كلمة حول التوسل

هوية الكتاب

بطاقة تعريف: الخرازي ، السید محسن ، 1315 -

عنوان المؤلف واسمه: کلمة حول التوسل / تالیف محسن الخرازي .

تفاصيل النشر: قم : دائره المعارف الفقه الاسلامی طبقا لمذهب اهل بیت (علیهم السلام ): مرکز القدیر للدراسات الاسلامیه ، 2001م = 1422ق = 1380.

مواصفات المظهر: [59] ص .

لسان: العربية .

ملحوظة: نسخه دوم .

ملحوظة: عنوان روی جلد: التوسل .

ملحوظة: کتابنامه به صورت زیرنویس .

العنوان على الغلاف: التوسل .

موضوع : التوسل -- الأحاديث

موضوع : التوسل

معرف المضافة: موسسه دایرةالمعارف فقه اسلامی بر مذهب اهل بیت (علیهم السلام)

معرف المضافة: موسسه دایره المعارف فقه اسلامی . مرکز الغدیر للدراسات الاسلامیه

تصنيف الكونجرس: BP226/6/خ4ک8

تصنيف ديوي: 297

رقم الببليوغرافيا الوطنية: م 80-20744

كلمة حول التوسل

تأليف الأستاذ المحقق : آية الله السيد محسن الخرّازي

خیراندیش دیجیتالی: انجمن مددکاری امام زمان (عج) اصفهان

ویراستار کتاب: خانم مریم محققیان

ص: 1

اشارة

جميع حقوق الطبع محفوظة للناشر

مؤسسة دائرة معارف الفقه الإسلامي

ص . ب 37185/3796- تلفن 7739999

اسم الكتاب : التوسل

المؤلف : آية الله السيد محسن الخرازي

الناشر : مركز الغدير للدراسات الاسلامية

الطبعة الأولى....1422ه - 2001 م

المطبعة ...محمد

الكمية : 2000 نسخة

ص: 2

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي هدانا سبيل الحقّ المبين، بنصب الحجج و البراهين و أرشدنا إلى طريق إيطال المبطلين، و صلّى الله على محمّد أفضل المرسلين و آله الطيّبين الطاهرين.

أمّا بعد، فقد جمع سيّدنا الأستاذ العالم الجليل آية الله السيّد محسن الخرّازىّ (مدّ ظلّه العالى فى هذا الكتاب أدلّة قاطعة على مشروعيّة التوسّل - هنّ من أحسن البراهين - مؤيّداً بالنصوص الواردة في كتب الفريقين مع الأجوبة الواضحة عن شبهات المعاندين ومختتماً بتنبيهات مفيدة، أرجو أن تنفع جميع إخواننا من طوائف المسلمين.

و الرجاء منهم أن يطالعوا هذه المباحث و يتفكّروا حولها فإنّ الوحدة التي أمرنا بها لا تحصل إلّا بتقريب الأفكار و هو لا يتحقّق إلّا بالمطالعة و التفكّر و اختيار الصواب

ص: 3

و لا يخفى أنّ للمؤلّف كتباً و رسائل قيّمة مشحونة بالتحقيقات و المطالب الهامّة و منها «بداية المعارف الإلهيّة» و ذلك بعد أن قرّرت الشورى المركزيّة لإدارة الحوزة العلميّة بقمّ المشرّفة دروساً أخرى في جنب الدروس الفقهيّة و الأصوليّة، فطلبت الشورى من سيّدنا الأستاذ إلقاء أبحاث و محاضرات حول العقائد الإماميّة لطلّاب العلوم الدينيّة فاستجاب الأستاذ لهذا الطلب و اتّخذ كتاب عقائد الإمامية - للعلم المعروف في الحوزات العلميّة آية الله الشيخ محمّد رضا المظفّر رحمه الله - متناً لأبحاثه، لكونه جامعاً للمسائل الاعتقاديّة، و شرحه و علّق عليه تتمياً و تبييناً، و سمّاه ببداية المعارف الإلهيّة في شرح عقائد الإماميّة.

ثبّتنا الله جميعاً على القول الثابت و جعلنا من المتمسّكين بالعروة الوثق التي لا انفصام لها.

و في الختام أشكر إخواني الذين أعانوني في إعداد هذا الكتاب عموماً و سماحة حجّة الإسلام و المسلمين الشيخ خالد الغفوريّ خصوصا، جزاهم الله خيراً و وفقهم نحو مقاصدهم العالية.

و الله الحمد أوّلاً و آخراً

قمّ المقدّسة

السيّد عليّ رضا الجعفريّ

عيد الغدير 1420 بعد الهجرة النبويّة

ص: 4

بسم الله الرحمن الرحيم و به نستعين

الحمد لله ربّ العالمين، و الصلاة و السلام على أشرف الأنبياء و المرسلين، حبيب اله العالمين، أبي القاسم محمّد و آله الطاهرين، و اللعنة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

أمّا بعد: فهذه كلمة حول التوسّل عقدناها في فصلين و خاتمة.

الفصل الأوّل: بحث أدلّة مشروعيّة التوسّل.

و الفصل الثاني: ردّ بعض الشبهات.

و الخاتمة في بيان بعض التنبيهات

ص: 5

ص: 6

الفصل الأول: أدلّة مشروعيّة التوسّل

البناء العرفيّ و الاجتماعيّ

لا يخفى أنّ التوسّل أمر عقلانيّ، فإنّ السائل أو الخاطئ إذا رأى أنّ المولى أو سيّده أو والده أو أستاذه لا يتوجّه إليه، أو لا يرضى عنه، لكثرة تمرّده عليه أو لعظمة مخالفته، توسّل إليه بوسيلة شخص يكون عنده عزيزاً و مكرّماً، لإنجاز مراده و مقصوده. و من المعلوم أنّ مصلحة الإعطاء أو العفو و الإغماض حينئذ تتم و تكتمل بالتوسّل، و مع تكميل المصلحة يتوجّه أو يرضى المولى و السيّد، إذ لا ينبغي للحكيم مع التكميل المذكور أن لا يتوجّه أو لا يتقبّل توبة عبده و عذره.

هذا بناء عرفيّ عقلانيّ، يقوم على أساس الحكمة، و حيث إنّ الله سبحانه و تعالى في غاية الحكمة و نهايتها، فمع التّوسل بالأولياء و الأنبياء

ص: 7

و الصدّيقين و الشهداء يتوجّه للمتوسّل و يقبل التوبة، و يغمض عن خطأ الخاطئ، و يعطي و يتفضّل قضاء الحكمته المطلقة.

و الكلام هنا مفروض في التوسّل الذي لا يشاب بشيءٍ من المنافرات كعبادة الغير، إذ ليس مجرّد الخضوع بالنسبة إلى الغير عبادة للغير؛ لأنّ العبادة هي التأليه، و هو منفىّ في التوسّل. نعم لو كان مقروناً بها، لكان مبغوضاً و منهيّاً عنه، و لكنّه خارج عن محلّ الكلام، و إنّما الكلام في التوسّل بالذين يتّصفون بالفضائل، و لا يقاس بالتوسّل بمن يخاف الناس منه، أو تهوي أفئدة الناس إليه من جهة الشهوات أو الأمور الباطلة.

فتحصّل : أنّ التوسّل ممّا بنى عليه العقلاء، و هذا الأمر ممالم يردع عنه الشارع المقدّس بشكل مطلق، و انما ردع في بعض أقسامه المشابة بالتأليه و نحوه، و عليه فيكون التوسل فى الجملة سائغاً، و لا مانع منه شرعاً. هذا بحسب الأصل و القاعدة.

و أما بحسب الآيات و الروايات و السيرة فتفصيل البحث فيه كما يلي:

أولاً - الآيات:

1 - قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ (1)

ص: 8


1- المائدة: 35

بحث لغوي

في المصباح المنير: و سلت إلى الله بالعمل أسل، من باب وعد: رغبت و تقرّبت و منه اشتقاق الوسيلة. و هي: ما يتقرب به إلى الشيء، و الجمع الوسائل (1)

و في النهاية: الوسيلة في الأصل: ما يتوصّل به إلى الشيء و يتقرّب به. (2)

و في المجمع: الوسيلة: فعيلة من قولهم: توسّلت إليه، أي تقرّبت - إلى أن قال: - و يقال وسل إليه، أي تقرّب.

و قال لبيد: بلى كلّ ذى رأى إلى الله واسل الوسيلة الوصلة و القربة. (3) و الأقرب هو استعمالها في الآية الكريمة بمعنى ما يتقرّب به إلى الشيء، كما أنّها مستعملة فيه في قوله تعالى:﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ ﴾(4) ... الآية، نظراً إلى تعقبّه بقوله: ﴿ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ﴾

و لو سلّم استعمالها في القربة فلا تنفكّ عمّا يتقرّب به إلى الشيء، إذ القربة لا تكون إلّا بسبب شيء كقوله تعالى ﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ

ص: 9


1- المصباح المنير: 660.
2- النهاية 5 : 185
3- مجمع البیان 2: 189
4- الإسراء: 57

الْيَقِينُ﴾. (1) إذ المقصود هو سبب اليقين، و هو الموت و عليه فما يتقرّب به من المداليل الالتزاميّة للقربة، فحينئذٍ لا فرق بين أن يكون المراد من الوسيلة هو ما يتقرّب به إلى الشيء، أو القربة و الوصلة.

-تفسير الآية

و لا يخفى عليك أنّ الآية الكريمة تدلّ - و الله أعلم - على أنّ المؤمنين يحتاجون في نيل الأهداف النهائيّة - و هي القرب و الرضوان - إلى تحصيل التقوى، و هو خير الزاد و إلى تحصيل ما يتقرّب به إلى الله بجميع شؤونه من رضوانه و کشف مراداته، و إجابة دعواته.

و عليه فلفظ الوسيلة المحلّى بلام الجنس يعمّ جميع المقرّبات، فلا وجه لما في تفسير الكشّاف (2) من اختصاصه بالطاعات و ترك المعاصي مع عموميّة معناها، إذ ما يتقرّب به أو القربة، كما ينطبق على الطاعات و ترك المعاصي، ينطبق أيضاً على مثل معرفة الأوصياء، و محبّتهم، و مودّتهم، و تجليلهم، و الأخذ عنهم، و الاقتداء بهم، و توسيطهم إليه تعالى في الدعاء و الاستشفاع بهم لأنها من من أفضل القربات، و لا وجه لتخصيصها ببعض المقرّبات.

ص: 10


1- الحجر: 99
2- الكشّاف 1: 628

و يؤيّد ذلك - أي التعميم - ما ورد في الأخبار من التوسّل بالأنبياء، و الأئمّة الطاهرين، و بفاطمة الزهراء علیهم السلام، و بالقرآن، و بالملائكة المقرّبين و بالإيمان ، (1) أو التوسل بصفات الله سبحانه و تعالى، كقوله علیه السلام:

«فإنّي بك إليك أتوسّل»(2)

«أتوسّل إليك بأحبّ أسمائك إليك. » (3)

«أتوسّل إليك بتتابع إحسانك.» (4)

«أتوسّل إليك بتوحيدك.» (5)

«أتوسّل إليك بجودك .» (6)

و ما ورد من الأخبار الدالّة على أنّ الأئمّة علیهم السلام هم الوسيلة بنحو المطلق.

و ممّا ذكر يظهر ما في الميزان حيث جعل تطبيق الوسيلة على غير مورد

ص: 11


1- راجع بحار الانوار 102 : 68 ، 95 : 231، 98: 225، 90: 16، 100: 12 و غير ذلك؛ مهج الدعوات: 166 - 168، منشورات مؤسّسة الأعلميّ - بيروت.
2- بحار الانوار 87: 112 ؛فلاح السائل: 264.
3- المصدر السابق 95، 448؛ مهج الدعوات: 240 و فيه مسائلك بدل أسمائك.
4- المصدر السابق 95، 416، عن نسخة عتيقة.
5- المصدر السابق 95، 258 ، لم يذكر له مصدر.
6- المصدر السابق 95: 231 مهج الدعوات: 166 و فيه: أتوسّل إليك و أتقرّب إليك بجودك.

الطاعات و ترك المحرّمات من باب الجري و التأويل (1) ؛ و ذلك لما عرفت من أن الكلمة بإطلاقها منطبقة على الموارد المذكورة من دون حاجة إلى التأويل و الجري.

و بالجملة، فالوسيلة بمعنى المقرّب أعمّ من أشخاص أهل البيت علیهم السلام و الاعتقادات و الطاعات و الأخلاقيّات و غير ذلك من المقرّبات، و يشهد له - مضافاً إلى الأخبار الآتية - ما في نهج البلاغة من الجمع بين الإيمان بالله و رسوله و الطاعات حيث قال علیه السلام:

﴿ إِنَّ أَفْضَلَ مَا تَوَسَّلَ بِهِ الْمُتَوَسِّلُونَ اِلَی اللّهِ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَی، الإِیمَانُ بِهِ وَ بِرَسُولِهِ، وَ الْجِهادُ فِی سَبِیِلهِ، فَإِنَّهُ ذِرْوَهُ الإِسْلامِ (2) ؛ وَ کَلِمهُ الإِخْلاَصِ فَإِنَّهَا الْفِطْرَهُ؛ وَ إِقاَمُ الْصَلاهِ فَإِنَّهَا الْمِلَّهُ (3) ؛ وَ إِیتَاءُ الزَّکاهِ فَإِنَّهَا فَرِیضَهٌ وَاجِبَهٌ؛ وَ صَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ جُنَّهُ مِنَ الْعِقَابِ؛ وَ حَجُّ الْبَیْتِ وَ اعْتَِمارُهُ فَإِنَّهُمَا یَنْفِیَانِ ألْفَقْرَ وَ یَرْحَضَانِ (4) الذَّنْبَ، وَصِلَهُ الرَّحِمِ فَإِنَّهَا مَثْرَاهٌ فِی الْمالِ، وَ مَنْسَأَهٌ (5) فِی الأَجَلِ؛ وَ صَدَقَهُ السِّرِّ فَإِنَّهَا تُکَفِّرُ الْخَطِیئَهَ؛ وَ صَدَقَهُ الْعَلانِیَهِ فَإِنَّهَا تَدْفَعُ مِیتَهَ

ص: 12


1- الميزان 5: 362
2- أي أعلاه
3- أي الطريقة أو الشريعة.
4- أي يغسلان.
5- أي مطال فيه و مزيد.

السُّوءِ؛ وَ صَنَائِعُ الْمَعرُوفِ فَإِنَّهَا تَقِی مَصَارِعَ الْهَوَانِ﴾ (1)

و من المعلوم أنّ الإيمان غير الطاعات، و لذلك جعله ممّا توسّل به و لا خصوصيّة في الإيمان بالله و رسوله، إذ معرفة الائمّة علیهم السلام و مودّتهم و نحوهما تكون من الايمان كذلك، و المقصود من التوسّل بالإيمان بالله و الرسول و الولاية و المعاد أنّ أصله وازدياده يوجب قرب المتوسّل إلى الله تعالى، و هو أمر مرغوب عند الشارع، و له أهميّة خاصّة.

بل الظاهر من كتاب (تفسير القرآن و العقل) هو شمول الآية الكريمة للمنصوبين من قبل الأئمة علیهم السلام ، کالفقهاء في زمان الغيبة أيضاً، فإنّهم وسيلة إلى التوسّل إلى الله تعالى و لا بأس بذلك، لأنّهم ممّا يتقرّب بهم إلى الله تعالى بسبب نصب الائمّة لهم.

نعم إن الفقهاء في طول الائمّة علیهم السلام، لا في عرضهم، و تشملهم الآية بعد قيام أدلّة الانتصاب و النيابة، حيث قال في ذيل الآية الكريمة: خطاب لأهل الإيمان بالتقوى و صيرورة الإيمان العلميّ عيناً، فيعاين له أنّ الحافظ من تمام الشرور هو الله كما ذكرنا مراراً أو أمر بالخوف من الله حتّى يأتوا بالواجبات و يتركوا المحرّمات، و بابتغاء الوسيلة و هو الوسيلة إلى التوسّل أي الله بأىّ نحو كان مرضيّاً له من الأعمال - فعلاً و تركاً - و الأخلاق ثبوتاً و نفياً.

و على ما ذكرنا يحتمل أن يكون المراد وَ صِلُّوا حبلكم بالواسطة، إذ

ص: 13


1- نهج البلاغة: الخطبة 110؛ ج 1 ص 215 ، خطبة 106، ، شرح محمد عبده

ليس لكلّ أحد أن يتصل بالله من دون الواسطة، فلو أراد أحد لا يكون من شأنه ذلك أن يتّصل من دون الواسطة يهوي و يسقط لما ذكرنا سابقاً من بطلان الطفرة. فالاتّصال بحبل النبي صلی الله علیه و آله، و الوصيّ صلی الله علیه و آله يكون لازماً، بل في زمن الغيبة يكون الاتّصال بحبل المنصوبين، لأن يتّصل الحبل إليهم يكون لازماً ... إلخ (1)

فتحصّل أنّ الآية الكريمة تدلّ على لزوم رعاية أمرين في الفلاح أحدهما التقوى، و ثانيهما ابتغاء الوسيلة بمعناها العام، فقوله: ﴿ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ﴾ (2) من باب ذكر العامّ بعد الخاصّ، كما أن قوله: ﴿ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ ﴾ من باب ذكر الخاصّ بعد العامّ. فابتغاء الإمام لتحصيل الأحكام و غيرها من الأمور ابتغاء ،الوسيلة، كما أنّ ذكرهم في مقام طلب الحاجات أيضاً ابتغاء الوسيلة، فالمراد واضح، و هو مطلوبيّة تحصيل ما يتقرّب إلى الله بجميع أنحائه

ثمّ إنّ الأمر بابتغاء الوسيلة إليه تعالى لا يختصّ بطائفة دون طائفة، بل يعمّ جميع الطوائف و الأحاد؛ لأنّ الكلّ يحتاجون إلى ذلك، إمّا لما يجدون في أنفسهم من التقصير و القصور، و إما لاحتياجهم في سلوك الطريق الأعلى. بل أخذ معالم الدين لا يمكن بدون الواسطة، فالكلّ محتاجون إلى ابتغاء

ص: 14


1- القرآن و العقل 1: 384 - 385
2- المائدة : 35

الوسيلة من جهة أو جهات، كما يشهد له ما ورد عن الائمّة علیهم السلام من: ﴿ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی الله علیه و اله آخَذَ بِحُجْزَهِ رَبِّهِ وَ نَحْنُ آخِذُونَ بِحُجْزَتِهِ وَ أنتُم آخذونَ بِحُجْزَتِنا﴾ (1)

و اعلم أنّ ابتغاء الوسيلة إليه تعالى يرجع إلى أخذ المقرّب إليه، فكلّ شيء ينا في التقرب إليه تعالى منفيّ بنفي الموضوع، فلا يشمل عبادة الوسيلة لأنّ عبادتها منافية للتقرّب إلى الله تعالى، إذ بالشرك لا يتقرّب أحد إلى الله الواحد الأحد الصمد، فمن ابتغى وسيلة للتقرّب إليه تعالى ابتعد عمّا ينافي ذلك؛ لأنّه أخذ بالوسيلة للتقريب لا للتبعيد.

ثم إن التوسّل بالمعنى المصطلح من مصاديق ابتغاء الوسيلة من دون فرق بين أن يقول المتوسّل : أتوسّل به إلى الله، أو أتوجّه به إليه، أو أتشفّع، أو أقدّمه بين يدي حاجتي، و أن يقول: أسألك بفلان، أو بحق فلان، أو بحقّه

ص: 15


1- التوحيد : ج 1: 165 و انظر الأحاديث التي تليه جماعة المدرّسين - قم؛ المحاسن : 182 و 179 و انظر الأحاديث التي تليه، دار الكتب الإسلاميّة - قم الميزان 5: 362 (ط طهران)؛ إحقاق الحقّ 5: 94 - 96؛ و فيه: فتأخذ بحجزتي و أهل بيتك يأخذون بحجزتك و شيعتك يأخذون بحجزة أهل بيتك - إحقاق الحقّ 7: 175 و فيه عن رسول الله صلی الله علیه و آله أنه قال: يا علي إذا كان يوم القيامة أخذت بحجزة الله و أخذت أنت بحجزتي و أخذ ولدك بحجزتك، و أخذ شيعة ولدك بحجزتهم، فترى أين يؤمر بنا؟! - إحقاق الحقّ 504:18 و فيه: و أهل بيته يأخذون بحجزة نبيّهم صلی الله علیه و آله و إن شيعتهم يأخذون بحجزهم يوم القيامة.

عليك، أو بجاهه عندك، أو ببركته أو بحرمته عندك، و أن يقول: أقسمت عليك، أو أقسم عليك بفلان، أو نحو ذلك، و أن يقول لوليّ الله تعالى: أسألك أن تستغفر لي أو تشفع لي؛ إذ كلّها تؤول إلى شيء واحد، و هو جعله وسيلة و واسطة بينه و بين الله تعالى لما له من المنزلة عنده تعالى و الكرامة لديه و هو ابتغاء الوسيلة إليه تعالى و ليس فيها عبادة غير الله تعالى حتّى يكون ذلك شركاً في العبادة، كما ليس فيها توهّم الاستقلال حتّى يكون شركاً ذاتيّاً، أو شركاً أفعاليّاً

2 - قوله تعالى: ﴿ وَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَ لَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَ اسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾ (1)

و في جوامع الجامع: كان بين رجل من المنافقين و بين رجل من اليهود خصومة، فقال اليهوديّ: أحاكم إلى محمّد صلی الله علیه و آله: لأنّه علم أنّه لا يقبل الرشوة، و قال المنافق: بل بيني و بينك كعب بن الأشرف، فنزلت: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَ مَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَ قَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَ يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا * وَ إِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَ إِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ

ص: 16


1- النساء: 64

يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا ﴾ (1) .(2)

و قوله تعالى ﴿وَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ﴾ ... الآية، ناظر إليهم، و ردّ عليهم في التحاكم إلى الطاغوت، و الإعراض عن الرسول، فإنّ الواجب هو الرجوع إلى الرسول و إطاعته في حكمه، فالتخلّف عنه ذنب لا يغفر إلّا بتوبة المتخلّفين مع مجيئهم إلى رسول الله و الاعتذار منه و الاستدعاء منه للاستغفار لهم، و ذلك ليس إلّا التوسّل و الاستشفاع.

و قال الزمخشريّ في الكشّاف: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ﴾ بالتحاكم إلى الطاغوت ﴿جَاءُوكَ﴾ تائبين من النفاق متنصّلين عمّا ارتكبوا ﴿فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ ﴾ من ذلك بالإخلاص و بالغوا في الاعتذار إليك من إيذائك بردّ قضائك حتّى انتصبت شفيعاً لهم إلى الله و مستغفراً ﴿ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا﴾ (3)

و من المعلوم أنّ الإعراض عن الرسول ذنب عظيم يحتاج مضافاً إلى توبة المعرضين و الاعتذار من الرسول صلی الله علیه و آله إلى وساطة الرسول صلی الله علیه و آله بالاستغفار لهم، و لعلّ مخالفة الإمام المعصوم علیه السلام أيضاً كذلك، كما يشهد له ما رواه في الكافي بسند صحيح عن عبد الله بن النجاشيّ، عن أبي عبد الله علیه السلام في قوله تعالى: ﴿ جاء وك فاستغفروا الله﴾ .... حيث قال: يعني - و الله -

ص: 17


1- النساء: 61 - 60.
2- جوامع الجامع 1: 266
3- الكشّاف 1: 528

النبيّ صلی الله علیه و آله و عليّاً » (1)

و هذه الوساطة و التوسّل إذا كانت نافعة في غفران المخالفة لرسول صلی الله علیه و آله مع ما فيها من القبح تكون كذلك في غيرها بطريق أولى، و لذلك ورد في الصحيح عن أبي عبد الله علیه السلام قال: إذا دخلت المدينة فاغتسل قبل أن تدخل أو حين تدخلها، ثمّ تأتي قبر النبي صلی الله علیه و آله- إلى أن قال علیه السلام - : اللّهمّ إنّك قلت: ﴿ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَ اسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾، و إنّي أتيت نبيّك مستغفراً تائباً من ذنوبي، و إنّي أتوجّه بك إلى الله ربّي و ربّك ليغفر لي ذنوبي (2) و تؤیّده روايات أخرى ستأتي الإشارة إليها.

و كيف كان فالآية تدلّ على وجوب التوسّل في مورد المخالفة للرسول صلی الله علیه و آله ، و يستفاد منه مشروعيّته في سائر الموارد بمفهوم الأولويّة. و التوسّل لو كان شركاً لما أوجبه الشارع؛ إذ الشرك يأبى عن الاستثناء، كما أنّ الظلم يأبى عن الاستثناء، فإذا كان التوسّل بالنبيّ صلی الله علیه و آله مشروعاً كان کذلك فى حقّ أهل البيت علیهم السلام لقيامهم مقامه بالنصوص المتواترة، و منها قوله صلی الله علیه و آله: و من كنت وسيلته إلى الله تعالى فعليّ وسيلته إلى الله عزّوجلّ.(3)

ص: 18


1- الكافي 8: 334: 0526
2- كنز الدقائق 3: 456 (ط تهران)
3- بحار الأنوار 37: 224

3- قوله تعالى: ﴿ قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَ أَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ * قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَ هَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَ يَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَ إِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ * قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَ هُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ (1)

إذ قول يوسف - على نبيّنا و آله و عليه السلام - ﴿ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَ هُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ بعد اعترافهم بذنبهم و قبح ما فعلوا، و تقدّم يوسف عليهم ظاهر في وساطته لهم للمغفرة ، كما أنّ اعترافهم بالتقصير في محضر يوسف و بعلوّ مقامه لعلّه ظاهر في توسّلهم به لعفوه و وساطته، و ليس هذا إلّا التوسّل بمن يتقرّب إلى الله.

4- قوله تعالى: ﴿ قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ * قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾(2)

دلالة هذه الآية على التوسّل واضحة؛ لأنّ إخوة يوسف بعد كشف تقصيراتهم طلبوا من أبيهم الاستغفار لهم مع الاعتراف بكونهم مذنبين فوعدهم أبوهم بالاستغفار في وقت خاصّ، و ليس ذلك إلّا التوسّل و ابتغاء الوسيلة.

ص: 19


1- يوسف: 89 - 92
2- یوسف: 97 - 98

روى العيّاشي في تفسيره عن محمّد بن أبي عمير، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله علیه السلام في قوله: ﴿ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ ربّی﴾ فقال: أخرّهم إلى السحر، قال: يا ربّ إنّما ذنبهم فيما بيني و بينهم. فأوحى الله: إنّي قد غفرت لهم. (1)

5 - قوله تعالى:﴿ فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ (2)

قال في الميزان: التلقّی هو التلقنّ، و هو أخذ الكلام مع فهم وفقه، و هذا التلقّي كان هو الطريق المسهّل لآدم علیه السلام توبته.

و من ذلك يظهر أنّ التوبة توبتان: توبة من الله تعالى و هي الرجوع إلى العبد بالرحمة و توبة من العبد و هي الرجوع إلى الله بالاستغفار و الانقلاع من المعصية.

و توبة العبد محفوفة بتوبتين من الله تعالى فإنّ العبد لا يستغنى عن ربّه في حال من الأحوال، فرجوعه عن المعصية إليه يحتاج إلى توفيقه تعالى و إعانته و رحمته حتّى يتحقّق منه التوبة، ثم تمسّ الحاجة إلى قبوله تعالى و عنايته و رحمته فتوبة العباد إذا قبلت كانت بين توبتين من الله، كما يدلّ عليه قوله تعالى: ﴿ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا﴾ (3).(4)

المكتبة التخصصية للرد على الوهابية

ص: 20


1- تفسير العيّاشيّ 2: 196: 80
2- البقرة: 37.
3- التوبة : 119
4- الميزان 1: 133.

قال في آلاء الرحمن: التلقّي هنا أخذ آدم للكلمات من الله باستقبال و قبول و تعلّم و عمل، و مقتضى السياق هو أنّ آدم ندم على مخالفة الله في أمره الإرشادي و أراد التوبة و الرجوع إلى مقام الأولياء المتّبعين لإرشاد الله تعالى في العمل و الترك، و صار يحاول الوسائل التى يتوب الله بها عليه فيعلّمه الله كلمات توقفه في مقام المنيبين و تعرّفه فضيلة ذوي الفضل.(1)

قا ل في الميزان: و أمّا أنّ هذه الكلمات ما هي؟ فربّما يحتمل أنّها هي ما يحكيه الله تعالى عنهما في سورة الأعراف بقوله: ﴿ قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَ إِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَ تَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ (2) إلا أنّ وقوع هذه الكلمات أعنى قوله: ﴿ قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا﴾.... الآية قبل قوله: ﴿قالَ اهْبِطُوا﴾ (3) في سورة الأعراف: و وقوع قوله : ﴿ فَتَلَقَّى آدَمُ...﴾. الآية بعد قوله: ﴿ قُلْنَا اهْبِطُوا﴾ (4) فى هذه السورة لا يساعد عليه. (5)

فالمراد من الكلمات بحسب الآيات غير معلوم. نعم استفاضت الأخبار من طرق الفريقين على أنّ المراد من الكلمات أسماء أصحاب الكساء علیهم السلام ، و لا ينافيها روايات أخرى تدلّ على أنّ المراد منها هو الدعاء

ص: 21


1- آلاء الرحمن 1: 87
2- الأعراف: 23.
3- الأعراف: 24.
4- البقرة : 36 .
5- الميزان 1: 133، ط الأعلميّ.

كما في آلاء الرحمن حيث قال: لا منافاة بين روايات الدعاء و روايات الاستشفاع بأهل البيت علیهم السلام، لجواز الجمع بينها (1)

و قال في كنز الدقائق بعد ما روى بعض روايات الدعاء: و لا ينافي ما تقدّم؛ لإمكان الجمع، و كون تلك الكلمات للتحميد و التمجيد و الاعتراف و الكلمات السابقة لإيجاب المغفرة و استحقاق المثوبة. (2)

و ذهب في الميزان إلى أنّ المراد من الكلمات» هي الأسماء التي علّمها الله آدم، و قال: و أنها موجودات عالية مغيبة في غيب السماوات و الأرض، و وسائط فيوضاته لما دونها، لا يتمّ كمال لمستكمل إلّا ببركاتها، و قد ورد في بعض الأخبار أنّه رأى أشباح أهل البيت و أنوارهم حين علّم الأسماء، و ورد أنه رآها حين أخرج الله ذرّيّته من ظهره - إلى أن قال : و ورد في القرآن إطلاق «الكلمة» على الموجود العينيّ صريحاً في قوله: ﴿ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ﴾ (3)

و كيف كان فالآية دالة على توسل آدم علیه السلام بالأئمّة علیهم السلام، إمّا بذكر أسمائهم عند الدعاء، أو بمعرفة وجود أهل البيت علیهم السلام و خضوعه لهم، و لعلّ التوسّل بذكر أسمائهم في الدعاء من آثار معرفته بهم، بل هنا أخبار كثيرة دالّة على توسّل الأنبياء و الرسل بهم في الأحوال المختلفة.

ص: 22


1- آلاء الرحمن 1: 87
2- كنز الدقائق 1: 385
3- آل عمران: 45 وانظر الميزان 1: 148 - 149 (ط الأعلمي).

و قد خصّص العلّامة المجلسيّ قدس سرّه باباً في البحار أورد فيه روايات تتضمّن توسّل و استشفاع الأنبياء بهم صلوات الله عليهم، و قال في آخر الباب: أقول: قد مضى في أبواب أحوال الأنبياء علیهم السلام أخبار كثيرة في ذلك(1)

6- قوله تعالى: ﴿ سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَ أَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ...﴾ الآية (2)

بتقريب أنّ الآية تدلّ على جواز التوسّل بالنبيّ صلی الله علیه و آله لتحصيل المغفرة لأنه أمر شائع عند الأعراب فضلاً عن غيرهم، و الآية لم تردع ذلك ، و إنّما اعترض عليهم بأنهم يقولون ما ليس في قلوبهم، يعني أنهم لم يقولوا ذلك بجدّ.

7- قوله تعالى: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ اسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِنَاتِ وَ اللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَ مَثْوَاكُمْ﴾ (3)

بتقريب أنّ الآية تدلّ على أمره تعالى بالاستغفار للمؤمنين، و هو ليس إلّا التوسيط في حقّهم، فافهم.

إلى غير ذلك من الآيات.

ص: 23


1- بحار الأنوار 26: 319 ، باب 7.
2- الفتح: 11.
3- سورة محمّد .19

ثانياً - الروايات:

اشارة

و لا يخفى أيضاً أنّ الروايات الدالّة على مشروعيّة التوسّل بالأنبياء و الأولياء و أهل البيت علیهم السلام متواترة، و ذكرتها العامّة و الخاصّة في جوامع الحديث و التفاسير، و نحن نذكر نبذة منها:

القسم الأوّل - روايات العامة:

اشارة

و هي على طوائف:

الف- الروايات الدالة على أن النبيّ صلی الله علیه و آله و أهل البيت علیهم السلام هم الوسيلة:

منها: ما رواه القندوزيّ في ينابيع المودّة عن كتاب مودّة القربى عن عليّ كرّم الله وجهه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم : الائمّة من ولدي من أطاعهم فقد أطاع الله، و من عصاهم فقد عصى الله، هم العروة الوثقى و الوسيلة إلى الله عزّ وجلّ (1)

و منها: ما رواه في مرآة المؤمنين عن الديلميّ مرفوعاً عن النبيّ صلی الله علیه و آله: من أراد التوسّل إليّ و أن يكون له عندي يد أشفع له بها يوم القيامة فليصل أهل بيتي و يدخل السرور عليهم. (2)

ص: 24


1- إحقاق الحقّ 13: 75 عن ينابيع المودّة 2: 318 و مودّة القربى: 99 (ط لاهور) على ما في إحقاق الحقّ 18 : 504 و انظر البحار 37: 87
2- إحقاق الحقّ 9: 424 و 18 : 531 - 530 رواه عن مرآة المؤمنين للشيخ وليّ الله اللكهنوئيّ: 7 و عن بغية المسترشدين: 296 (ط مصر) و عن مفتاح النجا: 109 المخطوط و ينابيع المودّة :2: 379 و الشرف المؤبّد: 114 و غيرهم.

و منها: ما رواه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة عن فاطمة الزهراء سلام الله عليها أنّها قالت في ضمن خطبتها أمام أبي بكر و المهاجرين و الأنصار: فاتقوا الله حقّ تقاته و أطيعوه فيما أمركم به، فإنّما يخشى الله من عباده العلماء، واحمدوا الله الذي لعظمته و نوره يبتغي من في السموات و الأرض إليه الوسيلة، و نحن وسيلته في خلقه، و نحن خاصّته و محلّ قدسه و نحن حجّته في غيبه، و نحن ورثة أنبيائه ...الخطبة (1)

ب- الروايات الدالّة على أنّهم من حجز الله:

منها: ما رواه في وسيلة المآل عن إبراهيم شيبة الأنصاريّ قال: جلست إلى الأصبغ بن نباتة قال: ألا أقرئك ما أملاه عليّ عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه؟ فأخرج صحيفة فيها مكتوب: بسم الله الرحمن الرحيم: هذا ما أوصى به محمّد صلی الله علیه و آله و أهل بيته و أمّته، و أوصى أهل بيته بتقوى الله و لزوم إطاعته، و أوصى أمّته بلزوم أهل بيته، و أهل بيته يأخذون بحجزة نبيّهم صلی الله علیه و آله و أنّ شيعتهم يأخذون بحجزهم يوم القيامة و أنّهم لن يُدخلوكم باب خلاف، و لن يُخرجوكم من باب هدى(2)

و منها: ما رواه الخوارزميّ في مناقبه بالإسناد عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم أنّه قال: يا عليّ إذا كان يوم القيامة أخذت بحجزة الله و أخذت أنت بحجزتي

ص: 25


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 16: 211
2- إحقاق الحقّ 18: 504 عن وسيلة المآل للشيخ صفيّ الشافعيّ: 59

و أخذ ولدك بحجزتك و أخذ شيعة ولدك بحجزتهم، فترى أين يؤمر بنا؟! (1)

و منها: ما رواه ابن حسنويه الحنبليّ في درّ بحر المناقب بالإسناد إلى الأصبغ بن نباتة: لما ضرب أمير المؤمنين علیه السلام الضربة التي كانت و فاته فيها ... ثمّ أغمي عليه علیه السلام ثمّ أفاق فقال لي: أقاعد أنت يا أصبغ ؟

فقلت: نعم يا مولاي.

قال: أزيدك حديثاً آخر؟

قلت: نعم زادك الله مزيد كلّ خير.

قال: يا أصبغ لقيني رسول الله صلی الله علیه و آله في بعض طرقات المدينة و أنا مغموم قد تبيّن الغمّ في وجهي ، فقال لي النبيّ صلی الله علیه و آله : أراك مغموماً، ألا أحدّثك بحديث لا تغتمّ بعده أبداً؟ قلت: نعم. قال: إذا كان يوم القيامة نصب الله منبراً يعلو منابر النبييّن و الشهداء، ثمّ يأمرني الله فأصعد فوقه، ثمّ يأمرك الله يا عليّ أن تصعد دوني بمرقاة، ثمّ يأمر الله ملكين يجلسان دونك بمرقاة، فإذا استقللنا على المنبر لا يبقى أحد من الأوّلين و الآخرين إلّا يرانا، فنادى الملك الذي دونك بمرقاة: معاشر الناس من عرفني فقد عرفني و من لم يعرفني فأنا أعرّفه إيَّاي، أنا رضوان خازن الجنان، ألا إنّ الله بمنّه و فضله و جلاله أمرني

ص: 26


1- إحقاق الحقّ 7: 175 عن مناقب الخوارزميّ ،296، (ط تبريز) و إحقاق الحقّ 9: 509 عن مقتل الحسين: 106، (ط نجف) للعلّامة أبي المؤيّد موفّق بن أحمد، بحار الأنوار 68: 134 و 104 ، نقله عن صحيفة الرضا: 92 - 93 ، ح 20 أمالي الشيخ المفيد: 6، مع تفاوت يسير.

أن أدفع مفاتيح الجنّة إلى محمّد صلی الله علیه و آله و أنّ محمّداً قد أمرني أن أدفع إلى عليّ رضي الله عنه، فاشهدوا لي عليه، ثمّ يقوم ذلك الملك الذي تحت ذلك الملك بمرقاة و قام منادياً يسمع أهل الموقف! معاشر المسلمين من عرفني فقد عرفني، و من لم يعرفني فأنا أعرّفه إيَّاي، فأنا مالك خازن النيران ألا إنّ الله بفضله و منّه و كرمه أمرني أن أدفع مفاتيح النار إلى محمّد صلی الله علیه و آله، و قد أمرني أن أدفع إلى عليّ فاشهدوا لي عليه.

فتأخذ مفاتيح الجنّة و النار فتأخذ بحجزتي و أهل بيتك يأخذون بحجزتك و شيعتك يأخذون بحجزة أهل بيتك.

قال: فصفقت بكلتا يديّ و قلت: إلى الجنّة يا رسول الله؟ قال: إي و ربّ الكعبة. (1)

ج- الروايات الدالّة على التوسّل بمحبّتهم و مودّتهم:

منها: ما رواه في مودّة القربى عن جابر بن عبدالله الأنصاريّ قال: كان رسول الله صلی الله علیه و آله يقول توسّلوا بمحبّتنا إلى الله و استشفعوا بنا، فإنّ بنا تكرّمون و بنا تحيون و بنا ترزقون، فإذا غاب منّا غائب فحبّونا أمناؤنا غداً كلّهم في الجنّة (2)

و منها: ما رواه القندوزيّ في ينابيع المودّة عن جابر عن

ص: 27


1- إحقاق الحقّ 5: 94 - 96 عن «درّ بحر المناقب»: 86 المخطوط و بحار الأنوار 40: 45 - 46 نقله عن الروضة: 22 و 23.
2- إحقاق الحقّ 18 : 521 عن مودّة القربي: 31 ط لاهور.

رسول الله صلی الله علیه و آله: قال توسّلوا بمحبّتنا إلى الله تعالى واستشفعوا بنا، فإنّ بنا تكرّمون و بنا تحيون و بنا ترزقون فمحبّونا أمثالنا غداً كلّهم في الجنّة. (1)

د-الروايات الدالّة على التوسّل بالنبيّ صلى الله عليه و آله و سلم في حياته و مماته:

منها: ما رواه البيهقيّ - كما في خلاصة الكلام - عن أنس: أنّ أعرابيّاً جاء إلى النبي صلی الله علیه و آله يستسقی به وأنشد:

أتيناك و العذراء تُدمى لبانُها *** و قد شُغِلَتْ أُمّ الصبيّ عن الطفل

إلى أن قال:

و ليس لنا إلّا إليك فرارنا *** و أين فرار الخلق إلّا إلى الرسل

قال أنس: لما أنشده الأبيات قام يجرّ رداءه حتّى رقى المنبر فخطب و دعا لهم ، فلم يزل يدعو حتّى أمطرت السماء و هو على المنبر.(2)

و منها: ما رواه في كنز العمّال عن علىّ أمير المؤمنين علیه السلام قال: قدم علينا أعرابيّ بعد ما دفّنا رسول الله صلی الله علیه و آله بثلاثة أيّام، فرمى بنفسه على قبر النبيّ صلی الله علیه و آله وحثا من ترابه على رأسه و قال: يا رسول الله قلت فسمعنا قولك، و وعيت عن الله سبحانه فوعينا عنك، و كان فيما أنزل عليك: ﴿ وَ لَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَ اسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾ (3) و قد ظلمت وجئتك تستغفر لي، فنودي من القبر: قد غفر

ص: 28


1- إحقاق الحقّ 9: 422 عن ينابيع المودّة: 2: 266، ح 754
2- دلائل النبوّة للبيهقي 6: 141، دار الكتب العلميّة.
3- النساء: 64.

لك (1)

و منها: ما رواه البيهقيّ و ابن أبي شيبة و غيرهم من أنّ الناس أصابهم القحط في خلافة عمر بن الخطّاب، فجاء بلال بن الحارث و كان من أصحاب النبيّ صلی الله علیه و آله إلى قبر النبيّ صلی الله علیه و آله و قال: يا رسول الله استسق لأمّتك ... فإنّهم قد هلكوا. فأتاه رسول الله صلی الله علیه و آله في المنام و أخبره أنّهم سيسقون(2)

ه-الروايات الدالّة على التوسّل بهم في الدعاء و قضاء الحوائج:

منها: ما رواه في «درّ بحر المناقب» بالإسناد يرفعه إلى ابن مسعود قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله : ﴿ لَمَّا خَلَقَ اَللَّهُ آدَمَ سأل ربّه أَنْ یُرِیَهُ ذُرِّیَّتَهُ مِنَ اَلْأَنْبِیَاءِ وَ اَلْأَوْصِیَاءِ وَ اَلْمُقَرَّبِینَ إِلَی اَللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ، فَأَنْزَلَ اَللَّه صَحِیفَهً فَقَرَأَهَا کَمَا عَلَّمَهَا اَللَّهُ تعالى إِلَی أَنِ اِنْتَهَی إِلَی مُحَمَّدٍ اَلنَّبِیِّ اَلْعَرَبِیِّ صَلَّی اَللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ. فَوَجَدَ عِنْدَ اِسْمِهِ عَلِیَّ بْنَ أَبِی طَالِبٍ عَلَیْهِ اَلسَّلاَمُ. فَقَالَ آدَمُ: و هَذَا نَبِیٌّ بَعْدَ مُحَمَّدٍ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ نبيّ، فَهَتَفَ إِلَیْهِ هَاتِفٌ یَسْمَعُ صَوْتَهُ وَ لاَ یَرَی شَخْصَهُ: هَذَا وَارِثُ عِلْمِهِ وَ زَوْجُ اِبْنَتِهِ وَ وَصِیُّهُ وَ أَبُو ذُرِّیَّتِهِ فَلَمَّا وَقَعَ آدَمُ فِی اَلْخَطِیئَهِ فَجَعَلَ یَتَوَسَّلُ إِلَی رَبِّهِ فيتوسّل إِلَى اللَّهِ بِعَلِيٍّ وَ ذُرِّيَّتِهِ علیهم السَّلَامُ ، فَتَابَ عَلَیْهِ.﴾ (3)

و منها: ما رواه الترمذيّ و النسائيّ و البيهقيّ و الطبرانيّ بإسناد صحيح

ص: 29


1- التبرّك لآية الله الأحمديّ: 147 نقله عن كنز العمّال 2: 385 - 386، ح 4322 و كنز العمّال 4: 258 - 259، ح 10422.
2- التبرّك لآية الله الأحمديّ: 148
3- إحقاق الحقّ 4: 91 و درّ بحر المناقب: 114 المخطوط.

عن عثمان بن حنيف و هو صحابيّ مشهور: أنّ رجلاً ضرير البصر أتى النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم فقال: أدع الله لي أن يعافيني. فقال: إن شئت دعوت و إن شئت صبرت فهو خير لك. قال: فادعه. فأمره أن يتوضّأ فيحسن وضوءه و يدعو بهذا الدعاء: اللّهمّ إنّي أسألك و أتوجه إليك بنبيّك محمّد نبيّ الرحمة يا محمّد إنّي توجّهت بك إلى ربّي من حاجتي لتقضى لي، اللّهمّ شفّعه فيّ، فقام و قد أبصر (1)

و منها: ما رواه الحموينيّ في فرائد السمطين عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال: لما خلق الله تعالى أبا البشر و نفخ فيه من روحه التفت آدم يمينة العرش فإذا نور خمسة أشباح سجّداً و ركّعاً قال آدم: يا ربّ هل خلقت أحداً من طين قبلي؟ قال: لا يا آدم. قال: فمن هؤلاء الخمسة الذين أراهم في هيئتي و صورتي؟ قال: هؤلاء خمسة من ولدك شققت لهم خمسة أسماء من أسمائي.

لولاهم ما خلقت الجنّة و النار و لا العرش و لا الكرسيّ و لا السماء و لا الأرض و لا الملائكة و لا الإنس و لا الجنّ.

فأنا المحمود و هذا محمّد، و أنا العالي و هذا عليّ، و أنا الفاطر و هذه فاطمة، و أنا الإحسان و هذا الحسن، و أنا المحسن و هذا الحسين.

آليت بعزّتي أنّه لا يأتيني بمثقال حبّة من خردل من بغض أحدهم إلّا أدخلته ناري و لا أبالي يا آدم هؤلاء صفوتي بهم أنجيهم و بهم أهلكهم ، فإذا

ص: 30


1- سنن الترمذّي 5: 569 ، ح 3578 ، دار إحياء التراث العربيّ - بيروت المعجم الكبير للطبرانيّ 9: 31 ح 8311، دار إحياء التراث العربيّ - بيروت

كان لك حاجة فبهؤلاء توسّلي (توسّل ظ).

فقال النبيّ : ﴿ نَحْنُ سَفِینَةُ النَّجَاةِ مَنْ تَعَلَّقَ بِهَا نَجَا وَ مَنْ حَادَّ عَنْهَا هَلَکَ فَمَنْ کَانَ لَهُ إِلَی اللَّهِ حَاجَةٌ فَلْیَسْأَلْ بِنَا أَهْلِ الْبَیْتِ ﴾ (1)

و منها: ما رواه السمهوديّ في وفاء الوفاء عن أنس بن مالك قال: لما ماتت فاطمة بنت أسد دخل عليها رسول الله فجلس عند رأسها فقال: رحمك الله يا أُمّي بعد أُمّي و ذكر ثناءه عليها و تكفينها ببرده. قال: ثمّ دعا رسول الله صلی الله علیه و آله اسامة بن زيد و أبا أيّوب الأنصاريّ و عمر بن الخطّاب و غلاماً أسود يحفرون، فحفروا قبرها، فلمّا بلغوا اللحد حفره رسول الله بيده و أخرج ترابه بیده، فلمّا فرغ دخل رسول الله صلی الله علیه و آله فاضطجع فيه ثمّ قال: الله الذي يحيي و يميت و هو حيّ لا يموت اغفر لأمّي فاطمة بنت أسد و وسّع عليها مدخلها بحق نبيّك و الأنبياء الذين من قبلي ... الحديث (2)

و غير ذلك ممّا ورد في جوامع العامّة (3)

القسم الثاني: روايات الخاصة

اشارة

فهي كثيرة جدّاً و قد أورد العلّامة المجلسيّ رحمه الله جملة منها في كتابه بحار الأنوار تربو على الخمسمئة رواية و كيف كان فهى أيضاً على طوائف:

ص: 31


1- إحقاق الحقّ 9: 203 عن الحموينيّ في فرائد السمطين 1: 36 - 37 و عن أرجح المطالب: 461 ط لاهور.
2- کشف الارتیاب: 312 عن وفاء الوفاء 4 - 3: 898 - 899
3- الدرّ المنثور 1 : 59

الف- الروايات الدالّة على أنّ الأئمّة علیهم السلام هم الوسيلة:

منها: ما رواه الصدوق فى العيون عن الرضا علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله صلی الله علیه و آله : ﴿ اَلْأَئِمَّهُ مِنْ وُلْدِ اَلْحُسَیْنِ علیه السلام، مَنْ أَطَاعَهُمْ فَقَدْ أَطَاعَ اَللَّهَ، وَ مَنْ عَصَاهُمْ فَقَدْ عَصَی اَللَّهَ، هُمُ اَلْعُرْوَهُ اَلْوُثْقَی، وَ هُمُ اَلْوَسِیلَهُ إِلَی اَللَّهِ تَعَالَی﴾ (1)

و حذف المتعلّق يدلّ على العموم، فهم وسيلة في الفيوضات و إبلاغ الأحكام و إجابة الدعوات و رفع البلايا و غير ذلك.

و منها ما رواه الصفّار في بصائر الدرجات عن سلمان الفارسيّ، عن أمير المؤمنين علیه السلام في قول الله تبارك و تعالى: ﴿قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ﴾ (2) فقال: أنا هو الذي عنده علم الكتاب و قد صدّقه الله و أعطاه الوسيلة في الوصيّة لا يخلى الله من وسيلته إليه و إلى الله، فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ ابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ﴾ (3). (4)

و المستفاد منه أنّ الأمر بابتغاء الوسيلة من دون وجود الوسيلة لا يصدر عن الحكيم المتعال، فإذا صدر منه أمر بذلك فالوسيلة موجودة لا محالة في كلّ عصر و زمان.

ص: 32


1- نور الثقلين 1: 626
2- الرعد: 43.
3- المائدة: 35.
4- تفسير البرهان 1: 469 و بحار الأنوار 35: 432 و بصائر الدرجات 216، ح 21

و منها: ما رواه المجلسيّ في بحار الأنوار عن جابر عن رسول الله صلی الله علیه و آله: ... و نحن الوسيلة إلى الله و الوصلة إلى رضوان الله. (1)

و منها: ما ورد في دعاء الندبة: و جعلتهم الذرائع (2) اليك و الوسيلة إلى رضوانك (3)

و منها: ما رواه ابن شهر آشوب في مناقبه قال: قال أمير المؤمنين علیه السلام في قوله تعالى ﴿ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ﴾ : أنا وسيلته (4)

ب- الأدعية المأثورة التي تحتوي على التوسّل بالأئمّة علیهم السلام:

و لا يخفى عليك أنّ تلك الأدعية كثيرة جدّاً بحيث تزيد على حدّ التواتر:

منها: دعاء الندبة و دعاء التوسّل و دعاء أبي حمزة الثمالي و غيرها من الأدعية و الزيارات.

روى في البحار عن خصائص الأئمّة علیهم السلام عن أمير المؤمنين علیه السلام: ﴿ قُلِ اللَّهُمَّ إِنِّی أَتَوَجَّهُ إِلَیْكَ بِنَبِیِّكَ نَبِیِّ الرَّحْمَةِ وَ أَهْلِ بَیْتِهِ الَّذِینَ اخْتَرْتَهُمْ عَلی الْعالَمِینَ ﴾ (5)

ص: 33


1- بحار الأنوار 25 : 23
2- الشفعاء و الوسائل.
3- بحار الأنوار 104:102؛ مصباح الزائر، لابن طاووس: 446. طبع و تحقيق مؤسّسة آل البيت.
4- المناقب، لابن شهر آشوب 4: 431 ، تفسير البرهان 1: 469.
5- بحار الأنوار 41: 240 و الخرائج 2: 557، ط نجف.

و أيضاً روى في البحار عن رسول الله صلی الله علیه و آله أنّه قال في ضمن دعاء: و يقول: يا محمّد يا عليّ يا جبرئيل بكم أتوسّل إلى الله، ثمّ يسجد و يكرّر هذا القول و يسأل حاجته. (1)

و روى في الكافي عن داود الرقّيّ قال: إني كنت أسمع أبا عبد الله علیه السلام أكثر ما يلحّ به في الدعاء على الله بحقّ الخمسة يعني رسول الله و أمير المؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين صلوات الله عليهم. (2)

و غير ذلك من الأدعية و الزيارات المذكورة في البحار و غيره من كتب الأدعية و الزيارات.

ج-الروايات الدالّة على توسّل الأنبياء بأهل البيت علیهم السلام:

قال العلّامة المجلسىّ قدس سره روايات هذا الباب كثيرة و أورد ما يقرب على خمس عشرة رواية في فصل توسّلاتهم كما أشرنا إليه.

منها: ما رواه ابن بابويه في أماليه عن رجاله عن معمر بن راشد قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام يقول : ﴿أَتَى يَهُودِيٌّ النَّبِيَّ صلی الله علیه و آله فَقَامَ بَيْنَ يَدَيْهِ يَحُدُّ النَّظَرَ إِلَيْهِ فَقَالَ يَا يَهُودِيُّ مَا حَاجَتُكَ؟

قَالَ أَنْتَ أَفْضَلُ أَمْ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ النَّبِيُّ الَّذِي كَلَّمَهُ اللَّهُ وَ أَنْزَلَ عَلَيْهِ التَّوْرَاةَ وَ الْعَصَا وَ فَلَقَ لَهُ الْبَحْرَ وَ أَظَلَّهُ بِالْغَمَامِ؟

ص: 34


1- بحار الأنوار - 9: 295 جمال الاسبوع: لابن طاووس: 72
2- الكافى 2 : 580

فَقَالَ لَهُ النَّبِيّ صلي الله عليه و آله: إِنَّهُ يُكْرَهُ لِلْعَبْدِ أَنْ يُزَكِّيَ نَفْسَهُ وَ لَكِنِّي أَقُولُ: إِنَّ آدَمَ علیه السلام لَمَّا أَصَابَ الْخَطِيئَةَ كَانَتْ تَوْبَتَهُ أَنْ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ لَمَّا غَفَرْتَ لِي فَغَفَرَهَا اللَّهُ لَهُ وَ إِنَّ نُوحاً علیه السلام لَمَّا رَكِبَ فِي السَّفِينَةِ وَ خَافَ الْغَرَقَ قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ لَمَّا أَنْجَيْتَنِي مِنَ الْغَرَقِ فَنَجَّاهُ اللَّهُ مِنْة وَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ علیه السلام لَمَّا أُلْقِيَ فِي النَّارِ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ لَمَّا أَنْجَيْتَنِي مِنْهَا فَجَعَلَهَا اللَّهُ عَلَيْهِ بَرْداً وَ سَلَاماً وَ إِنَّ مُوسَى علیه السلام لَمَّا أَلْقَى عَصَاهُ وَ أَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ لَمَّا آمَنْتَنِي فَقَالَ اللَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ ﴿ لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى﴾ يَا يَهُودِيُّ إِنَّ مُوسَى لَوْ أَدْرَكَنِي ثُمَّلَمْ يُؤْمِنْ بِي وَ بِنُبُوَّتِي مَا نَفَعَهُ إِيمَانُهُ شَيْئاً وَ لَا نَفَعَتْهُ النُّبُوَّةُ يَا يَهُودِيُّ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي الْمَهْدِيُّ إِذَا خَرَجَ نَزَلَ عيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِنُصْرَتِهِ فَقَدَّمَهُ وَ صَلَّى خَلْفَهُ ﴾ (1)

قال في البحار :بيان: كلمة « لمّا » إيجابيّة بمعنى إلّا أي أسألك في كلّ حال إلّا حال حصول المطلوب، و هو إلحاح و مبالغة في السؤال

و منها: بالإسناد يرفعه إلى ابن عبّاس قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: ﴿ لَمّا نَزَلَتِ الخَطیئَةُ بِآدَمَ و اُخرِجَ مِنَ الجَنَّةِ،أتاهُ جَبرَئیلُ علیه السلام فَقالَ: یا آدَمُ ادعُ رَبَّکَ، قالَ:حَبیبی جَبرَئیلُ! ما أدعو؟ قالَ: قُل: یا رَبِّ أسأَلُکَ بِحَقِّ الخَمسَةِ الَّذینَ تُخرِجُهُم مِن صُلبی آخِرَ الزَّمانِ إلّا تُبتَ عَلَیَّ و رَحِمتَنی﴾ فَقَالَ لَهُ آدَم: یا

ص: 35


1- أمالي الصدوق: 181، ح 4 و بحار الأنوار 16: 366 و تفسير كنز الدقائق 1: 380.

جَبْرَئِیلُ سَمِّهِمْ لِی قَالَ: قُلْ اَللَّهُمَّ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ نَبِیِّکَ وَ بِحَقِّ عَلِیٍّ وَصِیِّ نَبِیِّکَ وَ بِحَقِّ فَاطِمَهَ بِنْتِ نَبِیِّکَ وَ بِحَقِّ اَلْحَسَنِ وَ اَلْحُسَیْنِ سِبْطَیْ نَبِیِّکَ إِلاَّ تُبْتَ عَلَیَّ فَارْحَمْنِی فَدَعَا بِهِنَّ آدَمُ فَتَابَ اَللَّهُ عَلَیْهِ وَ ذَلِکَ قَوْلُ اَللَّهِ تعالی ﴿ فَتَلَقّی آدَمُ مِنْ رَبِّهِ کَلِماتٍ فَتابَ عَلَیْهِ ﴾ (1) وَ مَا مِنْ عَبْدٍ مَکْرُوبٍ یُخْلِصُ اَلنِّیَّهَ وَ یَدْعُو بِهِنَّ إِلاَّ اِسْتَجَابَ اَللَّهُ لَهُ.﴾ (2)

و منها: ما رواه الصدوق في الخصال و العيون عن ابن عبّاس قال: سألت النبيّ صلی الله علیه و آله عن الكلمات التي تلقّاها آدم من ربّه فتاب عليه، قال: سأله بحقّ محمّد و عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين إلّا تبت علىّ فتاب الله عليه. (3)

و منها: ما رواه السبزواريّ في جامع الأخبار عن أبي عبد الله علیه السلام : ﴿فَلَمَّا أَرَادَ اَللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ أَنْ یَتُوبَ عَلَیْهِمَا جَاءَهُمَا جَبْرَئِیلُ فَقَالَ لَهُمَا: فَاسَألاَ رَبَّکُمَا بِحَقِّ اَلْأَسْمَاءِ اَلَّتِی رَأَیْتُمُوهَا عَلَی سَاقِ اَلْعَرْشِ حَتَّی یَتُوبَ عَلَیْکُمَا، فَقَالاَ: اَللَّهُمَّ إِنَّا نَسْألُکَ بِحَقِّ اَلْأَکْرَمِینَ عَلَیْکَ مُحَمَّدٍ وَ عَلِیٍّ وَ فَاطِمَهَ وَ اَلْحَسَنِ وَ اَلْحُسَیْنِ وَ اَلْأَئِمَّهِ إِلاَّ تُبْتَ عَلَیْنَا وَ رَحِمْتَنَا فَتَابَ اَللَّهُ عَلَیْهِمَا أَنَّهُ هُوَ اَلتَّوَّابُ اَلرَّحِیمُ.﴾ (4)

ص: 36


1- البقرة : 37.
2- تفسیر فرات الكوفيّ : 57 و تفسير كنز الدقائق 1: 380
3- بحار الأنوار 26: 324 و بحار الأنوار 26: 326 نقله عن الخصال 1-2: 270 و معاني الأخبار: 126 ، ح 1.
4- جامع الأخبار: 44 - 45 و بحار الأنوار 26: 322.

و غير ذلك من الأخبار (1)

قال الشيخ المفيد قدس سره: و قد روي أنّ أسماءهم كانت مكتوبة إذ ذاك على العرش و أنّ آدم علیه السلام لمّا تاب إلى الله عزّ وجلّ و ناجاه بقبول توبته سأله بحقّهم عليه و محلّهم عنده فأجابه. و هذا غير منكر في العقول و لا مضادّ للشرع المنقول، و قد رواه الصالحون الثقات المأمونون، و سلّم لروايته طائفة الحق، و لا طريق إلى إنكاره و الله وليّ التوفيق.(2)

د-الروايات الدالّة على التوسّل بمحبّتهم و مودّتهم:

منها: ما رواه الشيخ المفيد عن أنس بن مالك قال: كنت أنا و أبوذر و سلمان و زید بن ثابت و زيد بن أرقم عند رسول الله صلی الله علیه و آله إذ دخل الحسن و الحسين علیهما السلام فقبّلهما رسول الله صلی الله علیه و آله، و قام أبوذر فانكبّ عليهما و قبّل أيديهما ثمّ رجع فقعد معنا، فقلنا له سرّاً: يا أباذر أنت رجل شيخ من أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله و تقوم إلى صبيّين من بني هاشم فتنكبّ عليهما و تقبّل أيديهما. فقال: نعم لو سمعتم ما سمعت فيها من رسول الله صلی الله علیه و آله لفعلتم بهما أكثر ممّا فعلت فقلنا: و ماذا سمعت فيهما من رسول الله صلی الله علیه و آله يا أباذر؟ قال: سمعته يقول لعليّ و لهما: يا عليّ و الله لو أنّ رجلاً صام و صلّى حتّى يصير كالشنّ البالي إذاً ما تنفعه صلاته و لا صومه إلّا بحبّك يا عليّ، من توسّل إلى

ص: 37


1- راجع البحار 11: 172 و 26: 322 و 22: 324: 331
2- المسائل السروية (ضمن مصنِّفات الشيخ المفيد 7): 39 - 40

الله بحبّكم فحقّ على الله أن لا يردّه يا عليّ من أحبّكم و تمسّك بكم فقد تمسّك بالعروة الوثقی (1)

و من المعلوم أنّ محبّتهم دون مخالفيهم توجب تصحيح الخطوط الاعتقاديّة ،و العمليّة، إذ المحبّة تجذب المحبّ نحو المحبوب، فالمحبّة و التمسّك بهم من أوثق العرى التي تصون المتمسّك عن الضلالة و الغواية.

و هذا المعنى ممّا تعضده الروايات الكثيرة المختلفة:

و منها: ما رواه الصدوق في علل الشرائع عن الحسن بن عليّ علیهما السلام : ﴿ وَ لَولَا مُحَمَّدٌ وَ الأَوصِیَاءُ مِن وُلدِهِ کُنتُم حَیَارَی کَالبَهَائِمِ ، لَا تَعرِفُونَ فَرضاً مِنَ الفَرَائِضِ ، و َهَل تُدخَلُ قَریَهً إِلَا مِن بَابِهَا؟!﴾ (2)

و منها: ما رواه الطوسى فى أماليه عن المفيد عن محمّد بن المثنّى الأزديّ أنّه سمع أبا عبد الله علیه السلام يقول: نحن السبب بينكم و بين الله عزّ وجلّ. (3)

و منها: ما رواه الطبريّ في بشارة المصطفى عن أبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين علیهما السلام: قال : ﴿ مَنْ دَعَا اَللَّهَ بِنَا أَفْلَحَ وَ مَنْ دَعَاهُ بِغَیْرِنَا هَلَکَ وَ اِسْتَهْلَکَ .﴾ (4)

ص: 38


1- بحار الأنوار 36: 301 - 302
2- بحار الأنوار :23: 99 - 100 نقله عن علل الشرائع: 249
3- بحار الأنوار 23: 101
4- بحار الأنوار 23: 102 نقله عن بشارة المصطفى 5: 97، المطبعة الحيدرية - النجف.

و منها صحيحة زرارة عن أبي جعفر علیه السلام قال: ذروة الأمر وسنامه مفتاحه و باب الأشياء و رضا الرحمن الطاعة للإمام بعد معرفته، أما لو أنّ رجلاً قام ليله و صام نهاره و تصدّق بجميع ماله و حجّ جميع دهره و لم يعرف ولاية وليّ الله فيواليه و يكون جميع أعماله بدلالته إليه ما كان له على الله حقّ في ثوابه، و لا كان من أهل الإيمان.(1)

ومنها: ما رواه الصدوق في الفقيه بإسناده عن أبي حمزة الثماليّ قال: قال لنا علي بن الحسين علیهما السلام: ﴿ أَیُّ اَلْبِقَاعِ أَفْضَلُ؟ فَقُلْنَا: اَللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ اِبْنُ رَسُولِهِ أَعْلَمُ فَقَالَ لنا: أَفْضَلَ اَلْبِقَاعِ مَا بَیْنَ اَلرُّکْنِ وَ اَلْمَقَامِ وَ لَوْ أَنَّ رَجُلاً عُمِّرَ مَا عُمِّرَ نُوحٌ فِی قَوْمِهِ أَلْفَ سَنَهٍ إِلاَّ خَمْسِینَ عَاماً یَصُومُ اَلنَّهَارَ وَ یَقُومُ اَللَّیْلَ فِی ذَلِکَ اَلْمَکان ثُمَّ لَقِیَ اَللَّهَ بِغَیْرِ وَلاَیَتِنَا لَمْ یَنْفَعْهُ ذَلِکَ شَیْئاً ﴾.(2)

ثالثاً- السيرة القطعية

لقد قامت سيرة الخلف تبعاً لسيرة السلف على التوسّل بالأولياء و الأنبياء و الرسل و المقدّسات الأخر، و كان ذلك عندهم مرغوباً فيه

ص: 39


1- الوسائل 1: 91 الباب 29 من أبواب مقدّمة العبادات ح 2 و كافي 2: 16، ح 5.
2- الوسائل 1: 93 الباب 29 من أبواب مقدّمة العبادات ، ح 12 و الفقيه 2 : 159 ح 17 و عقاب الأعمال : 204 ح 2 و أمالي الشيخ الطوسيّ 1 : 131.

و مطلوباً، و هو شاهد على أنّه يكون كذلك في الشرع، و إلّا لما صار كذلك.

بل هو ثابت في الشرائع السابقة و كان من سنن المرسلين و سيرة الصالحين، روى القسطلانيّ في شرح صحيح البخاريّ عن كعب الأحبار: أنّ بني إسرائيل كانوا إذا قحطوا استسقوا بأهل بيت نبيّهم. (1)

و قد عرفت دلالة الآيات الكريمة على توسّل آدم «على نبيّنا و آله و عليه السلام» و أبناء يعقوب (على نبيّنا و آله و عليه السلام) و لذلك أمر مالك إمام المذهب المالكيّ أبا جعفر المنصور أن يتوسّل بالنبيّ صلی الله علیه و آله و يستشفع به بعد موته و قال: هو وسيلتك و وسيلة أبيك آدم (2)

قال في كشف الارتياب: و الأخبار صرّحت بتوسّل الصحابة بقبر النبيّ صلی الله علیه و آله بفتح كوة بينه و بين السماء للاستسقاء إلى أن قال: و في وفاء الوفاء ما لفظه: و في الوفاء لابن الجوزيّ من طريق أبي محمّد الدارميّ بسنده عن أبي الجوزاء قال: قحط أهل المدينة قحطاً شديداً، فشكوا إلى عائشة فقالت: فانظروا قبر النبيّ صلی الله علیه و آله فاجعلوا منه كوة إلى السماء حتّى لا يكون بينه و بين السماء سقف. ففعلوا فمطروا حتّى نبت العشب و سمنت الإبل حتّى تفتّقت من

ص: 40


1- كشف الارتياب 304، و إرشاد الساري 2: 238 ، سطر 25 ، دار إحياء التراث العرابيّ - بيروت.
2- كشف الارتياب: 303 - 305 و التوسّل و الوسيلة : 67 - 68 ، الحكاية عن مالك أنّه استشفع بقبر رسول الله صلی الله علیه و آله

الشحم فسمّي عام الفتق. (1)

و الأخبار تدلّ على استسقاء عمر بن الخطّاب بالعبّاس، فدعا فقال: اللّهمّ إنّا كنّا إذا أجد بنا نتوسّل بنبيّنا فتسقينا، و إنّا نتوسّل إليك بعمّ نبيّنا فاسقنا، فسقوا (2)

و قد روي أنّ العبّاس قال في دعائه: و قد توجّه بي القوم إليك لمكاني من نبيّك (3)

و روى الطبرانيّ في الكبير عن عثمان بن حنيف: أنّ رجلاً كان يختلف إلى عثمان بن عفّان في حاجة له و كان لا يلتفت إليه و لا ينظر في حاجته، فلقى ابن حنيف فشكا إليه ذلك فقال له ابن حنيف: إئت الميضاة (4) فتوضّأ ثمّ

ص: 41


1- کشف الارتیاب 313؛ الوفاء، لابن الجوزي 2 : 801 الباب التاسع و الثلاثون: في الاستشفاء بقبره صلی الله علیه و آله) و كذا في سنن الدارميّ 1: 43 (باب ما : أكرم الله نبيّه صلی الله علیه و آله بعد موته) و وفاء الوفاء : 559 و 560 ( الباب الرابع الفصل الحادي و العشرون: فيما روي من الاختلاف صفة القبر الشريف في الحجرة المنيفة و وفاء الوفاء: 1374 (الفصل الثالث: في توسّل الزائر به صلی الله علیه و آله) .
2- کشف الارتیاب 314؛ صحيح البخاريّ 2: 34 ( باب سؤال الناس الإمام الإستسقاء إذا قحطوا) و وفاء الوفاء: 1375 (الفصل الثالث: في توسّل الزائر و تشفّعه بالرسول صلی الله علیه و آله
3- کشف الارتیاب 315؛ و وفاء الوفاء: 1375 (الفصل الثالث: في توسّل الزائر به صلی الله علیه و آله)
4- الميضاة مطهرة كبيرة يتوضّاً منها النهاية لابن الأثير - ميض - 4: 380

إئت المسجد فصلّ ركعتين ثمّ قل: اللّهمّ إنّي أسألك و أتوجّه إليك بنبيّنا محمّد صلی الله علیه و آله و نبيّ الرحمة، يا محمّد إنّي أتوجّه بك إلى ربّك أن تقضي حاجتي و تذكر حاجتك.

فانطلق الرجل فصنع ما قال ثمّ أتى باب عثمان فجاءه البوّاب حتّى أخذ بيده فأدخل على عثمان فأجلسه معه على الطنفسة (1) فقال: حاجتك. فذكر حاجته و قضاها له. (2)

و لم ينكر التوسّل أحد من أئمّة سائر المذاهب بل استحسنوه و بعضهم توسّل بنفسه. قال ابن حجر في الصواعق المحرقة: توسّل الإمام الشافعيّ بأهل البيت النبويّ صلی الله علیه و آله حيث قال:

آل النبيّ ذريعتی *** و هم إليه وسيلتي

أرجو بهم أعطى غداً *** بيدي اليمين صحيفتي (3)

روى الخطيب البغداديّ في تاريخ بغداد عن أبي عليّ الخلال شيخ الحنابلة أنّه قال: ما همّني أمر فقصدت قبر موسی بن جعفر علیهما السلام فتوسّلت به

ص: 42


1- الطنفسة: البساط الذي له خمل رقيق. النهاية لابن الأثير - طنفس - 3 ؛140
2- کشف الارتياب 311 و وفاء الوفاء: 1372 - 1373 (الفصل الثالث: في توسّل الزائر و تشفّعه بالرسول صلی الله علیه و آله).
3- كشف الارتیاب 319؛ الصواعق المحرقة لابن حجر: 274 ( المقصد الخامس: مما أشارت إليه الآية من توقير أهل البيت النبويّ علیهم السلام من الباب الحادي عشر في فضائلهم).

إلّا سهّل الله تعالى لي ما أحبّ (1)

نقل المروزيّ عن أحمد بن حنبل في منسكه: التوسّل بالنبيّ صلی الله علیه و آله و الدعاء عنده. (2)

و قال أبوبكر محمّد بن المؤمّل خرجنا مع إمام أهل الحديث أبي بكر خزيمة و عديلة أبي علىّ الثقفيّ مع جماعة من مشايخنا و هم إذ ذاك متوافرون إلى عليّ بن موسى الرضا بطوس يعني إلى قبره، قال فرأيت من تعظيمه - يعني ابن خزيمة - لتلك البقعة و تواضعه لها و تضرّعه عندها ما تحيّرنا (3)

و روى أحمد بن حنبل عن ابن عبّاس: أنّه لمّا حضرت ابن عبّاس الوفاة قال: اللّهمّ إنّي أتقرّب إليك بولاية عليّ بن أبي طالب(4)

و قال روزبهان: و أمّا التوسّل بولاية عليّ فهو حقّ من أقرب الوسائل. (5)

قال السمهوديّ الشافعيّ: إنّ الاستغاثة و التشفّع بالنبيّ صلی الله علیه و آله و بجاهه و بركته إلى ربّه تعالى من فعل الأنبياء و المرسلين و سير السلف الصالحين واقع في كلّ حال قبل خلقه صلی الله علیه و آله و بعد خلقه في حياته الدنيويّ و مدّة

ص: 43


1- تاریخ بغداد 1: 120.
2- التوسّل و الوسيلة لابن تيميّة: 105 - 106 .
3- الوهابيّة، إصدار مركز الغدير : 76 ، نقله عن تهذيب التهذيب 7 339
4- إحقاق الحق 7: 452؛ نهج الحقّ و كشف الصدق: 220 (حديث الطائر).
5- المصدر السابق.

البرزخ و عرصات القيامة. (1)

هذا بحسب ما ورد في كتب إخواننا العامّة.

و أمّا ائمّة أهل البيت و أصحابهم فسيرتهم جارية على التوسّل بجدّهم وجدّتهم فاطمة الزهراء و بآبائهم صلوات الله عليهم أجمعين و هم أعرف بسنّة جدّهم، و الأخبار الحاكية لها بلغت حدّ التواتر.

و بالجملة كان التوسّل بالنبيّ صلی الله علیه و آله و الأئمّة الأطهار عليهم الصلوات و السلام أمراً شائعاً و مقبولاً عند العامّة و الخاصّة.

روي عن عمّار بن ياسر و زيد بن أرقم قالا: كنّا بين يدي أمير المؤمنين علیه السلام - إلى أن قال: - و إذا على الباب امرأة في قبّة على جمل، و هي تشتكي و تصيح يا غياث المستغيثين و يا بغية الطالبين و يا كنز الراغبين و يا ذا القوّة المتين و يا مطعم اليتيم و يا رازق العديم و يا محيي كلّ عظم رميم و يا قديم سبق قدمه كلّ قديم، و يا عون من ليس له عون و لا معين - إلى أن قال: - إليك توجّهت و بوليّك توسّلت و خليفة رسولك قصدت فبيّض وجهي و فرّج عنّي كربتي. الحديث (2)

و هو شاهد على أنّ التوسّل كان أمراً شائعاً بين آحاد الناس.

ص: 44


1- کشف الارتياب: 306 و وفاء الوفاء: 1371 (الفصل الثالث: في توسّل الزائر و تشفّعه بالرسول صلی الله علیه و آله)
2- بحار الأنوار 40: 277 ،و الفضائل، لابن شاذان: 155 (كشف أمير المؤمنين علیه السلام امر العاتق الحامل) الروضة في فضائل أمير المؤمنين علیه السلام: 141 الحديث الثلاثون (مخطوطة).

الفصل الثاني: ردّ بعض الشبهات

1- ما عن محمّد بن عبد الوهّاب من أنّ دعوة الصالحين و التوسّل بهم شرك أكبر لقوله تعالى: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ﴾ (1) إذ بيّن فيها الردّ على المشركين الذين يدعون الصالحين، ففيها بيان أنّ هذا الشرك الأكبر. (2)

و أجيب عنه: بأنّ الآية الكريمة ناظرة إلى التوسّل الرائج عند المشركين، لا الشائع عند المسلمين، و الشائع عند المشركين هو ترك عبادة الله بعبادة الأولياء ثمّ التوسّل إلى عبادة الأولياء بعبادة الأصنام و الأوثان ثمّ انتهوا إلى عبادة الأصنام و الأوثان استقلالاً بالقرابين و الذبائح كما يشير إليه

ص: 45


1- الإسراء: 57
2- کشف الارتياب 301

قوله تعالى: ﴿ وَ يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَ لَا يَنْفَعُهُمْ وَ يَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَ لَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ (1)

فالمشركون بصريح الآية المذكورة عبدوا غير الله حتّى يقرّبهم إلى الله. و هذا أمر مختصّ بهم، و ليس يقاس التوسّل عند المسلمين بعبادتهم، إذ المتوسّلون من المسلمين لا يعبدون غير الله بل يسألون من الله بحقّ الأنبياء و الأولياء أو يسألون من الأولياء و الأنبياء أن يستغفروا لهم أو يسألوا لهم ما أرادوه، و لا عبادة بالنسبة إلى الوسائط أصلاً، و لعلّ منشأ التوهّم هو تخيّل أنّ الخضوع عند الأولياء و الأنبياء عبادة، مع أنّ العبادة هي التأليه و هو منفيّ في التوسّلات و مطلق الخضوع ليس بعبادة، إذ نحن مأمورون بالخضوع بالنسبة إلى الوالدين و المعلّمين و كبار القوم و غيرهم، فلو كان مطلق الخضوع عبادة لزم أن يكون الشارع أمراً بعبادتهم، و هو غير صادر عن الشارع

ثمّ إنّ المراد من الآية الكريمة التي استدلّ بها محمّد بن عبدالوهّاب هو تنبيه المشركين بأنّ الذين يعبدونهم هم لا يستحقّون العبادة، لأنّهم أنفسهم كانوا في مقام ابتغاء الوسيلة إلى ربّهم و يستعلمون أيّهم أقرب إليه تعالى حتّى يسلكوا سبيله و يقتدوا بأعماله ليتقرّبوا إليه تعالى كتقرّبه و يرجون

ص: 46


1- يونس: 18 .

رحمته من كلّ ما يستمدّون به في وجودهم و يخافون عذابه فيطيعونه و لا يعصونه، فالإنكار لا يتوجّه إلى توسّل الأولياء و ابتغائهم الوسيلة، و إنّما الإنكار متوجّه إلى المشركين من جهة عبادتهم إيّاهم، و يشهد له الآية السابقة عليه، و هي قوله: ﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَ لَا تَحْوِيلًا﴾(1)

و أمّا توسّل الأولياء و ابتغاؤهم الوسيلة فهو على ما ذكرنا سابقاً من أنّه أمر مطلوب و كانت سيرة المقرّبين و الأولياء و الصالحين عليه، كما ندبت إليه الآيات و الروايات على ما مرّ من التفصيل

2 - ما حكي عن ابن تيميّة من أنّ التوسّل بعظيم عند الله يكون كالتوسّل إلى السلطان بخواصّه و أعوانه، فهذا من أفعال الكفّار و المشركين(2)

و الجواب عنه واضح ممّا مرّ من أنّ المتوسّل من المسلمين لا يعبد إلّا الله، و إنما يذكر اسم أوليائه تعالى عند الدعاء لكي يعطف توجّهه تعالى إليه ببركة أوليائه، و ذلك بمثل قوله: أتوسّل بجاه محمّد و آله، أو أقدّمه أمام طلبتي، و هذا لا يشبّه بعمل المشركين، فإنّهم كانوا يعبدون الأصنام عوضاً عن عبادة الله تعالى، و إن أراد من تشبيه التوسّل بأهل البيت بالتوسّل بخواصّ

ص: 47


1- الإسراء: 56
2- كشف الارتياب : 302 نقله عن رسالة الواسطة زيارة القبور لابن تيميّة.

السلطان بدعوى عدم وجود ملاك في الوسائط إلّا الأهواء الباطلة، فهو خلاف الحقّ و الحقيقة و إنكار أوضح الواضحات، فإنّ أهليّة الأولياء و الأنبياء أوضح من الشمس، و قياسهم بخواصّ السلطان إهانة و ذنب لا يغفر.

3 - ما حكى عن ابن تيميّة أيضاً من أنّه قال: و أمّا قول: بجاه فلان عندك، أو ببركة فلان، أو بحرمة فلان عندك افعل بي كذا. فهذا يفعله كثير من الناس، لكن لم ينقل عن أحد من الصحابة و التابعين و سلف الأمّة أنّهم كانوا يدعون بمثل هذا الدعاء، و لم يبلغني عن أحد من العلماء في ذلك ما أحكيه إلّا ما رأيت في فتاوي الفقيه أبي محمّد بن عبد السلام أنّه لا يجوز فعل ذلك إلّا للنّبي إن صحّ الحديث في النبيّ. (1)

و أجيب عنه:

أوّلاً: بأنّ ذلك مكابرة مع ما عرفت من الآيات و الروايات المتواترة المرويّة في كتب الفريقين الدالّة على مشروعيّة التوسّل، هذا مضافاً إلى ما مرّ من أنّ التوسّل من سنن المرسلين و سيرة الصالحين.

و ثانياً: بأنّ التوسّل لو كان عبادة لم يتفاوت الحال بين التوسّل بالحيّ

ص: 48


1- كشف الارتياب 302 نقلاً عن (رسالة القبور، لابن تيميّة) و التوسّل و الوسيلة، لابن تيميّة : 147 - 154 (العامّة إذا سألوا الله بنبيّه يخرجون عن المعنى الشرعيّ و قول العز بن عبد السلام في فتاويه: لا يجوز أن يتوسّل إلى الله بأحد من خلقه، و الأدعية البدعية على ثلاثة مراتب).

و بين التوسّل بالميّت، فالشرك شرك في جميع الموارد و لا يقبل التخصيص كما أنّ الظلم ظلم فى جميع الموارد و يأبى عن التخصيص، فلا وجه لتجويزه حال الحياة دون الممات.

وإ ن كان الإشكال من ناحية أنّ الميّت لا يقدر على شيء ففيه ما لا يخفى فإنّ الأنبياء و الأولياء ﴿ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴾ و لهم المكانة و الشأن العظيم و يستغفرون لأحبّائهم و المتوسّلين

و ثالثاً: ما في كشف الارتياب من أنّ العلة في التوسّل هنا ظاهرة و هي الجاه و المكانة عند الله ، فتعمّ كلّ ذي جاه و مكانة عنده تعالى بإطاعته له تعالى، و يخرج عن القياس المستنبط العلّة و يلحق بمنصوصها، بل العلة في ذلك قطعيّة، و هي المكانة الحاصلة بالقرب و الطاعة، لما هو المعلوم ضرورة و نصّاً من أنّه ليس بين الله و بين أحد هوادة و أنّ أكرم العباد عنده أتقاهم، و ليس أحد خيراً من أحد إلّا بالتقوى. (1)

و رابعاً: بأنّ ابن تيميّة لو أراد الاحتياط لما حكم بكفر المتوسّل و شركه حتّى يتّبعه الوهّابيّون و يكفّروا المسلمين بما لم يجعله الله مكفّراً و يستحلّوا دماء المسلمين و أموالهم و أعراضهم، فذلك قصور في الفهم بل إخلال بالنظام الإسلاميّ و تحريم لما أحلّه الله و ندب الناس إليه، أعاذنا الله من شرور أنفسنا.

4- ما حكي عن ابن تيميّة من قوله: و قد يخاطبون الميّت عند قبره أو

ص: 49


1- كشف الارتياب : 306.

يخاطبون الحيّ و هو غائب كما يخاطبونه لو كان حاضراً و ينشدون قصائد و يقول أحدهم فيها: يا سيّدي فلاناً ... اشفع لى إلى الله، سل الله لنا أن ينصرنا على عدوّنا، سل الله أن يكشف عنّا هذه الشدّة، أشكو إليك كذا و كذا، فهذه الأنواع من خطاب الملائكة و الأنبياء و الصالحين بعد موتهم عند قبورهم و في مغيبهم ... هو أعظم أنواع الشرك الموجود في المشركين... (1)

و الجواب عنه واضح، إذ الشرك منتف في التوسّل المذكور، لأنّ المتوسّل لا يعتقد استقلال من توسّل به في الوجود حتّى يكون شركاً ذاتيّاً كما لا يعبده حتّى يكون شركاً في العبادة، بل يراه من المقرّبين، و أنّه توسّل به لوجاهته عند الله تعالى، و هذا ليس بشرك، و المخاطبة مع من جعله الله من الأحياء الذين يرزقون عند ربّهم أو مع من جعله الله عالماً في حال غيبته ليس بشرك أيضاً لأنّه مخاطبة مع المخلوق الحىّ العالم بإذنه تعالى، فالاعتقاد بكونه مخلوقاً ، و أنّه قد صار كذلك بإذنه تعالى ينافي الشرك.

ألا ترى أنّ المسيح على نبيّنا و آله و عليه السلام خلق الطير و أحيى الموتى و لم يكن ذلك شركاً لأنّه اقتدر عليه بإذنه تعالى، و هكذا علم من خاطبناه و حضوره بإذنه تعالى لا بالاستقلال فلايكون فيه شائبة الشرك كما لا يخفى.

ص: 50


1- التوسّل و الوسيلة : 18 - 19 و كذلك : 158 (فصل ما لا يجوز في حقّ أشرف الخلق و عند قبره أولى أن لا يجوز عند قبور غيره). نقلاً عن التوسّل لضياء آباديّ: 132

5 - ما حكى عن ابن تيميّة من أن التوسّل بالأولياء و الأنبياء بدعة و هي محرّمة. (1)

و الجواب عنه يظهر ممّا تقدّم حيث إنّ الآيات و الروايات و السيرة تدلّ كما عرفت على مطلوبيّة التوسّل و مشروعيّته و البدعة لا تنطبق على التوسّل بهم إذ هى إدخال ما ليس من الدين في الدين بقصد التشريع، إذ المقام من الدين بل القول بأنّه ليس من الدين إنكار للدين لما تواتر عليه من مطلوبيّة التوسّل بهم.

6- ما حكي عن ابن تيميّة من أنّ الاستغاثة بميّت أو غائب من أعظم أنواع الشرك. (2) و استدلّ له بآيات ناهية عن دعوة غير الله تعالى كقوله عزّ شأنه: ﴿ و َمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ﴾(3) و قوله تعالى: ﴿ و َالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَ لَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ﴾ (4) و قوله عزّ وجلّ: ﴿ وَ لَا تَدْعُ

ص: 51


1- التوسّل و الوسيلة لابن تيميّة 21 و الصراع بين الإسلام و الوثنيّة للقصيميّ 1: 64 و 65 و الدعوة الإسلاميّة 2: 29 نقلاً عن التوسّل لضياء آباديّ.
2- كشف الارتياب : 267 و التوسّل و الوسيلة : 158 (فصل ما لا يجوز في حقّ أشرف الخلق و عند قبره أولى أن لا يجوز عند قبور غيره).
3- المؤمنون: 117.
4- الأعراف: 197

مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَ لَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ (1)

بتقريب أنّ الآيات المذكورة و نظائرها نهت عن دعوة غير الله تعالى و التوسّل بأهل البيت و الأولياء و الأنبياء دعوة غيره تعالى، فمقتضى الآيات هو ممنوعيّة التوسّل

و الجواب عنه: أنّ الممنوع هو دعوة غير الله مع الله، أو دعوة غير الله من دون الله، و كلاهما شرك، إذ فرض الوجودين المستقلّين أو المعبودين المستقلّين مساوق للشرك الذاتيّ أو الشرك العباديّ، و لكن التوسّل لا يستلزم ذلك؛ لأنّ المتوسّل يعبد الله وحده، فلا يدعو غير الله مع الله كما لا يدعو غير الله في مقابل عبادة الله تعالى، فقوله تعالى: ﴿مَعَ الله﴾ أو ﴿ من دون الله ﴾ كاف في تخصيص المنهيّ بفعل المشركين، فلا يشمل التوسّل المجرّد عن العبادة كما هو المفروض في المقام. هذا مضافاً إلى الآيات الدالّة على مطلوبيّة التوسّل بالأولياء كقوله: ﴿ قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ * قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ (2)

فمقتضى الجمع بين هذه الآيات و تلك الآيات هو تخصيص المنهيّ بعبادة غير الله لا الاستغاثة و طلب شيء منه

على أنّه لو كان مطلق الطلب من الغير ممنوعاً لزم حرمة الاستعانة

ص: 52


1- يونس: 106 .
2- یوسف: 97

بالناس في الأمور، بل حرمة الاستعانة من كلّ شيء، و هو ضروريّ البطلان و مخالف للآيات كقوله عزّ شأنه: ﴿ وَ تَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوَى﴾ (1) و قوله تعالى: ﴿ وَ إِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ﴾ (2) و قوله تبارك وتعالى: ﴿ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا ﴾ (3) و قوله عزّ وجلّ: ﴿ قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا﴾ (4) و السيرة القطعيّة على مشروعيّة التعاون في الأمور الظاهريّة و المعنويّة و التماس الدعاء و الاستعانة في طلب المغفرة بين الناس من الواضحات و تخصيص المنهيّ بدعاء الميّت أو الغائب لا ملاك له، إذ لو كان شركاً كان كذلك في الحىّ الحاضر أيضاً، و لو لم يكن ذلك في الأحياء شركاً لم يكن في الأموات و الغيّب كذلك، فلا وقع لهذه الإشكالات الواهية و الأباطيل السخيفة.

ص: 53


1- المائدة: 2
2- الأنفال: 72
3- الكهف : 95
4- النمل: 38

ص: 54

خاتمة

و فيها تنبيهات

الأوّل: إن الوسيلة ربّما تستعمل بمعنى الدرجة الرفيعة، و هو فيما إذا لم يكن متعدّياً بلفظة «إلى»، و قد وردت أخبار مستفيضة على أنّ النبيّ صلی الله علیه وآله صاحب الوسيلة.(1) و أن محمّداً لفي الوسيلة (2) و أنّ المندوب هو طلب الوسيلة من الله للنبيّ صلی الله علیه و آله كقوله: اللّهمّ بلّغ محمّداً درجة الوسيلة (3)

و أسألك باسمك العظيم الأعظم الذي لا شيء أعظم منه و لا أجلّ منه و لا أكبر منه أن تصلّى على محمّد و آل محمّد في الأوّلين و الآخرين، و أن تعطي محمّداً

ص: 55


1- بحار الأنوار 16: 130 نقلاً عن شرح الشَّفا 1: 485 - 500
2- المصدر السابق 40: 63. تفسير فرات الكوفى 6:350(478) (سورة فاطر الآية 41)
3- المصدر السابق 98: 366 إقبال الأعمال لابن طاووس 618 (الباب الخامس فيما نذكره ممّا يتعلّق بشهر ربيع الآخر، فصل: فيما نذكره من دعاء في غرّة شهر ربيع الآخر) (حجريّ).

الوسيلة. (1)

و روى في البحار عن أبي عبد الله علیه السلام: ﴿ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللّه علیه و آله یَقُولُ إِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوا لِیَ الْوَسِیلَةَ فَسَأَلْنَا النَّبِیَّ صلی اللّه علیه و آله عَنِ الْوَسِیلَةِ فَقَالَ هِیَ دَرَجَتِی فِی الْجَنَّةِ وَ هِیَ أَلْفُ مِرْقَاةِ جَوْهَرٍ إِلَی مِرْقَاةِ زَبَرْجَدٍ إِلَی مِرْقَاةِ لُؤْلُؤَةٍ إِلَی مِرْقَاةِ ذَهَبٍ إِلَی مِرْقَاةِ فِضَّةٍ فَیُؤْتَی بِهَا یَوْمَ الْقِیَامَةِ حَتَّی تُنْصَبَ مَعَ دَرَجَةِ النَّبِیِّینَ فَهِیَ فِی دَرَجَةِ النَّبِیِّینَ كَالْقَمَرِ بَیْنَ الْكَوَاكِبِ﴾ (2) الحديث

و روى في التوحيد و العيون عن أمير المؤمنين علیه السلام أنه قال في ضمن خطبته: ﴿ وَ اخْتَارَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لِنَبِیِّهِ مَا عِنْدَهُ مِنَ الرَّوْحِ وَ الدَّرَجَةِ وَ الْوَسِیلَةِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ عَلَی آلِهِ الطَّاهِرِینَ.﴾ (3)

ص: 56


1- المصدر السابق91: 76 (ذيل الدُّعاء الآخر لعيد الأضحى).
2- بحار الأنوار 7: 326 كتاب العدل و المعاد باب ،17، (الوسيلة و ما يظهر من منزلة النبيّ و أهل بيته صلوات الله عليهم في القيامة) معاني الأخبار 116 : 1 (باب معنى الوسيلة) الأمالي للصدوق :4:176 (180) (المجلس الرابع و العشرون تفسير القميّ 2: 324 ( سورة ق ، الآية 24). بصائر الدرجات: 436: 11 (الجزء الثامن، باب (18) في أمير المؤمنين علیه السلام أنّه قسيم الجنّة و النّار).
3- المصدر السابق 4: 221 -223. التوحيد للشيخ الصدوق : 72 ذيل الحديث 26 ( باب 2 التوحيد و نفي التشبيه) عيون أخبار الرضا علیه السلام 123: ذيل الحديث (15). (باب 11) ماجاء عن الرضا علیه السلام من الأخبار في التوحيد، خطبة أمير المؤمنين علیه السلام من مسجد الكوفة).

و روى في المناقب عن أنس: صلّى رسول الله صلی الله علیه و آله فلمّا ركع أبطاً في ركوعه حتّى ظننّا أنّه نزل عليه وحي، فلمّا سلّم و استند إلى المحراب نادى: أين عليّ بن أبي طالب و كان في آخر الصفّ يصلّي فأتاه فقال: يا عليّ لحقت الجماعة؟ فقال: يا نبيّ الله عجّل بلال الإقامة فناديت الحسن بوضوء فلم أر أحداً فإذا أنا بهاتف يهتف يا أبا الحسن أقبل عن يمينك. فالتفتّ فإذا أنابقدس (1) من ذهب مغطّى بمنديل أخضر معلّقاً فرأيت ماء أشدّ بياضاً من الثلج و أحلى من العسل و ألين من الزبد و أطيب ريحاً من المسك فتوضّأت و شربت و قطرت على رأسي قطرة وجدت بردها على فؤادي و مسحت وجهي بالمنديل بعد ما كان الماء يصبّ على يدي، و ما أرى شخصاً ثم جئت يا نبيّ الله و لحقت الجماعة.

فقال النبيّ صلی الله علیه و آله:﴿ الْقُدَسُ مِنْ أَقْدَاسِ الْجَنَّةِ وَ الْمَاءُ مِنَ الْكَوْثَرِ وَ الْقَطْرَةُ مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ وَ الْمِنْدِیلُ مِنَ الْوَسِیلَةِ وَ الَّذِی جَاءَ بِهِ جَبْرَئِیلُ وَ الَّذِی نَاوَلَكَ الْمِنْدِیلَ مِیكَائِیلُ وَ مَا زَالَ جَبْرَئِیلُ وَاضِعاً یَدَهُ عَلَی رُكْبَتَیَّ یَقُولُ: یَا مُحَمَّدُ قِفْ قَلِیلًا حَتَّی یَجِیءَ عَلِیٌّ فَیُدْرِكَ مَعَكَ الْجَمَاعَةَ﴾ (2)

الثاني: إنّ النسبة بين التوسّل و الشفاعة هي عموم و خصوص من وجه لأنّه ربما يكون التوسّل و لا شفاعة كما إذا قال المتوسّل: اللّهمّ إنّي أسألك

ص: 57


1- القدس - بضمّتين - القدح.
2- بحار الأنوار 39: 115 - 116 و مناقب آل أبي طالب 2: 276

بجاه محمّد و آل محمّد أو بحقّ محمّد و آل محمّد، و ربّما تكون الشفاعة و لا توسّل كما إذا ابتدأ النبيّ بالشفاعة لبعض أمّته من دون أن يتوسّل بعض الأمّة إليه، و ربّما يجتمع العنوانان كما إذا توسّل المتوسّل باستشفاع وليّ من أولياء الله و قال: يا رسول الله أسألك أن تتوسّط و تشفع لي.

و عليه فأدلّة الشفاعة تنفع لإثبات التوسّل في الجملة كما أنّ أدلّة التوسّل تنفع لإثبات الشفاعة في الجملة، فلا تغفل

الثالث: إنّ اللازم علينا أن لا نغفل عن هذه النكتة المهمّة و هي أنّ التوسّل بأهل البيت علیهم السلام لا ينحصر في الدعاء و قضاء الحوائج، فإنّهم بنصّ الأدلّة وسائل الفيض و الرضوان و الاهتداء و التكامل و التخلّق بأخلاق الله و التقرّب إليه تعالى و قضاء الحوائج في جميع الأحوال، فابتغاء الوسيلة له عرض عريض، فعلينا أن نبتغي الوسيلة في جميع الشؤون حتّى نستفيد منهم في جميع الأحوال لا في خصوص حال دون حال كحال الحاجة فافهم جيّداً.

و له الحمد أوّلاً و آخراً و ظاهراً و باطناً

20 رمضان المبارك 1417

قم - السيّد محسن الخرّازيّ

ص: 58

الفهرس

المقدمة...3

الفصل الأوّل

أدلّة مشروعية التوسل...7

أوّلاً - الآيات...8

ثانياً - الروايات...24

القسم الأوّل - روايات العامة...24

القسم الثاني - روايات الخاصّة...31

ثالثاً - السيرة القطعية...39

الفصل الثاني

ردّ بعض الشبهات...45

خاتمة...55

ص: 59

ص: 60

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.