مراصد التدقیق و مقاصد التحقیق
كاتب:علامه حلی، حسن بن یوسف
متابعة البحث:غفوری نژاد، محمد
سایر:العتبة العباسیة المقدسة. قسم شؤون المعارف الإسلامیة و الإنسانیة. مرکز تراث الحلة
لسان: العربية
سنة النشر: 1438 هجری قمری|2017 میلادی
محرر رقمي: میثم الحیدري
ص: 1
ص: 2
ص: 3
ص: 4
بسم الله الرحمن الرحيم
ص: 5
ص: 6
بسمِ الله، والصَّلاة والسَّلام على خَير الأَنامِ ، ومِصباحِ الظَّلامِ الذِي اسمُه في السَّماءِ أحمدُ، وفي الأرض أبي القاسم محمَّد، اللَّهُمَّ صلِّ على محمَّد وآل محمَّد.
وبعدُ..
بعد أن تضافرتِ الجهودُ الحثيثة، والعمل الدَّؤوب، وبعد أن تلاقحتِ الأفكار، وتولَّد الصَّواب بحمد الله تعالى، وصار المِصداقُ مِصداقًا لكلام أمير المؤمنين عليه السلام: (اضربِ الرَّأيَ بعضَه ببعضٍ يتولَّد الصَّوابُ )، سعى مركزُ تُراث الحِلَّة بهمَّة العاملينَ ، والإخوة الأفاضل المحقِّقين لإيجاد أفكارٍ ومشاريعَ تصبُّ لصالح العمل العلميّ ، وفي صالح الدِّين الحنيف، والمذهب الشَّريف.
وبعد مِنَنِ الله تعَالى وفضله، وفضلِ صاحب الجُود والفضلِ ، تسنَّى لمركز تراث الحِلَّة أن يكشف غبارَ الزَّمن ويميط لثامه عن مخطوطةٍ لواحدٍ من جَهابذة الإسلام، وأُمناء الله تعالى على الحلال والحرامِ ، ومن عيالم العِلْم، الذي طالما عُرف فضلُه بين العامِّ والخاصِّ ، وبين القاصي والدَّاني، وبين المؤالف والمخالف، لاسيما أهل العلم، وأهل الفنِّ ، وأصحاب الميادين، ألا وهم الفقهاء الذين خطُّوا الدِّين بأناملهم المقدَّسة؛ أخصُّ بهذا القول والتَّعريف العلَّامة الحسن بن يوسف ابن المطهَّر المعروف بالعلَّامة الحِلِّيّ قدَّس الله نفسه النفيسة المقدَّسة.
وأنا أكتبُ هذه الكلمات، أتذكَّر في طيَّات ذهني مقولةً منقولةً عن أستاذ الفلسفة
ص: 7
السيِّد مُسلم الحِلِّيّ رحمه الله؛ إذ قال في حقِّ العلَّامة الحِلِّيّ : (ماذا عَساني أقولُ في حقِّ شخصٍ ببركةِ شِسع نعْلهِ تشيَّعت إيران ؟).
نعم.. هذا هو العلَّامة الحِلِّي قدس سره؛ ففضلُه معروف لدى القاصي والدَّاني، وكذا معروف أنَّه فقيهٌ ، ولم يُعرف أنَّه منطقيّ ، ولكنَّ العلم نور يقذفه الله بقلب مَن يشاء، وقد قذف بقلب العلَّامة الحِلِّي أنواعَ العلوم ببركة أهل البيت عليهم السلام؛ فترك آثارًا في الكلام، والفلسفة، والفقه، وكذلك المنطق؛ إذ خلَّف آثارًا - ما شاء الله في المنطق - منها ما هو بين أيدينا بحمد الله تعالى، وهو (مَرَاصِدُ التَّدْقِيقِ وَمَقَاصِدُ التَّحْقِيقِ )، ومنها (القَوَاعِدُ والمقَاصِدُ)، و (تنْقِيحُ الأَبْحَاثِ فِي العُلُومِ الثَّلاثِ )، وبعضها صُنِّف على شكل رسائل قصيرة، كان قدس سره يهدف فيها للتَّعليم والمنهج، ك - (نَهْجِ العِرْفَانِ فِي عِلْمِ المِيْزَانِ )، و (النُّورُ المُشْرِقُ فِي عِلْمِ المَنْطِقِ ).
ولعلَّه قدس سره كان يكتب بعض الرَّسائل، والهدف منها محاكاة بعض الحكماء ومناقشتهم، كما يقول هو قدس سره في (إِيْضَاحُ التَّلْبيسِ مِنْ كَلامِ الرَّئِيسِ ): «باحثنا فيه الشَّيْخَ ابنَ سِينا». وإذا أراد المتتبِّع أن يتتبَّع المؤلَّفات والمصنَّفات للعلَّامة الحِلِّيّ قدس سره؛ فالكلام يحتاج إلى كثيرٍ من البيان، والحال ها هنا لا يتَّسع لذلك، ولعلَّ الأخ المحقِّق (جزاهُ اللهُ خَيرًا) قد أحصى آثار العلَّامة الحِلِّي قدس سره وتتبَّعها، وكذلك بيَّن دوره في علم المنطق.
ومن الحقِّ والإنصاف أن يُقال: إنَّ العلَّامة الحِلِّيّ قدس سره صار مِصداقًا لقول الإمام جعفر الصادق عليه السلام: (العلماءُ باقونُ ما بقيُ الدَّهرُ، أعيانُهم مفقودةٌ ، وخزائنُهُم في القلوبِ موجودةٌ ). فها هي آثار العلَّامة الحِلِّيّ قدس سره باقيةٌ بحمد الله تعالى إلى قيام القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف وحتَّى قيام القيامة.
وها نحن ببركة أهل البيت عليهم السلام في مركز تراث الحِلَّة قد سعينا جاهدين، نحثُّ
ص: 8
الخُطى تباعًا وبهمَّة الإخوان المحقِّقين على ضبط الكتاب ومراجعته مراجعةً دقيقة، يُشار لها بالبنان، ولا أنسى جهود الأخ المفضال أحمد عليّ مجيد الحِلِّي الذي سعى جاهدًا لضبط الكتاب والذّهاب إلى جمهوريَّة إيران الإسلاميَّة مرارًا لأجله؛ فجزاه الله عنِّي أفضل الجزاء، وكذا لا أنسى دور الأخ المثابر الجدِّيّ الأستاذ المساعد الدّكتور عليّ الأعرجيّ الذي راجع الكتاب مراجعةً لغويَّةً دقيقةً جدًّا، وكذا الإخوة العاملين كلٌّ من م. م محمَّد مناضل، و م. م. عيَّاد حمزة، والأخ مصطفى صباح الجنابيّ .
وأسحب كورة الشُّكر وأُلملم وصالها، وأقدِّمها إلى جناب الشيخ المختاريّ واسطة الفيض، جزاه الله خيرًا، والذي سعى جاهدًا لتعريفنا بمحقِّق الكتاب وإيصالنا إليه.
ولا أنسى أن أتقدَّم بالشُّكر الجزيل والثَّناء الجميل إلى سماحة المتولِّي الشَّرعيّ للعتبة العبَّاسيَّة المقدَّسة السيِّد أحمد الصافي (دام عزُّه) الذي لم يقصِّرْ عنَّا في أيِّ دعمٍ مادِّيّ أو معنويّ ، وهو في أحلك الظُّروف، وكذا رئيس قسم شؤون المعارف الإسلاميَّة والإنسانيَّة جناب الشَّيخ عمَّار الهلاليّ أعزَّه الله، وجزاه عن العاملين خيرًا.
ونحن في هذه الأجواء العلميَّة المثمرة، نقول - شهادةً لله تعالى -: إنَّما نحن نكتبُ ، ونضبطُ، وندقِّقُ ، ونحقِّقُ ، ونعلِّق - إلى ما شاء الله - كلُّ ذلك ببركة من استظللنا بأفواه بنادقهم، فهم لَبِسوا القلوب على الدُّروع، ولبُّوا نداء المرجعيَّة، نداء نائب الإمام الحجَّة عجل الله تعالى فرجه الشريف، ووضعوا أرواحهم على أكُفِّهم، إنَّما ننعم بالأمن والأمان ببركة دمائهم؛ فجزاهم الله تعالى خيرَ جزاء المحسنين وأفضلَهُ .
صادق الخويلديّ
مدير مركز تراث الحِلَّة
15 ذي القعدة 1438 ه -
ص: 9
ص: 10
الحسن بن يوسف ابن المطهَّر المشتهر بالعلّامة الحِلّيّ (648 ق/ 1250 م - 726 ق/ 1226 م) من عباقرة المنطقيّين، وله منزلة عظيمة في تاريخ علم المنطق في الحضارة الإسلاميّة؛ إلَّا أنّ علوّ شأنه في الفقه والأصول والكلام قد أظلّ منزلته في المنطق، وأغلق أبصار المتأخّرين عن إبصار أعماله في المنطق، وقد عمل العلّامة رحمه الله في المنطق ما يتجاوز العشرين أثرًا، فهو من جهابذة هذا الفنّ .
1 - بعضها رسائل قصيرة مؤلّفة من أجل التعليم وعليها صبغة تعليميّة ك - (نهج العرفان في علم الميزان)، و (النور المشرق في علم المنطق).
2 - وبعضها، تبعًا لكتابَي النجاة والإشارات والتنبيهات لابن سينا، يشتمل على العلوم الثلاثة: المنطق، والطبيعيّات، والإلهيّات، كمراصد التدقيق ومقاصد التحقيق، والقواعد والمقاصد، والأسرار الخفيّة في العلوم العقليّة، وتنقيح الأبحاث في العلوم الثلاثة.
ص: 11
3 - ربّما يكتب العلّامة في بعض الأحيان رسالة في نقد بعض الحكماء الكبار من السلف، كما أنّه يتحدّث في الخلاصة عن كتاب إيضاح التلبيس من كلام الرئيس ويقول: «باحثْنا فيه الشيخ ابن سينا»، كما أنّه عندما يذكر كتاب المقاومات الحكميّة في المصدر نفسه يقول: «باحثنا فيه الحكماء السابقين، وهو يتمُّ مع تمام عمرنا».
4 - كما أنّ له آثارًا في التلخيص، والذي هو فنّ مهمّ في تنقيح المتون الحكميّة وتهذيبها وتسهيلها، مع الحفاظ على تماميّتها؛ فإنّه رحمه الله لخّص كتاب الشفاء لابن سينا؛ وهذا التلخيص - وإن لم يتم - لكنّه يشمل قسم المنطق من كتاب الشفاء بتمامه.
5 - أكثر ما كتب العلّامة في المنطق والفلسفة، هو شروح على كتب السلف؛ فإنّه شرح كتاب الإشارات والتنبيهات، والذي يعدّ أوّل تأليف في تاريخ علم المنطق، أُلّف في سياق المنطق ذي القسمين قبال المنطق ذي الأقسام التسعة(1)، ثلاث مرات؛ كما أنّه حاكَمَ منتقدي الإشارات وموافقيه في كتاب المحاكمات بين شرّاح الإشارات وقضى بينهم، والذى قد وصل إلينا قسم المنطق منه، فإنّ هذا الكتاب يعدّ أنموذجًا من دراسة مقارنة وبحثًا منطقيًّا متينًا ومُحكمًا.
قد شرح العلّامة رحمه الله أيضا كتاب الملخّص لفخر الدين الرازيّ (1149/544-1209/606)، وحكمة الإشراق والتلويحات لشهاب الدين السهرَوَرْديّ (549 / 1154-1191/587)، وكشف الأسرار للخونجيّ (1194/573-1249/628)، والرسالة الشمسيّة وعين القواعد للكاتبيّ القزوينيّ (1204/600-1276/655)،
ص: 12
وقد انتخب متون هذه الشروح جميعها من المصادر التى قد أُلّفت في المنطق ذى القِسمين؛ ولكنّه رحمه الله قد أَلفَتَ نظره أيضًا إلى المنطق ذي الأقسام التسعة، فقد لخّص كتاب الشفاء - كما أشرنا إليه آنفًا - وشرح تجريد المنطق لنصير الدين الطوسيّ (1201/597-1274/672).
إنَّ أكثر أعمال العلّامة في المنطق قد كتبها في قالب المنطق ذى القِسمين؛ فإنّه رحمه الله يتبع صياغة الإشارات والتنبيهات في أعماله المنطقيّة، وهذا الأمر يُستثنى منه شيء، وهو أنّ ابن سينا قد بحث مبادئ القياس البرهانيّة والجدليّة والخطابيّة والشعريّة في نهجٍ مستقلٍّ على وجهٍ كلِّيٍّ وقدّمه على مباحث القياس (النهج السادس)؛ وإنّ أكثر من اتّبع صياغة الإشارات في كتابة المنطق قد تخلّف في هذا المورد عن مسلك ابن سينا، وجعل مبادئ القياس بعد مباحث القياس؛ نظرًا إلى علاقة هذا المبحث بأقسام المعرفة ومراتبها. أمّا العلّامة في هذا النمط اتّبع ابن سينا في مراصد التدقيق، لكنه تخلّف عنه واتّبع مناطقة القرنين السادس والسابع الذين ألّفوا كتبهم في قالب المنطق ذي القِسمين.
فدراسة أعمال العلّامة في المنطق تدلُّ على ومعرفته العميقة والاجتهاديّة بالنسبة إلى ميراث المناطقة الماضين؛ كما أنّ دراسة أعماله الأخرى في الفقه والكلام تنبئ عن عبقريّته في التفكير النقديّ المنطقيّ .
والشيخ آغا بزرگ الطهرانيّ (1) عرّفوا لنا بعض تأليفاته، وقد بحث المحقّق فارس الحسّون في مقدّمته على القواعد الجليّة في شرح الرسالة الشمسيّة مؤلّفات العلّامة في تقسيم ثلاثي: الكتب التى قد ثبت لنا انتسابها للعلّامة، الكتب التى ليس له وقد نسبت إليه، والكتب مشكوكة الانتساب، وقد عرّف مصحّح كتاب مراصد التدقيق، واحدًا وعشرين كتابًا للعلّامة الحلّيّ ، كلّها في المنطق؛ بعضها مختصّة بالمنطق، وبعضها جامعة للعلوم الثلاثة: المنطق والطبيعيّات والإلهيّات (انظر مقدّمة المصحّح على الكتاب الذي بين يديك).
وقد عمل حسين محمَّد خاني، دراسة مستقلّة حول آراء العلّامة المنطقيّة قبل خمس عشرة سنة(2)، كما أنّ كاتب هذه الأسطر كتب بحثًا قصيرًا حول تعليل توجّه العلّامة إلى المنطق واهتمامه به(3).
كما أنّ المستشرقين عملوا تقريرات كثيرة عن مؤلّفات العلّامة، نكتفي بذِكر موردين منها: قد هيّأ نيكولاس ريشر(4) في كتابه تطور المنطق العربّي(5) تقريرًا قصيرًا وناقصًا عن مؤلّفات العلّامة الحلّيّ (6)، وقد بحث كاتب هذه الأسطر، تقرير ريشر، دراسة نقديّة وتكميليّة(7).
ص: 14
كما أنّ المستشرقة زابينه اشميتكه(1) قد عدّدت في مقدمة كتابها الآراء الكلاميّة للعلّامة الحلّيّ (2) التأليفات المنطقيّة للعلّامة أيضًا، وأخيرًا، قد أكمل السيِّد عبد العزيز الطباطبائيّ دراسة اشميتكه(3).
الدراسة التحليليّة لما كتبه العلّامة الحلّيّ في علم المنطق تنتهى بنا إلى آرائه البديعة ومواقفه النقديّة بالنسبة إلى السلف، يجدر الإشارة هنا - بوصفه أنموذجًا - إلى أنّ العلّامة قد زاد في تقسيم القضيّة من حيث الموضوع قسمًا خامسًا، خلافًا لجميع المناطقة، السلف منهم والخلف، فإنّه في بحث التوجيه(4) - وتبعًا للطوسّي - يعرض نظريّة البنيويّة المتشدّدة على أساس تساوق البديهيّ والأوّليّ .
إنّ أبحاث العلّامة في المنطق كثيرة، وله آراء بديعة في هذا المجال، وهذا أمر يحتاج إلى تعليل، ولكن ما العلّة التى توجِب صرف هذا القدر من الاهتمام منه رحمه الله في علم المنطق ؟ بالقياس إلى اهتمامه بالكلام والفقه وغيرها من العلوم ؟.
قد نستطيع الإجابة على هذا السؤال بالمقارنة بين الظروف التاريخيّة لعِلمي المنطق والكلام في زمن تحصيل العلّامة لهذين العِلمين، وأجوائهما في الزمن الذى قد بدأ العلّامة بتوليد آثاره العلميّة في هذين الفرعين. فإنّه رحمه الله قد صرف عمره لتحصيل هذين العِلمين في النصف الثاني من القرن السابع، وكان هذا القرن أوان رواج البحث والكتابة في علم المنطق وازدهاره وشيوعه. وتوضيح ذلك: إنّ جميع المصادر المنطقيّة
ص: 15
بعد ابن سينا إمّا هو شروح على كتابه الشفاء، أو على كتابه الإشارات؛ وقد مهّد بعض كبار المنطقيّين بعد ابن سينا من القرن الرابع إلى السادس، أرضيّة ازدهار علم المنطق، وساهم في هذا الإطار علماء من السنّة والشيعة، منهم: بهمنيار بن المرزبان (990/362-1066/442)، وأبو محمَّد بن حزم (994/366-1064/459)، وابن رضوان المصريّ (1000/377-1068/444)، وأبوحامد الغزاليّ (1074/450-1129/505)، وابن ملكا البغداديّ (1084/460-1153/547)، وابن سهلان الساويّ (1116/492-1170/565)، ومجد الدين الجيليّ (أستاذ فخر الدين الرازيّ ، والشيخ السهرورديّ في علم المنطق).
كان مناطقة القرن السابع كثيري العمل في المنطق، ومشاهير، وذوي تأثير كبيرٍ على من جاء من بعدهم، نخصّ بالذكر منهم: ابن رشد الأندلسيّ (1126/520-1249/628)، وفخر الدين الرازيّ ، والشيخ السهرورديّ الذى مرّ ذكره آنفًا، وقد اشتهر بالشيخ الإشراقيّ ، وأثير الدين الأبهريّ (1201/597-1265/663)، ونصير الدين الطوسيّ (1201/597-1274/672)، ونجم الدين دبيران الكاتبيّ القزوينيّ ، ولعلّه أكثر عملًا من غيره في علم المنطق، والذى أصبحت رسالته الشمسيّة متنًا تعليميًّا طوال قرون.
ومنهم: سراج الدين الأرمويّ (1198/594-1283/682)، وابن كمّونة (1225/624-1284/683)، وشمس الدين محمَّد الكيشيّ (1236/615-694 / 1295)، وشمس الدين محمَّد السمرقنديّ (1240-1304 م)، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى نجد القرن السابع قرنًا ذا فِتَن كثيرة للعالم الإسلاميّ ، ففي القرن الذى كانت هجمة المغول على الأراضي الإسلاميّة وثقافتهم، عاشت فيها الحضارة الإسلاميّة هذه الغارات المدمّرة، فإنّ هزيمة هذه الثقافة تجاه سلطة الثقافة المغوليّة، كان
ص: 16
بإمكانها أن تكون بدء دورة نكبة للعالم الإسلاميّ والثقافة والفكر الإسلاميّ ، وبعد استيلاء المغول الباعث على اليأس كان يسمع تدريجًا صوت مكافحة المنطق؛ وإن كان قد كتب الغزاليّ في هذا المجال، في القرن الخامس، كتاب تهافت الفلاسفة في نقد الفلاسفة وتكفيرهم، أو كتب عبد الكريم الشهرستانيّ (1068/460-1153/547) كتاب مصارعة الفلاسفة في هذا المضمار، إلّا أنّ المنطق آنذاك كان ذا منزلة مهمّة، وأنّ الغزاليّ نفسه كتب في هذا العلم كتبًا عدّة، مثل: محكّ النظر، ومعيار العلم، والقسطاس المستقيم، ومنطق مقاصد الفلاسفة، ومنطق المستصفى من علم الأصول؛ ولكن في النصف الثانى من القرن السابع وبداية القرن الثامن، فنّد تقيّ الدين أبو العباس أحمد ابن تيميّة (1262/661-1328/728) هذا العلم في كتابه الردّ على المنطقيّين، وفي مجموع الفتاوى قام بمواجهة مباني هذا العلم.
وكان يرى العلّامة الحلّيّ - الذى كان متكلّمًا - أنّ الفرارَ من المنطق، هو بداية الرؤية القشريّة غير المتعمّقة إلى الفكرة الدينيّة، وورود الأفكار السخيفة المزيجة بالخرافات، في ساحة التفكير الدينيّ ، ومن هنا كثر اهتمام العلّامة بتنمية علم المنطق بوصفه بنيانًا مرصوصًا تجاه الرؤية القشريّة في الفكر الدينيّ ، والذى كان يهدّد الفكر الدينيّ كَسَيل جرّار؛ فإنّ العلّامة الحلّيّ علاوة على الكتب الكثيرة التى عملها في المنطق، قد اهتم بتعليم بعض المناطقة الكبار وتربيتهم، كقطب الدين الرازيّ .
كما يمكننا أن نعلّل نظرية البنيويّة المتشدّدة للعلّامة في التوجيه بنفس هذا الطابع الكلاميّ له؛ فإنّه رحمه الله حفاظًا على إحكام العقائد الدينيّة وتثبيتها كان يحتاج إلى ميزان ومعيار يميّز به الغثّ من السمين، فإنّ العقلانيّة عند العلّامة الحلّيّ تحافظ على أصالة التفكير الدينيّ ، كما أنّ التأكيد على نظريّة البنيويّة المتشدّدة يصعب معه إثبات الآراء الكلاميّة، لكن الإيمان بحقّانيّة المعارف الدينيّة الأصيلة صار سببًا لأنْ يضع العلّامة
ص: 17
آراءه الكلاميّة على ميزان المنطق ويزنها به؛ لأنّ المنطق هو آلة معتمدة في ردّ الآراء الالتقاطيّة والأفكار السخيفة.
ونظريّة البنيويّة المتشدّدة قد تبنّاها نصير الدين الطوسيّ الذى كان أستاذ الحلّيّ في المعقول، في شرح الإشارات وتجريد المنطق.
ومن الجهة التاريخية فإنّ أوّل من طرح نظريّة البنيويّة في مبحث التوجيه، هو أرسطو في كتاب التحليل الثاني أو البرهان لمكافحة التشكيكات السوفسطيّة، وبناءً على ما تبنّاه أرسطو، نستطيع أن نستنتج العلم النظريّ من العلم البديهيّ من خلال تنظيم الأقيسة؛ كما أنّ البديهيّ كان منحصرًا عنده في المحسوسات والأوّليات.
فالعلماء المسلمون قد توسّعوا في نظريّة البنيويّة الأرسطيّة بشكلٍ معتدل وبلغوا بأقسام البديهيّ إلى ستّة أقسام، فالبديهيّ بناءً على هذا أعمّ من الأوّليّ .
الطوسيّ يبرهن على تساوق الأوّليّ والبديهيّ ؛ فإنّه يقول في مبحث مبادئ البرهان: «ومبادِئهُ ستة: الأوّليّات والمحسوسات والمجرّبات والمتواترات والحدسيّات والقضايا الفطريّة القياس»، ثمّ يقول: «والأخيرتان ليستا من المبادئ، بل واللّتان قبلهما أيضًا، والعمدة هي الأوّليات»(1). ونرى أنّ الطوسّي في عدوله عن بنيويّة السلف المعتدلة إلى بنيويّة متشدّدة، قلق بالنسبة إلى صلابة الفكر الدينيّ وعمقه، وقد أجادَ الحلّيّ في هذه النقطة، وقام ببسطها.
إنّ للعلّامة الحلّيّ آراء منطقيّة كثيرة خاصّة به، نختار واحدة منها للبسط والتوضيح، وهى إبداع قسم خامس في تقسيم القضيّة من حيث الموضوع.
ص: 18
وتوضيح ذلك: أنّ أرسطو (384 ق. م - 322 ق. م) في بداية كتاب التحليل الأول أو القياس قد عدّ أقسام القضيّة من الحيثيّة المذكورة ثلاثة: المهملة، والكلّيّة، والجزئيّة، وظاهر هذا التقسيم ثلاثىٌّ ، إلّا أنّه ثنائيٌّ في واقع الأمر؛ وذلك لأنّ الكلّيّة والجزئيّة قسمان للقضيّة المسوّرة. قد زيد على هذا التقسيم بعد أرسطو القضية الشخصيّة التى كان أرسطو تحدّث عنها في كتاب العبارة، والتقسيم الثلاثيّ شاع بين المنطقيّين إلى القرن السابع.
وتحدّث ابن سينا في توضيح أقسام القضيّة الحمليّة عن قضية «الإنسان عامّ ». ولم يعدّ مناطقة القرن السابع الذين كانوا يتّبعون نظام المنطق ذي القسمين، أمثال الأرمويّ في الإيضاح، والأبهريّ في آثاره، تلك القضيّة قضيّة مهملة؛ وذلك لأنّ المهملة لم يوجد لها سورٌ، إلّا أنّها قابلة للسور، والحال إنّ قضية «الإنسان عامّ » لا يقبل السور. إذن سمّوا مثل هذه القضيّة قضيّة طبيعيّة، وزادوا في التقسيم الثلاثيّ قسمًا رابعًا، وقد شاع التقسيم الرباعيّ برغم مخالفة بعض المنطقيّين التابعين لنظام المنطق ذي الأقسام التسعة كالطوسيّ وغياث الدين الدشتكيّ (1462/866-1542/949) في القرون التالية(1). أمّا العلاّمة الحلّيّ رحمه الله فقد سمّى هذه القضية «عامّة» بدلاً من «طبيعيّة»، وعدَّها قسمًا خامسًا سمّاه الطبيعيّة(2).
وللجواب عن سؤالٍ حول مفاد القضية الطبيعيّة عند الحلّيّ - كقسم خامس للقضايا - والذى يجب التحرّز عن خلطها بالطبيعيّة عند القوم ؟ يجب أن نبحث عن جواب لهذا السؤال في تحليل الطوسيّ للقضية المهملة؛ فإنّ الطوسيّ قد انتفع بتمييز الأقسام الثلاثة
ص: 19
للقضيّة (أعني المخصوصة والمهملة والمسوّرة) بالاعتبارات الثلاثة للماهيّة: باعتبار أنّ الماهيّة مع تقييدها بالخصوص (هذا الإنسان مثلًا) موضوع للمخصوصة، ومع تقييده بالتبعيض أو التعميم (كلّ وبعض) موضوع للمسوّرة، وباعتبارها من حيث هي من دون أىّ تقييدٍ موضوع للمهملة، كقولنا: «الإنسان ساعٍ ».
ويمكن لنا نقد هذا التحليل بأنّ الماهيّة إذا أخذت موضوعًا من دون أي تقييد، فها هنا احتمالان: إمّا أن يكون الحكم للماهيّة العامّة من حيث هي هي (أي بالحمل الأوّلي وكمفهوم عام)؛ أو إنّ الحكم لمصاديقها؛ الشقّ الأوّل هي التى سمّاها المناطقة التابعون للنظام ذي القسمين في القرن السابع (قضيّة طبيعيّة)، وسمّاها العلّامة الحلّيّ (قضية عامّة)، وأمّا إذا كان الحكم للمصاديق، وكان ملاكه الطبيعة من حيث هي، فالحكم في القضية شامل يعمّ جميع الأفراد؛ لأنّ «ما صحّ على الطبيعة صحّ على الأفراد»، فالعلّامة رحمه الله في ضوء هذه النقطة المهمّة عدَّ هذه القضيّة قسمًا منفردًا وسمّاها القضيّة الطبيعيّة.
النسبة بين المحمول والحكم وبين الموضوع عند العلّامة الحلّيّ ثلاثة أقسام: الأوّل: أن ينظر إلى تلك الطبيعة من حيث هي هي، ويحكم عليها بالمحمول، وتسمّى القضيّة الطبيعيّة؛ الثانى: أن ينظر إليها من حيث إنّها تقع على الكثرة، وهى المأخوذة بمعنى الكلّيّ العقليّ ، وهذه هي التى سمّاها القضيّة العامّة، كقولنا: «الإنسان نوع»، و «الحيوان جنس»؛ الثالث، أن ينظر إلى الكثرة من حيث إنّ تلك الطبيعة مقولة عليها، وهذا القسم يمكن تقسيمه باعتبار انضمام القيد والسور وعدمه إلى المهملة أو الكلّيّة أو الجزئيّة(1).
وبناءً على هذا لا داعيَ إلى اعتبار الحقيقية والخارجيّة، والتي اعتبرها فخر الدين الرازيّ وشيخ الإشراق، تلميذا مجد الدين الجيليّ ، وأوصلها الأبهريّ إلى مبحث القضايا الحقيقيّة والخارجيّة والذهنيّة.
ص: 20
وميزة الكلّيّة والطبيعيّة في مصطلح العلّامة الحلّيّ توضّح لنا الفارق بين القضايا الكلّيّة في أمثال العلوم التجريبيّة والتاريخ، وبين القضايا الكليّة الميتافيزيائيّة في القضايا الطبيعيّة، بما أنّ الطبيعة هي مناط الحكم، فتضادّ الحكمين تناقض، ولا يكون أثر لكونها ممتنعة تجريبيًّا. والقضايا الطبيعيّة في مصطلح العلّامة تشبه القضيّة الكلّيّة عند لايب نيتس، والتي - وفقًا لها - إذا عرفنا الموضوع، فالمحمول يكون في ضمن الموضوع بالحمل الأوّلي.
وإبداع العلّامة في اعتبار القضيّة الطبيعيّة - بحسب مصطلحه - لم يلفت نظر المناطقة المتأخّرين، ولكنه لفت أنظار الأصوليّين. ويجب أن نعلم أنّه قد يختلط مصطلح الطبيعيّة عند بعض الأصوليّين، ويشتبه عليهم المصطلحان: الطبيعيّة في مصطلح القوم - والتى سمّاها العلّامة: عامّة - والطبيعيّة في مصطلح العلّامة، فإنّهم - أي القوم - أرادوا بالطبيعيّة - في مبحث كون الأحكام الشرعيّة قضايا طبيعيّة - الطبيعيّةَ في مصطلح العلّامة؛ ولأنّه قد يُتلقَّى مساويًا للقضيّة الحقيقيّة في مصطلح القوم، قد يُستعمل مصطلح الحقيقيّة في هذا المبحث، ولعلّ المناطقة المتأخّرين حسبوا أنّ الطبيعيّة في مصطلح العلّامة هي نفسها الحقيقيّة في مصطلحهم، ولذلك أعرضوا عن نظريّة العلّامة.
توضِّح المقارنة بين مراصد التدقيق والأسرار الخفيّة لنا أمورًا عدّة. فقد كتب ابن سينا في قسم المنطق من كتاب الإشارت الذى يعدّ أوّل كتاب في المنطق كُتب في أسلوب المنطق ذي القسمين، في عشرة مناهج؛ قد حذف منها مبحث المقولات، وقدّم مبحث الحدود على مبحث القضايا، وقد اكتفى من مبحث الصناعات الخمسة بالبرهان والمغالطة، وقد كتب المناطقة التابعون لأسلوب المنطق ذي القسمين في القرن السابع كتبهم في المنطق في مقدّمة ومقصدين وخاتمة أو أكثر، وحاولوا أن يؤكّدوا منهجهم، وهو
ص: 21
أنّ المنطق يجدر به أن يقسّم قسمين، أعنى مباحث المعرّف ومباحث الحجّة، من خلال تبويب كتبهم أيضًا. أمّا العلّامة رحمه الله فقد بوّب مراصده في أربعة مقاصد: إيساغوجي (جعل إيساغوجي مقصدًا بدل أن يجعله مقدّمة)، والقضايا وأقسامها، والقياس، والبرهان والجدل. مضافًا إلى أنّه - خلافًا للإشارات والمصادر الأخرى في منهج المنطق ذي القسمين ووفاقًا للمصادر التى دُوِّنت في منهج المنطق ذى الأقسام التسعة - جعل مبحث الحدود ضمن البرهان.
لكنّ الوضع يختلف في الأسرار الخفيّة اختلافًا واضحًا؛ فقسم المنطق من الكتاب دُوّن في ستّة مقالات، وإنّ العلّامة جعل البحث عن القول الشارح والحدود بحثًا مستقلًّا، وقدّمه على بحث القضايا، كما فعله ابن سينا في الإشارات، واكتفى في مبحث الصناعات الخمسة بالبرهان والمغالطة كذلك. دراسة ما يحويه الكتابان ترشدنا إلى أنّه من المحتمل أن العلّامة عند كتابته المراصد قد تأثّر بنصير الدين الطوسيّ ؛ كما أنّه عند كتابة الأسرار الخفيّة كان متأثّرًا بالكاتبيّ القزوينيّ ، كلّ ذلك مع احتفاظه باستقلاله في آرائه المنطقيّة، والله أعلم.
قد كتبت هذه النقاط تأديةً لحقّ الشكر للصديق العالم حجَّة الإسلام والمسلمين الدكتور محمَّد غفوري نژاد كي تكون مقدّمة لكتابٍ مهمٍّ من الكتب المنطقيّة للعلّامة الحِلّيّ ، أعنى كتاب (مراصد التدقيق ومقاصد التحقيق).
أشكر الله سبحانه وتعالى على توفيقه له في إخراج الكتاب، وأسأله المزيد من التوفيقات لسماحته، والرحمة والمغفرة لروح العلّامة الحِلّيّ .
أحد فرامزر قراملكيّ
جامعة طهران
1437 ه -
ص: 22
ص: 23
ص: 24
مقدمة التحقيق
العلّامة الحِلّيّ (1)، هو أبو منصور، الحسن بن يوسف بن علّي بن المطهّر الحِلّيّ (ت 726 ه -) فقيه، أصوليّ ، متكلّم، منطقيّ ، رجاليّ ، محدّث، أديب، شاعر(2)، ومفسّر شيعيّ كبير، وهو الملقّب ب - (العلّامة)، وهو أشهر من أن يحتاج إلى التعريف، وفي الأعوام الأخيرة أُلّفت حول شخصيّته رسائل علميّة شاملة جديرة بالاهتمام(3)، ولذلك
ص: 25
سنصرف النظر عن التعريف به وبيان سيرته، ونكتفي ببيان مختصر لمؤلّفاته العديدة في علم المنطق، ثمّ نتعرّض لبيان منهجه المنطقيّ ، وآرائه المنطقيّة، ثمّ نتحدّث عن الكتاب الذي بين أيدينا، ووفاقًا لمطالبَ :
اشتهر العلّامة بكثرة مؤلفاته في مختلف العلوم، ولحسن الحظّ اعتنى الباحثون في السنوات الأخيرة بتراثه المعرفيّ ، ونُشرت بحوث تشتمل على عنوانات مؤلّفاته بالتفصيل، مع ذكر فهرس النُسخ الخطيّة وأماكن حفظها(1)، ومن بين هذه المؤلّفات نشير إلى كتاب مكتبة العلّامة الحلّيّ للمرحوم السيِّد عبد العزيز الطباطبائيّ الذي يضمّ فهرسًا لمؤلّفات العلّامة اشتمل على 120 مؤلَّفًا، ويذكر نسخها الخطّيّة المكتوبة حتى القرن العاشر الهجريّ مع أسماء المكتبات التي تحتفظ بها.
ويذكر الشيخ فارس الحسّون في مقدّمة كتابه (القواعد الجليّة) معلومات في هذا المضمار، وقد أفاد من كتاب الطباطبائيّ المذكور أيّما إفادة.
وأمّا الباحثة الألمانيّة (سابينه اشميتكه) فقد تتبّعت في ملحق الفصل الثاني من كتابها - الذي ألّفته قبل نشر كتاب الطباطبائيّ - النسخ الخطيّة، وأحصت 126 من
ص: 26
مؤلّفات العلّامة، وما امتازت به من الطباطبائيّ هو إفادتها بنحو أكبر من المكتبات والفهارس الغربيّة.
ونكتفي هنا بذكر مؤلّفات العلّامة في المنطق، مستفيدين من الفهارس المذكورة؛ لكي تتّضح مكانة العلّامة في علم المنطق، ونُرجع القارئ الكريم إلى المصادر الموسّعة إذا رغب في زيادة الاطّلاع على تراث العلّامة الحلّيّ في سائر المجالات.
ويمكن تقسيم مؤلّفات العلّامة المنطقيّة على قسمين:
أ. المؤلّفات في علم المنطق حصرًا.
ب. المؤلّفات الفلسفيّة التي تشتمل على عدّة أقسام، وربما اشتملت على قسم مخصّص للمنطق.
القسم الأوّل يشمل الموارد الآتية:
القواعد الجليّة في شرح الرسالة الشمسيّة: أتمّها في ربيع الآخر سنة 679 ه -، وهي شرح على الرسالة الشمسيّة من تأليف الكاتبيّ القزوينيّ ، وهو من أساتذة العلّامة، وقد طبعت بتحقيق الأستاذ فارس الحسّون، يقول العلّامة في آخر هذا الكتاب: «فهذا آخر ما أردنا إيراده في شرح هذه الرسالة، وقد قصدنا فيه الإيضاح، ولم نتعرّض لذكر ما هو الحقّ عندنا إلّا في مواضع قليلة، وتركنا ذلك إلى كتاب الأسرار»(1).
الجوهر النضيد في شرح منطق التجريد: شرح على منطق التجريد للخواجة نصير الدين الطوسيّ ، طُبع في مدينة قمّ بإشراف محسن بيدارفر في سنة 1984 م، ويُحتمل أنّ تاريخ تأليفه بعد سنة 680 ه -؛ لأنّه يذكر في هذا الكتاب
ص: 27
فقط كتابين من كتبه وهما: الأسرار(1)، والمناهج(2)، والمناهج ألّفه سنة 680 ه -، والأسرار قبله.
نهج العرفان في علم الميزان: ذكره العلّامة في الخلاصة(3)، وكذلك في إجازة المهنأ بن سنان، وبيّن أنّه مجلّد واحد، كما ذكر هذا الكتاب في المراصد أيضًا(4).
كاشف الأستار في شرح كشف الأسرار: وعلى ما يبدو هو شرح على كشف الأسرار عن غوامض الأفكار للخونجيّ ، والعلّامة يذكره في كلا الفهرسين(5)، وفي إجازة المهنأ يذكره أنّه مجلّد واحد.
النّور المُشرق في علم المنطق: يذكره وحَسْب في إجازة المهنّا، ويذكر أنّه مجلّد واحد.
الدّرّ المكنون في شرح علم القانون: يذكره العلّامة في الخلاصة، وإجازته للمهنأ.
أمّا القسم الثاني فهو يشمل:
الأسرار الخفيّة في العلوم العقليّة: وهو - بحسب الظاهر - أوّل كتاب فلسفيّ للعلّامة، ويشتمل على ثلاثة أقسام: المنطق، والطبيعيّات، والإلهيّات. يقول العلّامة في مقدّمة كتابه (غاية الوصول): إنّ الأسرار والمناهج هما أوّل كتابين ألّفهما في الفلسفة والكلام(6).
ص: 28
وقد حُقِّق هذا الكتاب وصُحِّح لأوّل مرّة من قِبَل الدكتور حسام محيي الدين الآلوسيّ والدكتور صالح مهدي هاشم، ومن ثَمّ حُقِّق ثانية من قبل مركز الدراسات والبحوث الإسلاميّة في مدينة قمّ .
إيضاح المقاصد من حكمة عين القواعد: عين القواعد كتاب في علم المنطق ألّفه الكاتبيّ القزوينيّ (متوفّى 675 ه -)، وبعد أن انتهى من تأليفه أضاف إليه - بناءً على طلب تلامذته - رسالة في الطبيعيّات والإلهيّات، وسمّاه حكمة العين، والعلّامة شرح كتاب: حكمة العين، وهذا الكتاب طُبع بطهران سنة 1999 م، بإشراف ع. منزوي.
المقاومات [الحكميّة]: ذكره العلّامة في الخلاصة قائلًا: «باحثْنا فيه الحكماء السابقين، وهو يتمّ مع تمام عمرنا»(1).
تنقيح الأبحاث في العلوم الثلاثة(2): ويحتمل أنّه غيَّر تحرير الأبحاث في معرفة العلوم الثلاثة؛ لأنّه في نسخة الخلاصة التي اعتمدها العلّامة المجلسيّ في كتاب البحار ذكر كِلا الكتابين، وفي نسخة الخلاصة المتوافرة لديّ لم يذكر أيّ واحد منهما.
كشف الخفاء من كتاب الشفاء: ذكره في الخلاصة(3) وإجازته، وذكر في إجازته أنّه مجلّدان.
المحاكمات بين شرّاح الإشارات: ذكره في الخلاصة(4)، وذكر في إجازته أنّه
ص: 29
ثلاث مجلّدات، وتوجد نسخة منه في مكتبة أحمد ثالث في تركيا.
إشارات إلى معاني الإشارات: أحد شروح العلّامة الثلاثة على الإشارات، ذكره في بعض نسخ الخلاصة، وفي الإجازة التي اعتمدها في البحار.
إيضاح المعضلات من شرح الإشارات: ذكره في الخلاصة والإجازة، ويبدو أنه شرح على شرح الخواجة نصير الدين الطوسيّ على إشارات الشيخ الرئيس ابن سينا.
بسط الإشارات: أحد شروح العلّامة الثلاثة على الإشارات، ذكره في: الإجازة والخلاصة.
كشف التلبيس وبيان سير [سهو] الرّئيس(1).
إيضاح التلبيس من كلام الرّئيس: ذكره في الخلاصة(2) وقال: باحثنا فيه الشيخ ابن سينا. ويحتمل أن يكون نفس كتاب: كشف التلبيس في بيان سير [سهو] الرئيس المذكور في الإجازة، وبأنه مجلد واحد.
تحرير الأبحاث في معرفة العلوم الثلاث في المنطق والطبيعيّات والإلهيّات: يذكر العلّامة في كتاب المراصد هذا الكتاب ثلاث مرّات على أقلِّ تقدير(3).
ص: 30
تحصيل الملخّص: هو بحسب الظاهر شرحٌ على الملخّص للفخر الرازيّ ، ويشتمل على المنطق والحكمة.
حلّ المشكلات من كتاب التلويحات، أو كشف المشكلات من كتاب التلويحات: ويحتمل أنّ كليهما كتاب واحد، ويحتمل أنّه شرح على تلويحات شيخ الإشراق في المنطق والحكمة.
مراصد التدقيق ومقاصد التحقيق في المنطق والطبيعيّات والإلهيّات: وسيأتي الحديث عنه بالتفصيل.
كان العلماء المسلمون يقومون بتعليم علم المنطق بمنهج يتكوّن من تسعة أقسام، وهو متأثّر بكتاب (أرغنون) لأرسطو(1)، وهذه الأقسام التسعة عبارة عن: قاطيوغورياس أو المقولات، باري إرمانياس أو العبارة، أنالوطيقا الأولى أو التحليلات الأولى، أنالوطيقا الثانية أو التحليلات الثانية (البرهان)، طوبيقا أو الجدل، سوفسطيقا أو السفسطة، ريطوريقا أو الخطابة، بويطيقا أو الشعر، إيساغوجي (= المدخل). ويعدُّ ابن سينا في كتاب الإشارات أوّل من تجاوز هذا التقليد ذا الأقسام التسعة في تدوين المنطق، وأسّس منهجًا منطقيًّا جديدًا ذا قسمين، ومن خلال هذا الإبداع قدّم بحوث المنطق في قسمين: الأوّل المعرّف والثاني الحجّة. وبعض المنطقيين الذين جاؤوا بعده
ص: 31
اتّبعوا منهجه ودوّنوا مؤلّفاتهم المنطقيّة في قسمين، وبعض آخر مزجوا هذين المنهجين ودوّنوا منطقهم بنحوٍ مركّب وملفّق بينهما(1).
ومن أجل مطالعة منهج تدوين المنطق لدى العلّامة وتحليله، يتوافر عندي مصدران منطقيّان للعلّامة، أحدهما كتاب الأسرار الخفيّة، والآخر مراصد التدقيق. وأمّا الجوهر النضيد، والقواعد الجليّة، فبما أنّهما شرح لكتب غيره، فهما يتّبعان أسلوب مؤلّفَيْهِما.
قد سلك العلّامة الحلّيّ في كتابه (الأسرار الخفيّة) مسلك المنطق ذا القسمين؛ فقد خصّص فصلين أصليّين للقول الشارح والحجّة، كما ويعدُّ تقديم بحث الدلالة بمنزلة أحد المباني الدلاليّة في علم المنطق(2)، وتقديم النسب الأربع بصورة مستقلّة(3)، وكذلك بحث العكس بصورة مستقلّة، والاكتفاء بذِكْر البرهان والمغالطة من بين الصناعات الخمس، كلّ هذه من علامات المنهج المنطقيّ ذي القسمين الذي يُلاحَظ في الكتاب المذكور(4).
وأمّا ترتيب فصول كتاب المراصد فهو يشير إلى المنهج المزجيّ [التركيبيّ ]، وهو تركيب من منهج تدوين المنطق التساعيّ والثنائيّ (5)، إذ اتّخذه منهجًا في هذا الكتاب؛ على الرغم من أن النسخة الوحيدة المتوافرة من هذا الكتاب ناقصة، ولم يبقَ منها من قسم الصناعات الخمس سوى كتاب البرهان وشيء من كتاب الجدل.
ص: 32
لا بأس أن نستعرض هنا آراء العلّامة ونظريّاته الخاصّة في علم المنطق باختصار، والجدير بالذِّكْر أنّ تحليل آراء العلّامة المنطقيّة مبنيّ على أساس أربعة من مؤلّفاته وهي: الجوهر النضيد، والقواعد الجليّة، والأسرار الخفيّة، ومراصد التدقيق. وفي بيان هذه الآراء اقتصرنا على الخلافات المنطقيّة بين الخواجة نصير الدين الطوسيّ والفخر الرازيّ ، لأنّهما شرحا كتاب الإشارات والتنبيهات لابن سينا.
والرازيّ ناقش كثيرًا من آراء ابن سينا، أما الخواجة فقد أجاب على مناقشات الرازيّ في شرحه. وبما أنّ العلّامة درس عند الخواجة، فمن خلال دراسة موقف العلّامة الحلّيّ في مواضع الخلاف بين الشارحَين المذكورَين، نستطيع معرفة منزلة العلّامة في علم المنطق، ومدى تأثّره بأستاذه الخواجة الطوسيّ أو استقلاله في آرائه المنطقيّة.
ونوقشت من قَبْلُ آراء العلّامة الحلّيّ المنطقيّة في جامعة طهران ضمن رسالة ماجستير قدّمها حسين محمَّد خاني تحت إشراف الدكتور أحد فرامرز قراملكي، في سنة 2002 م، وأفدت من الرسالة المشار إليها في تدوين هذا القسم من المقدّمة.
بساطة التصديق أو تركيبه: وقع خلاف في بحث بساطة التصديق أو تركيبه بين الخواجة والفخر، فالفخر يرى أنّ التصديق مركّب(1) والخواجة يرى أنّه بسيط(2)، والعلّامة يرجّح في هذا البحث رأي أستاذه، ويذهب إلى بساطة التصديق(3).
ص: 33
موضوع المنطق: في بحث موضوع المنطق نجد العلّامة يجعله التصوّر والتصديق في موضعٍ (1)، ولكنّه في موضعٍ آخر يرفض هذه النظريّة صراحةً ويستدلّ على بطلانها(2)، وفي موضع ثالث يجمع بين هاتين النظريّتين(3).
مهجوريّة الدلالة الالتزاميّة في التعريف: في بحث الدلالة الالتزاميّة ومهجورّيتها - الذي ادّعاه الفخر الرازيّ (4) - يتّبع العلاّمة أستاذه في شرح الإشارات(5) ولا يقبل بهذه المهجوريّة، ويعتقد أنّ دلالة الحدود الناقصة والرسوم هي دلالة التزاميّة، ولكن في جواب (ما هو) لا يمكن الاستفادة من ملزوم الشيء(6).
تقسيم اللفظ إلى المفرد والمركّب والمؤلّف: من البحوث التي وقع فيها الاختلاف هو بحث تقسيم اللفظ إلى المفرد والمركّب والمؤلّف، وبحسب ما ذكر الخواجة في شرح الإشارات(7) فقد أشكل بعضٌ على تعريف أرسطو للمفرد، ورأوا أنّ ألفاظًا من قبيل (عبد الله) خارجة عن هذا التعريف؛ ولهذا عرّفوا المفرد بأنّه: «الذي لا يدلّ جزؤه على جزء معناه»، وقال بعض آخر: إنّ جزء اللفظ إمّا أن لا يدلّ على أيّ شيء مطلقًا، فمثل هذا اللفظ هو المفرد، أو يدلّ على شيء ليس جزء معناه، ومثل هذا اللفظ هو المركّب، أو يدلّ على جزء معناه، ومثل هذا اللفظ سمّوه المؤلّف.
والخواجة لم يقبل هذا التقسيم، وبناءً على أنّ الدلالة تابعة لإرادة المتكلّم يقول:
ص: 34
«اللفظ إن أُريد بجزئه الدلالة على جزء المعنى من حيث هو جزؤه، فهو المركّب، وإلّا فهو المفرد؛ فيدخل فيه مثل (عبد الله) عَلَمًا، ضرورة عدم إرادة معنى ما من لفظي (عبد الله) على انفرادهما حين جُعلا جزأين من العَلَم لكن كلّ واحدٍ منهما يدلّ بإرادة أخرى، وقصد آخر لا من حيث هو جزؤه، ويكون حينئذٍ مركّبًا»، والعلّامة يتبع أستاذه ويرتضي تعريف أرسطو للمفرد، ويرفض هذا التقسيم(1).
المقول في جواب ما هو والواقع في طريق ما هو: وقع خلاف بين الخواجة والفخر في بحث الاختلاف بين «المقول في جواب ما هو» و «الواقع في طريق ما هو»، فالفخر يعتقد أنّ ذلك القسم من الذاتيّات الذي يؤخذ كجزء من التعريف في التعريف إذا ذُكرت على نحو الدلالة المطابقيّة في المقول في الجواب، تكون هي «المقول في طريق ما هو». وأمّا إذا ذُكرت بالتضمين في التعريف تصبح «داخلة في جواب ما هو»(2). ولكن الخواجة نصير الدين الطوسيّ في شرح الإشارات اعتبر «الداخل في جواب ما هو» بمعنى جزء الماهيّة (الجنس أو الفصل)، و «الواقع في طريق ما هو» اعتبره ذاتيًّا أعم (الجنس)(3).
وبرغم أنّ غالب المنطقيين اختاروا تفسير الفخر الرازيّ لهذه المفاهيم الثلاثة(4)، لكنّ العلّامة رجّح تفسير الخواجة، ورأى أنّ تفسير الفخر «ظنٌّ »، و «تغيير بلا فائدة»(5).
تعريف الحدّ: عرّف المناطقة الحدّ بتعريفات عدّة، فالشيخ عرّفه بأنّه: «قولٌ دالٌّ على ماهيّة الشيء»، والخواجة ارتضى هذا التعريف(6)، والعلاّمة في الأسرار يقول: فإنّ
ص: 35
أراد بالقول ما يكون مركّبًا، خرج عنه التحديد بالمفردات، وحينئذٍ من الحدّ ما هو قول، ومنه ما هو مفرد(1).
ويبدو أنّ لفظ «القول» يشمل المفرد أيضًا، وعليه لا يوجد خلل في جامعيّة التعريف، ومن شواهد هذا المدّعى أيضًا أنّ العلّامة نفسه في المراصد اختار تعريف الشيخ نفسه(2).
التعريف بالفصل والخاصّة: للعلّامة في بحث الحدّ والرسم الناقص بيانان: ففي الأسرار(3) يرى أنّ التعريف بالفصل وحده حدٌّ ناقصٌ وبالخاصة وحدها رسمٌ ناقصٌ . ولكنّه في القواعد(4) والمراصد(5) يرفض هذا الرأي، ويقول في القواعد: لا أقلّ في كلّ تعريف من معنيين من حقّهما أن يدلّ عليهما بلفظين.
أجزاء القضيّة الحمليّة: يوجد خلاف في باب أجزاء القضيّة الحمليّة بحسب البنية المنطقيّة - لا البنية اللغويّة - فالشيخ يرى أنّ الحمليّة تشتمل على ثلاثة أجزاء، وهي الموضوع والمحمول والرابطة [النسبة]. والفخر يرى أنّ ثلاثيّة أجزاء القضيّة الحمليّة تقتصر على القضايا ذات المحمول الجامد، ويعتقد أنّ المحمولات المشتقّة تقتضي بذاتها الارتباط بالموضوع، ولا حاجة في هذه الرابطة إلى واسطة.
والخواجة يُشكِل على رأي الفخر هنا، ولا يراه مقبولًا(6).
العلّامة في هذا البحث أيضًا يتبع أستاذه؛ فهو في القواعد يصرِّح بخطأ قول فخر
ص: 36
الدين الرازيّ ، ولكنّه في المراصد يختار طريقًا وسطًا، ويُطلق على القضايا التي يكون رابطها فعلًا أو اسمًا مشتقًّا، اسم «القضايا الثلاث غير التامّة»(1).
القضية العامّة: من آراء العلّامة الإبداعيّة في علم المنطق إضافة القضيّة العامّة إلى أقسام القضيّة الأربعة (من حيث الموضوع).
التوضيح: قسّم أرسطو القضيّة بحسب الموضوع على قسمين، المهملة والمسوّرة، وأضاف أتباعه حتى القرن السابع الهجريّ القضيّة الشخصيّة إلى هذين القسمين. ثمّ أضاف المنطقيّون القضيّة الطبيعيّة إلى الأقسام الثلاثة لتصبح أقسام القضيّة أربعة(2). وأخيرًا جاء العلّامة وأضاف القضيّة العامّة إلى الأقسام الأربعة، لتصبح الأقسام خمسة.
التوضيح: تقسيم القضيّة بحسب الموضوع عند المنطقيّين حتّى القرن السابع هو: إذا كان موضوع القضيّة جزئيًّا فالقضيّة شخصيّة. وإذا كان الموضوع كليًّا فهو لا يخرج عن حالتين: إمّا أن يقع نفس المفهوم موضوعًا، أو يُراد منه المصاديق. وفي الصورة الأولى القضيّة طبيعيّةٌ . وعلى الفرض الثاني أيضًا لا تخرج من حالتين: إذا كان نطاق شمول المصاديق محدّدًا فهي قضيّة مسوّرة، وإلّا فهي مهملة.
والعلّامة قد قسّم القضيّة الكليّة على ثلاثة أقسام: إذا كان المفهوم الكلّي مرادًا من حيث هو بيان للطبيعة من حيث هي هي، فالقضيّة طبيعيّة؛ وإذا لوحظ من حيث أنّه واقع على الكثرة (الكلّيّ العقليّ )، فالقضية عامّة؛ وإذا لوحظت الكثرة من حيث أنّ هذه الطبيعة تُطلق عليها؛ فإذا كان نطاق شمول المصاديق محدّدًا فهي مسوّرة، وإلّا فهي مهملة(3).
ص: 37
العلّامة في القواعد أيضًا في أثناء شرحه لكلام الكاتبيّ القزوينيّ يقول: «وقد أهمل المصنّف القسم الآخر من القضايا، وهي: التي حكم فيها على الماهيّة من حيث هي هي، ونحن نسمّي هذه القضيّة، القضيّة الطبيعيّة، والتي سمّاها المصنّف الطبيعيّة نحن سمّيناها القضيّة العامّة»(1).
العلّامة في الأسرار يرى خطأ ما يدّعيه بعض المناطقة كابن سينا والفخر الرازيّ (2) من أنّ القضايا الطبيعيّة مهملة(3)، وكذلك يستدلّ على الفرق بين المهملة والقضيّة العامّة(4).
مفاد القضيّة الموجبة الكليّة عامّ الإطلاق: من البحوث التي يمكن طرحها في هذا المجال هو تحليل مفاد القضيّة الموجبة الكلّيّة عامّة الإطلاق، وهو البحث الذي اشتملت عليه أكثر الكتب المنطقيّة بعد ابن سينا.
وهنا وقع خلاف بين الفخر والخواجة في تفسير كلام ابن سينا. فابن سينا يقول: «اعلم أنّا إذا قلنا: كل (ج ب)، فلسنا نعني به أنّ كلّيّة (ج) أو الجيم الكلّي هو (ب)...». وقد فسّر الفخر كلّيّة (ج) في هذا الكلام ب - «الكلّ المجموعيّ » والخواجة فسّره ب - «الكلّي المنطقيّ »؛ والحق هنا مع الفخر.
وأمّا العلّامة فإنه يضيف إلى التصوّريَن الخاطئَين المذكورَين في كلام ابن سينا، ثلاثة تصوّرات أخرى، ويقول: «لا نعني بقولنا: كلّ (ج) كلّيّةَ (ج)، أي الكلّيّ المنطقيّ ؛ ولا الكلّيّ العقليّ ولا الكلّ من حيث هو كلّ أي الكلّ المجموعيّ ؛ ولا ما حقيقته حقيقة
ص: 38
(ج)... ولا نعني به ما هو موصوف ب - (ج)... بل نعني به ما هو أعمّ ، بحيث يشمل ما حقيقته (ج) وما هو موصوف به»(1).
يتّضح من كلامه هذا أنّه يرجّح كلام الخواجة على كلام الفخر.
وللعلّامة في الأسرار(2) عبارة أوضح، فهو بعد أن يذكر التصوّرات الخاطئة التي يمكن أن تخطر للذهن يقول: «بل نعني ب - (كلّ ج) كلّ واحدٍ واحد ممّا يصدق عليه (ج) صدقًا بالفعل لا بالإمكان». وفي القواعد(3) لديه كلام شبيه بهذا.
القضايا الحقيقيّة، والخارجيّة، والذهنيّة: من البحوث المتفرّعة على تحليل الموجبة الكلّيّة، تقسيم القضايا إلى الحقيقيّة، والخارجيّة، والذهنيّة. يقول العلّامة: لا يصحّ تفسير كلّ (ج) في قولنا «كل (ج ب)» بالجيمات الموجودة في الخارج فقط (مفاد القضيّة الخارجيّة)؛ كما لا يصحّ تفسيره بكلّ ما لو وُجد كان (ج) (مفاد القضيّة الحقيقيّة)، بل إنّ المعنى المتعارف بين الجمهور من قولنا: كلّ (ج ب) أنّ كلّ واحد ممّا يقال عليه (ج) - إمّا تحقيقًا وإمّا فرضًا، سواء كانت الجيميّة ذاته أم صفته، وسواء كانت دائمة أم غير دائمةٍ ، وسواء كان موجودًا في الخارج أو في العقل أو في الفرض الذهنيّ - فما لا يمتنع وجوده لذاته فهو (ب)(4).
شروط التناقض: من موارد الخلاف الأخرى بين الفخر والخواجة شروط التناقض؛ وبحسب ما ذكره الخواجة في شرح الإشارات يعتقد الفخر أنّ كلّ شروط التناقض الثمانية إمّا أن ترجع إلى الموضوع أو إلى المحمول، وعليه تكون شروط التناقض
ص: 39
في الحقيقة اثنتين: وحدة الموضوع ووحدة المحمول(1). والفخر في الملخّص يتراجع عماّ قاله في شرح الإشارات، ويرى أنّ وحدة الزمان تختلف عن وحدة المحمول وعن وحدة الموضوع، وعليه يجعل شروط التناقض ثلاثة(2).
الخواجة يرفض رأي الفخر قائلًا: إنّ الأمور التى خصّصها الفخر بالموضوع فقط أو بالمحمول فقط يصلح لها اللحوق بكلّ منهما، فلا وجه إذن لتخصيص البعض منها بالموضوع والآخر بالمحمول؛ على أن الوحدات الثمانية قد تتعلّق بالحكم، دون طرفي القضية؛ إذًا لا يصحّ إرجاعها إلى أحد الطرفين.
العلّامة يُشكِل على الكاتبيّ القزوينيّ الذي تبع الفخر في إرجاع شروط التناقض الثمانية إلى شرطين، ولا يقبل هذا الرأي منه(3)، وهو في المراصد يرى أنّ شرط التناقض الوحيد هو اتّحاد القضيّتين في النسبة الحكميّة - باستثناء الكيف - ويتمّ هذا الاتّحاد بالأمور الثمانية(4).
وفي الأسرار(5) ينقل بالتفصيل جواب الخواجة على الفخر، ويرتضي رأي الخواجة، وفي الجوهر يتبع أستاذه الخواجة نصير الدين أيضًا، ولا يذكر شيئًا عن الاتّحاد في النسبة الحكميّة(6).
نقيض المطلقة العامّة الإطلاق: في باب نقيض المطلقة العامّة الإطلاق ذهب بعض القدماء إلى أنّ نقيض المطلقة هو المطلقة. بينما يمكن أن يختلف زمان القضيّتين وأن يكون
ص: 40
كلاهما صادقًا «مثل: كلّ إنسانٍ نائم بالفعل، وبعض الناس ليس نائمًا بالفعل»، وقد لجأ ابن سينا من أجل توجيه هذا الكلام إلى حَلَّين: الأوّل تفسير المطلقة بالعرفيّة؛ والثاني تقييد الموضوع بزمان معيّن، والخواجة أشكل على كِلَا الحَلَّين، ورأى بأنّه لا يمكن القبول بهما(1)، والعلّامة رأى فساد هذين الحَلَّين أيضًا متابعًا الخواجة في ذلك(2).
تعريف العكس المستوي: في بحث تعريف العكس المستوي ينقسم المنطقيّون إلى قسمين: فبعضهم كالشيخ(3)، والفخر الرازيّ (4)، وأثير الدين الأبهريّ أخذوا قيد «البقاء في الكذب» في تعريف العكس. وبعضهم كالخواجة(5) والكاتبيّ القزوينيّ (6) والعلّامة الحلّيّ (7) رأوا خطأ هذا القيد، مستدلّين بأنّه من الممكن أن يكون محمول القضيّة أو تاليها لازمًا بالمعنى الأعم.
ويجب التنبيه إلى أن قيد بقاء الكذب، بمعنى تبعيّة كذب الأصل لكذب العكس يمكن تسويغه.
تفسير عكس النقيض: البحث الآخر المطروح في هذا المجال هو رأي العلّامة في «عكس النقيض»؛ لأنّه يوجد في عكس النقيض رأيان، فالبعض كالشيخ الرئيس في الشفاء(8) ذكر رأيًا، يصطلح عليه المنطقيّون «عكس النقيض الموافق»، وهو جعل نقيض
ص: 41
المحكوم عليه مكان المحكوم به، ونقيض المحكوم به مكان المحكوم عليه، مع الموافقة في الصدق والكيف. والبعض الآخر مثل بهمنيار في التحصيل(1) ذكر أنّه جعل نقيض المحمول موضوعًا وعين الموضوع محمولًا مع المخالفة في الكيف (عكس النقيض المخالف).
فالعلّامة يقبل رأي ابن سينا، وأمّا الرأي الثاني فيراه في الأسرار والقواعد أخذ لازم الشىء مكان نفسه(2).
الشكل الرابع من القياس الاقترانيّ : في بحث القياس، يعدُّ اعتبار القياس الاقترانيّ من الشكل الرابع وإنتاج ثمانية ضروب من مختلطات هذا الشكل، رأيًا مهمًّا من آراء العلّامة(3)، وقد أدرج حسين محمَّد خاني آراء العلاّمة في القياسات المختلطة في جدول بحسب نظريّاته في كتبه الأربعة محلّ البحث، ولا يسعنا ذكره في هذا المختصر(4).
وقوع الحمليّة أو الشرطيّة، كبرى في القياس الاستثنائيّ : في بحث وقوع الحمليّة أو الشرطيّة كبرى في القياس الاستثنائيّ ، وهو من البحوث الخلافيّة بين الخواجة والفخر، للعلّامة رأي خاص؛ فالفخر لا يرى ضرورة كون الكبرى حمليّة إلّا في الموارد التي تكون فيها الشرطيّة مركّبة من حمليّتين، ويرى أنّه في سائر الموارد يمكن أن تكون الكبرى شرطيّة(5). والخواجة في أساس الاقتباس يرى ضرورة كون الكبرى حمليّة مطلقًا(6).
ويرى العلّامة الحلّيّ في المراصد: أنّه إن كانت الصغرى شرطيّة مركّبة من شرطيّتين، أو شرطيّة وحمليّة، بأن تكون الشرطيّة مقدمًا والحمليّة تاليًا، واستثنينا عين التالي، ففي
ص: 42
هذه الحالة بإمكاننا جعل الكبرى شرطيّة أيضًا؛ كما هو الحال إذا كانت الصغرى مركبّة من حمليّة كالمقدّم وشرطيّة كالتالي(1).
مطلب أيّ : في بيان المطالب الأصليّة والفرعيّة يرى ابن سينا في الإشارات أنّ «مطلب أيّ » من المطالب الأصليّة(2). والخواجة في شرح كلام ابن سينا يرى جواز كونها أصليّة أو فرعيّة، ويذكر وجهًا لكلّ واحدةٍ منهما(3). والعلّامة في الجوهر بعد أن يذكر مطلب (أيّ ) في المطالب الفرعيّة، يقول: «وقد يضاف إلى الأصول» (المصدر نفسه)، ولكنّه في الأسرار لا يذكر ذلك في المطالب الأصليّة، ويصرّح بكونه من المطالب الجزئيّة(4).
ترتيب المطالب: في بحث ترتيب المطالب يناقش العلّامة أستاذه، ولا يقبل قول أستاذه في تقديم هل المركبّة على ما الحقيقية(5).
ماهيّة البرهان الإنّيّ في الدليل: يوجد خلاف بين الفخر والخواجة في بيان البرهان الإنّيّ ، والعلّامة يقبل رأي الخواجة، وفي الأسرار(6) بعد تقسيم البرهان إلى الإنّيّ واللمّيّ وبيان ملاك ذلك، يقول: «ثمّ إن كان [الأوسط] معلولًا لوجود الحكم في الخارج فهو الدليل».
ص: 43
ألّف العلّامة هذا الكتاب - كما صرّح نفسه بذلك في مقدّمته - لخزانة سعد الدين صاحب الديوان؛ والهدف من تأليفه هو تجميع لبّ العلوم العقليّة الثلاثة، وهي المنطق والإلهيّات والطبيعيّات، وقد اتّخذ العلّامة في هذا الكتاب منهج الإيجاز والاختصار، وحذف التطويل والإكثار، وهو حينما يذكر هذه الملاحظة يُرجع من يريد التوسّع في البحوث إلى كتابه الآخر (تحرير الأبحاث في معرفة العلوم الثلاث).
وقد ذكر الحرّ العامليّ في كتابه أمل الآمل أنّ عنوان الكتاب هو مراصد التوفيق ومقاصد التحقيق(1). ولكنّ المذكور في الذريعة إلى تصانيف الشيعة(2)، وأعيان الشيعة(3)، يوافق نسخ الخلاصة الموجودة(4)، وهو مراصد التدقيق ومقاصد التحقيق؛ وبناءً على تصريح العلّامة في كتابه الخلاصة في القسم الذي خصّصه من هذا الكتاب لتعريف نفسه ومؤلّفاته أنّه حرّر هذا القسم في ربيع الآخر سنة 693 ه -، ويستظهر من ذلك أنّه بدأ كتابة المراصد قبل ذلك التاريخ، ولكن توجد شواهد تشير إلى أنّ عنوانات بعض الكتب قد أضيفت إلى كتاب الخلاصة بعد هذا التاريخ(5)، وعليه لا يتمّ الاستظهار المذكور باعتبارٍ كبير.
وعلى أيّ حال لا شكّ في نسبة هذا الكتاب إلى العلّامة؛ ومن الشواهد القطعيّة على
ص: 44
ذلك ذِكر اسم هذا الكتاب في الخلاصة، والإرجاعات المذكورة في مواضع من كتاب المراصد إلى سائر كتب العلّامة من قبيل تحرير الأبحاث ونهج العرفان(1)، وتطابق محتوى الكتاب مع آراء العلّامة الخاصّة في المنطق من قبيل إضافة القضيّة العامّة إلى التقسيم الرباعيّ التقليديّ السائد للقضايا، وهي: الشخصيّة، والطبيعيّة، والمهملة، والمسوّرة، وبناءً على رأي الباحث السيِّد عبد العزيز الطباطبائيّ في كتابه مكتبة العلّامة الحلّيّ - خلافًا لرأي بعض المحقّقين(2) - يوجد بالإضافة إلى قسم المنطق من كتاب المراصد، نسخة تشتمل على قسم الإلهيّات من الكتاب أيضًا، وكانت هذه النسخة موجودة في مكتبة فخر الدين نصيريّ ، وقد كُتبت هذه النسخة في سنة 700 ه -، وقبل عدّة سنوات كنتُ أبحث عن قسم الإلهيّات من الكتاب واتّصلت حينها بورثة المرحوم فخر الدين نصيري، ولكنّي لم أنجح في الحصول على تلك النسخة.
ولا تتوافر أيَّة معلومات عن قسم الطبيعيّات.
يشتمل قسم المنطق من كتاب المراصد - حسب ما تحتويه النسخة المشار إليها - على أربعة مقاصد، وهي بالترتيب: إيساغوجي، والقضايا وأحكامها، والحجّة، وأصناف القياس من جهة المادّة.
كلّ واحدٍ من هذه المقاصد يشتمل على عدّة مراصد، المقصد الأوّل فيه ثلاثة مراصد، المرصد الأوّل مخصّص لبيان ماهيّة المنطق وموضوعه، وكذلك مباحث الألفاظ. وفي المرصد الثاني يبحث المعاني المفردة (الكلّيّ ، والجزئيّ ، والنسب الأربعة،...) وفي المرصد الثالث يبحث القول الشارح.
ص: 45
المقصد الثاني من الكتاب يشتمل على أربعة مراصد، وهي بالترتيب: جهات القضايا، والعدول والتحصيل، ومواد القضايا، وأحكام القضايا، والقضايا الشرطيّة.
المقصد الثالث يشتمل على خمسة مراصد، وهي بالترتيب: المقدّمات، وأنواع القياس، والمختلطات، والقياسات الشرطيّة، ولواحق القياس.
المقصد الرابع يشتمل على مرصدين، خصّصهما لبحث: البرهان، والجدل. والمرصد الثاني من هذا المقصد غير تامٍّ ، وكلّ واحدٍ من مراصد الكتاب يشتمل بدوره على فصول عدّة تشتمل بدورها على عدّة بحوث.
شمس الدين محمَّد الآويّ أو الآبيّ منسوب إلى مدينة آوة من المدن الشيعيّة القديمة الإيرانيّة في مجاورة مدينة ساوة المشتهرة بالتسنُّن والتعصب، قد احتمل بعض المحقّقين أنّ المترَجم له هو شمس الدين أبو يوسف محمّد بن هلال بن آبى طالب بن الحاج محمَّد بن الحسن بن محمَّد الآويّ الذي أجازه فخر المحقّقين في سنة 705 ه - مع أبي الفتوح أحمد بن بلكو(1)، وقد صّرح بعض آخر من الباحثين بتغايرهما(2). الرجل، كما يبدو من الشواهد، عالم فقيه، كان يصحب العلّامة الحلّيّ المرحوم وابنه فخر المحقّقين في القافلة العلميّة
ص: 46
التي كانت مع السلطان محمَّد خدابنده في أسفاره؛ فإنّ السلطان المحبّ للعلم جعل مدرسة سيّارة فيها مائة طالب يترأّسها العلّامة رحمه الله مرافقًا له في أسفاره.
يستظهر ممّا كُتب على ظهر بعض النسخ أنّ الآويّ صحب العلّامة وابنه فخر المحقّقين خلال ثمانية سنوات على الأقل بين عام 702 إلى 710 ه -. ق. قد كتب الآويّ بعض مؤلّفات العلّامة بخطّه وأخذ إجازات من العلّامة وفخر المحقّقين، ومن جملة تلك الكتب كتاب نهج المسترشدين في علوم الدين الذي استنسخه الآويّ في شهر ذي الحجَّة من عام 702 ه -، وقرأه عليه وأخذ إجازة من سماحته في رجب عام 705 ه - في كربلاء، وإليك نص الإجازة لِما فيها من الفوائد:
«قرأ عليّ هذا الكتاب الشيخ الأجلّ الأوحد، الكبير العالم الفاضل، المحقّق المدقّق، ملك العلماء، قدوة الفضلاء، رئيس الأصحاب، الفقيه شمس الدين محمَّد بن أبي طالب ابن الحاج محمَّد بن الحسن الآويّ - أدام الله إفضاله - من أوّله إلى آخره قراءةً مهذّبةً تشهد بفضله، وقد أجزت له رواية هذا الكتاب عنّي وغيره من مصنّفاتي. وكتب العبد الفقير إلى الله تعالى حسن بن يوسف ابن المطهّر مصنّف الكتاب في الحضرة الشريفة الحائريّة صلوات الله على مشرِّفها في مستهلّ شهر رجب من سنة 705 ه -، حامداً مصلِّياً».
كما أنّ فخر المحقّقين أصدر إجازة للآويّ بخطّه بجنب إجازة والده العلّامة رحمه الله(1).
ولفخر المحقّقين إجازة أخرى للآويّ على نسخة من كتاب مبادئ الوصول إلى علم الأصول لوالده العلّامة، تاريخ كتابتها عام 702 ه -(2).
ص: 47
ونعلم أيضًا أنّ الآويّ كتب قسمًا من كتاب المختلف للعلّامة في عام 704 ه -(1).
وفي عام 710 ه - قرأ الآويّ قسم المنطق من كتاب مراصد التدقيق ومقاصد التحقيق على العلّامة وفخر المحققين وأجازه كلّ واحدٍ منهما في شهر جمادى الثاني من تلك السنة، ستُلاحظ نص الإجازتين بخطّهما فيما بعد. العلّامة يمتدحه في إجازته، قائلًا:
«قرأ عليَّ هذا الكتابَ الأجلُّ الأوحد، العالم الفقيه، الفاضل الكبير، العلَّامةُ المحقِّق المدقِّق، ملِكُ العلماء، شمسُ الدِّين محمَّدُ بن أبي طالب الآويّ أدام الله إفضاله وكثَّر أمثالَه قراءة بحثٍ وإتقان، ومعرفةٍ وإمعان؛ وسأل عن مباحثه المشكلة منه.
وقد أجزتُ له رواية هذا الكتاب وغيرِه عنِّي، وليَروِ ذلك لمن شاء وأحبَّ .
وكتب العبدُ الفقير إلى الله تعالى، حسنُ بنُ يوسف ابن المطهَّر الحِلِّيّ مصنِّف الكتاب، في رابع جمادى الآخر، سنة عشرٍ وسبع مائة بالسلطانيّة حماها الله تعالى وصلَّى الله على سيِّدنا محمَّد وآله الطَّاهرين».
وفخر المحقّقين يمدحه أيضًا في إجازته، قائلًا:
«قرأ عليَّ مولانا ملِكُ الأئمَّة والعلماء، سيِّد الأفاضل والفقهاء، جامع الفضائل والأخلاق، رئيس الأصحاب، شمسُ الملَّة والدِّين، محمَّد بنُ أبي طالب بن الحاجِّ محمَّد الآويّ أدام الله فضائله كتابَ مراصد التدقيق ومقاصد التحقيق في العلوم الثلاث، تصنيف والدي أدام الله أيَّامه قراءةً كاشفةً أستارَه، موضِّحةً أسراره، مقرِّرةً دلائله، فَهِمَ ما أُلقيَ إليه وضبطه.
ص: 48
وقد أجزتُ له روايةََ هذا الكتاب وعدَّةٍ من مصَنَّفات والدي أدام الله أيَّامه عنِّي عنه، وأجزتُ أيضًا جميعَ مصنَّفاتي ومؤلَّفاتي ممَّا قرأَه واحتملَ روايتَه من مصنَّفات المشايخ المتقدِّمين، رضوان الله عليهم أجمعين.
وكتب محمَّدُ بنُ الحسن بن يوسف بن عليِّ بن المطهَّر الحِلِّيّ ، في جمادى الآخر سنة عشرٍ وسبع مائة بالسلطانيَّة.
والحمدُ لله وحده، وصلَّى اللهُ على سيِّدنا محمَّد النبيِّ وآله الطَّاهرين».
وأخيرًا قد حصل بعض الباحثين على نسخة من مجموعة حكيم اغلو في مكتبة السليمانيّة في تركيا (تحت رقم: 325) يزيد على معلوماتنا حول شخصية المجاز. يبدو ممّا كتب على النسخة أنّ المترجَم له كان يسكن، مدّة من الزمن، في مدرسة الإماميّة في قزوين. واستنسخ هناك كتاب الحاوي في الفقه لنجم الدين عبد الغفّار بن عبد الكريم الشافعيّ القزوينيّ (ت 665 ه -) في عام 707 ه - من نسخة بخطّ المؤلّف، ثمّ إنّه قابل النسختين وكتب بخطّه: «قابلتُ هذه النسخة بنسخة المصنّف على حسب الجهد والطاقة في أوائل شوّال سنة سبع وسبعمائة. حرّره صاحبه وكاتبه محمَّد بن أبي طالب الآويّ متَّعه الله به وبأمثاله بمحمَّد وآله».
ثمّ إنّ الآويّ قرأ ثلث الكتاب على ابن المؤلف محمَّد بن عبد الغفَّار (ت 709 ه -)(1)، وأخذ إجازة منه. وابن عبد الغفار هذا امتدح الآويّ في إجازته قائلا: «الصدر الإمام الكبير، الحَبر الهمام النحرير، ملك الأئمّة والعلماء، شمس الملّة والدين، فخر الإسلام والمسلين محمَّد بن أبي طالب الآويّ ، أدام الله فضائله».
وقد كتب الآويّ في نهاية النسخة فائدة في ذى الحجّة سنة 739 ه - في تبريز نعلم من خلالها أنّه كان حيًّا في هذا التاريخ(2).
ص: 49
بعد الفحص البليغ لفهارس المكتبات واستشارة خبراء الفن، لم نعثر على نسخة أخرى من كتاب المراصد عدا نسخة مكتبة جامعة طهران. إذن التصحيح والتحقيق الحالي تمّ على ضوء النسخة الوحيدة لقسم المنطق من الكتاب، وهي محفوظة في المكتبة المركزيّة للجامعة المشار إليها برقم 2301.
وقد قرأ النسخة شمس الدين محمَّد الآوي على العلّامة وابنه، وقد أجازه كلّ واحدٍ منهما بخطّه على ظهر الكتاب، وقد طبع آية الله السيِّد شهاب الدين المرعشيّ المرحوم، الصفحة الأولى منها في مقدّمة إحقاق الحقِّ كأنموذج من خط العلّامة رحمه الله، وذكر أنّه أخذ صورة هذه الصفحة من نصير الدين النصيريّ (1)، ويبدو أنَّ النسخة قبل انتقالها إلى مكتبة جامعة طهران، كانت من ممتلكات النصيريّ .
والظاهر أنّ الآويّ قرأها عليهما في مجلس واحد؛ لأنّ تاريخ صدور كِلتا الإجازتين المدوّن على ظهر كتاب المراصد هو جمادى الآخرة سنة 710 ه -، ومحلّ صدورهما هو السلطانيّة(2).
ص: 50
وقد امتلك هذه النسخة فتح الله الخواجگيّ الشيرازيّ ، ثمّ وهبها لولده همام الدين محمَّد في ذي الحجَّة سنة 767 ه -.
والنسخة الوحيدة الموجودة من منطق مراصد التدقيق تتكوّن من 220 صفحة، وفي حواشي المخطوطة تشاهد جملة «بلغت قراءته أيّده الله» من المصنّف (وربما تكون لفخر المحقّقين) في مواضع يبلغ عددها نحو 57 موردًا، وهذه الجملة توجد في الصفحات المئة والستين الأولى من الكتاب، وتختفي من الصفحات الستين الأخيرة (من أواسط الفصل الثالث، المرصد الرابع من المقصد الثالث الذي يبحث في القياس المركّب من الحمليّة والمتّصلة إلى نهاية النسخة)، وهذه أمارة على أنّ تلك النسخة لم تُقرأ كاملة على العلّامة، وزيادة نسبة الأخطاء في هذا القسم مقارنةً بالأقسام السابقة تؤيّد قولنا.
ويلاحَظ وجود حواشٍ على الكتاب مدوّنة في حياة العلّامة؛ لأنّها تشتمل في موارد عدّة على عبارة دام ظله(1)، وفي موارد أخرى تمّ تمييز حواشي العلاّمة على كتابه بعبارة «حاشية بخطّ المصنّف»(2)، وهذا يدلّ على أنّ هذه النسخة نُسخت بشكل مباشر عن نسخة المرحوم العلّامة أو عن النسخة التي قُرِئت عليه وهمّش عليها، ومن خلال هذه
ص: 51
النسخة نستنتج بأنّ هذه التعليقات ليست للعلّامة الحلّيّ ، وليس لدينا أيّ دليلٍ أو إشارةٍ عن كاتب هذه التعليقات.
ومن المؤسف أنّ هذه النسخة ناقصة، ولا تشتمل على البحوث المنطقيّة الأخيرة، ويحتمل أنّ العلّامة نفسه لم يُكمل هذا الكتاب؛ لأنّ نقص النسخة في الصفحات الأخيرة لا يبدو أنّه بسبب تلف الصفحات الأخيرة أو سقوطها أو أشياء من هذا القبيل، بل لم يدوّن الناسخ بقية المطالب، وهذا ربما يعود إلى عدم إتمام الكتاب من قِبَل العلّامة نفسه، وكلام العلّامة في ختام فهرس مؤلّفاته في كتاب خلاصة الأقوال يشهد لهذا الادّعاء(1).
بما أنّ القسم الأعظم من نسخة كتاب مراصد التدقيق، التي قد تمّ هذا التحقيق بمحوريّتها، قد قُرِئت على العلّامة وابنه فخر المحقّقين، فإنّها نسخة نفيسة وقليلة السقط والخطأ. ولكن ربّما يوجد فيها كلمات غير مقروءةٍ أو مخدوشةٍ ، وفي هذه الموارد التي تصعب فيها قراءة الكلمات، أو كان المصحّح يحتمل أن يكون ضبط الكلمة خلافًا لما رجّحه، قمنا بإدراج صورة تلك الكلمة في المخطوطة، وبحسب اطّلاعي فإنّ هذه هي المرّة الأولى التي تُتَّبع فيها مثل هذه الطريقة التقنيّة، وهي ممّا أبدعه مصحّح هذا الكتاب؛ لكي يحفظ للقارئ حقّ مشاهدة صورة الكلمة في المخطوطة الأصليّة وربّما قراءتها بشكلٍ أصحّ ، ولا يفرض عليه ذوق المصحّح.
ص: 52
وقد قام مركز تراث الحِلَّة بإدراج صور للبلاغات الموجودة على حاشية المخطوطة، مقتطعة من حواشي النسخة الأصليَّة، والتي بلغ عددها (60) بلاغًا: (22) منها وردت بصيغة (بلغت إقراؤُهُ أيَّده الله)، و (38) منها بصيغة (بلغت قراءته أيَّده الله).
وفي تصحيحنا للنّص استبدلنا أسلوب الخط القديم بالجديد من دون ذكره في الهامش؛ على سبيل المثال استبدلنا كلمة «قايِس» و «سايِل» إلى «قائِس» و «سائِل».
ومن أجل رعاية الأمانة التامّة في تصحيح التعليقات، قمنا بوضع أرقام التعليقات في الموضع نفسه الذي بدأت التعليقة منه في النسخة الأصليّة.
ص: 53
تمّ تصحيح القسم الأكبر من هذه النسخة قبل سنوات في إطار رسالةِ تخرّجٍ في مرحلة الماجستير بإشراف المرحوم الأستاذ الشيخ عبد الله نورانيّ رحمه الله والأستاذ المساعد الدكتور أحد فرامرز قراملكي، وكِلا الأستاذَين لهما حقٌّ كبير على الكاتب.
إنَّ إحياء هذه النسخة وتصحيحها جاء إثر اقتراح من الأستاذ فرامرز قراملكي، وقد تفضّل بمبادرة كريمة، وكتب مقدّمة للكتاب.
ولا يفوتني هنا أن أدعو الله سبحانه وتعالى للأستاذ نوراني بعلوّ الدرجات، وللأستاذ قراملكي بطول العمر، وأشكر مدير مركز تراث الحِلَّة سماحة الشيخ صادق الخويلديّ ؛ لتفضّله بقبول نشر هذا الكتاب ضمن سلسلة منشورات تراث الحِلَّة، والشكر موصول للأخ الفاضل المحقِّق والباحث أحمد عليّ مجيد الحِلِّيّ الذي قرأ النّصّ بأكمله بدقّة فائقة، وأبدى ملاحظَ قيّمة أفدت منها في التحقيق.
وقد كان لزوجِي دورٌ كبيرٌ في هذا العمل، فقد رافقتني باستمرار في نشاطاتي العلميّة، وكان لها الدور الأساس في مقابلة النّصّ وتنضيد الحروف، ففضلًا عن كونها وفّرت لي الأجواء المنزليّة الهادئة، فلها الشكر الجزيل على ما بذلته من جهود كريمة.
والحمدُ لله أوَّلًا وآخرًا
محمَّد غفوري نژاد
ص: 54
ص: 55
ص: 56
ص: 57
ص: 58
ص: 59
ص: 60
ص: 61
ص: 62
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
أحمدك اللّهمّ ، تقدّستَ وتعاليت، على ما أنعمتَ وأعطيت، وأشكُرُك على ما أسبغت(1) وأسدَيت(2)، وأسألك بعد الصّلاة والتّسليم على أشرف النفوس القدسيّة، وأكمل الذوات المطهّرة العليّة، محمّد المصطفى وعترته المرضيّة أن توفّقَنا لإصابة الحقّ وسلوك نهج الصّدق في هذا الكتاب الموسوم ب - (مراصد التدقيق ومقاصد التحقيق)، الّذي قد أجمعنا(3) على أن نحصِر فيه لبَّ العلوم الثّلاثة العقليّة، ونذكُرَ غُررَ(4) النّكتِ النّظريّة على سبيل الإيجاز والاختصار، وأن نحذفَ فيه التّطويل والإكثار؛ إذ جعلنا ذلك موكولًا إلى كتابنا الكبير المسمّى ب - (تحرير الأبحاث في معرفة العلوم الثلاث)(5)؛ وأن تُرشدَنا إلى نهج السّداد، وتسلكَ بنا سبيلَ الرَّشاد، إنّك خيرُ موفِّقٍ ومُعين.
ص: 63
وقد خدمت بهذا الكتاب بعد إتمامه وإنعام النظر(1) في نقضه وإبرامه خِزانةَ مولانا الصاحب الأعظم، المخدوم العالم المعظّم، مُسدي الفواضل السّنيّة(2)، منبع الفواضل الإنسيّة، جامع كمالات النّفس، المرتقي بنظره الثّاقب إلى حظيرة القدس(3)، المؤَيَّد من الله تعالى بكمال القوّتين(4)، والمخصوصِ منه تعالى بتحصيل الرّئاستين(5)، الحائز للقسط الأوفى من فضائل الأخلاق، والفائز بالسهم المعلّى من طيب الأعراق، أفضل النّاس على الإطلاق، صاحب ديوان الممالك شرقًا وغربًا، مَلك وزراء العالمين بُعدًا وقُربًا، سعدِ الملّة والحقّ والدّين أعزَّ الله بدوام دولته الإسلامَ والمسلمين، ولا زالت الأعيان لأوامره خاضعة، والقلوبُ من هيبته وخشيته خاشعةً ، ما تعاقب الملوان، وامتدّ الجديدان(6)، وسادَ أهلَ الجنّة الحسنان [عليهما السلام](7).
ص: 64
وفيه مقاصد:
ص: 65
ص: 66
ص: 68
وفيه فصول:
المنطق آلةٌ قانونيّة تعصم مراعاتها الذّهنَ عن الخطأِ في الفكر، والغرض منه الإصابة.
فإنّ العلم منه تصوّر، وهو الحضور الذّهنيُّ الساذَج، وقد يؤخَذ مطلقًا(1)؛ ومنه تصديقٌ (2)، وهو حكم النّفس بتصوّر على آخَرَ إيجابًا أو سلبًا. وكلٌّ منهما إمّا: ضروريٌّ ، أو نظريٌّ يفتقر في حصوله إلى الفكر، إذ لو كانت بأسرِها ضروريّةً لزم الاستغناءُ عن الاكتساب وعدمُ الغلط؛ ولو كانت نظريَّةً لزم التسلسلُ والدّور(3).
وكون الملازمة نظريَّةً غيرُ ضائر، والحقُّ ادّعاء الضرورة فيهما.
وليس الكسبيُّ ممّا لا يمكن تحصيله؛ للعلم القطعيّ بأنّا إذا حصل لنا العلم بالملازمة بين شيئين ووجود الملزوم أو عدم اللازم، استفدنا من الأوّل وجود اللازم، ومن الثّاني عدم الملزوم.
ص: 69
ولا تكفي الضروريّات في حصول المكتسبات، لعدم اشتراك العقلاء فيها مع اشتراكهم في المبادئ؛ بل لا بدَّ من ترتيب حاصل بالفكر الّذي هو حركة النفس بالقوّة الّتي آلتُها مقدّم البطن الأوسط من الدّماغ في المعقولات، أو مجموع(1) الحركتين أو الأولى خاصّةً ، الآخذة ُمن المطالب إلى المبادئ.
وهذا الفكر يقع فيه الغلط كثيرًا، بحيث يحصل التناقض لأكثر العقلاء في مقتضى أفكارهم، بل الواحد نفسه يناقض رأيه في زمانين؛ فاحتيج إلى هذا القانون المفيد معرفة الصحيح والفاسد من الفكر، وبه يتميَّز الصواب(2) من الشّبيه به، أو الموهِم أنّه شبيه.
ص: 70
لا يقال: هذا العلم إن كان ضروريًّا اُستغنيَ عن تعلُّمه، ولم يقع فيه غلطٌ، ولا في غيره من العلوم، لكون المبادئ وطُرُقِ الانتقال ضروريَّةً ، وليس نظريًّا بجملة أجزائها ولا ببعضها وإلّا تسلسل؛ ولأنّ الإصابةَ قد تحصل لمن لا يراعي القوانينَ المنطقيّة.
لأنّا نقول: بعض هذا العلم ضروريٌّ وبعضُه نظريٌّ مستغنٍ عن المنطق، لكونه من العلوم المتَّسقة المنتظمة الفطريّةِ القياس، كالهندسة والحساب؛ وبعضُهُ اصطلاحات، والقليل منه كسبيٌّ يحتاج إلى البديهيٍّ منه، وذلك البديهيّ لا يكفي في جميع المعارف، أو إن كفى لكنّ الغلط يكون أبعدَ ويكون طرقُ الانتقال أكثر، وأمّا الإصابة فإنّما تحصل للمؤيَّد من الله تعالى بقوّةٍ قدسيّةٍ ؛ وذلك نادرًا(1)، وفي بعض العلوم اتّفاقًا(2) غيرُ دائم.
موضوعُ كلّ علمٍ ما يبحثُ فيه عن أعراضه الذاتيةِ ، أعني اللّاحقةََ له لذاته أو لجزئه أو لعرضٍ مساوٍ لذاته، وموضوع المنطق هو: المعقولات الثّانية(3) من حيث نتأدّى(4) بواسطتها من المعلومات إلى المجهولات، أو التصوّرات والتصديقات، لا مطلقًا، بل من حيث إنّها توصل إلى التصوّر إيصالًا قريبًا ويُسَمّى حينئذٍ قولًا شارحًا، أو بعيدًا كالكلّيّة والجزئيّة وأمثالها؛ أو تصديقٍ إيصالًا قريبًا، وتسمّى بهذا الاعتبار حجّةً ، أو بعيدًا وتسمّى قضيّةً وعكسَ قضيَّةٍ ونقيضَ أُخرى، أو أبعدَ ككونها موضوعات ومحمولات.
ص: 71
وفيه سبعة(1) مباحث:
أ: التّصوّر منه تامٌّ ، ومنه ناقصٌ (2)، والتّصديق إمّا أن يقارن الجزم؛ أو لا، فيسمّى ظنًّا؛ والأوّل إمّا مطابقٌ أو لا، فيسمّى جهلًا مركّبًا. والمطابق إمّا ثابتٌ فيسمّى علمًا؛ أو لا، فيسمّى تقليدًا للحقّ .
أمّا الجهل البسيط والشكّ فلا يجامعان التصديق؛ لخلوِّهما عن الحكم. وإن لم يُعتبر في الجازم المطابقة وعدمها - وإن لم ينفكَّ عنهما -: فإن قارن تسليمًا فهو المسلَّم العامّ المطلق إن سلّمه الجمهور؛ والمحدود إن سلّمه جماعةٌ ؛ والخاصّ إن سلّمه واحد: إمّا معلِّم أو متعلَّم أو منازع. وإن قارنَ إنكارًا فهو الوضع، كما توضَعُ في مبادئ العلوم قضايا غيرُ مسلّمةٍ وبيانها في علومٍ أُخر، لكن صُدِّرت في هذا العلم لابتناء مسائله عليها؛ وكما يضعه القايس الخلفيّ وإن ناقض معتقدَه؛ وكما يلتزمه المجيب الجدليّ .
وقد يقول به القائل باللّسان دون أن يعتقده.
وقد يُطلق الوضع على كلِّ قولٍ يفرضه فارض، أو رأيٍ يقول به قائل.
وقد يجتمع الوضع والتّسليم في حكم واحد، كما يلتزمه المجيبُ بالقياس إلى السائل وإليه.
ص: 72
وقد ينفكُّ أحدهما عن الآخر؛ كالمسلّمات الخالية عن المنازع والقضايا المحالة المأخوذة في الأقيسة الخلفيّة.
ب: كما انقسم العلم إلى التصوّر والتصديق كذا مقابله ينقسم إلى مقابل القسمين، فالمجهول تصوّره يكتسب بالقول الشارح، والمجهول تصديقه يكتسب بالحجّة.
ج: إن جعلنا التّصديق هو الحكم كان مشروطًا بالتصوّر؛ لاستحالة الحكم بشيء على شيء قبلَ تصوّر الطرفين والنسبة؛ وإن جعلناه عبارة عن تصوّر الطرفين مع النسبة كان مركّبًا من التصوّر والحكم، فيكون متوقِّفًا على التصوّر على كلّ تقدير.
لا يقال: لو استدعى الحكم على الشيء تصوّرَه باعتبارٍ مّا لَصَدَقَ (1) أنّ المجهول مطلقًا يمتنع الحكم عليه بعكس النقيض، والتالي كاذب؛ لأنّ المحكوم عليه فيه إن كان معلومًا باعتبار ما صحّ الحكم عليه وكذب الحكم عليه بامتناع الحكم عليه وإن لم يكن معلومًا بشيءٍ من الاعتبارات، كذب الحكم عليه بامتناع الحكم عليه؛ لأنّه حكم خاصّ .
أو نقول: المحكوم عليه بامتناع الحكم عليه إن أمكن حكمٌ مّا عليه كذبت هذه القضيّة، وكذا إن لم يكن.
ولا ينفع الاعتذار بأنّا نحكمُ على المعلوم بأنّه لو كان مجهولًا مطلقًا أو في زمان
ص: 73
الجهل امتنع الحكم عليه؛ لأنّه لو صدق ذلك لصدق أنّ المجهول بكلّ اعتبار يمتنع الحكم عليه.
لأنّا نقولُ : المجهول مطلقًا له اعتباران: أحدهما مدلول هذا اللّفظ، والثّاني مدلوله مع اعتبار وصفه بكونه مجهولًا مطلقًا.
والثّاني معلوم باعتبارٍ مّا؛ لأنّ الاتّصاف بالمجهوليّة أمرٌ معلوم، والموصوف بالمعلوم معلومٌ من حيث ذلك الوصف. فالمحكوم عليه في قولنا: (المجهول مطلقًا يمتنع الحكم عليه) من حيث امتناع الحكم عليه هو المأخوذ بالاعتبار الأوّل، ومن حيث الحكم عليه بامتناع الحكم عليه هو المأخوذ بالثّاني. ولا تناقض، لاختلافهما في الموضوع.
وأُجيب أيضًا: بأنّ الموضوع هو الحكم المقيّد بكونه على المجهول مطلقًا، والمحمول هو الامتناع، كما في القضايا الّتي محمولاتُها نفس الامتناع.
ولا يفيد هذا الجواب.
د: لا يشترط في التصديق تصوّرُ الطرفين من كلّ وجه، بل يكفي تصوّرهما باعتبارٍ مّا، ولو بكونه مسمًّى بذلك الاسم.
ه -: لا يكفي في التّصديق تصوّرُ النّسبة مع الطرفين، فإنّها تحصل للشّاكّ ، بل لا بدّ من إيقاع الحكم فيه.
ص: 74
و: التّصوّر قد يشترط فيه السّذاجة، فيكون قسيمًا للّتصديق ومُكافيًا له، وقد يُؤخذُ مطلقًا فيكون جنسًا له، والشّرط هو الثّاني(1)؛ والمأخوذ في قولنا: (العلم إمّا تصوّر وإمّا تصديق) هو الأوّل.
ز: التّصديق، إن جعلناه هو الحكم خاصّة، لم تكن قسمةُ العلم إليه وإلى مقابله قسمة جنسٍ إلى أنواعه؛ لكون أحدهما من باب: (الكيف) والآخَر من باب: (أن يفعل).
وفيه مطالب:
إن كانت دلالتُهُ بتوسّط دخوله في ما له الوضع. وإمّا التزامٌ إن كانت بتوسّط اللزوم غير المقوّم(1).
وخرج بالوضعيّة ما يدلّ بالعقل أو الطّبع؛ وبالتوسطِ(2) اللفظُ المشترك بين المعنى وجزئه أو لازمه.
ب: يشترط في الالتزام اللّزوم الذهني، وإلّا لم يجب الفهم، لعدم الوضع والدخول فيه والاستلزام، فتنتفي الدلالة المفروض ثبوتُها. هذا خلف.
ولا يشترط(3) الخارجيّ ، لدلالة العدم على ملكته مع المنافاة خارجًا.
ج: المطابقة وضعيّة صرفة، والباقيتان بمشاركة من الوضع والعقل، ولا رابعَ لها.
ص: 76
ودلالة(1) المركّب مطابقة؛ إذ المراد بالوضع وضعُ اللفظ بعينه لعين ذلك المعنى أو وضعُ أجزائه لأجزائه، بحيث يطابق مجموعُ اللفظ مجموعَ المعنى.
وهيئة التركيب موضوعة لهيئةٍ تركيبيّةٍ بين تلك المعاني، فكانت الأجزاء المادّية والصوريّة(2) بالوضع.
د: قيل: إنّ دلالة الالتزام مهجورة مطلقًا(3).
وليس بجيّدٍ، لدلالة الحدود النّاقصة والرّسوم على المحدودات والمرسومات بالالتزام، نعم؛ هي مهجورة في جواب (ما هو؟).
ولا يلزم عدمُ التّناهي(4)؛ لأنّ البيّنة متناهية. ولا يجب الضبط كالمطابقة. وكون الشيء ليس غيرَه، ليس لازمًا بيّنًا؛ لتوقُّفه على تصوّر الغير(5).
ص: 77
ه -: المطابقة قد تنفكّ عن التّضمّن كما في البسائط؛ وعن الالتزام؛ لعدم وجوب لازم ذهنيٍّ بيّنٍ لكلّ ماهية، أمّا هما فلكونهما تابعَيْن للمطابقة استحال انفكاكُهما عنها، وكلٌّ منهما ينفكّ عن صاحبه.
و: إطلاق اللّفظ على مدلوله المطابقيّ بالحقيقة(1)، وعلى الآخَرَين بالمجاز.
ز: العامّ لا دلالةَ (2) له على الخاصّ بشيءٍ من الدلالات الثلاث، والنّوع يدلّ على جزئه بالتضمّن، وفصلُهُ يدلّ عليه وعلى جنسه بالالتزام.
[وهي ستّة مباحث]:
ص: 78
أ: اللّفظ(1) إن قُصد بجزئه الدلالةُ على جزء معناه حين هو جزؤه فهو المركّب؛ وإلاّ فهو المفرد، سواء كان بسيطًا ك - (قِ ) و (عِ )(2).
أو مركبًا من أجزاء لم توضع لشيء ك - (زيد). أو وُضعت للخارج ولم تُقصد ك - (عبد الله) عَلَمًا، أو للأجزاء ولم تقصد أيضًا ك - (الحيوان الناطق) إذا جُعل علمًا على (زيد). ولا فرق حينئذٍ بين المؤلَّف والمركّب(3).
ب: المفرد إن استقلّ بالمفهوميّة ودلّ على معنى زمانٍ معيّن فهو الكلمة، وإن تجرّد عن الزّمان فهو الاسم، وإن لم يستقلّ فهو الأداة. والمشترك بين الثلاثة كونُها ألفاظًا مفردةً دالّةً على معانيَ بالوضع.
أُريد التعيينُ صُرِّفَتْ ، فقيل: (اصطبَحَ ) و (اغتَبَقَ ) و (تقدّم) و (مضى).
و (اليوم) و (الأمس) وإن دلّا على الزّمان المعيّن، إلّا أنّه كلّ المعنى.
وصيغة المضارع(1) وُضعت لزمان معيّن؛ إمّا على سبيل الاشتراك أو تجدّد بعد الوضع.
د: الكلمة حقيقيّةٌ إن دلّت على(2) معنى و(3) نسبتِهِ (4) إلى موضوع وزمانٍ (5) لتلك النسبة، ووجوديّةٌ (6) إن تجرّدت عن الدلالة على المعنى وانحصرت دلالتها على الزّمانِ والنسبة(7)، فتفتقر إلى خبرٍ تُحقِّق نسبتَهُ إلى الموضوع، فإن شرطْنا التماميّة كانت هذه أدواتٍ (8).
ص: 80
ه -: قيل(1): إنّ الأفعال المضارعة(2) غير الغائب مركّباتٌ لدلالتها على الفاعلين(3)، بخلاف الغائب؛ فإنّه لا يحتمل الصّدق والكذب؛ لأنّ معناه ليس أنّ شيئًا مّا مطلقًا وجد له الفعل؛ لأنّ هذه النّسبة إن كانت تقييديّةً كان مفردًا أو في حكمه؛ وإن كانت خبريّة بحيث تصدق بوجود الفعل لأيِّ شيءٍ كان وتكذب بعدمه عن كلّ شيء، لم يصحّ حمله على موضوع معيّن، فإذن معناه أنّ شيئًا معيَّنًا في نفسه وعند القائل مجهولًا عند السّامع(4) وُجد له الفعل، فيتوقّف في احتماله للصدق والكذب إلى التصريح بذلك المضمر، بخلاف الأفعال الثلاثة.
والحقّ التساوي، فإنّ الأفعال الثلاثة إنّما تحتمل الصدق والكذب مع الفاعل المحذوف لظهوره.
وقيل: إنّه لا كلمة في لغة العرب، لاشتمالها على الضمائر(5).
وهو خطأٌ؛ لانتفاء الضمير في (قام زيد).
ص: 81
وقيل: إنّ الماضيَ والمشتقّات مركّبان، لدلالة الصيغ على معانٍ .
وليس بجيّدٍ؛ لأنّ التركيب إنّما يحصل بالأجزاء المادّية خاصّة في هذا الموضع.
و: الاسم والكلمة يشتركان في صحة الإخبار بهما، بخلاف الأداة؛ ويختصّ الاسم بصحّة الإخبار عن مسمّاه بمجرد ذكره، بخلاف قسيمَيْه.
لايقال: قولُك: (الكلمة والأداة لا يخبر عنهما) إخبارٌ خاصّ .
لأنّا نقول: أخبرْنا عنهما معبِّرين عنهما باسمين.
لا يقال: يصدق (ضَرَب فعلُ ماضٍ ) و (في حرفُ جرٍّ)، وهو إخبارٌ عنهما بمجرّد ذكرهما.
لأنّا نقول: الإخبار هنا عن اللّفظ لا المسمّى.
وكذا لو قلنا: (ضَرَب لا يخبر عن مسمَّاه بمجرّد ذِكره)، فإنّه إخبار عن اللفظ لا المسمّى، لامتناع أن يكون لمسمَّى (ضرب) مسمًّى.
وهي ثمانية(1) مباحث:
أ: اللفظ إن استعمل في موضوعه كان حقيقةً ، وإلّا كان مجازًا. وأقسام الحقيقة
ص: 82
ثلاثة: لغويّة(1)، وعرفيّة(2)، وشرعيّة(3). ولا بدَّ في المجاز من العلاقة.
ب: معنى اللّفظ إن اتّحد بالشخص فهو العَلَم أو المضمر، وإن تكثّر فإن تساوت أفراده فيه فهو المتواطئ، وإلّا فهو المشكِّك بأن يكون البعض أوّليّ - [- ًا] أو أقدم أو أشدّ.
ج: كلّ مفرد إمّا منفرد بأن يكون له حقيقة واحدة؛ وإمّا مشترك بأن يوضعَ لأكثرَ، سواءٌ تضادّت(4) أو لا.
وفرّق بين المشترك وبين المتواطئ والمشكّك، فإنّ معنى المتواطئ والمشكّك واحد، وإن تكثرت محالّه؛ بخلاف المشترك ولا يصحّ أن يقال: أنّ العين تنقسم إلى ينبوع الماء والعضو الباصر؛ فإن اللفظ لا ينقسم، ولا معنى واحد هناك.
ولا يصحّ أن يقال للمتكلّم ب - (الحيوان): (عيِّن مرادَك منه أنّه إنسان أو فرس).
د: اللّفظ المشترك قد يكون كليًّا في كِلا مفهوميه ك - (العين)، وجزئيًّا فيهما ك - (زيد)، وبالتفريق ك - (عبد الله).
ص: 83
وقد يقع اللّفظ على الشّيء وصفتِهِ بالاشتراك ك - (الإقبال) إذا سُمِّيَ به ذو إقبال، وقد يقع على الشيء ووصفه ك - (المُقبِل) إذا سمِّيَ به إنسان وله إقبال.
والفرق إمكان الحمل وعدمه، وقد يقع على الشيء الواحد باعتبارين(1)، كالنّوع على السّافل.
ه -: الّلفظ إن دلَّ على الذّات فهو الجامد، وإن دلَّ على موصوفيّة الذات بأمرٍ فهو المشتقّ . والاشتقاق قد يكون للنسبة ك - (المهنَّد)(2)، وقد يكون من صفةٍ متقرّرةٍ ك - (الأبيض).
ولابدَّ من المشاركة المعنوية بين المشتق والمشتق منه، وبقاءِ الحروف الأصليّة، وتغييرٍ مّا: إمّا بالزيادة أو بالنّقصان أو بهما، في الحرف أو الحركة أو هما(3)، فالأقسام خمسةَ عشرَ(4).
و: كلّ لفظين إذا نُسب أحدهما إلى الآخر، كانا مترادفَيْن إن اتّحد معناهما، ومتباينين
ص: 84
إن تغايرا؛ سواء كان أحدهما صفةً للآخَر ك - (السّيف) و (الصّارم(1)؛ أو كانا صفتين لشيءٍ ك - (الصّارم) و (المهنّد)؛ أو كان أحدهما صفةً والآخَر صفتَها، ك - (النّاطق) و (الفصيح).
ز: المركّب تامٌّ إن حَسُنَ السّكوت عليه، ولا يتأتّى إلّا من اسمَيْن، أو اسمٍ محكومٍ عليه وفعلٍ محكومٍ به. ولا ينتقضُ بالنداء؛ لأنّ حرفه في تقدير الفعل. ولا يستلزم(2) احتمالَ الصدق والكذب، وكونَه خطابًا مع ثالث، لأنّه إنشاء.
وإمّا غيرُ تامّ ، فإمّا أن يكونَ تركيبَ تقييد، وهو ما يقع في قوّة المفرد، مثل: (الحيوان النّاطق) أو (الإنسان الّذي يكتب). فإنّ (الإنسان) و (الكاتب) يقُومان(3) مقامهما، وإمّا أن يكون غيرَ تقييد كالمركّب من اسم وأداة، أو كلمةٍ وأداةٍ ، أو أداتين.
ح: [المركّب] التامّ إن احتمل الصدقَ والكذبَ فهو (خبرٌ)، و (قضيّةٌ )، و (قولٌ جازمٌ ).
وإن لم يحتملها: فإن دلَّ على طلب الفعل دلالةً أوّليَّةً (4) - أي وضعيّةً - فهو مع الاستعلاء (أمرٌ)، ومع الخضوع (سؤالٌ )، ومع التّساوي (التماسٌ )؛ وإن لم يدلَّ فهو التنبيه، ويندرج تحته (التمنّي) و (التّرجّي)(5) و (التعجّبُ ) و (القَسَمُ ) و (النّداء).
ص: 85
ص: 86
وفيه فصول:
وهي ثمانية:
أ: (الكلّيّة) و (الجزئيّة) من المعقولات الثانية، ولا تحقّق لهما في الخارج، وهما بالحقيقة والذّات للمعنى وبالعرض للّفظ، وهما عارضان للماهيات؛ وإلّا لم يصدق الماهيّة على أحدهما لو تقوّمت بالآخر، أو اجتمع النقيضان لو تقوّمت بهما.
ب: الجزئيّ يقال بمعنيين: حقيقيٍّ وهو الّذي يمنع نفسَ تصوره من وقوع الشّركة فيه.
ص: 87
والكلّيّ ما لا يمنع؛ وإضافيٍّ وهو كلّ ما اندرج تحت غيره، وهو أعمّ (1)، وليس جنسًا، للانفكاك تصورًا.
ج: الكلّيّ قد لايكون له فرد في الخارج، إمّا مع الامتناع ك - (شريك الباري)، أو مع الإمكان ك - (جبل من ياقوت)؛ وقد يكون له فرد: إمّا مع امتناع تعدّده ك - (الباري تعالى)، أو مع إمكانه ك - (الشّمس)؛ وقد يتعدد: إمّا مع التّناهي ك - (الكواكب)، أو مع عدمه ك - (النّفوس).
د: إذا قلنا: (الحيوان كلّيٌّ ) فهناك أُمور ثلاثة: المعروض، والعارض، والمجموع. فالأوّل: الكلّيّ الطبيعيّ ، وهو موجود؛ لأنّه جزء من الشّخص الموجود، والثاني: المنطقيّ ، وهو إضافة بين الطّبيعيّ وجزئيّاته؛ والثالث: العقليّ . وفي وجودهما خلاف(2).
وكما انقسم الكلّيّ إلى الثلاثة فكذا أنواعه الخمسة(3).
ص: 88
ه -: الكليّ إمّا قبل الكثرة، وهو الصورة المعقولة في المبدأ الفيّاض قبلَ وجود الجزئيّات بالذّات؛ أو معها، وهو الّذي في ضمن الجزئيّات حالَ وجودها في الخارج، وفيه نظر(1).
أو بعدها، وهو الصّورة المنتزعة من الجزئيّات.
و: كلّ كلّيٍّ فهو محمول بالطّبع على ما تحته، وكلّ جزئيٍّ فهو موضوع بالطبع؛ أمّا الإضافيّ فظاهر، وأمّا الحقيقيّ فلأنّ المحمول وصفٌ للموضوع والشّخصيّ لا يقع وصفًا؛ ولأنّ موضوعه إن كان كليًّا كَذِبَ (2)، وإن كان جزئيًّا: فإن تغايرا كذب، وإن اتّحدا فلا حملَ . وإذا قيل: (بعضُ الإنسان زيدٌ) كان تغييرًا للوضع الطبيعيّ ، كما في قولنا: (الكاتب إنسان)، ويصحّ (3) في السلب ك - (زيدٌ ليس بعمرٍو) أو: (لا شيءَ من الحجر بزيد).
والمعتبر من الحمل في الكلّيّ حمل المواطاة، لا الاشتقاق.
ز: الكلّيّ أعرف من الجزئيّ ، للاستقراء؛ ولأنّ الأعمّ أقلّ شرطًا ومعاندًا من
ص: 89
الأخصّ ؛ ولأنّه(1) جزؤه(2) فتتوقّف معرفتُهُ عليه(3).
ح: الكلّيّ إن صدق على جميع أفراد الجزئيّ فهو أعمّ منه مطلقًا، وإلّا فمن وجه. وإن صدق أحد الكلّيّين على جميع أفراد الآخر وبالعكس، فهما متساويان؛ وإن لم يصدق أحدهما على شيء ممّا يصدق عليه الآخر تباينا.
ولمّا كانت أفراد الأخصّ مطلقًا بعضَ أفراد أعمّه، ولا وجود لشيء في غير جزئيّاته، كان نقيض الأعمّ أخصَّ من نقيض الأخصّ ؛ إذ كلّ فرد يصدق عليه نقيض الأعمّ يصدق عليه نقيض الأخصّ ، وإلّا لوُجد الأخصّ من دون أفراده(4)، ولا ينعكس؛ لأنّ ما عدا الأخصّ من جزئيّات الأعمّ يصدق عليه نقيض الأخصّ ، دونَ نقيض الأعمّ .
ونقيضا المتساويين متساويان، لتساوي أفرادهما. فكلّ موضعٍ كذب فيه أحدهما كذب فيه الآخر.
ونقيضا المتباينين يتباينان جزئيّا؛ لأنّهما إن لم يشملا جميعَ المعلومات(5)
ص: 90
صدق(1) نقيضاهما على ما تخلّيا عنه، فلا يتحقّق في ذلك الفرد المباينة.
ونقيض كلٍّ منهما يصدق على عين الآخر الكاذب عليه نقيضه، فتباينا هناك. وإن شملا جميع المعلومات لم يصدق النقيضان على شيء البتّة، بل يصدق أحدهما على عين الآخر الكاذب عليه نقيضه، فتباينا مطلقًا. فمن ثَمَّ وجبت المباينة الجزئيّة؛ لأنّها تقع تارةً كليّة وأخرى جزئيّة.
وأمّا الأعمّ من وجه فنقيضه مباينٌ مباينةً جزئيّة؛ لأنّ أحدهما - كالأعمّ مطلقًا - قد يكون لازمًا لنقيض الآخر كنقيض الأخصّ مطلقًا، فلا يصدق نقيض اللّازم مع الملزوم فتتحقّق المباينة الكلّيّة(2)، وقد يصدق نقيضاهما على شيء ويفترقان، فتثبت الجزئيّة(3)، فالجزئيّة متيقّنة.
لا يُقال: قد يكون الأعمّ شاملًا للموجودات، فلا يصدق نقيضه على شيء وكذا المساوي؛ ولأنّ الممكن العامّ أعمّ من الخاصّ ونقيضِهِ مطلقًا، لانحصار النقيض في الواجب والممتنع وكلّ منهما ممكن عامّ .
لأنّا نقول: الحمل والوضع من الأمور الذهنيّة، والذّهن يمكنه فرض نقيض كلّ
ص: 91
شيء. والممكن مضافٌ لا بدّ من اعتبار المضاف إليه، فإن كان(1) وجودًا، لم يشمل الآخر وبالعكس.
وفيه بحثان:
أ: (الحمل) و (الوضع) من المعقولات الثّانية العارضة للمعقولات الأولى، لا تحقُّقَ لهما عينًا، وليس في الخارج شيء هو (محمول)، بل شيء يحمله الذّهن على غيره.
ب: لو اتّحد الموضوع والمحمول من كلّ وجهٍ ، لم يُفِد الحملُ شيئًا؛ وإن تغايرا من كلّ وجهٍ لزم صدق أحد المتباينين على الآخر، فإذن لا بدّ من وصفَي الاتّحاد والتغاير من حيثيّتَين، فالشيء الّذي يقال له: (الموضوع)، هو بعينه الشيءُ الّذي يقال له: (المحمول).
فجهة الاتّحاد هي(2) الشيئيّة، وهي قد تكون مغايرة لهما وقد تكون(3) أحدهما(4)، وهذا الحمل هو حمل المواطاة.
ص: 92
وهنا نوع آخر من الحمل يسمّى حملَ الاشتقاق، وهو حمل (هو ذو هو)، كالضّحك المحمول على الإنسان بواسطة الاشتقاق أو حرفِ النّسبة.
ومَن قال: (إنّ المحمول بالحقيقة هو الضّحك؛ لأنّ ذو للنّسبة، وهي خارجة) أخطَأَ؛ لأنّ النّسَبَ قد تكون محمولات(1).
و فيه عشر(2) مباحث:
أ: اللّفظ الكلّيّ إمّا أن يدلّ على الماهيّة أو على جزئها، ويقال لهما: الذّاتيّ ؛ أو على الخارج، وهو العرضيّ .
والدّال على الماهيّة مقولٌ (3) في جواب (ما هو؟) بحسب الخصوصيّة إذا وقع في الجواب عنها لا غير، كالحدّ. أو بحسب الشركة كالجنس. أو بحسبهما كالنّوع بالنسبة إلى أفراده. ويقال لهذا: (الذاتيّ ) باعتبار نسبته إلى أفراده، لا على أن يكون جزءً ا منها بل نفسها. فإنّ أشخاص النوع إنّما يزيد بعضها على بعض بعوارض خارجيّة.
ص: 93
والدّال على جزء الماهيّة إمّا جنسٌ أو فصل؛ لأنّه: إن اختصّ كان فصلًا؛ وإن اشترك: فإن كان كمالَ المشترك بين الماهيّةِ وأيِّ نوع فُرضت الشّركة معه كان جنسًا؛ وإلّا كان مساويًا لكمال المشترك، فكان فصلَ جنسٍ ؛ إذ لو كان أعمّ من تمام المشترك تسلسل.
لا يُقال: نمنع الجنسيّة على تقدير كماليّة المشترك، لجواز أن يكون عارضًا للآخر.
لأنّا نقول: الجنسيّة حينئذٍ مأخوذة بالنّسبة إلى العارض.
ب: قول (الذاتيّ ) على الماهيّة وعلى جزئها بنوعٍ من المجاز؛ لأنّ الذّاتيَّ منسوب إلى الذّات، والشيء لا يُنسَب إلى نفسه، والذّاتيّ محمولٌ وجزءُ الماهيَّة غير محمولٍ ؛ لاستحالة كون الشيء نفس جزئه، بل المعروض واحد.
ج: للذّاتيّ خواصّ ثلاثة:
إحديها (*): تقدّمه(1) في الوجودَين والعدمين على ما هو ذاتيّ له وهذه مطلقة.
ص: 94
و ثانيتها: استحالة انفكاكه عمّا هو ذاتيّ له.
و ثالثتها: عدم احتياجه إلى العلّة؛ بمعنى استغنائه عن علّة مغايرة لعلّة الماهيّة، لاعن العلّة مطلقًا.
وهاتان إضافيّتان(1).
د: قد تُعلَم الماهيّة المركّبة إجمالًا فلا تجب معرفة أجزائها تفصيلًا، وإنّما تجب لو عُلِمت مفصلةً ؛ نعم، لو أُخطرت بالبال تمثّلت مفصّلة.
والعلم بالامتياز علم بوصفٍ لا يجب حصوله عند العلم بالذّات(2).
ه -: الجزء قد يكون متقدّمًا وهو ظاهر؛ وقد يكون متأخّرًا، كالأجزاء المقداريّة بناءً على نفي الجوهر.
ولمّا كانت الصّفة متأخّرة والجزء متقدّمًا استحال كون الجزء صفةً ؛ ولأنّ اتّصاف الشّيء بجزئه يستدعي تقدّمَ الشيء على نفسه بمرتبتين.
ص: 95
و: لا يمكن عروض الشّدة والضّعف لشيءٍ من الأجزاء؛ لأنّ [في] حالة الضّعف إن عدم شيءٌ من المقوّمات عدمت الماهيّة؛ وإلّا لم يكن ضعفًا، وكذا الزّيادة(1).
ز: لا يمكن عدم التناهي في الأجزاء، وإلّا لم تكن الماهيّة معقولةً .
وفيه نظر؛ لمنع الملازمة إن قُصد الإجمال؛ واستحالة التالي إن قصد التفصيل(2).
ح: لا يمكن أن يكون جزء الثبوتيّ عدميًّا، نعم يصحّ في الماهيّات الاعتباريّة ك - (الأعمى).
ط: يقال الذاتيّ في غير كتاب إيساغوجي على معانٍ بالاشتراك اللّفظيّ ؛ أربعةٍ تتعلق بنفس المحمول:
أ: أن يكون ممتنع الانفكاك عن الموضوع.
ص: 96
ب: أن يكون ممتنع الانفكاك عن ماهيّة الموضوع، وهو أخصّ (1)؛ لخروج لوازم الوجود.
ج: أن يكون ممتنع الرفع عن ماهيّته، ويراد به البيّن بالمعنى الأعمّ وهو أخصّ (2)، لخروج ما يمتنع انفكاكه عنه خارجًا.
د: أن يكون واجب الثبوت لماهيّته، ويراد به البيّن الأخصّ ، وهوأخصّ (3) الأربعة.
وثمانية تتعلّق(4) بالحمل:
أ: إذا كان الموضوع مستحقًّا للموضوعيّة(5) فالحمل ذاتيٌّ .
ب: إذا كان الموضوع أخصّ (6).
ج: إذا كان المحمول حاصلًا له بالحقيقة(7).
ص: 97
د: إذا كان حاصلًا له بمقتضى طبعه(1).
ه -: أن يكون حاصلًا له من غير واسطةٍ (2).
و: أن يكون دائمًا(3).
ز: أن يكون مقوّمًا(4).
ح: أن يكون لاحقًا لا بواسطة أمر أعمّ ولا أخصّ ، وهو العرض الذاتيّ (5). والحمل العرضيّ يقابل هذه.
وواحدٍ على السبب، فيقال له: ذاتيّ إذا ترتّب عليه أثره دائمًا أو أكثريًّا، وإلّا فاتّفاقيٌّ .
وآخَرَ على الشيء باعتبار الوجود. فإذا كان الوجود قائمًا بذاته صدق عليه الذاتيّ (6)، وإن قام بغيره صدق العرضيّ .
ص: 98
ي: العرضيّ إن اختصّ بطبيعةٍ واحدةٍ ، كان (خاصّة)؛ وإلّا كان (عرضًا عامًّا)؛ وهو أيضًا إمّا لازم أو غير لازم، فانقسمت الكليّات خمسةً : (الجنس) و (النّوع) و (الفصل) و (الخاصّة) و (العرض العامّ ).
وهي أحدَ عشرَ(1) بحثًا:
أ: اللازم ما يمتنع انفكاكه عن الشيء، وهو قد يكون للماهيَّة(2) وقد يكون للوجود(3).
وكلّ لازم إمّا بوسط، وهو علّة الانتساب(4)؛ أو بغير وسط، ويسمى القريب، وهو بيّن الثبوت(5).
وللبيّن تفسيران: أخصّ ، وهو الّذي يلزم من تصوّر الملزوم تصوّرُه(6)؛ وأعمّ ، وهو الّذي يلزم من تصوّرهما تصوّرُ اللّزوم(7).
ص: 99
واللّزوم أمر اعتباريّ يعتبره العقل عند ملاحظة منتسبَيْه ليس أمرًا خارجيًّا، وإلّا تسلسل. وينقطع عند انقطاع الاعتبار.
ب: لمّا كان اللّزوم مفسَّرًا بعدم الانفكاك لزم من تصور الماهيّة تصوّر لازمها القريب إن قلنا بالصور.
وقيل(1): لولاه امتنع اكتساب القضايا لخروج المحمول. فالوسط خارج عن أحدهما قطعًا، فيفتقر ثبوته إلى وسط ويتسلسل.
وليس بجيّدٍ؛ لإنتاجه الجزئيّ .
ج: لو كان كلّ لازمٍ بوسط تسلسلت الأوساط وانتفت، ولو انتفى الوسط صارت اللّوازم كلّها بيّنة، والتاليان باطلان فلا بدّ من الاقتسام.
ثمّ الوسط إن كان مقوّما للموضوع استحال كون اللّازم مقوّمًا له ويسمّى (مأخذًا أوّلًا)؛ وإن كان عارضًا جاز أن يكون المحمول لازمًا له ومقوّمًا، ويسمّى: (مأخذًا ثانيًا).
ص: 100
وللوسط قسمان:
أ: أن تكون الماهيّة تقتضي صفة، وتلك الصفة أخرى.
ب: أن تكون الماهيّة تقتضي صفة، ثمَّ هي والصفة أُخرى.
وتستحيل معرفة ذي الوسط بدونه؛ لأنّه ممكن حينئذٍ، وإنّما يجب بعلّته.
د: لا استحالة في اتّصاف الشيء بالقبول والعلّيّة على ما يأتي، فجاز كون البسيط ملزومًا.
ه -: يمكن تعدّد المعلولات عن البسيط على ما يأتي، فجاز أن يلزمه اثنان.
و: اللّزوم قد يستند إلى ذات اللّازم، كالعرضِ اللّازمِ لذاته للجوهر؛ وقد يكون إلى ذات الملزوم، كاستلزام الفصل الحصّةَ ؛ وقد يكون لما عداهما.
ز: اللّزوم قد يكون من الجانبين لذاتَيْهما كالمضافين، أو لا لذاتيهما، فلا بدّ وأن يكون أحدهما علّة، أو يكونا معلولَ علّةٍ واحدة بحيث تقتضي ارتباط أحدهما بالآخر، وإلّا حصل الاستغناء، فانتفى اللّزوم.
ص: 101
وقد يكون من أحد الطرفين، كالمشروط مع الشّرط(1)، والعلّة الأخصّ من معلولها(2).
ح: كون الشّيء لازمًا لغيره إمّا أن يكون لذاته، أو لما يحلّ فيه(3)، أو لمحلّه(4)، أو لمباين، على إشكال ينشأ من تساوي نسبته إليهما وإلى غيرهما(5).
ط: اللّازم قد يكون حقيقيًّا كالعرض، وقد يكون اعتباريًّا كنصفيّة الواحد للاثنين. واستحالةُ التّسلسل تقتضي امتناع وجوده.
ي: انقسام الطّبيعة إلى نوعين لازم لها، فمَن مَنَعَ تعدّد لازم البسيط استحال تعدّد وجوه القسمة عنده(6).
ص: 102
يا: لا يجب من الدّوام اللّزوم؛ لأنّه(1) قد يكون اتّفاقيًّا. فغير اللّازم: إمّا مفارق بالفعل أو بالقوّة؛ وهو إمّا سهل الزّوال، أو عَسِرُه، بطيئةً أو سريعةً (2).
وهي ستّة:
أ: يقال (الجنس) في لغة اليونان لما يندرج فيه أشخاص كثيرة: من اعتبارٍ نسبيٍّ إلى بلد أو شخص أو صنعة. فالعلويّة جنس للعلوّيين، والمصريّة للمصريين. ويسمّون الواحد المنسوب إليه هذه الأشخاص جنسًا أيضًا؛ فيجعلون عليًّا عليه السلام جنسًا للعلويّين، والمصر للمصريّين. والثّاني أولى في عرفهم. ثمّ نقل المنطقيّون اسم الجنس إلى المعهود ورَسَموه ب - (أنّه الكلّيّ المقول على كثيرين مختلفين بالنّوع في جواب ما هو قولًا بحال الشركة من حيث هو كذلك).
ف - (الكلّيّ ) جنسٌ ؛ وقيد الاختلاف بالنّوع يُخرِج النوع وفصله وخاصّته؛ و (في جواب ما هو) يخرج العرض العامّ وخاصّةَ الجنس وفصلَه. وباقي الحدّ للتّتميم.
وقداعتُرض بوجوه:
ص: 103
أ: (الكلّيّ ) جنسٌ للخمسة، فيكون أعمّ من مطلق الجنس. لكنّه أخصّ ، لأنّه جنسٌ خاصّ ، هذا خلف.
ب: النّوع يعرَّف بالجنس، وقد عرّفتموه به، فيدور.
ج: ما صدق عليه الجنس ليس هو النّوع؛ لا تّفاق أفراده؛ ولا جزءه، وإلّا لم يكن مقولًا فلم يكن جنسًا؛ ولا عارضَه، وإلّا لم يكن مقوّمًا ولا مقولًا في جواب (ما هو؟).
د: المعنى الجنسيّ إن كان موجودًا في الخارج لم يكن مشتركًا، وإن كان في الذهن لم يكن مقوّمًا.
والجواب عن «أ»: أنّ الكلّيّ يوجد تارةً باعتبار ذاته فيكون أعمّ ؛ وتارةً باعتبار عروض الجنسيّة له فيكون أخصّ ، ولا امتناع في ذلك كالمضاف وحدّ الحدّ(1).
وعن «ب»: أنّ لفظ (النّوع) مشترك بين حقيقة الشّيء، وهو المراد هنا، وبين المصطلح عليه.
ص: 104
وعن «ج»: أنّ الجنسيّة والجزئيّة عارضان لشيء واحد باعتبارين، والمقوليّة بالاعتبار الأوّل، والتّقويم بالثّاني.
وعن «د»: بمثل ذلك، فإنّه باعتبار الجنسيّة ليس موجودًا في الخارج ولا مقوّمًا، وباعتبار التّقويم ليس جنسًا. وهل التّعريف حدّ أو رسم ؟ فيه احتمال.
ب: الجنس إمّا عالٍ ، ويسمّى جنسَ الأجناس؛ أو مقابلُه وهو السّافل، أو متوسّطٌ أو مفرد. فإنْ جعلنا المطلق جنسًا لها(1) فأحدُ أنواعه جنس الأجناس، فإن اختلف لاختلاف معروضهِ أو لغيره كان جنسًا سافلًا؛ وإلّا كان نوعًا أخيرًا وفوقه الجنس المندرج تحت المقول على كثيرين بالفعل، الدّاخل تحت الكلّيّ . فالكلّيّ إذن جنس الأجناس، وجنس الأجناس نوع الأنواع.
ج: إنّما حَكَمنا على معروض الجنسيّة بها حيث وجدنا النّوع مشاركًا لآخَرَ في بعض المقوّمات، وهو المفروض جنسًا؛ وممتازًا عنه في آخرَ، وهو الفصل، فلا بدّ في كلّ جنس من نوعين خارجين.
ويكفي في كليّة النّوع وجود شخص، بل لا يفتقر(2) إليه أيضًا.
ص: 105
د: كون الجنس مقولًا في جواب (ما هو؟) إنّما هو بحال الشّركة، أمّا إذا سئل عن النّوع وحده فلا يكفي الجنس في الجواب؛ فإن النّوع ليس هو ما هو(1) بالجنس لا غير؛(2) بل به وبالفصل.
والسّائل ب - (ما هو؟) عن النّوع إنّما يطلب كمال الحقيقة، فلا يكفي الذّاتيّ ؛ سواء كان أعمّ أو مساويًا(3).
ومن جعل الذّاتيّ هو المقول في جواب (ما هو؟) لم يفرّق بين المقول في جواب (ما هو؟) وبين الدّاخل في الجواب(4). وسبب خطئه(5) إيهام العكس في قولنا: (الجنس مقول في جواب ما هو؟)، ثمّ عدمُ التّمييز بين الجنس والفصل.
ومن جعل الذّاتيّ الأعمّ هو المقول في جواب ما هو حيث تَنَبَّه للفصل، وهو ذاتيّ غير صالح لجواب ما هو لم يفرّق بين الجواب والواقعِ في الطّريق.
ه -: الجنس: منه قريب، وهو الّذي يكون الجوابُ عنه وعن بعض ما يشاركه فيه هو الجوابَ عن ذلك النّوع وعن جميع ما يشاركه فيه.
ومنه بعيدٌ؛ وهو الّذي لا يكون كذلك.
ص: 106
وتختلف مراتب البعيد وتتصاعد الأجناس، لكن لا بدّ من انقطاعها لِئَلّا تتسلسل العلل والمعلولات.
وتتنازل الأنواع متناهيةً ، وإلّا انتفت الأشخاص.
و: الجنس القريب علّة لحمل الجنس البعيد على النّوع. فإنّ الجسم إنّما يُحمل على الإنسان بعد صيرورته حيوانًا، فحملُ الحيوان إذن أقدم، وتقدّمُ الجزء لا ينافيه(1)، لإمكان كون المتأخّر علّة لثبوت المتقدّم لآخر.
وعلى الإضافيّ ، وهو: (أخصّ الكلّيّين المقولَيْن في جواب ما هو) أو: (الكلّيّ الّذي يقال عليه وعلى غيره الجنسُ في جواب ما هو، قولًا أوّليًّا). وبالأخير يَخرج الصّنف؛ فإنّه لا يُحمَل عليه جنسٌ مّا حملًا أوّليًّا، بل بواسطة حمل النّوع، لما تقدّم من أنّ حمل العالي بواسطة حمل السّافل.
ب: وجود البسائط وترتّبُ جنس تحت آخَرَ واتّفاقُ أفراد السّافل، يُعطي العموميّة من وجه.
ج: الإضافي إن كان فوق الجميع فهو العالي؛ وإن كان تحتها فهو السّافل، وهو نوع الأنواع، بخلاف الجنس؛ لأنّ النّوعيّة تستدعي التّحتيّةَ ، والجنسيّةُ الفوقيَّة. وإن صدقت الإضافتان(1) عليه فهو المتوسّط، وإن خلا عنهما فهو المفرد.
وإذا نُسب الحقيقيّ إلى مثله لم يكن إلّا مفردًا، وإذا نُسب إلى الإضافيّ فهو إمّا مفردٌ أو سافل.
د: مراتب النّوع مبائنة للجنس العالي والمفرد، وكلٌّ من النّوع السّافل والمفرد مبائن لمراتب الجنس.
وبين كلٍّ من الجنس المتوسّط والسّافل وبين كلٍّ من النّوع العالي والمتوسّط، عمومٌ من وجه.
ص: 108
ه -: النّوع الّذي هو أحد [الكلّيّات] الخمسة، الحقيقيُّ ؛ لأنّ طريق القسمة أن نقول:
الكلّيّ إمّا ذاتيٌّ وإمّا عرضيٌّ ؛ والأوّل إمّا أن لا يقال في جواب ما هو، وهو (الفصل)، أو يقال؛ فإمّا على مختلفات الحقائق وهو (الجنس)، أو على متّفقاتها، وهو (النّوع).
ولو أردنا الإضافيَّ قلنا: الكلّيّ إمّا ذاتيّ أو عرضيٌّ ؛ والذّاتيّ إمّا أن يمكن وقوعه في جواب ما هو؛ أو لا يمكن، والثّاني هو (الفصل)، وممكن الوقوع إذا ترتّب مع غيره في العموم والخصوص كان العامّ جنسًا والخاصّ نوعًا، فلا ينحصر في خمسة، لوجود ذاتيّ لا يترتّب أو لا يُعتبر ترتّبُه.
ح: ذات الجنس هي ذات النّوع، إلّا أنّ ذات الجنس أُخذت في القول من حيث هي موصوفةٌ ببعض ما يتّصف به في القول عند كونها نوعًا(1)، مع تجويز اتّصافها بسائر ما يتّصف به النّوع. والشّيء المأخوذ من حيث اتّصافه ببعض صفاته لا يكون داخلًا في نفسه من حيث اتّصافه بجميع صفاته، بل هو مع بعض الصّفات يكون داخلًا في المجموع الحاصل منه مع جميع الصّفات. وليس الجنس بعض الصّفات، والنّوع جميعَها، بل الجنس هو الذّات باعتبار الاتّصاف ببعض الصّفات، والنّوع هو تلك الذات بعينها باعتبار الاتّصاف بجميعها. فالإنسان ليس حيوانًا ونُطقًا، بل هو نفس الحيوان الّذي ذلك الحيوان هو الناطق.
وقولُهُم: (الجنس والفصل جزءان للنّوع) مجازٌ، نعم هما جزءا الحدّ.
وفيه عشرة(2) مباحث:
أ: لفظ الفصل يُطلَق على العامّ ، وهو الّذي يفصل الشّيء عن غيره في الجملة وقتًا ما، فيندرج تحته المفارق؛ وعلى الخاصّ ، وهو الّذي يفصله عن الغير ولا يفصل الغيرَ عنه؛ إمّا دائمًا بأن يثبت له دائمًا وينتفي عن الغير دائمًا، أو في وقتٍ بأن يثبُتَ في
ص: 110
وقت وينتفيَ عن الغير دائمًا؛ وخاصِّ الخاصّ ، وهو المميّز الذّاتيّ . ويُحدِث الآخريّةَ (1)، والأوّلان الغيريّةَ ، والمراد الأخير.
ورسمه: (الكلّيّ المقول على الشّيء في جواب أيّ شيء هو في جوهره). فَقَيْدُ (أيّ شيء) يَخرج به الجنس والعرض والنّوع؛ والأخيرُ الخاصّةُ (2).
ب: الفصل إذا اعتُبِر بالقياس إلى الطّبيعة الجنسيّة المطلقة كان مُقسِّما لها؛ وبالقياس إلى النّوع كان جزءً ا له؛ وبالقياس إلى الحصّةِ (3) قيل: كان علّةً لوجودها(4)؛ لأنّ استغناء كلّ منهما ينفي التّركيب، وعلّيّةُ الحصّة تنفي العموميّة(5)، فتعيّن العكس.
وفيه نظر؛ لاستدعاء التّركيب احتياجَ الجزء الصّوريّ (6). وعلّيّة الحصّة لا توجب الملازمة(7)، إلاّ إذا كانت تامّة.
والتّحقيق: أنّ الجنس أمر مبهم لا يتعيّن إلّا بالفصل، وإنّما يصحّ وجوده إذا كان معيّنًا، فمن هذه الحيثيّة كان الفصل علّةً .
ص: 111
ج: يجوز تركيبُ الجنسِ العالي أو الفصلِ الأخير من أمرين متساويَيْن.
وجَعَلَ بعضهم كلَّ واحد منهما فصلًا يميّز المركّب عمّا يشاركه في الوجود.
وهو خطأ، فإن الفصل لا بدّ وأن يعيِّن وجودًا مبهمًا، أو يكون علّة في وجود طبيعةٍ جنسيّةٍ ، وليس هو كذلك هنا. ولو احتاج المركّب إلى مميّز في وجوده لاحتاج جزءاه، بل وكلُّ بسيط ومركّب.
د: إذا قلنا بالعلّيّة امتنع انقلاب الجنس فصلًا؛ واقتران الفصل بأكثر من جنس واحد؛ وأن يقوّم أكثَرَ من نوع واحد في مرتبة واحدة(1)، وأن يتكثّر؛ لأنّ أحدهما إن لم يعيّن المبهم الجنسيّ لم يكن فصلًا؛ وإن أفاد؛ فإمّا من كلّ وجه، فلا يكون الآخر فصلًا، وإمّا من بعض الوجوه فيكون فصل جنسٍ .
ه -: الفصل قد يندرج تحت جنس فيفتقر إلى فصلٍ آخرَ، ولا يتسلسل. بل لا بدّ من الانتهاء إلى فصل بسيط.
ص: 112
ولا يمكن اندراج الفصل تحت جنس النّوع اندراجَ النّوع، وإلّا لكان قسيمًا للنّوع مكافئًا.
وقول بعضهم: (كلّ فصل يشارك النّوع في الاندراج تحت طبيعة الجنس، ويمتاز عنه بعدم دخول الجنس في حقيقته، فيفتقر إلى فصل) خطَأٌ؛ لأنّ الدّخول لا يستلزم النّوعيّة.
و: لا يجب انحصار التّركّب(1) في الجنس والفصل، فإنّ العشرة مركّبة من الآحاد؛ والعسكرَ من الأشخاص. نعم، كلّ جزءٍ محمولٍ فهو أحدهما.
ز: كلّ فصل قَوَّم العاليَ قوَّم السّافلَ من غير عكس، وكلّ فصل قسّم السّافل قسّم العاليَ من غير عكس.
والجنس العالي له فصل مقسّم، ويجوز أن يكون له مقوّم. ولا مُقسّم للنّوع السّافل، بل يجب له المقوِّم. والمتوسّطات لها فصولٌ مقوّمة ومقسّمة.
ح: فصل الإنسان هو النّاطق لا النّطق؛ لأنّ الفصل محمولٌ ، وكذا الخاصّة الضّاحك لا الضحك، والعرض الماشي.
ص: 113
ط: لا يمكن أن يكون عدم الفصل فصلًا لنوع الجنس، وإلّا لتأخَّرَ أحد النّوعين عن الآخر بالذّات، هذا خَلَف.
ي: الفصل الأخير هو العلّة الأولى، والجنس العالي هو المعلول الأخير.
الخاصّة المطلقة كلّيٌّ مقول على حقيقة واحدة لا غير، قولًا عرضيًّا، وبهذين القيدين يخرج البواقي. وهي قد تكون خاصّة للجنس العالي والمتوّسط والسّافل، وقد تكون خاصّةً للنّوع. وقد تؤخذ بالإضافة، بأن تكون موجودة لشيء دون آخر، وإن وجدت في ثالث فتكون(1) خاصّة بالنسبة إلى الآخر، لا إلى الثّالث.
والخاصّة قد تكون بسيطة، وقد تكون مركّبة، وأيضًا منها ما هي لازمة، ومنها مفارقة، وأيضًا منها ما هي بيّنة، ومنها ما ليس كذلك، وأيضًا منها قاصرة ومنها شاملة.
وقد خصّ القومُ اسمَ الخاصّة بالشّاملة اللّازمة البيّنة، وليس ذلك لازمًا؛ نعم هي أشرف الخواصّ .
وأمّا العرض العامّ فهو الكلّيّ المقول على أفراد حقيقة واحدة وغيرها قولًا عرضيًّا. ويخرج بالأوّل النّوعُ وفصلُهُ وخاصَّتُهُ ؛ وبالثّاني الباقي.
ص: 114
وهو قد يكون عَرضًا(1) للجنس العالي والمتوسّط والنّوع، وقد يكون لازمًا ومفارقًا بيّنًا وغيره.
وظنّ بعضهم أنّه القسيم للجوهر(2)؛ لأنّه وَجَدَ حدَّه: (ما يوجد للموضوع)، وحدَّ الأوّل: (ما يوجد في الموضوع)(3)، فلم يفرّق بين ما يوجد للشّيء وما يوجد فيه.
ومع ذلك فقد غفل عن كون الموضوع في الموضعين مختلفًا(4)؛ ولأنّ هذا قد يكون جوهرًا(5)، ولأنّه قد يحمل على الجوهر(6) حمل المواطأة، بخلاف القسيم؛ ولأنّ القسيم قد يكون جنسًا كاللّون للسّواد، فبينهما(7) عموم من وجه.
المشاركة إمّا ثنائيّة، أو ثلاثيّة، أو رباعيّة، أو خماسيّة. فهنا مطالب:
وهي عشرة:
أ: مشاركة الجنس مع الفصل في كون كلّ منهما جزء النّوع.
والتّحقيق أنّه جزءٌ من حدّه؛ لما بيّنّا أنّ النّوع ليس مركّبًا من الجنس والفصل، بل
ص: 115
هو الجنس الّذي ذلك الجنس هو الفصل. وتتبعه خواصّ (1) الجزء.
وفي كونه(2) جزءً ا محمولاً وتتبعه خواصّ ذلك، وهي أنّه وما يُحمَل عليه في جواب (ما هو) أو يدخل في هذا الجواب، أو من طريق (ما هو) فهو محمول على النّوع من طريق (ما هو). أو يدخل في جواب (ما هو) بالنّسبة إليه؛ وفي أنّه أحدُ جزئَي الحدّ التّام.
ب: مشاركة الجنس مع النّوع في المقوليّة في جواب (ما هو)، وإن كان أحدهما في حال الشّركة والآخر في حال الخصوصيّة.
ج: مشاركة الجنس مع الخاصّة في كونه أحد جزئَي الرّسم التّامّ .
د: مشاركة الجنس مع العرض في وجوب كونه مقولًا على كثيرين مختلفين بالحقائق.
ه -: مشاركة الفصل مع النّوع في كونهما ذاتيَّيْن متعاكسين؛ وفي كونه ذاتًا أخصّ من الجنس، وهاتان مركّبتان(3).
و: مشاركة الفصل مع الخاصّة في الاكتفاء به في التّعريف؛ وفي كونه أخصّ جزئَي المعرف التّامّ ؛ وفي المقوليّة في جواب (أيّما هو؟).
ز: مشاركة الفصل مع العرض؛ وقلّما يتّفق للتّنافي؛ فإنّ أحدهما ذاتيّ خاصّ والآخر عرضيّ عامّ .
ح: مشاركة النّوع مع الخاصّة في أنّه قد يُحمل كلّ منهما على الآخر حملًا كلّيًّا نظريًّا(4).
ص: 116
ط: مشاركة النّوع مع العرض العامّ ، وهي نادرة لما تقدّم(1).
ي: مشاركة الخاصّة(2) مع العرض في العَرَضيّة وما يتفرّع عليه من التّأخّر عن الحقيقة بالذّات؛ وفي إمكان الزّوال؛ وفي صدق المتقابلين منهما على واحد؛ وفي قبول الشّدّة والضّعف.
وهي عشرة:
أ: مشاركة الجنس والفصل مع النّوع في الذّاتيّة وعدم التّفاوت، وفي وجوب الدّوام. وبعض الأعراض، وإن وجب دوامها، فليس للعرضيّة، بل لأمرٍ آخرٍ، وفي الأقدميّة والتّبعيّة في الرّفع(3).
ب: ومع الخاصّة(4) في أنّ المعرّف التّامّ إنّما يتألّف منها.
ج: ومع العرض في أنّ كلّ واحد منها أعمّ من النّوع على رأيٍ (5).
د: مشاركة الفصل والنّوع مع الخاصّة في كون كلّ منها أخصّ من الجنس مطلقًا، أو من وجه على رَأيٍ ؛ و [في] ثبوت التّعاكس.
ص: 117
ه -: ومع العرض، وهو نادرٌ لما مرّ(1).
و: مشاركة النّوع والخاصّة مع العرض في أنّها ليست جزءً ا، أمّا الخاصّة والعرض فظاهر، وأمّا النّوع فلأنّه نفس الماهيّة.
ز: مشاركة الجنس والنّوع مع الخاصّة، وهي نادرة.
ح: مشاركة الجنس والنّوع مع العرض، وهي نادرة أيضًا.
ط: مشاركة الجنس مع الخاصّة والعرض، نادرةً .
ي: مشاركة الخاصّة والفصل مع العرض، وهو كونه [كذا] أكثر من واحد في مرتبة واحدة على رأي.
وهي ستّة:
أ: مشاركة ما عدا العرض في أنّه يستحيل اشتراك جميع الموجودات في جنسٍ واحدٍ أو نوعٍ واحدٍ أو فصلٍ واحدٍ أو خاصّةٍ واحدة، ويمكن اشتراكها في عرض واحد، كالوجود.
ب: مشاركة ما عدا النّوع في عدم دلالتها على الماهيّة؛ وفي أنّها قد يوجد فيها ما يكون جنسًا عاليًا أو متوسّطًا؛ وفي أنّها مقولة على كثيرين مختلفين بالحقائق بالإمكان(2) العامّ .
وباقي المشاركات نادرة.
ص: 118
وهي ثمانية:
أ: كونها كلّيّات وما يلزم ذلك من الحمل.
ب: هي(1) من مقولة المضاف.
ج: تعطي(2) ما تحتها الاسم والحدّ.
د: المحمول عليها محمول على ما تحتها.
ه -: حملها على ما تحتها بالتّواطؤ(3) بالإمكان العامّ .
و: إمكان(4) دوامها لموضوعاتها.
ز: إمكانها في نفسها.
ح: افتقارها إلى العلل، إلّا النّوع الحقيقيّ (5) غير المضاف.
وتُعرَف بهذه، المشاركاتُ السلبيّةُ ؛ فإنّ كلّ مشاركةٍ ثنائيّةٍ بين أمرين فسلبها مشاركةٌ ثلاثيّةٌ بين الباقية، وكذا الثّلاثيّة سلبُها مشاركة ثنائيّة.
وتُعرف أيضًا المباينات؛ لأنّ ما شارك به بعضٌ بعضًا بايَنَ به ما عداه.
ص: 119
وأمّا الخواصّ ، فخاصّة الجنس وجوب زيادة جزئيّاته على جزئيّات النّوع، وأنّه أعمّ جزئَي المعرّف التّام، وأنّه ينقص عن النّوع في المفهوم مع زيادة جزئيّاته.
وخاصّة الفصل مساواته للنّوع دائمًا على رأيٍ ، ونقصُه عنه في المفهوم مع المساواة، وأنّه يكون وحده حدًّا تامًّا على رأي(1)؛ لإمكان تركّب ماهيّة من فصلين.
وخاصّة النّوع زيادته على الجنس في المفهوم، والنقص في الجزئيّات.
وخاصّة الخاصّة الاكتفاء في الرّسم بها، وأنّها أخصّ جزئَي الرّسم التّامّ .
وخاصّة العرض إمكان اشتراك جميع الموجودات فيه.
وفيه أربعة(2) مباحث:
أ: هذه الخمسة إضافيّة لا تُعقل إلّا مضافةً إلى غيرها، فليس الجنس جنسًا في نفسه ولا لكلّ شيء، بل لنوعه؛ وكذا الفصل وباقي الخمسة.
وقد يجتمع أكثرها بل جميعها في واحد بالقياس إلى أمور متعدّدة.
ص: 120
ب: إذا اعتبرنا الكلّيّات ما عدا النّوع بالنّسبة إلى حصصها الموجودة في أفرادها لا بالنّسبة إلى أفرادها الحقيقيّة كانت أنواعًا حقيقيّة؛ فكلّ واحدٍ من الخمسة نوع حقيقيٌّ باعتبار، والجنس عرض عام بالنّسبة إلى الفصل، والفصل خاصّة له.
ج: قد يمكن تركّب الخمسة بعضِها مع بعضٍ بإضافته إليه؛ فجنس الفصل لا يجوز أن يكون جنسًا، بل يكون(1) فصل جنس.
وجنس العرض عرض، وإلّا لصدق أحد المتعاندين على الآخر(2). وقد يكون عَرَضًا(3) للجنس وقد لا يكون(4)؛ وكذا فصله.
وجنس الخاصّة إمّا خاصّة(5) أو عرض(6).
وخاصّة الفصل خاصّة النوّع، وبالعكس. وعرض النّوع عرض الفصل،
ص: 121
ولا ينعكس(1). وخاصّة النّوع خاصّة الجنس، ولا عكس(2). وعرضُ الجنسِ الشّاملُ عرض النّوع ولا عكس(3).
وعرضيّ العرضيّ (4) قد يكون ذاتيًّا، وذاتيّ الذّاتيّ ذاتيّ ، وذاتيّ العرضيّ (5) وعرضيّ (6) الذّاتيّ قد يكونان ذاتيّين.
وجنس الجوهر وفصله جوهران؛ وجنس العرض وفصله عرضان.
د: معرفة هذه الكلّيّات على ما هي عليه عَسِرٌ جدًّا، فإن الذّهن يعجز كثيرًا عن تمييز الجنس من العرض، والفصلِ من الخاصّة. فلهذا كانت معرفة الحدود الحقيقيّة من أعسر الأشياء. أمّا حدود الماهيّات المدرَكة فإنّ معرفتها سهل - [- ة].
ص: 122
وفيه فصول:
إنّا نجهل كثيرًا من الماهيّات بالضّرورة، ونطلب تعريفها، ويحصل لنا العلم بها؛ إمّا بالكُنه أو ببعض الاعتبارات، واستُدِلّ على المنع بوجهين:
الأوّل(1): إنّ المطلوب يستحيل طلبه على تقديرَي العلم به وجهله؛ لاستحالة تحصيل الحاصل، وعدمِ الطلب لغير المتصوَّر من كلّ وجه، وعدمِ الشعور بأنّه المطلوب.
ولا ينفع العلم به من وجه دون آخر، لعود البحث إلى الوجهين(2).
الثّاني: إنّه إن عُرف بنفسه أو بجميع أجزائه الّتي هي نفسه، لزم تقدّم الشيء على نفسه؛ وإن عُرِف ببعض أجزائه دار؛ لأنّ المعرّف للشيء معرّف لجميع أجزائه، وإن عرف بالخارج دار أيضًا؛ لاستدعاء التعريف به العلمَ باختصاصه(3)، المسبوقَ لكونه
ص: 123
نسبة بالعلم بالشيء؛ ولأنّ علم الاختصاص يستدعي معرفةَ جميع الماهيّات.
والتعريف بالمركّب من الدّاخل والخارج تعريفٌ بالخارج.
أُعترِض(1) على [الوجه] الأوّل باستحالة اجتماع مقدّمتيه على الصّدق؛ لاستلزام عكسِ عكسِ نقيض كلٍّ منهما كذْبَ الأُخرى، وإنتاج عكس النّقيض مع كلٍّ منهما المحالَ (2)، وكذا لو كانتا سالبتين، بأن تَعكِسَ إحديهما، ثمّ بعكسه عكس النّقيض؛ وكذا لو كانتا متّصلتين.
و أُجيب بأنّ عكسَ عكسِ نقيض كلٍّ منهما أعمّ موضوعًا من عين الأُخرى، فلا تناقض؛ لجواز سلب الشّيء عن بعض أفراد الأعمّ ، وثبوته لجميع الأخصّ . وهو مختصٌّ بموضوعٍ متّحدٍ لوصفين متقابلين؛ والأعمّ أنّ (3) موضوع الثّانية الخارجيّة إن أُخِذَ بحسب السّلب يقتضي كذبها، فهي معدولة، فتكون أخصّ من عكس عكس نقيض الأولى. ونمنع في المتّصلتين المنافاة بين عكس عكس نقيض إحديهما وعين الأُخرى، لجواز أن يلزم النّقيضان لشيء واحد. وكون الشّعور ملزومًا للنّقيضين وكذا عدمه لا يستلزم اجتماعَ النّقيضين؛ لأنّ الاستلزام جزئيٌّ ، فلا يلزم منه اجتماع النّقيضين؛ لإمكان تغاير الزّمان. فلا يجتمع الاستلزام وصدق المقدّم.
والجواب يجوز اتّصاف المطلوب بالوجهين ولا يعود السّؤال؛ لأنّ المطلوب الموصوف، لا الوجهان.
ص: 124
وعن الثاني: أن مجموع الأجزاء ليس هو نفس الشّيء، فإنّها علل، والمعرّف للشيء لا يجب أن يكون معرّفًا لجميع أجزائه، لإمكان سبق بعض الأجزاء، أو كونه بديهيًّا. نعم، المعرفة تتوقّف على معرفة الجميع.
والاختصاص هو الشرط لا العلم به، سلّمنا، لكن متوقّف على المعرفة ببعض الاعتبارات، وتطلُبُ الكمال ومعرفة جميع ما عداه بأمرٍ شاملٍ ليس بمحالٍ .
وفيه سبعة(1) مباحث:
أ: الحدّ قولٌ دالٌّ على ماهيّة الشيء، ولا دور؛ لأنّا نعرّف الحدّ من حيث أنّه حدّ يحدّه، لا من حيث هو حدّ.
ومن أدخل (الوجازة)(2) أخطأ؛ لأنّه أدخَلَ نوعًا من المضاف في حدّ غيره.
ب: المعرِّف يجب أن يكون مغايرًا للمعرّف سواءٌ الحدّ والرسم؛ لأنّه علّة، وأن تتقدّم(3) معرفة المعرِّف على معرفة المعرَّف، وإلّا دار، أو ترجّح أحدُ المتساويين
ص: 125
لا لمرجّح، فلا يجوز تعريف الشّيء بنفسه ولا بمساويه ولا بالأخفى ولا بما تتوقّف معرفته عليه بمرتبة أو بمراتب.
ج: تجب المساواة بين المعرِّف والمعرَّف في العموم لا المفهوم؛ وإلّا لزم التعريف بالأخفى أو انتفاءُ أقلّ مراتبه(1).
د: المعرِّف إن كان داخلًا فهو الحدّ التامّ إن اشتمل على جميع الأجزاء، والنّاقص إن لم يشتمل. وإن كان خارجًا فهو الرّسم التامّ إن ميَّزَه عن جميع ما عداه، والناقص إن ميّزه عن البعض.
والمركّب من الدّاخل والخارج حكمُهُ ما تقدّم(2).
ه -: جَوَّز بعضُهم(3) كونَ المفرد حدًّا ناقصًا كالفصل وحده، أو رسماً ناقصًا كالخاصّة.
وفيه نظر؛ لأنّ النّاطق والضّاحك يدلّان على شيءٍ ما له نطق أو ضحك من غير تقييد(4)، فيكون مفهومهما محتملاً لأن يكون أعمّ من الإنسان أو أخصّ أو مساويًا،
ص: 126
فإذن لايفيدان بمجردهما التمييز ولا التصوّر ما لم يتقيّدا بما يقتضي التخصيص بالنوع كالجنس، فإذن لا أقلّ في كلّ تعريف من عَلَمين من حقّهما أن يدلّ عليهما لفظان. ولهذا عدّوا التعريفات في الأقوال المؤلّفة.
و: البسيط لا يُحدّ وقد يعرَّف بلوازم خارجيّة. ثمّ إن كان جزءً ا من غيره حُدّ به؛ وإلّا فلا.
والمركّب يُحدّ؛ فإن كان جزءً ا من غيره حُدّ به أيضًا؛ وإلّا فلا.
ز: الحدّ التامّ يجب أن يُذكر فيه جميع الأجزاء المادّيّة والصّوريّة؛ بأن يقدَّمَ الجنس، ثمّ يقيّد بالفصل. فإن غُيِّرَ التّرتيب فالحدّ ناقص.
ويجوز تركّب الماهيّة لا من الأجناس والفصول، فيجب ذكر تلك الأجزاء بأجمعها في الحدّ التّامّ .
وإذا كان للشيء فصلان متساويان وجب ذكرُهما فيه.
قد يكون بعض اللّوازم يفيد كنه ملزومها، فيساوي الّتعريف بالحد؛ وقد يكون كذلك، فيفيد التميّز الكلّيَّ ، فيكون تامًّا أو الجزئيّ ، فيكون ناقصًا.
وقيل: إنْ تركَّبَ من الدّاخل والخارج فهو التّامّ ، وإلّا فالنّاقص.
والأقرب ما تقدّم.
ص: 127
والرسوم تتفاوت في الجودة والرداءة؛ فما كان أكثر ظهورًا كان أجوَد. ويحتمل الزّيادة والنّقصان، بخلاف الحدود التّامّة.
قيل: مساواة اللّازم شرط، ولا تُعرَف(1) إلاّ بعد معرفة الملزوم، فيدور.
وأُجيب بأنّا نركّب اللّوازم العامّة ونعرّف بالمركّب.
وليس بجيّدٍ؛ لورود السؤال في المركّب. بل الجواب: أنّ المساواة شرط، لا العلم بها.
والمثال مندرج في الرسم؛ لأنّه تعريف بكون الشيء مشابهًا(2).
واعلم أنّ الحدّ أتمّ من الرسم؛ لإفادته معرفةَ الحقيقة، والرّسم أعمّ ؛ لوروده في البسائط.
وفيه أربعة(3) مباحث:
أ: الّذي يُحترَز عنه في الحدود والرسوم منه ما يتعلّق بالألفاظ؛ ومنه ما يتعلّق بالمعاني. فمن المواضع اللّفظية التعريف بألفاظٍ غريبةٍ وحشيّةٍ أو مجازيّةٍ ، فإن اتّفق أن لا يوجَد للمعنى لفظٌ مناسبٌ معتادٌ فليُخترع له لفظ من أشدّ الألفاظ مناسبةً له(4).
ص: 128
ب: من الأغلاط الحدّيّة جعلُ ما ليس بجنسٍ جنسًا، أو ما ليس بفصلٍ فصلًا، أو ذكرُ الجنس البعيد عوضَ القريب، وكذا في الفصل، أو تغيُّر الترتيب، فيقدّم الفصل على الجنس.
ج: من الأغلاط الرسميّة التعريف بالأخفى أو المساوي، وقد تقدّم(1).
د: من الأغلاط في التّعريفِ التّكرير لغير ضرورة ولا حاجة؛ إمّا للمحدود في الحدّ، مثل: (الإنسان حيوان بشريّ )، أو لبعض أجزاء الحدّ مثل: (الإنسان حيوان جسمانيّ ناطق)، وإذا كرّر للحاجة مثل ما إذا سئل عن (الإنسان الحيوان) فيحتاج إلى ذكر حدَّيْهما، وهو تكرار قبيح لولا السؤال أو الضرورة؛ إمّا في المركّبات، وهي الّتي تركّب الشيء فيها مع عرضه الذّاتيّ ، فيقع الشيء تارةً في حدّه، وتارةً في حدّ عرضه الذّاتيّ ك - (الأنف الأفطس)، وإمّا في الإضافات، كما يعرَّف الأب بأنّه شخص يُوَلِّد آخر من نوعه من نطفته من حيث هو كذلك.
وأخطأ من عرّف كلًّا منهما بصاحبه، حيث يعرّف معه؛ لأنّه دور، بل الواجب أخذُهما مجرّدَين عن الإضافة وذكرُ السّبب الموجب لها، ثمّ تخصيصُ البيان بما يراد تعريفه منهما.
ص: 129
ص: 130
وفيه مراصد:
وفيه فصول:
القضيّة والخبر والقول الجازم ألفاظ مترادفة، فهي معلومة غنيّةٌ عن التّعريف. وقد عُرِّفت ب -: (أنّها قول يقال لقائلها أنّه: صادق أو كاذب)(1).
وقيل: إنّه قول يحتمل الصدق والكذب أو التّصديق والتّكذيب(2).
ولا تخلو هذه التّعريفات عن دور، فإنّ الصّدق والكذب من الأعراض الذاتيّة للخبر، فلا يمكن معرفتهما إلّا بأخذه في حدّهما(3).
ص: 131
واعتُذِر بأنّ المستغنيَ عن التّعريف قد يعرض له نوع اشتباه بالتباسه بغيره ممّا يُعرَف مشاركته له، ويورَد في تمييزه ما يتوقّف معرفته عليه لو افتقر إلى تعريف؛ إذ ليس الغرض تحديده، بل تخليصه عن مشابهه وبالخصوص(1).
وهذا العرض ذاتيٌّ مستغنٍ عن البيان، فذكرُهُ للتّمييز أوّلي. فذكرُ الصّدق والكذب في تمييز الخبر عن غيره من أصناف التراكيب ليس بمحال.
لا يقال: من الخبر ما يُعلم صدقُه ومنه ما يُعلم كذبه، فلا يَحتمل هذان(2) الصدقَ والكذب، فيخرجان عن الخبريّة.
لأنّا نقول: الاحتمال باعتبار الصّورة لا ينافي وجوب أحدهما من حيثيّةٍ أخرى.
وفيه تسعة(3) مباحث:
إيجابًا(1)، أو سلبًا(2)، أو فيهما(3)؛ أو بنفيه(4).
والمحكوم عليه في الحمليّة يسمّى موضوعًا، وفي الباقيتين مقدّمًا؛ والمحكوم به في الحمليّة يسمّى محمولًا، وفيهما تاليًا.
قيل عليه:
[أ:] إنّه يستلزم كون جزئَي الشّرطيّة قضيّتين حالةَ الاتّصال وليس كذلك.
[ب:] وينتقض بقولنا: (طلوع الشّمس يستلزم وجود النّهار ويعانده وجود اللّيل)، فإنّ التّلازم والتّعاند موجودان وهي حمليّة.
[ج:] ولأنّ قولنا: (ليس كلّما طلعت الشّمس وجد اللّيل)، أو (كلّما طلعت الشّمس لم يوجد اللّيل) قد حكم فيهما بالتّعاند وهي متّصلة.
[د:] ولأنّ قولنا: (إنّ زيدًا عالم يوجب أنّ زيدًا مكرَمٌ ) حمليّة، مع انحلالها إلى قضيّتين.
والجواب عن (أ): المراد ما يكون قضيّةً حالةَ التّحليل لا التّركيب.
وعن (ب): أنّه ليس حكمًا على قضيّتين بالتّلازم والتّعاند، بل على مفردين.
وعن (ج): أنّ دلالته على التّعاند بالالتزام، والمعتبر ما يدلّ بصريحه عليهما.
وعن (د): أنّ الشّرطيّة هي الّتي تنحلّ بحذف الأدوات الموجبة للرّبط إلى قضيّتين وأداةِ الرّبط؛ زمانيّةٍ (*) وغير زمانيّة، وليس فيما ذكرتم من المثال إحدى الرّابطتين.
ص: 133
نعم، بحذف (أنّ ) [و] حذف (يوجب) تنحلّ إلى قضيّتين، ولكنّهما ليسا دالّين على الرّبط.
ب: كلّ واحدٍ من هذه القضايا إمّا موجبة، وهي الّتي حكم فيها بأنّ أحد الطرفين هو الآخر أو يستلزم الآخر أو يعانده، وإمّا سالبة، وهي الّتي حكم فيها بنفي ذلك. والموجبة أبسط، فإنّ سلب كلّ شيء يُعقَل مضافًا إلى إيجابه فهو مسبوق بالإيجاب.
ج: تسمية الموجبات بالحمليّ والمتّصل والمنفصل حقيقةٌ ، والسّوالب مجازٌ(1)؛ من حيث أنّ أجزاء السالبة مستعدّة للحمل والاتّصال والانفصال. وتسمية المتّصلة بالشّرطية حقيقةٌ ، والمنفصلةِ مجازٌ؛ لتركُّبها من قضيّتين كالمتّصلة.
والحمليّة أبسط من الشّرطيّة.
وقد تتركّب الشّرطيّة من أمثالها على ما يأتي.
د: إنّما تتمّ الحمليّة بأمور ثلاثة: الموضوع، والمحمول، والرّابطة بينهما ارتباطًا به يكون الموضوع هو المحمول، أو ليس هو. ولو تصوّرنا الطّرفين مجرّدين عن الرّابطة
ص: 134
لم يكن هناك حمل ولا وضع، فهناك معنى ثالثٌ مغاير للطّرفين من حقّه أن يُدلّ عليه بلفظ يسمّى رابطة؛ إمّا في قالب الاسم ك - (هو)، أو الكلمة ك - (يوجد). وقد تحذف في بعض اللّغات، فتسمّى القضيّة ثنائيّةً ، ومعها ثلاثيّةً . وتختلف اللّغات؛ ففي اليونان تجب الزّمانيّة(1)، وفي العربيّة تجب أيضًا في المتّصلات، وفي الفُرس تجب الرّابطة مطلقًا.
ه -: المحمول إذا كان كلمةً أو اسمًا مشتقًّا، لم تكن حاجته إلى الرّابطة كغيره، وإن كان لا بدّ فيه من الرّابطة، فإنّ الضّمير المستكنّ فيه إنّما يدلّ على موضوع غير معيّنٍ ، والحاجة إلى الرّبطة إنّما هي للتّعيين، فإذن القضيّة إمّا ثلاثيّة تامّة، وهي المربوطة برابطةٍ غير زمانيّة، وإمّا ثلاثيّة غير تامّةٍ ، وهي المربوطة بالكلمات، أو ما كان المحمول فيها كلمةً أو اسمًا مشتقًا(2)؛ وإمّا ثنائيّة، وهي ما حذف فيه الأداة.
وقيل: إنّ الكلمات تدلّ مع ما يستكنّ بعدها من الضّمير العائد إلى المبتدأ السّابق على موضوع معيّن.
والنّزاع لغويّ .
و: الرّابطة الزّمانيّة قد تستعمل في ما لا يكون زمانيًّا، كقولنا: (كان اللّه غفورًا رحيمًا) و (كلّ ثلاثةٍ يكون فردًا).
ص: 135
ز: للموضوع نسبة الموضوعيّة إلى المحمول، وللمحمول نسبة المحموليّة إليه، وهما متغايرتان ومتلازمتان؛ فإنّ الموضوع إذا كان بحيث يثبت له المحمول بالضّرورة، كان المحمول بحيث يثبت للموضوع كذلك، فلا يمكن اختلافهما بالكيف والجهة، وإحداهما في قوّة الأخرى.
ونسبة كلّ منهما إلى صاحبه غير نسبة صاحبه إليه بتلك النّسبة، وإلّا اتّحد الأصل والعكس، وهو كاذب، لعدم التّلازم(1) والاتّفاق(2)، فكيف يجب الاتّحاد؟.
ح: المكان الطّبيعيّ للرّابطة التوسط بين الطّرفين؛ لأنها نسبة بينهما.
واعلم أنّ كلّ نسبةٍ لا بدَّ لها من كيفية هي الوجوب والإمكان والامتناع، فإن ذُكرت فالمكان الطّبيعيّ لها أن تجاور الرابطةِ ؛ لأنّها كيفية لها، وللسّور أن يجاور الموضوع. وهو وإن كان جزءً ا من القضيّة المسموعة فليس جزءً ا من القضيّة المعقولة؛ لأنّه ليس إلّا اللّفظ الدّالّ على قدر أفراد ما يثبت له المحمول، وذلك القدر هو الموضوع، فليس له في الحقيقة اعتبار مغاير للموضوع، بخلاف الرّابطة والجهة. ولهذا لم يُقسِّموا القضيّة لأجله إلى الخماسيّة.
ط: قيل: السّلب المطلق غير معقولٍ ، وإلّا لكان متميّزًا، فيكون ثابتًا؛ ولأنّ كلّ
ص: 136
تميّز يُفرض فإنّه يقابله سلب، فلو كان للسّلب تميّز لأمكن سلبه وذلك السّلب له تميّز، فيكون الشيء مقابلًا لنفسه.
والجواب: قولكم: (السّلب المطلق غير معقول) يستلزم التّناقض، ولا استبعاد في كون الشيء مقابلًا لنفسه باعتبارين.
وفيه خمسة(1) مباحث:
أ: موضوع القضيّة إما أن يكون هو نفس الطّبيعة، ونحن سمّيناها (الطبيعيّة)، وإمّا أن يكون(2) هو الطّبيعة بقيد العموم، ونحن سمّيناها (القضية العامّة)، وإمّا أن يكون مع قيد التشخص، فإن كان معيَّنًا فهي (المخصوصة) و (الشخصيّة)، وإمّا أن لا يكون، وهي داخلة تحت الجزئيّة، وإمّا أن يكون هو الأفراد، فإن لم تبيَّن كمّيّتها فهي (المهملة)، وإن بيِّنت(3) فهي (المسورة) و (المحصورة)، فإن حُكم على الجميع فهي الكليّة، إمّا موجبة أو سالبة، وإن حكم على البعض فهي الجزئيّة موجبة وسالبة.
اللّفظ الدّالّ على كمّيّة الأفراد يسمّى سورًا، وهو في الموجبة الكلية (كلّ )، وفي
ص: 137
السالبة الكلية (لا شيء) و (لا واحد)، وفي الموجبة الجزئيّة (بعض) و (واحد)، وفي السالبة الجزئيّة (ليس كلّ ) و (ليس بعض) و (بعض ليس). والأوّل يدلّ على سلب الحكم عن الكلّ بالمطابقة وعن البعض بالالتزام؛ فإنّ السلب عن الكلّ لا ينفكّ عن السلب الكلّي والجزئيّ ، فالجزئيّ قطعيٌّ ، والأخيران بالعكس.
لا يقال: السلب عن الكلّ أعمّ من السلبين، فكيف يدلّ على أحدهما بعينه بالالتزام ؟ وقد علم أنّه لا دلالة للعامّ على الخاصّ بشيءٍ من الدّلالات.
لأنّا نقول: إذا كان وجود الكليّ منحصرًا في أمرين ولازَمَ أحدُهما الآخرَ كان اللازم لازمًا للكليّ ، فتجب دلالة الالتزام. والثّاني لا يستعمل للإيجاب البتّة، ويمكن أن يستعمل للكلّيّ ، والثالث بالعكس.
ج: هذه الأسوار قد تذكر لبيان كميّة الجزئيّات، على ما مرّ، ولبيان كميّة الأجزاء(1). والفرق أنَّ الأوّل لا يتحقّق في المخصوصات؛ والثّاني لا يتحقّق في المحصورات.
وقول الأسوار على الأجزاء والجزئيات بالاشتراك المعنوي؛ فإنّها لبيان كميّة العدد، سواء كانت الكميّة في الأجزاء أو الجزئيّات.
د: المهملة في قوّة الجزئية بمعنى التلازم؛ لأنّه إذا صدق (الإنسان كاتب)، صدق المحمول على شخص من أشخاصه، وإلّا لعَمَّ السلب جميعَ الأفراد في جميع الأوقات، وهو يستلزم كذب الثبوت. وإذا صدق قولنا: (هذا الإنسان كاتب)، صدق (الإنسان
ص: 138
كاتب)؛ لأنّ (هذا الإنسان) عبارة عن الإنسان المقيّد بقيد (كونه هذا)، وإذا صدق(1) الحكم على المركب صدق على مفرداته المحمولة(2)، ولأنّ المحمول إذا صدق على أفراد الموضوع فلابدّ وأن يصدق كليًّا أو جزئيًا. وعلى التقديرين يصدق الجزئيّ . وإذا صدق على بعض ما صدق عليه الموضوع فقد صدق على ما صدق عليه الموضوع.
ه -: لمّا يشكّك العقل في صدق المحمول على جميع أفراد الموضوع أو بعضها، لا جرم [أنْ ] افتقر إلى ما يدلّ على أحدهما؛ أمّا الصادق على الشيء فلا(3)، فإنّ الشيء من حيث هو هو لا يكون كلّيًا، وإنّما يعرض له الكليّة عند مقوليّته على كثيرين، فما لم يُعتبر كثرةٌ في موضوعاته لم يعرض له الكليّة. والسور لفظٌ دالٌّ على تقدير تلك الكثرة، فإذا ورد على المحمول انحرفت القضيّة عن المجرى الطبيعيّ وسمِّيت (منحرفة).
وأقسامها أربعة:
الأوّل: أن يكون الطرفان شخصيّين، فإن قُرِن بالمحمول سور إيجاب كلّي أو جزئيّ ، كذبت، وإن قُرن به سور السالبتين صدقت، إلّا أنّها توهِم أنّ كون(4) المحمول متعدّد الأفراد.
ص: 139
هذا إن لم يقرن بالموضوع شيء أو قرن به سور إيجابيّ ؛ وإن قرن به حرف السلب أو سورٌ سلبيٌّ فالأمر بالعكس.
الثّاني: أن يكون الشخصيّ محمولًا على الكلّيّ ، وحكمه كالأوّل.
الثّالث: أن يكون الكلّيّ محمولًا على الشخصيّ : فإن كان الموضوع مسوَّرًا فكالأوّل، وإن لم يكن، كذبت إن قُرن بالمحمول سور إيجاب كلّيّ ، فيصدق السلب الجزئيّ ، وإن قرن به إيجاب جزئيّ صدقت في الواقع وكذبت في غيره. والسلب الكلّيّ بالعكس.
ولو قرن بالموضوع حرفُ سلب رافعٌ للحكم فالأمر بالعكس.
الرابع: أن يكونا كليّين، فإن كان الموضوع مهملًا(1) كذبت(2) مع الإيجاب الكلّيّ ، فيصدق مع السلب الجزئيّ ومع الموجب الجزئيّ في الواقع. والسّالب الكلّيّ بالعكس. وإن قرن بالموضوع حرف سلب فالأمر بالعكس.
وإن كان الموضوع مسوَّرًا: فإن كان موجبًا كلّيًا، كذب معه مثله، إلّا إذا أُريد المجموعيّ في المساوي(3) فيصدق مع السلب(4) الجزئيّ مطلقًا، ومع الموجب الجزئيّ في
ص: 140
الواقع(1). والسلب الكلي بالعكس(2). وكذا الموضوع الموجب(3) الجزئيّ . وإن كان سالبًا كليًّا فحكمه عكس الموجب(4) الجزئيّ ، وإن كان سالبًا جزئيًا فحكمه عكس الموجب الكلّيّ .
والضابط أنّه كلّما كان أحد الطرفين شخصًا مسوّرًا أو كان المحمول موجبًا جزئيًا أو سالبًا جزئيًّا، وجب اختلاف الطرفين في مقارنة حرف السلب، وإلّا وجب اختلافهما(5)في مادّة الامتناع وموافقها(6) من الممكن؛ وتوافقهما(7) في مادّة الوجوب وموافقه(8).
أ: إذا قلنا: (كلّ «ج» «ب»)، نعني به أن كلّ واحدٍ ممّا يصدق عليه «ج» صدقًا دائمًا(1) أو غير دائمٍ (2)، وسواء كانت الجيميّة(3) ذاته أو صفةً له(4)؛ وسواء كان موجودًا في الخارج أو في العقل أو في الفرض الذّهنيّ لكن بشرط كونه «ج» بالفعل، حال الحكم أو قبله أو بعده فهو «ب» بالفعل، أو بما يقيّد من الجهات. فلا يدخل فيه ما يمتنع أن يكون «ج»، ولا ما يمكن اتّصافه ب - «ج» وليس موصوفًا بالفعل، كما ذهب إليه أبو نصر الفارابيّ ، ولا ما هو «ج» في الخارج، كما ذهب إليه بعض القدماء؛ لأنّ الجيم الموجود في الخارج هو بعض «ج» لا كلّه.
ب: لا نعني بقولنا: (كلّ «ج»)، كلّيّةَ «ج»، أي الكلّيّ المنطقيّ ، ولا الكلّيَّ العقليّ (5) ولا الكلّ من حيث هو كلّ أي الكلّ المجموعيّ (6)، ولا ما حقيقته حقيقة «ج»، وإلاّ لم يتعدّ الحكم من الأوسط إلى الأصغر أو انتفى الوسط. ولا نعني به ما هو موصوف ب - «ج»؛ وإلّا لزم التّسلسل إمّا فرضًا أو فعلًا؛ ولأنّ أكثر موضوعات المسائل غير صفاتٍ . بل نعني به ما هو أعمّ ، بحيث يشمل ما حقيقته «ج» وما هو موصوف به.
ص: 142
ج: الموضوع في الذّكر يسمّى عنوان الموضوع، والموضوع في الحقيقة يسمّى ذات الموضوع. ولمّا أمكن التّعبير عن الذّات تارة بلفظ موضوعٍ لها، وأخرى بلفظ موضوع لوَصفها، لا جرم، أمكن اتّحاد العنوان والذّات وتغايرهما.
د: مسمّى «ج» يدخل تحت قولنا: (كلّ «ج»). وقيل: المراد ب - (كلّ «ج») كلّ ما يصدق عليه «ج» من الأفراد الشخصيّة، فلا يدخل المسمّى حينئذٍ(1).
ه -: قسّم قومٌ (2) القضيّة إلى حقيقيّة، وهي الّتي يُعنى بها كلّ ما لو وجد وكان «ج» فهو بحيث لو وجد كان «ب»، على معنى حمل الحيثيّة الثانية على ما له الحيثيّة الأولى، لا على معنى الاتّصال؛ وإلى خارجيّة، وهي الّتي يعني بها كل «ج» في الخارج فهو «ب» في الخارج.
والتّحقيق ما قلناه أوّلًا(3).
ص: 143
و: الموجبة الجزئيّة هي الّتي يحكم فيها على بعض ما حكم فيه في الموجبة الكلّيّة. فإذا قيل: (بعض «ج» «ب») كان معناه: بعض ما يصدق عليه «ج» بالفعل، في الوجود أو الذّهن أو الفرض العقليّ ، فهو «ب». ولا يلزم السّلب في البعض الآخر، كما تَوَهَّم مَن لا تحقيق له.
ز: السّالبة الكلّيّة هي الّتي ترفع المحمول عن جميع آحاد الموضوع الّذي اعتبرناه في الموجبة سلبًا بالفعل على الإطلاق.
وقيل: إنّ معنى (لا شيء من «ج» «ب») سلبُ «ب» عن جميع آحاد «ج» ما دام موصوفًا ب - «ج»(1).
وهذا بحسب التّعارف العامّيّ ، وتسمّى هذه (العرفيّة)، وسيأتي تفصيلها(2).
والسّالبة الجزئيّة هي الّتي ترفع الحكم عن بعض الأفراد.
وفيه خمسة(3) مباحث:
أ: إيجاب القضيّة وسلبها ليس لإيجاب الطّرفين وسلبهما؛ بل لإيجاب الرّبط أو
ص: 144
سلبه. فإذا قيل: (ما ليس بحيٍّ فهو لا عالم) فالقضيّة موجبة، وإن كان الطّرفان سلبَين. وإذا قلنا: (زيد ليس بعالمٍ ) فالقضيّة سالبة، وإن كان الطّرفان موجَبين.
ب: المحمول إن كان وجوديًّا فالقضيّة (محصّلة) إن كانت موجبة، و (بسيطة) إن كانت سالبة؛ وإن كان عدميًّا فهي (المعدولة).
وقد يعتبر العدول نادرًا في طرف الموضوع، وإذا أُطلقت المعدولة أُريد به معدولة المحمول.
وقد حصل باعتبار العدول والتحصيل أربعة أنواع: معدولة الطرفين، ومحصّلتهما، ومعدولة الموضوع محصّلة المحمول، وبالعكس.
ج: إنَّه قد يقع الالتباس بين الموجبة المعدولة والسالبة البسيطة، بخلاف البواقي؛ لوجود حرف السلب في طرف المحمول فيهما.
ويقع الفرق بينهما في اللّفظ و المعنى:
أما اللّفظ: فالقضية إن كانت ثلاثيّة كانت سالبة إن تقدّم السلب على الربط، ومعدولة إن تأخّر، وإن كانت ثنائيّة فبالنيّة والاصطلاح، كوضع (غير) و (لا) للعدول، و (ليس) للسلب.
وأمّا المعنى: فهو أنّ السلب يصدق على المعدوم دون الإيجاب؛ ولأنّ السلب عدم
ص: 145
شيء عن شيء مطلقًا، والإيجاب المعدول هو عدم شيء عن شيء من شأنه أن يكون له في ذلك الوقت، وقيل: أو قبله أو بعده، وقيل: من شأنه أو شأن نوعه أو جنسه القريب(1) أو(2) البعيد.
قيل على الأوّل(3): إن عُني بالمعدوم ما هو معدوم في الخارج والذهن معًا لم يصدق السلب عليه؛ لأنّه غير متصوّر، وإن عُني به في الخارج فالإيجاب كذلك(4).
والتحقيق: أن السلب في الخارج يصدق على موضوع معدوم في الخارج؛ أمّا الإيجاب في الخارج فإنّما يصدق على موجود في الخارج، فافترقا؛ ولأنّ الإيجاب(5) مشروط باعتبار الثبوت المطلق، بخلاف السلب، وإن كان مشروطًا بالثبوت لا باعتباره.
وعلى الثاني(6): أنّه يصدق (الجوهر لا عرض). فإنّ الجوهر ليس من شأنه ولا من شأن جنسه الاتّصاف بالعرضيّة، إذ لا جنس له، ولو فُرض له جنس أمكن سلب شيء عنه وإيجاب عدمه عليه(7).
ص: 146
ولمن اشترط الإمكان(1) منع(2) هذه القضيّة.
قيل: الجوهر ليس بعرضٍ ، وكلّ ما ليس بعرض غنيٌّ عن الموضوع، ينتج: الجوهر غنيٌّ عن الموضوع، وإنّما ينتج إذا كانت الصغرى موجبة(3).
و الجواب: المنع من اشتراط الإيجاب، بل متى تكرّر الاعتبار - إيجابًا كان أو سلبًاأنتج القياس.
قيل: لا يشترط في الإيجاب المعدول وجود الموضوع، فإنّ المعدوم إن صدق عليه عدم البصر ثبت المطلوب، وإن لم يصدق صدق عليه نقيضه، أعني وجود البصر، فلا يشترط وجود الموضوع في المحمول المحصّل، فأولى في المعدوم(4).
و أُجيب بالمنع من الملازمة الثانية؛ لأنّ السلب المعدول أعمّ من الإيجاب المحصّل.
د: قيل: ثبوت الشيء لغيره فرع ثبوته لنفسه، فالإيجاب يستدعي وجود المحمول، كاستدعائه وجود الموضوع.
اعتُرض: بأنّ الاصطلاح وقع في الإيجاب على صدق المحمول على الجيمات الموجودة في الخارج أو في الذهن أو في الفرض العقليّ ، وحينئذٍ يستلزم وجود الموضوع على أحد الأنحاء دون المحمول؛ لأنّ العدميّ قد يصدق على الثبوتيّ .
ص: 147
ه -: الضّابط في الموجبات والسّوالب أن القضيّتين إن اختلفتا كيفًا واتّفقتا في العدول والتحصيل تناقضتا في المخصوصتين، وعند الاختلاف بالكمّ في المحصورتين. وإن كان بالعكس تعاندتا صدقًا حالة الإيجاب في المخصوصتين، وعند كليّتهما أو كليّة إحديهما في المحصورتين، وتعاندتا كذبا فقط حالة السلب في المخصوصتين، وعند كونهما جزئيّتين أو جزئيّة إحديهما فقط في المحصورتين.
وإن اختلفتا كيفًا وعدولًا وتحصيلًا، كانت الموجبة أخصّ من السّالبة في المخصوصتين والمحصورتين إن كانت الموجبة كلّيّة أو توافقتا في الكمّ . وتتلازمان عند وجود الموضوع.
وفيه تسعةَ عشرَ(1) مبحثًا:
أ: كلّ محمولٍ نُسب إلى موضوع بالإيجاب أو السلب، فلا بدّ لنسبته من كيفيّة في نفس الأمر: هي إمّا الضرورة، أو الإمكان، أو الامتناع، أو الدوام، أو اللّادوام، إلى غير ذلك ممّا يمكن اعتباره.
وتسمّى هذه الكيفيّة مادّةً وعنصرًا. واللفظُ الدّالّ عليها، أو حكم العقل بها يسمّى جهةً . والقضيّة الّتي ذكرت جهتها لفظًا أو اعتبرت تصوّرًا، تسمّى(2) موجّهةً ومنوّعةً ورباعيّة، والخالية عنها تسمّى مطلقةً .
ص: 148
والفرق واقع بين الجهة والمادّة؛ إذ لا تجب مطابقة حكم العقل واللّفظ لما في نفس الأمر.
ب: ثبوت المحمول للموضوع أو سلبه إمّا بالفعل أو بالقوّة، أي الإمكان. فالأوّل إن لم يعتبر فيه سواه فهي المطلقة العامّة، وإن اعتبر فيه الضرورة المطلقة أعني الّتي يجب فيها ثبوت المحمول للموضوع أوسلبه مادامت ذات الموضوع موجودة فهي الضرورية المطلقة. وإن قيّدت الضرورة بالوصف العنوانيّ فهي المشروطة العامّة إن أُطلقت، والخاصّة إن قيّدت بنفي الدوام الذاتي. وإن قيّدت الضرورة بوقت مع نفي الدوام الذّاتي فهي الوقتيّة إن عُيّن الوقت، والمنتشرة إن أُطلقت.
وإن قيّدتَ المطلق بالدوام فهي الدائمة إن كان الدوام بحسب الذات، والعرفيّة إن قيّد بالوصف، فتسمّى(1) العرفيّة العامّة إن لم تقيَّد بنفي الدوام الذاتي، والخاصّة إن قيّدت.
وإن قيّدت المطلقة بنفي الضرورة فهي الوجوديّة اللا ضروريّة، وإن قيّدت بنفي الدوام فهي الوجوديّة اللا دائمة.
وأمّا الإمكان: فهو عامٌّ إن اعتُبِر سلب الضرورة عن أحد الطرفين، وخاص إن اعتبر سلبُها عنهما معًا.
فهذه قضايا ثلاثة عشر يبحث عنها في التناقض والعكس والقياس.
ويمكن تزايد القضايا بحيث لا تنحصر. ومعرفة ما ذكرناه تُعِين على الباقي.
ص: 149
ج: هذه القضايا الثلاث عشر(1) ستٌّ منها بسائط، وهي الّتي ذكر فيها جهة أحد الطرفين، وسبع مركّبات، وهي المشتملة على جهتهما معًا.
الضروريّة، والدائمة، وهي أعمّ من الضرورية؛ لاستلزام وجوب الدوام ثبوتَه من غير عكس، والمشروطة العامّة، وهي أعمّ من الضرورية مطلقًا، لاستلزام دوام الضرورة بحسب الذات دوامَها بحسب الوصف ولا عكس، ومن الدائمة من وجهٍ ، لصدقهما في مادّة الضرورة وتباينهما في الدوام الممكن بحسب الوصف، وفي المشروطة الخاصّة.
والعرفيّة العامّة، وهي أعمّ من المشروطة العامّة، لما تقدّم من أنّ الدوام أعمّ من الضرورة، فهي أعمّ من الأخصّ ، أعني الضروريّة، ومن الدائمة أيضًا؛ لاستلزام الدوام الذاتي الدوام الوصفي من غير عكس.
والمطلقة العامّة، وهي أعمّ القضايا الفعليّة، لتقيّد غيرها بما يزيد عليها.
والممكنة العامّة، وهي سلب الضرورة عن الطرف المخالف للحكم، وهي أعمّ القضايا لاستلزام كلّ قضيّةٍ مفهومَها من غير عكس.
لا يقال: الحكم بثبوت الباء يغني عن سلب ضرورة عدمه(2)، إذ لا يعقل الثبوت الفعليّ مع ضرورة السلب، فيكون هذرًا.
لأنّا نقول: لم نحكم في الممكنة بالثبوت الفعليّ ، بل برفع ضرورة العدم.
ص: 150
وأمّا المركّبات فسبع:
المشروطة الخاصّة، وهي مركّبة من المشروطة العامّة الموافقة والمطلقة المخالفة، وهي مباينة للضّرورية والدائمة، وأخصّ من المشروطة والعرفيّة العامّتين مطلقًا.
و العرفيّة الخاصّة، وهي مركّبة من عرفيّة عامّة موافقة، ومطلقة عامّة مخالفة. وهي مباينة للضروريّة والدائمة، وأخصّ من المشروطة العامّة من وجه؛ لصدقهما في المشروطة الخاصّة، وصدق المشروطة بدونها في مادة الضرورة، وصدق العرفيّة بدونها في مادّة الإمكان الوصفيّ ، وأخصّ من العرفيّة العامّة مطلقًا، وأعمّ من المشروطة الخاصّة مطلقًا.
و الوقتيّة، وهي مركّبة من وقتيّة مطلقة حكم فيها بالضرورة في وقت معيّن، ومن مطلقة عامّة. وهي مباينة للضروريّة والدائمة، وبينها وبين الوصفيّتين العامّتين عموم من وجه؛ لصدق الجميع في المشروطة الخاصّة، وصدق الوصفيّتين بدونها في مادة الدوام، وصدقِها بدونهما في مادة اللّادوام بحسب الوصف. وهي أعمّ من المشروطة الخاصّة مطلقًا؛ لاستلزام مفهوم المشروطة مفهومها ولا عكس، ومن العرفيّة الخاصة من وجه؛ لصدقهما في المشروطة الخاصّة، وصدق الوقتيّة بدونها في مادّة اللّادوام بحسب الوصف، وصدقها بدونها في مادة نفي الضرورة مطلقًا.
و المنتشرة، وهي مركّبة من منتشرة عامّة حكم فيها بالضرورة في وقتٍ ما موافقةٍ ، ومطلقةٍ عامّة مخالفة، وهي مباينةٌ للضّروريّة والدّائمة، وأعمّ من الوقتيّة مطلقًا، فتكون(1) أعمّ من المشروطة الخاصّة كذلك. وبينها وبين باقي الوصفيّات عموم من وجهٍ .
ص: 151
و الوجوديّة اللادائمة، [وهي] مركّبةٌ من مطلقتين عامّتين متخالفتين كيفًا متوافقتين كمًّا. وهي مباينة للضروريّة والدّائمة مطلقًا، وللوصفيّتين العامّتين من وجهٍ ؛ لصدق الجميع في المشروطة الخاصّة، وصدق الوجوديّة بدونها في مادة نفي الدوام الوصفيّ ، وصدقهما بدونها في مادّة الدوام، [وهي] أعمّ من الخاصّتين والوقتيّتين مطلقًا.
و الوجوديّة اللاضروريّة، [وهي] مركّبة من مطلقةٍ عامّة موافقةٍ ، وممكنةٍ عامّةٍ مخالفة. وهي مباينة للضروريّة مطلقًا، وللدائمة من وجه؛ لصدقهما في الدائمة اللاضرورية، وتباينهما في الضروريّة والوجوديّة اللادائمة. وكذا من الوصفيّتين العامّتين؛ لصدق الجميع في المشروطة الخاصّة، وصدقهما بدونها في مادة الضرورة، وصدقها بدونهما في مادّة نفي الدوام الوصفيّ . وهي أعمّ من اللا دائمة؛ لأنّ نقيض الأخصّ أعمّ من نقيض الأعمّ ، فهي أعمّ من الخاصّتين والوقتيّتين مطلقًا.
و الممكنة الخاصّة، [وهي] مركّبة من ممكنتين عامّتين متخالفتين كيفًا لا كمًّا. وهي مباينة للضروريّة مطلقّا، وللدائمة والوصفيّتين العامّتين من وجهٍ ، وأعمّ السبع المركّبة مطلقًا؛ لأنّ نفي الضرورة أعمّ من نفي الدوام؛ والثبوت الفعليّ أخصّ من إمكان الثبوت.
د: كلّ ممكنٍ واقعٍ محفوفٌ بضرورتين: سابقةٍ ولاحقةٍ ، إذ ما لم يخرج عن حدِّ الإمكان لم يوجد، وإذا وجد امتنع عدمه حالة ثبوته؛ لاستحالة اجتماع النقيضين.
وهذه الضرورة اللاحقة لا تخلو عنها قضيّة فعليّة وتسمّى (الضرورة بحسب المحمول). ولا كثير فائدة في البحث عنها.
ص: 152
ه -: قد يُطلق الإمكان على أخصّ ، وهو سلب الضّرورات الذاتيّة والوصفيّة والواقعة في وقت أو بحسب شرط أو غير ذلك. وهو أحقّ باسم الإمكان؛ لقربه من حاقّ الوسط.
وقد يعتبر بالنسبة إلى المستقبل ويسمّى (الإمكان الاستقبالي). واشترَطَ فيه قومٌ العدمَ الحاليّ ؛ لأنّ وجوده يُخرجه إلى الوجوب.
وهو خطأ(1) وإلاّ(2) لزم اجتماع النّقيضين، ولأنّ وجوده الحاليّ لا ينافي عدمه في المستقبل، فأولى أن لا ينافي إمكانه.
ز: قيل على الإمكان: إنّه غير متحقّق، لأنّ الموصوف به إمّا موجودٌ، فيكون واجبًا؛ لاستحالة الجمع بين الوجود والعدم، وإمّا معدوم، فيكون ممتنعًا كذلك أيضًا. وإذا لم يخلُ عن الوجوب والامتناع، انتفى الإمكان. ولأنّه: إمّا مع سببه، فهو واجب، أو مع عدمه، فهو ممتنع، فلا إمكان.
والجواب: [أنّه] لا امتناع في اتّصاف الشيء بالوجوب والإمكان، فإن الوجوب بالغير يجامع الإمكان بالذّات؛ لأنّ معنى الوجوب بالغير هو استحقاق الوجود من الغير، والإمكان بالذات هو أنّه لا يستحقّ الوجود من ذاته، ولا منافاة.
قيل: إذا قلنا: («ج» هو «ب»(1) فإن كان المحمول هو الباء كان ثابتًا بالفعل، فلا ينعكس إلى الطرف الآخر(2)، وإن كان هو إمكان «ب»، فالقضيّة مطلقةٌ مادّتُها الوجوب(3).
وهو خطأ، فإن المحمول إنّما يثبت بالفعل لو لم يقيّد بالإمكان.
ط: إطلاق الممكن على الخاصّ باعتبارين على سبيل الاشتراك: أحدهما باعتبار
ص: 154
ذاته، والآخر لصدق الممكن العامّ عليه، وعلى الأخصّ باعتباراتٍ ثلاثة، وكذا على الاستقباليّ . وإطلاق الممكن العامّ على الضّروري والممكن الخاصّ بالتواطؤ.
ي: ورد في التّعليم الأوّل (المحتمل)، فقيل: الإمكان باعتبار الذهن، وقيل: الإمكان الخاصّ ، وقيل: الاستقباليّ .
وفرّق بين القوّة والإمكان باشتمال الثّاني على الفعليّ ، بخلاف الأوّل.
والإطلاق العام وإن كان بحسب الأمر نفسه شاملًا(1) للقوّة والفعل لكن الاصطلاح خصَّصَه بالثّاني.
يا: قيل: كلّ حكمٍ دائمٍ كليٍّ فهو ضروريٌّ (2)؛ لأنّ ما لا ضرورة فيه وإن اتّفق وجوده فإنّه لا يمكن أن يدوم متناولًا لجميع الأشخاص التي وُجدت، والّتي سيوجد ممّا يمكن أن يوجد.
وليس على المنطقيّ البحث عن ذلك، بل عليه اعتبار كلّ واحد من الحكمين.
وقيل: إنّ كلّ حكمٍ كلّيٍّ فهو ضروريٌّ (3).
وهو خطأ، فإنّ الجزئيّ قد يتّصف بشيء وقتًا ما لا دائمًا، فيكون كلُّ شخص ساواه كذلك بالإمكان.
ص: 155
يب: السّالبة الضرورية غير سالبة الضرورة، فإنّ الأولى تلازم الممتنعة، والثانية إن سَلَبَتْ ضرورةً إيجابيةً ، لازمَت الممكنةَ العامة السلبية، وإن سلبت ضرورة سلبية، لازمت الممكنة العامّة الإيجابيّة، وإن سلبتهما معًا لازمت الممكنةَ الخاصّة.
والسّالبة الممكنة غير سالبة الإمكان، فإنّ الأولى إن كانت عامّة، اشتملت على الممكنة الخاصة والممتنعة، وإن كانت خاصّة كانت لموجبتها ملازمةً منعكسة(1).
وسالبة الإمكان إن سَلَبَت العامّ لازمت الضروريّة المقابلة للممكن بذلك الإمكان، وإن سلبت الخاص فهي تلازم ما يتردّد بين ضرورة الطرفين والسالبة الوجوديّة اللادائمة غير سالبة الوجود، فإن الأولى ملازمة منعكسة لموجبتها، والثانية تلازم ما يتردّد بين دوام الطرفين.
والسّالبة الوجوديّة اللاضروريّة غير سالبة الوجود، فإنّ الأولى تلازم موجبتها، بل تقتسمان دوامَ الطرفين الخاليَ عن الضرورة.
وسالبة الوجود الإيجابيّ تلازم ما يتردّد بين ضرورة الإيجاب ودوام السّلب، والسّلبيّ تلازم ما يتردّد بين دوام الإيجاب وضرورة السّلب.
والسّالبة الدائمة غير سلب الدوام. وكذا باقي الجهات.
يج: إطلاق الجهة وإمكانها وضرورتها غير إطلاق الحمل وإمكانه وضرورته.
ص: 156
والمراد من إطلاق الجهة أن يجعل الموضوع كلَّ ما هو «ج» بالفعل ممّا في الماضي أو الحال(1)، ومن اعتبار [إطلاق] الحمل أن يجعل الموضوع أعمّ ، وهو كلّ ما هو «ج» في الوجود عند العقل أو الفرض الذهنيّ .
والفرق بين الاعتبارين ظاهر، فإنّا لو فرضنا زمانًا لا يوجد فيه إنسان أسود، صدق (كلّ إنسانٍ أبيض) بالاعتبار الأوّل، دون الثّاني.
يد: جهة الحمل مغايرةٌ لجهة السّور، ومعنى جهة السّور عود الجهات إلى التعميم والتخصيص. والفرق ظاهرٌ، فإذا قلنا: (كلّ إنسان كاتب بالإمكان) بمعنى أنّ نسبة الكتابة إلى كلّ واحدٍ ممكنةٌ ، كان مغايرًا لإمكان اجتماع الكلّ على الكتابة. فإنّ الأوّل لا يُشكّ فيه، ويشكّ في الثاني.
وقد تكون نسبة المحمول إلى كلّ واحدٍ ممكنةً بدلًا عن الآخر.
يه: قيد اللادوام قد يرجع إلى جميع الآحاد، وقد يرجع إلى كل واحد واحد. والأوّل(2) يجامع الدوام في البعض بخلاف الثّاني.
ص: 157
يو: هذه الجهات كيفيّات لانتساب المحمول إلى الموضوع، لا لنسبة الموضوع إلى المحمول.
يز: ضرورة الوجود يلزمها امتناع العدم وسلب الإمكان العامي عن العدم. وضرورة العدم يلزمها امتناع الوجود وسلب إمكان الوجود.
وإمكان الوجود بالمعنى الخاصّ يلزمه إمكان العدم بهذا المعنى، وهذه متعاكسة، وكذا نقائضها.
وكلّ مفهومٍ من عين إحدى الطبقات مع كل مفهوم من أُخرى متضادّان، ويستحيل صدقهما ويمكن كذبهما. وإن كانا من نقيضي طبقتين فبالعكس.
وعين كل طبقة أخصّ من نقيض الأخرى(1).
ص: 158
يح: حال المحمول بالنسبة إلى الموضوع كما يكون ضروريًّا وممكنًا في نفس الأمر، فكذا يكون في الذهن. فالضرورة الذّهنيّة هي القضيّة اّلتي متى حضر في الذهن طرفاها لم يتمكّن الذهن من أن لا ينسب المحمول للموضوع. وهي أخصّ من الضرورية الخارجيّة؛ لأنه كل ما وجب جزم الذهن به بمجرّد تصوّر طرفيه فهو في الخارج كذلك، ولا ينعكس، وإلّا انتفت النظريّات، فالإمكان الذهنيّ إذن أعمّ .
وهذه الأحوال الذهنيّة غير مطلوبةٍ (1): أمّا الضرورة فلأنّ الحجّة تراد لتحصيل غير الحاصل، والجزم هنا حاصل، وأمّا الإمكان الذهني فهو عبارة عن تردّد الذهن، وهو غير محتاجٍ إلى برهان.
يط: الإمكان العاميّ إن فسّرناه بما يلازم سلب الضرورة كان لازمًا في الطبقات، وإن جعلناه نفس السلب، فلا؛ لأنّا إذا قلنا: إنّ ل - (واجب أن يوجد) لازمين: ممتنع أن لا يوجد وليس بممكنٍ أن لا يوجد، وجب تغايرهما.
لكن قولنا: (ليس بممكنٍ أن لا يوجد) معناه: (ليس ليس بممتنعٍ أن لا يوجد)، وهو نفس قولنا: (ممتنع أن لا يوجد)، فلا يكون مغايرًا.
لا يقال: سلب السلب، ليس نفس الإيجاب.
لأنّا نقول: وإن كان كذلك، لكنّه غير معتبر، وإلّا لكان لقولنا: (واجب أن يوجد)
ص: 159
لازمٌ سوى ما ذكرناه، وهو قولنا: (ليس ليس بواجب أن يوجد). ونضمّ إليه سلبين آخرين، فيكون لازمًا آخر ويتسلسل.
وفيه خمسة(1) مباحث:
أ: القضيّة هي الّتي تقتضي نسبة معلوم إلى معلوم آخر. ولا شكّ أنّ نسبة الشيء إلى آخر مغايرٌ لنسبته إلى غير ذلك. وإنّما تكون القضيّة واحدةً إذا اتّحد معنى محمولها ومعنى موضوعها، سواء كانا مفردين، أو كان كلّ واحدٍ منهما أو أحدهما مركّبًا عُبِّر عنه بلفظ مفرد أو مركّب.
ب: إذا قلنا: (الإنسان والفرس جسمٌ ) احتمل أمرين:
أحدهما: أن يكون المجموع جسمًا، ولا ينسب إلى أحدهما.
و الثاني: أن يكون كلّ واحد منهما جسمًا ويصحّ نسبته إلى كلّ واحدٍ منفردًا.
وعلى التّقدير الأوّل تكون القضيّة واحدةً ، وعلى التقدير الثّاني تتعدّد. وكذا في جانب المحمول إذا قلناه: (هذا حلوٌ حامضٌ ).
ص: 160
ج: قد يتركّب أحد الطرفين من أجزاء تحمل على ما يتركّب منه، فإنّ القضيّة وإن كانت واحدةً لكنّها تستلزم(1) تعدّد القضيّة بحسب تعدّد ما في المحمول من الأجزاء حافظًا للكيف(2) والجهة(3) والحصر، وبحسب تعدّد ما في الموضوع من الأجزاء المحمولة حافظًا للكيف والجهة والسور(4) الجزئيّ ، لا الكلّيّ . وإن كان التركيب(5) من أجزاء لا تحمل على المجموع لم يتعدّد.
ص: 161
د: إذا تعدّد أحد الطرفين تعدّدت القضيّة؛ سواءٌ عُبِّر عن المجموع بلفظ مشتركٍ أو منفرد.
ه -: قيل: قد يصدق حمل بعض الأشياء جملةً لا فرادى، كما: (الخصيّ رجلٌ لا رجل)، و (العنقاء موجود في الوهم)، و (الخمسة زوجٌ وفردٌ)، و (العشرة خمسة وخمسة).
ومنها ما ينعكس كالطبيب الماهر في الشعر لا الطّبّ ، فإنّه يصدق عليه أنّه طبيبٌ ، ويصدق عليه أنّه ماهر، ولا يصدق الجمع.
وليس بجيّد؛ لأنّ المعنى إن اتّحد حالةَ الانفراد والجمع صدق فيهما، وإلّا تغاير(1).
ص: 162
أصناف القضايا أربعة: مسلّمات ومظنونات ومشبَّهات بغيرها ومخيَّلات.
فالمسلّمات: إمّا معتقدات، أو مأخوذات؛ والمعتقَدات ثلاثة: الواجب قبولها والمشهورات والوهمّيات.
والواجب قبولها ستّة:
[أ(1) :] الأوّليّات، وهي قضايا يحكم بها العقل الصريح بمجرّد تصّور طرفَي القضيّة(2)؛ فإن لم يحصل التصوّر بالكنه لن يقع التصديق. ولا يثلم ذلك أوّليّتَه.
ب: المشاهَدات، وأنواعُها ثلاثة:
[1.] المحسوسات: وهي الّتي يفتقر العقل [في الحكم بها] إلى الإحساس بإحدى الحواس الظاهرة، كالحكم بحرارة النار.
[2.] والوجدانيّات بالحسّ الباطن.
[3.] والوجدانيّات بمجرّد النفس لا باعتبار آلة، كشعورنا بأفعالنا وذواتنا.
ص: 163
ج: المجرّبات، وهي قضايا تابعة لمشاهدةٍ متكررةٍ ، بحيث يفيد تكرارها عقدًا قويًّا جازمًا بالحكم المجرّب. وقد يفيد ظنًّا.
ولا بدَّ في المجرّب من قياس خفيٍّ ، وهو أنّه لو كان اتّفاقيًّا لما دام، كالحكم بالألم عقب الضرب.
وإنّما تنعقد التجربة إذا أمِنَت النفس كون الأثر اتّفاقيًّا. وقد تكون التجربة كليّةً عند شخص، وأكثريّةً عند آخر، وغيرَ حاصلة عند ثالث.
وإذا كان الحكم المجرّب مقترنًا بهيئة، لم يلزم التجربة مع عدمها(1).
د: الحدسيّات، وهي قضايا مبدأ(2) الحكم بها حدسٌ (3) قويٌّ من (*) النفس، بحيث يزول معه الشكّ ، كالحكم بأنّ نور القمر مستفاد من الشمس؛ لاختلاف تشكّلاته عند اختلاف أوضاعه.
ولا بدّ فيها من القياس المذكور في المجرّبات. وتُفارِقها(4) بعد المشابهة بأنّ السبب في المجرّبات معلوم السببيّة غير معلوم الماهيّة، وفي الحدسيّات معلوم بالوجهين.
ه -: المتواترات، وهي قضايا يحكم بها العقل؛ لكثرة ورود الأخبار بالشيء المستند إلى الحسّ ، بحيث يأمن العقل من المواطأة ويجزم بصدق الخبر، كالحكم بوجود الأمم الخالية(5)، والأماكن المتباعدة. ولا ينحصر الجزم في عدد، فاليقين هو الحاكم بتوافي الشهادات، لا عدد الشهادات.
ص: 164
و: الفطريّة القياس، وهي قضايا قياساتها معها. وتفتقر إلى وسط، لكن لا يخلو الذّهن عن ذلك الوسط، كالحكم بأن الاثنين نصف الأربعة.
وأمّا المشهورات، فهي قضايا متعارفة بين الناس:
فمنها: الأوّليّات، لا من حيث هي واجبة القبول، بل من حيث عموم الاعتراف بها.
ومنها: الآراء المحمودة، وقد تخصّ بالمشهورات، إذ لا عمدة لها سوى الشّهرة. وهي آراءٌ لو خُلِّيَ الإنسان وعقله المجرّد ووهمه وحسّه ولم يؤدَّب بقبول قضايا ولا استند في حكمه إلى طبيعة أو عادة، لم يقضِ بها العقل ولا الوهم ولا الحسّ .
وقد يسبق إلى بعض الأوهام حكمٌ صَرَفَ عنه الشرع كذبح الحيوان، فإنّه حسن شرعًا، وإنْ حكم بعض الناس بقبحه.
ومن المشهورات ما هو صادق، ومنها ما هو كاذب. وسبب الشهرة: إمّا حقّيّة الحكم وظهوره، كقولنا: (الضدّان لا يجتمعان)، وإمّا مناسبته للجليّ الصادق وتخالُفُه بقيد خفيٍّ ، فيكون مشهورًا مطلقًا وحقًّا مقيّدًا، مثل قولنا: (حكم الشّيء حكم شبيهه)، فإنّه مشهور، فإن قيّد بقولنا: (فيما هو شبيه فيه) صار حقًّا. أو كونه(1) مصلحةً عامّةً ، كقولنا: (العدل حسن). ويسمّى بعضها ب - (الشرائع الغير المكتوبة). فإنّ المكتوبة(2) قد لا يعُمُّ الاعتراف بها؛ أو اقتضاء بعض الأخلاق والانفعالات له، مثل: (الذبّ عن الحرم واجبٌ )، أو الاستقراء، مثل: (العلم بالمتقابلات واحدٌ) لكونه بالمتضادّات والمتضائفات كذلك.
ص: 165
والمشهورات كلّها إمّا أن تكون مشهورةً عند الجميع، كقولنا: (الإحسان حَسَن)؛ أو عند الأكثر، مثل: (الإله واحدٌ)، أو عند جماعةٍ ، مثل: (التسلسل محال).
والآراء المحمودة هي ما تقتضيها المصلحة العامّة، أو الأخلاق الفاضلة وهي الذّائعات.
وقد تتقابل الأحكام المشهورة، مثل: (الحياة موثَرةٌ ) باعتبارٍ و (موت الشهداء موثَرٌ) باعتبارٍ.
وأمّا الوهميّات الصّرفة: فهي قضايا مستندةٌ إلى حكم الوهم. وهي كاذبة إذا كانت في المعقولات بما يُحكَم في المحسوسات. والوهم يقضي بها قضاءً شديد القوّة. ولا يقبل ضدّها؛ لأنّه تابع للحسّ ، فما لا يوافق المحسوس لا يقبله الوهم. ومن المعلوم أنّ مباديَ المحسوسات وأُصولها قبل المحسوسات ولا ينالها الحسّ ، على أنّ الوهم نفسه وأفعاله لا يتمثّل في الوهم. ولهذا كان الوهم مساعدًا للعقل في المقدّمات الناتجة لوجود تلك المبادي. فإذا انتهيا إلى النتيجة حكم العقل ووقف الوهم، ولم يحكم بنتائج المقدّمات المسلّمة عنده.
وهذه القضايا أقوى من المشهورات الّتي ليست أوّليّةً ، ولقوّة الحكم بها شاكلت الأوّليّات، ودخلت في المشبّهات بها، كالحكم ب - (أنّ كلّ موجودٍ ذو وضعٍ )، و (أنّ الملأ ينتهي إلى الخلأ). ولو لا الأحكام الشرعيّة والقضايا البديهيّة المعارضة لها كانت مشهورةً . وربّما عجز الإنسان عن مدافعة حكم وهمه لقوّته.
ص: 166
وأمّا المأخوذات: فهي إمّا مقبولات، وإمّا تقريريّات.
و المقبولات آراء مأخوذةٌ عن جماعة كثيرة من أهل التّحصيل أو من نفرٍ أو إمامٍ أو عن فاضلٍ ، كأحكام بقراط في الطّبّ ؛ أو عن شاعرٍ، كأبيات تورد شواهد؛ أو تكون مقبولةً من غير أن تُنسَبَ إلى مقبولٍ عنه، كالأمثال السائرة.
و التقريريّات مقدّمات أُخذت بحسب تسليم المخاطب أو الّتي يجب الإقرار بها في مبادي العلوم: إمّا مع استنكارٍ ما، وتسمّى (مصادرات)، أو مع مسامحةٍ ما وطيب نفسٍ ، وتسمّى (أصولًا موضوعة).
وأمّا المظنونات: فهي قضايا يحكم بها العقل حكمًا غير جازم، بل مع تجويز المخالف. وإن كان المحتجّ بها يستعملها مع الجزم، لكنّه يتبع فيها مع نفسه غالب الظنّ .
وصنفٌ من المشهورات من جملة المظنونات؛ وهي المشهورات في بادئ الرّأي غير المتعقّب، وهي الّتي تغافصُ (1) الذّهنَ فتشغله(2) عن التفطّن؛ لكونها مظنونةً أو مخالفة للشهرة إلى ثاني الحال، فإذا تفطّن الذّهن وراجَعَ الفكرَ ظهر أنّها مظنونة أو كاذبة، كقولهم: (أنصُر أخاك ظالمًا أو مظلومًا). ويقابله المشهور الحقيقيّ ، مثل: (لا تنصر الظّالم وإن كان أخاك).
وقد تدخل المقبولات في المظنونات إذا(3) كان الاعتبار من جهة ميل نفس يقع هناك مع شعور بإمكان المقابل.
ص: 167
وكذا تدخل في المظنونات، التجربيّات الأكثريّة وما يناسبها من المتواترات والحدسيّات اللّاتي غير يقينيّةٍ .
وقد يتقابل المظنونان باعتبارين، مثل: (فلان الذي يكلّم الخصم جهرًا من وراء الجدار خائن).
وأما المشبّهات فهي الّتي تشبه الأوليات وما معها، وتقع في المغالطة. وقد تُشبِه المشهورات وتقع في المشاغبة. وسبب الاشتباه غلط: إمّا في اللّفظ أو المعنى. والأصل فيه عدم التّمييز بين الشيء وغيره. وسيأتي تفصيل ذلك في المغالطات، إن شاء الله تعالى.
وأمّا المخيّلات فهي قضايا تؤثّر(1) تخييلاً، وهو إمّا قبض للنفس أو بسط، وقد لا يكون معه تصديق، فليس المعتبر فيها حصول التصديق. وربما يزيد تأثيرها على تأثير التصديق. والنّاس للتخييل أطوع منهم للتّصديق، وأكثر ما يفعلونه ويذرونه بحسب ذلك، كما تفيده الأشعار في الحروب. وعند الاستماحة(2) والاستعطاف.
وسبب التّخييل إمّا لفظيّ ، كجزالته(3) أو جودة هيأته، وإما معنويّ ، كقوّة صدقه أو شهرته، وإمّا ما عداهما، كحسن المحاكاة، فإنّ المحاكاة الحسنة قد تكون بمجرّد المطابقة،
ص: 168
وقد تكون(1) بتحسين الشيء، وقد تكون بتقبيحه.
وقد يفعل بعض الأوّليات والمشهورات ما تفعله المخيّلات من تحريك النفس وقبضها، لكنّها تكون أوّليّة أو مشهورة باعتبار، ومخيّلة باعتبار. فلا يجب في المخيّلات أن تكون كاذبة؛ كما لا يجب في المشهورات وما يخالف الواجب قبوله ذلك.
ص: 169
ص: 170
وفيه فصول:
وفيه عشر(1) مباحث:
أ: التّناقض اختلاف القضيّتين بالإيجاب والسلب بحيث يقتضي لذاته صدقَ إحديهما وكذّبَ الأخرى.
فالاختلاف جنس بعيد، وقُيِّد بالقضيّتين ليخرج اختلاف غيرهما، وقيّد بالإيجاب والسلب ليخرج اختلافهما بالطرفين وغيرهما(2). وقيّد بالتعاند؛ لتخرج القضايا المتخالفة كيفًا، المتوافقة صدقًا. وقيّد بالذات؛ ليخرج سلب اللّازم وإثبات الملزوم لموضوع واحد؛ وإن كان يخرج بغيره.
ص: 171
ب: شرط التناقض، الاتّحاد في النسبة الحكميّة، إلّا في الكيف، ويتمّ بأمور ثمانية: وحدة الطرفين، والمكان، والزمان، والإضافة، والقوّة أو الفعل، والشرط، والكلّ أو الجزء؛ لإمكان الجمع بين المختلفتين عند فقد أحدها.
وقيل(1): ما عدا وحدة الطّرفين من الستّة السابقة راجعٌ إلى المحمول، والأخيران إلى الموضوع.
ولا معنى للتّخصيص مع إمكان تعلّق البعض بالرّبط، على أنّ الإغفال حاصلٌ مع الطيّ ، بخلاف التّكرار لو فُرض(2).
ويشترط في الموجّهات الاختلاف في الجهة؛ لاجتماع المختلفتين في ستٍّ على الكذب: وهي الضّروريّة والدّائمة والوصفيّات في مادّة اللّادوام الوصفيّ ، قيل: والبواقي على الصدق في تلك المادّة.
وليس بجيّد، لأنّا شَرَطنا وحدة الزمان، نعم، تجتمع الوقتيّتان والوجوديّتان والممكنة الخاصّة على الكذب إيجابًا وسلبًا في مادّة الدوام والضّرورة.
و [يشترط] في المحصورات الاختلاف بالكمّ ؛ لكذب الكلّيّتين وصدق الجزئيّتين في المحمول الأخصّ .
قيل: نقيض كلِّ شيءٍ سلبُه، فنقيض الجزئيّ سلبه الّذي يمكن صدقه مع عموم السلب والاقتسام؛ فلا يجوز أن يُجعَل نقيضه العموم؛ لأنّه أخصّ ، فاحتمل كذبهما.
ص: 172
والجواب: أنّ سلب الجزئيّ لا يمكن إلّا بعموم السلب؛ إذ لا تعيين هناك، وإنّما كان عموم السلب هنا نقيضًا؛ لأنّ الاقتسام يصدق معه الإيجاب الجزئيّ ، فلا يكون نقيضًا لنفسه.
ج: المحمول إمّا ضروريّ الوجود، أو ضروريّ العدم أو لا ضروريّ الوجود ولا العدم، ولا رابع لها.
والإمكان العامّ شامل لإحدى الضرورتين والثّالث؛ ويتخلّى عن الضرورة الأخرى: فالضّروريّة الموجبة تُناقِض سلبَها الشّامل للممتنعة والممكنةِ الخاصّة، ويقال له: (ممكنٌ عامٌ سلبيٌّ ). والضروريّة السالبة تُناقض سلبها الشامل للضروريّة الموجبة والممكنةِ الخاصّة. ويقال له: (إمكان عامٌّ ثبوتيٌّ ).
فقد ظهر أنّ نقيض الضروريّة هي الممكنة العامّة المخالفة لها كيفًا وكمًّا وبالعكس؛ فإنّ التناقض إنّما يحصل من الطرفين.
د: المحمول بالنّسبة إلى الدوام إمّا دائم الوجود، أو دائم العدم، أو خالٍ عن الدّوامين.
والمطلق العامّ الإيجابيّ يشمل الأوّل والثالث، ويتخلّى عن الثاني؛ والسلب يشمل الثّانيَ والثالث، ويتخلّى عن الأوّل.
فنقيض دوام الإيجاب سلُبُه الشامل لدوام السلب والوجود؛ وهو المطلق العامّ السلبيّ . ونقيض دوام السلب سلبه الشامل لدوام الإيجاب والوجود، فإذن نقيض المطلقة هو الدّائمة المخالفة كيفًا وكمًّا وبالعكس.
ص: 173
ه -: لمّا وجب في التناقض اتّحاد الشرط وكان نقيض الضرورة هو الإمكان، والدوامِ هو الإطلاق، وجب في المشروطة العامّة الّتي حُكم فيها بالضّرورة بحسب الوصف أن يكون نقيضها الإمكان الحينيّ المخالفَ كيفًا و كمًّا، وفي العرفيّة العامّة الّتي حُكم فيها بالدّوام بحسب الوصف أن يكون نقيضها الإطلاق الحينيّ وبالعكس.
و: لمّا كان عدم المركّب إنّما هو بعدم أحد أجزائه لا على التّعيين، كان نقيض كلّ قضيّة مركّبة سلبها، الصّادق برفع أحد الجزئين لا بعينه؛ أو برفعهما معًا.
فنقيض المشروطة الخاصّة سلبُها الملزوم للمفهوم المردّد بين نقيضَيْ جزئَيْها، أعني بين الممكنة الحينيّة المخالفة والدّائمة الموافقة، مع الاختلاف بالكمّ . والتّردّد هنا مانع من الخلوّ دون الجمع مع كذب الأصل؛ وبالعكس مع صدقه.
ونقيض العرفيّة الخاصّة: الحينيّة المخالفة، أو الدّائمة الموافقة.
ونقيض الوقتيّة: الممكنة الوقتيّة المخالفة، أو الدّائمة الموافقة.
ونقيض المنتشرة: الممكنة الدّائمة الموافقة، أو الدائمة الموافقة.
ونقيض الوجوديّة اللّادائمة: إحدى الدائمتين.
ونقيض الوجودية اللّاضروريّة: الدّائمة المخالفة، أو الضّروريّة الموافقة.
ونقيض الممكنة الخاصّة: إحدى الضرورتين.
ص: 174
ز: لمّا وجب حمل الخاصّ على العام جزئيًّا كذبت الجزئيّة المركّبة والمتضادّتان اللّتان هما نقيضا جزئَيْها، فاجتمعت الثّلاثة على الكذب، فعُلم عدم الاكتفاء فيها بما اكتفى في كليّتها؛ بل وجب في نقيضها قسم ثالث، وهو الحمل الدّائم إيجابًا في البعض وسلبًا في الباقي؛ أو تردّد بين ثبوت المحمول وسلبه دائمين بالنسبة إلى كلّ فرد فرد ليصدق المفهومات الثّلاثة.
ح: لمّا كان عدم الاكتفاء بالمتضادّتين في نقيض المركّبة الجزئيّة إنّما هو لإمكان الاقتسام المنتفي مع تقييد موضوع إحديهما بالمحمول، كفّت المتضادتان وإحديهما مقيّدة الموضوع بعين المحمول في نقيض المركّبة.
فنقيض (بعض «ج» «ب» لا دائمًا)، إمّا: (كلّ «ج» هو «ب» فهو «ب» دائمًا)، أو: (لا شيء من «ج» «ب» دائمًا)؛ لأنّه متى صدق الأصل صدق (بعض «ج» هو «ب»، ليس «ب» لا دائمًا). وهو ينافي الكليّتين، فلا تجامعانه في الصّدق.
ومتى كذب الأصل صدق إحديهما؛ لأنّه إن لم يصدق «ب» على شيء من أفراد «ج» دائمًا. صدقت السّالبة؛ وإن صدق على بعضها صدق عليه دائمًا. فيصدق (كلّ «ج» هو «ب» فهو «ب» دائمًا)؛ وإلّا لصدق الأصل المفروض كذبُه، هذا خلف.
ط: المختلفان كمًّا وكيفًا يسمّيان المتناقضين، وكمًّا خاصّةً يسمّيان المتداخلين، وكيفًا خاصّة إن كانتا كلّيّتين فمتضادّتان، وإلّا فداخلتان تحت التضادّ.
ص: 175
ي: أفتى قومٌ من القدماء أنّ المطلقات تتناقض في جنسها.
وهو خطأ؛ فإنّ الكلّيّتين المتضادّتين قد تصدقان في مادّة اللّادوام، فالمختلفتان أولى.
وإنّما لم يناقضها من جنسها شيءٌ ؛ لأنّه إذا قيل: (كلّ «ج» «ب» بالإطلاق) فإن كان الحكم بالسلب مطلقًا أي في زمانٍ ما جاز صدقهما باختلاف زمان الإيجاب والسلب. وإن كان في الزّمان الّذي اعتبر الإيجاب فيه، فإمّا أن يؤخذ من حيث أنّه زمان ثبوت الباء للجيم، أو من حيث أنّه ذلك الزّمان المعيّن، فالأوّل يوجب أن يكون السالبة كاذبة قطعًا مثل(1) قولنا: (بعض «ج» ليس «ب» في زمان أنّه «ب»). وأمّا الثاني فيفتقر إلى تعيين زمان ثبوت الباء لكلّ واحدٍ واحد. وجاز أن يكون زمان أحدهما غيرَ زمان الآخر. وتصعب الإشارة إلى زمان كلّ واحدٍ، بل تمتنع، كما في قولنا: (كلّ إنسانٍ متنفّس). فالواجب أن تؤخذ الدائمة في نقيضها حتّى تتناول الزّمان الّذي فيه الحكم المقابل، أيّ زمان كان.
وتمسّك الشيخ بحيلَتين(2)؛ إحديهما جعل المطلقة عرفيّة، و الأخرى تقييد الموضوع بزمانٍ معيّن.
وهما فاسدتان؛ فإنّ المطلقات العرفيّة لا تتناقض(3)، وكذا المطلقات(4) العامّة مع العرفيّات.
ص: 176
والثانية لا يمكنهم الاستمرار عليها، فإنّهم لو عكسوا المطلقة في قولنا: (لا واحد من الكُتّاب الموجودين في هذا الزّمان بمالكٍ ألفَ وقر ذهب)، لانعكست عندهم إلى قولنا: (لا واحد ممّن يملك ألف وقر ذهبٍ بكاتب). ولم يبق الموضوع على شرطه، فإنّه يمكن أن لا يكون في هذا الزّمان من يملك ألف وقر ذهب.
ولا يجب أخذ الضّرورة في نقيض المطلقة، لإمكان كون الحكم موافقًا للضّروريّة في الكيف اتّفاقًا(1)، ويكون دائماً فيكذب النقيضان.
وفيه أحدَ عشرَ(2) بحثًا:
حدُّه (جعلُ المحكوم به محكومًا عليه، والمحكوم عليه محكومًا به مع الموافقة في الكيف والصّدق). وهو شامل للحمليّة والشرطيّة.
والموافقة في الكيف اصطلاحيٌّ وفي الصدق واجب.
ومن زاد (في الكذب) أخطأ(3)؛ لأنّ اللّازم قد يكون أعمّ ، ولِصِدق (بعض الإنسان حيوان) في عكس (كلّ حيوان إنسان).
ص: 177
ب: لمّا وجب في حمل الإيجاب اتّحاد الذّاتين صَدَق العكس في الإيجاب، ولمّا جاز صدق الوصف على ذاتين متباينتين لم تحفظ الكلّيّة [في] الكمّ .
ولمّا وجب تباين الذّاتين في السالبة الكلّيّة، صدق العكس موافقًا في الكيف والكمّ ، ولمّا وجب صدقُ العامّ في غير صورة الخاصّ ، واستلزامُ الخاصِّ العامَّ ، صَدَق السلب الجزئيُّ مع كذب عكسه كلّيًّا وجزئيًّا.
أ: السّوالب الكلّيّة إن كانت إحدى السبع وهي الوقتيّتان والوجوديّتان والممكنتان والمطلقة العامّة لم ينعكس شيءٌ منها؛ لعدم انعكاس الأخصّ ؛ أعني الوقتيّة. فإنّه يصدق سلب الخاصّة المفارقة سلبًا كلّيًّا مع كذب العكس كلّيًّا وجزئيًّا، مثل: (لا شيء من القمر بمنخسفٍ وقت التّربيع بالضّرورة لا دائمًا). ويكذب (بعض المنخسف ليس بقمرٍ بالإمكان العامّ )؛ فإنّ كلّ منخسف فهو قمر بالضرورة.
وإذا كذب السلب الجزئيّ الّذي هو أعمّ من الكلّيّ مع الإمكان العامّ الّذي هو أعمّ الجهات كذبت سائر السّوالب الموجّهات.
وإذا لم ينعكس الأخصّ لم ينعكس الأعمّ ؛ لأنّ لازم الأعمّ لازم الأخصّ . قيل: تنعكس سالبةً جزئيّةً دائمة إن كانت حقيقيّةً (1)، بناءً على دخول الممتنع في الموضوع؛ لصدق (كلّ ما هو «ب» دائمًا فهو «ب» في الجملة قطعًا)، و (لا شيء من «ب» دائمًا «ج» دائمًا)؛ وإلّا لصَدَق نقيضه وصار صغرى للأصل وأنتج المحال.
ص: 178
وفي الممكنتين يجب تقييد الأوسط بالضّرورة ليتمّ الخلف. ومنع من كذب (بعض المنخسف ليس بقمرٍ)؛ لأنّ المنخسف الّذي ليس بقمر فرضًا وإن كان ممتنعًا يصدق عليه أنّه ليس بقمرٍ. ولو كانت خارجيّةً لم يلزم العكس، لتطرّق المنع إلى الصغرى؛ وللنّقض المذكور.
د: السالبة الكلّيّة الضّروريّة تنعكس كنفسها عند القدماء(1)، [1.] وإلّا لصدق نقيضها وأمكن وقوعه بالفعل، فاستلزم المحال على تقدير العكس، وهو صدق ما هو أخص من نقيض الضرورية الصّادقة؛ وعلى تقدير(2) انضمامه إلى الأصل، وهو(3) إنتاج سلب الشيء عن نفسه بالضرورة. والممكن لا يستلزم وقوعُه المحالَ ، وإلّا لكان محالًا.
[2.] ولأنّ المنافاة إنّما تتحقّق من الجانبين، فلمّا استحال صدق الباء على الجيم استحال العكس.
[3.] ولأنّ صدقَ قولنا: (بعض «ب» «ج» بالفعل) مع قولنا: (لا شيء من «ج» «ب» بالضرورة) ملزوم للمحال، وهو قولنا: (بعض «ب» ليس «ب» بالضرورة). والمحال لا يلزم من قولنا: (لا شيء من «ج» «ب» بالضرورة)؛ لأنّ الصادق لا يستلزم المحال، فهو لازم من قولنا: (بعض «ب» «ج» بالفعل)، فيكون صدقُه محالًا. وإذا
ص: 179
استحال صدقه لزم كذب (بعض «ب» «ج» بالإمكان العام)، فيصدق نقيضه وهو (لا شيء من «ب» «ج» بالضرورة)، وهو المطلوب.
[4.] ولأنّه إذا صدق (لا شيء من «ج» «ب» بالضرورة) استحال صدق (بعض «ب» «ج» بالفعل)، وإلّا لأمكن صدقُهُ ، فأمكن صدق لازمه وهو (بعض «ج» «ب» بالفعل)، لاستلزام إمكان الملزوم إمكانَ اللّازم. لكن صدقُ (بعض «ج» «ب» بالفعل) محالٌ ، لصدق (لا شيء من «ج» «ب» بالضرورة).
أعترض(1) على الأوّل بمنع اجتماع الشّيء مع الأخصّ من نقيضه؛ ومنع إنتاج سلب الشيء عن نفسه؛ لأنّ صدق الجيم والباء على ذاتٍ واحدةٍ على تقدير وقوع الممكن يستلزم صدق قولنا: (بعض «ج» على ذلك التقدير فهو «ب»). وهو لا يناقض قولنا: (بالضرورة لا شيء من «ج» «ب» في نفس الأمر). وإذا فُرض صدق (بعض «ب» «ج» بالفعل) على ذلك التقدير و (لا شيء من «ج» «ب») في نفس الأمر لم ينتج شيئًا. وإنما ينتج لو بقي صدق السّالبة الضّرورية على ذلك التقدير.
وعلى الثّاني بالمنع من استحالة اجتماعهما في ذات واحدة. بل يستحيل اجتماع ذات الجيم مع الباء، وهو لا يستلزم استحالة اجتماع ذات الباء مع الجيم.
وعلى الثّالث بالمنع من كون (بعض «ب» «ج») ملزومًا للمحال، لو لم يكن (لا شيء من «ج» «ب» بالضرورة) ملزومًا له؛ لجواز أن يكون لازمًا للمجموع من حيث هو مجموع.
ص: 180
وعلى الرابع بتجويز إمكان ثبوت صدق (بعض «ج» «ب»). ولا ينافيه صدق (لا شيء من «ج» «ب» بالضرورة)؛ لأنّ إمكانَ صدق قولنا: (بعض «ج» «ب» بالفعل) معناه إمكان صدق القضيّة، والمنافي لقولنا: (لا شيء من «ج» «ب» بالضرورة) هو (بعض «ج» بالفعل، «ب» بالإمكان). ولا يلزم من إمكان صدق القضيّة صدقُ قولنا: (بعض «ج» بالفعل، فهو «ب» بالإمكان)؛ لأنّ إمكان صدق القضيّة لا يتوقّف على صدق الجيم بالفعل على شيء من الذّوات، لأنّ إمكان صدقها يحصل بأن يكون الجيم والباء بالقوّة لشيء من الذوات.
و أجاب أفضل المحقّقين(1) عن الأوّل: بأنّ التّناقض ثابت بين الثابت على التقدير وبين الثابت في نفس الأمر؛ وإلّا لوجب أن يزاد في شرائط التناقض أن لا تكون إحدى القضيتين مقدّرة والأخرى ثابتةً في نفس الأمر. وكيف يمكن ذلك والمتناقضان يمنع اجتماعهما في نفس الأمر. فإذا كان أحدهما ثابتًا في نفس الأمر امتنع ثبوت الآخر، إلّا على التقدير. وما لم يثبت الآخر لم يتصوّر التناقض؛ لأنّه إضافيٌّ .
وليس بجيّدٍ، ولا حاجّة إلى زيادة الشّرط؛ لأنّ شرط التناقض اتّحاد الشرط، والثابت على تقديرٍ لو ناقض ما ثبت في نفس الأمر لم يمكن اجتماعهما على الصدق. وكون التناقض إضافيًّا يستلزم ثبوت مضافَيْه على نحو ثبوته، ولمّا كان ثبوته ذهنيًّا كان ثبوت المضافين كذلك.
وكذا أجاب عن القياس بأنّه ليس من شرطه صدق المقدّمتين في نفس الأمر، أو على تقدير؛ بل يجوز أن تكون إحديهما صادقةً على تقدير، والأخرى في نفس الأمر.
ص: 181
وفيه نظر؛ لأنّا لا نشرط صدقَ المقدّمتين، بل أخذَهما بحيث لو سُلِّمتا لزمت النتيجة. وإنّما تكونان كذلك لو أُخذتا صادقتين في نفس الأمر أو على تقدير. ولو أُخذت إحديهما مسلّمةً في نفس الأمر، والأخرى على التقدير لم ينتج القياس شيئًا.
وعن الثاني: بأنّ استحالة اجتماع ذات الجيم مع الباء توجب استحالة كون ذات الباء هي ذات الجيم الموجبةَ ؛ لاستحالة اتّصاف ذات الباء بالجيم. فإنّ ما ليس بذات الجيم يستحيل أن يتّصف بالجيم.
وعن الثّالث: بأنّ المجموع لمّا استلزم المحالَ كان محالًا. فيتعيّن أنّ هذا المجموع ليس بمجموع مقدِّمتين صادقتين. وإذا كانت إحديهما معلومةَ الصّدق تعيّن الكذب في الأُخرى.
وعن الرّابع: أنّ تجويز إمكان (بعض «ج» «ب» بالفعل) تجويزٌ لوقوع مقابل القضيّة الضّروريّة الصّادقة الّتي هي قولنا: (لا شيء من «ج» «ب» بالضرورة). فإنّ قولنا: (بعض «ج» «ب» بالفعل) يقابلها؛ لكونه ملزومًا لنقيضها الّذي هو قولنا: (بعض «ج» «ب» بالإمكان)، وإمكان صدقه هو تجويز وقوعه. وامتناع وقوع مقابل القضيّة الصّادقة معلومة بالضّرورة(1).
ه -: السّالبة الدّائمة الكلّيّة تنعكس كنفسها؛ وإلّا لصدق نقيضها وأمكن عكسه، إمّا بالافتراض؛ أو بما يأتي من عكس الجزئيّة، فصَدَق النقيضان؛ ولإنتاج نقيض العكس مع الأصل سلب الشيء عن نفسه دائمًا؛ ولأنّ معنى السالبة الدّائمة التباين بين ذات
ص: 182
المحمول وذات الموضوع في جميع الأوقات، فلو صدق نقيض العكس لاتّحدت الذّاتان في وقتٍ ما، هذا خلف.
قيل عليه: الخاصّة الممكنة يمكن سلبها عن جميع أفراد نوعها في وقتٍ ما، وإذا أمكن سلبها في وقتٍ ما أمكن سلبها دائمًا. ولايمكن العكس؛ مثل أن يصدق:
(لا شيء من الإنسان بكاتب دائمًا)، ولايصدق: (بعض الكاتب ليس بإنسان في وقتٍ ما بالإمكان).
أُجيب عنه: بأنّ المحال لزم من فرض وقوع الممكن مع انعكاس السالبة الدائمة، فجاز أن يكون المجموع ملزومًا للمحال، ولا يكون شيء من أجزائه ملزومًا له(1).
اعترضه أفضلُ المحقّقين(2) بأنّه غير دافعٍ للاعتراض؛ لأنّ فرض وقوع الممكن في هذه الصورة هو صدق السّالبة الدّائمة، ومجموع صدق السّالبة الدّائمة مع انعكاسها إن كان ملزومًا للمحال كان محالًا، فكان اجتماع صدق الأصل مع صدق العكس محالًا، وهو مراد المعترض.
ثمّ أجاب بأنّ المراد من العكس هو أن يستلزم صدقُ الأصل صدقَ العكس، لا أن يستلزم إمكانَ صدقها صدقَ عكسها؛ لأنّ إمكان الصدق كما يصدق مع الصدق فقد يصدق مع الكذب.
واستثناء نقيض المقدّم عقيم: فليس يلزم من كون كذب الأصل مستلزمًا أيضًا لصدق العكس، حتّى يستلزم الإمكان الصادق مع الصدق والكذب جميعًا في العكس صدْقَ العكس.
ص: 183
وفيه نظر؛ لأنّ إمكان الملزوم ملزوم لإمكان اللّازم(1).
والتّحقيق في الجواب ما ذكرناه في كتاب (تحرير الأبحاث)، وهو منع كذب (لا شيء من الكاتب بإنسان) على تقدير صدق الأصل؛ لانتفاء موضوعها حينئذٍ، فيصدق العكس.
و: ينعكس كل من المشروطة والعرفيّة العامّتين سالبة كلّيّة كنفسها، وإلّا لصدق نقيضها وانعكس إلى ما يناقض الأصل، أو انتظم مع الأصل قياسًا منتجًا لسلب الشيء عن نفسه.
وبعض(2) من شكّ في عكس الضروريّة كنفسها وجعل عكسَها دائمة، جعله هنا في المشروطة عرفيًّا(3).
ينعكس كلّ من المشروطة والعرفيّة الخاصّتين إذا كانت سالبةً كلّيّةً إلى عامّتها مع قيد اللّادوام في البعض.
ص: 184
أما الأوّل: فلأنّه لازم للعامّتين، ولازم العامّ لازم الخاصّ ؛ ولانتظام البرهانين عليه(1).
وأمّا اللّادوام في البعض؛ فلأنّه لولاه لصدق السلب الدائم وانعكس كنفسه وكان لا دائمًا. هذا خلف؛ ولأنّ الأصل يتضمّن موجبةً كلّيّةً تنعكس موجبة جزئيّة مطلقة عامّة، وهو المراد بقيد اللّادوام؛ ولأنّ الأصل يقتضي امتناع اجتماع الوصفين في شيءٍ مّا من الذوات وصدْقَ الوصفين على ذات واحدة في وقتين(2).
قيل: إنّهما تنعكسان كنفسهما؛ وإلّا لصدق السلب الدائم المنعكس إلى ما يناقض قيد اللّادوام في الأصل(3).
وهو خطأ؛ فإنّ الموادّ تُكذِّبه(4).
والملازمة بين كذبهما(5) و صدق السلب الدّائم ممنوعةٌ ؛ لجواز دوامه في البعض.
ومن هذا يظهر أنّ العكس هنا لا يحفظ الجهة والكمّ معًا؛ بل أحدهما.
وقيد اللّادوام قد يُعْنى به سلبُ الدوام عن الكلّ ، لاعن كلّ واحد، وحينئذٍ تنعكسان كنفسيهما.
ص: 185
ح: السوالب الجزئيّة لا تنعكس في أيّ جهةٍ كانت إلّا الخاصّتين.
أمّا الأوّل؛ فلأنّ الضروريّة أخصّ البسائط، وهي لا تنعكس؛ لكذب (بعض الإنسان ليس بحيوانٍ ) بجهةٍ من الجهات في عكس (بعض الحيوان ليس بإنسانٍ بالضّرورة).
والوقتيّة أخصّ من الخمس الباقية، أعني الوقتيّتين والوجوديّتين والممكنة الخاصّة؛ وهي لا تنعكس، كما تقدّم في الكلّيّة.
وأمّا الخاصّتان فتنعكسان كنفسيهما؛ لأنّ الأصل يقتضي صدق وصفَي الطرفين على ذاتٍ واحدة وتباينهما، فتلك الذات يصدق عليها المحمول لانقطاع السلب في الأصل، فيكذب عليها وصف الموضوع ما دامت متّصفةً بالمحمول للتباين لا دائمًا؛ لصدق وصف الموضوع عليها، ولصدق (بعض «ب» «د» بالإطلاق)، بعد فرض الموضوع «د»؛ وإلّا لصدق نقيضه وانعكس إلى ما يناقض قيد اللّادوام في الأصل؛ ولأنّ صدق النقيض مع الموجبة منتج لقولنا: (لا شيء من «د» «د» دائمًا). ويصدق أيضًا (لا شيء من «د» «ج» ما دام «ب» لا دائمًا)؛ وإلّا لصدق إمّا: (بعض «د» ليس «ج» دائمًا) وهو محال، ضرورةَ كون «د» من أفراد «ج»؛ أو: (بعض «د» «ج» حين هو «ب») و (كلّ ما هو «ج» حين هو «ب» فهو «ب» حين هو «ج») ف - (بعض «د» «ب» حين هو «ج»)، وهو يناقض السلبيّ (1) من الأصل وينتجان المدّعى.
ص: 186
ط: الموجبات، سواء كانت كلّيّة أو جزئيّة، لا تنعكس كلّيّةً ؛ لاحتمال كون المحمول أعمّ ، فلا يصدق الموضوع الأخصّ على جميع أفراده. وأمّا الجهة: فتنعكس الضروريّة والدائمة والعامّتان من الوصفيّات حينيّةً ؛ لاستلزام الأصل اجتماع الوصفين في بعض الذّوات. ولمّا احتمل وصف الموضوع الضرورة وعدمَها لم يجب أحدهما.
ولأنّ نقيض العكس مع الأصل ينتج المحال، وينعكس إلى ما ينافي الأصل. وكذا الخاصّتان، ويزاد قيد اللّادوام؛ لأنّ صدق الأصل يقتضي سلب الوصفين عن الذّات الموصوفة بهما، فبعض ما هو محمول أعني تلك الذات ليس بموضوع.
ولأنّه لو لم يصدق المدّعى في عكس الكلّيّة، لَصَدَق (لا شيء من «ب» «ج» مادام «ب») أو (بعض «ب» «ج» دائمًا)؛ لأنّه إن لم يكن شيء من «ب» «ج» في شيء من أوقات وصف الباء صدقت السالبة، وإن كان شيء من «ب» «ج» في بعض أوقات وصف الباء، كان ذلك البعض دائمًا، لكذب الحينيّة مع قيد اللادوام، فيصدق الموجبة، والسالبة بيّنة الكذب؛ وإلّا لانعكست عرفيّةً مضادّةً للموجبة. ولو صدقت الموجبة لصارت صغرى دائمة للأصل في الشكل الأوّل، ولا يجتمعان على الصدق.
ولأنّه لو لم يصدق (بعض «ب» «ج»، حين هو «ب» لا دائمًا)؛ لصَدَق إمّا: (لا شيء من «ب» «ج» مادام «ب») فينعكس إلى ما ينافي الجزء الإيجابيّ ؛ أو: (كلّ «ب» «ج» فهو «ج» دائمًا)(1)، وهو محال؛ وإلّا لصدق (بعض «ح» «ج» دائماً)(2)، لانعكاس هذه الدائمة وجعلها مع عكسها كبرى، والافتراض، ثمّ نضمّه إلى الأصل؛ لينتج دائمةً مناقضةً لها.
ص: 187
ولأنّ الحينيّة لازمة للعامّتين.
والسالبة المطلقة صادقة لصدق (لا شيء من «ج» «ب» بالإطلاق) بحكم اللادوام، و (كلّ «ج» «ب» مادام «ج»). وينتج من الثاني: (لا شيء من «ح» «ج» بالإطلاق).
ولا شكّ أنّه يصدق (لا شيء من لا «ح» «ج» بالإطلاق) فنضمّهما مع قولنا: (كلّ «ب» إمّا «ج»، أو ليس «ج»)؛ ينتج: (لا شيء من «ب» «ج» بالإطلاق).
وإن كان الأصل جزئيًّا واستدلّ بغير الأوّل افتقر إلى الافتراض، فيصدق (كلّ «د» «ب» في جميع أوقات «ج») ف - «د» «ج» في بعض أوقات «ب»، وليس شيء من «د» «ح» دائمًا، وإلّا ف - «ب» دائمًا. فحينئذٍ يصدق (كلّ «د» «ج» في بعض أوقات «ب» لا دائمًا)، مع أنّ بعض «ب» «د»، ويلزم (بعض «ب» «ج» في بعض أوقات «ب» لا دائمًا).
ولأنّ الحينيّة لو لم تصدق لصدق نقيضها، وانعكس كنفسه إلى ما يضادّ الموجبة الجزئيّة من حيث الجهة، ويناقضها من حيث الكمّ . وقيّد اللّادوام لِتضمُّن الأصل سلْبَ الجيم عن ذلك البعض.
وأمّا الوقتيّتان والوجوديّتان والمطلقة فتنعكس مطلقة جزئيّة، وإلّا لصدق نقيضها، وانعكس إلى ما يضادّ الأصل أو يناقضه؛ وبالافتراض، ولانتظام النقيض مع الأصل قياسًا منتجًا للمحال، وهو سلب الشيء عن نفسه دائمًا.
وأمّا الممكنتان فتنعكسان ممكنة عامّة؛ وإلّا لصدق نقيضها وانعكس إلى ما يناقض الأصل، أو يضادّه؛ أو أنتج مع الأصل سلب الشيء عن نفسه بالضرورة.
والمتأخّرون لمّا شكّوا في عكس الضروريّة كنفسها شكّوا في عكسهما؛ لتلازمهما، وكذا في إنتاج الأوّل وصغراه ممكنة.
ص: 188
ي: ذهب جماعة من القدماء إلى أنّ المطلقة السالبة الكلّيّة تنعكس كنفسها؛ وإلّا لصدق نقيضها الموجب الجزئيّ المطلق وانعكس كنفسه إلى ما يناقض الأصل.
وهو خطأ؛ لما تقدّم من إمكان سلب الخاصّة عن الموضوع، وايجاب الموضوع لها.
وقد بيّنا خلل حجّتهم؛ فإنّ المطلقات لا تتناقض.
وألّف أبو نصر [الفارابيّ ] المطلقة الجزئيّة مع السالبة الكلّيّة قياسًا منتجًا لسلب الشيء عن نفسه جزئيًّا، واستحسنه الشيخ(1).
وليس بجيّدٍ؛ لأنّ استحالة النتيجة إنّما تكون(2) في الوصفيّ .
واستحسن أبو نصر قولهم: («ج» مباين ل - «ب»، ومبايِن المباين مباين، ف - «ب» مباين ل - «ج»).
وليس بجيّدٍ؛ لأنّ المباينة مشتركة بين معانٍ ، والمراد هنا السلب وهو الدعوى.
واعترض: بأنّ مباين المباين قد يكون هو الشيء نفسه(3).
وليس بجيّدٍ؛ لأنّ المضاف اسم مفعولٍ والمضاف إليه اسم فاعل.
يا: قيل(4): عكس الموجبة الضروريّة ممكنة؛ لأنّ العكس قد يكون ممكنًا خاصًا،
ص: 189
وقد يكون ضروريًّا. فكان الواجب في العكس ما يعمّهما، وهو الإمكان العامّ . كما تقول: (كلّ ضاحكٍ إنسانٌ بالضرورة)، والصادق في عكسه: (بعض الإنسان ضاحك بالإمكان).
والحقّ أنّ عكسها حينيّةٌ كما تقدّم(1)؛ ولأنّ الأصل يقتضي ثبوت الموضوع الّذي أُثبتَ له المحمول بالضرورة، فإنّ الموضوع ما لم يكن ثابتًا لم يثبت له المحمول، ولمّا ثبت وثبت أنّه المحمول، ثبت أنّه حاصل لما هو المحمول.
وقيل(2): إنّ عكسها الضروريّ كنفسها؛ لأنّ عكسه لو كان غيرَ ضروريٍّ لانعكس كنفسه؛ لأنّ الضروريَّ لمّا انعكس إلى غير ضروريٍّ فغير الضروريّ أولى أن ينعكس إليه.
وهو خطأ؛ لما تقدّم من الضحّاك(3) والإنسان. ويجوز أن ينعكس كلٌّ من الضروريّ وغير الضروريّ إلى الآخر.
يب: ذهب بعض القدماء إلى أنّ الممكنة الخاصّة تنعكس كنفسها، واستدلّ بأنّا إذا قلنا: (كلّ حيوانٍ يمكن أن يكون نائمًا من جهة ما هو نائم» فبعض ما هو نائم فهو من جهة ما هو نائم يمكن أن يكون حيوانًا؛ لأنّ حيوانيّته ليست له من جهة ما هو نائم حتّى يكون له بالضّرورة من تلك الجهة)(4).
ص: 190
وهذه الحجّة ضعيفة:
أمّا أوّلًا: فلأنّ العكس الكلّيّ لا يثبت بمثال جزئيّ . ولو اكتُفيَ بذلك استغني عن هذا التطويل، وكانت الحجّة (كلّ كاتب يمكن أن يكون ضاحكًا) مع أنّ عكسه ممكن أيضًا.
وأمّا ثانيًا: فلأنّ قوله: (من جهة ما هو نائم) أُخذ جزءً من المحمول في الأصل (*) والعكس معًا، وكان يجب جعله جزءً من الموضوع في العكس حتّى يصير العكس (بعض ما هو نائم من جهة ما هو نائم، يمكن أن يكون حيوانًا). وحينئذٍ يكون كذبه ظاهرًا؛ لأنّ النّائم من جهة ما هو نائم لا يكون حيوانًا، ولا شيئًا آخر غير النائم.
وفي هذا(1) نظر؛ لأنّه يقتضي كذب عكس الموجبة الممكنة.
وذهب بعضهم إلى أنّها إذا كانت سالبةً كليّةً انعكست؛ لأنّها تستلزم موجبتها وتنعكس جزئيّةً تنقلب إلى سالبتها.
وهو خطأ؛ فإنّ الجزئيّة الّتي هي العكس توجد عامّةً ، فلا تنقلب إلى سالبتها.
وفيه ثمانية(2) مباحث:
أ: حدّه الأوائل بأنّه عبارةٌ عن: (جعل نقيض المحكوم به محكومًا عليه، ونقيض
ص: 191
المحكوم عليه محكومًا به، مع الموافقة في الكيف)(1)؛ لأنّه لو لم يصدق: (كلّ ما ليس «ب» ليس «ج») في عكس نقيض (كلّ «ج» «ب»)؛ لصَدَق: (بعض ما ليس «ب» «ج»)، وانعكس إلى (بعض «ج» ليس «ب»)؛ وهو يناقض الأصل.
ونقضه المتأخّرون(2) بمنع(3) استلزام كذب الموجبة المعدولة الطرفين، الجزئيّة المحصّلة المحمول؛ ثمّ حدّوه ب - (جعل نقيض المحمول موضوعًا، وعين الموضوع محمولًا مع المخالفة في الكيف).
والتّحقيق: أنّ المحمول إمّا أعمّ أو مساوٍ، وعلى التقديرين يثبت الأوّل(4).
ب: الموجبات الكلّيّة سبع منها وهي الوقتيّتان والوجوديّتان والممكنتان والمطلقة العامّة لا ينعكس؛ لأنّ الوقتيّة لا تنعكس، لصدق: (كلّ قمر فهو غير منخسفٍ وقت التربيع بالضّرورة لا دائمًا)؛ ولا يصدق: (بعض المنخسف ليس بقمرٍ بالإمكان). وهي أخصّ السبع، وعدم انعكاس الأخصّ يستلزم عدم انعكاس الأعمّ .
وأمّا السّتّ الباقية(5): فتنعكس كنفسها، لكن قيد اللّادوام في الخاصّتين يرجع إلى
ص: 192
بعض الأفراد؛ لأنّه إذا صدق (كلُّ «ج» «ب» بالضرورة) مثلًا، صدق (كلّ ما ليس «ب» ليس «ج» بالضرورة)؛ وإلّا لصدق: (بعض ما ليس «ب» «ج» بالإمكان العامّ )، وينعكس إلى (بعض «ج» ليس «ب» بالإمكان)، أو ينتظم مع الأصل قياسًا منتجًا لقولنا: (بعض ما ليس «ب»، «ب» بالضرورة).
وعند المتأخّرين لو لم يصدق (لا شيء ممّا ليس «ب» «ج» دائمًا)، لصَدَق (بعض ما ليس «ب» «ج» بالإطلاق)، وانعكس أو انضمّ إلى الأصل كما تقدّم.
وأمّا الخاصّتان: فإذا صدق (كلّ «ج» «ب» ما دام «ج» لا دائمًا)، صدق (كلّ ما ليس «ب» ليس «ج» مادام ليس «ب»)؛ لما تقدّم في العامّتين، ويصدق قيد اللّادوام في البعض؛ وإلّا لصدق الدوام في الجميع. وانعكس بهذا العكس إلى ما ينافي قيد اللّادوام في الأصل.
وعند المتأخّرين يصدق: (لا شيء ممّا ليس «ب»، «ج» ما دام ليس «ب»)، وهو ظاهرٌ. ويصدق قيد اللّادوام في البعض، أي (بعض ما ليس «ب» «ج» بالإطلاق). وإلّا فلا شيء ممّا ليس «ب» «ج» دائمًا. وينضمّ إلى قولنا: (كلّ «ج» هو ليس «ب» بالإطلاق)، اللّازم لقولنا: (لا شيء من «ج» «ب» بالإطلاق) الّذي هو جزء الموجبة لوجود الموضوع، وينتج من الأوّل: (لا شيء من «ج» «ج» دائمًا)، هذا خلف.
ج: الموجبات الجزئيّة لا تنعكس ما عدا الخاصّتين:
أمّا السّبع الّتي لا تنعكس كلّيّاتها، فلإيراد النقض جزئيًّا.
ص: 193
وأمّا الأربع الباقية، فلأنّ أخصّها الضروريّة، وهي لا تنعكس؛ لصدق (بعض الحيوان هو ليس بإنسانٍ بالضرورة)، ولا يصدق: (بعض الإنسان هو ليس بحيوانٍ بالإمكان) ولا: (بعض الإنسان ليس هو بحيوانٍ بالإمكان) ولا: (بعض الإنسان ليس هو بحيوانٍ ) على الرأيَيْن.
وأمّا الخاصّتان فتنعكسان كنفسيهما؛ لأنّه إذا صدق (بعض «ج» «ب» مادام «ج» لا دائمًا) فقد حَكَمنا بتلازم الوصفين وانقطاعهما عن الذات الموصوفة بهما، فيصدق عدم الموضوع على الذات الّتي صدق عليها عدم المحمول مادامت متّصفةً بعدم المحمول صدقًا منقطعًا؛ وإلّا لصدق الموضوع عليها. وذلك يخلّ بالتلازم. فإذا كان الذات «د»، صدق عليه (ليس «ب» بالفعل) لقيد اللّادوام، وليس «ج» في جميع أوقاتِ ليس «ب»؛ وإلّا لكان «ج» في بعض أوقات ليس «ب»، فليس «ب» في بعض أوقات «ج»، وكان «ب» مادام «ج»، وهو «ج» بالفعل، فيثبت المطلوب، وهو صدق (بعض ما ليس «ب» فهو ليس «ج» مادام ليس «ب»، لا دائمًا)؛ وعلي الرأي الآخر: (ليس بعض ما ليس «ب» «ج» مادام ليس «ب»، لا دائمًا).
د: السوالب، كلّيّةً كانت أو جزئيّة، لا تنعكس كلّيّة؛ لاحتمال كون نقيض المحمول أعمّ من نقيض الموضوع من وجهٍ ؛ وامتناع سلب العامّ من وجه عن جميع أفراد الخاصّ ؛ كما يصدق: (لا شيء من الحجر بإنسانٍ بالضرورة) أو: (لا شيء من الكاتب بساكنٍ الأصابع مادام كاتبًا لا دائمًا)؛ ولا يصدق: (لا شيء ممّا ليس بإنسانٍ ليس بحجر)، ولا: (كلّ ما ليس بإنسانٍ حجرٌ). ويكذب أيضًا: (لا شيء ممّا ليس بساكنٍ الأصابع ليس بكاتبٍ ) و: (كلّ ما ليس بساكنٍ الأصابع كاتبٌ )؛ لأنّ بعض ما ليس بإنسانٍ ليس
ص: 194
بحجرٍ، وبعض ما ليس بساكن الأصابع ليس بكاتبٍ ، وإذا كذب عكس الضروريّة، الّتي هي أخص البسائط، والمشروطة الخاصّة الّتي هي أخصّ المركّبات كلّيًّا لم يصدق الكلّيّ في الأعمّ .
وأيضًا: لو انعكس كلّيّةً لا ينحصر كلّ جنس في نوعين؛ أو صدق بعض المتباينات على بعض، واجتمع النقيضان، وكان كلٌّ من الجنس والنوع أعمّ من نقيض الآخر مطلقًا، والنّوع أعمّ من الجنس من وجه.
ه -: الوقتيّتان والوجوديّتان والمطلقة العامّة تنعكس مطلقةً عامّةً ؛ لأنّه إذا صدق: (بالإطلاق لا شيء من «ج» «ب»)، أو: ([بالإطلاق] ليس بعض «ج» «ب»)؛ لو لم يصدق: (ليس بعض ما ليس «ب»، ليس «ج» بالإطلاق)، لصَدَق (كلّ ما ليس «ب» ليس «ج» دائمًا)، وانعكس: (كلّ «ج» «ب» دائمًا)؛ هذا خلف.
والمتأخّرون شكّوا في عكس السوالب البسيطة، وعكسوا الوقتيّتين والوجوديّتين إلى مطلقةٍ عامّةٍ ؛ بأنْ فرضوا الموضوع «د»، فهو ليس «ب»، وهو «ج»، فبعض ما ليس «ب» «ج» بالإطلاق.
و: الضروريّة والدّائمة والعامّتان تنعكس حينيّةً ؛ لأنّه إذا صدق الأصل وهو لا شيء من «ج» «ب» بإحدى الجهات صدق (ليس بعض ما ليس «ب»، ليس «ج» حين هو ليس
ص: 195
«ب»)؛ وإلّا لكان كلّ ما ليس «ب»، ليس «ج» مادام ليس «ب»، فكلّ «ج» «ب» ما دام «ج»، هذا خلفٌ .
ز: الخاصّتان تنعكسان حينيّةً لا دائمة، أمّا الحينيّة فلما مرَّ؛ ولاستلزام العامّتين إيّاها؛ وأمّا اللّادوام فلأنّا نفرض الموضوع في الكلّيّ والجزئيّ «د»، فهو ليس لا «ج» حين هو لا «ب»، وإلّا لكان لا «ج» مادام لا «ب»، ف - «ب» مادام «ج»، هذا خلفٌ .
وإنّه ليس «ج» بالإطلاق، وإلّا لكان «ج» دائمًا، فليس «ب» دائمًا، هذا خلفٌ . وإذا صدق عليه أنّه ليس لا «ج» في بعض أوقات كونه ليس «ب»، مع صدق اللّا «ج» عليه بالفعل، صدق: (ليس بعض ما ليس «ب»، ليس «ج» حين هو ليس «ب» لا دائمًا) وهو المطلوب.
وتنعكس الممكنتان ممكنةً عامّةً . فيصدق في عكس نقيض: (لا شيء من «ج» «ب») أو (ليس بعض «ج» «ب»): (ليس بعض ما ليس «ب» ليس «ج» بالإمكان العامّ )؛ وإلّا فكلّ ما ليس «ب» ليس «ج» بالضرورة، فكلّ «ج» «ب» بالضرورة، هذا خلف.
ح: قيل: المطلقة يلزمها بعكس النقيض: (كلّ ما ليس «ب» دائمًا فهو ليس «ج» دائمًا). أمّا قيد الدوام في جانب الموضوع: فلأنّا إذا قلنا: (كلّ «ج» «ب») فقد أوجبْنا أن يكون الجيم يصدق عليه الباء في بعض الأوقات. فالّذي لا يصدق عليه الباء دائمًا، يجب أن لا يكون «ج».
ص: 196
وأمّا قيد الدوام في المحمول فلأنّ الجيم لو صدق في بعض الأوقات لصدق عليه «ب»؛ لأنّه(1) بعض أفراد الجيم وقد صدق عليه سلب «ب» دائماً، هذا خلف.
وهنا مباحث أُخر ذكرنا بعضها في كتاب (نهج العرفان)، واستقصينا الكلام فيها في كتاب (تحرير الأبحاث).
ص: 197
ص: 198
وفيه فصول:
وفيه سبعة(1) مباحث:
أ: الشرطيّة إمّا متّصلة إن حُكم فيها بصدق قضيّة على تقدير أُخرى، أو بسلب ذلك؛ وإما منفصلة إن حكم فيها بالتّنافي بين قضيّتين في الوجود، وهي مانعة الجمع؛ أو العدم وهي مانعة الخلو؛ أو فيهما معًا وهي الحقيقيّة؛ أو بنفي ذلك.
و الجزء الأوّل يسمّي مقدّمًا. وهو في المتّصلة يسمّي (ملزومًا)؛ و الثاني يسمّى (تاليًا) ويسمّى في المتصلة (لازمًا).
يتشاركان: وكان إمّا بطرفيهما معًا. كاستلزام الكلّيّتين(1) لجزئيّتهما وتحقّق(2) العناد بين النّقيضين في المنفصلة؛ أو في الموضوع فقط، كاستلزام(3) حمل الأخصّ على شيءٍ حملَ الأعمّ عليه، وعناد حمل(4) أحد المتساويين على الشيء لحمل الآخر عليه بالسلب؛ أو في المحمول فقط، كاستلزام حمل الشيء على كلّ الأعمّ لحمله(5) على كلّ الأخصّ مع الاتّحاد كيفًا في المتّصلة، ومع الاختلاف فيه في المنفصلة.
أو يشارك موضوع المقدّم محمول التالي، ومحموله موضوعه، كاستلزام(6) القضية عكسها، ومنافاته لنقيض عكسها(7)؛ أو موضوعُ المقدّم محمولَ التّالي فقط(8)، كاستلزام
ص: 200
الموجبة حملَ موضوعها على ما هو أعمّ من محمولها إيجابًا جزئيًّا، ومنافاتها إيّاه بالسلب، لاستلزامها العكس المستلزم للأوّل المنافي للثاني؛ أو بالعكس(1)، كاستلزام الموجبة حمل ما هو أعمّ من موضوعها على عين محمولها بالإيجاب جزئيًّا في المتّصلة اللّزوميّة لاستلزامها العكس الملزوم له، ومنافاتها ذلك الحمل بالسلب في المنفصلة.
ج: الأقوال الجازمة لا يمكن أن يكون بعضها هو البعض الآخر، فلا يمكن حمل بعضها على بعض، وإنّما يعقل الارتباط بينها باللّزوم أو العناد أو مشابههما، كالاتّفاقيّ فيهما.
ولا بدّ وأن يكون الطرفان قضيّتين، وكلّ قضيّة فإمّا حمليّة أو متّصلة أو منفصلة. ولمّا كان بعض الماهيّات من شأنه أن يكون ملزومًا لغيره لا لازمًا، وشأن ذلك اللّازم أن
ص: 201
يكون لازمًا لا ملزومًا وكان التعاند إنّما يعقل بين الطّرفين على السواء، لا جرم تعدّدت أقسام المتّصلة إلى تسعة؛ والمنفصلة إلى ستّة.
فالمتّصلة إمّا أن تتركّب عن حمليّتين(1)، أو متّصلتين(2)، أو منفصلتين(3)، كاستلزام كلّ قضيّة من الثلاث عكسها وعكس نقيضها وكذب نقيضها؛ أو حمليّةٍ (4)، هي المقدّم ومتّصلةٍ هي التالي، كاستلزام العلّيّة ملازمة المعلول العلّة أو بالعكس(5)، كعكس المثال؛ أو حمليّةٍ هي المقدم ومنفصلةٍ هي التالي، كاستلزام صدق الجنس القسمةَ إلى أنواعه(6) أو بالعكس، كعكس المثال؛ أو متصلةٍ هي المقدّم ومنفصلةٍ هي التالي، كاستلزام الملازمة بين شيئين العناد الجمعيّ بين عين مقدّمها ونقيض تاليها أو بالعكس، كعكس المثال.
والمنفصلة: إمّا أن تتركّب من حمليّتين، كالعناد الواقع بين القضيّة الحمليّة ونقيضها(7)
ص: 202
أو من متّصلتين، كالعناد(1) الواقع بين المتّصلة ونقيضها؛ أو من منفصلتين(2)، كالعناد الواقع بين المنفصلة ونقيضها، أو من حمليّة و(3) متّصلة، كالعناد الواقع بين كون الشيء ليس علة لآخر وبين استلزام أحدهما الآخرَ؛ أو من حمليّة ومنفصلة، كالعناد الواقع بين كون الشيء(4) علّة لآخر وبين معاندة أحدهما الآخر؛ أو من متصلة ومنفصلة، كالعناد(5) الواقع بين ملازمة الشيء لآخر وبين العناد بينهما.
د: المتّصلة إمّا لزوميّة إن كان الاتّصال لمعنىً يوجب استلزام المقدّم للتّالي، كالعلّيّة والتضايف؛ أو(6) اتّفاقيّة إن لم تكن كذلك، بل لمجرّد الصّحبة والاتّفاق في الصدق.
والمنفصلة: إمّا عناديّة إن كان الانفصال لمعنىً يوجب المنافاة، كالتناقض والتضاد، أو اتّفاقيّة إن كانت لمجرّد الوجود والعدم اتّفاقًا.
وكلمة (إنْ ) شديدة الدّلالة على اللّزوم، ثمّ (إذ). وأمّا باقي حروف الاتّصال نحو:
ص: 203
(إذا)، و (مهما)، و (متى)، و (كلّما)، و (لمّا) فلا يدلّ على اللّزوم ولا الاتّفاق. وكذا (إمّا) لا تدلّ على العناد.
وفي (لمّا) دلالة زائدة على باقي الحروف، وهو تسليم وجود المقدّم، وكذا (لولا).
و (لو)(1) تدلّ على الامتناع.
واعلم أنّ الاستصحاب شامل للّزوم والاتّفاق، كما يشمل الإطلاقُ الضرورةَ وعدمها. واللّزوم يُشبِه الضرورة؛ والاتفاقُ الإمكانَ .
ه -: قد عرفت أنّ الشرطيّة متّصلة كانت أو منفصلة إنّما تتألف من قضيّتين، وعرفت أنّ القضيّة يدخلها الصّدق أو الكذب، بحيث لا تنفكّ عن أحدهما. وكلّ واحدة من هاتين القضيّتين إذا صُيِّرت جزءً من الشرطيّة خرجت عن كونها قضيّة وصارت جزءً ا منها. ولا يقبل حينئذٍ الصدق والكذب، بل يتعلّقان(2) بالاتّصال أو الانفصال نفسه.
ولمّا كان صدق الاتصال أو الانفصال لا يستلزم صدق الطرفين ولا كذبهما أمكن تركّب كلّ من المتّصلة الصّادقة من صادقين وكاذبين وبالتفريق، وكذا المنفصلة.
ولنفصّل ذلك فنقول: اللزومية الموجبة الصادقة قد تتركب من صادقين وكاذبين ومقدم كاذب وتالٍ صادق، لجواز كون اللّازم أعمّ . ولا يمكن أن تتركّب من مقدّم صادق وتالٍ كاذب، وإلّا لزم صدق الكاذب وكذب الصادق. لأنّ قضيّة التّلازم وجود
ص: 204
اللّازم عند وجود الملزوم وعدم الملزوم عند عدم اللازم، فإذا كان الملزوم صادقًا كان اللازم صادقًا. وقد فرض كاذبًا. وإذا كذب اللازم كذب الملزوم، وقد فرض صادقًا(1).
ص: 205
والكاذبة تتركّب من الجميع.
والاتّفاقيّة تؤخذ باعتبارين: أعمّ ، وهو ما صدق فيها التالي؛ وأخصّ ، وهو ما اجتمع جزءاها على الصّدق اتّفاقًا. فبالمعنى الأوّل تتركّب الصادقة من جزئين صادقين، ومقدّم كاذب وتالٍ صادقٍ . وتتركّب الكاذبة من الباقي. وبالمعنى الثاني تتركّب الصادقة من صادقين خاصّةً ، وتتركّب الكاذبة من الباقي.
وأمّا السالبة اللّزوميّة والاتّفاقيّة فحكمها صدقًا حكم الكاذبتين إيجابًا. وحكم الكاذبتين حكم الصادقتين إيجابًا.
والمنفصلة(1) الموجبة إن كانت عناديّة: تركيب الحقيقيّة الصادقة من صادقٍ وكاذبٍ لا غير؛ ومانعة الجمع من كاذبين، وصادقٍ وكاذب؛ ومانعة الخلوّ من صادقين، وصادق وكاذب. والكاذبة الحقيقيّة تتركّب ممّا تتركّب(2) منه الصّادقة، ومن صادقين(3) وكاذبين. ومانعة الجمع(4) من الجميع، وكذا مانعة الخلوّ(5).
أمّا الاتّفاقيّة، فالحقيقيّة منها تتركّب من صادق وكاذب لا غير؛ ومانعة الجمع منهما
ص: 206
ومن كاذبين؛ ومانعة الخلوّ منهما ومن صادقين.
والكاذبة في كلّ قسم ما عدا ما ذُكِر، في ذلك القسم.
والسّالبة على عكس الموجبة.
و: إيجاب الشرطيّة وسلبها ليس لإيجاب الأجزاء ولا سلبها، بل لإيجاب الاتّصال والانفصال وسلبهما. فقولنا: (كلّما كان هذا ليس بحيٍّ فهو ليس بعالمٍ ) متّصلة موجبة، وطرفاها سلبيّان. ولو قلنا: (ليس البتّة إذا كان هذا جمادًا فهو حيوان) سالبةٌ ، وطرفاها ثبوتيّان. وكذا قولنا: (إمّا أن لا يكون العدد زوجًا، أو لا يكون فردًا) منفصلةٌ موجبةٌ ، وطرفاها سلبيّان.
وإذا قلنا: (ليس البتّة إمّا أن يكون هذا زوجًا أو منقسمًا بمتساويين) سالبةٌ ، وطرفاها ثبوتيّان.
ز: حصرُ الشرطيّات وإهمالها وتشخّصها ليس باعتبار الأجزاء، كما تقدّم(1) في الإيجاب والسلب؛ بل بعموم الفروض والأوضاع والأزمنة وخصوصها وتشخّصها. فقولنا: (كلّما كان زيد يكتب فيده تتحرّك) كلّيّةٌ ، مع تشخّص طرفَيْها.
ص: 207
إذا قلنا: (كلّما كان «أ» «ب» ف - «ج» «د») لم نعنِ به استلزامَ («أ» «ب») ل - («ج» «د») في كلّ زمانٍ يفرض فيه («أ» «ب»)، لجواز أن لا يكون زمانيًّا؛ ولا عمومَ المرار(1)، فقد يكون ثابتًا؛ بل نعني به عموم الفروض والأوضاع الّتي يمكن فرضها ومجامعتها للمقدم. مثلًا إذا فرضنا («أ» «ب») مع طلوع الشمس ووجود زيد وأكل عمرو وغير ذلك، كان مستلزمًا ل - («ج» «د») كليًّا إن كان استلزامه على كلّ تقديرٍ يفرض؛ وإن ثبت الاستلزام على بعض الفروض دون بعض فالملازمة جزئيّة، كقولنا: (قد يكون إذا كان هذا حيوانًا فهو إنسان)؛ فإنّ الإنسان لازم للحيوان جزئيًّا؛ لأنّه يلزم على تقدير كونه ناطقًا، لا على كلّ تقديرٍ.
لا يُقال: مقتضى الطّبيعة واحد، فإن اقتضت اللزوم في البعض اقتضت في الكلّ ، وإلّا فلا لزوم؛ سلّمنا، لكن تمتنع الجزئيّة من كليّتين، لأنّا إذا قلنا: (قد يكون إذا كان كلّ كذا كذا فكلّ كذا كذا)، فالكلّ يستوعب الموضوعات، فكيف يصدق ذلك من غير أن يصدق معه الكلّيّ .
لأنّا نقول: طبيعة المقدّم إذا كانت تقتضي اللّزوم توجَّهَ (2) الشّكّ . لكن كون الشيء ملزومًا قد يكون لذاته؛ وقد يكون لطبيعة اللازم، كحصّة النوع من الجنس. فإن لزوم الفصل لها ليس لذاتها، بل لذات الفصل. فيحتمل حينئذٍ أن يكون بعض أفراد الطبيعة ملزومًا لشيء دون الآخرَ.
ويمكن تلازم الكليّتين جزئيًّا بأن يمكن أمر لموضوعات ومن شأنه أن يعرض
ص: 208
ويزول. كما لو فرضنا كلّ إنسان كاتبًا في الذهن، له حالان: حال يفرض فيه كل إنسان قاصرًا عن تعلّم صناعة اُخرى؛ وحالٌ لا يفرض فيه(1) ذاك. وفي إحدى الحالتين يلزمه شيء وفي الأخرى آخر. فالجزئيّة حينئذٍ على تخصّص الحال والفرض.
والسّالبة الكلّيّة هي الّتي يصدق فيها سلب الملازمة على كلّ تقديرٍ وفرض، والسالبة الجزئيّة على البعض.
وشكّ بعضهم في صدق الملازمة الكلّيّة إيجابًا وسلبًا. لصدق نقيض كلّ واحدةٍ منهما بالشكل الثالث، المركب من استلزام كل من المجموع المركّب من المقدّم ونقيض التالي في الموجبة، للجزئين(2)؛ ومن المقدّم والتالي في السالبة، لهما(3).
وهو خطأ؛ فإن أحد جزئي المقدّم في كلٍّ من المقدّمتين هو المستلزم بالحقيقة والآخر لا مدخل له في الاستلزام. والمستلزم في الأوّل يستلزم نفسه، فلا استلزام أيضًا.
وكلّيّة العناد وجزئيّته كاللّزوم.
وأمّا الاتّفاقيّة فإنّما يحصل الجزم بصدقها كلّيّةً لو اُخذ طرفاها حقيقيّتين، لأنّها لو أُخذ بحسب الخارج جاز كذبهما، أو كذب أحدهما عند عدم الموضوع، فلا تصدق الاتّفاقيّة كلّيّةً .
وشخصيّة اللّزوم والعناد تابعٌ لتشخّص الفروض والأوضاع والأزمنة. مثل: (إن
ص: 209
جئتني اليومَ مع زيدٍ أكرمتُك).
وسور المتّصلة الموجبة: (كلّما)، و (متى)، و (مهما)، و (دائمًا). وسور المنفصلة: (دائمًا)، وسور السالبة فيهما: (ليس البتّة)، وسور الجزئيّ : (قد يكون)، و (قد لا يكون)، و (ليس كلّما)، و (ليس دائمًا). وباقي حروف الاتّصال والانفصال نحو: (إنْ )، و (إذا)، و (إمّا) فللإهمال.
والموجبة اللزوميّة يقابلها سلب اللّزوم، لا لزوم السلب. وكذا سلب العناد يقابل العناديّة، لا عناد السلب.
أ: قد تحرّف الشرطيّة عن الوضع الطبيعيّ وصيغتِها الموضوعة لها؛ كما إذا نَفَيْتَ قضيّةً وعقَّبْتَها بإيجاب أخرى، مثل: (لا يكون «أ» «ب» و «ج» «د»). وهي في قوّة منفصلةٍ مانعة جمع هي قولنا: (إمّا أن يكون «أ» «ب» أو «ج» «د»)، أو متّصلةٍ مركّبةٍ هي قولنا: (كلّما كان «أ» «ب» لم يكن «ج» «د»).
ولو بُدِّل الواو ب - (أو)، أو (حتّى)، كانت في قوّة مانعة خلوٍّ هي: (إمّا أن لا يكون «أ» «ب» أو «ج» «د»)، و [في] قوّة متّصلة من الجزئين هي: (كلّما كان «أ» «ب» ف - «ج» «د»). وكذا لو جمع بين الواو و (إلّا).
ص: 210
ب: قد تلحق بالقضايا هيئاتٌ وزوائدُ تفيدها زيادة معان، كدخول الألف واللّام في الموضوع؛ فإنّه قد يفيد العموم في لغة العرب، والعهد أيضًا. وإذا دخلا على المحمول أفاد(1) الحصر، فتجب الرابطة، وإلاّ أفاد التركيب التقييديَّ .
ولو قدّمت الخبر أفاد الحصر أيضًا، كقولنا: (العالم زيد)؛ وكذا دخول (إنّما).
وإذا نقض النفي دلّ على المساواة؛ إمّا في العموم أو المفهوم.
وسالبة كلِّ واحدةٍ تفيد رفع ما أفاده الموجبة.
ج: قد يقع الغلط في العكوس كثيرًا بسبب اشتباه المحمول بجزئه إذا كان الجزء الآخر نسبةً ، كقولنا: (كلّ ملِكٍ على السرير)، و (كلّ وتدٍ في الحائط)، و (كلُّ شيخٍ كان شابًّا)، و (لا شيء من الحائط في الوتد)، فيُظَنُّ عكسه: (بعض الحائط في الوتد)، و (بعض الشّابّ كان شيخًا)، و (بعض السرير على الملك)، و (لا شيء من الوتد في الحائط).
وإذا عُرِف أنّ المحمول في هذه القضايا هو النسبة وجعلت موضوعها(2) صَدَقَت، كما تقول: (بعض ما في الحائط وتدٌ)، و (بعض مَن كان شابًّا شيخٌ ).
د: قيل: يصدق (لا شيء من الجسم بممتدٍّ في الجهات إلى غير النهاية)، ولا يصدق عكسه، وهو: (لا شيء من الممتدّ في الجهات إلى غير النهاية بجسم)؛ ضرورة أنّ كلّ ممتدٍّ
ص: 211
في الجهات إلى غير النهاية جسمٌ .
وأُجيب: بأنّ المسلوب في الأصل هو اللّا نهاية لا الممتدّ في الجهات(1)، وحينئذٍ يصدق عكسه وهو: (لا شيء ممّا لا نهاية له بجسمٍ ).
وليس بجيّدٍ؛ لأنّ مفهوم (الممتدّ في الجهات إلى غير النّهاية) من حيث هو هذا المجموع إذا نُسب إلى الجسم صدق إمّا نسبة الثبوت أو العدم، فيستلزم عكسه.
والتحقيق: أنّ الأصل إن كان حقيقيًّا مُنع صدقه؛ لأنّ بعض ما لو وجد وكان جسمًا فهو بحيث لو وُجد كان ممتدًّا في الجهات إلى غير النّهاية وهو الجسم الّذي لا يتناهى، وإن امتنع(2) وقوعه؛ وإن أُخذ خارجيًّا مُنِعَ كذب العكس، لعدم وجود ممتدٍّ في الجهات إلى غير النّهاية، والسالبة تصدق بعدم الموضوع.
وفيه سبعة(3) مباحث:
أ: قد عرفتَ أنّ المنفصلة إمّا حقيقيّة أو مانعة الجمع أو مانعة الخلوّ. فالحقيقيّة تتألّف
ص: 212
من النقيضين، أو من أحدهما ومساوي الآخر؛ لأنّه كلّما صدق أحدهما كذب الآخر، وكلّما كذب الآخر صدق الأوّل، فيكون الآخر نقيضًا لأحدهما أو مساويًا للنقيض.
ولو حذف نقيضه وذكر بدلَه ما لا يساويه: فإن كان أعمّ منه حدثت مانعة الخلوّ، لأنّه لمّا جاز وجود الأعمّ من دون الأخصّ أمكن وجود الأعمّ من دون وجود النقيض مع وجود الآخر، فلم يجتمع النقيضان. ولمّا كان عدم الأعمّ يستلزم عدم الأخصّ لم يمكن عدم الآخر مع الأعمّ (1)، وإلاّ لعدم النقيضان. وإذا جاز الجمع بين الآخر والأعمّ وامتنع ارتفاعهما حدثت مانعة الخلوّ، وإن كان أخصّ حدثت مانعة الجمع؛ لأنّ وجود الأخصّ يستلزم وجود الأعمّ ، فلو وجد الشيء مع الأخصّ من نقيضه لوُجد مع نقيضه، فاجتمع النقيضان. ولمّا كان عدم الأخصّ لا يستلزم عدم الأعمّ أمكن الخلوّ عنهما.
ب: هذه المنفصلات في اللّفظ قد تتركّب من موجبتين، مثل: (العدد إمّا زوجٌ أو فردٌ)، و (هذا الشيء إمّا أن يكون حجرًا أو شجرًا)، و (هذا الموجود إمّا دائم الوجود أو ممكن الوجود).
وقد تتألّف من سالبتين، مثل: (العدد إمّا أن لا يكون زوجًا أو لا يكون فردًا)، و (هذا الموجود إمّا ليس بدائم الوجود أو ليس بممكن)، و (هذا الشيء إمّا أن لا يكون حجرًا أو لا يكون شجرًا).
وقد تتألّف من موجبٍ وسالبٍ ، مثل: (العدد إمّا زوج أو لا)، و (هذا الشيء إمّا أن يكون إنسانًا أو ليس بحيوان)، و (هذا إمّا حيوانٌ أو ليس بإنسان).
أمّا من حيث المعنى: فالحقيقيّة إنّما تتألّف من موجبةٍ وسالبةٍ ، ومانعة الجمع
ص: 213
لا تتألّف(1) من سالبتين، ومانعة الخلوّ لا تتألّف(2) من موجبتين. والأصل فيه أنّ إيجاب كلِّ شيء أخصّ من سلب غيره، والخاصّ لا يلزم العامَّ .
ج: الحقيقيّة إن عُنِيَ بها (ما يمتنع الجمع بين أيّ جزئين كانا من أجزائها ويمتنع الخلوّ عنهما) لم يمكن أن تتركّب من أكثر من جزئين، لأنّ الأوّل يستلزم نقيض التالي. فنقيض التالي إن استلزم عين الثالث اختلّ الشرط بين الأوّل والثالث؛ وإن لم يستلزمه اختلّ بينهما.
نعم، قد يحصل انفصال حقيقيٌّ من أكثر من ثلاثة؛ إمّا لأنّ الانفصال في الحقيقيّة بين حمليّه ومنفصلة(3)، ثمّ يتبعه انفصال آخر؛ أو بأن لا يشترط في الحقيقيّة سوى منع الجمع بين أيّ جزئين كانا، ومنع الخلوّ عن الجميع.
وأمّا مانعة الجمع فظاهرٌ جوازُ تركّبها من أجزاء كثيرة.
وأمّا مانعة الخلوّ فيجوز أيضًا، مثل: (إمّا أن لا يكون هذا الشيء إنسانًا، أو لا يكون فرسًا، أو لا يكون حمارًا).
ص: 214
د: قد يراد ب - (إمّا) الشّكّ لا العناد، صدقًا ولا كذبًا؛ مثل أن تقول: (رأيت إمّا زيدًا أو عمروًا(1) حين تشكّ في رؤيتهما.
وغير ذلك(2)، مثل: (العالم إمّا أن يعبد الله وإمّا أن ينفع النّاس)، أي: غالب أحواله هذان الفعلان.
ه -: قد يتأخّر حرف الاتّصال والانفصال عن موضوع المقدّم، فيصير الشرطيّة شبيهة بالحمليّة. لكنّ المتّصلة يتلازم ما قُدِّمَ فيه حرف الاتّصال منها وما أُخِّرَ، بخلاف الحقيقيّة من الكلّيّتين المشتركتين في الموضوع، فإنّه يصدق حقيقيًّا: (كلّ عددٍ إمّا زوج أو فرد). ولو قدَّمت وقلت: (إمّا أن يكون كلّ عددٍ زوجًا أو فردًا) صارت مانعة جمعٍ .
استلزامه للمجموع سلبُ استلزامه للآحاد؛ ولا من استلزام(1) المجموع شيئًا استلزامُ أحد أجزائه ذلك الشيءَ .
فحينئذٍ تركُّبُ التالي في الموجب يقتضي تكثُّرَ المتّصلة بالنسبة إلى الأجزاء، مع الموافقة كيفًا وكمًّا؛ ولا يقتضي في السالب(2)، ولا في المقدّم(3).
ز: لمّا استلزم استحالة الخلوّ عن الشيء والمركّب استحالة(4) الخلوّ عنه، وعن أجزائه لِتوقُّفِ وجود المركب على وجود أجزائه، كان تركُّبُ أيّ جزء كان من مانعة الخلوّ يقتضي الانفصال المانع للخلوّ بين ذلك الشيء وكلّ جزءٍ ، ولمّا جاز الخلوّ عن المركّب(5) دون أجزائه لم تستلزم السالبة سلبَ الخلوّ.
ولمّا(6) كان منعُ الجمع بين الشيء والمركب لا يستلزم منع الجمع بينه وبين أجزائه لم يلزم من مانعة الجمع منعُ جمعٍ بين الأجزاء. ولمّا كان جواز الجمع بين الشيء والمركّب
ص: 216
يستلزم جوازه بينه وبين أجزائه استلزمت السالبة المانعة للجمع سالبةً مانعةً للجمع بين الأجزاء(1).
وأمّا الحقيقيّة: فلمّا كان صدقها بصدق المنفصلتين كان لها حكمهما، فيمتنع الخلوّ بين جزئيها وأجزاء المركّب، ولا يمتنع الجمع. وفي السالبة على العكس.
وفيه سبعة عشر(2) بحثًا:
أ: قيل(3): إنّ كلّ متّصلتين توافقتا كمًّا ومقدّمًا وتخالفتا كيفًا وتناقضتا في التالي تلازمتا؛ أمّا استلزام الموجبةِ السالبةَ فلأنّه لولاه لكان المقدّم مستلزمًا للتالي كلّيًّا ولنقيضه جزئيًّا وهو محال؛ وأمّا العكس فلأنّه لولاه لم يكن المقدّم مستلزمًا للشيء ولا لنقيضه، وهو محال.
وليس بواضح(4)، لإمكان استلزام مقدّم واحد النقيضين، وقياس الخلف ليس إلاّ ذلك، والواقع يكذب استحالة(5) الثاني كما في الاتّفاقيّات.
ص: 217
الشرطيّة سواء كانت متّصلة أو منفصلةً تستلزم كذب نقيضها على قياس الحمليّات، فالموجبة الكلّيّة نقيضها سالبة جزئيّة وبالعكس؛ والموجبة الجزئيّة نقيضها سالبة كلّيّة وبالعكس.
وليس نقيض اللّزوميّه لزوم السلب، بل سلب اللّزوم، وكذا العناديّة.
ب: المتّصلة يتميّز مقدّمها عن تاليها بالطّبع، فأمكن فيها العكس. والمنفصلة بخلاف ذلك؛ فإنّ معاندة شيءٍ لغيره هي بعينها معاندة ذلك الغير لذلك الشيء.
فلا يتصوّر فيها العكس.
فعكس الموجبة الكلّيّة المتّصلة أو الجزئيّة موجبةٌ جزئيّة، لأنّه إذا صدق: (كلّما كان «أ» «ب» ف - «ج» «د») أو: (قد يكون [إذا كان «أ» «ب» ف - «ج» «د»]) صَدَقَ : (قد يكون إذا كان «ج» «د» ف - «أ» «ب»)؛ وإلّا(1) ف - (ليس البتّة إذا كان «ج» «د» ف - «أ» «ب»)، ونجعله كبرى للأصل؛ ينتج: (ليس البتّة إذا كان «أ» «ب» ف - «أ» «ب»)؛ ومع الجزئيّ : (قد لا يكون إذا كان «أ» «ب» ف - «أ» «ب»).
وعكس السالبة الكلّيّة كنفسها؛ وإلّا لصدقت الموجبة الجزئيّة وانعكست إلى ما يناقض الأصل، أو انضمّت معه قياسًا منتجًا للمحال.
ولا عكس للسالبة الجزئيّة، لصدق سلب اللزوم الجزئيّ بين عين الأعمّ والأخصّ مع امتناع العكس.
ص: 218
قيل: نمنع إنتاج المتّصلتين؛ لأنّ معنى: (كلّما كان «أ» «ب» ف - «ج» «د»)، و (كلّما كان «ج» «د» ف - «ه -» «ز») استلزام («ج» «د») ل - («ه -» «ز») في نفس الأمر، ولا يلزمه استلزامه على تقدير («أ» «ب») الّذي هو مقدّم الصغرى، فلا يلزم الإنتاج، لجواز انتفاء الاستلزام على تقدير المقدّم.
أُجيب: بأنّه لو لم يثبت («ه -» «ز») كلّما صدق («أ» «ب») لثبت عدم («ه -» «ز») على هذا التقدير، وحينئذٍ إن كان («ج» «د») ثابتًا كذبت الكبرى، وإن كان منتفيًا كذبت الصغرى.
وليس بجيّدٍ؛ لأنّ كذب الملازمة لا يستدعي صدقَ نقيض التالي على تقدير صدق المقدّم. فإنّ كذبها قد يجامع كذب أحد الطرفين وصدق الآخر، وكذبهما معًا وصدقهما أيضًا.
والتحقيق: أنّ («ج» «د») إن اتّحد في المقدّمتين لزم الإنتاج بالضرورة، وإلّا فلا قياس؛ ولأنّ («ج» «د») في الكبرى إذا استلزم كلّيًّا كان مستلزمًا على تقدير («أ» «ب») قطعًا، لأنّه بعض الأوضاع.
د: المتّصلة الموجبة الكلّيّة تنعكس عكس النقيض كنفسها؛ لأنّ من قواعد اللّزوم عدم الملزوم عند عدم اللازم، وهو معنى عكس النقيض؛ ولأنّه لو لا صدق (كلّما لم يكن «ج» «د» لم يكن «أ» «ب») في عكس نقيض (كلّما كان «أ» «ب» ف - «ج» «د») لصَدَق نقيضه وهو: (قد لا يكون إذا لم يكن «ج» «د» لم يكن «أ» «ب»)، ويلزمه (قد يكون إذا لم يكن «ج» «د» ف - «أ» «ب») وينعكس إلى قولنا: (قد يكون إذا كان «أ» «ب» لم يكن «ج» «د»)، هذا خلف؛ أو ينتج مع الأصل: (قد يكون إذا لم يكن «ج» «د» ف - «ج» «د»).
ص: 219
وفي هذا البيان نظر(1).
ولا عكس للموجبة الجزئيّة، لِصِدق: (قد يكون إذا كان هذا حيوانًا فهو غير إنسان)، مع كذب: (قد يكون إذا كان إنسانًا فهو غير حيوان).
وعكس السالبتين سالبة الجزئيّة؛ وإلّا لصدقت الموجبة الكلّية، وانعكست عكس النّقيض إلى ما يضادّ الأصل أو يناقضه.
والمتأخّرون شكّوا في عكس النقيض على مصطلحهم أيضًا، وهو: (ليس البتّة إذا لم يكن «ج» «د» ف - «أ» «ب»). لأنّ قولنا: (قد يكون إذا لم يكن «ج» «د» ف - «أ» «ب») ينتج مع الأصل: (قد يكون إذا لم يكن «ج» «د» ف - «ج» «د»)، وليس بمحال، لإمكان استلزام الشيء لعدمه جزئيًّا.
أمّا الاتّفاقيّات فإنّها تنعكس، لأنّه إذا صدق (كلّما كان أو قد يكون إذا كان «أ» «ب» ف - «ج» «د») يلزم عدم موافقة عدم («ج» «د») ل - («أ» «ب»)؛ وإلّا لتوافقا، وقد كان («ج» «د») موافقًا ل - («أ» «ب»)، فيجتمع النقيضان، هذا خلفٌ .
ه -: المستلزم للمستلزم مستلزمٌ ؛ فكلّ متّصلتين توافقتا في الكمّ والكيف والمقدّم وتلازمتا في التّالي، تلازمتا(2) ولو تلازمتا في المقدّم واتّحدتا في الباقي
ص: 220
تلازمتا(1) أيضًا.
ص: 221
ولو كان اللّزوم من طرف واحد، استلزمت(1) ملزومة التالي الُأخرى في الإيجاب وبالعكس في السلب من غير عكس، فإنّه لا يلزم من استلزام أمرين لشيء واحد استلزام أحدهما للآخر، كالنوعين المستلزمين للجنس. ولا من ملازمة الشيء لما لا يلزم آخر، سلب ملازمة الشيء للآخر(2). ولازمة
ص: 222
المقدّم(1) الُأخرى إن كانتا كلّيّتين، موجبتين كانتا أو سالبتين؛ لانتظام قياسٍ صغراه استلزام المقدّم المقدّم، وكبراه لازمة المقدّم، ولا عكس. لاحتمال أن يكون المقدّم في المتّصلة اللّازمة المقدّم أعمّ من التّالي في المتّصلة الملزومة المقدّم، وامتناع استلزام العامّ للخاصّ كلّيًّا في الموجبتين وعدم استلزامه إيّاه كذلك في السالبتين، مثل: (كلّما كان هذا إنسانًا فهو ناطق)، أو (ليس البتّة إذا كان هذا إنسانًا فهو صهّال). ولا يلزم من الأوّل: (كلُّ ما كان حيوانًا فهو ناطق)، ولا من الثاني: (ليس البتّه إذا كان حيوانًا فهو صهّال)؛ وبالعكس في الجزئيّتين بواسطة عكس النّقيض؛ وبانتظام قياسٍ صغراه استلزام المقدم المقدّم كلّيًّا، وكبراه المتّصلة الملزومة لينتج من الثالث المطلوب، ولا عكس؛ وإلّا لانعكس في الكلّيّتين بعكس النقيض.
ص: 223
و: كلّ متّصلتين توافقتا في الكمّ والكيف وتلازَمَ مقدّمهما وتلازَمَ تاليهما تلازَمَتا وتعاكَستا، لوجوب استلزام المقدّم في كلّ ما هو مطلوب الصدق منهما مقدّمَ ما هو مفروض الصدق منهما المستلزم لتاليه المستلزم لتالي نفسه، ووجوب كون المستلزم للمستلزم للشيء مستلزمًا لذلك الشيء.
ولو استلزم مقدّم إحديهما مقدّم الأخرى، وتالي الأُخرى تالي الأولى من غير عكس، لزمت ملزومة المقدم الأُخرى إن كانتا موجبتين كلّيّتين(1)؛ وبالعكس(2) إن كانتا سالبتين جزئيّتين، لانتظام(3) قياسٍ صغراه استلزام مقدّم المتّصلة الملزومة المقدّم مقدّم الأخرى، وكبراه المتّصلة الأخرى؛ وانتظام النتيجة مع استلزام تالي الأُخرى لتالي الأولى قياسًا ينتج المطلوب. وأمّا في الجزئيّتين فلاستلزام نقيض الكلّيّة الملزومة المقدّم لنقيض الكلّيّة اللازمة المقدّم بعكس النقيض.
ولا تلازُمَ في السالبتين الكلّيّتين، لِصِدق (ليس البتّة إذا كان هذا حيوانًا فهو حجر)، وكذب (ليس البتّة إذا كان هذا إنسانًا فهو جسم)، وصِدق (ليس البتّة إذا كان هذا إنسانًا فهو جماد)، مع كذب (ليس البتّة إذا كان هذا جسمًا فهو حجر). فلا تلازم في الموجبتين الجزئيّتين، وإلّا استلزم نقيض اللازمة نقيض الملزومة(4)، هذا خلف.
ص: 224
ز: إذا اتّفقت متّصلتان كيفًا وكمًّا بأنْ كانتا موجبتين كلّيّتين أو سالبتين جزئيّتين، وناقض عينُ مقدّم (*) إحديهما لازمَ تالي الأخرى؛ ولازمُ عين مقدّم الأُخرى نقيضَ تالي الأولى، لزم من صدق الأُخرى صدقُ الأولى إن كانتا موجبتين كلّيّتين، ومن صدق الأولى صدقُ (1) الثانية إن كانتا سالبتين جزئيّتين(2)؛
أمّا الأوّل: فلأنّ عين مقدّم الأولى لمّا كان مناقضًا للازم تالي الثانية لزم أن يكون نقيض مقدّم الأولى لازمًا لتالي الثانية، فيصدق: (كلّما تحقّق عين مقدّم الأولى تحقّق تالي الثانية)(3) بعكس النقيض، و (كلّما تحقّق نقيض تالي الثانية تحقّق نقيض مقدّمها)، ينتج: (كلّما تحقّق عين مقدّم الأولى تحقّق، نقيض مقدّم الثانية)، و (كلّما تحقّق نقيض مقدّم الثانية تحقّق عين تالي الأولى). لأنّه عكس نقيض المقدّمة المعطاة، أعني ملازمة عين مقدم الثانية لنقيض تالي الأولى، ينتج من الأوّل: (كلّما تحقّق عينُ مقدّم الأولى تحقّق تاليها) وهو المطلوب.
وأما الثاني فبعكس النقيض.
ص: 225
ح: لما امتنع الخلوّ عن جزئَي الحقيقيّة والجمع بينهما، لزم من صدقها صدق مثلها مركبة من نقيضَي جزئَيْها؛ فإنّها لو كذبت بجواز الجمع جاز الخلو في ما منعناه، وإن كذبت بجواز الخلوّ جاز الجمع فيما منعناه.
ولو اتّحدتا(1) في الكمّ والكيف وأحد الجزئين وتلازمتا في الآخر متعاكسًا تلازمتا وتعاكستا. لأن اللَازم المساوي كالملزوم في الصدق وعدمه، فكما امتنع الجمع والخلوّ بين جزئَي مفروضة الصدق كذا امتنعا في مطلوبة الصدق.
ولو كان اللزوم غير متعاكس لم تستلزم إحديهما(2) الأخرى، لجواز الخلوّ عن الشيء(3) والملزوم دونه ودون اللازم(4) وجواز الجمع بين الشيء واللازم(5) دونه ودون الملزوم.
ولو اتّفقت الحقيقيّتان في الكمّ وأحد الجزئين وتناقضتا في الآخر والكيف كانت السالبة لازمة من غير عكس؛ وإلّا لصدق نقيضها واستلزم متّصلة جزئية من عين طرفي الموجبة، مع أنّ الموجبة تستلزم كليّةً من عين أحدهما ونقيض الآخر. ويجوز سلب العناد(6) بين الشيئين وبين أحدهما ونقيض الآخر.
ص: 226
ط: إذا اتّفقت مانعتا جمع في الكمّ والكيف وتلازمتا في الطرفين متعاكسًا تلازمتا وتعاكستا. لأنّ امتناع الجمع بين اللوازم يستلزم امتناعه بين الملزومات، جواز الخلوّ عن اللوازم يستلزم جوازه عن الملزومات. لكن كلٌّ منهما لازم ملزوم، فتلازمتا. وكذا لو اتّحدتا في أحد الطرفين وتلازمتا في الآخر.
ولو كان التلازم فيهما(1) من أحد الطرفين كانت لازمة الجزء ملزومة للأخرى من غير عكس.
ولو توافقتا في الكمّ وتناقضتا في الطرفين والكيف، استلزمت الموجبة(2) السالبة؛ وإلّا لصدق نقيضها(3)، فتنقلب مانعة الجمع حقيقيّة إن كانت جزئيّة، وغير مانعة الجمع إن كانت كليّة.
وفيه نظر(4).
ي: إذا اتّفقت مانعتا خلوٍّ في الكمّ والكيف وتلازمتا في الطرفين متعاكسًا تلازمتا؛
ص: 227
لأنّ امتناع الخلوّ بين الملزومات يستلزمه بين اللّوازم، وجواز الجمع بين الملزومات يستلزمه بين اللوازم، لكن كلّ من جزئَي إحديهما لازم لنظيره وملزوم له، وكذا لو اتّحدتا في أحد الجزئين وتلازمتا في الآخر.
ولو كان(1) اللّزوم من طرف واحد كانت لازمة الجزئين أو أحدهما لازمة للملزومة من غير عكس.
ولو اتّفقت مانعتا الخلوّ في الكمّ وتناقضتا في الطرفين والكيف، استلزمت الموجبة السّالبة من غير عكس، لأنّ امتناع الخلوّ عن أمرين يستلزم جواز الخلوّ عن نقيضهما؛ وإلّا صارت حقيقيّة إن كانت جزئيّة، وغير مانعة الخلو إن كانت كليّة.
وفيه نظر(2).
ولمّا جاز اجتماع أمرين(3) على الكذب مع إمكان اجتماع نقيضهما عليه، صدقت السالبة المانعة الخلوّ بين ذينك الأمرين، وكذبت الموجبة من نقيضيهما.
يا: إذا توافقت الحقيقيّة وغيرها(4) في الكمّ والكيف وأحد الجزئين، واستلزم الآخر
ص: 228
من غيرها جزءها - إن كانت مانعة الجمع - وجزءها الآخر - إن كانت مانعة خلوّ - استلزمت الحقيقيّة الأُخرى إيجابًا وبالعكس سلبًا. لأنّ الأُخرى إن كانت مانعة الجمع كان أحد جزئَيْها ملزومًا. وقد امتنع اجتماع لازمه مع المشترك من الحقيقيّة الّذي هو جزء مانعة الجمع، فلزم امتناع الاجتماع بين جزئَي مانعة الجمع، لاستلزام امتناع اجتماع اللازم دائمًا أو في الجملة مع الشيء امتناع اجتماع ملزومه معه كذلك.
وإن كانت مانعة الخلوّ وقد استلزم أحد جزئَي الحقيقية جزءها وامتنع الخلوّ عن الملزوم والمشترك لزم امتناع الخلو عن جزئَي مانعة الخلو، لاستلزام امتناع الخلوّ عن الملزوم وعن آخر دائمًا أو في الجملة امتناعَ الخلو عن اللازم وذلك الآخر كذلك.
وأمّا السلب فلأنّ غير الحقيقية إن كانت مانعة الجمع وقد استلزم أحد جزئَيْها أحد جزئَي الحقيقيّة وجاز اجتماعه مع المشترك جاز الاجتماع بين جزئَي الحقيقيّة، لاستلزام الجمع بين الملزوم والشيء جوازه بين اللازم وذلك الشيء.
وإن كانت مانعة الخلوّ وقد لازم أحدُ جزئَيْها جزء الحقيقيّة وجاز الخلوّ عنه وعن المشترك لزم جواز الخلوّ عن جزئَي الحقيقية، لاستلزام جواز الخلوّ عن الشيء واللازم جوازه عنه وعن الملزوم.
يب: إذا وافقت مانعة الخلوّ مانعةَ الجمع كمًّا وكيفًا وتناقضتا في الطرفين تلازمتا إيجابًا وسلبًا؛ لاستلزام امتناع الجمع بين أمرين دائمًا أو في الجملة امتناع الخلوّ عن نقيضيهما، وامتناع الخلوّ عن أمرين كلّيًّا وجزئيًّا امتناعَ الجمع بين نقيضيهما كذلك؛ وجوازُ(1) الجمع بين أمرين يستلزم جواز الخلوّ عن نقيضيهما، وجواز
ص: 229
الخلوّ(1) عنهما يستلزم جواز الجمع بين نقيضيهما.
والكلّيّة الموجبة من إحديهما تستلزم جزئية الأُخرى سالبة إذا توافقتا في الطرفين؛ لأنَّه على تقدير صدق الموجبة الكلّيّة مانعة الجمع، لو لم تصدق السالبة الجزئية مانعة الخلوّ لصدق نقيضها، فانقلبت حقيقية، وكذا مانعة الخلوّ. وكذا لو اتّحدت هاتان في أحد الطرفين وتلازمتا(2) في الآخر.
يج: إذا توافقت المتّصلة والحقيقيّة في الكمّ والكيف وأحد الطرفين وتناقضتا في الآخر - مقدّمًا كان أو تاليًا - استلزمت المنفصلة المتّصلة إيجابًا. وبالعكس سلبًا؛ لأنّ عين أيّ جزء كان من المنفصلة يستلزم(3) نقيض الآخر، وبالعكس(4). وإذا صدقت السالبة(5) المتّصلة صدقت المنفصلة، وإلّا لصدقت الموجبة الجزئية حقيقية واستلزمت متصلة موجبة جزئيّة من طرفَي السالبة، هذا خلف.
ولا عكس فيهما: أمّا الإيجاب؛ فلأنّ المتّصلة الموجبة لو استلزمت(6) الحقيقيّة
ص: 230
لانعكس كلّ لازمٍ على ملزومه، لصدق المنفصلة الحقيقيّة المركبة من نقيض مقدّم المتّصلة وعين تاليها حينئذٍ. ويستلزم استلزام تاليها لمقدّمها كلّيًّا؛ لأنّ عين كلّ واحد من جزئَي المنفصلة يستلزم نقيض الآخر؛ ولصدق الحقيقيّة المركبة من عين المقدّم ونقيض التالي. وذلك يستلزم استلزام عين التالي لعين المقدّم. لأنّ نقيض كلٍّ من جزئَي المنفصلة يستلزم(1) عين الآخر.
وأمّا السلب، فلجواز عدم معاندة الشيء(2) لأحد النقيضين مع ملازمة(3) للنقيض الآخر. وكذا لو كان عوض المتّحد اللازم المساوي.
يد: إذا اتّفقت المتّصلة ومانعة الجمع كمًّا وكيفًا ووافق مقدّم المتّصلة أحد جزئَي المنفصلة وناقض تاليها الجزءَ الآخر تلازمتا متعاكسًا؛ لأنّ وجود أيِّ جزءٍ كان من المنفصلة يستلزم نقيض الآخر لامتناع الجمع. وبين وجود المقدّم وعدم التالي انفصالٌ مانع من الجمع؛ وإلّا لكان المقدم مجامعًا للنقيضين، فتكذب المتّصلة.
ولو توافقتا في الكمّ والكيف ووافق مقدّم المتّصلة أحد الجزئين واستلزم نقيض الآخر التالي، استلزمت المنفصلة المتّصلة إيجابًا وبالعكس سلبًا، لاستلزام المنفصلة استلزام مقدّم المتّصلة الّذي هو أحد جزئَيْها نقيض الآخر، واستلزام النقيض التالي.
ص: 231
ولو لا صدق المنفصلة مع صدق المتّصلة سلبًا، لَصَدَق نقيضها المستلزم لنقيض المتّصلة.
ولا عكس فيهما، لصدق (كلّما كان هذا لا حيوانًا كان لا إنسانًا)، مع كذب (دائمًا إمّا أن لا يكون حيوانًا أو لا يكون فرسًا) مانعة جمعٍ ، وصدق الثانية(1) سالبة مع كذب الأولى سالبةً .
يه: إذا اتّفقت المتّصلة ومانعة الخلوّ كمًّا وكيفًا وناقض مقدمُ المتّصلة أحدَ جزئَي المنفصلة ووافق تاليها الجزءَ الآخر، تلازمتا وتعاكستا؛ لاستلزام عدم أيِّ جزءٍ كان من مانعة الخلوّ عين الآخر. وبين عدم المقدّم وعين التالي تعاندٌ مانع من الخلوّ، وإلّا لأمكن صدق المقدّم مع نقيض وهو محال.
ولو اتَّفَقَتا كمًّا وكيفًا وناقض مقدّم المتّصلة أحد جزئَي المنفصلة واستلزم الآخر التالي استلزمت المنفصلة المتّصلة إيجابًا وبالعكس سلبًا(2)، لاستلزام مقدم المتّصلة الجزء الآخر من المنفصلة المستلزم للتالي من غير عكس فيهما، لصدق (كلّما كان هذا إنسانًا فهو حيوان مع كذب دائمًا إمّا أن لا يكون إنسانًا أو يكون فرسًا) مانعة خلوٍّ، وصدق الثانية سالبةً ، مع كذب الأولى سالبةً .
ص: 232
يو: كلّ قضيّتين(1) تلازمتا وتعاكستا فإنّ نقيض كلّ واحدةٍ منهما مع عين الُأخرى متعاندان صدقًا وكذبًا.
وكلّ قضيّتين(2) لزمت إحديهما الُأخرى من غير عكس، يتعاند عين الملزومة ونقيض اللازمة صدقًا، ونقيض الملزومة وعين اللازمة كذبًا.
والأصل فيه ما تقدّم من أنّ المتّصلة تستلزم مانعة الجمع من عين مقدّمها ونقيض تاليها، ومانعة الخلوّ من نقيض مقدّمها وعين تاليها.
ص: 233
ص: 234
وفيه مراصد:
وفيه فصول:
الاستدلال إمّا بالكلّي على الجزئيّ وهو القياس، أو بالعكس وهو الاستقراء، كما تقول: «كلّ حيوانٍ يحرّك فكّه الأسفل عند المضغ» واستدللتَ عليه بثبوت المحمول لجزئيّات الحيوان، فقد استدللت بالجزئيّات على الكلّي. فإن عمّ (1) الحكمُ الجزئيّات فالاستقراء تامٌّ ويسمّي القياس المقسَّم. وإن لم يعمّ لم يُفِد اليقين؛ إذ لا يلزم من ثبوت الحكم في أكثر الأفراد ثبوتها في كلّها، كالتّمساح في مثالنا.
وإمّا أن يكون الاستدلال بالجزئيّ على الجزئيّ وهو (التمثيل) ويسمّيه الفقهاء (القياس). وإنّما يتمّ لو اندرجا تحت كلّيّ . وهو في الحقيقة مركّب من الأوّلين. فإنّك
ص: 235
تستدلّ بثبوت الحكم في الأصل على ثبوته للكلّيّ ، وهو يشبه الاستقراء؛ ثمّ تستدلّ بثبوته في الكلّيّ على ثبوته في الفرع، وهو القياس.
والاستدلال بالكلّيّ على الكلّيّ مندرج فيما تقدّم، لأنّ أحدهما إن كان أعمَّ من الآخر فإن استدللت على ثبوت الحكم في الأخصّ لثبوته في الأعمّ فهو (القياس)؛ وإن عكستَ فهو (الاستقراء)؛ وإنْ تساويا فإنْ شَمِلَهما ثالثٌ هو علّة الحكم فهو (التمثيل)، وإلّا لم يصحّ الاستدلال بأحدهما على الآخر.
القياس: قولٌ مؤلَّفٌ من القضايا إذا سُلِّمَت لزم عنه لذاتها قولٌ آخَر معيّن اضطرارًا.
فالقول جنس يشمل المؤلّف من القضايا والمفردات. وقولنا: (مؤلّف من قضايا) يفصله عمّا يتألّف من المفردات، كاستلزام كلّ قضيّةٍ لعكسَيْها(1) وكذب نقيضها. وقلنا: (عن قضايا) ولم نقل: (عن مقدمّات) حذرًا من الدّور. ولا يشترط كون تلك القضايا مسلّمة، بل كونها بحيث لو سُلِّمت لزم عنها المطلوب.
قولنا: (لزم) نريد اللّزوم الشّامل للبيّن(2) وغيره(3)، فيدخل فيها القياس الكامل(4) وغيره.
ونريد ب - (اللّزوم عنها) أي: عن مجموعها لاعن بعضها، كالقياس مع قضايا أجنبيّة.
وقولنا: (لذاته) يخرج عنه ما يستلزم لا لذاته، بل إمّا بواسطة مقدّمةٍ محذوفةٍ كقياس
ص: 236
المساواة وإما بواسطة إيراد ما هو في قوّة المقدّمة، كعكس نقيضها بدلها، مثل: (جزء الجوهر يوجب ارتفاعُه ارتفاعَ الجوهر) و (ما ليس بجوهرٍ لا يوجب ارتفاعه ارتفاع الجوهر)، ينتج: (جزء الجوهر جوهر) بواسطة عكس نقيض الكبرى.
وقولنا: (قول آخر) احترزنا به عن مجموع أيّ قضيّتين اتّفقتا، فإنّه يستلزم صدق إحديهما. فهو قولٌ مؤلّفٌ من قضايا لزم عنه لذاته قولٌ ، لكن لا قولٌ آخر، بل قولٌ هو جزءٌ من القول الملزوم.
وقولنا: (معيّنٌ ) أي: قول له نسبة مخصوصة(1) إلى القياس؛ فإنّا لو قلنا: (لا شيء من «ج» «ب»)، و (بعض «ب» «أ»)، فإنّه ينتج: (بعض «أ» ليس «ج») مع الحكم بعدم قياسيّته(2)؛ وإن كان مؤلّفًا من قضايا لزم عنها لذاتها قول آخر، لكن لم يلزم عنه (قولٌ معيّنٌ ). إذ المطلوب نسبة(3) الألف إلى الجيم، حتّى لو جعلنا المطلوب نسبة الجيم إلى الألف لكان منتجًا، مع أنّ المقدّمتين في الصورتين واحدة، فإذن إنّما سُمِّيَ القول قياسًا إذا استلزم قولًا مّا يوضع(4) أوّلًا(5)، ثمّ يعيّن أجزاء القول المنتج إيّاه، حتّى يتعيّن أصغر وأوسط وأكبر، ومقدّمةٌ هي صغرى وأخرى كبرى. وهذه لا يتعيّن إلّا وقد يعيّن المطلوب(6). ولا استبعاد في أن يكون الشيء قياسًا بالنسبة إلى قولٍ دون آخر؛ فإنّ القياسيّة من الأمور الإضافيّة.
ص: 237
وقولنا: (اضطرارًا) احترزنا به عمّا يلزم لا دائمًا، بل في بعض الموادّ، كما لو كانت صغرى الأوّل سالبةً ، والكبرى موجبة، فإنّه ليس بقياسٍ ؛ إذ لا يلزم عنه النتيجة دائمًا في كلّ مادّة، وإن لزم في صورة المساواة، مثل: (لا شيء من الإنسان بفرس)، و (كلّ فرسٍ صهّال).
أُعْترض بوجوه:
أ. قولنا: (فلانٌ يطوف باللّيل فهو متلصّص)، و: (لمّا كانت الشمس طالعةً كان النهار موجودًا) مقدّمّةٌ واحدةٌ منتجة، فلا يجب في القياس تعدّد القضايا.
ب. تقول: (كلّ «ج» «ب»)، و (كلّ «ب» «ب»)، ينتج: (كلّ «ج» «ب»)، وهو عين الصغرى؛ أو تقول: (كلّ «ج» «ج»)، و (كلّ «ج» «ب»)، ينتج: (كلّ «ج» «ب»)، وهو عين الكبرى. فهو قياس لم يلزم منه قولٌ آخر.
وكذا تقول: (إن كانت الحركة موجودة فالحركة موجودة، لكنّ الحركة موجودة، فالحركة موجودة)، و: (إمّا أن تكون الحركة موجودةً أو لا تكون(1)، لكنّها موجودة)، ينتج: (إنّ الحركة موجودة).
ج. القياس الاستثنائيّ إن استُثْنيَ فيه عين المقدّم لزمه عين التالي، وهو قياسٌ لزمه (قولٌ ) ليس (آخر).
د. المقتضي للنّتيجة ليس مجموع المقدّمتين، لاستحالة وجوده في الذهن. فإنّا نجد من أنفسنا أنّا متى توجّهنا بأذهاننا إلى طلب معلومٍ ، تَعَذَّرَ علينا توجُّههُ (2) نحو معلومٍ
ص: 238
آخر في تلك الحال. وما لا وجود له في نفسه يستحيل أن يكون سببًا لوجود غيره؛ ولأنّ العلّة يجب وجودها حال حصول الأثر(1)، فلو كان الفكر الّذي هو عبارة عن هذه العلوم المرتّبة موجبًا وجود النتيجة لزم حصول العلم بالمطلوب(2) حال حصول الفكر، وهو محال. لأنّا نعلم قطعًا أنّنا حال الفكر لا نكون عالِمين؛ ولأنّ الفكر طلبٌ ، وطلبُ الحاصل محالٌ ؛ ولأنّ كلّ واحد من تلك العلوم إذا لم يكن علّة للنّتيجة فعند الاجتماع إن لم يحصل زائدٌ إمّا بحدوث ما لم يكن أو بزوال ما كان لم تحصل علّة النتيجة. وإن حصل نقلنا الكلام إلى علّة حصوله. وليس المقتضي كلّ واحدةٍ من المقدّمتين، للعلم الضروريّ بانتفائه وباجتماع العلل الكثيرة على معلول واحد؛ ولا واحدة منهما، للأوّل(3) و لعدم الأولويّة.
ه -. العلم بالنتيجة إذا لزم العلمَ بالمقدمتين ضرورةً ، فالعلم بهما: إن كان ضروريًّا، وجب اشتراك العقلاء فيه؛ وإن كان العلم باللزوم أو بالمقدّمتين أو بإحديهما نظريًا لزم التسلسل، أو الانتهاء إلى الضروريّ ويعود المحذور.
والجواب عن (أ): أنّ الناتج في كلٍّ من الأمثلة مقدّمتان، لكن إحديهما محذوفة؛ إمّا للعلم بها، أو لوجود ما يدلّ عليها. فإنّ قولنا: (فلان يطوف باللّيل فهو متلصّص) حُذِف فيه كبراه لظهورها، وهي قولنا: (و كلّ من يطوف باللّيل فهو متلصّص)؛ وقولنا: (لمّا كانت الشمس طالعة كان النهار موجودًا) حُذِف منه المقدّمة الأخرى(4)،
ص: 239
لوجود لفظة (لمّا) الدالّة مع الاتّصال على وجود المقدّم.
وعن (ب): أنّ قولنا: (كلّ «ب» «ب») إن كان(1) الموضوع والمحمول فيه واحدًا فلا حملَ ولا وضعَ ولا مقدّمة ولا قياس إلّا في الألفاظ، ويكون هَذَرًا(2). ولو فرض قياسًا أنتج الهذر أيضًا. لكنّه يكون صادقًا؛ وإن تغايرا(3) سقط السؤال.
وعن (ج): أنّ التالي حال كونه جزءً من الشرطيّة مغايرٌ له حال كونه استثناءً ، فإنّ الأوّل ليس قولًا تامًّا ولا يحتمل الصدق والكذب، بخلاف الثاني.
وعن (د): أنّ المنتج مجموع المقدّمتين ونمنع استحالةَ اجتماعهما في الذهن؛ فإنّا نجد من أنفسنا أنّا نعلم علومًا كثيرة دفعةً ونعلم الملازمة بين القضيّتين، ولا يمكن ذلك إلّا بعد العلم بهما دفعةً .
قوله: (الفكر لا يجامع العلم، لأنّه طلبٌ (4) ومجموع المقدّمات هو الفكر).
قلنا: الفكر إن جُعِل نفسَ الطّلب بَطَلَ (5) جعلُه عبارةً عن مجموع المقدّمات، وإن جُعِلَ نفس المقدّمات أمكن اجتماعه مع العلم.
قوله: (كلّ واحد ليس علّةً ، فكذا المجموع).
ص: 240
قلنا: ممنوعٌ ، وبالوجه(1) الّذي عَقَلنا حصولَ وصف المجموعيّة عقلنا وجود العلّيّة.
قيل(2): يجوز أن يحصل زائد. قوله: الموجب إمّا كلّ واحد من الأجزاء أو بعضها أو مجموعها؛ قلنا: نمنع الحصر لإمكان إسناده إلى أمر خارج؛ لأنّ المركّب من شيئين، علّتُهُ التامّة ذانك الجزءان الّذي هو السبب المادّي والسبب الفاعليّ الّذي من خارج. غاية ما يلزم أن لا يستقلّ واحدٌ من الأجزاء بالموجبيّة، ونحن نقول به؛ لأنّ المستقلّ ليس إلّا المجموع إذا اقتضي سببٌ من خارج اجتماعَ أجزائه.
وهذا الكلام(3) في غاية الرداءة. لأنّ السّائل مَنَعَ من كون المجموع علةً تامّة، وفي هذا الكلام تسليمٌ لدعواه(4)؛ لأنّ الزائد الّذي حصل عند الاجتماع باعتباره كان المجموع علّة؛ وذلك الزائد جعله مستندًا إلى خارج، فلذلك الخارج مَدْخلٌ في الإنتاج، فلا يكون الإنتاج مسندًا إلى المجموع لا غير، بل إليه وإلى الخارج ويعود المحذور(5).
ص: 241
و [الجواب] عن (ه -): أنّ الضروريّات لا يجب فيها الاشتراك؛ أمّا المسند إلى القوى البدنيّة فظاهر، وأمّا البديهيّات فجاز أن تحصل حقًا في التصوّر، أو تدنيسُ الفطرة بأمورٍ غريبةٍ تمنع فطرة العقل من الحكم، أو يكون في القوّة العقليّة نوع قصورٍ.
القياس: منه مسموعٌ ومنه معقولٌ ؛ كما أنّ جنسه وهو القول منه مسموع ومنه معقول. فالقول المسموع جنسٌ للقياس المسموع، والمعقول للمعقول.
ونعني بالقياس المعقول الأفكار النفسانيّة المتألّفة في الذهن، بحيث يلزم من تأليفها ذهنًا تصوّرُ لازمها.
والقياس من حيث هو إن كان عينُ المطلوب أو نقيضُه مذكورًا فيه بالفعل فهو القياس (الاستثنائيّ )؛ وإلّا فهو (الاقترانيّ ).
ولمّا كان المطلوب هنا قضيّةً ونقيض القضيّة قضيّةٌ واستحال أن يكون المطلوب مقدّمةً في إثبات نفسه أو إبطال(1) نقيضه، وجب في القياس الاستثنائيّ أن يكون المطلوب أو نقيضه جزءً من مقدّمته، والمقدّمة الّتي يكون جزءها قضيّةً يستحيل أن تكون حمليّة، لاستحالة حمل بعض الأقوال الجازمة على البعض. فيجب أن تكون شرطيّةً .
أمّا الاقترانيّ فلا بدّ فيه من مقدّمتين، وكلّ مقدّمة. إمّا حمليّة أو شرطيّة، والشرطيّة إمّا متّصلة أو منفصلة: فالأقسام ستّة حاصلةُ من ضرب اثنين في ثلاثة.
وللقياس تقسيمات أُخر تذكر في مواضعها، إن شاء الله تعالى.
ص: 242
وفيه فصول:
اعلم أنّ كلّ قياس لا بدّ فيه من مقدّمتين؛ إذ العلم بنسبة محمول المطلوب إلى موضوعه يتوقّف على الوسط، وإلّا لاستُغنيَ عن القياس، وذلك الوسط له نسبة إلى كِلا الطرفين، فتحصل مقدّمتان قطعًا.
ولا بدّ وأن تشتركا فيه، وسُمّيَ (أوسط) لتوسّطه بين طَرَفَي المطلوب. و (الحدّ) هو ما تنحلّ إليه المقدّمة كالموضوع والمحمول، لا كالرابطة، فإنّ القضيّة لا تنحلّ إليها؛ لأنّها جزءٌ صوريٌّ .
ولا بدّ(1) من افتراقهما في حدّين آخَرين يُسمّيان الطرفين والرأسين هما طرفا المطلوب. ويسمّي الموضوع وما يشبهه ب - (الأصغر)، والمحمول ب - (الأكبر) لعمومه وخصوص الأوّل في مثل: (كلّ إنسانٍ حيوان وكلّ حيوانٍ جسمٌ ). والمقدّمة الّتي فيها الأصغر (صغرى)، والّتي فيها الأكبر (كبرى)، والمجموع (قياسٌ )، وصورة التركيب (شكلٌ )، والحاصل منهما (نتيجة).
ص: 243
واعلم أنّ أنواع القياس الاقترانيّ أربعةٌ لا غير؛ لأنّ المتوسّط بين حدّي المطلوب وهو متكرّر في المقدّمتين إن كان محمولًا في الصّغرى وموضوعًا في الكبرى فهو (الشكل الأوّل)، وهو أفضل الأشكال وأوضحها. وينتج المطالبَ الأربعة(1) وأشرفَ المطالب، وهو الموجب الكلّيّ ، وإن كان بالعكس فهو (الشكل الرابع)، وهو أخفى الأشكال؛ وإن كان محمولًا في المقدّمتين فهو (الشكل الثاني). وإن كان موضوعًا فيهما فهو ([الشّكل] الثّالث).
والثاني يشارك الأوّل في أشرفِ مقدّمتَيْه وهي الصغرى. وينتج السلب الكلّيّ ، وهو أشرف من الإيجاب الجزئيّ .
والثالث يشارك الأوّل في الكبرى، ويرتدّ إليه بعكس إحدى مقدّمتيه. فهو(2) أظهر من الرّابع.
والمتقدّمون أهملوا الرّابع لبُعده عن الطبع والاستغناء بالأشكال الثلاثة عنه.
وتشترك الأربعة في أنّه لا قياس عن جزئيّتين، ولا عن سالبتين بسيطتين(3)، ولاعن صغرى سالبةٍ كبراها جزئيّة.
والنتيجة تتبع أخصَّ المقدّمتين كمًّا وكيفًا، لا جهةً .
أ: قد عرفت أنّ كلّ ضربٍ لا بدّ فيه من مقدّمتين، وعرفت أنّ المقدّمة إمّا شخصيّةٌ أو كلّيّة، والشخصيّات لا تقع في العلوم إلّا نادرًا، ومع ذلك فقد تُستفاد أحكامُها من الكليّات. والكلّيّة إمّا محصورة أو مهملة. والمهملة ترجع إلى الجزئيّة أيضًا.
وأنواع المحصورات أربعة بحسب الكمّ والكيف. ومضروب الأربعة في نفسها ستّة عشر، فضروب كلّ شكلٍ ستّةَ عشرَ.
ب: لكلّ شكلٍ من الأشكال الأربعة شرائط في الإنتاج يسقُطُ ما يفقد بعضها ويكون عقيمًا، والباقي يكون منتجًا.
فللشّكل الأوّل شرطان: إيجاب الصّغرى، وكلّيّة الكبرى.
وللثاني شرطان: الاختلاف كيفًا، وكلّيّة الكبرى.
وللثالث شرطان: إيجاب الصّغرى، وكلّيّة إحديهما.
وللرابع ثلاث شرائط:
أحدها: أحد الأمرين، وهو إمّا إيجاب المقدّمتين مع كلّيّة الصغرى، أو اختلافهما كيفًا مع كلّيّة إحديهما.
و الثاني: انعكاس السالبة الجزئيّة المستعمَلة فيه.
الثالث: كون السّالبة الكلّيّة الّتي كبراها موجبةٌ جزئيّةٌ إحدى الخاصّتين.
ص: 245
ج: النّاتج من الشكل الأوّل باعتبار الشرطين أربعة أضرب: الصّغرى الموجبة كلّيّهً وجزئيّةً ، مع الكبرى الكلّيّة سالبةً وموجبةً . وسقط ما صغراه سالبةٌ ، وهي ثمانية؛ وما كبراه جزئيّة، وهي أربعة من الباقيّة.
و [النّاتج] من [الشكل] الثاني أربعة: الصّغرى الموجبة كلّيّةً وجزئيّةً مع السالبة الكلّيّة، والصّغرى السالبة كلّيّةً وجزئيّةً مع الموجبة الكلّيّة. وسقط جزئيّات الكبرى، وهي ثمانية؛ وكلّيّات الكبرى مع موافقة الصّغرى كيفًا، وهي أربعة.
و [الناتج] من [الشكل] الثالث ستّهٌ : الصّغرى الموجبة كلّيّةً مع الجميع، وجزئيّةً مع الكلّيّتين. وسقط عشرة: سوالب الصّغرى، وهي ثمانية، والموجبة الجزئيّة مع الجزئيّتين ضربان.
و [النّاتج] من [الشّكل] الرّابع ثمانيّة: الصّغرى الموجبة الكلّيّة مع الموجبتين ضربان، والكبرى الموجبة الكلّيّة مع السّالبتين ضربان، والكبرى السالبة الكلّيّة مع الموجبتين ضربان، والكبرى الموجبة الجزئيّة مع السالبة الكلّيّة ضربٌ ، والسالبة الجزئيّة الكبرى مع الموجبة الكلّيّة ثامن.
وسقطت ثمانيّةٌ : الموجبة الجزئيّة الصّغرى مع الموجبة الكلّيّة الكبرى ومع مثلها ومع السّالبة الجزئيّة؛ والسّالبة الكليّة الصّغرى مع السّالبتين؛ والسّالبة الجزئية الصّغرى، مع غير الموجبة الكلّيّة وهو ثلاثة.
أ: حمل الجنس على النّوع تارةً وفصلُهُ أخرى مع سلب النوع عن آخَرَ، يوجب اشتراط الإيجاب. وحمل الجنسِ على النوعِ وآخرَ على بعضه تارةً ، وفصلِ الأوّل على البعض أخرى، يوجب اشتراط الكلّيّة.
ب: الضّرب الأوّل من كلّيّتين موجبتين ينتج موجبة كلّيّة. و الثاني من كلّيّتين والكبرى سالبة، ينتج سالبةً كلّيّهً ، و الثالث من موجبتين والصّغرى جزئيّة، ينتج موجبةً جزئيّة. و الرابع من مختلفتين كمًّا وكيفًا، ينتج سالبة جزئيّة. والإنتاج ظاهرٌ غنيٌّ عن البرهان.
ج: السّوالب قد تكون مركّبة ويجوز استعمالها صغرى في هذا الشّكل، وتنتج بقوّة الجزء الإيجابيّ . وتتزايد الضروب فيصير المنتج ضِعفَ ما تقدّم. وإن كان في الحقيقة راجعًا إلى الأوّل.
د: المحمول في الموجب الكلّيّ قد يكون أعمّ ، وقد يكون مساويًا. ولا يجوز أن يكون أخصّ . فالضرب الأوّل على أربعة أوجه، لا غير: فإنّ الأوسط قد يكون أعمّ من
ص: 247
الأصغر أو مساويًا، والأكبر بالنسبة إليه كذلك.
والضّرب الثاني قسمان: لأنّ الأكبر مباين للأوسط، والأوسط بالنسبة إلى الأصغر على وجهين.
و الثالث ثمانية: لأنّ الأوسط يحتمل أن يكون أعمّ من الأصغر أو أخصّ مطلقًا أو مساويًا أو أعمّ من وجه، وبالنسبة إلى الأكبر فإمّا أن يكون أخصّ أو مساويًا.
و الرّابع أربعة: لأنّ الأوسط إمّا أعمّ من الأصغر أو أخصّ أو مساوٍ أو أعمّ من وجه.
ولا تزيد الضّروب باعتبار نسبة الأكبر إلى الأوسط؛ لأنّه مباين.
وأمّا اعتبار حال المقدّمات في عدولها وتحصيلها فيبلغ كلّ ضرب ثمانيةً ؛ لأنّ الصّغرى إمّا معدولة الطّرفين أو محصّلهما أو معدولةُ الموضوع محصّلةُ المحمول أو بالعكس؛ والكبرى كذلك. فالضّروب ستّةَ عشرَ: ثمانيةٌ منها عقيم؛ لعدم اتّحاد الوسط؛ لأنّ محمول الصّغرى إذا كان محصَّلًا وجب أن يكون موضوع الكبرى كذلك. فيسقط معدولة الموضوع قسمان بالنسبة إلى الكبرى، وبالنّسبة إلى الصّغرى قسمان آخران محصّلة الموضوع ومعدولتُه، فهذه أربعة.
وكذا إذا كان محمول الصّغرى معدولًا وجب العدول في موضوع الكبرى، فيسقط أربعة أخرى.
وقد اعتُرض على الشكل الأوّل بوجوه:
[الوجه] الأوّل: أنّا إذا قلنا: (كلّ «ج» «ب»)، فإمّا أن يراد أنّ الجيم هو الباء بعينه، أو موصوفٌ به، أو معنى آخر. والأوّل باطل؛ لأنّا نعلم أنّ قولنا: (كلّ جسمٍ مؤلَّف،
ص: 248
وكلّ مؤلَّفٍ محدَث) ليس المراد منه أنّ حقيقة الجسم هي حقيقة المؤلَّف بمعنى اتّحاد(1) المفهوم؛ ولأنّ الغرض من هذا القياس الاستدلال على اتّصاف الموضوع بالمحمول، واتّصاف الشيء بنفسه غير معقول، فضلًا(2) عن أن يكون مطلوبًا بالحجّة.
والثاني باطل؛ لأنّه يصير معنى القياس أنّ الأصغر موصوف بالأوسط، والأوسطَ موصوف بالأكبر، وذلك لا يقتضي أن يكون الأصغر موصوفًا بالأكبر؛ لأنّ حقيقة الأوسط مخالفةٌ لحقيقةِ الأصغر، فلا يلزم من اتّصاف الأوسط بشيءٍ ، اتّصافُ الأصغر المغاير له به. لكن يلزم أنّ الأصغر موصوفٌ بالموصوف بالأكبر. ولا يجب أن يكون الموصوف بالموصوف بالشيء موصوفًا بذلك الشيء، سلّمنا اللزوم، لكن القياس إنّما ينتج بواسطة هذه المقدّمة(3)، وينتج بالذات هذه المقدّمة، فلا يكون قياسًا بذاته، ويصير كقياس المساواة(4).
وإن أُريد معنى آخر، فلا بدَّ من بيانه.
[الوجه] الثّاني: يصدق قولنا: (الإنسان حيوان)، و (الحيوان جنس)، مع كذب النّتيجة.
ص: 249
[الوجه] الثّالث: يصدق: (كلّ إنسانٍ ناطق) و (كلّ ناطقٍ إنسان)، ولا ينتج: (كلّ إنسانٍ إنسانٌ ) مع صدق المقدّمتين.
الأوّل: أنّ المراد كلُّ ما صدق عليه «ج» بالفعل صَدَق عليه «ب». ولسنا نُريد أنّ الأوسط موصوفٌ بالأكبر، بل ما صَدَق عليه الأوسط موصوفٌ بالأكبر؛ فإذا كان الأصغر من جملة ما صدق عليه الأوسط اتّصف بالأكبر.
وعن الثاني: أنّ الكبرى إن أُخِذت كلّيّةً كذبت، وإلّا لم يحصل شرط الإنتاج. والتّحقيق أنّ الوسط هنا منتفٍ ؛ لأنّ الحيوان المحمول على الإنسان هو الحيوان من حيث هو هو، لا باعتبار العموم ولا باعتبار الخصوص، والمحمول عليه الجنسيّة هو الحيوان المأخوذ باعتبار العموم، وهو من حيث هو جنس لا يحمل على شيءٍ ممّا تحته، وإنّما يحمل لا باعتبار عروض الجنسيّة.
وعن الثالث: أنّ الهذريّة لا تستلزم الكذب، فلا تنافي الإنتاج.
سلبه(1) عن بعض جنسه(2) أو(3) بعض معانده. وسلبُ النوع عن آخر كليًّا مع إيجابه على بعض جنسه أو فصله(4) يوجب اشتراط كليّة الكبرى، للاختلاف الموجب للعقم.
فالنّاتج أربعة:
الأوّل: من كليّتين، والصّغرى موجبة، ينتج سالبة كلية، [مثل:] (كل «ج» «ب») و (لا شيء من «أ» «ب»)، ف - (لا شيء من «ج» «أ») بعكس الكبرى ليرجع إلى الأوّل البيّن الإنتاج لذاته، وبالخلف، وهو ضمّ نقيض النّتيجة إلى الكبرى لينتج من الأوّل ما يناقض الصّغرى.
الثّاني: عكسه والنّتيجة ما تقدّم. وبيانه بعكس صغراه بعد جعلها كبرى، ثمّ عكس النّتيجة والخلف.
الثالث: من موجبة جزئيّة صغرى وسالبة كليّة، ينتج سالبة جزئيّة. كقولنا: (بعض «ج» «ب») و (لا شيء من «أ» «ب»)، (فليس بعض «ج» «أ») بعكس الكبرى، والخلف.
وزاد المتأخّرون(5) الافتراض، وهو فرض الموضوع الجزئيّ شيئًا مّا، وليَكُنْ «د»، فيصدق مقدّمتان إحديهما (كلّ «د» «ب»)، والثانية (بعض «ج» «د»). وتضمّ الأولى إلى الكبرى لينتج من هذا الشّكل: (لا شيء من «د» «أ») ثمّ بجعله كبرى للأخرى، لينتج من رابع الأوّل المطلوبَ .
ص: 251
وليس فيه كثير نفعٍ ، لابتنائه على الخلف أو العكس، وهما كافيان.
الرّابع: من سالبة جزئيّة صغرى، وموجبة كلّيّة كبرى، ينتج سالبة جزئيّة. [مثل:] (بعض «ج» ليس «ب») و (كلّ «أ» «ب») ينتج: (ليس بعض «ج» «أ»).
ولا يمكن العكس هنا؛ لأنّ السّالبة الجزئيّة الصّغرى لا تنعكس، والكبرى تنعكس جزئيّة، ولا قياس عن جزئيّتين، بل الطّريق الخلف أو الافتراض، بأن نفرض الموضوع «د»، فنضمّ (لا شيء من «د» «ب») إلى الكبرى، لينتج: (لا شيء من «د» «أ»)، ثمَّ نضمّ (بعض «ج» «د») إليه لينتج المطلوب.
والافتراض هنا يزيد(1) طريقًا، بخلافه هناك.
سلب أحد النّوعين(2) عن الآخر، وإيجاب فصل الآخر أو جنسه عليه، وسلبُ النوعين أو أحدهما وفصله عن معاند جنسَيْهما يقتضي الاختلاف مع سلب الصغرى، فيجب إيجابها.
ص: 252
وحمل النّوعين علي(1) بعض الجنس إيجابًا أو أحدهما(2) سلبًا. وحمل أحدهما(3) وفصله على الجنس إيجابًا أو سلبًا، يقتضي الاختلاف مع جزئيّتهما، فتجب كلّيّة إحديهما.
فالنّاتج ستّة:
الأوّل: من موجبتين كليّتين ينتج موجبةً جزئيةً ، [مثل:] (كلّ «ج» «ب»)، و (كلّ «ج» «أ»)، ف - (بعض «ب» «أ»)، بعكس الصغرى، والخلف؛ وهو ضمّ نقيض النّتيجة إلى الصّغرى لينتج ما يضادّ الكبرى. ولا ينتج كليًّا لجواز كون الأصغر جنسًا للأوسط، والأكبر فصلَه(4).
الثاني: من كليّتين والكبرى سالبة، ينتج سالبة جزئية، [مثل:] (كل «ج» «ب»)، و (لا شيء من «ج» «أ»)، ف - (ليس بعض «ب» «أ») بما تقدم، ولا ينتج كليًّا، لاحتمال جنسيّة(5) الأصغر للأوسط والأكبر. وإذا لم ينتج هذان الكلّيَّ فكذا البواقي(6)؛ لأنّ لازم الأعمّ لازم الأخصّ .
الثالث: من موجبة جزئيّة صغرى وموجبة كلّيّة كبرى، ينتج: موجبة جزئية.
ص: 253
[مثل:] (بعض «ج» «ب»)، و (كل «ج» «أ»)، ف - (بعض «ب» «أ») بما تقدَّم. وزاد المتأخّرون الافتراض، ولا فائدة فيه.
الرابع: عكسه، [مثل:] (كلّ «ج» «ب»)، و (بعض «ج» «أ»)، ف - (بعض «ب» «أ») بالخلف وعكس الكبرى وجعلِهِ صغرى ثمّ عكس النتيجة. وقد يتأتّى الافتراض هنا فائدةَ (1) حفظ التّرتيب.
الخامس: من موجبة جزئيّة صغرى وسالبة كلّيّة كبرى، [مثل:] (بعض «ج» «ب») و (لا شيء من «ج» «أ»)، ف - (ليس بعض «ب» «أ») بالخلف وعكس الصّغرى.
السّادس: من موجبة كلّيّة صغرى وسالبة جزئيّة كبرى، ينتج سالبة جزئية. [مثل:] (كلّ «ج» «ب») و (ليس بعض «ج» «أ»)، ف - (ليس بعض «ب» «أ») بالخلف والافتراض: بأنَّ نفرض موضوع الجزئيّة «د»، ونجعل (كلّ «د» «ج») صغرى للصغرى لينتج: (كلّ «د» «ب»)، ونجعله صغرى لقولنا: (لا شيء من «د» «أ») لينتج من ثاني هذا الشكل: (ليس بعض «ب» «أ»).
وشروط إنتاجه ثلاثة:
الأوّل: إيجاب المقدّمتين مع كلّيّة الصّغرى، أو اختلافهما كيفًا مع كلّيّة إحديهما.
الثاني: انعكاس السالبة الجزئية المستعملة فيه.
الثالث: كون السالبة الكلّيّة التي كبراها موجبة جزئيّة إحدى الخاصّتين؛ وإلّا لزم
ص: 254
أحد (*) الأمور السّبعة، وهو: إمّا اتّفاقهما في الإيجاب مع جزئية الصغرى، أو جزئيتهما، أو [اتّفاقهما] في السّلب مع الاتّفاق كمًّا. أو الاختلاف فيه، أو اختلافهما كيفًا مع جزئيّتهما، أو كون إحديهما سالبةً جزئيةً غيرَ منعكسةٍ ، أو كون السالبة الكلّيّة الصّغرى مع جزئيّة الكبرى الموجبة غيرَ الخاصّتين.
والكلّ عقيم؛ لِصِدق (بعض الحيوان إنسان) و (كلّ ناطق أو بعضه حيوان). وتبدل الكبرى بقولنا: (كل فرس أو بعضه حيوان)، ويصدق (لا شيء من الحجر بإنسان)، و (لا شيء من الناطق بحجر) مع كذب السلب. ولو بدّلنا الكبرى بقولنا: (لا شيء من الفرس بحجر) كذب الإيجاب. وكذا لو كانتا جزئيّتين أو إحديهما. ويصدق (بعض الحيوان ليس بإنسان)، و (بعض الناطق حيوان)، والحقّ الإيجاب. ولو قلنا: (و بعض الفرس حيوان) كذب الإيجاب. وكذا(1) لو كانت السّالبة كبرى، أو كانت الموجبة(2) كليّة؛ لعدم(3) انعكاس السّالبة الجزئية. ويصدق (لا شيء من الإنسان بفرس) و (بعض الحيوان إنسان). والحقّ الإيجاب. ولو بدّلنا الصّغرى بقولنا: (لا شيء من الإنسان بجماد)، صدق السلب، لكون الصّغرى غير الخاصّتين.
فالناتج حينئذٍ ثمانيةٌ :
أ. الموجبة الكلّيّة مع مثلها ينتج موجبةً جزئيّة، [مثل:] (كلّ «ج» «ب»)، و (كلّ «أ»
ص: 255
«ج»)، ف - (بعض «ب» «أ») بالخلف، وهو ضمّ (لا شيء من «ب» «أ») [حال كونها] كبرى إلى الصّغرى؛ لينتج ما يضادّ عكسه الكبرى، وبالقلب، وهو جعل الصّغرى كبرى والكبرى صغرى مع عكس النّتيجة.
ولا ينتج كلّيًّا لجواز كون الأصغر(1) جنسًا للأوسط والأكبر فصله.
ب. من موجبتين والكبرى جزئيّة ينتج مثلها، [مثل:] (كلّ «ج» «ب»)، و (بعض «أ» «ج»)، «فبعض «ب» «أ») بما تقدّم وبالافتراض(2).
ج. من كلّيّتين والصّغرى سالبة، ينتج مثلها. [مثل:] (لا شيء من «ج» «ب»)، و (كلّ «أ» «ج»)، ينتج: (لا شيء من «ب» «أ») بعكس التّرتيب ثمّ عكس النّتيجة والخلف، وبعكس الصّغرى لترجع إلى الثّاني.
د. من كلّيّتين والكبرى سالبةٌ ، ينتج مثلها جزئيًّا، [مثل:] (كلّ «ج» «ب»)، و (لا شيء من «أ» «ج»)، (فبعض «ب» ليس «أ») بعكس(3) المقدّمتين، أو بعكس الكبرى ليرجع إلى الثّالث أو الصّغرى ليرجعَ إلى الثاني، وبالخلف.
ولا ينتج كلّيًّا لاحتمال جنسيّة(4) الأصغر للأوسط والأكبر.
ه -. من موجبةٍ جزئيّةٍ صغرى وسالبةٍ كلّيّةٍ كبرى ينتج سالبة جزئيّةً . [مثل:] (بعض «ج» «ب»)، و (لا شيء من «أ» «ج»)، ف - (بعض «ب» ليس «أ»)
ص: 256
بعكس(1) المقدّمتين والخلف.
و. من صغرى سالبةٍ جزئيّةٍ إحدى الخاصّتين، وكبرى موجبةٍ كلّيّةٍ ضروريّةٍ ، أو دائمةٍ مطلقتين(2)، أو وصفيّتين(3)، ينتج سالبةً جزئيّةً دائمة. [مثل:] (ليس بعض «ج» «ب» مادام «ج» لا دائمًا)، و (كلّ «أ» «ج» دائمًا)، ف - (ليس بعض «ب» «أ» دائمًا)، لأنّا نعكس الصغرى، فينتج من الثاني المطلوبَ .
ز. [من] صغرى موجبةٍ كلّيّه فعليّة، وكبرى سالبة جزئيّة إحدى الخاصّتين ينتج عكس الصغرى(4). [مثل:] (كلّ «ج» «ب» بالفعل)، و (ليس بعض «أ» «ج» مادام «أ» لا دائمًا)، ف - (ليس بعض «ب» «أ» بالفعل) بعكس الكبرى ليرجع إلى الثالث.
ح. من سالبة كلّيّه صغرى إحدى الخاصّتين، وكبرى موجبةٍ جزئيّة موجّهةٍ بالضرورة أو الدّوام المطلقين أو الوصفيّين، مثل: (لا شيء من «ج» «ب» مادام «ج» لا دائمًا)، و (بعض «أ» «ج» مادام «أ»)، ينتج: (بعض «ب» ليس «أ» مادام «ب» لا دائمًا) بجعل الصّغرى كبرى وبالعكس(5)، ثمّ عكس النتيجة. وإنّما شَرَطنا في المقدّمتين(6)ما ذكرنا لينتج جزئيًّا سالبًا منعكسًا.
ص: 257
وقد ظهر ممّا تقدّم أنّ الشكل الأوّل ينتج المحصورات الأربع(1)، و الثّاني ينتج السّالبتين(2)، و الثالث: الجزئيّتين(3)، و الرّابع: ما عدا الموجب الكلّيّ .
ص: 258
وفصوله أربعة:
وفيه أربعة(1) مباحث:
أ: قد عرفت عدم انحصار الجهات في عدد معيّن، فالمختلطات تكاد لا تتناهى. وإنّما بَحَثنا عن ثلاثَ عشرةَ قضيّةً موجّهة؛ للاستغناء بها عمّا يرد عليك. وكلُّ شكلٍ يشمل على مائةٍ وتسعةٍ وستّين ضربًا هي مضروب ثلاثة عشر في نفسه.
ولكلّ شكلٍ شرائط يكون عقيمًا مع فقدها على ما يأتي.
ب: شرط المتأخّرون للأوّل فعليّة صغراه(2)؛ لأنّ الحكم، على ما هو أوسط بالفعل،
ص: 259
والأصغر ليس بأوسط بالفعل. فلا يجب التّعدية؛ ولإمكان(1) اتّصاف أحد النوعين بما يمكن للآخر إمكانًا غير واقعٍ . فتصدق(2) الصّفة على ما سُلِبَت عنه بالإمكان. وثبوت الآخر لما صدقت عليه بالضرورة مع كذب النتيجة. ولو بدّلنا الكبرى بسلب النّوع(3) المسلوب(4) عنه عن تلك الصفة بالضّرورة كذب سلب الشيء عن نفسه. فالضّربان الأوّلان عقيمان، وكذا البواقي(5).
ولو جعلنا الصّغرى بحالها(6) وأخذنا الكبرى مشروطة خاصّة هكذا: كلّ ماله تلك الصفة فله النّوع الثابت له تلك الصّفة مقيّدًا بتلك الصّفة مادامت تلك الصّفة له بالضّرورة لا دائمًا، مع كذب النّوع الثابت له تلك الصّفة مقيّدًا بها على النّوع الآخر. وإذا لم ينتج مع الضّرورية الّتي هي أخصّ البسائط، ومع المشروطة الخاصّة الّتي هي أخصّ المركّبات كان عقيمًا(7).
وأُجيب عن الأوّل(8) بأنّ ذات الأصغر هي ذات الأوسط، وإلاّ لامتنع الحمل.
ص: 260
وعن الثاني: بأنّ ذلك لو تمّ لكان في القضايا الخارجيّة(1).
واحتجّ المتقدّمون بأنّ الكبرى إن كانت ممكنة كان الأكبر ممكنًا للممكن للشيء، فيكون ممكنًا له. فإنّ المعنى الممكن هو الّذي لا يلزم من فرض وقوعه محالٌ ، فَعَلى تقدير ثبوت الأوسط للأصغر فعلّا ثبت له إمكان الأكبر، فإذا فُرض الممكن الثاني واقعًا ثبت الأكبر، فصار الأصغر أكبر من غير لزوم محال، فكان ممكنًا. والأصل فيه أنّ كلّ ما ليس بممكنٍ ، يمتنع أن يكون ممكنًا بالضّرورة، وينعكس بالنّقيض إلى (أنّ كلّ ما ليس بممتنع أن يكون ممكنًا، فهو ممكن).
وإن كانت ضروريّةً فالنتيجة ضروريّة. لأنّها ضروريّة على تقدير وقوع الممكن فتكون(2) ضروريّة في نفس الأمر، لامتناع صيرورة ما ليس بضروريٍّ ضروريًّا على تقدير الممكن. فصِدْقُ (كلّ ما ليس بضروريٍّ بحسب الذات يمتنع أن يكون ضروريًّا) ضروريٌّ . وينعكس إلى قولنا: (كلّ ما لا يمتنع أن يكون ضروريًّا فهو ضروريٌّ ).
وإن كانت مطلقةً غيرَ ضروريّةٍ فهي ممكنة أيضًا، لأنّها إمّا ضروريّةٌ أو غير ضروريّةٍ ، وعلى التقدير الأوّل النّتيجة ضروريّةٌ ، وعلى الثاني تكون(3) ممكنةً ، فالواجب ما يعمّهما وهو الممكن العامّ .
اعترضه المتأخّرون: بأنّ الأوسط غير متّحد في الممكنتين؛ لأنّ الأكبر ممكن لذات الأوسط، ووصف الأوسط ممكن لذات الأصغر. وعلى الثاني بمنع صدق الكبرى على تقدير وقوع الصّغرى لازدياد أفراد موضوعها حينئذٍ.
والجواب عن الأوّل: ما تقدّم في الحمل من أنّ معناه كلّ الشّيء الّذي يُقال له
ص: 261
الأصغر، فهو بعينه الشيء الّذي يُقال له الأوسط، ولا نعني حمل الوصف دون الذّات. ولو اعتُبِر ذلك لم يتّحد الوسط في شيء من القياسات(1) البتّة.
وعن الثاني أنّ كذب الضروريّ محال لذاته، فلا يجوز فرضه على تقدير وقوع الممكن؛ وإلّا لخرج الممكن عن إمكانه، هذا خلفٌ .
والحاصل أنّ فرض الممكن واقعًا يستلزم أحد أمرين: إمّا المطلوب، أو المحال. والثاني منتفٍ قطعًا، فيثبت الأوّل.
ج: سقط عند المتأخّرين باعتبار فعليّة الصّغرى ستّةٌ وعشرون اختلاطًا، وبقي المنتج مائةٌ وثلاثة وأربعون.
والضّابط في النّتيجة أنّها كالكبرى إن كانت غير الوصفيّات الأربع، لدلالة الكبرى على حصول الأكبر لما حصل له الأوسط بالجهة المعتبرة فيها. والأصغر قد ثبت له الأوسط فيدخل تحت الحكم، وكالصّغرى محذوفًا عنها قيدُ اللّادوام وقيد اللاضرورة وقيد الضرورة المختصّة بها إن كانت إحدى العامّتين، ومع قيد اللّادوام إن كانت إحدى الخاصّتين.
فالصّغرى الضّروريّة مع المشروطة العامّة تنتج كالصّغرى، لأنّ الأكبر ضروريٌّ لوصف الأوسط الضروريّ للأصغر، فيكون ضروريًا له؛ لأنّ الضروريَّ للضروريّ ضروريٌّ . ومع الخاصّة تنتج ضروريّةً لا دائمةً ؛ لانضمام الجزء السلبيّ إلى الصّغرى لينتج قيد اللّادوام. ومن هذا عُرِفَ أنّه لا يمكن اجتماع هاتين على الصّدق.
ص: 262
وبعض المتأخّرين توهّم نفيَ القياسيّة هنا، فشكّ في إنتاج كلّ صغرى(1) محتملةٍ للدّوام وكبرى محتملةٍ لعدمه(2) ونفي القياسيّة مع صدق المقدّمات لا يستلزم نفيَ القياس المطلق(3).
ومع العرفيّةِ العامّةِ النّتيجةُ دائمةٌ ؛ لأنّ الدّائم للضّروريّ دائم؛ ومع الخاصّةِ دائمةٌ ولا دائمةٌ فلا تجتمع مقدّمتاه على الصّدق.
والدّائمة مع العامّتين النّتيجة دائمة؛ لأنّ الضروريَّ أو الدائم للدائم، دائمٌ ؛ ومع الخاصّتين دائمة لا دائمة، فلا تجتمعان.
والمطلقة أو إحدى الوجوديّتين مع العامّتين تنتج وقتيّةً مطلقةً مع المشروطة؛ ومطلقةً وقتيّةً مع العرفيّة، ومع الخاصّتين وقتيّةً مع المشروطة ومطلقةً وقتيّةً لا دائمة مع العرفيّة.
والوقتيّتان مع المشروطة العامّة ينتج وقتيّةً مطلقةً إن كانت الصّغرى وقتيّةً ، ومنتشرةً مطلقةً إن كانت منتشرة، ومع الخاصّة(4): النّتيجة كالصغرى(5)، ومع العرفيّة العامّة مطلقةً وقتيّةً إن كانت الصّغرى وقتيّةً ، ومطلقةً عامّةً إن كانت منتشرة، وكذا مع الخاصّة، لكن مع قيد اللّادوام.
ص: 263
وإن كانت الصّغرى إحدى المشروطتين(1) فهي مع إحدى المشروطتين كالكبرى، ومع العرفيّة العامّة(2) عرفيّةً عامّة، ومع الخاصّة خاصّةً (3)؛ وإن كانت(4) إحدى العرفيّتين(5) أنتَجَت مع العامّتين(6) عرفيّةً عامّة؛ وخاصّةً (7) مع إحدى الخاصّتين(8).
د: قيل: يصدق (كلّ نطفةٍ إنسانٌ بالإمكان)، و (كلّ إنسانٍ حيوان بالضّرورة)، مع كذب النّتيجة ضروريّةً .
وأجاب بعضهم بأنّ الكبرى ضروريّة مشروطة، لا ذاتيّة؛ وإلّا لدامت أَزَلًا وأبدًا(9).
والمعتمد أنّ حمل الإنسان على النّطفة لا بمعنى الصّدق، بل بمعنى الصّيرورة إليه(10).
وقيل أيضًا: إنّ الصّغرى الممكنة مع الكبرى الدّائمة تنتج دائمة، للبراهين(11) المذكورة في الضروريّة(12).
ص: 264
وهو خطأ؛ لأنّ تلك البراهين مبنيّةٌ على أنّ ما هو ضروريّ أو غير ضروريٍّ في نفس الأمر فهو كذلك على التقادير الممكنة. ولا يتأتّى ذلك في الدّوام، لأنّ الدّائم وغيره في نفس الأمر لا يجب أن يكون كذلك على التقادير الممكنة، لجواز أن يكون ما هو دائم في نفس الأمر غير دائمٍ على تقدير وقوع الممكن؛ وبالعكس(1) لعدم استحالة ذلك(2).
وقيل: إنّ الصّغرى الضروريّة مع الكبرى السّالبة الدّائمة تنتج ضروريّة؛ وإلّا لصدقت الممكنة الموجبة. ونجعلُ - [- ها] صغرى للكبرى. وينتج من الثاني ممكنةً مناقضةً للصغرى.
وهو خطأ؛ لأنّ من شرائط الثاني عدم إنتاج الممكنة مع غير الضّروريّة.
وفيه [أربعة] مباحث:
يشترط في إنتاجه بحسب الجهة أمران:
أحدهما: دوام الصّغرى أو كونُ الكبرى من القضايا الستّ المنعكسة سلبًا.
و الثّاني: أن لا تُستَعمَلَ الممكنة إلّا مع الضروريّة أو تكون كبراها إحدى المشروطتين، لعقم غير الدّائمة وهي صغرى مع إحدى السّبع كبرى،
ص: 265
لصدق(1) (كلّ قمرٍ منخسفٌ وقت الحيلولة بالضّرورة لا دائماً)، و (لا شيء من القمر بمنخسف بالضّرورة وقت التّربيع لا دائمًا)، مع صدق (كلّ قمرٍ فهو قمر بالضّرورة). ويصدق (بالضّرورة الوقتيّة كلّ قمر مظلم لا دائمًا)(2) و (لا شيء من الشمس بمظلمٍ بالضّرورة الوقتيّة لا دائمًا)(3) مع كذب الإيجاب. ويصدق(4) الصّغرى مشروطةً خاصّهً مع الوقتيّة: (بالضّرورة لا شيء من المنخسف بقمر مُضيءٍ (5) مادام منخسفًا لا دائمًا)، و (بالضّرورة كلّ قمرٍ فهو قمر مضيءٌ وقت التربيع لا دائمًا)، مع صدق (كلّ منخسفٍ فهو قمر بالضّرورة). ويصدق (لا شيء من المنخسف بمنيرٍ ما دام منخسفًا لا دائمًا)، و (بالضّرورة كلّ شمسٍ منيرٌ وقت التربيع لا دائمًا)، مع صدق (لا شيء من المنخسف بشمسٍ ). وعُقمِ (6) الممكنة مع غير الضرّوريّة والمشروطتين وهما كبريان؛ أمّا ما دخل تحت الأوّل فظاهر منه؛ وأمّا الثمانية الباقية الحاصلة من الكبرى الدائمة أو
ص: 266
إحدى العرفيّتين مع إحدى الممكنتين ومن الصّغرى الدّائمة مع إحديهما: فلأنّ أخصّها الممكنة مع الدائمة، إذ لا مدخل لقيد اللّادوام في العرفيّة الخاصّة. وهو عقيم لإمكان ثبوت صفة(1) دائمًا لشيء وعدمها عنه بالإمكان، وسلبها(2) عنه دائمًا مع إمكان ثبوتها.
ولا يصدق سلب الشيء عن نفسه. ويجوز ثبوت وصف لأحد المتباينين دائمًا وسلبه عن الآخر بالإمكان. ولا يصدق إيجاب أحدهما على الآخر.
ب: الشّرط الأوّل أسقَطَ سبعةً وسبعين اختلاطًا، والثّاني ثمانيةً ، بقي أربعة وثمانون. والضّابط أنّ النّتيجة ضروريّة إن كانت إحدى المقدّمتين ضروريّةً ، وذلك في خمسةٍ وعشرين(3) اختلاطًا بالخلف والعكس والافتراض(4).
ولأنّ الأُخرى إن كانت ضروريّة كان الأوسط ضروريّ الثبوت لأحد الطرفين، وضروريَّ السلب عن الآخر. فالطّرفان متباينان بالضّرورة، وإن كانت غير ضروريّةٍ (5) كانت ضرورة الأوسط ثابتة لأحد الطرفين بالضرورة ومسلوبة عن الآخر بالضّرورة، فتباينا بالضرورة؛ وإن كانت محتملة لهما فكذلك؛ لعدم انفكاكها عن أحدهما(6)؛ ودائمة
ص: 267
إن كانت إحدى المقدّمتين دائمةً مع أيّةِ فعليّةٍ كانت، بالخلف و والافتراض والعكس. وذلك تسعةَ عشرَ(1) اختلاطًا.
بقي ثلاثة أقسام:
أ. أن تكون الصّغرى إحدى الوقتيّتين أو الوجوديّتين أو المطلقة العامّة، والكبرى إحدى الوصفيّات الأربع وهو عشرون اختلاطًا، فإن كانت الصّغرى مطلقةً أو إحدى الوجوديّتين، فالنّتيجة مطلقة بالخلف وعكس الكبرى(2) والافتراض، وإن كانت الصّغرى وقتيّة فهي مع المشروطتين تنتج وقتيّة مطلقة بعكس الكبرى، إلّا في(3) الثاني والرّابع؛ فإنّها مطلقة وقتيّة فيهما بالخلف(4)، ومع العرفيّتين مطلقة وقتيّة بالخلف والافتراض وعكس الكبرى(5)؛ وإن كانت منتشرة فالنتيجة مع المشروطتين منتشرةً مطلقةً بعكس الكبرى، وفي الثاني والرابع من ضروبه مطلقة عامّة بالخلف وعكس الكبرى والافتراض.
ص: 268
ب. الصّغرى إحدى الوصفيّات الأربع والكبرى إحديها، وهو ستّةَ عشرَ اختلاطًا، والنتيجة مشروطة عامّة إن كانت المقدّمتان مشروطتين بعكس الكبرى أو الصّغرى وجعل عكسها كبرى ثمّ عكس النّتيجة والافتراض. وإن كانت إحديهما عرفية فالنّتيجة عرفيّة عامّة بالخلف وعكس السّالبة الكلّيّة والافتراض.
ج. الصّغرى إحدى الممكنتين والكبرى إحدى المشروطتين، وهو أربعة. وينتج ممكنة عامّة بالخلف، كما تقول: (كلّ إنسانٍ متحرّك بالإمكان)، و (لا شيء من النائم بمتحرّكٍ ما دام نائمًا)، ينتج: (لا شيء من الإنسان بنائمٍ بالإمكان)، لاقتضاء الصّغرى جواز اتّصاف الأصغر بما ينافي الأكبر، فيلزم منه جواز خلوّه(1)عنه(2) عند الاتّصاف بما ينافيه. وكذا: (لا شيء من الإنسان بساكن بالإمكان)، و (كلّ نائم ساكن مادام نائمًا)؛ لاقتضاء الصّغرى جواز خلوّ الأصغر عمّا يلزم الأكبر. فيجوز خلوّه عنه، بخلاف أن تقع الممكنة كبرى، فإنه عقيم، كقولنا: (كلّ كاتبٍ يقظان مادام كاتبًا)، و (لا شيء من الإنسان بيقظانٍ بالإمكان)، وكذا: (لا شيء من الكاتب بنائم ما دام كاتبًا)، و (كلّ إنسانٍ نائم بالإمكان)؛ لأن المستلزم لمّا يمكن أن يخلوَ عنه الأكبر أو المنافي لما يمكن أن يجتمع مع الأكبر، إنّما هو وصف الأصغر لا ذاته. وتعاند الأوصاف(3) لايقتضي تعاند الموصوفات.
ص: 269
ج(1) : الكبرى إذا كانت مشروطة خاصّة أو عرفيّة خاصّة أنتجت مع أيّ صغرى اتّفقت مطلقة عامّة؛ لاستلزام صدق نقيضها صدْقَ دوام سلب الأكبر المنقطع على الأوسط الدّائم للأصغر. وقد بيّنّا عدم اجتماعهما في الصّدق.
قيل: النّتيجة لم تلزم من القياس، إذ اللازم منه هو اللازم من جميع مقدّماته. وإنّما لزمت من صدق الكبرى خاصّة. إذ سلب الأوسط عن الأكبر دائمًا بحسب الوصف دون الذّات يستلزم امتناع كون الأكبر دائمًا لشيء من الذّوات، سواء فرضت الصّغرى صادقة أو كاذبة(2).
وليس بجيّدٍ، إذ عموم الامتناع لا يقتضي صدق الامتناع عن الأصغر إلّا بعد فرض الصّغرى. سلّمنا، لكن لا يشترط في القياس ذلك.
د(3) : قيل: لا تنتج الضرّورية والدائمة مع إحدى السّبع؛ لأنّ أخصّها الوقتيّة. ويمكن دوام الأوسط والأكبر للأصغر ما دامت ذاته موجودةً بالضّرورة، إلّا أنّ الأصغر لا يدوم شيء من أفراده، فيصدق سلب الأوسط عنه في وقت عدمه، لصدق السّالبة عند عدم الموضوع.
ص: 270
ويصدق (كلّ أكبر أوسط بالضرورة)، مع كذب (بعض الأصغر ليس بأكبر بالإمكان العامّ )، لصدق (كلّ أصغر أكبر بالضّرورة ما دامت ذاته موجودة)، كما تقول: (كل لون كسوف فهو سواد بالضرورة أو دائمًا) و (لا شيء من ألوان الأجرام السّماوية بسواد بالضّرورة وقت التّربيع)، مع صدق (كلّ لون كسوف فهو لونُ جرم سماويّ بالضرورة).
وأُجيب: بأنّ الضّرورة والدّوام إنْ فُسِّرا بالأزليّ أنتج القياسُ دائمة، سواء كانت الوقتية سالبة أو موجبة للتنافي بين الثبوت دائمًا والسلب في وقتٍ معيّنٍ . ولا يتأتّى(1) المثال نقضًا. وإن فسّرا بالأعمّ : فإن كانت الوقتيّة سالبة فلا إنتاج للدوام، لأنّه لم يشترط في الوقتيّة إلّا السلب في وقتٍ معيّنٍ ، سواء كان ذلك الوقت من أوقات الذات أو لم يكن. وحينئذٍ لا منافاةَ بين دوام الأوسط بحسب دوام وجود الذّات وبين سلبه في وقتٍ معيّن، فلم يتناف الحكم بالأوسط على الأصغر والحكم بسلبه على الأكبر، كما في المثال. لكن ينتج وقتيّة بحسب ذلك الوقت المعيّن؛ لأنّ الأصغر إن وجد في ذلك الوقت المعيّن، لم يثبت له الأكبر في ذلك الوقت؛ وإلّا ثبت له الأوسط في ذلك الوقت لثبوته لكلّ ما ثبت له الأكبر دائمًا. وإن لم يوجد الأصغر في ذلك الوقت سلب الأكبر عنه في ذلك الوقت؛ لتوقّف الإيجاب على وجود الموضوع.
ولا يرد النّقض، لصدق النّتيجة وقتيةً ، لِصِدق (لا شيء من الخسوف بلون جرم سماويّ في ذلك الوقت)، لكذب الموضوع، فيكذب الموجبة فيصدق السالبة.
ولا ينتج ممكنة ولا مطلقة عامّتين، لمحاذاتهما الضّرورة والدّوام، فيجب تفسيرهما على الاعتبار الثاني من الدّوام والضّرورة بالسّلب في بعض أوقات الذّات وإمكان السلب
ص: 271
كذلك، حتّى يقابلا الضّرورة والدّوام المذكورين. وحينئذٍ لا يكون المطلقة أعمّ من الوقتيّة، لإمكان سلب المحمول عن الموضوع في وقتٍ معيّنٍ مطلقٍ حتّى يصدق الوقتيّة.
ولو يسلب في شيء من أوقات الذّات، بل يثبت ما دامت الذّات بالضّرورة.
وإن كانت الوقتيّة موجبة أنتج دائمة، لاستلزام الثّبوت في وقت معيّن من أوقات وجود الذات. وهو ينافي السّلب الدّائم بحسب الذات. فيثبت المنافاة بين ثبوت الأصغر وثبوت الأكبر، فيلزم دوام السّلب بالخلف، كما لو صدق (لا شيء من «ج» «ب» ما دام «ج»)، و (كلّ «أ» «ب» في وقت معيّن)، ف - (لا شيء من «ج» «أ» دائمًا)، وإلّا فبعض «ج» «أ» بالإطلاق، فتجعل صغرى للكبرى، ينتج: (بعض «ج» «ب» في ذلك الوقت). ويلزمه (بعض «ج» «ب» في بعض أوقات وجود الذّات)، هذا خلف.
هذا إذا اُخذت الوقتية على أنّ الوقت المعيّن مطلق، كما هو المشهور من تفسيرها. وإن شُرِط كون ذلك الوقت من أوقات وجود الموضوع أنتج الاختلاط مع الضرورية والدّائمة كيفما أخذنا دائمة؛ سواء كانت الوقتية موجبة أو سالبة. ولا ينافيه المثال، لكذب الكبرى بهذا الاعتبار.
شرط المتأخّرون فيه فعليّة صغراه كما تقدّم في الأوّل. والنّزاع فيه كما مرّ. والنّتيجة تتبع الكبرى إن كانت غيرَ الوصفيّات الأربع بالخلف وعكس الصّغرى ليرجعَ إلى الأوّل، وبالقلب بعد عكس الكبرى ثمّ عكسِ النّتيجة فيما تكون النتيجة فيه تابعة لصغرى الأوّل، وتتّحد جهة الكبرى وعكسِها، وفيما تتّحد جهة عكس الصّغرى والكبرى، وبالافتراض.
ص: 272
وإن كانت [الكبرى] إحدى الوصفيّات فالنّتيجة عكس الصّغرى مع قيد اللّادوام إن كانت الكبرى إحدى الخاصّتين، ومع حذفه إن كانت إحدى العامّتين كما تقدّم من الطّرق.
وإن كانت الصّغرى ممكنة فالنتيجة ممكنة عامّة إن كانت الكبرى فعليّة موجبة؛ وإلّا لعكسنا نقيضها كنفسه وصار كبرى للكبرى، لينتج من الأوّل ما ينافي الصّغرى.
وإن كانت الكبرى سالبةً كلّيّةً فالنتيجة سالبة دائمة إن كانت ضروريّة. والوجه أنّها ضروريّة وممكنة عامّة إن كانت إحدى المشروطتين؛ وإلّا لصار نقيضها صغرى للكبرى وأنتج من الثاني ما يناقض الصّغرى.
ويشترط في الخمسة الأُولى أمورٌ ثلاثة:
[الأوّل:] عدم استعمال الممكنة الموجبة فيها، إلّا إذا كانت الأُخرى في الأوّلين فعليّةً وفي الثالث ضروريّةً مطلقةً ، وفي الرّابع والخامس ضروريّةً ذاتيّة أو وصفيّةً .
الثاني: انعكاس السّالبة المستعملة فيه.
الثالث: كون الصّغرى في الثالث ضروريّةً أو دائمة، أو كون الكبرى من القضايا المنعكسة السّوالب، لِعُقم الممكنة مع الخلوّ عمّا تقدّم:
أمّا في الأوّلين فلعدم إمكان بيانها بالخلف، بناءً على أنّ عكس الضّروريّة دائمة؛ لأنّ عكس نتيجة القياس فيه دائمة وهي لا تناقض(1) الكبرى؛ ولا بالردّ إلى الأوّل، لتوقُّفِه على إنتاج الممكنتين في الأوّل، ولا إلى الثاني وهو ظاهر، ولا إلى الثّالث لأنّ كبراه تنعكس ممكنة، ولا إنتاج عن ممكنتين فيه.
ص: 273
وأمّا في الثالث فلا يمكن بيانه بالخلف؛ لأنّ عكس نتيجة قياس الخلف لا يناقض الصغرى، ولا بالردّ إلى الأوّل؛ لعدم إنتاج الصّغرى الممكنة مع غير المشروطتين وعدم انعكاس النّتيجة معهما، ولا إلى الثاني؛ لعدم إنتاج الكبرى الممكنة مع غير الضّروريّة، ولا إلى الثالث؛ لامتناع كون الصّغرى سالبةً .
وأمّا في الرّابع والخامس فلأنّه لا يمكن البيان بالخلف؛ لعدم انعكاس نتيجة قياس الخلف إن كانت الكبرى إحدى السوالب غير المنعكسة، وعدم مناقضة عكسها صغرى القياس إن كانت إحدى الثلاث الباقية، ولا بالردّ إلى الأوّل؛ لعدم ارتدادهما إليه إن كانت الكبرى غير منعكسة، وعدم إنتاج الصّغرى الممكنة مع شيء من الثلاث الباقية فيه، ولا إلى الثاني؛ لعُقم الممكنة مع غير الضّروريّة أو إحدى المشروطتين، ولا إلى الثالث؛ لعدم انعكاس السّبع. وعند انعكاس الثلاث الباقية يصير القياس من صغرى ممكنة وكبرى سالبةٍ دائمةٍ أو إحدى العرفيّتين، وهو غير معلوم الإنتاج.
وأمّا الشّرط الثاني: فلأنّ الوقتيّة مع الضّروريّة والمشروطة الخاصّة عقيم، لصدق (لا شيء من القمر بمنخسف وقت التّربيع بالضّرورة لا دائمًا)، و (كلّ كوكبٍ ذي محوٍ فهو قمر بالضّرورة) مع كذب (بعض المنخسف ليس بكوكبٍ ذي محوٍ). لأنّ كلَّ منخسفٍ فهو كوكب ذو محوٍ بالضّرورة. وإذا لم تنتج مع الضّروريّة لم تنتج مع المشروطة الخاصّة، إذ لا مدخل لقيد اللّادوام في الكبرى. فيبقي الناتج المشروطة العامّة. ولو أنتجت معها لأنتجت مع الضّروريّة؛ لأنّها أخصّ . ويصدق (بالضّرورة كلّ منخسفٍ قمرٌ)، و (لا شيء من القمر بمنخسفٍ بالضّرورة الوقتيّة). ويكذب سلب القمر عن نفسه.
والأقرب أنّ الصّغرى الّتي هي إحدى السّبع غير المنعكس تنتج مع الخاصّتين في الثالث، والصّغرى الممكنة تنتج مع العرفيّة الخاصّة في الضّربين الآخرين مطلقة عامّة
ص: 274
سالبة؛ وإلّا لصدق نقيضها، فعاند(1) كلّ واحدٍ من الخاصّتين.
وأيضًا نجعل الكبرى في الثالث صغرى، والموجبة الّتي تتضمّنها الصّغرى كبرى، لينتج موجبة مطلقة عامّة كلّيّة منعكسة إلى جزئيّة مطلقة عامّة موجبة.
وأمّا [الشّرط] الثالث، فلعقم الصّغرى السّالبة المشروطة الخاصّة مع الموجبة الوقتيّة، لِصِدق (لا شيء من المضيء بمنخسف بالخسوف القمري ما دام مضيئًا لا دائمًا)، و (بالضّرورة كلّ قمر مضيء وقت التربيع لا دائمًا)، ويصدق (كلُّ منخسف بالخسوف القمريّ فهو قمر بالضّرورة). ولو قلنا في الكبرى: (كلُّ شمسٍ مُضيءٌ وقت التربيع لا دائمًا) كان الصادق (لا شيء من المنخسف بالخسوف القمريّ بشمس بالضّرورة)، وهو أخصّ الاختلاطات الكائنة من الوصفيّات الأربع مع إحدى السّبع.
والمنتج في الأوّلين مائةٌ وخمسة وستّون، وفي الثالثِ ثمانيةٌ وأربعون، وفي الرّابع والخامس اثنان وسبعون. وجهة النّتيجة في الأوّلين عكس الصّغرى إن كانت ممكنة، أو الكبرى فعليّة والصّغرى ضروريّة أو دائمة، أو كان القياس من الستّ المنعكسة؛ وإلّا فمطلقة عامّة إن كانتا فعليّتين، وممكنة عامة إن كانت الكبرى ممكنة وفي الثالث دائمة إن كانت الكبرى ضروريّة أو دائمة والصّغرى إحدى العامّتين، ودائمة ولا دائمة في البعض إن كانت إحدى الخاصّتين؛ إلّا أن تكون الصّغرى مشروطة والكبرى ضروريّة، فإنّ النّتيجة ضروريّة.
ولو كانت المشروطة خاصّة كانت النّتيجة ضروريّة غير دائمة في البعض، فلا ينعقد قياسٌ صادقُ المقدّمات، وفي باقي الاختلاطات عكس الصغرى. لكن إذا كانت الكبرى إحدى العرفيّتين حُذفت الضّروريّة بحسب الوصف؛ إلّا إذا كانت الصّغرى ضروريّة والكبرى ممكنة، فإنّ النّتيجة دائمة.
ص: 275
وفي الرّابع والخامس تتبع النّتيجةُ الكبرى إن كانت ضروريّة أو دائمة والصّغرى إحدى الفعليّات. وإن كانت الصّغرى ممكنة والكبرى ضروريّة فالنّتيجة دائمة وعكس الصّغرى في البواقي محذوفًا عنه قيد اللّادوام بما تقدّم من الطّرق.
ص: 276
وفيه فصول:
وأقسامه ثلاثة:
وفيه أربعة(1) [مباحث]:
أ: الحدّ الأوسط إن كان تاليًا في الصغرى مقدّمًا في الكبرى فهو الأوّل، وعكسه الرابع، وإن كان تاليًا فيهما فالثاني، ولو(2) كان مقدّمًا فيهما فالثالث.
وشرائط الإنتاج وعدد الضروب والنتيجة في جهتها أعني اللزوم والاتفاق وكميّتها وكيفيّتها كالحمليات.
ص: 277
وضروب الأوّل بيّنة الإنتاج، وأمّا الثلاثة الباقية فتظهر بما تقدّم في الحمليّات من الخلف والعكس والقلب والافتراض.
ب: المقدّمتان إن كانتا لزوميّتين فالنتيجة كذلك، وإن كانتا اتفاقيتين ففي إنتاجهما نظر، إذ العلم بصدق القياس إنّما يحصل إذا عُلِم وجود الأكبر في نفسه، وإذا علم وجود الأكبر في نفسه عُلم وجوده مع كلّ ما في العالم، فَعُلِمَ وجوده مع الأصغر، وإن لم يعتبر الأوسط فلم يُفد القياس شيئًا.
وإن كانت إحداهما اتفاقيّة ففيه تفصيل:
أمّا الشكل الأوّل: فالكبرى الموجبة إن كانت لزوميّة أنتج اتفاقيّة، لأنّ وجود الملزوم مع الشيء يستلزم وجود لازمه معه، ويكون القياس هنا مفيدًا؛ لاحتمال خفاء وجود الأكبر مع الأصغر، فإذا عُلم وجود ملزومه معه علم وجوده، وإن كانت اتفاقيّة لم ينتج لاحتمال كذب الأصغر ومنافاته للأكبر وصدق الأوسط، مثل: (كلّما كان الإنسان فرسًا كان حيوانًا) لزوميًّا، و (كلّما كان حيوانًا كان ناطقًا) اتفاقيًّا، مع كذب (كلّما كان فرسًا كان ناطقًا) لزوميًّا واتفاقيًّا.
و [الكبرى] السالبة إن كانت اتّفاقيّة أنتج اتّفاقيًّا، إذ منافاة اللازم في الصدق تستدعي منافاة الملزوم فيه؛ وإن كانت لزوميّة كان عقيمًا، لاحتمال صدق الطرفين ومجامعة الأصغر للأوسط واستلزامه للأكبر وعدم استلزام الأوسط للأكبر، مثل: (كلّما كان الفرس حيوانًا كان السواد لونًا)، و (ليس البتّة إذا كان السواد لونًا كان الفرس حسّاسًا) مع كذب النتيجة لزوميّة واتفاقيّة.
ص: 278
وأمّا الشكل الثاني: فالموجبة إن كانت لزوميّة أنتج سالبة اتفاقيّة، إذ الأصغر أو الأكبر لا يجامع اللازم في الصدق، فلا يجامعه الملزوم، وإن كانت اتفاقيّة كان عقيمًا، إذ لا يلزم من سلب اللّزوم مع أحد المتوافقين سلبُهُ مع الآخر، مثل: (كلّما كان الإنسان حيوانًا كان الاثنان زوجًا) و (ليس البتّة إذا كان الإنسان حسّاسًا كان الاثنان زوجًا) مع كذب سلب اللزوم بين الحيوانيّة والحساسيّة.
وأمّا الشكل الثالث: فكبراه إن كانت موجبةً أنتج اتفاقيّة؛ لاستلزام الأوسط أحدَ الطرفين ومجامعته للآخر، فتثبت المجامعة بين الطرفين، لاستلزام وجود الملزوم مع الشيء وجود اللازم معه، وإن كانت سالبة لم ينتج، سواء كانت لزوميّة أو اتفاقيّة، إذ لا يلزم من سلب اللّزوم بين الشيء وأحد المتوافقين سلبُهُ بينه وبين الآخر، ولا من عدم مجامعة الشيء مع الملزوم عدم مجامعته مع اللازم، كما تقول: (كلّما كان البياض لونًا كان الإنسان حيوانًا)، و (ليس البتّة إذا كان البياض لونًا كان الإنسان حسّاسًا) لزوميًّا، مع كذب النتيجة لزوميّةً واتفاقيّة. ومثل: (كلّما كان الحمار فرسًا كان حيوانًا) لزوميّة، و (ليس البتّة إذا كان فرسًا كان جسمًا) اتفاقيّة(1)، مع كذب (قد لا يكون إذا كان حيوانًا كان جسمًا) لزوميًّا واتفاقيًّا.
وأمّا الشكل الرابع: فصغرى أَوَّلَيْه إن كانت لزوميّة أنتج اتفاقيّة؛ إذ مجامعة الملزوم يستلزم مجامعة اللّازم؛ وإن كانت اتفاقيّة كان عقيمًا؛ إذ لا يلزم من مجامعة اللّازم لشيء مجامعةُ الملزوم لذلك الشيء، فإنّ اللازم قد يكون أعمّ ، مثل: (كلّما كان الفرس جسمًا كان صهّالًا) اتفاقيًّا، و (كلّما كان الفرس حمارًا كان جسمًا) لزوميًّا، مع كذب (قد يكون إذا كان الفرس صهّالًا كان حمارًا) لزوميًّا واتفاقيًّا.
وصغرى ثالثة إن كانت اتفاقيّة أنتج سالبة اتفاقيّة؛ إذ عدم مجامعة اللازم للشيء
ص: 279
يستلزم عدم مجامعة الملزوم له، وإلّا لانفكّ اللازم عن ملزومه، هذا خلفٌ ؛ وإن كانت لزوميّة لم ينتج، إذ لا يلزم من سلب اللّزوم مع أحد المتوافقين سلبُهُ مع الآخر، مثل: (ليس البتّة إذا كان السواد لونًا كان الفرس حيوانًا) لزوميًّا، و (كلّما كان الفرس حسّاسًا كان السواد لونًا) اتفاقيًّا، مع كذب النتيجة لزوميّة واتفاقيّة. والأخيران عقيمان؛ إذ لا يلزم من سلب الملازمة بين أحد المتوافقين كليًّا أو جزئيّا، سلبُها بين الآخر والمغاير، ولا من سلب المجامعة بين شيء وملزوم آخر سلبُها بين ذلك الشيء واللازم؛ لاحتمال كون اللازم أعمّ ، مثل: (كلّما كان السّواد لونًا كان الفرس حيوانًا) اتفاقيًّا، و (ليس البتّة إذا كان الفرس حسّاسًا كان السواد لونًا) لزوميّا، ومثل: (كلّما كان الفرس حمارًا كان حيوانًا) لزوميًّا، و (ليس البتّة إذا كان جسمًا كان حمارًا)، مع كذب (قد لا يكون إذا كان الفرس حيوانًا كان جسمًا) لزوميًّا واتفاقيًّا(1).
ج: منع جماعةٌ من المتأخّرين الإنتاج من اللزوميّتين(2) لدلالة الكبرى على الملازمة بين الأوسط والأكبر في نفس الأمر، والصغرى تقتضي صدق الأوسط على تقدير مقدّمها، فجاز أن لا تبقى ملازمة الكبرى على تقدير مقدّم الصغرى، مثل: (كلّما كان الاثنان فردًا فهو عدد)، و (كلّما كان الاثنان عددًا فهو زوجٌ ) مع كذب (كلّما كان الاثنان فردًا فهو زوج).
وهو خطأ؛ فإنّ مقدّم الكبرى يستلزم تاليها على كلّ تقديرٍ ووضعٍ ، ومن جملة تلك
ص: 280
الأوضاع مقدّم الصغرى، فيلزم الإنتاج قطعًا. وكبرى المثال كاذبة؛ فإن الحكم بزوجيّة الاثنين لا يصدق على تقدير كون الاثنين فردًا، والملازمة حينئذٍ بين العدديّة والزوجيّة كاذبة، ولو سَلَّم مسلّم صدق المقدّمتين لزمه النتيجة، ولا يقتضي كذب النتيجة مع كذب بعض مقدّماتها عدمَ الإنتاج، كما تقول في الحمليّات: (كلّ ما هو اثنان وفردٌ فهو اثنان)، و (كلّ اثنين زوجٌ ) مع كذب (كلّ ما هو اثنان وفردٌ فهو زوجٌ ). والأصل أنّ مقدّم الصغرى لمّا اشتمل على النقيضين كان واجب العدم؛ فلا يستلزم شيئًا من حيث هو محال، فإنْ فُرِضَ وجوده فربّما استلزم محالًا.
و الحاصل: أنّ الأوسط إن كان وقوعه في الصغرى كوقوعه في الكبرى عند استلزامه للأكبر لم يتغيّر حالُ الملازمة على تقدير ملازمة الصغرى؛ لأنّ اللازم على ذلك التقدير إنّما لزم مع الجهة التي هو بها مقتضٍ للملازمة الثانية. فالملازمة الثانية في المعنى جزءٌ من اللازم على ذلك التقدير. وإن اختلف الوقوعان فلا قياس؛ لعدم اتحاد الوسط. فالاثنان في صغرى التأليف هو الاثنان (*) الذي يصدق عليه أنّه فردٌ، لا الواقع في نفس الأمر على طبيعة الاثنينيّة المنافي للفرديّة، وفي الكبرى بالمعنى المضادّ للفرديّة، فتغايرا.
د: أورد على الشكل الثالث أنّه عقيم؛ لصدق: (كلّما كان هذا إنسانًا وفرسًا فهو إنسان) و (كلّما كان هذا إنسانًا وفرسًا فهو فرسٌ ) مع كذب (قد يكون إذا كان هذا إنسانًا فهو فرس)، لصدقِ نقيضه وهو (ليس البتّة إذا كان هذا إنسانًا كان فرسًا)، وكذا (كلّما صدق النقيضان صَدقَ أحدُهما)، و (كلّما صدقا صدق الآخر)، فيلزم استلزام أحد النقيضين للآخر جزئيًّا وهو محال(1).
ص: 281
والجواب: أنّ المستلزم للإنسانيّة في الصغرى ليس هو إلّا الإنسان، لا الفرسيّة ولا مجموعهما، والمستلزم في الكبرى للفرسيّة هو الفرسيّة، فتغاير الملزوم في المقدّمتين. والتركيب لفظًا لا مدخل له في اللزوم والإيجاب، فإذًا الأوسط غير متكرّرٍ، فما يتوهّم أنّه قياس بالمقدّمة(1) ليس(2) بقياسٍ ولا بقضيّةٍ . ولو فرض اعتبار المجموع منعنا كذبَ النتيجة؛ لثبوت الاستلزام على بعض التقادير، وهو التقدير الّذي أُخذ في المقدّمتين من اجتماع النقيضَين(3).
وأقسامه أربعةٌ تنظمها أربعة مطالب:
وتنعقد الأشكال الأربعة فيه وفي باقي الأربعة. وعدد الضروب الممكنة في كلّ شكلٍ من كلّ قسمٍ مائتان وستّة وخمسون؛ لأنّ كلّ واحدٍ من الستّة عشر الممكنة الانعقاد يقع على ستّة عشر ضربًا باعتبار المشاركين؛ لأنّ كلّ واحدٍ منهما على إحدى المحصورات الأربع.
ويشترط في هذا القسم أحد الأمرين: وهو إمّا اشتمال المقدّمين، الّذين هما الطرفان المشاركان في كلّ شكلٍ ، على شرائطه مع كلّيّة إحدى المقدّمتين، أو إنتاج أحد الطرفين المشاركين بعينه أو كليّته مع النتيجة الحاصلة من التأليف بينهما أو مع عكسها بكليّته لمقدّم متصّلة كلّيّة هي إحدى مقدّمتي القياس.
ص: 282
واعلم أنّ المتّصلة الموجبة الكلّيّة إذا كانت جزئية المقدّم صدقت وهي كليّته، وإذا صدقت كلّيّة التالي صدقت جزئيّته، والسالبة الكلّيّة إذا كان أحد طرفيها جزئيّا صدقت مع كلّيّة، وإذا صدقت الموجبة الجزئيّة مع كلّيّة أحد الطرفين صدقت مع جزئيّته، وإذا صدقت السالبة الجزئيّة مع كلّيّة المقدّم صدقت مع جزئيّته، وإذا صدقت وتاليها جزئيٌّ صدقت وهو كلّيّ .
وشرط آخرون إيجاب المقدّمتين وكلّيّة الكبرى وإنتاج مقدّم(1) الصغرى مع نسبة الأكبر(2) إلى الأصغر أو بالعكس إيجابًا أو سلبًا كليًّا أو جزئيًّا، وهي ثمانية لمقدّم الكبرى أو لملزومه.
والمنتج باعتبار هذين الشرطين ضربان: الأوّل من موجبتين كلّيتين، والثاني من موجبتين والصغرى خاصّة جزئيّة. وتنعقد الأشكال الأربعة في كلّ ضرب. وينتج كلّ شكل ضروبَه فيهما إلّا الرابع، فإنّه ينتج ستّة. والنتائج متّصلة جزئيّة مقدّمها تالي الصغرى وتاليها ملازمة تالي الكبرى للنسبة التي تنتج مع مقدّم الصغرى مقدّم الكبرى أو ملزومَه.
الضرب الأوّل: (كلّما كان كلّ «ج» «د» ف - «أ» «ب»)، و (كلّما كان بعض «د» «ط» ف - «ه -» «ز»)، ينتج: (قد يكون إذا كان «أ» «ب»، فإن كان بعض «ج» «ط» ف - «ه -» «ز»)، لصدق استلزام («أ» «ب») على تقدير (بعض «ج» «ط») ل - (كلّ «ج» «د»)، و (بعض
ص: 283
«ج» «ط») جزئيًّا؛ أمّا لزوم (كلّ «ج» «د») فبالعكس، وأمّا لزوم (بعض «ج» «ط») فبالفرض، فحينئذٍ يصدق: (قد يكون إذا كان «أ» «ب»، فإن كان بعض «ج» «ط»، فكلّ «ج» «د»، وبعض «ج» «ط»)، وكلّما صدقا صَدَقَ (بعض «د» «ط») من الثالث، فينتج: (قد يكون إذا كان «أ» «ب»، فإن كان بعض «ج» «ط»، فبعض «د» «ط»)، فنجعلها صغرى للكبرى وينتج المطلوب.
[الضرب] الثاني: (كلّما كان بعض «ج» «د»، ف - «أ» «ب»)، و (كلّما كان بعض «د» «ط»، ف - «ه -» «ز»)، ف - (قد يكون إذا كان «أ» «ب»، فإن كان كلّ «ج» «ط»، ف - «ه -» «ز»).
[الضرب] الثالث: (كلّما كان كلّ «ج» «د»، ف - «أ» «ب»)، و (كلّما كان ليس بعض «د» «ط»، ف - «ه -» «ز»)، ف - (قد يكون إذا كان «أ» «ب»، فإن كان ليس بعض «ج» «ط»، ف - «ه -» «ز»).
[الضرب] الرابع: (كلّما كان بعض «ج» «د»، ف - «أ» «ب»)، و (كلّما كان ليس بعض «د» «ط»، ف - «ه -» «ز»)، ينتج: (قد يكون إذا كان «أ» «ب»، فإن كان لا شيء من «ج» «ط»، ف - «ه -» «ز»).
وقيل: ينتج الأوّل: (قد يكون إذا كان كلّما كان كلّ «ج» «ط» ف - «أ» «ب»، فكلّما كان كل «ج» «ط» ف - «ه -» «ز»)؛ وإلّا ف - (ليس البتّة إذا كان كلّما كان كلّ «ج» «ط» ف - «أ» «ب»، فكلّما كان كلّ «ج» «ط» ف - «ه -» «ز») وتنضمّ إلى متّصلة صادقة، وهي: (كلّما كان: كلّما كان كلّ «ج» «ط» فكلّ «ج» «د»، فكلّما كان كلّ «ج» «ط» ف - «ه -» «ز»)، لأنّه كلّما كان كلّ «ج» «ط» فكلّ «ج» «ط» وكلّ «ج» «د»، وكلّما صدقا صَدَقَ (بعض «د» «ط») و (كلّما كان بعض «د» «ط» ف - «ه -» «ز»)، ينتج حينئذ: (كلّما كان كلّ «ج» «ط» ف - «ه -» «ز»)، وينتج ضمُّ نقيض النتيجة إلى هذه الصادقة وهي صغرى: (ليس البتّة إذا كان كلّما
ص: 284
كان كلّ «ج» «ط» فكلّ «ج» «د» فكلّما كان كلّ «ج» «ط» ف - «أ» «ب»).
وهو باطل؛ لصدق (كلّما كان: كلّما كان كلّ «ج» «ط» فكلّ «ج» «د»، فكلّما كان كلّ «ج» «ط» ف - «أ» «ب»)؛ لإنتاج مقدّمها مع صغرى القياس تاليها من الأوّل وكذا الثاني، إلّا أنّا نجعل مقدّم المقدّمة الصادقة (كلّما كان كلّ «ج» «ط» فبعض «ج» «د»)، وينتج الثالث: (قد يكون: إذا كان كلّما كان لا شيء من «ج» «ط» ف - «أ» «ب»، فكلّما كان لا شيء من «ج» «ط» ف - «ه -» «ز»)، وكذا الرابع.
[الضرب] الأوّل: (كلّما كان لا شيء من «ج» «د» ف - «أ» «ب»)، و «كلّما كان ليس بعض «ط» «د» ف - «ه -» «ز»)، ف - «قد يكون إذا كان «أ» «ب» فإن كان بعض «ج» «ط» ف - «ه -» «ز»).
[الضرب] الثاني: (كلّما كان ليس بعض «ج» «د» ف - «أ» «ب»)، و (كلّما كان ليس بعض «ط» «د» ف - «ه -» «ز») ف - (قد يكون إذا كان «أ» «ب» فإن كان كلّ «ج» «ط» ف - «ه -» «ز»).
[الضرب] الثالث: (كلّما كان كل «ج» «د» ف - «أ» «ب»)، و (كلّما كان بعض «ط» «د» ف - «ه -» «ز»)، ف - (قد يكون إذا كان «أ» «ب» فإن كان بعض «ج» «ط» ف - «ه -» «ز»).
[الضرب] الرابع: (كلّما كان بعض «ج» «د» ف - «أ» «ب»)، و (كلّما كان بعض «ط» «د» ف - «ه -» «ز») ينتج: (قد يكون إذا كان «أ» «ب» فإن كان كلّ «ج» «ط» ف - «ه -» «ز»).
[الضرب] الأوّل: (كلّما كان كلّ «د» «ج» ف - «أ» «ب»)، و «كلّما كان كلّ «د» «ط» ف - «ه -» «ز»)، ف - (قد يكون إذا كان «أ» «ب» فإن كان كلّ «ج» «ط» ف - «ه -» «ز»).
[الضرب] الثاني: (كلّما كان كلّ «د» «ج» ف - «أ» «ب»)، و (كلّما كان لا شيء من «د» «ط» ف - «ه -» «ز») ف - (قد يكون إذا كان «أ» «ب» فإن كان لا شيء من «ج» «ط» ف - «ه -» «ز»).
[الضرب] الثالث: (كلّما كان كلّ «د» «ج» ف - «أ» «ب»)، و (كلّما كان بعض «د» «ط» ف - «ه -» «ز») ف - (قد يكون إذا كان «أ» «ب» فإن كان كل «ج» «ط» ف - «ه -» «ز»).
[الضرب] الرابع: (كلّما كان كلّ «د» «ج» ف - «أ» «ب»)، و (كلّما كان ليس بعض «د» «ط» ف - «ه -» «ز») ف - (قد يكون إذا كان «أ» «ب» فإن كان لا شيء من «ج» «ط» ف - «ه -» «ز»).
[الضرب] الخامس: (كلّما كان بعض «د» «ج» ف - «أ» «ب»)، و (كلّما كان بعض «د» «ط»
ص: 285
ف - «ه -» «ز») ينتج: (قد يكون إذا كان «أ» «ب» فإن كان كل «ج» «ط» ف - «ه -» «ز»).
[الضرب] السادس: (كلّما كان بعض «د» «ج» ف - «أ» «ب»)، و (كلّما كان ليس بعض «د» «ط» ف - «ه -» «ز») ينتج: (قد يكون إذا كان «أ» «ب» فإن كان لا شيء من «ج» «ط» ف - «ه -» «ز»).
وهذا الشكل أفضل من غيره، لأنّ إنتاج مقدّم الصغرى مع النسبة المذكورة لمقدّم الكبرى أو لملزومه من الشكل الأوّل.
[الضرب] الأوّل: موجبتان كليّتان مقدّمهما موجب، لكن مقدّم الكبرى جزئيٌّ : (كلّما كان كلّ «د» «ج» ف - «أ» «ب»)، و (كلّما كان بعض «ط» «د» ف - «ه -» «ز») ف - (قد يكون
ص: 286
إذا كان «أ» «ب» فإن كان كل «ج» «ط» ف - «ه -» «ز»).
[الضرب] الثاني: كذلك ومقدّمهما جزئيٌّ : (كلّما كان بعض «د» «ج» ف - «أ» «ب»)، و (كلّما كان بعض «ط» «د» ف - «ه -» «ز») ف - (قد يكون إذا كان «أ» «ب» فإن كان كلّ «ج» «ط» ف - «ه -» «ز»).
[الضرب] الثالث: كذلك ومقدّمهما سالب كلّي: (كلّما كان لا شيء من «د» «ج» ف - «أ» «ب») و (كلّما كان لا شيء من «ط» «د» ف - «ه -» «ز») ف - (قد يكون إذا كان «أ» «ب» فإن كان كلّ «ط» «ج» ف - «ه -» «ز»).
[الضرب] الرابع: كذلك ومقدّم الكبرى جزئي: (كلّما كان لا شيء من «د» «ج» ف - «أ» «ب»)، و (كلّما كان ليس بعض «ط» «د» ف - «ه -» «ز»)، ف - (قد يكون إذا كان «أ» «ب» فإن كان كلّ «ج» «ط» ف - «ه -» «ز»).
[الضرب] الخامس: مقدّمهما كلّيّ ومقدّم الصغرى موجب: (كلّما كان كلّ «د» «ج» ف - «أ» «ب»)، و (كلّما كان لا شيء من «ط» «د» ف - «ه -» «ز») ف - (قد يكون إذا كان «أ» «ب» فإن كان لا شيء من «ط» «ج» ف - «ه -» «ز»).
[الضرب] السادس: مقدّم الصغرى موجب كلّيّ والكبرى نقيضه: (كلّما كان كلّ «د» «ج» ف - «أ» «ب»)، و (كلّما كان ليس بعض «ط» «د» ف - «ه -» «ز»)، ف - (قد يكون إذا كان «أ» «ب» فإن كان ليس بعض «ط» «ج» ف - «ه -» «ز»).
ويشترط فيه وفي الباقيين(1) اشتمال المشاركين على تأليف منتج، وإيجاب المقدّمتين وكلّيّة إحديهما في هذا القسم، والكبرى في ما يتلوه، والصغرى في الثالث. فأقسام المنتج
ص: 287
في الأوّل ثلاثة، وفي كلٍّ من الآخرين ضربان؛ فالأول من القسم الأوّل ينتج متصلتين كليّتين مقدّم إحديهما مقدم إحدى المقدّمتين وتاليها ملازمة نتيجة التأليف لمقدّم الأُخرى، ومقدّم الأُخرى مقدّم المقدّمة الأُخرى وتاليها ملازمة نتيجة التأليف لمقدّم الأُخرى، مثل: (كلّما كان «أ» «ب» فكل «ج» «د»)، و (كلّما كان «ه -» «ز» فكلّ «د» «ط»)، ينتج: (كلّما كان «أ» «ب» فإن كان «ه -» «ز» فكلّ «ج» «ط»)، لاستلزام («أ» «ب») ل - («ج» «د»)، و («د» «ط») على تقدير («ه -» «ز»)، وكلّما صدق (كلّ «ج» «د»)، و (كلّ «د» «ط»)، ف - (كلّ «ج» «ط») وينتج المطلوب، وينتج أيضًا: (كلّما كان «ه -» «ز» فإن كان «أ» «ب» فكلّ «ج» «ط») لما مرّ.
والضربان الآخران ينتجان متّصلة مقدّمها مقدّم المتصلة الجزئية وتاليها ملازمة نتيجة التأليف لمقدّم الكليّة، مثال الأوّل: (قد يكون إذا كان «أ» «ب» فكلّ «ج» «د» وكلّما كان «ه -» «ز» فكلّ «د» «ط») ف - (قد يكون إذا كان «أ» «ب» فإن كان «ه -» «ز» فكلّ «ج» «ط»). ومثال الثاني: (كلّما كان «أ» «ب» فكلّ «ج» «د») و (قد يكون إذا كان «ه -» «ز» فكلّ «د» «ط») ف - (قد يكون إذا كان «ه -» «ز» فإن كان «أ» «ب» فكلّ «ج» «ط»).
وينتج كلّ واحدٍ من ضربيه متّصلةً جزئيّةً مقدّمها تالي الصغرى وتاليها ملازمة نتيجة التأليف لمقدّم الكبرى، فالأوّل كقولنا: (كلّما كان كلّ «ج» «د» ف - «أ» «ب») و (كلّما كان «ه -» «ز» فكلّ «د» «ط»)، ينتج: (قد يكون إذا كان «أ» «ب» فإن كان «ه -» «ز» فكلّ «ج» «ط») بعكس الصغرى ليرجع إلى الثاني. مثال الثاني وهو أن تكون الصغرى جزئية: (قد يكون إذا كان كلّ «ج» «د» ف - «أ» «ب»)، و (كلّما كان «ه -» «ز» فكلّ «د» «ط»)، ينتج: (قد يكون إذا كان «أ» «ب» فإن كان «ه -» «ز» فكلّ «ج» «ط»).
ص: 288
وينتج ضربًا متصلة جزئيّة مقدّمها تالي الكبرى وتاليها ملازمة نتيجة التأليف لمقدّم الصغرى، كقولنا: (كلّما كان «أ» «ب» فكلّ «ج» «د»)، و (كلّما كان كلّ «د» «ط» ف - «ه -» «ز»)، ينتج: (قد يكون إذا كان «ه -» «ز» فإن كان «أ» «ب» فكلّ «ج» «ط») بعكس الكبرى ليرجع إلى الثاني.
وقِس ما يكون كبراه جزئيّة عليه.
أن يكون الأوسط جزءً تامًّا من إحديهما دون الأُخرى.
وإنّما يتصوّر لو كان المقدّمة التي هو غير تامٍّ منها شرطيّةً مركّبة من مثلها.
وأقسامها ثمانية: لأنّ الشرطيّة إمّا متصلة أو منفصلة، وعلى التقديرين فهي إمّا تالي الشرطيّة الكبرى أو مقدّمها أو تالي الصغرى أو مقدّمها. وتنعقد الأشكال الأربعة في كلّ قسمٍ باعتبار وضع المشترك في تلك الشرطيّة والمقدّمة الأُخرى.
ويشترط اشتمال المشاركين على تأليف منتج، مثال متّصلة الجزء والشركةُ مع التالي: (كلّما كان «ج» «د» فكلّما كان «أ» «ب» ف - «ه -» «ز»)، و (كلّما كان «ه -» «ز» ف - «ح» «ط»)، ينتج: (كلّما كان «ج» «د» فكلّما كان «أ» «ب» ف - «ح» «ط»)؛
وكقولنا والشركةُ مع المقدّم: (كلّما كان كلّما كان «أ» «ب» ف - «ج» «د»، ف - «ه -» «ز»)، و (كلّما كان «ج» «د» ف - «ح» «ط»)، ينتج: (قد يكون إذا كان «ه -» «ز» فكلّما كان «أ» «ب» ف - «ح» «ط») بعكس الصغرى ليرجع إلى شركة التالي.
مثال منفصلة الجزء والشركة مع التالي: (كلّما كان «ه -» «ز» فدائمًا إما «أ» «ب» أو
ص: 289
«ج» «د»)، و (كلّما كان «ج» «د» ف - «ح» «ط»)، ينتج: (كلّما كان «ه -» «ز» فكلّما لم يكن «أ» «ب» ف - «ح» «ط»)؛
وكقولنا والشركةُ مع المقدّم: (كلّما كان دائما إمّا «أ» «ب» أو «ج» «د» ف - «ه -» «ز»)، و (كلّما كان «ج» «د» ف - «ح» «ط»)، ف - (قد يكون إذا كان «ه -» «ز» فكلّما لم يكن «أ» «ب»، ف - «ح» «ط») بعكس الصغرى؛
وكقولنا والشرطيّة المشتملة سالبة والشركة مع التالي: (كلّما كان «أ» «ب» ف «ج» «د»)، و (ليس البتّة إذا كان «ح» «ط» فكلّما كان «ج» «د» ف - «ه -» «ز») ينتج: (قد لا يكون إذا كان كلّما كان «أ» «ب» ف - «ه -» «ز» ف - «ح» «ط»)؛ وإلّا لَصَدق (كلّما كان كلّما كان «أ» «ب» ف - «ه -» «ز» ف - «ح» «ط»)، ونجعله صغرى للكبرى، وينتج: (ليس البتّة إذا كان: كلّما كان «أ» «ب» ف - «ه -» «ز»، فكلّما كان «ج» «د» ف - «ه -» «ز»)، وتنعكس إلى قولنا: (ليس البتّة إذا كان كلّما كان «ج» «د» ف - «ه -» «ز» فكلّما كان «أ» «ب» ف - «ه -» «ز»)، وهو باطل؛ لإنتاج صغرى القياس وهو صغرى لمقدّمها(1): (كلّما كان كلّما كان «ج» «د» ف - «ه -» «ز» فكلّما كان «أ» «ب» ف - «ه -» «ز»)؛
وكقولنا والشركة مع المقدّم: (كلّما كان «أ» «ب» ف - «ج» «د»)، و (ليس البتّة إذا كان كلّما كان «ج» «د» ف - «ه -» «ز» ف - «ح» «ط»)، ينتج: (قد لا يكون إذا كان كلّما كان «أ» «ب» ف - «ه -» «ز» ف - «ح» «ط»)؛ وإلّا جعل نقيضه كبرى للكبرى وينتج من الثاني: (ليس البتّة إذا كان كلّما كان «ج» «د» ف - «ه -» «ز» فكلّما كان «أ» «ب» ف - «ه -» «ز»)، والصادق ضدّه وهو: (كلّما كان كلّما كان «ج» «د» ف - «ه -» «ز» فكلّما كان «أ» «ب» ف - «ه -» «ز»)، لإنتاج صغرى القياس مع مقدّمها تاليَها.
وكقولنا والشرطيةُ منفصلة: (كلّما كان «أ» «ب» ف - «ج» «د»)، و (ليس البتّة إذا كان
ص: 290
«ح» «ط» فإمّا «ج» «د» أو «ه -» «ز»)، ف - (قد لا يكون إذا كان قد يكون إذا لم يكن «أ» «ب» ف - «ه -» «ز»، ف - «ح» «ط»)؛ وإلّا لصدق: (كلّما كان قد يكون إذا لم يكن «أ» «ب» ف - «ه -» «ز» ف - «ح» «ط»)، وينتج وهو صغرى للكبرى: (ليس البتّة إذا كان قد يكون إذا لم يكن «أ» «ب» ف - «ه -» «ز» فإمّا «ج» «د» أو «ه -» «ز»)، وتنعكس [إلى] (ليس البتّة إذا كان إمّا «ج» «د» أو «ه -» «ز»)، ف - (قد يكون إذا لم يكن «أ» «ب» ف - «ه -» «ز»)، وضدّه حقٌّ ، وهو: (كلّما كان إمّا «ج» «د» أو «ه -» «ز» فقد يكون إذا لم يكن «أ» «ب» ف - «ه -» «ز»)، لإنتاج مقدّمها مع الصغرى تاليها.
وكقولنا والشركة مع المقدّم: (كلّما كان «أ» «ب» ف - «ج» «د»)، و (ليس البتّة إذا كان إمّا «ج» «د» أو «ه -» «ز» ف - «ح» «ط»)، ف - (قد لا يكون إذا كان قد يكون إذا لم يكن «أ» «ب» ف - «ه -» «ز» ف - «ح» «ط»)؛ وإلّا لصار (كلّما كان قد يكون إذا لم يكن «أ» «ب» ف - «ه -» «ز»، ف - «ح» «ط»)(1) كبرى للكبرى، وأنتج: (ليس البتّة إذا كان إمّا «ج» «د» أو «ه -» «ز» فقد يكون إذا لم يكن «أ» «ب» ف - «ه -» «ز»)، وهو باطل، لصدق ضدّه وهو: (كلّما كان إما «ج» «د» أو «ه -» «ز» فقد يكون إذا لم يكن «أ» «ب» ف - «ه -» «ز»)، لإنتاج مقدّمها مع الصغرى تاليها.
وأقسامه ثلاثة:
وقد زعم الشيخ أنّ الحقيقيّتين عقيم؛ لأنّ الأوسط إن كان نقيضًا للطرفين اتّحدا
ص: 291
فلم يفد القياس حكما؛ وإن لم يكن نقيضًا لهما لم تكن إحداهما حقيقيّة(1).
وفيه منع؛ لجواز أن يكون لازمًا مساويًا لنقيضهما أو لنقيض إحديهما، وحينئذٍ ينتج متّصلة مؤلّفة من الطرفين أو منفصلةً لازمةً لهذه المتّصلة(2).
ولعلّ الشيخ حكم بعدم الاستنتاج لمخالفة النتيجة القياس في النوع على تقدير استنتاج المتصلة وعدم إنتاج المنفصلة اللازمة بالذات لهذه المتّصلة، فإن سُمِّي قياسًا اشترط إيجاب إحديهما وكلّيّة إحديهما، لصدق سلب العناد بين النوع والجنس وبين الجنس وفصل النوع مع التلازم وصدق سلبه بين النوع والجنس وبين الجنس ونوع آخر مع التعاند. ولو كانتا جزئيّتين احتمل مغايرة زمان المعاندة بين الأوسط وأحد الطرفين لزمان المعاندة بين الأوسط والآخر.
واعلم أنّه لا يتميّز هنا شكل عن آخر، ولا صغرى عن كبرى، ولا أصغر عن أكبر؛ فإن كانتا حقيقيّتين وكانتا موجبتين أنتج الثلاثة(3) بأنواعها من عين أحد الطرفين ونقيض الآخر، والثلاثة من عين الآخر ونقيض الأوّل، لتساوى الطرفين وتلازمهما، فيعاند كلٌّ منهما عدم الآخر جمعا وخلوّا وحقيقيًّا، ولو كانت إحداهما جزئيّة فالنتيجة كذلك، لاستلزام طرفها عدم الأوسط جزئيا المستلزم للآخر كليًّا، فيستلزم طرفها الآخر جزئيًّا وبالعكس.
وهذه النتائج لزمت بواسطة قياس تخالف مقدّماتُهُ مقدّماتِ أصل القياس في الحدود(4).
ص: 292
وإن كانت إحداهما سالبة أنتج متّصلةً جزئيّة سالبة مقدّمها أحد طرفي السالبة أو الموجبة؛ وإلّا لكَذِبَ كلُّ منهما واستلزم كلٌّ منهما الآخر كليًّا، فيساوي الطرفان(1) فتعاند جزءا السالبة حقيقيًّا(2)، هذا خلفٌ .
وإن كانتا مانعتي خلوٍّ أنتج متّصلةً جزئيّة من الطرفَين، لاستلزام نقيض الأوسط كلًا منهما وأنتج من الثالث المطلوب؛ سواءٌ كانتا كليّتين أو إحداهما، والمقدّم أيّ الطرفين كان؛ وإن كانت إحداهما سالبة فالنتيجة كذلك ومقدّمها طرف الموجبة، سواء كانت الموجبة كليّةً أو جزئيةً ، كقولنا: (قد يكون إمّا «أ» «ب» أو «ج» «د»)، و (ليس البتّة إمّا «ج» «د» أو «ه -» «ز») ينتج: (قد لا يكون إذا كان «أ» «ب» ف - «ه -» «ز»)؛ وإلّا لَصَدق: (كلّما كان «أ» «ب» ف - «ه -» «ز») ويمتنع الخلوّ عن («ج» «د»)، و («أ» «ب»)، فامتنع عن («ه -» «ز»)، و («ج» «د»)؛ لأنّ («ه -» «ز») لازمُ («أ» «ب»). ولا يصدق ومقدّمها طرف السالبة، لاحتمال كون طرف الموجبة أعمّ من طرف السالبة وامتناع سلب ملازمة العامّ للخاصّ ، مثل: (إمّا أن يكون هذا لا إنسانًا أو حيوانًا) و (ليس البتّة إمّا أن يكون حيوانًا أو حجرًا)، مع كذب (قد لا يكون إذا كان حجرًا كان لا إنسانًا).
وإن كانتا مانعتي جمعٍ أنتج متّصلة جزئيّة من نقيضي الطرفين ومقدّمها أيّهما كان، لاستلزام الأوسط نقيض الطرفين كليًّا أو جزئيًّا، وإن كانت إحداهما جزئيّة. وينتج المطلوب من الثالث. وإن كانت إحداهما سالبةً فالنتيجة سالبة جزئيّة من الطرفين ومقدّمها طرف السالبة، مثل: (قد يكون إمّا «أ» «ب» أو «ج» «د»)، و (ليس البتّة إمّا
ص: 293
«ج» «د» أو «ه -» «ز») ينتج: (قد لا يكون إذا كان «ه -» «ز» ف - «أ» «ب»)؛ وإلّا فكلّما كان «ه -» «ز» ف - «أ» «ب»، ويمتنع الجمع بين («ج» «د») و («أ» «ب»)، فيمتنع الجمع بين («ه -» «ز») و («ج» «د»)، لاستلزام امتناع اجتماع («ج» «د») مع («أ» «ب») امتناعه معه ومع («ه -» «ز») الذي هو ملزوم («أ» «ب»). ولا يصدق والمقدّم طرف الموجبة، لاحتمال كون طرفها أخصّ من طرف السالبة وامتناع سلب ملازمة العامّ للخاصّ ، مثل: (إمّا أن يكون هذا إنسانًا أو لا ناطقًا) و (ليس البتّة إمّا أن يكون لا ناطقًا أو حيوانًا) مع كذب (قد لا يكون إذا كان هذا إنسانًا فهو حيوان).
وإن كانت إحداهما حقيقيّة والأُخرى مانعة جمعٍ أنتج متصلة كلّيّة مقدّمها طرف مانعة الجمع، لاستلزام طرف مانعة الجمع نقيض الأوسط المستلزم لطرف الحقيقيّة، ولا تنعكس؛ وإلّا انقلبت مانعة الجمع حقيقيّة، وهذه المتّصلة تستلزم مانعة الجمع من عين مقدّمها ونقيض تاليها ومانعة الخلوّ من نقيض مقدّمها وعين تاليها.
وإن كانت إحداهما جزئيّة فالنتيجة كذلك، ومقدّمها أيّهما كان، لكن إذا كانت الحقيقيّة جزئيّة فالمتّصلة جزئيّة من نقيضي الطرفين، لاستلزام نقيض أحد طرفَيها الأوسط جزئيّا واستلزامِ الأوسط نقيضَ طرف مانعة الجمع كليًّا.
وإن كانت إحداهما سالبة فإن كانت هي الحقيقيّة فعقيم؛ لصدق (إمّا أن يكون هذا الشيء إنسانًا أو فرسًا) و (ليس البتّة إمّا أن يكون فرسًا أو لا إنسانًا) مع العناد بين الإنسان ونقيضه. ولو بدّلنا الكبرى بقولنا: (ليس البتّة إمّا أن يكون فرسًا أو ناطقًا) حقيقيًّا، صدق التلازم.
وإن كانت(1) مانعةَ الجمع أنتج متّصلة جزئيّة سالبة مقدّمها طرف مانعة الجمع(2)،
ص: 294
فإنّه إذا صدق (دائمًا إمّا «أ» «ب» أو «ج» «د») حقيقيًّا و (قد لا يكون إمّا «ج» «د» أو «ه -» «ز») مانعة جمع، ف - (قد لا يكون إذا كان «ه -» «ز» ف - «أ» «ب»)؛ وإلّا فكلّما كان «ه -» «ز» ف - «أ» «ب»، فيصدق: (دائما إمّا «ج» «د» أو «ه -» «ز») مانعة جمع؛ لامتناع الجمع بين («ج» «د») و («أ» «ب») اللازم ل - («ه -» «ز»).
وإن كانت إحداهما حقيقيّة والأُخرى مانعة الخلوّ فالنتيجة متّصلة كلّيّة من الطرفين ومقدّمها طرف الحقيقيّة، لاستلزامه نقيض الأوسط المستلزم لطرف مانعة الخلوّ، ولا تنعكس؛ وإلّا استلزم طرفها نقيض الأوسط، لاستلزام طرف الحقيقيّة إيّاه، فيمتنع الجمع بين طرفي مانعة الخلوّ، فتنقلب حقيقيّة.
وإن كانت إحداهما جزئيّة أنتج جزئيّة من الطرفين ومقدّمها أيّهما كان من الثالث، والأوسط نقيض الأوسط.
وإن كانت إحداهما سالبة فإن كانت الحقيقيّة فعقيمٌ ؛ لصدقِ (إمّا أن يكون هذا حيوانًا أو لا إنسانًا)، و (ليس البتّة إمّا أن يكون لا إنسانًا أو لا حيوانًا) مع التعاند. ولو قلنا في الكبرى (ليس البتّة إمّا أن يكون حيوانًا أو لا ناطقًا) صدق التلازم. وإن كانت مانعة الخلوّ أنتج سالبةً جزئيّة مقدّمها(1) طرف الحقيقية؛ لأنّه إذا صدق: (دائمًا إمّا «أ» «ب» أو «ج» «د»)، و (ليس البتّة إمّا «ج» «د» أو «ه -» «ز») أنتج: (قد لا يكون إذا كان «أ» «ب» ف - «ه -» «ز»)؛ وإلّا فكلّما كان «أ» «ب» ف - «ه -» «ز»، ويمتنع الخلوّ عن («أ» «ب»)، و («ج» «د»)، فيمتنع الخلوّ عن («ج» «د») و («ه -» «ز»)؛ لاستلزام امتناع الخلوّ عن
ص: 295
الملزوم امتناعه عن اللازم.
وإن كانت إحداهما مانعة الجمع والأُخرى مانعة الخلوّ فالنتيجة متّصلة كلّيّة من الطرفين ومقدّمها طرف مانعة الجمع؛ لاستلزامه نقيض الأوسط المستلزم للآخر ولا تنعكس(1)، وإلاّ انقلبت كلّ واحدة من المقدّمتين حقيقيّة؛ لاستلزام الملازمة بين أمرين امتناع الخلوّ عن نقيض الملزوم وعين اللازم، واستلزامِ الملازمة امتناع الاجتماع بين الملزوم ونقيض اللازم.
وإن كانت إحداهما جزئيّة: فإن كانت مانعة الجمع أنتج متّصلة جزئية من الطرفين ومقدّمها أيّ واحدٍ؛ لاستلزام نقيض الأوسط طرف مانعة الجمع جزئيًّا ومانعة الخلوّ كلّيًّا؛ وإن كانت مانعةَ الخلوّ فمن نقيضَي الطرفين؛ لاستلزام عين الأوسط نقيض طرف مانعة الخلوّ جزئيًّا ولنقيض الأُخرى كليًّا.
وإن كانت إحداهما سالبة: فإن كانت جزئيّة فعقيم، لصدقِ (إمّا أن يكون هذا إنسانًا أو فرسًا)، و (قد لا يكون إمّا أن يكون فرسًا أو لا إنسانًا) مع التعاند. ولو قلنا في الكبرى: (قد لا يكون إمّا أن يكون فرسًا أو ناطقًا) صدق التلازم. وكذا يصدق (دائمًا إمّا أن يكون لا إنسانًا أو حيوانًا) و (قد لا يكون إمّا أن يكون حيوانًا أو إنسانًا) مع التعاند. ولو قلنا في الكبرى: (قد لا يكون إمّا أن يكون حيوانًا أو لا ناطقًا) ثبت التلازم؛ فإن كانت مانعةَ الخلوّ فالنتيجة سالبة جزئيّة ومقدّمها(2) طرف مانعة الجمع؛
ص: 296
لأنّه إذا صدق (قد يكون إمّا «أ» «ب» أو «ج» «د») مانعةَ الجمع، و (ليس البتّة إمّا «ج» «د» أو «ه -» «ز») أنتج: (قد لا يكون إذا كان «أ» «ب» ف - «ه -» «ز»)؛ وإلّا لأنتج نقيضه مع (قد يكون إذا لم يكن «ج» «د» ف - «أ» «ب»): (قد يكون إذا لم يكن «ج» «د» ف - «ه -» «ز»)، ويلزمه (قد يكون إمّا «ج» «د» أو «ه -» «ز») مانعة الخلوّ، هذا خلف.
وإن كانت مانعةَ الجمع أنتج سالبة جزئيّة من نقيضي الطرفين ومقدّمها نقيض طرف مانعة الخلوّ(1)؛ لأنّه إذا صدق (دائما أو قد يكون إمّا «أ» «ب» أو «ج» «د») مانعة الخلوّ و (ليس البتّة إمّا «ج» «د» أو «ه -» «ز») مانعة الجمع ف - (قد لا يكون إذا لم يكن «أ» «ب» لم يكن «ه -» «ز»)؛ وإلّا لأنتج نقيضُه مع (قد يكون إذا لم يكن «أ» «ب» ف - «ج» «د»):
(قد يكون إذا كان «ج» «د» لم يكن «ه -» «ز»)، ويلزمه «قد يكون إمّا أن يكون «ج» «د» أو «ه -» «ز») مانعة الجمع.
وأقسامه خمسةٌ ضابط إنتاجها كون المنفصلة المستعملة فيه حقيقيّةً أو مانعةَ الخلوّ أو مانعة جمعٍ أجزاؤها تناقض ما يجب في مانعة الخلوّ(2):
وينتج منفصلة مانعة الخلوّ موجبة مركّبة من ثلاثة أجزاء، وهي نتيجة التأليف
ص: 297
بين المشاركين والجزءان الآخران؛ لامتناع خلوّ الواقع عن مقدّمَتي القياس والآخرين؛ سواءٌ اشترك جزءا كلٍّ من المقدّمتين في جزءٍ ، أو جزءا إحديهما، أو لم يشتركا؛ كقولنا: (إمّا أن يكون كلّ «أ» «ب» أو كلّ «أ» «ج»)، و (إمّا أن يكون كلّ «ج» «د» أو كلّ «ه -» «د»)، ينتج: (دائما إمّا كلّ «أ» «ب» أو كلّ «أ» «د» أو كلّ «ه -» «د»).
وكقولنا: (إمّا أن يكون كلّ «أ» «ب» أو كلّ «أ» «ج»)، و (دائمًا إمّا كلّ «ج» «د» أو «ه -» «ز»)، ف - (دائمًا إمّا كلّ «أ» «ب» أو كلّ «أ» «د» أو «ه -» «ز»)، وكقولنا: (دائمًا إمّا كلّ «أ» «ب» أو كلّ «ج» «د»)، و (دائمًا إمّا كلّ «د» «ه -» أو «و» «ز»)، ف - (دائمًا إمّا كلّ «أ» «ب» أو كلّ «ج» «ه -» أو كلّ «و» «ز»).
وقيل(1): ينتج الأقسام الخمسة ذات أربعة أجزاء بحسب الاقترانات الممكنة، فيشتمل منها في الأوّل قرينة واحدة، وفي الثاني والخامس قرينتان، وفي الثالث ثلاث قرائن، وفي الرابع أربع قرائن على النتائج الحمليّة. وباقي الأجزاء يشمل على أجزاء المقدّمتين التي لا تتشارك، فينتج هذا القسم والقرينة (دائمًا إمّا كلّ «أ» «ب» أو كلّ «ج» «د»)، و (دائمًا إمّا «ه -» «ز» أو كلّ «د» «ط»): (دائمًا إمّا كلّ «أ» «ب» وكلّ «د» «ط» وإمّا «أ» «ب» و «ه -» «ز» وإمّا كلّ «ج» «ط» وإمّا كلّ «ج» «د» و «ه -» «ز»).
وينتج منفصلة ذات ثلاثة أجزاء هي نتيجتا التأليفين والجزء غير المشارك، كقولنا: (إمّا كلّ «أ» «ب» أو كلّ «أ» «ج»)، و (دائمًا إمّا كلّ «ج» «د» أو كلّ «ج» «ه -») ينتج: (دائمًا إمّا كلّ «أ» «ب» أو كلّ «أ» «د» أو كلّ «أ» «ه -»)؛ وكقولنا: (دائمًا إمّا كلّ «أ» «ب» أو كلّ «ج» «د»)، و (دائمًا إمّا كلّ «د» «ه -» أو كلّ «د» «ز»)، ينتج: (إمّا كلّ «أ» «ب»
ص: 298
أو كلّ «ج» «ه -» أو كلّ «ج» «ز»)، وكقولنا: (دائمًا إمّا كلّ «أ» «ب» أو كلّ «ج» «د»)، و (دائمًا إمّا كلّ «د» «ه -» أو كلّ «ز» «ج»)، ينتج: (دائمًا إمّا كلّ «أ» «ب» أو كلّ «ج» «ه -» أو بعض «د» «ز»).
وعلى الثاني(1) ينتج المثال الأوسط: (دائماً إمّا كلّ «أ» «ب» وكلّ «د» «ه -»، وإمّا كلّ «أ» «ب» وكلّ «د» «ز» وإمّا كلّ «ج» «ه -» وإمّا كلّ «ج» «ز»).
وينتج منفصلتين مانعتَي الخلوّ(2) إحداهما من نتيجة أحد التأليفين والجزئين الآخرين للتأليف الآخر، والأُخرى من نتيجة التأليف الآخر ومقدّمتي التأليف الأوّل، كقولنا: (دائمًا إمّا كلّ «أ» «ب» أو كلّ «أ» «ج»)، و (دائمًا إمّا كلّ «ب» «ه -» أو كلّ «ج» «ه -»)، ينتج: (دائمًا إمّا كلّ «أ» «ه -» أو كلّ «أ» «ج» أو كلّ «ج» «ه -»)، وينتج أيضًا: (دائمًا إمّا كلّ «أ» «ه -» أو كلّ «أ» «ب» أو كلّ «ب» «ه -»). وكقولنا: (دائمًا إمّا كلّ «أ» «ب» أو كلّ «أ» «ج»)، و (دائمًا إمّا كلّ «ب» «ه -» أو كلّ «ج» «د»)، ينتج: (دائمًا إمّا كلّ «أ» «ه -» أو كلّ «أ» «ج» أو كلّ «ج» «د»)؛ وينتج أيضًا: (دائمًا إمّا كلّ «أ» «د» أو كلّ «أ» «ب» أو كلّ «ب» «ه -»)، وكقولنا: (دائمًا إمّا كلّ «أ» «ب» أو كلّ «ج» «د»)، و (دائمًا إمّا كلّ «ب» «ه -» أو كلّ «د» «ز»)، ينتج: (دائمًا إمّا كلّ «أ» «ب» أو كلّ «ب» «ه -» أو كلّ «ج» «ز»)، وينتج أيضًا: (دائمًا إمّا كل «ج» «د» أو كلّ «د» «ز» أو كلّ «أ» «ه -»).
ص: 299
وقيل(1): ينتج: (إمّا كلّ «أ» «ه -» أو كلّ «أ» «ب» وكلّ «د» «ز» أو كلّ «ج» «ز» أو كلّ «ج» «د» وكلّ «ب» «ه -»).
فالقياس يشتمل على أربع تأليفات، وينتج منفصلة موجبة من أربعة أجزاء هي نتائج التأليفات لصدق أحد التأليفات جزمًا، كقولنا: (دائمًا إمّا كلّ «أ» «ب» أو كلّ «ج» «ب»)، و (دائمًا إمّا كلّ «ب» «د» أو كلّ «ب» «ه -»)، ينتج: (دائمًا إمّا كلّ «أ» «د» أو كلّ «أ» «ه -» وإمّا كلّ «ج» «د» أو «ج» «ه -»). وكقولنا: (دائمًا إمّا كلّ «أ» «ب» أو كلّ «ب» «ج»)، و (دائمًا إمّا كلّ «ج» «أ» أو كلّ «ب» «د»)، ينتج: (دائمًا إمّا بعض «ب» «ج» أو كلّ «أ» «د» أو كلّ «ب» «أ» أو بعض «ج» «د»). وكقولنا: (دائمًا إمّا كلّ «أ» «ب» أو كلّ «ج» «د»)، و (دائمًا إمّا كلّ «د» «أ» أو كلّ «ب» «ج»)، ينتج: (دائمًا إمّا بعض «ب» «د» أو كلّ «أ» «ج» أو كلّ «ج» «أ» أو بعض «د» «ب»).
ويشتمل على تأليفات ثلاثة، وينتج منفصلتين كلّ واحدة منهما مركّبة من ثلاثة أجزاء، كقولنا: (دائمًا إمّا كلّ «أ» «ب» أو كلّ «ج» «د»)، و (دائمًا إمّا كلّ «د» «ه -» أو كلّ «د» «أ»)، ينتج: (دائمًا إمّا كلّ «أ» «ب» أو كلّ «ج» «ه -» أو كلّ «ج» «أ»)؛ وينتج أيضًا: (دائمًا إمّا كلّ «ج» «أ» أو بعض «ب» «د» أو كلّ «د» «ه -»).
ص: 300
وقيل(1): ينتج: (دائماً إمّا بعض «ب» «د» وإمّا كلّ «أ» «ب» وكلّ «د» «ه -» وإمّا كلّ «ج» «ه -» وإمّا كلّ «ج» «أ»).
وينتج مانعة الخلوّ من الجزء غير المشارك ومن نتيجة التأليف بين المقدّمة الشرطيّة والأُخرى البسيطة، كقولنا: (دائمًا إمّا «أ» «ب» أو كلّما كان «ج» «د» ف - «ه -» «ز»)، و (دائمًا إمّا «ه -» «ز» أو «ح» «ط») مانعة الجمع، ينتج: (دائمًا إمّا «أ» «ب» وإمّا أن يكون إمّا «ج» «د» أو «ح» «ط»)؛ لاستلزام امتناع الاجتماع مع اللازم امتناعه مع الملزوم.
وأقسامه أربعة:
ويشترط فيه وفي [القسم] الثاني وهو أن تكون الحمليّة كبرى والشركة مع التالي إيجاب المتّصلة واشتمال الحمليّة مع التالي على شرائط الإنتاج في كلّ شكلٍ ، على أن تكون الحمليّة صغرى في الأوّل وكبرى في الثاني.
ص: 301
وباعتبار جواز كون المتّصلة كلّيّةً وجزئيّةً تضاعفت الضروب المنتجة، كقولنا(1): (كلّ «ج» «ب»)، و (كلّما كان «ه -» «ز» فكلّ «ب» «أ»)، ف - (كلّما كان «ه -» «ز» فكلّ «ج» «أ»).
مثال الثاني والحمليّة بحالها: (كلّما كان «ه -» «ز» فلا شيء من «أ» «ب»)، ينتج: (كلّما كان «ه -» «ز» فلا شيء من «ج» «أ»).
مثال الثالث: (كلّ «ب» «ج»)، و (كلّما كان «ه -» «ز» فكلّ «ب» «أ»)، ف - (كلّما كان «ه -» «ز» فبعض «ج» «أ»).
مثال الرابع: والصغرى بحالها: (كلّما كان «ه -» «ز» فكلّ «أ» «ب»)، ينتج: (كلّما كان «ه -» «ز» فبعض «ج» «أ»).
وقس عليه القسم الثاني وباقي ضروب الأشكال.
وأورد(2) احتمال كذب الحمليّة على تقدير مقدّم المتصلة إذا كان(3) محالًا فلا تجامع التالي على الصدق، كقولنا: (كلّما كان الخلأ موجودًا كان بُعدًا قائمًا بذاته)، و (لا شيء من القائم بذاته ببُعد) صادق في نفس الأمر(4)؛ فلو صدقت على تقدير مقدّم الصغرى لزم (كلّما كان الخلأ موجودًا فليس كلّ بُعد ببُعد).
والجواب: [1.] منع كذب النتيجة واستحالتها؛ فإنّ وجود الخلأ لمّا كان محالًا جاز استلزامه لمحال آخر. [2.] أو نخصّ البحث بما يصدقان معًا. فلا ندّعي إنتاج المتّصلة
ص: 302
مع كلّ حمليّة صادقة في نفس الأمر، بل نشترط عدم منافاتها للمقدّم. [3.] أو نقول: اجتماع المقدّمتين على الصدق ليس شرطًا في الإنتاج، ولو كان كذلك لما انعقد قياس الخلف ولا القياسات الالتزاميّة؛ بل كون المقدّمتين بحيث لو سُلِّمَتا لزمت النتيجة.
ولا يشترط صدقهما بالفعل.
[4.] ولأنّ المتّصلة تستلزم مانعة الخلوّ من نقيض المقدّم وعين التالي وتنتج مع الحمليّة مانعة خلوّ من نقيض المقدّم ونتيجة التأليف بين الحمليّة وتالي المتصلة. ولا يتأتّي المنع(1)، لامتناع خلوّ الواقع حينئذٍ عن نقيض المقدّم وعن القياس المنتج. ثمّ إمّا أن نردّ هذه إلى المتصلة من مقدّم المتصلة ونتيجة التأليف أو نجعلها النتيجة. ولا يرد المنع؛ لأنّه لما اجتمع صدق أحدهما مع الحمليّة: فإن كان غير المشارك فالمطلوب، وإن كان المشارك انتظم منه ومن الحمليّة المنتج للمطلوب.
ولا يمكن منع الحمليّة حينئذٍ؛ إذ لو كذبت كذب قولنا: (إنّ أحدهما صادق معها).
[5.] ولأنّ مقدّم المتّصلة المطلوبة مع نقيض نتيجة التأليف يتعاندان جمعًا. إذ لو جاز جمعهما لزم جواز صدق تاليها أيضًا لصدق الحمليّة وجواز صدق تالي المتصّلة حينئذٍ، ضرورة جواز صدق مقدّمها وإنتاج الحمليّة وتالي المتصلة لتالي النتيجة، فيلزم جواز صدق النقيضين حينئذٍ. وهذه المانعة الجمع تُرَدُّ إلى(2) المتصلة المطلوبة أو نجعلها المطلوب.
ص: 303
وتنعقد الأشكال الأربعة:
أمّا [الشكل] الأوّل فله شرطان: [1] إيجاب الحمليّة، أو موافقتها للمقدّم كيفًا مع كلّيّة المقدّمتين. [2] وكلّيّة الكبرى أو مقدّمها. فالمنتج(1) من أربعة وستين التي حصلت من ضرب المحصورات الأربع من الحمليّة فيها من المتّصلة، ثمّ المجتمع في الأربع من المقدّم ثمانية وعشرون. كما تقول: (كلّ «ج» «ب»)، و (كلّما كان كلّ «ب» «أ» ف - «ه -» «ز»)، ف - (قد يكون إذا كان كلّ «ج» «أ» ف - «ه -» «ز»)؛ وإلّا لأنتج نقيضُها وهو كبرى للكبرى: (ليس البتّة إذا كان كلّ «ب» «أ» فكلّ «ج» «أ»)، وهو كاذب؛ لصدق (كلّما كان كلّ «ب» «أ» فكلّ «ج» «أ») لإنتاج(2) مقدّمها مع الحمليّة تاليَها.
ولأنّا نعكس الكبرى فيرجع إلى [القسم] الأوّل وينتج: (قد يكون إذا كان «ه -» «ز» فكلّ «ج» «أ») وتنعكس إلى المطلوب.
ص: 304
وكذا لو كان المقدّم سالبًا كليًّا. مثل: (كلّ «ج» «ب»)، و (كلّما كان لا شيء من «ب» «أ» ف - «ه -» «ز»)، ينتج: (قد يكون إذا كان لا شيء من «ج» «أ» ف - «ه -» «ز»).
ولو كان المقدّم جزئيّا فالنتيجة كليّة، مثل: (كلّ «ج» «ب»)، و (*) (كلّما كان بعض «ب» «أ» ف - «ه -» «ز»)، ف - (كلّما كان بعض «ج» «أ» ف - «ه -» «ز»)، لأنّه كلّما كان بعض «ج» «أ» فكلّ «ج» «ب» وبعض «ج» «أ»، وكلّما صَدَقا فبعض «ب» «أ»، ينتج: (كلّما كان بعض «ج» «أ» فبعض «ب» «أ») وينتج مع الكبرى المطلوب.
ولو كان سالبًا فمقدّم النتيجة سالب، مثل: (كلّ «ج» «ب»)، و (كلّما كان ليس بعض «ب» «أ» ف - «ه -» «ز»)، ف - («قد يكون إذا كان ليس بعض «ج» «أ» ف - «ه -» «ز») فهذه أربعة أضرب.
ولو كانت المتّصلة جزئيّة فمقدّمها كلّي، مثل: (كلّ «ج» «ب»)، و (قد يكون إذا كان كلّ «ب» «أ» ف - «ه -» «ز»)، ف - (قد يكون إذا كان بعض «ج» «أ» ف - «ه -» «ز»)؛ وإلّا لأنتج نقيضه [وهو] كبرى مع الكبرى: (قد لا يكون إذا كان كلّ «ب» «أ» فبعض «ج» «أ»)، والصادق (كلّما كان كلّ «ب» «أ» فبعض «ج» «أ»)؛ لاستلزام مقدّمها مع الحمليّة ملزوم تاليها.
ولو كان المقدّم سالبًا مثل: (كلّ «ج» «ب»)، و (قد يكون إذا كان لا شيء من «ب» «أ» ف - «ه -» «ز»)، أنتج: (قد يكون إذا كان ليس بعض «ج» «أ» ف - «ه -» «ز») فهذان ضربان.
والموجبة الكلّيّة الحمليّة مع السالبة الكلّيّة في ضروبها الأربعة ومع السالبة الجزئيّة في ضربيها الكلّيّي(1) المقدّم [تنتج] سالبةً جزئيّةً إن كان المقدّم كليًّا؛ وكليّةً إن كان جزئيًّا،
ص: 305
مثل: (كلّ «ج» «ب»)، و (ليس البتّة أو قد لا يكون إذا كان كلّ «ب» «أ» ف - «ه -» «ز»)، ف - (قد لا يكون إذا كان كلّ «ج» «أ» ف - «ه -» «ز») فهذه ستّة أضرب.
والحمليّة الموجبة الجزئيّة تنتج مع المتّصلة الكلّيّة موجبةً وسالبةً في ضروبها الأربعة، ومع الجزئيّة موجبةً وسالبةً في ضربيها الكُلّيَّي المقدّم: النتائج المذكورة، كلُّ ضرب ينتج نتيجة نظيره؛ إلّا أنّ مقدّم النتيجة الكلّيّة هنا كلّيّ ، فهذه اثنا عشر.
والحمليّة السالبة الكلّيّة مع المتّصلتين الكليّتين في ضربيهما السالبَي المقدّم تنتج متّصلةً موجبة جزئيّة مقدّمها موجبٌ جزئيٌّ ، مثل: (لا شيء من «ج» «ب»)، و (كلّما كان أو: ليس البتّة إذا كان لا شيء من «ب» «أ» ف - «ه -» «ز»)، ينتج: (قد يكون إذا كان بعض «ج» «أ» ف - «ه -» «ز») إذا كانت الكبرى موجبة، و: (قد لا يكون [إذا كان بعض «ج» «أ» ف - «ه -» «ز»]) إذا كانت سالبة؛ لأنّه كلّما كان كلّ «أ» «ج» فلا شيء من «ب» «أ»؛ لصدق الحمليّة والمقدّم على تقدير المقدّم المنتج لما ينعكس إلى التالي، فإذا انضمّ إلى الكبرى الموجبة أنتج: (كلّما كان كلّ «أ» «ج» ف - «ه -» «ز»)، ومع السالبة: (ليس البتّة إذا كان كلّ «أ» «ج» ف - «ه -» «ز»)؛ فإذا ضمّ إليه (كلّما كان كلّ «أ» «ج» فبعض «ج» «أ») أنتج: (قد يكون إذا كان بعض «ج» «أ» ف - «ه -» «ز») وهذه أربعة، فالمجموع ثمانية وعشرون.
وأمّا الشكل الثاني فشرطه أمران: [1] كلّيّة المتصلة أو مقدّمها. [2] واختلاف الحمليّة والمقدّم كيفًا، أو كلّيّة المتصلة مع موافقة مقدّمها للحمليّة كيفًا ولا يكون أشرف منها كمّا. فالمنتج(1) ستّة وثلاثون.
ص: 306
فإن كان المقدّم موجبًا كليًّا فالنتيجة جزئيّةٌ جزئيّةُ المقدّم، مثل: (كلّ «ج» «ب»)، و (كلّما كان كلّ «أ» «ب» ف - «ه -» «ز»)، ف - (قد يكون إذا كان بعض «ج» «أ» ف - «ه -» «ز»)؛ لصدق (كلّ «أ» «ج») و (كلّ «ج» «ب») على تقدير (كلّ «أ» «ج»)، وكلّما صدقا صدق مقدّم الكبرى، فيصدق تاليها وينتج (كلّما كان كلّ «أ» «ج» ف - «ه -» «ز») مع (كلّما كان كلّ «أ» «ج» فبعض «ج» «أ») المطلوبَ من الثالث.
وكقولنا: (كلّ «ج» «ب») و (ليس البتة إذا كان كلّ «أ» «ب» ف - «ه -» «ز»)، ف - (قد لا يكون إذا كان بعض «ج» «أ» ف - «ه -» «ز»)، لإنتاج (كلّما كان كلّ «أ» «ج») و (كلّ «أ» «ب») مع الكبرى: (ليس البتة إذا كان كلّ «أ» «ج» ف - «ه -» «ز»)، وهو مع استلزام المقدّم لعكسه ينتج المطلوب من الثالث.
وإن كان المقدّم موجبًا جزئيًا فالنتيجة كليّةٌ كليّةُ المقدّم وجزئيّته، مثل: (كلّ «ج» «ب») و (كلّما كان بعض «أ» «ب» ف - «ه -» «ز»)، ف - (كلّما كان بعض «ج» «أ» ف - «ه -» «ز») وكقولنا: (كلّ «ج» «ب») و (ليس البتّة إذا كان بعض «أ» «ب» ف - «ه -» «ز») ينتج: (ليس البتّة إذا كان بعض «ج» «أ» ف - «ه -» «ز»).
وإن كان المقدّم سالبًا كليًّا فالنتيجة جزئيّة سالبة المقدّم كلّيته، مثل: (كلّ «ج» «ب») و (كلّما كان لا شيء من «أ» «ب» ف - «ه -» «ز»)، ف - (قد يكون إذا كان لا شيء من «ج» «أ» ف - «ه -» «ز»)؛ وإلّا لأنتج نقيضه مع الكبرى: (ليس البتّة إذا كان لا شيء من «أ» «ب» فلا شيء من «ج» «أ») وهو باطل؛ لأنّه كلّما كان لا شيء من «أ» «ب» فلا شيء من «ج»
ص: 307
«أ»، لإنتاج الحمليّة مع مقدّمها تاليها. وكقولنا: (كلّ «ج» «ب») و (ليس البتّة إذا كان لا شيء من «أ» «ب» ف - «ه -» «ز»)، ف - (قد لا يكون إذا كان لا شيء من «ج» «أ» ف - «ه -» «ز»)، وإن كان المقدّم سالبًا جزئيًا فالنتيجة جزئيّة كليّة المقدّم سالبته، فهذه ثمانية.
والحمليّة الموجبة الكلّيّة تنتج مع الجزئيّة موجبة أو سالبة إذا كان مقدّمها سالبًا كليًّا: جزئيّة كلّيّة المقدّم، مثل: (كلّ «ج» «ب»)، و (قد يكون إذا كان لا شيء من «أ» «ب» ف - «ه -» «ز»)، ف - (قد لا يكون إذا كان لا شيء من «ج» «أ» ف - «ه -» «ز») وهذان ضربان.
والحمليّة السالبة الكلّيّة تنتج مع الكلّيّة موجبةً أو سالبةً في ضروبها الأربعة: جزئيّةً موجبة المقدّم جزئيّته إن كان المقدّم سالبًا كليًّا. مثل: (لا شيء من «ج» «ب»)، و (كلّما كان لا شيء من «أ» «ب» ف - «ه -» «ز»)، ف - (قد يكون إذا كان بعض «ج» «أ» ف - «ه -» «ز»)؛ لأنّه كلّما كان كلّ «أ» «ج» فلا شيء من «أ» «ب»، وينتج مع الكبرى: (كلّما كان كلّ «أ» «ج» ف - «ه -» «ز»)، وينتج مع استلزام مقدّمها لعكسه: (قد يكون إذا كان بعض «ج» «أ» ف - «ه -» «ز»).
وإن كان جزئيّا فالنتيجة كلّيّة موجبة المقدّم كليّته وجزئيّته، مثل: (لا شيء من «ج» «ب»)، و (كلّما كان ليس بعض «أ» «ب» ف - «ه -» «ز»)، ف - (كلّما كان بعض «ج» «أ» ف - «ه -» «ز»)؛ لصدق الحملية ومقدّمها على تقدير مقدّمها، فيصدق: (ليس بعض «أ» «ب») حينئذٍ، و (كلّما كان ليس بعض «أ» «ب» ف - «ه -» «ز»)، ينتج: (كلّما كان بعض «ج» «أ» ف - «ه -» «ز»)، ومثل: (لا شيء من «ج» «ب»)، و (ليس البتّة إذا كان ليس بعض «أ» «ب» ف - «ه -» «ز»)، ف - (ليس البتّة إذا كان بعض «ج» «أ» ف - «ه -» «ز»).
وإن كان المقدّم موجبًا كليًّا أو جزئيًّا فالنتيجة جزئية سالبة المقدّم كليّته، مثل: (لا شيء من «ج» «ب»)، و (كلّما كان كلّ «أ» «ب» ف - «ه -» «ز»)، ف - (قد يكون إذا كان لا شيء من
ص: 308
«ج» «أ» ف - «ه -» «ز»)، ومثل: (لا شيء من «ج» «ب»)، و (ليس البتّة إذا كان كلّ «أ» «ب» ف - «ه -» «ز»)، ف - (قد لا يكون إذا كان لا شيء من «ج» «أ» ف - «ه -» «ز») بالخلف. فهذه ثمانية.
والحمليّة السالبة الكلّيّة تنتج مع الجزئيّة موجبةً وسالبةً إذا كان مقدّمها موجبًا كليًّا: جزئيّةً سالبة المقدّم كليّته، مثل: (لا شيء من «ج» «ب»)، و (قد يكون إذا كان كلّ «أ» «ب» ف - «ه -» «ز»)، ف - (قد يكون إذا كان لا شيء من «ج» «أ» ف - «ه -» «ز»).
ولو قلنا في الكبرى: (قد لا يكون إذا كان كلّ «أ» «ب» ف - «ه -» «ز»)، أنتج: (قد لا يكون إذا كان لا شيء من «ج» «أ» ف - «ه -» «ز») فهذان ضربان.
والحمليّة الموجبة الجزئيّة مع الكلّيّة موجبةً وسالبةً إذا كان مقدّمها غير الموجب الكلّي ومع الجزئيّة موجبةً وسالبةً إذا كان مقدّمها سالبًا كليًّا ينتج جزئيّةً مقدّمها سالب جزئيّ ؛ إلّا إذا كان المقدّم موجبًا جزئيًّا. فالنتيجة كلّيّة مقدّمها موجبٌ (1) كلّيٌّ ، فهذه ثمانية.
والحمليّة الجزئيّة موجبة أو سالبة تنتج مع الكلّيّة إذا كان مقدّمها غير الموجب الكلّي ومع الجزئيّة موجبةً أو سالبةً إذا كان مقدّمها كليًّا موجبا: متّصلةً جزئيّةً مقدّمها سالبٌ جزئيٌّ ؛ إلّا إذا كان المقدّم سالبًا جزئيًّا؛ فإنّ النتيجة كلّيّة مقدّمها موجب كلّي، فهذه ثمانية.
[ الشكل الثالث ] وأمّا الشكل الثالث فله شرطان: [1] كلّيّة إحدى المقدّمتين أو المقدّم. [2] وكلّيّة المقدّم إن كانت الحملية سالبة، ولا يكون المقدّم أشرف منها كيفًا وكمًّا.
ص: 309
فالمنتج أربعة وثلاثون:
ستّة عشر من الحمليّة الموجبة الكلّيّة مع المحصورات الأربعة(1) في ضروبها الأربعة؛
وأربعةٌ منها مع الجزئيّة الموجبة والسالبة إذا كان المقدّم كليًّا؛
وأربعة من السالبة الكلّيّة مع المتّصلة الكلّيّة موجبةً وسالبة إذا كان المقدّم سالبًا كليًّا أو جزئيًّا؛
وضربان من السالبة الجزئيّة مع الكلّيّة موجبةً وسالبةً إذا كان مقدّمها سالبًا جزئيًّا.
والنتيجة كلّيّة مقدّمها كلّيّ موافق للمقدّم كيفًا إن كانت المتّصلة كلية؛ إلّا إذا كانت الحملية موجبةً جزئيّة والمقدّم كليًّا. فإنّ النتيجة جزئيّة جزئيّة المقدّم موافق لمقدّم المتّصلة كيفا؛ أو كانت سالبة كلّيّة أو جزئيّة، فإنّ النتيجة جزئيّة مقدّمها جزئيٌّ موجب.
فالأوّل كقولنا: (كلّ «ب» «ج»)، و (كلّما كان كلّ «ب» «أ» ف - «ه -» «ز»)، ف - (كلّما كان كلّ «ج» «أ» ف - «ه -» «ز»)؛ لأنّه كلّما كان كلّ «ج» «أ» فكلّ «ب» «ج» وكلّ «ج» «أ»، وكلّما كان كذلك فكلّ «ب» «أ»، فكلّما كان كلّ «ج» «أ» فكلّ «ب» «أ»، وينتج مع الكبرى المطلوبَ .
والثاني [كقولنا:] (بعض «ب» «ج»)، و (كلّما كان كلّ «ب» «أ» ف - «ه -» «ز»)، ف - (قد يكون إذا كان بعض «ج» «أ» ف - «ه -» «ز»)؛ وإلّا لأنتج نقيضه مع الكبرى من الثاني: (ليس البتّة إذا كان كلّ «ب» «أ» فبعض «ج» «أ»)، وضدّه صادق، لإنتاج مقدّمه مع الحمليّة تاليَه.
ص: 310
والثالث [كقولنا:] (لا شيء من «ب» «ج»)، و (كلّما كان لا شيء من «ب» «أ» ف - «ه -» «ز»)، ف - (قد يكون إذا كان بعض «ج» «أ» ف - «ه -» «ز»)، لأنّه كلّما كان كلّ «أ» «ج» فلا شيء من «ب» «ج» وكلّ «أ» «ج»، وكلّما صدقا فلا شيء من «ب» «أ»، فكلّما كان كلّ «أ» «ج» فلا شيء من «ب» «أ»، وينتج مع الكبرى: (كلّما كان كلّ «أ» «ج» ف - «ه -» «ز»)، وتنتج كبرى(1) مع استلزام مقدّمها لعكسه: المطلوبَ من الثالث.
وإن كانت المتّصلة جزئيّة فالنتيجة جزئيّة مثل: (كلّ «ب» «ج»)، و (قد يكون إذا كان كلّ «ب» «أ» ف - «ه -» «ز»)، ف - (قد يكون إذا كان بعض «ج» «أ» ف - «ه -» «ز»)؛ وإلّا لأنتج نقيضه مع الكبرى: (قد لا يكون إذا كان كلّ «ب» «أ» فبعض «ج» «أ»)، وهو كاذب؛ لصدق نقيضه، لإنتاج الحمليّة مع المقدّم تاليه.
فشروطه أربعة: [1] كون الحمليّة كلّيّة أو موجبة. [2] وإيجابها كلّيًّا أو كلّيّة المقدّم مع مخالفتها إيّاه كيفًا إن كانت المتّصلة جزئيّة. [3] وكون المقدّم غير الموجب الكلّي عند جزئيّة الحمليّة. [4] وعدم كونه سالبًا جزئيًّا عند كون المتّصلة جزئيّة.
فالمنتج اثنان وثلاثون: ثمانية من الحمليّة الموجبة الكلّيّة مع كلّ من الكليّتين في ضروبها الأربعة، مثل: (كلّ «ب» «ج») و (كلّما كان لا شيء من «أ» «ب» ف - «ه -» «ز»)، ف - (كلّما كان لا شيء من «ج» «أ» ف - «ه -» «ز»)؛ لأنّه كلّما كان لا شيء من «ج» «أ» فلا شيء من «ج» «أ»، وكلّ «ب» «ج»، وكلّما كان كذلك فلا شيء من «أ» «ب»، فكلّما كان لا شيء من «ج» «أ» فلا شيء من «أ» «ب»، وينتج مع الكبرى المطلوب من الأوّل. ومثل: (كلّ
ص: 311
«ب» «ج»)، و (كلّما كان كلّ «أ» «ب» ف - «ه -» «ز»)، ف - (قد يكون إذا كان بعض «ج» «أ» ف - «ه -» «ز»).
وستّة من الحمليّة الموجبة الكلّيّة مع الجزئيّة موجبةً وسالبةً إذا لم يكن مقدّمها سالبًا جزئيًّا. والنتيجة جزئيّة مقدّمها موافق المقدّم في الكيف، كقولنا: (كلّ «ب» «ج»)، و (قد يكون إذا كان كلّ «أ» «ب» ف - «ه -» «ز»)، ينتج: (قد يكون إذا كان بعض «ج» «أ» ف - «ه -» «ز»)؛ وإلّا لصدق نقيضه وأنتج مع كبرى القياس: (قد لا يكون إذا كان كلّ «أ» «ب» فبعض «ج» «أ»)، وهو باطل لما عرفت.
وثمانية من الموجبة الجزئية مع الكلّيّة موجبةً وسالبةً إذا لم يكن مقدّمها موجبًا كليًّا. والجزئيّة موجبة وسالبة إذا كان مقدّمها سالبًا كليًّا. والنتيجة جزئيّة جزئية المقدّم موافقة المقدّم للمقدّم كيفًا بالخلف؛ إلّا أن يكون مقدّم الكلّيّة موجبًا جزئيًا. فإنّ النتيجة كلّيّة مقدّمها موجبٌ كلّي.
وثمانية من السالبة الكلّيّة مع المتّصلتين الكليّتين في الضروب الأربعة. والنتيجة كلّيّةٌ كلّيّة المقدّم موجبته إن كان المقدّم سالبًا جزئيًا. وجزئيّةٌ جزئيّةُ المقدّم موجبته إن كان سالبًا كليًّا. وجزئيّةٌ سالبةُ المقدّم كليّته إن كان موجبًا جزئيًّا أو كليًّا. كقولنا: (لا شيء من «ب» «ج»)، و (كلّما كان ليس بعض «أ» «ب» ف - «ه -» «ز»)، ينتج: (كلّما كان كلّ «ج» «أ» ف - «ه -» «ز»)؛ لأنّه كلّما كان كلّ «ج» «أ» فكلّ «ج» «أ»، ولا شيء من «ب» «ج»، وكلّما صدقا صدق «ليس بعض «أ» «ب»)، وينتج مع الكبرى المطلوبَ .
وضربان من السالبة الكلّيّة مع الجزئيّة موجبة وسالبة إذا كان المقدّم موجبًا كلّيًّا. والنتيجة جزئيّة سالبة المقدّم كلّيّته.
ص: 312
فللأوّل شرطان:
[الأوّل:] كلّيّة الحمليّة أو كونها موجبة جزئيّة مع كلّيّة المتّصلة وكون مقدّمها موافقًا للحمليّة كمّا وكيفًا.
الثاني: كلّيّة المتّصلة أو إيجاب المقدّم.
فالمنتج ستة وعشرون: فالحمليّة الكلّيّة موجبة وسالبة مع الكليتين في الضروب الأربعة ستة عشر، وثمانية منها مع الجزئيّتين مع إيجاب المقدّم كليًّا وجزئيًّا، وضربان من الموجبة الجزئيّة مع الكليتين إذا كان مقدّمهما كالحمليّة.
كقولنا: (كلّما كان لا شيء من «ج» «ب» ف - «ه -» «ز»)، و (كلّ «ب» «أ»)، ف - (كلّما كان لا شيء من «ج» «أ» ف - «ه -» «ز»)؛ وإلّا لأنتج نقيضه وهو صغرى للصغرى: (قد لا يكون إذا كان لا شيء من «ج» «أ» فلا شيء من «ج» «ب»)، وهو كاذب، لصدق (كلّما كان لا شيء من «ج» «أ» فلا شيء من «ج» «ب»)، لإنتاج مقدّمه مع الحمليّة تاليه.
ومثل (كلّما كان كلّ «ج» «ب» ف - «ه -» «ز»)، و (كلّ «ب» «أ»)، ف - (قد يكون إذا كان كلّ «ج» «أ» ف - «ه -» «ز»)؛ وإلّا لأنتج نقيضه وهو كبرى للصغرى: (ليس البتّة إذا كان كلّ «ج» «ب» فكل «ج» «أ»)، وهو باطل؛ لأنّه كلّما كان كلّ «ج» «ب» فكلّ «ج» «أ»، لإنتاج الحمليّة مع المقدّم التالي.
وكقولنا: (كلّما كان بعض «ج» «ب» ف - «ه -» «ز»)، و (بعض «ب» «أ»)، ف - (قد يكون إذا كان بعض «ج» «أ» ف - «ه -» «ز»)؛ لأنّه كلّما كان كلّ «أ» «ج» فبعض «ب» «أ» وكلّ
ص: 313
«أ» «ج»، وكلّما صدقا صدق (بعض «ب» «ج»)، و (كلّما كان كلّ «أ» «ج» فبعض «ب» «ج»)، وهو ينتج مع استلزام مقدّمها لعكسه المطلوب.
وله شرطان:
[الأوّل:] كلّيّة الحمليّة أو موافقتها للمقدّم كيفا مع كلّيّة المتّصلة.
الثاني: كلّيّة المتّصلة أو مخالفة المقدّم للحمليّة كيفًا.
والمنتج ثمانية وعشرون: ستّة عشر من الحمليّة الكلّيّة موجبةً وسالبةً مع المتصلتين في الضروب الأربعة، وثمانية منها مع الجزئيّة موجبة وسالبة إذا كان المقدّم سالبًا كليًّا أو جزئيًّا إن كانت الحمليّة موجبة، أو يكون [المقدّم] موجبًا كليًّا أو جزئيًّا إن كانت الحمليّة سالبة؛ وأربعة من الجزئيّة موجبةً وسالبةً مع الكلّيّة موجبة وسالبة إذا كان مقدّمها موافقا للحمليّة كمّا وكيفًا.
مثل: (كلّما كان كلّ «ج» «ب» ف - «ه -» «ز»)، و (كلّ «أ» «ب»)، ف - (كلّما كان كلّ «ج» «أ» ف - «ه -» «ز»)؛ لأنّه كلّما كان كلّ «ج» «أ» فكلّ «ج» «أ»، وكلّ «أ» «ب»، وكلّما صدقا صدق (كلّ «ج» «ب»)، وينتج مع الصغرى: (كلّما كان كلّ «ج» «أ» ف - «ه -» «ز»)، فالنتيجة كلّيّة إذا كان المقدّم كليًّا موافقًا للحمليّة كيفًا.
وكقولنا: (كلّما كان كلّ «ج» «ب» ف - «ه -» «ز»)، و (لا شيء من «أ» «ب»)، ف - (قد يكون إذا كان لا شيء من «ج» «أ» ف - «ه -» «ز»): وإلّا لصار نقيضه كبرى للصغرى وأنتج: (ليس البتّة إذا كان كلّ «ج» «ب» فلا شيء من «ج» «أ»)، وهو كاذب، لصدق (كلّما كان كلّ «ج» «ب» فلا شيء من «ج» «أ»)، لإنتاج الحمليّة مع المقدّم تاليها.
ص: 314
وكقولنا: (كلّما كان بعض «ج» «ب» ف - «ه -» «ز»)، و (بعض «أ» «ب»)، ف - (قد يكون إذا كان بعض «ج» «أ» ف - «ه -» «ز»)؛ لأنّه كلّما كان كلّ «أ» «ج» ف - «ه -» «ز»، وهو مع استلزام مقدّمه لعكسه ينتج المطلوب.
وله شرطان:
[الأوّل:] كلّيّة المتّصلة إذا كان مقدّمها سالبًا ولا يكون مقدّمها أشرف من الحمليّة في الكمّ حينئذٍ.
الثاني: كلّيّة إحدى المقدّمتين أعني المتّصلة أو الحمليّة أو كون المقدّم كليًّا.
والمنتج أربعون: ستة عشر من الحمليّتين الكلّيّتين مع كلّ من المتّصلتين الكلّيّتين في الضروب الأربعة؛ وثمانية من الكلّيّتين مع المتّصلتين الجزئيّتين والمقدّم موجب كلّيّ أو جزئيٌّ ؛ واثنا عشر من الجزئيّتين مع كلّ من المتّصلتين الكلّيّتين في المقدّم الموجب الكلّي أو الجزئي أو السالب الجزئي؛ وأربعة من الجزئيّتين مع كلّ من المتّصلتين الجزئيّتين والمقدّم موجب كلّيّ .
وأمّا النتيجة فإن كانت المتّصلة كلّيّةً سالبةَ المقدّم فكلّيّةٌ كلّيّةُ المقدّم مخالفةُ المقدّم للحمليّة كيفًا؛ لاستلزام مقدّم النتيجة مع الحمليّة مقدّم الصغرى من الثاني وإنتاجه مع الصغرى المطلوب من الأوّل، كقولنا: (كلّما كان أو: ليس البتّة إذا كان لا شيء من «ب» «ج» ف - «ه -» «ز») و «كلّ «ب» «أ»)، ينتج: (كلّما كان أو ليس البتّة إذا كان لا شيء من «ج» «أ» ف - «ه -» «ز»).
وإن لم تكن المتّصلة كلّيّة سالبة المقدّم فالنتيجة جزئيّة مقدّمها جزئيّ موافق للحمليّة كيفًا بالخلف والبرهان من الثالث، مثل: (كلّما كان أو: ليس البتّة إذا كان كلّ «ب» «ج»
ص: 315
ف - «ه -» «ز»)، و (كلّ «ب» «أ»)، ينتج: (قد يكون إذا كان بعض «ج» «أ» ف - «ه -» «ز»)، و (قد لا يكون...)؛ وإلّا لصار نقيضه كبرى في الثاني لصغرى القياس منتجًا لقولنا: (ليس البتّة إذا كان كلّ «ب» «ج» فبعض «ج» «أ») وهو كاذب، لأنّه كلّما كان كلّ «ب» «ج» فبعض «ج» «أ»، لإنتاج مقدّمها مع الحمليّة تاليَها من الثالث.
وشروطه ثلاثة:
[الأوّل:] كلّيّة الحمليّة إذا كان المقدّم سالبًا كليّا؛ و [الثاني:] إيجاب المقدّم كليًّا أو كونه مخالفًا للحمليّة كيفًا إذا كانت المتصلة جزئية؛ و [الثالث:] أن لا يكون الحمليّة مقدّم الجزئيّة سالبًا جزئيًا.
والمنتج اثنان وثلاثون: ثمانية من الحمليّة الموجبة الكلّيّة مع الكلّيّتين في الضروب الأربعة؛ وأربعةٌ منها مع الجزئيّتين إذا كان المقدّم كليًّا؛ وثمانية من الحمليّة السالبة الكلّيّة مع الكلّيّتين في الضروب الأربعة؛ وأربعة منها مع الجزئيّتين إذا كان المقدّم موجبًا كليًّا أو جزئيًّا؛ وستّة من الحمليّة الموجبة الجزئيّة مع الكلّيّتين في ثلاثة: أن يكون المقدّم موجبًا كليًّا أو جزئيًّا أو سالبًا جزئيًّا؛ وضربان منها مع الجزئيّتين ومقدّمها موجب كلّيّ .
وأمّا النتيجة فإن: [1] كانت المتّصلة كلّيّة وكان المقدّم والحمليّة سالبين كلّيّين، [2] أو كان المقدّم موجبًا جزئيًّا والحمليّة موجبة كلّيّة، [3] أو المقدّم سالب جزئيّ ، فكلّيّة كلّيّة المقدّم فقط عند سلب المقدّم، وكلّيّة المقدّم وجزئيّته عند إيجابه، مخالف للمقدّم عند سلب الحمليّة وموافق عند إيجابها؛ لإنتاج مقدّم النتيجة مع الكبرى الحمليّة مقدّمَ الصغرى أو ما ينعكس إلى مقدّم الصغرى أو إلى ملزومه، وذلك عشرة أضرب: أربعة منها تحصل من الأمر الأوّل، وأربعة من الثّاني، وستّة من الثالث.
ص: 316
مثل: (كلّما كان أو: ليس البتّة إذا كان لا شيء من «ب» «ج» ف - «ه -» «ز»)، و (لا شيء من «أ» «ب»)، ينتج: (كلّما كان كلّ «ج» «أ» ف - «ه -» «ز») مع إيجاب الصغرى، و: (ليس البتّة...) مع السلب؛ لأنّه يصدق (كلّما كان كلّ «ج» «أ» فكلّ «ج» «أ»)، و (لا شيء من «أ» «ب»)، وكلّما كان كذلك فلا شيء من «ج» «ب»، وكلّما كان لا شيء من «ج» «ب» فلا شيء من «ب» «ج»، ينتج: (كلّما كان كلّ «ج» «أ» فلا شيء من «ب» «ج»)، وهو ينتج مع الصغرى المطلوبَ إيجابًا وسلبًا.
ومثل: (كلّما كان أو: ليس البتّة إذا كان بعض «ب» «ج» ف - «ه -» «ز»)، و (كلّ «أ» «ب»)، ف - (كلّما كان أو: ليس البتّة إذا كان بعض «ج» «أ» ف - «ه -» «ز»)؛ لأنّه كلّما كان بعض «ج» «أ» فبعض «ج» «ب»، لإنتاج مقدّمها مع الحمليّة إيّاه، وكلّما كان بعض «ج» «ب» فبعض «ب» «ج»، ينتج: (كلّما كان بعض «ج» «أ» فبعض «ب» «ج») وهو مع الصغرى ينتج المطلوب.
ومثل: (كلّما كان أو ليس البتّة إذا كان ليس بعض «ب» «ج» ف - «ه -» «ز»)، و (بعض «أ» «ب»)، ف - (كلّما كان لا شيء من «ج» «أ» ف - «ه -» «ز») أو (ليس البتّة...)؛ لأنّه كلّما كان لا شيء من «ج» «أ» فليس بعض «ب» «ج»، لإنتاج مقدّمه مع الحمليّة تاليَه من الرابع، وإنتاجِه مع الكبرى الموجبة أو السالبة المطلوبَ من الأوّل.
وقِسْ عليه باقي الضروب.
وإن لم تكن الصغرى كلّيّة مع شيء من الأُمور الثلاثة فالنتيجة جزئيّة مقدّمها نتيجة التأليف بالخلف والبرهان من الثالث، والأوسط مقدّم الصغرى، لكن بعد ردّ المتّصلة الكلّيّة التي مقدّمها موجب جزئيّ ولا نُجرى فيها الخلف والبرهان من الثالث إلى المتّصلة الكلّيّة الّتي مقدّمها موجب كلّيّ ؛ لنُجري فيها الخلف، مثل: (كلّما كان أو:
ص: 317
ليس البتّة إذا كان كلّ «ب» «ج» ف - «ه -» «ز»)، و (كلّ «أ» «ب»)، ينتج: (قد يكون إذا كان بعض «ج» «أ» ف - «ه -» «ز»)، أو: (ليس دائمًا...)؛ وإلّا لصار نقيض النتيجة كبرى لقياسٍ في الثاني صُغراه صغرى القياس منتجٍ لقولنا: (ليس البتّة إذا كان كلّ «ب» «ج» فبعض «ج» «أ»)، وهو كاذب؛ لأنّه كلّما كان كلّ «ب» «ج» فبعض «ج» «أ»؛ لإنتاج مقدّمه مع الحمليّة إيّاه من الرابع.
وقس على ما ذكرناه باقيَ الضروب.
وأقسامه ثلاثة:
وذلك بأن يشارك كلّ واحدةٍ من الحمليّات واحدًا من أجزاء الانفصال في أحد الطرفين ويباينه في الآخر، والطرفان المتباينان هما طرفا النتيجة.
وأقسامه أربعة:
القياس المقسّم، وهو الذي يشترك فيه الحمليّات بأسرها في أحد طرفي النتيجة وأجزاء الانفصال في الآخر، وينتج حمليّة.
والمشترك بين الحمليّات وأجزاء الانفصال هو الحدّ الأوسط. ولابدّ وأن يكون مفهومات مختلفة متعدّدة بحسب تعدّد أجزاء الانفصال والحمليّات؛ إذ لو نقص عددها عن عدد أجزاء الانفصال والحمليّات لزم اتّحاد قضيّتين من الحمليّات في الطرفين
ص: 318
واتحاد قضيّتين من أجزاء الانفصال فيهما؛ فإن كانت المنفصلة صغرى فتلك المفهومات محمولات في أجزاء الانفصال موضوعات في الحمليات في الشكل الأوّل، ومحمولات في الحمليّات موضوعات في أجزاء الانفصال في الرابع؛ وإن كانت كبرى فبالعكس.
وأمّا الشكل الثاني والثالث فسواء كانت المنفصلة صغرى أو كبرى فالمفهومات محمولات في أجزاء الانفصال والحمليّات في الثاني وموضوعات فيهما في الثالث.
وشرط الإنتاج اشتمال التأليف على شرائط كلّ شكلٍ كإيجاب كلّ واحد من أجزاء الانفصال وكلّيّة الحمليّة إن كانت المنفصلة صغرى؛ وإن كانت كبرى فالحمليّات موجبات وأجزاء الانفصال كلّيّة في الأوّل.
وقد يتّحد التأليف بأن يكون من شكلٍ واحدٍ، مثل: (إمّا كلّ «ج» «ب» أو كلّ «ج» «د»)، و (كلّ «ب» «ه -»» و «كلّ «د» «ه -»)، ينتج: (كلّ «ج» «ه -»). وقد يتعدّد، مثل: (إمّا كلّ «ج» «ب» أوكلّ «ج» «د» أو لا شيء من «ه -» «ج»)، و (لا شيء من «ب» «ط»)، و (لا شيء من «ط» د» و «كلّ «ط» «ه -»)، ينتج: (لا شيء من «ج» «ط»).
ويجب كون المنفصلة موجبة كلّيّة حقيقيّة أو مانعة الخلوّ؛ لاحتمال اختلاف زمان صدق الحمليّة وزمان صدق المنفصلة، فلا تجتمعان على الصدق، فلا إنتاج. ولو كانت مانعة الجمع لم يجب اجتماع الجزء المشارك من المنفصلة مع ما يشاركه من الحمليّة على الصدق؛ لإمكان كذب جزئَي مانعة الجمع الصادقة؛ بل لو كانت أجزاؤها نقائض ما يجب أن يكون في مانعة الخلوّ كانت منتجة بانقلابها إلى مانعة الخلوّ.
مثال الشكل الثاني والمنفصلة صغرى: (إمّا كلّ «أ» «ب» أو كلّ «أ» «ج»)، و (لا شيء من «ه -» «ب»)، و (لا شيء من «ه -» «ج»). ومثال الكبرى: (كلّ «أ» «ب»)، و (كلّ «أ» «ج»)، و (إمّا أن يكون لا شيء من «ه -» «ب» أو لا شيء من «ه -» «ج»).
ص: 319
مثال الثالث والمنفصلة صغرى: (إمّا كلّ «ب» «أ» أو كلّ «ج» «أ» وكلّ «ب» «ه -» وكلّ «ج» «ه -»). مثال الكبرى: (كلّ «ب» «أ» وكلّ «ج» «أ»)، و (إمّا أن يكون كلّ «ب» «ه -» أو كلّ «ج» «ه -»).
مثال الرابع: (إمّا كلّ «ب» «أ» أو كلّ «ج» «أ»)، و (كلّ «ه -» «ب»)، و (كلّ «ه -» «ج»).
وأيضًا: (كلّ «ب» «أ»)، و (كلّ «ج» «أ»)، و (إمّا كلّ «ه -» «ب» أو كلّ «ه -» «ج»).
وعلّة الإنتاج وجوب صدق أحد أجزاء الانفصال مع ما يشاركه من الحمليّة وانتظامها قياسًا منتجًا للمطلوب.
[ القسم] الثاني(1)
أن يشارك كلّ واحدةٍ من الحمليّات جزءً واحدًا من أجزاء الانفصال، لكن الحمليّات لا تشترك في حدّ غير الأوسط ولا أجزاء الانفصال.
وينتج منفصلة موجبة مانعة الخلوّ من نتائج التأليف: إمّا مع اتحاد الشكل واشتراك أجزاء الانفصال والحمليّات في الأوسط، مثل: (إمّا كلّ «أ» «ب» أو كلّ «ج» «ب» أو كلّ «د» «ب»)، و (كلّ «ب» «ه -»)، و (كلّ «ب» «ح»)، و (كلّ «ب» «ط»)، ينتج: (إمّا كلّ «أ» «ه -» أو كلّ «ج» «ح» أو كلّ «د» «ط»). هذا مع اعتبار مشاركة جزء واحد من أجزاء الانفصال لحملية واحدة.
وإن اعتبر مشاركة الجزء للحمليّات تكثرت النتائج. منتج هذا المثال(2): (إمّا كلّ «أ» «ه -» أو كلّ «أ» «ح» أو كلّ «أ» «ط» أو كلّ «ج» «ه -» أو كلّ «ج» «ح» أو كلّ «ج» «ط» أو كلّ «د» «ه -» أو كلّ «د» «ح» أو كلّ «د» «ط»)؛
أو لا مع اشتراك أجزاء الانفصال والحمليّات في الأوسط، مثل: (إمّا كلّ «أ» «ب» أو كلّ «ج» «د» أو كلّ «و» «ز»)، و (كلّ «ب» «ه -»)، و (كلّ «د» «ط»)، و (كلّ «ز» «ح»)، ينتج: (إمّا كلّ «أ» «ه -» أو كلّ «ج» «ط» أو كلّ (و) «ح»)؛
أو مع تعدّد الأشكال واشتراك أجزاء الانفصال والحمليّات في الأوسط، مثل: (إمّا كلّ «أ» «ب» أو كلّ «ج» «ب» أو كلّ «ب» «ط»)، و (كلّ «ب» «ه -»)، و (لا شيء من «ك» «ب»)، و (كلّ «ب» «ح»)، ينتج: (إمّا كلّ «أ» «ه -» أو لا شيء من «ج» «ك» أو بعض «ط» «ح»). وتتكثر النتائج بالاعتبار الذي تقدّم.
ص: 320
أو لا مع الاشتراك، مثل: (إمّا كلّ «أ» «ب» أو كلّ «ج» «د» أو كلّ «و» «ط»)، و (كلّ «ب» «ه -»)، و (لا شيء من «ك» «د») و (كلّ «و» «ح»)، ينتج: (إمّا كلّ «أ» «ه -» أو لا شيء من «ج» «ك» أو بعض «ط» «ح»).
أن يشارك كلّ واحدة من الحمليّات واحدًا من أجزاء الانفصال، ويشترك أجزاء الانفصال فقط أو الحمليّات فقط في أحد الجزئين غير الأوسط.
وينتج مانعة الخلوّ من نتائج التأليفات.
مثال ما يشترك أجزاء المنفصلة فقط في أحد الطرفين: (إمّا كلّ «أ» «ب» أو كلّ «أ» «د» أو كلّ «أ» «ج»)، و (كلّ «ب» «ه -»)، و (كلّ «د» «ط»)، و (كلّ «ج» «ح»)، ينتج: (إمّا كلّ «أ» «ه -» أو كلّ «أ» «ط» أو كلّ «أ» «ح»). وقد تقع المنفصلة كبرى، مثل: (كلّ «أ» «ب»)، و (كلّ «ج» «د»)، و (كلّ «ط» «ز»)، و (إمّا أن يكون كلّ «أ» «ب» أو كلّ «د» «ه -» أو كلّ «ز» «ه -»)، ينتج: (إمّا كلّ «أ» «ه -» أو كلّ «ج» «ه -» أو كلّ «ط» «ه -»).
مثال ما تشترك الحمليّات فقط: (إمّا كلّ «أ» «ب» أو كلّ «ج» «د» أو كلّ «ط» «ح»)،
ص: 321
و (كلّ «ب» «ه -» وكلّ «د» «ه -» وكلّ «ح» «ه -»)، ينتج: (إمّا كلّ «أ» «ه -» أو كلّ «ج» «ه -» أو كلّ «ط» «ه -»).
أن يشارك كلّ واحدةٍ من الحمليّات واحدًا من أجزاء الانفصال، ويشترك أجزاء الانفصال في أحد الحدّين غير الأوسط والحمليّات في الآخر.
وينتج منفصلة مركبة من نتائج التأليفات مثل: (إمّا كلّ «أ» «ب» أو كلّ «أ» «د» أو كلّ «ط» «أ»)، و (كلّ «ب» «ه -»)، و (لا شيء من «ه -» «د»)، و (كلّ «ط» «ه -»)، ينتج: (إمّا كلّ «أ» «ه -» أو لا شيء من «أ» «ه -» أو بعض «أ» «ه -»). وقد يتفق بعض التأليفات، مثل: (إمّا كلّ «أ» «ب» أو كلّ «أ» «د» أو كلّ «أ» «ه -»)، و (كلّ «ب» «ج»)، و (كلّ «د» «ج»)، و (لا شيء من «ه -» «ج»)، ينتج: (إمّا كلّ «أ» «ج» أو لا شيء من «أ» «ج»).
القسم الثاني(1): أن يكون عدد الحمليّات أكثر من أجزاء الانفصال
فالحمليّة الزائدة إن لم يشارك شيئًا من أجزاء الانفصال لم يكن لها مدخل في القياسيّة.
وإن شاركت فذلك الجزء المشارك لها قد شارك أُخرى، وحينئذٍ يكون هناك قياسان: أحدهما باعتبار مشاركة ذلك الجزء لتلك الحمليّة، والثاني باعتبار مشاركته للأُخرى.
ولو تعدّدت الحمليّات تعدّد القياس، ويكون كلّ واحدٍ من هذين القياسين من أحد الأقسام السابقة، وينتج نتيجتي التأليفين الحاصلين من مشاركة ذلك الجزء للحمليّتين،
ص: 322
ومن نتائج التأليفات الحاصلة من مشاركة الأجزاء الأُخر لباقي الحمليّات، مثاله: (دائمًا إمّا كلّ «أ» «ب» أو كلّ «أ» «د»)، و (كلّ «ب» «ج»)، و (لا شيء من «ب» «ه -»)، و (لا شيء من «د» «ط»). فالقياس باعتبار مشاركة (كلّ «أ» «ب») ل - (كلّ «ب» «ج»)، ينتج: (إمّا كلّ «أ» «ج» أو لا شيء من «أ» «ط»)؛ وباعتبار مشاركة (كلّ «أ» «ب») لقولنا: (لا شيء من «ب» «ه -»)، ينتج: (إمّا لا شيء من «أ» «ه -» أو لا شيء من «أ» «ط»)؛ وباعتبار المشاركين ينتج: (إمّا كلّ «أ» «ج» أو لا شيء من «أ» «ه -» أو لا شيء من «أ» «ط»).
فإن شاركت الحمليّة أحد الجزئين، لا غير، فالنتيجة منفصلة مانعة الخلوّ مركبة من الجزء غير المشارك من المنفصلة، ونتيجة التأليف بين الحملية والجزء المشارك، مثل: (إمّا كلّ «أ» «ب» أو كلّ «أ» «ج»)، و (كلّ «ج» «د»)، ف - (إمّا كلّ «أ» «ب» أو كلّ «أ» «د»)؛ ومثل: (إمّا كلّ «أ» «ب» أو كلّ «ج» «د»)، و (كلّ «د» «ه -»)، ف - (إمّا كلّ «أ» «ب» أو كلّ «ج» «ه -»).
وإن شاركهما معا فالنتيجة مانعة الخلوّ مؤلفة من نتيجتي التأليفين، مثل: (إمّا كلّ «أ» «ب» أو كلّ «ج» «ب»)، و (كلّ «ب» «ه -»)، ينتج: (إمّا كلّ «أ» «ه -» أو كلّ «ج» «ه -»). ومثل: (إمّا كلّ «أ» «ب» أو كلّ «أ» «د»)، و (لا شيء من «ب» «د»)، ف - (إمّا لا شيء من «أ» «د» أو لا شيء من «أ» «ب»).
ومثل: (إمّا كلّ «أ» «ب» أو كلّ «ج» «د»)، و (لا شيء من «ب» «ج»)، ينتج: (إمّا لا شيء من «أ» «د» أو لا شيء من «ج» «ب»).
ص: 323
وأقسامه ثلاثة:
فإن كانت المتّصلة صغرى لم يتميّز الشكل الأوّل عن الثاني، ولا الثالث عن الرابع؛ وإن كانت كبرى لم يتميّز الأوّل عن الثاني ولا الثاني عن الرابع. وعلى التقديرين فالشركة إمّا في مقدّم المتّصلة أو تاليها.
ويشترط في الجميع [1] إيجاب إحدى المقدّمتين، و [2] كلّيّة إحديهما: فإن كانت صغرى والأوسط تاليها والمقدّمتان موجبتان كلّيتان فالمنفصلة إن كانت مانعة الجمع أنتج القياس موجبة كلّيّة مانعة الجمع؛ لاستلزام امتناع الجمع بين الشيء واللازم امتناعَه بينه وبين الملزوم؛ وإن كانت مانعة الخلوّ فالنتيجة متصلة جزئيّة من نقيض الأصغر وعين الأكبر، مثل: (كلّما كان «أ» «ب» ف - «ج» «د»)، و (دائمًا إمّا «ج» «د» أو «ه -» «ز») [ف -: (قد يكون إذا لم يكن «أ» «ب» ف - «ه -» «ز»)](1)؛ لاستلزام الصغرى: (كلّما لم يكن «ج» «د» لم يكن «أ» «ب»)، والكبرى: (كلّما لم يكن «ج» «د» ف - «ه -» «ز»)، وكذا إن كانت إحداهما جزئيّة.
وإن كانت إحداهما سالبة فإن كانت المنفصلة وكانت مانعة الخلوّ وهما كليّتان أنتج سالبة كلّيّة مانعة الخلوّ؛ لاستلزام الخلوّ عن الشيء واللازم جوازه عنه وعن الملزوم؛ وإن كانت إحداهما جزئيّة فالنتيجة جزئيّة، وإن كانت مانعة الجمع فعقيم، لاحتمال عموميّة اللازم، فجاز أن يجامع ما يعاند الملزوم، مثل: (كلّما كان هذا إنسانًا فهو حيوان)، و (ليس البتّة إمّا أن يكون حيوانًا أو لا ناطقًا)، ويصدق العناد بين الإنسان واللا ناطق.
وإن كانت السالبة هي المتصلة، فالمنفصلة إن كانت مانعة الخلوّ أنتج وهما كليتان: منفصلتين سالبتين كليتين إحداهما مانعة خلوٍّ، مثل: (ليس البتّة إذا كان «أ» «ب» ف - «ج» «د»)، و (دائمًا إمّا «ج» «د» أو «ه -» «ز»)؛ لو لم يصدق (ليس البتّة إمّا «أ» «ب» أو «ه -» «ز») مانعةَ الخلوّ لَصدق (قد يكون إمّا «أ» «ب» أو «ه -» «ز»)، ويلزمه (قد يكون إذا لم يكن «ه -» «ز» ف - «أ» «ب»)، ويلزم المنفصلة (كلّما لم يكن «ه -» «ز» ف - «ج» «د»)، وينتج من الثالث: (قد يكون إذا كان «أ» «ب» ف - «ج» «د») وهو يكذب السالبة الكليّة؛
والثانية مانعةُ جمعٍ ، وإلّا لصدق (قد يكون إمّا «أ» «ب» أو «ه -» «ز»)، ويلزمه (قد يكون إذا كان «أ» «ب» لم يكن «ه -» «ز»)، وهو ينتج مع لازم المنفصلة نقيض المتّصلة.
وإن كانت إحداهما جزئيّة فإن كانت المتّصلة فالنتيجة جزئية سالبة مانعة الجمع خاصّة، لما تقدم في لزوم مانعة الجمع؛ وإن كانت المنفصلة فالنتيجة سالبة جزئيّة مانعة الخلوّ خاصة، لما تقدّم في لزوم مانعة الخلو.
ص: 324
وإن كانت المنفصلة مانعة الجمع وهما كليّتان فالنتيجة سالبة جزئيّة مانعة الخلوّ؛ لأنّه لو لم يصدق (قد لا يكون إمّا «أ» «ب» أو «ه -» «ز») عند صدق (ليس البتّة إذا كان «أ» «ب» ف - «ج» «د»)، و (دائمًا إمّا «ج» «د» أو «ه -» «ز») مانعةَ الخلوّ، لَصدق لازم نقيضه (كلّما لم يكن «ه -» «ز» ف - «أ» «ب»)، فيجعل كبرى لقولنا: (كلّما كان «ج» «د» لم يكن «ه -» «ز») اللازم للمنفصلة، وينتج من الأوّل: (كلّما كان «ج» «د» ف - «أ» «ب»)، وعكسه يناقض الصغرى.
وإن كانت المنفصلة جزئيّة فالنتيجة ما تقدّم، وإن كانت المتّصلة جزئيّة فعقيم؛ لصدق (قد لا يكون إذا كان هذا حيوانًا فهو حجر)، و (دائمًا إمّا أن يكون حجرًا أو
ص: 325
حسّاسًا)، مع صدق (كلّما كان حيوانًا كان حسّاسًا)، ويصدق (قد لا يكون إذا كان هذا حيوانًا فهو إنسان)، و (دائمًا إمّا أن يكون إنسانًا أو لا حيوانًا)، مع صدق (إمّا أن يكون حيوانًا أو لا حيوانًا).
وإن كانت المنفصلة سالبة فإن كانت مانعة الخلوّ وهما كلّيّتان فالنتيجة سالبة كلّيّة مانعة الخلوّ، مثل: (كلّما كان «أ» «ب» ف - «ج» «د»)، و (ليس البتّة إمّا «ج» «د» أو «ه -» «ز»)، ف - (ليس البتّة إمّا «أ» «ب» أو «ه -» «ز»)؛ لاستلزام جواز الخلوّ عن الشيء واللازم جواز الخلوّ عنه وعن الملزوم، وإن كانت إحداهما جزئيّة فالنتيجة جزئية.
وإن كانت مانعة الخلوّ فالقياس عقيم؛ لإمكان عموميّة اللازم فيجامع ما يعاند ملزومه أو يلازمه، مثل: (كلّما كان هذا إنسانًا فهو حيوان)، و (ليس البتّة إمّا أن يكون حيوانًا أو لا ناطقًا)؛ أو نقول في الكبرى: (ليس البتّة إمّا أن يكون حيوانًا أو ضاحكًا).
وإن كانت المتّصلة صغرى والشركة مع مقدّمها، فإن كانتا موجبتين فالمنفصلة إن كانت مانعة الخلوّ وهما كليّتان فالمنفصلة موجبة كلّيّة مانعة الخلوّ(1)، مثل: (كلّما كان «أ» «ب» ف - «ج» «د»)، و (دائمًا إمّا «أ» «ب» أو «ه -» «ز»)، ينتج: (دائمًا إمّا «ج» «د» أو «ه -» «ز»)، لاستلزام امتناع الخلوّ عن الشيء والملزوم امتناعَ الخلوّ عنه وعن اللازم؛ وإن كانت إحداهما جزئيّة فالنتيجة جزئيّة. وإن كانت مانعة الجمع وهما كلّيّتان أو إحداهما جزئيّة فالنتيجة متّصلة جزئيّة من عين الأصغر ونقيض الأكبر، فإذا فرضنا الكبرى مانعة الجمع استلزمت (كلّما كان «أ» «ب» لم يكن «ه -» «ز»)، وينتج الصغرى من الثالث المطلوب.
وإن كانت المنفصلة سالبة فإن كانت مانعة الجمع فالنتيجة سالبة كلّيّة مانعة الجمع، مثل: (كلّما كان «أ» «ب» ف - «ج» «د»)، و (ليس البتّة إمّا «أ» «ب» أو «ه -» «ز»)، ينتج: (ليس البتّة إمّا «ج» «د» أو «ه -» «ز»)؛ لاستلزام جواز الجمع بين الشيء والملزوم جوازَه بينه وبين اللازم. وإن كانت إحداهما جزئيّة فالنتيجة جزئيّة. وإن كانت مانعة الخلوّ فعقيم؛ إذ لا يلزم من جواز الخلوّ عن الشيء والملزوم جوازُه عنه وعن اللازم، لاحتمال العموميّة.
ص: 326
وإن كانت السالبةُ المتّصلة فالمنفصلة إن كانت مانعة الخلوّ وهما كلّيّتان أنتج مانعتَي جمع وخلوّ، مثل: (ليس البتّة إذا كان «أ» «ب» ف - «ج» «د»)، و (دائمًا إمّا «أ» «ب» أو «ه -» «ز»)، [ف -] - لو لم يصدق (ليس البتّة إمّا «ج» «د» أو «ه -» «ز») مانعة الجمع لصدق نقيضه ويلزمه (قد يكون إذا كان «ج» «د» فليس «ه -» «ز»)، فيجعل صغرى لقولنا: (كلّما لم يكن «ه -» «ز» ف - «أ» «ب») اللازم للمنفصلة، وينتج ما ينعكس إلى نقيض الصغرى؛ ولو لم يصدق مانعة الخلوّ لصدق نقيضها (إمّا «ج» «د» أو «ه -» «ز»)، ويلزمه (قد يكون إذا لم يكن «ه -» «ز» ف - «ج» «د»)، فإذا جعل كبرى لقولنا: (كلّما لم يكن «ه -» «ز» ف - «أ» «ب») اللازم للمنفصلة، أنتج من الثالث: (قد يكون إذا كان «أ» «ب» ف - «ج» «د») وهو يناقض الصغرى.
وإن كانت المنفصلة جزئيّة فالنتيجة جزئيّة سالبة مانعة الخلوّ لما تقدّم. وإن كانت المتّصلة فعقيم (*) لصدقِ (قد لا يكون إذا كان هذا حيوانًا فهو إنسان)، و (دائمًا إمّا أن يكون حيوانًا أو لا إنسانًا) مع صدق (إمّا أن يكون إنسانًا أو لا إنسانًا)؛ وإن كانت مانعة الجمع فالنتيجة سالبة جزئية مانعة الخلوّ، سواء كانتا كلّيّتين أو إحداهما، مثل: (ليس البتّة أو: قد لا يكون إذا كان «ج» «د» ف - «أ» «ب»)، و (قد يكون أو: دائمًا إمّا «ج» «د» أو «ه -» «ز»)، [ف -] - لو لم يصدق (قد لا يكون إمّا «أ» «ب» أو «ه -» «ز») مانعة الخلوّ لصدق
ص: 327
نقيضها ويلزمها (كلّما لم يكن «ه -» «ز» ف - «أ» «ب»)، ويلزم المنفصلة (قد يكون إذا كان «ج» «د» لم يكن «ه -» «ز»)، وينتج: (قد يكون إذا كان «ج» «د» ف - «أ» «ب»)، وهو يناقض الصغرى. ولو كانت المنفصلة كلّيّة لزمها (كلّما كان «ج» «د» لم يكن «ه -» «ز»)، وينتج: (كلّما كان «ج» «د» ف - «أ» «ب»)، وهو يناقض الصغرى الجزئيّة.
وإن كانت المتّصلة كبرى والشركة مع التالي فحكمه كالأوّل، وهو أن تكون المتّصلة صغرى والشركة مع تاليها؛ إلّا في المتّصلة الجزئيّة الموجبة اللازمة من القياس المذكور المركبة من عين أحد الطرفين ونقيض الآخر، فإنّها كالثاني، وهو أن تكون المتّصلة صغرى والشركة مع المقدّم.
وإن كانت المتّصلة كبرى والشركة مع مقدّمها فحكمه كالثاني، إلّا أنّ المتّصلة الجزئية الموجبة اللازمة من القياس المذكور المركبة من عين أحد الطرفين ونقيض الآخر فإنّها فيه كما في الأوّل.
وإن كانت المنفصلة حقيقيّة موجبة أنتجت في كلّ موضع ينتج فيه موجبة مانعة الجمع وموجبة مانعة الخلوّ ما تنتجانه، لكونها أخصّ من كلّ منهما؛ وإن كانت سالبة فعقيم، وإلّا لأنتجت السالبة المانعة للجمع والمانعة للخلوّ تلك النتيجة في ذلك القياس؛ لأنّ كلًّا من السالبتين أخصّ منها وهما لا تنتجان جمعا في شيء من الأقيسة المذكورة.
القسم الثاني(1): أن تكون الشركة في جزء غير تامّ منهما
وله نتيجتان: إحداهما متّصلة مركّبة من الجزء غير المشارك من المتّصلة ونتيجة التأليف من الجزء المشارك منها ومن المنفصلة؛ والثانية منفصلة مركّبة من الجزء غير
ص: 328
المشارك من المنفصلة ومن نتيجة التأليف من الجزء المشارك منها ومن المنفصلة(1).
وأقسامه أربعة؛ لأنّ المتّصلة إمّا صغرى أو كبرى، وعلى كلى التقديرين فالشركة إمّا في مقدّمها أو تاليها.
ويشترط في الجميع إيجاب المنفصلة واشتمال المشاركين في كلّ شكل على شرائطه.
مثال الشكل الأوّل من القسم الأوّل: (كلّما كان «ج» «د» ف - «أ» «ب»)، و (دائمًا إمّا كلّ «د» «ط» أو «ه -» «ز»)، ينتج: (قد يكون إذا كان «أ» «ب» فإمّا «ج» «ط» أو «ه -» «ز»)، وينتج أيضًا: (إمّا أن يكون «ه -» «ز» وإمّا أن يكون قد يكون إذا كان كلّ «ج» «ط» ف - «أ» «ب»). وقس عليه الباقي.
وإنّما يتحقّق بأن تكون إحدى طرفي إحدى المقدّمتين شرطية تشارك المقدّمة الأُخرى في جزءٍ تامٍّ منهما، فالتامّ إن كان جزءً ا من المتّصلة فحكمه حكم المركّب من الحمليّ والمنفصل، ويكون المتّصل هنا مكان الحمليّ هناك، مثل: (كلّما كان «أ» «ب» ف - «ج» «د»)، و (دائمًا إمّا كلّما كان «ج» «د» ف - «ه -» «ز» أو «ح» «ط»)، ينتج: (إمّا كلّما كان «أ» «ب» ف - «ه -» «ز» أو «ح» «ط»)؛ وإن كان جزءً من المنفصلة فحكمه حكم القياس المركّب من الحمليّ والمتّصل وتكون المنفصلة هنا مكان الحمليّة، مثل: (دائمًا إمّا أن يكون «أ» «ب» أو «ج» «د»)، و (كلّما كان كلّما كان «ج» «د» ف - «ه -» «ز» ف - «ح» «ط»)، ينتج: (قد يكون إذا كان «ح» «ط» فإمّا «أ» «ب» أو «ه -» «ز»).
ص: 329
وفيه أحد عشر(1) بحثًا:
أ: الاستثناء يجب أن يكون قضيّة، ولا يجوز أن تكون هي المقدّمة؛ وإلّا لزم الاستدلال بالشيء على نفسه، هذا خلف؛ فيجب أن تكون جزءً منها. وحينئذٍ يجب أن تكون المقدّمة شرطيّة؛ لاستحالة حمل بعض الأقوال الجازمة على البعض، فيجب أن يكون الربط باتّصال أو انفصال؛ فإنّك قد عرفت أنّ الشرطيّة إمّا متّصلة أو منفصلة، فالمقدّمة لا تخلو عنهما، فإذن القياس الاستثنائيّ مركّب من مقدّمتين: إحداهما شرطيّة والأُخرى وضعٌ لأحد جزئَيها أو رفعٌ ليلزم منه وضع الآخر أو رفعه.
ولمّا كانت الشرطيّة قد تتركّب من حمليّتين أو شرطيّتين أو من خلط منهما فلا يجب في المقدّمة الاستثنائيّة التي هي وضع أو رفع أن تكون حمليّة، بل قد تكون شرطيّة إن كانت الشرطيّة مركّبة من شرطيّتين أو من شرطيّة هي المقدّم وحمليّة هي التالي إن استثنى العين؛ وبالعكس إن استثنى النقيض.
ب: الشرطيّة هنا تجري مجرى الكبرى في الحمليّات والاستثناء يجري مجرى الصغرى؛ لأنّ معنى الكبرى في الحمليّات أنّ كلّ ما ثبت له الأوسط بالفعل فالأكبر ثابت له، وهو في قوّة (كلّما تحقّق الأوسط بالفعل في شيء تحقّق الأكبر فيه)، ومعنى الصغرى أنّ كلّ
ص: 330
ما ثبت له الأصغر بالفعل فالأوسط ثابت له، وهو في قوّة أنّ الأوسط تحقّق في الأصغر، ويلزم تحقّق الأكبر في الأصغر، وهذا في قياسٍ شرطيةٍ متّصلةٍ والاقترانيّ من الأوّل(1).
ج: الشرطيّة المستعملة في هذا القياس يجب أن تكون كلّيّة إن كان الاستثناء جزئيًّا. إذ لو كانت جزئيّة حينئذٍ جاز أن يختلف زمان الربط بالاتصال أو الانفصال وزمان الاستثناء، فلا يحصل إنتاج؛ لأنّ شرطه اجتماع المقدّمتين على الصدق.
وهل يجوز أن تكون جزئيّة على تقدير كلّيّة الاستثناء؟
منع بعضهم(2)؛ لصدق الملازمة الجزئيّة بين أيّ شيئين فُرضا. فإذا كان المقدّم صادقًا دائمًا والتالي كاذب دائمًا فإذا استثنى المقدّم دائمًا أنتج صدق التالي في الجملة مع أنّه كاذب دائمًا. ولو استثنى نقيض التالي دائمًا أنتج نقيض المقدّم في الجملة مع كذبه دائمًا.
والتحقيق أنّه لا ملازمة هنا.
لا يقال: لو ثبت اللزوم على بعض الاعتبارات ثبت اللزوم دائمًا. فإنّ ما لا يكون لازمًا لا يصير لازمًا لشيء من الأوقات.
لأنّا نمنع الملازمة الأُولى. وسندهُ التنفّس للإنسان؛ سلّمناه، لكن الإنتاج حينئذٍ إنّما يتحقّق عند كلّيّة القضية وهو المطلوب.
ص: 331
د: يجب أن تكون الشرطيّة موجبة؛ لأنّ سلب الاتّصال بين أمرين مع فرض وقوع أحدهما أو عدمه لا يوجب شيئًا؛ لأنّ سلب الاتصال يصدق مع التعاند وعدمه، نعم، لو أوجبنا التلازم بين المتّصلتين المتوافقتين في المقدّم والكمّ المتخالفتين في الكيف المتناقضتين في التالي أنتج الاستثنائيّ من المتّصلة السالبة.
وأيضًا سلب التنافي بين جزئَي المنفصلة مع الحكم بثبوت أحدهما أو نفيه لا ينتج شيئًا.
ه -: الشرطيّة إن كانت متّصلة وجب أن تكون لزوميّة؛ لأنّ تركيبه من الاتفاقيّة لا يفيد شيئًا؛ فإنّ الاتصال مسبوق بالعلم بوجود التالي، فلا يجوز استفادته من الاستثناء المتأخّر عن الاتصال، وإلّا دار.
ولا ينتج استثناء النقيض للنقيض؛ لأنّ الاتفاقي هو الذي يطابق وجوده وجودَ غيره، وما لا وجود له في نفسه يستحيل أن يطابق وجوده وجود غيره.
لا يقال: إذا صدق (كلّما كان الإنسان ناطقًا فالحمار ناهق) صَدَقَ ، (إذا لم يكن الحمار ناهقًا فالإنسان ليس بناطق)؛ وإلّا لصدق نقيضه ويلزمه (قد يكون إذا لم يكن الحمار ناهقًا فالإنسان ناطق)، ينتج مع الأصل: (قد يكون إذا لم يكن الحمار ناهقًا فالحمار ناهق)، هذا خلف.
لأنّا نقول: إنّه ليس بخلف؛ لأنّ معناه قد يكون إذا لم يكن الحمار ناهقًا في الفرض فالحمار ناهق في الواقع.
ص: 332
وإن كانت منفصلة قيل: يجب أن تكون عناديّة؛ لأنّ المنفصلة الاتفاقيّة لمّا لم تمنع صدق جزئَيها ولا كذبهما لم يجب من صدق أحد جزئَيها كذب الآخر ولا من كذب أحدهما صدق الآخر.
وليس بجيّد؛ لأنّ المطلوب ليس الوجوب. نعم، لا يفيد شيئًا كما في المتّصلة.
و: لمّا كانت قضيّة اللزوم وجوب متابعة اللازم للملزوم في الوجود لزم من وجود الملزوم وجود اللازم ومن عدم اللازم عدم الملزوم، وكان استثناء عين المقدّم ينتج عين التالي واستثناء نقيض التالي ينتج نقيض المقدّم، قضيةً للّزوم.
ولمّا احتمل كون اللازم أعمّ من ملزومه لم يكن استثناء عين اللازم ولا نقيض الملزوم منتجًا لشيء تصحيحًا للعموم.
والاستثناء الثاني(1) بواسطة الأوّل؛ فإنّ عدم الملزوم لازم لعدم اللازم، فيكون الاستدلال بانتفاء اللازم على انتفاء الملزوم استدلالًا(2) بوجود الملزوم على وجود اللازم.
ز: قيل: إذا كان اللازم متساويًا كانت الناتج(3) أربعًا.
وليس بجيّد؛ لأنّ هناك لزومين في الحقيقة، وكلّ واحد منهما ينتج نتيجتين.
ص: 333
ح: المنفصلة(1) إن كانت حقيقيّة أنتجت أربع نتائج: اثنتان منها من عين أيّهما كان لإنتاج نقيض الآخر، واثنان منها من نقيض أيّهما كان لإنتاج عين الآخر. هذا إذا كانت ذات جزئين.
وإن كانت أكثر فإن استثنيت نقيض أيّ جزءٍ كان أنتج منفصلة مركّبة من باقي الأجزاء. ثمّ إذا استثنيتَ نقيض جزء آخر من هذه النتيجة أنتج عين الباقي إن كانت ذات ثلاثة أجزاء؛ وإلّا أنتج منفصلة أُخرى، وهكذا تتكثّر القياسات بحسب كثرة الأجزاء. وإن استثنيتَ عين أحدها أنتج نقيض الباقي، فلك أن تعتبره نتيجةً واحدة منفصلة سالبة، كما تقول: (العدد إمّا زائد أو ناقص أو مساوٍ؛ لكنه زائد، فليس إمّا ناقصًا أو مساويًا).
ولك أن تعتبره نتيجتين حمليّتين بأن تقول: (فليس مساويًا ولا ناقصًا).
ط: غير الحقيقيّة إن كانت مانعة الجمع كان استثناء عين أيّ جزء كان منها ينتج نقيض البواقي، فذات الجزئين تنتج نتيجتين وتتعدّد النتائج بحسب تعدّد الأجزاء.
ولا تنتج استثناء النقيض للعين ولا النقيض؛ أمّا الأوّل فلصدق(2) نقيض أحد المتعاندين مع عين الآخر؛ وأمّا الثاني فلإمكان الخلوّ عنهما.
وإن كانت مانعة الخلوّ كان استثناء نقيض أيّ جزء كان منتجًا لعين الآخر إن كانت ذات جزئين؛ ولمنفصلة مركبة من عين الباقي إن كانت أكثر.
ص: 334
ولا ينتج استثناء العينِ العينَ ولا النقيض؛ أمّا الأوّل فلإمكان الجمع بينهما؛ وأمّا الثاني فلعدم وجوب التلازم، إذ وجوب صدق أحدهما لا يوجب التلازم بينهما.
واعلم أنّ الاستثناءات المنفصلة أنتجت لكونها في قوة المتّصلة؛ فإنّ وضع أحد الجزئين أو رفعه يستلزم رفع الآخر أو وضعه.
ي: كلّيّة المتّصلة لا تكفي في الإنتاج إلّا مع كلّيّة المقدّم أو اتّحاد المقدّم والاستثناء(1)؛ فإنّا إذا قلنا: (كلّما كان «أ» «ب» ف - «ج» «د»)، أو (كلّما كان بعض «أ» «ب» ف - «ج» «د»)، ثمّ قلنا: (لكن «أ» «ب») لم ينتج شيئًا. لأنّ المقدّم المهمل أو الجزئيّ يكفي في صدقه اتّصاف شخص واحد من أفراد الألف بالباء؛ فإذا قلنا: (لكن «أ» «ب») جاز أن يكون الألف الذي صار «ب»(2) في هذا الاستثناء غير الألف الذي كان موضوعًا في مقدّم المتّصلة، وحينئذ لا يحصل الجزم باستثناء عين المقدّم، فلا يحصل الإنتاج؛ لأنّا لم نستثنِ عين المقدّم قطعًا، بل ما يحتمل أن يكون المقدّم. نعم، لو استثنينا بمقدّمة كلّيّة تحقق استثناء عين المقدّم فأنتج.
يا: قيل في التعليم الأوّل(3): النفس إن لم يكن لها فعل بذاتها فلا يمكن أن يكون لها
ص: 335
قوام بذاتها؛ وإن كان لها فعل بذاتها كان لها قوام بانفرادها.
ونُسب إلى الخطأ في هذا القول؛ لأنّه استثنى نقيض المقدّم لإنتاج نقيض التالي.
واعتذر بعضهم بجريان هذا الاستثناء في اللزوم بحسب الإمكان، كما تقول: (إن كان هذا حيوانًا فيمكن أن يكون إنسانًا)، فاستثناء عين التالي ينتج عين المقدّم واستثناء نقيض المقدّم ينتج نقيضَ التالي بعكس حكم الاستثناءات.
وخطَّأَهم الشيخ بأمرين: خصوصيّةِ المادّة، فلا يتعمّم الحكم؛ وكونِ الإمكان ذهنيًّا لا خارجيًّا؛ أو: ليس في الخارج يمكن أن يكون إنسانًا؛ بل إمّا أن يجب كونه إنسانًا أو يُمنَع. ولو قلنا: (إن كان هذا حيوانًا أمكن أن يكون أبيض، لكنّه أبيض أو: ليس بأبيض، أو: إنّه حيوان، أو: ليس بحيوان) لم يلزم شيء، فعُلم عدم الإنتاج.
ص: 336
وفيه فصول:
وفيه ستّة(1) أبحاث
أ: قياسٌ يُطلب فيه إثبات الشيء بإبطال لازم نقيضه المستلزم لإبطال نقيضه المستلزم ثبوتَه. وهو من القياسات المركّبة، وتتركّب من قياسين:
أحدهما شرطيٌّ مؤلّف من متّصلة وحمليّة مقدّم المتّصلة فرضُ المطلوب غيرَ حقٍّ ، وتاليها صدقُ نقيضه، والحمليّة مقدّمة صادقة في نفس الأمر أو في الفرض تشارك المتصلة في تاليها، وينتج متّصلةً مقدّمها مقدّم الأُولى وتاليها نتيجة التأليف بين تالي الأُولى والحمليّة.
و الثاني استثنائي مقدّمته الشرطيّة هذه النتيجة، ثمّ يُستثنى نقيض تاليها لصدق نقيضه فرضًا. فينتج نقيض مقدّمها، ويلزم منه ثبوت المطلوب.
مثلًا: المطلوبُ صدقُ (ليس كلّ «ج» «ب»)، ومَعَنا مقدّمتان صادقتان: إحداهما:
ص: 337
(كلّ «ب» «أ»)، والثانية: (ليس كلّ «ج» «أ»)، فنقول: (لو لم يصدق ليس كلّ «ج» «ب») لصدق نقيضه، وهو (كلّ «ج» «ب»)، و (كلّ «ب» «أ»)، ينتج: (لو لم يصدق ليس كلّ «ج» «ب» لصدق «كلّ «ج» «أ»)، وهذا هو القياس الأوّل، ثمّ نستثنى فنقول: (لكن ليس كلّ «ج» «أ»)، فينتج كذبَ (ليس ليس كلّ «ج» «ب»)، ويلزمه صدق (ليس كل «ج» «ب») وهو المطلوب.
وظاهرٌ أنّ هذا القياس يتوقّف على مقدّمتين متسلّمتين إحداهما: ما قرنت بالمتّصلة، والثانية: نقيض تالي النتيجة، وهو الاستثناء.
ب: عدّ في التعليم الأوّل هذا القياس في الاستثناءات ولم يذكر الاقترانات الشرطيّة فيه، والتحليل الذي قلناه يستدعي تركّبه من قياسين:
أحدها اقترانيّ شرطيّ ، فاستبعده بعض المتأخّرين؛ أمّا أوّلًا: فلأنّه ليس من الاستثناءات؛ وأمّا ثانيًا: فلأنّ المعلّم الأوّل لم يذكر الشرطيّ فكيف يذكر المركّب من دون ذكر أجزائه وجعله استثنائيًا محضًا من متّصلة مقدّمها نقيض المطلوب، ويحتاج في بيان الملازمة إلى حمليّة متسلّمة. مثلًا المطلوب: (ليس كلّ «ج» «ب»)، والحمليّة (كلّ «ب» «د»)، والمقدّم (كلّ «ج» «ب»)، فنقول: (لمّا كان كلّ «ب» «د» فإن كان كلّ «ج» «ب» فكلّ «ج» «د»)، لإنتاج المقدّم مع الحمليّة تاليها، ثمّ نقول: (لكن ليس كلّ «ج» «د»)، ف - (ليس كلّ «ج» «ب»).
هنا طرق أُخر:
ص: 338
ج: منها أن يقال: (إمّا كلّ «ج» «ب» أو كلّ «ب» «أ») مانعة الجمع، إذ لو اجتمعا صَدَقَ (كلّ «ج» «أ»)، لكن ليس كلّ «ج» «أ»، على أنّه صادق، و (كلّ «ب» «أ») صادق فرضًا. فيكذب (كلّ «ج» «ب»)، فيصدق نقيضه.
ومنها أن يُقال: (إمّا ليس كلّ «ج» «ب» أو كلّ «ج» «أ») مانعة الخلوّ؛ لصدق (كلّ «ب» «أ») فرضًا. فإمّا أن يصدق معه (كلّ «ج» «ب») أو: (ليس كلّ «ج» «ب»)؛ فإن صدق الأوّل فكلّ «ج» «أ»، فامتنع الخلوّ؛ وإن صدق الثاني امتنع الخلوّ. ثمّ نقول: (لكن ليس كلّ «ج» «أ») على أنّه صادق، فثبت (ليس كلّ «ج» «ب»).
ومنها أن يقال: (إن كان كلّ «ج» «ب» فكلّ «ج» «أ»)؛ لصدقِ (كلّ «ب» «أ»)، (لكن ليس كلّ «ج» «أ»)، ف - (ليس كلّ «ج» «ب»).
ومنها أن نقول: (إن كان كلّ «ج» «ب» وكلّ «ب» «أ»، فكلّ «ج» «أ»)، (لكن ليس كلّ «ج» «أ»)، ف - (ليس كلّ «ج» «ب» وكلّ «ب» «أ»)، ثمّ نستثني فنقول: (لكن كلّ «ب» «أ»)، ف - (ليس كلّ «ج» «ب»). وهذا مركّب من قياسين استثنائيّين.
وبالجملة فكلّ هذه الطرق لابدّ فيها من مقدّمتين متسلّمتين.
د: لا يشترط في الخلف لبيان بطلان التالي إلى قياس(1)، فإنّه لو كان المطلوب صدقُ (لا شيء من «ج» «ب» بالإطلاق العامّ )، وكانت المقدّمة المتسلّمة هي (كلّ «ب» «أ» ما دام «ب» لا دائمًا) فنقول: لو لم يصدق المطلوب لصدق نقيضه، وهو لا يجامع المقدّمة المتسلّمة، فيكون كاذبًا.
ص: 339
ه -: الخلف في المطالب التي لا تتعيّن لا يفيد تعيين المطلوب، لأنّه مبنيّ على نقيض المطلوب وذلك يقتضي تعيينه.
وقد يتّفق أن يوضع بَدَل المطلوب غيره ممّا يُظَنّ أنّه المطلوب، فإنّ بعض(1) البرهان دلّ على صدقه ولم يدلّ على أنّه المطلوب. كما في جهات العكوس ونتائج الأقيسة، فإنّ القياس إذا كان منتجًا للعرفيّ الخاصّ ، تَمَّ (2) البرهان على إبطال نقيض الممكن العام والمطلق العامّ ، مع أنّهما لازمان للمطلوب لا نفسه.
و: قياس الخلف قد يردّ إلى المستقيم وبالعكس، وهما متقابلان؛ فإنّ المستقيم يتوجّه إلى إثبات المطلوب أوّل توجّهه ويتألّف ممّا يناسب المطلوب، ويشترط فيه تسليم المقدّمات أو ما يجري مجرى التسليم، والمطلوب فيه لا يكون موضوعًا أوّلًا.
والخلف لا يتوجّه إلى إثبات المطلوب أوّلًا. بل إلى إبطال نقيضه، ويشتمل على ما يناقض المطلوب. ولا يشترط تسليم المقدّمات، بل كونها بحيث لو سُلِّمت أنتجت، ويكون المطلوب موضوعًا أوّلًا ومنه ينتقل إلى نقيضه.
وردّ المستقيم إلى الخلف كما تقدّم في نتائج الأشكال الثلاثة، وهو بإضافة نقيض النتيجة المطلوب إثباتها إلى إحدى المقدّمتين، وينتج مقابل الأُخرى المتّفق عليها، فيعلم
ص: 340
استحالة النتيجة. وليس ذلك للمقدّمة المسلّمة ولا للتأليف المنتج لذاته، فهو من وضع نقيض النتيجة المطلوبة.
اعترض بإمكان استلزام المجموعِ المحالَ دون أجزائه، فلا يلزم كذب نقيض النتيجة.
وليس بجيّد؛ فإنّ المسلّمة صادقة فرضًا على معنى مطابقتها لما في نفس الأمر، وصورة القياس صحيحة(1)؛ فلو كان نقيض النتيجة صادقًا بمعنى المطابقة لزم إنتاج المحال.
وأمّا ردّ الخلف إلى المستقيم فبإضافة نقيض النتيجة المحالة أعني المقدّمة المتفق عليها إلى القضيّة المتسلّمة لينتج المطلوب على هيئة أحد الأشكال، كما تقدّم في المثال، فإنّ النتيجة المحالة (كلّ «ج» «ب») إذا أُضيف نقيضها إلى المقدّمة المسلّمة، وهي (كلّ «ب» «أ») أنتج المطلوب على الاستقامة، وهو (ليس كلّ «ج» «أ»).
وهو أخذ مقابل النتيجة بالضدية أو التناقض وضمّه إلى إحدى المقدّمتين؛ لينتج مقابل الأُخرى، ونَسَبُهُ قياس الخلف، لاشتراكهما في ضمّ مقابل المطلوب إلى مقدّمة مسلّمة لإنتاج مقدّمة حقّة.
ويفترقان بوجوب سبق قياس هنا دون الخلف؛ وبأنّ المقابل هنا أعمّ .
والعكس لا يقع في العلوم إلّا عند ردّ الخلف إلى المستقيم، ويختلف بحسب اختلاف الأشكال عند أخذ مقابل النتيجة بالضدّ أو النقيض، كما تقول في الأوّل: (كلّ
ص: 341
«ج» «ب») و (كلّ «ب» «أ»)، ف - (كلّ «ج» «أ»)، فإنْ أُخذ الضد وقيل: (لا شيء من «ج» «أ») وأُضيف إلى الكبرى أنتج: (لا شيء من «ج» «ب»).
وهو الاستدلال بالنتيجة مع عكس إحدى المقدّمتين على صدق الأُخرى.
وهو محال؛ لأنّ النتيجة معلولة للمقدّمة، فلا تكون علّة فيها.
ويستعمل في الجدل والمغالطة عند خفاء إحدى المقدّمتين، فيتلطّف(1) بتغيير المطلوب عن صورته اللفظيّة؛ ليُوهِم المغايرة، ثمّ يُقرن به عكس الأُخرى مع حفظ الكميّة.
وإنّما يتمّ مع تعاكس الحدود، مثل: (كلّ إنسان ناطق)، و (كلّ ناطق ضاحك)، فتؤخذ النتيجة وتضمّ إلى قولنا: (كلّ ضاحك ناطق) الّذي هو عكس الكبرى كليًّا. فينتج الصغرى، ولو أردنا إثبات الكبرى السالبة ثاني الشكل الأوّل أضفنا عكس الموجبة حافظًا للكمية إلى النتيجة السالبة لينتجها لا محالة.
ولو أردنا إنتاج موجبة لم يمكن؛ إذ لا قياس عن سالبتين، إلّا إذا كان المسلوب خاصّ السلب بالموضوع وذلك في الطرفين المتقاسمين، مثل: (لا شيء من الجوهر بعرض)، فإذا جعلناه كبرى لقولنا: (الإنسان جوهر) جعلنا النتيجة السالبة معدولة، ثمّ جعلناها صغرى لقولنا: (كلّما ليس بعرض جوهرٌ) اللازم للكبرى وأنتج الصغرى.
وقد يحتاج هذا القياس إلى عكس آخر، كما إذا أردنا بيان السالبة في أوّل الثاني بالنتيجة وعكس الصغرى احتجنا إلى عكس النتيجة الثانية، مثل: (كلّ «ج» «ب»)، و (لا شيء
ص: 342
من «أ» «ب»)، فنعكس الصغرى كليّا إلى (كلّ «ب» «ج»)، ونضيفه(1) إلى قولنا: (لا شيء من «ج» «أ») النتيجة، ينتج: (لا شيء من «ب» «أ») ونعكسه إلى الكبرى.
قال الشيخ: إن شرط في الدوري أخذ النتيجة وعكس مقدّمته فقط لم يكن هذا بيانًا دوريًّا؛ وإلّا فهو دوريٌّ (2)؛
لكن تعريفهم يُشعِر باشتراطه، فإن لم نشرطه زيد في تعريفه قيد آخر، فيقال: (الدور هو أن يؤخذ النتيجة وعكس إحدى المقدّمتين قياسًا على المقدّمة الأُخرى أو على ما ينعكس إليها).
ضَع طرفي المطلوب، واطلب حدّ كلّ واحدٍ منهما وكلّ ما يمكن حمله على كلّ واحدٍ منهما من الكليات الخمسة وما يحمل على كلِّ (3) واحدٍ من هذه الخمسة، وهكذا مرّة بعد أُخرى، فإنّ جميع ذلك محمول على الحدّ؛ وكذلك يطلب كلّ ما يحمل كلُّ واحد من الحدّين عليه على أحد الوجوه الخمسة بالغةً ما بلغت.
وأمّا في السلب فيطلب جميعُ ما يُسلب هذا عنه، ولا حاجة إلى طلب ما يسلب عن هذا.
فإن كان المطلوب إيجابًا كليًّا ووجدت في محمولات الموضوع حملًا كليًّا ما يكون موضوعًا لمحموله كليًّا تَمَّ (4) القياس من الأوّل.
ص: 343
وإن كان جزئيًّا ووجدتَ موضوعًا للحدّين تَمّ (1) من الثالث.
وإن كان سلبًا كليًّا ووجدت في محمولات أحد الطرفين كليًّا ما يسلب عن كلّيّة الآخر مادام للوصف(2) تَمّ (3) من الثاني.
وإن كان سلبًا جزئيًا ووجدت في موضوعات أحدهما ما ليس موضوعا للآخر تَمّ (4) من الثالث.
وعليك بالبحث عن اللواحق وكثرتها ونسبة بعضها إلى بعض.
إنّه لمّا كان قد يرد على الذهن أقيسة من مستعمل البرهان والجدل والخطابة والمغالطة ربما كانت محرّفة عن الترتيب الطبيعي أو أضمر فيها ما يحتاج إليه أو زيد فيها ما يستغنى عنه في البسيط والمركّب، وجب أن يوضع طريق لتحليل الأقيسة على أنّها أقيسة مطلقة، لا على خصوصيّة كونها برهانًا أو جدلًا أو غير ذلك، أدلة طريق آخر(5).
فنقول: حصّل المطلوب أولًا ثمّ انظر فيما جعل قياسًا عليه ومنتجًا له؛ فإن لم يكن فيه مقدّمة تشارك المطلوب لم يكن القول منتجًا له، وإن وجدت الشركة فإن كانت في كِلَا الحدّين فالقياس استثنائي، ثمّ ضع الاستثنائيّة من الجزء الّذي يباين به هذه المقدّمة المطلوب، إذ لا بدّ منه.
ص: 344
وإن كان في أحد الحدّين فالقياس اقترانيّ .
ثمّ تلك المقدّمة إن شاركت [ال -] - موضوع المطلوب فهي صغرى، وإن شاركت محموله فكبرى. ثمّ انسب الجزء الآخر من تلك المقدّمة إلى الجزء الآخر من المطلوب، فإن تألّفا على أحد الأشكال فالجزء الوسط وتميَّزُ لك مقدّمتان: صغرى وكبرى، وإن لم يتألّفا فالقياس مركّب فيفتقر إلى مقدّمة أُخرى تشارك الجزء الآخر من المطلوب، وكان بينها وبين المقدّمة الأُولى مقدّمات أُخر تألّف بين كلّ مقدّمتين بينهما اشتراك وتدرج من نتيجة إلى نتيجة إلى أن يصل إلى القياس القريب.
وإن لم تجد بين مقدّمتين من المقدّمات الواقعة بينهما اشتراكًا فهناك إضمار يحتاج إلى وسط تحصّله يجمع بينهما، كما لو كان المطلوب (كلّ «أ» «ط»)، وعندنا (كلّ «أ» «ب»)، و (كلّ «ج» «د»)، و (كلّ «ه -» «ط»)، فقد وجدنا مقدّمتين متباينتين(1) تشاركان المطلوب، فإن حصل لنا وسطٌ جامعٌ بين «ب» و «ج» وآخر بين(2) «ه -» و «د» تمّ القياس؛ وإلّا فلا.
ويجب أن لا تعتبر باشتراك الألفاظ واختلافها في اشتراك المعاني واختلافها.
ص: 345
الفصل السادس: في استقرار(1) النتائج
اعلم أنّ نتيجة القياس وإن كانت واحدة بالذات من حيث أنّ القياس واحد فمعلوله كذلك، إلّا أنّ النتيجة يلزمها لوازم أُخرى، ولازم اللازم لازم، فلوازم النتيجة نتائج بالعرض.
فالنتيجة إذا كانت كلّيّة صدقت جزئية، فالجزئية لازمة بالعرض لهذا القياس بواسطة قياس آخر لازمة له بالذات أصغره مقدّمتا القياس الأوّل وأوسطه الكلّيّة وأكبره الجزئية.
ولمّا كان العكس وعكس النقيض وكذب النقيض لوازم النتيجة كانت لازمةً للقياس بالوجه المتقدّم.
لا استبعاد في ذلك، فإنّ النتيجة لازمة، واللازم جاز أن يكون أعمّ ، فيصدق في موضع كذب ملزومه.
وليس المراد أنّ صدق النتيجة أو جهة تلك المقدّمات، بل إنّه اتّفق إن كانت النتيجة صادقة وانتظم على لزومها القياس المركّب من تلك المقدّمات الكاذبة، كما إنّه يصدق الجنس على النوع في نفس الأمر، فإذا وسّط بينهما نوعٌ مباينٌ لذلك الجنس كذبت المقدّمتان وكانت النتيجة لازمة لهما باقية على صدقها، مثل: (كلّ إنسانٍ حجر)، و (كلّ حجرٍ حيوان) ولا يلزم من كذب المقدّمات كذب النتيجة.
ولنفصّل الأشكال الأربعة هنا، فنقول:
الشكل الأوّل إن كذبت كبراه خاصّة في الكلّ والمطلوب كلّيّ لم ينتج القياس صادقًا؛
ص: 346
وإلّا لصَدقَ الضدّان؛ لإنتاج ضدّ الكبرى الصادق مع الصغرى الصادقة ضدَّ النتيجة؛ وإن كذبت في البعض فقد ينتج الصدق مثل (كلّ إنسان حيوان)، و (كلّ حيوانٍ ناطق).
وإن كان [المطلوب] جزئيًّا فقد ينتج الصدق، سواء كذبت الكبرى في الكلّ أو البعض، مثل: (بعض الحيوان إنسان)، و (كلّ إنسانٍ فرس).
وإن كان الكذب في الصغرى والمطلوب كلّيّ أو جزئيّ فيه فقد ينتج الصدق، مثل: (كلّ إنسانٍ حجر)، و (كلّ حجرٍ جسم).
وإن كذبت المقدّمتان في الكلّ أمكن صدق النتيجة، مثل: (كلّ انسانٍ حجر)، و (كلّ حجر ناطق).
ولو كانت الصغرى كاذبة في البعض والكبرى في الكلّ استحال صدق النتيجة؛ وإلّا لزم اجتماع النقيضين، لإنتاج ضدّ الكبرى - الّذي هو صادق - مع الصغرى الموجبة الجزئيّة الصادقة - لاقتضاء كذبها في البعض صدقَها جزئيّة -: نقيضَ تلك النتيجة الكلّيّة؛ وكذا إن كذبتا في البعض؛ لكون الأصغر أعمّ من الأوسط والأوسط من الأكبر المستلزم كونَ الأصغر أعمّ من الأكبر وامتناع نسبة الأخصّ إلى كلّ أفراد الأعمّ إيجابًا وسلبًا.
وأمّا الشكل الثاني فإن كذبت مقدّمتا الكليّتين(1) أنتج الصدق بأن نُبدّلَ الإيجاب سلبًا وبالعكس. وإن كذبت مقدّمتا الجزئي فكذلك، مثل: (بعض الحجر حيوان)، و (لا شيء من الإنسان بحيوان).
وأمّا الثالث فقد ينتج المقدّمات الكاذبة كيف اتّفقت صادقة، مثل: (كلّ حجرٍ حيوان)، و (كلّ حجرٍ إنسان).
وكذا الرابع مثل: (كلّ حجرٍ حيوان)، و (كلّ إنسانٍ حجر).
ص: 347
إنّه قد يستعمل في الجدل كثيرًا قياسٌ مؤلّف من موجبة وسالبة متضادّتين أو متقابلتين تغليطًا للمخاطب. ولابدّ من اشتراكهما في الحدود، وإنّما يخفى بتغيير لفظ إلى ما يرادفه، مثل: (كلّ إنسانٍ بشرٌ)، و (لا شيء من البشر بآدميّ ) لينتج: (لا شيء من الإنسان بآدميّ ).
إنّك ستعلم أنّ مقدّمات البرهان لا يجب أن تكون ضروريّة، بل قد تكون مكتسبةً ، نعم، يجب الانتهاء إلى الضروريّة، فإذا كانت إحدى المقدّمتين كسبيّة كان لبرهانها مدخل في النتيجة، فإذا اعتبر القياسات معًا صار مركّبًا.
وهو قسمان: موصولٌ ، وهو الّذي تُذكَر فيه النتيجة مرّتين، مرّةً للإنتاج وأُخرى لكونها مقدّمة، كقولنا - والمطلوب (كلّ «ج» «ه -») -: (كلّ «ج» «ب»)، و (كلّ «ب» «د»)، ف - (كلّ «ج» «د»). ثمّ نقول: (كلّ «ج» «د»)، و (كلّ «د» «ه -») ينتج المطلوب. وقد تتصاعد الأقيسة.
و مفصولٌ ، ويسمّى (المطويّ )، وهو أن لا تذكر النتائج بالفعل، مثل: (كلّ «ج» «ب»)، و (كلّ «ب» «د»)، و (كلّ «د» «ه -»)، ف - (كلّ «ج» «ه -»)، وإنّما ينتج بالرجوع إلى الأوّل.
أ: ويعدُّ تارةً في المفرد وأُخرى في المؤلّفة، مثل: («أ» مساوٍ ل - «ب»)، و («ب» مساوٍ ل - «ج»)، فإنّه يلزم منه («أ» مساوٍ ل - «ج»).
وليس على حدّ الأقيسة، لأنّا أخذنا جزء المحمول [و] جعلناه موضوعًا.
وله نظائر كثيرة، كقولنا: (الدرّة في الحُقّة)، و (الحقّة في البيت)، ف - (الدرّة في البيت)؛ وكقولنا: (الإنسان من النطفة)، و (النطفة من العناصر)، ف - (الإنسان من العناصر)، وكذلك: (الشيء على الشيء على الشيء)، و (المتقدّم على المتقدّم متقدّم)، و (مع المع مع) إلى غير ذلك من الأمثلة. فإذا قلنا: («أ» مساوٍ ل - «ب») كان قضيّة موضوعها «أ» ومحمولها (مساوٍ ل - «ب»)، ولمّا كان (مساوٍ ل - «ج») محمولًا على «ب» في القضيّة الثانية أمكن أن يقام مقام «ب»، وحينئذٍ يصير قولنا: (مساوٍ لمساوٍ ل - «ج») بدلًا عن قولنا: (مساوٍ ل - «ب») وفي حكمه، فإن جعلناهما كاسمين مترادفين كان قولنا: («أ» مساوٍ ل - «ب») مرادفًا لقولنا: («أ» مساوٍ ل - «ج»)، والقضيّة واحدة، ثمّ نضيف إلى الثانية قولنا: (ومساوي المساوي ل - «ج» مساوٍ ل - «ج»)، حتّى ينتج: («أ» مساوٍ ل - «ج»)، وهو بهذا الاعتبار مفرد.
وإن جعلناهما اسمين متباينين أحدهما محمول على الآخر كان الطريق أن نقول: («أ» مساوٍ ل - «ب»)، و (المساوي ل - «ب» مساوٍ لمساوٍ ل - «ج»)، لأنّ «ب» هو مساوٍ ل - «ج»، ينتج: ف - («أ» مساوٍ لمساوٍ ل - «ج»)، ثمّ نجعل هذه صغرى لقولنا: (ومساوي المساوي(1) ل - «ج» مساوٍ ل - «ج») لينتج المطلوب.
وعلى التقدير الأوّل يكون قولنا: («أ» مساوٍ ل - «ب») في قوّة صغرى القياس، وعلى الثاني صغرى نفسها.
ص: 349
وأمّا قولنا: («ب» مساوٍ ل - «ج»)، فليس بمقدّمة على التقديرين، بل هو حكمٌ ما كليًّا الّذي هو جزء من أحد حدود القياس، وبه يتمّ القياس.
وقد ظهر أنّ هذا القياس لا يتمّ إلّا بواسطة مقدّمة محذوفة، وهي قولنا: (ومساوي المساوي مساوٍ). وهذه المقدمة كبرى إن حكم العقل بها في كلّ متضايفين صدقت النسبة بين الطرفين، كما في هذه الأمثلة، وإلّا فلا، فإنّه لمّا لم يصدق قولنا: (مخالف المخالف مخالف)، ولا: (مغاير المغاير مغاير) لم يتمّ القياس في قولنا: («أ» مخالف ل - «ب»)، و («ب» مخالف ل - «ج») وكذا ما أشبهه.
ب: وهو قياس يقصد به إبطال أقوى مقدّمتي قياس آخر، وهي الكلّيّة والموجبة، كقولنا: (بعض «ب» «ج»)، و (كلّ «ج» «أ»)، فعورض أنّ «ج» ليس «أ»، لأنّ «ج» «ط» ولا شيء من «ط» «أ»، فلا شيء من «ج» «أ».
ج: قياسٌ حذفت كبراه، إمّا للعلم بها، كقولنا: (الإنسان جوهر، فهو غنيّ عن الموضوع)؛ أو لإخفاء كذبها، كقولنا: (فلان يطوف بالليل، فهو متلصّص).
د: قياسٌ مؤلّف من مقدّمتين كبراه محمودة، والأوسط فيه أمارة للأكبر.
ه -: قياسٌ إضماريٌّ كقولنا: (هذه ذات لبن، فهي والدة).
ص: 350
وهو الاستدلال بثبوت الحكم للجزئيات على ثبوته لكليّها، فإن استوفيت الأقسام فهو استقراء تامّ ، ويسمّى القياس المقسّم، ويفيد اليقين، وإن لم يستوف فهو غير تامّ ، ويفيد الظنّ ، كقولنا: (كلّ حيوانٍ تحرّك فكّه الأسفل عند المضغ، لأنّ الإنسان والفرس والحمار والبقر كذلك، فكلّ حيوان كذلك)، وجاز أن يكون ما لم يُستَقرَء بخلاف ما استُقرِئ، كالتمساح فإنّه يحرّك فكّه الأعلى.
وإنّما يستعمله الجدليّون ومن لا يقصد اليقين، بل الظنّ .
والخلل فيه في الصغرى؛ لأنّ القياس (كلّ حيوان إمّا إنسانٌ أو فرسٌ أو حمار أو بقر، وكلّها يحرّك عند المضغ فكّها الأسفل).
وهو الاستدلال بثبوت الحكم في جزئي على ثبوته في آخر؛ لمشاركة بينهما، وهو القياس في عرف الفقهاء، وأركانه أربعة: الأصل والفرع والجامع - وهو العلّة - والحكم. كقولنا: (الخمر حرام، فالنبيذ كذلك؛ لاشتراكهما في الإسكار).
ويثبتون علّيّة المشترك إمّا بالدوران، وهو ثبوت الحكم كلّما ثبت المشترك وانتفاؤه عند نفيه، ويسمّى الطرد والعكس؛ وإمّا بالسبر والتقسيم بأن يقال: سبرنا الأوصاف(1) فوجدناها إمّا الجسميّة أو الميعان أو اللون أو الإسكار، ولم نجد وصفًا آخر، والكلّ باطل سوى الإسكار.
وكلاهما باطل، أمّا الدوران فإنّما يتمّ لو استقرئت جميع الجزئيّات وعلم وجود التحريم في كلّ صورةٍ وجد فيها الإسكار وانتفى في كلّ صورةٍ انتفى فيها الإسكار.
ص: 351
وذلك متعذّر ومستلزم للدور(1)؛ لأنّ هذه المقدّمة إنّما تتمّ لو عرف ثبوت الحكم والإسكار في الفرع، فلو استدلّ على ثبوت الحكم في الفرع بها لزم الدور.
سلّمنا، لكن الدوران لا يوجب العليّة؛ فإنّ المعلول دائر مع العلّة وأجزاء العلّة والمشروط المتساوية وعدم اللازم المساوي مع انتفاء العلّيّة(2).
وأمّا السبر والتقسيم فضعيفٌ ؛ لوجوه:
أ: نمنع تعليل الحكم، فإنّه لو وجب أن نعلّل جميع الأحكام لزم التسلسل، إذ العلّيّة من جملة الأحكام، فلِمَ قلتم أنّ هذا الحكم معلَّل ؟
ب: يجوز أن يكون العلّة الذات المعروضة للحكم.
ج: يجوز أن يكون العلّة وصفًا خارجًا عمّا ذكرتموه من الأوصاف، وعدم الوجدان لا يدلّ (3) على عدم الوجود.
د: جاز أن يكون العلّة مجموع الأوصاف أو وصفًا مركّبًا من عدد معيّن منها.
ه -: جاز أن ينقسم أحد الأوصاف إلى قسمين يكون أحدهما هو العلّة وحاصلها يرجع إلى منع(4) الحصر.
و: نمنع وجود المعلول عند وجود العلّة (*)، لجواز أن يكون الأصل شرطًا أو أن يكون في الفرع مانع. وبالجملة فلا بدّ من فارق بين محلّ الوفاق والخلاف، فجاز أن يكون خصوصيّة محلّ الوفاق شرطًا أو خصوصيّة محلّ النزاع مانعًا.
ص: 352
وفيه مراصد:
وفيه فصول:
وفيه مباحث:
أ: البرهان قياس يقينيّ مؤلّف من مقدّمات يقينيّة، إمّا ابتداءً أو بواسطةٍ شأنها ذلك، لإنتاج يقيني بالذات اضطرارًا. فالقياس صورته، واليقينيّات - أعني المقدّمات - مادّته، والنتيجة اليقينيّة غايته.
واليقينيّات إمّا ضرورية أو كسبيّة، وقد عرفت أقسام الضروريّات، وكلّها مع الكسبيّ اليقيني صالح لأنّ يُجعل مقدّمة برهان، وهي مبادئه. ومنفعته في الغاية، إذ لا منفعة أكمل من المفيد لليقين.
ص: 353
ولا تنحصر فائدته في إفادة التصديق اليقيني، بل وفي اكتساب الحدود التامّة، على ما سيظهر لك إن شاء الله تعالى.
ب: لمّا كان البرهان يفيد اليقين، والجدل يفيد الارتياض ودفعَ معاند الحق، والخطابة تفيد الظنّ ، والسفسطةُ بيانَ وجه الأغاليط، والشعر لا يفيد تصديقًا البتّة بل تخييلًا يفيد النفس تحريكًا إلى قبضٍ أو بسط(1)، كانت مرتبة هذه الصناعة سابقة على مراتب البواقي.
وقدّم بعضهم الجدل، وأنكر عليهم آخرون. واستحسن الشيخ تقديم الجدل، إذ مباديه المقدّمات المشهورة والاستقرائيّة ومبادي البرهان اليقينيّة. والأولى أعمّ ؛ إذ كلّ محسوسٍ أو مجرّب أو أوّليٍ فهو مشهوريّ دون العكس، والأعمّ متقدّم(2).
ج: البرهان إمّا لمّيٌّ ، وهو الاستدلال بالعلّة على المعلول، وتُفطَن العلّية في نفس الأمر وعند الذهن معًا؛ وإمّا إنّيٌ ، وهو الاستدلال بالمعلول على العلّة، أو بأحد المعلولين على الآخر، وهو راجع إليهما. فالأوسط في برهان لمّ علّةٌ للأكبر، لا نعني أنّه علّة له مطلقًا. بل علّة لوجود الأكبر في الأصغر، وبينهما فرق؛ فقد يكون الأوسط معلولًا للأكبر وعلّة لوجود الأكبر في الأصغر، وقد يكون الأوسط علّة للأمرين، أعني لوجود الأكبر مطلقًا ولوجوده في الأصغر. وعلّة وجود الأكبر إنّما تكون علّة لوجوده في
ص: 354
الأصغر في موضعين:
أحدهما: أن لا يكون للأكبر وجود إلّا في الأصغر، كالخسوف الّذي لا يوجد إلّا في القمر، فعلّته علّة وجوده في القمر.
و الثاني: أن تكون علّة الأكبر علّةً له أينما وجد.
وفي غير هذين الموضعين تتغاير العلّتان.
د: قياس الخلف برهانُ (إنٍّ )، لا برهانُ (لمّ )؛ لأنّه يعيّن فيه صدق النتيجة بكذب نقيضها، لاستلزامه المحال، وهو بيانٌ بأمر خارجيّ غير العلّة.
ه -: البرهان إنّما يكون برهان (لمٍّ ) إذا كان الحدّ الأوسط فيه علّة تامّة لوجود الأكبر في الأصغر؛ إذ لولا ذلك لم يكن العلم بوجود الأكبر في الأصغر مستفادًا منه، بل منه ومن شيء آخر.
و: لا يجب في برهان (لمٍّ ) أن يعطي العلّة الغريبة، بل قد يكون برهان (لمٍّ ) وإن أعطى العلّة البعيدة.
ص: 355
ز: العلم اليقيني بذي السبب إنّما يحصل من جهة سببه؛ إذ نسبة المحمول إلى الموضوع بالضرورة إذا كانت لعلّةٍ لم يحصل اليقين بها، فإنّ المعلول إنّما يجب لوجود علّته، وهو بدونها ممكن ويجوز ثبوته ونفيه، فلا يكون معلوم الثبوت. فبرهان إنّ يعطى اليقين الدائم فيما لا سبب له؛ وأمّا ما له سبب فلا يعطى اليقين فيه، ولهذا لا يقين للرياضي في كثير من علم الهيئة، حيث أخذها من جهة الإرصاد.
ح: استضعف الشيخ(1) قول الأوائل أنّ الأخصّ قد يكون علّة لوجود الأعمّ فيما هو نوع للأخصّ ؛ فإنّه كيف يمكن أن يكون الحيوان سببًا لكون الإنسان جسمًا وحسّاسًا. فإنّه ما لم يكن الإنسان جسمًا وحسّاسًا لم يكن حيوانا؛ فإنّ الجسميّة والحساسيّة سببان لوجود الحيوانيّة.
وأجاب بالفرق بين الجسم بمعنى الجنس وبمعنى المادّة، فالأوّل أخذه لا بشرط شيء، والثاني أخذه بشرط لا شيء، وإنّما يوجد للإنسان الجسميّة قبل الحيوانيّة إذا أخذت بمعنى المادّة لا بمعنى الجنس.
أ: المجهول إمّا مجهول التصوّر أو مجهول التصديق، والطلب إنّما هو لتعريف المجهول، فيجب تعدّد الطلب باعتبارهما.
ولمّا سبق التصورُ التصديقَ سبق مطلبُهُ مطلبَه. والمطالب منها أُصول وتسمّى الأُمّهات، وهي كلّيّة فيستغنى بها عن الجزئيّة؛ ومنها فروع، وهي جزئيّة، والمعتبر في العلوم، الأوّل؛ لأنّ الكلّيّة تقوم مقامها.
ب: أُمّهات المطالب ثلاثةٌ هي بالقوّة ستّة؛ لاشتمال كلٍّ منها على بسيط ومركّب: مطلب (ما)، وهو للتصوّر؛ ومطلب (هل) و (لِمَ )، وهما للتصديق. وقد أضاف بعضهم إلى الأوّل (أيّ )، فصار اثنان للتصوّر واثنان للتصديق.
وأمّا المطالب الجزئيّة فكثيرة، مثل: (أين الشيء)، و (متى الشيء)، و (كيف الشيء)، ويقوم مقامها مطلب (هل) المركّب.
ج: مطلب (ما) إمّا أن يطلب به شرح الاسم كقولنا: (ما العنقاء؟)؛ وإمّا أن يطلب به ماهيّة المسمّى كقولنا: (ما الحركة ؟).
ومطلب (هل) إمّا بسيط يطلب به وجود الشيء، كقولنا: (هل الحركة موجودة ؟)؛ وإمّا مركّب يطلب به وجود شيء له، كقولنا: (هل الحركة قارّة أو لا؟).
ص: 357
ومطلب (لم) يطلب(1) به إمّا علّة التصديق فقط، كقولنا: (لِمَ كان العالم محدَثا؟)؛ أو علّته وعلّة الوجود، كقولنا: (لم يجذب المغناطيسُ الحديدَ؟).
ومطلب (أيّ ) يطلب به التمييز.
د: (هل) البسيط يتوسّط بين مطلبي (ما)، ويتّصل (لم) ب - (هل) فيتبعه، فإنّ مطلب (لم) إنّما يطلب به علّة وجود الشيء في نفسه أو علّة وجوده بحال كذا، ومطلب (هل) يطلب به إمّا وجود الشيء في نفسه أو وجوده بحال كذا، والثاني أسبق، فإذا قيل: (هل الحركة موجودة ؟) قيل: نعم، قيل: لِمَ؟
و (ما) الذاتية تابعة لمطلبَي (هل)؛ أمّا البسيطة فلأنّ تحقّق الماهيّة متأخّر عن تحقّق إنّيتها، فإنّه ما لم يعرف وجود الشيء لا يطلب حقيقته في نفسه؛ وأمّا المركّبة فلأنّ المطلوب بها تحقق وجود الأعراض الذاتية للشيء، فيقال: هل هو بحال كذا؟
ولا شكّ أنّ تلك الأعراض ما لم تكن موجودة لموضوعاتها لا يكون لها حقيقة في ذاتها؛ لأنّ الحقيقة هي حقيقة أو موجود، فما لم يعرف وجودها لموضوعاتها لم تطلب حقيقتها.
وهي خمسة(2):
أ: أن تكون أقدم من نتائجها بالطبع؛ لأنّها عللها، وهو مختصّ باللمّي.
ص: 358
ب: أن تكون أقدم عند العقل، أي تكون أعرف منها، فتكون عللًا في التصديق.
ج: أن تكون مناسبة لنتائجها، بأن تكون محمولاتها ذاتيّة لموضوعاتها بمعنى المقوّم والعرضي الذاتي؛ فإنّ الغريب لا يفيد علمًا بما لا يناسبه.
د: أن تكون ضروريّة إمّا بحسب الذات أو الوصف وهو مختصّ بالمطالب الضّروريّة.
ه -: أن تكون كليّة، ويراد به هنا الحمل على جميع الأشخاص في جميع الأوقات حملًا أوّليًا. أي لا بحسب أمر أعمّ من الموضوع ولا أخصّ ، وهو مختصّ بالمطالب الكلية.
وأمّا المطالب البرهانيّة فيجب أن تكون محمولاتها ذاتيّة لموضوعاتها لا بمعنى المقوّم؛ بل بمعنى العرض الذاتيّ ؛ لاستحالة معرفة الشيء مع الجهل بمقوّماته. والاستدلال على جوهريّة النفس والصورة؛ لأنّ العلم بالنفس لا من حيث الماهيّة، بل باعتبار عارض هو كونها شيئًا ما متصرّفًا في البدن، والجوهر المطلوب إثباته لهذا المفهوم ليس جنسًا لهذا المفهوم، وكذا الصورة. وإذا قيل: الجسم محمول على الإنسان لأنّه محمول على الحيوان لم يكن بيانًا لحمل ذاتيّ الإنسان عليه؛ بل المراد أنّه العلّة لثبوته له. وإنّما تلوح العلّيّة إذا أخطر الحيوان متوسطًا بينهما.
ويطلق الذاتي هنا على ما يقع في حدّه الموضوع، كالزوج للعدد؛ أو جنسه كالزوج للاثنين؛ أو لمعروضه كالناقص له؛ أو لمعروض جنسه كالناقص لزوج الزوج.
وكلّ واحدةٍ من العلل الأربع يصلح أن يقع وسطًا في البرهان، كما تقول في الفاعليّة: (هذه الخشبة(1) محترقة لأنّ النار لاقَتها)، وفي الماديّة: (وُجِدَت المادّة الفاضلة
ص: 359
عن القدر الواجب في الترتيب الطبيعي المستعدّة للإصبع، فوجدت الإصبع الزائدة)، وفي الصوريّة: (تساوت الأضلاع المتناظرة من المثلثين والزوايا المتقابلة فتساويا للتطبيق)، وفي الغائيّة: (عُرضت الأضراس لجودة الطحن).
وفيه ثمانية(1) مباحث:
أ: لكلّ علم على الإطلاق موضوعٌ ومبادٍ ومسائل. فالموضوع هو ما يبحث في ذلك العلم عن أعراضه الذاتية كالعدد للحساب؛ فإنّ الأعراض الذاتية للعدد يتكفّل على الحساب بالبحث عنها(2). وباعتبار الموضوعات تتمايز العلوم وتتّحد، فإنّ أجرام العالم من حيث الشكل يبحث عنها صاحب علم الهيئة، ومن حيث الطبيعة يبحث عنها صاحب علم السماء والعالم، فباعتبار هاتين الحيثيّتين تمايز العلمان واختلفا.
وأمّا المبادي فإمّا تصوّرات، وهي حدود الموضوع إن كان مركّبًا. وحدود أجزائه وجزئيّاته وأعراضه الذاتية؛ وإمّا تصديقات، وهي المقدّمات الّتي يتوقّف عليها ذلك العلم، وتتبيّن في علم آخر إن لم تكن ضروريّة.
وأمّا المسائل فهي المطالب في ذلك العلم، ويطلب في ذلك العلم نسبة محمولاتها إلى موضوعاتها.
ص: 360
ب: موضوع العلم قد يكون مفردًا كالعدد للحساب، وقد يتكثّر لكن يشترك في أمر يتّحد به. وهو إمّا جنسٌ لها، كالخطّ والسطح والجسم إذا جعلت موضوعات علم الهيئة، لاشتراكها في المقدار؛ أو نسبة كاشتراك النقطة والخط والسطح والجسم، فإنّ نسبة الأوّل منها إلى الثاني كنسبة الثاني إلى الثالث والثالث إلى الرابع، إذ كلٌّ منها طرف لما يليه؛ أو غاية كاشتراك الأركان والأمزجة والأخلاط والأعضاء والقوى والأفعال إذا جعلت موضوعات علم الطب في نسبتها إلى الصحّة؛ أو مبدأٌ واحدٌ(1) كاشتراك موضوعات علم الكلام في نسبتها إلى مبدأٍ واحدٍ، وهو كونها إلهيّة.
ج: موضوع العلم قد يوجد فيه الشيء على الإطلاق من غير اعتبار شرط فيه، ويطلب في ذلك العلم عوارض ذلك الشيء من حيث أنّه مطلق، كالعدد للحساب؛ وقد يوجد فيه الشيء لا مطلقًا. بل باعتبار قيد آخر عارض له كالأكر(2) المتحرّكة لعلمها.
د: المبادئ التصوريّة كقولنا في موضوع الطبيعيّ : (الجسم هو الجوهر القابل للأبعاد) وفي حدّ جزئه: (المادّة هي الجوهر القابل)، وفي حدّ جزئَيه: (الجسم البسيط هو الذي طبيعته واحدة)، وفي حدّ عرضه الذاتي: (الحركة كمال مبدءٍ أوّل لما بالقوّة من حيث هو بالقوّة).
ص: 361
وهذه الأشياء منها ما يتقدّم التصديق بوجوده على العلم، وهو الموضوع وما يدخل فيه؛ ومنها ما يحصل في العلم نفسه، وهو ما عداه.
ه -: المبادئ التصديقيّة منها ما يجب قبوله، وهو البيّن وتسمّي القضايا المتعارفة، وهي مبادٍ على الإطلاق؛ ومنها غير بيّنٍ يجب تسليمه لتبنى عليها مسائل ذلك العلم، ومن شأنها أن تبيّن في علم آخر، فهي مبادئ ومسائل باعتبارين. وهذه إن سلّمت مع مسامحة وحسن ظنٍّ بالعلم سمّيت أُصولًا موضوعة؛ وإن كانت مع استنكار وتشكّك فهي مصادرات، وتسمّى الحدود، والواجب تسليمها معًا أوضاعًا؛ فإمّا أن توضع في افتتاح العلم كالهندسة، أو تخلط بمسائله كما في العلوم. ويجب تقديمها على الجزء المحتاج إليها من العلم.
و: الواجب قبولها قد تكون عامّة تستعمل في جميع العلوم، كقولنا: (الأشياء المساوية لشيء واحد متساوية)، فإنّه يستعمل في الرياضيات لا غير(1)، وما يفتتح به العلم يجب تخصيصه بذلك العلم، والأصح(2) التصديق به، ويكفي التخصيص بأحد الجزئين كقولنا: (المقادير المساوية لشيء واحد متساوية)، خُصِّص فيه الموضوع فيُخَصَّص المحمول، فإنّ المتساوية المقدارية غير المتساوية العدديّة؛ وقد يتخصّصان معًا. كقولنا: (المقدار إمّا مشارك أو مباين)، فخصّص الموضوع الّذي هو الشيء والمحمول الّذي هو المثبت أو المنفيّ .
ص: 362
وقد يكون المبدأ مختصًّا بعلم خاصّ ، مثل اعتقاد إمكان انقسام كلّ مقدار إلى غير النهاية للرياضيّ . والضابط أنّ المبادئ الحاصلة بالصناعة هي المقدّمات التي موضوعاتها موضوعات الصناعة أو أنواع موضوعها أو أجزاء موضوعها أو عوارضه الخاصّة به، سواء كانت محمولاتها خاصّة بموضوع الصناعة أو لا.
ز: المبادئ الخاصّة بعلم قد تكون بحسب ذلك العلم كلّه، وقد تكون(1) بحسب مسألة واحدة فيه أو مسائل متعددة، وقد تكون مسألة في علم أسفل هي مبدأ لمسألة في علم أعلى إذا لم تتوقّف مسألة العلم السفلانيّ على مسألة الفوقانيّ لئلا يدور، كما في الجوهر الفرد والمادّة.
ح: موضوع المسألة قد يكون نفس موضوع العلم، كقولنا: (كلّ جسم منقسم)، وقد يكون نوع موضوعه كقولنا: (الفلك قابل للخرق والالتئام) وقد يكون عَرضًا ذاتيًّا لموضوعه، مثل: (الحركة مركّبة من أجزاء لا تتجزّى)؛ وقد يكون عَرضًا ذاتيًّا لنوع موضوعه كقولنا: (حركة الفلك دوريّة)، أو لنوع عرض له مثل بطءِ الحركات لتخلّل السكون، فإنّ البطء عارض لبعض الحركات.
وكذا موضوع المبادئ قد يكون هو موضوع العلم مثل: (الجسم مركّب من المادّة والصورة)، أو نوعَ الموضوع، أو عرضًا ذاتيًّا له.
ص: 363
قد عرفت فيما سلف أنّ تمايز العلوم إنّما هو بحسب تباين موضوعاتها، فلا يمكن أن يكون علمان موضوعهما واحد من كلّ جهةٍ ، ولا موضوعان لعلمٍ واحدٍ ليس بينهما مشاركة في اعتبارٍ مّا، فالعلوم إنّما تتناسب وتتخالف بحسب موضوعاتها بأن كان بين الموضوعين عموم وخصوص؛ فإمّا على جهة التحقيق أو لا.
والأوّل هو أن يكون بأمر ذاتيّ بأن يكون العامّ جنسًا للخاصّ ، كالمقدار الّذي هو موضوع الهندسة بالنسبة إلى الجسم التعليميّ الّذي هو موضوع المجسّمات، والعلم الخاص تحت العام وجزءٌ منه.
والثاني أن يكون العموم من(1) عرضيّ ، فقد يكون الموضوع واحدًا لكن أُخذ في أحدهما مطلقًا وفي الآخر مقيّدًا بحالة خاصّة، كالأكر المطلقة لعلمها والأكر المتحرّكة لعلمها. وقد يتغاير الموضوعان ويكون موضوع العامّ عرضًا عامًّا(2) لموضوع الخاص، كالوجود الّذي هو موضوع الإلهي، والعدد الذي هو موضوع الحساب.
والخاصّ بهذين الاعتبارين تحت العام، لا جزءٌ (3) منه.
وقد يجتمع العموم الذاتي والعارض، فيكون الخاص أولى باسم الموضوع تحت(4). ولا يكون جزءً من العام، كالخطوط المفروضة في سطح مخروط النور المتّصل بالنور الّذي هو موضوع علم المناظر بالنسبة إلى موضوع الهندسة، فإنّ الخطوط المفروضة في سطح مخروطٍ مّا نوع من المقادير، ولهذا يكون العلم الباحث عنها تحت الهندسة وجزءً
ص: 364
منها، فإذا قيّدت بالنور المتّصل بالبصر تخصّصت بأمر عرضيّ كالعلم الباحث عنها مع هذا القيد داخل تحت الأوّل لا جزء منه.
وإن لم يكن بين الموضوعين عموم وخصوص فقد يكون الموضوعان شيئًا واحدًا ويختلف بحسب قيدين متغايرين، كأجرام العالم من حيث الشكل، فموضوعة للهيئة؛ ومن حيث الطبيعة موضوعة للسماء والعالم. ولهذا قد يتّحد بعض مسائلهما في الموضوع والمحمول وتختلف براهينهما، كاستدارة الأرض وكونها في المركز.
وقد يتغاير الموضوعان لكن يتشاركان في البعض، كالطب والأخلاق؛ فإنّ موضوعيهما يتشاركان في البحث عن القوى الإنسانيّة، لكن من جهتين مختلفتين، ولهذا قد يتّحد بعض مسائلهما في الموضوع.
وإن لم يتشاركا فقد يكونان معًا تحت ثالثٍ ، فيتساوى العلمان في الرتبة كالهندسة والحساب؛ وقد لا يكونان تحت ثالث لكن وضع أحدهما مقارنًا لأعراض ذاتيّة للآخر، فيكون المقيّد موضوعه تحت الآخر، كالموسيقى الذي موضوعه النغم من حيث يعرض لها التأليف، والبحث عن النغم المطلقة جزءٌ من الطبيعيّ ، لكن يبحث في الموسيقى من حيث تعرض لها نسبٌ عدديّة مقتضية للتأليف، وتلك النسب إذا كانت مجرّدة بُحث عنها في علم الحساب، فلهذا صار هذا البحثُ بحثَ الحساب دون الطبيعيّ .
وإن لم يكن شيء من ذلك تباين العلمان، كالطبيعيّ والحساب.
اعلم أنّ بعض العلوم قد يُعين بعضا آخر بأن يكون ما هو مبدأٌ في علم مسلّمةً في آخر على أحد وجوه ثلاثة:
ص: 365
أ. أن يختلف الموضوعان بالعموم والخصوص، فيبيّن شيءٌ في علم أعلى ويوجد مبدأ في الأسفل، وهو مبدأٌ حقيقيّ ، وبالعكس مبدأ غير حقيقيّ بل بالقياس إلينا.
ب. أن يتّحد الموضوعان ويختلفان بالاعتبار، كحرم الظلّ بالقياس إلى الطبيعيّ والنجومي، فإنّ الطبيعي يفيد النجومي مبادي من جملتها أنّ الحركة الفلكيّة دوريّة.
ج. أن يشترك العلمان في الجنس، لكن أحد العلمين ينظر في نوع أبسط كالحساب، والآخر ينظر في نوع أكثر تركيبًا كالهندسة، فالناظر في الأبسط يفيد الآخر مبادي، فإنّ كثيرًا من مبادى المقالة العاشرة من كتاب الأسطقسات عدديّةٌ قد بُرهِنَ عليها قبلُ في المقالات العدديّة.
وأمّا اشتراكهما في المسائل فإنّما يمكن إذا اتّحد موضوع المسلّمة ومحمولها في العلمين، وإنّما يتمّ لو اتّحد العلمان في الموضوع، كاشتراك الطبيعي وعلم الهيئة في كُريّة الأفلاك؛ إلّا أنّ صاحب الهيئة يعطي برهان إنّ والطبيعي يعطي اللمّيّ .
وأمّا نقل البراهين، فيقال على وجهين:
أ. أن يكون شيء مأخوذًا مقدّمة في علمٍ وبرهانه في آخر على أحد الوجوه الثلاثة السابقة في تعاون العلوم، فيتسلّم في هذا العلم وينقل برهانه إلى ذلك العلم، أي يُحال به عليه.
ب. أن يكون شيء مأخوذًا في علم على أنّه مطلوب، ثمّ يُبَرْهَنُ عليه ببرهان حدّه الأوسط من علم آخر، فيكون أجزاء القياس - وهي الحدود - صالحةً للوقوع
ص: 366
في العلمين، كما يُبَرهن على زوايا المخروط الخارج من البصر في علم المناظر ببراهين هندسيّة، بحيث لو جعلت تلك الزوايا هندسية محضة لكان البرهان عليها ذلك، وهذا الأخير هو المراد بنقل البرهان هنا، وإنّما يمكن ذلك إذا كان أحد العلمين تحت الآخر أو مشاركًا له في الموضوع، إلّا أنّ أحدهما ينظر فيه مع قيد والآخر مع آخر.
البرهان إنّما يقوم على الجزئيّات بالعرض؛ لأنّها لمّا اندرجت تحت كلّيٍّ وتناول البرهان ذلك الكلّي تناول جزئيّاته، ولا يمكن إقامة برهان بالذات عليها؛ لأنّها تفسد وتتغيّر، فتعدم أوساطها عنها ويبطل اندراجها تحت الكبرى، فلا يبقى لها عقدٌ دائم ولا للنتيجة.
وما يفيده البرهان يجب أن يكون يقينيًّا دائمًا لا يتغيّر.
وكذلك لا حدَّ للجزئيّات؛ لأنّ الحدّ إنّما يكون من المقوّمات الثانية لطبيعة نوعه، فالحدّ في الحقيقة للنّوع، لا(1) لذلك الشخص. وإن أُخذ من العرضيّات لم يكن حدًّا؛ لعدم دوام اعتقاده.
لا يقال: أصحاب العلوم قد يقيمون البرهان والحدّ على الجزئيات كالكسوفين(2).
لأنّا نقول: إنّهم لا يقيمون برهانا ولا حدًّا على كسوف مشخّص، بل على كسوف كلّيّ ؛ إلّا أنّه اتّفق أن كان نوعه في شخصه في الوجود.
ص: 367
وأمّا الممكنات فإنّما يقوم البرهان على إمكانها، وهو ضروريٌّ لها، لا على وجودها وعدمها؛ نعم إذا لُحِظ وجود عللها صارت واجبةً وخرجت عن حدّ الإمكان، فأمكن إقامة البرهان عليها باعتبار وجود أسبابها.
وهي تسعة(1):
أ: الحدّ لا يكتسب بالبرهان؛ لأنّ الأوسط إن حمل على الأصغر حمل الحدّيّة التامّة كان للشيء حدّان، وهو محال؛ أو الناقصة فتتفاوت الأجزاء في الجلاء والخفاء؛ وإن حمل مطلقًا. فالأكبر إن حمل عليه على أنّه حدٌّ له الحدّ الأوسط والأصغر أو على أنّه حدٌّ لما ثبت له الأوسط لزم الخلف؛ لثبوت الأوسط لعوارض الأصغر ومعروضاته ولوازمه وأجزائه. وإن حمل مطلقًا لم يفد الحدّ.
وفيه نظر؛ لإمكان تفاوت الأجزاء في الظهور.
ب: القسمة لا تفيد الحد؛ لأنّها توجب وضع أقسام من غير تعيين قسم منها. ولو وضع منها قسم على التعيين ليكون حدًّا لم يكن مستفادًا من القسمة. وإن استثني النقيض لإنتاج أحد الأقسام كان بيانًا للشيء بما هو أخفى، فإنّ أجزاء الشيء أبين من غيرها له.
ص: 368
ج: استقراء الجزئيّات لا يفيد الحدّ؛ لأنّه إن حمل عليها على أنّه حدٌّ لكلّ شخصٍ من حيث هو شخص اتّحدت في المشخصات، وهو محال؛ وإن حمل مطلقًا لزم حمله على النوع كذلك، فلا يفهم منه أنّه حدّه.
د: لا يكتسب الحدّ من حدّ ضدّه، وإلّا دار أو لزم الترجيح من غير مرجّح.
ه -: الطريق في اكتساب الحدّ التركيب، بأن تأخُذَ الأشخاص وتَطْلُبَ المحمولات عليها، وانتهاءِ كلّ واحدٍ من تلك المحمولات إلى ما هو أعمّها، ثمّ تُميّزُ بين الذاتيات والعرضيات، ثمّ تضع الذاتي الأعمّ وتقيّده بالمميّز، ثمّ تنزل من الأعمّ إلى ما هو أخصّ منه من غير إخلال بواسطة بينهما من المقسّمات التّي تُقَوّم وجودَ الشيء الذي قسمته والمقولات في جواب ما هو حتّى تنتهي إلى مقولٍ لا مقولَ تحته، فالمقول المؤلّف من مجموع الذاتيات الحاصلة من تلك التقسيمات هو الحدّ.
و: القسمة وإن لم تفد الحدّ لكن لها معونة في التركيب؛ لأنّ الوسائط بها تحفظ، وترتيبِ (1) أجزاء الجنس، فيبدأ بالأعمّ فالأعمّ ويقيّد بالأخصّ .
ص: 369
ز: للحدود أيضًا مبادي جليّة التصوّر عقلًا كالوجود؛ أو حسًّا كالسواد، إذ كلّ مكتسبٍ لابدّ له من مبادٍ كاسبة له، ففي التصديقات: المقدّمات وفي التصوّرات: الحدود.
ولمّا وجب انتهاء المبادئ انتهت المقدّمات إلى الضروريّة، وكذا الحدود تنتهي إلى تصوّر جليّ ، لا يحتاج إلى الكسب.
ح: كلّ ما له علّة مساوية واضحة فحدّه التامّ يشتمل عليها، وتقع العلل الأربع في الفصول بأن تكون مبادى لها، فتقول في السيف: (إنّه آلة صناعيّة من(1) حديدٍ مطاول محدّد الأطراف نقطع به أعضاء الحيوان).
وقد يقتصر على البعض، وهذا بالرسم أشبه منه بالحدّ.
ط: الحدّ والبرهان قد يتشاركان في الأجزاء، فيستعمل في البرهان ما يستعمل في الحدّ من الأجزاء، كما لو أردنا البرهان على أنّ الغيم يرعد قلنا: (الغيم جرمٌ مائيٌّ رطبٌ تنطفي فيه نار) و (كلّ جرم مائيٍّ رطب تنطفي فيه نار فقد يحدث فيه صوت) ف - (الغيم قد يحدث فيه صوتٌ )، ثمّ نجعل هذه النتيجة صغرى لقولنا: (وكلّ صوتٍ يحدث في الغيم فهو رعد)، ينتج: ف - (الغيم قد يرعد). وهذه النتيجة حصلت بقياسين اشتملا على حدّين أوسطين: أحدهما اطفاء(2) النار في الغيم، والثاني حدوث صوت فيه. والأوّل
ص: 370
مبدأ برهانٍ ؛ لأنّه أوسط في أوّل القياسين، والثاني كمال البرهان، لتمامه به. والأوسط الأوّل علة للثاني.
وهذا الكمال ثلاثة: الجنس بمعنى أنّ الجنس يقارن النتيجة، كالصوت الّذي هو جنس الرعد يقارن النتيجة الّتي هي قولنا: (الغيم قد يرعد)؛ فإنّ معناه: الغيم قد يحدث فيه صوت، فإذا أردنا تحديد الرعد عكسنا الترتيب وقلنا: (الرعد صوت يحدث في الغيم لانطفاء نارٍ فيه).
ولو اقتصرنا على أحد الأوسطين كان ناقصًا. كما تقول: (الرعد صوتٌ يحدث في الغيم)، أو (إنّه انطفاء النار).
ص: 371
ص: 372
وفيه فصول:
الجدل صناعة علميّة يقتدر معها على إقامة الحجّة على أيّ مطلوبٍ أُريد، من مقدّمات متسلّمةٍ ، وعلى محافظة أيّ وضعٍ اتّفق، على وجه لا يتوجّه إليها مناقضة بحسب الإمكان.
وليس الغرض منه الحقّ والباطل، بل طلب ما يفحم به الخصم في المناظرة والمجادلة ويقطعه عن الاحتجاج ويظهر به على خصمه عند السامعين؛ سواء كان حقًّا أو باطلًا.
وله منفعة عظيمة هي رياضة الأذهان وتقويتها على النظر، من حيث يمكن أن تُحصّل به قياساتٍ كثيرة في مسألة واحدة على سبيل النفي والإثبات، ثمّ ترجع منها وتتأمّل أحوالها بالتصفّح فيلوح الحقّ . وأكثر منفعته إلزام المبطلين والذبّ عن الأوضاع وإقناع أهل التحصيل العوامّ والمتعلّمين القاصرين عن درجة البرهان، أو الّذين لم يصلون إلى معرفته بعد.
والجدليّ يقال لشخصين: أحدهما حافظٌ لوضعٍ مّا بمقدّمات مشهورة، وغاية سعيه أن لا يُلزَم؛ والثاني سائلٌ ، وهو الّذي ينقض وضعًا مّا بإقامة الحجّة من مقدّمات يتسلّمها من الخصم، وغاية سعيه أن يُلزِم.
ص: 373
قال الشيخ: (وبئس ما ظنّ من ظنّ أن القياس الجدليّ هو فعلٌ يصدر عن السائل لا غير، كأنّه لم يسمع المعلّم الأوّل يقول: إنّ المجيب يقيس من المشهورات، والسائل من المسلّمات)(1).
واعلم أنّ السائل قديمًا يطلق على غير ما يطلق عليه السائل الآن؛ فإنّ السائل الآن هو الّذي يبتدئُ فيسأل مخاطَبًا له عن رأيه في أمرٍ، فإذا أجاب [المخاطب] بما هو رأيه كان مجيبًا وكان الأوّل سائلًا. ومسألته هي ما سأل من نفس الرأي، ثمّ من بعد ذلك لا يسأل بالحقيقة شيئًا. بل يأتي بقياس من تلقاء نفسه أو استقراء أو غير ذلك ممّا هو عندهم حجة، فينتج بذلك نقيض وضعه من غير أن يسأله شيئًا. لكنّهم كثيرًا مّا يسمّون إيراد هذه الحجة الموجبة نحو استجابة المخاطب سؤالًا. بمعنى أنّه فإن لم يسأل بالفعل فهو بالقوّة، كأنّه يقول: أ ليس يلزمك عن هذا كذا؟ أو هل عندك جواب هذا؟
وأمّا السائل القديم الحقيقيّ فهو الذي يتسلّم من المجيب مقدّمةً مقدّمةً ، فإذا استوفاها عمد إلى جمعها فجعلها على ضرب منتج، فكأنّ المجيب لا يجد محيصا عن إلزامه في مدّة قصيرة، إذ كان تقدَّمَ فسَلَّمَ المقدّمات.
والسائل إمّا أن يسأل عن المقدّمات الّتي يتسلّمها بسؤاله ويلزمه لا محالة أن يسأل عنها أو لا يتسلّمها، وهذا السؤال هو الّذي يدخل في الجدل وبه يتمّ فعل الجدل؛
وإمّا أن يسأل عن المذهب، وهو أمر خارج عن الجدل، وإن كان لا يذهبه، بل إنّما هو تمهيد لما يحتاج إليه.
فالسؤال الجدليّ الداخل في الجدل على أنّه جزءٌ منه هو السؤال عن المقدّمة لا غير ليُتَسلَّم ما يستعان به في إنتاج مقابل وضع واضع.
ص: 374
وأمّا المجيب فلا يحتاج أن يسأل، بل يورد ما هو السبب عنده في اعتقاد ما اعتقده؛ لأنّه يقصد إثبات وضع نفسه ولا إفساد وضع غيره فيحتاج إلى شهادته. والّذي يقصد إثبات وضع نفسه يورد وضعه بمقدّمات متسلّمة لا عنده خاصّة، حتّى يكون الرّضا بما يرضاه، ولا عند خصمه؛ إذ ليس إثباته لوضعه متعلّقًا بوجود خصمٍ له حتّى إن سلّم كان له وضع وإن لم يسلم لم يكن له وضع؛ بل أن يكون مسلّمة في نفسها، وذلك بأن يكون مشهورة، فإن أثبت وضعه واتّفق له معاند احتاج إلى أن يذبّ عن مقدّمات قياسه، بأن يمنع المقاومات، وعن نتيجة قياسه بأن يمنع ما ينتج مقابلها.
وكلٌّ من المتجادلين، المجيب والسائل، يؤلّف قياسه من مقدّمات محمودة؛ أمّا أحدهما فعند الجمهور؛ وأمّا الآخر فعند خصمه، وكلّ محمود مسلّم.
قد عرفت أنّ المطلوب في البرهان اليقين والحقّ من حيث هو حقٌّ ، فمباديه - أعنى مقدّماته - الّتي تؤلّف قياساته منها إنّما هي اليقينيّات لا غير؛ والمطلوب في الجدل ليس الحق بعينه؛ بل ما يُفْحم به الخصم في المناظرة والمجادلة يقطع به عن الاحتجاج ويظهر به خصمه عليه عند السامعين، سواء كان بالحقّ أو غيره، فمباديه إنّما هي مقدّمات ذائعة مشهورة؛ إمّا على الإطلاق، وهي الّتي يقول بها جمهور الناس وهي المشهورات الحقيقيّة؛ أو بالإضافة، وهي الّتي يراها أكثر الأُمم والمعتبرون أو واحد مقدّم متّفق عليه.
والمشهورات الحقيقيّة هي الآراء المحمودة؛ لأنّها محمودة عند الجميع ويصدّقون بها من حيث العقل العمليّ ، كقولنا: (العدل حسن والظلم قبيح). هذا عند المجيب.
وأمّا مبادى الجدل عند السائل فهي المسلّمات الّتي يسلّمها المجيب ويعترف بها، فالمجيب يؤلّف أقيسته من المشهورات المطلقة أو المحدودة؛ سواء كانت حقًّا أو غير حق.
ص: 375
والسائل يؤلّفها من التقريريّات، وهي المتسلّمة من المخاطبين، سواء كانت مشهورة أو غير مشهورة. وحينئذٍ جاز أن تقع الأصناف الثلاثة من القضايا في المبادي، وهي الواجب قبولها والممكن والممتنع.
والواجب قبولها في الأغلب مشهورة، وقد لا يكون، كالمجرّبات؛ فإنّها قد يخصّ شخصًا بعينه، والأوّل يقع في مبادي الجدل دون الثاني.
ولمّا كانت الشهرة تستند إلى الأخلاق والملكات المستندة إلى الأمزجة والعادات وكانت هذه قد تختلف كثيرًا بحسب الأزمان والمكان(1) أمكن تقابل القضايا المشهورة بحسب اختلاف الآراء، فإنّ حفظ المال آثر من إنفاقه عند العوام وبالعكس عند الخواصّ ، واللّذة آثر عند طالبي النعم وموتُ الشهداء آثر عند طالبي المعالي، فالجدليّ يستعمل أحيانًا المقدّمات المتقابلة في زمانين عند اختلاف أغراضه. فصناعة الجدل يقع فيها المسلّمات العامّة المطلقة الّتي تسلّمها الجمهور، والمحدودة الّتي تسلّمها طائفة، والخاصّة الّتي تسلّمها شخصٌ . هذا بحسب مقدّماته، وهي الجزء الماديّ .
وأمّا بحسب صورته فإنّه يستعمل ما ينتج بحسب الشهرة، سواء كان قياسًا أو استقراء، وسواء كان القياس منتجًا أو عقيمًا كالموجبتين في الشكل الثاني. إلّا أنّ القياس أشدّ إلزاما من الاستقراء؛ لأنّه أقرب إلى العقل، والاستقراء أتمّ اقناعًا؛ لقربه من الحس الّذي يشهد به الجمهور كافّة. فالجدل صناعة أعمّ من البرهان مادّةً وصورةً ، وموضوع نظره غير محدودٍ، بل ينظر في كلّ فنٍّ ، وتقع مسألته في علوم مختلفة، إمّا خُلقيّة كقولنا: (اللّذة جميلة أم لا؟)؛ وإمّا طبيعيّة كقولنا: (الحركة موجودة أم لا؟)؛ وإمّا منطقيّة كقولنا: (العلم بالمتضادّات واحدٌ أم لا؟)، وينظر فيما يجري مجرى المنطقيّة كالدوران والمناسبة وغيرهما، وبالجملة في كلّ حكم مشهور يُتّبع في غيره.
ص: 376
وقد ظنّ قومٌ أنّ القياسات الجدليّة إنّما هي جدليّة؛ لأنّ موضوعاتها مقدّمات أكثريّة الصدق، وظنّ آخرون أنّها إنّما هي جدليّة؛ لأنّها تنتج الحقّ في أكثر الأمر.
وكلاهما باطل، بل القياس الجدلي إنّما هو جدليٌّ باعتبار أنّ مقدّماته متسلّمة أو مشهورة، وليس من شرط المشهور والمسلّم أن يكون صادقًا. فقد يتسلّم الباطل، وكثيرٌ ما يشتهر الكذب(1). وقد يكون الحقّ غير بيّن في الاعتبار العقلي الأوّل ويكون مشهورًا.
وأيضًا تحديد الصناعة بأنّ أكثر قياساتها ينتج الحقّ فاسدٌ؛ فإنّ الصناعة تُحَدُّ بما يجب أن يكون موجودًا في جميع أجزائها التامّة، وإذا كانت الشهرة أو التسليم شرطًا في مقدّمات الجدل وجب وجوده في كلّ قياسٍ جدليٍّ ، والشهرة لا يُمنَع أن تكون موجودة للباطل كما للحقّ ؛ بل قد يتّفق تساويهما أو غلبة أحدهما، اتّفاقًا لا وجوبًا. من حيث هو مشهور.
وواجبة(2) القبول مشهورة بحسب الأغلب ولا ينعكس، وتستعمل في الجدل لا باعتبار وجوب قبولها أو صدقها، بل باعتبار شهرتها، وليس كلّ مشهورٍ صادقًا. بل المشهور يقابل الشنيع، كما يقابل الصادقُ الكاذب.
واعلم أنّ صناعة الجدل إنّما يتمّ بأمرين: سؤالٍ وجواب، فالمجيب يؤلّف أقيسة من الذائعات على ما مرّ، وأمّا السائل فإنّ مقدّماته هي الّتي يسأل عنها السائل، مُغيِّرَ(3) الصورة من صنعة الإخبار إلى صنعة الاستخبار، فعدد المسائل بعدد المقدّمات، وبعد تسليم المجيب لها يؤلّفها لينتج ما يناقض الوضع، فهي باعتبار اقترانها مع حرف الاستفهام تسمّى مسألة الجدليّ ، وباعتبار جعلها جزءَ (*) قياسٍ بعد تسليم الخصم تسمّى مقدّمة الجدليّ ، كمن يضع أنّ العلم بالواحد والكثير واحد، فيقول السائل: (هل
ص: 377
الواحد والكثير متضادّان ؟)، فإذا قال الخصم: (نعم) قال: (هل العلم بالمتضادّين(1) واحد؟) فإذا قال: (نعم) انتقض حكم الخصم باتّحاد العلمين.
ومحمولات المقدّمات أُمورٌ كليّة؛ لأنّ موضوع الجدل أمرٌ كلّيٌ : فإمّا أن يكون من الأجناس أو الفصول أو الخواصّ أو الأعراض، لأنّ محمولات المقدّمات إمّا أن تكون مساويةً لموضوعاتها أو لا؛ فإن كانت مساوية فإمّا أن يدلّ على الماهيّة أو لا، والأوّل يسمّى خواصّ : إمّا مفردة أو مركّبة، فالمفرد خاصّة المفرد والمركّب خاصّة المؤلّف. ويطلق على الجميع اسم الرسم؛ لأنّه يحصل من الخواص.
وإن لم تكن مساوية للموضوعات فإن وقعت في طريق ما هو - أعني جواب ما هو؟ لعدم الفرق بينهما في الجدل - فهي الجنس أو الفصل، فلا فرق بينهما هنا؛ وإن لم تقع فهي الأعراض، فالمحمولات بهذا الاعتبار أربعة: الحدّ والخاصّة والجنس والعرض، وسقط اعتبار النوع؛ لأنّه إن حمل على الشخص سقط اعتباره؛ لأنّ مباحث الجدل كليّة؛ وإن حمل على الصنف فهو بمنزلة حمل اللوازم؛ لأنّ النوع ليس نوعًا للصنف، فالنوع إذن يقع في موضوع القضيّة لا محمولها.
ويشترط في العرض إثبات وجوده، وفي الخاصّة إثباته والمساواة، وفي الجنس إثبات وجوده مع إثبات وقوعه في جواب (ما هو؟)، وفي الحدّ القيام مقامَ الاسم في الدلالة مع جميع الشرائط السابقة، أعني: إثبات الوجود والمساواة والوقوع في جواب (ما هو؟).
والتحقيق أنّ الحدّ إنّما يطلق على ما يساوي الماهيّة، وهو المركّب من الذاتيّات، ولا يحتاج إلى إثباته، لكن في الجدل الحدّ يجوز أن يكون العرضيّات(2)، فلهذا افتقر إلى إثباته.
وإذا كان شرائط الإثبات أقلّ كان الإثبات أسهل، فالإبطال حينئذٍ أعسر وبالعكس.
ص: 378
اعلم أنّ هنا أُصولًا يُتقوّى بها على الإبطال والإثبات الّذي هو غرض الجدليّ ، وتعرّفها يكون(1) بالاستقراء والقياس في كلّ واحدٍ من محمولات المسائل الّتي يرام إثباتها وإبطالها، وهي الأُصول الّتي تعرف بها أنّ الشيء هو بالشخص أو بالنوع أو بالجنس أو بالخاصّة، والأُصول التي يعرف بها أيّ الأمرين أولى وآثر.
وتسمّى هذه الأُصول في عبارة القدماء (مواضع)، أي: مواضع بحث ونظر(2).
وكلّ حكم يتشعّب منه أحكام جزئيّة تصلح أن تجعل مقدمات الأقيسة تسمّى موضعًا، فالموضع كلّ حكم كلّيّ واحد يتشعّب منه أحكام كثيرة كلّ واحد منها جزئيٌّ بالنسبة إليه وصالحٌ أن يصير(3) مقدّمة لقياس جدليّ باعتبار شهرته، كقولنا: (أحد الضدين إذا كان في موضوعٍ كان الآخر في ضدّه)، فإنّه حكم يتشعب منه حكمٌ جزئيٌّ بالنسبة إليه - وإن كان كليًّا في نفسه - هو قولنا: (إن كان وضع الإحسان في الأصدقاء حسنًا كان وضع الإساءة في الأعداء حسنًا).
وقد لا يكون الحكم الكلّيّ - أعني الموضع - مشهورًا وتكون جزئيّاته مشهورة؛ لأنّ الجزئيّات أعرف عند الحسّ والكلّيّة خفيّة عند العوامّ ؛ لعدم التفاتهم إليها، فتصلح الجزئيات مقدّمات للجدليّ دون كلّيها لعدم شهرته.
والآلات الّتي يستنبط بها مواضع الأنظار(4) الجدليّة ويحترز بها عن الانقطاع وينال بها إلزام الخصم ما يريد إلزامه أربعة:
ص: 379
أ. ما يختصّ باللفظ، وهو أن يكون عند الإنسان قدرة على معرفة الأسماء المترادفة والمتشابهة والمشتركة والمشكّكة حتّى لايقتصر على الدّعوى المجرّدة، بل يبيّن وجه الاشتراك والتشكيك.
ومهما اقتدر المجادل على تفصيل الاسم المشترك أمكنه أن يغالط ولايغلط ويحترز في التسلّم والموافقة ويقدر على الالتزام والخدعة.
ب. القدرة على استنباط الفصول من الأُمور المقاربة جدّا والتمييز بين المتشابهات بالفصول والخواصّ باستنباط الأُمور المميّزة بين المتشابهة جدّا؛ فإنّ الظاهر بيانُه لا يستنبط باكتساب فصوله دونه. وينتفع بذلك في صناعة القياسات المعمولة في إنتاج غير المدّعى وفي توفية الحدود في تفصيل الأسماء المشتركة، ويقتدر بذلك على إخراج الشيء من حكمٍ يعمّه وغيرَه بالفرق بالفصول.
ج. القدرة على أخذ المتشابهات من الأشياء المتباعدة جدّا والمختلفات. والفائدة هنا ضدّ الفائدة السابقة، وهي إدراج الشيء في حكم ثبت لغيره بالتمثيل.
د. جمع المقدّمات الواقعة عند الجمهور وعند أصحاب الصناعات، واستحضار المشهورات، واستنباط ذائعات من ذائعات، وتفصيل(1) ذائع إلى ذوائع، ونقل الحكم من ذائع إلى ذائع، ونقل الحكم من ذائع إلى شبيه به.
وبالجملة يستحضر أصناف المشهورات في جميع الموادّ المنطقيّة والطبيعيّة والخُلقيّة وغيرها ويعدّها للحاجة إليها.
ص: 380
...(1).
الحديث والأثرالقائلالصفحة (حرف الألف) «اضربِ الرَّأيَ بعضه ببعضٍ يتولَّد الصَّوابُ » الإمام عليّ عليه السلام 7 (حرف الحاء) «الحسن والحسين سيِّدا شباب أهل الجنة» النبيّ محمَّد صلى الله عليه و آله و سلم 64 (حرف العين) «العلماء باقون ما بَقِيَ الدَّهر، أعيانهم مفقودة...» الإمام الصادق عليه السلام 8
ص: 381