمنجل، والثبور الهلاك والخُسران أيضا ولمّا كان فُسوقهم وميلهم عن الحق الصّريح أعنی إتباعه (عليه السّلام) مّما يزداد في نفسه وينتشر آثاره بغرُورهُم وغرور الشَّيطان ويثمر الهلاك والخسران في الدّنيا والآخرة شبهه (عليه السّلام) بالحب في نموّه وانتشار عروقه في الارض وازدياده بالسّقي وانتفاع الزاّرع به واستعار لفظ الزرع والسّقي والحَصْد. (لاَ يَقَاسُ بآلِ مُحَمَّدٍ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلهِ(7) أَحَدٌ(8)، وَلَا
ص: 241
يُسَّوى بِهِمْ من جَرَتْ / و 21 / نِعْمَتُهُمْ عَلَيْهِ أَبَداً) قستُ الشيء بالشيء أي قدَّرتُهُ على مثاله وقاسه قدرَه، و((المقياس: المقدار))(1)، وسوّيته به وسَاویت بمعنی وفي بعض النسخ لا يُساوی بهُم وفي الجريان تشبيه للنّعمة بالماء السّائل في عمومه وشموله، والنّعمة النّعم(2) الدّنياوية والأخروية مِن بدء الايجاد فإنه لولاهم لما خلق الله أرضا ولا سماء، ولا جناً ولا اِنساً كما يدلّ عليهِ الاَخبار، ثم الحياة بالنّجاة من الأعداء للصّحابة وغيرهم بسيفه (عليه السّلام)، ثم الهداية إلى طرق(3) الرّشاد وقد انتهى المخالف والمؤالف اليه وأدعى أرباب العلوم الاقّتباس من شوارق أَنواره وأقرَّ كلّ ذي فَضِل بالاستفاضة من بحار علوم الطّاهرين من ذرّيته من بعده (سلام الله عليهم أجمعين) (هُمْ أَسَاسُ
الدِّينِ، وَعِمَادُ الْيَقِینِ، إليهم يَفِيءُ الغَالِي، وبِهُمْ يُلْحَقُ التَالِي) الاسَاس بالفتح
أصل البناء وأصل كلّ شيء كالأسّ مثلثة(4) والاسس محركة ويفيء أي يرجع(5) يقال: ((فلان سريع الفيء منغضبه))، والغلو مجاوزة الحدّ، والتالي المتأخّر، يقال: ما زلت اتلوه حتى اتليته أي تبعته حتى تقدمته وصّار خلفي(6) ولعلّ
ص: 242
المراد لابد لكل أحد من التمسك بحبلهم فمن أفرط، أو فُرط يرجع إلى الطّريق الاوسط وهو الاقتداء بهم واتباع آثارهم (وَلَهُمْ خَصَائِصُ حَقِّ الوِلَيةِ، وَفيهمُ الوَصِيَّةُ والوِراثَةُ) خصائص الشّيء لوازمه، والولاية بالكسر الإمارة والسّلطان، وأمّا الوَلاية بالفتح فهو النّصر والحُبّ(1) وهما مصدران(2)، وقال سيبويه بالفتح مصدر، وبالكسر اسم کالامارة والنقابة(3)، والوِراثة بالكسر يشمل وراثة الخلافة والعِلم والمَال والسّلاح، وفي الكلام ردّ لما رووه ((ونحن(4) معاشر الأنبياء لا نورث))(5)، والمراد بتخصيصهم بخصَائص الخلافة، والولاية نفيهمَا عن غيرهِم بنفي اللّوازم، والوصّية النّص على الطّاهِرين عليهم السّلام، وقد حكى الشارح عبد الحميد بن أبي حديد أبياتاً كثيرة لشعراء صدِر الاسلام يتضمّن تسميته (عليه السّلام) بوصّي رسول الله (صلى الله عليه وآله)(6). (الآنَ إِذْ رَجَعَ الحقُّ إلى أَهْلِهِ، ونُقِلَ إلى مُنْتَقَلِهِ) هكذا في أكثر النسخ(7)، وفي بعضها على ما ذكره بعض الشّارحين(8) (قد رجع) موضِع (إذ رجع)، وفي بعض النسخ (وكان قد رجع)(9)، والأمر على الاخيرين(10) واضح، وأما على
ص: 243
الأصل فيحتمل أن يكون (الآن) مبتدأ و(إذ رجع) خبره بناء على جَواز کون (إذ) اسماً کما يظهر من [كلام](1) صاحب الكشاف(2)، والفاضل التفتازاني(3) في تفسير قوله تعالى: «لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا»(4) وذكر ابن هشام(5) في (المغني)(6) أنّه قيل في قولك: (بينما أنا قائم إذ جاء عمرو) أنّ (بين) مبتدأ و(إذ) خبره، والمعنى: حين أنا قائم حين جاء زيد(7)، ويحتمل أن یکون (الآن) ظرفاً(8) للفعل، و(إذ) زائدة للتوكيد نقل ذلك ابن هشام عن أبي
ص: 244
عبيدة، وابن قتيبة(1) (2)، أو يكون للتحقيق کقد کما نقله عن بعضهم، و احتمال کون الظرف متعّلقا بها قبله وإذ(3) تعليلية(4) حتی یکون [المراد](5) بالوصية وَالوراثة ما ترتب عليه الأثر بعيد والمنتقل بالفتح اسم مكان من الانتقال، ويجيء المكان والزّمان من المزيد فيه على لفظ المفعول کالمصدرِ قياسا لا ينكسر فلا حاجة إلى ما تكلفه بعض الشارحين من أن في الكلام تقدير مضاف أي (إلى موضِع منتقله)(6) أي انتقاله، والمراد بموضِع الانتقال أمّا الموضع الذّي يليق بأن ينتقل الحق اليه ويستقر فيه، أو الموضع الذّي كان فيه بأمر الله فنقله الناقلون إلى غيره ظلماً، والأوّل أظهر.
هذه الخطبة من مشاهير خطب أمير المؤمنين (عليه السّلام) وروتها العامة والخاصّة في كتبهم و(شرحُوها)(7)، وضبطوا کلماتها فمن أصحابنا رواهَا شيخ
ص: 245
الطّائفة (رضي الله عنه) / ظ 21 / مسندا في أماليه(1)، ورئيس المحدثين (رحمه الله) في كتابي العلل(2)، ومعاني الأخبار(3) بسندين، والقطب(4) الرّاوندي (رحمه الله) في شرحه(5) على ما وجدته بخطّ بعض الفضلاء بسند، واسندهَا الشيخ المفيد (قدس الله روحه) في ارشاده إلى أهل النّقل قال: رووها من طرق مختلفة عن ابن عبّاس(6)، ومن أهل الخلاف رَوَاهَا ابن الجوزي(7) في مناقبه وابن عبد ربّه(8) في
ص: 246
الجزء الرابع من كتاب العقد(1)، وأبو علي (الجبائي(2))(3) في كتابه وابن الخشاب(4) في درسه على ما حكاه بعض الأصحاب والحسن [بن عَبْد الله](5) بن (سعيد)(6) العسكري(7) في كتاب النهاية لفظ الشّقشقة(8) ثم قال: ومنه حديث علي (عليه السلام) في خطبة له تلك شِقْشِقَه هَدَرَتْ ثمّ قرت(9)، وشرح كثيراً من ألفاظها
ص: 247
کما سنشير اليه إن شاء الله تَعالى، وقال: الفيروز آبادي(1) في القامُوسِ في تفسيرها (الشقشقة بالكسر: شيء کَالرية يخرجه البعير من فيه إذا هاج، والخطبة الشّقشقية العلوية لقوله لابن عّباس لما قالَ: لو اطّردت مقالتك من حيث أفضيت: يا ابن عّباس هَیهات تلك شقشقه هَدرت ثم قَرّتْ(2)، وقال الشّارح عبد الحميد بن أبي حديد: قد وجدت أنا كثيراً من هذه الخطبة في تصانیف شيخنا أبي القاسم البلخي(3) إمام البغداديين(4) من المُعتزلة، وكان في دولة المقتدر قبل أن يخلق السيد الرّضي بمدّة طويلة. ووجدت أيضا كثيراً منها في كتاب أبي جعفر بن قبّة(5) أحد متکلّمي الإماميّة وهو الكتاب المعروف بكتاب «الانصاف». وكان أبو جعفر هذا
ص: 248
من تلامذة الشيخ أبي القاسم البلخي، ومات قبل أن يكون الرّضي موجوداً(1) ثم حکی عن شيخه مصدق بن شيث الواسطي إنّه قال: لما قرأت هذه الخطبة على الشيخ أبي محَمد عَبْد الله بن أحمد بن أحمد المعروف بابن الخشاب، قلت اله: أتقول أنها منحولة! فقال: لا والله، وإنّي لأعلم(2) أنهّا كلامه، كما أعلم أنك مصّدق. قال: فقلت له إنّ كثيرا من النّاسِ يقولون إنها من كلام الرضي، فقال لي: آنّی للرّضي ولغير الرّضي هذا النفس وهذا الاسلُوب! قد وقفنا(3) على رَسائل الرّضي، وعرفنا طريقته وفنه في الكلام المنثور(4)، ثم قال: والله لقد وقفت على هذه الخطبة في كتب صُنفت قبل أن يخلق الرضي بمائتي سنة وقد وجدتها مسطورة بخطوط أعرف أنها خطوط [من](5) هو(6) من العلماء وأهل الأدب قبل أن يخلق النقيب أبو أحمد والد الرّضي(7)، وقال الشارح: کمال الدين بن میثم البحراني(8):
ص: 249
وجدت هذه الخطبة بنسخة عليها خطّ الوزير أبي الحسن عليّ بن محمد بن الفرات(1) كان وزير المقتدر بالله وذلك قبل مولد الرضي بنيف وستين سنة، والذي يغلب على ظني أنّ تلك النّسخة كانت کتبت قبل وجود ابن الفرات بمدة(2)، وأقول من الشواهد العادلة على بطلان دعوی من زعم أن الخطبة من کلام السّيد (رضي الله عنه) أن القاضي عبد الجبّار(3) المعروف بقاضي القضاة وهو من متعصبي المعتزلة قد تصدى في كتاب(4) المغني(5) لتأويل بعض كلمات الخطبة، ومنع دلالتها على الطّعن في خلافة من تقدم عليه ولم ينكر استناد الخطبة
ص: 250
اليه (عليه السّلام)، وذكر السّيد الاجل علّم الهدی (قدّس اللهُ رُوحه) کلامه في الشافي وبين بطلانه وهو أكبر من أخيه الرّضي (رضي الله عنه)، وقاضي القضاة متقدم عليهما ولو كان للقدح في استناد الخطبة اليه (عليه السلام) مساغ لما تمسّك قاضي القضاة بَالتّأويلات البعيدة في مقام الاعتذار وقدح في صحتها کما قدح في كثير من الروايات المشهورة وذلك وأضح عند من راجع كتابه وكفى للمنصف وجود الخطبة في كتابي العلل ومعاني الأخبار للصدوق (رحمه الله) وكانت وفاته سنة تسع وعشرين وثلاثمائة(1) وهي السنة التي تناثرت(2) فيها النجوم، وكان مولد الرضي (رضي الله عنه) سنة تسع وخمسين / و 22 / وثلاثمائة(3)، وكان مولد السّيد بعد وفاة الصّدوق (رحمه الله) بثلاثين سنة وإنكار استناد الكتب المعروفة إلى مصنّفيها من قبيل القدح في الضّروريات و منشأ انکار انتساب الخطبة اليه (عليه السّلام) استبعاد ذمّة (عليه السّلام) لمن تقدم عليه وتظلّمه منهم وليس ذلك الاّ لقلة تبع السّير والاثار أو رفض الإنصاف وقد ذكرنا من كلماته (عليه السّلام) في التظلّم وبث الشكوى في كتاب حدائق الحقائق(4) ما لا يجود مجتمعاً في کتاب ولا يبقى معه للمنصف شك، وارتياب، وقد اعترف الشارح عبد الحميد بن أبي الحديد(5) في شرح قوله (عليه السّلام): (وقد قال لي قائل: إنك على هذا
ص: 251
الامر يا ابن أبي طالب لحريص بتواتر هذا المعنى عنه (عليه السلام) واعتذر عنه بوجوه تمجها اذان أولي الألباب، ومن الله نرجو الهداية والتأييد في جميع الأبواب. (أمَا وَاَللهِ لَقَدْ تَقَمَّصَها (فلانٌ)(1)) تقمّص الشيء أي اتخذه قميصا والتفعل بهذا المعنى مطاوع لفَعَّلَ الذّي هو لجعل الشيء ذا أصله إذا كان اسماً لا مصدراً يقال: ردَّيتَه الثوّب فتردّی أي جعلته ذا رداء فصارَ كذلك، و وسدْته الحجر أي جعلته وسَادَة له فتوسَّدَ، وصيغة(2) فعّل هذه تعدى إلى مفعولين ثانيهما بیان لأصل الفعل فالثوّب بيان الرّداء، والحجر بیان الوسادة؛ ولهذا(3) يتعدى هذا المطاوع إلى مفعول واحدٍ هو ثاني مفعولي فعّل، والضّمير في تقمّصها راجع إلى الخلافة التي سبق ذكرها كما يظهر من الرّوايات المُسندة التي اشرنا اليها(4)، وقال بعض الشارحين(5): لم يذكر المرجع [ها هنا](6) للعلم به [كقوله](7) سبحانه: «حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ»(8) أي الشمس، وكقوله عزّ وجل: «كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ»(9) يعني الأرض، وفلان كناية عن أبي بكر، وفي بعض النسخ مصرحَ به، وكان في نسخه الشّارح عبد الحميد بن أبي الحديد بلفظ (ابن أبي قُحافة)(10) بضمّ القاف
ص: 252
وتخفيف الحاء المهملة، والظّاهر أن التعبير بلفظ الكناية نوع تقية من السّيد (رضي الله عنه) والنّسخ التي صحّحها وعرضت عليه كانت متعدّدة كما يظهر للمتتبع، فيمكن أن يكون عدل في بعضها عن الكناية لزوال الخوف، ويمكن أن يكون تقية من الناسخين، ويدل على أن الكناية ليست من لفظه (عليه السّلام) أن قاضي القضاة في المغني(1) [بعد] ذكر الفقرة تصدى لدفع دلالة تعبيره (عليه السّلام) عن(2) أبي بكر بلفظ ابن أبي قحّافة دون الألقاب المادحة على استخفاف به، فقال: قد كانت العادة في ذلك الزّمان أن يسمي احدهم صاحبه ویکنّیه ويضيفه إلى أبيه، حتى كانوا ربما قالوا لرسول الله (صلى الله عليه وآله): يا أبا محمد فليس [في](3) ذلك استخفاف ولا دلالة على الوضِع وبإزاء هذه الاَخْبار المروية ما رويناه من الاخبار في تعظيمه (عليه السّلام) لهُما ويعضدها الاخبار عن الرّسول (صلى الله عليه وآله) في فضلهما(4)، وأجاب عنه السّيد الاجل (رضي الله عنه) في الشافي بأنّه ليس هذا النّوع من التّعبير صنع من يريد التعظيم والتّبجيل وقد كانت لأبي بكر عندكم من الألقاب الجميلة ما يقصد اليه من يريد تعظيمه كالصّديق وخليفة رسول الله(5) والعُدول عن مثلها بإضافته إلى أبيه لا يكون إلاَّ لنوع من التحقير، وما ذكره [...](6) من عادة العرب؛ فإنَّما هو فيمن لم يكن له مثل تلك الألقاب
ص: 253
عند النَّاس، وَمعاذ الله أنْ(1) بنادى الرَّسول (صَلىَ الله عليه وآله) باسمه إلا شاك، أو جاهل من عوام(2) الأعراب الذين لا يعرفون ما يجب في هذا الباب هذا كلامهما و مماكسة قاضي القضاة في التحقير المُستْفاد من التعبير مع وجود ماهو أذل(3) منه في الخُطبة لا يخلو عن غرابة وفي الكلام إيماء إلى عدم الاهلية لها وفي التدرج إلى الأصرح رعاية للبلاغة، والتعبير بتكلّف لبس القميص الشامل [الملاصق للبدن دون الرّداء ونحوه؛ للتنبيه على شّدة / ظ 22 / ](4) حرصه علَيها (وَإِنَّهُ لَيَعْلَمُ أَنَّ مَحَلِّي مِنْهَا مَحَلُّ الْقُطْبِ مِنَ الرَّحَى) الواو للحال، وقطب الرّحى هي الحديدة: التّي رُكبت في وَسط الحجر السَّفلي مِنْ حجري الرَّحي التي (تدور)(5) حولها العُليا(6)، أي: تقمص الخلافة مع علمه بأنَّي مدار أمرها، ولا ينتظم إلا بي، و لا عوض له عني، كما أن الرَّحي لا (تدور)(7) إلا بالقطب، و لا عوض لها عنه، وقال بعض الشَّارحين: ((عندي أنه أراد أمراً آخر، وهو أنّي من الخلافة في الصّميم، وفي وسطها وبحبوحتها، كما أن القطب وسط دائرة الرَّحی))(8)، والظَّاهر أن غرضْه(9) تطبيق الكلام
ص: 254
على معتقده(1) من التفضيل لا نفي الأهلية ويشق عليه حينئنذٍ تفسير الكلمات الآتية على أنّ اعتبار الكون في الوسط لا ينافي ما ذكرنا في وجه التشبيه فليعتبر الجميع حتى يكون أتمّ، وأبلغ، ويوافق مَا بعده من الكلام في الدّلالة على نفي الاهلية؛ وإنّما لم يكشف (عليه السلام) القناع عن محض(2) الحق الصرّيح لنوع من التقية، كما يظهر لمن تدبر في كلماته (عليه السلام) في التظلم والشكوى، وقال قاضي القضاة في (المغني)(3) المراد بهذا الكلام أنه أهل لها، وإنَّه أصلح منه يبين(4) ذلك أن القطب من الرحي لا يستقل بنفسه ولابدّ في تمامه من الرّحی فنبه بذلك على أنّه أحّق وان كان قد تقمصها، وردّ عليه السّيد الأجّل في الشّافي(5) بأنَّ هذا التأويل مع أنه لا يجري في(6) غير هذا اللَّفظ من الألفاظ المرويَّة عنه (عليه السلام) فاسد لأنَّ مفاد هذا الكلام ليس إلاَّ التفرد في الاستحقاق وإنَّ غيره لا يقوم مقامه لا أنَّه أهل للأمر وموضع له قوله: (إنَّ القطب لا يستقلّ بنفسه) تأويل على عكس المراد؛ فإنَّ المستفاد من هذا الكلام عند من يعرف اللَّغة عدم انتظام دوران الرَّحی بدون القُطب لا عدم استقلال القطب بدون الرَّحي، وقال بعض الشَّارحين(7): قد جَمَعَ هذا التَّشبيه أنواعه الموجودة في كلام العرب وهي ثلاثة: تشبيه محله منها بمحل القطب من الرَّحي، وهو تشبيه المعقول بالمعقُول؛
ص: 255
فإنَّ محل القطب هو كونه نظام أحوال الرَّحي وذلك أمر معقول، و تشبيه نفسه بالقطب وهو تشبيه المحسُوس بالمحسوسِ، و تشبيه الخلافة بالرَّحي، وهو تشبيه المعقول بالمحسُوس.
(يَنْحَدِرُ عَنِّي السَّيْلُ، وَلاَ يَرْقَى إِلَيَّ الطَّيْرُ) الانحدار الانهباط عن موضع عال(1)، ورقي اليه کرضى صعد كارتقی وترقی، وانحدار السَّيل عنه (عليه السلام) كنايَّة عن افاضة العلوم، والكمالات والنعم الدُّنياوية والاخروية على المواد القابلة تشبيها لنفسه بالجبل(2) العالي والعلوم وغيرها بالسَّيل في العموم، والنفع والناس بالأراضي الهابطة، وقال بعض الشَّارحين المعنى إني فوق السَّيل بحيث لا يرتفع اليَّ(3) وهو کما ترى ثم انه (عليه السلام) ترقّی في الوصف بالعلوّ فقال: لا يرقى إلي الطَّير فإنَّ مرقى الطَّير أعلى من منحدر السَّيل فكيف [ما](4) لا يرقى اليه، والغرض باثبات أعلى مراتب الكمال الإشارة إلى بطلان خلافة [من](5) تقمصها؛ لقبح تفضيل المَفْضول، وترجيح المَرجوح. (فَسَدَلْتُ دوُنَهَا ثَوْباً، وَطَوَيْتُ عَنْهَا كَشْحاً) سَدل الثوب يسْدِلهُ بالضم أي: ((أرْخاه وأْرسَلَه))(6)، ودُونَ الشيء ((أمامه))(7)، وقريب(8) منه(9)،
ص: 256
والمعنى: ضربت بيني وبينها حجاباً، وقطعت النَّظر عنها، والكشح بالفتح ((ما بين الخاصرة(1) الى الضّلِع الخلف))(2) وهو أقصر الأضلاع من لدن السَّرة إلى المتن، وهو موضع موقع السَّيف للمتقلد وفلان طوی ((كشحه)) / و 23 / عني أي: أعرَضَ مهاجراً ومال عني(3)، قال بعض الشَّارحين: ((من كان إلى جانبك الأيمن (ماثلاً)(4) فطویت کشحك الايسر فقد ملت عنهُ))(5) ثمَّ قال: ((وعندي أنهَّم أرادوا غير ذلك، وهو أنَّ من أجاع نفسه فقد طوی کشحه، كما أن من أكل وشبع فقد(6) ملأ كشحه))(7)، وَطَفِقْتُ أَرْتأِي بَیْنَ أَنْ أصُولَ بِيَدٍ جَذَّاءَ، أَوْ أَصْبِرَ عَلَىَ طَخْيَةٍ عَمْيَاءَ) طِفّقّ فِيْ فِعْلٍ أي: أخذ وشرع(8)، وفلان أرتأى في الأمر إذا فكر في طلب الأصلح ((وهو أفتعل من رؤية(9) القلب، أو من الرأي))(10)، والصولة الحملة والوثبةَ(11)، يقال:((رُبَّ قول أشَّد من صَوْلٍ))(12)، واليد الجَّذاء
ص: 257
بالجيم والذّال [..](1) المعجمة ((المقطوعة))(2)، والمكسورة أيضاً على ما ذكرهُ الجوهري(3)، وقال ابن الأثير في النهاية في حديث علي (عليه السَّلام): ((أصول بید جذَّاء(4)، کنَّی به عن قصورِ أصحابه، وتقاعدهم عن الغزو فإنَّ الجند للأمير کاليد، ويروى بالحاء المهملة، وفسَّره في موضعه باليد القصيرة التي لا تمد إلى مايراد(5)، قال: ((وكأنهَّا بالجيم أشبه))(6)، والنسخ التَّي عندنا متفقة على الجيم، والذّال المعجمة، والطُخية بالضم على ما في أكثر النسخ ((الظَّلمة))(7)، أو ((الغيم))(8)، وفي بعضها بالفتح، قال في القاموس: الطُّخية(9) ((الظُّلْمَةُ ويُثَلَّثُ))(10) ولم يذكر الجوهري سوى الضم، وفسَّره بالسَّحاب(11)، وفي النهاية الطخية(12) (الظلمة والغيم)(13)، والعمياء تأنيث
ص: 258
الاعمى ووصف الطخية بها؛ لأنَّ الرَّائي لا يبصر فيها شيئاً يقال مفازة عماء أي لا يهتدي فيها الدَّليل، وهو مبالغة في وصف الظَّلمة بالشدة، وحاصل المعنى إنَّي [لمَّا](1) رأيت الخلافة في يد من لم يكن أهلًا لها كنت متردداً متفكراً بين قتالهم بلا أعوان، وبين الصَّبر على معاينة الخلق في ضلالة وجهالة في شَّدة (يَهْرَمُ فيهَا الكَبِرُ، وَيَشِيبُ فيهَا الصَّغِرُ، وَيَكْدَحُ فيهَا مُؤْمِنٌ حَتَّى يَلْقَى رَبَّه) هَرِمَ کفرح بلغ أقصى الكبر(2)، والشيَّب بالفتح بَياض الشعر، قيل: هو والمَشيبُ واحد(3)، و((قال الأصمعي(4): الشَيْبُ بَياضُ الشَعَرِ))(5)، ودخول الرَّجل في حَّدِ الشیَّب، وقال في العين(6): شاب الرجل شيباً وشيبة ورجل أشيب وقوم شيب ولا ينعت به بالمرأة بل يقال: شابَ رأسُها. والكدَحُ الکَدُ والعَمل والسَّعي(7)، والجمل(8) الثلاثة أوصاف للطُّخية(9) العمياء
ص: 259
وايجابها لهرم الكبير وشيبَ الصَّغير أمَّا لكثرة الشدائد فيها؛ فإنَّها ممَّا يسرع بالهرم والشيب، وأمَّا لطول مدّتها، وتمادي أیَّامَها ولياليها، وأمَّا للأمرين جميعاً، ولعلَّ الأوَّل أظهر وعلى الوجهين الأوّلين فسرَّ قوله تعالى: «يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا»(1)، وكدح المؤمن يمكن أن يراد به لازمه أعني التَّعب، ومقاساة الشدَّة في الوصول إلى حقه، وقيل يسعى فلا يصل إلى حقه فيمكن أن يراد بالكدح معناه، وقيل المراد إنَّ المؤمن المجتهد في الذَّب عن الحقَّ، والأمر بالمعروف يسعى فيه ويكدّ، ويقاسي الشَّدائد حتى يموت. (فَرَأَيْتُ أنَّ الصَّبْرَ عَلَى هَاتَا أَحْجَى، فَصَبَرْتُ وَفِي العَیْنِ قَذًى، وَفي الحَلْقِ شَجىً، أَرَى تُرَاثي نَهْباً) كلمة (ها) في (هاتا) للتَّنبيه و (تا)(2) للإشارة إلى المؤنَث أشير بهَا إلى الطخية(3) الموصوفة، وأحجي أي أولى وأجدَرُ(4) قال الشَارحان: هذا أحجی من كذا أي: أليق وأقرب بالحجي، وهو العقل(5)، وقال في النَّهاية: أحجی بمعنى أولى وأجدر(6) وأحق من قولِهم حجا بالمكان إذا أقام وثبت(7)، ولعل مَا ذكره أحجي، والقَذى جمع قذاة(8)، وهو ما يسقط في العين، وفي الشرَّاب
ص: 260
أيضاً من تبن أو تراب أو وسخ(1) والشجي ما اعْتَرَض في الحَلْق ونَشِبَ مِن عَظْمٍ ونحوه(2)، و((الترُاث ما يخلفه الرَّجُل لورثته، والتاء فيه بدل من الواو))(3)، والنَّهَبْ السَّلْب والغارة والغنيمة(4)، والجُملة بيان لوجود القذي والشجي، والحاصل إنَّي بعد التَّردد في القتال استقر رأيي على أنَّ الصبر أجدَر؛ وذلك لأداء القتال إلى استئصال ال الرَّسُول (صلى الله عليه وآله)، وزوال كلمة الإسلام؛ لغلبة الأعداء / ظ 23 / کما صرَّح به (عليه السَّلام) في بعض أخبار التظَّلم، قال بعض الشَّارحين(5): اعلم أنَّ في الكلام تقديمًا وتأخيراً والتقدير: وَلا يَرْقى إليَّ الطَّیرُ، فَطفِقَتْ ارتأي بين كذا وكذا، فرأيتُ الصَّبرِ على هَاتا أحجي فَسَدَلْتُ دُونها ثوباً، وَطَوَيْتُ عَنْها کشحا، وصبرت وفي العَيْن قَذىً إلى آخر الفصل، لأنه لا يجوز أن يسدل دوُنَها ثوباً ويَطوْى عَنْها کشحا، ثم طفق يرتأي [بين](6) أن ينابذهم أو يصبر؛ ألا ترى [أنه](7) إذا سدل دونها ثوباً وطوى عنها کشحا فقد تركها، ومن يترك لايرتأي في المنابذة، والتقديم والتأخير طريق لا حبٍ، وسبيلَ مَهْيَعٌ في لغة العرب، قال الله سبحانه: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا * قَیِّمًا»(8)
ص: 261
وهذا كثير (انتهى) والتقديم في الآية قول بعض المفسرين(1) لكن وجوده في الكلام ممَّا صرَّح به كثير، وأمَّا في كلامه (عليهِ السَّلام) فيمكن أن يقال: سدل الثوْب، وطيّ الكشح لم يكن على وجه البتَّ، وتصميم العزم على الترك بل المراد ترك العجلة، والمبادرة إلى الطلب من غير تدَّبر في عاقبة الأمر فأعرض (عليهِ السَّلام) عن الطَلب وصبر حتی نظر في الأمر وتفكر(2) في مصالح الصَّبر، والطّلب و مضارَّهَما(3) فلماَّ استقر رأيه على الصَّبرْ ترك المنابذة رأساً وأعرض عَنْها إعراضاً تاماً، ولعلَّ سدل الثوب وطي الكشح أنسب با عدا التَّرك(4) رأساً (حَتَّى مَضىَ الْأَوَّلُ لِسَبِيلِهِ، فَأَدْلَی بَهِا إِلَی فُلَان(5) بَعْدَهُ) مضى السبيله قال بعض الشَّارحين(6): تقديره: مضى على سبيله كقوله:
فَخَرَ صَريْعاً لِلْيَدَيْن وَلِلْفَم(7) وَ أدْلى بها إلى فلان أي: ألقاهَا اليه ودفعهَا، صرح به بعض المفسَّرين(8) في قوله تعالى: «وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ»(9)،
ص: 262
وتفسيره بالرَّشوة بيان لحاصل المعنى فلا حاجة إلى ما ارتكبه بعض الشَّارحين(1) من أنَّه من قبيل التَّشبيه بالرشوة، إذ الدفع كان على غير جهة الاستحقاق، والتَّعبير بلفظ فلان کما سَبَقَ، وفي نسخة ابن أبي الحديد(2) بلفظ ابن الخطَّاب، وإدلاؤه الَيْهِ بها نصبه إياه للخلافة وكان ابن أبي الخطَّاب يسمَّي نفسه خليفة أبي بكر، ويكتب إلى عماله من خليفة أبي بكر حتى جاءه لبيد بن ربيعة(3) وعدي بن حاتم(4) فقالا لعمرو بن العَاص(5) استأذن لنا على أمير المؤمنين فخاطبه عمرو بن العَاص بأمير المؤمنين، وجرى ذلك في المكاتيب
ص: 263
من يومئذ، ذكر ذلك أبو عمر بن عبد البّر(1) في كتاب الاستیعاب(2)، ثمَّ تمثل (عليه السلام) بقول الاعشی:
شَتَّانَ مَا يَوْمِي عَلَی كوُرِهَا *** وَيَوْمُ حَيَّانَ أخِي جَابِرِ(3)
تَمثَّل بالبَيْت وتَمثَل بَیْتاً أنشده، والأعشى هو أعشی قیس واسمُه میمون بن جندل(4)، وشتان من أسماء الأفعال بمعنی بَعُد [أو افترق](5) وفيه معنی التعجب أي مَا أشدَّ الافتراق وكذلك في غيره من أسماء الأفعال إذا كان بمعنى الخبر، ويقال: (([شتَّان ما هما](6)، وَشتَّانَ ماعمرٌو وأخوه))(7)،
ص: 264
وقال بعض اللَّغويين: ([يقال](1): شتَّان ما بينهما)(2)، وأنكره الاصمعي، والكور بالضم رَحْل البعير بأداته(3)، والضَّمير راجع إلى الناقة، (وحيان كان صَاحب حصن باليمامة، وكان من سادات بني حنيفة مطاعاً في قومه يصله کسری في كلَّ سنته، وكان في رفاهية ونعمة، مصوناً من وعثاء السَّفر، ما كان يسافر أبداً، وكان الأعشی بنادمه وكان أخوه جابر أصغر سنا منه، يروى أنّ حیان [...](4) عَاتب(5) الأعَشى في نسبته إلى أخيه فاعتذر بأن الروّي اضطرنّي إلى ذلك، فلم يقبل عذره، ومعنى البيت كما أفاده السَّيد الاجَّل المرتضی(6) (رضي الله عنه) إظهار البعد بين يومه، وبين يوم حيّان لكونه في شدة من حر الهواجر، وكون حيّان في راحة وخفض(7) وكذا غرضه (عليه السَّلام) بیان البون البعيد بين يومه صَابراً على القذى والشجي، وبين يومهم فائزين بما
ص: 265
طلبوه من(1) الدنيا، وهذا هو الظاهر المطابق للبيت التالي له، وهو ما تمثَّل به (عليه السَّلام) على ما في بعض النسخ، وهو قوله:
أرَمْي بِهَا الْبيْدَ(2) إذَا هَجَّرَتْ *** وَأنتَ بَيَن الْقَرِو وَالْعَاصر / و 24 /
والبِيد بالكسر جمع بَيْداء وهي المَفَازة قالوا والقياس بيداوات(3)، والهَاجِرَة نصفُ النَّهار عند شدة الحرّ(4) وقيل: ((من الزّوال إلى العصر))(5)؛ لأنَّ الناسَ يستكنّون في بيوتهم وكأنَّهم(6) قَدْ تهاجرُوا، والتّهجير والاهجار ((السّير في الهاجرة))(7) ويقال هجَر الرَاكب وهجر النّهار(8) وهّجر المكان أيضا على التجوز في الاسناد، و((القرو قدح من الخشب))(9)، ((وقيل: إناء صغير))(10) أو إجّانة للشرب(11)، والعَاصر الذي يعصر العنب للخمر، أي: أنا في شدة من حر الشمس أسوق ناقتي في الفيافي(12) وأنت في عيش وشرب
ص: 266
وليس معنى البيت ما ذكره بعض الشارحين(1) من أنَّ غرض(2) الشاعر [ما](3) أبعد مابين يوم يبين يومي على كور الناقة أدأب وانصب وبين يومي منادما حيّان أخي جابر في خفض ودعة وزعم أن غرض التمثل اظهار(4) البعد بين يومه (عليه السَّلام) بعد وفاة الرَّسول (صلى الله عليه وآله) مقهوراً ممنوعاً عن حقه، وبين يومه في صحبة النبي (صلى الله عليه وآله) وعلى ما زعمه یکون الاضافة في يوم حيَّان لملابسة ضعيفة (فَيَا عَجَبَا!
بَيْنَا هُوَ يَسْتَقِيلُهَا فِي حَيَاتِهِ، إِذْ عَقَدَهَا(5) لآخَرَ بَعْدَ وَفَاتِهِ!) أصل یا عجبا [یا عجبي](6) بإضافة العجب إلى ياء المتكلّم قلبت الياء الفاً؛ لأنَّ الألف والفتحة أخف من الياء والكسرة(7) كأنَّ المتكلَّم ينادي عجبه ويقول له: احضر(8) فهذا أوان حضُورك، و (بینا) هِيَ (بين) الظَرفية(9) اشبعَتْ فتحتها فَصارت الفاً، ويقع بعدها (إذا)(10) الفجائية(11) غالباً(12)، نصَّ سیبویه کما حكاه في
ص: 267
المغني(1) على أن (إذ) بعد (بینا) و (بینما) للمفاجأة، [...](2) قال [صاحب المغني](3): ((وهل هي ظرف زمان أو ظرف مكان أو حرف بمعنى المفاجأة أو حرف مؤکد أي زائد؟ أقوال))(4)، ثم فصل القول في عاملهَا على الظرفية(5)، والاستقالة طلب الاقالة وهو في البيع نسخة للنَّدم، ويكون في البيعة(6) والعَهْد أيضاً(7)، و تقول: قلتُه البيع بالكسر كما تقول أقلته، واستقالة أبي بكر قوله بعد ما بُويع: (أقيلوني فَلَسْتُ بِخَير كم وعلي فيكم) وقد روى خبر الاستقالة الطبري(8) في تاريخه(9)، والبلاذري(10) في أنساب
ص: 268
الاشراف(1)، والسّمعاني(2) في الفضائل، وأبو عبيدة في بعض مصنفاته على ما حکاه بعض أصحابنا، ولم يقدح الفخر الرازي في نهاية العقول في صحته وأن أجاب عنه بوجوه ضعيفة وكفی کلامه (عليه السَّلام) شاهداً على صحَّته وكون العقد لاخربين أوقات الاستقالة لتنزيل اشتراكهما في التحقق والوجود منزلة اتحاد الزَّمان أو لأنَّ الظَّاهر من حال المستقيل لعلمه بأنَّ الخلافة حقّ(3) لغيره بقاء ندمه وكونه متأسفاً دائماً خصُوصَاً عند ظهور إمارة الموت والظرف أعني قوله (عليه السَّلام) بعد وفاته ليس ظرفاً لنفس الفعل أعنی العقد بل لترتب الاثار على المعقود بخلاف قوله (عليه السَّلام) في حياته ولمَّا احتضر أبو بكر أحضر عثمان وأمره أن يكتب عهداً وكان يمليه عليه فلمَّا بلغ قوله أمَّا بعد أُغمِيَ(4) عليه فكتب(5) عثمان قد استخلفت علیکم عمر بن الخطَّاب فأفاق أبو بكر فقال: أقرأ فقرأه فكبر أبو بكر وقال: أراك خفتَ أن يختلف النَّاس إن مّت في غشيتي قال نعم قال: جزاك الله خيراً عن الإسلام
ص: 269
وأهله ثمَّ أتمّ العَهْد وأمره أن يقرأهُ على النَّاس، وتوّفي ليلة الثلاثاء لثمان بقين من جمادي الآخرة من سنة ثلاث عشرة على ما ذكره الشارح عبد الحميد بن أبي الحديد(1)، وقال ابن عبد البر في الاستيعاب(2) قول الاكثر إنه توفي عشيّ يوم الثلاثاء المذكور، وقيل ليلته وقيل عشي يوم الاثنين قال: ومكثَ في خلافته سنتين وثلاثة أشهرٍ إلاَّ خمس ليال [أو سَبْعَ ليال](3)، وقيل أكثر من ذلك إلى عشرين يوماً، والسَّبب على ما حكاه عن الواقدي انَّه اغتسل في يوم بارد فحمَّ (ومرض خمسة عشر يوماً)(4)، وقيلَ سُل، وقيل سمَّ(5) وغسلته زَوجَتَه أسماء بنت عميس(6)، وصلَّى عليه عمر بن الخطَّاب،
ص: 270
دفن ليلاً في بيت عائشة. (لَشَدَّ مَا تَشَطَّرَا ضَرْعَيْهَا) اللاَّم جواب للقسم المقدر، وشَدَّ أي صَارَ شديداً، وكلمة ما مصدرّية والمصدر المُستفاد منها مع مَدْخُولها فاعل شدَّ، ولا يستعمل / ظ 24 / هذا الفعل إلاّ في التعجب صرّح به الشيخ الرَّضي(1) وقال: لا يستعمل من شدید فعل ثلاثي في غيره استغناءً ب (إشتدَّ) کما استغنی بافتقر(2) عن فَقر، وبارتفع عن رفع، فقالوا: افتقر فهو فقير، وارتفع فهو رفيع، واشتدَّ فهو شديد، وهو بالفتح على صيغة المعلوم في النسخ وإن جاز فيه الضَّم کسائر ما كان على (فَعُل) بضَّم العين إذا أريد به المَدْح أو التعَّجب لدلالة التغير في اللَّفظ على التغير في المعنى إلى المدح أو التعّجب (وتشطَّر) أمّا مأخوذ من الشّطر بالفتح بمعنى النّصف يقالُ فُلان شطَّر ماله أي: نصفه(3)، فالمعنى أخذ كلّ منهما نصفاً من ضْرَعَى الخلافة، وأمّا منه بمعنی خِلف النّاقة بالكسر أي: حلمة ضرعها محركَّة يقال: شطَّر ناقته تشطيراً إذا صرّ (خلفين)(4) من أخلافِها أي شدَّ عليها الصرِّار(5)، وهو خيط يشدّ فوق الخلف لئلا ترضع منه الولد(6)، وللنَّاقة أربعة أخلاف خلفان قادمان(7) وهما اللذان يليان السّرة، و خلفان آخران(8)، وسمّي (عليه السَّلام) خلفين منها ضرعاً الاشتراكهما في الحلب دفعة ولم نجد التشطَّر على صيغة التفعل في كلام
ص: 271
اللَّغويين(1)، وفي رواية الشيخ المفيد (قدس الله رُوحه) في ارشاده(2) و شیخ الطّائفة (رحمه الله) في أماليه (شاطرا ضرعَیْها)(3) على صيغة المفاعلة، يقال: شاطَرتْ ناقتي إذا احتلبت شطراً وتركت الآخر، ((وشاطَرتُ فلاناً مالي إذا ناصفته))(4)، وقد ورد في عدة روايات أنَّه [قال](5) (عليه السلام) لعمر بن الخطاب بَعْدَ يوم السقيفة: ((اُحلب حَلباً لَكَ شطرهُ اشدُده له اليَومَ يردُده عَلَيْكَ غداً))(6) وقد مَهَّدَ عمر بن الخطَّاب أمر البيعة لأبي بكر يوم السَّقيفة ثم نصَّ أبو بكر عليه لمَّا حضر أجله وكان قد استقضاه في خلافته وجعله وزيراً في أمرِها مُساهما في وزرهَا فالمشاطَّرة (تحتمل)(7) الوجهين (فَصَيَّهَا فِي حَوْزَةٍ خَشْنَاءَ يَغْلُظُ كَلْمُهَا، وَيَخْشُنُ مَسُّهَا، وَيَكْثُرُ الْعِثَارُ فِيها، وَالْاعْتِذَارُ مِنْهَا) وفي كثير من النّسخ الصَّحيحة ويكثر العِثارُ(8) وَالاعتذار بدون كلمة فيها، الحوزة بالفتح الناحية(9) وفيها دلالة على خروج الامر عن موضعه،
ص: 272
والحوزة أيضاً الطَّبيعة(1)، والغِلَظ كعنب(2) ((ضدّ الرِّقة))(3) يقال: غَلُظ الشيء کَکَرُمَ، وقیل کضَرَب أيضاً فهو غلیظ وغلاظ کغراب، وفي النسخ بضَّم الَّلام، والکَلَم بالفتح الجرح والاسناد(4) توسَّع کالوصف في قوله تعالى: «وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ»(5) وخشن کَکَرُمَ ضِدُّ لانَ وخشونة المسّ الايذاء والاضرار وهي غير ما يستفاد من الخشناء فإنَّه عبارة عن كون الحوزة بحيث لا ينالُ ما عندها ولا يفوز بالنجاح من قَصدهَا، والعَثْرَةُ بالفتح ((الزَلَّة))(6)، وعَثَر کَضَرَب ونَصرَ وعَلِم وکَرُم عَثراً وعِثاراً بالكسر وعَثِير انكبَّ على وجهه لما اصابَ رجله في المشي من حجر ونحوه، قال بعض الشارحين: يمكن أن يكون (من) في الاعتذار(7) منهَا للتعليل أي ويكثر اعتذار(8) النَّاسِ عن أفعالهم وحركاتهم(9)؛ لأجل تلك الحوزة وبعده واضح والظاهر [أن](10) المفاد على تقدير إرادة الناحية تشبيه المتولّي للخلافة بالأرض الخشناء في ناحية الطريق المستوي، وتشبيه الخلافة بالراكب السَّائر فيها أو بالناقة أي
ص: 273
أخرجَها عن مسیرها المُستوى وهو من يستحقها إلى تلك الناحية الحزينة(1) فيكثر عثارها أو عثار مطيّتها فيها فاحتاجت إلى الاعتذار من عثراتها الناشئة(2) من خشونة الناحية وهو في الحقيقة اعتذار من النَّاحية، فالعاثر والمعتذر حينئذ هي الخلافة توسّعاً والضَّمير المجرور في (منهَا) راجع إلى الحوزة أو إلى العثرات المفهومة من كثرة العثار ومن صلة للاعتذار أو للصفة المقدرة صفة للاعتذار أو حالاً عن (يكثر) أي الناشئ أو ناشئاً منها وعَلى مَا في كثير من النَّسخ یکون الظَرف المتضمن / و 25 / لضمير المَوصوف أعني فيها محذوفاً والعثار والاعتذار على النَّسختين اشارة إلى الخطأ في الأحكام وغيرها، والرَّجوع عنها كقصة الحاملة والمجنونة، وميراث الجدّ وغيرها، وفي رواية الطَّبرسي (رحمه الله) في الاحتجاج ((يكثر فيها العِثارُ ويَقلَّ فيها الاعْتِذَارِ))(3)، فالمعنى انَّه كان يعثر كثيراً ولا يعتذر منها لعدم المبالاة أو للجهلِ أو لأنَّه لم يكن لعثراته عذر حتی یعتذر، فالمراد بالاعتذار ابِداء العُذر ممن كان معذوراً ولم يكن مقصَّراً (فَصَاحِبُهَا كَرَاكِبِ الصَّعْبَةِ، إِنْ أَشْنَقَ لَهَا خَرَم، وَإِنْ أَسْلَسَ لَهَا تَقَحَّمَ)، الصَّعبة من النوق غیر المنقادة(4)، وأَشْنَقَ بعيره أي جذب رأسَها بالزّمام ويقال أشنَق البعير بنفسه إذا رفع رأسه(5) يتعدى ولا يتعدى، واللَّغة المشهورة شنق كنَصر متعدّياً بنفسه ويستعملان باللام کما صرّح به في النهاية(6)
ص: 274
وسيجيء في شرح کلام السيّد ان شاء الله(1) بعد تمام الخطبة، واللّام على ما ذكره السّيد للازدواج(2)، والخَرْم بالخاء المعجمة المفتوحة والرَّاء المهملة السَّاكنة الشق(3)، يقال: خرمَ فلاناً کضرب ((أي: شق وترة أنفه، وهي مابين منخريه، فخرم هو کفرح أي تخرمت وترته))(4) والأخرم الذّي قطعت وترة انفه أو طرف أنفه شيئاً لا يبلغ الجدع(5)، والمفعول محذوف وهو ضمير (الصَّعبة) كما يظهر من كلام بعض اللَّغويين أو أنفها كما يدلّ عليه كلام السَّيد، وابن الاثير، وبعض الشَّارحين (وأسْلَسَ لها) أي أرخى زمامها لها، والشيء السلس المنقاد(6)، و تقَّحم أي رمی(7) نفسه في مهلكة، والقحمة بالضم المَهلكة والوَرطَة(8)، وتقحَّم الإنسان الأمر أي رمی نفسه فيه من غير رويّة وتثبت(9)، وذكروا في بيان المعنى وجوهاً منها: أنَّ الضَّمير في صاحبَها يعود إلى الحوزة المكنَّی بها عن الخليفة أو أخلاقهِ والمراد بصاحبها [من يصاحبها](10) کالمستشار وغيره والمعنى أنَّ المصاحب للرَّجل المنعوت حاله في صعوبة الحالِ کراکب الناقة الصَعبة فلو تسرَّع إلى انكار القبائح من أعماله أدى إلى الشقاق
ص: 275
بينهما وفساد الحال، ولو سكت وخلاَّه وما يصنع [أدَّى](1) إلى خسران المال، ومنها أن الضمير راجع إلى الخلافة أو إلى الحوزة والمراد بصاحبهَا نفسه (عليه السَّلام) والمعنى أن قيامي في طلب الامر يوجب مقاتلة ذلك الرَّجل وفسادِ أمر الخلافة رأساً وتفرق نظام المسلمين وسكوتي عنه يورث التقحم في موارد الذّل والصَّغار ومنهَا أن الضَّمير راجع إلى الخلافة وصاحبهَا من تولى أمرها مراعياً للحقّ وَما يجب عليه والمعنى أنَّ المتوَلى للخلافة أن أفرط في احقاق الحق وزجر النَّاس عما یریدونه بأهوائهم أوجب ذلك نفار طبائعهم وتفرقهم عنه لشدَّة الميل إلى الباطِل وإن فرَّط في المحافظة على شرائطها القاه التفريط في موارد الهَلكَة(2) وَضَعْف هذا الوجِه وبعده عن المقام واضح وأقربها أوَّلها ويمكن فيه تخصيص الصَّاحب به (عليه السَّلام) فالغرض بيان مقاسَاته الشَّدائد في أيَّام تلكَ الحوزة الخشناء للمصاحبة، وقد كانت ترجع اليه (عليه السَّلام) بعد ظهور الشناعة في العثرات، وتستشيره في الأمور للأغراض (فمُنِيَ النَّاسُ لَعَمْرُ اللهِ بِخَبْطٍ وَشِمَاَسٍ، وَتَلَوُّنٍ وَاعْتِرَاضٍ) مُنِي على صيغة المجهُولِ أي أبتُلِي يقال مناهُ الله يَمينَه ويَمنُوُه أيضاً أي ابتلاهُ، والعَمر بالفتح والعُمر بالضم واحد وهما مَصْدَران يقول: عَمِرَ الرّجل بالكسر يَعْمَرُ بالفتح عَمْراً و عُمْراً على غير قياس لأنَّ قياس مصدر فَعِلَ إذا كان لازماً التحريك(3) أي عاش زماناً طويلاً كذا قال الجوهري(4) وقال غيره: عمَر الرَّجل كفرح
ص: 276
ونَصَرَ وضَرَبَ، وهما وإن كانا بمعنى إلاَّ أنَّه لا يستعمل في القسم إلاَّ العمر بالفتح فإذا أدخلت عليه الَّلاَم(1) رفعته بالابتداء فقلت: لعُمر الله [كذا](2)، واللاَّم لتوكيد الابتداء والخبر محذوف والتَّقدير: لَعَمْرُ الله قَسَمي وإن لم تأْتِ باللاَّم نصبته نَصبْ المَصادر وقلت: عَمْرَ اللهِ مَا فَعَلْتُ كذاوالمعنى على التقديرين أحلف(3) ببقاء اللهِ وَدوامِه(4). والخَبْط بالفتح / ظ 25 / السَّير على غير معرفة وفي غير جادَّة(5)، والشِماس بالكسرِ النِفار يقال: شَمَسَ الفرسُ شُمُوساً وشِمَاساً أي [...](6) (منع ظَهره فهو فرس شَمُوسٌ بالفتح وبهِ شِمَاسٌ(7)، وقال في العين(8): ورجل شموس أي عَسِر وإنَّه لذو شَمَاسٍ شديد أي عسر وخلاف على من نازعه وشَمَسَ لي فلان إذ أبدا لك عداوته كأنه قد هم أن يفعل، والتلوّن في الإنسان أن لا يثبُت على خلق واحد، والاعتراض السَّير على غير استقامة كأنه يسير عرضاً ويفعل(9) ذَلكَ البعير الخابط، ويقال: اعترض الفرس في رسَنه أي لم يستقمْ لقائده واعترض فلان فلانا أي وقع فيه واعترَضتُ البعير ركبته وهو صَعبٌ والغرض بیان شدة ابتلاء النَّاس في خلافته بالقضَايا الباطلة لجهله واستبداده برأيه مع تسرعَّه إلى الحكم
ص: 277
وايذائهم لحدَّته وبالخشونة في الأقوال والأفعال الموجبة لنفارهم عنه أو بالنفار عن الناسِ كالفرس الشَّموسِ، والتلوَّن في الآراء والأحكام لعدم ابتنائها على أساس ثابت و بالخروج عن الجادة المستقيمة التي شرعها الله لعباده، أو بالوقوع في النَّاس في مشهدهم ومغيبهم، أو بالحمل على الأمور الصَّعبة والتَّكاليف الشَّاقة، ويحتمل أن يكون الخبط والشماس والتلوَّن والاعتراض أوصافاً للنَّاسِ في مدَّة خلافته فإنَّ خروج الواليِ عن الجادة يستلزم خروج الرعية عنها أحياناً وكذا تلونه واعتراضه يوجب تلوّنهم واعتراضهم على بعض الوجوه، وخشونته تستلزم(1) نفارهم وقد فصل تلك الجمل موضعه (فَصَبْرَتُ عَلىَ طُولِ الْمُدَّةِ، وَشِدَّةِ الْمِحْنَةِ، حَتَّى إِذَا مَضَى لِسَبِيلِهِ جَعَلَهَا فِي جماعةٍ(2) زَعَمَ أَنِّ أحَدَدُهُم) المِحْنَة البلية التي يمتحن بها الإنسان أي يختبر بها(3)، والزعم بالضم والفتح والكسِر أيضاً قريب من الظن، وقال ابن الأثير: ((انَّما يقال زعموا في حديث لاسند له ولا ثبت فيه))(4)، وقالَ الزَّمحشري(5): ((هي ما لا يوثق به
ص: 278
من الأحاديث))(1) وفي الرّواية عن الصَّادق (عليه السَّلام) (كل زعم في القرآن کذب)(2) وكانت مدَّة خلافته على ما ذكرها ابن عبد البّر في الاستيعاب ((عشر سنين وسّتة أشهر))(3)، قال: وقتِل يوم الأربعاء لأربع بقين من ذي الحجَّة سنة ثلاث وعشرين(4)، وقال الواقدي وغيره: لثلاث بقين من ذي الحجَّة طعنه أبو لؤلؤة فيروز(5) غلام المغيرة بن شعبة(6)، ثم ذكر القصة(7)، واشتهر بين الجمهُور من الشيعة أنَّه قتل في اليوم التاسع من ربيع الأوَّل وهو
ص: 279
مطابق لرواية عليّ بن طاووس(1) رحمه الله عن أبي الحسن علّي بن محمد العسكري (عليه السَّلام) قال ويدّل عليه روایات، ونفاه شيخنا المفيد قدَّس الله روحه، وابن إدریس(2) (3) وادعی اجماع أهل السَّير على خلافه، والمشهور قتل لأربع(4) بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين كما ذكره الاستيعاب(5) والجماعة التي اشار اليها (عليه السَّلام) مجلس الشورى وهم ستة على المشهور عليَّ (عليه السَّلام)، وعثمان، وطلحة(6)، والزبير(7)، وسعد بن أبي
ص: 280
وقاص(1)، وعبد الرحمن بن عوف(2)، وقال الطبري: لم يكن طلحة مَّمن ذكر في الشورى ولا كان يومئذ بالمدينة(3)، وقال أحمد بن اعثم(4) لم يكن طلحة يومئذ بالمدينة فقال عمر انتظروا بطلحة ثلاثة أيَّام فإن جاء والاَّ فاختارَوا رجلاً من الخمسة(5) (فَيَاَللهِ وَ لِلشُّورَى) الشوری کبشری مصدر بمعنی المشورة تقول(6): منه شاوَرْته في الامور واستشرته، واللام في فيا لله مفتوحة الدخولها على المستغاث أدخلت للدّلالة على اختصاص بالنداء للاستغاثة(7)
ص: 281
وأمَّا في وللشوری مکسورة دخلت على المُستغاث له والواو زائدة أو عاطفة على محذوف مستغاث لهُ أيضاً قال بعض الشارحين: ((كأنَّه قال: فيا لله العمر وللشوّرى أولى وللشوری ونحوه))(1)، والظاهر: فيا لله(2) لما أصابني منه أو لنوائب الدَّهر عَامَّة، / و 26 / وللشوری خاصة، والاستغاثة للتألم من الاقتران بمن لا يدانيه في الفضائل ولا يستأهل للخلافة كما يظهر من تتمَّة الكلام. وجملة القول في هذه القصَّة إنَّه لما طعن عمر بنَّ الخطاب، وأيقن بالموت قيل له: لو استخلفت فقال: لو كان أبو عبيدة حيَّا لأستخلفته، ولو كان سالم حیَّا لأستخلفته، فقال الرجل: وَلِّعبد الله ابنك، فقال: قاتلك الله استخلف رجلاً عجز عن طلاق أمرأته، ثم قال: عليکُم بالرَّهْطِ الذَّين مَات رسول الله [صلى الله عليه وآله](3) وهو راضٍ عنهم وسمّى الستة، وقال: قد رأيت أن أجعلها شُوری بینهم ليختاروا لأنفسهم، ثمَّ دعاهم فقال لهم: أكلكم يطمع فيْها! فسكتوا على غيظ، فأعاد، فقال زُبيْر: ما الذَّي يبعدنا عنها! وليتها أنت ولسنا دونك في قريش، ولا في السَّابقة والقرابة، فقال: الا أخبركم عن أنفسكم، قالوا: قل فإنا لو استعفيناك لم تعفُنا، فقال: أمَّا أنت یَا زبیر فَوَعْقَةُ(4) لَقِسَ(5)، مؤمن الرَّضا، کافر الغضب، يوماً انسان، ويوماً
ص: 282
شَيْطان، ثم أقبل على طلحة وكان له مبغضاً لما قاله يوم نصّ أبي بكر عليه فقال: أقول أم أسكت؟ قال: قل فإنك لا تقول من الخير شيئاً، قال: أمَّا انَّي أعرفك منذ اصيبت أصبعك يوم أحد واعلم البَأوَ(1) الذي حدث لك ولقد مات رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ساخطاً عليك للكلمة التَّي قلتها يوم انزلت آية الحجاب(2)، ثم أقبل على سعد فقال انَّما أنت صَاحب مِقنب(3) وقنص وقوس واسهم وما زُهْرُة(4) والخلافة، ثم مدح عبد الرحمن بالایمان و ذمه بالضّعف ثم أقبل على علي (عليه السَّلام) فقال: لله أنت لولا دعابة فيك أما وَالله لئن وليتهم لتحملنَّهم على المحَّجة البيضاءِ والحق الواضِح، ثمَّ أقبل على عثمان فقال: كأنَّي بك قد(5) قلّدتك قريش هذا الامر لحبّها إيَّاك فحملت بني أميَّة وبني أبي معيط على رقاب الناس فذبحوك على فراشك. هذا خلاصة مَا حكاه الشَّارح عبد الحميد بن أبي الحديد(6) عن کتاب السفيانية لأبي عثمان الجاحظ(7) قال، وقال شيخنا أبو عثمان لو قال
ص: 283
لعمر قائل كيف تقول لطلحة ما قلت وقد زعمت أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله مات وهو راض عن السّتة لرماه بمناقضته ولكن من الذَّي كان جسر على عمر أن يقول له ما دون ذلك فكيف هذا، ثم دعا أبا طلحة الانصاري فقال: إذا عدْتم من حفرتي، فاختر خمسين رجلاً من الانصار حاملي سُيوفهم، واجمع هؤلاء السّتة في بيت ليختاروا واحداً منهم، فإن اتفق خمسة وأبي واحد فاشدخ رأسه بالسيف، وإن اتفق أربعة وأبي اثنان فاضرب اعناقهما، وإن اتفق ثلاثة وخالف ثلاثة، فأنظر الثلاثة الَّتي فيها عبد الرحمن بن عوف، فإنَّ أصرَّت الثلاثة الأخرى على خلافها فاضرب أعناقها، وإن مضت ثلاثة أيَّام ولم يتفقوا، فاضرب أعناق السَّتة، ودع المسلمين يختاروا لأنفسهم، فلمَّا خرجوا من عنده قال علي (عليه السَّلام) للعبّاس عُدِل بالأمر عنيّ ياعمّ، قال: وما علمك، قال: قرن بي عثمان وقال: كونوا معَ الاكثر فإن رضي رجلان [رجلاً](1) ورجلان رجلًا، فكونوا مع الذّين فيهم عبد الرَّحمن فسعد لايخالف ابن عمَّه، وعبد الرحمن صهر عثمان لا يختلفان فيوليها(2) أحدهما الآخر فلو كان [الاخران](3) معي يغنيا شيئاً رَواهُ الطبري(4) وابن الأثير في الكامل(5) وفي رواية القُطب الرَّاوندي (رحمه الله) انَّه
ص: 284
قال (عليه السَّلام): ادخل في الشورى لتظهر مناقضة فعله(1) لروايته أنَّ النبوة والامامة لا يجتمعان في بيت، وقد أهلَّني اليوم للخلافة(2) (مَتَى اعْتَرَضَ
الرَّيْبُ فِيَّ مَعَ الْأَوَّلُ مِنْهُمْ حَتَّى صِرْتُ أُقْرَنُ إلَی هَذه(3) النَّظائِر) اعترض الشيء صارع كالخشبة المعترضة في النَّهر، و(الرَّيب: الشك)(4)، والمراد بالأوَّل أبو بكر، وأُقرنَ اليهم على لفظ المجهُول أي اجُعْل قرينالهم ويجمع بيني وبينهم، وكان أبو بكر وطلحة [...](5) يقال لهما القرينان؛ لأنَّ عثمان بن عُبيد(6) الله أخا طلحة أخذهما(7) فقرنها بحبل(8)، والنظائر(9) الخمسة أصحاب الشوری / ظ 26 / أو الأربعة كما تقدَّم، والتَّعبير بالنظائر على المُماشاة؛ لأنَّه جعلهم عمر نظراء أو لكون كل منهم نظيراً للآخرين ونفى الریَّب لوضوح الامر، وقیَّام الحَّجة، وتنزيل ارتياب المرتابين بمنزلة العدم (لكنِّي أَسْفَفْتُ إِذْ أَسَفُّوا وَطِرْتُ إِذْ طارُوا) قال في النَّهاية: في حديث علي (عليه السلام) لكني أسففت اذِ أسفوا، أسف الطَّائر(10) إذا دنا من الأرض، وأسَفَ الرَّجل للأمر إذا قاربُه(11)
ص: 285
وطرِتُ أي ارتفعت استعمالا للكلّي في أكمل الأفراد بقرينة المُقابلة، قال بعض الشَارحين: أي لكني طلبت الأمر أن كان المنازع فيه جلیل القدر أو صغير المنزلة؛ لأنَّه حقي فلم استنکف من طلبه(1)، والاظهر إنيَّ جريت معهم على ما جروا، ودخلت في الشّورى مع انَّهم لم يكونوا نظراء لي، وتركت المنازعة رعاية للمصلحة (فَصَغَى رَجُلُ مِنْهُم لِضِغْنِهِ، وَمالَ الآخَرُ لِصِهْرِهِ، مَعَ هَنٍ وهَنٍ) صغى يصغي يصغُوا أي مال، وكذلك صغى بالكسر ومنها صغيت اليه إذا مِلْت بسمعك نحوه(2) والضِّغن بالكسر الحقْدِ و العداوة(3) يقال: ضغِن عليه بالكسر، والصِهْرُ بالكسر : ((حُرْمَة الخُتُونَةِ))(4) أي: خلطه تشبه القرابة يحدثها(5) التّزويج، وقال الخليل: الأصهار أهل بيت المرأة(6)، ومن العرب من يجعل الصّهر من الاحماء والاختان جميعاً، (وهن) على وزن أخ: كلمة كناية، ومعناه شيء وأصله هَنَوُ، تقول(7): هذا هَنُك، أي شيئُك)(8) قاله الجوهري، وقال الشيخ الرَّضي: ((الهن: الشيء المنكر الذّيْ يستهجن ذكره من العورة والفعل القبيح و(9) غير ذلك))(10) والذّي مال للضغن سعد بن أبي
ص: 286
وقاص؛ لأنَّه (عليه السَّلام) قتل أباه يوم بَدْر، ((وسعد أحد من قعد عن بيعة علي (عليه السَّلام) وقت رجوع الامر اليه))(1) كذا قال القطب الراوندي (رَحمُه الله)، ورَدّه الشَّارح عبد الحميد بن أبي الحديد بأنَّ أبا وقاص واسمه مالك بن أهيب(2) بن عبد مناف مَات في الجاهلية حتف أنفه(3) قال: والمراد به طلحة بن عبيد الله وضغنه؛ لأنَّه تیمي(4) وابن عم أبي بكر وكان في نفوسِ بني هاشم حنقٌ(5) شدید من بني تيم(6) لأجل الخلافة(7)، وبالعكس والرّواية التي جاءت (بأنَّ)(8) طلحة لم يكن حاضراً يوم الشورى إن صحت فذو الضَّغن هو سعدٌ؛ لأنَّ أمَّه حمنة بنت سفیان بن أمية بن عبد شمسِ(9)، و(الضغينة)(10) التَّي كانت عنده من قبل أخواله(11) الذين قتلهم علي (عليه السَّلام)، ولم يعرف أنَّه (عليه السَّلام) قتل أحداً من بني زهرة لينسب الضغن(12) اليهِ، والذَّي مال لصهره هو
ص: 287
عبد الرَّحمن [بن عوف](1)؛ لأنَّ أمّ كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط كانت زوجة(2) عبد الرَّحمن(3)، وهي(4) أخت عثان من أمهِ(5) ((أرَوْی بنت کُرَیْز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس))(6)، وَلَعَّل المراد بالكناية رجاؤه أن ينتقل الأمر اليهِ بعد عثمان، وينتفع بخلافته، والانتساب الَيْهِ باکتساب الأموال والاستطالة والتَّرفع على النَّاسِ أو نوع من الانحراف عنه (عليه السَّلام) وقد عَدَّ من المنحرفين أو غير ذلك ممَّا هو (عليهِ السَلام) أعلم به، ويحتمل أن يكون الظَّرف متَّعلقاً بالمعطوُف [و المعطوف](7) عليه کلیهماَ فالكناية تشمل ذا الضَّغن أيضاً، والمشهور في كيفية انعقاد الخلافة لعثمان أنَّه لما اجتمع أهل الشورى أشهدهم طلحة على نفسه انَّه وهب حقه لعثمان العلمه بأنَه لا ينعقد الامر له فأراد تقوية عثان واضعاف(8) جانبه (عليه السَّلام) لضغنه(9) فلماَّ رأي زبير ذلك قال: وأنا أشهدُكم أني قد وهبت حقي لعلي (عليهِ السَّلام)؛ وذلك لما دخله من حمية النَّسب؛ لأنه كان ابن عمَّة أمير المؤمنين (عليه السَّلام) وهي صفية بنت عبد المطلب(10)، وَكانَ أبُو
ص: 288
طالب (عليه السَّلام) خالَهُ(1)، فبقي أربعة، فوهب سعد حقَّه لأبن عمَه عبد الرَّحمن وكان يعلم أنَّه لا يتم له فقال عبد الرَّحمن لعلي (عليه السَّلام) وعثمان: أيّكما يخرج نفسه ويكون اليهِ الاختيار؟ فلم يتكلم أحد منها / و 27 / فقال: إنَّي قد أخرجت نفسي على أن اختار أحدكما، فبدأ بعلي (عليه السَّلام) وقال: أبايعك على كتاب الله، وسنة رسوله، وسيرة الشيخين أبي بكر وعمر، فقال (عليه السَّلام) بل على كتاب الله وسَّنة رسوله، ومبلغ علمي، فعدل الى(2) عثمان فقال: نعم، فعاد اليه (عليه السَّلام) فأجاب(3) بما ذکر حتى تم ثلاثة مرَّات، فصفق يده على يد عثمان [وقال: السَّلام عليك يا أمير المؤمنين](4)، فقال(5) (عليه السَّلام): والله ما فعلتها إلاَّ لأنَّكَ رجوت منه ما رجا صاحبکما من صَاحِبهِ، دَقَّ الله بينكما عِطْرَ مَنْشِمِ(6)، روى الشَّارح عبد الحميد بن أبي
ص: 289
الحديد عن أبي هلال العسكري قال: قال في كتاب الاوائل استجیبت دعوة علي (عليه السَّلام) فيها فما ماتا الاَّ متهاجرين متعاديين، قال: ولما بنی عثمان قصره وصنع طعاماً كثيراً ودعا النَّاسِ كان فيهم عبد الرَّحمن فنظر إلى البناء والطعام، وقال: يا ابن عفان لقد صدقنا عليك مَا كنَّا نكذب فيك، وإنَّي استعيذ بالله من بيعتك، فغضب عثمان، وقال: اخرجه عني ياغلام، فأخرجوُه وأمر النَّاسِ أن لا يجالسُوهُ، ثم مرض عبد الرَّحمن فعاده عثمان وكلَّمه فلم يكلمه حتى مات(1). (إِلیَ أَنْ قَامَ ثَالِثُ الْقَوْمِ نَافِجاً حِضْنَيْهِ، بَیَنْ
نَثِيلِهِ وَمُعْتَلَفِهِ، وَقَامَ مَعَهُ بَنُو أَبِيهِ يَخْضَمُونَ مَالَ اللهِ خَضْمَ الإِبِلِ نِبْتَةَ الرَّبِيعِ) الحضن(2) بِكسر المهملة ((ما دون الابط إلى الكشح))(3) ومنه احتِضان الشيء أي: حملك إيَّاه في حضنِك، والنَفَجَ بالجيم الرّفع يقال: بعيرٌ مُنْتَفِج الجنبين إذا امتلأ من الأكل فارتفع جنباه، ورجل منتفج الجنبين إذا افتخر بما ليس فيه(4) وظاهر المقام التشبيه(5) بالبعير، وقال ابن الأثير:کنی به عن التعاظم والخيلاء(6)، قال: ويروى: نافخاً بالخاء المعجمة أي منتفخاً(7) مستعداً لأن يعمل عمله(8) من الشر(9)، والظاهر على هذه الرواية أنَّ المراد كثرة الأكل،
ص: 290
و ((النثيل(1): الرَّوْث))(2)، و المعتَلَف بالفتح موضِع الاعتلاف وهو أكل الدابة العلف(3)، أي: كان همَّه الاكل والرَّجيع كالبهائم، وفي رواية الصّدوق رضي الله عنه (بين ثيلهِ(4) ومعتلفهِ) و حکی تفسيره عن الحسن(5) بن عبد الله بن سعيد العسكري قال: الثَيْل قضيب الجَمْل، وإنَّما استعاره للرَّجل هاهنا والمعتلف الموضِع أي بين مطعمه ومنكحه(6)، وقال في القاموس(7): الثَيِل بالفتح و بالفتح والكسر وعاء قضيب البعير أو القضيب نفسه، والخَضْم ((الأكل بجميع الفم))(8) ويقابله القضم أي: ((بأطراف الاسنان))(9)، وقال في النهاية(10): في حديث علي (عليه السلام) فقام معه بنو أمية يخضمون(11) مَالِ الله خضم(12) الابل نبتة الربيع، الخضم الأكل بأقصى الأضراس، والقضم بأدناها، ومنه حديث أبي ذر (تأكلون خضماً، ونأكل قضماً))(13)، وقيل: الخضم
ص: 291
خاص بالشيء الرَّطب(1)، والقضم باليَابس(2)، والفعل خضِم کولم على قول الجوهري(3)، وابن الاثير(4)، وفي القاموسِ ((کسمع وضرب))(5) والمضارع موجود في النسخ الصَّحيحة على الوجهين، والنبتة بالكَسر والفتح النبات(6) وكلاهما مَوجُودان في النَّسخ وصرّح الشَّارحَان(7) بالکسر، و(تكون)(8) النِبتة بالكسر لضرب من فعل النبات، يقال: إنه لحسن النبتة صرح به في العين(9)، والكلام اشارة إلى تصرَّف عثمان، وبني أميَّة في بيت مال المسلمين، واعطائه الجوائز، واقطاعه القطائع کما روى أنه دفع إلى أربعة من قريش زوجهم بناته أربعمائة الف دينار، وأعطی مروان(10) مائة الف عند فتح أفريقيا،
ص: 292
ويروى خمس أفريقية، وكان [قد](1) أشترى الخمسَ فوهبه له، وولى الحكم بن أبي العاص صدقات قضاعة فبلغت ثلاثمائة الف فوهَبَها له حين أتاه بَها، وأعطى سعيد بن العاص مائة الف وغير ذلك ممَّا فصل في محله / ظ 27 / (إِلَی أَنِ انْتَكَثَ علَيْهِ فَتْلُهُ(2)، وَأجْهَزَ عَلَيْهِ عَمَلُهُ، وَكَبَتْ(3) بِهِ بِطْنَتُهُ(4)) الانتكاث الانتقاض يقال: نكث فلان العهدِ والحَبْل فانْتَکَثَ أيْ نَقَضَه فاتَقَضَ(5)، وفتل(6) الحَبلَ(7) برَمه وَلَّىَ شُقَيْهْ، والاجهاز(8) اتمام قتل الجريح واسراعه(9)،
ص: 293
وفيه ایماء إلى ما أصابه قَبْل القتل من طعن اسنة الالسنة(1) وسقوطه عن أعين النَّاسِ، وكبا الفرس سقط على وجهه کبَّا بهِ أسْقطُه(2)، والبطنة الكِّظة(3) أي: الامتلاء من الطَّعام امتلاء شديداً(4)، والحاصِل أنه استمرت أفعاله(5) المذكورة إلى أن رجع عليه حيله وتدابيره الفاسدة ولحقه وخامة العاقبة، فخرج عليه طائفة فقتلوه، واختلف في مقتله فقيل [قتل](6) قبل يوم الجمعة لليلتين بقيتا من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين، وقيل يوم التروية رواهما في الاستيعاب عن الواقدي(7)، وقيل يوم الترَّوية سنة ست وثلاثين، وقيل أيَّام التَّشريق رواهما في الكامل(8) وفي تاريخ أحمد بن أعثم(9) يوم الجمعة لثمان عشرة [أيام أو سبع عشرة](10) مضت من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين، وراهما في الاستیعاب(11) عن
ص: 294
المدائني(1) ومدة خلافته اثني عشر سنة إلّا اثني عشر يوماً، أو إلّا ثمانية أيَّام أو قريب من ذلك(2) (فَما رَاعَنِي إِلَّا وَالنَّاسُ يَنثالونَ عَلَيَّ(3) مِنْ كُلِّ جانِب) الرَّوع بالفتح (الفَزَع)(4) والخوف(5)، يقال: ((رُعْتُ فُلاناً وَرَوَّعتُهُ فَارْتَاعَ أي: افزعته فَفَزِعَ))(6)، ((وراعني الشيء أي: أعجبني))(7)، والظاهر في المقام الأوَل والثَوْلُ بالفتح هو صبُّ مَا في الإناء(8)، ((وَانثَالَّ انصبَّ))(9) وفي بعض النسخ الصحيحة، (والنَّاسُ إليَّ کَعُرفٍ الضَّبْع ينثالون)(10) وعرف الضبع والفرسِ وغيرهما باللضَّم ما نبت من الشعَّر الغليظ على عنقِها، والضَبُعُ الجنس من الحَيوان المعروف، والمذكّر منه ضِبعَان کسِرْحان، والانثى ضِبْعَانَةٌ والجَمْع للذكر والانثى ضِبَاعَ بالكسِرِ كَسبعٍ وَسِباعٍ(11)، وعرف الضَّبع مَّما يضرب به المثل في الازدحام أي: مَا أفزعني [حالة الاحالة](12) ازدحام النَّاسِ للبيعة؛ وذلك لعلمهم بقبح العدول عنه (عليه السَلام) إلى غيره (حَتَّى لَقَدْ
ص: 295
وُطِئَ الْحَسَنانِ، وَشُقَّ عِطْفايَ) الوَطْوء الدوُّسِ بالقدم(1)، (والوطأة موضع القدم)(2)، [و](3) الحسنان الحسن والحسين (عليهما السَّلام) على قول الشَّارحين(4) ويناسبه قوله (عليه السَّلام) في وصف البيعة وسيجيء في الكتاب (ثُمَّ تَداككتم عَلَيَّ تداك الابِل الهيم عَلى حيَاضِها يَومَ وروُدِها حَتَّى انْقَطَعت
النَّعْلُ وَسَقَط الرِداءِ وَوُطئَ الضَّعيْفُ) ونقل عن السَّيد الاجَّل المرتضى رضي الله عُنه انَّه قال: روى أبو عمر محمدّ بن عبد الواحد(5) غلام ثعلب(6) في قوله
ص: 296
(عليه السلام) انَّهما الاَّبهامان(1) وانشد للِشَّنْفرى(2): مهضومَة الكَشحَيْن خَرْماء الحَسَن، وروی(3) أنَّ أمير المؤمنين (عليه السَّلام) إنَّما كان يومئذ جالسَّا محتبياً وهي جلسة رسول الله (صلى الله عليه وآله) المسَّماة بالقرفصاء وهي جمع الركبتين وجَمْع الذيل، فلَّما اجتمعُوا ليبايعوُه زاحموا حَّتى وطئوا ابهامیه، وشقّوا ذيله، قال ولم يعن الحسن والحسين (عليهما السَّلام) وهما رجُلان كسائر الحاضرين، وعْطِفاءُ(4) الرَّجلِ بالكسرِ جانِباه(5)، ويقال: ثَنَى فلانٌ عنِّي عطِفَه، أي أعرضَ عني، وعطف جانبه(6)، ولعلَّ المراد بشق العطفين شق جانبي قميصه (عليه السَّلام) أو ردائه (عليه السَّلام) لجوس الناس أو وضع الأقدام وزحامهم(7) حوله، وقال بعض الشارحین(8): المعنى خُدش جانباي لشدة الاصطكاك والزحام، وفي بعض النسّخ الصحيحة (وَشُقَّ عِطافِيِ)(9)، والعِطافُ کالرِداء الرداء وسمّي به؛ لوقوعه على عطفي الرجل(10)، وهو أنسب إلاَّ أنَّ الأوَّل أشهر رواية (مُجْتَمِعِینَ حَوْلِ كَرَبِيضَةِ الْغَنَمِ)
ص: 297
[الرَّبِيض](1) والرَّبِيضة الغنم المجتمعة في مَرْبَضِها بالكسرِ أي (مأواها)(2) من رَبَضَ بالمكان(3) کَضَرَبَ إذا لَصَقَ وأقام ملازماً له، ووجه التّشبيه ظاهر، وقال بعض الشَّارحين: (اشارة إلى بلادهم ونقصان عقولهم؛ لأنَّ الغنم توصف بقلة الفطنة)(4) (فَلَمَّا نَهَضْتُ بِالَأْمْرِ نَكَثَتْ طائِفَةٌ، ومَرَقَتْ أُخْرَى، وفَسَق(5) آخَرُونَ) نهض کمنع قام، ونكثَ العَهْدِ كنصر نَكثاً بالفتح نقضه(6)، والاسم النِكث بالكسر، والمروق الخروج قال / و28 / ابن الأثير: في حديث الخوارج: (يمرُقون من الدّين مروق السَّهم من الرَّمية) أي: يَخرِقونه(7) ويتعدوَّنه کما يخرق السَّهم الشيء المرمى به ويخرج منه(8)، وفسق الرَّجل کَنَصَرَ وضَربَ فجر وأصله الخروج، يقال: فَسَقَتِ الرطبةُ إذا خرجت عن قشرها(9)، والمراد بالطَّائفة النَّاكثة أصحاب الجمل، وروی انَّه (عليه السَّلام) كانَ يتلو وقت مبايعتهم(10): «فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ»(11) وبالمارقة أصحاب النَّهروان، والفاسقة أصحاب صفيّن، وقد ورد في الروايات العامیَّة
ص: 298
والخاصیَّة عن النبي (صلى الله عليه وآله) انه قال (عليه السَّلام): (ستقاتل بعدي النَّاكثين والقاسطين والمارقين)(1)، والخبر من أعلام النبَّوة، و((القُسُوطُ الجَوْر والعدولُ عن الحَّق))(2)، يقال قَسَطَ كضربَ قَسْطاً بالفتح، قال الله تعالى: «وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا»(3)((والقِسْطُ بالكسر العَدْلُ، تقول(4)منه: أَقْسَطَ [الرجلُ](5)فهو مُقْسِطٌ))(6)، قيل: والهمزة كقولهم: كَأَنَّهُمْ لَمْ يُسْمَعُوا الله(7)سُبْحانَهُ(8)يَقُولُ: «تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ»(9)الظاهر أنّ الضَّمير راجع إلى الخلفاء الثلاثة لا إلى الطوائف کما توهم إذ عرض الخطبة ذكرهم لا الطَّوائف، وهو المناسب لما بعد الآية سيما ضمير الجمع في سمعُوهَا ووعوها، والأصل عدم التجوز بإرادة بعض الطَّوائف، وإرادة الجميع أيضاً بعيد لما ذكروا الغرض تشبيههم في الاعراض عن الآخرة والاقبال على الدَّنيا وزخارفها للأغراض الفاسدة بمن أعرض عن نعيم الآخرة لعدم سماع الآية، وشرائط الفوز بثوابها، وجملة (يقول) في موضِع الحال، والمشار الَيها في الآية هي الجنَّة، والاشارة للتعظيم أي تلك التي بلغك وصفها، والدَّار
ص: 299
صفة، والخبر جملة نجعلها، والعلوّ هو التكبر على عباد الله، والغلبة عليهم والاستكبار عن العبادة، والفساد الدّعاء(1)إلى عبادة غير الله أو أخذ المال، وقتل(2)النفس بغير حق، أو العمل بالمعاصي والظّلم على الناس والآية بعد قصّة قارون وقبلها(3)حكاية فرعون قيل(4)في العلو إشارة إلى فرعون لقوله تعالى: «إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ»(5)، والفساد إلى قارون لقوله عزّ وجل: «وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ»(6)ويمكن أن يكون الإشارة في كلامه (عليه السَّلام) بالأوَّل إلى الأوَّلين، وبالثاَّني إلى الثالث لكون بدعه أظهرا وبهما اليهم جميعاً لاتصافهم بهما أو إلى جميع من ذكر على احتمال بعيد كما ذكر وعَاقبة الشيء آخره، والمراد العاقبة الجميلة المحمودة، وفي الآية تشديد في الوعيد بتعليقه على الارادة، وروى الطَّبرسي رحمهُ الله في مجمع البيان عنه (عليه السَّلام) أنه قال: ((إن الرَّجل ليعجبه(7)شراك نعله فيدخل في هذه الآية))(8)، قال: (يعني أن من تكبر على غيره بلباسِ يعجبه، فهو ممَّن يريد علوَّاً في الارض)(9)، وعنه (عليه السَّلام) انه كان يمشي في الأسواق يرشد الضال، ويعين الضَّعيف،
ص: 300
ويمَّر بالبِياّع(1)والبقال فيفتح(2)عليه القرآن، ويقرأ «تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ»(3)، ويقول: نزلت هذه الآية في أهل العدل والتَّواضِع من الولاة(4)، وأهل القدرة من سَائر الناسِ (بَلَى وَاللهِ لَقَدْ سَمِعُوهَا وَوَعَوْهَا، وَلَكِنَّهُمْ حَلِيَتِ الدُّنْيا فِي
أَعْيُنِهِمْ، وَرَاقَهُمْ زِبْرِجُها) وعي الحديث کرمی فهمه وحفظه، وحلا فلان بعيني وفي عَينيي بالكسر إذا أعجبك، وكذلك حلا بالفتح يحلو حلاوة، وقال ابن الاثير(5): ((في حديث علي (عليه السلام): (لكنهم حليت(6)الدنيا في أعينهم) تقول: حلي الشيء بعيني يحلا(7)إذا استحسنته، وحلا بفمي يحلو))، وراقني الشيء [يروقني](8)أي أعجبني والزّبرج ((الزّينة منَ وشٍيْ أو جَوهر أو نحوِ ذلك)(9): قال الجوهري: ويقال: الذّهب(10)، وقال ابن الاثير: في حديث علي (عليه السَّلام) ورَاقَهُم زبرجها الزبرج الزّينة والذهَّب والسَّحاب(11)(أَمَا وَالَّذِي فَلَقَ الْحبَّةَ، وَبَرَأ النَّسَمَةَ، لَوْلَا حُضُورُ / ظ 28 /
ص: 301
الْحَاضِرِ، وَقِيَامُ الحُجَّةِ بوجُوُدِ النَّاصِرِ) فلقت الشيء كضربته شققته، والحَبَّة بالفتح الحنطة والشَّعير ونحوهما(1)واما بالكسر فيزوُر البقُولِ وحبّ الريَّاحين ونحوهما ممَّا ليس بقُوت(2)، وبرأ أي: خلق، قيل فلمّا تستعمل فيغير الحياة فيقال: برأَ اللهُ النَّسَمَة، وخلق السّموات والأرض والنَّسمة محركة الانسان أو النَّفس والرّوُح وكثيراً ما كان (عليه السَّلام) [يُقسِمْ](3)باللّفظة، ولعَّل المراد بفلق الحبة شَقها بإخراج النَّبات منها، وقال ابن عبّاس، والضَّحاك في قوله تعالى: «فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى»(4)أنَّ المعنى خالقهما ومنشئهما(5)، وقيل: المراد ما في الحبّ والنوى من الشق(6)وهو بعيد، والقسم باللفظين لما في ذلك الفلق والخلق من لطائف الحكمة، وبدائع الصَّنعة وحضُور الحاضر أمَّا وجود من حضر للبيعة فما بعده كالتفسير، أو تحقق البيعة على ما قيل، أو حضوره سبحانه وعلمه کما قيل أيضاً، أو حضور الوقت الذي وقته الرَّسول (صلَّى الله عليه وآله) للقيام بالأمر (ومَا أَخَذَ اللهُ عَلَى [...](7)الْعُلَمَاءِ أنْ لا يُقَارُّوا(8)عَلىَ كِظَّةِ ظَالِمٍ، وَلَا سَغَبِ مَظْلُومٍ) كلمة مَا مصدرية وجملة أن لا يقارّوا بعد التَّأويل بالمفرد في موضِع النَّصب مفعُول للآخر أو موصولة والعائد مقدر والجملة بيان لما أخذه الله بتقدير حرف الجّر أو بدل منه، أو
ص: 302
عطف بَيان والعُلماء أمَّا الائمة (سلام اللهُ عليهم) أو الأعم فيدل على وجوب الحكم بين الناس في الغيبة لمن جمع الشرائط والمقارة(1)على ما ذكره الجوهري أن تقر صَاحَبك وتسكن(2)وقال بعض الشارحين: ((اقرار كلّ واحِدِ صَاحبه على الأمر وتراضيهما به))(3)، والکِظَّةُ بالكسر ما یعتري الانسان من الامتلاء من الطعام(4)، والسَّغب بالتحريك ((الجُوع))(5)، وتلك المقارّة تّرك النهي عن الظلم والانتصاف للمظلوم (لَأَلْقَيْتُ حِبْلَهَا عَلىَ غَارِبِهَا، وَلَسَقَيْتُ آخِرِهَا بِكَأسِ أَوَّلِهَا) الضَّمائر راجعة إلى الخلافة للتقدم، أو دلالة المقام کما تقدم، والغارب ((ما بين السَنام والعنق))(6)أو مقدم السّنام والقاء الحبل عليه ترشيح لتشبيه الخلافة بالناقة التي يتركها راعيه لترعي حيث تشاء ولا يبالي من يأخذها وما يصيبها [وذكر الحبل](7)تخييل، والكأس اناء فيه شراب ولا يقال لها إذا خلا(8)، وقيل مطلقاً، وهي مؤنثة قال الله تعالى: «بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ ٭ بَيْضَاءَ»(9)وسقيها بكأسِ أوَّلها ترکها والاعراض عنها لعدم الناصر، قال بعض الشارحين: التعبير بالسقي بالكأس لوقوع الناسِ بذلك الترك في
ص: 303
طخية(1)عمياء وحيرة تشبیه(2)السّكر(3)(وَلَألْفَيْتُمْ دُنيْاكُمْ هَذِهِ أَزْهَدَ عِنْدِي مِنْ عَفْطَةِ عَنْزٍ) ألفَيتُم أي وجدتُم واضافة الدّنيا إلى ضمير المخاطبين لتمكنَّها في ضميرهم ورغبتهم فيها والاشارة للتحقير، والزّهد خلاف الرغبة والزّهيد القليل وصيغة التفضيل على الأوّل على غير القياسِ كأشهر وأشغل، والعنز بالفتح أنثى المعز، وعَفْطتها(4)مَا يخرجُ من أنفها عند النَثْرة(5)وهي منهَا شبه العَطْسة، كذا قال بعض الشارحين ويخدشه أنَّ المعروُف في العنز النفْطَة بالنّون وفي النَّعجة العفطة بالعين(6)، صرح به صاحب العين(7)والجوهري(8)، ومنه قولهم: ((ما له عافِطَةٌ ولاَ نافِطَةٌ))(9)((كقولهم: مَا له ثاغية ولا راغيَةُ أي لا شاه تثَغُو ولا ناقة ترغو))(10)والثُغاء والرغاء بالضم والمدّ فيها صوتهما، وقال بعض الشارحين: ((العفطة من الشاه کالعطاس من الانسان))(11)وهو غير معروف وقال ابن الاثير: في حديث علي (عليه السلام) من عَفطَة عنزٍ:
ص: 304
أي ضرطة عنز(1). (قالوُا: وَقَام إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ السَّوَادِ عِنْدَ بُلُوغِهِ / و29 / إلى هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ خُطَبَتِهِ، فَنَاوَلُه كِتَاباً فَأَقْبَلَ ينظر فِيهِ؛ فلمّا فرغ من قراءته
قَالَ لَهُ ابْنُ عباس رَحمةُ اللهِ عليهِ(2)يَا أَمِیر الْمُؤْمِنِیَن، لَوِ اطَّردتْ مَقَالتكَ(3)مِنْ حَيْثُ أَفضَيْتَ؟ فَقَالَ: هَيْهَاتَ يا ابن عباسٍ! تِلْكَ شِقْشِقَةٌ هَدَرَتْ ثُمَّ
قَرَّتْ) أهل السَّواد ساکنوا القرى، وتسمى القرى سَواداً لخُضْرتها بالزّروع والأشجار، والعَرب تسمي الأخضر أسودّ(4)، ومنه قولهم: ((روضة مدهَامّة))(5)، أي: شديدة الخضرةِ كأنَّها سوداء، وأدهمّ كأحمر أسود(6)، وناوله أي أعطاهُ وأطردت مقالتك على صيغة الخطاب من باب الأفعال، ونصب المقالة على المفعولية كما في كثير من النسخ تقول(7): اطْرَدْتُ الشيء أي اتبعت بعضه بعضاً فاطَّرد(8)، وفي بعضها على صيغة المؤنث الغائب من باب الافتعال، ورفع المقالة على الفاعلية، والجزاء محذوف أي كان حسناً، والافضاء في الأصل الخروج إلى الفضاء أي: السّاحة ومَا اتَسع من الارض، قال بعض الشّارحين: كأنَّه يشبهه (عليه السَّلام) حيث سکت بمن خرج من خباء أو جدار إلى فضاء لأن النفس والقوى عند الانشاء والانشاد تجتمع إلى القلب
ص: 305
فإذا فرغ الانسان تفرقت وخرجت عن حَجْر الاجتماع واستراحت(1)، وهَيهات اسم يدّل على التبعيد، قال الشيخ الرَّضي (رحمه الله): وفيه معنى التعجب (2)فالمعنى مَا أبعد اطراد المقالة، والشقشقة بالكسر جلدة حمراء كالريّة يخرجها الجمل من جوفه ينفخ فيها (فتظهر)(3)من شدقه عند هياجه(4)، وأمَّا بالفتح فمصدر قولك: شقشَقَ الفحل شقشقة إذا هدر(5)، وهديره ترديده الصّوت في حنجرته(6)، واسناد الهدير إلى الشَّقشقة تجوّز وقَرَّت أي: سكنت، يقال(7): قرِرت بالكسر، وبالفتح أقر بالكسر، وفي الكلام اشعار بقلة الاعتناء بمثل هذا الكلام؛ أمَّا لعدم التأثير في السَّامعین کما ينبغي، أو لقلَّة الاهتمام بأمر الخلافة من حيث انَّها سلطنة أو لنوع من التقية في المبالغة في الشكوى أولغير ذلك. (قالَ: ابن عَباسٍ فَوَاللهِ مَا أَسِفْتُ عَلَى كَلاَمٍ قَطُّ كَأَسَفِي عَلَى ذِلك الْكَلاَمِ ألايَكونَ أمِیرُ المؤْمِنیْنَ (عَلَيه السَّلام) بلَغَ(8)مِنْهُ حَيْثُ أَرَادَ) الَأسَفُ بالتحريك أشدّ من الحُزن(9)، والفعل أسِفَ کَعلِم، وقطّ من الظُّروف الزمانية بمعنى أبداً(10)،
ص: 306
وهو من القطّ بمعنى القطِع(1)حكى الشَّارح عبد الحميد بن أبي الحديد عن ابن الخشاب: انه قال: لو سمعت ابن عباس يقول هذا لقلت له: وهل بَقِي في نفس ابن عمّك أمرٌ لم يبلغه لتتأسف والله ما رجِع عن الأوّلين ولا عن الآخرين(2). قوله (عليه السَّلام) في هذه الخُطبَة: (كَرَاكِبِ الصَّعْبَةِ إِنْ أَشَنَقَ لَهَا خَرَمَ وإِنْ أَسْلَسَ لَهَا تَقَحَّمَ) يُرِيدُ أَنَّهُ إِذَا شدَّدَ عَلَيْهِا(3)فِيجَذْبَ الزِّمامِ(4)وَهِي تُنِازِعُهُ رَأْسَهَا خَرَمَ أَنْفَهَا وَإِنْ أَرْخَى لَهَا شَيْئاً مَعَ صُعُوْبَتِها تَقحَّمَتْ بْه فَلَمْ يَمْلِكْهَا. يُقَالُ: أَشْنَقَ النَّاقَةَ إِذَا جَذَبَ رَأْسَهَا بِالزِّمَامِ فَرَفَعَهُ، وَشَنَقَهَا أَيْضاً، ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ السَّكِيتِ في» إِصْلاَحِ الْمَنْطِقِ» وَإِنَّمَا قَالَ: (أَشْنَقَ لَهَا)، وَلَمْ يَقُلْ (أَشْنَقَهَا) لَأَنَّهُ جَعَلَهُ فِي مُقَابِلَةِ قَوْلِهِ: (أسْلَسَ لَهَا) فَكَأَنَّهُ (عليهِ السَّلام)(5)قَالَ: إِنْ رَفَعَ لَهَا رَأْسَهَا بِالزِّمَامِ بِمَعنى(6)أَمْسَكَهُ عَلَيْهَا). إلى هاهنا كلام السّيد (رضي الله عنه) في كثير من النسخ، وفي بعضها زيادة قوله: وَفِي الْحَديثِ أَنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآلهِ) خَطَبَ النَّاسَ عَلَى نَاقة(7)قَدْ(8)شَنَقَ لَهَا وهِيَ(9)تَقْصَعُ (بِجِرَّتَهِا)(10)(11)، وَمِن الشَّاهِد عَلىَ أَنَّ أشْنَقَ بِمَعْنَى شَنَقَ قَوْلُ
ص: 307
عديِّ بنِ زَيْدٍ الْعبَاديّ(1):
سَاءَهَامَا بنَا تَبَيَّنَ فِي الْأَيْدِ ٭٭٭ وَ (إِشْنَاقُهَا)(2)إِلیَ الَأْعْنَاقِ(3)
أي: تَعليقها الجَرةَ بالكسرِ ((مَا يخرجه البعير من بطنه ثم يبلعه))(4)وتقصع ((بجرتّها))(5)أي: تردّها إلى جوفها، وقيل: أي تخرجها / ظ 29 / فتملأ فاهَا، وإنما تفعل ذلك إذا كانت مطمئنّة، وإذا خافت شيئاً لم تخرجها وأصله من تقصيع اليرّبُوع وهو اخراجه تراب قاصعَائه أي: حجرهُ، وقال الجوهري: قال أبو عبيد: قَصْعُ الجرة شِدَّةُ المضغ، وضمُّ بعَضِ الأسنان على بَعضٍ جعله من قَصع القَمْلة وَهو أن تهشِمها وتقتلها(6)، والعِبادي نسبة إلى عِباد بالكسر، وهي قبائل شتّی من بُطوُن العرب اجتمعوا على النصرانية بالحيرة(7)، وكان عدي في حبس النّعمان وقد غُلت يداهُ إلى عنقه فزارتهُ ابنة له صغيرة تسمى
ص: 308
هنداً فلما رأته على تلك الحال بکت، وقالت: ما هذا الذي في يدك وعنقك يا أبه؟ فقال:
وَلَقَدْ غَمَنّي زِيَارَة ذي قُر ٭٭٭ بىْ لِقُربْنَا مُشْتَاقٍ
سَاءَها مَا بنا تبين في الاَيْدي ٭٭٭ وأشناقها إلى الاعناق
و(تبيّن) على لفظ الماضي أي ظهر، ويروى: (مَالها) باللاَم وضمير الغائبة، وأشناقها بالرّفع عطفاً على [ما](1)، ويروى بالجرّ عطفاً على الأيدي، قال بعض الشارحین(2)للرضيّ (رحمه الله): إذا كان الحديث قد ورد هكذا أن يحتج به على جواز (أشنق لها) فإنَّ الفعل فيه قد عُدّيَ باللاّم لا بنفسه، وقال في النّهاية في شَرحْ حدیثه (عليه السّلاَم): ((ويقال: شنَقَ لها وأشنَقَ لها ومنهُ حديث جابر فكان رسُول الله (صلى الله عليه واله) أوّلَ طالِعٍ فأشْرعَ ناقَتَهُ فَشَربتْ وَشَنق لها(3)، وأشَرعها أي: أدخلها في شريعة الماء.
ذكر هذه الكلمات شيخنا المفيد (قدسّ الله روحه) في الإرشَاد(4)، وقال: ومن كلامه (عليه السّلاَم) حين قتل طلحة والزبير وانفضّ أهل البصرة،
ص: 309
ورواها أيضاً بعض الشارحين(1)، وقال الشّارح عبد الحميد بن أبي الحديد: هذه الكلمات ملتقطة من خطبة طويلة مَنسُوُبة اليه (عليه السّلاَم) قد زاد فيها قوم أشياء حملتهم [عليها](2)أهواءهم لا توافق(3)ألفاظها طريقته (عليه السّلَام) في (الخطب)(4)، ولا تناسب فَصاحتُها فَصاحتَه، ولا حاجة إلى ذكرها ونحن نشرح هذه الألفاظ؛ لأنَّها كلامه (عليه السّلام) لا يشك في ذلك من له ذوق ونقد ومعرفة بمذاهب الفصحاء؛ ولأنَّ الرواية لها كثيرة؛ ولأنَّ الرّضي (رحمهُ الله) قد التقطها وصححها وحذف ما عداها(5). (بِنَا اهْتَدَيْتُمْ فِي الظَّلْمَاءِ، وَتَسَنَّمْتُمُ الْعَلْياء) الضّمير راجع إلى أهل بيت الرَّسالة ويشمل الرَّسول (صلى الله عليه وآله) والخطاب للحاضرين، ويعّم الحكم غيرهم، وَالظَلْماء بالفتح جهالة الجاهليَّة وغيرها، وتسنّم فلان النَّاقة إذا ركب سنَامَها، وتسَّنَم الشَّيء عَلاَهُ(6)، ((وَسَنَامُ كُلِّ شيَء: أعلاهُ))(7)والعَلْياء بالفتح ((كلّ مكان مشرف))(8)وموصوُف الظّلماء والعَلْياء محذوُف (وَبِنَا انْفَجَرْتُمْ(9)عَنِ السّرارِ) الانفجار السَّيلان، والمعنى خرجتم کما يخرج الماء من الارض، وأمَّا الانفجار
ص: 310
بمعنى الدّخول في الفجر فليس في كلام اللّغويين، وفي بعض النسّخ الصَّحيحة (أفجرتم) على صيغة الأفعال أي دخلتم في الفجر، قال بعض الشارحين: هذه الرواية أصح وأفصح؛ لأن (انفعل) لا يكون إلاَّ مطاوع (فعل) نحو كسرته فانكسر إلاَّ ما شذَّ من قولِهم: (أغلَقتُ البابَ فانغَلقَ)، وأزعجته فانزعج، وأيضاً فإنَّه لا يقع إلاَّ حيث يكونُ علاج وتأثير نحو انكسر وانحطم؛ ولهذا قالوا: إنّ قولهم انعدم خطأ، وأمّا (أفعل) فيجيء لصيرُورة الشّيء على حال وأمر، نحو أغَدّ البعير، أي صَار ذا غدة، فأفجرتُم أي صرتم ذوي فجر(1)، وأمَّا (عن) فللمجاوزة على حقيقة معناها أي منتقلين، ومتجاوزين، والسِّرار بالكسر كما في النَّسخ وكذلك بالفتح اللّيلة أو اللّيلتان مِن آخر الشهّر(2)يستسر الهلال فِيْهما ويختفي بنور الشمس(3)(وُقِرَ سَمْعٌ لْمَ يَفْقَهِ الْوَاعِيَةَ؛ وَكَيْفَ يُراعِي النِّبْأَة مَنْ أَصَمّتْه الصَّيْحَةُ!) الوَقْرُ بالفتح الثِقْلَ في الأذن أو ذَهَابُ السَمْع / و30 / كله، يُقالُ: وقِرَتْ أذنُه على ما لم يسم فاعله، كما يقال: وقِرَتْ أي: صَمَّت، والقياسُ في مصدره التّحريك إلاَّ أنَّه جَاَءَ بالتّسكين(4)، والفقه بالكسر العلم والفهم(5)يقول: فقِه كفرِح(6)إذا فهم وفَقُه ككرمُ إذا صَار فقيهاً، والواعية ((الصّراخ والصّوت لا الصّاَرخة))(7)
ص: 311
قال ابن الاثير ((في مقتل كعب بن الاشرف أو أبي رافع «حتّى سَمِعْنَا الوَاعِيَةَ» هو الصُّراخُ على الميّت ونَعْيه ولا يبنى منه فعل))(1)، وقال في القامُوسِ: ((وهم الجوهري))(2)يعني [في](3)قوله: الواعية الصارخة، فلا وجه لما تكلَّفه بعض الشَّارحين من أنَّه (عليه السَّلام) كنى بالواعية عن نفسه إذ صَاح فيهم بالموعظة الحَسنة والحثّ على الاُلفة وأن لا يشقوا عصَا المُسلمين فلم يقبلوا(4)(5)، والظّاهر أنَّه جعل التاء للمبالغة والجملة دعاء بالوقر على سمع لم ينتفع صاحبهّ به ولم يجب من دعا الىَ الله أو أخبار، والمعنى الأصّم حقّ الأصّم من كان كذلك، والنبأة بالتسكين ((الصّوت الخّفي))(6)، والمراد بالصّيحة القويُّ منهَا، ومُراعاة النبأة استماعها والقيام بحقها، ولعلّه (عليه السّلاَم) شبههم حيث لم ينتفعوا بالمواعظ الالّهية، والزَواجر النّبوية بمن أصّم أذنه صوت قوي فلا يسمع صوتاً [وسمى موعظة نفسه صوتاً](7)خفيّاً بالنّسبة [اليهما](8)أو جَعل هذه الموعظة خفيّا بالنّسبة إلى مَواعظه السّابقة، أو إلى الجميع ولا حَاجة إلى ما ذكره بعض الشَّارحين من أنّ المعنى وجدته الصّيحة أصّم كقولك: أحمدت فلاناً أي وجدته محمودا حتى لا يرد
ص: 312
ان الاستفساد لا يجوز [على](1)الحكيم والمكلف لا يفسد بالموعظة(2)، قال: وبهذا(3)تأوَّل أصحابنا قوله تعالى: «وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ»(4)، ويرد عليهِ: أنّ هذا التأويل لا يجرى فيما بعد هذا الكلام، وهو قوله عزّ وجل: «وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً»(5)، وتأويل اللّاحق يجري في السّابقُ (رُبِطَ جنانُ لَمْ يُفَارِقهُ الْخَفَقانُ) الرّبط الشد، يقال: رَبَطَهُ (كضربه ونصره)(6)فهو ربيط، وَمُربوط(7)، ((والجَنان بالفتح القلب))(8)، والخفقان بالتحريك التّحرك والاضطراب، والظّاهر أنه دعاء بالسّكون والاطمئنان للقلوب التي ما زالت خائفة مضطربة من خشية اللهِ سبحانه أي: أعقبه الله سكينةً وثباتاً بخوفها وتقواها(9)، ويحتمل الاخبار، وفي بعض النسخ (رَبَطَ)(10)على صيغة المعلُوم كأنَّ تلك القلوب كانت تربط أنفسها. (مَازِلْتُ أَنْتَظِرُ بِكُمْ عَوَاقِبَ الْغَدْرِ، وَأَتَوَسَّمُكُمْ بِحِلْيَةِ الْمُغْتَرِّينَ) عاقبه الشيء آخره وما يتبعه، والغدر ضدّ الوفاء، والتوّسم التفّرس وهو معرفة الشيء بسماته وعلاماته(11)،
ص: 313
وحْلِيّةُ الرجل بالكسر ((صِفَته))(1)، والغِّرة بالكسر ((الغفلة))(2)، وَغرَّهُ غُرُوراً فَاغتر أي خَدَعَهُ فَخُدِعْ(3)والاضافة في عواقب الغدر أمّا بيانية أي: ما زلت منتظرا غدركم ونقضكم بيعتي عالماً بالسّمات والعلامات أنكم تغترّون بالشبه والاباطيل أولامّية أي منتظراً نزول الخزي والمصائب بكم لعلمي بأنكم ستغدرون(4)بأخبار من رسول الله (صلى الله عليه واله) أو بالتّفرس ومتفرسّاً فيكم أنكم تغتروّن والمخاطب أما بقايا أصحاب الجمل خاصّة أو مع المقتولين من هم كطلحة والزّبير، وقال بعض الشارحين(5): هذا كخطاب النّبيّ (صلى الله عليه واله) أهل القليب(6)وهم جيف منتنة يا عتبة بن ربيعة(7)يا شيبة(8)[بن ربيعة](9)يا عمر وبن هشام(10)(سَتَرنِي عَنْكُمْ جِلْبَابُ
ص: 314
الدِّينِ، وَبَصِّرَنِيكُمْ صِدْقُ اِلنِّيَّة) الجِلباب بالكسر الملحفة وقيل ثوب واسع للمرأة دون الملحفة، وقيل: إزار ورداء، وقيل: كالمقنعة تغطى بها المرأة رأسها / ظ 30 / وظهرها وصدرها(1)والظّاهر أن المعنى: سترني عن أعينكم فلم تعرفوا ما أقدر عليه من الغلظة والعنف جلباب ديني وخوفي من الله، فمنعني من العمل فيكم بالغلظة التي تستحقونها بما أعرفه من ضمائر كم من النفاق، وخبث السّيرة، فعملت فيكم بالرفق وهذا كقول المهذر وأنت لا تعرفني ولو شئت لعرفتك نفسي، وقال بعض الشّارحين(2): أوضح الوجوه فيه أنّ إظهاركم(3)الاسلام عصمكم مني مع علمي بنفاقكم، وإنّما أبصرت نفاقكم وبواطنكم الخبيثة بصدق نيتي كما يقال: المؤمن ينظر بنور الله، ولعلّ هذا الوجه أنسب بما رواه بعضهم ستركم عنّي جلبابُ الدّين(4)، وفسرّ بعض الشّارحين قوله (عليه السلام) ((وبصرنيكم صدق النّية)) بأنه إذا صدقتم نياتكم ونظرتم بأعين لم تطرف بالغش والحسد عرفتم عظيم منزلتي(5)وردّ بأنّه لو أراد هذا لقال وبصرّكم إيّاي(6)مع انّ التعليق بالشرّط خلاف الظّاهر والواو للعطف أو للحال بتقدير قد (اَقَمْتُ لَكُمْ عَلَى سَنَنِ الْحَقِّ فِي
ص: 315
جَوَادِّ الْمَضَلَّةِ؛ حَيْثُ تَلْتَقُونَ وَلاَ دَلِيلَ، و[...](1)تْحَتَفِرُونَ وَلَا تِمُيهُونَ) السَنَن بالتحريك ((الطّرَيقة))(2)، ((والجادة: معظم الطّريقة))(3)، والمضلّة بفتح الميم وكسر الضّاد كما في النّسخ وكذلك بفتحها الأرض يضل فيها الطّريق، واحتفار الأرض حفرهَا، واَماهَ الحافِر إذا بلغ الماء، وَمَاهت الركية ظهر ماؤها وكثر(4)، والهمزة في الماء بدل من الهاء أي وقفت على منهج الحق حيث تشعبت طرق الضّلال عن اليمين والشّمال وأنتم تائهون حائرون لا تجدون(5)دليلا، ولا تجدون سبيلاً، وتجتهدون في طلب ماء يدفع عنكم العطش، ويزيل الظّمأ فلا تجدون فأرشدتكم) إلى سواء الصّراط (الْيَومَ أُنْطِقُ لَكُمُ الْعَجْماءَ ذَاتَ الْبَيَانِ) الاعجم الذي لا يقدر على التكلّمِ أَصلاً، والذّي لا يفصح وإن كان من العرب، والبهيمة عجماء لأنّها لا تتكّلم(6)، قال بعض الشارحين: المراد بهَا الرموز المندرجة في الخطبة فهي لغموضها لا نطق لها وهي جلية عند أولي الألباب فكانت(7)ذَواتِ اَلبيان كما قيل: ما الأمور الصّامتة الناطقة؟ فقيل(8): الدّلائل المخبرة، والعِبرَ الواعظة(9)، وقال بعضهم: المراد العِبَر الواضحة والمثلات التّي حلّت بالفاسقين وما هو واضح من فضله (عليه
ص: 316
السّلَام) عليهم وما ينبغي لهم أن يعتبروُه من حال الدّين واتباع أمر ربّ العالمين فهذه الأمور لا تنطق بلسَان المقال، وتفصح عن المقاصد ببيان الحال وانطاقها(1)التعبير عن مؤدّاهَا(2)(عَزَبَ(3)رَأَيُ أمْرِئٍ تَخَلَّفَ عَنيِّ) عَزَبَ عنِي كنصر وضربَ ((بَعُدَ وغَاب))(4)، والكلام يحتمل الاخبار، والدعاء أي: أبعده اللهُ. (مَا شَكَكْتُ فِي الْحَقِّ مُذْ أُرِيتُه. لَمْ يُوجِسْ مُوسَى خِيفهً عَلَى نَفْسِهِ؛ أَشْفَقَ(5)مِنْ غَلَبَةِ الْجُهَّالِ وَدُوَلِ الْضُّلاَلِ) من علبة الجهال ودول الضلال) الوُجْس كالوعْد الخوف «فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً»(6)أضمر والإشفاق الخوف، والدُوَل بضم الدال وفتح الواو وفي أكثر النسخ جمع دولة بالفتح أي: [غلبه](7)أحد الخصمين، وقيل: جمع دولة بالضم وهو المال الذّي يتداوله النّاسِ مّرة لهذا ومّرة لذاك وجمع الدَوْلَةُ في الحَربْ دول بكسر الدَّال، و: قيل الدَّولة والدُّولة يكونان في المالِ والحرب(8)، وفي بعض النّسخ و(دولة الضّلال) بفتح الدّال على لفظ المفرد أي: لم يعرض لي شكّ في الحقّ قطّ، ولعل الغرض ردع من شك من المخاطبين في قتال أهل الجمل؛ لأنّهم من أهل القبلة وتعريض بهم، ثم دفع (عليه السّلاَم) الوهم الناشئ في المقام أعني جواز الشك في الحق لمثله من لفظ الآية في موسى (عليهِ السَّلام) بأن خوفه لا ينافي اليقين الحاصِل له من قوله
ص: 317
تعالى لما قال هو وهارون: «رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى»(1)فقال عزّ وجل: «لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى»(2)فهو (عليه السّلاَم) / و31 / وإن كان علم بإخباره سبحانه أنه لا يصيبه أذى من فرعون وسحر السّحرة، لكن لعّله لم يعلم أنه يغلب على السّحرة في هذا اليوم، فخاف [من](3)أن يؤخر سبحانه ابطال كيدهم لمصلحة أحاط بها علمه الشامل فتكون الغلبة للضلال حتّى حين، فأوحى الله عز وجل [اليهِ](4): «لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى ٭ وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا»(5)وبعد وروُدِ هذا الوجه عنه (عليه السّلاَم) لا يلتفت إلى ما ذكره المفسرّون في هذا المقام، وجوّز بعض الشّارحين أن (تكون)(6)كلمة (أشفق) صيغة التفضيل منصوبه على الصفة لخيفة، والتقدير: لم يُوجس موسى اشفاقا أشدّ من اشفاقه من غلبة الجهّال، ودول الضلال، والمقصود أن خوفه لم يكن على مجرّد نفسه، بل أشدّ خوفه على الديّن(7)، وتعسّفه واضح (الْيَوْمَ تَوَاقَفْنَا عَلىَ سَبِيلِ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ) التواقف بتقديم القاف وقوف [كل](8)بإزاء الآخر، ولعلَّ الإبهام في الكلام مثله في قوله تعالى: «وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ»(9)
ص: 318
وقال بعض الشّارحين: ((المواقفة مفاعلة من الطرفين والخطاب لمُقابليه في القتال والمراد أنّي واقف على سبيل الحقّ، وأنتم واقفون على سبيل الباطل)(1)، ولعّله استفاد التعيين من الكلام السّابق وعبرّ بالمواقفة بلفظ المفاعلة؛ لموافقة البابين في المعنى وعود اختلافهما إلى أمر لفظي (مَنْ وَثِقَ بِمَاءٍ لَمْ يَظْمَأْ) الظَمَأ بالتحريك شدة العطش [أوالعطش](2)، والاسم الظِمأ بالكسر(3)والكلامُ في موضع المثل (وعروض)(4)العطش عند عدم الوثوق من المشاهدات ونظيره غلبة الجوع في القحط والصّوم والمراد نفي شدة الظّمَأ والفرد الكامل منه، ولعل المعنى انكم أن وثقتم بقولي(5)وأيقنتم بالحق كنتم أبعد عن الريّب كما أنه لم يختلجني شك في وجوب قتالكم وإن كنتم من أهل القبلة وإنّي على الحقّ وأنتم على الباطِل.
لِما قبض رسول اللهِ (صلى اللهُ عليه وآله) وخاطبه العباس وأبو سفيان بن حرب في أن يبايعا له بالخلافة المعروف بين أهل السّير مخاطبة أبي سفيان وإنّه (عليه السّلَام) أجابهُ بهذا الكلام أو غيره ممّا يدل على(6)أنه أراد تهيج الشرّ لا إقامة سنن الحقّ ومتابعة الرّشاد (أَيُّهَا االنَّاسُ؛ شُقُّوا أَمْوَاجَ الْفِتَنِ بِسُفُنِ النَّجاةِ)، قال بعض الشارحين: شبه (عليه السّلَام) الفتنة بالبحر المُتلاطِم
ص: 319
فاستعار لفظ الأمواج، وكنى بها عن حركة الفتنة وقيامها، ووجه المشابهة الاشتراك في كونهما سبباً للهلاك، واستعارَ السّفن لكلّ ما يكون وسيلة إلى الخلاصِ من الفتنة من مهادنة أو حيلة مخلصة أو صبر(1)، ولعّل الأظهر تشبيه الفتن بالأمواج فإنَّها تتضاعف(2)وتترادف [...](3)وينشأ بعضها من بعضٍ فالإضافة كإضافة اللجين إلى الماء، ويناسبه جمع الفتن، وقيل: المراد كونوا مع أهل البيت (عليهم السّلاَم) اشارة إلى قوله (صلى الله عليه وآله): (مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلّف عنها غرق)(4)وأورد عليه بأنه [...](5)لا شبهة في أنهم (عليهم السّلاَم) سفن النجاة ولكنّهم لم يرادوا بهذه اللّفظة؛ لانّ المراد هاهنا التّقية، واتباع الذين عقد لهم الأمر والكون معهم (عليهم السّلاَم) نقيض(6)ذلك، ويمكن دفعه بأنّ الكون معهم (عليهم السّلَام) [...](7)يعم التقية في موضعهَا والنهوض بالطلّب في محلّه، فالمعنى لا تخلفُوا عن أمري في الأمرين نعم لإبقاء الكلام على اطلاقه وجه غير بعيد (وَعَرِّجُوا عَنْ طَرِيقِ الْمُنَافَرَةِ، وضَعُوا تِيجَانَ الْمُفَاخَرَةِ) ((التعْريج على الشيء الإقامة عليهِ، يقال: عَرج على المنزلِ إذا حُبسَ(8)مَطيّتَه
ص: 320
عليه))(1)، وأقام وعن الشيّء تركه بتضمين معنى العدول والاعراض، لا أنه يعدّی بعن کما زعمه بعض الشارحين(2)، والمنافرة المباعدة، والتِيجان بالكسر جمع التاج وهو ما يصاغ للملوك من الذّهب والجوهر وأصل الياء واو والتّعبير عن ترك المفاخرة بوضعه لاستلزام لبسه العظم والكبر والغرض ردع المخاطبين عن تهيج الشر للتعظم والتّجّبر / ظ 31 / والقصد إلى المبايعة للأغراض الفاسدة لا لتشييد أركان الدّين. (أَفْلَحَ(3)من نَهَضَ، بِجَنَاحٍ، أَوِاسْتَسْلَمَ فَأَرَاحَ، ((الفَلاحُ الفوز والنَجاة والبَقاء)(4)، مَنْ والفعل أفلح کالنّجاح [وأنجح](5)، والنّهوض القيام ونهض الطائر إذا بسط جناحه ليطير، والاستسلام الانقياد وأراحَ أي: جعل النّاس ونفسه في راحة ولم يُلقهم في المتاعب والمهالك، والكلام يحتمل الاخبار والدّعاء، والظّاهر أنّ المعنى فاز من قام في طلب المقصُود إذا تهَيَأ أسبابه ووجد أعوانا، والجناح عبارة عنها أو انقاد لما يجري عليهِ وقعد عن الطّلب رأساً إذا فقد أسبابه، وقد صَرح (عليه السّلاَم) في كثير من الكلمات التّظلّم بأنَّ قعوده عن الطَلب كان لفقد الأعوان، لا ما ذكره بعض الشارحين من أنه استعار النّهوض بالجناح للاعتزال أي نفض يديه كطائر ينهض بجناحيه(6)، واعتزل عن النّاسِ وساح
ص: 321
(1)في الارض أو فارق الدنّيا ومات ولوبقي فيهم ترك المنازعة (مَاءٌ(2)آجنٌ ولُقمَةٌ يَغَصُّ بِهَا آكِلُهَا) الآجِنُ: المتغيّر الطعم والرائحة(3)، والفعل كضَرَبَ وفَرَحَ ونَصَرَ آجُنا وأجُونَا، والغصّة بالضم ما اعترض في الحلق(4)يقال: غصصت بالماء وباللّقمة كعلِمتْ فأنا غاصٌّ، أي: الخلافة والامارة مطلقاً کالماء واللّقمة تستتبع المتاعب والمشاق في الدّنيا ويناسبه التّألم بالماء واللّقمة عاجلا وفي أوّل الأمر أوانها تستتبع المشقة عاجلاً لو كانت حقّاً، [و](5)عاجلًا وآجلاً لو كانت بَاطلة، ويمكن أن يُراد [أن](6)ما انعقدت في السقيفة كالماء الأجن الذي يجد شاربه الألم من أوّل شربة، فيكون اشارة إلى المشقّة العاجلة وكاللقمة التي (تعترض)(7)في حلق آكلها فلا يكادُ يسيغها بعدَ ما ذاق لذة طَعمها(8)، فيكون اشارة إلى العذاب في الاخرة (ومْجُتَنِى الثَّمَرَةِ لِغَیِرْ وَقْتِ إِيِنَاعِهَا كَالزَّارِعِ بِغَیْرِ أَرْضِهِ) اجتنى الثمرة وجناها قطفَها(9)، وَأيْنَعَ الثمرة (نضجت)(10)وأدركت(11)أي من اجتنی ثمره في غير وقتها لا ينتفع بها كزارع
ص: 322
أرض لا يقدر على الاقامة فيها [أو](1)يخرجه عنها مالكها، ويمكن أن يكون المراد بالزّارع في غير أرضه من تقمص(2)الخلافة ولحقه والوبال في الآخرة، والتشبيه في مطلق [عدم ](3)الانتفاع وإن كان في كلّ من وجه أي الطلب في غير وقته، ومع عدم الأسباب كالزَرع في أرض الغير في عدم الجدوى والانتفاع (فَإِنْ أَقُلْ يَقُولوُا حَرَصَ عَلَى الْمُلْكِ وَإِنْ أَسْكُتْ يَقُولُوا: جَزِعَ مِنَ الْمَوْتِ. هَيْهَاتَ بَعْدَ الليتا(4)والَّتِي!) الجزع ((نقيض الصَّبرْ))(5)(جزع)(6)كفرح، والَليّتا بفتح اللاّم، وتشديد الياء تصغير التّي، وجوّز بعضهم ضم اللّام، وفي النّسخ بفتحها، والليتا والتّي من أسماء الدّاهية(7)، الليتا(8)للصّغيرة، والتّي للكبيرة، قيل: تزوج رجل امرأة قصيرة سّيئة الخلق فقاسي منهَا الشدائد، ثم طلقها وتزوج طويلة فقاسي منها أضعاف القصيرة فطلقها، وقال: بعد الليتا(9)والتي لا أتزوج أبداً، فَصار مثلاً(10)، ومعنى الكلام ما أبعد ظنّ الجزع من الموت في حّقي بعدمَا ارتكبته من الشّدائد، والقيت نفسي فيها من الحروب والوقائِع. (وَاللهِ لَابْنُ أَبي طَالِبٍ آنَسُ بالْمَوْتِ مِنَ الطِّفْلِ بِثَدْيِ أُمِّهِ) الأنس
ص: 323
((ضدّ الوحشة))(1)، وتفسيره بالسرّور کما وقع لبعض الشارحين(2)من قبيل التفسير باللازم لاستلزام الأنس السّرور بعد الوصول، والأنس بالموت من حيث إنّه يوجب الخلاص عن سجن الدنيا ومقاسَاة الشدائد لا ينافي الرضّا بالحياة؛ لأنّها من قضاء الله إذ الأوّل مقتضى الطّبع مع قطع النظر عن مصالح الحياة والأمُور الخارجة، والثاني بحكم العقل وغرضه (عليه السّلَام) ردّ ما توهَموه من خوفه الطّبيعي من الموت والظاهر أنّ التّفضيل / و32 / من حيث الشدّة لا أن ميل الطفل طبيعي حيواني فانٍ، وميله (عليه السّلاَم) عقلي باقٍ کما زعمه بعض الشارحين(3)(بَلِ انْدَمْجَتُ عَلىَ مَكنُوُنِ عِلْمٍ لَوْ بُحْتُ بِهِ لاَضْطَرَبْتُمُ اضْطِرابَ الْأَرْشِيَةِ فِي الطَّوِىِّ الْبَعِيدَةِ) ((دَمَجَ الشيءُ دُمُوجاً إذا دَخل في شيء واستحكم فيه))(4)وادمجته(5)إذا لففته(6)، وقال في النهاية في تفسير قوله (عليه السلاَم): ((أي: اجتمعت عليه وانطويت واندرجت))(7)، والکَنَّ [بالفتح](8)السّتر(9)، وبالكسر كلّ شيء وقي شيئا وستره وکننت الشيء اکننته إذا سترته واضمرته(10)وَباحَ بالشيءَ يَبُوحُ به إذا أعلنه وأظهرهُ،
ص: 324
والرِّشَاء بالكسرِ والمدّ الحبل والجمع أَرْشَيِةٌ(1)، والطّويّ ((البئر المطويّة))(2)وهو في الأصلِ صفة ولذلك يجمع على أطواء(3)كشِريف وأشراف ويتيم وأيتام، ثم نقل إلى الاسمية وتأنيث الصفة لأنه بئر، ولعل المعنى أن قعودي عن القتال ليس للجزع من الموت بل لأنطوائي على علم خصّني به الرّسولُ (صلى الله عليه وآله) الذي من جملته الأمر بترك المنازعة في مبدأ الأمر، ولو أخبرتكم بما تضمنه ممّا يجري في خلافة من تقدم علي وغلبته(4)بني أميّة وما يؤول اليه الأمر لاضطربتم کالحبل في البئر البعيدة وعلى هذا فالمانع من القتال بعض أجزاء هذا العلم والموجب للاضطراب بعض آخر ولا محذور إذ المجموع واحد باعتبار، ويحتمل أن يراد بالعلم مايؤول اليه الأمر على تقدير المنازعة من ذهاب الإسلام واستيصال أهله وغلبه الكفّار، وقيل: المراد يمنعني عن المنافسة(5)في الخلافة شغلي بما انطويت عليه من العلمِ بالآخرة ومَا شاهدته من نعيمها وبؤسها، ولو كشفتها لكم لاضطربتم خوفاً من الله وشوقاً إلى ثوابه ولذهلتم عن المنافسة(6)في الدنيا ويخدشه أن ذلك العلم لا يوجب القعود عن طلب الخلافة التّي أمره الله بهَا وإن كانت مطلوبة لبعض الناس من حيث إنّها أمارة وسلطنة(7).
ص: 325
اشار في الأمرِ بالرأي [أي](1)أمر بما رآه أصلح يتعدى ب (على) وباليد ب(إلى)، و((الإرصاد: الأعداد))(2)، يقال: رصدت فلاناً إذا قعدت على طريقه تترقبه وأرصدت له العقوبة إذا أعددتها له كأنك أقعدتها على الطّريق مترقبة له(3)قيل: أقبل (عليه السّلَام) یرید الطّواف وقد عزم(4)على قتالهما وكانا ذهَبا بعائشة إلى البصرة فقال بعض أصحابه: الرأي أن لا تطلبهم ولا تقاتلهم، وقيل كان ذلك بعد مَا نزل بالربذة(5)يطلبهما ليقاتلهما (وَاللهِ لَا أَكُونَ كَالضَّبُعِ تَنَامُ(6)عَلىَ طُولِ اللَّدْمِ؛ حَتَّى يَصِلَ إِلَيْهَا طَالِبُهَا وَيْخَتِلَهَا رَاصِدُها) الضبع الجنس المعروف مؤنثة سماعاً والذكر منها ضِبْعان کسرحان، والأنثى ضبعانة، وجمعها ضباع کسباع، وتنام أي تصبر تجوزاً أو على التضمين، واللدم صوت الحجر أو الشيء يقع بالأرضُ ليس بالشدید(7)قاله الاصمعي
ص: 326
وقال: أبو عبيد يأتي صائد فيضرب بعقبه الأرض عند باب مَغارِهَا ضربا خفيفاً وذلك هو اللدم ويقول: خامري أمّ عامِر مِراراً بصوت ضعيف فتنام على ذلك الضبع فيجعل الحبل في عرقوبِهَا ويجرها فيخرجها(1)، وخامري أي استتري والزمي مكانك(2)، وأمّ عامر كنية لها(3)، والخَتَلَ والمُخاتلة المخادعة(4)، وراصدُها صَائدها المترقب لها، والمعنى لا أصبر حتى يتم كيدهم فلا أقدر على دفعه ويتسلطوا علّي (وَلكِنِّي أَضْرِبُ بِالْمُقْبِلِ إِلَی الْحَقِّ الْمُدْبِرَ عَنْهُ،
وَبِالسَّامِعِ الْمُطيعِ العَاصِي الْمُرِيبَ، أبَداً حَتىَّ يَأْتِيَ عَلَيَّ يَوْمِي) المريب: الشاك(5)يقال: ((أرابَ الرجل أي صار ذا ريبة))(6)، وهِيَ: التهمة والشّك وهو في مقابلة السامع أي من يسمع الحق بسمع القبول ويأتي على يومي أي ينقضي مدة حياتي (فَوَا اللهِ مَازِلْتُ مَدْفُوعاً عَنْ حَقِّي، مُسْتَأْثَراً عَلَيَّ مُنْذُ قَبَضَ اللهُ نَبِيَّهُ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلهِ) حَتَّى ظ 32 / يَومِ النَّاسِ هذا) الاستئثار الإنفراد بالشيء ورجل مستأثر على أصحابه أي يختار لنفسه أشياء(7)حسنة فيمنعهم إيّاها وهم، مستأثر عليهم على لفظ المفعول وهذه من الكلمات الصّريحة في التظلم.
ص: 327
(اتَّخَذُوا الشَّيْطَانَ لِأَمْرِهِمْ مِلاَكاً، وَاَتَّخَذَهُمْ لهُ أَشْرَاكاً) مِلاكٌ الأمر بالكسر ما ذيقوم به، ويقال: القلب ملاكُ الجسد، والاشراك أمّا جمع [شريك](1)[...](2)کشریف وأشراف أي عدّهم من شركائه في اضلال الخلق، وأما جمع شرك بالتّحريك كجبل وأجْبال أي جعلهم حبائل لاصطياد الناسِ (فبَاضَ وَفَرَّخَ فِي صُدُورِهِمْ، وَدَبَّ وَدَرَجَ في حُجُورهِمْ) بَاضَتْ الدجّاجة فهي بَائِضٌ وَبَيُوضٌ، ويقال: بَيُوض إذا أكثرت وفرخت الطّائرة(3)[](4)والبيضة وأفرخت وفرّخت صار لها فرخ وهو ولدها والأنثى فرخة، وفي الاخبار أن الشياطين [ليس](5)فيهم نتاج بل تبيض وتفرخ، ودبّ الصّبي مشي مشياً روُيداً(6)، ودرج أي: ((مشی))(7)، والدرّاجة [التي](8)يدرج عليها الصبى وهي كالعجلة الصغيرة(9)، قيل: الدرج أقوى من الدبيب وهو المناسب للكلام، وأمّا قولهم فلان أكذب من دبّ ودرج فمن درج مضى لسبیله أي: أكذب
ص: 328
الأحياء(1)والأموات، والحجور جمع حجر بكسر الحاء المهملة وسكون الجيم وهو الحِضن(2)أي ما دون الأبط الى(3)الكشح وجانب الشيء ونشأ فلان في حجر فلان أي في ستره وحفظه(4)والكلام أمّا محمول على الحقيقة وإن الشيّطان إنما يفعل ذلك بمن اتبعه اتباعاً كاملاً فالفاعل في الفعلين المتأخرين غيره في السّابقين أو المراد الجنس مع قطع النظر عن الإفراد أو على التوسّع كناية عن شدة المُلازمة والمتابعة (فَنَظَرَ بأَعْيُنِهِمْ، وَنَطَقَ بِأَلْسِنَتِهِمْ، فَرَكِبَ بِهِمُ الزَّلَلَ، وَزَيَّنَ لَهُمُ الْخَطَلَ) الزّلل بالتحريك ((الخطأ والذّنب))(5)وأصله من زَلّ كملَّ زليلاً ومزلة(6)بكسِر الزّاي إذا زلق قدمه في طين ونحوه(7)، والباء في ركب بهم(8)للتّعدية والاستعانة لايخلو عن بعد، والخطل بالتحريك ((المنطق الفاسِد المُضطرب))(9)، يقال: خطِل في كلامه بالكسر، وأخطل. (فِعْلَ مَنْ قَدْ شَرِكَهُ الشَيْطَانُ [في سُلْطَانِهِ](10)، وَنَطَقَ بِالْبَاطِلِ عَلَى لِسَانِهِ) اللّفظ منصوب على المصدر بتقدير فعلوُا أو عن بعض الأَفْعالِ السّابِقة لتضمنه معناه،
ص: 329
وشركه کَعلمه صار شريكاً [لهُ](1)، والسُّلطان قدرة الملك ومن جعل له ذلك وإن لم يكن [...](2)ملكاً (قال الله تعالى: ((وَمَنْ قُتِلَ مَظْلوُماً فَقَد جّعّلْنا لِوَلِيهّ سُلْطاناً)(3)والضّمير في (سلطانه) راجع إلى الموصول أي صَارَ الشيّطان [شریكاً](4)له في قدرته التّي أعَطاهُ الله وسُلطه بَها على جّوارحه أو إلى الشيّطان أي كأنّهُم الأصل في سُلطانه وقدرته على الاضلال [و](5)في نفاذ أمره في اتباعه.
(يَزْعُمُ أَنَّهُ قَدْ بَايَعَ بِيَدِهِ وَلَمْ يُبَايِعْ بِقَلبِهِ؛ فَقَدْ أَقَرَّ بُالْبَيْعَةِ، وَادَّعَى الوَلِيجَةَ. فَلْيَأْت عَلَيْهَا بِأَمْرٍ يُعْرَفُ، وَإِلَّا فَلْيَدْخُلْ فِيمَا خَرَجَ مِنْهُ) الحال يذكر ويؤنث(6)، ويزعُم کینصُر قريب من يظنّ قيل إنما يقال فيما لا يوثق به من الأحاديث کما سبق(7)، وَالوليجة ما أضمره الانسان في قلبه من الولوج بمعنی ((الدخول))(8)، والأمر المعروف البيّنة والبرهان أي إذا لم يقم بينه على الأمر الخفي فهو مؤاخذ بإقراره، حکی بعض الشارحين إنّه كان يقول:
ص: 330
تارة بايعت بيدي لا بقلبي، وتارة [أنّه](1)أكره(2)عليها، وتارة(3)أنّه وری تورية وأتي بمعاريض لا تحمل على ظاهرها(4)، وإنه (عليه السّلَام) لما استْأذن هو، وطلحة في العمرة وخرجا من عنده قال لأصحابه: (والله لا تّرُونهما إلا في فئة يقتلان فيها).
(وَقَدْ أَرْعَدُوا وَأَبْرَقُواُ ومَعَ هَذَيْنَ الأَمْرَيْنِ الْفَشَلُ) قال صاحب العَيْن: ((أَرْعَدَ لي فان وأَبْرَقَ إذا هدّد وأوعد من بعيد يريني علاماتٍ بأنّه يأتي إلى شراً))(5)وأنشد(6)أبيَاتا(7)ثم قال: ((ويقال: يرعد ویبرق لغتان))(8)وانکار الاصمعي(9)وقوله إن الصّحيح رعَد وبرق(10)ضعيف، وكفى حُجة عليه [...](11)وروده(12)في كلامه (عليه السّلَام) والفَشَل بالتحريك الجبن
ص: 331
والضّعف، قال بعض الشّارحين: الاشارة بهذا الكلام إلى طلحة والزّبير وسيجئ في كلامه (عليه السّلاَم) تهديدهم ووعيدهم إيّاهُ(1)(وَلَسْنَا نُرْعِدُ حَتى نُوقِعَ، وَلَا نُسِيلُ حَتى نُمْطِرَ) أوقعتُ بالقوم ووقعّتُ بهم إذا بالغت في قتالهم، وسال الماء سيلاناً وأساله غيره(2)/ و33 / أي لا ينفك تهديدنا عن الايقاع ولا يتقدّم عليه كما لا يتقدم السّيل على المطر فإن التّهديد قبله کما فعله الخُصوم من قبيل(3)ادّعاء اجراء السّيل من غير امطار أو(4)المراد لا نهدّد حتى نعلم الإيقاع ونوطن أنفسنا على الحرب لا كفعلهم من التّهديد مع الخوف، وقال بعض الشّارحين: المراد إذا أوقعنا(5)بخصمنا(6)أوعدنا [حينئذ](7)بالإيقاع غيره من خصومنا(8).
(ألَا وَإِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ جَمَعَ حِزْبَهُ، وَاسْتَجْلَبَ خَيْلَهُ وَرَجْلِهِ) هذا الفصلِ ملتقط من خطبة له (عليه السّلَام) لمّا بلغه أنّ طلحة والزّبير خلعَا بيعته، وهو غير منتظم وقد أورد السّيد (رضي الله عنه) فصلا آخر منها وما يظهر
ص: 332
من كلام بعض الشّارحين من أنّ المراد معاوية وأصحابه لعلّه سهو(1). وحزِب الرجل أصحابه، وجَلَبهُم(2)أي: ساقهم من موضِع إلى آخر، واستَجلْب(3)طلب أن يَجلَبْ(4)لَهُ، والخيل(5)الفرسان قال الجوهري: ((ومنه قوله تعالى: «وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ»(6)أي: بفُرسانك وَرجَّالَتِكَ وَالخَيْلُ أيضاً الخيُول، ومنه قوله تعالى: «وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا»(7)))(8)، وقال ابن الاثير: في الحديث (يَا خَيل الله اركبي) هذا على حذف المضاف أي: يا فرسان(9)خيل الله(10)، والرِّجْل بالفتح جمع راجل کالركّب جمع راكب، والمراد بالشيطان وحزبه أمّا إبليس وقبيله أو قائد الجيش واتباعه (تشبیهاً)(11)لهم بهم في الإضلال (وَإِنَّ مَعِي لِبَصِیرَتي؛ مَا لَبَّسْتُ عَلَى نَفْسِيِ، وَلَا لُبِّس عَلَيَّ) البصيرة الاستبصار في الشيّء ويطلق على الحجة والبُرهان والتّلبيس التّدليس والتّخليط كالّلبس بالفتح إلاّ أنّ التشديد للمبالغة، وفي بعض النسخ الصحيحة (وَاِنَّ بَصِیرَتي لَمعَي) والمعنى ما ضللت من تلقاء
ص: 333
نفسي، ولا بإضلال غيري إيّاي والضّلال لا ينفك عن أحدهما و(أيْمُ اللهِ لَأَفْرِطَنَّ لَهُمْ حَوْضاً أَنَا مَاتِحُهُ، لَايَصْدُرونَ عَنْهُ، وَلَا يَعُودُونَ إِلِيْهِ) اَيْمُ اللهَ بفتح الهمزة وضمّ الميم ايمُنُ الله بضم الميم والنون (حذفوا)(1)[النّون](2)تخفیفا وهو اسم وضِع للقسم(3)، وألفه(4)ألف وصل عند أكثرهم(5)ولم يجيء في الأسماء الف وصل مفتوحة غيرها، وقیل جمع يمين(6)، وكانوا يحلفون باليمين يقولُون: يمين الله لا أفعل، ثم جمعوا اليمين على أيمن فحلفوا به، ثم حذفوا النّون کما حذفوا في لم يكن، والألف الف قطع وإنّما طرحت في الوصلِ لكثرة استعمالِهم، وفيها لغات كثيرة(7)، و (لُأفرِطَنَّ) في بعض النسخ الصّحيحة(8)بضمّ الهمزة أي: لأملانّ، من أفرط (مزادته)(9)إذا ملأها حتى
ص: 334
فاض، وهو من الإفراط أي: تجاوز الحدّ(1)، وفي بعضها بفتح الهمزة وضمّ الراء من فرط القوم إذا سبقهم ليرتاد لهم الماء ويهيئ لهم الدلاء والرّشاء(2)، وفي الحديث: ((أنا فرطکم على الحوض)(3)أي: متقدّمكم، والتّقدير لأفرطّن لهم إلى حوض فلمّا حذفوا(4)الجار عدّى الفعل بنفسه كقوله تعالى: «وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا»(5)، ولهم أي: لأجلهم أو اللّام زائدة وليست للتّعدية كما قيل، والماتح بالتاء الفوقانية المسقي من البئر بالدّلو من أعلاهَا(6)والمايح(7)من ينزلها ليملأ الدّلو(8)، وقيل لأبي علي ما الفرق بين الماتح والمايح(9)؟ فقال: هما کاعجامهما، وهذا على الأصل فإنَّ المائحُ يستعمل بالهمزة، وأنا ماتحه، أي: أنا المتصدّي لإعداده، والمباشر لتهيئة أسبابه، أي: أقاتلهم على أبلغ وجه، وقول بعض الشّارحين معناه: ((أنا خبير به، كما يقول من يدّعي معرفة الدّار أنا باني هذه الدّار))(10)لا يخلوعن بعد، وصَدَرَ کنَصَر وضرب رجع عن الماء(11)، وَيَصْدُرُونَ في النسخ بضم الدّال والكلام
ص: 335
تهدید و وعید باسعار(1)نار حرب لا يفوزون فيها بنجاح، ولا يعودون اليها الاستئصَالهم، أو لا يعود [...](2)اليها من نجا منهم لما رأى من شدّتها.
ص: 336
المحتويات
ص: 337
ص: 338
المحتويات
مقدمة المؤسسة...9
مقدمة...11
الدراسة...17
المبحث الأول: حياة علاء الدین کلستانة...19
اسمه ونسبه:...19
کنیته ولقبه:...19
مولده:...20
عصره:...20
أساتذته:...21
تلاميذه:...22
مؤلفاته:...22
أقوال العلماء فيه:...23
وفاته:...24
ص: 339
المبحث الثاني: أهمية الشرح وموارده...26
أ. الكتب...26
1 - كتب المعجمات:...26
2 - کتب النحو:...29
3 - كتب اللغة:...30
4 - التفاسير:...31
5 - كتب الاحاديث:...32
6 - كتب الانساب:...34
7 - كتب التاريخ:...35
ب / الأعلام:...35
1 - النحاة:...35
2 - اللغويون:...36
3 - المفسرون:...36
4 - الفلاسفة:...36
5 - المؤرخون والنسابة:...37
6 - أصحاب الحديث:...37
المبحث الثالث: منهج الشارح...38
1 - طريقة شرحه للألفاظ...39
أ - الضد:...39
ب - الخلاف:...40
ص: 340
ت - النقيض:...42
ث - التقابل:...43
2 - طريقة ضبط الكلمة...44
أ - طريقة الوزان:...44
ب - طريقة وصف الكلمة:...45
3 - توجيهاته الدلالية...54
أ - الأضداد:...64
ب - الترادف:...48
ت - تعميم المعنى:...50
ث - الانسجام في المعاني التي يبيِّنها:...51
4 - اهتماماته الصرفية:...52
5 - المذكر والمؤنث:...54
6 - توجيهه للضمائر:...56
7 - إشارته للقياسي وغير القياسي:...58
8 - ترجيحه للروايات:...59
9 - تعليله التسميات:...61
10 - انتقاده بعض الشارحين وردوده عليهم...63
المبحث الرابع: شواهد الشرح...67
1 - القرآن الكريم...76
2 - القراءات القرآنية:...73
ص: 341
3 - الأحاديث النبوية الشريفة...75
4 - استشهاده بالأمثال:...79
5 - استشهاده بالشعر...81
منهج التحقيق...85
نسخ المخطوط المعتمدة...87
1 - نسخة (أ) (الأصل)...88
2 - نسخة (ث)...88
3 - نسخة (ح)...89
4 - نسخة (ر)...90
5 - نسخة (ع)...92
6 - نسخة (م)...92
7 - نسخة (ن)...94
نماذج من النسخ المصورة المعتمدة في التحقيق...97
الخاتمة...105
باب المختار من خطب الإمام علي (عليه السلام)...136
بابُ المُختار من خطب مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) وأوامره...136
فَمِنْ خُطْبَةٍ لَهُ (علیه السلام) يَذّكرُ فيها اِبتِداءَ خَلْق السّماءِ وَاْلأرضَّ وَخَلقَ آدَمَ (علیه السلام)...137
(منها في صفة خلق آدم (عليه السلام):...181
(ومن خطبة له (عليه السلام) بَعدَ انصِرافهِ مِن صفيّن)...227
ومن خطبة له (عليه السلام) المعروفة بالشقشقية...245
ص: 342
[وَ] [مِن خُطْبَةٍ لَهُ (عَلَيهِ الْسّلَامُ)]...309
ومن كلامٍ له (عليه السّلاَم)...319
[ومن كلام لَهُ (عليه السلام)] لما اشير عليه بان لا يتبع طلحة والزبير، ولا يرصد لهما القتال...326
ومن خطبة لهُ (عليه السَّلام)...328
[ومن كلام له (عليهِ السّلام)] يعني به الزبير في حال اقتضت ذلك...330
[ومن كلامٍ لهُ (عليهِ السَّلام)]...331
[ومن خطبةٍ لهُ (عليهِ السَّلام)]...332
ص: 343
ص: 344