واجبنا في عصر الغيبة
مهدي المهدوي
محرر رقمي:محمد المنصوري
ص: 1
ص: 2
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ اَلْرَحیمْ
قال مولانا زين العابدين علي بن الحسين عليهماالسلام :
إن للقائم منّا غيبتين، إحداهما أطول من الأُخرى ...
وأمّا الأُخرى فيطول أمدها حتى يرجع عن هذا الأمر
أكثر من يقول به ، فلا يثبت عليه إلاّ من قوي يقينه ،
وصحّت معرفته، ولم يجد في نفسه حرجا ممّا قضينا، وسلّم لنا أهل البيت .
كمال الدين 324 - 323 ، بحارالأنوار 51/134 ، إثبات الهداة 3/467 .
ص: 3
إلى خيرة الإماء ، الطيّبة ، المنتجبة
سيّدتي ومولاتي ، أُمّ المهدي عليهاالسلام
مهدي
ص: 4
بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمد للّه ربّ العالمين ، وصلّى اللّه على محمّد وآله الطاهرين واللعن على أعدائهم أجمعين الى يوم الدين .
ثمّة كثير من الناس ليس لهم اهتمام بأمر دينهم وما يجب عليهم من حيث الاعتقاد والعمل، فغرّتهم الدنيا الفانية، ونسوا الآخرة الباقية والحياة الدائمة. كما أن الذين لهم اهتمام بالدين وإقبال على الأمور المعنوية على طوائف :
فمنهم الذي يتبع من يدّعي مشاهدة مولانا صاحب الزمان عليه السلام ومواصلته كذبا وزورا. فتجد العديد من الشباب يركضون خلف هؤلاء المدّعين ما ليس لهم لرواج كتبهم ومقالاتهم.
ومنهم من أعجبه أرباب الكشف والشهود من أصحاب التصوف والعرفان ممّن يدّعي الاتصال بما وراء هذا العالم. وربّما ظهرت من بعضهم خوارقالعادات أو أخبر عن المغيبات.
ص: 5
وهناك عدّة ينكِرون ما لا يُدرك بالحواس الخمس وكلّ ما لا تدركه عقولهم الناقصة وإن كان له مأخذ صحيح من الكتاب والسنّة فهم على طرف نقيض من الطوائف الآنفة الذكر .
فهل يمكن القول : إن الأئمة عليهم السلام غفلوا عن أحوال شيعتهم في مثل هذه الأزمنة؟! أو أنهم - والعياذ باللّه - لم يعلموا ما يؤول إليه أمر الشيعة في زمن الغيبة أو أنهم علموا بذلك ولكن لعدم اهتمامهم بأتباعهم سكتوا عمّا يوجب إصلاحهم؟!
لا ؛ لا سبيل إلى شيء من هذه الاحتمالات السخيفة، بل إننا نعلم يقينا أن اللّه تبارك وتعالى أعطاهم علم ما كان وما يكون فإنهم قد علموا جميع ذلك . وهم أرحم وأرأف بنا من الآباء والأُمّهات فلا يمكن أن يقال: إنهم غفلوا أو سكتوا عمّا يُصلح ديننا ودنيانا، فقد أبلغوا ما حُمّلوا عن ربّهم عزّ وجلّ وعن النبي صلى الله عليه و آله وسلم ، وذكروا ما يجب على شيعتهم في خصوص زمن الغيبة لئلاّ يشتبه الأمر عليهم ، ويضلّوا باتّباع المضلّين.
فلم يأمرونا باتّباع من يدّعي الكشف والشهود والعرفان، ولا الفلاسفة ، ولا بالاعتماد على من يخبر عن المغيبات وإن ظهرت منه خوارق العادات ، ولا بالائتمام بمن يدّعي المشاهدة - بل أمرونا بتكذيبهم - وإنما أمرونا بالرجوع إلى رواة أحاديثهم والاكتفاء بما وصل إلينا من رواياتهم وأحاديثهم إلى أن تظهر
شمس جمال صاحب العصر والزمان عليه السلام من وراء سحب الغيبة ، وحذّرونا ونهونا عن مخالفة هذا الأمر وسلوك طريق غير طريقهم. فلم يبق إلاّ تقصيرناعن تعلّم ما جاء في رواياتهم وتعليمها ونشرها، وعدم الاهتمام بمذاكرتها ، أو قصورنا عن درايتها وفهمها، أو التواني عن التمسّك بها .
ص: 6
هذا الكتاب
لقد اعتنى غير واحد من العلماء بهذا الموضوع - أعني ما يلزم مراعاته في زمن الغيبة - وبرزت منهم فيه آثار قيّمة ، فشكر اللّه مساعيهم الجميلة، وجزاهم عنّا خيرا. ولكن كان بودّي أن أكتب مختصرا جامعا للروايات الواردة في ذلك - أي في خصوص ما كان في مضامينها وظيفة من تكاليف زمن الغيبة - ولم أضف إليها إلاّ ما له مناسبة واضحة توجب ذكرها .
وكان مسعاي أن يكون الكتاب ذريعة لمن أراد أن يتمسّك بالعروة الوثقى ، ويسلك الطريق الواضح فقد ورد في التّوقيع عن مولانا صاحب الزمان عليه السلام : «واجعلوا قصدكم إلينا بالمودّة على السنّة الواضحة» .(1)
والكتاب يقع في خمسة فصول:
الفصل الأول: في أفضلية أهل الإيمان في زمن الغيبة مع قلّتهم .
الفصل الثاني: النصوص الواردة في أهمّ ما يجب مراعاته في آخر الزمان .
الفصل الثالث: معرفة الإمام المهدي عليه السلام وما يمتاز به عمّن يدّعي مقامه .
الفصل الرابع: في علامات ظهوره عليه السلام .
الفصل الخامس: فيما يجب مراعاته عند ظهوره .
أرجو أن يكون هذا الكتاب خطوة في الطريق إلى ما يجب علينا معرفته، واستعطافا لنظرة من مولانا الكريم .اللّهمّ هب لنا رأفته ورحمته ودعاءه وخيره .
اللّهمّ أعنّا على تأدية حقوقه إليه والاجتهاد في طاعته واجتناب معصيته.
ص: 7
ص: 8
من خلال تتبّع الروايات نجد أفضلية من ثبت على دينه وإيمانه في زمن الغيبة على الآخرين، سواء في ذلك أصحاب النبي صلى الله عليه و آله وسلم وأصحاب الأئمة الطاهرين عليهم السلام ومن أدرك ظهور مولانا صاحب الزمان عليه السلام .
1 . قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم: يا علي ! أعجب الناس إيمانا ، وأعظمهم يقينا قوم
يكونون في آخر الزمان لم يلحقوا النبي ، وحجب عنهم الحجّة فآمنوا بسوادٍ على بياض.(1)
2 . قال أمير المؤمنين عليه السلام - في وصفهم - : أولئك خيار هذه الأُمة .(2)
ص: 9
3 . قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم لأصحابه : سيأتي قوم من بعدكم ، الرجل منهم له أجر خمسين منكم !
قالوا : يا رسول اللّه ! نحن كنا معك ببدر وأُحد وحنين ونزل فينا القرآن! قال: إنكم إن تحملوا ما حملوا ، لم تصبروا صبرهم .(1)
4 . عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ذات يوم - وعنده جماعة من أصحابه - : اللهم لقّني إخواني - مرّتين - .
فقال من حوله من أصحابه : أما نحن إخوانك يا رسول اللّه ؟!
فقال : لا ، إنكم أصحابي ، وإخواني قوم في آخر الزمان آمنوا ولم يروني، لقد عرّفنيهم اللّه بأسمائهم وأسماء آبائهم من قبل أن يخرجهم من أصلاب آبائهم وأرحام أمهاتهم . لأحدُهم أشدّ بقيةً على دينه من خرط القتاد(2) في الليلة الظلماء ، أو كالقابض على جمر الغضا، أولئك مصابيح الدجى ، ينجيهم اللّه من كلّ فتنة غبراء مظلمة .(3)
ص: 10
5 . عن عمار الساباطي ، قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : العبادة مع الإماممنكم المستتر في السرّ في دولة الباطل أفضل أم العبادة في ظهور الحقّ ودولته مع الإمام الظاهر منكم ؟
فقال : يا عمار ! الصدقة في السرّ - واللّه - أفضل من الصدقة في العلانية، وكذلك عبادتكم في السرّ مع إمامكم المستتر في دولة الباطل أفضل - لخوفكم من عدوكم في دولة الباطل وحال الهدنة - ممّن يعبد اللّه في ظهور الحقّ مع الإمام الظاهر في دولة الحقّ ، وليس العبادة مع الخوف في دولة الباطل مثل العبادة مع الأمن في دولة الحقّ .
اعلموا أن من صلّى منكم صلاة فريضة وحدانا مستترا بها من عدوه في وقتها فأتمّها كتب اللّه عزّ وجلّ له بها خمسة وعشرين صلاةً فريضةً وحدانيةً ، ومن صلّى منكم صلاةً نافلةً في وقتها فأتمّها كتب اللّه عزّ وجلّ له بها عشر صلوات نوافل ، ومن عمل منكم حسنة كتب اللّه له بها عشرين حسنة ، ويضاعف اللّه تعالى حسنات المؤن منكم إذا أحسن أعماله ودان اللّه بالتقية على دينه وعلى إمامه وعلى نفسه ، وأمسك من لسانه أضعافا مضاعفةً كثيرةً، إن اللّه عزّ وجلّ كريم .
قال : فقلت : جعلت فداك ، قد رغّبتني في العمل ، وحثثتني عليه ، ولكني أُحبّ أن أعلم كيف صرنا نحن اليوم أفضل أعمالاً من أصحاب الإمام منكم الظاهر في دولة الحقّ، ونحن وهم على دين واحد، وهو دين اللّه عزّوجلّ؟ فقال:
إنكم سبقتموهم إلى الدخول في دين اللّه وإلى الصلاة والصوم والحجّ وإلى كلّ فقه وخير ، وإلى عبادة اللّه سرّا من عدوكم مع الإمام المستتر، مطيعون له ،
ص: 11
صابرون معه ، منتظرون لدولة الحقّ ، خائفون على إمامكم وعلى أنفسكم منالملوك ، تنظرون إلى حقّ إمامكم وحقّكم في أيدي الظلمة ، قد منعوكم ذلك، واضطرّوكم إلى جذب الدنيا وطلب المعاش ، مع الصبر على دينكم ، وعبادتكم وطاعة ربّكم ، والخوف من عدوكم ، فبذلك ضاعف اللّه أعمالكم فهنيئا لكم هنيئا .
قال : فقلت : جعلت فداك ، فما نتمنّى إذا أن نكون من أصحاب القائم عليه السلام في ظهور الحقّ ونحن اليوم في إمامتك وطاعتك أفضل أعمالاً من [أعمال] أصحاب دولة الحقّ ؟
فقال : سبحان اللّه ! أما تحبّون أن يظهر اللّه عزّ وجلّ الحقّ والعدل في البلاد، ويحسن حال عامة الناس ، ويجمع اللّه الكلمة ، ويؤّف بين القلوب المختلفة، ولا يُعصى اللّه في أرضه ، ويُقام حدود اللّه في خلقه ، ويُردّ الحقّ إلى أهله، فيظهروه حتى لا يستخفي بشيء من الحقّ مخافة أحد من الخلق؟!
أما واللّه يا عمار ! لا يموت منكم ميت على الحال التي أنتم عليها إلاّ كان أفضل عند اللّه عزّ وجلّ من كثير ممن شهد بدرا وأُحدا ، فأبشروا .(1)
6 . قال زين العابدين علي بن الحسين عليهماالسلام : من ثبت [مات] على ولايتنا [موالاتنا] في غيبة قائمنا أعطاه اللّه أجر ألف شهيد مثل شهداء بدر واحد.(2)
ص: 12
7 . عن مولانا أبي محمد العسكري، عن أبيه أبي الحسن الهادي عليهماالسلام قال :لولا من يبقى بعد غيبة قائمنا عليه السلام من العلماء الداعين إليه ، والدالّين عليه ،
والذابّين عن دينه بحجج اللّه ، والمنقذين لضعفاء عباد اللّه من شباك إبليس ومردته ومن فخاخ النواصب لما بقي أحد إلاّ ارتدّ عن دين اللّه ، ولكنهم الذين يمسكون أزمّة قلوب ضعفاء الشيعة، كما يمسك صاحب السفينة سكّانها ، أولئك هم الأفضلون عند اللّه عزّ وجلّ .(1)
8 . قال أمير المؤنين عليه السلام في خطبة له : اللهم وإني لأعلم أنّ العلم لا يأزر كلّه ، ولا ينقطع موادّه ، وإنك لا تخلي أرضك من حجة لك على خلقك، ظاهر ليس بالمطاع أو خائف مغمور ، كيلا تبطل حججك ولا يضلّ أولياؤ بعد إذ هديتهم ، بل أين هم ، وكم؟ أولئك الأقلون عددا، والأعظمون عند اللّه جلّ ذكره قدرا ، المتّبعون لقادة الدين الأئمة الهادين ، الذين يتأدّبون بآدابهم ، وينهجون نهجهم ، فعند ذلك يهجم بهم العلم على حقيقة الإيمان ، فتستجيب أرواحهم لقادة العلم ، ويستلينون من حديثهم ما استوعر على غيرهم ، ويأنسون بما استوحش منه المكذّبون ، وأباه المسرفون ، أولئك أتباع العلماء ، صحبوا أهل الدنيا بطاعة اللّه تبارك وتعالى وأوليائه ، ودانوا بالتقية عن دينهم، والخوف من عدوهم ، فأرواحهم معلّقة بالمحلّ الأعلى ، فعلماؤم وأتباعهم خرس صمت في دولة الباطل ، منتظرون لدولة الحقّ ، وسيحقّ اللّه الحقّ بكلماته، ويمحق الباطل .
ص: 13
ها ، ها ، طوبى لهم على صبرهم على دينهم في حال هدنتهم، ويا شوقاهإلى رؤتهم في حال ظهور دولتهم ، وسيجمعنا اللّه وإياهم في جنّات عدن ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم .(1)
* ويأتي في الرواية المرقّمة 43 : أقرب ما يكون العباد إلى اللّه عزّ وجلّ وأرضى ما يكون عنهم إذا افتقدوا حجة اللّه فلم يظهر لهم ، ولم يعلموا بمكانه.
* وفي الرواية المرقّمة 49 : يا أبا خالد ! إن أهل زمان غيبته ، القائلين بإمامته ، والمنتظرين لظهوره أفضل من أهل كلّ زمان .
* وفي الرواية المرقّمة 81 : فيا طوبى للثابتين على أمرنا في ذلك الزمان ، إن أدنى ما يكون لهم من الثواب أن يناديهم الباري عزّ وجلّ : «عبادي ! آمنتم
بسرّي، وصدّقتم بغيبي ، فأبشروا بحسن الثواب مني ، فأنتم عبادي وإمائي حقّا ، منكم أتقبّل وعنكم أعفو ، ولكم أغفر ، وبكم أسقي عبادي الغيث ، وأدفع عنهم البلاء ، ولولاكم لأنزلتُ عليهم عذابي» .
* وفي الرواية المرقّمة 122 : فمن أدرك ذلك الزمان فصبر ... آتاه اللّه ثواب خمسين صدّيقا ممن صدّق به [بي] .
قال الشيخ الحرّ العاملي : وفي هذا المعنى أحاديث كثيرة متفرقة في أماكنها من كتب الحديث .(2)
ص: 14
ولكن ورد في النصوص : أنه عجّل اللّه فرجه يخرج على حين غفلة من الناس، وإماتة من الحقّ ، وإظهار من الجور ،(1)
وله غيبة وحيرة تضلّ فيها الأُمم ،(2)
وقد سُمّي زمان غيبته - في الروايات - ب- : «الحيرة»(3) ضعف ما تاهت بنو إسرائيل !(4)
فتكون فتنة صمّاء صيلم ، يسقط فيها كلّ وليجة وبطانة ،(5)
ليس لهم شرف يشرفونه ، ولا سناد يستندون إليه في أُمورهم ،(6) فيجولون جولان النعم ، يطلبون المرعى فلا يجدونه ،(7)
ص: 15
حتى لا يقول أحد : «اللّه» إلاّ مستخفيا ،(1)فيضلّ فيها أقوام ، ويهتدي فيها آخرون ،(2)
ويرجع عن هذا الأمر من كان يقول به ،(3) وأكثر القائلين بإمامته ،(4)
فلا يبقى على أمره من أصحابه إلاّ نفر يسير ،(5)
والثابتين على القول به في زمان غيبته لأعزّ من الكبريت الأحمر !(6)
ص: 16
وقد عبّر عن الناجين والثابتين بعبارات شتّى ، نحو :
لا تثبت فيها على دينه إلاّ المخلصون المباشرون لروح اليقين، الذين أخذ اللّه ميثاقهم بولاية أهل البيت وكتب في قلوبهم الإيمان وأيّدهم بروح(1) منه .(2)
ولا يثبت عليه إلاّ من قد أخذ اللّه ميثاقه في الذرّ الأول ،(3)
ص: 17
ويرتاب فيها الناس إلاّ من عصمه اللّه عزّ وجلّ ،(1)
ولا ينجو فيها من التهلكة [الهلكة] إلاّ من ثبّته [يثبّته] اللّه على القول بإمامته ، ووفّقه [فيها] للدعاء بتعجيل فرجه .(2)ومن اهتمّ بأداء حقوق الإخوان ومواساتهم، والمتواصين بالإمامة وبالصبر.(3)
* وتقدّم في أول الكتاب عن مولانا زين العابدين عليه السلام : ... لا يثبت عليه إلاّ من قوي يقينه ، وصحّت معرفته ، ولم يجد في نفسه حرجا ممّا قضينا ، وسلّم لنا أهل البيت.
كما عبّر عن الهالكين أيضا بعبارات مختلفة نحو :
يحار فيها الجاهلون ،(4)
ص: 18
يهلك فيها المبطلون ،(1) وفي رواية : يرتاب فيها المبطلون،(2)
ويهلك فيها المستعجلون وينجو فيها المسلّمون ،(3)
وفي رواية : هلكت المحاضير - قيل : وما المحاضير ؟ قال : المستعجلون - ونجا المقربون .(4)
ص: 19
ص: 20
لعلّك سمعت ما يقال : عند ما لا تصل أيدينا إلى الحجّة عليه السلام ولا نقدر على معرفة المعارف الإلهية وجميع ما نحتاج إليه من الفروع الفقهية منه عليه السلام، فلابدّ وأن نكون معذورين فيما نتركه من التعلّم والعمل .
ولكنه توهّم فاسد يردّه ما قاله الأئمة عليهم السلام حينما سألهم الرواة عن الوظيفة عند فقدان الإمام عليه السلام حيث أمروهم بالتمسّك بما في أيديهم والأخذ بالأمر الأول، وإليك بعض الروايات في ذلك :
9 . عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنه قال : كيف أنتم إذا بقيتم دهرا من عمركم لا تعرفون إمامكم ؟ قيل له : فإذا كان ذلك كيف نصنع ؟ قال : تمسّكوا بالأمر الأول حتى يستيقن] يستبين لكم] .(1)
ص: 21
10 . في رواية الحارث بن المغيرة عنه عليه السلام، قال : قلت : يكون فترة لا يعرف المسلمون إمامهم فيها؟ فقال : يقال ذلك ، قلت : فكيف نصنع ؟ قال : إذا كان ذلك فتمسّكوا بالأمر الأول حتى يتبيّن [يبيّن] لكم الآخر .(1)
11 . وفي رواية : قلت له : إنا نروي بأن صاحب هذا الأمر يفقد زمانا فكيف نصنع عند ذلك ؟ قال : تمسّكوا بالأمر الأول الذي أنتم عليه حتى يبيّن لكم .(2)
12 . وفي رواية أُخرى: قلت: هل يكون الناس في حال لا يعرفون الإمام؟
فقال : قد كان يقال ذلك .
قلت : فكيف يصنعون ؟
قال : يتعلّقون بالأمر الأول حتى يستبين لهم الآخر [الأخير].(3)
13 . قال عبد اللّه بن سنان : دخلت أنا وأبي على أبي عبد اللّه عليه السلام فقال : كيف
أنتم إذا صرتم في حال لا يكون فيها إمام هدى ولا علم يرى ، فلا ينجو من تلك
الحيرة إلاّ من دعا بدعاء الحريق ؟!
فقال أبي : هذا - واللّه - البلاء ! فكيف نصنع - جعلت فداك - حينئذ ؟ !
قال : إذا كان ذلك - ولن تدركه - فتمسّكوا بما في أيديكم حتى يصحّ لكم الأمر .(4)
ص: 22
14 . وفي رواية أبان بن تغلب عنه عليه السلام، قال: فكيف نصنع بين ذلك ؟ قال : كونوا على ما أنتم عليه، حتى يطلع اللّه لكم نجمكم .(1)
15 . وفي رواية : كونوا على ما أنتم عليه حتى يأتيكم اللّه بصاحبها.(2)
16 . عن زرارة : قال أبو عبد اللّه عليه السلام : يأتي على الناس زمان يغيب عنهم إمامهم. فقلت له : ما يصنع الناس في ذلك الزمان ؟ قال : يتمسّكون بالأمر الذي
هم عليه حتى يتبيّن لهم .(3)
* ويأتي في الرواية المرقّمة 33 : فإن أصبحتم يوما لاترون منهم أحدا فاستعينوا
باللّه ، وانظروا السُنّة التي كنتم عليها فاتبعوها... .
قال العلاّمة المجلسي رحمه الله - بعد نقل بعض الأخبار الآنفة الذكر - : المقصود من هذه الأخبار عدم التزلزل في الدين والتحير في العمل ، أي تمسّكوا في أُصول دينكم وفروعه بما وصل إليكم من أئمتكم ، ولا تتركوا العمل ولا ترتدوا حتى يظهر إمامكم . ويحتمل أن يكون المعنى : لا تؤنوا بمن يدّعي أنه القائم حتى يتبيّن لكم بالمعجزات .(4)
أقول : لا منافاة بين الاحتمالين ، ويحتمل أن يكون المقصود كليهما ، فإن ظاهر بعض الروايات يعمّ كلا المعنيين، وإن كان لبعضها ظهور في أحدهما .
ص: 23
وعلى الاحتمال الأخير في كلامه رحمه الله - كما هو ظاهر بعض تلك النصوص - يكون المقصود هو الاكتفاء بالإيمان الإجمالي بالإمام الغائب عن الأبصار عند تعذّر معرفته بخصوصياته الشخصية تفصيلاً ، كما تدل على ذلك أيضا روايات أُخرى.
17 . قال عيسى بن عبد اللّه لمولانا الصادق عليه السلام: فإن أنا لم أعرفه ولم أعرف موضعه فما أصنع ؟ فقال : تقول : اللهم إني أتولّى من بقي من حججك من ولد الإمام الماضي ، فإن ذلك يجزيك .(1)
تنبيهان :
الأول : يستفاد من قوله عليه السلام : «تمسّكوا بما في أيديكم» ونحوه لزوم الاقتصار على الكتاب والسُنّة في أمر الدين ، وأنه لا قيمة لآراء الناس في ذلك ، وهذا أمرٌ يعمّ زمن الحضور، وتدلّ عليه أدلة كثيرة ليس هنا موضع ذكرها.
الثاني : ورد نظير ما مرّ في روايات العامّة عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم أنه قال : إنها ستكون فتنة ! فقالوا : فكيف لنا يا رسول اللّه ! وكيف نصنع ؟ قال : ترجعون إلى أمركم
الأول .(2)
ص: 24
وردت في مصادر الفريقين روايات كثيرة جدّا بمضامين متقاربة تدلّ على أن رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم قال : إن أوثق عرى الإيمان الحبّ في اللّه والبغض في اللّه.(1)
كما ورد في رواياتنا أنه صلى الله عليه و آله وسلم قال : لا يقبل اللّه إيمان عبد إلاّ بولايته - يعني ولاية أمير المؤمنين عليه السلام - والبراءة من أعدائه .(2) ولكن صار المحافظة على ذلك في زمن الغيبة أمرا مؤكّدا ، والمواظبة عليه أشدّ .
18 . قال أبو عبد اللّه عليه السلام: إذا أصبحتَ وأمسيتَ يوما لا ترى فيه إماما من
آل محمد فأحبّ من كنت تحبّ، وأبغض من كنتَ تبغض ، ووال من كنتَ توالي، وانتظر الفرج صباحا ومساءً .(3)
19 . وعنه عليه السلام قال : إذا أصبحتَ وأمسيتَ لا ترى إماما تأتمّ به فأحبب من كنتَ تحبّ، وأبغض من كنتَ تبغض حتى يظهره اللّه عزّ وجلّ .(4)
20 . عن مولانا الكاظم عليه السلام قال : طوبى لشيعتنا ، المتمسّكين بحبلنا [بحبّنا] في غيبة قائمنا ، الثابتين على موالاتنا والبراءة من أعدائنا ، أولئك منّا ونحن منهم، قد رضوا بنا أئمةً ، ورضينا بهم شيعةً ، فطوبى لهم ، ثم طوبى لهم ، وهم
ص: 25
- واللّه - معنا في درجاتنا يوم القيامة .(1)
* ويأتي في الرواية المرقّمة 28 : يتولّى وليّه ، ويتبرّأ من عدوه .
* ويأتي في الرواية المرقّمة 33 : أحبّوا من كنتم تحبّون، وأبغضوا من كنتم تبغضون .(2)
من أعظم الفرائض وأهمّها الاعتقاد بإمامة الأئمة الإثني عشر عليهم السلام وولايتهم إضافة إلى محبّتهم ومودّتهم .
21 . قال مولانا الصادق عليه السلام: طوبى لمن تمسّك بأمرنا في غيبة قائمنا ، فلم يزغ قلبه بعد الهداية .(3)
22 . وسئل عن قوله عزّ وجلّ : (وَأَطِيعُوا اللّه وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ)(4) فقال عليه السلام : أما واللّه ما هلك من كان قبلكم وما هلك من هلك حتى يقوم قائمنا عليه السلام إلاّ في ترك ولايتنا وجحود حقنا.(5)
* وتقدّم في الرواية المرقّمة 20 : طوبى لشيعتنا ... الثابتين على موالاتنا .
ص: 26
تعتقد الشيعة الإمامية أنّ الحاجة إلى الإمام هي الحاجة إلى النبي من دون أيّ فرق بينهما، فبعد مضيّ كلّ نبيّ من الأنبياء عليهم السلام لابدّ من وصيّ يقتدي به الناس ليكون هاديا لهم في دينهم ودنياهم .
فالإمام بمنزلة الراية والعَلَم كما قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم : «عليٌّ راية الهدى» ، وعبّر عن المعصومين عليهم السلام ب- : «أعلام الهدى» ، فلا يُسلك الصراط المستقيم إلاّ باتّباع هذه الأعلام الرفيعة ، ولا يجوز التقدّم عليهم ولا التأخّر عنهم.
كما أمرنا اللّه تعالى بأن نكون مع الأئمة المعصومين عليهم السلام في قوله تعالى : (يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّه وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)(1) فيجب علينا أن نلازمهم، ونتّبعهم ، ونقتدي بهم ، فلا نتقدّم عليهم ولا نتأخّر عنهم .(2)
23 . قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم: إنما مثل أهل بيتي [فيكم] كمثل سفينة نوح ، من ركبها نجى، ومن تخلّف عنها غرق، ومن تقدّمها مرق،(3) ومن لزمها لحق.(4)
وفي بعض المصادر : من تقدّم عليهم مرق ، ومن تخلّف عنهم غرق ، ومن خالفهم محق ، ومن لزمهم لحق.(5)
ص: 27
24 . عن أمير المؤمنين علي عليه السلام : وخلّف فينا راية الحقّ ، من تقدّمها مرق ،ومن تخلّف عنها زهق ، ومن لزمها لحق.(1)
25 . وقال عليه السلام : إن لنا أهل البيت راية ، من تقدّمها مرق ، ومن تأخّر عنها محق ، ومن تبعها لحق .(2)
26 . وقال عليه السلام : معنا راية الحقّ والهدى ، من سبقها مرق، ومن خذلها محق ، ومن لزمها لحق .(3)
وفي لفظ : ألا وإننا راية الحقّ من تلاها سبق ، ومن تأخّر عنها مرق.(4)
27 . وقال مولانا زين العابدين عليه السلام - في الصلوات الشعبانية المشهورة - : اللهم صلّ على محمد وآل محمد، الفلك الجارية في اللجج الغامرة، يأمن من ركبها، ويغرق من تركها، المتقدّم لهم مارق، والمتأخّر عنهم زاهق، واللازم لهم لاحق.(5)
و هذا الاقتداء لا يختصّ بزمن الحضور بل يشمل زمن الغيبة، فقد ورد :
وقال عليه السلام - في ضمن دعائه عليه السلام يوم عرفة - : اللهم إنك أيدت دينك في كل أوان بإمام أقمته علماً لعبادك ، ومناراً في بلادك بعد أن وصلت حبله بحبلك ،
ص: 28
وجعلته الذريعة إلى رضوانك ، وافترضت طاعته ، وحذرت معصيته، وأمرت بامتثال أمره ، والانتهاء عند نهيه ، وأن لا يتقدّمه متقدّم ، و لا يتأخر عنه متأخر، فهو عصمة اللائذين، وكهف المؤمنين، وعُروة المتمسكين ، وبهاء العالَمين. (1)
و هذا الاقتداء لا يختص بزمن الحضور بل يشمل زمن الغيبة، فقد ورد :
28 . عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم : طوبى لمن أدرك قائم أهل بيتي ، وهو يأتمّ به في غيبته قبل قيامه ، ويتولّى أولياءه ، [و]يعادي أعداءه ، ذلك من رفقائي وذوي مودّتي ، وأكرم أُمّتي عليّ يوم القيامة .(2)وفي بعض المصادر : طوبى لمن أدرك قائم أهل بيتي وهو مقتدٍ به قبل قيامه، يتولّى وليّه ، ويتبرّأ من عدوه ، ويتولّى الأئمة الهادية من قبله ، أولئك رفقائي
وذوو ودّي ومودّتي ، وأكرم أُمّتي [خلق اللّه] عليّ .(3)
29 . عن أُمّ سلمة : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم : لأُمّتي فرقة وجعلة [خلعة] فجامعوها إذا اجتمعت ، وإذا افترقت فكونوا من النمط الأوسط ، ثم ارقبوا أهل بيتي فإن حاربوا فحاربوا ، وإن سالموا فسالموا ، وإن زالوا فزالوا معهم [فزولوا معهم حيث زالوا] ، فإنّ الحقّ معهم حيث كانوا .
[قال الراوي :] قلت [لأُم سلمة] : فمن أهل بيته ؟ ... قالت : هم الأئمة بعده كما قال : عدد نقباء بنى اسرائيل : عليٌّ وسبطاه وتسعة من صلب الحسين، هم
ص: 29
أهل بيته، هم المطهّرون والأئمة المعصومون. قلت : (إِنَّا للّه ...)، هلك الناس إذا ! قالت : (كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ)(1) .(2)
30 . قال مولانا أبو جعفر محمد بن علي عليهماالسلام : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم : أنا
وأبرار عترتي وأطائب أرومتي أحلم الناس صغارا ، وأعلمهم كبارا فإن لَبِدُوا فالْبِدُوا ، وإن استنصروكم فانصروهم تُحْمَدوا وتُؤْجَروا، ولا تستنفروهم فتصرعكم المنيّة ، ويشمت بكم عدوكم .(3)
31 . ذكر أمير المؤنين عليه السلام الفتن ، فقام رجل فقال : يا أمير المؤنين !
ما نصنع في ذلك الزمان ؟
قال : انظروا أهل بيت نبيّكم فإن لَبِدُوا فالْبِدُوا، وإن استصرخوكم فانصروهم تؤروا ، ولا تستبقوهم فتصرعكم البليّة .
ثم ذكر عليه السلام حصول الفرج بخروج صاحب الأمر عليه السلام .(4)
وفي بعض الروايات: وإن استنصروكم فانصروهم تنصروا وتعذروا ؛ فإنهم لن يخرجوكم من هدى ولن يدعوكم إلى ردى، ولا تسبقوهم بالتقدّم فيصرعكم البلاء وتشمت بكم الأعداء .
وزاد في بعضها : ثم إن اللّه يفرّج الفتن برجل منّا أهل البيت.(5)
ص: 30
32 . وعنه عليه السلام : انظروا أهل بيت نبيّكم فالزموا سَمْتَهم ، واتّبعوا أثرهم فلن يخرجوكم من هدى ، ولن يعيدوكم في ردى ، فإن لَبِدُوا فالْبِدُوا ، وإن نهضوا فانهضوا ، ولا تسبقوهم فتضلّوا ، ولا تتأخّروا عنهم فتهلكوا.(1)
33 . عن أبي جعفر عليه السلام قال : إن أقرب الناس إلى اللّه عزّ وجلّ وأعلمهم وأرأفهم بالناس محمدٌ والأئمة صلوات اللّه عليهم أجمعين فادخلوا أين دخلوا ، وفارقوا من فارقوا - أعني بذلك حسينا وولده عليهم السلام - فإنّ الحقّ فيهم ، وهمالأوصياء، ومنهم الأئمة، فأين ما رأيتموهم فاتبعوهم .
فإن أصبحتم يوما لاترون منهم أحدا فاستعينوا باللّه ، وانظروا السنّة التي كنتم عليها فاتّبعوها، وأحبّوا من كنتم تحبّون، وأبغضوا من كنتم تبغضون، فما أسرع ما يأتيكم الفرج.(2)
34 . وقال مولانا زين العابدين عليه السلام - بعد الدعاء لصاحب الزمان عليه السلام ولتعجيل فرجه - : اللهم أعنّا على سلوك المنهاج، منهاج الهدى ، والمحجّة العظمى ، والطريقة الوسطى التي يرجع إليها العالي ،(3) ويلحق بها التالي ، ووفّقنا لمتابعته وأداء حقّه ، وامنُن علينا بمتابعته في البأساء والضرّاء.(4)
ص: 31
35 . عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنه قال : قال لي أبي : لابدّ لنار [لنا] من آذربيجان لا يقوم لها شيء ، فإذا كان ذلك فكونوا أحلاس بيوتكم ، والْبِدُوا ما لَبِدْنا ، فإذا تحرك متحركنا فاسعوا إليه ولو حبوا .(1)
36 . عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى : (اصْبِرُوا) يعني بذلك عن المعاصي.
(وَصَابِرُوا) يعني التقية .
(وَرَابِطُوا)(2) يعني على الأئمة عليهم السلام .ثم قال : أتدري ما معنى «الْبِدُوا ما لَبِدْنا» ؟! فإذا تحرّكنا فتحرّكوا ... .(3)
37 . عن عيص بن القاسم ، قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول : عليكم
بتقوى اللّه وحده لا شريك له ، وانظروا لأنفسكم ، فواللّه إن الرجل ليكون له الغنم فيها الراعي ، فإذا وجد رجلاً هو أعلم بغنمه من الذي هو فيها يخرجه ويجيء بذلك الرجل الذي هو أعلم بغنمه من الذي كان فيها .(4)
ص: 32
واللّه لو كانت لأحدكم نفسان ، يقاتل بواحدة يجرّب بها ، ثم كانت الأُخرى باقية تعمل على ما قد استبان لها ، ولكن له نفس واحدة إذا ذهبت فقد - واللّه - ذهبت التوبة ، فأنتم أحقّ أن تختاروا لأنفسكم .
إن أتاكم آتٍ منّا فانظروا على أيّ شيء تخرجون ؟ ولا تقولوا : «خرج زيد»، فإن زيدا كان عالما ، وكان صدوقا ، ولم يَدْعُكُم إلى نفسه ، وإنما دعاكم إلى الرضا من آل محمد صلى الله عليه و آله ، ولو ظهر لوفى بما دعاكم إليه ، إنما خرج إلىسلطان مجتمع لينقضه .
فالخارج منّا - اليوم - إلى أيّ شيء يدعوكم ؟! إلى الرضا من آل محمد صلى الله عليه و آله وسلم؟! فنحن نشهدكم أنّا لسنا نرضى به(1) وهو يعصينا اليوم وليس معه أحد ، وهو إذا كانت الرايات والألوية أجدر أن لا يسمع منّا إلاّ من اجتمعت بنو فاطمة معه، فواللّه ما صاحبكم إلاّ من اجتمعوا عليه .
إذا كان رجب فأقبلوا على اسم اللّه، وإن أحببتم أن تتأخّروا إلى شعبان فلا ضير ، وإن أحببتم أن تصوموا في أهاليكم فلعلّ ذلك يكون أقوى لكم ، وكفاكم بالسفياني علامة .(2)
ص: 33
يعدّ انتظار الفرج من أركان الدين والإيمان ، وقد ورد التأكيد عليه في غير واحد من الروايات(1) ولكن دار الكلام فيما يراد من هذه العبارات : «انتظار الأمر، وانتظار القائم» ونحوها ، والظاهر أن الغرض منها :
* عدم نسيان الإمام عليه السلام والتوجّه إلى أن له دولة كريمة وسلطة على جميع الأعداء .
* عدم اليأس من ظهوره وفرجه وإن طالت غيبته، فكما لا يقنط المؤمن من أصل الفرج كذلك لا ييأس من وقوعه في زمان يدركه هو ، بل يتوقّعه صباحا ومساءً .
ص: 34
* الاستعداد لنصرته بتحصيل العلم والعمل .* ترك الاستعجال والتسليم لحكم اللّه تعالى ، والرّضا بقضائه سواءٌ أ عرف العلّة في تأخير الفرج أم لا .
* ترك قتال الأعداء قبل أن يأتي أوانه .
وإليك بعض روايات الانتظار :
38 . قال النبي صلى الله عليه و آله وسلم : انتظار الفرج بالصبر عبادة .(1)
39 . قال مولانا الصادق عليه السلام : من دين الأئمة الورع والعفة والصلاح ... إلى قوله: وانتظار الفرج بالصبر .(2)
40 . عن عبد الملك بن عمرو، قال : قال لي أبو عبد اللّه عليه السلام : يا عبدالملك
مالي لا أراك تخرج إلى هذه المواضع التي يخرج إليها أهل بلادك ؟ قال : قلت : وأين ؟ قال : جدّة وعبادان والمصيصة وقزوين ، فقلت : انتظارا لأمركم
والاقتداء بكم ، فقال : إي واللّه ، لو كان خيرا ما سبقونا إليه .
قال : قلت : له : فإن الزيدية يقولون : ليس بيننا وبين جعفر خلاف إلاّ أنه لا يرى الجهاد . فقال : أنا لا أراه ؟ ! بلى واللّه إني لأراه ، ولكني أكره أن أدع علمي إلى [على ]جهلهم .(3)
ص: 35
41 . قال أمير المؤنين عليه السلام : مزاولة قلع الجبال أيسر من مزاولة ملك مؤّل، و(اسْتَعِينُوا بِاللّه وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ للّه يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُلِلْمُتَّقِينَ) ،(1) لا تعاجلوا الأمر قبل بلوغه فتندموا ، ولا يطولنّ عليكم الأمد فتقسو قلوبكم .(2)
42 . قال الراوي: قلت لأبي جعفر عليه السلام : أصلحك اللّه فأين علامة هذا الأمر ؟ فقال : أترى بالصبح من خفاء؟ قلت : لا ، قال : فإن أمرنا إذا كان كان أبين من فلق الصبح ، ثم قال : مزاولة جبل بظفر أهون من مزاولة ملك لم ينقض أكله فاتقوا اللّه تبارك وتعالى ولا تقتلوا أنفسكم للظلمة .(3)
43 . عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : أقرب ما يكون العباد إلى اللّه عزّ وجلّ وأرضى ما يكون عنهم إذا افتقدوا حجة اللّه فلم يظهر لهم ، ولم يعلموا بمكانه ، وهم في ذلك يعلمون أنه لم تبطل حجة اللّه ، فعندها فتوقّعوا الفرج صباحا ومساءً [كلّ صباح ومساء] .(4)
44 . عن أبي جعفر عليه السلام : ... إذا اشتدّت الحاجة والفاقة ، وأنكر الناس بعضهم بعضا فعند ذلك توقّعوا هذا الأمر صباحا ومساءً .(5)
ص: 36
45 . قال محمد بن عبد اللّه - لمولانا أبي الحسن الرضا عليه السلام - : حدّثني أبي عن أهل بيته ، عن آبائه أنه قال لبعضهم : إن في بلادنا موضع رباط يقال له : قزوين ، وعدوا يقال له : الديلم ، فهل من جهاد أو هل من رباط ؟ فقال :عليكم بهذا البيت فحجّوه ، فأعاد عليه الحديث ، فقال : عليكم بهذا البيت فحجّوه، أما يرضى أحدكم أن يكون في بيته ، ينفق على عياله من طوله ينتظر أمرنا، فإن أدركه كان كمن شهد مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم بدرا ، فإن مات ينتظر أمرنا كان كمن كان مع قائمنا صلوات اللّه عليه هكذا في فسطاطه ، وجمع بين السبابتين،
ولا أقول : هكذا ، وجمع بين السبابة والوسطى ، فإن هذه أطول من هذه . فقال أبو الحسن عليه السلام : صدق .(1)
46 . قال مولانا أبو جعفر الجواد عليه السلام: إن القائم منّا هو المهدي الذي يجب أن
ينتظر في غيبته ، ويطاع في ظهوره.(2)
47 . قال مولانا الرضا عليه السلام : ما أحسن الصبر وانتظار الفرج ، أما سمعت قول اللّه عزّ وجلّ : (وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ) ،(3) (فَانتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُم مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ) ،(4) فعليكم بالصبر فإنه إنما يجيء الفرج على اليأس ، فقد كان الذين من قبلكم أصبر منكم .(5)
ص: 37
48 . قال مولانا الصادق عليه السلام: ... إن من انتظر أمرنا ، وصبر على ما يرى من الأذى والخوف ، هو غدا في زمرتنا .(1)49 .قال مولانا زين العابدين عليه السلام : يا أبا خالد ! إن أهل زمان غيبته ، القائلين بإمامته ، والمنتظرين لظهوره أفضل من أهل كلّ زمان ؛ لأن اللّه تبارك وتعالى أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة ، وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول اللّه صلى الله عليه و آله بالسيف ، أولئك المخلصون حقّا وشيعتنا صدقا، والدعاة إلى دين اللّه عزّ وجلّ سرّا وجهرا .(2)
50 . قال مولانا الصادق عليه السلام: ... طوبى لشيعة قائمنا ، المنتظرين لظهوره في غيبته ، والمطيعين له في ظهوره، أولئك أولياء اللّه الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون .(3)
51 . سئل مولانا أبوجعفر الجواد عليه السلام: ولم سُمّي : المنتظَر ؟ قال : لأن له غيبة يكثر أيامها، ويطول أمدها، فينتظر خروجه المخلصون، وينكره المرتابون ، ويستهزئ بذكره الجاحدون ، ويكذب فيها الوقّاتون ، ويهلك فيها المستعجلون، وينجو فيها المسلّمون .(4)
ص: 38
52 . قال عبدالحميد الواسطي لأبي جعفر عليه السلام : أصلحك اللّه ، واللّه لقد تركنا أسواقنا انتظارا لهذا الأمر حتى أوشك الرجل منّا يسأل في يديه ، فقال : يا عبد الحميد أترى من حبس نفسه على اللّه، لا يجعل اللّه له مخرجا؟ بلى ، واللّه ليجعلنّ اللّه له مخرجا ، رحم اللّه عبدا حبس نفسه علينا، رحم اللّه عبدا أحيى أمرنا ، قال : فقلت : فإن متُّ قبل أن أدرك القائم ؟
فقال: القائل منكم: «إن أدركتُ القائم من آل محمد نصرتُه» كالمقارع معه بسيفه - وفيرواية: لا بل كالشهيد معه - والشهيد[والشهادة] معه له شهادتان.(1)
53 . قال مولانا أبو جعفر الباقر عليه السلام: اعلموا أن المنتظر لهذا الأمر له مثل أجر الصائم القائم ، ومن أدرك قائمنا فخرج معه فقتل عدونا كان له مثل أجر عشرين شهيدا، ومن قتل مع قائمنا كان له مثل أجر خمسه وعشرين شهيدا.(2)
54 . قال سليمان بن خالد لمولانا أبي عبد اللّه عليه السلام - : إن الزيدية قوم قد عرفوا، وجرّبوا ، وشهّرهم الناس ، وما في الأرض محمديٌّ أحبّ إليهم منك، فإن رأيت أن تدنيهم وتقرّبهم منك فافعل .
ص: 39
فقال : يا سليمان بن خالد ! إن كان هؤاء السفهاء يريدون أن يصدّونا عن علمنا إلى جهلهم فلا مرحبا بهم ولا أهلاً، وإن كانوا يسمعون قولنا ، وينتظرون أمرنا فلا بأس .(1)
55 . وقال عليه السلام : إن لنا دولة يجيء اللّه بها إذا شاء .
ثم قال : من سرّه أن يكون من أصحاب القائم فلينتظر ، وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق ، وهو منتظر ، فإن مات وقام القائم بعده كان له من الأجر مثل أجر من أدركه ، فجدّوا ، وانتظروا ، هنيئا لكم أيّتها العصابة المرحومة .(2)
56 . كتب علي بن مهزيار إلى مولانا أبي الحسن الهادي عليه السلام يسأله عن الفرج، فكتب عليه السلام: إذا غاب صاحبكم عن دار الظالمين ، فتوقّعوا الفرج .(3)
57 . عن مولانا أبي الحسن الرضا عليه السلام : إذا رُفع عالمكم ، وغاب من بين أظهركم ، فتوقّعوا الفرج الأعظم من تحت أقدامكم .(4)
58 . وفي كتاب مولانا أبي الحسن الهادي عليه السلام : إذا رفع علمُكم من بين أظهركم ، فتوقّعوا الفرج من تحت أقدامكم .(5)
ص: 40
ترك الاستعجال(1)
59 . عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قول اللّه عزّ وجلّ : (أَتَى أَمْرُ اللّه فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ)،(2) قال : هو أمرنا أمر اللّه ، لا يستعجل[نستعجل] به. (3)
60 . وفي غير واحد من الروايات: «هلك المستعجلون»، أو ما بمعناها.(4)
61 . قال مولانا الصادق عليه السلام : إنما هلك الناس من استعجالهم لهذا الأمر، إن اللّه لا يعجل لعجلة العباد إن لهذا الأمر غاية ينتهي إليها ، فلو قد بلغوها لم يستقدموا ساعة ولم يستأخروا .(5)
ص: 41
62 . عن الفضل الكاتب ، قال : كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام فأتاه كتاب أبي مسلم فقال : ليس لكتابك جواب اخرج عنّا - إلى أن قال : - إن اللّه لا يعجل لعجلة العباد ، ولإزالة جبل عن موضعه أهون من إزالة ملك لم ينقض أجله ...
قلت : فما العلامة فيما بيننا وبينك جعلت فداك؟ قال : لا تبرح الأرض - يا فضيل ! - حتى يخرج السفياني فإذا خرج السفياني فأجيبوا إلينا - يقولها ثلاثا - وهو من المحتوم .(1)63 . وقال عليه السلام : هلكت المحاضير - قال : قلت : وما المحاضير؟(2) قال : المستعجلون - ونجا المقرّبون ،(3) وثبت الحصن على أوتادها ، كونوا أحلاس بيوتكم ، فإن الغبرة على من أثارها ، وإنهم لا يريدونكم بجائحة إلاّ أتاهم اللّه بشاغل إلاّ من تعرّض لهم .
أو: وإنهم لا يريدونكم بحاجة إلاّ أتاهم اللّه بشاغل لأمر يعرض لهم .(4)
64 . عن أبي جعفر الباقر عليه السلام أنه قال : هلك أصحاب المحاضير ، ونجا المقرّبون ، وثبت الحصن على أوتادها ، إن بعد الغمّ فتحا عجيبا .(5)
65 . وقال عليه السلام : الغبرة على من أثارها ، هلك المحاضير [المحاصير] ، قلت : جعلت فداك ، وما المحاضير [المحاصير] ؟ قال : المستعجلون ... . أترى قوما
ص: 42
حبسوا أنفسهم على اللّه لا يجعل لهم فرجا ؟ بلى واللّه ليجعلنّ اللّه لهم فرجا.(1)
66 . عن أمير المؤنين عليه السلام : هلك المتمنّون ، واضمحلّ المضمحلّون ، وبقي المؤنون ، وقليلٌ ما يكونون ، ثلاثمائة أو يزيدون ، تجاهد معهم عصابة جاهدت مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله يوم بدر ، لم تقتل ولم تمت .(2)67 . وقال عليه السلام: الزموا الأرض، واصبروا على البلاء، ولا تحرّكوا بأيديكم وسيوفكم في هوى ألسنتكم ، ولا تستعجلوا بما لم يعجّل اللّه لكم ، فإنه من مات منكم على فراشه وهو على معرفة حقّ ربّه وحقّ رسوله وأهل بيته مات شهيدا، ووقع أجره على اللّه ، واستوجب ثواب ما نوى من صالح عمله، وقامت النية مقام إصلاته بسيفه ، فإن لكل شيء مدّة وأجلاً .(3)
* وتقدّم في الرواية المرقّمة 41 : لا تعاجلوا الأمر قبل بلوغه فتندموا .
68 . عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : كلّما تقارب هذا الأمر كان أشدّ للتقية .(4)
ص: 43
69 . وقال عليه السلام : خالطوا الناس بالبرّانية ،(1) وخالفوهم بالجوّانية ما دامت الإمرة صبيانية.(2)70 . وقال عليه السلام : خالطوا الأبرار سرّا ، وخالطوا الفجار جهارا ، ولا تميلوا عليهم فيظلموكم ، فإنه سيأتي عليكم زمان لا ينجو فيه من ذوي الدين إلاّ من ظنّوا أنه أبله، وصبر نفسه على أن يقال [له] : إنه أبله لا عقل له.(3)
71 . قال مولانا أبو الحسن الرضا عليه السلام : لا دين لمن لا ورع له ، ولا إيمان لمن لا تقية له ، إن أكرمكم عند اللّه أعملكم بالتقية .
فقيل له : يا ابن رسول اللّه إلى متى؟ قال: إلى يوم الوقت المعلوم، وهو يوم خروج قائمنا ، فمن ترك التقية قبل خروج قائمنا فليس منّا .(4)
72 . قال المفضّل : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول : إياكم والتنويه ،(5) أما واللّه
ص: 44
ليغيبنّ إمامكم سنينا من دهركم ، ولتمحصنّ حتى يقال : مات أو هلك، بأيّ وادٍ سلك ، ولتدمعنّ عليه عيون المؤنين ، ولتكفأنّ كما تكفأ السفن في أمواج البحر ، ولا ينجو إلاّ من أخذ اللّه ميثاقه ، وكتب في قلبه الإيمان وأيّده بروح منه ، ولترفعنّ اثنتا عشرة راية مشتبهة لا يدرى أيٌّ من أيٍّ .
قال : فبكيتُ ، فقال لي : ما يبكيك ، يا أبا عبد اللّه ؟!فقلت : وكيف لا أبكي ، وأنت تقول : «اثنتا عشرة راية مشتبهة لا يدرى أيٌّ من أيٍّ» ، فكيف نصنع ؟
قال : فنظر إلى شمس داخلة في الصفة ، فقال : يا أبا عبد اللّه ! ترى هذه الشمس ؟ قلت : نعم. قال : واللّه لأمرنا أبين من هذه الشمس .(1)
73 . قال النبي صلى الله عليه و آله وسلم : يأتي الناس زمان يقتل فيه العلماء كما يقتل اللصوص! فيا ليت العلماء تحامقوا في ذلك الزمان .(2)
74 . قال أمير المؤنين عليه السلام لشيعته : كونوا في الناس كالنحل في الطير ، ليس شيء من الطير إلاّ وهو يستضعفها ، ولو يعلم ما في أجوافها لم يفعل بها
ص: 45
كما يفعل، خالطوا الناس بأبدانكم ، وزايلوهم بقلوبكم وأعمالكم ، فإن لكل امرئ ما اكتسب ، وهو يوم القيامة مع من أحبّ ... .
إلى أن قال - بعد ذكر بعض الفتن والمحن - : وكذلك أنتم تميّزون حتى لا يبقى منكم إلاّ عصابة لا تضرّها الفتنة شيئا .(1)
* وتقدّم في الرواية المرقّمة 5 : ويضاعف اللّه تعالى حسنات المؤن منكم -إذا أحسن أعماله ، ودان اللّه بالتقية على دينه ، وعلى إمامه وعلى نفسه، وأمسك من لسانه - أضعافا مضاعفة كثيرة، إن اللّه عزّ وجلّ كريم .
* وتقدّم في الروايه المرقّمة 8 : ودانوا بالتقية عن دينهم، والخوف من عدوهم.
* وتقدّم في الرواية المرقّمة 36 : في قوله تعالى : (وَصَابِرُوا) يعني التقية .
* ويأتي في الرواية المرقّمة 109 : اعتصموا بالتقية من شبّ نار الجاهلية ، يحششها عصب أموية ، تهول بها فرقة مهدية .
توضيح
قال الشيخ المفيد : التقية : كتمان الحقّ ، وستر الاعتقاد فيه ، ومكاتمة المخالفين ، وترك مظاهرتهم بما يعقب ضررا في الدين أو الدنيا .(2)
ص: 46
وقال الشيخ الأنصاري قدس سره : الواجب منها ما كان لدفع الضرر الواجب فعلاً... وهذا القسم منها يبيح كلّ محظور من فعل الواجب وترك المحرّم .(1)
وفي غير موارد الضرورة أيضا أُمرنا بمداراة العامّة فقد ورد النصّ بالحثّ على المعاشرة الحسنة مع العامّة ، وعيادة مرضاهم ، وتشييع جنائزهم ، والصلاة في مساجدهم ، وغيرها .(2)
75 . عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم أنه قال : يأتي في آخر الزمان أُناس من أُمّتي ، يأتون المساجد يقعدون فيها حلقا ، ذكرهم الدنيا وحبّ الدنيا ، لا تجالسوهم فليس
للّه بهم حاجة.(3)
76 . وعنه صلى الله عليه و آله وسلم : لا تجالسوهم في الملأ ، ولا تبايعوهم في الأسواق، ولا تهدوهم إلى الطريق ، ولا تسقوهم الماء .(4)
77 . عن عبد اللّه بن عمرو : قال : بينا نحن حول رسول اللّه[ صلى الله عليه و آله وسلم]، إذ ذكر
ص: 47
الفتنة - أو ذكرت عنده الفتنة - فقال : إذا رأيت الناس مرجت عهودهم ، وحقرت أمانتهم ، وكانوا هكذا - وشبّك بين أصابعه - قال : فقمت إليه فقلت: كيف أفعل عند ذلك ، جعلني اللّه فداك ؟ قال : الزم بيتك ، وأمسك عليك لسانك ، وخذ ما تعرف ، وذر ما تنكر ، وعليك بأمر خاصّة نفسك ، وذر عنك العامّة.(1)
أقول : ليس المراد من هذه العبارات(2) سقوط الأمر بالمعروف والنهي عنالمنكر أو عدم وجوب إرشاد الجاهل مطلقا ؛ فقد ورد - وإضافة إلى أدلة استمرار الشريعة - التصريح في بعض الروايات بعدم سقوط الأمر بالمعروف في آخر الزمان ،(3) فيمكن أن يكون المراد الالتفات إلى أن الشروط في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليست موجودة دائما أو لزوم اجتناب المعاشرة إلاّ فيما لابدّ منه لاستلزامه مشكلات لا يمكن تحمّلها، ولعلّ هذا أقرب .
ص: 48
78 . وعنه صلى الله عليه و آله وسلم : ... فعند [ففي] ذلك الزمان الهرب خير من القيام .(1)
79 . وفي رواية - بعد أن ذكر أمير المؤنين عليه السلام الفتن - فقال له رجلٌ : يا أمير المؤنين وكيف نصنع في ذلك الزمان ؟ فقال عليه السلام : الهرب ، الهرب .(2)
80 . وعنه عليه السلام : وذلك زمان لا ينجو فيه إلاّ كلّ مؤن نومة ،(3) إن شهد لم يعرف وإن غاب لم يفتقد ، أولئك مصابيح الهدى ، وأعلام السرى ، ليسوا بالمساييحولا المذاييع البذر،(4) أولئك يفتح اللّه لهم أبواب رحمته ، ويكشف عنهم ضرّاء نقمته.
أيها الناس ! سيأتي عليكم زمان يكفأ فيه الإسلام كما يكفأ الإناء بما فيه.(5)
ص: 49
81 . عن أبي جعفر عليه السلام قال : يأتي على الناس زمان يغيب عنهم إمامهم ، فيا طوبى للثابتين على أمرنا في ذلك الزمان ، إن أدنى ما يكون لهم من الثواب أن يناديهم الباري عزّ وجلّ :
«عبادي ! آمنتم بسرّي ، وصدّقتم بغيبي ، فأبشروا بحسن الثواب مني ، فأنتم عبادي وإمائي حقّا ، منكم أتقبّل ، وعنكم أعفو ، ولكم أغفر ، وبكم أسقي عبادي الغيث ، وأدفع عنهم البلاء ، ولولاكم لأنزلتُ عليهم عذابي» .
قال جابر : فقلت : يا ابن رسول اللّه ! فما أفضل ما يستعمله المؤن في ذلك الزمان ؟ قال : حفظ اللسان ، ولزوم البيت.(1)82 . عن أبي عبداللّه عليه السلام : كُفّوا ألسنتكم، والزموا بيوتكم، فإنه لايصيبكم أمر تخصّون به ولا يصيب العامّة، ولا يزال الزيدية وقاءً لكم [أبدا].(2)
83 . عن أمير المؤنين عليه السلام : ... واتخذوا صوامعكم بيوتكم ، وعضّوا على مثل جمر الغضا،(3) واذكروا اللّه كثيرا فذكره أكبر لو كنتم تعلمون .(4)
84 . وعنه عليه السلام قال: يأتي على الناس زمان يكون العافية عشرة أجزاء، تسعة
ص: 50
منها اعتزال الناس ، وواحدة في الصمت .(1)
85 . عن أبي جعفر ، عن أمير المؤنين عليهماالسلام ، قال : يأتي على الناس زمان يكون فيه أحسنهم حالاً من كان جالسا في بيته .(2)
86 . عن أبي عبد اللّه عليه السلام - نقلاً عن سلمان رحمه الله - : ... فإذا كان ذلك فالزموا أحلاس بيوتكم حتى يظهر الطاهر بن الطاهر المطهّر ، ذوالغيبة ، الشريد ، الطريد .(3)
87 . عن عمار بن ياسر رضى الله عنه أنه قال : دعوة أهل بيت نبيّكم في آخر الزمان ،فالزموا الأرض ، وكُفّوا حتى تروا قادتها .(4)
وفيرواية : ... إن دولة أهل بيت نبيّكم في آخر الزمان ، ولها أمارات ، فإذا رأيتم فالزموا الأرض وكُفّوا حتى تجيء أماراتها .(5)
88 . عن أمير المؤنين عليه السلام : ... فكونوا - رحمكم اللّه - من أحلاس بيوتكم إلى أوان ظهور أمرنا ، فمن مات منكم كان من المظلومين ، ومن عاش منكم أدرك ما تقرّ به عينه إن شاء اللّه تعالى .(6)
ص: 51
89 . عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : قلت له : أوصني ، فقال : أُوصيك بتقوى اللّه ، وأن تلزم بيتك ، وتقعد في دهماء هؤاء الناس ، وإياك والخوارج منّا فإنهم ليسوا على شيء ولا إلى شيء ... .
واعلم أنه لا تقوم عصابة تدفع ضيما أو تعزّ دينا، إلاّ صرعتهم البلية حتى تقوم عصابة شهدوا بدرا مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، لا يُوارى قتيلهم ، ولا يُرفع صريعُهم ، ولا يُداوى جريحُهم . فقلت : من هم ؟ قال : الملائكة.(1)90 . عن أبي بكر الحضرمي قال : دخلت أنا وأبان على أبي عبد اللّه عليه السلام ، وذاك حين ظهرت الرايات السود بخراسان ، فقلنا : ما ترى ؟ فقال: اجلسوا في بيوتكم، فإذا رأيتمونا قد اجتمعنا على رجل ، فانهدوا إلينا بالسلاح.(2)
* وتقدّم في الرواية المرقّمة 8 : فعلماؤم وأتباعهم خرس صمت في دولة الباطل .
ص: 52
* وتقدّم في الرواية المرقّمة 62 : عن الفضل الكاتب أنه قال لأبي عبداللّه عليه السلام: فما العلامة فيما بيننا وبينك ؟ قال : لا تبرح الأرض حتى يخرج السفياني .
توضيح :
إن الغرض من «لزوم البيت» أحد أمرين : الأول : ترك قتال الأعداء قبل أن يأتي أوانه، الثاني : اعتزال الناس واجتناب معاشرتهم .
ثم إن العزلة ولزوم البيت إنما يكون حسنا لمن علم ما يجب عليه في العقيدة والعمل ليتمكن في حال الاعتزال من أداء تكاليفه ورعاية حقوق أقاربه وإخوانه المؤمنين، فأمّا من أراد أن يعتزل الجميع في أول أمره فإنه يقع في حيرة في أصول دينه وفروعه، وليس هذا مطلوبا للشارع قطعا .
فروي عن أبي عبد اللّه عليه السلام - لمّا قيل له : رجل عرف هذا الأمر ، لزم بيتهولم يتعرف إلى أحد من إخوانه - قال عليه السلام : كيف يتفقّه هذا في دينه ؟ !(1)
فالاعتزال يختلف بحسب الأفراد والأحوال والظروف . و لا مناص للإنسان من معاشرة من يتعلّم منه دينه، ومن يذاكره أموره ويستشيره فيها فربّما «يسعد الرجل بصاحبه السعيد» كما روي عن مولانا أميرالمؤمنين عليه السلام .(2)
ولكن المهمّ التعرّف على من هو واجد لشروط المعاشرة السليمة فإن حسن الظنّ بجميع الناس - فيما إذا كان الغالب على أهل الزمان الفساد - من حماقة وسفاهة، فلابدّ من التزام الدقّة في اختيار من لابدّ من معاشرته .
ص: 53
تدلّ عدّة من الروايات على المنع عن ذكر اسمه عليه السلام - وهو اسم جدّه صلى الله عليه و آله وسلم - في زمن الغيبة(1) واختلف العلماء في حرمة ذلك وجوازه ، وثمّة أقوال في ذلك :
ص: 54
1 . الجواز مطلقا إلاّ في حال التقية ؛
2 . الجواز على كراهة ؛
3 . المنع مطلقا ؛
4 . المنع مطلقا إلاّ في الأدعية المأثورة ؛
5 . اختصاص المنع بذكره في المحافل والمجامع ؛
6 . الفصل بين الغيبة الصغرى والغيبة الكبرى ، واختصاص المنع بذكره في الأولى دون الثانية .(1)قال المحدّث النوري رحمه الله - بعد نقل بعض الروايات في ذلك - :
وهذه الأخبار وغيرها ممّا يوجد في الأصل ، بعد حمل ظاهرها على نصّها ، صريحة في أن عدم جواز تسمية مولانا المهدي صلوات اللّه عليه باسمه المعهود ، من خصائصه كغيبته وطول عمره ، وأن غاية هذا المنع ظهوره وسطوع نوره واستيلاؤ وسلطنته ، لا يعلم سرّه وحكمته غيره تعالى ، ليس لأجل الخوف
ص: 55
والتقية التي يشارك معه غيره من آبائه الكرام عليهم السلام بل وخواصّ شيعته ، ويشترك مع اسمه هذا كثير من ألقابه الشائعة ، فيرتفع بعدمه ولو كان قبل الظهور .
ويؤد الأخبار المذكورة صنوف أخرى ... .
الى أن قال : وحمل أخبار الباب على التقية فاسد من وجوه ... .
ثم قال : وقد ادّعى المحقق الداماد في رسالة «شرعة التسمية» الإجماع على التحريم ، والسيد المحدّث الجزايري في «شرح العيون» نسب التحريم إلى الأكثر ... فلمّا وصلت النوبة إلى صاحب الوسائل - المصرّ على القول بالجواز - كتب رسالة طويلة ، واستدل على الجواز بأخبار كثيرة تقرب من مائة ... فيها جملة من الأخبار التي ذكر عليه السلام فيها باسمه، بعضها من الراوي ، وبعضها منهم في مواضع مخصوصة ، وكلّها قضايا شخصية قابلة لمحامل كثيرة، لا تقاوم الأخبار الناصّة الناهية، وليس في جميع ما جَمَعه خبر واحد نصّوا فيه على الجواز .(1)
93 . قال مهزم الأسدي لمولانا أبي عبد اللّه عليه السلام : جعلت فداك ، أخبرني عن هذا الأمر الذي ننتظره، متى هو ؟ - أو متى هذا الأمر الذي تنتظرونه ؟ فقد طال - فقال: يا مهزم ! كذب الوقّاتون ، وهلك المستعجلون ، ونجا المسلّمون ، وإلينا يصيرون .(1)
94 . وقال عليه السلام : أبى اللّه إلاّ أن يخالف وقت الموقّتين .(2)
95 . وقال عليه السلام : كذب الوقّاتون ، إنا أهل بيت لا نوقّت .
وزاد في بعض الروايات : أبى اللّه إلاّ أن يخلف وقت الموقّتين .(3)
96 . وقال عليه السلام : كذب الموقّتون، ماوقّتنا فيمامضى، ولانوقّت فيما يستقبل.(4)
97 . وقال عليه السلام : من وقّت لك من الناس شيئا فلا تهابنّ أن تكذّبه ، فلسنا نوقّت لأحد وقتا.(5)
98 . في التوقيع الشريف عن مولانا صاحب الزمان عليه السلام : وأمّا ظهور الفرج فإنه إلى اللّه تعالى ذكره ، وكذب الوقّاتون .(6)
ص: 57
* وتقدّم في الرواية المرقّمة 51 : له غيبة يكثر أيامها ، ويطول أمدها فينتظر خروجه المخلصون ... ويكذب فيها الوقّاتون .
الف ) الدعاء والتضرّع إلى اللّه لطلب المعرفة منه، والثبات على الدين والسلامة من الفتن .
99 . قال أبو عبد اللّه عليه السلام: ستصيبكم شبهةٌ فتبقون بلا علم يرى ، ولا إمام
هدى ، لاينجو منها إلاّ من دعا بدعاء الغريق [الحريق] .
قلت : وكيف دعاء الغريق ؟ قال : تقول :
يا اللّه ! يا رحمان ! يا رحيم ! يا مقلّب القلوب ! ثبّت قلبي على دينك .(1)
100 . وفي رواية : قال زرارة: فإن أدركتُ ذلك الزمان فأيّ شيء أعمل؟ قال أبو عبد اللّه عليه السلام : يا زرارة ! إن أدركت ذلك الزمان فالزم هذا الدعاء :اللهم عرّفني نفسك ، فإنك إن لم تعرّفني نفسك لم أعرف نبيك .
اللهم عرّفني رسولك ، فإنك إن لم تعرّفني رسولك لم أعرف حجتك.
اللهم عرّفني حجتك ، فإنك إن لم تعرّفني حجّتك ضللتُ عن ديني .(2)
ص: 58
101 . وفي رواية : قال الراوي : قلتُ : كيف تصنع شيعتك ؟ قال : عليكم بالدعاء، وانتظار الفرج ، وإنه سيبدو لكم علم ، فإذا بدا لكم فاحمدوا اللّه ، وتمسّكوا بما بدا لكم .
قلتُ : فما ندعو به ؟ قال : تقول :
اللهم أنت عرّفتني نفسك وعرّفتني رسولك وعرّفتني ملائكتك وعرّفتني ولاة أمرك .
اللهم لا آخذ إلاّ ما أعطيتَ ، ولا أقي إلاّ ما وقيتَ .
اللهم لا تغيّبني عن منازل أوليائك ، ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني .
اللهم اهدني لولاية من افترضتَ طاعته .(1)
102 . عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : إذا تمنّى أحدكم القائم فليتمنّه في عافية ؛ فإن اللّه بعث محمدا صلى الله عليه و آله رحمة ويبعث القائم نقمة .(2)
* ويأتي في الرواية المرقّمة 110 : فكن على حذر ، واطلب من اللّه عزّ وجلّ النجاة، واعلم أن الناس في سخط اللّه عزّ وجلّ... .
ص: 59
ب ) الدعاء لتعجيل الفرج
103 . عن أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليهماالسلام : واللّه ليغيبنّ غيبة
لا ينجو فيها من الهلكة إلاّ من ثبّته اللّه عزّ وجلّ على القول بإمامته ، ووفّقه [فيها] للدعاء بتعجيل فرجه .(1)
104 . عن أبي عبد اللّه عليه السلام : أوحى اللّه إلى إبراهيم أنه سيولد لك، فقال لسارة، فقالت : (أَ أَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ)؟!(2) فأوحى اللّه إليه: أنها ستلد ، ويعذّب أولادها أربعمائة سنة بردّها الكلام عليّ، فلمّا طال على بني إسرائيل العذاب ضجّوا وبكوا إلى اللّه أربعين صباحا فأوحى اللّه إلى موسى وهارون يخلصهم من فرعون ، فحطّ عنهم سبعين ومائة سنة .
فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : هكذا أنتم لو فعلتم لفرّج اللّه عنّا فأمّا إذ لم تكونوا فإن الأمر ينتهي إلى منتهاه .(3)
105 . وفي التوقيع الشريف عن مولانا صاحب الزمان عليه السلام : وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج ، فإن ذلك فرجكم.(4)
ص: 60
106 . قال النبي صلى الله عليه و آله وسلم : ... طوبى للصابرين في غيبته ، طوبى للمقيمين على محجّتهم ، أولئك وصفهم اللّه في كتابه فقال : (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ)(1) وقال : (أُولئِكَ حِزْبُ اللّه أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللّه ِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).(2)
107 . قال أبو عبد اللّه عليه السلام : إن لصاحب هذا الأمر غيبة المتمسّك فيها بدينه
كالخارط لشوك القتاد(3) بيده . ثم أومأ أبوعبداللّه عليه السلام بيده هكذا، قال : فأيّكم يمسك شوك القتاد بيده ؟! ثم أطرق مليّا ، ثم قال : إن لصاحب هذا الأمر غيبة فليتقّ اللّه عبدٌ عند غيبته، وليتمسّك بدينه .(4)
108 . عن مولانا الكاظم عليه السلام : إذا فقد الخامس من ولد السابع فاللّه اللّه في أديانكم ، لايزيلنّكم عنها، فإنه لابدّ لصاحب هذا الأمر من غيبة حتى يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به، إنما هي محنة من اللّه يمتحن اللّه بها خلقه.(5)
ص: 61
109 . ورد من الناحية المقدسة : للأخ السديد ، والولي الرشيد ، الشيخ المفيد أبي عبد اللّه محمد بن محمد بن النعمان أدام اللّه إعزازه من مستودع العهد المأخوذ على العباد ... أمّا بعد ... إنّا غير مهملين لمراعاتكم ، ولا ناسين لذكركم ، ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء واصطلمكم الأعداء ، فاتقوا اللّه جلّ جلاله، وظاهرونا على انتياشكم(1) من فتنة قد أنافت عليكم ، يهلك فيها من حمّ أجلُه ، ويحمى عليه من أدرك أمَلَه ... .
اعتصموا بالتقية من شبّ نار الجاهلية ، يحششها عصب أموية ، تهول بها فرقة مهدية ، أنا زعيم بنجاة من لم يرم منها المواطن الخفية ، وسلك في الطعن منها السبل الرضية ... .
فليعمل [فيعمل] كلّ امرئ منكم ما يقرب به من محبّتنا ، وليتجنّب ما يدنيه من كراهيتنا وسخطنا ، فإن امرءا يبغته فجأة حين لا تنفعه توبة ، ولا ينجيه من عقابنا ندم على حوبة ... .(2)
من أهمّ ما يجب معرفته علينا هو معرفة أهل زماننا بشتّى أصنافهم:
رجالهم ونسائهم، صغارهم وكبارهم، خواصّهم وعوامهم و ... فعن مولاناأمير المؤمنين عليه السلام : ... لابدّ للعاقل ... وليعرف أهل زمانه .(3)
ص: 62
وعن أبي عبد اللّه عليه السلام : العالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس.(1)
والأئمة عليهم السلام لمّا خافوا على شيعتهم خطر الوقوع في المهالك ذكروا لهم في غير واحد من الروايات - لرأفتهم بهم وتحنّنهم عليهم - ما عليه الناس في آخر الزمان من حيث التديّن والأخلاق والمعاشرة والعلم والعمل وغيرها ، مصرّحين في ذلك بأدقّ الأشياء ممّا يهمّ المؤمن معرفته ، ويحتاج في حفظ دينه إليه .(2)
ولانتهاج هذا الكتاب على الاختصار نكتفي بذكر رواية واحدة رواها الشيخ الكليني رحمه الله بسند معتبر عن حمران ، قال :
110 . قال أبو عبد اللّه عليه السلام - وذكر هؤاء عنده وسوء حال الشيعة عندهم، وسُئل : إلى متى هؤلاء يملكون ؟ أو متى الراحة منهم ؟ - فقال :
... فإذا رأيت الحقّ قد مات ، وذهب أهله ،
ورأيت الجور قد شمل البلاد ،
ورأيت القرآن قد خلق ، وأُحدث فيه ما ليس فيه ، ووُجّه على الأهواء،
ص: 63
ورأيت الدين قد انكفأ كما ينكفئ الإناء ،
ورأيت أهل الباطل قد استعلوا على أهل الحقّ ،
ورأيت الشرّ ظاهرا لا يُنهى عنه ، ويُعذر أصحابه ،
ورأيت الفسق قد ظهر ، واكتفى الرجال بالرجال والنساء بالنساء ،
ورأيت المؤن صامتا لا يُقبل قوله ،
ورأيت الفاسق يكذب ، ولا يُردّ عليه كذبه وفريته ،
ورأيت الصغير يستحقر بالكبير ،
ورأيت الأرحام قد تقطّعت ،
ورأيت من يمتدح بالفسق يُضحك منه ، ولا يُردّ عليه قوله ،
ورأيت الغلام يُعطي ما تعطي المرأة،
ورأيت النساء يتزوّجن النساء ،
ورأيت الثناء قد كثر ،
ورأيت الرجل يُنفق المال في غير طاعة اللّه فلا يُنهى ولا يُؤخذ على يديه،
ورأيت الناظر يتعوّذ باللّه ممّا يرى المؤن فيه من الاجتهاد ،
ورأيت الجار يؤي جاره ، وليس له مانع ،
ورأيت الكافر فرحا لما يرى في المؤن ، مرحا لما يرى في الأرض من الفساد ،
ورأيت الخمور تُشرب علانية ، ويجتمع عليها من لا يخاف اللّه عزّ وجلّ ،
ورأيت الآمر بالمعروف ذليلاً ،
ورأيت الفاسق فيما لا يحبّ اللّه قويّا محمودا ،
ص: 64
ورأيت أصحاب الآيات(1) يُحقرون ، ويُحتقر من يحبّهم ،
ورأيت سبيل الخير منقطعا ، وسبيل الشرّ مسلوكا ،
ورأيت بيت اللّه قد عُطّل ، ويُؤر بتركه ،
ورأيت الرجل يقول ما لا يفعله ،
ورأيت الرجال يتسمّنون(2) للرجال والنساء للنساء ،
ورأيت الرجل معيشته من دبره ، ومعيشة المرأة من فرجها ،
ورأيت النساء يتخذن المجالس كما يتخذها الرجال ،
ورأيت التأنيث في ولد العباس قد ظهر ، وأظهروا الخضاب ، وامتشطوا كما تمتشط المرأة لزوجها ، وأعطوا الرجال الأموال على فروجهم ، وتنوفس في الرجل وتغاير عليه الرجال ،
وكان صاحب المال أعزّ من المؤن ،
وكان الربا ظاهرا لا يعيّر ،
وكان الزنا تمتدح به النساء ،
ورأيت المرأة تصانع زوجها على نكاح الرجال ،
ص: 65
ورأيت أكثر الناس وخير بيت من يساعد النساء على فسقهنّ ،
ورأيت المؤن محزونا محتقرا ذليلاً ،
ورأيت البدع والزنا قد ظهر ،
ورأيت الناس يعتدّون بشاهد الزور ،
ورأيت الحرام يُحلّل ،
ورأيت الحلال يُحرّم ،
ورأيت الدين بالرأي ، وعُطّل الكتاب وأحكامه ،
ورأيت الليل لا يستخفى به من الجرأة على اللّه ،
ورأيت المؤن لا يستطيع أن يُنكر إلاّ بقلبه ،
ورأيت العظيم من المال ينفق في سخط اللّه عزّ وجلّ ،
ورأيت الولاة يقرّبون أهل الكفر ، ويباعدون أهل الخير ،
ورأيت الولاة يرتشون في الحكم ،
ورأيت الولاية قبالة لمن زاد ،
ورأيت ذوات الأرحام يُنكحن ، ويُكتفى بهنّ ،
ورأيت الرجل يُقتل على [التهمة ، وعلى ]الظنّة ، ويُتغاير على الرجل الذكر فيبذل له نفسه وماله ،
ورأيت الرجل يُعيّر على إتيان النساء ،
ورأيت الرجل يأكل من كسب امرأته من الفجور ، يعلم ذلك ويقيم عليه ،
ورأيت المرأة تقهر زوجها ، وتعمل ما لا يشتهي ، وتنفق على زوجها ،
ورأيت الرجل يكريامرأته وجاريته، ويرضى بالدني من الطعام والشراب،
ص: 66
ورأيت الأَيْمان باللّه عزّوجلّ كثيرة على الزور ،
ورأيت القمار قد ظهر ،
ورأيت الشراب تباع ظاهرا ليس عليه مانع ،
ورأيت النساء يبذلن أنفسهن لأهل الكفر ،
ورأيت الملاهي قد ظهرت ، يُمرّ بها لا يمنعها أحدٌ أحدا ، ولا يجترئ أحدٌ على منعها ،
ورأيت الشريف يستذلّه الذي يخاف سلطانه ،
ورأيت أقرب الناس من الولاة من يمتدح بشتمنا أهل البيت ،
ورأيت من يحبّنا يُزوَّر ولا يقبل شهادته ،
ورأيت الزور من القول يتنافس فيه ،
ورأيت القرآن قد ثقل على الناس استماعه ، وخفّ على الناس استماع الباطل ،
ورأيت الجار يُكرم الجار خوفا من لسانه ،
ورأيت الحدود قد عُطّلت ، وعمل فيها بالأهواء ،
ورأيت المساجد قد زخرفت ،
ورأيت أصدق الناس عند الناس المفتري الكَذِب ،
ورأيت الشرّ قد ظهر والسعي بالنميمة ،
ورأيت البغي قد فشا ،
ورأيت الغيبة تُسْتَمْلَح ، ويُبشّر بها الناسُ بعضُهم بعضا ،
ورأيت طلب الحجّ والجهاد لغير اللّه ،
ص: 67
ورأيت السلطان يذلّ للكافر المؤن ،
ورأيت الخراب قد أديل من العمران ،
ورأيت الرجل معيشته من بخس المكيال والميزان ،
ورأيت سفك الدماء يُستخفّ بها ،
ورأيت الرجل يطلب الرئاسة لعرض الدنيا ، ويُشهّر نفسه بخبث اللسان ليُتّقى ، وتسند إليه الأمور ،
ورأيت الصلاة قد استُخفّ بها ،
ورأيت الرجل عنده المال الكثير لم يزكّه منذ ملكه،
ورأيت الميّت يُنشر من قبره ، ويؤى ، وتُباع أكفانه ،
ورأيت الهرج قد كثر ،
ورأيت الرجل يُمسي نشوان ، ويُصبح سكران لا يهتمّ بما [يقول] الناس
فيه ،
ورأيت البهائم تُنكح ،
ورأيت البهائم تفرّس بعضها بعضا ،
ورأيت الرجل يخرج إلى مصلاّه ويرجع وليس عليه شيء من ثيابه،(1)
ورأيت قلوب الناس قد قست ، وجمدت أعينهم ، وثقل الذكر عليهم ،
ورأيت السحت قد ظهر ، يُتنافس فيه،
ورأيت المصلّي إنما يصلّي ليراه الناس ،
ص: 68
ورأيت الفقيه يتفقّه لغير الدين ، يطلب الدنيا والرئاسة ،
ورأيت الناس مع من غلب ،
ورأيت طالب الحلال يُذمّ ويُعيّر ، وطالب الحرام يُمدح ويُعظّم ،
ورأيت الحرمين يُعمل فيهما بما لا يحبّ اللّه ، لا يمنعهم مانع، ولا يحول بينهم وبين العمل القبيح أحد ،
ورأيت المعازف ظاهرة في الحرمين ،
ورأيت الرجل يتكلم بشيء من الحقّ ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فيقوم إليه من ينصحه في نفسه ، فيقول : هذا عنك موضوع ،
ورأيت الناس ينظر بعضهم إلى بعض ، ويقتدون بأهل الشرور ،
ورأيت مسلك الخير وطريقه خاليا لا يسلكه أحد ،
ورأيت الميّت يُهزء به فلا يفزع له أحد ،
ورأيت كلّ عام يحدث فيه من البدعة والشرّ أكثر مما كان ،
ورأيت الخلق والمجالس لا يتابعون إلاّ الأغنياء ،
ورأيت المحتاج يُعطى على الضحك به، ويُرْحَمُ لغير وجه اللّه ،
ورأيت الآيات في السماء لا يفزع لها أحد ،
ورأيت الناس يتسافدون كما تسافد البهائم ،
لا يُنكِر أحدٌ منكرا تخوفا من الناس ،
ورأيت الرجل ينفق الكثير في غير طاعه اللّه، ويمنع اليسير فيطاعه اللّه،
ورأيت العقوق قد ظهر ، واستُخفّ بالوالدين ، وكانا من أسوء الناس حالاًعند الولد ، ويفرح بأن يفتري عليهما ،
ص: 69
ورأيت النساء قد غلبن على المُلك ، وغلبن على كلّ أمر ، لا يُؤى إلاّ ما لهنّ فيه هوى ،
ورأيت ابن الرجل يفتري على أبيه ، ويدعو على والديه ، ويفرح بموتهما،
ورأيت الرجل إذا مرّ به يوم ولم يكسب فيه الذنب العظيم - من فجور أو بخس مكيال أو ميزان ، أو غشيان حرام ، أو شرب مسكر - كئيبا حزينا ، يحسب أن ذلك اليوم عليه وضيعة من عمره ،
ورأيت السلطان يحتكر الطعام ،
ورأيت أموال ذوي القربى تُقسّم في الزور ، ويُتقامر بها ، ويُشرب بها الخمور ،
ورأيت الخمر يُتداوى بها ، وتوصف للمريض ويستشفى بها ،
ورأيت الناس قد استووا في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وترك التديّن به ،
ورأيت رياح المنافقين وأهل النفاق دائمة ، ورياح أهل الحقّ لا تُحرّك،
ورأيت الأذان بالأجر ، والصلاة بالأجر ،
ورأيت المساجد محتشية ممن لا يخاف اللّه ، مجتمعون فيها للغيبة وأكل لحوم أهل الحقّ ، ويتواصفون فيها شراب المسكر ،
ورأيت السكران يصلّي بالناس فهو لا يعقل ، ولا يُشان بالسكر ، وإذا سكر أُكرم واتُّقي وخيف ، وتُرك لا يعاقب ، ويُعذّر بسكره ،
ورأيت من أكل أموال اليتامى يُحدّث بصلاحه ،
ورأيت القضاة يقضون بخلاف ما أمر اللّه ،
ص: 70
ورأيت الولاة يأتمنون الخونة للطمع ،
ورأيت الميراث قد وضعته الولاة لأهل الفسوق والجرأة على اللّه ، يأخذون منهم ويخلونهم وما يشتهون ،
ورأيت المنابر يُؤر عليها بالتقوى ، ولا يعمل القائل بما يأمر ،
ورأيت الصلاة قد استُخفّ بأوقاتها ،
ورأيت الصدقة بالشفاعة ، لا يراد بها وجه اللّه ، وتُعطى لطلب الناس ،
ورأيت الناس هَمُّهم بطونهم وفروجهم ، لا يبالون بما أكلوا وبما نكحوا ،
ورأيت الدنيا مقبلة عليهم ،
ورأيت أعلام الحقّ قد درست ، فكن على حذر ، واطلب من اللّه عزّوجلّ النجاة .
واعلم أن الناس في سخط اللّه عزّ وجلّ [وإنما يمهلهم لأمر يراد بهم،(1) فكن مترقّبا ! واجتهد ليراك اللّه عزّ وجلّ] في خلاف ما هم عليه، فإن نزل بهم العذاب وكنتَ فيهم ، عجّلتَ إلى رحمة اللّه ، وإن أُخّرتَ ابتلوا وكنتَ قد خرجتَ مما هم فيه، من الجرأة على اللّه عزّ وجلّ ، واعلم أن اللّه لا يضيع أجر المحسنين ، (وإِنَّ رَحْمَةَ اللّه قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) .(2)
ص: 71
111 . عن أميرالمؤنين عليه السلام : إن غاب من الناس شخصه في حال هدنتهم؛ فإن علمه وآدابه في قلوب المؤنين مثبتةٌ ، فهم بها عاملون .(1)
* وتقدّم في الرواية المرقّمة 8 : الذين يتأدّبون بآدابهم ، وينهجون نهجهم .
112 . وقال عليه السلام : فإذا كان ذلك الزمان وجب التقدّم في الوصية قبل نزول البلية، ووجب تقديم الصلاة في أول وقتها خشية فوتها في آخر وقتها ، فمن بلغ منكم ذلك الزمان فلا يبيتنّ ليلة إلاّ على طهر ، وإن قدر أن لا يكون في جميع أحواله إلاّ طاهرا فليفعل ؛ فإنه على وجل لا يدري متى يأتيه رسول اللّه لقبض روحه .
وقد حذّرتُكم إن حذّرتم ، وعرّفتُكم إن عرفتم ، ووعظتُكم إن اتّعظتم ، فاتقوا اللّه في سرائركم وعلانيتكم ، (وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُم مُسْلِمُونَ) .(2) (وَمَن يَبْتَغِ
غَيْرَ الاْءِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ).(3)
113 . وقال عليه السلام : يأتي على الناس زمان ... فالحذر الحذر حينئذ من أخذ اللّه على غفلة ، فإنّ من وراء ذلك موت ذريع يختطف الناس اختطافا حتى أن الرجل ليصبح سالما ويمسي دفينا ، ويمسي حيا ويصبح ميتا .(4)
ص: 72
114 . وقال عليه السلام : ... فإذا كان ذلك فراجعوا التوبة ، وزيد في بعض المصادر: وخالعوا - أو وخالفوا - الحوبة .(1)
115 . عن أبي جعفر عليه السلام قال : يكون في آخر الزمان قوم ، يُتَّبَعُ فيهم قومٌ مراؤن ، يتقرّؤن ويتنسّكون ، حُدَثاءٌ سُفَهاءٌ ، لا يوجبون أمرا بمعروف ولا نهيا عن منكر إلاّ إذا أمنوا الضرر ، يطلبون لأنفسهم الرخص والمعاذير ، يتبعون زلاّت العلماء وفساد عملهم ،(2) يُقبلون على الصلاة والصيام وما لا يكلمهم في نفس ولا مال ، ولو أضرّت الصلاة بسائر ما يعملون - بأموالهم وأبدانهم - لرفضوها كما رفضوا أسمى الفرائض وأشرفها .
إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضةٌ عظيمةٌ عظيمةٌ بها تقام الفرائض. هنالك يتمّ غضب اللّه عزّوجلّ عليهم فيعمّهم بعقابه فيهلك الأبرار في دار
ص: 73
الفجّار والصغار في دار الكبار .
إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبيل الأنبياء ومنهاج الصلحاء ، فريضةٌ عظيمةٌ بها تقام الفرائض ، وتأمن المذاهب ، وتحلّ المكاسب ، وتُردّ المظالم ، وتُعمر الأرض ، ويُنتصف من الأعداء ، ويستقيم الأمر ، فأنكروا بقلوبكم ، وألفظوا بألسنتكم ، وصكّوا بها جباههم ، ولا تخافوا في اللّه لومة لائم ، فإن اتّعظوا وإلى الحقّ رجعوا فلا سبيل عليهم ، (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) ،(1) هنالك فجاهدوهم بأبدانكم ، وأبغضوهم بقلوبكم ، غير طالبين سلطانا ، ولا باغين مالاً، ولا مريدين بظلم ظفرا، حتى يفيئوا إلى أمر اللّه ، ويمضوا على طاعته.
[ثم] قال : وأوحى اللّه عزّ وجلّ إلى شعيب النبي عليه السلام : أني معذّب من قومك مائة ألف ، أربعين ألفا من شرارهم وستين ألفا من خيارهم ، فقال عليه السلام : يا ربّ !
هؤاء الأشرار فما بال الأخيار ؟! فأوحى اللّه عزّ وجلّ إليه : داهنوا أهل المعاصي ولم يغضبوا لغضبي .(2)
ص: 74
ورد في الكتاب والسنه حثّ أكيد على الجهاد في سبيل اللّه وتفضيل المجاهدين على غيرهم ، ولكن الكلام في أنه هل يختصّ الجهاد بل مطلق الخروج بالسيف(1) بزمن حضور المعصوم وأمره بذلك أم هو عامّ ؟
استدلوا بطائفة من الروايات على القول الأول :
منها ما دلّ على لزوم الاقتداء بأهل البيت عليهم السلام حتى في زمن الغيبة .
ومنها ما اشتمل على اشتراط الجهاد بأمر الإمام عليه السلام .(2)
ومنها النصوص الدالّة على وجوب الانتظار .
ومنها الروايات الناهية عن الاستعجال .
ومنها ما ورد بلفظ الأمر بملازمة البيت ونحوه .
ومنها ما دل على وجوب التقية واستمرار ذلك إلى قيامه عليه السلام .
ومنها ما دل على النهي عن القيام والخروج قبل ظهور القائم من آل محمد عليهم السلام كما يظهر من مراجعة الجوامع الحديثية مثل الوسائل والمستدرك، باب «حكم الخروج بالسيف قبل قيام القائم عليه السلام» . والتعبير ب- : «الحكم» يمكن أن يكون ناشئا عن الترديد في المسألة أو التقية من الحكام .(3)
ص: 75
116 . عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: سيأتي على أُمتي زمان تخبث فيه سرائرهم ، وتحسن فيه علانيتهم طمعا في الدنيا ،لا يريدون به ما عند اللّه عزّ وجلّ ، يكون أمرهم رياءً لا يخالطه خوف ، يعمّهم اللّه منه بعقاب فيدعونه دعاء الغريق فلا يُستجاب لهم .(1)
117 . عن أبي الحسن الرضا ، عن آبائه عليهم السلام : قال النبي صلى الله عليه و آله : والذي بعثني بالحقّ بشيرا ليغيبنّ القائم من ولدي - بعهد معهود إليه منّي - حتى يقول أكثر الناس : ما للّه في آل محمد حاجة ،(2) ويشكّ آخرون في ولادته ، فمن أدرك زمانه فليتمسّك بدينه ، ولا يجعل للشيطان إليه سبيلاً بشكّه ، فيزيله عن ملّتي ، ويخرجه من ديني فقد أخرج أبويكم من الجنة من قبل ، وإن اللّه عزّ وجلّ جعل الشياطين أولياء للذين لا يؤنون .(3)
ص: 76
118 . عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنه قال : تواصلوا ، وتبارّوا ، وتراحموا ، فوالذي فلق الحبة وبرء النسمة ليأتينّ عليكم وقت لا يجد أحدكم لديناره ودرهمهموضعا ... فقلت : وأنّى يكون ذلك ؟! فقال : عند فقدكم إمامكم فلا تزالون كذلك حتى يطلع عليكم كما يطلع الشمس أينما تكونون ، فإيّاكم والشكّ والارتياب ، انفوا عن نفوسكم الشكوك ، وقد حذّرتم فاحذروا ... . (1)
119 . عن أبي جعفر الثاني ، عن آبائه ، عن أمير المؤنين عليهم السلام قال : للقائم منّا غيبة أمدها طويل ، كأني بالشيعة يجولون جولان النعم في غيبته ، يطلبون المرعى فلا يجدونه ، ألا فمن ثبت منهم على دينه ، لم يقس قلبه لطول أمد غيبة إمامه فهو معي في درجتي يوم القيامة.(2)
120 . عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنه قال : نزلت هذه الآية - التي في سورة الحديد- : (وَلاَ يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) في أهل زمان الغيبة ، ثم قال عزّ وجلّ : (أَنَّ اللّه يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) .(3) وقال : إنما الأمد - يعني في الآية - أمد الغيبة .(4)
ص: 77
121 . قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم : يأتي على الناس زمان يخيّر الرجل بين العجزوالفخور ، فمن أدرك ذلك الزمان فليخيّر العجز على الفخور .(1)
122 . عن مولانا الصادق عليه السلام : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : يأتي على الناس زمان لا ينال فيه المُلك إلاّ بالقتل والتجبّر ، و[لا] الغنى إلاّ بالغصب والبخل ، ولا المحبة إلاّ باستخراج الدين واتباع الهوى .
فمن أدرك ذلك الزمان فصبر على البغضة وهو يقدر على المحبة ، وصبر على الفقر وهو يقدر على الغنى ، وصبر على الذلّ وهو يقدر على العزّ ، آتاه اللّه ثواب خمسين صدّيقا ممن صدّق به [بي]. (2)
123 . عن المفضّل، قال: سألت أبا عبد اللّه الصادق عليه السلام عن قول اللّه عزّ وجلّ :
(وَالْعَصْرِ...)، قال عليه السلام : العصر عصر خروج القائم عليه السلام .
(إِنَّ الاْءِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ) : يعني أعداءنا.
(إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا) : يعني بآياتنا .
(وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) : يعني بمواساة الإخوان .
ص: 78
(وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ) : يعني بالإمامة .
(وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) : يعني بالفترة [في الفترة] .(1)124 . وقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم - في خطبة الغدير - : وفي عليٍّ نزلت (وَالْعَصْرِ)، وتفسيرها : وربّ عصر القيامة ، (إِنَّ الاْءِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ) : أعداء آل محمد .
(إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا) : بولايتهم .
(وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) : بمواساة إخوانهم .
(وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) : في غيبة غائبهم .(2)
125 . عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : يأتي على الناس زمان يَشْكُونَ فيه ربّهم ، قلت : وكيف يَشْكُونَ فيه ربّهم ؟ قال : يقول الرجل : «واللّه ما ربحت شيئا منذ كذا وكذا ، ولا آكل ولا أشرب إلاّ من رأس مالي»، ويحك وهل أصل مالك وذروته إلاّ من ربّك ؟ !(3)
ص: 79
126 . قال أمير المؤمنين عليه السلام : ... فحينئذ عدّوا أنفسكم في الموتى ، ولا تغرّنكم الحياة الدنيا فإن الناس إثنان برّ تقيٌّ وآخر شقيٌّ ، والدار داران ، لا ثالث لهما،والكتاب واحد ، لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلاّ أحصاها .
ألا وإن حبّ الدنيا رأس كلّ خطيئة ، وباب كلّ بلية ، ومجمع كلّ فتنة ، وداعية كلّ ريبة .
الويل لمن جمع الدنيا، وأورثها من لا يحمده، وقدم على من لا يعذره.
الدنيا دار المنافقين ، وليست بدار المتقين، فلتكن حظّك من الدنيا قوام صلبك ، وإمساك نفسك ، وتزوّد لمعادك .(1)
127 . عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : يأتي على الناس زمان ليس فيه شيء أعزّ من أخ [أنيس] أو كسب درهم من حلال .(2)
128 . قال النبي صلى الله عليه و آله وسلم : يأتي على الناس زمان إذا سمعت باسم رجل خير من أن تلقاه ، فإذا لقيته خير من أن تجرّبه ، ولو جرّبته أظهر لك أحوالاً، دينهم
دراهمهم ، وهمّتهم بطونهم ، وقبلتهم نساؤم ، يركعون للرغيف ، ويسجدون للدرهم ، حيارى سكارى ، لا مسلمين ولا نصارى .(3)
ولاتغفل عمّا في الخبرين الأخيرين من التحذير عن المكاسب المحرّمة وأنه لا يوجد من يصلح للثقة والاعتماد .
ص: 80
إعانة المساكين (وعدم الاكتفا ء بالسائلين منهم)
129 . عن إسحاق بن عمار ، قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول : يأتي على الناس زمان من سأل عاش ومن سكت مات!قال : قلت : جعلت فداك ، فإن أدركتُ ذلك الزمان فما أصنع؟
فقال : إن كان عندك ما تنيلهم فأنلهم وإلاّ فأعنهم بجاهك.(1)
130 . قال أمير المؤمنين عليه السلام: يأتي على الناس زمان عضوض يعضّ الموسر] المؤمن [فيه على ما في يديه ، ولم يؤر بذلك ، قال اللّه سبحانه : (وَلاَ تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ) ،(2) تُنهد(3)] يقدّم] فيه الأشرار ، وتُستذلّ الأخيار، ويُبايع المضطرّون ، وقد نهى رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن بيع المضطرين .(4)
131 . عن مولانا أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليه السلام ، قال : سيأتي زمان على الناس وجوههم ضاحكةٌ مستبشرة ، وقلوبهم مظلمةٌ متكدّرة ، السنّة فيهم بدعة ، والبدعة فيهم سنّة ، المؤن بينهم محقّر ، والفاسق بينهم موقّر ، أمراؤم جاهلون جائرون ، وعلماؤم في أبواب الظلمة سائرون ، أغنياؤم
ص: 81
يسرقون زاد الفقراء ، وأصاغرهم يتقدّمون على الكبراء ، وكلّ جاهل عندهم خبير، وكلّ محيل عندهم فقير، لا يميزون بين المخلص والمرتاب، لا يعرفون الضأن من الذئاب ، علماؤم شرار خلق اللّه على وجه الأرض ؛ لأنهم يميلونإلى الفسلفة والتصوف ، وأيم اللّه إنهم من أهل العدول والتحرّف، يبالغون في حُبّ مخالفينا ، ويضلّون شيعتنا وموالينا ،(1) إن نالوا منصبا لم يشبعوا عن الرشاء ، وإن خُذلوا عبدوا اللّه على الرياء ، ألا إنهم قطّاع طريق المؤنين ، والدعاة إلى نحلة الملحدين ، فمن أدركهم فليحذرهم ، وليَصُن دينه وإيمانه.(2)
132 . في التوقيع الشريف عن مولانا صاحب الزمان عليه السلام : وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجّتي عليكم، وأنا حجة اللّه.(3)
* وتقدّم في الرواية المرقّمة 8 : فتستجيب أرواحهم لقادة العلم ، ويستلينون من حديثهم ما استوعر على غيرهم ، ويأنسون بما استوحش منه المكذّبون ، وأباه المسرفون ، أولئك أتباع العلماء .
ص: 82
133 . قال أبوعبداللّه عليه السلام: اكتب وبثّ علمك في إخوانك ، فإن متّ فأورث كتبك بنيك ، فإنه يأتي على الناس زمان هرج، لا يأنسون فيه إلاّ بكتبهم .(1)
134 . ورد في التوقيع عن مولانا صاحب الزمان عليه السلام إلى الشيخ المفيد : ... إنه من اتّقى ربّه من إخوانك في الدين، وخرج عليه بما هو مستحقّه كان آمنا من الفتنة المظلّة ، ومحنها المظلمة المضلّة ، ومن بخل منهم بما أعاره اللّه من نعمته على من أمره بصلته ، فإنه يكون خاسرا بذلك لأولاه وآخرته .
ولو أن أشياعنا وفّقهم اللّه لطاعته على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم، لما تأخّر عنهم اليمن بلقائنا ، ولتعجّلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حق المعرفة وصدقها منهم بنا ، فما يحبسنا عنهم إلاّ ما يتّصل بنا ممّا نكرهه ولا نؤره منهم .(2)
135 . عن أبي جعفر عليه السلام : إذا دار الفلك ، وقال الناس: مات القائم أو هلك ، بأيّ وادٍ سلك ، وقال الطالب : أنّى يكون ذلك وقد بليت عظامه ، فعند ذلك
ص: 83
فارجوه ، فإذا سمعتم به فَأْتوه ولو حبوا على الثلج .(1)
وممّا يجب علينا الاهتمام به هو التوجّه إلى مولانا المهدي عليه السلام، واجتناب ما يوجب الغفلة عن ذكره ، وقد ورد في الأدعية الصادرة من الناحية المقدسة - :
136 . اللهم ولا تسلبنا اليقين لطول الأمد في غيبته وانقطاع خبره عنّا ، ولا
تُنْسِنا ذكره ، وانتظاره ، والإيمان به ، وقوّة اليقين في ظهوره ، والدعاء له، والصلاة عليه حتى لا يُقنّطنا طول غيبته من قيامه ، ويكون يقيننا في ذلك كيقيننا في قيام رسولك صلواتك عليه وآله وما جاء به من وحيك وتنزيلك .(2)
137 . عن أبي أحمد الأزدي ، قال : سألت سيدي موسى بن جعفر عليهماالسلام عن قول اللّه عزّ وجلّ : (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً)(3) ، فقال عليه السلام : النعمة الظاهرة الإمام الظاهر ، والباطنة الإمام الغائب .
فقلت له : ويكون في الأئمة من يغيب ؟ قال : نعم يغيب عن أبصار الناس شخصه، ولا يغيب عن قلوب المؤنين ذكره ، وهو الثاني عشر منا.(4)
ص: 84
ولا بأس بالإشارة إلى بعض مصاديق هذا العنوان التي استفدناها في الغالبمن كتاب مكيال المكارم(1) :
السعي في خدمته عليه السلام بما تيّسر في جميع الايام والساعات ، فيلزمنا السعي في تحصيل محبّته، وجذب قلوب الناس إليه، وإحياء ذكره بذكر فضائله والآيات والروايات الواردة في شأنه، وقراءة الزيارات والأدعية والصلوات الخاصّة به.
التصدّق عنه ، وكذا التصدّق بقصد سلامته ، ألا ترى أنك إذا أحببت ولدك أو أحدا يعزّ عليك وتحذر عليه المكاره تتصدّق بقصد سلامته ، فمولاك أحقّ من كلّ أحد بذلك ، إضافة إلى أنه من أقسام الصلة للإمام .
الحجّ بنيابته ، وبعث النائب ليحجّ عنه ، وطواف بيت اللّه الحرام نيابةً عنه ، وبعث النائب ليطوف عنه .
زيارة مشاهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم والأئمة المعصومين عليهم السلام نيابةً عنه ، وبعث النائب ليزور عنه .
صلته بالمال بأن يجعل المؤن بعض ماله هديةً لإمام زمانه ، الغنيّ بحسب استطاعته والفقير بحسب استطاعته ، وصلة الصالحين من شيعتهم ومواليهم بالمال .
إدخال السرور على أهل الإيمان ؛ فإنه يوجب سرور مولانا صاحب الزمان عليه السلام ، وإدخال السرور قد يكون بالإعانة بالمال ، وقد يكون بإعانتهم
ص: 85
بالأبدان ، وقد يكون بقضاء حوائجهم وتنفيس كربتهم ، وقد يكون بالشفاعة ،وقد يكون بالدعاء في حقّهم ، وقد يكون بتبجيلهم والاحترام لهم ، وقد يكون بإعانة أهلهم وذراريهم ، وقد يكون بإقراضهم ، أو التأخير في مطالبة ديونهم ، وقد يكون بغير ذلك فإذا قصد المؤن المحبّ بهذه الأمور إدخال السرور على صاحب الأمر عليه السلام فاز بثواب ذلك إضافة إلى سائر المثوبات الجليلة المعدّة لإدخال السرور على المؤنين .
ومجمل القول في هذا المقام: إن قيمة المؤمن عند مولانا صاحب الزمان عليه السلام تكون بقدر اهتمامه بسيّده ومولاه صلوات اللّه عليه، وتقديمه في أموره على نفسه .
كما روي عن ابن الجهم أنه قال : قلت للرضا عليه السلام : جعلت فداك ، أشتهي أن أعلم كيف أنا عندك ؟ فقال عليه السلام : انظر كيف أنا عندك.(1)
وقيل لأبي عبد اللّه الصادق عليه السلام : ما أكثر ما أسمع منك - سيدي - ذكر سلمان الفارسي ؟! ... قال : لثلاث خلال :
إحداها : إيثاره هوى أمير المؤنين عليه السلام على هوى نفسه .
والثانية : حبّه الفقراء واختياره إياهم على أهل الثروة والعدد .
والثالثة : حبّه العلم والعلماء .(2)
ص: 86
قال السيد ابن طاووس قدس سره - في ضمن وصاياه لابنه - :
فكن في موالاته والوفاء له وتعلّق الخاطر به على قدر مراد اللّه جلّ جلالهومراد رسوله صلى الله عليه و آله وسلم ومراد آبائه عليهم السلام ومراده عليه السلام منك ، وقدّم حوائجه على حوائجك عند صلاة الحاجات ... والصدقة عنه قبل الصدقة عنك ، وعمّن يعزّ عليك ، والدعاء له قبل الدعاء لك ، وقَدِّمْه في كلّ خير يكون وفاءً له، ومقتضيا لإقباله عليك ، وإحسانه إليك.(1)
138 . روي عن مولانا أبي عبد اللّه عليه السلام في ضمن رواية أنه يبكي بكاء الواله الثكلى ويقول - خطابا للحجّة بن الحسن المهدي عليهماالسلام - : سيدي ! غيبتُك نَفَتْ رقادي ، وضَيَّقتْ عليّ مهادي، وابتَزَّتْ مني راحة فؤدي، سيدي ! غيبتُك أوصلتْ مصابي بفجائع الأبد ... .(2)
139 . عن مولانا أبي الحسن الرضا عليه السلام : يبكي عليه أهل السماء وأهل الأرض، وكلّ حرّى وحرّان ، وكلّ حزين ولهفان .(3)
وفي رواية : يبكي عليه أهل السماء وأهل الأرض، وكم من مؤن متأسّف حرّان حزين ، عند فقد الماء المعين .(4)
ص: 87
وفي لفظ : كم من حرّى مؤنة ، وكم من مؤن متأسّف حيران حزين عند فقدان الماء المعين .(1)أو : يحزن لفقده أهل الأرض والسماء ، كم من مؤن ومؤنة متأسّف متلهّف حيران حزين لفقده .(2)
140 . وفي كتاب مولانا أبي محمد الحسن العسكري عليه السلام إلى ابن بابويه القمي رحمه الله : ... وعليك بالصبر وانتظار الفرج ، فان النبي صلى الله عليه و آله قال : «أفضل أعمال أُمّتي انتظار الفرج» .
ولا تزال شيعتنا في حزن حتى يظهر ولدي الذي بشّر به النبي صلى الله عليه و آلهيملأ
الأرض قسطا وعدلاً كما ملئت جورا وظلما .
فاصبر يا شيخي ! يا أبا الحسن ! ... وأمر جميع شيعتي بالصبر ... .(3)
وفي دعاء الندبة : عزيز علىّ أن أرى الخلق ولا تُرى ... إلى آخر الدعاء .
* وتقدّم في الرواية المرقّمة 72 : ولتدمعنّ عليه عيون المؤمنين .
ص: 88
141 . قال أبو عبد اللّه أحمد بن إبراهيم : شكوت إلى أبي جعفر محمد بن عثمان شوقي إلى رؤة مولانا عليه السلام ، فقال لي : مع الشوق تشتهي أن تراه ؟ فقلت : نعم ، فقال لي : شكر اللّه لك شوقك ، وأراك وجهه في يُسر وعافية ، لا تلتمس - يا أبا عبد اللّه ! - أن تراه ، فإن أيام الغيبة تشتاق إليه ، ولا تسأل الاجتماع معه ، إنها عزائم اللّه والتسليم لها أولى ، ولكن توجّه إليه بالزيارة.(1)
142 . وعن مولانا صاحب الزمان عليه السلام: إذا أردتم التوجه بنا إلى اللّه تعالى وإلينا، فقولوا - كما قال اللّه تعالى - : (سَلاَمٌ عَلَى آلِ يس)(2) ... إلى آخر الزيارة .(3)
وفي دعاء الندبة : هل إليك يابن أحمد سبيل فتلقى ؟ ... إلى آخر الدعاء .
إنه لم يكن لأحد من آبائي عليهم السلام إلاّ وقد وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه ، وإني أخرج حين أخرج ، ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي ... .
فأغلقوا أبواب السؤال عمّا لا يعنيكم، ولا تتكلّفوا علم ما قد كفيتم... .(1)
ربما يقال : لماذا ابتلينا نحن ومن تقدّمنا في الزمان بفقدان الحجّة في هذه الفترة الطويلة مع شدّة حاجة الناس إليه ؟!
أقول : قد تقدّم في التوقيع الشريف أن هذا ممّا يجب أن يسكت عنه إذ لا تصل عقولنا إلى كُنه علّته ، وإن علمنا يقينا أنه تعالى حكيم في أفعاله لا يفعل بالناس إلاّ ما هو الأصلح لهم .(2)
وببيان آخر أنه من المسلّم عندنا أنّ لكلّ واحد من الأئمّة عليهم السلام منهجا خاصّا من قبل اللّه ، نزل به أمين الوحي على رسول اللّه صلى الله عليه و آله ليبلغه إليهم كي يعملوا به في
حياتهم(3) فعلى هذا نعلم أن أفعالهم كانت مطابقة لما أمرهم الربّ الحكيم، ولا يجوز لنا الاعتراض عليه؛ إذ (لاَ يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ).(4)
ص: 90
ولا بأس بذكر رواية تفتح لنا الباب إلى فهم هذه المسألة وأمثالها .
144 . قال عبداللّه بن الفضل الهاشمي : سمعت الصادق جعفر بن محمد عليهماالسلام يقول : إن لصاحب هذا الأمر غيبة لابدّ منها ، يرتاب فيها كلّ مبطل .
فقلت له: ولِمَ جعلت فداك ؟ قال : لأمر لم يؤن لنا في كشفه لكم .
قلت : فما وجه الحكمة في غيبته ؟ فقال : وجه الحكمة في غيبته وجه الحكمة في غيبات من تقدّمه من حجج اللّه تعالى ذكره ، إن وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلاّ بعد ظهوره ، كما لا ينكشف وجه الحكمة لما أتاه الخضر عليه السلام - من خرق السفينة ، وقتل الغلام ، وإقامة الجدار - لموسى عليه السلام إلاّ وقت افتراقهما .
يا ابن الفضل إن هذا الأمر أمر من أمر اللّه ، وسرّ من سرّ اللّه ، وغيب من غيب اللّه ، ومتى علمنا أنه عزّ وجلّ حكيم ، صدّقنا بأن أفعاله كلّها حكمة ، وإن كان وجهها غير منكشف لنا .(1)
نعم، إن الأئمة عليهم السلام ذكروا لنا بعض ما أذن اللّه تعالى لهم بيانه، من دون أن يكون ذلك تمام العلّة في وقوعها ، وله ارتباط وثيق بتكاليفنا في زمن الغيبة ، فنذكر ما وصلنا من الروايات في هذا المضمار :
الف ) الحكمة في غيبته عليه السلام هي الحكمة في غيبة سائر الأنبياء عليهم السلام ولا تجد لسنّة اللّه تحويلاً .
ص: 91
* قد تقدّم في الحديث الأخير قوله عليه السلام : وجه الحكمة في غيبته وجه الحكمةفي غيبات من تقدّمه من حجج اللّه تعالى ذكره .
145 . روى سدير عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنه قال : إن للقائم منّا غيبة يطول أمدها. قال : فقلت له : ولِمَ ذاك يا بن رسول اللّه ؟
قال : إن اللّه عزّ وجلّ أبى إلاّ أن يجري فيه سنن الأنبياء عليهم السلام في غيباتهم ، وأنه لابدّ له - يا سدير ! - من استيفاء مدد غيباتهم. قال اللّه عزّ وجلّ : (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَن طَبَقٍ)(1) أي سننا على سنن من كان قبلكم.(2)
146 . وعن أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليهماالسلام : إن ابني هو القائم من بعدي ، وهو الذي يجري فيه سنن الأنبياء عليهم السلام بالتعمير والغيبة حتى تقسو القلوب
لطول الأمد فلا يثبت على القول به إلاّ من كتب اللّه عزّ وجلّ في قلبه الإيمان ، وأيّده بروح منه .(3)
ص: 92
ب ) إن لأعمال الناس تأثيرا في حضور الحجج وحرمانهم عنهم ، فلابدّ وأن نعترف أن علّة الغيبة ترجع إلينا .147 . قال أمير المؤمنين عليه السلام : واعلموا أن الأرض لا تخلو من حجة للّه عزّوجلّ، ولكن اللّه سيُعمي خلقه عنها بظلمهم وجورهم وإسرافهم على أنفسهم، ولو خلت الأرض ساعة واحدة من حجة للّه لساخت بأهلها ، ولكن الحجّة يعرف الناس ولا يعرفونه .(1)
148 . عن أبيجعفر عليه السلام: إن اللّه إذا كره لنا جوار قوم نَزَعَنا من بين أظهرهم.(2)
149 . وعن محمد بن الفرج ، قال : كتب إليّ أبو جعفر عليه السلام : إذا غضب اللّه
تبارك وتعالى على خلقه نحّانا عن جوارهم .(3)
* وتقدّم عن مولانا صاحب الزمان عليه السلام - في الرواية المرقّمة 134 - : فما يحبسنا عنهم إلاّ ما يتّصل بنا ممّا نكرهه ولا نؤره منهم .
وإلى ذلك أشار المحقق الطوسي رحمه الله في التجريد بقوله : وعدمه - أي غيبته - منّا .(4) ويمكن أن يكون لهذه الحكمة صلة وارتباط لما يأتي بعدها .
ج ) من المعلوم يقينا أن الأئمة عليهم السلام لم يموتوا حتف أنفهم وبموت طبيعي بل قُتلوا بالسيف أو ماتوا بالسمّ. ولا ريب أن الحجة المنتظر عليه السلام لو حضر في
ص: 93
المجتمع كآبائه عليهم السلام لقتلوه أو سمّوه. هذا مع قطع النظر عن الإعجاز ؛ حيث لم يُرد اللّه تعالى صدور المعجزات عن الأنبياء والحجج عليهم السلام في كلّ شيء.فهذا أيضا أحد أسباب غيبته عليه السلام ، ولا يختصّ بزمن بنيالعباس بل يجري في زماننا هذا، كما لا ينحصر الخوف من الخلفاء بل حتى من بعض العلويين والفاطميين وقد صرّح بذلك في بعض الروايات .
150 . عن أبي خالد الكابلي ، قال : سألت أبا جعفر عليه السلام أن يُسمّي القائم حتى أعرفه باسمه ، فقال : ... سألتني عن أمر لو أن بني فاطمة عرفوه لحرصوا على أن يقطعوه بضعةً بضعةً .(1)
151 . وقد ورد في غير واحد من الروايات أنهم عليهم السلام قالوا في الجواب عن علة الغيبة: «يخاف القتل» و«خوفا على نفسه» و«يخاف على نفسه»(2) ونحوها .
152 . قال أبو عبد اللّه عليه السلام : إنّ لصاحب هذا الأمر غيبة يقول فيها : (فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ) .(3)
ص: 94
153 . وعن مولانا الكاظم عليه السلام: ... له غيبة يطول أمدها خوفا على نفسه.(1)د ) إن الأئمة المعصومين عليهم السلام - ما خلا سيدالشهدا عليه السلام - بايعوا الطواغيت كرها وتقية، ولم يكلّفوا من قبل اللّه بغير ذلك . وهذه البيعة وإن كانت قسرا وكرها إلاّ أنهم عليهم السلام كانوا لا يرون نقضها بترك التقية ومحاربة الظالمين، فقدّر اللّه تعالى على صاحب الزمان عليه السلام الغيبة لئلاّ يُكره على بيعة الخلفاء ولا يجب عليه مراعاة التقية، كما ورد عن المعصومين عليهم السلام الرواية الآتية أو ما يقرب منها:
154 . إن اللّه عزّ وجلّ يخفي ولادته، ويغيّب شخصه ؛ لئلاّ يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج ... .(2)
* وقد مرّ قريبا في التوقيع الشريف عن مولانا صاحب الزمان عليه السلام : وإني أخرج حين أخرج ، ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي ... .
ه- ) روي أن أميرالمؤمنين عليه السلام لمّا علم أن في أصلاب بعض المنافقين قوما من المؤمنين لم يقتلهم،(3) فلمّا خرجت تلك الودائع من الأصلاب، ظهر على من ظهر وقتله . وعُدّ في الأخبار نظير ذلك من أسباب الغيبة .
ص: 95
155 . قال رجل لأبي عبد اللّه عليه السلام : ألم يكن عليٌ عليه السلام قويا في بدنه ، قويا في أمر اللّه ؟! فقال له أبو عبد اللّه عليه السلام : بلى .
قال : فما منعه أن يدفع أو يمتنع ؟ قال : قد سألتَ فافهم الجواب : منععليّا عليه السلام من ذلك آيةٌ من كتاب اللّه .
فقال : وأيّ آية؟ فقرأ عليه السلام : (لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً)،(1) إنه كان للّه ودائع مؤنون في أصلاب قوم كافرين ومنافقين ، فلم يكن عليٌ صلوات اللّه عليه ليقتل الآباء حتى يخرج الودائع ، فلمّا خرجت ، ظهر على من ظهر وقتله ، وكذلك قائمنا أهل البيت لن يظهر أبدا حتى يخرج ودائع اللّه، فإذا خرجت يظهر على من يظهر فيقتله.(2)
156 . سئل أبو عبد اللّه الصادق عليه السلام : ما بال أمير المؤنين عليه السلام لم يقاتل مخالفيه في الأول ؟ قال : لآية في كتاب اللّه عزّ وجلّ : (لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً) . قلت : وما يعني بتزايلهم ؟ قال : ودائع مؤنون في أصلاب قوم كافرين ، فكذلك القائم عليه السلام لن يظهر أبدا حتى تخرج ودائع اللّه عزّوجلّ ، فإذا خرجت ظهر على من ظهر من أعداء اللّه عزّ وجلّ فقتلهم .(3)
و ) إن اللّه يختبر الناس ويمتحنهم بطرق شتّى وأسباب مختلفة ليظهر المُحسن من المُسيء ، والمطيع من العاصي، والمخلص من المرائي، وهذا أيضا من وجوه الغيبة كما روي :
ص: 96
157 . عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : ... إن اللّه عزّ وجلّ يحبّ أن يمتحن الشيعة، فعند ذلك يرتاب المبطلون.(1)158 . عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : ... هيهات هيهات ، لا واللّه لا يكون ما تمدّون إليه أعينكم حتى تغربلوا .
لا واللّه لا يكون ما تمدّون إليه أعينكم حتى تمحّصوا .
لا واللّه لا يكون ما تمدّون إليه أعينكم حتى تميّزوا .
لا واللّه ما يكون ما تمدّون إليه أعينكم إلاّ بعد أياس .
ولا واللّه لا يكون ما تمدّون إليه أعينكم حتى يشقى من يشقى ، ويسعد من يسعد .(2)
159 . قال مولانا أبو إبراهيم موسى بن جعفر عليهماالسلام : إنه لابدّ لصاحب هذا الأمر من غيبة حتى يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به ، إنما هي محنة من اللّه عزّوجلّ امتحن بها خلقه .(3)
ص: 97
160 . عن أبي عبد اللّه ، عن آبائه ، عن أمير المؤمنين عليهم السلام : أما واللّه لأُقتلنّ أنا وابناي هذان ، وليبعثنّ اللّه رجلاً من ولدي في آخر الزمان يطالب بدمائنا ، وليغيبنّ عنهم تميزا لأهل الضلال حتى يقول القائل [الجاهل] : ما للّه فيآل محمد حاجة .(1)
* ويأتي في الرواية المرقّمة 266 : وذلك بعد غيبة طويلة ليعلم اللّه من يطيعه بالغيب ، ويؤن به .
ز ) ارتدّ كثير ممّن آمن بلسانه دون قلبه في زمن نوح عليه السلام لإبطاء الفرج، فأوحى اللّه تعالى إليه : لو وقع الفرج قبل ذلك لوقع النزاع بين هؤلاء المرتدّين وبين المؤمنين طلبا للإمرة والرئاسة والمُلك كما روي :
161 . عن أبي عبد اللّه عليه السلام - في ضمن حديث - : وأما إبطاء نوح عليه السلام؛ فإنه لمّا
استنزل العقوبة على قومه من السماء ، بعث اللّه عزّ وجلّ جبرئيل الروح الأمين بسبعة نويات ، فقال : يا نبيّ اللّه ! إن اللّه تبارك وتعالى يقول لك : «إن هؤاء خلائقي وعبادي ، ولست أُبيدهم بصاعقة من صواعقي إلاّ بعد تأكيد الدعوة وإلزام الحجّة ، فعاوِد اجتهادك في الدعوة لقومك؛ فإني مُثيبك عليه، واغرس هذه النوى فإن لك في نباتها وبلوغها وإدراكها - إذا أثمرتْ - الفرج والخلاص، فبشّر بذلك من تبعك من المؤنين» .
ص: 98
فلمّا نبتت الأشجار ، وتأزّرت ، وتسوّقت ، وتغصّنت ، وأثمرت ، وزهى الثمر عليها - بعد زمن طويل - استنجز من اللّه سبحانه وتعالى العدة ، فأمره اللّه تبارك وتعالى أن يغرس من نوى تلك الأشجار ويعاوِد الصبر والاجتهاد ،ويؤّد الحجّة على قومه ، فأخبر بذلك الطوائف التي آمنت به ، فارتدّ منهم ثلاثمائة رجل ، وقالوا : لو كان ما يدّعيه نوح حقّا لما وقع في وعد ربّه خلف .
ثم إن اللّه تبارك وتعالى لم يزل يأمره عند كلّ مرّة أن يغرسها تارةً بعد أُخرى إلى أن غرسها سبع مرّات ! فما زالت تلك الطوائف من المؤنين ترتدّ منهم طائفة إلى أن عاد إلى نيّف وسبعين رجلاً .
فأوحى اللّه عزّ وجلّ عند ذلك إليه ، وقال : «يا نوح الآن اسفرّ الصبح عن الليل لعينك حين صرح الحقّ عن محضه ، وصفى [الأمر للإيمان] من الكدر بارتداد كلّ من كانت طينته خبيثة ، فلو أني أهلكت الكفار ، وأبقيت من قد ارتدّ من الطوائف التي كانت آمنت بك لما كنتُ صدقت وعدي السابق للمؤنين الذين أخلصوا التوحيد من قومك ، واعتصموا بحبل نبوّتك بأن أستخلفهم في الأرض ، وأُمكّن لهم دينهم ، وأُبدّل خوفهم بالأمن لكي تخلص العبادة لي بذهاب الشك من قلوبهم . وكيف يكون الاستخلاف والتمكين وبدل الخوف بالأمن منّي لهم مع ما كنتُ أعلم من ضعف يقين الذين ارتدّوا ، وخبث طينتهم ، وسوء سرائرهم التي كانت نتائج النفاق وسنوح الضلالة ؟! فلو أنهم تسنّموا [مني ]من الملك الذي أوتي المؤنين وقت الاستخلاف - إذا أهلكت أعداءهم - لنشقوا روائح صفاته ، ولاستحكمت سرائر نفاقهم ، وتأبّد حبال ضلالة قلوبهم ، وكاشفوا إخوانهم بالعداوة ، وحاربوهم على طلب الرئاسة ،
ص: 99
والتفرّد بالأمر والنهي ، وكيف يكون التمكين في الدين وانتشار الأمر في المؤنين مع إثارة الفتن وإيقاع الحروب ؟! كلاّ ... .
قال مولانا الصادق عليه السلام : وكذلك القائم عليه السلام تمتدّ أيام غيبته ليصرح الحقّ عنمحضه ، ويصفو الإيمان من الكدر بارتداد كلّ من كانت طينته خبيثة من الشيعة الذين يخشى عليهم النفاق إذا أحسّوا بالاستخلاف والتمكين والأمن المنتشر في عهد القائم عليه السلام .(1)
* وتقدّم في الرواية المرقّمة 74 : وكذلك أنتم تميّزون حتى لا يبقى منكم إلاّ عصابة لا تضرّها الفتنة شيئا .
ص: 100
لا يختص وجوب معرفة الحجّة بزمانٍ دون زمانٍ ، ولكن التأكيد عليها جاء في ضمن الوظائف في زمن الغيبة ؛ لأنه الأساس في نجاة الإنسان ، سواء أدرك أيام الظهور أم لا .
162 . عن عمر بن أبان ، قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول : اعرف العلامة فإذا عرفته لم يضرّك تقدّم هذا الأمر أو تأخّر .
إن اللّه عزّ وجلّ يقول : (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ)،(1) فمن عرف إمامه كان كمن كان في فسطاط المنتظر عليه السلام .(2)
163 . وقال عليه السلام : اعرف إمامك ؛ فإنك إذا عرفته لم يضرّك تقدّم هذا الأمر أو تأخّر .(3)
ص: 101
164 . وعن أبي بصير ، قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : جعلت فداك ، متى الفرج؟ فقال : يا أبا بصير ! وأنت ممن يريد الدنيا ! من عرف هذا الأمر فقد فرّج عنه لانتظاره [بانتظاره] .(1) 165 . قال أبو جعفر عليه السلام : من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية ، ومن مات وهو عارف لإمامه لم يضرّه تقدّم هذا الأمر أو تأخّر ، ومن مات وهو عارف لإمامه كان كمن هو مع القائم في فسطاطه .(2)
أظهر من الشمس
إذا ظهر مولانا صاحب الزمان عليه السلام ثبتت حقانيّته لجميع الناس ولا يبقى لأحدٍ من الناس مجالٌ للريب والشك فيه .
166 . قال أبو عبد اللّه عليه السلام - في قول اللّه تعالى : (يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ)(3) - : خروج القائم هو الحقّ من عند اللّه عزّ وجلّ ، يراه الخلق ، لابدّ منه .(4)
167 . عن أبي جعفر الباقر عليه السلام أنه قال : اسكنوا ما سكنت السماوات والأرض - أي لا تخرجوا على أحدٍ - فإن أمركم ليس به خفاءٌ ، ألا إنها آية من اللّه عزّ وجلّ
ص: 102
ليست من الناس ، ألا إنها أضوء من الشمس ، لا يخفى على برّ ولا فاجر ، أتعرفون الصبح ؟ فإنه كالصبح ليس به خفاء .(1)
* وتقدّم في الرواية المرقّمة 42 : أنه عليه السلام قال : أترى بالصبح من خفاء؟ قال : قلت : لا ، قال : فإن أمرنا إذا كان ، كان أبين من فلق الصبح ... .
* وتقدّم في الرواية المرقّمة 72 : أن الراوي لمّا سمع أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: (ولترفعنّ اثنتا عشرة راية مشتبهة لا يُدرى أيٌّ من أيٍّ) بكى ، وقال: فكيف نصنع ؟ فقال عليه السلام : واللّه لأمرنا أبين من هذه الشمس .
* ويأتي في الرواية المرقّمة 227 : فما أُشكل على الناس من ذلك ... فلا يشكل عليهم ولادته من رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ... فإن أُشكل هذا كلّه عليهم فإن الصوت من السماء لا يشكل عليهم إذ نودي باسمه واسم أبيه وأُمّه .
* وفي الرواية المرقّمة 225 : اسكنوا ما سكنت السماء من النداء . فإنه يدلّ على أن هذه العلامة من الوضوح بمكان بحيث تكفي وحدها لمعرفة الحجّة عجّل اللّه فرجه .
وتأتي لذلك زيادة توضيح في عنوان «ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم بلاريب ولا ترديد».
يمكن معرفة الحجّة - النبي والإمام - بالنصّ . والمراد منه أن يعلن النبيُّ والإمامُ - الثابتة نبوته وإمامته - من نصبه اللّه لذلك . وهذا مثل بشارة الأنبياء
ص: 103
الماضين عليهم السلام برسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم، ونصب أمير المؤمنين عليه السلام في يوم الغدير . والروايات الدالّة على إمامة صاحب الزمان عليه السلام كثيرة جدا.(1) بل إن المؤلّفين والمصنّفين من الرواة كتبوا فيه وفي غيبته - قبل ولادته ! - كتبا تبلغ زهاء الثلاثين فيما هو مثبت في مصادره .(2)
و من طرق معرفة الحجّة ظهور المعجزة على يده .
168 . قال مولانا الرضا عليه السلام - في بيان صفات الإمام وعلاماته - : لو دعا على
صخرة لانشقّت نصفين [بنصفين] .(3)
169 . وقيل له : يا بن رسول اللّه ! بأيّ شيء تصحّ الإمامة لمدّعيها ؟ قال عليه السلام : بالنص والدليل [والدلائل] .
قيل له : فدلالة الإمام فيما هي ؟ قال : في العلم واستجابة الدعوة .(4)
170 . عن أبي بصير ، قال : قلت لأبي الحسن عليه السلام : جعلت فداك ، بِمَ يُعرف الإمام ؟ فقال : بخصال : أمّا أوّلها فإنه بشيء قد تقدّم من أبيه فيه بإشارة إليه
ص: 104
لتكون عليهم حجّة ، ويُسأل فيُجيب ، وإن سكت عنه ابتدأَ ، ويُخبر بما في غدٍ، ويكلّم الناس بكلّ لسان . ثم قال لي : يا أبا محمد ! أُعطيك علامة قبل أن تقوم، فلم ألبث أن دخل علينا رجل من أهل خراسان ، فكلّمه الخراساني بالعربية فأجابه أبوالحسن عليه السلام بالفارسية ، فقال له الخراساني : واللّه - جعلت فداك - ما منعني أن أُكلّمك بالخراسانية غير أني ظننت أنك لا تحسنها ، فقال عليه السلام : سبحان اللّه إذا كنتُ لا أُحسن أُجيبك فما فضلي عليك ؟!
ثم قال لي : يا أبا محمد ! إن الإمام لا يخفى عليه كلام أحدٍ من الناس ، ولا طير ، ولا بهيمة ، ولا شيء فيه الروح ، فمن لم يكن هذه الخصال فيه فليس هو بإمام .(1)
وتظهر من مولانا المهدي عليه السلام معجزات عديدة تدلّ على إمامته يأتي بعضها، ونشير هنا إلى جملة منها :
171 . قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم : ... فأوحى اللّه إليّ : ... وآخر رجل منهم يصلّي خلفه عيسى بن مريم ، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلما وجورا ، أنجي به من الهلكة ، وأهدي به من الضلالة ، وأُبرئ به الأعمى، وأشفي به المريض .(2)
ص: 105
172 . وقال صلى الله عليه و آله وسلم : يخرج المهدي وعلى رأسه غمامة فيها منادٍ ينادي :«هذا المهدي خليفة اللّه فاتّبعوه» .(1)
وفي رواية : وعلى رأسه غمامة تظلّه من الشمس ، تدور معه حيثما دار ، تنادي بصوت فصيح : «هذا المهدي» .(2)
173 . عن أبي جعفر عليه السلام : القائم منّا منصور بالرعب ، مؤّد بالنصر ، تُطوى له الأرض ، وتظهر له الكنوز ، ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب ، ويظهر اللّه عزّ وجلّ به دينه ، ولو كره المشركون ، فلا يبقى في الأرض خراب إلاّ قد عمر، وينزل روح اللّه عيسى بن مريم عليهماالسلام فيصلّي خلفه .(3)
174 . ومن معجزاته إحياء الأول والثاني لينتقم منهما، وخلاصة ما ورد في ذلك : أنه عليه السلام يُخرجهما غضَّين طريّين ، فيكشف عنهما أكفانهما ، فيكلّمهما ويجيبانه ، ثمّ يأمر برفعهما على دوحة يابسة نخرة ، فيصلبهما عليها ، فتحيا الشجرة ، وتورق ، ويطول فرعها ، فيقول المرتابون من أهل ولايتهما : «هذا - واللّه - الشرف حقا ، ولقد فُزنا بمحبّتهما وولايتهما» ، ويفتنون بهما ،
ص: 106
وينادي منادي المهدي عليه السلام : «كلّ من أحبّ صاحبي رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلموضجيعيه فلينفرد جانبا» ، فيعرض المهدي عليه السلام على أوليائهما البراءة منهما ، فيأبون .وفتنة الناس بهما يومئذ أشدّ من فتنة العجل والسامري ، فيأمر المهدي عليه السلام ريحا سوداء ، فتهبّ عليهم ، فتجعلهم كأعجاز نخل خاوية .
ثم يأمر بإنزالهما ، فينزلان إليه ، فيحييهما بإذن اللّه تعالى ، ويأمر الخلائق بالاجتماع ، ثم يقصّ عليهم قصص فعالهما، يعدّد ذلك عليهما ويلزمهما إياه ، فيعترفان به ، ثم يأمر بهما فيقتصّ منهما في ذلك الوقت بمظالم من حضر.
ثم يأمر نارا تخرج من الأرض - وهي النار التي أضرموها على باب دار فاطمة عليهاالسلام - فيحرقهما [بها ]وبالحطب الذي جمعاه ليحرقا به عليا وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام - ذلك الحطب عندنا نتوارثه - ثم يأمر ريحا فتنسفهما فِي الْيَمِّ نَسْفاً .(1)
ص: 107
وردت نصوص خاصّةٌ في صفات مولانا المهدي عجّل اللّه فرجه تميّزه عن غيره ، منها شباهته بالنبي صلى الله عليه و آله وسلم في خُلْقه وخَلْقه وشمائله وأقواله وأفعاله ، ومنها قسمات وملامح وجهه الشريف ورأسه وشعره وصدره ، وسائر أعضائه وقامته، وقدرته وقوّته، وغيرها مما نجدها في الروايات الآتية:
175 . قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم: المهدي من وُلدي، اسمه اسمي، وكنيته كنيتي، أشبه الناس بي خَلقا وخُلقا ، تكون له غيبةٌ وحيرةٌ حتى تضلّ الخلق عن أديانهم ... .(1)
وفي بعض الروايات : تضلّ فيها الأمم .(2)
176 . وقال صلى الله عليه و آله وسلم : ... التاسع منهم قائم أهل بيتي ، ومهديّ أُمتي ، أشبه الناس بي في شمائله وأقواله وأفعاله ، ليظهر بعد غيبة طويلة وحيرة مضلّة ، فيعلن [فيعلي] أمر اللّه .(3)
177 . عن مولانا الصادق جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جدّه عليهم السلام ، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : القائم من ولدي ، اسمه اسمي ، وكنيته كنيتي ، وشمائله شمائلي ، وسنّته سنّتي ، يقيم الناس على ملّتي وشريعتي .(4)
ص: 108
178 . عن أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليهماالسلام : الحمد للّه الذيلم يخرجني من الدنيا حتى أراني الخلف من بعدي ، أشبه الناس برسول اللّه صلى الله عليه و آله خَلقا وخُلقا .(1)
179 . نظر أمير المؤنين إلى الحسين عليهماالسلام فقال : إن ابني هذا سيّد ، كما سمّاه رسول اللّه صلى الله عليه و آله : سيّدا ، وسيخرج اللّه من صلبه رجلاً باسم نبيّكم ، يشبهه في الخَلق والخُلق ، يخرج على حين غفلةٍ من الناس ، وإماتةٍ للحق، وإظهارٍ للجور، واللّه لو لم يخرج لضُربت عنقه ، يفرح بخروجه أهل السماوات وسكّانها ، وهو رجل أجلى الجبين ، أقنى الأنف ، ضخم البطن ، أزيل [أربل] الفخذين ،(2) لفخذه اليمنى شامة ، أفلج الثنايا ، يملأ الأرض عدلاً ... .(3)
180 . عن الريان بن الصلت ، قال : قلت للرضا عليه السلام : أنت صاحب هذا الأمر ؟ فقال : أنا صاحب هذا الأمر ، ولكني لستُ بالذي أملاها عدلاً كما ملئت جوراً ، وكيف أكون ذلك على ما ترى من ضعف بدني ، وإن القائم هو الذي إذا خرج كان في سنّ الشيوخ ، ومنظر الشبان ، قويا في بدنه حتى لو مدّ يده إلى أعظم شجرة على وجه الأرض لقلعها ، ولو صاح بين الجبال لتدكدكت صخورها ، يكون معه عصا موسى ، وخاتم سليمان عليهماالسلام .
ص: 109
ذاك الرابع من ولدي ، يغيبه اللّه في ستره ما شاء ، ثم يظهره فيملأ [به]الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً .(1)
181 . يعقوب بن منقوش ، قال : دخلت على أبي محمد الحسن بن علي عليهماالسلام وهو جالس على دكّان في الدار ، وعن يمينه بيت عليه ستر مسبل ، فقلت له : [يا ]سيدي مَن صاحب هذا الأمر ؟ فقال : ارفع الستر ، فرفعته فخرج إلينا غلام خماسي له عشر أو ثمان أو نحو ذلك ، واضح الجبين ، أبيض الوجه ، دري المقلتين ، شثن الكفين ، معطوف الركبتين ، في خدّه الأيمن خال ، وفي رأسه ذؤبة، فجلس على فخذ أبي محمد عليه السلام .
ثم قال لي : هذا صاحبكم ، ثم وثب فقال له : يا بنيّ ! ادخل إلى الوقت المعلوم . فدخل البيت وأنا أنظر إليه .
ثم قال لي : يا يعقوب ! انظر من في البيت ، فدخلت فما رأيت أحدا .(2)
182 . عن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن جدّه عليهم السلام قال : قال أمير المؤنين عليه السلام - وهو على المنبر - : يخرج رجل من ولدي في آخر الزمان أبيض اللون ،
ص: 110
مشرب بالحمرة [أبيض مشرب حمرة] ، مبدح [مندح] البطن ، عريض الفخذين،عظيم مشاش المنكبين ، بظهره شامتان : شامة على لون جلده ، وشامة على شبه شامة النبي صلى الله عليه و آله .(1)
183 . قال مولانا الرضا عليه السلام - في ضمن حديث - : علامته أن يكون شيخ السنّ، شابّ المنظر ، حتى أن الناظر إليه ليحسبه ابن أربعين سنة أو دونها ، وإن من علامته أن لا يهرم بمرور الأيام والليالي عليه حتى يأتي أجله .(2)
184 . عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال أمير المؤنين عليه السلام : هو شابّ مربوع ، حسن الوجه، حسن الشعر ، يسيل شعره على منكبيه ، ويعلو نورُ وجهه سوادَ شعرِ لحيته ورأسه .(3)
ص: 111
185 . قال أمير المؤنين عليه السلام : ... فإذا ظهر فاعرفوه ، فإنه مربوع القامة، حلك سواد الشعر ، ينظر من عين ملك الموت ... .(1)
186 . عن أبي جعفر الباقر عليه السلام : ذاك المشرب حمرة ، الغائر العينين ، المشرف الحاجبين، العريض ما بين المنكبين، برأسه حزاز ، وبوجهه أثر....(2)
187 . عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : قلت له : جعلت فداك ، إني أُريد أن أمسّ صدرك ، فقال : افعل !
فمسست صدره ومناكبه ، فقال : ولِمَ يا أبا محمد ؟ فقلت : جعلت فداك ، إني سمعت أباك وهو يقول : إن القائم واسع الصدر ، مسترسل المنكبين ، عريض
ما بينهما .
فقال : ... إن أبي لبس درع رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وكانت تسحب على الأرض، وإني لبستها فكانت وكانت ، وإنها تكون من القائم كما كانت من رسول اللّه صلى الله عليه و آله مشمّرة كأنه ترفع نطاقها بحلقتين ، وليس صاحب هذا الأمر مَن جاز أربعين .(3)
188 . وقال عليه السلام : إن قائمنا من لبس درع رسول اللّه فملأها، ولقد لبسها أبو جعفر عليه السلام فخطّت عليه ... .(4)
ص: 112
189 . قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم : ... شبيهي وشبيه موسى بن عمران ، عليه جيوب النور - أو قال : جلابيب النور - تتوقّد من شعاع القدس .(1)190 . وقال علي بن مهزيار قدس سره - في صفة مولانا الإمام المهدي عليه السلام - : فرأيت وجها مثل فلقة قمر ، لا بالخرق ولا بالنزق ، ولا بالطويل الشامخ ، ولا بالقصير اللاصق ، ممدود القامة ، صلت الجبين ، أزج الحاجبين ، أدعج العينين ، أقنى الأنف ، سهل الخدّين ، على خدّه الأيمن خال ، فلمّا أنا بصرتُ به ، حار عقلي في نعته وصفته.(2)
191 . وفي رواية أُخرى عنه : ... وهو كأقحوانة أرجوان قد تكاثف عليها الندى ، وأصابها ألم الهوى ، وإذا هو كغصن بانٍ ، أو قضيب ريحان ، سمح ، سخي، تقي ، نقي ... مربوع القامة ، مدوّر الهامة ... على خدّه الأيمن خال كأنه فتات مسك على رضراضة عنبر .(3)
192 . وقال أخوه إبراهيم بن مهزيار قدس سره في وصفه عليه السلام: ناصع اللون ، واضح الجبين ، أبلج الحاجب، مسنون الخدّ [الخدّين] ، أقنى الأنف ، أشمّ ، أروع ، كأنه غصن بانٍ ، وكأنّ صفحة غرّته كوكب درّيّ ، بخدّه الأيمن خال كأنه فتاة [فتاتة] مسك على بياض الفضّة ، فإذا برأسه وفرة سحماء سبطة ، تطالع شحمة أذنه، له سمت ما رأت العيون أقصد منه ، ولا أعرف حسنا وسكينةً وحياءً.(4)
ص: 113
193 . أبي الحسن الرضا عليه السلام : ... يبعث اللّه لهذا الأمر غلاما [رجلاً] منّا ، خفيّ
الولادة والمنشأ ، غير خفيّ في نسبه .(1)تنبيه
إذا تحقّقت العلامات الحتمية، ثم سمع الجميع النداء من السماء باسمه وأسماء آبائه إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم لا يوجد أحدٌ عند بيت اللّه الحرام يدّعي أنه الحجّة بن الحسن عليهماالسلام غيره، فلا يشكّ أحدٌ في أنه الذي جاء النداء باسمه الشريف ، وأنه من ذرية النبي صلى الله عليه و آله وسلم .
ومن طرق معرفة الإمام المعصوم - سواء ذلك في زمن الحضور والغيبة - أن يكون عنده سلاح النبي صلى الله عليه و آله وسلم ودرعه وعهده .
194 . عن أبي جعفر عليه السلام قال : إن السلاح فينا بمنزلة التابوت في بني إسرائيل ، يدور المُلك حيث دار السلاح ، كما يدور ، حيث دار .(2)
ص: 114
أو : حيثما دار ، دار العلم .(1)
195 . قال أبو عبد اللّه عليه السلام : ثلاثة من الحجّة لم تجتمع في أحد إلاّ كان صاحب هذا الأمر : أن يكون أولى الناس بمن كان قبله ، ويكون عنده السلاح ، ويكون صاحب الوصية الظاهرة ... .(2)
196 . قال أبوالحسن الرضا عليه السلام : دوروا مع السلاح حيثما دار . (3)
197 . قال أبو عبد اللّه عليه السلام : ... وأمّا الجفر الأحمر فوعاء فيه سلاح رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ولن يخرج [يظهر] حتى يقوم قائمنا أهل البيت .(4)
198 . عن أبي جعفر عليه السلام - في حديث طويل - قال : ثم يخرج من مكة هو ومن معه الثلاثمائة وبضعة عشر ، يبايعونه بين الركن والمقام ، معه عهد نبيّ اللّه صلى الله عليه و آله ورايته ، وسلاحه ، ووزيره معه .(5)
199 . وقال عليه السلام - في علامات الإمام - : وإذا لبس درع رسول اللّه صلى الله عليه و آله كانت عليه وِفقا ، وإذا لبسها غيره من الناس طويلهم وقصيرهم زادت عليه شبرا .(6)
ص: 115
200 . عن أبي عبد اللّه عليه السلام : ... وإن عندي لَمِثْل التابوت الذي جاءت به الملائكة ، ومَثَلُ السلاح فينا كمَثَلِ التابوت في بني إسرائيل ، في أيّ بيت وجد التابوت على أبوابهم أُوتوا النبوة ، [كذلك] ومن سار إليه السلاح منّا أوتي الإمامة .
ولقد لبس أبي درع رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم فخطّت على الأرض خططا ، ولبستها أنا فكانت وكانت ، وقائمنا من إذا لبسها ملأها إن شاء اللّه.(1)201 . وقال عليه السلام : ... إنه يخرج موتورا غضبانَ أسفا لغضب اللّه على هذا الخلق، عليه قميص رسول اللّه صلى الله عليه و آله الذي كان عليه يوم أحد ، وعمامته السحاب، ودرع رسول اللّه صلى الله عليه و آله السابغة ، وسيف رسول اللّه صلى الله عليه و آله ذو الفقار .(2)
202 . عن أبيجعفر محمد بن علي عليهماالسلام : ... وإياك وشُذّاذ(3) من آل محمد عليهم السلام ؛ فإن لآل محمد وعلي عليهم السلام راية ولغيرهم رايات ، فالزم الأرض ، ولا تتّبع منهم رجلاً أبدا حتى ترى رجلاً من ولد الحسين، معه عهد نبيّاللّه ورايته وسلاحه، فإن عهد نبيّ اللّه صار عند علي بن الحسين ، ثم صار عند محمد بن علي ، ويفعل اللّه ما يشاء ، فالزم هؤاء أبدا ، وإيّاك ومن ذكرتُ لك.(4)
ص: 116
203 . وعنه عليه السلام : يا جابر ! إن لبني العباس رايةً ولغيرهم رايات ، فإياك، ثم إيّاك ، ثم إيّاك - ثلاثا - حتى ترى رجلاً من ولد الحسين عليه السلام ، يُبايع له
بين الركن والمقام ، معه سلاح رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ومغفر(1) رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ودرع رسول اللّه صلى الله عليه و آله، وسيف رسول اللّه صلى الله عليه و آله .(2)
* ويأتي في الرواية المرقّمة 227 : فيبايعونه بين الركن والمقام ، ومعه عهد من رسول اللّه صلى الله عليه و آله قد توارثته الأبناء عن الآباء ... .
* وفي الرواية المرقّمة 267 : فيقول القائم : إي - واللّه - إن معي عهدا من رسول اللّه ... إلى أن قال عليه السلام : ومعه عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله قد تواترت عليه الآباء .(3)
إذا ظهر مولانا صاحب الزمان عليه السلام ، يأتي جبرئيل براية رسول اللّه صلى الله عليه و آله المسمّاة ب- : «الغالبة» أو «المغلبة» ، وهي رايةٌ عمودها من عمد عرش اللّه ورحمته ، وسائرها من نصر اللّه ، لا يهوي بها إلى شيء إلاّ أهلكه اللّه .
204 . قال أبو عبد اللّه عليه السلام : لمّا التقى أمير المؤنين عليه السلام وأهل البصرة نشر الراية راية رسول اللّه صلى الله عليه و آله فتزلزلت أقدامهم ، فما اصفرّت الشمس حتى قالوا: أمتَّنا
ص: 117
[آمنّا] يا ابن أبي طالب ! فعند ذلك قال : لا تقتلوا الأسراء [الأسرى ]، ولا تجهزوا على جريح [الجرحى] ، ولا تتبعوا مولّيا ، ومن ألقى سلاحه فهو آمن ، ومن أغلق بابه فهو آمن .
ولمّا كان يوم صفّين ، سألوه نشر الراية فأبى عليهم ، فتحمّلوا عليه بالحسن والحسين عليهماالسلام وعمار بن ياسر ، فقال للحسن : يا بنيّ ! إن للقوم مدّة يبلغونها ، وإن هذه راية لا ينشرها بعدي إلاّ القائم صلوات اللّه عليه .(1)
205 . عن أبي جعفر عليه السلام : إن القائم يهبط من ثنية ذي طوى في عدّة أهل بدر - ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً - حتى يسند ظهره إلى الحجر ، ويهزّ الراية الغالبة [المغلبة] .(2)
206 . وقال أبو عبد اللّه عليه السلام : لا يخرج القائم من مكة حتى تكمل الحلقة ، قلت : وكم الحلقة ؟ قال : عشرة آلاف ، جبرئيل عن يمينه ، وميكائيل عن يساره ، ثم يهزّ الراية [المغلبة] ، ويسير بها ... .(3)
207 . قال مولانا علي بن الحسين عليهماالسلام : ... كأني بصاحبكم قد علا فوق نجفكم بظهر كوفان في ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً ، جبرئيل عن يمينه ، وميكائيل عن شماله ، وإسرافيل أمامه ، معه راية رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم قد نشرها، لا يهوي بها إلى قوم إلاّ أهلكهم اللّه عزّ وجلّ .(4)
ص: 118
208 . عن أبي حمزة الثمالي : قال لي أبو جعفر عليه السلام : يا ثابت ! كأني بقائم أهل بيتي قد أشرف على نجفكم هذا - وأومأ بيده إلى ناحية الكوفة - ، فإذا هو أشرف على نجفكم نشر راية رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فإذا هو نشرها انحطّت عليه ملائكة بدر .
قلت : وما راية رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ قال : عمودها من عمد عرش اللّه ورحمته ، وسائرها من نصر اللّه ، لا يهوي بها إلى شيء إلاّ أهلكه اللّه .قلت : فمخبوءة [هي ]عندكم حتى يقوم القائم عليه السلام فيجدها أم يؤى بها؟ قال : لا ، بل يؤى بها . قلت : من يأتيه بها ؟ قال : جبرئيل عليه السلام.(1)
209 . عن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن جدّه عليهم السلام : قال أمير المؤنين عليه السلام - وهو على المنبر - : يخرج رجل من ولدي في آخر الزمان ... له اسمان : اسم يخفى، واسم يعلن ، فأمّا الذي يخفى فأحمد ، وأمّا الذي يعلن فمحمّد ، فإذا هزّ رايته أضاء لها ما بين المشرق والمغرب ، ويضع يده على رؤوس العباد فلا يبقى مؤن إلاّ صار قلبه أشدّ من زبر الحديد ، وأعطاه اللّه قوة أربعين رجلاً، ولا يبقى ميت إلاّ دخلت عليه تلك الفرحة في قبره ، وهم يتزاورون في قبورهم ، ويتباشرون بقيام القائم .(2)
ص: 119
وورد في روايات عديدة أنه عليه السلام لا تردّ له راية .(1)
210 . فعن أبي جعفر عليه السلام : في قول اللّه عزّ وجلّ : (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ)(2) قال : هذا نزلت في القائم عليه السلام إذا خرج تعمّم ، وصلّى عند المقام ، وتضرّع إلى ربّه ، فلا تردّ له رايةٌ أبدا .(3)
211 . وقال عليه السلام : فواللّه لكأني أنظر إليه بين الركن والمقام ، يبايع الناس بأمرجديد ، وكتاب جديد ، وسلطان جديد من السماء . أما إنه لا يردّ له رايةٌ أبدا حتى يموت .(4)
وورد في غير واحد من الروايات أنه عليه السلام منصور بالرعب .
212 . قال أبو جعفر عليه السلام : ... وأما شبهه من جدّه المصطفى صلى الله عليه و آلهفخروجه بالسيف ، وقتله أعداء اللّه وأعداء رسوله صلى الله عليه و آله والجبّارين والطواغيت ، وأنه ينصر بالسيف والرعب ، وأنه لا تردّ له راية .(5)
213 . وعنه عليه السلام : ... يسير الرعب أمامه شهرا وخلفه شهرا ... .(6)
ص: 120
214 . وزاد في رواية أخرى عنه عليه السلام : .وعن يمينه وعن شماله .(1)
* وتقدّم في الرواية المرقّمة 173 : القائم منّا منصور بالرعب ، مؤّد بالنصر.
وقد انتهى إلى آل النبي عليهم السلام جميع ما كان عند الأنبياء العظام عليهم السلام من العلوم والذخائر والمواريث، وهي موجودة عند مولانا صاحب الزمان عليه السلام .
215 . عن مولانا أبي جعفر الباقر ، عن آبائه عليهم السلام قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله :المهدي من ولدي ، تكون له غيبةٌ وحيرةٌ ، تضلّ فيها الأُمم ، يأتي بذخيرة الأنبياء فيملأها عدلاً وقسطا كما مُلئت جورا وظلما .(2)
216 . عن أبي عبد اللّه عليه السلام : كانت عصى موسى قضيب آسٍ من غرس الجنّة ، أتاه بها جبرئيل عليه السلام لمّا توجه تلقاء مدين ، وهي وتابوت آدم في بحيرة طبريّة، ولن يبليا ، ولن يتغيّرا حتى يخرجها القائم إذا قام عليه السلام .(3)
217 . وقال أمير المؤمنين عليه السلام : ... يظهر بين الركن والمقام ، وعليه قميص إبراهيم ، وحلّة إسماعيل ، وفي رجله نعل شيث[ عليهم السلام] ... .(4)
ص: 121
218 . روى المفضّل عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : أتدري ما كان قميص يوسف عليه السلام ؟ قلت : لا ، قال : إن إبراهيم عليه السلام لمّا أوقدت له النار أتاه جبرئيل عليه السلام بثوب من ثياب الجنة فألبسه إياه ، فلم يضرّه معه حرٌّ ولا بردٌ ، فلمّا حضر إبراهيم الموت جعله في تميمة وعلّقه على إسحاق ، وعلّقه إسحاق على يعقوب ، فلمّا ولد يوسف عليه السلام علّقه عليه ، فكان في عضده حتى كان من أمره ما
كان ، فلمّا أخرجه - أي القميصَ - يوسفُ بمصر من التميمة وجد يعقوب ريحه ، وهو قوله : (إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ)(1) فهو ذلك القميص الذي أنزله اللّه من الجنة .قلت : جعلت فداك ، فإلى من صار ذلك القميص ؟ قال : إلى أهله . - وفي رواية : وهو مع قائمنا إذا خرج ، يجد المؤنون ريحه شرقا وغربا - ثم قال : كلّ نبيّ ورث علما أو غيره فقد انتهى إلى آل محمد صلى الله عليه و آله .(2)
219 . عن أبي عبد اللّه وأبي جعفر عليهماالسلام : إذا خرج القائم عليه السلام من مكة ينادي
مناديه : «ألا لا يحملنّ أحد طعاما ولا شرابا» ، وحمل معه حجر موسى بن عمران عليه السلام ، وهو وقر بعير ، فلا ينزل منزلاً إلاّ انفجرت منه عيون ، فمن كان جائعا شبع ، ومن كان ظمآنا روي ، ورويت دوابّهم ، حتى ينزلوا النجف من ظهر الكوفة .(3)
ص: 122
220 . عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : كانت عصى موسى لآدم عليهماالسلام ، فصارت إلى شعيب ، ثم صارت إلى موسى بن عمران ، وإنها لعندنا ، وإن عهدي بها آنفا، وهي خضراء كهيئتها حين انتزعت من شجرتها ، وإنها لتنطق إذا استنطقت ، أُعدّت لقائمنا عليه السلام ، يصنع بها ما كان يصنع بها موسى بن عمران عليه السلام ، وإنها تصنع ما تؤر ، وإنها حيث أُلقيت تَلْقَفُ ما يأفكون بلسانها.(1)221 . وقال عليه السلام - في ضمن حديث - : ... وإنما سُمّي: المهدي؛ لأنه يهدي إلى أمر خفيّ ، ويستخرج التوراة وسائر كتب اللّه عزّ وجلّ من غار بأنطاكية ، ويحكم بين أهل التوراة بالتوراة ، وبين أهل الإنجيل بالإنجيل ، وبين أهل الزبور بالزبور ، وبين أهل القرآن بالقرآن [الفرقان بالفرقان ].(2)
* وتقدّم في الرواية المرقّمة 180 : يكون معه عصا موسى ، وخاتم سليمان عليهماالسلام .
* ويأتي في زيارته عليه السلام في آخر الكتاب : السلام على بقيّة اللّه في بلاده ، وحجّته على عباده، المنتهى إليه مواريث الأنبياء، ولديه موجود آثار الأصفياء.
ص: 123
* تقدّم في الرواية المرقّمة 37 عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنه قال : ... إلاّ من اجتمعت بنو فاطمة معه، فواللّه ما صاحبكم إلاّ من اجتمعوا عليه .
* وفي الرواية المرقّمة 90 - حينما ظهرت الرايات السود بخراسان - قال عليه السلام : فإذا رأيتمونا قد اجتمعنا على رجل ، فانهدوا إلينا بالسلاح .
ص: 124
من أهمّ طرق معرفة مولانا صاحب الزمان عليه السلام ، وما يوجب فضيحة مَن يدّعي مقامه من الكذّابين ، هو معرفة علائم ظهوره ، فإنها مما تطمئنّ به قلوب المؤمنين حيث يجدونها مطابقة لما ورد عن المعصومين عليهم السلام .
222 . عن عمر بن حنظلة ، قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول : خمس علامات قبل قيام القائم : الصيحة ، والسفياني ، والخسف ، وقتل النفس الزكية، واليماني .
فقلت : جعلت فداك ، إن خرج أحد من أهل بيتك قبل هذه العلامات أنخرج معه ؟ قال : لا . . . .(1)
223 . سئل أبو عبد اللّه عليه السلام : السفياني من المحتوم ؟ فقال : نعم ، وقتل النفس
ص: 125
الزكية من المحتوم ، والقائم من المحتوم ، وخسف البيداء من المحتوم ، وكفّ تطلع من السماء من المحتوم ، والنداء من السماء .
فقلت : وأي شيء يكون النداء ؟
فقال : منادٍ ينادي باسم القائم واسم أبيه عليهماالسلام.(1)
224 . عن الثمالي ، قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : إن أبا جعفر عليه السلام كان يقول: خروج السفياني من المحتوم ، والنداء من المحتوم ، وطلوع الشمس من المغرب من المحتوم ، وأشياء كان يقولها من المحتوم .
فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : واختلاف بني فلان من المحتوم ، وقتل النفس الزكية من المحتوم ، وخروج القائم من المحتوم .
قلت : وكيف يكون النداء ؟ قال : ينادي منادٍ - من السماء أول النهار يسمعه كلّ قوم بألسنتهم - : «ألا إن الحقّ في علي وشيعته» ، ثم ينادي إبليس - في آخر النهار من الأرض - : «ألا إن الحقّ في عثمان [السفيانى ]وشيعته» ، فعند ذلك يرتاب المبطلون .(2)
225 . عن الحسين بن خالد، قال: قلت لأبيالحسن الرضا عليه السلام: إن عبداللّه بن بكير كان يروي حديثا ، وأنا أُحبّ أن أعرضه عليك ، فقال : ما ذلك الحديث ؟ قلت : قال ابن بكير : حدّثني عبيد بن زرارة ، قال : كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام -
ص: 126
أيام خرج محمد بن عبد اللّه بن الحسن - إذ دخل عليه رجل من أصحابنا فقال له: جعلت فداك ، إن محمد بن عبد اللّه قد خرج فما تقول في الخروج معه؟ فقال: «اسكنوا ما سكنت السماء والأرض»، فقال ابن بكير: فإن كان الأمر هكذا، أو لم يكن خروج ما سكنت السماء والأرض ، فما من قائم وما من خروج .
فقال أبو الحسن عليه السلام: صدق أبو عبد اللّه عليه السلام ، وليس الأمر على ما تأولّه ابن بكير ، إنما عنى أبو عبد اللّه عليه السلام : اسكنوا ما سكنت السماء من النداء ، والأرضمن الخسف بالجيش .(1)226 . قال أبو جعفر الباقر عليه السلام : ضع خدّك على الأرض، ولاتحرّك رجليك حتى ينزل الروم الرميلة والترك الجزيرة ، وينادي منادٍ من دمشق .(2)
227 . عن جابر ، قال أبو جعفر عليه السلام : يا جابر ! الزم الأرض ، ولا تحرّك يدا ولا رجلاً حتى ترى علامات أذكرها لك إن أدركتها .
أولّها اختلاف بني العباس - وما أراك تدرك ذلك ، ولكن حدّث به من بعدي عنّي - ومنادٍ ينادي من السماء ، ويجيئكم الصوت من ناحية دمشق بالفتح ، وتخسف قرية من قرى الشام تسمّى : الجابية ، وتسقط طائفة من مسجد دمشق الأيمن ، ومارقة تمرق من ناحية الترك ، ويعقبها هرج الروم، وسيقبل إخوان الترك حتى ينزلوا الجزيرة، وستقبل مارقة الروم حتى ينزلوا
ص: 127
الرملة ، فتلك السنة يا جابر ! اختلاف كثير في كلّ أرض ، من ناحية المغرب .
فأول أرض المغرب أرض الشام ، يختلفون عند ذلك على ثلاث رايات : راية الأصهب ، وراية الأبقع ، وراية السفياني ، فيلتقي السفياني بالأبقع فيقتتلون ، ويقتله السفياني ومن معه ، ويقتل الأصهب ، ثم لا يكون له همّة إلاّ الإقبال نحو العراق .
ويمرّ جيشه بقرقيسا ، فيقتتلون بها فيقتل من الجبّارين مائة ألف ، ويبعث السفياني جيشا إلى الكوفة - وعدّتهم سبعون ألفا - فيصيبون من أهل الكوفة قتلاً وصلبا وسبيا ، فبينا هم كذلك إذ أقبلت رايات من قبَل خراسان ، تطوي المنازل طيّا حثيثا ، ومعهم نفر من أصحاب القائم ، ثم يخرج رجل من موالي أهل الكوفة في ضعفاء فيقتله أمير جيش السفياني بين الحيرة والكوفة.
ويبعث السفياني بعثا إلى المدينة ، فينفر المهدي منها إلى مكة ، فيبلغ أمير جيش السفياني أن المهدي قد خرج إلى مكة ، فيبعث جيشا على أثره فلا يدركه حتى يدخل مكة ، خائِفاً يَتَرَقَّبُ على سنّة موسى بن عمران، وينزل أمير جيش السفياني البيداء ، فينادي منادٍ من السماء : «يا بيداء أبيدي القوم»، فيخسف بهم فلا يفلت منهم إلاّ ثلاثة نفر ، يحوّل اللّه وجوههم إلى أقفيتهم، وهم من كلب، وفيهم نزلت هذه الآية: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقا لِمَا مَعَكُم مِن قَبْلِ أَن نَطْمِسَ وُجُوها فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا ...) إلى آخر الآية .(1)
ص: 128
والقائم يومئذ بمكة ... فيجمع اللّه عليه أصحابه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، ويجمعهم اللّه على غير ميعاد قزعا كقزع الخريف ، وهي - يا جابر ! - الآية التي ذكرها اللّه في كتابه : (أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللّه جَمِيعاً إِنَّ اللّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ،(1) فيبايعونه بين الركن والمقام ، ومعه عهد من رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم قد توارثته الأبناء عن الآباء .
والقائم رجل من ولد الحسين عليه السلام ، يصلح له أمره في ليلة ، فما أُشكل على الناس من ذلك - يا جابر ! - فلا يشكل عليهم ولادته من رسول اللّه ، ووراثته العلماء عالما بعد عالم ، فإن أشكل هذا كلّه عليهم فإن الصوت من السماء لا يشكل عليهم إذ نودي باسمه واسم أبيه وأمه .(2)
228 . عن مولانا زين العابدين عليه السلام: يقوم القائم بلا سفياني ؟ ! إن أمْر القائم حتم من اللّه، وأمر السفياني حتم من اللّه ، ولا يكون قائمٌ إلاّ بسفياني.(3)
229 . وقال عليه السلام : ثم يخرج السفياني الملعون من الوادي اليابس ،(4) وهو من ولد عتبة بن أبي سفيان ، فإذا ظهر السفياني اختفى المهدي ... .(5)
ص: 129
230 . عن أبي جعفر عليه السلام قال : السفياني والقائم في سنة واحدة .(1)
231 . وقال عليه السلام : إن من الأُمور أُمورا موقوفة وأُمورا محتومة ، وإن السفياني من المحتوم الذي لابدّ منه .(2)
232 . عن أبيعبداللّه، عن أبيه، عن أميرالمؤنين عليهم السلام : يخرج ابن آكلة الأكباد من الوادي اليابس ، وهو رجل ربعة ، وحش الوجه ، ضخم الهامة، بوجهه أثر الجدري ، إذا رأيته حسبته أعور ، اسمه : عثمان، وأبوه عنبسة، وهو من ولد أبي سفيان ، حتى يأتي أرض (قَرَارٍ وَمَعِينٍ)،(3) فيستوي على منبرها .(4)
233 . عن أبي عبد اللّه عليه السلام : السفياني من المحتوم ، وخروجه في رجب ، ومن أول خروجه إلى آخره خمسة عشر شهرا ، ستة أشهر يقاتل فيها ، فإذا ملك الكور الخمس ملك تسعة أشهر ، ولم يزد عليها يوما .(5)
ص: 130
234 . وقال عليه السلام : الزم بيتك ، وكن حلسا من أحلاسه ، واسكن ما سكن الليلوالنهار ، فإذا بلغك أن السفياني قد خرج فارحل إلينا ولو على رجلك .(1)
235 . قال المعلى بن خنيس : ذهبت بكتاب عبدالسلام بن نعيم وسدير وكتب غير واحد إلى أبي عبد اللّه عليه السلام - حين ظهر المسودّة قبل أن يظهر ولد العباس - : بأنا قد قدّرنا أن يؤل هذا الأمر اليك ، فما ترى ؟
قال : فضرب بالكتب الأرض ، قال : أفّ أفّ ، ما أنا لهؤاء بإمام . أما يعلمون أنه إنما يقتل السفياني ؟!(2)
236 . قال عبد اللّه بن أبي منصور : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن اسم السفياني فقال : وما تصنع باسمه ؟ إذا ملك كور [كنوز] الشام الخمس : دمشق ، وحمص، وفلسطين ، والأردن ، وقنسرين ، فتوقّعوا عند ذلك الفرج .(3)
237 . وقال عليه السلام: إنك لو رأيت السفياني رأيت أخبث الناس، أشقر، أحمر، أزرق، يقول: يا ربّ ثاري ثاري ثم النار، [يا ربّ ! يا ربّ ! يا ربّ ! ثم للنار(4)]، ولقد بلغ من خبثه أنه يدفن أُمّ ولد له - وهي حية - مخافة أن تدلّ عليه .(5)
ص: 131
238 . وعنه عليه السلام قال : خروج الثلاثة - الخراساني والسفياني واليماني - فيسنة واحدة ، في شهر واحد ، في يوم واحد ، وليس فيها راية أهدى [بأهدى] من راية اليماني ، يهدي إلى الحقّ .(1)
239 . وقال عليه السلام - بعد ذكر السفياني - : فنادى مناديه : «من جاء برأس شيعة عليّ فله ألف درهم»، فيثب الجار على جاره ، ويقول : هذا منهم ، فيضرب عنقه ويأخذ ألف درهم .(2)
* وتقدّم في الرواية المرقّمة 37 : كفاكم بالسفياني علامة .
* وتقدّم في الرواية المرقّمة 224 : ينادي إبليس في آخر النهار من الأرض : «ألا إن الحقّ في عثمان [السفيانى] وشيعته» ... .
* ويأتي فيالروايه المرقّمة 275: السفياني لابدّ منه، ولايخرج إلاّ في رجب.
قال المحدّث النوري قدس سره - في كيفية خروج السفياني بعد ضمّ الأخبار بعضها إلى بعض - : إنه يخرج من الوادي اليابس من الشام ، في عاشر جمادى الأولى ،(3) في السنة التي يخرج فيها القائم عليه السلام ، في اليوم الذي يخرج فيه الدجّال ... وهو - أي السفياني - ... لم يعبد اللّه قط ، ولم ير مكة ... .(4)
ص: 132
240 . قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : يعوذ عائذ بالبيت ، فيبعث إليه جيش حتى إذا كانوا بالبيداء - بيداء المدينة - خسف بهم .(1)
241 . وقال صلى الله عليه و آله - في ضمن حديث - : فبينا هم كذلك يخرج عليهم السفياني من الوادي اليابس في فور ذلك حتى ينزل دمشق ، فيبعث جيشين : جيشا إلى المشرق ، وآخر إلى المدينة ، حتى ينزلوا بأرض بابل من المدينة الملعونة - يعني بغداد - فيقتلون أكثر من ثلاثة آلاف ، ويفضحون أكثر من مائة امرأة، ويقتلون [بها ]ثلاثمائة كبش من بنيالعباس، ثم ينحدرون إلى الكوفة فيخربون ما حولها ، ثم يخرجون متوجّهين إلى الشام ، فتخرج راية هدى من الكوفة، فتلحق ذلك الجيش فيقتلونهم ، لا يفلت منهم مخبر ، ويستنقذون ما في أيديهم من السبي والغنائم .
ويحلّ الجيش الثاني بالمدينة فينتهبونها ثلاثة أيام بلياليها ، ثم يخرجون متوجّهين إلى مكة، حتى إذا كانوا بالبيداء، بعث اللّه جبرئيل فيقول: يا جبرئيل! اذهب فأبدهم، فيضربها برجله ضربةً يخسف اللّه بهم عندها، ولا يفلت منها إلاّ رجلان من جهينة ... فذلك قوله: (وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا)...(2) إلى آخرها .(3)
242 . عن مولانا السجاد عليه السلام : جيش البيداء يؤخذون من تحت أقدامهم .(4)
ص: 133
243 . عن مولانا أبي جعفر الباقر عليه السلام - في ضمن حديث - : ... حتى يبلغالبيداء فيخرج إليه جيش السفياني فيخسف اللّه بهم .(1)
244 . وعنه عليه السلام: ... ينتهي إلى البيداء ، فيخرج إليه جيش السفياني فيأمر اللّه الأرض، فيأخذهم من تحت أقدامهم ، وهو قول اللّه : (وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلاَ
فَوْتَ وَأُخِذُوا مِن مَكَانٍ قَرِيبٍ * وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ) يعني بقائم آل محمد ، (وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ) يعني بقائم آل محمد ... إلى آخر السورة .(2)
فلا يبقى منهم إلاّ رجلان يقال لهما : وتر ووتيرة من مراد ، وجوههما في أقفيتهما، يمشيان القهقرى ، يخبران الناس بما فعل بأصحابهما .(3)
* وتقدّم في الرواية المرقّمة 223 : وخسف البيداء من المحتوم .
* وتقدّم في الرواية المرقّمة 225 : إنما عنى عليه السلام بقوله: «ما سكنت السماء» من النداء باسم صاحبك ، و«ما سكنت الأرض» من الخسف بالجيش .
* وتقدّم في الرواية المرقّمة 227 : وينزل أمير جيش السفياني البيداء فينادي
منادٍ من السماء : «يا بيداء أبيدي القوم» ، فيخسف بهم .
* ويأتي في الرواية المرقّمة 245 : وخسف بالبيداء .
ص: 134
245 . قال محمد بن مسلم - لأبي جعفر الباقر عليه السلام - : يا ابن رسول اللّه ! متى يخرج قائمكم ؟ قال : إذا تشبّه الرجال بالنساء والنساء بالرجال ، واكتفى الرجال بالرجال، والنساء بالنساء ، وركب ذوات الفروج السروج ، وقُبلت شهادات الزور ، ورُدّت شهادات العدول ، واستخفّ الناس بالدماء وارتكاب الزنا وأكل الربا ، واتقي الأشرار مخافة ألسنتهم ، وخروج السفياني من الشام، واليماني من اليمن ، وخسف بالبيداء ، وقتل غلام من آل محمد صلى الله عليه و آلهبين الركن والمقام اسمه : محمد بن الحسن النفس الزكية ، وجاءت صيحة من السماء بأن الحقّ فيه وفي شيعته ، فعند ذلك خروج قائمنا.(1)
246 . قال أبو عبد اللّه الصادق عليه السلام : ليس بين قيام قائم آل محمد وبين قتل النفس الزكية إلاّ خمسة عشر ليلة .(2)
247 . عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه السلام - في حديث طويل - : يقول القائم عليه السلام لأصحابه : يا قوم ! إن أهل مكة لا يريدونني ، ولكنّي مُرسل إليهم لأحتجّ عليهم بما ينبغي لمثلي أن يحتجّ عليهم ، فيدعو رجلاً من أصحابه فيقول له : امض إلى أهل مكة فقل : يا أهل مكة ! أنا رسول فلان إليكم ، وهو يقول لكم : «إنا أهل بيت الرحمة ، ومعدن الرسالة والخلافة ، ونحن ذرّية محمد ، وسلالة النبيّين ، وأنا قد ظُلمنا واضطُهدنا ، وقُهرنا ، وابتزّ منّا حقنّا منذ قُبض نبيّنا إلى
ص: 135
يومنا هذا ، فنحن نستنصركم فانصرونا» .
فإذا تكلّم هذا الفتى بهذا الكلام أتوا إليه فذبحوه بين الركن والمقام، وهي النفس الزكية ، فإذا بلغ ذلك الإمام قال لأصحابه : «ألا أخبرتُكم أن أهل مكة لا يريدوننا»، فلا يَدَعُونه حتى يخرج ، فيهبط من عقبة طوى في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً - عدّة أهل بدر - حتى يأتي المسجد الحرام، فيصلّي فيه عند مقام إبراهيم أربع ركعات، ويسند ظهره إلى الحجرالأسود، ثم يحمداللّه ويُثني عليه، ويذكر النبي صلى الله عليه و آله ويصلّي عليه ، ويتكلّم بكلام لم يتكلّم به أحدٌ من الناس.
فيكون أول من يضرب على يده ويبايعه جبرئيل وميكائيل ، ويقوم معهما رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأمير المؤنين عليه السلام فيدفعان إليه كتابا جديدا ، هو على العرب شديد بخاتم رطب ، فيقولون له : اعمل بما فيه ، ويبايعه الثلاثمائة وقليل من أهل مكة .(1)
* وتقدّم في الروايتان المرقّمتان 223 - 224: وقتل النفس الزكية من المحتوم.(2)
ص: 136
من أوضح العلامات وأبينها وأظهرها الصيحة من السماء في مراحل ثلاث: في شهر رجب، وفي شهر رمضان، وحين الظهور .
أمّا الأول :
248 . فقد روي عن مولانا أبيالحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام - في حديث طويل - أنه قال : لابدّ من فتنةٍ صمّاء صيلم ، يسقط فيها كلّ بطانةٍ ووليجة ، وذلك عند فقدان الشيعة الثالثَ من ولدي ، يبكي عليه أهل السماء وأهل الأرض ، وكم من مؤن متأسّفٍ حرّان حزين عند فقد الماء المعين ، كأنّي بهم أسرّ(1) ما يكونون ، وقد نودوا نداءً يسمعه من بُعد كما يسمعه من قرب ، يكون رحمةً للمؤنين وعذابا على الكافرين .
فقلت : وأيّ نداءٍ هو ؟ قال : ينادون في رجب ثلاثة أصوات من السماء:
صوتا منها : «ألا لعنة اللّه على القوم الظالمين» .
والصوت الثاني : «أزفت الآزفة ، يا معشر المؤنين» .
والصوت الثالث - يرون بدنا بارزا نحو عين الشمس(2) - : «هذا
ص: 137
أميرالمؤمنين قد كرّ في هلاك الظالمين» - . وفي رواية : والصوت الثالث بدنيُرى في قرن الشمس يقول : «إن اللّه بعث فلانا فاسمعوا له وأطيعوا» .
فعند ذلك يأتي الناس الفرج ، وتودّ الناس لو كانوا أحياءً ، ويشفي اللّه صدور قوم مؤنين .(1)
249 . فقد روي عن مولانا الإمام أبي جعفر عليه السلام ... أنه قال : الصيحة لا تكون إلاّ في شهر رمضان شهر اللّه ، وهي صيحة جبرئيل إلى هذا الخلق .
ثم قال : ينادي منادٍ من السماء باسم القائم عليه السلام ، فيسمع من بالمشرق ومن بالمغرب، لا يبقى راقد إلاّ استيقظ ، ولا قائم إلاّ قعد ، ولا قاعد إلاّ قام على رجليه فزعا من ذلك الصوت ، فرحم اللّه من اعتبر بذلك الصوت فأجاب ، فإن الصوت الأول هو صوت جبرئيل الروح الأمين . (2)
250 . وقال عليه السلام : الصوت في شهر رمضان في ليلة جمعة ليلة ثلاث وعشرين فلا تشكّوا في ذلك ، واسمعوا ، وأطيعوا ، وفي آخر النهار صوت إبليس اللعين ينادي : «ألا إن فلانا قُتل مظلوما» ليشكّك الناس ، ويفتنهم ، فكم ذلك
ص: 138
اليوم من شاكٍّ متحيّرٍ قد هوى في النار .
وإذا سمعتم الصوت في شهر رمضان فلا تشكّوا أنه صوت جبرئيل، وعلامة ذلك أنه ينادي باسم القائم واسم أبيه حتى تسمعه العذراء في خدرها فتحرّض أباها وأخاها على الخروج .(1)
251 . وقال عليه السلام : لابدّ من هذين الصوتين قبل خروج القائم عليه السلام : صوت من السماء، وهو صوت جبرئيل ، وصوت من الأرض ، فهو صوت إبليس اللعين ، ينادي باسم فلان أنه قُتل مظلوما ، يريد الفتنة ، فاتّبعوا الصوت الأول، وإيّاكم والأخير أن تفتتنوا به .(2)
252 . وقال عليه السلام : إذا اختلف بنو فلان ... فتوقّعوا الصيحة في شهر رمضان بخروج [وخروج ]القائم .(3)
253 . وقال أبو عبد اللّه عليه السلام : ينادى باسم القائم عليه السلام في ليلة ثلاث وعشرين .(4)
وأمّا الثالث ، وهو الصيحة حين ظهوره :
254 . فقال مولانا أبوالحسن الرضا عليه السلام : ينادي منادٍ من السماء باسمه، يسمعه جميع أهل الأرض بالدعاء إليه ، يقول : «ألا إن حجة اللّه قد ظهر عند بيت اللّه فاتبعوه ، فإن الحقّ معه وفيه» ، وهو قول اللّه عزّ وجلّ : (إِن نَشَأْ نُنَزِّلْ
ص: 139
عَلَيْهِم مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ) .(1)
255 . وقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إذا كان عند خروج القائم ينادي منادٍ من السماء: «أيها الناس ! قطع عنكم مدّة الجبّارين ، وولي الأمر خير أُمّة محمّد[ صلى الله عليه و آله وسلم] فالحقوا بمكة» .(2)
256 . قال أبو عبد اللّه عليه السلام : إن أول من يبايع القائم عليه السلام جبرئيل عليه السلام ، ينزل في صورة طير أبيض ، فيبايعه ، ثم يضع رجلاً على بيت اللّه الحرام ، ورجلاً على بيت المقدس ، ثم ينادي بصوت طلق ذلق تسمعه الخلائق : (أَتَى أَمْرُ اللّه فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ).(3)
257 . وقال عليه السلام : ... ويقوم في يوم عاشوراء ، وهو اليوم الذي قُتل فيه الحسين بن علي عليهماالسلام ، لكأني به ... قائما بين الركن والمقام، وجبرئيل عليه السلام] على يده اليمنى [ينادي: «البيعة للّه»، فتصيرإليه شيعته من أطراف الأرض.(4)
258 . وفي رواية أُخرى : ينادي منادٍ من السماء أول النهار : «ألا إن عليا وشيعته هم الفائزون» ، قال : وينادي منادٍ ]في [آخر النهار : «ألا إن عثمان وشيعته هم الفائزون» .(5)
ص: 140
* وتقدّم في الرواية المرقّمة 224 : أول النهار ... : «ألا إن الحقّ في عليوشيعته»... آخر النهار : «ألا إن الحقّ في عثمان ]السفيانى [وشيعته» .
259 . عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : صوت جبرئيل من السماء ، وصوت إبليس من الأرض ، فاتّبعوا الصوت الأول ، وإيّاكم والأخير أن تفتنوا به .(1)
260 . قال زرارة : قلت : فمن يعرف الصادق من الكاذب ؟ قال مولانا أبو عبد اللّه عليه السلام: يعرفه الذين كانوا يروون ويقولون إنه يكون قبل أن يكون، ويعلمون أنهم هم المحقّون الصادقون .(2)
ولهذه العلامة أهمّية خاصّة لشدّة وضوحها بالنسبة إلى الناس جميعا، والروايات في ذلك كثيرة جدّا.(3) وفي غير واحد منها : أنه ينادي باسم مولانا المهدي عليه السلام .(4)
قال الشيخ الحرّ العاملي رحمه الله - عند ذكر روايات في علائم الظهور - : وروي في هذه العلامات وأمثالها خصوصا الندا والصيحة من السماء باسم القائم عليه السلام أحاديث كثيرة جدّا لم أنقلها خوف الإطالة.(5)
ص: 141
اتّفقت الخاصّة والعامّة على روايات كثيرة تدلّ على نزول عيسى بنمريم عليهماالسلاملنصرة مهدي هذه الأُمة عجّل اللّه فرجه وأنه يصلّي خلفه.(1)
نقل الحافظ المزي (المتوفى 742)، عن أبي الحسن الآبري (المتوفى 363) - وهما من أعلام العامّة - :
قد تواترت الأخبار، واستفاضت بكثرة رواتها عن المصطفى صلى اللّه عليه]وآله]وسلم، يعني في المهدي ، وأنه من أهل بيته ... .
ويملأ الأرض عدلاً .
وأنه يخرج عيسى بن مريم، فيساعده على قتل الدجّال بباب لدّ بأرض فلسطين .
وأنه يؤّ هذه الأُمة، وعيسى صلوات اللّه عليه يصلّي خلفه في طول من قصته وأمره .
وذكره بعينه الحافظ العسقلاني ، والسيوطي في الحاوي للفتاوى ، ونقله ابن حجر الهيتمي عن أبيالحسين الآجري، والقرطبى عن بعض علمائهم.(2)
ص: 142
يكون لمولانا المهدي عليه السلام أصحاب وأنصار من الملائكة(1) مثل جبرئيل(2)وميكائيل ،(3) وأنصار من الجنّ ،(4) بل ويرجع عدّةٌ من أهل الإيمان إلى الدنيا بعد موتهم لنصرته .(5)
وقد ورد في صفة أنصاره وخصوصياتهم ما يكون طريقا إلى معرفتهم، وإليك بعض النصوص في ذلك :
261 . قال مولانا أبو جعفر محمد بن علي الجواد عليهماالسلام : ... يجتمع إليه من أصحابه عدد أهل بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً من أقاصي الأرض - وفي رواية : يجتمعون بمكة على غير ميعاد ... يتبع بعضهم بعضا - وذلك قول اللّه عزّ وجلّ : (أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللّه جَمِيعاً إِنَّ اللّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(6) فإذا اجتمعت له هذه العدّة من أهل الأرض أظهر أمره .(7)
ص: 143
262 . عن عبداللّه بن عجلان، قال: ذكرنا خروج القائم عند أبي عبداللّه عليه السلام فقلت: كيف لنا أن نعلم ذلك؟ قال: يصبح أحدكم وتحت رأسه صحيفة عليها مكتوب: «طاعة معروفة».(1)
263 . وقال عليه السلام : إذا قام القائم نزلت سيوف القتال ، على كلّ سيف اسم الرجل واسم أبيه .(2)
264 . عن أبي جعفر عليه السلام قال : كأني بأصحاب القائم عليه السلام وقد أحاطوا بما بين الخافقين، فليس من شيء إلاّ وهو مطيع لهم ، حتى سباع الأرض وسباع الطير يطلب رضاهم في كلّ شيء ، حتى تفخر الأرض على الأرض وتقول : «مرّ بي اليوم رجل من أصحاب القائم عليه السلام» .(3)
ومن طرق معرفته - أيضا - تطابق سيرته وما يتكلّم به في خُطَبه الشريفة بعد ظهوره مع ما ذكره أجداده الطاهرون عليهم السلام .
265 . قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : له عَلَمٌ إذا حان وقت خروجه انتشر ذلك العَلَمُ من نفسه، وأنطقه اللّه تبارك وتعالى ، فناداه العَلَمُ : «اخرج يا ولي اللّه فاقتل أعداء اللّه».
وله رايتان وعلامتان ، وله سيف مغمد ، فإذا حان وقت خروجه اقتلع ذلك السيف من غمده ، وأنطقه اللّه عزّ وجلّ فناداه السيف : «اخرج يا ولي اللّه
ص: 144
فلا يحلّ لك أن تقعد عن أعداء اللّه»، فيخرج ويقتل أعداء اللّه حيث ثقفهم، ويقيم حدود اللّه، ويحكم بحكم اللّه .(1)
266 . قال أبو جعفر عليه السلام : فإذا خرج أسند ظهره إلى الكعبة ، واجتمع إليه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً . وأول ما ينطق به هذه الآية : (بَقِيَّةُ اللّه خَيْرٌ لَكُمْ إِن كُنتُم مُؤْمِنِينَ)،(2) ثم يقول : «أنا بقيّة اللّه في أرضه ، وخليفته وحجّته عليكم»، فلايُسلّم عليه مسلم إلاّ قال: «السلام عليك يا بقيه اللّه في أرضه». فإذا اجتمع إليه العقد - وهو عشرة آلاف رجل - خرج، فلا يبقى في الأرض معبودٌ دون اللّه عزّ وجلّ من صنم [ووثن ]وغيره إلاّ وقعت فيه نار فاحترق ، وذلك بعد غيبة طويلة ليعلم اللّه من يطيعه بالغيب ، ويؤن به ..(3)
ولنكتف هنا بما روي عن مولانا أبي جعفر الباقر عليه السلام في بيان كيفية ما يقع في أول الظهور - في غير واحد من المصادر - بمضامين متقاربة وزيادة ونقصان، فنذكر خلاصة من مجموعها :
267 . قال عليه السلام : واللّه لكأني أنظر إليه، وقد أسند ظهره إلى الحجر، ثم ينشد اللّه حقّه - وفي رواية : وقد أسند ظهره إلى البيت الحرام ، مستجيرا به ، ينادي :
ص: 145
يا أيها الناس ! إنّا نستنصر اللّه ومن أجابنا من الناس ، وإنّا أهل بيت نبيّكم محمد، ونحن أولى الناس باللّه وبمحمد صلى الله عليه و آله . - (1)ثم يقول : يا أيها الناس ! من يحاجّني في اللّه فأنا أولى الناس باللّه.
يا أيها الناس ! من يحاجّني في آدم فأنا أولى الناس بآدم .
يا أيها الناس ! من يحاجّني في نوح فأنا أولى الناس بنوح .
يا أيها الناس ! من يحاجّني في إبراهيم فأنا أولى الناس بإبراهيم .
يا أيها الناس ! من يحاجّني في موسى فأنا أولى الناس بموسى .
يا أيها الناس ! من يحاجّني في عيسى فأنا أولى الناس بعيسى .
يا أيها الناس ! من يحاجّني في محمد صلى الله عليه و آله فأنا أولى الناس بمحمد .
[ومن حاجّني في النبيين فأنا أولى الناس بالنبيين ، إن اللّه تعالى يقول ]أليس اللّه تعالى يقول في محكم كتابه] : (إِنَّ اللّه اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ) ،(2) فأنا بقيّةُ آدم ، وخيرةُ[وذخيرةٌ من] نوح، ومصطفى إبراهيم ، وصفوةُ محمد صلى الله عليه و آله [.(3)
يا أيها الناس ! من يحاجّني في كتاب اللّه فأنا أولى الناس بكتاب اللّه .
[ ألا ومن حاجّني في سُنّة رسول اللّه فأنا أولى الناس بسُنّة رسول اللّه وسيرته . وأُنشد اللّه َ من سمع كلامي لمّا يبلغ الشاهدُ الغائبَ] .(4)
ص: 146
وفي رواية : وأسألكم بحقّ اللّه ورسوله وبحقّي - فإن لي عليكم حقّ القربى من رسول اللّه - إلاّ أعنتمونا ، ومنعتمونا ممن يظلمنا ، فقد أُخفنا ، وظُلمنا ، وطُردنا من ديارنا وأبنائنا ، وبُغي علينا ، ودُفعنا عن حقّنا ، فأوتر أهلالباطل علينا ، فاللّه اللّه فينا ، لا تخذلونا، وانصرونا ينصركم اللّه .(1)
ثم ينتهي إلى المقام فيصلّي عنده ركعتين ، ثم ينشد اللّه حقه .
ثم قال أبو جعفر عليه السلام : هو - واللّه - المضطرّ في كتاب اللّه وهو قول اللّه : (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ) ،(2) وجبرئيل على الميزاب في صورة طائر أبيض ، فيكون أول خلق اللّه يبايعه جبرئيل ، ويبايعه الثلاثمائة والبضعة عشر رجلاً .
قال أبو جعفر عليه السلام : فمن ابتلى في المسير وافاه في تلك الساعة، ومن لم يبتلِ بالمسير فُقِدَ عن فراشه .
ثم قال : هو واللّه قول علي بن أبيطالب عليه السلام: «المفقودون عن فرشهم»، وهو قول اللّه : (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللّه جَمِيعاً) ،(3) أصحاب القائم الثلاثمائة والبضعة عشر رجلاً .
هم - واللّه - الأُمة المعدودة التي قال اللّه في كتابه : (وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ) .(4)
ص: 147
قال : يجتمعون في ساعة واحدة قزعا كقزع الخريف ، [فيبايعونه بين الركن والمقام ، ومعه عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله قد تواترت عليه الآباء]،(1) فيصبحبمكة، فيدعو الناس إلى كتاب اللّه وسنّة نبيه صلى الله عليه و آله ، فيجيبه نفر يسير ، ويستعمل على مكة ، ثم يسير فيبلغه أن قد قُتل عامله ، فيرجع إليهم، فيقتل المقاتلة ، لا يزيد على ذلك شيئا - يعني السبي - .
ثم ينطلق فيدعو الناس إلى كتاب اللّه وسنّة نبيه عليه وآله السلام، والولاية لعلي بن أبي طالب عليه السلام ، والبراءة من عدوه ، ولا يسمّي أحدا حتى ينتهي إلى البيداء، فيخرج إليه جيش السفياني فيأمر اللّه الأرض فيأخذهم من تحت أقدامهم، وهو قول اللّه: (وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلاَ فَوْتَ وَأُخِذُوا مِن مَكَانٍ قَرِيبٍ *
وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ) يعني بقائم آل محمد ، (وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ)(2) يعني بقائم آل محمد. فلا يبقى منهم إلاّ رجلان يقال لهما: وتر ووتيرة من مراد ، وجوههما في أقفيتهما ، يمشيان القهقرى ، يخبران الناس بما فعل بأصحابهما .
ثم يدخل المدينة فيغيب عنهم عند ذلك قريش ، وهو قول علي بن أبي طالب عليه السلام : واللّه لودّت قريش - أي عندها - موقفا واحدا جزرَ جزورٍ(3) بكلّ ما ملكت ، وكلّ ما طلعت عليه الشمس أو غربت .
ص: 148
ثم يحدث حدثا(1) فإذا هو فعل ذلك قالت قريش : اخرجوا بنا إلى هذه الطاغية، فواللّه أن لو كان محمديا ما فعل ، ولو كان علويا ما فعل ، ولو كانفاطميا ما فعل ، فيمنحه اللّه أكتافهم ، فيقتل المقاتلة ، ويسبي الذرية .
ثم ينطلق حتى ينزل الشقرة ، فيبلغه أنهم قد قتلوا عامله ، فيرجع إليهم فيقتلهم مقتلة ليس قتل الحرّة إليها بشيء .
ثم ينطلق يدعو الناس إلى كتاب اللّه ، وسنّة نبيه صلى الله عليه و آله ، والولاية لعلي بن أبي طالب صلوات اللّه عليه ، والبراءة من عدوّه ، حتى إذا بلغ إلى الثعلبية قام إليه رجل من صلب أبيه، وهو من أشدّ الناس ببدنه ، وأشجعهم بقلبه - ما خلا صاحب هذا الأمر - فيقول : يا هذا ما تصنع ؟ فواللّه إنك لتجفل الناس(2) إجفال النعم ! أفبعهد من رسول اللّه صلى الله عليه و آله أم بماذا ؟ فيقول المولى - الذي ولي البيعة - : واللّه لتسكتنّ أو لأضربنّ الذي فيه عيناك ، فيقول [له ]القائم عليه السلام : اسكت يا فلان!
إي واللّه إن معي عهدا من رسول اللّه ، هات لي [يا ]فلان ! العيبة ... فيأتيه بها فيقرؤ العهد من رسول اللّه ، فيقول : جعلني اللّه فداك، أعطني رأسك أُقبّله، فيعطيه رأسه ، فيقبّل بين عينيه ، ثم يقول : جعلني اللّه فداك ، جدّد لنا بيعة، فيجدّد لهم بيعة .
قال أبوجعفر عليه السلام : لكأني أنظر إليهم مصعدين من نجف الكوفة ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً كأن قلوبهم زبر الحديد ، جبرئيل عن يمينه ، وميكائيل عن
ص: 149
يساره ، يسير الرعب أمامه شهرا وخلفه شهرا ، أمدّه اللّه بخمسة آلاف من الملائكة مسوّمين حتى إذا صعد النجف قال لأصحابه: تعبّدوا ليلتكم هذه، فيبيتون بين راكع وساجد ، يتضرّعون إلى اللّه حتى إذا أصبح قال : خذوا بناطريق النخيلة ، وعلى الكوفة خندق مخندق ... حتى ينتهي إلى مسجد إبراهيم عليه السلام بالنخيلة ، فيصلّي فيه ركعتين ، فيخرج إليه من كان بالكوفة من مرجئها وغيرهم من جيش السفياني فيقول لأصحابه : استطردوا لهم ، ثم يقول : كرّوا عليهم . قال أبو جعفر عليه السلام : [و] لا يجوز - واللّه - الخندق منهم مخبر .
ثم يدخل الكوفة فلا يبقى مؤن إلاّ كان فيها أو حنّ إليها ... .
ثم يقول لأصحابه : سيروا إلى هذه الطاغية ، فيدعو إلى كتاب اللّه وسنّة نبيه صلى الله عليه و آله، فيعطيه السفياني من البيعة سلما ، فيقول له كلب - وهم أخواله - : ما هذا ؟! ما صنعت ؟! واللّه ما نبايعك على هذا أبدا ، فيقول : ما أصنع ؟! فيقولون : استقبله ، فيستقبله ، ثم يقول له القائم صلّى اللّه عليه : خذ حذرك ؛ فإنني أدّيت إليك ، وأنا مقاتلك ، فيصبح ، فيقاتلهم ، فيمنحه اللّه أكتافهم ، ويأخذ السفياني أسيرا ، فينطلق به [و]يذبحه بيده .
ثم يرسل جريدة خيل إلى الروم ليستحضروا بقية بني أُمية ، فإذا انتهوا إلى الروم قالوا : أخرجوا إلينا أهل ملّتنا عندكم ، فيأبون ، ويقولون : واللّه لا نفعل، فيقول الجريدة: واللّه لو أمرنا لقاتلناكم ، ثم يرجعون إلى صاحبهم، فيعرضون ذلك عليه ، فيقول : انطلقوا فأخرجوا إليهم أصحابهم ؛ فإن هؤاء قد أتوا بسلطان عظيم، وهو قول اللّه: (فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُم مِّنْهَا يَرْكُضُونَ * لاَتَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ).
ص: 150
قال: يعني الكنوز التي كنتم تكنزون ، (قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ * فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً خَامِدِينَ) ،(1) لا يبقى منهم مخبر .ثم يرجع إلى الكوفة فيبعث الثلاثمائة والبضعة عشر رجلاً إلى الآفاق كلّها، فيمسح بين أكتافهم وعلى صدورهم ، فلا يتعايون في قضاء ، ولا تبقى أرض إلاّ نودي فيها: شهادة أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له ، وأن محمدا رسول اللّه،
وهو قوله : (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) .(2)
ولا يقبل صاحب هذا الأمر الجزية كما قبلها رسول اللّه صلى الله عليه و آله، وهو قول اللّه: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَتَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للّه ِ) .(3)
قال عليه السلام : يقاتلون - واللّه - حتى يُوَحَّدَ اللّه ُ ولا يشرك به شيء ، وحتى تخرج العجوز الضعيفة من المشرق تريد المغرب ولا ينهاها أحد ، ويخرج اللّه من الأرض بذرها، وينزل من السماء قطرها ، ويخرج الناس خراجهم على رقابهم إلى المهدي عليه السلام ، ويوسّع اللّه على شيعتنا ، ولولا ما يدركهم من السعادة لبغوا .(4)
* وتقدّم في ضمن روايات علامات الظهور نبذ من سيرته عليه السلام العملية ، فلا تغفل .
ص: 151
وجدير بنا أن نختم هذا الفصل ببيان ما ورد في زيارة مولانا صاحب الزمان عليه السلام من تسميته ب- : «الحقّ الجديد» ، كما ورد نظير ذلك في الروايات الآنفة الذكر(1) فنقول : لا ريب في أنه عجّل اللّه فرجه يحيي شريعة جدّه صلى الله عليه و آله وسلم ويجدّد سنّته وطريقته إلاّ أنه لمّا اندرست معالم الدين وخفيت معارفه بل غُيّرت وحُرّفت وأُدخل فيها ما ليسَ منها فالإمام عليه السلام بإحياء الدين وإخراجه عن غربته فكأنه أتى بأمر جديد، فما يعدّ جديدا من أحكامه وقوانينه يمكن أن يكون:
1 . ممّا يخالف الأحكام المحرّفة والقوانين المتغيّرة .
2 . أو ممّا جهله الناس لتقصيرهم في التفقّه في الدين .
3 . أو ممّا عرفوه ولكنّهم لم يعملوا به وأهملوه .
4 . أو أنهم بذلوا وسعهم واجتهدوا ولكنّهم لم يصلوا إلى الواقع فلم تكن وظيفتهم إلاّ العمل على طبق الحكم الظاهري ولكن بعد ظهوره عليه السلام يبيّن لهم الأحكام الواقعية .
5 . أو كان ما توصّلوا إليه ممّا صدر تقيةً ، وحيث لا تقية بعد الظهور يكون جميع ما يعملون به من الأحكام الواقعية ، وهذا يرجع إلى القسم السابق .
6 . يمكن أن يكون في قوانينه وأحكامه ما يخالف ظاهره الأحكام السابقة إلاّ أنه لا يعدّ نسخا للشريعة إذ أمرنا النبي صلى الله عليه و آله وسلم باتّباع المهدي صلوات اللّه عليه -
ص: 152
كما تدلّ عليه روايات العامّة والخاصّة - فيلزمنا قبول ما يحكم به ولا يجوز الردّ عليه فحينئذ لو خالف في حكمه بعض الأحكام السالفة علمنا بانتهاء أمد تلك الأحكام بظهوره .و هذا كما ترى أن العامّة ينسبون تغيير بعض الأحكام إلى النبي عيسى عليه السلام بعد نزوله من السماء. ولا ريب أنه تابع لمولانا المهدي عليه السلام لقول رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم : «وإمامكم منكم» فليس هو مستقلاً بشريعة.(1)
7 . إنه ليس مأمورا بمراعاة التقية - كآبائه الطاهرين عليهم السلام - فلا يتّقي أحدا في قول ولا فعل ، ويجاهد الأعداء ويحاربهم ، وينتصر على جميع قوى العالم .
8 . له سيرة جديدة تخالف جميع من تقدّمه من الحكام والخلفاء والدول فيظهر العدل بل يملأ الأرض عدلاً وقسطا كما ملئت ظلما وجورا.
9 . إنه يأتي بالقرآن كما أُنزل على جدّه وبخطّ مولانا أميرالمؤمنين عليه السلام ، وفي مصحفه بيان شأن نزول الآيات وبيان تنزيلها وتأويلها وناسخها ومنسوخها وغير ذلك .(2) بل إن هذا القرآن الموجود بأيدينا لمّا كان كتابا صامتا يفسّره كلٌّ على ما يراه ويأوّله على مذهبه، وإنه عجّل اللّه فرجه يقرؤه ويبيّن المراد منه بما هوالحقّ عند اللّه تعالى.(3)
ص: 153
ص: 154
و في الفصل الأخير نذكر ما يجب علينا حين الظهور وقبله بزمان يسير أي حين رؤية علامات الظهور .
268 . عن الحضرمي ، قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : كيف نصنع إذا خرج
السفياني ؟ قال : تغيب الرجال وجوهها منه ، وليس على العيال بأس ، فإذا ظهر على الأكوار الخمس - يعني كور الشام - فانفروا إلى صاحبكم .(1)
269 . وعنه عليه السلام - وذكر السفياني فقال - : أما الرجال فتواري وجوهها عنه ، وأما النساء فليس عليهن بأس .(2)
ص: 155
270 . عن إسحاق بن عمار ، قال : كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام فذكر مواساة الرجل لإخوانه وما يجب له عليهم ، فدخلني من ذلك أمر عظيم ، فقال : إنما ذلك إذا قام قائمنا وجب عليهم أن يجهّزوا إخوانهم ، وأن يقووهم .(1)
271 . عن أبي جعفر عليه السلام : ... وليس فيها راية أهدى من راية اليماني، هي راية هدى ؛ لأنه يدعو إلى صاحبكم ، فإذا خرج اليماني حرم بيع السلاح على [الناس و] كلّ مسلم، وإذا خرج اليماني فانهض إليه ، فإن رايته راية هدى، ولا يحلّ لمسلم أن يلتوي عليه ، فمن فعل فهو من أهل النار ؛ لأنه يدعو إلى الحقّ، وإلى طريق مستقيم .(2)
وينبغي التنبيه على أمور :
الأول : «خروج اليماني من اليمن».(3)
الثاني والثالث : لا ينافي الأمر بالنهوض معه ما مرّ من النهي عن الخروج قبل الظهور؛ لأن خروجه إنما هو قبل الظهور بزمان يسير للالتحاق بمولانا المهدي صلوات الله عليه.
أما زمان خروجه فقد مرّ في الرواية المرقمة 238 : خروج الثلاثة -
ص: 156
الخراساني والسفياني واليماني - في سنة واحدة ، في شهر واحد ، في يوم واحد . وروي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال : اليماني والسفياني كفَرَسَيْ رهان .(1) وأشير إليه أيضاً في الروايتين المرقمتين 222 و 245 فراجع .
وأما أنه يلتحق بمولانا المهدي صلوات الله عليه ويبايعه فقد مر في الرواية المرقمة 271 : لأنه يدعو إلى صاحبكم .
272 . عن أبي جعفر عليه السلام : ... ما تصنعون بالمدينة ؟! وإنما يقصد جيش الفاسق إليها ، ولكن عليكم بمكّة فإنها مجمعكم .(2)
273 . وقال عليه السلام : إذا سمعتم باختلاف الشام فيما بينهم فالهرب من الشام ؛ فإن القتل بها والفتنة .
قلت : إلى أيّ البلاد ؟ فقال : إلى مكّة ؛ فإنها خير بلاد يهرب الناس إليها.
قلت : فالكوفة ؟ قال : الكوفة ! ما ذا يلقون ؟ يقتل الرجال ... إلى أن قال : الخروج منها خير من المقام فيها... .(3)
* وتقدّم في الرواية المرقّمة 255: ينادي منادٍ من السماء : «فالحقوا بمكة».
ويدلّ عليه أيضا ما يأتي في العنوان الآتي.
ص: 157
274 . عن أبي جعفر عليه السلام : ... ويلقى الناس جهد شديد ممّا يمرّ بهم من الخوف فلا يزالون بتلك الحال حتى ينادي منادٍ من السماء ، فإذا نادى فالنَّفْر، النَّفْر، فواللّه لكأني أنظر إليه بين الركن والمقام ، يبايع الناس بأمر جديد، وكتاب جديد ، وسلطان جديد من السماء . أما إنه لا يردّ له راية أبدا حتى يموت .(1)
275 . عن أبي عبداللّه عليه السلام أنه قال : السفياني لابدّ منه ، ولا يخرج إلاّ في رجب، فقال له رجل : يا أبا عبد اللّه ! إذا خرج فما حالنا ؟ قال : إذا كان ذلك فإلينا .(2)
* وتقدّم في الرواية المرقّمة 62 : لا تبرح الأرض حتى يخرج السفياني فإذا خرج السفياني فأجيبوا إلينا - يقولها ثلاثا - .
* وتقدّم في الرواية المرقّمة 268 : كيف نصنع إذا خرج السفياني ؟ قال عليه السلام : ... فإذا ظهر على الأكوار الخمس ... فانفروا إلى صاحبكم .
ويظهر من الروايات لزوم المسارعة نحو الإمام عليه السلام والالتحاق به بعد ظهوره لجميع المؤمنين في أيّ حالة كانوا وفي أيّ ظرف كانوا ، كما روي:
276 . عن مولانا أبي الحسن الرضا عن آبائه عليهم السلام - وكذا عن أبي أمامة - عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنه قال : لا تقوم الساعة حتى يقوم القائم الحقّ منّا ، وذلك حين يأذن اللّه عزّوجلّ له ، فمن تبعه نجا ، ومن تخلّف عنه هلك .
اللّه اللّه عباد اللّه فأْتوه ولو [حبوا ]على الثلج ؛ فإنه خليفة اللّه عزّ وجلّ وخليفتي .(3)
ص: 158
277 . عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، أنه قال : ... الْبِدُوا ما لَبِدْنا ، فإذا تحرّك متحرّكنا فاسعوا إليه ولو حبوا ، واللّه لكأني أنظر إليه بين الركن والمقام يبايع الناس على كتاب جديد ، على العرب شديد .(1)
278 . وقال عليه السلام : إذا خرج السفياني ، يبعث جيشا إلينا وجيشا إليكم ، فإذا كان كذلك فأْتونا على [كلّ] صعبٍ وذلولٍ .(2)
279 . عن ابن مسعود ، قال : كنا عند رسول اللّه صلى الله عليه و آلهإذ جاء فئة [فتية ]من بني هاشم، فلمّا رآهم تغيّر وجهه ، فقلنا : يا رسول اللّه ! إنّا نرى وجهك الذي تنكره ! قال : إنا أهل بيت اختار اللّه لهم الآخرة على الدنيا ، و[إن أهل بيتي] سيلقون بعدي تطريداً وتشريداً حتى يقوم رجل من أهل بيتي يملأها عدلاً وقسطا، كما ملئت ظلماً وجوراً ، فمن أدركه فليأته ولو حبوا على الثلج .(3)
وقريب منها ما رواها الطبري الإمامي عن ابن مسعود ، قال : كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه و آله ذات يوم ، إذ أقبل فتية من بني عبد المطلب ، فلمّا نظر إليهم رسول اللّه صلى الله عليه و آلهاغرورقت عيناه ، فقلنا : يا رسول اللّه ! لا نزال نرى في وجهك شيئا نكرهه ! قال : إنا أهل بيت اختار اللّه لنا الآخرة على الدنيا ، وإن أهل بيتي سيلقون بعدي بلاءً وتطريداً وتشريداً ... ولا يزالون كذلك حتى يدفعونها إلى رجل من أهل بيتي ، فيملأها قسطاً وعدلاً ، كما ملئت ظلماً وجوراً ، فمن أدركه منكم فليأته ولو حبواً على الثلج .(4)
ص: 159
* وتقدّم في الرواية المرقّمة 37: إذا كان رجب فأقبلوا على اسم اللّه، وإن أحببتمأن تتأخّروا إلى شعبان فلا ضير، وإن أحببتم أن تصوموا في أهاليكم ... .
* وتقدّم في الرواية المرقّمة 135 : فإذا سمعتم به فأْتوه ولو حبوا على الثلج.
* وتقدّم في الرواية المرقّمة 234 : فإذا بلغك أن السفياني قد خرج فارحل إلينا ولو على رجلك .
280 . عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه عليهماالسلام قالا : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إنما مثل أهل بيتي في هذه الأُمة كمثل نجوم السماء ، كلّما غاب نجمٌ طلع نجمٌ حتى إذا مددتم إليه حواجبكم،(1) وأشرتم إليه بالأصابع جاء ملك الموت فذهب به، ثم بقيتم سبتا من دهركم لا تدرون أيّا من أيّ ، واستوى في ذلك بنوعبدالمطلب، فبينما أنتم كذلك إذا أطلع اللّه نجمكم فاحمدوه ، واقبلوه .(2)
281 . عن أبيجعفر عليه السلام ، قال : إنما نحن [نجومكم] كنجوم السماء كلّما غاب نجم طلع نجم حتى إذا أشرتم بأصابعكم ، وملتم بأعناقكم [بحواجبكم ]غيّب اللّه عنكم نجمكم ، فاستوت بنو عبد المطلب فلم يُعرف أيٌّ من أيٍّ فإذا طلع نجمكم فاحمدوا ربّكم .(3)
ص: 160
* وتقدّم في الرواية المرقّمة 101 : فإذا بدا لكم فاحمدوا اللّه ، وتمسّكوا بمابدا لكم .
282 . عن أبي جعفر عليه السلام قال : من أدرك منكم قائمنا فليقل حين يراه : السلام عليكم يا أهل بيت النبوة ومعدن العلم وموضع الرسالة .(1)
283 . عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : سأله رجل عن القائم يسلّم عليه بإمرة المؤنين ؟ قال: لا ، ذاك اسم سمّى اللّه به أمير المؤنين عليه السلام ، لم يُسمّ به أحدٌ قبله ، ولا يتسمّى به بعده إلاّ كافر .
قلت : جعلت فداك كيف يُسلّم عليه ؟ قال : يقولون : السلام عليك يا بقيه اللّه ، ثم قرأ (بَقِيَّةُ اللّه خَيْرٌ لَكُمْ إِن كُنتُم مُؤْمِنِينَ).(2)
* وتقدّم في الرواية المرقّمة 266 : فلا يُسلّم عليه مسلم إلاّ قال: «السلام عليك يا بقيه اللّه في أرضه».
ص: 161
الفصل الأول : أفضلية أهل الإيمان في زمن الغيبة
الأفضل عند اللّه تعالى··· 9
قلّة أهل النجاة··· 15
الفصل الثاني : أهمّ ما يجب مراعاته في آخر الزمان
التمسّك بالأمر الأول··· 21
المحافظة على الحبّ والبغض··· 25
ولاية أهل البيت عليهم السلام··· 26
الاقتدا ء بأهل البيت عليهم السلام··· 27
الانتظار··· 34
ترك الاستعجال··· 41
رعاية التقية··· 43
اعتزال الناس واجتناب الشهرة··· 47
ملازمة البيت وحفظ اللسان··· 50
حكم تسمية مولانا صاحب الزمان عليه السلام··· 54
إنكار التوقيت··· 56
الاهتمام بالدعا ء··· 58
التقوى، التمسّك بالدين، الاستقامة··· 61
معرفة الزمان وأهله··· 62
المحافظة على الآداب الدينية··· 72
المحافظة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر و...··· 73
حكم الثورات المسلّحة قبل قيام القائم عليه السلام··· 75
بناء الباطن··· 76
الابتعاد عن الشك والترديد··· 76
اجتناب ما يوجب قساوة القلب··· 77
الصبر واختيار العجز على الفخر··· 78
مواساة الإخوان··· 78
لا تشكو ربّك··· 79
لا تغرّنكم الدنيا··· 80
إعانة المساكين ··· 81
التحذير ممّن يميل إلى الفلسفة والتصوف··· 81
الرجوع إلى رواة الأحاديث··· 82
الأُنس بكتب الأحاديث··· 83
ص: 162
عزم الجميع على الوفا ء بالعهد··· 83
عدم اليأس من الظهور··· 83
لا تنسَ إمامك··· 84
ألم الفراق··· 87
شوق اللقا ء··· 89
حكمة الغيبة··· 89
الفصل الثالث : معرفة الإمام عليه السلام
أظهر من الشمس··· 102
النصّ على إمامته··· 103
العلم والإعجاز··· 104
صفاته الظاهرة··· 108
ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم بلا ريب ولا ترديد··· 114
عهد النبي صلى الله عليه و آله وسلم وسلاحه··· 114
راية الفتح والنصر··· 117
ذخائر الأنبيا ء عليهم السلام··· 121
إجماع بني فاطمة عليهاالسلام واتّفاقهم عليه··· 124
الفصل الرابع : معرفة علامات الظهور
العلامات الحتمية للظهور··· 125
خروج السفياني··· 129
خسف في البيدا ء··· 133
قتل النفس الزكية··· 135
النداء السماوي··· 137
نزول عيسى بن مريم عليهماالسلام من السما ء··· 142
أصحاب الإمام عليه السلام وأنصاره··· 143
وقائع ما بعد الظهور··· 144
الأمر الجديد··· 152
الفصل الخامس : وظائفنا حين الظهور
الاختفا ء عن السفياني··· 155
تجهيز الجيوش ··· 156
استجابة اليمانى - حرمة بيع السلاح··· 156
التوجة إلى مكة المكرمة··· 157
إجابة الإمام عليه السلام والمسارعة إليه··· 157
تمجيد اللّه عزّوجلّ والانقياد للإمام عليه السلام··· 160
كيفية مخاطبة مولانا صاحب الزمان عليه السلام··· 161
ص: 163
السلام عليك يا صاحب الزمان
السَّلاَمُ عَلَى الْحَقِّ الْجَدِيدِ ، وَالْعَالِمِ الَّذِي عِلْمُهُ لاَ يَبِيدُ ،
السَّلاَمُ عَلَى مُحْيِي الْمُؤمِنِينَ ، وَمُبِيرِ الْكَافِرِينَ ،
السَّلاَمُ عَلَى مَهْدِيِّ الْأُمَمِ ، وَجَامِعِ الْكَلِمِ ،
السَّلاَمُ عَلَى خَلَفِ السَّلَفِ ، وَصَاحِبِ الشَّرَفِ ،
السَّلاَمُ عَلَى حُجَّةِ الْمَعْبُودِ ، وَكَلِمَةِ الْمَحْمُودِ ،
السَّلاَمُ عَلَى مُعِزِّ الْأَوْلِيَاءِ ، وَمُذِلِّ الْأَعْدَاءِ ،
السَّلاَمُ عَلَى وَارِثِ الْأَنْبِيَاءِ ، وَخَاتِمِ الْأَوْصِيَاءِ ،
السَّلاَمُ عَلَى الْقَائِمِ الْمُنْتَظَرِ ، وَالْعَدْلِ الْمُشْتَهَرِ ،
السَّلاَمُ عَلَى السَّيْفِ الشَّاهِرِ ، وَالْقَمَرِ الزَّاهِرِ ، وَالنُّورِ الْبَاهِرِ ،
السَّلاَمُ عَلَى شَمْسِ الظَّلاَمِ ، وَبَدْرِ التَّمَامِ ،
السَّلاَمُ عَلَى رَبِيعِ الْأَنَامِ ، وَنَضْرَةِ الْأَيَّامِ ،
السَّلاَمُ عَلَى صَاحِبِ الصَّمْصَامِ ، وَفَلاّقِ الْهَامِ ،
السَّلاَمُ عَلَى صَاحِبِ الدِّينِ الْمَأْثُورِ ، وَالْكِتَابِ الْمَسْطُورِ ،
السَّلاَمُ عَلَى بَقِيَّةِ اللَّهِ فِي بِلاَدِهِ ، وَحُجَّتِهِ عَلَى عِبَادِهِ ، الْمُنْتَهَى إِلَيْهِ مَوَارِيثُ الْأَنْبِيَاءِ ، وَلَدَيْهِ مَوْجُودٌ آثَارُ الْأَصْفِيَاءِ ، [السَّلاَمُ عَلَى] الْمُؤتَمَنِ عَلَى السِّرِّ ، وَالْوَلِيِّ لِلْأَمْرِ ،
السَّلاَمُ عَلَى الْمَهْدِيِّ الَّذِي وَعَدَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ الْأُمَمَ أَنْ يَجْمَعَ بِهِ الْكَلِمَ ، وَيَلُمَّ بِهِ الشَّعَثَ ، وَيَمْلَأَ بِهِ الْأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً ، وَيُمَكِّنَ لَهُ ، وَيُنْجِزَ بِهِ وَعْدَ الْمُؤمِنِينَ .
أَشْهَدُ يَا مَوْلاَيَ أَنَّكَ وَالْأَئِمَّةَ مِنْ آبَائِكَ أَئِمَّتِي وَمَوَالِيَّ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ .
أَسْأَلُكَ يَا مَوْلاَيَ أَنْ تَسْأَلَ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي صَلاَحِ شَأْنِي ، وَقَضَاءِ حَوَائِجِي ، وَغُفْرَانِ ذُنُوبِي ، وَالْأَخْذِ بِيَدِي فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَآخِرَتِي ، لِي وَلاِءِخْوَانِي وَأَخَوَاتِيَ الْمُؤمِنِينَ
وَالْمُؤمِنَاتِ كَافَّةً إِنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ .
بحارالأنوار 99/101، وراجع: كتاب المزار للشهيد الأول : 209، المصباح للشيخ الكفعمى: 497 .
ص: 164
پشت جلد كتاب
ورد في التّوقيع الصادر عن مولانا صاحب الزمان عليه السلام :
«واجعلوا قصدكم إلينا بالمودّة على السُّنّة الواضحة» .
ص: 165