تسلیک النفس إلی حظیرة القدس

هوية الكتاب

بطاقة تعريف: علامه حلی، حسن بن یوسف، 648 - 726ق.

عنوان المؤلف واسمه: تسلیک النفس إلی حظیرة القدس / للعلامه حلي ابی منصوربن یوسف بن المطهر؛ تحقیق فاطمه رمضاني؛ تقدیم جعفر السبحاني.

تفاصيل النشر: قم: موسسه الامام صادق (ع)، 1426ق.= 1384.

مواصفات المظهر: 264ص.

شابک : 964-357-226-9

لسان : العربية.

موضوع : الامامية الشيعية -- متون قدیمی تا قرن 14

شیعه -- عقاید

معرف المضافة: سبحانی تبریزی، جعفر، 1308 - ، مقدمه نویس

معرف المضافة: رمضانی، فاطمه، مصحح

معرف المضافة: موسسه امام صادق (ع)

تصنيف الكونجرس: BP210/5/ع8ت5 1384

تصنيف ديوي: 297/4172

رقم الببليوغرافيا الوطنية: 3067602

محرر رقمي: میثم الحیدري

ص: 1

اشارة

بسم الله الرحمن الرحيم

ص: 2

ص: 3

ص: 4

المقدّمة: بقلم آية اللّه جعفر السبحاني

اشارة

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

العباقرة في مرآة التاريخ

الحمد للّه رب العالمين و الصلاة و السلام على سيد المرسلين أبي القاسم محمد و على عترته الطيبين الطاهرين صلاة ما دامت السماوات ذات أبراج و الأرض ذات فجاج.

أمّا بعد؛ فإنّ التعرّف على مكانة العلماء البارزين و عظمتهم - الذين خدموا المجتمع الإنساني بأفكارهم و آرائهم و كتبهم و آثارهم -، يتمّ من خلال طريقين:

1. الرجوع إلى كلمات العلماء في حقّهم، فإنّها مرآة لشخصياتهم، و طريق لفهم جوانب حياتهم و إدراك منزلتهم العلمية.

ص: 5

2. الرجوع إلى الآثار الّتي خلّفوها على الصّعد الفكرية و العلمية و الثقافية و التربوية.

و بهذين الطريقين يمكن التعرّف على مكانة و دور أي واحد منهم.

الكتاب الّذي بين يديك أثر من آثار أحد أعلام الإسلام، و الّذي اشتهر بالنبوغ و العبقرية و التقدّم في ميادين العلوم العقلية و النقلية، ألا و هو العلاّمة الحلّيّ (648-726 ه).

و نحن هنا كباحثين محايدين سنقوم بتحقيق هذه الشهرة الّتي لم نزل نسمعها من المشايخ العظام جيلا بعد جيل، و ذلك باتباع الطريقين المذكورين.

كلمات في حقّ المؤلّف

إذا ألقينا نظرة على معاجم الرجال و تراجم العلماء سنجد أنّ كلّ من ذكر العلاّمة الحلّيّ رحمه اللّه أو ترجم له يصفه بما يوصف به عباقرة العلوم و جهابذة الفنون، و إليك نزرا يسيرا من كلمات الفريقين:

قال الصفدي: الإمام العلاّمة ذو الفنون، عالم الشيعة و فقيههم، صاحب التصانيف الّتي اشتهرت في حياته، و كان يصنف و هو راكب، و كان ريّض الأخلاق، مشتهر الذكاء، و كان إماما في الكلام و المعقولات.(1)

و قال ابن حجر: عالم الشيعة و إمامهم و مصنّفهم، و كان آية في

ص: 6


1- . الوافي بالوفيات: 85/13 برقم 79. بتلخيص.

الذكاء. و كان مشتهر الذكر، حسن الأخلاق.(1)

و قال أيضا في «الدرر الكامنة»: الحسن بن يوسف ابن المطهّر الحلّيّ الإمامي، جمال الدين الشيعي، ولد في بضع و أربعين و ستمائة، و لازم النصير الطوسي مدة و اشتغل في العلوم العقلية، فمهر فيها و صنّف في الأصول و الحكمة، و كان رأس الشيعة بالحلّة، و اشتهرت تصانيفه، و تخرّج به جماعة، و شرحه على مختصر ابن الحاجب في غاية الحسن في حلّ ألفاظه و تقريب معانيه و صنّف في فقه الإمامية، و كان قيّما بذلك داعية إليه.(2)

هذه كلمات أعاظم أهل السنّة في حقّه، و أمّا أقوال علماء الشيعة فهي كثيرة نذكر منها القليل:

فقد عرّفه ابن داود الحلّيّ بقوله: شيخ الطائفة، و علاّمة وقته، و صاحب التحقيق و التدقيق، كثير التصانيف، انتهت رئاسة الإمامية إليه في المعقول و المنقول.(3)

و قال الحر العاملي: فاضل عالم علاّمة العلماء، محقّق، مدقّق، ثقة ثقة، فقيه، محدّث، متكلّم، ماهر، جليل القدر، عظيم الشأن رفيع المنزلة، لا نظير له في الفنون و العلوم العقلية و النقلية، و فضائله و محاسنه أكثر من أن تحصى.(4)

ص: 7


1- . لسان الميزان: 317/2.
2- . الدرر الكامنة لابن حجر: 71/3.
3- . رجال ابن داود: 119 برقم 461.
4- . أمل الآمل: 80/2-81.

و قال الميرزا عبد اللّه الأفندي التبريزي: كان رضى اللّه عنه جامعا لأنواع العلوم، مصنّفا في أقسامها، حكيما متكلّما فقيها محدّثا أصوليا أديبا شاعرا ماهرا، و قد رأيت بعض أشعاره ببلدة أردبيل، و هي تدلّ على جودة طبعه في أنواع النظم أيضا. و كان وافر التصنيف متكاثر التأليف، أخذ و استفاد عن جمّ غفير من علماء عصره من العامّة و الخاصة، و أفاد و أجاد على جمع كثير من فضلاء دهره الخاصة بل من العامة أيضا، كما يظهر من إجازات علماء الطريقين.(1)

و هذا الطريق الّذي سلكناه في تعريف المؤلف، يدلّ على أنّ الفريقين اتّفقا على نبوغه و ذكائه و علمه و فقاهته. و هلمّ معي الآن لنسلك الطريق الثاني، الّذي يرشد إليه معلمان رئيسيان:

أوّلا: انثال عليه الأفواج من روّاد العلم من كلّ صوب، و انتهلوا من علمه و أفادوا من محاضراته، حتّى احتلّ فريق منهم مكانة سامية في الفقه و الأصول و الكلام و غيرها من المجالات، و إليك أسماء عدد منهم:

1. ولده فخر المحقّقين.

2. زوج أخته مجد الدين أبو الفوارس محمد بن علي بن الأعرج الحسيني.

3. عميد الدين عبد المطلب بن أبي الفوارس.

4. ضياء الدين بن أبي الفوارس الحسيني.

ص: 8


1- . رياض العلماء: 359/1.

5. مهنّا بن سنان بن عبد الوهاب الحسيني المدني.

6. تاج الدين محمد بن القاسم بن معية الحسني.

7. ركن الدين محمد بن علي بن محمد الجرجاني.

8. الحسين بن إبراهيم بن يحيى الأسترآبادي.

9. الحسين بن علي بن زهرة الحلبي.

10. أبو المحاسن يونس بن ناصر الحسيني الغروي المشهدي.

11. عبد الرحمن بن محمد الحلّي، ابن العتائقي.

12. محمد بن محمد قطب الدين أبو عبد اللّه الرازي.

هؤلاء اثنا عشر عالما من أكابر تلاميذه أوردنا أسماءهم كمعالم على الطريق إلى الوصول إلى حقيقة شهرة العلاّمة الحلّيّ، و إلاّ فإن المتخرّجين به من الأعلام أكثر من ذلك بكثير، قال صاحب الرياض: كان في الحلّة في عصر العلاّمة أو غيره أربعمائة و أربعين مجتهدا.(1) و من المعلوم أنّ جلّ هؤلاء ممّن استقوا من نمير علمه و معين عذبه.

ثانيا: الآثار العلمية الّتي تركها للأجيال، فضع يدك على كتبه و مؤلّفاته في شتّى الفنون، ستجده في حقل الفقه و الأصول فقيها بارعا، و أصوليّا لامعا، و في حقل المعقول و الكلام فيلسوفا ماهرا و متكلّما فذّا، و يكفي في ذلك أنّه ألّف ما يناهز ثلاثين مؤلفا في الكلام و أصول الدين و الجدل و الاحتجاج و آداب البحث و المناظرة.(2)

ص: 9


1- . رياض العلماء: 361/1.
2- . معجم طبقات المتكلمين: 105/3 برقم 287. غير أنّ قسما منها غير موجود.

و نحن و إن ذكرنا في تقديمنا لكتاب «نهاية المرام» أسماء كثير من كتب العلاّمة في حقل الكلام، و لكنّنا نستقصي هنا كلّ ما وقفنا عليه في هذا المضمار، و إليك اسماءها مجرّدة عن التعليق و التوضيح:

1. الأبحاث المفيدة في تحصيل العقيدة.

2. استقصاء النظر في البحث عن القضاء و القدر.

3. الألفين الفارق بين الصدق و المين.

4. أنوار الملكوت في شرح الياقوت.

5. الباب الحادي عشر.

6. الرسالة السعدية.

7. كشف الفوائد في شرح قواعد العقائد.

8. كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد.

9. معارج الفهم في شرح النظم.

10. مقصد الواصلين في أصول الدين.

11. منهاج الكرامة في معرفة الإمامة.

12. مناهج اليقين.

13. نظم البراهين في أصول الدين.

14. نهج الحقّ و كشف الصدق.

15. نهج المسترشدين في أصول الدين.

ص: 10

16. واجب الاعتقاد على جميع العباد.

17. نهاية المرام في علم الكلام.

18. أجوبة المسائل المهنائية.

19. منتهى الوصول في علمي الكلام و الأصول.

20. كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين عليه السّلام.

21. رسالة في جواب سؤالين سألهما الخواجة رشيد الدين.

22. أربعون مسألة في أصول الدين.

23. تسليك النفس إلى حظيرة القدس و الأخير هو هذا الكتاب الّذي يزفّه الطبع إلى القرّاء الكرام، و قد ألّفه العلاّمة الحلّيّ استجابة لرغبة ولده محمد المعروف بفخر المحقّقين، و خصّصه لأهم المسائل الكلامية، الّتي أفرغها في قوالب فلسفية و برهانية.

و هو أشبه بكتاب «تجريد الاعتقاد» لأستاذه نصير الدين الطوسي، و الّذي شرحه العلاّمة بكتابه «كشف المراد» و قال: وجدنا كتابه الموسوم بتجريد الاعتقاد قد بلغ فيه أقصى المراد و جمع جلّ مسائل الكلام على أبلغ نظام.(1)

غير أنّ المصنّف سلك في كتابه هذا مسلك السهولة في البيان، و هو يغاير مسلك الطوسي في كتاب «تجريد الاعتقاد» الّذي يمتاز بالصعوبة،

ص: 11


1- . كشف المراد: 24.

و لكنّهما (الأستاذ و التلميذ) يشتركان في إضفاء الصبغة الفلسفية على المسائل الكلاميّة على نحو صار هذا النمط هو المقبول بين المتأخّرين من المتكلّمين من غير فرق بين السنّة و الشيعة. و الكتاب كما يصفه المؤلّف في مقدّمته مشتمل على أهم المسائل و أشرفها و النكت العظيمة اللطيفة. فجمع فيه النكات الكلامية و أصول المطالب العقلية.

و قد قسم الكتاب إلى مراصد، هي:

الأوّل: في الأمور العامّة.

الثاني: في تقسيم الموجودات.

الثالث: في البحث عن أقسام الموجودات.

الرابع: في أحكام الموجودات.

الخامس: في إثبات واجب الوجود تعالى و صفاته.

السادس: في العدل.

السابع: في النبوة.

الثامن: في الإمامة.

التاسع: في المعاد.

و كلّ مرصد يشتمل على مطالب كثيرة.

فهذا فهرس إجمالي لمراصد الكتاب.

يذكر أنّ السيد نظام الدين عبد الحميد بن الأعرج الحلّي ابن أخت

ص: 12

العلاّمة شرح هذا الكتاب (683 ه -...) و أسماه: «إيضاح اللبس في شرح تسليك النفس».

و في الحقيقة فإنّ «نهاية المرام» هو الكتاب الأم من مؤلّفات العلاّمة في علم الكلام. و في الكتاب الماثل بين أيدينا إرجاعات إلى نهاية المرام.

النسخ المعتمدة

قامت الطالبة فاطمة رمضاني بتحقيق و تصحيح هذا الكتاب القيّم، تحت رعاية الأستاذين:

1. العلاّمة الحجة الشيخ عبد اللّه النوراني (الأستاذ المشرف).

2. الدكتور نجف قلي الحبيبي (الأستاذ المساعد).

و قد نالت بذلك شهادة الماجستير بدرجة «امتياز» في علم الإلهيات من كلية الإلهيات - جامعة طهران، عام 1426 ه.

و قد اعتمدت المحقّقة - حفظها اللّه - في عملها على نسخ ثلاث، اتّخذت الأولى منها نسخة الأصل. و إليك مواصفات هذه النسخ:

1. النسخة «أ» الموجودة في متحف بريطانيا، بالاستناد إلى صورتها المستنسخة الموجودة في «مركز احياء التراث الإسلامي» في قم المقدسة برقم 1804، و كاتب النسخة هو: علي بن الحسن بن الرضي الحسيني، و قد فرغ من نسخها في 18 من شهر صفر من شهور عام 716 ه، في حياة المؤلّف، و تقع النسخة في 163 صفحة (17 سطر، 26 * 14 سم).

ص: 13

و هي بخط النسخ، و في هوامش النسخة إيضاحات بقلم ولد المؤلّف - فخر المحقّقين - ربّما تعين على فهم المراد، و نجد فيها لفظة «صحّ» أو «بلغت قراءته» كلّ ذلك يؤيد صحّة النسخة و قلّة الخطأ فيها.

و قد جاء في آخرها قوله: أنهاه أيده اللّه تعالى، قولا و بحثا و فهما و ضبطا و استنساخا في مجالس آخرها سابع عشر رجب سنة اثنتين و عشرين و سبعمائة، الحمد للّه وحده و صلى اللّه على سيدنا محمد و آله الطيبين الطاهرين. و كتب محمد بن الحسن بن المطهر.

2. النسخة «ب»، الموجودة في مكتبة آية اللّه الحكيم قدس سرّه في النجف الأشرف (برقم 929 م)، بالاستناد إلى صورتها المستنسخة و الموجودة في مركز إحياء التراث الإسلامي في قم المقدسة، برقم 689/2، و هذه النسخة لم يذكر فيها اسم الناسخ، و تمّ استنساخها في 22 من شهر صفر سنة 722 ه، و أنّه استنسخها من نسخة المؤلّف. ألحق بهذه النسخة كتاب «مراصد التدقيق و مقاصد التحقيق» للمؤلف.

و هي غير خالية من الأغلاط لفظا و معنى، و جاء في هوامش النسخة «صوابه» و «صحّ».

و جاء في هامش آخر النسخة: قوله: «بلغت قراءته»، و «أيده اللّه تعالى»، و ربّما يكون ذلك قرينة على أنّها قرئت على العلاّمة الحلّيّ.

و النسخة في 115 صفحة (17 سطر، 24 * 14 سم).

3. النسخة «ج»، الموجودة في مكتبة مجلس الشورى الإسلامي برقم

ص: 14

62283، و يوجد فلمها المصغّر في مكتبة جامعة طهران، و تقع في 198 صفحة (15 سطر، 20 * 14 سم) و قد سقط من النسخة المطلب الرابع من المرصد التاسع في ثبوت المعاد إلى آخر الكتاب.

و الناسخ غير معلوم، و هي غير مؤرخة.

منهج التحقيق

1. لقد اعتمدت المحقّقة الفاضلة على نسخة «أ» كأصل مع تثبيت الاختلافات مع باقي النسخ في الهامش.

2. كلّ ما بين معقوفين [] فهو من إضافات المحقّقة لضرورة يقتضيها السياق أو للعناوين الاستنتاجية للفصول و المطالب لتسهيل المراجعة للقارئ الكريم.

3. كلّ ما بين قوسين () فهو من أحد النسخ.

و قد أخذت المحقّقة على عاتقها بذكر جميع الاختلافات الموجودة بين النسخ في الهامش مع أنّ قسما كثيرا منها ليس بصحيح قطعا، و إنّما هي هفوات النسّاخ، فكان اللازم الاقتصار على ما يحتمل الصحّة، و لكنّنا أبقيناها على صورتها، لأنّ ذلك هو المنهج الرائج لتصحيح و تحقيق النسخ الخطية من قبل الجامعيّين.

و مع تثميننا لجهود المحقّقة الفاضلة في تصحيح الكتاب و تحقيقه بهذه الدقة، و لكن كان اللازم عليها أن تورد التعاليق الموجودة في

ص: 15

هامش النسخة الأولى و الّتي هي من إفادات فخر المحقّقين، لأنّ لها دور الإيضاح.

ختامه مسك

قد وقفت على أسماء الكتب الكلامية الّتي سطرتها يد العلاّمة الحلّيّ و الّتي بذل في تأليفها و تصنيفها أوقاتا ثمينة و أنفاسا قدسية، و شغلت كل أوقاته في الحضر و السفر، و قد ألّف قسما منها بين عام 707-716 ه، أي خلال تواجده في إيران بمعية الملك (خدابنده).

عاش العلاّمة رحمه اللّه ثمانية و سبعين عاما حيث ولد عام 648 ه و انتقل إلى جوار ربه في 21 محرم الحرام من سنة 726 ه، و ترك مكتبة ثمينة و غزيرة في أغلب العلوم و المعارف قلّما يتّفق لإنسان أن يأتي بهذا العطاء الثّر، و قد قام العلاّمة الراحل السيد عبد العزيز الطباطبائي باستقصاء جميع ما ألّفه العلاّمة الحلّيّ، و ذكر ذلك كلّه في كتاب أسماه «مكتبة العلاّمة الحلي» فبلغ مجموع ما ذكره 120 عنوانا.

هذا هو العلاّمة في مواهبه و قابلياته و آثاره الضخمة، و هو قدوة لكلّ الأجيال، إذ أنّه نهض بمسئوليته الفكرية و العلمية و الدينية في عصر ماجت فيه التيارات الفكرية من مختلف الفرق و لم يكن له بد من سدّ كلّ ثغرة ببيانه و قلمه.

ص: 16

و نحن إذ نعيش في هذا العصر العصيب الّذي تعدّدت فيه المناهج الكلامية و التيارات الفلسفية الّتي تبتغي نشر الإلحاد و إطفاء نور الإيمان في قلوب الشباب، نهيب بكلّ من ينبض قلبه بحب الإسلام و خدمة المجتمع أن يقتدي بالعلاّمة الحلي رحمه اللّه في التصدي إلى البحوث الكلامية و الفلسفية بشكل يلائم لسان العصر و منطق الشباب، إذ لكلّ زمان منطق و لسان.

فلو بعث العلاّمة الحلي و أستاذه نصير الدين و تلميذه قطب الدين الرازي و غيرهم من الأجلاّء في هذا الزمان، لكان لهم قصب السبق في بيان العقائد الإسلامية و المفاهيم الدينية على مختلف المستويات، و لم يفتّروا عن التأليف و التصنيف، و لم يسأموا من الإرشاد و الهداية.

رحم اللّه جميع علمائنا الماضين و حفظ اللّه الباقين منهم.

و بما أنّ مؤسسة الإمام الصادق عليه السّلام قد اهتمت بتدريس علم الكلام في مستويات عالية، و تخرّج منها جمع من الفضلاء تسلّحوا بمنطق العلم و الكلام و انتشروا في البلاد، و لم تزل الدراسات الكلامية مستمرة لنيل شهادات البكلوريوس و الماجستير و الدكتوراه في معهد علم الكلام التابع للمؤسسة بإشرافنا.

و إتماما لما قامت به المؤسسة من تحقيق و نشر عدد من مؤلفات العلاّمة الحلّيّ رحمه اللّه في الكلام و الأصول و الفقه، أخذنا على عاتقنا طبع و نشر هذه الرسالة الجامعية، شاكرين للمحقّقة الفاضلة و للأفاضل أعضاء لجنة

ص: 17

الإشراف، جهودهم المضنية الّتي بذلت في تحقيق و تصحيح هذا الأثر القيّم.

داعين اللّه لهم بالتوفيق و الفلاح.

و الحمد للّه الّذي بنعمته تتم الصالحات.

جعفر السبحاني مؤسسة الإمام الصادق عليه السّلام قم المقدسة رابع شهر ذي العقدة الحرام 1426 ه

ص: 18

[مقدمة المؤلف]

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم الحمد للّه القديم الأزليّ، الدّائم الأبديّ، الإله القهّار، الواجب الغنيّ، المالك القويّ، القديم الجبّار، الحكيم الكريم، العليّ العظيم الغفّار، العليم الحكيم، الرّءوف الرّحيم، العطوف السّتّار.

أحمده على إنعامه المدرار، و أشكره على آلائه المسيلة الغزار، و أسأله التّوفيق في هذه الدّار لحسن العقبى في دار القرار؛ و صلّى اللّه على سيّدنا محمّد النّبيّ المختار و على آله الأئمّة الأطهار و عترته الأخيار الأبرار، صلاة تتعاقب عليهم تعاقب الأعصار.

أمّا بعد، فقد أجبت سؤالك، أيّها الولد الصّالح، محمّد - جعلني اللّه فداك - في تصنيف هذا الكتاب المسمّى بتسليك النّفس إلى حظيرة القدس، مشتملا على المسائل المهمّة الشّريفة و النّكت العظيمة اللّطيفة، و بيّنت لك فيه - وفّقك اللّه لمراضيه و أعانك على امتثال أوامره و نواهيه - جميع لبّ

ص: 19

النّكت الكلاميّة، و أوضحت لك (فيه) - أرشدك اللّه - أصول المطالب العقليّة، أسعدك اللّه في الدّارين و رزقك تكميل الرّئاستين بمنّه و لطفه.

و قد رتّبت(1) هذا الكتاب على مراصد تسعة.

ص: 20


1- . الف: ترتب.

المرصد الأوّل في الأمور العامّة و فيه فصول

اشارة

ص: 21

ص: 22

الفصل الأوّل في المقدمات

المقدّمة الأولى: [في التّصور و التّصديق]

العلم إمّا تصوّر، و هو حصول صورة الشّيء في العقل من غير حكم؛ و إمّا تصديق، و هو الحكم ببعض المتصوّرات على بعض إيجابا أو سلبا.

و كلّ منهما ضروريّ و مكتسب:

فالضّروريّ من التّصوّرات، ما لا يتوقّف حصوله على طلب و كسب، كتصوّر الحرارة و البرودة؛ و المكتسب، ما يتوقّف، كتصوّر الجوهر و العرض.

و الضّروريّ من التّصديقات ما يكفي تصوّر طرفيه في الحكم، كالتّصديق بأنّ «الكلّ أعظم من الجزء»؛ و المكتسب ما لا يكفي، كالحكم بحدوث العالم.

و كاسب التّصوّر: الحدّ، و هو التّعريف بالأجزاء؛ أو الرّسم، و هو التّعريف بالأعراض الخارجيّة.(1)

ص: 23


1- . الف: الخارجة.

و كاسب التّصديق هو الحجّة؛ و هي(1) إمّا قياس، إن استدلّ بالعامّ على الخاصّ؛ و إمّا استقراء، إن كان بالعكس؛ و إمّا تمثيل، إن استدلّ بالمساوي على المساوي.(2)

و الأوّل يقينيّ و الأخيران(3) ظنّيان.

المقدّمة الثّانية: [في التعريف]

اعلم أنّ المعلوم من كلّ وجه، و المجهول من كلّ وجه، لا يمكن طلبهما لاستحالة تحصيل الحاصل؛ و عدم الاشتياق إلى ما لا شعور به البتّة؛ فلا بدّ و أن يكون معلوما من وجه و مجهولا من آخر. و الوجهان متغايران، و المطلوب ليس كلّ واحد منهما، بل معروضهما، و هو الماهيّة ذات الوجهين.

و الماهيّة إن كانت مركّبة جاز تحديدها و إلاّ عرّفت بالرّسم(4) لا غير؛ و إن(5) كانت جزءا من غيرها جاز التّحديد بها و إلاّ فلا.

و الحدّ إن اشتمل على جميع المقوّمات فهو التّامّ، و إلاّ فهو النّاقص.

و الرسم إن افاد تمييز الماهية عن جميع ما عداها فهو التّام و الاّ فهو الناقص؛ و الحدّ إنّما يتألّف من الجنس و الفصل.

ص: 24


1- . ج: هو.
2- . الف، ج: مثله.
3- . ب: الآخران.
4- . الف: بالرّسوم.
5- . الف: فإن.

و الجنس هو كمال الجزء(1) المشترك، و هو الكلّيّ المقول على كثيرين مختلفين بالحقائق في جواب ما هو؟ و الفصل هو الجزء المميّز، و هو الكلي المقول على كثيرين في جواب أيّما هو في جوهره.

و المركّب منهما هو النّوع.

و تترتب(2) الأجناس بعضها فوق بعض الى ان ينتهي إلى جنس لا جنس فوقه، و يسمّى جنس الأجناس، و في التّنازل إلى جنس لا جنس تحته، و هو الجنس السّافل، و الأنواع كذلك.

و الخارج عن الماهيّة إن اختصّ بها فهو الخاصّة، و إلاّ فهو العرض العامّ.

فالكليّات هي هذه الخمسة لا غير: الجنس و الفصل و النّوع و الخاصّة و العرض العامّ.

المقدّمة الثّالثة: [في القياس]

اعلم أنّ كلّ قياس إنّما يتركّب من مقدّمتين لا أزيد و لا أقلّ، و يشترك المقدّمتان في حدّ (واحد) هو أوسط، و تتباينان بجزءين(3) آخرين هما الأصغر و الأكبر.

ص: 25


1- . ب: الحد.
2- . ب: ترتيب/ج: يتربّت.
3- . ج: في جزءين.

و هذا المشترك إن كان محمولا في الصّغرى موضوعا في الكبرى فهو الشّكل الأوّل؛ و عكسه الرّابع؛ و إن كان محمولا فيهما فهو الثّاني؛ و إن كان موضوعا فيهما فهو الثّالث.

و يشترط: في الأوّل: إيجاب الصّغرى و كلّيّة الكبرى.

و في الثّاني: اختلاف المقدّمتين بالإيجاب و السّلب، و كلّيّة الكبرى.

و في الثّالث: إيجاب الصّغرى و كلّيّة إحداهما.

و في الرّابع: عدم اجتماع الخسّتين(1) إلاّ إذا كانت الصّغرى موجبة جزئيّة، و استعمال السّالبة الكليّة الكبرى مع الموجبة الجزئيّة الصّغرى لا غير.

المقدّمة الرّابعة: [في مواد الأقيسة و صورها]

مقدّمتا الدّليل إن كانتا قطعيّتين فالنّتيجة كذلك، و إن كانتا ظنّيتين أو إحداهما فالنّتيجة ظنّيّة؛ لأنّها تتبع أخسّ المقدّمتين.(2)

و الضّروريّات ستّة: الأوّليات و المشاهدات و المجرّبات و الحدسيّات و المتواترات و قضايا قياساتها معها.

و لا يكفي حصول المقدّمتين في اكتساب(3) النّتيجة، بل لا بدّ

ص: 26


1- . ب: الحيثيتين.
2- . ب: الاخس من المقدّمتين.
3- . ب: في النتيجة.

من ترتيب مخصوص بينهما، و هو الجزء الصّوريّ للنّظر، و المقدّمتان أجزاء مادّيّة، و بصحّتهما يصحّ النّظر، و بفسادهما أو فساد إحداهما يكون فاسدا.

فهذه إشارة مختصرة إلى كيفيّة اكتساب المطالب، و التّفريع مذكور في كتبنا العقليّة.

ص: 27

الفصل الثّاني في مباحث الوجود و العدم

اشارة

و هي أربعة:

[البحث] الأوّل: [تصوّر الوجود و العدم]

تصوّر الوجود و العدم بديهيّ، إذ لا تصوّر أجلى(1) منهما. و قد يذكر على سبيل التّعريف اللّفظيّ: أنّ الوجود هو الثّابت العين، و المعدوم هو المنفيّ العين.

و الوجود قد يكون ذهنيّا و قد يكون خارجيّا.

و كلّ من الوجود و العدم إمّا أن يكون واجبا للماهيّة لذاتها أو ممكنا.

فواجب الوجود لذاته هو اللّه تعالى؛ و ممكن الوجود لذاته هو ما عداه؛ و واجب العدم لذاته هو الممتنع؛ و لغيره هو الممكن؛ فكلّ ماهيّة إذا نسب الوجود إليها إمّا أن تكون واجبة الوجود لذاته أو ممكنة أو ممتنعة.

ص: 28


1- . ب: اعلى/ج: اصلا.

البحث الثاني: في أنّ الوجود معنى مشترك (بين الموجودات)

اشارة

(المشهور أنّ الوجود معنى مشترك بين الموجودات) و قال أبو الحسين البصريّ (1) و أبو الحسن الأشعريّ (2) إنّه مشترك لفظا لا معنى، و وجود كلّ شيء نفس حقيقته.

و الحقّ: الأوّل.

لنا: أنّا نقسّم الوجود إلى الواجب و الممكن، و مورد التّقسيم مشترك فيه.

و لأنّ العدم واحد، لاستحالة التّميّز و الاختلاف(3) و التماثل(4) في العدم، فيكون مقابله، و هو الوجود، [واحدا]،(5) و إلاّ لبطل الحصر في الموجود و المعدوم.

احتجّوا: بأنّ محلّ الوجود إن كان معدوما لزم اتّصاف المعدوم بالوجود، و هو باطل بالضّرورة؛ و إن كان موجودا لزم الدّور أو التّسلسل.

و الجواب: المحلّ الماهيّة لا باعتبار القيدين.

ص: 29


1- . هو أبو الحسين محمد بن علي بن الطيب البصري المعتزلي، المتوفّى 436 ه، صاحب كتاب المعتمد في أصول الفقه.
2- . هو أبو الحسن علي بن إسماعيل شيخ أهل السنّة و الجماعة إمام الأشاعرة، كان معتزليا و تاب من ذلك بعد أن أقام على عقيدتهم أربعين سنة، توفّي 324 ه. وفيات الأعيان: 464/1.
3- . الف: لاختلاف.
4- . ب: التمكن.
5- . الف، ب: واحد.
تذنيب

لمّا ثبت أنّ الوجود مشترك ثبت أنّه زائد على الماهيّات، لاستحالة أن يكون نفسها، و إلاّ لزم اشتراك الحقائق المختلفة في تمام الماهيّة؛ و أن يكون جزءا منها، و إلاّ لكان جنسا، لكونه أعم الأجزاء(1) المشتركة، فيفتقر إلى فصل، و فصل الوجود موجود، فيكون الجنس داخلا في الفصل و يتسلسل.

البحث الثالث: [ما هو المعدوم؟]

اشارة

ذهب المحقّقون إلى أنّ المعدوم نفي محض؛ و ليس بشيء. و ذهب جماعة من المعتزلة إلى أنّه شيء ثابت خارج الذّهن و لا تأثير للفاعل فيه، بل في جعل الذات موجودة؛ و تلك المعدومات متباينة بأشخاصها. و الثّابت من كلّ نوع عدد غير متناه، و إنّها بأسرها متّفقة في كونها ذواتا، و إنّما تتباين بالصّفات.

لنا: أنّ المفهوم من الثّبوت إنّما هو الوجود؛ فلو كان المعدوم ثابتا في العدم كان موجودا، و هو محال؛ و لأنّه إذا أوجد اللّه - تعالى - منها شيئا، فإن بقيت كما كانت كان الشّيء مع غيره كهو(2) لا مع غيره و هو باطل بالضّرورة؛

ص: 30


1- . ب: اتمّ الاجزاء.
2- . ج: كما هو.

و إن نقصت تناهت، فيتناهى مقدورات اللّه تعالى، و هو محال؛ و لأنّه يلزم الاستغناء عن الفاعل، إذ الذّوات أزليّة، فلا تكون مقدورة.

و الوجود من قبيل الأحوال عندهم فلا يكون مقدورا، و الاتّصاف ليس أمرا زائدا على الماهيّة و الصّفة، و إلاّ لزم التّسلسل فتكون الذّات الموجودة غنيّة عن الفاعل، هذا خلف.

احتجّوا: بأنّ المعدوم متميّز. و كلّ متميّز ثابت.

أمّا الصّغرى فلأنّ المعدوم معلوم؛ لأنّا نعلم طلوع الشّمس غدا من المشرق، و كلّ معلوم متميّز؛ و لأنّ الحركة المقدورة لنا متميّزة عن الممتنعة و إن كانتا معدومتين؛ و لأنّ بعض المعدومات يراد وقوعها كاللّذات، و بعضها لا يراد، فتكون متميّزة.

و أمّا الكبرى، فلأنّ المتميّز هو الموصوف بصفة لا يشاركه فيها غيره، و ذلك يستدعي كونه متعيّنا في نفسه متحقّقا.(1) و لا نعني بالثّابت إلاّ ذلك.

و الجواب:

التّميّز قد يكون ذهنيّا و قد يكون خارجيّا؛ و المعدوم متميّز بالاعتبار الأوّل دون الثّاني، كما يتصوّر الممتنعات و المركّبات و الوجود، و ليس شيء منها بثابت.(2)

ص: 31


1- . ج: محققا.
2- . ج: ثابتا.

البحث الرّابع: [لا واسطة بين الموجود و المعدوم]

اشارة

لا واسطة بين الموجود و المعدوم؛ لأنّ العقل قاض بالضّرورة بأنّ قولنا: «الشّيء إمّا أن يكون موجودا أو معدوما» حاصر، فالواسطة غير معقولة.

و أثبت أبو هاشم واسطة بينهما و هي صفة لموجود لا موجودة و لا معدومة و لا معلومة، و سمّاها ب «الحال».

و احتجّ بأنّ الوجود لا يوصف بالوجود، أمّا أوّلا، فلاستحالة التّسلسل، و أمّا ثانيا، فلأنّ الموجود كلّ ذات لها صفة الوجود، و الوجود ليس بذات، فلا يوصف بالوجود و لا يوصف بالعدم للتّغاير(1) بين الوجود و العدم، فإن المعدوم(2) كلّ ذات ليس لها صفة الوجود.

و الجواب:

الغلط نشأ من تخصيص الموجود و المعدوم بالذّوات،(3)و لا يلزم من عدم اتّصاف الشّيء بنفسه و نقيضه ثبوت واسطة بينه و بين نقيضه.

ص: 32


1- . ب: للتعاند.
2- . ب: فالمعدوم.
3- . ج: بالذات.

الفصل الثالث في مباحث الوجوب و قسيميه

اشارة

و هي ثلاثة:

(البحث) الأوّل: [الوجوب و الامكان و الامتناع]

الوجوب و الامكان و الامتناع من التّصوّرات البديهيّة، لا شيء منها بثابت، و إلاّ لزم التّسلسل و وجود المعدوم، و لأنّها امور نسبيّة، فتتوقف على وجود المنتسبين.

و الوجوب(1) و الإمكان متأخّران عن (هذا) الوجود، هذا، خلف.

و الامتناع يتوقّف على ما لا يوجد، فلا يكون موجودا.

و أثبت الأوائل الإمكان في الخارج، و إلاّ لم يبق فرق بين نفي الإمكان و الإمكان المنفيّ.

و هو خطأ؛ لأنّ التمايز(2) يقع في الأحكام العقليّة كما يقع في الامور العينيّة. و لو اقتضى ذلك الثّبوت لزم كون الامتناع ثبوتيّا.

ص: 33


1- . ب: فالوجوب.
2- . ب: المائز.

[البحث] الثاني: [في خواص الواجب]

الشّيء الواحد لا يكون واجبا لذاته و لغيره، لأنّ الواجب لذاته مستغن عن الغير، و الواجب لغيره غير مستغن عن ذلك الغير، فيجتمع النّقيضان.

و الواجب لذاته بسيط، لافتقار كلّ مركّب إلى جزئه، و جزؤه غيره.

و وجوده نفس حقيقته؛ لأنّه لو كان زائدا عليه(1) لكان ممكنا؛ لأنّه حينئذ يكون صفة له و كلّ صفة مفتقرة إلى الموصوف؛ و التّالي باطل، لأنّ المؤثّر فيه إن كان غير اللّه تعالى لزم افتقاره إلى غيره، فيكون ممكنا، و إن كان هو اللّه - تعالى - لزم تأثير المعدوم في الموجود أو وجود الماهيّة مرّتين أو الدّور.

البحث الثالث: [في عروض الامكان للماهيّة]

اشارة

الإمكان واجب للماهيّة، و إلاّ جاز انتقالها منه إلى الوجوب أو الامتناع، و هو محال.

و كلّ ممكن الوجود فإنّه لا يوجد و لا يعدم إلاّ بسبب منفصل، لاستحالة ترجيح أحد الطرفين المتساويين على الآخر لا لمرجّح؛ ثمّ مع ذلك السّبب يجب، و إلاّ فإن بقي الاستواء افتقر إلى غيره؛ و إن ترجّح أمكن

ص: 34


1- . ب: عليها.

وقوع المرجوح مع الأولويّة في وقت و عدمه في آخر. فاختصاص أحد الوقتين بالوجود يقتضي الاحتياج إلى سبب غير الأوّل، فلا يجوز أن يكون أحد الطرفين أولى.

و الإمكان علّة الاحتياج إلى المؤثّر، لقضاء العقل به(1) عنده و بانتفائه عند عدمه.

و لا يجوز أن يكون هي الحدوث، كما ذهب إليه بعض قدماء المتكلّمين، لأنّه كيفيّة للوجود، فيتأخّر عنه، و الوجود متأخّر عن الإيجاد المتأخّر عن الاحتياج المتأخّر عن علّة الاحتياج؛ فلو كانت هي الحدوث لزم تقدّم الشّيء على نفسه بمراتب.

تذنيب

لمّا ثبت أنّ علّة الاحتياج(2) هي الإمكان و هو ثابت للباقي ثبت معلوله، و هو الاحتياج إلى المؤثّر. و ذهب بعض قدماء المتكلّمين إلى استغنائه.

و احتجّوا: بأنّ المؤثّر إن لم يكن له فيه أثر كان مستغنيا قطعا؛ و إن كان له أثر فان كان هو الوجود الحاصل أوّلا(3) لزم تحصيل الحاصل، و هو

ص: 35


1- . ج: - به.
2- . ب، الف: الحاجة.
3- . ج: و إلاّ/ب: - أوّلا.

محال؛ و إن كان أمرا جديدا كان التّأثير في الجديد لا في الباقي، فيكون الباقي مستغنيا.

و الجواب: المنع من الملازمة الأخيرة، لأنّ الباقي مفتقر إلى البقاء الجديد.

ص: 36

المرصد الثّاني في تقسيم الموجودات و فيه مقصدان

اشارة

ص: 37

ص: 38

[المقصد] الأوّل في التّقسيم على رأي المتكلّمين

اشارة

قالوا: الموجود إمّا أن يكون قديما أو محدثا، لأنّه إن لم يكن لوجوده أوّل، فهو القديم و هو اللّه تعالى، و إن كان لوجوده أوّل فهو المحدث، و هو ما عداه.

و قد يفسّرون القديم بأنّه: الّذي لا يسبقه العدم، و المحدث بما سبقه العدم. فهاهنا مباحث ثلاثة:

[البحث] الأوّل: في مباحث القديم

معنى قولنا: «اللّه - تعالى - قديم» هو أنّا لو قدّرنا أزمنة لا نهاية لها في جانب الماضي لكان اللّه(1) - تعالى - مصاحبا لها. و لا يعتبر في القدم و الحدوث الزّمان و إلاّ لكان للزّمان زمان آخر و يتسلسل. و ليس القدم و الحدوث من الصّفات الثّبوتيّة، بل من الاعتبارات الذّهنيّة، و إلا لزم التّسلسل؛ خلافا لعبد اللّه بن سعيد من الأشعريّة في الأوّل، و الكرّاميّة في الثّاني.

ص: 39


1- . الف: انه تعالى.

البحث الثاني: في خواصّ القديم

لا يمكن إسناد(1) القديم إلى المؤثّر المختار، لأنّ الفاعل بالاختيار إنّما يفعل بواسطة القصد و الاختيار، و إنّما يصحّ توجّه القصد إلى معدوم ليوجده و لا يصحّ توجّهه إلى موجود. نعم يصحّ إسناده(2) إلى الموجب؛ و التّنازع بين الحكماء و المتكلّمين يرتفع بهذا التّفصيل.

و القديم لا يصحّ عليه العدم؛ لأنّه إمّا واجب لذاته أو معلول له مطلقا أو بشرط قديم؛ و على كلّ تقدير يستحيل عدم علّته،(3) فيستحيل عدمه.

لا يقال: لم لا يتوقّف على شرط عدميّ أزليّ، و يجوز زوال الشّرط الأزليّ، لكونه عدميّا، فيعدم القديم لعدم شرطه.

لأنّا نقول: المقتضي لوجود ملكة ذلك العدم ليس هو القديم و لا معلوله، للتّنافي بينهما؛ و لا علّته، لاستحالة صدور المتنافيين عن علّة واحدة.

و القديم لا يجوز أن يكون أكثر من واحد؛ لأنّ واجب الوجود واحد مختار، على ما يأتي، فباقي الموجودات محدثة.

ص: 40


1- . ج: استناد.
2- . ج: استناده.
3- . ج، ب: عليه.

البحث الثالث: في خواصّ المحدث

لمّا كان المحدث هو الموجود بعد العدم كانت ماهيّته موصوفة بالأمرين، فتكون ممكنة بالضّرورة، و كلّ ممكن مفتقر إلى غيره، فكلّ محدث مفتقر إلى الغير.

و أثبت الأوائل لكلّ حادث مادّة(1) و مدّة سابقتين عليه؛ لأنّه قبل وجوده ممكن، فلإمكانه محلّ، فليس هو الماهيّة المعدومة، فلا بدّ من محلّ هو المادّة، و قبليّة العدم تستدعي معروضا لها، و هو الزّمان.

و هذا خطأ: أمّا أوّلا، فلأنّ الإمكان عدميّ، لما بيّنا أوّلا، و إلاّ لزم التّسلسل.

و أمّا ثانيا، فلأنّ المادّة ممكنة فتفتقر إلى مادّة أخرى، و يتسلسل.

و أمّا ثالثا، فلأنّ المادّة مغايرة للماهيّة، و الإمكان صفة للماهيّة، فكيف يصحّ عروضه لغير الموصوف به؟

و أمّا القبليّة فهي أمر اعتباريّ لا تحقّق له في الأعيان و إلاّ لزم التّسلسل.

و أيضا، فإنّ الزّمان يعرض له قبليّات و بعديّات، فإن افتقر كلّ موصوف بهما إلى زمان افتقر الزّمان إلى زمان آخر، و يتسلسل، و إلاّ فالمطلوب.

ص: 41


1- . ج: ماله.

المقصد الثّاني في التّقسيم على رأي الأوائل

الموجود إمّا أن يكون واجب الوجود لذاته، و هو اللّه - تعالى - خاصّة، و إمّا أن يكون ممكن الوجود. و هو عشرة: الجوهر و الكم و الكيف و الأين و متى و المضاف و الملك و الوضع و أن يفعل و أن ينفعل.

واحد منها جوهر و التّسعة أعراض؛ لأنّ الممكن إمّا أن يكون في موضوع،(1) أي في محلّ متقوّم بذاته(2) مستغن عن الحالّ فيه، و هو العرض؛ و إمّا أن لا يكون، و جاز أن يكون في محلّ، و هو الجوهر.

فإن كان محلاّ لمثله فهو المادّة، و إن كان حالاّ فهو الصّورة، و إن كان مركّبا منهما فهو الجسم و إن كان مجرّدا فهو نفس إن تعلّق بالأجسام تعلّق التّدبير؛ و إلاّ فعقل.

فالجوهر: هو الوجود لا في موضوع.

و المادّة: هي(3) الجوهر القابل (للصّورة).

و الصّورة هي الجوهر المتّصل لذاته الحالّ في المادّة.

ص: 42


1- . ج: موضع.
2- . ج: بذات.
3- . الف: هو.

و الجسم: هو الجوهر القابل للأبعاد الثّلاثة المتقاطعة على زوايا قوائم.

و النّفس: كمال أوّل لجسم طبيعيّ إلى ذي حياة بالقوّة.

و العقل: جوهر مجرّد عن الجسم حلولا و تدبيرا.

و الكم: هو القابل لذاته المساواة و عدمها. و هو إمّا متّصل، و هو الخطّ، إن انقسم في بعد واحد؛ و السّطح، إن انقسم في بعدين؛(1) و الجسم التّعليميّ إن انقسم في ثلاثة أبعاد؛ و الزّمان إن لم يكن قارّا، و إمّا منفصل هو العدد، لا غير.

و الكيف: هو العرض الّذي لا يتوقف تصوّره على تصوّر غيره و لا يقتضي القسمة و اللاّقسمة في محلّه اقتضاء أوّليّا و أنواعه أربعة:

الكيفيّات المحسوسة: فإن كانت راسخة فهي انفعاليّات و إلاّ فهي الانفعالات.

و الكيفيّات المختصّة بالكميّات: إما متّصلة، كالاستقامة و الانحناء، و إمّا منفصلة، كالزّوجيّة و الفرديّة.

و الكيفيّات النّفسانيّة: فإن كانت راسخة فهي الملكات و إلاّ فهي الحالات.

و الكيفيّات الاستعداديّة: فإن كان نحو الدّفع فهو القوّة و إلاّ فهو اللاقوّة.

ص: 43


1- . ج: ابعاد.

و الأين: نسبة الشّيء إلى مكانه.

و المتى: نسبته إلى زمانه أو طرفه.(1)

و المضاف: و هو النّسبة المتكرّرة.

و الملك: و هو نسبة التملّك.

و الوضع: و هو هيئة تعرض للجسم بسبب نسبة أجزائه بعضها إلى بعض، و نسبة أجزائه إلى أمور خارجة عنه، كالقيام و الانتكاس.(2)

و أن يفعل، و هو التّأثير.

و أن ينفعل، و هو التّأثّر.

و الحقّ أنّ المادّة ليست ثابتة، و إلاّ لزم التّسلسل.(3)

و الكم هو الجسم أو الخطّ أو السّطح و هي جواهر أفراد يأتي البحث فيها.

و المتى(4) و ما بعده من النّسبيّة؛ لو كانت ثبوتيّة لزم التّسلسل.

و الكيفيّات المختصّة(5) بالمنفصل فرع على ثبوته و ليس، و إلاّ لزم قيام العرض بمحلّين.

ص: 44


1- . ج: ظرفه.
2- . ج: انعكاس.
3- . ج: التّسليك.
4- . الف: متى.
5- . الف: المخصوصة.

المرصد الثالث في البحث عن أقسام الموجودات و فيه مباحث

اشارة

ص: 45

ص: 46

[البحث] الأوّل في ماهيّة الجسم

اشارة

المتكلّمون زعموا: أنّ الجسم مؤلّف من جواهر أفراد، (و) كلّ واحد منها ذو وضع لا يقبل القسمة بالفعل و لا بالقوّة، يتألّف على نسبة ما بحيث يحصل له طول و عرض و عمق.

و الحكماء ذهبوا إلى أنّه (مؤلف) من المادّة و الصّورة. و البحث في هذه المسألة يتوقّف على ثبوت الجزء الّذي لا يتجزّى و نفيه.

و قد استدلّ مثبتوه بوجوه:

الأوّل: أنّ الزّمان منه ماض و منه مستقبل، و هما معدومان، و منه حاضر، فإن كان منقسما لم يكن كلّه حاضرا، هذا خلف. و إن لم يكن منقسما فالحركة المقطوعة فيه إن انقسمت لزم انقسامه، لأنّ الزّمان الّذي يقع فيه نصف الحركة نصف الزّمان الّذي يقع فيه كلّ الحركة، و قد فرضنا الزّمان غير منقسم، هذا خلف. فثبت أنّ الحركة الواقعة في الآن غير منقسمة.(1)

ص: 47


1- . الف، ب: غير منقسم.

فالمسافة الّتي يقع فيها تلك الحركة في ذلك الزّمان غير منقسمة، لأنّها لو انقسمت لكانت الحركة إلى نصفها نصف الحركة إلى آخرها، فتكون الحركة الّتي فرضت غير منقسمة منقسمة، هذا خلف. فثبت وجود جزء لا يتجزّى من المسافة، و هو المطلوب.

الثّاني: إنّ النقطة شيء ذو وضع لا جزء له، فإن كانت جوهرا ثبت المطلوب، و إن كان عرضا فمحلّه إن انقسم لزم انقسامها، لأنّ الحالّ في المنقسم منقسم؛ لأنّه إن حلّ في جميع أجزائه كان منقسما بالضّرورة، لاستحالة كون الحالّ في أحد الجزءين عين الحالّ في الآخر، و إن حلّ في بعضها لم يكن ما فرضناه محلاّ بمحلّ، هذا خلف و إن كان غير منقسم ثبت المطلوب.

الثّالث: إذا وضعنا كرة حقيقيّة على سطح مستو لاقته بما لا ينقسم، و إلاّ كانت مضلّعة. فاذا دحرجت حتّى انتهت إلى آخر السّطح كانت ملاقية له بنقطة عقيب اخرى، و هو المطلوب.

و احتجّ النّافون بوجوه:

الأوّل: إذا وضعنا جواهر ثلاثة متماسّة فالوسط إن لم يحجب الطرفين عن التّماسّ لزم التّداخل، و هو معلوم البطلان، و إن يحجبهما كان الجانب الملاقي لأحد الطرفين غير الملاقي للآخر، فيلزم الانقسام.

الثاني: إذا فرضنا كرة متحرّكة أكملت الدّورة(1) على نفسها، فإنّ كلّ

ص: 48


1- . ب: كملت دورتها.

جزء يفرض على سطح تلك الكرة قد أكمل دورة واحدة. فإذا فرضنا جزءا على المنطقة تحرّك جزءا غير منقسم فالقريب من القطب إن تحرّك مثله تساوى المداران، و هو ضروريّ البطلان، و إن لم يتحرّك اصلا لزم التّفكيك، و إن تحرّك أقلّ من جزء ثبت المطلوب.

الثالث: إذا فرضنا خطّا مركّبا من ثلاثة جواهر، ثمّ وضعنا على طرفيه جزءين و تحرّكا، تلاقيا على منتصف الثالث، فتنقسم(1) الخمسة.

الرّابع: المربّع المركّب من ستّة عشر جزءا يكون قطره من أربعة. فإن تلاقت ساوى القطر الضّلع، هذا خلف، و إن تباينت: فإن اتّسع ما بين كلّ جزءين الآخر ساوى القطر الضّلعين، هذا خلف بشكل الحمار(2)، و إن اتّسع لأقل ثبت الانقسام. و هاهنا حجج أخرى من الطرفين ذكرناها في كتاب نهاية المرام(3).

ص: 49


1- . ب: فانقسمت.
2- . لاحظ الأسرار الخفية في العلوم العقلية: 232.
3- . انظر نهاية المرام في علم الكلام: 417/2، الفصل الأوّل من النوع الأوّل.

البحث الثّاني في إبطال حجّة الحكماء في المادّة

قالت الحكماء: الجسم البسيط واحد في نفسه متصل لاستحالة تركّبه من الجواهر الأفراد. و لا شكّ في أنّه قابل للقسمة، و هي عدم الاتّصال عمّا من شأنه أن يكون متّصلا. فالقابل إن كان هو الاتّصال كان الشّيء قابلا لعدمه، و هو محال، لاجتماع القابل و المقبول، و إن كان شيئا آخر فهو المطلوب، لأنّا لا نعني بالمادّة سواه.

و الاعتراض من وجوه:

الأوّل: المنع من وحدة الجسم، و قد برهنّا على ثبوت الجزء الّذي لا يتجزى.

الثّاني: إنّ الانقسام المعلوم ثبوته إنّما هو الفرضيّ دون الانفكاكيّ.

و الاوّل لا يقتضي ثبوت المادّة، بل الثّاني.

الثالث: لا يلزم من اجتماع القابل و المقبول مطلقا اجتماعهما في الوجود؛ فإنّ مثل هذا القبول لا يتوقف على الوجود؛ إذ المراد به إمكان اتّصاف الشّيء بمقبوله، و لا شكّ في أنّ الماهيّة الممكنة من حيث هي هي مغايرة للوجود و العدم و قابلة لهما، و لا يلزم من ذلك استحالة، فكذا هنا.

ص: 50

الرّابع: المادّة تنقسم بانقسام الصّورة. فلو افتقر(1) انقسام الصّورة إلى محلّ افتقرت المادّة إلى مادّة أخرى و تسلسل.

البحث الثالث في الاعراض

اشارة

العرض إمّا أن يفتقر إلى المحلّ لا غير، و هي الكيفيّات المحسوسة و الأكوان، و إمّا أن يفتقر إلى المحلّ و البنية، و هو الحياة و ما هو مشروط بها، و هو تسعة: القدرة و الاعتقاد(2) و الظنّ و النّظر و الإرادة و الكراهة و الشّهوة و النّفرة و الألم و اللّذة و هما من نوع واحد.

و امّا المحسوسات: فإمّا بالبصر، و هو الضّوء و اللّون، و إمّا بالسّمع، و هي الأصوات و الحروف، و إما بالذّوق، و هي الطعوم، و إمّا بالشّمّ، و هي الرّوائح، و إمّا باللّمس، و هي الحرارة و البرودة و الرّطوبة و اليبوسة و الثّقل و الخفّة و اللّين و الصّلابة.

و أمّا الأكوان، فهو الحركة و السّكون و الاجتماع و الافتراق.

فلنبحث عن كلّ واحد من هذه الأقسام على سبيل الاختصار في مطالب.

ص: 51


1- . ج: في انقسام.
2- . ج: الاعتقاك.

المطلب الأوّل: في المبصرات

و هي بالذّات شيئان، الضّوء و اللّون. أمّا الضّوء، فقيل: إنّه جسم، لتحرّكه بحركة المضيء، و هو خطأ، لتساوي الأجسام في الجسميّة، و اختلافها في الإضاءة و عدمها، و الحركة ممنوعة، بل يتجدّد بتجدّد المقابلة.

و قيل: إنّه اللّون. و قيل: ظهوره. فالظهور المطلق هو الضّوء، و الخفاء المطلق هو الظلمة، و المتوسّط هو الظلّ.

و هو خطأ، لاشتراك السّواد و البياض في الإضاءة، و اختلافهما بماهيّتهما.(1) بل الحقّ أنّه كيفيّة منبسطة على الجسم الكثيف يحصل عند مقابلة المضيء و منه أوّل و ثان هو الظلّ.

و أمّا الظلمة فهي عدم الضّوء عمّا من شأنه أن يكون مضيئا.

و قال بعض الأشاعرة: إنّها وجوديّة، لأنّها محسوسة. و الصّغرى كاذبة.(2)

و أمّا اللّون فعند المعتزلة انّه جنس للسّواد و البياض و الحمرة و الصّفرة و الخضرة، و جعلوا البواقي مركّبة منها. و أثبت البلخيّ (3) الغبرة.

و بعض الأوائل جعل الخالص هو السّواد، و أمّا البياض فإنّه يتخيّل(4)

ص: 52


1- . ج: في ماهيتهما.
2- . ج: كان به.
3- . هو أبو القاسم عبد اللّه بن أحمد بن محمود الكعبي البلخي الخراساني، أحد أئمة المعتزلة، توفّي 319 ه. الأعلام: 65/4.
4- . ب: يتحصّل.

عند مخالطة الهواء للأجسام الشّفّافة الصّغيرة كما في زبد الماء و الثّلج، و هو خطأ، لأنّه محسوس، فيكون وجوديّا، نعم قد يكون بعض أسبابه ذلك و قد يكون غيره، كما في بياض البيض المسلوق، فإنّه يرى أبيض، مع أنّ النّار لم تحدث فيه هوائيّة، لأنّه بعد الطبخ أثقل.

و اتّفق الشّيخان على تجويز زائد على الخمسة في مقدوره تعالى.

و أشخاص كلّ جنس متماثلة، فإنّ الهيئة المحسوسة من أحد السّوادين هي المحسوسة من الآخر. و هذه الأجناس متضادّة. أمّا السّواد و البياض فمطلقا و أمّا البواقي، فاذا لم يشرط في الضّدّين غاية الاختلاف.

و جوّز المرتضى و جماعة من الأوائل اجتماع السّواد و البياض، كما في الغبرة. و لا يفتقر اللّون إلى البنية، خلافا للعلاّف، و إلاّ لنقص عند زوال البنية بالسّحق. و ليس مقدورا لنا، و إلاّ لأمكننا تغيير ألواننا إلى ما نشتهيه.

و في الملازمة نظر، لجواز أن يتعلّق قدرته - تعالى - بالواننا، و يمتنع منّا مقاومته.

و قال بعض البغداديين: إنّه مقدور لنا، لأنّا نضرب جسم الحيّ، فيظهر حمرة، كما يوجد ألم. فيجب تولّدهما عن الضّرب. و يضعّف: بأنّ تلك حمرة الدّم، حيث انزعج بالضّرب، و لا يقع متولّدا، إذ الأسباب المولّدة معروفة، و ليس منها ما يولّده.

و ذهب البغداديّون إلى أنّه متولّد عن غيره من الألوان، و هو باق، للحكم بأنّ ما شاهدناه ثانيا هو ما شاهدناه أوّلا، و لا يتوقف وجوده على

ص: 53

الضّوء، خلافا لابن سينا، للحكم القطعيّ ببقاء اللون في الظلمة.

احتجّ: بأنّا لا نراه في الظلمة، و ليس [كذلك]؛ لأنّ المظلم فيه كيفيّة مانعة عن الإبصار، و إلاّ لتساوى البعيد من النّار و القريب منها ليلا في عدم الرّؤية، و التّالي باطل، فكذا المقدّم، فلم يبق إلاّ لعدمه.

و الجواب: منع الحصر، بل عدم الرؤية لعدم الشّرط الّذي هو الضوء.

المطلب الثّاني: في الأصوات و الحروف

اشارة

ذهب إبراهيم النّظّام إلى أنّ الصّوت جسم ينقطع بالحركة، تسمعه(1)بانتقاله إلى الاذن.

و هو خطأ، فإنّ الأجسام مشتركة في الجسميّة و في كونها ملموسة و مبصرة، و ليس الصّوت كذلك.

و قيل: إنّه اصطكاك الأجسام الصّلبة أو القلع أو القرع، أو تموّج الهواء.

و الكلّ باطل؛ فإنّ الاصطكاك و القرع مماسّة، و القلع تفريق، و التّموّج حركة، و كلّ ذلك مبصر، بخلاف الصّوت.

نعم سببه تموّج الهواء، لا بمعنى انتقال هواء معيّن، بل حالة شبيهة(2)بتموّج الماء الحاصل بالتّدارك، لصدم بعد صدم، مع سكون بعد سكون.

و سبب التّموّج إمساس عنيف هو القرع أو تفريق عنيف هو القلع، و هو مقدور لنا، لصدوره باختيارنا و إن كنّا لا نفعله إلاّ بسبب هو الاعتماد.

ص: 54


1- . ب: يسمعه/ج: نسمعه.
2- . ج: شبهه.

و يستحيل بقاؤه، و إلاّ لأدركناه في الزّمن الثّاني و الثّالث، و لم يكن سماع زيد أولى من أن يسمع على سائر تقاليب حروفه الخمسة و يتوقّف الإحساس به على وصول(1) الهواء الحامل له إلى سطح الصّماخ، لميل صوت المؤذّن على المنارة من جانب إلى آخر عند هبوب الرّياح.

و قيل بالمنع؛ لأنّ حامل كلّ واحد من الحروف إمّا كلّ واحد من أجزاء الهواء، فيجب في من تكلّم بكلمة أن يتكرّر سماعها للسّامع الواحد بأن تتأدّى إلى صماخه أجزاء كثيرة من الهواء، أو المجموع. فكان(2) لا يسمع الكلام دفعة واحدة إلاّ سامع واحد؛ لأنّ المجموع لا ينتقل(3) دفعة إلاّ إلى سامع واحد، و للسّامع من وراء الجدران مع تغيير الشّكل عند صدم الجدار.

و في الأصوات متماثل و مختلف. و اختلف في التّضاد. فذهب الشّيخان إلى تضادّ ما اختلف فيها و توقّف قاضي القضاة و أبو عبد اللّه(4) في ذلك و إذا تموّج الهواء و قاوم ذلك التّموّج جسم، كجبل أو جدار املس بحيث يردّ ذلك التموّج بصرفه إلى خلف، و يكون شكله شكل الأوّل، و على هيئته، حدث من ذلك صوت هو الصّدى.

و أمّا الحرف، فهو هيئة عارضة للصّوت يتميّز بها صوت آخر مثله في

ص: 55


1- . ج: فصول.
2- . ج: فإن كان.
3- . ب: - ينقل.
4- . هو أبو عبد اللّه الحسين بن علي بن إبراهيم الملقب بالجعل، من شيوخ المعتزلة، ولد في البصرة و مات في بغداد سنة 369 ه. الأعلام: 244/2.

الحدّة(1) و الثّقل تميّزا عن المسموع. و هو إمّا مصوّت، و هو حروف المدّ و اللّين، و لا يمكن الابتداء بها. و إمّا صامت، و هو ما عداها.

و الكلام هو المركّب من الحروف المنتظمة على نسبة مخصوصة.

و اختلف الشّيخان، فقال أبو هاشم: إنّه هو الأصوات المخصوصة، و قال أبو علي: إنّه زائد على الأصوات، و ذهب إلى بقاء الكلام دون الصّوت و أثبته مسموعا عند مقارنة الصّوت له.

و ذهبت الأشاعرة إلى أنّ الكلام معنى في النّفس قائم بالمتكلّم شاهدا أو غائبا.

و الكلابيّة أثبتوا الكلام النفساني(2) غائبا لا شاهدا.

و الخاطر عند أبي هاشم كلام خفيّ يفعله اللّه في داخل سمع المكلّف، أو يفعله الملك بأمره تعالى.

و اختلف قول أبي عليّ، فتارة جعله فكرا،(3) و اخرى إنّه اعتقاد، و تارة إنّه ظنّ، و منع من كونه كلاما.

و التّمنّي عند أبي هاشم معنى يوجد في النّفس، و عند أبي عليّ إنّه قول مخصوص لا بدّ فيه من اعتقاد و قصد؛ فإن من قال: «ليت كان كذا»، و اعتقد أنّه كان ينتفع به و قصد إلى هذا القول؛ فإنّه متمنّ. و الأصل هو القول، و ما عداه شرط؛ لأنّ أهل اللغة عدّوه من أقسام الكلام.

ص: 56


1- . ب: في الخفّة.
2- . ب: النفسيّ/ج: النفسانيّة.
3- . ب: خاطرا.
تذنيب

اختلف الشّيخان، فقال أبو عليّ و أبو الهذيل(1): الحكاية هي المحكيّ؛ لأنّهما جعلا الكلام معنى باقيا غير الصّوت، و جعلا(2) المراد بالقراءة الصّوت و بالمقروّ الحرف الباقي، و قالا بأنّ هذا المسموع نفس ما أوجده اللّه تعالى.

و أثبت أبو عليّ الكلام موجودا في المحلّ بغيره كما أوجب(3) وجود الجوهر في جهة بغيره و قال: إذا كان متلوّا وجد مع الصّوت، و إذا كان محفوظا فمع الحفظ، و إذا كان مكتوبا فمع الكتابة. فأثبت مع الحفظ و الكتابة كلاما كما أثبته مع التّلاوة، لأنّ المسموع لو كان غير ما اوجده اللّه - تعالى - لبطلت المعجزة، إذ كان أحدنا قادرا على الاتيان بمثله.

و قال أبو هاشم: الحكاية غير المحكيّ؛ لأنّ الكلام غير باق، فالمسموع غير ما أوجده اللّه تعالى. و لو كانت الحكاية هي المحكيّ لكان من حكى عن النّار محترقا، و لو كان في المكتوب كلام لكان مسموعا، و كذا الحفظ.

ص: 57


1- . هو أبو الهذيل محمد بن الهذيل بن عبد اللّه بن مكحول العبدي، مولى عبد القيس، المعروف بالعلاّف، من شيوخ المعتزلة، كفّ بصره في آخر عمره، توفّي سنة 235 ه. الاعلام: 131/7.
2- . ب: حملوا.
3- . ج: اوجد.

المطلب الثالث: في الطعوم و الرّوائح

الجسم إمّا أن يكون عديم الطعم إمّا حقيقة أو حسّا بأن يكون له طعم في نفسه، لكنّه لشدّة تكاثفه لا يتحلّل منه شيء يخالط اللّسان. فإذا احتيل في تحليل أجزائه و تلطيفها أحسّ طعمه، مثل النّحاس و الحديد، و يسمّى التّفه؛ و إمّا أن يكون ذا طعم.

و بسائط الطعوم ثمانية؛ لأنّ الجسم الحامل للطّعم إمّا أن يكون لطيفا أو كثيفا أو معتدلا. و الفاعل في الثلاثة إمّا الحرارة أو البرودة أو القوّة المعتدلة بينهما.

فالحارّ إن فعل في الكثيف حدثت الحرارة، و إن فعل في اللّطيف حدثت الحرافة، و إن فعل في المعتدل حدثت الملوحة.

و البارد إن فعل في الكثيف حدثت العفوصة، و إن فعل في اللّطيف حدثت الحموضة، و إن فعل في المعتدل حدث القبض.

و المعتدل إن فعل في اللّطيف حدثت الدّسومة، و إن فعل في الكثيف حدثت الحلاوة، و إن فعل في المعتدل حدثت التّفاهة.

و المعتزلة جعلوا البسائط خمسة: الحلاوة و الحموضة و المرارة و الملوحة و الحرافة.

و قد يجتمع طعمان في جسم واحد، كالمرارة و القبض في الحضض

ص: 58

و يسمّى البشاعة، و المرارة و الملوحة في السّبخة، و يسمّى الزّعوقة، و المرارة و الحرافة و القبض في الباذنجان، و المرارة و التّفاهة في الهندبا.

و ليست الطعوم مقدورة لنا و يصحّ عليها البقاء.

و شرط قاضي القضاة في إدراك الطعم مماسّة اللّهاة لمحلّ الطعم، و لم يشرط أبو هاشم و أبو عبد اللّه ذلك. فعلى قولهما لو وجد طعم لا في محلّ يصحّ (1) إدراكه، خلافا للقاضي.

أمّا الرّوائح فإنّها لم توضع لأنواعها اسم إلاّ من جهة الموافقة و المخالفة، فيقال: رائحة طيّبة و منتنة، أو يشتقّ لها من الطعوم المقارنة لها اسم، فيقال: رائحة حلوة و حامضة، أو يضاف إلى المحلّ فيقال: رائحة المسك أو الكافور. و فيها متماثل و متضادّ.

المطلب الرّابع: في الحرارة و البرودة

من خواصّ الحرارة، التّصعيد، فيعرض من ذلك الجمع بين المتماثلات، و التّفريق بين المختلفات من المركّبات، و لو كان الالتحام شديدا حدثت حركة دوريّة إن تساوى اللّطيف و الكثيف، و إن غلب اللّطيف تصعّد، و إن غلب الكثيف جدّا لم تقو النّار على تليينه، كالطلق، و إلاّ أثّرت في تليينه، كالحديد؛ و تسويد الرّطب و تبييض اليابس.

و إفادة القوام، كما في بياض البيض، و قد تحدث بالحركة للتّجربة. و لا يلزم

ص: 59


1- . ب، ج: لصحّ.

صيرورة العناصر نارا، لعدم القبول في الفلكيّات.

و زعم قوم من الأوائل أنّ البرودة عدم الحرارة. و هو خطأ؛ لأنّا ندرك من الجسم البارد كيفيّة زائدة على الجسميّة، و العدم لا يدرك، بل هي كيفيّة وجوديّة مضادّة للحرارة.

و في كونهما مقدورتين(1) لنا خلاف بين المعتزلة و كذا في بقائهما.

و لا يحتاج في إدراكهما إلى حاسّة عندهم، بل يكفي فيه محلّ الحياة. و الحارّ يقال لما يحس بسخونته، كالنّار، و لما يكون ظهور الكيفيّة منه موقوفا على ملاقاة بدن الحيوان، كالغذاء و الدّواء، و الحرارة جنس للّتي في النّار و في بدن الحيوان و الفائضة عن الأجرام الفلكيّة.

المطلب الخامس: في الرّطوبة و اليبوسة

اشارة

الماء الموصوف بالرّطوبة له و صفان:

أحدهما الكيفيّة الّتي بها يكون سهل الالتصاق بالغير، سهل الانفصال عنه.

و ثانيهما الكيفيّة الّتي بها يكون سهل التّشكّل بالحاوي الغريب، سهل التّرك له.

و قد فسّرت الرّطوبة بكلّ واحد من الوصفين. و يبطل الأوّل بقولهم:

ص: 60


1- . ب، ج: مقدورين.

الهواء رطب بالطبع، فإنّه لا يلتصق بالغير، و الثّاني بالنّار؛ فإن لها هذا الوصف و ليست رطبة.

و اليبوسة، قيل إنّها الكيفيّة الّتي يعسر قبول الأشكال الغريبة. و هما(1)متضادّتان.

و في كون الرّطوبة جنسا لرطوبة الماء و الدّهن و العسل و الزّيبق و غيرها، أو نوعا خلاف. و اختلف الشّيخان، فذهب أبو علي إلى أنّهما مدركتان لمسا، و منعه أبو هاشم.

و اللّين، عدم ممانعة الغامر، فهو عدميّ عند الأوائل، و المتكلّمون قالوا: إنّه ثبوتيّ، لأنّه محسوس و هو نوع من الرّطوبة عندهم.

السّيلان، حركة في أجسام متفاصلة حقيقة، متواصلة حسّا لدفع بعضها بعضا و إن كانت يابسة كالتّراب.

و الحرارة و البرودة فعليّتان. و الرّطوبة و اليبوسة منفعلتان عنهما.

و اللّطافة، تقال على رقّة القوام و قبول الانقسام إلى أجزاء صغيرة و سرعة التّأثّر من الملاقي و الشّفافيّة.

و اللّزوجيّة كيفيّة يكون بها الجسم سهل التّشكّل عسر التّفريق، بل يمتدّ متّصلا.

و الهشاشة(2) كيفيّة يكون بها الجسم صعب(3) التّشكّل، سهل التّفريق.

ص: 61


1- . يعني: الرطوبة و اليبوسة.
2- . ب: الساسة/الف: الهشاسة.
3- . ب: ضعيف التّشكل.
تنبيه

الجسم إن اقتضى نوعه الرّطوبة فهو الرّطب، و إلاّ فلا. فإن التصق به الرّطب فهو المنتقع إن كان غائصا فيه؛ و إلاّ فهو المبتلّ و الجافّ إن لم يلتصق به الرّطب.

المطلب السّادس: في الاعتماد

و هو معنى محسوس، و تسمّيه الحكماء ميلا. و قد أنكره الكعبيّ.

و الحسّ يدلّ عليه؛ فإنّ المدافعة ثابتة في الزّقّ المنفوخ المسكّن تحت الماء قسرا نحو الصّعود، و الحجر المسكّن في الجوّ يحسّ فيه بالمدافعة نحو السّفل.

و ليست هذه المدافعة نفس الطبيعة لوجود كلّ منهما دون الاخرى كالمدافعة النّفسانيّة و الجسم في مكانه الطبيعيّ؛ و لا الحركة، لوجودها في المسكّن قسرا دون الحركة. و هو(1) معنى يوجب الحركة: إمّا إلى فوق فيسمّى خفّة أو إلى أسفل فيسمّى ثقلا.

فالثّقل قوّة طبيعيّة يتحرّك بها الجسم إلى حيث ينطبق مركزه على مركز العالم إن كان مطلقا أو يقرب من ذلك إن كان مضافا.

و الخفيف المطلق هو الطّافي على سائر العناصر، و هو النّار، و المضاف

ص: 62


1- . يعني: الاعتماد.

هو الّذي يتحرّك أكثر المسافة الممتدّة بين المركز و المحيط حركة إلى المحيط كالهواء.

و الميل إمّا طبيعيّ، كمدافعة الحجر المسكّن في الجوّ، و إمّا نفسانيّ، كما يعتمد الحيوان على غيره، و إمّا قسريّ، كالحجر المرميّ إلى فوق قسرا.

و الجهات الطبيعيّة الفوق و السّفل؛ فالاعتماد الطبيعيّ اثنان.

و لا يجتمع ميلان طبيعيّان مختلفا الجهة، لاستحالة توجّه الجسم طبعا إلى جهة و عنها. و يجوز اجتماع الطبيعيّ و القسريّ إلى جهتين، فيحصل حركة مركّبة نحو جهة الفاضل منهما إن كان، أو سكونا إن لم يكن، و إلى جهة واحدة فتزداد الحركة. و لو اختلفت الجهة قصد(1) جهة متوسّطة بينهما على النّسبة.

و استدلّ الأوائل على ثبوته: بأنّه لولاه لساوت الحركة مع العائق الحركة بدونه، فإنّه لو تحرّك مع ميل مسافة و بدونه تلك في زمان أقلّ و مع ميل أقلّ على نسبة الزّمانين ساوت زمان عديم الميل.

و المتكلّمون: بأنّ الحبل إذا جذبه متساويا القدرة وقف لتكافي(2)فعليهما له؛ و ليس السّكون، لأنّ فعل أحدهما من جنس فعل الآخر، و المثلان(3) لا يتمانعان، فهو الاعتماد.

ص: 63


1- . ب: يصير.
2- . ج: لتكافؤ.
3- . ب: الميلان.

و هو آنيّ، لوجوده آن الوصول، و باق، لأنّه علّة الإيصال،(1) فيوجد عنده. و هو قابل للشدّة و الضّعف.

فالطبيعيّ يشتدّ خيرا لقلّة المعاوقة، و القسريّ في الوسط لحصول السّخونة بواسطة المحاكّة، و يضعف القوّة، إلاّ أنّ التّلطيف المستفاد بالسّخونة يوفي على ما يفوت بالضّعف. فإذا ترادف الصكّ (2) على القوّة ضعفت و لم تبلغ السّخونة مبلغا يفي(3) بتدارك الضّعف.

و هو مدرك باللّمس عند أبي هاشم، فلا يحتاج في إثباته إلى دليل، بل يحتاج إلى ثبوت التّغاير؛ فإنّ المدركات قد تشتبه باعتبار لها، و منعه أبو عليّ.

و الاعتماد: منه متماثل، و هو ما اختصّ بجهة واحدة، لاستلزام الاتّحاد في المعلول الاتّحاد في العلّة؛ و منه مختلف، و هو ما تعدّدت جهاته. فعند أبي عليّ أنّه متضادّ لامتناع اجتماعهما في جسم واحد، و عند أبي هاشم أنّه غير متضادّ، لأنّ الجاذبين المتساويين فعلا اعتمادين إلى جهتين متضادّتين فقد اجتمعا. و لو كانا ضدّين لما صحّ اجتماعهما.

و أجناس الاعتماد ستّة بحسب تعدّد الجهات. فالّذي يصحّ بقاؤه عند المعتزلة، و هو اللاّزم، الاعتماد سفلا و صعدا؛ لأنّه لو لم يبق الاعتماد في

ص: 64


1- . ج: الاتصال.
2- . ب: بالصك.
3- . ج: ليفي تدارك.

الحجر لامتنع علينا حمل الحجر الثّقيل أو كان سهلا جدّا، و التّالي بقسميه باطل بالوجدان، (فالمقدم مثله). بيان الملازمة أنّ اللّه - تعالى - إن فعل فيه الاعتماد امتنع علينا ممانعته، و إن لم يفعل سهل حركته، لعدم المانع. و ما عداهما لا يصحّ بقاؤه. و هو المجتلب. إذ لا عرض يشار إليه إلاّ و قد يوجد و لا يبقى معه شيء من هذه الأجناس.

و الثّقل عند أبي هاشم راجع إلى الاعتماد اللازم سفلا، و أبو عليّ يقول: إنّه يرجع إلى تزايد أجزاء الجوهر. و هو باطل بالزّق المنفوخ، فإنّه يمتلئ بالهواء، و هو أخفّ من أجزاء يسيرة من الرّصاص.

و أقسام توليده ثلاثة: أحدها ما يولّده بنفسه، و هو الاكوان، و الاعتماد في محلّه و يولّدهما في غير محلّه بشرط المماسّة. و ثانيها ما يولّده بنفسه بشرط، و لا يصحّ أن يولّده على وجه إلاّ بشرط، و هو الأصوات، فإنّه يولّدها بشرط المصاكّة. و ثالثها ما يولّده لا بنفسه، بل بواسطة، و هو التّأليف و الألم؛(1) لأنّه يولّد المجاورة الّتي تولّد التّأليف، و يولّد التّفريق في جسم الحيّ. و الوهن و الألم متولّد عنهما. و ليس في الأسباب ما يولّد مثله سوى الاعتماد و لا يولّد الاعتماد شيئا ممّا يولّده إلاّ و يولّد اعتمادا آخر معه.

ص: 65


1- . ج: التفريق.

المطلب السّابع: في الأكوان

اشارة

الكون جنس، تحته امور أربعة: الحركة و السّكون و الاجتماع و الافتراق

[و فيه أربعة نظرات]:

النّظر الأوّل: في المعنى المشترك بين الأربعة

حصول الجوهر في الحيّز أمر ثبوتيّ. و هل هو معلّل بمعنى، أم لا.

ذهب أبو هاشم إلى ذلك. و تقريره أنّا إذا حرّكنا جسما أو سكنّاه فعلنا فيه اعتمادا نحو الجذب و الدّفع، فيحصل التحرّك و السّكون.

و قال أبو هاشم: إنّا نفعل معنى زائدا، يسمّى حركة ذلك المعنى يوجب كون الجسم متحرّكا. و ذلك المعنى زائد على الاعتماد و على التّحرّك؛ فاثبت الكون و المقتضى له و الحالة المعلّلة به و هي الكائنيّة و نفاه باقي المتكلّمين.

لنا أنّا لو فعلناه لعلمناه إجمالا أو تفصيلا، و التّالي باطل بالوجدان، فإنّا نجد من أنفسنا أنّا لا نعلمه البتّة، فالمقدّم مثله و الشّرطيّة ضروريّة، فإنّ القادر إنّما يفعل ما يعلمه. و لأنّ ذلك المعنى إن لم يصحّ وجوده إلاّ بعد حصول الجوهر في ذلك الحيّز دار، و إن صحّ: فإن اقتضى حصوله في ذلك الحيّز فهو الاعتماد، و إلاّ لم يكن بأن يحصل في ذلك الحيّز أولى من غيره.

ص: 66

احتجّ: بأنّا لو قدرنا على جعل الجسم كائنا من غير توسّط معنى لقدرنا على ذاته و سائر صفاته. و التّالي باطل بالضّرورة فالمقدّم مثله.

و بيان الشّرطيّة القياس على الكلام؛ و لأنّ صفة الكائنيّة يصحّ فيها التّزايد، فلا تقع بالفاعل.

بيان المقدّم أنّ القويّ يمنع الضّعيف عن تحريك ما سكّنه، فقد فعل فيه أمرا زائدا على ما إذا لم يقصد منعه؛ و لأنّ القادرين إذا دفع أحدهما جزءا حال جذب الآخر لم يكن مقدورهما واحدا، لاستحالة وقوع مقدور بقادرين.

و بيان الشّرطيّة أنّ الفاعل كالعلّة، فكما أنّها لا تؤثّر في أزيد من صفة واحدة كذا الفاعل؛ و لأنّ الوجود لمّا كان بالفاعل امتنع فيه التّزايد فكذا هنا.

و الجواب: المنع من الشّرطيّة، و القياس ضعيف في نفسه و باطل هنا؛ فإنّه جعل الفرع أصلا، و التّزايد غير معقول في الكائنيّة، لأنّها عبارة عن الحصول في الحيّز. أو محاذاة الجسم لآخر، و القويّ فعل اعتمادا زائدا، لا كونا زائدا؛ فإنّ الأكوان عندهم لا حظّ لها في المنع، و نمنع استحالة وقوع مقدور بقادرين، و نمنع مساواة الفاعل العلّة، مع أنّ الأصل ممنوع، و نمنع تعليل امتناع تزايد الوجود بكونه بالفاعل.

ص: 67

النّظر الثّاني: في التّفريع على قول البهشميّة

الكون منه متماثل و منه متضادّ، فما اختصّ بجهة واحدة من الأكوان فهو متماثل، سواء اختصّ بجوهر واحد أو بأكثر إذا كانت في تلك الجهة على البدل، و سواء اختصّ بوقت أو أوقات، لاشتراكها في المعلول، و المتضادّ ما يصير به الجوهر في جهتين، لاستحالة الجمع. و المتضادّ إمّا متناف، و هو الّذي يصحّ وجوده على التّعاقب، و إمّا غير متناف، و هو ما يتعاقب، كالكون في المكان الأوّل مع الكون في الثّالث. و إذا تعدّد المحلّ تضادّ الكونان في الجنس.

و كلّ الأكوان عند أبي هاشم يصحّ بقاؤها. و قال أبو علي و أبو الهذيل:

لا يصحّ بقاء الحركة و إلاّ لصارت سكونا و التزمه(1) أبو هاشم؛ و الأكوان مدركة لمسا و رؤية عند أبي عليّ و منعه أبو هاشم. و الحقّ أنّها مدركة بالرّؤية ثانيا و هي مقدورة لنا. و الكون يولّد التّأليف بشرط المجاورة، و إلاّ لم يشرط انتفاء الصّحة عن المحلّ.

النّظر الثّالث: في الحركة

الحركة هي حصول «أوّل» للجوهر في حيّز بعد أن كان في حيّز آخر.

و عند الأوائل أنّها «كمال أوّل لما بالقوّة من حيث هو بالقوّة»، فإنّ الموجود

ص: 68


1- . ب: الزمه.

بالقوّة من كلّ وجه محال، بل إمّا بالفعل من كلّ وجه أو من بعض الوجوه.

و الثّاني إذا خرج إلى الفعل إمّا(1) دفعة أو على التّدريج، و الثّاني هو الحركة، فوجودها بالفعل الّذي هو أسبق الكمالين يستدعي قوّة ما للمتحرّك، فإذا وجدت صارت كمالا ثانيا، و هي تفارق سائر الكمالات الّتي لا يستعقب وجودها قوّة لذي الكمال.

و قد اختلف في وجودها، فالمحقّقون عليه، لأنّها من المحسوسات الثّانية،(2) و أنكره جماعة، لأنّ وجودها ليس حال كون المتمكّن في الأوّل، لأنّه بعد لم يتحرّك، و لا في الثّاني(3) لانقطاع الحركة، و لا واسطة بينهما. و هو إنّما يرد على نفاة(4) الجزء.

و لا بدّ لها من ستّة امور: ما منه و ما إليه و ما فيه و ما به و ما له و الزّمان.

و لا يمكن أن يتحرّك جسم ما لذاته و إلاّ لبقيت ببقائه. و لا تصحّ الحركة إلاّ في مكان. و قال جماعة من المعتزلة: إنّها تقع لا في مكان؛ لأنّها يحلّ نفس الجوهر، فلا يفتقر إلى غيره، كاللّون. نعم لا بدّ من الجهة. و لو خلق اللّه - تعالى - جسما ثقيلا لهوى عند فقد العلائق، و إن لم يكن مكان فقد تحرّك لا في مكان. و هو مبنيّ على تفسير المكان؛ و هؤلاء عنوا به ما يمنع اعتماد الثّقيل من النّزول.

ص: 69


1- . الف: فإمّا.
2- . ج: الثابتة.
3- . الف: الثّانية.
4- . ج: فاة.

و الحركة المكانيّة قد تكون في الأين و قد تكون في الوضع و قد تكون في الكم.

و أمّا الكيفيّة، فهي الحركة في الكيف، كما ينتقل الجسم من حرارة إلى برودة و من سواد إلى بياض على التّدريج، و لا تقع الحركة في غير ذلك من المقولات.

و يعرض للحركة الانقسام باعتبار انقسام الزّمان؛ فإنّ الحركة في زمان ضعف الحركة في نصفه؛ و باعتبار انقسام المسافة، فإنّ الحركة إلى نصف المسافة نصف الحركة إلى جميعها؛ و باعتبار انقسام المتحرّك، فإنّها من الأعراض السّارية. و عند وحدة الموضوع و الزّمان و ما هي فيه بالشّخص تكون الحركة واحدة به و اختلاف الموضوع نوعا لا يوجب اختلاف الحركة، بل اختلاف أحد الثّلاثة ما منه و ما إليه و ما فيه.

و الحركة: إمّا سريعة، و هي الّتي تقطع الأطول في الزّمان المساوي أو الأقصر أو المساوي في الأقصر؛ و إمّا بطيئة و هي ما يقابلها.

و اختلف في سببهما، فعند المتكلّمين خلوّ الحركات من السّكنات و عدمه، و عند الأوائل كيفيّات قائمة بها، و إلاّ لظهرت سكنات الفرس السّريع العدو في الغاية و خفيت حركاته إذا قيست إلى حركات الفلك.

و تضادّ الحركات، لتضادّ ما منه و ما إليه باعتبار العارض. و هو إضافة المبدأ و المنتهى و إن اتّحد المحلّ، كالدوريّة.

و الحركة قد تكون مستقيمة و مستديرة و مركبّة.

ص: 70

و اختلف في وجوب السّكون بين المتضادّتين:

فأثبته قوم، لأنّ علّة التّحريك إلى جهة موجودة آن الوصول، و هي غير علّة المفارقة(1) فلا بدّ من آن آخر، و الآنات غير متتالية فلا بدّ من زمان سكون؛ و هو مبنيّ على نفي الجوهر و على امتناع اجتماع الميلين.

و نفاه آخرون و إلاّ لم يجب رجوع الحجر، لأنّ وقوفه إنّما يكون لعلّة و يستحيل عدمها لذاتها و لا للطبيعة أو الجسم أو لشيء ممّا وجد فيه، و إلاّ لما وجد مع شيء منها، فلم يبق إلاّ سبب خارجيّ؛ فإن كان وصوله واجبا امتنع وجودها و إلاّ كان اتّفاقيّا.

و الحركة إمّا بالذّات: و هي طبيعيّة أو قسريّة أو إراديّة، أو بالعرض:

كالمحويّ المتحرّك بحركة الحاوي.

و اختلف في الحركة القسريّة مع المفارقة فقيل: إنّ المحرّك يولّد اعتمادا و ذلك الاعتماد يوجب حركة، ثمّ تلك الحركة تولّد(2) اعتمادا، و ذلك الاعتماد يولّد حركة إلى أن ينتهي التّوليد بسبب الضّعف الحاصل من الهواء المخروق و قيل إنّ المحرّك يفيد المتحرّك قوّة محرّكة إلى جهة مخصوصة و هي باقية إلى آخر الحركة لكنّها تأخذ(3) في الضّعف بسبب مصاكّات الهواء المخروق إلى أن يبلغ الضّعف بحيث يغلبه القوّة الطبيعيّة، فتتحرك الجسم إلى أسفل.

ص: 71


1- . ج: هي علّة غير المفارقة.
2- . الف: يولّد.
3- . الف: يأخذ.
النّظر الرّابع: في باقي الأكوان

السّكون هو حصول الجسم في الحيّز بعد حصوله في ذلك الحيّز بعينه. و عند الأوائل إنّه «عدم الحركة عمّا من شأنه أن يتحرّك». و عندنا «إنّه ثبوتيّ»، لأنّه من نوع الحركة؛ إذ لا فارق بينهما سوى البقاء و عدمه؛ و النّزاع لفظيّ؛ لأنّ للسّاكن نسبا ثابتة و عدم حركة، فإن اطلق السّكون على الأوّل، فهو ثبوتيّ و إن اطلق على الثّاني فهو عدميّ؛ و لا يمكن خلوّ الجسم الباقي عن الحركة و السّكون.

أمّا الحادث حال حدوثه فإنّ حصوله في مكان ليس حركة و لا سكونا، و يسمّى كونا؛ و قيل: هو سكون، لأنّ الأكوان كلّها سكونات و تكون بعضها حركات باعتبار آخر. و قيل: إنّه حركة. و المحلّ متحرّك.

و الاجتماع هو كون الجوهرين في حيّزين بحيث لا يتخلّلهما ثالث.

و الافتراق هو كونهما في حيّزين بحيث يتخللهما ثالث؛ و جعل أبو الهذيل الافتراق معنى زائدا على الأكوان، و هو قول أبي عليّ أوّلا؛ و أبو هاشم جعله عبارة عن الكونين اللّذين يحصل بهما الجسمان في مكانين بعيدين.

ص: 72

المطلب الثّامن: في الحياة

و هي عرض يحلّ بدن الحيّ يقتضي صحّة القدرة و العلم منه، مشروط باعتدال المزاج، و باعتبارها يصير الجملة كالشّيء الواحد. و لا بدّ لها من بنية مخصوصة؛ خلافا للأشعريّة، و إلاّ لصحّ وجودها في جزء لا يتجزّى.

احتجّوا: بأنّ القائم بالمجموع إن كان حياة واحدة لزم قيام العرض الواحد بمحلّين؛ و إن تعدّدت لزم الدّور؛ إن كان قيام البعض بالمحلّ موقوفا على قيام الآخر به و بالعكس أو التّرجيح من غير مرجّح إن لم ينعكس.

و الجواب: قيام كلّ حياة بمحلّها موقوف على مجامعة الأجزاء، لا على قيام العرض بالأجزاء؛ و كما احتاجت إلى البنية فهي محتاجة إلى الرّطوبة.

و اختلف في حاجتها إلى الرّوح، فأثبته أبو هاشم، لفقدانها عند فقدان الرّوح. و نفاه أبو عليّ، و إلاّ لشاعت الحاجة في كلّ محلّ فيه حياة و هي متماثلة لا اختلاف فيها و لا تضادّ؛ لاتّفاق معلولها؛ و ليست مقدورة لنا؛ و هي باقية و لا ضدّ لها، و زوالها عند القتل باعتبار أنّ المرجع بالقتل إمّا تفريق البنية، فعدمت لعدم شرطها، و كذا عند البرد الشّديد و الحرّ الشّديد، لحصول التّفريق فيهما.

و أثبتت الأشاعرة و أبو عليّ و الكعبيّ و أبو هاشم أولا الموت ضدّا

ص: 73

للحياة؛ لقوله تعالى: اَلَّذِي خَلَقَ اَلْمَوْتَ وَ اَلْحَيٰاةَ (1). و الحق أنّه عدم الحياة عمّا من شأنه أن يكون حيّا بعد اتّصافه بها.

المطلب التّاسع: في القدرة

و هي عرض يقتضي كون محلّه إذا شاء أن يفعل فعل، و إذا شاء أن يترك ترك، و ليست نفس المزاج؛ لأنّه كيفيّة متوسّطة بين الحارّ و البارد، فيكون من جنسهما، فيكون تأثيره من جنس تأثيرهما، و تأثير القدرة مضادّة لتأثيرهما و هي متقدّمة على الفعل. خلافا للأشعريّة، و إلاّ لقبح تكليف الكافر.

احتجّوا: بأنّها عرض، فلا يبقى.

و الجواب الطّعن في الكبرى و تتعلّق بالضّدّين، إذ هو معنى القدرة، و للعلم الضّروريّ بأنّ من قدر على الحركة يمنة قدر عليها يسرة، و إن لم يتصوّر قدرة اخرى.

و الأشاعرة نازعوا في ذلك، و إلاّ لزم وجودهما معا؛ إذ ليس أحدهما أولى بالوقوع من الآخر.

و الجواب: المخصّص، الإرادة؛ و تتعلّق من أفعال الجوارح بخمسة:

الأكوان و التّأليف و الاعتماد و الصّوت و الألم؛ و من أفعال القلوب بخمسة:

الإرادة و الكراهة و الفكر و الاعتقاد و الظنّ.

ص: 74


1- . الملك: 2/67.

و لا يصحّ الفعل بالقدرة إلاّ مباشرة؛ و هو أن يبتدي به في محلّها أو متولّدا. و هو أن يقع بحسب فعل آخر يقف كثرته و قلّته عليه إمّا في محلّ القدرة أو متعدّ عنه.

و الاختراع مختصّ بالقديم تعالى؛ و القدرة الواحدة تتعلّق بما لا يتناهى من الجنس الواحد في الوقت الواحد إذا تعدّد المحلّ، فإنّه يمكننا أن نحرّك جسما خفيفا غير متناه.

و تتعلّق من الجنس الواحد في المحلّ الواحد بما لا يتناهى مع تغاير الأوقات؛ إذ كلّ فعل يصدر عنها يمكن إيجاد مثله مع السّلامة؛ و إذا كان الجنس و الوقت و المحلّ واحدا لم يجز أن تتعلّق بأكثر من الجزء الواحد و إلاّ لتعلّقت بما لا يتناهى لعدم الأولويّة، فينتفي التّفاضل بين القادرين، فيمكن رفع الحبال من الضّعيف كما يمكن من ذي القوّة الشّديدة.

و تتعلّق من المختلف مع اتّحاد الوقت و المحلّ بما لا يتناهى؛ إذ لا شيء إلاّ و يصحّ منّا أن نفعل له إرادة؛ و لو لا تعلّق قدرتنا بجميع هذه الإرادات المختلفة لما صحّ ذلك.

و اختلف الشّيخان، فجوّز أبو هاشم خلوّ القدرة عن الأخذ و التّرك إلاّ مع وجود داع إلى أحدهما؛ فإنّه لو وجب فإمّا لأمر يرجع إلى كونه قادرا فقط، فيلزم مثله في القديم تعالى، أو لشيء يرجع إلى القدرة مع تساوي نسبتها إلى المتولّد و المبتدأ؛ و لو جاز في أحدهما لجاز في الثّاني، لكن

ص: 75

التّالي باطل، و إلاّ لكان الجسم إذا سكّنه القوي يكون قد فعل في كلّ حال فيه من السّكون بجميع قدرة، فلا يتأتّى من الضّعيف تحريكه، لكن يصحّ منّا تحريك ما سكّنه القويّ بل القادر لنفسه.

و قال أبو عليّ و الكعبيّ: لا يجوز خلوّ القادر بقدرة من أخذ أو ترك في المباشر من الأفعال إلاّ عند منع؛ إذ لو جاز الخلوّ وقتا ما لجاز دائما، و ذلك يقتضي جواز خلوّه(1) من الطاعات و المعاصي و من استحقاق المدح و الذّمّ؛ و لأنّه لو جاز خلوّه من الفعل لوجب إذا دخل دار غيره بإذنه ثمّ نهاه(2) عن القعود؛ إن ينقلب ذلك الحسن قبيحا، فلا بدّ من تجديد الكون حالا فحالا ليثبت استحقاق الذّمّ.

و فيه نظر؛ لمنع الحصر في الأوّل و بقاء الأكوان، و منع الملازمة في الثّاني، لأنّه يعرض لدواعي الحاجة فلا بدّ من كونه فاعلا وقتا ما، و المنهيّ عن القعود مستحقّ للذّم و إن لم يجدّد الأكوان؛ لأنّه لم يفعل ما وجب عليه من الخروج كما يستحقّ الذّم لو وضع متاعه بعد الإذن، ثمّ حظر عليه مع أنّه لم يجدّد الأكوان فيه.

و منعت المعتزلة في تعلّق المقدور الواحد بقادرين؛ إذ يجوز اختلاف دواعيهما فيعلم أحدهما حسنه، فيدعوه الدّاعي إلى إيقاعه و يعتقد الآخر

ص: 76


1- . الف: خلوّ.
2- . ج: منهى.

قبحه؛ فيصرفه هذا الاعتقاد عن إيقاعه، فيجتمع فيه النّقيضان.

و إذا وجب تغاير المقدور وجب اختلاف القدر، فليست متماثلة و لا متضادّة؛ لأنّ تضادّ المتعلّقات إنّما يصحّ إذا كان المتعلّق واحدا؛ ثم يتعلّق أحدهما بالعكس من تعلّق الآخر؛ و هذا ممتنع في القدر، لأنّ تعلّقها غير مختلف، فليس إلاّ لأنّ متعلّقها واحد، و حينئذ تكون متماثلة. و إذا كانت مختلفة صحّ وجود الكثير منها في محلّ واحد و يصح البقاء على القدر من غير توقّف على بقاء المقدور و ليست مقدورة لنا و إلاّ لأمكننا أن نزيد في قوانا.

و العجز عدم القدرة عمّا من شأنه أن يكون قادرا؛ و عند الاشاعرة و أبي عليّ و أبي هاشم أوّلا إنّه صفة وجوديّة مضادّة للقدرة(1)؛ لأنّه ليس كون إحداهما عدما للاخرى أولى من العكس؛ و هو ضعيف لأنّ الاحتمال لا يوجب الجزم.(2)

المطلب العاشر: في الاعتقاد

و هو أمر ذهنيّ يجده الحيّ من نفسه و يدرك التّفرقة بينه و بين غيره بالضّرورة؛ و يمكن أن يحكم فيه بنفي أو إثبات؛ و هذا الحكم إمّا أن يكون جازما أو لا، و الأوّل إمّا أن يكون مطابقا أو لا، فإن كان مطابقا فإمّا أن يكون

ص: 77


1- . ب، ج: للقدرة.
2- . الف: الجرم.

ثابتا أو لا، و الثّابت هو العلم و غيره هو الاعتقاد الحق المستند إلى التقليد، و غير المطابق هو اعتقاد الجاهل، و غير الجازم إن كان راجحا فهو الظنّ، و إن كان مرجوحا فهو الوهم، و المتساوي الشّكّ.

و اختلف في العلم، فقيل: لا يحدّ و إلاّ دار.

و قيل: إنّه سلبيّ؛ و هو خطأ، و إلاّ لم يكن سلب أيّ شيء كان، بل سلب مقابله؛ فإن كان سلبا كان العلم ثبوتيّا، و إن كان إيجابا لكان(1) عدمه صادقا على العدم، فيكون العلم صادقا على المعدوم.

و قيل: إنّه انطباع صورة المعلوم في العالم؛ و ابطل بأنّ من تصوّر الحرارة كان حارّا و ليس بجيّد، فإنّ الحاصل ليس الماهيّة، بل الصّورة؛ و الحقّ أنّه صفة حقيقيّة يلزمها الإضافة إلى المعلوم.

القائلون ب «الأحوال» جعلوا العلم عرضا يوجب العالميّة، و أثبتوا تعلّقا للعالميّة بالمعلوم، و كما يتعلّق العلم بالموجود كذا يتعلّق بالمعدوم، كما نعلم طلوع الشّمس غدا؛ خلافا لبعضهم، حيث أوجبوا تعلّقه بالموجود؛ لأنّ كلّ معلوم متميّز، و كلّ متميّز ثابت.

و الجواب: أنّ الثّبوت أعمّ من الذّهنيّ و الخارجيّ، ثمّ المعدوم إن كان بسيطا علم بالنّسبة، كما نقول:(2) ليس للّه - تعالى - ضدّ، نسبته إليه نسبة السّواد إلى البياض؛ و إن كان مركّبا تعلّق العلم بأجزائه الوجوديّة، كالعلم

ص: 78


1- . ب: كان.
2- . الف: يقول.

بعدم اجتماع الضّدين؛ فإنّا نعقل السّواد و البياض و الاجتماع، ثمّ نعقل أنّ ذلك الاجتماع غير حاصل بين(1) السّواد و البياض؛ و العلم تابع للمعلوم و حكاية عنه، بمعنى أنّ الأصل في هيئة التّطابق هو المعلوم، و إن جاز تقدّم العلم كما يتقدم الحكاية.

و في تعلّقه بنفس العالم إشكال من حيث وجوب تعلّق الإضافة بالمتغايرين.

و الاعتذار بأنّ كونه عالما مغاير لكونه معلوما، أو بتغاير الجزئيّ و الكلّيّ باطل؛ لأنّ التّغاير بالعالميّة و المعلوميّة متأخّر عن العلم فيدور.

و الكلّيّ جزء الماهيّة، لا نفسها.

قال أبو الهذيل: إنّ العلم معنى مغاير للاعتقاد، و إلاّ لكان كلّ اعتقاد علما.

و هو خطأ؛ فإنّه اعتقاد خاصّ.

و قال أبو عليّ: إنّه من قبيل الاعتقاد و إلاّ لكان ضدّا، فيمتنع اجتماعهما أو مخالفا، فلا ينتفيان بضدّ واحد، فتعيّن التّماثل.

و العلم مقدور لنا، لتوجّه الأمر به. نعم الضروريّ من فعله تعالى و لمّا شرطت المطابقة في العلم امتنع تعلّق علم واحد بمعلومين.

و جوّز الكعبيّ تعلّق العلم الواحد بمعلومين متلازمين؛ و المعلوم

ص: 79


1- . ب: من.

إجمالا معلوم من وجه و مجهول من آخر، و الوجهان متغايران. فالوجه المعلوم لا إجمال فيه، و المجهول غير معلوم البتّة.

نعم لمّا(1) اجتمعا في شيء ظنّ مغايرة الإجماليّ للتّفصيليّ، و التّنافي بين اعتقادي الضّدين، ذاتيّ.

و يصحّ تعلّق العلم بالعلم، و اختلفوا، فقال الشّيخان: إنّه علم بالمعلوم، و قال أبو عبد اللّه و أبو إسحاق(2) و قاضي القضاة: إنه علم بكون العلم على حال أو حكم. و لا تضادّ في العلوم(3)، بل فيها متماثل و مختلف. و يصحّ تضادّ اعتقادان، سواء كانا جهلين أو أحدهما علما و الآخر جهلا.

و العلم منه واجب؛ كمعرفته تعالى؛ لأنّها دافعة للخوف الحاصل من الاختلاف، و لأنّ الشكر واجب و لا يتمّ بدونها، و كالعلم بما كلّف به.

و السّهو عند الشّيخين و أبي إسحاق أنّه معنى يضادّ العلم.(4)

و قال قاضي القضاة و أبو إسحاق أيضا: إنّه عدم العلم بالامور الّتي جرت العادة بأن تعلم. و الحقّ أنّه عدم العلم بعد حصوله.

و أمّا الشّك فعند أبي عليّ و أبي القاسم أنّه معنى مضادّ للعلم خلافا لأبي هاشم.

و اتّفق الشّيخان على جواز بقاء العلوم في جنسها. و منع أبو إسحاق

ص: 80


1- . ج: لو.
2- . هو أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الأسفراييني، توفّي سنة 418 ه. الأعلام: 61/1.
3- . ج: في المعلوم.
4- . ج: مضادّ للعلم.

و قاضي القضاة من بقاء العلوم و أنواع الاعتقادات أجمع، و إلاّ لم تنتف إلاّ بالضّدّ، و التّالي باطل؛ فإنّ أحدنا يخرج من كونه عالما بسهو أو شكّ. و لمّا كان العلم هو الحصول و كان الحصول لا ينفكّ عن حصول الحصول عند اعتبار المعتبرين وجب من العلم بالشّيء العلم بالعلم به، خلافا للشّيخين.

و العقل الّذي هو مناط التّكليف عند جماعة هو العلم بوجوب الواجبات و استحالة المستحيلات، و إلاّ لصحّ انفكاك أحدهما من الآخر؛ و هو ضعيف، لإمكان التّلازم.

و قالت المعتزلة زيادة على ما تقدّم: العلم بحسن الحسن و قبح القبيح.

و قال القاضي أبو بكر(1): هو العلم بوجوب الواجبات و استحالة المستحيلات و مجاري العادات.

و الحقّ أنّه قوّة غريزيّة تلزمها هذه العلوم البديهيّة عند سلامة الحواسّ.

المطلب الحادي عشر: في الظنّ

و هو ترجيح أحد المجوّزين مع تجويز خلافه، و رجحان الاعتقاد غير اعتقاد الرّجحان. و هو من قبيل الاعتقاد عند أبي هاشم؛ فإنّ الظنّ قد يبلغ مبلغا يلتبس بالعلم، و الشّيء إنّما يلتبس بما هو من جنسه؛ و الكبرى ممنوعة؛ فإنّ الإرادة تلتبس بالشّهوة.

ص: 81


1- . هو أبو بكر محمد بن الطيب المعروف بالباقلاني، المتوفّى سنة 403 ه. التقريب و الإرشاد: 1 / 174.

و قال أبو عليّ و أبو اسحاق و أبو عبد اللّه و قاضي القضاة: إنّه مغاير له للفصل بين حالنا عند الظنّ و عند الاعتقاد.

و التّحقيق أن نقول: إن شرط في الاعتقاد الجزم كان مغايرا للظنّ، و إلاّ كان جنسا له، و هو مضادّ للعلم إذا تعلّق بمتعلّقه على العكس؛ كالعلم بأنّ زيدا في الدّار، و الظنّ أنّه ليس فيها. و يقع المضادّة بين أفراده، كظنّ كون زيد في الدّار و ظنّ أنّه ليس فيها. و قد يتعلّق الظنّ بالظنّ. و من الظن حسن و قبيح و واجب.

المطلب الثّاني عشر: في النّظر

أجود حدوده ما حدّدناه نحن في ساير كتبنا.

و هو: «أنّه ترتيب امور ذهنيّة ليتوصّل بها إلى آخر»، فإنّه جامع للعلل الأربع. و منه متماثل و هو ما اتفق معلوله؛ و مختلف، و هو ما عداه.

و هل فيه تضادّ؛ قال أبو عليّ: النّظر في أمرين يتضادّان على كلّ وجه متضادّ. و منعه أبو هاشم؛ لاشتراط اتّحاد المتعلّق في تضادّ المتعلّق، و إذا تعلّق النّظران بمنظور واحد تماثلا.

و لا يجوز عليه البقاء عند المعتزلة؛ لخروج أحدنا عن كونه ناظرا من دون ضدّ، إذ ليس في النّظر تضادّ لما تقدم، و لا يضادّه غيره؛ إذ لا شيء إلاّ و يصحّ مجامعته له إلاّ العلم بالمدلول، فإنّه لا يجامع النّظر في الدّلالة، لا لتضادّهما و إلاّ لم يجامع الظنّ، لأنّه يضادّ العلم، و ما يستحيل وجوده مع

ص: 82

أحد الضّدّين يستحيل وجوده مع الآخر؛ و التّالي باطل؛ إذ ظنّ المدلول يجامع النّظر، بل لافتقار النّظر إلى تجويز النّقيض المنافي للعلم.

لا يقال: يزول بما يجري مجرى الضّدّ، و هو العلم بالمدلول.

لأنّا نقول: قد يزول نظره(1) قبل حصول العلم، و الفكر المستمرّ ليس واحدا، بل أفكار متجدّدة يجدّدها النّاظر، و وصفه بالطول مجاز. و هو مقدور لنا؛ لصدوره بحسب القصد و الدّاعي لا متولّدا عن غيره بالاستقراء الدّالّ على نفي ما يولّده، و لا يصحّ عن القصد و الدّاعي، و إلاّ لكانت جميع الأفعال متولّدة عنهما؛ و لامتناع كونهما معا سببين، لاستحالة تكثّر العلّة مع وحدة المعلول، و لا عن الإرادة؛ إذ الصّدور عنها جائز، فلا تعدّ(2) سببا موجبا و لا الدّاعي؛ لأنه قد يكون علوما ضروريّة، فيكون المتولّد عنه ضروريّا، و لا عن(3) النظر و إلاّ لزم وجود ما لا يتناهى؛ و إفادته للعلم(4)ضروريّة، فإن من علم أنّ العالم متغيّر و أنّ كلّ متغيّر محدث علم بالضّرورة كون العالم محدثا.

و إنكار السّمنيّة سفسطة؛ احتجّوا بأنّ العلم بكون الاعتقاد الحاصل عقيب المقدّمتين علما ليس ضروريّا، لانكشاف فساده كثيرا، و لا نظريّا، و إلاّ تسلسل؛ و لأنّ الامور الإلهيّة خفيّة مع عجزنا عن إدراك ذواتنا فكيف يحصل العلم بها.

ص: 83


1- . ج: يظن.
2- . الف: يعد.
3- . ج: غير.
4- . ج: العلم.

و الجواب، العلم بأنّ نتيجة القياس المفروض علم نظريّ حصل من مقدّمتين، إحداهما أنّ تلك النّتيجة لازمة بالضّرورة لضرورتين، و كلّ لازم لضرورتين علم بالضّرورة، فإذن نتيجة القياس المفروض علم بالضّرورة و هذه النّتيجة نظريّة مستفادة من مقدّمتين.

ثمّ العلم بأنّ نتيجة القياس المفروض علم بالضّرورة، بديهيّ يحصل من نفس تصوّرهما،(1) فينقطع التّسلسل، و الصّعوبة لا تدلّ (2) على الامتناع.

و حصول العلم عقيب الصّحيح واجب؛ لاستحالة التّخلّف بالضّرورة، خلافا للأشعريّة؛ لأنّ أفعال العباد مستندة إليه تعالى، فحصوله عاديّ، و الصّغرى كاذبة [و] سيأتي.

و قالت المعتزلة على سبيل التّوليد؛ لأنّه يحصل من النّاظر بتوسّط النّظر، لوقوعه بحسبه على طريقة واحدة مع سلامة الأحوال، بمعنى أنّ النّظر في الحدوث يحصل منه نتيجة الحدوث، لا النّبوّة مثلا؛ و قياس الأشاعرة على التّذكّر المجمع على عدم توليده لا يفيد اليقين؛ لضعف القياس، و لا الالزام(3) لو قيل به؛ لأنّ علّة عدم التّوليد في التّذكّر حصوله في بعض الأوقات من غير قصد المتذكّر بخلاف النّظر، فإن صحّت ظهر الفرق، و إلاّ منعوا حكم الأصل.

ص: 84


1- . الف: تصوّرها.
2- . الف، ج: يدلّ.
3- . ج: التزام.

أمّا الفاسد، فقد اتّفقوا على عدم توليده الجهل، و إلاّ لكان الجاهل معذورا؛ و لأنّ المحقّ لا يحصل له الجهل بنظره في شبهة المبطل؛ و ينتقض بالمبطل لو نظر فى دليل المحقّ فلا بدّ من اعتقاد حقيّة المقدّمات و صحّة النّظر بصحّة ترتيبه، و هو جزؤه الصّوريّ؛ و صحّة مقدّماته، و هي الجزء الماديّ، و فساده بفسادهما أو فساد أحدهما و لا بدّ من الأوّل، و إلاّ لشارك العقلاء في النّظريّات و انتفى الغلط، و هما متغايران تغاير الحالّ للمحلّ، و لا تسلسل؛ لأنّه ثابت بين الأجزاء المادّيّة لا مطلقا.

و حيث ثبت وجوب العلم عقيب النّظر الصّحيح فلا حاجة إلى المعلّم(1) في معرفته - تعالى - كغيرها، خلافا للملاحدة. و الاختلاف لاختلال شرط في النّظر، و ألزموا(2) التّسلسل، لافتقار المعلّم إلى معلّم آخر، و الدّور لتوقّف العلم بصدقه على العلم بتصديقه - تعالى - بإظهار المعجزة على يده المتوقّف على العلم به تعالى.

و يندفع الأوّل بزيادة عقله علينا و الثّاني بالمشاركة للعقل، فيفيد المعلّم(3) التّنبيه على الأدلّة.

و الجواب عن الشّبهات الّتي من جملتها ما يدلّ على صدقه، فيحكم العقل عند التّنبيه. و النّظر طلب فشرطه عدم العلم؛ لاستحالة تحصيل

ص: 85


1- . الف، ب: العلم.
2- . ج: التزموا.
3- . ج: العلم.

الحاصل و ان لا يكون في حكم السّاهي عن المطلوب؛ و الطلب في الدّليل الثّاني الدّلالة و يشكّل إنتاج المطلوب و عدم الجهل المركّب لعدم الطلب مع الجزم.

و التّنافي ذاتيّ عند أبي هاشم، لأنّ النّظر مقارن(1) للشّكّ، و الجهل للجزم، و تنافي اللوازم يقتضي تنافي الملزومات. و عند الأوائل للصارف لوجود النّظر مع عدم الشّك.

و النّظر واجب لتوقّف المعرفة عليه؛ إذ ليست ضروريّة بالضّرورة، و لا طريق سواه و إلاّ لالتجاء العقلاء إليه في بعض الأزمان، و التّقليد يستلزمه و إلاّ لزم التّرجيح من غير مرجّح. و لا ينتفي ضرر الخوف بالظنّ و لو لم يجب شرط إيقاع المطلق، خرج المطلق عن إطلاقه أو لزم تكليف ما لا يطاق، و وجوبه عقليّ و إلاّ لزم إفحام الأنبياء؛ إذ لا يصحّ معرفة السّمع إلاّ بالنّظر.

و لا يجب فعله قبل العلم بوجوبه، خلافا للأشعريّة. و المراد من قوله تعالى: وَ مٰا كُنّٰا مُعَذِّبِينَ (2) نفي التّعذيب على الأوامر السّمعيّة قبل البعثة أو(3) استعمال الرّسول في العقل مجازا، و هو فطريّ القياس، فلا يلزم الإفحام.

و هو أوّل الواجبات عند المعتزلة، و قيل: القصد إليه و قيل: المعرفة.

و قال أبو هاشم: الشّكّ. و الحقّ أنّ المراد إن كان ما هو بالذّات فالمعرفة، و إلاّ

ص: 86


1- . ج: مفارق.
2- . الأسراء: 15/17.
3- . ج: إذ.

فالقصد إليه. و الحاصل من النّظر العلم بالمطلوب و يتبعه العلم بالدّلالة، و هي مغايرة؛ لأنّها نسبيّة(1) فتتأخّر؛(2) و لا يحصل الكسبيّ بدون النّظر، فإنّ النّقليّات كلّها مستندة إلى صدق الرّسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فكلّ مقدّمة يتوقّف عليها العلم بصدقه لا يستفاد من النّقل و إلاّ دار.

و ما لا دليل عقليّ عليه، فطريق اكتسابه النّقل و ما عداهما يجوز بهما.

قيل، النّقليّات تفتقر إلى نقل اللّغة و النّحو و التّصريف و عدم الاشتراك و المجاز و التّخصيص و النّسخ و الإضمار و التّقديم و التّأخير و المعارض العقليّ، و إلاّ دار، و هي ظنيّة.

و الحقّ أن هذه منفية(3) في محكمات القرآن.

المطلب الثالث عشر: في الإرادة و الكراهة

اختلف النّاس، فقال قوم: الإرادة هي الدّاعي، و هو عبارة عن علم الحيّ أو اعتقاده أو ظنّه بما له أو لغيره ممّن يؤثّر خيره فيه منفعة يمكن وصولها إليه أو إلى ذلك الغير من غير مانع من تعب(4) أو معارضة أو غيرهما.

و أثبت آخرون أمرا زائدا؛ لأنّا نجد من أنفسنا ميلا مرتّبا على هذا

ص: 87


1- . ب، ج: نسبة فيتأخر.
2- . الف: فيتأخر.
3- . ب: منتفيّة/ج: مبنيّة.
4- . ج: بعث.

العلم، و هو حقّ فينا، لا فيه تعالى. و ليست إرادة الشّيء كراهة ضدّه؛ للغفلة عن الضّدّ حالة الإرادة، نعم تلزمها بشرط التّفطّن للضّدّ، و هي مغايرة للشّهوة؛ فإنّ المريض يريد شرب الدواء و لا يشتهيه. و بين إرادة الضّدّين تناف ذاتيّ على رأي؛ فإنّ إرادة أحدهما ترجيح وجوده و كذا إرادة الآخر، و كما أنّهما متقابلان فكذا إرادتهما.

و عند آخرين: إرادة أحدهما تصرف عن إرادة الآخر، و هي مقدورة لنا ابتداءً من غير سبب يولّدها، لوقوعها بحسب قصدنا و دواعينا؛ و لأنّ إرادة القبيح قبيحة، فيستحيل صدورها منه تعالى. و لا يمكن الإشارة إلى مولّد(1)و قد نريد من غير سابقة فكر، فلا يتولّد عنه و لا الدّاعي، لإمكان كون العلم ضروريّا؛ و فاعل السّبب و المسبّب واحد، و اللّه - تعالى - لا يفعل القبيح، و هذه الإرادة لا يمتنع قبحها، فلا تتولّد عن الدّاعي و لا الإرادة و إلاّ تسلسل.

و الإرادة إمّا أن يكون لها متعلّق، و هو ما يصحّ حدوثه، و إمّا أن لا يكون، و هو ما لا يمكن حدوثه، كالبقاء و غيره؛ خلافا لأبي هاشم، حيث قال: لو اعتقد صحّة حدوث الباقي حالا فحالا صحّت إرادته؛ لأنّ ما لا متعلّق له كيف يصير متعلّقا في الحقيقة باعتبار اعتقاد المعتقد، و يصحّ تعلقها بنفسها لحدوثها، كما نأمر غيرنا بالصّلاة تقرّبا إلى اللّه تعالى، فنريد إرادته، و لا نجب، إذ لا وجه لوجوبه من حيث فقدت الدّواعي إليها، فإنّها لا تقع

ص: 88


1- . ج: متولّد.

مقصودة في نفسها، بل تفعل تبعا لغيرها، فلا وجه لوجوب إرادتها. فإذا اريدت لم ترد بنفسها بل بإرادة اخرى، و لا تتعلّق إلاّ بالحادث بالدّوران و لا تتعلق الواحدة على التفصيل إلاّ بمراد واحد، كالعلم.

و منها متماثل و هو ما اتحد فيه المتعلّق و الوقت و الوجه و الطريقة؛ لتماثل ما يصدر عنها، و مختلف، و هو ما عداه لتغاير الوجوه، بأن يريد أحدهما حدوث الشّيء على وجه و الآخر على غيره، أو الطريقة بأن يريده أحدهما على طريق الجملة و الآخر مفصّلا، أو يتغاير الوقت.

و لا تضادّ فيها عند أبي هاشم، لوجوب تعلّق أحد الضّدّين المتعلّقين بما تعلّق به الآخر على العكس؛ إذ لو تغاير المراد زال التّضادّ، و كانتا مختلفتين. و إذا كان تعلّق الإرادة على وجه واحد لا غير، فلو اتّحد متعلّقهما تماثلتا.

و عند أبي عليّ، «إرادتا الضّدّين يتضادّان»، للتنافي، و لا تضادّها إلاّ الكراهة. و لا يصحّ عليها البقاء، و إلاّ لم يعدم إلاّ بضدّ. و قد يخرج أحدنا عن كونه مريدا لا إلى ضدّ. و حسن الإرادة و الكراهة و قبحهما تابعان(1) لما يتعلّقان به لا بإرادة أو كراهة.

و انتهاء الإرادات إلى إرادة قديمة لا يستلزم نفي الاختيار؛ لأنّ معناه الإيجاد بتوسّط القدرة و الإرادة، و إن كانا من فعله - تعالى - بتوسّط أو غير توسّط.

ص: 89


1- . ج: يمانعان.

و العزم(1) إرادة سابقة أو جازمة حصلت بعد التّردّد. و أثبته أبو عليّ معنى مغايرا للإرادة.

و النّيّة إرادة مقارنة، و إنّما يصحان إذا كان العزم أو النّيّة و الفعل من واحد. و المحبّة إرادة، لكنّها من اللّه - تعالى - في حقّ العبد إرادة الثّواب، و من العبد في حقّه - تعالى - إرادة الطاعة. و الرّضا إرادة، و قيل: ترك الاعتراض.(2)

المطلب الرّابع عشر: في الشّهوة و النّفار

و هما من الكيفيّات النّفسانيّة يجدهما العاقل من نفسه وجدانا ضروريّا، و حكمهما وقوع لذّة عند الإدراك أو الم، و ليسا بمدركين حسّا، و لا يصحّ وجودهما إلاّ في محلّ، بخلاف الإرادة و الكراهة عند مثبتي المعتزلة، و لا بدّ لمحلّهما من حياة و بنية، و لا توجد في أكثر من محلّ واحد و إن افتقرت إلى البنية، و لا يفتقر كثرتهما إلى زيادة البنية، خلافا للكعبيّ؛ لقوّة شهوة المريض الضّعيف.

و تعلّق الشّهوة بالقبيح لا يوجب قبحها، كالقدرة بخلاف الإرادة، لتعلّقها بالقبيح و الحسن على حدّ واحد. فلو قبحت قبح الجميع. و لا تتعلّق إلاّ بالمدركات لا بمعنى تعلّقها بالموجود، بل و بالمعدوم على أن يدركه، لأنّه متى حصل للشّيء كونه مدركا صحّ تعلّق الشّهوة أو النّفرة به، و متى

ص: 90


1- . ج: العدم.
2- . ب: الاغراض.

انتفى انتفى التّعلّق، فلا تتعلّق بنفسها، و لا بما يقتضي وجوده، بل بمثله، لتعذّر إعادته.

و ليسا باقيين و إلاّ لما عدما(1) إلاّ بالضّدّ. لكنّ أحدنا قد يخرج عنهما لا إلى ضدّ.

و هما متضادّان لامتناع اجتماعهما و لا ضدّ لهما لامتناع إثبات معنى لا حكم له، و معلوم أنّه لا واسطة بين إدراك الشّيء فيلتذّ به و بين إدراكه و التّألم منه إلاّ زوال الحكمين، و هذا نفي لا يفتقر إلى إثبات معنى، و يتساوى الشّهوتان مع اتّحاد المتعلّق، و إذا اختلف المتعلّق في الجنس اختلفتا كشهوة الحلاوة تخالف شهوة الحموضة، و لا تضادّ فيهما؛(2) لأنّ شرط تضادّ المتعلّقات اتّحاد المتعلّق. و متى تعلّقتا بواحد تماثلتا.

و ليست الشّهوة و النّفرة مقدورة لنا، و إلاّ لكان الواحد(3) منّا يفعل شهوة لما هو قادر عليه من المأكول الخشن عند تعذّر ما اشتهاه قويا من الطعام الرّفيع و هي أصل المنافع، فإنّ الحيّ إنّما ينتفع بإدراك ما يشتهيه و هي من أصول النّعم؛ إذ لا يمكن الانتفاع بالحياة من دون الشّهوة و التّمكّن من المشتهى.

ص: 91


1- . ج: عدميّا.
2- . ج: فيها.
3- . ب: الفاعل.

المطلب الخامس عشر: في اللّذّة و الألم

و هما أمران يدركهما كلّ عاقل و يفرق بينهما و بين غيرهما، فلا يمكن تعريفهما بأنّ اللّذّة «إدراك الملائم»، و الألم «إدراك المنافي»، و هما وجوديّان. و ذهب ابن زكريّا إلى أنّ اللّذّة عود إلى الحالة الطبيعيّة بعد الخروج عنها و خلاص عن الألم، فأخذ بالعرض مكان ما بالذّات، إذ الإدراك إنّما يحصل بانفعال للحاسّة يقتضيه تبدّل حال ما. و ينتقض بمشاهدة صورة جميلة لم يكن له شعور بها أوّلا، حتّى يجعل(1) تلك اللّذّة خلاصا عن ألم الشّوق.

و عند الأوائل أنّ سبب الألم تفرّق الاتصال. و هو غلط؛ لأنّه عدميّ، و حاصل في الملتذّ به، كالغذاء و منتف عنده، كقطع الإصبع بسرعة و قطع فاقد الحسّ و الحذر، بل سوء المزاج المختلف و النّقص بعليّة عدم الحركة للسّكون و عدم السّمع للخرس و عدم الغذاء للجوع، خطأ؛ لأنّ السّكون عندهم عدميّ و ليس عدم الحركة سببا فاعلا، بل معدّا.

و عندنا السّكون مستند إلى الفاعل، و عدم الحركة شرط كعدم الضدّ؛ و الخرس عدميّ و الجوع بسبب سوء المزاج و حصول(2) الألم عند التّفرّق(3) لا يدلّ على أنّه السّبب.

ص: 92


1- . ج: يحصل.
2- . ب: وصول.
3- . الف: التّفريق.

و لا تضادّ بين الألم و اللذّة، خلافا للكعبيّ، لأنّ المقتضي لهما قد يكون واحدا، كحكّة الأجرب، فإنّها توجب اللّذّة و الألم لو كان سليما.

و اختلف الشّيخان، فشرط أبو عليّ و الكعبيّ في محلّه الحياة، و لم يجوّزا وجوده في الجماد، و منعه أبو هاشم و جوّز وجود جنسه في الجماد، لكن لا يسمّى ألما، لأنّ التّسمية بذلك تقتضي حصول النّفرة عنه مع إدراكه.

و الحقّ: الأوّل، و هو مقدور لنا؛ لوقوعه بحسب أحوالنا، إلاّ أنّه لا يقع منّا إلاّ متولّدا. و كذا اللّذّة عند أبي هاشم لاتّحادهما في الحقيقة. و منع أبو عليّ من قدرتنا عليها؛ و الألم غير باق، إذ لا ضدّ له ينفيه، فكان يبقى ببقاء المحلّ، إذ لا شرط عند أبي هاشم سواه، و كلّه متماثل، لاشتراك أفراده في صحّة ادراكه لمحلّ الحياة في محلّها.

المطلب السّادس عشر: في الإدراك

اختلف النّاس هنا، فعند الأوائل و أبي الحسين، أنّه عبارة عن تأثر الحاسّة. و الحاصل منه هو علم خاصّ. و عند الباقين أنّه نوع مغاير للعلم، و لتأثر الحاسّة. للفرق بين حالة العلم بالشّيء حال إدراكه و بعده؛ و ينقسم بانقسام الحواسّ الخمس. و الموصوف بهذه الصّفة الجملة دون الأجزاء، خلافا لبشر بن المعتمر. فالحواسّ تدرك بها و لكن صفة الإدراك لا يصحّ رجوعها إليها.

و أثبت أبو الهذيل الإدراك معنى، و جعل كون أحدنا مدركا، موقوفا

ص: 93

عليه و جوّز حصول كونه حيّا مع الشّرائط المعتبرة في الإدراك و لا يدرك المدرك لفقد ذلك المعنى. و هو مذهب الاشاعرة.

و لم يجعله أبو هاشم معنى، بل جعل أحدنا مدركا؛ لكونه حيّا و وجود المدرك و صحّة الحواس و زوال الموانع، فيكون التّأثر(1) لكونه حيّا. و هذه الامور تكون شروطا في اقتضاء كونه حيّا كونه مدركا.

و هو الحقّ؛ لأنّ كون المدرك مدركا صفة تجب لو كانت صحيحة و كلّ صفة تجب عند صحّتها فإنّها تستغني عن معنى يقتضيها، إذ المقتضي لوجوبها نفس ذاتها.

و بيان الأولى، أنّها لو لم تجب على تقدير الصّحة لزم السّفسطة، لتجويز أن يكون بحضرتنا جبال شاهقة و أصوات هائلة و الحواسّ صحيحة و الموانع مرتفعة و الشّرائط حاصلة، و نحن لا ندركها.

و يراد بالحاسّة جسم ذو بنية مخصوصة زائدة على بنية الحياة، فيدرك به ما لا يدرك بغيره، و لا يراد به كلّ محلّ فيه حياة، و إلاّ لزم في جميع الأعضاء أن تكون حواسّ. و لهذا المعنى نفى أبو هاشم، اللّمس حاسّة، لأنّ محلّ الحياة يشترك في صحّة إدراك الحرارة و البرودة؛ و هو غلط، لاحتمال اشتراط بعض الحواسّ بامور زائدة على بنية الحياة دون البعض.

و حاسّة اللّمس أنفع من غيرها، لأنّ الحيوان مركّب من العناصر،

ص: 94


1- . ب، ج: التأثير.

و صلاحه باعتدالها و بقاء مزاجها، و فساده بخروج بعضها عن الاعتدال و تغالبها. فيجب في مقتضى الحكمة الإلهيّة إيجاد قوّة سارية في جميع أجزائه ليدرك بها المنافي، فيحترز عنه، و هو اللّمس، و غيره كالذّوق و الشّمّ يراد لجلب النّفع و دفع الضّرر أسبق من جلب النّفع.

و يجب في كلّ حيوان له قوّة لمس أن يكون له قوّة حركة ليقرب من الملائم و يبعد عن المنافر.

و قوى اللّمس أربع: الحاكمة بين الحارّ و البارد، و بين الرّطب و اليابس، و بين الصّلب و اللّين، و بين الخشن و الأملس، بناء على أنّ القوّة الواحدة لا يصدر عنها أمران، و هو ممنوع.

و خاصّة اللّمس أنّ حامله هو الواسطة. و من شرط الواسطة الخلوّ عن الكيفيّة الّتي يؤدّيها إلى المدرك لينفعل جيدا فيتمّ الشّعور به، فالأقرب إلى الاعتدال أشدّ إحساسا. و أثبت بعض الأوائل الحسّ لبسائط العناصر لقربها من ملائمهما و بعدها عن منافرها؛ و الحجّة ضعيفة و المطلوب مستبعد.

و الذّوق يفتقر إلى الرّطوبة اللّعابيّة المنبعثة عن القوّة الملعّبة. و لا بدّ من خلوّها عن الطعوم و إلاّ لم يودّ كما ينبغي كالمرضى، و هذه الرّطوبة يحتمل أن تنفعل عن ذي الطعم فالإحساس لا بواسطة أو يخالطها أجزاء ذي الطعم.

ثمّ تغوص في اللّسان حتّى تخالطه، فالإحساس بواسطة.

و الشّمّ يدرك بتوسط انتقال أجزاء من ذي الرّائحة يتحلل بواسطة

ص: 95

التّبخير،(1) و يخالط الهواء المتوسّط، و يصل إلى الخيشوم، لأنّ الدلك يوجبه أن ينفعل الهواء المتوسّط بتلك الكيفيّة، و إلاّ لنقص ذو الرائحة عند كثرة الشّامّين. و من جعل الشّمّ يتعلّق بالمشموم حيث هو أبعد في المقال و لا بدّ في ذي الرّائحة من أجزاء لطيفة قابلة لاختلاطها بالهواء، و لهذا لا يدرك الرائحة في قطع العود و العنبر ما لم يتخلل بالنّار.

و السّمع يفتقر إلى وصول الهواء المنضغط بين قارع و مقروع إلى سطح الصّماخ عند الأوائل و النّظام و الكعبيّ و أبي عليّ أوّلا، و قد سبق.

و اختلف الأوائل في الإبصار، فبعضهم أنّه يحصل لانطباع صورة المرئيّ في العين، و آخرون بخروج شعاع من العين مصمت مخروط الشّكل، رأسه عند البصر و قاعدته عند المرئيّ. و هو اختيار أبي هاشم، لكنّه جعل الغليظ عند العين؛ لأنّ حلقة الخاتم إذا قربت(2) من العين يراها أكثر ممّا هي عليه؛(3) لأنّ الشّعاع ينفصل متسعا، فيتخيّل لاتّساعه سعة الحلقة، فإذا تباعدت رآها صغيرة، لاستدقاق الطرف الآخر.

و القولان عندي باطلان؛ لامتناع انطباع العظيم في الصّغير، و لأنّه لو كان بالانطباع لما أدركنا البعد، فكنّا لا نرى القريب على قربه و لا البعيد على بعده، و لأنّ الخارج من العين إن كان جسما استحال أن يلاقي نصف الكرة،

ص: 96


1- . ج: بواسطة الشمّ بالتبخير.
2- . ج: تقريب.
3- . ج: تراها الكبرى مما شيء عليه.

لامتناع خروج جسم بهذا المقدار من العين مع صغرها، و امتنع أن يخرق الأفلاك عندكم، و إلاّ استحال عليه الانتقال، و لأنّ حركته ليست طبيعيّة، و إلاّ لكان إلى جهة واحدة، و لا قسريّة، لأنّها تابعة لها، و لا إراديّة قطعا؛ و لأنّ الإبصار يحصل مع حصول الأهوية القويّة القالعة للأشجار الكبار من غير تشوّش(1) فيه. بل الحقّ أنّ مقابلة العين للمرئيّ مع حصول الشرائط سبب معدّ أو موجب للإدراك.

و الإدراك في حقّنا يتوقف على عشرة امور بعد سلامة الحاسّة: كثافة المبصر، بمعنى أن يكون له لون أو ضوء، و وقوع الضّوء عليه، و المقابلة أو حكمها زمانا، و شفافيّة المتوسّط، و عدم إفراط الصّغر و الضّوء و البعد و القرب و تعمّد ذي الآلة الإبصار، و عدم اقتران ما يوجب الغلط.

و مع حصول الشّرائط يجب الإبصار عند الأوائل و المعتزلة بالضّرورة، خلافا للأشعريّة. و ليست أجزاء البعيد متساوية الوضع عند الحدقة، لأنّ العمود المفترض من العين على القاعدة المفروضة عند المرئيّ أقصر من الطرفين، لأنّه يوتر الحادّة،(2) و هما يوتران قائمتين.

و سبب صغره إمّا انطباعه في زاوية صغرت(3) لبعد الخطّين المفروضين أو لتفرق الأشعّة فلا يحصل الإدراك التّامّ.

ص: 97


1- . ج: تشويش.
2- . ج: ايجاده.
3- . ج: صوت.

و تساوي نسبة الصّقيل إلى العين و المرئيّ سبب معدّ لإدراكه فيه، لا لانطباع صورة فيه، ثمّ في العين من تلك الصّورة، و إلاّ لم يتغيّر عن موضعها بزوال شيء ثالث،(1) كالحائط إذا اخضرّ بانعكاس الخضرة إليه لم يتغيّر بانتقال النّاظر، و لا لانعكاس الشّعاع من العين إلى الصّقيل، ثمّ منه إلى المرئيّ.

المطلب السّابع عشر: في بقيّة أعراض وقع فيها الخلاف بين المتكلّمين

اشارة

و هي ثلاثة:

الأوّل: البقاء،

و قد أثبته الأشاعرة معنى قائما بالباقي يقتضي بقاه. و كذا الكعبيّ، خلافا لباقي المعتزلة، و هو الحقّ؛ و إلاّ لزم التّسلسل، أو كون جعله ذاتا أولى من جعله صفة، و لأنّ وجود الصّفة تابع لوجود الذّات في كلّ آن.

فلو انعكس دار. و كون الشّيء باقيا بعد أن لم يكن لا يدلّ على وجود البقاء معنى في نفسه، فإنّ كثيرا من الصّفات الاعتباريّة تتجدّد على الذّات و لا تحقّق لها عينا.

الثّاني: الفناء،

المحققون ذهبوا إلى أنّ الإعدام قد يحصل بالفاعل كما يحصل الايجاد به، و جماعة من المعتزلة منعوا من تعلّق الإعدام(2) بالفاعل

ص: 98


1- . ج: ملايم.
2- . ج: اهدام.

و أوجبوا طريان الضّدّ في الباقي. و النّظام قال: إنّه يفنى لذاته، و كلّ ما يقبل الفناء عنده لا يصحّ بقاؤه أكثر من آن واحد، ثمّ في ثاني حدوثه، يعدم.

و مثبتوه جعلوه ضدّا للجواهر، لأنّها باقية لذاتها، لا بمعنى تحتاج إليه فيه، و لا ضدّ لها من الأعراض سواه، و لا يصحّ عدمها لذاتها و لا بالفاعل، و هي واجبة الفناء.

فأثبتوا الفناء عرضا، لأنّ الجواهر لا تتضادّ مجرّد الامتناع حلول أحد الضّدّين في الآخر حادثا بعد الجواهر و إلاّ لكان إيجاده عبثا و إن كان ممكن الوجود قبلها، لأنّ القادر على الشّيء قادر على إيجاد ضدّه في تلك الحال آنيّ الوجود، و إلاّ لم يعدم إلاّ بضدّ و يتسلسل غير ذي جهة، خلافا لابن الإخشيد و الصّيمريّ، و إلاّ لكان متحيّزا، إذ كلّ ذي جهة لا على سبيل التّبعية، متحيّز، متماثلا لتساوي أفراده في فناء(1) الجواهر بها؛ و اتّحاد(2) المعلول يستلزم تساوي العلّة، ليس مقدورا لنا، و إلاّ لقدرنا على الضّدّ الآخر، و هو الجوهر. و الملازمة ممنوعة، و أيّ جوهر فني بطريانه؛ فنيت جميع الجواهر لتجرّده و تساوي الجواهر في الماهيّة فتتساوى في النّسبة إليه.

الثالث: التأليف،

أوّل من أثبت التّأليف معنى قائما بمحلّين، أبو الهذيل العلاّف و تبعه جماعة البصريين، كأبي عليّ و أبي هاشم و غيرهما. و نفاه الباقون، لامتناع قيام عرض بمحلّين، كما يمتنع حلول جسم في مكانين.

ص: 99


1- . ج: فناب.
2- . ج: ايجاد.

و احتجّ المثبتون بأنّ بعض الأجسام يصعب فكّها(1) فلا بدّ من معنى يوجب ذلك. و ليس قائما بأحد المحلّين لعدم الأولويّة فيجب قيامه بالمحلّين. و هو باطل، لاستناد صعوبة التفكيك إلى الفاعل المختار.

و منع أبو هاشم من قيامه بأكثر من محلّين و إلاّ لزم التّفكيك لو ازيد جزء واحد منها؛ لعدم التأليف بعدم محله، و الوجود بخلافه، و عدم الوجود لا يدلّ على الامتناع، و هو باق، و إلاّ لزم امتناع التّفكيك أو سهولته، لأنّ اللّه - تعالى - إن أراد إيجاد التّأليف حالا بعد حال كان مراده أولى بالوجود و إلاّ سهل فكّه، فينتفي الصّعوبة بالكلّيّة.

قال أبو هاشم: التّأليف يتولّد عن المجاورة، و لهذا يقع بحسبها، فإنّ المتجاورين طولا يقع التّأليف بينهما(2) فيصحّ وجوده فيما يصعب تفكيكه و ما لا يصعب لوجود سببه. و المقدّمات ممنوعة، و ليس بمدرك لمسا و لا رؤية عند أبي هاشم، خلافا لأبي عليّ، و إلاّ لأدركنا الفرق بين قليله و كثيره، و هو متماثل لا تضادّ فيه و لا اختلاف، لتساوي جميع أفراده في أخصّ صفاته، و هو افتقاره عند الوجود إلى محلّين، و لأنّ إمكان اجتماع أفراده ينفي تضادّها. و وجه إمكان الاجتماع، أنّ الجزء الواحد يمكن أن يؤلّف(3)مع ستّة أمثاله، و ليس للتّأليف ضدّ من غير جنسه، إذ لا عرض يتوهّم أنّه ضدّ له سوى الافتراق. و ليس ضدّا له و إلاّ لاتحد محلّهما فكان يفتقر

ص: 100


1- . ج: فكمنا.
2- . ج: بينهما لذلك.
3- . ج: يولّد.

الافتراق(1) إلى محلّين(2) متجاورين، كما افتقر ضدّه إليهما، و التّالي باطل بالضّرورة فكذا المقدّم، و هو مقدور لنا، لوقوعه منّا بحسب القصد و الدّاعي متولّدا عن المجاورة الّتي نفعلها لا مباشرة، خلافا لأبي عليّ.

ص: 101


1- . ج: افتراق.
2- . ج: مجلس.

ص: 102

المرصد الرّابع في أحكام الموجودات و فيه مقصدان

اشارة

ص: 103

ص: 104

المقصد الأوّل في الأحكام العامّة

اشارة

و فيه مطالب

[المطلب] الأوّل: في الواحد و مقابله

تصوّر الوحدة و الكثرة ضروريّ، لما مرّ، لكن الوحدة أعرف عند العقل و الكثرة عند الخيال. و هما من المعقولات الثّانية و إلاّ لزم التّسلسل.

و أثبتهما الأوائل. و لمّا كانت الوحدة عارضة للعرض كانت بالعرضيّة أولى، فالكثرة كذلك، لتقوّمها(1) منها. و الواحد إمّا بالذّات أو بالعرض، كما يقال:

حال الملك عند المدينة كحال الرّبّان عند السّفينة.

و الأوّل إن كان مقولا على كثرة وجب اشتراكها في أمر يتّحد به و لا ينقسم باعتباره؛ فإن كانت الكثرة شخصيّة اشتركت في الحقيقة النّوعيّة، و إن كانت نوعيّة اشتركت في الحقيقة الجنسيّة و تتفاوت قربا و بعدا.

ص: 105


1- . ج: لثبوتها.

و إن لم يكن فهو الواحد بالشّخص. فإن لم يقبل القسمة بوجه ما، فإمّا أن لا يكون له مفهوم زائد على كونه شيئا غير منقسم، و هو نفس الوحدة، و هو أولى باسم الواحد من البواقي، أو يكون، فإن لم يكن ذا وضع فهو المفارق، و إلاّ فهو النّقطة، و إن قبل القسمة فهو خطّ أو سطح أو جسم إن قبل لذاته، و إلاّ فإمّا عارض له أو معروض، و لا يمكن اتّحاد الاثنين، لأنّهما إن عدما و وجد غيرهما أو أحدهما أو بقيا كما كانا فلا اتّحاد.

و أثبت الأوائل العدد، إذ هنا معدودات بالضّرورة و ليست ماهيّاتها مجرّد كونها أعدادا، بل ماهيّاتها حقائق الأشياء، فكونها أعدادا أمر مغاير لها، و ليس عدما مطلقا و لا أيّ ملكة كانت، بل إن كان(1) فعدم الوحدة. لكنّه متركّب منها. و مجموع الامور الوجوديّة لا يكون عدميا.

و هو خطأ، لأنّ أفراد العشرة إن لم يعرض لها أمر يتّحد باعتباره ليصير محلاّ للعشريّة صار الواحد عشرة، و هو محال و إلاّ نقلنا(2) البحث في العارض، بل هي أمر اعتباريّ و تقوّمه إنّما هو من الآحاد، لعدم الأولويّة في الأنواع و امتناع تقوّم الماهيّة بالأجزاء المتكثّرة المتباينة.

ص: 106


1- . ج: إن كان معدوم فعدم.
2- . ب: قبل ان كان.

المطلب الثّاني: في التّماثل و مقابله

التّكثّر لا يعقل مع التّساوي من كلّ وجه، بل لا بدّ من مائز هو التّعيّن، و حينئذ يحصل التّغاير، فإن سدّ أحدهما مسدّ الآخر من كلّ وجه، فهما المثلان، و إلاّ فالمختلفان؛ فإن لم يمكن اجتماعهما في شيء واحد في زمان واحد من جهة واحدة فهما المتقابلان. و المثلان لا يمكن اجتماعهما فهما ضدّان في الحقيقة عند الأوائل و الأشاعرة إن لم يشترط التّباعد، و إلاّ لارتفع الامتياز بينهما في الذّاتيّات و اللوازم و العوارض. و مشايخ المعتزلة جوّزوا اجتماعهما لاشتداد(1) بعض الألوان و نمنع انحصار السّبب فيه.

و المتقابلان إن كانا وجوديّين فهما المضافان(2)، إن تلازما تعقّلا و كان كلّ منهما مقولا(3) بالقياس إلى الآخر، و إلاّ فهما الضّدان، و إن كان أحدهما فعدم و ملكة إن تخصّصا بموضوع واحد، و إلاّ فمتناقضان.

و ليس للواحد أكثر من ضدّ واحد إن شرطنا غاية التباعد، و إلاّ جاز التّكثّر، و قد يكون أحدهما لازما للموضوع و قد لا يكون، إمّا مع امتناع خلوّ المحلّ عنهما كالصّحّة و المرض، أو لا كالحرارة و البرودة و أشدّ المتقابلات تعاندا(4)، السّلب و الإيجاب؛ لأنّ اعتقاد أنّ الشّيء ليس بأسود له يرفع الذّاتيّ و اعتقاد أنّه أبيض يرفع أنّه ليس بأبيض، و هو عرضيّ، و رافع الذّاتيّ

ص: 107


1- . ج: استناد.
2- . ج: الضدان.
3- . ج: معقولا.
4- . ج: معاندة.

أقوى معاندة من الرّافع العرضيّ. و الشّيء الواحد لا يكون ضدّا للمختلفين، و كلّ ضدّين فلهما جنس اخير،(1) و لا يتضادّ جنسان بالاستقراء.

و التّماثل و الاختلاف و التّضادّ امور اعتباريّة من المعقولات الثّانية.

و العقل جعلها امورا معقولة و يعتبر(2) فيها مثلها، و لا تسلسل، بل ينقطع بانقطاع الاعتبار. و زعم قدماء المعتزلة أنّ الغيرين(3) يتغايران لمعنى، و كذا المثلان و الضّدّان و المختلفان. و هو غلط، و إلاّ لزم التّسلسل.

المطلب الثّالث: في العلّة و المعلول

العلّة ما يستند إليها وجود شيء، و يسمّى ذلك الشّيء معلولا. و هي إمّا جزء المعلول أو خارجة عنه. و الأوّل مادّة إن وجد بها المعلول بالقوّة و صورة إن قارن وجودها بالفعل. و الخارجة إمّا مؤثّرة فيه و هو الفاعل، أو الّتي لأجلها الشّيء و هي الغاية.

و لا يمكن تكثّر علل الشخصيّ التّامّة لوجوبه بكلّ منهما فيستغني عن الأخرى. و يجوز تكثّر علل النّوعي و اختلافها في الماهيّة؛ لأنّه لذاته يفتقر إلى علّة ما و التّعيين من قبلها. و يكثر معلول البسيط و إن اتّحدت الاعتبارات، و إلاّ لكان كلّ موجودين في سلسلة واحدة، و هو باطل بالضّرورة.

و منع الأوائل من ذلك، لأنّ صدور «آ» غير صدور «ب»، فإن عرضا

ص: 108


1- . ج: آخر.
2- . ج: تعيّن.
3- . ج: الضدين.

للذّات تسلسل، و إن قوّماها أو أحدهما تركبت.

و هو غلط، لأنّه اعتباريّ، كالسّلب و القبول و الإضافة. و الاعتذار بكونها إضافات وارد في الصّدور، و الدّور باطل بالضّرورة، فإنّ المؤثّر في المؤثّر في الشّيء مؤثّر فيه.

و لا يمكن ترامي(1) العلل إلى ما لا يتناهى؛ لأنّ مجموعها مجموع امور ممكنة، كلّ واحد منها مفتقر إلى المؤثر المغاير، فالمجموع كذلك.

و لا يمكن أن يكون هو الجزء، إذ لا يجب به الجملة و تستلزم تأثيره في علله المتسلسلة إلى ما لا يتناهى، فبقي الخارج، و هو الواجب؛ و لأنّ الممكنات وسط، و وجد الطرف الاخر، فيوجد الأوّل.

و لا يجوز تخلّف المعلول عن علّته التّامّة، و إلاّ لكان ترجيح أحد الأوقات بالوقوع دون غيره إن كان لا لمرجّح لزم رجحان أحد طرفي الممكن على الآخر لا لمرجّح، و هو باطل، و إلاّ لكان(2) [له] مدخل في العلّيّة، و قد فرض الأوّل تاما(3)، هذا خلف.

و لا امتناع في اتّصاف البسيط بالمؤثريّة و القبول لشيء واحد و يكون الوجوب من حيث المؤثريّة و الإمكان من حيث القبول، فلا استحالة.

و العليّة و المعلوليّة من الأوصاف الاعتباريّة الّتي يمكن إلحاقها بالامور

ص: 109


1- . ج: تراقي.
2- . ج: كان.
3- . الف: تام.

العينيّة و الذّهنية على حدّ واحد، فلا امتناع من اتّصاف عدم الملكة بهما.

أمّا العدم المطلق فلا، و يجوز توقّف العلّة العقليّة على شرط و تركّبها و إن كان المعلول بسيطا. و الغاية علّة بماهيّتها(1) معلولة بوجودها،(2) و القوّة المحرّكة(3) الحيوانيّة تنبعث عن شوق منبعث عن تخيّل أو فكر. فإن لم تحصل غاية الشّوق فالحركة باطلة، و السّبب المؤدّي إلى مسبّبه دائما أو أكثريّا غايته ذاتيّة و إلاّ اتّفاقيّة.

ص: 110


1- . ج: رابها.
2- . ب: لماهيتها معلولة في وجودها.
3- . ج: مركبة.

المقصد الثّاني في الأحكام الخاصّة

اشارة

و فيه فصول [أربعة]

[الفصل] الأوّل في أحكام الجواهر

و هي «الف» اختصاصه بالتّحيّز، و هو الصّورة الجسميّة عند الأوائل، و عند المتكلّمين، المتحيّز هو المختصّ بحال، لكونه عليها يتزايد قدره بانضمام غيره إليه، أو يشغل قدرا من المكان بحيث يمنع غيره من أمثاله عن(1) أن يحصل فيه.

ب - تركبت الأجسام منها عند المتكلّمين خلافا للأوائل. فعند جماعة من المعتزلة حصول الجسم من ثمانية منها مترتبة في الطول و العرض و العمق. و عند الكعبيّ من أربعة مثلّث، و فوقها رابع صنوبريّ الشّكل، و عند أبي الهذيل من ستّة، و عند الأشعريّ: الجسم هو المركّب مطلقا، و المؤلّف

ص: 111


1- . ج: غير.

من اثنين، جسم، و النّزاع لفظيّ. و لا يمكن تركّبه من أعراض، خلافا لضرار بن عمرو، و حفص الفرد و النّظّام، و إلاّ دار.

ج - الجوهر يدرك لمسا و رؤية عند المعتزلة، و عند الأوائل: أنّ المبصر بالذّات هو اللّون أو الضّوء، فابصار الجوهر بالعرض. و عند الكلابيّة: المدرك هو القائم بنفسه، فاخرج اللّون عن كونه مرئيّا.

د - الجوهر لا يعقل إلاّ في حيّز و محاذاة، و لا بدّ من مكان، إن جعلنا(1)المكان هو «البعد»، كما قاله بعض الأوائل، و إن جعلناه السّطح «الباطن من الجسم الحاوي المماسّ للسّطح الظاهر من المحويّ» على ما ذهب إليه بعضهم، أو «ما يعتمد عليه المتمكن و يقلّه و يثبت عليه» على ما اختاره المتكلّمون، استغنى بعض الأجسام عنه لاستحالة التّسلسل. و ألزم القائلون بالسّطح حركة الحجر الواقف في الماء و الطائر في الهواء و سكون الشّمس، و ألزم القائلون بالبعد تداخل البعدين عند حلول المتمكّن في مكانه و التزموه.

و اختلف في المكان بكلا التّفسيرين، هل يمكن خلوه أو يمتنع؟ فجماعة على الأوّل، لاستلزام حركة السطحين المتلاقيين(2) دون صاحبه خلوّ الوسط؛ لانتفاء الفرج و امتناع الطفرة و فرض التلاقي و لامتناع الحركة حينئذ، و إلاّ لزم التّداخل إن بقي المتحيّز في الثّاني كما كان، و الدّور إن انتقل

ص: 112


1- . ب: جعلنا له.
2- . ج: بعد السطحين متلاصقين.

إلى مكان الأوّل، و حركة جميع أجزاء العالم بحركة النّملة من مكان إلى غيره.

و التّخلخل و التّكاثف الحقيقيّان مبنيّان على المادّة، و قد أبطلناها.

و أكثر الأوائل على الثّاني و به قال الكعبيّ، لتقدّره، فيكون كمّا أو ذا كمّ، و لأنّها متناهية، فهي مشكّلة. فإن كان الشّكل ذاتيّا تساوى الجزء و الكلّ (1)و إلاّ وجب القابل فثبت(2) الجسم؛ و لأنّه يلزم أن يكون الحركة مع العائق، كالحركة بدونه، فإنّ السّرعة في مقابلة الرّقة و البطء في مقابلة ضدّها. فلو فرضنا الحركة في مسافة معيّنة خالية تقع في زمان وقعت مع العائق في أكثر، و لنفرضه الضّعف، ثمّ نفرض(3) أرقّ من الأوّل بنسبة تفاوت الزّمانين فيتحرّك في زمان الخلأ و التّقدّر(4) ذهنيّ لجسم مفروض.

و ينتقض الشّكل بالكرة البسيطة، و الغلط(5) في جعل الزّمان بسبب المعاوقة، بل للحركة(6) لذاتها قدر من الزّمان، و باعتبار المعاوقة آخر، (فسيجمعهما ذات المعاوقة و يتفاوت في الزّائد باعتبار المعاوقة فلا يتساويان)(7) أصلا.

ه - الجوهر لا ضدّ له. لانتفاء الموضوع عنه. و من أثبت الصّور النّوعيّة

ص: 113


1- . ج: الشكل.
2- . ج: فيسبب.
3- . ج: نقض.
4- . الف: و التقلّد.
5- . ج: الفاظ.
6- . ج: المحركة.
7- . ج: و كل يتساويان.

يلزمه تجويز الضّدّية فيها. و الجوهر هو المقصود إليه بالإشارة لتوقّفها على تشخّص المشار إليه، و تشخّص الأعراض تابع لتشخّص محلّها.

و - أثبت جماعة من المعتزلة للجوهر أربع صفات غير الصّفات الثّابتة له باعتبار تركّبه مع غيره، كالحياة و ما يشترط بها الجوهريّة، و هي صفة الجنس ذاتيّة، فثبت له حالتي الوجود و العدم، بها يشارك ما يشارك، و يخالف ما يخالف(1)؛ و الوجود، و هي الصّفة الحاصلة بالفاعل. و التّحيّز، و هي الصّفة التّابعة للحدوث الصّادرة عن الجوهريّة بشرط الوجود؛ و الحصول في الحيّز، و هي كونه كائنا، المعلّلة بالمعنى. و أثبتوا للأعراض صفة الجنس، الصادرة عنها عند الوجود و الوجود.

ز - قالوا: و لا يمكن تزايد الجوهريّة و التّحيّز؛ لأنّ التّزايد يستند إلى علّة تتزايد أو شرط يتزايد، ككون المدرك مدركا عند كثرة المدركات، و لا شيء يستند هاتان الصّفتان إليه يصحّ فيه التّزايد؛ و لأنّ التّحيّز لو تزايد لجاز صيرورة الجوهر الفرد على صورة جبل عظيم للزّيادة الحاصلة في الصّفة الموجبة للتّعاظم، و لا الوجود و إلاّ لصحّ منّا إيجاد الموجود و إحداثه حالا فحالا، و التّالي باطل بالضّرورة، فالمقدّم مثله.

و بيان الشّرطيّة أنّ كلّ ذات صحّ حصولها على أزيد من صفة واحدة حالة الحدوث صحّ حصولها على الزّائد حالة البقاء؛ و بعض الأوائل جوّز فيه الشّدّة و الضّعف. و أمّا السكون فجوّزوا فيه التّزايد.

ص: 114


1- . ج: يخالف فيه.

ح - الجواهر حادثة، خلافا للأوائل؛ لأنّها لا تخلو عن الحوادث، و كلّ ما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث بالضّرورة. و أمّا الصّغرى فلانّها لا تخلو عن الحركة و السّكون بالضّرورة؛ لأنّها إن بقيت في أحيازها كانت ساكنة و إلاّ فهي متحرّكة و لا واسطة بين النّقيضين، و كلاهما حادثان، لأنّ ماهيّة كلّ منهما يستدعي المسبوقيّة بالغير، و لا شيء(1) من القديم كذلك؛ و لأنّ كلّ واحد من الحركة الشّخصيّة و السّكون لو كان أزليّا لما عدم، و التّالى باطل بالحسّ و تسليم الخصم و إمكان مقولة الوضع.

و نوع الحركة لو كان قديما أو مجموع أفرادها كان الشّخص قديما، لامتناع وجود نوع منفك عن شخص، و لأنّه إن لم يوجد في الأزل شيء من الحركة،(2) فالكلّ حادث و إلاّ كان قديما. و لا يمكن قدم شخص ما للحركة و لأنّ كلّ جزئيّ حادث فهو مسبوق بعدم(3) لا الاوّل له أزليّ، فمجموع العدمات أزليّ، فإنّ وجد معها شيء من الحركات يساوي المسبوق و السّابق، و إلاّ كان الكلّ حادثا، فلا يمكن ترامي الحوادث إلى ما لا نهاية له.

و لأنّ الحركات لو كانت غير متناهية في جانب الماضي لتوقّف وجود اليوم على انقضاء ما لا يتناهى، و هو محال. و لأنّا لو فرضنا من الآن إلى الازل جملة، و من زمان الطوفان إلى الأزل جملة اخرى، ثمّ أطبقنا إحداهما

ص: 115


1- . ج: لاغى.
2- . ج: الحركان.
3- . ج: مقدم.

بالاخرى، فإن تساويا تساوى الزّائد و النّاقص. و هو باطل بالضّرورة، و إلاّ انقطعت النّاقصة فانقطعتا معا.

احتجّ الأوائل، بأنّ كلّ ما لا بدّ منه في المؤثريّة إن كان قديما لزم القدم و إلاّ لزم التّسلسل. و الملازمة الأولى ممنوعة و الثّانية منقوضة بالحادث اليوميّ. و إذا ثبت حدوث الجواهر ثبت حدوث ما يتوقّف(1) عليها، و هو الأجسام، لتركّبها منها و لانسحاب(2) الدّليل بعينه فيها و الأعراض.

ط - الجوهر غير مقدور لنا. أمّا مباشرة فلامتناع التّداخل، و كذا التّولّد مع اتحاد المحلّ.(3) و إمّا مع التّغاير فالّذي يعدى به الفعل عنه هو الاعتماد، و هو لا يولّد الجوهر، و إلاّ لكنّا إذا اعتمدنا على ظرف زمانا أوجدنا فيه جواهر، كما نوجدها بالنّفخ فيه.

و للأوائل في هذا الباب طريق آخر، و هو أنّ الفاعل الصّورة؛ لأنّ القابل لا يكون فاعلا، و الصّورة إنّما تفعل بمشاركة(4) الوضع، و لهذا فانّ النّار تسخّن ما يلاقيها. ثمّ ما يلاقي ما يلاقيها بواسطة الملاقي، و الفاعل في المركّب فاعل في جزئه معا، و لا مشاركة في الوضع بين المادّة و الصّورة.

ي - قد بينّا بطلان المادّة. و القائلون بثبوتها منعوا من تجرّدها عن الصّورة، و إلاّ فإن حصلت بعد اتّصافها بها في كلّ مكان لزم حصول الجسم

ص: 116


1- . الف: توقّف.
2- . ج: لا يستحاب.
3- . ج: العمل.
4- . ج: لمشاركة.

في أكثر من مكان واحد، و هو باطل بالضّرورة؛ أو في بعض الأمكنة لزم التّرجيح من غير مرجّح، و هو غير تامّ، لدلالته على امتناع اتّصاف المجرّدة بالصّورة. و ينتقض بجزئيّات العنصر الواحد. و منعوا من تجرّد الصّورة عنها، و إلاّ كانت نقطة أو حالّة إن انقسمت و يمتنع استحالة الأوّل و استلزام الانقسام المادّة.

ص: 117

الفصل الثّاني في أحكام الأجسام

و هي [إحدى عشر] بحثا:

الف - الأجسام متماثلة، خلافا للنّظّام؛ لاشتراكها في الماهيّة، و هي كونها طويلة عريضة عميقة، أو أنّها الجواهر القابلة للأبعاد المتقاطعة على زوايا قوائم، و لاشتباهها حسّا عند اتّفاقها في الأعراض. و يبتني على مشاهدة الجميع و على التّساوي في الحقيقة عند التّساوي في الحسّ.

ب - الأجسام باقية، خلافا للنّظّام، للعلم الضّروريّ بأنّ المشاهد ثانيا هو المشاهد أوّلا، و الإعدام مستند إلى الفاعل.

ج - التّداخل محال، خلافا للنّظّام، للعلم الضّروريّ بأن بعدين أعظم من أحدهما، و امتناع اجتماع جسمين في حيّز واحد.

د - يجوز خلوّ الأجسام عن جميع الأعراض إلاّ الكون، خلافا للأشاعرة، لأنّ الهواء كذلك، و قياس اللون على الكون خال عن الجامع و ما قبله على ما بعده ممنوع الأصل.

ه - الأجسام مرئيّة بواسطة الضّوء و اللّون، و هو ضروريّ.

ص: 118

و - الأجسام متناهية خلافا لحكماء الهند،(1) و إلاّ لأمكننا فرض خطّين كساقي مثلّث يمتدّان إلى غير نهاية؛ فالبعد بينهما كذلك، فيكون ما لا يتناهى محصورا بين حاصرين، و هو باطل بالضّرورة؛ و لأنّ الكرة المفروض قطرها موازيا لخطّ غير متناه إذا تحرّكت حركة وضعيّة انتقل القطر من الموازاة إلى المسامتة، فيحدث نقطة هي أوّل نقط المسامتة. و لا يمكن ذلك في غير المتناهي؛ و للتّطبيق.

ز - قد بيّنا حدوث العالم، و لا يجب أن يكون أبديّا، خلافا للأوائل(2)و الكرّاميّة(3)؛ لأنّ ماهيّته قابلة للعدم، و إلاّ لكان قديما واجبا لذاته، و يمتنع استناده إلى الموجب، و يجوز استناد العدم إلى الفاعل.

ح - الجسم إمّا بسيط، و هو الّذي ليس فيه تركيب من قوى و طبائع، و يتشابه أجزاؤه في تمام الماهيّة؛ و إمّا مركّب، و هو ما فيه تركيب من قوى و طبائع، و لا يتشابه أجزاؤه.

و البسيط إمّا فلكيّ أو عنصريّ. و كلّيّات الأفلاك تسعة، بناء على عدم قبوله الخرق و الالتيام، و هو ممنوع. و الفلك المحيط هو المحدّد للجهات؛ لأنّ جهتي العلو و السّفل مختلفان طبعا، و لا يمكن أن يكون الجهة عدميّة، إذ لا امتياز فيه؛ و لانّها مقصد المتحرّك و متعلّق الإشارة غير منقسمة، و إلاّ

ص: 119


1- . لاحظ: نهاية المرام للمصنّف: 356/1.
2- . إلهيات الشفاء: 266، المقالة السادسة.
3- . نقل المصنّف بقاء الاعراض عن الكرّامية، نهاية المرام: 569/1.

لكان الواصل إلى منتصفها إن قصد الجهة ممّا وراءه ليس منها، و إلاّ فهو الجهة. و لا يمكن التّمايز في البعد المتساوي و لا بجسمين متباينين وضعا؛ لأنّ كلّ واحد يحدّد القرب منه دون البعد، فلا بدّ من محيط يتحدّد القرب بسطحه(1)، و البعد بمركزه و إعدام الملكة قد تتمايز بملكاتها. و الجسم يقصد الحركة إلى البياض و ليس موجودا و متعلّق الإشارة الأحياز و الأبعاد و أطرافها. و أحد البعدين يخالف الآخر بخصوصيّته و وضعه، فهو كاف في تمايز الجهة، و لأنّهما طرفا بعد متوهّم من المركز إلى المحيط، و البعد يحصل بانقطاع الأبعاد.

ط - قالوا: الفلك بسيط، و إلاّ لكان مركّبا فصحّ (2) عليه الانحلال، و المحدّد لا يصحّ عليه الانحلال و إلاّ لكان ذا جهة مسبوقا بها، فحركته دوريّة لتساوي نسبة أجزائه إلى الأمور الخارجة عنه، فأمكنت الحركة عليه؛ فكان ذا ميل مستدير، فلا يكون له مستقيم، للتّنافي بين الميلين؛ فلا يكون خفيفا و لا ثقيلا، و لا يقبل الخرق و الالتيام، و لا حارّا و لا باردا و لا رطبا و لا يابسا، بل هو طبيعة خامسة مخالفة لطبائع العناصر.

و الأصول باطلة: أمّا أوّلا، فلاختصاصها لو سلّمت بالمحدّد.

و أمّا ثانيا، فلانتقاضها بالأفلاك الثّمانية، إذ يصحّ على كلّ فلك مماسّة غيره بمقعّره، كما يصحّ بمحدّبه.

ص: 120


1- . ج: بمحيطه.
2- . ج: فيصحّ.

و أمّا ثالثا، فلأنّ إمكان الحركة لا يستلزم وجوب الميل، إلاّ إذا تمّ الاستعداد، و هو ممنوع.

و أمّا رابعا، فلأنّ الميول لو لم تجتمع لتساوت الحركتان عن ضعيف و قويّ.

و أمّا خامسا، فلم لا يجوز وجود ميلين في وقتين عند حالتين، كالمتحرّك يوجد فيه الميل عند مفارقة مكانه و عدمه عند حصوله فيه.

و باقي الاعتراضات ذكرناه في كتاب نهاية المرام(1).

ي - بسائط العناصر أربعة: «الأرض»، و هي في الوسط، مركزها مركز العالم، و لها كيفيّتان: فعليّة هي البرودة، و انفعاليّة هي اليبوسة.

و يحيط بها «الماء» إلاّ ربعا واحدا معمورا، انكشف عن الماء، لحكمة نشو الحيوان. و له كيفيّتان: فعليّة هي البرودة، و انفعاليّة هي الرّطوبة.

و «الهواء» محيط بالماء، و له كيفيّتان: فعليّة، هي الحرارة و انفعاليّة هي الرّطوبة بمعنى قبول الأشكال، لا البلّة.

و «النّار» محيطة بالهواء و لها كيفيّتان: فعليّة هي الحرارة و انفعاليّة هي اليبوسة.

و هي قابلة للكون و الفساد، لصيرورة النّار هواء عند الانطفاء

ص: 121


1- . انظر: الجزء الثالث: 243-246.

و بالعكس عند النّفخ؛ و الهواء عند تبرّده(1) ماء، كما يجتمع قطرات الماء على طرف الإناء الحاوي للجمد و بالعكس عند الإسخان؛ و الأرض ماء، كما يفعله أصحاب الاكسير و بالعكس؛ فإن كثيرا من مياه العيون ينعقد حجارة صلدة.

و من هذه العناصر تتركّب المركّبات المعدنيّة و النّباتيّة و الحيوانيّة.

يا - العناصر إذا امتزجت انكسرت صرافة كلّ كيفيّة؛(2) فإنّ النّار لا تبقى على صرافة حرارتها، و لا الماء على صرافة برودته، و لا الهواء على صرافة لطافته، و لا الأرض على صرافة يبسها، بل تحدث كيفيّة متوسّطة بين هذه الكيفيّات على النّسبة و هي المزاج.

و فيه إشكال؛ فإنّ الكاسر و المنكسر إن اقترن فعلا هما كان المغلوب حال كونه مقهورا غالبا. و هو محال؛ فإن تقدّم فعل أحدهما كان المغلوب بعد انكساره غالبا، و هو محال.

أجابوا بأنّ الفاعل، الصّورة و المنفعل، الكيفيّة.

و يشكل: بأنّ الصّورة إنّما تفعل بواسطة الكيفيّة و ينتقض أيضا بالماء الحارّ الممتزج بالبارد.

ص: 122


1- . ج، ب: برودة.
2- . ب: صرافتها إلى كيفيّة.

الفصل الثالث في أحكام الجواهر المجرّدة

و فيه [عشرة] مباحث

الف - نفاها أكثر المتكلّمين و إلاّ لشاركت واجب الوجود - تعالى - في ذاته، و هو غلط: فإنّ المساواة في الصّفات الثّبوتيّة لا تقتضي المساواة في الذّات؛ فكيف السّلبيّة؟

نعم أدلّة ثبوتها ضعيفة.

أما النّفس، فاستدلّوا على ثبوتها بأن هنا معلومات غير منقسمة، كواجب الوجود و الوحدة و النّقطة؛ فالعلم بها غير منقسم، و إلاّ فجزؤه إمّا أن يكون علما بكلّ المعلوم فيتساوى الجزء و الكلّ في الحقيقة، أو ببعضه، فينقسم البسيط؛ أو لا يكون علما، فعند الاجتماع إن لم يحصل زائد، فالعلم غير علم؛ أو يحصل، فيكون هو العلم، فالتّركيب في فاعله أو قابله، لا فيه، فمحلّ العلم غير منقسم؛ و إلاّ فإن قام بكلّ جزء منه جزء من العلم انقسم و قد فرضناه غير منقسم و إن قام ببعض الأجزاء نقلنا الكلام فيه، و إن لم يقم بشيء منه لم يكن محلاّ؛ فكلّ جسم و جسمانيّ منقسم، فمحلّ العلم الّذي هو النّفس شيء مجرّد.

ص: 123

و هو ضعيف، لأنّ التّساوي في المتعلّق(1) بالمعلوم لا يستلزم التّساوي في الماهيّة، لأنّها نسبة خارجة عن الماهيّة و إذا حصل زائد عند الاجتماع لم يحصل(2) انتفاء التّركيب عنه، لعوده في كلّ مركّب و لا يلزم من انقسام المحلّ انقسام الحالّ، كما يذهبون إليه في الوحدة و النقطة و غيرهما؛ و نمنع انقسام الجسم إلى ما لا يتناهى.

و أمّا العقل فاستدلّوا عليه: بأنّه - تعالى - بسيط، لا يصدر عنه أكثر من واحد؛ و لا يجوز أن يكون جسما، لتركّبه و لا مادّة، لامتناع كون القابل فاعلا، و لا صورة و إلاّ كانت مستغنية في فاعليّتها عن المادّة، فتكون مستغنية في وجودها عنها. و لا نفسا، و إلاّ لاستغنت عن البدن.

و هو ضعيف لإمكان صدور أكثر من واحد عن البسيط، على ما تقدّم؛ ثمّ هذا في الموجب، أمّا المختار فلا، و نمنع تركّب الجسم، و قد أبطلنا الهيولى؛ و القابل جاز أن يكون فاعلا، كما تقدّم، سلّمنا، لكن بالاستقبال أو مطلقا، ممنوع و كذا الصّورة جاز أن تكون متوسّطة بذاتها و كذا النّفس.

ب - لمّا أبطلنا دليل النّفس النّاطقة و لم يقم برهان على استحالتها بقي القول بالجواز، فإن قلنا بها، فالإنسان المكلّف هو هي، و إلاّ فهو أجزاء أصليّة في هذا البدن، لا يتطرّق إليها التّغيّر و لا الفناء، باقية من أوّل العمر الى آخره.

و التّغذية و التّنمية و التّحلّل في الأجزاء الفاضلة.

ص: 124


1- . ج: التعلّق.
2- . ج: لم يلزم.

ج - اختلف مثبتو النّفس في أنّها واحدة بالنّوع أو لا، فبعضهم على الأوّل، لاتّفاقها في حدّ؛ و هو ضعيف إذ التّحديد راجع إلى التّصوّر، و بعضهم على الثّاني لاختلافها في الذّكاء و الرّحمة و ضدّهما، و لا يلزم من اختلاف الصّفات اختلاف الماهيّة.

د - النّفس إن قلنا بها فهي حادثة. و عليه أكثر الأوائل، لأنّ الأبدان حادثة بالضّرورة، فلو كانت سابقة عليها لكانت إمّا واحدة أو كثيرة، و القسمان باطلان. أمّا الأوّل، فلأنّها إن بقيت واحدة بعد التّعلّق اتّحدت الأشخاص البشريّة بالشّخص، و هو باطل بالضّرورة، و إن تكثّرت كانت جسما، إذ المنقسم هو الجسم. و أمّا الثّاني فلامتناع تكثّرها بالذّاتيّات و اللّوازم، لاتّحادها في النّوع، و بالعوارض، لأنّ اختصاص بعض جزئيّات النّوع بعارض دون غيره إنّما هو بسبب المادّة، و مادّة النّفس، البدن، فقبله لا مادّة.

ه - التّناسخ باطل. أمّا عندنا، فظاهر، لحدوث النّفس إن أثبتناها. و أمّا [عند] أكثر الأوائل، فلأنّ الحادث ينتهي إلى مبدأ قديم عامّ الفيض و الحدوث إنّما هو بواسطة استعداد القابل، و قابل النّفس البدن فحدوثه يوجب فيضان نفس متعلّقة به؛ فلو انتقلت إليه نفس اخرى اجتمع نفسان على بدن واحد، و هو محال.

و - عند الأوائل، النّفس لا تفنى بفناء البدن، و إلاّ لكان إمكان العدم مفتقرا إلى المحلّ، و ليس هو النّفس، لامتناع كون الشّيء محلاّ لإمكان

ص: 125

عدمه، لوجوب اجتماع القابل و المقبول، فلا بدّ من شيء آخر هو المادّة، فتكون ماديّة، فتكون جسما. و نمنع افتقار الإمكان إلى محلّ؛ سلّمنا، لكنّ القبول صفة القابل فلا يحلّ في غيره، و إلاّ لزم نفي الإمكان مطلقا، و لا يلزم من كونها مادّية كونها جسما، خصوصا، و عندكم، أنّها مندرجة تحت جنس الجوهر، فتكون لها فصل، فتكون مركّبة.

ز - النّفس تدرك الكلّيّات بذاتها، أمّا الجزئيّات فمنع الأوائل منه إلاّ بواسطة القوى الجسمانيّة، فإنّا إذا تخيّلنا مربّعا مجنّحا بمربّعين فلا بدّ من مائز بينهما، و ليس بالذّاتيّات و اللّوازم، لتساويهما نوعا، و لا بالعوارض و ليس في الخارج، لفرضهما ذهنيّتين، فليس إلاّ مغايرة المحلّين ذهنا، و نمنع الحصر.

ح - أثبت الأوائل قوى حسّاسة باطنة، و هي خمس:

الحسّ المشترك، و هي قوّة مرتبة في مقدّم البطن الأوّل من الدّماغ، يؤدّي إليها جميع الحواسّ ما أدركته، للحكم بأنّ صاحب هذا اللّون هو صاحب هذا الطّعم. فلو لا وحدة القوّة لما أمكن هذا الحكم. و يبطل: بأنّ الحكم للنّفس باعتبار الحواسّ و ينتقض بالحكم بالكلّيّ على الجزئيّ.

و الخيال، و هو خزانة الحسّ المشترك، و هو حافظ، لا مدرك، للمغايرة بين الحافظ و القابل، كالماء و لا يوجب الكليّة. ثمّ الحفظ لا بدّ فيه من القبول فيتّصف بهما القوّة الواحدة.

و المتخيّلة، و تسمّى المفكّرة، لكن باعتبارين، و شأنها التّركيب

ص: 126

و التّحليل. و ليس ذلك للقوى المدركة، لأنّ الواحد لا يكون علّة لأمرين.

و يبطل: بأنّ التّصرّف(1) يستدعي العلم، و الوهميّة و هي مدركة المعاني الجزئيّة، كالصّداقة و العداوة الجزئيّتين.

و أكثر الأفعال البشريّة مستندة إليها، و هي مغايرة للقوى الّتي لا يدرك المعاني، و للنّفس الّتي لا تدرك الجزئيّات بذاتها. و يبطل: بأنّ العداوة المتعلّقة بهذا الشّخص لا تعقل إلاّ متعلّقة به، فالمدرك لهما واحد.

و الحافظة، و هي خزانة الوهم و يسمّى متذكّرة، لقوّتها على الاسترجاع بعد الغيبوبة، و الكلام فيه كالخيال.

ط - أثبت الأوائل للنّفس النّباتيّة ثلاث قوى:

الغاذية، و هي قوّة حالة في المغتذي، تحيل الغذاء إلى مشابهه ليخلف بدل ما يتحلّل.

و النّامية، و هي الّتي تزيد في أقطار الجسم على تناسب طبيعيّ ليبلغ إلى تمام النّشو.

و المولّدة، و هي الّتي تفصل جزءا من فضل الهضم الأخير للمغتذي و تودعه قوّة من مشيجه.(2)

فالغاذية تخدمها أربع قوى: الجاذبة للغذاء، و الماسكة له حتى تهضمه، الهاضمة، و الدّافعة

ص: 127


1- . ج: التصديق.
2- . ج: شبحه.

و فعل الغاذية يتمّ بأمور ثلاثة: تحصيل الخلط المشابه للمغتذي بالقوّة و تصييره جزءا للعضو، و تشبيهه به في قوامه و لونه، فإذا انتقصت الرّطوبة الغريزيّة بعد سنّ الوقوف انحلّت، فانطفت الحرارة الغريزيّة و بطل عملها

و يشكل: بأنّ المحتاج إلى البدل ليس مجموع الزّائل(1) و الباقي، لأنّه غير موجود بعد زوال الزّائل، و لا الزّائل وحده، و لا مجموع الباقي و الآتي، و لا الآتي؛ بل إن كان فالباقي، و هو مساو للآتي، فلا يصحّ احتياجه إليه، و لأن مداخلة الغذاء، توجب التّفريق الموجب للألم. و أمّا الباقي فلا بدّ من بقاء شيء فيه(2) و ليس الصّورة و لا المادّة؛ لأنّ البدن دائما في التّحلّل، و ليس البعض أولى من الباقي، فيكون النّموّ إحداثا.

و أمّا المصوّرة، فالضّرورة(3) حاكمة باسناد التّشكّلات مختلفة(4)و الأعضاء الغريبة إلى فاعل مختار، لا إلى قوّة لا حسّ لها و لا إدراك.

ي - الملائكة و الجنّ و الشّياطين أجسام لطيفة قادرة على التّشكّلات المختلفة. و أثبت الأوائل النّفوس الفلكيّة مجرّدات هي الملائكة. و أنكر أوائل المعتزلة الجنّ، لأنّها إن كانت لطيفة لم تكن قادرة على شيء من الأفعال و إن كانت كثيفة وجب أن نشاهدها. و يحتمل أن تكون لطيفة بمعنى الشّفافيّة.

ص: 128


1- . الف: الزائد.
2- . ج: منه.
3- . الف: فالصورة.
4- . ب، ج: العجيبة.

الفصل الرّابع في أحكام الأعراض

و هي أربعة مباحث:

الف - الأعراض لا يصحّ عليها الانتقال عند الأوائل و المتكلّمين؛ لأنّ علّة تشخّصه المحلّ، و إلاّ لكان مستغنيا بموجده و مشخّصه(1) عن المحلّ، فلا يحلّ فيه؛ و الملازمة ممنوعة.

ب - لا يمكن قيام العرض بمثله عند المتكلّمين، خلافا للأوائل و معمّر، إذ لا بدّ من الانتهاء إلى الجوهر، فهو المحلّ. و هو ممنوع، لجواز اشتراط المتوسّط، كالحركة، و السّرعة. و المراد من القيام هنا، الاختصاص النّاعت.

ج - الأعراض منها ما يصحّ عليه البقاء، خلافا للأشاعرة. و ادّعى أبو الحسين الضّرورة في ذلك، فإنّا نعلم بالضّرورة بقاء السّواد في القار و البياض في القطن، كما نعلم بقاء الجسم المشاهد زمانين، و لأنّها ممكنة في الزمان الأوّل و إلاّ لما وجدت، فكذا في الثّاني، و إلاّ لزم انتقال الشّيء من الإمكان الذّاتيّ إلى الامتناع الذّاتيّ.

ص: 129


1- . ب، ج: تشخّصه.

و اعترضناه في النّهاية(1): بأنّ إمكان البقاء مغاير لإمكان الوجود المطلق.(2) و الثّاني ثابت دون الأوّل، و لا يلزم استحالة الممكن.(3)

احتجّوا: بأنّ البقاء عرض، فلا يقوم بالعرض، و بأنّ بقاءه يستلزم امتناع عدمه؛ إذ لا يعدم لذاته و إلاّ لصار ممتنعا؛ و لا لطريان ضدّ، لأنّ شرط طريانه عدم الأوّل، فلو علّل به دار.(4)

و لا للفاعل المختار؛ لأنّ الإعدام نفي أثر، لا إيجاد، فعند ذلك النّفي إن لم يتجدد شيء لم يكن للفاعل أثر(5) البتة، و إن تجدّد فهو وجوديّ، فيكون إيجادا، لا إعداما.

و لا لانتفاء الشّرط، لأنّ شرطه الجوهر، و هو باق. و الكلام في عدمه كالكلام في عدم العرض.

و نمنع كون البقاء عرضا، و يجوز قيام العرض بمثله، و جاز استناد عدمه إلى ذاته في الزّمن الثّالث، كما تجوّزونه(6) في الثّاني.

و نمنع اشتراط الطّريان بانتفاء السّابق، و يجوز استناد الإعدام إلى الفاعل، و الصّادر لا يجب أن يكون وجوديّا، و نفي الوجود أثر، كما أنّ

ص: 130


1- . الجزء الأوّل: 300-301.
2- . ج: و النطق.
3- . ج: التمكن.
4- . الاحتجاج للأشاعرة كما في النهاية للمصنّف: 301/1.
5- . ج: ايراد إليه.
6- . ج: يجوّزونه.

تحصيله أثر. و نمنع انحصار الشّرط في الجوهر، بل جاز اشتراط الباقية بأعراض لا تبقى. فإذا انقطع إيجادها عدمت.

د - لا يمكن حلول عرض واحد في محلّين، خلافا لأبي هاشم في التّأليف و لبعض الأوائل في الإضافات المتّفقة، و إلاّ لجاز حلول الجسم في مكانين.

و النّقض بامتناع حلول الجسمين في مكان واحد بخلاف العرضين باطل، لأنّ الامتناع هناك للحجميّة المنفيّة(1) عن العرض.

قيل: حلول عرض في محلّين(2) - بمعنى أنّ الحالّ في محلّ هو بعينه حالّ في آخر - باطل، و إلاّ لاستغنى بكلّ منهما عن الآخر، فيكون محتاجا إلى كلّ واحد منهما حال غناه عنه؛ و بمعنى حلوله في مجموع شيئين صارا باجتماعهما محلاّ واحدا له، ممكن، كالعشريّة القائمة بالآحاد لما انضمّت و قامت بها وحده. و الكلام في الوحدة كالكلام في العشريّة.

ص: 131


1- . ب: منتفيّة.
2- . ج: مجلسين.

ص: 132

المرصد الخامس في إثبات واجب الوجود تعالى و صفاته و فيه مقاصد

اشارة

ص: 133

ص: 134

[المقصد] الأوّل في اثبات واجب الوجود تعالى

و يستدلّ عليه إمّا بالإمكان أو الحدوث، إمّا في الذّات أو الصّفات، فلأقسام أربعة:

الف - العالم ممكن لتغيّره و كثرته، و سيأتي أنّ الواجب واحد، باق، و كلّ ممكن فلا بدّ له من مؤثّر، فإن انتهى إلى الواجب فالمطلوب، و إلاّ تسلسل أو دار؛ و هما باطلان بما تقدّم.

ب - الأجسام متساوية في الجسميّة على ما مرّ، فاختصاص كلّ واحد منها بعرضه القائم به أمر ممكن فلا بدّ له من مؤثّر.

ج - الأجسام حادثة، على ما تقدّم، فلا بدّ لها من محدث بالضّرورة، و هي طريقة الخليل عليه السّلام فالمحدث إن كان قديما واجبا فالمطلوب، و إلاّ تسلسل.

د - النّطفة تنقلب علقة ثمّ مضغة، ثمّ لحما و عظما و دما؛ فلا بدّ له من مؤثّر، و ليس هو الإنسان، و لا أبواه بالضّرورة، فلا بدّ من مؤثّر حكيم. و يمتنع استناد هذه الآثار الغريبة إلى القوّة المولّدة، فانّه لا شعور لها و لا اختيار،

ص: 135

فكان يصدر عنها شيء واحد و يكون شكله الكرة.

و الطريق الأوّل أقواها، فإنّه كما يدلّ على إثبات الصّانع يدلّ على وجوبه، بخلاف باقي الطرق، لافتقارها في الدّلالة على الوجوب إلى الأوّل.

و اعلم أنّ ثبوت الواجب قريب من البديهة، لأنّ هنا موجودا بالضّرورة، فإن كان واجبا فالمطلوب، و إلاّ كان ممكنا. فإن تسلسل فمجموع الامور الممكنة ممكن لا بدّ له من علّة.

و لا يكفي في وجود الممكن مطلق العلّة، بل لا بدّ من علّة تامّة يصير معها واجبا، و بدونها ممتنعا.

فالعلّة التّامّة لمجموع الممكنات يجب أن تكون واجبة، لأنّها لو كانت ممكنة، فان كانت علّة تامّة لكلّ واحد من الممكنات كانت علّة لنفسها، لأنّها من جملة الممكنات، و إن كانت علّة تامّة لبعض الممكنات دون بعض كانت جزءا من العلّة التامّة لمجموع الممكنات، و هي بعينها علّة لمجموع الممكنات، فيلزم كون الشّيء جزءا من نفسه، و لما تقدّم من إبطال التّسلسل و الدّور.

ص: 136

المقصد الثّاني في صفاته تعالى

اشارة

و فيه فصلان

[الفصل] الأوّل في الصّفات الثّبوتيّة

اشارة

و فيه مطالب

[المطلب] الأوّل: في أنّه - تعالى - موجود

قد تقدّم إثبات واجب الوجود تعالى. و الثّبوت الوجود بالضّرورة، و لأنّه لو لم يكن موجودا لكان معدوما، إذ لا واسطة بينهما، و العدم لا يصلح للمبدئيّة.

و الملاحدة قالوا: إنّه - تعالى - مبدأ للمتقابلات، كالوجود و العدم، و الوجوب و قسيميه، و الوحدة و الكثرة؛ و مبدأ المتقابلات لا يتّصف بأحدها، فهو ليس بموجود بالمعنى المقابل للعدم، و لا بواحد(1) بالمعنى

ص: 137


1- . ب: و لا واجب.

المقابل للكثرة، و لا واجب بالمعنى المقابل للإمكان، بل و لا مبدأ بالمعنى المقابل لعدم المبدئيّة، و لا مبدع بالمعنى المقابل لنقيضه، و هو موجود و واحد و مبدع من حيث كونه مبدأ للوحدة و الكثرة، و مبدع للوجود و العدم المتصوّر(1) بإزاء الوجود. و هذا الكلام لا فائدة فيه محصّلة.

المطلب الثاني: في أنّه - تعالى - قادر

و المراد منه هو أنّه - تعالى - يفعل مع جواز ألاّ يفعل، بل إذا شاء أن يفعل فعل، و إذا شاء أن يترك ترك، لأنّه لو لم يكن كذلك لكان موجبا.

و التّالي باطل، و إلاّ لزم قدم العالم أو حدوثه تعالى، و هما باطلان.

لا يقال: العالم إن كان صحيح الوجود في الأزل التزمنا القدم، و إلاّ لم يجب القدرة، لتوقّف الأثر على القابل كالفاعل، و لإمكان الواسطة، و لأنّ الفاعل إن استجمع جميع جهات المؤثريّة امتنع التّرك و إلاّ امتنع الفعل، فلا قدرة، و لأنّ التّرك غير مقدور، لأنه عدم، فكذا الفعل.

لأنّا نقول العالم صحيح الوجود في الأزل إن استند إلى الموجب، مستحيل إن استند إلى القادر. سلمنا استحالته مطلقا، لكن وجوده قبل أن وجد لا يخرجه عن الحدوث، فكان يجب أن يوجد قبل وجوده، لوجود العلّة التّامّة و انتفاء المانع، و الواسطة باطلة بالإجماع، و لأنّها ممكنة، فتكون من العالم، فلا تعقل واسطة بين الواجب و العالم.

ص: 138


1- . الف: المتصرر.

و امتناع التّرك باعتبار استجماع الشّرائط لا تخرج الفاعل عن القدرة، لأنّ المختار إذا أخذ مع قدرته تساوى الطرفان بالنّسبة إليه، و إن ضمّ إليه الدّاعي وجب. و معنى الاختيار استواء الطرفين بالنّسبة إلى القدرة وحدها.

و القادر هو الّذي يصحّ أن يفعل و أن لا يفعل، لا أن يفعل التّرك.

المطلب الثالث: في أنّه - تعالى - عالم

اتّفق العقلاء إلاّ قدماء الفلاسفة عليه؛ لأنّه - تعالى - فعل الأفعال المحكمة المتقنة، و كلّ من كان كذلك فهو عالم. و المقدّمتان ضروريّتان و لأنّه - تعالى - مختار. فيكون عالما؛ لأنّ المختار هو الّذي يفعل بواسطة القصد.

لا يقال: المحكم قد يصدر مرّة اتفاقا عن الجاهل، فجاز التّعدد، و لأنّ كثيرا من الحيوانات تفعل أفعالا محكمة، و ليست عالمة، كالزّنبور، و المحتذى و لأنّ العلم نسبة، فتغاير الذات، فيكون اللّه - تعالى - محلاّ للأمور الكثيرة.

لأنّا نقول: الضّرورة قاضية بالفرق بين وقوع المحكم ندرة و دائما.

و الحيوانات عالمة بما يفعله من الامور المحكمة(1)، و كذا المحتذى، و النّسب عدميّة و الحلول اعتباريّ.

ص: 139


1- . الف: الأمور المحكم.
المطلب الرابع: في أنّه - تعالى - حيّ

اتّفق العقلاء عليه، و اختلفوا في معناه. فعند أبي الحسين و الأوائل، أنّ معناه: أنّه لا يستحيل أن يقدر و يعلم، و قد ثبت أنّه - تعالى - قادر عالم، فيكون حيّا بالضّرورة.

و عند الأشاعرة و جماعة من المعتزلة أنّه من كان على صفة لأجلها يصحّ أن يعلم و يقدر، لأنه لو لا ذلك لم يكن حصول هذه الصّحة أولى من عدم حصولها؛ و هو باطل، لأنّ المقتضي للصحّة ذاته المخالفة لغيرها من الذّوات بحقيقتها.

المطلب الخامس: في أنّه - تعالى - مريد

اتّفق العلماء(1) عليه و اختلفوا في معناه، فعند أبي الحسين أنّه نفس الدّاعي، و هو علمه - تعالى - بما في الفعل من المصلحة الدّاعية إلى الايجاد أو المفسدة الدّاعية إلى التّرك.

و عند النّجار أنّه عبارة عن كونه غير مغلوب و لا مستكره. و عند الكعبيّ أنّ معناه في أفعال نفسه كونه عالما بها، و في أفعال غيره كونه آمرا بها.

و عند الأشاعرة و أبي هاشم أنّه من كان على صفة لأجلها يصحّ منه

ص: 140


1- . ب، ج: العقلاء.

تخصيص الفعل بالإيجاد في وقت دون آخر أو بإيقاعه على وجه دون وجه.

و يدلّ على ثبوت الإرادة له - تعالى - بالمعنى المطلق أنّ العالم حادث، فتخصيص إيجاده بوقت دون ما قبله و ما بعده، مع جوازهما، يفتقر الى المخصّص، و ليس القدرة، لتساوي نسبتها، و لا العلم لتبعيته، فهو الإرادة، و لأنّ تخصيص ما وجد بالإيجاد دون غيره من المقدورات يستدعي مخصّصا هو الإرادة.

و يدلّ على إثبات إرادة الفعل منّا أمره بالطّاعة، و نهيه عن المعصية، و هما يستلزمان الإرادة و الكراهة، خلافا للأشعريّة الّذين أثبتوا الطلب مغايرا للإرادة، لعدم تعقّله، و إلزامهم بتمهيد عذر السيّد الضّارب عبده للمخالفة إذا أمره مشترك.

المطلب السّادس: في أنّه - تعالى - مدرك

اتّفق المسلمون على أنّه - تعالى - سميع بصير، و اختلفوا، فقال أبو الحسين و الكعبيّ و الأوائل: إنّ معناه علمه بالمسموعات و المبصرات، لاستحالة أن يكون هو الإحساس بالحواس و لا ما عداه غير العلم، لأنّه غير معقول، و سيأتي أنّه - تعالى - عالم بكلّ معلوم، و للسّمع.

و أثبت الجبّائيّان و الأشعريّ و السّيّد المرتضى و الخوارزميّ أمرا زائدا على العلم، لأنّ إدراكنا زائد على علمنا؛ للفرق بين العلم عند المشاهدة و بينه

ص: 141

عند عدمها. و المقتضي لذلك كون المدرك حيّا، و اللّه - تعالى - حيّ، فإدراكه زائد، و المقدّمات ضعيفة.

ثمّ استدلّوا على ثبوته بأنه - تعالى - حيّ، فيصحّ أن يتّصف بالسّمع و البصر، و كلّ من صحّ اتّصافه بصفة وجب أن يتّصف بها أو بضدّها، و ضدّها نقص، و هو على اللّه - تعالى - محال.

و الحقّ استناد ذلك إلى النّقل، و لا يجب صحّة اتّصاف الحيّ بالسّمع و البصر، فإنّ أكثر الهوامّ و السّمك لا سمع لها، و العقرب و الخلد(1) لا بصر لهما. و الدّيدان(2) و كثير من الهوامّ لا سمع لها و لا بصر. فلو لم يمتنع اتّصاف تلك الأنواع بالسّمع و البصر لما خلا جميع أشخاصها منهما.(3)

و إذا جاز أن يكون بعض فصول الأنواع مزيلا لتلك الصّحة بطلت الكليّة. و لا يجب اتّصاف الشّيء بأحد الضّدّين كالشّفاف. نعم يجب أن يتصف القابل للصّفة بها أو بعدمها، و نمنع كون ضدّهما نقصا في حقّه تعالى.

و القياس باطل، على أنّ حياته - تعالى - مخالفة لحياتنا. و لا يجب العموميّة، لانتفاء القابليّة، كما أن حياتنا مصحّحة للشهوة و النّفرة دون حياته تعالى.

ص: 142


1- . ج: الجراد.
2- . ج: الدّيران.
3- . ج: منها.
المطلب السّابع: في أنّه - تعالى - متكلّم

اتّفق المسلمون على ذلك، لقوله تعالى، وَ كَلَّمَ اَللّٰهُ مُوسىٰ تَكْلِيماً (1)، و لا دور؛ لأنه إثبات لكلامه - تعالى - بإخبار الرّسول المعلوم صدقه بالمعجزة، و لأنّه قادر على كلّ مقدور.

و اختلفوا، فعند المعتزلة، أنّه خلق في أجسام جماديّة أصواتا دالّة على معان مخصوصة، فهو متكلّم بهذا المعنى.

و الأشاعرة جوّزوا ذلك، لكن اثبتوا معنى نفسانيّا قائما بذات المتكلّم مغايرا للعلم و الإرادة. يدلّ عليه هذه الحروف و الأصوات و أنّه قديم في حقّه - تعالى - واحد ليس بأمر و لا نهي و لا خبر؛ لانّه حيّ يصحّ اتّصافه بالكلام. فلو لم يكن موصوفا به كان متّصفا بضدّه، و هو نقص.

و لأنّ أفعاله - تعالى - لمّا جاز عليها التّقدّم و التّأخّر أثبتنا الإرادة المخصّصة،(2) و أفعال العباد متردّدة بين الحظر و الإباحة و غيرهما من الأحكام فلا بدّ من مخصّص غير الإرادة، لأنّه قد يأمر بما لا يريد و بالعكس، فهو الكلام الّذي هو الطلب النّفسانيّ، و لأنّه ملك مطاع، فله الأمر و النّهي.

اعترضت(3) المعتزلة: بأنّ الاستدلال على الإثبات(4) فرع تصوّر المستدل عليه. و ما ذكرتموه غير متصور و يمنع صحّه اتّصافه تعالى به،

ص: 143


1- . النساء: 164/4.
2- . ج: اثبت إرادة مخصوصة.
3- . الف: اعترض.
4- . ج: اتيان/ب: اثبات ممنوع و ما التزموه.

و يمنع وجوب الاتّصاف بأحدهما و كون الضّدّ نقصا، بل ثبوته نقص، إذ امر المعدوم و نهيه و إخباره سفه. و الأحكام عقليّة لا سمعيّة فالمخصّص إمّا الصّفات أو الوجوه و الاعتبارات الّتي تقع عليها الأفعال، و يقبح الأمر بما لا يريد.

و تمهيد العذر في قتل العبد بإيجاد صورة، الأمر، و هو مشترك بين الطلب و الإرادة. و المطاع إن عنوا به نفوذ قدرته في جميع الممكنات فهو حقّ، و إن عنوا ما طلبوه منعناه.

المطلب الثّامن: في أحكام هذه الصّفات و هي إحدى عشر بحثا

الف - ذهب جماعة من المعتزلة و الأشاعرة الى أنّ هذه الصّفات وجوديّة، و إلاّ لصحّ حملها على المعدوم. و الملازمة ممنوعة، فإنّ كثيرا من العدميّات يمتنع حمله على المعدوم، و عند الأوائل و أبي الحسين أنّها ليست وجوديّة. و إلاّ لزم تعدّد القدماء.

ب - هي نفس الذّات في الخارج و إن كانت زائدة في التّعقّل، و هو اختيار الأوائل و أبي الحسين، لما تقدّم، و لأنّ الوجود لو كان زائدا كان ممكنا، لأنّه وصف للماهيّة، فلا يكون واجبا، هذا خلف. و لأنّ مؤثّره إمّا الماهيّة لا بشرط الوجود، فالمعدوم مؤثّر في الموجود أو بشرطه،(1)فيتسلسل(2) أو يدور أو غيرها، فيفتقر الى الغير.

ص: 144


1- . ج: لشرطه.
2- . الف: فتسلسل.

و عند جماعة من المعتزلة و الأشاعرة أنّها زائدة، للمغايرة بين قولنا:

واجب الوجود موجود، و بين قولنا: إنّه قادر. و للاستفادة بكلّ منهما، بخلاف قولنا: واجب الوجود واجب الوجود؛ و لأنّا قد نعلم الذّات و نشكّ (1) في الصّفات، و كلّ ذلك يدلّ على المغايرة الذّهنيّة.

ج - هذه الصّفات أزليّة و إلاّ لافتقرت إلى مؤثّر، فإن كان ذاته دار، و إن كان غيره افتقر إلى غيره، و لأن تأثيره في غيره يستلزم ثبوتها، فهي ثابتة قبل علّتها.

د - هذه الصّفات ذاتيّة عند المعتزلة و الأوائل، لامتناع استنادها إلى غير ذاته، لما تقدّم، و عند الأشعريّة أنّها معلّلة بالمعاني، فهو قادر بقدرة، عالم بعلم، حيّ بحياة، إلى غير ذلك من الصّفات.

قال نفاة «الأحوال» منهم إنّ العلم نفس العالميّة، و القدرة نفس القادريّة، و هما صفتان زائدتان على الذات و قال مثبتوها: إنّ عالميّته - تعالى - صفة معلّلة بمعنى قائم به، و هو العلم.

ه - إرادته إمّا نفس الدّاعي، كما تقدّم، أو أمر زائد عليه مستند إلى ذاته، كاختيار النّجّار،(2) خلافا للجمهور. و عند الجبّائيين أنّه مريد بإرادة حادثة لا في محلّ؛ إذ لو كان مريدا لذاته لعمّت إرادته، كالعلم، فيريد الضّدّين، أو لإرادة قديمة لزم ثبوت القدماء، أو لإرادة حادثة في ذاته كان محلاّ

ص: 145


1- . الف: نشكّل.
2- . ب: كاختيار المختار.

للحوادث، أو في غيره. فان كان حيّا رجع حكمها إليه، و إلاّ استحال حلولها فيه، و وجود إرادة لا في محلّ غير معقول.

و - خبره - تعالى - صدق، لقبح الكذب عقلا، فلا يصدر عنه، و لأنّ الكذب إن كان قديما استحال منه الصّدق، و التّالي باطل، للعلم بإمكان صدور الصّدق من العالم بالشّيء. و الأخير دليل الأشاعرة و لا يتمّ، لبنائه على أنّ الكلام القديم هو عين الخبر، و أنّه خبر واحد، و لعدم دلالته على صدق الألفاظ.

ز - قدرته - تعالى - تتعلّق بكلّ مقدور، للتّساوي في العلّة الّتي هي الإمكان. و منع الأوائل من صدور اثنين عنه، لأنّه بسيط، و لا يتأتى في القادر لو صح. و منع الثّنويّة و المجوس من صدور الشّرّ عنه، و إلاّ كان(1) شرّيرا.

فعند المجوس فاعل الخير يزدان و فاعل الشّرّ أهرمن. و عنوا بهما ملكا و شيطانا، و اللّه - تعالى - منزّه عن فعل الخير و الشّرّ. و المانويّة تسند ذلك(2)الى النّور و الظّلمة و كذا الدّيصانيّة.

و عند جميعهم أنّ الخيّر هو الّذي يكون جميع أفعاله خيرا، و الشّرّير هو الّذي يكون جميع أفعاله شرّا. و الخير و الشّرّ لا يكونان لذاتهما خيرا و شرّا، بل بالإضافة إلى غيرهما. و إذا أمكن أن يكون شيء واحد بالقياس إلى واحد خيرا و بالقياس إلى غيره شرّا أمكن أن يكون فاعل ذلك الشّيء واحدا.

ص: 146


1- . ج: لكان.
2- . ج: يستندونهما/ب: يستند و كذا.

و منع النّظام من قدرته على القبيح، لأنّه محال، لدلالته على الجهل أو الحاجة. و الاستحالة من جهة الدّاعي، لا من حيث القدرة.

و منع عبّاد من قدرته على ما علم وقوعه أو عدمه لوجوبه أو امتناعه و هو ينفي القدرة، و العلم تابع.

و منع البلخيّ من قدرته على مثل مقدور العبد؛ لأنه إمّا طاعة أو سفه، و هما وصفان لا يقتضيان المخالفة الذّاتيّة.

و منع الجبّائيّان من قدرته على عين مقدور العبد، لامتناع اجتماع قدرتين على مقدور واحد؛ لأنّه إن وقع بهما استغنى بكلّ منهما عن الآخر، و إن لم يقع بهما كان المانع هو وقوعه بالآخر، فيقع بهما حال ما لا يقع بهما و إن وقع بأحدهما لم يكن الآخر قادرا، و الأخيرة ممنوعة.

ح - علمه - تعالى - متعلّق بكلّ معلوم، لأنّه حيّ، فيصحّ أن يعلم كلّ معلوم. فلو اختصّ تعلقه بالبعض افتقر إلى مخصّص، و هو محال و لأنّه يصحّ أن يعلم كلّ معلوم، فيجب، لأنّها صفة نفسيّة متى صحّت وجبت.

و بيان المقدّم، أنّه حيّ، و هو يصحّ أن يعلم كلّ معلوم، لأنّ الحيّ هو الّذي لا يستحيل أن يعلم. و نسبة الصّحّة إلى الكلّ واحدة.

و بعض الأوائل منع من علمه بذاته، لأنّه إضافة فيستدعي المغايرة.

و ينتقض بعلمنا بأنفسنا.

و منهم من منع علمه بغيره، لاستحالة حلول صور في ذاته. و ينتقض

ص: 147

بعلم الواحد بنفسه، و لأنّه إضافة، لا صورة، و لأنّ الصّدور(1) عنه أبلغ في الحصول من الصّورة المنتزعة الصّادرة عن العاقل لمشاركة المعقول، ثم تلك الصّورة تعلم بذاتها، فهنا أولى.

و منهم من منع من علمه بالجزئيّات من حيث هي متغيّرة إلاّ على وجه كلّيّ، فلا يعلم أنّ المتغيّر وقع أو سيقع؛ لأنّه عند عدمه إن بقى العلم لزم الجهل، و إلاّ كان متغيّرا.

و أجاب بعضهم بأنّ العلم بأنّ الشّيء سيوجد هو غير العلم بالوجود حين الوجود.

و هو غلط، لاستدعاء العلم المطابقة، بل الحقّ أنّ التّغيّر في الإضافات كتغيّر المقدور المستلزم تغيّر إضافة القدرة، لا القدرة.

ط - وجوب وجوده لذاته يقتضي امتناع عدمه في وقت ما. فهو قديم أزليّ باق سرمديّ. و بقاؤه لذاته لا لبقاء يقوم به، خلافا للأشعريّ، و إلاّ افتقر في وجوده إلى غيره، هذا خلف. و لأنّ بقاءه باق فيتسلسل أو يدور إن بقى بالغير أو بالذّات، و إن بقى لذاته كان أولى بالذّاتيّة.

و التّحقيق أنّ البقاء يراد به امتناع خروج الذّات الثّابتة عن ثبوتها(2)و مفارقة الوجود لأكثر من زمان واحد بعد الزّمان الأوّل، و الأوّل ثابت في حقّه تعالى، لا زائد عليها. و الثّاني منتف،(3) لأنّه لا يعقل فيما لا يكون فانيا.(4)

ص: 148


1- . ج: المصدور.
2- . ج: ثباتها.
3- . ب: مفتقر.
4- . ب، ج: زمانيا.

كما أنّ الحكم بأنّ الكلّ أعظم من الجزء لا يمكن وقوعه في زمان أو في جميع الأزمنة، كما لا يقال إنّه واقع في مكان أو في جميع الأمكنة. و هو بناء على أنّ التّغيّر يستدعي الزّمان.

ي - قدرته، علمه؛ و إرادته كافية في الإيجاد، لوجوبه عند اجتماعهما، خلافا لبعض الحنفيّة، حيث أثبتوا التّكوين صفة أزليّة للّه تعالى. و المكوّن محدث، لقوله تعالى: إِنَّمٰا أَمْرُهُ إِذٰا أَرٰادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (1)ف «كن» متقدّم على «الكون»، و هو المسمّى بالأمر، و الكلمة و التّكوين و الاختراع و الإيجاد و الخلق، و لأنّ القدرة مؤثّرة في صحّة وجود المقدور، و التّكوين مؤثّر في نفس وجوده.

و هو غلط، لأنّ التّكوين إن كان قديما لزم قدم الأثر، لأنّه نسبة، و إن كان محدثا تسلسل. و قوله «كن» لا يدلّ على إثبات صفة زائدة على القدرة، و القدرة لا تأثير لها في صحّة الوجود، لأنّها ذاتيّة للممكن.

يا - أثبت الأشعري «اليد» صفة وراء القدرة، و «الوجه» صفة وراء الوجود، و «الاستواء» صفة اخرى. و أثبت القاضي(2) إدراك الشّمّ و الذّوق و اللّمس ثلاث صفات. و أثبت عبد اللّه بن سعيد «القدم» صفة مغايرة للبقاء، و

ص: 149


1- . يس: 82/36.
2- . هو أبو الحسن عبد الجبار بن أحمد المعروف بقاضي القضاة، من أئمة المعتزلة، له مصنّفات منها: شرح الأصول الخمسة، تنزيه القرآن من المطاعن، المغني، مات سنة 415 ه. الأعلام: 3 / 273.

«الرّحمة» و «الكرم» و «الرّضا» صفات غير الإرادة. و لا دليل على شيء من ذلك.

و جزم آخرون بنفي ما زاد على السّبعة، لأنّا كلّفنا بالمعرفة، و إنّما تحصل بمعرفة الصّفات، فلا بدّ من طريق، و ليس إلاّ الاستدلال بالآثار و التّنزيه عن النّقصان، و إنّما يدلاّن على السّبعة، و نمنع من التّكليف بكمال المعرفة.

ص: 150

الفصل الثّاني في الصّفات السّلبيّة

اشارة

و فيه مطالب [اثنى عشر]:

[المطلب] الأوّل: في أنّه - تعالى - ليس بمتحيّز

اتّفق العقلاء عليه، خلافا للمجسّمة، لأنّ كلّ متحيّز لا ينفكّ عن الحركة أو السّكون، فيكون محدثا، و لأنّه حينئذ إمّا جسم فيكون مركّبا فيكون حادثا أو جزءا لا يتجزّأ، و هو غير معقول، لامتناع اتّصاف مثل ذلك بالقدرة و العلم غير المتناهيين، و لأنّه لو كان جسما لكان مركّبا. فالعلم الحاصل لأحد الجزءين ليس هو الحاصل للآخر، فيتعدد الآلهة. و الظواهر متأوّلة، و عجز الوهم لا يعارض القطع العقليّ.

المطلب الثّاني: في أنّه - تعالى - لا يحلّ في غيره

المعقول من الحلول قيام موجود بموجود آخر على سبيل التّبعيّة بشرط امتناع قيامه بذاته. و هو محال في حقّ واجب الوجود، و لقضاء العقل بأنّ الغنيّ عن المحلّ يستحيل حلوله فيه. فان كان حالاّ في الأزل لزم قدم المحلّ، و إن لم يكن تجدّدت الحاجة، و لأنّ حلول الشّيء في غيره إنّما

ص: 151

يتصوّر لو كان الحالّ إنّما يتعيّن بواسطة المحلّ، و واجب الوجود لا يتعيّن بغيره.

و عند بعض النّصارى، أنّه - تعالى - حالّ في المسيح. و عند الصّوفيّة أنّه - تعالى - حالّ في(1) العارفين. و الكلّ محالّ، فهو إذن ليس بعرض و لا صورة، لافتقارهما الى المحلّ.

المطلب الثّالث: في أنّه - تعالى - مخالف لغيره لذاته

ذهب أبو هاشم إلى أنّ ذاته - تعالى - مساوية لسائر الذّوات في الذّاتيّة، و يخالفها بحالة توجب الأحوال الأربعة، أعني الحييّة و العالميّة و القادريّة و الموجوديّة. و هي الحالة الإلهيّة لأنّ مفهوم الذّات هو ما يصحّ أن يعلم و يخبر عنه. و هو غلط؛ لأنّ هذا المفهوم(2) أمر اعتباريّ ليس نفس الحقائق الثّابتة في الأعيان، بل من المعقولات الثّانية.

و لا يمكن تساوي كلّ الذّوات، لأنّ اختصاص بعضها بما يوجب المخالفة إن لم يكن لمرجّح كان ترجيحا لأحد طرفي الممكن، لا لمرجّح، و إلاّ تسلسل.

ص: 152


1- . ج: حالّ في الابدان العارفين.
2- . ج: هذا المفهوم ليس امر اعتباري.
المطلب الرّابع: في أنّه - تعالى - غير مركّب

كلّ مركّب ممكن، لأنّه يفتقر(1) إلى جزئه، و جزؤه غيره، و كلّ مفتقر ممكن، و واجب الوجود ليس بممكن، فليس له أجزاء ماهيّة، أعني المادّة و الصّورة، و لا عقليّة، أعني الجنس و الفصل، و لا مقداريّة؛ و لا يتركّب عنه غيره، فليس جنسا و لا فصلا و لا نوعا يندرج تحته أفراد، و لا يتركّب عنه غيره، إذ يستحيل أن ينفعل عن غيره.

المطلب الخامس: في أنّه - تعالى - لا يتحد بغيره

اتفق العقلاء من المتكلّمين و الحكماء إلى(2) امتناع الاتّحاد، إلاّ فرفوريوس و الرّئيس في بعض كتبه، لأنّ الشّيئين بعد الاتّحاد إن بقيا موجودين فهما اثنان لا واحد. و إن عدما فلا اتّحاد، بل حدث ثالث، و إن عدم أحدهما لم يتّحد المعدوم بالموجود. و هذا حكم عامّ في كلّ الماهيّات. نعم قد يقال: الاتّحاد بالمجاز على صيرورة شيء شيئا آخر بأن يخلع صورته و يلبس الأخرى، كما يقال: صار الماء هواء؛ أو بأن يحدث للأجزاء مزاج(3) و هيئة زائدة على الاخر كما يقال: صار العفص و الزّاج حبرا، و هو منفيّ (4) عن واجب الوجود - تعالى -؛ لاستحالة خروجه عن

ص: 153


1- . ج: مفتقر.
2- . ج: على.
3- . ب، ج: امتزاجا.
4- . ج: منتف.

حقيقته و عدم أمر زائد عليها و امتناع تركّبه من غيره أو معه.

و قالت النّصارى باتّحاد الأقانيم الثّلاثة: الأب و الابن و روح القدس، و اتّحد ناسوت المسيح باللاّهوت.

و الصّوفيّة قالوا: أنّه - تعالى - يتّحد بالعارفين. و الكلّ غير معقول.

المطلب السادس: في أنّه - تعالى - ليس في جهة

اتفق العقلاء عليه إلاّ المجسّمة و الكرّاميّة، لأنّه ليس بمتحيّز و لا حالّ في المتحيّز، فلا يكون في جهة بالضّرورة، و لأنّ الكائن في الجهة لا ينفكّ عن الأكوان بالضّرورة، فيكون محدثا، و واجب الوجود ليس بمحدث؛ و لأنّ مكانه مساو لسائر الأمكنة، فاختصاصه به ترجيح عن غير مرجّح، و يلزم قدم المكان أو حلول المجرّد في مكان بعد إن لم يكن. و هو غير معقول.

و أصحاب أبي عبد اللّه ابن الكرّام ذهب بعضهم إلى أنّه في جهة فوق العرش لا نهاية لها، و البعد بينه و بين العرش غير متناه أيضا. و قال بعضهم متناه. و الكلّ خطأ، لما تقدّم، و لأنّ العالم كرة.

المطلب السابع: في استحالة الألم و اللذّة عليه تعالى
اشارة

اتفق العقلاء على استحالة الألم عليه، لأنّه إدراك مناف، و لا منافي له تعالى. أمّا اللذّة فقد اتفق المسلمون على استحالتها عليه، لأنّ اللذة و الألم

ص: 154

من توابع اعتدال المزاج و تنافره، و لا مزاج له - تعالى -، و لأنّ اللّذّة إن كانت قديمة و هي داعية إلى فعل الملتذّ به وجب وجوده قبل وجوده لوجود الدّاعي و انتفاء المانع، و إن كانت حادثة كان محلاّ للحوادث. و فيه نظر، لجواز اتّحاد داعي اللذّة و الإيجاد.

و الأوائل أثبتوا له لذّة عقليّة لا بفعله، بل باعتبار علمه بكماله، فإنّ كلّ من تصوّر في نفسه كمالا ابتهج، كما أنّ من تصوّر نقصانا في نفسه تألّم.

و لمّا كان كماله - تعالى - أعظم الكمالات، و علمه بكماله أتمّ العلوم استلزم ذلك أعظم اللّذات.

و الصّغرى ممنوعة و القياس على الشّاهد ضعيف، و الاجماع ينفيه.

تذنيب

يستحيل اتّصافه بكلّ كيفيّة مشروطة بالوضع، كالألوان و الطّعوم و الرّوائح و غيرها في(1) الأعراض، لامتناع انفعاله تعالى.

المطلب الثّامن: في أنّه - تعالى - ليس محلاّ للحوادث

اتّفق الأكثر عليه، خلافا للكرّاميّة، لامتناع انفعاله في ذاته، فيمتنع التّغيّر عليه، و لأنّ الحادث إن كان صفة كمال استحال خلوّه عنها أزلا،(2) و إلاّ

ص: 155


1- . ج، ب: من.
2- . ب: أوّلا.

استحال اتّصافه بها، و لأنّه لو صحّ اتّصافه به كانت تلك الصّحّة لازمة لذاته، لاستحالة عروضها،(1) و إلاّ تسلسل، فتكون أزليّة. و صحّة الاتّصاف بالحادث تستدعي صحّة وجود الحادث أزلا،(2) و هو محال.

المطلب التاسع: في أنّه - تعالى - غنيّ

هذا من أظهر المطالب، لأنّه واجب من جميع الجهات، و كلّ ما عداه ممكن محتاج إليه، فلا يعقل احتياجه - تعالى - إلى غيره، و لأنّ ذاته واجبة، و صفاته نفس حقيقته، فيستغني في ذاته و صفاته، و لأنّه - تعالى - ليس محلاّ للحوادث، و غيره حادث، و الإضافات ليست وجوديّة.

المطلب العاشر: في أنّه غير معلوم للبشر

هذا مذهب ضرار و الغزاليّ (3) و جميع الأوائل، لأنّ المعلوم منه - تعالى - ليس إلاّ السّلوب، مثل أنّه ليس بجسم و لا عرض، أو الإضافات مثل أنّه قادر عالم خالق رازق. و الحقيقة مغايرة لذلك بالضّرورة. و عند جماهير المعتزلة و الأشاعرة، أنّه - تعالى - معلوم، لأنّ وجوده معلوم، و هو نفس حقيقته، و نمنع الصّغرى.

ص: 156


1- . ج: عدمها.
2- . ب: أوّلا.
3- . هو أبو حامد محمد بن محمد المعروف بالغزالي، المتوفّى 505 ه.
المطلب الحادي عشر: في استحالة الرّؤية عليه تعالى

الأشاعرة خالفوا جميع الفرق في ذلك.

أمّا المعتزلة و الفلاسفة فظاهر.

و أمّا المجسّمة، فلأنّه لو كان مجرّدا لاستحال رؤيته عندهم.

و اتفق العقلاء إلاّ المجسّمة على انتفاء الرّؤية، بسبب الانطباع أو الشّعاع، عنه - تعالى -.

و الأشاعرة قالوا، إنّا نفرق بين علمنا حالة فتح العين و تغميضها، و ليس بالانطباع و لا الشّعاع، فهو راجع إلى حالة اخرى ثابتة في حقّه تعالى.

و الضّرورة قاضية ببطلانه، لانتفاء الجهة، و كلّ مرئيّ (1) مقابل أو في حكمه، و لأنّه لو كان مرئيّا لرأيناه الآن، لانتفاء الموانع و وجود الشّرائط، إذ ليست هنا إلاّ صحّة كونه مرئيّا و سلامة الحاسّة، و لقوله تعالى: لاٰ تُدْرِكُهُ اَلْأَبْصٰارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ اَلْأَبْصٰارَ (2) تمدّح به، لتخلّله بين مدحين، فإثباته نقص، و هو محال عليه تعالى، و لقوله: لَنْ تَرٰانِي ،(3) و «لن» لنفي الأبد، و إذا انتفت في حقّ موسى عليه السّلام فكذا غيره.

ص: 157


1- . الف: كل مراى.
2- . الانعام: 103/6.
3- . الاعراف: 143/7.

احتجّوا بأنّ الجوهر و العرض مرئيّان، و الحكم المشترك لا بدّ له من علّة مشتركة، و ليس إلاّ الوجود و الحدوث، و الأخير لا يصلح للعلّيّة، لأنّ جزءه عدميّ، و لقوله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نٰاضِرَةٌ * إِلىٰ رَبِّهٰا نٰاظِرَةٌ ،(1)و لأنّه - تعالى - علّقها على استقرار الجبل الممكن، لأنّه جسم و لأنّ موسى عليه السّلام سألها.

و الجواب: وجوده - تعالى - نفس حقيقته، و هو مخالف لوجودنا، فلا يجب تساويهما في الأحكام. و نمنع احتياج صحّة الرّؤية إلى علّة، إذ لو وجب تعليل كلّ حكم تسلسل، و لأنّها عدميّة، و نمنع تساوي صحّة رؤية الجوهر و صحّة رؤية العرض، و يجوز تعليل المشترك بعلّتين مختلفتين، و نمنع الحصر بوجود الإمكان، فيجوز أن يكون علّة لإمكان الرؤية و إن كان عدميّا.

و الحدوث هو الوجود المسبوق، و لا يلزم من وجود العلّة وجود المعلول، لجواز التّوقّف على شرط أو حصول مانع. و «إلى» واحد «الآلاء»، أو أنّ فيها إضمارا، تقديره: «إلى نعم ربّها» و التّعليق على الاستقرار حالة الحركة، و هو محال، و السّؤال وقع لقوم موسى، لقوله تعالى: «فَقَدْ سَأَلُوا مُوسىٰ أَكْبَرَ مِنْ ذٰلِكَ، فَقٰالُوا: أَرِنَا اَللّٰهَ جَهْرَةً (2).

ص: 158


1- . القيامة: 22/75-23.
2- . النساء: 153/4.
المطلب الثاني عشر: في أنّه - تعالى - واحد

لو كان في الوجود واجبا الوجود لكانا مشتركين في هذا المعنى، فإمّا أن يكون ذاتيّا لهما، أو لأحدهما، أو عارضا لهما. و الأوّل يستلزم تركّب كلّ منهما، فيكون ممكنا. و الثّاني و الثالث يستلزم كلّ منهما أن لا يكون معروضه في ذاته واجبا.

و لا يجوز أن يكون الواجب لذاته هو المعنى المشترك خاصّة، إذ لا وجود له في الخارج إلاّ مخصّصا.

و لا يجوز أن يكون المخصّص سلبيّا، فإن سلب الغير لا يتحصّل إلاّ بعد حصول الغير؛ و لأنّ المخالفة ممكنة، لأنّ كلّ واحد منهما قادر على جميع المقدورات، فيصحّ أن يقصد أحدهما إلى ضدّ ما قصد(1) الآخر، فإن حصل المرادان، اجتمع الضّدّان، و هو محال، و ان عدما كان المانع من مراد كلّ منهما وجود مراد الآخر، فيلزم وجودهما و إن وجد أحدهما فهو الإله؛ و للسّمع.

و قالت الثّنويّة بقدم النّور و الظلمة و كلّ خير في العالم فمن النّور، و كلّ شر فمن الظلمة، و كلّ منهما لا نهاية له في الجهات الخمس. و النّور حيّ عالم و الظلمة حيّة جاهلة. و سبب حدوث العالم اختلاط أجزاء من النّور

ص: 159


1- . ب، ج: قصده.

بأجزاء من الظلمة. و أراد النّور الأعظم استخلاص تلك الأجزاء من الظلمة.

فلم يمكنه إلاّ بخلق هذا العالم و خلق الأجسام النّيرة فيه، بحيث تستخلص بنورها تلك الأجزاء النّورانيّة من الظلمة. فإذا خلصت فنى(1) العالم.

و هذا الكلام كلّه خطأ، فإنّ النّور عرض لا يقوم بذاته، و الظلمة عدميّة، و عدم التّناهي محال، لما تقدّم.

و قال المجوس: إنّ للعالم صانعا قادرا عالما حيّا حكيما، سمّوه يزدان، و كلّ خير في العالم منه، و أنّه أفكر(2) لو كان لي ضدّ في الملك كيف تكون حالي معه، فحدث الشّيطان من تلك الفكرة، و كلّ شرّ في العالم منه، و اسمه اهرمن. و بعضهم قال بقدم الشّيطان و هو ظاهر الفساد أيضا.

و قالت النّصارى: الباري - تعالى - جوهر واحد ثلاثة أقانيم، أقنوم الأب و هو وجوده، و اقنوم الابن و هو علمه، و اقنوم روح القدس، و هو حياته.

فإن أرادوا الصّفات فلا منازعة إلاّ في اللّفظ، و إلاّ فهو خطأ، لما تقدّم.

ص: 160


1- . ج: نفى.
2- . ج: فكر.

المرصد السّادس في العدل و فيه مطالب

اشارة

ص: 161

ص: 162

[المطلب] الأوّل في الحسن و القبح العقليّين

اشارة

الفعل إن لم يكن له صفة زائدة على حدوثه فهو كحركة السّاهي و النّائم. و إن كان، فهو إمّا حسن لا صفة زائدة له على حسنه، و هو المباح؛ أو له صفة زائدة، فإن أوجبت الذّمّ على التّرك فهو الواجب، و إلاّ النّدب؛ و إمّا قبيح، و هو ما يستحقّ فاعله العالم بحاله الذّمّ.

و اتّفقت المعتزلة على أنّ من الأشياء ما يعلم كونه حسنا و قبيحا بالضّرورة، كحسن الصّدق النافع و الإنصاف و الإحسان و شكر المنعم و قبح الكذب الضّارّ و الظلم و الفساد و تكليف ما لا يطاق؛ و منها ما يعلم حسنه و قبحه بنظر العقل، كحسن الصّدق الضّارّ و قبح الكذب النّافع، و منها ما يعلم من جهة الشّرع، لا بمعنى أنّه علّة في الحسن و القبح، بل أنّه كاشف لجزم من لم يعتقد الشّرع به، و لأنّه لولاه لجاز إظهار المعجزة(1) على يد الكاذب، و الخلف في وعده و وعيده. و التّعذيب على الطاعة و الإثابة على المعصية، فينتفي فائدة التّكليف و لأفحمت الأنبياء.

ص: 163


1- . الف: المعجز.

و قالت الأشاعرة: إنهما شرعيّان، فالحسن ما أمر الشّارع به، و القبيح ما نهى عنه؛ لأنّ العلم به ليس نظريّا إجماعا و لا ضروريّا، و إلاّ لساوى العلم بأنّ الكلّ أعظم من الجزء. و التّالي باطل قطعا، فكذا المقدّم، و لأنّ الكذب قد يحسن إذا اشتمل على مصلحة، كتخليص نبيّ من ظالم، أو قال: لأكذبنّ غدا، و لأنّه - تعالى - كلّف من علم عدم إيمانه، و خلاف معلوم اللّه - تعالى - محال، و كلّف أبا لهب بالإيمان بجميع ما أخبر به. و من جملة ما أخبر(1) أنّه لا يؤمن، فقد كلّفه بأن يؤمن بأن لا يؤمن. و هو جمع بين النّقيضين؛ و لأنّ أفعال العبد اضطراريّة، فلا حسن و لا قبح.

و الجواب:

المنع من الملازمة فإنّ التّصديقات الضّروريّة تتفاوت بتفاوت التّصوّرات في الكمال و النّقصان، و من بطلان التّالي، و الكذب ليس بحسن مطلقا. و يجب التّوراة لتخليص النّبيّ، فينتفي الكذب، أو يأتي بصورة الإخبار من غير قصد له، بل للاستفهام. و يجب ترك الكذب في الغد، لاشتماله على وجهي حسن، هما ترك الكذب و ترك إتمام العزم عليه و إن اشتمل على وجه قبح، و هو أولى من الكذب المشتمل على وجهي قبح هما الكذب و إتمام العزم عليه، و على وجه حسن و هو الصدق، و العلم تابع، فلا يؤثّر في المتبوع.

و نمنع إخباره عن أبي لهب بعدم الإيمان. و السّورة اشتملت(2) على

ص: 164


1- . ج: اجزائه.
2- . ج: إنه اشتملت.

ذمّه، لا على الإخبار بعدم إيمانه. و يحتمل نزولها بعد موته. و يؤيّده قوله تعالى: مٰا أَغْنىٰ عَنْهُ (1) و قوله تعالى: سَوٰاءٌ عَلَيْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ (2) يحتمل نزولها بعد موتهم أو حال غفلتهم. و الغافل غير مكلّف. و سيأتي بيان اختيار العبد.

تذنيب

القبائح إنّما قبحت لما هي عليه. و كذا الواجبات، فإنّ العقلاء متى علموا الظلم، أو منع ردّ الوديعة، أو ترك شكر المنعم،(3) ذمّوا فاعل ذلك، و متى علموا ردّ الوديعة أو شكر النّعمة مدحوا فاعله. فإذا طلب منهم العلّة بادروا إلى ذكر الظّلم أو منع الوديعة أو كفران النّعمة أو فعل الشّكر أو الرّدّ.

فلو لا علمهم الضّروريّ بالعلم لما بادروا إليها و للدوران، فإنّ الضّرر متى كان ظلما كان قبيحا. و إذا انتفى الظلم انتفى قبحه فكان علّة.

ص: 165


1- . المسد: 2/111.
2- . البقرة: 6/2.
3- . ب، ج: النعمة.

المطلب الثاني في أنّه - تعالى - لا يفعل القبيح و لا يخلّ بالواجب

يدلّ عليه أنّ له صارفا عن القبيح، لأنّه غنيّ عنه و عالم بقبحه، و لا داعي له إليه، لانتفاء داعي الحاجة و الحكمة، فلا يصدر الفعل عنه قطعا.

و الأشاعرة أسندوا القبائح إليه - تعالى عن ذلك - لأنّه كلّف الكافر مع علمه بامتناع الإيمان منه، و تكليف ما لا يطاق قبيح عندكم، و لأنّه - تعالى - جمع بين الرّجال و النّساء في الدّنيا و مكّن بعضهم من بعض، و جعل لهم ميلا إلى الاجتماع و حرّمه، و ذلك قبيح، كما يقبح منّا جمع العبيد و الإماء.

و قد بيّنا أنّ العلم تابع، و الغرض في التّكليف هو التّعريض على معنى أنّه يجعله بحيث يتمكن من الوصول إلى النّفع و قد حصل الغرض، و الجامع بين العبيد و الإماء إذا نهاهم عن وصول بعضهم إلى بعض و توعّدهم عليه بعظيم الضّرر، و فعل بهم ما يقرّبهم من الامتثال و يبعّدهم عن المخالفة، و نصب لهم من يؤدّبهم إذا أخلّوا بما امروا به عاجلا و وعدهم على الامتثال بعظيم النّفع الّذي لا يمكن الوصول إليه إلاّ به لم يكن قبيحا.

ص: 166

المطلب الثّالث في خلق الأعمال

ذهب جهم بن صفوان إلى أن لا فاعل إلاّ اللّه - تعالى - و قالت الأشاعرة و النّجّاريّة، إنّ المحدث هو اللّه - تعالى - و العبد مكتسب، و أنّه - تعالى - يخلق قدرة للعبد و الفعل معا. و اختلفوا في الكسب، فقال الأشعريّ: هو إجراء العادة بإيجاد اللّه - تعالى - الفعل و القدرة معا عند اختيار العبد، و لا أثر لقدرة العبد. و قال بعض أصحابه، معناه تأثير قدرة العبد في كون الفعل طاعة أو معصية أو عبثا و غيرها من صفات الفعل الّتي يتناولها التّكليف و بها يستحقّ المدح و الذّمّ. و قال آخرون: إنّه غير معلوم.

و ذهب أهل العدل إلى أنّ للحيوان أفعالا تقع بقدرتهم(1) و اختيارهم، فعند أبي الحسين و من تابعه أنّ العلم به ضروريّ. و هو الحقّ. و عند باقي مشايخ المعتزلة و من تابعهم من شيوخ الإماميّة أنّه كسبيّ.

لنا أنّ كلّ عاقل يعلم بالضّرورة حسن المدح على الإحسان و الذّمّ على الإساءة، و هو يتوقف على كون الممدوح و المذموم فاعلا، و لأنّ أفعالنا

ص: 167


1- . الف، ب: بقدرهم.

واقعة بحسب قصودنا و منتفية بحسب صوارفنا. و هو معنى الفاعل. و لأنّ الضّرورة قاضية بالفرق بين حركاتنا الاختياريّة و الاضطراريّة، و لقبح منه - تعالى - الأمر و النّهي كما يقبح أمر الجماد و نهيه؛ و للسّمع.

احتجّ الخصم بأنّ العبد حال الفعل إن لم يمكنه التّرك فهو الجبر؛ و إن أمكنه: فإن لم يتوقّف التّرجيح على مرجّح لزم ترجيح الممكن من غير مرجّح، و إن توقّف، فإن كان منه عاد البحث، و إلاّ لزم الجبر، لامتناع الفعل من دونه و وجوبه عنده، و لأنّه لو كان موجدا لفعله لكان عالما بتفاصيله، فإنّ القصد(1) الكلّيّ لا يكفي في حصول الجزئيّ لتساوي نسبته إلى الجميع. و التّالي باطل قطعا، لعدم العلم بقدر السّكنات المتخلّلة في الحركات البطيئة، و لأنّه لو أراد العبد حركة جسم و أراد اللّه - تعالى - تسكينه، فإن وقعا أو لم يقعا لزم المحال، و إن وقع أحدهما كان ترجيحا من غير مرجّح، لاستقلال كلّ منهما؛ و لأنّه - تعالى - إن علم الوقوع وجب و إلاّ امتنع، فلا قدرة.

و الجواب: أنّه متمكن من التّرك نظرا إلى القدرة و غير متمكّن نظرا إلى الدّاعي و لا يخرجه عن القدرة، لتساوي الطرفين بالنّسبة إلى القدرة وحدها، و هو آت في حقّ واجب الوجود. و العلم الإجماليّ كاف في الإيجاد. و القصد الكلّيّ قد ينبعث عنه الفعل الجزئيّ باعتبار تخصيصه

ص: 168


1- . الف: الفصل.

بالمحلّ و الوقت لا باعتبار القصد، و قدرته - تعالى - أقوى، فكان صدور فعله أولى، و الوجوب المستند إلى العلم لاحق.(1)

و كما أنّ فرض أحد النّقيضين يقتضي وجوبه لاحقا دون امتناع الآخر، كذا فرض العلم، لأنّه مطابق له. و الأصل في هيئة التطابق هو المعلوم، مع أنّه آت في حقّه تعالى. و الكسب غير مفيد، لأنّ تجويز صدور الاختيار يقتضي تجويز صدور غيره، لعدم الأولويّة؛ و لانسحاب أدلّتهم عليه، فإنّ اختيار المعصية مغاير لاختيار الطاعة. فحصول أحدهما إن لم يكن لمرجّح لزم ترجيح أحد الطرفين لا لمرجّح، و إن كان لمرجّح تسلسل. و كذا باقي الأدلّة.

ص: 169


1- . ج: اللاحق.

المطلب الرّابع في أنّه - تعالى - يريد الطاعات و يكره المعاصي

هذا مذهب العدليّة، خلافا للأشاعرة، لأنّ له داعيا إلى الطاعة، و لا صارف له عنها، و له صارف عن المعصية، و لا داعي له إليها، لأنّه حكيم، و الحكيم له داع إلى الحسن، و الطاعة حسنة، و له صارف عن القبيح، و المعصية قبيحة؛ و لأنّ إرادة القبيح قبيحة، لاستحسان العقلاء ذمّ مريد القبيح، و لأنّه أمر بالطاعة و نهى عن المعصية. و هما يستلزمان الإرادة و الكراهة؛ فإنّ الأمر إنّما هو أمر باعتبار إرادة المأمور به؛ و لقوله تعالى: كُلُّ ذٰلِكَ كٰانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً (1) و كذب من قال: لَوْ شٰاءَ اَللّٰهُ مٰا أَشْرَكْنٰا (2) و قوله: وَ مَا اَللّٰهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعٰالَمِينَ (3)، وَ اَللّٰهُ لاٰ يُحِبُّ اَلْفَسٰادَ (4)، وَ لاٰ يَرْضىٰ لِعِبٰادِهِ اَلْكُفْرَ (5)، و وَ مٰا خَلَقْتُ اَلْجِنَّ وَ اَلْإِنْسَ إِلاّٰ لِيَعْبُدُونِ (6)، وَ مٰا أُمِرُوا إِلاّٰ لِيَعْبُدُوا اَللّٰهَ مُخْلِصِينَ لَهُ اَلدِّينَ (7).

ص: 170


1- . الإسراء: 38/17.
2- . الإنعام: 148/6.
3- . آل عمران: 108/3.
4- . البقرة: 205/2.
5- . الزمر: 7/39.
6- . الذاريات: 56/51.
7- . البيّنة: 5/98.

احتجّوا بأنّ إرادة الطاعة من الكافر تستلزم وقوعها و كراهة المعصية تستلزم عدمها؛ و لأنّ الأمر قد يوجد بدون الإرادة، كطالب العذر عن ضرب(1) عبده بعدم قبوله منه، فيأمره و لا يريد فعله، ليظهر عذره؛ و قوله تعالى: وَ لَوْ شٰاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي اَلْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً (2).

و الجواب: أنّه أراد إيقاعها اختيارا و كره إيقاع المعصية اختيارا، لئلاّ يبطل التّكليف. و المولى يوجد صورة الأمر و لا طلب، كما لا إرادة، و الآية يدلّ على القسر.(3)

ص: 171


1- . ج: بضرب العبد.
2- . يونس: 99/10.
3- . ج: على التخيير.

المطلب الخامس في التكليف

و هو إرادة من يجب طاعته على جهة الابتداء ما فيه مشقّة بشرط الإعلام. و هو حسن لأنّه من فعله تعالى، و اللّه لا يفعل القبيح؛ و لا بدّ من غرض، لقبح العبث، و ليس عائدا إليه تعالى، لاستغنائه، و لا إلى غير المكلّف، لقبح إلزام المشقّة لنفع(1) الغير، و لا ضرر المكلّف لقبحه ابتداء، و لا نفعه، لانتقاضه بتكليف من علم كفره، و لا تعريضه للضرر لقبحه و لا لنفع يصحّ الابتداء به، لأنّه يصير عبثا، فهو التّعريض لنفع لا يمكن الابتداء به.

و الأشاعرة نفوا الغرض في أفعاله، و إلاّ لكان ناقصا في ذاته مستكملا بذلك الغرض، إذ بحصوله يحصل له ما هو الأولى له. و ليس بجيّد، و إلاّ لزم العبث و إبطال غايات المصنوعات الظاهرة حكمها.(2) و الاستفادة باطلة، كما في الخالقيّة.

و هو واجب عند المعتزلة خلافا للأشاعرة، و إلاّ لكان مغريا بالقبيح،

ص: 172


1- . ج: منفعة.
2- . ج: حكمتها.

لأنّ للعاقل ميلا إلى القبيح و نفورا عن الحسن.

فلو لا التّكليف الزّاجر عن القبيح لزم ارتكابه،

و شرطه كون المكلّف عالما بصفة الفعل لئلاّ يكلّف بالقبيح أو المباح، و بقدر المستحقّ عليه من الثّواب ليؤمن انتفاء الظلم، و القدرة على الإيصال، و كونه منزّها عن فعل القبيح و الإخلال بالواجب، و أن يكون ما كلّف به ممكنا، لقبح التّكليف بالمحال، و كونه ممّا يستحقّ به الثّواب، كالواجب و النّدب و ترك القبيح، و قدرة المكلّف عليه، مميّزا بينه و بين ما لم يكلّفه متمكنا من الآلة و العلم بما يحتاج إليه، و العلّة في حسن تكليف المؤمن آتية في الكافر؛ فإنّ العلم غير مؤثر و التّعريض للنّفع ثابت فيه. و اختيار الكفر(1)لا يخرج الحسن عن حسنه.

ص: 173


1- . ب، ج: اختياره الكفر.

المطلب السّادس في اللّطف

و هو ما كان المكلّف معه أقرب إلى فعل الطاعة و أبعد من فعل القبيح،(1) و لم يكن له حظّ في التّمكين و لم يبلغ إلى حدّ الإلجاء، فالآلة ليست لطفا؛ لأن لها مدخلا في التّمكين. و الإلجاء ينافي التّكليف، بخلاف اللّطف و هو واجب خلافا للأشعريّة، و إلاّ لزم نقض الغرض، فإنّه - تعالى - إذا علم أنّ المكلّف لا يختار الطاعة أو لا يكون أقرب إليها إلاّ عند فعل يفعله به وجب عليه فعله، و إلاّ كان مناقضا لغرضه، كمن قدّم طعاما إلى غيره و يعلم أنّه لا يأكل(2) إلاّ إذا فعل معه نوعا من التأدّب لا مشقّة فيه و لا غضاضة، فلو لم يفعله لم يكن مريدا لأكله.

لا يقال: الفعل بدون اللطف إن كان ممكنا لم يتوقّف على اللّطف، و إلاّ صار من جملة التّمكين، كالقدرة، و لأنّ وجه الوجوب غير كاف فيه ما لم ينتف عنه وجوه(3) القبح، فلم لا يجوز اشتمال اللّطف على وجه قبح، و لأنّ اللطف إن اقتضى رجحانا مانعا من النّقيض كان إلجاء. و إن كان غير مانع لم

ص: 174


1- . ج: فعل المعصية.
2- . ج: لا يأكله.
3- . ج: وجوب القبح.

يكف في وجود الفعل، و إن لم يقتض رجحانا البتة انتفت فائدته.

لأنّا نقول: الفعل يتوقّف على الدّاعي. و اللّطف أمّا الدّاعي أو سببه أو مقوّيه، فيتوقّف عليه الفعل و ليس تمكينا. و وجوه القبح محصورة مضبوطة، لأنّا مكلّفون باجتنابها، و هي منفيّة عن اللطف، و اقتضاء الرّجحان المانع من النّقيض لا يستلزم الإلجاء، كالدّاعي الّذي يجب الفعل عنده، و إن كان غير مانع كفى مع الدّاعي و القدرة.

و اللطف إن كان من فعله - تعالى - وجب عليه فعله، و إن كان من فعل المكلّف وجب عليه - تعالى - أن يعرّفه إيّاه و يوجبه عليه، و إن كان من فعل غيرهما لم يجز أن يكلّفه فعلا متوقّفا على ذلك اللّطف إلاّ إذا علم أن ذلك يفعله قطعا.

ص: 175

المطلب السّابع في الآلام و الأعواض

الألم منه قبيح، و هو صادر عنّا و العوض فيه علينا، و منه حسن، فإن كان من فعلنا، مباحا أو مندوبا أو واجبا فالعوض عليه تعالى، و إن كان من فعله - تعالى - فإمّا على وجه الاستحقاق بالعقاب،(1) و إمّا على جهة الابتداء.

و اختلف فيه، فنفاه البكريّة، و قالت الأشاعرة لا عوض عليه - تعالى - في ما يفعله من الألم و لا في ما يأمر به. و قالت التّناسخيّة، إنّه - تعالى - يؤلم على وجه العقوبة لا غير. و عند العدليّة أنّه - تعالى - يؤلم ابتداء بشرط اشتماله على مصلحة لا تحصل بدونه، و هو اللّطف إمّا للمؤلم أو لغيره. و ان يكون في مقابلته عوض للمؤلم يزيد عليه أضعافا كثيرة بحيث يختار المتألم العوض و الألم؛ لأن عراءه عن العوض ظلم و عن اللّطف عبث.

و العوض، هو النّفع المستحقّ الخالي من تعظيم و إجلال، فالمستحقّ علينا مساو للألم، و المستحقّ عليه - تعالى - بفعله أو إباحته أو أمره أو تمكينه لغير العاقل زائد عليه. و اختلف أهل العدل في الأخير، فقال بعضهم بما

ص: 176


1- . ب، ج: كالعقاب.

تقدّم، و آخرون بأنّ العوض على الحيوان. و الباقون قالوا: لا عوض هنا.

لنا، أنّه - تعالى - مكّنه و جعل فيه ميلا شديدا إلى الإيلام و لم يخلق له عقلا يزجره عن القبيح مع إمكانه.

احتجّ الخصم بقوله عليه السّلام: «ينتصف للجمّاء من القرناء»(1) و إنّما يكون بأخذ العوض من الجاني و بقوله عليه السّلام: «جرح العجماء جبار»(2) و الانتصاف بأخذ العوض إمّا من الجاني أو غيره، و صحّ أن يكون جبارا لانتفاء القصاص فيه.

و العوض واجب، خلافا للأشاعرة، و إلاّ لزم الظلم، و اختلف الشّيوخ، فقال أبو هاشم و البلخيّ: يجوز أن يمكّن اللّه - تعالى - من الظلم من لا عوض له في الحال يوازي فعله.

ثمّ قال البلخيّ: يجوز أن يخرج من الدّنيا و لا عوض له، و يتفضّل اللّه - تعالى - عليه بالعوض، فيدفعه إلى المظلوم. و منعه أبو هاشم و أوجب التّبقية إلى أن يستحقّ عوضا موازيا، لأنّ الانتصاف واجب و التّفضّل ليس بواجب، فلا يعلّق عليه الواجب. قال المرتضى: التّبقية أيضا ليست واجبة، فلا يعلّق عليها الانتصاف الواجب. بل، يجب أن يكون له في حال ظلمه عوضا موازيا.

ص: 177


1- . الاقتصاد: 91؛ كشف المراد: 455.
2- . الموطأ: 869/2؛ بحار الأنوار: 267/87.

المطلب الثّامن في الآجال و الأرزاق و الأسعار

الف - الأجل، هو الوقت الّذي يحدث فيه الشّيء. و يعنى بالوقت، الحادث الّذي جعل علما لحدوث غيره. كما يقال: قدم زيد عند طلوع الشّمس. و أجل الحياة هو الوقت الّذي يحدث فيه، و أجل الموت كذلك. فأيّ ميّت مات على اختلاف أسباب الموت، فإنّ موته في أجله.

و اختلف في المقتول لو لم يقتل فقيل: يعيش قطعا، لأنّه لو مات قطعا لكان ذابح غنم غيره محسنا إليه. و قيل: يموت قطعا، و إلاّ لزم انقلاب علمه - تعالى - جهلا لو عاش.

و الملازمة الأولى ممنوعة، لأنّه فوّته العوض على اللّه تعالى. و هو أزيد من العوض عليه.(1)

و الثّانية أيضا، لجواز تعلّق علم الموت بالقتل و الحياة لولاه.

و أمّا الرّزق، فعند العدليّة ما صحّ الانتفاع به و لم يكن لأحد منعه منه،

ص: 178


1- . قال المصنّف في كشف المراد: 340: إذ لو ماتت الغنم استحق مالكها عوضا زائدا على اللّه فقال، فبذبحه فوت عليه الاعواض الزائدة.

لقوله تعالى: وَ أَنْفِقُوا مِنْ مٰا رَزَقْنٰاكُمْ (1) و اللّه - تعالى - لا يأمر بالحرام.

و عند الأشاعرة، الرّزق ما أكل و إن كان حراما. و يجوز طلبه إجماعا.

و لقوله تعالى: فَانْتَشِرُوا فِي اَلْأَرْضِ وَ اِبْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اَللّٰهِ (2).

و أمّا السّعر، فهو تقدير البدل فيما يباع به الأشياء. و لا يقال: هو البدل؛ لأنّ البدل هو الثّمن أو المثمن. و ليس أحدهما سعرا. و هو إمّا رخص، و هو السّعر المنحطّ عمّا جرت به العادة، و الوقت و المكان واحد. و إمّا غلاء، و هو ما يقابله، و كلّ منهما إمّا من اللّه تعالى أو من العباد.

ص: 179


1- . المنافقون: 10/63.
2- . الجمعة: 10/62.

ص: 180

المرصد السابع في النبوة و فيه مطالب

اشارة

ص: 181

ص: 182

مقدمة [من هو النّبيّ]

مقدمة(1)[من هو النّبيّ]

النّبيّ هو الإنسان المخبر عن اللّه - تعالى - بغير واسطة أحد من البشر، فخرجت الملائكة و المخبر عن غير اللّه تعالى، و العالم.(2) و لا بدّ من اختصاصه بظهور المعجزة على يده تدلّ على صدقه. و المعجزة(3) ما خرق العادة، من ثبوت ما ليس بمعتاد أو نفي ما هو معتاد مع مطابقته للدّعوى و يعدده(4) في جنسه و صفته.

ص: 183


1- . ج: المطلب الأوّل.
2- . ج: من العالم.
3- . الف: المعجز.
4- . ب: يعده، ج: تعذره.

المطلب الأوّل في إمكان البعثة

المطلب الأوّل(1)في إمكان البعثة

اتّفق العقلاء عليه، إلاّ البراهمة و الصّابئة، لأنّ فيها مصلحة للعالم، و لا مفسدة فيها، و ما كان كذلك فهو واقع، فيكون ممكنا.

احتجّوا بأنّ الرّسول عليه السّلام إنّما جاء بما يوافق العقل، فلا حاجة إليه، لانتفاء الفائدة و إلاّ كان(2) مردودا.

و الجواب، الفائدة ظاهرة في ما يوافق العقل، و هو تأكيد العقليّ بالنقليّ، و قطع عذر المكلّف، كما قال تعالى: لِئَلاّٰ يَكُونَ لِلنّٰاسِ عَلَى اَللّٰهِ حُجَّةٌ بَعْدَ اَلرُّسُلِ (3) و لأنّ العقل قد يعجز عن إدراك الحقّ فيحتاج إلى كاشف، كالصّفات المستفادة من السّمع، و كالقبائح المستندة إليه و المنافع المعلومة منه، كالصّنائع و غيرها. و ما لا يوافق العقل لا يكون مردودا إذا لم يقتض العقل نقيضه.

ص: 184


1- . ج: المطلب الثاني.
2- . ب: لكان.
3- . النساء: 65/4.

المطلب الثّاني في وجوب البعثة

اتّفقت العدليّة عليه، خلافا للأشاعرة، لأنّ السّمعيّات واجبة إجماعا و هي ألطاف في العقليّات، للعلم الضّروريّ، بأنّ المواظب على فعل الواجبات السمعيّة(1) أقرب إلى فعل الواجبات العقليّة؛ و قد نبّه اللّه - تعالى - عليه في قوله تعالى: إِنَّ اَلصَّلاٰةَ تَنْهىٰ عَنِ اَلْفَحْشٰاءِ وَ اَلْمُنْكَرِ (2). و اللّطف واجب، و لا يمكن معرفة السّمعيات إلاّ بالبعثة؛ و لأنّ العلم بالعقاب و دوامه، و دوام الثّواب ألطاف في التّكليف قطعا، و اللّطف واجب و لا يمكن معرفة ذلك إلاّ بالسّمع.

و للأوائل في هذا الباب طريق آخر، و هو أنّ الإنسان مدنيّ بالطبع، لافتقاره في انتظام أحواله إلى معاون و مشارك بحيث يفرغ كلّ منهم لبعض مصالح الآخر، فيحصل من المجموع لكلّ واحد ما يحتاج إليه في امور معاشه. و لا شكّ في أنّ الاجتماع مظنّة التّنازع و التغالب، فلا يستمر(3)فائدته إلاّ بسنّة و عدل ينتظم باعتبار استعمالهما(4) أحوال النّوع. و تلك السّنّة

ص: 185


1- . ج: على تعليم الواجبات الشرعية.
2- . العنكبوت: 45/29.
3- . ب: فلا تتمّ.
4- . الف: استعمالها.

و العدل لا بدّ لها من ناصب متميّز عن بني النّوع لعدم الأولويّة في الواضع و كان يفضي إلى ما يقرب منه. و ذلك الامتياز، إنّما هو بفعل لا يتمكن غيره من الاتيان بمثله، و هو المعجزة.

ثمّ إنّ كثيرا من النّاس من يستحقر اختلال(1) حال النّوع بوصول ما يحتاج إليه بحسب الشّخص، فيحتاج إلى تخويف و وعد بوصول ثواب و عقاب إليه اخرويّين عند المخالفة أو الموافقة.

و لمّا كان الإنسان في معرض النّسيان احتاج في تذكار ذلك إلى تكرير ذكر الرّب - تعالى - و وعده و وعيده. و ذلك باستعمال التكاليف الشّرعيّة، فوجب في حكمته - تعالى - بعث رسول منذر(2) بثواب و عقاب، شارع للتكاليف السّمعيّة المتكرّرة، بحسب مقتضى الحكمة الإلهيّة.

ص: 186


1- . ب، ج: اختلاف.
2- . ب: - رسول منذر.

المطلب الثّالث في وجوب العصمة

ذهب الإماميّة خاصّة إلى وجوب عصمة النّبيّ عن فعل قبيح أو إخلال بواجب، خلافا لجميع الفرق؛ فإنّ جمهور الأشاعرة و الحشويّة جوّزوا جميع المعاصي عليهم إلاّ الكفر و الكذب في الأداء. و قال بعض المعتزلة إنّما يجوز عليهم الصّغائر سهوا، و بعضهم عمدا على سبيل التّأويل، و بعضهم على سبيل القصد إلاّ أنّها تقع مكفّرة.

لنا: أنّ انتفاء العصمة يستلزم نقض الغرض بالبعثة، و هو القبول منهم و الامتثال لأوامرهم و نواهيهم، فإنّه لو جوّز المكلّف المعصية عنهم جوّز كون ما أمروا به معصية، و لأنّه يجوز أن يؤدّي بعض ما امر بأدائه و أن يؤدّي غير ما أمر به، فينتفي فائدة البعثة، و لأنّه إذا فعل المعصية وجب الإنكار عليه، فيسقط محلّه من القلوب. و لأنا لو جوّزنا المعصية عليه لم يجب علينا امتثال قوله إلاّ بعد العلم بصدقه، و يلزم الدّور.

و يجب أن يكون معصوما من السّهو في ما يؤدّيه، خلافا لجميع الفرق، و إلاّ لزم نقض غرض البعثة، و أن يكون منزّها عن دناءة الآباء و عهر الأمّهات، و إلاّ لزم التّنفير عنه و سقوط محلّه من القلب.(1)

ص: 187


1- . ج: القلوب.

المطلب الرّابع في نبوّة محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلم

لأنّه ادّعى النّبوّة و ظهرت المعجزة على يده، فيكون صادقا.

و الأولى ضروريّة.

و أمّا الثّانية، فلأنّه ظهر على يده القرآن، و هو معجز، لأنّه تحدّى به فصحاء العرب و عجزوا عن الإتيان بمثله، لأنّه سألهم المعارضة بمثله أو الحرب، فاختاروا الحرب؛ و معلوم أنّه لو تمكّنوا من المعارضة لم يلجئوا إلى أشقّ الأمرين. و لأنّه ظهر على يده معجزات كثيرة، كانشقاق القمر، و نبوع الماء من بين أصابعه، و إشباع الخلق الكثير من الطعام القليل، و غير ذلك. و إن لم يكن كلّ واحد منها متواترا، فإنّها متواترة المعنى.

و أمّا الثّالثة فضروريّة، فإنّ من ادّعى رسالة ملك و قال بحضور جمع عظيم، أيّها الملك إن كنت صادقا فخالف عادتك، ففعل الملك ذلك مرّة بعد اخرى جزم الحاضرون بصدقه.

احتجّت اليهود: بأنّ النّسخ باطل، و إلاّ لزم الأمر بالقبيح أو النّهي عن الحسن؛ و لأنّ موسى عليه السّلام إن بيّن دوام شرعه بطل النّسخ لصدقه، و إن بيّن

ص: 188

انقطاعه وجب تواتره، لتواتر(1) أصل شرعه، و إن لم يبيّن شيئا اقتضى الفعل مرّة. و لقوله عليه السّلام: «تمسّكوا بالسّبت أبدا»(2).

و الجواب: «أنّ الحسن و القبيح يختلف باختلاف المصالح و المفاسد المختلفة باختلاف الأزمان، و تواتر اليهود انقطع، و التأبيد لا يدلّ (3) على الدّوام، لقوله في التّوراة: لنوح عليه السّلام عند خروجه من الفلك: «إنّي جعلت كلّ دابّة حيّة مأكلا لك و لذرّيّتك و أطلقت ذلك لكم كنبات العشب أبدا ما خلا الدّم فلا تأكلوه»(4)، ثمّ حرّم على لسان موسى عليه السّلام كثيرا من الحيوانات.

و في التّوراة: «قرّبوا إليّ كلّ يوم خروفين، خروف غدوة و خروف عشيّة بين المغارب قربانا دائما لاحقا بكم».(5) ثمّ انقطع ذلك الدّوام.

و قال: «يستخدم العبد ستّ سنين، ثمّ يعرض عليه العتق، فإن لم يقبل ثقب اذنه و استخدم أبدا».(6)

و في موضع آخر: «يستخدم خمسين سنة، ثمّ يعتق في تلك السّنة».(7)

و هي كثيرة.

ص: 189


1- . ج: كتواتر.
2- . مبادئ الوصول: 178، نقلا عن سفر الخروج: 144، فصل 31، طبع بيروت - 1937 م.
3- . ج: لا بدّ.
4- . التوراة، السفر الأوّل.
5- . التوراة، السفر الثاني؛ كشف المراد: 487.
6- . شرح التجريد للشعراني: 504؛ مبادئ الوصول: 179.
7- . شرح التجريد للشعراني: 504؛ مبادئ الوصول: 179.

المطلب الخامس في وجه إعجاز القرآن

ذهب الجبّائيّان إلى أنّه الفصاحة. و قال البلخيّ: إنّ جنس القرآن غير مقدور للبشر. و قال الجوينيّ (1): إنّه الفصاحة و الأسلوب. و ذهب المرتضى و النّظّام(2) إلى أنّ اللّه - تعالى - صرف العرب و منعهم عن المعارضة مع تمكّنهم؛ لأنّ العرب كانوا(3) متمكّنين من المفردات و التّركيب، فكانوا قادرين على الجميع.

و احتجّ الأوّلون بأنّ الاعجاز لو كان للصّرفة لوجب أن يكون في غاية الرّكاكة، و القدرة على مطلق التّأليف مسلّم، أمّا على تأليف القرآن فإنّه ممنوع، و الملازمة ممنوعة.

ص: 190


1- . هو أبو المعالي عبد الملك بن عبد اللّه المعروف بإمام الحرمين و الجويني، توفّي سنة 478 ه. قاله في كتابه البرهان في أصول الفقه: 98/1.
2- . هو إبراهيم بن سيار بن هانئ البصري، أبو إسحاق النظام المعتزلي، توفّي سنة 231 ه. الأعلام: 43/1.
3- . ب: كافّة.

المطلب السّادس في تحقيق العصمة

من النّاس من سلب القدرة على المعاصي عن المعصوم، إمّا مع مساواة الغير في الخواصّ البدنيّة، لكن العصمة هي القدرة على الطاعة، أو عدم القدرة على المعصية، و هو قول أبي الحسن الأشعريّ أو مع اختصاصه في نفسه أو بدنه بخاصيّة تقتضي امتناع إقدامه على المعاصي، كما ذهب إليه بعضهم. و منهم من أثبت القدرة و فسّر العصمة بانه امر يفعله - تعالى - بالعبد بحيث لا يقدم معه على المعصية بشرط أن لا ينتهي إلى الإلجاء، و إلاّ لما استحقّ المدح و لبطل التّكليف؛ و لقوله تعالى: إِنَّمٰا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ (1).

و أسباب العصمة عندهم امور أربعة: حصول خاصيّة لنفسه أو بدنه تقتضي ملكة مانعة من الفجور، و حصول العلم بالمدح على الطاعة و الذّمّ على المعصية؛ و تأكيد تلك العلوم بترادف الوحي و ترك اهمال معاتبته عند ترك الأولى. و في اشتراط ترادف الوحي نظر؛ فإنّ الأئمّة و مريم و فاطمة عليهم السّلام معصومون من غير وحي، و التّحقيق أنّ اللّه - تعالى - يفعل به لطفا ينتفي معه داعي المعصية مع قدرته عليها.

ص: 191


1- . المؤمنون: 33/23.

المطلب السّابع في وقت العصمة

اتّفقت الإماميّة على عصمتهم قبل النّبوة و بعدها عن الصّغائر و الكبائر عمدا و سهوا، و إلاّ لزم نقض الغرض من الانقياد إليهم و التّعظيم لهم لسقوط محلّ من كان عاصيا، و جوّزت الفضليّة(1) من الخوارج بعثة من يعلم اللّه - تعالى - منه أنّه يكفر. و ابن فورك(2) جوّز بعثة من كان كافرا، و لم يقع.

و بعض الحشوية زعم أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (أنّه) كان كافرا قبل البعثة، لقوله تعالى: وَ وَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدىٰ (3)، و أطبق المحققون على بطلانه.

و أكثر الأشاعرة جوّزوا الكبيرة على الأنبياء قبل البعثة، لقصّة إخوة يوسف. و منع الباقون من نبوّتهم. و اتفق من عدا الإماميّة على جواز الصّغائر منهم قبل البعثة، لكنّ النّظّام و الأصمّ جوّزه على سبيل السّهو.

ص: 192


1- . ب: الفضيليّة.
2- . هو محمد بن الحسن بن فورك الأنصاري الاصبهاني الشافعي، درس ببغداد و البصرة، توفّي سنة 406 ه. الأعلام للزركلي: 83/6.
3- . الضّحى: 7/93.

المطلب الثّامن في الكرامات

اتّفقت الأشاعرة على جوازها، و هو الحقّ عندي؛ لقصّة مريم و آصف و ما نقل متواترا عن الأئمّة عليهم السّلام من المعجزات. و منع منه المعتزلة، لامتناع(1)الاستدلال به على النّبوّة. و الجواب: أنّه يتميّز عن المعجزة بالتّحدّي.

ص: 193


1- . ب: لجواز امتناع.

المطلب التّاسع في أنّ الأنبياء أفضل من الملائكة

اتّفقت الأشاعرة عليه إلاّ القاضي، لقوله تعالى: إِنَّ اَللّٰهَ اِصْطَفىٰ آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْرٰاهِيمَ وَ آلَ عِمْرٰانَ عَلَى اَلْعٰالَمِينَ (1) و هو يتناول الملائكة؛ و لاشتغالهم بالعبادة مع جواذب الشّهوة و الغضب و الموانع الخارجيّة، فتكون عبادتهم أشقّ، و قال عليه السّلام: «أفضل الأعمال أحمزها»(2) و قالت المعتزلة و الفلاسفة: الملائكة أفضل، لقوله تعالى مٰا نَهٰاكُمٰا رَبُّكُمٰا عَنْ هٰذِهِ اَلشَّجَرَةِ إِلاّٰ أَنْ تَكُونٰا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونٰا مِنَ اَلْخٰالِدِينَ (3)، و قوله: لَنْ يَسْتَنْكِفَ اَلْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلّٰهِ وَ لاَ اَلْمَلاٰئِكَةُ اَلْمُقَرَّبُونَ (4)، مٰا هٰذٰا بَشَراً إِنْ هٰذٰا إِلاّٰ مَلَكٌ كَرِيمٌ (5)، و لأنّ الملائكة جواهر مجرّدة، فتكون أشرف من البشر.

ص: 194


1- . آل عمران: 33/3.
2- . بحار الأنوار: 191/67 و 237، و ج 229/79.
3- . الاعراف: 20/7.
4- . النساء: 172/4.
5- . يوسف: 31/12.

و الجواب: أنّ الآية تدلّ على تفضيل الملك على آدم وقت مخاطبته إبليس، لا بعد الاجتباء، أو أنّ القصد إلاّ أن تكونا ملكين لا يأكلان الطعام و نفي الاستنكاف عن الملائكة لا يدلّ على تفضيلهم على المسيح، بل إنّما ذكرهم بعد المسيح الّذي(1) قالت النّصارى إنّه ابن اللّه، كقول المشركين إنّهم بنات الرّحمن. و تخيّل النّساء أنّ جمال الملك أكثر من جمال البشر لا يدلّ على تفضيل الملك عليه.

ص: 195


1- . ج: نفيا للّذي.

ص: 196

المرصد الثّامن في الإمامة و فيه مطالب

اشارة

ص: 197

ص: 198

[المطلب] الأوّل في وجوبها

الإمامة رئاسة عامّة في امور الدّين و الدّنيا لشخص من الأشخاص.

و اختلف في وجوبها. فمنع منه الأصمّ و الفوطيّ، و ذهب الباقون إلى وجوبها. فعند الإماميّة و أبي الحسين البصريّ و البغداديّين أنّ طريق وجوبها، العقل؛ لكن الإماميّة أوجبوها على اللّه - تعالى -، لكونها لطفا بالضّرورة، فإنّ النّاس متى كان لهم رئيس ينتصف للمظلوم و يردع الظالم، كانوا من الصّلاح أقرب و عن الفساد أبعد؛ و اللّطف واجب، لما تقدّم.

لا يقال: يجوز أن تكون الإمامة لطفا يقوم غيرها مقامها فلا يجب عينا، فإنّ من اللّطف ما لا يقوم غيره مقامه، كالعلم باستحقاق الثّواب و العقاب، و منه ما يقوم غيره، كالتّكاليف السّمعيّة، و إلاّ لم يخل مكلّف من التّكليف السّمعيّ. سلّمنا، لكن يجوز اشتمالها على وجه قبح. و لا يكفي في الوجوب ثبوت وجهه(1) ما لم ينتف عنه وجوه المفاسد.

لأنّا نقول: اتّفاق العقلاء في كلّ مكان و زمان على نصب الرّؤساء دليل

ص: 199


1- . ج: وجه.

على انتفاء غيرها من الألطاف، و وجوه القبح محصورة. و هي منفيّة هنا.

و قال أبو الحسين و البغداديون: إنّها واجبة على العقلاء. و هو خطأ، لما فيه من التّنازع المؤدّي إلى الفساد. و ذهب الجبّائيّان و الأشاعرة إلى أنّها واجبة سمعا.

ص: 200

المطلب الثّاني في وجوب عصمة الإمام

ذهب إليه الإماميّة و الإسماعيليّة، خلافا لباقي الفرق، و إلاّ لزم التّسلسل؛ إذ وجه الوجوب جواز الخطأ على الامّة. فلو كان الرّئيس كذلك افتقر إلى رئيس آخر، و يتسلسل.

و لأنّه حافظ للشّرع، فيجب أن يكون معصوما.

أمّا الاولى فلأنّ الكتاب و السّنة غير وافيين بالأحكام الشّرعيّة و لوقوع النّزاع فيهما و تناهيهما و عدم تناهي الحوادث.

و لا الإجماع، لجواز الخطأ، على كلّ واحد، فكذا المجموع.

و لا القياس، لأنّه ليس حجّة، إذ مبنى شرعنا على اتّفاق المختلفات، كاتّحاد البول و النّوم في الحكم، و اختلاف المتّفقات، كإيجاب صوم آخر رمضان و إفطار أوّل شوّال، فلم يبق سوى الإمام؛ فلو جاز الخطأ عليه لم يبق وثوق بقوله، لجواز خطائه و سهوه.

ص: 201

المطلب الثالث في أنّه يجب أن يكون أفضل [و منصوصا]

لأنّه لو كان مساويا لم يكن أولى بالرّئاسة، و لو كان أنقص قبح تقديمه على الفاضل عقلا، و لقوله تعالى: أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى اَلْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لاٰ يَهِدِّي إِلاّٰ أَنْ يُهْدىٰ فَمٰا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (1) فيكون أعلم و أشجع و أكرم و أزهد و أورع و أحلم، إلى غير ذلك من صفات الكمال. و يكون منزّها عن دناءة الآباء و عهر الأمّهات، لئلا يسقط محلّه من القلب.

و يجب أن يكون منصوصا عليه، لأنّ العصمة من امور الباطنة الّتي لا يعلمها إلاّ اللّه تعالى. و النّصّ إمّا بخلق معجز على يده عقيب ادّعاء الإمامة، أو بتعيين المعصوم عليه، كنبيّ أو إمام.

ص: 202


1- . يونس: 35/10.

المطلب الرّابع في أنّ الإمام بعد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم هو عليّ عليه السّلام

ذهبت الشّيعة إلى ذلك، لوجوه:

الف - إن كان الإمام يجب أن يكون معصوما فهو عليّ عليه السّلام، لكنّ المقدّم حقّ، لما سبق، فالتّالي مثله. و بيان الشّرطيّة، الإجماع؛ إذ لا قائل بعصمة غيره.

ب - تواتر النّصّ من النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم تنقله الشّيعة خلفا عن سلف - في قوله: «سلّموا عليه بإمرة المؤمنين»(1)، و «اسمعوا و أطيعوا له»(2)، و «أنت الخليفة من بعدي»(3).

ج - قوله تعالى: إِنَّمٰا وَلِيُّكُمُ اَللّٰهُ وَ رَسُولُهُ وَ اَلَّذِينَ آمَنُوا... (4) الآية و لفظة «إنّما» للحصر بالنّقل، و لبقاء الوضع و امتناع توارد النّقيضين على محلّ واحد، و ورود النّفي على المذكور فتعيّن العكس.

ص: 203


1- . الغدير: 9/1-12.
2- . معاني الأخبار: 352.
3- . الصوارم المهرقة: 188.
4- . المائدة: 55/5.

و المراد بال «وليّ» هو الأولى بالتّصرّف عرفا و وضعا. و المراد:

«البعض»، لاتّصافه بوصف خاصّ. فهو عليّ عليه السّلام لانتفاء الوصف عن غيره، و ثبوته فيه لمّا تصدّق بخاتمه(1) حال ركوعه.

د - تواتر النّقل عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يوم الغدير في قوله: «أ لست أولى منكم بأنفسكم، قالوا بلى، قال: فمن كنت مولاه فعليّ مولاه، اللّهمّ وال من والاه و عاد من عاداه، و انصر من نصره، و اخذل من خذله».(2) و المراد بالمولى:

«الأولى». لسبق تمهيد القاعدة به و لامتناع إرادة غيره من معانيها، لاستحالة أن يجمع النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الامّة وقت الهجّير و ينصب شبه المنبر و يأخذ بعضد عليّ عليه السّلام و يريد «من كنت» ابن عمّه، فهذا عليّ ابن عمّه؛ أو من كنت خليفته فهذا خليفته، أو من كنت ناصره فهذا ناصره. مع قوله تعالى: وَ اَلْمُؤْمِنُونَ وَ اَلْمُؤْمِنٰاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيٰاءُ بَعْضٍ (3).

ه - قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ إنّه لا نبيّ بعدي»(4)، و الاستثناء يقتضي التّعميم.(5)

و من جملة منازله أنّه لو عاش بعده لكان باقيا على الخلافة، و إلاّ لزم هبوط منزلته، و لأنّه معصوم يستحقّ خلافته.

ص: 204


1- . ج: بخاتم.
2- . عيون أخبار الرضا: 58/2.
3- . التوبة: 71/9.
4- . الكافي: 107/8، الحديث 80.
5- . ج: العموم.

و - عليّ عليه السّلام أفضل، فهو الإمام. أمّا الملازمة، فلما تقدّم من قبح تقديم المفضول. و أمّا صدق «الأولى»، فلانتساب العلماء بأسرهم إليه. و قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

«أقضاكم عليّ»(1) و هو مشروط بالعلم و الزّهد، و لرجوع الصّحابة في وقائعهم إليه؛ و قول عمر في عدّة مواطن «لو لا عليّ لهلك عمر».(2)

و لقضاياه الغريبة «كوزن قيد(3) العبد بالماء»(4) و قسمة ثمانية دراهم في قضيّة «الأرغفة الثّمانية»(5) و إعطاء صاحب الثّلاثة درهما و الباقي للآخر، و غير ذلك من غرائب القضايا.

و لإجماع المفسّرين على أنّ المراد بقوله وَ أَنْفُسَنٰا (6) عليّ عليه السّلام؛ و الاتّحاد محال، فالمراد، المساوي؛ و لخبر الطائر حين قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «اللهمّ ائت بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر»(7).

و اتّخذه أخا لنفسه دون غيره من الصّحابة. و قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه و إلى يوشع(8) في تقواه و إلى إبراهيم في

ص: 205


1- . الغدير: 95/3-98.
2- . ذخائر العقبى: 80 و 82.
3- . ج: كوزن المقيدة الماء و ضمّ.
4- . راجع بحار الأنوار: 280/40-281.
5- . راجع مناقب ابن شهرآشوب: 329/1؛ كنز العمال: 835/5 برقم 14512.
6- . آل عمران: 61/3.
7- . أمالي الصدوق: 753، الحديث 3، المجلس 94؛ إرشاد المفيد: 38/1؛ مستدرك الحاكم: 3 / 132؛ المعجم الأوسط: 207/2 و ج 90/6 و ج 267/7.
8- . ج: نوح.

حلمه(1) و إلى عيسى في عبادته، فلينظر إلى عليّ بن أبي طالب»(2)، و قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «عليّ خير البشر، فمن أبى فقد كفر»(3)، و غير ذلك من الآثار و الآيات مذكور في كتاب النّهاية.

ز - الإجماع على أنّ أبا بكر و العبّاس كانا كافرين، فلا يصلحان للإمامة، لقوله تعالى: لاٰ يَنٰالُ عَهْدِي اَلظّٰالِمِينَ (4) و عليّ عليه السّلام لم يسبق له كفر، فتعيّن للإمامة.

ص: 206


1- . ج: فحكمه.
2- . روضة الواعظين: 28؛ الغدير: 358/3.
3- . من لا يحضره الفقيه: 493/3؛ تاريخ مدينة دمشق: 372/42.
4- . البقرة: 124/2.

المطلب الخامس في إمامة باقي الأئمّة الاثني عشر عليهم السّلام

يدلّ عليه ما سبق في إمامة عليّ عليه السّلام من وجوب العصمة و النّصّ و النّقل المتواتر(1) خلفا عن سلف بأنّ كلّ واحد منهم نصّ على من بعده، و تواتر النّقل عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم - في قوله للحسين عليه السّلام: «هذا ابني، إمام، ابن إمام، أخو إمام، أبو أئمّة تسعة، تاسعهم قائمهم»(2). و غيبة الإمام عليه السّلام مستندة إلى منع المكلّفين أنفسهم اللّطف أو لمصلحة خفيّة(3) استأثر اللّه - تعالى - بعلمها؛ و لا ينافي اللّطف، لأنّ تجويز ظهوره في كلّ آن زاجر عن القبائح.

خاتمة

يجب الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر إجماعا، سمعا على الأشهر، و إلاّ لما ارتفع معروف و لما وقع منكر، أو كان اللّه - تعالى - مخلاّ بالواجب، لأنّ الأمر بالمعروف هو الحمل عليه، و النّهي هو المنع من المنكر. فلو وجبا

ص: 207


1- . ج: البقاء المنزلة.
2- . دلائل الإمامة: 240؛ إثبات الهداة: 617/3 ح 174؛ كشف اليقين: 118.
3- . ج: المصلحة خيفيّة.

بالعقل لوجبا على اللّه تعالى، لأنّ كلّ واجب عقليّ فهو واجب على من حصل له(1) وجه الوجوب. و لهما شرائط: أن يعلم المعروف معروفا و المنكر منكرا، و تجويز تأثير الإنكار و انتفاء المفاسد عنه و عن بعض المؤمنين.

ص: 208


1- . ج: على من قصده به.

المرصد التّاسع في المعاد و فيه مطالب

اشارة

ص: 209

ص: 210

[المطلب] الأوّل في إمكان خلق عالم آخر

اتّفق المليّون(1) عليه، خلافا للفلاسفة، لتساوي المثلين(2) في الأحكام، و الإمكان من لوازم الماهيّة و للإجماع، و لقوله تعالى: أَ وَ لَيْسَ اَلَّذِي خَلَقَ اَلسَّمٰاوٰاتِ (3) الآية.

احتجّوا بأنّ العالم كرة، و يلزم الخلأ من وجود اخرى.

و الصّغرى ممنوعة و نمنع استحالة الخلأ و لزومه.

ص: 211


1- . ب، ج: المسلمون.
2- . ج: المسلمين.
3- . يس: 81/36.

المطلب الثّاني في إمكان عدم العالم

اشارة

اتفق المليّون(1) إلاّ الكراميّة عليه، خلافا للفلاسفة، لأنّه ممكن و محدث فجاز عدمه، و يجوز عدم الزّمان و لا يفتقر إلى زمان، كما في تقدّم بعض أجزائه على بعض. و احتجاج الكراميّة بأنّ عدمه ليس بالفاعل، لأنّ الأعدام إن كان وجوديّا لم يكن عين عدم العالم، بل مفضيا له، فيكون أعداما بالضّدّ، و إن لم يكن وجوديّا امتنع إسناده إلى المؤثّر، إذ لا فرق بين لا أثر له و بين أثر العدم، و لا بالضّد، لأنّ حدوثه متوقف على انتفاء الضّدّ الآخر.

فلو علّل انتفاء الضّدّ بحدوث هذا دار، و لأنّه ليس انتفاء أحدهما بالآخر أولى من العكس، و قوّة الحادث لتعلّق السّبب مشتركة، و لا بعدم(2)الشّرط إذ ليس إلاّ العرض، فيكون الجوهر محتاجا إلى العرض. و هو دور باطل؛ لأنّ الاعدام ليس وجوديّا.

ص: 212


1- . ب: المسلمون.
2- . ب: لعدم/ج: العدم.

و الفرق بين نفي الفعل و فعل العدم ظاهر، فإنّ الأوّل حكم بعدم صدور شيء البتة، و أنّ الحال مستمرّ على ما كان، و الثّاني حكم بصدوره عن الفاعل.

و بتجدد العدم بعد أن لم يكن و العدمان يتمايزان: إمّا بالانتساب إلى وجودين أو بانتساب أحدهما خاصّة. و الحادث لا يتوقف على عدم الباقي، بل عدم الباقي معلول الحادث و الحاجة، و إن اشتركت إلاّ أنّ الموجد أقوى من المبقيّ.

لأنّ الإيجاد إعطاء الوجود الّذي لم يكن أصلا. و التّبقية حفظ الوجود الحاصل. و لكونه أقوى يترجّح الحادث و يعدم المرجوح و يمنع انحصار الشّرط في العرض،(1) لجواز أن يكون عدميّا.

سلّمنا، لكن جهة الاحتياج مختلفة، فإنّ الجوهر المعيّن(2) محتاج إلى عرض ما، لا بعينه، و العرض المعيّن محتاج إلى جوهر معيّن.

تذنيب

ذهب جمهور المتكلّمين إلى أنّ العالم يعدم، لقوله تعالى: كُلُّ مَنْ عَلَيْهٰا فٰانٍ (3)كُلُّ شَيْ ءٍ هٰالِكٌ إِلاّٰ وَجْهَهُ (4)، هُوَ اَلْأَوَّلُ

ص: 213


1- . ج: العوض.
2- . ج: للعين.
3- . الرحمن: 26/55.
4- . القصص: 88/28.

وَ اَلْآخِرُ (1) ، كَمٰا بَدَأْنٰا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ (2) و لمّا كان الابتداء عن عدم فكذا الإعادة.

و قال أبو الحسين البصريّ: إنّه لا يعدم بل يتفرق أجزاؤه؛ لأنّه(3) لو عدم لم يعد، و التّالي باطل فالمقدّم مثله. أمّا الشّرطيّة، فلما يأتي. و أمّا بطلان اللازم؛ فلأنّ المكلّف يستحقّ الثّواب. فلو لم يعد لزم الظلم، و للعلم الضّروريّ من دين محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و تواتر الآيات الدّالّة عليه.

ص: 214


1- . الحديد: 3/57.
2- . الأنبياء: 104/21.
3- . ج: إلاّ أنّه.

المطلب الثّالث في إمكان إعادة المعدوم

اشارة

اختلف النّاس في ذلك، فذهب الجمهور إليه؛ لأنّ ماهيّته قابلة للوجود و العدم، فأمكن تعاقبهما(1) عليه، و إلاّ لانقلب(2) الإمكان الصّرف إلى أحد قسيميه، و هو باطل بالضّرورة.

و ذهبت الفلاسفة و أبو الحسين البصريّ و الكراميّة إلى امتناع إعادته لانّه نفي محض، فلا يصحّ الحكم عليه بصحّة العود، و لأنّه لو وجد لم يتميّز عن مثله، و لأنّه لو أعيد لأعيد وقته، فيكون مبتدأ معادا.

و الجواب:

لو لم يصح الحكم عليه بامكان العود لامتنع الحكم عليه بامتناعه، و لأنّ الحكم يستدعي الثّبوت الذّهنيّ، و عدم الامتياز عندنا لا يقتضي عدمه في نفس الأمر، و يصحّ الحكم عليه بالإعادة و الابتداء باعتبارين.

ص: 215


1- . ج: يعاقها.
2- . ج، ب: لانتقل.

المطلب الرّابع في ثبوت المعاد

اشارة

اتفق المسلمون كافّة على إثبات المعاد البدنيّ. أمّا من جوّز إعادة المعدوم فظاهر؛ لأنّه ممكن، و اللّه - تعالى - أخبر بوقوعه. و أمّا من منع من إعادة المعدوم فإنّه يقول: الإعادة بمعنى جمع الأجزاء بعد تفريقها. و هو في نفسه ممكن أيضا. أمّا بالنّظر إلى القابل، فلأنّ الجسم قابل للأعراض القائمة به، و هذا القبول(1) ذاتيّ؛ و أمّا بالنّظر إلى الفاعل، فلانّه - تعالى - عالم بكلّ المعلومات، فيعلم أجزاء كلّ شخص، و هو قادر على جميع المقدورات، فيجمع أجزاء كل بدن، و يخلق فيها(2) الحياة.

و منع الأوائل من المعاد البدنيّ، لأنّ حدوث المزاج يقتضي حدوث نفس، فيتعلق نفسان ببدن واحد، و لأنّ إنسانا لو أكل آخر ضاع أحدهما.

و الجواب ما تقدّم من المنع من وجود النّفس و من تعلّقها ببدن مستعدّ لنفس ثانية، و المأكول أجزاء فاضلة(3) بالنّسبة إلى الآكل.

ص: 216


1- . الف: لقبول.
2- . ب: فيه.
3- . الف: فاصلة.

تنبيه

كلّ من له حقّ على اللّه - تعالى - و على غيره يجب إعادته للانتصاف منه، و قد أجمع المسلمون على إعادة الكفّار و أطفال المؤمنين و إن لم يستحقّوا عوضا و لا يستحقّ عليهم عوض.

تذنيب

سائر السّمعيات من عذاب القبر، و الصّراط، و الميزان، و تطاير الكتب، و إنطاق الجوارح، و أحوال الجنّة و النّار، امور ممكنة، و قد أخبر الصّادق بوقوعها، فتقع.

ص: 217

المطلب الخامس في الوعد و الوعيد

اشارة

اتّفق أهل العدل إلاّ الكعبيّ على أنّ المطيع يستحقّ بطاعته الثّواب، خلافا للأشعريّة، و إلاّ لكان التّكليف قبيحا، لما مرّ(1) من المشقّة من غير عوض. و ذلك العوض إن صحّ الابتداء بمثله كان التّكليف عبثا، فهو ممّا لا يصحّ الابتداء به، و هو الثّواب.

احتجّوا: بأنّ الطاعة لو أوجبت الثّواب لأثيب المرتدّ لو(2) مات على ردّته ثواب المؤمن، و التّالي باطل إجماعا، فكذا المقدّم.

بيان الشّرطيّة: أنّه بإيمانه يستحقّ الثّواب، فلا بدّ من إيصاله إليه.

و الجواب:

أنّ استحقاق الثّواب يتوقّف على الموافاة، و اتّفق أهل العدل على أنّ العاصي يستحقّ بمعصيته العقاب، خلافا للأشعريّة، فعند المرجئة و بعض الإماميّة أنّ العلم به مستفاد من السّمع. و عند المعتزلة و بعض الإماميّة أنّه مستفاد من العقل، لما فيه من اللّطف، لأنّ العلم بالعقاب

ص: 218


1- . ب: فيه.
2- . ب: إذا.

على ترك الطاعة و فعل المعصية يقرّب إلى فعل الطاعة و ترك المعصية، فلا بدّ من العلم بالعقاب؛ و لأنّه - تعالى - أوجب أفعالا فإمّا لما فيها من النّفع.

و هو باطل بالنّوافل أو لما في تركها من الضّرر، و هو المطلوب.

فائدة

ذهبت المعتزلة و من وافقها من الاماميّة إلى أنّ العلم بدوام الثّواب و العقاب عقليّ، لأنّ المكلّف معه يكون أقرب إلى فعل الطاعة و ترك القبيح، فيكون أدخل في باب اللّطف، فيكون أدخل في باب الوجوب، و لأنّ المقتضي للثّواب و العقاب و المدح و الذّمّ هو الطاعة و المعصية، فلمّا كان المدح و الذّمّ دائمين وجب دوام الآخرين، لاستلزام دوام المعلول دوام علّتها المستلزم لدوام معلولها.

ذهبت المرجئة و من وافقها من الإماميّة إلى أنّه سمعيّ.

تنبيه

يجوز توقّف الثّواب على شرط، و إلاّ لكان من عرف اللّه تعالى، و لم ينظر في امر النبيّ فلم يعرفه، مستحقّا للثّواب، و التّالي باطل إجماعا، فالمقدّم مثله.

بيان الشّرطيّة: أنّ معرفة اللّه - تعالى - طاعة مستقلّة بنفسها. فلو لم يكن الاستحقاق مشروطا لزم إثابة المكذّب للنّبيّ، و هو باطل.

ص: 219

تذنيب

استحقاق الثّواب مشروط بالموافاة أو ساقط بالعقاب، لقوله تعالى:

لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ،(1) و ليس لأنّ العمل وقع باطلا لتعليق البطلان بالشّرك، فإن كان الاستحقاق ثابتا كان معنى البطلان سقوط الثّواب المستحقّ بالشّرك المتجدّد، و إن لم يكن كان معنى بطلان العمل عدم الاتيان بشرط الاستحقاق الّذي هو الموافاة، فلم يستحقّ الثّواب، فيكون العمل باطلا.

ص: 220


1- . الزمر: 65/39.

المطلب السّادس في الإحباط و التكفير

ذهبت الإماميّة و الأشعريّة و المرجئة إلى نفيهما؛ لأنّ الثّواب و العقاب إن لم يتنافيا فالمطلوب، و إن تنافيا لم يكن الطارئ بإزالة الباقي أولى من منع الباقي الطارئ من الوجود.

و لأنّ الطارئ إن اعتبر فيه الزّيادة، كما يقوله أبو هاشم في الموازنة، فإن لم يسقط النّاقص منه شيئا كان وجود النّاقص و عدمه سواء. و هو باطل، لقوله تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقٰالَ ذَرَّةٍ (1) و إن سقط بإزائه لم يكن بعض الآحاد أولى بالسّقوط، و إن سقط الجميع لزم خلاف الموازنة، و إن لم يعتبر فيه الزّيادة، بل يكفي في كونه نافيا تأخّره، سواء زاد أو نقص، لزم أن يكون من عبد اللّه(2) - تعالى - مدّة عمره ثمّ عزم في آخره على معصية، مساويا لمن لم يعبد البتة.

و ذهبت المعتزلة إلى إثباتهما؛ لأنّ كلّ واحد من الثّواب و العقاب لو لم

ص: 221


1- . الزّلزلة: 7/99.
2- . ب: عند اللّه.

يحبط الآخر عند زيادته أو تأخّره لوصلا إلى المكلّف، لبقاء الاستحقاق، و لا يمكن الجمع، فإنّ شرط الثواب خلوصه من الشّوائب،(1) و مقارنة التّعظيم و الإجلال له، و لا سبق أحدهما لوجوب دوامهما، و هو ممنوع لما يأتي.

ص: 222


1- . ب: الشوائر.

المطلب السّابع في التّوبة

اشارة

قالت البهشميّة إنّها النّدم على المعصية و العزم على ترك المعاودة، و لم يجعل الخوارزميّ الأخير شرطا و لا جزءا. و هي واجبة، لأنّها دافعة لضرر العقاب.

فإن كانت من فعل قبيح تتضمّن إيصال ضرر إلى الغير، كالظلم و القذف، لم تصحّ إلاّ بعد الخروج إلى المظلوم أو ورثته من حقّه إن أمكن و العزم على الأداء إن لم يكن؛ و إن كان إضلالا لم يصحّ إلاّ بعد أن يبيّن للضّال بطلان قوله و رجوعه منه إن أمكن. و إن لم تتضمّن إيصال ضرر إلى الغير، كالزّنا و شرب الخمر، كفى النّدم و العزم على ترك المعاودة.

و إن كانت من إخلال بواجب يمكن فعله في كلّ وقت، كالزّكاة، لم يصحّ إلاّ بعد أدائه إن أمكن، و إن اختصّ بوقت، كالصّلاة، افتقر إلى الاشتغال في القضاء إن أمكن.

ص: 223

تنبيه

ذهبت المعتزلة إلى وجوب سقوط العقاب عندها، و إلاّ لقبح تكليف العاصي بعد عصيانه، إذ لم يبق له طريق إلى الخروج من العقاب، فلم يبق له طريق إلى الثّواب، و هو مبنيّ على دوام العقاب.

و ذهبت المرجئة إلى أنّه تفضّل، و إلاّ لوجب قبول عذر من أساء إلينا بأعظم الإساءة.

تذنيب

ذهب أبو هاشم إلى أنّها لا تصحّ من قبيح دون آخر، لأن التّوبة من القبيح يجب أن تكون لقبحه، و إلاّ لم تكن توبة مقبولة أو لم تكن مقبولة، و القبح حاصل في الجميع، فلو تاب من بعضه لكشف غيره أنّ توبته لا للقبح.

و قال أبو عليّ: تصحّ، و إلاّ لما صحّ الإتيان بواجب دون واجب؛ لأنّ التّوبة كما يجب من القبيح لقبحه، كذا فعل الواجب إنّما يجب لوجوبه. فإن اقتضى الاشتراك في الأوّل المنع من التّخصيص فكذا في الثّاني. و الفرق ظاهر بين الفعل و التّرك.

ص: 224

المطلب الثّامن في جواز العفو

منع المعتزلة منه سمعا، فالبصريّون على جوازه عقلا، و البغداديّون على منعه عقلا. و الحقّ جوازه سمعا و عقلا، لأنّه إحسان، فيكون حسنا و لأنّه حقّ اللّه تعالى، فجاز إسقاطه. و لقوله تعالى: وَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنّٰاسِ عَلىٰ ظُلْمِهِمْ (1) و قوله: إِنَّ اَللّٰهَ لاٰ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ مٰا دُونَ ذٰلِكَ لِمَنْ يَشٰاءُ (2) و للإجماع على ثبوت الشّفاعة للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و ليست في زيادة المنافع، و إلاّ لكنّا شافعين في النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فهي من(3) إسقاط المضارّ.

و نفي شفيع يطاع لا يستلزم نفي مطلق الشّفيع.

احتجّوا: بأنّ فيه إغراء بالقبيح، فإنّ العاقل متى علم العفو أقدم، و لاستلزامه الكذب في آيات الوعيد. و ينتقض الأوّل بسقوط العقاب بالتّوبة، و تجويز عدمها كتجويز عدم العفو، و آيات الوعيد مشروطة بعدم العفو.

ص: 225


1- . الرعد: 6/13.
2- . النساء: 48/4.
3- . ب: في.

المطلب التّاسع في أنّ عذاب الفاسق منقطع

خلافا للوعيديّة.

لنا: قوله تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقٰالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (1)، و هو مستحقّ للثّواب بإيمانه، فلا بدّ من إيصاله إليه. و لا يمكن أن يكون قبل العقاب إجماعا، و لعدم خلوصه من الشّوائب، فيتعيّن العكس.

احتجّوا بالآيات الدّالّة على الخلود، كقوله تعالى: وَ يَخْلُدْ فِيهِ مُهٰاناً (2)وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزٰاؤُهُ جَهَنَّمُ خٰالِداً فِيهٰا (3) و غير ذلك.

و يخصّ بالكفّار أوان الخلود للزمان المتطاول.

أمّا الكفّار،(4) فقد أجمع المسلمون كافّة على خلودهم في النّار.

ص: 226


1- . الزّلزال: 7/99.
2- . الفرقان: 69/25.
3- . النساء: 93/4.
4- . «ب»: المسلمون.

المطلب العاشر في الأسماء و الأحكام

الإيمان لغة التّصديق، و شرعا تصديق الرّسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في كلّ ما علم مجيئه به ضرورة، و لا يكفي التّصديق بالقلب عن التّصديق باللّسان و بالعكس، لقوله تعالى: فَلَمّٰا جٰاءَهُمْ مٰا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ (1) فأثبت المعرفة و الكفر، وَ جَحَدُوا بِهٰا وَ اِسْتَيْقَنَتْهٰا أَنْفُسُهُمْ (2) و قوله: وَ مِنَ اَلنّٰاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنّٰا بِاللّٰهِ وَ بِالْيَوْمِ اَلْآخِرِ وَ مٰا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (3) فأثبت الإقرار باللّسان دون القلب.

و عند الأشاعرة: أنّه التّصديق النّفسانيّ و عند الكرّاميّة: أنّه الإقرار بالشّهادتين، و عند قدماء المعتزلة و القاضي عبد الجبّار، أنّه فعل الجوارح من الطاعات.

و أمّا الكفر، فهو عدم الإيمان إمّا بضدّ اعتقاد علمه أو لا بضدّ. و الفسق

ص: 227


1- . البقرة: 89/2.
2- . النمل: 14/27.
3- . البقرة: 8/2.

الخروج عن الشّيء، و النّفاق إن يبطن خلاف ما يظهر، و هو في الشّرع إظهار الإيمان و إبطان الكفر.

و اختلفوا في الفاسق، فعند المعتزلة: أنّه لا مؤمن و لا كافر، بل هو منزلة بين المنزلتين، لأنّ الإيمان فعل الواجبات و الامتناع عن المحظورات، فلا يكون مؤمنا و لا كافرا، لأنّه يغسّل و يكفّن و يدفن في مقابر المسلمين، و يصلّى عليه، و ينكح و يقاد به.

و عند الحسن البصريّ أنّه منافق، لأنّ من يعتقد الضّرر في فعل يمتنع عنه. فلو اعتقد الفاسق العقاب لم يعص.

و عند الخوارج أنّه كافر و عند الأزارقة منهم أنّه مشرك، و عند المرجئة و الإماميّة و الأشعريّة أنّه مؤمن، لأنه يصدّق(1) للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، في جميع ما جاء به بالضّرورة.

و اعلم أنّ الإيمان لمّا كان هو التّصديق لم يقبل الشّدّة و الضّعف و لا الزّيادة و النّقصان، و عند المعتزلة أنّه اسم لفعل الطاعات فكان قابلا لهما.

و عند الإماميّة: اصول الإيمان التّصديق باللّه و بتوحيده و بعدله و بالنّبوّة و بالإمامة.

و المعتزلة قالوا: اصول الإيمان خمسة: التّوحيد و العدل و النّبوّة و الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر و الوعد و الوعيد. و من لم يقرّ ببعض هذه لم

ص: 228


1- . ب: مصدّق.

يكن مسلما، و من أقرّ بذلك و فعل كبيرة لم يكن مؤمنا.

و التّكليف ساقط في الآخرة. أمّا أهل الثّواب فلوجوب خلوصه من المشاقّ.

و أمّا المعاقب، فلأنّه نوع إلجاء.

و ليكن هذا آخر ما قصدنا إثباته(1) في هذا الكتاب، و اللّه الموفّق للصّواب.

[تمّ الكتاب و الحمد للّه رب العالمين]

ص: 229


1- . ب: ايراده.

ص: 230

الفهارس

اشارة

1. فهرس الآيات

2. فهرس الأحاديث و الروايات

3. فهرس الأعلام و الرواة

4. فهرس اسماء الكتب الواردة في المتن

5. فهرس الفرق و المذاهب

6. فهرس مصادر التحقيق

7. فهرس المحتويات

ص: 231

ص: 232

فهرس الآيات

- أَرِنَا اَللّٰهَ جَهْرَةً (53/4)158

- أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى اَلْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لاٰ يَهِدِّي إِلاّٰ أَنْ يُهْدىٰ فَمٰا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (35/10)، 202

- إِلىٰ رَبِّهٰا نٰاظِرَةٌ

- اَلَّذِي خَلَقَ اَلْمَوْتَ وَ اَلْحَيٰاةَ (2/67)، 74

- إِنَّ اَلصَّلاٰةَ تَنْهىٰ عَنِ اَلْفَحْشٰاءِ وَ اَلْمُنْكَرِ (45/29)، 185

- إِنَّ اَللّٰهَ اِصْطَفىٰ آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْرٰاهِيمَ وَ آلَ عِمْرٰانَ عَلَى اَلْعٰالَمِينَ (3 / 33)، 194

- إِنَّ اَللّٰهَ لاٰ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ مٰا دُونَ ذٰلِكَ لِمَنْ يَشٰاءُ (48/3)، 225

- إِنَّمٰا أَمْرُهُ إِذٰا أَرٰادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82/36)149

- إِنَّمٰا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ (33/23)191

- إِنَّمٰا وَلِيُّكُمُ اَللّٰهُ وَ رَسُولُهُ وَ اَلَّذِينَ آمَنُوا (55/5)203

ص: 233

- أَ وَ لَيْسَ اَلَّذِي خَلَقَ اَلسَّمٰاوٰاتِ (81/36)211

- سَوٰاءٌ عَلَيْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ (6/2)165

- فَانْتَشِرُوا فِي اَلْأَرْضِ وَ اِبْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اَللّٰهِ (10/62)179

- فَلَمّٰا جٰاءَهُمْ مٰا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ (89/2)227

- فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقٰالَ ذَرَّةٍ (8/99)221، 226

- كُلُّ ذٰلِكَ كٰانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً (38/17)170

- كُلُّ شَيْ ءٍ هٰالِكٌ إِلاّٰ وَجْهَهُ (88/28)213

- كُلُّ مَنْ عَلَيْهٰا فٰانٍ (26/55)213

- كَمٰا بَدَأْنٰا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ (104/21)214

- لِئَلاّٰ يَكُونَ لِلنّٰاسِ عَلَى اَللّٰهِ حُجَّةٌ بَعْدَ اَلرُّسُلِ (65/4)184

- لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ (65/39)220

- لاٰ تُدْرِكُهُ اَلْأَبْصٰارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ اَلْأَبْصٰارَ (103/6)157

- لاٰ يَنٰالُ عَهْدِي اَلظّٰالِمِينَ (124/2)206

- لَنْ تَرٰانِي (143/7)157

- لَنْ يَسْتَنْكِفَ اَلْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلّٰهِ وَ لاَ اَلْمَلاٰئِكَةُ اَلْمُقَرَّبُونَ (172/4)194

ص: 234

- لَوْ شٰاءَ اَللّٰهُ مٰا أَشْرَكْنٰا (148/6)170

- مٰا أَغْنىٰ عَنْهُ (2/111)165

- مٰا نَهٰاكُمٰا رَبُّكُمٰا عَنْ هٰذِهِ اَلشَّجَرَةِ إِلاّٰ أَنْ تَكُونٰا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونٰا مِنَ اَلْخٰالِدِينَ (20/7)194

- مٰا هٰذٰا بَشَراً إِنْ هٰذٰا إِلاّٰ مَلَكٌ كَرِيمٌ (31/12)194

- وَ اَللّٰهُ لاٰ يُحِبُّ اَلْفَسٰادَ (205/2)170

- وَ اَلْمُؤْمِنُونَ وَ اَلْمُؤْمِنٰاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيٰاءُ بَعْضٍ (71/9)204

- وَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنّٰاسِ عَلىٰ ظُلْمِهِمْ (6/13)، 225

- وَ أَنْفُسَنٰا (61/3)205

- وَ أَنْفِقُوا مِنْ مٰا رَزَقْنٰاكُمْ (10/63)179

- وَ جَحَدُوا بِهٰا وَ اِسْتَيْقَنَتْهٰا أَنْفُسُهُمْ (14/27)227

- وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نٰاضِرَةٌ (23/75)158

- وَ كَلَّمَ اَللّٰهُ مُوسىٰ تَكْلِيماً (164/4)143

- وَ لاٰ يَرْضىٰ لِعِبٰادِهِ اَلْكُفْرَ (7/39)170

- وَ لَوْ شٰاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي اَلْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً (10/99)171

- وَ مٰا أُمِرُوا إِلاّٰ لِيَعْبُدُوا اَللّٰهَ مُخْلِصِينَ لَهُ اَلدِّينَ (5/98)170

ص: 235

- وَ مٰا كُنّٰا مُعَذِّبِينَ (15/17)86

- وَ مَا اَللّٰهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعٰالَمِينَ (108/3)170

- وَ مٰا خَلَقْتُ اَلْجِنَّ وَ اَلْإِنْسَ إِلاّٰ لِيَعْبُدُونِ (56/51)170

- وَ مِنَ اَلنّٰاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنّٰا بِاللّٰهِ وَ بِالْيَوْمِ اَلْآخِرِ وَ مٰا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8/2)227

- وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزٰاؤُهُ جَهَنَّمُ خٰالِداً فِيهٰا (93/4)226

- وَ وَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدىٰ (7/93)192

- وَ يَخْلُدْ فِيهِ مُهٰاناً (69/25)226

- هُوَ اَلْأَوَّلُ وَ اَلْآخِرُ (4/57)213

ص: 236

فهرس الأحاديث و الروايات

افضل الاعمال أحمزها 194

اقضاكم عليّ 205

الست اولى منكم بانفسكم، قالوا: بلى، قال: فمن كنت مولاه فعلىّ مولاه، اللهمّ وال من والاه و عاد من عاداه و انصر من نصره و اخذل من خذله. 204

اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر. 205

انت الخليفة من بعدي 203

أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي 204

انّي جعلت كل دابة حيّة مأكلا لك و لذريتك و اطلقت ذلك لكم كنبات العشب ابدا ما خلا الدّم فلا تأكلوه 189

تمسّكوا بالسّبت ابدا 189

جرح العجماء جبار 177

«سلّموا عليه» بإمرة المؤمنين 203

علي خير البشر، فمن أبى فقد كفر 206

ص: 237

قرّبوا إليّ كل يوم خروفين، خروف غدوة و خروف عشية بين المغارب قربانا دائما لاحقا بكم 189

لو لا علي لهلك عمر 205

من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه و إلى نوح في تقواه و إلى إبراهيم في حلمه و الى عيسى في عبادته فلينظر الى عليّ بن أبي طالب 205

و اسمعوا و اطيعوا له 203

هذا ابني إمام ابن إمام اخو إمام أبو أئمة تسعة تاسعهم قائمهم افضلهم 207

يستخدم العبد ستّ سنين، ثمّ يعرض عليه العتق، فان لم يقبل العتق ثقب اذنه و استخدم أبدا 189

يستخدم خمسين سنة، ثم يعتق في تلك السنة 189

ينتصف للجمّاء من القرناء 177

وزن قيد العبد بالماء المشهورة ب «قضية الحالف»: قضى علي عليه السّلام قضية في زمن عمر بن الخطّاب قالوا: إنّه اجتاز عبد مقيّد على جماعة، فقال أحدهم: إن لم يكن في قيده كذا و كذا فامرأته طالق ثلاثا، فقال الآخر: إن كان فيه كما قلت فامرأته طالق ثلاثا، قال: فقاما فذهبا مع العبد إلى مولاه، فقالا له: إنّا حلفنا بالطّلاق ثلاثا على قيد هذا العبد، فحلّه نزنه، فقال سيّده: امرأته طالق ثلاثا إن حلّ قيده، فطلق الثلاثة نساءهم، فارتفعوا إلى عمر بن الخطّاب و قصّوا عليه القصّة، فقال عمر: مولاه أحقّ به، فاعتزلوا

ص: 238

نساءهم قال: فخرجوا و قد وقعوا في حيرة، فقال بعضهم لبعض: اذهبوا بنا إلى أبي الحسن عليه السّلام لعلّه أن يكون عنده شيء في هذا، فأتوه فقصّوا عليه القصّة، فقال لهم: ما اهون هذا! ثمّ إنّه عليه السّلام اخرج جفنة و امر أن يحطّ العبد رجله في الجفنة و أن يصبّ الماء عليها، ثمّ قال: ارفعوا قيده من الماء فرفع قيده و هبط الماء فأرسل عوضه زبرا من الحديد و زنوه، فإنّه وزن القيد، قال: فلمّا فعلوا ذلك و انفصلوا و حلّت نساؤهم عليهم خرجوا و هم يقولون: نشهد أنّك عيبة علم النبوة و باب مدينة علمه، فعلى من جحد حقّك لعنة اللّه و الملائكة و الناس اجمعين. 205

قضية صاحب الأرغفة:

جلس رجلان يتغذيان، مع أحدهما خمسة أرغفة و مع الآخر ثلاثة أرغفة.

فلمّا وضعا الغذاء بين ايديهما مرّ بهما رجل فسلّم. فقالا: اجلس للغذاء فجلس و اكل معهما و استوفوا في اكلهم الارغفة الثّمانية. فقام الرّجل و طرح إليهما ثمانية دراهم و قال: خذا هذا، عوضا مما اكلت، لكما و نلته من طعامكما، فتنازعا و قال صاحب الخمسة الارغفة لي خمسة دراهم و لك ثلاثة. فقال صاحب الثلاثة الارغفة: لا ارضى إلاّ أن تكون الدّراهم بيننا نصفين و ارتفعا الى امير المؤمنين علي بن أبي طالب رضى اللّه عنه و قصّا عليه قصّتهما. فقال عليه السّلام لصاحب الثلاثة الارغفة قد عرض عليك صاحبك ما عرض و خبزه اكثر من خبزك فارض بالثلاثة فقال: لا، و اللّه لا رضيت منه

ص: 239

الاّ بمرّ الحقّ فقال علي رضى اللّه عنه: ليس لك في مرّ الحقّ الاّ درهم واحد و له سبعة فقال الرّجل: سبحان اللّه يا امير المؤمنين هو يعرض عليّ ثلاثة فلم أرض و اشرت عليّ بأخذها فلم أرض، و تقول لي الآن أنه لا يجب في مرّ الحقّ إلاّ درهم واحد. فقال الرّجل: فعرّفني بالوجه في مرّ الحقّ حتّى أقبله. فقال عليّ رضي اللّه عنه: أ ليس للثّمانية الارغفة أربعة و عشرين ثلثا، اكلتموها و انتم ثلاثة أنفس، و لا يعلم الاكثر منكم اكلا و لا الأقلّ فتحملون في اكلكم على السّواء؟ قال: بلى. قال: فاكلت انت ثمانية أثلاث و إنّما لك تسعة اثلاث، و أكل صاحبك ثمانية أثلاث و له خمسة عشر ثلثا، اكل منها ثمانية و يبقى له سبعة و اكل لك واحدة من تسعة فلك واحد بواحدك و له سبعة بسبعته. فقال له الرجل: رضيت الآن. 205

ص: 240

فهرس الأعلام و الرواة

آدم عليه السّلام، 195، 205

آصف، 193

إبراهيم عليه السّلام، 205

إبراهيم النّظّام، 54، 96، 112

ابن الإخشيد، 99

ابن زكريّا، 92

ابن فورك، 192

الأصمّ، 192، 199

أبو إسحاق، 80

أبو بكر، 206

أبو الحسن الأشعريّ، 29

أبو الحسين البصريّ، 29، 93، 129، 140، 144، 167، 199، 200، 214، 215

أبو الهذيل العلاّف، 99

أبو عبد اللّه، 80

أبو عليّ، 56، 57، 61، 64، 65، 68، 72، 73، 76، 77، 79، 80، 82، 89، 90، 93، 96، 99، 100، 101، 224

أبو هاشم، 56، 64، 65، 68، 75، 77، 80، 81، 86، 89، 93، 94، 96، 99، 100، 140، 177

أبو القاسم، 80

ص: 241

البلخيّ، 52، 177، 147، 190

الجبّائيّان، 141، 147، 190، 200

الجوينيّ، 190

الحسن البصريّ، 228

الخليل، 135

الخوارزمي، 141، 223

الرّئيس، 153، 201

الشّيخان، 53، 55، 56، 57، 61، 75، 80، 93

الصّيمري، 99

العبّاس، 206

الغزالي، 156

الفوطي، 199

القاضي (القاضي عبد الجبار) 149، 194، 227

القاضي أبو بكر، 81

الكعبي، 96، 140، 141

المرتضى، 53، 141، 177، 190

المسيح، 152، 154، 195

النّجار، 140، 145

بشر بن المعتمر، 93

جهم بن صفوان، 167

حفص الفرد، 112

ضرار، 156

ضرار بن عمرو، 112

عبّاد، 147

عبد اللّه بن سعيد (الأشعري)، 39

علي بن أبي طالب عليه السّلام، 203، 204، 205، 206، 207

عمر، 205

عيسى عليه السّلام، 206

فاطمة عليها السّلام، 191

فرفوريوس، 153

قاضي القضاة، 80

محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، 188، 214

مريم عليها السّلام، 191، 193

ص: 242

معمّر، 129

موسى عليه السّلام، 157، 158، 188، 189، 204

نوح عليه السّلام، 189

هارون عليه السّلام، 204

يوسف عليه السّلام، 192

يوشع عليه السّلام، 205

ص: 243

فهرس أسماء الكتب الواردة في المتن

1. التّوراة، 189

2. القرآن، 87

3. نهاية المرام، 49، 121، 130، 206

ص: 244

فهرس الفرق و المذاهب و الديانات

الأزارقة، 228

الإسماعيليّة، 201

الأشاعرة، 52، 56، 73، 74، 77، 84، 94، 98، 107، 140، 143، 144، 145، 146، 156، 157، 164، 166، 167، 172، 176، 179، 187، 192، 193، 194، 200، 227

الأشعريّة، 39، 145، 221، 228

أصحاب الاكسير، 122

الإماميّة، 167، 187، 192، 199، 201، 218، 219، 221، 228

أهل العدل، 167، 176، 218

الأوائل، 33، 41، 52، 53، 60، 61، 63، 68، 70، 72، 86، 92، 93، 95، 96، 97، 105، 106، 107، 108، 111، 112، 113، 114، 116، 125، 126، 127، 128، 129، 131، 140، 141، 144، 145، 146، 147، 155، 156، 216

البراهمة، 184

البصريّون، 225

البغداديّون، 53، 200، 225

ص: 245

البكريّة، 176

البهشميّة، 68، 223

التّناسخيّة، 176

الثّنويّة، 146، 159

الحشويّة، 187، 192

الحكماء، 40، 47، 50، 62، 153

حكماء الهند، 119

الحنفيّة، 149

الخوارج، 192، 228

الدّيصانيّة، 146

الشّيعة، 203

الصّابئة، 184

الصّوفيّة، 152، 154

العدليّة، 170، 176، 178، 185

العقلاء، 85، 86، 139، 140، 151، 153، 154، 157، 165، 170، 184، 199، 200

العلماء، 140، 205

فصحاء العرب، 188

الفضليّة، 192

الفلاسفة، 139، 157، 194، 215

الكرّاميّة، 39، 119، 154، 212، 215، 227

الكلابيّة، 56، 112

المانويّة، 146

المتكلّمون، 47، 61، 63، 112

المجسّمة، 154، 157

المجوس، 146، 160

المحقّقون، 30، 69، 98، 192

المرجئة، 218، 219، 221، 224، 228

المسلمون، 141، 143، 154، 216، 217، 226

المعتزلة، 30، 52، 58، 60، 64، 69، 76، 81، 82، 84، 86، 90، 97، 98، 107، 108، 111، 112، 114، 128، 140، 143، 144، 145، 156، 157، 163،

ص: 246

167، 172، 187، 193، 194، 218، 219، 221، 224، 225، 227، 228

الملاحدة، 137

المليّون، 211، 212

النّجّاريّة، 167

النّصارى، 152، 154، 160، 195

الوعيديّة، 226

اليهود، 188، 189

ص: 247

ص: 248

فهرس مصادر التحقيق

آذرنوش، آذرتاش - فرهنگ معاصر عربى به فارسى، الطبعة 1، نشر «نى»، طهران 1379 ه. ش.

آقابزرگ الطهراني، محمد محسن - الذريعة إلى تصانيف الشيعة، طهران، 1355 ه. ش (1405 ه)

- طبقات اعلام الشيعة، بيروت، دار الكتاب العربي، 1971-1975 م.

ابن أبي الحديد - شرح نهج البلاغة، المطبعة الميمنية، مصر.

الأفندي، عبد اللّه بن عيسى - رياض العلماء، باهتمام احمد الحسيني من مخطوطات مكتبة آية اللّه المرعشي العامة، رقم 5، قم، خيام 1981/1401.

الشافعي الطبري، محب الدين أحمد بن عبد اللّه - ذخائر العقبى، مكتبة القدسي بالقاهرة - 1356 ق.

الطبري، محمد بن جرير - دلائل الامامة، تحقيق مؤسسة البعثة، الطبعة الأولى، قم، 1413 ق.

ص: 249

الفتّال النيسابوري، محمد (ف 508 ه) - روضة الواعظين، منشورات الرضي، قم.

الأميني - عبد الحسين - الغدير في الكتاب و السنّة و الأدب، الطبعة الخامسة، بيروت، 1403 ه.

الأنوار، سيد عبد اللّه - فهرست نسخ خطى، كتابخانه ملى (جمهورى اسلامى)، طهران، 1365 ه. ش.

الحائري، عبد الحسين، و آخرون - فهرست كتابخانه مجلس شوراى ملى، طهران 1350-1357 ه. ش.

الحجتي، السيد محمد باقر - فهرست نسخه هاى خطى كتابخانه، كلية الإلهيات، جامعة طهران، 1345 ه. ش.

الحسيني الإشكوري - فهرست نسخه هاى خطى، مركز إحياء التراث الاسلامي - قم.

الحسيني، السيد أحمد - فهرست نسخه هاى خطى كتابخانه عمومى - مرعشى، قم، 1395 ه.

الحلّي، العلاّمة حسن بن يوسف بن المطهّر - استقصاء النظر في القضاء و القدر، باهتمام علي الخاقاني النجفي،

ص: 250

النجف الأشرف 1345 ه/ 1935 م.

- انوار الملكوت في شرح الياقوت، باهتمام محمد الزنجاني، منشورات جامعة طهران، رقم 543، ط، طهران 1338 ه. ش.

- الباب الحادي عشر، مع النافع يوم الحشر، المقداد السيوري و مفتاح الباب، أبو الفتح بن مخدوم الحسيني، باهتمام مهدي محقق، سلسلة دانش ايراني رقم 38، ط، جامعة طهران 1365 ه. ش.

- (خلاصة الاقوال)، رجال العلامة، باهتمام محمد صادق بحر العلوم، مكتبة الخيام، قم، 1402 ه.

- «رسالة في سؤالين سأل عنهما الخواجة رشيد الدين» باهتمام عزيز اللّه العطاردي القوچاني، مجلة «فرهنگ ايران زمين»، 19، 1352

- كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد، تصحيح حسن زادة الآملي، الطبعة السابعة، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، 1417 ه.

- نهج الحق و كشف الصدق، تصحيح: عين اللّه الحسني الارموي، الطبعة الرابعة، دار الهجرة، قم، 1414 ه.

- نهج المسترشدين، باهتمام مهدي الرجائي، من مخطوطات مكتبة آية اللّه المرعشي، رقم 10، قم، مكتبة سيد الشهداء، 1405 ه.

الخوانساري، محمد باقر - روضات الجنات في احوال العلماء و السادات، اعداد اسد اللّه اسماعيليان، قم، 1390 ه.

ص: 251

دانش پژوه، م. ت و ع. ن. المنزوي - فهرست نسخه هاى خطى كتابخانه مركزى دانشگاه تهران، 1330 - 1356 ه. ش.

زابينه اشميتكه - انديشه هاى كلامى علامه حلى، ترجمة احمد القاسمي، مؤسسة القدس الرضوي، مشهد، 1378 ش.

الشريف المرتضى، ابو القاسم علي بن الحسين علم الهدى (ف 436 ه) - رسائل المرتضى، انتشارات دار القرآن، قم، 1405 ه.

الشهرستاني، ابو الفتح محمد بن عبد الكريم - الملل و النحل، دار المعرفة بيروت، لبنان 1421 ه.

الشيخ الطوسي، ابو جعفر محمد بن الحسن - الاقتصاد الهادي الى طريق الرشاد، باهتمام حسن سعيد الطهراني، قم، خيام، 1400 ه.

الشيخ الصدوق (ف 381 ه) - من لا يحضره الفقيه، ج 3، الطبعة الثانية، مؤسسة النشر الإسلامي، 1404 ه.

- عيون أخبار الرضا، ج 2، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت 1404 ه.

ص: 252

العاملي، السيد محسن - اعيان الشيعة، اعداد سيد حسن الأمين، طهران، 1374 ه. ش.

عبد الباقي، محمد فؤاد - المعجم المفهرس لالفاظ القرآن الكريم، دار الكتب المصرية، القاهرة، 1364 ه. ش.

عبد الصاحب الحكيم - منتقى الاصول، منشورات الهادي، الطبعة الثانية، قم، 1416 ه.

لويس معلوف - المنجد في اللغة و الأعلام، الطبعة العاشرة، دار المشرق، بيروت، 1973 م.

مادلونگ، ويلفرد - مكتبها و فرقه هاى اسلامى در سده هاى ميانه، ترجمة جواد القاسمي، مؤسسة القدس الرضوي، الطبعة الأولى، 1375 ه. ش.

المجلسي، محمد باقر - بحار الانوار، مؤسسة الوفاء، الطبعة الثانية، بيروت، 1403 ه.

المدرسي التبريزي، ميرزا محمد علي - ريحانة الادب، انتشارات شفق، الطبعة الثانية، تبريز.

ص: 253

المطهري، مرتضى - آشنايى با علوم اسلامى، كلام اسلامى، انتشارات صدرا، الطبعة الثامنة عشرة، 1375 ه. ش.

المفيد، محمد بن محمد (ف 413 ه) - الإرشاد، الطبعة الحجرية.

- النكت الاعتقادية، دار المفيد، الطبعة الثانية، بيروت 1414 ه.

ص: 254

فهرس الموضوعات

الموضوع الصفحة

المقدّمة: بقلم آية اللّه جعفر السبحاني 5

العباقرة في مرآة التاريخ 5

كلمات في حقّ المؤلّف 6

تسليك النفس إلى حظيرة القدس 11

النسخ المعتمدة 13

منهج التحقيق 15

ختامه مسك 16

المرصد الأوّل في الأمور العامّة الفصل الأوّل: في المقدمات 23

المقدّمة الأولى: في التّصور و التّصديق 23

ص: 255

الموضوع الصفحة

المقدّمة الثّانية: في التعريف 24

المقدّمة الثّالثة: في القياس 25

المقدّمة الرّابعة: في مواد الأقيسة و صورها 26

الفصل الثّاني: في مباحث الوجود و العدم 28

البحث الأوّل: تصوّر الوجود و العدم 28

البحث الثاني: في أنّ الوجود معنى مشترك (بين الموجودات) 29

البحث الثالث: ما هو المعدوم؟ 30

البحث الرّابع: لا واسطة بين الموجود و المعدوم 32

الفصل الثالث: في مباحث الوجوب و قسيميه 33

البحث الأوّل: الوجوب و الامكان و الامتناع 33

البحث الثاني: في خواص الواجب 34

البحث الثالث: في عروض الامكان للماهيّة 34

المرصد الثّاني في تقسيم الموجودات المقصد الأوّل: في التّقسيم على رأي المتكلّمين 39

البحث الأوّل: في مباحث القديم 39

ص: 256

الموضوع الصفحة

البحث الثاني: في خواصّ القديم 40

البحث الثالث: في خواصّ المحدث 41

المقصد الثّاني: في التّقسيم على رأي الأوائل 42

المرصد الثالث: في البحث عن أقسام الموجودات 45

البحث الأوّل: في ماهيّة الجسم 47

البحث الثّاني: في إبطال حجّة الحكماء في المادّة 50

البحث الثالث: في الاعراض 51

المطلب الأوّل: في المبصرات 52

المطلب الثّاني: في الأصوات و الحروف 54

المطلب الثالث: في الطعوم و الرّوائح 58

المطلب الرّابع: في الحرارة و البرودة 59

المطلب الخامس: في الرّطوبة و اليبوسة 60

المطلب السّادس: في الاعتماد 62

المطلب السّابع: في الأكوان 66

النّظر الأوّل: في المعنى المشترك بين الأربعة 66

النّظر الثّاني: في التّفريع على قول البهشميّة 68

ص: 257

الموضوع الصفحة

النّظر الثّالث: في الحركة 68

النّظر الرّابع: في باقي الأكوان 72

المطلب الثّامن: في الحياة 73

المطلب التّاسع: في القدرة 74

المطلب العاشر: في الاعتقاد 77

المطلب الحادي عشر: في الظنّ 81

المطلب الثّاني عشر: في النّظر 82

المطلب الثالث عشر: في الإرادة و الكراهة 87

المطلب الرّابع عشر: في الشّهوة و النّفار 90

المطلب الخامس عشر: في اللّذّة و الألم 92

المطلب السّادس عشر: في الإدراك 93

المطلب السّابع عشر: في بقيّة أعراض وقع فيها الخلاف بين المتكلّمين 98

ص: 258

الموضوع الصفحة

المرصد الرّابع في أحكام الموجودات المقصد الأوّل: في الأحكام العامّة 105

المطلب الأوّل: في الواحد و مقابله 105

المطلب الثّاني: في التّماثل و مقابله 107

المطلب الثّالث: في العلّة و المعلول 108

المقصد الثّاني: في الأحكام الخاصّة 111

الفصل الأوّل: في أحكام الجواهر 111

الفصل الثّاني: في أحكام الأجسام 118

الفصل الثالث: في أحكام الجواهر المجرّدة 123

الفصل الرّابع: في أحكام الأعراض 129

المرصد الخامس في إثبات واجب الوجود تعالى و صفاته المقصد الأوّل: في اثبات واجب الوجود تعالى 135

ص: 259

المقصد الثّاني: في صفاته تعالى 137

الفصل الأوّل: في الصّفات الثّبوتيّة 137

المطلب الأوّل: في أنّه - تعالى - موجود 137

المطلب الثاني: في أنّه - تعالى - قادر 138

المطلب الثالث: في أنّه - تعالى - عالم 139

المطلب الرابع: في أنّه - تعالى - حيّ 140

المطلب الخامس: في أنّه - تعالى - مريد 140

المطلب السّادس: في أنّه - تعالى - مدرك 141

المطلب السّابع: في أنّه - تعالى - متكلّم 143

المطلب الثّامن: في أحكام هذه الصّفات 144

الفصل الثّاني: في الصّفات السّلبيّة 151

المطلب الأوّل: في أنّه - تعالى - ليس بمتحيّز 151

المطلب الثّاني: في أنّه - تعالى - لا يحلّ في غيره 151

المطلب الثّالث: في أنّه - تعالى - مخالف لغيره لذاته 152

المطلب الرّابع: في أنّه - تعالى - غير مركّب 153

المطلب الخامس: في أنّه - تعالى - لا يتحد بغيره 153

ص: 260

الموضوع الصفحة

المطلب السادس: في أنّه - تعالى - ليس في جهة 154

المطلب السابع: في استحالة الألم و اللذّة عليه تعالى 154

المطلب الثّامن: في أنّه - تعالى - ليس محلاّ للحوادث 155

المطلب التاسع: في أنّه - تعالى - غنيّ 156

المطلب العاشر: في أنّه غير معلوم للبشر 156

المطلب الحادي عشر: في استحالة الرّؤية عليه تعالى 157

المطلب الثاني عشر: في أنّه - تعالى - واحد 159

المرصد السّادس في العدل المطلب الأوّل: في الحسن و القبح العقليّين 163

المطلب الثاني: في أنّه - تعالى - لا يفعل القبيح و لا يخلّ بالواجب 166

المطلب الثّالث: في خلق الأعمال 167

المطلب الرّابع: في أنّه - تعالى - يريد الطاعات و يكره المعاصي 170

المطلب الخامس: في التكليف 172

المطلب السّادس: في اللّطف 174

ص: 261

الموضوع الصفحة

المطلب السّابع: في الآلام و الأعواض 176

المطلب الثّامن: في الآجال و الأرزاق و الأسعار 178

المرصد السابع في النبوة مقدمة: من هو النّبيّ 183

المطلب الأوّل: في إمكان البعثة 184

المطلب الثّاني: في وجوب البعثة 185

المطلب الثّالث: في وجوب العصمة 187

المطلب الرّابع: في نبوّة محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم 188

المطلب الخامس: في وجه إعجاز القرآن 190

المطلب السّادس: في تحقيق العصمة 191

المطلب السّابع: في وقت العصمة 192

المطلب الثّامن: في الكرامات 193

المطلب التّاسع: في أنّ الأنبياء أفضل من الملائكة 194

ص: 262

الموضوع الصفحة

المرصد الثّامن في الإمامة المطلب الأوّل: في وجوبها 199

المطلب الثّاني: في وجوب عصمة الإمام 201

المطلب الثالث: في أنّه يجب أن يكون أفضل و منصوصا 202

المطلب الرّابع: في أنّ الإمام بعد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم هو عليّ عليه السّلام 203

المطلب الخامس: في إمامة باقي الأئمّة الاثني عشر عليهم السّلام 207

خاتمة 207

المرصد التّاسع في المعاد المطلب الأوّل: في إمكان خلق عالم آخر 211

المطلب الثّاني: في إمكان عدم العالم 212

المطلب الثّالث: في إمكان إعادة المعدوم 215

المطلب الرّابع: في ثبوت المعاد 216

ص: 263

الموضوع الصفحة

المطلب الخامس: في الوعد و الوعيد 218

المطلب السّادس: في الإحباط و التكفير 221

المطلب السّابع: في التّوبة 223

المطلب الثّامن: في جواز العفو 225

المطلب التّاسع: في أنّ عذاب الفاسق منقطع 226

المطلب العاشر: في الأسماء و الأحكام 227

الفهارس فهرس الآيات 233

فهرس الأحاديث و الروايات 237

فهرس الأعلام و الرواة 241

فهرس أسماء الكتب الواردة في المتن 244

فهرس الفرق و المذاهب 245

فهرس مصادر التحقيق 249

فهرس الموضوعات 255

ص: 264

درباره مركز

بسمه تعالی
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
با اموال و جان های خود، در راه خدا جهاد نمایید، این برای شما بهتر است اگر بدانید.
(توبه : 41)
چند سالی است كه مركز تحقيقات رايانه‌ای قائمیه موفق به توليد نرم‌افزارهای تلفن همراه، كتاب‌خانه‌های ديجيتالی و عرضه آن به صورت رایگان شده است. اين مركز كاملا مردمی بوده و با هدايا و نذورات و موقوفات و تخصيص سهم مبارك امام عليه السلام پشتيباني مي‌شود. براي خدمت رسانی بيشتر شما هم می توانيد در هر كجا كه هستيد به جمع افراد خیرانديش مركز بپيونديد.
آیا می‌دانید هر پولی لایق خرج شدن در راه اهلبیت علیهم السلام نیست؟
و هر شخصی این توفیق را نخواهد داشت؟
به شما تبریک میگوییم.
شماره کارت :
6104-3388-0008-7732
شماره حساب بانک ملت :
9586839652
شماره حساب شبا :
IR390120020000009586839652
به نام : ( موسسه تحقیقات رایانه ای قائمیه)
مبالغ هدیه خود را واریز نمایید.
آدرس دفتر مرکزی:
اصفهان -خیابان عبدالرزاق - بازارچه حاج محمد جعفر آباده ای - کوچه شهید محمد حسن توکلی -پلاک 129/34- طبقه اول
وب سایت: www.ghbook.ir
ایمیل: Info@ghbook.ir
تلفن دفتر مرکزی: 03134490125
دفتر تهران: 88318722 ـ 021
بازرگانی و فروش: 09132000109
امور کاربران: 09132000109