مجموعة نفیسة في تاریخ الأئمة علیهم السلام

هویة الکتاب

مجموعة نفیسة في تاریخ الأئمة علیهم السلام

كاتب: علامه حلی، حسن بن یوسف

كاتب: شیخ بهایی، محمد بن حسین

كاتب: طبرسی، فضل بن حسن

كاتب: مفید، محمد بن محمد

كاتب: ابن ابی الثلج، محمد بن احمد

كاتب: ابن خشاب، عبدالله بن احمد

لسان: العربية

الناشر: دار القاریء - بیروت - لبنان

سنة النشر: 1422 هجری قمری|2002 میلادی

کد کنگره: /م3 21 BP

محرر رقمي: میثم الحیدري

ص: 1

اشارة

ص: 2

مجموعة نفیسة في تاریخ الأئمة علیهم السلام

ص: 3

ص: 4

مقدمة الناشر

اشارة

لا نبالغ إذا قلنا إن هذا الكتاب الذي بين يديك عزيزنا القارئ الكريم، هو اسم على مسمى، فهو حقا مجموعة نفيسة، و تنبع نفاستها و قيمتها من أمور ثلاث:

أولا: إنها مجموعة من الكتب المخطوطة التي لم تطبع حتى الآن.

ثانيا: إنها من تأليف بعض العلماء الجهابذة الأجلاء الذين عرفوا بعلمهم، و تقواهم، و مؤلفاتهم الجليلة التي أثرت المكتبة الإسلامية.

ثالثا: إنها تتناول أخبار الرسول صلى الله عليه و آله و سلم و أهل بيته الكرام الأطهار عليهم السلام و مواليدهم و وفياتهم.

و ليقيننا و قناعتنا بأهمية هذه المجموعة، و فائدتها للمكتبة الإسلامية، و لأنها تعتبر مصدرا من المصادر الهامة استنادا إلى ما أشرنا إليه آنفا، قمنا بتحقيقها و ضبط نصوصها، و مراجعة أحاديثها و تخريج آياتها، و وضعنا عليها التنقيط و أخرجناها بهذه الحلة القشيبة، راجين المولى العلي القدير، أن ينفع بها المكتبة الإسالمية و القارئ الإسلامي، و المجموعة النفيسة هي:

تاريخ الأئمة عليهم السلام:

تأليف الحافظ الثقة الأقدم أبي بكر محمد بن أحمد بن عبد الله بن إسماعيل بن أبي الثلج الكاتب البغدادي المولود سنة 237 ه. ق و المتوفى سنة 325 ق أو سنة 323 ق أو سنة 322 ق الذي أخد عن الحافظ محمد

ص: 5

ابن جرير الطّبري صاحب التّاريخ الكبير، و عنه أخذ الحافظ الشّيخ أبو محمّد هارون بن موسى البغدادي التّلّغمبري، و له تآليف كثيرة.

2 - مسارّ الشّيعة:

تأليف العلاّمة الشّيخ متكلّم الشّيعة و ناطورها، الثّقة الجليل أبي عبد الله محمّد بن محمّد بن النّعمان الحارثي البغدادي، المشتهر بالمفيد و ابن المعلّم المولود سنة 336 ه. ق و المتوفى سنة 413 ه. ق صاحب التّآليف الممتّعة الكثيرة و الآثار النّافعة.

3 - تاج المواليد:

تأليف العلاّمة الشيخ أبي علي الفضل بن الحسن بن الفضل الطّبرسي، صاحب كتاب (مجمع البيان) في تفسير القرآن، المتوفّى في سبزوار سنة 548 ه. ق، و نقل جسده الشّريف إلى مشهد مولانا الإمام عليّ ابن موسى الرّضا عليه السّلام و قبره مشهور يزار و يتبرّك به.

4 - تاريخ مواليد الأئمّة عليهم السّلام و وفياتهم:

تأليف الحافظ الشّيخ أبي محمّد عبد الله بن أحمد بن أحمد بن أحمد بن عبد الله بن النّصر بن الخشّاب البغدادي، الأديب، النّحوي، الشّاعر، المحدّث، المفسّر، المؤرّخ، الثقة المقرىء، الحافظ للقرآن الكريم، النّسّابة، كان من أشهر علمائه في عصره موثّقا عند الكلّ، المتوفّى سنة 567 ه. ق أو سنة 568 ه. ق في بغداد.

و المدفون قريبا من قبر بشر الحافي، و هو الّذي قال ابن أبي الحديد في شرح النّهج في حقّه ما هذا لفظه:

سمعت عن مصدّق بن شبيب، حكى عن أستاذه ابن الخشّاب هذا أنّه رأى الخطبة الشّقشقيّة في بعض الكتب المؤلّفة قبل تأليف نهج البلاغة بمائتي سنة.

و للمترجم تآليف كثيرة منها كتاب الاستدراكات على مقامات الحريري، و غيره.

ص: 6

5 - ألقاب الرسول صلّى الله عليه و آله و سلم و عترته:

تأليف بعض قدماء المحدّثين و المؤرّخين.

6 - المستجاد من كتاب الإرشاد:

تأليف فخر الإماميّة الشيخ جمال الدّين أبي منصور الحسن بن سديد الدّين يوسف بن عليّ بن المطهّر الحلّي، المشتهر فى الآفاق بالعلاّمة و آية الله، المولود سنة 648 ه. ق و المتوفّى سنة 726 ه. ق بالحلّة، و نقل جثمانه الشّريف إلى مشهد مولانا أمير المؤمنين روحي له الفداء.

صاحب مئات من التّصانيف و التّآليف، منها كتابا التّذكرة و القواعد.

7 - توضيح المقاصد:

تأليف العلاّمة في جلّ العلوم النّقليّة و العقليّة، مولانا الشّيخ بهاء الدّين محمّد بن الحسين بن عبد الصّمد الحارثي العاملي الجبعي، المولود في بعلبك سنة 953 ه. ق و المتوفّى بأصفهان سنة 1031 ه. ق.

و نقل نعشه المقدّس إلى مشهد مولانا الإمام عليّ بن موسى الرّضا عليه السّلام.

صاحب التّآليف النّافعة الهآمّة و كتابي الحبل المتين و مشرق الشمسين.

و كان تحرير هذه الكلمات صبيحة يوم السّبت لخمس مضين من شهر محرّم الحرام سنة 1406 ق ببلدة قم المشرّفة، حرم الأئمة و عشّ آل محمّد صلّى الله عليه و آله و سلم حامدا، مصلّيا، مسلّما، مستغفرا.

ص: 7

ص: 8

ص: 9

ص: 10

تاريخ الأئمة عليهم السلام لابن أبي الثلج البغدادي

اشارة

بِسْمِ اَللّٰهِ اَلرَّحْمٰنِ اَلرَّحِيمِ

أَخْبَرَنَا اَلْإِمَامُ اَلْفَاضِلُ اَلْعَلاَّمَةُ مُحِبُّ اَلدِّينِ أَبُو عَبْدِ اَللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مَحْمُودِ بْنِ اَلْحَسَنِ بْنِ اَلنَّجَّارِ اَلْبَغْدَادِيُّ، اَلْمُحَدِّثُ بِالْمَدْرَسَةِ اَلشَّرِيفَةِ اَلْمُسْتَنْصِرِيَّةِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا اَلْمَشَايِخُ اَلثَّلاَثَةُ: أَبُو عَبْدِ اَللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اَلْوَاحِدِ بْنِ اَلْفَاخِرِ اَلْقُرَشِيُّ، وَ أَبُو مَاجِدٍ مُحَمَّدُ بْنُ حَامِدِ بْنِ عَبْدِ اَلْمُنْعِمِ بْنِ عَزِيزٍ اَلْوَاعِظُ، وَ أَبُو مُحَمَّدٍ أَسْعَدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَامِدٍ اَلثَّقَفِيُّ إِجَازَةً، قَالُوا جَمِيعاً: أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ عَبْدُ اَلرَّحِيمِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ اَلشَّرَابِيُّ اَلشِّيرَازِيُّ إِذْناً، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مَسْعُودٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اَلْعَزِيزِ بْنِ شَاذَانَ اَلْبَجَلِيُّ بِخَطِّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو عَلِيٍّ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ اَلْعِمَادِيُّ اَلنَّسَوِيُّ بِنَسَاءَ قِرَاءَةً عَلَيْهِ، أَخْبَرَنَا أَبُو اَلْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَلِيٍّ اَلْكِنْدِيُّ بِمَكَّةَ سَنَةَ خَمْسِينَ وَ ثَلاَثِمِائَةٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ اِبْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ اَلْمَعْرُوفُ بِابْنِ أَبِي اَلثَّلْجِ، حَدَّثَنِي عُتْبَةُ اِبْنُ أَسْعَدَ بْنِ كِنَانَةَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ اَلْفَارَيَابِيِّ، عَنْ نَصْرِ بْنِ عَلِيٍّ اَلْجَهْضَمِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا اَلْحَسَنِ عَلِيَّ بْنَ مُوسَى اَلرِّضَا عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ عَنْ أَعْمَارِ اَلْأَئِمَّةِ صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ عَلِيِّ اِبْنِ اَلْحُسَيْنِ، عَنْ أَبِيهِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ صَلَوَاتُ اَللَّهِ وَ سَلاَمُهُ عَلَيْهِ، قَالَ:

مَضَى رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ وَ هُوَ اِبْنُ ثَلاَثٍ وَ سِتِّينَ سَنَةً فِي سَنَةِ عَشْرٍ مِنَ اَلْهِجْرَةِ، وَ كَانَ مُقَامُهُ بِمَكَّةَ أَرْبَعِينَ سَنَةً، ثُمَّ هَبَطَ إِلَيْهِ اَلْوَحْيُ فِي عَامِ اَلْأَرْبَعِينَ، وَ كَانَ بِمَكَّةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ سَنَةً، ثُمَّ هَاجَرَ إِلَى اَلْمَدِينَةِ وَ هُوَ اِبْنُ

ص: 11

ثَلاَثٍ وَ خَمْسِينَ سَنَةً، فَأَقَامَ بِهَا عَشْرَ سِنِينَ، وَ قُبِضَ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ اَلْأَوَّلِ، يَوْمَ اَلاِثْنَيْنِ، لِلَيْلَتَيْنِ خَلَتَا مِنْهُ .

أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام:

قَالَ: وَ مَضَى أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ هُوَ اِبْنُ ثَلاَثٍ وَ سِتِّينَ سَنَةً، فِي عَامِ أَرْبَعِينَ مِنَ اَلْهِجْرَةِ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ وَهْبٍ: مَضَى وَ لَهُ خَمْسٌ وَ سِتُّونَ سَنَةً.

قَالَ نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ فِي حَدِيثِهِ: وَ نَزَلَ اَلْوَحْيُ عَلَى اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ وَ هُوَ اِبْنُ اِثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، وَ مَضَى وَ هُوَ اِبْنُ ثَلاَثٍ وَ سِتِّينَ سَنَةً، وَ كَانَ بِمَكَّةَ اِثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً مَعَ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يُظْهِرَ اَللَّهُ تَعَالَى نُبُوَّتَهُ، وَ أَقَامَ مَعَ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ بِمَكَّةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ سَنَةً، ثُمَّ هَاجَرَ إِلَى اَلْمَدِينَةِ، فَأَقَامَ بِهَا مَعَ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ، ثُمَّ أَقَامَ بَعْدَ أَنْ مَضَى رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ثَلاَثِينَ سَنَةً، وَ مَضَى فِي شَهْرِ رَمَضَانَ مِنَ اَلْأَرْبَعِينَ، مِنْ ضَرْبَةِ اِبْنِ مُلْجَمٍ اَلْمُرَادِيِّ (لَعْنَةُ اَللَّهِ عَلَيْهِ) وَ كَانَ ضَرَبَهُ فِي لَيْلَةِ تِسْعَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ.

فاطمة الزهراء عليها السلام:

قَالَ: وُلِدَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا اَلسَّلاَمُ بَعْدَ مَا أَظْهَرَ اَللَّهُ نُبُوَّتَهُ بِخَمْسِ سِنِينَ، وَ قُرَيْشٌ تَبْنِي اَلْبَيْتَ، وَ تُوُفِّيَتْ وَ لَهَا ثَمَانِيَ عَشَرَ سَنَةً وَ خَمْسَةً وَ سَبْعُونَ يَوْماً، وَ كَانَ عُمُرُهَا مَعَ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ بِمَكَّةَ ثَمَانِيَ سِنِينَ، وَ هَاجَرَتْ مَعَ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ إِلَى اَلْمَدِينَةِ، وَ أَقَامَتْ بِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ.

وَ أَقَامَتْ مَعَ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ مِنْ بَعْدِ وَفَاةِ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ خَمْسَةً وَ سَبْعِينَ يَوْماً، وَ وَلَدَتِ اَلْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ لَهَا إِحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً بَعْدَ اَلْهِجْرَةِ.

الحسن بن علي عليه السّلام:

وَ مَضَى اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ هُوَ اِبْنُ سَبْعٍ وَ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَ كَانَ بَيْنَ أَبِي مُحَمَّدٍ اَلْحَسَنِ وَ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ طُهْرٌ وَ حَمْلٌ، وَ كَانَ حَمْلُ أَبِي عَبْدِ

ص: 12

اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، وَ لَمْ يُولَدْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ غَيْرُ اَلْحُسَيْنِ وَ عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ.

وَ أَقَامَ أَبُو مُحَمَّدٍ اَلْحَسَنُ مَعَ جَدِّهِ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ سَبْعَ سِنِينَ، وَ أَقَامَ مَعَ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ثَلاَثِينَ سَنَةً، وَ كَانَ عُمُرُهُ سَبْعاً وَ أَرْبَعِينَ سَنَةً.

الحسين بن علي عليه السّلام:

وَ مَضَى أَبُو عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ هُوَ اِبْنُ سَبْعٍ وَ خَمْسِينَ سَنَةً، فِي عَامِ سِتِّينَ مِنَ اَلْهِجْرَةِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَ كَانَ مُقَامُهُ مَعَ جَدِّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ سَبْعَ سِنِينَ، إِلاَّ مَا كَانَ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ أَبِي مُحَمَّدٍ وَ هُوَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَ عَشَرَةُ أَيَّامٍ.

وَ أَقَامَ مَعَ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ثَلاَثِينَ سَنَةً، وَ مَعَ أَبِي مُحَمَّدٍ عَشْرَ سِنِينَ، وَ بَعْدَ أَبِي مُحَمَّدٍ عَشْرَ سِنِينَ وَ أَشْهُرٌ، وَ كَانَ عُمُرُهُ سَبْعَةً وَ خَمْسِينَ سَنَةً، إِلاَّ مَا كَانَ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ أَخِيهِ مِنْ حَمْلٍ وَ طُهْرٍ.

علي بن الحسين عليه السّلام:

وَ مَضَى عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ هُوَ اِبْنُ سِتٍّ وَ خَمْسِينَ سَنَةً، فِي عَامِ خَمْسٍ وَ تِسْعِينَ مِنَ اَلْهِجْرَةِ، وَ كَانَ مَوْلِدُهُ سَنَةَ ثَمَانٍ وَ ثَلاَثِينَ مِنَ اَلْهِجْرَةِ، وَ قَبْلَ وَفَاةِ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بِسَنَتَيْنِ.

وَ أَقَامَ مَعَ أَبِي مُحَمَّدٍ عَشْرَ سِنِينَ، وَ مَعَ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَشْرَ سِنِينَ (1)، وَ بَعْدَهُمْ ثَلاَثِينَ سَنَةً (2).

قَالَ اَبُو بَكْرٍ: وَ يُرْوَى فِي غَيْرِ هَذَا اَلْحَدِيثِ أَنَّهُ كَانَ يُكَنَّى بِأَبِي اَلْحُسَيْنِ، وَ بِأَبِي اَلْحَسَنِ، وَ بِأَبِي بَكْرٍ.

ص: 13


1- المراد أنه أدرك من زمان إمامة كل واحد من عمه و أبيه عشر سنين، و هو المراد أيضا مما تقدم في حق الإمام المجتبى عليه السّلام من أنه أقام مع أبيه أمير المؤمنين عليه السّلام ثلاثين سنة.
2- المراد أنه عليه السّلام أقام بعدهم، و بعد أن انتقلت الإمامة إليه ثلاثين سنة، و لكن التحقيق أنه أقام بعد انتقال الخلافة الإلهية إليه خمسا أو أربعا و ثلاثين سنة، كما يظهر من ملاحظة عام وفاته و عام وفاة أبيه، و لعل في النسخة سقط في العبارة.

محمّد بن علي عليهما السّلام:

قَالَ: وَ مَضَى أَبُو جَعْفَرٍ اَلْبَاقِرُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ هُوَ اِبْنُ سِتٍّ وَ خَمْسِينَ سَنَةً، فِي عَامِ مِائَةٍ وَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِنَ اَلْهِجْرَةِ، وَ كَانَ مَوْلِدُهُ قَبْلَ مُضِيِّ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بِثَلاَثِ سِنِينَ، وَ مُقَامُهُ مَعَ أَبِيهِ: خَمْساً وَ ثَلاَثِينَ سَنَةً إِلاَّ شَهْرَيْنِ، وَ بَعْدَ أَنْ مَضَى أَبُوهُ تِسْعَ عَشْرَةَ سَنَةً.

قَالَ اَلْفِرْيَابِيُّ: وَ قَدْ قِيلَ: إِنَّهُ أَقَامَ وَ هُوَ اِبْنُ ثَمَانٍ وَ ثَلاَثِينَ سَنَةً، وَ كَانَ مَوْلِدُهُ سَنَةَ ثَمَانٍ وَ خَمْسِينَ، وَ أَدْرَكَهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اَللَّهِ اَلْأَنْصَارِيُّ وَ هُوَ كَانَ فِي اَلْكُتَّابِ، فَأَقْرَأَهُ عَنْ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ اَلسَّلاَمَ، قَالَ: هَكَذَا أَمَرَنِي رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ وَ قُبِضَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ اَلْآخِرِ سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَ مِائَةٍ، وَ كَانَ مُقَامُهُ بَعْدَ أَبِيهِ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً.

جعفر بن محمّد الصّادق عليهما السّلام:

قَالَ: وَ مَضَى أَبُو عَبْدِ اَللَّهِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ اَلصَّادِقُ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ وَ هُوَ اِبْنُ خَمْسٍ وَ سِتِّينَ سَنَةً، فِي عَامِ ثَمَانٍ وَ أَرْبَعِينَ وَ مِائَةٍ، وَ كَانَ مَوْلِدُهُ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَ ثَمَانِينَ مِنَ اَلْهِجْرَةِ وَ كَانَ مُقَامُهُ مَعَ أَبِيهِ ثَمَانَ سِنِينَ بَعْدَ مُضِيِّ جَدِّهِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ اِثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، وَ مَعَ أَبِيهِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً (1)، وَ أَقَامَ بَعْدَ أَبِيهِ إِحْدَى وَ ثَلاَثِينَ سَنَةً (2).

موسى بن جعفر عليهما السّلام:

وَ مَضَى أَبُو اَلْحَسَنِ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ وَ هُوَ اِبْنُ أَرْبَعٍ وَ خَمْسِينَ سَنَةً، فِي عَامِ مِائَةٍ وَ ثَلاَثٍ وَ ثَمَانِينَ، وَ كَانَ مَوْلِدُهُ فِي عَامِ مِائَةٍ وَ تِسْعٍ وَ عِشْرِينَ سَنَةً (3) مِنَ اَلْهِجْرَةِ، وَ كَانَ مُقَامُهُ مَعَ أَبِيهِ تِسْعَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَ بَعْدَ أَبِيهِ خَمْساً وَ ثَلاَثِينَ سَنَةً.

ص: 14


1- كذا الأصل، و لعل الصواب: تسع عشرة سنة.
2- كذا الأصل، و الظاهر (أربع و ثلاثين)، نعم يستقيم هو على قول من أرّخ وفاة الإمام الباقر عليهما السّلام بسنة 117، كما عن كشف الغمة و الفصول المهمة.
3- كذا الأصل.

وَ مَضَى وَ لَهُ أَرْبَعٌ وَ خَمْسُونَ سَنَةً.

قَالَ اَلْفِرْيَابِيُّ: وَ قِيلَ: أَقَامَ أَبُو اَلْحَسَنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ هُوَ اِبْنُ عِشْرِينَ سَنَةً، يَعْنِي مَعَ أَبِيهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ.

علي بن موسى الرّضا عليهما السّلام:

قَالَ اَلْفِرْيَابِيُّ: قَالَ نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ: مَضَى أَبُو اَلْحَسَنِ اَلرِّضَا عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ لَهُ سَبْعٌ وَ أَرْبَعُونَ سَنَةً وَ أَشْهُرٌ، فِي عَامِ مِائَتَيْنِ وَ اِثْنَتَيْنِ مِنَ اَلْهِجْرَةِ، بَعْدَ أَنْ مَضَى أَبُو عَبْدِ اَللَّهِ (1) بِخَمْسِينَ سَنَةً.

وَ أَقَامَ مَعَ أَبِيهِ تِسْعاً وَ عِشْرِينَ سَنَةً وَ أَشْهُرٌ، وَ بَعْدَ أَنْ مَضَى أَبُو اَلْحَسَنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ من سني [مُوسَى] خَمْساً وَ عِشْرِينَ سَنَةً إِلاَّ شَهْرَيْنِ (2).

محمّد بن عليّ عليهما السّلام:

قَالَ اَلْفِرْيَابِيُّ: وَ حَدَّثَنِي أَبِي كَانَ فِي اَلْوَقْتِ اَلَّذِي حَدَّثَنِي بِهَذَا اَلْحَدِيثِ اِبْنَ أَرْبَعٍ وَ تِسْعِينَ سَنَةً، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ وَ هُوَ اِبْنُ عِشْرِينَ سَنَةً وَ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ وَ عِشْرِينَ يَوْماً فِي عَامِ مِائَتَيْنِ وَ عِشْرِينَ مِنَ اَلْهِجْرَةِ (3)، وَ كَانَ مَوْلِدُهُ سَنَةَ مِائَةٍ وَ خَمْسَةٍ وَ تِسْعِينَ.

وَ كَانَ مُقَامُهُ مَعَ أَبِيهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، سَبْعَ سِنِينَ وَ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ.

وَ قُبِضَ يَوْمَ اَلثَّلاَثَاءِ لِسِتِّ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِي اَلْحِجَّةِ، سَنَةَ عِشْرِينَ وَ مِائَتَيْنِ.

علي بن محمد عليهما السّلام:

قَالَ اَلْفِرْيَابِيُّ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْمَاعِيلَ سَهْلَ بْنَ زِيَادٍ

ص: 15


1- جعفر بن محمد.
2- كذا الأصل.
3- كذا في الأصل، و لكن إذا كان مولده في عام 195 فيكون في عام 220 ابن خمس و عشرين سنة تقريبا، و لعل لفظ (خمس) ساقط من النسخة في قوله: و هو ابن عشرين.

اَلْآدَمِيَّ قَالَ: مَوْلِدُ أَبِي اَلْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ فِي رَجَبٍ سَنَةِ مِائَتَيْنِ وَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِنَ اَلْهِجْرَةِ، وَ كَانَ مُقَامُهُ مَعَ أَبِيهِ سِتَّ سِنِينَ وَ خَمْسَةَ أَشْهُرٍ.

وَ مَضَى يَوْمَ اَلاِثْنَيْنِ لِخَمْسِ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ جُمَادَى اَلْآخِرَةِ سَنَةَ مِائَتَيْنِ وَ أَرْبَعٍ وَ خَمْسِينَ مِنَ اَلْهِجْرَةِ.

وَ كَانَ مُقَامُهُ بَعْدَ وَفَاةِ أَبِيهِ ثَلاَثاً وَ ثَلاَثِينَ سَنَةً وَ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ إِلاَّ أَيَّاماً، وَ كَانَ عُمُرُهُ أَرْبَعِينَ سَنَةً إِلاَّ أَيَّاماً.

الحسن بن عليّ عليهما السّلام:

قَالَ اَلْفِرْيَابِيُّ: قَالَ لِي أَخِي عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ: وُلِدَ أَبُو مُحَمَّدٍ اَلْحَسَنُ اِبْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ سَنَةَ إِحْدَى وَ ثَلاَثِينَ وَ مِائَتَيْنِ وَ مَضَى يَوْمَ اَلْجُمُعَةِ.

وَ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يَوْمَ اَلْأَرْبِعَاءِ لِثَمَانِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ رَبِيعٍ اَلْأَوَّلِ، سَنَةَ مِائَتَيْنِ وَ سِتِّينَ، وَ كَانَ عُمُرُهُ تِسْعاً وَ عِشْرِينَ سَنَةً، مِنْهُمَا بَعْدَ أَبِيهِ خَمْسَ سِنِينَ وَ ثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ.

القائم صلوات اللّه و سلامه عليه:

قَالَ: وُلِدَ اَلْخَلَفُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ سَنَةَ ثَمَانٍ وَ خَمْسِينَ وَ مِائَتَيْنِ، وَ مَضَى أَبُو مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ لِلْخَلَفِ سَنَتَانِ وَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، صَلَوَاتُ اَللَّهِ وَ سَلاَمُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ.

ذكر أولاد النبي و الأئمة عليهم السّلام

ولد النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

قَالَ اَلْفِرْيَابِيُّ: حَدَّثَنِي أَخِي عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ - وَ كَانَ عَالِماً بِأَمْرِ أَهْلِ اَلْبَيْتِ عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ - حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنِي اِبْنُ سِنَانٍ، عَنْ أَبِي نَصْرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ: وُلِدَ لِرَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ مِنْ خَدِيجَةَ: اَلْقَاسِمُ، وَ عَبْدُ اَللَّهِ، وَ اَلطَّاهِرُ، وَ زَيْنَبُ، وَ رُقَيَّةُ، وَ أُمُّ كُلْثُومٍ، وَ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا اَلسَّلاَمُ.

ص: 16

وَ مِنْ مَارِيَةَ اَلْقِبْطِيَّةِ (1): إِبْرَاهِيمُ.

فَأَمَّا رُقَيَّةُ: فَزُوِّجَتْ مِنْ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي لَهَبٍ، فَمَاتَ عَنْهَا.

وَ أَمَّا زَيْنَبُ: فَزُوِّجَتْ مِنْ أَبِي اَلْعَاصِ بْنِ اَلرَّبِيعِ، فَوَلَدَتْ مِنْهُ اِبْنَةً سَمَّاهَا أُمَامَةَ، تَزَوَّجَهَا أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بَعْدَ وَفَاةِ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا اَلسَّلاَمُ.

ولد أمير المؤمنين عليه السّلام:

اشارة

وُلِدَ لِأَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ مِنْ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا اَلسَّلاَمُ: اَلْحَسَنُ، وَ اَلْحُسَيْنُ، وَ مُحَسِّنٌ - (سَقَطَ) - وَ أُمُّ كُلْثُومٍ، وَ زَيْنَبُ.

وَ وُلِدَ لَهُ مِنْ خَوْلَةَ اَلْحَنَفِيَّةِ: مُحَمَّدُ بْنُ اَلْحَنَفِيَّةِ.

وَ وُلِدَ لَهُ مِنْ أُمِّ اَلْبَنِينَ بِنْتِ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ اَلْكِلاَبِيَّةِ: عَبْدُ اَللَّهِ، وَ جَعْفَرٌ، وَ عُثْمَانُ.

وَ وُلِدَ لَهُ مِنْ أُمِّ حَبِيبٍ مِنْ سَبْيِ خَالِدِ بْنِ وَلِيدٍ(2): عُمَرُ، وَ اَلْعَبَّاسُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ (3) وَ رُقَيَّةُ.

وَ وُلِدَ لَهُ مِنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ اَلْخَثْعَمِيَّةِ: يَحْيَى.

ص: 17


1- أهداها إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ملك الإسكندرية المقوقس.
2- كذا في الأصل.
3- أم العباس الشهيد في الطف، هي أم البنين الكلابية، كما هو المسلم بين المؤرخين و علماء النسب، و لعل عدم ذكر أبي الفضل العباس (قمر بني هاشم) من ولد أم البنين في هذا المقام، غفلة من الرواة، أو سقط اسمه هنا عن نسخة الأصل، و الذي ترجح في نظري القاصر أن العباس الذي أمه أم حبيب هو العباس الأصغر، كما يأتي التصريح به عند ذكر الأصاغر في آخر الكتاب: و العباس الأصغر هو شقيق عمر الأطرف، و قد وصف النسّابه العمري في المجدي، و الشيخ الأجل ابن شهر آشوب في المناقب، و المحب الطبري في ذخائر العقبى العباس الشهيد بالأكبر، فيرشدنا ذلك إلى وجود عباس أصغر منه. و هذا التعبير في عرف النسّابين يقع في حق من يكون له أخ أصغر منه شاركه في الأصغر، بل كان ذلك شائعا متعارفا بين الناس في الأزمنة السابقة، فإنهم كانوا يشاركون بين أولادهم في الاسم، و يميزونهم بوصف الأكبر و الأصغر، و في الإناث بالكبرى و الصغرى.

وَ وُلِدَ لَهُ مِنْ لَيْلَى بِنْتِ مَسْعُودٍ: أَبُو بَكْرٍ، وَ عُبَيْدُ اَللَّهِ.

وَ وُلِدَ لَهُ مِنْ أُمِّ زَيْدٍ: مُحَمَّدٌ اَلْأَصْغَرُ.

وَ وُلِدَ لَهُ مِنِ اِمْرَأَةٍ اِسْمُهَا اَلْخُبْزُ، وَ يُقَالُ: رَمْلَةُ: سِقْطٌ.

من أعقب من ولد أمير المؤمنين عليه السّلام:

اَلْحَسَنُ، وَ اَلْحُسَيْنُ، وَ مُحَمَّدُ بْنُ اَلْحَنَفِيَّةِ، وَ اَلْعَبَّاسُ، وَ عُمَرُ. وَ مَضَى أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ خَلَّفَ أَرْبَعَ حَرَائِرَ: مِنْهُنَّ أُمَامَةُ بِنْتُ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ وَ لَيْلَى اَلتَّمِيمِيَّةُ، وَ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ اَلْخَثْعَمِيَّةُ، وَ أُمُّ اَلْبَنِينَ اَلْكِلاَبِيَّةُ، وَ تِسْعَ عَشْرَةَ أُمَّ وَلَدٍ.

ولد الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهما السّلام:

وُلِدَ لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ عَبْدُ اَللَّهِ، وَ اَلْقَاسِمُ، وَ اَلْحَسَنُ (1)، وَ زَيْدٌ، وَ عُمَرُ، وَ عُبَيْدُ اَللَّهِ، وَ أَحْمَدُ، وَ عَبْدُ اَللَّهِ، وَ عَبْدُ اَلرَّحْمَنِ، وَ إِسْمَاعِيلُ، وَ بِشْرَةُ، وَ أُمُّ اَلْحَسَنِ.

ولد الحسين بن عليّ عليهما السّلام:

وُلِدَ لِلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ: عَلِيُّ اَلْأَكْبَرُ اَلشَّهِيدُ مَعَ أَبِيهِ، وَ عَلِيٌّ سَيِّدُ اَلْعَابِدِينَ، وَ مُحَمَّدٌ، وَ عَبْدُ اَللَّهِ اَلشَّهِيدُ مَعَ أَبِيهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ جَعْفَرٌ، وَ زَيْنَبُ، وَ سَكِينَةُ، وَ فَاطِمَةُ.

ولد علي بن الحسين عليهما السّلام:

وُلِدَ لِعَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ: مُحَمَّدٌ، وَ زَيْدٌ اَلشَّهِيدُ، وَ عَبْدُ اَللَّهِ، وَ عُبَيْدُ اَللَّهِ، وَ اَلْحُسَيْنُ، وَ اَلْحَسَنُ، وَ عَلِيٌّ، وَ عُمَرُ.

ص: 18


1- هو الحسن المثنى، و إليه ينتهي نسب السادة الطباطبائيين، فإنهم من أولاد السيد الجليل إبراهيم طباطبا بن إسماعيل الدّيباج بن إبراهيم الغمر بن الحسن المثنى، و أم إبراهيم الغمر فاطمة بنت الحسين عليه السّلام. و قد ذكرنا ترجمتها في كتاب حديقة الصالحين مفصلة.

ولد محمّد بن علي عليهما السّلام:

وُلِدَ لِمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ وَ هُوَ اَلْبَاقِرُ: جَعْفَرٌ اَلصَّادِقُ، وَ عَلِيٌّ، وَ عَبْدُ اَللَّهِ، وَ إِبْرَاهِيمُ، وَ أُمُّ سُلَيْمَانَ، وَ زَيْنَبُ.

ولد جعفر بن محمّد عليهما السّلام:

وُلِدَ لِجَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ: إِسْمَاعِيلُ، وَ مُوسَى، وَ مُحَمَّدٌ، وَ عَبْدُ اَللَّهِ، وَ عَلِيٌّ، وَ إِسْحَاقُ، وَ أُمُّ فَرْوَةَ وَ هِيَ اَلَّتِي زَوَّجَهَا مِنِ اِبْنِ عَمِّهِ اَلْخَارِجِ مَعَ زَيْدٍ.

ولد موسى بن جعفر عليهما السّلام:

وُلِدَ لِمُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ: عَلِيٌّ اَلرِّضَا عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، وَ زَيْدٌ، وَ إِبْرَاهِيمُ، وَ عَقِيلٌ، وَ هَارُونُ، وَ اَلْحَسَنُ، وَ اَلْحُسَيْنُ، وَ عَبْدُ اَللَّهِ، وَ إِسْمَاعِيلُ، وَ عُبَيْدُ اَللَّهِ، وَ مُحَمَّدٌ، وَ أَحْمَدُ، وَ يَحْيَى، وَ إِسْحَاقُ، وَ حَمْزَةُ، وَ عَبْدُ اَلرَّحْمَنِ، وَ اَلْقَاسِمُ، وَ جَعْفَرٌ. وَ مِنَ اَلْبَنَاتِ: خَدِيجَةُ، وَ أُمُّ فَرْوَةَ، وَ أُمُّ سَلَمَةَ، وَ عُلَيَّةُ، وَ فَاطِمَةُ، وَ أُمُّ كُلْثُومٍ، وَ آمِنَةُ، وَ زَيْنَبُ، وَ أُمُّ عَبْدِ اَللَّهِ، وَ أُمُّ اَلْقَاسِمِ، وَ حَلِيمَةُ، وَ أَسْمَاءُ، وَ مَحْمُودٌ، وَ أُمَامَةُ، وَ مَيْمُونَةُ.

ولد علي بن موسى الرضا عليهما السّلام:

وُلِدَ لِعَلِيِّ بْنِ مُوسَى اَلرِّضَا عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ: مُحَمَّدٌ، وَ مُوسَى.

ولد محمد بن علي عليهما السّلام:

وُلِدَ لِمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ: عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ اَلْعَسْكَرِيُّ، وَ مُوسَى، وَ أُمُّ كُلْثُومٍ.

ولد علي بن محمّد عليهما السّلام:

وُلِدَ لِعَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ اَلْعَسْكَرِيِّ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ: اَلْحَسَنُ، وَ جَعْفَرٌ، وَ مُحَمَّدٌ.

ص: 19

ولد الحسن بن علي العسكري عليهما السّلام:

وُلِدَ لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ اَلْعَسْكَرِيِّ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ: مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، وَ مُوسَى، وَ فَاطِمَةُ، وَ عَائِشَةُ، قَالَ اِبْنُ أَبِي اَلثَّلْجِ وَ وَهْبُ بْنُ عَلِيٍّ اَلْفِرْيَابِيُّ: فَاطِمَةُ، مِنْ وُلْدِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ اَلْعَسْكَرِيِّ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ.،

وَ مِنَ اَلدَّلاَئِلِ مَا جَاءَ عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ اَلْعَسْكَرِيِّ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ عِنْدَ وِلاَدَةِ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْحَسَنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فِي كَلاَمٍ كَثِيرٍ: زَعَمَتِ اَلظَّلَمَةُ أَنَّهُمْ يَقْتُلُونَنِى لِيَقْطَعُوا هَذَا اَلنَّسْلَ، كَيْفَ رَأَوْا قُدْرَةَ اَلْقَادِرِ، وَ سَمَّاهُ الموصل [اَلْمُؤَمَّلَ].،

وَ قَوْلُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ: وَ أَبِي جَعْفَرٍ خَلَفٌ مِنْ أَبِي جَعْفَرٍ وَ قَالَ: لَوْ أَذِنَ اَللَّهُ لَنَا فِي اَلْكَلاَمِ لَزَالَتِ اَلشُّكُوكُ يَفْعَلُ اَللّٰهُ مٰا يَشٰاءُ .

ولد محمّد بن الحسن عليهما السّلام:

و ذلك علمه عند اللّه تعالى.

أسماء أمهات النبي و الأئمة عليهما السّلام

أم النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة.

أم أمير المؤمنين عليهم السّلام:

فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، و لم يكن في زمانه هاشمي ابن هاشميين إلا هو و أخوته و أولاده.

أم الحسن و الحسين عليهما السّلام:

فاطمة الزهراء بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

أم علي بن الحسين عليهما السّلام:

خَوْلَةُ بِنْتُ يَزْدَجِرْدَ، مَاتَتْ أُمُّ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ بِنَفَاسِهَا بِهِ، و قال ابن أبي الثلج: أحسب أن اسمها شه زنان في قول الفريابي و أحسبها خولة،

ص: 20

وَ كَانَ يُقَالُ لَهُ: اِبْنُ اَلْخِيَرَتَيْنِ، و يقال: ابنة النوشحان، و يقال: شهربانويه بنت يزدجر.

أم محمّد بن علي الباقر عليهما السّلام:

فاطمة بنت الحسن بن علي عليهما السّلام.

أم جعفر بن محمّد الصادق عليهما السّلام:

أم القاسم بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر، و هي أم فروة.

أم موسى بن جعفر عليهما السّلام:

حميدة البربرية و يقال: الأندلسية، و هي أم إسحاق و فاطمة.

أم علي بن موسى الرضا عليهما السّلام:

الخيزران المربية أم ولد، و يقال البوتية: و تسمى أروى أم البنين (رضي اللّه عنها).

أم محمّد بن علي عليهما السّلام:

سكينة مربية أم ولد، و يقال: خورنال.

أم علي بن محمّد عليهما السّلام:

مدنب و يقال غزالة المغربية أم ولد، قال ابن أبي الثلج: سألت أبا علي محمّد بن همام عن اسمها فقال: حدثني ماجن مولاه أم محمّد و جماعة الحانية أن اسمها حويث.

أم الحسن بن علي العسكري عليهما السّلام:

سمانة مولده و يقال أسماء ثلث ابن أبي الثلج و اللّه أعلم.

أم القائم صلوات اللّه و سلامه عليه و على آبائه:

صغيرة، و يقال: حكيمة، و يقال: نرجس، و يقال: سوسن، قال ابن

ص: 21

همام: حكيمة هي عمة أبي محمد، و لها حديث بولود صاحب الزمان عليه السّلام، و هي روت أن أم الخلف اسمها نرجس.

ألقاب النبي و الأئمة عليهما السّلام

ألقاب النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

حبيب اللّه، خاتم النبيين، سيد المرسلين.

فاطمة عليها السّلام:

البتول، الزهراء، الحصان، السيدة، أم الأئمة.

علي بن أبي طالب عليه السّلام:

سيد الأوصياء، قائد الغر المحجلين، الصديق الأكبر، الفاروق الأعظم، قسيم الجنة و النّار، الوصي.

الحسن و الحسين عليهما السّلام:

سبطا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و سيدا شباب أهل الجنة.

الحسن بن علي عليهما السّلام:

منها: الأمير، الحجة، الكفيّ، السبط، الولي.

الحسين بن علي عليهما السّلام:

السيد، الطيب، الوفي، المبارك، النافع، الدليل على ذات اللّه عز و جل.

علي بن الحسين عليهما السّلام:

زين العابدين، و سيد الساجدين، و سيد العابدين، و ذو الثفنات.

ص: 22

محمد بن علي عليهما السّلام:

الشاكر، الهادي، الأمين.

جعفر بن محمد عليهما السّلام:

الفاضل، الطاهر.

موسى بن جعفر عليهما السّلام:

الكاظم، الصابر.

علي بن موسى عليهما السّلام:

الرضا، الصابر، الوفي.

محمد بن علي عليهما السّلام:

المرتضى، القانع، الوصي.

علي بن محمد عليهما السّلام:

المرتضى، النقي، المتوكل.

الحسن بن علي عليهما السّلام:

التقي، النقي.

القائم صلوات اللّه عليه و على آبائه:

الهادي، المهدي.

كنى النبي و الأئمة عليهما السّلام

كنية النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

أبو القاسم.

ص: 23

علي بن أبي طالب عليه السّلام:

أبو الحسن، و أبوالحسين، و أبوتراب.

الحسن بن علي عليهما السّلام:

أبو محمد.

الحسين بن علي عليهما السّلام:

أبو عبد اللّه.

علي بن الحسين عليهما السّلام:

أبو الحسن، و أبومحمد، و أبوبكر، قال ابن أبي الثلج: و عندنا في رواية أخرى أبو الحسين.

محمد بن علي عليهما السّلام:

أبو جعفر.

جعفر بن محمد عليهما السّلام:

أبو عبد اللّه.

موسى بن جعفر عليهما السّلام:

أبو الحسن، و أبوإبراهيم.

علي بن موسى عليهما السّلام:

أبو الحسن.

محمد بن علي عليهما السّلام:

أبو جعفر.

ص: 24

علي بن محمد عليهما السّلام:

أبو الحسن.

الحسن بن علي عليهما السّلام:

أبو محمد.

القائم صلوات اللّه عليه و على آبائه:

أبو القاسم.

قبور النبي و الأئمة عليهم السّلام

قبر النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالمدينة المشرفة.

علي بن أبي طالب عليه السّلام قبره بالغري.

فاطمة عليها السّلام بالمدينة المشرفة في الروضة أو في بيتها أو بالبقيع المجهولة قيل المدفونة سرا المغصوبة جهرا.

الحسن بن علي عليهما السّلام: قبره بالبقيع.

الحسين بن علي عليهما السّلام: قبره بكربلاء.

علي بن الحسين عليهما السّلام: قبره بالبقيع.

محمد بن علي عليهما السّلام: قبره بالبقيع.

جعفر بن محمد عليهما السّلام: قبره بالبقيع.

موسى بن جعفر عليهما السّلام: قبره ببغداد مقابر قريش.

علي بن موسى عليهما السّلام: قبره بطوس بنوغان مدينة من بلد طوس.

محمد بن علي عليهما السّلام: قبره ببغداد في مقابر قريش.

علي بن محمد عليهما السّلام: قبره بسرمن رأى.

ص: 25

الحسن بن علي العسكرى عليهما السّلام: قبره بسرمن رأى.

القائم المنتظر صلوات اللّه و سلامه عليه: قبره، ذلك لا يعلمه إلا اللّه تعالى.

أبواب النبي و الأئمة عليهم السّلام

أما النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: بابه أمير المؤمنين عليه السّلام علي بن أبي طالب عليه السّلام: بابه سلمان الفارسي كان الباب سفينة ذو اليدين صاحب النبي.

الحسن بن علي عليهما السّلام: بابه سفينة، و قيس بن عبد الرحمن.

الحسين بن علي عليهما السّلام: بابه رشيد الهجري.

علي بن الحسين عليهما السّلام: بابه أبو خالد الكابلي، و يحيى بن أم طويله قتله الحجاج بواسط.

محمد بن علي عليهما السّلام: بابه جابر بن يزيد الجعفي.

جعفر بن محمد عليهم السّلام: بابه المفضل بن عمر.

موسى بن جعفر عليهما السّلام: بابه محمد بن الفضل.

علي بن موسى عليهما السّلام: بابه محمد بن الفرات.

محمد بن علي عليهما السّلام: بابه عمر بن الفرات.

علي بن محمد عليهما السّلام: بابه عثمان بن سعيد العمري.

و قال قوم: إنه محمد بن نصير النميري الباب، و أن عثمان بن سعيد الباب و محمد بن نصير المعلم.

الحسن بن علي عليهما السّلام: بابه عثمان بن سعيد، و محمد بن نصير ما قالوا في أبيه و هم النصيرية.

القائم الحجة المنتظر صلوات اللّه عليه و سلامه عليه: بابه عثمان بن

ص: 26

سعيد، فلما حضرته الوفاة أوصى إلى ابنه أبي جعفر محمد بن عثمان بعهد عهده إليه أبو محمد الحسن بن علي. روى عنه ثقات الشيعة أن قال هذا وكيلي و ابنه وكيل ابني يعني أبا جعفر محمد بن عثمان العمري. و لما حضرته الوفاة فأوصى إلى أبي القاسم الحسين بن روح النميري، ثم أمر أبو القاسم بن روح أن يعقد لأبي الحسن السمري ثم بطى الباب و اللّه أعلم.

ولد أمير المؤمنين من غير فاطمة عليها السّلام:

محمد، العباس، عثمان، جعفر، عبد اللّه، عبيد اللّه، أبو بكر، عمر، يحيى، عون، عبد الرحمن، محمد، حمزة.

<الأصاغر>:

عمر الأصغر، محمد الأوسط، العباس الأصغر، جعفر الأصغر، قتل العباس و عثمان و جعفر و عبد اللّه الأكبر مع الحسين عليه السّلام، و عبيد اللّه قتل يوم المختار ليلة الدار، و كان مع مصعب بن الزبير فقال مصعب: يا له فتح لو لا قتل عبيد اللّه و في رواية أخرى قتل يوم صفين و ليس بشيء.

وَ مِنْهُ أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ اَلْعِمَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو اَلْعَبَّاسِ اَلْكِنْدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ، وَ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ مِهْرَانَ، حَدَّثَنَا مُخَوَّلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اَلرَّحْمَنِ بْنُ اَلْأَسْوَدِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ وَ عَوْنِ بْنِ عُبَيْدِ اَللَّهِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ آبَائِهِ صَلَوَاتُ اَللَّهِ وَ سَلاَمُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ قَالَ: قَالَ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ: إِنَّ اَللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى عَهِدَ إِلَيَّ عَهْدَهُ قَالَ: قُلْتُ: رَبِّ بَيِّنْهُ لِي قَالَ اِسْمَعْ، قُلْتُ: قَدْ سَمِعْتُ، قَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ عَلِيّاً عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ رَايَةُ اَلْهُدَى بَعْدَكَ، وَ إِمَامُ أَوْلِيَائِي، وَ نُورُ مَنْ أَطَاعَنِي، وَ هُوَ اَلْكَلِمَةُ اَلَّتِي أَلْزَمَهَا اَللَّهُ تَعَالَى، فَمَنْ أَحَبَّهُ فَقَدْ أَحَبَّنِي، وَ مَنْ أَبْغَضَهُ فَقَدْ أَبْغَضَنِي، فَبَشِّرْهُ بِذَلِكَ وَ صَلَّى اَللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ اَلطَّاهِرِينَ.

ص: 27

ص: 28

مسار الشيعة في مختصر تواريخ الشريعة

اشارة

ص: 29

ص: 30

المقدمة

بِسْمِ اَللّٰهِ اَلرَّحْمٰنِ اَلرَّحِيمِ الحمد للّه على ما بصّرنا من حكمته، و هدانا إليه من سبيل رحمته، و يسّره من طاعاته، و منّ به علينا من الفوائد المثمرة لدوام نعمته في جنّته، و صلى اللّه على صفوته من بريّته محمد و الأئمة الطاهرين من عترته و سلّم تسليما.

و بعد: فقد وقفت أيّدك اللّه تعالى على ما ذكرت من الحاجة إلى مختصر في تاريخ أيّام مسارّ الشيعة و أعمالها من القرب في الشّريعة، و ما خالف ذلك في معناه، ليكون الاعتقاد بحسب مقتضاه.

و لعمري إنّ معرفة هذا الكتاب من حلية أهل الإيمان و ممّا يقبح إغفاله بأهل الفضل و الإيمان و لم(1) يزل الصّالحون من هذه العصابة حرسها اللّه عن مرور الأيام يراعون التّواريخ لإقامة العبادات فيها، و القرب بالطّاعات(2)، و استعمال ما يلزم العمل به للأيّام المذكورات، و إقامة حدود الدّين في فرق ما بين أوقات المسارّ و الأحزان.

و قد كان بعض مشايخنا من أهل العلم رسم في هذا العلم طرفا يسيرا لم يأت به على ما في النّفس من الإيثار، و أخل بجمهور ما يراد لما كان عليه من الاختصار.

و أنا بمشيّة اللّه و عونه مثبت في هذا الكتاب أبوابا تحتوي(3) على ما

ص: 31


1- في نسخة أخرى: لا.
2- في نسخة أخرى: و القربات و الطاعات.
3- في الأصل: يحتوي.

سلف لما ذكرناه و تتضمّن(1) من الزّيادة ما يعظم الفائدة به لمن تأمّله و عرف معناه. و إذا انتهيت في كل فصل منه إلى ذكر الأعمال، شرحت منها(2) ما كان القول مفيدا له على الإيجاز، و نقيت في كل عمل فوق الخبر عنه(3)بالشّرح و التّفصيل، و أجملت منه ما يكثر القول فيه و يؤدّي إلى الملال و التّطويل، ليزداد النّاظر لنفسه في استخراجه من الأصول إذا وقفت(4) على حقيقته بفحوى النّطق و الدّليل بصره.

و أقدّم فيما أرتّبه من ذكر الشّهور شهر رمضان لتقديمه(5) في محكم القرآن، و لما فيه من العبادة و القربات و المؤونة(6) عند آل الرسول (عليه و عليهم السّلام)، أوّل الشهور في ملّة الإسلام، و برهان فصول(7)الأشهر الحرم جميعا في كلّ سنّة على ما قرّره البيان(8)، و اتّفق عليه الاخبار من انفراده(9) وحده و اتّصال ما عداه منها من غير تباين و انفصال، و بعدد وجودها في سنّة واحدة على خلاف هذا النّظام تطويل، و اتّبع القول فيما يأتي من الأشهر على الاتّساق إلى خاتمة ذلك على التّمام، و باللّه أستعين.

ص: 32


1- في الأصل: يتضمن.
2- في نسخة أخرى: عنها.
3- في نسخة أخرى: و بينت كل أغرب الخبر.
4- في نسخة أخرى: وقف.
5- في نسخة أخرى: لتقدمه.
6- في نسخة أخرى: و لكونه.
7- في نسخة أخرى: و ببرهان حصول.
8- في نسخة أخرى: التبيان.
9- في نسخة أخرى: من انفراد رجب.

شهر رمضان

اشارة

هذا الشهر سيد الشهور على الأثر المنقول عن سيد المرسلين صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هو ربيع المؤمنين بالخبر الظّاهر عن العترة الصّادقين عليهم السّلام.

و كان الصّالحون يسمّونه المضمار، و فيه تفتح أبواب الجنان و تغلق أبواب النّيران، و تصفّد مردة الشّياطين، و قد وصفه اللّه بالبركة في الذّكر الحكيم، و أخبر بإنزاله فيه القرآن المبين و شهد بفضل ليلة منه على ألف شهر يحسبها العادّون.

الليلة الأولى:

أوّل ليلة منه تجب النّية فيه للصّيام و يستحبّ استقبالها بالغسل عند وجوب الشّمس و التّطهير لها من الأدناس، و في أوّلها دعاء الاستهلال عند رؤية الهلال، و فيها الابتداء بصلاة نوافل ليالي شهر رمضان، و هي ألف ركعة من أوّل الشهر إلى آخره بترتيب معروف في الأصول عن الصّادقين من آل محمد عليهم السّلام، و يستحبّ الابتداء فيه(1) بقراءة جزء من القرآن، و يتلى من بعده إلى آخره ثلاث مرات على التّكرار، و يستحبّ أيضا فيها مباضعة(2)النّساء على الحلّ دون الحرام ليزيل الإنسان بذلك عن نفسه الدّواعي إلى الجماع في صبيحتها من النّهار، و يسلم له صومه على الكمال، و فيها دعاء الاستفتاح، و هو مشروح في كتاب الصّيام.

ص: 33


1- في نسخة أخرى: فيها.
2- المباضعة: الجماع.

اليوم الأول:

أوّل يوم منه يبتدىء بفرض الصّيام، و بعد صلاة الفجر فيه دعاء مخصوص موظّف مشهور عن الأئمة من آل محمّد عليهم السلام.

اليوم السادس:

و في السّادس منه أنزلت التوراة على موسى بن عمران عليه السّلام و فيه من سنة إحدى و مائتين من الهجرة كانت البيعة لسيّدنا أبي الحسن عليّ بن موسى الرّضا عليهما السّلام و هو يوم شريف يتجدّد فيه سرور المؤمنين، و يستحبّ فيه الصّدقة و المبرّة للمساكين، و الإكثار لشكر اللّه(1) عز اسمه على ما أظهر فيه من حق آل محمّد عليهم السلام و إرغام المنافقين.

اليوم العاشر:

و في يوم العاشر منه سنّة عشر من البعثة و هي قبل الهجرة بثلاث سنين توفّيت أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي اللّه عنها و أرضاها و أسكنها جنّات النّعيم.

اليوم الثاني عشر:

و في الثاني عشر نزل(2)الإنجيل على عيسى بن مريم، و هو يوم المواخاة الّتي آخى فيه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بين صحبه(3) و آخى بينه و بين عليّ عليهما السلام.

ليلة النصف:

و في ليلة النّصف منه يستحبّ الغسل و التّنفّل بمائة ركعة، يقرأ في كلّ ركعة منها (الحمد) مرّة و (قُلْ هُوَ اَللّٰهُ أَحَدٌ ) عشر مرّات خارجة عن الألف الرّكعة الّتي ذكرناها فيما تقدم، فقد ورد الخبر في فضله أمر جسيم.

ص: 34


1- في نسخة أخرى: من الشكر للّه.
2- في نسخة أخرى: نزول.
3- في نسخة أخرى: أصحابه.

يوم النصف:

و في يوم النّصف منه سنّة ثلاث من الهجرة كان مولد سيّدنا أبي محمد الحسن بن علي عليهما السّلام، و في مثل هذا اليوم سنّة خمس و تسعين و مائة ولد سيّدنا أبو جعفر محمّد بن عليّ بن موسى عليهم السّلام و هو يوم سرور المؤمنين، و يستحبّ فيه الصّدقة و التّطوّع بالخيرات، و الإكثار من شكر اللّه تعالى على ظهور حجّته، و إقامة دينه بخليفته في العالمين و ابن بنت نبيّه سيّد المرسلين (صلوات اللّه عليه و آله).

الليلة السابعة عشرة:

و في ليلة سبع عشرة منه كانت ليلة بدر، و هي ليلة الفرقان ليلة مسرّة لأهل الإسلام، و يستحبّ فيها الغسل كما ذكرنا في أوّل ليلة من الشّهر(1).

اليوم السابع عشر:

و في يوم سبعة(2) عشر منه كانت الوقعة بالمشركين ببدر و نزول الملائكة بالنّصر من اللّه تعالى لنبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و حصلت الدّائرة على أهل الكفر و الطّغيان، و ظهر الفرق بين الحقّ و الباطل، و كان بذلك عزّ أهل الإيمان، و ذلّ أهل الضّلال و العدوان، و يستحبّ الصّدقة فيه، و يستحبّ فيه الإكثار من شكر اللّه تعالى على ما أنعم به على أهل الحقّ من البيان، و هو يوم عيد و سرور لأهل الإسلام.

الليلة التاسعة عشرة:

و في ليلة تسع عشرة منه يكتب وفد الحاجّ، و فيها ضرب مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام الضّربة التي قضى فيها نحبه، و فيها غسل كالّذي ذكرناه من الاغسال، و يصلّي فيها من الألف ركعة مائة ركعة على التّمام، و يستحبّ فيها كثرة الاستغفار و الصلاة على نبيّ اللّه محمّد بن عبد

ص: 35


1- في نسخة أخرى: من شهر رمضان.
2- في نسخة أخرى: سابع.

اللّه (عليه و آله السلام) و الابتهال إلى اللّه تعالى في تحديد العذاب على ظالميهم من سائر الانام، و الإكثار من لعنة قاتل(1)أمير المؤمنين عليه السّلام، و هي ليلة يتجدّد فيها حزن أهل الإيمان.

اليوم العشرون:

و في يوم العشرين منه سنة ثمان من الهجرة كان فتح مكّة، و هو يوم عيد لأهل الإسلام و مسرّة بنصر اللّه تعالى نبيّه(2) صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و إنجازه له ما وعده، و الإبانة عن حقّه و باطل(3) عدوّه، و يستحبّ فيه التّطوّع بالخيرات، و مواصلة الذكر للّه تعالى، و الشكر للّه على جميل الإنعام.

الليلة الحادية و العشرون:

و في ليلة إحدى و عشرين منه كان الإسراء برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و فيها رفع اللّه عيسى ابن مريم عليه السّلام، و فيها قبض موسى بن عمران عليه السّلام، و في مثلها قبض وصيّه يوشع بن نون، و فيها كانت وفاة أمير المؤمنين عليه السّلام سنة أربعين من الهجرة و له يومئذ ثلاث و ستّون سنة، و هي الليلة الّتي تتجدّد(4) فيها أحزان آل محمّد عليهم السّلام و أشياعهم، و الغسل فيها كالّذي ذكرته و صلاة مائة ركعة كصلاة ليلة تسع عشرة حسب ما قدّمناه، و الإكثار من الصلاة على آل محمد(5) و الاجتهاد في الدّعاء على ظالميهم، و مواصلة اللّعنة على قاتل أمير المؤمنين عليه السّلام، و من له طرق(6) و سنه و أثره و رضيه من سائر النّاس.

الليلة الثالثة و العشرون:

و في ليلة ثلاث و عشرين منه أنزل اللّه عزّ و جلّ على نبيه الذّكر،

ص: 36


1- في نسخة أخرى: اللعنة على قاتل.
2- في نسخة أخرى: لنبيّه.
3- في نسخة أخرى: و أطال.
4- في الأصل: يتجدد.
5- في نسخة أخرى: على محمد و آله.
6- في نسخة أخرى: و من طرق على ذلك.

و ترجى فيها ليلة القدر، و فيها غسل عند وجوب الشّمس، و صلاة مائة ركعة، يقرأ في كلّ ركعة فاتحة الكتاب مرّة و عشر مرّات إِنّٰا أَنْزَلْنٰاهُ فِي لَيْلَةِ اَلْقَدْرِ (1)، و تحيا هذه الليلة بالصلاة و الدّعاء، و يستحبّ أن يقرأ في هذه اللّيلة خاصّة سورة العنكبوت و الروم. قال عليه السّلام: في ذلك ثواب عظيم(2)، و لها دعاء من جملة الدّعاء الموسوم لليالي شهر رمضان، و هي ليلة عظيمة الشّرف كثيرة البركات، و في آخر ليلة منه تختم نوافل شهر رمضان، و يستحبّ فيها ختم القرآن، و يدعى فيها بدعاء الوداع، و هي ليلة عظيمة البركة كثيرة الخيرات.

ص: 37


1- سورة القدر، الآية: 1.
2- في الأصل: ثوابا عظيما.

شهر شوّال

الليلة الأولى:

أوّل ليلة منه فيها غسل عند وجوب الشّمس، كما ذكرنا ذلك في أوّل ليلة من شهر رمضان، و فيها دعاء الاستهلال و هو عند رؤية الهلال، و فيها ابتداء التكبير عند الفراغ من فرض المغرب و انتهاؤه عند الفراغ من صلاة العيد من يوم الفطر، فيكون ذلك في عقيب أربع صلوات، و شرحه يقول المصلّي عند التّسليم من كلّ فريضة: اللّه أكبر اللّه أكبر، لا إله إلاّ اللّه و اللّه أكبر اللّه أكبر على ما هدانا، و له الشّكر على ما أولانا فبذلك ثبت السّنّة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و جاءت الأخبار بالعمل به عن الصّادقين من عترته الأطهار عليهم السّلام و من السّنّة في هذه اللّيلة ما وردت الأخبار بالتّرغيب و الحضّ عليه، أن يسجد الإنسان بعد فراغه من فريضة المغرب و يقول في سجوده:

يا ذا الطّول يا ذا الحول، يا مصطفيا محمّدا و ناصره، صلّ على محمّد و آل محمّد و اغفر لي كلّ ذنب أذنبته و نسيته أنا و هو عندك في كتاب مبين. ثمّ يقول: أتوب إلى اللّه مائة مرّة، و لينو عند هذا القول ما تاب منه من الذّنوب و ندم عليه إن شاء اللّه تعالى، و يستحبّ أن يصلّي في هذه اللّيلة ركعتين، يقرأ في الأولى منهما فاتحة الكتاب مرّة واحدة و سورة الإخلاص ألف مرّة، و في الثّانية بالفاتحة و سورة الإخلاص مرّة واحدة، فإنّ الرّواية جاءت بأنّ من صلّى هاتين الرّكعتين في ليلة الفطر لم ينفتل و بينه و بين اللّه ذنب إلاّ غفره له، و تطابقت الآثار عن أئمّة الهدى عليهم السّلام بالحثّ على القيام في هذه اللّيلة، و الانتصاب للمسألة و الاستغفار و الدّعاء و السّؤال.

وَ رُوِيَ:

ص: 38

أَنَّ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ عليه السّلام كَانَ لاَ يَنَامُ فِيهَا وَ يُحْيِيهَا بِالصَّلاَةِ وَ اَلدُّعَاءِ وَ اَلسُّؤَالِ، وَ قِيلَ (1): فِي هَذِهِ اَللَّيْلَةِ يُعْطَى اَلْأَجِيرُ أَجْرَهُ.

اليوم الأول:

أوّل يوم من شوّال و هو يوم عيد الفطر، و إنّما كان عيد المؤمنين بمسرّتهم لقبول أعمالهم و تكفير سيّئاتهم و مغفرة ذنوبهم، و ما جاءت به البشارة من عند ربّهم جلّ اسمه من عظيم الثّواب لهم على صيامهم و قربتهم(2) و اجتهادهم، و في هذا اليوم غسل و هو علامة التّطهير من الذّنوب، و التّوجّه إلى اللّه تعالى في طلب الحوائج و مسألة القبول. و من السّنّة فيه مسّ الطّيب و لبس أفخر(3) الثّياب، و الخروج إلى الصّحراء، و البروز للصلاة تحت السماء. و يستحبّ أن يتناول الإنسان فيه شيئا من المأكول قبل الصلاة، و أفضل ذلك السّكر. و يستحبّ تناول شيء من تربة الحسين، فإنّ فيها شفاء من كلّ داء، و يكون ما يؤخذ منها مبلغا يسيرا.

و صلاة العيد في هذا اليوم فريضة مع الإمام، و سنّة على الانفراد، و هي ركعتان بغير أذان و لا إقامة، و وقتها عند انبساط الشّمس بعد ذهاب حمرتها، و في هاتين الركعتين اثنتا عشرة تكبيرة، منها سبع في الأولى مع تكبيرة الافتتاح و الركوع، و خمس في الثّانية مع تكبيرة القيام، و القراءة فيها عند آل الرّسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قبل التكبير، و القنوت فيها بين كلّ تكبيرتين بعد القراءة.

و في هذا اليوم فريضة إخراج الفطرة، و وقتها من طلوع الشّمس إلى الفراغ من صلاة العيد، فمن لم يخرجها من ماله و هو متمكّن من ذلك قبل مضيّ وقت الظّهر، فقد ضيّع فرضا و اكتسب مأثما، و من أخرجها من ماله فقد أدّى الواجب و إن تعذّر عليه بوقت وجود الفقراء.

ص: 39


1- في نسخة أخرى: و يقول.
2- في نسخة أخرى: و قربهم.
3- في نسخة أخرى: أجمل.

و الفطرة زكاة واجبة نطق بها القرآن و بيّنها(1)النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و بها يكون تمام الصّيام، و هي من الشّكر للّه تعالى على قبول الأعمال، و هي تسعة أرطال بالبغدادي من التّمر، و هو قدر الصّاع، أو صاع من الحنطة و الشّعير و الأرز و الذّرة أو الزّبيب(2) حسب ما يغلب على استعماله في كلّ صقع من الأقوات، و أفضل ذلك التّمر على ما جاءت به الأخبار.

و في هذا اليوم بعينه، و هو أوّل يوم من شوّال سنة إحدى و أربعين من الهجرة أهلك اللّه تعالى أحد فراعنة هذه الأمّة عمرو بن العاص، و أراح منه أهل الإسلام، و تضاعفت به المسار.

يوم النصف:

و في يوم النّصف منه سنة ثلاث من الهجرة كانت واقعة أحد، و فيها استشهد أسد اللّه و أسد رسوله و سيّد شهداء وقته و زمانه عمّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم حمزة بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف رضي اللّه عنه و أرضاه، و فيه بان(3) التّمييز بين الصّابرين مع نبيه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و المنهزمين من المستضعفين و المنافقين، و ظهر لأمير المؤمنين عليه السّلام فيه من البرهان ما نادى به جبرئيل عليه السّلام في الملائكة المقرّبين و مدحه في فضله(4) في عليّين، و أبان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لأجله عن منزلته في النّسب و الدّين، و هو يوم يجتنب فيه المؤمنون كثيرا من الملاذ لمصاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بعمّه و أصحابه المخلصين، و ما لحقه من الأذى و الألم بفعل المشركين.

ص: 40


1- في نسخة أخرى: و سنّها.
2- في نسخة أخرى: الزيت.
3- في نسخة أخرى: كان.
4- في نسخة أخرى: بفضله.

شهر ذي القعدة

اشارة

هو شهر حرام معظّم في الجاهليّة و الإسلام.

اليوم الثالث و العشرون:

في اليوم الثالث و العشرين منه كانت وفاة سيّدنا أبي الحسن عليّ بن موسى الرّضا عليهما السّلام بطوس من أرض خراسان سنة ثلاث و مائتين من الهجرة.

اليوم الخامس و العشرون:

و في اليوم الخامس و العشرين منه نزلت الكعبة، و هو أول يوم رحمة نزلت، و فيه دحا اللّه سبحانه الأرض من تحت الكعبة، و هو يوم عظيم، من صامه كتب اللّه الكريم له صيام ستّين شهرا(1) على ما جاء به الأثر عن الصّادقين عليهم السّلام.

ص: 41


1- في نسخة أخرى: سنتين.

شهر ذي الحجّة

اشارة

هو أكبر أشهر الحرم و أعظمها، و فيه الإحرام بالحجّ و إقامة فرضه، و يوم عرفة، و يوم النّحر.

اليوم الأول:

و أوّل يوم منه لسنتين من الهجرة زوّج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام سيّدة(1) نساء العالمين فاطمة الزّهراء البتول عليها السّلام.

اليوم الثالث:

و في اليوم الثّالث سنة تسع من الهجرة نزل جبرئيل عليه السّلام بردّ أبي بكر عن أداء سورة براءة و تسليمها إلى أمير المؤمنين عليه السّلام و كان ذلك عزلا لأبي بكر من السماء و ولاية لأمير المؤمنين عليه السّلام من السّماء.

اليوم الثامن:

و في اليوم الثامن منه و هو يوم التّروية، ظهر فيه مسلم بن عقيل داعيا إلى سيّدنا أبي عبد اللّه الحسين عليه السّلام.

و في هذا اليوم عند زوال الشمس ينشئ المتمتّع بالعمرة إلى الحجّ، فإذا زالت الشّمس و لم يكن طاف بالبيت سبعا و قصّر فقد فاتته المتعة على أكثر الرّوايات.

ص: 42


1- في نسخة أخرى: بسيّدة.

اليوم التاسع:

و في اليوم التّاسع منه و هو يوم عرفة تاب اللّه سبحانه على آدم عليه السّلام، و فيه ولد إبراهيم الخليل عليه السّلام، و فيه نزلت توبة داود عليه السّلام، و فيه ولد عيسى ابن مريم عليه السّلام، و فيه يكون الدّعاء بالموقف بعد صلاة العصر إلى غروب الشّمس على ما جاء به سنّة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

و فيه أيضا يستحبّ زيارة الحسين بن علي عليه السّلام و التّعريف بمشهده لمن لم يتمكّن من حضور عرفات.

و من السّنّة فيه لأهل الأمصار أن يخرجوا إلى الجبّان(1) و يجتمعوا هناك للدّعاء، و فيه استشهد مسلم بن عقيل.

اليوم العاشر:

و في اليوم العاشر منه عند الأضحى و النّحر بعد صلاة العيد فيه سنّة لمن أمكنه، أو الذّبح و الصّدقة باللّحوم على الفقراء و المتجمّلين من أهل الإسلام، و الأضحية فيه لأهل منى و في ثلاثة(2) أيّام بعده و هي أيّام التّشريق، و ليس لأهل الأمصار أن يتجاوزوا بالأضحيّة فيه إلى غيره من الأيّام.

و فيه صلاة العيد على ما شرحناه.

و من السّنّة فيه تأخير تناول الطّعام حتّى يحصل الفراغ من الصلاة و يجب وقت الأضحيّة كما بيّناه، و يقدّم فيه صلاة العيد على الوقت الّذي يصلّي فيه صلاة يوم الفطر لأجل الأضحيّة على ما وصفناه، و التّكبير من بعد الظّهر به أعقاب(3) عشرة صلوات لسائر الأمصار(4) و في خمس عشرة صلوات لأهل منى، و هو إلى أن ينفر النّاس، شرح التّكبير في هذه الأيّام

ص: 43


1- في نسخة أخرى: الجبّانة.
2- في الأصل: ثلاث.
3- في نسخة أخرى: في عقيب.
4- في نسخة أخرى: أهل الأمصار.

هو أن يقول المصلّي في عقب كلّ فريضة: اللّه أكبر اللّه أكبر، لا إله إلاّ اللّه و اللّه أكبر، اللّه أكبر و الحمد للّه على ما رزقنا من بهيمة الأنعام.

و يستحبّ فيه التّكبير للرّجال و النّساء.

يوم النصف:

و في يوم النّصف منه اشتدّ الحصار بعثمان بن عفّان و أحاط بداره طلحة و الزبير في المهاجرين و الأنصار و طالبوه بخلع نفسه، و أشرف بذلك على الهلاك.

اليوم الثامن عشر:

وَ فِي اَلْيَوْمِ اَلثَّامِنَ عَشَرَ مِنْهُ سَنَةَ عَشْرٍ مِنَ اَلْهِجْرَةِ عَقَدَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ لِمَوْلاَنَا أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ اَلْعَهْدَ بِالْإِمَامَةِ فِي رِقَابِ اَلْأُمَّةِ كَافَّةً وَ ذَلِكَ بِغَدِيرِ خُمٍّ عِنْدَ مَرْجِعِهِ مِنْ حَجَّةِ اَلْوَدَاعِ حِينَ جَمَعَ اَلنَّاسَ فَخَطَبَهُمْ وَ وَعَظَهُمْ وَ نَعَى إِلَيْهِمْ نَفْسَهُ ع ثُمَّ قَرَّرَهُمْ عَلَى فَرْضِ طَاعَتِهِ حَسَبَ مَا نَطَقَ (1) بِهِ اَلْقُرْآنُ وَ قَالَ لَهُمْ عَلَى أَثَرِ ذَلِك «مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَعَلِيٌّ مَوْلاَهُ اَللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاَهُ وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ وَ اُنْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ وَ اُخْذُلْ مَنْ خَذَلَه» ُثُمَّ نَزَلَ فَأَمَرَ اَلْكَافَّةَ بِالتَّسْلِيمِ عَلَيْهِ بِإِمْرَةِ اَلْمُؤْمِنِينَ تَهْنِئَةً لَهُ بِالْمَقَامِ فَكَانَ أَوَّلُ مَنْ هَنَّأَهُ بِذَلِكَ عُمَرَ بْنَ اَلْخَطَّابِ، فَقَالَ لَهُ بَخْ بَخْ يَا اِبْنَ أَبِي طَالِبٍ أَصْبَحْتَ مَوْلاَيَ وَ مَوْلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ وَ مُؤْمِنَة، ٍوَ قَالَ فِي ذَلِكَ اَلْيَوْمِ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ شِعْراً يُهَنِّيهِ بِاَلْإِمَامَةِ، وَ قَالَ بَعَدَهُ اَلشُّعَرَاءِ، وَ نَزَلَ عَلَى اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ عِنْدَ خَاتِمَةِ كَلاَمِهِ فِي اَلْحَالِ اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ اَلْإِسْلاٰمَ دِيناً (2) . و هو يوم عيد عظيم بما أظهره اللّه من حجّته و آياته من خلافة(3) وصيّ نبيه، و ما أوجبه من العهد في رقاب بريّته.

ص: 44


1- في نسخة أخرى: نزل.
2- سورة المائدة، الآية: 3.
3- في نسخة أخرى: خلافته.

و يستحبّ صيامه شكرا للّه تعالى على جليل النّعمة فيه، و يستحبّ أن يصلّي قبل الزّوال ركعتان يتطوّع العبد بهما، ثمّ يحمد اللّه تعالى بعدهما و يصلّي على محمد و آله. و الصّدقة فيه مضاعفة، و إدخال السّرور فيه على أهل الإيمان يحطّ الأوزار.

و في هذا اليوم بعينه من سنة أربع و ثلاثين من الهجرة قتل عثمان بن عفّان، و له يومئذ اثنان و ثلاثون سنة، و أخرج من الدّار فألقي على بعض مزابل المدينة لا يقدم أحد على مواراته خوفا من المهاجرين و الأنصار، حتّى احتيل لدفنه بعد ثلاث فأخذ سرّا و دفن في حشّ كوكب، و هي مقبرة كانت لليهود بالمدينة، فلمّا ولّي معاوية بن أبي سفيان وصلها بمقابر أهل الإسلام.

و في هذا اليوم بعينه بايع الناس أمير المؤمنين عليه السّلام بعد عثمان، و رجع الأمر إليه في الظّاهر و الباطن، و اتّفقت الكافّة إليه طوعا و اختيارا.

و في هذا اليوم فلج(1)موسى بن عمران عليه السّلام على السّحرة و أخزى اللّه تعالى فرعون و جنوده من أهل الكفر و الضّلال، و فيه نجّى اللّه تعالى إبراهيم عليه السّلام من النّار و جعلها عليه بردا و سلاما كما نطق به القرآن، و فيه نصب موسى عليه السّلام يوشع بن نون وصيّه و نطق بفضله على رءوس الأشهاد، و فيه أظهر عيسى ابن مريم عليه السّلام وصيّه شمعون الصّفا عليه السّلام، و فيه أشهد سليمان بن داود عليه السّلام سائر رعيته على استخلافه(2)آصف بن برخيا عليه السّلام، و دلّ على فضله بالآيات و البيّنات، و هو يوم عظيم كثير البركات.

اليوم الرابع و العشرون:

و في اليوم الرّابع و العشرين منه باهل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب الحسن و الحسين و فاطمة عليهم السّلام نصارى نجران، و جاء بذكر المباهلة به و بزوجته و بولديه محكم التّبيان، و فيه تصدّق أمير

ص: 45


1- أي ظفر.
2- في نسخة أخرى: استخلاف.

المؤمنين عليه السّلام بخاتمه و نزلت بولايته آي القرآن.

الليلة الخامسة و العشرون:

و في ليلة الخامس و العشرين منه تصدّق أمير المؤمنين عليه السّلام و فاطمة عليها السّلام على المسكين و اليتيم و الأسير بثلاثة أقراص كانت قوتهم من الشّعير، و آثروهم على أنفسهم و أوصلا الصّيام.

اليوم الخامس و العشرون:

و في اليوم الخامس و العشرين منه نزل في أمير المؤمنين عليه السّلام و فاطمة و الحسن و الحسين هَلْ أَتىٰ عَلَى اَلْإِنْسٰانِ (1).

اليوم السادس و العشرون:

و في اليوم السّادس و العشرين منه سنة ثلاث و عشرين من الهجرة طعن عمر بن الخطّاب.

اليوم السابع و العشرون:

و في اليوم السّابع و العشرين منه سنة اثنتي عشرة و مائتين من الهجرة كان مولد سيّدنا أبي الحسن عليّ بن محمّد العسكري عليهما السّلام.

اليوم التاسع و العشرون:

و في اليوم التّاسع و العشرين منه سنة ثلاث و عشرين من الهجرة قبض عمر بن الخطّاب.

ص: 46


1- سورة الإنسان، الآية: 1.

شهر محرّم

اشارة

و هو شهر حرام، و كانت الجاهليّة تعظمه، و ثبت ذلك في الإسلام.

اليوم الأول:

أوّل يوم منه استجاب اللّه دعوة زكريّا عليه السّلام.

اليوم الثالث:

و في اليوم الثّالث منه كان خلاص يوسف عليه السّلام من الجبّ الذي ألقاه إخوته فيه على ما جاءت به الأخبار، و نطق به القرآن.

اليوم الخامس:

و في اليوم الخامس منه كان عبور موسى بن عمران عليه السّلام من البحر.

اليوم السابع:

و في اليوم السّابع منه كلّم اللّه موسى بن عمران عليه السّلام على جبل طور سينا.

اليوم التاسع:

و في اليوم التّاسع منه أخرج اللّه تعالى يونس بن متّى عليه السّلام من بطن الحوت و نجّاه.

ص: 47

اليوم العاشر:

و في اليوم العاشر منه قتل سيّدنا أبو عبد اللّه الحسين بن علي عليهم السّلام من سنة إحدى و ستّين من الهجرة، و هو يوم تتجدّد(1) فيه أحزان محمّد و آل محمّد عليهم السلام و شيعتهم. و جاءت الرّواية عن الصّادقين عليهم السّلام باجتناب الملاذ فيه و إقامة تبيين(2) المصائب، و الإمساك عن الطّعام و الشّراب إلى أن تزول الشّمس، و التغذي بعد ذلك بما يتغذّى أصحاب المصائب كالألبان و ما أشبهها دون اللّذيذ من الطّعام و الشّراب، و يستحبّ فيه زيارة المشاهد، و الإكثار من الصلاة على محمد و آله، و الابتهال إلى اللّه باللّعنة على أعدائهم(3).

وَ رُوِيَ: أَنَّ مَنْ زَارَ اَلْحُسَيْنَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَكَأَنَّمَا زَارَ اَللَّهَ تَعَالَى فِي عَرْشِهِ.

وَ رُوِيَ: أَنَّ مَنْ زَارَهُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ بَاتَ عِنْدَهُ لَيْلَةَ عَاشُورَاءَ حَتَّى يُصْبِحَ حَشَرَهُ اَللَّهُ تَعَالَى مُلَطَّخاً بِدَمِ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي جُمْلَةِ اَلشُّهَدَاءِ مَعَهُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ.

وَ رُوِيَ: أَنَّ مَنْ زَارَهُ فِي هَذَا اَلْيَوْمِ غَفَرَ اَللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَ مَا تَأَخَّرَ.

وَ رُوِيَ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَقْضِيَ حَقَّ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ حَقَّ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ وَ فَاطِمَةَ وَ اَلْحَسَنَ اَلْحُسَيْنَ عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ فَلْيَزُرْ قَبْرَ اَلْحُسَيْنَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ.

اليوم السابع عشر:

و في اليوم السّابع عشر انصرف أصحاب الفيل عن مكة و قد نزل عليهم العذاب.

الليلة الحادية و العشرون:

و في ليلة إحدى و عشرين سنّة ثلاث من الهجرة كان نقل فاطمة إلى أمير المؤمنين عليه السّلام و زفافها إليه، و لها يومئذ ست(4) عشرة سنة، و روي تسع سنين.

ص: 48


1- في الأصل: يتجدد.
2- في نسخة أخرى: سنن.
3- في نسخة أخرى: أعدائهم و ظالميهم.
4- في الأصل: ستة.

اليوم الخامس و العشرون:

و في يوم الخامس و العشرين سنة أربع و تسعين كانت وفاة أبي محمّد عليّ بن الحسين زين العابدين عليه السّلام.

ص: 49

شهر صفر

اليوم الأول:

أوّل يوم منه سنة إحدى و عشرين و مائة كان مقتل زيد بن عليّ بن الحسين عليه السّلام و هو يوم تتجدّد(1) فيه أحزان آل محمّد عليهم السّلام.

اليوم الثالث:

و في الثّالث منه سنة أربع و ستّين من الهجرة أحرق مسلم بن عقبة ثياب باب الكعبة، و رمى حيطانها بالنّيران، فتصدّعت(2)، و كان عبد اللّه بن الزبير متحصنا بها و ابن عقبة يومئذ يحاربه(3) من قبل يزيد بن معاوية (لعنهما اللّه).

اليوم العشرون:

و في العشرين منه كان رجوع حرم سيّدنا و مولانا أبي عبد اللّه الحسين عليه السلام من الشام إلى مدينة الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و هو اليوم الذي ورد جابر بن عبد اللّه الحزام الأنصاري صاحب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و رضي اللّه عنه و أرضاه من المدينة إلى

ص: 50


1- في الاصل: يتجدّد.
2- في نسخة أخرى: فتصدمت.
3- في نسخة أخرى: فحاربه.

كربلاء لزيارة قبر أبي عبد اللّه الحسين عليه السّلام، فكان أول من زاره من المسلمين، و يستحبّ زيارته عليه السّلام.

و لليلتين بقيتا منه سنة عشر من الهجرة كانت وفاة سيّدنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و في مثلها سنة خمسين من الهجرة كانت وفاة سيّدنا أبي محمّد الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السّلام.

ص: 51

شهر ربيع الأول

اليوم الأول:

أول يوم(1) منه هاجر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من مكة إلى المدينة سنة ثلاث عشر من مبعثه صلّى اللّه عليه و آله و سلم، و كانت ليلة الخميس، و فيها كان مبيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام على فراش رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و مواساته له عليه السّلام بنفسه، حتى نجا عليه السّلام من عدوّه، فخاف(2) بذلك أمير المؤمنين عليه السّلام شرف الدّنيا و الدّين، و أنزل اللّه تعالى مدحه لذلك في القرآن المبين، و هي ليلة الفخر فيها لمولانا أمير المؤمنين، و يجب فيها مسرّة أوليائه المخلصين.

و في صبيحة هذه اللّيلة صار المشركون إلى باب الغار عند ارتفاع النّهار لطلب النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فستره اللّه تعالى عنهم و قلق أبو بكر بن أبي قحافة، و كان معه في الغار بمصيرهم إلى بابه، و ظنّ أنّهم سيدركونه فحزن لذلك و جزع، فسكته النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و رفق به و قوى نفسه بما وعده من النّجاة منهم و تمام الهجرة له.

و في هذا اليوم يتجدّد سرور الشيعة بنجاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من أعدائه، و ما أظهره اللّه تعالى من آياته و ما أيّده به من نصره، و هو يوم حزن للناصبية لاقتدائهم بأبي بكر في ذلك و اجتنابهم المسرّة في وقت أحزانه.

ص: 52


1- في نسخة أخرى: ليلة.
2- كذا الأصل، و الظاهر أنها تصحيف: فحاز.

الليلة الرابعة:

و في اللّيلة الرابعة منه كان خروج النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من الغار متوجّها إلى المدينة فأقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالغار و هو في جبل عظيم خارج مكة غير بعيد منها اسمه ثور ثلاثة أيام و ثلاث ليال، و سار منه فوصل المدينة يوم الإثنين ثاني عشر من شهر ربيع الأوّل عند زوال الشّمس منه.

اليوم الرابع:

و في اليوم الرّابع منه سنة ستين و مائتين، كانت وفاة سيّدنا أبي محمّد الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ الرّضا عليهم السّلام و له يومئذ ثمان و عشرون سنة و مصير الخلافة إلى القائم بالحق.

اليوم العاشر:

و في اليوم العاشر منه تزوّج النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم خديجة(1) بنت خويلد أمّ المؤمنين رضي اللّه عنها و أرضاها لخمس و عشرين سنة من مولده صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و كان لها يومئذ أربعون سنة.

و في مثله لثمان سنين من مولده كانت وفاة جدّه عبد المطلب (رضي اللّه عنه) و هي سنة ثمان من عام الفيل.

اليوم الثاني عشر:

و في اليوم الثاني عشر منه كان قدوم النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم المدينة مع زوال الشّمس.

و في مثله سنة اثنتين و ثلاثين و مائة من الهجرة كان هلاك الملحد الملعون يزيد بن معاوية بن أبي سفيان ضاعف اللّه عليه العذاب الأليم، و كان سنّه يومئذ ثماني و ثلاثين سنة و هو يوم يتجدّد فيه سرور المؤمنين.

ص: 53


1- في نسخة أخرى: بخديجة.

اليوم السابع عشر:

و في اليوم السّابع عشر منه كان مولد سيّدنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عند طلوع الفجر من يوم الجمعة في عام الفيل، و هو يوم شريف عظيم البركة، و لم يزل(1) الصّالحون من آل محمّد عليهم السّلام على قديم الأوقات يعظّمونه، و يعرفون حقّه، و يرعون حرمته، و يتطوّعون بصيامه.

وَ رُوِيَ عَنْ أَئِمَّةِ اَلْهُدَى عَلَيْهِمُ السَّلَامُ أَنَّهُمْ قَالُوا: «مَنْ صَامَ اَلْيَوْمَ اَلسَّابِعَ عَشَرَ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ اَلْأَوَّلِ وَ هُوَ مَوْلِدُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ كَتَبَ اَللَّهُ سُبْحَانَهُ لَهُ صِيَامَ سَنَةٍ». و يستحبّ فيه الصّدقة، و زيارة المشاهد، و التّطوّع بالخيرات، و إدخال السّرور على أهله(2)

ص: 54


1- في نسخة أخرى: و لا يزال.
2- في نسخة أخرى: المسرة على أهل الإيمان.

شهر ربيع الثاني

اليوم العاشر:

اليوم العاشر منه سنة اثنتين و ثلاثين و مائتين كان مولد سيّدنا أبي محمّد الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ الرّضا عليه السّلام، و هو يوم شريف عظيم البركة.

اليوم الثاني عشر:

و في اليوم الثّاني عشر منه سنة أوّل من الهجرة استقرّ فرض صلاة الحضر و السّفر.

ص: 55

شهر جمادى الأولى

يوم النصف:

يوم النّصف منه سنة ثمان و ثلاثين من الهجرة كان مولد سيّدنا أبي محمّد عليّ بن الحسين زين العابدين عليه و آبائه السّلام، و هو يوم شريف يستحبّ فيه الصّيام و التّطوّع بالخيرات.

و فيه بعينه من هذا اليوم سنة ستّة و ثلاثين كان فتح البصرة و نزول النّصر من اللّه الكريم على أمير المؤمنين عليه السّلام.

ص: 56

شهر جمادى الآخرة

اليوم الثالث:

اليوم الثّالث منه سنة إحدى عشر من الهجرة كانت وفاة زهراء البتول فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و هو يوم يتجدّد فيه أحزان المؤمنين(1). و في النّصف منه سنة ثلاث و سبعين من الهجرة كان مقتل عبد اللّه بن الزّبير بن العوام، و له يومئذ ثلاث و سبعون سنة.

اليوم العشرون:

و في اليوم العشرين منه سنة اثنتين من المبعث كان مولد مولاتنا الزّهراء فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هو يوم شريف يتجدّد فيه سرور المؤمنين، و يستحبّ التّطوّع فيه بالخيرات و الصّدقة على المساكين.

اليوم السابع و العشرون:

و في اليوم السابع و العشرين منه سنة ثلاث عشرة من الهجرة كان وفاة أبي بكر بن أبي قحافة، و ولاية عمر بن الخطّاب، و اقامه مقامه بنصبه عليه و وصيّته بالأمر إليه.

ص: 57


1- في نسخة أخرى: أحزان أهل الإيمان.

شهر رجب

اشارة

هو آخر أشهر(1) الحرم في السّنة على التّرتيب الّذي قدمنا، و بيّنا أنّ أوّل شهورها شهر رمضان، و هو شهر عظيم البركة شريف، لم تزل الجاهلية تعظّمه قبل مجيء الإسلام، ثمّ تأكّد شرفه و عظمه في شريعة النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هو الشّهر الأصم، و إنّما سمّي بذلك لأنّ العرب لم تكن تغزو فيه و لا ترى الحرب و سفك الدّماء، و كان لا يسمع فيه حركة السّلاح، و لا صهيل الخيل، و لا أصوات الرّجال في اللّقاء و الاجتماع، و يستحبّ صيامه، فقد

رُوِيَ عَنْ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَنَّهُ كَانَ يَصُومُهُ وَ يَقُولُ «شَهْرُ رَجَبٍ شَهْرِي وَ شَعْبَانُ شَهْرُ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ شَهْرُ رَمَضَانَ شَهْرُ اَللَّهِ (عَزَّ وَ جَلَّ)».

اليوم الأول:

أول يوم منه كان مولد مولانا و سيّدنا أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر عليه السّلام

رَوَى جَعْفَرٌ اَلْجُعْفِيُّ قَالَ: وُلِدَ اَلْبَاقِرُ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَوْمَ اَلْجُمُعَةِ غُرَّةَ رَجَبٍ سَنَةَ سَبْعٍ وَ خَمْسِينَ مِنَ اَلْهِجْرَةِ.

وَ رُوِيَ: أَنَّهُ «مَنْ صَامَ مِنْ أَوَّلِهِ سَبْعَةَ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ غُلِّقَتْ عَنْهُ سَبْعَةُ أَبْوَابِ اَلنَّارِ، فَإِنْ صَامَ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ فُتِحَتْ لَهُ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابِ اَلْجِنَانِ فَإِنْ صَامَ مِنْهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْماً أُعْطِيَ سُؤْلَهُ، وَ إِنْ صَامَ اَلشَّهْرَ كُلَّهُ أَعْتَقَ اَللَّهُ اَلْكَرِيمُ رَقَبَتَهُ مِنَ اَلنَّارِ، وَ قَضَى لَهُ حَوَائِجَ اَلدُّنْيَا وَ اَلْآخِرَةِ، وَ كُتِبَ فِي اَلصِّدِّيقِينَ وَ اَلشُّهَدَاءِ». و هذا إذا كان

ص: 58


1- في نسخة أخرى: شهور.

الإنسان مؤمنا مجتنبا للكبائر الموبقات، كما قال اللّه عزّ و جلّ: إِنَّمٰا يَتَقَبَّلُ اَللّٰهُ مِنَ اَلْمُتَّقِينَ (1). و العمرة فيه لها فضل كثير قد جاءت به الرّوايات و الآثار.

و يستحب زيارة سيّدنا أبي عبد اللّه الحسين بن علي عليهما السّلام في أوّل يوم منه،

فَقَدْ رُوِيَ عَنِ اَلصَّادِقِ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ اَلصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ زَارَ اَلْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ رَجَبٍ غَفَرَ اَللَّهُ لَهُ اَلْبَتَّة» َ.

و من لم يتمكّن من زيارة أبي عبد اللّه الحسين عليه السّلام في هذا اليوم فليزر بعض مشاهد الأئمّة السّادة عليهم السّلام فإن لم يتمكّن من ذلك فليؤم إليهم بالسّلم، و يجتهد في أعمال البرّ و الخيرات.

اليوم الثالث:

و في اليوم الثالث منه سنة أربع و خمسين و مائتين من الهجرة كانت وفاة سيّدنا أبي الحسن عليّ بن محمّد الهادي صاحب العسكر عليه السّلام، و له يومئذ إحدى و أربعون سنة.

اليوم الثاني عشر:

و في اليوم الثّاني عشر منه سنة ستّين من الهجرة كان هلاك معاوية بن أبي سفيان (لعنه اللّه) و سنه يومئذ ثمان و سبعون سنة، و هو يوم مسرّة لأهل الإيمان و حزن لأهل الكفر و الطّغيان.

يوم النصف:

و في يوم النصف منه لخمسة أشهر من الهجرة عقد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام على ابنته فاطمة الزّهراء البتول عليها السّلام عقدة النّكاح، و كان فيه الإشهاد له(2) و الإملاك، و سنّها يومئذ إحدى عشر سنة، و في رواية ثلاث عشر سنة.

ص: 59


1- سورة المائدة، الآية: 27.
2- في نسخة أخرى: لربها.

و يستحبّ في هذا اليوم الصّيام و زيارة المشاهد على أصحابها السّلام، و يدعى فيها بدعاء أمّ داود و هو موعود(1) في كتب أصحابنا على شرح لا يحتمله هذا الكتاب لما قصدناه من الاختصار.

و في هذا اليوم سنة اثنتين من الهجرة حوّلت القبلة من البيت المقدس إلى الكعبة، و كان النّاس في صلاة العصر فتحوّلوا منها إلى البيت الحرام.

اليوم الثالث و العشرون:

و في اليوم الثّالث و العشرين(2) منه ولد أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام سنة 30 من عام الفيل، و كان ميلاده في جوف الكعبة من البيت الحرام.

اليوم الخامس و العشرون:

و في اليوم الخامس و العشرين منه سنة ثمان(3) و ثمانين و مائة من الهجرة، كانت وفاة سيّدنا أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السّلام قتيلا في حبس السّندي بن شاهك متولّي الشّرطة للرّشيد، و سنّه يومئذ خمس و خمسون(4)سنة، و هو يوم تتجدّد(5) فيه أحزان آل محمّد عليهم السّلام.

اليوم السابع و العشرون:

و في اليوم السّابع و العشرين منه كان مبعث النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من صامه كتب اللّه له صيام ستّين سنة.

وَ رُوِيَ عَنِ اَلصَّادِقِينَ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ أَنَّهُمْ قَالُوا: «مَنْ صَلَّى فِي اَلْيَوْمِ اَلسَّابِعِ وَ اَلْعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ رَجَبٍ اِثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ فَاتِحَةَ اَلْكِتَابِ وَ سُورَةَ يس فَإِذَا فَرَغَ مِنْ هَذِهِ اَلصَّلاَةِ قَرَأَ فِي عَقِيبِهَا

ص: 60


1- في نسخة أخرى: موجود.
2- و المشهور و الظاهر من سائر الكتب المعتبرة أنه ولد عليه السّلام في ثالث عشر من شهر رجب.
3- في نسخة أخرى: ثلاث.
4- في نسخة أخرى: ستون.
5- في الأصل: يتجدد.

فَاتِحَةَ اَلْكِتَابِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ وَ اَلْمُعَوِّذَتَيْنِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ وَ قَالَ: سُبْحَانَ اَللَّهِ وَ اَلْحَمْدُ لِلَّهِ وَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اَللَّهُ وَ اَللَّهُ أَكْبَرُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ وَ قَالَ: اَللَّهُ رَبِّي لاَ أُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً أَرْبَعَ مَرَّاتٍ ثُمَّ دَعَا اُسْتُجِيبَ لَهُ فِي كُلِّ مَا يَدْعُو بِهِ إِلاَّ أَنْ يَدْعُوَ بِجَائِحَةِ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ». و هو يوم شريف عظيم البركة.

و يستحبّ فيه الصّدقة و التّطوّع بالخيرات، و إدخال السّرور على أهل الإيمان.

ص: 61

شهر شعبان

اشارة

هو شهر شريف عظيم البركات، و صيامه سنّة من سنن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

اليوم الثّاني:

في اليوم الثّاني منه سنة اثنين من الهجرة نزل فرض صيام شهر رمضان.

اليوم الثالث:

و في اليوم الثالث منه ولد أبو عبد اللّه الحسين عليه السّلام، و هو يوم الخميس، و صيامه فيه ثواب عظيم.

ليلة النصف:

و في ليلة النّصف منه سنة أربع و خمسين و مائتين من الهجرة كان مولد سيّدنا أبي القاسم محمّد بن الحسن صاحب الزّمان عليه و على آبائه الطّاهرين السّلام؛ و يستحبّ في هذه اللّيلة الغسل و إحياؤها بالصلاة و الدّعاء.

و في هذه اللّيلة تكون زيارة سيّدنا أبي عبد اللّه الحسين بن عليّ عليهم السّلام

فَقَدْ رُوِيَ عَنِ اَلصَّادِقِينَ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ أَنَّهُمْ قَالُوا: «إِذَا كَانَ لَيْلَةُ اَلنِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، نَادَى مُنَادٍ مِنَ اَلْأُفُقِ اَلْأَعْلَى يَا زَائِرِي قَبْرِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ اِرْجِعُوا مَغْفُوراً لَكُمْ ثَوَابُكُمْ عَلَى رَبِّكُمْ وَ مُحَمَّدٍ نَبِيِّكُمْ.، و من لم يستطع زيارة قبر

ص: 62

الحسين بن عليّ عليه السّلام في هذه اللّيلة فليزر غيره من الأئمة عليهم السّلام فإن لم يتمكّن من ذلك أومى إليهم بالسّلام و أحيانا بالصلاة و الدّعاء.

و قد

رُوِيَ أَنَّ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ كَانَ لاَ يَنَامُ فِي ثَلاَثِ لَيَالِ اَلسَّنَةِ لَيْلَةِ ثَلاَثٍ وَ عِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ وَ يَقُولُ: «إِنَّهَا اَللَّيْلَةُ اَلَّتِي تُرْجَى أَنْ تَكُونَ لَيْلَةَ اَلْقَدْرِ»، وَ لَيْلَةِ اَلْفِطْرِ وَ يَقُولُ «فِي هَذِهِ اَللَّيْلَةِ يُعْطَى اَلْأَجِيرُ أَجْرَهُ»، وَ لَيْلَةِ اَلنِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ وَ يَقُولُ: «فِي هَذِهِ اَللَّيْلَةِ يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ » وَ هِيَ لَيْلَةٌ يُعَظِّمُهَا(1)اَلْمُسْلِمُونَ جَمِيعاً وَ أَهْلُ اَلْكِتَابِ.

و قد

رُوِيَ عَنِ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا كَانَ لَيْلَةُ اَلنِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ أَذِنَ اَللَّهُ لِلْمَلاَئِكَةِ بِالنُّزُولِ إِلَى اَلْأَرْضِ مِنَ اَلسَّمَاءِ، وَ فَتَحَ فِيهَا أَبْوَابَ اَلْجِنَانِ، وَ اِسْتَجَابَ (2) فِيهَا اَلدُّعَاءَ فَلْيُصَلِّ اَلْعَبْدُ فِيهَا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ فَاتِحَةَ اَلْكِتَابِ مَرَّةً وَ سُورَةَ اَلْإِخْلاَصِ مِائَةَ مَرَّةٍ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْهَا بَسَطَ يَدَيْهِ لِلدُّعَاءِ وَ قَالَ فِي دُعَائِهِ: اَللَّهُمَّ إِنِّي إِلَيْكَ فَقِيرٌ، وَ بِكَ عَائِذٌ، وَ مِنْكَ خَائِفٌ، وَ بِكَ مُسْتَجِيرٌ، رَبِّ لاَ تُبَدِّلِ اِسْمِي، وَ لاَ تُغَيِّرْ جِسْمِي، وَ لاَ تَجْهَدُ بَلاَئِي، وَ لاَ تُشْمِتُ بِي أَعْدَائِي، وَ أَعُوذُ بِكَ مِنْكَ جَلَّ ثَنَاؤُكَ، وَ أَعُوذُ بِعَفْوِكَ مِنْ عِقَابِكَ وَ أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَ أَعُوذُ بِرَحْمَتِكَ مِنْ عَذَابِكَ، وَ أَعُوذُ بِكَ مِنْكَ جَلَّ ثَنَاؤُكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ وَ فَوْقَ مَا يَقُولُ اَلْقَائِلُونَ، صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ وَ اِفْعَلْ بِي كَذَا وَ كَذَا وَ يَسْأَلُ حَوَائِجَهُ فَإِنَّ اَللَّهَ تَعَالَى جَوَادٌ كَرِيمٌ.

وَ رُوِيَ: أَنَّ مَنْ صَلَّى هَذِهِ اَلصَّلاَةَ فِي لَيْلَةِ اَلنِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ غَفَرَ اَللَّهُ تَعَالَى لَهُ ذُنُوبَهُ، وَ قَضَى حَوَائِجَهُ، وَ أَعْطَاهُ سُؤْلَهُ كَرَمَاً مِنْهُ عَلَى عِبَادِهِ وَ مَنًّا مِنْهُ عَلَيْهِمْ.

ص: 63


1- في الأصل: يعظمونه.
2- في نسخ أخرى: استجيب، أجيب.

ص: 64

التاج المواليد في مواليد الأئمّة و وفياتهم

اشارة

تأليف العلاّمة الطّبرسي (قده) المتوفى سنه 548

ص: 65

ص: 66

بِسْمِ اَللّٰهِ اَلرَّحْمٰنِ اَلرَّحِيمِ

الحمد للّه حقّ حمده، و الصلاة على خير خلقه محمّد و أهل بيته الطّيّبين الأخيار، الّذين أذهب اللّه عنهم الرّجس و طهّرهم تطهيرا.

و بعد لمّا رأيت رغبات جماعة من إخواننا حاظّهم اللّه إلى عمل مختصر في ذكر مولد النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و مواليد الأئمة عليهم السّلام مستوفرة و حاجتهم إلى جمع ذلك على وجه من الاختصار و الإيجاز، ليسهل حفظه و يقرب مأخذه شديدة، بدأت به مبوبا إيّاه أربعة عشر بابا على عدّة المعصومين من النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى صاحب الزّمان عليه و عليهم السّلام، يتضمّن كلّ باب منها خمسة فصول.

الفصل الأول: في الأسماء و الألقاب و الكنى.

و الثاني: في وقت الولادة.

و الثالث: في مبلغ العمر و بيان مقدار ما صحب بعضهم بعضا منه، و ما يليق بذلك.

و الرّابع: في وقت الوفاة و الإشارة إلى سببها، و تعيين مواضع القبور.

و الخامس: في ذكر عدد الأولاد و أمّهاتهم، مستعينا باللّه تعالى و متوكّلا عليه، و هو حسبنا وَ نِعْمَ اَلْوَكِيلُ .

ص: 67

ص: 68

الباب الأوّل: في ذكر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم

اشارة

و فيه خمسة فصول:

الفصل الأول: في اسمه و كنيته و لقبه

اسمه (صلوات اللّه عليه و آله): محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أحمد.

و كنيته: أبو القاسم.

و ألقابه كثيرة، أشهرها(1): المصطفى، و الرّسول، و النّبي، و المزّمّل، و المدّثر، و الشّاهد، و المبشّر، و النّذير، و الماحي، و العاقب، و الحاشر، و خاتم النّبيّين.

و نسبه: محمّد بن عبد اللّه، بن عبد المطلب، بن هاشم، بن عبد مناف، بن قصيّ، بن كلاب، بن مرّة، بن كعب، بن لويّ، بن غالب، بن فهر، بن مالك، بن النّضر، و هو قريش، بن كنانة، بن خزيمة، بن مدركة، ابن الياس، بن مضر، بن نزار، بن معدّ بن عدنان. لم يتجاوز عدنان في نسبه (صلوات اللّه عليه)

لِقَوْلِهِ: «إِذَا بَلَغَ نَسَبِي عَدْنَانَ فَأَمْسِكُوا». و

لِقَوْلِهِ: صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ أَيْضاً: «كَذَبَ اَلنَّسَّابُونَ». و لظهور الاختلاف فيمن عدا عدنان بين النّسّابين.

ص: 69


1- في الأصل: شهره.

و أمه: آمنة، بنت وهب، بن عبد مناف، بن قصي، بن كلاب، بن مرّة، بن كعب.

الفصل الثاني: في وقت الولادة

الفصل الثاني: في وقت الولادة(1)

ولد (صلوات اللّه عليه و آله) عند طلوع الفجر من يوم الجمعة السّابع عشر من شهر ربيع الأوّل، بعد سنة الفيل بخمسين يوما بمكّة.

الفصل الثالث: في مبلغ عمره

في مبلغ عمره و بيان مقدار ما عاش مع كلّ واحد من أبيه و أمّه و جدّه و عمّه و غير ذلك.

عَاشَ (صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) ثَلاَثاً وَ سِتِّينَ سَنَةً، مِنْهَا مَعَ أَبِيهِ سَنَتَيْنِ وَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَ مَعَ أُمِّهِ وَ جَدِّهِ عَبْدِ اَلْمُطَّلِبِ ثَمَانِيَةَ سِنِينَ وَ كَفَّلَهُ أَبُو طَالِبٍ مِنْ بَيْنِ إِخْوَتِهِ بَعْدَ وَفَاةِ عَبْدِ اَلْمُطَّلِبِ وَ كَانَ حَامِيَهُ وَ نَاصِرَهُ أَيَّامَ حَيَاتِهِ.

وَ تَزَوَّجَ بِخَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ وَ هُوَ اِبْنُ خَمْسٍ وَ عِشْرِينَ سَنَةً، وَ لَهَا يَوْمَئِذٍ أَرْبَعُونَ سَنَةً وَ مَكَثَتْ مَعَ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ اِثْنَتَيْنِ (2) وَ عِشْرِينَ سَنَةً. وَ رُوِيَ أَنَّهُ (صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) تَزَوَّجَهَا وَ هُوَ اِبْنُ إِحْدَى وَ عِشْرِينَ سَنَةً.

وَ بُعِثَ بِمَكَّةَ يَوْمَ اَلْجُمُعَةِ اَلسَّابِعَ وَ اَلْعِشْرِينَ مِنْ رَجَبٍ وَ هُوَ اِبْنُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَ رُمِيَتِ اَلشَّيَاطِينُ بِالنُّجُومِ بَعْدَ مَبْعَثِهِ بِعِشْرِينَ يَوْماً.

وَ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اَلْقُرْآنُ يَوْمَ اَلاِثْنَيْنِ لِإِحْدَى عَشْرَةَ لَيْلَةً بَقِيَتْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ.

وَ رُوِيَ أَنَّ اَللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى أَنْزَلَ اَلْقُرْآنُ كُلَّهُ فِي لَيْلَةِ اَلْقَدْرِ إِلَى اَلْبَيْتِ اَلْمَعْمُورِ، ثُمَّ أَنْزَلَهُ مِنَ اَلْبَيْتِ اَلْمَعْمُورِ إِلَيْهِ فِي مُدَّةِ عِشْرِينَ سَنَةً.

وَ عُرِجَ بِهِ إِلَى اَلسَّمَاءِ بَعْدَ اَلْبِعْثَةِ بِسَنَتَيْنِ.

ص: 70


1- في نسخة أخرى: ولادته.
2- في الأصل: اثنين.

وَ حُصِرَ فِي اَلشِّعْبِ بَعْدَ أَنْ رُمِيَ اَلشَّيَاطِينُ بِالنُّجُومِ بِخَمْسِ سِنِينَ، فَمَكَثَ فِي اَلْحِصَارِ ثَلاَثَ سِنِينَ.

وَ تُوُفِّيَ أَبُو طَالِبٍ وَ لَهُ (صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْهِ) سِتٌّ وَ أَرْبَعُونَ سَنَةً وَ ثَمَانِيَةُ أَشْهُرٍ وَ أَرْبَعَةٌ وَ عِشْرُونَ يَوْماً.

وَ تُوُفِّيَتْ خَدِيجَةُ لِسَبْعِ سِنِينَ مِنْ مَبْعَثِهِ.

وَ قَدْ أَقَامَ بِمَكَّةَ بَعْدَ اَلْبِعْثَةِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ سَنَةً عَلَى خَوْفٍ وَ تَقِيَّةٍ مِنَ اَلْمُشْرِكِينَ، وَ قِيلَ ان [لَمَّا] هَاجَرَ (صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْهِ) اِسْتَتَرَ فِي اَلْغَارِ ثَلاَثَ أَيَّامٍ، وَ رُوِيَ سِتَّةَ أَيَّامٍ، وَ اَلْأَوَّلُ أَصَحُّ، ثُمَّ هَاجَرَ مِنْهَا وَ دَخَلَ اَلْمَدِينَةَ يَوْمَ اَلاِثْنَيْنِ اَلْحَادِيَ عَشَرَ مِنْ رَبِيعٍ اَلْأَوَّلِ، وَ بَقِيَ بِهَا عَشْرَ سِنِينَ إِلَى أَنْ قُبِضَ (صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْهِ).

الفصل الرابع: في ذكر وفاته و موضع قبره

تُوُفِّيَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ يَوْمَ اَلْإِثْنَيْنِ لِلَيْلَتَيْنِ بَقِيَتَا مِنْ صَفَرٍ سَنَةَ إِحْدَى وَ عَشْرَةَ مِنَ اَلْهِجْرَةِ، وَ اِخْتَلَفَ أَهْلُ بَيْتِهِ وَ أَصْحَابُهُ فِي اَلْمَوْضِعِ اَلَّذِي يُدْفَنُ فِيهِ، فَقَالَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: «إِنَّ اَللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَقْبِضْ رُوحَ نَبِيِّهِ (صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْهِ) إِلاَّ فِي أَطْهَرِ اَلْبِقَاعِ، يَنْبَغِي أَنْ نَدْفِنَهُ هُنَاكَ فَرَجَعُوا إِلَى قَوْلِهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ اِتَّفَقُوا عَلَى ذَلِكَ، فَدَفَنُوهُ فِي حُجْرَتِهِ بِحَيْثُ قُبِضَ صَلَوَاتُ اَلرَّحْمَنِ عَلَيْهِ.

الفصل الخامس: في عدد أولاده و أزواجه عليه السّلام

كَانَ لِرَسُولِ اَللَّهِ (عَلَيْهِ اَلتَّحِيَّةُ وَ اَلسَّلاَمُ) وُلِدَ لَهُ سَبْعَةُ أَوْلاَدٍ مِنْ خَدِيجَةَ اِبْنَانِ وَ أَرْبَعُ بَنَاتٍ: اَلْقَاسِمُ، وَ عَبْدُ اَللَّهِ، وَ هُوَ اَلطَّاهِرُ وَ اَلطِّيبُ، وَ فَاطِمَةُ (صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْهَا) وَ زَيْنَبُ، وَ أُمُّ كُلْثُومٍ، وَ رُقَيَّةُ.

وَ وُلِدَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ مِنْ مَارِيَةَ اَلْقِبْطِيَّةِ.

أَمَّا فَاطِمَةُ عَلَيْهَا اَلسَّلاَمُ فَتَزَوَّجَهَا أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ أَمَرَ اَللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى نَبِيَّهُ (صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْهِ) بِأَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْهُ.

وَ أَمَّا زَيْنَبُ فَكَانَتْ عِنْدَ أَبِي اَلْعَاصِ بْنِ اَلرَّبِيعِ بْنِ عَبْدِ اَلْعُزَّى بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، وَ مَاتَتْ بِالْمَدِينَةِ.

ص: 71

وَ أَمَّا رُقَيَّةُ فَتَزَوَّجَهَا عُتْبَةُ بْنُ أَبِي لَهَبٍ وَ طَلَّقَهَا قَبْلَ اَلدُّخُولِ بِهَا، فَتَزَوَّجَهَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، فَمَاتَتْ بِالْمَدِينَةِ يَوْمَ بَدْرٍ.

وَ أَمَّا أُمُّ كُلْثُومٍ فَتَزَوَّجَهَا عُتْبَةُ بْنُ أَبِي لَهَبٍ وَ فَارَقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا، فَتَزَوَّجَهَا عُثْمَانُ بَعْدَ رُقَيَّةَ.

وَ تُوُفِّيَ اَلْقَاسِمُ وَ اَلطَّاهِرُ بَعْدَ اَلنُّبُوَّةِ.

وَ وُلِدَ إِبْرَاهِيمُ بِالْمَدِينَةِ مِنْ مَارِيَةَ اَلْقِبْطِيَّةِ، وَ هِيَ اَلْجَارِيَةُ اَلَّتِي أَهْدَاهَا لَهُ مَلِكُ اَلْإِسْكَنْدَرِيَّةِ، وَ عَاشَ سَنَتَيْنِ وَ أَشْهُراً ثُمَّ مَاتَ، وَ رُوِيَ أَنَّهُ عَاشَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْراً.

وَ قَدْ تَزَوَّجَ (صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْهِ) بِثَلاَثَ عَشْرَةَ اِمْرَأَةً، سِتٌّ مِنْهُنَّ قُرَشِيَّاتٌ، إِحْدَاهُنَّ: خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ اَلْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ.

وَ اَلثَّانِيَةُ: أُمُّ سَلَمَةَ وَ اِسْمُهَا هِنْدُ بِنْتُ أَبِي أُمَيَّةَ.

وَ اَلثَّالِثَةُ: سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ.

وَ اَلرَّابِعَةُ: عَائِشَةُ (1) بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ.

وَ اَلْخَامِسَةُ: حَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ.

وَ اَلسَّادِسَةُ: أُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ، وَ الأخريات مِنْ قَبَائِلَ شَتَّى.

فَمِنْ قَيْسٍ: زَيْنَبُ بِنْتُ خُزَيْمَةَ وَ مَيْمُونَةُ بِنْتُ اَلْحَارِثِ. وَ مِنْ أَسَدٍ:

زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ. وَ مِنْ كِنْدَةَ: أُمَامَةُ بِنْتُ نُعْمَانَ، وَ جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ اَلْحَارِثِ، وَ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، مِنْ أُسَارَى خَيْبَرَ، قَدْ أَتَى بِهَا أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ أُمُّ شَرِيكٍ، وَ هِيَ اَلَّتِي وَهَبَتْ نَفْسَهٰا لِلنَّبِيِّ (صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْهِ وَ آلِهِ).

وَ قَدْ مَاتَتْ جُمْلَةٌ مِنَ أَزْوَاجِهِ فِي حَيَاتِهِ (صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْهِ) خَدِيجَةُ وَ زَيْنَبُ بِنْتُ خُزَيْمَةَ، وَ لَمْ يَتَزَوَّجْ بِمَكَّةَ إِلاَّ بِخَدِيجَةَ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهَا.

ص: 72


1- في الأصل: عايشة.

الباب الثاني: في ذكر أمير المؤمنين عليه السّلام

اشارة

و فيه خمسة فصول:

الفصل الأول: في أسمائه و شيء من ألقابه و كنيته عليه السّلام

اِسْمُ أَوَّلِ اَلْأَئِمَّةِ اَلْمَعْصُومِينَ وَ خُلَفَاءِ اَللَّهِ تَعَالَى بَعْدَ رَسُولِ رَبِّ اَلْعَالَمِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبِ بْنِ عَبْدِ اَلْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ، وَ لَهُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ أَسْمَاءٌ كَثِيرَةٌ وَ أَلْقَابٌ جَمَّةٌ فِي كُتُبِ اَللَّهِ اَلْمُنْزَلَةِ: اَلتَّوْرَاةِ، وَ اَلْإِنْجِيلِ، وَ اَلزَّبُورِ، وَ اَلْفُرْقَانِ، أَوْرَدَهَا أَصْحَابُنَا فِي كُتُبِهِمْ.

وَ كُنْيَتُهُ: أَبُو اَلْحَسَنِ وَ مِنْ أَلْقَابِهِ اَلَّذِي اِنْفَرَدَ بِهِ مِنْ بَيْنِ اَلْخَلاَئِقِ بِتَلْقِيبِ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ إِيَّاهُ بِذَلِكَ: أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ.

وَ قَدْ أَمَرَ (صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْهِ) أَصْحَابَهُ بِأَنْ يُسَلِّمُوا عَلَيْهِ بِأَمِيرِ(1)اَلْمُؤْمِنِينَ، وَ أَخْبَرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَبْلَهُ وَ لَنْ يَكُونَ بَعْدَهُ أَمِيرٌ غَيْرُهُ. وَ مِمَّا لُقِّبَ بِهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ أَيْضاً: اَلْمُرْتَضَى، وَ اَلْوَلِيُّ، وَ اَلْوَصِيُّ، وَ اَلْوَزِيرُ، وَ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَطُولُ.

ص: 73


1- في نسخة أخرى: بإمرة.

وَ قَدْ كَنَّاهُ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ أَيْضاً: بِأَبِي اَلسِّبْطَيْنِ، وَ أَبِي اَلرَّيْحَانَتَيْنِ وَ أَبِي تُرَابٍ.

الفصل الثاني: في ذكر ولادته عليه السّلام و مسقط رأسه

وُلِدَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بِمَكَّةَ فِي بَيْتِ اَللَّهِ اَلْحَرَامِ يَوْمَ اَلْجُمُعَةِ اَلثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ رَجَبٍ سَنَةَ ثَلاَثِينَ مِنْ عَامِ اَلْفِيلِ، وَ لَمْ يُولَدْ قَبْلَهُ وَ لاَ بَعْدَهُ مَوْلُودٌ فِي بَيْتِ اَللَّهِ تَعَالَى سِوَاهُ إِكْرَاماً مِنَ اَللَّهِ تَعَالَى.

وَ أُمُّهُ: فَاطِمَةُ بِنْتُ أَسَدِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ (رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهَا)، وَ كَانَتْ كَالْأُمِّ لِرَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ قَدْ رُبِّيَ فِي حَجْرِهَا، وَ كَانَ شَاكِراً لِبِرِّهَا، وَ آمَنَتْ بِهِ فِي اَلْأَوَّلِينَ، وَ هَاجَرَتْ مَعَهُ فِي اَلْمُهَاجِرِينَ، وَ لَمَّا قَبَضَهَا اَللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ كَفَّنَهَا اَلنَّبِيُّ (صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) بِقَمِيصِهِ لِيَدْرَأَ بِهِ عَنْهَا هَوَامَّ اَلْأَرْضِ، وَ تَوَسَّدَ فِي قَبْرِهَا لِتَأْمَنَ مِنْ ضَغْطَةِ اَلْقَبْرِ، وَ لَقَّنَهَا اَلْإِقْرَارَ بِوَلاَيَةِ اِبْنِهَا أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ لِتُجِيبَ بِهِ عِنْدَ اَلْمُسَاءَلَةِ بَعْدَ اَلدَّفْنِ تَخْصِيصاً مِنْهُ (صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْهِ) هَذَا اَلْفَضْلَ اَلْعَظِيمَ إِيَّاهَا لِمَنْزِلَتِهَا مِنَ اَللَّهِ تَعَالَى وَ مِنْهُ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ، وَ اَلْخَبَرُ بِذَلِكَ مَشْهُورٌ.

وَ قَدْ نَشَأَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فِي حَجْرِ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ، وَ هُوَ أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ اَلْبَيْتِ وَ اَلْأَصْحَابِ، وَ أَوَّلُ ذَكَرٍ دَعَاهُ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ إِلَى اَلْإِسْلاَمِ فَأَجَابَ، وَ كَانَ ذَلِكَ بِالْغَدِ مِنَ اَلْبِعْثَةِ مَعَ صِغَرِ سِنِّهِ.

وَ قَدْ وَرَدَتِ اَلرِّوَايَةُ بِأَنَّ جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اَللَّهِ أَتَوُا اَلنَّبِيَّ (صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) ذَاتَ يَوْمٍ، وَ قَدَحُوا فِي إِسْلاَمِ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ قَالُوا: إِنَّهُ لَمْ يَقَعِ اَلْمَوْقِعَ اَلصَّحِيحَ، لِأَنَّهُ صَدَرَ عَنْهُ وَ هُوَ صَغِيرُ اَلسِّنِّ، فَقَالَ اَلنَّبِيُّ (عَلَيْهِ اَلتَّحِيَّةُ وَ اَلسَّلاَمُ): «إِنَّمَا مَثَلُ عَلِيٍّ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ كَمَثَلِ عِيسَى وَ يَحْيَى، فِي أَنَّهُمَا قَدْ أُوتِيَا اَلْحُكْمَ صَبِيَّيْنِ»، فَارْتَدَّتْ أَنْفَاسُهُمْ وَ رَجَعُوا خَائِبِينَ .

وَ مِنْ خَصَائِصِ اَلْأَئِمَّةِ عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ أَنَّهُمْ قَدْ أُوتُوا اَلْحُكْمَ فِي حَالِ اَلصِّبَا، وَ أَنَّهُمْ قَدْ وُلِدُوا مُطَهَّرِينَ مَخْتُونِينَ عَلَى مَا صَحَّ عَنْهُمْ عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ فِي اَلرِّوَايَاتِ، إِلاَّ أَنَّهُمْ عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ قَالُوا: «لَكِنَّا نُمِرُّ اَلْمُوسَى عَلَى اَلْمَوْضِعِ إِصَابَةً لِلسُّنَّةِ وَ اِتِّبَاعاً لِلْحَنَفِيَّةِ.

ص: 74

الفصل الثالث: في مقدار عمره عليه السّلام و تفصيل ذلك

عَاشَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ثَلاَثاً وَ سِتِّينَ سَنَةً، مِنْهَا عَشْرُ سِنِينَ قَبْلَ اَلْبِعْثَةِ، وَ أَسْلَمَ وَ هُوَ اِبْنُ عَشْرٍ، وَ كَانَتْ مُدَّةُ مُقَامِهِ مَعَ رَسُولِ اَللَّهِ (صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْهِ) بَعْدَ اَلْبِعْثَةِ ثَلاَثاً وَ عِشْرِينَ سَنَةً، مِنْهَا ثَلاَثَ عَشْرَةَ سَنَةً بِمَكَّةَ قَبْلَ اَلْهِجْرَةِ فِي اِمْتِحَانٍ وَ اِبْتِلاَءٍ مُحْتَمِلاً عَنْهُ أَكْبَرَ اَلْأَثْقَالِ؛ وَ عَشْرَ سِنِينَ بَعْدَ اَلْهِجْرَةِ بِالْمَدِينَةِ يُكَافِحُ عَنْهُ اَلْمُشْرِكِينَ، وَ يَقِيهِ بِنَفْسِهِ عَنْ أَعْدَائِهِ فِي اَلدِّينِ، حَتَّى قَبَضَ اَللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ إِلَى جَنَّتِهِ، وَ رَفَعَهُ فِي عِلِّيِّينَ (صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْهِ) وَ لَهُ يَوْمَئِذٍ ثَلاَثٌ وَ ثَلاَثُونَ سَنَةً.

وَ أَقَامَ بَعْدَ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ، وَ هُوَ وَلِيُّ أَمْرِهِ وَ وَصِيُّهُ ثَلاَثِينَ سَنَةً، وَ غُصِبَ حَقُّهُ مِنْهَا وَ مُنِعَ مِنَ اَلتَّصَرُّفِ فِيهِ أَرْبَعاً وَ عِشْرِينَ سَنَةً وَ أَشْهُراً، وَ كَانَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ مُسْتَعْمِلاً فِيهَا اَلتَّقِيَّةَ وَ اَلْمُدَارَاةَ، وَ وَلِيَ اَلْخِلاَفَةَ خَمْسَ سِنِينَ وَ أَشْهُراً مُمْتَحَناً بِجِهَادِ اَلْمُنَافِقِينَ مِنَ اَلنَّاكِثِينَ وَ اَلْقَاسِطِينَ وَ اَلْمَارِقِينَ كَمَا كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ سَنَةً مِنْ أَيَّامِ نُبُوَّتِهِ مَمْنُوعاً مِنَ أَحْكَامِهَا، خَائِفاً، وَ مَحْبُوساً، وَ هَارِباً، وَ مَطْرُوداً، غَيْرَ مُتَمَكِّنٍ مِنْ جِهَادِ اَلْكَافِرِينَ، وَ لاَ مُسْتَطِيعٍ دَفْعاً عَنِ اَلْمُؤْمِنِينَ.

ثُمَّ هَاجَرَ وَ أَقَامَ بَعْدَ اَلْهِجْرَةِ عَشْرَ سِنِينَ مُجَاهِداً لِلْمُشْرِكِينَ مُبْتَلًى بِالْمُنَافِقِينَ إِلَى أَنْ قَبَضَهُ اَللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ.

الفصل الرابع: في ذكر وفاته و موضع قبره عليه السّلام

مَضَى (صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْهِ) لَيْلَةَ اَلْجُمُعَةِ اَلْحَادِيَ وَ اَلْعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ أَرْبَعِينَ مِنَ اَلْهِجْرَةِ قَتِيلاً بِالسَّيْفِ، قَتَلَهُ عَبْدُ اَلرَّحْمَنِ بْنُ مُلْجَمٍ اَلْمُرَادِيُّ أَشْقَى اَلْآخِرِينَ (لَعْنَةُ اَللَّهِ عَلَيْهِ) فِي مَسْجِدِ اَلْكُوفَةِ، وَ ذَلِكَ أَنَّهُ خَرَجَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ يُوقِظُ اَلنَّاسَ لِصَلاَةِ اَلصُّبْحِ لَيْلَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ. وَ كَانَ اِبْنُ مُلْجَمٍ اَللَّعِينُ اِرْتَصَدَهُ مِنْ أَوَّلِ اَللَّيْلِ لِذَلِكَ. فَلَمَّا مَرَّ بِهِ فِي اَلْمَسْجِدِ وَ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِأَمْرِهِ، فَمَاكَرَ بِإِظْهَارِ اَلنَّوْمِ، ثَارَ(1) إِلَيْهِ وَ ضَرَبَهُ عَلَى أُمِّ رَأْسِهِ بِالسَّيْفِ وَ كَانَ

ص: 75


1- العبارة كذا في الأصل.

مَسْمُوماً، فَمَكَثَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ يَوْمَ تِسْعَ عَشَرَ وَ لَيْلَةَ اَلْعِشْرِينَ وَ يَوْمَهَا وَ لَيْلَةَ إِحْدَى وَ عِشْرِينَ إِلَى نَحْوِ اَلثُّلُثِ اَلْأَوَّلِ مِنَ اَللَّيْلِ، ثُمَّ قَضَى نَحْبَهُ (صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْهِ) شَهِيداً، وَ لَقِيَ رَبَّهُ تَعَالَى مَظْلُوماً، وَ لِسَبَبِ قَتْلِهِ شَرْحٌ طَوِيلٌ لاَ يَحْتَمِلُهُ هَذَا اَلْمَوْضِعُ، وَ تَوَلَّى اَلْحَسَنُ وَ اَلْحُسَيْنُ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ غُسْلَهُ وَ تَكْفِينَهُ بِأَمْرِهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، وَ حَمَلاَهُ إِلَى اَلْغَرِيِّ مِنْ نَجَفِ اَلْكُوفَةِ، وَ دُفِنَ هُنَاكَ لَيْلاً قَبْلَ طُلُوعِ اَلْفَجْرِ، وَ دَخَلَ قَبْرَهُ اَلْحَسَنُ وَ اَلْحُسَيْنُ وَ مُحَمَّدٌ بَنُو عَلِيٍّ عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ وَ عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ، وَ عُفِيَ أَثَرُ قَبْرِهِ بِوَصِيَّةٍ مِنْهُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فَلَمْ يَزَلْ قَبْرُهُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ مَخْفِيّاً لاَ يُهْتَدَى إِلَيْهِ فِي دَوْلَةِ بَنِي أُمَيَّةَ، حَتَّى دَلَّ عَلَيْهِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ اَلصَّادِقُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فِي دَوْلَةِ بَنِي اَلْعَبَّاسِ.

قَالَ اَلْجَمَاعَةُ: اَلْمُعْقِبُونَ مِنْ وُلْدِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ خَمْسَةٌ اَلْحَسَنُ وَ اَلْحُسَيْنُ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ وَ مُحَمَّدُ بْنُ اَلْحَنَفِيَّةِ، وَ عُمَرُ بْنُ اَلثَّعْلَبِيَّةِ، وَ اَلْعَبَّاسُ بْنُ اَلْكِلاَبِيَّةِ.

الفصل الخامس: في ذكر عدد أولاده عليه السّلام

كَانَ لِأَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ثَمَانِيَةٌ وَ عِشْرُونَ وَلَداً وَ يُقَالُ: ثَلاَثٌ وَ ثَلاَثُونَ وَلَداً ذَكَراً وَ أُنْثَى:

اَلْحَسَنُ وَ اَلْحُسَيْنُ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ، وَ اَلْمُحَسِّنُ اَلَّذِي أُسْقِطَ، وَ زَيْنَبُ اَلْكُبْرَى، وَ زَيْنَبُ اَلصُّغْرَى اَلْمُكَنَّاةُ بِأُمِّ كُلْثُومٍ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا، أُمُّهُمْ فَاطِمَةُ اَلْبَتُولُ سَيِّدَةُ نِسَاءِ اَلْعَالَمِينَ؛ وَ مُحَمَّدٌ اَلْمُكَنَّى بِأَبِي اَلْقَاسِمِ، أُمُّهُ خَوْلَةُ بِنْتُ جَعْفَرِ بْنِ قَيْسٍ اَلْحَنَفِيَّةُ؛ وَ عُمَرُ، وَ رُقَيَّةُ، كَانَا تَوْأَمَيْنِ، وَ أُمُّهُمَا أُمُّ حَبِيبٍ بِنْتُ رَبِيعَةَ؛ وَ اَلْعَبَّاسُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ جَعْفَرٌ وَ عُثْمَانُ وَ عَبْدُ اَللَّهِ اُسْتُشْهِدُوا مَعَ أَخِيهِمُ (1)اَلْحُسَيْنِ (صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْهِ) وَ رَضِيَ عَنْهُمْ بِطَفِّ كَرْبَلاَءَ، أُمُّهُمْ أُمُّ اَلْبَنِينَ بِنْتُ حِزَامِ بْنِ خَالِدِ بْنِ دَارِمٍ؛ وَ مُحَمَّدٌ اَلْأَصْغَرُ اَلْمُكَنَّى بِأَبِي بَكْرٍ، وَ عُبَيْدُ اَللَّهِ اَلشَّهِيدَانِ مَعَ أَخِيهِمَا(2)اَلْحُسَيْنِ (صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْهِ) بِالطَّفِّ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا، أُمُّهُمَا لَيْلَى

ص: 76


1- في الأصل: أخيه.
2- في الأصل: أخيهم.

بِنْتُ مَسْعُودٍ اَلدَّارِمِيَّةُ؛ وَ يَحْيَى أُمُّهُ أَسْمَاءُ بِنْتِ عُرْوَةَ اَلْخَثْعَمِيَّةُ؛ وَ أُمُّ اَلْحَسَنِ، وَ رَمْلَةُ، أُمُّهُمَا أُمُّ سَعِيدٍ بِنْتُ عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ اَلثَّقَفِيِّ، وَ نَفِيسَةُ، وَ زَيْنَبُ اَلصُّغْرَى، وَ رُقَيَّةُ اَلصُّغْرَى، وَ أُمُّ هَانِي، وَ أُمُّ اَلْكِرَامِ، وَ جُمَانَةُ اَلْمُكَنَّاةُ بِأُمِّ جَعْفَرٍ، وَ أُمَامَةُ، وَ أُمُّ سَلَمَةَ، وَ مَيْمُونَةُ، وَ خَدِيجَةُ وَ فَاطِمَةُ (رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُنَّ) لِأُمَّهَاتٍ شَتَّى.

وَ كَانَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ لَمْ يَتَزَوَّجْ بِامْرَأَةٍ أُخْرَى مُدَّةَ حَيَاةِ فَاطِمَةَ اَلزَّهْرَاءِ عَلَيْهَا اَلسَّلاَمُ إِعْظَاماً لِقَدْرِهَا وَ مَنْزِلَتِهَا.

ص: 77

ص: 78

الباب الثالث: في ذكر الزهراء عليها السّلام

اشارة

و فيه خمسة فصول:

الفصل الأول: في اسمها و كنيتها و لقبها عليها السّلام

رُوِيَ عَنِ اَلصَّادِقِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ أَنَّهُ قَالَ: «لِفَاطِمَةَ عَلَيْهَا اَلسَّلاَمُ تِسْعَةُ أَسْمَاءٍ عِنْدَ اَللَّهِ تَعَالَى: فَاطِمَةُ، وَ اَلصِّدِّيقَةُ، وَ اَلْمُبَارَكَةُ، وَ اَلطَّاهِرَةُ، وَ اَلزَّكِيَّةُ، وَ اَلرَّاضِيَةُ، وَ اَلْمَرْضِيَّةُ، وَ اَلْمُحَدَّثَةُ، وَ اَلزَّهْرَاءُ».

وَ كُنْيَتُهَا: أُمُّ أَبِيهَا، وَ قَدْ لَقَّبَهَا اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ بِسَيِّدَةِ نِسَاءِ اَلْعَالَمِينَ، وَ قَدْ دَعَاهَا أَيْضاً بَتُولاً، فَسُئِلَ (صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْهِ) عَنْ مَعْنَاهُ فَقَالَ: هِيَ اَلْمَرْأَةُ اَلَّتِي لَمْ تَحِضْ وَ لَمْ تَرَ حُمْرَةً قَطُّ، وَ إِنَّ اَلْحَيْضَ مَكْرُوهٌ فِي بَنَاتِ اَلْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ وَ قَدْ رُوِيَ عَنْهُمْ عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ: «أَنَّ سَبِيلَ أُمَّهَاتِ اَلْأَئِمَّةِ عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ سَبِيلُ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا اَلسَّلاَمُ فِي اِرْتِفَاعِ اَلْحَيْضِ عَنْهُنَّ». و هذا ممّا تميّزت به أمّهات أئمّتنا عليهم السّلام من سائر النّساء، لأنّه لم يصحّ في واحدة من جميع النساء حصول الولادة مع ارتفاع الحيض عنها سواهنّ، تخصيصا لهنّ لمكان أولادهنّ المعصومين (صلوات اللّه عليهم أجمعين).

الفصل الثاني: في وقت ولادتها عليها السّلام

وُلِدَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا اَلسَّلاَمُ بِنْتُ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ بِمَكَّةَ فِي اَلْعِشْرِينَ مِنْ جُمَادَى

ص: 79

اَلْآخِرِ سَنَةَ خَمْسٍ مِنَ اَلْبَعْثِ، وَ بَعْدَ اَلْإِسْرَاءِ بِثَلاَثِ سِنِينَ، وَ أُمُّهَا خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ.، و قد ذكرناها فيما تقدّم.

الفصل الثالث: في مبلغ عمرها

عَاشَتْ (صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْهَا) ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً، أَقَامَتْ بِمَكَّةَ مَعَ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ثَمَانِيَ سِنِينَ، ثُمَّ هَاجَرَتْ مَعَ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ وَ زَوَّجَهَا اَلنَّبِيُّ (عَلَيْهِ اَلصَّلاَةُ وَ اَلسَّلاَمُ) بَعْدَ مَقْدَمِهِ اَلْمَدِينَةَ بِسَنَةٍ وَ هِيَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ مِنْ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بِأَمْرِ اَللَّهِ تَعَالَى، وَ لَهُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ يَوْمَئِذٍ أَرْبَعٌ وَ عِشْرُونَ سَنَةً، وَ وَلَدَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا اَلسَّلاَمُ اَلْحَسَنَ وَ لَهَا إِحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً، وَ اَلْحُسَيْنَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بَعْدَ اَلْحَسَنِ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ وَ ثَمَانِيَةَ عَشْرَةَ يَوْماً، وَ قُبِضَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ وَ لَهَا يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً إِلاَّ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ، وَ بَقِيَتْ بَعْدَهُ خَمْسَةً وَ سَبْعِينَ يَوْماً.

الفصل الرابع: في وقت وفاتها و موضع قبرها عليها السّلام

تُوُفِّيَتِ اَلزَّهْرَاءُ عَلَيْهَا اَلسَّلاَمُ فِي اَلثَّالِثِ مِنْ جُمَادَى اَلْآخِرِ سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ مِنَ اَلْهِجْرَةِ، وَ تَوَلَّى أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ (صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْهِ) غُسْلَهَا، وَ صَلَّى عَلَيْهَا هُوَ وَ اَلْحَسَنُ وَ اَلْحُسَيْنُ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ، وَ عَمَّارٌ، وَ اَلْمِقْدَادُ، وَ عَقِيلٌ، وَ اَلزُّبَيْرُ، وَ أَبُو ذَرٍّ، وَ سَلْمَانُ، وَ بُرَيْدَةُ، وَ نَفَرٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ فِي جَوْفِ اَللَّيْلِ، وَ دَفَنَهَا أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ سِرّاً بِوَصِيَّةٍ مِنْهَا إِلَيْهِ، فَاخْتَلَفَ اَلنَّاسُ فِي مَوْضِعِ قَبْرِهَا، فَقَالَ قَوْمٌ: إِنَّهَا مَدْفُونَةٌ فِي اَلْبَقِيعِ، وَ قَالَ قَوْمٌ: إِنَّهَا دُفِنَتْ فِي بَيْتِهَا، وَ قَالَ آخَرُونَ:

إِنَّهَا فِي اَلرَّوْضَةِ بَيْنَ قَبْرِ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ وَ مِنْبَرِهِ.؛ و الأصحّ و الأقرب أنّها مدفونة في الرّوضة أو في بيتها، فمن استعمل الاحتياط إذا أراد زيارتها و زارها في المواضع الثلاثة كان أولى و أصوب و اللّه أعلم.

الفصل الخامس: في ذكر أولادها عليها السّلام

كَانَ لِفَاطِمَةَ عَلَيْهَا اَلسَّلاَمُ خَمْسَةُ أَوْلاَدٍ ذَكَرٍ وَ أُنْثَى: اَلْحَسَنُ وَ اَلْحُسَيْنُ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ، وَ زَيْنَبُ اَلْكُبْرَى، وَ زَيْنَبُ اَلصُّغْرَى اَلْمُكَنَّاةُ بِأُمِّ كُلْثُومٍ (رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا)، وَ وَلَدٌ ذَكَرٌ قَدْ أَسْقَطَتْهُ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا اَلسَّلاَمُ بَعْدَ اَلنَّبِيِّ (عَلَيْهِ اَلتَّحِيَّةُ وَ اَلسَّلاَمُ). وَ قَدْ كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ سَمَّاهُ وَ هُوَ حَمْلٌ مُحَسِّناً.

ص: 80

الباب الرابع: في ذكر الإمام الحسن بن عليّ عليه السّلام

اشارة

و فيه خمسة فصول:

الفصل الأول: في اسمه و كنيته و لقبه عليه السّلام

اسمه: الحسن بن عليّ بن أبي طالب و ابن سيّدة نساء العالمين فاطمة بنت رسول اللّه محمّد سيّد المرسلين (صلوات اللّه عليه) أحد ابني رسول اللّه و سبطيه و ريحانتيه و هو و أخوه سيّدا شباب أهل الجنّة، الملقّب بالمجتبى و التّقيّ، المكنّى بأبي محمّد (صلوات اللّه عليه).

الفصل الثاني: في ذكر ولادته عليه السّلام

وُلِدَ اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ بِالْمَدِينَةِ لَيْلَةَ اَلنِّصْفِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ ثَلاَثٍ مِنَ اَلْهِجْرَةِ، وَ جَاءَتْ بِهِ أُمُّهُ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا اَلسَّلاَمُ إِلَى اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ يَوْمَ اَلسَّابِعِ مِنْ مَوْلِدِهِ فِي خِرْقَةٍ مِنْ حَرِيرِ اَلْجَنَّةِ نَزَلَ بِهَا جَبْرَئِيلُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ إِلَى رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ فَسَمَّاهُ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ حَسَناً، وَ عَقَّ عَنْهُ كَبْشاً.

ص: 81

الفصل الثالث: في مبلغ عمره عليه السّلام

عَاشَ (صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) سَبْعاً وَ أَرْبَعِينَ، وَ يُقَالُ: تِسْعٌ وَ أَرْبَعُونَ (1)سَنَةً وَ أَشْهُراً.

كَانَ مَعَ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ وَ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا اَلسَّلاَمُ ثَمَانِيَ سِنِينَ، وَ سَبْعاً وَ ثَلاَثِينَ سَنَةً مَعَ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، وَ سَنَةً مَعَ أَخِيهِ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، وَ كَانَتْ مُدَّةُ خِلاَفَتِهِ عَشْرَ سِنِينَ، وَ وَقَعَتِ اَلْمُهَادَنَةُ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ مُعَاوِيَةَ بَعْدَ مُضِيِّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَ ثَلاَثَةِ (2)أَيَّامٍ مِنْ خِلاَفَتِهِ، وَ إِنَّمَا صَالَحَهُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ خَوْفاً عَلَى نَفْسِهِ، وَ حَقْناً لِدِمَاءِ اَلْمُؤْمِنِينَ مِنْ شِيعَةِ أَبِيهِ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ.

الفصل الرابع: في وقت وفاته و موضع قبره عليه السّلام

مَضَى (صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْهِ) لِلَيْلَتَيْنِ بَقِيَتَا مِنْ صَفَرٍ سَنَةَ خَمْسِينَ مِنَ اَلْهِجْرَةِ مَسْمُوماً سَمَّتْهُ زَوْجَتُهُ بِنْتُ اَلْأَشْعَثِ (3) بْنِ قَيْسٍ اَلْكِنْدِيِّ بِأَمْرِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، أَرْسَلَ إِلَيْهَا وَ دَسَّهَا وَ سَوَّغَهَا اَلْمَالَ. وَ فِي رِوَايَةٍ تَقَبَّلَ مِائَةَ أَلْفِ دِينَارٍ وَ تَزْوِيجَهَا مِنِ اِبْنِهِ يَزِيدَ، وَ ضَمِنَ لَهَا أَنْ يُرْسِلَ إِلَيْهَا، فَسَقَتْهُ جَعْدَةُ اَلسَّمَّ وَ لَمْ يُزَوِّجْهَا مِنْ يَزِيدَ، فَبَقِيَ اَلْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ اَلْحَسَنُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ أَرْبَعِينَ يَوْماً مَرِيضاً، وَ جَاءَ فِي اَلرِّوَايَاتِ أَنَّ اَلْإِمَامَ اَلْحُسَيْنَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ دَخَلَ عَلَى أَخِيهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فَقَالَ: «لَقَدْ سُقِيتُ اَلسَّمَّ مِرَاراً، فَمَا سُقِيتُ مِثْلَ هَذِهِ اَلْمَرَّةِ، لَقَدْ لَفَظْتُ قِطْعَةً مِنْ كَبِدِي» فَقَالَ لَهُ اَلْحُسَيْنُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: «وَ مَنْ سَقَاكَ؟» فَقَالَ: «وَ مَا تُرِيدُ مِنْهُ إِنْ يَكُنْ هُوَ، فَاللَّهُ أَشَدُّ نَقِمَةً، وَ إِنْ لَمْ يَكُنْ (4) هُوَ فَمَا أُحِبُّ أَنْ يُؤْخَذَ بِي بَرِيءٌ».

وَ مَضَى لِسَبِيلِهِ فِي صَفَرٍ سَنَةَ خَمْسِينَ مِنَ اَلْهِجْرَةِ، وَ لَهُ يَوْمَئِذٍ ثَمَانٌ وَ أَرْبَعُونَ سَنَةً.

ص: 82


1- في الأصل: و أربعين.
2- في الأصل: و ثلاث.
3- في الأصل: الأشعب، و الأصح ما ذكرناه.
4- في الأصل: تكن.

وَ رَوَى اَلطَّبَرَانِيُّ فِي «مُعْجَمِهِ»: أَنَّ اَلْحَسَنَ تُوُفِّيَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ اَلْأَوَّلِ سَنَةَ تِسْعٍ وَ أَرْبَعِينَ، وَ تَوَلَّى أَخُوهُ وَ وَصِيُّهُ اَلْحُسَيْنُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ غُسْلَهُ وَ تَكْفِينَهُ وَ دَفَنَهُ عِنْدَ جَدَّتِهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَسَدٍ بِالْبَقِيعِ.

الفصل الخامس: في عدد أولاده

قِيلَ: كَانُوا خَمْسَةَ عَشَرَ: اَلْحَسَنُ، وَ زَيْدٌ، وَ عَمْرٌو، وَ اَلْحُسَيْنُ، وَ عَبْدُ اَللَّهِ، وَ إِسْمَاعِيلُ، وَ مُحَمَّدٌ، وَ يَعْقُوبُ، وَ جَعْفَرٌ، وَ طَلْحَةُ، وَ حَمْزَةُ، وَ أَبُو بَكْرٍ، وَ اَلْقَاسِمُ، وَ كَانَ اَلْمُعْقِبَ مِنْهُمْ: اَلْحَسَنُ، وَ زَيْدٌ، وَ قِيلَ أَحَدَ عَشَرَ ذَكَراً وَ ثَلاَثُ بَنَاتٍ.، و اللّه أعلم.

ص: 83

ص: 84

الباب الخامس: في ذكر الإمام أبي عبد اللّه الحسين عليه السّلام

اشارة

و فيه خمسة فصول:

الفصل الأول: في اسمه و كنيته و لقبه

اِسْمُهُ: اَلْحُسَيْنُ اِبْنُ سَيِّدَةِ نِسَاءِ اَلْعَالَمِينَ فَاطِمَةَ اَلْبَتُولِ اِبْنَةِ خَيْرِ اَلْأَوَّلِينَ وَ اَلْآخِرِينَ، أَحَدُ اِبْنَيْ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ وَ سِبْطَيْهِ، وَ رَيْحَانَتَيْهِ، وَ قُرَّتَيْ عَيْنَيْهِ، وَ هُوَ وَ أَخُوهُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ اَلْجَنَّةِ، اَلْمُلَقَّبُ بِالطَّيِّبِ، وَ اَلْوَفِيِّ، وَ اَلزَّكِيِّ، وَ اَلسَّيِّدِ، وَ كُنْيَتُهُ: أَبُو عَبْدِ اَللَّهِ لاَ غَيْرُ.

الفصل الثاني: في ذكر ولادته عليه السّلام

وُلِدَ بِالْمَدِينَةِ بِخَمْسٍ خَلَوْنَ مِنْ شَعْبَانَ سَنَةَ أَرْبَعٍ مِنَ اَلْهِجْرَةِ، وَ كَانَتْ وَالِدَتُهُ اَلطُّهْرَ اَلْبَتُولَ عَلَيْهَا اَلسَّلاَمُ، عَلِقَتْ بِهِ بَعْدَ أَنْ وَلَدَتْ أَخَاهُ اَلْحَسَنَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بِخَمْسِينَ لَيْلَةً، هَكَذَا صَحَّ اَلنَّقْلُ، فَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ أَخِيهِ سِوَى هَذِهِ اَلْمُدَّةِ، وَ لَمَّا وُلِدَ وَ أُعْلِمَ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ أَخَذَهُ وَ أَذَّنَ فِي أُذُنِهِ، وَ قِيلَ: أَذَّنَ فِي أُذُنِهِ اَلْيُمْنَى وَ أَقَامَ فِي اَلْيُسْرَى.

الفصل الثالث: في مبلغ عمره

عَنْ أُمِّ اَلْفَضْلِ اَلْهِلاَلِيَّةِ بِرِوَايَةِ اَلْأَوْزَاعِيِّ: أَنَّهَا دَخَلَتْ عَلَى رَسُولِ

ص: 85

اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ إِنِّي(1) رَأَيْتُ رُؤْيَا قَالَ: «خَيْراً». قَالَتْ: إِنَّهَا شَدِيدَةٌ، قَالَ:

«اُقْصُصِيهَا»، قَالَتْ: رَأَيْتُ كَأَنَّ عُضْواً مِنْ أَعْضَائِكَ اِنْقَطَعَ فَوَقَعَ فِي حَجْرِي، قَالَ: «خَيْراً رَأَيْتِ تَلِدُ فَاطِمَةُ غُلاَماً فَأَضَعُهُ فِي حَجْرِكِ» .

وَ إِمَامَتِهِ، فَدَلِيلُهَا اَلنَّصُّ مِنْ أَبِيهِ وَ جَدِّهِ وَ وَصِيَّةُ أَخِيهِ.

وَ إِمَامَتُهُ بَعْدَ وَفَاةِ أَخِيهِ ثَابِتَةٌ، وَ طَاعَتُهُ لِلْخَلاَئِقِ لاَزِمَةٌ، وَ إِنْ لَمْ يَدْعُ إِلَى نَفْسِهِ لِلتَّقِيَّةِ اَلَّتِي كَانَ عَلَيْهَا وَ اَلْهُدْنَةِ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ مُعَاوِيَةَ، فَالْتَزَمَ اَلْوَفَاءَ، فَلَمَّا مَاتَ مُعَاوِيَةُ وَ اِنْقَضَتِ اَلْمُدَّةُ كَانَتْ تَمْنَعُ اَلْحُسَيْنَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ مِنَ اَلدَّعْوَةِ إِلَى نَفْسِهِ أَظْهَرَ أَمْرَهُ بِحَسَبِ اَلْإِمْكَانِ وَ أَبَانَ عَنْ حَقِّهِ لِلْجَاهِلِينَ، وَ دَعَا عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ إِلَى اَلْجِهَادِ وَ شَمَّرَ لِلْقِتَالِ.

الفصل الرابع: في وقت وفاته و موضع قبره عليه السّلام

قُتِلَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ لِعَشْرٍ مَضَيْنَ مِنَ اَلْمُحَرَّمِ يَوْمَ اَلسَّبْتِ، وَ رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ يَوْمَ اَلْإِثْنَيْنِ عِنْدَ اَلزَّوَالِ سَنَةَ إِحْدَى وَ سِتِّينَ بِكَرْبَلاَءَ، قَتَلَهُ عُمَرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ (عَلَيْهِ اَللَّعْنَةُ)، وَ كَانَ أَمِيراً لِلْجَيْشِ مِنْ قِبَلِ عُبَيْدِ اَللَّهِ بْنِ زِيَادِ بْنِ أَبِيهِ (لَعَنَهُ اَللَّهُ)، وَ عُبَيْدُ اَللَّهِ كَانَ وَالِياً عَلَى اَلْعِرَاقِ مِنْ جِهَةِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ لِأَخْذِ اَلْبَيْعَةِ مِنْهُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ لِقَتْلِهِ.

وَ جَمِيعُ أَصْحَابِ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ كَانُوا اِثْنَيْنِ وَ سَبْعِينَ نَفْساً مِنْ بَنِي عَبْدِ اَلْمُطَّلِبِ، وَ مِنْ سَائِرِ(2) اَلنَّاسِ، مِنْهُمُ اِثْنَانِ وَ ثَلاَثُونَ فَارِساً وَ أَرْبَعُونَ رَاجِلاً قُتِلُوا جَمِيعاً ثُمَّ حَمَلُوا بِأَجْمَعِهِمْ (لَعَنَهُمُ اَللَّهُ)، عَلَى قَتْلِ اَلْحُسَيْنِ (صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْهِ) وَ أَمَرُوا اَلرُّمَاةَ بِرَمْيِهِ، فَرَمَوْهُ بِالسِّهَامِ حَتَّى صَارَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ كَالْقُنْفُذِ، وَ جَرَحُوهُ فِي بَدَنِهِ ثَلاَثَمِائَةٍ وَ بِضْعَةً وَ عِشْرِينَ مَوْضِعاً بِالرُّمْحِ وَ اَلسَّيْفِ وَ اَلنَّبْلِ وَ اَلْحِجَارَةِ، حَتَّى آلَ اَلْأَمْرُ إِلَى أَنْ أَحْجَمَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ عَنْهُمْ وَ ضَعُفَ عَنْ قِتَالِهِمْ، ثُمَّ طَعَنَهُ سِنَانُ بْنُ أَنَسٍ اَلنَّخَعِيُّ، بِرُمْحِهِ فَصَرَعَهُ، وَ اِبْتَدَرَ إِلَيْهِ خَوْلِيُّ بْنُ يَزِيدَ اَلْأَصْبَحِيُّ لِيَجْتَزَّ رَأْسَهُ فَأُرْعِدَ، فَقَالَ لَهُ شِمْرُ بْنُ ذِي اَلْجَوْشَنِ (لَعَنَهُ اَللَّهُ

ص: 86


1- العبارة كذا في الأصل، و الظاهر أنّها: فقالت، إني.
2- في الأصل: ساير.

تَعَالَى) فَتَّ (1) اَللَّهُ فِي عَضُدِكَ مَا لَكَ تُرْعَدُ، وَ نَزَلَ إِلَيْهِ عَنْ دَابَّتِهِ فَذَبَحَهُ كَمَا يُذْبَحُ اَلْكَبْشُ (عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اَللَّهِ).

وَ عِدَّةُ مَنْ قُتِلَ مَعَهُ (صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْهِ) مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَ عَشِيرَتِهِ ثَمَانِيَ عَشَرَ نَفْساً، فَمِنْ أَوْلاَدِ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: اَلْعَبَّاسُ، وَ عَبْدُ اَللَّهِ، وَ جَعْفَرٌ، وَ عُثْمَانُ، وَ عُبَيْدُ اَللَّهِ، وَ أَبُوبَكْرٍ؛ وَ مِنْ أَوْلاَدِ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: عَلِيٌّ، وَ عَبْدُ اَللَّهِ؛ وَ مِنْ بَنِي اَلْحَسَنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: اَلْقَاسِمُ، وَ أَبُوبَكْرٍ، وَ عَبْدُ اَللَّهِ؛ وَ مِنْ أَوْلاَدِ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ): مُحَمَّدٌ، وَ عَوْنٌ، وَ مِنْ أَوْلاَدِ عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: عَبْدُ اَللَّهِ، وَ جَعْفَرٌ، وَ عَقِيلٌ، وَ عَبْدُ اَلرَّحْمَنِ، وَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي سَعِيدِ بْنِ عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ)، وَ هَؤُلاَءِ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ نَفْساً مِنْ بَنِي هَاشِمٍ قُتِلُوا مَعَهُ، وَ هُمْ كُلُّهُمْ مَدْفُونُونَ مِمَّا يَلِي رِجْلَ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فِي مَشْهَدِهِ، حُفِرَ لَهُمْ حُفْرَةٌ وَ أُلْقُوا جَمِيعاً فِيهَا وَ سُوِّيَ عَلَيْهِمُ اَلتُّرَابُ، إِلاَّ اَلْعَبَّاسَ بْنَ عَلِيٍّ (رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ) فَإِنَّهُ دُفِنَ فِي مَوْضِعِ مَقْتَلِهِ عَلَى اَلْمُسَنَّاةِ، وَ قَبْرُهُ ظَاهِرٌ، وَ لَيْسَ لِقُبُورِ إِخْوَتِهِ وَ أَهْلِهِ اَلَّذِينَ سَمَّيْنَاهُمْ أَثَرٌ، وَ إِنَّمَا يَزُورُهُمُ اَلزَّائِرُ مِنْ عِنْدِ قَبْرِ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ يُؤْمِي(2) إِلَى اَلْأَرْضِ اَلَّذِي نَحْوَ رِجْلِهِ بِالسَّلاَمِ، وَ عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ فِي جُمْلَتِهِمْ، وَ يُقَالُ إِنَّهُ أَقْرَبُهُمْ إِلَى اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ.

فَأَمَّا أَصْحَابُ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ اَلَّذِينَ قُتِلُوا مَعَهُ مِنَ سَائِرِ اَلنَّاسِ، فَإِنَّهُمْ دُفِنُوا حَوْلَهُ، وَ لَيْسَ يُعْرَفُ لَهُمْ أَجْدَاثٌ عَلَى اَلْحَقِيقَةِ وَ اَلتَّفْصِيلِ غَيْرَ أَنَّهُ لاَ شَكَّ فِي أَنَّ اَلْحَائِرَ مُحِيطٌ بِهِمْ (رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمْ) وَ أَرْضَاهُمْ.

وَ أَمَّا رَأْسُ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: أَنَّهُ رُدَّ إِلَى بَدَنِهِ بِكَرْبَلاَءَ مِنَ اَلشَّامِ وَ ضُمَّ إِلَيْهِ.،

وَ قَدْ وَرَدَتْ رِوَايَةٌ: بِأَنَّ اَلصَّادِقَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ لَمَّا بَلَغَ اَلْغَرِيَّ وَ مَعَهُ اِبْنُهُ إِسْمَاعِيلُ وَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، نَزَلَ عَنْ دَابَّتِهِ فِي مَوْضِعٍ مِنْهَا وَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ لِإِسْمَاعِيلَ: «قُمْ وَ زُرْ رَأْسَ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فَقَالَ لَهُ بَعْضُ مَنْ كَانَ: يَا اِبْنَ رَسُولِ اَللَّهِ، أَ لَيْسَ رَأْسُهُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بُعِثَ إِلَى اَلشَّامِ؟ قَالَ

ص: 87


1- في الأصل: فتب.
2- العبارة كذا في الأصل، و الظاهر أنّها كالتالي: و يومي إلى الأرض التي.

اَلصَّادِقُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: «بَلَى إِلاَّ أَنَّ فُلاَناً مِنْ مَوَالِينَا» وَ سَمَّى رَجُلاً سَرَقَهُ وَ جَاءَ بِهِ إِلَى هَذَا اَلْمَوْضِعِ وَ دَفَنَهُ .

عقبه عليه السّلام جميعهم من عليّ زين العابدين عليه السّلام.

الفصل الخامس: في عدد أولاده عليه السّلام

كَانَ لِلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ سِتَّةُ أَوْلاَدٍ: عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ اَلْأَكْبَرُ اَلْإِمَامُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ أُمُّهُ شَهْرَبَانُو بِنْتُ كِسْرَى بْنِ يَزْدَجِرْدَ، وَ عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ اَلْأَصْغَرُ، قُتِلَ مَعَ أَبِيهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بِالطَّفِّ مِنْ كَرْبَلاَءَ، أُمُّهُ أُمُّ لَيْلَى بِنْتُ أَبِي مُرَّةَ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ اَلثَّقَفِيَّةُ؛ وَ جَعْفَرُ بْنُ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ أُمُّهُ قُضَاعِيَّةٌ، وَ كَانَتْ (1) وَفَاتُهُ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، وَ لاَ بَقِيَّةَ لَهُ، وَ عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قُتِلَ مَعَ أَبِيهِ صَغِيراً قَدْ جَاءَ بِهِ سَهْمٌ وَ هُوَ فِي حَجْرِ أَبِيهِ فَذَبَحَهُ، وَ قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِيمَا مَضَى؛ وَ سُكَيْنَةُ بِنْتُ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ أُمُّهَا رَبَابُ بِنْتُ اِمْرِئِ اَلْقَيْسِ بْنِ عَدِيٍّ، وَ هِيَ أُمُّ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ اَلْحُسَيْنِ أَيْضاً، وَ فَاطِمَةُ بِنْتُ اَلْحُسَيْنِ، أُمُّهَا أُمُّ إِسْحَاقَ بِنْتُ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اَللَّهِ تَيْمِيَّةٌ.

ص: 88


1- في الأصل: و كان.

الباب السادس: في ذكر الإمام عليّ بن الحسين عليه السّلام

اشارة

و فيه خمسة فصول:

الفصل الأول: في اسمه و كنيته و لقبه عليه السّلام

اِسْمُ اَلْإِمَامِ اَلرَّابِعِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ، وَ كُنْيَتُهُ: أَبُو مُحَمَّدٍ، وَ يُقَالُ أَيْضاً: أَبُو اَلْحَسَنِ، وَ لَقَبُهُ: زَيْنُ اَلْعَابِدِينَ، وَ يُقَالُ أَيْضاً: سَيِّدُ اَلْعَابِدِينَ، وَ اَلسَّجَّادُ، وَ ذُو اَلثَّفِنَاتِ، وَ إِنَّمَا لُقِّبَ بِهِ لِأَنَّ مَسَاجِدَهُ قَدْ صَارَتْ كَثَفِنَةِ اَلْبَعِيرِ مِنْ كَثْرَةِ صَلاَتِهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ.

الفصل الثاني: في وقت ولادته عليه السّلام

وُلْدِ زَيْنُ اَلْعَابِدِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ يَوْمَ اَلْجُمُعَةِ، وَ يُقَالُ يَوْمَ اَلْخَمِيسِ فِي اَلنِّصْفِ مِنْ جُمَادَى اَلْآخِرِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَ ثَلاَثِينَ مِنَ اَلْهِجْرَةِ، وَ كَانَتْ أُمُّهُ شَهْرَبَانُو بِنْتُ يَزْدَجِرْدَ بْنِ شَهْرِيَارَ مَلِكِ فَارِسَ، وَ يُقَالُ إِنَّ اِسْمَهَا كَانَ شَهْرَبَانُو وَ كَانَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَلَّى حُرَيْثَ بْنَ جَابِرٍ اَلْحَنَفِيَّ جَانِباً مِنَ اَلْمَشْرِقِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ بِنْتَيْ يَزْدَجِرْدَ بْنِ شَهْرِيَارَ بْنِ كِسْرَى.

وَ فِي رِوَايَةٍ كَانَ اَلْإِرْسَالُ فِي زَمَنِ عُمَرَ اِبْنِ اَلْخَطَّابِ وَ أَرَادَ بَيْعَهُمَا، فَقَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: «لَيْسَ اَلْبَيْعُ عَلَى أَبْنَاءِ اَلْمُلُوكِ» فَاخْتَارَتِ اَلْحُسَيْنَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ تَزَوَّجَهَا، وَ وِلاَدَةُ زَيْنِ اَلْعَابِدِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بِالْمَدِينَةِ .

ص: 89

الفصل الثالث: في مبلغ عمره عليه السّلام

عَنِ اَلزُّهْرِيِّ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ جَابِرٍ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ اَلْحُسَيْنُ فَقَالَ: كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ اَلْحُسَيْنُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فَضَمَّهُ إِلَى صَدْرِهِ وَ قَبَّلَهُ وَ أَقْعَدَهُ إِلَى جَنْبِهِ، ثُمَّ قَالَ: «يُولَدُ لاِبْنِي هَذَا اِبْنٌ يُقَالُ لَهُ عَلِيٌّ، إِذَا كَانَ يَوْمُ اَلْقِيَامَةِ نَادَى مُنَادٍ مِنْ بُطْنَانِ اَلْعَرْشِ: لِيَقُمْ سَيِّدُ اَلْعَابِدِينَ، فَيَقُومُ فِيهِ عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ» . عاش سبعا و خمسين سنة.

الفصل الرابع: في وقت وفاته عليه السّلام

بَقِيَ مَعَ جَدِّهِ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ سَنَتَيْنِ، وَ مَعَ عَمِّهِ اَلْحَسَنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ اِثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، وَ مَعَ أَبِيهِ ثَلاَثاً وَ عِشْرِينَ سَنَةً، وَ بَعْدَ أَبِيهِ عِشْرِينَ سَنَةً، وَ تُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ خَمْسٍ وَ تِسْعِينَ مِنَ عَشْرِ مُحَرَّمِ اَلْحَرَامِ، وَ إِمَامَتِهِ عِشْرُونَ سَنَةً، وَ دُفِنَ بِالْبَقِيعِ مَعَ عَمِّهِ اَلْحَسَنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ.

الفصل الخامس: في أولاده

قِيلَ كَانَ لَهُ تِسْعَةُ أَوْلاَدٍ ذُكُوراً، وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أُنْثَى: مُحَمَّدٌ اَلْبَاقِرُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ زَيْدٌ اَلشَّهِيدُ بِالْكُوفَةِ، وَ عَبْدُ اَللَّهِ، وَ عُبَيْدُ اَللَّهِ، وَ اَلْحَسَنُ، وَ اَلْحُسَيْنُ، وَ عَلِيٌّ، وَ عُمَرُ. وَ فِي رِوَايَةِ مُحَدِّثِ اَلشَّامِ لَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَلَداً، وَ قَالَ (رَحِمَهُ اَللَّهُ):

فَانْظُرْ إِلَى بَرِكَةِ اَلْعَدْلِ، بِأَنْ جَعَلَ اَللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى اَلْأَئِمَّةَ اَلْمَهْدِيِّينَ مِنْ نَسْلِ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ مِنْ بِنْتِ كِسْرَى دُونَ سَائِرِ زَوْجَاتِهِ؛ وَ هَذِهِ اَلرِّوَايَةُ فِي كِتَابِهِ اَلْمُسَمَّى «بِكِفَايَةِ اَلطَّالِبِ»:.

ص: 90

الباب السابع: في ذكر الإمام محمّد الباقر عليه السّلام

اشارة

و فيه خمسة فصول:

الفصل الأول: في ذكر نسبه و اسمه و كنيته

هُوَ بَاقِرُ اَلْعِلْمِ وَ جَامِعُهُ، وَ شَاهِرُ اَلْعِلْمِ وَ رَافِعُهُ. وَ أَمَّا نَسَبُهُ أَباً وَ أُمّاً، فَأَبُوهُ اَلْإِمَامُ عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، وَ أُمُّهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ اَلْإِمَامِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ تُدْعَى أُمُّ اَلْحَسَنِ، وَ قِيلَ أُمُّ عَبْدِ اَللَّهِ. وَ أَمَّا اِسْمُهُ فَمُحَمَّدٌ، وَ كُنْيَتُهُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَ لَهُ ثَلاَثَةُ أَلْقَابٍ: بَاقِرُ اَلْعِلْمِ، وَ اَلشَّاكِرُ، وَ اَلْهَادِي، وَ أَشْهَرُهَا اَلْبَاقِرُ، وَ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِتَبَقُّرِهِ فِي اَلْعِلْمِ، وَ هُوَ تَوَسُّعُهُ فِيهِ.

الفصل الثاني: في بعض مناقبه

عَنْ عَطَاءٍ اَلْمَكِّيِّ قَالَ: مَا رَأَيْتُ اَلْعُلَمَاءَ عِنْدَ أَحَدٍ أَصْغَرَ مِنْهُمْ عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ، وَ لَقَدْ رَأَيْتُ اَلْحَكَمَ بْنَ عُيَيْنَةَ مَعَ جَلاَلَتِهِ فِي اَلْقَوْمِ بَيْنَ يَدَيْهِ كَأَنَّهُ صَبِيٌّ بَيْنَ يَدَيْ مُعَلِّمِهِ، وَ كَانَ جَابِرُ بْنُ يَزِيدَ اَلْجُعْفِيُّ إِذَا رَوَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ شَيْئاً قَالَ: حَدَّثَنِي وَصِيُّ اَلْأَوْصِيَاءِ وَ وَارِثُ عِلْمِ اَلْأَنْبِيَاءِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ.

وَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ: «سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اَللَّهِ يَقُولُ: أَنْتَ خَيْرُ اَلْبَرِيَّةِ، وَ جَدُّكَ سَيِّدُ شَبَابِ أَهْلِ اَلْجَنَّةِ، وَ جَدَّتُكَ سَيِّدَةُ نِسَاءِ اَلْعَالَمِينَ، وَ قَالَ:

ص: 91

أَمَرَنِي رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ أَنَّ أُقْرِئَكَ اَلسَّلاَمَ . و الباقر عليه السّلام قد ولد من هاشميّين، علوي من علويّين (صلوات اللّه عليه).

الفصل الثالث: في مقدار عمره عليه السّلام

عَاشَ (صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْهِ) سَبْعاً وَ خَمْسِينَ سَنَةً، مَعَ جَدِّهِ اَلْحُسَيْنِ أَرْبَعاً، وَ مَعَ أَبِيهِ زَيْنِ اَلْعَابِدِينَ تِسْعاً وَ ثَلاَثِينَ سَنَةً، وَ كَانَتْ مُدَّةُ إِمَامَتِهِ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً، يَخْتَلِفُ إِلَيْهِ اَلْخَاصُّ وَ اَلْعَامُّ وَ يَأْخُذُونَ عَنْهُ مَعَالِمَ دِينِهِمْ، حَتَّى صَارَ فِي اَلنَّاسِ عَلَماً تُضْرَبُ (1) بِهِ اَلْأَمْثَالُ.

وَ كَانَ فِي أَيَّامِ إِمَامَتِهِ بَقِيَّةُ مُلْكِ اَلْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ اَلْمَلِكِ، وَ مُلْكُ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ اَلْمَلِكِ، وَ مُلْكُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اَلْعَزِيزِ، وَ مُلْكُ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اَلْمَلِكِ، وَ مُلْكُ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ اَلْمَلِكِ.

وَ فِي مُلْكِ هِشَامٍ اُسْتُشْهِدَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ.

الفصل الرّابع: في وقت وفاته عليه السّلام و في موضع قبره عليه السّلام

تُوُفِّيَ اَلْبَاقِرُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فِي ذِي اَلْحِجَّةِ، وَ يُقَالُ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ اَلْأَوَّلِ، وَ يُقَالُ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ اَلْآخِرِ، وَ اَلْأَوَّلُ أَشْهَرُ، بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَ مِائَةٍ، وَ دُفِنَ بِبَقِيعِ اَلْغَرْقَدِ إِلَى جَانِبِ تُرْبَةِ أَبِيهِ زَيْنِ اَلْعَابِدِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ عَمِّهِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ.

الفصل الخامس: في عدد أولاده

عَدَدُ أَوْلاَدِ اَلْبَاقِرِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ سَبْعَةُ نَفَرٍ: أَبُو عَبْدِ اَللَّهِ جَعْفَرٌ اَلْإِمَامُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، وَ كَانَ يُكَنَّى بِهِ، وَ عَبْدُ اَللَّهِ، أُمُّهُمَا أُمُّ فَرْوَةَ بِنْتُ اَلْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ؛ وَ إِبْرَاهِيمُ، وَ عُبَيْدُ اَللَّهِ، و بط أُمُّهُمَا أُمُّ حَكِيمٍ بِنْتُ أُسَيْدِ بْنِ اَلْمُغِيرَةِ اَلثَّقَفِيَّةُ؛ وَ عَلِيٌّ، وَ زَيْنَبُ، لِأُمِّ وَلَدٍ؛ وَ أُمُّ سَلَمَةَ لِأُمِّ وَلَدٍ؛ وَ قِيلَ إِنَّ لِأَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ لَمْ يَكُنْ مِنَ اَلْإِنَاثِ إِلاَّ أُمُّ سَلَمَةَ، وَ إِنَّ زَيْنَبَ كَانَ اِسْمُهَا وَ اَلْأَوَّلُ أَصَحُّ.

ص: 92


1- في الأصل: يضرب.

الباب الثامن: في ذكر الإمام جعفر الصادق عليه السّلام

اشارة

و فيه خمسة فصول:

الفصل الأول: في اسمه و كنيته و لقبه

اسمه: جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن علّي بن أبي طالب عليهم السّلام.

و كنيته: أبو عبد اللّه؛ و لقبه: الصّادق.

الفصل الثاني: في وقت ولادته عليه السّلام

وُلِدَ اَلصَّادِقُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بِالْمَدِينَةِ يَوْمَ اَلْجُمُعَةِ عِنْدَ طُلُوعِ اَلْفَجْرِ؛ وَ يُقَالُ يَوْمَ اَلْإِثْنَيْنِ لِثَلاَثَ عَشْرَةَ لَيْلَةً بَقِيَتْ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ اَلْأَوَّلِ سَنَةَ ثَمَانِينَ مِنَ اَلْهِجْرَةِ، وَ كَانَتْ أُمُّهُ أُمَّ فَرْوَةَ بِنْتَ اَلْقَاسِمِ، كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ.

الفصل الثالث: في مقدار عمره

عَاشَ (صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْهِ) خَمْساً وَ سِتِّينَ سَنَةً، مِنْهَا مَعَ جَدِّهِ زَيْنِ اَلْعَابِدِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ اِثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، وَ مَعَ أَبِيهِ اَلْبَاقِرِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ إِحْدَى وَ ثَلاَثِينَ سَنَةً، وَ كَانَتْ مُدَّةُ إِمَامَتِهِ أَرْبَعاً وَ ثَلاَثِينَ سَنَةً وَ قَدْ نَقَلَ عَنْهُ اَلنَّاسُ عَلَى اِخْتِلاَفِ

ص: 93

مَذَاهِبِهِمْ وَ دِيَانَاتِهِمْ مِنَ اَلْعُلُومِ مَا سَارَتْ بِهِ اَلرُّكْبَانُ وَ اِنْتَشَرَ ذِكْرُهُ فِي اَلْبُلْدَانِ؛ وَ قَدْ جُمِعَ أَسْمَاءُ اَلرُّوَاةِ عَنْهُ، كَانُوا أَرْبَعَةَ آلاَفِ رَجُلٍ، وَ كَانَ فِي أَيَّامِ إِمَامَتِهِ بَقِيَّةُ مُلْكِ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ اَلْمَلِكِ وَ مُلْكُ اَلْوَلِيدِ بْنِ يَزِيدَ، وَ يَزِيدَ بْنِ اَلْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ اَلْمَلِكِ، وَ مُلْكُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ اَلْوَلِيدِ، وَ مُلْكُ مَرْوَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ اَلْحِمَارِ.

ثُمَّ صَارَتِ اَلْمُسَوِّدَةُ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ مَعَ أَبِي مُسْلِمٍ سَنَةَ اِثْنَيْنِ وَ ثَلاَثِينَ وَ مِائَةٍ، فَمَلَكَ أَبُو اَلْعَبَّاسِ عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ اَلْمَعْرُوفُ بِالسَّفَّاحِ أَرْبَعَ سِنِينَ وَ ثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ وَ أَيَّاماً، ثُمَّ مَلَكَ أَخُوهُ عَبْدُ اَللَّهِ اَلْمَعْرُوفُ بِأَبِي جَعْفَرٍ اَلْمَنْصُورِ إِحْدَى وَ عِشْرِينَ سَنَةً وَ أَحَدَ عَشَرَ شَهْراً وَ أَيَّاماً، وَ بَعْدَ عِشْرِينَ سَنَةً مِنْ مُلْكِهِ اُسْتُشْهِدَ وَلِيُّ اَللَّهِ اَلصَّادِقُ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ.

الفصل الرابع: في وقت وفاته و موضع قبره

تُوُفِّيَ اَلصَّادِقُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ يَوْمَ اَلْإِثْنَيْنِ اَلنِّصْفَ مِنْ رَجَبٍ، وَ يُقَالُ تُوُفِّيَ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثَمَانٍ وَ أَرْبَعِينَ وَ مِائَةٍ مِنَ اَلْهِجْرَةِ، وَ دُفِنَ بِالْبَقِيعِ مَعَ أَبِيهِ وَ جَدِّهِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ عَمِّهِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ (عَلَيْهِ وَ عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ).

الفصل الخامس: في عدد أولاده

وَ كَانَ لِأَبِي عَبْدِ اَللَّهِ اَلصَّادِقِ عَشْرَةُ أَوْلاَدٍ: إِسْمَاعِيلُ، وَ عَبْدُ اَللَّهِ، وَ أُمُّ فَرْوَةَ أُمُّهُمْ فَاطِمَةُ بِنْتُ اَلْحَسَنِ [بْنِ] عَلِيِّ (1) بْنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ، وَ مُوسَى عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ إِسْحَاقُ، وَ مُحَمَّدٌ لِأُمِّ وَلَدٍ يُقَالُ لَهَا حَمِيدَةُ اَلْبَرْبَرِيَّةُ، وَ عَبَّاسٌ، وَ عَلِيٌّ، وَ أَسْمَاءُ، وَ فَاطِمَةُ، لِأُمَّهَاتِ أَوْلاَدٍ شَتَّى.

ص: 94


1- العبارة كذا في الأصل.

الباب التاسع: في ذكر الإمام موسى الكاظم عليه السّلام

اشارة

و فيه خمسة فصول:

الفصل الأول: في اسمه و كنيته و لقبه

اِسْمُ اَلْإِمَامِ: مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ، وَ كُنْيَتُهُ: أَبُو اَلْحَسَنِ، وَ يُقَالُ لَهُ أَبُو اَلْحَسَنِ اَلْأَوَّلُ وَ يُكَنَّى أَيْضاً: بِأَبِي إِبْرَاهِيمَ وَ أَبِي عَلِيٍّ، وَ لَقَبُهُ: اَلْكَاظِمُ، وَ اَلْعَبْدُ اَلصَّالِحُ.

الفصل الثاني: في وقت ولادته

وُلِدَ بالإيواء [بِالْأَبْوَاءِ]، مَوْضِعٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَ اَلْمَدِينَةِ يَوْمَ اَلثَّلاَثَاءِ، وَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى يَوْمَ اَلْأَحَدِ لِسَبْعِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ صَفَرٍ سَنَةَ ثَمَانِيَ وَ عِشْرِينَ وَ مِائَةٍ مِنَ اَلْهِجْرَةِ، وَ أُمُّهُ حَمِيدَةُ اَلْبَرْبَرِيَّةُ أُخْتُ صَالِحٍ اَلْبَرْبَرِيِّ وَ كَانَتْ تُكَنَّى(1)أُمَّ وَلَدٍ.

الفصل الثالث: في مقدار عمره

عَاشَ مُوسَى عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ خَمْساً وَ خَمْسِينَ سَنَةً، مِنْهَا مَعَ أَبِيهِ اَلصَّادِقِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ

ص: 95


1- في الأصل: يكنى.

عِشْرِينَ سَنَةً، وَ كَانَ مَحْبُوساً فِي أَيَّامِ إِمَامَتِهِ مُدَّةً طَوِيلَةً مَنْ جِهَةِ اَلرَّشِيدِ عَشْرَ سِنِينَ وَ شَهْراً وَ أَيَّاماً، ثُمَّ مَلَكَ اِبْنُ اَلْمَهْدِيِّ مُوسَى بْنُ مُحَمَّدٍ اَلْمَعْرُوفِ بِالْهَادِي سَنَةً وَ شَهْراً وَ أَيَّاماً، ثُمَّ مَلَكَ هَارُونُ بْنُ مُحَمَّدٍ اَلْمَعْرُوفُ بِالرَّشِيدِ ثَلاَثاً وَ عِشْرِينَ سَنَةً وَ شَهْرَيْنِ وَ سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْماً.

وَ بَعْدَ مُضِيِّ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً مِنْ مُلْكٍ (1) اُسْتُشْهِدَ وَلِيُّ اَللَّهِ مُوسَى عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ.

الفصل الرابع: في وقت وفاته و موضع قبره عليه السّلام

تُوُفِّيَ بِبَغْدَادَ يَوْمَ اَلْجُمُعَةِ لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ رَجَبٍ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَ ثَمَانِينَ وَ مِائَةٍ مَسْمُوماً وَ مَظْلُوماً عَلَى اَلصَّحِيحِ مِنَ اَلْأَخْبَارِ فِي حَبْسِ اَلسِّنْدِيِّ بْنِ شَاهَكَ، سَقَاهُ اَلسَّمَّ اَلسِّنْدِيُّ بِأَمْرِ اَلرَّشِيدِ، وَ دُفِنَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فِي اَلْجَانِبِ اَلْغَرْبِيِّ فِي اَلْمَقْبَرَةِ اَلْمَعْرُوفَةِ بِمَقَابِرِ قُرَيْشٍ.

الفصل الخامس: في عدد أولاده عليه السّلام

وَ كَانَ لِأَبِي اَلْحَسَنِ مُوسَى عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ سَبْعَةٌ وَ ثَلاَثُونَ وَلَداً ذَكَراً وَ أُنْثَى، مِنْهُمْ:

عَلِيُّ بْنُ مُوسَى اَلرِّضَا عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، وَ إِبْرَاهِيمُ، وَ اَلْعَبَّاسُ، وَ اَلْقَاسِمُ لِأُمَّهَاتِ أَوْلاَدٍ، وَ إِسْمَاعِيلُ، وَ جَعْفَرٌ، وَ هَارُونُ، وَ اَلْحَسَنُ لِأُمِّ وَلَدٍ، وَ أَحْمَدُ، وَ مُحَمَّدٌ، وَ حَمْزَةُ، لِأُمِّ وَلَدٍ، وَ عَبْدُ اَللَّهِ وَ إِسْحَاقُ، وَ عُبَيْدُ اَللَّهِ، وَ زَيْدٌ، وَ اَلْحَسَنُ، وَ اَلْفَضْلُ، وَ سُلَيْمَانُ لِأُمَّهَاتِ أَوْلاَدٍ، وَ فَاطِمَةُ اَلْكُبْرَى، وَ فَاطِمَةُ اَلصُّغْرَى وَ رُقَيَّةُ، وَ حَكِيمَةُ، وَ أُمُّ أَبِيهَا، وَ رُقَيَّةُ اَلصُّغْرَى، وَ كُلْثُمُ، وَ أُمُّ جَعْفَرٍ، وَ لُبَابَةُ، وَ زَيْنَبُ، وَ خَدِيجَةُ، وَ عُلَيَّةُ، وَ آمِنَةُ، وَ حَسَنَةُ، وَ بُرَيْهَةُ، وَ عَائِشَةُ (2)، وَ أُمُّ سَلَمَةَ، وَ مَيْمُونَةُ، وَ أُمُّ كُلْثُومٍ.

ص: 96


1- العبارة كذا في الأصل، و المعروف أنّه عليه السّلام استشهد بعد مضي خمس عشرة سنة من ملك الخليفة العباسيّ هارون الرشيد.
2- في الأصل: عايشة.

الباب العاشر: في ذكر الإمام علي الرضا عليه السّلام

اشارة

و فيه خمسة فصول:

الفصل الأول: في اسمه و لقبه و كنيته عليه السّلام

اِسْمُ اَلْإِمَامِ اَلثَّامِنِ: عَلِيُّ بْنُ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ، وَ كُنْيَتُهُ: أَبُو اَلْحَسَنِ، وَ لَقَبُهُ: اَلرِّضَا عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ يُقَالُ لَهُ أَبُو اَلْحَسَنِ اَلثَّانِي.

الفصل الثاني: في وقت ولادته عليه السّلام

وُلِدَ يَوْمَ اَلْجُمُعَةِ، وَ يُقَالُ يَوْمَ اَلْخَمِيسِ لِإِحْدَى عَشَرَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ ذِي اَلْقَعْدَةِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَ أَرْبَعِينَ وَ مِائَةٍ مِنَ اَلْهِجْرَةِ، وَ أُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ يُقَالُ لَهَا أُمُّ اَلْبَنِينَ، وَ كَانَ اِسْمُهَا سَكَنَ اَلنُّوبِيَّةَ، وَ يُقَالُ خَيْزُرَانُ المرلسية(1) وَ يُقَالُ شَهْدَةُ وَ اَلْأَصَحُّ خَيْزُرَانُ.

الفصل الثالث: في مقدار عمره عليه السّلام

عَاشَ اَلرِّضَا عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ خَمْساً وَ خَمْسِينَ سَنَةً، وَ كَانَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ مَعَ أَبِيهِ مُوسَى بْنِ

ص: 97


1- الظاهر أنّها: المريسية.

جَعْفَرٍ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ خَمْساً وَ ثَلاَثِينَ سَنَةً، وَ لَمْ يُعَاصِرْ جَدَّهُ اَلصَّادِقَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ لِأَنَّهُ مَاتَ قَبْلَ وِلاَدَةِ اَلرِّضَا عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بِأَشْهُرٍ.

وَ قَدْ رُوِيَ أَنَّ اَلرِّضَا عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وُلِدَ بَعْدَ مُضِيِّ اَلصَّادِقِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بِأَرْبَعِ سِنِينَ، وَ أَنَّ عُمُرَهُ كَانَ تِسْعاً وَ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، وَ اَلْأَشْهَرُ هُوَ اَلْأَوَّلُ.

وَ كَانَتْ (1) مُدَّةُ إِمَامَتِهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ عِشْرِينَ سَنَةً، وَ كَانَ فِي أَيَّامِ إِمَامَتِهِ بَقِيَّةُ مُلْكِ اَلرَّشِيدِ، ثُمَّ مَلَكَ بَعْدَ اَلرَّشِيدِ اِبْنُهُ مُحَمَّدٌ اَلْمَعْرُوفُ بِالْأَمِينِ، وَ هُوَ اِبْنُ زُبَيْدَةَ ثَلاَثَ سِنِينَ وَ خَمْسَةً وَ عِشْرِينَ يَوْماً، ثُمَّ خُلِعَ اَلْأَمِينُ وَ حُبِسَ وَ أُجْلِسَ عَمُّهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ شَكْلَةَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْماً، ثُمَّ أُخْرِجَ مُحَمَّدُ بْنُ زُبَيْدَةَ مِنَ اَلْحَبْسِ وَ بُويِعَ لَهُ ثَانِيَةً وَ جَلَسَ فِي اَلْمُلْكِ سَنَةً وَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَ ثَلاَثَةً وَ عِشْرِينَ يَوْماً، ثُمَّ مَلَكَ عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ هَارُونَ اَلْمَأْمُونُ عِشْرِينَ سَنَةً وَ ثَلاَثَةً وَ عِشْرِينَ يَوْماً، فَأَخَذَ اَلْبَيْعَةَ فِي مُلْكِهِ لِعَلِيِّ بْنِ مُوسَى اَلرِّضَا عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بِعَهْدِ اَلْمُسْلِمِينَ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ ثُمَّ غَدَرَ بِهِ فَقَتَلَهُ بِالسَّمِّ بِطُوسَ مِنْ أَرْضِ خُرَاسَانَ، فَمَضَى إِلَى كَرَامَةِ اَللَّهِ (صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْهِ).

الفصل الرابع: في وقت وفاته و موضع قبره عليه السّلام

وَ كَانَتْ (2)وَفَاةُ اَلرِّضَا عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ يَوْمَ اَلْإِثْنَيْنِ لِثَلاَثِ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ صَفَرٍ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَ مِائَتَيْنِ مِنَ اَلْهِجْرَةِ، وَ يُقَالُ: تُوُفِّيَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، وَ اَلْأَوَّلُ هُوَ اَلْأَصَحُّ، وَ مَضَى عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ مَسْمُوماً مَظْلُوماً مِنْ قِبَلِ اَلْمَأْمُونِ كَمَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ، ثُمَّ دَفَنَهُ فِي دَارِ حُمَيْدِ بْنِ قَحْطَبَةَ اَلطَّائِيِّ فِي قَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا سَنَابَادُ عَلَى دَعْوَةٍ مِنْ نُوقَانَ (3) بِأَرْضِ طُوسَ، وَ فِيهَا قَبْرُ هَارُونَ اَلرَّشِيدِ، وَ قَبْرُ اَلرِّضَا عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي قِبْلَتِهِ.

ص: 98


1- في الأصل: و كان.
2- في الأصل: و كان.
3- كذا في الأصل.

الفصل الخامس: في ذكر ولده عليه السّلام

لَمْ يَتْرُكِ اَلرِّضَا عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَلَداً إِلاَّ اِبْنَهُ اَلْإِمَامَ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، وَ كَانَ سِنُّهُ يَوْمَ وَفَاةِ أَبِيهِ سَبْعَ سِنِينَ وَ أَشْهُراً، وَ أُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ يُقَالُ لَهَا سَبِيكَةُ.

ص: 99

ص: 100

الباب الحادي عشر: في ذكر الإمام محمّد الجواد عليه السّلام

اشارة

و فيه خمسة فصول:

الفصل الأول: في اسمه و كنيته و لقبه عليه السّلام

اِسْمُ اَلْإِمَامِ اَلتَّاسِعِ: مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، وَ كُنْيَتُهُ: أَبُو جَعْفَرٍ، وَ رُبَّمَا يُقَالُ لَهُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ أَبُو جَعْفَرٍ اَلثَّانِي، وَ لَقَبُهُ: اَلتَّقِيُّ، وَ اَلْمُنْتَجَبُ، وَ اَلْمُرْتَضَى عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ.

الفصل الثاني: في وقت ولادته عليه السّلام

وُلِدَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: بِالْمَدِينَةِ لَيْلَةَ اَلْجُمُعَةِ لِسَبْعَ عَشَرَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَ يُقَالُ لِلنِّصْفِ مِنْهُ. وَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّهُ وُلِدَ يَوْمَ اَلْجُمُعَةِ لِعَشْرِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ رَجَبٍ سَنَةَ خَمْسٍ وَ تِسْعِينَ وَ مِائَةٍ.

وَ كَانَتْ أُمُّهُ أُمَّ وَلَدٍ، اِسْمُهَا دُرَّةُ فَسَمَّاهَا اَلرِّضَا عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ خَيْزُرَانَ وَ كَانَتْ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ مَارِيَةَ اَلْقِبْطِيَّةِ، وَ يُقَالُ إِنَّ أُمَّهُ نُوبِيَّةٌ (1) وَ اِسْمُهَا سَبِيكَةُ.

ص: 101


1- في الأصل: نوبة.

الفصل الثالث: في مقدار عمره عليه السّلام

عَاشَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ خَمْساً وَ عِشْرِينَ سَنَةً مَعَ أَبِيهِ اَلرِّضَا عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ سَبْعَ سِنِينَ وَ أَشْهُراً.

وَ كَانَتْ مُدَّةُ خِلاَفَتِهِ لِأَبِيهِ وَ إِمَامَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَ كَانَ اَلْمَأْمُونُ مَشْغُوفاً(1)بِأَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ لِمَا قَدْ رَأَى مِنْ فَضْلِهِ مَعَ صِغَرِ سِنِّهِ، وَ بُلُوغِهِ فِي اَلْعِلْمِ وَ اَلْحِكْمَةِ وَ اَلْأَدَبِ وَ كَمَالِ اَلْعَقْلِ مَا لَمْ يُسَاوِهِ فِيهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ اَلزَّمَانِ، فَزَوَّجَهُ بِابْنَتِهِ أُمِّ اَلْفَضْلِ وَ حَمَلَهَا مَعَهُ إِلَى اَلْمَدِينَةِ، وَ كَانَ مُتَوَفِّراً عَلَى اَلْكَرَامَةِ وَ تَعْظِيمِهِ وَ إِجْلاَلِ قَدْرِهِ، وَ كَانَ فِي أَيَّامِ إِمَامَتِهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بَقِيَّةُ مُلْكِ اَلْمَأْمُونِ، ثُمَّ مُلْكُ اَلْمُعْتَصِمِ ثَمَانِيَ سِنِينَ وَ أَشْهُراً، وَ هُوَ اَلَّذِي بَنَى مَدِينَةَ (سُرَّ مَنْ رَأَى)(2) وَ جَلَبَ اَلْأَتْرَاكَ، وَ فِي أَوَّلِ مُلْكِهِ اُسْتُشْهِدَ وَلِيُّ اَللَّهِ (صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْهِ).

الفصل الرابع: في وقت وفاته و موضع قبره عليه السّلام

تُوُفِّيَ أَبُو جَعْفَرٍ اَلثَّانِي عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بِبَغْدَادَ فِي ذِي اَلْقَعْدَةِ سَنَةَ عِشْرِينَ وَ مِائَتَيْنِ، وَ دُفِنَ فِي مَقَابِرِ قُرَيْشٍ فِي ظَهْرِ جَدِّهِ أَبِي اَلْحَسَنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ.

الفصل الخامس: في عدد أولاده

وَ كَانَ لِأَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ مِنَ اَلْأَوْلاَدِ: عَلِيٌّ اَلْإِمَامُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، وَ مُوسَى، وَ لَمْ يُخَلِّفْ ذَكَراً غَيْرَهُمَا، وَ مِنَ اَلْبَنَاتِ: حَكِيمَةُ وَ خَدِيجَةُ، وَ أُمُّ كُلْثُومٍ وَ يُقَالُ إِنَّ لَهُ مِنَ اَلْبَنَاتِ غَيْرَ مَنْ ذَكَرْنَاهُ، فَاطِمَةَ، وَ أُمَامَةَ.

ص: 102


1- في الأصل: مشعوفا.
2- و تسمى اليوم (سامرّاء).

الباب الثاني عشر: في ذكر الإمام علي الهادي عليه السّلام

اشارة

و فيه خمسة فصول:

الفصل الأول: في اسمه و كنيته و لقبه عليه السّلام

اِسْمُ اَلْإِمَامِ اَلْعَاشِرِ: عَلِيٌّ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، وَ كُنْيَتُهُ: أَبُو اَلْحَسَنِ، وَ رُبَّمَا يُقَالُ لَهُ أَبُو اَلْحَسَنِ اَلثَّالِثُ وَ لَقَبُهُ: اَلنَّقِيُّ، وَ اَلْعَالِمُ، وَ اَلْفَقِيهُ، وَ اَلْأَمِينُ، وَ يُقَالُ لَهُ اَلْعَسْكَرِيُّ، وَ اَلدَّلِيلُ، وَ اَلنَّجِيبُ أَيْضاً.

الفصل الثاني: في وقت ولادته عليه السّلام

وُلِدَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بِصَرْيَا(1) مِنْ مَدِينَةِ اَلرَّسُولِ (صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) يَوْمَ اَلثَّلاَثَاءِ فِي رَجَبٍ (2)، وَ يُقَالُ فِي اَلنِّصْفِ مِنْ ذِي اَلْحِجَّةِ، وَ يُقَالُ وُلِدَ لِلَيْلَةٍ (3)بَقِينَ مِنْهُ سَنَةَ اِثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَ مِائَتَيْنِ مِنَ اَلْهِجْرَةِ.

وَ كَانَتْ أُمُّهُ أُمَّ وَلَدٍ يُقَالُ لَهَا سَمَانَةُ.

ص: 103


1- في بعض المصادر الأخرى: صرياء.
2- كذا في الأصل، و الصحيح: يوم الثلاثاء الخامس من رجب.
3- كذا في الأصل.

الفصل الثّالث: في مقدار عمره عليه السّلام

عَاشَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ إِحْدَى وَ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ، مَعَ أَبِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ثَمَانِيَ سِنِينَ، وَ كَانَتْ مُدَّةُ إِمَامَتِهِ ثَلاَثاً وَ ثَلاَثِينَ سَنَةً وَ أَشْهُراً.

وَ كَانَتْ فِي أَيَّامِ إِمَامَتِهِ بَقِيَّةُ مُلْكِ اَلْمُعْتَصِمِ، ثُمَّ مُلْكُ اَلْوَاثِقِ خَمْسَ سِنِينَ وَ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ مُلْكُ اَلْمُتَوَكِّلِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً، ثُمَّ مُلْكُ اِبْنِهِ اَلْمُنْتَصِرِ اِبْنِ اَلْمُتَوَكِّلِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ مُلْكُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْمُعْتَصِمِ اَلْمُسْتَعِينِ و تِسْعَةَ (1) أَشْهُرٍ، ثُمَّ مُلْكُ اَلزُّبَيْرِ بْنِ اَلْمُتَوَكِّلِ وَ هُوَ اَلْمُعْتَزُّ ثَمَانِيَ سِنِينَ وَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، وَ فِي آخِرِ مُلْكِهِ اُسْتُشْهِدَ وَلِيُّ اَللَّهِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ.

الفصل الرابع: في وقت وفاته و موضع قبره عليه السّلام

تُوُفِّيَ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ يَوْمَ اَلْإِثْنَيْنِ بِسُرَّ مَنْ رَأَى لِثَلاَثِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ رَجَبٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَ خَمْسِينَ وَ مِائَتَيْنِ مِنَ اَلْهِجْرَةِ، وَ كَانَ سَبَبُ شُخُوصِهِ مِنَ اَلْمَدِينَةِ إِلَى سُرَّ مَنْ رَأَى اِسْتِدْعَاءَ اَلْمُتَوَكِّلِ إِيَّاهُ، وَ دُفِنَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فِي دَارِهِ بِسُرَّ مَنْ رَأَى.

الفصل الخامس: في عدد أولاده عليه السّلام

وَ كَانَ لِأَبِي اَلْحَسَنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ خَمْسَةُ أَوْلاَدٍ: أَبُو مُحَمَّدٍ اَلْحَسَنُ اَلْإِمَامُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، وَ اَلْحُسَيْنُ، وَ مُحَمَّدٌ، وَ جَعْفَرٌ اَلْمَعْرُوفُ بِجَعْفَرٍ اَلْكَذَّابِ اَلْمُدَّعِي لِلْإِمَامَةِ، اَلْمُلَقَّبُ: بِزِقِّ اَلْخَمْرِ، وَ اِبْنَتُهُ عَائِشَةُ.

ص: 104


1- كذا في الأصل، و في بعض كتب السيرة أنّه عليه السّلام توفي في عهد الزبير.

الباب الثالث عشر: في ذكر الإمام الحسن العسكريّ عليه السّلام

اشارة

و فيه خمسة فصول:

الفصل الأول: في اسمه و كنيته و لقبه عليه السّلام

اِسْمُ اَلْإِمَامِ اَلْحَادِيَ عَشَرَ: اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ اَلرِّضَا عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، وَ كُنْيَتُهُ: أَبُو مُحَمَّدٍ، وَ لَقَبُهُ: اَلْهَادِي، وَ اَلسِّرَاجُ، وَ اَلْعَسْكَرِيُّ.

وَ كَانَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ أَبُوهُ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ وَ جَدُّهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يُعْرَفُ فِي زَمَانِهِ بِابْنِ اَلرِّضَا عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ.

الفصل الثاني: في وقت ولادته عليه السّلام

وُلِدَ: بِالْمَدِينَةِ يَوْمَ اَلْجُمُعَةِ لِثَمَانٍ خَلَوْنَ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ اَلْأَوَّلِ، وَ يُقَالُ وُلِدَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ اَلْآخِرِ سَنَةَ اِثْنَتَيْنِ وَ ثَلاَثِينَ وَ مِائَتَيْنِ مِنَ اَلْهِجْرَةِ.

وَ أُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ يُقَالُ لَهَا: حَدِيثُ.

ص: 105

الفصل الثالث: في مقدار عمره عليه السّلام

عَاشَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ثَمَانٍ (1) وَ عِشْرِينَ سَنَةً، اِثْنَتَيْنِ وَ عِشْرِينَ سَنَةً مَعَ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ.

وَ كَانَتْ مُدَّةُ إِمَامَتِهِ سِتَّ سِنِينَ، وَ كَانَ فِي سِنِي إِمَامَتِهِ بَقِيَّةُ مُلْكِ اَلْمُعْتَزِّ أَشْهُراً، ثُمَّ مُلْكُ أَحْمَدَ اَلْمُهْتَدِي يَوْمَيْنِ، ثُمَّ مُلْكُ اَلْمُقْتَدِي أَحَدَ عَشَرَ شَهْراً وَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْماً، ثُمَّ مُلْكُ أَحْمَدَ اَلْمُعْتَمِدِ بْنِ جَعْفَرٍ اَلْمُتَوَكِّلِ ثَلاَثاً وَ عِشْرِينَ سَنَةً وَ أَحَدَ عَشَرَ شَهْراً، وَ بَعْدَ مُضِيِّ خَمْسِينَ مِنْ مُلْكِهِ قَبَضَ اَللَّهُ إِلَيْهِ اَلْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ.

الفصل الرابع: في وقت وفاته و موضع قبره عليه السّلام

مَضَى اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ يَوْمَ اَلْجُمُعَةِ لِثَمَانِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ اَلْأَوَّلِ سَنَةَ سِتِّينَ وَ مِائَتَيْنِ بِسُرَّ مَنْ رَأَى، وَ دُفِنَ فِي دَارِهِ بِهَا فِي اَلْبَيْتِ اَلَّذِي دُفِنَ فِيهِ أَبُوهُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ.

وَ قَالَ قَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِنَا: إِنَّ أَبَا مُحَمَّدٍ اَلْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ اَلْعَسْكَرِيَّ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ مَضَى مَسْمُوماً، وَ كَذَلِكَ أَبُوهُ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَ جَدُّهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، وَ اَلصَّادِقُ، وَ اَلْبَاقِرُ، وَ زَيْنُ اَلْعَابِدِينَ عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ، خَرَجُوا أَيْضاً مِنَ اَلدُّنْيَا مَسْمُومِينَ، وَ اِسْتَدَلُّوا عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ بِمَا رُوِيَ عَنِ اَلصَّادِقِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ عَنِ اَلرِّضَا عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ أَيْضاً مِنْ قَوْلِهِمَا: «وَ اَللَّهِ مَا مِنَّا إِلاَّ شَهِيدٌ مَقْتُولٌ». و لم يثبت بصحّة ما قالوه دليل قاطع و لا يثبت عنهم عليهم السّلام فيه رواية توجب العلم، و اللّه أعلم بذلك.

الفصل الخامس: في ذكر ولده عليه السّلام

أَمَّا اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ اَلْعَسْكَرِيُّ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ سِوَى صَاحِبِ اَلزَّمَانِ عَلَيْهِ اَلصَّلاَةُ وَ اَلسَّلاَمُ وَ لَمْ يُخَلِّفْ وَلَداً غَيْرَهُ ظَاهِراً وَ بَاطِناً، وَ إِنَّمَا خَلَّفَهُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ غَائِباً مُسْتَتِراً وَ خَائِفاً مُنْتَظِراً لِدَوْلَةِ اَلْحَقِّ.

وَ كَانَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَدْ أَخْفَى مَوْلِدَهُ، وَ سَتَرَ أَمْرَهُ لِصُعُوبَةِ اَلْوَقْتِ وَ شِدَّةِ طَلَبِ

ص: 106


1- في الأصل: ثمانيا.

سُلْطَانِ اَلزَّمَانِ لَهُ وَ اِجْتِهَادِهِ فِي اَلْبَحْثِ عَنْ أَمْرِهِ، وَ لِمَا شَاعَ مِنْ مَذْهَبِ اَلشِّيعَةِ اَلْإِمَامِيَّةِ فِيهِ وَ عَرَفَ مِنِ اِنْتِظَارِهِمْ لَهُ، فَلَمْ يُظْهِرْ وَلَدَهُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فِي حَيَاتِهِ إِلاَّ لِجَمَاعَةٍ مِنَ اَلثِّقَاتِ وَ أَهْلِ اَلْأَمَانَةِ مِنْ شِيعَتِهِ، وَ لاَ عَرَفَهُ اَلْجُمْهُورُ بَعْدَ وَفَاتِهِ، إِلاَّ مَنِ اِخْتَصَّ بِهِ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اَللَّهُ.

ص: 107

ص: 108

الباب الرابع عشر: في ذكر الإمام القائم المهديّ (عج)

اشارة

و فيه خمسة فصول:

الفصل الأول: في اسمه و كنيته و لقبه عليه السّلام

اَلْإِمَامُ اَلثَّانِي عَشَرَ (صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْهِ) اِسْمَهُ اِسْمُ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ، وَ كُنْيَتُهُ كُنْيَةُ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ، وَ لاَ يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُسَمِّيَهُ بِاسْمِهِ، وَ لاَ أَنْ يُكَنِّيَ [يُكَنِّيَهُ ]بِكُنْيَتِهِ قَبْلَ خُرُوجِهِ مِنَ اَلْغَيْبَةِ لِمَا قَدْ وَرَدَ اَلنَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ، وَ إِنَّمَا يُعَبَّرُ عَنْهُ بِأَحَدِ أَلْقَابِهِ.

وَ مِنْ أَلْقَابِهِ (صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْهِ) اَلْمُخْتَصَّةِ بِهِ: اَلْحُجَّةُ، وَ اَلْقَائِمُ، وَ اَلْمَهْدِيُّ، وَ اَلْخَلَفُ اَلصَّالِحُ، وَ صَاحِبُ اَلزَّمَانِ، وَ اَلْمُنْتَظَرُ، وَ قَدْ عُبِّرَ عَنْهُ وَ عَنْ حسبته(1) عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بِالنَّاحِيَةِ اَلْمُقَدَّسَةِ.

الفصل الثاني: في وقت ولادته عليه السّلام

وُلِدَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بِسُرَّ مَنْ رَأَى لَيْلَةَ اَلنِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ قَبْلَ طُلُوعِ اَلْفَجْرِ سَنَةَ خَمْسٍ وَ خَمْسِينَ وَ مِائَتَيْنِ مِنَ اَلْهِجْرَةِ، قَدْ آتَاهُ اَللَّهُ سُبْحَانَهُ فِي حَالِ اَلطُّفُولِيَّةِ وَ اَلصِّبَا اَلْحِكْمَةَ وَ فَصْلَ اَلْخِطٰابِ ، كَمَا آتَاهُمَا يَحْيَى صَبِيّاً، وَ جَعَلَهُ إِمَاماً وَ هُوَ

ص: 109


1- كذا في الأصل.

طِفْلٌ قَدْ أَتَى عَلَيْهِ خَمْسُ سِنِينَ كَمَا جَعَلَ عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فِي اَلْمَهْدِ نَبِيّاً.

وَ قَدْ سَبَقَ اَلنَّصُّ عَلَيْهِ فِي مِلَّةِ اَلْإِسْلاَمِ مِنَ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ثُمَّ مِنْ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ مِنَ اَلْأَئِمَّةِ اَلطَّاهِرِينَ عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ وَاحِداً بَعْدَ وَاحِدٍ إِلَى أَبِيهِ اَلْحَسَنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ نَصَّ عَلَيْهِ أَبُوهُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ عِنْدَ ثِقَاتِهِ وَ شِيعَتِهِ، وَ اَلنُّصُوصُ عَلَيْهِ (صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْهِ) مُتَوَاتِرَةٌ عَلَى وَجْهٍ لاَ يَتَخَالَجُ فِيهَا اَلشَّكُّ لِأَحَدٍ أَنْصَفَ مِنْ نَفْسِهِ لاَ يُحْتَمَلُ ذِكْرُهَا هَاهُنَا، وَ كَانَتْ أُمُّهُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ أُمَّ وَلَدٍ، اِسْمُهَا نَرْجِسُ، وَ هِيَ بِنْتٌ لِيَشُوعَا بْنِ قَيْصَرَ مَلِكِ اَلرُّومِ مِنْ أَوْلاَدِ اَلْحَوَارِيِّينَ مِنْ قِبَلِ اَلْأُمِّ، وَ كَانَ اِسْمُهَا عِنْدَ أَبِيهَا مَلِيكَةَ، وَ لَهَا قِصَّةٌ عَجِيبَةٌ لاَ يَسَعُهَا هَذَا اَلْكِتَابُ.

الفصل الثالث: في تفصيل ما مضى من عمره عليه السّلام و ذكر طرف من المعاملات الكائنة قبل خروجه، و الإشارة إلى شيء من سيره بعد قيامه

اشارة

مِقْدَارُ مَا مَضَى مِنْ عُمُرِ صَاحِبِ اَلزَّمَانِ (صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْهِ) مِائَتَانِ وَ أَرْبَعٌ وَ خَمْسُونَ سَنَةً (1) لِأَنَّهُ وُلِدَ سَنَةَ خَمْسٍ وَ خَمْسِينَ وَ مِائَتَيْنِ، وَ تَارِيخُ اَلْيَوْمِ سَنَةَ تِسْعٍ وَ خَمْسِمِائَةٍ وَ كَانَ مِنْهَا مَعَ أَبِيهِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ خَمْسَ سِنِينَ يَعْرِضُهُ فِيهَا كُلَّ وَقْتٍ وَ حِينٍ عَلَى خَوَاصِّهِ وَ أُمَنَائِهِ اَلْمَوْثُوقِ بِهِمْ مِنَ اَلشِّيعَةِ اَلْإِمَامِيَّةِ لِزَوَالِ اَلشُّبْهَةِ وَ حُصُولِ اَلْيَقِينِ لَهُمْ، وَ اِنْتِشَارِ اَلْخَبَرِ بِوُجُودِ صَاحِبِ اَلْأَمْرِ (صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْهِ) وَ فِيهِمْ قَدْ عَرَضَهُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ عَلَى أَرْبَعِينَ نَفْساً مِنْهُمْ، حَتَّى حَصَلَ لَهُمُ اَلْعِلْمُ بِوُجُودِهِ عَيْنِهِ وَ تَحَقَّقُوهُ وَ شَاهَدُوا مِنْهُ اَلْآيَاتِ وَ اَلْبَرَاهِينَ، فَظَلَّتْ أَعْنٰاقُهُمْ لَهٰا خٰاضِعِينَ ، فَلَمَّا قُبِضَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ هُوَ اِبْنُ خَمْسِ سِنِينَ، ثَارَ جَعْفَرُ بْنُ عَلِيٍّ أَخُو أَبِي مُحَمَّدٍ، وَ جَاءَ بِظَاهِرِ تَرِكَةِ أَخِيهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، وَ سَعَى فِي حَبْسِ جَوَارِي أَبِي مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ اِعْتِقَالِ حَلاَئِلِهِ، وَ شيع [شَنَّعَ ]

ص: 110


1- كذا في الأصل.

عَلَى أَصْحَابِهِ بأمصارهم [بِانْتِظَارِهِمْ] وَلَدَهُ، وَ قَطْعِهِمْ بِوُجُودِهِ وَ اَلْقَوْلِ بِإِمَامَتِهِ، وَ أغير(1)[أَغْرَى ]بِالْقَوْمِ حَتَّى أَخَافَهُمْ وَ شورهم(2)[شَرَّدَهُمْ]، وَ جَرَى عَلَى مُخَلَّفِي أَبِي مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بِسَبَبِ ذَلِكَ أَمْرٌ عَظِيمٌ مِنْ حَبْسٍ وَ تَهْدِيدٍ وَ اِسْتِخْفَافٍ وَ ذُلٍّ، فَلَمْ يَظْفَرِ اَلسُّلْطَانُ مِنْهُمْ بِطَائِلٍ. ثُمَّ جَاءَ إِلَى اَلشِّيعَةِ اَلْإِمَامِيَّةِ، وَ اِجْتَهَدَ فِي اَلْقِيَامِ عِنْدَهُمْ مَقَامَ أَخِيهِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فَلَمْ يَقْبَلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ ذَلِكَ وَ لاَ اِعْتَقَدَ فِيهِ مَا رَامَ وَ تَعَرَّضَ لَهُ، مَضَى إِلَى سُلْطَانِ اَلْوَقْتِ وَ اِلْتَمَسَ مَرْتَبَةَ أَخِيهِ، وَ بَذَلَ مَالاً جَلِيلاً، وَ تَقَرَّبَ بِكُلِّ مَا ظَنَّ أَنَّهُ يَتَقَرَّبُ بِهِ، فَلَمْ يَنْتَفِعْ بِشَيْ ءٍ مِنْ ذَلِكَ. وَ لِجَعْفَرٍ أَخْبَارٌ كَثِيرَةٌ فِي هَذَا اَلْمَعْنَى لاَ يَحْتَمِلُهَا هَذَا اَلْمَوْضِعُ.

غيبته:

وَ أَمَّا غَيْبَتُهُ (صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْهِ): فَقَدْ تَوَاتَرَتِ اَلْأَخْبَارُ بِهَا قَبْلَ وِلاَدَتِهِ، وَ اِسْتَفَاضَتْ بِدَوْلَتِهِ قَبْلَ غَيْبَتِهِ، وَ هُوَ صَاحِبُ اَلسَّيْفِ مِنْ أَئِمَّةِ اَلْهُدَى عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ، وَ اَلْمُنْتَظَرُ لِدَوْلَةِ اَلْإِيمَانِ، وَ اَلْقَائِمُ بِالْحَقِّ، وَ لَهُ قَبْلَ قِيَامِهِ غَيْبَتَانِ، إِحْدَاهُمَا أَطْوَلُ مِنَ اَلْأُخْرَى كَمَا جَاءَتْ بِهِ اَلْأَخْبَارُ عَنْ آبَائِهِ اَلصَّادِقِينَ عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ.

فَأَمَّا اَلْغَيْبَةُ اَلصُّغْرَى: فَمُنْذُ وُلِدَ (صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْهِ) إِلَى أَنْ قُطِعَتِ اَلسِّفَارَةُ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ شِيعَتِهِ، وَ عُدِمَ اَلسُّفَرَاءُ بِالْوَفَاةِ.

وَ أَمَّا اَلطُّولَى: فَهِيَ بَعْدَ اَلْأُولَى، وَ فِي آخِرِهِمَا يَقُومُ بِالسَّيْفِ (صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْهِ) وَ كَانَتْ (3) مُدَّةُ غَيْبَتِهِ اَلْأُولَى، وَ هِيَ زَمَانُ اَلسِّفَارَةِ، أَرْبَعاً وَ سَبْعِينَ سَنَةً، مِنْهَا خَمْسُ سِنِينَ مَعَ أَبِيهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ تِسْعٌ وَ سِتُّونَ سَنَةً بَعْدَ أَبِيهِ، قَدْ كَانَ يُعْرَفُ فِيهَا أَخْبَارَهُ وَ يُقْتَفَى آثَارُهُ وَ يُهْتَدَى إِلَيْهِ بِوُجُودِ سَفِيرٍ بَيْنَهُ وَ بَيْنَهُمْ، وَ بَابٍ قَدْ دَلَّ اَلدَّلِيلُ اَلْقَاطِعُ عَلَى صِدْقِهِ وَ صِحَّةِ بَابِيَّتِهِ وَ سِفَارَتِهِ، وَ هِيَ اَلْمُعْجِزَةُ اَلَّتِي كَانَتْ تَظْهَرُ عَلَى يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ اَلْأَبْوَابِ.

وَ عَدَدُ اَلْأَبْوَابِ وَ هُمُ اَلسُّفَرَاءُ أَرْبَعَةٌ: أَوَّلُهُمْ: أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ

ص: 111


1- كذا في الأصل.
2- كذا في الأصل.
3- في الأصل: و كان.

اَلْعَمْرِيُّ (رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ وَ أَرْضَاهُ)، وَ كَانَ أَسَدِيّاً، وَ كَانَ يَتَّجِرُ فِي اَلسَّمْنِ، وَ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ قِيلَ لَهُ اَلسَّمَّانُ، وَ كَانَ (رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ) بَاباً وَ ثِقَةً لِأَبِيهِ وَ جَدِّهِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ مِنْ قَبْلُ، ثُمَّ تَوَلَّى اَلْبَابِيَّةَ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ اَلْأَمْرِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، وَ ظَهَرَتِ اَلْمُعْجِزَاتُ اَلْكَثِيرَةُ عَلَى يَدَيْهِ مِنْ قِبَلِهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ عَلَى أَيْدِي اَلْبَاقِينَ مِنَ اَلسُّفَرَاءِ (رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمْ) بِعَدَدِ اَلسَّيْلِ وَ اَللَّيْلِ، وَ كَذَلِكَ يَخْرُجُ عَلَى أَيْدِيهِمُ اَلتَّوْقِيعَاتُ وَ جَوَابَاتُ مَسَائِلِ اَلشِّيعَةِ، وَ تَصِلُ عَلَى أَيْدِيهِمْ أَيْضاً اَلْأَخْمَاسُ وَ اَلصَّدَقَاتُ إِلَى صَاحِبِ اَلْأَمْرِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ لِيُفَرِّقَهَا(1) فِي أَهْلِهَا وَ يَضَعَهَا فِي مَوَاضِعِهَا عَلَى هَذَا، مَضَى لِسَبِيلِهِ أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ (رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ) ثُمَّ قَامَ اِبْنُهُ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ مَقَامَهُ بِنَصِّ أَبِي مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، وَ نَصِّ أَبِيهِ عُثْمَانَ عَلَيْهِ بِأَمْرِ صَاحِبِ اَلزَّمَانِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ سَدَّ مَسَدَّهُ فِي جَمِيعِ مَا نِيطَ بِهِ وَ فُوِّضَ إِلَيْهِ اَلْقِيَامُ بِذَلِكَ، ثُمَّ مَضَى عَلَى مِنْهَاجِ أَبِيهِ (رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا) فِي جُمَادَى اَلْأُخْرَى سَنَةَ خَمْسٍ وَ ثَلاَثِمِائَةٍ، وَ يُقَالُ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَ ثَلاَثِمِائَةٍ.

ثُمَّ قَامَ مَقَامَهُ أَبُو اَلْقَاسِمِ اَلْحُسَيْنُ بْنُ رُوحٍ مِنْ بَنِي نَوْبَخْتَ بِنَصِّ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ عَلَيْهِ، وَ أَقَامَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ بِأَمْرِ اَلْإِمَامِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، وَ عَاشَ (رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ) سَفِيراً كَمَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ إِحْدَى وَ عِشْرِينَ سَنَةً، وَ مَاتَ (رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ) فِي شَعْبَانَ سَنَةَ سِتٍّ وَ عِشْرِينَ وَ ثَلاَثِمِائَةٍ.

وَ قَامَ مَقَامَهُ أَبُو اَلْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ اَلسَّمُرِيُّ بِنَصِّ أَبِي اَلْقَاسِمِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ رُوحٍ عَلَيْهِ وَ وَصِيِّهِ (2) إِلَيْهِ (رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ) وَ قَامَ بِالْأَمْرِ عَلَى مِنْهَاجِ مَنْ مَضَى وَ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ مِنَ اَلْأَبْوَابِ اَلثَّلاَثَةِ، وَ عَلَى ذَلِكَ أَرْبَعَ سِنِينَ، فَلَمَّا اِسْتَكْمَلَ أَيَّامَهُ وَ قَرُبَ أَجَلُهُ أَخْرَجَ إِلَى اَلنَّاسِ تَوْقِيعاً نُسْخَةً:

بِسْمِ اَللّٰهِ اَلرَّحْمٰنِ اَلرَّحِيمِ يَا عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدٍ اَلسَّمُرِيَّ، أَعْظَمَ اَللَّهُ أَجْرَ إِخْوَانِكَ فِيكَ، فَإِنَّكَ مَيِّتٌ مَا بَيْنَكَ وَ بَيْنَ سِتَّةِ أَيَّامٍ، فَاجْمَعْ أَمْرَكَ وَ لاَ تُوصِ عَلَى أَحَدٍ يَقُومُ مَقَامَكَ بَعْدَ

ص: 112


1- في الأصل: لتفرقها.
2- كذا في الأصل.

وَفَاتِكَ، فَقَدْ وَقَعَتِ اَلْغَيْبَةُ اَلتَّامَّةُ، فَلاَ ظُهُورَ إِلاَّ بَعْدَ إِذْنِ اَللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ، وَ ذَلِكَ بَعْدَ طُولِ اَلْأَمَدِ، وَ قَسْوَةِ اَلْقَلْبِ، وَ اِمْتِلاَءِ اَلْأَرْضِ جَوْراً، وَ سَيَأْتِي شِيعَتِي مَنْ يَدَّعِي اَلْمُشَاهَدَةَ، أَلاَ فَمَنِ اِدَّعَى اَلْمُشَاهَدَةَ قَبْلَ خُرُوجِ اَلسُّفْيَانِيِّ وَ اَلصَّيْحَةِ فَهُوَ كَذَّابٌ مُفْتَرٍ، وَ لاَ حَوْلَ وَ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ اَلْعَلِيِّ اَلْعَظِيمِ، فَانْتَسَخُوا هَذَا اَلتَّوْقِيعَ وَ خَرَجُوا مِنْ عِنْدِهِ، فَلَمَّا كَانَ اَلْيَوْمُ اَلسَّادِسُ عَادُوا إِلَيْهِ وَ هُوَ يَجُودُ بِنَفْسِهِ، فَقِيلَ لَهُ: مَنْ وَصِيُّكَ؟ فَقَالَ: لِلَّهِ أَمْرٌ هُوَ بَالِغُهُ وَ قُبِضَ، فَهَذَا آخِرُ كَلاَمٍ سُمِعَ مِنْهُ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ، وَ كَانَتْ (1) وَفَاتُهُ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَ عِشْرِينَ وَ ثَلاَثِمِائَةٍ، وَ وَقَعَتْ بَعْدَ مُضِيِّ اَلسَّمُرِيِّ اَلْغَيْبَةُ اَلثَّانِيَةُ، وَ هِيَ أَطْوَلُهَا وَ أَتَمُّهَا .، و قد أتى عليها و مضى منها إلى هذا التاريخ و هو سنة تسع و خمسمائة كما قد ذكرناه فيما تقدّم مائة و ثمانون سنة، و لم يوقّت لأحد غايتها و لا نهايتها، فمن عيّن لذلك وقتا فقد افترى كذبا و زورا، إلاّ أنّه

قَدْ جَاءَتِ اَلْآثَارُ بِذِكْرِ عَلاَمَاتٍ لِزَمَانِ قِيَامِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَ حَوَادِثَ تَكُونُ (2) أَمَامَ خُرُوجِهِ، فَمِنْهَا: خُرُوجُ اَلسُّفْيَانِيِّ، وَ قَتْلُ اَلْحَسَنِيِّ، وَ اِخْتِلاَفُ بَنِي اَلْعَبَّاسِ فِي مُلْكٍ، وَ كُسُوفُ اَلشَّمْسِ فِي اَلنِّصْفِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَ خُسُوفُ اَلْقَمَرِ فِي آخِرِهِ عَلَى خِلاَفِ اَلْعَادَاتِ، وَ خَسْفٌ بِالْبَيْدَاءِ، وَ خَسْفٌ بِالْمَشْرِقِ، وَ رُكُودُ اَلشَّمْسِ عِنْدَ اَلزَّوَالِ إِلَى وَقْتِ اَلْعَصْرِ، وَ طُلُوعُهَا مِنَ اَلْمَغْرِبِ، وَ قَتْلُ نَفْسٍ زَكِيَّةٍ بِظَهْرِ اَلْكُوفَةِ فِي سَبْعِينَ مِنَ اَلصَّالِحِينَ، وَ ذَبْحُ رَجُلٍ هَاشِمِيٍّ بَيْنَ اَلرُّكْنِ وَ اَلْمَقَامِ، وَ إِقْبَالُ رَايَاتٍ سُودٍ مِنْ قِبَلِ خُرَاسَانَ، وَ خُرُوجُ اَلْيَمَانِيِّ، وَ ظُهُورُ اَلْمَغْرِبِيِّ بِمِصْرَ وَ تَمَلُّكُهُ اَلشَّامَاتِ، وَ نُزُولُ اَلتُّرْكِ اَلْجَزِيرَةَ، وَ نُزُولُ اَلرُّومِ اَلرَّمْلَةَ، وَ طُلُوعُ نَجْمٍ بِالْمَشْرِقِ يُضِيءُ كَمَا يُضِيءُ اَلْقَمَرُ، ثُمَّ يَنْعَطِفُ حَتَّى يَكَادَ يَلْتَقِي طَرَفَاهُ، وَ حُمْرَةٌ تَظْهَرُ فِي اَلسَّمَاءِ وَ تَنْشُرُ فِي آفَاقِهَا، وَ نَارٌ تَظْهَرُ بِالْمَشْرِقِ طُولاً، وَ تَبْقَى(3) فِي اَلْجَوِّ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ، وَ خَلْعُ اَلْعَرَبِ أَعِنَّتَهَا وَ تَمَلُّكُهَا اَلْبِلاَدَ، وَ خُرُوجُهَا عَنْ سُلْطَانِ اَلْعَجَمِ، وَ قَتْلُ أَهْلِ مِصْرَ أَمِيرَهُمْ وَ خَرَابُ اَلشَّامِ، وَ دُخُولُ رَايَاتِ قَيْسٍ إِلَى مِصْرَ، وَ رَايَاتِ كِنْدَةَ إِلَى

ص: 113


1- في الأصل: و كان.
2- في الأصل: يكون.
3- في الأصل: و يبقى.

خُرَاسَانَ. وَ وُرُودُ خَيْلٍ مِنَ اَلْمَغْرِبِ حَتَّى تُرْبَطَ بِفِنَاءِ اَلْحِيرَةِ، وَ إِقْبَالُ رَايَاتٍ سُودٍ مِنَ اَلْمَشْرِقِ نَحْوَ هُنَا(1)، وَ شَقٌّ فِي اَلْفُرَاتِ حَتَّى يَدْخُلَ اَلْمَاءُ أَزِقَّةَ اَلْكُوفَةِ، وَ خُرُوجُ سِتِّينَ كَذَّاباً كُلُّهُمْ يَدَّعِي اَلنُّبُوَّةَ، وَ خُرُوجُ اِثْنَيْ عَشَرَ مِنْ آلِ أَبِي طَالِبٍ كُلُّهُمْ يَدَّعِي اَلْإِمَامَةَ لِنَفْسِهِ، وَ عَقْدُ اَلْجِسْرِ مِمَّا يَلِي اَلْكَرْخَ بِمَدِينَةِ بَغْدَادَ، وَ اِرْتِفَاعُ رِيحٍ سَوْدَاءَ بِهَا فِي أَوَّلِ اَلنَّهَارِ، وَ زَلْزَلَةٌ حَتَّى يُخْسَفَ كَثِيرٌ مِنْهَا، وَ خَوْفُ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ، وَ مَوْتٌ ذَرِيعٌ (2) فِيهِ، وَ نَقْصٌ مِنَ اَلْأَمْوٰالِ وَ اَلْأَنْفُسِ وَ اَلثَّمَرٰاتِ ، وَ جَرَادٌ يَظْهَرُ فِي أَوَانِهِ وَ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى اَلزَّرْعِ وَ اَلْغَلاَّتِ، وَ قِلَّةُ رَيْعٍ لِمَا يَزْرَعُهُ اَلنَّاسُ وَ اِخْتِلاَفُ صِنْفَيْنِ مِنَ اَلْعَجَمِ، وَ سَفْكُ دِمَاءٍ كَثِيرَةٍ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَ خُرُوجُ اَلْعَبِيدِ عَنْ طَاعَةِ سَادَاتِهِمْ وَ قَتْلُهُمْ مَوَالِيَهُمْ، وَ مَسْخٌ لِقَوْمٍ مِنْ أَهْلِ اَلْبِدَعِ حَتَّى يَصِيرُوا قِرَدَةً وَ خَنَازِيرَ، وَ نِدَاءٌ يَسْمَعُهُ أَهْلُ اَلْأَرْضِ كُلُّ أَهْلِ لُغَةٍ بِلُغَتِهِمْ، فَقِيلَ لَهُ - أَعْنِي اَلرِّضَا عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ أَيُّ نِدَاءٍ هُوَ قَالَ: يُنَادُونَ فِي رَجَبٍ ثَلاَثَةَ أَصْوَاتٍ: صَوْتٌ: أَلاٰ لَعْنَةُ اَللّٰهِ عَلَى اَلظّٰالِمِينَ وَ اَلصَّوْتُ اَلثَّانِي: أَزِفَتِ اَلْآزِفَةُ يَا مَعْشَرَ اَلْمُؤْمِنِينَ، وَ اَلصَّوْتُ اَلثَّالِثُ: يَرَوْنَ بَدَناً بَارِزاً نَحْوَ عَيْنِ اَلشَّمْسِ يَقُولُ: إِنَّ اَللَّهَ بَعَثَ فُلاَناً فَاسْمَعُوا وَ أَطِيعُوا، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَأْتِي اَلنَّاسَ اَلْفَرَجُ، وَ تَوَدُّ اَلْأَمْوَاتُ أَنْ كَانُوا أَحْيَاءً، وَ يَشْفِي اَللَّهُ وَ يَشْفِ (3) صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ ، وَ مَوْتٌ أَحْمَرُ، وَ مَوْتٌ أَبْيَضُ، وَ اَلْمَوْتُ اَلْأَحْمَرُ اَلسَّيْفُ، وَ اَلْأَبْيَضُ اَلطَّاعُونُ، وَ خُرُوجُ رَجُلٍ بِقَزْوِينَ اِسْمُهُ اِسْمُ اَلنَّبِيِّ يُسْرِعُ اَلنَّاسُ إِلَى طَاعَتِهِ اَلْمُشْرِكُ وَ اَلْمُؤْمِنُ، يَمْلَأُ اَلْجِبَالَ خَوْفاً، وَ هَدْمُ حَائِطِ مَسْجِدِ اَلْكُوفَةِ موخذ مِمَّا يَلِي دَارَ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَ مُنَادٍ يُنَادِي بِاسْمِ اَلْقَائِمِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ لَيْلَةَ ثَلاَثٍ وَ عِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ فَيَسْمَعُ مَا بَيْنَ اَلْمَشْرِقِ إِلَى اَلْمَغْرِبِ، فَلاَ يَبْقَى رَاقِدٌ إِلاَّ قَامَ، وَ لاَ قَائِمٌ إِلاَّ قَعَدَ، وَ لاَ قَاعِدٌ إِلاَّ قَامَ عَلَى رِجْلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ اَلصَّوْتِ، وَ هُوَ صَوْتُ جَبْرَئِيلَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ اَلرُّوحِ اَلْأَمِينِ، وَ أَمْوَاتٌ يُنْشَرُونَ مِنَ اَلْقُبُورِ حَتَّى يَرْجِعُوا إِلَى اَلدُّنْيَا فَيَتَعَارَفُونَ وَ يَتَزَاوَرُونَ، ثُمَّ يُخْتَمُ ذَلِكَ بِأَرْبَعٍ وَ عِشْرِينَ مَطْرَةً يَتَّصِلُ،

ص: 114


1- كذا في الأصل.
2- أي سريع.
3- العبارة كذا في الأصل.

فَتَحْيَا بِهَا اَلْأَرْضُ مِنْ بَعْدِهَا، وَ تُعْرَفُ بَرَكَاتُهَا، وَ تَزُولُ بَعْدَ ذَلِكَ كُلُّ عَاهَةٍ عَنْ مُعْتَقِدِي اَلْحَقِّ مِنْ شِيعَةِ اَلْمَهْدِيِّ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، فَيَعْرِفُونَ (1) عِنْدَ ذَلِكَ ظُهُورَهُ بِمَكَّةَ، فَيَتَوَجَّهُونَ نَحْوَهُ لِنُصْرَتِهِ كَمَا جَاءَتْ بِذَلِكَ اَلْآثَارُ.

فَمِنْ جُمْلَةِ هَذِهِ اَلْأَحْدَاثِ مَحْتُومَةٌ، وَ مِنْهَا مُشْتَرِطَةٌ وَ اَللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكُونُ، وَ إِنَّمَا ذَكَرْنَاهَا عَلَى حَسَبِ مَا ثَبَتَتْ فِي اَلْأُصُولِ .

وَ جَاءَتِ اَلْأَخْبَارُ عَنْهُمْ عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ: أَنَّ صَاحِبَ اَلزَّمَانِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ يَخْرُجُ فِي وَتْرٍ مِنَ اَلسِّنِينَ تِسْعٍ أَوْ سَبْعٍ، أَوْ خَمْسٍ أَوْ ثَلاَثٍ أَوْ إِحْدَى. وَ يَقُومُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ يَوْمَ اَلسَّبْتِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَ إِذَا قَامَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ أُتِيَ اَلْمُؤْمِنُ فِي قَبْرِهِ فَيُقَالُ لَهُ: إِنَّهُ قَدْ ظَهَرَ صَاحِبُكَ فَإِنْ تَشَأْ أَنْ تَلْحَقَ بِهِ فَالْحَقْ وَ إِنْ تَشَأْ تُقِيمُ (2) فِي كَرِيمَةِ رَبِّكَ، فَأَقِمْ بِهِ، وَ يُبَايِعُهُ بَيْنَ اَلرُّكْنِ وَ اَلْمَقَامِ ثَلاَثُمِائَةٍ وَ ثَلاَثٌ عِدَّةُ أَهْلِ بَدْرٍ مِنَ اَلنُّجَبَاءِ، وَ اَلْأَبْدَالِ، وَ اَلْأَخْيَارِ، كُلُّهُمْ شَابٌّ لاَ كَهْلَ فِيهِمْ.

ثُمَّ يَصِيرُ إِلَيْهِ شِيعَتُهُ مِنْ أَطْرَافِ اَلْأَرْضِ تُطْوَى لَهُمْ طَيّاً حَتَّى يُبَايِعُوهُ، وَ يَكُونُ دَارُ مُلْكِهِ اَلْكُوفَةَ، وَ أَكْثَرُ مَقَامِهِ (صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْهِ) بِهَا، وَ يَأْمُرُ بِحَفْرِ نَهَرٍ مِنْ ظَهْرِ مَشْهَدِ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ يَجْرِي إِلَى اَلْغَرِيِّ حَتَّى تَنْزِلَ اَلْمَاءُ فِي اَلنَّجَفِ، وَ يَعْمَلُ عَلَى فُوَّهَتِهِ اَلْقَنَاطِرَ وَ اَلْأَرْحَاءَ يُطْحَنُ فِيهَا بِلاَ كِرَاءٍ، وَ يَبْنِي فِي ظَهْرِ اَلْكُوفَةِ مَسْجِداً لَهُ أَلْفُ بَابٍ. وَ تَتَّصِلُ (3) بُيُوتُ أَهْلِ اَلْكُوفَةِ بِنَهَرِ كَرْبَلاَءِ، وَ يُعَمَّرُ اَلرَّجُلُ حَتَّى يُولَدَ لَهُ أَلْفُ ذَكَرٍ لاَ يُولَدُ فِيهِمْ، وَ تُظْهِرُ اَلْأَرْضُ كُنُوزَهَا حَتَّى يَرَاهَا اَلنَّاسُ عَلَى وَجْهِهَا، وَ يَطْلُبُ اَلرَّجُلُ مِنْهُمْ مَنْ يَصِلُهُ مَالَهُ وَ يَأْخُذُ زَكَاتَهُ فَلاَ يَجِدُ أَحَداً يَقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ اِسْتِغْنَاءً بِمَا رَزَقَهُمُ اَللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ.

حليته و نعته:

حِلْيَتُهُ وَ نَعْتُهُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: أَنَّهُ يَكُونُ شَابّاً، مَرْبُوعاً، حَسَنَ اَلْوَجْهِ، حَسَنَ اَلشَّعْرِ، يَسِيلُ شَعْرُهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، وَ يَعْلُو نُورُ وَجْهِهِ سَوَادَ شَعْرِ لِحْيَتِهِ وَ رَأْسِهِ،

ص: 115


1- في الأصل: فتعرفون.
2- في الأصل: إن يشأ يقيم.
3- في الأصل: و يتصل.

وَ سِيرَتُهُ (صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْهِ) أَنْ يَدْعُوَ اَلنَّاسَ إِلَى اَلْإِسْلاَمِ جَدِيداً، وَ هَدَاهُمْ إِلَى أَمْرٍ قَدْ دَثَرَ وَ ضَلَّ عَنْهُ اَلْجُمْهُورُ، وَ يَحْكُمُ بِالْعَدْلِ، وَ يَرْتَفِعُ فِي أَيَّامِهِ اَلْجَوْرُ، وَ آمَنَتْ بِهِ اَلسُّبُلُ، وَ تُخْرِجُ اَلْأَرْضُ بَرَكَاتِهَا، وَ تُرَدُّ كُلُّ حَقٍّ إِلَى أَهْلِهِ، وَ لاَ يَبْقَى أَهْلُ دِينٍ إِلاَّ وَ هُوَ يُظْهِرُ اَلْإِسْلاَمَ وَ يَعْتَرِفُ بِالْإِيمَانِ، وَ يَحْكُمُ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) فِي اَلنَّاسِ بِحُكْمِ دَاوُدَ وَ حُكْمِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، وَ يَسِيرُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ إِلَى اَلْكُوفَةِ فَهَدَمَ (1) بِهَا أَرْبَعَةَ مَسَاجِدَ، وَ لاَ يَبْقَى عَلَى وَجْهِ اَلْأَرْضِ مَسْجِدٌ لَهُ شُرَفٌ إِلاَّ هَدَمَهَا، وَ جَعَلَ اَلْمَسَاجِدَ كُلَّهَا جُمّاً لاَ شُرْفَةَ لَهَا وَ يَكْسِرُ كُلَّ جَنَاحٍ خَارِجٍ فِي اَلطَّرِيقِ، وَ يُبْطِلُ اَلْكُنُفَ وَ اَلْمَوَازِيبَ إِلَى اَلطُّرُقَاتِ، وَ لاَ يَتْرُكُ بِدْعَةً إِلاَّ أَزَالَهَا، وَ لاَ سُنَّةً إِلاَّ أَقَامَهَا وَ يَفْتَحُ قُسْطَنْطَنِيَّةَ وَ اَلصِّينَ وَ جِبَالَ اَلدَّيْلَمِ.

مقدار ملكه:

و أمّا مقدار ملكه عليه السّلام فقد

رُوِيَ عَنِ اَلْبَاقِرِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: أَنَّهُ يَمْلِكُ ثَلاَثَمِائَةٍ وَ تِسْعَ سِنِينَ كَمَا لَبِثَ أَهْلُ اَلْكَهْفِ فِي كَهْفِهِمْ، يَمْلَأُ اَلْأَرْضَ عَدْلاً وَ قِسْطاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَ جَوْراً وَ يَفْتَحُ اَللَّهُ لَهُ شَرْقَ اَلْأَرْضِ وَ غَرْبَهَا، وَ يَقْتُلُ اَلنَّاسَ حَتَّى لاَ يَبْقَى إِلاَّ دِينُ مُحَمَّدٍ (صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) تَمَامَ اَلْخَبَرِ، ثُمَّ يَتَوَجَّهُ إِلَى اَلْكُوفَةِ فَيَنْزِلُهَا وَ تَكُونُ دَارَ مُلْكِهِ كَمَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ.

الفصل الرابع: في الإشارة إلى وقت وفاته عليه السّلام

وَقْتُ وَفَاتِهِ يَكُونُ قَبْلَ اَلْقِيَامَةِ بِأَرْبَعِينَ يَوْماً يَكُونُ فِيهَا اَلْفَرَجُ، وَ عَلاَمَةُ خُرُوجِ اَلْأَمْوَاتِ وَ قِيَامُ اَلسَّاعَةِ لِلْحِسَابِ وَ اَلْجَزَاءِ، وَ يُغْلَقُ بَابُ اَلتَّوْبَةِ، وَ يَسْقُطُ اَلتَّكْلِيفُ، فَ لاٰ يَنْفَعُ نَفْساً إِيمٰانُهٰا لَمْ تَكُنْ (2) آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ .

الفصل الخامس: في ذكر ولده

وَ أَمَّا اَلْوَلَدُ لِصَاحِبِ اَلزَّمَانِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، فَقَدْ وَرَدَتِ اَلرِّوَايَاتُ عَنْهُمْ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بِأَنَّهُ

ص: 116


1- كذا في الأصل.
2- في الأصل: يكن.

يُولَدُ لَهُ اَلْأَوْلاَدُ.، و غير ممتنع أن يكون له في هذا الوقت أهل و ولد، و جائز(1) أن يكون ذلك بعد خروجه و في أيّام دولته، و لا قطع على أحد الأمرين و اللّه أعلم.

قد وفينا بما وعدنا به في أوّل هذا المختصر من تضمين كل فصل ما يليق به، و الإشارة إلى شيء من النّكت و الطرف على وجه الإجمال، و تجنّبا في ذلك الإهمال، و لم نأت بشيء من الأسانيد فيه طلبا للإختصار و لشهرته بين الأصحاب نسأل اللّه أن يجعله خالصا لوجهه، و مقربا من ثوابه و رحمته، و أن يحشرنا في زمرة المصطفى و عترته، إنّه خير المسئولين و أرحم الرّاحمين، و نحمده على ما وفّق و يسّر، و نسأله الصلاة على نبيّنا محمّد عليه التّحية و السّلام، و المنتجبين الطّيّبين الطّاهرين من أهل بيته، و هو حسبنا وَ نِعْمَ اَلْوَكِيلُ .

ص: 117


1- في الأصل: جايز.

ص: 118

تاريخ مواليد الأئمّة و وفياتهم

اشارة

تأليف الحافظ الشّيخ أبي محمّد عبد اللّه بن النّصر ابن الخشّاب البغداديّ (قده المتوفى سنه 567)

ص: 119

ص: 120

ذكر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم

وفاته صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

بِسْمِ اَللّٰهِ اَلرَّحْمٰنِ اَلرَّحِيمِ و به نستعين

أَخْبَرَنَا اَلسَّيِّدُ اَلْعَالِمُ اَلْفَقِيهُ، صَفِيُّ اَلدِّينِ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مَعَدٍّ اَلْمُوسَوِيُّ، فِي اَلْعَشْرِ اَلْأَخِيرِ مِنْ صَفَرٍ سَنَةَ سِتَّةَ عَشَرَ وَ سِتِّمِائَةٍ.

قَالَ: أَخْبَرَنَا اَلْأَجَلُّ اَلْعَالِمُ زَيْنُ اَلدِّينِ أَبُو اَلْعِزِّ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي اَلْمُظَفَّرِ، مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ قِرَاءَةً عَلَيْهِ فَأَقَرَّ بِهِ، وَ ذَلِكَ فِي آخِرِ نَهَارِ يَوْمِ اَلْخَمِيسِ، ثَامِنِ صَفَرٍ مِنَ اَلسَّنَةِ اَلْمَذْكُورَةِ بِمَدِينَةِ اَلسَّلاَمِ بِدَرْبِ اَلدَّوَابِّ.

قَالَ: أَخْبَرَنَا اَلشَّيْخُ اَلْإِمَامُ اَلْعَالِمُ اَلْأَوْحَدُ، حُجَّةُ اَلْإِسْلاَمِ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ اَلْخَشَّابِ.

قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى اَلشَّيْخِ أَبِي مَنْصُورٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اَلْمَلِكِ بْنِ اَلْحَسَنِ اِبْنِ حَيْزُونٍ - اَلْمُقْرِي يَوْمَ اَلسَّبْتِ اَلْخَامِسِ وَ اَلْعِشْرِينَ مِنْ مُحَرَّمٍ سَنَةَ إِحْدَى وَ ثَلاَثِينَ وَ خَمْسِمِائَةٍ، مِنْ أَصْلِهِ بِخَطِّ عَمِّهِ أَبِي اَلْفَضْلِ أَحْمَدِ بْنِ اَلْحَسَنِ، وَ سَمَاعُهُ مِنْهُ فِيهِ بِخَطِّ عَمِّهِ فِي يَوْمِ اَلْجُمُعَةِ سَادِسَ عَشَرَ شَعْبَانَ مِنْ سَنَةِ أَرْبَعٍ وَ ثَمَانِينَ وَ أَرْبَعِمِائَةٍ.

أَخْبَرَكُمْ أَبُو اَلْفَضْلِ، أَحْمَدُ بْنُ اَلْحَسَنِ، فَأَقَرَّ بِهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ اَلْحَسَنُ بْنُ اَلْحُسَيْنِ بْنِ اَلْعَبَّاسِ بْنِ اَلْفَضْلِ بْنِ دُومَا قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَ أَنَا

ص: 121

أَسْمَعُ، فِي رَجَبٍ سَنَةَ ثَمَانٍ وَ عِشْرِينَ وَ أَرْبَعِمِائَةٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ اِبْنُ نَصْرِ بْنِ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ اَلْفَتْحِ اَلزَّارِعُ اَلنَّهْرَوَانِيُّ بِهَا قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَ أَنَا أَسْمَعُ، فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَ سِتِّينَ وَ ثَلاَثِمِائَةٍ

ص: 122

قَالَ: حَدَّثَنَا حَرْبُ بْنُ أَحْمَدَ اَلْمُؤَدِّبُ، قَالَ: حَدَّثَنَا اَلْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ اَلْقُمِّيُّ اَلْبَصْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ اَلْحُسَيْنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْكَانَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ اَلصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ وَ أَخْبَرَنَا اَلذَّارِعُ (1) قَالَ: حَدَّثَنَا: صَدَقَةُ بْنُ مُوسَى أَبُو اَلْعَبَّاسِ، قَالَ:

حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ حَبِيبٍ اَلسِّجِسْتَانِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ اَلْبَاقِرِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ قَالاَ:

قُبِضَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ وَ هُوَ اِبْنُ ثَلاَثٍ وَ سِتِّينَ سَنَةً، فِي سَنَةِ عَشْرٍ مِنَ اَلْهِجْرَةِ.

وَ كَانَ مُقَامُهُ بِمَكَّةَ أَرْبَعِينَ سَنَةً، ثُمَّ نَزَلَ عَلَيْهِ اَلْوَحْيُ فِي تَمَامِ اَلْأَرْبَعِينَ، وَ كَانَ بِمَكَّةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ سَنَةً، ثُمَّ هَاجَرَ إِلَى اَلْمَدِينَةِ وَ هُوَ اِبْنُ ثَلاَثٍ وَ خَمْسِينَ سَنَةً، فَأَقَامَ: بِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ.

وَ قُبِضَ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ اَلْأَوَّلِ، يَوْمَ اَلاِثْنَيْنِ، لِلَيْلَتَيْنِ خَلَتَا مِنْهُ.

نسبه:

فهو محمّد بن عبد اللّه بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف.

ص: 123


1- في نسخة أخرى: الزّارع.

أمّه:

آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرّة، و هو أحمد و محمّد.

كنيته:

أبو القاسم و أبو إبراهيم.

لقبه:

محمّد رسول اللّه، و نبيّ الرّحمة، و حبيب اللّه، و قسيم اللّه، و خاتم النّبيّين، و سيّد المرسلين.

قبره:

المشهور: بالمدينة

أولاده:

وُلِدَ لَهُ مِنْ خَدِيجَةَ: اَلْقَاسِمُ، وَ عَبْدُ اَللَّهِ، وَ اَلطَّاهِرُ وَ اَلطَّيِّبُ، وَ زَيْنَبُ، وَ أُمُّ كُلْثُومٍ، وَ رُقَيَّةُ، وَ فَاطِمَةُ.

وَ وُلِدَ لَهُ مِنْ مَارِيَةَ اَلْقِبْطِيَّةِ - كَانَ أَهْدَاهَا لَهُ اَلْمُقَوْقِسُ مَلِكُ اَلْإِسْكَنْدَرِيَّةِ: إِبْرَاهِيمُ.

فَأَمَّا رُقَيَّةُ فَزُوِّجَتْ مِنْ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي لَهَبٍ فَمَاتَ عَنْهَا، فَزُوِّجَتْ مِنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، وَ زُوِّجَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ أَيْضاً مِنْ عُثْمَانَ.

وَ زُوِّجَتْ زَيْنَبُ أَيْضاً مِنْ أَبِي اَلْعَاصِ بْنِ اَلرَّبِيعِ، فَوَلَدَتْ لَهُ اِبْنَةً اِسْمُهَا أُمَامَةُ تَزَوَّجَهَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بَعْدَ فَاطِمَةَ، وَ لَمْ يَكُنْ لِرَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ إِلاَّ مِنْ فَاطِمَةَ اِبْنَتِهِ (1).

ص: 124


1- العبارة كذا في الأصل.

ذكر فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ولادتها و وفاتها عليها السّلام:

حَدَّثَنَا حَرْبٌ قَالَ: حَدَّثَنَا اَلْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْحُسَيْنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْكَانَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ اَلصَّادِقِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ.

وَ حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ حَبِيبٍ اَلسِّجِسْتَانِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ قَالاَ:

وُلِدَتْ فَاطِمَةُ بَعْدَ مَا أَظْهَرَ اَللَّهُ نُبُوَّةَ نَبِيِّهِ وَ أَنْزَلَ عَلَيْهِ اَلْوَحْيَ بِخَمْسِ سِنِينَ، وَ قُرَيْشٌ تَبْنِي اَلْبَيْتَ.

وَ تُوُفِّيَتْ وَ لَهَا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَنَةً وَ خَمْسَةً وَ سَبْعِينَ يَوْماً.

وَ فِي رِوَايَةِ صَدَقَةَ ثَمَانِيَةَ سِنِينَ، وَ هَاجَرَتْ إِلَى اَلْمَدِينَةِ مَعَ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ، فَأَقَامَتْ مَعَهُ عَشْرَ سِنِينَ، وَ كَانَ عُمُرُهَا ثَمَانِيَ (1) عَشَرَ سَنَةً، وَ أَقَامَتْ مَعَ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بَعْدَ وَفَاةِ أَبِيهَا خَمْسَةً وَ سَبْعِينَ (2) وَ فِي رِوَايَةٍ:

أَرْبَعِينَ يَوْماً.

ص: 125


1- في الأصل: ثمانية.
2- كذا في الأصل، و هي خمسة و سبعين يوما.

حَدَّثَنِي بِذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى اَلطُّوسِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو اَلسُّكَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا اَلْهَيْثَمُ بْنُ عَدِيٍّ، قَالَ: اَلذَّارِعُ (1) أَنَا أَقُولُ: فَعُمُرُهَا عَلَى هَذِهِ اَلرِّوَايَةِ ثَمَانِيَ (2) عَشَرَ سَنَةً وَ شَهْرٌ وَ عَشَرَةُ أَيَّامٍ.

وَ وَلَدَتِ اَلْحَسَنَ وَ لَهَا إِحْدَى(3) عَشَرَ سَنَةً بَعْدَ اَلْهِجْرَةِ بِثَلاَثِ سِنِينَ .

ص: 126


1- في نسخة أخرى: الزّارع.
2- في الأصل: ثمانية.
3- في الأصل: أحد.

ذكر أمير المؤمنين عليه السّلام

وفاته عليه السّلام:

حَدَّثَنَا حَرْبُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا اَلْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ اَلْقُمِّيُّ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ اَلْحُسَيْنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْكَانَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ اَلْعَالِمِ اَلصَّادِقِ.

وَ حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ حَبِيبٍ اَلسِّجِسْتَانِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ قَالاَ:

مَضَى أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ وَ هُوَ اِبْنُ خَمْسٍ وَ سِتِّينَ، سَنَةً أَرْبَعِينَ مِنَ اَلْهِجْرَةِ، وَ نَزَلَ اَلْوَحْيُ عَلَى رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ وَ لِأَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ اِثْنَا عَشَرَ سَنَةً.

وَ تُوُفِّيَ وَ هُوَ اِبْنُ خَمْسٍ وَ سِتِّينَ سَنَةً، فِي سَنَةِ أَرْبَعِينَ مِنَ اَلْهِجْرَةِ، وَ كَانَ عُمُرُهُ بِمَكَّةَ مَعَ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ اِثْنَتَيْ (1) عَشَرَ سَنَةً، وَ أَقَامَ مَعَ رَسُولِ اَللَّهِ ثَلاَثَ عَشَرَ سَنَةً، ثُمَّ هَاجَرَ إِلَى اَلْمَدِينَةِ فَأَقَامَ بِهَا مَعَ رَسُولِ اَللَّهِ عَشْرَ سِنِينَ، ثُمَّ أَقَامَ بَعْدَ مَا تُوُفِّيَ رَسُولُ اَللَّهِ ثَلاَثِينَ سَنَةً. فَكَانَ عُمُرُهُ خَمْساً(2) وَ سِتِّينَ سَنَةً.

قُبِضَ فِي لَيْلَةِ اَلْجُمُعَةِ، قَبْرُهُ بِالْغَرِيِّ.

ص: 127


1- في الأصل: اثنا.
2- في الأصل: خمس.

نسبه:

فهو عليّ بن أبي طالب بن عبد المطّلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرّة.

أمه:

فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف. و لم يكن في زمانه هاشميّ من هاشميّة إلاّ هو و أخوته و ولده.

كنيته:

أبو الحسن، أبو الحسين.

لقبه:

سيّد الوصيّين، و قائد الغرّ المحجّلين، و أمير المؤمنين، و الصّدّيق الأكبر، و الفاروق الأعظم، و قسيم النّار، و الوصيّ، و حيدرة، و أبو تراب.

أولاده:

وُلِدَ لَهُ مِنْ فَاطِمَةَ: اَلْحَسَنُ، وَ اَلْحُسَيْنُ، وَ مُحَسِّنٌ سَقَطَ، وَ زَيْنَبُ، وَ أُمُّ كُلْثُومٍ.

وَ كَانَ لَهُ مِنْ خَوْلَةَ اَلْحَنَفِيَّةِ: مُحَمَّدُ بْنُ اَلْحَنَفِيَّةِ.

وَ كَانَ لَهُ مِنْ أُمِّ اَلْبَنِينَ بِنْتِ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ اَلْكِلاَبِيَّةِ: عَبْدُ اَللَّهِ، وَ اَلْعَبَّاسُ، وَ جَعْفَرٌ، وَ عُثْمَانُ.

وَ كَانَ لَهُ مِنْ أُمِّ حَبِيبٍ اَلتَّغْلَبِيَّةِ مِنْ سَبْيِ خَالِدِ بْنِ اَلْوَلِيدِ: عُمَرُ، وَ رُقَيَّةُ.

وَ كَانَ لَهُ مِنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ اَلْخَثْعَمِيَّةِ: يَحْيَى.

وَ كَانَ لَهُ: أَبُو بَكْرٍ وَ عَبْدُ اَللَّهِ، مِنَ اَلْمِيلاَدِ بِنْتِ مَسْعُودٍ.

وَ كَانَ لَهُ: مُحَمَّدٌ اَلْأَصْغَرُ، مِنْ أُمِّ وَلَدٍ.

ص: 128

وَ كَانَ لَهُ: زَيْنَبُ اَلصُّغْرَى، وَ أُمُّ كُلْثُومٍ اَلصُّغْرَى مِنْ أُمِّ وَلَدٍ.

وَ كَانَ لَهُ: خَدِيجَةُ، وَ أُمُّ هَانِي، وَ تَمِيمَةُ، وَ مَيْمُونَةُ، وَ فَاطِمَةُ، مِنْ أُمِّ وَلَدٍ.

وَ كَانَ لَهُ: أُمٌّ اَلْحُسَيْنِ، وَ رَمْلَةُ، مِنْ أُمِّ شُعَيْبٍ اَلْمَخْزُومِيَّةِ.

وَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: أَنَّ جَعْفَراً وَ عَمْراً وَ اَلْعَبَّاسَ لِأُمَّهَاتِ أَوْلاَدٍ.

و عقبه:

مِنَ اَلْحَسَنِ وَ اَلْحُسَيْنِ، وَ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْحَنَفِيَّةِ، وَ اَلْعَبَّاسِ وَ عُمَرَ.

وَ مَضَى عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ خَلَّفَ أَرْبَعَ حَرَائِرَ: أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ، وَ لَيْلَى اَلتَّمِيمِيَّةَ، وَ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ اَلْخَثْعَمِيَّةَ، وَ أُمَّ اَلْبَنِينَ اَلْكِلاَبِيَّةَ. وَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أُمَّ وَلَدٍ.

ص: 129

ذكر الحسن بن عليّ عليهما السّلام

وفاته عليه السّلام:

حَدَّثَنَا حَرْبٌ وَ صَدَقَةُ، بِالْإِسْنَادِ اَلَّذِي تَقَدَّمَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ وَ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ قَالاَ:

مَضَى أَبُو مُحَمَّدٍ اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ وَ هُوَ اِبْنُ سَبْعٍ وَ أَرْبَعِينَ سَنَةً.

وَ كَانَ بَيْنَ أَبِي مُحَمَّدٍ اَلْحَسَنِ وَ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ اَلْحُسَيْنِ مُدَّةُ اَلْحَمْلِ، وَ كَانَ حَمْلُ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ اَلْحُسَيْنِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، وَ لَمْ يُولَدْ مَوْلُودٌ قَطُّ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَعَاشَ غَيْرُ اَلْحُسَيْنِ وَ عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ.

فَأَقَامَ أَبُو مُحَمَّدٍ مَعَ جَدِّهِ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ سَبْعَ سِنِينَ، وَ أَقَامَ مَعَ أَبِيهِ بَعْدَ وَفَاةِ جَدِّهِ ثَلاَثِينَ سَنَةً، وَ أَقَامَ بَعْدَ وَفَاةِ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ عَشْرَ سِنِينَ، فَكَانَ عُمُرُهُ سَبْعاً وَ أَرْبَعِينَ.

أمّه:

فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم

كنيته:

يكنّى بأبي محمّد.

لقبه:

الوزير، و التّقيّ، و القائم، و الطّيّب، و الحجّة، و السّيّد، و السّبط، و الوليّ.

ص: 130

قبره

بالمدينة بالبقيع.

أولاده:

ولد له أحد عشر ابنا و بنت.

أسماء بنيه: عبد اللّه، و القاسم، و الحسن، و زيد، و عمرو، و عبيد اللّه، و عبد الرحمن، و أحمد، و إسماعيل، و الحسين، و عقيل، و أمّ الحسن.

ص: 131

ذكر الحسين بن علي عليهما السّلام

وفاته عليه السّلام:

حَدَّثَنَا حَرْبٌ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ اَلصَّادِقِ قَالَ:

مَضَى أَبُو عَبْدِ اَللَّهِ اَلْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ أُمُّهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ وَ هُوَ اِبْنُ سَبْعٍ وَ خَمْسِينَ سَنَةً، فِي عَامِ إِحْدَى وَ سِتِّينَ (1) مِنَ اَلْهِجْرَةِ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ.

مقامه مع جده و أبيه و أخيه:

وَ كَانَ مُقَامُهُ مَعَ جَدِّهِ رَسُولِ اَللَّهِ سَبْعَ سِنِينَ، إِلاَّ مَا كَانَ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ أَبِي مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ هُوَ سَبْعَةُ أَشْهُرٍ وَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ.

وَ أَقَامَ مَعَ أَبِيهِ ثَلاَثِينَ سَنَةً.

وَ أَقَامَ مَعَ أَبِي مُحَمَّدٍ عَشْرَ سِنِينَ، وَ أَقَامَ بَعْدَ مُضِيِّ أَخِيهِ اَلْحَسَنِ عَشْرَ سِنِينَ.

عمره:

وَ كَانَ عُمُرُهُ سَبْعاً وَ خَمْسِينَ سَنَةً إِلاَّ مَا كَانَ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ أَخِيهِ مِنَ اَلْحَمْلِ.

ص: 132


1- في الأصل: و الستين.

وَ قُبِضَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ يَوْمَ اَلْجُمُعَةِ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَ سِتِّينَ، وَ يُقَالُ فِي يَوْمَ عَاشُورَاءَ يَوْمَ اَلاِثْنَيْنِ.

وَ كَانَ بَقَاؤُهُ بَعْدَ أَخِيهِ اَلْحَسَنِ إِحْدَى(1) عَشَرَ سَنَةً.

حَدَّثَنَا بِذَلِكَ صَدَقَةُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ: .

قبره:

قبره بكربلاء.

كنيته:

يكنّى بأبي عبد اللّه عليه السّلام.

لقبه:

الرّشيد، و الطّيب، و الوفيّ، و السّيّد، و المبارك، و التّابع لمرضاة اللّه، و الدّليل على ذات اللّه (عزّ و جلّ) و السّبط.

أولاده:

وُلِدَ لَهُ سِتَّةُ بَنِينَ وَ ثَلاَثُ بَنَاتٍ: عَلِيٌّ اَلْأَكْبَرُ اَلشَّهِيدُ مَعَ أَبِيهِ، وَ عَلِيٌّ اَلْإِمَامُ سَيِّدُ اَلْعَابِدِينَ، وَ عَلِيٌّ اَلْأَصْغَرُ، وَ مُحَمَّدٌ، وَ عَبْدُ اَللَّهِ اَلشَّهِيدُ مَعَ أَبِيهِ، وَ جَعْفَرٌ، وَ زَيْنَبُ، وَ سَكِينَةُ، وَ فَاطِمَةُ.

ص: 133


1- في الأصل: أحد.

ذكر عليّ بن الحسين عليهما السّلام

ولادته عليه السّلام:

وَ بِالْإِسْنَادِ اَلَّذِي قَبْلَهُ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ اَلصَّادِقِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ:

وُلِدَ عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَ ثَلاَثِينَ مِنَ اَلْهِجْرَةِ، قَبْلَ وَفَاةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ بِسَنَتَيْنِ.

مقامه مع جده و عمه و أبيه:

وَ أَقَامَ مَعَ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ سَنَتَيْنِ، وَ مَعَ أَبِي مُحَمَّدٍ اَلْحَسَنِ عَشْرَ سِنِينَ، وَ أَقَامَ مَعَ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَشْرَ سِنِينَ.

عمره:

فَكَانَ عُمُرُهُ سَبْعاً وَ خَمْسِينَ سَنَةً. وَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّهُ وُلِدَ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَ ثَلاَثِينَ.

وفاته:

وَ قُبِضَ وَ هُوَ اِبْنُ سَبْعٍ وَ خَمْسِينَ سَنَةً فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَ تِسْعِينَ.

وَ كَانَ بَقَاؤُهُ بَعْدَ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ ثَلاَثاً وَ ثَلاَثِينَ سَنَةً.

وَ يُقَالُ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَ تِسْعِينَ.

ص: 134

أمّه:

و أمّه خولة بنت يزدجرد ملك فارس، و هي التي سمّاها أمير المؤمنين شه زنان.

و يقال كان اسمها: برّة بنت النّوشجان.

و يقال: بل كان اسمها شهربانو بنت يزدجرد.

كنيته:

أبو بكر، و أبومحمّد، و أبوالحسن.

قبره

بالمدينة بالبقيع.

لقبه:

الزّكيّ، و زين العابدين، و ذو الثّفنات، و الأمين.

أولاده:

وُلِدَ لَهُ ثَمَانِيَةُ بَنِينَ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أُنْثَى.

أَسْمَاءُ وُلْدِهِ: مُحَمَّدٌ اَلْبَاقِرُ، وَ زَيْدٌ اَلشَّهِيدُ بِالْكُوفَةِ، وَ عَبْدُ اَللَّهِ، وَ عُبَيْدُ اَللَّهِ، وَ اَلْحَسَنُ، وَ اَلْحُسَيْنُ، وَ عَلِيٌّ، وَ عُمَرُ.

ص: 135

ذكر محمّد الباقر عليه السّلام

ولادته عليه السّلام:

وَ بِالْإِسْنَادِ اَلْأَوَّلِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ:

وُلِدَ مُحَمَّدٌ اَلْبَاقِرُ قَبْلَ مُضِيِّ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ بِثَلاَثِ سِنِينَ.

وفاته:

تُوُفِّيَ وَ هُوَ اِبْنُ سَبْعٍ وَ خَمْسِينَ سَنَةً، سَنَةَ مِائَةٍ وَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِنَ اَلْهِجْرَةِ.

إقامته مع أبيه و جده:

أَقَامَ مَعَ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ خَمْساً وَ ثَلاَثِينَ سَنَةً إِلاَّ شَهْرَيْنِ. وَ أَقَامَ بَعْدَ مُضِيِّ أَبِيهِ تِسْعَ عَشَرَ سَنَةً.

عمره:

فَكَانَ عُمُرُهُ سَبْعاً وَ خَمْسِينَ سَنَةً.

وَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى قَامَ أَبُو جَعْفَرٍ وَ هُوَ اِبْنُ ثَمَانٍ وَ ثَلاَثِينَ سَنَةً.

وَ كَانَ مَوْلِدُهُ سَنَةَ سِتٍّ وَ خَمْسِينَ، وَ قَدْ أَدْرَكَهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اَللَّهِ اَلْأَنْصَارِيُّ وَ هُوَ صَغِيرٌ فِي اَلْكُتَّابِ، فَأَقْرَأَهُ عَنْ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ وَ قَالَ: هَكَذَا أَمَرَنِي رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ.

ص: 136

رَوَاهُ اِبْنُ اَلزُّبَيْرِ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اَللَّهِ، فَأَتَاهُ عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ وَ مَعَهُ اِبْنُهُ مُحَمَّدٌ اَلْبَاقِرُ، فَقَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ لِمُحَمَّدٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: «قَبِّلْ رَأْسَ عَمِّكَ» فَدَنَا مُحَمَّدٌ مِنْ جَابِرٍ فَقَبَّلَ رَأْسَهُ، فَقَالَ جَابِرٌ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: «اِبْنِي مُحَمَّدٌ» فَضَمَّهُ جَابِرٌ إِلَيْهِ وَ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اَللَّهِ يَقْرَأُ عَلَيْكَ اَلسَّلاَمَ.

فَقِيلَ لِجَابِرٍ: وَ كَيْفَ ذَاكَ؟ فَقَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اَللَّهِ وَ اَلْحُسَيْنُ فِي حَجْرِهِ وَ هُوَ يُلاَعِبُهُ، فَقَالَ: «يَا جَابِرُ يُولَدُ لاِبْنِيَ اَلْحُسَيْنِ اِبْنٌ يُقَالُ لَهُ: عَلِيٌّ، إِذَا كَانَ يَوْمُ اَلْقِيَامَةِ نَادَى مُنَادٍ: لِيَقُمْ سَيِّدُ اَلْعَابِدِينَ، فَيَقُومُ عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ، وَ يُولَدُ لِعَلِيٍّ اِبْنٌ يُقَالُ لَهُ: مُحَمَّدٌ، يَا جَابِرُ إِنْ رَأَيْتَهُ فَأَقْرِئْهُ مِنِّي اَلسَّلاَمَ، وَ اِعْلَمْ أَنَّ بَقَاءَكَ بَعْدَ رُؤْيَتِهِ يَسِيرٌ» فَمَا أَتَى عَلَى جَابِرٍ أَيَّامٌ يَسِيرَةٌ حَتَّى مَاتَ.

حَدَّثَنَا بِذَلِكَ صَدَقَةُ بْنُ مُوسَى بْنِ تَمِيمٍ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ صَمْرَةَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ اِبْنِ اَلزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ بِذَلِكَ .

أمه:

أمّ محمّد فاطمة أمّ الحسن بنت الحسن بن عليّ عليهما السّلام.

لقبه:

باقر العلم، و الشّاكر و الهادي.

أولاده:

ولد له ثلاث بنين و ابنة.

أسماء بنيه: جعفر الإمام الصّادق، و عبد اللّه، و إبراهيم، و أمّ سلمة فقط.

قبره:

: بالمدينة بالبقيع.

كنيته:

يكنّى بأبي جعفر.

ص: 137

ذكر جعفر الصّادق عليه السّلام

وفاته عليه السّلام:

وَ بِالْإِسْنَادِ اَلْأَوَّلِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ:

مَضَى أَبُو عَبْدِ اَللَّهِ وَ هُوَ اِبْنُ خَمْسٍ وَ سِتِّينَ سَنَةً. وَ يُقَالُ: ثَمَانٍ وَ سِتِّينَ سَنَةً فِي سَنَةِ مِائَةٍ وَ ثَمَانِيَةٍ وَ أَرْبَعِينَ.

ولادته:

وَ كَانَ مَوْلِدُهُ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَ ثَمَانِينَ مِنَ اَلْهِجْرَةِ فِي إِحْدَى اَلرِّوَايَتَيْنِ. وَ فِي اَلرِّوَايَةِ اَلثَّانِيَةِ كَانَ مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ ثَمَانِينَ مِنَ اَلْهِجْرَةِ.

مقامه مع جده و أبيه:

وَ كَانَ مُقَامُهُ مَعَ جَدِّهِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ اِثْنَتَيْ (1) عَشَرَ سَنَةً وَ أَيَّاماً، وَ فِي اَلثَّانِيَةِ كَانَ مُقَامُهُ مَعَ جَدِّهِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً.

وَ كَانَ مُقَامُهُ مَعَ أَبِيهِ بَعْدَ مُضِيِّ جَدِّهِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً.

وَ تُوُفِّيَ أَبُو جَعْفَرٍ، وَ لِأَبِي عَبْدِ اَللَّهِ أَرْبَعٌ وَ ثَلاَثُونَ (2) سَنَةً فِي إِحْدَى اَلرِّوَايَتَيْنِ وَ أَقَامَ بَعْدَ أَبِيهِ أَرْبَعاً وَ ثَلاَثِينَ سَنَةً.

ص: 138


1- في الأصل: اثني.
2- في الأصل: ثلاثين.

عمره:

وَ كَانَ عُمُرُهُ فِي إِحْدَى اَلرِّوَايَتَيْنِ خَمْساً وَ سِتِّينَ، وَ فِي اَلرِّوَايَةِ اَلْأُخْرَى ثَمَانٍ وَ سِتِّينَ. قَالَ لَنَا اَلذَّارِعُ (1): وَ اَلْأُولَى هِيَ اَلصَّحِيحَةُ.

أمّه:

أمّ فروة بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر، يعني الصّدّيق.

أولاده:

وَ كَانَ لَهُ سِتَّةُ بَنِينَ وَ اِبْنَةٌ وَاحِدَةٌ.

أَسْمَاءُ وُلْدِهِ: إِسْمَاعِيلُ، وَ مُوسَى اَلْإِمَامُ، وَ مُحَمَّدٌ، وَ عَلِيٌّ، وَ عَبْدُ اَللَّهِ، وَ إِسْحَاقُ، وَ أُمُّ فَرْوَةَ، وَ هِيَ اَلَّتِي زَوَّجَهَا مِنِ اِبْنِ عَمِّهِ اَلْخَارِجِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ زَيْدِ اِبْنِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ.

لقبه:

الصّادق و الصّابر، و الفاضل، و الطّاهر.

قبره:

: بالمدينة بالبقيع.

كنيته:

و يكّنى بأبي عبد اللّه و بأبي إسماعيل.

ص: 139


1- في نسخة أخرى: الزّارع.

ذكر الكاظم عليه السّلام

ولادته عليه السّلام:

وَ بِالْإِسْنَادِ اَلْأَوَّلِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ:

وُلِدَ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ بِالْأَبْوَاءِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَ عِشْرِينَ وَ مِائَةٍ.

وفاته:

وَ قُبِضَ وَ هُوَ اِبْنُ أَرْبَعٍ وَ خَمْسِينَ سَنَةً فِي سَنَةِ مِائَةٍ وَ ثَلاَثٍ وَ ثَمَانِينَ، وَ يُقَالُ: خَمْسٍ وَ خَمْسِينَ سَنَةً.

وَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى، بَلْ كَانَ مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ مِائَةٍ وَ تِسْعٍ وَ عِشْرِينَ مِنَ اَلْهِجْرَةِ حَدَّثَنِي بِذَلِكَ صَدَقَةُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ.

مقامه مع أبيه و جده:

وَ كَانَ مُقَامُهُ مَعَ أَبِيهِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً.

وَ أَقَامَ بَعْدَ أَبِيهِ خَمْساً وَ ثَلاَثِينَ سَنَةً. وَ فِي اَلرِّوَايَةِ اَلْأُخْرَى، بَلْ أَقَامَ مُوسَى مَعَ أَبِيهِ عِشْرِينَ سَنَةً.

حَدَّثَنِي بِذَلِكَ حَرْبٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ اَلرِّضَا عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: .

ص: 140

وفاته:

وَ قُبِضَ مُوسَى اَلْكَاظِمُ وَ هُوَ اِبْنُ خَمْسٍ وَ خَمْسِينَ سَنَةً، سَنَةَ مِائَةٍ وَ ثَلاَثٍ وَ ثَمَانِينَ.

أمّه:

حميدة البربريّة، و يقال: الأندلسيّة أمّ ولد، و هي أمّ إسحاق و فاطمة.

أولاده:

وُلِدَ لَهُ عِشْرُونَ اِبْناً وَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ بِنْتاً.

أَسْمَاءُ بَنِيهِ: عَلِيٌّ اَلرِّضَا اَلْإِمَامُ، وَ زَيْدٌ، وَ إِبْرَاهِيمُ، وَ عَقِيلٌ، وَ هَارُونُ وَ اَلْحَسَنُ، وَ اَلْحُسَيْنُ، وَ عَبْدُ اَللَّهِ، وَ إِسْمَاعِيلُ، وَ عُبَيْدُ اَللَّهِ، وَ عُمَرُ، وَ أَحْمَدُ، وَ جَعْفَرٌ، وَ يَحْيَى، وَ إِسْحَاقُ، وَ اَلْعَبَّاسُ، وَ حَمْزَةُ، وَ عَبْدُ اَلرَّحْمَنِ، وَ اَلْقَاسِمُ، وَ جَعْفَرٌ اَلْأَصْغَرُ.

وَ يُقَالُ: مَوْضِعَ عُمَرَ مُحَمَّدٌ.

وَ أَسْمَاءُ اَلْبَنَاتِ: خَدِيجَةُ، وَ أُمُّ فَرْوَةَ، وَ أَسْمَاءُ، وَ عُلَيَّةُ، وَ فَاطِمَةُ، وَ فَاطِمَةُ، وَ فَاطِمَةُ، وَ أُمُّ كُلْثُومٍ، وَ أُمُّ كُلْثُومٍ، وَ أُمُّ كُلْثُومٍ، وَ آمِنَةُ، وَ زَيْنَبُ، وَ أُمُّ عَبْدِ اَللَّهِ، وَ زَيْنَبُ اَلصُّغْرَى، وَ أُمُّ اَلْقَاسِمِ، وَ حَكِيمَةُ، وَ أَسْمَاءُ اَلصُّغْرَى، وَ مَحْمُودَةُ، وَ أُمَامَةُ، وَ مَيْمُونَةُ.

لقبه:

الكاظم، و الصّابر، و الصّالح، و الأمين.

كنيته:

و يكنّى بأبي الحسن، و أبي إسماعيل.

قبره:

ببغداد بمقابر قريش.

ص: 141

ذكر الرّضا عليه السّلام

وفاته عليه السّلام:

وَ بِالْإِسْنَادِ اَلْأَوَّلِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ:

تُوُفِّيَ وَ لَهُ تِسْعٌ وَ أَرْبَعُونَ (1) سَنَةً وَ أَشْهُرٌ، فِي سَنَةِ مِائَتَيْ سَنَةٍ وَ سَنَةٍ مِنَ اَلْهِجْرَةِ.

ولادته:

وَ كَانَ مَوْلِدُهُ سَنَةَ مِائَةٍ وَ ثَلاَثٍ وَ خَمْسِينَ مِنَ اَلْهِجْرَةِ، بَعْدَ مُضِيِّ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ بِخَمْسِ سِنِينَ.

إقامته مع أبيه و بعده:

فَأَقَامَ مَعَ أَبِيهِ خَمْساً(2) وَ عِشْرِينَ سَنَةً، وَ أَقَامَ بَعْدَ مُضِيِّ أَبِيهِ خَمْساً(3)وَ عِشْرِينَ سَنَةً إِلاَّ شَهْرَيْنِ.

عمره:

و كان عمره تسعا(4) و أربعين و أشهر.

ص: 142


1- في الأصل: تسعة و أربعين.
2- في الأصل: خمس.
3- في الأصل: خمس.
4- في الأصل: تسع.

قبره:

بطوس مدينة خراسان.

أمّه:

الخيزران المريسيّة أمّ ولد، و يقال: شقراء النّوبيّة، و تسمى أروى أمّ البنين.

كنيته:

يكنّى بأبي الحسن.

أولاده:

وُلِدَ لَهُ خَمْسَةُ بَنِينَ وَ اِبْنَةٌ وَاحِدَةٌ.

أَسْمَاءُ بَنِيهِ: مُحَمَّدٌ اَلْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرٍ اَلثَّانِي، أَبُو مُحَمَّدٍ اَلْحَسَنُ، وَ جَعْفَرٌ، وَ إِبْرَاهِيمُ وَ اَلْحَسَنُ وَ عَائِشَةُ فَقَطْ.

لقبه:

الرّضا، و الصّابر، و الوصيّ، و الوفيّ.

ص: 143

ذكر الجواد عليه السّلام

وفاته عليه السّلام:

وَ بِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، قَالَ:

مَضَى اَلْمُرْتَضَى أَبُو جَعْفَرٍ اَلثَّانِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ وَ هُوَ اِبْنُ خَمْسٍ وَ عِشْرِينَ (1) وَ ثَلاَثَةِ أَشْهُرٍ وَ اِثْنَيْ عَشَرَ يَوْماً، فِي سَنَةِ مِائَتَيْنِ وَ عِشْرِينَ مِنَ اَلْهِجْرَةِ.

سنة مولده:

وَ كَانَ مَوْلِدُهُ سَنَةَ مِائَةٍ وَ خَمْسٍ وَ تِسْعِينَ مِنَ اَلْهِجْرَةِ.

مقامه مع أبيه:

و كان مقامه مع أبيه سبع سنين و ثلاثة(2).

يوم و شهر وفاته:

وَ قُبِضَ يَوْمَ اَلثَّلاَثَاءِ (3)، لِسِتِّ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِي اَلْحِجَّةِ، سَنَةَ مِائَتَيْنِ وَ عِشْرِينَ، وَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَقَامَ مَعَ أَبِيهِ تِسْعَ سِنِينَ وَ أَشْهُراً.

ص: 144


1- كذا في الأصل: أي: خمس و عشرين سنة.
2- كذا في الأصل: أي: و ثلاثة أشهر.
3- في الأصل: الثلاثاء.

يوم و شهر ولادته:

ولد في رمضان ليلة الجمعة لتسع عشرة ليلة خلت منه سنة خمس و تسعين و مائة.

سنة وفاته:

و قبض لخمس خلون من ذي الحجّة سنة عشرين و مائتين.

أمّه:

أمّ سكينة مريسية أمّ ولد. و يقال حربان، و اللّه أعلم.

لقبه:

المرتضى، و القانع.

قبره:

ببغداد، مقابر قريش.

كنيته:

يكنّى بأبي جعفر.

ص: 145

ذكر الهادي عليه السّلام

ولادته عليه السّلام:

حَدَّثَنَا حَرْبُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا اَلْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ اَلْقُمِّيُّ اَلْبَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ اَلْآدَمِيُّ اَلْأَزْدِيُّ، حَدَّثَنِي سَهْلُ بْنُ زِيَادٍ قَالَ:

وُلِدَ أَبُو اَلْحَسَنِ اَلْعَسْكَرِيُّ: عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ فِي رَجَبٍ سَنَةَ مِائَتَيْنِ وَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً مِنَ اَلْهِجْرَةِ.

مقامه مع أبيه:

وَ كَانَ مُقَامُهُ مَعَ أَبِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ سِتَّ سِنِينَ وَ خَمْسَةَ أَشْهُرٍ.

وفاته:

وَ مَضَى فِي يَوْمِ اَلاِثْنَيْنِ لِخَمْسِ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ جُمَادَى اَلْآخِرَةِ، سَنَةَ مِائَتَيْنِ وَ أَرْبَعَةٍ وَ خَمْسِينَ مِنَ اَلْهِجْرَةِ.

إقامته بعد أبيه:

وَ أَقَامَ بَعْدَ أَبِيهِ ثَلاَثاً وَ ثَلاَثِينَ سَنَةً وَ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ إِلاَّ أَيَّاماً.

عمره:

وَ كَانَ عُمُرُهُ أَرْبَعِينَ سَنَةً إِلاَّ أَيَّاماً.

ص: 146

قبره:

بسرّ من رأى.

أمّه:

سمانة و يقال: منفرشة المغربيّة.

لقبه:

النّاصح، و المرتضى، و النّقيّ و المتوكّل.

كنيته:

يكنّى بأبي الحسن.

ص: 147

ذكر العسكريّ عليه السّلام

ولادته:

وُلِدَ أَبُو مُحَمَّدٍ اَلْحَسَنُ اَلْعَسْكَرِيُّ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَ ثَلاَثِينَ وَ مِائَتَيْنِ.

وفاته:

وَ تُوُفِّيَ فِي يَوْمِ اَلْجُمُعَةِ. وَ قَالَ بَعْضُ اَلرُّوَاةِ: فِي يَوْمِ اَلْأَرْبِعَاءِ لِثَمَانِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ اَلْأَوَّلِ، سَنَةَ مِائَتَيْنِ وَ سِتِّينَ.

عمره:

وَ كَانَ عُمُرُهُ تِسْعاً وَ عِشْرِينَ سَنَةً.

مِنْهَا بَعْدَ أَبِيهِ خَمْسَ سِنِينَ وَ ثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ وَ ثَلاَثَةَ عَشَرَ يَوْماً.

قبره:

بسرّ من رأى.

أمّه:

سوسن.

هذا آخر رواية حرب.

ص: 148

ذكر الخلف الصّالح عليه السّلام

اسمه و كنيته و أمّه:

حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ اَلرِّضَا عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ:

اَلْخَلَفُ اَلصَّالِحُ مِنْ وُلْدِ أَبِي مُحَمَّدٍ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ وَ هُوَ صَاحِبُ اَلزَّمَانِ وَ هُوَ اَلْمَهْدِيُّ.

وَ حَدَّثَنِي اَلْجَرَّاحُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو اَلْقَاسِمِ طَاهِرُ بْنُ هَارُونَ اِبْنِ مُوسَى اَلْعَلَوِيُّ، عَنْ أَبِيهِ هَارُونَ، عَنْ أَبِيهِ مُوسَى، قَالَ: قَالَ سَيِّدِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ:

اَلْخَلَفُ اَلصَّالِحُ مِنْ وُلْدِي اَلْمَهْدِيُّ، اِسْمُهُ مُحَمَّدٌ، كُنْيَتُهُ أَبُو اَلْقَاسِمِ، يَخْرُجُ فِي آخِرِ اَلزَّمَانِ، يُقَالُ لِأُمِّهِ صَيْقَلُ.

قَالَ لَنَا أَبُو بَكْرٍ اَلزَّارِعُ (1) وَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: بَلْ أُمُّهُ حَكِيمَةُ.

وَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى ثَالِثَةٍ، يُقَالُ لَهَا: نَرْجِسُ، وَ يُقَالُ: بَلْ سَوْسَنُ.، و اللّه أعلم بذلك.

كنيته:

يكنّى بأبي القاسم، و هو ذو الاسمين خلف و محمّد، يظهر في آخر

ص: 149


1- في نسخة أخرى: الذّارع.

الزّمان على رأسه غمامة تظلّه من الشمس تدور معه حيثما دار، ينادي بصوت فصيح هذا المهديّ.

رواية أخرى حول أمّه:

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى اَلطُّوسِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو اَلسُّكَيْنِ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ اَلتَّارِيخِ: أَنَّ أُمَّ اَلْمُنْتَظَرِ يُقَالُ لَهَا: حَكِيمَةُ.

رواية أخرى عن كنيته:

حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اَللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ اَلْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ، قَالَ: يُقَالُ: كُنْيَةُ اَلْخَلَفِ اَلصَّالِحِ، أَبُو اَلْقَاسِمِ، وَ هُوَ ذُو اَلاِسْمَيْنِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آبَائِهِ أَجْمَعِينَ.

ص: 150

ألقاب الرّسول و عترته

اشارة

تأليف بعض المحدّثين و المؤرّخين (قده)

ص: 151

ص: 152

بِسْمِ اَللّٰهِ اَلرَّحْمٰنِ اَلرَّحِيمِ

وَ أُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اَللّٰهِ أمّا بعد: حمدا للّه الّذي أنزل ألقاب أوليائه على التخصيص من السّماء، و الصلاة على محمّد و آله المخصوصين من قبل اللّه بأشرف الألقاب و الأسماء، فإنّ بعض الأصدقاء المحقّقين و العلماء الرّبانيّين سألني أن أذكر ألقاب رسول اللّه و الأئمة المعصومين (عليه و عليهم السّلام) و أن أبيّن الوجه في اختصاص كلّ واحد منهم بلقب مفرد، مع كون جميعهم منعوتا به، ألا ترى أنّهم جميعا مصطفون، و مرتضون، و عابدون، و صادقون، و أتقياء، و أزكياء، ثمّ يلقّب أحدهم بشيء من ذلك دون الآخر، فلبّيت دعوته و أجبته إلى ذلك مستعينا باللّه سبحانه، فما التّوفيق إلاّ منه، و لا العصمة إلاّ من لدنه، و هو حسبي و نعم المعين.

اعلم أنّ ألقاب بني آدم و أسماءهم و كناهم الّتي وسمهم بها أباؤهم و أمّهاتهم، و من يجري مجراهم من المخلوقين كلّها بدل من الإشارة لا تفيد فيمن تختصّ به شيئا، و لا تكسبهم مدحا و لا ذمّا، و لا تعظيما، و لا تحقيرا في الحقيقة.

فأمّا من سمّاه اللّه (تعالى) و لقّبه باسم يفيد علوّ منزلة و عظم شأن للمسمّى و الملقّب، فإنّ تلك الأسماء و الألقاب فيهم بمنزلة الصّفات المفيدة و الأوصاف المشرّفة، و إن كانت أسماء علم أيضا لهم، و كذا على عكس ذلك، ألا ترى أنّ الملعون الذي يوسوس النّاس قد سمّاه اللّه (تعالى) بإبليس، و الشّيطان الرّجيم، و المريد، و المارد، و نحوها و كلّها مفيدة فيه،

ص: 153

لأنّه آيس من رحمة اللّه من حيث الحقيقة، و بعيد من الخيرات، و مطرود و عاص.

و إذا تبيّنت ذلك فاعلم أن كثرة أسماء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و ألقابه الّتي خصّه اللّه بها ليست للتّعريف و العلميّة فقط، و إنّما هي لتعظيمه و تبجيله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و كذلك الكلام في كثرة أسماء حجج اللّه أئمة المؤمنين الاثني عشر من أهل بيته، و ألقابهم الّتي أوحى اللّه (تعالى) بها إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فإنّها كلها تنبىء عن مثابتهم عند اللّه، و استحقاقهم التحميد و التشريف لديه (تعالى) و أنّه يجب على الأمم أن يعزّزوهم و يعظّموهم، فهم الرّعاة و الحجج على هؤلاء، و هم الرّعايا لهم و المحجوج عليهم، و إنّك ترى في كتاب اللّه تعالى و في الأحاديث النبويّة من ذلك ما هو مجمل و مفصّل، و نحن بعون اللّه ننبّه على أكثر ما يتضمّن ممّا نحن بصدده إن شاء اللّه تعالى.

ص: 154

الباب الأوّل: في ذكر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم

اشارة

رُوِيَ أَنَّ اَلنَّبِيَّ (1) صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ قَالَ: «إِذَا أَرَادَ اَللَّهُ اَلْحَشْرَ وَ اَلنَّشْرَ أَحْيَى جَبْرَئِيلَ أَوَّلاً، وَ أَمَرَهُ أَنْ يَأْتِيَ إِلَى قَبْرِي وَ يَدْعُوَنِي، فَيَأْتِينِي وَ يُنَادِينِي، فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اَللَّهِ، يَا نَبِيَّ اَللَّهِ، يَا أَبَا اَلْقَاسِمِ، يَا مُحَمَّدُ، يَا أَحْمَدُ، يَا خَاتَمَ اَلنَّبِيِّينَ، يَا سَيِّدَ اَلْخَلاَئِقِ أَجْمَعِينَ، وَ لاَ يَسْمَعُ مِنِّي جَوَاباً، فَيَقُولُ: إِلَهِي أَنْتَ عَالِمٌ لاَ تُعَلَّمُ فَيَأْمُرُهُ اَللَّهُ أَنْ يَدْعُوَهُ (2) بِأَحَبِّ اَلْأَشْيَاءِ إِلَيْهِ، فَيَقُولُ جَبْرَئِيلُ: يَا شَفِيعَ اَلْمُذْنِبِينَ، فَأَقُولُ لَبَّيْكَ».

وَ رُوِيَ عَنْ آمِنَةَ أُمِّ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ: لَمَّا حَمَلْتُ بِهِ رَأَيْتُ فِي نَوْمِي كَأَنَّ آتِياً أَتَانِي فَقَالَ لِي: قَدْ حَمَلْتِ بِخَيْرِ اَلْأَنَامِ، وَ فِي كُلِّ شَهْرٍ مِنْ تِلْكَ اَلسَّنَةِ سُمِعَ (3) نِدَاءٌ مِنَ اَلسَّمَاءِ: أَبْشِرُوا، فَقَدْ آنَ لِلْمَيْمُونِ اَلْمُبَارَكِ اَلْخُرُوجُ إِلَى اَلْأَرْضِ، وَ إِذَا أَخَذَنِي اَلطَّلْقُ رَأَيْتُ نِسْوَةً كَالَّنْخْلِ أَحْدَقْنَ بِي، فَأَضَاءَ مِنِّي

ص: 155


1- هذا الحديث، لا يخلو من إشكال بالنسبة إلى أفهامنا القاصرة، و ما يخطر ببالي البالي أن اللّه سبحانه و تعالى، خصوصا في تلك النشأة جعله مبرءا من المكروهات، و مختارا بالاختلاف في الدرجات و القربات، و لما كان العود إلى العلم الجسماني مستلزما لانقطاع ما عن التجرد الروحاني، و نوع انخفاض عن العالم الرباني، كرهه، و لم يجب جبرئيل عليه السّلام.
2- في نسخة أخرى: أدعوه.
3- كذا في الأصل.

نُورٌ، وَ خَرَجَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ، فَرَأَيْتُهُ سَاجِداً حَتَّى رَأَيْتُ (1) مِنْ ذَلِكَ اَلنُّورِ إِلَى قُصُورِ بُصْرَى، وَ سَمِعْتُ صَوْتاً: سَمِّيهِ مُحَمَّداً وَ أَنَا اَلْمَحْمُودُ، وَ هَذَا مُحَمَّدٌ شَقَقْتُ اِسْمَهُ مِنِ اِسْمِي، وَ رَأَيْتُ ثَلاَثَةَ نَفَرٍ كَأَنَّ اَلشَّمْسَ تَطْلُعُ مِنْ وُجُوهِهِمْ، مَعَهُمْ إِبْرِيقُ فِضَّةٍ وَ طَشْتٌ مِنْ زُمُرُّدٍ أَخْضَرَ، فَغَسَّلُوهُ وَ خَتَمُوا مَا بَيْنَ كَتِفَيْهِ، وَ لَفُّوهُ فِي اَلْحَرِيرِ، وَ قَالُوا لَهُ: أَبْشِرْ يَا حَبِيبَ اَللَّهِ، أَنْتَ سَيِّدُ وُلْدِ آدَمَ، وَ عِزُّ اَلدُّنْيَا وَ شَرَفٌ لِلْآخِرَةِ، فَطُوبَى لِمَنْ دَخَلَ فِي دَعْوَتِكَ وَ أَحَبَّكَ وَ تَمَسَّكَ بَعْدَكَ بِوَصِيِّكَ وَ اَلْأَئِمَّةِ مِنْ وُلْدِكَ اَلْأَوْصِيَاءِ اَلْمَرْضِيِّينَ، وَ اِسْمُهُ فِي اَلتَّوْرَاةِ أَحْمَدُ عَبْدِيَ اَلْمُخْتَارُ، لاَ فَظٌّ وَ لاَ غَلِيظٌ .

وَ عَنْ سُرَاقَةَ بْنِ جُعْشُمٍ: قَدِمْنَا اَلشَّامَ وَ أَنَا رَابِعُ أَرْبَعَةٍ، فَنَزَلْنَا عَلَى غَدِيرٍ فِيهِ شَجَرَاتٌ وَ قُرْبُهُ مَاءٌ (2) لِدَيْرَانِيٍّ، فَقَالَ: مَنْ أَنْتُمْ؟ قُلْنَا: مِنْ مِصْرَ، قَالَ:

أَيُّ اَلْمِصْرِيِّينَ؟ قُلْنَا: مِنْ خِنْدِفَ، قَالَ: سَيَبْعَثُ فِيكُمْ وَشِيكاً نَبِيّاً اِسْمُهُ مُحَمَّدٌ، فَلَمَّا صِرْنَا إِلَى عِنْدِ أَهْلِنَا وُلِدَ لِكُلِّ رَجُلٍ مِنَّا غُلاَمٌ فَسَمَّيْنَاهُ مُحَمَّداً .

و هذا أيضا من أعلامه.

و منها أنّ اللّه تعالى حفظ اسمه حتّى لم يسمّ باسمه أحد قبله كما فعل بإبراهيم و إسحاق، و يعقوب، و صالح، و يحيى، و غيرهم.

فصل: في ألقابه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم

فمن ألقابه: المصطفى، و المنتجب،

وَ قَدْ رُوِيَ: أَنَّ مَنْ دَعَا فَقَالَ: يَا مُصْطَفِيَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ وَ آلِهِ صَلِّ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّهُ يُسْتَجَابُ دُعَاؤُهُ.

وَ فِي دَعَوَاتِ شَهْرِ رَمَضَانَ: سُبْحَانَ مَنْ أَكْرَمَ مُحَمَّداً سُبْحَانَ مَنِ اِنْتَجَبَ مُحَمَّداً، سُبْحَانَ مَنِ اِنْتَجَبَ عَلِيّاً سُبْحَانَ مَنْ خَصَّ اَلْحَسَنَ وَ اَلْحُسَيْنَ، سُبْحَانَ مَنْ فَطَمَ بِفَاطِمَةَ مُحِبِّيهَا مِنَ اَلنَّارِ.

و من ألقابه: البشير، النّذير، السّراج، المنير، الشّاهد، الدّاعي، المبشّر، المنذر، المدثّر، المزمّل، و معناها أنّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مبشّر بالجنّة لمن أطاع

ص: 156


1- في نسخة أخرى: نظرت.
2- في نسخة أخرى: مقام.

اللّه، و نذير و مخوّف بالنّار لمن عصى اللّه و عصاه، يهتدى به كما يهتدى بالسّراج، المنير الّذي يصدر النّور من جهته، إمّا بفعله، و إمّا لأنّه سبب له، و هو الشّاهد على أمّته فيما يفعلونه و يتولّونه من طاعة و معصية، و ما يفعلون من إيمان و كفر بإمارة و علامة لهما، ليشهد لهم و عليهم يوم القيامة فيجازيهم اللّه بحسبه، و المزمّل، لأنّه زمّل أمرا عظيما أي حمله، و الزّمل:

الحمل، و ازدمله: احتمله.

و قيل: إنّه كان تلفف في مربط(1) سداه شعر، و لحمته وبر، و هو ثناء عليه و تحسين لحالة الّتي كان عليها من القناعة بالقليل من حطام الدّنيا، و المدّثر: قريب منه، و هو لابس الدّثار، و هو ما فوق الشّعار، و الشّعار:

ثوب على الجسد،

وَ مِنْهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: «اَلْأَنْصَارُ شِعَارٌ وَ اَلنَّاسُ دِثَارٌ».

فَقَالَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ:

«نُودِيتُ فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَإِذَا جَبْرَئِيلُ فِي اَلْهَوَاءِ فَأَتْعَبَنِي أَعْبَاءُ اَلْوَحْيِ، فَقُلْتُ: دَثِّرُونِي دَثِّرُونِي».

و أمّا الوجه في جميع تلك الألقاب، فإنّه عليه السّلام مختار، مصطفى، منتجب، اصطفاه اللّه تعالى حبيبا لنفسه و اختاره من ذريّة الأنبياء ليكون خاتمهم، و انتجبه فألطف له حتّى تفرّغ لعبادته و اتّباع مرضاته، و اختصّه بالكرامة السّنيّة استحقاقا من آباء طيّبين طاهرين و أمّهات طاهرات.

وَ قَدْ قَالَ اَللَّهُ تَعَالَى لَهُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: «لَوْلاَكَ لَمَا خَلَقْتُ اَلْأَفْلاَكَ، وَ لَوْلاَكَ لَمَا خَلَقْتُ اَلْكَوْنَيْنِ».، فاصطفى اللّه قبله آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْرٰاهِيمَ وَ آلَ عِمْرٰانَ على عالمي زمانهم لطفا لاحمهم، و اصطفى محمّدا و آله و أنبأ بهم الملائكة قبل وجودهم، و أخبرهم بأحوالهم و أوصافهم، و كيفيّة قيامهم بما يجب عليهم، و أوحى إلى الأنبياء بأخبارهم و آثارهم، فكان محمّد و آله لطفا للملائكة و الأنبياء و أممهم، و لمن يكون إلى قيام السّاعة من المكلّفين.

و إنّما اختار اللّه محمّدا و انتجبه و اصطفاه لاستحقاقه المنزلة العظيمة الّتي تقتضي ذلك، و قد قرىء أيضا: و آل محمّد على العالمين، في قراءة أهل البيت عليهم السّلام و في شواذّ العامّة، و قال تعالى:

ص: 157


1- في نسخة أخرى: مرط.

يٰا أَيُّهَا اَلنَّبِيُّ إِنّٰا أَرْسَلْنٰاكَ شٰاهِداً وَ مُبَشِّراً وَ نَذِيراً (4(1) وَ دٰاعِياً إِلَى اَللّٰهِ بِإِذْنِهِ وَ سِرٰاجاً مُنِيراً (2) .

وصف اللّه محمّدا بخمسة أوصاف ههنا و قابل كلّ منها بخطاب مناسب له، قابل الشّاهد بقوله وَ بَشِّرِ اَلْمُؤْمِنِينَ (3) لأنّه كان شاهدا على أمّته، و هم يكونون شهداء على سائر(4) الأمم، و هو الفضل الكبير.

و قابل المبشّر بالإعراض، لأنّه إذا عرض عن الكافرين و المنافقين، أقبل جميع إقباله على المؤمنين و قابل النّذير ب وَ دَعْ أَذٰاهُمْ (5)، لأنّه إذا ترك خوفه من أذاهم إيّاه لا بدّ من عقاب عاجل أو آجل كانوا منذرين به في المستقبل.

و قابل الدّاعي إلى اللّه بتيسيره و توفيقه بقوله: وَ تَوَكَّلْ عَلَى اَللّٰهِ (5)، لأنّ من توكّل على اللّه يسّر عليه كلّ عسير.

و قابل السّراج المنير بالاكتفاء به (تعالى) وكيلا، لأنّ من آثره اللّه برهانا على جميع خلقه كان جديرا بأن يكتفي به عن جميع خلقه.

فصل: فيما خاطبه به اللّه تعالى

و أعلم أنّ اللّه تعالى خاطب بقوله: يٰا أَيُّهَا اَلْمُزَّمِّلُ (6) في بدء الوحي، و لم يكن قد بلّغ شيئا، ثمّ خوطب بعد ذلك بقوله: يٰا أَيُّهَا اَلنَّبِيُّ (7)يٰا أَيُّهَا اَلرَّسُولُ (8) و المعنى يا أيّها المزّمّل بعبء النّبوّة و المتحمّل لأثقالها، صلّ باللّيل إلاّ قليلا منه، ثمّ قال: يٰا أَيُّهَا اَلْمُدَّثِّرُ (9)، أي يا أيّها

ص: 158


1- سورة الأحزاب، الآية: 48.
2- سورة الأحزاب، الآيتان: 45-46.
3- سورة الأحزاب، الآية: 47.
4- في الأصل: ساير.
5- سورة الأحزاب، الآية: 48.
6- سورة المزّمّل، الآية: 1.
7- سورة الأحزاب، الآية: 50.
8- سورة المائدة، الآية: 41.
9- سورة المدّثّر، الآية: 1.

المتدثّر بثياب التّواضع و لباس العبيد، قُمْ قيام عزم و تصميم فَأَنْذِرْ ، أي فحذّر أولا قومك ثمّ جميع النّاس من عقاب اللّه و عذابه إن لم يؤمنوا، و إن آذوك و أسمعوك، و المعنى فافعل الإنذار من غير تخصيص له بأحد، فكأنّه أمره اللّه بالمزّمّل أن يبدأ بنفسه، و بالمدّثّر أن يأمر النّاس، و لمّا انتشرت دعوته قال اللّه تعالى: يٰا أَيُّهَا اَلنَّبِيُّ إِذٰا طَلَّقْتُمُ اَلنِّسٰاءَ (1)يٰا أَيُّهَا اَلنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مٰا أَحَلَّ اَللّٰهُ لَكَ (2)، فأمره بتبليغ أحكام الشرع و لمّا كان آخر أمره و قربت وفاته قال اللّه له صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يٰا أَيُّهَا اَلرَّسُولُ بَلِّغْ مٰا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ (3).

وَ بِالْإِسْنَادِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مَرْدَوَيْهِ اَلْأَصْبَهَانِيِّ حَدَّثَنَا(4)مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ اِبْنِ دخيمٍ حَدَّثَنَا(5)أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ (6) حَدَّثَنَا(7)إِبْرَاهِيمُ إِسْحَاقَ اَلصَّبِيِّ حَدَّثَنَا(8)عَمْرُو بْنُ أَبِي اَلْمِقْدَامِ وَ هُوَ عَمْرُو بْنُ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ اَلثُّمَالِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي اَلْحَمْرَاءِ خَادِمِ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلصَّلاَةُ وَ اَلسَّلاَمُ يَقُولُ: «رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي إِلَى اَلسَّمَاءِ عَلَى سَاقِ اَلْعَرْشِ اَلْأَيْمَنِ مَكْتُوباً: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اَللَّهُ، مُحَمَّدٌ رَسُولُ اَللَّهِ، صَفْوَتِي مِنْ خَلْقِي، أَيَّدْتُهُ بِعَلِيٍّ وَ نَصَرْتُهُ بِهِ».

وَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ اَلنَّبِيَّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ قَالَ: «أَنَا وَ عَلِيٌّ حُجَّةُ اَللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ».

وَ عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ: أَوَّلُ مَنْ يُكْسَى مِنْ حُلَلِ اَلْجَنَّةِ إِبْرَاهِيمُ لِخُلَّتِهِ، ثُمَّ مُحَمَّدٌ لِأَنَّهُ صَفْوَةُ اَللَّهِ، ثُمَّ عَلِيٌّ.

و قوله عزّ و جلّ: إِنَّ اَللّٰهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ اَلْإِحْسٰانِ (9)، فالعدل رسول اللّه، و الإحسان علي، و الّذي جاء بالصّدق رسول اللّه و صدّق به عليّ.

ص: 159


1- سورة الطلاق، الآية: 1.
2- سورة التحريم، الآية: 1.
3- سورة المائدة، الآية: 67.
4- في الأصل: (نا).
5- في الأصل: (نا).
6- في نسخة أخرى: حسام.
7- في الأصل: (نا).
8- في الأصل: (نا).
9- سورة النحل، الآية: 90.

فصل: في ذكر اللّوح الّذي عليه أسماء النّبيّ و أوصيائه عليهم السّلام

عَنْ جَابِرٍ: دَخَلْتُ عَلَى فَاطِمَةَ عَلَيْهَا اَلسَّلاَمُ وَ قُدَّامَهَا لَوْحٌ أَخْضَرَ ظَنَنْتُ أَنَّهُ مِنْ زُمُرُّدٍ، وَ رَأَيْتُ فِيهِ كِتَاباً شَبِيهَ نُورِ اَلشَّمْسِ، فِيهِ اِثْنَى عَشَرَ اِسْماً ثَلاَثَةٌ فِي ظَاهِرِهِ، وَ ثَلاَثَةٌ فِي بَاطِنِهِ، وَ ثَلاَثَةٌ فِي آخِرِهِ، وَ ثَلاَثَةٌ فِي طَرَفِهِ، فَقُلْتُ: أَسْمَاءُ مَنْ هَؤُلاَءِ؟ قَالَتْ: أَسْمَاءُ اَلْأَوْصِيَاءِ، أَوَّلُهُمْ اِبْنُ عَمِّي وَ أَحَدَ عَشَرَ مِنْ وُلْدِي آخِرُهُمُ اَلْقَائِمُ، فَرَأَيْتُ مُحَمَّداً مُحَمَّداً مُحَمَّداً فِي ثَلاَثَةِ مَوَاضِعَ، وَ عَلِيّاً عَلِيّاً عَلِيّاً عَلِيّاً فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ، فَقَالَتْ فَاطِمَةُ: هَذَا اَللَّوْحُ أَهْدَاهُ اَللَّهُ إِلَى رَسُولِهِ فَأَعْطَانِيهِ أَبِي لِيَسُرَّنِي وَ فِيهِ:

بِسْمِ اَللّٰهِ اَلرَّحْمٰنِ اَلرَّحِيمِ هَذَا كِتَابٌ مِنَ اَللّٰهِ اَلْعَزِيزِ اَلْحَكِيمِ لِمُحَمَّدٍ نُورِهِ وَ سَفِيرِهِ وَ حِجَابِهِ وَ دَلِيلِهِ، فَإِيَّايَ فَاعْبُدْ، وَ عَلَيَّ فَتَوَكَّلْ، إِنِّي لَمْ أَبْعَثْ نَبِيّاً فَأَكْمَلْتُ أَيَّامَهُ، إِلاَّ جَعَلْتُ لَهُ وَصِيّاً، وَ إِنِّي فَضَّلْتُكَ عَلَى اَلْأَنْبِيَاءِ، وَ فَضَّلْتُ وَصِيَّكَ عَلِيّاً عَلَى اَلْأَوْصِيَاءِ، وَ أَكْرَمْتُكَ بِشِبْلَيْكَ وَ سِبْطَيْكَ بَعْدَهُ اَلْحَسَنِ وَ اَلْحُسَيْنِ، فَجَعَلْتُ حَسَناً مَعْدِنَ عِلْمِي، وَ جَعَلْتُ حُسَيْناً خَازِنَ عِلْمِي، وَ أَكْرَمْتُهُ بِالشَّهَادَةِ، جَعَلْتُ كَلِمَتِيَ اَلتَّامَّةَ مَعَهُ، بِعِتْرَتِهِ أُثِيبُ وَ أُعَاقِبُ، أَوَّلُهُمْ عَلِيٌّ سَيِّدُ اَلْعَابِدِينَ وَ زَيْنُ أَوْلِيَائِيَ اَلْمَاضِينَ، وَ اِبْنُهُ شَبِيهُ جَدِّهِ اَلْمَحْمُودِ مُحَمَّدٌ اَلْبَاقِرُ لِعِلْمِي وَ اَلْمَعْدِنُ لِحِكْمَتِي، سَيَهْلِكُ اَلْمُرْتَابُونَ فِي جَعْفَرٍ لَأُكْرِمَنَّ مَثْوَاهُ وَ لَأَسُرَّنَّهُ فِي أَشْيَاعِهِ، اِنْتَجَبْتُ بَعْدَهُ مُوسَى لِأَنَّ خَيْطَ فَرْضِي(1) لاَ يَنْقَطِعُ، وَ وَيْلٌ لِلْمُغْتَرِّينَ اَلْجَاحِدِينَ عِنْدَ اِنْقِضَاءِ عَبْدِي مُوسَى وَ حَبِيبِي وَ خِيَرَتِي، إِنَّ اَلْمُكَذِّبَ بِالثَّامِنِ مُكَذِّبٌ لِكُلِّ أَوْلِيَائِي، وَ هُوَ عَلِيٌّ وَلِيِّي وَ نَاصِرِي، وَ مَنْ أَضَعُ عَلَيْهِ أَعْبَاءَ اَلنُّبُوَّةِ وَ أَمْتَحِنُهُ بِالاِضْطِلاَعِ بِهَا، يَقْتُلُهُ عِفْرِيتٌ مُتَكَبِّرٌ، يُدْفَنُ بِالْمَدِينَةِ اَلَّتِي بَنَاهَا اَلْعَبْدُ اَلصَّالِحُ إِلَى جَنْبِ شَرِّ خَلْقِي(2)، حَقَّ اَلْقَوْلُ مِنِّي لَأُقِرَّنَّ عَيْنَيْهِ بِمُحَمَّدٍ اِبْنِهِ وَ خَلِيفَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ، فَهُوَ وَارِثُ عِلْمِي، وَ مَعْدِنُ حِكْمَتِي، وَ مَوْضِعُ سِرِّي، وَ حُجَّتِي عَلَى

ص: 160


1- في نسخة أخرى: لأنّه خيط فرض.
2- في نسخة أخرى: خلق.

خَلْقِي، وَ أَخْتِمُ بِالسَّعَادَةِ لاِبْنِهِ عَلِيٍّ وَلِيِّي وَ نَاصِرِي، وَ اَلشَّاهِدِ فِي خَلْقِي، وَ أَمِينِي عَلَى وَحْيِي، أُخْرِجُ مِنْهُ اَلدَّاعِيَ إِلَى سَبِيلِي وَ اَلْخَازِنَ لِعِلْمِي اَلْحَسَنَ، ثُمَّ أُكْمِلُ ذَلِكَ بِابْنِهِ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ.

وَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: إِنَّ جَابِراً قَالَ: يَا رَسُولَ اَللَّهِ، وَ مَنِ اَلْأَئِمَّةُ مِنْ وُلْدِ عَلِيٍّ؟ قَالَ: «اَلْحَسَنُ وَ اَلْحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ اَلْجَنَّةِ، ثُمَّ سَيِّدُ اَلْعَابِدِينَ فِي زَمَانِهِ عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ، ثُمَّ اَلْبَاقِرُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، ثُمَّ اَلصَّادِقُ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثُمَّ اَلْكَاظِمُ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ، ثُمَّ اَلرِّضَا عَلِيُّ بْنُ مُوسَى، ثُمَّ اَلتَّقِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، ثُمَّ اَلنَّقِيُّ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثُمَّ اَلزَّكِيُّ اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، ثُمَّ اِبْنُهُ اَلْقَائِمُ بِالْحَقِّ مَهْدِيُّ أُمَّتِي اَلَّذِي يَمْلَأُ اَلْأَرْضَ عَدْلاً بِهِمْ، يَحْفَظُ اَللَّهُ اَلْأَرْضَ أَنْ تَمِيدَ بِأَهْلِهَا» .

ص: 161

ص: 162

الباب الثاني: في ذكر أمير المؤمنين علي عليه السّلام

اشارة

عَنِ اَلصَّادِقِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: «إِنَّ فَاطِمَةَ اِبْنَةَ أَسَدٍ قَالَتْ لَمَّا حَمَلْتُ بِعَلِيٍّ: رَآنِي رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَقَالَ: إِنَّ مَعَكَ حَمْلاً يَا أُمَّاهْ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: إِنْ وَلَدْتِيهِ ذَكَراً فَهَبِيهِ لِي اُشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَ أَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي، فَسَمِعَهُ أَبُو طَالِبٍ فَقَالَ: عَزِيزِي أَنَا غُلاَمُكَ، وَ فَاطِمَةُ جَارِيَتُكِ، إِنْ وَلَدَتْ ذَكَراً أَوْ أُنْثَى فَهُوَ لَكَ فَلَمَّا تَمَّتْ شُهُورِي طُفْتُ بِالْبَيْتِ ثَلاَثاً فَضَرَبَنِي اَلطَّلْقُ، فَاسْتَقْبَلَنِي مُحَمَّدٌ وَ قَالَ: مَا لِي أَرَى وَجْهَكِ مُتَغَيِّراً، قُلْتُ: ضَرَبَنِي اَلطَّلْقُ، قَالَ:

فَرَغْتِ مِنَ اَلطَّوَافِ. قُلْتُ: لاَ، قَالَ: طُوفِي فَإِنْ أَتَى عَلَيْكِ أَمْرٌ لاَ تُطِيقِنَّهُ، فَادْخُلِي اَلْكَعْبَةَ فَهِيَ سِتْرُ اَللَّهِ، فَلَمَّا كُنْتُ فِي اَلسَّابِعَةِ وَ عَلاَنِي مَا لاَ أُطِيقُهُ دَخَلْتُ اَلْكَعْبَةَ، فَلَمَّا تَوَسَّطْتُهَا بِإِزَاءِ اَلرُّخَامَةِ اَلْحَمْرَاءِ وَلَدْتُ عَلِيّاً سَاجِداً لِلَّهِ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: سُبْحَانَكَ سُبْحَانَكَ، وَ رَأَيْتُ نُوراً مِنْ عَلِيٍّ قَدِ اِرْتَفَعَ إِلَى اَلسَّمَاءِ، وَ بَقِيتُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فِي بَيْتِ اَللَّهِ آكُلُ مِنْ ثِمَارِ اَلْجَنَّةِ، وَ سَمِعْتُ هَاتِفاً يَقُولُ: يَا فَاطِمَةُ سَمِّيهِ عَلِيّاً فَهُوَ عَلِيٌّ وَ أَنَا عَلِيٌّ اَلْأَعْلَى، وَ هُوَ اَلْإِمَامُ بَعْدَ حَبِيبِي مُحَمَّدٍ رَسُولِ اَللَّهِ، وَ هُوَ وَلِيِّي اِشْتَقَقْتُ اِسْمَهُ مِنِ اِسْمِي قَالَتْ: فَلَمَّا رَآهُ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ قَالَ: اَلْحَمْدُ لِلَّهِ اَلَّذِي أَتَمَّ لِيَ اَلْوَعْدَ وَ أَنْجَزَ لِيَ اَلْمَوْعُودَ، وَ قَالَ: سَمِّيهِ عَلِيّاً، فَوَضَعَ اَلنَّبِيُّ لِسَانَهُ فِي فِيهِ فَلَمْ يَزَلْ يَمُصُّهُ، وَ نَادَى أَبُو طَالِبٍ:

يَا رَبِّ يَا ذَا اَلْغَسَقِ اَلدَّجِيِّ *** وَ اَلْقَمَرِ اَلْمُبْتَلِجِ اَلْمُضِيِّ

بَيِّنْ لَنَا مِنْ حُكْمِكَ اَلْمَقْضِيِّ *** مَاذَا تَرَى فِي اِسْمِ ذَا اَلصَّبِيِّ

ص: 163

فَلَمَّا أَصْبَحَ إِذَا هُوَ بِلَوْحٍ أَخْضَرَ فِيهِ مَكْتُوبٌ:

خُصِّصْتُمَا بِالْوَلَدِ اَلزَّكِيِّ *** وَ اَلطَّاهِرِ اَلْمُنْتَجَبِ اَلرَّضِيِّ

فَاِسْمُهُ مِنْ شَامِخٍ عَلِيٍّ *** عَلِيٌّ اُشْتُقَّ مِنَ اَلْعَلِيِّ

فَعَلَّقَ أَبُو طَالِبٍ اَللَّوْحَ عَلَى اَلْكَعْبَةِ، فَلَمْ يَزَلْ مُعَلَّقاً عَلَيْهَا إِلَى أَيَّامِ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ اَلْمَلِكِ» .

وَ بِالْإِسْنَادِ عَنْ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ اَلْمُطَّلِبِ قَالَ: كُنْتُ قَاعِداً بِإِزَاءِ اَلْكَعْبَةِ، وَ إِذَا فَاطِمَةُ بِنْتُ أَسَدٍ تَقُولُ: يَا رَبِّ إِنِّي مُؤْمِنَةٌ بِكَ وَ بِمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِكَ وَ بِكُلِّ نَبِيٍّ مِنْ أَنْبِيَائِكَ، أَسْأَلُكَ بِحَقِّ هَذَا اَلْبَيْتِ وَ مَنْ بَنَاهُ، وَ بِحَقِّ هَذَا اَلْإِمَامِ اَلْكَرِيمِ وَ اَلنَّبَإِ اَلْعَظِيمِ اَلَّذِي فِي أَحْشَائِي، فَإِنِّي مُوقِنَةٌ بِأَنَّهُ أَحَدُ آيَاتِكَ وَ عَلاَمَاتِكَ، لَمَّا يَسَّرْتَ عَلَيَّ وِلاَدَتِي، قَالَ اَلْعَبَّاسُ: فَرَأَيْتُ اَلْبَيْتَ قَدِ اِنْفَتَحَ مِنْ ظَهْرِهِ وَ دَخَلَتْ فِيهِ فَاطِمَةُ، ثُمَّ عَادَتِ اَلْفَتْحَةُ فالترقب [فَالْتَزَقَتْ]، فَأَرَدْنَا أَنْ نَفْتَحَ اَلْبَابَ لِتَصِلَ إِلَيْهَا نِسَاؤُنَا، فَعَالَجْنَا اَلْبَابَ فَلَمْ يَنْفَتِحْ، فَعَلِمْنَا أَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِ اَللَّهِ (1)، وَ بَقِيَتْ فَاطِمَةُ اِبْنَةُ أَسَدٍ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فِي اَلْبَيْتِ وَ أَهْلُ مَكَّةَ يَتَعَجَّبُونَ (2)مِنْ ذَلِكَ.

فصل: في أصل اسمه و بعض الآيات الواردة فيه عليه السّلام

وَ بِالْإِسْنَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي اَلثَّلْجِ حَدَّثَنَا(3)يُوسُفُ مُوسَى اَلْعَطَّارِ، عَنْ وَكِيعِ بْنِ اَلْجَرَّاحِ (4)، عَنِ اَلْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ اَلنَّبِيَّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ قَالَ: «قَالَ لِي رَبِّي تَبَارَكَ وَ تَعَالَى: إِنِّي أَنَا اَلْعَلِيُّ اَلْأَعْلَى اِشْتَقَقْتُ اِسْمَ عَلِيٍّ مِنِ اِسْمِي فَسَمَّيْتُهُ عَلِيّاً، ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيَّ بِعَقِبِ ذَلِكَ: وَ وَهَبْنٰا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنٰا وَ جَعَلْنٰا لَهُمْ لِسٰانَ صِدْقٍ عَلِيًّا (5).

ص: 164


1- في نسخة أخرى: بأمر اللّه.
2- في نسخة أخرى: متعجبون.
3- في الأصل: (نا).
4- في نسخة أخرى: الجناح.
5- سورة مريم، الآية: 50.

قَالَ مُحَمَّدٌ: حَدَّثَنَا(1)عِيسَى بْنُ مِهْرَانَ اَلصَّبِيُّ حَدَّثَنَا(2)أَبُو اَلْوَلِيدِ اَلصَّبِيُّ حَدَّثَنَا(3)عَبْدُ اَلْوَاحِدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو اَلْأَسَدِيُّ، عَنِ اَلْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ قَالَ: «مَكْتُوبٌ عَلَى اَلْعَرْشِ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا وَحْدِي، مُحَمَّدٌ عَبْدِي وَ رَسُولِي، نَصَرْتُهُ بِعَلِيٍّ، فَنَزَلَتْ بِعَقِبِهِ هَذِهِ اَلْآيَةُ:

هُوَ اَلَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَ بِالْمُؤْمِنِينَ (4) يَعْنِي بِعَلِيِّ.

قَالَ مُحَمَّدٌ: حَدَّثَنَا(5)مُحَمَّدُ بْنُ اَلْحَسَنِ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، عَنْ أَبِي اَلْمُخْتَارِ عَنِ اَلْجَارُودِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيٰاتِ رَبِّكَ (6)«قَالَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: مَا لِلَّهِ آيَةٌ أَكْبَرُ مِنِّي».

عَنْ عَمْرِو بْنِ اَلْحَمِقِ، قَالَ: كُنْتُ جَالِساً عِنْدَ اَلنَّبِىِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ فَقَالَ: «أَ تُحِبُّ أَنْ أُرِيَكَ آيَةَ اَلْجَنَّةِ، فَمَرَّ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ: هَذَا وَ أَهْلُ بَيْتِهِ آيَةُ اَلْجَنَّةِ، وَ مَرَّ. مُعَاوِيَةُ فَقَالَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: هَذَا آيَةُ اَلنَّارِ، فَلَمَّا وَقَعَتِ اَلْفِتْنَةُ فَرَرْتُ مِنْ آيَةِ اَلنَّارِ إِلَى آيَةِ اَلْجَنَّةِ».

وَ رُوِيَ عَنِ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: «كَانَ إِذَا دَعَا أَبَاهُ يَقُولُ: يَا أَبَا اَلْحَسَنِ وَ كَانَ اَلْحَسَنُ يَدْعُو أَبَاهُ فَيَقُولُ: يَا أَبَا اَلْحُسَيْنِ».

وَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مَرْدَوَيْهِ حَدَّثَنَا(7)إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا(8)مَحْمُودُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ اَلصباخِ حَدَّثَنَا(9)عَبْدُ اَلْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ: أَنَّ رَجُلاً أَتَاهُ فَقَالَ: أَ تَسُبُّ، هَذَا أَمِيرُ اَلْمَدِينَةِ يَدْعُوكَ لِتَسُبَّ عَلِيّاً عِنْدَ(10) اَلْمِنْبَرِ قَالَ: قَالَ: فَأَقُولُ مَاذَا؟ قَالَ تَقُولُ: أَبُو تُرَابٍ، فَضَحِكَ

ص: 165


1- في الأصل: (نا).
2- في الأصل: (نا).
3- في الأصل: (نا).
4- سورة الأنفال، الآية: 62.
5- في الأصل: (نا).
6- سورة الأنعام، الآية: 158.
7- في الأصل: (نا).
8- في الأصل: (نا).
9- في الأصل: (نا).
10- في نسخة أخرى: على.

سَهْلٌ ثُمَّ قَالَ: وَ اَللَّهِ مَا سَمَّاهُ إِيَّاهُ إِلاَّ رَسُولُ اَللَّهِ، وَ اَللَّهِ مَا كَانَ مِنِ اِسْمٍ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْهُ.

قَالَ عَبْدُ اَلْعَزِيزِ: فَقَالَ أَبِي: حَدَّثَنَا(1)اَلْعَبَّاسُ كَيْفَ كَانَ ذَلِكَ، فَقَالَ:

دَخَلَ عَلِيٌّ عَلَى فَاطِمَةَ ثُمَّ خَرَجَ فَاضْطَجَعَ فِي اَلْمَسْجِدِ، فَخَرَجَ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ فَوَجَدَ رِدَاءَ عَلِيٍّ قَدْ سَقَطَ عَنْ ظَهْرِهِ وَ خَلَصَ اَلتُّرَابُ، فَجَعَلَ رَسُولُ اَللَّهِ يَمْسَحُ اَلتُّرَابَ عَنْ ظَهْرِهِ وَ يَقُولُ: «اِجْلِسْ أَبَا تُرَابٍ، اِجْلِسْ أَبَا تُرَابٍ»، وَ اَللَّهِ مَا مِنِ اِسْمٍ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْهُ، مَا سَمَّاهُ بِهِ إِلاَّ رَسُولُ اَللَّهِ .

وَ عَنِ اِبْنِ مَرْدَوَيْهِ، حَدَّثَنَا(2)مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا(3)عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اَلْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا(4)عَبْدُ اَلرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا(5)أَبُو مَالِكٍ يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ عَطَاءٍ اَلْمَكِّيُّ، عَنْ أَبِي اَلطُّفَيْلِ قَالَ: جَاءَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ - وَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ نَائِمٌ عَلَى اَلتُّرَابِ، فَأَيْقَظَهُ وَ جَعَلَ يَمْسَحُ اَلتُّرَابَ عَنْ ظَهْرِهِ، وَ خَلَصَ اَلتُّرَابُ إِلَى ظَهْرِهِ، فَجَعَلَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ يَمْسَحُ اَلتُّرَابَ عَنْ ظَهْرِهِ وَ يَقُولُ: «إِنَّمَا أَنْتَ أَبُو تُرَابٍ» قَالَ سَهْلٌ كُنَّا نَمْدَحُهُ بِهَذَا، فَأَرَى أُنَاساً(6) يَعِيبُونَهُ بِهِ .

وَ عَنِ اِبْنِ مَرْدَوَيْهِ، حَدَّثَنَا(7)أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ سِنْجَابٍ، حَدَّثَنَا(8)مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ مُوسَى، حَدَّثَنَا(9)حَمَّادُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا(10)جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرٍ، سَمِعْتُ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ يَقُولُ لِعَلِيٍّ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلاَثٍ: «سَلاَمٌ عَلَيْكَ أَبَا اَلرَّيْحَانَتَيْنِ، أُوصِيكَ رَيْحَانَتَيَّ مِنَ اَلدُّنْيَا، فَعَنْ قَلِيلٍ يَنْهَدُّ رُكْنَاكَ، وَ اَللَّهُ خَلِيفَتِي عَلَيْكَ»، فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ قَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: «هَذَا أَحَدُ رُكْنَيَّ اَلَّذِي قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ فَلَمَّا مَاتَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا اَلسَّلاَمُ قَالَ عَلِيٌّ: «هَذَا اَلرُّكْنُ

ص: 166


1- في الأصل: (نا).
2- في الأصل: (نا).
3- في الأصل: (نا).
4- في الأصل: (نا).
5- في الأصل: (نا).
6- في نسخة أخرى: الناس.
7- في الأصل: (نا).
8- في الأصل: (نا).
9- في الأصل: (نا).
10- في الأصل: (نا).

اَلثَّانِي اَلَّذِي قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ».

فصل: في بعض أحاديث الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فيه عليه السّلام

اعلم أنّ ألقاب رسول اللّه و ألقاب الأئمة الاثنى عشر من أهل بيته (عليه و عليهم السّلام) أكثر من أن تحصى، و لكلّ لقب سبب أو وجه يخصّصه به، و إن لم نعلمه إلاّ جملة، و هو عليه السّلام المرتضى، لأنّ اللّه عزّ و جلّ إرتضى عقيدته و أفعاله و أقواله و أخلاقه، و ارتضاها له رسول اللّه، و رضي اللّه أن يكون وزيرا لرسول اللّه و خليفة له بعده و وصيّا له، و رضيه رسول اللّه لنفسه و ارتضاه إماما و رضوا به و عنه.

و هو وليّ المؤمنين و موالي المؤمنين، لأنّه بعد رسول اللّه كان أولى بهم منهم بأنفسهم، و هو وليّ اللّه.

وَ عَنْ عَمَّارٍ سَمِعْتُ اَلنَّبِيَّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ (1): «إِنَّ اَللَّهَ زَيَّنَكَ بِزِينَةٍ لَمْ يُزَيِّنِ اَلْعِبَادَ بِزِينَةٍ أَحْسَنَ مِنْهَا اَلزُّهْدُ فِي اَلدُّنْيَا، فَجَعَلَكَ لاَ تُنَالُ مِنْهَا وَ لاَ تَنَالُ مِنْكَ، وَ وَهَبَ لَكَ حُبَّ اَلْمَسَاكِينِ، فَجَعَلَهُمْ يَرْضَوْنَ بِكَ إِمَاماً وَ تَرْضَى بِهِمْ أَتْبَاعاً».

عَنْ بَكْرِ بْنِ مَرْدَوَيْهِ، حَدَّثَنَا(2)مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ نُعَيْمِ، حَدَّثَنَا(3) أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ اَلْغِفَارِيُّ، حَدَّثَنَا(4) نَصْرُ بْنُ مُزَاحِمٍ، حَدَّثَنَا(5) أَبُو خَالِدٍ اَلْوَاسِطِيُّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ آبَائِهِ، عَنِ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ قَالَ: «يَا عَلِيُّ أَنْتَ اَلْوَزِيرُ وَ اَلْخَلِيفَةُ وَ اَلْوَصِيُّ فِي اَلْأَهْلِ وَ اَلْمَالِ وَ فِي اَلْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ غَيْبَةٍ.

وَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ: «أَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا إِنْ سَالَمْتُمْ عَلَيْهِ لَمْ تَهْلِكُوا إِنَّ وَلِيَّكُمْ وَ إِمَامَكُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ».

وَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ سَلْمَانَ: قَالَ لِي رَسُولُ اَللَّهِ: «هَلْ تَدْرِي مَنْ وَصِيِّي؟

ص: 167


1- كذا في الأصل، و يبدو أنّها سمعت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول:
2- في الأصل: (نا).
3- في الأصل: (نا).
4- في الأصل: (نا).
5- في الأصل: (نا).

قَالَ (1)، اَللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَعْلَمُ فَقَالَ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ: «وَصِيِّي وَ مَوْضِعُ سِرِّي عَلِيٌّ».

وَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّ اَلنَّبِيَّ قَالَ لِي: «اِشْهَدِي أَنَّ عَلِيّاً وَصِيِّي، وَ إِنَّهُ وَلِيِّي فِي اَلدُّنْيَا وَ اَلْآخِرَةِ، وَ إِنَّهُ يُقَاتِلُ اَلنَّاكِثِينَ وَ اَلْقَاسِطِينَ وَ اَلْمَارِقِينَ».

فصل: في ما لقّبه به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم

عَنِ اَلْحَافِظِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مَرْدَوَيْهِ حَدَّثَنَا(2) مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دَخِيلٍ (3)حَدَّثَنَا(4) أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ حَدَّثَنَا(5) يَحْيَى بْنُ اَلْحَانِي حَدَّثَنَا(6) عَبْدُ اَلْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ اَلْهَاءِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ عَجِيزٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيٍّ: أَنَّ اَلنَّبِيَّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ قَالَ لَهُ: «أَمَّا أَنْتَ فَصَفِيِّي وَ أَمِينِي» قَالَ:

«رَضِيتُ يَا رَسُولَ اَللَّهِ».

وَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ:

«أُوحِيَ إِلَيَّ فِي عَلِيٍّ بِثَلاَثٍ إِنَّهُ سَيِّدُ اَلْمُسْلِمِينَ، وَ إِمَامُ اَلْمُتَّقِينَ، وَ قَائِدُ اَلْغُرِّ اَلْمُحَجَّلِينَ».

وَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ: «يَا أَنَسُ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ اَلْيَوْمَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ، وَ سَيِّدُ اَلْمُسْلِمِينَ، وَ خَاتَمُ اَلْوَصِيِّينَ، وَ إِمَامُ اَلْغُرِّ اَلْمُحَجَّلِينَ، فَجَاءَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ.

وَ بِإِسْنَادِهِ عَنِ اَلرِّضَا عَنْ آبَائِهِ عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ أَنَّ اَلنَّبِيَّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ قَالَ: «يَا عَلِيُّ إِنَّكَ سَيِّدُ اَلْمُسْلِمِينَ، وَ إِمَامُ اَلْمُتَّقِينَ، وَ قَائِدُ اَلْغُرِّ اَلْمُحَجَّلِينَ، وَ يَعْسُوبُ اَلْمُؤْمِنِينَ».

و اليعسوب في اللّغة: سيّد النّحل.

و يقال لعلي عليه السّلام: أمير النّحل،

وَ ذَلِكَ أَنَّ قَوْماً مِنَ اَلْكُفَّارِ اِلْتَجَئُوا إِلَى

ص: 168


1- كذا في الأصل، و يجب أن تكون: قلت.
2- في الأصل: (نا).
3- في نسخة أخرى: دخيم.
4- في الأصل: (نا).
5- في الأصل: (نا).
6- في الأصل: (نا).

سَفْحِ جَبَلٍ، فَمَا خَرَجَ إِلَيْهِمْ سُرْبَةٌ إِلاَّ عَجَزُوا عَنِ اَلْوُصُولِ إِلَى هَؤُلاَءِ اَلْكُفَّارِ، وَ كَانَ فِي ذَلِكَ اَلْوَادِي نَحْلٌ كَثِيرٌ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ، فَتَحَصَّنُوا بِذَلِكَ اَلسَّفْحِ، فَقَالَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: «أَيَّتُهَا اَلنَّحْلُ اَلْمُطِيعَةُ لِلَّهِ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِي اُخْرُجِي إِلَى هَؤُلاَءِ اَلْكُفَّارِ وَ اُطْرُدِيهِمْ مِنَ اَلْوَادِي»، فَخَرَجَتِ اَلنَّحْلُ كُلُّهَا عَلَيْهِمْ، وَ تَقَعُ عَلَى وُجُوهِهِمْ وَ أَعْيُنِهِمْ وَ تَضْرِبُهُمْ بِحِمَاتِهَا، فَخَرَجُوا وَ اِسْتَوْلَى عَلَيْهِمْ عَلِيٌّ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ.

وَ قَالَ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ: «أَتَى جَبْرَئِيلُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ قَالَ: إِنَّ اَللَّهَ سَمَّى عَلِيّاً أَمِيراً لاَ يَحِلُّ أَنْ يُدْعَى غَيْرُهُ بِهَذَا اَلاِسْمِ».

وَ نَهَى عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ أَنْ يُدْعَى اَلْحَسَنُ وَ اَلْحُسَيْنُ أَوْ غَيْرُهُمَا مِنَ اَلْأَئِمَّةِ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ، بَلْ يُقَالُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَئِمَّةِ اَلْهُدَى: إِمَامُ اَلْمُؤْمِنِينَ.

وَ عَنِ اِبْنِ مَرْدَوَيْهِ اَلْأَصْبَهَانِيِّ، أَخْبَرَنَا(1)، أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ دَارِمٍ، أَخْبَرَنَا(2) اَلْمُنْذِرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ، أَخْبَرَنَا(3) عَمِّي، أَخْبَرَنَا(4) أَبِي، أَخْبَرَنَا(5) أَبَانُ بْنُ تَغْلِبَ، عَنْ أَبِي عَيْلاَنَ، أَخْبَرَنَا(6) أَبُو سَعِيدٍ وَ هُوَ رَجُلٌ مِمَّنْ شَهِدَ صِفِّينَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سَالِمٌ اَلْمَنْتُوفُ مَوْلَى عَلِيٍّ قَالَ: كُنْتُ مَعَ عَلِيٍّ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فِي أَرْضٍ لَهُ وَ هُوَ يَحْرِثُهَا، حَتَّى جَاءَ أَبُو بَكْرٍ وَ عُمَرُ فَقَالاَ لِعَلِيٍّ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ سَلاَمٌ عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ، فَقِيلَ: كَيْفَ تَقُولاَنِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ؟ فَقَالَ عُمَرُ: هُوَ أَمَرَنَا بِهَذَا .

وَ عَنِ اِبْنِ مَرْدَوَيْهِ، حَدَّثَنَا(7) عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ يَحْيَى، حَدَّثَنَا(8) أَبُو يُوسُفَ اَلصَّنْدَلاَنِيُّ، حَدَّثَنَا(9) فَيَّاضٌ، عَنْ حَمْزَةَ، عَنْ عَبْدِ اَلْكَرِيمِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَجَاءٍ عَنْ عَطِيَّةَ، وَ أَبِي اَلْوَدَالِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ اَلْخُدْرِيِّ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ مِنَ اَلْحُجْرَةِ فَانْقَطَعَ شِسْعُهُ،

ص: 169


1- في الأصل: (انا).
2- في الأصل: (انا).
3- في الأصل: (انا).
4- في الأصل: (انا).
5- في الأصل: (انا).
6- في الأصل: (انا).
7- في الأصل: (انا).
8- في الأصل: (انا).
9- في الأصل: (انا).

فَرَمَى بِهَا إِلَى عَلِيٍّ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، فَجَلَسَ إِلَيْنَا وَ كَأَنَّ عَلَى رُءُوسِنَا اَلطَّيْرُ قَالَ:

«لَيَضْرِبَنَّكُمْ رَجُلٌ مِنْ بَعْدِي عَلَى تَأْوِيلِ اَلْقُرْآنِ كَمَا ضَرَبْتُمْ عَلَى تَنْزِيلِهِ» فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا؟ فَقَالَ: «لاَ»، فَقَالَ عُمَرُ: أَنَا فَقَالَ: «لاَ، وَ لَكِنَّهُ خَاصِفُ اَلنَّعْلِ، يَخْرُجُ عَلَيْكُمْ مِنَ اَلْحُجْرَةِ» قَالَ فَخَرَجَ عَلَيْنَا عَلِيٌّ وَ بِيَدِهِ نَعْلُ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ يُصْلِحُهَا .

فصل: في الآيات الواردة فيه عليه السّلام

أَخْبَرَنَا جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ اَلشَّيْخُ أَبُو اَلْمُظَفَّرِ عَبْدُ اَلْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ شِيدَةَ اَلسَّكُونِيُّ أَخْبَرَنَا(1) أَبُو يَعْلَى عَبْدُ اَلرَّزَّاقِ بْنُ عُمَرَ اَلطِّهْرَانِيُّ، أَخْبَرَنَا(2) اَلشَّيْخُ اَلْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُوسَى بْنِ مَرْدَوَيْهِ اَلْأَصْبَهَانِيُّ أَخْبَرَنَا(3)عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ أَخْبَرَنَا(4) إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ دِينَارٌ أَخْبَرَنَا(5)حَسَنُ اِبْنُ حُسَيْنٍ اَلْعَرِيُّ أَخْبَرَنَا مُعَاذُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ اَلسَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ اِبْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ: قَالَ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّمٰا أَنْتَ مُنْذِرٌ (6) أَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى صَدْرِهِ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هٰادٍ (7) وَ أَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى عَلِيٍّ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ قَالَ: «بِكَ يَهْتَدِي اَلْمُهْتَدُونَ بَعْدِي».

وَ عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ: رَسُولُ اَللَّهِ اَلْمُنْذِرُ، وَ اَلْهَادِي عَلِيٌّ.

وَ عَنِ اِبْنِ مَرْدَوَيْهِ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ اَلْكَاتِبُ حَدَّثَنَا(8) أَحْمَدُ بْنُ اَلْحَسَنِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ عُثْمَانَ اَلْخَرَّازُ حَدَّثَنَا(9)أَبِي، حَدَّثَنَا حُصَيْنُ بْنُ مُخَارِقٍ، عَنْ حَمْزَةَ اَلزَّيَّاتِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَرَأَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ:

ص: 170


1- في الأصل: (انا).
2- في الأصل: (انا).
3- في الأصل: (انا).
4- في الأصل: (انا).
5- في الأصل: (انا).
6- سورة الرعد، الآية: 7.
7- سورة الرعد، الآية: 7.
8- في الأصل: (انا).
9- في الأصل: (انا).

إِنَّمٰا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هٰادٍ ، فَقَالَ: «أَنَا اَلْمُنْذِرُ، وَ عَلِيٌّ اَلْهَادِي».

وَ عَنِ اِبْنِ مَرْدَوَيْهِ حَدَّثَنَا(1)مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دَخِيمٍ حَدَّثَنَا(2)أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ اَلْغِفَارِيُّ حَدَّثَنَا(3)عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُطَّلِبُ بْنُ زِيَادٍ، عَنِ اَلسُّدِّيِّ، عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ، عَنْ عَلِيٍّ فِي قَوْلِهِ: إِنَّمٰا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هٰادٍ ، قَالَ: «اَلْمُنْذِرُ رَسُولُ اَللَّهِ، وَ اَلْهَادِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ» يَعْنِي نَفْسَهُ.

وَ عَنِ اِبْنِ مَرْدَوَيْهِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ اَلسُّدِّيُّ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ مُحَمَّدٍ اَلْمَرْوَزِيُّ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ اَلْحُسَيْنُ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عِيسَى اِبْنُ مُوسَى عنجار [غُنْجَارُ]، عَنْ أَبِي مَرْيَمَ، عَنِ اَلْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ عَبْدِ اَللَّهِ اَلْأَسَدِيُّ، سَمِعْتُ عَلِيّاً عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ يَقُولُ عَلَى اَلْمِنْبَرِ: «وَ اَللَّهِ مَا مِنْ رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ إِلاَّ وَ قَدْ نَزَلَتْ فِيهِ آيَةٌ أَوْ «آيَتَانِ» فَقَالَ رَجُلٌ مِمَّنْ تَحْتَهُ: مَا نَزَلَ فِيكَ؟ فَغَضِبَ ثُمَّ قَالَ: «أَمَا إِنَّكَ لَوْ لَمْ تَسْأَلْنِي عَلَى رُءُوسِ اَلْقَوْمِ مَا حَدَّثْتُكَ، وَيْحَكَ هَلْ تَقْرَأُ سُورَةَ هُودٍ؟» ثُمَّ قَرَأَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ أَ فَمَنْ كٰانَ عَلىٰ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَ يَتْلُوهُ شٰاهِدٌ مِنْهُ (4)، ثُمَّ قَالَ: «رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ عَلَى بَيِّنَةٍ، وَ أَنَا اَلشَّاهِدُ مِنْهُ» .

وَ عَنِ اِبْنِ مَرْدَوَيْهِ حَدَّثَنَا(5) سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ اَلطَّبَرَانِيُّ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ اَلْوَزِيرُ اَلْأَصْبَهَانِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُوسَى اَلسُّدِّيُّ، حَدَّثَنَا عُمَرُ اِبْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ، عَنْ أَبِي سُخَيْلَةَ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ وَ سَلْمَانَ، قَالاَ: أَخَذَ اَلنَّبِيُّ بِيَدِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فَقَالَ: «إِنَّ هَذَا أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِي، وَ هَذَا أَوَّلُ مَنْ يُصَافِحُنِي يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ، وَ هَذَا اَلصِّدِّيقُ اَلْأَكْبَرُ، وَ هَذَا فَارُوقُ هَذِهِ اَلْأُمَّةِ يُفَرِّقُ بَيْنَ اَلْحَقِّ وَ اَلْبَاطِلِ، وَ هَذَا يَعْسُوبُ اَلْمُؤْمِنِينَ، وَ اَلْمَالُ يَعْسُوبُ اَلظَّالِمِ».

وَ فِي رِوَايَةٍ: «يَعْسُوبُ اَلظَّلَمَةِ» وَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: «يَعْسُوبُ اَلْكُفَّارِ».

ص: 171


1- في الأصل: (انا).
2- في الأصل: (انا).
3- في الأصل: (انا).
4- سوره هود، الآية: 17.
5- في الأصل: (انا).

وَ عَنِ اِبْنِ مَرْدَوَيْهِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ اَلصَّيْدَلاَنِيُّ، حَدَّثَنَا(1) اَلْمُنْذِرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا(2) أَحْمَدُ بْنُ مُوسَى اَلْأَسَدِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاذٍ اَلْخَزَّارُ، عَنْ زِيَادِ بْنِ اَلْمُنْذِرِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ، عَنْ أَبِي سُخَيْلَةَ، قَالَ لِي أَبُو ذَرٍّ: سَمِعْتُ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ يَقُولُ: «عَلِيٌّ أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِي، وَ هُوَ اَلصِّدِّيقُ اَلْأَكْبَرُ، وَ هُوَ اَلْفَارُوقُ، يُفَرِّقُ بَيْنَ اَلْحَقِّ وَ اَلْبَاطِلِ».

وَ بِإِسْنَادِهِ عَنِ اِبْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ: «اَلصِّدِّيقُونَ ثَلاَثَةٌ: حَبِيبٌ اَلنَّجَّارُ، وَ مُؤْمِنُ آلِ فِرْعَوْنَ، وَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَ هُوَ أَفْضَلُهُمْ».

وَ بِإِسْنَادِهِ عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ: فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا اِتَّقُوا اَللّٰهَ وَ كُونُوا مَعَ اَلصّٰادِقِينَ (3) قَالَ: مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ.

وَ عَنِ اِبْنِ مَرْدَوَيْهِ، حَدَّثَنَا(4) عَبْدُ اَلرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا(5) أَحْمَدُ اِبْنُ اَلْحَسَنِ، حَدَّثَنَا(6) أَبِي، حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ حَدَّثَنَا(7) حَمْزَةُ بْنُ عَطَا عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ: فِي قَوْلِهِ: وَ اَلَّذِي جٰاءَ بِالصِّدْقِ وَ صَدَّقَ بِهِ (8) قَالَ: «جَاءَ بِهِ اَلنَّبِيُّ، وَ صَدَّقَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ».

و بإسناده عن مجاهد: مثله.

وَ بِإِسْنَادِهِ عَنِ اِبْنِ عُمَرَ: أَنَّ عَلِيّاً قَالَ: «يَا رَسُولَ اَللَّهِ قَدْ آخَيْتَ بَيْنَ أَصْحَابِكَ، فَمَنْ أَخِي؟» قَالَ: «أَمَا تَرْضَى أَنْ أَكُونَ أَخَاكَ؟» قَالَ: «بَلَى» قَالَ: «أَنَا أَخُوكَ فِي اَلدُّنْيَا وَ اَلْآخِرَةِ» وَ قَالَ: «أَنْتَ أَخِي وَ مَوْلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ»، وَ قَالَ: «عَلِيٌّ أَخِي وَ صَاحِبُ لِوَائِي يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ».

وَ بِإِسْنَادِهِ عَنِ اَلْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ: «إِنَّ عَلِيّاً أَخِي

ص: 172


1- في الأصل: (انا).
2- في الأصل: (انا).
3- سورة التوبة، الآية: 119.
4- في الأصل: (انا).
5- في الأصل: (انا).
6- في الأصل: (انا).
7- في الأصل: (انا).
8- سورة الزمر، الآية: 33.

وَ خَلِيلِي».

وَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أُمِّ أَيْمَنَ: أَنَّ اَلنَّبِيَّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ قَالَ لَهَا: «يَا أُمَّ أَيْمَنَ اُدْعِي لِي أَخِي قَالَ (1): مَنْ أَخُوكَ يَا رَسُولَ اَللَّهِ؟ قَالَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ «عَلِيٌّ» قَالَتْ: وَ أَخُوكَ فَزَوَّجْتَهُ اِبْنَتَكَ؟ قَالَ: «نَعَمْ أُمَّ [أَيْمَنَ] فَوَ اللَّهِ قَدْ زَوَّجْتُهَا كُفْواً شَرِيفاً فِي اَلدُّنْيَا وَ اَلْآخِرَةِ».

وَ عَنِ اِبْنِ مَرْدَوَيْهِ حَدَّثَنَا(2) مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا اَلْحُسَيْنُ اِبْنُ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ اَلْبَلَوِيُّ حَدَّثَنَا(3) مُحَمَّدُ بْنُ اَلْحَسَنِ اَلْكُوفِيُّ حَدَّثَنَا صَالِحُ اِبْنُ أَبِي اَلْأَسْوَدِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حَيَّانَ، عَنْ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ فُضَيْلٍ اَلْكِنْدِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، سَمِعْتُ عَلِيّاً عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ هُوَ يَقُولُ عَلَى اَلْمِنْبَرِ: «أَنَا أَخُو رَسُولِ اَللَّهِ، لاَ يَقُولُهَا بَعْدِي إِلاَّ كَذَّابٌ أَوْ يَتَخَبَّطُهُ جُنُونٌ» فَقَامَ اِبْنُ عُمَرَ أَمَا فَقَالَ: اِسْمَعُوا مَا يَقُولُ هَذَا اَلْكَذَّابُ، وَ أَنَا أَقُولُ: أَنَا أَخُو رَسُولِ اَللَّهِ، فَتَخَبَّطَهُ جُنُونٌ وَ مَا كَانَ بِمَجْنُونٍ، وَ مَا زَالَ مَجْنُوناً حَتَّى مَاتَ، فَأَتَيْتُ عَلِيّاً فَقُلْتُ: أَشْهَدُ أَنَّكَ عَلَى اَلْحَقِّ .

وَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عُقْبَةَ اَلْهُجَيْرِيِّ، عَنْ عَمِّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيّاً يَقُولُ:

«لَأَقُولَنَّ اَلْيَوْمَ قَوْلاً لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ قَبْلِي وَ لاَ بَعْدِي إِلاَّ كَاذِبٌ، أَنَا عَبْدُ اَللَّهِ، وَ أَخُو رَسُولِهِ، وَرِثْتُ نَبِيَّ اَلرَّحْمَةِ، وَ نَكَحْتُ سَيِّدَةَ نِسَاءِ أَهْلِ اَلْجَنَّةِ، وَ أَنَا خَيْرُ اَلْوَصِيِّينَ».

فصل: في ألقابه عليه السّلام

اعلم أنّ ألقاب عليّ عليه السّلام كثيرة: هو ساقي الكوثر، هو الذّايد عن الحوض، و هو قاضي دين رسول اللّه، و هو المنجز عداته، هو خَيْرُ اَلْبَرِيَّةِ ، و هذا كلّه من قول(4)رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فيما رواه المخالف و المؤالف.

وَ قَالَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: «عَلِيٌّ صَفْوَةُ اَلنَّاسِ بَعْدِي، وَ هُوَ اَلنِّعْمَةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:

ص: 173


1- كذا في الأصل: و هي: قالت.
2- في الأصل: (انا).
3- في الأصل: (انا).
4- في نسخة أخرى: كلام.

أَ لَمْ تَرَ إِلَى اَلَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اَللّٰهِ كُفْراً (1) ، وَ هُوَ حَبْلُ اَللَّهِ، وَ هُوَ اَلْعُرْوَةُ اَلْوُثْقَى.

رُوِيَ: أَنَّ أَعْرَابِيّاً دَخَلَ عَلَى اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ فَقَالَ: اِشْتَبَهَ آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اَللَّهِ عَلَيَّ وَ اِعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اَللّٰهِ (2) وَ كَانَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ عَلَى يَمِينِ رَسُولِ اَللَّهِ، فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى كَتِفِهِ وَ قَالَ: «هَذَا حَبْلُ اَللَّهِ فَاعْتَصِمُوا بِهِ» فَانْصَرَفَ اَلْأَعْرَابِيُّ وَ جَعَلَ يَقُولُ: آمَنْتُ بِاللَّهِ وَ بِرَسُولِهِ وَ اِعْتَصَمْتُ بِحَبْلِ اَللَّهِ، فَسَمِعَهُ رَجُلاَنِ يَقُولُ ذَلِكَ فَضَحِكَا مِنْهُ، ثُمَّ دَخَلاَ عَلَى اَلنَّبِيِّ يَضْحَكَانِ وَ قَالاَ: سَمِعْنَا أَعْرَابِيّاً يَقُولُ كَذَا وَ كَذَا، فَقَالَ اَلنَّبِيُّ: «إِنَّ ذَلِكَ اَلْأَعْرَابِيُّ مِنْ أَهْلِ اَلْجَنَّةِ» فَخَجِلاَ وَ اِنْصَرَفَا وَ أَتَيَا اَلْأَعْرَابِيَّ وَ قَالَ: إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا بِشَارَةٌ وَ لَنَا ذَنْبٌ بِكَ، فَقَالَ: وَ مَا اَلْبِشَارَةُ؟ قَالاَ: إِنَّ اَلنَّبِيَّ قَالَ: إِنَّكَ مِنْ أَهْلِ اَلْجَنَّةِ، فَقَالَ: اَلْحَمْدُ لِلَّهِ، وَ مَا ذَنْبُكُمَا قَالاَ ضَحِكْنَا مِنْكَ لَمَّا سَمِعْنَاكَ تَقُولُ ذَلِكَ، فَاسْتَغْفِرْ لَنَا، قَالَ: إِنَّ اَللَّهَ يَقُولُ:(3)وَ لَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جٰاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اَللّٰهَ وَ اِسْتَغْفَرَ لَهُمُ اَلرَّسُولُ لَوَجَدُوا اَللّٰهَ تَوّٰاباً رَحِيماً (4) لِمَ تَرَكْتُمَا رَسُولَ اَللَّهِ وَ جِئْتُمَانِي اُخْرُجَا إِنْ كُنْتُمَا تُؤْمِنَانِ بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ تَعْتَصِمَانِ بِحَبْلِ اَللَّهِ فَغَفَرَ اَللَّهُ لَكُمَا .

وَ عَنِ اِبْنِ مَرْدَوَيْهِ أَخْبَرَنَا(5) أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ كَابُلَ بْنِ خَلَفٍ أَخْبَرَنَا(6)عَبْدُ بْنُ كَثِيرٍ اَلْعَامِرِيُّ أَخْبَرَنَا(7) مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ اَلصَّيْرَفِيُّ أَخْبَرَنَا(8) إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ اَلْيَشْكُرِيُّ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ أَعْمَشَ حَدَّثَنَا(9) عَنْ أَبِي وَابِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ: «عَلِيٌّ خَيْرُ اَلْبَشَرِ، مَنْ أَبِي فَقَدْ كَفَرَ».

وَ قَالَ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ: «عَلِيٌّ صٰالِحُ اَلْمُؤْمِنِينَ بِنَصِّ اَلْقُرْآنِ» وَ هُوَ اَلْأُذُنُ اَلْوَاعِيَةُ، وَ اَلْمُؤَذِّنُ

ص: 174


1- سورة إبراهيم، الآية: 28.
2- سورة آل عمران، الآية: 103.
3- كذا في الأصل.
4- سورة النساء، الآية: 64.
5- في الأصل: (انا).
6- في الأصل: (انا).
7- في الأصل: (انا).
8- في الأصل: (نا).
9- في الأصل: (نا).

اَلَّذِي قَالَ تَعَالَى: فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ (1) وَ هُوَ أَذٰانٌ مِنَ اَللّٰهِ وَ رَسُولِهِ ، وَ هُوَ وَ وَلَدُهُ اَلَّذِينَ قَالَ اَللَّهُ تَعَالَى: وَ عَلَى اَلْأَعْرٰافِ رِجٰالٌ يَعْرِفُونَ ... أَصْحٰابُ اَلْجَنَّةِ أَصْحٰابَ اَلنّٰارِ (2)أُولٰئِكَ هُمُ اَلصِّدِّيقُونَ وَ اَلشُّهَدٰاءُ (3)وَ هُوَ اَلْوَالِدُ، لِقَوْلِهِ: «أَنَا وَ عَلِيٌّ أَبَوَا هَذِهِ اَلْأُمَّةِ».

وَ هُوَ اَلْوَدُودُ(4) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: سَيَجْعَلُ لَهُمُ اَلرَّحْمٰنُ وُدًّا (5).

وَ هُوَ اَلصِّرَاطُ اَلْمُسْتَقِيمُ، لِقَوْلِ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ: «لِلَّهِ صِرَاطَانِ، أَحَدُهُمَا فِي اَلدُّنْيَا، وَ اَلْآخَرُ فِي اَلْآخِرَةِ، فَمَنْ لَمْ يَعْرِفْ صِرَاطَ اَلدُّنْيَا لَمْ يَمُرَّ عَلَى صِرَاطِ اَلْآخِرَةِ».

وَ هُوَ اَلْمُنَاجِي لِقَوْلِهِ تَعَالَى: يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا إِذٰا نٰاجَيْتُمُ اَلرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوٰاكُمْ صَدَقَةً (6).

وَ هُوَ اَلْكَافِي لِقَوْلِهِ: وَ كَفَى اَللّٰهُ اَلْمُؤْمِنِينَ اَلْقِتٰالَ (7).

وَ هُوَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ اَلْكِتَابِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ كَفىٰ بِاللّٰهِ شَهِيداً بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ اَلْكِتٰابِ (8) وَ هُوَ أَحَدُ اَلْبَحْرَيْنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:

مَرَجَ اَلْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيٰانِ (9) .

وَ هُوَ اَلْمُلْقِي فِي جَهَنَّمَ أَعْدَاءَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: أَلْقِيٰا فِي جَهَنَّمَ (10) فَإِنَّهُ خِطَابٌ مِنَ اَللَّهِ لِرَسُولِهِ وَ لِعَلِيٍّ.

ص: 175


1- سورة الأعراف، الآية: 44.
2- سورة الأعراف، الآيتان: 46-47.
3- سورة الحديد، الآية: 19.
4- في نسخة أخرى: الود.
5- سورة مريم، الآية: 96.
6- سورة المجادلة، الآية: 12.
7- سورة الأحزاب، الآية: 25.
8- سورة الرعد، الآية: 43.
9- سورة الرحمن، الآية: 19.
10- سورة ق، الآية: 24.

وَ هُوَ اَلْوَفِيُّ اَلمُطْعِمُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: يُوفُونَ ... وَ يُطْعِمُونَ (1).

وَ هُوَ اَلْوَلِيُّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّمٰا وَلِيُّكُمُ اَللّٰهُ وَ رَسُولُهُ (2).

وَ هُوَ اَلْمُنْفِقُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: اَلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوٰالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَ اَلنَّهٰارِ سِرًّا وَ عَلاٰنِيَةً (3) وَ هُوَ وَ مِنَ اَلنّٰاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ اِبْتِغٰاءَ مَرْضٰاتِ اَللّٰهِ (4) لَيْلَةَ بَاتَ عَلَى فِرَاشِ رَسُولِ اَللَّهِ.

وَ هُوَ اَلنَّسَبُ وَ اَلصِّهْرُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَجَعَلَهُ نَسَباً وَ صِهْراً (5).

وَ اَلنَّاسُ كُلُّهُمْ خَطَبُوا فَاطِمَةَ عَلَيْهَا اَلسَّلاَمُ فَرَدَّهُمُ اَلنَّبِيُّ، وَ أَنَّ قُرَيْشاً سَمَّتْهُ اَلْمَوْتَ يَوْمَ بَدْرٍ فَنَزَلَتْ: وَ لَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ اَلْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ (6).

ص: 176


1- سورة الإنسان، الآيتان: 7-8.
2- سورة المائدة، الآية: 55.
3- سورة البقرة، الآية: 274.
4- سورة البقرة، الآية: 207.
5- سورة الفرقان، الآية: 54.
6- سورة آل عمران، الآية: 143.

الباب الثالث: في ذكر فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

اشارة

هي البتول، الطّهر و الطّاهرة، الزّهرة، الزّهراء، الزاهرة، المحدّثة، العليمة، العالمة، الحكيمة، الحليمة، التّقيّة، النّقيّة، حبيبة أبيها، السّيّدة، الزّاهدة، حوراء إنسيّة بضعة رسول اللّه، شجنة نبيّ اللّه، المظلومة، المضطهدة، الشّهيدة، مونسة خديجة الكبرى في بطنها، أمّ الأئمّة والدة حجج اللّه تعالى، أمة اللّه، بنت النّبيّ، زوجة الوصيّ، سيّدة نساء أهل الجنّة، سيّدة نساء العالمين، الأمّة البارّة، المدفونة باللّيل، الكاظمة، الرّءوفة.

فصل: في تفسير ألقابها المذكورة

اعلم أنّها عليها السّلام بتّلت نفسها على المحظورات و المكروهات عقلا و شرعا، فتبتّلت و انقطعت إلى طاعة اللّه و عباداته علما و عملا و بتلّ الحيض و الاستحاضة و النّفاس عنها، و كانت طاهرا أبدا طاهرة(1) لم تزل، كانت من الّذين أذهب اللّه عنهم الرّجس أهل البيت و طهّرهم تطهيرا.

و بسبب نور يزهر و يضيء من ملاءتها الّتي كانت من الشّعر و الوبر أسلم من اليهود نيّف و ثمانون نفرا،

وَ مِنْ حَدِيثِهِ: أَنَّ عَلِيّاً أَخَذَ شَيْئاً مِنَ

ص: 177


1- في نسخة أخرى: طهرا.

اَلشَّعِيرِ مِنْ يَهُودِيٍّ وَ رَهَنَهُ بِذَلِكَ مِرْطاً لِفَاطِمَةَ، فَأَخَذَهُ اَلْيَهُودِيُّ وَ وَضَعَهُ فِي بَيْتٍ مِنْ دَارِهِ، فَلَمَّا أَمْسَى بَعَثَ زَوْجَتَهُ إِلَى ذَلِكَ اَلْبَيْتِ لِتَأْخُذَ مِنْهُ مَتَاعاً لَهُمْ فِيهِ، فَلَمَّا فَتَحَتِ اَلْبَابَ رَأَتْ فِي اَلْبَيْتِ مِصْبَاحاً قَدْ أَضَاءَتِ اَلدَّارُ بِهِ، كَأَنَّهُ زُهْرَةُ اَلسَّمَاءِ أَوْ زُهْرَةُ اَلرَّوْضَةِ اَلْغَنَّاءِ، فَأَخْبَرَتْ زَوْجَهَا بِذَلِكَ، فَلَمَّا دَخَلَ اَلْبَيْتَ وَ رَأَى اَلنُّورَ يَنْتَشِرُ مِنْ مِرْطِ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا اَلسَّلاَمُ ذَهَبَ اَلرَّجُلُ إِلَى قَرَابَتِهِ وَ اَلْمَرْأَةُ إِلَى قَرَابَتِهَا فَاسْتَحْضَرَاهُمْ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ أَسْلَمُوا كُلُّهُمْ.

وَ كَانَ أَبُوهَا يَشَمُّ رَأْسَهَا وَ صَدْرَهَا وَ يَقُولُ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ: «أَجِدُ رَائِحَةَ زُهَرِ اَلْجَنَّةِ مِنْهَا». و هي زهراء تشبه أباها في الخلق و الخلق و الحسن و الجمال و كان النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يسمّى الأزهر و هي الزّهراء، يقال رجل أزهر أي أبيض مشرق الوجه، و المرأة زهراء.

و كانت زهرة يسلب نورها نور الأزهرين: الشّمس و القمر، و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: حدّثها بما كان و ما يكون ممّا أخبره اللّه، و يقال للرّجل الصّادق الظنّ: محدّث بفتح الدّال مشدّدة، و كانت لها فراسة صادقة.

و هي كانت عالمة جدّا في الأصول و الفروع، يطّلع على علمها الفايض من نظر في خطبتها و كلامها، و كانت عالمة بالأحكام الشّرعيّة، صاحبة الحكمة، متقنة للأمور، تحكم و تقضي بالعدل.

و كانت ذات حلم و أناة و وقار و سكنية، و كانت متّقية ذات تقى و تقوى. (و اتقى يتّقي، أصله اوتقى على افتعل، فقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها و أبدلت منها التّاء و أدغمت، فلمّا كثر استعماله توهّموا أنّ التّاء من نفس الكلمة).

و كانت نقيّة نظيفة من كلّ عار و شنار يقال: نقى الشّيء ينقى نقاوة بالفتح فهو نقيّ، أي نظيف.

و كانت محبوبة إلى أبيها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يزيد حبّه لها على محبّتها له عليها السّلام.

و كانت سيّدة زاهدة، أي غير راغبة في حطام الدّنيا و زينتها، متزهّدة، أي متعبّدة لربّها سرّا و إعلانا، ليلا و نهارا.

ص: 178

وَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ: «سَادَاتُ نِسَاءِ أَهْلِ اَلْجَنَّةِ أَرْبَعٌ: فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ، وَ خَدِيجَةُ وَ مَرْيَمُ، وَ آسِيَةُ، وَ فَاطِمَةُ سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ اَلْجَنَّةِ».

وَ قَالَ: «دَخَلْتُ اَلْجَنَّةَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي، فَنَاوَلَنِي جَبْرَئِيلُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ تُفَّاحَةً مِنْ ثَمَرِ اَلْجَنَّةِ فَأَكَلْتُهَا، فَوُضِعَ مَاؤُهَا فِي صُلْبِي، فَوَقَعْتُ عَلَى خَدِيجَةَ فَحَمَلَتْ بِفَاطِمَةَ، فَأَشَمُّ مِنْهَا رَائِحَةَ اَلْجَنَّةِ».، و البضعة: القطعة من اللّحم بالفتح و أخواتها بالكسر كالفلذة؛

وَ فِي اَلْحَدِيثِ: «اَلرَّحِمُ شِحْنَةٌ مِنَ اَللَّهِ». أي الرّحم مشتقّة من الرّحمن، يعني أنّها قرابة مشتبكة كاشتباك العروق.

و كونها مظلومة مضطهدة بعد أبيها لا يخفى، فقد سلبت فدك منها قهرا، و منع حقّ ولديها و بعلها و ماتت بالغصّة، شهيدة إذ ضربوا باب دارها على بطنها حتّى هلك ابنها الجنين الّذي سمّاه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: المحسن، و استيناس أمّها خديجة، هو

أَنَّ نِسَاءَ قُرَيْشٍ هَاجَرْنَ (1)خَدِيجَةَ، إِذْ تَزَوَّجَتْ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ فَمَرَّ عَلَيْهَا اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ يَوْماً وَ هِيَ تَتَكَلَّمُ، فَقَالَ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ: «يَا خَدِيجَةُ مِمَّنْ تُكَلِّمِينَ، فَقَالَتْ: مَعَ اَلْجَنِينِ اَلَّذِي فِي بَطْنِي» . و تفسير الباقي(2) ظاهر.

فصل: في معاملة الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لها و سبب تسميتها عليها السّلام

وَ بِإِسْنَادِ اِبْنِ مَرْدَوَيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ اَلنَّبِيَّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ مَلَكاً اِسْتَأْذَنَ اَللَّهَ فِي زِيَارَتِي فَبَشَّرَنِي وَ أَخْبَرَنِي أَنَّ فَاطِمَةَ سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ اَلْجَنَّةِ».

وَ عَنْ حُذَيْفَةَ: كَانَ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ لاَ يَنَامُ حَتَّى يُقَبِّلَ عُرْضَ وَجْهِ فَاطِمَةَ وَ بَيْنَ ثَدْيَيْهَا وَ يَدْعُوَ لَهَا.

وَ عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ اَلنَّبِيَّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ كَانَ إِذَا رَجَعَ مِنْ مَغَازِيهِ قَبَّلَ رَأْسَ فَاطِمَةَ.

وَ عَنْ عَائِشَةَ: (3) أَنَّ اَلنَّبِيَّ (عَلَيْهِ اَلصَّلاَةُ وَ اَلسَّلاَمُ) إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ قَبَّلَ مَا بَيْنَ عَيْنَيْ فَاطِمَةَ، وَ قَبَّلَ نَحْرَهَا وَ قَالَ: «مِنْهُ أَشَمُّ رَائِحَةَ اَلْجَنَّةِ».

ص: 179


1- في نسخة أخرى: هجرن.
2- في نسخة أخرى: ما بقى.
3- في الأصل: عايشة.

وَ قَالَ اَلنَّبِيُّ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: «إِنَّمَا سُمِّيَتْ فَاطِمَةُ فَاطِمَةَ، لِأَنَّ اَللَّهَ فَطَمَهَا وَ فَطَمَ مَنْ أَحَبَّهَا مِنَ اَلنَّارِ».

وَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ مُوسَى اَلرِّضَا عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: وَ قَدْ سُئِلَ عَنِ اَلشَّيْخَيْنِ فَقَالَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: «كَانَتْ لَنَا أُمَّةٌ بَارَّةٌ خَرَجَتْ مِنَ اَلدُّنْيَا وَ هِيَ عَلَيْهَا غَضْبَى، وَ نَحْنُ لاَ نَرْضَى حَتَّى تَرْضَى» .، و الأمّة: لغة هي الأمّ. و كانت فاطمة عليها السّلام وصّت أن تدفن ليلا لجفاء القوم، و لا تدع عليهم، بل كظمت غيظها، و كانت بنت نبيّ الرحمة فاحتملت ظلمهم.

ص: 180

الباب الرابع: في ذكر الحسن و الحسين عليهما السّلام

اشارة

هما سبطا رسول اللّه، هما ريحانتا(1)نبيّ اللّه، هما شنفا العرش، هما سيّدا شباب أهل الجنّة.

وَ قَالَ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ: «هَذَا اَلسَّيِّدُ اَلْمُجْتَبَى، وَ هَذَا شَهِيدُ كَرْبَلاَ سَيِّدُ اَلشُّهَدَاءِ».

وَ قَالَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: «اَلْحُسَيْنُ هُوَ اَلسَّيِّدُ، وَ أَخُو اَلسَّيِّدِ، وَ اِبْنُ اَلسَّيِّدِ، وَ أَبُو اَلسَّادَةِ، هُوَ اَلْحُجَّةُ، أَخُو اَلْحُجَّةِ، اِبْنُ اَلْحُجَّةِ، أَبُو اَلْحُجَجِ، هُوَ اَلْإِمَامُ، أَخُو اَلْإِمَامِ، اِبْنُ اَلْإِمَامِ، أَبُو اَلْأَئِمَّةِ».

وَ رُوِيَ: أَنَّ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا اَلسَّلاَمُ أَتَتِ اَلنَّبِيَّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ فَقَالَتْ: «هَذَا اِبْنَاكَ (2) وَرِّثْهُمَا شَيْئاً» فَقَالَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: «أَمَّا اَلْحَسَنُ فَإِنَّ لَهُ هَدْيِي وَ سُؤْدَدِي، وَ أَمَّا اَلْحُسَيْنُ فَإِنَّ لَهُ جُودِي وَ شَجَاعَتِي» . و لذلك قيل ذو الهدى و السّؤدد للحسن، و ذو الجود و الشّجاعة للحسين.

و قيل لهما: ابنا رسول اللّه، قال اللّه تعالى: نَدْعُ أَبْنٰاءَنٰا وَ أَبْنٰاءَكُمْ (3)فأمّا قوله تعالى: مٰا كٰانَ مُحَمَّدٌ أَبٰا أَحَدٍ مِنْ رِجٰالِكُمْ (4)، فالمراد به زيد بن حارثة، فهو من رجال المخاطبين من الأمّة، و هما القطعتان من جسد

ص: 181


1- في الأصل: ريحانتي.
2- كذا في الأصل.
3- سورة آل عمران، الآية: 61.
4- سورة الأحزاب، الآية: 40.

الرّسول، و قرّتا عين البتول، و هما الفرقدان على سماء الدّين، و رسول اللّه شمسها، و عليّ قمرها، و فاطمة زهرتها، و هما السّيّدان الأطهران، الأزهران، الأنوران، النّقيّان، التّقيّان، الزّاكيان، الفاضلان، العالمان، ملهما الحقّ و قائدا الخلق.

فصل: أحاديث لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في حقهما

قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ: «إِنَّ اِبْنَيَّ ذَيْنِ رَيْحَانَتَايَ مِنَ اَلدُّنْيَا.

وَ قَالَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ:

«إِنَّ اَلْحَسَنَ وَ اَلْحُسَيْنَ شَنْفَا اَلْعَرْشِ» وَ إِنَّ اَلْجَنَّةَ قَالَتْ: يَا رَبِّ أَسْكَنْتَنِي اَلضُّعَفَاءَ وَ اَلْمَسَاكِينَ فَقَالَ اَللَّهُ: «أَلاَ تَرْضَيْنَ أَنِّي زَيَّنْتُ أَرْكَانَكِ بِالْحَسَنِ وَ اَلْحُسَيْنِ فَمَاسَتْ (1) كَمَا تَمِيسُ اَلْعَرُوسُ فَرَحاً».

وَ قَالَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: «اَللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُمَا فَأَحِبَّهُمَا وَ أَحِبَّ مَنْ أَحَبَّهُمَا».

وَ قَالَ: «مَنْ أَحَبَّ اَلْحَسَنَ وَ اَلْحُسَيْنَ أَحْبَبْتُهُ، وَ مَنْ أَحْبَبْتُهُ أَحَبَّهُ اَللَّهُ، وَ مَنْ أَحَبَّهُ اَللَّهُ أَدْخَلَهُ اَلْجَنَّةَ».

و هما المرتدفان و المصطرعان، و تفسير ذلك ما

رَوَى اِبْنُ مَسْعُودٍ: أَنَّ اَلنَّبِيَّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي، فَجَاءَ اَلْحَسَنُ وَ اَلْحُسَيْنُ فَأَرْدَفَاهُ، فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ أَخَذَهُمَا أَخْذاً رَقِيقاً، فَلَمَّا عَادَ عَادَا، فَلَمَّا اِنْصَرَفَ أَجْلَسَ هَذَا عَلَى فَخِذِهِ وَ هَذَا عَلَى فَخِذِهِ وَ قَالَ: «مَنْ أَحَبَّنِي فَلْيُحِبَّ هَذَيْنِ».

وَ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اَللَّهِ مَيْمُونٍ، عَنِ اَلصَّادِقِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: «اِصْطَرَعَ اَلْحَسَنُ وَ اَلْحُسَيْنُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ عَلَيْهِمَا وَ عَلَى أَبِيهِمَا» فَقَالَ رَسُولُ اَللَّهِ: إِيهاً حَسَنُ خُذْ حُسَيْناً فَقَالَتْ فَاطِمَةُ: يَا رَسُولَ اَللَّهِ أَ تَسْتَنْهِضُ اَلْكَبِيرَ عَلَى اَلصَّغِيرِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اَللَّهِ: هَذَا جَبْرَئِيلُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ يَقُولُ لِلْحُسَيْنِ إِيهاً حُسَيْنُ خُذِ اَلْحَسَنَ».

رُوِيَ عَنْ أُمِّ اَلْفَضْلِ بِنْتِ اَلْحَارِثِ: أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ: رَأَيْتُ اَللَّيْلَةَ حُلُماً مُنْكَراً فَسَأَلَ «وَ مَا هُوَ؟» قَالَتْ: إِنَّهُ شَدِيدٌ، قَالَ: «مَا هُوَ؟» قَالَتْ: كَأَنَّ قِطْعَةً مِنْ جَسَدِكَ قُطِعَتْ وَ وُضِعَتْ فِي حَجْرِي، فَقَالَ رَسُولُ اَللَّهِ: «خَيْراً رَأَيْتِ، تَلِدُ فَاطِمَةُ غُلاَماً فَيَكُونُ فِي حَجْرِكِ» فَوَلَدَتْ فَاطِمَةُ اَلْحُسَيْنَ، وَ دَخَلَ

ص: 182


1- الميس: التبختر.

رَسُولُ اَللَّهِ وَ اَلْحُسَيْنُ فِي حَجْرِي، فَقَالَ لِي: «هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَاكِ» .

و كانا حجّة اللّه لنبيّه في المباهلة في الصّغر، و حجة اللّه على الأمّة بعد أبيهما.

و هما الكاملان في الصّبا، و تفسير ذلك أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لم يبايع صبيّا في ظاهر الحال، فبيعة رسول اللّه لهما من برهان كمالهما في الصّغر، و حجّة اختصاص اللّه لهما، و قد أوجب اللّه لهما الثّواب في حال الطّفوليّة، إذ فعلا ما فعل أبواهما حتّى أنزل اللّه هل أتى كما حكى اللّه عن عيسى في المهد.

وَ رَوَى اَلْعَامَّةُ وَ اَلْخَاصَّةُ أَنَّ اَلنَّبِيَّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ قَالَ: «اِبْنَايَ هَذَانِ إِمَامَانِ قَامَا أَوْ قَعَدَا، وَ أَبُوهُمَا خَيْرٌ مِنْهُمَا».

وَ هُمَا حُجَّتَانِ بِجَابَلْقَا وَ جَابَلْسَا وَ مَا بَيْنَهُمَا، وَ هُمَا مَدِينَتَانِ بِالْمَشْرِقِ وَ اَلْمَغْرِبِ فِيهِمَا خَلْقٌ لَمْ يَهُمُّوا بِمَعْصِيَةِ اَللَّهِ قَطُّ.

ص: 183

ص: 184

الباب الخامس: في ذكر الإمام عليّ بن الحسين عليهما السّلام

اشارة

هُوَ آدَمُ اَلثَّانِي، هُوَ نُوحُ اَلثَّانِي، هُوَ إِبْرَاهِيمُ اَلثَّانِي، هُوَ سَيِّدُ اَلْعِبَادِ، وَ هُوَ اَلْعَابِدُ اَلسَّجَّادُ، هُوَ زَيْنُ اَلْعَبَّادِينَ وَ سَيِّدُ اَلْمُجْتَهِدِينَ، وَ إِمَامُ اَلْمُؤْمِنِينَ، وَ أَبُو اَلْأَئِمَّةِ اَلْمَعْصُومِينَ وَ بَقِيَّةُ اَلصَّالِحِينَ، وَ أَحَدُ اَلْبَكَّائِينَ، وَ هُوَ اَلْمَنْعُوتُ بِذِي اَلثَّفِنَاتِ، وَ اَلنَّاطِقُ لَهُ اَلْحَجَرُ بِالْبَيِّنَاتِ، وَ هُوَ ذُو اَلْأَعْلاَمِ اَلْبَاهِرَاتِ، وَ صَاحِبُ اَلْمُعْجِزَاتِ وَ اَلْكَرَامَاتِ، سَمِيُّ جَدِّهِ عَلِيٍّ وَ شَبِيهُهُ فِي اَلْعِبَادَاتِ، وَ يُقَالُ لَهُ: قَائِمُ (1) اَللَّيْلِ صَائِمُ (2) اَلنَّهَارِ، اَلرَّاغِبُ فِي اَلْآخِرَةِ، اَلزَّاهِدُ فِي اَلدُّنْيَا، اَلْمُصْفَرُّ اَللَّوْنِ مِنَ اَلسَّهَرِ، اَلْمُنْخَرَمُ اَلْأَنْفِ وَ اَلْجَبْهَةِ مِنَ اَلسُّجُودِ، هُوَ حَسَنُ اَلصُّحْبَةِ، وَ زَوَّارُ اَلْكَعْبَةِ، حَلِيفُ اَلْقُرْآنِ، حَبِيبُ اَلرَّحْمَنِ صَالِحُ أَهْلِ بَيْتِ اَلْخَيْرِ، رَفِيقُ اَلْمَلاَئِكَةِ وَ اَلْخَضِرِ، اَلْمُغْضِي مِنَ اَلْحَيَاءِ، اَلْمُتَشَوِّقُ إِلَى اَلدُّعَا، يُكَنَّى بِ (أَبَا مُحَمَّدٍ وَ أَبَا اَلْحَسَنِ وَ أَبَا بَكْرٍ)، بَقِيَ مَعَ جَدِّهِ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ سَنَتَيْنِ، وَ مَعَ عَمِّهِ اَلْحَسَنِ عَشْرَ سِنِينَ، وَ مَعَ أَبِيهِ بَعْدَهُ عَشْرَ سِنِينَ، وَ بَقِيَ بَعْدَ مُضِيِّ أَبِيهِ خَمْساً وَ ثَلاَثِينَ سَنَةً.

فصل: في عبادته و فضائله عليه السّلام

امتلأ بسيط الأرض من أولاده و أكثرهم أبرار.

ص: 185


1- في الأصل: قايم.
2- في الأصل: صايم.

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ اَلْبَاقِرِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: «كَانَ عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ يُصَلِّي فِي اَلْيَوْمِ وَ اَللَّيْلَةِ أَلْفَ رَكْعَةٍ، وَ كَانَتِ اَلرِّيحُ تُمِيلُهُ بِمَنْزِلَةِ اَلسُّنْبُلَةِ، وَ كَانَ إِذَا تَوَضَّأَ اِصْفَرَّ لَوْنُهُ فَيَقُولُ لَهُ أَهْلُهُ: مَا هَذَا اَلَّذِي يَغْشَاكَ؟ فَيَقُولُ: أَ تَدْرُونَ لِمَنْ أَتَأَهَّبُ لِلْقِيَامِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَ إِذَا قَامَ إِلَى اَلصَّلاَةِ أَخَذَتْهُ اَلرِّعْدَةُ، فَقِيلَ لَهُ فِيهِ فَقَالَ: أَ تَدْرِي إِلَى مَنْ أَقُومُ، وَ مَنْ أُرِيدُ أَنْ أُنَاجِيَ» وَ حَجَّ مَاشِياً فَسَارَ مِنَ اَلْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ فِي عِشْرِينَ يَوْماً، وَ لَقَدْ حَجَّ عَلَى رَاحِلَةٍ عَشْرَ حِجَجٍ، وَ عَلَى نَاقَتِهِ عِشْرِينَ حِجَّةً مَا فَزَعَهُمَا بِسَوْطٍ. وَ كَانَ يَقْرَأُ اَلْقُرْآنَ، فَرُبَّمَا مَرَّ بِهِ اَلْمَارُّ يَصْعَقُ مِنْ حُسْنِ صَوْتِهِ. وَ قِيلَ لَهُ: مَا آنَ لِحُزْنِكَ أَنْ يَنْقَضِيَ، فَقَالَ: «شَكَى يَعْقُوبُ إِلَى رَبِّهِ مِنْ أَقَلَّ مِمَّا رَأَيْتُ حَتَّى قَالَ: يَا أَسَفَى إِنَّهُ فَقَدَ اِبْناً وَاحِداً، وَ أَنَا رَأَيْتُ أَبِي وَ أَخِي وَ جَمَاعَةَ أَهْلِ بَيْتِي يُذْبَحُونَ حَوْلِي» .

و البكاؤون: آدم على فراق الجنّة، و يعقوب عليه السّلام، و يوسف عليه السّلام، و فاطمة عليها السّلام، و عليّ بن الحسين عليهما السّلام، و هو عليّ الثّاني، و قيل له: ذي الثّفنات، لأنّ طول السّجود أثّر في مساجده و ثفناته، و ثفنات البعير: ما يقع على الأرض من أعضائه إذا استناخ و غلظ كالرّكبتين و غيرهما.

وَ رُوِيَ: أَنَّ اَلنَّاسَ ظَنُّوا بَعْدَ اَلْحُسَيْنِ مُحَمَّدَ بْنَ اَلْحَنَفِيَّةِ، فَجَاءَ زَيْنُ اَلْعَابِدِينَ إِلَى اَلْحَجَرِ اَلْأَسْوَدِ وَ اِبْنُ اَلْحَنَفِيَّةِ فَقَالَ مُحَمَّدٌ: إِنْ كَانَ اَلْحَقُّ لِي فِي اَلْإِمَامَةِ أَيُّهَا اَلْحَجَرُ فَتَكَلَّمْ بِهِ فَلَمْ يَنْطِقْ، ثُمَّ قَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ مِثْلَهُ، فَأَنْطَقَ اَللَّهُ اَلْحَجَرَ، فَقَالَ: إِنَّ اَلْإِمَامَةَ لِعَلِيٍّ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ فِي أَوْلاَدِهِ، فَقَبَّلَ مُحَمَّدٌ رِجْلَهُ .

وَ كَانَ عَلَى ظَهْرِهِ كَهَيْئَةِ اَلْجِبَالِ اَلسُّودِ لِلْحَمْلِ عَلَى ظَهْرِهِ إِلَى اَلْفُقَرَاءِ بِاللَّيْلِ، وَ كَانَ يَقُوتُ سَبْعِينَ بَيْتاً مِنْ أَهْلِ اَلْمَدِينَةِ وَ هُمْ لاَ يَعْلَمُونَ، فَلَمَّا مَاتَ فَقَدُوا أَثَرَهُ، وَ كَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ يَحْضُرَ طَعَامَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ اَلْيَتَامَى(1) وَ اَلْأَضِرَّاءِ، وَ يُلْبِسَهُمُ اَلثِّيَابَ، وَ يُنْفِقَ عَلَى عِيَالِهِمْ.

قِيلَ: دَخَلَ عَبْدُ اَلْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ اَلْمَسْجِدَ اَلْحَرَامَ وَ أَمَرَ أَنْ لاَ يَدْخُلَ مَنْ يُزَاحِمُهُ فِي اَلطَّوَافِ فِي زَمَانِ خِلاَفَتِهِ، فَدَخَلَ زَيْنُ اَلْعَابِدِينَ وَ لَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ، وَ لَمْ يَكُنْ عَرَفَهُ عَبْدُ اَلْمَلِكِ، فَسَأَلَ خَدَمَهُ عَنْهُ، فَقَالُوا: هُوَ عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ فَقَالَ: قُولُوا لَهُ،

ص: 186


1- في نسخة أخرى: اليتامى.

لِيَحْضُرَنِي، فَلَمَّا قَعَدَ إِلَيْهِ قَالَ: هَلاَّ تَدْخُلُ عَلَيْنَا مَا قَتَلْتُ أَبَاكَ فَلِمَ تَهْجُرُنَا؟ قَالَ: «مَنْ قَتَلَ أَبِي أَفْسَدَ عَلَيْهِ دُنْيَاهُ، فَإِنْ أَرَدْتَ أَنْ تُفْسِدَ عَلَيَّ دُنْيَايَ فَافْعَلْ» قَالَ: مَعَاذَ اَللَّهِ، اُدْخُلْ عَلَيْنَا لِنُسَاعِدَكَ مِنْ دُنْيَانَا. فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَ قَالَ: «يَا رَبِّ أَرِهِ حُرْمَتِي عِنْدَكَ» فَوَقَعَ فِي اَلْحَالِ أُلُوفٌ مِنَ اَلْجَوَاهِرِ وَ اَللَّئَالِي مَا لَمْ يُوجَدْ مِثْلُهُ وَ قَالَ: «مَنْ كَانَ كَذَلِكَ فَأَيُّ حَاجَةٍ لَهُ إِلَى اَلْمَخْلُوقَاتِ (1)». ثُمَّ قَالَ: «يَا رَبِّ اِسْتَرِدَّهَا» فَارْتَفَعَتْ إِلَى اَلسَّمَاءِ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اَلْمَلِكِ: عِظْنِي، فَقَالَ:

«أَ تُرِيدُ وَاعِظاً أَبْلَغَ مِنَ اَلْقُرْآنِ قَالَ اَللَّهُ تَعَالَى: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (2)، هَذَا لِمَنْ طَفَّفَ فَكَيْفَ لِمَنْ أَخَذَهُ كُلَّهُ» .

ص: 187


1- في نسخة أخرى: المخلوق.
2- سورة المطففين، الآية: 1.

ص: 188

الباب السّادس: في ذكر محمّد بن عليّ بن الحسين عليهم السّلام

اشارة

هو محمّد الثّاني، و باقر العلم لأهل التّقى، و خير من لبّى على الأجبل، ذو الزّهد و السّؤدد، مظهر علوم الدّين، مبيّن علم القرآن، حافظ معالم الدّين، علم الفضل لأهله، معدن الآثار و السّنّة، مرجع بقايا الصحابة، ملجأ وجوه التّابعين، مفرّغ رؤساء الفقهاء و المتكلّمين، صاحب الجوابات المسكتة، ذو الآيات المخرسة، معتمد العلماء و المسلمين، شجرة الفتوّة و المروّة، موضع الرّسالة و السّنن، عيبة أخبار الأنبياء و السّير، ملهم علم الكلام، مملي تفسير القرآن، هو من كان يحلّ شبه أهل الأزاء وارث علم خاتم الأنبياء، هو العليم الحكيم الحليم، بقيّة أهل بيت الرّحمة، المشهور بالكرم و الجود، مقبول القول و الإمامة.

فصل: في حديث جابر و صفاته و فضائله

دَخَلَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اَللَّهِ اَلْأَنْصَارِيُّ بَعْدَ مَا كُفَّ بَصَرُهُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ فَقَبَّلَ يَدَهُ ثُمَّ أَهْوَى إِلَى رِجْلِهِ فَتَنَحَّى عَنْهُ وَ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ يُقْرِئُكَ اَلسَّلاَمَ فَقَالَ: «وَ عَلَى رَسُولِ اَللَّهِ اَلسَّلاَمُ» ثُمَّ قَالَ جَابِرٌ: قَالَ لِي رَسُولُ اَللَّهِ: تَبْقَى حَتَّى تَلْقَى رَجُلاً مِنْ وُلْدِي يُقَالُ لَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ يَهَبُ اَللَّهُ لَهُ اَلنُّورَ وَ اَلْحِكْمَةَ فَأَقْرِئْهُ مِنِّي اَلسَّلاَمَ. وَ اَلنَّاسُ يَرْوُونَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ: يُوشِكُ أَنْ تَبْقَى حَتَّى تَلْقَى

ص: 189

لِي وَلَداً مِنَ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ يُقَالُ لَهُ مُحَمَّدٌ يَبْقُرُ اَلْعِلْمَ بَقْراً، فَإِذَا لَقِيتَهُ فَأَقْرِئْهُ مِنِّي اَلسَّلاَمَ .

وَ كَانَ فِي وَصِيَّةِ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ إِلَى وُلْدِهِ ذَكَرَ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ وَ اَلْوُصَاةَ، وَ أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ سَمَّاهُ وَ عَرَّفَهُ بِبَاقِرِ اَلْعُلُومِ.،

وَ كَانَ جَابِرُ بْنُ يَزِيدَ إِذَا رَوَى عَنْهُ شَيْئاً قَالَ: حَدَّثَنِي وَصِيُّ اَلْأَوْصِيَاءِ، وَ وَارِثُ عِلْمِ اَلْأَنْبِيَاءِ أَبُو جَعْفَرٍ اَلْبَاقِرُ.،

وَ عَنْ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ عَطَاءٍ اَلْمَكِّيِّ: مَا رَأَيْتُ اَلْعُلَمَاءَ عِنْدَ أَحَدٍ قَطُّ أَصْغَرَ مِنْهُمْ عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ، وَ لَقَدْ رَأَيْتُ اَلْحَكَمَ بْنَ عُتَيْبَةَ مَعَ جَلاَلَتِهِ فِي اَلْقَوْمِ بَيْنَ يَدَيْهِ كَأَنَّهُ صَبِيٌّ بَيْنَ يَدَيْ مُعَلِّمِهِ.

وَ رُوِيَ عَنْ عَمْرِو عُبَيْدٍ: أَنَّهُ وَفَدَ عَلَى اَلْبَاقِرِ لِيَمْتَحِنَهُ قَالَ: مَا مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى أَ وَ لَمْ يَرَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضَ كٰانَتٰا رَتْقاً فَفَتَقْنٰاهُمٰا (1)فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: «كَانَتِ اَلسَّمَاءُ رَتْقاً لاَ تُنْزِلُ اَلْقَطْرَ، وَ كَانَتِ اَلْأَرْضُ رَتْقاً لاَ تُخْرِجُ اَلنَّبَاتَ» فَقَالَ عَمْرٌو: خَبِّرْنِي عَنْ قَوْلِهِ: وَ مَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوىٰ (2) مَا غَضَبُ اَللَّهِ؟ فَقَالَ: «غَضَبُ اَللَّهُ عَلَيْهِ عِقَابُهُ، يَا عَمْرُو مَنْ ظَنَّ أَنَّ اَللَّهَ يُغَيِّرُهُ شَيْ ءٌ فَقَدْ كَفَرَ».

وَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْمُنْكَدِرِ: رَأَيْتُ اَلْبَاقِرَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فِي سَاعَةٍ حَارَّةٍ يَوْماً يَتَّكِي عَلَى غُلاَمَيْنِ لَهُ، فَقُلْتُ: شَيْخٌ قُرَيْشِيٍّ فِي طَلَبِ اَلدُّنْيَا لَأَعِظَنَّهُ، فَقُلْتُ لَهُ: لَوْ جَاءَكَ اَلْمَوْتُ وَ أَنْتَ فِي طَلَبِ اَلدُّنْيَا عَلَى هَذِهِ اَلْحَالِ؟ قَالَ: «لَوْ جَاءَنِي اَلْمَوْتُ لَجَاءَنِي وَ أَنَا فِي طَاعَةٍ مِنْ طَاعَاتِ اَللَّهِ، أَكُفُّ بِهَا نَفْسِي عَنْكَ وَ عَنِ اَلنَّاسِ، وَ إِنَّمَا كُنْتُ أَخَافُ اَلْمَوْتَ لَوْ جَاءَنِي وَ أَنَا فِي شَيْ ءٍ مِنْ مَعَاصِي اَللَّهِ» قَالَ: أَرَدْتُ أَنْ أَعِظَكَ فَوَعَظْتَنِي .

وَ عَنِ اَلْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ: رَأَيْتُ فَتًى أَحْسَنَ مِنَ اَلشَّمْسِ اَلطَّالِعَةِ بِبَقِيعِ اَلْغَرْقَدِ ين [بَيْنَ]، قَبْرَيْنِ قَبْرِ اَلْحَسَنِ وَ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ، وَ اَلْبَاقِرُ يَبْكِي بُكَاءً لَمْ أَسْمَعْ أَشْجَى مِنْهُ، فَقُلْتُ: يَا صَبِيُّ مَا اَلَّذِي أَفْرَدَكَ بِالْخَلْوَةِ فِي اَلْمَقَابِرِ؟ فَقَالَ: «إِنَّ اَلصَّبِيَّ صَبِيٌّ اَلْعَقْلِ لاَ صِغَرٌ أَزْرَى بِذِي اَلْعَقْلِ فِينَا(3) وَ لاَ

ص: 190


1- سورة الأنبياء، الآية: 30.
2- سورة طه، الآية: 81.
3- في نسخة أخرى: فيها.

كِبَرٌ» فَقُلْتُ: أَرَاكَ اَللَّهَ حَدَثاً تَأْتِي بِمِثْلِ هَذَا اَلْكَلاَمِ؟ فَقَالَ: «إِنَّ اَللَّهَ إِذَا أَوْدَعَ عَبْداً حِكْمَةً لَمْ يَزْدَرِهِ اَلْحُكَمَاءُ (1) لِصِغَرِ سِنِّهِ» وَ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ اَللَّهِ نُورُهُ وَ اَلْمَهَابَةُ، فَقُلْتُ: بِأَبِي سَمِعْتُ (2) كَلاَماً أَرْصَنَ مِنْ كَلاَمِكَ، لاَ شَكَّ أَنَّكَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ حِكْمَةٍ، فَمَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: «مِنْ شَقَاوَةِ أَهْلِ اَلدُّنْيَا قِلَّةُ مَعْرِفَتِهِمْ بِأَوْلاَدِ اَلْأَنْبِيَاءِ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ، وَ هَذَا قَبْرُ أَبِي، فَأَيُّ أُنْسٍ آنَسُ مِنْ قُرْبِهِ، وَ أَيُّ وَحْشَةٍ لاَ تَكُونُ مَعَ فَقْدِهِ» .

ص: 191


1- في نسخة أخرى: العلماء.
2- كذا في الأصل: و ربما هي: بأبي ما سمعت.

ص: 192

الباب السابع: في ذكر الإمام جعفر بن محمّد عليهما السّلام

اشارة

هو أبو عبد اللّه الصّادق الإمام، المفترض الطّاعة، صاحب الجفر و الجامعة، خليفة أبيه وصيّ أبي جعفر القائم بالإمامة، ينبوع العلوم، معدن السّخاء(1) و الكرم، منبع العلوم الإلهي(2)، مشرع الشّرايع، أفضل أهل الزّمان، شيخ الطّالبيّين، مستجاب الدّعوة، علاّمة زمانه، ذو المعجزات الباهرة، صاحب الآيات، معرس الفخار، المعرق فرع العلاء، المثمر المورق.

فصل: في سبب تلقيبه بالصادق و علاقته بالمنصور و علمه

اعلم أنّه لقّب بالصّادق و كلّهم كانوا صادقين، و قيل في ذلك وجهان:

أحدهما:

أَنَّهُ جَرَى بَيْنَهُ وَ بَيْنَ رَجُلٍ مِنْ بَنِي اَلْعَبَّاسِ كَلاَمٌ، فَخَاصَمَهُ اَلْعَبَّاسِيُّ إِلَى قَبْرِ رَسُولِ اَللَّهِ، فَسَمِعَ مِنَ اَلْقَبْرِ جَعْفَرٌ هُوَ اَلصَّادِقُ.

و الثّاني:

مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي خَالِدٍ اَلْكَابُلِيِّ أَنَّهُ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى زَيْنِ اَلْعَابِدِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِي بِالَّذِينَ فَرَضَ اَللَّهُ طَاعَتَهُمْ وَ اَلاِقْتِدَاءِ بِهِمْ بَعْدَ

ص: 193


1- في نسخة أخرى: الحلم.
2- كذا في الأصل.

رَسُولِ اَللَّهِ؟ قَالَ: «يَا كَنْكَرُ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ، ثُمَّ اَلْحَسَنُ، ثُمَّ اَلْحُسَيْنُ، ثُمَّ اِنْتَهَى اَلْأَمْرُ إِلَيْنَا» ثُمَّ سَكَتَ، فَقُلْتُ يَا سَيِّدِي رُوِيَ لَنَا عَنْ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ أَنَّ اَلْأَرْضَ لاَ تَخْلُو مِنْ حُجَّةِ اَللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ، فَمَنِ اَلْحُجَّةُ وَ اَلْإِمَامُ بَعْدَكَ؟ فَقَالَ: اِبْنِي مُحَمَّدٌ وَ اِسْمُهُ فِي اَلتَّوْرَاةِ اَلْبَاقِرُ، يَبْقُرُ اَلْعِلْمَ بَقْراً، وَ مِنْ بَعْدِهِ اِبْنُهُ جَعْفَرٌ، وَ اِسْمُهُ عِنْدَ أَهْلِ اَلسَّمَاءِ اَلصَّادِقُ» قُلْتُ: وَ كَيْفَ صَارَ اِسْمُهُ اَلصَّادِقَ وَ كُلُّكُمْ صَادِقُونَ؟ فَقَالَ: «حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ قَالَ: إِذَا وُلِدَ اِبْنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ، فَسَمُّوهُ اَلصَّادِقَ، فَإِنَّ اَلْخَامِسَ مِنْ وُلْدِهِ اَلَّذِي اِسْمُهُ جَعْفَرٌ يَدَّعِي اَلْإِمَامَةَ اِفْتِرَاءً عَلَى اَللَّهِ، فَهُوَ عِنْدَ اَللَّهِ جَعْفَرٌ اَلْكَذَّابُ».

وَ أَمَرَ اَلْمَنْصُورُ بِإِحْضَارِ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ، فَلَمَّا حَضَرَ قَالَ لَهُ: قَتَلَنِي اَللَّهُ إِنْ لَمْ أَقْتُلْكَ، أَ تُلْحِدُ فِي سُلْطَانِي وَ تَبْغِينِي اَلْغَوَائِلَ؟ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اَللَّهِ: «وَ اَللَّهِ مَا فَعَلْتُ وَ لاَ أَرَدْتُ، فَإِنْ كَانَ بَلَغَكَ فَمِنْ كَاذِبٍ» فَقَالَ: إِنَّ فُلاَناً أَخْبَرَنِي عَنْكَ بِمَا ذَكَرْتُ، قَالَ: «أَحْضِرْهُ» فَأُحْضِرَ، فَقَالَ: قَدْ سَمِعْتَ عَنْ جَعْفَرٍ كَذَا وَ كَذَا فَاسْتَحْلَفَهُ، فَابْتَدَأَ بِالْيَمِينِ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اَللَّهِ: «دَعْنِي أُحَلِّفْهُ أَنَا» فَقَالَ لَهُ: اِفْعَلْ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اَللَّهِ لِلسَّاعِي:

«قُلْ، بَرِئْتُ مِنْ حَوْلِ اَللَّهِ وَ قُوَّتِهِ وَ أَلْجَأْتُ (1) إِلَى حَوْلِي وَ قُوَّتِي»، فَحَلَفَ، فَمَا بَرِحَ حَتَّى ضَرَبَ بِرِجْلِهِ، فَقَالَ اَلْمَنْصُورُ: أَخْرِجُوهُ لَعَنَهُ اَللَّهُ .

وَ بَعَثَ دَاوُدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَ كَانَ وَالِياً بِالْمَدِينَةِ جَمَاعَةً إِلَى أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ يُحْضِرُهُ إِلَى دَارِهِ لِيَقْتُلَهُ، فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ وَ غَلَّظُوا فِي اَلْكَلاَمِ لَهُ، فَدَعَا اَللَّهَ ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ صَاحِبَكُمْ مَاتَ» فَارْتَفَعَ (2)اَلْأَصْوَاتُ بِالصِّيَاحِ وَ قِيلَ: مَاتَ دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ اَلسَّاعَةَ .

وَ قَالَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ:

«وَجَدْتُ عِلْمَ اَلنَّاسِ فِي أَرْبَعٍ: أَوَّلُهَا: أَنْ تَعْرِفَ رَبَّكَ، وَ اَلثَّانِي(3) أَنْ تَعْرِفَ مَا صَنَعَ بِكَ، وَ اَلثَّالِثُ أَنْ تَعْرِفَ مَا أَرَادَ مِنْكَ، وَ اَلرَّابِعُ: أَنْ تَعْرِفَ مَا يُخْرِجُكَ عَنْ دِينِكَ».

ص: 194


1- كذا في الأصل.
2- كذا في الأصل، و الظاهر أنّها تصحيف فارتفعت.
3- كذا في الأصل، و المفروض أن تكون: و ثانيها، و كذلك و ثالثها و رابعها.

وَ دَخَلَتْ عَلَيْهِ اِمْرَأَةٌ وَ هُوَ فِي قَوْمٍ، فَنَاوَلَتْهُ تُفَّاحَةً بَعْضُهَا أَحْمَرُ وَ بَعْضُهَا أَصْفَرُ، فَزَجَرَهَا اَلْقَوْمُ، فَقَالَ: «لاَ تَفْعَلُوا وَ هِيَ (1) تَسْأَلُنِي عَنْ أَيَّامِ حَيْضِهَا أَنَّ بَعْضَهَا كَذَا وَ بَعْضَهَا كَذَا» فَقَالَتْ: ذُرِّيَّةً بَعْضُهٰا مِنْ بَعْضٍ وَ اَللّٰهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ، ثُمَّ أَجَابَهَا وَ كَانَتْ فَعَلَتْ بِأَبِي حَنِيفَةَ مِثْلَ ذَلِكَ فَرَدَّهَا، فَقَالَتْ:

لَأَخْرُجَنَّ إِلَى اَلصَّادِقِ فَإِنَّهُ يُخْبِرُ بِمَا فِي اَلْقُلُوبِ إِعْلاَماً مِنَ اَللَّهِ وَ رَسُولِهِ.

ص: 195


1- في نسخة أخرى: فهي.

ص: 196

الباب الثامن: في ذكر الإمام موسى بن جعفر عليهما السّلام

اشارة

كَانَ يُكَنَّى أَبَا اَلْحَسَنِ، فَلَمَّا وُلِدَ اَلرِّضَا تَرَكَ كُنْيَتَهُ، وَ كَانَ يُكَنَّى أَبَا إِبْرَاهِيمَ وَ أَبَا عَلِيٍّ فِي اَلْخُصُوصِ، وَ رُبَّمَا يُقَالُ لَهُ: أَبُو اَلْحَسَنِ اَلْأَوَّلُ، وَ لِلرِّضَا أَبُو اَلْحَسَنِ اَلثَّانِي، وَ لِعَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ اَلنَّقِيِّ أَبُو اَلْحَسَنِ اَلثَّالِثُ، وَ كَانَ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ يُعْرَفُ بِالْعَبْدِ اَلصَّالِحِ، وَ يُنْعَتُ أَيْضاً بِالْكَاظِمِ، وَ بِالْكَهْفِ اَلْحَصِينِ، وَ بِقَوَّامِ آلِ مُحَمَّدٍ، وَ بِنَظَّامِ أَهْلِ اَلْبَيْتِ، وَ بِنُورِ أَهْلِ بَيْتِ الْوَحْيِ، وَ بِرَاهِبٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَ كَانَ يُقَالُ لَهُ: أَعْبَدُ أَهْلِ زَمَانِهِ، أَسْخَى اَلْعَرَبِ، أَفْقَهُ اَلثَّقَلَيْنِ، مُنْقِذُ(1) اَلْفُقَرَاءِ، مُطْعِمُ اَلْمَسَاكِينِ، وَ كَانَ اَلنَّاسُ يُسَمُّونَهُ زَيْنَ اَلْمُجْتَهِدِينَ، وَ حَلِيفَ كِتَابِ اَللَّهِ، لَقَّبَهُ اَللَّهُ فِي اَللَّوْحِ بِالْمُنْتَخَبِ.

فصل: في سبب تسميته و صفاته و علاقته بالرشيد

إِنَّمَا سُمِّيَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بِالْكَاظِمِ لِمَا كَظَمَهُ مِنَ اَلْغَيْظِ، وَ اِحْتَمَلَ مِنَ اَلْأَذَى، وَ صَبَرَ عَلَيْهِ مِنْ فِعْلِ اَلظَّالِمِينَ بِهِ، وَ سَقَوْهُ اَلسَّمَّ مِرَاراً حَتَّى مَضَى عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَتِيلاً فِي حَبْسِهِمْ وَ وَثَاقِهِمْ.

سَأَلَهُ اَلشَّيْبَانِيُّ بِمَكَّةَ بِحَضْرَةِ اَلرَّشِيدِ، أَ يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يُظَلِّلَ عَلَيْهِ مَحْمِلَهُ؟ فَقَالَ مُوسَى عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: «لاَ يَجُوزُ مَعَ اَلاِخْتِيَارِ» فَقَالَ:

أَ يَجُوزُ أَنْ يَمْشِيَ تَحْتَ اَلظِّلاَلِ مُخْتَاراً؟ فَقَالَ: «نَعَمْ» فَتَضَاحَكَ اَلشَّيْبَانِيُّ فَقَالَ اَلْإِمَامُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: «أَ تَعْجَبُ مِنْ سُنَّةِ اَلنَّبِيِّ وَ تَسْتَهْزِئُ بِهَا، إِنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ

ص: 197


1- في نسخة أخرى: مفتقد.

كَشَفَ اَلظِّلاَلَ فِي إِحْرَامِهِ، وَ مَشَى تَحْتَ اَلظِّلاَلِ وَ هُوَ مُحْرِمٌ، وَ إِنَّ أَحْكَامَ اَللَّهِ لاَ تُقَاسُ، فَمَنْ قَاسَ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فَقَدْ ضَلَّ عَنْ سَوٰاءِ اَلسَّبِيلِ» .

وَ قَالَ اَلرَّشِيدُ عِنْدَ قَبْرِ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ اَلسَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا اِبْنَ عَمِّ، فَقَالَ مُوسَى عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: «اَلسَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا أَبَهْ» فَتَغَيَّرَ وَجْهُ اَلرَّشِيدِ، فَقَالَ لَهُ اَلرَّشِيدُ: أَنَا وَ أَنْتَ اِبْنَا عَمِّهِ، فَقَالَ: «إِنْ كَانَ حَيّاً وَ خَطَبَ اِبْنَتَكَ هَلْ تُزَوِّجُهُ؟» قَالَ:

نَعَمْ، قَالَ: «وَ هَلْ يَخْطُبُ إِلَيَّ بِنْتِي؟» قَالَ: لاَ.

وَ كَانَ أَوْصَلَ اَلنَّاسِ لِرَحِمِهِ وَ أَهْلِهِ، وَ كَانَ يَحْمِلُ إِلَى اَلْمَسَاكِينِ وَ اَلْأَيْتَامِ وَ اَلْأَرَامِلِ اَلْأَزِقَّةَ (1) وَ اَلتُّمُورَ، وَ يُوصِلَ إِلَيْهِمُ اَلْعَيْنَ وَ اَلْوَرِقَ، وَ كَانَتْ صِرَارُ مُوسَى مَثَلاً فِي اَلْعَطَاءِ، فَإِنَّهُ كَانَ يَصِلُ بِثَلاَثِمِائَةٍ وَ نَيِّفٍ.

وَ كَانَ أَحْسَنَ اَلنَّاسِ صَوْتاً بِالْقُرْآنِ، وَ كَانَ يَحْدُرُ إِذَا قَرَأَ وَ يَبْكِي اَلسَّامِعُونَ لِقِرَاءَتِهِ، وَ كَانَ يُسَمَّى مُكَلَّمَ اَلْأَسَدِ، وَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ حَمْزَةَ اَلْبَطَائِنِيَّ قَالَ: صَحِبْتُ مُوسَى عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ إِلَى ضَيْعَةٍ لَهُ، فَلَمَّا صِرْنَا فِي بَعْضِ اَلطَّرِيقِ اِعْتَرَضَنَا أَسَدٌ، وَ لَمْ يَكْتَرِثْ بِهِ مُوسَى، فَرَأَيْتُ اَلْأَسَدَ تُذَلِّلُ لَهُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ جَعَلَ يُهَمْهِمُ، فَوَقَفَ مُوسَى عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ وَضَعَ اَلْأَسَدُ يَدَهُ عَلَى كَفَلِ بَغْلَتِهِ، فَحَوَّلَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَجْهَهُ إِلَى اَلْقِبْلَةِ وَ دَعَا، ثُمَّ أَوْمَأَ إِلَى اَلْأَسَدِ بِيَدِهِ أَنِ اِمْضِ، فَهَمْهَمَ اَلْأَسَدُ وَ اِنْصَرَفَ، فَقُلْتُ لَمَّا خَرَجْنَا: مَا شَأْنُ هَذَا اَلْأَسَدِ؟ قَالَ: «إِنَّهُ اِشْتَكَى إِلَيَّ عُسْرَ وِلاَدَةِ لَبْوَتِهِ، وَ سَأَلَنِي أَنْ أَدْعُوَ لِيُفَرِّجَ اَللَّهُ عَنْهَا فَفَعَلْتُ، وَ أُلْقِيَ فِي رُوعِي أَنَّهَا وَلَدَتْ ذَكَراً فَخَبَّرْتُهُ، فَقَالَ: لاَ سَلَّطَ اَللَّهُ عَلَيْكَ وَ لاَ ذُرِّيَّتِكَ وَ لاَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ شِيعَتِكَ سَبُعاً، قُلْتُ: آمِينَ» .

ص: 198


1- لعل الزقاق يعني الدهن و العسل، أو شيء غيرهما.

الباب التاسع: في ذكر الإمام عليّ بن موسى عليهما السّلام

اشارة

هو أبو الحسن الرّضا سمّي عليّ، و عليّ أعطي فهم الأول و حلمه و نصره و ورده و دينه، و أعطي محبّة الآخر و ورعه و صبره على ما يكره، صاحب الألسن و اللّغات، ذو الأعلام الباقيات، مرضيّ الصّديق و العدوّ، أفضل آل أبي طالب، محيي سنّة رسول اللّه، وليّ العهد من اللّه، غريب خراسان، بحر الجود و العلم، طود الوقار و الحلم، السيّدّ المعصوم، أمان أهل خراسان، الصّابر على البأساء و الضّراء، مفخر طوس، من يده كيد عيسى، مشهده مثل عصا موسى.

فصل: في أصل تسميته و مناقبه و علاقته بالمأمون

اِعْلَمْ أَنَّ اَللَّهَ سَمَّاهُ فِي اَللَّوْحِ اَلْمَحْفُوظِ بِالرِّضَا، وَ أَوْمَأَ بِهِ أَنَّهُ يَرْضَى بِهِ اَلْأَعْدَاءُ وَ اَلْأَوْلِيَاءُ، وَ قَدْ رَضِيَتِ اَلْمَلاَئِكَةُ شَمَائِلَهُ (1) وَ أَخْلاَقَهُ وَ أَقْوَالَهُ وَ أَفْعَالَهُ، وَ اِرْتَضَاهُ اَللَّهُ وَ رَضِيَ عَنْهُ وَ أَرْضَاهُ، وَ كَانَ اَلْعَالِمُونَ يَتَعَجَّبُونَ مِنْهُ إِذْ وَجَدُوهُ مُطَّلِعاً عَلَى كُلِّ لِسَانٍ وَ لُغَةٍ يَتَكَلَّمُ بِجَمِيعِ ذَلِكَ، وَ كَذَلِكَ كَانَ آبَاؤُهُ وَ أَبْنَاؤُهُ إِلَى خَاتَمِ اَلْأَئِمَّةِ، فَقَدْ عَلَّمَهُمُ اَللَّهُ كَمَا عَلَّمَ آدَمَ اَلْأَسْمٰاءَ كُلَّهٰا .

وَ كَانَ اَلْمَأْمُونُ قَدْ بَعَثَ إِلَى اَلْمَدِينَةِ مَنْ حَمَلَهُ إِلَى مَرْوَ فِي اَلْمَفَاوِزِ

ص: 199


1- في الأصل: شمايله.

وَ اَلْبَرَارِي لاَ فِي اَلْعُمْرَانِ لِئَلاَّ يَرَاهُ اَلنَّاسُ فَيَرْغَبُوا فِيهِ، فَمَا مِنْ مَنْزِلٍ مِنْ مَنَازِلِهِ إِلاَّ وَ لَهُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فِيهِ مُعْجِزَةٌ مَعْرُوفَةٌ يَرْوِيهَا(1)، اَلْعَامَّةُ وَ اَلْخَاصَّةُ، وَ لَهُ أَعْلاَمٌ بِالْأَهْوَازِ إِذْ نَزَلَ عَلَى بَابِهَا يَوْماً، وَ بِنَيْسَابُورَ آيَاتٌ، وَ لَمَّا بَلَغَ قُرْبَ اَلْقَرْيَةِ اَلْحَمْرَاءِ (2) زَالَتِ اَلشَّمْسُ وَ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَاءٌ، فَبَحَثَ بِيَدِهِ اَلْمُبَارَكَةِ اَلْأَرْضَ قَلِيلاً، فَنَبَعَ مِنْهَا اَلْمَاءُ وَ هُوَ بَاقٍ إِلَى اَلْيَوْمِ وَ لَمَّا وَصَلَ إِلَى سَنَابَادَ نَزَلَ إِلَى جَنْبِ جَبَلٍ، وَ قَالَ: «اَللَّهُمَّ اِجْعَلْهُ نَافِعاً لِيَنْتَفِعَ بِهِ اَلنَّاسُ، وَ بَارِكْ فِيهِ وَ فِيمَا يُنْحَتُ مِنْهُ وَ يُجْعَلُ مِنْ حَجَرِهِ»، ثُمَّ أَمَرَ فَنُحِتَ لَهُ قُدُورٌ مِنْ ذَلِكَ اَلْجَبَلِ، وَ قُدُورُ أَهْلِ اَلدُّنْيَا تُتَّخَذُ مِنْهُ إِلَى اَلْآنَ، ثُمَّ دَخَلَ اَلْقُبَّةَ اَلَّتِي فِيهَا قَبْرُ هَارُونَ، وَ خَطَّ بِيَدِهِ عَلَى اَلْمَوْضِعِ اَلَّذِي هُوَ قَبْرُهُ وَ قَالَ: هَذِهِ تُرْبَتِي وَ فِيهَا أُدْفَنُ، وَ سَيَجْعَلُ اَللَّهُ هَذَا اَلْمَكَانَ مُخْتَلَفَ شِيعَتِي وَ أَلَحَّ اَلْمَأْمُونُ عَلَيْهِ بِالْبَيْعَةِ لَهُ وَ أَبَى عَلَيْهِ حَتَّى أَشْرَفَ عَلَى اَلْهَلاَكِ مِنْ تَأَبِّيهِ، فَقَالَ اَلْمَأْمُونُ: أَعْزِلُ نَفْسِي عَنِ اَلْخِلاَفَةِ وَ أَجْعَلُهَا لَكَ، فَقَالَ اَلرِّضَا عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: «إِنْ كَانَتْ لَكَ فَلاَ يُمْكِنُكَ أَنْ تَخْلَعَ (3) لِبَاساً أَلْبَسَكَهُ اَللَّهُ وَ تَجْعَلَهُ لِغَيْرِكَ، وَ إِنْ لَمْ تَكُنِ اَلْخِلاَفَةُ لَكَ فَلَيْسَ لَكَ أَنْ تَجْعَلَهَا لِي» فَقَالَ اَلْمَأْمُونُ: كُنْ وَلِيَّ عَهْدِي لِتَكُونَ اَلْخَلِيفَةَ بَعْدِي، فَقَالَ: «أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ آبَائِهِ، عَنْ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ أَنِّي أَخْرُجُ مِنَ اَلدُّنْيَا مَقْتُولاً بِالسَّمِّ مَظْلُوماً، تَبْكِي عَلَيَّ مَلاَئِكَةُ اَلسَّمَاءِ وَ اَلْأَرْضِ، وَ أُدْفَنُ فِي أَرْضِ غُرْبَةٍ إِلَى جَنْبِ هَارُونَ» فَقَالَ اَلْمَأْمُونُ: وَ مَنِ اَلَّذِي يَقْتُلُكَ وَ أَنَا حَيٌّ؟ قَالَ:

«لَوْ أَشَاءُ أَنْ أَقُولَ لَقُلْتُ» فَقَالَ اَلْمَأْمُونُ: هَذَا لِلتَّخْفِيفِ أَوْ لِيَقُولَ اَلنَّاسُ:

إِنَّكَ زَاهِدٌ فِي اَلدُّنْيَا، فَقَالَ اَلرِّضَا عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ «مَا زَهِدْتُ فِي اَلدُّنْيَا لِلدُّنْيَا» ثُمَّ أَوْعَدَ حَتَّى قَبِلَ وَ قَالَ: «اَللَّهُمَّ لاَ عَهْدَ إِلاَّ عَهْدُكَ، وَ لاَ وِلاَيَةَ لِي إِلاَّ مِنْ قِبَلِكَ، وَ قَدْ أُكْرِهْتُ كَمَا اُضْطُرَّ يُوسُفُ وَ دَانِيَالُ»، وَ زَوَّجَهُ أُخْتَهُ، ثُمَّ سَقَاهُ اَلسَّمَّ حَتَّى لَحِقَ بِاللَّهِ تَعَالَى .

ص: 200


1- في الأصل: يرويه.
2- هي المشهورة بالفارسية برخه سمنان، و ذلك الموضع الذي فيه الينبوع معروف بالفارسية ب (آهوان).
3- في الأصل: يخلع.

الباب العاشر: في ذكر الإمام محمّد بن عليّ التّقي عليهما السّلام

اشارة

هو أبو جعفر الثّاني، و يكنّى في الخاصّ أبا عليّ، سمّاه اللّه تعالى في اللّوح بالتّقي، و كان ينعت بالمرتضى، و المنتجب و الهادى، و كان النّاس يقولون فيه: أعجوبة أهل البيت، و نادرة الدّهر، و بديع الزّمان، و عيسى الثّاني، و ذو الكرامات، و المؤيّد بالمعجزات، و سلالة رسول اللّه، موادّه و إلهامه من اللّه صاحب الخضرة، الفائق(1) على المشايخ في الصّغر، من خاتم الإمامة على كتفه، المبرّز على كافّة ذوي أهل الفضل، أفضل أهل الدّنيا في الصّبا، الكامل في السّؤدد و الهدى و الحكمة و العلم، هادي القضاة، سيّد الهداة، نور المهتدين، سراج المتعبّدين، مصباح المتهجّدين.

فصل: في النصّ عليه من أبيه عليه السّلام و علمه و مناظراته

عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى: قُلْتُ لِلرِّضَا عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: إِنْ كَانَ كَوْنٌ فَإِلَى مَنْ؟ فَأَشَارَ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ وَ هُوَ قَائِمٌ بَيْنَ يَدَيْهِ، قُلْتُ: هَذَا اِبْنُ ثَلاَثِ سِنِينَ، قَالَ: «مَا يَضُرُّهُ مِنْ ذَلِكَ قَدْ قَامَ عِيسَى بِالْحُجَّةِ وَ هُوَ اِبْنُ أَقَلَّ مِنْ ثَلاَثٍ، وَ نَحْنُ أَهْلُ بَيْتٍ يَتَوَارَثُ أَصَاغِرُنَا عَنْ أَكَابِرِنَا اَلْقُذَّةَ بِالْقُذَّةِ» .

وَ مُنَاظَرَةُ يَحْيَى بْنِ أَكْثَمَ فِي اَلسُّؤَالِ وَ اَلْجَوَابِ مَعْرُوفَةٌ، فَتَحَيَّرَ يَحْيَى

ص: 201


1- في الأصل: الفايق.

وَ اِنْقَطَعَ وَ لَجْلَجَ، فَقَالَ لَهُ اَلْمَأْمُونُ: أَ تَخْطُبُ يَا أَبَا جَعْفَرٍ اِبْنَتِي أُمَّ اَلْفَضْلِ؟ قَالَ: أَخْطُبُ، فَقَالَ: اَلْحَمْدُ لِلَّهِ إِقْرَاراً بِنِعْمَتِهِ، وَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اَللَّهُ إِخْلاَصاً لِوَحْدَانِيَّتِهِ، وَ صَلَّى اَللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ سَيِّدِ بَرِيَّتِهِ، وَ اَلْأَصْفِيَاءِ مِنْ عِتْرَتِهِ، أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ كَانَ مِنْ فَضْلِ اَللَّهِ عَلَى اَلْأَنَامِ أَنْ أَغْنَاهُمْ بِالْحَلاَلِ عَنِ اَلْحَرَامِ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: وَ أَنْكِحُوا اَلْأَيٰامىٰ مِنْكُمْ وَ اَلصّٰالِحِينَ (1) اَلْآيَةَ، ثُمَّ إِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى اَلرِّضَا يَخْطُبُ أُمَّ اَلْفَضْلِ بِنْتَ عَبْدِ اَللَّهِ اَلْمَأْمُونِ، وَ قَدْ بَذَلَ لَهَا مِنَ اَلصَّدَاقِ مَهْرَ جَدَّتِهِ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا اَلسَّلاَمُ بِنْتِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ وَ هُوَ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ جِيَادٍ، فَهَلْ زَوَّجْتَهُ بِهَا عَلَى هَذَا اَلصَّدَاقِ؟ قَالَ اَلْمَأْمُونُ: نَعَمْ زَوَّجْتُكَ أُمَّ اَلْفَضْلِ اِبْنَتِي يَا أَبَا جَعْفَرٍ عَلَى اَلصَّدَاقِ اَلْمَذْكُورِ، فَهَلْ قَبِلْتَ اَلنِّكَاحَ وَ رَضِيتَ بِهِ؟ قَالَ: «قَدْ قَبِلْتُ اَلنِّكَاحَ وَ رَضِيتُ بِهِ». وَ لَمَّا تَوَجَّهَ أَبُو جَعْفَرٍ مِنْ بَغْدَادَ إِلَى اَلْمَدِينَةِ وَ مَعَهُ أُمُّ اَلْفَضْلِ، اِنْتَهَى إِلَى دَارِ اَلْمُسَيَّبِ فِي شَارِعِ بَابِ اَلْكُوفَةِ عِنْدَ مَغِيبِ اَلشَّمْسِ، نَزَلَ وَ دَخَلَ اَلْمَسْجِدَ، وَ كَانَ فِي صَحْنِهِ شَجَرَةٌ مَعْرُوفَةٌ نَبِقَةٌ لَمْ تَحْمِلْ بَعْدُ، فَدَعَا بِكُوزٍ فِيهِ مَاءٌ فَتَوَضَّأَ فِي أَصْلِ اَلنَّبِقَةِ، وَ قَامَ فَصَلَّى بِالنَّاسِ صَلاَةَ اَلْمَغْرِبِ، فَقَرَأَ فِي اَلْأُولَى اَلْحَمْدَ وَ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اَللَّهِ، وَ فِي اَلثَّانِيَةِ اَلْحَمْدَ وَ قُلْ هُوَ اَللّٰهُ أَحَدٌ ، فَلَمَّا سَلَّمَ جَلَسَ هُنَيْئَةً وَ قَامَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعَقِّبَ، فَصَلَّى اَلنَّوَافِلَ اَلْأَرْبَعَ وَ عَقَّبَ وَ سَجَدَ سَجْدَتَيِ اَلشُّكْرِ وَ خَرَجَ، فَلَمَّا اِنْتَهَى إِلَى اَلنَّبِقَةِ رَآهَا اَلنَّاسُ قَدْ حَمَلَتْ حَمْلاً حَسَناً، فَتَعَجَّبُوا مِنْ ذَلِكَ وَ أَكَلُوا، فَوَجَدُوهُ نَبِقاً حُلْواً لاَ عَجَمَ لَهُ، وَ مَضَى إِلَى اَلْمَدِينَةِ مِنْ وَقْتِهِ إِلَى أَنْ أَشْخَصَهُ اَلْمُعْتَصِمُ إِلَى بَغْدَادَ وَ سَمَّهُ وَ دُفِنَ عِنْدَ جَدِّهِ مُوسَى عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ .

ص: 202


1- سورة النور، الآية: 32.

الباب الحادي عشر: في ذكر الإمام عليّ بن محمّد النّقي عليهما السّلام

اشارة

هو أبو الحسن الثّالث، سمّاه اللّه بالنّقي في اللّوح الّذي أهداه اللّه إلى نبيّه الّذي فيه أسماء الاثنى عشر من حججه، المتبحّر في العلم و الزّهد، المتكامل في الفضل و الفضائل(1)، صاحب المعجزات الباهرات، علاّمة الزّمان، علم أهل البيت، سلالة الطّاهرين، الآية الكبرى على تلّ المخالي، هادي الخلق إلى الحقّ، المصباح في الظّلمات، سراج بني هاشم، لطف العرب و العجم.

فصل: في علاقته بالخلفاء العباسيين و مناقبه و فضائله

يُقَالُ لَهُ: اَلْعَسْكَرِيُّ، لِأَنَّ اَلْمُتَوَكِّلَ أَخْرَجَهُ إِلَى سُرَّمَنْرَأَى وَ أَسْكَنَهُ بِهَا مَعَ اَلْأَهْلِ وَ اَلْوَلَدِ، وَ يُقَالُ لِسَامِرَّةَ: اَلْعَسْكَرُ، فَنُسِبَ إِلَيْهِ (2) هَذَا هُوَ اَلْأَصَحُّ.

وَ عَنْ يَحْيَى بْنِ هَرْثَمَةَ: بَعَثَنِي اَلْمُتَوَكِّلُ لِإِحْضَارِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ إِلَى جِوَارِهِ، فَدَخَلْنَا اَلْبَادِيَةَ وَ كَانَ مَعِي كَاتِبٌ لِي مُتَشَيِّعٌ وَ آخَرُ خَارِجِيٌّ يَخْدُمُنِي، وَ كُنْتُ حَشْوِيَّ اَلْمَذْهَبِ، فَقَالَ اَلْخَارِجِيُّ: إِنَّ صَاحِبَ هَذَا اَلْكَاتِبِ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: لَيْسَ فِي اَلْأَرْضِ شِبْرٌ إِلاَّ وَ هُوَ مَقْبُرَةٌ، فَأَيْنَ مَنْ يَمُوتُ هَاهُنَا وَ يُدْفَنُ، وَ كَانَ هَذَا فِي مَوْضِعٍ مَعْرُوفٍ فِي اَلْبَادِيَةِ، قَالَ: فَلَمَّا دَخَلْنَا عَلَى

ص: 203


1- في الأصل: الفضايل.
2- كذا في الأصل، و ربما هي: إليها.

عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ وَ عَزَمَ عَلَى اَلْخُرُوجِ رَأَيْتُهُ يَأْمُرُ بِأَخْذِ اَلْبَرَانِسِ اَلْغِلاَظِ وَ اَللُّبُودِ اَلثَّقِيلَةِ وَ نَحْنُ فِي حَارَّةِ اَلْقَيْظِ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: هَؤُلاَءِ اَلرَّافِضَةُ يَقْتَدُونَ بِهَذَا اَلَّذِي لاَ تَجْرِبَةَ لَهُ وَ لاَ عَرَفَ أَيَّ وَقْتٍ لِهَذَا، فَارْتَحَلْنَا إِلَى أَنْ قَرُبْنَا مِنَ اَلْمَوْضِعِ اَلَّذِي جَرَى(1) اَلْمُنَاظَرَةُ بَيْنَ اَلْخَارِجِيِّ وَ كَاتِبي، فَإِذَا أَبُو اَلْحَسَنِ أَمَرَ خَدَمَهُ بِاسْتِخْرَاجِ اَللُّبُودِ وَ اَلْبَرَانِسِ، وَ إِذَا نَحْنُ بِغَمَامَةٍ سَوْدَاءَ وَ رَعْدٍ وَ بَرْقٍ، فَأَعْطَانِي لُبَداً وَ بُرْنُساً وَ كَاتِبي أَيْضاً وَ لَبِسَ هُوَ وَ أَصْحَابُهُ اَللُّبُودَ وَ اَلْبَرَانِسَ، وَ إِذَا أُمْطِرَ عَلَيْنَا بَرَدٌ عَظِيمٌ كَأَكْبَرِ مَا يَكُونُ، فَهَلَكَ مِنْ أَصْحَابِي نَيِّفٌ وَ ثَمَانُونَ رَجُلاً، وَ اِنْقَشَعَ اَلسَّحَابُ فَقَالَ أَبُو اَلْحَسَنِ: «يَا يَحْيَى بْنَ هَرْثَمَةَ، هَكَذَا يَجْمَعُ اَللَّهُ اَلنَّاسَ هَاهُنَا وَ يُمِيتُهُمْ» فَقَبَّلْتُ رِجْلَهُ وَ اِسْتَبْصَرْتُ، فَدَفَنَّا اَلْمَوْتَى وَ خَرَجْنَا فَبَيْنَا نَسِيرُ بَعْدَ ذَلِكَ يَوْماً إِلَى قُرْبِ اَلزَّوَالِ وَ أَبُو اَلْحَسَنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ لاَ يُشِيرُ بِالنُّزُولِ، فَقُلْتُ: يَا اِبْنَ رَسُولِ اَللَّهِ كَلَّتِ اَلدَّوَابُّ وَ اَلْحَمُولاَتُ، وَ قَدْ حَرَّ اَلْيَوْمَ وَ لاَ مَاءَ، فَقَالَ: «تَسْتَرِيحُونَ إِنْ شَاءَ اَللَّهُ تَحْتَ ظِلِّ أَغْصَانِ شَجَرَتَيْنِ وَ تَشْرَبُونَ مِنْ أَبْرَدِ مَاءٍ» وَ كُنْتُ عَارِفاً بِتِلْكَ اَلطَّرِيقِ أَنْ لاَ مَاءَ فِيهَا وَ لاَ شَجَرَ، فَسِرْنَا إِلَى أَنْ بَدَا لَنَا شَجَرَتَانِ كَأَعْظَمِ مَا يَكُونُ مِنَ اَلْأَشْجَارِ، وَ إِذَا مَاءٌ جَارٍ تَحْتَهَا، فَتَعَجَّبْنَا وَ نَزَلْنَا فَشَرِبْنَا وَ سَقَيْنَا اَلدَّوَابَّ وَ اَلْمَرَاحِلَ، وَ أَرْحُلَنَا وَ اِسْتَرَحْنَا، وَ كُنْتُ أَنْظُرُ إِلَى اَلْمَاءِ وَ إِلَى اَلشَّجَرَتَيْنِ ثُمَّ أَنْظُرُ إِلَى اِبْنِ رَسُولِ اَللَّهِ فَيَتَبَسَّمُ فِي وَجْهِي، فَأَخَذْتُ سَيْفِي وَ خَرَجْتُ إِلَى خَلْفِ اَلشَّجَرَتَيْنِ وَ دَفَنْتُهُ فِي اَلْأَرْضِ وَ أَعْلَمْتُ عَلَيْهِ بِحِجَارَةٍ وَضَعْتُهَا عَلَيْهِ، فَلَمَّا اِرْتَحَلْنَا وَ خَرَجْنَا غَلْوَةً أَوْ غَلْوَتَيْنِ اِنْصَرَفْتُ إِلَى ذَلِكَ اَلْمَوْضِعِ، فَوَاللَّهِ مَا وَجَدْتُ أَثَراً لِلشَّجَرَتَيْنِ، وَ كَانَ لاَ مَاءَ هُنَاكَ قَطُّ، وَ أَخَذْتُ اَلسَّيْفَ وَ أَسْرَعْتُ حَتَّى لَحِقْتُ بِالْخَيْلِ، فَصِرْتُ ثَابِتَ اَلْقَدَمِ فِي اَلتَّشَيُّعِ .

وَ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ اَلْجَعْفَرِيِّ: خَرَجْتُ مَعَ أَبِي اَلْحَسَنِ بِتَلَقِّي بَعْضِ اَلْقَادِمِينَ فَأَبْطَئُوا فَجَلَسَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فَشَكَوْتُ إِلَيْهِ ضِيقَ حَالِي، فَأَهْوَى يَدَهُ إِلَى رَمْلٍ فَنَاوَلَنِي مِنْهُ أَكُفّاً وَ قَالَ: «اِتَّسِعْ بِهَذَا وَ اُكْتُمْ مَا رَأَيْتَ»، فَلَمَّا رَجَعْتُ فَإِذَا هُوَ يَتَّقِدُ كَالنِّيرَانِ، فَدَعَوْتُ صَائِغاً وَ قُلْتُ: اُسْبُكْ (2) لِي، فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ ذَهَباً

ص: 204


1- كذا في الأصل، و ربما هي: الذي جرت فيه.
2- في نسخة أخرى، أسبكه.

أَجْوَدَ مِنْهُ وَ هُوَ كَهَيْئَةِ اَلرَّمْلِ .

قَالَ أَبُو هَاشِمٍ: وَ مَرَّ بِنَا تُرْكِيٌّ وَ كَلَّمَهُ أَبُو اَلْحَسَنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بِالتُّرْكِيِّ، فَنَزَلَ عَنْ فَرَسِهِ وَ قَبَّلَ حَافِرَ دَابَّتِهِ وَ قَالَ لِي هَذَا نَبِيٌّ، قُلْتُ: اِبْنَ رَسُولِ اَللَّهِ، قَالَ: دَعَانِي بِاسْمٍ سُمِّيتُ بِهِ فِي صِغَرِي فِي بِلاَدِ اَلتُّرْكِ مَا عَلِمَهُ أَحَدٌ إِلَى اَلسَّاعَةِ، قَالَ أَبُو هَاشِمٍ: فَكَلَّمَنِي أَبُو اَلْحَسَنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بِالْهِنْدِيَّةِ فَلَمْ أُحْسِنْ أَنْ أَرُدَّ عَلَيْهِ، فَتَنَاوَلَ حَصَاةً فَمَصَّهَا ثُمَّ رَمَى بِهَا إِلَيَّ، فَوَضَعْتُهَا فِي فَمِي فَمَا بَرِحْتُ حَتَّى تَكَلَّمْتُ بِثَلاَثٍ وَ سَبْعِينَ لِسَاناً أَوَّلُهَا اَلْهِنْدِيَّةُ .

وَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلَوِيَّةَ وَ أَبِي اَلْعَبَّاسِ أَحْمَدَ بْنِ اَلنَّصْرِ: كَانَ بِأَصْبَهَانَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: عَبْدُ اَلرَّحْمَنِ، وَ كَانَ شِيعِيّاً، قِيلَ: مَا اَلسَّبَبُ فِيهِ؟ قَالَ: شَاهَدْتُ مَا أَوْجَبَ ذَلِكَ، أَخْرَجَنِي أَهْلُ أَصْبَهَانَ مَعَهُمْ إِلَى بَابِ اَلْمُتَوَكِّلِ مُتَظَلِّمِينَ، فَكُنَّا بِبَابِهِ إِذْ خَرَجَ اَلْأَمْرُ بِإِحْضَارِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ اَلرِّضَا عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ لِلْقَتْلِ، قُلْتُ: لاَ أَبْرَحُ حَتَّى أَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَأَقْبَلَ عَلَى فَرَسٍ وَ اَلنَّاسُ صَفَّانِ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ وَقَعَ حُبُّهُ فِي قَلْبِي، فَدَعَوْتُ اَللَّهَ فِي قَلْبِي أَنْ يَدْفَعَ عَنْهُ شَرَّ اَلْمُتَوَكِّلِ، وَ هُوَ يَنْظُرُ إِلَى عُرْفِ دَابَّتِهِ لاَ يَنْظُرُ يَمْنَةً وَ لاَ يَسْرَةً، فَلَمَّا صَارَ إِلَيَّ أَقْبَلَ عَلَيَّ وَ قَالَ:

«اِسْتَجَابَ اَللَّهُ دُعَاءَكَ، وَ طَوَّلَ عُمُرَكَ، وَ كَثَّرَ مَالَكَ وَ وُلْدَكَ»، فَارْتَعَدْتُ وَ غُشِيَ عَلَيَّ، فَدَخَلَ عَلَى اَلْمُتَوَكِّلِ وَ اِنْصَرَفَ فِي اَلْحَالِ سَالِماً، فَرُزِقْتُ مِنَ اَلْأَوْلاَدِ عَشَرَةً، وَ مِنَ اَلْمَالِ أُلُوفاً أُلُوفاً، وَ قَدْ بَلَغْتُ نَيِّفاً وَ سَبْعِينَ .

وَ عَنِ اَلْفَضْلِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ إِسْرَائِيلَ: دَخَلْتُ مَعَ اَلْمُعْتَزِّ عَلَى اَلْمُتَوَكِّلِ وَ هُوَ عَلَى سَرِيرِهِ مُتَغَيِّراً يَقُولُ: وَ اَللَّهِ لَأَقْتُلَنَّ هَذَا اَلْمُرَائِيَ، وَ قَدْ وَقَفَ أَرْبَعَةٌ مِنَ الحرز [اَلْخَزَرِ] وَ أَمَرَهُمْ إِذَا دَخَلَ أَبُو اَلْحَسَنِ أَنْ يَضْرِبُوهُ بِالسَّيْفِ، فَمَا عَلِمْتُ إِلاَّ بِأَبِي اَلْحَسَنِ قَدْ دَخَلَ وَ خَرَّ الحرز [اَلْخَزَرُ] عَلَى وُجُوهِهِمْ، وَ رَمَى اَلْمُتَوَكِّلُ بِنَفْسِهِ مِنَ اَلسَّرِيرِ يُقَبِّلُ يَدَيْهِ وَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَ يَقُولُ: يَا سَيِّدِي يَا اِبْنَ رَسُولِ اَللَّهِ، يَا اِبْنَ عَمِّ مَا جَاءَ بِكَ فِي هَذَا اَلْوَقْتِ، اِرْجِعْ يَا قَوْمِ شَيِّعُوا سَيِّدَكُمْ وَ قَالَ اَلْخَزَرُ: رَأَيْنَا حَوْلَهُ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ سَيْفٍ فَلَمْ نَقْدِرْ أَنْ نَتَأَمَّلَهُ.

ص: 205

ص: 206

الباب الثاني عشر: في ذكر الإمام الحسن بن عليّ العسكريّ عليهما السّلام

اشارة

هو أبو محمّد الحسن الأخير، سمّاه اللّه في اللّوح بالزّكيّ ناصح آل محمّد غريزة، أوثق أهل بيت الوحي حجّة، من انتهى عرى الإمامة إليه، جامع الأعمال المقرّبة إلى اللّه، أفضل أهل العصر، مجمع العصمة و الكرم، معدن العلم و الحلم، مشرع شرع اللّه، نجل نبيّ اللّه، صاحب الأعلام و المعجزات، ذو الآيات الباهرات.

فصل: في سبب تلقيبه بالعسكري و فضائله و معاجزه

يُقَالُ لَهُ وَ لِأَبِيهِ: اَلْعَسْكَرِيَّانِ، نِسْبَةٌ إِلَى (سُرَّ مَنْ رَأَى) فَإِنَّهَا تُدْعَى اَلْعَسْكَرَ، وَ هُمَا يَسْكُنَانِهَا وَ كَانَ لِخُلَفَاءِ بَنِي اَلْعَبَّاسِ حِينَئِذٍ تِسْعُونَ أَلْفَ تُرْكِيٍّ فَأَمَرَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَمْلَأَ مِخْلاَةَ فَرَسِهِ مِنَ اَلطِّينِ اَلْأَحْمَرِ، وَ يَجْعَلُونَ مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ فِي وَسَطِ بَرِّيَّةٍ وَاسِطَةٍ هُنَاكَ تَلاًّ فَفَعَلُوا، ثُمَّ أَمَرُوا أَنْ يَحْمِلُوا اَلْأَسْلِحَةَ وَ آلاَتِ اَلْحَرْبِ، وَ ذَلِكَ فِي عَهْدِ اَلْحَسَنِ اَلتَّقِيِّ، وَ أَحْضَرَهُ اَلْخَلِيفَةُ مَعَ نَفْسِهِ وَ صَعِدَا عَلَى رَأْسِ تَلِّ اَلْمَخَالِي وَ اَلْعَسْكَرُ كُلُّهُمْ حَوْلَ اَلتَّلِّ بِزِينَةٍ لَمْ يُرَ مِثْلُهَا، فَقَالَ اَلْخَلِيفَةُ لِأَبِي اَلْحَسَنِ: أَنْ تَنْظُرَ(1) إِلَى عَسْكَرِي فَيَطِيبَ

ص: 207


1- في نسخة أخرى: انظر.

قَلْبُكَ، فَأَرَادَ بِذَلِكَ كَسْرَ قَلْبِهِ، فَقَالَ أَبُو اَلْحَسَنِ «هَلْ أُرِيكَ عَسْكَرِي أَيْضاً؟» فَقَالَ: نَعَمْ، فَدَعَا اَللَّهَ فَإِذَا بَيْنَ اَلسَّمَاءِ وَ اَلْأَرْضِ وَ اَلشَّرْقِ وَ اَلْغَرْبِ مَلاَئِكَةٌ لَهُمُ اَلْأَسْلِحَةُ، فَخَرَّ اَلْخَلِيفَةُ مَغْشِيّاً عَلَيْهِ، فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ لَهُ أَبُو اَلْحَسَنِ:

«اِشْتَغِلُوا بِالدُّنْيَا فَإِنَّا لاَ نَتَعَرَّضُ لَكُمْ» .

وَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ اَلْحَرْثِ اَلْقَزْوِينِيِّ قَالَ: كَانَ عِنْدَ اَلْمُسْتَعِينِ بَغْلَةٌ لَمْ يُرَ مِثْلَهَا حُسْناً وَ كِبَراً، وَ كَانَتْ تَمْنَعُ ظَهْرَهَا وَ اَللِّجَامَ، وَ قَدْ جَمَعَ اَلرُّوَّاضُ فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ حِيلَةٌ فِي رُكُوبِهَا، فَقَالَ بَعْضُ نُدَمَائِهِ: أَلاَ تَبْعَثُ إِلَى اَلْحَسَنِ حَتَّى يَجِيءَ، فَإِمَّا أَنْ يَرْكَبَهَا وَ إِمَّا أَنْ يَقْتُلَهُ (1) فَبَعَثَ إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ اَلْحَسَنِ وَ مَضَى مَعَهُ أَبِي، فَلَمَّا دَخَلَ اَلدَّارَ كُنْتُ مَعَ أَبِي فَنَظَرَ أَبُو مُحَمَّدٍ إِلَى اَلْبَغْلَةِ وَاقِفاً(2) فِي صَحْنِ اَلدَّارِ، فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى كَتِفِهَا فَتَعَرَّقَتِ اَلْبَغْلَةُ، ثُمَّ صَارَ إِلَى اَلْمُسْتَعِينِ فَرَحَّبَ بِهِ وَ قَرَّبَ، فَقَالَ: اَلْجِمْ هَذَا اَلْبَغْلَ (3) فَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ لِأَبِي: «أَلْجِمْهُ»(4) فَقَالَ اَلْمُسْتَعِينُ: أَلْجِمْهُ (5)أَنْتَ، فَوَضَعَ أَبُو مُحَمَّدٍ طَيْلَسَانَهُ ثُمَّ قَامَ فَأَلْجَمَهُ (6)، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مَجْلِسِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ أَسْرِجْهُ (7)، فَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ لِأَبِي:

«أَسْرِجْهُ»(8) فَقَالَ اَلْمُسْتَعِينُ: أَسْرِجْهُ (9) أَنْتَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ فَقَامَ ثَانِيَةً فَأَسْرَجَهُ (10)، وَ رَجَعَ فَقَالَ: «تَرَى أَنْ تَرْكَبَهُ (11) قَالَ «نَعَمْ»، فَرَكِبَهُ (12)أَبُو

ص: 208


1- كذا في الأصل، و الأصح: تقتله.
2- كذا في الأصل: و الأصح: واقفة.
3- في نسخة الأخرى: هذه البغلة.
4- في نسخة أخرى: ألجمها.
5- في نسخة أخرى: ألجمها.
6- في نسخة أخرى: فألجمها.
7- في نسخة أخرى: فأسرجها.
8- في نسخة أخرى: أسرجها.
9- في نسخة أخرى: أسرجها.
10- في نسخة أخرى: فأسرجها.
11- في نسخة أخرى: تركبها.
12- في نسخة أخرى: فركبها.

مُحَمَّدٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمْتَنِعَ عَلَيْهِ، ثُمَّ رَكَضَهَا فِي اَلدَّارِ، ثُمَّ حَمَلَهُ (1) عَلَى اَلْهَمْلَجَةِ (2)، فَمَشَى(3) أَحْسَنَ مَشْيٍ، ثُمَّ نَزَلَ فَرَجَعَ إِلَيْهِ، فَقَالَ اَلْمُسْتَعِينُ:

قَدْ حَمَلْنَاكَ عَلَيْهِ (4) فَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ لِأَبِي: «خُذْهُ»(5) فَأَخَذَهُ أَبِي وَ قَادَهُ (6) .

وَ إِنَّ أَبَا مُحَمَّدٍ سُلِّمَ إِلَى نِحْرِيرٍ وَ حُبِسَ عِنْدَهُ، فَقَالَتْ (7) لَهُ اِمْرَأَةٌ إِنَّكَ لاَ تَدْرِي مَنْ فِي مَنْزِلِكَ، وَ ذَكَرَتْ عِبَادَتَهُ وَ صَلاَحَهُ، قَالَتْ: وَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكَ مِنْهُ، فَقَالَ: لَأَرْمِيَنَّهُ بَيْنَ اَلسِّبَاعِ، ثُمَّ اِسْتَأْذَنَ فِي ذَلِكَ فَأُذِنَ لَهُ، فَرَمَى بِهِ إِلَيْهَا، وَ لَمْ يَشُكُّوا فِي أَكْلِهَا لَهُ، فَنَظَرُوا إِلَى اَلْمَوْضِعِ لِيَعْرِفُوا اَلْحَالَ، فَوَجَدُوهُ قَائِماً يُصَلِّي وَ اَلسِّبَاعُ حَوْلَهُ كَالسَّنَانِيرِ .

وَ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ اَلْجَعْفَرِيِّ: كُنْتُ مَحْبُوساً مَعَ أَبِي مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فِي حَبْسِ اَلْمُهْتَدِي بْنِ اَلْوَاثِقِ، فَقَالَ، لِي: «إِنَّ هَذَا اَلطَّاغِيَ أَرَادَ أَنْ يَتَعَبَّثَ بِاللَّهِ فِي هَذِهِ اَللَّيْلَةِ، وَ قَدْ بَتَرَ اَللَّهُ عُمُرَهُ، وَ سَأُرْزَقُ وَلَداً»، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا شَعَبَ اَلْأَتْرَاكُ عَلَى اَلْمُهْتَدِي فَقَتَلُوهُ، وَ وُلِّيَ اَلْمُعْتَمِدُ مَكَانَهُ وَ سَلَّمَنَا اَللَّهُ.

وَ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ نُصَيْرٍ اَلْخَادِمِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ غَيْرَ مَرَّةٍ يُكَلِّمُ غِلْمَانَهُ وَ غَيْرَهُمْ بِلُغَاتِهِمْ، وَ فِيهِمْ رُومٌ وَ تُرْكٌ وَ صَقَالِبَةٌ، فَتَعَجَّبْتُ مِنْ ذَلِكَ وَ قُلْتُ: هَذَا وُلِدَ هَاهُنَا وَ لَمْ يَظْهَرْ لِأَحَدٍ حَتَّى مَضَى اَلْحَسَنُ وَ لاَ رَآهُ أَحَدٌ، فَكَيْفَ هَذَا، أُحَدِّثُ نَفْسِي بِهَذَا فَأَقْبَلَ عَلَيَّ أَبُو مُحَمَّدٍ، فَقَالَ: «إِنَّ اَللَّهَ مَيَّزَ حُجَّتَهُ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ(8)خَلْقِهِ، وَ أَعْطَاهُ مَعْرِفَتَهُ كُلَّ شَيْ ءٍ، فَهُوَ يَعْرِفُ اَللُّغَاتِ وَ اَلْأَسْبَابَ وَ اَلْحَوَادِثَ، وَ لَوْ لاَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ اَلْحُجَّةِ وَ اَلْمَحْجُوجِ فَرْقٌ».

ص: 209


1- في نسخة أخرى: حملها.
2- مشى شبيه بالهرولة.
3- في نسخة أخرى: فمشت.
4- في نسخة أخرى: عليها.
5- في نسخة أخرى: خذها.
6- في نسخة أخرى: فأخذها أبي و قادها.
7- في الأصل: فقال.
8- في الأصل: ساير.

ص: 210

الباب الثالث عشر: في ذكر الإمام صاحب الزّمان عليه السّلام

هو سمّي رسول اللّه و كنيته، هو بقيّة اللّه في أرضه، هو الحجّة المنتظر، هو الهادي، المهتدي، الرّضيّ، الزّكيّ، التّقيّ، النّقيّ، المختفي، هو القائم المهديّ، هو الغائب(1) المستور، هو صاحب المرأى و المسمع، هو الخلف المترقّب، هو المظفّر المنصور. و له أسماء و ألقاب يقال: الحمد، و الحامد، و الحميد، و المحمود، و محمّد، يكنّى: أبا القاسم و أبا جعفر، و يقال له: كنى الأحد عشر إماما، هو الإمام و المأمول، هو وتد الأرض، أتاه اللّه اَلْحِكْمَةَ وَ فَصْلَ اَلْخِطٰابِ كما آتى يحيى صبيّا، و جعله إماما في حال الطّفوليّة كما جعل عيسى بن مريم نبيّا.

مَاتَ أَبُوهُ اَلْحَسَنُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ لَهُ سِتُّ سِنِينَ وَ سَبْعَةُ أَشْهُرٍ.

وُلِدَ فِي اَلنِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ سَنَةَ خَمْسٍ وَ خَمْسِينَ وَ مِائَتَيْنِ (2).

عَنْ اَلسَّيَّارِيِّ: حَدَّثَتْنِي مَارِيَةُ وَ نَسِيمُ قَالَتَا: لَمَّا خَرَجَ صَاحِبُ اَلزَّمَانِ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ سَقَطَ جَاثِياً عَلَى رُكْبَتَيْهِ، رَافِعاً سَبَّابَتَيْهِ نَحْوَ اَلسَّمَاءِ، ثُمَّ عَطَسَ فَقَالَ: «اَلْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ اَلْعٰالَمِينَ وَ صَلَّى اَللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ عَبْداً دَاخِراً لِلَّهِ،

ص: 211


1- في الأصل: الغايب.
2- في الكافي: ولد عليه السّلام سنة ست و خمسين و مائتين.

غَيْرَ مُسْتَنْكِفٍ وَ لاَ مُسْتَكْبِرٍ» ثُمَّ قَالَ: «زَعَمَتِ اَلظَّلَمَةُ أَنَّ حُجَّةَ اَللَّهِ دَاحِضَةٌ، وَ لَوْ أُذِنَ لَنَا فِي اَلْكَلاَمِ لَزَالَ اَلشَّكُّ».

وَ رُوِيَ عَنْ غَيْلاَنَ أَنَّ طَرِيفاً أَبَا نَصْرٍ اَلْخَادِمَ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى صَاحِبِ اَلزَّمَانِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ هُوَ فِي اَلْمَهْدِ، فَقَالَ لِي:

«عَلَيَّ بِالصَّنْدَلِ اَلْأَحْمَرِ» فَأَتَيْتُهُ بِهِ، فَقَالَ: «أَ تَعْرِفُنِي؟» قُلْتُ: نَعَمْ، أَنْتَ سَيِّدِي وَ اِبْنُ سَيِّدِي، فَقَالَ «لَيْسَ عَنْ هَذَا سَأَلْتُكَ؟» فَقُلْتُ: فَسِّرْ لِي، قَالَ:

«أَنَا خَاتَمُ اَلْأَوْصِيَاءِ، وَ بِي يَرْفَعُ اَللَّهُ اَلْبَلاَءَ عَنْ أَهْلِي وَ شِيعَتِي» .

وَ عَنْ حَكِيمَةَ: قَالَ لِي أَبُو مُحَمَّدٍ: «بِيتِي عِنْدَنَا اَللَّيْلَةَ، فَإِنَّ اَللَّهَ سَيُظْهِرُ اَلْخَلَفَ فِيهَا» قُلْتُ: وَ مِمَّنْ؟ قَالَ: «مِنْ مُلَيْكَةَ» قُلْتُ: لاَ أَرَى بِهَا حَمْلاً قَالَ: «يَا عَمَّةِ مَثَلُهَا كَمَثَلِ أُمِّ مُوسَى» فَلَمَّا اِنْتَصَفَ اَللَّيْلُ صَلَّيْتُ صَلاَةَ اَللَّيْلِ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: قَرُبَ اَلْفَجْرُ وَ لَمْ يَظْهَرْ مَا قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ، فَنَادَى أَبُو مُحَمَّدٍ «لاَ تَعْجَلِي» فَارْتَعَدَتْ مُلَيْكَةُ فَضَمَمْتُهَا إِلَى صَدْرِي، وَ قَرَأَ قُلْ هُوَ اَللّٰهُ أَحَدٌ وَ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ وَ آيَةَ اَلْكُرْسِيِّ، فَأَجَابَنِي اَلْخَلَفُ مِنْ بَطْنِهَا يَقْرَأُ كَقِرَائَتِي، قَالَتْ: وَ أَشْرَقَ نُورُ اَلْبَيْتِ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا اَلْخَلَفُ تَحْتَهَا سَاجِداً إِلَى اَلْقِبْلَةِ، فَأَخَذْتُهُ، فَنَادَانِي أَبُو مُحَمَّدٍ «هَلُمِّي بِابْنِي يَا عَمَّةِ». فَأَتَيْتُهُ بِهِ، فَوَضَعَ لِسَانَهُ فِي فَمِهِ، ثُمَّ أَجْلَسَهُ عَلَى فَخِذِهِ وَ قَالَ: «اِنْطِقْ بِإِذْنِ اَللَّهِ يَا بُنَيَّ» فَقَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ اَلسَّمِيعِ اَلْعَلِيمِ مِنَ اَلشَّيْطَانِ اَلرَّجِيمِ بِسْمِ اَللّٰهِ اَلرَّحْمٰنِ اَلرَّحِيمِ وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى اَلَّذِينَ اُسْتُضْعِفُوا فِي اَلْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ اَلْوٰارِثِينَ (5) وَ نُمَكِّنَ لَهُمْ فِي اَلْأَرْضِ وَ نُرِيَ فِرْعَوْنَ وَ هٰامٰانَ وَ جُنُودَهُمٰا مِنْهُمْ مٰا كٰانُوا يَحْذَرُونَ (1) وَ صَلَّى اَللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ اَلْمُصْطَفَى، وَ عَلِيٍّ اَلْمُرْتَضَى، وَ فَاطِمَةَ اَلزَّهْرَاءِ، وَ اَلْحَسَنِ، وَ اَلْحُسَيْنِ، وَ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ، وَ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، وَ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ وَ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى، وَ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، وَ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ» قَالَتْ: وَ غَمَرَتْنَا طُيُورٌ خُضْرٌ، فَنَظَرَ أَبُو مُحَمَّدٍ، إِلَى طَائِرٍ(2) مِنْهَا فَقَالَ لَهُ: «خُذْهُ فَاحْفَظْهُ حَتَّى يَأْذَنَ اَللَّهُ فِيهِ، فَ إِنَّ اَللّٰهَ بٰالِغُ أَمْرِهِ » قَالَتْ حَكِيمَةُ: قُلْتُ لِأَبِي مُحَمَّدٍ: مَا هَذَا اَلطَّائِرُ(3) وَ مَا هَذِهِ

ص: 212


1- سورة القصص، الآيتان: 5-6.
2- في الأصل: طاير.
3- في الأصل: طاير.

اَلطُّيُورُ؟ قَالَ: «هَذَا جَبْرَئِيلُ (1)، وَ هَذِهِ مَلاَئِكَةُ اَلرَّحْمَةِ» ثُمَّ قَالَ: «يَا عَمَّةِ رُدِّيهِ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهٰا وَ لاٰ تَحْزَنَ، وَ لِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اَللّٰهِ حَقٌّ وَ لٰكِنَّ أَكْثَرَ اَلنّٰاسِ لاٰ يَعْلَمُونَ »، فَرَدَدْتُهُ إِلَى أُمِّهِ، قَالَتْ: وَ كَانَتْ مُطِيعاً مَفْرُوغاً مِنْهُ (2)وَ عَلَى ذِرَاعِهِ اَلْأَيْمَنِ مَكْتُوبٌ وَ قُلْ جٰاءَ اَلْحَقُّ وَ زَهَقَ اَلْبٰاطِلُ إِنَّ اَلْبٰاطِلَ كٰانَ زَهُوقاً (3). قَالَتْ حَكِيمَةُ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ بَعْدَ أَرْبَعِينَ يَوْماً مِنْ وِلاَدَةِ صَاحِبِ اَلْأَمْرِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، فَإِذَا مَوْلاَنَا اَلصَّاحِبُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ يَمْشِي فِي اَلدَّارِ، فَلَمْ أَرَ لُغَةً أَفْصَحَ مِنْ لُغَتِهِ، فَتَبَسَّمَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ (4) «إِنَّا مَعَاشِرَ اَلْأَئِمَّةِ نَنْشَأُ فِي يَوْمٍ كَمَا يَنْشَأُ غَيْرُنَا فِي اَلسَّنَّةِ» قَالَتْ: ثُمَّ كُنْتُ أَسْأَلُ أَبَا مُحَمَّدٍ عَنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ:

«اِسْتَوْدَعْنَاهُ اَلَّذِي اِسْتَوْدَعَتْ أُمٌّ وَلَدَهَا» .

ص: 213


1- لا يخفى أنّه لا منافاة في كون الطائر جبرئيل، و الخبر المتضمن انقطاع نزول جبرئيل بعد رحلة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من الدنيا، و آخر نزلته كانت عند احتضار النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، لأن الأولى ربما يخصص بصورة الملكية، و هذه صورة أخرى.
2- العبارة كذا في الأصل.
3- سورة الإسراء، الآية: 81.
4- العبارة كذا في الأصل، و الظاهر أن هناك نقص.

ص: 214

المستجاد من كتاب الإرشاد

اشارة

<تأليف العلاّمة جمال الحقّ و الدّين حسن بن المطهر الحلّي (قده)> المتوفى سنة 736

ص: 215

ص: 216

بِسْمِ اَللّٰهِ اَلرَّحْمٰنِ اَلرَّحِيمِ الحمد للّه عظيم الشّأن، قويّ السّلطان، ذي النّعم و الإحسان، و الكرم و الإمتنان، الّذي هدانا بسيّد الأنبياء، و أعظم الأزكياء، و أعلى الأصفياء محمّد المصطفى، أكرم الخلائق أجمعين، و صفوة ربّ العالمين، و وقانا بخير الأولياء، و أشرف الأوصياء، و إمام الأتقياء، علي المرتضى أمير المؤمنين و أفضل الصّدّيقين، صلّى اللّه عليهما صلاة أبد الآبدين، و دهر الدّاهرين و على آلهما أئمّة الدّين، و هداة المسلمين، و على أصحابهما أكارم الأمجدين، و التّابعين لهم بإحسان إلى يوم الدّين.

أمّا بعد فهذا كتاب مشتمل على أسماء أئمّة الهدى عليهم السّلام و تاريخ أعمارهم، و ذكر مشاهدهم و أسماء أولادهم، و ذكر طرف من أخبارهم المفيدة لعلم أحوالهم ليقف الطّالب على ذلك وقوف العارف بهم، و يظهر له فرق ما بين الدّعوى و الاعتقاد، موسوم بالمستجاد من كتاب الإرشاد.

و اللّه الموفّق للسّداد، المكافي يوم المعاد.

ص: 217

ص: 218

الباب الأوّل: [أمير المؤمنين عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ] في نبذة عن حياته منذ ولادته حتّى وفاته، و إمامته و كناه عليه السّلام

اشارة

ذكر الخبر عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب أوّل أئمّة المؤمنين و ولاة المسلمين، و خلفاء اللّه تعالى في الدّين بعد رسول اللّه الصّادق الأمين محمّد بن عبد اللّه خاتم النّبيّين صلوات اللّه عليه و آله الطّاهرين، أخوه و ابن عمّه، و وزيره على أمره، و صهره على ابنته فاطمة سيّدة نساء العالمين، أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف سيّد الوصيّين عليه أفضل الصلاة و التّسليم.

[في جملة من حالاته عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ]

كنيته و ولادته:

كُنْيَتُهُ: أَبُو اَلْحَسَنِ، وُلِدَ بِمَكَّةَ فِي اَلْبَيْتِ اَلْحَرَامِ فِي يَوْمِ اَلْجُمُعَةِ لِثَلاَثَ عَشَرَ مِنْ رَجَبٍ سَنَةَ ثَلاَثِينَ مِنْ عَامِ اَلْفِيلِ، وَ لَمْ يُولَدْ قَبْلَهُ وَ لاَ بَعْدَهُ مَوْلُودٌ فِي بَيْتِ اَللَّهِ (تَعَالَى) سِوَاهُ إِكْرَاماً مِنَ اَللَّهِ تَعَالَى لَهُ بِذَلِكَ، وَ إِجْلاَلاً لِمَحَلِّهِ فِي اَلتَّعْظِيمِ.

أمّه:

أُمُّهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَسَدِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ (رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهَا) وَ كَانَتْ كَالْأُمِّ لِرَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ رُبِّيَ فِي حَجْرِهَا، وَ كَانَ شَاكِراً لِبِرِّهَا، وَ آمَنَتْ بِهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ فِي اَلْأَوَّلِينَ، وَ هَاجَرَتْ مَعَهُ فِي جُمْلَةِ اَلْمُهَاجِرِينَ، وَ لَمَّا قَبَضَهَا اَللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ

ص: 219

كَفَّنَهَا اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ بِقَمِيصِهِ لِيَدْرَأَ بِهِ عَنْهَا هَوَامَّ اَلْأَرْضِ، وَ تَوَسَّدَ فِي قَبْرِهَا لِتَأْمَنَ بِذَلِكَ مِنْ ضَغْطَةِ اَلْقَبْرِ، وَ لَقَّنَهَا اَلْإِقْرَارَ بِوَلاَيَةِ اِبْنِهَا أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ (صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْهِ) لِتُجِيبَ بِهِ عِنْدَ اَلْمُسَاءَلَةِ بَعْدَ اَلدَّفْنِ، فَخَصَّهَا بِهَذَا اَلْفَضْلِ اَلْعَظِيمِ لِمَنْزِلَتِهَا مِنَ اَللَّهِ وَ مِنْهُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ. و الخبر بذلك مشهور.

أول من آمن:

وَ كَانَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَ إِخْوَتُهُ عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ أَوَّلَ مَنْ وُلِدَ مِنْ هَاشِمٍ مَرَّتَيْنِ وَ حَازَ بِذَلِكَ مَعَ اَلنُّشُوءِ فِي حَجْرِ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ وَ اَلتَّأَدُّبِ بِهِ اَلشَّرَفَيْنِ، وَ هُوَ أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ بِرَسُولِهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ مِنْ أَهْلِ اَلْبَيْتِ وَ اَلْأَصْحَابِ، وَ أَوَّلُ ذَكَرٍ دَعَاهُ اَلنَّبِيُّ إِلَى اَلْإِسْلاَمِ فَأَجَابَ، وَ لَمْ يَزَلْ يَنْصُرُ اَلدِّينَ، وَ يُجَاهِدُ اَلْمُشْرِكِينَ، وَ يَذُبُّ عَنِ اَلْإِيمَانِ، وَ يَقْتُلُ أَهْلَ اَلزَّيْغِ وَ اَلطُّغْيَانِ، وَ يَنْشُرُ مَعَالِمَ اَلسُّنَّةِ وَ اَلْقُرْآنِ، وَ يَحْكُمُ بِالْعَدْلِ، وَ يَأْمُرُ بِالْإِحْسَانِ.

مقامه مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

وَ كَانَ مُقَامُهُ (1) مَعَ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ بَعْدَ اَلْبِعْثَةِ ثَلاَثاً وَ عِشْرِينَ سَنَةً، مِنْهَا ثَلاَثَ عَشْرَةَ سَنَةً بِمَكَّةَ قَبْلَ اَلْهِجْرَةِ، مُشَارِكاً لَهُ فِي مِحَنِهِ كُلِّهَا، مُتَحَمِّلاً عَنْهُ أَكْثَرَ أَثْقَالِهَا وَ عَشْرُ سِنِينَ بَعْدَ اَلْهِجْرَةِ بِالْمَدِينَةِ، يُكَافِحُ (2) عَنْهُ اَلْمُشْرِكِينَ، وَ يُجَاهِدُ دُونَهُ اَلْكَافِرِينَ، وَ لَقِيَهُ بِنَفْسِهِ مِنْ أَعْدَائِهِ فِي اَلدِّينِ، إِلَى أَنْ قَبَضَهُ اَللَّهُ تَعَالَى إِلَى جَنَّتِهِ، وَ رَفَعَهُ فِي عِلِّيِّينَ، فَمَضَى، وَ لِأَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ يَوْمَئِذٍ ثَلاَثٌ وَ ثَلاَثُونَ سَنَةً.

إمامته:

فَاخْتَلَفَتِ اَلْأُمَّةُ فِي إِمَامَتِهِ يَوْمَ وَفَاةِ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ فَقَالَتْ شِيعَتُهُ وَ هُمْ بَنُو هَاشِمٍ كَافَّةً، وَ سَلْمَانُ، وَ عَمَّارٌ، وَ أَبُو ذَرٍّ، وَ اَلْمِقْدَادُ، وَ خُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ ذُو اَلشَّهَادَتَيْنِ، وَ أَبُو أَيُّوبَ اَلْأَنْصَارِيُّ، وَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اَللَّهِ اَلْأَنْصَارِيُّ، وَ أَبُو

ص: 220


1- في الأصل: مقامي.
2- أي يدافع.

سَعِيدٍ اَلْخُدْرِيُّ، وَ أَمْثَالُهُمْ مِنْ أَجِلَّةِ اَلْمُهَاجِرِينَ وَ اَلْأَنْصَارِ: إِنَّهُ كَانَ اَلْخَلِيفَةَ بَعْدَ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ وَ اَلْإِمَامَ، لِفَضْلِهِ عَلَى كَافَّةِ اَلْأَنَامِ، بِمَا اِجْتَمَعَ لَهُ مِنْ خِصَالِ اَلْفَضْلِ وَ اَلرَّأْيِ وَ اَلْكَمَالِ مِنْ سَبْقِهِ اَلْجَمَاعَةَ إِلَى اَلْإِيمَانِ، وَ اَلتَّبْرِيزِ عَلَيْهِمْ فِي اَلْعِلْمِ وَ اَلْأَحْكَامِ، وَ اَلتَّقَدُّمِ لَهُمْ فِي اَلْجِهَادِ وَ اَلبَيْنُونَةِ مِنْهُمْ بِالْغَايَةِ فِي اَلْوَرَعِ وَ اَلزُّهْدِ وَ اَلصَّلاَحِ، وَ اِخْتِصَاصِهِ مِنَ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ فِي اَلْقُرْبَى، بِمَا لَمْ يَشْرَكْهُ فِيهِ أَحَدٌ مِنْ ذَوِي اَلْأَرْحَامِ. ثُمَّ لِنَصِّ اَللَّهِ جَلَّ اِسْمُهُ عَلَى وَلاَيَتِهِ فِي اَلْقُرْآنِ حَيْثُ يَقُولُ: إِنَّمٰا وَلِيُّكُمُ اَللّٰهُ وَ رَسُولُهُ وَ اَلَّذِينَ آمَنُوا اَلَّذِينَ يُقِيمُونَ اَلصَّلاٰةَ وَ يُؤْتُونَ اَلزَّكٰاةَ وَ هُمْ رٰاكِعُونَ (1)، وَ مَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يُزَكِّ فِي حَالِ رُكُوعِهِ غَيْرُهُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ مَا قَدْ ثَبَتَ فِي اَللُّغَةِ أَنَّ اَلْوَلِيَّ هُوَ اَلْأَوْلَى بِلاَ اِخْتِلاَفٍ، وَ إِذَا كَانَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بِحُكْمِ اَلْقُرْآنِ أَوْلَى بِالنَّاسِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ لِكَوْنِهِ وَلِيَّهُمْ بِالنَّصِّ فِي اَلتِّبْيَانِ، وَجَبَتْ طَاعَتُهُ عَلَى كَافَّتِهِمْ بِجَلِيِّ اَلْبَيَانِ، كَمَا وَجَبَتْ طَاعَةُ اَللَّهِ وَ طَاعَةُ رَسُولِهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ وَ بِمَا تَضَمَّنَهُ اَلْخَبَرُ عَنْ وَلاَيَتِهِمَا لِلْخَلْقِ مِنْ (2) هَذِهِ اَلْآيَةِ بِوَاضِحِ اَلْبُرْهَانِ.

وَ بِقَوْلِ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ: يَوْمَ اَلدَّارِ وَ قَدْ جَمَعَ بَنِي عَبْدِ اَلْمُطَّلِبِ خَاصَّةً فِيهَا لِلْإِنْذَارِ، وَ هُمْ أَرْبَعُونَ رَجُلاً يَوْمَئِذٍ يَزِيدُونَ رَجُلاً أَوْ يَنْقُصُونَ رَجُلاً فِيمَا ذَكَرَهُ اَلرُّوَاةُ: «يَا بَنِي عَبْدِ اَلْمُطَّلِبِ إِنَّ اَللَّهَ بَعَثَنِي إِلَى اَلْخَلْقِ كَافَّةً، وَ بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ خَاصَّةً، فَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ اَلْأَقْرَبِينَ (3) وَ أَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى كَلِمَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ عَلَى اَللِّسَانِ ثَقِيلَتَيْنِ فِي اَلْمِيزَانِ، تَمْلِكُونَ بِهِمَا اَلْعَرَبَ وَ اَلْعَجَمَ، وَ تَنْقَادُ لَكُمْ بِهِمَا اَلْأُمَمُ، وَ تَدْخُلُونَ بِهِمَا اَلْجَنَّةَ، وَ تَنْجُونَ بِهِمَا مِنَ اَلنَّارِ: شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اَللَّهُ وَ أَنِّي رَسُولُ اَللَّهِ، فَمَنْ يُجِيبُنِي إِلَى هَذَا اَلْأَمْرِ وَ يُوَازِرُنِي عَلَى اَلْقِيَامِ بِهِ يَكُنْ أَخِي وَ وَصِيِّي وَ وَزِيرِي وَ وَارِثِي مِنْ بَعْدِي، فَلَمْ يُجِبْ مِنْهُمْ أَحَدٌ، فَقَامَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ مِنْ بَيْنِهِمْ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَ هُوَ أَصْغَرُهُمْ يَوْمَئِذٍ سِنّاً، وَ أَحْمَشُهُمْ سَاقاً، وَ أَرْمَصُهُمْ عَيْناً، فَقَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اَللَّهِ أُوَازِرُكَ عَلَى هَذَا اَلْأَمْرِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ اِجْلِسْ فَأَنْتَ أَخِي،

ص: 221


1- سورة المائدة، الآية: 55.
2- في نسخة أخرى: في.
3- سورة الشعراء، الآية: 214.

وَ وَصِيِّي، وَ وَزِيرِي، وَ وَارِثِي، وَ خَلِيفَتِي مِنْ بَعْدِي، وَ هَذَا صَرِيحُ اَلْقَوْلِ فِي اَلاِسْتِخْلاَفِ.

وَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ، وَ قَدْ جَمَعَ اَلْأُمَّةَ لِسَمَاعِ اَلْخِطَابِ: «أَ لَسْتُ أَوْلَى بِكُمْ مِنْكُمْ بِأَنْفُسِكُمْ؟» فَقَالُوا: اَللَّهُمَّ بَلَى، فَقَالَ لَهُمْ عَلَى اَلنَّسَقِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ اَلْكَلاَمِ: «فَمَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَعَلِيٌّ مَوْلاَهُ» فَأَوْجَبَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ فَرْضِ اَلطَّاعَةِ وَ اَلْوَلاَيَةِ مَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِمَّا قَرَّرَهُمْ بِهِ مِنْ ذَلِكَ فَلَمْ يُنَاكِرُوهُ (1)، وَ هَذَا أَيْضاً ظَاهِرٌ فِي اَلنَّصِّ عَلَيْهِ بِالْإِمَامَةِ وَ اَلاِسْتِخْلاَفِ لَهُ فِي اَلْمَقَامِ.

وَ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ لَهُ عِنْدَ تَوَجُّهِهِ إِلَى تَبُوكَ: «أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى، إِلاَّ أَنَّهُ لاَ نَبِيَّ بَعْدِي» فَأَوْجَبَ لَهُ اَلْوِزَارَةَ وَ اَلتَّخَصُّصَ بِالْمَوَدَّةِ، وَ اَلْفَضْلَ عَلَى اَلْكَافَّةِ، وَ اَلْخِلاَفَةَ عَلَيْهِمْ فِي حَيَاتِهِ وَ بَعْدَ وَفَاتِهِ، لِشَهَادَةِ اَلْقُرْآنِ بِذَلِكَ كُلِّهِ لِهَارُونَ مِنْ مُوسَى (عَلَى نَبِيِّنَا وَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) قَالَ اَللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ مُخْبِراً عَنْ مُوسَى عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: وَ اِجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي (29) هٰارُونَ أَخِي (30) اُشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَ أَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً (33) وَ نَذْكُرَكَ كَثِيراً (34) إِنَّكَ كُنْتَ بِنٰا بَصِيراً (3(5) قٰالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يٰا مُوسىٰ (2)، فَثَبَتَ لِهَارُونَ (عَلَى نَبِيِّنَا وَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) شِرْكَةُ مُوسَى عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ فِي اَلنُّبُوَّةِ وَ وِزَارَتُهُ عَلَى تَأْدِيَةِ اَلرِّسَالَةِ، وَ شَدُّ أَزْرِهِ فِي اَلنُّصْرَةِ وَ قَالَ فِي اِسْتِخْلاَفِهِ لَهُ: اُخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَ أَصْلِحْ وَ لاٰ تَتَّبِعْ سَبِيلَ اَلْمُفْسِدِينَ (3)، فَثَبَتَ لَهُ خِلاَفَتُهُ بِمُحْكَمِ اَلتَّنْزِيلِ، فَلَمَّا جَعَلَ رَسُولُ اَللَّهِ لِأَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِمَا) جَمِيعَ مَنَازِلِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ فِي اَلْحُكْمِ لَهُ مِنْهُ إِلاَّ اَلنُّبُوَّةَ، وَجَبَتْ لَهُ وِزَارَةُ اَلرَّسُولِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ وَ شَدُّ اَلْأَزْرِ بِالنُّصْرَةِ وَ اَلْفَضْلِ وَ اَلْمَحَبَّةِ لِمَا تَقْتَضِيهِ (4) هَذِهِ اَلْخِصَالُ مِنْ ذَلِكَ فِي اَلْحَقِيقَةِ، ثُمَّ اَلْخِلاَفَةُ فِي اَلْحَيَاةِ بِالصَّرِيحِ، وَ بَعْدَ اَلنُّبُوَّةِ بِتَخْصِيصِ اَلاِسْتِثْنَاءِ، لِمَا خَرَجَ مِنْهَا بِذِكْرِ اَلْبُعْدِ، وَ أَمْثَالُ هَذِهِ اَلْحُجَجِ مِمَّا يَطُولُ بِذِكْرِهِ اَلْكِتَابُ وَ اَلْحَمْدُ لِلَّهِ.

ص: 222


1- في نسخة أخرى: يتناكروه.
2- سورة طه، الآيات: 29-36.
3- سورة الأعراف، الآية: 142.
4- في الأصل: يقتضيه.

وَ كَانَتْ إِمَامَةُ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ بَعْدَ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ثَلاَثِينَ سَنَةً، مِنْهَا أَرْبَعٌ وَ عِشْرُونَ سَنَةً وَ أَشْهُرٌ مَمْنُوعاً مِنَ اَلتَّصَرُّفِ فِي أَحْكَامِهَا مُسْتَعْمِلاً لِلتَّقِيَّةِ وَ اَلْمُدَارَاةِ، وَ مِنْهَا خَمْسُ سِنِينَ وَ أَشْهُرٌ مُمْتَحَناً بِجِهَادِ اَلْمُنَافِقِينَ مِنَ اَلنَّاكِثِينَ وَ اَلْقَاسِطِينَ وَ اَلْمَارِقِينَ وَ مُضْطَهَداً بِفِتَنِ اَلضَّالِّينَ كَمَا كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ثَلاَثَ عَشَرَ سَنَةً مِنْ نُبُوَّتِهِ مَمْنُوعاً مِنْ أَحْكَامِهَا، خَائِفاً(1) وَ مَحْبُوساً وَ هَارِباً، وَ مَطْرُوداً لاَ يَتَمَكَّنُ مِنْ جِهَادِ اَلْكَافِرِينَ، وَ لاَ يَسْتَطِيعُ دَفْعاً عَنِ اَلْمُؤْمِنِينَ، ثُمَّ هَاجَرَ وَ أَقَامَ بَعْدَ اَلْهِجْرَةِ عَشْرَ سِنِينَ مُجَاهِداً لِلْمُشْرِكِينَ، مُمْتَحَناً بِالْمُنَافِقِينَ، إِلَى أَنْ قَبَضَهُ اَللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ وَ أَسْكَنَهُ جَنَّاتِ اَلنَّعِيمِ .

وفاته:

وَ كَانَتْ وَفَاةُ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَبْلَ اَلْفَجْرِ لَيْلَةَ اَلْجُمُعَةِ لَيْلَةَ إِحْدَى وَ عِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ أَرْبَعِينَ مِنَ اَلْهِجْرَةِ قَتِيلاً بِالسَّيْفِ؛ قَتَلَهُ اِبْنُ مُلْجَمٍ اَلْمُرَادِيُّ (لَعَنَهُ اَللَّهُ) فِي مَسْجِدِ اَلْكُوفَةِ، وَ قَدْ خَرَجَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ يُوقِظُ اَلنَّاسَ لِصَلاَةِ اَلصُّبْحِ لَيْلَةَ تِسْعَةَ عَشَرَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَ قَدْ كَانَ اِرْتَصَدَهُ مِنْ أَوَّلِ اَللَّيْلِ لِذَلِكَ، فَلَمَّا مَرَّ بِهِ فِي اَلْمَسْجِدِ وَ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِأَمْرِهِ، مُمَاكِرٌ بِإِظْهَارِ اَلنَّوْمِ فِي جُمْلَةِ اَلنِّيَامِ ثَارَ(2) إِلَيْهِ فَضَرَبَهُ عَلَى أُمِّ رَأْسِهِ بِالسَّيْفِ، وَ كَانَ مَسْمُوماً، فَمَكَثَ يَوْمَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَ لَيْلَةَ عِشْرِينَ وَ يَوْمَهَا، وَ لَيْلَةَ إِحْدَى وَ عِشْرِينَ إِلَى نَحْوِ اَلثُّلُثِ اَلْآخِرِ مِنَ اَللَّيْلِ، ثُمَّ قَضَى نَحْبَهُ (صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْهِ) شَهِيداً وَ لَقِيَ رَبَّهُ مَظْلُوماً، وَ قَدْ كَانَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ يَعْلَمُ ذَلِكَ قَبْلَ أَوَانِهِ، وَ يُخْبِرُ بِهِ اَلنَّاسَ قَبْلَ زَمَانِهِ، وَ تَوَلَّى غُسْلَهُ وَ تَكْفِينَهُ اِبْنَاهُ اَلْحَسَنُ وَ اَلْحُسَيْنُ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ بِأَمْرِهِ، وَ حَمَلاَهُ إِلَى اَلْغَرِيِّ مِنْ نَجَفِ اَلْكُوفَةِ، فَدَفَنَاهُ هُنَاكَ، وَ عَفَيَا مَوْضِعَ قَبْرِهِ بِوَصِيَّةٍ كَانَتْ مِنْهُ إِلَيْهِمَا عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ فِي ذَلِكَ، لِمَا كَانَ يَعْلَمُهُ (صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْهِ) مِنْ دَوْلَةِ بَنِي أُمَيَّةَ مِنْ بَعْدِهِ، وَ اِعْتِقَادِهِمْ فِي عَدَاوَتِهِ، وَ مَا يَنْتَهُونَ إِلَيْهِ بِسُوءِ اَلنِّيَّاتِ فِيهِ مِنْ قَبِيحِ اَلْفِعَالِ وَ اَلْمَقَالِ مَا تَمَكَّنُوا مِنْ ذَلِكَ، فَلَمْ يَزَلْ قَبْرُهُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ مَخْفِيّاً حَتَّى دَلَّ عَلَيْهِ اَلصَّادِقُ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ فِي اَلدَّوْلَةِ اَلْعَبَّاسِيَّةِ، وَ زَارَهُ عِنْدَ وُرُودِهِ إِلَى أَبِي

ص: 223


1- في الأصل: خايفا.
2- أي وثب.

جَعْفَرٍ اَلْمَنْصُورِ وَ هُوَ بِالْحِيرَةِ، فَعَرَفَتْهُ اَلشِّيعَةُ وَ اِسْتَأْنَفُوا إِذْ ذَاكَ زِيَارَتَهُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ عَلَى ذُرِّيَّتِهِ اَلطَّاهِرِينَ، وَ كَانَ سِنُّهُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ يَوْمَ وَفَاتِهِ ثَلاَثاً وَ سِتِّينَ سَنَةً.

الفصل الأول: في الأخبار التي جاءت بذكره عليه السّلام

فمن الأخبار الّتي جاءت بذكره عليه السّلام الحادث قبل كونه و علمه به قبل حدوثه،

مَا أَخْبَرَ بِهِ عَلِيُّ بْنُ اَلْمُنْذِرِ اَلطَّرِيفِيُّ، عَنْ أَبِي اَلْفَضْلِ اَلْعَبْدِيِّ، عَنْ فِطْرٍ، عَنْ أَبِي اَلطُّفَيْلِ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ رَحْمَةُ اَللَّهِ عَلَيْهِ، قَالَ: جَمَعَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ اَلنَّاسَ لِلْبَيْعَةِ فَجَاءَ عَبْدُ اَلرَّحْمَنِ بْنُ مُلْجَمٍ اَلْمُرَادِيُّ (لَعَنَهُ اَللَّهُ) فَرَدَّهُ مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلاَثاً، ثُمَّ بَايَعَهُ وَ قَالَ عِنْدَ بَيْعَتِهِ: مَا يَحْبِسُ أَشْقَاهَا، فَوَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُخْضَبَنَّ هَذِهِ مِنْ هَذَا، وَ يُوضَعُ يَدُهُ عَلَى لِحْيَتِهِ وَ رَأْسِهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، فَلَمَّا أَدْبَرَ اِبْنُ مُلْجَمٍ (لَعَنَهُ اَللَّهُ) عَنْهُ مُنْصَرِفاً قَالَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ

اُشْدُدْ حَيَازِيمَكَ لِلْمَوْتِ *** فَإِنَّ اَلْمَوْتَ لاَقِيكَ

وَ لاَ تَجْزَعْ مِنَ اَلْقَتْلِ *** إِذَا حَلَّ بِوَادِيكَ

.

وَ رَوَى اَلْحَسَنُ بْنُ مَحْبُوبٍ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ اَلثُّمَالِيِّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ اَلسَّبِيعِيِّ، عَنِ اَلْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ، قَالَ: أَتَى اِبْنُ مُلْجَمٍ (لَعَنَهُ اَللَّهُ) إِلَى أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، فَبَايَعَهُ فِيمَنْ بَايَعَ، ثُمَّ أَدْبَرَ عَنْهُ، فَدَعَاهُ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فَتَوَثَّقَ مِنْهُ وَ تَوَكَّدَ عَلَيْهِ أَلاَّ يَغْدِرَ وَ لاَ يَنْكُثَ فَفَعَلَ ثُمَّ أَدْبَرَ عَنْهُ فَدَعَاهُ اَلثَّانِيَةَ، فَتَوَثَّقَ مِنْهُ وَ تَوَكَّدَ عَلَيْهِ أَلاَّ يَغْدِرَ وَ لاَ يَنْكُثَ فَفَعَلَ، ثُمَّ أَدْبَرَ عَنْهُ فَدَعَاهُ اَلثَّالِثَةَ، فَتَوَثَّقَ مِنْهُ وَ تَوَكَّدَ عَلَيْهِ أَلاَّ يَغْدِرَ وَ لاَ يَنْكُثَ، فَقَالَ اِبْنُ مُلْجَمٍ (لَعَنَهُ اَللَّهُ) وَ اَللَّهِ يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ مَا رَأَيْتُكَ فَعَلْتَ هَذَا بِأَحَدٍ غَيْرِي، فَقَالَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ.

أُرِيدُ حَيَاتَهُ وَ يُرِيدُ قَتْلَى *** عَذِيرَكَ مِنْ خَلِيلِكَ مِنْ مُرَادٍ

اِمْضِ يَا اِبْنَ مُلْجَمٍ فَوَ اَللَّهِ مَا أَرَى أَنَّكَ تَفِي بِمَا قُلْتَ .

وَ رَوَى سُلَيْمَانُ اَلضَّبِيعِيُّ، عَنِ اَلْمُعَلَّى بْنِ زِيَادٍ قَالَ: جَاءَ عَبْدُ اَلرَّحْمَنِ اِبْنُ مُلْجَمٍ (عَلَيْهِ اَللَّعْنَةُ) إِلَى أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ يَسْتَحْمِلُهُ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ اِحْمِلْنِي، فَنَظَرَ إِلَيْهِ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ثُمَّ قَالَ: «أَنْتَ عَبْدُ اَلرَّحْمَنِ اِبْنُ مُلْجَمٍ اَلْمُرَادِيُّ؟» فَقَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «أَنْتَ عَبْدُ اَلرَّحْمَنِ بْنُ مُلْجَمٍ

ص: 224

اَلْمُرَادِيُّ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «يَا غَزْوَانُ اِحْمِلْهُ عَلَى اَلْأَشْقَرِ» فَجَاءَ بِفَرَسٍ أَشْقَرَ فَرَكِبَهُ اِبْنُ مُلْجَمٍ (عَلَيْهِ اَللَّعْنَةُ) وَ أَخَذَ بِعِنَانِهِ، فَلَمَّا وَلَّى قَالَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ.

أُرِيدُ حَيَاتَهُ وَ يُرِيدُ قَتْلِي *** عَذِيرَكَ مِنْ خَلِيلِكَ مِنْ مُرَادٍ.

قَالَ فَلَمَّا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ، وَ ضَرَبَ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، قُبِضَ عَلَيْهِ وَ قَدْ خَرَجَ مِنَ اَلْمَسْجِدِ، فَجِيءَ بِهِ إِلَى أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فَقَالَ: «وَ اَللَّهِ لَقَدْ كُنْتُ أَصْنَعُ بِكَ مَا أَصْنَعُ وَ أَنَا أَعْلَمُ أَنَّكَ قَاتِلِي، وَ لَكِنْ كُنْتُ أَفْعَلُ ذَلِكَ بِكَ لِأَسْتَظْهِرَ بِاللَّهِ عَلَيْكَ» .

وَ رَوَى عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ اَلْحَسَنِ اَلْبَصْرِيِّ قَالَ: سَهَرَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فِي اَللَّيْلَةِ اَلَّتِي قُتِلَ فِي صَبِيحَتِهَا وَ لَمْ يَخْرُجْ إِلَى اَلْمَسْجِدِ لِصَلاَةِ اَللَّيْلِ عَلَى عَادَتِهِ فَقَالَتْ لَهُ اِبْنَتُهُ أُمُّ كُلْثُومٍ (رَحْمَةُ اَللَّهِ عَلَيْهَا): مَا هَذَا اَلَّذِي قَدْ أَسْهَرَكَ؟ فَقَالَ: «إِنِّي مَقْتُولٌ لَوْ قَدْ أَصْبَحْتُ» وَ أَتَاهُ اِبْنُ اَلنَّبَّاحِ فَآذَنَهُ بِالصَّلاَةِ، فَمَشَى غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَتْ لَهُ أُمُّ كُلْثُومٍ: مُرْ جَعْدَةَ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ، قَالَ: «نَعَمْ مُرُوا جَعْدَةَ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ» ثُمَّ قَالَ: «لاَ مَفَرَّ مِنَ اَلْأَجَلِ»، فَخَرَجَ إِلَى اَلْمَسْجِدِ، فَإِذَا هُوَ بِالرَّجُلِ قَدْ سَهِرَ لَيْلَتَهُ كُلَّهَا يَرْصُدُهُ، فَلَمَّا بَرَدَ اَلسَّحَرُ نَامَ، فَحَرَّكَهُ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بِرِجْلِهِ وَ قَالَ لَهُ: «اَلصَّلاَةَ»، فَقَامَ إِلَيْهِ فَضَرَبَهُ .

وَ رُوِيَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ: أَنَّ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ أَسْهَرَ فِي تِلْكَ اَللَّيْلَةِ، وَ أَكْثَرَ اَلْخُرُوجَ وَ اَلنَّظَرَ إِلَى اَلسَّمَاءِ وَ هُوَ يَقُولُ: «وَ اَللَّهِ مَا كَذَبْتُ وَ لاَ كُذِبْتُ، وَ أَنَّهَا اَللَّيْلَةُ اَلَّتِي وُعِدْتُ بِهَا» ثُمَّ يُعَاوِدُ مَضْجَعَهُ، فَلَمَّا طَلَعَ اَلْفَجْرُ شَدَّ إِزَارَهُ وَ خَرَجَ وَ هُوَ يَقُولُ:

اُشْدُدْ حَيَازِيمَكَ لِلْمَوْتِ *** فَإِنَّ اَلْمَوْتَ لاَقِيكَا(1)

وَ لاَ تَجْزَعْ مِنَ اَلْقَتْلِ *** إِذَا حَلَّ بِوَادِيكَا

فَلَمَّا خَرَجَ إِلَى صَحْنِ اَلدَّارِ اِسْتَقْبَلَهُ اَلْإِوَزُّ(2) فَصِحْنَ فِي وَجْهِهِ،

ص: 225


1- في الأصل: لاقيك.
2- بتشديد الزاي، يقال لها بالفارسية: مرغابي.

فَجَعَلُوا يَطْرُدُونَهُنَّ، فَقَالَ: «دَعُوهُنَّ فَإِنَّهُنَّ صَوَائِحُ يَتْبَعُهَا نَوَائِحُ» ثُمَّ خَرَجَ فَأُصِيبَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ.

الفصل الثاني: في الأخبار الواردة بسبب قتله عليه السّلام

و من الأخبار الواردة بسبب قتله عليه السّلام و كيف كان الأمر في ذلك ما

رَوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ اَلسِّيَرِ، مِنْهُمْ أَبُو مِخْنَفٍ لُوطُ بْنُ يَحْيَى، وَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ رَاشِدٍ وَ غَيْرُهُمَا: أَنَّ نَفَراً مِنَ اَلْخَوَارِجِ اِجْتَمَعُوا بِمَكَّةَ فَتَذَاكَرُوا اَلْأَمْرَ، فَعَابُوهُمْ وَ عَابُوا أَعْمَالَهُمْ عَلَيْهِمْ، وَ ذَكَرُوا أَهْلَ اَلنَّهْرَوَانِ وَ تَرَحَّمُوا عَلَيْهِمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: لَوْ أَنَّا شَرَيْنَا أَنْفُسَنَا لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ، فَأَتَيْنَا أَئِمَّةَ اَلضَّلاَلِ فَطَلَبْنَا عِزَّتَهُمْ، فَأَرَحْنَا مِنْهُمُ اَلْعِبَادَ وَ اَلْبِلاَدَ، وَ ثَارَنَا بِإِخْوَانِنَا اَلشُّهَدَاءِ بِالنَّهْرَوَانِ، فَتَعَاهَدُوا عِنْدَ اِنْقِضَاءِ اَلْحَجِّ عَلَى ذَلِكَ، فَقَالَ عَبْدُ اَلرَّحْمَنِ بْنُ مُلْجَمٍ اَلْمُرَادِيُّ (لَعَنَهُ اَللَّهُ): أَنَا أَكْفِيكُمْ عَلِيّاً، وَ قَالَ اَلْبُرَكُ بْنُ عَبْدِ اَللَّهِ اَلتَّمِيمِيُّ: أَنَا أَكْفِيكُمْ مُعَاوِيَةَ، وَ قَالَ عَمْرُو بْنُ بَكْرٍ اَلتَّمِيمِيُّ: أَنَا أَكْفِيكُمْ عَمْرَو بْنَ اَلْعَاصِ، وَ تَعَاهَدُوا عَلَى ذَلِكَ، وَ تَوَاثَقُوا عَلَيْهِ وَ عَلَى اَلْوَفَاءِ بِهِ، وَ اِتَّعَدُوا لِشَهْرِ رَمَضَانَ فِي لَيْلَةِ تِسْعَةَ عَشَرَ ثُمَّ تَفَرَّقُوا، فَأَقْبَلَ اِبْنُ مُلْجَمٍ (لَعَنَهُ اَللَّهُ) وَ كَانَ عِدَادَهُ فِي كِنْدَةَ حَتَّى قَدِمَ اَلْكُوفَةَ، فَلَقِيَ بِهَا أَصْحَابَهُ وَ كَتَمَهُمْ خَبَرَهُ (1) مَخَافَةَ أَنْ يَنْتَشِرَ مِنْهُ شَيْ ءٌ، فَبَيْنَا هُوَ فِي ذَلِكَ، إِذْ زَارَ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِهِ ذَاتَ يَوْمٍ مِنْ تَيْمِ اَلرِّبَابِ، فَصَادَفَ عِنْدَهُ قَطَامَ بِنْتَ اَلْأَخْضَرِ اَلتَّيْمِيَّةَ، وَ كَانَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَتَلَ أَبَاهَا وَ أَخَاهَا بِالنَّهْرَوَانِ، وَ كَانَتْ مِنْ أَجْمَلِ نِسَاءِ أَهْلِ زَمَانِهَا، فَلَمَّا رَآهَا اِبْنُ مُلْجَمٍ شُغِفَ بِهَا وَ اِشْتَدَّ إِعْجَابُهُ بِهَا، فَسَأَلَ فِي نِكَاحِهَا وَ خَطَبَهَا، فَقَالَتْ: مَا اَلَّذِي تُسَمِّي لِي مِنَ اَلصَّدَاقِ؟ فَقَالَ لَهَا: اِحْتَكِمِي، فَقَالَتْ: أَنَا مُحْتَكِمَةٌ عَلَيْكَ ثَلاَثَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ وَ وَصِيفاً وَ خَادِماً وَ قَتْلَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، فَقَالَ لَهَا لَكِ جَمِيعُ مَا سَأَلْتَ وَ وَصَفْتَ فَأَمَّا قَتْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فَأَنَّى لِي بِذَلِكَ، فَقَالَتْ: تَلْتَمِسُ غِرَّتَهُ، فَإِنْ أَنْتَ قَتَلْتَهُ شَفَيْتَ نَفْسِي وَ هَنَّأَكَ اَلْعَيْشُ مَعِي، وَ إِنْ أَنْتَ قُتِلْتَ فَمَا عِنْدَ اَللَّهِ خَيْرٌ لَكَ مِنَ اَلدُّنْيَا

ص: 226


1- في نسخة أخرى: أمره.

وَ مَا فِيهَا، فَقَالَ لَهَا: أَمَا وَ اَللَّهِ مَا أَقْدَمَنِي هَذَا اَلْمِصْرَ وَ قَدْ كُنْتُ هَارِباً مِنْهُ لاَ آمَنُ مَعَ أَهْلِهِ، إِلاَّ مَا سَأَلْتِنِي مِنْ قَتْلِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَلَكِ مَا سَأَلْتِ، قَالَتْ: وَ أَنَا طَالِبَةٌ لَكَ بَعْضَ مَنْ يُسَاعِدُكَ وَ يُقَوِّيكَ عَلَى ذَلِكَ، فَبَعَثَتْ إِلَى وَرْدَانَ بْنِ مُجَالِدٍ مِنْ تَيْمِ اَلرِّبَابِ فَخَبَّرَتْهُ اَلْخَبَرَ، وَ سَأَلَتْهُ مَعُونَةَ اِبْنِ مُلْجَمٍ (لَعَنَهُ اَللَّهُ) فَاحْتَمَلَ لَهَا ذَلِكَ، وَ خَرَجَ اِبْنُ مُلْجَمٍ لَعَنَهُ اَللَّهُ فَأَتَى رَجُلاً مِنْ أَشْجَعَ يُقَالُ لَهُ شَبِيبُ بْنُ بَجَرَةَ، فَخَبَّرَهُ اَلْخَبَرَ وَ سَأَلَ مِنْهُ اَلْمُسَاعَدَةَ عَلَى قَتْلِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، وَ كَانَ شَبِيبٌ عَلَى رَأْيِ اَلْخَوَارِجِ، فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ، وَ أَقْبَلَ اِبْنُ مُلْجَمٍ (لَعَنَهُ اَللَّهُ) وَ مَعَهُ اَلاِثْنَيْنِ لَيْلَةَ اَلْأَرْبِعَاءِ لِتِسْعَ عَشَرَ خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ أَرْبَعِينَ مِنَ اَلْهِجْرَةِ، فَدَخَلُوا عَلَى قَطَامِ وَ هِيَ مُعْتَكِفَةٌ فِي اَلْمَسْجِدِ اَلْأَعْظَمِ قَدْ ضُرِبَتْ عَلَيْهَا قُبَّةٌ، فَقَالُوا لَهَا: قَدْ أَجْمَعَ رَأْيُنَا عَلَى قَتْلِ هَذَا اَلرَّجُلِ، فَدَعَتْ لَهُمْ بِحَرِيرٍ فَعَصَبَتْ بِهِ صُدُورَهُمْ وَ تَقَلَّدُوا أَسْيَافَهُمْ وَ مَضَوْا، فَجَلَسُوا لِمُقَابِلِ اَلسُّدَّةِ اَلَّتِي كَانَ يَخْرُجُ مِنْهَا أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ إِلَى اَلصَّلاَةِ، فَقَدْ كَانُوا أَلْقَوْا إِلَى اَلْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ مَا فِي نُفُوسِهِمْ مِنَ اَلْعَزِيمَةِ عَلَى قَتْلِ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ وَاطَأَهُمْ عَلَيْهِ، وَ حَضَرَ اَلْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ فِي تِلْكَ اَللَّيْلَةِ لِمَعُونَتِهِمْ عَلَى مَا اِجْتَمَعُوا عَلَيْهِ، فَلَمَّا كَانَ اَلثُّلُثُ اَلْآخِرُ مِنَ اَللَّيْلِ أَقْبَلَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ يُنَادِي اَلصَّلاَةَ اَلصَّلاَةَ فَسَبَقَ إِلَيْهِ اِبْنُ مُلْجَمٍ (لَعَنَهُ اَللَّهُ) فَضَرَبَهُ عَلَى أُمِّ رَأْسِهِ بِالسَّيْفِ وَ كَانَ مَسْمُوماً، وَ ضَرَبَهُ شَبِيبٌ (لَعَنَهُ اَللَّهُ) فَأَخْطَأَهُ وَ وَقَعَتْ ضَرْبَتُهُ فِي اَلطَّاقِ، وَ هَرَبَ اَلْقَوْمُ نَحْوَ أَبْوَابِ اَلْمَسْجِدِ، فَقَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: «لاَ يَفُوتَنَّكُمُ اَلرَّجُلُ» وَ تَبَادَرَ اَلنَّاسُ لِأَخْذِهِمْ، فَأَمَّا شَبِيبُ بْنُ بَجَرَةَ (عَلَيْهِ اَللَّعْنَةُ) فَأَخَذَهُ رَجُلٌ فَصَرَعَهُ وَ جَلَسَ عَلَى صَدْرِهِ، وَ أَخَذَ اَلسَّيْفَ مِنْ يَدِهِ لِيَقْتُلَهُ بِهِ، فَرَأَى اَلنَّاسَ يَقْصِدُونَ نَحْوَهُ، فَخَشِيَ أَنْ يُعَجِّلُوا عَلَيْهِ وَ لاَ يَسْمَعُوا مِنْهُ، فَوَثَبَ عَنْ صَدْرِهِ وَ خَلاَّهُ وَ طَرَحَ اَلسَّيْفَ مِنْ يَدِهِ، وَ مَضَى شَبِيبٌ هَارِباً حَتَّى دَخَلَ مَنْزِلَهُ، وَ دَخَلَ عَلَيْهِ اِبْنُ عَمٍّ لَهُ فَرَآهُ يَحُلُّ اَلْحَرِيرَ عَنْ صَدْرِهِ، فَقَالَ لَهُ: مَا هَذَا لَعَلَّكَ قَتَلْتَ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فَأَرَادَ أَنْ يَقُولَ: لاَ فَقَالَ: نَعَمْ، فَذَهَبَ اِبْنُ عَمِّهِ، فَاشْتَمَلَ عَلَى سَيْفِهِ وَ دَخَلَ عَلَيْهِ، فَضَرَبَهُ حَتَّى قَتَلَهُ، وَ أَمَّا اِبْنُ مُلْجَمٍ (لَعَنَهُ اَللَّهُ) فَإِنَّ رَجُلاً مِنْ هَمْدَانَ لَحِقَهُ وَ طَرَحَ عَلَيْهِ قَطِيفَةً كَانَتْ فِي يَدِهِ، ثُمَّ صَرَعَهُ وَ أَخَذَ اَلسَّيْفَ مِنْ يَدِهِ، وَ جَاءَ بِهِ إِلَى أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ أَفْلَتَ اَلثَّالِثُ فَانْسَلَّ بَيْنَ اَلنَّاسِ،

ص: 227

فَلَمَّا أُدْخِلَ اِبْنُ مُلْجَمٍ (لَعَنَهُ اَللَّهُ) عَلَى أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ نَظَرَ إِلَيْهِ ثُمَّ قَالَ:

«اَلنَّفْسَ بِالنَّفْسِ ، إِنْ أَنَا مِتُّ فَاقْتُلُوهُ كَمَا قَتَلَنِي، وَ إِنْ عِشْتُ رَأَيْتُ فِيهِ رَأْيِي» فَقَالَ اِبْنُ مُلْجَمٍ (لَعَنَهُ اَللَّهُ) لَقَدِ اِبْتَعْتُهُ بِأَلْفٍ، وَ سَمَمْتُهُ بِأَلْفٍ فَإِنْ خَانَنِي فَأَبْعَدَهُ اَللَّهُ، فَأُخْرِجَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ إِنَّ اَلنَّاسَ يَنْهَشُونَ لَحْمَهُ بِأَسْنَانِهِم كَأَنَّهُمْ سِبَاعٌ وَ هُمْ يَقُولُونَ: يَا عَدُوَّ اَللَّهِ مَاذَا فَعَلْتَ؟! أَهْلَكْتَ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ وَ قَتَلْتَ خَيْرَ اَلنَّاسِ وَ إِنَّهُ لَصَامِتٌ مَا يَنْطِقُ، فَذُهِبَ بِهِ إِلَى اَلْحَبْسِ، وَ جَاءَ اَلنَّاسُ إِلَى أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، فَقَالُوا لَهُ: يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ مُرْنَا بِأَمْرِكَ فِي عَدُوِّ اَللَّهِ، فَقَدْ أَهْلَكَ اَلْأُمَّةَ، وَ أَفْسَدَ اَلْمِلَّةَ، فَقَالَ لَهُمْ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ:

«إِنْ عِشْتُ رَأَيْتُ فِيهِ رَأْيِي، وَ إِنْ هَلَكْتُ فَاصْنَعُوا بِهِ مَا يُصْنَعُ بِقَاتِلِ اَلنَّبِيِّ، اُقْتُلُوهُ ثُمَّ حَرِّقُوهُ (1) بَعْدَ ذَلِكَ بِالنَّارِ، قَالَ فَلَمَّا قَضَى أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ نَحْبَهُ وَ فَرَغَ أَهْلُهُ مِنْ دَفْنِهِ، جَلَسَ اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ أَمَرَ أَنْ يُؤْتَى بِابْنِ مُلْجَمٍ (لَعَنَهُ اَللَّهُ)، فَجِيءَ بِهِ، فَلَمَّا وَقَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ قَالَ لَهُ: «يَا عَدُوَّ اَللَّهِ قَتَلْتَ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ وَ أَعْظَمْتَ اَلْفَسَادَ فِي اَلدِّينِ، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ، وَ اِسْتَوْهَبَتْ أُمُّ اَلْهَيْثَمِ بِنْتُ اَلْأَسْوَدِ اَلنَّخَعِيَّةُ جُثَّتَهُ مِنْهُ لِتَتَوَلَّى إِحْرَاقَهَا بِالنَّارِ، فَوَهَبَهَا لَهَا فَأَحْرَقَتْهَا بِالنَّارِ.

وَ فِي أَمْرِ قَطَامِ وَ قَتْلِ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ يَقُولُ اَلشَّاعِرُ(2):

فَلَمْ أَرَ مَهْراً سَاقَهُ ذُو سَمَاحَةٍ *** كَمَهْرِ قَطَامِ مِنْ غَنِيٍّ وَ مُعْدِمٍ

ثَلاَثَةِ آلاَفٍ وَ عَبْدٍ وَ قَيْنَةٍ *** وَ ضَرْبِ عَلِيٍّ بِالْحُسَامِ اَلْمُصَمَّمِ

فَلاَ مَهْرَ أَغْلَى مِنْ عَلِيٍّ وَ إِنْ غَلاَ *** وَ لاَ فَتْكَ إِلاَّ دُونَ فَتْكِ اِبْنِ مُلْجَمٍ

وَ أَمَّا اَلرَّجُلاَنِ اَللَّذَانِ كَانَا مَعَ اِبْنِ مُلْجَمٍ (لَعَنَهُمُ اَللَّهُ أَجْمَعِينَ) عَلَى قَتْلِ مُعَاوِيَةَ وَ عَمْرِو بْنِ اَلْعَاصِ، فَإِنَّ أَحَدَهُمَا ضَرَبَ مُعَاوِيَةَ وَ هُوَ رَاكِعٌ فَوَقَعَتْ ضَرْبَتُهُ فِي أَلْيَتِهِ وَ نُجِّيَ مِنْهَا، وَ أُخِذَ وَ قُتِلَ مِنْ وَقْتِهِ؛ وَ أَمَّا اَلْآخَرُ فَإِنَّهُ وَافَى عَمْرواً فِي تِلْكَ اَللَّيْلَةِ، وَ قَدْ وَجَدَ عِلَّةً فَاسْتَخْلَفَ رَجُلاً يُصَلِّي بِالنَّاسِ يُقَالُ

ص: 228


1- هذا بعيد من ساحة الإمام عليه السّلام و أعرض عنه جل المحدثين، و ذكروا أنّه عليه السّلام نهى عن حرقه و عن أن يمثل به.
2- و هو الفرزدق على ما في الصواعق ص 133.

لَهُ: خَارِجَةُ بْنُ أَبِي حَبِيبَةَ اَلْعَامِرِيُّ، فَضَرَبَهُ بِسَيْفِهِ وَ هُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ عَمْرُو بْنُ اَلْعَاصِ، فَأُخِذَ وَ أُتِيَ بِهِ عَمْرٌو فَقَتَلَهُ وَ مَاتَ خَارِجَةُ فِي اَلْيَوْمِ اَلثَّانِي .

الفصل الثالث: في موضع قبر علي عليه السّلام

و من الأخبار الّتي جاءت بموضع قبر أمير المؤمنين عليه السّلام و شرح الحال في دفنه،

مَا رَوَاهُ عَبَّادُ بْنُ يَعْقُوبَ اَلرَّوَاجِنِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا حَيَّانُ بْنُ عَلِيٍّ اَلْغَنَوِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي مَوْلًى لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ: لَمَّا حَضَرَتْ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلْوَفَاةُ قَالَ لِلْحَسَنِ وَ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ: إِذَا أَنَا مِتُّ فَاحْمِلاَنِي عَلَى سَرِيرٍ ثُمَّ أَخْرِجَانِي وَ اِحْمِلاَ مُؤَخَّرَ اَلسَّرِيرِ، فَإِنَّكُمَا تُكْفَيَانِ مُقَدَّمَهُ، ثُمَّ أْتِيَانِي اَلْغَرِيَّيْنِ، فَإِنَّكُمَا سَتَرَيَانِ صَخْرَةً بَيْضَاءَ تَلْمَعُ نُوراً، فَاحْتَفِرَا فِيهَا، فَإِنَّكُمَا تَجِدَانِ فِيهَا سَاجَةً فَادْفِنَانِي فِيهَا، قَالَ: فَلَمَّا مَاتَ أَخْرَجْنَاهُ وَ جَعَلْنَا نَحْمِلُ مُؤَخَّرَ اَلسَّرِيرِ وَ نُكْفَى مُقَدَّمَهُ، وَ جَعَلْنَا نَسْمَعُ دَوِيّاً وَ حَفِيفاً حَتَّى أَتَيْنَا اَلْغَرِيَّيْنِ، فَإِذَا صَخْرَةٌ بَيْضَاءُ تَلْمَعُ نُوراً، فَاحْتَفَرْنَا فَإِذَا سَاجَةٌ مَكْتُوبٌ عَلَيْهَا: هَذِهِ مِمَّا اِدَّخَرَهَا نُوحٌ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فَدَفَنَّاهُ فِيهَا وَ اِنْصَرَفْنَا وَ نَحْنُ مَسْرُورُونَ بِإِكْرَامِ اَللَّهِ تَعَالَى لِأَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فَلَحِقَنَا قَوْمٌ مِنَ اَلشِّيعَةِ لَمْ يَشْهَدُوا اَلصَّلاَةَ عَلَيْهِ، فَأَخْبَرْنَاهُمْ بِمَا جَرَى وَ بِإِكْرَامِ اَللَّهِ تَعَالَى أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فَقَالُوا: نُحِبُّ أَنْ نُعَايِنَ مِنْ أَمْرِهِ مَا عَايَنْتُمْ، فَقُلْنَا لَهُمْ: إِنَّ اَلْمَوْضِعَ قَدْ عُفِيَ أَثَرُهُ بِوَصِيَّةٍ مِنْهُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فَمَضَوْا وَ عَادُوا إِلَيْنَا فَقَالُوا: إِنَّهُمُ اِحْتَفَرُوا فَلَمْ يَرَوْا شَيْئاً .

وَ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عُمَارَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ:

سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ أَيْنَ دُفِنَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ؟ قَالَ: دُفِنَ بِنَاحِيَةِ اَلْغَرِيَّيْنِ، وَ دُفِنَ قَبْلَ طُلُوعِ اَلشَّمْسِ، وَ دَخَلَ قَبْرَهُ اَلْحَسَنُ وَ اَلْحُسَيْنُ وَ مُحَمَّدٌ بَنُو عَلِيٍّ، وَ عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ رِضْوَانُ اَللَّهِ عَلَيْهِمْ» .

وَ رَوَى يَعْقُوبُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ رِجَالِهِ قَالَ: قِيلَ لِلْحُسَيْنِ وَ اَلْحَسَنِ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ: «أَيْنَ دَفَنْتُمْ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ؟ قَالَ: خَرَجْنَا بِهِ لَيْلاً عَلَى مَسْجِدِ اَلْأَشْعَثِ حَتَّى خَرَجْنَا بِهِ إِلَى اَلظَّهْرِ يخبب [بِجَنْبِ ]اَلْغَرِيَّيْنِ فَدَفَنَّاهُ هُنَاكَ» .

وَ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي

ص: 229

عَائِشَةَ (1) قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ حَازِمٍ، قَالَ: خَرَجْنَا يَوْماً مَعَ اَلرَّشِيدِ مِنَ اَلْكُوفَةِ نَتَصَيَّدُ، فَصِرْنَا إِلَى نَاحِيَةِ اَلْغَرِيَّيْنِ وَ اَلثُّوَيَّةِ، فَرَأَيْنَا ظِبَاءً، فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهَا اَلصُّقُورَ وَ اَلْكِلاَبَ فَحَاوَلَتْهَا سَاعَةً، ثُمَّ لَجَأَتِ اَلظِّبَاءُ إِلَى أَكَمَةٍ فَوَقَفَتْ عَلَيْهَا، فَسَقَطَتِ اَلصُّقُورُ نَاحِيَةً وَ رَجَعَتِ اَلْكِلاَبُ، فَعَجِبَ اَلرَّشِيدُ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ إِنَّ اَلظِّبَاءَ هَبَطَتْ مِنَ اَلْأَكَمَةِ فَهَبَطَتِ اَلصُّقُورُ وَ اَلْكِلاَبُ، فَفَعَلْنَ ذَلِكَ مِرَاراً ثَلاَثاً فَقَالَ هَارُونُ: اُرْكُضُوا فَمَنْ لَقِيتُمُوهُ فَأْتُونِي بِهِ، فَأَتَيْنَا بِشَيْخٍ مِنْ بَنِي أَسَدٍ، فَقَالَ لَهُ هَارُونُ: أَخْبِرْنِي مَا هَذِهِ اَلْأَكَمَةُ؟ فَقَالَ: إِنْ جَعَلْتَ لِيَ اَلْأَمَانَ أَخْبَرْتُكَ فَقَالَ: لَكَ عَهْدُ اَللَّهِ وَ مِيثَاقُهُ أَنْ لاَ أُهَيِّجَكَ وَ لاَ أُوذِيَكَ، قَالَ:

حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ آبَائِهِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ إِنَّ فِي هَذِهِ اَلْأَكَمَةِ قَبْرَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ قَدْ جَعَلَهُ اَللَّهُ حَرَماً لاَ يَأْوِي إِلَيْهِ شَيْ ءٌ إِلاَّ أَمِنَ، فَنَزَلَ هَارُونُ وَ دَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ وَ صَلَّى عِنْدَ اَلْأَكَمَةِ، وَ تَمَرَّغَ عَلَيْهَا وَ جَعَلَ يَبْكِي، ثُمَّ اِنْصَرَفْنَا، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى: فَكَانَ قَلْبِي لاَ يَقْبَلُ ذَلِكَ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ حَجَجْتُ إِلَى مَكَّةَ، فَرَأَيْتُ بِهَا يَاسِراً رَحَّالَ اَلرَّشِيدِ وَ كَانَ يَجْلِسُ مَعَنَا إِذَا طُفْنَا، فَجَرَى اَلْحَدِيثُ إِلَى أَنْ قَالَ: قَالَ لِيَ اَلرَّشِيدُ لَيْلَةً مِنَ اَللَّيَالِي وَ قَدِمْنَا مِنْ مَكَّةَ فَنَزَلْنَا اَلْكُوفَةَ: يَا يَاسِرُ قُلْ لِعِيسَى بْنِ جَعْفَرٍ لِيَرْكَبَ، فَرَكِبَا جَمِيعاً وَ كُنْتُ مَعَهُمَا، حَتَّى إِذَا صِرْنَا إِلَى اَلْغَرِيَّيْنِ فَأَمَّا عِيسَى فَطَرَحَ نَفْسَهُ فَنَامَ، وَ أَمَّا اَلرَّشِيدُ فَجَاءَ إِلَى اَلْأَكَمَةِ فَصَلَّى عِنْدَهَا، وَ كُلَّمَا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ دَعَا وَ بَكَى وَ تَمَرَّغَ عَلَى اَلْأَكَمَةِ ثُمَّ يَقُولُ: يَا اِبْنَ عَمِّ أَنَا وَ اَللَّهِ أَعْرِفُ فَضْلَكَ وَ سَابِقَتَكَ وَ بِكَ وَ اَللَّهِ جَلَسْتُ مَجْلِسِيَ اَلَّذِي أَنَا فِيهِ، وَ أَنْتَ أَنْتَ، وَ لَكِنَّ وُلْدَكَ يُؤْذُونَنِي وَ يَخْرُجُونَ عَلَيَّ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي، ثُمَّ يُعِيدُ هَذَا اَلْكَلاَمَ وَ يَدْعُو وَ يَبْكِي، حَتَّى إِذَا كَانَ وَقْتُ اَلسَّحَرِ قَالَ لِي: يَا يَاسِرُ، أَقِمْ عِيسَى، فَأَقَمْتُهُ فَقَالَ لَهُ: يَا عِيسَى قُمْ فَصَلِّ عِنْدَ قَبْرِ اِبْنِ عَمِّكَ، فَقَالَ لَهُ: وَ أَيُّ اِبْنِ عُمُومَتِي هَذَا، قَالَ: هَذَا قَبْرُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، فَتَوَضَّأَ عِيسَى وَ قَامَ يُصَلِّي، فَلَمْ يَزَالاَ كَذَلِكَ حَتَّى طَلَعَ اَلْفَجْرُ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ أَدْرَكَكَ اَلصُّبْحُ، فَرَكِبْنَا وَ رَجَعْنَا إِلَى اَلْكُوفَةِ.

ص: 230


1- في الأصل: عايشة.

[الباب الثاني في بيان جملة من فضائل أمير المؤمنين و مناقبه و معجزاته و بيناته]

اشارة

<الباب الثاني:

في فضائله و مناقبه و معجزاته و بيناته>

[أولا في بيان فضائله المختصة به]

اشارة

طرف من أخبار أمير المؤمنين عليه السّلام و فضائله و مناقبه و المرويّ من معجزاته و بيّناته.

فمن ذلك ما جاءت به الأخبار في تقدّم إيمانه باللّه و رسوله عليه و آله السّلام و سبقه به كافّة المكلّفين من الأنام.

أَخْبَرَنِي أَبُو اَلْجَيْشِ اَلْمُظَفَّرُ بْنُ مُحَمَّدٍ اَلْبَلْخِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي اَلثَّلْجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو اَلْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ اَلْقَاسِمِ اَلْبَرْقِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اَلسَّلاَمِ بْنُ صَالِحٍ اَلْأَزْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ خَيْثَمٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَسَدُ بْنُ عُبَيْدَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَفِيفٍ، عَنْ أُمَيَّةَ قَالَ:

كُنْتُ جَالِساً مَعَ اَلْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ اَلْمُطَّلِبِ (رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ) بِمَكَّةَ قَبْلَ أَنْ يَظْهَرَ أَمْرُ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ، فَجَاءَ شَابٌّ فَنَظَرَ إِلَى اَلسَّمَاءِ حَتَّى تَخَلَّقَتِ اَلشَّمْسُ، ثُمَّ اِسْتَقْبَلَ اَلْكَعْبَةَ فَقَامَ يُصَلِّي، ثُمَّ جَاءَ غُلاَمٌ فَقَامَ عَنْ يَمِينِهِ، ثُمَّ جَاءَتِ اِمْرَأَةٌ فَقَامَتْ خَلْفَهُمَا فَرَكَعَ اَلشَّابُّ، فَرَكَعَ اَلْغُلاَمُ وَ اَلْمَرْأَةُ، ثُمَّ رَفَعَ اَلشَّابُّ رَأْسَهُ فَرَفَعَا، ثُمَّ سَجَدَ اَلشَّابُّ فَسَجَدَا، فَقُلْتُ: يَا عَبَّاسُ أَمْرٌ عَظِيمٌ، فَقَالَ اَلْعَبَّاسُ: أَمْرٌ عَظِيمٌ، أَ تَدْرِي مَنْ هَذَا اَلشَّابُّ؟ هَذَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ عَبْدِ اَلْمُطَّلِبِ اِبْنُ أَخِي، أَ تَدْرِي مَنْ هَذَا اَلْغُلاَمُ؟ هَذَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ اِبْنُ أَخِي، أَ تَدْرِي مَنْ هَذِهِ اَلْمَرْأَةُ؟ هَذِهِ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ إِنَّ اِبْنَ أَخِي هَذَا حَدَّثَنِي أَنَّ رَبَّهُ رَبَّ اَلسَّمَاوَاتِ وَ اَلْأَرْضِ أَمَرَهُ بِهَذَا اَلدِّينِ اَلَّذِي هُوَ عَلَيْهِ، وَ لاَ وَ اَللَّهِ مَا عَلَى ظَهْرِ اَلْأَرْضِ عَلَى هَذَا اَلدِّينِ غَيْرُ هَؤُلاَءِ اَلثَّلاَثَةِ .

ص: 231

أَخْبَرَنِي أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ اَلصَّيْرَفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي اَلثَّلْجِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ اَلْقَاسِمِ اَلْبَرْقِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ سَهْلِ بْنِ صَالِحٍ، وَ كَانَ قَدْ حَانَ مِائَةَ سَنَةٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا اَلْمُعَمَّرِ عَبَّادَ بْنَ عَبْدِ اَلصَّمَدِ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ: صَلَّتِ اَلْمَلاَئِكَةُ عَلَيَّ وَ عَلَى عَلِيٍّ سَبْعَ سِنِينَ، وَ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يُرْفَعْ إِلَى اَلسَّمَاءِ شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اَللَّهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اَللَّهِ إِلاَّ مِنِّي وَ مِنْ. عَلِيٍّ

وَ بِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ اَلْقَاسِمِ اَلْبَرْقِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: حَدَّثَنَا نُوحُ بْنُ قَيْسٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَلِيٍّ اَلْهَاشِمِيُّ أَبُو فَاطِمَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاذَةَ اَلْعَدَوِيَّةَ تَقُولُ: سَمِعْتُ عَلِيّاً عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ عَلَى مِنْبَرِ اَلْبَصْرَةِ يَقُولُ:

«أَنَا اَلصِّدِّيقُ اَلْأَكْبَرُ، آمَنْتُ قَبْلَ أَنْ يُؤْمِنَ أَبُو بَكْرٍ، وَ أَسْلَمْتُ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ».

أَخْبَرَنِي أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي اَلْحَسَنِ اَلْمُقْرِي اَلْبَصِيرُ(1) اَلشِّيرَوَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي اَلثَّلْجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ اَلنَّوْفَلِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اَلْحَمِيدِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اَلْغَفَّارِ اَلْفُقَيْمِيِّ، قَالَ:

أَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَيَّانَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، عَنْ أَبِي بَجِيلَةَ قَالَ: خَرَجْتُ أَنَا وَ عَمَّارٌ حَاجَّيْنِ، فَنَزَلْنَا عِنْدَ أَبِي ذَرٍّ (رَحِمَهُ اَللَّهُ تَعَالَى) فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، فَلَمَّا دَنَا مِنَّا اَلْخُفُوفُ (2) قُلْنَا لَهُ: يَا أَبَا ذَرٍّ إِنَّا لاَ نَرَاهُ وَ قَدْ دَنَا اِخْتِلاَطٌ مِنَ اَلنَّاسِ، فَمَا تَرَى؟ قَالَ: اِلْزَمْ كِتَابَ اَللَّهِ وَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، فَأَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: عَلِيٌّ أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِي، وَ أَوَّلُ مَنْ يُصَافِحُنِي يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ، وَ هُوَ اَلصِّدِّيقُ اَلْأَكْبَرُ، وَ اَلْفَارُوقُ بَيْنَ اَلْحَقِّ وَ اَلْبَاطِلِ، وَ أَنَّهُ يَعْسُوبُ اَلْمُؤْمِنِينَ، وَ اَلْمَالُ يَعْسُوبُ اَلظَّلَمَةِ .

قال الشّيخ المفيد (رحمه اللّه عليه): و الأخبار في هذا المعنى كثيرة و شواهدها جمّة.

الفصل الأول: في فضله عليه السّلام على الكافة بالعلم

و من ذلك ما جاء في فضله عليه السّلام على الكافّة في العلم

أَخْبَرَنِي أَبُو اَلْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ اَلتَّمِيمِيُّ اَلنَّحْوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ اَلْقَاسِمِ

ص: 232


1- في نسخة أخرى: البصري.
2- أي الارتحال.

اَلْمُحَارِبِيُّ (1) اَلْبَزَّازُ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُونُسَ اَلنَّهْشَلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَابِدُ بْنُ حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي اَلصَّبَّاحِ اَلْكِنَانِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ اَلسُّلَمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ:

«عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَعْلَمُ أُمَّتِي وَ أَقْضَاهُمْ فِيمَا اِخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ بَعْدِي».

أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرٍ، عَنْ أَبِي اَلْحُسَيْنِ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْمُظَفَّرِ اَلْبَزَّازِ، قَالَ:

حَدَّثَنَا أَبُو مَالِكٍ كَثِيرُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ اَلسَّرِيُّ: قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ يُونُسَ، عَنْ سَعِيدٍ(2) اَلْكَتَّانِيِّ، عَنِ اَلْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ، قَالَ: لَمَّا بُويِعَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بِالْخِلاَفَةِ، خَرَجَ إِلَى اَلْمَسْجِدِ مُعْتَمّاً بِعِمَامَةِ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ لاَبِساً بُرْدَتَهُ، فَصَعِدَ اَلْمِنْبَرَ، فَحَمِدَ اَللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ وَ وَعَظَ وَ أَنْذَرَ، ثُمَّ جَلَسَ مُتَمَكِّناً، وَ شَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ وَ وَضَعَهَا أَسْفَلَ سُرَّتِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا مَعْشَرَ اَلنَّاسِ سَلُونِي قَبْلَ أَنْ تَفْقِدُونِي، سَلُونِي فَإِنَّ عِنْدِي عِلْمَ اَلْأَوَّلِينَ وَ اَلْآخِرِينَ، أَمَا وَ اَللَّهِ لَوْ ثُنِيَ لِيَ اَلْوِسَادَةُ لَحَكَمْتُ بَيْنَ أَهْلِ اَلتَّوْرَاةِ بِتَوْرَاتِهِمْ، وَ بَيْنَ أَهْلِ اَلْإِنْجِيلِ بِإِنْجِيلِهِمْ، وَ بَيْنَ أَهْلِ اَلزَّبُورِ بِزَبُورِهِمْ، وَ بَيْنَ أَهْلِ اَلْقُرْآنِ بِقُرْآنِهِمْ (3) حَتَّى يُنْهَى كُلُّ كِتَابٍ مِنْ هَذِهِ اَلْكُتُبِ وَ يَقُولُ: «يَا رَبِّ إِنَّ عَلِيّاً قَضَا بِقَضَائِكَ، وَ اَللَّهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ بِالْقُرْآنِ وَ تَأْوِيلِهِ مِنْ كُلِّ مُدَّعٍ عِلْمَهُ، وَ لَوْ لاَ آيَةٌ فِي كِتَابِ اَللَّهِ تَعَالَى لَأَخْبَرْتُكُمْ بِمَا يَكُونُ إِلَى يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ» ثُمَّ قَالَ: «سَلُونِي قَبْلَ أَنْ تَفْقِدُونِي، فَوَ اَلَّذِي فَلَقَ اَلْحَبَّةَ وَ بَرَأَ اَلنَّسَمَةَ، لَوْ سَأَلْتُمُونِي عَنْ آيَةٍ آيَةٍ لَأَخْبَرْتُكُمْ بِوَقْتِ نُزُولِهَا وَ فِيمَا نَزَلَتْ، وَ أَنْبَأْتُكُمْ بِنَاسِخِهَا مِنْ مَنْسُوخِهَا، وَ خَاصِّهَا مِنْ عَامِّهَا، وَ مُحْكَمِهَا مِنْ مُتَشَابِهِهَا، وَ مَكِّيِّهَا مِنْ مَدَنِيِّهَا، وَ اَللَّهِ مَا فِئَةٌ تَضِلُّ أَوْ تَهْدِي إِلاَّ وَ أَنَا أَعْرِفُ قَائِدَهَا وَ سَائِقَهَا وَ نَاعِقَهَا إِلَى يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ.

و أمثال هذه الأخبار ممّا يطول به الكتاب.

ص: 233


1- في نسخة أخرى: المحارقي.
2- في نسخة أخرى: سعد.
3- في نسخة أخرى: الفرقان بفرقانهم.
الفصل الثاني: في فضل علي عليه السّلام

و من ذلك ما جاء في فضله عليه السّلام.

أَخْبَرَنِي أَبُو اَلْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ اَلْمُظَفَّرِ اَلْبَزَّازُ قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ عِمْرَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ بَشِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اَللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي هَارُونَ قَالَ: أَتَيْتُ أَبَا سَعِيدٍ اَلْخُدْرِيَّ رَحِمَهُ اَللَّهُ فَقُلْتُ: هَلْ شَهِدْتَ بَدْراً؟ فَقَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: فَهَلْ سَمِعْتَ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ يَقُولُ لِفَاطِمَةَ عَلَيْهَا اَلسَّلاَمُ وَ قَدْ جَاءَتْ ذَاتَ يَوْمٍ تَبْكِي وَ تَقُولُ: «يَا رَسُولَ اَللَّهِ عَيَّرَتْنِي نِسَاءُ قُرَيْشٍ بِفَقْرِ عَلِيٍّ» فَقَالَ لَهَا اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ «أَ مَا تَرْضَيْنَ يَا فَاطِمَةُ أَنِّي زَوَّجْتُكِ أَقْدَمَهُمْ سِلْماً، وَ أَكْثَرَهُمْ عِلْماً، إِنَّ اَللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى اِطَّلَعَ إِلَى أَهْلِ اَلْأَرْضِ اِطِّلاَعَةً، فَاخْتَارَ مِنْهُمْ أَبَاكِ فَجَعَلَهُ نَبِيّاً، وَ اِطَّلَعَ عَلَيْهِمْ ثَانِيَةً فَاخْتَارَ مِنْهُمْ بَعْلَكِ فَجَعَلَهُ وَصِيّاً، وَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ أُنْكِحَكِ هُوَ(1)، أَ مَا عَلِمْتِ يَا فَاطِمَةُ أَنَّكِ لِكَرَامَةِ اَللَّهِ إِيَّاكِ زَوَّجْتُكِ أَعْظَمَهُمْ حِلْماً وَ أَكْثَرَهُمْ عِلْماً، وَ أَقْدَمَهُمْ سِلْماً» فَضَحِكَتْ فَاطِمَةُ وَ اِسْتَبْشَرَتْ، فَقَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ «إِنَّ لِعَلِيٍّ ثَمَانِيَةَ أَضْرَاسٍ قَوَاطِعَ، لَمْ يَحْصُلْ لِأَحَدٍ مِنَ اَلْأَوَّلِينَ وَ اَلْآخِرِينَ، هُوَ أَخِي فِي اَلدُّنْيَا وَ اَلْآخِرَةِ وَ لَيْسَ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ مِنَ اَلنَّاسِ، وَ أَنْتَ يَا فَاطِمَةُ سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ اَلْجَنَّةِ زَوْجَتُهُ، وَ سِبْطَا اَلرَّحْمَةِ سِبْطَايَ (2) وَلَدَاهُ، وَ أَخُوهُ اَلْمُزَيَّنُ بِالْجَنَاحَيْنِ يَطِيرُ مَعَ اَلْمَلاَئِكَةِ حَيْثُ يَشَاءُ وَ عِنْدَهُ عِلْمُ اَلْأَوَّلِينَ وَ اَلْآخِرِينَ، وَ هُوَ أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِي، وَ آخِرُ اَلنَّاسِ عَهْداً بِي، وَ هُوَ وَصِيِّي، وَ وَارِثُ اَلْوَصِيِّينَ .

الفصل الثالث: في أنّ حبّ علي عليه السّلام علامة الإيمان

و من ذلك ما جاء من(3) الخبر بأنّ محبّته عليه السّلام علم(4) على الإيمان، و بغضه علم على النّفاق.

ص: 234


1- في نسخة أخرى: إياه.
2- كذا في الأصل.
3- في نسخة أخرى: في.
4- أي علامة.

حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ اَلْمَعْرُوفُ بِابْنِ اَلْجِعَابِيِّ اَلْحَافِظِ قَالَ:

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ اَلْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ اَلدِّهْقَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ اَلْأَعْمَشُ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ زَيْدِ(1) بْنِ حُبَيْشٍ، قَالَ: رَأَيْتُ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ عَلَى اَلْمِنْبَرِ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «وَ اَلَّذِي فَلَقَ اَلْحَبَّةَ، وَ بَرَأَ اَلنَّسَمَةَ إِنَّهُ لَعَهِدَ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ إِلَيَّ أَنَّهُ لاَ يُحِبُّكَ إِلاَّ مُؤْمِنٌ، وَ لاَ يُبْغِضُكَ إِلاَّ مُنَافِقٌ».

الفصل الرابع: في أن شيعة علي هم الفائزون

و من ذلك ما جاء في أنّه عليه السّلام و شيعته هم الفائزون.

أَخْبَرَنِي أَبُو عَبْدِ اَللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عِمْرَانَ اَلْمَرْزُبَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ اِبْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اَللَّهِ اَلْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عُبَيْدٍ اَلْكُوفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبَانٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ طَالِبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ اَلْبَاقِرِ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ قَالَ: «سَأَلْتُ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَةِ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ عَلِيّاً وَ شِيعَتَهُ هُمُ اَلْفَائِزُونَ» .

الفصل الخامس: في أن حبّ علي عليه السّلام علامة لطيب الولادة

و من ذلك ما جاءت به الأخبار في أنّ ولايته عليه السّلام علم على طيب المولد و عداوته علم على خبثه.

أَخْبَرَنِي أَبُو اَلْجَيْشِ اَلْمُظَفَّرُ بْنُ مُحَمَّدٍ اَلْبَلْخِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي اَلثَّلْجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ اَلْعَلَوِيُّ، قَالَ:

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اَلْمُنْعِمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ اَلْفَزَارِيُّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اَللَّهِ اَلْأَنْصَارِيِّ، قَالَ:

سَمِعْتُ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ يَقُولُ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: «أَ لاَ أَسُرُّكَ؟ أَ لاَ

ص: 235


1- في نسخة أخرى: زر.

أَمْنَحُكَ؟ أَ لاَ أُبَشِّرُكَ؟» قَالَ: «بَلَى يَا رَسُولَ اَللَّهِ بَشِّرْنِي» قَالَ: «فَإِنِّي خُلِقْتُ أَنَا وَ أَنْتَ مِنْ طِينَةٍ وَاحِدَةٍ، فَفَضَلَتْ عَنْهَا فَضْلَةٌ، فَخَلَقَ اَللَّهُ مِنْهَا شِيعَتَنَا، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ اَلْقِيَامَةِ دُعِيَ اَلنَّاسُ بِأَسْمَاءِ أُمَّهَاتِهِمْ، سِوَى شِيعَتِنَا فَإِنَّهُمْ يُدْعَوْنَ بِأَسْمَاءِ آبَائِهِمْ لِطِيبِ مَوَالِيدِهِمْ».

وَ بِالْإِسْنَادِ اَلسَّابِقِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي اَلثَّلْجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ اَلْكُوفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اَللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ اِبْنِ اَلْحُسَيْنِ اَلزُّهْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اَللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ قَالَ: «إِذَا كَانَ يَوْمُ اَلْقِيَامَةِ دُعِيَ اَلنَّاسُ كُلُّهُمْ بِأَسْمَاءِ أُمَّهَاتِهِمْ، مَا خَلاَ شِيعَتَنَا فَإِنَّهُمْ يُدْعَوْنَ بِأَسْمَاءِ آبَائِهِمْ لِطِيبِ مَوَالِيدِهِمْ».

أَخْبَرَنِي أَبُو اَلْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ اَلْقُمِّيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هَمَّامِ بْنِ سُهَيْلٍ (1) اَلْإِسْكَافِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نُعْمَةَ اَلسَّلُولِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ اَلْقَاسِمِ، عَنْ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ جَبَلَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اَللَّهِ اِبْنِ حِزَامٍ اَلْأَنْصَارِيَّ يَقُولُ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ جَمَاعَةً مِنَ اَلْأَنْصَارِ، فَقَالَ لَنَا: «يَا مَعْشَرَ اَلْأَنْصَارِ رَبُّوا أَوْلاَدَكُمْ بِحُبِّ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، فَمَنْ أَحَبَّهُ فَاعْلَمُوا أَنَّهُ لِرِشْدَةٍ، وَ مَنْ أَبْغَضَهُ فَاعْلَمُوا أَنَّهُ لِغَيَّةٍ».

الفصل السادس: في تسمية علي عليه السّلام بأمير المؤمنين

و من ذلك ما جاءت به الأخبار في تسمية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عليّا عليه السّلام بإمرة المؤمنين في حياته.

أَخْبَرَنِي أَبُو اَلْجَيْشِ اَلْمُظَفَّرُ بْنُ مُحَمَّدٍ اَلْبَلْخِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي اَلثَّلْجِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي اَلْحُسَيْنُ بْنُ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ اِبْنِ غَالِبٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ اَلثُّمَالِيِّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ اَلسَّبِيعِيِّ، عَنْ بَشِيرٍ اَلْغِفَارِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،

ص: 236


1- في نسخة أخرى: سهل.

قَالَ: كُنْتُ خَادِمَ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ، أَتَيْتُ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ بِوَضُوءٍ (1) فَقَالَ لِي: «يَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَدْخُلُ عَلَيْكَ مِنْ هَذَا اَلْبَابِ اَلسَّاعَةَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ وَ سَيِّدُ اَلْوَصِيِّينَ، أَقْدَمُ اَلنَّاسِ سِلْماً، وَ أَكْثَرُهُمْ عِلْماً، وَ أَعْظَمُهُمْ حِلْماً» فَقُلْتُ: اَللَّهُمَّ اِجْعَلْهُ مِنْ قَوْمِي، قَالَ: فَلَمْ أَلْبَثْ أَنْ دَخَلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ مِنَ اَلْبَابِ وَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ يَتَوَضَّأُ، فَرَدَّ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ اَلْمَاءَ عَلَى وَجْهِ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ حَتَّى اِمْتَلَأَتْ عَيْنَاهُ مِنْهُ، فَقَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: «يَا رَسُولَ اَللَّهِ أَ حَدَثَ فِيَّ حَدَثٌ» فَقَالَ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ «مَا حَدَثَ فِيكَ إِلاَّ خَيْراً، أَنْتَ مِنِّي وَ أَنَا مِنْكَ، تُؤَدِّي عَنِّي وَ تَفِي بِذِمَّتِي، وَ تُغَسِّلُنِي وَ تُوَارِينِي فِي لَحْدِي، وَ تُسْمِعُ اَلنَّاسَ عَنِّي، وَ تُبَيِّنُ لَهُمْ مِنْ بَعْدِي» فَقَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: «يَا رَسُولَ اَللَّهِ أَ وَ مَا بَلَّغْتَ؟» قَالَ: «بَلَى وَ لَكِنْ تُبَيِّنُ لَهُمْ مَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ مِنْ بَعْدِي» .

أَخْبَرَنِي أَبُو اَلْجَيْشِ اَلْمُظَفَّرُ بْنُ مُحَمَّدٍ اَلْبَلْخِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي اَلثَّلْجِ، قَالَ: حَدَّثَنِي جَدِّي، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ دَاهِرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي دَاهِرُ بْنُ يَحْيَى اَلْأَحْمَرِيُّ اَلْمُقْرِئُ، عَنِ اَلْأَعْمَشِ، عَنْ عَبَايَةَ اَلْأَسَدِيِّ، عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ اَلنَّبِيَّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ قَالَ لِأُمِّ سَلَمَةَ: «اِسْمَعِي وَ اِشْهَدِي هَذَا عَلِيٌّ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ وَ سَيِّدُ اَلْوَصِيِّينَ».

وَ بِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي اَلثَّلْجِ، قَالَ: حَدَّثَنِي جَدِّي، قَالَ:

حَدَّثَنَا عَبْدُ اَلسَّلاَمِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ اَلْيَمَانِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ اَلثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي اَلْجَحَّافِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ، قَالَ: قِيلَ لِأَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ: أَوْصِ قَالَ: قَدْ أَوْصَيْتُ، قِيلَ: إِلَى مَنْ؟ قَالَ: إِلَى أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ، قِيلَ إِلَى عُثْمَانَ؟ قَالَ: لاَ وَ لَكِنَّ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ حَقّاً عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ إِنَّهُ لَزِرُّ اَلْأَرْضِ، وَ رِبِّيُّ هَذِهِ اَلْأُمَّةِ، لَوْ فَقَدْتُمُوهُ لَأَنْكَرْتُمُ اَلْأَرْضَ وَ مَنْ عَلَيْهَا.

وَ حَدِيثُ (2)بُرَيْدَةَ بْنِ اَلْخُضَيْبِ اَلْأَسْلَمِيِّ، وَ هُوَ مَشْهُورٌ مَعْرُوفٌ بَيْنَ

ص: 237


1- قال الأخفش: الوضوء بالفتح هو الماء، و بالضم هو.
2- في نسخة أخرى: و خبر.

اَلْعُلَمَاءِ بِأَسَانِيدَ يَطُولُ بِشَرْحِهَا، قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ أَمَرَنِي وَ أَنَا سَابِعُ سَبْعَةٍ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ، وَ عُمَرُ، وَ عُثْمَانُ، وَ طَلْحَةُ، وَ اَلزُّبَيْرُ، فَقَالَ: «سَلِّمُوا عَلَى عَلِيٍّ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بِإِمْرَةِ اَلْمُؤْمِنِينَ» فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ بِذَلِكَ، وَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ حَيٌّ بَيْنَ أَظْهُرِنَا.

في أمثال هذه الأخبار يطول بهذا الكتاب.

[ثانيا في بيان مناقبه المختصة به عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ]

الفصل السابع: في مناقبه [المشهورة و المتواترة]

فأمّا مناقبه الغنيّة لشهرتها و تواتر النّقل بها و إجماع العلماء عليها عن إيراد أسانيد الأخبار بها كثيرة، يطول بشرحها الكتاب، و في رسمنا منها طرفا كفاية عن إيراد جميعها في الفرض الّذي وضعنا له هذا الكتاب إن شاء اللّه.

فمن ذلك أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم جمع خاصّة أهله و عشيرته في ابتداء الدّعوة إلى الإسلام ففرض عليهم الإيمان، و استنصرهم على أهل الكفر و العدوان، و ضمن لهم على ذلك الخطوة في الدّنيا و الشّرف و ثواب الجنان، فلم يجبه أحد منهم إلاّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام، فنحله بذلك تحقيق الأخوّة و الوزارة و الوصيّة و الوراثة و الخلافة، و أوجب له بذلك الجنّة، و ذلك في حديث الدّار الّذي أجمع على صحّته نقّاد الأخبار،

حِينَ جَمَعَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ بَنِي عَبْدِ اَلْمُطَّلِبِ فِي دَارِ أَبِي طَالِبٍ رَحِمَهُ اَللَّهُ وَ هُمْ أَرْبَعُونَ رَجُلاً يَوْمَئِذٍ، يَزِيدُونَ أَوْ يَنْقُصُونَ رَجُلاً فِيمَا ذَكَرَهُ اَلرُّوَاةُ، وَ أَمَرَ أَنْ يُصْنَعَ لَهُمْ طَعَاماً فَخِذُ شَاةٍ مَعَ مُدٍّ مِنَ اَلْبُرِّ وَ يُقَدَّمَ لَهُمْ صَاعٌ مِنَ اَللَّبَنِ، وَ قَدْ كَانَ اَلرَّجُلُ مِنْهُمْ مَعْرُوفاً بِأَكْلِ اَلْجَمَاعَةِ فِي مَقَامٍ وَاحِدٍ، وَ يَشْرَبُ اَلْفَرْقَ مِنَ اَلشَّرَابِ فِي ذَلِكَ اَلْمَقَامِ، وَ أَرَادَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بِإِعْدَادِ قَلِيلِ اَلطَّعَامِ وَ اَلشَّرَابِ لِجَمَاعَتِهِمْ إِظْهَارَ اَلْآيَةِ لَهُمْ فِي شِبَعِهِمْ وَ رِيِّهِمْ مِمَّا كَانَ لاَ يُشْبِعُ اَلْوَاحِدَ مِنْهُمْ وَ لاَ يُرْوِيهِ، ثُمَّ أَمَرَ بِتَقْدِيمِهِ إِلَيْهِمْ، فَأَكَلَتِ اَلْجَمَاعَةُ كُلُّهَا مِنْ ذَلِكَ اَلْيَسِيرِ حَتَّى تَمَلَّوْا مِنْهُ، وَ لَمْ يَبِنْ مَا أَكَلُوهُ مِنْهُ وَ شَرِبُوهُ مِنْهُ، فَبَهَرَهُمْ بِذَلِكَ وَ تَبَيَّنَ (1) لَهُمْ آيَةَ نُبُوَّتِهِ وَ عَلاَمَةَ صِدْقِهِ بِبُرْهَانِ اَللَّهِ تَعَالَى فِيهِ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ بَعْدَ أَنْ شَبِعُوا مِنَ اَلطَّعَامِ وَ رَوَوْا

ص: 238


1- في نسخة أخرى: بيّن.

مِنَ اَلشَّرَابِ: يَا بَنِي عَبْدِ اَلْمُطَّلِبِ، إِنَّ اَللَّهَ بَعَثَنِي إِلَى اَلْخَلْقِ كَافَّةً، وَ بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ خَاصَّةً، فَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ اَلْأَقْرَبِينَ (1)» وَ أَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى كَلِمَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ عَلَى اَللِّسَانِ، ثَقِيلَتَيْنِ فِي اَلْمِيزَانِ، تَمْلِكُونَ بِهِمَا اَلْعَرَبَ وَ اَلْعَجَمَ، وَ تَنْقَادُ لَكُمْ بِهِمَا اَلْأُمَمُ، وَ تَدْخُلُونَ بِهِمَا اَلْجَنَّةَ، وَ تَنْجُونَ بِهِمَا مِنَ اَلنَّارِ، شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اَللَّهُ، وَ أَنِّي رَسُولُ اَللَّهِ، فَمَنْ يُجِيبُنِي إِلَى هَذَا اَلْأَمْرِ وَ يُوَازِرُنِي عَلَى اَلْقِيَامِ بِهِ يَكُنْ أَخِي، وَ وَصِيِّي، وَ وَزِيرِي، وَ وَارِثِي، وَ خَلِيفَتِي مِنْ بَعْدِي، فَلَمْ يُجِبْ أَحَدٌ مِنْهُمْ فَقَالَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: فَقُمْتُ مِنْ بَيْنِهِمْ بَيْنَ يَدَيْهِ وَ أَنَا إِذْ ذَاكَ أَصْغَرُهُمْ سِنّاً وَ أَحْمَشُهُمْ (2) سَاقاً، وَ أَرْمَصُهُمْ عَيْناً، فَقُلْتُ: أَنَا يَا رَسُولَ اَللَّهِ أُوَازِرُكَ عَلَى هَذَا اَلْأَمْرِ فَقَالَ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ اِجْلِسْ ثُمَّ أَعَادَ اَلْقَوْلَ عَلَى اَلْقَوْمِ ثَانِيَةً فَأَصْمَتُوا، فَقُمْتُ أَنَا وَ قُلْتُ مِثْلَ مَقَالَتِيَ اَلْأُولَى، فَقَالَ: اِجْلِسْ، ثُمَّ أَعَادَ اَلْقَوْلَ عَلَى اَلْقَوْمِ ثَالِثَةً، فَأَصْمَتُوا وَ لَمْ يَنْطِقْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِحَرْفٍ، فَقُمْتُ وَ قُلْتُ: أَنَا أُوَازِرُكَ يَا رَسُولَ اَللَّهِ عَلَى هَذَا اَلْأَمْرِ، فَقَالَ: اِجْلِسْ فَأَنْتَ أَخِي، وَ وَصِيِّي، وَ وَزِيرِي، وَ وَارِثِي، وَ خَلِيفَتِي مِنْ بَعْدِي، فَنَهَضَ اَلْقَوْمُ وَ هُمْ يَقُولُونَ لِأَبِي طَالِبٍ: يَا أَبَا طَالِبٍ لِيَهْنِئْكَ اَلْيَوْمَ إنْ دَخَلْتَ فِي دِيْنِ اِبْنِ أَخِيكَ، فَقَدْ جَعَلَ اِبْنَكَ أَمِيراً عَلَيْكَ .

الفصل الثامن: في منقبة اختص بها

و هذه منقبة جليلة الختصّ بها أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام و لم يشركه فيها أحد من المهاجرين، و لا الأنصار، و لا أحد من أهل الإسلام، و ليس لغيره عدل لها من الفضل، و لا مقارب على حال.

و في الخبر بها ما يفيد أنّ به عليه السّلام تمكّن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من تبليغ الرّسالة، و إظهار الدّعوة، و الصّدع بالإسلام، و لولاه لم تثبت الملّة، و لا استقرّت الشّريعة، و لا ظهرت الدّعوة فهو عليه السّلام ناصر الدّين و وزير الدّاعي إليه من قبل اللّه عزّ و جلّ و بضمانه لنبيّ الهدى عليه السّلام النّصرة، تمّ له في النّبوّة ما أرادوا في ذلك من الفضل ما لا توازنه الجبال فضلا، و لا تعادله الفضائل كلّها

ص: 239


1- سورة الشعراء، الآية: 214.
2- حمش الرجل، أي صار دقيق السّاقين.

محلا و قدرا،

وَ مِنْ ذَلِكَ: أَنَّ اَلنَّبِيَّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ لَمَّا أُمِرَ بِالْهِجْرَةِ عِنْدَ اِجْتِمَاعِ اَلْمَلَإِ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى قَتْلِهِ، فَلَمْ يَتَمَكَّنْ (عَلَيْهِ وَ آلِهِ اَلسَّلاَمُ) مُظَاهَرَتَهُمْ بِالْخُرُوجِ عَنْ مَكَّةَ، وَ أَرَادَ اَلاِسْتِسْرَارَ بِذَلِكَ وَ تَعْمِيَةَ خَبَرِهِ عَنْهُمْ، لِيَتِمَّ لَهُ اَلْخُرُوجُ عَلَى اَلسَّلاَمَةِ مِنْهُمْ، أَلْقَى خَبَرَهُ إِلَى أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ اِسْتَكْتَمَهُ إِيَّاهُ، وَ كَلَّفَهُ اَلدِّفَاعَ عَنْهُ بِالْمَبِيتِ عَلَى فِرَاشِهِ مِنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ هُوَ اَلْبَائِتُ عَلَى اَلْفِرَاشِ، وَ يَظُنُّونَ أَنَّهُ اَلنَّبِيُّ بَائِتاً عَلَى حَالَةِ اَلَّتِي كَانَ يَكُونُ عَلَيْهَا فِيمَا سَلَفَ مِنَ اَللَّيَالِي، فَوَهَبَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ نَفْسَهُ لِلَّهِ تَعَالَى، وَ شَرَاهَا فِي اَللَّهِ تَعَالَى فِي طَاعَتِهِ، وَ بَذَلَهَا دُونَ نَبِيِّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ لِيَنْجُوَ بِهِ مِنْ كَيْدِ اَلْأَعْدَاءِ، وَ يُتِمَّ لَهُ بِذَلِكَ اَلسَّلاَمَةَ وَ اَلْبَقَاءَ وَ يَنْتَظِمَ لَهُ بِهِ اَلْغَرَضُ فِي اَلدُّعَاءِ إِلَى اَلْمِلَّةِ، وَ إِقَامَةِ اَلدِّينِ، وَ إِظْهَارِ اَلشَّرِيعَةِ، فَبَاتَ عَلَى فِرَاشِ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ مُتَسَتِّراً بِإِزَارِهِ، وَ جَاءَهُ اَلْقَوْمُ اَلَّذِينَ تَمَالَئُوا(1) عَلَى قَتْلِ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ فَأَحْدَقُوا بِهِ وَ عَلَيْهِمُ السلام [اَلسِّلاَحُ](2) يَرْصُدُونَ طُلُوعَ اَلْفَجْرِ لِيَقْتُلُوهُ ظَاهِراً، فَيَذْهَبَ دَمُهُ هَدَراً بِمُشَاهَدَةِ بَنِي هَاشِمٍ قَاتِلِيهِ مِنْ جَمِيعِ اَلقَبَائِلِ (3) وَ لاَ يَتِمَّ لَهُمُ اَلْأَخْذُ بِثَأْرِهِ مِنْهُمْ لاِشْتِرَاكِ اَلْجَمَاعَةِ فِي دَمِهِ، وَ قُعُودِ كُلِّ قَبِيلٍ عَنْ قِبَالِ رَهْطِهِ، وَ مُبَايَنَةِ أَهْلِهِ، فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبَ نَجَاةِ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ، وَ حِفْظِ دَمِهِ وَ بَقَائِهِ حَتَّى صَدَعَ بِأَمْرِ رَبِّهِ، وَ لَوْ لاَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ مَا فَعَلَهُ مِنْ ذَلِكَ لَمَا تَمَّ لِرَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ اَلتَّبْلِيغُ وَ اَلْأَدَاءُ، وَ لاَ اِسْتَدَامَ لَهُ اَلْعُمُرُ وَ اَلْبَقَاءُ، وَ لَظَفَرَ بِهِ اَلْحَسَدَةُ وَ اَلْأَعْدَاءُ، فَلَمَّا أَصْبَحَ اَلْقَوْمُ وَ أَرَادُوا اَلْفَتْكَ بِهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ثَارَ إِلَيْهِمْ، فَتَفَرَّقُوا عَنْهُ حِينَ عَرَفُوهُ وَ اِنْصَرَفُوا، وَ قَدْ ضَلَّتْ حِيلَتُهُمْ فِي اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ، وَ اِنْتَقَضَ مَا بَنَوْهُ مِنَ اَلتَّدْبِيرِ فِي قَتْلِهِ، وَ خَابَتْ ظُنُونُهُمْ وَ بَطَلَتْ آمَالُهُمْ، فَكَانَ بِذَلِكَ اِنْتِظَامُ اَلْإِيمَانِ، وَ إِرْغَامُ اَلشَّيْطَانِ، وَ خِذْلاَنُ أَهْلِ اَلْكُفْرِ وَ اَلْعُدْوَانِ .، و لم يشرك أمير المؤمنين عليه السّلام في هذه المنقبة أحد من أهل الإسلام، و لا اختصّ (4) بنظير لها على حال، و لا مقارب لها في الفضل بصحيح الاعتبار.

ص: 240


1- أي اجتمعوا.
2- كذا في الأصل، و الظاهر أنّها عليه السّلام.
3- في الأصل: القبايل.
4- في نسخة أخرى: أحيط.

وَ فِي أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ مَبِيتِهِ عَلَى اَلْفِرَاشِ أَنْزَلَ اَللَّهُ تَعَالَى: وَ مِنَ اَلنّٰاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ اِبْتِغٰاءَ مَرْضٰاتِ اَللّٰهِ وَ اَللّٰهُ رَؤُفٌ بِالْعِبٰادِ (1).

وَ مِنْ ذَلِكَ: أَنَّ اَلنَّبِيَّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ كَانَ أَمِينَ قُرَيْشٍ عَلَى وَدَائِعِهِمْ (2)، فَلَمَّا فَجَأَهُ مِنَ اَلْكُفَّارِ مَا أَحْوَجَهُ إِلَى اَلْهَرَبِ مِنْ مَكَّةَ بَغْتَةً، لَمْ يَجِدْ فِي قَوْمِهِ وَ أَهْلِهِ مَنْ يَأْتَمِنُهُ عَلَى مَا كَانَ مُؤْتَمَناً عَلَيْهِ سِوَى أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فَاسْتَخْلَفَهُ فِي رَدِّ اَلْوَدَائِعِ (3) إِلَى أَهْلِهَا وَ قَضَاءِ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ لِمُسْتَحِقِّيهِ، وَ جَمْعِ بَنَاتِهِ وَ نِسَاءِ أَهْلِهِ وَ أَزْوَاجِهِ وَ اَلْهِجْرَةِ بِهِمْ إِلَيْهِ، وَ لَمْ يَرَ أَنَّ أَحَداً يَقُومُ مَقَامَهُ فِي ذَلِكَ مِنْ كَافَّةِ اَلنَّاسِ، فَوَثِقَ بِأَمَانَتِهِ، وَ عَوَّلَ عَلَى نَجْدَتِهِ وَ شَجَاعَتِهِ، وَ اِعْتَمَدَ فِي اَلدِّفَاعِ عَنْ أَهْلِهِ وَ حَامَّتِهِ عَلَى بَأْسِهِ وَ قُدْرَتِهِ، وَ اِطْمَأَنَّ إِلَى ثِقَتِهِ عَلَى أَهْلِهِ، وَ حَرَمِهِ وَ عَرَفَ مِنْ وَرَعِهِ وَ عِصْمَتِهِ مَا تَسْكُنُ اَلنَّفْسُ مَعَهُ إِلَى أَمَانَتِهِ عَلَى ذَلِكَ، فَقَامَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بِهِ أَحْسَنَ اَلْقِيَامِ، وَ رَدَّ كُلَّ وَدِيعَةٍ إِلَى أَهْلِهَا، وَ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، وَ حَفِظَ بَنَاتِ نَبِيِّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ وَ حَرَمَهُ، وَ هَاجَرَ بِهِمْ مَاشِياً عَلَى قَدَمَيْهِ يَحُوطُهُمْ مِنَ اَلْأَعْدَاءِ، وَ يَكْلَؤُهُمْ مِنَ اَلْخُصَمَاءِ، وَ يَرْفُقُ بِهِمْ فِي اَلْمَسِيرِ، حَتَّى أَوْرَدَهُمْ عَلَيْهِ اَلْمَدِينَةَ عَلَى أَتَمِّ صِيَانَةٍ، وَ حِرَاسَةٍ، وَ رِفْقٍ، وَ رَأْفَةٍ، وَ حُسْنِ تَدْبِيرٍ، فَأَنْزَلَهُ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ عِنْدَ وُرُودِهِ اَلْمَدِينَةَ دَارَهُ، وَ أَحَلَّهُ قَرَارَهُ، وَ خَلَطَهُ بِحَرَمِهِ وَ أَوْلاَدِهِ، وَ لَمْ يُمَيِّزْهُ مِنْ خَاصَّةِ نَفْسِهِ، وَ لاَ اِحْتَشَمَهُ فِي بَاطِنِ أَمْرِهِ وَ سِرِّهِ .، و هذه منقبة توحّد بها أمير المؤمنين عليه السّلام من كافّة أهل بيته و أصحابه، و لم يشركه فيها أحد من أتباعه و أشياعه، و لم يحصل لغيره من الخلق فضل سواها يعادلها، و لا يقاربها على الامتحان، و هي مضافة إلى ما قدّمناه من مناقبه الباهر فضلها، القاهر شرفها قلوب العقلاء.

الفصل التاسع: في ما جاء في قصة براءة

وَ مِنْ ذَلِكَ: مَا جَاءَ فِي قِصَّةِ بَرَاءَةَ وَ قَدْ دَفَعَهَا اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ لِيَنْبِذَ بِهَا عَهْدَ اَلْمُشْرِكِينَ إِلَيْهِمْ، فَلَمَّا سَارَ غَيْرَ بَعِيدٍ نَزَلَ جَبْرَائِيلُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ عَلَى

ص: 241


1- سورة البقرة، الآية: 207.
2- في نسخة أخرى: ودايعهم.
3- في الأصل: الودايع.

اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ فَقَالَ لَهُ: إِنَّ اَللَّهَ يُقْرِئُكَ اَلسَّلاَمَ وَ يَقُولُ لَكَ: «لاَ يُؤَدِّي عَنْكَ إِلاَّ أَنْتَ أَوْ رَجُلٌ مِنْكَ» فَاسْتَدْعَى رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ عَلِيّاً عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ قَالَ لَهُ: «اِرْكَبْ نَاقَتِيَ اَلْعَضْبَاءَ وَ اِلْحَقْ أَبَا بَكْرٍ، فَخُذْ بَرَاءَةَ مِنْ يَدِهِ وَ اِمْضِ بِهَا إِلَى مَكَّةَ، فَانْبِذْ بِهَا عَهْدَ اَلْمُشْرِكِينَ إِلَيْهِمْ، وَ خَيِّرْ أَبَا بَكْرٍ بَيْنَ أَنْ يَسِيرَ مَعَ رِكَابِكَ أَوْ يَرْجِعَ إِلَيَّ» فَرَكِبَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ نَاقَةَ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ اَلْعَضْبَاءَ وَ سَارَ حَتَّى لَحِقَ أَبَا بَكْرٍ، فَلَمَّا رَآهُ فَزِعَ مِنْ لُحُوقِهِ بِهِ وَ اِسْتَقْبَلَهُ، وَ قَالَ: فِيمَ جِئْتَ يَا أَبَا اَلْحَسَنِ أَ سَائِرٌ أَنْتَ مَعِي أَمْ لِغَيْرِ ذَلِكَ؟ فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: «إِنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ أَمَرَنِي أَنْ أَلْحَقَكَ فَأَقْبِضَ مِنْكَ اَلْآيَاتِ مِنْ بَرَاءَةَ وَ أَنْبِذَ بِهَا عَهْدَ اَلْمُشْرِكِينَ إِلَيْهِمْ، وَ أَمَرَنِي أَنْ أُخَيِّرَكَ بَيْنَ أَنْ تَسِيرَ مَعِي أَوْ تَرْجِعَ إِلَيْهِ» فَقَالَ: بَلْ أَرْجِعُ إِلَيْهِ، وَ عَادَ إِلَى اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ: يَا رَسُولَ اَللَّهِ إِنَّكَ أَهَّلْتَنِي لِأَمْرٍ طَالَتِ اَلْأَعْنَاقُ فِيهِ إِلَيَّ، فَلَمَّا تَوَجَّهْتُ لَهُ رَدَدْتَنِي عَنْهُ، مَا لِي أَ نَزَلَ فِيَّ قُرْآنٌ؟ فَقَالَ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ: «لاَ وَ لَكِنَّ اَلْأَمِينَ هَبَطَ إِلَيَّ عَنِ اَللَّهِ تَعَالَى بِأَنَّهُ لاَ يُؤَدِّي عَنْكَ إِلاَّ أَنْتَ أَوْ رَجُلٌ مِنْكَ، وَ عَلِيٌّ مِنِّي وَ أَنَا مِنْ عَلِيٍّ، وَ لاَ يُؤَدِّي عَنِّي إِلاَّ عَلِيٌّ» .

في حديث مشهور فكان نبذ العهد مختصّا بمن عقده، أو من يقوم مقامه في فرض الطّاعة، و جلالة القدر، و علوّ الرّتبة، و شرف المقام، و من لا يرتاب بفعاله، و لا يعترض في مقاله، و من هو كنفس العاقد، و أمره أمره، و إذا حكم بحكم مضى، و أمن الاعتراض فيه، و كان ينبذ العهد قوّة الإسلام، و كمال الدّين، و صلاح أمر المسلمين، و فتح مكّة، و اتّساق أحوال الصّلاح، فأحبّ اللّه تعالى أن يجعل ذلك على يد من ينوّه باسمه، و يعلي ذكره، و ينبّه على فضله، و يدلّ على علوّ قدره، و يبيّنه ممّن سواه، فكان ذلك أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام، و لم يكن لأحد من القوم فضل يقارب الفضل الّذي وصفناه، و لا شركه فيه أحد منهم على ما بيّناه، و أمثال ما عددناه كثير إن عملنا على إيراده طال به الكتاب و اتّسع به الخطاب، و فيما أثبتناه منه في الفرض الّذي قصدناه كفاية لذوي الألباب.

ص: 242

[في بيان جملة من موارد جهاده عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ]

الفصل العاشر: في جهاد علي عليه السّلام

فأمّا الجهاد الّذي ثبت به قواعد الإسلام و استقرت بثبوتها شرائع(1)الملّة و الأحكام، فقد تخصّص منه أمير المؤمنين عليه السّلام بما اشتهر ذكره في الأنام، و استفاض الخبر به بين الخاصّ و العامّ، و لم يختلف فيه العلماء، و لا تنازع في صحّته الفهماء، و لا شكّ فيه إلاّ غفل(2) لم يتأمّل الأخبار، و لا دفعه أحد ممّن نظر في الآثار إلاّ معاند بهّات لا يستحي من العار.

الفصل الحادي عشر: في غزوة بدر
اشارة

فمن ذلك ما كان منه عليه السّلام في غزاة بدر المذكورة في القرآن، و هي أوّل حرب كان(3) به الامتحان، و ملأت رهبته(4) صدور المعدودين من المسلمين في الشّجعان، فراموا التأخّر عنها لخوفهم منها و كراهتهم على ما جاء به محكم الذّكر في التّبيان، حيث يقول جلّ اسمه فيما قصّ به من شأنهم(5) على الشّرح له و البيان: كَمٰا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَ إِنَّ فَرِيقاً مِنَ اَلْمُؤْمِنِينَ لَكٰارِهُونَ (5) يُجٰادِلُونَكَ فِي اَلْحَقِّ بَعْدَ مٰا تَبَيَّنَ كَأَنَّمٰا يُسٰاقُونَ إِلَى اَلْمَوْتِ وَ هُمْ يَنْظُرُونَ (6). في الآي المتّصل بذلك إلى قوله تعالى: وَ لاٰ تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيٰارِهِمْ بَطَراً وَ رِئٰاءَ اَلنّٰاسِ وَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اَللّٰهِ وَ اَللّٰهُ بِمٰا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (7)، بل إلى آخر السّورة، فإنّ الخبر عن أحوالهم فيما يتلو بعضه بعضا، و إن اختلفت ألفاظه و اتّفقت معانيه، فكان من جملة خبر هذه الغزاة

أَنَّ اَلْمُشْرِكِينَ حَضَرُوا بَدْراً مُصِرِّينَ عَلَى اَلْقِتَالِ، مُسْتَظْهِرِينَ فِيهِ بِكَثْرَةِ اَلْأَمْوَالِ وَ اَلْعَدَدِ وَ اَلْعُدَّةِ وَ اَلرِّجَالِ، وَ اَلْمُسْلِمُونَ إِذْ ذَاكَ نَفَرٌ قَلِيلٌ عَدَدُهُمْ

ص: 243


1- في الأصل: شرايع.
2- الغفل - بالضم -: من لا يرجى خيره، و لا يخشى شرّه.
3- كذا في الأصل.
4- كذا في الأصل.
5- في نسخة أخرى: نبأهم.
6- سورة الأنفال، الآيتان: 5-6.
7- سورة الأنفال، الآية: 47.

هُنَاكَ، حَضَرَتْهُ طَوَائِفُ مِنْهُمْ بِغَيْرِ اِخْتِيَارٍ، وَ شَهِدَتْهُ عَلَى اَلْكَرَاهَةِ مِنْهَا لَهُ وَ اَلاِضْطِرَارِ، فَتَحَدَّاهُمْ (1)قُرَيْشٌ بِالْبِرَازِ، وَ دَعَتْهُمْ إِلَى اَلْمُصَافَّةِ وَ اَلنِزَالِ، وَ اِقْتَرَحَتْ فِي اَللِّقَاءِ مِنْهُمُ اَلْأَكْفَاءَ، وَ تَطَاوَلَتِ اَلْأَنْصَارُ لِمُبَارَزَتِهِمْ، فَمَنَعَهُمُ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ وَ قَالَ لَهُمْ: «إِنَّ اَلْقَوْمَ دَعَوُا اَلْأَكْفَاءَ مِنْهُمْ» ثُمَّ أَمَرَ عَلِيّاً أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بِالْبُرُوزِ إِلَيْهِمْ، وَ دَعَا حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ اَلْمُطَّلِبِ وَ عُبَيْدَةَ بْنَ اَلْحَارِثِ (رَحِمَهُمَا اَللَّهُ) وَ أَمَرَهُمَا أَنْ يَبْرُزَا مَعَهُ، فَلَمَّا اِصْطَفُّوا لِلْقَوْمِ لَمْ يُثَبِّتْهُمُ اَلْقَوْمُ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا قَدْ تَغَفَّرُوا، فَسَأَلُوهُمْ مَنْ أَنْتُمْ؟ فَانْتَسَبُوا لَهُمْ، فَقَالُوا:

أَكْفَاءٌ كِرَامٌ، وَ نَشِبَتِ اَلْحَرْبُ بَيْنَهُمْ، وَ بَارَزَ اَلْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فَلَمْ يَلْبَثْهُ حَتَّى قَتَلَهُ، وَ بَارَزَ عُتْبَةُ حَمْزَةَ (رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ) فَقَتَلَهُ حَمْزَةُ، وَ بَارَزَ شَيْبَةُ عُبَيْدَةَ (رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ) فَاخْتَلَفَا بَيْنَهُمَا ضَرْبَتَانِ، قَطَعَتْ إِحْدَاهُمَا فَخِذَ عُبَيْدَةَ فَاسْتَنْقَذَهُ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بِضَرْبَةٍ بَدَّدَ بِهَا شَيْبَةَ فَقَتَلَهُ، وَ شَرِكَهُ فِي ذَلِكَ حَمْزَةُ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ فَكَانَ قَتْلُ هَؤُلاَءِ اَلثَّلاَثَةِ أَوَّلَ وَهْنٍ لَحِقَ اَلْمُشْرِكِينَ وَ ذُلٍّ دَخَلَ عَلَيْهِمْ وَ رَهْبَةٍ اِعْتَرَاهُمْ بِهَا اَلرُّعْبُ مِنَ اَلْمُسْلِمِينَ، وَ ظَهَرَ(2) بِذَلِكَ أَمَارَاتُ نَصْرِ اَلْمُؤْمِنِينَ، ثُمَّ بَارَزَ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ اَلْعَاصُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ اَلْعَاصِ، بَعْدَ أَنْ أَحْجَمَ عَنْهُ مَنْ سِوَاهُ، فَلَمْ يَلْبَثْهُ (3) أَنْ قَتَلَهُ، وَ بَرَزَ إِلَيْهِ حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ فَقَتَلَهُ، وَ بَرَزَ إِلَيْهِ طُعَيْمَةُ بْنُ عَدِيِّ فَقَتَلَهُ، وَ قَتَلَ بَعْدَهُ نَوْفَلَ بْنَ خُوَيْلِدٍ، وَ كَانَ مِنْ شَيَاطِينِ قُرَيْشٍ، وَ لَمْ يَزَلْ يَقْتُلُ وَاحِداً بَعْدَ وَاحِدٍ حَتَّى أَتَى شَطْرَ اَلْمَقْتُولِينَ مِنْهُمْ، وَ كَانُوا سَبْعِينَ قَتِيلاً، تَوَلَّى كَافَّةُ مَنْ حَضَرَ بَدْراً مِنَ اَلْمُسْلِمِينَ مَعَ ثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِنَ اَلْمَلاَئِكَةِ اَلْمُسَوِّمِينَ قَتْلَ اَلشَّطْرِ مِنْهُمْ، وَ تَوَلَّى أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَتْلَ اَلشَّطْرِ اَلْآخَرِ وَحْدَهُ لِمَعُونَةِ اَللَّهِ وَ تَوْفِيقِهِ وَ تَأْيِيدِهِ وَ نَصْرِهِ، وَ كَانَ اَلْفَتْحُ لَهُ بِذَلِكَ وَ عَلَى يَدَيْهِ، وَ خُتِمَ اَلْأَمْرُ بِمُنَاوَلَةِ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ كَفّاً مِنَ اَلْحَصَى، فَرَمَى فِي وُجُوهِهِمْ وَ قَالَ لَهُمْ: «شَاهَتِ اَلْوُجُوهُ» فَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنْهُمْ إِلاَّ وَلَّى اَلدُّبُرَ لِذَلِكَ مُنْهَزِماً، وَ كَفَى اَللّٰهُ اَلْمُؤْمِنِينَ اَلْقِتٰالَ بِأَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ شُرَكَائِهِ فِي نُصْرَةِ اَلدِّينِ مِنْ خَاصَّةِ آلِ اَلرَّسُولِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ وَ مَنْ أَيَّدَهُمْ

ص: 244


1- كذا في الأصل.
2- كذا في الأصل.
3- كذا في الأصل.

بِهِ مِنَ اَلْمَلاَئِكَةِ اَلْكِرَامِ كَمَا قَالَ اَللَّهُ جَلَّ اِسْمُهُ: وَ كَفَى اَللّٰهُ اَلْمُؤْمِنِينَ اَلْقِتٰالَ وَ كٰانَ اَللّٰهُ قَوِيًّا عَزِيزاً (1) .

الفصل الثاني عشر: في عدد المقتولين في غزوة بدر

وَ قَدْ أَثْبَتَ رُوَاةُ اَلْعَامَّةِ وَ اَلْخَاصَّةِ مَعاً أَسْمَاءَ اَلَّذِينَ تَوَلَّى أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَتْلَهُمْ بِبَدْرٍ مِنَ اَلْمُشْرِكِينَ عَلَى اِتِّفَاقٍ فِيمَا نَقَلُوهُ مِنْ ذَلِكَ وَ اِصْطِلاَحٍ، فَكَانَ مِمَّنْ سَمَّوْهُ: اَلْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَ كَانَ شُجَاعاً جَرِيئاً، فَاتِكاً وَقَّاحاً تَهَابُهُ اَلرِّجَالُ (2)، وَ اَلْعَاصُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ اَلْعَاصِ، وَ كَانَ هَؤُلاَءِ (3) عَظِيماً تَهَابُهُ اَلْأَبْطَالُ؛ وَ طُعَيْمَةُ بْنُ عَدِيِّ بْنِ نَوْفَلٍ، وَ كَانَ مِنْ رُءُوسِ أَهْلِ اَلضَّلاَلِ؛ وَ نَوْفَلُ بْنُ خُوَيْلِدٍ، وَ كَانَ مِنْ أَشَدِّ اَلْمُشْرِكِينَ عَدَاوَةً لِرَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ، وَ كَانَتْ قُرَيْشٌ تُقَدِّمُهُ وَ تُعَظِّمُهُ، وَ هُوَ اَلَّذِي قَرَنَ أَبَا بَكْرٍ بِطَلْحَةَ قَبْلَ اَلْهِجْرَةِ بِمَكَّةَ وَ أَوْثَقَهُمَا بِحَبْلٍ وَ عَذَّبَهُمَا يَوْماً إِلَى اَللَّيْلِ، حَتَّى سُئِلَ فِي أَمْرِهِمَا، وَ لَمَّا عَرَفَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ حُضُورَهُ بَدْراً سَأَلَ اَللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ أَنْ يَكْفِيَهُ أَمْرَهُ، فَقَالَ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ: «اَللَّهُمَّ اِكْفِنِي نَوْفَلَ بْنَ خُوَيْلِدٍ» فَقَتَلَهُ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْهِ؛ وَ زَمْعَةُ بْنُ اَلْأَسْوَدِ(4)؛ وَ اَلْحَرْثُ بْنُ زَمْعَةَ؛ وَ اَلنَّضْرُ بْنُ اَلْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اَلدَّارِ؛ وَ عُمَيْرُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ كَعْبِ بْنِ تَيْمٍ عَمُّ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اَللَّهِ؛ وَ عُثْمَانُ وَ مَالِكٌ اِبْنَا عُبَيْدِ اَللَّهِ أَخُو طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اَللَّهِ؛ وَ مَسْعُودُ اِبْنُ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ اَلْمُغِيرَةِ؛ وَ قَيْسُ بْنُ اَلْفَاكِهِ بْنِ اَلْمُغِيرَةِ؛ وَ حُذَيْفَةُ بْنُ أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ اَلْمُغِيرَةِ؛ وَ أَبُو قَيْسِ بْنِ اَلْوَلِيدِ بْنِ اَلْمُغِيرَةِ؛ وَ حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَ عَمْرُو بْنُ مَخْزُومٍ، وَ اَلْوَلِيدُ بْنُ أَبِي رِفَاعَةَ (5)؛ وَ مُنَبِّهُ بْنُ اَلْحَجَّاجِ اَلسَّهْمِيُّ؛ وَ اَلْعَاصُ بْنُ مُنَبِّهٍ؛ وَ عَلْقَمَةُ بْنُ كَلَدَةَ؛ وَ أَبُو اَلْعَاصِ بْنُ قَيْسِ بْنِ عَدِيٍّ؛ وَ مُعَاوِيَةُ بْنُ اَلْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي اَلْعَاصِ؛ وَ لَوْذَانُ بْنُ رَبِيعَةَ؛ وَ عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ

ص: 245


1- سورة الأحزاب، الآية: 25.
2- في نسخة أخرى: الابطال.
3- كذا في الأصل.
4- في نسخة أخرى: عقيل بن الأسود.
5- في نسخة أخرى: أبو المنذر.

اَلْمُنْذِرِ بْنِ أَبِي رِفَاعَةَ؛ وَ مَسْعُودُ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ اَلْمُغِيرَةِ؛ وَ حَاجِبُ بْنُ اَلسَّائِبِ بْنِ عُوَيْمِرَ؛ وَ أَوْسُ بْنُ اَلْمُغِيرَةِ بْنِ لَوْذَانَ؛ وَ زَيْدُ بْنُ مُلَيْصٍ؛ وَ عَاصِمُ اِبْنُ أَبِي عَوْفٍ؛ وَ مَعْبَدُ بْنُ وَهْبٍ حَلِيفُ بَنِي عَامِرٍ؛ وَ مُعَاوِيَةُ بْنُ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اَلْقَيْسِ؛ وَ عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ جَمِيلِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ اَلْحَارِثِ بْنِ أَسَدٍ؛ وَ اَلسَّائِبُ بْنُ مَالِكٍ؛ وَ أَبُو اَلْحَكَمِ بْنُ اَلْأَخْنَسِ؛ وَ هِشَامُ بْنُ أُمَيَّةَ بْنِ اَلْمُغِيرَةِ. فذلك ستّة و ثلاثون رجلا سوى من اختلف فيه أو شرك أمير المؤمنين عليه السّلام فيه غيره، و هم أكثر من شطر المقتولين ببدر على ما قدّمناه.

الفصل الثالث عشر: في غزوة أحد
اشارة

ثُمَّ تَلَتْ بَدْراً غَزَاةُ أُحُدٍ، فَكَانَتْ رَايَةُ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ بِيَدِ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فِيهَا كَمَا كَانَتْ بِيَدِهِ يَوْمَ بَدْرٍ، فَصَارَ اَللِّوَاءُ إِلَيْهِ يَوْمَئِذٍ، فَصَارَ صَاحِبَ اَلرَّايَةِ وَ اَللِّوَاءِ جَمِيعاً، فَانْهَزَمَ اَلنَّاسُ كُلُّهُمْ عَنِ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ إِلاَّ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَحْدَهُ، وَ رَجَعَ إِلَى رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ نَفَرٌ يَسِيرٌ، أَوَّلُهُمْ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ، وَ أَبُو دُجَانَةَ، وَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ، فَقَالَ (1): وَ لَحِقَهُمْ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اَللَّهِ، فَقُلْتُ لَهُ: وَ أَيْنَ كَانَ أَبُو بَكْرٍ وَ عُمَرُ؟ قَالَ: كَانَا مِمَّنْ تَنَحَّى قَالَ:

قُلْتُ: وَ أَيْنَ كَانَ عُثْمَانُ؟ قَالَ: جَاءَ بَعْدَ ثَلاَثَةٍ مِنَ اَلْوَقْعَةِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ: «لَقَدْ ذَهَبْتَ فِيهَا عَرِيضَةً» وَ تَعَجَّبَتِ اَلْمَلاَئِكَةُ مِنْ ثَبَاتِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فَقَالَ جَبْرَائِيلُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ هُوَ يَعْرُجُ إِلَى اَلسَّمَاءِ:

لاَ سَيْفَ إِلاَّ ذُو اَلْفَقَارِ *** وَ لاَ فَتَى إِلاَّ عَلِيٌّ

وَ قَتَلَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ أَكْثَرَ اَلْمُشْرِكِينَ فِي هَذِهِ اَلْغَزَاةِ، وَ كَانَ اَلْفَتْحُ لَهُ فِي هَذِهِ اَلْغَزَاةِ كَمَا كَانَ لَهُ بِبَدْرٍ .، و اختصّ بحسن البلاء فيها و الصّبر، و ثبوت القدم عند ما زلّت من غيره الأقدام، و قتل اللّه لسيفه(2) رءوس أهل الشّرك و الضّلال و فرّج به الكرب عن نبيّه عليه و آله السلام و خطب بفضله في ذلك المقام جبرائيل عليه السّلام في ملائكة الأرض و السّماء و أبان نبيّ الهدى عليه و آله

ص: 246


1- كذا في الأصل، كلمة فقال، غير مسبوقة بكلام يشير إلى متحدث ما.
2- كذا في الأصل، و ربما هي تصحيف بسيفه.

السلام من اختصاصه به ما كان مستورا عن عامّة النّاس.

الفصل الرابع عشر: في عدد المقتولين في غزوة أحد

و قد ذكر أهل السّير قتلى أحد من المشركين، فكان جمهورهم قتلى أمير المؤمنين عليه السّلام.

فَرَوَى عَبْدُ اَلْمَلِكِ بْنُ هِشَامٍ قَالَ حَدَّثَنِي زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اَللَّهِ، عَنْ مُحَمَّدِ اِبْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: كَانَ صَاحِبَ لِوَاءِ قُرَيْشٍ طَلْحَةُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اَلْعُزَّى بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اَلدَّارِ، قَتَلَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ قَتَلَ اِبْنَهُ أَبَا سَعِيدِ بْنَ طَلْحَةَ، وَ قَتَلَ أَخَاهُ كَلْدَةَ بْنَ أَبِي طَلْحَةَ، وَ عَبْدَ اَللَّهِ بْنَ حُمَيْدِ بْنِ زُهَيْرِ(1) بْنِ اَلْحَارِثِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ اَلْعُزَّى، وَ اَلْحَكَمَ بْنَ اَلْأَخْنَسِ بْنِ شَرِيقٍ اَلثَّقَفِيَّ، وَ اَلْوَلِيدَ بْنَ أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ اَلْمُغِيرَةِ، وَ قَتَلَ أَخَاهُ أُمَيَّةَ بْنَ أَبِي حُذَيْفَةَ اِبْنِ اَلْمُغِيرَةِ، وَ قَتَلَ أَرْطَأَةَ بْنَ شُرَحْبِيلَ، وَ هِشَامَ بْنَ أُمَيَّةَ، وَ عَمْرَو بْنَ عَبْدِ اَللَّهِ اَلْجُمَحِيَّ، وَ بِشْرَ بْنَ مَالِكٍ، وَ قَتَلَ صَوَاباً مَوْلَى بَنِي عَبْدِ اَلدَّارِ، وَ كَانَ اَلْفَتْحُ لَهُ، وَ رُجُوعُ اَلنَّاسِ مِنْ هَزِيمَتِهِمْ إِلَى اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ بِمَقَامِهِ يَذُبُّ عَنْهُ دُونَهُمْ، وَ تَوَجَّهَ اَلْعِقَابُ مِنَ اَللَّهِ تَعَالَى إِلَى كَافَّتِهِمْ بِهَزِيمَتِهِمْ يَوْمَئِذٍ سِوَاهُ.

الفصل الخامس عشر: في غزوة بني النضير

وَ فِيمَا كَانَ مِنْ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فِي غَزَاةِ بَنِي اَلنَّضِيرِ وَ قَتْلِهِ اَلْيَهُودِيَّ اَلَّذِي رَمَى قُبَّةَ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ وَ مَجِيئِهِ إِلَى اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ بِرُءُوسِ اَلتِّسْعَةِ اَلنَّفَرِ اَلَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ، يَقُولُ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ اَلْأَنْصَارِيُّ:

لِلَّهِ أَيُّ كَرِيهَةٍ أَبْلَيْتَهَا *** بِبَنِي قُرَيْظَةَ وَ اَلنُّفُوسُ تَطْلُعُ

أرى و [أَرْدَى] رَئِيسَهُمْ وَ آبَ بِتِسْعَةٍ *** طَوْراً يُشِلُّهُمْ وَ طَوْراً يَدْفَعُ

وَ كَانَ ذَلِكَ سَبَبَ فَتْحِ حُصُونِ بَنِي اَلنَّضِيرِ، وَ اَلْمِنَّةُ لِلَّهِ.

ص: 247


1- في نسخة أخرى: زهرة.
الفصل السادس عشر: في غزوة الأحزاب

وَ كَانَتْ غَزَاةُ اَلْأَحْزَابِ بَعْدَ بَنِي اَلنَّضِيرِ فَأَقْبَلَتِ اَلْأَحْزَابُ إِلَى اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ فَهَالَ اَلْمُسْلِمُونَ أَمْرَهُمْ وَ اِرْتَاعُوا مِنْ كَثْرَتِهِمْ وَ جَمْعِهِمْ، فَنَزَلُوا نَاحِيَةً مِنَ اَلْخَنْدَقِ، وَ أَقَامُوا بِمَكَانِهِمْ بِضْعاً وَ عِشْرِينَ لَيْلَةً لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ حَرْبٌ إِلاَّ اَلرَّمْيُ بِالنَّبْلِ وَ اَلْحَصَى، ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ فِي اَلْمُسْلِمِينَ يَدْعُوهُمْ إِلَى جِهَادِ اَلْعَدُوِّ يُشَجِّعُهُمْ وَ يَعِدُهُمُ اَلنَّصْرَ، وَ اِنْتَدَبَتْ فَوَارِسُ مِنْ قُرَيْشٍ لِلْبِرَازِ، مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ وُدٍّ اَلْعَامِرِيُّ وَ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ، وَ هُبَيْرَةُ بْنُ أَبِي وَهْبٍ اَلْمَخْزُومِيَّانِ، وَ ضِرَارُ بْنُ اَلْخَطَّابِ، وَ مِرْدَاسٌ اَلْفِهْرِيُّ، فَلَبِسُوا لِلْقِتَالِ، ثُمَّ خَرَجُوا عَلَى خَيْلِهِمْ حَتَّى مَرُّوا بِمَنَازِلِ بَنِي كِنَانَةَ، فَقَالُوا: تَهَيَّئُوا يَا بَنِي كِنَانَةَ لِلْحَرْبِ، ثُمَّ أَقْبَلُوا تُعْنِقُ بِهِمْ خَيْلُهُمْ حَتَّى وَقَفُوا عَلَى اَلْخَنْدَقِ، ثُمَّ عَبَرُوا مِنْ مَضِيقٍ فِي اَلْخَنْدَقِ، وَ جَعَلُوا يُجِيلُونَ خَيْلَهُمْ فِي اَلسَّبَخَةِ بَيْنَ اَلْخَنْدَقِ وَ سُلَيْعٍ، وَ اَلْمُسْلِمُونَ وُقُوفٌ لاَ يُقْدِمُ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَيْهِمْ، وَ جَعَلَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ وُدٍّ يَدْعُو إِلَى اَلْبِرَازِ وَ يَعْرِضُ بِالْمُسْلِمِينَ، وَ فِي كُلِّ ذَلِكَ يَقُومُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ مِنْ بَيْنِهِمْ لِيُبَارِزَهُمْ، فَيَأْمُرُهُ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ بِالْجُلُوسِ اِنْتِظَاراً مِنْهُ لِتَحَرُّكِ غَيْرِهِ، وَ اَلْمُسْلِمُونَ كَأَنَّ عَلَى رُءُوسِهِمُ اَلطَّيْرُ لِمَكَانِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ وُدٍّ وَ اَلْخَوْفِ مِنْهُ وَ مِمَّنْ مَعَهُ وَ وَرَاءَهُ، فَلَمَّا طَالَ نِدَاءُ عَمْرٍو بِالْبِرَازِ وَ تَتَابَعَ قِيَامُ عَلِيٍّ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ، قَالَ لَهُ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ اُدْنُ مِنِّي يَا عَلِيُّ، فَدَنَا مِنْهُ فَنَزَعَ عِمَامَتَهُ عَنْ رَأْسِهِ وَ عَمَّمَهُ بِهَا، وَ أَعْطَاهُ سَيْفَهُ وَ قَالَ لَهُ: «اِمْضِ لِشَأْنِكَ» ثُمَّ قَالَ: «اَللَّهُمَّ أَعِنْهُ» فَسَعَى نَحْوَ عَمْرٍو وَ مَعَهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اَللَّهِ اَلْأَنْصَارِيُّ (رَحْمَةُ اَللَّهِ عَلَيْهِ) لِيَنْظُرَ مَا يَكُونُ مِنْهُ وَ مِنْ عَمْرٍو، فَلَمَّا اِنْتَهَى أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ إِلَيْهِ قَالَ: «يَا عَمْرٌو إِنَّكَ كُنْتَ تَقُولُ فِي اَلْجَاهِلِيَّةِ لاَ يَدْعُونِي أَحَدٌ إِلَى ثَلاَثٍ إِلاَّ قَبِلْتُهَا أَوْ وَاحِدَةً مِنْهَا؟» فَقَالَ: أَجَلْ قَالَ: «فَإِنِّي أَدْعُوكَ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اَللَّهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اَللَّهِ، وَ أَنْ تُسْلِمَ لِرَبِّ اَلْعَالَمِينَ» فَقَالَ عَمْرٌو: يَا اِبْنَ اَلْأَخِ أَخِّرْ هَذِهِ عَنِّي، فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: «أَمَا إِنَّهَا خَيْرٌ لَكَ لَوْ أَخَذْتَهَا» ثُمَّ قَالَ: «فَهَاهُنَا أُخْرَى» قَالَ: وَ مَا هِيَ؟ قَالَ: «تَرْجِعُ مِنْ حَيْثُ جِئْتَ» قَالَ:

لاَ تُحَدِّثُ نِسَاءُ قُرَيْشٍ بِهَذَا أَبَداً، قَالَ: «فَهَاهُنَا أُخْرَى» قَالَ: وَ مَا هِيَ؟ قَالَ:

«تَنْزِلُ فَتُقَاتِلُنِي» فَضَحِكَ عَمْرٌو وَ قَالَ: إِنَّ هَذِهِ اَلْخَصْلَةُ مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَحَداً

ص: 248

مِنَ اَلْعَرَبِ يَرُومُنِي مِثْلَهَا، إِنِّي لَأَكْرَهُ أَنْ أَقْتُلَ اَلرَّجُلَ اَلْكَرِيمَ مِثْلَكَ، وَ قَدْ كَانَ بَيْنِي وَ بَيْنَ أَبِيكَ خُلَّةٌ، قَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: «لَكِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَكَ، فَانْزِلْ إِنْ شِئْتَ» فَأَسِفَ (1) وَ نَزَلَ وَ ضَرَبَ وَجْهَ فَرَسِهِ حَتَّى رَجَعَ، قَالَ جَابِرٌ (رَحْمَةُ اَللَّهِ عَلَيْهِ): فَثَارَتْ بَيْنَهُمَا قَتَرَةٌ (2) فَمَا رَأَيْتُهُمَا، فَسَمِعْتُ اَلتَّكْبِيرَ تَحْتَهَا، فَعَلِمْتُ أَنَّ عَلِيّاً عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَدْ قَتَلَهُ، وَ اِنْكَشَفَ أَصْحَابُهُ حَتَّى ظَفَرَتْ (3) خُيُولُهُمْ اَلْخَنْدَقَ، وَ تَبَادَرَ اَلْمُسْلِمُونَ حِينَ سَمِعُوا اَلتَّكْبِيرَ يَنْظُرُونَ مَا صَنَعَ اَلْقَوْمُ، فَوَجَدُوا نَوْفَلَ اِبْنَ عَبْدِ اَللَّهِ فِي جَوْفِ اَلْخَنْدَقِ لَمْ يَنْهَضْ بِهِ فَرَسُهُ، فَجَعَلُوا يَرْمُونَهُ بِالْحِجَارَةِ، فَقَالَ لَهُمْ: قَتْلَةٌ أَجْمَلُ مِنْ هَذِهِ يَنْزِلُ إِلَيَّ بَعْضُكُمْ أُقَاتِلُهُ، فَنَزَلَ إِلَيْهِ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فَضَرَبَهُ حَتَّى قَتَلَهُ، وَ لَحِقَ هُبَيْرَةَ فَأَعْجَزَهُ وَ ضَرَبَ قَرَبُوسَ سَرْجِهِ، وَ سَقَطَتْ دِرْعٌ كَانَتْ عَلَيْهِ، وَ فَرَّ عِكْرِمَةُ وَ هَرَبَ ضِرَارُ بْنُ اَلْخَطَّابِ، فَقَالَ جَابِرٌ (رَحِمَهُ اَللَّهُ): فَمَا شَبَّهْتُ قَتْلَ عَلِيٍّ عَمْرواً إِلاَّ بِمَا قَصَّ اَللَّهُ تَعَالَى مِنْ قِصَّةِ دَاوُدَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ جَالُوتَ حَيْثُ يَقُولُ جَلَّ اِسْمُهُ فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اَللّٰهِ وَ قَتَلَ دٰاوُدُ جٰالُوتَ (4) .

الفصل السابع عشر: في غزوة بني قريظة

و كان الظّفر ببني قريظة و فتح اللّه تعالى على النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام و ما كان من قتله من قتل منهم و ما ألقاه اللّه عزّ و جلّ في قلوبهم من الرّعب منه، و ما ثلث هذه الفضيلة ما تقدّمها من فضائله عليه السّلام، و شابهت هذه المنقبة ما سلف ذكره من مناقبه عليه السّلام.

الفصل الثامن عشر: في غزوة بني المصطلق

ثُمَّ كَانَ مِنْ بَلاَئِهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بِبَنِي اَلْمُصْطَلِقِ مَا اِشْتَهَرَ عِنْدَ اَلْعُلَمَاءِ، وَ كَانَ اَلْفَتْحُ [لَهُ] عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فِي هَذِهِ اَلْغَزَاةِ بَعْدَ أَنْ أُصِيبَ يَوْمَئِذٍ نَاسٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ اَلْمُطَّلِبِ،

ص: 249


1- أي غضب.
2- أي الغبار.
3- أي وثبت.
4- سورة البقرة، الآية: 251.

فَقَتَلَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ رَجُلَيْنِ مِنَ اَلْقَوْمِ، وَ هُمَا: مَالِكٌ وَ اِبْنُهُ، وَ أَصَابَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ مِنْهُمْ سَبْياً كَثِيراً فَقَسَمَهُ فِي اَلْمُسْلِمِينَ، وَ كَانَ مِمَّنْ أُصِيبَ مِنَ اَلسَّبَايَا جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ اَلْحَارِثِ بْنِ أَبِي ضِرَارٍ، وَ كَانَ اَلَّذِي سَبَى جُوَيْرِيَةَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَجَاءَ بِهَا إِلَى اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ فَاصْطَفَاهَا اَلنَّبِيُّ (عَلَيْهِ وَ آلِهِ اَلسَّلاَمُ).

الفصل التاسع عشر: في غزوة الحديبيّة

ثم تلى بني المصطلق الحديبية، فكان اللواء يومئذ إلى أمير المؤمنين عليه السلام، كما كان إليه في المشاهد قبلها، و كان من بلائه في ذلك اليوم عند صف القوم في الحرب و القتال، ما ظهر خبره و استفاض ذكره، و ذلك بعد البيعة التي أخذها النبي صلى اللَّه عليه و آله و سلم على أصحابه و العهود عليهم في الصبر.

الفصل العشرون: في غزوة خيبر

ثم تلت الحديبية خيبر و كان الفتح فيها لأمير المؤمنين عليه السلام بلا ارتياب و ظهر من فضله عليه السلام في هذه الغزاة ما أجمع على نقله الرواة، و تفرد فيها من المناقب بما لم يشركه فيه أحد من المسلمين و مثل ذلك كان في يوم خيبر، و كان من انهزام من انهزم، و قد أهل الجليل المقام بحمل الراية، فكان بانهزامه من الفساد ما لا خفاء على الألباء، ثم أعطى صاحبه الراية من بعده، فكان من انهزامه مثل الذي سلف من الأول، و خيف في ذلك على الإسلام و شأنه ما كان من الرجلين في الانهزام، فأكبر ذلك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و سلم و أظهر النكير له و المساءة به، ثم

قَالَ مُعْلِناً: «لَأُعْطِيَنَّ اَلرَّايَةَ غَداً رَجُلاً يُحِبُّهُ اَللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ يُحِبُّ اَللَّهَ وَ رَسُولَهُ، كَرَّارٌ غَيْرُ فَرَّارٍ، لاَ يَرْجِعُ حَتَّى يَفْتَحَ اَللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ» فَأَعْطَاهَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فَكَانَ اَلْفَتْحُ عَلَى يَدَيْهِ. و دلّ فحوى كلامه على خروج الفرّارين من الصّفة الّتي أوجبها لأمير المؤمنين عليه السّلام كما خرجنا بالفرار من صفة الكرّ و الثّبوت للقتال، و في تلافي أمير المؤمنين عليه السّلام بخيبر ما فرط من غيره دليل على

ص: 250

توحّده من الفضل فيه بما لم يشركه فيه من عداه، و في ذلك يقول حسّان بن ثابت الأنصاري:

و كان عليّ أرمد العين ينبغي *** دواء فلمّا لم يحسّ مداويا

شفاه رسول اللّه منه بتفلة *** فبورك مرقيّا و بورك راقيا

و قال: سأعطي الرّاية اليوم صارما *** كميّا محبّا للرّسول مواليا

يحبّ الإله و الإله يحبّه *** به يفتح اللّه الحصون الأوابيا

فأصفى بها دون البريّة كلّها *** عليّا و سمّاه الوزير المواخيا

الفصل الحادي و العشرون: في مواقف أخرى

ثمّ تلت غزاة خيبر مواقف لم تجر مجرى ما تقدّمها، فنعمد(1)لذكرها، و أكثرها كان بعوثا لم يشهدها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و لا كان الاهتمام بها كالإهتمام بما سلف لضعف العدوّ فيها، و غناء بعض المسلمين عن غيرهم فيها، فأضربنا عن تعدادها، و إن كان لأمير المؤمنين عليه السّلام في جميعها حظّ وافر من قول أو عمل،

ثُمَّ كَانَتْ غَزَاةُ اَلْفَتْحِ، وَ هِيَ اَلَّتِي تُوَطَّدُ أَمْرُ اَلْإِسْلاَمِ بِهَا، وَ تُمَهَّدُ اَلدِّينَ بِمَا مَنَّ اَللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ فِيهَا وَ كَانَ اَلْوَعْدُ بِهَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِ اَللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ: إِذٰا جٰاءَ نَصْرُ اَللّٰهِ وَ اَلْفَتْحُ (1) وَ رَأَيْتَ اَلنّٰاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اَللّٰهِ أَفْوٰاجاً (2) إِلَى آخِرِ اَلسُّورَةِ وَ قَوْلُهُ عَزَّ وَ جَلَّ قَبْلَهَا بِمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ: لَتَدْخُلُنَّ اَلْمَسْجِدَ اَلْحَرٰامَ إِنْ شٰاءَ اَللّٰهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَ مُقَصِّرِينَ لاٰ تَخٰافُونَ (3)، فَكَانَتِ اَلْأَعْيُنُ إِلَيْهَا مُمْتَدَّةً، وَ اَلرِّقَابُ إِلَيْهَا مُتَطَاوِلَةً، وَ دَبَّرَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ - لِأَمْرٍ فِيهَا بِكِتْمَانِ مَسِيرِهِ إِلَى مَكَّةَ، وَ سَتْرِ عَزِيمَتِهِ عَلَى مُرَادِهِ بِأَهْلِهَا وَ سَأَلَ اَللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ أَنْ يَطْوِيَ خَبَرَهُ عَنْ أَهْلِ مَكَّةَ حَتَّى يَبْغَتَهُمْ بِدُخُولِهَا، فَكَانَ اَلْمُؤْتَمَنَ عَلَى هَذَا اَلسِّرِّ وَ اَلْمُودَعَ لَهُ مِنْ بَيْنِ اَلْجَمَاعَةِ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ كَانَ اَلشَّرِيكَ لِرَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ فِي اَلرَّأْيِ، ثُمَّ أَنْمَاهُ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ إِلَى جَمَاعَةٍ بَعْدُ، وَ اِسْتَتَبَّ اَلْأَمْرُ فِيهِ عَلَى

ص: 251


1- في نسخة أخرى: نقصد.
2- سورة النصر، الآيتان: 1-2.
3- سورة الفتح، الآية: 27.

أَحْوَالٍ كَانَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فِي جَمِيعِهَا مُتَفَرِّداً مِنَ اَلْفَضْلِ بِمَا لَمْ يَشْرَكْهُ فِيهِ غَيْرُهُ مِنَ اَلنَّاسِ.

الفصل الثّاني و العشرون: في فتح مكّة المكرمة

وَ كَانَ عَهِدَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ إِلَى اَلْمُسْلِمِينَ عِنْدَ تَوَجُّهِهِ إِلَى مَكَّةَ أَلاَّ يَقْتُلُوا بِهَا إِلاَّ مَنْ قَاتَلَهُمْ، وَ آمَنَ مَنْ تَعَلَّقَ بِأَسْتَارِ اَلْكَعْبَةِ، سِوَى نَفَرٍ كَانُوا يُؤْذُونَهُ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ مِنْهُمْ مِقْيَسُ بْنُ صُبَابَةَ، وَ اِبْنُ خَطَلٍ، وَ اِبْنُ أَبِي سَرْحٍ، وَ قَيْنَتَانِ كَانَتَا تُغَنِّيَانِ (1) بِهِجَاءِ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ، وَ بِمَرَاثِي أَهْلِ بَدْرٍ، فَقَتَلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ إِحْدَى اَلْقَيْنَتَيْنِ وَ أَفْلَتَتِ اَلْأُخْرَى حَتَّى اُسْتُؤْمِنَ لَهَا بَعْدُ، فَضَرَبَهَا فَرَسٌ بِالْأَبْطَحِ فِي إِمَارَةِ عُمَرَ بْنِ اَلْخَطَّابِ فَقَتَلَهَا، وَ قَتَلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ اَلْحُوَيْرِثَ بْنَ نُفَيْلِ بْنِ كَعْبٍ، وَ كَانَ مِمَّنْ نودي [يُؤْذِي ]رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ بِمَكَّةَ وَ بَلَغَهُ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ أَنَّ أُخْتَهُ أُمَّ هَانِي (رَحْمَةُ اَللَّهِ عَلَيْهَا) قَدْ آوَتْ أُنَاساً مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ، مِنْهُمُ اَلْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ، وَ قَيْسُ بْنُ اَلسَّائِبِ، فَقَصَدَ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ نَحْوَ دَارِهَا مُقَنَّعاً بِالْحَدِيدِ، فَنَادَى: «أَخْرِجُوا مَنْ آوَيْتُمْ قَالَ: فَجَعَلُوا يَذْرِقُونَ وَ اَللَّهِ كَمَا تَذْرِقُ اَلْحُبَارَى خَوْفاً مِنْهُ، فَخَرَجَتْ إِلَيْهِ أُمُّ هَانِي وَ هِيَ لاَ تَعْرِفُهُ، فَقَالَتْ: يَا عَبْدَ اَللَّهِ، أَنَا أُمُّ هَانِي بِنْتُ عَمِّ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ وَ أُخْتُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ اِنْصَرِفْ عَنْ دَارِي، فَقَالَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ:

«أَخْرِجُوهُمْ» فَقَالَتْ: وَ اَللَّهِ لَأَشْكُوَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ فَنَزَعَ اَلْمِغْفَرَ عَنْ رَأْسِهِ فَعَرَفَتْهُ فَجَاءَتْ تَشْتَدُّ حَتَّى اِلْتَزَمَتْهُ وَ قَالَتْ: فَدَيْتُكَ حَلَفْتُ لَأَشْكُوَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ فَقَالَ لَهَا: «اِذْهَبِي فَأَبِرِّي قَسَمَكِ فَإِنَّهُ بِأَعْلَى اَلْوَادِي» قَالَتْ أُمُّ هَانِي: فَجِئْتُ إِلَى اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ وَ هُوَ فِي قُبَّةٍ يَغْتَسِلُ وَ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا اَلسَّلاَمُ تَسْتُرُهُ، فَلَمَّا سَمِعَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ كَلاَمِي قَالَ: «مَرْحَباً بِأُمِّ هَانِي وَ أَهْلاً» قُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي أَشْكُو إِلَيْكَ اَلْيَوْمَ مَا لَقِيتُ مِنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ: «قَدْ أَجَرْتِ وَ مَنْ أَجَرْتِ؟» فَقَالَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا اَلسَّلاَمُ: «إِنَّمَا جِئْتِ يَا أُمَّ هَانِي تَشْكِينَ عَلِيّاً فِي أَنَّهُ أَخَافَ أَعْدَاءَ اَللَّهِ وَ أَعْدَاءَ رَسُولِهِ» فَقَالَ رَسُولُ

ص: 252


1- في الأصل: يغنيان.

اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ: «قَدْ شَكَرَ اَللَّهُ لِعَلِيٍّ سَعْيَهُ، وَ أَجَرْتُ مَنْ أَجَارَتْ أُمُّ هَانِي لِمَكَانِهَا مِنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ» وَ لَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ اَلْمَسْجِدَ وَجَدَ فِيهِ ثَلاَثَمِائَةٍ وَ سِتِّينَ صَنَماً بَعْضُهَا مَشْدُودٌ إِلَى بَعْضٍ بِالرَّصَاصِ، فَقَالَ لِأَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: «أَعْطِنِي يَا عَلِيُّ كَفّاً مِنَ اَلْحَصَى» فَقَبَضَ لَهُ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ كَفّاً فَنَاوَلَهُ، فَرَمَاهَا بِهِ وَ هُوَ يَقُولُ: وَ قُلْ جٰاءَ اَلْحَقُّ وَ زَهَقَ اَلْبٰاطِلُ إِنَّ اَلْبٰاطِلَ كٰانَ زَهُوقاً (1). فَمَا بَقِيَ مِنْهُمْ صَنَمٌ إِلاَّ خَرَّ لِوَجْهِهِ، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَأُخْرِجَتْ مِنَ اَلْمَسْجِدِ وَ طُرِحَتْ وَ كُسِرَتْ .

الفصل الثالث و العشرون: في بعض أعماله عليه السّلام

و فيما ذكرناه من أعمال أمير المؤمنين (صلوات اللّه عليه) في قتل من قتل من أعداء اللّه سبحانه بمكّة، و اخافته من أخاف، و معونة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على تطهير المسجد من الأصنام و شدّه بأسه في اللّه تعالى، و قطع الأرحام في طاعة اللّه عزّ و جلّ أدلّ دليل على تخصّصه من الفضائل بما لم يكن لأحد منهم سهم فيه حسب ما قدّمناه.

الفصل الرابع و العشرون: في غزوة حنين

ثُمَّ كَانَتْ غَزَاةُ حُنَيْنٍ، اِسْتَظْهَرَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ فِيهَا بِكَثْرَةِ اَلْجُمُوعِ فَخَرَجَ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ مُتَوَجِّهاً إِلَى اَلْقَوْمِ فِي عَشَرَةِ آلاَفٍ مِنَ اَلْمُسْلِمِينَ، فَظَنَّ أَكْثَرُهُمْ أَنَّهُمْ لَنْ يَغْلِبُوا لِمَا شَاهَدُوهُ مِنْ جَمْعِهِمْ وَ كَثْرَةِ عِدَّتِهِمْ وَ سِلاَحِهِمْ، فَأَعْجَبَ أَبَا بَكْرٍ اَلْكَثْرَةُ يَوْمَئِذٍ فَقَالَ: لَنْ يُغْلَبَ اَلْيَوْمَ مِنْ قِلَّةٍ، وَ كَانَ اَلْأَمْرُ فِي ذَلِكَ بِخِلاَفِ مَا ظَنُّوهُ، وَ عَانَهُمْ (2)أَبُو بَكْرٍ بِعُجْبِهِ بِهِمْ، فَلَمَّا اِلْتَقَوْا مَعَ اَلْمُشْرِكِينَ، لَمْ يَلْبَثُوا حَتَّى اِنْهَزَمُوا بِأَجْمَعِهِمْ، فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ مَعَ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ إِلاَّ عَشَرَةُ أَنْفُسٍ، تِسْعَةٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ خَاصَّةً، وَ عَاشِرُهُمْ أَيْمَنُ اِبْنُ أُمِّ أَيْمَنَ، فَقُتِلَ أَيْمَنُ (رَحْمَةُ اَللَّهِ عَلَيْهِ)، وَ ثَبَتَتِ (3) اَلتِّسْعَةُ اَلْهَاشِمِيُّونَ

ص: 253


1- سورة الإسراء، الآية: 81.
2- فهو عاين، إذا أصابه بالعين.
3- كذا في الأصل.

حَتَّى ثَابَ (1) إِلَى رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ مَنْ كَانَ اِنْهَزَمَ، فَرَجَعُوا أَوَّلاً فَأَوَّلاً حَتَّى تَلاَحَقُوا، وَ كَانَتْ لَهُمُ اَلْكَرَّةُ عَلَى اَلْمُشْرِكِينَ، وَ فِي ذَلِكَ أَنْزَلَ اَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَ فِي إِعْجَابِ أَبِي بَكْرٍ بِالْكَثْرَةِ: وَ يَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَ ضٰاقَتْ عَلَيْكُمُ اَلْأَرْضُ بِمٰا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (2(5) ثُمَّ أَنْزَلَ اَللّٰهُ سَكِينَتَهُ عَلىٰ رَسُولِهِ وَ عَلَى اَلْمُؤْمِنِينَ (2)يَعْنِي أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ مَنْ ثَبَتَ مَعَهُ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ (رَحْمَةُ اَللَّهِ عَلَيْهِمْ)، وَ هُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةُ نَفْسٍ، تَاسِعُهُمْ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ، وَ اَلْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ اَلْمُطَّلِبِ عَنْ يَمِينِ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ، وَ اَلْفَضْلُ بْنُ اَلْعَبَّاسِ عَنْ يَسَارِهِ، وَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ اَلْحَارِثِ مُمْسِكٌ بِسَرْجِهِ عِنْدَ ثُفْرِ بَغْلَتِهِ، وَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِالسَّيْفِ، وَ نَوْفَلُ بْنُ اَلْحَارِثِ، وَ رَبِيعَةُ بْنُ اَلْحَارِثِ، وَ عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ اَلزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ اَلْمُطَّلِبِ، وَ عُتْبَةُ وَ مُعَتِّبٌ اِبْنَا أَبِي لَهَبٍ حَوْلَهُ، وَ قَدْ وَلَّتِ اَلْكَافَّةُ مُدْبِرِينَ سِوَى مَنْ ذَكَرْنَاهُ، وَ فِي ذَلِكَ يَقُولُ مَالِكُ بْنُ عُبَادَةَ اَلْعَافِقِيُّ:

لَمْ يُوَاسِ اَلنَّبِيُّ غَيْرَ... *** بَنِي هَاشِمٍ عِنْدَ اَلسُّيُوفِ يَوْمَ حُنَيْنٍ

هَرَبَ اَلنَّاسُ غَيْرَ تِسْعَةِ رَهْطٍ *** فَهُمْ يَهْتِفُونَ بِالنَّاسِ أَيْنَ

ثُمَّ قَامُوا مَعَ اَلنَّبِيِّ عَلَى اَلْمَوْتِ *** فَأَبَوْا زَيْناً لَنَا غَيْرَ شَيْنٍ

وَ ثَوَى أَيْمَنُ اَلْأَمِينُ مِنَ اَلْقَوْمِ *** شَهِيداً فَاعْتَاضَ قُرَّةَ عَيْنٍ

وَ لَمَّا رَأَى رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ هَزِيمَةَ اَلْقَوْمِ عَنْهُ، قَالَ لِلْعَبَّاسِ، وَ كَانَ رَجُلاً جَهْوَرِيّاً صَيِّتاً: «نَادِ بِالْقَوْمِ وَ ذَكِّرْهُمُ اَلْعَهْدَ» فَنَادَى اَلْعَبَّاسُ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا أَهْلَ بَيْعَةِ اَلشَّجَرَةِ، يَا أَهْلَ سُورَةِ اَلْبَقَرَةِ، إِلَى أَيْنَ تَفِرُّونَ؟ اُذْكُرُوا اَلْعَهْدَ اَلَّذِي عَاَهَدَكُمْ عَلَيْهِ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ وَ اَلْقَوْمُ عَلَى وُجُوهِهِمْ قَدْ وَلَّوْا مُدْبِرِينَ، وَ كَانَتْ لَيْلَةً ظَلْمَاءَ، وَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ فِي اَلْوَادِي، وَ اَلْمُشْرِكُونَ قَدْ خَرَجُوا عَلَيْهِ مِنْ شِعَابِ اَلْوَادِي وَ جَنَبَاتِهِ وَ مَضَايِقِهِ، مُصْلِتِينَ سُيُوفَهُمْ وَ عُمُدَهُمْ وَ قِسِيَّهُمْ، قَالُوا:

فَنَظَرَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ إِلَى اَلنَّاسِ بِبَعْضِ وَجْهِهِ، فَأَضَاءَ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ اَلْبَدْرِ، ثُمَّ نَادَى اَلْمُسْلِمِينَ: «أَيْنَ مَا عَاهَدْتُمُ اَللَّهَ عَلَيْهِ؟» فَأَسْمَعَ أَوَّلَهُمْ وَ آخِرَهُمْ، فَلَمْ

ص: 254


1- أي رجع.
2- سورة التوبة، الآيتان: 25-26.

يَسْمَعْهَا رَجُلٌ إِلاَّ رَمَى بِنَفْسِهِ إِلَى اَلْأَرْضِ، فَانْحَدَرُوا إِلَى حَيْثُ كَانُوا مِنَ اَلْوَادِي حَتَّى لَحِقُوا بِالْعَدُوِّ فَقَاتَلُوهُ، قَالُوا: وَ أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْ هَوَازِنَ عَلَى جَمَلٍ لَهُ أَحْمَرَ، بِيَدِهِ رَايَةٌ سَوْدَاءُ فِي رَأْسِ رُمْحٍ طَوِيلٍ أَمَامَ اَلْقَوْمِ، إِذَا أَدْرَكَ ظَفَراً مِنَ اَلْمُسْلِمِينَ أَكَبَّ عَلَيْهِمْ، وَ إِذَا فَاتَهُ اَلنَّاسُ رَفَعَهُ لِمَنْ وَرَاهُ مِنَ اَلْمُشْرِكِينَ فَاتَّبَعُوهُ وَ هُوَ يَرْتَجِزُ وَ يَقُولُ:

أَنَا أَبُو جَرْوَلٍ لاَ بَرَاحَ *** حَتَّى نُبِيحَ اَلْيَوْمَ، أَوْ نُبَاحَ

فَصَمَدَ لَهُ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فَضَرَبَ عَجُزَ بَعِيرِهِ فَصَرَعَهُ، ثُمَّ ضَرَبَهُ فَقَتَلَهُ ثُمَّ قَالَ:

قَدْ عَلِمَ اَلنَّاسُ لَدَى اَلصَّبَاحِ *** أَنِّي فِي اَلْهَيْجَاءِ ذُو نِصَاحٍ

فَكَانَتْ هَزِيمَةُ اَلْقَوْمِ (1) بِقَتْلِ أَبِي جَرْوَلٍ لَعَنَهُ اَللَّهُ، ثُمَّ اِلْتَأَمَ اَلْمُسْلِمُونَ وَ صَفُّوا لِلْعَدُوِّ، فَقَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ: «اَللَّهُمَّ إِنَّكَ أَذَقْتَ أَوَّلَ قُرَيْشٍ نَكَالاً فَأَذِقْ آخِرَهَا وَبَالاً(2). وَ تَجَالَدَ اَلْمُسْلِمُونَ وَ اَلْمُشْرِكُونَ سَاعَةً، فَلَمَّا رَآهُمُ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ قَامَ فِي رِكَابَيْ سَرْجِهِ حَتَّى أَشْرَفَ عَلَى جَمَاعَتِهِمْ وَ قَالَ:

اَلْآنَ حَمِيَ اَلْوَطِيسُ *** أَنَا اَلنَّبِيُّ لاَ كَذِبٌ

أَنَا اِبْنُ عَبْدِ اَلْمُطَّلِبِ

فَمَا كَانَ بِأَسْرَعَ مِنْ أَنْ وَلَّى اَلْقَوْمُ أَدْبَارَهُمْ، وَ جِيءَ بِالْأَسْرَى إِلَى رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ مُكَتَّفِينَ.

وَ لَمَّا قَتَلَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ أَبَا جَرْوَلٍ وَ خُذِلَ اَلْقَوْمُ بِقَتْلِهِ، وَضَعَ اَلْمُسْلِمُونَ سُيُوفَهُمْ فِيهِمْ وَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ يَقْدُمُهُمْ، حَتَّى قَتَلَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ أَرْبَعِينَ رَجُلاً مِنَ اَلْقَوْمِ، ثُمَّ كَانَتِ اَلْهَزِيمَةُ وَ اَلْأَسْرُ حِينَئِذٍ، وَ كَانَ أَبُو سُفْيَانَ صَخْرُ بْنُ حَرْبِ بْنِ أُمَيَّةَ فِي هَذِهِ اَلْغَزَاةِ، فَانْهَزَمَ فِي جُمْلَةِ مَنِ اِنْهَزَمَ مِنَ اَلْمُسْلِمِينَ. فَرُوِيَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ أَنَّهُ قَالَ: لَقِيتُ أَبِي مُنْهَزِماً مَعَ بَنِي أُمَيَّةَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، فَصِحْتُ بِهِ: يَا اِبْنَ حَرْبٍ وَ اَللَّهِ مَا

ص: 255


1- في نسخة أخرى: المشركين.
2- في نسخة أخرى: نوالا.

صَبَرْتَ مَعَ اِبْنِ عَمِّكَ، وَ لاَ قَاتَلْتَ عَنْ دِينِكَ، وَ لاَ كَفَفْتَ هَؤُلاَءِ اَلْأَعْرَابَ عَنْ حَرِيمِكَ، فَقَالَ: مَنْ؟ قُلْتُ: مُعَاوِيَةُ قَالَ: اِبْنُ هِنْدٍ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ:

بِأَبِي وَ أُمِّي ثُمَّ وَقَفَ وَ اِجْتَمَعَ مَعَهُ أُنَاسٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَ اِنْضَمَمْتُ إِلَيْهِمْ، ثُمَّ حَمَلْنَا عَلَى اَلْقَوْمِ فَضَعْضَعْنَاهُمْ، وَ مَا زَالَ اَلْمُسْلِمُونَ يَقْتُلُونَ اَلْمُشْرِكِينَ وَ يَأْسِرُونَ مِنْهُمْ حَتَّى اِرْتَفَعَ اَلنَّهَارُ، فَأَمَرَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ بِالْكَفِّ، وَ نَادَى أَنْ لاَ يُقْتَلَ أَسِيرٌ مِنَ اَلْقَوْمِ، وَ كَانَتْ هُذَيْلٌ بَعَثَتْ رَسُولاً(1) يُقَالُ لَهُ اِبْنُ اَلْأَكْوَعِ أَيَّامَ اَلْفَتْحِ عَيْناً عَلَى اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ حَتَّى عَلِمَ عِلْمَهُ، فَجَاءَ إِلَى هُذَيْلٍ بِخَبَرِهِ، فَأُسِرَ يَوْمَ حُنَيْنٍ، فَمَرَّ بِهِ عُمَرُ بْنُ اَلْخَطَّابِ، فَلَمَّا رَآهُ أَقْبَلَ عَلَى رَجُلٍ مِنَ اَلْأَنْصَارِ وَ قَالَ: عَدُوُّ اَللَّهِ اَلَّذِي كَانَ عَيْناً عَلَيْنَا هُوَ أَسِيرٌ فَاقْتُلْهُ، فَضَرَبَ اَلْأَنْصَارِيُّ عُنُقَهُ، وَ بَلَغَ ذَلِكَ اَلنَّبِيَّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ فَكَرِهَهُ وَ قَالَ: «أَ لَمْ آمُرْكُمْ أَلاَّ تَقْتُلُوا أَسِيراً» وَ قُتِلَ بَعْدَهُ جَمِيلُ بْنُ مُعَمَّرِ بْنِ زُهَيْرٍ وَ هُوَ أَسِيرٌ، فَبَعَثَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ إِلَى اَلْأَنْصَارِ وَ هُوَ مُغْضَبٌ، فَقَالَ: «مَا حَمَلَكُمْ عَلَى قَتْلِهِ، وَ قَدْ جَاءَكُمُ اَلرَّسُولُ أَلاَّ تَقْتُلُوا أَسِيراً؟» فَقَالُوا: إِنَّمَا قَتَلْنَاهُ بِقَوْلِ عُمَرَ، فَأَعْرَضَ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ حَتَّى كَلَّمَهُ عُمَيْرُ اِبْنُ وَهْبٍ فِي اَلصَّفْحِ عَنْ ذَلِكَ .

الفصل الخامس و العشرون: في تقسيم الغنائم

وَ لَمَّا قَسَمَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ غَنَائِمَ (2)حُنَيْنٍ أَقْبَلَ رَجُلٌ طَوِيلٌ قَدْ أُحْنِيَ، بَيْنَ عَيْنَيْهِ أَثَرُ اَلسُّجُودِ، فَسَلَّمَ وَ لَمْ يَخُصَّ اَلنَّبِيَّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: قَدْ رَأَيْتُكَ وَ مَا صَنَعْتَ فِي هَذِهِ اَلْغَنَائِمِ، قَالَ: «وَ كَيْفَ رَأَيْتَ؟» قَالَ: لَمْ أَرَكَ عَدَلْتَ، فَغَضِبَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ وَ قَالَ: «وَيْلَكَ إِذَا لَمْ يَكُنِ اَلْعَدْلُ عِنْدِي فَعِنْدَ مَنْ يَكُونُ؟» فَقَالَ اَلْمُسْلِمُونَ: أَلاَ نَقْتُلُهُ؟ قَالَ: دَعُوهُ فَإِنَّهُ سَيَكُونُ لَهُ أَتْبَاعٌ يَمْرُقُونَ مِنَ اَلدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ اَلسَّهْمُ مِنَ اَلرَّمِيَّةِ، يَقْتُلُهُمُ اَللَّهُ عَلَى يَدِ أَحَبِّ اَلْخَلْقِ إِلَيْهِ مِنْ بَعْدِي، فَقَتَلَهُمْ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فِيمَنْ قَتَلَ يَوْمَ اَلنَّهْرَوَانِ مِنَ اَلْخَوَارِجِ .

ص: 256


1- في نسخة أخرى: رجلا.
2- في الأصل: غنايم.

[في بيان جملة من مناقبه عليه السلام في بعض المعارك و الحروب]

اشارة

<الفصل السادس و العشرون: في مناقب علي عليه السّلام> فانظر الآن إلى مناقب أمير المؤمنين عليه السّلام في هذه الغزاة و تأمّلها و تفكّر في معانيها، نجده عليه السّلام قد تولّى كلّ فضل كان فيها، و اختصّ من ذلك بما لم يشركه فيه أحد من الأمّة، و ذلك أنّه عليه السّلام ثبت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عند انهزام كافة النّاس، إلاّ النّفر الّذين كان ثبوتهم بثبوته عليه السّلام و ذلك أنّا قد أحطنا علما بتقدّمه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في الشّجاعة، و البأس و الصّبر و النّجدة، على العبّاس و الفضل ابنه، و أبي سفيان بن الحارث، و النّفر الباقين، لظهور أمره في المقامات الّتي لم يحضرها أحد منهم، و اشتهار خبره في منازلة الأقران و قتل الأبطال، و لم يعرف لأحد من هؤلاء مقام من مقاماته، و لا قتيل عزى إليهم بالذّكر، فعلم بذلك أنّ ثبوتهم كان به عليه السّلام، و لولاه كانت الجناية على الدّين لا تتلافى، و إنّ بمقامه ذلك المقام و صبره مع النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان رجوع المسلمين إلى الحرب و تشجّعهم في لقاء العدو، ثمّ كان من قتله أبا جرول متقدّم المشركين ما كان هو السّبب في هزيمة القوم و ظفر المسلمين بهم.

و كان من قتله عليه السّلام الأربعين الّذين تولّى قتلهم الوهن على المشركين، و سبب خذلانهم و هلعهم(1) و ظفر المسلمين بهم، و كان من بليّة المتقدّم عليه في مقام الخلافة بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إن عان المسلمين بإعجابه بالكثرة، فكانت هزيمتهم بسبب ذلك أو كان أحد أسبابها، ثمّ كان من صاحبه في قتل الأسرى من القوم، و قد نهى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن قتلهم ما ارتكب به عظيم الخلاف للّه سبحانه و لرسوله حتّى أغضبه ذلك و آسفه و أنكره و أكبره.

ثمّ جعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الحكم على المعترض في قضاء أمير المؤمنين عليه السّلام علما على حقّ أمير المؤمنين عليه السّلام في فعاله و صوابه في حروبه، و نبّه على وجوب طاعته و خطر معصيته، و إنّ الحق في حيّزه و جنبيه، و شهد له بأنّه خير الخليقة و هذا يباين ما كان من خصومه الغاصبين لمقامه من الفعال، و يضادّ ما كانوا عليه من الأعمال، و يخرجهم من الفضل إلى النّقص الّذي يوبق صاحبها أو يكاد، فضلا عن سمّوه على أعمال

ص: 257


1- شدّة الجزع.

المخلصين في تلك الغزاة، و قربهم بالجهاد الّذي تولّوه، فبانوا ممّا ذكرناه بالتّقصير الّذي وصفناه.

الفصل السابع و العشرون: في وقعة الطائف

وَ فِي غَزَاةِ اَلطَّائِفِ حِينَ سَارَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ بِنَفْسِهِ فَحَاصَرَهُمْ أَيَّاماً، وَ أَنْفَذَ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فِي خَيْلٍ وَ أَمَرَهُ أَنْ يَطَأَ مَا يَجِدُ، وَ يَكْسِرَ كُلَّ صَنَمٍ وَجَدَهُ، فَخَرَجَ حَتَّى لَقِيَتْهُ خَيْلُ خَثْعَمٍ فِي جَمْعٍ كَثِيرٍ، فَبَرَزَ لَهُ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ شِهَابٌ فِي غَبَشِ القبح [اَلصُّبْحِ]، فَبَرَزَ إِلَيْهِ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ هُوَ يَقُولُ:

إِنَّ عَلَى كُلِّ رَئِيسٍ حَقّاً *** أَنْ يَرْوِيَ اَلصَّعْدَةَ أَوْ تُدَقَّا

ثُمَّ ضَرَبَهُ فَقَتَلَهُ، وَ مَضَى فِي تِلْكَ اَلْخَيْلِ حَتَّى كَسَرَ اَلْأَصْنَامَ، وَ عَادَ إِلَى رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ وَ هُوَ مُحَاصِرٌ أَهْلَ اَلطَّائِفِ، فَلَمَّا رَآهُ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ كَبَّرَ لِلْفَتْحِ وَ أَخَذَ بِيَدِهِ فَخَلاَ بِهِ وَ نَاجَاهُ طَوِيلاً.

فَرُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ لَمَّا خَلاَ بِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ يَوْمَ اَلطَّائِفِ أَتَاهُ عُمَرُ بْنُ اَلْخَطَّابِ: أَ تُنَاجِيهِ دُونَنَا وَ تَخْلُو بِهِ دُونَنَا؟، فَقَالَ: «يَا عُمَرُ مَا أَنَا اِنْتَجَيْتُهُ وَ لَكِنَّ اَللَّهَ اِنْتَجَاهُ».

ثُمَّ خَرَجَ مِنْ حِصْنِ اَلطَّائِفِ نَافِعُ بْنُ غَيْلاَنَ بْنِ مُعَتِّبٍ فِي خَيْلٍ مِنْ ثَقِيفٍ، فَلَقِيَهُ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بِبَطْنِ وَجٍّ، فَقَتَلَهُ وَ اِنْهَزَمَ اَلْمُشْرِكُونَ وَ لَحِقَ اَلْقَوْمَ اَلرُّعْبُ، فَنَزَلَ مِنْهُمْ جَمَاعَةٌ إِلَى اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ فَأَسْلَمُوا، وَ كَانَ حِصَارُ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ اَلطَّائِفَ بَضْعَةَ عَشَرَ يَوْماً .

و في هذه الغزاة ممّا خصّ اللّه تعالى أمير المؤمنين عليه السّلام بما انفرد به من كافّة النّاس، و كان الفتح فيها على يده، و حصل من المناجاة الّتي أضافها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى اللّه عزّ اسمه ما ظهر به من فضله و خصوصيّته من اللّه تعالى بما بان به من كافّة الخلق، و كان من عدوّه فيها ما دلّ على باطنه، و كشف اللّه تعالى به حقيقة سرّه و ضميره في ذلك عبرة لأولي الألباب.

ص: 258

الفصل الثامن و العشرون: في غزوة تبوك

ثُمَّ كَانَتْ غَزْوَةُ تَبُوكَ، فَأَوْحَى اَللَّهُ عَزَّ اِسْمُهُ إِلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ أَنْ يَسِيرَ إِلَيْهَا بِنَفْسِهِ وَ يَسْتَنْفِرَ اَلنَّاسَ لِلْخُرُوجِ مَعَهُ، وَ أَعْلَمَهُ أَنَّهُ لاَ يُحْتَاجُ فِيهَا إِلَى حَرْبٍ، وَ لاَ يُبْلَى بِقِتَالِ عَدُوٍّ، وَ إِنَّ اَلْأُمُورَ تَنْقَادُ لَهُ بِغَيْرِ سَيْفٍ، فَلَمَّا أَرَادَ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ اَلْخُرُوجَ، اِسْتَخْلَفَ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فِي أَهْلِهِ وَ وُلْدِهِ وَ أَزْوَاجِهِ وَ مُهَاجَرِهِ، وَ قَالَ لَهُ: «يَا عَلِيُّ إِنَّ اَلْمَدِينَةَ لاَ تَصْلُحُ إِلاَّ بِي أَوْ بِكَ، فَاسْتَخْلَفَهُ اِسْتِخْلاَفاً ظَاهِراً، وَ نَصَّ عَلَيْهِ بِالْإِمَامَةِ مِنْ بَعْدِهِ نَصّاً جَلِيّاً، وَ ذَلِكَ فِيمَا تَظَاهَرَتْ بِهِ اَلرِّوَايَةُ أَنَّ أَهْلَ اَلنِّفَاقِ لَمَّا عَلِمُوا بِاسْتِخْلاَفِ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ عَلِيّاً عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ عَلَى اَلْمَدِينَةِ حَسَدُوهُ لِذَلِكَ وَ عَظُمَ عَلَيْهِمْ مُقَامُهُ فِيهَا بَعْدَ خُرُوجِ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ، وَ عَلِمُوا أَنَّهَا تَتَحَرَّسُ بِهِ وَ لاَ يَكُونُ فِيهَا لِلْعَدُوِّ مَطْمَعٌ، فساهم [فَسَاءَهُمْ] ذَلِكَ، وَ كَانُوا يُؤْثِرُونَ خُرُوجَهُ مَعَهُ لِمَا يَرْجُونَهُ مِنْ وُقُوعِ اَلْفَسَادِ وَ اَلاِخْتِلاَطِ عِنْدَ نَأْيِ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ عَنِ اَلْمَدِينَةِ وَ خُلُوِّهَا مِنْ مَرْهُوبٍ مَخُوفٍ يَحْرُسُهَا، وَ غَبَّطُوهُ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ عَلَى اَلرَّفَاهِيَةِ وَ اَلدَّعَةِ (1) بِمُقَامِهِ فِي أَهْلِهِ، وَ تَكَلُّفِ مَنْ خَرَجَ مِنْهُمُ اَلْمَشَاقَّ بِالسَّفَرِ بِالْخَطَرِ، فَأَرْجَفُوا بِهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ قَالُوا: لَمْ يَسْتَخْلِفْهُ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ إِكْرَاماً لَهُ وَ إِجْلاَلاً وَ مَوَدَّةً، وَ إِنَّمَا خَلَّفَهُ اِسْتِثْقَالاً لَهُ، فَبَهَتُوا بِهَذَا اَلْإِرْجَافِ كَبَهْتِ قُرَيْشٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ بِالْجِنَّةِ تَارَةً، وَ بِالشِّعْرِ أُخْرَى، وَ بِالسِّحْرِ مَرَّةً، وَ بِالْكِهَانَةِ أُخْرَى، وَ هُمْ يَعْلَمُونَ ضِدَّ ذَلِكَ وَ نَقِيضَهُ، كَمَا عَلِمَ اَلْمُنَافِقُونَ ضِدَّ مَا أَرْجَفُوا بِهِ عَلَى أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْهِ وَ خِلاَفَهُ، وَ أَنَّ اَلنَّبِيَّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ كَانَ أَخَصَّ اَلنَّاسِ بِأَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ كَانَ هُوَ أَحَبَّ اَلنَّاسِ إِلَيْهِ، وَ أَسْعَدَهُمْ عِنْدَهُ، وَ أَفْضَلَهُمْ لَدَيْهِ، فَلَمَّا بَلَغَ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ إِرْجَافُ اَلْمُنَافِقِينَ أَرَادَ تَكْذِيبَهُمْ وَ إِظْهَارَ فَضِيحَتِهِمْ، فَلَحِقَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ: «يَا رَسُولَ اَللَّهِ إِنَّ اَلْمُنَافِقِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّكَ إِنَّمَا خَلَّفْتَنِي اِسْتِثْقَالاً وَ مَقْتاً فَقَالَ لَهُ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ: «اِرْجِعْ يَا أَخِي إِلَى مَكَانِكَ، فَإِنَّ اَلْمَدِينَةَ لاَ تَصْلُحُ إِلاَّ بِي أَوْ بِكَ، فَأَنْتَ خَلِيفَتِي فِي أَهْلِي وَ دَارِ هِجْرَتِي وَ قَوْمِي، أَ مَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلاَّ أَنَّهُ لاَ نَبِيَّ بَعْدِي» . فتضمّن هذا القول من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نصّه عليه بالإمامة، و إبانته

ص: 259


1- السعة في العيش.

من الكافّة بالخلافة، و دلّ به على فضل لم يشركه فيه أحد سواه، و أوجب له صلّى اللّه عليه و آله و سلّم به جميع منازل هارون من موسى إلاّ ما خصّه العرف من الأخوّة، و استثناه هو من النّبوّة، و هذه فضيلة لم يشرك فيها أحد من الخلق أمير المؤمنين عليه السّلام و لا ساواه في معناها و لا قاربه فيها على حال.

الفصل التاسع و العشرون: في غزوة بني زبيد

فِي غَزَاةِ بَنِي زُبَيْدٍ لَقِيَهُمْ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بِوَادٍ يُقَالُ لَهُ: كُسَرُ، فَلَمَّا رَآهُ بَنُو زُبَيْدٍ قَالُوا لِعَمْرِو بْنِ مَعْدِي كَرَبٍ: كَيْفَ أَنْتَ يَا أَبَا ثَوْرٍ إِذَا لَقِيَكَ هَذَا اَلْغُلاَمُ اَلْقُرَشِيُّ فَأَخَذَ مِنْكَ اَلْإِتَاوَةَ، فَقَالَ: سَيَعْلَمُ إِنْ لَقِيَنِي، قَالَ:

وَ خَرَجَ عَمْرٌو فَقَالَ: مَنْ يُبَارِزُ؟ فَنَهَضَ إِلَيْهِ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فَصَاحَ بِهِ صَيْحَةً، فَانْهَزَمَ عَمْرٌو وَ قُتِلَ أَخُوهُ وَ اِبْنُ أَخِيهِ، وَ أُخِذَتِ اِمْرَأَتُهُ رَيْحَانَةُ بِنْتُ سَلاَمَةَ، وَ سُبِيَ مِنْهُمْ نِسْوَانٌ، وَ اِنْصَرَفَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ خَلَّفَ عَلَى بَنِي زُبَيْدٍ خَالِدَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ اَلْعَاصِ رَحِمَهُ اَللَّهُ لِيَقْبِضَ صَدَقَاتِهِمْ وَ يُؤْمِنَ مَنْ عَادَ إِلَيْهِ مِنْ هُرَّابِهِمْ مُسْلِماً؛ وَ كَانَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَدِ اِصْطَفَى مِنَ اَلسَّبْيِ جَارِيَةً، فَبَعَثَ خَالِدُ بْنُ اَلْوَلِيدِ وَ قَدْ كَانَ مِنْ جُمْلَةِ اَلسَّرِيَّةِ اَلَّتِي كَانَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ أَمِيراً عَلَيْهِمْ بُرَيْدَةَ اَلْأَسْلَمِيَّ (رَحِمَهُ اَللَّهُ). إِلَى اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ وَ قَالَ لَهُ: تَقَدَّمِ اَلْجَيْشَ إِلَيْهِ فَأَعْلِمْهُ بِمَا فَعَلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ مِنِ اِصْطِفَائِهِ اَلْجَارِيَةَ مِنَ اَلْخُمُسِ لِنَفْسِهِ وَقَعَ فِيهِ، فَسَارَ بُرَيْدَةُ حَتَّى اِنْتَهَى إِلَى بَابِ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ، فَلَقِيَهُ عُمَرُ بْنُ اَلْخَطَّابِ، فَسَأَلَهُ عَنْ حَالِ غَزْوَتِهِمْ وَ عَنِ اَلَّذِي أَقْدَمَهُ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ إِنَّمَا جَاءَ لِيَقَعَ فِي عَلِيٍّ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، وَ ذَكَرَ لَهُ اِصْطِفَاءَهُ اَلْجَارِيَةَ مِنَ اَلْخُمُسِ لِنَفْسِهِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: اِمْضِ لِمَا جِئْتَ لَهُ، فَإِنَّهُ سَيَغْضَبُ لاِبْنَتِهِ مِمَّا صَنَعَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فَدَخَلَ بُرَيْدَةُ اَلْأَسْلَمِيُّ عَلَى اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ وَ مَعَهُ كِتَابُ خَالِدٍ بِمَا أَرْسَلَ بِهِ بُرَيْدَةَ، فَجَعَلَ يَقْرَؤُهُ وَ وَجْهُ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ يَتَغَيَّرُ فَقَالَ بُرَيْدَةُ: يَا رَسُولَ اَللَّهِ إِنَّكَ إِنْ رَخَّصْتَ لِلنَّاسِ فِي مِثْلِ هَذَا ذَهَبَ فَيْؤُهُمْ، فَقَالَ لَهُ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ: «وَيْحَكَ يَا بُرَيْدَةُ أَحْدَثْتَ نِفَاقاً إِنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ يَحِلُّ لَهُ مِنَ اَلْفَيْ ءِ مِثْلُ مَا يَحِلُّ لِي، إِنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ خَيْرُ اَلنَّاسِ لَكَ وَ لِقَوْمِكَ، وَ خَيْرُ مَنْ أُخَلِّفُ بَعْدِي لِكَافَّةِ أُمَّتِي، يَا بُرَيْدَةُ اِحْذَرْ أَنْ تُبْغِضَ عَلِيّاً؟ فَيُبْغِضَكَ اَللَّهُ» قَالَ بُرَيْدَةُ: فَتَمَنَّيْتُ أَنَّ اَلْأَرْضَ اِنْشَقَّتْ لِي فَسُخْتُ فِيهَا،

ص: 260

وَ قُلْتُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ سَخَطِ اَللَّهِ وَ سَخَطِ رَسُولِهِ يَا رَسُولَ اَللَّهِ، اِسْتَغْفِرْ لِي فَلَنْ أُبْغِضَ عَلِيّاً أَبَداً وَ لاَ أَقُولُ فِيهِ إِلاَّ خَيْراً، فَاسْتَغْفَرَ لَهُ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ .

و في هذه الغزاة من المنقبة لأمير المؤمنين عليه السّلام ما لا تماثلها منقبة لأحد سواه، و الفتح فيها كان على يديه عليه السّلام خاصّة و ظهر من فضله و مشاركته للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فيما أحلّه اللّه له من الفيء و اختصاصه من ذلك بما لم يكن لغيره من النّاس، و بان من مودّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و تفضيله إيّاه ما كان خفيّا على من لا علم له بذلك، و كان من تحذيره بريدة و غيره من بغضه و عداوته و حثّه له على مودّته و ولايته، و ردّ كيد أعدائه في نحورهم ما دلّ على أنّه أفضل البريّة عند اللّه و عنده صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و أحقّهم بمقامه من بعده، و أخصّهم به في نفسه و آثرهم عنده.

الفصل الثلاثون: في غزوة ذات السلاسل

ثُمَّ كَانَتْ غَزَاةُ اَلسِّلْسِلَةِ، وَ ذَلِكَ أَنَّ أَعْرَابِيّاً جَاءَ إِلَى اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ فَجَثَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَ قَالَ لَهُ: جِئْتُكَ لِأَنْصَحَ لَكَ، قَالَ: «وَ مَا نَصِيحَتُكَ؟» قَالَ: قَوْمٌ مِنَ اَلْعَرَبِ قَدِ اِجْتَمَعُوا بِوَادِي اَلرَّمْلِ وَ عَمِلُوا عَلَى أَنْ يُبَيِّتُوكَ: بِالْمَدِينَةِ، وَ وَصَفَهُمْ لَهُ، فَأَمَرَ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ أَنْ يُنَادَى بِالصَّلاَةِ جَامِعَةً، فَاجْتَمَعَ اَلْمُسْلِمُونَ، فَصَعِدَ اَلْمِنْبَرَ، فَحَمِدَ اَللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا اَلنَّاسُ إِنَّ هَذَا عَدُوَّ اَللَّهِ وَ عَدُوَّكُمْ قَدْ عَمِلَ عَلَى أَنْ يُبَيِّتَكُمْ، فَمَنْ لَهُمْ؟ فَقَامَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ اَلصُّفَّةِ، فَقَالُوا:

نَحْنُ نَخْرُجُ إِلَيْهِمْ يَا رَسُولَ اَللَّهِ، فَوَلِّ عَلَيْنَا مَنْ شِئْتَ، فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ، فَخَرَجَتِ اَلْقُرْعَةُ عَلَى ثَمَانِينَ رَجُلاً مِنْهُمْ وَ مِنْ غَيْرِهِمْ، فَاسْتَدْعَى أَبَا بَكْرٍ فَقَالَ لَهُ: خُذِ اَللِّوَاءَ وَ اِمْضِ إِلَى بَنِي سُلَيْمٍ، فَإِنَّهُمْ قَرِيبٌ مِنَ اَلْحَرَّةِ، فَمَضَى أَبُو بَكْرٍ وَ مَعَهُ اَلْقَوْمُ حَتَّى قَارَبَ أَرْضَهُمْ، وَ كَانَتْ كَبِيرَةَ اَلْحِجَارَةِ وَ هُمْ بِبَطْنِ اَلْوَادِي وَ اَلْمُنْحَدَرُ إِلَيْهِ صَعْبٌ، فَلَمَّا صَارَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى اَلْوَادِي وَ أَرَادَ اَلاِنْحِدَارَ خَرَجُوا إِلَيْهِ فَهَزَمُوهُ وَ قَتَلُوا مِنَ اَلْمُسْلِمِينَ جَمْعاً كَثِيراً، وَ اِنْهَزَمَ أَبُو بَكْرٍ بِالْقَوْمِ، فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ عَقَدَهُ لِعُمَرَ بْنِ اَلْخَطَّابِ وَ بَعَثَهُ إِلَيْهِمْ، فَكَمَنُوا لَهُ تَحْتَ اَلْحِجَارَةِ وَ اَلشَّجَرِ، فَلَمَّا ذَهَبَ لِيَهْبِطَ خَرَجُوا إِلَيْهِ فَهَزَمُوهُ، فَسَاءَ ذَلِكَ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ فَقَالَ لَهُ عَمْرُو بْنُ اَلْعَاصِ: اِبْعَثْنِي يَا رَسُولَ اَللَّهِ

ص: 261

إِلَيْهِمْ فَإِنَّ اَلْحَرْبَ خُدْعَةٌ وَ لَعَلِّي أَخْدَعُهُمْ، فَأَنْفَذَهُ مَعَ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَ عُمَرُ، فَلَمَّا صَارَ إِلَى اَلْوَادِي خَرَجُوا إِلَيْهِ فَهَزَمُوهُ وَ قَتَلُوا مِنْ أَصْحَابِهِ جَمَاعَةً، فَدَعَا رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فَعَقَدَ لَهُ، ثُمَّ قَالَ أَرْسَلْتُهُ كَرَّاراً غَيْرَ فَرَّارٍ، وَ رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَى اَلسَّمَاءِ وَ قَالَ: «اَللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي رَسُولُكَ، فَاحْفَظْنِي فِيهِ وَ اِفْعَلْ بِهِ وَ اِفْعَلْ» فَدَعَا لَهُ مَا شَاءَ اَللَّهُ، وَ خَرَجَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، وَ خَرَجَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ يُشَيِّعُهُ، وَ بَلَغَ مَعَهُ إِلَى مَسْجِدِ اَلْأَحْزَابِ، وَ أَنْفَذَ مَعَهُ فِيمَنْ أَنْفَذَ أَبَا بَكْرٍ وَ عُمَرَ وَ عَمْرَو بْنَ اَلْعَاصِ فَسَارَ بِهِمْ نَحْوَ اَلْعِرَاقِ مُتَنَكِّباً لِلطَّرِيقَةِ، ثُمَّ أَخَذَ بِهِمْ عَلَى مَحَجَّةٍ (1) غَامِضَةٍ، فَسَارَ حَتَّى اِسْتَقْبَلَ اَلْوَادِيَ مِنْ فَمِهِ (2)، فَلَمَّا قَرُبَ مِنْهُمْ أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَعْكُمُوا رُءُوسَ اَلْخَيْلِ، وَ وَقَّفَهُمْ مَكَاناً وَ قَالَ: «لاَ تَبْرَحُوا»، وَ اِنْتَبَذَ أَمَامَهُمْ وَ أَقَامَ نَاحِيَةً مِنْهُمْ حَتَّى أَحَسَّ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ اَلْفَجْرَ، فَكَبَسَ (3) اَلْقَوْمَ وَ هُمْ غَارُّونَ (4)فَأَمْكَنَهُ اَللَّهُ تَعَالَى مِنْهُمْ، وَ نَزَلَتْ عَلَى اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ وَ اَلْعٰادِيٰاتِ ضَبْحاً (5) إِلَى آخِرِ اَلسُّورَةِ فَبَشَّرَ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ أَصْحَابَهُ بِالْفَتْحِ، وَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَسْتَقْبِلُوا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فَاسْتَقْبَلُوهُ وَ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ يَقْدُمُهُمْ فَقَامُوا لَهُ صَفَّيْنِ، فَلَمَّا بَصُرَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ تَرَجَّلَ عَنْ فَرَسِهِ فَقَالَ لَهُ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ: «اِرْكَبْ فَإِنَّ اَللَّهَ وَ رَسُولَهُ عَنْكَ رَاضِيَانِ» فَبَكَى أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فَرَحاً، فَقَالَ لَهُ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ: «يَا عَلِيُّ لَوْ لاَ أَنَّنِي أُشْفِقُ أَنْ تَقُولَ فِيكَ طَوَائِفُ مِنْ أُمَّتِي مَا قَالَتِ اَلنَّصَارَى فِي اَلْمَسِيحِ عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ لَقُلْتُ فِيكَ مَقَالاً لاَ تَمُرُّ بِمَلَإٍ مِنَ اَلنَّاسِ إِلاَّ أَخَذُوا اَلتُّرَابَ مِنْ تَحْتِ قَدَمَيْكَ لِلْبَرَكَةِ» .

فكان الفتح في هذه الغزاة لأمير المؤمنين عليه السّلام خاصّة بعد أن كان من غيره فيها من الفساد ما كان، و اختصّ عليه السّلام من مديح النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فيها بفضائل(6) لم يحصل منها شيء لغيره.

ص: 262


1- جادّة.
2- أي مايلا.
3- أي هجم عليهم من كل جانب.
4- أي غافلون.
5- سورة العاديات، الآية: 1.
6- في الأصل: فضايل.
الفصل الحادي و الثلاثون: في قصة المباهلة

وَ لَمَّا اِنْتَشَرَ اَلْإِسْلاَمُ بَعْدَ اَلْفَتْحِ وَ مَا وَلِيَهُ مِنَ اَلْغَزَوَاتِ اَلْمَذْكُورَةِ وَ قَوِيَ سُلْطَانُهُ، وَفَدَ إِلَى اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ اَلْوُفُودُ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَسْلَمَ، وَ مِنْهُمْ مَنِ اِسْتَأْمَنَ، فَكَانَ مِمَّنْ وَفَدَ عَلَيْهِ أَبُو حَارِثَةَ أُسْقُفُّ نَجْرَانَ فِي ثَلاَثِينَ رَجُلاً مِنَ اَلنَّصَارَى، مِنْهُمُ اَلْعَاقِبُ، وَ اَلسَّيِّدُ، وَ عَبْدُ اَلْمَسِيحِ، فَقَدِمُوا اَلْمَدِينَةَ عِنْدَ صَلاَةِ اَلْعَصْرِ وَ عَلَيْهِمْ لِبَاسُ اَلدِّيبَاجِ وَ اَلصُّلُبُ، فَلَمَّا صَلَّى اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ اَلْعَصْرَ تَوَجَّهُوا إِلَيْهِ يَقْدُمُهُمُ اَلْأُسْقُفُّ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ مَا تَقُولُ فِي اَلسَّيِّدِ اَلْمَسِيحِ عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ؟، فَقَالَ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ: «عَبْدُ اَللَّهِ اِصْطَفَاهُ وَ اِنْتَجَبَهُ» فَقَالَ اَلْأُسْقُفُّ: أَ تَعْرِفُ يَا مُحَمَّدُ لَهُ أَباً وَلَدَهُ؟ فَقَالَ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ: «لَمْ يَكُنْ عَنْ نِكَاحٍ فَيَكُونَ لَهُ وَالِدٌ» قَالَ: فَكَيْفَ قُلْتَ إِنَّهُ مَخْلُوقٌ وَ أَنْتَ لَمْ تَرَ عَبْداً مَخْلُوقاً إِلاَّ عَنْ نِكَاحٍ وَ لَهُ وَالِدٌ؟ فَأَنْزَلَ اَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَى اَلْآيَاتِ مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ: إِنَّ مَثَلَ عِيسىٰ عِنْدَ اَللّٰهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرٰابٍ ثُمَّ قٰالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59) اَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلاٰ تَكُنْ مِنَ اَلْمُمْتَرِينَ (60) فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مٰا جٰاءَكَ مِنَ اَلْعِلْمِ فَقُلْ تَعٰالَوْا نَدْعُ أَبْنٰاءَنٰا وَ أَبْنٰاءَكُمْ وَ نِسٰاءَنٰا وَ نِسٰاءَكُمْ وَ أَنْفُسَنٰا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اَللّٰهِ عَلَى اَلْكٰاذِبِينَ (6(1) (1) فَتَلاَهَا اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ عَلَى اَلنَّصَارَى وَ دَعَاهُمْ إِلَى اَلْمُبَاهَلَةِ، وَ قَالَ: إِنَّ اَللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ أَخْبَرَنِي أَنَّ اَلْعَذَابَ يَنْزِلُ عَلَى اَلْمُبْطِلِ عَقِيبَ اَلْمُبَاهَلَةِ وَ يُبَيِّنُ اَلْحَقَّ مِنَ اَلْبَاطِلِ بِذَلِكَ، فَاجْتَمَعَ اَلْأُسْقُفُّ مَعَ عَبْدِ اَلْمَسِيحِ وَ اَلْعَاقِبِ عَلَى اَلْمَشُورَةِ، وَ اِتَّفَقَ رَأْيُهُمْ عَلَى اِسْتِنْظَارِهِ إِلَى صَبِيحَةِ غَدٍ مِنْ يَوْمِهِمْ ذَلِكَ، فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى رِجَالِهِمْ، فَقَالَ لَهُمُ اَلْأُسْقُفُّ: اُنْظُرُوا مُحَمَّداً فِي غَدٍ، فَإِنْ غَدَا بِوَلَدِهِ وَ أَهْلِهِ فَاحْذَرُوا مُبَاهَلَتَهُ، وَ إِنْ غَدَا بِأَصْحَابِهِ فَبَاهِلُوهُ فَإِنَّهُ عَلَى غَيْرِ شَيْ ءٍ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ اَلْغَدِ جَاءَ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ آخِذاً بِيَدِ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ اَلْحَسَنُ وَ اَلْحُسَيْنُ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ يَمْشِيَانِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا اَلسَّلاَمُ تَمْشِي خَلْفَهُ، وَ خَرَجَ اَلنَّصَارَى يَقْدُمُهُمْ أُسْقُفُّهُمْ، فَلَمَّا رَأَى اَلنَّبِيَّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ قَدْ أَقْبَلَ بِمَنْ مَعَهُ، سَأَلَ عَنْهُمْ، فَقِيلَ لَهُ: هَذَا اِبْنُ عَمِّهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، وَ هُوَ صِهْرُهُ وَ أَبُو وَلَدَيْهِ وَ أَحَبُّ اَلْخَلْقِ إِلَيْهِ، وَ هَذَانِ اَلطِّفْلاَنِ وَلَدَا

ص: 263


1- سورة آل عمران، الآيات: 59-61.

اِبْنَتِهِ مِنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ هُمَا مِنْ أَحَبِّ اَلْخَلْقِ إِلَيْهِ، وَ هَذِهِ اَلْجَارِيَةُ بِنْتُهُ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا اَلسَّلاَمُ أَعَزُّ اَلنَّاسِ عَلَيْهِ وَ أَقْرَبُهُمْ إِلَى قَلْبِهِ، فَنَظَرَ اَلْأُسْقُفُّ إِلَى اَلْعَاقِبِ وَ اَلسَّيِّدِ وَ عَبْدِ اَلْمَسِيحِ، وَ قَالَ لَهُمْ: اُنْظُرُوا إِلَيْهِ قَدْ جَاءَ بِخَاصَّةٍ مِنْ وُلْدِهِ وَ أَهْلِهِ لِيُبَاهِلَ بِهِمْ وَاثِقاً بِحَقِّهِ، وَ اَللَّهِ مَا جَاءَ بِهِمْ وَ هُوَ يَتَخَوَّفُ اَلْحُجَّةَ عَلَيْهِ، فَاحْذَرُوا مُبَاهَلَتَهُ، وَ اَللَّهِ لَوْ لاَ مَكَانُ قَيْصَرَ لَأَسْلَمْتُ لَهُ، وَ لَكِنْ صَالِحُوهُ عَلَى مَا يَتَّفِقُ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُ وَ اِرْجِعُوا إِلَى بِلاَدِكُمْ وَ اِرْتَئُوا لِأَنْفُسِكُمْ، فَقَالُوا لَهُ: «رَأْيُنَا لِرَأْيِكَ تَبَعٌ، فَقَالَ اَلْأُسْقُفُّ: يَا أَبَا اَلْقَاسِمِ إِنَّا لاَ نُبَاهِلُكَ وَ لَكِنَّا نُصَالِحُكَ، فَصَالِحْنَا عَلَى مَا نَنْهَضُ بِهِ، فَصَالَحَهُمُ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ، عَلَى أَلْفَيْ حُلَّةٍ مِنْ حُلَلِ اَلْأَوَافِي، قِيمَةُ كُلِّ حُلَّةٍ أَرْبَعُونَ دِرْهَماً جِيَاداً، فَمَا زَادَ وَ نَقَصَ كَانَ بِحِسَابِ ذَلِكَ، وَ كَتَبَ لَهُمُ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ كِتَاباً بِمَا صَالَحَهُمْ عَلَيْهِ وَ أَخَذَ اَلْقَوْمُ اَلْكِتَابَ وَ اِنْصَرَفُوا .

و في قصّة أهل نجران بيان فضل أمير المؤمنين عليه السّلام و أنّ اللّه تعالى حكم في آية المباهلة لأمير المؤمنين عليه السّلام بأنّه نفس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، كاشفا بذلك عن بلوغه نهاية الفضل، و مساواته للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في الكمال و العصمة من الآثام، و أنّ اللّه سبحانه جعله و زوجته و ولديه مع تقارب سنّهما، حجّة لنبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و برهانا على دينه، و نصّ على الحكم بأنّ الحسن و الحسين أبناؤه، و أنّ فاطمة عليها السّلام نساؤه المتوجّه إليهنّ الذّكر و الخطاب في المباهلة و الاحتجاج، و هذا فضل لم يشركهم فيه أحد من الأمّة، و لا قاربهم فيه و لا ماثلهم في معناه، و هو لاحق بما تقدّم من مناقب أمير المؤمنين عليه السّلام الخاصّة له على ما ذكرناه.

[في بيان جملة من قضاياه و مناقبه و معاجزه المشهورة عنه و أسماء زوجاته و أولاده]

[أولا في بيان قضاياه المشهورة عنه]
اشارة

<الفصل الثاني و الثلاثون: في قضايا علي عليه السّلام> فأمّا الأخبار الّتي جاءت بالباهر من قضاياه عليه السّلام في الدّين و أحكامه الّتي افتقر إليه في علمها كافّة المسلمين بعد الّذي أثبتناه من جملة الوارد في تقدّمه في العلم، و تبريزه على الجماعة بالمعرفة و الفهم، و فزع علماء الصحابة إليه فيما أعضل من ذلك و التجائهم إليه و تسليمهم له القضاء به، فهي أكثر من أن تحصى و أجلّ من أن تتعاطى، و أنا مورد منها جملة تدلّ على ما بعدها إن شاء اللّه تعالى.

ص: 264

فمن ذلك ما رواه نقلة الآثار من العامّة و الخاصّة من قضاياه و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حيّ، فصوّبه و حكم له بالحقّ فيما قضى به، و دعا له بخير و أثنى عليه به، و ابانه بالفضل في ذلك من الكافّة، و دلّ به على استحقاقه الأمر من بعده، و وجوب تقدّمه على من سواه في مقام الإمامة، كما تضمّن ذلك التّنزيل فيما دلّ على معناه و عرّف به ما حواه من التّأويل حيث يقول اللّه عزّ اسمه: أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى اَلْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لاٰ يَهِدِّي إِلاّٰ أَنْ يُهْدىٰ فَمٰا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (1)و قوله سبحانه و تعالى في قصّة طالوت: وَ قٰالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اَللّٰهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طٰالُوتَ مَلِكاً قٰالُوا أَنّٰى يَكُونُ لَهُ اَلْمُلْكُ عَلَيْنٰا وَ نَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَ لَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ اَلْمٰالِ قٰالَ إِنَّ اَللّٰهَ اِصْطَفٰاهُ عَلَيْكُمْ وَ زٰادَهُ بَسْطَةً فِي اَلْعِلْمِ وَ اَلْجِسْمِ وَ اَللّٰهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشٰاءُ وَ اَللّٰهُ وٰاسِعٌ عَلِيمٌ (2) فجعل جهة حقّه في التّقدّم عليهم ما زاده اللّه من البسطة في العلم و الجسم، و اصطفائه إيّاه على كافّتهم بذلك، و كانت هذه الآيات موافقة لدلائل العقول في أنّ الأعلم أحقّ بالتّقدّم في محلّ الإمامة ممّن لا يساويه في العلم، و دلّت على وجوب تقدّم أمير المؤمنين عليه السّلام على كافّة المسلمين في خلافة الرّسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الأمّة لتقدّمه عليه السّلام عليهم في العلم و الحكمة و قصورهم عن منزلته في ذلك.

الفصل الثالث و الثلاثون: في قضايا علي ّ عليه السّلام و النّبيّ حي

فممّا جاءت به الرّواية في قضاياه عليه السّلام و النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حيّ موجود

إِنَّهُ لَمَّا أَرَادَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ تَقْلِيدَهُ قَضَاءَ اَلْيَمَنِ وَ إِنْفَاذَهُ إِلَيْهِمْ لِيُعَلِّمَهُمُ اَلْأَحْكَامَ وَ يُبَيِّنَ لَهُمُ اَلْحَلاَلَ مِنَ اَلْحَرَامِ وَ يَحْكُمَ فِيهِمْ بِأَحْكَامِ اَلْقُرْآنِ، قَالَ لَهُ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: «تَنْدُبُنِي يَا رَسُولَ اَللَّهِ لِلْقَضَاءِ وَ أَنَا شَابٌّ وَ لاَ عِلْمَ لِي بِكُلِّ اَلْقَضَاءِ» فَقَالَ لَهُ: «اُدْنُ مِنِّي» فَدَنَا مِنْهُ، فَضَرَبَ عَلَى صَدْرِهِ وَ قَالَ: «اَللَّهُمَّ اِهْدِ قَلْبَهُ وَ ثَبِّتْ لِسَانَهُ» قَالَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: «فَمَا شَكَكْتُ فِي قَضَاءٍ بَيْنَ اِثْنَيْنِ بَعْدَ ذَلِكَ اَلْمُقَامِ» وَ لَمَّا اِسْتَقَرَّتْ بِهِ اَلدَّارُ بِالْيَمَنِ وَ نَظَرَ فِيمَا نَدَبَهُ إِلَيْهِ

ص: 265


1- سورة يونس، الآية: 35.
2- سورة البقرة، الآية: 247.

رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ مِنَ اَلْقَضَاءِ وَ اَلْحُكْمِ بَيْنَ اَلْمُسْلِمِينَ، رُفِعَ إِلَيْهِ رَجُلاَنِ بَيْنَهُمَا جَارِيَةٌ يَمْلِكَانِ رِقَّهَا عَلَى اَلسَّوَاءِ قَدْ جَهِلاَ حَظْرَ وَطْئِهَا فَوَطِئَاهَا مَعاً فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ عَلَى ظَنٍّ مِنْهُمَا جَوَازَ ذَلِكَ، لِقُرْبِ عَهْدِهِمَا بِالْإِسْلاَمِ وَ قِلَّةِ مَعْرِفَتِهِمَا بِمَا تَضَمَّنَتْهُ اَلشَّرِيعَةُ مِنَ اَلْأَحْكَامِ، فَحَمَلَتِ اَلْجَارِيَةُ وَ وَضَعَتْ غُلاَماً، فَاخْتَصَمَا إِلَيْهِ، فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمَا عَلَى اَلْغُلاَمِ بِاسْمَيْهِمَا، فَخَرَجَتِ اَلْقُرْعَةُ لِأَحَدِهِمَا، فَأَلْحَقَ اَلْغُلاَمَ بِهِ وَ أَلْزَمَهُ نِصْفَ قِيمَةِ اَلْوَلَدِ لَوْ كَانَ عَبْداً لِشَرِيكِهِ، وَ قَالَ: «لَوْ عَلِمْتُ أَنَّكُمَا أَقْدَمْتُمَا عَلَى مَا فَعَلْتُمَا بَعْدَ اَلْحُجَّةِ عَلَيْكُمَا بِحَظْرِهِ، لَبَالَغْتُ فِي عُقُوبَتِكُمَا» وَ بَلَغَ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ هَذِهِ اَلْقَضِيَّةُ فَأَمْضَاهَا وَ أَقَرَّ اَلْحُكْمَ بِهَا فِي اَلْإِسْلاَمِ، وَ قَالَ: «اَلْحَمْدُ لِلَّهِ اَلَّذِي جَعَلَ مِنَّا أَهْلَ اَلْبَيْتِ مَنْ يَقْضِي عَلَى سُنَنِ دَاوُدَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ سَبِيلِهِ فِي اَلْقَضَاءِ» .، يعني به القضاء بالإلهام الّذي هو في معنى الوحي و نزول النّصّ به ان لو نزل على التّصريح.

وَ جَاءَتِ اَلْآثَارُ أَنَّ رَجُلَيْنِ اِخْتَصَمَا إِلَى اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ فِي بَقَرَةٍ قَتَلَتْ حِمَاراً فَقَالَ أَحَدُهُمَا: يَا رَسُولَ اَللَّهِ بَقَرَةُ هَذَا اَلرَّجُلِ قَتَلَتْ حِمَارِي، فَقَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ: «اِذْهَبَا إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَسَلاَهُ اَلْقَضَاءَ فِي ذَلِكَ»، فَجَاءَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَ قَصَّا عَلَيْهِ قِصَّتَهُمَا، فَقَالَ: كَيْفَ تَرَكْتُمَا رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ وَ جِئْتُمَانِي؟ فَقَالاَ:

هُوَ أَمَرَنَا بِذَلِكَ، فَقَالَ لَهُمَا: بَهِيمَةٌ قَتَلَتْ بَهِيمَةً لاَ شَيْ ءَ عَلَى رَبِّهَا، فَعَادَا إِلَى اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ فَأَخْبَرَاهُ بِذَلِكَ، فَقَالَ لَهُمَا: «اِمْضِيَا إِلَى عُمَرَ بْنِ اَلْخَطَّابِ، فَقُصَّا عَلَيْهِ قِصَّتَكُمَا» فَقَالَ لَهُمَا: كَيْفَ تَرَكْتُمَا رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ وَ جِئْتُمَانِي؟ فَقَالاَ: إِنَّهُ أَمَرَنَا بِذَلِكَ قَالَ: فَكَيْفَ لَمْ يَأْمُرْكُمَا بِالْمَصِيرِ إِلَى أَبَى بَكْرٍ؟ قَالاَ: قَدْ أَمَرَنَا بِذَلِكَ فَصِرْنَا إِلَيْهِ فَقَالَ: مَا اَلَّذِي قَالَ لَكُمَا فِي هَذِهِ اَلْقَضِيَّةِ؟ قَالاَ لَهُ: قَالَ: كَيْتَ وَ كَيْتَ، قَالَ: مَا أَرَى فِيهِمَا إِلاَّ مَا رَأَى أَبُو بَكْرٍ، فَعَادَا إِلَى رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ فَخَبَّرَاهُ اَلْخَبَرَ، قَالَ: «فَاذْهَبَا إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ لِيَقْضِيَ بَيْنَكُمَا» فَذَهَبَا إِلَيْهِ، فَقَصَّا عَلَيْهِ قِصَّتَهُمَا، فَقَالَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ إِنْ كَانَتِ اَلْبَقَرَةُ دَخَلَتْ عَلَى اَلْحِمَارِ فِي مَأْمَنِهِ فَقَتَلَتْهُ، فَعَلَى رَبِّهَا قِيمَةُ اَلْحِمَارِ لِصَاحِبِهِ، وَ إِنْ كَانَ اَلْحِمَارُ دَخَلَ عَلَى اَلْبَقَرَةِ فِي مَأْمَنِهَا فَقَتَلَتْهُ، فَلاَ غُرْمَ عَلَى صَاحِبِهَا، فَعَادَا إِلَى اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ فَأَخْبَرَاهُ بِقَضِيَّتِهِ بَيْنَهُمَا، فَقَالَ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ: «لَقَدْ قَضَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بَيْنَكُمَا بِقَضَاءِ اَللَّهِ عَزَّ اِسْمُهُ» ثُمَّ قَالَ: «اَلْحَمْدُ لِلَّهِ اَلَّذِي جَعَلَ

ص: 266

فِينَا أَهْلَ اَلْبَيْتِ مَنْ يَقْضِي عَلَى سُنَنِ دَاوُدَ فِي اَلْقَضَاءِ» .

الفصل الرابع و الثلاثون: في ذكر مختصر من قضاياه في إمارة أبي بكر بن أبي قحافة

فَمِنْ ذَلِكَ مَا جَاءَ بِهِ اَلْخَبَرُ عَنْ رِجَالٍ مِنَ اَلْعَامَّةِ وَ اَلْخَاصَّةِ: أَنَّ رَجُلاً رُفِعَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَ قَدْ شَرِبَ اَلْخَمْرَ، فَأَرَادَ أَنْ يُقِيمَ عَلَيْهِ اَلْحَدَّ فَقَالَ لَهُ: إِنَّنِي شَرِبْتُهَا وَ لاَ عِلْمَ لِي بِتَحْرِيمِهَا، لِأَنِّي نَشَأْتُ بَيْنَ قَوْمٍ يَسْتَحِلُّونَهَا، وَ لَمْ أَعْلَمْ بِتَحْرِيمِهَا حَتَّى اَلْآنَ، فَارْتَجَّ عَلَى أَبِي بَكْرٍ اَلْأَمْرُ بِالْحُكْمِ عَلَيْهِ، وَ لَمْ يَعْلَمْ وَجْهَ اَلْقَضَاءِ فِيهِ، فَأَشَارَ عَلَيْهِ بَعْضُ مَنْ حَضَرَهُ أَنْ يَسْتَخْبِرَ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ عَنِ اَلْحُكْمِ فِي ذَلِكَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ مَنْ سَأَلَهُ عَنْهُ، فَقَالَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: «مُرْ رَجُلَيْنِ ثِقَتَيْنِ مِنْ رِجَالِ اَلْمُسْلِمِينَ يَطُوفَانِ بِهِ عَلَى مَجَالِسِ اَلْمُهَاجِرِينَ وَ اَلْأَنْصَارِ وَ يُنَاشِدَانِهِمْ، هَلْ فِيهِمْ أَحَدٌ تَلاَ عَلَيْهِ آيَةَ اَلتَّحْرِيمِ أَوْ أَخْبَرَهُ، بِذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ، فَإِنْ شَهِدَ بِذَلِكَ رَجُلاَنِ مِنْهُمْ فَأَقِمِ اَلْحَدَّ عَلَيْهِ، وَ إِنْ لَمْ يَشْهَدْ أَحَدٌ بِذَلِكَ فَاسْتَتِبْهُ وَ خَلِّ سَبِيلَهُ» فَفَعَلَ ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ، فَلَمْ يَشْهَدْ بِذَلِكَ مِنَ اَلْمُهَاجِرِينَ وَ اَلْأَنْصَارِ أَنَّهُ تَلاَ عَلَيْهِ آيَةَ اَلتَّحْرِيمِ، وَ لاَ أَخْبَرَهُ عَنْ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ بِذَلِكَ، فَاسْتَتَابَهُ أَبُو بَكْرٍ وَ خَلَّى سَبِيلَهُ وَ سَلَّمَ لِعَلِيٍّ فِي اَلْقَضَاءِ .

وَ رَوَوْا: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَ فٰاكِهَةً وَ أَبًّا (1)، فَلَمْ يَعْرِفْ مَعْنَى اَلْأَبِّ مِنَ اَلْقُرْآنِ، وَ قَالَ: أَيُّ سَمَاءٍ تُظِلُّنِي أَمْ أَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّنِي، أَمْ كَيْفَ أَصْنَعُ إِنْ قُلْتُ فِي كِتَابِ اَللَّهِ بِمَا لاَ أَعْلَمُ؟ أَمَّا اَلْفَاكِهَةُ فَنَعْرِفُهَا، وَ أَمَّا الأَبُّ فَاللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ، فَبَلَغَ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ مَقَالُهُ ذَلِكَ، فَقَالَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: «يَا سُبْحَانَ اَللَّهِ أَمَا عَلِمَ أَنَّ اَلْأَبَّ هُوَ اَلْكَلَأُ وَ اَلْمَرْعَى، وَ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: وَ فٰاكِهَةً وَ أَبًّا اِعْتِدَادٌ مِنَ اَللَّهِ بِإِنْعَامِهِ عَلَى خَلْقِهِ بِمَا غَذَّاهُمْ بِهِ وَ خَلَقَهُ لَهُمْ وَ لِأَنْعَامِهِمْ مِمَّا تُحْيَى بِهِ أَنْفُسُهُمْ وَ تَقُومُ بِهِ أَجْسَادُهُمْ» .

ص: 267


1- سورة عبس، الآية: 31.
الفصل الخامس و الثلاثون: في قضاياه في إمارة عمر بن الخطّاب

و له مثل ذلك في إمارة عمر بن الخطّاب، فمن ذلك ما جاءت به الرّواية:

مَجْنُونَةٌ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ بْنِ اَلْخَطَّابِ فَجَرَ بِهَا رَجُلٌ، فَقَامَتِ اَلْبَيِّنَةُ عَلَيْهَا بِذَلِكَ، فَأَمَرَ عُمَرُ بِجَلْدِهَا اَلْحَدَّ، فَمُرَّ بِهَا عَلَى أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ لِتُجْلَدَ، فَقَالَ: «مَا بَالُ مَجْنُونَةِ آلِ فُلاَنٍ تُقْتَلُ» فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ رَجُلاً فَجَرَ بِهَا وَ هَرَبَ، وَ قَامَتِ اَلْبَيِّنَةُ عَلَيْهَا بِذَلِكَ، فَأَمَرَ عُمَرُ بِجَلْدِهَا، فَقَالَ لَهُمْ:

«رُدُّوهَا إِلَيْهِ وَ قُولُوا لَهُ: أَ مَا عَلِمْتَ أَنَّ هَذِهِ مَجْنُونَةُ آلِ فُلاَنٍ وَ أَنَّ اَلنَّبِيَّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ قَالَ: رُفِعَ اَلْقَلَمُ عَنِ اَلْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ، إِنَّهَا مَغْلُوبَةٌ عَلَى عَقْلِهَا وَ نَفْسِهَا» فَرُدَّتْ إِلَى عُمَرَ وَ قِيلَ لَهُ مَا قَالَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فَقَالَ:

فَرَّجَ اَللَّهُ عَنْهُ لَقَدْ كِدْتُ أَنْ أَهْلِكَ فِي جَلْدِهَا وَ دَرَأَ عَنْهَا اَلْحَدَّ، ثُمَّ قَالَ:

لَوْ لاَ عَلِيٌّ لَهَلَكَ عُمَرُ .

وَ رَوَوْا: أَنَّهُ أُتِيَ بِحَامِلٍ قَدْ زَنَتْ فَأَمَرَ بِرَجْمِهَا، فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: «هَبْ لَكَ سَبِيلٌ عَلَيْهَا، أُتِيَ سَبِيلٌ لَكَ عَلَى مَا بَطْنِهَا، وَ اَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: وَ لاٰ تَزِرُ وٰازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرىٰ (1). فَقَالَ عُمَرُ: لاَ عِشْتُ لِمُعْضِلَةٍ لاَ يَكُونُ لَهَا أَبُو اَلْحَسَنِ ثُمَّ قَالَ: مَا أَصْنَعُ بِهَا؟ قَالَ: «اِحْتَفِظْ عَلَيْهَا حَتَّى تَلِدَ، فَإِذَا وَلَدَتْ وَ وَجَدَتْ لِوَلَدِهَا مَنْ يَكْفُلُهُ فَأَقِمِ اَلْحَدَّ عَلَيْهَا» فَسَرَى بِذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَ عَوَّلَ فِي اَلْحُكْمِ عَلَى أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ .

الفصل السادس و الثلاثون: في قضاياه في إمارة عثمان

و له مثل ذلك في إمرة عثمان بن عفّان.

فمن ذلك

مَا رَوَاهُ نَقَلَةُ اَلْأَخْبَارِ مِنَ اَلْعَامَّةِ وَ اَلْخَاصَّةِ:

أَنَّ اِمْرَأَةً نَكَحَهَا شَيْخٌ كَبِيرٌ فَحَمَلَتْ، فَزَعَمَ اَلشَّيْخُ أَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إِلَيْهَا وَ أَنْكَرَ حَمْلَهَا، فَالْتَبَسَ اَلْأَمْرُ عَلَى عُثْمَانَ وَ سَأَلَ اَلْمَرْأَةَ هَلِ اِفْتَضَّكِ اَلشَّيْخُ وَ كَانَتْ بِكْراً؟ فَقَالَتْ:

ص: 268


1- سورة الأنعام، الآية: 164.

لاَ، فَقَالَ عُثْمَانُ: أَقِيمُوا اَلْحَدَّ عَلَيْهَا، فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: «إِنَّ لِلْمَرْأَةِ سَمَّيْنِ سَمَّ (1) اَلْمَحِيضِ وَ سَمَّ اَلْبَوْلِ، فَلَعَلَّ اَلشَّيْخَ كَانَ يَنَالُ مِنْهَا فَسَالَ مَاؤُهُ فِي سَمِّ اَلْمَحِيضِ فَحَمَلَتْ مِنْهُ فَاسْأَلُوا اَلرَّجُلَ عَنْ ذَلِكَ» فَسُئِلَ، فَقَالَ:

قَدْ كُنْتُ أُنْزِلُ اَلْمَاءَ فِي قُبُلِهَا مِنْ غَيْرِ وُصُولٍ إِلَيْهَا بِالاِفْتِضَاضِ، فَقَالَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اَللَّهِ وَ سَلاَمُهُ عَلَيْهِ: «اَلْحَمْلُ لَهُ وَ اَلْوَلَدُ وَلَدُهُ، وَ أَرَى عُقُوبَتَهُ عَلَى اَلْإِنْكَارِ» فَصَارَ عُثْمَانُ إِلَى قَضَائِهِ بِذَلِكَ .

وَ رَوَوْا: أَنَّ رَجُلاً كَانَتْ لَهُ سُرِّيَّةٌ فَأَوْلَدَهَا ثُمَّ اِعْتَزَلَهَا وَ أَنْكَحَهَا عَبْداً لَهُ، ثُمَّ تُوُفِّيَ اَلسَّيِّدُ فَعَتَقَتْ بِمِلْكِ اِبْنِهَا لَهَا، فَوَرِثَ وَلَدُهَا زَوْجَهَا، ثُمَّ تُوُفِّيَ اَلاِبْنُ فَوَرِثَتْ مِنْ وَلَدِهَا زَوْجَهَا، فَارْتَفَعَا إِلَى عُثْمَانَ يَخْتَصِمَانِ يَقُولُ:

هَذَا عَبْدِي وَ يَقُولُ: هِيَ اِمْرَأَتِي وَ لَسْتُ مُفَرِّجاً عَنْهَا، فَقَالَ عُثْمَانُ: هَذِهِ قَضِيَّةٌ مُشْكِلَةٌ وَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ حَاضِرٌ، فَقَالَ: «سَلُوهَا هَلْ جَامَعَهَا بَعْدَ مِيرَاثِهَا لَهُ؟» فَقَالَتْ: لاَ، فَقَالَ: «لَوْ أَعْلَمُ ذَلِكَ لَعَذَّبْتُهُ، اِذْهَبِي فَإِنَّهُ عَبْدُكِ لَيْسَ لَهُ عَلَيْكِ سَبِيلٌ، إِنْ شِئْتِ أَنْ تَسْتَرِقِّيهِ، أَوْ تُعْتِقِيهِ، أَوْ تَبِيعِيهِ فَذَلِكَ لَكِ»، فَصَارَ عُثْمَانُ إِلَى قَضَائِهِ بِذَلِكَ . و غير ذلك ممّا يطول بذكره الكتاب، و فيما أثبتناه من قضاياه في إمارة من تقدم ذكره كفاية فيما قصدناه إن شاء اللّه.

الفصل السابع و الثلاثون: في قضاياه زمن خلافته

و جاء من قضاياه بعد بيعة العامّة له و مضيّ عثمان بن عفّان

مَا رَوَاهُ أَهْلُ اَلنَّقْلِ وَ اَلْآثَارِ:

أَنَّ اِمْرَأَةً وَلَدَتْ عَلَى فِرَاشِ زَوْجِهَا وَلَداً لَهُ بَدَنَانِ وَ رَأْسَانِ عَلَى حِقْوٍ وَاحِدٍ، فَالْتَبَسَ اَلْأَمْرُ عَلَى أَهْلِهِ أَ هُوَ وَاحِدٌ أَمِ اِثْنَانِ، فَصَارُوا إِلَى أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ يَسْأَلُونَهُ عَنْ ذَلِكَ لِيَعْرِفُوا اَلْحُكْمَ فِيهِ، فَقَالَ لَهُمْ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: «اِعْتَبِرُوهُ إِذَا نَامَ ثُمَّ أَنْبِهُوا أَحَدَ اَلْبَدَنَيْنِ وَ اَلرَّأْسَيْنِ، فَإِنِ اِنْتَبَهَا جَمِيعاً مَعاً فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، فَهُمَا إِنْسَانٌ، وَ إِنِ اِسْتَيْقَظَ أَحَدُهُمَا وَ اَلْآخَرُ نَائِمٌ فَهُمَا اِثْنَانِ وَ حَقُّهُمَا مِنَ اَلْمِيرَاثِ حَقُّ اِثْنَيْنِ».

ص: 269


1- أي ثقب.

وَ رَوَى اَلْحَسَنُ بْنُ مَحْبُوبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اَلرَّحْمَانِ بْنُ اَلْحَجَّاجِ، قَالَ: سَمِعْتُ اِبْنَ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ: قَضَى أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بِقَضِيَّةٍ مَا سَبَقَهُ إِلَيْهَا أَحَدٌ، وَ ذَلِكَ أَنَّ رَجُلَيْنِ اِصْطَحَبَا فِي سَفَرٍ، فَجَلَسَا يَتَغَذَّيَانِ، فَأَخْرَجَ أَحَدُهُمَا خَمْسَةَ أَرْغِفَةٍ وَ أَخْرَجَ اَلْآخَرُ ثَلاَثَةً، فَمَرَّ بِهِمْ ثَالِثٌ فَسَلَّمَ، فَقَالاَ لَهُ: اَلْغِذَاءَ، فَجَلَسَ مَعَهُمَا يَأْكُلُ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ أَكْلِهِ رَمَى إِلَيْهِمَا ثَمَانِيَةَ دَرَاهِمَ وَ قَالَ لَهُمَا: هَذِهِ عِوَضٌ مِمَّا أَكَلْتُ مِنْ طَعَامِكُمَا، فَاخْتَصَمَا وَ قَالَ صَاحِبُ اَلثَّلاَثَةِ: هَذِهِ نِصْفَانِ بَيْنَنَا، وَ قَالَ صَاحِبُ اَلْخَمْسَةِ:

بَلْ لِي خَمْسَةٌ وَ لَكَ ثَلاَثَةٌ، فَارْتَفَعَا إِلَى أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ قَصَّا عَلَيْهِ اَلْقِصَّةَ، فَقَالَ لَهُمَا: «هَذَا أَمْرٌ فِيهِ دَنَاءَةٌ، وَ اَلْخُصُومَةُ غَيْرُ جَمِيلَةٍ، وَ اَلصُّلْحُ أَحْسَنُ»، فَقَالَ صَاحِبُ اَلثَّلاَثَةِ اَلْأَرْغِفَةِ: لَسْتُ أَرْضَى إِلاَّ بِمُرِّ اَلْقَضَاءِ، قَالَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: «فَإِذَا كُنْتَ لاَ تَرْضَى إِلاَّ بِمُرِّ اَلْقَضَاءِ، فَإِنَّ لَكَ وَاحِدٌ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَ لِصَاحِبِكَ سَبْعَةً» فَقَالَ: سُبْحَانَ اَللَّهِ كَيْفَ صَارَ هَذَا هَكَذَا، فَقَالَ لَهُ:

«أُخْبِرُكَ، أَ لَيْسَ كَانَ لَكَ ثَلاَثَةُ أَرْغِفَةٍ؟» فَقَالَ: بَلَى، قَالَ: «وَ لِصَاحِبِكَ خَمْسَةٌ؟» قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَهَذِهِ أَرْبَعَةٌ وَ عِشْرُونَ ثلاثا [أَثْلاَثاً] أَكَلْتَ أَنْتَ ثَمَانِيَةً وَ صَاحِبُكَ ثَمَانِيَةً وَ اَلضَّيْفُ ثَمَانِيَةً، فَلَمَّا أَعْطَاكُمُ اَلثَّمَانِيَةَ اَلدَّرَاهِمَ كَانَ لِصَاحِبِكَ سَبْعَةٌ وَ لَكَ وَاحِدٌ» فَانْصَرَفَ اَلرَّجُلاَنِ عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ أَمْرِهِمَا فِي اَلْقَضِيَّةِ .

[ثانيا في بيان جملة من مقاماته عليه السلام]

<الفصل الثامن و الثلاثون: في ذكر مقامات علي عليه السّلام> و من آيات اللّه الباهرة فيه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الخواصّ الّتي أفرده اللّه بها و دلّ بالمعجز منها على إمامته و وجوب طاعته و ثبوت حجّته، ما هو من جملة الجرايح الّتي أبان اللّه بها الأنبياء و الرّسل عليهم السّلام و جعلها أعلاما لهم على صدقهم.

فمن ذلك ما استفاض عنه عليه السّلام من أخباره بالغائبات و الكائن قبل كونه، فلا يحزم من ذلك شيئا و يوافق المخبر منه خبره، حتّى يتحقّق الصّدوق فيه، و هذا من أبهر معجزات الأنبياء عليهم السّلام ألا ترى إلى قوله تعالى فيما أبان به المسيح عيسى بن مريم عليه السّلام من المعجز الباهر، و الآية العجيبة

ص: 270

الدّالّة على نبوّته: وَ أُنَبِّئُكُمْ بِمٰا تَأْكُلُونَ وَ مٰا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ (1)، و جعل مثل ذلك من عجيب آيات رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال: عند غلبة فارس الرّوم:

الم (1) غُلِبَتِ اَلرُّومُ (2) فِي أَدْنَى اَلْأَرْضِ وَ هُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ (2) ، فكان الأمر في ذلك كما قال اللّه عزّ و جلّ، و قال تعالى في أهل بدر قبل الوقعة: سَيُهْزَمُ اَلْجَمْعُ وَ يُوَلُّونَ اَلدُّبُرَ (3) فكان الأمر كما قال من غير اختلاف في ذلك، فحقّق ذلك خبره و أبان به عن صدقه، و دلّ به على نبوّته صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في أمثال ذلك ممّا يطول بإثباته الكتاب.

[ثالثا في بيان جملة من معاجزه عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ]
اشارة

<الفصل التاسع و الثلاثون: في معجزات علي عليه السّلام> و الّذي كان من أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام من هذا الجنس ما لا يستطاع إنكاره إلاّ مع الغباوة و الجهل و البهت و العناد، ألا ترى إلى ما تظاهرت به الأخبار، و انتشرت به الآثار، و نقلته الكافّة عنه عليه السّلام من

قَوْلِهِ قَبْلَ قِتَالِ (4) اَلْفِرَقِ اَلثَّلاَثَةِ بَعْدَ بَيْعَتِهِ: «أُمِرْتُ بِقِتَالِ اَلنَّاكِثِينَ وَ اَلْقَاسِطِينَ وَ اَلْمَارِقِينَ». فقاتلهم عليه السّلام و كان الأمر فيما خبّر به على ما قال عليه السّلام

وَ قَالَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ لِطَلْحَةَ وَ اَلزُّبَيْرِ حِينَ اِسْتَأْذَنَاهُ فِي اَلْخُرُوجِ إِلَى اَلْعُمْرَةِ: «لاَ وَ اَللَّهِ مَا تُرِيدَانِ اَلْعُمْرَةَ، وَ إِنَّمَا تُرِيدَانِ اَلْبَصْرَةَ». و كان الأمر كما قال عليه السّلام

وَ قَالَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ وَ هُوَ يُخْبِرُهُ عَنِ اِسْتِيذَانِهِمَا لَهُ فِي اَلْعُمْرَةِ: «إِنَّنِي أَذِنْتُ لَهُمَا مَعَ عِلْمِي بِمَا قَدِ اِنْطَوَيَا عَلَيْهِ مِنَ اَلْغَدْرِ، وَ اِسْتَظْهَرْتُ بِاللَّهِ عَلَيْهِمَا وَ إِنَّ اَللَّهَ سَيَرُدُّ كَيْدَهُمَا وَ يُظْفِرُنِي بِهِمَا». فكان الأمر كما قال عليه السّلام.

وَ قَالَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بِذِي قَارٍ(5) وَ هُوَ جَالِسٌ لِأَخْذِ اَلْبَيْعَةِ: «يَأْتِيكُمْ مِنْ قِبَلِ اَلْكُوفَةِ أَلْفُ رَجُلٍ لاَ يَزِيدُونَ رَجُلاً وَ لاَ يَنْقُصُونَ رَجُلاً يُبَايِعُونِّي عَلَى اَلْمَوْتِ» قَالَ اِبْنُ عَبَّاسٍ: فَجَزِعْتُ لِذَلِكَ وَ خِفْتُ أَنْ يَنْقُصَ اَلْقَوْمُ أَوْ يَزِيدُوا عَلَيْهِ،

ص: 271


1- سورة آل عمران، الآية: 49.
2- سورة الروم، الآيات: 1-4.
3- سورة القمر، الآية: 45.
4- في الأصل: القتال.
5- موضع قرب البصرة.

فَيَفْسُدُ اَلْأَمْرُ عَلَيْنَا، فَلَمْ أَزَلْ مَهْمُوماً دَأْبِي إِحْصَاءُ اَلْقَوْمِ حِينَ وَرَدَ أَوَائِلُهُمْ، فَجَعَلْتُ أُحْصِيهِمْ، فَاسْتَوْفَيْتُ عَدَدَهُمْ تِسْعَمِائَةٍ وَ تسع [تِسْعَةً] وَ تِسْعِينَ رَجُلاً، ثُمَّ اِنْقَطَعَ مَجِيءُ اَلْقَوْمِ فَقُلْتُ: إِنّٰا لِلّٰهِ وَ إِنّٰا إِلَيْهِ رٰاجِعُونَ ، مَاذَا حَمَلَهُ عَلَى مَا قَالَ، فَبَيْنَمَا أَنَا مُفَكِّرٌ فِي ذَلِكَ، إِذْ رَأَيْتُ شَخْصاً قَدْ أَقْبَلَ حَتَّى دَنَا مِنِّي، فَإِذَا هُوَ رَجُلٌ عَلَيْهِ قَبَاءُ صُوفٍ مَعَهُ سَيْفُهُ وَ تُرْسُهُ وَ أَدَوَاتُهُ، فَقَرُبَ مِنْ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فَقَالَ لَهُ: اُمْدُدْ يَدَكَ أُبَايِعْكَ، فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ:

«وَ عَلَى مَ تُبَايِعُنِي؟» قَالَ: أُبَايِعُكَ عَلَى اَلسَّمْعِ وَ اَلطَّاعَةِ وَ اَلْقِتَالِ بَيْنَ يَدَيْكَ حَتَّى أَمُوتَ أَوْ يَفْتَحَ اَللَّهُ عَلَيْكَ، فَقَالَ لَهُ: «مَا اِسْمُكَ؟» قَالَ: أُوَيْسٌ، قَالَ:

«أَنْتَ أُوَيْسٌ اَلْقَرَنِيُّ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «اَللَّهُ أَكْبَرُ أَخْبَرَنِي حَبِيبِي رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ أَنِّي أُدْرِكُ رَجُلاً مِنْ أُمَّتِهِ يُقَالُ لَهُ أُوَيْسٌ اَلْقَرَنِيُّ يَكُونُ مِنْ حِزْبِ اَللَّهِ وَ رَسُولِهِ يَمُوتُ عَلَى اَلشَّهَادَةِ، يَدْخُلُ فِي شَفَاعَتِهِ مِثْلُ رَبِيعَةَ وَ مُضَرَ»، قَالَ اِبْنُ عَبَّاسٍ: فَسُرِّيَ وَ اَللَّهِ عَنِّي .

و الأخبار في هذا المعنى كثيرة يطول بها الكتاب، و فيما أثبتناه منها كفاية.

الفصل الأربعون: في قلعه باب خيبر

و من أعلامه الباهرة ما أبانه اللّه تعالى به من القدرة و خصّه به من القوّة و خرق العادة بالأعجوبة فيه، فمن ذلك ما جاءت به الأخبار و تظاهرت به الآثار و اتّفق عليه العلماء، و سلّم له المخالف و المؤالف من قصّة خيبر و قلع أمير المؤمنين عليه السّلام باب الحصن بيده، و دحوه به(1) على الأرض، و كان من الثّقل بحيث لا يحمله أقلّ من خمسين رجلا،

وَ قَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِيمَا رَوَاهُ عَنْ مَشِيخَتِهِ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ اَلْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اَلْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ حِزَامٍ، عَنْ أَبِي عَتِيقٍ، عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ اَلنَّبِيَّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ دَفَعَ اَلرَّايَةَ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فِي يَوْمِ خَيْبَرَ بَعْدَ أَنْ دَعَا لَهُ، فَجَعَلَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ يُسْرِعُ اَلسَّيْرَ وَ أَصْحَابُهُ يَقُولُونَ لَهُ: اُرْفُقْ، حَتَّى اِنْتَهَى إِلَى بَابِ

ص: 272


1- أي رميه.

اَلْحِصْنِ، فَاجْتَذَبَ بَابَهُ فَأَلْقَاهُ بِالْأَرْضِ، ثُمَّ اِجْتَمَعَ عَلَيْهِ مِنَّا سَبْعُونَ رَجُلاً، وَ كَانَ جُهْدُهُمْ أَنْ أَعَادُوا اَلْبَابَ .، و هذا ممّا خصّه اللّه به من القوّة و خرق به العادة، و جعله علما معجزا كما قدّمناه.

الفصل الحادي و الأربعون: في حديث الراهب و الصخرة

و من ذلك ما رواه أهل السيرة و اشتهر الخبر به في العامّة و الخاصّة حتى نظمته الشّعراء، و خطبت به البلغاء، و رواه الفهماء و العلماء من حديث الرّاهب بأرض كربلاء و الصّخرة، و شهرته تغني عن تكلّف إيراد الإسناد له،

وَ ذَلِكَ أَنَّ اَلْجَمَاعَةَ رَوَتْ: أَنَّ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ لَمَّا تَوَجَّهَ إِلَى صِفِّينَ لَحِقَ أَصْحَابَهُ عَطَشٌ شَدِيدٌ، وَ نَفِدَ مَا كَانَ عِنْدَهُمْ مِنَ اَلْمَاءِ، فَأَخَذُوا يَمِيناً وَ شِمَالاً يَلْتَمِسُونَ اَلْمَاءَ فَلَمْ يَجِدُوا لَهُ أَثَراً، فَعَدَلَ بِهِمْ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ مِنَ اَلْجَادَّةِ وَ سَارَ قَلِيلاً، فَلاَحَ لَهُمْ دَيْرٌ فِي وَسَطِ اَلْبَرِيَّةِ، فَسَارَ بِهِمْ نَحْوَهُ حَتَّى إِذَا صَارَ فِي فِنَائِهِ، أَمَرَ مَنْ نَادَى سَاكِنَهُ بِالاِطِّلاَعِ إِلَيْهِمْ، فَنَادَوْهُ فَاطَّلَعَ، فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: «هَلْ قَرُبَ قَائِمُكَ هَذَا مِنْ مَاءٍ يَتَغَوَّثُ بِهِ (1) هَؤُلاَءِ اَلْقَوْمُ؟» فَقَالَ: هَيْهَاتَ، بَيْنِي وَ بَيْنَ اَلْمَاءِ أَكْثَرُ مِنْ فَرْسَخَيْنِ، وَ مَا بِالْقُرْبِ مِنِّي شَيْ ءٌ مِنَ اَلْمَاءِ، وَ لَوْ لاَ أَنَّنِي أُوتَى بِمَاءٍ يَكْفِينِي كُلَّ شَهْرٍ عَلَى اَلتَّقْتِيرِ لَهَلَكْتُ عَطَشاً، فَقَالَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: «أَ سَمِعْتُمْ مَا قَالَ اَلرَّاهِبُ؟» قَالُوا: نَعَمْ أَ فَتَأْمُرُنَا بِالْمَسِيرِ إِلَى حَيْثُ أَوْمَأَ إِلَيْهِ لَعَلَّنَا نُدْرِكُ اَلْمَاءَ وَ بِنَا قُوَّةٌ؟ فَقَالَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: «لاَ حَاجَةَ لَكُمْ إِلَى ذَلِكَ»، وَ لَوَى(2) عُنُقَ بَغْلَتِهِ نَحْوَ اَلْقِبْلَةِ وَ أَشَارَ بِهِمْ إِلَى مَكَانٍ يَقْرُبُ مِنَ اَلدَّيْرِ، فَقَالَ لَهُمْ: اِكْشِفُوا اَلْأَرْضَ فِي هَذَا اَلْمَكَانِ، فَعَدَلَ مِنْهُمْ جَمَاعَةٌ إِلَى اَلْمَوْضِعِ فَكَشَفُوهُ بِالْمَسَاحِي، فَظَهَرَتْ لَهُمْ صَخْرَةٌ عَظِيمَةٌ تَلْمَعُ، فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ هَاهُنَا صَخْرَةٌ لاَ تَعْمَلُ فِيهَا اَلْمَسَاحِي، فَقَالَ لَهُمْ: «إِنَّ هَذِهِ اَلصَّخْرَةَ عَلَى اَلْمَاءِ، فَإِنْ زَالَتْ عَنْ مَوْضِعِهَا وَجَدْتُمُ اَلْمَاءَ» فَاجْتَهِدُوا فِي قَلْعِهَا، فَاجْتَمَعَ اَلْقَوْمُ وَ رَامُوا تَحْرِيكَهَا فَلَمْ يَجِدُوا إِلَى ذَلِكَ سَبِيلاً، وَ اِسْتَصْعَبَ عَلَيْهِمْ، فَلَمَّا رَآهُمْ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَدِ اِجْتَمَعُوا

ص: 273


1- أي يستسقي.
2- أي عطف.

وَ بَذَلُوا اَلْجُهْدَ فِي قَلْعِ اَلصَّخْرَةِ وَ اِسْتَصْعَبَتْ عَلَيْهِمْ، لَوَى رِجْلَهُ عَنْ سَرْجِهِ حَتَّى صَارَ عَلَى اَلْأَرْضِ، ثُمَّ حَسَرَ عَنْ ذِرَاعَيْهِ وَ وَضَعَ أَصَابِعَهُ تَحْتَ جَانِبِ اَلصَّخْرَةِ فَحَرَّكَهَا، ثُمَّ قَلَعَهَا بِيَدِهِ وَ رَمَى بِهَا أَذْرُعاً كَثِيرَةً، فَلَمَّا زَالَتْ عَنْ مَكَانِهَا ظَهَرَ لَهُمْ بَيَاضُ اَلْمَاءِ، فَبَادَرُوا إِلَيْهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ فَكَانَ أَعْذَبَ مَاءٍ شَرِبُوا مِنْهُ فِي سَفَرِهِمْ وَ أَبْرَدَهُ وَ أَصْفَاهُ، فَقَالَ لَهُمْ: «تَزَوَّدُوا وَ اِرْتَوُوا» فَفَعَلُوا ذَلِكَ، ثُمَّ جَاءَ إِلَى اَلصَّخْرَةِ فَتَنَاوَلَهَا بِيَدِهِ وَ وَضَعَهَا حَيْثُ كَانَتْ، فَأَمَرَ أَنْ يُعْفَى أَثَرُهَا بِالتُّرَابِ فَفَعَلُوا وَ اَلرَّاهِبُ يَنْظُرْ مِنْ فَوْقِ دَيْرِهِ، فَلَمَّا اِسْتَوْفَى عَلِمَ مَا جَرَى نَادَى يَا مَعْشَرَ اَلنَّاسِ: «أَنْزِلُونِي أَنْزِلُونِي، فَاحْتَالُوا فِي إِنْزَالِهِ، فَوَقَفَ بَيْنَ يَدَيْ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فَقَالَ لَهُ: يَا هَذَا أَنْتَ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ، قَالَ «لاَ» قَالَ: فَمَلَكٌ مُقَرَّبٌ؟ قَالَ: «لاَ» قَالَ: فَمَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: «أَنَا وَصِيُّ رَسُولِ اَللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اَللَّهِ خَاتَمِ اَلنَّبِيِّينَ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ» قَالَ: اُبْسُطْ يَدَكَ أُسْلِمْ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى عَلَى يَدَيْكَ، فَبَسَطَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ يَدَهُ وَ قَالَ لَهُ: «اِشْهَدِ اَلشَّهَادَتَيْنِ» فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اَللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ، وَ أَشْهَدُ أَنَّكَ وَصِيُّ رَسُولِ اَللَّهِ، وَ أَحَقُّ اَلنَّاسِ بِالْأَمْرِ مِنْ بَعْدِهِ. فَأَخَذَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ عَلَيْهِ شَرَائِطَ اَلْإِسْلاَمِ ثُمَّ قَالَ لَهُ: «مَا اَلَّذِي دَعَاكَ اَلْآنَ إِلَى اَلْإِسْلاَمِ بَعْدَ طُولِ مُقَامِكَ فِي هَذَا اَلدِّينِ عَلَى اَلْخِلاَفِ؟» قَالَ: أُخْبِرُكَ يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ أَنَّ هَذَا اَلدَّيْرَ بُنِيَ عَلَى طَلَبِ قَالِعِ هَذِهِ اَلصَّخْرَةِ وَ مُخْرِجِ اَلْمَاءِ مِنْ تَحْتِهَا، وَ قَدْ مَضَى عَالِمٌ قَبْلِي فَلَمْ يُدْرِكُوا ذَلِكَ، وَ قَدْ رَزَقَنِيهِ اَللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ، إِنَّا نَجِدُ فِي كِتَابٍ مِنْ كُتُبِنَا وَ نَأْثِرُ عَنْ عُلَمَائِنَا أَنَّ فِي هَذَا اَلصُّقْعِ (1) عَيْناً عَلَيْهَا صَخْرَةٌ لاَ يَعْرِفُ مَكَانَهَا إِلاَّ نَبِيٌّ أَوْ وَصِيُّ نَبِيٍّ، وَ أَنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْ وَلِيِّ اَللَّهِ يَدْعُوا إِلَى اَلْحَقِّ، آيَتُهُ مَعْرِفَةُ مَكَانِ هَذِهِ اَلصَّخْرَةِ، وَ قُدْرَتُهُ عَلَى قَلْعِهَا، وَ إِنِّي لَمَّا رَأَيْتُكَ قَدْ فَعَلْتَ ذَلِكَ تَحَقَّقْتُ مَا كُنَّا نَنْتَظِرُهُ وَ بَلَغْتُ اَلْأُمْنِيَّةَ مِنْهُ، فَأَنَا اَلْيَوْمَ مُسْلِمٌ عَلَى يَدَيْكَ وَ مُؤْمِنٌ بِحَقِّكَ وَ مَوْلاَكَ، فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بَكَى حَتَّى اِخْضَلَّتْ لِحْيَتُهُ مِنَ اَلدُّمُوعِ ثُمَّ قَالَ: «اَلْحَمْدُ لِلَّهِ اَلَّذِي لَمْ أَكُنْ عِنْدَهُ مَنْسِيّاً، اَلْحَمْدُ لِلَّهِ اَلَّذِي كُنْتُ فِي كُتُبِهِ مَذْكُوراً» ثُمَّ دَعَا اَلنَّاسَ فَقَالَ لَهُمْ: اِسْمَعُوا مَا يَقُولُ أَخُوكُمْ

ص: 274


1- الناحية.

اَلْمُسْلِمُ، فَسَمِعُوا مَقَالَهُ وَ كَثُرَ حَمْدُهُمْ لِلَّهِ وَ شُكْرُهُمْ عَلَى اَلنِّعْمَةِ اَلَّتِي أُنْعِمَ بِهَا عَلَيْهِمْ فِي مَعْرِفَتِهِمْ بِحَقِّ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ثُمَّ سَارُوا وَ اَلرَّاهِبُ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي جُمْلَةِ أَصْحَابِهِ حَتَّى لَقِيَ أَهْلَ اَلشَّامِ، فَكَانَ اَلرَّاهِبُ مِنْ جُمْلَةِ مَنِ اُسْتُشْهِدَ مَعَهُ، فَتَوَلَّى عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ اَلصَّلاَةَ عَلَيْهِ وَ دَفْنَهُ وَ أَكْثَرَ مِنَ اَلاِسْتِغْفَارِ لَهُ، وَ كَانَ إِذَا ذَكَرَهُ يَقُولُ: ذَاكَ مَوْلاَيَ .

و في هذا الخبر ضروب من المعجز: أحدها: علم الغيب، و الثّاني:

القوّة الّتي خرق العادة بها و تميّز بخصوصيّتها من الأنام مع ما فيه من ثبوت البشارة به في كتب اللّه الأولى، و ذلك مصداق قوله تعالى: ذٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي اَلتَّوْرٰاةِ وَ مَثَلُهُمْ فِي اَلْإِنْجِيلِ (1)و في مثل ذلك يقول السّيّد إسماعيل بن محمّد الحميري (رحمه اللّه) في قصيدته البائية المذهبيّة:

و لقد سرى فيما يسير بليلة *** بعد العشاء بكربلا في موكب

حتّى أتى متبتّلا(2) في قائم *** ألقى قواعده بقاع مجدب(3)

يأتيه ليس بحيث يلقى عامرا *** غير الوحوش و غير أصلع أشيب

فدنا فصاح به فأشرف ماثلا(4) *** كالنّصر فوق شظيّة من مرقب

هل قرب قائمك الّذي بوئته *** ماء يصاب فقال: ما من مشرب

إلاّ بغاية فرسخين و من لنا *** بالماء بين نقي وقّى سبسب(5)

فثنى(6) الأعنّة(7) نحو وعث(8) فاجتلى *** ملساء تلمع كاللّجين المذهب

قال: اقلبوها إنّكم إن تقلبوا *** ترووا و لا تروون إن لم تقلب

فاعصوصبوا(9) في قلعها فتمنّعت *** منهم تمنّع صعبة لم تركب

ص: 275


1- سورة الفتح، الآية: 29.
2- تبتل: أي انقطع.
3- أي قطع عنه المطر.
4- أي قائما.
5- أي فقر.
6- أي عطف.
7- الأعنة: جمع العنان، زمام القوس.
8- الوعث: الرمل لا يسلك فيه.
9- أي اجتمعوا حتّى كانوا عصبة واحدة.

حتّى إذا أعيتهم أهوى لها *** كفّا متى ترد المغالب تغلب

فكأنّها كرة(1) بكفّ خزور(2) *** عبل(3) الذّراع دحى بها في ملعب

فسقاهم من تحتهم متسلسلا(4) *** عذبا يزيد على الألذّ الأغرب

حتّى إذا شربوا جميعا ردّها *** و مضى فخلت مكانها لم يقرب

أعني ابن فاطمة(5) الوصّي و من تقل *** في فضله و فعاله لم تكب

الفصل الثاني و الأربعون: في ردّ الشمس له عليه السّلام

و ممّا أظهره اللّه تعالى من الأعلام الباهرة على يد أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام ما استفاضت به الأخبار و رواه علماء السّيرة و الآثار، و نظمت فيه الشّعراء الأشعار رجوع الشّمس له عليه السّلام مرّتين في حياة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مرّة، و بعد وفاته عليه السّلام أخرى، و كان من حيث رجوعها عليه في المرّة الأولى

مَا رَوَتْهُ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ وَ أُمُّ سَلَمَةَ زَوْجَةُ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ وَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اَللَّهِ اَلْأَنْصَارِيُّ، وَ أَبُو سَعِيدٍ اَلْخُدْرِيُّ (رَحْمَةُ اَللَّهِ عَلَيْهِمْ) وَ جَمَاعَةٌ مِنَ اَلصَّحَابَةِ:

أَنَّ اَلنَّبِيَّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي مَنْزِلِهِ وَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بَيْنَ يَدَيْهِ، إِذْ جَاءَ جَبْرَائِيلُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ يُنَاجِيهِ عَنِ اَللَّهِ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَى، فَلَمَّا تَغَشَّاهُ اَلْوَحْيُ تَوَسَّدَ فَخِذَ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فَلَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ عَنْهُ حَتَّى غَابَتِ اَلشَّمْسُ، فَاضْطُرَّ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ لِذَلِكَ إِلَى صَلاَةِ اَلْعَصْرِ جَالِساً يُومِي بِرُكُوعِهِ وَ سُجُودِهِ إِيمَاءً، فَلَمَّا أَفَاقَ مِنْ غَشْيَتِهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ قَالَ لِأَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ: «أَ فَاتَتْكَ صَلاَةُ اَلْعَصْرِ؟» قَالَ:

«لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ أُصِيبَهَا قَائِماً لِمَكَانِكَ يَا رَسُولَ اَللَّهِ وَ اَلْحَالِ اَلَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا مِنِ اِسْتِمَاعِ اَلْوَحْيِ» فَقَالَ لَهُ: «اُدْعُ اَللَّهَ لِيَرُدَّ عَلَيْكَ اَلشَّمْسَ حَتَّى لِتُصَلِّيَهَا قَائِماً فِي وَقْتِهَا كَمَا فَاتَتْكَ، فَإِنَّ اَللَّهَ يُجِيبُكَ لِطَاعَتِكَ لِلَّهِ وَ لِرَسُولِهِ» فَسَأَلَ أَمِيرُ

ص: 276


1- هي التي يلعب بها الصبيان مع الصولجان.
2- الغلام.
3- أي الغليظ الممتلىء.
4- الماء المتسلسل في الخلق.
5- بنت أسد.

اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ اَللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ فِي رَدِّ اَلشَّمْسِ فَرُدَّتْ عَلَيْهِ حَتَّى صَارَتْ فِي مَوْضِعِهَا مِنَ اَلسَّمَاءِ وَقْتَ اَلْعَصْرِ، فَصَلَّى أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ صَلاَةَ اَلْعَصْرِ فِي وَقْتِهَا، ثُمَّ غَرَبَتِ اَلشَّمْسُ فَقَالَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ: أَمَ (1) وَ اَللَّهِ لَقَدْ سَمِعْتُ لَهَا عِنْدَ غُرُوبِهَا صَرِيراً كَصَرِيرِ اَلْمِنْشَارِ فِي اَلْخَشَبِ .

و كان رجوعها عليه بعد النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم

أَنَّهُ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَعْبُرَ اَلْفُرَاتَ بِبَابِلَ اِشْتَغَلَ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ بِتَعْبِيرِ دَوَابِّهِمْ وَ رِحَالِهِمْ، وَ صَلَّى عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بِنَفْسِهِ فِي طَائِفَةٍ مَعَهُ اَلْعَصْرَ، فَلَمْ يَفْرُغِ اَلنَّاسُ مِنْ عُبُورِهِمْ حَتَّى غَرَبَتِ اَلشَّمْسُ، فَفَاتَتِ اَلصَّلاَةُ كَثِيراً مِنْهُمْ، وَ فَاتَ اَلْجُمْهُورَ فَضْلُ اَلاِجْتِمَاعِ مَعَهُ، فَتَكَلَّمُوا فِي ذَلِكَ، فَلَمَّا سَمِعَ كَلاَمَهُمْ سَأَلَ اَللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ رَدَّ اَلشَّمْسِ عَلَيْهِ لِيَجْتَمِعَ كَافَّةُ أَصْحَابِهِ عَلَى صَلاَةِ اَلْعَصْرِ فِي وَقْتِهَا، فَأَجَابَهُ اَللَّهُ تَعَالَى فِي رَدِّهَا عَلَيْهِ، فَكَانَتْ فِي اَلْأُفُقِ عَلَى اَلْحَالِ اَلَّتِي تَكُونُ عَلَيْهِ وَقْتَ اَلْعَصْرِ، فَلَمَّا سَلَّمَ بِالْقَوْمِ غَابَتِ اَلشَّمْسُ، فَسُمِعَ لَهَا وَجِيبٌ (2) شَدِيدٌ هَالَ اَلنَّاسَ ذَلِكَ، وَ أَكْثَرُوا مِنَ اَلتَّسْبِيحِ وَ اَلتَّهْلِيلِ وَ اَلاِسْتِغْفَارِ وَ اَلْحَمْدِ لِلَّهِ عَلَى نِعْمَتِهِ اَلَّتِي ظَهَرَتْ فِيهِمْ، وَ سَارَ خَبَرُ ذَلِكَ فِي اَلْآفَاقِ وَ اِنْتَشَرَ ذِكْرُهُ فِي اَلنَّاسِ.

و في ذلك يقول السّيّد إسماعيل بن محمّد الحميري (رحمه اللّه):

ردّت عليه الشّمس لمّا فاته *** وقت الصلاة و قد دنت للمغرب

حتّى تبلّج(3) نورها في وقتها *** للعصر ثمّ هوت(4) هوي الكوكب

و عليه قد ردّت ببابل(5) مرّة *** أخرى و ما ردّت لخلق معرب(6)

إلاّ ليوشع أو له من بعده *** و لردّها تأويل أمر معجب

ص: 277


1- كذا في الأصل.
2- الوجيب: سقوط الشيء.
3- أي أضاء.
4- أي سقطت.
5- اسم موضع بالعراق.
6- ناطق مفصح.

ص: 278

[الباب الثالث في بيان أسماء أولاد أمير المؤمنين عليه السلام و زوجاته و بعض أخبارهم]

<الباب الثالث:

في ذكر أولاد أمير المؤمنين عليه السّلام و عددهم و أسمائهم و مختصر من أخبارهم>

فَأَوْلاَدُ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ سَبْعَةٌ وَ عِشْرُونَ وَلَداً، ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى:

اَلْحَسَنُ، وَ اَلْحُسَيْنُ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ، وَ زَيْنَبُ اَلْكُبْرَى، وَ زَيْنَبُ اَلصُّغْرَى اَلْمُكَنَّاةُ بِأُمِّ كُلْثُومٍ، أُمُّهُمْ فَاطِمَةُ اَلْبَتُولُ سَيِّدَةُ نِسَاءِ اَلْعَالَمِينَ بِنْتُ سَيِّدِ اَلْمُرْسَلِينَ وَ خَاتَمِ اَلنَّبِيِّينَ مُحَمَّدٍ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ، وَ مُحَمَّدٌ اَلْمُكَنَّى بِأَبِي اَلْقَاسِمِ، أُمُّهُ خَوْلَةُ بِنْتُ جَعْفَرِ بْنِ قَيْسٍ اَلْحَنَفِيَّةُ، وَ عُمَرُ، وَ رُقَيَّةُ كَانَا تَوْأَمَيْنِ أُمُّهُمَا أُمُّ حَبِيبٍ بِنْتُ رَبِيعَةَ، وَ اَلْعَبَّاسُ، وَ جَعْفَرٌ، وَ عُثْمَانُ، وَ عَبْدُ اَللَّهِ اَلشُّهَدَاءُ مَعَ أَخِيهِمُ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بِطَفِّ كَرْبَلاَ، أُمُّهُمْ أُمُّ اَلْبَنِينَ بِنْتُ حِزَامِ بْنِ خَالِدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ دَارِمٍ، وَ مُحَمَّدٌ اَلْأَصْغَرُ اَلْمُكَنَّى بِأَبِي بَكْرٍ وَ عُبَيْدُ اَللَّهِ اَلشَّهِيدَانِ مَعَ أَخِيهِمَا اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بِالطَّفِّ، أُمُّهُمَا لَيْلَى بِنْتُ مَسْعُودٍ اَلدَّارِمِيَّةُ، وَ يَحْيَى أُمُّهُ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ اَلْخَثْعَمِيَّةُ (رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهَا)، وَ أُمُّ اَلْحَسَنِ، وَ رَمْلَةُ، أُمُّهُمَا أُمُّ سَعِيدٍ بِنْتُ عُرْوَةَ اِبْنِ مَسْعُودٍ اَلثَّقَفِيِّ، وَ نَفِيسَةُ، وَ زَيْنَبُ اَلصُّغْرَى، وَ رُقَيَّةُ اَلصُّغْرَى، وَ أُمُّ هَانِي، وَ أُمُّ اَلْكِرَامِ، وَ جُمَانَةُ اَلْمُكَنَّاةُ أُمَّ جَعْفَرٍ، وَ أُمَامَةُ، وَ أُمُّ سَلَمَةَ، وَ مَيْمُونَةُ، وَ خَدِيجَةُ، وَ فَاطِمَةُ (رَحْمَةُ اَللَّهِ عَلَيْهِنَّ) لِأُمَّهَاتٍ شَتَّى، وَ فِي اَلشِّيعَةِ مَنْ يَذْكُرُ أَنَّ فَاطِمَةَ صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْهَا أَسْقَطَتْ بَعْدَ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ذَكَراً كَانَ سَمَّاهُ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ وَ هُوَ حَمْلٌ مُحَسِّناً، فَعَلَى قَوْلِ هَذِهِ اَلطَّائِفَةِ أَوْلاَدُ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ثَمَانِيَةٌ وَ عِشْرُونَ وَلَداً.، و اللّه أعلم و أحكم.

ص: 279

ص: 280

الباب الرابع: في ذكر الإمام بعد أمير المؤمنين عليه السّلام و تاريخ مولده، و دلائل إمامته، و مدّة خلافته، و وقت وفاته، و موضع قبره، و عدد أولاده، و طرف من أخباره

اشارة

الباب الرابع: في ذكر الإمام بعد أمير المؤمنين عليه السّلام و تاريخ مولده، و دلائل(1) إمامته، و مدّة خلافته، و وقت وفاته، و موضع قبره، و عدد أولاده، و طرف من أخباره

الإمام بعد أمير المؤمنين عليه السّلام ابنه الحسن من سيّدة نساء العالمين فاطمة بنت محمّد سيّد المرسلين صلّى اللّه عليه و آله الطّاهرين.

كنيته:

أبو محمّد.

ولادته:

وُلِدَ بِالْمَدِينَةِ لَيْلَةَ اَلنِّصْفِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ ثَلاَثٍ مِنَ اَلْهِجْرَةِ، وَ جَاءَتْ بِهِ أُمُّهُ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا اَلسَّلاَمُ إِلَى اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ يَوْمَ اَلسَّابِعِ مِنْ مَوْلِدِهِ فِي خِرْقَةٍ مِنْ حَرِيرِ اَلْجَنَّةِ، كَانَ جَبْرَائِيلُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ نَزَلَ بِهَا إِلَى اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ فَسَمَّاهُ حَسَناً وَ عَقَّ عَنْهُ كَبْشاً وَ رَوَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمْ: أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ اَلتَّمِيمِيُّ، عَنْ عَبْدِ اَللَّهِ اِبْنِ عِيسَى، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ اَلصَّادِقِ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ:.

ص: 281


1- في الأصل: دلايل.

شبيه رسول اللّه:

و كان الحسن أشبه النّاس برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم خلقا و هديا و سؤددا

وَ رَوَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمْ: مُعَمَّرٌ عَنِ اَلزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَشْبَهَ بِرَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ مِنَ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ.

وَ رَوَى إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَلِيٍّ اَلرَّافِعِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ شَبِيبِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَمَّنْ حَدَّثَهُ قَالَ: أَتَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا اَلسَّلاَمُ بِابْنَيْهَا اَلْحَسَنِ وَ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ إِلَى رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ فِي شَكْوَاهُ اَلَّتِي تُوُفِّيَ فِيهَا فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اَللَّهِ هَذَانِ اِبْنَاكَ فَوَرِّثْهُمَا شَيْئاً، فَقَالَ: «أَمَّا اَلْحَسَنُ فَإِنَّ لَهُ هَيْبَتِي وَ سُؤْدُدِي، وَ أَمَّا اَلْحُسَيْنُ فَإِنَّ لَهُ جُودِي وَ شَجَاعَتِي» .

في إمامة الحسن عليه السّلام:

وَ كَانَ اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ وَصِيَّ أَبِيهِ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ عَلَى أَهْلِهِ وَ وُلْدِهِ وَ أَصْحَابِهِ، وَ وَصَّاهُ بِالنَّظَرِ فِي وُقُوفِهِ وَ صَدَقَاتِهِ، وَ كَتَبَ إِلَيْهِ عَهْداً مَشْهُوراً، وَ وَصِيَّتُهُ ظَاهِرَةٌ فِي مَعَالِمِ اَلدِّينِ وَ عُيُونِ اَلحِكْمَةِ وَ اَلْآدَابِ، وَ قَدْ نَقَلَ هَذِهِ اَلْوَصِيَّةَ جُمْهُورُ اَلْعُلَمَاءِ وَ اِسْتَبْصَرَ بِهَا فِي دِينِهِ وَ دُنْيَاهُ كَثِيرٌ مِنَ اَلْفُقَهَاءِ.

وَ لَمَّا قُبِضَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ خَطَبَ اَلنَّاسَ اَلْحَسَنُ وَ ذَكَرَ حَقَّهُ، فَبَايَعَهُ أَصْحَابُ أَبِيهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ عَلَى حَرْبِ مَنْ حَارَبَ وَ سِلْمِ مَنْ سَالَمَ.

وَ رَوَى أَبُو مِخْنَفٍ لُوطُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنِي أَشْعَثُ بْنُ سَوَّارٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ اَلسَّبِيعِيِّ وَ غَيْرِهِ قَالُوا: خَطَبَ اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ فِي صَبِيحَةِ اَللَّيْلَةِ اَلَّتِي قُبِضَ فِيهَا أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، فَحَمِدَ اَللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ، وَ صَلَّى عَلَى اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: «لَقَدْ قُبِضَ فِي هَذِهِ اَللَّيْلَةِ رَجُلٌ لَمْ يَسْبِقْهُ اَلْأَوَّلُونَ بِعَمَلٍ وَ لاَ يَلْحَقُهُ اَلْآخِرُونَ بِعَمَلٍ، لَقَدْ كَانَ يُجَاهِدُ مَعَ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ فَيَقِيهِ بِنَفْسِهِ، وَ كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ يُوَجِّهُهُ بِرَايَتِهِ، فَيَكْتَنِفُهُ جَبْرَائِيلُ عَنْ يَمِينِهِ وَ مِيكَائِيلُ عَنْ يَسَارِهِ، فَلاَ يَرْجِعُ حَتَّى يَفْتَحَ اَللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ، وَ لَقَدْ تُوُفِّيَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فِي اَللَّيْلَةِ اَلَّتِي عُرِجَ فِيهَا عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ فِيهَا قُبِضَ يُوشَعُ اِبْنَ نُونٍ وَصِيُّ مُوسَى، وَ مَا خَلَّفَ صَفْرَاءَ وَ لاَ بَيْضَاءَ إِلاَّ سَبْعَمِائَةِ دِرْهَمٍ

ص: 282

فَضَلَتْ مِنْ عَطَائِهِ أَرَادَ أَنْ يَبْتَاعَ بِهَا خَادِماً لِأَهْلِهِ، ثُمَّ خَنَقَتْهُ اَلْعَبْرَةُ فَبَكَى عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ بَكَى اَلنَّاسُ مَعَهُ» ثُمَّ قَالَ: «أَنَا اِبْنُ اَلْبَشِيرِ، أَنَا اِبْنُ اَلنَّذِيرِ أَنَا اِبْنُ اَلدَّاعِي إِلَى اَللّٰهِ بِإِذْنِهِ ، أَنَا اِبْنُ اَلسِّرَاجِ اَلْمُنِيرِ أَنَا مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ أَذْهَبَ اَللَّهُ عَنْهُمُ اَلرِّجْسَ وَ طَهَّرَهُمْ تَطْهِيراً، أَنَا مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ اِفْتَرَضَ اَللَّهُ حُبَّهُمْ فِي كِتَابِهِ، فَقَالَ اَللَّهُ تَعَالَى: قُلْ لاٰ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ اَلْمَوَدَّةَ فِي اَلْقُرْبىٰ وَ مَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهٰا حُسْناً (1) فَالْحَسَنَةُ مَوَدَّتُنَا أَهْلَ اَلْبَيْتِ»، ثُمَّ جَلَسَ، فَقَامَ عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ (رَحِمَهُ اَللَّهُ) بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: مَعَاشِرَ اَلنَّاسِ هَذَا اِبْنُ نَبِيِّكُمْ وَ وَصِيُّ إِمَامِكُمْ فَبَايِعُوهُ، فَاسْتَجَابَ لَهُ اَلنَّاسُ وَ قَالُوا مَا أَحَبَّهُ إِلَيْنَا وَ أَوْجَبَ حَقَّهُ عَلَيْنَا، وَ بَادَرُوا إِلَى اَلْبَيْعَةِ لَهُ بِالْخِلاَفَةِ، وَ ذَلِكَ فِي يَوْمِ اَلْجُمُعَةِ اَلْحَادِي وَ اَلْعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ أَرْبَعِينَ مِنَ اَلْهِجْرَةِ، فَرَتَّبَ اَلْعُمَّالَ وَ أَمَّرَ اَلْأُمَرَاءَ، وَ أَنْفَذَ عَبْدَ اَللَّهِ بْنَ اَلْعَبَّاسِ إِلَى اَلْبَصْرَةِ، وَ نَظَرَ فِي اَلْأُمُورِ، وَ لَمَّا بَلَغَ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ وَفَاةُ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ بَيْعَةُ اَلنَّاسِ لاِبْنِهِ اَلْحَسَنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ دَسَّ (2) رَجُلاً مِنْ حِمْيَرٍ إِلَى اَلْكُوفَةِ، وَ رَجُلاً مِنْ بَنِي اَلْقَيْنِ إِلَى اَلْبَصْرَةِ لِيَكْتُبَا إِلَيْهِ بِالْأَخْبَارِ وَ يُفْسِدَا عَلَى اَلْحَسَنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ اَلْأُمُورَ، فَعَرَفَ ذَلِكَ اَلْحَسَنُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، فَأَمَرَ بِاسْتِخْرَاجِ اَلْحِمْيَرِيِّ مِنْ عِنْدَ حَجَّامٍ بِالْكُوفَةِ فَأُخْرِجَ، وَ أَمَرَ بِضَرْبِ عُنُقِهِ، وَ كَتَبَ إِلَى اَلْبَصْرَةِ فَاسْتَخْرَجَ اَلْقَيْنِيَّ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ وَ ضُرِبَتْ عُنُقُهُ، وَ كَتَبَ اَلْحَسَنُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ إِلَى مُعَاوِيَةَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّكَ دَسَسْتَ اَلرِّجَالَ لِلاِحْتِيَالِ وَ اَلاِغْتِيَالِ، وَ أَرْصَدْتَ اَلْعُيُونَ كَأَنَّكَ تُحِبُّ اَللِّقَاءَ وَ مَا أَوْشَكَ ذَلِكَ، فَتَوَقَّعْهُ إِنْ شَاءَ اَللَّهُ تَعَالَى، وَ بَلَغَنِي أَنَّكَ شَمِتَّ بِمَا لَمْ يَشْمَتْ ذُو اَلْحِجَى، وَ إِنَّمَا مَثَلُكَ فِي ذَلِكَ كَمَا قَالَ اَلْأَوَّلُ:

فَقُلْ لِلَّذِي يَبْغِي خِلاَفَ اَلَّذِي مَضَى *** تَجَهَّزْ لِأُخْرَى مِثْلَهَا فَكَأَنْ قَدِ

فَإِنَّا وَ مَنْ قَدْ مَاتَ مِنَّا لَكَالَّذِي *** يَرُوحُ فَيُمْسِي فِي اَلْمَبِيتِ لِيَغْتَدِي

.

ص: 283


1- سورة الشورى، الآية: 23.
2- أي أرسل على استخفاء.

في وفاة الحسن عليه السّلام:

فمن الأخبار الّتي جاءت بسبب وفاة الحسن بن عليّ عليهما السّلام

مَا رَوَاهُ عِيسَى اِبْنُ مِهْرَانَ، عَنْ عُبَيْدِ اَللَّهِ بْنِ اَلصَّبَّاحِ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ مُغِيرَةَ قَالَ: لَمَّا تَمَّتْ لِمُعَاوِيَةَ (لَعَنَهُ اَللَّهُ) عَشْرُ سِنِينَ مِنْ إِمَارَتِهِ، وَ عَزَمَ عَلَى اَلْبَيْعَةِ لاِبْنِهِ يَزِيدَ، أَرْسَلَ إِلَى جَعْدَةَ بِنْتِ اَلْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ إِنِّي مُزَوِّجُكِ اِبْنِي يَزِيدَ، عَلَى أَنْ تَسُمِّي اَلْحَسَنَ، وَ بَعَثَ إِلَيْهَا مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ، فَفَعَلَتْ وَ سَمَّتِ اَلْحَسَنَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فَسَوَّغَهَا اَلْمَالَ وَ لَمْ يُزَوِّجْهَا مِنْ يَزِيدَ، فَخَلَفَ عَلَيْهَا رَجُلٌ مِنْ آلِ طَلْحَةَ فَأَوْلَدَهَا، فَكَانَ إِذَا وَقَعَ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ بُطُونِ قُرَيْشٍ كَلاَمٌ عَيَّرُوهُمْ، فَقَالُوا: يَا بَنِي مُسِمَّةِ اَلْأَزْوَاجِ .

وَ رَوَى عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ اَلْمُخَارِقِيُّ قَالَ: لَمَّا حَضَرَتِ اَلْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ اَلْوَفَاةُ اِسْتَدْعَى اَلْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ فَقَالَ: «يَا أَخِي إِنِّي مُفَارِقُكَ وَ لاَحِقٌ بِرَبِّي عَزَّ وَ جَلَّ، وَ قَدْ سُقِيتُ اَلسَّمَّ وَ رَمَيْتُ بِكَبِدِي فِي اَلطَّشْتِ وَ إِنِّي لَعَارِفٌ لِمَنْ سَقَانِي وَ مِنْ أَيْنَ ذَهَبَتْ، وَ أَنَا أُخَاصِمُهُ إِلَى اَللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ، فَبِحَقِّي عَلَيْكَ إِنْ تَكَلَّمْتَ فِي ذَلِكَ بِشَيْ ءٍ، وَ اِنْتَظِرْ مَا يُحْدِثُ اَللَّهُ فِيَّ، فَإِذَا قَضَيْتُ فَغَمِّضْنِي، وَ غَسِّلْنِي، وَ كَفِّنِّي، وَ اِحْمِلْنِي عَلَى سَرِيرِي إِلَى قَبْرِ جَدِّي رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ لِأُجَدِّدَ بِهِ عَهْداً، ثُمَّ رُدَّنِي إِلَى قَبْرِ جَدَّتِي فَاطِمَةَ (رَحْمَةُ اَللَّهِ عَلَيْهَا) فَادْفِنِّي هُنَاكَ، وَ سَتَعْلَمُ يَابْنَ أُمِّ أَنَّ اَلْقَوْمَ سَيَظُنُّونَ أَنَّكُمْ تُرِيدُونَ دَفْنِي عِنْدَ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ فَيَجْلِبُونَ فِي مَنْعِكُمْ عَنْ ذَلِكَ، وَ بِاللَّهِ أُقْسِمُ عَلَيْكَ أَنْ تُهَرِيقَ فِي أَمْرِي مَحْجَمَةَ دَمٍ»، ثُمَّ وَصَّى عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ إِلَيْهِ بِأَهْلِهِ وَ وُلْدِهِ وَ تَرِكَاتِهِ وَ مَا كَانَ وَصَّى بِهِ إِلَيْهِ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ حِينَ اِسْتَخْلَفَهُ وَ أَهَّلَهُ لِمَقَامِهِ وَ دَلَّ شِيعَتَهُ عَلَى اِسْتِخْلاَفِهِ وَ نَصْبِهِ لَهُمْ عَلَماً مِنْ بَعْدِهِ، فَلَمَّا مَضَى عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ لِسَبِيلِهِ غَسَّلَهُ اَلْحُسَيْنُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ كَفَّنَهُ وَ حَمَلَهُ عَلَى سَرِيرِهِ، وَ لَمْ يَشُكَّ مَرْوَانُ وَ مَنْ مَعَهُ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ أَنَّهُمْ سَيَدْفِنُونَهُ عِنْدَ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ فَتَجَمَّعُوا وَ لَبِسُوا اَلسِّلاَحَ، فَلَمَّا تَوَجَّهَ بِهِ اَلْحُسَيْنُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ إِلَى قَبْرِ جَدِّهِ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ لِيُجَدِّدَ بِهِ عَهْداً أَقْبَلُوا إِلَيْهِمْ فِي جَمْعِهِمْ، وَ لَحِقَتْهُمْ عَائِشَةُ (1) عَلَى بَغْلٍ وَ هِيَ تَقُولُ: مَا لِي وَ لَكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تُدْخِلُوا بَيْتِي مَنْ لاَ أُحِبُّ، وَ جَعَلَ مَرْوَانُ يَقُولُ:

يَا رُبَّ هَيْجَا هِيَ خَيْرٌ مِنْ دَعَةٍ»

ص: 284


1- في الأصل: عايشة.

أَ يُدْفَنُ عُثْمَانُ فِي أَقْصَى اَلْمَدِينَةِ وَ يُدْفَنُ اَلْحَسَنُ مَعَ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ لاَ يَكُونُ ذَلِكَ أَبَداً وَ أَنَا أَحْمِلُ اَلسَّيْفَ، وَ كَادَتِ اَلْفِتْنَةُ تَقَعُ بَيْنَ بَنِي هَاشِمٍ وَ بَنِي أُمَيَّةَ، فَبَادَرَ اِبْنُ عَبَّاسٍ إِلَى مَرْوَانَ فَقَالَ لَهُ: اِرْجِعْ يَا مَرْوَانُ مِنْ حَيْثُ جِئْتَ، فَإِنَّا مَا نُرِيدُ دَفْنَ صَاحِبِنَا عِنْدَ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ لَكِنَّا نُرِيدُ أَنْ نُجَدِّدَ بِهِ عَهْداً بِزِيَارَتِهِ، ثُمَّ نَرُدَّهُ إِلَى جَدَّتِهِ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا اَلسَّلاَمُ فَنَدْفِنَهُ عِنْدَهَا بِوَصِيَّتِهِ بِذَلِكَ، وَ لَوْ كَانَ وَصَّى بِدَفْنِهِ عِنْدَ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ لَعَلِمْتَ أَنَّكَ أَقْصَرُ بَاعاً مِنْ رَدِّنَا عَنْ ذَلِكَ، لَكِنَّهُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ كَانَ أَعْلَمَ بِاللَّهِ وَ بِرَسُولِهِ وَ بِحُرْمَةِ قَبْرِهِ مِنْ أَنْ يَطْرُقَ عَلَيْهِ هَدْماً كَمَا طَرَقَ ذَلِكَ على غَيْرُهُ وَ دَخَلَ بَيْتَهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى عَائِشَةَ فَقَالَ لَهَا:

وَا سَوْأَتَاهْ، يَوْماً عَلَى بَغْلٍ، وَ يَوْماً عَلَى جَمَلٍ تُرِيدِينَ أَنْ تُطْفِئِي نُورَ اَللَّهِ وَ تُقَاتِلِينَ أَوْلِيَاءَ اَللَّهِ، اِرْجِعِي فَقَدْ كُفِيتَ اَلَّذِي تَخَافِينَ، وَ بَلَغْتَ مَا تُحِبِّينَ، وَ اَللَّهُ مُنْتَصِرٌ لِأَهْلِ هَذَا اَلْبَيْتِ وَ لَوْ بَعْدَ حِينٍ. وَ قَالَ اَلْحُسَيْنُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: «لَوْ لاَ عَهْدُ اَلْحَسَنِ إِلَيَّ بِحَقْنِ اَلدِّمَاءِ وَ أَنْ لاَ أُهَرِيقَ فِي أَمْرِهِ مِحْجَمَةَ دَمٍ، لَعَلِمْتُمْ كَيْفَ تَأْخُذُ سُيُوفُ اَللَّهِ مِنْكُمْ مَأْخَذَهَا، وَ قَدْ نَقَضْتُمُ اَلْعَهْدَ بَيْنَنَا وَ بَيْنَكُمْ، وَ أَبْطَلْتُمْ مَا اِشْتَرَطْنَا عَلَيْكُمْ لِأَنْفُسِكُمْ»، وَ مَضَوْا بِالْحَسَنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فَدَفَنُوهُ عِنْدَ جَدَّتِهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَسَدِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ مَنَافٍ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهَا وَ أَسْكَنَهَا جَنَّاتِ اَلنَّعِيمِ .

وَ كَانَتْ (1)وَفَاةُ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ فِي 28 صَفَرٍ سَنَةَ خَمْسِينَ مِنَ اَلْهِجْرَةِ، وَ لَهُ يَوْمَئِذٍ ثَمَانٌ وَ أَرْبَعُونَ سَنَةً، وَ كَانَتْ خِلاَفَتُهُ عَشْرَ سِنِينَ، وَ تَوَلَّى أَخُوهُ وَ وَصِيُّهُ اَلْحُسَيْنُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ غُسْلَهُ، وَ كَفْنَهُ وَ دَفْنَهُ عِنْدَ جَدَّتِهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَسَدٍ (رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهَا)(2).

ذكر ولد الحسن بن عليّ عليهما السّلام و عددهم و أسمائهم:

أَوْلاَدُ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ، خَمْسَةَ عَشَرَ وَلَداً ذَكَراً وَ أُنْثَى. زَيْدُ بْنُ اَلْحَسَنِ وَ أُخْتَاهُ أُمُّ اَلْحَسَنِ، وَ أُمُّ اَلْحُسَيْنِ، أُمُّهُمْ أُمُّ بَشِيرٍ بِنْتُ أَبِي مَسْعُودٍ عُقْبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ ثَعْلَبَةَ اَلْخَزْرَجِيَّةُ، وَ اَلْحَسَنُ اَلْمُثَنَّى (اَلْمُكَنَّى بِأَبِي مُحَمَّدٍ)، أُمُّهُ خَوْلَةُ بِنْتُ مَنْظُورٍ اَلْفَزَارِيَّةُ، وَ عُمَرُ، وَ أَخَوَاهُ اَلْقَاسِمُ، وَ عَبْدُ اَللَّهِ، أُمُّهُمْ أُمُّ

ص: 285


1- في الأصل: و كان.
2- العبارة كذا في الأصل.

وَلَدٍ، وَ عَبْدُ اَلرَّحْمَنِ، أُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ، وَ اَلْحُسَيْنُ اَلْمُلَقَّبُ بِالْأَثْرَمِ، وَ أَخُوهُ طَلْحَةُ، وَ أُخْتُهُمَا فَاطِمَةُ بِنْتُ اَلْحَسَنِ، أُمُّهُمْ أُمُّ إِسْحَاقَ بِنْتُ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اَللَّهِ اَلتَّيْمِيُّ، وَ أُمُّ عَبْدِ اَللَّهِ، وَ فَاطِمَةُ، وَ أُمُّ سَلَمَةَ، وَ رُقَيَّةُ لِأُمَّهَاتٍ شَتَّى.

ص: 286

الباب الخامس: في ذكر الإمام بعد الحسن بن عليّ عليهما السّلام و تاريخ مولده و دلائل إمامته، و مبلغ سنّه، و مدّة خلافته، و وقت وفاته و سببها، و موضع قبره، و عدد أولاده

اشارة

الباب الخامس: في ذكر الإمام بعد الحسن بن عليّ عليهما السّلام و تاريخ مولده و دلائل(1) إمامته، و مبلغ سنّه، و مدّة خلافته، و وقت وفاته و سببها، و موضع قبره، و عدد أولاده

و الإمام بعد الحسن بن عليّ عليهما السّلام أخوه الحسين بن علي عليهما السّلام بنصّ أبيه و جدّه و وصيّه أخيه الحسن عليه السّلام إليه.

كنيته:

أَبُو عَبْدِ اَللَّهِ وُلِدَ بِالْمَدِينَةِ لِخَمْسِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ شَعْبَانَ سَنَةَ أَرْبَعٍ مِنَ اَلْهِجْرَةِ، وَ جَاءَتْ بِهِ أُمُّهُ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا اَلسَّلاَمُ إِلَى جَدِّهِ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ، فَاسْتَبْشَرَ بِهِ وَ سَمَّاهُ حُسَيْناً، وَ عَقَّ عَنْهُ كَبْشاً، وَ هُوَ وَ أَخُوهُ بِشَهَادَةِ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ اَلْجَنَّةِ بِالاِتِّفَاقِ اَلَّذِي لاَ مِرْيَةَ فِيهِ، سِبْطَا نَبِيِّ اَلرَّحْمَةِ، وَ كَانَ اَلْحَسَنُ يُشْبِهُ بِالنَّبِيِّ مِنْ صَدْرِهِ إِلَى رَأْسِهِ، وَ اَلْحُسَيْنُ يُشْبِهُ مِنْ صَدْرِهِ إِلَى رِجْلَيْهِ، وَ كَانَا حَبِيبَيْ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ وَ رَيْحَانَتَيْهِ مِنْ بَيْنِ جَمِيعِ أَهْلِهِ وَ وُلْدِهِ.

في فضائل الحسين عليه السّلام:

وَ رَوَى زَاذَانُ عَنْ سَلْمَانَ (رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ) قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ يَقُولُ فِي اَلْحَسَنِ وَ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ: «اَللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُمَا فَأَحِبَّهُمَا، وَ أَحِبَّ مَنْ

ص: 287


1- في الأصل: دلايل.

أَحَبَّهُمَا».

وَ قَالَ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ: «مَنْ أَحَبَّ اَلْحَسَنَ وَ اَلْحُسَيْنَ أَحْبَبْتُهُ، وَ مَنْ أَحْبَبْتُهُ أَحَبَّهُ اَللَّهُ، وَ مَنْ أَحَبَّهُ اَللَّهُ (عَزَّ وَ جَلَّ) أَدْخَلَهُ اَلْجَنَّةَ، وَ مَنْ أَبْغَضَهُمَا أَبْغَضْتُهُ، وَ مَنْ أَبْغَضْتُهُ أَبْغَضَهُ اَللَّهُ، وَ مَنْ أَبْغَضَهُ اَللَّهُ (عَزَّ وَ جَلَّ) خَلَّدَهُ فِي اَلنَّارِ».

وَ قَالَ: صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ:

«إِنَّ اِبْنَيَّ هَذَيْنِ رَيْحَانَتَايَ مِنَ اَلدُّنْيَا».

وَ رَوَى زِرُّ بْنُ حُبَيْشٍ، عَنِ اِبْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: كَانَ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ يُصَلِّي، فَجَاءَ اَلْحَسَنُ وَ اَلْحُسَيْنُ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ فَارْتَدَفَاهُ، فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ أَخَذَهُمَا أَخْذاً رَفِيقاً، فَلَمَّا عَادَ عَادَا، فَلَمَّا اِنْصَرَفَ أَجْلَسَ هَذَا عَلَى فَخِذِهِ اَلْأَيْمَنِ وَ هَذَا عَلَى فَخِذِهِ اَلْأَيْسَرِ، وَ قَالَ: مَنْ أَحَبَّنِي فَلْيُحِبَّ هَذَيْنِ.، و كانا عليهما السّلام حجّتي اللّه لنبيّه في المباهلة، و حجّتي اللّه بعد أبيهما أمير المؤمنين عليه السّلام على الأمّة في الدّين و الملّة.

وَ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ رِجَالِهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ: قَالَ اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ لِأَصْحَابِهِ: «إِنَّ لِلَّهِ مَدِينَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا فِي اَلْمَشْرِقِ وَ اَلْأُخْرَى فِي اَلْمَغْرِبِ، فِيهِمَا خَلْقُ اَللَّهُ تَعَالَى، لَمْ يَهُمُّوا بِمَعْصِيَةٍ لَهُ قَطُّ، وَ اَللَّهِ مَا فِيهِمَا وَ بَيْنَهُمَا حُجَّةٌ لِلَّهِ عَلَى خَلْقِهِ غَيْرِي وَ غَيْرُ أَخِي اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ».

وَ جَاءَتِ اَلرِّوَايَةُ بِمِثْلِ ذَلِكَ عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ: أَنَّهُ قَالَ لِأَصْحَابِ اِبْنِ زِيَادٍ يَوْمَ اَلطَّفِّ: «مَا لَكُمْ تَنَاصَرُونَ عَلَيَّ أَمَ (1) وَ اَللَّهِ لَئِنْ قَتَلْتُمُونِي لَتَقْتُلُنَّ حُجَّةَ اَللَّهِ عَلَيْكُمْ، لاَ وَ اَللَّهِ مَا بَيْنَ جَابَلْقَا وَ جَابَرْسَا اِبْنُ نَبِيٍّ اِحْتَجَّ اَللَّهُ بِهِ عَلَيْكُمْ غَيْرِي». يعني بجابلقا و جابرسا المدينتين اللّتين ذكرهما الحسن عليه السّلام.

و كان من برهان كمالهما عليهما السّلام و حجّة اختصاص اللّه لهما بعد الّذي ذكرناه من مباهلة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بهما بيعة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و لم يبايع صبيّا في ظاهر الحال غيرهما، و نزول القرآن بإيجاب ثواب الجنّة لهما على عملهما، مع ظاهر الطّفوليّة فيهما، و لم ينزل بذلك في مثلهما، قال اللّه تعالى في سورة هل أتى:

وَ يُطْعِمُونَ اَلطَّعٰامَ عَلىٰ حُبِّهِ مِسْكِيناً وَ يَتِيماً وَ أَسِيراً (8) إِنَّمٰا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اَللّٰهِ لاٰ نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزٰاءً وَ لاٰ شُكُوراً (9) إِنّٰا نَخٰافُ مِنْ رَبِّنٰا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً (10) فَوَقٰاهُمُ اَللّٰهُ شَرَّ ذٰلِكَ اَلْيَوْمِ وَ لَقّٰاهُمْ نَضْرَةً وَ سُرُوراً (1(1) وَ جَزٰاهُمْ بِمٰا صَبَرُوا جَنَّةً وَ حَرِيراً (2) . فعمّهما هذا

ص: 288


1- كذا في الأصل.
2- سورة الإنسان، الآيات: 8-12.

القول مع أبيهما و أمّهما عليهم السّلام و تضمّن الخبر نطقهما في ذلك و ضميرهما الدّالّين على الآية الباهرة فيهما، و الحجّة العظمى على الخلق بهما، كما تضمّن الخبر عن نطق المسيح عليه السّلام في المهد، و كان حجّة لنبوّته و اختصاصه من اللّه بالكرامة الدّالّة على محلّه عنده في الفضل و مكانه،

وَ قَدْ صَرَّحَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ بِالنَّصِّ عَلَى إِمَامَتِهِ وَ إِمَامَةِ أَخِيهِ بِقَوْلِهِ: «اِبْنَايَ هَذَانِ إِمَامَانِ قَامَا أَوْ قَعَدَا».، و دلّت وصيّة الحسن عليه السّلام على إمامته كما دلّت وصيّة أمير المؤمنين عليه السّلام إلى الحسن عليه السّلام على إمامته بحسب ما دلّت وصيّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى أمير المؤمنين عليه السّلام على إمامته من بعده.

في إمامة الحسين عليه السّلام:

و كانت إمامة الحسين بن عليّ عليهم السّلام بعد وفاة أخيه ثابتة و طاعته لجميع الخلق لازم(1)، و إن لم يدع لنفسه للتّقيّة الّتي كان عليها، و الهدنة الحاصلة بينه و بين معاوية بن أبي سفيان، و التزم الوفاء بها و جرى في ذلك مجرى أبيه أمير المؤمنين عليه السّلام في ثبوت حجّته بعد النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مع الصّموت، و إمامة أخيه الحسن عليه السّلام بعد الهدنة مع الكفّ و السّكوت، و كانوا في ذلك على سنن نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هو في الشّعب محصور، و عند خروجه من مكّة مهاجرا مستخفيا في الغار، و هو من أعدائه مستور.

في شهادة الحسين عليه السّلام:

فَلَمَّا مَاتَ مُعَاوِيَةُ وَ اِنْقَضَتْ مُدَّةُ اَلْهُدْنَةِ اَلَّتِي كَانَتْ تَمْنَعُ اَلْحُسَيْنَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ عَنِ اَلدَّعْوَةِ إِلَى نَفْسِهِ أَظْهَرَ أَمْرَهُ بِحَسَبِ اَلْإِمْكَانِ، وَ أَبَانَ عَنْ حَقِّهِ لِلْجَاهِلِينَ بِهِ حَالاً بَعْدَ حَالٍ، إِلَى أَنِ اِجْتَمَعَ لَهُ فِي اَلظَّاهِرِ اَلْأَنْصَارُ، فَدَعَى عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ إِلَى اَلْجِهَادِ، وَ شَمَّرَ(2) لِلْقِتَالِ، وَ تَوَجَّهَ بِوُلْدِهِ وَ أَهْلِ بَيْتِهِ مِنْ حَرَمِ اَللَّهِ وَ حَرَمِ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ نَحْوَ اَلْعِرَاقِ لِلاِسْتِنْصَارِ بِمَنْ دَعَاهُ مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى اَلْأَعْدَاءِ، وَ قَدَّمَ أَمَامَهُ اِبْنَ عَمِّهِ مُسْلِمَ بْنَ عَقِيلٍ (رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ) وَ أَرْضَاهُ لِلدَّعْوَةِ إِلَى اَللَّهِ تَعَالَى

ص: 289


1- كذا في الأصل.
2- أي تهيأ.

وَ اَلْبَيْعَةِ لَهُ عَلَى اَلْجِهَادِ، فَبَايَعَهُ أَهْلُ اَلْكُوفَةِ عَلَى ذَلِكَ، وَ عَاهَدُوهُ وَ ضَمِنُوا لَهُ اَلنُّصْرَةَ وَ اَلنَّصِيحَةَ، وَ وَثِقُوا لَهُ فِي ذَلِكَ وَ عَاقَدُوهُ، ثُمَّ لَمْ تَطُلِ اَلْمُدَّةُ بِهِمْ حَتَّى نَكَثُوا بَيْعَتَهُ وَ خَذَلُوهُ وَ أَسْلَمُوهُ، فَقُتِلَ بَيْنَهُمْ وَ لَمْ يَمْنَعُوهُ، وَ خَرَجُوا إِلَى حَرْبِ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فَحَصَرُوهُ وَ مَنَعُوهُ اَلْمَسِيرَ إِلَى بِلاَدِ اَللَّهِ، وَ اِضْطَرُّوهُ إِلَى حَيْثُ لاَ يَجِدُ نَاصِراً وَ لاَ مَهْرَباً مِنْهُمْ، وَ حَالُوا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ مَاءِ اَلْفُرَاتِ حَتَّى تَمَكَّنُوا مِنْهُ فَقَتَلُوهُ، فَمَضَى عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ظَمْآنَ مُجَاهِداً، صَابِراً، مُحْتَسِباً، مَظْلُوماً، قَدْ نُكِثَتْ بَيْعَتُهُ، وَ اُنْتُهِكَتْ حُرْمَتُهُ، وَ لَمْ يُوفَ لَهُ بِعَهْدٍ، وَ لاَ رُعِيَتْ فِيهِ ذِمَّةُ، عَقْدٍ شَهِيداً عَلَى مَا مَضَى عَلَيْهِ أَبُوهُ وَ أَخُوهُ عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ وَ ذَلِكَ فِي يَوْمِ اَلسَّبْتِ اَلْعَاشِرِ مِنَ اَلْمُحَرَّمِ سَنَةَ إِحْدَى وَ سِتِّينَ مِنَ اَلْهِجْرَةِ بَعْدَ صَلاَةِ اَلظُّهْرِ قَتِيلاً مَظْلُوماً ظَمْآنَ صَابِراً مُحْتَسِباً، وَ سِنُّهُ يَوْمَئِذٍ ثَمَانٌ وَ خَمْسُونَ سَنَةً، أَقَامَ فِيهَا مَعَ جَدِّهِ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ سَبْعَ سِنِينَ، وَ مَعَ أَبِيهِ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ سَبْعاً(1) وَ ثَلاَثِينَ سَنَةً، وَ مَعَ أَخِيهِ اَلْحَسَنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ سَبْعاً(2) وَ أَرْبَعِينَ سَنَةً.

وَ كَانَتْ مُدَّةُ خِلاَفَتِهِ بَعْدَ أَخِيهِ إِحْدَى(3) عَشَرَ سَنَةً .

في زيارته عليه السّلام:

و قد جاءت روايات كثيرة في فضل زيارته عليه السّلام بل في وجوبها،

فَرُوِيَ عَنِ اَلصَّادِقِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ أَنَّهُ قَالَ: «زِيَارَةُ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مَنْ يُقِرُّ لِلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بِالْإِمَامَةِ مِنَ اَللَّهِ تَعَالَى».

وَ قَالَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: «زِيَارَةُ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ تَعْدِلُ مِائَةَ حِجَّةٍ مَبْرُورَةٍ وَ مِائَةَ عُمْرَةٍ مَقْبُولَةٍ».

وَ قَالَ: رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ:

«مَنْ زَارَ اَلْحُسَيْنَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَلَهُ اَلْجَنَّةُ». و الأخبار في ذلك أكثر من أن تحصى.

في ذكر ولد الحسين بن علي عليه السّلام:

وَ كَانَ لِلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ سِتَّةُ أَوْلاَدٍ: عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ اَلْأَكْبَرُ، كُنْيَتُهُ أَبُو

ص: 290


1- في الأصل: سبع.
2- في الأصل: سبع.
3- في الأصل: أحد.

مُحَمَّدٍ، وَ أُمُّهُ شَاهْزَنَانَ بِنْتُ كِسْرَى يَزْدَجَرْدَ، وَ عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ اَلْأَصْغَرُ، قُتِلَ مَعَ أَبِيهِ بِالطَّفِّ، وَ قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِيمَا سَلَفَ، وَ أُمُّهُ لَيْلَى بِنْتُ أَبِي قُرَّةَ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ اَلثَّقَفِيَّةُ، وَ جَعْفَرُ بْنُ اَلْحُسَيْنِ لاَ بَقِيَّةَ لَهُ، وَ أُمُّهُ قُضَاعِيَّةٌ، وَ كَانَتْ وَفَاتُهُ فِي حَيَاةِ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، وَ عَبْدُ اَللَّهِ قُتِلَ مَعَ أَبِيهِ صَغِيراً بِالطَّفِّ، جَاءَهُ سَهْمٌ وَ هُوَ فِي حَجْرِ أَبِيهِ فَذَبَحَهُ وَ سُكَيْنَةُ بِنْتُ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ أُمُّهَا اَلرَّبَابُ بِنْتُ اِمْرِئِ اَلْقَيْسِ بْنِ عَدِيٍّ كَلْبِيَّةٌ، وَ فَاطِمَةُ أُمُّهَا أُمُّ إِسْحَاقَ بِنْتُ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اَللَّهِ تَيْمِيَّةٌ.

ص: 291

ص: 292

الباب السادس: في ذكر الإمام بعد الحسين بن علي عليهما السّلام و تاريخ مولده، و دلائل إمامته، و مبلغ سنّه، و مدّة خلافته، و وقت وفاته، و سببها، و موضع قبره، و عدد أولاده و أسمائهم. و مختصر من أخباره

كنيته عليه السّلام:

الإمام بعد الحسين بن علي عليهما السّلام ابنه أبو محمّد عليّ بن الحسين زين العابدين عليهما السّلام و كان يكنّى أيضا أبا الحسن.

أمّه عليه السّلام:

وَ أُمُّهُ شَاهْزَنَانَ بِنْتُ كِسْرَى، وَ يُقَالُ: شَهْرَبَانُوَيْهِ، وَ كَانَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَلَّى حُرَيْثَ بْنَ جَابِرٍ اَلْحَنَفِيَّ جَانِباً مِنَ اَلْمَشْرِقِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ اِبْنَتَيْ يَزْدَجَرْدَ بْنِ شَهْرِيَارَ بْنِ كِسْرَى، فَنَحَلَ اِبْنَهُ اَلْحُسَيْنَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ شَاهْزَنَانَ مِنْهُمَا، فَأَوْلَدَهَا زَيْنَ اَلْعَابِدِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ نَحَلَ اَلْأُخْرَى مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ فَهُمَا اِبْنَا خَالَةٍ.

ولادته عليه السّلام:

وَ كَانَ مَوْلِدُ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَ ثَلاَثِينَ مِنَ اَلْهِجْرَةِ، فَبَقِيَ مَعَ جَدِّهِ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ سَنَتَيْنِ، وَ مَعَ عَمِّهِ اَلْحَسَنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ

ص: 293

اِثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، وَ مَعَ أَبِيهِ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ثَلاَثاً وَ عِشْرِينَ سَنَةً، وَ بَعْدَ أَبِيهِ أَرْبَعاً(1) وَ ثَلاَثِينَ سَنَةً.

وفاته عليه السّلام:

وَ تُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ خَمْسٍ وَ تِسْعِينَ مِنَ اَلْهِجْرَةِ، وَ لَهُ يَوْمَئِذٍ سَبْعٌ وَ خَمْسُونَ سَنَةً، وَ كَانَتْ إِمَامَتُهُ أَرْبَعاً وَ ثَلاَثِينَ (2) سَنَةً وَ دُفِنَ بِالْبَقِيعِ مَعَ عَمِّهِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ.

في إمامة عليّ بن الحسين عليه السّلام:

و ثبتت له الإمامة في وجوه:

أحدها: أنّه كان أفضل خلق اللّه تعالى بعد أبيه علما و عملا، و الإمامة للأفضل دون المفضول بدلائل العقول.

و منها: أنّه كان أولى بأبيه الحسين عليه السّلام، و أحقّ بمقامه من بعده بالفضل و النّسب، و الأولى بالإمام الماضي أحقّ بمقامه من غيره، بدلالة آية ذوي الأرحام و قصّة زكريّا عليه السّلام.

و منها: وجوب الإمامة عقلا في كلّ زمان و فساد دعوى كلّ مدّع للإمامة في أيّام عليّ بن الحسين عليهما السّلام أو مدّع لها سواه، فثبتت فيه لاستحالة خلوّ الزّمان من الإمام.

و منها: بثبوت الإمامة أيضا في العترة خاصّة بالنّظر و الخبر عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فساد قول من ادعاها لمحمّد بن الحنفيّة (رضي اللّه عنه) لتعريّه من النّصّ عليه بها، فثبتت أنّها في عليّ بن الحسين عليهما السّلام، إذ لا مدعى له الإمامة من العترة سوى محمّد بن الحنفيّة (رحمه اللّه)، و خروجه عنها بما ذكرناه.

ص: 294


1- في الأصل: أربع.
2- في الأصل: أربع و ثلاثون.

و منها: نصّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالإمامة عليه فيما روي من حديث اللّوح الّذي رواه جابر بن عبد اللّه الأنصاري عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و رواه محمّد بن علي الباقر عن أبيه، عن جدّه، عن فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و نصّ جدّه أمير المؤمنين عليه السّلام في حياة أبيه الحسين عليه السّلام بما ضمن ذلك من الأخبار، و وصيّة أبيه الحسين عليه السّلام إليه، و إيداعه أمّ سلمة ما قبضه علي من بعده، و قد كان جعل التماسه من أمّ سلمة علامة على إمامة الطالب له من الأنام، و هذا باب يعرفه من تصفّح الأخبار، و لم نقصد في هذا الكتاب إلى القول في معناه، فنستقصيه على التّمام.

في ذكر طرف من أخبار عليّ بن الحسين عليه السّلام:

رَوَى أَبُو مُعَمَّرٍ عَنْ عَبْدِ اَلْعَزِيزِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ:

مَا رَأَيْتُ هَاشِمِيّاً أَفْضَلَ مِنْ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ.

أَخْبَرَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ اَلْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنِي جَدِّي، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ اَلْأَنْصَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مَيْمُونٍ اَلْبَزَّازُ، قَالَ: حَدَّثَنَا اَلْحَسَنُ بْنُ عُلْوَانَ، عَنْ أَبِي عَلِيِّ بْنِ زِيَادِ بْنِ رُسْتُمَ، عَنْ سَعِيدِ اِبْنِ كُلْثُومٍ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ اَلصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ فَذَكَرَ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فَأَطْرَاهُ وَ مَدَحَهُ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ: «وَ اَللَّهِ مَا أَكَلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ مِنَ اَلدُّنْيَا حَرَاماً قَطُّ حَتَّى مَضَى لِسَبِيلِهِ، وَ مَا عُرِضَ لَهُ أَمْرَانِ قَطُّ هُمَا لِلَّهِ رِضًا إِلاَّ أَخَذَ بِأَشَدِّهِمَا عَلَيْهِ فِي دِينِهِ، وَ مَا نَزَلَتْ بِرَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ نَازِلَةٌ قَطُّ إِلاَّ دَعَاهُ ثِقَةً بِهِ، وَ مَا أَطَاقَ عَمَلَ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ مِنْ هَذِهِ اَلْأُمَّةِ غَيْرُهُ، وَ إِنْ كَانَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ رَجُلٍ كَانَ وَجْهُهُ بَيْنَ اَلْجَنَّةِ وَ اَلنَّارِ، يَرْجُو ثَوَابَ هَذِهِ، وَ يَخَافُ عِقَابَ هَذِهِ، وَ لَقَدْ أَعْتَقَ مِنْ مَالِهِ أَلْفَ مَمْلُوكٍ فِي طَلَبِ وَجْهِ اَللَّهِ وَ اَلنَّجَاةِ مِنَ اَلنَّارِ مِمَّا كَدَّ بِيَدَيْهِ وَ رَشَحَ مِنْهُ جَبِينُهُ، وَ كَانَ يَقُوتُ أَهْلَهُ بِالزَّيْتِ وَ اَلْخَلِّ وَ اَلْعَجْوَةِ، وَ مَا كَانَ لِبَاسُهُ إِلاَّ اَلْكَرَابِيسَ إِذَا فَضَلَ شَيْ ءٌ عَنْ يَدِهِ مِنْ كُمِّهِ دَعَا بِالْجَلَمِ فَقَصَّهُ، وَ مَا أَشْبَهَهُ مِنْ وُلْدِهِ وَ لاَ أَهْلِ بَيْتِهِ أَحَدٌ أَقْرَبُ شَبَهاً بِهِ فِي لِبَاسِهِ وَ فِقْهِهِ مِنْ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ وَ لَقَدْ دَخَلَ اِبْنُهُ أَبُو جَعْفَرٍ فَإِذَا هُوَ قَدْ بَلَغَ مِنَ اَلْعِبَادَةِ مَا لَمْ يَبْلُغْهُ أَحَدٌ فَرَآهُ قَدِ اِصْفَرَّ لَوْنُهُ مِنَ

ص: 295

اَلسَّهَرِ، وَ رَمَصَتْ عَيْنَاهُ مِنَ اَلْبُكَاءِ، وَ دَبِرَتْ جَبْهَتُهُ (1)، وَ اِنْخَرَمَ أَنْفُهُ مِنَ اَلسُّجُودِ، وَ وَرِمَتْ سَاقَاهُ وَ قَدَمَاهُ مِنَ اَلْقِيَامِ فِي اَلصَّلاَةِ»، قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ:

«فَلَمْ أَمْلِكْ حِينَ رَأَيْتُهُ بِتِلْكَ اَلْحَالِ اَلْبُكَاءَ (2) فَبَكَيْتُ رَحْمَةً عَلَيْهِ، وَ إِذَا هُوَ يُفَكِّرُ، فَالْتَفَتَ عَلَيَّ بَعْدَ هُنَيْئَةٍ مِنْ دُخُولِي فَقَالَ: يَا بُنَيَّ أَعْطِنِي بَعْضَ تِلْكَ اَلصُّحُفِ اَلَّتِي فِيهَا عِبَادَةُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، فَأَعْطَيْتُهُ، فَقَرَأَ فِيهَا شَيْئاً يَسِيراً، ثُمَّ تَرَكَهَا مِنْ يَدَيْهِ تَضَجُّراً وَ قَالَ: مَنْ يَقْوَى عَلَى عِبَادَةِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ» .

أَخْبَرَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ اَلْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ عَمَّارِ بْنِ أَبَانٍ، عَنْ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَعْيَنَ، قَالَ: سُمِعَ سَائِلٌ فِي جَوْفِ اَللَّيْلِ وَ هُوَ يَقُولُ: أَيْنَ اَلزَّاهِدُونَ فِي اَلدُّنْيَا، اَلرَّاغِبُونَ فِي اَلْآخِرَةِ، فَهَتَفَ بِهِ هَاتِفٌ مِنْ نَاحِيَةِ اَلْبَقِيعِ يُسْمَعُ صَوْتُهُ وَ لاَ يُرَى شَخْصُهُ، ذَلِكَ عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ.

في ذكر ولد عليّ بن الحسين عليه السّلام:

وُلْدُ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَلَداً: مُحَمَّدٌ اَلْمُكَنَّى بِأَبِي جَعْفَرٍ اَلْبَاقِرِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ أُمُّهُ أُمُّ عَبْدِ اَللَّهِ بِنْتُ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، وَ عَبْدُ اَللَّهِ، وَ اَلْحَسَنُ، وَ اَلْحُسَيْنُ، أُمُّهُمْ أُمُّ وَلَدٍ، وَ زَيْدٌ، وَ عُمَرُ لِأُمِّ وَلَدٍ، وَ اَلْحُسَيْنُ اَلْأَصْغَرُ، وَ عَبْدُ اَلرَّحْمَنِ، وَ سُلَيْمَانُ لِأُمِّ وَلَدٍ، وَ عَلِيٌّ وَ كَانَ أَصْغَرَ وُلْدِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ خَدِيجَةُ أُمُّهُمَا أُمُّ وَلَدٍ، وَ مُحَمَّدٌ اَلْأَصْغَرُ أُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ، وَ فَاطِمَةُ، وَ عُلَيَّةُ، وَ أُمُّ كُلْثُومٍ أُمُّهُنَّ أُمُّ وَلَدٍ.

ص: 296


1- أي قرحت.
2- كذا في الأصل.

الباب السابع: في ذكر الإمام بعد عليّ بن الحسين عليهما السّلام، و تاريخ مولده، و دلائل إمامته، و مبلغ سنّه، و مدّة خلافته، و وقت وفاته، و سببها، و موضع قبره، و عدد أولاده، و مختصر من أخباره

اشارة

كان الباقر محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السّلام من بين أخوته خليفة أبيه عليّ بن الحسين و وصيّه، و القائم بالإمامة من بعده، و برز على جماعتهم بالفضل في العلم و الزّهد و السّؤدد، و كان أنبههم ذكرا و أجلّهم في العامّة و الخاصّة، و أعظمهم قدرا، و لم يظهر عن أحد من ولد الحسن و الحسين عليهما السّلام من علم الدّين و الآثار و السّنّة، و علم القرآن و السّيرة، و فنون الآداب، ما ظهر عن أبي جعفر عليه السّلام.

و روى عنه معالم الدّين بقايا الصّحابة، و وجوه التّابعين، و رؤساء فقهاء المسلمين، و صار بالفضل علما لأهله تضرب به الأمثال، و تسير بوصفه الآثار و الأشعار و فيه يقول القرضي:

يا باقر العلم لأهل التّقى *** و خير من لبّى على الأجبل

و قال مالك بن أعين الجهني يمدحه عليه السّلام

إذا طلب النّاس علم القرآن *** كانت قريش عليه عيالا

و إن قيل أين ابن بنت النّبيّ *** نلت بذاك فروعا طوالا

نجوم تهلّل للمدلجين *** جبال تورث علما حبالا

ص: 297

ولادته عليه السّلام:

وَ وُلِدَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ سَبْعٍ وَ خَمْسِينَ مِنَ اَلْهِجْرَةِ.

وفاته عليه السّلام:

وَ قُبِضَ بِهَا سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَ مِائَةٍ، وَ كَانَتْ سِنُّهُ يَوْمَئِذٍ سَبْعاً وَ خَمْسِينَ (1)سَنَةً، وَ هُوَ هَاشِمِيٌّ مِنْ هَاشِمِيَّيْنِ، عَلَوِيٌّ مِنْ عَلَوِيَّيْنِ، وَ دُفِنَ بِالْبَقِيعِ مِنْ مَدِينَةِ اَلرَّسُولِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ.

في إمامته عليه السّلام:

وَ رَوَى مَيْمُونٌ اَلْقَدَّاحُ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «دَخَلْتُ عَلَى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اَللَّهِ (رَحِمَهُ اَللَّهُ)، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ عَلَيَّ اَلسَّلاَمَ، ثُمَّ قَالَ لِي: مَنْ أَنْتَ؟ وَ ذَلِكَ بَعْدَ مَا كُفَّ بَصَرُهُ فَقُلْتُ: مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ، فَقَالَ: يَا بُنَيَّ اُدْنُ مِنِّي، فَدَنَوْتُ مِنْهُ، فَقَبَّلَ يَدِي ثُمَّ أَهْوَى إِلَى رِجْلِي فَقَبَّلَهَا، فَتَنَحَّيْتُ عَنْهُ، ثُمَّ قَالَ لِي، إِنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ يُقْرِئُكَ اَلسَّلاَمَ، فَقُلْتُ: عَلَى رَسُولِ اَللَّهِ اَلسَّلاَمُ وَ رَحْمَةُ اَللَّهِ وَ بَرَكَاتُهُ، وَ كَيْفَ ذَلِكَ يَا جَابِرُ؟ فَقَالَ: كُنْتُ مَعَهُ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ لِي: يَا جَابِرُ لَعَلَّكَ تَبْقَى حَتَّى تَلْقَى رَجُلاً مِنْ وُلْدِي يُقَالُ لَهُ: مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ يَهَبُ اَللَّهُ لَهُ اَلنُّورَ وَ اَلْحِكْمَةَ، فَأَقْرِئْهُ مِنِّي اَلسَّلاَمَ .

و كان في وصيّة أمير المؤمنين عليه السّلام إلى ولده ذكر محمّد بن عليّ بن الحسين و الوصاية به، و سمّاه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و عرّفه بباقر العلوم على ما رواه أصحاب الآثار.

و روت الشّيعة في خبر اللّوح الّذي هبط به جبرائيل عليه السّلام على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من الجنّة فأعطاه فاطمة عليها السّلام و فيه أسماء الأئمّة عليهم السلام من بعده، و كان فيه محمّد بن عليّ الإمام بعد أبيه.

ص: 298


1- في الأصل: سبع و خمسون.

و روت أيضا أنّ اللّه عزّ و جلّ أنزل إلى نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كتابا مختوما باثني عشر خاتما، و أمره أن يدفعه إلى أمير المؤمنين عليه السّلام، و يأمره أن يفضّ أوّل خاتم فيه، و يعمل بما تحته، ثمّ يدفعه عند حضور وفاته إلى ابنه الحسن عليه السّلام و يأمره أن يفضّ الخاتم الثّاني و يعمل بما تحته، ثمّ يدفعه عند وفاته إلى أخيه الحسين عليه السّلام و يأمره أن يفضّ الخاتم الثّالث و يعمل بما تحته، ثمّ يدفعه الحسين عليه السّلام عند وفاته إلى ابنه عليّ بن الحسين الأكبر و يأمره بمثل ذلك، ثمّ يدفعه عليّ بن الحسين عليه السّلام عند وفاته إلى ابنه محمّد بن علي الأكبر و يأمره بمثل ذلك، ثمّ يدفعه محمّد بن علي إلى ولده جعفر حتّى ينتهي إلى آخر الأئمّة.

و رووا أيضا نصوصا كثيرة عليه بالإمامة بعد أبيه عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و عن أمير المؤمنين، و عن الحسن و الحسين و عليّ بن الحسين عليهم السّلام، و قد روى النّاس من فضائله و مناقبه ما يكثر به الخطب إن أثبتناه، و فيما نذكره منه كفاية فيما نقصده في معناه إن شاء اللّه و كانت مدّة إمامته و قيامه بعد أبيه في خلافة اللّه تعالى على العباد تسعة عشر سنة.

في ذكر طرف من أخبار أبي جعفر عليه السّلام:

أَخْبَرَنِي اَلشَّرِيفُ أَبُو مُحَمَّدٍ اَلْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ اَلْقَاسِمِ اَلشَّيْبَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اَلرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ اَلْأَزْدِيُّ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ اَلْجُهَنِيِّ، عَنْ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ عَطَاءٍ اَلْمَكِّيِّ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ اَلْعُلَمَاءَ عِنْدَ أَحَدٍ قَطُّ أَصْغَرَ مِنْهُمْ عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ، وَ لَقَدْ رَأَيْتُ اَلْحَكَمَ بْنَ عُيَيْنَةَ مَعَ جَلاَلَتِهِ فِي قَوْمِهِ بَيْنَ يَدَيْهِ كَالصَّبِيِّ بَيْنَ يَدَيْ مُعَلِّمِهِ.

وَ كَانَ جَابِرُ بْنُ يَزِيدَ اَلْجُعْفِيُّ إِذَا رَوَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ شَيْئاً قَالَ: حَدَّثَنِي وَصِيُّ اَلْأَوْصِيَاءِ، وَ وَارِثُ عُلُومِ اَلْأَنْبِيَاءِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ.، و الأخبار عنه أكثر من أن تحصى.

ص: 299

في ذكر ولد الإمام أبي جعفر عليه السّلام و عددهم و أسمائهم:

وَ وُلْدُ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ثَمَانِيَةُ نَفَرٍ: أَبُو عَبْدِ اَللَّهِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ كَانَ بِهِ يُكَنَّى، وَ عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ أُمُّهُمَا أُمُّ فَرْوَةَ بِنْتُ اَلْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، وَ إِبْرَاهِيمُ، وَ عُبَيْدُ اَللَّهِ دَرَجَا(1) أُمُّهُمْ أُمُّ حَكِيمٍ بِنْتُ أَسِيدِ اِبْنِ اَلْمُغِيرَةِ اَلثَّقَفِيَّةُ، وَ عَلِيٌّ وَ زَيْنَبُ لِأُمِّ وَلَدٍ، وَ أُمُّ سَلَمَةَ لِأُمِّ وَلَدٍ.

وَ لَمْ يُعْتَقَدْ فِي أَحَدٍ مِنْ وُلْدِ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ اَلْإِمَامَةُ إِلاَّ فِي أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ خَاصَّةً، وَ كَانَ أَخُوهُ عَبْدُ اَللَّهِ يُشَارُ إِلَيْهِ بِالْفَضْلِ وَ اَلصَّلاَحِ.

ص: 300


1- أي ماتا صغيران.

الباب الثامن: في ذكر الإمام القائم بعد أبي جعفر عليه السّلام و تاريخ مولده، و دلائل إمامته، و مبلغ سنّه، و مدّة خلافته، و وقت وفاته، و سببها، و موضع قبره، و عدد أولاده، و أسمائهم و مختصر من أخباره

اشارة

الباب الثامن: في ذكر الإمام القائم بعد أبي جعفر عليه السّلام و تاريخ مولده، و دلائل(1) إمامته، و مبلغ سنّه، و مدّة خلافته، و وقت وفاته، و سببها، و موضع قبره، و عدد أولاده، و أسمائهم و مختصر من أخباره

و كان الصّادق جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين عليهم السّلام من بين أخوته خليفة أبيه و وصيّه، و القائم بالإمامة من بعده، و برّز على جماعتهم بالفضل، و كان أنبههم ذكرا، و أعظمهم قدرا، و أجلّهم في الخاصّة و العامّة.

و نقل النّاس عنه من العلوم ما سارت به الرّكبان، و انتشر ذكره في البلدان، و لم ينقل عن أحد من أهل بيته العلماء ما نقل عنه، و لا لقي أحد منهم من أهل الآثار و نقلة الأخبار، و لا نقلوا عنهم كما نقلوا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام فإنّ أصحاب الحديث قد جمعوا أسماء الرّواة عنه من الثّقات على اختلافهم في الآراء و المقالات، فكانوا أربعة آلاف رجل.

و كان له عليه السّلام من الدّلائل(2) الواضحة في إمامته ما بهرت القلوب و أخرست المخالف عن الطّعن فيها بالشّبهات.

ص: 301


1- في الأصل: و دلايل.
2- في الأصل: الدلايل.

ولادته عليه السّلام:

وَ كَانَ مَوْلِدُهُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَ ثَمَانِينَ.

وفاته عليه السّلام:

وَ مَضَى فِي شَوَّالٍ مِنْ سَنَةِ ثَمَانٍ وَ أَرْبَعِينَ وَ مِائَةٍ، وَ لَهُ يَوْمَئِذٍ خَمْسٌ وَ سِتُّونَ سَنَةً، وَ دُفِنَ بِالْبَقِيعِ مَعَ أَبِيهِ وَ جَدِّهِ وَ عَمِّهِ اَلْحَسَنِ عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ.

أمّه عليه السّلام:

و أمّه أمّ فروة بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر.

إمامته عليه السّلام:

و كانت إمامته عليه السّلام أربعا و ثلاثين سنة و وصّى إليه أبوه أبو جعفر عليه السّلام وصيّة ظاهرة و نصّ عليه بالإمامة نصّا جليّا.

وَ رَوَى أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ عَنْ أَبِي اَلصَّبَّاحِ اَلْكِنَانِيِّ قَالَ: نَظَرَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ إِلَى اِبْنِهِ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فَقَالَ: «أَ لاَ تَرَى هَذَا مِنَ اَلَّذِينَ قَالَ اَللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ: وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى اَلَّذِينَ اُسْتُضْعِفُوا فِي اَلْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ اَلْوٰارِثِينَ (1).

وَ رَوَى هِشَامُ بْنُ سَالِمٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ اَلْجُعْفِيِّ، قَالَ: سُئِلَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فَقَالَ: «هَذَا وَ اَللَّهِ قَائِمُ آلِ مُحَمَّدٍ».

وَ رَوَى عَلِيُّ بْنُ اَلْحَكَمِ، عَنْ طَاهِرٍ صَاحِبِ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَهُ، فَأَقْبَلَ جَعْفَرٌ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: «هَذَا خَيْرُ اَلْبَرِيَّةِ ».

و قد جاءت الرّواية الّتي قدّمنا ذكرها في خبر اللّوح بالنّصّ عليه من اللّه تعالى بالإمامة، ثمّ الّذي قدّمنا من دلائل(2) العقول على أنّ الإمام لا

ص: 302


1- سورة القصص، الآية: 5.
2- في الأصل: دلايل.

يكون إلاّ الأفضل، يدلّ على إمامته عليه السّلام لظهور فضله في العلم و الزّهد و العمل على كافّة أخوته و بني عمّه و سائر(1) النّاس من أهل عصره، ثمّ الّذي يدلّ على فساد إمامة من ليس بمعصوم كعصمة الأنبياء، و ليس بكامل في العلم و ظهور تعرّي من سواه ممّن ادّعى له الإمامة في وقته عن العصمة، و قصورهم عن الكمال في الدّين يدلّ على إمامته عليه السّلام، إذ لا بدّ من إمام معصوم في كلّ زمان حسب ما قدّمناه و وصفناه.

و قد روى النّاس من آيات اللّه الظّاهرة على يديه عليه السّلام ما يدلّ على إمامته و حقّه، و بطلان مقال من ادّعى الإمامة لغيره.

في ذكر طرف من أخبار أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد الصّادق عليه السّلام:

رَوَى أَبُو بَصِيرٍ قَالَ: دَخَلْتُ اَلْمَدِينَةَ وَ كَانَتْ مَعِي جُوَيْرِيَةٌ لِي فَأَصَبْتُ مِنْهَا، ثُمَّ خَرَجْتُ إِلَى اَلْحَمَّامِ فَلَقِيتُ أَصْحَابَنَا اَلشِّيعَةَ وَ هُمْ مُتَوَجِّهُونَ إِلَى جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ، فَخِفْتُ أَنْ يَسْبِقُونِي وَ يَفُوتَنِي اَلدُّخُولُ إِلَيْهِ، فَمَشَيْتُ مَعَهُمْ حَتَّى دَخَلْتُ اَلدَّارَ، فَلَمَّا مَثُلْتُ بَيْنَ يَدَيْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ نَظَرَ إِلَيَّ ثُمَّ قَالَ: «يَا أَبَا بَصِيرٍ أَ مَا عَلِمْتَ أَنَّ بُيُوتَ اَلْأَنْبِيَاءِ وَ أَوْلاَدَ اَلْأَنْبِيَاءِ لاَ يَدْخُلُهَا اَلْجُنُبُ» فَاسْتَحْيَيْتُ وَ قُلْتُ لَهُ: يَا اِبْنَ رَسُولِ اَللَّهِ إِنِّي لَقِيتُ أَصْحَابَنَا فَخَشِيتُ أَنْ يَفُوتَنِي اَلدُّخُولُ مَعَهُمْ، وَ لاَ أَعُودُ إِلَى مِثْلِهَا وَ خَرَجْتُ .

و جاءت الرّواية عنه مستفيضة بمثل ما ذكرناه من الآيات و الأخبار بالغيوب ممّا يطول تعداده.

في ذكر ولد أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد عليه السّلام و عددهم و أسمائهم و طرف من أخبارهم:

وَ كَانَ لِأَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ عَشَرَةُ أَوْلاَدٍ: إِسْمَاعِيلُ، وَ عَبْدُ اَللَّهِ، وَ أُمُّ

ص: 303


1- في الأصل: ساير.

فَرْوَةَ، أُمُّهُمْ فَاطِمَةُ بِنْتُ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ، وَ مُوسَى عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، وَ إِسْحَاقُ، وَ مُحَمَّدٌ لِأُمِّ وَلَدٍ، وَ اَلْعَبَّاسُ، وَ عَلِيٌّ، وَ أَسْمَاءُ، وَ فَاطِمَةُ لِأُمَّهَاتٍ شَتَّى.

وَ كَانَ إِسْمَاعِيلُ أَكْبَرَ اَلْإِخْوَةِ، وَ كَانَ أَبُو عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ شَدِيدَ اَلْمَحَبَّةِ لَهُ وَ اَلْبِرِّ بِهِ وَ اَلْإِشْفَاقِ عَلَيْهِ، وَ كَانَ قَوْمٌ مِنَ اَلشِّيعَةِ يَظُنُّونَ أَنَّهُ اَلْقَائِمُ بَعْدَ أَبِيهِ وَ اَلْخَلِيفَةُ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ، إِذْ كَانَ أَكْبَرَ إِخْوَتِهِ سِنّاً، وَ لِمَيْلِ أَبِيهِ وَ إِكْرَامِهِ لَهُ فَمَاتَ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ بِالْعُرَيْضِ، وَ حُمِلَ عَلَى رِقَابِ اَلرِّجَالِ إِلَى أَبِيهِ: بِالْمَدِينَةِ حَتَّى دُفِنَ بِالْبَقِيعِ.

وَ رُوِيَ أَنَّ أَبَا عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ جَزِعَ عَلَيْهِ جَزَعاً شَدِيداً، وَ حَزِنَ عَلَيْهِ حُزْناً عَظِيماً، وَ تَقَدَّمَ سَرِيرَهُ بِغَيْرِ حِذَاءٍ وَ لاَ رِدَاءٍ، وَ أَمَرَ بِوَضْعِ سَرِيرِهِ عَلَى اَلْأَرْضِ قَبْلَ دَفْنِهِ مِرَاراً كَثِيرَةً، وَ كَانَ يَكْشِفُ عَنْ وَجْهِهِ وَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، وَ يُرِيدُ بِذَلِكَ تَحْقِيقَ وَفَاتِهِ عِنْدَ اَلظَّانِّينَ خِلاَفَتَهُ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ، وَ إِزَالَةَ اَلشُّبْهَةِ عَنْهُ فِي حَيَاتِهِ.

وَ لَمَّا مَاتَ إِسْمَاعِيلُ (رَحِمَهُ اَللَّهُ) اِنْصَرَفَ عَنِ اَلْقَوْلِ بِإِمَامَتِهِ بَعْدَ أَبِيهِ مَنْ كَانَ يَظُنُّ ذَلِكَ فَيَعْتَقِدُهُ مِنْ أَصْحَابِ أَبِيهِ، وَ أَقَامَ عَلَى إِمَامَتِهِ شِرْذِمَةٌ لَمْ تَكُنْ مِنْ خَاصَّةِ أَبِيهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ لاَ مِنَ اَلرُّوَاةِ عَنْهُ، بَلْ كَانُوا مِنَ الأَبَاعِدِ وَ اَلْأَطْرَافِ.

فَلَمَّا مَاتَ اَلصَّادِقُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ اِنْتَقَلَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ إِلَى اَلْقَوْلِ بِإِمَامَةِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بَعْدَ أَبِيهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، وَ اِفْتَرَقَ اَلْبَاقُونَ فَرِيقَيْنِ، فَرِيقٌ مِنْهُمْ رَجَعُوا عَنْ حَيَاةِ إِسْمَاعِيلَ وَ قَالُوا بِإِمَامَةِ اِبْنِهِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ لِظَنِّهِمْ أَنَّ اَلْإِمَامَةَ كَانَتْ فِي أَبِيهِ، وَ أَنَّ اَلاِبْنَ أَحَقُّ بِمَقَامِ اَلْإِمَامَةِ مِنَ اَلْأَخِ؛ وَ فَرِيقٌ ثَبَتُوا عَلَى حَيَاةِ إِسْمَاعِيلَ، وَ هُمُ اَلْيَوْمَ شُذَّاذٌ لاَ يُعْرَفُ مِنْهُمْ أَحَدٌ يُومَى إِلَيْهِ، وَ هَذَانِ اَلْفَرِيقَانِ يُسَمَّيَانِ اَلْإِسْمَاعِيلِيَّةُ؛ وَ اَلْمَعْرُوفُ اَلْآنَ مِنْهُمْ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّ اَلْإِمَامَةَ بَعْدَ إِسْمَاعِيلَ فِي وُلْدِهِ وَ وُلْدِ وُلْدِهِ إِلَى آخِرِ اَلزَّمَانِ.

ص: 304

الباب التاسع: في ذكر الإمام القائم بعد أبي عبد اللّه عليه السّلام من ولده، و تاريخ مولده، و دلائل إمامته، و مبلغ سنّه، و مدّة خلافته، و وقت وفاته، و سببها، و موضع قبره، و عدد أولاده، و مختصر من أخباره

اشارة

و كان الإمام بعد أبي عبد اللّه عليه السّلام ابنه أبا الحسن موسى بن جعفر العبد الصّالح عليه السّلام لاجتماع خلال الفضل فيه، و لنصّ أبيه بالإمامة عليه و إشارته بها إليه.

ولادته عليه السّلام:

وَ كَانَ مَوْلِدُهُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بِالْأَبْوَاءِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَ عِشْرِينَ وَ مِائَةٍ.

وفاته عليه السّلام:

وَ قُبِضَ بِبَغْدَادَ فِي حَبْسِ اَلسِّنْدِيِّ بْنِ شَاهَكَ، لِسِتٍّ خَلَوْنَ مِنْ رَجَبٍ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَ ثَمَانِينَ وَ مِائَةٍ، وَ لَهُ يَوْمَئِذٍ خَمْسٌ وَ خَمْسُونَ سَنَةً.

أمّه عليه السّلام:

وَ أُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ يُقَالُ لَهَا: حَمِيدَةُ اَلْبَرْبَرِيَّةُ، وَ كَانَتْ مُدَّةُ خِلاَفَتِهِ وَ مُقَامِهِ فِي اَلْإِمَامَةِ بَعْدَ أَبِيهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ خَمْساً وَ ثَلاَثِينَ سَنَةً.

ص: 305

كنيته:

وَ كَانَ يُكَنَّى أَبَا إِبْرَاهِيمَ، وَ أَبَا اَلْحَسَنِ وَ أَبَا عَلِيٍّ، وَ يُعْرَفُ بِالْعَبْدِ اَلصَّالِحِ، وَ يُنْعَتُ أَيْضاً بِالْكَاظِمِ.

في النّصّ عليه بالإمامة من أبيه عليه السّلام:

فممّن روى صريح النّصّ بالإمامة من أبي عبد اللّه عليه السّلام على ابنه أبي الحسن موسى عليه السّلام من شيوخ أصحاب أبي عبد اللّه و خاصّته و بطانته و ثقاته الفقهاء الصّالحين (رحمة اللّه عليهم): المفضّل بن عمر الجعفي، و معاذ بن كثير، و عبد الرّحمن بن الحجّاج، و الفيض بن المختار، و غيرهم ممّن يطول بذكره الكتاب،

فَرَوَى مُوسَى اَلصَّيْقَلِ عَنِ اَلْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ (رَحِمَهُ اَللَّهُ) قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فَدَخَلَ أَبُو إِبْرَاهِيمَ مُوسَى عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ هُوَ غُلاَمٌ، فَقَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: «اِسْتَوْصِ بِهِ وَ ضَعْ أَمْرَهُ عِنْدَ مَنْ تَثِقُ بِهِ مِنْ أَصْحَابِكَ».

وَ رَوَى ثُبَيْتٌ (1)، عَنْ مُعَاذِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ:

قُلْتُ: أَسْأَلُ اَللَّهَ اَلَّذِي رَزَقَ أَبَاكَ مِنْكَ هَذِهِ اَلْمَنْزِلَةَ أَنْ يَرْزُقَكَ مِنْ عَقِبِكَ قَبْلَ اَلْمَمَاتِ مِثْلَهَا، فَقَالَ: «قَدْ فَعَلَ اَللَّهُ ذَلِكَ» قُلْتُ: مَنْ هُوَ جُعِلْتُ فِدَاكَ؟ فَأَشَارَ إِلَى اَلْعَبْدِ اَلصَّالِحِ وَ هُوَ رَاقِدٌ، فَقَالَ: «هَذَا اَلرَّاقِدُ» وَ هُوَ يَوْمَئِذٍ غُلاَمٌ .

وَ رَوَى أَبُو عَلِيٍّ اَلْأَرَّجَانِيُّ، عَنْ عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ بْنِ اَلْحَجَّاجِ، قَالَ:

دَخَلْتُ عَلَى جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ فِي مَنْزِلِهِ، فَإِذَا هُوَ فِي بَيْتِ كَذَا مِنْ دَارِهِ فِي مَسْجِدٍ لَهُ، وَ هُوَ يَدْعُو وَ عَلَى يَمِينِهِ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ يُؤَمِّنُ عَلَى دُعَائِهِ، فَقُلْتُ لَهُ: جَعَلَنِيَ اَللَّهُ فِدَاكَ، قَدْ عَرَفْتَ اِنْقِطَاعِي إِلَيْكَ وَ خِدْمَتِي لَكَ، فَمَنْ وَلِيُّ اَلْأَمْرِ بَعْدَكَ؟ قَالَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: «يَا عَبْدَ اَلرَّحْمَنِ إِنَّ مُوسَى قَدْ لَبِسَ اَلدِّرْعَ وَ اِسْتَوَتْ عَلَيْهِ» فَقُلْتُ لَهُ: لاَ أَحْتَاجُ بَعْدَهَا إِلَى شَيْ ءٍ .

ص: 306


1- في نسخة أخرى: شبيت.

وَ رَوَى عَبْدُ اَلْأَعْلَى عَنِ اَلْفَيْضِ بْنِ اَلْمُخْتَارِ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: خُذْ بِيَدِي مِنَ اَلنَّارِ مَنْ لَنَا بَعْدَكَ؟ قَالَ: فَدَخَلَ أَبُو إِبْرَاهِيمَ وَ هُوَ يَوْمَئِذٍ غُلاَمٌ فَقَالَ: «هَذَا صَاحِبُكُمْ فَتَمَسَّكْ بِهِ» . و الأدلّة في ذلك أكثر من أن تحصى.

في ذكر طرف من دلائل أبي الحسن موسى عليه السّلام و آبائه و علاماته، و معجزاته:

في ذكر طرف من دلائل(1)أبي الحسن موسى عليه السّلام و آبائه و علاماته، و معجزاته:

أَخْبَرَنِي أَبُو اَلْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قُولَوَيْهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ اَلْكُلَيْنِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ أَبِي يَحْيَى اَلْوَاسِطِيِّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ، قَالَ: كُنَّا بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ وَفَاةِ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ أَنَا وَ مُحَمَّدُ بْنُ اَلنُّعْمَانِ صَاحِبُ اَلطَّاقِ وَ اَلنَّاسُ مُجْتَمِعُونَ عَلَى عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ أَنَّهُ صَاحِبُ اَلْأَمْرِ بَعْدَ أَبِيهِ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ وَ اَلنَّاسُ مُجْتَمِعُونَ عِنْدَهُ فَسَأَلْنَاهُ عَنِ اَلزَّكَاةِ فِي كَمْ تَجِبُ، فَقَالَ: فِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، فَقُلْنَا لَهُ: فِي مِائَةِ دِرْهَمٍ؟ فَقَالَ: دِرْهَمَانِ وَ نِصْفٌ، قُلْنَا: وَ اَللَّهِ لاَ تَقُولُ اَلْمُرْجِئَةُ هَذَا، فَقَالَ: وَ اَللَّهِ مَا أَدْرِي مَا تَقُولُ اَلْمُرْجِئَةُ؟ قَالَ: فَخَرَجْنَا ضُلاَّلاً لاَ نَدْرِي إِلَى أَيْنَ نَتَوَجَّهُ أَنَا وَ أَبُو جَعْفَرٍ اَلْأَحْوَلُ، فَقَعَدْنَا فِي بَعْضِ أَزِقَّةِ اَلْمَدِينَةِ بَاكِيَيْنِ لاَ نَدْرِي أَيْنَ نَتَوَجَّهُ وَ إِلَى مَنْ نَقْصِدُ، نَقُولُ: إِلَى اَلْمُرْجِئَةِ؟ أَمْ إِلَى اَلزَّيْدِيَّةِ؟ أَمْ إِلَى اَلْمُعْتَزِلَةِ؟ أَمْ إِلَى اَلْقَدَرِيَّةِ؟ فَنَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ رَأَيْتُ رَجُلاً شَيْخاً لاَ أَعْرِفُهُ يُومِي إِلَيَّ بِيَدِهِ، فَخِفْتُ أَنْ يَكُونَ عَيْناً مِنْ عُيُونِ أَبِي جَعْفَرٍ اَلْمَنْصُورِ، وَ ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ لَهُ بِالْمَدِينَةِ جَوَاسِيسُ عَلَى مَنْ يَجْتَمِعُ اَلنَّاسُ عِنْدَهُ بَعْدَ جَعْفَرٍ، فَيُؤْخَذُ فَيُضْرَبُ عُنُقُهُ، فَخِفْتُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ، فَقُلْتُ لِلْأَحْوَلِ: تَنَحَّ فَإِنِّي خَائِفٌ عَلَى نَفْسِي وَ عَلَيْكَ، وَ إِنَّمَا يُرِيدُونِّي وَ لاَ يُرِيدُوكَ، فَتَنَحَّ عَنِّي لاَ تَهْلِكُ فَتُعِينَ عَلَى نَفْسِكَ، فَتَنَحَّى عَنِّي بَعِيداً، وَ تَبِعْتُ اَلشَّيْخَ وَ ذَلِكَ أَنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي لاَ أَقْدِرُ عَلَى اَلتَّخَلُّصِ مِنْهُ، فَمَا زِلْتُ أَتَّبِعُهُ وَ قَدْ عَزَمْتُ عَلَى اَلْمَوْتِ حَتَّى وَرَدَ بِي عَلَى بَابِ أَبِي اَلْحَسَنِ مُوسَى عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ثُمَّ خَلاَّنِي

ص: 307


1- في الأصل: دلايل.

وَ مَضَى، فَإِذَا خَادِمٌ بِالْبَابِ فَقَالَ لِي: اُدْخُلْ رَحِمَكَ اَللَّهُ، فَدَخَلْتُ فَإِذَا أَبُو اَلْحَسَنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فَقَالَ لِي، اِبْتِدَاءً مِنْهُ: «إِلَيَّ إِلَيَّ لاَ إِلَى اَلْمُرْجِئَةِ، وَ لاَ إِلَى اَلْقَدَرِيَّةِ، وَ لاَ إِلَى اَلزَّيْدِيَّةِ، وَ لاَ إِلَى اَلْمُعْتَزِلَةِ، وَ لاَ إِلَى اَلْخَوَارِجِ» قَالَ:

قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ مَضَى أَبُوكَ؟ قَالَ: «نَعَمْ» قَالَ (1): مَضَى مَوْتاً؟ قَالَ:

«نَعَمْ» قُلْتُ: فَمَنْ لَنَا مِنْ بَعْدِهِ؟ قَالَ: «إِنْ شَاءَ اَللَّهُ أَنْ يَهْدِيَكَ هَدَاكَ» قُلْتُ:

جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنَّ عَبْدَ اَللَّهِ أَخَاكَ يَزْعُمُ أَنَّهُ اَلْإِمَامُ مِنْ بَعْدِ أَبِيهِ، فَقَالَ: «عَبْدُ اَللَّهِ يُرِيدُ أَنْ لاَ يُعْبَدَ اَللَّهُ» قَالَ: قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ فَمَنْ لَنَا بَعْدَهُ؟ فَقَالَ:

«إِنْ شَاءَ اَللَّهُ أَنْ يَهْدِيَكَ هَدَاكَ» قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ فَأَنْتَ هُوَ؟ قَالَ: «لاَ أَقُولُ ذَلِكَ» فَقُلْتُ فِي نَفْسِي لَمْ أَحْسَبْ طَرِيقَ اَلْمَسْأَلَةِ ثُمَّ قُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ عَلَيْكَ إِمَامٌ؟ قَالَ: «لاَ» قَالَ: فَدَخَلَنِي شَيْ ءٌ لاَ يَعْلَمُهُ إِلاَّ اَللَّهُ إِعْظَاماً لَهُ وَ هَيْبَةً، ثُمَّ قُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ أَسْأَلُكَ كَمَا كُنْتُ أَسْأَلُ أَبَاكَ، قَالَ: «سَلْ تُخْبَرْ، لاَ تُذِعْ (2) فَإِنْ أَذَعْتَ فَهُوَ اَلذَّبْحُ» قَالَ: فَسَأَلْتُهُ فَإِذَا هُوَ بَحْرٌ لاَ يُنْزَفُ، قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ شِيعَةُ أَبِيكَ ضُلاَّلٌ فَأُلْقِي إِلَيْهِمْ هَذَا اَلْأَمْرَ وَ أَدْعُوهُمْ إِلَيْكَ، فَقَدْ أَخَذْتَ عَلَيَّ اَلْكِتْمَانَ، قَالَ: «مَنْ آنَسْتَ مِنْهُمْ رُشْداً فَأَلْقِ إِلَيْهِ وَ خُذْ عَلَيْهِ اَلْكِتْمَانَ، فَإِذَا أَذَاعَ فَهُوَ اَلذَّبْحُ» وَ أَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى حَلْقِهِ، قَالَ:

فَخَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ، فَلَقِيتُ أَبَا جَعْفَرٍ اَلْأَحْوَلَ، فَقَالَ لِي: مَا وَرَاءَكَ؟ قُلْتُ:

اَلْهُدَى، وَ حَدَّثْتُهُ بِالْقِصَّةِ، قَالَ: ثُمَّ لَقِينَا زُرَارَةَ وَ أَبَا بَصِيرٍ، فَدَخَلاَ عَلَيْهِ وَ سَمِعَا كَلاَمَهُ وَ سَأَلاَهُ وَ قَطَعَا عَلَيْهِ، ثُمَّ لَقِينَا اَلنَّاسَ أَفْوَاجاً فَكُلُّ مَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ قَطَعَ عَلَيْهِ إِلاَّ طَائِفَةٌ، مِنْهُمْ عَمَّارٌ اَلسَّابَاطِيُّ، وَ بَقِيَ عَبْدُ اَللَّهِ لاَ يَدْخُلُ إِلَيْهِ مِنَ اَلنَّاسِ إِلاَّ اَلْقَلِيلُ .

في ذكر السّبب في وفاة أبي الحسن موسى عليه السّلام:

و كان السّبب في قبض الرّشيد حبسه و قتله،

مَا ذَكَرَهُ أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدِ اَللَّهِ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ اَلنَّوْفَلِيِّ، عَنْ أَبِيهِ وَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ وَ أَبُو مُحَمَّدٍ اَلْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ مَشَايِخِهِمْ، قَالُوا: كَانَ

ص: 308


1- كذا في الأصل، و هي تصحيف: قلت.
2- الإذاعة: الإفشاء.

اَلسَّبَبُ فِي أَخْذِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ أَنَّ اَلرَّشِيدَ جَعَلَ اِبْنَهُ فِي حَجْرِ جَعْفَرِ اِبْنِ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْأَشْعَثِ، فَحَسَدَهُ يَحْيَى بْنُ خَالِدٍ عَنْ ذَلِكَ وَ قَالَ: إِنْ أَفْضَتْ إِلَيْهِ اَلْخِلاَفَةُ زَالَتْ دَوْلَتِي وَ دَوْلَةُ وُلْدِي، فَاحْتَالَ عَلَى جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَ كَانَ يَقُولُ بِالْإِمَامَةِ حَتَّى دَاخَلَهُ وَ أَنِسَ إِلَيْهِ، وَ كَانَ يُكْثِرُ غِشْيَانَهُ فِي مَنْزِلِهِ، فَيَقِفُ عَلَى أَمْرِهِ وَ يَرْفَعُهُ إِلَى اَلرَّشِيدِ، وَ يَزِيدُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ بِمَا يَقْدَحُ فِي قَلْبِهِ، ثُمَّ قَالَ يَوْماً لِبَعْضِ ثِقَاتِهِ أَ تَعْرِفُونَ لِي رَجُلاً مِنْ آلِ أَبِي طَالِبٍ لَيْسَ بِوَاسِعِ اَلْحَالِ فَيُعَرِّفَنِي مَا أَحْتَاجُ إِلَيْهِ، فَدُلَّ عَلَى عَلِيِّ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ فَحَمَلَ إِلَيْهِ يَحْيَى بْنُ خَالِدٍ مَالاً، وَ كَانَ مُوسَى عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ يَأْنَسُ بِعَلِيِّ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدٍ. وَ يَصِلُهُ وَ يَبَرُّهُ، ثُمَّ أَنْفَذَ إِلَيْهِ يَحْيَى بْنُ خَالِدٍ يُرَغِّبُهُ فِي قَصْدِ اَلرَّشِيدِ وَ يَعِدُهُ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ، فَعَمِلَ عَلَى ذَلِكَ، وَ أَحَسَّ بِهِ مُوسَى عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فَدَعَاهُ، فَقَالَ لَهُ: «إِلَى أَيْنَ يَابْنَ أَخِي؟» قَالَ: إِلَى بَغْدَادَ، قَالَ: «وَ مَا تَصْنَعُ؟» قَالَ: عَلَيَّ دَيْنٌ وَ أَنَا مُمْلِقٌ (1) فَقَالَ لَهُ مُوسَى عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: «فَأَنَا أَقْضِي دَيْنَكَ، وَ أَفْعَلُ بِكَ وَ أَصْنَعُ» فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى ذَلِكَ، وَ عَمِلَ عَلَى اَلْخُرُوجِ، فَاسْتَدْعَاهُ أَبُو اَلْحَسَنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ قَالَ لَهُ: «أَنْتَ خَارِجٌ؟» قَالَ: نَعَمْ لاَ بُدَّ لِي مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ: «اُنْظُرْ يَابْنَ أَخِي وَ اِتَّقِ اَللَّهَ وَ لاَ تُؤْتِمْ أَوْلاَدِي» وَ أَمَرَ لَهُ بِثَلاَثِمِائَةِ دِينَارٍ وَ أَرْبَعَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ، فَلَمَّا قَامَ بَيْنَ يَدَيْهِ قَالَ أَبُو اَلْحَسَنِ مُوسَى عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ لِمَنْ حَضَرَهُ: «وَ اَللَّهِ لَيَسْعَيَنَّ فِي دَمِي وَ لَيُؤْتِمَنَّ أَوْلاَدِي» فَقَالُوا لَهُ:

جَعَلَنَا اَللَّهُ فِدَاكَ فَأَنْتَ تَعْلَمُ هَذَا مِنْ حَالِهِ وَ تُعْطِيهِ وَ تَصِلُهُ، قَالَ لَهُمْ: «نَعَمْ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ آبَائِهِ، عَنْ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ أَنَّ اَلرَّحِمَ إِذَا قُطِعَتْ فَوَصَلَتْ فَقُطِعَتْ قَطَعَهَا اَللَّهُ، وَ إِنِّي أَرَدْتُ أَنْ أَصِلَهُ بَعْدَ قَطْعِهِ لِي، حَتَّى إِذَا قَطَعَنِي قَطَعَهُ اَللَّهُ».

قَالُوا: فَخَرَجَ عَلِيُّ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَتَّى أَتَى يَحْيَى بْنَ خَالِدٍ، فَتَعَرَّفَ مِنْهُ خَبَرَ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ، فَرَفَعَهُ إِلَى اَلرَّشِيدِ، وَ زَادَ فِيهِ، ثُمَّ أَوْصَلَهُ إِلَى اَلرَّشِيدِ، فَسَأَلَهُ عَنْ عَمِّهِ، فَسَعَى بِهِ إِلَيْهِ وَ قَالَ لَهُ: إِنَّ اَلْأَمْوَالَ تُحْمَلُ إِلَيْهِ مِنَ اَلْمَشْرِقِ وَ اَلْمَغْرِبِ، وَ إِنَّهُ اِشْتَرَى ضَيْعَةً سَمَّاهَا اَلْيَسِيرَ بِثَلاَثِينَ أَلْفَ دِينَارٍ، فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهَا وَ قَدْ أَحْضَرَهُ اَلْمَالَ: لاَ آخُذُ هَذَا اَلنَّقْدَ وَ لاَ آخُذُ

ص: 309


1- الإملاق: الفقر و الفاقة.

إِلاَّ نَقْدَ كَذَا وَ كَذَا، فَأَمَرَ بِذَلِكَ اَلْمَالِ فَرُدَّ وَ أَعْطَاهُ ثَلاَثِينَ أَلْفَ دِينَارٍ مِنَ اَلنَّقْدِ اَلَّذِي سَأَلَ بِعَيْنِهِ، فَسَمِعَ ذَلِكَ مِنْهُ اَلرَّشِيدُ وَ أَمَرَ لَهُ بِمِائَتَيْ أَلْفِ دِرْهَمٍ يُسَبَّبُ بِهَا عَلَى بَعْضِ اَلنَّوَاحِي، فَاخْتَارَ بَعْضَ كُوَرِ اَلْمَشْرِقِ، وَ مَضَتْ رُسُلُهُ لِقَبْضِ اَلْمَالِ، وَ أَقَامَ وُصُولَهُ فَدَخَلَ فِي بَعْضِ تِلْكَ اَلْأَيَّامِ إِلَى اَلْخَلاَءِ، فَزَحَرَ زَحْرَةً خَرَجَتْ مِنْهَا حِشْوَتُهُ كُلُّهَا، فَسَقَطَ وَ جَهَدُوا فِي رَدِّهَا فَلَمْ يَقْدِرُوا، فَرُفِعَ لِمَا بِهِ، وَ جَاءَهُ اَلْمَالُ وَ هُوَ يَنْزِعُ، فَقَالَ: مَا أَصْنَعُ بِهِ وَ أَنَا فِي اَلْمَوْتِ.

وَ خَرَجَ اَلرَّشِيدُ فِي تِلْكَ اَلسَّنَةِ إِلَى اَلْحَجِّ وَ بَدَأَ بِالْمَدِينَةِ، فَقَبَضَ فِيهَا عَلَى أَبِي اَلْحَسَنِ مُوسَى عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ يُقَالُ: إِنَّهُ لَمَّا وَرَدَ اَلْمَدِينَةَ اِسْتَقْبَلَهُ مُوسَى عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فِي جَمَاعَةٍ مِنَ اَلْأَشْرَافِ وَ اِنْصَرَفُوا مِنِ اِسْتِقْبَالِهِ، فَمَضَى أَبُو اَلْحَسَنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ إِلَى اَلْمَسْجِدِ عَلَى رَسْمِهِ، فَقَامَ اَلرَّشِيدُ إِلَى اَللَّيْلِ، فَصَارَ إِلَى قَبْرِ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اَللَّهِ إِنِّي أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِنْ شَيْ ءٍ أُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَهُ، أُرِيدُ أَنْ أَحْبِسَ مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ، فَإِنَّهُ يُرِيدُ اَلتَّشْتِيتَ بَيْنَ أُمَّتِكَ وَ سَفْكِ دِمَائِهَا، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَأُخِذَ مِنَ اَلْمَسْجِدِ فَأُدْخِلَ عَلَيْهِ، فَقَيَّدَهُ وَ اِسْتَدْعَى قُبَّتَيْنِ، فَجَعَلَهُ فِي إِحْدَاهُمَا عَلَى بَغْلٍ، وَ جَعَلَ اَلْقُبَّةَ اَلْأُخْرَى عَلَى بَغْلٍ آخَرَ، وَ خَرَجَ اَلْبَغْلاَنِ مِنْ دَارِهِ عَلَيْهِمَا اَلْقُبَّتَانِ مَسْتُورَتَانِ، وَ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَيْلٌ، فَافْتَرَقَتِ اَلْخَيْلُ، فَمَضَى بَعْضُهَا مَعَ إِحْدَى اَلْقُبَّتَيْنِ عَلَى طَرِيقِ اَلْبَصْرَةِ، وَ اَلْأُخْرَى عَلَى طَرِيقِ اَلْكُوفَةِ، وَ كَانَ أَبُو اَلْحَسَنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فِي اَلْقُبَّةِ اَلَّتِي مَضَى بِهَا عَلَى طَرِيقِ اَلْبَصْرَةِ، وَ إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ اَلرَّشِيدُ لِيُعَمِّيَ اَلنَّاسَ اَلْأَمْرَ فِي بَابِ أَبِي اَلْحَسَنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ أَمَرَ اَلْقَوْمَ اَلَّذِينَ كَانُوا مَعَ قُبَّةِ أَبِي اَلْحَسَنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ أَنْ يُسَلِّمُوهُ إِلَى عِيسَى بْنِ جَعْفَرِ بْنِ اَلْمَنْصُورِ، وَ كَانَ عَلَى اَلْبَصْرَةِ حِينَئِذٍ، فَسُلِّمَ إِلَيْهِ فَحَبَسَهُ عِنْدَهُ سَنَةً، وَ كَتَبَ إِلَيْهِ اَلرَّشِيدُ فِي دَمِهِ، فَاسْتَدْعَى عِيسَى بْنُ جَعْفَرٍ بَعْضَ خَاصَّتِهِ وَ ثِقَاتِهِ، فَاسْتَشَارَهُمْ فِيمَا كَتَبَ إِلَيْهِ اَلرَّشِيدُ فِي دَمِهِ فَأَشَارُوا إِلَيْهِ بِالتَّوَقُّفِ عَنْ ذَلِكَ وَ اَلْإِسْتِعْفَاءِ مِنْهُ، فَكَتَبَ عِيسَى بْنُ جَعْفَرٍ إِلَى اَلرَّشِيدِ يَقُولُ لَهُ: لَقَدْ طَالَ أَمْرُ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ وَ مُقَامُهُ فِي حَبْسِي وَ قَدِ اِخْتَبَرْتُ حَالَهُ وَ وَضَعْتُ عَلَيْهِ اَلْعُيُونَ طُولَ هَذِهِ اَلْمُدَّةِ، فَمَا وَجَدْتُهُ يَفْتُرُ عَنِ اَلْعِبَادَةِ، وَ وَضَعْتُ مَنْ يَسْمَعُ مِنْهُ مَا يَقُولُ فِي دُعَائِهِ، فَمَا دَعَى عَلَيْكَ وَ لاَ عَلَيَّ وَ لاَ ذَكَرَنَا بِسُوءٍ، وَ مَا يَدْعُو لِنَفْسِهِ إِلاَّ بِالْمَغْفِرَةِ وَ اَلرَّحْمَةِ، فَإِنْ أَنْتَ أَنْفَذْتَ إِلَيَّ مَنْ يَتَسَلَّمُهُ مِنِّي وَ إِلاَّ خَلَّيْتُ سَبِيلَهُ

ص: 310

فَإِنِّي مُتَحَرِّجٌ (1) مِنْ حَبْسِهِ.

وَ رُوِيَ أَنَّ بَعْضَ عُيُونِ عِيسَى بْنِ جَعْفَرٍ رَفَعَ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَسْمَعُهُ كَثِيراً يَقُولُ فِي دُعَائِهِ وَ هُوَ مَحْبُوسٌ عِنْدَهُ: «اَللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ أَسْأَلُكَ أَنْ تَفْرَغَنِي لِعِبَادَتِكَ، اَللَّهُمَّ وَ قَدْ فَعَلْتَ فَلَكَ اَلْحَمْدُ» قَالَ: فَوَجَّهَ اَلرَّشِيدُ مَنْ تَسَلَّمَهُ مِنْ عِيسَى بْنِ جَعْفَرٍ اَلْمَنْصُورِ، وَ صَيَّرَ بِهِ إِلَى بَغْدَادَ، فَسَلَّمَ إِلَى اَلْفَضْلِ بْنِ اَلرَّبِيعِ، فَبَقِيَ عِنْدَهُ مُدَّةً طَوِيلَةً، فَأَرَادَهُ اَلرَّشِيدُ عَلَى شَيْ ءٍ مِنْ أَمْرِهِ فَأَبَى، فَكَتَبَ إِلَيْهِ بِتَسْلِيمِهِ إِلَى اَلْفَضْلِ بْنِ يَحْيَى، فَتَسَلَّمَهُ مِنْهُ وَ جَعَلَهُ فِي بَعْضِ حُجَرِ دُورِهِ وَ وَضَعَ عَلَيْهِ اَلرَّصَدَ، وَ كَانَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ مَشْغُولاً بِالْعِبَادَةِ يُحْيِي اَللَّيْلَ كُلَّهُ صَلاَةً وَ قِرَاءَةَ اَلْقُرْآنِ، وَ دُعَاءً، وَ اِجْتِهَاداً، وَ يَصُومُ اَلنَّهَارَ فِي أَكْثَرِ اَلْأَيَّامِ، وَ لاَ يَصْرِفُ وَجْهَهُ عَنِ اَلْمِحْرَابِ فَوَسَّعَ عَلَيْهِ اَلْفَضْلُ بْنُ يَحْيَى وَ أَكْرَمَهُ فَاتَّصَلَ ذَلِكَ بِالرَّشِيدِ فَهُوَ فِي اَلرِّقَةِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ يُنْكِرُ عَلَيْهِ تَوْسِعَتَهُ عَلَى مُوسَى عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ يَأْمُرُهُ بِقَتْلِهِ، فَتَوَقَّفَ عَنْ ذَلِكَ وَ لَمْ يُقْدِمْ عَلَيْهِ، فَاغْتَاظَ اَلرَّشِيدُ لِذَلِكَ، وَ دَعَا مَسْرُوراً اَلْخَادِمَ فَقَالَ لَهُ اُخْرُجْ عَلَى اَلْبَرِيدِ فِي هَذَا اَلْوَقْتِ إِلَى بَغْدَادَ وَ اُدْخُلْ مِنْ فَوْرِكَ عَلَى مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ، فَإِنْ وَجَدْتَهُ فِي دَعَةٍ وَ رَفَاهِيَةٍ فَأَوْصِلْ هَذَا اَلْكِتَابَ إِلَى اَلْعَبَّاسِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَ مُرْهُ بِامْتِثَالِ مَا فِيهِ وَ سَلَّمَ إِلَيْهِ كِتَاباً آخَرَ إِلَى اَلسِّنْدِيِّ بْنِ شَاهَكَ يَأْمُرُهُ فِيهِ بِطَاعَةِ اَلْعَبَّاسِ بْنِ مُحَمَّدٍ فَقَدِمَ مَسْرُورٌ فَنَزَلَ دَارَ اَلْفَضْلِ بْنِ يَحْيَى لاَ يَدْرِي أَحَدٌ مَا يُرِيدُ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَى مُوسَى عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فَوَجَدَهُ عَلَى مَا بَلَغَ اَلرَّشِيدَ، فَمَضَى مِنْ فَوْرِهِ إِلَى اَلْعَبَّاسِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَ اَلسِّنْدِيِّ بْنِ شَاهَكَ، فَأَوْصَلَ اَلْكِتَابَيْنِ إِلَيْهِمَا، فَلَمْ يَلْبَثِ اَلنَّاسُ أَنْ خَرَجَ اَلرَّسُولُ يَرْكُضُ رَكْضاً إِلَى اَلْفَضْلِ بْنِ يَحْيَى، فَدَعَا اَلْعَبَّاسُ بِسِيَاطٍ وَ عِقَابَيْنِ، وَ أَمَرَ بِالْفَضْلِ فَجُرِّدَ، وَ ضَرَبَهُ اَلسِّنْدِيُّ بَيْنَ يَدَيْهِ مِائَةَ سَوْطٍ وَ خَرَجَ مُتَغَيِّرَ اَللَّوْنِ خِلاَفَ مَا دَخَلَ، وَ جَعَلَ يُسَلِّمُ عَلَى اَلنَّاسِ يَمِيناً وَ شِمَالاً.

وَ كَتَبَ مَسْرُورٌ بِالْخَبَرِ إِلَى اَلرَّشِيدِ، فَأَمَرَ بِتَسْلِيمِ مُوسَى عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ إِلَى اَلسِّنْدِيِّ اِبْنِ شَاهَكَ، وَ جَلَسَ اَلرَّشِيدُ مَجْلِساً حَافِلاً وَ قَالَ: أَيُّهَا اَلنَّاسُ إِنَّ اَلْفَضْلَ بْنَ

ص: 311


1- أي واقع في الحرج.

يَحْيَى قَدْ عَصَانِي وَ خَالَفَ طَاعَتِي، وَ رَأَيْتُ أَنْ أَلْعَنَهُ فَالْعَنُوهُ، فَلَعَنَهُ اَلنَّاسُ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ حَتَّى اِرْتَجَّ (1) اَلْبَيْتُ وَ اَلدَّارُ بِلَعْنِهِ، وَ بَلَغَ يَحْيَى بْنَ خَالِدٍ اَلْخَبَرُ، فَرَكِبَ إِلَى اَلرَّشِيدِ فَدَخَلَ مِنْ غَيْرِ اَلْبَابِ اَلَّذِي يَدْخُلُ اَلنَّاسُ مِنْهُ، حَتَّى جَاءَهُ مِنْ خَلْفِهِ وَ هُوَ لاَ يَشْعُرُ بِهِ ثُمَّ قَالَ لَهُ: اِلْتَفِتْ يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ إِلَيَّ، فَأَصْغَى إِلَيْهِ فَزِعاً فَقَالَ: إِنَّ اَلْفَضْلَ حَدَثٌ وَ أَنَا أَكْفِيكَ مَا تُرِيدُ، فَانْطَلَقَ وَجْهُهُ وَ سُرَّ وَ أَقْبَلَ عَلَى اَلنَّاسِ فَقَالَ: إِنَّ اَلْفَضْلَ كَانَ قَدْ عَصَانِي فِي شَيْ ءٍ فأصنته [فَلَعَنْتُهُ] وَ قَدْ تَابَ وَ أَنَابَ إِلَى طَاعَتِي فَتَوَلَّوْهُ، فَقَالَ (2): نَحْنُ أَوْلِيَاءُ مَنْ وَالَيْتَ وَ أَعْدَاءُ مَنْ عَادَيْتَ وَ قَدْ تَوَلَّيْنَاهُ، ثُمَّ خَرَجَ يَحْيَى بْنُ خَالِدٍ عَلَى اَلْبَرِيدِ حَتَّى وَافَى بَغْدَادَ، فَمَاجَ اَلنَّاسُ وَ أَرْجَفُوا بِكُلِّ شَيْ ءٍ، وَ أَظْهَرَ أَنَّهُ وَرَدَ لِتَعْدِيلِ اَلسَّوَادِ وَ اَلنَّظَرِ فِي أُمُورِ اَلْعُمَّالِ، وَ تَشَاغَلَ بِبَعْضِ ذَلِكَ أَيَّاماً.

ثُمَّ دَعَى اَلسِّنْدِيَّ بْنَ شَاهَكَ فَأَمَرَهُ فِيهِ بِأَمْرِهِ فَامْتَثَلَهُ، وَ كَانَ اَلَّذِي تَوَلَّي بِهِ اَلسِّنْدِيُّ قَتْلَهُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ سَمّاً جَعَلَهُ فِي طَعَامٍ قَدَّمَهُ إِلَيْهِ، وَ يُقَالُ: إِنَّهُ جَعَلَهُ فِي رُطَبٍ فَأَكَلَ مِنْهُ فَأَحَسَّ بِالسَّمِّ، وَ لَبِثَ ثَلاَثاً بَعْدَهُ مَوْعُوكاً(3) مِنْهُ ثُمَّ مَاتَ فِي اَلْيَوْمِ اَلثَّالِثِ.

وَ لَمَّا مَاتَ مُوسَى عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ أَدْخَلَ اَلسِّنْدِيُّ بْنُ شَاهَكَ عَلَيْهِ اَلْفُقَهَاءَ وَ وُجُوهَ أَهْلِ بَغْدَادَ، وَ فِيهِمُ اَلْهَيْثَمُ بْنُ عَدِيٍّ وَ غَيْرُهُ، فَنَظَرُوا إِلَيْهِ لاَ أَثَرَ بِهِ مِنْ جِرَاحٍ وَ لاَ خَنَقٍ، وَ أَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنَّهُ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ فَشَهِدُوا عَلَى ذَلِكَ، وَ أُخْرِجَ وَ وُضِعَ عَلَى اَلْجِسْرِ بِبَغْدَادَ، وَ نُودِيَ عَلَيْهِ هَذَا مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ قَدْ مَاتَ فَانْظُرُوا إِلَيْهِ، فَجَعَلَ اَلنَّاسُ يَتَفَرَّسُونَ فِي وَجْهِهِ وَ هُوَ مَيِّتٌ، وَ قَدْ كَانَ قَوْمٌ زَعَمُوا فِي أَيَّامِ مُوسَى عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ أَنَّهُ هُوَ اَلْقَائِمُ اَلْمُنْتَظَرُ، وَ جَعَلُوا حَبْسَهُ هُوَ اَلْغَيْبَةَ اَلْمَذْكُورَةَ لِلْقَائِمِ، فَأَمَرَ يَحْيَى بْنُ خَالِدٍ أَنْ يُنَادَى عَلَيْهِ عِنْدَ مَوْتِهِ: هَذَا مُوسَى اِبْنُ جَعْفَرٍ اَلَّذِي تَزْعُمُ اَلرَّافِضَةُ أَنَّهُ هُوَ اَلْقَائِمُ لاَ يَمُوتُ، فَانْظُرُوا إِلَيْهِ، فَنَظَرَ اَلنَّاسُ إِلَيْهِ مَيِّتاً.

ص: 312


1- أي اضطرب.
2- كذا في الأصل، و هي تصحيف: فقالوا.
3- أي محموما.

ثُمَّ حُمِلَ وَ دُفِنَ فِي مَقَابِرِ قُرَيْشٍ فِي بَابِ اَلتِّينِ، وَ كَانَتْ هَذِهِ اَلْمَقْبَرَةُ لِبَنِي هَاشِمٍ وَ اَلْأَشْرَافِ مِنَ اَلنَّاسِ قَدِيماً .

وَ رُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا حَضَرَتْهُ اَلْوَفَاةُ سَأَلَ اَلسِّنْدِيَّ بْنَ شَاهَكَ أَنْ يَحْضُرَهُ (1)مَوْلًى لَهُ مَدَنِيّاً يَنْزِلُ عِنْدَ دَارِ اَلْعَبَّاسِ بْنِ مُحَمَّدٍ فِي مَشْرَعَةِ اَلْقَصَبِ، لِيَتَوَلَّى غُسْلَهُ وَ تَكْفِينَهُ، فَفَعَلَ ذَلِكَ، قَالَ اَلسِّنْدِيُّ: فَكُنْتُ سَأَلْتُهُ فِي اَلْإِذْنِ لِي أَنْ أُكَفِّنَهُ فَأَبَى وَ قَالَ: إِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ مُهُورُ نِسَائِنَا، وَ حَجُّ صَرُورَتِنَا، وَ أَكْفَانُ مَوْتَانَا مِنْ طَاهِرِ أَمْوَالِنَا وَ عِنْدِي كَفَنِي وَ أُرِيدُ أَنْ يَتَوَلَّى غُسْلِي وَ جِهَازِي مَوْلاَيَ فُلاَنٌ، فَتَوَلَّى ذَلِكَ مِنْهُ .

في ذكر ولد أبي الحسن موسى عليه السّلام و عددهم و أسمائهم:

وَ كَانَ لِأَبِي اَلْحَسَنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ سَبْعَةٌ وَ ثَلاَثُونَ وَلَداً ذَكَراً وَ أُنْثَى، مِنْهُمْ: عَلِيُّ بْنُ مُوسَى اَلرِّضَا عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ إِبْرَاهِيمُ، وَ اَلْعَبَّاسُ، وَ اَلْقَاسِمُ، لِأُمَّهَاتِ أَوْلاَدٍ، وَ إِسْمَاعِيلُ، وَ جَعْفَرٌ، وَ هَارُونُ، وَ اَلْحَسَنُ لِأُمِّ وَلَدٍ، وَ أَحْمَدُ، وَ مُحَمَّدٌ، وَ حَمْزَةُ لِأُمِّ وَلَدٍ، وَ عَبْدُ اَللَّهِ، وَ إِسْحَاقُ، وَ عُبَيْدُ اَللَّهِ، وَ زَيْدٌ، وَ اَلْحُسَيْنُ، وَ اَلْفَضْلُ، وَ سُلَيْمَانُ، لِأُمَّهَاتِ أَوْلاَدٍ، وَ فَاطِمَةُ اَلْكُبْرَى، وَ فَاطِمَةُ اَلصُّغْرَى، وَ رُقَيَّةُ، وَ حَكِيمَةُ، وَ أُمُّ أَبِيهَا، وَ رُقَيَّةُ اَلصُّغْرَى، وَ أُمُّ جَعْفَرٍ، وَ لُبَابَةُ، وَ زَيْنَبُ، وَ خَدِيجَةُ وَ عُلَيَّةُ، وَ آمِنَةُ، وَ حَسَنَةُ، وَ بُرَيْهَةُ، وَ عَائِشَةُ، وَ أُمُّ سَلَمَةَ، وَ مَيْمُونَةُ، وَ أُمُّ كُلْثُومٍ لِأُمَّهَاتِ أَوْلاَدٍ.

ص: 313


1- كذا في الأصل.

ص: 314

الباب العاشر: في ذكر الإمام القائم بعد أبي الحسن موسى عليه السّلام من ولده، و تاريخ مولده، و دلائل إمامته، و مبلغ سنّه، و مدّة خلافته، و وقت وفاته، و سببها، و موضع قبره، و عدد أولاده، و مختصر من أخباره

اشارة

الباب العاشر: في ذكر الإمام القائم بعد أبي الحسن موسى عليه السّلام من ولده، و تاريخ مولده، و دلائل(1) إمامته، و مبلغ سنّه، و مدّة خلافته، و وقت وفاته، و سببها، و موضع قبره، و عدد أولاده، و مختصر من أخباره

و كان الإمام بعد أبي الحسن موسى عليه السّلام ابنه أبا الحسن علي بن موسى الرّضا عليهما السّلام لفضله على جماعة أخوته و أهل بيته و ظهور علمه، و ورعه، و اجتماع الخاصّة و العامّة على ذلك فيه، و معرفتهم به منه، و لنصّ أبيه عليه السّلام على إمامته من بعده، و إشارته إليه بذلك دون جماعة أخوته و أهل بيته.

ولادته عليه السّلام:

وَ كَانَ مَوْلِدُهُ فِي اَلْمَدِينَةِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَ أَرْبَعِينَ وَ مِائَةٍ.

وفاته عليه السّلام:

وَ قُبِضَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بِطُوسَ مِنْ أَرْضِ خُرَاسَانَ فِي صَفَرٍ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَ مِائَتَيْنِ، وَ لَهُ يَوْمَئِذٍ خَمْسٌ وَ خَمْسُونَ سَنَةً وَ أُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ يُقَالُ لَهَا: أُمُّ اَلْبَنِينَ.

ص: 315


1- في الأصل: دلايل.

مدّة إمامته عليه السّلام:

وَ كَانَتْ مُدَّةُ إِمَامَتِهِ وَ قِيَامِهِ بَعْدَ أَبِيهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ عِشْرِينَ سَنَةً.

في ذكر طرف من النّصّ على أبي الحسن الرّضا عليّ بن موسى الرّضا عليهما السّلام:

فممّن روى النّصّ على الرّضا عليّ بن موسى عليهما السّلام بالإمامة من أبيه و الإشارة إليه منه بذلك من خاصّته و ثقاته و أهل العلم و الورع و الفقه من شيعته: داود بن كثير الرّقيّ، و محمّد بن إسحاق بن عمّار، و عليّ بن يقطين، و نعيم القابوسي و غيرهم ممّن يطول بذكره الكتاب.

أَخْبَرَنِي أَبُو اَلْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قُولَوَيْهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ وَ إِسْمَاعِيلَ بْنِ غِيَاثٍ اَلْقَصْرِيِّ جَمِيعاً، عَنْ دَاوُدَ اَلرَّقِّيِّ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنِّي قَدْ كَبِرْتُ وَ صِرْتُ شَيْخاً فَخُذْ بِيَدِي وَ أَنْقِذْنِي مِنَ اَلنَّارِ، فَمَنْ صَاحِبُنَا بَعْدَكَ؟ قَالَ: فَأَشَارَ إِلَى اِبْنِهِ أَبِي اَلْحَسَنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فَقَالَ:

«هَذَا صَاحِبُكُمْ مِنْ بَعْدِي» .

وَ بِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ مُعَلَّى بْنِ فِهْرٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ فِهْرِ بْنِ عَبْدِ اَللَّهِ، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ، قَالَ:

قُلْتُ لِأَبِي اَلْحَسَنِ اَلْأَوَّلِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: أَ لاَ تَدُلُّنِي عَلَى مَنْ آخُذُ مِنْهُ دِينِي، فَقَالَ:

«هَذَا اِبْنِي عَلِيٌّ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ». ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ أَبِي أَخَذَ بِيَدِي فَأَدْخَلَنِي عَلَى قَبْرِ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ، فَقَالَ: يَا بُنَيَّ إِنَّ اَللَّهَ جَلَّ ذِكْرُهُ قَالَ: إِنِّي جٰاعِلٌ فِي اَلْأَرْضِ خَلِيفَةً (1) وَ إِنَّ اَللَّهَ إِذَا قَالَ قَوْلاً وَفَى بِهِ .

وَ بِهَذَا اَلْإِسْنَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ اَلْحَسَنِ اِبْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ نُعَيْمٍ اَلسَّمَّانِ [اَلصَّحَافِ]، قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَ هِشَامُ بْنُ اَلْحَكَمِ وَ عَلِيُّ بْنُ

ص: 316


1- سورة البقرة، الآية: 30.

يَقْطِينٍ بِبَغْدَادَ، فَقَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ يَقْطِينٍ: كُنْتُ عِنْدَ عبد [اَلْعَبْدِ] اَلصَّالِحِ (1)، فَقَالَ:

«يَا عَلِيَّ بْنَ يَقْطِينٍ، هَذَا عَلِيٌّ سَيِّدُ وُلْدِي، أَمَا إِنَّهُ قَدْ نَحَلْتُهُ كُنْيَتِي» فَصَرَفَ هِشَامٌ بِرَاحَتِهِ جَبْهَتَهُ، ثُمَّ قَالَ: وَيْحَكَ كَيْفَ قُلْتَ؟ فَقَالَ هِشَامٌ: إِنَّ اَلْأَمْرَ وَ اَللَّهِ فِيهِ مِنْ بَعْدِهِ.

وَ بِهَذَا اَلْإِسْنَادِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حُكَيْمٍ، عَنْ نُعَيْمٍ اَلْقَابُوسِيِّ، عَنْ أَبِي اَلْحَسَنِ مُوسَى عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، قَالَ: «اِبْنِي عَلِيٌّ أَكْبَرُ وُلْدِي، وَ آثَرُهُمْ عِنْدِي، وَ أَحَبُّهُمْ إِلَيَّ، وَ هُوَ يَنْظُرُ مَعِي فِي اَلْجَفْرِ، وَ لَمْ يَنْظُرْ فِيهِ إِلاَّ نَبِيٌّ أَوْ وَصِيُّ نَبِيٍّ.، و الأدلة في ذلك كثيرة، و شواهده جمة.

في ذكر طرف من دلائل أبي الحسن عليّ بن موسى الرّضا عليه السّلام:

في ذكر طرف من دلائل(2)أبي الحسن عليّ بن موسى الرّضا عليه السّلام:

أَخْبَرَنِي أَبُو اَلْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ اِبْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ اِبْنِ جُمْهُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اَللَّهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عُبَيْدِ اَللَّهِ، عَنِ اَلْغِفَارِيِّ قَالَ: كَانَ لِرَجُلٍ مِنْ آلِ أَبِي رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ يُقَالُ لَهُ فُلاَنُ عَلَيَّ حَقٌّ دَيْنٌ، فَتَقَاضَانِي وَ أَلَحَّ عَلَيَّ، فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ صَلَّيْتُ اَلصُّبْحَ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ثُمَّ تَوَجَّهْتُ نَحْوَ اَلرِّضَا عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ هُوَ يَوْمَئِذٍ بِالْعُرَيْضِ فَلَمَّا قَرُبْتُ مِنْ بَابِهِ، فَإِذَا هُوَ قَدْ طَلَعَ عَلَى حِمَارٍ وَ عَلَيْهِ قَمِيصٌ وَ رِدَاءٌ، فَلَمَّا نَظَرْتُ إِلَيْهِ اِسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ، فَلَمَّا لَحِقَنِي وَقَفَ وَ نَظَرَ إِلَيَّ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، وَ كَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ، فَقُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنَّ لِمَوْلاَكَ فُلاَنٍ عَلَيَّ حَقّاً وَ قَدْ وَ اَللَّهِ شَهَرَنِي، وَ أَنَا وَ اَللَّهِ أَظُنُّ فِي نَفْسِي أَنَّهُ يَأْمُرُهُ بِالْكَفِّ عَنِّي، وَ وَ اَللَّهِ مَا قُلْتُ لَهُ كَمْ لَهُ عَلَيَّ وَ لاَ سَمَّيْتُ لَهُ شَيْئاً، فَأَمَرَنِي بِالْجُلُوسِ إِلَى رُجُوعِهِ، فَلَمْ أَزَلْ حَتَّى صَلَّيْتُ اَلْمَغْرِبَ وَ أَنَا صَائِمٌ، فَضَاقَ صَدْرِي وَ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَرِفَ، فَإِذَا هُوَ قَدْ طَلَعَ عَلَيَّ وَ حَوْلَهُ اَلنَّاسُ، وَ قَدْ قَعَدَ لَهُ اَلسُّؤَّالُ وَ هُوَ يَتَصَدَّقُ عَلَيْهِمْ فَمَضَى وَ قَدْ دَخَلَ، فَدَخَلَ بَيْتَهُ ثُمَّ خَرَجَ، وَ دَعَانِي فَقُمْتُ إِلَيْهِ

ص: 317


1- كذا في الأصل.
2- في الأصل: دلايل.

وَ دَخَلْتُ مَعَهُ، فَجَلَسَ وَ جَلَسْتُ مَعَهُ، فَجَعَلْتُ أُحَدِّثُهُ عَنِ اِبْنِ اَلْمُسَيَّبِ، وَ كَانَ كَثِيراً مَا أُحَدِّثُ عَنْهُ، فَلَمَّا فَرَغْتُ قَالَ: «مَا أَظُنُّكَ أَفْطَرْتَ بَعْدُ؟» فَقُلْتُ:

لاَ، فَدَعَا لِي بِطَعَامٍ فَوَضَعَ بَيْنَ يَدَيَّ، وَ أَمَرَ اَلْغُلاَمَ أَنْ يَأْكُلَ مَعِي، فَأَصَبْتُ أَنَا وَ اَلْغُلاَمُ مِنَ اَلطَّعَامِ، فَلَمَّا فَرَغْنَا قَالَ: اِرْفَعِ اَلْوِسَادَةَ وَ خُذْ مَا تَحْتَهَا فَرَفَعْتُهَا، فَإِذَا دَنَانِيرُ، فَأَخَذْتُهَا وَ وَضَعْتُهَا فِي كُمِّي، وَ أَمَرَ أَرْبَعَةً مِنْ عَبِيدِهِ أَنْ يَكُونُوا مَعِي حَتَّى يُبَلِّغُونِي مَنْزِلِي، فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنَّ طَائِفَ بْنَ اَلْمُسَيَّبِ يَقْعُدُ وَ أَكْرَهُ أَنْ يَلْقَانِي وَ مَعِي عَبِيدُكَ، فَقَالَ: أَصَبْتَ أَصَابَ اَللَّهُ بِكَ اَلرَّشَادَ، وَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَنْصَرِفُوا إِذَا رَدَدْتُهُمْ، فَلَمَّا دَنَوْتُ مِنْ مَنْزِلِي وَ آنَسْتُ رَدَدْتُهُمْ وَ صِرْتُ إِلَى مَنْزِلِي وَ دَعَوْتُ اَلسِّرَاجَ، وَ نَظَرْتُ إِلَى اَلدَّنَانِيرِ فَإِذَا هِيَ ثَمَانِيَةٌ وَ أَرْبَعُونَ دِينَاراً، وَ كَانَ حَقَّ اَلرَّجُلِ عَلَيَّ ثَمَانِيَةٌ وَ عِشْرُونَ دِينَاراً، وَ كَانَ فِيهَا دِينَارٌ يَلُوحُ فَأَعْجَبَنِي حُسْنُهُ، فَأَخَذْتُهُ وَ قَرَّبْتُهُ مِنَ اَلسِّرَاجِ فَإِذَا عَلَيْهِ نَقْشٌ وَاضِحٌ حَقُّ اَلرَّجُلِ عَلَيْكَ ثَمَانِيَةٌ وَ عِشْرُونَ دِينَاراً، وَ مَا بَقِيَ فَهُوَ لَكَ وَ لاَ وَ اَللَّهِ مَا كُنْتُ عَرَفْتُ مَا لَهُ عَلَيَّ عَلَى اَلتَّحْدِيدِ .

و الأخبار في ذلك كثيرة يطول بشرحها الكتاب.

ذكر وفاة الرّضا عليّ بن موسى الرّضا عليه السّلام و سببها و طرف من الأخبار في ذلك:

وَ كَانَ اَلرِّضَا عَلِيُّ بْنُ مُوسَى عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ يُكْثِرُ وَعْظَ اَلْمَأْمُونِ إِذَا خَلاَ بِهِ وَ يُخَوِّفُهُ بِاللَّهِ، وَ يُقَبِّحُ مَا يَرْتَكِبُهُ مِنْ خِلاَفِهِ، فَكَانَ اَلْمَأْمُونُ يُظْهِرُ قَبُولَ ذَلِكَ مِنْهُ وَ يُبَطِّنُ كَرَاهَتَهُ وَ اِسْتِثْقَالَهُ، وَ دَخَلَ اَلرِّضَا عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ يَوْماً فَرَآهُ يَتَوَضَّأُ لِلصَّلاَةِ وَ اَلْغُلاَمُ يَصُبُّ عَلَى يَدِهِ اَلْمَاءَ، فَقَالَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: «لاَ تُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّكَ أَحَداً» فَصَرَفَ اَلْمَأْمُونُ اَلْغُلاَمَ وَ تَوَلَّى تَمَامَ وُضُوئِهِ بِنَفْسِهِ، وَ زَادَ ذَلِكَ فِي غَيْظِهِ وَ وَجْدِهِ.

وَ كَانَ اَلرِّضَا عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ يُزْرِي عَلَى اَلْحَسَنِ وَ اَلْفَضْلِ اِبْنَيْ سَهْلٍ عِنْدَ اَلْمَأْمُونِ إِذَا ذَكَرَهُمَا، وَ يَصِفُ لَهُ مَسَاوِئَهُمَا(1)، وَ يَنْهَاهُ عَنِ اَلْإِصْغَاءِ إِلَى قَوْلِهِمَا،

ص: 318


1- في الأصل: مساويهما.

وَ عَرَفَا ذَلِكَ مِنْهُ، فَجَعَلاَ يَحْضَيَانِ عَلَيْهِ عِنْدَ اَلْمَأْمُونِ وَ يَذْكُرَانِ لَهُ عَنْهُ مَا يُبَعِّدُهُ مِنْهُ وَ يُخَوِّفَانِهِ مِنْ حَمْلِ اَلنَّاسِ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَزَالاَ كَذَلِكَ حَتَّى قَلَبَا رَأْيَهُ فِيهِ وَ عَمِلَ عَلَى قَتْلِهِ، فَاتَّفَقَ أَنَّهُ أَكَلَ هُوَ وَ اَلْمَأْمُونُ يَوْماً طَعَاماً فَاعْتَلَّ مِنْهُ اَلرِّضَا عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ أَظْهَرَ اَلْمَأْمُونُ تَمَارُضاً، فَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حَمْزَةَ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنْ أَخِيهِ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ بَشِيرٍ، أَنَّهُ قَالَ: أَمَرَنِي اَلْمَأْمُونُ أَنْ أُطَوِّلَ أطفاري [أَظْفَارِي] عَنِ اَلْعَادَةِ فَلاَ أُظْهِرَ لِأَحَدٍ ذَلِكَ، فَفَعَلْتُ، ثُمَّ اِسْتَدْعَانِي فَأَخْرَجَ إِلَيَّ شَيْئاً شِبْهَ اَلتَّمْرِ اَلْهِنْدِيِّ وَ قَالَ لِي: اِعْجِنْ هَذَا بِيَدِكَ جَمِيعاً فَفَعَلْتُ، ثُمَّ قَامَ وَ تَرَكَنِي فَدَخَلَ عَلَى اَلرِّضَا عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فَقَالَ لَهُ: مَا خَبَرُكَ؟ قَالَ:

«أَرْجُو أَنْ أَكُونَ صَالِحاً» قَالَ لَهُ اَلْمَأْمُونُ: أَنَا اَلْيَوْمَ بِحَمْدِ اَللَّهِ أَيْضاً صَالِحٌ، فَهَلْ جَاءَكَ أَحَدٌ مِنَ اَلْمُتَرَفِّقِينَ فِي هَذَا اَلْيَوْمِ؟ قَالَ: «لاَ» فَغَضِبَ اَلْمَأْمُونُ وَ صَاحَ عَلَى غِلْمَانِهِ ثُمَّ قَالَ: خُذْ مَاءَ اَلرُّمَّانِ اَلسَّاعَةَ فَإِنَّهُ مِمَّا لاَ يُسْتَغْنَى عَنْهُ، ثُمَّ دَعَانِي فَقَالَ: اِئْتِنَا بِرُمَّانٍ فَأَتَيْتُهُ بِهِ، فَقَالَ لِي اِعْصِرْهُ بِيَدَيْكَ فَفَعَلْتُ، وَ سَقَاهُ اَلْمَأْمُونُ اَلرِّضَا عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بِيَدِهِ، فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبَ وَفَاتِهِ وَ لَمْ يَلْبَثْ إِلاَّ يَوْمَيْنِ حَتَّى مَاتَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ .

وَ ذُكِرَ عَنْ أَبِي اَلصَّلْتِ اَلْهَرَوِيِّ أَنَّهُ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى اَلرِّضَا عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ قَدْ خَرَجَ اَلْمَأْمُونُ مِنْ عِنْدِهِ، فَقَالَ لِي: «يَا أَبَا اَلصَّلْتِ قَدْ فَعَلُوهَا» وَ جَعَلَ يُوَحِّدُ اَللَّهَ وَ يُمَجِّدُهُ.

وَ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْجَهْمِ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ اَلرِّضَا عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ يُعْجِبُهُ اَلْعِنَبُ، فَأُخِذَ لَهُ مِنْهُ شَيْ ءٌ فَجُعِلَ فِي مَوَاضِعِ أَقْمَاعِهِ اَلْإِبَرُ أَيَّاماً، ثُمَّ نُزِعَتْ مِنْهُ، وَ جِيءَ بِهِ إِلَيْهِ فَأَكَلَ مِنْهُ وَ هُوَ فِي عِلَّتِهِ اَلَّتِي ذَكَرْنَاهَا فَقَتَلَهُ، وَ ذَكَرَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَلْطَفِ اَلسُّمُومِ.

وَ لَمَّا تُوُفِّيَ اَلرِّضَا عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ كَتَمَ اَلْمَأْمُونُ مَوْتَهُ يَوْماً وَ لَيْلَةً، ثُمَّ أَنْفَذَ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ اَلصَّادِقِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ جَمَاعَةٍ مِنْ آلِ أَبِي طَالِبٍ اَلَّذِينَ كَانُوا عِنْدَهُ، فَلَمَّا حَضَرُوهُ نَعَاهُ إِلَيْهِمْ وَ بَكَى وَ أَظْهَرَ حُزْناً شَدِيداً وَ تَوَجُّعاً، وَ أَرَاهُمْ إِيَّاهُ صَحِيحَ اَلْجَسَدِ وَ قَالَ: يَعِزُّ عَلَيَّ يَا أَخِي أَنْ أَرَاكَ فِي هَذِهِ اَلْحَالِ، قَدْ كُنْتُ أُؤَمِّلُ أَنْ أُقَدَّمَ قَبْلَكَ فَأَبَى اَللَّهُ إِلاَّ مَا أَرَادَ.

ثُمَّ أَمَرَ بِغُسْلِهِ وَ تَكْفِينِهِ وَ تَحْنِيطِهِ، وَ خَرَجَ مَعَ جَنَازَتِهِ يَحْمِلُهَا حَتَّى اِنْتَهَى

ص: 319

إِلَى اَلْمَوْضِعِ اَلَّذِي هُوَ مَدْفُونٌ فِيهِ اَلْآنَ فَدَفَنَهُ، وَ اَلْمَوْضِعُ دَارُ حُمَيْدِ بْنِ قَحْطَبَةَ فِي قَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا: سَنَابَادُ عَلَى دَعْوَةٍ (1) مِنْ نُوقَانَ بِأَرْضِ طُوسَ، وَ فِيهَا قَبْرُ هَارُونَ اَلرَّشِيدِ، وَ قَبْرُ أَبِي اَلْحَسَنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي قِبْلَتِهِ .

وَ مَضَى عَلِيُّ بْنُ مُوسَى عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ وَ لَمْ يَتْرُكْ وَلَداً نَعْلَمُهُ إِلاَّ اِبْنَهُ اَلْإِمَامَ بَعْدَهُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ وَ كَانَتْ سِنُّهُ يَوْمَ وَفَاةِ أَبِيهِ سَبْعَ سِنِينَ وَ شَهْراً.

ص: 320


1- أي على قرب.

الباب الحادي عشر: في ذكر الإمام بعد أبي الحسن عليّ بن موسى الرّضا عليه السّلام و تاريخ مولده، و دلائل إمامته، و مدّة خلافته، و مبلغ سنّه، و ذكر وفاته، و سببها، و موضع قبره، و عدد ولده، و أسمائهم، و مختصر من أخباره

اشارة

و كان الإمام بعد عليّ بن موسى الرّضا عليهما السّلام ابنه محمّد بن عليّ الرّضا عليهم السّلام بالنّصّ عليه و الإشارة من أبيه إليه و تكامل الفضل فيه.

ولادته عليه السّلام:

وَ كَانَ مَوْلِدُهُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ خَمْسٍ وَ تِسْعِينَ وَ مِائَةٍ بِالْمَدِينَةِ.

وفاته:

وَ قُبِضَ بِبَغْدَادَ فِي ذِي اَلْقَعْدَةِ سَنَةَ عِشْرِينَ وَ مِائَتَيْنِ، وَ لَهُ يَوْمَئِذٍ خَمْسٌ وَ عِشْرُونَ سَنَةً.

مدة إمامته عليه السّلام:

و كانت مدّة خلافته لأبيه و إمامته من بعده سبع عشرة سنة(1).

ص: 321


1- في نسخة أخرى: ثماني عشرة.

أمّه عليه السّلام:

و أمّه أمّ ولد يقال لها سبيكة، و كانت نوبيّة.

ذكر طرف من النّصّ على أبي جعفر محمّد بن عليّ عليهما السّلام بالإمامة و الإشارة بها من أبيه إليه:

فممّن روى النّصّ عن أبي الحسن الرّضا على ابنه أبي جعفر عليه السّلام بالإمامة عليّ بن جعفر بن محمّد الصّادق عليهم السّلام، و صفوان بن يحيى، و معمّر ابن خلاّد، و الحسن بن الجهم، و جماعة كثيرة ممّن يطول بذكرهم الكتاب.

أَخْبَرَنِي أَبُو اَلْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قُولَوَيْهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ اَلْقَاسَانِيِّ جَمِيعاً، عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ يَحْيَى بْنِ اَلنُّعْمَانِ اَلْبَصْرِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ اِبْنَ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ يُحَدِّثُ اَلْحَسَنَ بْنَ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ فَقَالَ فِي حَدِيثِهِ: لَقَدْ نَصَرَ اَللَّهُ أَبَا اَلْحَسَنِ اَلرِّضَا عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ لَمَّا بَغَى عَلَيْهِ إِخْوَتُهُ وَ عُمُومَتُهُ، وَ ذَكَرَ حَدِيثاً طَوِيلاً حَتَّى اِنْتَهَى إِلَى قَوْلِهِ: فَقُمْتُ وَ قَبَضْتُ عَلَى يَدِ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ اَلرِّضَا عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ قُلْتُ: أَشْهَدُ أَنَّكَ إِمَامِي عِنْدَ اَللَّهِ، فَبَكَى اَلرِّضَا عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، ثُمَّ قَالَ: «يَا عَمِّ أَ لَمْ تَسْمَعْ أَبِي وَ هُوَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ بِأَبِي اِبْنُ خِيَرَةِ اَلْإِمَاءِ اَلنُّوبِيَّةِ اَلطَّيِّبَةِ، يَكُونُ مِنْ وُلْدِهِ اَلطَّرِيدُ(1)اَلرَّشِيدُ، اَلْمَوْتُورُ بِأَبِيهِ وَ جَدِّهِ صَاحِبُ اَلْغَيْبَةِ، فَيُقَالُ: مَاتَ أَوْ هَلَكَ أَوْ أَيَّ وَادٍ سَلَكَ»، فَقُلْتُ: صَدَقْتَ جُعِلْتُ فِدَاكَ .

وَ بِالْإِسْنَادِ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى قَالَ: قُلْتُ لِلرِّضَا عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: قَدْ كُنَّا نَسْأَلُكَ قَبْلَ أَنْ يَهَبَ اَللَّهُ لَكَ أَبَا جَعْفَرٍ، فَكُنْتَ تَقُولُ: يَهَبُ اَللَّهُ لِي غُلاَماً، فَقَدْ وَهَبَهُ اَللَّهُ لَكَ وَ أَقَرَّ عُيُونَنَا بِهِ، فَلاَ أَرَانَا اَللَّهُ يَوْمَكَ، وَ إِنْ كَانَ كَوْنٌ فَإِلَى مَنْ؟ فَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ وَ هُوَ قَائِمٌ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ هَذَا اِبْنُ ثَلاَثِ سِنِينَ، قَالَ: «وَ مَا يَضُرُّهُ مِنْ ذَلِكَ، قَدْ قَامَ عِيسَى بِالْحُجَّةِ وَ هُوَ اِبْنُ أَقَلَّ مِنْ ثَلاَثِ سِنِينَ» .

ص: 322


1- المراد بالطريد، هو الإمام القائم أسعدنا اللّه به.

وَ بِالْإِسْنَادِ، عَنْ مُعَمَّرِ بْنِ خَلاَّدٍ قَالَ: سَمِعْتُ اَلرِّضَا عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ ذَكَرَ شَيْئاً فَقَالَ: «مَا حَاجَتُكُمْ إِلَى ذَلِكَ هَذَا أَبُو جَعْفَرٍ قَدْ أَجْلَسْتُهُ مَجْلِسِي وَ صَيَّرْتُهُ مَكَانِي» وَ قَالَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: «إِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ يَتَوَارَثُ أَصَاغِرُنَا عَنْ أَكَابِرِنَا اَلْقُذَّةَ بِالْقُذَّةِ».

وَ بِالْإِسْنَادِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ اَلْجَهْمِ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ أَبِي اَلْحَسَنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ جَالِساً، فَدَعَا بِابْنِهِ أَبِي جَعْفَرٍ وَ هُوَ صَغِيرٌ، فَأَجْلَسَهُ فِي حَجْرِي وَ قَالَ لِي: «جَرِّدْهُ وَ اِنْزِعْ قَمِيصَهُ» فَنَزَعْتُهُ، فَقَالَ لِي: «اُنْظُرْ بَيْنَ كَتِفَيْهِ» قَالَ: فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِي إِحْدَى كَتِفَيْهِ شِبْهُ اَلْخَاتَمِ دَاخِلٌ فِي اَللَّحْمِ، ثُمَّ قَالَ لِي: «أَ تَرَى هَذَا مِثْلُهُ فِي هَذَا اَلْمَوْضِعِ كَانَ مِنْ أَبِي عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ» .

في ذكر طرف من الأخبار عن مناقب أبي جعفر عليه السّلام و دلائله و معجزاته:

في ذكر طرف من الأخبار عن مناقب أبي جعفر عليه السّلام و دلائله(1)و معجزاته:

وَ قَدْ رَوَى أَكْثَرُ اَلنَّاسِ: أَنَّهُ لَمَّا تَوَجَّهَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ مِنْ بَغْدَادَ مُنْصَرِفاً مِنْ عِنْدِ اَلْمَأْمُونِ وَ مَعَهُ أُمُّ اَلْفَضْلِ اِبْنَةُ اَلْمَأْمُونِ قَاصِداً بِهَا اَلْمَدِينَةَ، صَارَ إِلَى شَارِعِ بَابِ اَلْكُوفَةِ وَ مَعَهُ اَلنَّاسُ يُشَيِّعُونَهُ، فَانْتَهَى إِلَى دَارِ اَلْمُسَيَّبِ عِنْدَ مَغِيبِ اَلشَّمْسِ، نَزَلَ وَ دَخَلَ اَلشَّمْسُ (2) وَ كَانَ فِي صَحْنِهِ نَبِقَةٌ لَمْ تَحْمِلْ بَعْدُ، فَدَعَا بِكُوزٍ فِيهِ مَاءٌ فَتَوَضَّأَ فِي أَصْلِ اَلنَّبِقَةِ وَ قَامَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ صَلَّى بِالنَّاسِ صَلاَةَ اَلْمَغْرِبِ، فَقَرَأَ فِي اَلْأَوَّلِ مِنْهَا اَلْحَمْدَ وَ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اَللَّهِ، وَ قَرَأَ فِي اَلثَّانِيَةِ اَلْحَمْدَ وَ قُلْ هُوَ اَللَّهُ، وَ قَنَتَ قَبْلَ رُكُوعِهِ فِيهَا وَ صَلَّى اَلثَّالِثَةَ وَ تَشَهَّدَ وَ تَسَلَّمَ (3) ثُمَّ جَلَسَ هُنَيْهَةً يَذْكُرُ اَللَّهَ جَلَّ اِسْمُهُ، وَ قَامَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعَقِّبَ، فَصَلَّى اَلنَّوَافِلَ، أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَ عَقَّبَ تَعْقِيبَهَا، وَ سَجَدَ سَجْدَتَيِ اَلشُّكْرِ، ثُمَّ خَرَجَ فَلَمَّا اِنْتَهَى إِلَى اَلنَّبِقَةِ رَآهَا اَلنَّاسُ وَ قَدْ حَمَلَتْ حَمْلاً حَسَناً، فَتَعَجَّبُوا مِنْ ذَلِكَ وَ أَكَلُوا مِنْهَا، فَوَجَدُوهَا نَبِقاً حُلْواً لاَ عَجَمَ لَهُ، وَ وَدَّعُوهُ وَ مَضَى مِنْ وَقْتِهِ إِلَى اَلْمَدِينَةِ، فَلَمْ

ص: 323


1- في الأصل: دلايله.
2- كذا في الأصل.
3- كذا في الأصل.

يَزَلْ بِهَا إِلَى أَنْ أَشْخَصَهُ اَلْمُعْتَصِمُ فِي أَوَّلِ سَنَةِ خَمْسٍ وَ عِشْرِينَ وَ مِائَتَيْنِ إِلَى بَغْدَادَ، فَأَقَامَ بِهَا حَتَّى تُوُفِّيَ فِي آخِرِ ذِي اَلْقَعْدَةِ مِنْ هَذِهِ اَلسَّنَةِ، فَدُفِنَ فِي ظَهْرِ جَدِّهِ أَبِي اَلْحَسَنِ مُوسَى عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ.

ذكر وفاة أبي جعفر عليه السّلام، و سببها، و طرف من الأخبار في ذلك، و موضع قبره، و ذكر ولده

،

وَ قَدْ تَقَدَّمَ اَلْقَوْلُ فِي مَوْلِدِ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ ذَكَرْنَا أَنَّهُ وُلِدَ بِالْمَدِينَةِ، وَ أَنَّهُ قُبِضَ بِبَغْدَادَ وَ كَانَ سَبَبُ وُرُودِهِ إِلَيْهَا إِشْخَاصَ (1)اَلْمُعْتَصِمِ لَهُ مِنَ اَلْمَدِينَةِ، فَوَرَدَ بَغْدَادَ لِلَيْلَتَيْنِ بَقِيَتَا مِنَ اَلْمُحَرَّمِ سَنَةَ عِشْرِينَ وَ مِائَتَيْنِ، وَ تُوُفِّيَ بِهَا فِي ذِي اَلْقَعْدَةِ مِنْ هَذِهِ اَلسَّنَةِ، وَ قِيلَ إِنَّهُ مَضَى مَسْمُوماً، وَ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَ مُصَنِّفِ اَلْإِرْشَادِ بِذَلِكَ خَبَرٌ يَشْهَدُ بِهِ.

وَ دُفِنَ فِي مَقَابِرِ قُرَيْشٍ فِي ظَهْرِ جَدِّهِ أَبِي اَلْحَسَنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ.

وَ كَانَ لَهُ يَوْمَ قُبِضَ خَمْسٌ وَ عِشْرُونَ سَنَةً وَ أَشْهُرٌ، وَ كَانَ مَنْعُوتاً بِالْمُنْتَجَبِ وَ اَلْمُرْتَضَى، وَ خَلَّفَ بَعْدَهُ مِنَ اَلْوَلَدِ، عَلِيّاً اِبْنَهُ اَلْإِمَامَ مِنْ بَعْدِهِ، وَ مُوسَى، وَ فَاطِمَةَ، وَ أُمَامَةَ اِبْنَتَيْهِ وَ لَمْ يُخَلِّفْ ذَكَراً غَيْرَ مَنْ سَمَّيْنَاهُ.

ص: 324


1- أي إحضاره.

الباب الثاني عشر: ذكر الإمام القائم بعد أبي جعفر عليه السّلام و تاريخ مولده و دلائل إمامته، و مبلغ سنه، و مدّة خلافته، و ذكر وفاته، و سببها، و موضع قبره، و عدد ولده، و مختصر من أخباره

اشارة

الباب الثاني عشر: ذكر الإمام القائم بعد أبي جعفر عليه السّلام و تاريخ مولده و دلائل(1)إمامته، و مبلغ سنه، و مدّة خلافته، و ذكر وفاته، و سببها، و موضع قبره، و عدد ولده، و مختصر من أخباره

و كان الإمام بعد أبي جعفر محمّد بن عليّ عليهما السّلام ابنه [ابا] الحسن عليّ بن محمّد عليهما السّلام، لاجتماع خصال الإمامة فيه، و تكامل فضله، و أنّه لا وارث لمقام أبيه سواه، و ثبوت النّصّ عليه بالإمامة و الإشارة إليه من أبيه بالخلافة.

ولادته عليه السّلام:

وَ كَانَ مَوْلِدُهُ بِصَرْيَا بِمَدِينَةِ اَلرَّسُولِ لِلنِّصْفِ مِنْ ذِي اَلْحِجَّةِ سَنَةَ اِثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَ مِائَتَيْنِ.

وفاته عليه السّلام:

وَ تُوُفِّيَ بِسُرَّمَنْرَأَى فِي رَجَبٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَ خَمْسِينَ وَ مِائَتَيْنِ، وَ لَهُ يَوْمَئِذٍ إِحْدَى وَ أَرْبَعُونَ سَنَةً وَ أَشْهُرٌ وَ كَانَ اَلْمُتَوَكِّلُ قَدْ أَشْخَصَهُ مَعَ يَحْيَى بْنِ هَرْثَمَةَ اِبْنِ أَعْيَنَ مِنَ اَلْمَدِينَةِ إِلَى سُرَّمَنْرَأَى فَأَقَامَ بِهَا حَتَّى مَضَى سَبِيلَهُ.

ص: 325


1- في الأصل: دلايل.

أمّه عليه السّلام:

و كانت مدّة إمامته ثلاثا و ثلاثين سنة و أمّه أمّ ولد يقال لها سمانة.

في النصّ عليه عليه السّلام بالإمامة:

طرف من الخبر في النّصّ عليه بالإمامة و الإشارة إليه بالخلافة من أبيه عليه السّلام،

أَخْبَرَنِي أَبُو اَلْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قُولَوَيْهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مِهْرَانَ، قَالَ:

«لَمَّا خَرَجَ أَبُو جَعْفَرٍ مِنَ اَلْمَدِينَةِ إِلَى بَغْدَادَ فِي اَلدَّفْعَةِ اَلْأُولَى مِنْ خَرْجَتِهِ قُلْتُ لَهُ عِنْدَ خُرُوجِهِ: جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكَ فِي هَذَا اَلْوَجْهِ، فَإِلَى مَنِ اَلْأَمْرُ بَعْدَكَ، قَالَ: «فَكَرَّ إِلَيَّ بِوَجْهِهِ ضَاحِكاً وَ قَالَ لِي: لَيْسَ حَيْثُ كَمَا ظَنَنْتَ فِي هَذِهِ اَلسَّنَةِ» فَلَمَّا اُسْتُدْعِيَ بِهِ إِلَى اَلْمُعْتَصِمِ صِرْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ لَهُ:

جُعِلْتُ فِدَاكَ، أَنْتَ خَارِجٌ فَإِلَى مَنْ هَذَا اَلْأَمْرُ مِنْ بَعْدِكَ؟ فَبَكَى حَتَّى اِخْضَلَّتْ لِحْيَتُهُ (1)، ثُمَّ اِلْتَفَتَ إِلَيَّ فَقَالَ: «عِنْدَ هَذِهِ يُخَافُ عَلَيَّ، اَلْأَمْرُ مِنْ بَعْدِي إِلَى اِبْنِي عَلِيٍّ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ» .

وَ بِالْإِسْنَادِ عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ اَلْخَيْرَانِيِّ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ:

كُنْتُ أَلْزَمُ بَابَ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ لِلْخِدْمَةِ اَلَّتِي وُكِّلْتُ بِهَا، وَ كَانَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى اَلْأَشْعَرِيُّ يَجِيءُ فِي اَلسَّحَرِ مِنْ آخِرِ كُلِّ لَيْلَةٍ لِيَتَعَرَّفَ خَبَرَ عِلَّةِ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ كَانَ اَلرَّسُولُ اَلَّذِي يَخْتَلِفُ بَيْنَ أَبِي جَعْفَرٍ وَ بَيْنَ اَلْخَيْرَانِيِّ إِذَا حَضَرَ، قَامَ أَحْمَدُ وَ خَلاَ بِهِ اَلرَّسُولُ، قَالَ اَلْخَيْرَانِيُّ: فَخَرَجَ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَ قَامَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنِ اَلْمَجْلِسِ، وَ خَلاَ بِيَ اَلرَّسُولُ، وَ اِسْتَدَارَ أَحْمَدُ فَوَقَفَ حَيْثُ يَسْمَعُ اَلْكَلاَمَ، فَقَالَ اَلرَّسُولُ: إِنَّ مَوْلاَكَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ اَلسَّلاَمَ وَ يَقُولُ لَكَ: إِنِّي قَاضٍ وَ اَلْأَمْرُ صَائِرٌ إِلَى اِبْنِي عَلِيٍّ، وَ لَهُ عَلَيْكُمْ بَعْدِي مَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ بَعْدَ أَبِي، ثُمَّ مَضَى اَلرَّسُولُ وَ رَجَعَ أَحْمَدُ إِلَى مَوْضِعِهِ، فَقَالَ لِي: مَا اَلَّذِي قَالَ لَكَ؟ قُلْتُ: خَيْراً، قَالَ: قَدْ سَمِعْتُ مَا قَالَ، وَ أَعَادَ عَلَيَّ مَا سَمِعَ، فَقُلْتُ لَهُ: قَدْ حَرَّمَ اَللَّهُ عَلَيْكَ مَا فَعَلْتَ لِأَنَّ اَللَّهَ

ص: 326


1- أي ابتلت.

يَقُولُ: وَ لاٰ تَجَسَّسُوا (1) فَإِذَا سَمِعْتَ فَاحْفَظِ اَلشَّهَادَةَ لَعَلَّنَا نَحْتَاجُ إِلَيْهَا يَوْماً، وَ إِيَّاكَ أَنْ تُظْهِرَهَا إِلَى وَقْتِهَا، قَالَ: وَ أَصْبَحْتُ وَ كَتَبْتُ نُسْخَةَ اَلرِّسَالَةِ فِي عَشْرِ رِقَاعٍ وَ خَتَمْتُهَا، وَ دَفَعْتُهَا إِلَى عَشَرَةٍ مِنْ وُجُوهِ أَصْحَابِنَا وَ قُلْتُ: إِنْ حَدَثَ بِي حَدَثُ اَلْمَوْتِ قَبْلَ أَنْ أُطَالِبَكُمْ بِهَا فَافْتَحُوهَا وَ اِعْمَلُوا بِمَا فِيهَا، فَلَمَّا مَضَى أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ لَمْ أَخْرُجْ مِنْ مَنْزِلِي حَتَّى عَرَفْتُ أَنَّ رُؤَسَاءَ اَلْعِصَابَةِ قَدِ اِجْتَمَعُوا عِنْدَ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْفَرَجِ يَتَفَاوَضُونَ فِي اَلْأَمْرِ، فَكَتَبَ إِلَيَّ مُحَمَّدُ بْنُ اَلْفَرَجِ يُعْلِمُنِي بِاجْتِمَاعِهِمْ عِنْدَهُ وَ يَقُولُ: لَوْ لاَ مَخَافَةُ اَلشُّهْرَةِ لَصِرْتُ مَعَهُمْ إِلَيْكَ، فَأُحِبُّ أَنْ تَرْكَبَ إِلَيَّ، فَرَكِبْتُ وَ صِرْتُ إِلَيْهِ، فَوَجَدْتُ اَلْقَوْمَ مُجْتَمِعِينَ عِنْدَهُ، فَتَجَارَيْنَا فِي اَلْبَابِ، فَوَجَدْتُ أَكْثَرَهُمْ قَدْ شَكَوْا، فَقُلْتُ لِمَنْ عِنْدَهُ اَلرِّقَاعُ وَ هُمْ حُضُورٌ: أَخْرِجُوا اَلرِّقَاعَ فَأَخْرَجُوهَا، فَقُلْتُ لَهُمْ: هَذَا مَا أُمْرِتُ بِهِ، فَقَالَ، بَعْضُهُمْ: قَدْ كُنَّا نُحِبُّ أَنْ يَكُونَ مَعَكَ فِي هَذَا اَلْأَمْرِ آخَرُ لِيَتَأَكَّدَ هَذَا اَلْقَوْلُ، فَقُلْتُ لَهُمْ: قَدْ أَتَاكُمُ اَللَّهُ بِمَا تُحِبُّونَ، هَذَا أَبُو جَعْفَرٍ اَلْأَشْعَرِيُّ يَشْهَدُ لِي بِسَمَاعِ هَذِهِ اَلرِّسَالَةِ فَاسْأَلُوهُ، فَسَأَلَهُ اَلْقَوْمُ فَتَوَقَّفَ عَنِ اَلشَّهَادَةِ، فَدَعَوْتُهُ إِلَى اَلْمُبَاهَلَةِ فَخَافَ مِنْهَا وَ قَالَ: قَدْ سَمِعْتُ ذَلِكَ وَ هِيَ مُكَرَّمَةٌ كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ تَكُونَ لِرَجُلٍ مِنَ اَلْعَرَبِ، فَأَمَّا مَعَ اَلْمُبَاهَلَةِ فَلاَ طَرِيقَ إِلَى كِتْمَانِ اَلشَّهَادَةِ، فَلَمْ يَبْرَحِ اَلْقَوْمُ حَتَّى سَلَّمُوا لِأَبِي اَلْحَسَنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ .

و الأخبار في هذا الباب كثيرة جدّا إن عملنا على إثباتها طال بها الكتاب.

و في اجتماع العصابة على إمامة أبي الحسن عليه السّلام و عدم من يدّعيها سواه في وقته ممّن يلتبس الأمر فيه غنى عن إيراد الأخبار بالنّصوص على التّفصيل.

ذكر طرف من دلائل أبي الحسن عليّ بن محمّد عليه السّلام، و أخباره، و براهينه و بيّناته:

ذكر طرف من دلائل(2)أبي الحسن عليّ بن محمّد عليه السّلام، و أخباره، و براهينه و بيّناته:

أَخْبَرَنِي أَبُو اَلْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قُولَوَيْهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ

ص: 327


1- سورة الحجرات، الآية: 12.
2- في الأصل: دلايله.

يَعْقُوبَ، عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ اَلْوَشَّاءِ، عَنْ خَيْرَانَ اَلْأَسْبَاطِيِّ قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى أَبِي اَلْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ(1) عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ اَلْمَدِينَةَ فَقَالَ لِي: «مَا خَبَرُ اَلْوَاثِقِ عِنْدَكَ؟» قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ خَلَّفْتُهُ فِي عَافِيَةٍ أَنَا مِنْ أَقْرَبِ اَلنَّاسِ عَهْداً بِهِ عَهْدِي بِهِ مُنْذُ عَشَرَةِ أَيَّامٍ، قَالَ: فَقَالَ لِي: «إِنَّ أَهْلَ اَلْمَدِينَةِ يَقُولُونَ إِنَّهُ قَدْ مَاتَ» فَقُلْتُ: أَنَا أَقْرَبُ اَلنَّاسِ بِهِ عَهْداً قَالَ: فَقَالَ لِي: «إِنَّ اَلنَّاسَ يَقُولُونَ إِنَّهُ مَاتَ» فَلَمَّا قَالَ لِي: «إِنَّ اَلنَّاسَ يَقُولُونَ» عَلِمْتُ أَنَّهُ يَعْنِي نَفْسَهُ، سَكَتُّ (2) ثُمَّ قَالَ لِي: «مَا فَعَلَ جَعْفَرٌ؟» قُلْتُ: تَرَكْتُهُ أَسْوَأَ اَلنَّاسِ حَالاً فِي اَلسِّجْنِ قَالَ: فَقَالَ لِي: «أَمَا إِنَّهُ صَاحِبُ اَلْأَمْرِ» ثُمَّ قَالَ: «مَا فَعَلَ اِبْنُ اَلزَّيَّاتِ؟» قُلْتُ: اَلنَّاسُ مَعَهُ وَ اَلْأَمْرُ أَمْرُهُ، فَقَالَ: «أَمَا إِنَّهُ شُؤْمٌ عَلَيْهِ» قَالَ: ثُمَّ إِنَّهُ سَكَتَ وَ قَالَ: «لاَ بُدَّ أَنْ تَجْرِيَ مَقَادِيرُ اَللَّهِ وَ أَحْكَامُهُ، يَا خَيْرَانُ مَاتَ اَلْوَاثِقُ، وَ قَدْ قَعَدَ جَعْفَرٌ اَلْمُتَوَكِّلُ، وَ قَدْ قُتِلَ اِبْنُ اَلزَّيَّاتِ» قُلْتُ: مَتَى جُعِلْتُ فِدَاكَ؟ فَقَالَ: «بَعْدَ خُرُوجِكَ بِسِتَّةِ أَيَّامٍ» .

و الأخبار في ذلك كثيرة و شواهدها جمّة.

ذكر ورود أبي الحسن عليّ بن محمّد عليه السّلام من المدينة إلى العسكر و وفاته بها، و سبب ذلك، و عدد أولاده، و طرف من أخباره:

وَ كَانَ سَبَبُ شُخُوصِ أَبِي اَلْحَسَنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ إِلَى سُرَّمَنْرَأَى أَنَّ عَبْدَ اَللَّهِ بْنَ مُحَمَّدٍ كَانَ يَتَوَلَّى اَلْحَرْبَ وَ اَلصَّلاَةَ بِمَدِينَةِ اَلرَّسُولِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ فَسَعَى بِأَبِي اَلْحَسَنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ إِلَى اَلْمُتَوَكِّلِ، وَ كَانَ يَقْصِدُهُ بِالْأَذَى، وَ بَلَغَ أَبَا اَلْحَسَنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ سِعَايَتُهُ بِهِ، فَكَتَبَ إِلَى اَلْمُتَوَكِّلِ يَذْكُرُ تَحَامُلَ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ وَ كَذِبَهُ فِيمَا سَعَى بِهِ، فَتَقَدَّمَ اَلْمُتَوَكِّلُ بِإِجَابَتِهِ عَنْ كِتَابِهِ وَ دُعَائِهِ فِيهِ إِلَى حُضُورِ اَلْعَسْكَرِ عَلَى جَمِيلٍ مِنَ اَلْفِعْلِ وَ اَلْقَوْلِ، فَلَمَّا وَصَلَ اَلْكِتَابُ إِلَى أَبِي اَلْحَسَنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ تَجَهَّزَ لِلرَّحِيلِ وَ خَرَجَ مَعَهُ يَحْيَى بْنُ هَرْثَمَةَ حَتَّى وَصَلَ إِلَى سُرَّمَنْرَأَى، فَلَمَّا

ص: 328


1- محمّد: غير موجودة في الأصل.
2- كذا في الأصل، و يبدو أن العبارة ناقصة.

وَصَلَ إِلَيْهَا تَقَدَّمَ اَلْمُتَوَكِّلُ بِأَنْ يُحْجَبَ عَنْهُ فِي يَوْمِهِ، فَنَزَلَ فِي خَانٍ يُعْرَفُ بِخَانِ اَلصَّعَالِيكِ، وَ أَقَامَ فِيهِ يَوْمَهُ، ثُمَّ تَقَدَّمَ اَلْمُتَوَكِّلُ بِإِفْرَادِ دَارٍ لَهُ فَانْتُقِلَ إِلَيْهَا.

وَ أَقَامَ أَبُو اَلْحَسَنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ مُدَّةَ مُقَامِهِ بِسُرَّمَنْرَأَى مُكَرَّماً فِي ظَاهِرِ حَالِهِ، يَجْتَهِدُ اَلْمُتَوَكِّلُ فِي إِيقَاعِ حِيلَةٍ بِهِ وَ لاَ يَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ .، و له معه أحاديث يطول بذكرها الكتاب، فيها آيات له و بيّنات إن قصدنا لإيراد ذلك خرجنا عن الغرض فيما نحوناه.

وفاته عليه السّلام:

وَ تُوُفِّيَ أَبُو اَلْحَسَنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فِي رَجَبٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَ خَمْسِينَ وَ مِائَتَيْنِ، وَ دُفِنَ فِي دَارِهِ بِسُرَّمَنْرَأَى وَ خَلَّفَ مِنَ اَلْوُلْدِ أَبَا مُحَمَّدٍ اَلْحَسَنَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ اِبْنَهُ هُوَ اَلْإِمَامُ مِنْ بَعْدِهِ وَ اَلْحُسَيْنَ، وَ مُحَمَّداً، وَ جَعْفَراً، وَ اِبْنَتَهُ عَائِشَةَ (1).

وَ كَانَ مُقَامُهُ بِسُرَّمَنْرَأَى إِلَى أَنْ قُبِضَ عَشْرَ سِنِينَ وَ أَشْهُرٌ.

ص: 329


1- في الأصل: عايشة.

ص: 330

الباب الثالث عشر: ذكر الإمام بعد أبي الحسن عليّ بن محمّد عليه السّلام و تاريخ مولده، و دلائل إمامته، و النّصّ عليه من أبيه، و مبلغ سنّه، و مدّة خلافته، و ذكر وفاته، و سببها، و موضع قبره، و عدد ولده، و طرف من أخباره

اشارة

الباب الثالث عشر: ذكر الإمام بعد أبي الحسن عليّ بن محمّد عليه السّلام و تاريخ مولده، و دلائل(1) إمامته، و النّصّ عليه من أبيه، و مبلغ سنّه، و مدّة خلافته، و ذكر وفاته، و سببها، و موضع قبره، و عدد ولده، و طرف من أخباره

و كان الإمام بعد أبي الحسن عليّ بن محمّد عليهما السّلام ابنه أبا محمّد الحسن بن عليّ عليهما السّلام لاجتماع خلال الفضل فيه و تقدّمه على كافّة أهل عصره فيما يوجب له الإمامة و يقتضي له الرّياسة من العلم، و الزّهد، و كمال العقل، و العصمة، و الشّجاعة، و الكرم، و كثرة الأعمال المقرّبة إلى اللّه جلّ اسمه، ثمّ لنصّ أبيه عليه و إشارته بالخلافة إليه.

ولادته عليه السّلام:

وَ كَانَ مَوْلِدُهُ بِالْمَدِينَةِ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ اَلْآخَرِ مِنْ سَنَةِ اِثْنَيْنِ وَ ثَلاَثِينَ وَ مِائَتَيْنِ.

وفاته عليه السّلام:

وَ قُبِضَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ يَوْمَ اَلْجُمُعَةِ لِثَمَانِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ اَلْأَوَّلِ سَنَةَ سِتِّينَ وَ مِائَتَيْنِ وَ لَهُ يَوْمَئِذٍ ثَمَانٌ وَ عِشْرُونَ سَنَةً وَ دُفِنَ فِي دَارِهِ بِسُرَّمَنْرَأَى فِي اَلْبَيْتِ اَلَّذِي دُفِنَ فِيهِ أَبُوهُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ.

ص: 331


1- في الأصل دلايل.

أمّه عليه السّلام:

و أمّه أمّ ولد يقال لها: حديثة.

مدة إمامته عليه السّلام:

و كانت مدّة خلافته ستّ سنين.

ذكر طرف من الخبر الوارد بالنّصّ عليه من أبيه عليه السّلام و الإشارة إليه بالإمامة من بعده:

أَخْبَرَنِي أَبُو اَلْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قُولَوَيْهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ اَلنَّهْدِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَسَارٍ اَلْعَنْبَرِيِّ، قَالَ: أَوْصَى أَبُو اَلْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ إِلَى اِبْنِهِ اَلْحَسَنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَبْلَ مُضِيِّهِ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَ أَشَارَ إِلَيْهِ بِالْأَمْرِ مِنْ بَعْدِهِ، وَ أَشْهَدَنِي عَلَى ذَلِكَ وَ جَمَاعَةً مِنَ اَلْمَوَالِي.

وَ بِالْإِسْنَادِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَمْرٍو اَلنَّوْفَلِيِّ قَالَ: كُنْتُ مَعَ أَبِي اَلْحَسَنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فِي صَحْنِ دَارِهِ، فَمَرَّ بِنَا مُحَمَّدٌ اِبْنُهُ فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ هَذَا صَاحِبُنَا بَعْدَكَ؟ فَقَالَ: «لاَ، صَاحِبُكُمْ مِنْ بَعْدِي اَلْحَسَنُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ» .

وَ بِهَذَا اَلْإِسْنَادِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَهْزِيَارَ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي اَلْحَسَنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: إِنْ كَانَ كَوْنٌ وَ أَعُوذُ بِاللَّهِ فَإِلَى مَنْ؟ قَالَ: «عَهْدِي إِلَى اَلْأَكْبَرِ مِنْ وُلْدِي» يَعْنِي اَلْحَسَنَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ.

وَ بِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، مِنْهُمُ اَلْحَسَنُ بْنُ اَلْحُسَيْنِ اَلْأَفْطَسُ: أَنَّهُمْ حَضَرُوا يَوْمَ تُوُفِّيَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ دَارَ أَبِي اَلْحَسَنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ قَدْ بُسِطَ لَهُ فِي صَحْنِ دَارِهِ وَ اَلنَّاسُ جُلُوسٌ حَوْلَهُ، فَقَالُوا:

قَدَّرْنَا أَنْ يَكُونَ حَوْلَهُ مِنْ آلِ أَبِي طَالِبٍ وَ بَنِي اَلْعَبَّاسِ وَ قُرَيْشٍ مِائَةٌ وَ خَمْسُونَ رَجُلاً سِوَى مَوَالِيهِ وَ سَائِرِ(1) اَلنَّاسِ إِذْ نَظَرَ إِلَى اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ وَ قَدْ

ص: 332


1- في الأصل: ساير.

جَاءَ مَشْقُوقَ اَلْجَيْبِ حَتَّى قَامَ عَنْ يَمِينِهِ وَ نَحْنُ لاَ نَعْرِفُهُ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ أَبُو اَلْحَسَنِ بَعْدَ سَاعَةٍ مِنْ قِيَامِهِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: «يَا بُنَيَّ أَحْدِثْ لِلَّهِ شُكْراً فَقَدْ أَحْدَثَ فِيكَ أَمْراً» فَبَكَى اَلْحَسَنُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ اِسْتَرْجَعَ، فَقَالَ: «اَلْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ اَلْعٰالَمِينَ وَ إِيَّاهُ أَسْأَلُ تَمَامَ نِعَمِهِ عَلَيْنَا، وَ إِنّٰا لِلّٰهِ وَ إِنّٰا إِلَيْهِ رٰاجِعُونَ » فَسَأَلْنَا عَنْهُ فَقِيلَ لَنَا: هَذَا اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ اِبْنُهُ، وَ قَدَّرْنَا لَهُ فِي ذَلِكَ اَلْوَقْتِ عِشْرِينَ سَنَةً وَ نَحْوَهَا، فَيَوْمَئِذٍ عَرَفْنَاهُ وَ عَلِمْنَا أَنَّهُ قَدْ أَشَارَ إِلَيْهِ بِالْإِمَامَةِ وَ أَقَامَهُ مَقَامَهُ .

ذكر طرف من أخبار أبي محمّد الحسن بن عليّ عليه السّلام و مناقبه، و آياته، و معجزاته:

رَوَى إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ اَلنَّخَعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو هَاشِمٍ اَلْجَعْفَرِيُّ، قَالَ: شَكَوْتُ إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ضِيقَ اَلْحَبْسِ وَ كَلَبَ (1) اَلْقَيْدِ، فَكَتَبَ إِلَيَّ:

«أَنْتَ تُصَلِّي اَلْيَوْمَ اَلظُّهْرَ فِي مَنْزِلِكَ» فَأُخْرِجْتُ وَقْتَ اَلظُّهْرِ فَصَلَّيْتُ فِي مَنْزِلِي كَمَا قَالَ، وَ كُنْتُ مُضَيَّقاً فَأَرَدْتُ أَنْ أَطْلُبَ مِنْهُ مَعُونَةً فِي اَلْكِتَابِ اَلَّذِي كَتَبْتُهُ إِلَيْهِ فَاسْتَحْيَيْتُ، فَلَمَّا صِرْتُ إِلَى مَنْزِلِي وَجَّهَ إِلَيَّ بِمِائَةِ دِينَارٍ، وَ كَتَبَ إِلَيَّ «إِذَا كَانَتْ لَكَ حَاجَةٌ فَلاَ تَسْتَحْيِ وَ لاَ تَحْتَشِمْ وَ اُطْلُبْهَا تَأْتِكَ عَلَى مَا تُحِبُّ إِنْ شَاءَ اَللَّهُ» . و الأخبار في ذلك ممّا يطول به الكتاب.

ذكر وفاة أبي محمّد الحسن بن عليّ عليه السّلام و موضع قبره، و ذكر ولده:

وَ مَرِضَ أَبُو مُحَمَّدٍ اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ فِي أَوَّلِ شَهْرِ رَبِيعٍ اَلْأَوَّلِ سَنَةَ سِتِّينَ وَ مِائَتَيْنِ، وَ مَاتَ فِي يَوْمِ اَلْجُمُعَةِ لِثَمَانِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ هَذَا اَلشَّهْرِ فِي اَلسَّنَةِ اَلْمَذْكُورَةِ، وَ لَهُ يَوْمَ وَفَاتِهِ ثَمَانٌ وَ عِشْرُونَ سَنَةً، وَ دُفِنَ فِي اَلْبَيْتِ اَلَّذِي دُفِنَ فِيهِ أَبُوهُ مِنْ دَارِهِمَا بِسُرَّمَنْرَأَى.

وَ خَلَّفَ اِبْنَهُ اَلْمُنْتَظَرَ لِدَوْلَةِ اَلْحَقِّ وَ كَانَ قَدْ أَخْفَى مَوْلِدَهُ وَ سَتَرَ أَمْرَهُ، لِصُعُوبَةِ اَلْوَقْتِ، وَ شِدَّةِ طَلَبِ سُلْطَانِ اَلزَّمَانِ لَهُ، وَ اِجْتِهَادِهِ فِي اَلْبَحْثِ عَنْ

ص: 333


1- أي الشدة و الضيق.

أَمْرِهِ، وَ لِمَا شَاعَ مِنْ مَذْهَبِ اَلشِّيعَةِ اَلْإِمَامِيَّةِ فِيهِ، وَ عَرَفَ مِنِ اِنْتِظَارِهِمْ لَهُ، فَلَمْ يْظَهِرْ وَلَدُهُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فِي حَيَاتِهِ وَ لاَ عَرَفَهُ اَلْجُمْهُورُ بَعْدَ وَفَاتِهِ.

وَ تَوَلَّى جَعْفَرُ بْنُ عَلِيٍّ أَخُو أَبِي مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ أَخْذَ تَرِكَتِهِ، وَ سَعَى فِي حَبْسِ جَوَارِي أَبِي مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ اِعْتِقَالِ حَلاَئِلِهِ، وَ شَنَّعَ عَلَى أَصْحَابِهِ بِانْتِظَارِهِمْ وَلَدَهُ وَ قَطْعِهِمْ بِوُجُودِهِ وَ اَلْقَوْلِ بِإِمَامَتِهِ، وَ أَغْرَى بِالْقَوْمِ حَتَّى أَخَافَهُمْ وَ شَرَّدَهُمْ، وَ جَرَى عَلَى مُخَلَّفِي أَبِي مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بِسَبَبِ ذَلِكَ كُلُّ عَظِيمَةٍ مِنِ اِعْتِقَالٍ، وَ حَبْسٍ، وَ تَهْدِيدٍ، وَ تَصْغِيرٍ، وَ اِسْتِخْفَافٍ، وَ ذُلٍّ، وَ لَمْ يَظْفَرِ اَلسُّلْطَانُ مِنْهُمْ بِطَائِلٍ، وَ حَازَ جَعْفَرٌ ظَاهِراً تَرِكَةَ أَبِي مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ اِجْتَهَدَ فِيهِ اَلْقِيَامَ عِنْدَ اَلشِّيعَةِ مَقَامَهُ، وَ لَمْ يَقْبَلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ ذَلِكَ، وَ لاَ اِعْتَقَدَهُ فِيهِ، فَصَارَ إِلَى سُلْطَانِ اَلْوَقْتِ يَلْتَمِسُ مَرْتَبَةَ أَخِيهِ، وَ بَذَلَ مَالاً جَلِيلاً، وَ تَقَرَّبَ بِكُلِّ مَا ظَنَّ أَنَّهُ يَتَقَرَّبُ بِهِ، فَلَمْ يَنْتَفِعْ بِشَيْ ءٍ مِنْ ذَلِكَ .

و لجعفر أخبار كثيرة في هذا المعنى، رأيت الإضراب(1) عن ذكرها لأسباب لا يحتمل الكتاب شرحها، و هي مشهورة عند الإماميّة، و من عرف أخبار النّاس و باللّه نستعين.

ص: 334


1- أي الإعراض.

الباب الرابع عشر: ذكر الإمام القائم بعد أبي محمّد الحسن عليه السّلام و تاريخ مولده، و دلائل إمامته، و ذكر طرف من أخباره و غيبته، و سيرته، عند قيامه، و مدّة دولته

اشارة

الباب الرابع عشر: ذكر الإمام القائم بعد أبي محمّد الحسن عليه السّلام و تاريخ مولده، و دلائل(1) إمامته، و ذكر طرف من أخباره و غيبته، و سيرته، عند قيامه، و مدّة دولته

و كان الإمام بعد أبي محمّد الحسن عليه السّلام ابنه المسمّى باسم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم المكنّى بكنيته، و لم يخلّف أبوه ولدا ظاهرا و لا باطنا غيره، و خلّفه غائبا مستترا على ما قدّمنا ذكره.

[أولا في بيان حالات الإمام المهديّ عليه السلام و جملة من مختصاته]

ولادته عليه السّلام:

وَ كَانَ مَوْلِدُهُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ لَيْلَةَ اَلنِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ سَنَةَ خَمْسٍ وَ خَمْسِينَ وَ مِائَتَيْنِ.

أمّه عليه السّلام:

و أمّه أمّ ولد يقال لها: نرجس (2)

سنّه عند وفاة أبيه عليه السّلام:

و كان سنّه عند وفاة أبيه عليه السّلام خمس سنين آتاه اللّه فيها اَلْحِكْمَةَ وَ فَصْلَ اَلْخِطٰابِ ، و جعله آيَةً لِلْعٰالَمِينَ ، و آتاه الحكمة كما آتاها ليحيى صبيّا، و جعله

ص: 335


1- في الأصل: دلايل.
2- بنت يشوعا، من أولاد شمعون من حواريي عيسى بن مريم عليه السّلام.

إماما في حال الطّفوليّة الظّاهرة، كما جعل عيسى بن مريم عليه السّلام في المهد نبيّا.

النصّ على إمامته عليه السّلام:

و قد سبق النّصّ عليه في ملّة الإسلام من نبيّ الهدى عليه السّلام، ثمّ من أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام، و نصّ عليه الأئمّة واحدا بعد واحد إلى أبيه الحسن عليه السّلام و نصّ أبوه عليه عند ثقاته و خاصّة شيعته، و كان الخبر بغيبته ثابتا قبل وجوده و بدولته مستفيضا قبل غيبته، و هو صاحب السّيف من أئمّة الهدى عليهم السّلام و القائم بالحقّ المنتظر لدولة الإيمان.

غيبتاه عليه السّلام:

و له قبل قيامه غيبتان:

إحداهما: أطول من الأخرى كما جاءت بذلك الأخبار، فأمّا القصرى منهما: منذ وقت مولده إلى انقطاع السّفارة بينه و بين شيعته و عدم السّفراء بالوفاة، و أمّا الطّولى: فهي بعد الأولى و في آخرها يقوم بالسّيف، قال اللّه عزّ و جلّ: وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى اَلَّذِينَ اُسْتُضْعِفُوا فِي اَلْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ اَلْوٰارِثِينَ (5) وَ نُمَكِّنَ لَهُمْ فِي اَلْأَرْضِ وَ نُرِيَ فِرْعَوْنَ وَ هٰامٰانَ وَ جُنُودَهُمٰا مِنْهُمْ مٰا كٰانُوا يَحْذَرُونَ (1)، و قال جلّ اسمه: وَ لَقَدْ كَتَبْنٰا فِي اَلزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ اَلذِّكْرِ أَنَّ اَلْأَرْضَ يَرِثُهٰا عِبٰادِيَ اَلصّٰالِحُونَ (2)،

وَ قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ: «لَنْ تَنْقَضِيَ اَلْأَيَّامُ وَ اَللَّيَالِي حَتَّى يَبْعَثَ اَللَّهُ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يُوَاطِئُ (3) اِسْمُهُ اِسْمِي، يَمْلَأُهَا عَدْلاً وَ قِسْطاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَ جَوْراً».

وَ قَالَ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ: «لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ اَلدُّنْيَا إِلاَّ يَوْمٌ وَاحِدٌ لَطَوَّلَ اَللَّهُ ذَلِكَ اَلْيَوْمَ حَتَّى يَبْعَثَ فِيهِ رَجُلاً مِنْ وُلْدِي يُوَاطِئُ (4) اِسْمُهُ اِسْمِي يَمْلَأُهَا قِسْطاً وَ عَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَ جَوْراً».

ص: 336


1- سورة القصص، الآيتان: 5-6.
2- سورة الأنبياء، الآية: 105.
3- يوافق.
4- يوافق.
في ذكر طرف من الدّلائل على إمامة القائم بالحقّ ابن الحسن عليهما السّلام

في ذكر طرف من الدّلائل(1) على إمامة القائم بالحقّ ابن الحسن عليهما السّلام

و من الدّلائل(2) على ذلك ما يقتضيه العقل بالاستدلال الصّحيح على وجود إمام معصوم كامل غنيّ عن رعاياه في الأحكام و العلوم في كل زمان، لاستحالة خلوّ المكلّفين من سلطان يكونون بوجوده أقرب إلى الصّلاح و أبعد من الفساد، و حاجة الكلّ من ذوي النّقصان إلى مؤدّب للجناة مقوّم للعصاة، رادع للغواة، معلّم للجهّال، منبّه للغافلين، محذّر للضّلال، مقيم للحدود، منفذ للأحكام، فاصل بين أهل الاختلاف، ناصب للأسواء، سادّ للثغور، حافظ للأموال، حام عن بيضة الإسلام، جامع للنّاس في الجمعات و الأعياد.

و قيام الأدلّة على أنّه معصوم من الزّلات لغناه بالاتّفاق عن إمام، و اقتضى ذلك له العصمة بلا ارتياب، و وجوب النّصّ على من هذه سبيله من الأنام، و ظهور المعجز عليه لتمييزه ممّن سواه، و عدم هذه الصّفات من كلّ أحد سوى من أثبت إمامته أصحاب الحسن بن عليّ عليهما السّلام و هو ابنه المهديّ عليه السّلام على ما بينّاه، و هذا أصل لا يحتاج معه في الإمامة إلى رواية النّصوص و تعداد ما جاء فيها من الأخبار، لقيامه بنفسه في قضيّة العقول، و صحّته بثابت الاستدلال.

ثمّ قد جاءت روايات في النّصّ على ابن الحسن عليه السّلام من طرق ينقطع به الأعذار، و أنا بمشيّة اللّه مورد طرف منها على السّبيل الّذي سلف من الأختصار.

ص: 337


1- في الأصل: الدلايل.
2- في الأصل: الدلايل.
ما جاء من النّص على إمامة صاحب الزّمان الثّانى عشر من الأئمة (صلوات اللّه عليهم أجمعين) في مجمل و مفسّر على البيان:

أَخْبَرَنِي أَبُو اَلْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قُولَوَيْهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ اَلْكُلَيْنِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْفَضْلِ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ اَلثُّمَالِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ اَللَّهَ عَزَّ اِسْمُهُ أَرْسَلَ مُحَمَّداً صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ إِلَى اَلْجِنِّ وَ اَلْإِنْسِ، وَ جَعَلَ مِنْ بَعْدِهِ اِثْنَيْ عَشَرَ وَصِيّاً، مِنْهُمْ مَنْ سَبَقَ وَ مِنْهُمْ مَنْ بَقِيَ، وَ كُلُّ وَصِيٍّ جَرَتْ بِهِ سُنَّةٌ، فَالْأَوْصِيَاءُ اَلَّذِينَ هُمْ مِنْ بَعْدِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ عَلَى سُنَّةِ أَوْصِيَاءِ عِيسَى عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ كَانُوا اِثْنَيْ عَشَرَ، وَ كَانَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَى سُنَّةِ اَلْمَسِيحِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ».

وَ بِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ اَلْعَبَّاسِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ اَلثَّانِي، عَنْ آبَائِهِ، عَنْ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ: «آمِنُوا بِلَيْلَةِ اَلْقَدْرِ، فَإِنَّهُ يَنْزِلُ فِيهَا أَمْرُ اَلسَّنَةِ، وَ إِنَّ لِذَلِكَ اَلْأَمْرِ وُلاَةً مِنْ بَعْدِي: عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَ أَحَدَ عَشَرَ مِنْ وُلْدِهِ».

وَ بِهَذَا اَلْإِسْنَادِ قَالَ: قَالَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ (رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ): «إِنَّ لَيْلَةَ اَلْقَدْرِ فِي كُلِّ سَنَةٍ، وَ إِنَّهُ يَنْزِلُ فِي تِلْكَ اَللَّيْلَةِ أَمْرُ اَلسَّنَةِ، وَ لِذَلِكَ اَلْأَمْرِ وُلاَةٌ مِنْ بَعْدِ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ» فَقَالَ لَهُ اِبْنُ عَبَّاسٍ: مَنْ هُمْ؟ قَالَ: «أَنَا وَ أَحَدَ عَشَرَ مِنْ صُلْبِي أَئِمَّةٌ مُحَدَّثُونَ».

وَ بِهَذَا اَلْإِسْنَادِ عَنْ أَبِي اَلْجَارُودِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اَللَّهِ اَلْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ وَ بَيْنَ يَدَيْهَا لَوْحٌ فِيهِ أَسْمَاءُ اَلْأَوْصِيَاءِ وَ اَلْأَئِمَّةِ مِنْ وُلْدِهَا، فَعَدَدْتُ أَحَدَ عَشَرَ اِسْماً، آخِرُهُمْ اَلْقَائِمُ مِنْ وُلْدِ فَاطِمَةَ، ثَلاَثَةٌ مِنْهُمْ مُحَمَّدٌ، وَ ثَلاَثَةٌ مِنْهُمْ عَلِيٌّ .

أَخْبَرَنِي أَبُو اَلْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قُولَوَيْهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ اَلْجَعْفَرِيِّ، قَالَ: قُلْتُ: لِأَبِي مُحَمَّدٍ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ: جَلاَلَتُكَ تَمْنَعُنِي

ص: 338

عَنْ مَسْأَلَتِكَ، فَتَأْذَنُ لِي أَنْ أَسْأَلَكَ؟ فَقَالَ: «سَلْ» قُلْتُ: يَا سَيِّدِي هَلْ لَكَ وَلَدٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ» فَقُلْتُ: فَإِنْ حَدَثَ بِكَ حَدَثٌ فَأَيْنَ أَسْأَلُ عَنْهُ؟ قَالَ:

«بِالْمَدِينَةِ».

وَ بِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنْ عَمْرٍو اَلْأَهْوَازِيِّ قَالَ: أَرَانِي أَبُو مُحَمَّدٍ اَلْحَسَنُ اِبْنُ عَلِيٍّ اِبْنَهُ عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ قَالَ: «هَذَا صَاحِبُكُمْ بَعْدِي».

وَ بِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنْ حَمْدَانَ اَلْقَلاَنِسِيِّ، عَنِ اَلْعَمْرِيِّ قَالَ: مَضَى أَبُو مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ خَلَّفَ وَلَداً لَهُ.

وَ بِهَذَا اَلْإِسْنَادِ عَنْ دَاوُدَ بْنِ اَلْقَاسِمِ اَلْجَعْفَرِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا اَلْحَسَنِ عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدٍ يَقُولُ: «اَلْخَلَفُ مِنْ بَعْدِي اَلْحَسَنُ فَكَيْفَ لَكُمْ بِالْخَلَفِ مِنْ بَعْدِ اَلْخَلَفِ» قُلْتُ: وَ لِمَ جَعَلَنِيَ اَللَّهُ فِدَاكَ؟ فَقَالَ: «إِنَّكُمْ لاَ تَرَوْنَ شَخْصَهُ، وَ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ ذِكْرُهُ بِاسْمِهِ» فَقُلْتُ: فَكَيْفَ نَذْكُرُهُ؟ قَالَ: «قُولُوا اَلْحُجَّةُ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ».

و هذا طرف يسير ممّا جاء في النّصوص على الثّاني عشر من الأئمّة عليهم السلام، و الرّوايات في ذلك كثيرة قد دوّنها أصحاب الحديث من هذه العصابة، و أثبتوها في كتبهم المصنّفة.

فممّن أثبتها على الشّرح و التّفصيل محمّد بن إبراهيم المكنّى أبا عبد اللّه النّعماني في كتابه الّذي صنّفه في الغيبة، فلا حاجة بنا مع ما ذكرناه إلى إثباتها على التّفصيل في هذا المكان.

ذكر من رأى الإمام الثّاني عشر عليه السّلام و طرف من دلائله و بيّناته، و معجزاته، و مناقبه:

ذكر من رأى الإمام الثّاني عشر عليه السّلام و طرف من دلائله(1)و بيّناته، و معجزاته، و مناقبه:

أَخْبَرَنِي أَبُو اَلْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قُولَوَيْهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ وَ كَانَ أَسَنَّ شَيْخٍ مِنْ وُلْدِ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ بِالْعِرَاقِ قَالَ: رَأَيْتُ اِبْنَ

ص: 339


1- في الأصل: دلايله.

اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ بَيْنَ اَلْمَسْجِدَيْنِ وَ هُوَ غُلاَمٌ.

وَ بِهَذَا اَلْإِسْنَادِ عَنْ مُوسَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْقَاسِمِ بْنِ حَمْزَةَ بْنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَتْنِي حَكِيمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ وَ هِيَ عَمَّةُ اَلْحَسَنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: أَنَّهَا رَأَتِ اَلْقَائِمَ لَيْلَةَ مَوْلِدِهِ وَ بَعْدَ ذَلِكَ.

أَخْبَرَنِي أَبُو اَلْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قُولَوَيْهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ فَتْحٍ مَوْلَى اَلزُّرَارِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَلِيِّ بْنَ مُطَهَّرٍ يَذْكُرُ أَنَّهُ رَآهُ وَ وَصَفَ لَهُ قَدَّهُ.

أَخْبَرَنِي أَبُو اَلْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قُولَوَيْهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شَاذَانَ بْنِ نُعَيْمٍ، عَنْ خَادِمَةٍ لِإِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدَةَ اَلنَّيْسَابُورِيِّ وَ كَانَتْ مِنَ اَلصَّالِحَاتِ أَنَّهَا قَالَتْ: كُنْتُ وَاقِفَةً مَعَ إِبْرَاهِيمَ عَلَى اَلصَّفَا، فَجَاءَ صَاحِبُ اَلْأَمْرِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ حَتَّى وَقَفَ مَعَهُ وَ قَبَضَ عَلَى كِتَابِ مَنَاسِكِهِ، وَ حَدَّثَهُ بِأَشْيَاءَ.

وَ بِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ صَالِحٍ: أَنَّهُ رَآهُ بِحِذَاءِ اَلْحَجَرِ وَ اَلنَّاسُ يَتَجَاذَبُونَ عَلَيْهِ وَ هُوَ يَقُولُ: «مَا بِهَذَا أُمِرُوا».

وَ بِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنْ أَبِي اَلْقَاسِمِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قُولَوَيْهِ عَنْ مُحَمَّدِ اِبْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِدْرِيسَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُهُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بَعْدَ مُضِيِّ أَبِي مُحَمَّدٍ حِينَ أَيْفَعَ (1) وَ قَبَّلْتُ يَدَهُ وَ رَأْسَهُ.

أَخْبَرَنِي أَبُو اَلْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قُولَوَيْهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ صَالِحٍ، قَالَ أَحْمَدُ بْنُ اَلنَّصْرِ، عَنِ اَلْعَنْبَرِيِّ قَالَ: جَرَى حَدِيثُ جَعْفَرِ بْنِ عَلِيٍّ فَذَمَّهُ، فَقُلْتُ: فَلَيْسَ غَيْرُهُ؟ قَالَ: «بَلَى» فَقُلْتُ: فَهَلْ رَأَيْتَهُ؟ قَالَ: فَلَمْ أَرَهُ وَ لَكِنْ رَآهُ غَيْرِي، قُلْتُ: مَنْ غَيْرُكَ قَالَ: قَدْ رَآهُ جَعْفَرٌ مَرَّتَيْنِ .

وَ بِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ اَلنَّيْسَابُورِيِّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي نَصْرٍ طَرِيفٍ اَلْخَادِمِ: أَنَّهُ رَآهُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ.

ص: 340


1- أي ارتفع.

و أمثال هذه الأخبار في معنى ما ذكرناه كثيرة، و الذي اقتصرنا عليه منها كان فيما قصدناه، إذ العمدة في وجوده و إمامته عليه السّلام ما قدّمناه، و الّذي يأتي من بعده زيادة في التّأكيد لو لم نورده لكان غير مخلّ بما شرحناه و المنّة للّه.

طرف من دلائل صاحب الزّمان عليه السّلام و بيّناته و معجزاته:

أَخْبَرَنِي أَبُو اَلْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قُولَوَيْهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَمَّوَيْهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ اِبْنِ مَهْزِيَارَ، قَالَ: شَكَكْتُ بَعْدَ مُضِيِّ أَبِي مُحَمَّدٍ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ وَ اِجْتَمَعَ عِنْدَ أَبِي مَالٌ جَلِيلٌ، فَحَمَلَهُ وَ رَكِبْتُ مَعَهُ مُشَيِّعاً لَهُ، فَوُعِكَ (1) وَعْكاً شَدِيداً فَقَالَ: يَا بُنَيَّ رُدَّنِي فَهُوَ اَلْمَوْتُ، وَ قَالَ لِي اِتَّقِ اَللَّهَ فِي هَذَا اَلْمَالِ وَ أَوْصَى إِلَيَّ وَ مَاتَ بَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: لَمْ يَكُنْ أَبِي لِيُوصِيَ بِشَيْ ءٍ غَيْرِ صَحِيحٍ، أَحْمِلُ هَذَا اَلْمَالَ إِلَى اَلْعِرَاقِ وَ أَكْتَرِي دَاراً عَلَى اَلشَّطِّ، وَ لاَ أُخْبِرُ أَحَداً بِشَيْ ءٍ، فَإِنْ وَضَحَ لِي شَيْ ءٌ كَوُضُوحِهِ فِي أَيَّامِ أَبِي مُحَمَّدٍ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ أَنْفَذْتُهُ وَ إِلاَّ أَنْفَقْتُهُ فِي مَلاَذِّي وَ شَهَوَاتِي، فَقَدِمْتُ اَلْعِرَاقَ وَ اِكْتَرَيْتُ دَاراً عَلَى اَلشَّطِّ، وَ بَقِيتُ أَيَّاماً، فَإِذَا أَنَا بِرُقْعَةٍ مَعَ رَسُولٍ فِيهَا: يَا مُحَمَّدُ مَعَكَ كَذَا وَ كَذَا حَتَّى قَصَّ عَلَيَّ جَمِيعَ مَا مَعِي، وَ ذَكَرَ فِي جُمْلَتِهِ لَمْ أُحِطْ بِهِ عِلْماً، فَسَلَّمْتُهُ إِلَى اَلرَّسُولِ، وَ بَقِيتُ أَيَّاماً لاَ يُرْفَعُ لِي رَأْسٌ فَاغْتَمَمْتُ، فَخَرَجَ إِلَيَّ قَدْ أَقَمْنَاكَ مَقَامَ أَبِيكَ فَاحْمَدِ اَللَّهَ .

وَ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ اَلسَّيَّارِيُّ قَالَ: أَوْصَلْتُ أَشْيَاءَ لِلْمَرْزُبَانِيِّ اَلْحَارِثِيِّ فِيهَا سِوَارُ ذَهَبٍ، فَقُبِلَتْ وَ رُدَّ عَلَيَّ اَلسِّوَارُ، فَأُمِرْتُ بِكَسْرِهِ فَكَسَرْتُهُ، فَإِذَا فِي وَسَطِهِ مَثَاقِيلُ حَدِيدٍ وَ نُحَاسٍ وَ صُفْرٍ، فَأَخْرَجْتُهُ فَأَنْفَذْتُ اَلذَّهَبَ بَعْدَ ذَلِكَ فَقُبِلَ.

عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: أَوْصَلَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ اَلسَّوَادِ فَرُدَّ عَلَيْهِ وَ قِيلَ لَهُ:

أَخْرِجْ حَقَّ وُلْدِ عَمِّكَ مِنْهُ، وَ هُوَ أَرْبَعُمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَ كَانَ اَلرَّجُلُ فِي يَدِهِ ضَيْعَةٌ لِوُلْدِ عَمِّهِ فِيهَا شِرْكَةٌ قَدْ حَبَسَهَا عَنْهُمْ، فَنَظَرَ فَإِذَا اَلَّذِي لِوُلْدِ عَمِّهِ مِنْ ذَلِكَ

ص: 341


1- الوعك: الحمى.

اَلْمَالِ أَرْبَعُمِائَةِ دِرْهَمٍ، فَأَخْرَجَهَا وَ أَنْفَذَ اَلْبَاقِيَ فَقُبِلَ.

اَلْقَاسِمُ بْنُ اَلْعَلاَ قَالَ: وُلِدَ لِي عِدَّةُ بَنِينَ، فَكُنْتُ أَكْتُبُ وَ أَسْأَلُ اَلدُّعَاءَ لَهُمْ فَلاَ يُكْتَبُ إِلَيَّ بِشَيْ ءٍ مِنْ أَمْرِهِمْ، فَمَاتُوا كُلُّهُمْ، فَلَمَّا وُلِدَ لِيَ اَلْحُسَيْنُ اِبْنِي كَتَبْتُ أَسْأَلُ اَلدُّعَاءَ وَ أُجِبْتُ، وَ بَقِيَ وَ اَلْحَمْدُ لِلَّهِ..

عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ صَالِحٍ، قَالَ: خَرَجْتُ سَنَةً مِنَ اَلسِّنِينَ إِلَى بَغْدَادَ، فَاسْتَأْذَنْتُ فِي اَلْخُرُوجِ فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي، فَأَقَمْتُ اِثْنَيْنِ وَ عِشْرِينَ يَوْماً بَعْدَ خُرُوجِ اَلْقَافِلَةِ إِلَى اَلنَّهْرَوَانِ، ثُمَّ أَذِنَ لِي بِالْخُرُوجِ يَوْمَ اَلْأَرْبِعَاءِ وَ قِيلَ لِي: اُخْرُجْ فِيهِ، فَخَرَجْتُ وَ أَنَا آيِسٌ مِنَ اَلْقَافِلَةِ أَنْ أَلْحَقَهَا، فَوَافَيْتُ اَلنَّهْرَوَانَ وَ اَلْقَافِلَةُ مُقِيمَةٌ، فَمَا كَانَ إِلاَّ أَنْ عَلَفْتُ جَمَلِي حَتَّى رَحَلَتِ اَلْقَافِلَةُ، فَرَحَلْتُ وَ قَدْ دَعَا إِلَيَّ بِالسَّلاَمَةِ فَلَمْ أَلْقَ سُوءاً وَ اَلْحَمْدُ لِلَّهِ.

عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ نَصْرِ بْنِ صَبَّاحٍ اَلْبَلْخِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ اَلشَّاشِيِّ، قَالَ: خَرَجَ بِي نَاسُورٌ فَأَرَيْتُهُ اَلْأَطِبَّاءَ وَ أَنْفَقْتُ عَلَيْهِ مَالاً فَلَمْ يَصْنَعِ اَلدَّوَاءُ فِيهِ شَيْئاً، فَكَتَبْتُ رُقْعَةً أَسْأَلُ اَلدُّعَاءَ، فَوَقَّعَ إِلَيَّ: «أَلْبَسَكَ اَللَّهُ اَلْعَافِيَةَ وَ جَعَلَكَ مَعَنَا فِي اَلدُّنْيَا وَ اَلْآخِرَةِ» فَمَا أَتَتْ عَلَيَّ جُمْعَةٌ حَتَّى عُوفِيتُ وَ صَارَ اَلْمَوْضِعُ مِثْلَ رَاحَتِي(1)، فَدَعَوْتُ طَبِيباً مِنْ أَصْحَابِنَا؟ وَ أَرَيْتُهُ إِيَّاهُ، فَقَالَ: مَا عَرَفْنَا لِهَذَا دَوَاءً، وَ مَا جَاءَتْكَ اَلْعَافِيَةُ إِلاَّ مِنْ قِبَلِ اَللَّهِ بِغَيْرِ اِحْتِسَابٍ..

عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ اَلْيَمَانِيِّ قَالَ: كُنْتُ بِبَغْدَادَ، فَتَهَيَّأَتْ قَافِلَةٌ لِلْيَمَانِيِّينَ، فَأَرَدْتُ اَلْخُرُوجَ مَعَهَا، فَكَتَبْتُ أَلْتَمِسُ اَلْإِذْنَ فِي ذَلِكَ، فَخَرَجَ: «لاَ تَخْرُجْ مَعَهُمْ فَلَيْسَ لَكَ فِي اَلْخُرُوجِ مَعَهُمْ خِيَرَةٌ، وَ أَقِمْ بِالْكُوفَةِ» قَالَ: فَأَقَمْتُ وَ خَرَجَتِ اَلْقَافِلَةُ، فَخَرَجَتْ عَلَيْهِمْ بَنُو حَنْظَلَةَ فَاجْتَاحَتْهُمْ (2)، قَالَ: فَكَتَبْتُ أَسْتَأْذِنُ فِي رُكُوبِ اَلْمَاءِ، فَلَمْ يُؤْذِنْ لِي فَسَأَلْتُ عَنِ اَلْمَرَاكِبِ اَلَّتِي خَرَجَتْ تِلْكَ اَلسَّنَةِ فِي اَلْبَحْرِ فَعُرِّفْتُ أَنَّهُ لَمْ يَسْلَمْ مِنْهَا مَرْكَبٌ، خَرَجَ عَلَيْهَا قَوْمٌ يُقَالُ لَهُمُ اَلْبَوَارِحُ فَقَطَعُوا عَلَيْهَا..

ص: 342


1- الراحة: بطن اليد.
2- أي استأصلتهم.

عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ قَالَ: وَرَدْتُ اَلْعَسْكَرَ، فَأَتَيْتُ اَلدَّرْبَ مَعَ اَلْمَغِيبِ وَ لَمْ أُكَلِّمْ أَحَداً وَ لَمْ أَتَعَرَّفْ إِلَى أَحَدٍ، فَأَنَا أُصَلِّي فِي اَلْمَسْجِدِ بَعْدَ فَرَاغِي مِنَ اَلزِّيَارَةِ، فَإِذَا اَلْخَادِمُ قَدْ جَاءَنِي فَقَالَ لِي: قُمْ، فَقُلْتُ لَهُ: إِلَى أَيْنَ؟ فَقَالَ:

إِلَى اَلْمَنْزِلِ، قُلْتُ: وَ مَنْ أَنَا، لَعَلَّكَ أُرْسِلْتَ إِلَى غَيْرِي فَقَالَ: لاَ مَا أُرْسِلْتُ إِلاَّ إِلَيْكَ أَنْتَ عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ، وَ كَانَ مَعَهُ غُلاَمٌ فَسَارَّهُ فَلَمْ أَدْرِ مَا قَالَ لَهُ حَتَّى أَتَانِي بِجَمِيعِ مَا أَحْتَاجُ إِلَيْهِ، وَ جَلَسْتُ عِنْدَهُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فَاسْتَأْذَنْتُهُ فِي اَلزِّيَارَةِ مِنْ دَاخِلِ اَلدَّارِ فَأَذِنَ لِي فَزُرْتُ لَيْلاً .

عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ، قَالَ: لَمَّا مَاتَ أَبِي وَ صَارَ اَلْأَمْرُ إِلَيَّ كَانَ لِأَبِي عَلَى اَلنَّاسِ سَفَاتِجُ مِنْ مَالِ اَلْغَرِيمِ، يَعْنِي صَاحِبَ اَلْأَمْرِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، قَالَ اَلشَّيْخُ اَلْمُفِيدُ (رَحِمَهُ اَللَّهُ): وَ هَذَا رَمْزٌ كَانَتِ اَلشِّيعَةُ تَعْرِفُهُ قَدِيماً بَيْنَهَا، وَ يَكُونُ خِطَابُهَا عَلَيْهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ لِلتَّقِيَّةِ، قَالَ: فَكَتَبْتُ إِلَيْهِ أُعْلِمُهُ وَ كَتَبَ إِلَيَّ طَالِبْهُمْ وَ اِسْتَقْضِ عَلَيْهِمْ فَقَضَانِي اَلنَّاسُ إِلاَّ رَجُلٌ وَاحِدٌ، وَ كَانَ عَلَيْهِ سَفْتَجَةٌ بِأَرْبَعِمِائَةِ دِينَارٍ، فَجِئْتُ إِلَيْهِ أَطْلُبُهُ فَمَطَلَنِي، وَ اِسْتَخَفَّ بِي اِبْنُهُ وَ سَفِهَ (1) عَلَيَّ فَشَكَوْتُهُ إِلَى أَبِيهِ، فَقَالَ: وَ كَانَ مَاذَا؟ فَقَبَضْتُ لِحْيَتَهُ وَ أَخَذْتُ بِرِجْلِهِ فَسَحَبْتُهُ (2) إِلَى وَسَطِ اَلدَّارِ فَخَرَجَ اِبْنُهُ مُسْتَغِيثاً بِأَهْلِ بَغْدَادَ يَقُولُ: قُمِّيٌّ رَافِضِيٌّ قَدْ قَتَلَ وَالِدِي، فَاجْتَمَعَ عَلَيَّ مِنْهُمْ خَلْقٌ كَثِيرٌ، فَرَكِبْتُ دَابَّتِي وَ قُلْتُ: أَحْسَنْتُمْ يَا أَهْلَ بَغْدَادَ تَمِيلُونَ مَعَ اَلظَّالِمِ عَلَى اَلْغَرِيبِ اَلْمَظْلُومِ، أَنَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ هَمَدَانَ مِنْ أَهْلِ اَلسُّنَّةِ، وَ هَذَا يَنْسُبُنِي إِلَى قُمَّ وَ يَرْمِينِي بِالرَّفْضِ لِيَذْهَبَ بِحَقِّي وَ مَالِى قَالَ: فَمَالُوا عَلَيْهِ فَأَرَادُوا أَنْ يَدْخُلُوا إِلَى حَانُوتِهِ حَتَّى سَكَّنْتُهُمْ، وَ طَلَبَ إِلَيَّ صَاحِبُ اَلسَّفْتَجَةِ أَنْ آخُذَ مَالَهَا، وَ حَلَفَ بِالطَّلاَقِ أَنْ يُوَفِّيَنِي مَالِي فِي اَلْحَالِ، فَاسْتَوْفَيْتُهُ مِنْهُ. .

عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا قَالَ: وُلِدَ لِي وَلَدٌ فَكَتَبْتُ أَسْتَأْذِنُ فِي تَطْهِيرِهِ يَوْمَ اَلسَّابِعِ، فَوَرَدَ: «لاَ تَفْعَلْ» فَمَاتَ يَوْمَ اَلسَّابِعِ أَوِ اَلثَّامِنِ، ثُمَّ كَتَبْتُ بِمَوْتِهِ، فَوَرَدَ: «سَتُخْلَفُ غَيْرَهُ وَ غَيْرَهُ، فَسَمِّ اَلْأَوَّلَ أَحْمَدَ

ص: 343


1- أي شتم.
2- سحبه: أي جره على وجه الأرض.

وَ مِنْ بَعْدِ أَحْمَدَ جَعْفَرٌ» فَجَاءَ كَمَا قَالَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، قَالَ: وَ تَهَيَّأْتُ لِلْحَجِّ وَ وَدَّعْتُ اَلنَّاسَ، وَ كَتَبْتُ أَسْتَأْذِنُ فِي اَلْخُرُوجِ، فَوَرَدَ: «نَحْنُ لِذَلِكَ كَارِهُونَ وَ اَلْأَمْرُ إِلَيْكَ» قَالَ: فَضَاقَ صَدْرِي وَ اِغْتَمَمْتُ وَ كَتَبْتُ أَنَا مُقِيمٌ عَلَى اَلسَّمْعِ وَ اَلطَّاعَةِ غَيْرَ أَنِّي مُغْتَمٌّ بِتَخَلُّفِي عَنِ اَلْحَجِّ، فَوَقَّعَ: «لاَ يَضِيقَنَّ صَدْرُكَ، فَإِنَّكَ سَتَحُجُّ قَابِلاً إِنْ شَاءَ اَللَّهُ» قَالَ: فَلَمَّا كَانَ مِنْ قَابِلٍ كَتَبْتُ أَسْتَأْذِنُ، فَوَرَدَ اَلْإِذْنُ وَ كَتَبْتُ،: إِنِّي قَدْ عَادَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ اَلْعَبَّاسِ وَ أَنَا وَاثِقٌ بِدِيَانَتِهِ وَ صِيَانَتِهِ، فَوَرَدَ: «اَلْأَسَدِيُّ نِعْمَ اَلْعَدِيلُ، فَإِنْ قَدِمَ فَلاَ تَخْتَرْ عَلَيْهِ»، فَقَدِمَ اَلْأَسَدِيُّ (1)وَ عَادَلْتُهُ.

أَخْبَرَنِي أَبُو اَلْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قُولَوَيْهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ عِيسَى اَلْعُرَيْضِيِّ، قَالَ: لَمَّا مَضَى أَبُو مُحَمَّدٍ اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ وَرَدَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ بِمَالٍ إِلَى مَكَّةَ لِصَاحِبِ اَلْأَمْرِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فَاخْتَلَفَ عَلَيْهِ، وَ قَالَ بَعْضُ اَلنَّاسِ: إِنَّ أَبَا مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَدْ مَضَى مِنْ غَيْرِ خَلَفٍ، وَ قَالَ آخَرُونَ: اَلْخَلَفُ مِنْ بَعْدِهِ جَعْفَرٌ، وَ قَالَ آخَرُونَ: اَلْخَلَفُ مِنْ بَعْدِهِ وَلَدُهُ، فَبَعَثَ رَجُلاً يُكَنَّى أَبَا طَالِبٍ إِلَى اَلْعَسْكَرِ يَبْحَثُ عَنِ اَلْأَمْرِ وَ صِحَّتِهِ وَ مَعَهُ كِتَابٌ، فَصَارَ اَلرَّجُلُ إِلَى جَعْفَرٍ وَ سَأَلَهُ عَنْ بُرْهَانٍ، فَقَالَ لَهُ جَعْفَرٌ: لاَ يَتَهَيَّأُ لِي فِي هَذَا اَلْوَقْتِ، فَصَارَ اَلرَّجُلُ إِلَى اَلْبَابِ وَ أَنْفَذَ اَلْكِتَابَ إِلَى أَصْحَابِنَا اَلْمَوْسُومِينَ بِالسِّفَارَةِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ «آجَرَكَ اَللَّهُ فِي صَاحِبِكَ فَقَدْ مَاتَ وَ أَوْصَى بِالْمَالِ اَلَّذِي كَانَ مَعَهُ إِلَى ثِقَةٍ يَعْمَلُ فِيهِ بِمَا يُحِبُّ» وَ أُجِيبَ عَنْ كِتَابِهِ وَ كَانَ اَلْأَمْرُ كَمَا قِيلَ لَهُ. .

وَ بِهَذَا اَلْإِسْنَادِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَمَلَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ آبَةَ شَيْئاً يُوصِلُهُ وَ نَسِيَ سَيْفاً بِآبَةَ كَانَ أَرَادَ حَمْلَهُ، فَلَمَّا وَصَلَ اَلشَّيْ ءُ كَتَبَ إِلَيْهِ بِوُصُولِهِ، وَ قِيلَ فِي اَلْكِتَابِ «مَا خَبَرُ اَلسَّيْفِ اَلَّذِي نَسِيتَهُ»..

وَ بِهَذَا اَلْإِسْنَادِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ شَاذَانَ اَلنَّيْسَابُورِيِّ قَالَ: اِجْتَمَعَ عِنْدِي خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ يَنْقُصُ عِشْرُونَ دِرْهَماً، فَلَمْ أُحِبَّ أَنْ أُنْفِذَهَا نَاقِصَةً،

ص: 344


1- هو محمّد بن أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد بن عون الأسدي الكوفيّ، أحد السفراء رضي اللّه عنه.

فَوَزَنْتُ مِنْ عِنْدِي عِشْرِينَ دِرْهَماً وَ بَعَثْتُهَا إِلَى اَلْأَسَدِيِّ وَ لَمْ أَكْتُبْ مَا لِي فِيهَا، فَوَرَدَ اَلْجَوَابُ: «وَصَلَتْ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ لَكَ مِنْهَا عِشْرُونَ دِرْهَماً»..

اَلْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ اَلْأَشْعَرِيُّ قَالَ: كَانَ يَرِدُ كِتَابُ أَبِي مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فِي اَلْإِجْرَاءِ عَلَى اَلْجُنَيْدِ قَاتِلِ فَارِسِ بْنِ حَاتِمِ بْنِ مَاهَوَيْهِ وَ أَبِي اَلْحَسَنِ وَ أَخِي، وَ لَمَّا مَضَى أَبُو مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَرَدَ اِسْتِينَافٌ مِنَ اَلصَّاحِبِ بِالْإِجْرَاءِ لِأَبِي اَلْحَسَنِ وَ صَاحِبِهِ، وَ لَمْ يَرِدْ فِي أَمْرِ اَلْجُنَيْدِ شَيْ ءٌ قَالَ: فَاغْتَمَمْتُ لِذَلِكَ، فَوَرَدَ نَعْيُ اَلْجُنَيْدِ بَعْدَ ذَلِكَ..

عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي عَقِيلٍ عِيسَى بْنِ نَصْرٍ قَالَ: كَتَبَ عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ اَلصَّيْمَرِيُّ يَسْأَلُ كَفَناً، فَكَتَبَ إِلَيْهِ «إِنَّكَ تَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي سَنَةِ ثَمَانِينَ» فَمَاتَ فِي سَنَةِ ثَمَانِينَ وَ بَعَثَ إِلَيْهِ بِالْكَفَنِ قَبْلَ مَوْتِهِ..

عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ هَارُونَ بْنِ عِمْرَانَ اَلْهَمْدَانِيِّ قَالَ: كَانَ لِلنَّاحِيَةِ عَلَيَّ خَمْسُمِائَةِ دِينَارٍ، فَضِقْتُ بِهَا ذَرْعاً ثُمَّ قُلْتُ فِي نَفْسِي: لِي حَوَانِيتُ اِشْتَرَيْتُهَا بِخَمْسِمِائَةٍ وَ ثَلاَثِينَ دِينَاراً قَدْ جَعَلْتُهَا لِلنَّاحِيَةِ بِخَمْسِمِائَةِ دِينَارٍ، وَ لَمْ أَنْطِقْ بِذَلِكَ، فَكَتَبَ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ «اِقْبِضِ اَلْحَوَانِيتَ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ هَارُونَ بِالْخَمْسِمِائَةِ دِينَارٍ اَلَّتِي لَنَا عَلَيْهِ» .

أَخْبَرَنِي أَبُو اَلْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ اِبْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: خَرَجَ نَهْيٌ عَنْ زِيَارَةِ مَقَابِرِ قُرَيْشٍ وَ اَلْحَائِرِ عَلَى سَاكِنِيهِمَا اَلسَّلاَمُ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ أَشْهُرٍ دَعَا اَلْوَزِيرُ اَلْبَاقِطَانِيَّ فَقَالَ لَهُ: اِلْقَ بَنِي اَلْفُرَاتِ وَ اَلْبُرْسِيِّينَ وَ قُلْ لَهُمْ: لاَ تَزُورُوا مَقَابِرَ قُرَيْشٍ، فَقَدْ أَمَرَ اَلْخَلِيفَةُ أَنْ يُفْتَقَدَ كُلُّ مَنْ زَارَهُ فَيُقْبَضَ عَلَيْهِ..

و الأحاديث في هذا المعنى كثيرة و هي موجودة في الكتب المصنّفة المذكورة فيها أخبار القائم عليه السّلام و إن ذهبت إلى إيراد جميعها طال بذلك و فيما أثبت منها مقنّع و المنّة للّه.

ص: 345

ص: 346

[ثانيا في بيان قيامه و مدة أيامه وسيرته و دولته]

اشارة

<الباب الخامس عشر:

ذكر قيام القائم عليه السّلام و مدّة أيّام ظهوره، و شرح سيرته، و طريقة أحكامه، و طرف ممّا يظهر في دولته> و قد جاءت الآثار(1) بذكر علامات لزمان قيام القائم المهديّ عليه السّلام و حوادث تكون امام قيامه و آيات و دلالات فمنها خروج السّفياني، و قتل الحسني، و اختلاف بني العبّاس في الملك الدّنياوي، و كسوف الشّمس في النّصف من شهر رمضان، و خسوف القمر في آخره على خلاف العادات، و خسف بالبيداء، و المشرق، و المغرب، و ركود الشّمس من عند الزّوال إلى وسط أوقات العصر، و طلوعها من المغرب، و قتل نفس زكيّة بظهر الكوفة في سبعين من الصّالحين، و ذبح رجل هاشميّ بين الرّكن و المقام، و هدم حائط مسجد الكوفة، و إقبال رايات سود من قبل خراسان، و خروج اليماني، و ظهور المغربي بمصر، و تملّكه من الشّامات، و نزول الترك بالجزيرة، و نزول الرّوم الرّملة، و طلوع نجم بالمشرق يضيء كما يضيء القمر، ثمّ ينعطف حتّى يلتقي طرفاه، و حمرة تظهر في السّماء و تنتثر في آفاقها، و نار تظهر بالمشرق طولا و تبقى في الجوّ ثلاثة أيّام أو سبعة أيّام، و خلع العرب أعنّتها و تملّكها البلاد، و خروجها عن سلطان العجم، و قتل أهل مصر أميرهم، و خراب الشّام، و اختلاف ثلاثة رايات فيه، و دخول رايات قيس، و العرب إلى

ص: 347


1- في نسخة أخرى: الأخبار.

مصر، و رايات كندة إلى خراسان، و ورود خيل من قبل المغرب حتّى تربط بفناة الحيرة، و إقبال رايات سود من قبل المشرق نحوها و بثق(1) في الفرات حتّى يدخل الماء أزقّة الكوفة، و خروج ستّين كذّابا كلّهم يدّعي النّبوّة، و خروج اثني عشر من آل أبي طالب كلّهم يدّعي الإمامة لنفسه، و إحراق رجل عظيم القدر من شيعة بني العبّاس بين جلولاء و خانقين، و عقد الجسر ممّا يلي الكرخ بمدينة بغداد، و ارتفاع ريح سوداء بها في أوّل النّهار، و زلزلة حتّى ينخسف كثير منها، و خوف يشمل العراق و بغداد، و موت ذريع(2) فيه، و نقص مِنَ اَلْأَمْوٰالِ وَ اَلْأَنْفُسِ وَ اَلثَّمَرٰاتِ ، و جراد يظهر في أوانه و غير أوانه حتّى يأتي على الزّرع و الغلاّت، و قلّة ريع لما يزرعه النّاس، و اختلاف صنفين من العجم و سفك دماء كثيرة فيما بينهم، و خروج العبيد عن طاعة ساداتهم و قتلهم مواليهم، و مسخ لقوم من أهل البدع حتّى يصيروا قردة و خنازير، و غلبة العبيد على بلاد السّادات، و نداء من السّماء حتّى يسمعه أهل الأرض كلّهم أهل كلّ لغة بلغتهم، و وجه و صدر يظهران من السّماء للنّاس في عين الشّمس، و أموات ينشرون من القبور حتّى يرجعوا إلى الدّنيا فيتعارفون فيها و يتزاورن، ثمّ يختم ذلك بأربع و عشرين مطرة تتّصل فتحيى بها الأرض بعد موتها و تعرف بركاتها، و يزول بعد ذلك كلّ عاهة من معتقدي الحق من شيعة المهديّ عليه السّلام فيعرفون عند ذلك ظهوره بمكّة، و يتوجّهون نحوه لنصرته كما جاءت بذلك الأخبار.

و من جملة هذه الأحداث محتومة، و منها مشترطة، و اللّه أعلم بما يكون، و إنّما ذكرناها على حسب ما تثبت في الأصول و تضمّنها الآثار المنقولة و باللّه نستعين و إيّاه نسأل التّوفيق.

أَخْبَرَنِي أَبُو اَلْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ هِلاَلٍ اَلْمُهَلَّبِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ اَلْمُؤَدِّبُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِدْرِيسَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قُتَيْبَةَ، عَنِ اَلْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ اَلصَّبَّاحِ، قَالَ: سَمِعْتُ شَيْخاً مِنْ

ص: 348


1- أي كثر ماء الفرات.
2- أي كثير سريع.

أَصْحَابِنَا يَذْكُرُ عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ: [قَالَ كُنْتُ عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ اَلْمَنْصُورِ فَقَالَ لِي اِبْتِدَاءً يَا سَيْفَ بْنَ عَمِيرَةَ] لاَ بُدَّ مِنْ مُنَادٍ يُنَادِي مِنَ اَلسَّمَاءِ بِاسْمِ رَجُلٍ مِنْ وُلْدِ أَبِي طَالِبٍ، فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ تَرْوِي هَذَا قَالَ: إِي وَ اَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لِسَمَاعِ أُذُنِي لَهُ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ إِنَّ هَذَا اَلْحَدِيثَ مَا سَمِعْتُهُ قَبْلَ وَقْتِي هَذَا؟ قَالَ: يَا سَيْفُ إِنَّهُ لَحَقٌّ؟ فَإِذَا كَانَ فَنَحْنُ أَوَّلُ مَنْ يُجِيبُهُ، أَمَا إِنَّ اَلنِّدَاءَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ بَنِي عَمِّنَا فَقُلْتُ: رَجُلٌ مِنْ وُلْدِ فَاطِمَةَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ؟ فَقَالَ: نَعَمْ يَا سَيْفُ، لَوْ لاَ أَنَّنِي سَمِعْتُ مِنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ يُحَدِّثُنِي بِهِ وَ حَدَّثَنِي بِهِ أَهْلُ اَلْأَرْضِ كُلُّهُمْ مَا قَبِلْتُهُ مِنْهُمْ، وَ لَكِنَّهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ (1).

وَ رَوَى يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ اَلسَّائِبِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ: «لاَ تَقُومُ اَلسَّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجَ اَلْمَهْدِيُّ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ مِنْ وُلْدِي، وَ لاَ يَخْرُجُ اَلْمَهْدِيُّ حَتَّى يَخْرُجَ سِتُّونَ كَذَّاباً كُلُّهُمْ يَقُولُونَ: أَنَا نَبِيٌّ».

حَدَّثَنِي اَلْفَضْلُ بْنُ شَاذَانَ، عَمَّنْ رَوَاهُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ اَلثُّمَالِيِّ قَالَ:

قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: «خُرُوجُ اَلسُّفْيَانِيِّ مِنَ اَلْمَحْتُومِ، قَالَ: نَعَمْ، وَ اَلنِّدَاءُ مِنَ اَلْمَحْتُومِ، وَ طُلُوعُ اَلشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا مِنَ اَلْمَحْتُومِ، وَ اِخْتِلاَفُ بَنِي اَلْعَبَّاسِ، فِي اَلدَّوْلَةِ مِنَ اَلْمَحْتُومِ، وَ قَتْلُ اَلنَّفْسِ اَلزَّكِيَّةِ مَحْتُومٌ، وَ خُرُوجُ اَلْقَائِمِ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ مَحْتُومٌ» قُلْتُ: وَ كَيْفَ يَكُونُ اَلنِّدَاءُ؟ قَالَ: «يُنَادَى مِنَ اَلسَّمَاءِ أَوَّلَ اَلنَّهَارِ: أَلاَ إِنَّ اَلْحَقَّ مَعَ عَلِيٍّ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ شِيعَتِهِ، ثُمَّ يُنَادِي إِبْلِيسُ فِي آخِرِ اَلنَّهَارِ مِنَ اَلْأَرْضِ أَلاَ إِنَّ اَلْحَقَّ مَعَ عُثْمَانَ وَ شِيعَتِهِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَرْتَابُ اَلْمُبْطِلُونَ».

اَلْحَسَنُ بْنُ اَلْوَشَّاءِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ اَلْعَائِذِ، عَنْ أَبِي خَدِيجَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ: «لاَ يَخْرُجُ اَلْقَائِمُ حَتَّى يَخْرُجَ قَبْلَهُ اِثْنَا عَشَرَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ كُلُّهُمْ يَدْعُو لِنَفْسِهِ».

مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي اَلْبِلاَدِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ اَلْأَزْدِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ

ص: 349


1- ورد خلال الحديث عبارة أمير المؤمنين و لم يذكر في أوّل الحديث سوى: عن عميرة: لا بد من....

قَالَ: قَالَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: «بَيْنَ يَدَيِ اَلْقَائِمِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ مَوْتٌ أَحْمَرُ، وَ مَوْتٌ أَبْيَضُ، وَ جَرَادٌ مِنْ حِينِهِ، وَ جَرَادٌ فِي غَيْرِ حِينِهِ كَأَلْوَانِ اَلدَّمِ، فَأَمَّا اَلْمَوْتُ اَلْأَحْمَرُ: فَالسَّيْفُ، وَ أَمَّا اَلْمَوْتُ اَلْأَبْيَضُ: فَالطَّاعُونُ».

اَلْحَسَنُ بْنُ مَحْبُوبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي اَلْمِقْدَامِ، عَنْ جَابِرٍ اَلْجُعْفِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ: «اِلْزَمِ اَلْأَرْضَ وَ لاَ تُحَرِّكْ يَداً وَ لاَ رِجْلاً حَتَّى تَرَى عَلاَمَاتٍ أَذْكُرُهَا لَكَ وَ مَا أَرَاكَ تُدْرِكُ ذَلِكَ، اِخْتِلاَفُ بَنِي اَلْعَبَّاسِ، وَ مُنَادِي يُنَادِي مِنَ اَلسَّمَاءِ، وَ خَسْفُ قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى اَلشَّامِ تُسَمَّى اَلْجَابِيَةَ، وَ نُزُولُ اَلتُّرْكِ اَلْجَزِيرَةَ، وَ نُزُولُ اَلرُّومِ اَلرَّمْلَةَ، وَ اِخْتِلاَفٌ كَثِيرٌ عِنْدَ ذَلِكَ فِي كُلِّ أَرْضٍ حَتَّى يَخْرُبَ اَلشَّامُ، وَ يَكُونُ سَبَبُ خَرَابِهَا اِجْتِمَاعَ ثَلاَثِ رَايَاتٍ فِيهَا: رَايَةِ اَلْأَصْهَبِ، وَ رَايَةِ اَلْأَبْقَعِ، وَ رَايَةِ اَلسُّفْيَانِيِّ».

وَهْبُ بْنُ حَفْصٍ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ اَلسَّمٰاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنٰاقُهُمْ لَهٰا خٰاضِعِينَ (1)قَالَ: «سَيَفْعَلُ اَللَّهُ ذَلِكَ لَهُمْ» قُلْتُ: وَ مَنْ هُمْ؟ قَالَ: «بَنُو أُمَيَّةَ وَ شِيعَتُهُمْ» قُلْتُ: وَ مَا اَلْآيَةُ؟ قَالَ: رُكُودُ اَلشَّمْسِ مَا بَيْنَ زَوَالِ اَلشَّمْسِ إِلَى وَقْتِ اَلْعَصْرِ، وَ خُرُوجُ صَدْرِ رَجُلٍ وَ وَجْهِهِ فِي عَيْنِ اَلشَّمْسِ يُعْرَفُ بِحَسَبِهِ وَ نَسَبِهِ، وَ ذَلِكَ فِي زَمَانِ اَلسُّفْيَانِيِّ، وَ عِنْدَهَا يَكُونُ بَوَارُهُ وَ بَوَارُ قَوْمِهِ».

عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اَلْمَلِكِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدِ اِبْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: إِنَّ اَلسَّنَةَ اَلَّتِي يَقُومُ فِيهَا اَلْمَهْدِيُّ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ تُمْطِرُ اَلْأَرْضُ أَرْبَعاً وَ عِشْرِينَ مَطْرَةً تُرَى آثَارُهَا وَ بَرَكَاتُهَا.

اَلْفَضْلُ بْنُ شَاذَانَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ، عَنْ ثَعْلَبَةَ اَلْأَزْدِيِّ قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: «آيَتَانِ تَكُونَانِ قَبْلَ اَلْقَائِمِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: كُسُوفُ اَلشَّمْسِ فِي اَلنِّصْفِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَ خُسُوفُ اَلْقَمَرِ فِي آخِرِهِ» قَالَ: قُلْتُ: يَا اِبْنَ رَسُولِ اَللَّهِ، تَكْسِفُ اَلشَّمْسُ فِي آخِرِ اَلشَّهْرِ وَ اَلْقَمَرُ فِي اَلنِّصْفِ؟ فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ:

«أَنَا أَعْلَمُ بِمَا قُلْتُ، إِنَّهُمَا آيَتَانِ لَمْ تَكُونَا مُنْذُ هَبَطَ آدَمُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ».

ص: 350


1- سورة الشعراء، الآية: 4.

وَ فِي حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ يَقُولُ: «إِنَّ قُدَّامَ اَلْقَائِمِ عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ بَلْوَى مِنَ اَللَّهِ» قُلْتُ: وَ مَا هُوَ؟ جُعِلْتُ فِدَاكَ فَقَرَأَ:

وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْ ءٍ مِنَ اَلْخَوْفِ وَ اَلْجُوعِ وَ نَقْصٍ مِنَ اَلْأَمْوٰالِ وَ اَلْأَنْفُسِ وَ اَلثَّمَرٰاتِ وَ بَشِّرِ اَلصّٰابِرِينَ (1) . ثُمَّ قَالَ: «اَلْخَوْفُ مِنْ مُلُوكِ بَنِي فُلاَنٍ، وَ اَلْجُوعُ مِنْ غَلاَءِ اَلْأَسْعَارِ، وَ نَقْصُ اَلْأَمْوَالِ مِنْ كَسَادِ اَلتِّجَارَاتِ، وَ قِلَّةِ اَلْفَضْلِ فِيهَا، وَ نَقْصُ اَلْأَنْفُسِ بِالْمَوْتِ اَلذَّرِيعِ، وَ نَقْصُ اَلثَّمَرَاتِ بِقِلَّةِ رَيْعِ اَلزَّرْعِ وَ قِلَّةِ بَرَكَةِ اَلثِّمَارِ» ثُمَّ قَالَ: وَ بَشِّرِ اَلصّٰابِرِينَ عِنْدَ ذَلِكَ بِتَعْجِيلِ خُرُوجِ اَلْقَائِمِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ».

اَلْحُسَيْنُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مُنْذِرٍ اَلْجَوْرَبِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ:

سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «يُزْجَرُ اَلنَّاسُ قَبْلَ قِيَامِ اَلْقَائِمِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ عَنْ مَعَاصِيهِمْ بِنَارٍ تَظْهَرُ فِي اَلسَّمَاءِ، وَ حُمْرَةٍ تُجَلِّلُ اَلسَّمَاءَ، وَ خَسْفٍ بِبَغْدَادَ، وَ خَسْفٍ بِبَلْدَةِ اَلْبَصْرَةِ، وَ دِمَاءٍ تُسْفَكُ بِهَا، وَ خَرَابِ دُورِهَا، وَ فَنَاءٍ يَقَعُ فِي أَهْلِهَا، وَ شُمُولِ أَهْلِ اَلْعِرَاقِ خَوْفاً لاَ يَكُونُ لَهُمْ مَعَهُ قَرَارٌ».

في السنة التي يقوم فيها القائم (عج):

فأمّا السّنة الّتي يقوم فيها القائم عليه و على آبائه السّلام و اليوم بعينه، فقد جاءت فيه آثار:

روي عن الصّادقين عليهم السّلام،

رَوَى اَلْحَسَنُ بْنُ مَحْبُوبٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ: «لاَ يَخْرُجُ اَلْقَائِمُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ إِلاَّ فِي وَتْرٍ مِنَ اَلسِّنِينَ، سَنَةِ إِحْدَى وَ ثَلاَثٍ، أَوْ خَمْسٍ، أَوْ سَبْعٍ، أَوْ تِسْعٍ».

اَلْفَضْلُ بْنُ شَاذَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ اَلْكُوفِيِّ، عَنْ وَهْبِ بْنِ حَفْصٍ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: «يُنَادَى بِاسْمِ اَلْقَائِمِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فِي لَيْلَةِ ثَلاَثٍ وَ عِشْرِينَ، وَ يَقُومُ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ وَ هُوَ اَلْيَوْمُ اَلَّذِي قُتِلَ اَلْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ، لَكَأَنِّي فِي يَوْمِ اَلسَّبْتِ اَلْعَاشِرِ مِنَ اَلْمُحَرَّمِ قَائِماً بَيْنَ اَلرُّكْنِ وَ اَلْمَقَامِ جَبْرَائِيلُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ عَنْ يَمِينِهِ يُنَادِي اَلْبَيْعَةَ لِلَّهِ، فَتَصِيرُ إِلَيْهِ شِيعَتُهُ مِنْ أَطْرَافِ اَلْأَرْضِ تُطْوَى لَهُمْ طَيّاً حَتَّى يُبَايِعُوهُ، فَيَمْلَأُ اَللَّهُ بِهِ اَلْأَرْضَ قِسْطاً وَ عَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَ جَوْراً».

ص: 351


1- سورة البقرة، الآية: 155.
في كيفية ظهور القائم (عج):

وَ قَدْ جَاءَ اَلْأَثَرُ: بِأَنَّهُ عَلَيْهِ وَ عَلَى آبَائِهِ اَلسَّلاَمُ يَسِيرُ مِنْ مَكَّةَ حَتَّى يَأْتِيَ اَلْكُوفَةَ فَيَنْزِلُ عَلَى نَجَفِهَا(1)، ثُمَّ يُفَرِّقُ اَلْجُنُودَ مِنْهَا فِي اَلْأَمْصَارِ.

وَ رَوَى اَلْحَجَّالُ، عَنْ ثَعْلَبَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ اَلْحَضْرَمِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ: «كَأَنِّي بِالْقَائِمِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ عَلَى نَجَفِ اَلْكُوفَةِ قَدْ سَارَ إِلَيْهَا مِنْ مَكَّةَ فِي خَمْسَةِ آلاَفٍ مِنَ اَلْمَلاَئِكَةِ، جَبْرَائِيلُ عَنْ يَمِينِهِ، وَ مِيكَائِيلُ عَنْ شِمَالِهِ، وَ اَلْمُؤْمِنُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَ هُوَ يُفَرِّقُ اَلْجُنُودَ فِي اَلْبِلاَدِ».

وَ فِي رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ: ذَكَرَ اَلْمَهْدِيَّ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فَقَالَ: «يَدْخُلُ اَلْكُوفَةَ وَ بِهَا ثَلاَثُ رَايَاتٍ قَدِ اِضْطَرَبَتْ، فَتَصْفُو لَهُ، وَ يَدْخُلُ حَتَّى يَأْتِيَ اَلْمِنْبَرَ فَلاَ يَدْرِي اَلنَّاسُ مَا يَقُولُ مِنَ اَلْبُكَاءِ، فَإِذَا كَانَتِ اَلْجُمُعَةُ اَلثَّانِيَةُ سَأَلَهُ اَلنَّاسُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمُ اَلْجُمُعَةَ، فَيَأْمُرُ أَنْ يُخَطَّ لَهُ مَسْجِدٌ عَلَى اَلْغَرِيِّ وَ يُصَلِّي بِهِمْ هُنَاكَ، ثُمَّ يَأْمُرُ مَنْ يَحْفِرُ مِنْ ظَهْرِ مَشْهَدِ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ نَهَراً يُجْرَى إِلَى اَلْغَرِيَّيْنِ حَتَّى يَنْزِلَ اَلْمَاءُ فِي اَلنَّجَفِ، وَ يَعْمَلُ عَلَى فُوهَتِهِ اَلْقَنَاطِيرَ وَ اَلْأَرْحَاءَ، فَكَأَنِّي بِالْعَجُوزِ عَلَى رَأْسِهَا مِكْتَلٌ فِيهِ بُرٌّ تَأْتِي تِلْكَ اَلْأَرْحَاءَ فَتَطْحَنُهُ بِلاَ كَرًى».

وَ فِي رِوَايَةِ صَالِحِ بْنِ أَبِي اَلْأَسْوَدِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ: «ذَكَرَ مَسْجِدَ اَلسَّهْلَةِ فَقَالَ: «إِنَّهُ مَنْزِلُ صَاحِبِنَا إِذَا قَدِمَ بِأَهْلِهِ».

وَ فِي رِوَايَةِ اَلْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ يَقُولُ: «إِذَا قَامَ قَائِمُ آلِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بَنَى فِي ظَهْرِ اَلْكُوفَةِ مَسْجِداً لَهُ أَلْفُ بَابٍ، وَ اِتَّصَلَتْ بُيُوتُ أَهْلِ اَلْكُوفَةِ بِنَهْرَيْ كَرْبَلاَ».

في مدة ملك الإمام القائم (عج):

و قد وردت الأخبار بمدّة ملك الإمام القائم عليه السّلام و أيّامه و أحوال شيعته فيها و ما تكون عليه الأرض و من عليها من النّاس.

ص: 352


1- أي المرتفع من الأرض.

رَوَى عَبْدُ اَلْكَرِيمِ اَلْجُعْفِيُّ (1) قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اَللَّهِ: كَمْ يَمْلِكُ اَلْقَائِمُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ؟ قَالَ: «سَبْعَ سِنِينَ تَطُولُ لَهُ اَلْأَيَّامُ حَتَّى يَكُونَ اَلسَّنَةُ مِنْ سِنِينِهِ مِقْدَارَ عَشْرِ سِنِينَ مِنْ سِنِيكُمْ، فَيَكُونُ سِنُو مُلْكِهِ سَبْعِينَ سَنَةً مِنْ سِنِيكُمْ هَذِهِ، وَ إِذَا آنَ (2) قِيَامُهُ مُطِرَ اَلنَّاسُ جُمَادَى اَلْآخِرَةِ وَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ مِنْ رَجَبٍ مَطَراً لَمْ يَرَ اَلْخَلاَئِقُ مِثْلَهُ، فَيُنْبِتُ اَللَّهُ لُحُومَ اَلْمُؤْمِنِينَ وَ أَبْدَانَهُمْ فِي قُبُورِهِمْ، فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِمْ مُقْبِلِينَ مِنْ قِبَلِ جُهَيْنَةَ يَنْفُضُونَ شُعُورَهُمْ مِنَ اَلتُّرَابِ».

وَ رَوَى اَلْمُفَضَّلُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ يَقُولُ: «إِنَّ قَائِمَنَا إِذَا قَامَ أَشْرَقَتِ اَلْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهٰا ، وَ اِسْتَغْنَى اَلْعِبَادُ عَنْ ضَوْءِ اَلشَّمْسِ وَ ذَهَبَ اَلظُّلْمَةُ، وَ يُعَمَّرُ اَلرَّجُلُ فِي مُلْكِهِ حَتَّى يُولَدَ لَهُ أَلْفُ وَلَدٍ ذَكَرٍ لاَ يُولَدُ لَهُ فِيهِمْ أُنْثَى، وَ تُظْهِرُ اَلْأَرْضُ مِنْ كُنُوزِهَا حَتَّى يَرَاهَا اَلنَّاسُ عَلَى وَجْهِهَا، وَ يَطْلُبُ اَلرَّجُلُ مِنْكُمْ مَنْ يَصِلُهُ بِمَالِهِ وَ يَأْخُذُ مِنْهُ زَكَاتَهُ فَلاَ يَجِدُ أَحَداً يَقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ، وَ اِسْتَغْنَى اَلنَّاسُ بِمَا رَزَقَهُمُ اَللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ».

في صفة القائم (عج):

و قد جاءت الآثار بصفة القائم عليه السّلام و حليته.

فَرَوَى عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ، عَنْ جَابِرٍ اَلْجُعْفِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ يَقُولُ: «سَأَلَ عُمَرُ بْنُ اَلْخَطَّابِ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فَقَالَ: أَخْبِرْنِي عَنِ اَلْمَهْدِيِّ مَا اِسْمُهُ؟ فَقَالَ: أَمَّا اِسْمُهُ فَإِنَّ حَبِيبِي(3) صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ عَهِدَ إِلَيَّ أَلاَّ أُحَدِّثَ بِهِ حَتَّى يَبْعَثَهُ اَللَّهُ، قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ صِفَتِهِ، قَالَ: هُوَ شَابٌّ مَرْبُوعٌ، حَسَنُ اَلْوَجْهِ، حَسَنُ اَلشَّعْرِ، يَسِيلُ شَعْرُهُ إِلَى مَنْكِبَيْهِ (4)، وَ يَعْلُو نُورُ وَجْهِهِ سَوَادَ شَعْرِ لِحْيَتِهِ وَ رَأْسِهِ، بِأَبِي اِبْنُ خِيَرَةِ اَلْإِمَاءِ .

ص: 353


1- في نسخة أخرى: الخثعمي.
2- أي قرب.
3- رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
4- لا قصير و لا طويل.
في سيرة الإمام القائم (عج):

و أمّا سيرته عند قيامه و طريقة أحكامه و ما يبيّنه اللّه تعالى من آياته عليه السّلام.

رَوَى اَلْمُفَضَّلُ بْنُ عُمَرَ اَلْجُعْفِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ يَقُولُ:

«إِذَا أَذِنَ اَللَّهُ تَعَالَى لِلْقَائِمِ فِي اَلْخُرُوجِ، صَعِدَ اَلْمِنْبَرَ، وَ دَعَا اَلنَّاسَ إِلَى نَفْسِهِ، وَ نَاشَدَهُمْ بِاللَّهِ، وَ دَعَاهُمْ إِلَى حَقِّهِ، وَ أَنْ يَسِيرَ فِيهِمْ بِسُنَّةِ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ، وَ يَعْمَلَ فِيهِمْ بِعَمَلِهِ، فَيَبْعَثُ اَللَّهُ جَلَّ جَلاَلُهُ جَبْرَائِيلَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ حَتَّى يَأْتِيَهُ فَيَنْزِلَ عَلَى اَلْحَطِيمِ، فَيَقُولُ: إِلَى أَيِّ شَيْ ءٍ تَدْعُو، فَيُخْبِرُهُ اَلْقَائِمُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فَيَقُولُ، جَبْرَائِيلُ: «أَنَا أَوَّلُ مَنْ يُبَايِعُكَ اُبْسُطْ يَدَكَ، فَيَمْسَحُ عَلَى يَدِهِ وَ قَدْ وَافَاهُ ثَلاَثُمِائَةٍ وَ بِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلاً فَيُبَايِعُونَهُ، وَ يُقِيمُ بِمَكَّةَ حَتَّى يَتِمَّ أَصْحَابُهُ عَشَرَةَ آلاَفِ نَفْسٍ، ثُمَّ يَسِيرُ مِنْهَا إِلَى اَلْمَدِينَةِ».

وَ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلاَنَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ: «إِذَا قَامَ اَلْقَائِمُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ دَعَا اَلنَّاسَ إِلَى اَلْإِسْلاَمِ جَدِيداً وَ هَدَاهُمْ إِلَى أَمْرٍ قَدْ دَثَرَ وَ ضَلَّ عَنْهُ اَلْجُمْهُورُ، وَ إِنَّمَا سُمِّيَ اَلْقَائِمُ مَهْدِيّاً لِأَنَّهُ يَهْدِي إِلَى أَمْرٍ قَدْ ضَلُّوا عَنْهُ، وَ سُمِّيَ بِالْقَائِمِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ لِقِيَامِهِ بِالْحَقِّ.

ص: 354

توضيح المقاصد

اشارة

تأليف العلاّمة الشّيخ بهاء الدّين العاملي (قده) المتوفى سنه 1030

ص: 355

ص: 356

بِسْمِ اَللّٰهِ اَلرَّحْمٰنِ اَلرَّحِيمِ

الشّهر الأوّل شهر محرم الحرام

الأوّل:

فيه رفع إدريس على نبيّنا و آله و عليه السّلام إلى الجنّة، و استجاب دعاء ذكريّا عليه السّلام، و يستحبّ صومه، و فيه صلاة ركعتين يقرأ فيهما بعد الحمد ما شاء من السّور و يدعو بعد التّسليم بما أورده الكفعمي (رضي اللّه عنه) في الفصل السّابع و الثلاثين من مصباحه.

و فيه غزوة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم غزوة ذات الرّقاع، و ذلك في السّنة الرّابعة من الهجرة.

الثالث:

منه خلاص يوسف عليه السّلام من الجبّ على يد السّيّارة.

الخامس:

فيه عبر موسى عليه السّلام البحر لمّا انفلق له، و أغرق فرعون و جنوده.

السّابع:

فيه كلّم اللّه سبحانه موسى على الطّور.

التّاسع:

فيه خرج يونس عليه السّلام من بطن الحوت و ولد موسى و يحيى عليهما السّلام و مريم.

العاشر:

هو يوم عاشوراء، و يستحبّ صومه حزنا و ليس صوما حقيقيّا، بل هو ترك المفطرات اشتغالا عنها بالحزن، و لا بدّ فيه من نيّة القربة، لأنّه عبادة، و لكن إفطاره بعد العصر.

الثّاني عشر:

فيه وفاة الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين عليهما السّلام، و ذلك في المدينة سنة خمس و تسعين، و كان عمره سبعا و خمسين سنة.

ص: 357

و فيه توفّي قطب الأقطاب الشّيخ صفيّ الدّين إسحاق الأردبيلي (قدّس اللّه روحه) سنة خمس و ثلاثين و سبعمائة، و حالاته و كراماته مشهورة بين الخاصّ و العام، و قد صنّف في ذلك كتب، منها: كتاب صفوة الأنبياء لابن البرار و هو كتاب مشهور.

الخامس عشر:

فيه كانت غزوة خيبر سنة سبع من الهجرة، و فيه وقع الحرب العظيم بين سلاطين الأوزبك و بين السّلطان الأعظم الشّاه طهماسب (قدّس اللّه روحه) في ولاية جام من خراسان، و نصر اللّه عساكر الإيمان و خذل جنود الكفر و الطّغيان.

السّادس عشر:

فيه حوّلت القبلة إلى الكعبة، و كانت قبل ذلك البيت المقدّس.

السّابع عشر:

فيه نزل العذاب على أصحاب الفيل على ما أورد في القرآن المجيد كما قال اللّه سبحانه: وَ أَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبٰابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجٰارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (1).

الحادي و العشرون:

فيه توفّى الشّيخ العلاّمة جمال الملّة و الحقّ و الدّين الحسن بن المطهّر الحلّي (قدّس اللّه روحه)، و ذلك في سنة ستّ و عشرين و سبعمائة، و كانت ولادته في التّاسع و العشرين من شهر رمضان سنة ثمان و أربعين و ستّمائة.

الشّهر الثّاني صفر تمّ بالخير و الظّفر

الأوّل:

فيه كانت وقعة صفّين بين أمير المؤمنين عليه السّلام و بين معاوية، و فيه حمل رأس أبي عبد اللّه الحسين عليه السّلام إلى دمشق و جعلوه بنو أميّة عبيدا.

الثّاني:

فيه ولد الإمام أبو جعفر محمّد الباقر عليه السّلام، و ذلك في المدينة سنة سبع و خمسين.

ص: 358


1- سورة الفيل، الآيتان: 3-4.

السّابع:

فيه وفاة الإمام أبي محمّد الحسن السّبط عليه السّلام، و ذلك في المدينة سنة تسع و أربعين، و كان عمره سبعا و أربعين سنة، و فيه ولد الإمام أبو إبراهيم موسى بن جعفر الكاظم عليهما السّلام، و ذلك في الابواء بالباء الموحّدة، بين مكّة و المدينة سنة ثمان و عشرين و مائة.

التّاسع:

فيه ابتداء محاربة معاوية في صفّين لأمير المؤمنين عليه السّلام و ذلك سنة سبع و ثلاثين من الهجرة، و استمرّ(1) الحرب، و قتل من أصحاب أمير المؤمنين عليه السّلام عمّار بن ياسر الّذي

قَالَ لَهُ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ: «سَتَقْتُلُكَ اَلْفِئَةُ اَلْبَاغِيَةُ».

و خزيمة بن ثابت ذو الشّهادتين.

التّاسع عشر:

فيه زيارة الأربعين لأبي عبد اللّه الحسين عليه السّلام و هي مرويّة عن الصّادق، و وقتها عند ارتفاع النّهار، و في هذا اليوم و هو يوم الأربعين من شهادته عليه السّلام كان قدوم جابر بن عبد اللّه الأنصاري (رضي اللّه عنه) لزيارته عليه السّلام و اتّفق في ذلك اليوم ورود حرمه عليه السّلام من الشّام إلى كربلاء قاصدين المدينة على ساكنها السّلام و التّحيّة.

الشّهر الثّالث شهر ربيع الأوّل

الأوّل:

فيه وفاة الإمام أبي محمّد العسكريّ عليه السّلام، و ذلك في سنة ستّين و مائتين.

الثّاني عشر:

فيه قدم النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى المدينة مهاجرا، و كان ذلك يوم الاثنين منتصف النّهار.

الرّابع عشر:

فيه هلاك اللّعين يزيد بن معاوية (عليه اللّعنة و العذاب) سنة أربع و ستّين، و كان عمره تسعا و ثلاثين سنة، و فيه ابتداء سلطنة بني العبّاس و ظهور ملكهم، و ذلك سنة اثنين و ثلاثين و مائة، و كانوا سبعة و ثلاثين ملكا، و استمرّ ملكهم إلى سنة ستّ و خمسين و ستّمائة، و كان(2)مدّة ملكهم خمسمائة و ستّ و عشرين سنة.

ص: 359


1- كذا في الأصل.
2- كذا في الأصل.

الخامس عشر:

فيه توفّي سليمان بن مهران الأعمش، يكنّى أبا محمّد، و كان من الزّهّاد و الفقهاء، و الّذي استفدته من تصفّح التّواريخ أنّه من الشّيعة الإماميّة، و العجب أنّ أصحابنا لم يصفوه بذلك في كتب الرّجال، قال له أبو حنيفة يوما: يا أبا محمّد سمعتك تقول: إنّ اللّه سبحانه إذا سلب عبدا نعمة عوضه نعمة أخرى، قال (رضي اللّه عنه): نعم، قال:

ما الّذي عوضك بعد أن أعمش عينيك و سلب صحّتها؟ فقال: عوّضني عنهما أن لا أرى ثقيلا مثلك.

السّادس عشر:

فيه هلاك أحد صناديد بني العبّاس الرّاضي باللّه، و ذلك سنة تسع و عشرين و ثلاثمائة، و كان عمره اثنين و ثلاثين سنة و مدّة حكومته ستّ سنين و عشر أشهر.

السّابع عشر:

فيه مولد سيّد البشر و أشرف المرسلين صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هو من الأيّام الأربعة المعظمة، و يستحبّ فيه الغسل و الصّوم، و فيه ولد الإمام أبو عبد اللّه جعفر الصّادق عليه السّلام بالمدينة سنة ثلاث و ثمانين.

الثّاني و العشرون:

غزى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بني النّضير، و ذلك سنة أربع من الهجرة.

الثّالث و العشرون:

فيه توفّى السّيّد الأجلّ عضد الإسلام المرتضى علم الهدى عليّ بن الحسين بن موسى بن محمّد بن موسى بن إبراهيم بن موسى الكاظم عليه السّلام، و إليه انتهت رئاسة(1)الشّيعة الإماميّة في زمانه، و كانت وفاته (قدّس اللّه روحه) سنة ستّ و ثلاثين و أربعمائة.

الخامس و العشرون:

فيه هلاك المتغلّب بالمكر و العدوان معاوية بن أبي سفيان و ذلك سنة إحدى و أربعين من الهجرة(2) و كان عمره ثمان و سبعين سنة، و مدّة تغلّبه تسع عشر سنة و ثلاثة أشهر.

ص: 360


1- كذا في الأصل: رياسة.
2- و الظاهر من سائر الكتب المعتبرة أن معاوية عليه الهاوية هلك في المنتصف من شهر رجب سنة ستين من الهجرة.

الثّلاثون:

فيه ولد(1)الإمام أبو عبد اللّه الحسين عليه السّلام بالمدينة.

الشّهر الرّابع شهر ربيع الثّاني

العاشر:

فيه توفّي المستكفي باللّه أحد ملوك بني العبّاس بعد ما خلعوه و سملوا عينيه، و ذلك سنة ثمان و ثلاثين و ثلاثمائة، و كان عمره ستّا(2)و أربعين سنة، و مدّة حكومته سنة و أربعة أشهر.

الثّالث عشر:

فيه توفّي السّلطان معزّ الدّولة الديلميّ سنة ستّ و خمسين و ثلاثمائة، بعدما مضى من عمره ثلاث و خمسون سنة، و كان شديد التّصلّب في التّشيّع حتّى أمر أن يكتب على أبواب الدّور في بغداد:

لعن اللّه معاوية بن أبي سفيان، لعن اللّه من غصب فاطمة فدكا، لعن اللّه من أخرج العبّاس من الشّورى، لعن اللّه من نفي أبا ذرّ من المدينة إلى الرّبذة، لعن اللّه من منع دفن الحسن عليه السّلام عند جدّه.

الشّهر الخامس شهر جمادى الأوّل

التّاسع:

فيه توفّي شيخنا الأعظم الفائز(3) في مراتب السّعادة الجامع بين درجة العلم و مرتبة الشّهادة، شمس الملّة و الدّين محمّد بن مكّي أحلّه اللّه في غرف الجنان، و ذلك في سنة ستّ و ثمانين و سبعمائة، و مؤلّفاته (طاب ثراه) في الفقه و الأصول و غيرهما، كالذّكرى، و الدّروس، و البيان، و القواعد، و شرح الإرشاد، و شرح تهذيب الأصول، و جليلة الفوائد متداولة بين الطّلاب، و هي في أعلى مراتب التّحقيق و التّنقيع.

التّاسع عشر:

فيه ولد السّلطان الفاضل ميرزا الغ بيك بن شاهرخ بن

ص: 361


1- المشهور و الظّاهر أن الإمام الحسين بن علي عليه السّلام ولد في اليوم الثالث من شهر شعبان المعظم.
2- في الأصل: ست.
3- في الأصل: الفايز.

أمير تيمور گورگان في سنة ستّ و تسعين و سبعمائة، و كان(1) وفاته قتيلا في عاشر شهر رمضان سنة ثلاث و خمسين و ثمانمائة.

الخامس و العشرون:

توفّي معاوية بن يزيد سنة أربع و ستّين من الهجرة، و كانت مدّة حكومته باسم الخلافة أربعين يوما، ثمّ نزع نفسه منها خوفا من اللّه تعالى و علما منه بأنّه ليس أهلا، لما روى أنّه لمّا خلع نفسه من الخلافة قالت أمّة: ليتك كنت حيضة، قال لها: ليتني كنت حيضة و لم أعلم أنّ للّه جنّة و نارا، قال بعض المؤرخين: إن قوله تعالى: يُخْرِجُ اَلْحَيَّ مِنَ اَلْمَيِّتِ (2) يشمل هذا الشّباب.

الشّهر السّادس شهر جمادى الثّاني

الثّالث:

فيه وفاة فاطمة سيّدة النّساء عليها السّلام.

الرّابع:

في ليلة هلاك المتغلّب الشّقي هارون الرّشيد سنة ثلاث و تسعين و مائة، و كان عمره خمسا و أربعين سنة.

الخامس:

فيه توفّي السّلطان بهاء الدّولة الدّيلمي (رضي اللّه عنه) سنة ثلاث و أربعمائة و كان راسخا في التّشيّع.

السّادس:

فيه خلعوا القاهر باللّه بن المعتضد و سملوا عينيه، و ذلك في سنة اثنين و عشرين و ثلاثمائة، و كانت مدّة سلطنته سنة و نصف.

العشرون:

فيه ولادة سيّدة النّساء فاطمة الزّهراء عليها السّلام و ذلك بعد المبعث بخمس سنين.

الثّالث و العشرون:

فيه توفّى الشّيخ المدقّق سلطان العلماء في زمانه نجم الدّين جعفر بن سعيد الحلّي (قدّس اللّه روحه) و ذلك في سنة ستّ و سبعين و ستّمائة، و إليه انتهت رياسة الشّيعة الإماميّة، و من مصنّفاته: كتاب المعتبر، و كتاب الشّرائع، و المختصر، و حضر مجلس درسه بالحلّة سلطان

ص: 362


1- كذا في الأصل.
2- سورة الأنعام، الآية: 95.

الحكماء و المتألّهين خواجه نصير الدّين محمّد الطّوسي أنار اللّه تعالى برهانه، و سأله نقص بعض المتكلّمين.

الخامس و العشرون:

فيه توفّى الشّيخ المحقّق فخر الدّين بن الشّيخ العلاّمة جمال الدين المطهّر الحلّي (قدّس اللّه روحهما)، و من مؤلّفاته:

شرح القواعد الموسوم بالإيضاح، و هو كتاب جليل القدر، لم يصنّف في الكتب الاستدلاليّة الفقهيّة مثله، و كانت وفاته طاب ثراه سنة إحدى و سبعين و سبعمائة.

السّابع و العشرون:

فيه توفّى الفاضل الأديب الحسين بن أحمد المشهور بابن الحجّاج، و كان رحمه اللّه تعالى إمامي المذهب متصلّبا في التّشيّع، و له في هجو المخالفين شعر كثير، و قال ابن الخلّكان: إنّه دفن ببغداد عند مشهد الإمام موسى بن جعفر عليهما السّلام و أوصى أن يدفن عند رجليه و يكتب على قبره: وَ كَلْبُهُمْ بٰاسِطٌ ذِرٰاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ (1).

الشّهر السّابع شهر رجب المرجّب

الأول:

الأول(2):

فيه ركب نوح على نبيّنا و آله و عليه السّلام السّفينة، و يستحب في ليلته زيارة أبي عبد اللّه الحسين عليه السّلام و كذلك في نهاره، و يستحب في ليلته صلاة ثلاثين ركعة يقرأ في كلّ ركعة بعد الحمد الجحد و التّوحيد ثلاثا، و يستحبّ أن يدعو في هذه اللّيلة بالدّعاء المرويّ عن أبي جعفر الجواد عليه السّلام، و هو مذكور في مصباح الكفعمي في الفصل الثّالث و الأربعين.

الثّاني:

يستحبّ في ليلته أن يصلّي عشر ركعات يقرأ في كلّ ركعة الحمد مرّة و الجحد مرّة.

الثّالث:

فيه وفاة الإمام عليّ النّقي عليه السّلام، و ذلك بسرّ من رأى سنة أربع و خمسين و مائتين، و كان عمره عليه السّلام: إحدى و أربعين سنة و تسعة أشهر.

ص: 363


1- سورة الكهف، الآية: 18.
2- في الأصل: الأولى.

الرّابع:

يستحب في ليلته صلاة مائة ركعة يقرأ في كلّ ركعة الحمد مرّة.

الخامس:

يستحبّ في ليلته صلاة ركعتين يقرأ في كلّ ركعة الحمد مرّة و التّوحيد خمسا و عشرين مرّة.

السّادس:

يستحبّ في ليلته صلاة أربع ركعات يقرأ في كلّ ركعة الحمد مرّة و كلاّ من التّوحيد و المعوّذتين ثلاثا، فإذا سلّمت فصلّ على النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عشر مرّات.

السّابع:

يستحبّ في ليلته صلاة ركعتين يقرأ في كلّ ركعة الحمد مرّة و آية الكرسيّ سبع مرّات.

الثّامن:

يستحب في ليلته صلاة عشرين ركعة يقرأ في كلّ ركعة الحمد مرّة و كلاّ من القلاقل ثلاث مرّات.

التّاسع:

فيه هلاك المأمون العبّاسي، و ذلك سنة ثمان عشرة و مائتين، و عمره ثمانية و أربعون سنة.

الثّالث عشر:

فيه ولد أمير المؤمنين و سيّد الوصيّين (سلام اللّه عليه) و ذلك بعد مولود النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بثلاثين سنة، و يستحبّ في ليلته صلاة عشر ركعات يقرأ في أولى كلّ منهما الحمد مرّة و العاديات مرّة، و في الثّانية الحمد مرّة و التّكاثر مرّة.

التّاسع عشر:

فيه وفاة السّلطان الأعظم حامي حوزة الإيمان شاه إسماعيل الحسيني الموسوي الصّفوي (قدّس اللّه روحه)، و ذلك في سنة ثلاثين و تسعمائة، و تاريخ وفاته طاب مضجعه، و كانت ولادته في الخامس و العشرين من هذا الشّهر سنة اثنين و تسعين و ثمانمائة، و كانت(1) ابتداء سلطنته المباركة سنة ستّ و تسعمائة و ذلك بالعربيّة «مذهبنا حقّ» و بالفارسيّة «شمشير أئمة».

ص: 364


1- كذا في الأصل.

الرّابع و العشرون:

فيه توفّي عمر بن عبد العزيز سنة مائة و واحدة من الهجرة، و كان عمره تسعا و ثلاثين سنة، و مدّة إمارته سنتان و خمسة أشهر.

الشّهر الثّامن شعبان المعظّم

الثّاني:

فيه سنة اثنتين من الهجرة فرض صيام شهر رمضان.

الثّالث:

فيه هلك أحد طواغيت بني العبّاس المعتزّ باللّه، و ذلك سنة خمس و خمسين و مائتين، و كان عمره ثلاثا و عشرين(1) سنة، و مدّة تغلّبه ثلاث سنين و سبعة أشهر.

الرّابع:

فيه توفّي الشّيخ العارف أبو سعيد بن أبي الخير المهنّى سنة أربعة و أربعمائة، و كان معروفا بمحبّة أهل البيت عليهم السّلام، و فيه تشرّف سلطان غازان بشرف الإسلام، سمّى نفسه محمودا و أسلم بإسلامه من العساكر و غيرهم ما يقارب مائة ألف إنسان، و ذلك في أربع و تسعين و ستّمائة، و أنعم على علماء الإسلام بجزيل الأنعام، و أمر بتخريب بيوت النّار و كسر الأصنام.

الخامس:

فيه ولد الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين عليه السّلام. بالمدينة سنة ثمان و ثلاثين، و يستحبّ في ليلته صلاة ركعتين تقرأ في كلّ منهما بعد الحمد و التّوحيد خمسمائة مرّة، فإذا سلّمت فصلّ على النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم سبعين مرّة، و فيه توفّي السّلطان جلال الدّولة الديلميّ سنة خمس و ثلاثين و أربعمائة، و كان رحمه اللّه شديد التّصلّب في التّشيّع.

التّاسع:

فيه وفاة المقتفي باللّه بن المقتدر سنة سبع و خمسين و ثلاثمائة بعد ما خلعوه و سملوا عينيه، و كان عمره ستّين سنة، و مدّة حكومته أربع سنين إلاّ شهرا.

الخامس عشر:

فيه ولد الإمام أبو القاسم محمّد المهديّ صاحب الزّمان (صلوات اللّه عليه و على آبائه الطّاهرين) و ذلك بسرّ من رأى سنة

ص: 365


1- في الأصل: و عشرون.

خمس و خمسين و مائتين، و يستحبّ فيه زيارة أبي عبد اللّه الحسين عليه السّلام و كذا زيارته عليه السّلام.

وَ عَنِ اَلصَّادِقِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: «إِنَّ لَيْلَةَ اَلنِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ أَفْضَلُ لَيْلَةٍ بَعْدَ لَيْلَةِ اَلْقَدْرِ». و يستحب فيها صلاة ركعتين بعد العشاء الآخرة يقرأ في الأوّل الحمد مرّة و الجحد مرّة، و في الثّانية الحمد مرّة و التّوحيد مرّة.

التّاسع عشر:

فيه كانت غزاة بني المصطلق سنة ستّ من الهجرة.

الثّلاثون:

يستحبّ صومه بنيّة النّدب، و هو يوم الشّكّ، و ما في بعض الرّوايات من نهى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن صومه محمول على صومه بنيّة كونه من رمضان، و إنّما يستحبّ صومه على أنّه يوم الشّكّ إذا ادّعى بعض النّاس رؤيته، و لم يثبت دعواه، فحصل الشّك بذلك و نحوه، و امّا يوم الثّلاثين من شعبان من غير حصول الشّكّ، فهو كسائر الأيّام لا يستحبّ صومه من تلك الجهة، أعني كونه يوم الشّكّ.

الشّهر التّاسع شهر رمضان المبارك

الأوّل:

فيه سنة عشرة من مبعث النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم توفّيت خديجة أمّ المؤمنين، و كان عمرها خمسا و ستّين سنة، و نزل صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على قبرها، و يستحبّ فيه صلاة ركعتين يقرأ في الأوّلى الحمد و سورة الفتح، و في الثّانية الحمد و ما شئت من السّور من القرآن.

الثّالث عشر:

فيه هلاك الظّالم السّفّاك العنيد الحجّاج بن يوسف الثّقفي، و ذلك سنة خمس و تسعين من الهجرة، و كان مدّة حكومته في العراق عشرين سنة، و كان عدد من قتله بالظّلم و العدوان مائة ألف و عشرين ألفا، و كان في حبسه يوم موته خمسون ألف رجلا و ثلاثون ألف امرأة، و كان عمره ثلاثا و خمسين سنة.

الخامس عشر:

فيه ولد الحسن السّبط عليه السّلام.

التّاسع عشر:

فيه كانت غزوة بدر يوم الجمعة سنة اثنتين من الهجرة، و كان المسلمون ثلاثمائة و ثلاث عشر، و المشركون تسعمائة و عشرين، و قتل من المسلمين أربعة عشر رجلا، و أمّا المشركون فقتل منهم سبعون، و بدر

ص: 366

اسم بئر كان هناك، و فيه توفّي قطب الدّين العلاّمة الشّيرازي، و ذلك في سنة عشرة و سبعمائة، و كان من أعاظم تلامذة سلطان الحكماء و المتكلّمين خواجه نصير الملّة و الدّين الطّوسي (قدّس اللّه روحه).

العشرون:

فيه كان فتح مكّة، و ذلك سنة ثمان من الهجرة، و فيه وضع أمير المؤمنين عليه السّلام رجله على كتف النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لما رفعه لكسر الأصنام الّتي كانت على الكعبة.

الحادي و العشرون:

فيه قبض أمير المؤمنين عليه السّلام، و ذلك في سنة أربعين من الهجرة، و كان عمره عليه السّلام ثلاثا و ستّين كعمر النّبيّ عليه السّلام، فيه رفع اللّه سبحانه عيسى (على نبيّنا و آله و عليه السّلام) إلى السّماء، و فيه قبض يوشع بن نون؛ و في ليلته كان الإسراء و المعراج.

الرّابع و العشرون:

فيه هلاك المتغلّب من بني أميّة مروان بن الحكم سنة خمس و ستّين، و كان قد تزوّج بامرأة يزيد عليه اللّعنة، و قال يوما لابنها خالد بن يزيد، يا بن الرّطبة، فسمعت بذلك فقعدت مع جواريها على وجهه إلى أن هلك، و كان عمره ثلاثا و ستّين سنة.

الثّلاثون:

فيه سنّة ستّ عشر و سبعمائة توفّي السّلطان الجايتو محمّد الخدابنده، و عمره ستّ و ثلاثون سنة، و معنى الجايتو: السّلطان المبارك، و كان (رحمه اللّه) متصلّبا في التّشيّع، معظما لعلماء الشّيعة، كالعلاّمة جمال الحقّ و الدّين (قدّس اللّه روحه) و غيره من علماء الإماميّة.

الشّهر العاشر شهر شوّال

الأوّل:

يوم عيد الفطر، و يسمّى يوم الرّحمة، و يستحبّ فيه زيارة أبي عبد اللّه الحسين عليه السّلام، و كذا في ليلته، و يستحبّ فيها الغسل، و كذا فيه و صلاة ركعتين؛ و فيه أوحى اللّه سبحانه إلى النّحل صنعة العسل كما قال سبحانه: وَ أَوْحىٰ رَبُّكَ إِلَى اَلنَّحْلِ أَنِ اِتَّخِذِي (1) الآية. و فيه سنة ستّ و ستّمائة

ص: 367


1- سورة النحل، الآية: 68.

توفّي فخر الدّين الرّازي الملقّب بالإمام، و أصله من مازندران، و ولد بالرّيّ، و كان يميل إلى التّشيّع كما لا يخفى على من تصفّح تفسيره الكبير، و قبره بمدينة هرات.

الثّاني:

هو أوّل الأيّام السّتة الّتي يستحبّ صومها، و روي من صامها فكأنّما صام الدّهر.

الثّالث:

ثاني الأيّام الّتي يستحبّ صومها، و فيه هلاك طاغوت من طواغيت بني العبّاس المتوكّل، و ذلك في سنة سبع و أربعين و مائتين، و كان عمره إحدى و أربعين سنة.

الرّابع:

ثالث الأيّام الّتي يستحبّ صومها.

الخامس:

رابع الأيّام الّتي يستحبّ صومها، و كانت غزوة حنين بعد فتح مكّة بخمسة عشر يوما، و كان عسكر الإسلام اثني عشر ألفا، و لم يقتل من المسلمين إلاّ أربعة.

السّادس:

خامس الأيّام الّتي يستحبّ صومها.

السّابع:

آخر الأيّام السّتة الّتي يستحبّ صومها.

الثّامن:

فيه توفّي السّلطان الفاضل عضد الدّولة الدّيلمي، و ذلك في سنة اثنين و سبعين و ثلاثمائة بعد ما مضى من عمره ثمان و أربعون سنة، و كان (رحمه اللّه) شديد الرّسوخ في التّشيّع، و من بنيانه قبّة أمير المؤمنين و قبّة الحسين عليهما السّلام.

الحادي عشر:

فيه سنة ثلاث و سبعمائة توفّى السّلطان محمود غازان، و كان له ميل تامّ إلى التّشيّع، و لكنّه لم يتمكّن من إظهاره، و إنّما أظهر أخوه سلطان محمّد شاه خدابنده (أنار اللّه برهانه).

الرّابع عشر:

فيه توفّى الوزير ابن مقلة بعد ما قطعت يده اليمنى و لسانه، و ذلك سنة ثمان و عشرين و ثلاثمائة.

الخامس عشر:

فيه كانت غزوة أحد سنة ثلاث من الهجرة، و باشر النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم القتال بنفسه المباركة، و كان المسلمون ألفا و المشركون ثلاثة

ص: 368

آلاف، و استشهد من المسلمين سبعون منهم حمزة (رضي اللّه عنه) و قتل من المشركين اثنان و عشرون رجلا؛ و كانت غزوة الخندق سنة خمس من الهجرة.

الثّامن و العشرون:

فيه هلاك المقتدر باللّه أحد طواغيت بني العبّاس سنة عشرين و ثلاثمائة، و كان عمره ثمان و ثلاثين، و مدّة حكومته و تغلّبه خمسا و عشرين سنة إلاّ شهرا.

الشّهر الحادي عشر شهر ذي القعدة

الأوّل:

فيه واعد اللّه سبحانه موسى (على نبيّنا و آله و عليه السّلام) ثلاثين ليلة و أتمّها لعشر ذي الحجة.

الخامس:

فيه رفع إبراهيم و إسماعيل (على نبيّنا و آله و عليهما السّلام) اَلْقَوٰاعِدَ مِنَ اَلْبَيْتِ .

الرّابع عشر:

فيه قتل منصور الحلاّج بعدما قطعوا يديه و رجليه، ثمّ أحرقوه، و ذلك في سنة تسع و ثلاثمائة.

الخامس و العشرون:

هو يوم دحو الأرض من تحت الكعبة، و يستحبّ صومه و الغسل فيه.

الثّلاثون:

فيه وفاة الإمام أبي جعفر محمّد التّقيّ عليه السّلام، و ذلك ببغداد سنة عشرين و مائتين، و كان عمره عليه السّلام خمسا و عشرين سنة، منها مع أبيه ثمان سنين.

الشّهر الثّاني عشر شهر ذي الحجّة الحرام

الأوّل:

فيه ولد إبراهيم (على نبيّنا و آله و عليه السّلام) و يستحبّ صومه، و فيه اتّخذه اللّه خليلا، و فيه عزل النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أبا بكر عن تبليغ سورة براءة، و فيه تزوّج أمير المؤمنين عليه السّلام بفاطمة عليها السّلام قاله الكفعمي (رضي اللّه عنه) في مصباحه.

ص: 369

الثالث:

فيه تاب اللّه سبحانه على آدم (على نبيّنا و آله و عليه السّلام)

الرّابع:

فيه كانت(1) يوم الزّينة الّتي غلب فيه موسى عليه السّلام السّحرة لمّا ألقى عصاه.

السّابع:

فيه وفاة أبي جعفر محمّد الباقر عليه السّلام، و ذلك بالمدينة سنة أربع عشرة و مائة.

الثّامن:

يوم التّروية.

التّاسع:

هو يوم عرفة، و يستحبّ فيه الغسل قبل الزّوال، و يستحبّ فيه الصّوم لمن لا يضعفه الصّوم عن الدّعاء، و يستحبّ فيه و ليلته زيارة أبي عبد اللّه الحسين عليه السّلام، و فيه سدّ النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أبواب الصّحابة الّتي كانت إلى المسجد إلاّ باب أمير المؤمنين عليه السّلام.

العاشر:

هو يوم عيد الأضحى، و يستحبّ فيه الغسل و صلاته كصلاة عيد الفطر، و قد مرّ ذكرها.

الحادي عشر:

هو أوّل أيّام التّشريق الثّلاثة، و هي من الأيّام الّتي يحرم صومها لمن كان بمنى.

الثّاني عشر:

ثاني أيّام التّشريق.

الثّالث عشر:

هو ثالث أيّام التّشريق.

الخامس عشر:

فيه ولد الإمام أبو الحسن عليّ النّقي عليه السّلام، و ذلك بالمدينة سنة اثنتي عشرة و مائتين.

السّادس عشر:

فيه توفّى السّلطان العادل سلطان حسين ميرزا بايقرأ سنة إحدى عشرة و تسعمائة، و كان له ميل تامّ إلى التّشيّع و لم يتمكّن من إظهاره، و كانت ولادته في محرّم سنة تسع و سبعين و سبعمائة.

الثّامن عشر:

هو يوم الغدير، و هو أعظم الأعياد و أشرفها كما ورد به

ص: 370


1- كذا في الأصل.

النّصّ عن أئمّة الهدى سلام اللّه عليهم، و يستحبّ صومه؛

وَ فِي اَلْخَبَرِ: «إِنَّ صِيَامَهُ يَعْدِلُ صِيَامَ سِتِّينَ شَهْراً».، و يستحبّ فيه الغسل و صلاة ركعتين قبل الزّوال، يقرأ في كلّ منهما الحمد مرّة و كلاّ من آية الكرسيّ و القدر و الإخلاص عشرا، و هي تعدل مائة ألف حجّة و مائة ألف عمرة، ثمّ يدعو بالدّعاء المذكور في المصباح و غيره، و خطبة هذه الصّلاة قبلها.

و فيه وفاة الشّيخ الأعظم أفضل المتأخّرين زين الملّة و الدّين عليّ بن عبد العال الكركي (قدّس اللّه روحه) و ذلك سنة أربعين و تسعمائة، و تاريخ وفاته بالفارسيّة، مقتداي شيعة.

و فيه مقتل عثمان بن عفّان، قاله العلاّمة (رضي اللّه عنه) في منتهى المطلب؛ و فيه نصب الأنبياء أوصيائهم.

الرّابع و العشرون:

هو يوم تصدّق أمير المؤمنين عليه السّلام بخاتمه الشّريف و هو راكع، و صلاة هذا اليوم كصلاة يوم الغدير كمّا و كيفا و وقتا، لكن لا خطبة فيها، و هو يوم المباهلة على الأصحّ.

و من المستحبّات، فيه: الغسل، و لبس الثّوب النّظيف، و زيارة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الأئمّة (سلام اللّه عليهم) و الدّعاء بالمأثور، و هو مذكور في مصباح الكفعمي (رضي اللّه عنه) و غيره.

الخامس و العشرون:

فيه نزلت سورة هل أتى في شأن أصحاب العباء (سلام اللّه عليهم).

السّادس و العشرون:

فيه طعن أبو لؤلؤ عمر بن الخطّاب.

التّاسع و العشرون:

فيه سنة ثلاث و عشرين من الهجرة قتل عمر بن الخطّاب. قال العلاّمة في منتهى المطلب، فيه هلك من ملوك بني العبّاس المقتفى باللّه سنة اثنين و خمسين و مائتين، و كان عمره إحدى و ثلاثين.

الثّلاثون:

يستحبّ فيه صلاة ركعتين يقرأ في الأولى الحمد مرّة و التّوحيد عشر مرّات، و يدعو بعد التّسليم بالدّعاء المذكور في الفصل السّابع و الثّلاثين من مصباح الكفعمي (رضي اللّه عنه).

ص: 371

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.