الأصول الحدیثة في مباحث الالفاظ

هویة الکتاب

الاصول الحديثة فيمباحث الالفاظ

تأليف: صاحب الفضيله الاستاذ محمد كاظم صادق الملكي

المطبعة العلمية في النجف

جمعية خيرية رقمية: مركز خدمة مدرسة إصفهان

محرر الرقمي: مرتضی حاتمی فرد

الاصول الحديثة

في

مباحث الالفاظ

تأليف

صاحب الفضيله الاستاذ محمد كاظم صادق الملكي

المطبعة العلمية في النجف

ص: 1

مقدمة للمؤلف

لما كنت مشتغلاً بالدرس والتدريس في مباحث الاصول كتبت هذه الوجيزة المنيفة المشتملة على تحقيقات استاذنا الأجل فريد الاعصار ووحيد الامصار رئيس الفرقة الناجية امام المسلمين الشيخ محمد هادي الامين قدس اللّه سره وانار فى العالمين برهانه في بعض تحقیقات ما درجت في معالم الاصول في زمان اندرست فيه العلوم الدينيه واقفرت منها المعالم والرسوم المحمديه نبذها أهله وراء هم ظهر يا كأنهم يحسبونها شيئاً. كلا انها أفخر البسة الرجالي، وأعز منية خابت دونها الآمال بيد انها شمخت با تنها من أن تكون منهلاً لكل وارد فلا يردها إلا واحد بعد واحد والمرجو من اخواني المؤمنين ان لا يؤاخذونى فيما صدر من سوء عملي فان ذلك من عدم مساعدة الوقت والمجال والانسان يساوق السهو والنسيان واسأل اللّه تعالى ان يجعل كتابي هذا خالصاً لوجهه الكريم وذخيرة ليوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى اللّه بقلب سليم وعلى اللّه التوكل و به الاعتصام.

المؤلف

ص: 2

بسم اللّه الرحمن الرحیم

الحمد للّه الذي باسمه يسترشد إلى طرق الحق والصواب وبحمده يرجى الاهتداء إلى الحقائق في كل باب. و بشكره يستزاد جزائل النعم والثواب و بتوحيده وتقديسه يؤمل النجاة من أليم العذاب في يوم الحساب والصلاة والسلام على خير خلقه وسيد أنبيائه محمد وعلى آله الأئمة الاطياب صلاة تنمو وتدوم فى الاعقاب مدى الاحقاب وتوجب لنا عند اللّه زلفى وحسن مآب.

أصل في تعريف الفقه

قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه):

الفقه في اللغة الفهم الخ

أقول ان تعريف الفقه بالفهم ممنوع لأنه لم يكن مطرداً ودعوى الاطراد باطلاما ترى يقال بقال فهيم ولا يقال بسبب فهمه فقيه اللّهم الا ان يراد بهذا التعريف تعريف لفظي كقولهم السعدانة نبت لكن قيد التعريف في اللغه فاسد.

ص: 3

والتحقيق الفقه فى اللغة الحذاقة والبصيرة وجميع الامثله التي صرح بها صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) في أول كتابه كلها بمعنى الحذاقة اما ترى ان الأمير (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول لابنه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يا بني تفقه في الدين ليس معناه الاكن صاحب حذاقة وبصيرة وصاحب الوسع والاحاطة وكذا في بقية الامثله هذا المعنى مطرد بحيث كلما تحقق هذا المعنى صح اطلاق اللفظ عليه واستعماله في العلوم الدينية بهذا الاعتبار لتاهلمها لمزيد الحذافة والاتقان وتفسير الفهم بمعنى الادراك أو بمعنى العلم كما قاله الجوهري ايضاً سخيف ومنشأ هذا الكلام أنما نشأ من عدم التفطن للخصوصية المأخوذة في مفهوم الفهم واما سخافة تفسير الفهم بالأدراك لأن الادراك اعم يقال ادركه إذا لحقه ووصل اليه وهنا أقوال كثيرة لم نتعرض لها خوفاً من الاطالة وكذا تفسيره بالعلم غير صحيح لأن العلم هو الانكشاف وهو أعم من الفهم اما ترى انك لو علمت بوجود زيد فى الدار بمشاهدة أو سماع لا يقال فهمه نعم لو انتقل منه إلى أمر خفى يقال فهمه وهذا كاف في اثبات المطلوب.

قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) : وفي الاصطلاح هو العلمبالاحكام الشرعية الفرعية من ادلتها التفصيلية (الخ)

قلت

لابد من أخذ العلم في التعريف بمعنى التصديق أن معرفة حقايق الذوات وكنرها ليس فقها بالضرورة ولان تصور الشيء لا يعقل حصوله من الدليل.

تم قال (رَحمهُ اللّه) : خرج بتقييد العلم بالاحكام العلم بالذوات كزيد (الخ)

ص: 4

أقول بعد ما ثبت ان أخذ العلم في التعريف بمعنى التصديق والعلم بالذوات خارج عن التصديق داخل في النصور فليس داخلا فى المقسم حتى يخرج بتقييد العلم بالاحكام

نم قال (رَحمهُ اللّه) : و بالشرعية العقلية المحضة واللغوية «الخ»

قلت خروج العقلية بهذا القيد فرع دخوله والشرع هو العنوان المنتزع من مجموع أصول الدين وفروعه والاحكام هي منشأ الانتزاع والأمر المنتزع عين منشأ الانتزاع واضافته إلى أمر المنتزع مطردة وثانيا العقل ليس مستقلا يحكم من الاحكام بل أنماهو مدرك للحسن و القبح فظهر عدم صلوح تقييده بهذا القي.د

ثم قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) : وخرج با لفرعية الاصولية الخ.

قلت خروج الأصوليه من الاحكام الشرعية بهذ القيد فرع دخوله والمخرج للأصول أنما هو الحكم المعنون بعنوان الشرعية الفرعية لا ان الفرح وحده هو المخرج من التفكيك غير معقول مع ان الأصول غير داخلة في الجنس ولا يخفى على المتأمل من ان التعريف تحديد للفرعي من الحكم الشرعي لا لمطلق الفرعي ولاريب ان الحكم الفرعى يقابل الأصلي الذي هو أصل من أصول الدين لا اصول الفقه فان أصول الفقه ليست داخلة فى الاحكام الشرعية بل هي قواعد ممهدة لاستنباط الاحكام والمقسم بينهما الدين والشرع فاصول

ص: 5

الفقه خارجة عن المقسم وليس قيد الفرعية ناظرة الى اخراجها وأنما هو لاخراج أصول الدين وليتأمل جدا فانه من نفائس المطالب وقوله (رَحمهُ اللّه) عن ادلتها خرج علم اللّه وعلم الملائكة والأنبياء «الخ» وهذا بمكان من الغرابة اذ الاخراج من ذكره ان كان لعدم وجود الحقيقه فهو فاسد اذ الحقيقة موجودة وعدم الاطلاق انما هو لان شأنهم أجل من ذلك الا ترى ان عدم اطلاق الرجل أو العالم على النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ليس لأجل انتفاء الحقيقه بل انما هو لأجل عظم شأنه أجل وأعلى من ذلك بحيث قد يوجب الاطلاق الكفر والارتداد وان كان الاخراج لاجل ان عليهم ليس عن الادلة فهو عجيب اذا الصواب ان يقال ان الفقه هو العلم بالاحكام ولو عن الادله واما اخراج الضروري فهو ايضاً مضحك للنكلى وجعل الضرورة. دليلاً عليه أمر أعجب فان الضروري لوضوح دليله صار ضروريا ابتداءاً بحيث لا ينكره أحد والضرورة ليست من الادلة ولا يحصل منها العلم بشيء وعدم تسمية العرف استدلالاً انما هو لاجل عدم العلة.

ثم قال صاحب المعالم (رَحمهُ اللّه) وخرج بالتفصيلية علم المقلد في المسائل الفقهية فانه مأخوذ من دليل اجمالي « الخ».

وهذا الكلام من الوهن والغرابة اما اولاً ليس للمقلد دليل اجمالي ولا دليل تفصيلي كما ان للمجتهد ليس دليل اجمالي اصلا ومنشأ هذه الشبهة انه قد يتوهم من بعض القضايا الصورية انه قضايا وليست بها والقياس لابد ان يتركب من القضيتين كما قال التفتازاني : القياس قول مؤلف من القضايا «الخ» فقول المقلد هذا اما افتى به المفتى

ص: 6

تصور موضوع وليست بقضية والقضية هي المركبة من موضوع ومحمول فالحمل هنا تجليلي كقولك الأنسان حيوان ناطق أو هذا زيد وكذا قول المجتهد : هذا ما ادى اليه ظنى ليس بقضية بل ذلك تصور لا تصديق فاذا احرز الموضوع بالوجدان فيترتبان عليه الحكم الذي علما به بالبرهان العقلي فيحملان عليه فيقول المقلد وكل ما افتى به المفتى فهوحجة و يقول المجتهد وكل ما ادى اليه فانى فهو حجة بل مثل ذلك حاصل البهائم والحيوانات فهل يخفى على أحد ان الحيوان ليس من أهل الاستدلال وثانيا قد اثبتنا ان المقلد ليس دليل اصلا لا اجمالا ولا تفصيلا ولو سلم ان هذا ما افتى به المفتى وكل ما افتى به المفتى فهو حجة دليل اتصافه بالاجمالي ممنوع فان كون الدليل اجمالياً أنما يصح حيث يكون نفس الدليل مردداً بين أمور ويكون مدلوله كذلك وكلاهما مفقودان في المقام وثالثاً ان قول المقلد هذا ما افتى به المفتى فهو حكم اللّه في حتى ليس استدلال اصلا لأن الدليل هو الوسط في الاثبات وانه عبارة عن علة العلم بالشيء ولا يكون شيء علة للعلم بشيء الا بعلاقة العلية بين نفس الشيئين ولا ريب أن علية شيء لشي لا يوجب استلزام تصور أحدهما الصور آخر فان تصور ماهية الملة لا يستلزم تصور ماهية المعلول وكذا العكس كما هو واضح لمن تأمل.

نعم استلزام تصور لنصور اخر معقول في واحد واكتسابه عبارة عن تحصيل الثاني من الأول فالعلية بين الشيئين لا توجب الا كون التصديق باحدهما مستلزماً للتصديق بالآخر والدلالة ليست الا عبارة عن ذلك فتمول المقلد هذا ما افتى به المفتى وكل ما افتى به المفتى فهو حكم اللّه فى حتى ليس من الاستدلال في شيء اذا المقلد ليس

ص: 7

له الا تصديق بشئ واحد وهو رجوع الجاهل الى العالم الذي هو مضمون كل ما افتى به المفتى فهو حكم اللّه في حتى وقد علم به من الضرورة واما هذا ما انتى به المفتى ليس الا تطبيق الكلي على الفرد والحاصل ان الحمل على قسمين (1) حمل المواطاة (2) حمل الاشتقاق حمل المواطاة على ما عرفوه ما كان متحدا في الوجود سواء اتحد مفهوماً ام لا وحمل الاشتقاق ما كان في حمله (ذو) مضمرة كقولك زيد ضارب أي ذو ضرب فعلى التحقيق إن ما كان من قسم الأول ليس بحمل بل صورة حمل وليست بقضية لما بينا آنها من انه لا بد من التغاير بين الموضوع والمحمول فزيد انسان ليس محل بل مجرد انطباق قان زيد عين الأنسان فالشيء لا يحمل على نفسه وثبوت الانسانية لزيد بعد علمه لا معنى له فتبين انه محض تصور وان كان في صورة التصديق كما بينا وانقدح فساد قوله (رَحمهُ اللّه) للمقلد دليل إجمالي مطرد في جميع المسائل «الخ»

قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) وقد أورد على هذا الحدانه ان كان المراد بالاحكام البعض لم يطرد الدخول المقلد الى قوله وان كان المراد بها الكل لم ينعكس خروج اكثر الفقهاء.

وفيه : ان المراد بالأحكام ليس هو الاحكام الجزئية فى الموارد الخاصة فانها مما لا تعد ولا تحصى بل المراد بالأحكام هي الاحكام الكلية ولذا قد يدعى بان النزاع بين الفقهاء «قدهم » انما هو فى الأحكام الصغريات فالحكم الكلي الثابت لموضوعه مما لا يريب فيه ذو مسكة وصحة اطلاق الفقيه في الإصفلاح يتوقف على التصديق الفعلي في جميع الأحكام الكلية بل يعتبر رسوخ هذا التصديق حتى يصير ماسكة ضرورة ان من

ص: 8

علم مسئلة واحدة أو مسائل متعددة من الفقه او النحو لم يكن باعتبارها فقيها أو نحو يا فلا يطلقان الا على من علم جميع الفقه أو النحو بعد صيروره علمه ملكة فما لم يصل إلى حد الرسوخ لم يطلق عليه فقيها أو نحويا واسكار ذلك مكابرة صرفة وتكذيب للموجدان وهذا المقدار حاصل لاغاب الفقهاء فهل ينسب المنصف مثل الشهيد والمحقق والعلامة وغيرهم من الاساطين ليسوا بعالمين باحكام الفقه وقواعده كلا ثم كلا نهم لا يعتبر الاحاطة بجميع الأحكام الجزئية وذلك لأن الفقه هو العلم بالأحكام من الادلة والمستفاد من الادلة هو الاحكام الكتابة ومن حصل له العلم بالأحكام الكلية صار له قوة لاستخراج الاحكام الجزئيه واستخراج الجزئيات من الكليات باعتبار انطباقها عليها تصورات لا تصديقات ولا يعقل فيها تحصيلها من الأدلة فان العلم بانطباق الكلي على الجزئي تصور وقد بينا مرة بعد اخرى ان من المحال ان يحصل التصور من الدليل وقد ظهر من حال الأشكال حال ما اجاب عنه فتأمل حتى لا تكون في قلبك غباوة وعلى بصرك غشاوة.

ثم قال صاحب المعالم (رَحمهُ اللّه) فيانا نختار اولاً ان المراد البعض (الخ).

وفيه مواقع للنظر : اما اولا ان الجمع المحلي بالالف واللام يفيد العموم مما لا يريب فيه ذو مسكة وارادة البعض منه يحتاج الى القرينة كما لا يخفى وثانيا ان الفقه عبارة عن العلم بجميع الأحكام الكلية الحاصل لكل فقيه ولا استبعاد في ذلك كما كان فى الاحكام الجزئيه وقد عرفت ذلك آنفاسقامة هذا الكلام واضح من تأمل.

منها ان الجواب اجنبي عن الايراد كما هو واضح لمن امعن النظر من أجل

ص: 9

ان الايراد يكفي فيه الفرض والتقدير والجواب ينفي الوقوع من أصله واحدهما لا يرتبط بالآخر ومنها ان التجزي لا محصل له فان الفقه ليس فنا وليس له موضوع واحد بحيث يرجع جميع مسائله اليه بل هو عبارة عن علم العبد إلى أحكام مولاه فهل ترى ان الشخص اذا أراد ان يطلع على احكام مولاد الصادرة عنه فعلمه يصير فنا من الفنون أو الاحكام تصير كذلك أو الخصوص كون الحاكم شارعاً له دخل في ذلك فحينئذ فلا اشكال في امكان التجزي ووقوعه لاختلاف مباحث الفقه بعضها مع بعض موضوعاً او حكما فلا ملازمة بين العلم ببعضها العلم ببعض اخر او العلم بقاعدة العلم بالاخرى او العلم بحكم العلم بالأخرى او العلم بموضوع العلم بالآخر وهلم جرا ونفي الوقوع رأساً بمعنى ان غير المجتهد في الكل لا يحصل له من مراجعة الادلة اعتقاد اصلا وان بلغ من العلم ما بلغ مكابرة واضحة بشهادة الوجدان ودعوى توقف العلم بالبعض على العلم بالكل من الاغلاط الواضحة الا ترى عدم توقف حصول دينار على تحصيل قنطار فمارامه صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) من قوله لا يحصل المقلد وان بلغ من العلم ما بلغ «الخ»مما لا مسرح له فيه.

تم قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) واما على العقول بالتجزي الى قوله وان صدق عليه «الخ» يمكن ان يكون جواباً عن الايراد المذكور لأن مباحث الفقه مختلفة كاختلاف الطب والنحو والكلام والصرف من حيث السنخ وهي لا تحصل للفقيه دفعة واحدة لأنها تدريجية الحصول والعلم ببعضها موجب للعمل وهو من الفقه وليس فقها غير صحيح وليس لنا فقه صحيح وغير صحيح حتّى يكون الحد تعريف للصحيح منه كما ذهب اليه فاضل القمي (قدّس سِرُّه) فالجواب من الأشكال قد ظهر من

ص: 10

المقال من غير احتيال وجدال فعليك بالاتكال بما اندفع به الاشكال وللقوم هنا كلمات ركيكة واهية اعرضنا عن التعرض لها لكونها لا جدوى لذكرها

ثم قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) مختار ثانيا ان المراد بها الكل الى اخر قوله اذ المراد بالعلم بالجميع التهيؤ له.

وهذا كلام عجيب اما أولاً ان العلم هو الانكشاف مقابل لا جهل فهما من مقولة الكيف والتهيؤ من مقولة الانفعال مبا يزلهما مفهوماً وكون المقولات عشرة بيانها محل آخر وكون التهيؤ على العلم ليس علما ولا جهلا من القضايا التي قياساتها معها يحكم بها واجدان السقيم فضلا عن السليم، وثانيا ان التهيؤ الذي بمعنى القابلية للعلم حاصل لكل انسان وفساد اطلاق الفقيه على كل فرد من الأنسان غني عن البیان و بمعنى القوة الحاصلة بالممارسة فى الفقه التي هي عبارة اخرى عن العلم بالقواعد الكلية فهي ليست وراء العلم بمعنى الانكشاف وثالثا التهيؤ بالأحكام لا معنى له والتهيؤ بالعلم بالأحكام خارج عن الفرض لأنه تقدير فى الكلام ورابعاً ان ملكة العلم ليست امراً مباينا لنفس العلم وذلك لان العلم من الكيفيات النفسانية وقد عرفت في طي كلياتنا ان الملكة هي الراسخة منها كما صرح بها ارباب المعقول قالوا ان الكيفية النفسانية ان رسخت فى النفس بحيث لا تزول الابصعوبة فهي ملكة والا فهي حال فملكة العالم ليس إلا عبارة عن التصديق الراسخ ومن البديهي ان التصديق الراسخ ليس مباينا للتصديق والا لزم مباينة الشي لنفسه فالملكة ليست معنى اخر حتى يتحقق التخلص بارادته فى الحد عن الايراد المذكور بل حمل العلم فى الحد على الملكة يوجب

ص: 11

الوقوع في المحذور الاشد لأن التصديق الحالي اذا لم يتيسر لأغلب الفقهاء فا لتصديق المنكرر البالغ حد الرسوخ بطريق اولى و خامساً لو سلم كون الملكة هي القوة والتهيؤ والاستعداد فنمنم جواز حمل العلم عليه لأن استعماله فيه من الاغلاط الواضحة اذ لو جاز استعمال العلم فى استعداد له لجاز ذلك في غير العلم ايضاً والتالي باطل فالمقدم مثله بیان الملازمة ان المناط فى الصحة والعلاقة فى الجواز هو التناسب بين القوة والفعلية وهو مفروض الوجود فى الجميع واما بطلان التالي فلوضوح عدم جواز استعمال الضارب في المستعد للضرب ولا النائم فى اليقضان عند استعداده للنوم وهكذا والا لجاز استعمال أحد المتناقضين فى الآخر ألا ترى عدم صحة الانسان للنطفة لأستعدادها للأنسانية أو المتغير للماء المستعد للتغير أو اطلاق الحمرة لاستعداد الصفرة لها فهل ترى من نفسك الأنسان المستعد للأكل انه أكل الى غير ذلك والقول بان المناط فى الصحة في هذا المقام هي علاقة المشارفة او الأول مما لا معنى له لعدم اطراده اذ لو كان لا طرد و نفى التالي يوجب نفى المقدم ألا ترى اذا شربت الماء فهل يصح ان يقال شربت البول مع كون هذا الماء المشروب في شرف البول.

ان قلت: كيف تنكر الاطلاق باعتبار القوة واطلاق القاتل على السم والقاطع على السيف شايع وان لم يحصل منهما أثر فعلي وليس هذا الا باعتبار القوة المذكورة.

قلت : منشأ هذا الايراد خلط بين استعداد شي لاثر عند

ص: 12

حصول مقتضيه و بين اقتضائه للتأثير فان الأول من سنخ الانفعال والثاني من سنخ الفعل والتأثير وما نحن فيه من قبيل الأول ومثال السم والسيف من قبيل القسم الثاني الا ترى ان الشخص المفروض فى الامثله المتقدمه لا يتصف بتحصيل تلك القوة بصفة الاقتضاء للعلم بل يحصل الصلوح والتاهل له با عمال سببه ومقتضية الذي هو الدليل كالقطعة من الحديد فالقوة المذكورة مغايرة لصفة الاقتضاء ولا مناسبة بينهما فصحة الاطلاق بالاعتبار الثاني لا يستلزم الصحة بالاعتبار الأول كما هو واضح لمن امعن النظر فيما حققنا وقول صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) واطلاق العلم على مثل هذا التهيؤ شايع «الخ» لا يخلو من الفساد لأن الفقه ليس عبارة عن هذا التهيؤ والاستعداد ضرورة ان من تهيأ لأن يعلم با لأحكام الشرعية ليس فقيها الاترى ان من حصل له من مزاولة بعض العلوم النظرية قوة وقريحة يقندر بها على تحصيل جميع مسائل الحكمة باد في مراجعة في كتبها لا يسمى بتلك القوة حكيما والاستعداد الموجود فيه حكمة وكذا العامي الجاهل بالفقه اذا كان له قوة يكفيه في استعلامه من الماخذ والشرايط بادنى مراجعة لا يسمى فقيها ولا هذه القوة الموجودة فيه فقها وهذا من العيان بمكان لا يحتاج الى البيان بشهادة الوجدان و من هنا يعلم ان اشتراط القود القريبة كما صدر عن بعض فراراً من فساد دعوى جواز الاطلاق باعتبار مطلق القوة والشأنية لا يثمر شيئاً فلا وقع للاشتراط المذكور ايضاً كما اتضح في طي كلماتنا السابقه فعليك بالتأمل واتضح ايضا مما ذكرنا فساد قول صاحب المعالم (رَحمهُ اللّه) حيث قال (فعدم العلم بالحكم في الحال لا ينافيه) كيف وقد عرفت آنها ان من كان له قوة يكفيه ويقتدر بها على تحصيل جميع مسائل الفقه لا يسمى فقيها

ص: 13

ولا هذه القوة الموجودة فيه فقها فلا معنى لهذا الكلام فتدبر بقى الكلام فى الاشكال المعروف بين الفقهاء صرح بها صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) من ان الفقه اكثره من باب الظن فان دليل الفقه غالبا اما ظني الصدور واما ظني الدلالة فكيف يطلق عليه العلم (رَحمهُ اللّه).

قلت: هذا الأشكال فاسد من وجوه منها ان الظن ايضا قد لا يحصل من الدليل كاجراء الأصول في مواردها والحاصل انه كما لا طريق الى الأحكام الواقعيه فى الأغلب كذا لا طريق اليها فى الاكثر ظناً فالحد كما ينقض بالأحكام المظنونة كذا ينتقض بما يستنبط من الأصول والعمومات ونحوها ومنها ان دليل الحكم ليس منحصرة في ظني الدلالة أو الصدور بل قد يكون الظن في جهة الصدور ومنها ان الظن مع قطع النظر عن دليل الاعتبار من أقسام الجهل ومعه من أقسام العلم لا في الكشف بل في الركون ومن البديهى عدم صلاحية تنزيل الظن منزلة العلم في الكشف لأنه أمر ليس بمعلوم ولو صلحت وجب الخروج من النقص الى التمام وهو محال و بعبارة اخرى انه علم تنز يلي لا تحقيق فالركون انما هو على العلم لا على الخروج من النقص إلى التمام وهو محاله و بعبارة اخرى انه علم تنزيلي لا تحقيق فالركون انما هو على العلم لا على الظن الذي هو جهل من حيث هو، ولنا في فساد هذا الأشكال وجوه كثيرة لم نتعرض لها خوفاً من الاطالة وكيف كان هذا المقدار كاف في بيان حال الأشكال والتجاوز عن ذلك يوجب الخروج عما تصدينا لدفعه وعلى أي وجه كان اجيب عنه بوجوه منها ما قاله صاحب المعالم (رَحمهُ اللّه) فيحمل العلم على معناه الاعم اعنى ترجيح احد الطرفين.

ص: 14

وهذا الكلام من وضوح الفساد بمكان فانه لا يعقل ان يكون المراد من العلم الجهل مطلقاً مع ان الظن مغاير للرجحان مفهوما والشمول فرع العموم والاطلاق وثانيا ان الشامل للظن هو الجهل لأنه من أقسام الجهل فلا يأخذك ريبة مما قاله بعض بان الوهم والشك والظن داخل في التصور فان المقصود هنا التصور بالمعنى الاعم لا التصور الذي هو من أقسام العلم الا تدري ان الانسان له قوة خياليه التي هي المميزة فقد يعبر عنها بالعقل الفعال وهى الخلاقه للصور في كلا الحالين و بيان الفرق بين العقل الفعال والعقل بالملكة والعقل المستفاد والعقل بالهيولى محل آخر وثالثا ذكر لفظ العلم فى الحدود والمراد منها ما يشمل الظن بعيد عن الصواب ويؤيد ما ذكرنا فاضل القمي (قدّس سِرُّه) في قوانينه حيث قال في تعديله لأن العلم مغايره للظن حقيقة ثم قال صاحب المعالم (رَحمهُ اللّه) وما يقال (اشارة الى قول العلامة (قدّس سِرُّه)) فى الجواب من ان الظن في طريق الحكم لا في نفسه وظنية الطريق لاتنا في عامية الحكم فضعفه ظاهر عندنا اورد علیه سلطان المحققين بانه لم يلتفت الى مقصود العلامة (رَحمهُ اللّه) فان مراده الحكم الظاهري فالطريق وان كان ظنيا الا ان الحكم الظاهري مقطوع دائماً فلا بطلان للجواب على أصول الأمامية ولا ابتناء له باصول الاشاعرة انتهى فالحاصل ارجعوا مقالة العلامة (رَحمهُ اللّه) الجواب السابق من اخذ الاحكام اعم من الظاهرية والواقعيه دفعاً لاعتراض صاحب المعالم (رَحمهُ اللّه) عنها والعجب من فحول العلماء كيف غفلوا عن حقيقه الحال وكيف كان انا نرى عياناً في كل منهما محل للنظر اما اولا فلاباء كلام العلامة هما اولوها اليه وذلك لأن ظنية الدليل والحكم المدلول عليه كقطعتهما متلازمان لا يقبلان التفكيك ضرورة ان الدليل هو الكاشف فان كان

ص: 15

الكشف ظناً كان المنكشف مظنونا وان كان قطعا كان مقطوعاً ولا يعقل دون الكاشف ظناً والمنكشف مقطوعاً ولا العكس كما هو بديهي فكون الحكم الظاهري مقطوعاً يستلزم كون دليله ايضاً قطعيا والا لزم التفكيك بين المتلازمين ايضاً وقد عرفت استحالته وثانيا من المسلمات عند الجميع كون ادلة الأحكام الظاهرية قطعية فكيف يخفى ذلك. على مثل العلامة (قدّس سِرُّه) فلا يجوز حمل كلامه على هذا المعنى المستحيل المسلم خلافه عند الجمع و ان فرق بين الموضعين من كلامه بان حمل حكم الأول على الواقعي والثاني على الظاهري مع حمل الطريق في الموضعين على دليل المدم الواقعي ويكون المحصل ان الفن في طريق الحكم الواقعي وظنية طريق الحكم الواقعي لا تسافي في قطعيه الحكم الظاهري فهذا هو الذي فهمه سلطان المحققين وتبعه الاواخر في فهمه وثالنا ركاكة التفرق المذكور بين الموضعين مع اطلاق لفظ الحكم وتجريده عن التوصيف بالواقي والظاهري بحسب الموضعين ورابعا لزم استخدام المستهجن في ضمير فيه اذ لابد ان يكون التأويل حينئذ هكذا : ان الظن في طريق الحسم الواقعي لا فيه أي لا في الحكم الظاهري وهو كما ترى وخامساً منافاة ذلك للتأكيد بلفظ (نفسه) فانه يأبى عن الاستخدام المذكور اباء بينا كما و واضح لمن نأمل وتدبر وانضح من ذلك كله فساد ما اورده سلطان المحققين وتبين عدم صحة ارجاع هذا الجواب الى التأويل المتقدم لاباء عبارة العلامة (رَحمهُ اللّه) عنه اشد الاباء ام اعتراض صاحب المعالم (رَحمهُ اللّه) فلانه نشأ من عدم الاطلاع بمقصوده (رَحمهُ اللّه) وهو يحتاج الى بسط فى المقال فنقول بعونه وقدرته ان المراد هنا بالحكم المحمول و بالعلم التصديق ومعنى التصديق بالمحمول هو التصديق بانتسابه الى

ص: 16

الموضع فمعنى العلم بالحكم التصديق بالنسبة بينه و بين موضوعه وقد مر فيها سلف ان الدليل هو الوسط فى الاثبات والأثبات هو الكشف التصديقى فالدليل العلمي هو ما كان وسطاً للاثبات بالذات أي سببا للتصديق بنسبة المحمول ثبوتاً أو سلباً إلى الموضوع واما الدليل الظني فلما لم يكن حجة بالذات لم يكن الوسطية للاثبات فيه ذاتيه احتاج الى الجعل من الشرع في رحلة الحجيه فالدليل القائم على حجيته هو الذي يجعله حجة ووسطاً فى الاثبات بتنزيله منزلة العلم ومن البديهي تنزيله منزلة العلم في الركون لا فى الكشف لانه لم يكن أمرا معقول مع انه يلزم خروج الفن من النقض إلى التمام كما عرفت فساده ومن الواضحات لو لم يكن جعل الشارع في مرحلة الحجيه لسكان عادمًا هذه المرحلة فالدليل الظني من حيث هو هو يفيد الظن بانتساب الحكم الواقعي الى موضوعه واسكن لا يثمر ذلك في الوسطيه للاثبات التي هي معنى الحجيه والدليله لعدم جواز الركون اليه بهذا الاعتبار والا كان حجة بالذات كالعلمي ولم يحتج الى جعل الشارع ابداً وانما الوسطيه للاثبات بواسطة الدليل القاطع القائم على اعتباره فهو يفيد الظن بالحكم الواقعي بمعنى انتسابه الى الموضوع بملاحظة نفسه واما بملاحظة دليل الاعتبار فهو يفيد القطع بالحكم الواقعي بمعنى ثبوته لموضوعه بالنسبة الى هذا المكلف فالامارة اذا قامت على حرمة شرب الافيون فهي اذا لوحظت من حيث هي لم تعد الا الظن بحرمته ولكنها بملاحظة دليل اعتبارها تفيد العلم بحرمة شرب الافيون بالنسبة اليه ولو لم يكن محرماً في الواقع ولذا يتحقق التنجز فيه بالنسبة اليه ولا يعذر في مخالفته على تقدير الحرمة فى الواقع ولا ريب أن هذا الننجز تنجز على وجه الانكشاف ولولا ذليل الاعتبار ما كان يبلغ هذه المشابة من الانكشاف الموجب للعجزوليس ذلك إلا

ص: 17

صيرورته بواسطة دليل الاعتبار معلوم الانتساب اذ مظنونية الانتساب كانت حاصلة قبل دليل الاعتبار ولم تكن تصلح للتأثير في التنجيز فالطريق المجعول ظني بلحاظ نفسه واما بلحاظ دلیل اعتباره يوجب انتساب الحكم اليه علماً فظنيه الطريق من حيث هو هو لا تنا في عامية الحكم بلحاظ دليل اعتباره وهذا كما ترى لا ابتناء له باصول الشاعرة ولا منافات فيه المذهب الامامية فما رامه صاحب المعالم (رَحمهُ اللّه) من الاعتراض مما لا معنى له واوضح فساداً صحة ارجاع العلامة (رَحمهُ اللّه) الى ان الاحكام اعم من الظهر يه والواقعيه.

أصل في تقدم بعض العلوم

قال صاحب المعالم (رَحمهُ اللّه) تقدم بعض العلوم على بعض اما لتقدم موضوعه او لتقدم غايته.

وفيه : ان اراد ان العلوم جمع علم والعلم بمعنى الانكشاف فلا معنى تقدم بعض الانكشافات التي هى من الكيفيات النفسانيه على بعضها وليس مثل ذلك الا ان بعض البياض مقدم على بعضه فلا فرق بين كونه من الكيفيات النفسانيه او من الكيفيات الجسمانيه ولا يناسبه كلامه اللاحق اما لتقدم موضوعه. فان الموضوع في هذا المقام الاشخاص وتقدم بعض الاشخاص على بعض مع قطع النظر عن اوصافه مما هو مضحك للشكلي ولو سلم تقدمه فلا ملازمة لتقدم علامه على الغيرة مع ان ذلك لا يناسب قوله

ص: 18

اما لتقدم عنايته اذ لا معنى لقولنا تقدم بعض الانكشاف على بعض اصنافه من حيث هو لتقدم غايته ثم فرع قسم آخر فقال (رَحمهُ اللّه) او لاشتماله على مبادئ العلوم المتأخرة.

وفيه : مبادئ كل علم خارجة عن العلم فان البحث عن كون هذا موضوع اوعوارض الموضوع مرحلة والبحث عن العوارض الذاتيه رحلة اخرى فلا معنى بسبب شمول كون علم آخر لمبادئ هذا العلم يصير سبباً لتقدمه بالضرورة وكون المبادئ على قسمين من ابده البديهيات فا للازم على هذا الكلام الذي رامه صاحب المعالم (رَحمهُ اللّه) و امثاله كل علم كان شاملاً لمبادى علم آخر تقدم عليها فذلك بدليل الوجدان باطل بل الصواب ان نفس المبادى مقدم وان صار جزءاً من علم آخر وذلك لئلا يكون باحثا عن امر مجهول فان العلم بالمبادى نحو من العلم بالموضوع وجزئيات الموضوع وعوارض الموضوع وغيرها فاذا لم تكن عالما بالموضوع كنت باحثاً عن امر مجهول قطعاً فتدبر جيداً.

وان اراد تقدم العلوم على بعض نفس المسائل التي هي عوارض ذاتية موضوع واحد واطلاق العلم عليها بسبب تمحضها لتعلق العلم بها كما هو الحق.

وفيه: تقدم الموضوع لا يوجب تقدم مسائله فان المسائل نيست الا العوارض الذاتيه المؤخرة عن الموضوع فلا معنى لقوله اما لتقدم موضوعه فان تقدم الموضوع لا يصير سببا لتقدم اعراضه اذا كانت مرتبتها مؤخرة عن الموضوع فتقدم الموضوع في ذلك المرحلة لا ربط العوارضه التي هي

ص: 19

مؤخرة عنها مع انه لا معنى لفرع قسم آخر فقال واما لنقدم عاينه اذلاغاية لنفس المسائل الاكونها ممحضة لتعلق العلم بها والجميع في ذلك على حد سواء ثم قال صاحب المعالم (رَحمهُ اللّه) ومرتبة هذا العلم متاخرة عن غيره بالاعتبار الثالث لافتقاره إلى سائر العلوم.

وفيه: اولاً المنع من تأخره من سائر العلوم فضلاً عن افتقاره إلى الغير وثانيا ان المشار اليه الذي هو علم الفقه ليس بفن لأن الفن عبارة عن عنوان منتزع من مسائل مشتتة تجمعها جهة واحدة فالفقه ليس كذلك ألا ترى البحث عن أحوال الكاب او الخنازير انه نجس ام لا ليست بينها و بين البحث عن أحوال المكلف جهة جامعة قطعاً فليتدبر جيداً بل الصواب ان الفقه عبارة عن علم العبد باحكام مولاه الا ترى ان الشخص اذا أراد ان يطلع على أحكام مولاه الصادرة عنه فعلمه يصير فنا من الفنون أو الأحكام تصير كذلك او الخصوص كون الحاكم شارعاً له دخل في ذلك حاشا وکلا.

قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) واما تاخره عن علم أصول الفقه فظاهر الخ.

وفيه: بعد ما علمت انهم زعموا ان الأصول فن من الفنون لها جنس وفصل وقول شارح فعرفوها بتعار يف أسدها هو العلم بالقواعد الممهدة لاستنباط الأحكام الشرعية الفرعية.

والحق خلاف ما زعموه في كلا المقامين اما المقام الأول وهو انه ليش فن من الفنون لأن الفن كامز آنها هو العنوان المنتزع من اثبات المحمولات الى موضوع واحد الذي هونجا مع الشتات بينهما والأصول ليست كذلك

ص: 20

بل انما هي عبارة عن مسائل مشتتة مختلفة الموضوعات والمحمولات لا بد للفقيه ممارستها قبل دخوله في مباحث الفقه لاحتياجها اليها واثباتها عليها بيان ذلك ان في نبذة من الاصول كمباحث الأوامر والنواهى وما قبلها وما بعدها يبحث عن مفاد الالفاظ فهي عبارة عن صنف من اللغة حيث لم تتكفل تلك المباحث تفصيلا فيبحث عنها في الأصول ولذلك شواهد وقرائن كثيره لمن أمعن النظر ونبذة منها يبحث عن انطباق عنوان الدليل فيكون من المباديء التصورية كمسائل الحج فالبحث عن الكتاب بحث عن انه بلغ من الوضوح مثابة يمكن ان يفهمه احد فيكون حجة ودليلاله ام لا فا لبحث فيه بحث عن انطباق عنوان الدليل الذي لا ريب في حجينه بعد تحققه فان حجية كلام اللّه ورسوله وخلفاءه من الضروريات والبحث عن حجية الخبر بحث عن تحقق السنة به وكونها مستنداً يشتمل عليه الخبر لا ريب في حجيته لأن السنة عبارة عن قول المعصوم او فعله او تقريره والبحث عن الاجماع المنقول بحث عن انه بلغ مثابة الخبر الذي هو حجة ودليل والبحث عن المحصل بحث عن استلزام اتفاق الآراء للسنة التي لا ريب في حجيتها وكذا الحال في الشهرة وغيرها فذلك كله من المبادئ التصورية للموضوع ونبذة منها يبحث عن عدم الانطباق كمسائل القياس والاستحسان والمصالح المرسلة وغيرها ونبذة منها يبحث عن تحقق الاحكام العقليه التي لا ريب في حجيتها بعده فالاستصحاب يبحث فيه عن ان العقل أو الشرع يحكم ببقاء ما كان موجوداً حال الشك في الرافع ام لا واصل البراءة يبحث فيه عن تحقق حكم العقل معذورية الجاهل بالتكليف بعد ان لم يكن مكلفاً وكذا اصل الاشتغال يبحث فيه عن تحقق حكم العقل بعد معذورية من علم بالتكليف وشك

ص: 21

فى الفراغ وعدمه فذلك كله يبحث عن وجود الدليل وعدمه و نبذه منها تبحث عن احکام الاستنباط لا عن الدليل فالبحث عن الاجتهاد والتقليد بحث عن كيفيتها لا عن أحوال الحكم المستنبط الذي هو حجة ودليل ونبذه منها تبحث عن أحوال الدليل من حيث تصادمه مع دليل اخر فالبحث فى التعادل والترجيح بحث عن عوارض الدليل الا انهم (قدّس سِرُّهم)جعلوها خاتمه.

و بما حققنا ظهر فساد قول صاحب المعالم (رَحمهُ اللّه) لأن هذا العلم ليس ضرور يا بل محتاج الى استدلال وعلم أصول الفقه متضمن لبيان كيفيه الاستدلال «الخ».

بيان ذلك اما اولاً لاوجه لتعليله اذ التعليل مغاير لمدعاه فان مدعاه ان نفس مسائل الفقه التي يطلق عليها لفظ الفقه لتاهلها بتعلق علم الشخص بها على نحو الحذاقة والبصيره مقدم أو مؤخر وفي تعليله يدعى ان الاستدلاله بالمسائل يتوقف على العلم بكيفيه الاستدلال فهل يتأمل احد في كون الاستدلال صفة للمستدل ولا ربط له بنفس المسائل حاشا وكلا وثانية اللازم على تعليله خروج الضروريات عن الففه وهو فاسد قطعاً فان الضروري لوضوح دليله صار ضرور يا ابتداء بحيث لا ينكره أحد وعدم تسمية العرف استدلالاً انما هو لأجل عدم العملة والحاصل ان الحكم الضروري لا يخلو اما ان يكون له دليل ام لا والثاني باطل لأنه لا يمكن ان يكون الحكم ضرور یا ابتداء من غير دليل وليس لنا حكم ضروري خال عن الدليل وليس المراد منه هو الموجب للعلم الفعلي حتى يلزم تحصيل الحاصل بل المراد منه هو اقتضاء الدليل لأن يحصل به العلم بالأحكام وان لم يحصل فعلاً العلم بشيء الفقد شرط أو وجود مانع والأول هو الحق الذي لا ريب فيه فعلى هذا

ص: 22

لا معنى لاخراج الضروري وله أقسام ومراتب فقد يكون بحيث يعرفه الجميع وقد يكون بحيث يعرفه الخواص وقديكون بحيث يعرفه الاساطين والفحول وقد يختص به فقيه واحد ولذا قد يدعى الضرورة على ما يدعيه مع عدم افقة أحد له فيما ادعاه فاخراج جميع المراتب فاسد و بعضها ترجيح بلا مرجح وقد اشتبه الأمر على الأكثر في الحكم الضروري حيث حكموا بكفر من انكره وليت شعري أي مرتبة من مراتبه يقصدون وما يقول أهو من الأصول أو باق على فرعيته والأول مناف لحصرهم الاصول في الخمسه والثاني لا خصوصية للحكم بكفره وجعله عنواناً بل المناط في ذلك هو رد حكم صاحب الشريعة عن علم وعمد بل نوا به في حال الغيبه وان كان فرعيا غير ضروري ان آل مال الانكار الى ذلك والا فلا وجه لذلك وان كان ضروريا فلنذهب على ما نحن بصدده فنقول الصواب ان الأصول ليست بعلم بل هي على ما حققنا سابقاً قواعد شتى لا بد للفقيه ممارستها قبل دخوله في أبواب الفقه وليث شعري أي مناسبة بين تأخر تحصيل علم لتحصيل علم آخر و بين تأخر أو تقدم نفس ذلك العلم ان قلت مرادنا ايضاً كذلك لكن المقصود من تقدم العلوم بعضها على بعض هو تحصيله غاية ما في الباب يكون من أقسام المجاز فى الحذف.

قلت: ان المجاز فى الحذف من الخرافات أيصح أن يقال انكحت تريداً وتقصد منه اخته؟ كلا.

ثم قال صاحب المعالم (رَحمهُ اللّه) فصل ولا بد لكل علمأن يكون باحثاً عن أمور لاحقة لغيرها وتسمى تلك الأمور مسائله وذلك الغير موضوعه.

ص: 23

أقول: لاشك ولا شبهة في أن تمايز العلوم بتمايز الموضوعات وان تمايز الموضوعات بتمايز الحيثيات حتى جعلوه هو الضابط في تشخيص المسائل وانها من مباحث أي فن من الفنون تحقيق ذلك قد عرفت سابقا ان العلوم واساميها عبارة من الفنون والفن أمر منتزع من مسائل مجتمعة يجمعها جهة وحدة وهي كونها باحثة عن شيء واحد وهو الموضوع و بهذا الاعتبار يعد فنا واحداً فحيث كان انفراد المسائل بكونها فناً مستقلاً باعتبار هذا الجامع لاجرم كان امتياز فن عن فن باعتبار الميز بين جامعيها وهذا معنى قولهم تمايز العلوم بتمايز الموضوعات وليس المراد من التمايز المقابل للاقتران في مورد واحد كما لا يخفى على المتامل بل المراد منها مقابل الاتحاد بحسب الحقيقه الا ترى ان الحيوة والارادة كيفيتان عارضتان على محل واحد وهو النفس فهما مقترنان فى الوجود لا يرفع التمايز من بينها كما هو بديهي لا شبهة لنا فيه وكذا لا شك في انه اذا اعتبر حكم في شيء لامن حيث هو بل باعتبار تحيثه بامر من الأمور كان المعتبر في موضوعية الشيء لذلك الحكم هو العنوان المنتزع من تلك الحيثية المنطبق على ذلك الشيء فالموضوع فى الحقيقه هو هذا العنوان لا الشيء لكون عروضه له بتوسط عروضه لهذا العنوان فإذا لوجرد الشيء عن العنوان انسلخ عن الحكم المذكور ايضا وليس ذلك الا لكون المعروض ابتداء أو حقيقة هو ذلك العنوان وكون موضوعية نفس الشيء ثانوية وليست الموضوعية الثانوية الا عبارة من انطباق العنوان الذي هو الموضوع عليه الا ترى انه اذا قبل أكرم زيداً من حيث عامه لم يكن زيد من حيث هو هو موضوعاً الحكم الأكرام بل الموضوع له حقيقة هو عنوان العالم المنتزع من الحيثيه

ص: 24

فهو فى قوة ان يقال أكرم العالم وهو زيد والزيدية لا مدخلية له فا لموضوع هو العنوان وزيد مورد له ثم اذا فرض عنوان آخر موضوع لحكم آخر کا طعام الفقير مثلاً فوجوب الاطعام حكم ثابت لعنوان الفقير فحينئذ لا ريب في كون عنوان الفقير متميزاً عن عنوان العالم بحسب الحقيقه ضرورة الفقر مباين للعلم فهما مفترقان بحسب الحقيقه وقد يفترقان بحسب المورد ايضاً كأن يكون العلم في زيد والفقر في عمرو فتمايز موضوعي الحكمين حينئذ واضح وقد يتحدان في المورد كأن يكون زيد عالماً وفقيراً فحينئذ ربما يقع الاشتباه فيتوهم اتحاد موضوعي الحكمين ومنشأ هذا الاشتباه الخلط بين الاتحاد في المورد و بين الاتحاد في الحقيقة فيقال في رفع هذا الخلط والاشتباه ان زيداً من حيث العلم موضوع لحكم وجوب الأكرام ام ومن حيث الفقر لحكم وجوب الاطعام وليس معنى ذلك إلا ان موضع الأول عنوان العالم وموضوع الثاني عنوان الفقير ولما كان العنوانان عين الحيثيتين لا تتزاعهما منهما لم يكن فرق بين ان تقول ان تمايز الموضوعين بالحيثيتين أو موضوع الحكمين نفس الحيثيتين ولما كان الواجب امتياز موضوعات العلوم بعضها عن بعض بحسب الحقيقة اذ بدونه يلزم اختلاط العلوم لا الامتياز بحسب المورد فانه غير لازم والاتحاد في هذه المرحلة غير مضر بل هو واقع فى اكثر العلوم فان العلوم في هذه الجهة نوعان بعضها يمتاز عن بعض بحسب المورد ايضا كالطب بالنسبة الى الفقه اذ موضوع الأول بدن الأنسان وموضوع الثاني افعال المكلفين على فرض كونه علما وهما متباينان من كلتا الجهتين و بعضها لا يمتاز عن بعض في هذه الجهة ويتحدان بحسب المورد كالصرف والنحو والمعاني والبيان واللغة فان مورد الجميع شيء واحد وهى الكلمه فليس امتياز موضوعات هذه العلوم

ص: 25

بعضها عن بعض الا بالحقائق أرادوا التنبيه عليه بقولهم ان تمايز الموضوعات بتمايز الحيثيات اشارة ما حققناه.

والمطلب الآخر ان موضوع كل علم ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتيه والأصوليون قسموا العرض الى أقسام خمسه لأنه اما ان يعرض الشئ اولاً و بالذات أي ابتداء أو بواسطة والواسطة اما داخلة فيه او خارجة عنه والخارجة اما اعم او اخص او مساوية ومرادهم من الواسطة الواسطة في العروض لا الواسطة فى الثبوت كاتوهم من لا خبرة له فوقع فيما وقع والاعراض على قسمين ذاتيه وغريبة والعرض الذاتي عند الاكثر من ثلاثة العارض للشئ بلا واسطة والعارض له بواسطة الجزء الاعم أو المساوي والعارض له بواسطة أمر خارج مساور والغريبة عندهم قسمان العارض للشيء بواسطة امر خارج اعم والعارض بواسطة خارج اخص ومحصل التقسيم ان العرض اما ان يعرض الشى اولاً وبالذات او بواسطة والواسطة اما داخلة فيه او خارجة عنه والخارجة اما مساويه له فى الصدق او أعم او أخص فالثلاثه الأول ذاتيه والأخيران غريبان والذي يبحث عنه فى العلوم هى الذاتيه وتسمية الاعراض الذاتيه بالمسائل فاسد ولم يذهب اليه أحد ولعله سهو من قامه الشريف وقد تفطن بذلك سلطان المحققين (رَحمهُ اللّه) حيث قال : أي من حيث لحوقها وعروضها حتى تكون قضايا لا نفس تلك الامور فانها من محمولات المسائل التى هى انقضايا انتهى.

ثم قال صاحب المعالم (رَحمهُ اللّه) ولا بد له من مقدمات يتوقف الاستدلال عليها ومن تصورات الموضوع واجزاءه وجزئياته و يسمى مجموع ذلك بالمبادى انتهى.

ص: 26

قلت: قوله (من مقدمات) عبارة عن قضايا التي يتوقف التصديق في مسائل الفن على التصديق بها كعلم النحو واللغة وغيرها بالنسبة الى على الفيقه بل الأصول ايضاً و يسمى ذلك بالمبادئ التصديقيه واما قوله (من تصورات الموضوع واجزاءه وجزئياته) اشارة الى المبادئ التصورية ولذا «رحمه اللّه» صرح بتسميتها معاً بالمبادئ التي هي جنس لهما كما لا يخفى.

ثم قال صاحب المعالم (رَحمهُ اللّه) ولما كان البحث في علم الفقه عن الأحكام الخمسه الى ان قال فلا جرم كان موضوعه هو افعال المكلفين «الخ».

وفيه: ان الصغرى ممنوع والكبرى مسلم على ما اشرنا اليه آنفا والانحصار ايضاً في محل المنع وتوجيهه ان الحكم هو المحمول الثابت لموضوعه فان كان مما يرجع الى اختيار شخص فلا يخلو من ان يكون تكليفيا او وضعياً والحكم التكليفي عبارة عن الجامع بين الخمسه المعروفة فان اختصاصها بجامع قد أتى من ناحية معنى التقابل وانحصار الاقسام فيها عقلى ومن المعلوم توقف التقابل على جهة وحدة ولما لم يكن له عبارة موضوعة يتوصل بذكر الطرقين في اخطاره في الذهن فيقال من حيث الاقتضاء والتخيير كما اشار اليه صاحب المعالم (رَحمهُ اللّه) فهما طرفان لتلك الجهة التي تنحصر في الخمسة عقلاً وهذا من قبيل قولهم ان موضوع علم النحو الكلمة من حيث الاعراب والبناء فان الغرض ان الجامع المقابل للجامع بين الصحة والاعتلال هو الموضوع والا لاختلط العلمان وعندما لم يكن له عبارة

ص: 27

فحينئذ يتوصل في إحظاره بذكر طرفيه نعم نعم قد يكون للجامع بين المتقابلين لفظ موضوع كالقرء فانه عبارة عن حالة لها طرفان احدهما الظهر والآخر الحيض لا انه موضوع للضدین كما توهمه بعض والحاصل ان المحمول على الشيء قد يكون حكماً تكليفيا وقد يكون وضعيا كجعل شيء شرطاً او ما نعاً والأول عبارة عن الجامع بين الخمسه المعروفة الوجوب والاستحباب والاباحة والكراهة والحرمة بمعنى انها عبارة عن الحيثية التي يتقابل فيها الاقتضاء والتخيير فانهما طرفان لجهة واحدة كما هو الحال في كل منقابلين والاباحة مندرجة فى التخيير والاربعه فى الاقتضاء سواء كان الزاميا ام لا فافهم وهذه الحيثية حيث كانت مجموله كانت تكليفيه اذا كانت في الجاعل جهة مولوية فكون الاباحة حكماً تكليفيا بمعنى أنها من أقسام الجهة التي انقسمت الى التكليف وغيره وفرق واضح بين كون الحكم تكليفيا وبين كونه تكليفاً ولا منافات بين انتفاء الأول وثبوت الثاني وحيث كانت هذه جهة اعتبارية ملحوظة في ثلاثة اطراف المولى والفعل والمكاف فالبحث عنها يقع في ثلاثة مراحل المرحلة الأولى فى البحث عن تعلق الاحكام الخمسه بالماهيات الواقعية وهو المعبر عنه بان الصلاة واجبة وشرب الخمر حرام والمتكفل لبيان هذه المرحلة هو الفقه فانه مقام اثبات الاحكام بالادلة التفصيليه ولا يعتبر فيه الاكون المولى بحيث لو سئل عنه الأمر أو نهي او اباح وان لم يلتفت اليه بالفعل اترى ان تعلق الاحكام بالماهيات الواقعية يمكن ان يكون عرضاً ذاتياً فتبين بما حققنا ان لا مسرح لنا الا ان نقول بان البحث في هذه المرحلة ليس بحثاً عن الاعراض الذاتيه لفعل المكلف والمرحلة الثانية فى البحث عن تعلقه بالشخص فان للشارع ان يعتبر في تعلق حكمه بمن شاء كما اعتبر البلوغ واما العقل والقدرة فاعتبارهما

ص: 28

بديهي وايضاً المتكفل لهذه المرحلة تفصيلا هو الفقه فحينئذ لا معنى لسكون تعلق الحكم بحيثية لو خالفه الشخص عد عاصياً وهو صفة وعرض فى الحكم لا عرض ذاتيه للمكلف فتبين مما حققنا ان لا معنى لقوله (رَحمهُ اللّه) ولما كان البحث الى قوله من حيث كونها عوارض لافعال المكانين وقد عرفت انه كلام صورى لا محصل له.

ثم قال صاحب المعالم (رَحمهُ اللّه) ومباديه ما يتوقف عليه من المقدمات کالكتاب والسنة والاجماع.

اراد بذلك المبادئ التصد يتمية وهى عبارة عن القضايا التي يتوقف التصديق بالمسائل التصديق بها فحينئذ الكتاب والسنة ليستا بقضايا فلا بد ان نقول التصديق بالكتاب عبارة أخرى عن ان هذا المصحف من عند اللّه جل جلاله فيكون التصديق بالكتاب والسنة من لوازم الاعتقاد باصول الدين وعلى هذا يكون التصديق بالكتاب والسنة داخل فى الفقه لا انه من المبادئ التصديقيه لما عرفت انه من لوازم الاعتقاد باصول الدين والفقه عبارة عن علم العبد با حكام مولاه سواء كانت التزامية او عمليه فحينئذ يدخل التصديق بالكتاب والسنة فى الالتزاميات ان كان المقصود منها الالتزام او يدخل فى العمليات ان كان التصديق بها عبارة عن العمل على طبقها فتبين ان خروجه من الفقه وجعله مبادياً له واضح الفساد مع ان جعل الاجماع من المبادئ التصديقيه مما هو مضحك للشكلي ضرورة ان التصديق بالاجماع ليس واسطة في التصديق بحكم اللّه الواقع فالاجماع على مذهب الاماميه اما خارج عن الدليل واما داخل فى السنة وعده مغايراً للكتاب والسنة للحفظ على عناوين القول ومن يد البيان موكول الى محله

ص: 29

ثم قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) ومن التصورات كمعرفة الموضوع واجزاءه وجزئياته

وفيه: خروج بعض المبادئ التصوريه واختيار بعضها مما لا وجه له كتصور المحمول ولعله ساقط من قلة الشريف.

ثم قال صاحب المعالم (رَحمهُ اللّه) و مسائله هى المطالب الجزئيه المستدل عليها.

وهذا الكلام من وضوح الفساد بمكان لما عرفت من ان الفقه هو العلم الأحكام المستفاد من الادله والمستفاد من الادلة هو الأحكام الكلية واستخراج الجزئيات من الكليات باعتبار انطباقها عليها ليس باستدلال بل تصور و انطباق محض فاذا علمت ان شرب الخمر حرام فحينئذ شرب هذا الخمر المخصوص مندرج تحت ان شرب الخمر حرام وهذا تطبيق محض ولا يعقل استنباط الأحكام الجزئيه من الادلة وانطباق الكلي على الفرد تصور وقد شرحناه آنها ان التصور لا يحصل من الدليل اصلا مع ان شرب الخمر حرام ليس بجزئية ومع ذلك يعد من مسائله فالمناط ليست كونها جزئيه كما لا يخفى فالمسألة اما عبارة عن المحمولات المنتسبه الى الموضوعات سواء كانت جزئيه أو كليه واما عبارة عن المحمول والموضوع والنسبة سواء كانت جزئيه اوكليه.

ص: 30

(المقصد الثاني) في نبذة في مباحث الالفاظ

قال صاحب المعالم (رَحمهُ اللّه) اللفظ والمعنى ان اتحدا فاما ان يمنع نفس تصور المعنى من وقوع الشركة فيه هو الجزئي.

وفيه: ما لا يخفى اما اولا ان عدم قبول الجزئي للشركة من جهة كونه في حد ذاته كذلك وكذا عدم امتناعة صدقه على كثيرين في جهة كونه في نفسه وليس لتصورها دخل في ذلك فضلاً عن نفس تصورها وثانياً لا معنى لقوله (رَحمهُ اللّه) اللفظ والمعنى لأن اللفظ عين المعنى واتصاف اللفظ عين انصاف المعنى لأن الكاشف عين المكشوف عنه فهما متحدان لا متغايران وانما الاتصاف انما هو في مرحلة الاستقلال فهو حينئذ كسائر المفاهيم فهو قبل ايجاد الموجد وتلفظ اللافظ كلي و بعده جزئي من حيث صدوره عن شخص خاص في زمان خاص ومكان خاص وبالجملة فاللفظ من حيث انه موجود خارجي جزى و بعبارة اخرى كل موجود بعد الوجود و التلفظ فهو كلي قبله فنسبة الوجود اللفظي الى مفهوم زيد مثلاً قبل التكلم كنسبة الوجود الخارجي لزيد بالنسبة الى ماهيته وحقيقته فزيد فى الخارج موجود كلي فكذلك فى التكلم فان الكلي موجود غاية الامر ان الوجود وجود لفظي ووجود خارجي وتنقيح الشيء ما لم يتشخص لم يوجد موكول الى محله ليس هنا محل ذكرها والحاصل ان اللفظ من

ص: 31

حيث الاستقلال يتصف بالكلية والجزئيه حقيقة ومن حيث الآلية والكاشفية لا يتصف بها حقيقة والمراد بقولنا في حد نفسه بمعنى كونه بالنظر الى نفسه صالحاً لذلك وان لم يصلح له من جهات خارجية لوجود ما نع كمفهوم الواجب وشريك الباري والكليات الفرضيه وامثال ذلك فانها داخلة في التعريف ولا ضير فيه اذ الصلوح المذكور متحقق في الجميع وعدم وقوع الصدق أو امتناعه أو انحصاره في فرد أو افراد معدودة أنما هو بالنظر الى الجهات الخارجة عن انفسها ضرورة انه لو قطع النظر عن امتناع تعدد وجود الواجب أو امتناع وجود الشريك لم يكن في نفس المفهوم قصور في الصدق عليه فالقصور فى الافراد لا في الكليات من حيث صلوحها للصدق على تلك الأفراد لو فرضت موجودة فلا يخرج شيء منها عن تعريف الكلي فضلاً عن ان يدخل في تعريف الجزئى اذ مفهوم الجزئي با لنظر الى نفسه امر لا يصلح لما ذكر وثالثاً ان الكليه والجزئيه جهتان واقعيان وليسا موقوفين على تصور متصور فهل يخفى على بشر انه اذا لم يكن تصور ولا صاحبه لم ينهدم اساس الكلية والجزئيه مع ان نفس تصور المعنى لم يمنع من الكلية والجزئية.

ثم قال صاحب المعالم (رَحمهُ اللّه) ثم الكلي اما ان يتساوى معناه في جميع موارده وهو المنواطي أو يتفاوت وهو المشكك (الخ).

وهذا الكلام من سخائف الاوهام فان تقسيم الكلي ان كان ان كان بالنظر الى الحقيقة فهو غلط فان الحقيقه موجودة في جميع الافراد بالضرورة وجواز التشكيك في الماهيات لا يخفى شناعته وان كان بالنظر الى صدق الاسم من حيث الشدة والضعيف فهو خارج عن حقيقة الكلية والحاصل ان تحقق الحقيقة في جميع مصاديق الكلي مرحلة وصدق اسم الكلي عليها مر حلة أخرى

ص: 32

قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) وان تكثرا فا لفاظ متباينة سواء كانت المعاني متصله كالذات والصفة او منفصلة كالضدين «الخ».

ومراده بقوله ان تكثرا فالألفاظ متباينة أي ان تكثرت الالفاظ و المعاني فحينئذ الالفاظ متباينة ولا يخفى تباينية الالفاظ بواسطة تباينية المعاني واتصاف الالفاظ بها بعد اتصاف معانيها في زمن الكاشفية فحينئذ المعاني ايضاً متصنمة لأن الكاشف عين المكشوف عنه واتصاف اللفظ عين الصاف المعنى على ما حققناه سابقاً غاية الأمر ان انصاف المعنى بها اولاً وبالذات واتصاف الالفاظ ثانيا وبالعرض.

ثم قال (قدّس سِرُّه) (سواء كانت المعاني متصلة كالذات والصفة) وقد خفى عليه «رحمه اللّه» من ان وجود ذات مصداقاً لمعنيين لا يوجب اتصال المعاني أترى كون الشيء جسماً حيوانا انساناً عالماً فقيراً فاسقاً تاجراً الى غير ذلك يوجب كون معاينها متصلة حاشد وكلا ومراده بالاتصال لا معنى له الا التقارن بحسب الوجود وقد خلط بين المصداق والمعنى فزعم كون الشيء مصاديق يوجب اتصال المعاني وينبغي أن يقول بعد ما قال وان تكثرا فا لفاظ متباينة سواء وجد المعاني في مورد واحد ام لا.

قوله (رَحمهُ اللّه) أو منفصلة كالضدين مجرد عبارة لا محصل لها اللهم الا ان يراد بها أي بحسب الوجود لا يجتمع وهذا اصطلاح خاص منه (رَحمهُ اللّه) وينبغى ان يقال قد يوجد في المعنى خصوصية لا يتحقق في مورد واحد كالضدين فان الضدين أمران وجوديان لا يجتمعان في محل واحدكا لبياض والسواد فان أثر البياض تفرق نور البصر والسواد قابضية نور البصر وذلك لخصوصية في معانيها.

ص: 33

ثم قال صاحب المعالم (رَحمهُ اللّه) وان تكثرت الالفاظ واتحد المعاني فهي مترادفة «الخ».

ومراده (رَحمهُ اللّه) اعم من ان يكون بوضع واحد أو باوضاع متعدده لأن تعدد الوضع وعدم تعدده لا مدخلية له بكون الالفاظ في رديف واحد في استعمال كل منها في ذلك المعنى من دون إلقاء خصوصية بأحدهما دون الآخر هذا معنى الترادف واما وقوعه فمحل تأمل قد مثلوا أمثال لذلك منها كوضع هذه الالفاظ أي الاسد وسبع وليث وحارث وغضنفر وهز بر لمعنى واحد وهو الحيوان المفترس.

وفيه: ما لا يخفى بعد العلم بحقيقة معنى الترادف فان اطلاق الاسد. انما يطاق على الحيوان المخصوص من جهة تهوره في غضبه واقتحامه مالا يبالي يقال أسد فلان اذا غضب وسفه واجترى واطلاق لفظ ليت انما يطلق عليه من جهة شدته وقوته فان الليثيه من الأبل الشديدة والمليث لمنبر الشديد القوى وكذا اطلاق السبع أفراسته ولذا ترى يطلق على كل مفترس انه سبع وكذا الهزبر والغضنفر والضرغام كل منها يطلق باعتبار جهة مخصوصة بها يباين الآخر فاز العالم بالصناعة لا يخفى عليه من ان في كل جهة وخصوصية ليست فى الآخر من دون فرق بين ما كان من الاسماء او الحروف أو غيرها ومنها كالأنسان والبشر مقابل للملك ولذا قال اللّه تعالى ما هذا بشراً ان هو الا ملك كريم ولو قال ما هذا انساناً ان هو الا ملك كريم كان ركيكا واطلاق البشر على الحيوان الناطق باعتبار بشريته ولذا صار مقابلاً للملك واطلاق الأنسان عليه باعتبار أنسه فان لفظ الأنسان مأخوذ من الأنس ولذا صار مقابلاً لاجن قال اللّه تبارك وتعالى وما خلقت

ص: 34

الجن والانس الا ليعبدون ولو كان قائلاً وما خلقت الجن والبشر كان ركيكا فمن له ادنى خبرة باللسان يعرف ويشهد بصحة ما حققناه وهل يخفى على أحد عدم حسن أن يقال ابن الأنسان أو ابو الانسان وحسن أن يقال ابن البشر أو ابو البشر نعم الا في مقام المدح يحسن ان يقال هو ابن الانسان ولو قلت في هذا المقام أي في مقام المدح هو ابن البشر لما افاد ذلك المدح كما يشاهد به الوجدان ولو كان بينهما ترادف لم يكن فرق في شيء منهما كما هو معنى الترادف فيكشف هذا كشفاً قطعياً عن ان في كل منهما خصوصية ليست في اخريها وعدم المعرفة بتلك الخصوصية تفصيلا لا ينافي العلم ببطلان الترادف لأن عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود (فتقطن) وتنصيص أئمة اللغة لا يعتبر الا عند نقل مورد الاستعمال لا في تشخيص الموضوع له عن غيره فانه أمر لا مرجع فيه الا الاجتهاد اذ لم يسأل الواضع ولا شاهد الوضع احد لحيث نص واحمدهم بان اللفظ موضوع لكذا فهو تخرج من نفسه واجتهاد بحسب ما ادى اليه نظره فحينئذ لا يعتبر قولهم بوقوع الترادف بين لفظين أو أزيد بعد ما عرفت التفصيل بما لا مزيد عليه.

ثم قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) وان تكثرت المعاني واتحد اللفظ من وضع واحد فهو المشترك

وفيه: ان وحدة الوضع لا مدخلية له كما ان تعدده ايضاً لا مداخلة له فيه وقوله (فهو المشترك) اشارة الى اللفظ لا الى الوضع ولذا يسمى بالاشتراك اللفظي وتسميته بالاشتراك اللفظي من باب اشتراك الفظ بينه الا من حيث اشتراك الوضع كما ان لادخل لوحدة الواضع وتعدده كذا لادخل لوحدة الوضع وتعدده بل المناط فى المشترك وحدة اللفظ

ص: 35

وكثرة المعاني سواء كان بوضع واحد أو باوضاع متعدده وسواء اتحد الواضع أو اجتمعوا وقالوا انا وضعنا لفظ الفلاني لهذه المعاني هذا معنى الاشتراك واما وقوعه فمحل تأمل توضيح ذلك قد وقع النشاجر والنزاع بوقوع الاشتراك والترادف فرقة منهم احالوهما كما نسب الى تغلب الابهري والبلخي ونظراً مهم وفرط بعضهم فا وجب الاشتراك وما اطلعت بمن يقول بوجوب الترادف وفرقة تنازعوا فى الوقوع وعدمه ومحل نزاعهم الالفاظ اللغوية الأصليه لا الاعلام وامثالها واستدلوا من الطرفين بحجج واهيه سخيفة وأقوى ادلة المثبتين تنصيص أئمة اللغة واستقراء الفاظها فنقول ان نص أئمة اللغة لا اعتبار فيه الا في نقل موارد الاستعمال لا في تشخيص الموضوع له عن غيره فانه أمر لا مرجع فيه الا اجتهاد بحسب ما ادى نظرهم حيث لم يسأل الواضع ولا شاهد الوضع أحد منهم فاذا نص واحد منهم بان اللفظ موضوع لكذا فهو يخريج من عنده واستنباط بحسب ما ادى اليه نظره فحينئذ لا اعتبار في قولهم ان اللفظ مشترك بين معينين أو الترادف بين اللفظين أو اكثر في زمن لا سبيل اليه الا الاجتهاد فلا حجية فيه ومنه يعلم ضعف استنادهم الى الاستقراء لانهاءه بالآخرة الى الاجتهاد والنظر فان تصفح كل شخص وتتبعه فيما لا سبيل فيه الى الحس بمقتضى وسعة فكره ومبلغ نظره فمرجع قول من يستدل في اثبات الاشتراك والترادف بالاستقراء با نه وجد الفاظا فى اللغة كالانسان والبشر وامثالهما تستعمل في مورد واحد لا يجد بين معانيها تغايراً بحسب نظره فيظن أو يقطع بانها مترادفة وأخرى كالقرء والجون والعين وامثالها يستعمل كل واحد منها في موارد مختلفة متباينة لا يجد بينها جامعاً فيظن أو يقطع بانها مشتركة وهذا كما ترى ليس الا اجتهاداً في امر لا طريق اليه

ص: 36

الا الاجتهاد والنظر والواقع خلاف ذلك بحكم الاستقراء بيان ذلك ان الاسماء موضوعة بإزاء معانيها باعتبار جهة تنطبق عليها فقد تنطبق تلك الجهة التي هي الموضوع له حقيقة على موردين أو موارد مختلفة في نفسها فيطلق اللفظ على هذه الموارد المختلفة المتباينة باعتبار تلك الجهة الجامعة المنطبقة فيظن غير الخبير من جهة الغفلة عن تلك الجهة الوحدانيه التى هي الملاك في صحة الاطلاق ومن جهة أنه يترائي في بدو النظر المباينة في نفس الموارد التي وقع الاستعمال فيها ان اللفظ مشترك بين هذه الموارد اما الامثلة مثلوها الترادف فقد عرفت الحال فيها بما لا مزيد عليه واما مثال الاشتراك فقد قالوا كالقرء

وفيه: ان القرء موضوع للحالة التي تتصف بالطهر والحيض فهي موضوعة للحالة الجامعة التي هي حالة المرأة لا أنه موضوع للطير والحيض بكونها معنيين بل من جهة مصداقين وموردين للجهة الجامعة التي هى حالة النساء و بهذا الاعتبار الرجل لا طاهر ولا حائض كما ان الحجر والشجر ايضاً كذلك وايضاً مثلوا للاشتراك لفظة العين واشتهر احصاء معانيه باثنين وسبعين لكنه توهم محض يظهر حاله مما حققناه والتحقيق انه لم يوضع الا لمعنى واحد وهو ما كان له تعين والأمور البالغة الى السبعين كلها موارد انطباق لهذا العنوان الجامع ولذا يطلق على كل موجود من حيث يروزه من العدم الى الوجود كما يقال له وجود فى الاعيان وزيد من الاعيان الخارجيه ولا يضر في هذه الدعوى عدم الاحاطة التفصيليه بذلك الجامع وجميع حدوده ما لا يضر عدم الاحاطة التامة التفصيلية بجهة التغاير في مورد توهم الترادف فان الاحاطة التفصيلية غير ميسور لا حد حتى في لفظ

ص: 37

واحد الا لعلام الغيوب وليس المدعى ذلك بل الغرض دعوى العلم ببطلان الترادف والاشتراك اجمالاً لا يتوقف على الاحاطة التامة بالضرورة.

ثم قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) وان اختص الوضع باحدهما ثم استعمل فى الباقي من غير ان يغلب فيه فهي الحقيقه والمجاز «الخ».

وفيها للنظر مواقع منها قوله ان اختص الوضع «الخ» لا معنى له اذ الحقيقة أعم من وضع اللفظ للمورد بخصوصه ومن وضعه لغيره ايضا ومن وضعه للجامع مع المنطبق عليه مضافاً على هذا ان الحقيقه والمجاز صفتان للاستعمال لا للوضع فان وجود الوضع دون استعماله لا يوجب حقيقة اللفظ والسالبة بانتفاء الموضوع مع ان الحقيقه عبارة عن استعمال اللفظ فى الموضوع له والمجاز عبارة عن استعماله فى المعنى المناسب للمعنى الحقيقي.

بيان ذلك ان وضع اللفظ للمعنى يحدث العلاقة والارتباط بينه وبين الموضوع له ابتداءاً وبالاصالة و بينه و بين مناسبه ثانيا و بالتبع قهراً وهذا فرع تناسب المعنيين وهو المراد بالعلاقة والا لم يحدث هذا الربط الثانوي التبعي فان ارتباط اللفظ مع المعنى المجازي انما هو بتوسط المعنى الحقيقى و بتبعيته فارتباطه به فى الحقيقه من شؤن ارتباطه بالمعنى الحقيقي ومنشأ هذا الارتباط ليس الا تناسب المعنيين والتجوز فى الاستعمال تابع لهذا الارتباط فعلى هذا البيان ان الاستعمال على ثلاثة أقسام ان استعمل اللفظ فى الموضوع له حقيقة وان استعمل اللفظ في معنى مناسب للمعنى الحقيقي وهو المعبر عنه بوجود العلاقة فمجاز وان استعمل اللفظ لا من جهة الوضع ولا من جهة وجود العلاقة فحينئذ لا محالة يكون الاستعمال غلط فافهم قوله (رَحمهُ اللّه) ثم استعمل في الباقي «الخ» ايضاً لاصحة له فان الاستعمال ليس مقتضى بصيرورة اللفظ مجازاً بل الاستعمال أعم على

ص: 38

ما نحققه في محله (انشاء اللّه تعالى) وكون الاستعمال مجازاً لا يتحقق الا اذا كان بين المعنيين ارتباطاً كلياً فحينئذ يستعمل اللفظ في المعنى المناسب له.

ومنها قوله من غير ان يغلب فيه «الخ» ايضاً لا يرجع الى محصل فانه اما ان يراد من الغلبة المهجورية بمعنى صيرورة اللفظ مجازا فى المعنى الأول فهو واضح الفساد اذ المهجورية لا يوجب مجازية معنى المهجور بالضرورة أترى ان أحداً اذا سمى اسم ابنه بزيد بعد تسمية الآخر به يوجب المجازية بعد غلبة الاستعمال حاشا وكلا واما ان يراد من الغلبه عدم انصراف اللفظ الى المعنى الأول فهو ايضاً لا يوجب مجازية المعنى الأول اذ التعين الثانوي لا يوجب مجازية المعنى الأول نعم أنماهى من اسباب التعين وانصراف اللفظ اليها ولذا يحتاج في ارادة المعنى الأول الى القرينة التعيينيه التي تجامع الحقيقة كما فى المشترك فافهم.

ومما يقضى منه العجب قول صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) وأن غلب وكان الاستعمال بالمناسبة فمنقول لغوي وشرعي وعرفي.

مضافاً الى ما عرفت من ان الغلبة والاستعمال بالمناسبة لا ينافي المجازية ومضافاً الى جعله قسم الشي قسيماً له فهو ظاهر البطلان ضرورة ان الشرعي قسم من اللغوي غاية ما فى الباب يكون من العرفية الخاصة ولا ضير فيه فنقول نقل اللفظ من معنى الى آخر على قسمين: الأول ان يقصد تعيينه بازاء الثاني وقصره عليه بطريق الحقيقه من غير ان يكون مسبوقاً باستعماله فيه استعمالاً مبنيا على وصفه السابق كما لو اطلق عليه من جهة كونه فرداً للمعنى الأول أو بطريق المجاز كما لو استعمل فيه بخصوصه سواء كان فرداً له كما قالوه أولا، الثاني ان يراد منه استعمالاً أو اطلاقاً القرينة فيبلغ بحسب كثرة ذلك حد هجران الأول وفهم الثاني منه مطلقاً

ص: 39

و يسمى عرفاً بالنقل والوضع التعينى والأول التعييني لحقيقة النقل هو ان يستعمل اللفظ في معناه و يطلق على فرده الواقعي أو الادعائي و يعلم ارادته من القرائن ويستمر هذا الإطلاق حتى يحصل العلم باختصاص الاطلاق به بحيث لا يراد من اللفظ غيره فى لسان المطلق فاذا كان مسيس الحاجة الى الاستعمال والاطلاق في لسان العرف يسمى منقول عرفي أو فى لسان الشرع يسعى شرعى ولا معنى لمنقول لغوي اذ بعد ما قلنا بان دلالة الالفاظ ذاتيه لا معنى للنقل ولبيان ان دلالة الألفاظ هل بوضع الواضع أو لأجل مناسبة ذاتيه موكول الى محله وليس هنا محل ذكرها هذا مجمل القول فيما أفاده (قدّس سِرُّه) في تعاريف أجزاء التقسيم واما في نفس القسمة لا يخفى ما فيها اذ لا تصح عقلاً لأنه منتف فيها ما يجب رعايته في كل قسمة حقيقية من الحيثية المشتملة على أطراف متقابلة من أجل ذلك الحيثية وينحصر المقسم في الأقسام ويتقابل عناوينها بتقابل تلك الاطراف ومن هنا صح ان يقال الكلمة مثلاً من حيث الاعراب والبناء اما معربة أو مبنيه ومن حيث الصحه والاعتلال اما صحيحة أو معتلة وهكذا ولم يصح ان يقال مع الاعراض عنها الكلمة اما معربة أو مبنية لوضوح كونها حينئذ غير منحصرة فى القسمين بل ولا في الف قسم وكذا لا يصح ان يقال الكلمة اما معربة أو معتلة لعدم تقابل الأقسام ووجه انتفاء ذلك هنا ظاهر بالتأمل فيها ولا اعتباراً اذ لا دخل للاعتبار في كون اللفظ مشتركاً ومنقولاً ومرتجلاً وحقيقة ومجازاً بالضرورة والاعتبار الحاصل في بعض الاقسام لا دخل له في كلي الانقسام ولا استقراء خارجياً كيف وهناك أقسام وعناوين اخر متداولة في لسان العلماء قابلة للضم الى تلك الأقسام مثل كون الالفظ عاماً أو خاصاً أمراً او نهياً الى غير ذلك فالتحقيق ان يقال وحدة

ص: 40

المقسم كسريان المقسم في الاقسام معتبرة وهذا لا ينافي أن يكون عناوين كثيرة التداول بينهم اذ يجمع كل اثنين أو ثلاثة منها فما زاد حيثية ذات اطراف منقابلة يمتنع اجتماعها في أمر واحد فحينئذ نقول كل لفظ ان شاركه غيره فى الدلالة على معناه من جهة واحدة على ما هو مقتضى الترادف فمترادفان والا فمتباينان وايضاً كل لفظ فاما يتحد معناه وضعاً وهو المختص أو يتعدد وكلما تعدد معناه وضعاً اما مشترك أو منقول أو مرتجل وايضاً كل لفظ ان استعمل فيما وضع له كان حقيقة أو غيره لعلاقة كان مجازاً وهكذا فان كل واحد من التقسيمات المذكوره كما ترى انما هو بملاحظة حيثية ذات اطراف متقابلة يمتنع معها كون الأقسام متداخلة.

ثم قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) أصل لا ريب في وجود الحقيقة اللغوية والعرفيه «الخ».

أقول: لا اشكال فى ان الحقيقه باعتبارات مختلفة تنقسم الى أقسام شتى ولما كان غرض الأصوليين متعلق بكلمات الشارع الحصر القسمه عندهم فى اللغوية والعرفية والشرعيه، فالحقيقه اللغويه هي الكلمة المستعملة فيما وضعت له بحسب أصل اللغه التي تشاجروا فى ان وضعها هل هو ذاتي أو جعلي وعلى تقدير الجعل فى ان واضعها هل هو اللّه تعالى أو البشر بالهام منه تعالى وقد تبين سابقا ان الاعلام الشخصيه والاصطلاحات المستحدثه خارجة عنها واما الحقيقه العرفية لها اطلاقان (احدهما) أعم من الأولى وهي الكلمة المستعمله فيما هي حقيقة فيه فى العرف سواء كان وضعها بحسب أصل اللغة او طاريا والى هذا يشير قولهم : الأصل اتحاد الحقيقه العربيه واللغوية حتى يثبت التعدد «ثانيهما» مقابل الأولى

ص: 41

وهي ما حدث الوضع فيها من أهل اللسان وهذه هى محط انظر القسمة والفرق بين اللغوية والعرفيه بهذا المعنى وملخص ما حققنا ان الأولى ما بها قوام أهل اللسان وهي منشأ انتزاع هذا العنوان ولا يكون أهل اللسان أهل هذا اللسان الا باعتبارها فلها تقدم رتبي على الحقيقه اللغوية والثانية ما لا يكون كذلك بل تحدث من أهل اللسان بعد اتصافهم بذلك وبهذا البيان تبين انه لا يعتبر فى الحقيقه العرفية سبق حقيقة لغوية ولا يشترط بقاءها أو هجرها هذا ماخص فرق بين اللغوية والعرفيه و بيان حقيقتها واما مناط صحة الاضافة فنقول : ان العملة الغائية والداعي للوضع مسيس الحاجة اليه وسهولة الأمر وهذا الأمر الباعث للوضع قد يتحقق بالنسبة الى نفس اللسان وأصل اللغة كما فى اللغات الأصلية فان أوضاعها المسيس حاجة أصل اللسان اليها لما عرفت ان قوامه بها وهذا الارتباط هو المصحح المنسبة والاضافة حيث تقول حقيقة لغوية وقد يتحقق بالنسبة الى أهل اللسان بعد استقرار لسانهم وتقومه با وضاعه الأصلية اللغوية وهي المسماة بالحقيقه العرفيه بالمعنى الثاني التي اشرنا اليه آنفا ومصحح النسبة والأضافة الى العرف كون باعث الوضع مسيس حاجة أهل العرف اليه وهذا ان استوت فيه نسبة الجميع بان لا يكون في مسيس الحاجة اليه خصوصية لبعض دون بعض فعرفيه عامة والا فعرفيه خاصة والخصوصية في مسيس الحاجة قد يتحقق لطائفة أو جماعة كاهل بلد أو قبيلة فتنسب اليهم وقد يتحقق لجهة مخصوصة كفن الفقه أو النحو مثلاً أو صناعة وحرفة مخصوصة ومن هذا القبيل جهة الشرع فحاجة جهة الشرع اذا مست الى الوضع والحقيقة المتحققة به الى هذه الجهة فيقال وضع شرعي أو حقيقة شرعية.

ص: 42

ثم قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) واما الشرعية فقد اختلفو فى اثباتها ونفيها فذهب الى كل فريق «الخ».

أقول: نعم هو كذلك اختلا وا فى محل النزاع من حيث الوضع والالفاظ الموضوعة والمعانى الموضوع لها اما من حيث الوضع فصرح غير واحد بان متعلق النفى والاثبات هو الوضع التعيينى من الشارع وهو مساق اكثر أدلة المقام واغلب الكلمات الواردة فى محل النزاع على ما سنبينه انشاء اللّه تعالى وصريح جماعة آخرين قد عمموا النزاغ وجعلوا الوضع الحادث من كثرة استعمال نفس الشارع داخلاً في محل النزاع وتحير بعضهم فى الوضع الحادث من مجموع استعمالات الشارع ومتابعيه وبعضهم فى الحادث من غلبة استعمالات أهل زمانه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وان لم يكن لا نضمام استعماله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) دخالة وكذلك الحال فى الحادث في اعصار الأئمة (عَلَيهِ السَّلَامُ) مع ان ثمرة النزاع تجرى في أغلب هذه الصور فالصواب ان ليس في المسألة الا قولان النفي والأثبات واما من حيث الالفاظ الموضوعة فقد ذكر غير واحد من الاواخر ان النزاع فى النفى والأثبات الكاليين ونسبوه إلى ظاهر كلام كل من حرر النزاع في المسألة وهو واضح الفساد اذ الواجب حينئذ تعيين تلك الالفاظ واشتهارها كالشمس فى ضاحية النهار فعدم تعيين أحد إياها يكشف كشفاً قطعياً عن بطلان ذلك ويوضح عن ان النزاع أنما هو فى السلب الكلي والايجاب الجزئي بمعنى ان النافي ينكر الحقيقة الشرعية في استعمالات الشارع رأساً و المثبت يبطل هذا الانكار ويدعى ثبوتها فيها فى الجملة واما تعيين موردها وانها في أي لفظ من الألفاظ بعد الفراغ عن ثبوتها في الجملة فهو تابع للفحص والبحث و استفراغ الوسع فى التتبع من حال لفظ فلفظ حتى يعلم الحقيقه

ص: 43

في عصر الشارع فى أيها حصلت وفي أي زمان ووقت حدثت ولا ريب ان ذلك يختلف بحسب اختلاف الأشخاص وانظار هم و بسط يدهم وسعة باعهم فى الفحص والتتبع ولأجل ذلك الكلام فى ثبوت الحقيقه الشرعيه في بعض الألفاظ من المثبتين لها ايضاً واما من حيث المعاني الموضوعة لها قد وقع النزاع فى ان معنى المتعين هل معنى مخترع من الشارع بمعنى انه اخترع ماهيته ووضع اللفظ بازاءها اولا ولكن بعد التأمل يعلم ان النزاع فى هذه المرحلة من الخرافات لأن مرجع الجعل والتصرف ليس إلا جعل الشيء فرداً ومحصلاً للماهيه لا الى اختراع ذات وما هية فان اختراع الذات غير ممكن لأن الماهية هو هوية الوجود خارجاً ومنتزع منه تحليلاً ولا معنى لجعل الأمر المنتزع الا جعل منشأ انتزاعه وهو اما في الأمور المتأصلة فهو عبارة عن إعطاء المنزلة وتسرية حكم موضوع الى موضوع آخر كما اذا حكم الشارع بكون مايع خمراً واما في الأمور الأعتبارية التي يتطرق اليها الجعل فمرجعه الى انجعال نفس العنوان في مورد الجعل والمقصود من جعل العنوان اعطاءه لما كان خالياً عنه أو نفيه عما كان متصفاً به ومرجعه الى جعل ذلك الشيء فرداً و محصلاً لذلك العنوان أو منسلخ عنه وه و تصرف وضعي في جانب الموضوع واقع في العرف والشرع.

قال في المعالم (قدّس سِرُّه) وقبل الخوض في الاستدلال لابد من تحریر النزاع فنقول لا نزاع في ان الالفاظ المتداولة على لسان أهل الشرع المستعملة فى خلاف معانيها اللغوية قد صارت حقائق فى تلك المعاني كاستعمال الصلوة فى الالفاظ المخصوصة «الخ».

وفيه: جعل طرفي النزاع وضع الشارع تعيينيا والمجاز

ص: 44

في لسانه لازمه ان مقالة المثبتين هو الأول ومقاله النافين هو الثاني مع أنه لا تقابل بينهما ضرورة ان انكار الوضع التعييني أعم من الالتزام بمجازية استعمالاته كما ان اذكار المجازية أعم من الالتزام بالوضع التعيينى فتبين أنه کما صرح (قدّس سِرُّه) أن النزاع في وضع الشارع كذلك الوضع التعييني الحادث من كثرة استعمالات نفس الشارع ايضاً داخل في محل النزاع ايضا الوضع الحادث من مجموع استعمالات الشارع ومتابعيه داخل في محل النزاع وايضاً الوضع الحادث من غلبة استعمالات أهل زمانه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وان لم يكن لانضمام استعماله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) دخالة وايضاً الوضع الحادث في اعصار الأمة (عَلَيهِ السَّلَامُ) جميعاً داخلة في محل النزاع لأن ثمرة النزاع تجرى في اغلب هذه الصور فتبين فساد ما زعمه صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) من تخصيص النزاع بمجرد الوضع التعييني من النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )من حيث هو غاية الاتضاح لان مرجع كلامه (رَحمهُ اللّه) الى ان المنكر أنما ينكر مباشرة النبي للوضع التعييني ولا ينكر وجود الحقيقه في لسانه (عَلَيهِ السَّلَامُ) ومن الواضح ان النزاع على هذا التقدير لا يرجع الى محصل ولا يفيد فائدة أصلا وانما النزاع المثمر هو وجود الحقيقه فى لسانه بل في لسان الأئمة (عَلَيهِ السَّلَامُ) ايضا وعدمه اذ به مختلف حال الاستنباط من حيث استكشاف مراد المعصوم و يتعلق به حينئذ غرض أهل الأصول مع أن المباني التي بناها لا أصل لها اما قوله (لا نزاع فى ان الالفاظ) الى قوله (بعد وضعها في اللغة) كيف مع ان هذا هو المذهب الصحيح الذي لا يشك فيه ذو مسكة فان الصلوة كانت فى اللغة بمعنى العطف وهو من الرب الرحمة ومن المربوب الاستكانة والتذلل والاستغفار ومن عبد على آخر طلب الرحمة من و به له فالصلوة من اللّه تعالى ومن غيره حقيقة واحدة والاختلاف فى المصاديق اذ الحقيقه

ص: 45

اللغوية موجودة فى الأركان المخصوصة فهي من جهة كونه قياماً عند الرب على وجه الاستكانة والخضوع التي عبارة اخرى عن قصد القربة يطلق عليها الصلوة لحقيقة الصلوة لا تتحقق الا ان يقع الفعل على هذا الوجه كما ان وضع الجبهة على الأرض لا يكون سجوداً إلا إذا كان بعنوان التذلل. فعلى هذا الأساس قصد القربة ليس جزءاً أو شرطاً بل انما هو بالنسبة الى الأفعال كالروح من الجسد وبالجملة فالجهة الأولوية الواقعية محفوظة فيما إخترعه الشارع ولا مناص عن اعتبار ما يعتبر فى تحقق حقيقتها وحدودها وأحكامها اذ هي اختراع مصداق لاغير والدعاء من مصاديقه ايضاً لا معنى لغوى له (فتفطن).

واما قوله (رَحمهُ اللّه) (واستعمال الزكوة في القدر المخرج من المال بعد وضعها فى اللغة للنمو) كسابقه من الفساد بمكان فلان الزكوة فى الأصل هى الطهارة عن الاوساخ المعنوية حتى النجاسة الحكمية وكون اليابس زكيا من هذا الباب حيث ان ملاقاته لا يوجب الانفعال ولو كان اليابس من الأعيان النجسه وحيث انها كالامراض البدنية مانعة عن النمو فزوالها موجب للنمو لا انه معنى مستقل له كما زعمه صاحب المعالم (رَحمهُ اللّه) قال اللّه تعالى قد افلح من زكاها وقال تعالى نفساً زكية وقال عز وجل ماز کی منكم من احد وقال تعالى ولا تزكوا أنفسكم بل اللّه يزكى من يشاء وقال تعالى أزكى لكم وأطهر وحيث ان التصدق بجزء من المال يوجب تزكية ما بقى منه فان المدفوع بمنزلة الوسخ تطلق على ما يدفع منه فدفع جزء من المال عين التزكيه وزكاته منتزعة منه فلا وجود مباينة لهذه الصنمة ولا تحقق لها إلا بان يدفع هذا المال والمصلح للاطلاق انما هو الاتحاد والعينيه كما فى الخلق والصنع واللفظ والايجاد فان الخلق

ص: 46

في الخارج هو المخلوق وكذلك فى اخواتها فتدبر فتبين ان المعنى الأصلي محفوظ فى جميع الموارد وليس لنا معنى مغاير للاصل كما عرفت واما قوله (رَحمهُ اللّه) (واستعمال الحج فى اداء المناسك المخصوصة بعد وضعه فى اللغة لمطلق القصد) وهو ايضاً كما بقه من الوهن بمكان حيث ان الحج على ما يظهر من الأخبار زيارة اللّه تعالى والقصد والوفود اليه والحجر يمين اللّه فحجة الاسلام عبارة عن البيعة مع اللّه تعالى فالاسلام في حق من يتمكن لا يتم الا به وهذا معنى كونه حجة الاسلام فان الأضافة باعتبار السبب كما في قولك صلوة الظهر أو المغرب أو الكسوف أو الزلزلة فكما ان تضافة الصلاة الى الوقتين وغيرهما باعتبار كونهما وظيفة لها وكذا إضافة الحج الى الاسلام باعتبار كونه وظيفة الاسلام ولذا عد مقابلا لحجة الاستيجار والنذر ولم يذكروا هذه المقابلة فى الصلاة والصوم مع انهما ايضاً قد يجبان في أصل الشرع وقد يجبان بالنذر والاستيجار والحاصل ان كون الحج زيارة اللّه والوفود اليه ليس مما جعله الشارع كذلك بل جهة ثابتة له في نفسه فالحج بحسب معناه الأصلي ليس الا عبارة عن القصد والوفود وهو محفوظ في العمل المشروع قطعاً من دون استناد الى جعل الشرع في هذه الجهة أصلا وإعتبار التعبد والقربة وسائر الأمور والكيفيات أجنبي عما يرجع الى معنى اللفظ بل راجع الى الحكم ومرحلة الطلب وقس على ذلك حال البقيه.

قال صاحب المعالم (رَحمهُ اللّه) احتج المثبتون بأن نقطع بان الصلاة اسم للركعات المخصوصة الى قوله و نقطع بسبق هذه المعاني الى النهم عند اطلاقها وذلك علامة الحقيقه «الخ».

وهذا الاستدلال من الغرابة بمكان ضرورة ان الماهيات المجعولة فى الشرع افراد للماهيات العرفية النفس الأمرية التي وضع بازاءها الفاظ

ص: 47

في اللغة وتلك الالفاظ فيها حقائق بحسب اللغة فان المعنى الأصلي محفوظ فى الجميع واختلافه بحسب الأسباب والأوقات والاشخاص والأحوال جهة راجعة الى مرحلة الطلب فهي من قيود الهيئات وادوات النسبة والحكم لا ربط لها بما استعمل فيه مادة اللفظ فتوهم ان الشارع اخترع حقائق هي بذواتها مغايرة لذوات الحقائق اللغويه من الخرافات اللّهم إلا ان يقال ان الشارع احدث فرداً آخر لتلك الماهيات فيقع مورداً للنزاع في ان الشارع استعمل اللفظ فيه مجازاً من حيث الخصوصية أو حقيقة من باب النقل الراجح وهو وضع اللفظ لبعض افراد معناه لكن يرده أن مع وجود السبيل إلى الاستعمال الحقيقي بحسب أصل الوضع اللغوي وهو اطلاق الكلي على الفرد لا حاجة إلى المجاور أو الوضع الجديد مع أن التجوز بلفظ الكلي عن فرده لا معنى له.

وأعجب من هذا استدلاله بالتبادر فان التبادر على تقدير تسليمه انه علامة للحقيقه مستندة الى كثرة الأطلاق عليها وكثرة كونها مراداً بحيث يغلب حتى لا يحتاج الى القرينة.

قال صاحب المعالم (رَحمهُ اللّه) واورد عليه انه لا يلزم من إستعمالها فى غير معانيها ان تكون حقائق شرعية بل يجوز كونها مجازات.

وفيه: ان المستدل لم يجعل مجرد استعمالها في غير معانيها دليلاً على كونها حقائق شرعية بل إدعى سبق المعاني إلى الفهم عند الاطلاق و بعد ذلك لا يبقى مجال لهذا الاشكال والايراد.

ثم قال صاحب المعالم (رَحمهُ اللّه) ورد بوجهين احدهما انه ان اريد مجازينتها ان الشارع استعملها في غير معانيها بمناسبة المعنى اللغوني الى قوله

ص: 48

فهو خلاف الظاهر لأنها معان حدثت «الخ».

وفيه: واقع للنظر منها أن الايراد هو كون الاستعمال أعم والرد يذهب بأن المجازية لا تنا في الحقيقة الشرعية ولا ربط أحدهما بالآخر ومنها ان الحقيقة الشرعيه ليس على ما زعمه فان النزاع في ان هل وضع الشارع في قبال وضعها اللغوي الى معان مغايرة للمعاني اللغوية التي بسببها يحصل حقيقة شرعية أم لا بمعنى أن الحقيقه الشرعية هي جعل الشارع ذلك الالفاظ إلى معان مستحدثة مغايرة للمعنى الأصلي ومنها أن استعمال أهل اللغة في هذه المعاني لا يلزم أن يكون مجازاً بل يحتمل هذا المعنى فرد من أفراد ذلك المعنى الحقيقي وتسليم مجازيته لا معنى له نعم هذا التسليم نشأ من قلة التدبر والتأمل وكونها مع ان حدثت مناقشة صرفة لا معنى له إذ ليست معان بل هي نوع بالنسبة إلى المعنى الأصلي فرد.

قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) فلان دعوى كونها اسماً لمعانيها الشرعيه لسبقها إلى الفهم الى قوله فالذي يلزم حينئذ هى كونها حقائق عرفيه «الخ».

وهذا الكلام من الفساد بمكان إما (اولاً) فلان التبادر لا معنى لجعله علامة الحقيقة بيان ذلك ان التبادر هو سبق المعنى إلى الذهن وهذا حاقى واطلاقي وتقييدي فعلى أي حال كان إن التبادر علامة للحقيقه إما عند الجاهل بالوضع وإما عند العالم بالوضع إما عند الجاهل بالوضع فأقول إن التبادر بعد العلم بالوضع لأن الجاهل الذي لا يعلم بأن لفظ الماء لأي شي وضع بل لم يعلم أنه من الفاظ المهملات أو من الفاظ

ص: 49

التي لها معنى من المعاني لم يسبق الى ذهنه معنى أصلاً والشاهد بذلك الوجدان فمن أنكر ذلك أنكر وجدانه واما عند العالم بالوضع فالتبادر لا فائدة له اصلاً إذ النبادر نريد أن نجعله واسطة في العلم بالوضع فالذي يعلم بالوضع لا يفيده التبادر لأنه تحصيل حاصل و «ثانيا» لو سلم كون التبادر علامة للحقيقه لكن منع بانها حاقى بل إطلاقي والاطلاقي لم تكن علامة للحقيقة و «ثالثا» إختلاف المطلق لا يصير اختلافاً في الحقيقه ضرورة أن لفظة رجل لو أطلقها زيد يتبادر منها معنى عين المعنى الذي لو أطلقها عمر ومع أن الالفاظ التي وجدت فى الأخبار أو الكتاب جميعاً أطلقها الشارع والمراد منها معلوم مع انا نشك في أنه هل وضع له بوضع خاص أم لا.

«رابعاً» ان المستدل بعد ما إدعى السبق الى الفهم فى الجملة وأثبت كون اللفظ حقيقة في الجملة إدعى أن هذا بتصرف الشارع فالترديد الذي ذكره صاحب المعالم (رَحمهُ اللّه) لا وجه له.

ثم قال صاحب المعالم (رَحمهُ اللّه) في بيان الوجه الثاني من ادلة النافين : انها لو كانت حقايق شرعية لكانت غير عربية فاللازم باطل والممزوم مثله بيان الملازمة أن اختصاص الالفاظ «الخ».

وفيه: من المفاسد ما لا تخفى اما «اولا» اختصاص جملة الفاظ باللغة العربية ليست بحسب دلالتها بالوضع فيها بل باعتبار قوام لسان العربي بها ولذا تسمى عند أهل الاصطلاح بالحقيقة اللغوية أترى ان لفظ زيد لو وضع رجل هندي لابنه يخرج عن كونه لفظاً عربیاکلا ثم علا واما «ثانيا» قوله (والعرب لم يضعوها لأنه المفروض) فأسد إذ القول بثبوت الحقيقة الشرعیة ليس مانع عن كونها

ص: 50

عربية هل ترى أن لفظة صلاة لو وضعت في الأصل بمعنى العطف ثم وضعت يوضع الشارع الى الأركان المخصوصة تخرج عن كونها لفظة عربية ؟ حاشا و كلا مع ان الشارع من العرب ايضاً وصيرورة القرآن عجميا بثبوت الحقيقه من الاغلاط المضحكة للتكلي هذا ولكن الوجه الأول من الاستدلال في غايه المثانة والجودة (فتفطن).

قال صاحب المعالم (رَحمهُ اللّه) وأجيب عن الأول بأن فهمها لهم ولنا با عتبار الترديد بالقرائن «الخ».

وهذا الكلام من عجائب الأوهام ضرورة أن كلام المستدل في الألفاظ المجردة عن القرائن ولا ريب في أنه لم يحصل فيها التفهيم للمعاني الشرعية بالترديد في القرائن.

ثم قال (رَحمهُ اللّه) وعن الثاني بالمنع من كونها غير عربية كيف وقد جعلها الشارع حقائق شرعية الى قوله لدلالة الاستقراء على تجويزهم نوعها توضيح هذا منع الملازمة أي لا نسلم انها لو كانت حقائق شرعية لكانت غير عربيه وانما يلزم ذلك لو لم يكن مجازات لغوية لكنها مجازات لغوية والمجازات اللغوية عربيه غاية ما في الباب انها لا يؤل موضوعه بوضع حقيقي بل بوضع نوعي وفي هذا الكلام للنظر مواضع منها قوله (رَحمهُ اللّه) (قد جعلها الشارع حقائق شرعيه في تلك المعاني مجازات لغوية فى المعنى اللغوي) لا معنى له إذ مع وجود السبيل الى الاستعمال الحقيقى بحسب أصل الوضع اللغوي وهو اطلاق الكلي على الفرد لا حاجة الى المجاز اللغوي أو الوضع الجديد اذ الحقيقه أولى من الحجاز والمجاز أولى من الاشتراك هذا مع أن التجوز بلفظ الكلي عن فرده لا معنى له ضرورة ان الأركان المخصوصة ان أولى

ص: 51

على نحو الخضوع والتذلل فهى فرد من أفراد الصلوة بالمعنى اللغوي وهو العطف فان الصلاة التي بمعنى العطف لم تستعمل في الأركان المخصوصة بل يطلق عليها إطلاقاً حقيقياً والفرق بير الاطلاق والاستعمال كالفرق بين الثرى والثريا لما اوضحناه سابقاً فارجع البصر ومنها قوله (لدلالة الاستقراء على تجويزهم نوعها).

فيه: أن التحقيق لا وضع في المجازات لا شخصاً ولا نوعاً وما توهمه من الوضع النوعي الذي يريد به تجويز الواضع فى نوع العلاقة بديهي الفساد ضرورة جواز الاستعمال المجازي مع وجود العلاقة المصححة من دون توقف في ذلك على العلم بتجويز الواضع بل لو فرض العلم بمنع الواضع وتصريحه بعدم الرضاء جاز الاستعمال مع العلاقة كما لايجوز بدونها حتى لو فرض تجويز هم فصحة الاستعمال المجازي تدور مدار العلاقة لا مدار اذنهم وتجو يزهم ألا ترى ان صحة استعمال لفظ حاتم في الجواد لا تتوقف على الاجازه والاذن من أمه وأبيه وهل يتوهم متوهم أن أبوى حاتم حين وضعا له هذا الاسم رخصا في استعماله في كل من يناسب و يماثل إبنهما في الجود والسخاوة مع أن من المعلوم أنها حين الوضع لم يكونا عالمين بما يؤل اليه أمره و يبلغ هذه المثابة من الجود أم هل يظن جاهل أنهما لو لم يرخصا لما جاز استعماله فى الجواد أو يجد أحد من نفسه أنه حين صباه مثلاً اذ لم يقرع بسمعه هذه الشبهات كان يتأمل في استعمالاته المجازية ويتوقع الاذن في مواردها أولا يبتكر تجوزاً في استعمال لفظ خاص ما لم يعلم بسبق غيره الى هذا الاستعمال والاذن فيه كل ذلك مما تشهد الضرورة ببطلانه فالمجاز لا يتوقف على ازيد من وجود العلاقة المصححة للاستعمال وذلك أن

ص: 52

الوضع يحدث الارتباط بين اللفظ الموضوع والمعنى الموضوع له ابتداء فان كان بين ذلك المعنى ومعنى آخر علاقة وتناسب حدث الارتباط بين اللفظ و بين هذا المعنى الثاني بواسطة الاول قهراً و بالتبغ فيجوز استعماله فيه واسطة هذه المناسبة وتبعية الأول وهو المسمى بالمجاز سواء لم يرخص الواضع أو رخص وأجاز ومنها قوله)پ (مجازات لغوية في المعنى اللغوي) (پفان التعبير قد وقع فيه المسامحة ولكن بعد وضوح المراد سهل أي مجازات لغوية بالنسبة الى المعنى اللغوي فتأمل ولعله سهو من قلمه الشريف.

ثم قال صاحب المعالم (رَحمهُ اللّه) ومع التنزل نمنع كون القرآن كله عربياً والضمير في انا انزلناه للسورة لا للقران وقد يطلق القرآن على السورة وعلى الآية «الخ».

فيه: انه لا منافاه بين كون القرآن كله ليس بعربي والضمير في انا انزلناه قرآنا عربيا للقران اما لأن المراد بكونه عربيا كونه عربي النظم والأسلوب واما لأن المراد بكونه عربيا ان اكثر كلماته عربية بحيثية صارت الغير العربية مضمحلة في جنبها فلا يقدح فيه كون بعضه غير عربيه مع ان الضمير في انا انزلناه للسورة لا للقران خلاف ما يستفاد من الأخبار ولو سلم ان الاخبار لا دلالة لها فله ظهور انصرافي إلى الجميع ولو كان لفظ القرآن اسم جنس لما قرى على النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) واطلاقه على السورة والآيه حقيقى فانه لا ينافي ذلك (فتامل).

ثم بعد ما اشكل صاحب المعالم (رَحمهُ اللّه) على نفسه واجاب قال (رَحمهُ اللّه) على انا نقول ان القرآن قد وضع بحسب الاشتراك للمجموع الشخصى

ص: 53

وضعا آخر انتهى.

فان هذا الكلام جواب ثان للاشكال الذي أورده على نفسه لكنه لا يرجع الى محصل ضرورة ان القرآن اسم جنس للمنزل على سبيل الاعجاز ولا ينافي كونه علماً لأن اللا بشرط لا ينافي بشرط شي والمصير الى كونه اسم جنس كما اجاب عنه اولاً أولى من جعله مشتركاً لفظياً مع ان الأشكال على هذا التقدير ايضاً وارد (فتأمل).

ثم قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) والتحقيق ان يقال لاريب في وضع هذه الالفاظ «الخ»

فيه: ان التحقيق خلافه لما مر من ان النزاع لم يكن في ان الشارع استعملها بطريق النقل أو بطريق المجاز فان النزاع في هذه المرحلة من الخرافات لأن مرجع الجعل والتصرف ليس الا جعل الشيء فرداً ومحصلاً الماهية لا الى اختراع معنى وماهية فان اختراع الماهيه غير ممكن لأن الماهية هو هوية الوجود خارجاً ومنتزع منه تحليلاً ولا معنى لجعل الأمر المنتزع الاجعل منشأ انتزاعه فارجع الباصرة إلى ما مر آنفا.

ص: 54

(أصل في الاشتراك)

قال صاحب المعالم (رَحمهُ اللّه) الحق ان الاشتراك واقع في لغه العرب وقد أحاله شرذمة «الخ».

وهذا الكلام من عجائب الأوهام لأن مرجع قول من يستدل فى اثبات الاشتراك ليس الا الاستقراء بانه وجد الفاظا كالقرء والجون والعين وأمنا لها يستعمل كل واحد منها في موارد مختلفة متباينة لا يجد بينها جامعاً فيظن أو يقطع بانها مشتركة وهذا كما ترى ليس الا اجتهاداً في أمر لا طريق اليه الا الاجتهاد والنظر.

والحق خلاف ذلك بحكم الاستقراء بيان ذلك ان الالفاظ موضوعة بازاء معانيها باعتبار جهة تنطبق عليها فقد تنطبق تلك الجهة التي هي الموضوع له حقيقة على موردين أو موارد مختلفة في نفسها فيطلق اللفظ على هذه الموارد المختافة المتباينة باعتبار تلك الجهة الجامعة المنطبقة فيظن غير الخبير من جهة الغفلة عن تلك الجهة الوحدانية التي هى الملاك في صحة الاطلاق ان اللفظ مشترك بين هذه الموارد.

ان قلت: كيف تنكر وقوع الاشتراك فى لغة العرب مع انهم و أوا كلمات لا يمكن انكاره فيها كالقرء والجون والعين وغيره.

قلت: قد حققنا سابقاً ان القرء موضوعة للجهة الجامعة التي هى حالة للمرأة التي تتصف بالطاهر والحيض لا انه موضوع للظهر والحيض

ص: 55

بكونها معنيين بل مصداقين وموردين للجهة الجامعة التي هي حالة النساء وبهذا الاعتبار الرجل ليس بظاهر ولا حائض والجون ايضاً مثله فتأمل. واما العين فانها اسم من التعين وما كاذله تعين يطلق عليه لفظة عين والأمور البالغة الى السبعين كلها موارد الطباق لهذا العنوان الجامع ولذا يطلق على كل موجود من حيث بروزه من العدم الى الوجود كما يقال له وجود فى الاعيان وزيد من الاعيان الخارجيه، ولا يضر في هذه الدعوى عدم الاحاطة التفصيليه بذلك الجامع وجميع حدوده كما لا يضر عدم الاحاطة التامه التفصيليه بجهة التغاير في مورد توهم الترادف فان الاحاطة التفصيليه غير ميسور لاحد حتى في لفظ واحد الا لعلام الغيوب وليس المدعي ذلك بل الغرض دعوى العلم ببطلان الترادف والاشتراك اجمالاً والعلم بذلك اجمالاً لا يتوقف على الاحاطة التامه بالضرورة لا أقول ان الاشتراك محال وعدم وقوعه من جهة محالينه بل أقول ان الاشتراك ليس بواقع وليس لنا دليل على محاليته كيف من ان الوجدان يحكم بامكانه والحاصل القول بمحاليته أو وجو به لا يخلو عن الأفراد والتفريط.

قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) ثم القائلين بالوقوع اختلفوا في استعماله في اكثر من معنى «الخ».

تفصيل ذلك انهم اختلفوا في جواز استعمال اللفظ اكثر من معنى وجعلوه ثلاثة أنواع فى المعنيين الحقيقين وفي المعنيين المجاز بين وفى الحقيقى والمجازي ومنشأ ذلك توهم ان الجواز وعدمه تابع لحال الوضع والموضوع له وعمموا الوضع للترخيص الذي زعموا وجوده فى المجاز فالاستعمال تارة يكون با عتبار الوضع الحقيقى واخرى باعتبار الترخيص المجازي وثالثه باعتبارهما بحسب المعنيين فهذه أنواع ثلاثه ولهم فيها أقوال : الجواز وعدمه

ص: 56

والتفصيل بين المفرد والمثنى والجمع فالجواز في الأخيرين دون الأول لتعددها فى التقدير و بين الاثبات والنفي فالجواز فى الأخير حيث افاد العموم والقائلون بالجواز اختلفوا في الحقيقيين ان الاستعمال على وجه الحقيقة فيها أو المجاز وفى الملفق من الحقيقى والمجازي انه على وجه المجاز فيها أو الحقيقة والمجاز بالاعتبارين والحق عدم الجواز في جميع الصور وليس الأشكال فيه ناشئاً عن خفاء حال الوضع والموضوع له ضرورة ان الوضع علقه خاصة بين اللفظ والمعنى فهو ربط بينهما وهما الركنان فى قيام ذلك ونسبته الى الواضع نسبة الأثر الى مؤثره وفاعله فهو يتوقف عليه فى الحدوث واما في جهه القيام فلا يتوقف إلا على طرفيه اللفظ والمعنى ومن المعلوم أن نسبة المعنى فى الطرفيه اليه كنسبة اللفظ اليه فيهما فكما ان الملحوظ فى جانب اللفظ هو ذات اللفظ من دون نظر الى قيد كذلك في جانب المعنى وحيث عرفت ان ارادة المعنى من اللفظ عين استعمال اللفظ فيه وليس أمراً وراه تبين ان كلا من المعنيين لا ينفرد بارادة مستقلة والارادة لا تتعدد إلا بتعدد الاستعمال فاذا اتضح لك حقيقة الاستعمال ومحل الخلاف علمت ان استعمال اللفظ فى المعنيين محال لأن مرجعه الى تحقق وجود مستقلين بايجاد واحد وهو يرجع الى اجتماع النقيضين لأن الوجود عين الايجاد وتعدد الواحد يرجع الى اجتماع الوجود والعدم و من توهم الجواز غفل عن حقيقة الاستعمال ومن هنا تبين فساد قول صاحب المعالم (رَحمهُ اللّه).

حيث قال : والأقوى عندى جوازه لكنه فى المفرد مجاز وفي غيره حقيقة لما عرفت ان مذهب الحق والصواب خلافه وعدم الجواز مطلقاً لاستلزامه الى اجتماع النقيضين وهو باحال.

استدل صاحب المعالم (رَحمهُ اللّه) على الجواز في المفرد قال : لنا على

ص: 57

الجواز انتماء المانع «الخ».

وفيه: ما عرفت من ان المانع استلزام تحقق وجودين مستقلين بايجاد واحد وهو يرجع الى اجتماع النقيضين وأي مانع أقوى من ذلك.

ثم قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) وعلى كونه مجازاً في المفرد تبادر الوحدة منه عند اطلاق اللفظ فيفتقر ارادة الجميع منه الى الغاء اعتبار قيد الوحدة فيصير اللفظ مستعملاً فى خلاف موضوعه لكن وجود العلاقة المصححة للتجوز اعنى علاقة الكل والجزء يجوزه فيكون مجازا انتهی.

وهذا الاستدلال بمكان من الوهن والغرابة فان الأشكال فيه ليس ناشئاً من خفاء حال الوضع والموضوع له من حيث اعتبار قيد الوحدة فى الموضوع له فكما ان الملحوظ في جانب اللفظ هو ذات اللفظ من دون نظر الى قيد الوحدة وعدمها كذلك في جانب المعنى مع ان الوحدة المأخوذة في الموضوع له ان اريد بها انفراده فى الطرفيه لذلك الوضع الشخصى القائم بهما فهي تنفى كون الموضوع له مركبا منه ومن آخر ومقابله في جانب اللفظ عدم كون الموضوع مركباً منه ومن لفظ آخر وان أريد بها انفراده في أصل الوضع فهو ينفى الاشتراك ومقابله في جانب اللفظ عدم الترادف ولا معنى لاعتبار الوحدة فى الموضوع له سواهما وشئ منهما لا يرتبط بمحل الكلام إذ الكلام في اقتران المعنيين في الاستعمال، والاقتران والانفراد فى مرحلة الوضع اجنبى عن ذلك بالضرورة مع ان المجاز لا يحصل الا بعلاقة المشابهة لأن علاقة الجزء والكل ليست مصححة للاستعمال لعدم إطرادها وإلا لتخلف المعمول عن علته التامة أثرى يصح

ص: 58

ان يقال اشتريت قلباً وتريد منه عبداً مع أن القلب من معظم الأجزاء وأقومها هذا مع ان هذا الفرض خارج عن محل النزاع لأنه استعمال في معنى واحد ولا اشكال في امكانه وان كانت صحته تابعة لوجود العلاقة المصححة كما انه لو استعمل في مجموعهما من حيث المجموع كان استعمالاً فى معنى واحد وخارجاً عن محل النزاع ولم يكن كلام في امكانه وجوازه وان كانت الصحة تابعة لوجود علاقة مصحيحة فالاستعمال فى المعنيين الذي هو محل النزاع ما وقع كل من المعنيين على وجه الاستقلال محلا للاستعمال برأسه لا ان ينفرد كل منهما باستعمال مخصوص مستقل والاكان استعمالين كل استعمال في معنى وهو غير مربوط بمحل الكلام بل الاستعمال الواحد الشخصي يقع على معنيين يستقل كل منهما في الموقعية له فالاستعمال واحد والمستعمل فيه اثنان هذا هو محل البحث والنزاع فتأمل جدا فانه من نفائس المطالب.

ثم أشكل صاحب المعالم (رَحمهُ اللّه) وقال : فان قلت محل النزاع فى المفرد هو استعمال اللفظ في كل من المعنيين بان يراد به فى اطلاق واحد هذا وذاك الى قوله وكان الجزء فما اذا انتفى انتفى الكل بحسب العرف ايضا كالرقبه للانسان بخلاف الاصبع «الخ».

فيه: ان هذا الأشكال فاسد من وجوه (أولاً) ان النزاع فى الاستعمال الواحد الشخصي يقع على معنيين يستقل كل منهما فى الموقعية له والتعدى عنها يوجب الخروج عن محل النزاع فان جعل النزاع استعمال المنفرد لمجموع المركب الذي احد المعنيين جزء منه خروجاً عن محل البحث والنزاع وجعل النزاع في موقع ليس الكلام فيه و «ثانيا» لافرق

ص: 59

بين استعمال اللفظ الموضوع للجزء فى الكل وعكسه فانه على فرض صحته علاقة واحدة والاشتراط فى احدهما دون الآخر ان كان من جهة عدم الارتباط المعتد به بدونه جرى فيهما معاً لأنها ارتباط وحداني قائمة بطرفيها الجزء والكل يتساوى نسبتها اليهما وليست كعلاقة المشابهة في كون أحد الطرفين أصلاً والآخر فرعاً هذا مع ان علاقة الجزء والكل ليس بمصحح للاستعمال مطلقاً لعدم اراده و «ثالثا» استعمال الرقبه فى الأنسان يلزمنا محذورات ضرورة انه لو كان مستعملاً في الكل مجازاً لما جاز اضافته اليه لا ستحالة اضافة الشيء الى نفسه مع أنه يصح ان تقول أعتق رقبة العبد وفى الدعاء اعتق رقبتي من النار وتقول هو مالك رقبة العبد وفلان يملك رقابهم وهذا يكشف لنا كشفاً قطعياً انه لم تستعمل الرقبه فى الأنسان مجازاً كما توهموه بل استعمل فى العضو المخصوص حقيقة لا مجازا فالتحقيق انها مستعمله فى ما وضعت له وهو العضو المخصوص بدليل صحة الاضافه الى ذيبها وغيرها مما سنشير في المقامات بمناسبة واسناد العتق اليها تجوز فى الاسناد لاغير لأن حقيقة المجاز في الاسناد ليس الا إقامة شيء مقام آخر في جهة خاصة ونسبة مخصوصة فلاقامته فى موقعه ليست الا بالنسبة الى هذه النسبه لا لصلوح قيام أحد المعنيين مقام الآخر لمناسبة بين نفس المعنيين فقوام التنزيل فى الأول بنفس النسبة ولذا كان مجازا فى الاسناد وهو عبارة أخرى عن نسبة الشيء الى ملابسه توسعاً فى النسبة وقوامه فى الثاني بنفس المعنيين وصلوحها له وتعلق النسب وغيرها من الأحكام توابع ولذا مجازاً في نفس الكلمة بحيث عرفت عدم المناسبة بين الرقبه والانسان فى حد أنفسهما بحيث توجب صلوح القيام في مقامه بنفسه وانما الصحة تدور مدار أسناد العتق لم يكن الا مجازاً فى الأسناد فالتوسع

ص: 60

والتأويل ليس الا فى اسناد العتق اليها لا في نفس معنى الرقبه والنكتة فى هذا التأويل وتغيير مورد النسبة ان ملكية العبد لما لم تكن تامة من جميع الجهات بحيث تسرى الى لحمه وشحمه وجلده كما هو كذلك في البهائم : حيث ان ملكها كملك سائر الأموال الصامتة من لباس ودار ونحوهما فان الملكيه سارية فيها تمام السريان بخلاف ملك العبد فانه من سنخ ملك السلاطين لرعاياهم وهو مع ذلك تام فى هذه الجهة وغير تام بالنسبة الى ملك البهائم والاثاث والعقارات ونحوها حيث لا استقلال لها بوجه من الوجوه بخلاف العبد فان له جهة استقلال في نفسه حين كونه مملوكا ولذا يصح معاملة المولى ومكاتبته وتزويجه أمته وتزويج أمته لنفسه وجعل عتقها مهرها وغير ذلك من الأحكام فهو مع ذلك مقهور فى حيث ملك المولى وسلطنته عليه فهو كالأسير في يده فالعبودية والمملوكية كانها حبل أحد طرفيه مشدود برقبة العبد والمملوك والآخر بيد المولى والسلطان حيث يشاء فشبه العبيد بالرقبه والملك المتعلق به بالحبل المشدود بها وعتقه يفك ذلك الحبل منها ودل على جميع ذلك باسناد العنق الذي ينبغي ان يسند إلى العبد إلى رقبته فليس إلا مجازاً في الاسناد.

تم أجاب صاحب المعالم (رَحمهُ اللّه) عن الأشكال وقال : قلت لم ارد بوجود العلاقة الكل والجزء ان اللفظ موضوع لأحد المعنيين الى قوله وهو غير مشترط بشئ مما اشترط فى عكسه (انتهى).

وفيه: ما عرفت من انه ليس بمحل النزاع في شيء لأنه استعمال فى معنى واحد ولا إشكال في إمكانه وان كانت صحته تابعة لموجود علاقة مصححة كما انه لو استعمل في مجموعهما من حيث المجموع كان

ص: 61

استعمالاً في معنى واحد وخارجاً عن محل النزاع ولم يكن النزاع فيه بالضرورة وأنما النزاع فى استعمال اللفظ في المعنيين يستقل كل منهما فى الموقعية له وهذا الفرض يوجب الخروج عن النزاع فتأمل واعتبار قيد الوحدة ليس نافعاً بحاله لما عرفته سابقا فارجع البصر والاشتراط فى علاقة واحدة فى بعض أفراده دليل على عدم صحة هذه العلاقة من أصله كما عرفته آنفا.

ثم قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) ولنا على كونه حقيقة في التثنيه والجمع انهما في قوة تكرير المفرد بالعطف.

وفيه: ان الاشكال ليس باختلاف حال الوضع من حيث الوقوع في حال الوحدة وغيرها ولا باختلاف حال المستعمل من حيث كونه مفرداً أو مثنى أو جمعاً فالمسألة واحدة وليس لها ابتناء على اعتبار قيد الوحدة في الموضوع له والتفصيل بين المفرد وبين التثنية والجمع والقول بالجواز قول بالمحال مع انا لو قلنا بجواز استعمال اللفظ في معنيين فلا يجوز فى المثنى والجمع وذلك لأن مدخول أداة التثنيه والجمع هو نفس الماهية لا بشرط الصالحة لأن تؤخذ من حيث هي في تعلق حكم عليه وهذا هو الذي يسمونه بالاطلاق ولان تؤخذ من حيث الوجود في ضمن فرد ما و يسمونه بالنكرة وأداة النكارة التنوين ولأن تؤخذ من حيث التحقق في ضمن فردين أو أزيد وهما التثنيه والجمع من غير تغير في معنى نفس المدخول أصلاً وانما التغيير والاختلاف في انحاء استعماله ووجوه احضار ذلك المعنى به فتجريده في مقام الوضع المقابل للحمل يوجب كون انتساب الحكم اليه كذلك فيكون للحكم شريان بسريان الطبيعة ؛ وهو الاطلاق

ص: 62

المصطلح ؛ وجعله مقرونا بالتنوين التي هي آلة التنكير يوجب كون استعمال المدخول واحضار معناه واقعاً على هذا الوجه أي على وجه النكارة والتحصل في ضمن فرد ما ؛ فالاختلاف بينه و بين الأول ليس في معنى نفس المادة فانه نفس الطبيعة في الصورتين وإنما الاختلاف في كيفية استعماله وكذلك أداة التثنيه والجمع فانهما آلتان تجعلان إستعماله مدخولها في الكلام وكون وقوعه فيه على وجه التحصل في ضمن فردين أو أزيد فلم يتغير مدلول نفس المدخول ؛ وانما اختلفت خصوصية استعماله فى استعماله وكيفية إيقاعه طرفاً للنسبة. ومن المعلوم ان الحروف كلها أدوات وآلات تحدث كل منها خصوصية في استعمال الاسماء فمن المستحيل ان يستقل الأداة في عرض مدخولها بافادة معنى مغاير لمعنى المدخول والا لخرجت عن كونها حرفاً. فمن هذا تبين عدم جواز ارادة معنيين فى التثنية والجمع أي يحسب أداتهما فما صدر عن صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) (بكونه مجاز بحسب المادة حقيقة بحسب أداة التثنيه والجمع) ناش من عدم تصور معنى الأداة والحرف.

ثم قال صاحب المعالم (رَحمهُ اللّه) والظاهر اعتبار الاتفاق في اللفظ دون المعنى في المفردات الى قوله وتأويل بعضهم بالمسمى تعسف بعيد.

وفيه: ما عرفت من أن أداة التقنيه والجمع آلنان تجعلان طرف النسبة فرد ين من مدخولهما فقولك أكرم رجلين ليس معناه إلا وجوب تحقق الاكرام في ضمن فردين من ماهية الرجل التي هي مدخولة أداة التثنية وهذا المعنى لا يتحقق فى الاعلام الشخصية. ضرورة ان قلت أكرم زيدين لم يصح ما حققناه فيه اذ ليس المدخول افراد لأنه علم

ص: 63

والعلم فرد لا أنه نوع او صنف في نحته أفراد ولم يصح تحقق الاكرام في ضمن فردين من دخول أداة التثنية وهوزيد (فتأمل جداً) فلامناص إلا بتأويل المدخول بالمسمى ليصح إدخال أداة التثنيه أو الجمع عليه فلاريب في صحته وتأويله بالمسمى حينئذ ومعناه تحقق الاكرام في ضمن فردين من مسمى بزيد. ومنها يتبين ان ما أفاده صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) (من ان اعتبار الاتفاق فى اللفظ دون المعنى فى المفردات) بين الوهن واضح السقوط. مع ان المعنى فى المفرد هو المعنى في التثنية والجمع والتغاير انما وقع في خصوصية الاستعمال وكيفية إيقاعة طرفاً للنسبة لما عرفت ان الحروف كلها أدواة توجد وتحدث كل منها خصوصية في استعمال الاسماء في معانيها وإلا لخرجت عن كونها حرفاً.

ثم قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) فكما انه يجوز ارادة المعاتي المتعددة من الالفاظ المفردة المتحدة المتعاطفة على أن يكون كل واحد منها مستعملاً في معنى بطريق الحقيقة فكذا ما هو بقوته.

وهذا الكلام من عجائب الكلمات لما عرفت من فساد المبنى وعدم وقوع الاشتراك في اللغة ليصح فى الالفاظ المتعاطفة على أن يكون كل واحد مستعملاً في معنى واحد ولو سلم وقوع الاشتراك فمع ذلك أيضاً لا يجوز لاحتياجه الى قرينة تعيينية كما هو شأن المشترك هذا حال المقيس عليه ؛ واما حال المقيس اما أولاً قياس فى اللغة واما ثانياً لما بينا من ان الاستعمال الواحد في المعنيين على وجه الاستقلال معناه احداث فهمين مستقلين بتفهيم واحد وهو محال واما ثالثا ان التثنية والجمع بمنزلة تكرار المفرد من معنى واحد لا تكرار معنى واحد فقولك رجلين ليس معناه إلا فردين من معنى واحد فدلالته على الآحاد باعتبار صدق الماهية

ص: 64

على كل واحد منهما فهو بمنزلة تكرير اسم الجنس المنكر ثلاثا أو اثنين ثم ذكر صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) ادلة المانعين (رَحمهُ اللّه)(رَحمهُ اللّه).

احتج المانع مطلقا با نه لو جاز استعماله فيهما لكان ذلك بطريق الحقيقة الى قوله وكونه مريداً لهما معاً معناه أن لا يريد هذا وحده وهذا وحده «الخ».

وفساد هذا الاستدلال أوضح من ان يبين ضرورة ان المنع لم ينشأ من جهة اخذ قيد الوحدة فى المعنى لما علمت سابقاً من ان استعمال اللفظ في المعنيين مرجعه الى تحقق وجودين مستقلين بايجاد واحد وهو يرجع الى اجتماع النقيضين لأن الوجود عين الايجاد و مرجع تعدد الواحد الى اجتماع الوجود والعدم وهو مجال وهذا هو سبب المنع لا ما زعمه المستدل بقوله : (بانه لو جاز استعماله فيهما معاً لكان بطريق الحقيقة) فان الحقيقة والمجاز لا ربط له بما نحن بصدده و يكفى في المنع بان نقول تعدد الارادة من غير تعدد الاستعمال لا يمكن وقوله : (ان له حينئذ معان ثلاث هذا وحده وهذا وحده وهما معاً) فاسد إذ لو فرضنا هما معاً معنى آخر خرجنا عن محل النزاع ضرورة انه لو استعمل اللفظ في مفهوم عام ينطبق عليه انطباق الكلي على الفرد لا اشكال في امكانه لأنه إستعمال في معنى واحد وان كانت صحته تابعة لوجود العلاقة المصححة فكانهم لما زعموا ان الوحدة مأخوذة فى المعنى أشكل عليهم الأمر فمنعوا الجواز من هذه الحيثية ولكن قد عرفت ان الوحدة لا ربط لها بالمعنى بالبيان السابق ذكره وانما المنع لم ينشاً من أخذ قيد الوحدة فلا نعيد ما مضى.

ثم اجاب صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) وقال : والجواب انه مناقشة الفظية اذ المراد نفس المداولين معاً لا بقاؤه للكل واحد منفرداً.

ص: 65

وهذا الجواب أوهن من بيت العنكبوت ضرورة بعد القول بان الوحدة جزء للموضوع له أي المعنى والنزاع استعمال اللفظ في المعنيين وخروج الوحدة عن المفهومين فجعل الاستعمال في ماسواها خروجا عن محل البحث وليس استعمالاً في معنيين لأن الوحدة كانت مأخوذة فى كلا المعنى ان قلت داخل فيلزم الاشكال وهو التناقض وان قلت خارج يلزم الخروج عن محل النزاع فتأمل واين هذا من كونه نزاعاً لفظياً.

ثم قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) احتج من خص المنع بالمفرد بان التثنية والجمع متعددان في التقدير فجاز تعدد مدلوليها بخلاف المفرد.

وهذا استدلال عجيب لما عرفت من ان المعنى في المفرد هو المعنى فى التثنية والجمع والتغاير انما وقع في خصوصية الاستعمال لأن الحروف كلها أدراة تحدث كل منها خصوصية في الاستعمال ولوجوزنا في المفرد لا متنع فى التثنية والجمع بالبيانات التي سبقت ذكرها فارجع البصر ان التثنية والجمع بمنزلة تكرار المفرد لا تكرار المعنى (فتأمل).

ثم ذكر صاحب المعالم (رَحمهُ اللّه) ما أجيب عنه فقال : بإن التثنيه والجمع انما يفيدان تعدد المعنى المستفاد من المفرد فان افاد المفرد أفاداه وإلا فلا.

هذا الجواب على فرض وقوع الاشتراك صحيح لكنه قد عرفت فساد المبنى ومحصله ان التثنيه والجمع لم يفيدا إلا فردين أو ثلاثة من مدخولهما وهو المفرد اذا كانت خالية عنهما بمعنى ان المفرد هو المعنى في التثنية التثنية والجمع والتغيير وانما وقع في خصوصية الاستعمال.

قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) احتج من خص الجواز بالنفي بان النفي يفيد العموم فيتعدد بخلاف الاثبات (انتهى).

ص: 66

وفساد هذا الدليل من الوضوح بمكان فان وقوع المشترك فى حيز النفي لا يمكن ارادة المعنيين منه بحسب أداة النني فضلاً عن ان يجوز ذلك بحسب الأداة دون المادة فالنفي لا يراد من اداته بل يحدث في الكلام بها ولا يعقل اختلاف معنى الموضوع له باختلاف حال النسبة الكلامية من حيث الاثبات والنفي.

ولقد أجاد صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) في الجواب عن هذا الاستدلال حيث قال : ان النفى أنما هو للمعنى المستفاد عند الأثبات فاذا لم يكن متعددا فمن اين التعدد فى النفى (انتهى).

ثم قال (رَحمهُ اللّه) حجة مجوزيه حقيقة ان ما وضع له اللفظ واستعمل فيه هو كل من المعنيين لا بشرط أن يكون وحدة «الخ».

وفيه : ان المنع لم ينشأ من جهة جعل المعنى لا بشرط أو بشرط لا أو بشرط شيء فان المنع إنما نشأ عن حقيقة الاستعمال وجعل المعنى لا بشرط وان كان صحيحاً لكن لا يجدينا كيف مع ان الاستعمال الواحد في المعنيين على وجه الاستقلال معناه احداث فهمين مستقلين بتفهيم واحد وهو محال لأن اللفظ آلة التفهيم واستعماله عبارة عن اعماله في احداث الفهم فاستعماله فى المعنى عين تفهيم المعنى به (فافهم).

وقد اجاب صاحب المعالم (رَحمهُ اللّه) عن هذا الاستدلال بما لا محصل له حيث قال : والجواب ان الوحدة يتبادر «الخ».

وفيه: ما عرفت خلافه حيث ان الوحدة لا يعقل إتخاذه فى المعنى لأن نسبة المعنى فى الطرفيه اليه كنسبة اللفظ اليه فيها فكما ان

ص: 67

الملحوظ في جانب اللفظ هو ذات اللفظ من دون نظر إلى قيد الوحدة وعدمها كذلك في جانب المعنى مع ان الوحدة المأخوذة فى الموضوع له إن أريد بها إنفراده في الطرفيه لذلك الوضع الشخصي القائم ثم بهما وهي تنفي كون الموضوع له مركباً منه ومن آخر ومقابله في جانب اللفظ عدم كون الموضوع مركباً منه ومن لفظ آخر وان اريد بها إنفراده في أصل الوضع فهو ينفى الاشتراك ومقابله في جانب اللفظ عدم الترادف ولا معنى لاعتبار الوحدة في الموضوع له سواهما وكلاهما أجنبي عن محل النزاع إذ النزاع في اقتران المعنبين فى الاستعمال والاقتراز والانفراد في مرحلة الوضع اجنبي عن ذلك (فافهم) مع ان التبادر في محل المنع اولاً واطلاق ثانياً وجعل الماهيات الموضوعة لها الالفاظ بشرط شي من عجائب الأوهام فتأمل.

ثم قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) حجة من زعم انه ظاهر في الجميع عند التجرد عن القرا من قوله تعالى : ألم تر ان اللّه يسجدله من فى السموات الخ وهذا الاستدلال من الغرابة بمكان ضرورة أن المشترك عند التجرد من القرينة لا يحمل على أحد من معنييه لا انه يحمل على جميع معانيه هو هذا شأن المشترك عند الاستعمال لاحتياجه الى قرينة تعيينيه مع ان السجود على ما يظهر باستقراء. وارد الاستعمال هو الخضوع وحيث يقابل الركوع فهو غاية الخضوع والسقوط على الارض وبهذا الاعتبار اطلاقه على معابد الاسلام فيقال لها مساجد كما أنه في سائر الملل يعبر عنها بالبيع والصلوات بضم الصاد واللام لا أنه استعمل في معان متعددة فان الخصوصية تنشأ من الاضافة وموارد الاستعمال ؛ وموارد الاستعمال ؛ فافهم واما الصلاة فمعناه العطف فهي موجودة في موارد الاستعمالات حتى في قولنا صلى العود بالنار فمعناه واحد واستعمل في معنى واحد.

ص: 68

ولقد اجاد صاحب المعالم (رَحمهُ اللّه) فى الوجه الأول من الجواب حيث قال : إن معنى السجود فى الكل واحد وهو غاية الخضوع وكذا في الصلوة لكنه أخطأ يجعل معنى الصلاة الاعتناء بإظهار الشرف وكونه مجازاً لما عرفت من ان معناه هو العطف والخصوصية ناشئة من الموارد.

ثم قال صاحب المعالم (رَحمهُ اللّه) وثانيها ان الآية الأولى بتقدير فعل کانه قيل و يسجد له «الخ».

وفيه : ان حروف العاطفة تجعل مدخولها مشاركة في الحكم مع المعطوف عليه وهذا المعنى لا يتحقق ان اضمر فعل وأريد منه غير ما يراد من الفعل الأول ففى المثال المذكور ان أريد من الفعل المسبوق ذكره معنى مغاير لما يراد فى الاضمار لما اشتركا في الحكم مع ان شأن ادخال حروف العاطفة المشاركة فى الحكم وجعل الخير مقدراً فى المثال الثاني لا ينفعنا ولا يجدينا ولا يتحقق الاستعمال كيف وان الاستعمال عبارة عن اعمال اللفظ واحداث الفهم واستعماله في المعنى عين تفهيم المعنى به مع ان الارادة من لفظ واحد في موارد متعدده معان متعددة مبني على وقوع الاشتراك قد عرفت فساد المبني (فافهم).

ثم قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) وثالثها أنه وان ثبت الاستعمال فلا يتعين كونه حقيقة بل نقول هو مجاز الى قوله فا القرينة على إرادة الجميع ظاهرة «الخ».

وفيه: ان صيرورة الاستعمال حقيقة أو مجازا ليس جوابا

ص: 69

ولا تنافي الثبوت فإن الثبوت يجتمع معهما وقوله (رَحمهُ اللّه) (ولو كونه حقيقه فالقرينة على ارادة الجميع موجودة) فاسد اذ المستدل يدعى الظهور عند العدم ولو فرضاً وتقديراً وجعل القرينة في بعض الموارد دليلاً على ارادة الجميع لا ربط لما ادعاه المستدل (فتأمل).

قال صاحب المعالم (رَحمهُ اللّه) أصل اختلفوا في استعمال اللفظ في المعنى الحقيقى والمجازي كاختلافهم في استعمال المشترك في معانيه (الخ).

وفيه: ان هذا النزاع خلط بين النزاعين (احدهما) في جواز استعمال اللفظ الحقيقي والمجازي اذا كان مجاز هذه الحقيقه (وثانيهما) النزاع في جواز استعمال اللفظ في المعنى الحقيقي والمجازي اذا لم يكن مجاز هذه الحقيقة نعم يمكن ادخال الأخير في استعمال اللفظ في معنيين حقيقيين باسقاط الخصوصيه وسنوضحه انشاء اللّه.

لكن التحقيق ان النزاع في هذا المقام من الخرافات وذلك لما تقدم في مطاوي كلماتنا السابقة ان الحقيقة والمجاز صفتان متقابلتان تنتزعان من كيفية الاستعمال فيتصف بهما الاستعمال فيقال استعمال حقيقي أو مجازي وليس ذلك إلا من كونهما جهتين منتزعتين من كيفية الاستعمال والاستعمال امر بين اللفظ والمعنى فاتصاف الاستعمال بهما أولى وإنصاف طرفيه بهما ثانوي بواسطة عروض الاستعمال ولذا لم يكن اللفظ قبل الاستعمال لا حقيقة ولا مجازا وكذا المعنى لا يتصف بهما قبله فالحقيقه والمجاز صفتان في الاستعمال منتزعتان من كيفيتين متضادتين متقابلتين فيه وبيان ذلك يحتاج الى بسط وتوضيح فنقول وضع اللفظ لمعنى عبارة عن جمله آلة لتفهيمه فيكون له اختصاص به في هذه الجهة والتجوز امر

ص: 70

راجع الى جهة معنوية بين أمرين بأن يكون بينهما تناسب تام يصح معه إقامة أحدهما موقع الآخر ويلاحظ الوحدة بينهما في مرحلة تأويلية فهما بلحاظ التحقيق متغايران و بلحاظ التأويل متحدان وهذا معنى كون المجاز توسعاً فى الحقيقة أي تعدياً وتجاوزاً عن حدودها المقومة لها فان الأسد شجاع مخصوص وهو الحيوان المفترس وحيث كان له تعين وإمتياز في هذه الصفة خصوصياته الآخر في جنبها بمنزلة العدم ؛ وهذا معنى اشتراطهم أظهر الخواص واعتبارنا العلاقة القوية والمناسبة التامة الذي مرجعه الى كون الصفة بحيث يضمحل في جنبها ما عداها فيصح حينئذ الغاء تلك الخصوصيات وجعل الأسد عين الشجاع في مرحلة التأويل فكانه اتسعت دائرة تلك الطبيعة المفترسة ؛ ومقتضى الاتحاد المذكور ترتب احكامه وخواصه عليه ومن جملة خواصه إسمه المختص به في جهة التفهيم فايقاع لفظ الأسد على الرجل الشجاع نحو من انحاء إيقاعه على الحيوان المفترس لما عرفت انه بلحاظ الاتحاد معه وكونه عينه وهوهو وإلا فمع لحاظ المغايرة لا يجوز لحوق احكامه وخواصه به كما أن إيقاعه على نفس الطبيعة المخصوصة المعهودة المتميزة بخصوصياتها نحو آخر من أنحاء ايقاعة عليه الا ان الكيفيتان مختلفتان فلفظ الاسد قديكون ايقاعه على الحيوان المفترس على وجه التحقيق والحاظ الحقيقة فهو الاستعمال الحقيقي الذي لا تأويل فيه لكونه إعمالاً له فيما عين له كما عين له من دون تصرف ولا تاويل؛وقد يكون ايقاعه عليه على وجه التأويل والتوسع فيه فالاختلاف ابتداءاً وان كان في حال المعنى الا ان الوقوف على حده الذي هو عليه أو التوسع فيه والتجاوز عنه لما كان باعتبار ايقاع اللفظ الذي هو الاستعمال حدث في نفس الاستعمال كيفيتان مختلفتان متضادتان اللتان هما منشأ انتزاع وصفى

ص: 71

الحقيقة والمجاز فاتصف بها الاستعمال ابتداء وبالاصالة وطرفاه اللفظ والمعنى بواسطته ثانيا و بالتبع ولم يكن اللفظ والمعنى متصفين بهما قبله وكيف كان فالحقيقة والمجاز صفتان متضادتان متقابلتان تطرءآن على الاستعمال على التبادل لكونه مقتضي التضاد و التقابل، ولا يحوز اجتماعهما في استعمال واحد لاستحالة اجتماع النقيضين لرجوعه الى كون الاستعمال فيه مبنياً على التأويل وغير مبني عليه. فاستعمال اللفظ فى معناه الحقيقي ومجاز هذه الحقيقة معاً محال غير جائز، ولو قلنا بجواز الاستعمال فى مطلق المعنيين حتى الملفق من الحقيقة والمجاز اذا لم يكن مجاز هذه الحقيقة فالنزاع فى الاخير غير النزاع فى الأوله فالاشكال فى الاخير من جهة نفس الاستعمال فهو اشكال عام سار في جميع الصور حتى فى صو استعمال اللفظ في معناه الحقيقي والمجازي اذا كان مجاز هذه الحقيقة والاشكال فى الاول من جهة استحالة اجتماع صفتي الحقيقة والمجاز فى استعمال واحد ومختص به «فتأمل».

والى ما حققنا يرجع ما استدل به المانعون في هذه الصورة الاخيرة.

قال صاحب المعالم (رَحمهُ اللّه) حجة المانعين : انه لو جاز استعمال اللفظ في المعنيين للزم الجمع بين المتنافيين اما الملازمة فلان من شرط المجاز نصب القرينة «الخ».

وانت اذا أحطت خبراً بما بيناه عامت استقامة هذا الدليل وعدم ورود شئ مما أورد عليه القوم في كتبهم (فتأمل).

«منها» ما أورده سلطان المحققين في حاشيته على المعالم من أن المعتبر فى المجاز القرينة المانعة من إرادة المعنى الحقيقي في هذه الارادة بدلاً عن المعنى المجازي واما لزوم كون القرينة مانعة من ارادة المعنى الحقيقى بارادة اخرى فممنوع انتهی.

ص: 72

وفيه ما عرفت من استحالة ارادتين في إستعمال واحد بالبيان السابق ذكره فارجع البصر.

و (منها) ما قيل من ان غاية ما ثبت كون المجاز ملزوماً لقرينة مانعة عن إرادة المعنى الحقيقى منفرداً واما عن ارادة المعنى الحقيقى مطلقاً فلا (انتهى) وفيه ان هذا الأشكال ناشي عن عدم تفطن معنى الحققية والمجاز ومن أحاط بحقيقتهما عرف سقوط هذا الايراد.

و (منها) ما قيل ايضاً من أن اللفظ الموضوع للجزء يستعمل في الکل كالرقبة في الأنسان ولا ريب حينئذ في إرادة المعنى الحقيقي مع المجازي فاین المعانده وفيه المنع من مجازية ما فرضة أولاً وقد مر تحقيقه فيما سلف وعدم كون الفرض هو المعاندة بين المعنيين ثانياً مع ان من الضروري عدم المعاندة بين الجزء والكل بل بينهما إتحاد وعدم إرادة المعنى الحقيقى فى المفروض ثالثاً وانما الجزء ينفهم من الكل بالتبغ وعدم الاستعمال فيه رابعاً لحقيقة إن هذا المورد لم يحصل معنى الحقيقه والمجاز ولا كيفية التنافي بينهما ولا معنى القرينة المعاندة ولا كيفية معاندتها ولا وصل الى حقيقة إرادة المعنى من اللفظ ولا معنى إستعمال اللفظ فيه ولا تصور محل النزاع من استعمال اللفظ فى المعنيين.

و (منها) ما قيل ايضاً من ان النزاع المفيد في هذا المقام هو أنه هل يجوز استعمال اللفظ في الموضوع له وغيره أم لا وليس يلزم في كل ما استعمل في غير الموضوع له أن يكون له قرينة مانعة عن ارادة الموضوع له غاية الأمر ان يسمى ذلك استعمال اللفظ في المعنى الحقيقى والكنائي لا الحقيقى والمجازى فان الكناية ايضا استعمال اللفظ في غير الموضوع له مع جواز ارادة ما وضع له فلم يثبت عدم جواز الاستعمال

ص: 73

بالتزام القرينة المانعة للحقيقة لعدم ضرورة الالتزام وفيه (أولاً) أنه اختلط عليه محل النزاع لما بينا أن النزاع في استعمال اللفظ الحقيقي ومجاز هذه الحقيقة لا في معالق المجاز فضلاً عن مطلق غير الموضوع له والدليل المذكور دليل عدم الجواز في مفروض النزاع ضرورة ان قرينة المجاز تعاند حقيقة هذا المجاز لا حقيقة آخر فالاعتراض على هذا الدليل بالمستعمل فى المعنى الموضوع له ومطلق غير الموضوع له اجنبي عن المتنازع فيه بمرحلتين و (ثانياً) انه قوله (وليس يلزم فى كل ما استعمل فى غير الموضوع له) «الخ» فاسد اذا المستعمل في غير الموضوع له اما غلط أو مجاز ولا واسطة والغلط خارج عن مقاصد اهل الفن فالاستعمال الصحيح في غير الموضوع له لا يكون الا مجازاً وهو لا يكون بدون قرينة مانعة عن ارادة الموضوع له و (ثالثا) قوله (غاية الامر ان يسمى ذلك) (الخ) باطل لأن الكناية من اقسام الحيققة لا واسطة بينها و بين المجاز ولا الأعم من الواسطة والمجاز كما يوهمه ظاهر العبارة حيث سمى المستعمل في مطلق غير الموضوع له كناية.

تم قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) حجة المجوزين انه ليس بين أرادة الحقيقة وارادة المجاز معاً منافاة واذا لم يكن ثم منافاة لم يمتنع اجتماع الارادتين عند التكلم (الخ)

وهذا الاستدلال من السخافة بمكان فان جعل النتيجة دليلا لا تخفى شناعته على احد ضرورة ان قوله (ليس بين ارادة الحقيقة وارادة المجاز معاً منافاة) هو عين (لا يمتنع اجتماع الارادتين) فيلزم اتحاد الدليل والمدلول ولو سلم لم يكن اتحاد الدال والمدلول فلا نسلم بين ارادة الحقيقة وارادة المجاز معاً لم يكن منافاة لأن إرادة المجاز تحتاج الى قرينة معاندة لارادة الحقيقة

ص: 74

مع ان إرادة المجاز معناه التأويل فى المعنى الحقيقى وارادة الحقيقة معناه عدم التأويل فى المعنى الحقيقي فاجتماعهما في استعمال واحد يلزم اجتماع النقيضين لرجوعه الى كون الاستمال فيه مبنيا على التأويل وغير مبني على التأويل فامتنع اجتماع صفتي المجاز والحقيقة في استعمال واحد (فتأمل).

ومن هنا تبين فساد قولهم ذكره صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) حيث قال احتجوا لكن مجازاً بان استعماله فيهما استعمال في غير ما وضع له «الخ».

فان هذا کلام صوري لا محصل له ولا طائل فى التصدى لهذه الخرافات بعد ما عرفت حقيقة الاستعمال واتصافه بالحقيقة والمجاز.

ثم قال صاحب المعالم (رَحمهُ اللّه) احتج القائل بكونه حقيقة ومجازاً بان اللفظ استعمل في كل واحد من المعنيين والمفروض انه حقيقة في احدهما مجازاً فى الآخر ولكل واحد من الاستعما لين حكمه (انتهى).

وفيه: (أولا) انه اجنبي عن محل النزاع فان النزاع أنما هو في استعمال اللفظ فى المعنى الحقيقى والمجازي معاً باستعمال واحد لا باستعمالين قانه لا نزاع في إمكانه وصحة وقوعه بالاعتبارين و (ثانياً) ان الحقيقة والمجاز صفتان متقابلتان يطران على موضوع واحد بالتبادل كما هو مقتضى التضاد والتقابل واتصادف الاستعمال بكليهما في استعمال واحد اجتماع للنقيضين (فتأمل).

ولقد تفطن صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) بان حجة من قال بالجواز ومن قال بالحقيقة والمجاز بالاعتبارين اجنبي عن محل النزاع حيث قال (قدّس سِرُّه) ونزيد الحنة على مجازيته بان فيها حروجاً عن محل النزاع اذ، وضوع

ص: 75

البحث هو استعمال اللفظ في المعنيين الى قوله فهو معنى ثالث لها وهذا الانزاع فيه « الخ» وهذا كما ترى لكنه أخطأ بجعله عمو المجاز ولم يتفطن » (قدّس سِرُّه) ان هموم المجاز هو استعمال اللفظ في الحقيقة والمجاز معاً لا في أمر جامع لهما كما زعمه (رَحمهُ اللّه) اللّهم الا ان يقال بان عموم المجاز استعمال اللفظ في أمر هو أعم من الحقيقة والمجاز و يكون استعماله في ذك الأمر الأعم الشامل لهما وقد تفطن بما بيناه بعض المحشين كسلطان العلماء وغيره فارجع البصر وقوله (رَحمهُ اللّه) (مثل ان تريد بوضع القدم في قولك : لا أضع قدمي في دار فلان ؛ الدخول فيتناول دخولها حافيا وهو الحقيقه وناعلاً وراكباً وهما مجازان) يجعله من أقسام عموم المجاز ممنوع بل انه كناية ومن أقسام الحقيقة واستعمل وضع القدم في معناه الحقيقى فان الكناية على قسمين (أحدهما) ما يكون تفهيم الموضوع له لمجرد التوطئة والتمهيد لتفهيم لازمه فالغرض الاصيل لم يتعلق إلا بانفهام اللازم كقولك لمن ليس له كلب أصلاً؛ انه جبان الكتاب فالغرض الاصيل لم يكن إلا ببيان كثرة الوفود والقرى عنده الذي هو لازم المعنى الموضوع له ونظيره فلان أعطاني الدنيا فان العوض بيان لازمه الذي هو كون ما اعطاه غاية مأموله او متمناه فاللفظ في هذين المثالين ليس مستعملاً في اللازم بل لم يستعمل الا في نفس الموضوع له ولم يرد من اللفظ الا تفهيمه ؛ لكن لا لغرض متأصل فيه بل في انفهام اللازم بواسطة انفهام المعنى الموضوع له و يمكن ان تجعل مثالنا المذكور من هذا القبيل بان المراد من لا أضع قدمي معناه لا لغرض متأصل فيه بل في الفهام لازمه بواسطة الفهام المعنى الموضوع له وهو عدم الدخول مطلقاً (فافهم) (ثانیهما) ما يتعلق الغرض الأصلي بكلیهما

ص: 76

كما تقول : فلان قائم الليل وصائم النهار وانت تريد به كثرة صلاته وصيامه. و بيان شدة ورعه وزهده فانفهام اللازم والملزوم كليهما. متعلق للغرض بالاصالة إلا ان اللفظ لم يستعمل إلا فى الموضوع له فان اللفظ لم يجعل إلا آلة لتفهيم الموضوع له غير ان الغرض كما تعلق بالفهامه من اللفظ كذا تعلق بانفهام اللازم من الموضوع له ايضاً ولقد اشتبه غير واحد من الاساطين منهم صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) انه من قبيل استعمال اللفظ فى المعنى الحقيقي والمجازي وسماه بعموم المجاز ولم يتبادر الى ذهنه بانه من أقسام الكناية واستعمال اللفظ في المعنى الحقيقى و يمكن بان يكون مثالنا المذكور من هذا الباب فقولك لا أضع قدمي في الدار بان يكون متعلق الغرض معناه الحقيقي ولازمه لكنه استعمل في معناه الحقيقي (فتأمل).

ومما يقضي منه العجب قوله (رَحمهُ اللّه) : والتحقيق عندي فى هذا المقام انهم إن أرادوا بالمعنى الحقيقي الذي يستعمل فيه اللفظ حينئذ تمام الموضوع له حتي مع الوحدة الملحوظة «الخ».

فانك قد عرفت ان الأشكال ليس ناشئاً عن أخذ قيد الوحدة وعدمها في الموضوع له فان مع غض البصر عن أخذ قيد الوحدة وعدمه يرد الأشكال عليه من جهتين أحدهما عام والآخر مختص به دون غيره والاشكال العام هو ان استعمال اللفظ فى المعنيين لا يمكن بالبيان السابق ذكره ان شئت فارجع البصر وهذا يجرى في جميع الأوجه حتى في المعنيين المجاز بين واما الاشكال المختص بهذا المورد هو استحالة اجتماع النقيضين لرجوعه على ما بيناه سابقاً الى كون الاستعمال فيه مبنيا على التأويل وغير مبني على التأويل (فافهم) ومن هنا يتبين وجه فساد

ص: 77

ما افاده صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) بقوله : وان ارادوا به المدلول الحقيقي من دون اعتبار كونه منفرداً اتجه القول بالجواز لأن المعنى الحقيقى يصير بعد تعريته عن الوحدة مجاز يا للفظ فالقرينة اللازمه للمجاز لا تعانده «الخ».

لما عرفت من ان الاشكال قد ينشأ من جهة نفس الاستعمال وهو الاشكال الساري فى جميع الأوجه حتى فى المعنيين المجازيين ولا بأس بالأشارة الى دليل الاستحاله فنقول لما عرفت سابقاً بان ارادة المعنى من اللفظ عين استعمال اللفظ فيه وليس امر وراه تبين لك ان كلا من المعنيين لا ينفرد بارادة مستقلة فان الارادة المراد بها التسبب للايجاد هو عين الايجاد فارادة التفهيم للمخاطب عين ايجاد الفهم له المتحقق بايجاد اللفظ الذي هو الاستعمال فالايجاد واحد وتحقق وجودين بايجاد واحد محال هذا مجمل الكلام والتفصيل مر ذكره ومن أراد فليراجع ما سبق ذكره.

أصل في الاوامر والنواهي

أقول: الأوامر مفرده الأمر وهو مقابل للسؤال والنهي نقيض الأمر فالتقابل بين الأوليين هو تقابل التضاد والتقابل بين الأمر والنهي هو تقابل التناقض وعلى أي تقدير يعتبر فيه وجود المقسم فهو معتبر فى الاقسام والا لم يعقل التقابل فالأمر قد يكون باللفظ وقد يكون بغيره من الآلات

ص: 78

الدالة عليه كما ان النهي كذلك نعم الغالب فيه يتحقق بالاول.

قال صاحب المعالم (رَحمهُ اللّه) صيغة إفعل وما في معناها حقيقة فى الوجوب فقط بحسب اللغة على الأقوى.

فيه: ان الوجوب والندب وغيرها أمور منتزعة عليها بحسب إختلاف الموارد ومقامات الاستعمال وليس شيء منها معنى لها والذي محط نظر هم (قدّس سِرُّهم) هو وضع الهيئة ضرورة ان المادة أجنبية عن هذه المرحلة فاذا علمت ذلك تبين لك أن إنصافها بالحقيقة والمجاز باطل على كل حال لأن الهيئات والحروف لا يعقل انصافها بشيء منهما مع ان الوجوب والندب وغيرها معاني إسمية لا يعقل ان يكون معنى لهيئة أمر الأن وضعها حرفي (فتأمل) ولو سلم وفرض جواز كونها معاني لها لم يجز كونها حقيقة ومجازاً في شئ منها فكيف اذا امتنع كونها معاني كما هو الحق والصواب.

فالتحقيق اذ يقال ان فعل الأمر كسائر الافعال يشتمل على مادة وهيئة وهيئته جعلت بالوضع آلة البعث على المادة فهي بالوضع لا تدل أبداً إلا على البعث المخاطب على الماهيه ولا تستعمل إلا في ذلك ولكن الاغراض تختلف غاية الاختلاف فان غرض المستعمل من البعث يتعلق بأمور منها حصول الماهية في الخارج فيتولد من البعث حينئذ طلب ايجاد الماهية فزعم غير خيير ان الصيغة استعملت فى الطلب لكنه غفلة كيف والطلب عنوان متولد من القضية لا داخل في معناها المستعملة فيه فقولك إضرب لم تستعمل في طلب ايجاد الضرب بل المادة استعملت فى الحدث والهيأة كشفت عن النسبة المخصوصة وهو البعث وطلب الايجاد تولد منه بعد الاستعمال

ص: 79

في معناها فالبعث على الماهية فعل أولى وطلب ايجادها فعل ثانوي منه كتولد الاحراق من الالقاء فى النار وهما متحدان في مرحلة التحصل فالمتكلم ابتداء يوجد لفظ إضرب و بايجاده يتحقق بعث المخاطب على الضرب وببعثه على الضرب يتحقق طلب ايجاده لتعلق غرضه بحصول الضرب وانما جعل البعث مقدمة ووصلة اليه فالطلب أمر مستفاد من خصوصية مقام الاستعمال لا مدلول اللفظ فلا يعقل ان يكون الطلب معنى اللفظ كما لا يعقل كون الأخبار معنى الكلام الخبرى اذ خصوصية الاستعمال يستحيل ان تقع مستعملاً فيها ثم ان تعلق غرض المستعمل بالحصول ان كان بحيث لا يتجاوز عنه لشدة إهتمامه به وهو المعبر بعدم الرضاء بالترك فالمتولد من البعث حينئذ الطلب الحتمي المعبر عنه بالوجوب وان لم يكن الاهتمام بتلك المثابة فالمتولد الطلب الندبي وهو الاستحباب فالوجوب والندب خصوصيتان في الطلب تنشان من كون المقام مقام الحتم وعدمه فكما ان الطلب يستحيل ان يقع معنى اللفظ ومستعملاً فيه لاختلاف المرتبة فكذاها لكون مرتبتهما بعد الطلب فان خصوصية الشيء متأخرة عنه رتبة فالوجوب والندب أو مطلق الطلب لا يعقل ان يكون معنى فعل الأمر فضلاً عن ان يكون حقيقة فيها أو مجازاً هذا إذا أراد المستعمل حصول الماهيه فتأمل.

ومنها تبين انقياد المكلف وظهور مبادرته الى الطاعة فان الصحيح عدم اعتبار المصلحة في الحكم من حيث ذاته ضرورة ان الحكم الجزاف من المولى السفية حكم حقيقة وانما تعتبر المصلحة من جهة الحكمة اذالحكمة تنا في اللغو والعبث واللغوية تزول بمجرد حسن الحكم في نفسه وان لم يكن في متعلقه حسن ومصلحة فالمعيار أبداً بصلاح الحكم وحسنه وهو قد ينشأ من حسن المتعلق فيكون الحكم صلاحاً وحسناً لحسن متعلقه وقد

ص: 80

لا ينشأ منه كالأوامر الابتلائيه حيث لم يكن في ذبح اسماعيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) مصلحة و حسن أبداً وانما كانت المصلحة في الحكم والامر به ليترتب عليه انقياد إبراهيم (على نبينا وعليه السلام) فالبعث اذا الغرض منه امتثال المكلف وانقياده لا حصول المكلف به فى الخارج كان المتولد من البعث حينئذ الابتلاء و إمتحان المكلف فالهيئة لم تستعمل إلا في البعث والامتحان أمر متولد منه بعد الاستعمال لا انه استعملت فيه الهيأة كما سبق الى بعض الأوهام فانه غير معقول لاختلاف المرتبة واستحالة وقوع مورد الاستعمال وخصوصيته مستعملاً فیه.

(ومنها) ظهور عجز المخاطب وتبين قصوره عن الاتيان فان الغرض من البعث ربما يتعلق بذلك هو قوله تعالى فأتوا بعشر سور مفترات فان الصيغة لم تستعمل إلا فى البعث على الأتيان بالسور وانما الغرض منه اظهار عجزهم عن ذلك فتوهموا أن الصيغة استعملت في التعجيز فعدوه من معانيها ولم يتفطنوا انه ناش من الاستعمال في مقام التعجيز لا مستعمل فيه فانه مستحيل لاختلاف المرتبة كما عرفت.

و (منها) تهديد المخاطب فان الغرض من البعث قد يتعلق به كما اذا اغتر مغرور بانك لا تؤاخذه بصنعه أولا تقدر على المؤاخذة فتقول له إفعل حتى ترى أو اعمل ما شئت فالمقصود تنجيز العقاب و بيان ترتبه على الفعل محققاً فجعل البعث عليه توطئه لاراءة الحوق المؤاخذه فالصيغة لم تستعمل إلا فى البعث لكن الغرض منه التهديد بالحوق المؤاخذة لا انها استعملت فى التهديد كما توهموا.

ان قلت: ان المقصود فى التهديد الزجر والردع عن ارتباك

ص: 81

الفعل فكيف تدعى استعمال الصيغة في البعث عليه وهل هذا إلا التناقض.

قلت: ان التناقض يلزم على تقرير تعلق الغرض من البعث بالاصالة بالايجاد المنا في للتهديد أي قصد البعث للانبعاث وأما إذا قصد لا للانبعاث بل لتحقيق لحوق ما يترتب عليه من المؤاخذة فلا فالبعث في مقام التهديد توطئة للزجر ولا منافات (فتأمل).

(و منها) ترخيص الفعل فان الغرض من البعث قد يتعلق به لأن البعث على الشئ ينافي الرجز عنه فيدل على عدم المنع فالصيغة لم تستعمل الا فى البعث إلا ان الغرض الأصيل منه اعلام عدم المنع ولا يتوقف ذلك على حظر معلوم السبق أو مظنونه أو متوهمه كقولك تعالى وكلا منها حيث شئتها وكلوا من رزق اللّه وقوله فاسعوا في مناكيها لمدم توهم أحد ان السعي في مناكب الارض محظور نعم قد يصادف ذلك مورد سبق الحظر فيفيد ارتفاعه كقوله تعالى اذا حللتم فاصطادوا واذا قضيت الصلاة فانتشروا اذا عرفت ذلك علمت ان الاهانة أو الاحتقار أو الاستهزاء أو السخرية أو الاكرام أو الاحترام وغير ذلك مما لا يكاد يحصى انها أمور تعلق الغرض بها فتولد من القضية لا انها أمور تستعمل فيه الصيغة كما سبق الى الأوهام (فتأمل).

وقد استدل صاب المعالم (قدّس سِرُّه) على المختار بوجوه سخيفة.

قال (رَحمهُ اللّه) لنا وجوه انا نقطع بان السيد اذا قال لعبده (الخ).

وفيه: ان هذا الاستدلال خلط بين النزاعين فان محل النزع

ص: 82

انما هو فى الامر المقابل للنهي الذي اصطلح اطلاق الأمر عليه علماء النحويين المتحقق فى السؤال والالتماس ايضاً ليس النزاع فى الأمر المقابل للسؤال والالتماس وقول السيد لعبده إفعل لا يدل على ان صيغة إفعل في كل مورد حتى في مورد السؤال والالتماس يستفاد منه الوجوب فان الخاص لا دلالة له على العام مع اننا بينا سابقاً ان الوجوب لا يعقل ان يكون معنى لهيئة لأن الهيئة وضعها حرفي والوجوب واخواته معنى اسمى (فتأمل).

وقوله (قدّس سِرُّه) لا يقال القرائن على ارادة الوجوب في مثله موجودة الى قوله لانا نقول المفروض فيما ذكرناه انتفاء القرائن «الخ».

فيه : من المفاسد ما لا تحصى (أولاً) المنع من انتفاء القرينة فيما ذكره كيف والقرينة في قول السيد عبده هو كونه صادراً من العالى ومرجمه الى أنه امر مقابل للسؤال و (ثانيا) ان فرض الانتفاء لا يستلزم وقوع الانتفاء فر بما يحكم النفس ببقاء الذم بانضمام القرائن وحصولها في النفس وفى الواقع وان فرض انتفاءها نعم لو انتفت القرائن فى الواقع وحكم الوجدان ببقاء الذم ينفع فى المطلوب.

وقوله (رَحمهُ اللّه) (بضميمة اصالة عدم النقل الى ذلك يتم المطلوب) فان هذا الكلام لا تخفى شناعته على بشر فان اصالة عدم النقل استصحاب قهقرائي وليس شأنها الاثبات فان الأثبات شأن الدليل والأصل يدفع المانع لأن الكلام فى الملائم والاصل له مرحلة أخرى مع ان هذا الأصل لا معنى له أصلاً فان مرجع الأصول اللفظية كلها الى الأخذ بالمقتفى عند احتمال المانع فان معنى اصالة الحقيقه هو الاخذ بمقتضى الوضع وعدم الاعتبار باحتمال المانع من مجاز أو تخصيص أو تقييد

ص: 83

ولا اعتبار في الأصل إلا من هذه الجهة وهذا المعنى في اصالة عدم النقل المعبر عنه : بالاستصحاب القهقرا في مستحيل (فتأمل) نعم لنا اصالة عدم النقل وهو عدم هجر المعنى الأصلى و بين النوعين بون بعيد ولم يردها صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) لعدم مناسبته فى المقام.

ثم قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) الثاني قوله تعالى مخاطباً لابليس ما منعك ان تسجد اذ امرتك والمراد بالأمر اسجدوا (الخ).

وهذا ايضاً كسابقه في وضوح الفساد بمكان لما عرفت من ان النزاع ليس فى الأمر المقابل للسؤال بل انما النزاع في صيغة افعل المتحقق فى الأمر والسؤال والالتماس جميعاً فدلالة أسجدوا في الآية على الوجوب من جهة صدوره من العالي واين هذا مما نحن بصدده.

ثم قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) الثالث قوله تعالى فليحذر الذين يخالفون عن امره ان تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب اليم (الخ.)

لما عرفت من ان النزاع انما هو في صيغة إفعل وليس النزاع فى الأوامر الصادرة من الموالى إلى عبيدهم.

وقوله (رَحمهُ اللّه) (فأن الكفار معاقبون على الفروع كعقابهم الأصول) لا يخفى ما فيه فإن العقاب فرع التكليف ويعتبر فى تعلق الأحكام الفرعية سواء كانت وضعية أو تكليفية الاسلام فان العقل والشرع حاكمان بان الكافر لم يكن متعلقاً للتكاليف الفرعية اما العقل فيقول : ان تحقق الفرعية قبل الأصل ينافي الفرعية فان المخلوق وان كان عبيداً اللّه والنبي مبعوث على الناس أجمعين ولا يتوقف نفوذ حكم اللّه تعالى ورسوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فى التعليم والاختيار ولكن لما لم تتحقق العبودية الاختيارية بالتسليم لم يتحقق موضوع النواميس فانها إنما تشرع بالنسبة الى من كان

ص: 84

تحت الطاعة وسلم نفسه وأما المتمرد الذي لم يعترف بالعبودية فلا معنى لوظائف العبيد بالنسبة اليه ألا ترى ان السلاطين انما يحكمون على رعاياهم واما من لم يدخل تحت الطاعة فلا حكم بالنسبة اليه فجريان الأحكام بالنسبة اليه فرع دخوله في زمرة الرعية واما الشرع كقوله تعالى يا ايها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام (الآية) واما الأخبار الدالة على هذا الباب مما يكاد يلحق بالضروريات نعم نحن نعترف وهو ايضا كسابقه لا يصح الاستدلال به لأن عنوان الامرية المقابلة ناسؤال فيه معلومة والنزاع أنما هو في صيغة إفعل التى تجتمع مع الالتماس والسؤال وان الكلام الماهو فى الاستفادة التى استندت الى حاق اللفظ من دون مدخلية المتكلم فى ذلك فان الاستفادة اما مستندة الى الوضع فلام عنى لتقييد الاستفادة بقيود اجنبية عن الوضع واما غير مستندة الى الوضع فيخرج عن محل النزاع فان الوجوب اذا استفيد من اللفظ ولكن مع ضم قرينة حالية أو مقاليه فلا اشكال في الاستفادة ولم ينازع فيه أحد مع ان الأمر بالاحذار لا يدل على شيء بل انما هو كاشف عن كون الأمر منه (تعالى) للوجوب واما أنه مما تستفاد من الأمر أو من الخارج فلا يشعر بذلك وليس الكلام في احذار المخالفين بل الكلام في استفادة الوجوب من الصيغة (رَحمهُ اللّه) (والتهديد دليل الوجوب) ولو سلمناه لم ينفعه بمعنى أن نقول أن التهديد دليل على ان أوامره واجبة وقد تبين مما حققناه فساد جميع ما صدر عنه فى هذا المقام.

و استدلال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) بقوله (واذا قيل لهم فاركم و الايركمون) اشنع من سابقه بان الكفار مكلفون بالفروع على الترتيب فهم حال كفر هم مكلفون بالايمان ثم الصلاة أي بهذا الترتيب و يمكن تصحيح ما صدر عن صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) وحمله على هذا المعنى

ص: 85

قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) احتج القائلون بانه للندب بوجهين (أحدهما) قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) اذا أمرتكم بشي فأتوا منه ما استطعتم وجه الدلالة انه رد الاتيان بالمأموريه الى مشيتنا وهو معنى الندب.

وفيه :ان هذا الاستدلال لا منشأ له لما عرفت من ان الأمر لا يعقل أن يكون حقيقة فى الطلب فكيف يمكن ان يكون حقيقة في خصوصياته وهو الندب أو الوجوب فان الوجوب والندب على ما شرحناه سابقاً ينتزعان من خصوصية الطلب فهما متأخران عنه رتبة ولا يعقل تحققهما مع عدم الطلب هذا مع ان المراد من الاستطاعة القدرة لا المشة (فتأمل) ولو سلم بكون الامر المخصوص للندب لا يدل على ان جميع الاوامر كذلك انه في صدد بيان انه يجب الاتيان بالمأمور به مهما امكن.

ثم ذكر صاحب المعالم (رَحمهُ اللّه) الوجه الثاني من ادلتهم و قال : و (ثانيهما) ان أهل اللغة قالوا لا فرق بين السؤال والامر الا بالمرتبة فان رتبة الأمر أعلى من رتبة السائل والسؤال انما يدل على الندب فكذلك الأمر اذ لو دل الأمر على الايجاب لكان بينهما فرق آخر وهو خلاف ما نقلوه (انتهى).

وفيه: ان الوجوب امر نشأ من الرتبه فمن جهة أن الأمر أعلى رتبة ينشأ منه الوجوب ودلالته على الوجوب انما نشأ من الرتبه وجعله مقابلاً للرتبة أمر عجيب وقياس الامر بالسؤال أعجب وأغرب.

ثم قال صاحب المعالم (رَحمهُ اللّه) وأجيب بان القائل بكون الأمر

ص: 86

للايجاد يقول ان السؤال يدل عليه ايضاً لأن صيغة أفعل عنده «الخ».

وفيه: من المفاسد ما لا تخفى (منها) توجيه الايرضى قائلهأو القائل يدعى كون الصيغة الموجوب لغة وثبوت الوجوب بالشرع أجنبي عما هو بصدده و (منها) ان الايجاب عين الوجوب والتغاير بالاعتبار فيا لنسبة الى الفاعل ايجاب وبالنسبة الى نفسه وجوب ولا يعقل الانفكاك فمتى تحقق الايجاب تحقق الوجوب و (منها) دلالة السؤال على الايجاب من الفساد بمكان فان الايجاب جعل الشئ واجباً وهو امر ينشأ من الأمر المقابل للسؤال وهذا المعنى غير موجود فى السؤال واعتبار العلو والاستعلاء لا يكفى (فتأمل).

قال صاحب المعالم (رَحمهُ اللّه) والتحقيق ان النقل المذكور عن أهل اللغة غير ثابت بل صرح بعضهم بعدم صحته انتهي وقد زعم (قدّس سِرُّه) انه هو الجواب الصحيح عن المستدلين للندب ولكن التحقيق خلافه فان النقل على تقدير صحته انما هو توضيح الواضحات ومجرد انكار النقل غير مجد بل الاستدلال مع الانكار ايضاً صحيح فان رتبة الأمر أعلى من رتبة السائل من أوائل البديهيات ولا يحتاج الى القول به من أئمة اللغة والتصريح بعدم صحته ظاهر الفساد.

قال صاحب المعالم (رَحمهُ اللّه) حجة القائلين بانه للقدر المشترك ان الصيغة استعملت تارة في الوجوب كقوله تعالى أقيموا الصلاة واخرى فى الندب كقوله تعالى فكاتبوهم «الخ».

وهذا الاستدلال من الوهن بمكان ضرورة ان الصيغة لو كانت موضوعة للقدر المشترك فالاستعمال فى الوجوب والندب لا معنى له فان

ص: 87

الاستمال اما يقع فى الموضوع له واما في الخارج بعلاقة مصححة وانتفاء الاستعمال فى القدر المشترك وهو طلب الفعل مسلم بالفرض والاستعمال فى الندب أو الوجوب يحتاج الى علاقة مصححة للتجوز وهي منتفية ولو سلم فهو خلاف الفرض مع ان الوجوب والندب لا يعقل ان يستعمل فيهما استعمالاً حرفياً اذ الوجوب والندب من المعاني الاسمية مع ان الاستعمال لا ينحصر في الوجوب والندب كما هو واضح لمن تفحص مع ان الوجوب والندب أمران ينتزمان من الخارج بانضمام القرائن اليه مع ان الاستدلال بكونه موضوعة للقدر المشترك باقيموا وكاتبوهم مما لا يخفى شناعته على من له أدنى مسكة مع ان الاشتراك والحقيقة والمجاز أمور طارية على الاسماء والهيئات والحروف لا تتصفان باحدها أصلاً مع ان الاشتراك ان كان عن مبنى صحيح يقدم ولا بأس به فقولهم (دفعاً للاشتراك والمجاز) بين الفساد مع أن الامر ليس مردد بين الاشتراك والحقيقة والمجاز فان الحقيقة على ما ذكرنا متيقنة غاية الأمر أنه لا يعلم أن الأمور معاني أو مصاديق فيدور الامر بين الانطباق والاستعمال مع تيقن الحقيقة لا أن الأمر دائر بين المجاز والحقيقة فيكون الاستعمال متيقنا والحقيقة محتملة وقد تبين مما حققنا فساد جميع ما صدر في هذا المقام عن صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) (فتأمل جيدا).

قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) احتج السيد مرتضى (رَحمهُ اللّه) على انها مشتركة لغة بانه لا شبهة في استعمال صيغة الأمر فى الايجاب والندب معاً في اللغة والتعارف والقرآن والسنة وظاهر الاستعمال الحقيقة «الخ».

وفيه: (أولاً) ان جعل الاستعمال متيقنة والحقيقة

ص: 88

محتملة قد بينا خلافه بل التحقيق هو أن الحقيقة متيقنة لكن الأمور أهي موارد او معان بمعنى أن الأمر دائر بين الاستعمال والانطباق مع تيقن الحقيقة و إصالة الحقيقة إنما تجرى بعد العلم بالاستعمال لا فى موقع الشك فقوله (رَحمهُ اللّه) (لا شبهة في استعمال الصيغة فى الايجاب والندب معاً في اللغة والمتعارف) بين الوهن واضح السقوط و (ثانيا) الاستدلال بظاهر الاستعمال الذي مفاده اصالة الحقيقة لا تخفى شناعته على أحد كيف وأن مفاد الأصل رفع المانع لا الاثبات ولا يعقل الاستدلال بالأصل مع أن معنى إصالة الحقيقة هو الأخذ بمقتضى الوضع وعدم الاعتداد باحتمال المانع من مجاز أو تقييد لا ما زعمه (قدّس سِرُّه) من اثبات الاشتراك باصالة الحقيقة فان إصاله الحقيقة أجنبي عن مدعاه وقد تبين مما حققنا فى ما افاده السيد (رَحمهُ اللّه)في باقي كلماته فالحاذق البصير لا يخفى عليه ما فيه.

وما إشتهر من ان السيد (قدّس سِرُّه) يقول بالاشتراك لفظاً فهو غير معلوم في كل مورد ينسب اليه بل يرى المتتبع لكتبه معلومية العدم فراجع ان كنت في شك مما بينت.

قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) واحتج على كونها حقيقة في الوجوب بالنسبة الى العرف الشرعي بحمل الصحابه كل أمر ورد في القرآن والسنة على الوجوب «الخ».

فيه: انه لا ينافي كونها ايضاً حقيقة في الندب واجماع الصحابة الحمل على الوجوب من جهة ان طلب الايجاد يكفى فيه اطلاق الاستعمال وتجرده عما يصرفه الى غيره لانصراف الاطلاق بنفسه الى الطلب لما عرفت أن

ص: 89

منشأ انتزاعه كون نفس البعث متعلق الغرض بالاصالة ومن المعلوم ان البعث حيث ما خلى وطبعه كان متعينا لتعلق الغرض به إصالة، وهذا معنى كون طلب الايجاد منصرف هذه الصيغة، وحيث كان الأذن فى الترك من آثار عدم المطلوبية فمقتضى الانصراف هو الوجوب ؛ لا ما يتوهم بانه أكمل فرديه لان كمال الفرد لا يوجب الانصراف وإلا لا نصرف الحيوان الى الأنسان والانسان الى النبي و بطلانه واضح، ولا ما تخيله صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) (بكونه له لغة ) ضرورة ان الوجوب كما لندب وغيرها تستفاد من انضمام القرائن اليه ومراد السيد (قدّس سِرُّه) من قوله بحمل الصحابه «الخ». ان الصحابة كانوا يعاملون مع كل أمر ورد ولم يعلم حاله ساله معاملة الوجوب فلا يتناقض مع ماصدر عنه في صدر المبحث وما زعمه صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) فهو عجيب كيف والسيد مرتضى (رَحمهُ اللّه) أجل وأعلى من ان يتهافت بين صدر كلامه وذيله.

ثم قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) احتج الذاهبون الى التوقف بانه لو ثبت كونه موضوعاً لشيء من المعاني لثبت بدليل واللازم منتف (الخ).

وهذا الاستدلال من عجائب الأوهام ضرورة ان التوقف جهل لاقول مختار ؛ وثبوت الاوضاع ليس بالعقل والنقل، بالتبادر وعدم صحة السلب على القول بهما والاطراد على المختار.

قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) حجة من قال بالاشتراك بين ثلاثة أشياء «الخ».

وفيه: قد عرفت سابقاً ان الاشتراك لفظاً في الهيئات

ص: 90

والحروف لا يعقل لعدم تعقل تكفل الهيئة للجهتين المتضادتين (فارجع البصر).

قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) حجة من قال للقدر المشترك بين الثلاثة وهو الاذن (الخ).

فيه: ان الاشتراك المعنوي بين الوجوب والندب و الاباحة فرع وجود الجامع المخصوص بينها وهو مفقود، والعام لا ينتج والاذن فى الكراهة ايضاً موجود فعام.

قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) فائدة يستفاد من تضاعيف احاديثنا المروية من الأئمة (عَلَيهِ السَّلَامُ) ان استعمال صيغة الأمر فى الندب كان شايعاً في عرفهم بحيث صارات من المجازات الراجحة «الخ».

وفي هذا الكلام للنظر مواقع (منها) ان كون المجاز راجحاً او مرجوحاً مما لا معنى له، فانه متفرع على العلاقة فان كانت موجودة فيصح الاستعمال فيتعين فيه والا فلا و (منها) ان الندب ليس من المعاني المجازية والتعبير بانه حقيقة راجحة أولى من المجاز الراجح، والوجوب ليس معنى حقيقياً وأشكال الحكم بكون الأمر للوجوب بمجرد الورود عن الأئمة غير منحصر بما اذا كان الندب من المجازات الراجحة بل ذلك يجرى على مختارنا ايضاً من كون المعاني المتوهمة انما هو موارد للأمر ولا يمكن الحكم باحديهما إلا بقرينة خارجية و (منها) كون الندب لو كان معنى مجازيا والوجوب حقيقياً فلا اشكال في الرجوع الى الحقيقة عند الشك في ارادة المجاز وان كان الاستعمال فيه أكثر وأشيع.

قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) اصل الحق ان صيغة الأم

ص: 91

بمجردها لا اشعار فيها بوحدة ولا تكرر وانما تدل على طلب الماهية.

قلت: انك اذا عرفت سابقاً ان الطلب والوجوب والندب من الأمور المتوهمة انها معاني وليست بها بل انها أمور انتزاعية تفهم من الموارد الموجبة لأختلاف الاغراض الموجبة لاختلاف المرادات علمت ان المرة والتكرار اللذان لا يكونان إلا في مرحلة الامتثال الذي نسبته الى الأمر نسبة الحكم الى الموضوع أولى بعدم دخولهما في المدلول وان الاستحالة هنا آكد من الأول فانه مستلزم لتقدم الشيء على نفسه وكون العملة الفاعلية علة مادية، والهيأة على ما بيناها موضوعة للبعث أي آلة لذلك وضعاً، والبعث نسبة خاصة متعلقة بالمادة التي هي نفس الماهية والمرة والتكرار لا يعقل ارتباطها بتلك النسبة فضلا عن كونها مأخوذة فيها فان كان ولابد فانما هي ترتبط بمتعلق الغرض الذي هو حصول الماهية فى الخارج وهو عين مرحلة الامتثال المتاخره عن الأمر فضلاً عما استعمل فيه اللفظ ؛ والحاصل ان ما يستعمل فيه اللفظ هو البعث على الماهية فالبعث مفاد الهيئه والماهية مفاد المادة وشيء من المرة والتكرار لا يعقل أن يدخل فى البعث ولا الماهية اما الماهية فلعدم صلوحها فى نفسها بشي منها وأما البعث فهو في نفسه وان كان قابلاً لها إلا أنه بلحاظ كونه معنى آلياً غير قابل ايضاً، ولو سلم فهو غير مراد قطعاً ضرورة عدم كون المقصود دلالة الهيئة على البعث مرة او تكراراً اراً، نعم حيث كان استعمال اللفظ فى المعنى المذكور في مقام يتعلق الغرض بحصول المادة أي الماهية التي هي متعلق الطلب المتولد من القضية أمر يقبل المرة والتكرار فهي من قيود متعلق الطلب المنتزع من خصوصية الاستعمال وقد بينا

ص: 92

مراراً ان خصوصية الاستعمال لا تقع جزءاً من المستعمل فيه فضلاً عن الأمر المنتزع من تلك الخصوصية وهو الطلب فضلاً عن متعلق هذا المنتزع وهو الايجاد فضلاً عن قيود هذا المتعلق وهو المرة والتكرار، فانها كيفيات فى الايجاد والأيجاد ما تعلق به الطلب والطلب منتزع من خصوصية الاستعمال وهي متأخرة عن نفس الاستعمال المتأخر عن المستعمل فيه المتأخر عن الوضع ؛ فمن زعم انها داخلة فيما وضعت له الصيغة او فيها استعملت فيه او هي لازم الموضوع او المستعمل فيه فقد اخطأ الصواب بمراحل، فظهر ان بحث المرة والتكرار أجنبي عن ساحة معنى الهيئة والصيغة ولا يمكن أن يحصل ارتباط بها وانما هو بحث عن كيفية إمتثال الأمر لا بحث عن معنى هيئة إفعل فان موضعه كبقية الهيئات مبحث الاشتقاق وأما مباحث الأوامر فهي أجنبية عن مسائل الاشتقاق وقوله (قدّس سِرُّه) الحق ان صيغة الأمر بمجردها لا إشعار فيها بوحدة أو تكرار هو الحق الذي تقتضيه الضوابط والبراهين العقلية واختلاف الأقوال ناش عن الالتفات الى انفهام التكرار والمرة في بعض الموارد ولم يلتفتوا الى أن ذلك انما هو ؛ وكيف كان إدعاء دلالة لأجل دليل خارجي الصيغة عليهما مما يوجب الضحك للشكلي وقوله (قدّس سِرُّه) (وانما تدل على طلب الماهية) قد عرفت فساده وان الطلب ينتزع حيث يكون استعمال اللفظ فى البعث في مقام يتعلق الغرض بحصول الماهية فيتولد منه عنوان الطلب ودلالتها عليها يلزم تقدم الشيء على نفسه وهو الاستحالة بمكان فافهم واغتنم.

لا يقال ان النزاع في دلالة هيئة إفعل على المرة و التكرار انما نشأ من جهة اشتقاقها عن المضارع وهو يدل على الاستمرار، والفرع لا بد

ص: 93

ان يشتمل على الأصل والاستمرار الحدوثي عين التكرار في هذه الصيغة ولاريب ان النزاع على هذا التقدير يرجع الى البحث عن معنى الهيئة كالنزاع في دلالة هيئة المضارع عليهما لانا نقول إن إشتقاق الأمر ليس كذلك كيف فان معنى هيئة إفعل نسبة بسيطة قائمة بثلاثة أطراف هى البعث على الماهية وليس معنى المضارع موجوداً فيها وانما معنى اشتقاقها عنه كونها معنى متأخر عنه طبعاً في مرحلة اللحاظ وانما تنحل اليه وإلى خصوصية في ظرف التحليل، لأن مدلول كل منهما نسبة بسيطة وحدانية لا أنها مركبة من أمرين أو ثلاثة فيلحق لكل حكمه في ضمن التركيب مع أن دلالة المضارع على إستمرار الحدوث أو أحد الزمانين في بعض الموارد انما تنشأ من إنصراف إطلاقها، فهي من مقتضيات الاطلاق لا الوضع؛ ومقتضى الاطلاق يزول بالتقييد فضلاً عن عروض تغير موجب لتبدل الهيئة الى هيئة أخرى من جهة اشتقاقها عنها معنى، فان الاشتقاق المعنوي ليس إلا الترتب والتأخر الطبعي بين المعنيين في اللحاظ، مع أن إرجاع النزاع في دلالة الصيغة على المرة والتكرار الى دلالتها على الحال أو الاستقبال مضحك للمشكلي ؛ فتأمل جيداً عسى أن ينفعك في ما يتعلق بهذا العنوان.

قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) ان التبادر من الأمر طلب الايجاد «الخ».

وفيه: ما عرفت سابقاً، ان الطلب كالمرة والتكرار أمر يستفاد من الخارج ؛ حكم العرف بالتبادر واضح الفساد فقوله (رَحمهُ اللّه) (والمرة والتكرار خارجان عن حقيقته كالزمان والمكان فكما ان قول القائل إضرب غير متناول لمكان ولا الزمان ولا آلة يقع بها الضرب كذلك غير

ص: 94

متناول للعدد في قلة ولا كثره) بين الوهن واضح السقوط ؛ ضرورة انه قياس في اللغة أولاً ومصادرة ثانيا.

ثم قال صاحب المعالم (رَحمهُ اللّه) نعم لما كان أقل ما يمتثل به الأمر هو المرة لم يكن بد من كونها مرادة «الخ».

وفيه: إن امتثال الأمر وحصول الامتثال بالمرة أجنبي عن مرحلة الدلالة، ضرورة انه بحث عن أحكام ماهية الأمر وكيف كان جعل النزاع في دلالة الامر على المرة والتكرار الذي هو بحث عن أحكام ماهية الأمر كبقية مباحث الأوامر باجمعها نزاعاً في تشخيص معنى هيئة إفعل الذي هو بحث عن مسألة من مسائل الاشتقاق خلط وقع من صاحب المعالم ونظرائه (قدّس سِرُّهم) وتبعه الأواخر ويستند الخاط الى أمور (منها) اصطلاح النحاة على تسمية هذه الصيغة بفعل الامر و (منها) كون الصيغة من معاني لفظ الامر و (منها) تمثيل الاصوليين في مباحث الأوامر بهذه الصيغة وعدم التميز بين معنى اللفظ والعنوان المتولد من القضية فقوله (قدّس سِرُّه) (لم يكن بد من كونها مرادة) ظاهر البطلان ضرورة لا منافات بين حصول الامتثال بالمرة وعدم كون المرة مرادة كما في صورة إذا تعلق الأمر بالماهية ؛ مع ان الكلام الماهو فى الدلالة لا الارادة ؛ فالمنشأ لهذين القولين هو اختلاف الموارد من حيث إستفادة المحبوبية الذاتيه في مورد وعدمه في آخر فهما أجنبيان عن المقصد والمرام.

ثم قال صاحب المعالم (رَحمهُ اللّه)و بتقرير آخر وهو انا نقطع بان المرة والتكرار من صفات الفعل اعنى المصدر كالقليل والكثير لأنك

ص: 95

تقول إضرب ضرباً قليلاً «الخ».

وهذا الاستدلال من الغرابة بمكان (أولاً) ان البعث انما يتعلق باسم المصدر لا المصدر ضرورة أن المصدر من المشتقات، والالوم اذ يكون فعل الأمر مشتقين وهو ضروري البطلان «ثانيا» ضرباً في قولك اضرب ضرباً قليلاً مفعول مطلق وهو ايضا اسم مصدر ؛ ولذا لا تعمل عمل الفعل من جهة كونه من الجوامد فلا يعقل دخول المرة والتكرار في اسم المصدر الذي هو الماهية لعدم صلوحها في نفسها بشئ منهما فان المرة والتكرار صفتان لحصول الماهية لا الماهية وهذا هو المراد من قولنا : لعدم صلوحها في نفسها ؛ وقد تبين مما حققناه ما فيها افاده (قدّس سِرُّه) في بقية كلامه.

قال صاحب المعالم (رَحمهُ اللّه) احتج الأولون بوجوه (أحدهما) انه لو لم يكن للتكرار لما تكرر الصوم والصلاة وقد تكررا قطعاً.

وفيه: ان وجوب التكرار انما هو لقيام الدليل من الخارج لامن الصيغة، ولا ينافي ذلك بدلالة الصيغة على البعث، فان الوجوب انما يستفاد من الخارج كما أن الندب أيضاً كذلك، فوجوب فرد و ندب آخر كلاهما من الخارج والصيغة أجنبية عنهما.

ثم قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) (رَحمهُ اللّه) والثاني ان النهي يقتضى التكرار فكذلك الأمر قياساً عليه بجامع إشتراكهما في الدلالة على الطلب.

وفيه:ان النهي كالأمر في عدم الدلالة على المرة والتكرار فقياس الأمر بالنهي لا معنى له ؛ والأمر بعث على الماهية والنهي زجر عنها

ص: 96

والطلب ليس جامعاً بينهما (أمعن النظر فانه دقيق جدا).

ثم قال «ص» (قدّس سِرُّه) الثالث ان الأمر بالشئ نهي عن ضده والنهي يمنع عن المنهى عنه دائماً فيلزم التكرار في المأمور به.

وهذا الاستدلال أوهن من بيت العنكبوت اذ الأمر بالشيء ليس عين النهي عن ضده، بل هو من باب المقارنات الاتفاقية وأن الضدين لا يجتمعان بيان ذلك انه قد يتفق في مورد تحقق علة وجود أحد الضدين لم يتفق علة وجود الآخر وذلك لأن الضدين لا يجتمعان فان البياض فى الجسم ليس علة لعدم السواد بل انما البياض معلول عن علته وعدم السواد مستند الى عدم عليه كما ان وجود البياض مستند الى علته وفيما نحن فيه كذلك حيث ان وجود الشيء المأمور به لا يجتمع مع وجود اضداده. وقوله (رَحمهُ اللّه) (والنهي يمنع عن المنهى دائما) غير صحيح لأن النهي كالأمر فى عدم الدلالة على التكرار.

قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) سامنا لكنه معارض بالحج فانه قد أمر به ولا تكرار.

وفيه: ان تكرار الصلاة والصوم والحج والوضوء وتكرار الأذكار في الصلاة والاوراد والركوع والسجود والقنوت مما لا يخفى إستحبابه على ذيمسكة وحصول الامتثال بالوحدة غير عدم استحباب التكرار أو حرمته مع ان الاستحباب من الضروريات فقراءة الحمد يحصل الامتثال بها بالمرة ولكن التكرار لا دليل على حرمته يل يجوز و يستحب كما ان نفس الصلاة يحصل الامتثال بها بالمرة الحصول الطبيعة ولكن استحباب التكرار ولو ألف مرة مما لا ريب فيه وكذا الحج كما في الخبر حيث سئل

ص: 97

عن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) عن تكرار الحج وعدمه فقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لو قلت نعم لوجب اذا امرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم (الرواية) وليس ذلك إلا لأجل استفادة المحبوبية الذاتية : وأما حصول الامتثال بالمرة فهو لا يدل على شيء.

تم قال صاحب المعالم (رَحمهُ اللّه) انه قياس فى اللغة وهو باطل وان قلنا بجوازه فى الأحكام.

توضيحه : ان بطلان القياس إما ذاتي و إما عرضي ؛ ولو لا نهى الشارع عن العمل بالقياس فى الأحكام لما كان بهذه المشابة بخلاف بطلان القياس فى اللغة فانه ذاتي لها خصوصاً على القول بان للالفاظ واضعاً فلا مناط حينئذ إلا إرادة الواضع وميله ؛ ولا ربط للجهات الكامنة في الالفاظ والمعا في فيستحيل القياس : والذي يخالجنى ان تفريقه بين الموضعين إشارة إلى ما أشرناه من أن بطلان القياس في الشرع والأحكام أهون من غيرها.

ثم قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) وثانيهما بيان الفارق فان النهي يقتضى انتفاء الحقيقه وهو انما يكون بانتفاءها «الخ».

وفيه: ان النهي زجر ومنع عن إنصاف الذات بالفعل كما هو مقتضى دخول لاء الناهيه على فعل المضارع الذي مفاده الصاف الذات بالحدث بمعنى ان الزجر والمنع مفاد لاء الناهية وهيئة فعل المضارع بمعناها ياقيه والأمر بعث على الفعل والماهية أهم قد يكون الغرض الأصلي تعلق الزجر والمنع بنفس الاتصاف وقد يكون الغرض الأصلي تعلقه بنفس التحقق فدخولها حينئذ على فعل المضارع الذي مفاد هيئة اتصاف الذات بالحدث توطئة لعدم الحقيقه ؛ وتزيدها بيانا ببيان مثال فنقول : قولك

ص: 98

لا تضرب فلانا؛ اما الغرض عدم إنصاف الذات بالضرب كما هو مقتضى دخول لاء الناهية على فعل المضارع وأما الغرض عدم تحقق الضرب فى الخارج فيصير حينئذ النهي عن الاتصاف توطئة للنهى عن التحقيق لعدم انفكاكها في الخارج ؛ والنهي عن ما تحقق لا معنى له ولذا لا تدخل على الماضى و يختص دخولها على المضارع.

ثم قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) و ايضاً التكرار فى الأمر مانع من فعل المأمور به بخلافه في النهي «الخ».

وفيه: لا فرق بين الأمر والنهي، فان المنع انما نشأ من الضدية بينهما وإلا فلا مانع ألا ترى أن الأمر بالجلوس في المسجد لا يمنع من الأكل فيه والنهي ايضاً كذلك حيث يمنع من وجود ضده فقوله : (إذ التروك يجتمع و يجامع كل فعل) غير صحيح ولو سلم فهو في مرحلة الاتيان ؛ مع ان المستدل لا يدعى عدم الفرق بينهما وإلا فلا معنى لقوله : (بجامع اشتراكهما في الدلالة على الطلب) وليت شعري كيف يفهم من هذه العبارة دعوى عدم الفرق رغم ان التمايز يحتاج الى افتراق وإشتراك بالضرورة.

ولقد أجاد صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) فى الرد عن ثالث الأدلة من المقائلين باقتضائه التكرار.

حيث قال : بعد تسليم كون الأمر بالشي نهياً عن ضده الى قوله والأمر بالحركة في ساعة يقتضى المنع من السكون فيها لا دائماً (انتهى) فلو كان الأمر بالشيء مؤقتاً نهياً عن ضده مطلقاً لازم التناقض ضرورة ليس بين الكون في السبت و بين الحركة في الجمعة تضاد و يمكن الجمع بينها

ص: 99

بالضرورة و بمثل هذا الدليل فى الجودة رده على من قال بالمرة إلا أن قوله: (اذ لو كان كذلك لم يصدق الامتثال فيما بعدها) من الفساد مكان فانه يرد على ما اختاره (قدّس سِرُّه) اذ الحقيقة تحصل في المرة الأولى فلا يبقى بعدها طلب حتى يصدق الامتثال فى المرة الثانيه لا معنى للامتثال عقيب الامتثال اللّهم الا أن يقال ان الامتثال لما كان محبوباً بالذات عقلاً فلا بأس بإتيانه فى المرة الثانيه والثالثة.

ثم قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) واحتج المتوقفون بمثل مامر بانه لو ثبت لثبت بدليل والعقل لا مدخل له «الخ».

وفيه: قد أشرنا إن التوقف جهل لاقول مختار واستدلالهم لثبوت الأوضاع من العقل والنقل بمكان من الفساد ضرورة ان ثبوت الأوضاع ليس إلا بالاطراد على القول المختار وعليه وعلى التبادر وعدم صحة السلب على الجمهور مع أن النقل لا يفيد إلا مجرد الاستعمال.

قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) اصل ذهب الشيخ (رَحمهُ اللّه) وجماعة الى ان الأمر المطلق يقتضى الفور والتعجيل فلواخر المكلف عصى «الخ».

أقول: أنك إذا علمت ان المرة والتكرار والوجوب والندب أجانب عن الأمر علمت ان الفور او التراخى ايضاً كذلك : فان البحث عنها بحث عن أحكام ماهية الأمر ولوازمها ؛ ولا نظر في شيء من هذه المباحث الى ما يتحقق به ماهية الأمر، فضلا عن ان يكون بحثاً عن أحوال هذه الصيغة ودلالتها اذ نسبة هذه اليها ليست إلاكنسبة صيغة المضارعة وغيرها مما يتحقق به الأمر، فأن الصيغة اذا اتصفت بعنوان الأمرية صارت

ص: 100

مثالاً لموضوع هذه المباحث ؛ ومن المعلوم إشتراك صيغة المضارعة وغيرها معها في هذه الجهة ؛ اذ المضارع أيضاً قد يستعمل في مقام الايجاب فيصير أمراً و يلحقه هذه الأحكام ؛ كما ان صيغة إفعل قد يستعمل في غير مقام الطلب أو في مقام السؤال والالتماس فلا يصير أمراً وتكون حينئذ أجنبية عن هذه المباحث بالمرة فلا أظن أن يتوهم ان الصيغة متكفلة لتلك الجهات فاسناد الدلالة على الفور الى جماعة والاشتراك بينه و بين التراخى الى بعض فمحل تأمل ؛ مع أن الفور والتراخى من قيود متعلق الطلب المنتزع من خصوصية الاستعمال، وخصوصية الاستعمال لا تقع جزءاً للمستعمل فيه فضلاً عن الأمر المنتزع من تلك الخصوصية وهو الطلب فضلا عن. هذا المنتزع وهو الايجاد فضلاً عن قيود هذا المتعلق وهي المرة والتكرار والفور و التراخي ؛ فمن زعم انها داخلة فيما وضعت له فقد أخطأ الصواب بمراحل مع ان الاستدلال بخروج الفور والتراخي بمثل استدلال ما سبق في المرة والتكرار لا يخفى شناعته ؛ لما عرفت ان المرة والتكرار ليسا من صفات الفعل بل هما من صفات حصول الفعل مع ان المقام لا يمكن ذلك، فان الفور والتراخي ليسا من صفات الفعل ولا من صفات حصولة بل هما من صفات ایجاده مع ان الطلب ايضاً خارج عن ما وضعت له الصيغة كما عرفته مشروحاً في السابق ؛ وكيف كان فالمقامات مختلفة فكل مقام يقتضى أمر لا يقتضيه آخر كما ان امر السيد عبده في مورد يقتضى الفور وآخر لا يقتضيه وكأمر اللّه تعالى في مورد يقتضيه ولا يقتضيه في مورد آخر.

ثم ذكر صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) حجة القول بالفور فقال : حجة القول بالفور أمورستة (الأول) ان السيد اذا قال لعبده اسقنى (الخ) و يندفع بمورد آخر فيما اذا قال السيد عبده إعط فلانا درهما فإن تأخير

ص: 101

اعطاء العبد غير مضر به وذلك معلوم عند العرف ولو كان الأمر مفيداً للفور لعد عاصياً فالمقامات مختلفة فكل مقام يقتضى أمر لا يقتضيه آخر كما أن أمر السيد عبده في مورد يقتضى الفور وآخر لا يقتضيه مع أن النزاع انما هو في الصيغة لا في الأمر المقابل للسؤال.

(الثاني) انه تعالى ذم ابليس على ترك السجود لآدم (الخ) و يندفع بان الأوامر الإلهية تختلف غاية الاختلاف ففي مورد يقتضي الفور ولا يقتضيه في مورد آخر، مع ان الدم لا ربط له بمرحلة الدلالة المستندة إلى الصيغة، مع أن الآية مقيدة والبعث انما صار لوقت معين يا فكأن المأمور به أمران أحدهما السجود والآخر وقوعه في وقت خاص.

(الثالث) أنه لو شرع التأخير الوجب أن يكون الى وقت معين الخ ويندفع بأن جواز التأخير وعدمه غير مرحلة الدلالة المستندة الى الصيغة وعدمها ؛ فدلالة البرهان على عدم جواز التأخير غير دلالة الصيغة عليه (فتأمل فانه دقيق جداً). وأعجب من هذا ما أجاب عنه صاحب المعالم بقوله (النقض بما لوصرح بجواز التأخير «الخ») فان جواز التأخير ليس إلا بيد المكلف بكسر اللام ما لم يرجع الى التناقض فان التجويز فى التأخير الى آخر العمر تناقض محض كما أن عدم التجويز قبل تحصيل الشروط مرجعه إلى الأغماض عن الشروط وعدم شرطيتها المناقض الأدلتها أو الى التكليف بالمحال، فظهر فساد النقض بصورة التصريح وقوله (رَحمهُ اللّه) انما يلزم تكليف بالمحال «الخ») من الوهن بمكان حيث يلزمه تكليف بالمحال لو كان التأخير واجباً إلى وقت معين ؛ اذ يجب حينئذ بيان الوقت الذي يؤخر اليه وأما مجرد وجوب التأخير لا يلزمه قطعاً فالحصار التمكن يما اذا كان جائزاً لا معنى له لتمكنه في الآن الثاني من الامتثال (فتأمل)

ص: 102

الرابع) «قوله تعالى وشارعوا إلى مغفرة من ربكم (الخ)» وقوله تعالى «فاستبقوا الى الخيرات (الخ)».

وهذا الاستدلال من الشناعة بمكان ضرورة أن النزاع انما هو في دلالة الصيغة على الفور والتراخي وأما اذا استفيد الفور من الأمور الخارجيه فلا ينازع فيه أحد فأنه هو الحق الذي لا ريب فيه فاذ الفورية فى الآيتين انما تستفاد من المادة : فان الغرض من المادة هو الفور والأتيان بالمأمور به على نحوه لا تأخيره و بعبارة أخرى المادة عبارة عن التعجيل والتقديم والفور لا التأخير فالأمر به أمر بالتقديم والفور في مقابل التأخير والتراخي وأما الهيئة فغير دالة على الفور ؛ بل المورد مورد لا يقبل تأخيره لأن المأمور به هو الفور ؛ فلا يعقل كون الأمر به على نحو التراخي ؛ فالمعرض من الأمر بالفور هو التقديم سواء لم يمكن تأخيره أو أمكن ؛ مع ان الآيات أجنبية عن افادة الوجوب والاستحباب أظهر من أن يخفى على أحد، والحاصل ان الآيات موعظة للمتقين ولا رباط لها بالمقام كما ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر أجنبية عن محل الكلام ، مع أن الأوامر في تلك الآيات إرشادية كاطيعوا اللّه والا لزم الدور أو التسليل.

قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) واجيب بان ذلك محمول على أفضليه المسارعة والاستباق لا على وجوهها والا لوجب الفور (الخ).

وفيه: قد بينا سابقاً أن العرض من المادة هو الفور و الاتيان بنا المأمور يه على نحوه لا تأخيره، أو بعبارة أخرى المادة عبارة عن التفصيل والتقديم والفور لا التأخير فالأمر به أمر بالتقديم والفوز في مقابل التأخير والتراخي وأما الهيئة فغير دالة على الفور قبل الموارد مورد لا يقبل تأخيره

ص: 103

لأن المأمور به هو الفور فلا يعقل تعلق الأمر به على نحو التراخي ؛ فالغرض من الأمر بالفور هو التقديم سواء لم يمكن تأخيره أو أمكن فقوله (رَحمهُ اللّه) (فلا يتحقق المسارعة والاستباق لأنهما إنما يتصوران فى الموسع دون المضيق) من الفساد بمكان فان الكلام ليس في القابلية بل انما هو فى الفعلية كما في الصوم والعمدة في رفع الأشكال انما هو في مثل الصوم لافي مثل الحج والصلاة والدين مما كانت اوقاته موسعة، وان كان لسبب ترك الامتثال بالنسبة إلى الأمر الأول كالحج : فالتحقيق أن يقال أن قيام الدليل فى الخارج على الفور غير دلالة الصيغة التى هي محل الكلام فالاستدلال بالآيات ليس استدلال عليه بل انما هي بنفسها أدلة على الفور فكأنه (رَحمهُ اللّه) غفل عن ان الآيتين أجنبية عن كونها أدلة على دلالة الصيغة فلا معنى لقوله (رَحمهُ اللّه) «والا لكان مفاد الصيغة فيهما منافياً لما يقتضيه المادة (الخ)» فان مفاد الصيغة بعث على الماهية وهو وجوب الفور والتقديم ؛ سواء امكن التأخير أو لم يمكن.

(الخامس) «ان كل مخبر كالقائل زيد قائم وعمرو عالم وكل منشي كالقائل هي طالق وانت حر انما يقصد الزمان الحاضر فكذلك الأمر» وهذا الاستدلال من الوهن بمكان فان المتبادر من اسم الفاعل هو من قام به الفعل ولا فرق فيما ذكرنا بين المشتقات التي مباديها تتعدى الى الغير كالضارب والقائل و بين غيرها كالقاعد والقائم والعالم فقوله (رَحمهُ اللّه) «انما يقصد الزمان الحاضر» بين الوهن واضح للسقوط فان دخول الزمان في مدلول الهيئة مستحيل لأنه معنى مستقل اسمى ومدلول الهيئة حرفي، مع انه مخالف لاجماع أهل العربية على تجرد الاسماء حتى أسيراه الصفات عن الدلالة على الزمان حتى جعلوا ذلك هو المائز بينها

ص: 104

و بين الأفعال فلامعنى لقوله (رَحمهُ اللّه) (وكل منشى كالقائل هي طالق) فان الهيئة صالحة لأن ينشأ بها أو يخبر عنها. ومما يقضى منه العجب ما أجاب عنه صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) بقوله وثانياً في الفرق بينهما بإن الأمر لا يمكن توجيهه الى الحال (الخ) فان بعد تسليم المقدمات لا مناص عن التسليم بالنتيجة ولا يريد المستدل من الزمان الحاضر خصوص الحاله بل يريد الأقرب الى الحال الذي هو عبارة عن الفور وإلا لكان حكم المقيس والمقيس عليه مختلفين ولكان أنت حر وهي طالق من ابتداء التكلم بالالف يوجب الحرية والطلاق وهو ضروري البطلان. مع أن مقارنة المدلول أجنبية عن الدال فان النسب أعم من الكاذبة والصادقة والأمر ممحض فى البعث ولا يعقل وجود الطبيعة قبله فلابد أن يأخر وذلك مما لا كلام فيه وانما الكلام فى الفور والتراخي فلا محصل لقوله (رَحمهُ اللّه) (فبا لفرق بينهما) فانك قد عرفت عدم الفرق وعدم التفاوت في أجنبية جميع ذلك عن الزمان.

(السادس) «ان النهي يفيد الفور فيفيده الأمر لأنه طلب مثله».

وفيه: إن النهى كالأمر فى عدم الدلالة على الفور والتراخي فقياس الأمر بالنهي لا معنى له والأمر بعث على الماهية والنهي زجر عنها وليس الطلب جامعاً بينهما فتأمل فأنه مزال الأقدام ؛ على انا نقول ان اختلاف الأمر والنهي ليس باعتبار إختلاف متعلقيهما حتى يكون الجامع هو الطلب والفارق تعلقه بالايجاد والترك و يكونا من نوع واحد. فان هذا ناش عن توهم ان المضاف اليه متعلق للمضاف وعدم تعقل أنه فصل مميز فطلب الفعل عبارة أخرى عن البعث اليه كما ان طلب الترك عبارة أخرى عن

ص: 105

الزجر عنه ؛ ومن المعلوم إن كلاً من البعث والزجر انما يتعلق بالماهية ولا معنى للبعث على الأيجاد والزجر عن الترك فليس قولنا طلب الفعل من قبيل قلب الصلاة اذ إضافة الأولى الى الفصل والثانيه الى المتعلق : ويكشف عن هذا أن اختلاف النوعين بالهيئة والحرف لا بالمادة فانها في جميع المشتقات شيء واحد والاختلاف بالاشتقاق لا يجامعه الاختلاف بحسب المتعلق فتأمل.

أما ما استدل به السيد المرتضى (نور اللّه مضجعه) بقوله بأن الأمر قصد يرد فى القرآن الى قوله والاستفهام لا يحسن إلا مع الاحتمال في اللفظ، فصواب من جهة وخطأ من أخرى اما الأول وهو كون الأمر حقيقة فى الفور والتراخي وحسن الاستفهام الذي يكشف عن قابلية الأمر واما الثاني وهو الحكم بالاستعمال والاشتراك المعنوي فانهما لا يعقلان في الهيئات «فتأمل».

وما أجاب عنه صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) بقوله ان الذي يتبادر من اطلاق الأمر (الخ) صواب من جهة وخطأ من أخرى اما الأول هو كون الأمر لا دلالة له على الفور والتراخي بل انما يفهمان من لفظه بقرائن خارجية وأما الثاني فلما عرفت من عدم التبادر وأن الأمر موضوع البعث على الماهية والطلب ينتزع من خصوصية المورد حيث كان المقصود من البعث الايجاد وقوله (رَحمهُ اللّه) (ويكفي في حسن لاستفهام كونه موضوعا «الخ») بين الوهن واضح السقوط إذ الفرد ليس معنى مجازياً ولا معنى حقيقياً بالنسبة الى المعنى العام الكلي ألا ترى ان زيد ليس من معاني انسان لا حقيقة ولا مجازاً بل هو مورد ومصداق للمعنى الحقيقى واستعمال الأنسان في زيد غلط فى غلط فقوله (رَحمهُ اللّه) (إذ قد يستفهم من افراد المتواطي لشيوع التجويز به عن أحدهما بالاستفهام)

ص: 106

من أقبح الأغلاط وهو ناش عن الخلط بين الاستعمال والاطلاق وقد عرفت الفرق بينهما سابقا (فارجع البصر).

قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) فائدة اذا قلنا بان الأمر بالفور ولم يأت المكلف بالمأمور به في أول أوقات الأمكان فهل يجب عليه الأتيان به فى الثاني أم لا فذهب الى كل فريق.

وفيه: ان ثبوت التكليف وعدمه انما هو من فروع قولهم معنى إفعل هل هو إفعل في الزمان الثاني وان لم تفعل ففى الثالث ؛ فلا معنى للاختلاف أولاً، ثم اختلاف تفريعهم على ان الأمر ان كان للفور أيضاً لا معنى له فان اختلاف الثاني هو المنشأ لاختلاف الاول فلا معنى لثبوت الأمر المنتزع قبل تحقق منشأ انتزاعه ؛ مع ان عدم دلالة الصيغة على الفور فضلا عن تعرضها لما بعدها من الواضحات ؛ فتبين مما حققنا فساد المبنى وفساد ما فرع عليه.

ثم قال صاحب المعالم (رَحمهُ اللّه) احتجوا للاول بان الأمر يقتضى الخ وهذا الكلام من عجائب الأوهام حيث ان التقييد أعم من الشدة والضعف فلا بد أن يستفاد من الخارج فالتمسك بالأصل مع احراز الشدة والضعف لا معنى ولا مجرى له نعم مع عدم الأحراز ؛ الاصل عدم الشدة الذي مرجعه بقاء التكليف.

ثم قال «ص» (رَحمهُ اللّه) واحتجوا للثاني بان قوله افعل يجرى مجرى قوله أفعل في الآن الثاني من الأمر (الخ).

وفيه: وان كان إفعل يجرى مجرى إفعل فى الآن الثاني لكن

ص: 107

التقييد أعم من الشدة والضعف فلابد أن يستفاد من الخارج فان الحكم المقيد بقيد على قسمين فقد يكون شديداً كالطهارة بالنسبة الى الصلاة ولذا قالوا : فاقد الطهورين لا يجب عليه الصلاة ؛ وقد يكون ضعيفاً كالقيام في الصلاة ؛ فان عدم التمكن من القيام لا يوجب زوال وجوب الصلاة بل جعل له الجلوس ايضاً وهكذا ولا فرق فى ذلك بين التصريح بذلك وعدمه بل التفرقة انما هو بالشدة والضعف اللذان لابد أن يستفادا من القرينة الخارجية مع ان الأصل عدم الشدة الذي مرجعه بقاء التكليف فاذا كان شديداً فلابد من البيان لاختلاف الحكم باختلاف الخصوصية.

ثم نقل صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) ما اختاره العلامة (اعلى اللّه مقامه) فى المقام فقال : (وهو و ان كان صحيحاً إلا أنه قليل الجدوى اذ الأشكال انما هو في مدرك الوجهين (الخ)).

وفيه: ان العلامة (رَحمهُ اللّه)في مقام بيان أن الاختلاف لا معنى له والتكليف وعدمه من فروع قولهم إفعل هل معناه إفعل فى الوقت الثاني فان عصيت ففي الثالث أولاً وقد جعلوا مدرك ثبوت التكليف هو الأول وعدمه هو الثاني فقوله (قدّس سِرُّه) (اذ الأشكال انما هو في مدرك الوجهين) لا معنى له اذ المدرك انما هو في أن إفعل معناه إفعل في الوقت الثاني فان عصيت ففي الثالث، أو افعل فى الزمان الثاني من غير بيان حال الزمن الثالث، فقد قال (قدّس سِرُّه) به ايضا وهو العلم بمعناه الذي لا يستفاد إلا من علم اللغة ولذا اشار بقوله (قدّس سِرُّه) (فالمسألة لغوية).

ثم قال صاحب المعالم (رَحمهُ اللّه) والتحقيق فى ذلك ان الأدلة التي

ص: 108

استدلوا بها على ان الأمر للفور ليس مفادها على تقدير تسليمها متحداً بل منها ما يدل على ان الصيغة بنفسها «الخ».

وفيه: إن إختلاف أدلة الفور بالصنفية لا يثمن ولا يغنى بل اذا قيد صريحاً بان وقت المأمور به مقداره كذا لا يدل على شيء ؛ فان التقييد قد عرفت آنها أعم من الشدة والضعف فلابد من يستفاد من القرائن الخارجيه فلا مجال لقوله (قدّس سِرُّه) (ومن إعتمد على الأخيره) ولعل مرجعه الى ما ذكرناه.

قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) أصل الاكثرون على ان الأمر بالشيء مطلقاً يقتضى ايجاب مالا يتم الواجب إلا به شرطاً كان أو سببا «الخ».

أقول: أنك اذا عرفت مفاد الهيئة والمادة تعرف فساد جميع المباني المعنونة في كتبهم فجملة منها قد عرفت فسادها و بقى جملة أخرى (منها) اختلافهم في أن الأمر بالشي هل يقتضى ايجاب مقدماته أم لا ؛ وذلك ايضاً من الفساد بمكان ؛ فان استفادة وجوب المقدمة من الأمر بذى المقدمة لا معنى له فان المادة والهيئه اجنبيان عن ذلك مع انه مستلزم الوجوب الارادة وان تكون من الواجبات ولا ريب ان لها مقدمة ايضاً فينتهى الأمر إلى وجوب علة العلل ووجوب ارادته، وهو من الشناعة والقباحة بمكان ؛ وأما الأقوال فالحق فيها هو عدم الوجوب الشرعي والالتزام بالوجوب العقلي بمعنى اللابدية ولعل النزاع لفظي فالمنكر ينكر الأول والمثبت يثبت الثاني، فالتخصيص من الوجوب فى السبب دون غيره لامعني له، فان اللابدية التى أنت من ناحية العقل موجودة في السبب

ص: 109

والشرط من دون اختصاص باحدها (فتأمل).

وقول السيد (رَحمهُ اللّه) ان الصحيح في ذلك التفصيل بانه ان كان الذي لا يتم الشيء إلا به سبباً فالأمر بالمسبب (الخ).

من وضوح الفساد بمكان فان الأمر بذى المقدمة لا يلزم الأمر بالمقدمة بل أعم من ذلك ولا يستلزم، فان الاستفادة الحاصلة من الخطاب مستلزم للارادة فانه اما دلالة لفظية فالأمر واضح، فان دلالة الألفاظ تابعة للارادة على ما حققناه في محله ؛ واما ليست لفظيه فالاستفادة من الخطاب لا معنى له مع أن جواز ترك السبب من طرف الأمر لا ينافي بقاء التكليف فان الأمر لا حكم له في المقدمة، والتكليف بالمحال حينئذ لا معنى له فان المقدور بالواسطة مقدور بل انما يلزم ذلك اذا حرم فعل المقدمة مع انه ليس تكليفاً بالمحال بل هو حينئذ مناقضة فما قاله السيد (قدّس سِرُّه).

فى الاحتجاج : بأن الأمر ورد في الشريعة (الخ) للنظر مواقع (منها) الفرق بين الحج والزكاة فان الاستطاعة واسطة في التنجز والنصاب واسطة في ثبوت الحكم و (منها) ان الاستطاعة والنصاب ليستا مقدمتين للواجب بل أنهما واسطة في ثبوت الحكم والتنجز و (منها) إطلاق المقدمة على الوضوء لا معنى له، فان الطهارة للصحة ومقدمة للصحة وليست مقدمة للايجاد بالضرورة و (منها) إطلاق المقدمة على ما يتولد منه فعل توليدى لا معنى له، فان مقتضى المقدمة هو الخروج الذاتي ومقتضى التوليد هو الاتحاد الحقيقى، فما فرقه السيد (قدّس سِرُّه) بين السبب وغيره حيث قال : (بانه محال ان يوجب علينا «الخ») غير صحيح لما عرفت من أن الأمر بالمسبب لا يلازم الأمر بالسبب بل أعم من ذلك مع أن الأمر ليس منحصراً في قسمين ؛ فان محالية ان يوجب

ص: 110

علينا المسبب بشرط إتفاق وجود السبب لا يلازم ان يكون الأمر بالسبب أيضاً ؛ مع أنه ليس تكليفاً بالمحال بل هو حينئذ مناقضة.

ثم قال السيد (رَحمهُ اللّه) بخلاف مقدمات الأفعال «الخ».

وفيه: إن جواز التكليف بالصلاة بشرط أن يكون التكليف بالطهارة مناف لجعل الطهارة شرطاً لصحة الصلاة وكونها حكماً وضعياً مع أنه يخرج حينئذ ان يكون مقدمة للصلاة، بل هو حينئذ واسطة في ثبوت التكليف فقوله (رَحمهُ اللّه) (كما فى الزكاة والحج) من الفساد يمكان فان الاستطاعة والنصاب ليستا مقدمتين للفعل بل هما واسطة في ثبوت الحكم كما في النصاب بالنستة الى الزكاة وواسطة فى التنجز كما فى الاستطاعة بالنسبة الى الحج ؛ فان التكليف بالحج قبل الاستطاعة ثابت لكل بشر، غاية ما فى الباب قبل الاستطاعة غير منجز التكليف بالنسبة اليه بخلاف النصاب فان التكليف بإخراج الزكاة بعد بلوغ المال بحد النصاب (فتأمل).

ومن هنا تبين ما فيها نقض به استدلال المعتزلة، فأنهم يدعون إقامة الحدود ووجودها متوقفة على نصب الأمام ولا ريب أن المقدمة الوجودية اذا كانت مقدورة يستقل العقل باتيانه ومع العدم يستقل بالعدم فجعله من قبيل الزكاة والحج لا معنى له والتحقيق فى النقص أن يقال ان وجوب المقدمة انما هو على من وجب عليه ذو المقدمة، و إقامة الحدود انما هي واجبة على الأمام، ووجوبها على الأمام لا يتوقف على نصب الأمام بالضرورة، ولا ربط أحدهما، بالآخر.

ثم قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) فلنعد الى البحث إلى قوله وان القدرة غير حاصل مع المسببات بدون السبب فيبعد محاق التكليف

ص: 111

بها وحدها «الخ».

وفيه: ما عرفت من أن الأمر بالمسبب لا يلازم الأمر بالسبب بل هو أعم من ذلك ؛ فان القدرة ولو كانت غير حاصل مع المسببات بدون الأسباب لكن لا يلزم تعلق التكليف بكليهما ؛ مع أن امتناع التكليف لا معنى له فان الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار.

وما أجاب به عنه صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) في نهاية الجودة والمتانة فانه هو الحق الذي يقتضيه الضوابط العقليه والبراهين القطعية لكن خفى عليه الامر من أن الاجماع في المقام لا معنى له، فان الوجوب عقلي لا شرعي والضرورة شاهدة عليه وقوله (قدّس سِرُّه) (ثم ان انضمام الاسباب اليها في التكليف الخ) قد عرفت ما فيه، فان المقدور بالواسطة مقدور ولو لم يتعلق التكليف به ايضاً.

ثم قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) ثم حكى بعض الأصوليين القول بعدم الوجوب فيه ايضاً ولكنه غير معروف.

وفية: ما عرفت من أن المنكر إنما ينكر وجوبه الشرعي و القائل به كثير جداً مع أن عدم معرفة القائل لا يوجب الوهن فيه.

ثم إستدل صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) على المختار فقال : لنا ان ليس لصيغة الأمر دلالة على ايجابه بواحدة من الثلاث وهو ظاهر ولا يمتنع عند العقل تصريح الأمر و «الخ».

وفيه: ان الاستفادة هنا ليست بلفظية، فان الاستفادة الحاصلة

ص: 112

من الخطاب مستلزم للارادة ولذلك لم تخطر بالبال المقدمة ووجوبها فعدم الاخطار انما هو لعدم الاستفادة اللفظية، بل الاستفادة هنا عقلية بمعنى اللابدية ولا فرق في ذلك سواء كانت المقدمة شرعاً أو سبباً فإن العقل يستقل بالاتيان به اذا كانت مقدمته مقدورة ومع العدم يستقل بالعدم فقوله (لا يمتنع عند العقل تصريح الأمر الخ) من الفساد بمكان، ضرورة أن الأمر لا حكم له في المقدمة سواء كان شرطاً او سلبا مع أن جواز ترك المقدمة من طرف الأمر فى السبب ايضا كذلك والتكليف بالمحال حينئذ لا معنى له، فان المقدور بالواسطة مقدور.

ثم قال صاحب المعالم. (قدّس سِرُّه) احتجوا بانه لولم يقتضى الوجود في غير السبب أيضا الزم إما تكليف مالا يطاق أو خروج الواجب عن كونه واجباً «الخ».

وهذا الاستدلال من القباحة والشناعة بمكان ضرورة انهما النزاع في الاستفادة من الخطاب، وعدم الاستفادة لا يوجب امتناع التكليف أو خروج الواجب عن كونه واجباً، بل بينا سابقاً لو صرح بجواز ترك المقدمة لا ينافي بقاء التكليف، بل بين ايضا مع تحريم فعل المقدمة لا يوجب تكليفاً بالمحال فكيف مجرد عدم الاستفادة فقولهم : (مع انتفاء الوجوب يجوز تركه) لا معنى له اذ انتفاء الوجوب بالنسبة إلى الخطاب لا يثمر و بالنسبة الى العقل ممنوع فكذلك جواز ترك المقدمة وكذا قولهم : (وان لم يبق واجباً خرج الواجب المطلق عن كونه وأحبا) لا معنى له فان الأطلاق والتقييد انما هو بالنسبة الى مقدورية المقدمة والعجز بها فتأمل فانه دقيق جداً.

ولقد أجاد صاحب المعالم (رَحمهُ اللّه) مَا أَجَابَ بَه بقوله : بعد القطع

ص: 113

ببقاء الوجوب ان المقدور كيف يكون ممتنعاً «الخ».

ومراده : المقدور لا يخرج عن المقدورية الأصلية بسبب ترك اختياري فان الامتناع بالاختيار وان المقدور بالواسطة مقدور، ولو لم تكن الواسطة مأموراً بها، واختيار المكلف وإرادته أمور خارجة عنها فكيف يصير ممتنعاً امتناعاً ما نعاً عن تعلق الحكم به ؛ مع أن تأثير القدرة في الايجاب غير ممكن.

ثم قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) والحكم بجواز الترك هنا عقلي لا شرعي «الخ».

وهذا الكلام من الفساد بمكان لما عرفت من ان الوجوب بمعنى اللابدية حكم عقلي ولا حكم للشارع في وجوب المقدمة وعبثية الخطاب مع انه ممنوع في نفسه غير مستلزم للاستفادة شرعاً مع ان العقل لا حكم له بل انما هو مدرك للحسن والقبح.

قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) أصل ان الأمر بالشيء على وجه الايجاب لا يقتضى النهي عن ضده «الخ».

أقول: ظهر مما ذكرنا من مفاد الهيئة أن الأمور المعتبرة في مرحلة الامتثال أجنبية عن الاعتبار في المعنى المراد (منها) أن المأمور به لا يخلو من أن يكون له وجود مانع مضاد له في التأثير وشرط فكما أن الشرط ليس داخلاً في المفاد فكذلك المانع لاتخاذ مناط المنع فيهما من كونهم شرطاً ومانعاً فى المرحلة المتأخرة عن مرحلة الطلب، فكما أن الأمر أمر واحد لا يعقل أن يكون متعدداً بتعدد المتعلق من المأمور به وكاك الشرط، فان الشرط لا بدله من الأمر الآخر ولا يعقل أن يستفاد شرطية

ص: 114

الشرط بالأمر المتكفل لحكم المشروط فكذلك الأمر الواحد لا يعقل أن يكون أمراً بالنسبة الى متعلقه ونهياً بالنسبة الى ضده، فان ذلك أقبح من إستعمال اللفظ فى المعنيين بل أقبح من اجتماع النقيضين ؛ فالمراد من الاقتضاء إما الدلالة اللفظية فهو غلط مضحك للشكلي صدر عمن صدر جهلا بالموازين والقواعد ؛ وان كان المراد منه هو الملازمة العقلية حيث أن العقل يدرك بأن المأمور به لا يمكن ان يحصل إلا بعدم ضده فان الضدين لا يجتمعان فوجود الضد مستلزم لنفي وجود الآخر المأمور به كالعكس فذلك مما لا ريب فيه ولا يخفى على ذيمسكة ؛ والحاصل أن من المستحيل أن تتكفل الهيئة لافادة تلك الجهات هذا كله في مرحلة الدلالة اللفظيه، وأما الارادة فالأمر أوضح، فان إرادة احد الأمرين ليست دليلاً على الوجود غاية الأمر إن الارادتين المتعددتين بتعدد المرادين المضاد أحدهما للآخر لا يمكن ان يجتمعا لأنه اذا كان المرادان متضادين فلا محالة تصير الارادة المتعلقة باحدها ضد الآخر فلا يمكن الاجتماع فأرادة أحد الضدين مستلزم لا في الارادة الأخرى من باب الاتفاق. والحاصل أن من تفطن ان وجود أحد الضدين ليس دليلاً على عدم الضد الآخر كالعكس، بل انما ذلك استلزام اتفاقى لا إستدلال إلى ولمى يظهر له الحال في الارادة واللفظ الكاشف عنها مع ان الأمر في كل من تلك المراحل من وضوح الفساد بمكان ؛ فظهر فساد التفصيل بين الضد العام والخاص لأنه هو وجوده والضد هو الماهية الموجودة بالوجود الخاص.

ومما حققنا يظهر فساه توهم أن الأمر بالشيء يقتضى سقوط الضد عن المحبوبية لاستحالة اجتماع الطلبين فان المضادة في مرحلة الوجود لا ينافي تعلق الحكمين بالماهيتين فلا تنافي بين كون وجوب إزالة النجاسة فورياً

ص: 115

وصحة الصلاة المضادة لها حتى لو كانت الصلاة عملة لترك الأزالة، وكذلك ظهر مما حققنا فساد توهم أن النهي عن الشيء يقتضى محبوبية ضده، وكذلك فساد توهم أن الأمر بالشي يقتضى عدم الأمر بضده.

ثم استدل صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) على المختار بقوله لنا على عدم الاقتضاء في الخاص لفظاً أنه لو دلت لكانت بواحدة (الخ).

وفيه : إن نسبة الاقتضاء الى اللفظ لا معنى له : ضرورة أن الأمر الواحد لا يعقل أن يكون أمراً بالنسبة الى متعلقه ونهباً بالنسبة الى ضده، فإن ذلك أقبح من إستعمال اللفظ فى المعنيين كما عرفته آنفا ؛فعدم الدلالة مستند الى عدم الأمكان لا الى عدم الوقوع.

ثم قال (قدّس سِرُّه)ولنا على انتفاءه معنى ما سنبينه من ضعف مستمك مثبتيه «الخ».

وهذا الكلام من الغرابة بمكان : ضرورة أن عدم وجدان الدليل على شيء ليس دليلاً على عدمه ؛ على إنا نقول : أن العقل يحكم أن المأمور به لا يمكن أن يحصل إلا بعدم ضده فإن الضدين لا يجتمعان، فوجود الضد مستلزم لنفي وجود الآخر المأمور به كالعكس

ثم قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) لنا على الاقتضاء في العام بمعنى الترك «الخ».

وهذا الكلام للنظر مواقع (منها) التفصيل بين العام والخاص لا معنى له، فان العام كالخاص بل هو عينه لأنه هو وجوده و (منها) دلالة الوجوب على أمرين لا ربط له باقتضاء الأمر فان الوجوب على ما حققنا تفصيلاً أمر يستفاد من خصوصية الموارد ولا يعقل أخذه

ص: 116

معنی لصيغة الأمر و (منها) أخذ النهي جزءاً للوجوب لا معنى له، فانك قد عرفت أن الأمر بالشيء لا يعقل أن يكون نهياً بالنسبة الى ضده فضلاً عن الوجوب كذلك، فان الوجوب مقابل للحرمة ولا يعقل أخذها جزءاً له، وإلا لما كانا متقابلين، وتقابل الأحكام الخمسه من الوضوح بمكان و (منها) لا معنى للدلالة تضمناً بل هو عينه، فان الأمر بالشيء على نحو الايجاب عين عدم الرضاء بالترك، لا أن عدم الرضاء بالترك جزء للوجوب ؛ وهذا الأمر ليس مختصاً بالوجوب فقط بل جار في سائر الأحكام (فتأمل).

ثم قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) احتج الذاهب الى أنه عين النهي عن الضد بانه لو لم يكن نفسه لكان إما مثله أو ضده او خلافه (الخ).

وفيه: لا معنى لجعل الأمر عين النهي ؛ وجعل الأمر بالشيء عين النهي عن ضده، فانه لا يقول به جاهل فضلاً عن عالم : هل ترى أن الشخص اذا أمر بالشئ يخطر بباله الضد فضلاً عن نهيه عنه مع أنه لا يعقل تحقق النهي مع الغفلة : اللّهم إلا أن يقال أن الأمر بالشى على نحو الايجاب عين عدم الرضاء بالترك : فظني ان القول بالعينية أحسن من القول بالاستلزام اللفظي مع أنه يمكن ان يكونا مثلين وقوله (وهما مجتمعان) من الفساد بمكان فان الأمر والنهي ان كانا مصدرین مبنيين اللفاعل كاناصفة للامر والناهي، ولا معنى لتحقة بينما في الفعل، وإن كانا مصدرين مبنيين للمفعول كانا صفة للمكلف المأمور والمنهى لا الفعل، فلا معنى لاجتماعهما في الفعل، مع أن الحركة ان كان مأموراً بها ومنهياً عن ضدها فبتحققها يسقط الأمر والنهي، لا أن الأمر والنهي مجتمع فيهما.

ص: 117

وكذلك يمكن أن يكونا خلافين وقوله (لو كانا خلافين لجاز إجتماع كل واحد منهما مع الضد الآخر) لا معنى له ان أراد من إمكان الاجتماع مع جميع الاضداد لجواز أن يكون بعض الاضداد ضداً لهما معاً، وهو كافيه فى المنع اذ لا يلزم حينئذ وجوب إمكان اجتماعه مع الأمر بالضد بخصوصه، بل يكفي وجوب إمكان اجتماعه مع واحد من أضداد المنهى عن الضد والاستحالة حينئذ أول البحث ألا ترى أن الأمر بالصوم والنهي عن الزناء إجتماع كل واحد منهما مع ضد الآخر لا يوجب الاستحالة.

ثم قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) استدلال القائلين بالاستلزام وجهان الأول أن حرمة النقيض جزء من ماهية الوجوب «الخ».

وفيه: من المفاسد ما لا تحصى (منها) إسناد الاقتضاء الى اللفظ لا معنى له ضرورة أن الأمر الواحد لا يعقل أن يكون أمراً بالنسبة الى متعلقه ونهياً بالنسبة الى ضده و (منها) اخذ الحرمة جزء الموجوب امر مضحك يصدر عمن هو جاهل بالموازين العلمية، فأن الحرمة مقابل للوجوب، و إلا لما كانا متقابلين وكون الأحكام الخمسة متقابلة من الوضوح بمكان و (منها) ان الدليل أخص من المدعى، فان النزاع انما هو فى الضد وليس كل ضدين نقيضين و (منها) دلالة الوجوب على أمرين لا ربط له باقتضاء الأمر، فان الوجوب على ما بيناه تفصيلا انما يستفاد من خصوصيات الموارد.

و بالتأمل فيما حققنا يظهر ما فيها أجيب به عن هذا الاستدلال وضعف ما اختاره صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) من الترديد بين المقامين.

ثم قال (قدّس سِرُّه) الوجه الثاني ان امر الايجاب طلب فعل يذم على تركه «الخ».

ص: 118

وفيه: أن دلالة الصيغة على النهي عن الضد مرحلة واستلزام الواجب ذماً وعقاباً مرحلة أخرى فلا وجه لدخلها في الأخرى، على إنا نقول أن القدرة كما تتعلق بالأفعال كذلك تتعلق بالتروك واختصاص القدرة بالأفعال من الفساد بمكان، مع انه رب فعل لم تتعلق القدرة بانيانها وكذلك العكس فقوله : (اذ لازم بما لم ينه عنه) من الوهن بمكان، ضرورة أن الذم قد يحصل بمجرد عدم الأتيان وعدم الاجتماع من شؤن التضاد كما أن عدم خلو المحل من أحدهما من شؤن التناقض فان الضدين لا ثالث لهما نقيضان (فتأمل).

وما أجاب به عنه صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) في نهاية الجودة والمتانه إلا ان قوله (رَحمهُ اللّه) (بل هو متعلق بالكف ولا نزاع لنا في النهي عنه) لا معنى له فانك قد عرفت ان الضد العام كالخاص والأمر الواحد لا يعقل أن يكون أمراً بالنسبة الى متعلقه ونهياً بالنسبة الى ضده.

hتم قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) واحتج المفصلون على ثبوته معنى بوجهين أحدهما ان فعل الواجب الذي هو المأمور به لا يتم الا بترك ضده نوما لا يتم الواجب الا به فهو واجب «الخ».

وفيه:

ما عرفت من ان توقف الوجود على العدم لا معنى له، وان عدم الاجتماع من باب الاتفاق ومنشؤه التضاد، مع أن إستحالة وجود الضدين ليس دليلاً على التوقف الفاسد ؛ ومن هنا يظهر فساد ما استدلوا به ثانياً، ومنانة ما حققه صاحب المعالم (رَحمهُ اللّه) في الرد على الثاني لكنه لا يخفى مشترك الورود.

ص: 119

ثم قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) وتنقيح المبحث ان الملزوم (الخ) وهذا الكلام من الوهن بمكان، فان الأمر بذى المقدمة لا يلازم الأمر بالمقدمة بل أعم من ذلك ولا يستلزم، فان الاستفادة الحاصلة من الخطاب مستلزم للأرادة، فانه إما دلالة لفظية فالأمر أوضح ؛ واما ليست بلفظية فالاستفادة من الخطاب لا معنى له ؛ مع ان قوله (قدّس سِرُّه) (فان العقل يستبعد تحريم المعلول من دون تحريم الملة) مناقض لما بينه سابقاً : (بان جواز الترك هنا عقلي لا شرعي).

ثم قال (ص ) (قدّس سِرُّه) وأما اذا انتفت العلية فلا وجه حينئذ لاقتضاء تحريم اللازم تحريم الملزوم «الخ».

وفيه : ان التخصيص من الوجوب والحرمة فى السبب دون غيره لا معنى له فان اللابدية حكم عقلي لا إختصاص له فى السبب وغيره فقوله (رَحمهُ اللّه) (اذ لا ينكر العقل الخ) من الفساد بمكان ضرورة أن العقل كما أنه لا يفرق في المقدمات الوجوبية بين السبب وغيره كذلك لم يفرق فى المقدمات التحريمية بين السبب وغيره ؛ ألا ترى أنه اذا علم شخص فيما اذا ذهب الى مكان فلا محالة يقع فى المحرم أنه لا يجوز عليه الذهاب، مع أن الذهاب غير محرم عليه من الشرع بالضرورة بل المحرم انما هو ما يترتب عليه في المكان، فالذهاب في الطريق من الأفعال المباحة، مع انه حرام عقلاً، غاية الأمر أنه في صورة المطابقة يصير عاصياً وفي صورة المخالفة يصير متجراً ؛ وكما اذا علم بوجود شخص يكاد يموت من العطش والجوع بمكان خاص فيجب عليه الذهاب اليه، مع أن الذهاب من الأفعال المباحة غاية الأمر أنه منقاد في صورة المخالفة، ومطبع فى صورة المطابقة.

ص: 120

ثم قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) و قصارى ما يتخيل أن تضاد الأحكام «الخ».

وفيه : إن من تخيل ان تضاد الأحكام بجميعها مانعة من اجتماع حكمين متلازمين انما يقول ذلك مع قطع النظر عن كون أحدهما مقدمة للأخر والا معها فلا ريب أنه كذلك، فان اللابدية لا إختصاص له في السبب ؛ فقوله (رَحمهُ اللّه) (و يدفعه ان من المستحيل الخ) من ظهور الفساد بمكان، إن أريد مع ملاحظة المقدمية، واما مع عدمها فهو أجنبي عن محل النزاع : وما قاله (قدّس سِرُّه) (على أن ذلك لو أثر لثبت قول الكعبى) لا معنى له لما عرفت ان تضاد الأحكام مانعة من اجتماع الحكمين في أمرين متلازمين ان كان مع قطع النظر عن كون أحدها مقدمة للأخرى، فلا ريب أجنبي عما يدعيه الكعبى ؛ وان كان مع ملاحظة كون أحدهما مقدمة الاخرى، فهو صحيح لا ريب فيه تقتضيه الضوابط العقلية والبراهين القطعية مع ان الكعبي لا يمكن ان يكون قائلاً بذلك، فان الحكم بجواز ترك المباح مطلقاً فى جميع الموارد لا يخفى فساده على ذيمسكة، فانه مما لا ريب أنه إذا انحصر طريق ترك المحرم باتيان فعل من الأفعال المباحة أنه يصير واجباً للتوصل الى الترك، بمعنى أنه ينطبق عليه عنوان المباح وعنوان الترك ؛ و بعبارة أخرى ان الترك فى المباح انما هو فيما لم يرجع الى المسامحة وإلا فاذا انطبق عليه المسامح فلا ريب في وجو به به ؛ إلا ترى أنه اذا علم شخص فيما اذا ذهب الى مكان خاص فلا محالة يقع فى المحرم أنه لا يجوز عليه الذهاب ؛ مع ان الذهاب غير محرم عليه با اضرورة ؛ بل المحرم انما هو ما يترتب عليه في المكان ؛ فالذهاب

ص: 121

فى الطريق من الأفعال المباحة مع أنه حرام غاية الأمر أنه في صورة المطابقة عصيان وفي صورة المخالفة تجرى والمحصل أن الاباحة فيما اذا لم ينطبق على الفعل التسامح، و إلا فينقلب العنوان فيصير ما هو مباح بالذات واجباً ومحرماً بالعرض ولعل الكمي قائل بذلك والا فكون المباح واجباً لا يخفى فساده على جاهل فضلاً عن العالم ؛ فالقول بوجوب ما لا يتم الواجب إلا به مطلقاً هو الحق الذي لا ريب فيه ؛ وظهر ايضاً أن النزاع لفظي تانه مما لا ريب في حكمهم بالوجوب والحرمة العرضيين في المثالين المذكورين.

ثم قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) والتحقيق أنه مع وجود الصارف عن الحرام لا يحتاج الترك الى شيء من الأفعال (الخ).

وهو صحيح من جهة وفساد من أخرى أما الأول من البين أن ترك الحرام أعم من أن يستند إلى فعل الضد وأن يستند الى ترك المطلق الذي هو أحد طرفي الارادة سواء تحقق في ضمن فعل من الأفعال أم لا واما الثاني أن ترك الحرام المستند إلى الصارف غير مناف لوجوب المقدمة، مع أن الصارف حالة وجودية مضادة لها، فتكون كاحد الاضداد الفعلية في توقف فعل الضد الخاص عليها.

ثم قال (ص ) وان قلنا بالبقاء والاستغناء جاز خلو المكلف الخ.

وفيه: ان المعلول لا بد له من علة، فالعلة المحدثه هي المبقية ما لم ينهدم بها. دم ورافع ؛ مع أن الكلام فيما يصح وصفه بالاباحة هل يخلو المكاف عنه أم لا ومن البين ان الكون الباقى وان لم يتحقق التأثير فيه يوصف بالأباحة.

ثم قال (قدّس سِرُّه) اذا تعهد هذا فاعلم أنه ان كان المراد (الخ)

ص: 122

فانه جواب عن ثاني استدلال القائلين بالتفصيل على نهج التفصيل لكن يظهر حاله فيما حققنا لا بأس بالأشارة إلى مواقع النظر (منها) قوله (رَحمهُ اللّه) (ان القول بتحريم الملزوم حينئذ «الخ») فانك قد عرفت خلافه وان الحكم العقلي جاد في جميع الموارد مع أن الملزوم لا ينفك عن كونه علة لللازم ومنها قوله (رَحمهُ اللّه) (وان كان المراد انه علة فيه) فانك قد عرفت ان ترك المأمور به المستند إلى الصارف غير مناف لحرمة فعل المباح : ألا ترى انه لو انحصر طريق الامتثال بترك فعل من الأفعال المباحة يصير ذلك الفعل المباح حراماً بالعرض : مع ان الصارف لو سلمت علتها لكانت حرمتها عقلية، و به يتم المراد ؛ ومن هنا يعلم فساد التفريع بقوله (قدّس سِرُّه) (فلا يتصور صدور الأضداد ممن جمع شرائط التكليف «الخ») مع ان الجامع للشرائط مع انتفاء الصارف إما مشتغل باتيان المأمور به وإما مشتغل باتيان الضد : فأن الفرض الأمر دائر الأمردار بين الأمرين والأول منتف فرضاً فيثبت انه مشتغل باتيان الضد مع انه إن لم يتصور صدور الضد من جمع الشرائط مع انتفاء الصارف فلا معنى للتكليف فان التكليف بعد كون الفعل إختارياً ليثاب ويعاقب، والمجبور على فعل لا معنى لامتناله وعصيانه ؛ مع أن الالجاء كالجهل انما هو رافع للتنجز لا للتكليف ولذا يحتاج الى القضاء.

ثم قال صاحب المعالم (رَحمهُ اللّه) وهكذا القول بتقدير أن يرادبالاستلزام اشتراكها فى العلة (الخ).

وفيه: قد مر غير مرة، أن الحرمة حرمتها عقلية لافرق بينما اذا كان الصارف علة لترك المأمور به، ولفعل الضد أو الصارف مع

ص: 123

إرادة الضد علة لفعل الضد فلا معنى لقوله (قدّس سِرُّه) (قد أثبتنا سابقا عدم وجوب غير المسبب) مع أنه ان كان المراد من السبب العلمة التامة فلا ريب بعد تسليم وجو بها يستلزم تسليم وجوب كل جزء من اجزائها إذ جزء الواجب واجب لأن الكل عين الأجزاء ؛ وان كان المراد من السبب العلة الناقصة فكل واحد منهما سبب ناقص لأن جزء العملة التامة سبب ناقص.

ثم قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) فاذا أتى المكلف (الخ).

وفيه: ان العقاب انما هو على ترك المأمور به لا على الأتيان بالصارف : فان الصارف لوسامت علته لكانت حرمته عقليه : وإلا لتعدد العقاب كما اذا لم يأت به لتعدد الثواب وهو من الشناعة بمكان، وقوله (رَحمهُ اللّه) (ويكون النهي متعلقاً بتلك المقدمه) من الوهن بمكان لما عرفت سابقاً من أن النهي انما هو عقلي فيتعلق بالضد المصاحب للمعلول والنهي المتعلق معلول الصارف شرعي.

ثم قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) فلورام الخصم التعلق بما نبهناه عليه كأن يقول لو لم يكن الضد منهياً عنه لصح فعله وان كان واجباً موسعاً وهذا الكلام من عجائب الأوهام أما أولاً لما عرفت من أن المضادة في مرحلة الوجود لا ينافي تعلق الحكمين بالماهيتين : فلاتنافي بين كون وجوب إزالة النجاسة فورياً وصحة الصلاة المضادة لها، ولو كان وجوب إزالة النجاسة موسعاً فالأمر أوضح حتى لو كانت الصلاة علة لترك الإزالة، مع أن فعل الضد لو سلم توقفه على وجود الصارف عن الفعل المأمور به في الواجب الموسع لا يلزم تحريمه فان حرمة الصارف انما تكون

ص: 124

فيما اذا استوعب الوقت، ولعل الصارف الذي يتحقق به فعل الضد لا يستوعب الوقت مع أن الصحة أعم من الوجوب فقوله (قدّس سِرُّه) (لكان هذا الصارف واجباً باعتبار كونه مما لا يتم الواجب إلا به) فاسد.

وما قاله صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) بقوله : على ان الوجه الذي يقتضيه التدبر (الخ) في غاية الجودة والمتانة، حيث أن توقف الامتثال على شيء إنما يوجب استقلال العقل بوجوب الأتيان به بمعنى إدراك ترتب العصيان بالنسبة الى ذى المقدمة على تركها كما هو مقتضى المقدمية، وأما كون حكمه من المولى وجوب الأتيان من حيث المقدمية فلا، فان البحث والتحريك على المقدمة ليس أمراً راجعاً الى الحاكم حتى لو أمر امراً إلزامياً بها لم يدل على وجو بها، لاحتمال أن يكون من قبيل المواعظ، وتأكيداً لما يستقل به العقل في مرحلة الامتثال، بل هو الظاهر كما في الأمر بنفس الاطاعة، وهذا معنى قوله (رَحمهُ اللّه) (ليس على حد غيره من الواجبات) إلا أن قوله (و إلا لكان اللازم في نحو ما اذا وجب الحج على النائي الخ) لا يخلو عن نظر فإن الواجبات النفسية أيضاً تجتمع مع الحرام، ولا يختص فيما اذا كان وجوبه للتوصل إلى الواجب، لكن ذلك ليس على إطلاقه، جل إذا كان تعلق الأمر والنهي بالعناوين لا بالأمر المعنون والا فاختلاف الجهة ايضاً لا يفيد على ما تحققه في محله من جواز اجتماع الأمر والنهي مع أن السعي ليس من الواجبات مطلقاً، بل الغرض منه هو التحصيل ألا ترى أنه مع العلم بالعدم لا معنى له ومع الاحتمال احتياط (فتأمل).

قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) في بيان دفع الشبهة المذكورة ان الوجوب في مثله انما هو للتوصل «الخ».

و مراده انه لا تنافي بين الوجوب للتوصل و بين الحرمة النفسية

ص: 125

وفي المقام كذلك، فان الوجوب في مثله إنما هو للتوصل الى الغير، لكنك قد عرفت ان دفع الشبهة لا يحتاج الى هذه التطويلات التي لا طائل تحتها.

ومما يقضى منه العجب قوله (رَحمهُ اللّه) وان قلنا بوجوب مالا يتم الواجب الا به اذ كون وجو به للتوصل يقتضى اختصاصه بحالة امكانه الخ حيث أن وجود الصارف لا يرفع تمكن المكلف من الفعل، كيف وهو مكلف با لفعل في تلك الحالة فيكون مكافاً بعقد مته أيضاً، والأدلة التي ذكرت وجوب المقدمة تنهض دليلاً على وجو بها مع الصارف وبدونه وهذا ظاهر لمن تأمل أدنى تأمل، فقوله (قدّس سِرُّه) (فحجة القول بوجوب المقدمة على تقدير تسليمها انما ينهض «الخ») بين الوهن واضح السقوط.

قال صاحب المعالم (نور اللّه مضجعه) أصل المشهور بين اصحابنا أن الأمر بالشيئين او الاشياء (الخ).

قبل الخوض فى المقام لابد لتمهيد مقدمة ليتضح بها المرام، ولو اشرنا اليها على سبيل الايجاز لكن لشدة الارتباط أوجب الذكر فى المقام، فنقول بعون اللّه ومشيته : ان الوجوب بمعنى الثبوت وهو عرض من الاعراض لأنه له من محل، واذا انصف شي به فيصير ثابتاً نظير القيام والذات، وكذلك اذا اتصف المأمور به به فيصير ثابتاً فالواجب هو الثابت والمناسبة أنه قبل الأعلام العبد متزلزل في فعله، فاذا على فيصير عالماً وفعله يصير واجباً وثابتاً، اذا عرفت معنى الواجب وهو الثابت في محل النزلزل فاعلم ان الثابت اما شيء واحد او احد الأشياء فسمى الأول بالواجب التعييني والثا في بالواجب التخييري فللاول افراد و مصاديق، وفي مقام الأيجاد

ص: 126

والامتثال المكلف مخير فالتخيير انما هو في الامتثال لا في الواجب، لأنه إذا ثبت أن الطبيعة عين الفرد فى الوجود الخارجي، وللطبيعة أفراد خارجية كثيرة فهو مخير في الامتثال لا أن الواجب مخير فالتخيير صفة لامتثاله لا أنه صفة لأفرادها ؛ وذلك نظير كون المأمور به شيئاً واحداً فى الخارج فحينئذ ليس تخيير لا فى الامتثال ولا فى الافراد، واذا تعدد في الخارج فيصير هو مخيراً في الامتثال وأى فرد امتثل فقد أتى بالطبيعه نفسها، ولعل الثمرة فيه قليل فالأعراض فيه أجدر وللثاني ايضاً أفراد ومصاديق خارجية فكل فرد أمتثل فقد صدقت الطبيعة، وهو مفهوم الأحد عليه فالمكلف مخير فى الامتثال في المقامين، فاذا قال الأمر صل فهو مخير فيه ؛ فاذا قال الأمر صل أو أطعم فكذلك لأن معنى أو هو الأحد ومفهوم الأحد هو الطبيعة وله مصاديق خارجية فالتخيير فى الكل موجود ؛ فعلى هذا لا وجه لتسمية الأول تعسفياً والثاني تخيير ياً، وايضاً لا وجه لتسمية الثاني تخييراً شرعياً والأول تخييراً عقلياً فى الافراد حتى وقعوا فيما وقعوا، فبعضهم يقولون بأن الواجب المجموع وبعضهم الجميع وبعضهم واحد ومعين، مع أن ذلك كله يمكن أن يفرض فى التعيين على حسب اصطلاحهم و إلا على مذهب الحق فالكل في الكل باطل، مع أن العنوان كلي ليس النظر الى الشرع وغيره بل اذا قال زيد لعبده : أكرم اما زيداً وامة بكراً واما خالداً فعلى ذلك لا بد ان يقال فيه التخيير عرفي، فظهر أن التخيير فى الشكل انما هو فى الامتثال بحسب العقل ولا فرق بين الأمثلة، فلا معنى الإطلاق التعيين والتخيير، لأن الأول هو عين معنى الواجب والنا في تزلزلة في التزلزل بل التعيين والتخيير انما هما صفتان الامتثال مع أنهما بالنسبة اليه ايضاً غلط، لأن فى قوله صل لبس تعيين في الامتثال بل كلما امنثل فهو عين

ص: 127

الطبيعة، وكذلك في قوله صل أو أطعم، نعم اطلاق التخيير عليه في الجملة بحسب تعدد الطبيعة لا بأس به فى المقامين تم اعلم أن الكلي فى الواجب التعيينى والتخييري كلاهما منتزع، لا أن فى الأول جعلي وفى الثاني انتزاعي فعلى، فعلى هذا لا فرق بين الواجبين، نعم لما لم يمكن هنا أن يقول افعل أحداً الا أن يبين أولاً مصاديقه، لأجل أن مصاديقه كثيرة و بعض قليل منها مطلوب، فيلزم أن يقول افعل هذا أو هذا أو هذا مثلاً بخلاف صل، لأن مصاديقه مطلقا مطلوب غاية ذلك اذا فعل صدقت الطبيعة ولا يحتاج الى الأزيد، فتأمل جداً على أن ينفعك.

ثم قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) قال العلامة (رَحمهُ اللّه) ونعم ما قاله الظاهر أنه لا خلاف بين القولين «الخ».

وفيه: أن الواجب على القول الأول كل واحد بعينه لا على التعيين لا واحد لا بعينه كما هو نص قول التاني ؛ مع أن التكليف على القول الثاني متعلق بامر مبهم بخلاف الاول فاستحسانه (قدّس سِرُّه) في غير محله.

صاحب المعالم (رَحمهُ اللّه)اصل الأمر بالفعل في وقت يفضل عنه جائز عقلا واقع على الأصبح «الخ».

اعلم إنك اذا عرفت معنى الواجب وهو الثابت في محل التزلزل وعرفت أنه لا معنى لاطلاق التعيين والتخيير : تعرف أنه لا يمك أن يكون الواجب موسعاً ومضيقاً إلا بحسب زمانه أو مكانه وذلك بيد الام فان جعل الزمان كثيراً فسمى بالاول وإن جعل بقدر الواجب فسمي بالثاني : و على الثاني إن إمتثل في وقته فهو وإلا ذهب التكليف بالمرة. وعلى الأول

ص: 128

تختلف الآنات عبد الآمر ففي بعضها إتيان الواجب فيه حرام ومبغوض عنده كما إذا أتى به في وقت غير مجعول تشريعاً وفي بعضها إتيان الواجب فيه مكروه كما إذا أتى به في آخر الوقف وفي بعضها إتيانه فيه مستحب كما إذا أتى به في آخر الوقت وفي بعضها إتيانه فيه مستحب كما إذا أتى به في أول وقته ولذا جاء في الخبر : أول الوقت رضوان اللّه وآخره غفران اللّه والغفران إنما هو بحسب الكراهة وإلا فلا ذنب ففي صورة توسعة الوقت مفهوم الزمان هو الظرف المجهول، وله مصاديق كثيرة بعضها احسن من بعض فاذا زالت الشمس فيتوجه على المكلف إمتثال الطبيعة في مفهوم الزمان الذي له مصاديق كثيرة بعضها أحسن من بعض ؛ فاذا في بعضها فقد بقى بعضها الآخر فيمكن أن يأتي به بخلاف المقام فانه اذا جمل مفهوم الزمان الكلي له ظرفاً والمكلف مخير في اتيان الطبيعة في كل آن منه وهو عين الطبيعة أيضاً، فاذا تصرم بعضه ففي فقده بقى بعضه الآخر فيمكن أن يأتي به فيه فلا يحكمون بالقضاء بل بالأداء فكتف إذا مات نفس المكلف فقد يحكمون بالقضاء، وهل هذا إلا تحكماً بحتاً ؛ اللّهم الا ان يقع الاخبار والاجماع او الشهرة على خلافه هذا كله فى التوسعة والتضيق فى الزمان واما هما فى المكان الكلام الكلام ؛ وذلك أيضاً يختلف عند الآمر ففي بعض الامكنة إنبان الواجب فيه حرام ومبغوض كالصلاة في الدار الغصبي نظير إتيان الصلاة في وقت غير مجمول فينمو من ذلك بحث اجتماع الأمر والنهي ؛ مع أذ ذلك أيضاً بجري فى الزمان المحرم أيضاً وكما إذا خرج الوقت فقد ذهب التكليف بالمرة فكذلك الكلام في المقام ؛ كالمساجد وغيرها والثاني كالحمام وغيره. والحاصل إن الشارع أمر إتيان الطبيعة في طبيعة الزمان وفى طبيعة المكان وكما أن طبيعة الصلاة بعض أفرادها محرمة ويمضها واجبة وبعضها مستحبة

ص: 129

و بعضها مكروهة فالأول كالصلاة بعشرين ركعة والثاني كالطلاة اليومية والثالث كالصلاة المستحبة والرابع كالصلاة المكروهة مثل إتيان الصلاة المستحبة قعوداً لا قياماً وغير ذلك فكذلك أيضاً طبيعة المكان بعض أفرادها محرمة وبعضها واجبة و بعضها مستحبة وبعضها مكروهة و بعضها مباحة فالأول كالصلاة في دار الغصبي والثاني كصلاة الطواف فى المسكة المعظمة عليها آلاف التحية والثالث كالصلاة في بعض المساجد وغيرها والرابع كالصلاة في الحمام وغيره والخامس كما في الاماكن المباحة ؛ وكذلك طبيعة الزمان فبعض أفراده إتيان الطبيعة فيها محرمة و بعضها واجبة و بعضها مستحبه وبعضها مكروهة وبعضها مباحة فالأول كالصلاة قبل الزوال والثاني كالصلاة في وقت الكسوف والخسوف والثالث كالصلاة فى بعض الاوقات المستحبة والرابع كالصلاة في بعض الاوقات المكروهة والخامس كالصلاة فى بعض الاوقات المباحة والحاصل تضرب الأقسام الأربعة للصلاة في الأقسام الخمسة للمكان فيصير عشرين قسماً فيضرب ذلك العدد في الأقسام الخمسة للزمان فيصير مائة قسم و يجتمع بعضها مع بعض فيظهر ذلك في الأشكال المنقوشة ؛ ولا يخفى إن الأحكام الخمسة فى الأزمنة والأمكنة انما هو لأجل اختلاف الأكوان، والصلاة عبارة عن الأكوان والاقوال ؛ واذا اتحد مع الاكوان أي الامكنة والأزمنه ففيه التفاصيل المذكورة (فتأمل).

ص: 130

ص: 131

و مما حققنا تبين ان المأمور به المسمي بالواجب له زمان بمقداره ومحال أن يكون الزمان أزيد من مقداره فعلى هذا أن الزمان الواجب في الواجب الموسم هو زمان واحد بيد المأمور فكلما إختار فهو يكون زماناً للواجب لا أنه يكون بدلاً وهذا التخيير نظير التخيير فى افراد الطبيعة المأمور بها فكل فرد إمتثل فقد أتى بها نفسها لا بدلاً، وهكذا التخيير في الزمان حيث وجب عليه أن يأبي بالواجب في مفهوم الزمان الموسع وله أفراد وآنات كثيرة فكل آن إختار فقد إختار نفس طبيعة الزمان المأمور بإتيان المأمور به فى مفهومه وطبيعته : والمفروض أن الطبيعة عين الفرد أية طبيعة كانت، فكما أنه فى المأمور به لا نقول الواجب هو أفراده بل نفس الطبيعة من غير نظر إلى الأفراد كما حققناه فكذلك فى الزمان لا أن الواجب في كل آن و آن واذا أتى فى آن فقد أسقط عن الجميع نعم لا بأس الالتزام بالوجوب فى كل آن وكل مكان وكل مأمور من باب انطباق الطبايع الكلية على أفرادها وذلك ليس استغراقاً ولا مجموعاً بل قال أتى أريد من عنوان الفاعد هذا الفعل والعنوان كذلك يشمل على افراده فاذا فعل فاعل فقد اسقط عن الآخر وهكذا هذا كله انما نتكلم بحسب القواعد مع قطع النظر عن كونه اصطلاحاً والا لا يقدح الالتزام بتلك الاصطلاحات مثلاً اذا قال صل فهو واجب تعييني، واذا قال مثلاً صل أو أطعم فهو واجب تخييري، واذا قال صل الآن فهو واجب مضيق، واذا قال فى الوقت الموسع فهو واجب موسع، واذا قال افعل أنت فهو واجب عيني، واذا قال افعل اما انت واما غيرك فهو واجب كفاني ؛ ولكن الحكم لا يتغير بل الحكم فى الكل واحد ولا يختلف الحكم حسب اختلاف التعميرات والاصطلاحات (فتأمل).

ص: 132

ثم قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) وانكر ذلك قوم لظنهم ان ذلك يؤدى الى جواز ترك الواجب «الخ».

وفيه: ما عرفت من أن التخيير فى أفراد الطبيعة اذ اتحدت فى الخارج خرجت عن عنوان التخيير والطبق عليها التعيني ولا يصير حينئذ تخييراً لا فى الامتثال ولا فى الأفراد ؛ فكما أنه لا يدانيه شوب الريب فى أنه يؤدي الى جواز ترك الواجب فكذلك فيما اذا كان التخيير في الزمان أو المكان وحين التضييق ينحصر ويتعين ويخرج عن كونه واجباً تخيير يا نعم بقاء التخيير مع تضييق الوقت أو انحصار المكان يلزمه ذلك، مع أنه إنما يلزمه خروج الواجب عن كونه واجباً تخييرياً بالنسبة الى الزمان أو المكان ان كانا محدودين بحد، لاجواز ترك الواجب، فان الواجبات الممتدة إلى آخر العمر لا ريب في إمكانها وتحققها.

تم قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) ثم انهم افترقوا على مذاهب ثلاثة أحدها أن الوجوب فيما ورد من الأوامر التي ظاهرها ذلك مختص بأول الوقت.

وفيه: إن الاختصاص باول الوقت مع جعل الزمان كثيراً إنما يستفاد منه الاستحباب كما في الخبر : أول الوقت رضوان اللّه وآخره غفران اللّه، والغفران إنما هو بحسب الكراهة والا فلا ذنب، ففى صورة توسعة الوقت مفهوم الزمان هو الظرف المجهول، وله مصاديق كثيرة بعضها أحسن من بعض فاذا زالت الشمس فيتوجه على المكلف امتثال الطبيعة في مفهوم الزمان الذي له مصاديق كثيرة بعضها أحسن من بعض.

ص: 133

ثم قال (قدّس سِرُّه) وثانيها انه مختص بآخر الوقت ولكن لو فعله (الخ) مع أنه مناف لصريح الروايات لا معنى له حيث أن إمتثال تكليف لا يوجب إمتثال تكليف آخر بهذا الامتثال فقولهم (يكون فلا يسقط به الفرض) من الشناعة بمكان وأشنع منه جعل الزكاة من هذا القبيل قانه مراعى فان بلغ المال يقدر النصاب يكشف عن أن ما اعطاه كان واجباً لا أنه نقلاً سقط به الوجوب : كما صدر عمن صدر جهلا بموازين الفن والحاصل كما أنه لا معنى لا متثال التكليف بالنسبة الى الصلاة يصير امتثالاً بالنسبة إلى الصوم أو الحج فكذلك امتثال التكليف الاستحبابي لا معنى الصيرورته مجزياً بالنسبة الى التكليف الوجوبي.

ثم قال (قدّس سِرُّه) وثالثها أنه مختص بالآخر و إذا فعل بالأول وقع مراعي الخ وهو ايضاً أشنع من سابقه : حيث أن الاختصاص بآخر الوقت يناقض بما اذا فعل في أول الوقت وقع مراعى، يل مقتضى الاختصاص بآخر الوقت وقوعه فى أول الوقت البطلان وقولهم : (فأن بقى المكلف على صفات. التكليف الخ) إنما يتصور فيها اذا جعل مفهوم الزمان الكلي له ظرفاً والمكلف مخير فى اتيان الطبيعة فى كل آن منه وهو عين الطبيعة أيضاً، فإذا تصرم بعضه الآخر فيمكن أن يأتي به فيه ؛ بخلاف ما اذا جعل مفهوم الزمان الذي له مصاديق كثيرة فانه لا معنى لبقاء المكلف على صفات التكليف : مع أنه ايضاً مناقض لاختصاصه بأول الوقت فتأمل جيداً. ثم قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) وهل يجب البدل وهو العزم على أداء الفعل في ثاني الحال إذا أخره من أول الوقت و وسطه.

وفيه: تسميته بدلا لا معنى له، فان قضية البداية

ص: 134

مساوات البدل المبدل منه وهي منتفية هنا التعدد البدل ذوى المبدل منه، وأيضاً لسقط الواجب بعده، وإلا لزم لزوم الجمع بين البدل والمبدل منه وهو ينافي معنى البدلية والحاصل وجوب العزم على أداء الواجبات من الموقتة وغيرها لا معنى له إلا من باب التجري ؛ وليس ذلك إلا حرمة العزم على ترك الواجب أو فعل الحرام ؛ ولذلك يذمه العقلاء عند العلم به ؛ وما ورد في الأخبار من منن اللّه تعالى على هذه الامة إن نية السوء لا نكتب عليهم.لا ينافي كونه تجرياً ولا ينافي تحريم النية، لأن نفي وقوع المؤاخذة لا يقتضي في الاستحقاق.

قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) بعد ما استدل على عدم دلالة الأمرعلى التخصيص : فيكون القول بالتخصيص بالاول او الآخر تحكما باطلا الخ.

وفيه: ما عرفت من أن التخصيص انما هو بالنسبه الى ما يترأى من بعض الأخبار الواردة فى المقام وإلا فلا إشكال في عدم دلالة الأمر بالصلاة على التخصيص بأحد أجزاء الوقت.

ثم استدل بدليل آخر : وايضاً لو كان الوجوب مختصاً بجزء معين فان كان فى آخر الوقت كان المصلي للظهر مثلا فى غيره مقدماً لصلاته في الوقت فلا يصح كما لو صلاها قبل الزوال.

وفيه: عدم الصحة مطلقاً عند الخصم ممنوع، كيف وهو يقول بصحته نفلا وقياسه على فعل قبل الزوال فاسيلان الخصم يقول : ان الشارع جوز تقديمه إلى الزوال كما جواز الزكاة الى وقت معين، لكنك قد عرفت ما فساد زعمه الحجم في المقيس والمقيس عليه ولا تحتاج الى

ص: 135

اعادة الكلام وان شئت الاطلاع فارجع البصر.

ومما يقضي منه العجب الاحتجاج لوجوب العزم قال صاحب المعالم (رَحمهُ اللّه) إحتجوا لوجوب العزم بانه لو جاز ترك الفعل «الخ».

فانه لا معنى لجعل الإنفصال عن المندوب دائر مدار وجوب البدلية وعدمها، بل الانفصال بين الواجب والمندوب سواء كانا موسعين او مضيقين أو أحدهما موسع والآخر مضيق انما هو دائر مدار حتم الالزام وعدمه.

ومما يزداد به التعجب قولهم : (وبانه ثبت في الفعل والعزم حكم خصال الكفارة الخ) فانه مصادرة بالمطلوب، فضلاً عن كونه مضحكا للثكلى ؛ كيف لو صح ذلك لوجب الاجزاء والاكتفاء بالعزم وهو مناف لضرورة الدين.

وأجاب صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) عن الاستدلال الأول بقوله : ان الانفصال عن المندوب ظاهر مما مر فان أجزاء الوقت «الخ».

و ملخص جوابه ان قولكم نفي البدلية غير العزم ممنوع بل الافراد الشخصية المفروضة في أجزاء الوقت كل منهما بدل عن الآخر وقولكم أنه لا ينفصل عن المندوب فى ذلك الوقت حينئذ قلنا الانفصال عن المندوب ظاهر فانه لا يقوم مقامه حيث يترك شيء وهذا كاف فى الانفصال : انتهى مرامه اعلى اللّه في الفردوس مقامه. وفساد هذا الكلام أوضح من أن يبين، إذا الافراد الشخصيه كما يمكن أن يفرض فى الواجب فكذلك يمكن ان يفرض فى المندوب فقوله (رَحمهُ اللّه) (أنه لا يقوم مقام المندوب حيث يترك شيء) لا محصل له حيث أن الأفراد الشخصية المفروضة فى اجزاء الوقت كل منها بدل عن الآخر كالواجب الموسع.

ولقد أجاد صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) في الجواب عن الاستدلال الثاني بقوله : انا نقطع بأن الفاعل للصلاة (الخ).

ص: 136

ووجه القطع أنما هو عدم حصول الامتثال بها وبالتأمل فيما حققنا يظهر ما فيها افاده (قدّس سِرُّه) في هذا المقام.

ثم قال صاحب المعالم (رَحمهُ اللّه) حجة من خص الوجوب بأول الوقت ان الفضلة في الوقت ممتنعة لأدائها الى جواز ترك الواجب «الخ».

وهذا الاستدلال ايضا لا يرجع إلى محصل، لأن جواز ترك الواجب يستلزم خروجه عن كرنه واجباً إذا كان معيناً وأما اذا كان مخيراً باتيانه بين الأوقات فلا، نعم لو كان ترك الواجب جائز في جميع الوقت لاستلزمه وليس المقام كذلك بل من قبيل خصال الكفارة على القول بالتخيير فيه وقولهم (الفضلة في الوقت ممتنعة) إنما يصح اذا قيل ان الزمان الواجب أوسع من الواجب الموسع وليس كذلك بل الزمان الواجب في الواجب الموسع هو زمان واحد بيد المأمور وهو مساو له فكلما اختار فهو يكون زماناً للواجب لا أنه بدلاً فهذا التخيير نظير التخيير فى أفراد الطبيعة المأمور بها فكل فرد إمتثل فقد أتى بها نفسها لا بدلا فانقدح بما ذكرنا فساد ما افاده (قدّس سِرُّه) في المقام.

قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) اصل الحق ان تعليق الامر بل مطلق الحكم على شرط يدل على انتفائه عند انتفاء الشرط و «الخ».

وفيه: أن الشرط ما يرتبط بشي مطلقاً ؛ غاية الأمر إن إناطة شي بآخر ايضاً نمو ارتباط والشرط المصطلح من جهة ارتباطه بالعلة ؛ أي المقتضى في مرحلة العلية وتوقف كونه فى هذه المرحلة على المقتضى وإناطته به يطلق عليه الشرط ؛ ألا ترى ان لصوق النار بالثوب من حيث هو ليس في سلسلة علة الاحتراق و انما الفاعل هو النارغاية الامر أن الأثر لا يصل.

ص: 137

اليه إلا فى هذا الحال، فليس اطلاق الشرط على هذا المعنى الخاص الا بهذا الاعتبار ؛ واما اطلاقه على العملة التامة فلو صح قائماً هو من جهة اعتبارها فى وجود المعلول و ارتباطه به، ولا تعتبر التبعية في مفهوم الشرطية وان كان متبادراً عند الاطلاق. ولا يخفى ان المشروط ليس مشتقاً من هذا الجامد بل من شرط يشرط بمعنى ربط، يقال شرطت السرير بالشريطه ؛ وهو على وفق القواعد حيث ان المربوط وانكان نفس الشرط حيث انه هو الذي صار تابعاً لما إشترط به فى مرحلة من المراحل إلا أن ارتباط المعلول. لما كان أجل واعظم ؛ والشرط مطلق الربط فالمعلول هو المربوط ؛ والربط المطلق اعم من ان يكون العدم عند العدم أو لم يكن كذلك ؛ فان ادوات الشرط انما تمحضت لارتباط شي بشيء آخر بحيث لو لم يكن الاشتراط لم يكن. الارتباط و اما إفادتها العدم عند العدم فلا فالارتباط يدل على الاقتضاء لا على العلية التامة، بل العلية لابد ان يستفاد من الخارج، فالدلالة على الحصار السبب واضحة الفساد : ضرورة أن إثبات الشئ لا يقتضي نفى ما عداه ؛ فأي دلالة لقولك ان البول متنجس على أن غيره لا تأثير له في التنجيس ؟ وأي فرق بين ان يكون الدال على العلية اسماً وبين أن يكون حرفاً فى عدم دلالة افادة الانحصار ؟ فالانتفاء عند الانتفاء المدلول عليه بأدوات الشرط من لوازم العلية بل هو أحد الأمرين اللذين ينحل اليها هذا المعنى البسيط وهو الوجود عند الوجود والانتفاء عند الانتفاء حيث انه منتف ؛ ولعل هذا هو مراد السيد المرتضى (قدّس سِرُّه) فما زعمه.

صاحب المعالم (رَحمهُ اللّه) بقوله : والمتبادر من هذا انتفاء الأعطاء عند انتفاء الاكرام بين الوهن واضح الفساد، لما عرفت أن الارتباط يدل على الاقتضاء لا على العلية التامة، بل العلمية لابد ان يستفاد

ص: 138

من الخارج ألا ترى إن قولك إن سألك سائل فاعطه الزكاة لا دلالة له على وجوبها عند عدم السؤال ؟ والا لزم التناقض نعم إنما يدل على الانتفاء عند الانتفاء من جهة السبب الخاص من غير تعرض لوجود سبب آخر و عدمه ؛ والحاصل ان الحرف ان دل على سببية ما دخل عليه. لما بعده او مطلق العلية والمعلولية فالانتفاء عند الانتفاء كالوجود عند الوجود معنى الربط والعلاقة ؛ ولافرق بين أن يقال أن علة اوهما معلولان لثالث وبين ان يقال أنهما متلازمان وجوداً وعدماً ولو اقتضاءاً، فجعل الانتفاء عند الانتفاء مفهوماً للشرط مقابلا للمنطوق فاسد من أصله.

و يمكن أن يكون النزاع لفظياً فان المنكر ينكر الاستناد وينكر العلية التامة في طرف العدم، والمثبت يثبت بالنسبة الى موارد ومن البديهي ان الخاص لا يدل على العام فضلاً عن المورد فهو يثبت الاقتضاء في طرف الوجود والقائل بالتفصيل أيضاً منكر بالنسبة الى العلية التامة ومثبت بالنسبة إلى الاقتضاء.

ثم قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) واذا ثبت الدلالة على هذا المعنى عرفاً ضمنها إصالة عدم النقل «الخ».

وهو أيضاً أيضاً من وضوح الفساد بمكان ؛ فان إصالة عدم النقد المراد منها فى المقام لا يخلو إما استصحاب قهقرائي أو أصل مثبت ولا حجية فيهما كما مرت به الاشارة سابقاً.

ثم قال (قدّس سِرُّه) احتج السيد بان تأثير الشرط هو تعلق الحكم به (الخ).

فانه هو الحق الذي تقتضيه الضوابط العقلية كما ترى.

ثم قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) واحتج موافقوه مع ذلك بأنه لو

ص: 139

انتفاء الشرط مقتضيا لانتفاء ما علق عليه لكان قوله تعالى ولا تكرهوا.

وفيه: أن آية لا تكرهوا فتياتكم على البغاء ليس معناه ماتوهم لأن المراد واللّه أعلم بمقالته الشريفة أمر الناس بتزويج الفتيات عند إرادتهن التزويج لأن الاولياء اذا امتنعوا والحال انهن يردن التزويج فهم الذين اكرهوهن على البغاء فالنهي عن الاكراه كناية عن النهى عن الامتناع ؛ فحصله زوجوهن إن أردن التزويج وان لم يردن التزويج فلا تزوجوهن ؛ هذا هو التحقيق ؛ فاستدلال المنكر بها على دعواه في غير محله.

ثم قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه)والجواب عن الأول أنه اذا علم وجود ما يقوم مقامه «الخ».

وفيه: ان هذا الجواب تسليم لما إدعاه السيد فان السيد (رَحمهُ اللّه) يقول اذا جاز ان يكون للشيء شروط متعددة، كل واحد منها مستقل بذاته، فعند انتفاء شرط كالاكرام مثلاً لا ينتفى المشروط كالأعطاء هذا.

ثم قال (قدّس سِرُّه) واجيب عن وأجيب عن الثاني بوجوه أحدها ان ظاهر الآية.

وفيه: ان هذه الاجوبة مبنى على تلك المباني الفاسدة، وقد عرفت ان الشرط لا مفهوم له، بل أداة الشرط انما تدل على كون الشرط سببا الجزاءه ومن المعلوم ان السببية أمر وحداني بسيط ينحل الى أمرين الوجود عند الوجود والانتفاء عند الانتفاء من حيث أنه منتف كما أن إستفادة الثبوت عند الثبوت ليس مفهوماً وانما هو منطوق، فكذا الانتفاء عند الانتفاء لأنه أحد الأمرين الذين ينحل اليهما السببية المستفادة

ص: 140

من أداة الشرط. فلا غرو الالتزام بتلك المبنى والجواب عن الأشكال على هذا الوجه فنقول ملخص ما اجيب به أولاً هو أن الآية الشريفة انما نزلت في حق من كان يكره الفتيات على البغاء والحال أنهن يردن التحصن كما أنه يتمحض للقول بأن الآية الشريفه انما تدل على عدم الحرمة عند عدم ارادتهن التعفف وهذا لا يستلزم إباحة الاكراه لانتفاء الموضوع لأن عدم إرادة التعفف في المقام ليس ارادة البغاء ومن المعلوم استحالة الاكراه حينئذ.

ثم قال (قدّس سِرُّه) انا سامنا ان الآية تدل على انتفاء حرمة الاكراه الخ و ملخصه : ان الشرط لوخلى وطبعه ظاهر فى المفهوم وثبوته وهذا لا ينافي الانتفاء من قبل قيام القرينة عليه لأن الاجماع قد قام على حرمة الاكراه عند عدم ارادتهن التعفف أيضاً.

ثم قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه)أصل واختلفوا في اقتضاء التعليق على الصفه نفي الحكم عند انتفاءها «الخ».

اعلم: انك اذا عرفت أن الربط المطلق أعم من أن يكون العدم عند العدم أو لم يكن كذلك ؛ علمت أن التعليق على الصفة لادلالة له فيه الا على الاقتضاء لا على العلية التامة بل العلية لا بد ان يستفاد من الخارج فالدلالة على انحصار السبب واضحة الفساد، ضرورة أن اثبات شيء لا ينفى ما عداه ؛ فأي دلالة لقولك : ان البول نجس على أن غير البول لا تأثير له فى التنجيس ولا فرق بين أن يكون الدال على العلية حرفاً كما فى أدواة الشرط و بين أن يكون اسماً في عدم دلالة إفادة الانحصار ؛ مع أن الصفة أعم من ان يكون طريقاً أو موضوعاً. و بعبارة أخرى الصفة أعم من أن يكون واسطة في الثبوت أو فى العروض ؛ فلا يعقل مع ذلك استفادة الانحصار.

ص: 141

ومن العجيب التفصيل بين الشرط والصفة والالتزام بوجود المفهوم فى الأول و بعدمه فى الثانى كما صنعه صاحب المعالم قده ؟ وليت شعري أي. فرق بين الدال على العلية حرفاً كان او اسماً. ثم ذكر (قدّس سِرُّه) أدلة القائلين بالمفهوم وأجاب عنها في نهاية الجودة والمتانة ؛ فان فائدة التعليق على الصفة غير منحصر بما ذكروه، بل يختلف بحسب اختلاف المقامات غاية الاختلاف، ولقد اشار (قدّس سِرُّه) الى بعضها.

ثم قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) أصل والأصح أن التقييد بالغاية يدل على مخالفة ما بعدها لما قبلها (الخ).

وفيه: إن النزاع انما هو في نفس الغاية هل هي داخلة في حكم المغیي أو خارجة عنه وإلا فلا نزاع بان ما بعد الغاية خارجة عن حكم المغي ؛ ويشهد بذلك حيث جعلوا النزاع في آية فاغسلوا في نفس المرفق هل يجب غسله أم لا والا فلا نزاع فى عدم وجوب غسل ما فوقه ؛ ولذا قد جعلوا المبحث هكذا : هل الغاية داخلة في المني أم لا ؟ ولا يخفى المسامحة في هذا التعبير حيث يعلم ان كثيراً من الموارد، ان الغاية ليس داخلاً فيه مع ذلك يجرى النزاع المذكور ؛ فالمراد من الدخول في المغي الدخول حكماً لا حقيقياً فالحق والتحقيق أن يقال اذا كانت الغاية من المغني فلا ريب في دخولها فى الحكم كقولك صم النهار الى آخره بخلاف ما اذا كانت خارجة كقولك صم النهار الى الليل، وبعبارة أخرى إن مدخول الى إذا كان من أجزاء المغي فلا اشكال في دخوله بخلاف ما اذا كان مدخول الى خارج عنه ؛ فان الأول من تحديد الشيء بذكر حدوده ولا ريب في دخولها فيه والثاني تحديد له بذكر ما يتصل بحدوده، وهذا

ص: 142

إنما يتم حيث علمنا استيعاب الحكم للمني كما هو مقتفى الاطلاق والا لا مانع من كون الشىء جزءاً من شيء وعدم تعلق الحكم بذلك الجزء ولكنه يحتاج الى قرينة صارفة مثل كلمة إلى في غسل اليدين بالنسبة الى ما فوق المرفق وفي الرجل بالنسبة الى الكعب. و بالتأمل فيما حققنا ينكشف فساد جميع ما صدر عن صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) فى هذا المقام ؛ كما انه انكشف ما اختاره السيد (رَحمهُ اللّه) من عدم الفرق بين التقييد بالغاية والتعليق على الشرط او الصفة لا يرجع الى محصل : لما عرفت أن النزاع انما هو في نفس الغاية، ولم ينازع أحد فى عدم ثبوت الحكم لما بعد الغاية وذلك حيث كانت قرينة على ذلك كالى وحتى وسائر أدوات الانتهاء.

قال صاحب المعالم (رَحمهُ اللّه) أصل قال أكثر مخالفينا إن الأمر بالفعل المشروط جايز وإن علم الأمر إنتقاء شرطه (الخ).

وفيه: أن ما توهم من ابتناء بعض الفروع في الشرع على جواز أمر الأمر مع العلم بانتفاء شرطه من الشناعة بمكان، وليس هذا الأصل الشنيع المستحيل مبنى الفروع الدينية، ولا ينبغي أن يكون محلاً للنزاع بين العلماء، فان إستحالته وشناعته أظهر من أن يخفى، و بعد كون التكليف من حيث التعلق او التنجز منوطاً على شيء من الشرائط ثبوته بعد انتفاءه تناقض وخلف ؛ مع أن التقييد بالعلم لا مدخل له في الاستحالة، ضرورة إمتناع وجود المعلول بدون العلة سواء علم الأمر به أو لم يعلم والجهل لا يؤثر في رفع الامتناع ؛ فاشتراط الأصحاب في جوازه مع انتفاء الشرط على كون الأمر جاهلاً بالانتفاء كأن يأمر السيد عبده بالفعل في غد و يتفق موته قبله من الوهن بمكان لما عرفت ان التقييد بالعلم لا مدخل له

ص: 143

في الاستحالة، فان وجود المعلول بدون العلة من رابع المستحيلات سواء علم الأمر به أو لم يعلم، والجهل لا يؤثر في رفع الامتناع، وأمر السيد عبده واتفاق موته قبله يكشف كشفاً قطعياً عن عدم الأمر بالفعل من أول الأمر ولا فرق بين ما اذا علم الأمر با نتفاء الشرط أو كان جاهلاً، فان المقصود تنجز التكليف مع انتفاء بعض ما يعتبر فيه كالقدرة ثبوت للمعلول مع انتفاء علته فمسافرة الشخص في نهار رمضان وتحيض المرأة فيه يكشفان كشف قطعياً عن عدم الأمر بالصيام من أول الأمر، فان من لا يقدر على اتمام العمل كمن لا يقدر على أصل العمل في عدم التنجز، وعدم جواز الأفطار فيها انما هو من قبيل عدم جواز الأكل العاص بالأفطار بعده، ووجوب الامساك عليه تكليف آخر، ضرورة عدم قدرته على الصيام. ثم إستحسن عدوله السيد (رَحمهُ اللّه) عن هذا النزاع الى نزاع آخر، وهو هل يصح الأمر مع الاشتراط بعد العلم أم لا ؟ و بالتأمل يعلم أن هذا النزاع أيضاً من الخرافات، إن كان المراد من الشروط الشروط التي دخيلة في التعلق والتنجز حيث أن الأوامر ناظرة الى مرحلة الثبوت لا التعلق ولا التنجز والأمر بمعنى التكليف ثبوته بعد انتفاء شروط التعلق ثبوت للمعلول بعد انتفاء عليه : وان كان المراد من الشروط الشروط التي لها مدخليه فى الحكم كقولك أكرم فلاناً إن جاءك، ففيه ان العلم بالانتفاء لا يوجب عدم الصحة ؛ ألا ترى إنك تأمر عبدك وتقول له : إن جاءك زيد فاكرمه، مع انك تعلم بعدم مجيئه فليس ذلك إلا من جهة عدم مدخلية العلم والجهل في جواز الأمر ؛ ولعل مراد بعض الفقهاء والمتكلمين ناظر الى ما حققناه فتأمل انه دقيق جداً.

قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) وإحتج المجوزون بوجوه (أول) لو لم يصح التكليف بما علم عدم شرطه لم يعص أحد (الخ).

ص: 144

وفيه: ان الارادة ليست من شرائط التعليق ولا التنجيز بل لها دخل فى الايجاد ؛ وامتناع الفعل لعدم الأرادة لا يوجب سقوط التكليف والعصيان لأن الممتنع بالأختيار لا ينافي الاختيار.

الثاني لو لم يصح لم يعلم أحد أنه مكلف واللازم باطل (الخ).

وفيه: أن أريد بالتالي عدم العلم بالتكليف الظاهري الملازمة ممنوع إذ جواز عدم البقاء بصفة التكليف لا يقدح في استصحاب البقاء المثبت للحكم الظاهري وان أريد عدم العلم بالتكليف الواقعي فبطلانه ممنوع، ودعوى الضرورة فيه مكابرة، مع أنه قد يحصل لآحاد الناس اذا كان زمن الفعل يسيرا وكانت شرائطه مبتذلة فاقهم.

الثالث لو لم يصح لم يعلم ابراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) وجوب ذبح ولده الخ.

وفيه: ان مسألة أمر إبراهيم الخليل على نبينا وآله وعليه السلام بذبح إسماعيل ؛ الظاهر أنه أخفى عليه المانع، أي تعلق المشية بالفداء عنه بالكبش للابتلاء ؛ وليتبين مقامه (عَلَيهِ السَّلَامُ) من تصديه لأحراز ما أمر به، ولولاه لتذجز عليه الأمر بالذبح وهو دفع ما لولاه لوقع وليس نسخاً حتى يستشكل با نه نسخ قبل العمل ؛ فتوهم المستدل كون عدم النسخ من شرائطه من الشناعة بمكان، مع أن الشرط أمر وجودي ولا يعقل أن يكون أمراً عدمياً. وكذا ليس المأمور به هو المقدمات كما توهمه صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) وإلا لما إحتاج بالفداء الى الكبش ؛ وسيبين ما يحتاج في المقام فانتظر ؛ والحاصل ان قضية ابراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) انما هي عنوان

ص: 145

الابتلاء ضرورة ان ذبحه أبغض الأشياء عند اللّه تعالى الا أن إبتلاء ابراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) يجعل هذا الحكم في حقه وأمره به كان فيه مصلحة.

(الرابع) كما أن الأمر يحسن المصالح تنشأ من المأمور به كذلك يحسن لمصالح تنشأ من نفس الأمر (الخ).

وفيه: إن الأمر فقد الشرط مرحلة وكون الأمر للامتحان مرحلة أخرى لا ربط الأحداها بالأخرى ضرورة ليس الأمر للامتحان فاقد للشرائط ؛ وتوهم عدم النسخ شرط من عجائب الاوهام ؛ إذ ليس للعدم تأثير ولا تأثر وليس الشرط الا أمر وجودي ؛ وبالجملة لو كانت الأوامر الابتلائيه خاليه عن شرائط التعليق أو التنجيز لكانت ايضاً محلاً للنزاع ؛ واختيار عدم الجواز على المختار يجرى فيه ولا يحتاج الى إرادة الفعل واقعاً بل الارادة الظاهري يكفى بلزوم اجتماع الشرائط تعليقياً كانت او تفجيزياً ألا ترى لا يجوز أمر المولى عبده إمتحاناً بعد العلم بعجزه بالنسبة الى صدور الفعل أو بعد العلم بانتفاء شرائط التعليق ككونه مجنوناً أو طفلاً غير مميز ؛ فتوهم صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) بانه خروج عن محل النزاع لا معنى له و بالتأمل فيما حققنا ينكشف فساد جميع الأجوبة التي صدرت عن صاحب المعالم (قدّس سِرُّه). هذا لما يقتضى المقام أن نشير بمواقع الاهتمام وعليك بالتأمل التام لكي لا تقع فى المهام.

قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) أصل الاقرب عندي ان نسخ مدلول الأمر وهو الوجوب لا يبقى معه الدلالة على الجواز بل يرجع الى الحكم الذي كان قبل الأمر «الخ».

ص: 146

وفيه: (أولاً) إن مقتضى خلو الواقعه عن كل تكليف وثبوت التكليف يحتاج الى دليل، والأمر المنسوخ رافع لو كان حكم قبله الرجوع الى الأصل ضرورة أن الحكم السابق على الأمر منسوخ بعد وجود الأمر، واثبات وجوده يحتاج أيضاً الى دليل مثبت له. فقوله (رَحمهُ اللّه) (بل يرجع الى الحكم الذي كان قبل الأمر) لا يرجع الى محصل، لما عرفت من ان الأمر انما هو رافع للمقتضى لامانع عن تأثير المقتضى ؛ ولعل ما الجأه (قدّس سِرُّه) إلى هذا القول هو هذا المعنى حيث أنه (قدّس سِرُّه)، زعم أن الأمر مانع عن تأثير المقتضى، والمانع اذا ارتفع بعد وجود الشرائط المقتضى يؤثر أثره، لكنك قد عرفت فساده من أصله و (ثانياً) إن النزاع ليس بمنحصر فيما اذا كان الوجوب مدلولاً للأمر بل يجرى أيضاً على القول بان الوجوب انما يستفاد من الموارد كما هو مذهب الحق والتحقيق ؛ فقوله (رَحمهُ اللّه) (ان نسخ مدلول الأمر وهو الوجوب) لا محصل له و (ثالثاً) إن الوجوب ليس مدلولاً للأمر ولا يعقل ان يكون مد لولاً له بل أنما هو يستفاد من الخارج على ما عرفت التفصيل في محله.

ثم قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) لنا ان الأمر انما يدل لنا ان الأمر انما يدل (الخ) وفيه للنظر مواقع (إما أولاً) ان الوجوب انما هو أمر بسيط متقوم بثلاثة أطراف، وهو المعبر عنه بالختم والالزام و (اما ثانياً) لو سلم التركيب لكن القائل ببقاء الجواز لا يريد منه الجواز بالمعنى الأعم الذي هو كالجنس بالنسبة الى الأحكام الاربعة، بل يريد منه الجواز العقلي أي الأباحة الأصلية، فقوله (رَحمهُ اللّه) (فادعاء بقاءه بنفسه بعد نسخ

ص: 147

الوجوب غير معقول) غير معقول ولا نحتاج بانضمام الاذن فى الترك حتى يقال : موقوف على كون النسخ متعلقاً بالمنع من الترك الذي هو جزء من مفهوم الواجب مع أن النسخ الواقع بلفظ نسخت الوجوب ونحوه فقوله (رَحمهُ اللّه) (وهو كما يحتمل التعلق بالجزء الذي الخ) أيضاً لا يرجع الى محصل لما عرفت ان المدعى ببقاء الجواز أي الاباحة الأصليه يمكن أن لا يثبتها بالأمر بل في الحقيقة رجوع الى الاصل، ولا طائل للتصدى لهذه الخرافات فالاعراض عنها أجدر، مع انه لو سلمت المقدمات باجمعها لم يكن فيه أيضاً دلالة على مختاره، بل غاية ما يدل هو عدم بقاء الجواز بالمعنى الأعم واما ثبوت حكم السابق على الأمر فلا، وعدم بقاء الجواز بالمعنى الأعم غير مناف لثبوت الجواز العقلي أي الاباحة الاصلية الناشئة عن الاصل.

قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) احتجوا بان المقتضى للجواز موجود «الخ».

وفيه: أن الاجزاء العقلية لا ينفك إرتفاع أحدها عن الآخر لأن الفصل عين الجنس فى الخارج والتغاير انما هو في الذهن، فثبوت الجواز بعد إرتفاع المنع من الترك غير معقول، والمركب يكفي في رفعه رفع أحد أجزائه ولا يلزم رفع سائر الأجزاء، مع انما هو في الأجزاء الخارجية لا الأجزاء العقليه الثابتة بتحليلات عقلية كما نحن فيه، ولا نحتاج بالقول بان الفصل علة للجنس، وثبوت الجواز بعد ارتفاع المنع من الترك ثبوت للمعلول بعد انتفاء علته هذا.

ثم أجابوا عن القول بان الفعل علة للمجنس بوجهين (الأول) ان

ص: 148

الخلاف واقع في كون الفعل علة للجنس (الخ).

وفيه: ان زوال أحد المعلولين مستقبع لزوال علته التامه لامتناع تخلف المعلول عن العلة، وزوال العملة يقتضى زوال المعلول الآخر أعنى الجواز لأن المعلول يزول بزوال علته، فثبت عدم بقاء الجواز على هذا التقدير ايضاً.

والوجه الثاني إنا وان سلمنا كونه علة له فلا نسلم ان ارتفاعه مطلقاً الخ.

وفيه: ان تخلفه فصل فهو مستند الى الدليل، ولا يعقل التخلف من دون الاستناد وادعاء ارتفاع المنع من الترك مقتضى لثبوت الاذن فيه مضحك للشكلي ؛ لما عرفت أن الأحكام ثابتة بالأدلة ومثله في الفساد إدعاء ثبوت الجواز بالأمر و بالناسخ، ضرورة ان الأمر المنسوخ لا يعقل منه إستفادة حكم.

قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) والجواب المنع من وجود المقتضى الخ أقول انما يستقيم المنع لو كان مراد المستدل وجود المقتضي للجواز بعد النسخ واما اذا كان مراده وجود المقتضي للجواز حال بقاء الوجوب كما هو الظاهر من دليله فثبت الجواز بعد النسخ بالاستصحاب وعدم طرو رافع له ؛ فهذا المنع غير متوجه له لأن وجود المقتضي للجواز قبل النسخ مما لا يقبل المنع ؛ فالصواب في الجواب التعرض لاستصحابه بأن يقال الجنس لا يتحقق إلا بالفصل فاذا رفع الفصل المعلوم تحقق الجنس في ضمنه رفع ذلك المتحقق المعلوم قطعاً وما لم يتحقق وجود فصل آخر لم يحصل العلم يوجود الجنس ؛ ولو حصل العلم بوجود فصل آخر، لم يكن هذا من الاستصحاب في شيء بل يكون هذا عدا جديداً ناشئاً عن دليله ؛ ويمكن

ص: 149

أن نقول فيما نحن فيه : انه اذا رفع النسخ المنع من الترك الذي هو بمثرلة الفصل رفع تحقق الجواز المعلوم تحققه في ضمنه فبطل الاستصحاب فعالم علم تجدد فصل آخر لم يعلم تحقق الجواز ؛ والاصل عدم تجدد فصل آخر ولابد من الرجوع إلى الأباحة الأصلية. وبالنامل فيما حققنا يتبين ما فيها أفاده أستاذنا الاعظم صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) في المقام.

قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) اختلف الناس في مدلول صيغة النهى الخ.

أقول: النواهي مفرده النهي، والنهي نقيض الأمر فالتقابل بينهما تقابل التناقض وعلى أي تقدير يعتبر فيه وجود المقسم فهو معتبر في الأقسام، وإلا لم يعقل التقابل، فالنهي قد يكون باللفظ وقد يكون بغيره من الآلات الدالة عليه، كما ان الأمر كذلك نعم الغالب فيه يتحقق بالأول ؛ وبالجملة مباحث النهي عين مباحث الأمر، ومن له أدنى تامل يمكن له استخراج ما لا بد من المصير اليه إذا عرفت هذا فاعلم ان الحرمة كالوجوب متفرع عليها بحسب اختلاف الموارد و مقامات الاستعمال وليس شيء منها معنى لها ؛ والذي محط نظر هم هو وضع الأداة ومدلولها أجنبية عن ذلك فاتصافها بالحقيقة والمجاز باطل ؛ لان الهيئات والحروف لا يعقل اتصافها بشي منها، مع أن الحرمة كالوجوب من المعاني الاسمية ولا يعقل أن يكون معنى الحرف ولو سلم وفرض جواز كونهما معاني لم يجز كونها حقيقة أو مجازاً في شي منها، فكيف اذا امتنع كونها معاني كما هو الحق والصواب فالتحقيق أن يقال إن مدلول لاء الناهية هو الزجر والمنع عن الانصاف، فإن مدخولها وهو صيغة يفعل، قبل دخولها كان يكشف عن أن المادة ملحوظة ومنسوبة إلى فاعل ما على نحو الاتصاف، وهي باطلاقها كانت خيرية

ص: 150

ثم لاء الناهية كشفت عن خصوصية في هذه النسبة وغيرتها من الاطلاق وجعلتها على وجه مطلوبية تركها للمتكلم وكونها ممنوعاً عنها ؛ ثم الممنوعية أيضاً كالمبعوثية أمر آخر غير التكليف التحريمي ؛ وهو ايضاً من المقاصد التي تستفاد من الاطلاق كالوجوب وهو عين الموضوع له ؛ فان النهي ايضاً كالأمر كثيراً ما يستعمل المقاصد أخر كطلب الترك حيث يكون غرض المستعمل من الزجر هو ايقاع الماهية في عالم العدم ؛ فيقال حينئذ طلب تركى، فيزعم غير الخبير إن معناه طلب الترك مع أن طلب الترك فعل ثانوي منه،كتولد الاحراق من الالقاء فى النار وهما متحدان في مرحلة التحصل فالمتكلم إبتداءاً يوجد لفظ لا تضرب و بايجاده تحقق الزجر عن الضرب وبزجره عن الضرب يتحقق طلب تركه لتعلق غرضه بايقاع الضرب في عالم العدم وانما جعل الزجر مقدمة ووصلة اليه، فا لطلب أمر مستفاد من خصوصيات مقامات الاستعمال ؛ وكذلك المانعية كما اذا قيل لا تصل فى الحرير، أو لا تبع بكيل مجهول ؛ أو المفسدة كقول الطبيب لا تأكل الشيء الفلاني ؛ أو عدم الحجية كما اذا قيل لا تعمل بقول الفاسق ؛ أو العجز أو الاستهزاء أو التهديد أو الامتحان وأمثال ذلك من المقاصد التي تظهر بالقرائن إرادتها من النهي كالأمر مع كونهما مستعملين فيما وضعا له هذا كله فى الانشاء المدلول عليه في الكلام بسبب الوضع، وأما الانشاء الحاصل بالكلام وغير مدلول للوضع، فمن جملته الاخبار التي يقصد بها المدح والذم ومن جملته الاخبار التي يقصد بها التكليف من الوجوب والتحريم فإن الأخبار عن شخص با لفعل أو الترك قد يكشف عن مطلو بيته أو مبغوضيته، فاذا كان في مقام بيان التكليف يقصد بذلك ما يترتب عليه من الكشف عن المطلوبية والمبغوضية، لا باستعمال الجملة الخبرية في ذلك

ص: 151

بل بمعنى كون المقصود بالافادة من اخباره ذلك، فالجملة الخبرية باقية على خبريتها، والكلام مستعمل فيما وضع له إلا انها غير مقصودة بالافادة على سبيل الاصالة بل على سبيل التوطئة، هذا.

ثم قال (قدّس سِرُّه) الحق انها حقيقة فى التحريم مجاز في غيره لانها المتبادر.

وفيه: ما عرفت ان إنصاف الحروف والهيئات بالحقيقة والمجاز غير معقول، والاستدلال عليها بالتبادر لا يرجع الى محصل، حيث أنه ممنوع أولاً وإطلاق ثانياً كما هو معترف به أيضاً ؛ وذم العبد على فعل ما نهى المولى عنه انما هو بالمعلم مطلوبية الترك للمولى ؛ وإصالة عدم النقل ليس مثبتاً للاوضاع أولاً واستصحاب قهقراني ثانياً ؛ والآية لا دلالة لها على أن الصيغة لغة للتحريم وما يقال من ان هذا مختص بمناهي الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وموضع النزاع هو الاعم في نهاية الصحة والمتانة ؛ والجواب عنه بأن تحريم ما نهى عنه الرسول يدل على الفحوى على تحريم ما نهى اللّه عنه ؛ فى غاية الضعف والسقوط. حيث أن النزاع أيضاً أعم وليس الاشكال ناشئاً عن عدم الشمول بالنسبة إلى نواهي اللّه عز وجل وقوله (قدّس سِرُّه) (مع ما فى احتمال الفصل من البعد) بعيد عن الحق والصواب حيث أن الخاص لا دلالة له على العام. وقوله (رَحمهُ اللّه) (واستعمال النهي في الكراهة شاع «الخ») فاسد لما عرفت ان النهي لم يستعمل إلا في معناه وهو الزجر والمنع وأما الكراهة والحرمة انما تستفادان من الموارد. ولا فرق بين الحرمة والكراهة في هذه الحيثية. والحاصل ان كل ذلك جزاف ورجم بالغيب ولم يدل عليه دليل لا من الآية ولا من الرواية، بل أنما صدر ما ذكر إغتراراً بالاستفادة مع عدم تعقل الأعمية، والخاص ليس دليلاً على العام

ص: 152

قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) أصل وقد اختلفوا في أن المطلوب بالنهي ما هو فذهب الاكثرون إلى أنه هو الكف عن الفعل الخ.

اعلم: إنك اذا علمت أن النهي نقيض الأمر، وأن كل متقابلين لا بد لهما من جهة جامع وأن المطلوب بالأمر هو الفعل المعلول عن الأرادة، وان الجامع للفعل والترك هو الأرادة، علمت أن المطلوب بالنهي هو الترك المستند الى الاراده، إذ كما لم يحصل الاقبال في الأمر إلا باستناد الفعل إلى الارادة فكذلك فى النهي ؛ ضرورة ان امتثال النهي انما يتحقق بعد استناد الترك الى الأرادة، فالأمرأة المجبورة على الفعل أو على الترك ليست ممتثلة للنهى ولا عاصية كما فى الأمر كذلك ؛ فان المجبور على الفعل أو الترك ليس يمتثل ولا عاص ولا يعقل الأقبال ولا الادبار إلا باستنادها الى الارادة، والا لزم كون العصيان والاطاعة ليسا بأمرين اختيار بين، وهو من الشناعة بمكان ؛ فالقول بأن المطلوب بالنهي نفس ان لا تفعل لا محصل له حيث ان الترك المحض أعم من أن يستند إلى الارادة ولا يعقل إلا باستناد الترك إلى الارادة وكذا القول بان المطلوب بالنهي هو الكف لا يرجع الى محصل ؛ حيث ان الكف عبارة عن توطين النفس على الترك الذي عبارة أخرى عن الأعراض، وهو غير الترك المستند الى الارادة بل من مقدماته ؛ و بالتأمل فيما حققنا يعلم أن النزاع لا معنى له، وانما زعم من زعم جهلاً بالبديهيات الأوليه التي أشرنا إليها آنفاً فافهم واغتنم وليعلم أن الاختيار على مذهبنا انما هو بعد تسليم غرض المستعمل من الزجر هو ايقاع الماهية في عالم العدم وإلا فليس معناه إلا الزجر ؛ والأغراض تختلف غاية الاختلاف ومرحلة الطلب مؤخرة عنها وهي ناشئة فيما اذا كان الغرض من الزجر

ص: 153

ايقاع الماهية في عالم النبي والعدم ؛ فيقال حينئذ طلب تركى كما حققناه آنفاً فارجع البصر.

ثم إختار صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) إن المطلوب بالنهي نفس أن لا تفعل واستدل على المختار بقوله لنا ان تارك المنهى عنه «الخ».

وفيه ما عرفت أن الامتثال انما يتحقق بعد استناد الترك الى الارادة، وإلا لزم كون الاطاعة ليست بأمر اختياري وهو من الفساد بمكان ؛ ودعوى مدح العقلاء على انه لم يفعل من دون نظر الى تحقق الكف في محل المنع ؛ كيف مع انهم لو علموا باستناد الترك الى عدم القدرة على الفعل الحصل الذم منهم بالنسبة اليه ؛ وهذا يكشف كشفاً قطعياً من ان المطلوب بالنهي هو الترك المستند إلى الارادة فقوله (رَحمهُ اللّه) (بل لا يكاد يخطر الكف ببال اكثرهم) بين الوهن واضح الفساد ؛ حيث أن الكف مستدرك في كونه تاركاً للمنهى عنه والوصف انما ينصرف الى ما هو اختياري للشخص ولا فرق بينه و بين سائر الأوصاف ككونه آكلاً أو ذاهباً ؛ بل عسى أن يقال ان الحقيقة لا تصدق على من أجبر على الأكل بحيث القى الطعام في فمه وأجبر على البلع ؛ ولا يقال أنه أكل ؛ بل انه أو أوكل ؛ وكذلك الذهاب وسائر الأوصاف.

ثم قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) احتجوا التمائلون بان المطلوب بالنهي هو الترك : بان النهي تكليف ولا تكليف إلا بمقدور الخ)

وفيه: ان نفي الفعل المستند إلى الارادة لا يمتنع أن يكون مقدوراً حيث انه قد يكون فعلاً للنفس وقد يكون فعلاً للجارحة فكذلك

ص: 154

الفعل ؛ والاستدلال إنما ينهض إن أريد من المتعلق الترك المحض، وليس كذلك حيث لا يعتمل تحقق الامتثال به.

ثم أجاب صاحب المعالم «نور اللّه مضجعه» بقوله : المنع من أنه غير مقدور لأن نسبة القدرة إلى طرفي الوجود والعدم مساوية (الخ).

وفيه: إمتناع ايجاد عدم السابق لا مجال للارتياب والشك فيه ؛ كيف وإلا لزم عدم تصور تحصيل حاصل، بل يلزم عدم امتناعه، وهو من الفساد بمكان ؛ والتعليل بقوله (لأن نسبة القدرة «الخ») لا ربط له بالمقام ؛ نعم إنما يتحقق بالنسبة الى الترك المستند الى الأرادة أي الترك الجديد حيث أن القدرة بالنسبة اليه و إلى الفعل متساوية.

ومراده من قوله : لأن نسبة القدرة (الخ) ان المرتعش لا يصح أن يقال له أنه قادر على الارتعاش حيث انه على عدم الارتعاش لم يكن مقدوراً، فالارتعاش بالنسبة اليه واجب و بفعله مجبور ثم إعلم إن أخذ الاستمرار متعلقاً للنهي أيضاً لا يثمر، ضرورة أن المطلوب بالنهي ليس استمرار عدم السابق والشاهد على ذلك أن الامتثال يتحقق، ولو كان قبل النهي فاعلاً للمنهى عنه، مع ان إستمرار عدم السابق أيضاً أمر عدمي إلا اذا استند إلى الأرادة كما حققناه فافهم واغتنم فانه دقيق جداً.

قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) أصل قال السيد مرتضى (رَحمهُ اللّه) إن النهي كالأمر في عدم الدلالة على التكرار بل هو محتمل له وللمره وقال قوم بافادته الدوام والتكرار واليه أذهب.

أقول: إعلم إنك اذا عرفت أن الطلب والحرية وغير ذلك من

ص: 155

الأمور المتوهمة انها معا في ليست بها وأنها أمور انتزاعية تفهم من الموارد الموجبة لاختلاف الأغراض الموجبة لاختلاف المرادات ؛ تعرف إن المرة والتكرار أجنبيان عن مرحلة دلالة الصيغة، فان الطلب المنتزع من النهي اذا كان خارجاً عن مدلوله فالمرة والتكرار اللذان لا يكونان إلا في مرحلة الامتثال الذي نسبته الى النهى نسبة الحكم إلى الموضوع أولى بعدم دخولهما فى المدلول ؛ وأن الاستحالة هنا آكد من الأول، فانه مستلزم لتقدم الشيء على نفسه بمرتبتين، فدعوى صاحب المعالم (رَحمهُ اللّه) الدلالة على التكرار دونه خرط القتاد ؛ فالاستدلال بقوله (لنا أن النهي يقتضى منع المكلف من إدخال ماهية الفعل وحقيقته فى الوجود) لا معنى له ؛ حيث أن دوام الترك كدوام الفعل وأنه يختلف باختلاف المقامات والأغراض كما أن دوام المأمور به وعدمه انما هو باختلافهما فنمنع قوله (رَحمهُ اللّه) (إن النهي يقتضى منع المكلف دائماً) بل نقول ان النهى كالأمر إذ كما يحصل الامتثال بالمرة فى الأمر فكذلك يحصل الامتثال فما اذا كان المطلوب بالنهي ترك الفعل فى وقت لا يمكن الأتيان مرة أخرى ؛ مع أنه بحث عن كيفية امتثال النهي لا معنى هيئة لا تفعل، مع انه مصادرة بالمطلوب. فتأمل. وتفريعه (قدّس سِرُّه) (ولهذا لو نهى السيد عبده الخ) لا يرجع الى محصل ان كانت هناك قرينة على الدوام، لأن الكلام فى النهي المجرد عن القرائن، والا فالعصيان والدم بسبب ترك التكرار ممنوعان.

قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) احتجوا بانه لو كان للدوام «الخ».

وفيه: ان نهي الحائض عن الصلاة بيان لمانعية الحيض وكذلك قول الطبيب لا تشرب اللبن انما هو لبيان المفسدة، ودلالتها على المرة

ص: 156

والتكرار بعد تعلق الغرض من الزجر طلب الترك كما فى لا تقربوا الزنا فافهم. و بذلك ينقدح ما فيها أجاب به عنه صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) ولا نحتاج الى تطويل في الكلام.

ثم قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) فائدة لما اثبتناكون النهي للدوام الخ وهو صحيح من جهة وفساد من أخرى ؛ أما الاول فان من قال بكون النهي للدوام، لابد أن يقول بكونه للفور ليتحقق الدوام لكن يشكل عليه أن الدوام غير التكرار ؛ وأما الثاني فان من لا يقول به فلا يلزمه عدم القول به من هذه الجهة ؛ فما إدعاه (قدّس سِرُّه) من ان كل من لا يقول يا لتكرار يلزمه عدم القول بالفور ايضاً، فيه ما فيه ؛ مع أن القائل بالتفكيك كثير.

قال صاحب المعالم (رَحمهُ اللّه) الحق إمتناع توجه الامر والنهي إلى شيء واحد (الخ).

قبل الشروع في المقام، لابد لتمهيد مقدمة ليتضح بها المرام، ولو أشرنا اليها في طى كلماتنا السابقة ايجازاً لكن لشدة الارتباط وجب الذكر في المقام تفصيلاً ؛ فنقول : إن متعلق الأمر والنهي نفس الطبيعة لا بشرط، وأنهما نحوان من الطلب متضادان يتواردان على محل واحد كالقبول والرد، وتعلق الحكم بالايجاد والترك مستحيل، ضرورة ترتب الاطاعة والعصيان على التكليف، وايجاد الواجب إطاعة كما أن ترك الحرام كذلك فإيجاد المأمور به لا يمكن أن يكون مأموراً به، وانما حقيقة الوجوب والأمر بالشيء البعث عليه المؤدي إلى ايجاده، فالايجاد إنبعاث على العمل لا نفس المبعوث عليه، وإيجاد الحرام لا يمكن ان يكون حراماً وانما هو عصيان للنهي فانه زجر على العمل وردع والترك إرتداع وانزجار، وحيث أن الايجاد والترك

ص: 157

لا يمكن أن يكون ملحوظاً فى المتعلق، فليس المراد من أن الوجوب طلب الايجاد ان المطلوب هو الايجاد، ومن أن الحرمة طلب الترك أن الحرمة هو الترك بل إنما المضاف اليه للطلب فصل له، فان من الواضح إن الأمر والنهي إنما يتميزان با لماهية والحقيقة ومن المستحيل كون متعلق العرض الذي. هو موضوعه محققاً لحقيقته ومميزاً لماهيته، فالايجاد ليس مورداً لحكم المولى وليس المرجع فيه أولاً إلا العقل، فلا يمكن أن يقال إن الفعل حيث اشتمل على الجهات المختلفة المتضادة فلابد فيه من تعارض الجهات ولا يمكن بقاء كل جهة على مقتضاها، فان هذا إنما يتم في موضوع الحكم وأما ايجاد الموضوع فليس موضوعاً لحكم ذلك الموضوع والا لتأخر الشي عن نفسه، نعم للحاكم أن يتصرف في مرحلة الامتثال تصرفاً آخر مترتباً على المرحلة الأولى باعتبارها يفسد العمل، فلا تبرأ به الذمة على ما سيتضح انشاء اللّه في محله.

اذا عرفت هذه علمت ان المصلى فى المكان المغصوب امتثل الأمر بالصلاة وعصى النهي عن الغصب، وليست خصوصيه الوقوع فى المكان المغصوب ملحوظة فى مرحله ايجاب الصلاة كي يمنع ايجابها معها ويتحقق التناقض، بل إنما هي جهة طرأت بعد تمامية الحكم بالنسبة الى موضوعه ؛ وتوهم منافات مبغوضيته للمحبوبية فى الواقع من سخائف الأوهام ؛ وإلا لا متنعت الصحة مع المعذورية وعدم حرمة تنجز الغصب، فان المبغوضية الواقعية تنافى المحبوبية الواقعية وهذا يكفي في الاستحالة وعدم التنجز لا يناقى مبغوضية العمل ؛ والمنشأ لتوهم الاستحالة انما هو ذلك ؛ مع أنه ليس لأحد أن يحكم بالفساد مع الجهل بالغصب والحاصل أن كون الاباحة شرطاً في الصلاة غلط، والالفسدت الصلاة مع الجهل بالغصب ؛ واشتراط

ص: 158

عدم مجامعتها للعصيان المستفاد من تنجز الحرمة مما لا معنى له، فان عصيان تكليف لا يمنع من امتثال آخر ومن هنا يظهر أنه لو صرح المولى يمبغوضية العمل الجامع للامرين لم يدل على البطلان، فحرمة الصلاة فى المكان المغصوب وان دل عليها نص خاص فلا تدل على البطلان فانه تغليب لجهة الحرمة، ولهذا مع انحصار مكان الصلاة في المغصوب ودوران الأمر بين ترك الغصب وترك الصلاة فلا إشكال أن الاهم هو المتقدم والمتعين ترك الصلاة وعدم امتثال الواجب لا ارتكاب الغصب مع فعل الصلاة، ومع التساوي فالتخيير، ولو خالف وصلى مع الغصب انما يعاقب على ترك، وهو عاص من جهة الغصب ومطيع من جهة الصلاة ؛ فان الصلاة لم يسقط عن الوجوب لا ثبوتاً ولا تعلقاً وبعد المخالفة بترك امتثال الاهم إمتثل باتيان ألواجب ؛ والنهي عنه لا يترتب عليه الفساد لكونه راجعاً الى النهي عن ترك الأهم ؛ وهذا معنى الترتب، ولا فرق في مسئلة التزاحم بين اتحاد مصداق الواجب والحرام كصورة انحصار المكان في المغصوب للمصلي، ودوران الأمر بين ترك الغصب وترك الصلاة أو تعدد مصداقهما كدوران الأمر بين ترك الصلاة أو شرب الخمر أو ارتكاب الكذب وترك الصوم، أو تزاحم الواجبين كنزاحم الآيات مع اليومية، أو تزاحم الحرامين كتوهين العالم والكذب، والوظيفة مع التساوي هي التخيير ومع الرجحان وأهمية أحدهما يقدم الأهم، ولو عكس يعاقب على ترك الأهم لا على فعل المهم او تركه فانخرم بما حققنا ما أفاده الاستاذ صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) حيث علمت بحواز اجتماع الأمر والنهي، ولا يمكن الفساد من هذه الجهة، بل علمت أيضاً لا يمكن من باب المزاحمة، بل علمت ايضاً لا يمكن من باب أن الأمر بالشئ هو النهي عن الضد فما إدعاه (قدّس سِرُّه)

ص: 159

بقوله (والحق امتناع توجه الأمر والنهي بشي واحد) صحيح لكنا نقول محل النزاع ليس كذلك، فان النزاع فيما إذا كان بين المتعلقين عموم وخصوص من وجه لا عموم وخصوص وخصوص مطلقاً، فان له مبحث خاص ياتي في محله انشاء اللّه تعالى ولا في اتخاذ المتعلق فيقوله (قدّس سِرُّه) (الوحدة تكون بالجنس وبالشخص) لا محصل له.

ثم قال قده الوحدة الشخصية إما ان يتحد (الخ).

وفيه: إن تعدد الجهة لا يجدي فيها اذا كان المتعلق شيئاً واحداً فهل يتأمل ذو مسكة، اذا وجب اكرام زيد من جهة لا يمكن حرمة الاكرام من جهة أخرى ؛ وذلك لتوقفه على الارادة، ولا يمكن ان يتحقق ان تعلق باحدهما. ولعل هذا مراد من قال : بأنه محال في نفسه لا أنه تكليف بالمحال ؛ مع أن النزاع فيما اذا تغاير المتعلقان ؛ مع ما عرفت أن الأوامر والنواهي انما تتعلق بالطبايع وخصوص الفردية والايجاد خارج عن المتعلق ولا يعقل أخذ الايجاد جزءاً للمتعلق كما اشرنا اليه فى صدر المحث ؛ ومما يدل على ما حققنا جعلوا محل البحث في الصلاة في الدار المغصوبة، فان متعلق الأمر هو الصلاة ومتعلق النهي هو الغصب.

ثم إستدل صاحب المعالم (رَحمهُ اللّه) بقوله لنا طلب الأمر طلب لايجاد الفعل والنهي طلب لعدمه فالجمع بينهما في أمر واحد ممتنع «الخ».

وفيه: للنظر مواقع منها قوله (فالجمع بينهما في أمر واحد ممتنع) فيه أن متعلق الأمر الصلاة ومتعلق النهي الغصب، اذ ليس متعلق الأحكام إلا نفس الطبيعة لا بشرط شيء. ومنها قوله (وتعدد الجهة

ص: 160

غير مجد) وفيه إن هذا انما يتم ان أخذت في موضوع الحكم، وأما ايجاد الموضوع فليس لحكم ذلك الموضوع والدليل المثبت للحكم لا يعقل أن بنين حال امتثاله وإلا لتأخر الشي عن نفسه ومنها قوله (والأمر بالمركب أمر باجزائه) وفيه ان الصلاة أمر بسيط والتركيب فى الافعال ؛ وهي كالجسد بالنسبة الى الروح، فالكون ليس متعلقاً لحكم من الأحكام. فما استدل به المخالف في نهايه الصحة والمتانة تقتضيه الضوابط العقلية والبراهين القطعية.

ثم اجاب صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) عن الوجه الأول من أدلة الخصم بمالا يرجع الى محصل قال : إن الظاهر فى المثال المذكور ارادة تحصيل.

وفيه: أنه يجري مثل هذا في الصلاة أيضاً، حيث أن خصوصية الوقوع فى المكان المغصوب ليست ملحوظة في مرحلة ايجاب الصلاة کی يمنع اينجابها معها و يتحقق التناقض ؛ وادعاء اتحاد المتعلق في الأمر المتعلق بالصلاة والنهى المتعلق بالغصب وتعدد المتعلق في مقامنا هذا من الوهن بمكان ؛ مع انك قد عرفت أن الكون ليس جزءاً للصلاة ولا للغصب ولا للخياطة مع إنه يمكن أن يقال بالمماشاة، ان ربط الكون بالصلاة ليس ازيد من ربطه بالخياطة بل في كليهما من لوازم الجسم ومما يقضي منه العجب (قدّس سِرُّه) بعد تسليم اختلاف المتعلقين، حيث انك قد عرفت عصيان تكليف لا يمنع من امثال آخره.

و بما حققنا يظهر حال ما أجاب به صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) عن الوجه الثانى حيث قال : وعن الثاني ان مفهوم الغصب وانكان مغاير الحقيقة الصلاة الا ان الكون الذي الخ لكن لا باس بالاشارة الى مواقع النظر منها قوله

ص: 161

(الا ان الكون الذي هو جزؤها الخ) وقد عرفت فساده حيث ان الصلاة ليس أمراً مركباً، فلا يعقل التركيب بعد فرض الصلاة منها قوله (رَحمهُ اللّه) (ان الأحكام انما تتعلق بالكليات باعتبار وجودها في ضمن الفرد الخ) وفيها ما عرفت ان الاحكام انما تتعلق بالماهيات لا بشرط ولا يعقل اخذ اعتبار الوجود فى المتعلق لاستلزامه تحصيلا للحاصل فقوله (فالفرد الذي يتحقق به الكلي هو الذي يتعلق به الحكم حقيقة) مضحك للثكلى.

إلى أن قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) على أبعد الرأيين فى وجود الكلي الطبيعى.

وتحقيق القول فيه، إن الماهية کلي فى الذهن وذاك الكلي متحد مع الفرد فى الخارج وفى عالم الوجود، وبعبارة وجيزة، الكلى عين الفرد ولكن له لحاظات ومرحلتان ففى وجوده الذهنى يسمى طبيعة معدومة لا بشرط فالكلية عارض من عوارضه ؛ وبعبارة أخرى في عالم التصور كلي، وفي عالم الوجود الخارجى فرد و جزئي وتغاير المنزل لا يوجب النازل مثلا شخص زيد في مكان سمي زيداً وفى آخر سمي بكراً فهو هو والاسم اختلف بسبب اختلاف المحل؛ و بالجملة لا نقول أن الكلي عين الفرد مطلقاً لأن ذلك باطل بالوجدان، لأن الطبيعة الحاصلة في الذهن لو كان عين الفرد فى الخارج عرضاً يلزم تحصيل الحاصل في مقام الطلب، ويلزم انحصار الطبيعة في فرد مطلوب دون غيره وذلك كما ترى ؛ بل نقول أن الطبيعة عين الفرد ولكن مقام الطلب والايجاد طوليان، فالطلب أولاً وبالذات تعلق بعنوان كلى يصدق على القليل والكثير ؛ والمأمور في مقام الايجاد يوجد ذلك الكلى ثانياً وبالعرض. والحاصل أنهم اختلفوا في أن الكلي هل هو عين الفرد أو حصة من الحقيقة الكلية فى ضمن الفرد ؛ وهذا الثانى أبعد الرأيين.

والحق أن الكلي عين الفرد كما هو مفاد قول الأول واختاره صاحب المعالم (رَحمهُ اللّه)

ص: 162

قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) اختلفوا فى دلالة النهي على فساد المنهي عنه قبل الخوض في المقام لابد لتمهيد مقدمات ليتضح بها المرام واللّه الهادي وبه الاعتصام.فنقول (الأولى) أن الصحة لها معنيان احدها مقابل البطلان وثانيها مقابل الفساد، توضيح ذلك إن تقوم كل ماهية انما هو بجزئيها الجنس والفصل، ويفقد شئ منهما لا تحقق لأصل الماهية والصحة والفساد أمران تتصف بهما الماهية، ومن المعلوم أن اتصافها بهما فرع تقومها بذاتها، ومقتضى تقابل العرضين عروض كل منهما على المحل الذي يعرض عليه الآخر وإلا لخرجا عن التقابل، فالفساد لا يعرض إلا على عين ما يعرض عليه الصحة وهو الماهية بعد عاميتها من حيث الذات فلا يعقل إنتزاع الصحة والفساد بوجدان شي من جزئي الماهية وفقدانه، فان الحمار ليس إنساناً فاسداً ولا الانسان حماراً صحيحاً وكذا التسعة ليست عشرة فاسده ولا العشرة تسعة صحيحة، فالماهيات لا تتصف بالصحة باعتبار اشتمالها على مقومات الذات من الجنس والفصل ولا بالفساد باعتبار فقدها لشئ منهما فاللفظ الموضوع للماهية المستعمل فيها لا يجوز أن يقال له انه موضوع للصحيح أو مستعمل فيه، ولا فرق بين العبادات والمعاملات و بين سائر الألفاظ العرفيه، فان ماهية العطف التي هي مفهوم لفظ الصلاة، وماهية الأمساك التي هي معنى لفظ الصوم وماهية القصد التي هى معنى لفظ الحج وهكذا غيرها لا تنقوم إلا بفصلها وجنسها و باختلال شي منهما لا يطرأ عليها الفساد كما أن بالاشتمال عليها لا يطرأ عليها الصحة، ضرورة ان انتفاء الذات ليس فساداً ولا ثبوتها صحة، وانما الصحة والفساد يطرآن على الماهية باعتبارات خارجة عن ذاتها.

(الثانية) الفرق بين الفساد والبطلان، هو أن الفساد يطرأ من اختلال

ص: 163

قيود مأخوذة في كونها موضوعاً للحكم كالأجزاء، فانها قيود معتبرة في الموضوع موجبة لتقيد المأمور به، وأن الفراغ والامتثال لا يتحقق إلا بانيان الموضوع على ما هو موضوع ؛ ومن هذه الجهة تنشأ الصحة المقابلة للفساد ؛ والبطلان من اختلال قيود مأخوذة في نسبة الحكم الى الموضوع كتعيين الوقت أو المكان وكذا سائر الشروط طراً من الطهارة والساتر والقبلة وغيرها، فانها باسرها راجعة الى النسبة لا الموضوع موجبة لتقيد المطلوب لا المأمور به ؛ قال صل كذا مع الطهارة الى القبلة مستور العورة فاجزاء الصلاة داخلة فى المأمور به ؛ فأن الأمر انما تعلق بعطف خاص متحقق بتلك الأجزاء والشروط خارجة عن المأمور به معتبرة فى الحكم مقيدة المطلوب، بمعنى أن المطلوب إيجاد الصلاه على الوجه المذكور ؛ ومن هذه الجهة تنشأ الصحة المقابلة للبطلان ؛ فاختلال الجزء يوجب الفساد وإختلال الشرط البطلان وعدم التلازم بينهما واضح ؛ فأن الصحة يتحقق بالمعنى الأول بدونها بالمعنى الثاني كالصلاة اذا اشتملت على أجزائها وفقدت شرعاً من شروطها فانه قد أتى بالمأمور به من دون نقص، ولكن لم يأت به على وجهه فلم يمتثل الأمر فأتى البطلان من قبله ؛ وقد يتحقق بالمعنى الثاني بدونها بالمعنى الأول كصلاة العاجز أو الناسي التارك الجزء مثلاً فإنها فاسدة لنقصها وافتقادها الجزء وليست باطلة لحصول الامتثال والطاعة، إذلا ملازمة بين إتيان المأمور به وحصول الطاعة كعدم التلازم بين عدميها ؛ فالفساد مقابل للصحة بمعنى والبطلان مقابلها بمعنى آخر ؛ وان شئت قسم البطلان أيضاً بالفساد وان شئت قسم الفاقد للقربة والطاعة والامتثال باطلا والفاقد للجزء ناقصاً مكسوراً، وان حصل الامتثال والفاقد لسائر الشروط معيباً وان تحقق به الطاعة والامتثال ولك أن تجعل بازاء كل من هذه الثلاثة صحة

ص: 164

تقابله فتقول الصحة مقابل البطلان ما حصل به الامتثال وان افتقد الجزء أو الشرط ؛ والصحة مقابل الكسر والنقص ما تم أجزاؤه سواء كان باطلاً أولا ؛ والصحة مقابل المعيب ما تم أجزاؤه وسائر شروطه سواء كان باطلاً أولا، فان هذه تعبيرات ولا مشاحة فيها وان حقيقة الواقع ما بيناه (الثالثة) ان معنى الصحة والفساد في المعاملات عين معناهما في العبادات وأنهما أمران منتزعان من إختلاف قيود النسبة واجتماعهما وانما الفرق بينهما إن الحكم المترتب على العبادة جعلى تعبيرى والحكم المترتب على المعاملة عرفي نفس الأمرى ؛ وأما انتساب الحكم الى الموضوع وكون النسبة مقيدة بقيود فهما مشتركان فيه ولا يختلفان فكما أن إختلال قيود النسبة في العبادة يوجب البطلان واجتماعها الصحة كذا اختلال قيود النسبة في المعاملات واجتماعها، فمنشأ انتزاع الصحة والبطلان في كل من العباده والمعاملة شيء واحد، وهو إجتماع قيود النسبة واختلالها، ولا يضر اختلاف المنسوب بأن كل في أحدهما حكما تعبد يا تكليفياً وفى الآخر حكما عرفياً وضعياً، كما لا يضر اختلاف المنسوب اليه حيث كان أحدهما عبادة والآخر معاملة، بل لا يضر ايضاً اختلاف أثر الصحة والبطلان فيهما، حيث أن أثرها في العبادة فراغ الذمة والامتثال وعدمهما وفى المعاملة النفوذ وعدمه، لأن ذلك ناش من خصوصية الحكم المنسوب اليهما لا من اختلاف سنخ الصحة والفساد فيهما، لحقيقة الصحة والفساد فيها شي واحد إلا أن الصحة والفساد المنتزعين من اجتماع الاجزاء واختلالها لا محل لهما في المعاملات، لعدم تعلق الجمل والاختراع بها حتى بالنسبة الى موضوع الحكم، ضرورة أن الشارع لم يخترع ذات البيع. بل لم يقع شيء منها موضوعاً لحكم تعبدي شرعي أصلا و انما لها أحكام عرفيه نفس الأمرية كشف عنها الشرع، وتلك الأحكام

ص: 165

لا تترتب الا بشروط فالبيع حكمه إفادة التمليك عرفاً، بمعنى أن الشارع لم يجعله مملكاً تعبداً وانما هو حكم ثابت له في نفسه قرره الشارع عليه، بمعنى انه لم يمنعه من التأثير، حيث أن الأحكام العرفية فى المعاملات كلها قابلة لتصرف الشارع منعاً وتقريراً لا جملاً ونفياً، حيث أنها ثابتة لها في نفسها من دون حاجة الى جعل واثبات، فما منعه الشارع واسقطه انسلخ عن ذلك الحكم وما لم يمنعه بقى على حاله الذي هو عليه من التأثير وهذا معنى الامضاء في الشرع والتقرير ومعنى قوله تعالى أحل اللّه البيع وحرم الربا، فان التحريم هو المنع الجمع بين الوضعي والتكليفي و يقابله التحليل وهو عدم المنع ممن له ذلك، والتحليل ليس الا ابقاء له على ما كان عليه بعدم المنع ومن هذا كله اتضح أن الصحة والفساد لا يجريان في المعاملات وانما المقصف به الصحه والبطلان اذا عرفت هذه المقدمات علمت أن النهي لا يمكن فيه الدلالة على فساد المنهى عنه ولا على بطلانه، لما عرفت أن النهي لا دلالة لها الا على المنع والردع ولا يعقل أخذ طلب الترك مدلولاً لها، فضلا عن الحرمة، فضلاً عن اختلال القيود التي هي منشأ لانتزاع الفساد. بیان ذلك ما عرفت أن طلب الترك فعل ثانوي، أي يتحقق طلب الترك اذا تعلق غرض المستعمل من الردع والزجر ايقاع الماهية في عالم العدم، ولو سلم دلالتها عليها لا يمكن الدلالة على الحرمة، اذ العام لا دلالة له على الخاص، فان النهي قد يكون تنزيهي وقد يكون تحريمي، والحرمة ليس الا شدة طلب تركي كالوجوب ليس الا شدة طلب ايجادي، ومرحلتها مؤخرة عنها ولوسلم دلالتها على الحرمة لا يدل على فساد المنهى عنه ولا على بطلانه لكونه قد يرجع الى النهي عن ترك الأهم وقد يرجع الى مبغوضية الامتثال وقد يرجع الى مرحلة القبول لا الى مرحلة الامتثال والعام لا دلالة له على الخاص، والحرمة

ص: 166

الراجعة الى التقييد المنعي لا تفيد الفساد أو البطلان، وقد زعم المشهور الترادف بين الفساد والبطلان وهو غير صحيح كما عرفته في المقدمات، وتارة يستند الفساد الى عنوان آخر كعنوان الاهانة ورد الاحسان والصدقة من غير فقد شرط أو وجود مانع هذا حال النهي في العبادات، وأما النهى في المعاملات فالأمر فيه أوضح، حيث أن الصحة والفساد المنتزعين من اجتماع الأجزاء و اختلالها لا محل لهما في المعاملات لعدم تعلق الجعل والاختراع بها كما عرفت في ثالث المقدمات، فائر الصحة في المعاملات التي هي من قبيل الأسباب ترتب آثارها عليها ؛ ولا ملازمة بين حرمة البيع الربوي وبين عدم ترتب الأثر ؛ ضرورة إمكان مفاد النهي ثبوت حكم تكليفي وليس متصدياً لبيان حكم وضعي، هذا على مبناهم الفاسد وأما مبنانا الصحيح، لا يعقل فيه الدلالة أيضاً لتأخر الشيء عن نفسه بمراتب وهو من الاستحالة بمكان، وجعل الدلالة تارة باللغة وتارة بالشرع غلط، إذ ليس للنهي حقيقة شرعية ولا للصحة والفساد معان متباينة ولا حقائق شرعية، بل حقيقة الصحة والفساد في جميع الموارد حقيقة واحدة وانما الاختلاف في الآثار و المعنى الشرعي عين معنى اللغوى وهو محفوظ في جميع الموارد فافهم.

ثم قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) ها هنا دعویان و مراده : الأولى الدلالة فى العبادات والأخرى دعوى عدم الدلالة في المعاملات

وقال «ص» (رَحمهُ اللّه) لنا على الأولى أن النهى يقتضى كون ما يتعلق (الخ).

وفيه :ما عرفت أن دلالة النهي على الفساد يلزم تأخرها عن رتبتها بثلاثة مراتب مع أنه لا ملازمة بين الفساد و بين عدم حصول الامتثال

ص: 167

فانه لا تلازم بين الاطاعة والأتيان بالمأمور به كما أنه لا تلازم بين العصيان والأتيان بالمنهى عنه كالأمر اذا كال على سبيل التعبد بمعنى كون الغرض البعث على العمل بعنوان الخضوع ؛ فلا يتحقق الاطاعة والخضوع بمجرد الأتيان بالمأمور به ولهذا تبرأ الذمة بالواجب التوصلي لا بعنوان الخضوع والطاعة ولا يتحقق الامتثال ؛ فموافقة المأتى به للمأمور به انما يوجب البراءة فى التوصلي، وأما التعبدي فيعتبر فى البراءة تحقق التعبد والامتثال و إن لم يوافق المأتى به للمأمور به على الوجه الذي بيناه فى صور الاكتفاء فأفهم.

ثم قال (قدّس سِرُّه) ولنا على الثانيه بانه لو دل لكانت باحدى الثلاث الخ.

وفيه: ما عرفت ان عدم الدلالة مستند الى لزوم تأخر الشئ عن نفسه ؛ وقوله (رَحمهُ اللّه) (يحوز عند العقل الخ) على مبناه صحيح لا ريب فيه وأما على مبنى التحقيق فقد عرفت أنه يستلزم تقدم الشيء على نفسه مرتبتين.

ثم نقل صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) حجة القائلين بالدلالة مطلقا أي فى العبادات والمعاملات معاً بحسب الشرع لا اللغة وقال ان علماء الأعصار وفيه لا حجية لقولهم ولو وصل بحد الأجماع حيث انه مسألة لغوية. واستدلوا أيضاً بقولهم : لو لم يفسد لزم من نفيه حكمة يدل عليها النهى ومن ثبوته حكمة يدل عليها الصحة «الخ».

وهذا الاستدلال لا يرجع الى محصل، ضرورة انما يصح ذلك لو كان الأمر والنهى ناظرين الى مرحله واحدة وليس كذلك، إذ قد تكون أدلة الصحة وهى العمومات كأقيموا الصلاة ناظرة إلى مرحلة الثبوت والنهي ناظر إلى مرحلة الامتثال، مع أن النهى قد يرجع إلى ترك الأهم وقد يرجع

ص: 168

مرحلة القبول لا إلى حصول الامتثال والأمر فى العبادات أوضح حيث أن النهى لا ينافي الصحة بمعنى ترتب الأثر هذا كله على مبناهم الفاسد وأما على مبنانا فتامل.

ثم أجاب صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) عن الأول أنه لا حجية (الخ) وفيه ما عرفت من أن المسألة لغويه والاجماع لا يصلح للاثبات بل لا بد من الرجوع الى العرف.

ثم قال (ص )(قدّس سِرُّه) و عن الثاني بالمنع من دلالة الصحة الخ.

وفيه: ما عرفت ان الصحة لها معنى واحد ؛ وإنما الاختلاف فى الآثار، مع أن المدعى إنما يدعى دلالة دليل الصحة لا الصحة وان كان ظاهر العبارة كذلك إذ لا تقابل بين النهي والصحة بل التقابل بين النهي والأمر : والصحة لا دلالة لها إلا على معناه مع أن الصحة على مذهبه لا تخلو عن أمر : فادعاء أن النهي له مصلحة والأمر خال عنها جزاف لادلالة له عليه ثم نقل الوجه الأول من أدلة القائلين بالفساد مطلقاً، وأجاب بمالا يرجع الى محصل وقال الوجه الثاني لهم إن الأمر يقتضى الصحة «الخ».

وهذا الدليل من الوهن بمكان حيث تمنع دلالة الأمر على الصحة للزوم تأخير الشيء عن نفسه بمراتب وهو من القباحة بمكان، مع أن الصحة ليست متوقفة على الأمر بل الأمر متعلق بالصحيح، مضافاً إلى ذلك قد يكون مفاد الأمر الاجتزاء والاكتفاء بالفاقد وإن لم يكن صحيحاً كصلاة ذوي الأعذار : وما أجاب به عنه في نهاية الجودة والمتانة إلا أنه على مبناه فتأمل.

قال صاحب المعالم (رَحمهُ اللّه)حجة النافين للدلالة مطلقاً لغة وشرعاً أنه لو دل لكان مناقضاً للتصريح (الخ).

ص: 169

وفيه: ان الملاك في الجمع على ما سنبين انشاء اللّه تعالى بين العام والخاص والحقيقة وقرينة المجاز وكذا المطلق والمقيد ؛ هو أن الكلام الواحد وما بمنزلته لا يفيد معناه إلا بعد ملاحظة أطرافه و بعد ذلك لا يفيد إلا معنى واحداً فلا مجال للتعارض ؛ ولعل مراد المجيب راجع الى هذا المعنى وما زعمه الأستاذ صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) بقوله (وفيه نظر فان التصريح با لنقيض يدفع الخ) في نهاية السخافة، لما عرفت أن الجمع بين الحقيقة وقرينة المجاز الصارفة عن إرادة المعنى الحقيقى والجمع بين المستثنى منه والمستثنى أخذ مما يؤل اليه الكلام بعد ملاحظة أطرافه من المعنى الواحد وحكم بمقتضى الجمع حيث أن يرمى يحدث فى الأسد معنى لا يناسب معناه الحقيقي بل لمعناه التبعي فينصرف اللفظ باعتباره اليه انصرافاً قطعاً : إن كان يرمى نصاً في معناه و إنصرافاً أصلياً وكان أظهر من الأسد بالنسبة إلى معناه الحقيقى ؛ فبحكم جريان إصالة الحقيقة في يرمى يرفع اليد عن اصالة الحقيقه فى الأسد ؛ وليس المورد إلا مورداً لأصل واحد وهو تابع لما يلاحظ في الطرفين من الرجحان إما في جانب الحقيقة أو في جانب القرينة فالنتيجه هي إستفادة معنى واحد بعد ملاحظة صدور الكلام وذيله ؛ وسره يتبين في محله انشاء اللّه تعالى فلا مناقضة بين قوله لا تصل فى المكان المغصوب وبين قوله وإن فعلت لكانت صحيحة مثلاً ؛ لا من هذه الجهة ولا من جهة النهي كما عرفته تفصلاً.

ص: 170

أصل في العموم والخصوص

قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) الحق ان للعموم في لغة العرب صيغة تخصه.

اعلم: إن العام مقابل للخاص والتقابل بينه لا تقابل التضاد، والعموم مقابل للمخصوص والتقابل بينهما كذلك والتعميم مقابل للتخصيص والتقابل بينهما ايضاً كذلك، والعام يدل على العموم كما أن الخاص يدل على الخصوص ؛ والتخصيص لا يخلو من أن يكون تحديداً للموضوع أو للمقتضى أو اعتباراً للشرط أو بياناً للمانع وليس من ادوات العموم ما وضع لنفي مدخلية شيء في مرحلة من تلك المراحل إذ وضع اللفظ للدلالة على عدم مدخلية شي في تعلق الحكم مستحيل لاستلزامه نقد الشيء على نفسه، ألا ترى إن كلمة كان مع أنه أصرح أدوات العموم لا تزيد على ما فيما أضيف اليه ضرورة أنه تقيد المضاف بالمضاف اليه مع أنها لا معنى لها وإنما هي متعرضة لبيان كيفية التعلق فان الكلية أى الاستغراق حالة في المركب والكلي بالنسبة إلى الأجزاء والحزئيات أي نحو من اللحاظ فى القضية فهو من الجرفية فمعناه فى غيره سواء كان موضوعاً أو محمولاً أو غيرها ؛ فقولك : كل السمك ليس فيه إلا معنى السمك وليس لكلمة كل معنى آخر وانما هو يكشف عن أن الحكم عليه بالأكل تعلق به بهذه الكينية أي على نحو الاستيعاب، فان الحكم المتعلق بالشيء على أنحاء، فاشتراء بعض الدار حقيقة إشتراء المدار، فان الشراء متعلق بها حقيقة، وليس قولك بعضها قرينة على التجوز، حيث أن الاستناد لم يؤخذ فيه بحسب نفسه أزيد من

ص: 171

مجرد الارتباط وهو متحقق فى الجميع، وأما أنحاء النسبة والتعلق فهي خارجة عن وضع الاسناد، ومفاده لا بد ان يستفاد من الخارج، وهذا لا ينافي ظهور الاطلاق في بعض المقامات فى الاستيعاب كغسل الوجه واليدين ومسح الرأس والرجلين فى الآية الشريفة، ولهذا توقف تخصيص البعض بالمسح على إدخال كلمة باء الدالة على الالصاق على ما أفاده الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) لزرارة فى رواية طويلة، فالفرق بين البدل وقرينة المجاز واضح. ومما حققنا يتبين حال سائر أدوات العموم، وكذا الحال في دخول لفظ كل على الكلي ففى قولك أكرم كل العلماء ليس المفعول الامدخول كل وكلمة كل انما هي لبيان كيفية تعلق الحكم واخراج القضية من الاطلاق الى ما هو أظهر، فالعموم السرياني يتبدل بالاستغراقي الذي يفترق عنه بالتعرض لالغاء خصوصيات الأفراد الذي هو عبارة أخرى عن عموم الحكم لها باعتبار كون الموضوع نفس الطبيعة السارية، فظهر أن أدوات العموم انما هي سور للقضية لا تأسيس لمعنى جديد، نعم قد تدفع المانع، فيتوهم من لا خبرة له أنها افادت معنى جديداً، فان الحكم الايجابي قد يمنع من العموم بحسب الاطلاق كقولك کايت العالم وتصدق على الفقير فانهما ظاهران ظهوراً اطلاقياً فى الجزئية ودخول كلمة كل يدفع هذا الانصراف، ولا يجوز فى قولك كايت العالم جميع افراده وتصدق على الفقير أي فرداً فرداً على سبيل الاستغراق، هذا حال العموم بالنسبة الى الموضوع والمقتضى، وأما بالنسبة الى الشرائط والموانع فالأمر أوضح ضرورة أن قولك ان كانوا عدولاً أو الا أن يفسقوا بعد قولك أكرم العلماء ليس فيه ما ينافيه الا اذا كان في مقام البيان والافعموم الأحراق الجميع أفراد النار لا ينافي الاشتراط بالوصول والاستعداد ومنع الرطوبة، فظهر أن العموم والاطلاق صفتان فى المعنى الأفرادي في مقام

ص: 172

التركيب لا اللفظ والكاشف عنه من حيث الموضوع قد يكون ظهور الحمل في هذا النحو من التعلق، وقد يعلم به من الخارج، فان اقتضاء الكذب للقبح لا قصور فيه ولا يختص به بعض الأفراد، وهذا أمر معلوم من غير لفظ، وليس مما يخفى على الفقيه بالنسبة الى أكثر الأحكام ولا يناسب المقام التعرض لها. فالآن حصحص الحق و بطل ما كانوا يزعمون وما ملأوا به الأساطير من أن لنا ألفاظاً تخص العموم كما أن لنا الفاظاً تخص الخصوص، لما عرفت من أن العموم والخصوص كيفيتان لتعلق الحكم، فهما من المعاني الحرفية، والكاشف عنه من حيث الموضوع قد يكون ظهور الحمل وقد يعلم به من الخارج، فادخال كلمة كل ليس الا للتأكيد وليس معنى مستقلاً أفاده لفظة كل أو سائر أخواته فالنزاع بمكان من الغرابة، وأغرب منه ادعاء الاختصاص، كما أنه أغرب منه ادعاء الاشتراك.

تم استدل صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) على المختار بقوله : أنا إن السيد إذا قال لعبده لا تضرب أحداً (الخ).

وهذا الاستدلال من الوهن بمكان، حيث أنه لا وضع في المركبات مع أن كلمة أحداً لم تكن في سياق النبي ؛ مع أن العموم مستفادة من كلمة لا تضرب، مع أنه أيضاً غلط حيث أنه لا تدل إلا على معناه وهو المنع، مع أن معنى النكرة في سياق النفي للعموم عبارة أخرى عن أن العموم يستفاد من وقوعه في حيز النبي ؛ لا ما زعمه (قدّس سِرُّه) من أن النكرة في سياق النفي وضع للعموم ؛ إذ لا يعقل الوضع بالنسبة إلى موارد وقوع الكلمة، أثرى يصح أن يقال إن كلمة رجل وضع لذات ثبت له الرجولية عند ما وقع فاعلاً أو مفعولاً ؟ كلاثم كلا وليس ذلك الا لتقدم الشيء على نفسه فتأمل فانه من الدقه بمكان

ص: 173

ثم استدل «ص» أيضاً بقوله : وأيضاً لو كان نحو كل وجميع الخ.

وفيه: إن من يدعى ان كل وسائر الألفاظ المدعى عمومها مشتركة بين الخصوص والعموم انما يدعى في مثل رأيت الناس كلهم أجمعين ؛ ان كلمة أجمعين تاكيد لما يراد من لفظة كلهم لالمدلولها فان كلاً فكلا وان. جزءاً لجزءاً ؛ فلا يلزم من ذلك إلا زيادة ايضاح وازاحة اشتباه، لاسيما ان قلنا دلالة الالفاظ تابعة للارادة.

ثم قال صاحب المعالم (رَحمهُ اللّه) احتج القائلون بالاشتراك بوجهين الأول إن الالفاظ التي يدعى وضعها للعموم (الخ).

وفيه: ما عرفت من أن أدوات العموم انما تأتى لبيان كيفية تعلق الحكم ؛ فمعناها في غيرها فلا استعمال فلا حقيقة ولا مجاز، مع أن الاستعمال أعم من الحقيقه، كما ان عدم الاستعمال أعم من المجاز، مع أن جعل الاستعمال يقينياً والحقيقة احتمالياً فاسد، بل التحقيق ان الحقيقة يقينياً لكن هذه الأمور أهي موارد أو معاني وإصالة الحقيقة انما تجرى بعد العلم بالاستعمال لا في محل الشك مع أن الاستدلال بظاهر الاستعماله الذي مفاده إصالة الحقيقة لا يخفى شناعته على أحد، كيف وأن مفاد الأصل رفع المانع لا الأثبات ولا يعقل الاستدلال بالأصل.

ثم ذكر (رَحمهُ اللّه) الوجه الثاني فقال : انها لو كانت للعموم (الخ).

وفيه: ان الدليل لوسلم مقدماته فهو انما يقوم على عدم الوضح للعموم، أما أنه مشترك فلا، مع أنه إن كان المراد من النقل أي أئمة

ص: 174

اللغة فلا فرق بين المتواتر والآحاد إذ لا حجية في قول اللغوي، لأنه ناش عن الاجتهاد والرأي فيه، مع أنه إثبات الوضع ليس منحصراً في النقل والعقل بل لنا طرق أخرى كالتبادر وعدم صحة السلب على القول بهما والاطراد على القول الصحيح.

ثم قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) حجة من قال إلى أن حجة من قال إلى أن جميع الصيغ حقيقه فى الخصوص أن الخصوص متيقن « الخ».

وهذا الاستدلال من عجائب الأوهام ضرورة أنه انما يدل على تيقن الأرادة لا على الوضع، وتيقن ارادته لا يوجب إختصاص الوضع به.

ثم قال (رَحمهُ اللّه) وقد استدلوا ايضاً بقولهم وقد اشتهر في الالسن.

وفيه: ان اشتهار التخصيص لا يوجب كثرة المجاز لعدم الملازمة بين التخصيص والمجازية كما سيأتي في محله (انشاء اللّه تعالى)، ولو سلم فلا محذور فيه أصلاً إذا كان مع علاقة مصححة للتجوز، مع أن العموم كثيراً ما يراد، مع أن التمسك بمثل هذه الشهرة لأثبات الوضع من الوهن بمكان.

قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) الجمع المعرف بالأداة يفيد العموم (الخ) أي لا أمر يحتمل ارادته بالخصوص منه فمجرد يحقق ما يحتمل ارادته منه يمنع من الدلالة على العموم، لأن التحقيق أنه لم يوضع لذلك كسائر التراكيب التي لا وضع لها بل انما ذلك من جهة اقتضاء الاشارة التعيين ولا معين الاتمام الأفراد، حيث أن الجنس ليس مراداً، وكذا فرداً ما والفرد المعين لمكان الجمعية فيتعين جميع الأفراد حيث أن التعيين لا يتصور الا باحد الوجوه، والمفروض انتفاء ما عدا الأخير فيتعين، فاذا وجد في مقام ما يكون نسبته إلى الجمع كنسبة تمام الأفراد بأن يكون معهوداً كمعهوديته

ص: 175

لم يختص الجمع به بل ربما ينصرف اليه. وتوضيح المرام ان الجمع مركب من إسم وحرف أو مادة وهيئة والأخيران إنما يدلان على ان الطبيعة مرادة من حيث تحققها في ضمن اكثر من فردين ؛ فالحكم انما تعلق بالجنس المدلول عليه بالفرد على نحو خاص، وهذه الخصوصية معنى آلى غير مقصود إلا تبعاً، وليس عنواناً للمقصود بل المعنى في الجمع هو المعنى في المفرد وانما الاختلاف يتحقق بلحاظ فى الجمع لم يكن في المفرد ؛ وهذا هو السر في كون دلالة الجمع على الآحاد بالمطابقة، وكون دلالة الجمع المحلى على الآحاد دلالة تامة، وليس ذلك إلا لأن المرتبة المعينة من العدد وهو ما فوق الاثنين ملحوظ فى اسم الجمع مستقلاً كالنفظ الجماعة، فان المجتمع من حيث هو كذلك معنى واحد للكلمة بخلاف الجمع ؛ فان الحكم فى العلماء انما يتم بالعالم غاية. الأمر أنه لما كان يصدق على الواحد والاثنين على نسق واحد كما هو مقتضى الكلية واللا بشرطية والحكم كان متعدياً عن الاثنين أشير بالحرف والهيئة الى ذلك على ما هو مقتضى الآلية، فمعنى رأيت رجالا رأيت الطبيعة في ضمن أكثر من فردين لا الطبيعة الموجودة في ضمن أكثر من فردين فالتقييد في الحكم لا فى الموضوع ؛ وليس الفرق فى الآلية والاستقلال في المقام منحصراً فى ذلك، بل هذا من وجوه الفرق، ولتحقيق الآلية وبيان وضع الحروف مقام آخر.

ومما حققنا ظهر وجه قدح خروج الواحد والاثنين في عموم الجمع من غير حاجة الى ما تكافوه ؛ وإن كان استقلال كل فرد من آماد الجمع بالحكم ليس من جهة الانسلاخ كما زعموه في مثل قوله تعالى فإن للّه خمسه وللرسول ولذى القربى واليتامى والمساكين ؛ وقولك لا تتزوج النبيات وتزوج الأبكار وذلك لما عرفت أن آلة الجمع تعين كون الماهية باعتبار وجودها في ضمن

ص: 176

أكثر من فردين وقعت متعلقاً للحكم في الكلام ؛ وأما تعلق الحكم عليها بالاعتبار المذكور على سبيل البدلية أو على سبيل لأجتماع فهو أمر خارج عن معنى الحرف ؛ فكما اذا قال : الأبكار تزويج إحد يهن أولى من تزويج عشرين من الثيبات، لا يراد من الأبكار إلا معناها الجمعي من دون انسلاخ عنه ولا ينافيه تعلق الحكم لا على سبيل الاجتماع وانما جي بها جمعاً قوطئة لتعليق الحكم عليها على هذا النحو الخاص ؛ وكذلك المثالان المتقدمان ونظرائهما فاستيعاب الحكم للجميع على سبيل الاجتماع أو البدلية أو عدم استیعابه خصوصيات تستفاد من الخارج نعم قد ينشأ الظهور فى الاستيعاب من إطلاق الكلام فى بعض الموارد لا من الوضع، وقد يعكس الأمر في موارد أخر. وكذلك ظهر مما حققنا وجه أن أفراد الجمع والمفرد سواء على القاعده، غاية الأمر أن الحكم في المفرد على الطبيعة لا بشرط وفى الجمع بشرط التحقق في ضمن أكثر من فردين. لا أقول انه يعتبر في الجمع اجتماع الأفراد في الحكم بل يجب ثبوته لأكثر من فردين في الجملة ؛ ألا ترى ان قوله تعالى : انما الصدقات للفقراء، للعموم ومع ذلك لا يستفاد منه وجوب التوزيع ؛ حيث أن الثابت بالآية، انما هو كون كل فقير فقير مصرفاً للزكاة مثل سبيل اللّه والمؤلفة ومثله قول الموصى : إعطوا ثلث مالي للفقراء أو فقراء البلد، فلا يجب التوزيع بل ولا الدفع الى الثلاثة، فافهم.

وأيضا ظهر بما حققنا الفرق بين الجمع واسم الجمع من أن الأول يدل على الآحاد بالمطابقة والثاني بالتضمن مع أن من البديهي عدم إمكان أن يراد من اللفظ ثلاث معاني مطابقية فى إستعمال واحد، ووجهه ما عرفت من أن الجمعية في إسم الجمع موضوع لها اسم الجمع فاستعمل فيها فالجمعية مدلول إسمي له فيدل عليها بالمطابقة، فيكون دلالته على الآحاد بالتضمن ؛

ص: 177

وأما الجمعية في الجمع فلم يوضع لها ولا أستعمل فيها لا نفس المدخول ولا المركب منه ومن الأداة وانما المدخول موضوع لنفس الماهية اللا بشرط ومستعمل فيها، والأداة كشفت عن وجه إستعمالها وكيفية تعلق الحكم بها، فاللفظ المشتمل على أداة الجمع لم يستعمل إلا فى الماهية ولا ريب أن صدقها على أفرادها انما هو بالمطابقة. وايضاً ظهر مما حققنا ما قيل من أن الجمع بمنزلة تكرير المفرد ووجهه ما عرفت، من أن دلالته على الآحاد باعتبار صدق الماهية على كل واحد منها، فهو بمنزلة تكرير اسم الجنس المنكر ثلاثاً. وكذلك ظهر عدم صحة دخول أداة الجمع في مقام التعداد مع كون الجمع بمنزلة تكرير المفرد، وذلك لعدم الحكم فى مقام العد فلا محل لآلة الجمع ؛ وكذلك ظهر كون عموم الجمع المحلى افرادياً لا عموم جماعات فافهم وتأمل.

هذا حال نفس الجمع وأما اللام الداخلة عليه فانما وضعت للاشارة الى ما أريد من المدخول، ومن المعلوم أنها تستلزم التعيين وهو تعريف الجنس بكون الطبيعة معهودة في الأذهان وفى العهد الذهني أيضاً بمعهودية الطبيعة ؛ فاللام في السوق إشارة إلى فرد من الطبيعة المعهودة المعلومة، بخلاف الخارجي، فان معرفة الطبيعة لا تكفى في معرفتها ؛ ولذا أخرجوه عن المعرف بلام الجنس ؛ وأما الاستغراق فكا لعهد الخارجي لا إبهام فيه بل هو فى أقصى مراتب التعيين، وهو مع ذلك مما تصلح الطبيعة لأن تكون آلة لملاحظة حاله فمع انتفاء القرينة لا يستفاد من اللام إلا الأشارة الى الطبيعة باعتبار ما لها من العهد في الأذهان فاذا قامت القرينة على إعتبار الوجود تعين العهد الذهني لأنه الأقرب الى ذلك المعهود الذي يستعان به الى معرفته والعهد الخارجي لا يصار اليه إلا بدليل يدل عليه زائداً على ذلك ؛ ولكن شي من الأقسام المذكورة لا يحتمله الجمع، فيتعين فيه العهد الاستغراقي

ص: 178

حيث أن الحكم تعلق بالطبيعة بشرط الوجود في ضمن أكثر من فردين مع تعينه وكونه معهوداً كما هو مقتضى الاشارة ؛ والمفروض أن شيئاً من وجوه العهد لا يتعقل لمكان الجمعية إلا الاستغراق ؛ فاذا إتفق في مقام من المقامات تساوى إحتمال ارادة بعض خاص لاحتمال ارادة الاستغراق قصر عن افادة العموم ؛ فانه لم يكن موضوعاً له حتى لا يقدح فيه ؛ وليعلم أن الظاهر من العهد الذي يجعله المتكلم موضوعاً لحكمه هو العهد الذي بينه و بين مخاطبه لا ما بين المخاطب وشخص آخر.

وقد زعم صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) ان المفرد المحلي ان المفرد المحلى لا يفيد العموم حيث لا عهد واستدل على المختار بقوله لنا عدم التبادر وأنه لو عم لجاز الاستثناء (الخ).

وفيه: ما عرفت من عدم الفرق بين الجمع المحلي ومفرده في افادته بل المعنى في الجمع هو المعنى في المفرد ؛ وانما الاختلاف في وجه الافادة، وهو يتحقق بلحاظ فى الجمع المحلي لم يكن في المفرد المحلى ضرورة أن لا فرق بين أكرم العلماء وأكرم العالم حيث ان الحكم فى العلماء يتم بالعالم غاية الأمر أنه لما كان يصدق على الواحد والاثنين على نسق واحد والحكم على الطبيعة لا بشرط فيسرى الحكم في الجميع بخلافه في الجمع، فان الحكم تعلق بالطبيعة بشرط التحقق في ضمن اكثر من فردين واللام الداخله عليه يقتضى التعيين وما فوق الاثنين أمر بهم والتعيين لا يتصور في الجمع إلا الاستغراق فيستوعب جميع الأفراد، فاستدلاله بعدم التبادر لا معنى له حيث أن الاستفادة ليست مستندة الى الوضع كما فى الجمع كذلك فافهم، وعدم جواز الاستثناء حينئذ ممنوع وبالتأمل فيما حققنا يتبين ما فيما أفاده قده في المقام

ص: 179

ثم رتب صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) فائدة وقال فيها : حيث علمت أن الغرض نفى دلالة المفرد المعرف على العموم بكونه ليس على حد الصيغ الموضوعة لذلك (الخ).

وفيه: ما عرفت في سائر التراكيب بأنها لا وضع لها ؛ بل انما ذلك من جهة اقتضاء الاشارة النعيين، مع أن الاطلاق والعموم ليسا من الدلالة اللفظية ضرورة أن التقييد والتخصيص إما بقصر الاقتضاء واما بجعل شرط واما بجعل مانع والاول انما يستفاد من حيث وضعه للطبيعة مثلاً وجعلها موضوعاً للحكم فيه قرينة على تعلقه بها من حيث هي كذلك. فقوله (قدّس سِرُّه) (امتناع ارادة الماهية والحقيقة اذ الأحكام الشرعية انما تجري على الكليات باعتبار وجودها) لا محصل له ضرورة تعلق الحكم بالايجاد و الترك مستحيل، وايجاد المأمور به لا يمكن أن يكون مأموراً به ؛ كما أن ايجاد الحرام لا يمكن أن يكون حراماً ؛ وقد فصلنا فيه الكلام في مبحث جواز اجتماع الأمر والنهي فتذكر. وأما الاخلاق والعموم من الجهة الثانية انما يستفاد بقرينة كون المتكلم فى مقام بيان الشروط، فالسكوت يكشف عن العدم ؛ ومن الجهة الثالثة انما يعول فيه على القاعدة الشريفة وهو عدم الاعتداد باحتمال المانع بعد احراز المقتضي، فاللفظ لا يدل على الاطلاق والعموم بوجه من الوجود فهو بحسب اصل الوضع مهمل عن جهة الاستيعاب وعدمه فضلا عن الاستيعاب على وجه التبادل او الاجتماع سواء كان كلاً ذا اجزاء او جمعاً ذا افراد.

قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) أصل أكثر العلماء على ان الجميع المنكر لا يفيد العموم بل يحمل على اقل مراتبه الخ.

ص: 180

إعلم انك اذا علمت معنى اداة الجمع عرفت فساد جميع المباني المعنونة في كتبهم المتعلقة بهذا الباب ؛ فجملة قد عرفت فسادها وبقى جملة اخرى «منها» قولهم ان الجمع المنكر هل يفيد العموم أو يحمل على اقل مراتبه با وذلك أيضاً من الفساد بمكان ؛ لما عرفت أن أداة الجمع انما تدل على أن الطبيعة من حيث تحققها في ضمن اكثر من فردين متعلقة للحكم فانه لما كانت تصدق على الواحد والاثنين على نسق واحد كما هو مقتضى الكلية ؛ والحكم كان متجاوزاً عن الاثنين اشير بالحرف الى ذلك على ماهو مقتضى الآلية، فمعنى رأيت رجالاً رأيت الطبيعة في ضمن أكثر من فردين، لا الطبيعة الموجودة في ضمن اكثر من فردين فالتقييد في الحكم لا في الموضوع كما عرفته آنفاً فتذكر.

قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) أقل مراتب الجمع ثلاثة على الأصح (الخ) وهذا النزاع أيضاً لا يرجع الى محصل، ضرورة أن الجمع من الاجتماع وهو يتحقق باثنين ؛ ولذلك استدل الامام عليه الصلاة والسلام على ثبوت الحجب بالاخوين بقوله تعالى فان كان له اخوة فلامه السدس ؛ والمراد به ما يتناول الأخوين لا بشرط اتفاقاً، وأن الأخوين يردان الأم من الثلث إلى السدس مع حرمانهما، وتفصيل الآية موكول الى محله، نعم ربما يتوهم إنا لا نفرق بين أداة التثنية وأداة الجمع فيستشكل غير الخبير فيما حققنا، وهو ناش عن عدم تعقل معناهما، ضرورة أن أداة التثنية انما تدل على أن الطبيعة من حيث تحققها فى ضمن فردين بشرط لا متعلقة للحكم، بخلاف أداة الجمع لدلالتها على ان الطبيعة من حيث تحققها في ضمن اكثر من الفرد اللا بشرط متعلقة للحكم، فادعاء أن صيغة الجمع مخالف في المعنى للفظ الجماعة فاسد جداً، ضرورة أن المصاديق تابعة للمفاهيم الكلية ولا يعقل التخلف

ص: 181

أصلاً، نعم محل النزاع هي الصيغ لكن الكلام فى أن إثبات الجماعة متناولة للاثنين ومستلزم لتناول الصيغ له، حيث أن الجمع والجماعة والاجتماع من مادة واحدة.

قال صاحب المعالم (رَحمهُ اللّه). اصل. ما وضع الخطاب المشافهة نحو يا أيها الناس ويا أيها الذين آمنوا لايعم بصيغته من تأخر عن زمن الخطاب «الخ».

وفيه: أن الخطابات الشرعية الواردة في الكتاب والسنة لامعى لالنزاع فيها من حيث شمولها للمعدومين او الغائبين عن مجلس الخطاب، مع أنه مبنى على كون الحكم عبارة عن الخطاب، وقد تبين فساده في طي مباحثنا السابقة، وتوهم شمول الخطاب للغائب وإن لم يكن حاضراً فى مجلس الخطاب. وفى زمان الوحي فساده أظهر من أن يخفى ؛ واجتماع شرائط التعلق يكفي فيه وليس للخطابات تعرض إلا الى مرحلة الثبوت فلاحاجة الى دعوى التعميم مع ان الخطاب للمعدوم والغائب كحديث النفس أقرب شيء الى الجنون والالتجاء فى شمول التكليف الى تعميم الخطاب او الأجماع الدال على الأشتراك لا معنى له، وكذا جعل حجية ظواهرها مبنياً على الشمول وعدمها على عدمها لا محصل له ضرورة انه لا يتفاوت الحال في حجيتها بالنسبة الى قصد افهامه وغيره، كما سيجي تفصيلاً في محله انشاء اللّه تعالى على أن توهم كون القران من قبيل الخطابات الشفاهية ضرورى الفساد ؛ وما فيه من الخطابات من قبيل لفظ إعلم وتدبر وأيها الأحباب مما هو واقع فى كتب المصنفين، والخطب والقصائد التي لا يخاطب شخص دون آخر ؛ فان نسبة القرآن الى اللّه تبارك وتعالى انما هو باعتبار انه مخترعه ومؤلفه لا باعتبار

ص: 182

أنه تكلم به وخاطب به أحداً، و إلا فيكون القران جزئياً حقيقياً، وكان ما يقرأه الناس شبيهاً به لكون الألفاظ المقررة أموراً غير قارة الذات لا تبقى ابل تنعدم بمجرد الوجود ؛ والمذاهب الأربعة في القرآن من كونه كلاماً نفسياً أو لفظاً حادثاً في ذاته وكرنه محلاً للحوادث أوكون اللفظ قديماً أو عدم كون الكلام والتكلم من صفات اللّه بل من صفات غيره كالملك وغيره إنما هي من خفاء أن الملاك في الانتساب هو الاختراع لا القراءة ولهذا صار منشأ لحدوث أقوال الفرق الأربعة من الأشاعره والكرامية والمعتزلة حيث اختص كل واحد منهم بانكار مقدمة من المقدمتين القياسيين المتناقضين من قولهم ان الكلام لفظ وكل لفظ حادث ؛ وقولهم الآخر إن الكلام من صفاته تعالى وكل صفة من صفاته قديم: وبعد ما تبين ان وجه الانتساب هو الاختراع والتأليف لا القراءة يرتفع الأشكال عن كون ما يقرأه الناس قرآن حقيقة لكونه حينئذ أمراً كلياً، و بالجملة فالخطاب لا يدل على أزيد من ثبوت الحكم في الواقع وأما التعلق والتنجز دائران مدار إجتماع شرائطهما، ولا معنى للنزاع فى الخطابات الشفاهية وتطويل الكلام مما هو تضييع للعمر وتعطيل للاحكام فافهم.

قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه)اختلف القوم في منتهى التخصيص الى كم هو الى قوله لا بد من بقاء جمع يقرب من مدلول العام وهو الأقرب.

أقول: التخصيص عبارة عن قصر الحكم على بعض ما يتناوله العام و بعبارة أخرى التخصيص هو تضييق دائرة الحكم؛ واللفظ الدال على الكل أو الكلي الذي أخذ موضوعاً للحكم في الكلام مقتضاه شمول الحكم له، وإلا لما أخذ موضوعاً ولا ينافيه التخصيص المستفاد من قصر الاقتضاء

ص: 183

أو وجود الشرط أو وجود المانع ؛ ولما كان إخراج الأكثر مستهجنا وصدور مثله عن المنكلم الحكيم غير معقول، اشترط ببقاء ما يقرب من مدلول العام والمراد بالاستهجان ليس معناه خروج اللفظ عن حدالفصاحة کی یقال لا ينافى الجواز بل المراد ما يساوق الغلط، وقد اختلط الأمر على الأكثر فزعموا أن النزاع انما هو فيما اذا أريد من العام مع ظهوره فى العموم الخاص كما يستفاد ذلك من إستدلالاتهم في المقام، ولم يلتفتوا الى أن ذلك مستقبح في كلام الحكيم على الاطلاق حيث أن المتكلم الحكيم ليس له أن يريد. من كلامه ما هو خلاف ظاهره الا أن يعتمد على قرينة حالية أو مقالية، والا فالقاء كلام له ظاهر وإرادة خلافه مع عدم اقترانه بقرينة إغراء للجهل و نقض للغرض وهو قبيح منه، والأصول المعهودة إمارات معمولة لتشخيص المراد، ويعتمد عليها فى اثبات عدم القرينة، واذا ثبت عدم القرينة يحكم بإرادة الظاهر الذي يقطع بارادته لو قطع بعدم القرينة ؛ فان المتكلم القاصد للتفهيم لو أراد خلاف مقتضى كلامه، والقاه من دون نصب قرينة عد ذلك منه قبيحاً، هذا فيما كان راجعاً الى المتكلم والمخاطب ؛ وأما الجهات التي ترجع الى الجهات الملحوظة فى تأليف الكلام من أنحاء الربط الحاصل من خصوصيات الأدوات وما بمنزلتها من الهيئات وأطراف الربط حيث أن لكل من الأجزاء وضعاً خاصاً يقتضى تعيين ما وضع لها وتعيين كل واحد من الأجزاء لمعناه مقدمة للدلالة والأفادة ؛ ومقتضى اختصاص كل لفظ بمعناه الخاص هو تعيينه لمعناه ولا ينصرف إلى تعبين غيره الا بالصارف إن كانت العلاقة المصححة موجودة ومع العلم به يحكم بتعيين ما يصرفه اليه ومع عدم العلم واحتمال وجود الصارف أو صارفية الموجود لا يعتد به ويحكم بتعيين معانيها الأصلية ؛ فلا فائدة لهذا الاشتراط أصلا، نعم فى المبالغة

ص: 184

لا بأس به، حيث أنه يخرجه عن الكذب والتفصيل الفرق بين المبالغة والكذب محل آخر.

ثم استدل صاحب المعالم (رَحمهُ اللّه) مع أن النزاع ملتبس عليه بقوله : لنا القطع يقبح القائل أكلت كل رمانة في البستان وفيه الآف وقد أكل واحدة (الخ).

وفيه: إن النزاع انما هو في إخراج بعض الافراد بلفظ التخصيص، وليس في ارادة ما يخالف ظهور العام تخصيص، ولوسلم فالاستهجان أظهر من أن يخفى.

قال في المعالم (قدّس سِرُّه) احتج مجوزوه بوجوه الأول إن استعمال العام في غير الاستغراق يكون بطريق المجاز (الخ).

وهذا الاستدلال لا محصل له حيث ان العموم ليس مستنداً الى الوضع بل أمر ينشأ من الأطلاق، وقد ينشأ من سكوت المتكلم مع كونه في مقام البيان ؛ وقد ينشأ من كونه موضوعاً للكلام. وقولهم (وليس الأفراد أولى من البعض) ايضاً لا يرجع الى محصل لاسيما على مبنى المستدل فان المجازية متوقفة على علاقة مصححة وهي منتفية ؛ ومن هذا الجواب يقدح ما في ثاني الاستدلال بقولهم : (لو امتنع ذلك لكان تخصيصه واخراج الافظ عن موضوعه الى غيره) فانك قد عرفت أن العموم والاطلاق ليسا مستندين الى الوضع و بالتامل فيها حققنا فى المبحث السابق يتبين ما فيما ارده الأستاذ صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) فى المقام.

قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) واذا خص العام وأريد به الباقي فهو مجاز مطلقاً «الخ».

ص: 185

أقول: أولاً هذا النزاع فاسد من أصله و منشؤه عدم الوصول الى حقيقة التخصيص ؛ فان التخصيص انما هو بالنسبة الى الحكم لا الموضوع ؛ وأن العموم والأطلاق ليسا من الدلالات اللفظية، لأن التخصيص لا يخلو من أن يكون تحديداً للموضوع أو المقتضى أو اعتباراً للشرط أو بياناً للمانع وكذا الأطلاق فلأنه على ثلاثة أقسام، لأن التقييد بقصر الأقتضاء واما بجعل الشرط واما بجعل مانع، والأول انما يستفاد من اللفظ من حيث وضعه للطبيعة مثلاً وجعلها موضوعاً للحكم فيه قرينة على تعلقه بها من حيث هي كذلك، والأطلاق من الجهة الثانية انما يستفاد بقرينة كون المتكلم فى مقام بيان الشروط، فالسكوت يكشف عن العدم، ومن الجهة الثالثة انما يعول فيه على القاعدة الشريفة وهي عدم الاعتداد باحتمال المانع بعد اجراز المقتضي ؛ فاللفظ لا يدل على الاطلاق بوجه من الرجوه، وهذا هو السر فى عدم كون التقييد مجازاً، والاطلاق انما يعول عليه غالباً فى المرحلة الثالثة، ولهذا لا يختلف الحال باختلاف كون الشبهة مصداقية أو مفهومية ولو كانت دلالة لفظية لم يعقل الركون اليه في الشبهة المصداقية. فالاطلاق عبارة عن الاقتضاء، واللفظ أنما يكشف عن نفس المعنى، والاطلاق صفة للمعنى لا المفظ، ولهذا يكتفى بعدم كون ما يكشف عن المقيد وليس عدم ذكر القيد دالا على معنى من المعاني وضعاً او عقلاً، وأما العموم فكذلك غالباً فان التعميم لا يستفاد مما يدل عليه إلا على وجه الاقتضاء ولهذا لا منانات بين أدلة الموانع والعمومات وفكانت مخصصة لها، والعموم والاطلاق صفتاني في المعنى الافرادي في تمام التركيب لا لللفظ،، وأن التخصيص بالنسبة الى الحكم لا الموضوع بيان ذلك ان تعلق الحكم بالموضوع العام يقع

ص: 186

على أنحاء شتى فقد يتعلق به من حيث مجموع الأفراد فافظ العام حينئذ مستعمل في تمام الأفراد إلا أن تلك الأفراد أخذت في مرحلة تعلق الحكم بلحاظ الاجتماع فيسمى العام المجموعي في مقابل الافرادي ؛ وقد يتعلق به لا بلحاظ الاجتماع بل باللحاظ الاستقلالى بالنسبة الى كل فرد فرد و هذا على قسمين، لأن إستقلال كل فرد الموردية للحكم تارة يكون على وجه التبادل فيسمى العموم الأفرادي البدلى، ومرجعه الى تعلق الحكم بكل فرد فرد بهذا النحو من التعلق وأخرى لا على هذا الوجه بل يتعلق بكل فرد فرد معيناً فيسمى الأفرادي الاستغراق، وهذا ايضاً على وجهين، لأن الفرد تارة يؤخذ مورداً للحكم بالاصالة ومن حيث هو، وأخرى من حيث كونه آلة وقنطرة الى تعلق الحكم بالجنس ونفس الكلى كما في قوله تعالى فاللّه خمسه وللرسول و لذي القربى واليتامى والمساكين، فيدل على ان متعلق الحكم هى الطبيعة باي فرد تحققت فاليتامى والمساكين في الآية تساوق اليتيم والمسكين، وهذا هو الذي يسمونه بالعام المسوق لأفادة الجنس نحو تزوجوا الأبكار لا الثيبات ومرجع هذا الاختلاف كله الى اختلاف كيفيات تعلق الحكم والنسبة لا الى اختلاف في معنى لفظ العام فانه فى الجميع متحد لم يستعمل الا في معناه الحقيقى الموضوع له بلا تصرف فيه ولا تجوز ؛ كعدم التجوز في النسبة والأسناد أيضاً لما عرفت أن الأسناد لم يؤخذ فيه بحسب نفسه أزيد من مجرد الارتباط وهو متحقق في الجميع، وأما أنحاء النسبة والتعلق فهي خارجة عن وضع الأسناد، ومفاده لا بد ان يستفاد من الخارج، نعم ربما يكون له ظهور فى الثالث فى بعض المقامات بموجب الانصراف لا الوضع، ثم فى كل نحو من هذه الأنحاء قد يعتبر استيعاب التعلق والانتساب لجميع الأفراد وقد لا يعتبر الا إنتساب الحكم اليها باعتبار بعضها، نظير ما عرفت في نسبة الحكم

ص: 187

الى الكل من ان كون الانتساب اليه باعتبار جميع الأجزاء والأفراد أو باعتبار بعضها جهة خارجة عن وضع النسبة والاسناد لابد أن تستفاد من الخارج، نعم له ظهور في إستيعاب الجميع بمقتضى الانصراف لا الوضع نظير ما عرفت فى الكل بالنسبة الى أجزائه، ففى الموارد المنصرفة الى الاستيعاب حيث أريد بيان انتساب الحكم إلى البعض، لا بد من ذكر أداة الاستثناء لتكون مانعة عن هذا الانصراف وقاصرة لحكم العام على غير المستثنى ؛ فلا تجوز في لفظ العام، ولا في اسناد الحكم اليه.

و به يندفع إشكال التناقض المعروف والتفصيل في محله و (ثانيا) أنهم يعتبرون بقاء اكثر الأفراد ولا يجوزون إستثناء الأكثر معلمين بلزوم مقدار يقرب من مدلول العام ليتحقق المشابهة كما زعمه صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) وأمثاله مصححة للتجوز وهذا صريح في بطلان علاقة العموم والخصوص والا اقتضت صحة التخصيص الى الواحد ولا يلتزمون به فافهم واغتنم.

و بالتأمل فيما حققنا ينقدح، فيما ذهب اليه الآخرون من التفصيل المذكور في المقام.

قال في المعالم (رَحمهُ اللّه) انه لو كان حقيقة أيضاً للزم الاشتراك «الخ».

وفيه: ما عرفت أن العموم ليس من الدلالات اللفظية : وان التخصيص بالنسبة الى الحكم لا الموضوع ؛ فالتخصيص عبارة عن تضييق دائرة الحكم فلا حقيقة ولا مجاز فلا اشتراك.

قال فى المعالم (قدّس سِرُّه) حجة القائل بانه حقيقة مطلقا أمران أحدهما ان اللفظ كان متناولاً له حقيقة «الخ».

ص: 188

وفيه: أن تناول اللفظ ليس أن تناول اللفظ ليس مستنداً الى الوضع بل مستندالي أمر خارج قد يكون هو الانصراف وقد يكون شيء آخر ؛ وإدعاء سبق الخاص الى الفهم ممنوع، كيف مع أن أصالة العموم والاطلاق جارية في المقام. وفي المقام كلمات صدرت عن الأستاذ صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) لا يخفى مافيها على الناقد البصير بموازين الفن.

ثم قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) حجة القائل با نه حقيقة ان بقى غير منحصر أن معنى العموم حقيقه هو كون اللفظ دالا (الخ).

ومما حققنا يتبين فساد هذا الاستدلال أيضاً مع انا نمنع كون معناه ذلك بل معناد تناوله للجميع.

ولقد أغرب الأستاذ صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) حيث قال ولا يذهب عليك إن منشأ الغلط في هذه الحجة (الخ).

حيث ان المصاديق تابعه للمفاهيم الكلية ولا يعقل التخلف أصلاً ؛ نعم محل النزاع هي الصيغ لكن الكلام في أن اثبات العموم للغير المنحصر مستلزم لتناول الصيغ له ؛ فلا يصلح كونه منشأ للاشتباه. ولقد تفطن الى ما حققنا سلطان المحققين (رَحمهُ اللّه) والتعرض لحجج القائل بانه حقيقة إن خص بغير مستقل تطويل بلا طائل وتضييع للعمر وتعطيل للاحكام الموضوح فسادها وسقوطها عن درجة الاعتبار.

قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) أصل الأقرب ان تخصيص العام لا يخرجه عن الحجية في غير محل التخصيص (الخ).

أعلم أيدك اللّه انك اذا علمت أن التخصيص بالنسبة

ص: 189

لا الموضوع : عرفت أن المخصص انما و فى الحكم عما هو مشمول لها، ولا فرق بين ما كان المخصص متصلاً أو منفصلاً ضرورة أنه لابد من جمع أطراف الكلام الواحد التحقيق أو التنزيلي أصولاً وفضولا : والحكم بارادة معنى محصل من الجميع مطلقاً من غير فرق بين ما كان المخصص متصل أو منفصل، ويختص كلام اللّه تعالى وأمناؤه بالمعاملة مع كلماتهم معاملة كلام واحد من شخص واحد وانما الفرق بين المتعدد والواحد في كلماتهم عدم سراية اجمال كلام مستقل فى الآخر دون الكلام الواحد، بخلاف الكلامين المستقلين الصادر أحدهما بعد الأعراض والفراغ عن الآخر فانه لا مناص فيهما من التعارض في مقام الشك ؛ نعم حيث علم عدم النسخ والغفلة يجمع بين الكلامين و يعامل معها معاملة كلام واحد ؛ فانه حينئذ يتعين أن يكون أحدهما شرحاً لما أهمله وتفصيلاً لما اجمله فى الآخر ؛ والظاهر بعد التخصيص تمام الباقى و إن احتمل أن يكون هناك أخر فتنفى بالأصل ؛ وليس ذلك من باب دوران الأمر بين مجازات واختيار الباقى من باب أقر بيته الى الاستغراق كما زعمه صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) بل اللفظ العام باق على حقيقته فان المعنى فى الجميع متحد لم يستعمل إلا فى معناه الحقيقي الموضوع له بلا تصرف ولا يجوز فيه ومن هنا ظهر فساد حجج المنكرين.

قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) احتج منكر الحجية مطلقاً بوجهين الأول ان حقيقة اللفظ هي العموم وسائر ما تحته مجازاته «الخ».

وفيه: ما عرفت من أن العموم صفة في المعنى الأفرادي في مقام التركيب لا لللفظ وان التخصيص دائماً بالنسبة الى الحكم لا لللفظ ؛ لما عرفت ان المخصص انما ينفى الحكم عما هو مشمول له، فاللفظ باق على حقيقته

ص: 190

فان المعنى في الجميع متحد لم يستعمل إلا في معناه الحقيقى الموضوع له بلا تجوز، والظاهر بعد التخصيص تمام الباقى و إن احتمل أن يكون هناك مخصصات أخر فإنها منفية بالأصل ؛ فليس الأمر دائر بين مجازات واختيار الباقي ترجيح بلا مرجح، لصيرورة اللفظ مجملاً ولا ذلك باب أقربيته الى الاستغراق كما زعمه صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) بل اللفظ باق على معناه الحقيقى ولا تجوز فيه أصلا فافهم.

ومما حققنا يتبين فساد ما استدل به أيضاً بقولهم : انه بالتخصيص خرج عن كونه ظاهراً «الخ» حيث أن العام مطلقاً بنفسه ظاهره العموم ولو كان لا يستقر ظهوره إلا بعد انقطاع الكلام، وللمتكلم أن يلحق بكلامه ما شاء من اللواحق ما دام لم يحصل الفراغ عنه ولكن ذلك غير مانع من أصل الظهور، حيث أن الظهور في تمام الباقي حاصل بعد التخصيص فافهم واغتنم.

تنبیه

اذا عرفت ان التخصيص هو المنع وتضييق لدائرة الحكم ؛ فاعلم أن التخصيص على قسمين تارة الاقتضاء شامل للفرد المخرج ولكن من جهة وجود المانع لا يترتب عليه الأثر كقولك : اكرم العلماء إلا الفساق ؛ فالعلم مقتضى الأكرام حتى فى العالم الفاسق لكن الفسق مانع عن ترتب الاثر ما ذا شك في المصداق بعد وجود العلم يتمسك بالعموم والأطلاق لا بالعموم اللفظي بل بالعموم الاقتضاني ويتبين هذا المعنى من جهة ان الجهل ليس إلا هو المانع لا انه صنف من العلم وتارة الاقتضاء ليس شاملا للفردا لمخرج

ص: 191

شمولاً اقتضائياً كقولك اكرم العلماء إلا النحو بين فالاقتضاء ليس شاملا للنحويين بل من أول الأمر الحكم وضع الماسوى النحويين فالشك في الصداق بعد وجود العلم في مقامنا هذا لا يتمسك بالعموم والاطلاق بل هو ممنوم لفظي وليس له شمولا اقتضائياً، ويتبين هذا المعنى من جهة أن النحوى صنف من العالم ؛ وهذا مراد من قال : بانه لا يجوز التمسك بالعموم فى الشبهات. المصداقيه فان المراد من العموم في المقام العموم اللفظى لا العموم الاقتضائى ولا يفرق هذا المعنى فى جميع الموارد سواء كان تخصيصاً إستثنائياً او تقييداً أو توصيفاً أو غير ذلك فالأمر واحد فلا يفرق بين أكرم العلماء الا الفساق. و بين اكرم العلماء العدول و بين اكرم العلماء ولا تكرم الفساق هذا.

قال صاحب المعالم (رَحمهُ اللّه) أصل ذهب العلامة (رَحمهُ اللّه) إلى جواز الاستدلال بالعام قبل استقصاء البحث في طلب التخصيص (الخ).

اعلم: لما كان الفحص عن النسخ أو التخصيص أو غيرهما له دخل في تبين المراد ؛ والكلمات بالنسبة الى الكشف عن المراد بمنزلة أجزاء الكلمة، سيما على ما حققنا من أن كلام اللّه تعالى وأمنائه (عَلَيهِ السَّلَامُ) بمنزلة كلام واحد ؛ فلا يعذر مع إحتمال البيان على تقدير السؤال أو النظر فيها أعد لضبط أحكامه، فان وظيفة الجاهل السؤال والفحص والتفتيش ولا يعذر بمجرد الجهل و إن لم يتمكن من الاستعلام بل انما يعذر بعد اليأس واحراز أنه لا بيان إلا هذا العام فتكليفه الاحتياط قبل التبين وإلا لم يكن المولى سبيل الى الالزام والافحام لتمكن العبد من ابقاء جهله بترك السؤال والاصغاء وتلخيص المرام إن العلم حادث يتوقف على النظر وهو ما يوجب العلم الضروري فى الضروريات كالأحساس والتجربة والاستماع فى المتواترات الى غير ذلك.

ص: 192

ولا يكفى فيه مجرد العلة الفاعلية، فعدم الاستعلام يوجب استحالة الاعلام فلهذا استقل العقل أن العبد وظيفته الاستعلام، وأنما يعذر بعد العمل بهذه الوظيفة، ومن المعلوم ان البحث والفحص انما ينفع بالاستقراء التام.

ومما يقضي منه العجب استناد صاحب المعالم (رَحمهُ اللّه) الى العلامة (قدّس سِرُّه) تارة بجواز التمسك قبل استقصاء البحث ؛ وتارة بجواز التمسك قبل البحث مع أن الأول لا ينافي عدم جواز التمسك قبل البحث، حيث أن الاستقصاء طالب الوصول الى الغاية القصوى، فجواز التمسك قبله لا ينا فى البحث مقداراً جزئياً، ولما لم يكن عبارة التهذيب في نظري، فأقول إن كان العلامة «اعلى اللّه مقامه» قائلاً بجواز التمسك قبل استقصاء البحث فلا منافات بينه وبين سائر المحققين، حيث أن لفظة إستقصاء يكشف كشفاً قطعياً عن موافقته افقته لغيره، وكيف يخفى على مثله مع أنه قطب رحى الشريعة.

وما التزم به صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) في المقام في نهاية الجودة والمتانة تقتضيه الضوابط العقلية.

قال في المعالم (قدّس سِرُّه) والاقوى عندي أنه لا يجوز المبادرة الى الحكم قبل البحث عن الفحص بل يجب التفحص عنه حتى يحصل الظن الغالب بانتفائه.

ومراده من الفان الغالب هو اليأس الحاصل من الاستقراء التام كما أشرنا اليه فى صدر المبحث ؛ وما إستدل به (قدّس سِرُّه) يرجع الى ما حققناه.

ثم قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) إحتج مجوز البمسك به قبل البحث : بانه لو وجب طلب المخصص فى التمسك بالعام لوجب طلب المجاز في التمسك بالحقيقة «الخ».

وهذا الاستدلال من الوهن بمكان، حيث ان الاعتماد في استكشاف المقاصد من الالحاظ، انما هو الأصل الجاري في جميع المقامات وهو عدم

ص: 193

الاعتداد باحتمال المانع، وانما يعتمد عليه بعد الاطلاع على جميع أجزاء الكلام ومدالياها ألا ترى أن كلاً من الأسد ويرمى له دخل فى إفادة الرجل الجاع ؛ والكلمات بالنسبة الى الكشف عن المراد بمنزلة أجزاء الكلمة، فكيف يمكن أن يقال إن العرف قاض بحمل الالفاظ على ظواهرها من غير بحث عن وجود ما يصرف اللفظ عن حقيقته، هذا حال المقيس عليه، وأما المقيس فالأمر أوضح لما عرفت أن البحث عن النسخ او التخصيص او غيرهماله دخل في تبين المراد وما هذا شأنه لا مجال للارتياب في وجوب البحث فيه. وأوهن منه ما التزم به صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) قال : (الفرق بين العام والحقيقة فان العمومات اكثرها مخصوصة (الخ)) حيث إن المناط فى التفتيش ليس كثرة التخصيص بل الاعتبار ما عرفت من أن التفتيش له دخل في تبين المراد ؛ مع ان شيوع المجاز وكثرته مما لا يخفى على ذي مسكة.

قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) اذا تعقب المخصص متعدداً (الخ).

اعلم: لما كان التخصيص بالنسبة الى الحكم وأنه تطبيق لدائرة الحكم، علمنا الفرق بين ما كان الحكم متحداً وبين متعدده فكما ان قولك اكرم العلماء الا الفساق ناظر إلى اخراج الفساق عن دائرة هذا الحكم فكذلك أكرم العلماء التجار إلا الفساق، حيث أن اتحاد المتعلق وتعدده لاربط له بالحكم، ففى قولك أكرم العلماء وأكرم التجار إلا الفساق لا معنى لالنزاع بانه يرجع الى الاخير فقط او الجميع حيث أن التخصيص لاربط له الى الموضوع. وأما إذا كان الحكم متعدداً كقولك أكرم العلماء وأمن النجار إلا الأخيار، فتقول لا اشكال فى الاجمال كما أن تخصيص الاخيرة بلا إشكال وفى ما عداها يحتاج التخصيص الى قرينة حال أو مقال، حيث أن رجوعه

ص: 194

الى غيرها بلا قرينة خارج عن محاوراتهم باللفظ الدال ؛ مع التخصيص سواء كان كان بالاستثناء أو وصفاً أو حال يحتاج فقط الى نحو ارتباط بالمقال، وهو يتحقق بتخصيص الاخيرة بلا ريب واشكال ؛ وما يتراى من صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) حيث مهد مقدمة لصحة رجوعه الى الكل لا ربط لها بالمقال ؛ حيث ان حروف الاستثناء آلات تجعل مدخلها مستثنى مما تقدمه، والاستثناء أمر ينشأ من نفس تلك الحروف، فان التكلم يستننى بها ما بعدها من ما قيلها ؛ فهي آلة لهذا العمل في الكلام ؛ فليست حروف الاستثناء منبئة عن مفهوم الاستثناء نظير أنباء الأسماء عن مسمياتها وانما هي توجد الاستثناء فى مدخولها وتجعل استعمال المدخول واقعاً على هذا الوجه ؛ وتعدد المستثنى منه كتعدد المستثنى لا يوجب تفاوتاً أصلاً فى ناحية الأداة بحسب المعنى ؛ كأن الموضوع له فى الحروف عام لاخاص وكأن المستعمل فيه الأداة فيما كان المستنى منه متعدداً هو المستعمل فما كان واحداً، كما هو الحال فى المستشى بلا ريب واشكال، وتعدد المخرج او المخرج عنه خارجاً لا يوجب تعدد ما أستعمل فيه أداة الاخراج مفهوماً، وبذلك يظهر انه لا ظهورها في الرجوع الى الجميع او خصوص الأخيرة أو الأصل عدم تعلق المخصص بما سوى الأخيرة، وأما المقدمة من حيث هي أيضاً لا ترجع الى معنى محصل، ولا بأس بالتفصيل لتوضيح حقيقة الحال فنقول: قالوا الوضع إما عام واما خاص وعلى التقديرين فالموضوع له ايضاً اما عام واما خاص فيحصل أقسام أربعة أحالوا واحداً منها وهو خصوص الوضع وعموم الموضوع له، وان أجاز ذلك ايضاً نادر منهم، والمتأخرون أطبقوا على التثليث ونسبوا إلى المتقدمين انكار الثالث وهو عموم الوضع وخصوص الموضوع له والصواب معهم ؛ وقالوا ان منشأ هذ التقسيم هو انقسام

ص: 195

الأمر المتصور حين الوضع فالواضع إن تصور أمراً جزئياً حقيقياً ووضع اللفظ بازائه كالأعلام الشخصية فالوضع والموضوع له معاً خاصان ؛ وقال بعض ان من الممكن أن يتصور جزئياً كما لو شاهد حيواناً و يضع اللفظ بازاء نوعه فيكون الوضع خاصاً والموضوع له عاماً.

وفيه: إن الوضع بازاء النوع قبل تصرفه غير ممكن، فتصور الجزئى ومشاهدة الحيوان الخاص، يصير وصلة الى تصور النوع الموضوع بازائه اللفظ فيكون المتصور والموضوع له معاً عامين فيدخل في القسم الآتي ولا يمتاز قسماً برأسه و إن تصور أمراً كلياً عاماً، فالوضع عام لعموم هذا الأمر المتصور وحينئذ فاذ وضع اللفظ بازاء هذا الأمر الكلي فالموضوع له أيضاً عام كأسماء الأجناس مثلاً وإذ وضع بازاء جزئياته الحقيقية فالموضوع له خاص و من هذا الباب زعموا وضع الحروف والأسماء المتضمنة لمعانيها. وعلى كل حال فتقسيم الوضع بهذا النحو مما شاع وذاع وهو بظاهره سخيف للغاية ؛ لأن مرادهم بالوضع المجعول مقسماً لهذه الأقسام، إما هو المعنى الملحوظ الذي يتصوره الواضع حين ارادة الواضع، ففيه ما لا يخفى إما أولاً فلأن مقتضى السياق تعريف الوضع أولا ثم تقسيمه وورود الحد والقسمة على شيء واحد وهو الوضع بمعناه الحقيقي أعنى العلقة بين اللفظ والمعنى، لا الوضع بهذا المعنى أغنى الأمر المتصور حين الوضع، فجعل هذا مقسماً ليس إلا التهافت.

واما ثانيا فلأن تقسيم هذا الأمر المتصور مما لا وجه له ولا داعي عليه واما ثالثا فلأن تسمية هذا الأمر المتصور بالوضع غلط لا يوجدله وجه مصحيح، والتعبير عن عموم ذلك الأمر الملحوظ وخصوصه لعموم الوضع وخصوصه من أقبح التعابير، ودعوى الاصطلاح في ذلك معلوم

ص: 196

الفساد واما نفس الوضع وهي العلقة لا ريب انه لا يختلف حاله باختلاف الأمر المتصور ؛ وانما يختلف حاله عموماً وخصوصاً باختلاف نفس الموضوع له ضرورة ان كون وضع زيد خاصاً إنما هو باعتبار كون نفس المعنى وهو الشخص المعين الخارجي خاصاً لا باعتبار الصورة الحاصلة من تصوره في الذهن كما زعمه صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) ونظراؤه، وكذا وضع الإنسان عاماً انما هو باعتبار كون نفس الماهية عاماً، لا باعتبار تصورها لخصوص الوضع وعمومه تابع الخصوص نفس الموضوع له وعمومه ؛ فالتصور والصورة الحاصلة في الذهن حين ارادة الوضع أجنبي عن هذه المرحلة ولا معنى لكون الوضع أقساماً باعتبار ذلك الأمر المتصور وحقيقة الأمر أن الوضع وهو العلقة المخصوصة بين اللفظ والمعنى قد يختص بمورد واحد، وقد يتعدى عنه إلى مورد اخر كما في علم الأشخاص فهو الوضع الخاص وقد لا يختص وضع اللفظ بمورد واحد بل يتعدى إلى موارد؛ والتعدى يكون على أنحاء ثلاث (الأول) ان يكون التعدى والعموم بتعدى نفس الوضع كما فى المشترك اللفظي فان لوضعه عموماً باعتبار أى بلحاظ عدم كونه موضوعاً المورد واحد خاص (الثاني) أن يكون بتعدى نفس المعنى الموضوع بازائه اللفظ كما فى المشترك المعنوي ؛ فانه باعتبار انطباقه على أفراد كثيرة وصحة إطلاق اللفظ على تلك الموارد حقيقة بمنزلة وضعه لكل واحد منها ؛ فصح أن وضعه لم يختص بمورد واحد بل عم وتعدى إلى موارد (الثالث) لا هذا ولا ذاك بل هو كالبرزخ بينهما وهو وضع الحروف والمبهمات على رأي المتأخرين، فان وضعها على مذهبهم ليس من قبيل الاشتراك اللفظي إذ كل واحد من معانى المشترك يكون ملحوظاً ومتصوراً للواضع بالتفصيل ؛ ومعاني الحروف والمبهمات على طريقتهم ليست.

ص: 197

كذلك بل ملحوظة بالاجمال ولذا احتاجت إلى آلة الملاحظة، ومعناها جعل المفهوم الكالي المتصور بالتفصيل آلة وقنطرة إلى وضع اللفظ للجزئيات من حيث إندراجها تحته فالتصور لا يلحق بالجزئيات إلا من حيث تصور العنوان الكلي الحاوي لها ؛ ولا من قبيل الاشتراك المعنوى ؛ لعدم وضع اللفظ على معتقدهم بازاء نفس العنوان فعموم الوضع هذا باعتبار عموم آلة الملاحظة التي باعتبارها يسرى الوضع الى الجزئيات والموارد المتعددة ؛ هذا حال انقسام الوضع، وأما عدد اقسامه فالخلاف فيه بين المتقدمين والمتأخرين مشهور ؛ وقد أشرنا إلى أن الأقسام على رأي الأولين ثنائية وعلى رأي المتأخرين ثلاثية، ومورد نزاعهم هذا القسم وهو عموم الوضع وخصوص الموضوع له الكره المتقدمون وأحدثه المتأخرون، وأصل هذا النزاع نشأ من الخلط في فهم معاني الحروف وما شابهها فالمتقدمون أصابوا في فهمها فجعلوها من قبيل عموم الوضع والموضوع له والمتأخرون لم يصيبوا في ذلك فز عموها قسماً ثالثاً ؛ ولبيان صحة مقالة القدماء وفساد مقالة المتأخرين بالتفصيل محل آخر، لكن لا بأس بالتعرض لكلمات صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) حيث بناسب وضع هذا الكتاب.

قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) بعد ما قسم الوضع الى ثلاثة أقسام : و من القسم الثانى أي من الوضع العام والموضوع له الخاص المبهمات كاسماء الأشارة والحروف وفي معناها الافعال الناقصة (انتهى).

وفيه أولاً ان تثليث أقسام الوضع منشؤه عدم الوصول الى الميز بين الأسماء والحروف حيث أنه لما رأى (قدّس سِرُّه) أن وضع الحروف ليس من قبيل وضع أسماء الأجناس ولا من قبيل وضع أعلام الأشخاص، فلم يجد

ص: 198

مفراً إلا القول بأن الوضع فى الحروف عام لعموم آلة الملاحظة، والموضوع له خاص لكون الوضع بازاء خصوصيات ذلك المعنى العام ؛ ومقتضاه كون الفرق بين الاسم والحروف هو ذلك ؛ وفساد ذلك مما لا يخفى على ذيمسكة وثانياً إن كون شيء إسماً وكون آخر فعلاً أو حرفاً ليس مجرد الاعتبار و محض التسمية، بل هو تابع لموازين واقعية نص عليها أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فاختلاف الاسم والحرف باعتبار اختلاف نفس المعنى في نفس الأمر، والوضع تابع له ومؤخر عنه، ومن المستحيل أن يؤثر فى المعنى كيفية وضع الواضع للفظ، فلو كان المعنى اسمياً إستحال أن ينقلب و يصير معنى حرفياً بانقلاب كيفية الوضع وكذا العكس، فالابتداءات الخاصة مثلاً إن كانت معاني حرفية فاللفظ الموضوع لها يكون حرفاً من دون فرق بين أن يكون الوضع بازاء كل واحد واحد على التفصيل ؛ و بين أن يكون باعتبار عنوان عام يحويها ؛ و إن كانت معاني إسمية كان الموضوع لها إسماً من دون فرق بين كيفيتي الوضع وثالثا إن الوضع كما عرفت علقة بين اللفظ والمعنى فهو أمر ربطي نسبي قائم بطرفيه المرتبطين، فاختلافه بالعموم والخصوص ينحصر باختلاف طرفيه ؛ ولا دخل فى ذلك لحالة الواضع من حيث تصوره أمراً عاماً ؛ ولا يعقل إنصاف تلك العلقة بالعموم من هذه الجهة، بل هو تابع لطرفي العلقة والمفروض أن الموضوع له خاص فيجب خصوص الوضع، أيضاً وتعدد الأشخاص الموضوع لها اللفظ لا يوجب عموم الموضوع له فضلاً عن كون أنحاء تصورها موجباً لذلك ؛ فلا فرق فى كون الموضوع له خاصاً الموجب لخصوص الوضع بين أن يضع الواضع لفظ زيد مثلاً لرجل خاص وبين أن يضع له مرة ثانية والثالث ثالثه وهكذا وبين أن يجمعهم تحت عنوان إذا كانوا محصورين، و يقول وضعت لفظ زيد لكل واحد

ص: 199

منهم و بين أن يجمعهم تحت عنوان اذا كانوا غير محصور ين كبنى فلان مثلاً و يضع لفظ زيد الجميعهم، فانه ينحل الى أوضاع متعددة ويحدث بين اللفظ و بين كل واحد منهم علقة مستقلة نظير ما يحدث في الوضع التفصيلي، فجعل أحدهما من قبيل خصوص الوضع والآخر من قبيل عمومه مكابرة صرفة مع أني لا أظن أحداً يلتزم بكون الوضع عاماً والموضوع له خاصا في هذا المثال والفرق بينه و بين الحروف تحكم بحت و مكابرة صرفة على مقتضى مقالتهم فلو كان هذا ميزان الحرفية لزم أن يكون جميع أعلام الأشخاص حروفا و رابعا ان تصور الكلي ثم وضع اللفظ الجميع أفراد ذلك الكلى من دون إستثناء فرد أصلاً، مرجعه الى وضع اللفظ لنفس ذلك الكلي، فان مآل ذلك إلى الغاء الخصوصيات وعدم اعتبار شيء منها فى الوضع، فان التخصيص ينافي التعميم، فدوران الوضع مدار ذلك العنوان بحيث لا يوجد في فرد إلا ولحقه الوضع وشمله يكشف كشفاً قطعياً عن ان الوضع بازاء نفس ذلك العنوان الكلى من دون دخالة الخصوصيات إذ إعطاء دخل للخصوصيات يقضى بالوقوف إلى حد لا يتعداه، فعدم الوقوف إلى حد أصلا وشموله لأي فرد كان من دون استثناء دليل على عدم الميز بين الخصوصيات في هذه المرحلة، ومعناه كون الخصوصيات ملغاة في جهة الوضع وهو معنى الوضع لنفس الكلي، وعلى هذا فلو وضع الخصوص فرد فرد من دون استثناء وصرح بعدم الوضع للجامع لم يسمع منه وصار وضعاً لنفس الجامع، قانه انقلاب قهرى ينشأ من تعميم الوضع وعدم توقيفه إلى حد ؛ فهذا في الحقيقة وضع للجامع من غير تلبه، وتصريحه بعدم الوضع مناقض له يكشف عن عدم خبرته وتنبهه لذلك، فعموم الوضع وخصوص الموضوع له على ماذهب اليه صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) : والمتأخرون مما لا معنى له أصلاً، بل

ص: 200

هو أمر مستحيل.

ثم ان صاحب المعالم (رَحمهُ اللّه) بعد ما ذكر اقساماً ثلاثه خصوص الوضع والموضوع له وعمومهما وعموم الوضع وخصوص الموضوع له، وذكر أن الموضوع فى كل من الأقسام الثلاثه إما لفظ واحد أو الفاظ متعددة متصورة بالتفصيل أو الأجمال قال : فمن القسم الأول من هذين (يريد بهما الاخيرين) المشتقات فان الواضع إلى أن ذكر الأفعال فقال لها جهتان وضعها من احد يهما عام ومن الأخرى خاص والعام بالقياس الى ما أعتبر فيها من النسب الجزئيه فانها في حكم المعاني الحرفية فكما أن لفظة من موضوعة وضعاً عاماً لكل ابتداء معين بخصوصه فكذلك لفظة ضرب مثلاً موضوعة وضعاً عاماً لكل نسبة للحدث الذي دلت عليه إلى فاعل بخصوصها واما الخاص فيا لنسبة الى الحدث وهو واضح (انتهى).

وفيه: إن ما ذكره فى الفعل من اثبات وضعين بالنسبة الى هيئته و مادته صحيح إلا ان جمل وضع المادة خاصاً فاسد بل وضعها عام كالموضوع له ؛ اشار الى ذلك بعض المحشين كسلطان المحققين (رَحمهُ اللّه) نعم وضعها شخص لانوعی أو قانوني كوضع الهيئة مع انه لا فرق فى هذه الجهة بين الأفعال وسائر المشتقات، وعبارته نص فى التفريق، وظاهره انکار استقلال كل من المادة والهيئة بالوضع فى صيغ الفاعل والمفعول، ولازمه دعوى وحدة الوضع في المجموع المرد من المادة والهيئة وهو من الفساد بمكان ؛ حيث أن ملاحظة عنوان زنة فاعل لا يوجب تصور خصوص لفظ ضارب وخصوص لفظ قاتل وخصوص لفظ ناصبر وأمثالها لا تفصيلاً ولا اجمالا، لأن العنوان المذكور قدر جامع بين هياتها الشخصية لا بين أشخاص تلك الألفاظ

ص: 201

فتصوره يوجب التصور الاجمالي للاولى دون الثانيه ؛ مع أنه يلزم على زعمه أن مجموع المادة والهيئة موضوع بوضع واحد نوعي، فلابد من قدر جامع بين تلك الألفاظ الخاصة من حيث الهيئة والمادة معاً حتى يتصور مجموع المادة والهئية من كل واحد من تلك الألفاظ الخاصة على وجه الاجمال. هذا والحق أن يقال ان وضع المشتقات طراً من حيث الهيئة وضع الحروف ولا يعقل سواه ومن حيث المادة وضع الأحداث، فالمشتقات باسرها من قبيل الدالين والمدلولين وهذا هو المشهور، والقول بعدم كونها من قبيل الدالين والمدلولين لا يتم إلا بجعلها من قبيل الأسماء المتضمنة لمعاني الحروف بان تكون الهيئة فيها ملغاة كهيئة الجوامد و يكون الجوهر اللفظ جهتان جهة إسمية من حيث وضعه بازاء الحدث، وجهة حرفية من حيث كفالته لجهة إستعماله فيه، فلا يكون حال الأفعال حينئذ إلا كحال أسماء الأفعال.

وفي كلامه أنظار أخر غير خفية بعد التدبر فيما حققنا، ولا فائدة مهمة في بيانها غير التطويل والاطناب واللّه الموفق للصواب.

ومما ينبغي التنبيه عليه فيما قاله صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) فى الرد على الاستدلال الخامس لمن قال بتخصيص الأخيرة فقط حيث قال : إن الاستثناء من الاستثناء انما يجب رجوعه إلى ما يليه دون ما تقدمه الى قوله تخلاف ما لو جعلناه راجعاً الى ما يليه فقط (الخ).

وفيه: أن إرجاعه أن إرجاعه الى الأخير فقط أيضاً يقتضى الغاء استثناء السابق وانتفاء فائدته، ففي المثال المذكور لو قال إلا درهما إن رجع الى الأخير فقط يقتضى الغاء إلا درهمين و لكان وجوده كعدمه هذا. ولكن التحقيق أن يقال من أن الاستثناء تقييد فى الحكم، وبعبارة أخرى أنه

ص: 202

تقييد لدائرة الحكم ؛ مع أن الاستثناء من توابع الجمل وليس بجملة مستقلة قالادعاء برجوعه إلى الأخير فقط أو اليها والى غيرها تحكم بحت، بل نقول لا مصير إلا الى رجوعه إلى الحكم ففى قولك لك عندي عشرة دراهم إلا درهمين إلا درهما المفهوم منه الاقرار بالسبعة.

قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) أصل ذهب جمع من الناس إلى ان العام اذا تعقبه ضمير «الخ».

وفيه: إن هذا النزاع لا يرجع الى محصل، حيث أن ارجاع الضمير الى بعض ما يتناوله العام لا اشكال في عدم الجواز إلا مع القرينه ومع وجود القرينة القائمة على أن موضوع هذا الحكم الثاني هو هذا المقيد لا معنى للنزاع بانه تخصيص للحكم الأول، ضرورة انه لا ربط الأحدهما بالآخر، فلا يوجب تقييد أحدها تقييداً للآخر فالنزاع بمكان من الغرابة. وأغرب منه ادعاء التوقف لتوهم لزوم المجازية في كلا القولين لما مر غير مرة من أن العموم كيفية في تعلق الحكم لموضوعه وهي استيعابه من حيث الأجزاء أو الأفراد وليس مدلولا لللفظ بالوضع أو التجوز الاستحالة وضع لفظ المدلالة على أن الحكم المتعلق به مستوعب لتمام أجزائه أو أفراده، فالعموم لا يستفاد إلا من كيفية استعمال اللفظ وهو تجريده عن المخصص، فهو معنى حرفي يحدث من تجريد اللفظ عن المخصص في مرحلة الاستعمال على ما مر بيانه، فلا يعقل أن يكون داخلاً في مدلول اللفظ. فانقدح بهذا البيان فساد ما ذهب اليه صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) من التوقف في المقام، معان التوقف جهل لا قول مختار.

قابل فى المعالم : (قدّس سِرُّه) لنا فى كل من احتمال التخصيص وعدمه

ص: 203

ارتكابا للمجاز «الخ».

و يندفع بان التخصيص بالنسبة الى الحكم لا الموضوع، وليس العموم مما استعمل فيه لفظ لفظ ومع عدمالاستعمال لا معنى للحقيقة والمجاز، لانهما صفتان للاستعمال. وما ذهب اليه شيخ الطائفة (قدّس سِرُّه) صحيح من جهة وفاسد من أخرى أما الأول قوله لا يلزم من خروج أحدهما عن ظاهره خروج الآخر كذلك واما الثاني إدعاء المجازية وقد عرفت خلافه.

قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) أصل لا ريب في جواز تخصيص العام بمفهوم الموافقه وفى جوازه بما هو حجة من مفهوم المخالفة خلاف (الخ).

وفيه: ما عرفت من ان الشرط والوصف لا معنى له وان الانتفاء عند الانتفاء كالوجود عند الوجود معنى الربط والعلاقة، فالاستدلال بالمفهوم فاسد لا يرجع الى محصل، ضرورة أن المفهوم على القول بوجوده لا يخلو إما ان يستفاد من الشرط أو من الوصف أو من الغاية أو من العدد وأمثالها ؛ وقد عرفت الحقيقة في الجميع ؛ أما الشرط فلما عرفت من ان أدوات الشرط انما تحضت لارتباط شيء بآخر بحيث لو لم يكن الاشتراط لم يكن الارتباط، فالانتفاء عند الانتفاء من حيث أنه منتف من لوازم الارتباط بل هو احد الامرين اللذين ينحل اليهما هذا المعنى البسيط. واما الوصف فكذلك ضرورة أن لا فرق بين أن يكون الدال على الارتباط حرفاً و بينان يكون اسماً. ولا يتوهم أحد إن دلالة قولك : ان الشمس علة للنهار على الانتفاء عند الانتفاء من باب المفهوم والدلالة الالتزامية، وان لم يدل إلا على الاقتران فلا مفهوم أيضاً، فتقسيم المفهوم الى الموافق والمخالف للصواب مخالف. وما توهم انه لا إشكال فى تخصيص العام بمفهوم الموافقة، يندفع

ص: 204

بأن التخصيص انما وقع بالمنطوق لا بالمفهوم، غاية الأمر اختصاص هذا الحكم بهذا الوصف ظاهر، لدفع توهم عدم تناول الحكم له كما انه قديكون شدة الاهتمام ببيان حكم الوصف، فان الفوائد غير منحصرة، وانها تختلف بحسب اختلاف المقامات غاية الاختلاف، مع أن الصفة أعم من أن يكون طريقاً أو موضوعاً.

ولقد مثلوا للمفهوم الموافق لو قيل اكرم العلماء ثم قيل أهن فاعل الصغائر، وزعموا أن مفهوم وجوب الاهانة لفاعل الكبائر بطريق أولى وهو موافق فى الحكم بخلاف لو قيل أكرم العلماء ثم قيل أكرم العلماء العدول ومفهومه لا تكرم العلماء الفسق وهو مخالف، وزعموا أن القسم الأول لا نزاع فيه والنزاع فى المثال، مع أنه من باب جمع بين العام والخاص. وقد عرفت ان الملاك فى الجمع انما هو الاستقلال وكون الكلامين كلاماً واحداً تحقيقاً أو تنزيلاً، ولابد من جمع أطراف الكلام الواحد أصولا وفضولا والحكم بارادة معنى محصل من الجميع ؛ والملاك في تقدم الخاص على العام النصوصية أو الأظهرية ؛ ولا يعقل كون الخاص مساوياً للعام أو يكون أضعف مع انهما عام وخاص وذلك لاتهافت والتناقض و بالتأمل فيما حققنا ينقدح ما فيما أناده صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) في المقام فافهم واغتم.

قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) أصل لا خلاف في جواز تخصيص الكتاب بالخبر المتواتر واما تخصيصه بالخبر الواحد (الخ).

اعلم:

إن تقييد الاعتبار لا يعقل إلا بأن الموضوع بحيث يزول بوجوب ما يعتبر عدمه فيه، كما لو كان اعتبار من حيث افادة الوثوق أو بشرطها، فان الشهرة المخالفة قادحة من جهة زوال المناظ والشرط بها، وإن

ص: 205

لم تكن هي في نفسه معتبرة ؛ واعتبار الأصل اللفظى ليس حكماً تعبداً مجهول الموضوع والمناط، وقد عرفت ان الموضوع انما هو اللفظ المقتضى للكشف وان المناط انما هو التسبب والاقتضاء، وليس هذا مما يزول باقتضاء مخالف أقوى، فزوال موضوع الاعتبار بوجود الدليل المعتبر المنافي لا معنى له اللّهم إلا أن يقال ان الموجود في طرف العام ليس الا أصلاً، والمفروض أن الخاص قطعي الدلالة ومقتضي الاعتبار كونه بحكم معلوم الصدور والجهل المعتبر في موضوع اصالة العموم أعم من الجهل التحقيقي والتنزيلي كما هو الحال في البراءة العقلية، فبوجود العلم التنزيلي يرتفع موضوع الأصل كما في العلم الحقيقى ؛ ولكن لا فرق على هذا بين كون الظهور من باب اصالة عدم القرينة وبين كونه من باب الظن النوعى. فظهر ما حققنا أنه لافرق في وجوب الجمع بين الدليلين من حيث الدلالة بين القطع بصدورهم و بين كون الصدور تحكم المعلوم، فان الاعتبار يقتضي التسوية بين المجهول والمعلوم وترتب جميع اثاره عليه ولا فرق بين الآيتين المتعارضتين و بين الخبرين المتواترين والخبرين الظنيين والآية والخبر المتعارضين والخبر المتواتر والواحد المتعارضين ؛ فان الشك فى وجوب رفع اليد عن الظاهر مسبب عن الشك في صدور النص أو الأظهر ؛ فمقتضى اعتبار النص والأظهر رفع اليد عن الظاهر، فان هذا هو معنى اعتبارهما وكونهما بمنزلة المعلوم. فلهذا لا اشكال في تخصيص الكتاب والسنة المتواترة بخبر الواحد، ولا معنى لدوران الأمر في غير معلوم الصدور بين التعبد بسنده ودلالته ؛ فان التعبد بالسند لا معنى له إلا تطبيق العمل على مؤدى الدليل من غير فرق بين حصول البيان أو الاجمال كما هو الحال بين القطميين والى هذا ينظر ما عن ابن ابي جمهور (رَحمهُ اللّه) من الاستدلال على وجوب الجمع بان الاصل في الدليلين الاعمال فيجب الجمع بينهما بما أمكن

ص: 206

قال (قدّس سِرُّه) فى المعالم احتجوا للمنع بوجهين الاول ان الكتاب قطعي وخبر الواحد ظني والظن لا يعارض القطع (الخ).

وفيه: ما عرفت من ان كون السند قطعياً لا يكنى فى رفع اليد عما يعارضه مما ليس كذلك، اذا لم تكن الدلالة كذلك فلا يفيد ظاهر الكتاب والسنة المقطوع منها العلم كي لا يجوز العمل بالفن المعتبر على خلافه ؛ مع ان ماذكره المستدل يوجب ايضاً طرح جل الأخبار لمخالفتها للعمومات والاطلاقات المدلول عليها بالكتاب والسنة المقطوعها أو القاعدة المعلومة بالاجماع، مع ان مقتضى حجية الخبران يتقيد به الاطلاق ويخصص به العموم ويخرج به عن اصالة الحقيقة وانكان ما يقابله مقطوعاً بصدوره، فان هذا ليس تعارضاً فى الحقيقة، وهو الوجه فى تقدم الجمع مهما امكن على الطرح، وبه يندفع التناقض في الاستثناء ويظهر أن شيئاً من التقييد والتخصيص ليس تجوزا، فمجرد مخالفة الخبر للكتاب والسنة المقطوع بها اذا كانت من هذا القبيل لا توجب طرحه.

ثم قال (قدّس سِرُّه) والوجه الثانى انه لو جاز التخصيص به لجاز النسخ به ايضاً «الخ».

وفيه: مقتضى القاعدة جوازها إلا أن ندرة موارد النسخ وتعيينه أوجب المنع عن العمل بخبر الواحد في مقام النسخ، مع أن مرجع المنع الى عدم الوقوع لا الى عدم الجواز فتأمل وادعاء الاجماع في المقام فاسد حيث ان النسخ ليس تحديداً بل لا معنى له إلا الرفع والنسخ انما يتعلق بالنبوة حيث ينسخ الدين ونسخ الحكم أمر وراء ذلك، مع انه لا يعقل إلا فيما اذا كان موضوع الحكم زماناً أو مقيداً به كقولك

ص: 207

صم الشهر أو كل يوم منه، وتعبد اللّه في شهر رمضان في كل ساعة وآن واما اذا كان الموضوع هو العالم مثلا فعموم الحكم لا يعقل إلا بالنسبة الى افراده ولا معنى للتعميم من حيث الزمان وغيره كالمكان والحالات، نعم صعب على جماعة تعقل كون النسخ رفعاً فى الأحكام الشرعية حيث انه يستلزم الجهل فهو انتهاء الأمد والنسخ اظهار الغاية المجهولة ولكنه توهم فاسد ؛ فانه لا يصح اطلاق الرفع والنسخ على الأخبار المغياة بالغاية الثابتة من أول الأمر لعدم العلاقة للمصححة ولا داعي الى هذا التكلف الشنيع فان الحكم الشرعي مما اذا ثبت دام ولا يزول الا بمزيل، فالحكيم عالم بانه سيرفعه لما يراه من المصالح، كما ان البائع قد يعلم بانه سيفسخ البيع ولا ينافى هذا كون البيع من أول الأمر موقتاً ؛ فان البيع الموقت غير معقول. مع أنه قد يشترط لنفسه الخيار للتمكن من الفسخ الذي يريده جزماً. وهل يخفى على احد ان النكاح مع الجزم بالطلاق ليس تمتعاً، وانه فرق بين البناء على الطلاق والعلم بتحققه منه وبين التمتع، فأي منافات بين ايجاب الشيء من غير ان تقيده بوقت وبين العلم برفعه، وهكذا العلم بالعزل عن المناصب ليس توقيتاً، وفرق بين العلم بالعزل والبناء عليه من أول الأمر وبين التوقيت. وبالتأمل فيما حققنا ينخرم حجج المفصلين وما اجاب به عنها صاحب المعالم (قدّس سِرُّه).

قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) خاتمة في بناء العام على الخاص اذا ورد عام و خاص متنافياً الظاهر «الخ».

وفيه:

ما عرفت من انه لا بد مع جمع كلام الواحد والأخذ بما يؤل اليه الكلام والكلام كاشف واحد عن المرام فلامناص إلا الاطلاع على جميع اجزاء الكلام ومدالياها، فان للمتكلم مادام متشاغلاً بالكلام أن يلحق

ص: 208

به من اللواحق بخلاف ما اذا كان متعدداً فأنه يستقر ظهور كل كلام بعد الفراغ ولا ينتظر لاستفادة المراد من كلام تام کلام آخر، فمناط كون الكلام ناسخاً او مخصصاً كونه متعدداً او متحداً، فالجمع بين العام والخاص لا يمكن إلا مع العلم بوحدة الحكم اللّه وأمنائه بمنزلة كلام واحد، فادعاء ان الخاص مخصص بالكسر في صورة التأخير ومنسوخ فى صورة التقديم لا معنى له ان كان الكلام كلام اللّه تعالى وأمنائه، وكذا لا معنى لجعل الخاص مخصصاً بالكسر ان كان الكلام كلام غيرهم بعد الفراغ لو كان قبل حضور العمل، لما عرفت ان الجمع دائر مدار الالحاق فى كلام غيرهم هذا فيما اذا كان العام مقدماً واما اذا كان مؤخراً فكذلك لابد إن يجمع بين الكلامين اذا كان الكلام كلام اللّه وامنائه (عَلَيهِ السَّلَامُ) لوجود المناط بخلاف كلام غيرهم فلابد من البناء على العام وجعل العام ناسخاً لاستقرار كلامه الأول

ثم استدل صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) على المختار بما لا يرجع الى محصل وقال (رَحمهُ اللّه) لنا انهما دليلان تعارضا «الخ».

وفيه:ما عرفت من ان موضوع النعارض هو الدليلان المختلفتان فى المدلول المستقران فى الاختلاف والتنافى ؛ حيث أن الأصل فما ثبت اعتباره من الأدلة هو العمل بما يستفاد من ملاحظة صدره وذيله من غير فرق بين دليل واحد أو دليلين إن نزلا منزلة كلام واحد، فالاعراض من جزء والأخذ بالآخر ترجيح بلا مرجح فاللازم هو الأخذ بمدلول الجميع ؛ مع أنه لاربط بمسألة الجمع بين الدليلين فانه مع الايتلاف ورجوع الأمر الى الوفاق بعد كونها بمنزلة الكلام الواحد في كلمات المعصومين لا مناص من الأخذ به

ص: 209

وهو الجمع ومع عدمه او مع عدم كونهما منزلة كلام واحد كما في الكلامين الصادرين عن شخص واحد او عن شخصين لا معنى للجمع.

وما يقال من أن العمل بالعام على تقدير التأخير عن وقت العمل بالخاص يقتضى نسخه. فى نهاية الجودة إلا ان قوله : أن النسخ تخصيص فى الأزمان قد عرفت فساده وانه ليس الا الرفع. والجواب با التزام مرجوحية النسخ لا معنى له، ضرورة ان كلا منهما مخالف للاصل وفي اثبات أحدها يحتاج الى الدليل نعم لما كان التخصيص هو العمل بما ثبت اعتباره من الأدلة لا مناص من الالتزام في كلام اللّه وأمنائه (عَلَيهِ السَّلَامُ) واما في كلام غيرهم بعد الاستقرار فممنوع جداً.

وادعاء عدم جواز اخلاء العام عند ارادة التخصيص لا معنى له، فان التخصيص مع الفصال القرينة لاضرر فيه، فانه اذا لم يكن اتصال التخصيص موافقاً للحكمة يؤخر كما هو الحال بالنسبة الى مثل الكتاب، فانه قد يكون المناسب بيان أصول الأحكام وتوكيل البيان الى حملته كما هو الشايع فى المتون التي لا تحتوى إلا على رؤس المسائل وأصول الأحكام. والحاصل ان انفصال بيان الموانع والشروط وخصوصيات الموارد عما أعد لبيان نفس الأحكام أمر متعارف فى المحاورات، وان شئت قلت ان كثيرا مما يتوهم انه عام أو مطلق فى الحقيقة مهمل وليس الاعمال خروجاً عن المتعارف، فان أرباب الفنون يقتصرون فى المقتصرات على المطالب على سبيل الاجمال، فان هذا مما يتعلق به الغرض كما لا يخفى ؛ والحال فى النسخ أوضح، وكذا تخصيص شخص بالخطاب مع عموم الحكم لبعض الأغراض في غاية الشيوع فلا اشكال في تأخير البيان عن وقت الخطاب مع العلم بوحدة الحكم، وعن وقت الحاجة ايضاً فكذلك ان كان لأجل مصلحة داعية إلى التأخير راجحة

ص: 210

عند العقل والشرع على العمل بخلاف ما أريد من الكلام مثلاً لو فرضنا ان أحداً قال لعبده أكرم كل من دخل داري غداً وهو يريد غير زيد، فاخر البيان الى الغد فلما حضر زيد أيضاً وكان المولى خائفاً من زيد على نفسه أو على العبد فترك البيان فأكرم العبد زيداً أيضاً فلا ريب فى رجحان مصلحة النقية والاتقاء على ترك اكرام زيد ؛ والحاصل ان المقامات مختلفة وقد يحصل مقام يجوز تأخير البيان فيه وقد لا يجوز كما لو قال شخص له على عشره ثم انصرف واعرض وقال بعد الانصراف والأعراض أردت من العشرة العشرة المخرجة عنها ثلاثه فحينئذ يحصل التعارض، فالذي يدور مداره الجمع والتعارض انما هو الاستقلال وتعدد الكلامين وعدم الاستقلال والاتحاد فافهم واغتنم.

أصل في المطلق والمقيد

قال صاحب المعالم (رَحمهُ اللّه) المطلق هو ما دل على شايع فى جنسه الخ.

اعلم: ان التقييد عبارة عن تحديد الشيء وتضييق دائرته واخراجه عن الارسال، فالاطلاق هو الأرسال، والتقييد يتصور في كل من الموضوع والمحمول والحكم أي بالنسبة الى القضية النفس الأمرية، والمعقولة والملفوظة تابعان لها متفرعان عليها، وليس ما يوجد من اختلاف الحال في القضية الملفوظة مجرد تعبير كما يتوهم ؛ فالتقييد بالنسبة الى الموضوع فيما لم يثبت الحكم للشيء إلا وهو حال أو وصف سواء كان ذاتيا أو عرضياً كثبوت الضحك للحيوان على تقدير كونه ناطقاً وثبوت النطق للنسامى على

ص: 211

تقدير كونه حيوانا فالقيد في قولنا : الحيوان الناطق ضاحك، والنامي المتحرك بالأرادة ناطق للموضوع كقولنا الأنسان المسلم محترم والشخص المطبع مستحق للصواب والمكلف الجاهل معذور. واما بالنسبة الى المحمول ففيما اذا لم يثبت لموضوعه إلا على حال أو وصف مخصوص كثبوت علم النحو مثلاً لزيد أو الرجحان المانع من النقيض للصلاة مثلاً فالعارض ليس جنس العلم وجنس الرجحان بل النوع الخاص، كقيام الرجحان المانع عن النقيض بالنفس الأمرية المعبر عنه بالقطع. اما بالنسبة الى النسبة المحكميه فيما اذا ثبت ثبوت الحكم لموضوعه على شرط لم يكن واسطة فى العروض كثبوت الحرارة الماء بواسطة النار و الحلاوة للتمر بواسطة الشمس، فلا معنى لرجوع ما هو قيد في القضية الى الموضوع ؛ مع ان جعل العملة قيداً للموضوع فساده أوضح من ان يبين ضرورة الفرق بين كون الشي سبباً لطرو شيء على غيره و بين كونه دخيلاً فى الموضوعية فموضوعية زيد للطهارة لا يتوقف على الوضوء وانما المتوقف عليه حدوث الطهارة فى الخارج بخلاف نفوذ حكمه فانه يتوقف على كونه مجتهداً ؛ فهو انما يعرض زيداً المتصف بهذه الصفة وهذا معنى كونه واسطة فى العروض ومقابله الواسطة فى الثبوت وهي باعتبار عدم مدخليتها في موضوعية الموضوع للعرض و يكون تأثيره حدوث المحمول فى الخارج، فالاطلاق بالنسبة الى كل من الموضوع والمحمول والنسبه معقول. ثم انك اذا عرفت في المباحث السابقة ان العموم والخصوص يلحقان المفرد بلحاظ التركيب لكونهما كيفيتين متقابلتين من كيفيات تعلق الحكم به، حيث أن العموم والاستغراق ليس إلا استيعاب الحكم فى القضية الأفراد موضوعها أو أجزائه ؛ والتخصيص مقابله وهو قصر الحكم لبعض الأفراد أو الأجزاء عرفت ان الاطلاق والتقييد جهتان تلمحقان المفردات في مرحلة

ص: 212

التركيب، ولا يعقل اختلاف حال الوضع باختلافهما ؛ فكما ان العموم مقتضى الطلاق الوضع المقابل للجهل لا مقضى وضع اللفظ لمعناه فكذلك الاطلاق حيث انه ليس الا التعويل على الاقتضاء وعدم الاعتناء باحتمال المانع فليس الاطلاق والعموم من الدلالات اللفظية ؛ اما العموم فقد عرفت وجهه في المباحث السابقة، واما الاطلاق فلانه ايضا على ثلاثة أقسام لأن التقييد اما بقصر الاقتضاء واما بجعل الشرط واما بجعل المانع، والأول انما يستفاد من اللفظ من حيث وضعه للطبيعة مثلاً وجعلها موضوع للحكم فيه قرينة على تعلقه من حيث هي كذلك، والاطلاق من الجهة الثانية انما يستفاد بقرينة كون المتكلم في مقام بيان الشروط فالسكوت يكشف عن العدم ؛ ومن الجهة الثالثة انما يعول فيه على القاعدة الشريفة وهي عدم الاعتداد باحتمال المانع بعد احراز المقتضى، فاللفظ لا يدل على الاطلاق بوجه من الوجوه، وهذا هو السر فى عدم كون التقييد مجازاً فالاطلاق انما يعول عليه غالباً فى المرحلة الثالثة ولهذا لا يختلف الحال باختلاف كون الشبهة مصداقيه أو مفهوميه ولو كانت دلالته لفظية لم يعقل الركون اليه فى الشبهة المصداقية، فالاطلاق عبارة عن الاقتضاء واللفظ انما يكشف عن نفس المعنى والاطلاق صفة للمعنى لا للمافظ ولهذا يكتفى بعدم كون ما يكشف عن المقيد وليس عدم ذكر القيد دالاً على معنى من المعاني وضعاً او عقلاً، وعلى هذا ينطبق اختلاف الشرط بكونه منافياً لذات العقد أو اطلاقه، حيث ان الاطلاق عبارة عن الاقتضاء و يعبر عنه باستصحاب عدم التقييد، وانما يراد به عدم الاعتداد باحتمال المانع. وبالجملة أن التقييد أن كان تحديداً للوضوع فلا تجوز فى اللفظ واذا زيد على ما استفيد من المطلق ما يستفاد مدخلية شيء آخر في تحقق الموضوع او تمامية المقتضى، فالتشبث بالاطلاق قبل العثور على التقييد انما هو ركون الى مقتضى

ص: 213

الوضع المقابل للحمل، فان كون الشي موضوعاً للحكم يقتضى ان لا يكون مدخل لشيء آخر فيه فقولك اعتق رقبة مؤمنة بعد قولك اعتق رقبة اعتبار جهة فى الموضوع كان منفياً بما يقتضيه كون الرقبة موضوعاً فى القضية، لا أن النفى كان مستفاداً من لفظ الرقبة بمقتضى الوضع بالضرورة، بل قد علمت آنفا ان وضع اللفظ للدلالة على عدم مدخلية شيء فى تعلق الحكم بمعناه مستحيل، لاستلزامه تقدم الشيء على نفسه، وهذا فى نفى الشرطية والمانعية أظهر فانهما قيدان النسبة، وكما ان تقييد المحمول ليس تصرفاً فى الموضوع بالضرورة فكذا تقييد النسبة الحكمية. وبما حققنا ظهر السر فى نفي شرائط الموضوع بالاطلاق دون شرائط الحكم في كثير من المقامات فان شرائط الحكم لاسبيل الى العلم بعدمه الا السكوت فى معرض البيان وما يشبهه ؛ واما اطلاق الموضوع فيكفي فيه الحمل، نعم يمكن الاهمال في هذه المرحلة أيضاً ومرجعه الى عدم كون المذكور فى القضية موضوعاً للحكم بل انما هو بعض جهاته ؛ ومن هنا اختلف الأصل في المقامين، فالبيان موافق للاصل بالنسبة الى الموضوع كما أن الاهمال بالنسبة الى الشرائط كذلك، نعم لا يعتد باحتمال المنع والمانع مطلقاً بعد احراز الموضوع والمقتضى والشرط وليس هذا إلا تمويلاً على الاقتضاء وهو معنى استصحاب الاطلاق فافهم واغتم.

قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) اذا ورد مطلق ومقيد فاما ان يختلف حكمهما، الى قوله ويقول لا تملك رقبة كافرة «الخ».

وفيه: ما عرفت من ان مفاد النهي لا ينحصر فى افادة حكم وضعى بل قد يكون حكماً تكليفياً ؛ فحيث كان مفاد لا تملك رقبة كافرة حرمة تمليك رقبة كافرة لابيان ما نعية الكفر الحصول التمليك بالعصيان بالضرورة فقوله :

ص: 214

(فانه يقيد المطلق بنفي الكفر لتوقف الاعتاق على الملك) لا يرجع الى محصل نعم لو كان مفاده حكماً وضعياً لاتجه الكلام إلا انه ليس من باب حمل أحدهما على الآخر بوجه من الوجوه كما زعمه صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) ضرورة ثبوت شيء لشىء فرع ثبوت المثبت له مرحلة، وحمل المطلق على المقيد مرحلة أخرى، مع أن حمل المطاق على المقيد انما ينصور فى حكمين تكليفيين لا فيما اذا كان أحدهما نكليفياً والآخر وضعياً وقوله: (وان كان الظهار والملك حكمين مختلفين) من الوهن بمكان ؛ حيث أن الظهار ليس إلا سبباً لحكم تكليفى والملك ليس الا متعلقاً للنهي سواء كان مفاد النهي حكماً تكليفياً فالملك حينئذ ليس متعلقاً إلا لحكم تكليفى، أو كان مفاده جكما وضعياً بمعنى أنه أوتي به لبيان ما نعية الكفر للملك فالملك ليس حكماً من الأحكام.

وما ذكره (قدّس سِرُّه) فى وجوب حمل المطلق على المقيد بقوله: (فلانه جمع بين الدليلين) وجه وجيه واخذ بما يؤل اليه الكلام تقتضيه الضوابط العقلية والبراهين القطعية.

ثم قال ص (قدّس سِرُّه) وبهذا استدل القوم وهو جيد حيث ينتفى احتمال التجوز فى المقيد «الخ».

وفيه: ما عرفت من ان الاطلاق ليس مستنداً الى الوضع ؛ واللفظ لا يدل على الاطلاق بوجه من الوجوه فجعل التقييد مجازاً فساده أوضح من أذيخني، وادعاء المرجوحية غلط فى غلط، ضروره أن المجازية دائرة مدار وجود العلاقة ولا معنى لرجحانها ومرجوحيتها فالمجاز لا معنى له.

ثم قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) وقد اشار العلامة الى بعض هذا

ص: 215

الاشكال فى النهاية (الخ) والمراد من الاشكال لزوم المجازية فى حمل المطلق على المقيد، وقد عرفت انه لا اصل له وانه توهم فاسد زعماً منهم ان التقييد مجاز و محصل ما اجاب به عنه العلامة (قدّس سِرُّه) ان صح الاستناد يرجع الى ما حققناه من انه اخذ بما يؤل اليه الكلام بعد ملاحظة أطرافه من المعنى الواحد وحكم بما هو مقتضى الجمع، ولذلك يوجب البراءة اليقينية والخروج عن عهدة التكليف.

ثم قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) واما انه بيان لا نسخ فلانه نوع من التخصيص في المعنى (الخ).

وفيه:من أن النسخ وعدمه دائر مدار الاستقلال و تعدد الكلام و عدمه كما فى التخصيص كذلك، والتقييد عين التخصيص إلا ان الاول بالنسبة الى الحقيقة النوعية والثاني بالنسبة الى الافراد المشمولة ؛ كما ان العموم والاطلاق أيضاً كذلك فقوله (قدّس سِرُّه) (التقييد نوع من التخصيص يسمى تقييداً اصطلاحاً) لا محل له. ومما حققنا يتبين ما اذا كان الحكمان تحريميين مع اتحاد موجبهما حيث انه لابد من جمع اطراف الكلام الواحد فتقييده (قدّس سِرُّه) بما اذا لم يقصد الاستغراق لا معنى له ؛ بخلاف ما اذا كان موجهها مختلفاً لتعدد الكلام حيث صار المقيد كلاماً مستقلا برأسه فلا معنى لحمل المطلق عليه.

ص: 216

أصل في المجمل والمبين،

قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) المجمل هو مالم يتضح دلالته «الخ».

وفيه ان المجمل هو ما يحتاج الى ايضاح سواء كان الاجمال ناشئاً من الاختصار او تشتت موارد اطلاق اللفظ أوكون المتكلم ليس فى مقام البيان فيتردد الأمرين، فالاجمال والبيان أمران اضافيان ربما يكون مجملاً عند شخص ومبينا لدى الآخر ؛ ومن هنا وقعت أفراد مشتبهة محلاً للبحث والكلام للاعلام فى أنها من أفراد أيهما، مع أنه يمكن أن يكون الكلام الواحد مجملاً من وجه ومبيناً من وجه آخر ؛ فالنزاع في الموارد في أنها من أفراد ايهما مما لا يرجع الى محصل، والاجمال من جميع الوجوه لا معنى له، وتوهم الدلالة في المفردات فاسد، وليس الخطور مفاد الدليل، فاتصاف المفردات بالاجمال والبيان بالمعنى الذي ذكره للجمل والمبين فاسد.

ثم قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) فها هنا فوائد الأول الأول ذهب سيد المرتضى (قدّس سِرُّه) الى ان آيه السرقة مجملة باعتبار اليد وقيل باعتبار القطع والأكثرون على خلاف ذلك وهو الاظهر. واستدل (ص ) (رَحمهُ اللّه) على المختار لنا ان المتبادر من لفظ اليد «الخ».

وفيه: ان ظهور استيعاب الحكم الجميع العضو مسلم فهو بمقتضى الانصراف فلا يكون فى مخالفته تجوز أصلاً ؛ حيث ان اسناد الفعل الى الشيء أعم من استيعاب الفعل لتمام ذلك الشيء، فان الاسناد لا يدل

ص: 217

على أزيد من مجرد الارتباط بين الطرفين فقولك : ضربت زيداً أو أكلت الرغيف لا يدل إلا على مجرد انتساب الضرب بزيد والأكل بالرغيف وأماكوف الانتساب باعتبار التعلق بالبعض أو الاحاطة بالكل فلا يستفاد من هذا الاستناد بل لابد أن يستفاد من الخارج ؛ نعم لبعض المواد والموارد خصوصية توجب الانصراف الى الجميع كما في أكلت الرغيف وغسلت الثوب، ولعل ما أفاده السيد (رَحمهُ اللّه) يرجع الى ما حققناه، فان اللفظ الدال على الكل قد يؤخذ موضوعاً للحكم في الكلام ولا يستوعب الحكم جميع أجزائه كقولك : ضربت زيداً فان الضرب لم يستوعب جميع أجزاء زيد بل له ظهور في عدم الاستيعاب ولكن ليس مستنداً الى الوضع، بل أمر نشأ من اطلاق الكلام في خصوص الموارد ؛ وقد يؤخذ موضوعاً للحكم ويستوعب جميع أجزائه كقولك : أكلت الرمان فازله ظهور في الاستيعاب غير مستند الى الوضع، بل الى اطلاق الكلام في خصوص الموارد ؛ وقد يتفق مورد لا يكون ظهور في الاستيعاب أو عدمه كقولك : قرأت القرآن وطالعت الكتاب فيتردد بين البعض والختم ؛ وما نحن فيه من هذا القبيل فيتردد بين قطع جميع العضو و بعضه، فجعل الشيء موضوعاً للحكم أعم من التعلق المستوعب. فهو بحسب الوضع مهمل عن جهة الاستيعاب وعدمه فلا فرق بين ماكان الموضوع يداً أو إنساناً فكما انه يصح أن يقال غسلت يدي مع ان الغسل وقع الى الزند فكذلك يصح ان يقال رأيت انساناً وراء الجدار مع ان الرؤية تعلق بالرأس فقط فما زعمه السيد (رَحمهُ اللّه) فى المقام زلة فى الكلام.

ثم قال صاحب المعالم (رَحمهُ اللّه) والجواب عن الأولى ان الاستعمال يوجد مع الحقيقة والمجاز الى قوله موقوف على ضميمة القرينة وذلك

ص: 218

آية المجاز فيه.

وفيه: ان القرينة لا يعقل ان تكون مصححة للتجوز الصحة التجوز تدور مدار العلاقة، والقرينة لازمة للافادة والاستفادة وعلاقة الجزء والكل لو توهم في المقام فقد انكشف فى مطاوى كلماتنا السابقة فسادها وبالتأمل فيما حققنا يتضح ما في بقية كلامه اعلى اللّه مقامه.

ثم قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) الثاني عد جماعة فى المجمل نحو قوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لاصلاة الابطهور ولا صلاة الا بفاتحة الكتاب (الخ).

وفيه: ما عرفت من ان الكلام الواحد يمكن أن يكون مجملاً من جهة ومبيناً من جهة أخرى فقوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لا صلاة الا بطهور وأمثاله فى مقام بيان ارتباط الطهارة بالصلاة، أما أن ارتباطها في أي درجة فهو غير معلوم فكما من هذه الجهة داخل في المجمل فكذلك من الجهة الأولى داخل فى المبين. وادعاء الحقيقة الشرعية أو العرفية من الأوهام الفاسدة، والتمسك باقرب المجازات لا معنى له حيث ان المجاز دائر مدار وجود العلاقة فقط.

قال صاحب المعالم (قدّس سِرُّه) أصل المبيز هو متضح الدلالة (الخ).

وفيه: أن المبين ما لا يحتاج الى ايضاح، سواء كان بنفسه كذلك أو بواسطة الغير ؛ وقد عرفت أن الاجمال والبيان أمران اضافيان يمكن ان يكون الكلام الواحد مجملاً من وجه ومبينا من وجه آخر، وتوهم الدلالة فى المفردات قد عرفت ايضاً فساده واما النزاع في جواز تأخير البيان أيضاً لا يرجع الى محصل، ضرورة إذا لم يكن اتصال البيان

ص: 219

موافقاً للحكمة يؤخر كما هو الحال بالنسبة الى مثل الكتاب فانه قد يكون المناسب ييان متون الأحكام وتوكيل البيان الى حملته كما هو الشايع في المتون التي لاتحتوي الا على رؤس المسائل واصول الأحكام ؛ وبالجملة ان انفصال بيان الموانع والشروط وخصوصيات الموارد عما اعد لبيان نفس الأحكام امر متعارف فى المحاورات فليس الاهمال خروجاً عن المتعارف ؛ حيث ان أرباب الفنون يقتصرون فى المقتصرات على المطالب على سبيل الاجمال فان هذا مما يتعلق به الغرض، كما لا يخفى على الناقد البصير ؛ والحال في النسخ أوضح، وكذا تخصيص شخص بالخطاب مع عموم الحكم لبعض الأغراض في غاية الشيوع، فلا اشكال في تأخير البيان عن وقت الخطاب مع العلم بوحدة الحكم وعن وقت الحاجة فكذلك ان كان لأجل مصلحة داعية إلى التأخير راجحة عند العقل والشرع على العمل بخلاف ما أريد من الكلام، مثلاً لو فرضنا ان احداً قال لعبده : أكرم كل من زارني في دار الفلاني وهو يريد غير عمرو، فأخر البيان الى الغذ فلما حضر عمر و ايضا وكان المولى خائفاً من عمر و على نفسه أو على العبد فترك البيان فاكرم العبد عمرواً ايضاً فلا ريب في رجحان مصلحة التقية والأتقاء على ترك اكرام عمرو ؛ والحاصل ان المقامات مختلفة غاية الاختلاف فالنزاع بمكان واغرب منه اتصاف البيان بالاجمال ضرورة انه اتصاف الشي بنقيضه وهو معلوم الفساد الى هنا جف القلم طبعت سنة 1358

اعتذار

لقد وقعت اغلاط مطبعية رغم بذل قصارى جهودنا في التصحيح و بما انها لا تخفى على من له أدنى خبرة بموازين الفن يرجى تصحيح ما صدر عن خطأ ونسيان و يطلب الآجر من الملك المنان.

ص: 220

ص: 221

آثار المؤلف

1 / الجزء الأول من كتاب حلول التمارين الجبرية / مطبوع

2 / الجزء الثاني / تحت الطبع

3 / أصل البراءة والاستصحاب تعليقاً على كتاب محجة العلماء

4 / حلول تمارين حساب المثلثات / تحت الطبع

5 / القواعد العربية الحديثه

6 / الآراء الراقيه الحديثه في تيسير القواعد العربية واسرارها / تحت الطبع

ص: 222

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.