المنهج الصحيح فى تفسير القرآن

هوية الكتاب

المنهج الصحيح فى تفسير القرآن

تحليل ونقد لنظرية استقلال القرآن واستغنائه عن البيان

عبد النبي مهدي

محرر رقمي:محمد المنصوري

ص: 1

اشارة

المنهج الصحيح فى تفسير القرآن

تحليل ونقد لنظرية استقلال القرآن واستغنائه عن البيان

عبد النبي مهدي

محرر رقمي:محمد المنصوري

ص: 2

الإهداء إلى

تالي كتاب اللّه وترجمانه . . وشريكه وتبيانه . .

ومحيي ما بدّل منه . . ومفسّره، والمعبّر عنه . .

إلى الذي في غيبته عُطّل الكتاب وأحكامه . . واستخفّوا به . . وثقل عليهم استماعه . . بل لا يبقى منه إلاّ رسمه !(1)

فيظهر حين خَلِقَ القرآن وأُحدث فيه ما ليس فيه ووُجِّهَ على الأهواء(2)

. . كأنهم أئمة الكتاب وليس الكتاب إمامهم . .

ليس عندهم سلعة أبور من الكتاب إذا تلي حق تلاوته ، ولا سلعة أنفق بيعا ولا أغلى ثمنا من الكتاب إذا حرّف عن مواضعه . .(3)

فكلّهم يتأوّل عليه كتاب الله . . ويحتجّ عليه به . . ويقاتلونه عليه !!(4)

ولكنه يعطف الرأي على القرآن إذا عطفوا القرآن على الرأي . .(5)

ويعلّم الناس القرآن كما أُنزل . . ويقرأ ويبيّن . .

إلى القرآن الناطق والناطق عن القرآن سيدي ومولاي صاحب العصر والزمان عليه السلام

أقلّ عبيدك مهدي

ص: 3


1- . لاحظ بحارالانوار 52 / 189 ، 257 - 258 ، 264 .
2- . كما في الكافي 8 / 36 ؛ وسائل الشيعة 16 / 275 ؛ بحارالأنوار 52 / 254 .
3- . انظر الكافي 8 / 389 ، بحارالأنوار 74 / 367 - 372 .
4- . عن أبي عبداللّه عليه السلام : إن قائمنا إذا قام أتى الناس وكلهم يتأوّل عليه كتاب اللّه ويحتجّ عليه به !! وعنه عليه السلام : إن القائم عليه السلام يلقى في حربه ما لم يلق رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ؛ لأن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم أتاهم وهم يعبدون الحجارة المنقورة والخشبة المنحوتة ، وإن القائم يخرجون عليه فيتأولون عليه كتاب الله ويقاتلونه عليه ! انظر : الغيبة للشيخ النعمانى 297 ، بحارالأنوار 52 / 363 .
5- . لاحظ نهج البلاغة 195 ؛ غررالحكم 94 ؛ بحارالانوار 31 / 549 و 51 / 130 .

الفهرست الإجمالي

الفصل الأول

اشتمال القرآن على المحكم والمتشابه

11 - 26

الفصل الثاني

الأدلة الناهية عن تفسير القرآن بدون علم

27 - 46

الفصل الثالث

الحاجة إلى بيان الحجج المعصومين عليهم السلام في فهم القرآن

47 - 112

الفصل الرابع

بعض كلمات أعيان العلماء المؤيدة للروايات

113 - 154

الفصل الخامس

مناقشات مع تفسير الميزان في دعوى « أن القرآن لا يحتاج إلى بيان »

155 - 271

الخاتمة

في ذكر بعض آراء صاحب تفسير الميزان

273 - 309

ص: 4

الفصل الأول: اشتمال القرآن على المحكم والمتشابه

المدخل

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين واللعن على أعدائهم أجمعين الى يوم الدين .

قد تشبّث الذين أرادوا إطفاء نور اللّه بأفواههم بكل وسيلة لكي يمنعوا الناس عن التمسك بالعترة الطاهرة عليهم السلام والاهتداء بأنوار علومهم ، فتراهم تارة ينادون بأعلى أصواتهم بأن : حسبنا كتاب اللّه ، تجاه من جاءهم بالكتاب من عند اللّه !!(1)

وأُخرى يمنعون الناس عن تدوين السنّة وكتابة الحديث(2) مدّعين بأنهم

يحترزون عن خلط القرآن بغيره فيجب الاقتصار على تعليم القرآن ونشره !

وثالثة يصرّحون بالمنع عن تفسير القرآن بالمأثور عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم وأهل بيته عليهم السلام.(3)

ص: 5


1- . رواه الخاصة والعامّة ، انظر : الإرشاد 1 / 183 - 184 ؛ بحارالأنوار 22 / 468 و30 / 529 - 536 ؛ مسند أحمد 1 / 293 ، 324 - 336 ؛ صحيح البخاري 4 / 31 و5/137 و7 / 9 و8 / 161 ؛ صحيح مسلم 5 / 76 ؛ الطبري 3 / 192 - 193 ؛ مستدرك الوسائل 3 / 477 ؛ شرح نهج البلاغة 2 / 54 - 55 و6/51 و12/87 ؛ البداية والنهاية 5 / 247 - 248 ؛ مجمع الزوائد 9 / 33 - 34 ؛ كنز العمال 5 / 644 و 7 / 243 ؛ الملل والنحل للشهرستاني 1 / 22 ؛ الكامل لابن الأثير 2 / 320 ؛ الطبقات لابن سعد 2/ ق 2/36 - 38 ؛ البدء والتاريخ 5 / 59 ؛ السيرة النبوية لابن كثير 4 / 450 - 451 ؛ نهاية الارب 18 / 373 - 375 ؛ أنساب الأشراف 2 / 236 تاريخ الإسلام للذهبي 1 / 551 - 552 .
2- . راجع : جامع الأحاديث ، للسيوطي 13 / 140 ، 401 ، 459 و14 / 28 و15 / 50 - 51 .
3- . روى سليم بن قيس - في ضمن رواية - : قال [ أي معاوية لابن عباس ] : فإنا قد كتبنا في الآفاق ننهى عن ذكر مناقب علي وأهل بيته ، فكفّ لسانك - يا ابن عباس - واربع على نفسك ! قال : فتنهانا عن قراءة القرآن؟! قال : لا ، قال : فتنهانا عن تأويله ؟ قال : نعم ، قال : فنقرؤ ولا نسأل عن ما عنى الله به ؟ قال : نعم ! قال : فأيّما أوجب علينا : قراءته أو العمل به ؟ قال : العمل به ، قال : فكيف نعمل به حتى نعلم ما عنى الله بما أنزل علينا ؟! قال : يسأل عن ذلك من يتأولّه على غير ما تتأولّه أنت وأهل بيتك ! قال : إنما أنزل القرآن على أهل بيتي فأسأل عنه آل أبي سفيان وآل أبي معيط واليهود والنصارى والمجوس؟! قال : فقد عدلتني بهؤاء ! قال: لعمري ما أعدلك بهم إلاّ إذا نهيت الأمة أن يعبدوا الله بالقرآن وبما فيه من أمر أو نهي أو حلال أو حرام أو ناسخ أو منسوخ أو عام أو خاص أو محكم أو متشابه ، وإن لم تسأل الأمة عن ذلك هلكوا واختلفوا وتاهوا . قال معاوية : فاقرؤوا القرآن ولا ترووا شيئا ممّا أنزل الله فيكم وممّا قال رسول الله ، وارووا ما سوى ذلك ، قال ابن عباس : قال الله تعالى في القرآن : «يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُوا نُورَ اللّهِ بِأَفْواهِهِمْ ويَأْبَى اللّهُ إِلاّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ ولَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ» . انظر : كتاب سليم 783 ، الاحتجاج 2 / 293 ، المناقب 2 / 351 ، الصراط المستقيم 1 / 151 ، بحارالأنوار 33 / 179 و 42 / 37 و 44 / 124 .

ورابعة يدّعون : ان أصح الطرق في تفسير القرآن هو التمسك بالقرآن نفسه ،(1) وربّما يجعلون تعظيم القرآن واحترامه ذريعة إلى التوصل إلى مقصودهم ويخرجون بذلك العترة عليهم السلام عن دورهم في تبيين القرآن وتفسيره ، فأشاعوا هذا القول وأصرّوا عليه .

ثم استحسن ذلك من خالفهم في العقيدة من غير تفطن لغرضهم الفاسد فتبعوهم في ذلك وصرّحوا باستغناء القرآن عن أيّ مفسّر ومبيّن حتى النبي الأعظم صلى الله عليه و آله وسلم وأهل بيته عليهم السلام !! ولذلك أثنى عليهم العامّة ومدحوهم ومجّدوهم ! (2)

ص: 6


1- . قال ابن تيمية : إن أحسن الطرق في ذلك أن يفسّر القرآن بالقرآن ، فما أُجمل في مكان فإنه قد فسّر في موضع آخر وما اختصر من مكان فقد بسط في موضع آخر . لاحظ : التفسير الكبير لابن تيمية 2 / 231 طبع دار الكتب العلمية بيروت . وانظر أيضا تفسير ابن كثير 1 / 4 ، الإتقان للسيوطي4 / 200 ، النوع الثامن والسبعون في معرفة شرط المفسّر وآدابه ، وتفسير المنار 1 / 22 - 21 ، وغيرها من كتب العامّة .
2- . انظر رسالة الإسلام ، السنّة الثامنة ، الرقم 2 ، صفحة 217 ، وطبعت أيضا في مقدمة تفسير الميزان ، المجلد الخامس ، طبعة دارالكتب الإسلامية للشيخ محمد الآخوندي .

ثم إني عند مراجعتي لتفسير الميزان وجدته يحاول أن يثبت عدم حاجة القرآن إلى أيّ مفسّر سوى نفس الكتاب العزيز مستدلاً بأن اللّه تعالى إذا وصف كتابه بأنه هدىً ونور ومبين وفيه تبيان كلّ شيء و... وأنه أُنزل ليناله الأفهام و... فكيف يمكن أن يفتقر هذا الكتاب إلى هادٍ غيره ويستنير بنور غيره ويبيّن بأمر غير نفسه ؟!

ويزعم أن الآيات تدلّ بمنطوقها على أن القرآن يفسّر بعضه بعضا ، وأن المعارف القرآنية يمكن أن ينالها الباحث بالتدبر والبحث .

بل يرى أن التوقف في الآيات المتشابهة والاقتصار على المأثور من التفسير إبطال لحجيّة العقل وهذا أمر غير معقول ؛ لأن حجية الكتاب ثبتت بالعقل .

ويصرّح بأن اللّه لم يندب إلاّ إلى التدبّر في الآيات ، وأن التدبّر كاف لرفع أيّ اختلاف يتراءى منها ، ولا معنى لإرجاع فهم معاني الآيات إلى أحد ، فإن التحدّي بالقرآن يقتضي أن لا نحتاج فيها إلى بيان أحد حتى النبي صلى الله عليه و آله وسلم فضلاً عن غيره ! وأن شأن النبي صلى الله عليه و آله وسلم في ذلك هو التعليم فحسب .

ولا تجد استثناءً في كلامه إلاّ ما ذكره بقوله : نعم تفاصيل الأحكام ممّا لا سبيل إلى تلقّيه من غير بيان النبي صلى الله عليه و آله وسلم ... وكذا تفاصيل القصص والمعاد مثلاً .(1)

ومن المؤسف أن بعضهم بالغوا في ذلك فزعموا أنهم مستغنين عن النصوص والروايات في سائر المعارف - غير التفسير - أيضا ، وأن الحجّة فيها منحصرة في الكتاب والعقل .

ص: 7


1- . ولنا ملاحظات على كلامه هذا يأتي صفحة 257 - 259 إن شاء اللّه تعالى .

ولا حاجة بنا إلى سرد المناهج التي سلكوها في تفسير الكتاب العزيز فتشتتت آراؤهم - وكل حزب منهم بما لديه فرحون - فقد ملئت مقدمات كتب التفسير بذكرها وبيانها، والذي يهمّنا بيانه هنا : أنا محتاجون إلى المفسّر المنصوب من قبل من أنزل الكتاب بدلالة نفس الكتاب العزيز والسنّة الشريفة .

ثم نبيّن أن الطريق الوحيد في ذلك هو باب مدينة علم النبي صلى الله عليه و آله وسلم . وقد كذب من زعم أنه يدخل المدينة إلاّ من بابها ،(1) بل من أتاها من غير أبوابها سمّي سارقا !! كما قاله أمير المؤمنين عليه السلام .(2)

ولا يمكن ادّعاء الاستغناء عن العترة الطاهرة عليهم السلام والاكتفاء بالقرآن وحده كيف وقد نصّ النبي صلى الله عليه و آله وسلم على أن الاعتصام من الضلال يتوقف على التمسك بهما معا وأنهما لا يفترقان أبدا إلى يوم القيامة .

ولا ينافي ذلك أن القرآن نور وهدىً ومبين و... سواء في ذلك الأحكام الفرعية والقصص والمعاد وغيرها ؛ إذ لا يصح استثناء نورية القرآن وهدايته و ... ولو في مورد واحد .

ولا يلزم من حاجتنا إلى العترة الطاهرة عليهم السلام في تفسير الكتاب إبطال حجيّة العقل ، كما لا يلزم من إبطال القياس والرأي في الأحكام الفرعية .

والأمر بالتدبّر في القرآن لا ينافي المنع عن تتبّع المتشابهات والنهي عن تفسيرها بالعقول الناقصة البشرية ، كما لا ينافي التدبرَ الحكمُ بكفاية الإيمان الإجمالي في المتشابهات .

ص: 8


1- . انظر : بحارالأنوار 40 / 200 - 207 ( باب أنه عليه السلام باب مدينة العلم ) .
2- . نهج البلاغة 215 ، بحارالأنوار 26 / 266 و 29 / 600 و 40 / 204 .

ويجب علينا - حذرا من الاشتباه ! - التنبيه على أن موضع النزاع ليس في حجية الظواهر ، كما لا ننكر أن يكون القرآن العظيم ناطقا بعضه ببعض ومفسّرا بعضه بعضا في

الجملة ، وإنما الكلام كل الكلام في استغناء القرآن عن البيان ، والاكتفاء بالتدبر في الآيات لتفسيرها من دون الرجوع إلى المعصومين عليهم السلام .

ولنعم ما قاله بعض المعاصرين : قد يقول قائل : إن القرآن الكريم قد نزل بلسان عربى مبين ، وإن بامكان أيّ قارئ للعربية أن يفهم القرآن ، وأن يستوعب الكثير من معانيه ، هذا صحيح ولكن الآية الواحدة مشحونة بالمعانى والمفاهيم والمقاصد ، وليس المطلوب أيّ معنى ، أو أيّ فهم ، أو أيّ مقصد ، إنما المطلوب عين المعنى والمفهوم والمقصد الذي عناه اللّه تعالى بهذه الآية ، وخصّصه بالذات ليحكم هذه الحادثة ، أو تلك ، في هذا الزمن ، أو ذلك . ففهم أيّ شخص للنصّ القرآنى هو فهم قائم

على الظنّ والتخمين ، فهو يتصور حسب مبلغه من العلم ان هذا الفهم هو المطلوب وهو الحاكم لتلك الحادثة ، ولكنه لا يجزم أن هذا هو المقصود الإلهي ، وإذا جزم فلا برهان على جزمه . أمّا فهم الرسول أو المكلف إلهيا ليقوم مقامه ، فهو فهم قائم على الجزم واليقين بأن هذا المعنى او ذلك هو عين المقصود الإلهي المخصص لحكم هذه الحادثة ، أو تلك ، في هذا الزمن ، أو ذاك .

ثم إني رأيت أن أجمع شيئا من الروايات في المقام ، وأُضيف إليه ما يستفاد من كلمات بعض الأعلام ، فرتّبت هذا الكتاب على فصول خمسة :

الفصل الأول في بيان أن القرآن وإن كان نورا وهدى و .. إلاّ أنه مشتمل على المحكم والمتشابه ، ونرى أن الفرق المنحرفة عن الحق تشبّثوا كثيرا ما بالآيات المتشابهة لأغراضهم الباطلة ، وهذا يدلّنا على اختلاف الآيات وأنها ليست على مستوى واحد ، وأن ما يصح الاستدلال به هو المحكمات دون المتشابهات .

ويتبيّن أن الآراء المختلفة في تفسير المتشابهات من أحسن الشواهد على عدم

ص: 9

استغناء القرآن عن مبيّن معصوم منصوب من قبل اللّه لتفسير كتابه الكريم . ثم ذكرنا ما دلّ على كفاية الإيمان الإجمالي في الآيات المتشابهة ، والعلة في وجود هذا القسم من الآيات في القرآن .

والفصل الثاني يشتمل على ما دلّ على قصور العقول عن درك القرآن وتفسيره ، والأدلة الناهية عن تفسير القرآن بدون علم ، والنهي عن ضرب القرآن بعضه ببعض ، والنهي عن تفسيره بالرأي ، والنهي عن الخوض والجدال فيه .

وفي الفصل الثالث تجد ما دلّ على عدم استغناء القرآن عن البيان وأن اللّه تعالى بيّنه لرسوله صلى الله عليه و آله وسلم وأنه صلى الله عليه و آله وسلم بيّنه للأئمة المعصومين عليهم السلام ، فهم مع القرآن والقرآن معهم لايفترقان خلافا لمن قال : حسبنا كتاب اللّه ! والإمام هو قيّم القرآن وخليفة النبي صلى الله عليه و آله وسلم على التفسير ، والناطق عن القرآن بل هو القرآن الناطق . فالقرآن تبيان لكلّ شيء بواسطة قيّمه ومعلّمه ، وأن علم القرآن عند الحجج عليهم السلام ولا يحيط بالقرآن غيرهم ، والعلم بالمتشابهات يختصّ بهم ، ويجب الرجوع إليهم في تعلّم القرآن وتمييز المتشابهات .

ثم نذكر في الفصل الرابع بعض كلمات العلماء في التفسير .

وفي الفصل الخامس ترى كلام صاحب تفسير الميزان بنصّه ، ثم نفصّل الجواب عن جميع مطالبه مع ترقيم لها للتسهيل في البحث والنظر .

وفي الخاتمة نستشهد ببعض آرائه على بطلان طريقته في التفسير .

ثم ، إني ما أُريد أن أُخالفكم إلى ما أنهاكم عنه ، إن أُريد إلاّ الإصلاح ما استطعت وما

توفيقي إلاّ باللّه عليه توكلت وإليه أُنيب .

تنبيه : نحن نذكر بعد أسماء الأنبياء والمعصومين عليهم السلام ما يناسبها من التحيات والصلوات وإن لم تكن في المصادر المنقولة عنها .

ص: 10

الفصل الأول

اشتمال القرآن على المحكم والمتشابه

ص: 11

ص: 12

القرآن نور وهدى

لا ريب لأحد في أن القرآن نور وهدى وبيان وتبيان لكلّ شيء . . كما وصفه اللّه تعالى بذلك في غير واحد من الآيات وأخبر بذلك النبي الأعظم صلى الله عليه و آله وسلموأهل بيته المعصومون عليهم السلام في روايات كثيرة نتبرك بذكر بعضها :

1 . قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم: القرآن هدى من الضلالة، وتبيان من العمى، واستقالة من العثرة، ونور من الظلمة، وضياء من الأحزان، وعصمة من الهلكة، ورشد من الغواية، وبيان من الفتن، وبلاغ من الدنيا إلى الآخرة، وفيه كمال دينكم .(1)

2 . وقال صلى الله عليه و آله وسلم : .. فإذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن ، فإنه شافع مشفّع وماحل مصدّق ، من جعله أمامه قاده إلى الجنة ومن جعله خلفه ساقه إلى النار ، وهو الدليل يدلّ على خير سبيل ، وهو كتاب تفصيل وبيان وتحصيل ، وهو الفصل ليس بالهزل ، وله ظهر وبطن ، فظاهره حكمة وباطنه علم ، ظاهره أنيق وباطنه عميق ، له نجوم وعلى نجومه نجوم لا تحصى عجائبه ولا تبلى غرائبه ، فيه مصابيح الهدى ومنازل الحكمة ودليل على المعروف لمن عرف الصفة ..(2)

ص: 13


1- . تفسيرالعياشي 1 / 5 ، بحارالأنوار 89 / 26 ، وانظر الكافي 2 / 600 .
2- . انظر : الكافي 2 / 599 ؛ تفسيرالعياشي 1 / 2 ،وسائل الشيعة 6 /171 ، بحارالأنوار 74 / 136 و 89 / 17 ؛ إرشادالقلوب 1 / 79 ؛ أعلام الدين 102 ؛ 333 ؛ عده الداعي 286 ؛ النوادرللراوندي 21 .

3 . وعنه صلى الله عليه و آله وسلم : .. فيه بيان ما قبلكم من خبر، وخبر ما بعدكم ، وحكم ما بينكم ، هو الفصل ليس بالهزل ، من ولاّه من جبّار فعمل بغيره قصمه الله ، ومن التمس الهدى في غيره أضلّه الله ، وهو حبل اللّه المتين ، وهو الذكر الحكيم ، وهو الصراط المستقيم ، لا تزيغه الأهوية ، ولاتلبسه الألسنة ، ولا يخلق على الردّ ، ولا ينقضي عجائبه ، ولا يشبع منه العلماء... من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن اعتصم به هدي إلى صراط مستقيم، هو الكتاب العزيز الذي «لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ ولا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ» .(1)

4 . وعنه صلى الله عليه و آله وسلم : إن هذا القرآن هو النور المبين، والحبل المتين، والعروة الوثقى ، والدرجة العليا، والشفاء الأشفى، والفضيلة الكبرى، والسعادة العظمى، من استضاء به نوره اللّه، ومن اعتقد به في أموره عصمه اللّه، ومن تمسك به أنقذه اللّه، ومن لم يفارق أحكامه رفعه اللّه، من استشفى به شفاه اللّه، ومن آثره على ما سواه هداه اللّه، ومن

طلب الهدى في غيره أضلّه اللّه، ومن جعله شعاره ودثاره أسعده اللّه ، ومن جعله إمامه

الذي يقتدي به ومعوله الذي ينتهي إليه أدّاه اللّه إلى جنات النعيم، والعيش السليم..(2)

5 . عن أمير المؤنين عليه السلام : ثم أنزل عليه الكتاب نورا لا تطفأ مصابيحه ، وسراجا لا يخبو توقّده ، وبحرا لا يدرك قعره ، ومنهاجا لا يضلّ نهجه ، وشعاعا لا يظلم ضوؤه ، وفرقانا لا يخمد برهانه ، وتبيانا لا تهدم أركانه ، وشفاءً لا تخشى أسقامه ، وعزّا لا تهزم أنصاره ، وحقّا لا تخذل أعوانه ، فهو معدن الإيمان وبحبوحته ، وينابيع

ص: 14


1- . تفسيرالعياشي 1 / 3 ، بحارالأنوار 89 / 24 .
2- . التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه السلام : 450 - 449 ، بحارالأنوار 89 / 32 - 33 .

العلم وبحوره ، ورياض العدل وغدرانه ، وأثافي الإسلام وبنيانه ، وأودية الحق وغيطانه ، وبحر لا ينزفه المستنزفون ، وعيون لا ينضبها الماتحون ، ومناهل لا يغيضها

الواردون ، ومنازل لا يضلّ نهجها المسافرون ، وأعلام لا يعمى عنها السائرون ، وآكام لا يجوز عنها القاصدون ، جعله اللّه ريّا لعطش العلماء ، وربيعا لقلوب الفقهاء ، ومحاجّ لطرق الصلحاء ، ودواءً ليس بعده داء ، ونورا ليس معه ظلمة ، وحبلاً وثيقا عروته ، ومعقلاً منيعا ذروته ، وعزّا لمن تولاّه ، وسلما لمن دخله ، وهدى لمن ائتمّ به ، وعذرا لمن انتحله ، وبرهانا لمن تكلّم به ، وشاهدا لمن خاصم به ، وفلجا لمن حاجّ به ، وحاملاً لمن حمله ، ومطية لمن أعمله ، وآية لمن توسّم ، وجنّة لمن استلام ، وعلما

لمن وعى ، وحديثا لمن روى ، وحكما لمن قضى .(1)

6 . وعنه عليه السلام : نشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، أرسله بكتاب فصّله وأحكمه وأعزّه ، وحفظه بعلمه ، وأحكمه بنوره ، وأيّده بسلطانه ، وكلأه من لم يتنزّه هوى أو يميل به شهوة ، «لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ» ، ولا يخلقه طول الردّ ، ولا يفنى عجائبه ، من قال به صدق ، ومن عمل به أُجر ، ومن خاصم به فلج ، ومن قاتل به نصر ، ومن قام به «هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ» ، فيه نبأ من كان قبلكم ، والحكم فيما بينكم ، وخبر معادكم ، أنزله بعلمه ، وأشهد الملائكة بتصديقه قال اللّه جلّ وجهه : «لكِنِ اللّهُ يَشْهَدُ

بِما أَنْزَلَ إِلَيْك أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وكَفى بِاللّهِ شَهِيداً» ، فجعله اللّه نورا «يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ» ، وقال : «فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ» ، وقال: «اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ ولا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ» ، وقال: «فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ ومَنْ تابَ مَعَك ولا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ» ، ففي اتباع ما جاءكم من اللّه

ص: 15


1- . نهج البلاغة 315 ، بحارالأنوار 89 / 21 .

الفوز العظيم وفي تركه الخطأ المبين ، قال : «فَإِمّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ ولا يَشْقى» ، فجعل في اتباعه كل خير يرجى في الدنيا والآخرة ، فالقرآن آمر وزاجر ، حدّ فيه الحدود ، وسنّ فيه السنن ، وضرب فيه الأمثال ، وشرع فيه الدين إعذارا أمر نفسه وحجّة على خلقه ، أخذ على ذلك ميثاقهم ، وارتهن عليه أنفسهم ليبيّن لهم ما يأتون وما يتقون ، «لِيَهْلِك مَنْ هَلَك عَنْ بَيِّنَةٍ ويَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وإِنَّ اللّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ» .(1)

7 . وعنه عليه السلام : وتعلّموا كتاب اللّه تبارك وتعالى فإنه أحسن الحديث وأبلغ الموعظة ، وتفقّهوا فيه فإنه ربيع القلوب ، واستشفوا بنوره فإنه شفاء لما في الصدور ، وأحسنوا تلاوته فإنه أحسن القصص ، «وَإِذا قُرِئَ عليكم الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ» ، وإذا هديتم لعلمه فاعملوا بما علمتم منه لعلكم تفلحون .(2)

8 . وقالت فاطمة الزهراء عليهاالسلام في خطبتها : .. ونحن بقيّة استخلفنا عليكم ، ومعنا كتاب اللّه ، بيّنة بصائره ، وآي فينا منكشفة سرائره ، وبرهان منجلية ظواهره ، مديم

للبريّة إسماعه ، قائد إلى الرضوان اتباعه ، مؤّ إلى النجاة استماعه ، فيه بيان حجج اللّه

المنوّرة ، وعزائمه المفسّرة ، ومحارمه المحذّرة ، وبيّناته الجالية ، وجمله الكافية ، وفضائله المندوبة ، ورخصه الموهوبة ،شرائعه المكتوبة ..(3)

والروايات في ذلك كثيرة جدّا ولا يسع المقام أكثر من ذلك .

ص: 16


1- . تفسيرالعياشي 1 / 7 ، بحارالأنوار 89 / 25 - 26.
2- . تحف العقول 149 ، بحارالأنوار 74 / 291 - 292 .
3- . الفقيه 3 / 567، بلاغات النساء 28 ، دلائل الإمامة 32، علل الشرائع 1 / 248 ، بحارالأنوار 6 / 107 و 29 / 223 ، 241 .

تشبّث الفرق المنحرفة عن الحق بالقرآن

إنّك ترى أن جمعا كثيرا من أصحاب المقالات الفاسدة والمذاهب الباطلة يتشبّثون بالآيات الشريفة على مقاصدهم ولترويج أباطيلهم ، وهذا أمر شائع مشهور ولعلّنا في غنى عن الاستشهاد له والاستدلال عليه ،(1) كما روي

9 . عن أمير المؤنين عليه السلام : كم من ضلالة زخرفت بآية من كتاب اللّه كما يزخرف الدرهم النحاس بالفضة المموّهة .(2)

10 . وقال عليه السلام - لابن عباس لمّا بعثه للاحتجاج على الخوارج - : لا تخاصمهم بالقرآن ، فإن القرآن حمّال ذو وجوه ، تقول ويقولون ، ولكن حاجّهم بالسنّة فإنهم لن يجدوا عنها محيصا .(3)

فترى أنهم تمسّكوا بهذا النور المبين لإضلال الناس فكان عليهم عمى ، وقد قال اللّه تعالى : «قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وشِفاءٌ والَّذِينَ لا يُؤمِنُونَ في آذانِهِمْ وَقْرٌ وهُوَ عَلَيْهِمْ عَمىً» .(4) ولذا ندعو اللّه ونتضرّع إليه ونعوذ به ونقول - كما في دعاء مولانا زين العابدين عليه السلام في يوم عرفة - :

11 . اللهم .. ولا تَجْعَلْنِي لِلظَّالِمِينَ ظَهِيراً ، ولا لَهُمْ عَلَى مَحْوِ كِتَابِكَ يَداً ونَصِيرا .(5)

ص: 17


1- . وألّف في ذلك أحمد بن محمد بن المظفر الرازي كتابه : حجج القرآن ، كما ذكره المحقق النمازي الشاهرودي في كتابه : اثبات ولايت 25 . وقال الشيخ الطوسي قدس سره - بعد المنع عن تقليد المفسّرين - : وأما المتأخرون فكل واحد منهم نصر مذهبه ، وتأوّل على ما يطابق أصله . لاحظ التبيان 1 / 6
2- . غررالحكم 95 .
3- . نهج البلاغة 465 ؛ بحارالأنوار 2 / 245 و33 / 376 ؛ شرح نهج البلاغة 18 / 71 .
4- . فصلت : 44 .
5- . الصحيفه السجادية 232، إقبال الأعمال 357، المصباح للكفعمي 681 .

وقد صرّح النبي الأعظم صلى الله عليه و آله وسلم بأن صيانة القرآن عن هذا النوع من التحريف والتأويل إنما يتحقق بأهل بيته ، كما روي

12 . عن مولانا الامام الصادق عن آبائه عليهم السلام قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم : إن اللّه عزّوجلّ ... اختارني على جميع الأنبياء واختار منّي عليا وفضّله على جميع الأوصياء ،

واختار من علي الحسن والحسين واختار من الحسين الأوصياء من ولده، ينفون عن التنزيل تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل المضلّين ، تاسعهم قائمهم وهو ظاهرهم وهو باطنهم.(1)

فظهر آنه لا ثمرة لافتراق القرآن عن العترة إلاّ تطرّق التحريف والتبديل والتأويل في الكتاب العزيز ، فكلٌ يفسّره برأيه كيف يشاء ، كما هو المحسوس بالوجدان والمشاهد بالعيان في طول الأعصار وجميع الأمصار .

اشتمال القرآن على الآيات المتشابهة

إنا نجد اشتمال الكتاب العزيز على آيات متشابهة لا تصل عقولنا إلى المقصود منها ، وإذا راجعنا كلمات المفسّرين نرى اختلافهم فيها على أقوال وآراء شتّى ، فيا ترى هل دُعينا إلى الاختلاف؟!

لا ريب في أن استقلال الناس في فهم الكتاب العزيز يوجب ضلالهم إذ كل واحد من المفسّرين يتدبّر ويتأمّل في الآيات المتشابهة ، ثمّ يرجع فيها إلى ما يراه

محكماً ويصل إلى نتيجة يخالف فيها الآخرين ، فيتفرّقون ويختلفون وكلّ يدّعي إصابة الواقع ويخطّئُ غيره ، ولم يكن هناك مرجع لرفع الخلاف وحلّ الإشكالات والمعضلات ويشكل تمييز الحق من الباطل .

ص: 18


1- . كمال الدين 1 / 281 ، بحارالأنوار 36 / 256 ، وقريب منها ما رواه الشيخ حسن بن سليمان في كتاب المحتضر، عنه بحارالأنوار 25 / 363 ، دلائل الإمامة 240 - 241 .

فيا ترى هل يكون ثمرة هداية القرآن وكونه نوراً وتبياناً و . . دعوة الناس إلى النزاع والتخالف والتشاجر ؟ أو نصوّب جميع الآراء في ذلك ؟ أم نلتزم بأن منزّل القرآن جعل مرجعاً لتمييز الصواب ؟ . . فماذا تقضون؟!

إذا تأمّلنا في الآيات والنصوص نجد أن هداية القرآن وكونه بيانا و... إنما هو بواسطة النبي صلى الله عليه و آله وسلم والحجج المعصومين عليهم السلام ، ولا يكون بنفسه - بجميع آياته - كافياً للهداية والتبيين خلافا لمن يدّعي: حسبنا كتاب اللّه !

اختصاص الحجّية بالمحكمات

إن الآيات تختلف على حسب كونها من المحكمات أو المتشابهات ، فلا يمكن الاستناد إليها والاستدلال بها جميعا وقد صرّح علماء الأصول وغيرهم باختصاص الحجّية بالظواهر دون غيرها من الآيات .

وقد ورد في غير واحد من النصوص ما يستفاد منها ذلك ، مثل ما روي :

13 . عن أبي إبراهيم موسى بن جعفر عليه السلام : قال لي الرشيد : أحببت أن تكتب لي كلاما موجزا له أصول وفروع يفهم تفسيره ، ويكون ذلك سماعك من أبي عبد اللّه عليه السلام فكتبتُ : بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، أمور الأديان أمران :

أمر لا اختلاف فيه وهو إجماع الأمة على الضرورة التي يضطرون إليها ، والأخبار المجتمع عليها المعروض عليها كل شبهة والمستنبط منها كل حادثة .

وأمر يحتمل الشك والإنكار ، وسبيل استيضاح أهله الحجّة عليه ، فما ثبت لمنتحليه من كتاب مستجمع على تأويله أو سنة عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم لا اختلاف فيها أو قياس تعرف العقول عدله ضاق على من استوضح تلك الحجّة ردّها ووجب عليه قبولها والإقرار والديانة بها ، وما لم يثبت لمنتحليه به حجّة - من كتاب مستجمع على تأويله أو سنة عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم لا اختلاف فيها أو قياس تعرف العقول عدله - وسع

ص: 19

خاص الأمة وعامّها الشك فيه والإنكار له ، كذلك هذان الأمران من أمر التوحيد فما دونه إلى أرش الخدش فما دونه ، فهذا المعروض الذي يعرض عليه أمر الدين ، فما ثبت لك برهانه اصطفيته وما غمض عنك ضوؤه نفيته . .(1)

14 . وعن مولانا أبي عبد اللّه الصادق عليه السلام قال : القرآن جملة الكتاب والفرقان المحكم الواجب العمل به .(2)

* ويأتي: [ في الرقم 245] فالردّ إلى اللّه الأخذ بمحكم كتابه ، والردّ إلى الرسول الأخذ بسنته الجامعة غير المتفرقة .

* [ وفي الروايات المرقّمة 15 إلى 32 ، 36] ما دلّ على لزوم العمل بالمحكمات وترك المتشابهات وكفاية الإيمان والاعتقاد الإجمالي فيها ولاسيما قوله عليه السلام: وليس كل آية مشتبهة في القرآن كانت الآية حجّة على حكم الآيات اللاتي أمر بالأخذ بها وتقليدها.

كفاية الإيمان الإجمالي في الآيات المتشابهة

إن ما ورد من الأمر بالتدبر في القرآن والرجوع إليه وعرض الأخبار والروايات عليه يختصّ بالمحكمات وأمّا بالنسبة إلى الآيات المتشابهة فإنما علينا أن نؤمن بها إجمالا ليس إلاّ ، اللهمّ إلاّ أن يكون بيانها وصل إلينا بدليل معتبر فيمكن الأخذ بها في الاعتقاد والعمل ، أمّا أن يجوز لنا أن نجتهد في كشف القناع عنها بعقولنا ، أو بما يصل إليه أفهامنا من سائر الآيات فلا .

ص: 20


1- . الاختصاص 58 ، تحف العقول 406 ، وسائل الشيعة 27 / 103 ، بحارالأنوار 2 / 238 - 240 و 10/243 و 48 / 123 ، مستدرك الوسائل 17 / 293 - 294 .
2- . الكافي 2 / 630 ، معاني الأخبار 190 ، تفسير العياشي 1 / 80 ، وسائل الشيعة 27/ 183 ، عده الداعي 297 ، متشابه القرآن 1 / 247 ، بحارالأنوار 89 / 28 ، وانظر فقه القرآن 1 / 207 ، بحارالأنوار 89/15 .

15 . فقد روي عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم أنه قال : إنما أتخوف على أُمّتي من بعدي ثلاث خلال : أن يتأولوا القرآن على غير تأويله ، ويتّبعوا زلّة العالم ، أو يظهر فيهم المال حتى يطغوا ويبطروا ، وسأنبئكم المخرج من ذلك : أمّا القرآن فاعملوا بمحكمه وآمنوا بمتشابهه ، وأمّا العالم فانتظروا فئته ولا تتبعوا زلّته ، وأما المال فإن المخرج منه شكر النعمة وأداء حقّه .(1)

16 . وقال صلى الله عليه و آله وسلم : تعلّموا القرآن، وتعلّموا غرائبه، وغرائبه فرائضه وحدوده، فإن القرآن نزل على خمسة وجوه : حلال، وحرام، ومحكم، ومتشابه، وأمثال، فاعملوا بالحلال، ودعوا الحرام، واعملوا بالمحكم، ودعوا المتشابه ، واعتبروا بالأمثال .(2)

17 . وقال صلى الله عليه و آله وسلم في حجّة الوداع : أيها الناس ! إني قد تركت فيكم ما لم تضلّوا بعده : كتاب اللّه فأحلّوا حلاله وحرّموا حرامه ، واعملوا بمحكمه وآمنوا بمتشابهه وقولوا : آمنا بما أنزل اللّه من الكتاب ، وأحبّوا أهل بيتي وعترتي ووالوا من والاهم

وانصروهم على من عاداهم ، وإنهما لم يزالا فيكم حتى يردا عليّ الحوض يوم القيامة .(3)

18 . وقال صلى الله عليه و آله وسلم : إن هذا القرآن يجيء يوم القيامة قائدا وسائقا يقود قوما إلى الجنة أحلّوا حلاله وحرّموا حرامه وآمنوا بمتشابهه ، ويسوق قوما إلى النار ضيّعوا حدوده وأحكامه واستحلوا محارمه .(4)

19 . وقال صلى الله عليه و آله وسلم : اتعظوا بأمثاله وآمنوا بمتشابهه .(5)

ص: 21


1- . الخصال 1 / 164 ، معدن الجواهر 31 ، بحارالأنوار 2 / 42 و 69 / 63 و 89 / 108 .
2- . الأمالي للشيخ الطوسي 357 ، بحارالأنوار 89 / 186 ، مستدرك الوسائل 4 / 234 .
3- . الاحتجاج 1 / 273 ، بحارالأنوار 44 / 74 .
4- . إرشادالقلوب 1 / 79 .
5- . سعدالسعود 222 .

20 . عن أبي عبد اللّه عليه السلام : . . وفيه محكم ومتشابه ، فأمّا المحكم فيؤن به ويعمل به ويدين به ، وأما المتشابه فيؤن به ولا يعمل به .(1)

21 . وقال أمير المؤنين عليه السلام : . . ثم اختار سبحانه لمحمد صلى الله عليه و آله وسلم لقاءه ورضي له ما عنده ، فأكرمه عن دار الدنيا ورغب به عن مقام البلوى ، فقبضه إليه كريما وخلّف فيكم ما خلفت الأنبياء في أممها - إذ لم يتركوهم هملا بغير طريق واضح ولا علم قائم - كتاب ربكم ، مبيّنا حلاله وحرامه وفرائضه وفضائله وناسخه ومنسوخه ورخصه وعزائمه وخاصه وعامه وعبره وأمثاله ومرسله ومحدوده ومحكمه ومتشابهه ، مفسّرا جملته ، ومبيّنا غوامضه ، بين مأخوذ ميثاق علمه وموسّع على العباد في جهله .(2)

22 . عنه عليه السلام : واعلم يا عبد الله ! إن الراسخين في العلم هم الذين أغناهم اللّه عن الاقتحام على السدد المضروبة دون الغيوب إقرارا بجهل ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب ، فقالوا : «آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا» .

وقد مدح اللّه اعترافهم بالعجز عن تناول ما لم يحيطوا به علما ، وسمّى تركهم التعمّق فيما لم يكلّفهم البحث عن كنهه رسوخا .(3)

23 . عن أبي عبد اللّه عليه السلام : إن القرآن محكم ومتشابه ، فأمّا المحكم فنؤن به ونعمل به وندين به ، وأمّا المتشابه فنؤن به ولا نعمل به ، وهو قول اللّه : «فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللّهُ

ص: 22


1- . تفسيرالقمي 2 / 451 ؛ بحارالأنوار 23 / 198 و 89 / 81 .
2- . نهج البلاغة 44 ، شرح نهج البلاغة 1 / 116 - 120 ، بحارالأنوار 89 / 32 - 33 .
3- . نهج البلاغة 125 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 6 / 403 ، التوحيد للشيخ الصدوق 53 ، أعلام الدين 103 ، تفسيرالعياشي 1 / 163 ، بحار الأنوار 3 / 257 و 4 / 276 و 54 / 106 و 89/109 ، مستدرك الوسائل 12 / 247 .

والرّاسِخُونَ في الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا» . .(1)

24 . عن بريد بن معاوية قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : قول اللّه : «وما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللّه والرّاسِخُونَ في الْعِلْمِ» قال : يعني تأويل القرآن كلّه إلاّ اللّه والراسخون في العلم، فرسول اللّه أفضل الراسخين، قد علّمه اللّه جميع ما أنزل عليه من التنزيل والتأويل،

وما كان اللّه منزلا عليه شيئا لم يعلّمه تأويله ، وأوصياؤه من بعده يعلمونه كله .

فقال الذين لا يعلمون : ما نقول إذا لم نعلم تأويله ؟ فأجابهم اللّه : «يَقُولُونَ آمَنّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا» ، والقرآن له خاصّ وعامّ وناسخ ومنسوخ ومحكم ومتشابه ، فالراسخون في العلم يعلمونه .(2)

25 . عن أبي عبد الله عليه السلام قال : القرّاء ثلاثة : قارئ قرأ ليستدرّ به الملوك ويستطيل به على الناس فذاك من أهل النار ، وقارئ قرأ القرآن فحفظ حروفه وضيّع حدوده فذاك من أهل النار ، وقارئ قرأ فاستتر به تحت برنسه فهو يعمل بمحكمه ويؤن بمتشابهه ويقيم فرائضه ويحلّ حلاله ويحرّم حرامه فهذا ممن ينقذه اللّه من مضلاّت الفتن وهو من أهل الجنّة ويشفع في من شاء .(3)

26 . عن أبي الحسن علي بن محمد العسكرى عليهماالسلام . . وليس كل آية مشتبهة في القرآن كانت الآية حجّة على حكم الآيات اللاتي أمر بالأخذ بها وتقليدها وهي قوله : «هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْك الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وأُخَرُمُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وابْتِغاءَ

ص: 23


1- . تفسيرالعياشي 1 / 162 ، بحارالأنوار 23 / 191 و 89 / 81 ، 382 - 383 ، قريب منه تفسيرالعياشي 1 / 11 ، بصائرالدرجات 203 ، تفسيرالقمي 1 / 451 ، بحارالأنوار 2 / 237 و 66 / 93 ، وسائل الشيعة 27 / 198 مستدرك الوسائل 17 / 326 .
2- . تفسيرالعياشي 1 / 164 ، بحارالأنوار 89 / 92 .
3- . الخصال 1 / 142 ، وسائل الشيعة 6 / 183 ، بحارالأنوار 89 / 179 .

تَأْوِيلِهِ . .» إلى آخر الآية وقال : «فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِك الَّذِينَ هَداهُمُ اللّهُ وأُولئِك هُمْ أُولُوا الأَلْبابِ» .(1)

27 . وكان أبو عبد اللّه عليه السلام يدعو عند قراءة كتاب اللّه عزّ وجلّ : . . اللَّهُمَّ فَحَبِّبْ إِلَيْنَا حُسْنَ تِلاوَتِهِ وحِفْظَ آيَاتِهِ وإِيمَاناً بِمُتَشَابِهِهِ وعَمَلاً بِمُحْكَمِهِ . .(2)

28 . وفي دعاء مولانا السجاد عليه السلام : . . فَإِذْ أَفَدْتَنَا الْمَعُونَةَ عَلَى تِلاوَتِهِ، وسَهَّلْتَ

جَوَاسِيَ أَلْسِنَتِنَا بِحُسْنِ عِبَارَتِهِ، فَاجْعَلْنَا مِمَّنْ يَرْعَاهُ حَقَّ رِعَايَتِهِ، ويَدِينُ لَك بِاعْتِقَادِ التَّسْلِيمِ لُِمحْكَمِ آيَاتِهِ، ويَفْزَعُ إِلَى الإِقْرَارِ بِمُتَشَابِهِهِ، ومُوضَحَاتِ بَيِّنَاتِهِ.

اللَّهُمَّ إِنَّك أَنْزَلْتَهُ عَلَى نَبِيِّك مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله مُجْمَلاً، وأَلْهَمْتَهُ عِلْمَ عَجَائِبِهِ مُكَمَّلاً، ووَرَّثْتَنَا عِلْمَهُ مُفَسَّراً ، وفَضَّلْتَنَا عَلَى مَنْ جَهِلَ عِلْمَهُ، وقَوَّيْتَنَا عَلَيْهِ لِتَرْفَعَنَا فَوْقَ مَنْ لَمْ يُطِقْ حَمْلَهُ.

اللَّهُمَّ فَكَمَا جَعَلْتَ قُلُوبَنَا لَهُ حَمَلَةً، وعَرَّفْتَنَا بِرَحْمَتِك شَرَفَهُ وفَضْلَهُ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ الْخَطِيبِ بِهِ، وعَلَى آلِهِ الْخُزَّانِ لَهُ، واجْعَلْنَا مِمَّنْ يَعْتَرِفُ بِأَنَّهُ مِنْ عِنْدِكَ حَتَّى لا يُعَارِضَنَا الشَّك في تَصْدِيقِهِ، ولا يَخْتَلِجَنَا الزَّيْغُ عَنْ قَصْدِ طَرِيقِهِ.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِهِ، واجْعَلْنَا مِمَّنْ يَعْتَصِمُ بِحَبْلِهِ، ويَأْوِي مِنَ الْمُتَشَابِهَاتِ إِلَى

حِرْزِ مَعْقِلِهِ، ويَسْكُنُ في ظِلِّ جَنَاحِهِ، ويَهْتَدِي بِضَوْءِ صَبَاحِهِ، ويَقْتَدِي بِتَبَلُّجِ أَسْفَارِهِ، ويَسْتَصْبِحُ بِمِصْبَاحِهِ، ولا يَلْتَمِسُ الْهُدى في غَيْرِهِ .(3)

أمّا قوله عليه السلام : « وَرَّثْتَنَا عِلْمَهُ مُفَسَّراً . .» إلى آخره فقد قال السيد ابن طاوس قدس سره- قبل هذا الدعاء - : وسيأتي في هذا الفصل كلمات تختص بالنبي والأئمة عليهم السلام فإذا

ص: 24


1- . الاحتجاج 2 / 453 ، بحارالأنوار 5 / 81 .
2- . الكافي 2 / 573 ، مستدرك الوسائل 4 / 374 .
3- . الصحيفه السجادية 174 ، الإقبال 267 ، المصباح للكفعمي 461 ، مصباح المتهجد 519 .

أراد غيرهم تلاوتها فيبدلّها بما يناسب حاله من الكلام ، وهي قوله عليه السلام : وورّثتنا

علمه مفسّرا . . إلى قوله : فصل على محمد صلى الله عليه و آله وسلم الخطيب به .(1)

29 . وفي دعاء يوم الاثنين : . . اللهم صلّ على محمد وآل محمد واجعلنا نتلو كتابك حق تلاوته ونعمل بمحكمه ونؤن بمتشابهه ونردّ علمه إليك . .(2)

30 . وفي دعاء ختم القرآن : اللهم . . . فاجعلنا ممن ينتفع بأوامره ويرتدع بزواجره ويقتنع بحلاله ويؤن بما تشابه من آياته . .(3)

31 . وأخرج ابن سعد وابن الضريس في فضائله وابن مردويه، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه : أن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم خرج على قوم يتراجعون في القرآن، وهو مغضب فقال : بهذا ضلّت الأُمم قبلكم لاختلافهم على أنبيائهم، وضرب الكتاب بعضه ببعض ، قال : وإن القرآن لم ينزل ليكذّب بعضه بعضا ولكن نزل يصدّق بعضه بعضا، فما عرفتم منه فاعملوا به وما تشابه عليكم فآمنوا به .(4)

32 . وفيه أيضا : وأخرج أحمد من وجه آخر عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه : سمع رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم قوما يتدارؤون فقال : إنما هلك من كان قبلكم بهذا [بهذه] : ضربوا كتاب اللّه بعضه ببعض ، وإنما نزل كتاب اللّه يصدّق بعضه بعضا فلا تكذّبوا بعضه ببعض ، فما علمتم منه فقولوا وما جهلتم فكلوه إلى عالمه .(5)

ص: 25


1- . إقبال الأعمال 267 .
2- . البلدالأمين 115 ، مصباح المتهجد 456 ، بحارالأنوار 87 / 175 .
3- . نُقل عن خط الشهيد في بحارالأنوار 89 / 369 - 370 والمستدرك 4 / 378 - 379 .
4- . الدرالمنثور 2 / 6 .
5- . الدرّالمنثور 2 / 6 ، مسند أحمد 2 / 185 ، بحارالأنوار 30 / 512 ، وفي ذلك روايات أخرى في كتب العامّة انظر مثلاً : كنزالعمال 1 / 191 - 193 ، مسند أحمد 2 / 181 ، مجمع الزوائد 1 / 171 ، وغيرها .

* ويأتي :[ في الرقم 46] ودعوا عنكم ما اشتبه عليكم ممّا لا علم لكم به وردّوا العلم إلى أهله تؤروا وتعذروا عند اللّه .

* [ وفي الرقم 188] وأمر اللّه سائر الأمة أن يقولوا : «آمَنّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلاّ أُولُوا الأَلْبابِ» ، وأن يسلّموا إلينا ويردّوا الأمر إلينا ، وقد قال اللّه : «ولَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وإِلى أُولي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ» .

العلة في وجود الآيات المتشابهات في القرآن

33 . عن أمير المؤنين عليه السلام ثم إن اللّه جلّ ذكره . . . قسّم كلامه ثلاثة أقسام : فجعل قسما منه يعرفه العالم والجاهل ، وقسما لا يعرفه إلاّ من صفا ذهنه ولطف حسه وصحّ تمييزه ممن شرح اللّه صدره للإسلام ، وقسما لا يعرفه إلاّ اللّه وأمناؤ الراسخون في العلم ، وإنما فعل ذلك لئلاّ يدعي أهل الباطل من المستولين على ميراث رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم من علم الكتاب ما لم يجعله اللّه لهم ، وليقودهم الاضطرار إلى الائتمار لمن ولاّه أمرهم

]الائتمام بمن ولّي أمرهم] ، فاستكبروا عن طاعته تعزّزا وافتراءً على اللّه عزّ وجلّ واغترارا بكثرة من ظاهرهم وعاونهم وعاند اللّه جلّ اسمه ورسوله صلى الله عليه و آله وسلم.(1)

34 . عن أبي عبد اللّه عليه السلام . . وإنما أراد اللّه بتعميته في ذلك أن ينتهوا إلى بابه وصراطه وأن يعبدوه وينتهوا في قوله إلى طاعة القوّام بكتابه والناطقين عن أمره وأن يستنبطوا ما احتاجوا إليه من ذلك عنهم لا عن أنفسهم .(2)

ص: 26


1- . الاحتجاج 1 / 253 ، بحارالأنوار 89 / 45 - 46 و 90 / 120 ، وسائل الشيعة 27 / 194 .
2- . المحاسن 1 / 268 ، بحارالأنوار 89 / 100 ، وسائل الشيعة 27 / 190 .

الفصل الثاني: الأدلة الناهية عن تفسير القرآن بدون علم

اشارة

ص: 27

ص: 28

ظواهر بعض الآيات غير مقصودة للّه تعالى

إنا نعلم بالوجدان أن ظاهر بعض الآيات ليس مقصودا قطعا ، ونحتمل ذلك في آيات كثيرة أُخرى ، وهذا ما أشير إليه في غير واحد من الروايات ، وقد اعترف بصحة هذا الاحتمال حتى الزنادقة ، فكيف يجوز أن نقول : « أراد اللّه كذا وكذا » مع احتمال الخلاف ؟! وإليك بعض هذه الآثار :

35 . عن مولانا الصادق عليه السلام ، عن أمير المؤنين عليه السلام - في بيان تقسيم الآيات - : . . ومنه ما لفظه خاصّ ، ومنه ما لفظه عامّ محتمل العموم ، ومنه ما لفظه واحد ومعناه جمع ، ومنه ما لفظه جمع ومعناه واحد ، ومنه ما لفظه ماض ومعناه مستقبل . . . ومنه ما

هو على خلاف تنزيله ، ومنه ما تأويله في تنزيله ، ومنه ما تأويله قبل تنزيله ، ومنه

ما تأويله بعد تنزيله . . . ومنه آيات بعضها في سورة وتمامها في سورة أخرى ، ومنه آيات نصفها منسوخ ونصفها متروك على حاله ، ومنه آيات مختلفة اللفظ متفقة المعنى ، ومنه آيات متفقة اللفظ مختلفة المعنى . . . ومنه رخصة ظاهرها خلاف باطنها يعمل بظاهرها عند التقية ولا يعمل بباطنها مع التقية ، ومنه مخاطبة لقوم والمعنى لآخرين ، ومنه مخاطبة للنبي صلى الله عليه و آله وسلم ومعناه واقع على أُمّته ، ومنه لا يعرف تحريمه إلاّ بتحليله ، ومنه ما تأليفه وتنزيله على غير معنى ما أنزل فيه . . . إن من كتاب اللّه تعالى آيات لفظها الخصوص والعموم ، ومنه آيات لفظها لفظ الخاصّ ومعناه عامّ ، ومن

ص: 29

ذلك لفظ عامّ يريد به اللّه تعالى العموم ، وكذلك الخاصّ أيضا . .(1)

ثم ذكر عليه السلام أمثلة لكلّ واحد من هذه الأقسام فراجع .

36 . سئل مولانا أبو عبد اللّه الصادق عليه السلام عن الناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه ، فقال : الناسخ الثابت ، والمنسوخ ما مضى ، والمحكم ما يعمل به ، والمتشابه الذي يشبه بعضه بعضا .(2)

37 . عن سيدنا رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم : إن القرآن نزل جميعه على معنى إياك أعني واسمعي يا جارة .(3)

38 . وفي رواية: ان المأمون لمّا سأل مولانا أبا الحسن الرضا عليه السلام عن بعض الآيات، أجابه عليه السلام : هذا ممّا نزل ب- : إيّاك أعني واسمعي يا جارة ، خاطب اللّه عزّ وجلّ بذلك نبيه صلى الله عليه و آله وسلم وأراد به أُمّته ، فكذلك قوله عزّ وجلّ : «لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُك ولَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ» ، وقوله عزّ وجلّ : «ولَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً».(4)

39 . عن أبي عبد اللّه عليه السلام : نزل القرآن بإيّاك أعني واسمعي يا جارة .(5)

40 . عنه عليه السلام : ما عاتب اللّه نبيه فهو يعني به من قد مضى في القرآن مثل قوله :«ولَولا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً» عنى بذلك غيره .(6)

ص: 30


1- . بحارالأنوار 90 / 4 - 5 ، 23 ، عن تفسير النعماني .
2- . تفسيرالعياشي 1 / 10 - 11 ، بحارالأنوار 89 / 383 ، وانظر 66 / 93 .
3- . عوالياللآلي 4 / 115 ، قال العلاّمة المجلسي رحمه الله : وهي مروية في كتبهم [أي العامّة ] أيضا عن ابن عباس ، [و] في معناه عن طرقنا أخبار كثيرة . لاحظ بحارالأنوار 34 / 384 .
4- . الاحتجاج 2 / 431 ؛ عيون أخبارالرضا عليه السلام 1 / 202 ؛ بحارالأنوار 11 / 83 و 17 / 94 .
5- . تفسيرالعياشي 1 / 10 ؛ الكافي 2 / 630 ؛ بحارالأنوار 89 / 382 - 383 .
6- . تفسيرالعياشي 1 / 10 ؛ بحارالأنوار 89 / 383 - 382 .

41 . وقال علي بن ابراهيم القمي : أمّا ما هو مخاطبة للنبي صلى الله عليه و آله وسلم والمعنى لأُمّته فقوله : «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ» والمخاطبة للنبي صلى الله عليه و آله وسلم والمعنى لأُمّته ، وقوله : «لا تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلهاً آخَرَ فَتُلْقى في جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً» ، ومثله كثير ممّا خاطب اللّه به نبيه صلى الله عليه و آله وسلم والمعنى لأُمّته ، وهو قول الصادق عليه السلام : إن اللّه بعث نبيه صلى الله عليه و آله وسلم بإياك أعني واسمعي يا جارة .(1)

وعدّ منها غير واحد من الآيات في مواضع من تفسيره مثل :

قوله : «لا تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولاً» .(2)

وقوله : «فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكافِرِينَ» .(3)

وقوله : «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللّه َ ولا تُطِعِ الْكافِرِينَ والْمُنافِقِينَ إِنَّ اللّه َ كانَ عَلِيما حَكِيما».(4) وقوله : «ولَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْك وإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِك لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُك ولَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ» .(5)

42 . وقال السيد المرتضى قدس سره في تنزيه الانبياء عليهم السلام : فإن قيل : فما معنى قوله تعالى

مخاطبا لنبيه صلى الله عليه و آله وسلم : «لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُك ولَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ» ، وكيف يوجّه هذا الخطاب إلى من لا يجوز عليه الشرك ولا شيء من المعاصي ؟

الجواب : قد قلنا في هذه الآية : إن الخطاب للنبي صلى الله عليه و آله وسلم والمراد به أُمّته ، فقد رويعن ابن عباس رضى الله عنه أنه قال : نزل القرآن بإيّاك أعني واسمعي يا جارة .(6)

ص: 31


1- . تفسيرالقمي 1 / 16 ، وانظر : 2 / 373 .
2- . تفسيرالقمي 2 / 18 ؛ بحارالأنوار 17 / 83 .
3- . تفسيرالقمي 2 / 147 .
4- . تفسيرالقمي 2 / 171 .
5- . تفسيرالقمي 2 / 251 .
6- . تنزيه الانبياء عليهم السلام 119 .

43 . قال أبو القاسم الكوفي في كتاب التبديل : إن إسحاق الكندي - كان فيلسوف العراق في زمانه - أخذ في تأليف تناقض القرآن ، وشغل نفسه بذلك وتفرّد به في منزله ، وإن بعض تلامذته دخل يوما على الإمام الحسن العسكري عليه السلام فقال له أبو محمد : أما فيكم رجل رشيد يردع أستاذكم الكندي عما أخذ فيه من تشاغله بالقرآن ؟ ! فقال التلميذ : نحن من تلامذته كيف يجوز منا الاعتراض عليه في هذا أو في غيره ؟ فقال أبو محمد عليه السلام : أتؤّي إليه ما أُلقيه إليك ؟ قال : نعم ، قال : فصر إليه وتلطّف في مؤنسته ومعونته على ما هو بسبيله فإذا وقعت الأُنسة في ذلك فقل : قد حضرتني مسألة أسألك عنها ، فإنه يستدعي ذلك منك ، فقل له : إن أتاك هذا المتكلّم بهذا القرآن ، هل يجوز أن يكون مراده بما تكلّم به منه غير المعاني التي قد ظننتها

أنك ذهبت إليها ؟ فإنه سيقول : إنه من الجائز ؛ لأنه رجل يفهم إذا سمع ، فإذا أوجب ذلك ، فقل له: فما يدريك، لعلّه قد أراد غير الذي ذهبت أنت إليه ، فتكون واضعا لغير معانيه؟!

فصار الرجل إلى الكندي وتلطّف إلى أن ألقى عليه هذه المسألة ، فقال له : أعد عليّ ، فأعاد عليه ، فتفكّر في نفسه ، ورأى ذلك محتملاً في اللغة وسائغا في النظر . .(1)

44 . عن أبي جعفر عليه السلام قال : ليس شيء أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن ، إن الآية تنزل أولّها في شيء وأوسطها في شيء وآخرها في شيء .(2)

45 . قال أمير المؤنين عليه السلام : . .وأنتم تتلون القرآن ليلا ونهارا فهل فيكم أحد يعلم ما نزل فيه ؟(3)

ص: 32


1- . المناقب 4 / 434 ، بحارالأنوار 10 / 392 و 50 / 311 .
2- . تفسيرالعياشي 1 / 17 ، وسائل الشيعة 27 / 204 - 203 ، بحارالأنوار 89 / 110 ، وانظر 27 / 192 ، 204 و 89 / 91 ، تفسيرالعياشي 1 / 17 .
3- . توحيد 305 ، الأمالي للشيخ الصدوق 342 ، الاختصاص 235 ، الاحتجاج 1 / 285 ، روضة الواعظين 1 / 118 ، بحارالأنوار 10 / 118 و 89 / 78 .

46 . وفي احتجاج أبي عبد اللّه عليه السلام على الصوفية : أخبروني - أيها النفر - ألكم علم بناسخ القرآن من منسوخه ومحكمه من متشابهه الذي في مثله ضلّ من ضلّ وهلك من هلك من هذه الأمة ؟ ! فقالوا له : أو بعضه ، فأمّا كله فلا ، فقال لهم : فمن هنا أُتِيتُم ... فبئس ما ذهبتم إليه وحملتم الناس عليه من الجهل بكتاب اللّه وسنة نبيه وأحاديثه التي يصدّقها الكتاب المنزل وردّكم إياها بجهالتكم وترككم النظر في غرائب القرآن من التفسير بالناسخ من المنسوخ والمحكم والمتشابه . . .

فتأدّبوا - أيها النفر - بآداب اللّه للمؤنين ، واقتصروا على أمر اللّه ونهيه ، ودعوا عنكم ما اشتبه عليكم ممّا لا علم لكم به ، وردّوا العلم إلى أهله تؤروا وتعذروا عند اللّه ، وكونوا في طلب علم الناسخ من القرآن من منسوخه ومحكمه من متشابهه وما أحلّ اللّه فيه ممّا حرّم ، فإنه أقرب لكم من اللّه وأبعد لكم من الجهل ، ودعوا الجهالة لأهلها فإن أهل الجهل كثير وأهل العلم قليل وقد قال اللّه : «فَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ» .(1)

47 . عن أبي لبيد البحراني قال : جاء رجل إلى أبي جعفر عليه السلام بمكة فسأله عن مسائل فأجابه فيها ، ثم قال له الرجل : أنت الذي تزعم أنه ليس شيء من كتاب اللّه إلاّ معروف ؟ قال : ليس هكذا قلت ، ولكن ليس شيء من كتاب اللّه إلاّ عليه دليل ناطق

عن اللّه في كتابه ممّا لا يعلمه الناس .

قال : فأنت الذي تزعم أنه ليس من كتاب اللّه إلاّ والناس يحتاجون إليه ؟ قال : نعم ، ولا حرف واحد ، فقال له : فما «المص» ؟ قال أبو لبيد : فأجابه بجواب نسيته ، فخرج الرجل ، فقال لي أبو جعفر عليه السلام : هذا تفسيرها في ظهر القرآن ، أفلا أُخبرك بتفسيرها في بطن القرآن ؟ قلت : وللقرآن بطن وظهر ؟ فقال : نعم ، إن لكتاب اللّه

ص: 33


1- . الكافي 5 / 65 - 69 ، تحف العقول 348 - 353 ، وسائل الشيعة 27 / 183 ، بحارالأنوار 47 / 232 - 236 و 67 / 122 - 127 .

ظاهرا وباطنا ومعاني وناسخا ومنسوخا ومحكما ومتشابها وسننا وأمثالاً وفصلاً ووصلاً وأحرفا وتصريفا ، فمن زعم أن كتاب اللّه مبهم فقد هلك وأهلك .(1)

قال صاحب الوسائل قدس سره: أقول المراد من آخره أنه ليس بمبهم على كل أحد بل يعلمه الإمام ومن علّمه إياه وإلاّ لناقض آخره أوله .

* ويأتي : [ في الرقم 64] واحتجّوا بالمنسوخ وهم يظنّون أنه الناسخ واحتجّوا بالمتشابه وهم يرون أنه المحكم واحتجّوا بالخاصّ وهم يقدّرون أنه العام .

فنستنتج ممّا مرّ : قصور عقولنا عن درك دقائق القرآن وتفسيره ، كما وقد ورد التصريح به في غيرواحد من النصوص وإليك بعضها :

العقول قاصرة عن درك آيات القرآن وتفسيرها

48 . قال أبو عبد اللّه عليه السلام : ما من أمر يختلف فيه اثنان إلاّ وله أصل في كتاب اللّه ولكن لا تبلغه عقول الرجال .(2)

49 . عن أمير المؤنين عليه السلام - بعد أن ذكر عليه السلام كلاماً طويلاً في تقسيم القرآن إلى أقسام وفنون ووجوه تزيد على مائة وعشرة - قال عليه السلام : وهذا دليل واضح على أن كلام البارئ سبحانه لا يشبه كلام الخلق ، كما لا يشبه أفعاله أفعالهم ، ولهذه العلة وأشباهها لا يبلغ أحد كنه معنى حقيقة تفسير كتاب اللّه تعالى وتأويله إلاّ نبيه صلى الله عليه و آله وسلم وأوصياؤ عليهم السلام .(3)

ص: 34


1- . المحاسن 1 /270 ، بحارالأنوار 89 / 90 ، وسائل الشيعة 27 / 192 .
2- . الكافي 1 / 60 و7 / 158 ؛ تهذيب الأحكام 9 / 357 ؛ المحاسن 1 / 267 ؛ وسائل الشيعة 26 / 293 ؛ بحارالأنوار 89 / 100 .
3- . بحارالأنوار 90 / 8 ، وسائل الشيعة 27 / 200 ، عن تفسير النعماني .

50 . عن عبد الرحمن بن الحجاج ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام : ليس أبعد من عقول الرجال من القرآن .(1)

51 . عن جابر بن يزيد الجعفي قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن شيء من التفسير فأجابني ، ثم سألته عنه ثانية فأجابني بجواب آخر .

فقلت : جعلت فداك كنت أجبتني في هذه المسألة بجواب غير هذا قبل اليوم .

فقال : يا جابر ! إن للقرآن بطنا ، وللبطن بطن ، وله ظهر ، وللظهر ظهر .

يا جابر ! ليس شيء أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن ، إن الآية يكون أولها في شيء وآخرها في شيء ، وهو كلام متصل متصرف على وجوه .(2)

* وتقدّم قريبا :[ في الرقم 47] ليس شيء من كتاب اللّه إلاّ عليه دليل ناطق عن اللّه في كتابه ممّا لا يعلمه الناس .

* ويأتي :] في الرقم 227 ] وأما ما سألت من القرآن فذلك أيضا من خطراتك المتفاوتة المختلفة ؛ لأن القرآن ليس على ما ذكرت ، وكل ما سمعت فمعناه غير ما ذهبت

إليه ، وإنما القرآن أمثال لقوم يعلمون دون غيرهم ولقوم «يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ» ، وهم الذين يؤنون به ويعرفونه ، فأمّا غيرهم فما أشدّ إشكاله عليهم وأبعده من مذاهب قلوبهم ، ولذلك قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم : إنه ليس شيء بأبعد من قلوب الرجال من تفسير القرآن ، وفي ذلك تحيّر الخلائق أجمعون إلاّ ما شاء اللّه .

ص: 35


1- . تفسيرالعياشي 1 / 17 ، بحارالأنوار 89 / 111 ، مستدرك الوسائل 17 / 334 - 335 .
2- . تفسيرالعياشي 1 / 12 ، المحاسن 2 / 300 ، تأويل الآيات 23 ، بحارالأنوار 89 / 91 ، 95 - 94 ، وسائل الشيعة 27 / 192 .

ولذلك كله نهينا عن القول بغير علم في الآيات ؛ وعن ضرب بعضها ببعض ؛ وعن تفسيرها بالرأي ؛ وعن الخوض فيها ؛ والجدال حولها .

أمّا النهي عن القول فيها بغير علم

52 . فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم : من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار .(1)

53 . عن أبي عبد اللّه الصادق ، عن أبيه مولانا أبي جعفر الباقر ، عن أبيه زين العابدين عليهم السلام : أن أهل البصرة كتبوا إلى الحسين بن علي عليهماالسلام يسألونه عن الصمد ، فكتب إليهم : بسم اللّه الرحمن الرحيم ، أما بعد ؛ فلا تخوضوا في القرآن ، ولا تجادلوا

فيه ، ولا تتكلّموا فيه بغير علم ، فقد سمعت جدّي رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم يقول : من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار .(2)

54 . عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم : من قال في القرآن برأيه أو بغير علم فليتبوأ مقعده من النار .(3)

55 . وقال صلى الله عليه و آله وسلم : من قال في القرآن بغير ما علم [يعلم] جاء يوم القيامة ملجما بلجام من نار .(4)

56 . وقال صلى الله عليه و آله وسلم : أكثر ما أخاف على أمتي من بعدي رجل يناول القرآن يضعه على غير مواضعه .(5)

ص: 36


1- . منيه المريد 368 ، وسائل الشيعة 27 / 204 ، بحارالأنوار 30 / 512 و 89 / 111 .
2- . التوحيد 90 ، وسائل الشيعة 27 / 189 ، بحارالأنوار 3 / 223 .
3- . عوالياللآلي 1 / 174 ، مستدرك الوسائل 17 / 337 .
4- . منيه المريد 369 ، بحارالأنوار 89 / 112 .
5- . منيه المريد 369 ، بحارالأنوار 89 / 112 .

57 . قال أبو جعفر عليه السلام : ما علمتم فقولوا وما لم تعلموا فقولوا : اللّه أعلم ، فإن الرجل ينزع [ينتزع] بالآية فيخرّ بها أبعد ما بين السماء والأرض .(1)

وفي رواية : يخرّ فيها أبعد من السماء .(2)

58 . عن أبي عبد الرحمن السلمي : أن عليا عليه السلام مرّ على قاضٍ فقال : هل تعرف الناسخ من المنسوخ ؟ فقال: لا ، فقال : هلكت وأهلكت ، تأويل كل حرف من القرآن على وجوه .(3)

59 . وفي ضمن رواية . . فقال أبو جعفر عليه السلام لعمرو بن عبيد : إني أعرض عليك آية وأنهي إليك خطبا ، ولا أحسبك إلاّ وقد فسّرته على غير وجهه ، فإن كنت فعلت ذلك فقد هلكت وأهلكت .(4)

60 . عن مولانا الرضا ، عن أبيه عليهماالسلام قال : دخل أبو المنذر هشام بن السائب الكلبي على أبي عبد اللّه عليه السلام فقال : أنت الذي تفسّر القرآن ؟ قال : نعم .

قال : أخبرني عن قول اللّه عزّ وجلّ لنبيه صلى الله عليه و آله وسلم : «وإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَك

وبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً» ما ذلك القرآن الذي كان إذا قرأه رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم حجب عنهم ؟

[ قال :] قلت : لا أدري ، قال : فكيف قلت : إنك تفسّر القرآن ؟!(5)

61 . عن أبي عبد الله عليه السلام : دخل الحسن البصري على محمد بن علي عليهماالسلام فقال له : يا أخا أهل البصرة ! بلغني أنك فسّرت آية من كتاب اللّه على غير ما أنزلت ، فإن كنت

ص: 37


1- . تفسيرالعياشي 1 / 17 ، وسائل الشيعة 27 / 203 ، بحارالانوار 89 / 110 .
2- . الكافي 1 / 42 ؛ المحاسن 1 / 206 ؛ وسائل الشيعة 27 / 22 ؛ بحارالأنوار 2 / 119 .
3- . تفسيرالعياشي 1/12 ، وسائل الشيعة 27/202 ، بحارالأنوار 89/95، 110 و101/265.
4- . الاحتجاج 2 / 327 ، بحارالأنوار 24 / 232 .
5- . عده الداعى 295 ، بحارالأنوار 89 / 283 .

فعلت فقد هلكت واستهلكت .(1)

62 . عن أبي جعفر عليه السلام : إن أناسا تكلموا في هذا القرآن بغير علم وذلك أن اللّه تبارك وتعالى يقول : « هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْك الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاّ اللّهُ . .» إلى آخر الآية ، فالمنسوخات من المتشابهات والمحكمات من الناسخات .(2)

* وقد تقدّم : [ في الرقم 32] فما علمتم منه فقولوا، وما جهلتم فكلوه إلى عالمه .

* [ وفي الرقم 46] ودعوا عنكم ما اشتبه عليكم ممّا لا علم لكم به .

* ويأتي [في الفصل الخامس صفحة 175 ] اتقوا تكذيب اللّه... يقول أحدكم: قال اللّه فيقول اللّه : كذبت لم أقله . أو يقول : لم يقل اللّه ، فيقول اللّه عزّ وجلّ : كذبت قد قلته .

وأمّا النهي عن ضرب بعضها ببعض

63 . عن أبي عبداللّه وأبيه عليهماالسلام : ما ضرب رجل القرآن بعضه ببعض إلاّ كفر .(3)

قال الشيخ الصدوق قدس سره : وسألت محمد بن الحسن قدس سره عن معنى هذا الحديث ، فقال : هو أن تجيب الرجل في تفسير آية بتفسير آية أخرى .(4)

ص: 38


1- . تأويل الآيات 462 ، بحارالأنوار 24 / 235 ، مستدرك الوسائل 17 / 316 .
2- . الكافي 2 / 28 ، بحارالأنوار 66 / 85 ، وسائل الشيعة 27 / 182 .
3- . الكافي 2 / 632 - 633 ، تفسير العياشي 1 / 18 ، ثواب الأعمال 280 ، عدة الداعي 299 ، المحاسن 1 / 212 ، معاني الأخبار 190 ، منية المريد 369 ، وسائل الشيعة 27 / 183 ، بحارالأنوار 89 / 39 .
4- . معانيالأخبار 190 .

64 . عن أبي عبد اللّه جعفر بن محمد الصادق عليهماالسلام . . . قال اللّه سبحانه : «فَنَسُوا

حَظّا مِمّا ذُكِّرُوا بِهِ ولا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ» ، وذلك أنهم ضربوا بعض القرآن ببعض ، واحتجّوا بالمنسوخ وهم يظنّون أنه الناسخ ، واحتجّوا بالمتشابه وهم يرون أنه المحكم ، واحتجّوا بالخاصّ وهم يقدّرون أنه العام ، واحتجّوا بأول الآية وتركوا السبب في تأويلها ولم ينظروا إلى ما يفتح الكلام وإلى ما يختمه ولم يعرفوا موارده ومصادره ؛ إذ لم يأخذوه عن أهله فضلّوا وأضلّوا .(1)

65 . عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم أنه قال - حيث رأى أصحابه يخوضون ، بعد أن غضب واحمرّت وجنتاه - : أفبهذا أُمرتم ؟ ! تضربون كتاب اللّه بعضه ببعض ! انظروا إلى ما

أمركم اللّه به فافعلوا وما نهاكم عنه فانتهوا .(2)

* وتقدّم :[ في الرقم 31] بهذا ضلّت الأُمم قبلكم لاختلافهم على أنبيائهم، وضرب الكتاب بعضه ببعض .

* [ وفي الرقم 32] إنّما هلك من كان قبلكم بهذا، ضربوا كتاب اللّه بعضه ببعض .

أمّا النهي عن التفسير بالرأي

66 . عن مولانا أبي الحسن الرضا ، عن آبائه ، عن أمير المؤنين عليهم السلام ، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم : قال اللّه جلّ جلاله : ما آمن بي من فسّر برأيه كلامي ، وما عرفني من شبّهني بخلقي ، وما على ديني من استعمل القياس في ديني .(3)

ص: 39


1- . وسائل الشيعة 27 / 200 ، بحارالأنوار 90 / 3 - 4 ، 77 ، عن تفسير النعماني .
2- . رواه عن المحقق الطوسي في المحجّة البيضاء 1 / 295 ؛ الأصول الأصلية 182 .
3- . الاحتجاج 2 / 410 ، الأمالي للشيخ الصدوق 6 ، التوحيد 68 ، مشكاه الأنوار 9 ، عيون أخبارالرضا عليه السلام 1 / 116، كشف الغمة 2 / 284 ، وسائل الشيعة 27 / 45 ، 186 ، مستدرك الوسائل 17 / 327 ، بحارالأنوار 2 / 297 و 3 / 291 و 89 / 107 .

67 . وقال صلى الله عليه و آله وسلم : من تكلّم في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ .(1)

68 . عن أمير المؤنين عليه السلام : . . وآخر قد تسمّى عالما وليس به ، فاقتبس جهائل من جهّال وأضاليل من ضلاّل ، ونصب للناس أشراكا من حبائل غرور وقول زور ، قد حمل الكتاب على آرائه وعطف الحق على أهوائه ، يؤن من العظائم ، ويهوّن كبير الجرائم ، يقول : أقف عند الشبهات ، وفيها وقع ! ويقول : أعتزل البدع ، وبينها اضطجع ! فالصورة صورة إنسان والقلب قلب حيوان ، لا يعرف باب الهدى فيتبعه ، ولا باب العمى فيصدّ عنه ، فذلك ميّت الأحياء .

فأين تذهبون وأنى تؤكون ؟ ! والأعلام قائمة والآيات واضحة والمنار منصوبة ، فأين يتاه بكم ؟ ! بل كيف تعمهون وبينكم عترة نبيّكم وهم أزمّة الحق وألسنة الصدق ، فأنزلوهم بأحسن منازل .(2)

69 . وقال عليه السلام : . . واعلموا أنه ليس على أحد بعد القرآن من فاقة ولا لأحد قبل القرآن من غنى ، فاستشفوه من أدوائكم واستعينوا به على لأوائكم ، فإن فيه شفاء من أكبر الداء وهو الكفر والنفاق والغيّ والضلال ، فاسألوا اللّه به وتوجهوا إليه بحبّه ، ولا تسألوا به خلقه إنه ما توجه العباد إلى اللّه بمثله ، واعلموا أنه شافع مشفّع وقائل مصدّق ، وإنه من شفع له القرآن يوم القيامة شفّع فيه ، ومن محل به القرآن يوم القيامة صدّق عليه ، فإنه ينادي مناد يوم القيامة : ألا إن كل حارث مبتلى في حرثه وعاقبة عمله غير حرثة القرآن ، فكونوا من حرثته وأتباعه ، واستدلّوه على ربكم

ص: 40


1- . منيه المريد 369 ، بحارالأنوار 89 / 111 .
2- . نهج البلاغة 119 ، أعلام الدين 127 ، شرح نهج البلاغة 6 / 372 ، ولاحظ البحار 2 / 56 .

واستنصحوه على أنفسكم ، واتَّهِمُوا عليه آراءكم واستغشُّوا فيه أهواءكم .(1)

70 . . . ثم سألوه ( أي أمير المؤمنين ) صلوات اللّه عليه عن تفسير المحكم من كتاب اللّه عزّ وجلّ فقال : أمّا المحكم الذي لم ينسخه شيء من القرآن فهو قول اللّه عزّ وجلّ : «هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْك الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ» . . . وإنما هلك الناس في المتشابه ؛ لأنهم لم يقفوا على معناه ولم يعرفوا حقيقته فوضعوا له تأويلات [تأويلا ]من عند أنفسهم بآرائهم ، واستغنوا بذلك عن مسألة الأوصياء ، ونبذوا قول رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم وراء ظهورهم . .(2)

71 . عن عمار بن موسى ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : من حكم برأيه بين اثنين فقد كفر ، ومن فسّر ]برأيه] آية من كتاب اللّه فقد كفر .(3)

72 . عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : من فسّر القرآن برأيه إن أصاب لم يؤر وإن أخطأ خرَّ [فهو] أبعد من السماء .(4)

73 . عن هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : من فسّر القرآن برأيه فأصاب لم يؤر ، وإن أخطأ كان إثمه عليه .(5)

74 . قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم : من فسَّر القرآن برأيه فقد «افْتَرى عَلَى اللّه ِالْكَذِبَ».(6)

ص: 41


1- . نهج البلاغة 252 ، أعلام الدين 105 ، شرح نهج البلاغة 10 / 18 - 19 ، بحارالأنوار 89 / 23 ، مستدرك الوسائل 4 / 239 .
2- . وسائل الشيعة 27 / 200 ، بحارالأنوار 90 / 3 - 4 ، 9 - 12 ، عن تفسير النعماني .
3- . تفسيرالعياشي 1 / 18 ، وسائل الشيعة 27 / 60 ، 203 ، بحارالأنوار 89 / 111 .
4- . تفسيرالعياشي 1/ 17 ، بحارالأنوار 89 / 110 ، وسائل الشيعة 27 / 202 .
5- . تفسير العياشي 1 / 17 ، جامع الأخبار 49 ، مستدرك الوسائل 17 / 334 ، بحارالأنوار 89 / 110.
6- . كمال الدين 1/256 ، العددالقوية 89 ، بحارالأنوار 36/227 ، وسائل الشيعة 27 / 190.

75 . وروي : ملعون من فسّر القرآن برأيه .(1)

76 . عن زيد الشحام قال : دخل قتادة بن دعامة على أبي جعفر عليه السلام فقال : يا قتادة ! أنت فقيه أهل البصرة ؟ فقال : هكذا يزعمون ، فقال أبو جعفر عليه السلام : بلغني أنك تفسّر القرآن ؟ قال له قتادة : نعم ، فقال له أبو جعفر عليه السلام : بعلم تفسّره أم بجهل ؟ قال : لا ، بعلم ، فقال له أبو جعفر عليه السلام : فإن كنت تفسّره بعلم فأنت أنت وأنا أسألك ؟ قال قتادة : سل ، قال : أخبرني عن قول اللّه عزّ وجلّ في سبأ : «وقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وأَيّاماً آمِنِينَ» فقال قتادة : ذلك من خرج من بيته بزاد وراحلة وكراء حلال يريد هذا البيت ، كان آمنا حتى يرجع إلى أهله ، فقال أبو جعفر عليه السلام : نشدتك اللّه - يا قتادة ! - هل تعلم أنه قد يخرج الرجل من بيته بزاد وراحلة وكراء حلال يريد هذا البيت فيقطع عليه الطريق فتذهب نفقته ، ويضرب مع ذلك ضربة فيها اجتياحه ؟ قال قتادة : اللهم نعم ، فقال أبو جعفر عليه السلام : ويحك يا قتادة ! إن كنت إنما فسّرت القرآن من تلقاء نفسك فقد هلكت وأهلكت ، وإن كنت قد أخذته من الرجال فقد هلكت وأهلكت ، ويحك يا قتادة ! ذلك من خرج من بيته بزاد وراحلة وكراء حلال يروم هذا البيت عارف بحقّنا يهوانا قلبه ، كما قال اللّه عزّ وجلّ : «فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ» ولم يعن البيت فيقول : ( إليه ) ، فنحن - واللّه - دعوة إبراهيم عليه السلام التي من هوانا قلبه قبلت حجّته وإلاّ فلا ، يا قتادة ! فإذا كان كذلك كان آمنا من عذاب جهنم يوم القيامة ، قال قتادة : لا جرم - واللّه - ولا فسّرتها إلاّ هكذا ، فقال أبو جعفر عليه السلام : ويحك يا قتادة إنما يعرف القرآن من خوطب به .(2)

ص: 42


1- . انظر بناء المقالة الفاطمية 82 .
2- . الكافي 8 / 311 ، تأويل الآيات 251 ، وسائل الشيعة 27 / 185 ، بحارالأنوار 24 / 237 و46 / 349 ، وانظر مستدرك الوسائل 17 / 335 .

77 . قال أبو الصلت الهروي : لمّا جمع المأمون لعلي بن موسى الرضا عليه السلام أهل المقالات من أهل الإسلام والديانات من اليهود والنصارى والمجوس والصابئين وسائر أهل المقالات فلم يقم أحد إلاّ وقد ألزمه حجّته كأنه قد أُلقم حجرا .

فقام إليه علي بن محمد بن الجهم فقال له : يا ابن رسول اللّه ! أتقول بعصمة الأنبياء ؟ قال : بلى .

قال : فما تعمل في قول اللّه عزّ وجلّ : «وعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى» ، وقوله عزّ وجلّ : «وذَا النونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ» ، وقوله في يوسف : «ولَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وهَمَّ بِها» ، وقوله عزّ وجلّ في داود : «وظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنّاهُ» ، وقوله في نبيّه محمد صلى الله عليه و آله وسلم : «وتُخْفِي في نَفْسِك مَا اللّهُ مُبْدِيهِ وتَخْشَى النّاسَ واللّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ» ؟ !

فقال مولانا الرضا عليه السلام : ويحك يا علي ! اتق اللّه ولا تنسب إلى أنبياء اللّه الفواحش ، ولا تتأول كتاب اللّه عزّ وجلّ برأيك فإن اللّه عزّ وجلّ يقول : «وما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللّهُ والرّاسِخُونَ في الْعِلْمِ» .(1)

78 . عن الإمام أبي محمد العسكري عليه السلام عن آبائه عليهم السلام ، عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم أنه قال : أتدرون متى يتوفر على المستمع والقارئ هذه المثوبات العظيمة ؟ إذا لم يقل في القرآن برأيه ، ولم يجف عنه ، ولم يستأكل به ولم يراء به .

وقال : عليكم بالقرآن فإنه الشفاء النافع والدواء المبارك عصمة لمن تمسك به ونجاة لمن اتبعه .

ثم قال : أتدرون من المتمسّك به الذي يتمسّكه [بتمسّكه] ينال هذا الشرف

ص: 43


1- . الأمالي للشيخ الصدوق 90 ، عيون أخبارالرضا عليه السلام 1 / 191 ، بحارالأنوار 11 / 72 ، وانظر وسائل الشيعة 27 / 187 .

العظيم ؟ هو الذي يأخذ القرآن وتأويله عنا أهل البيت وعن وسائطنا السفراء عنا إلى شيعتنا لا عن آراء المجادلين . . . .

فأمّا من قال في القرآن برأيه فإن اتفق له مصادفة صواب فقد جهل في أخذه عن غير أهله . . . وإن أخطأ القائل في القرآن برأيه فقد تبوأ مقعده من النار .(1)

79 . عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم أنه قال - خطابا لأمير المؤمنين عليه السلام - : .. وتجاهد من أمّتي كلّ من خالف القرآن وسنّتي ممّن يعمل في الدين بالرأي ، فلا رأي في الدين ، إنّما هو أمر الربّ ونهيه .

قال علي عليه السلام: فقلت: يا رسول اللّه! فأرشدني إلى الفلج عند الخصومة يوم القيامة.

فقال : نعم ، إذا كان ذلك فاقتصر على الهدى إذا قومك عطفوا الهدى على الهوى وعطفوا القرآن على الرأي فيتأوّلوه برأيهم بتتبّع الحجج من القرآن بمشتبهات الأشياء الطارئة عند الطمأنينة إلى الدنيا ، فاعطف أنت الرأي على القرآن إذا قومك حرّفوا الكلم عن مواضعه عند الأهواء الناهيه الآراء الطامحة ..(2)

80 . عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم : من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ .(3)

81 . وروى العامَّة عنه صلى الله عليه و آله وسلم : من فسَّر القرآن برأيه فأصاب الحق فقد أخطأ .(4)

82 . ورووا عن ابن عباس : من قال في القرآن برأيه فليتبوّأ مقعده من النار .(5)

ص: 44


1- . التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه السلام 14 ؛ بحارالأنوار 89 / 182 ، وسائل الشيعة 27/33 ، 201 .
2- . الاحتجاج 1 / 195 ، بحارالأنوار 29 / 422 .
3- . إرشادالقلوب 1 / 79 ، ورواه عن الترمذي وأبي داود في بحارالأنوار 30 / 512 .
4- . وسائل الشيعة 27 / 205 .
5- . بحارالأنوار 30 / 512 ، عن المشكاة والمصابيح ، عن الترمذي .

* وقد مرّ قريبا :[ في الرقم 54] من قال في القرآن برأيه أو بغير علم فليتبوأ مقعده من النار .

* ويأتي :[ في الرقم 227] وإياك وتلاوة القرآن برأيك فإن الناس غير مشتركين في علمه كاشتراكهم فيما سواه من الأمور ولا قادرين عليه ولا على تأويله إلاّ من حدّه وبابه .

* [ وفي الرقم 229] لا يسع أهل القرآن الذين آتاهم اللّه علمه أن يأخذوا فيه بهوى ولا رأي ولا مقاييس .

* [ وفي الرقم 234] وذهب الآخرون إلى التقصير في أمرنا واحتجّوا بمتشابه القرآن فتأولوا بآرائهم واتهموا مأثور الخبر ممّا استحسنوا يقتحمون في أغمار الشبهات ودياجير

الظلمات بغير قبس نور من الكتاب ولا أثره علم من مظانّ العلم .

* [ وفي الرقم 268] فإياك أن تفسّر القرآن برأيك حتى تفقهه عن العلماء .

أمّا النهي عن الخوض والجدال فيها

83 . عن أبي جعفر عليه السلام في قول اللّه : «وإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ في آياتِنا»(1) قال : الكلام في اللّه والجدال في القرآن ، «فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتّى يَخُوضُوا في حَدِيثٍ غَيْرِهِ»

قال : منهم القصاص .(2)

84 . عن أبي جعفر عليه السلام قال : إياكم والخصومة فإنها تحبط العمل وتمحق الدين ، وإن أحدكم لينزع بالآية يقع فيها أبعد من السماء .(3)

ص: 45


1- . الأنعام : 68 .
2- . تفسيرالعياشي 1 / 18 ، 362 ، بحارالأنوار 3 / 260 و 9 / 205 و 66 / 43 و 89 / 111 ، مستدرك الوسائل 12 / 247 و 13 / 115 .
3- . تفسير العياشي 1 / 18 ، بحارالأنوار 89 / 111 .

85 . عن أبي الحسن الرضا عليه السلام : المراء في كتاب اللّه كفر .(1)

86 . قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم : ومن جادل في آيات ]كتاب] اللّه كفر ، قال اللّه : «ما يُجادِلُ في آياتِ اللّهِ إِلا الَّذِينَ كَفَرُوا» .(2)

87 . وقال صلى الله عليه و آله وسلم : أشدّ ما يتخوّف على أُمتي ثلاث : زلّة عالم ، أو جدال منافق بالقرآن ، أو دنيا تقطع رقابكم فاتهموها على أنفسكم .(3)

88 . وقال صلى الله عليه و آله وسلم : أخوف ما أخاف على أُمتي زلاّت العلماء ، وميل الحكماء ، وسوء

التأويل .(4)

89 . كتب علي بن محمد بن علي بن موسى الرضا عليهم السلام إلى بعض شيعته ببغداد : بسم اللّه الرحمن الرحيم ، عصمنا اللّه وإياك من الفتنة ، فإن يفعل فقد أعظم بها نعمة وإن لا يفعل فهي الهلكة ، نحن نرى أن الجدال في القرآن بدعة اشترك فيها السائل والمجيب ، فيتعاطى السائل ما ليس له ويتكلف المجيب ما ليس عليه .(5)

* وقد مرّ قريبا : [ في الرقم 53] فلا تخوضوا في القرآن ، ولا تجادلوا فيه .

ص: 46


1- . تفسير العياشي 1 / 18 ، بحارالأنوار 89 / 111 ، وسائل الشيعة 27 / 203 .
2- . كمال الدين 1 / 256 ، العدد القوية 89 ، التحصين لابن طاوس 625 ، بحارالأنوار 36 / 227 ، وسائل الشيعة 27 / 190 .
3- . الخصال 1 / 163 ، بحارالأنوار 2 / 49 و 70 / 92 و 89 / 108 .
4- . مجموعة ورام 2 / 227 .
5- . الأمالي للشيخ الصدوق 546 ؛ روضه الواعظين 1 / 38 ؛ متشابه القرآن 1 / 61 ؛ التوحيد 224 ؛ بحارالأنوار 89 / 118 .

الفصل الثالث: الحاجة إلى بيان الحجج المعصومين عليهم السلام في فهم القرآن

اشارة

ص: 47

ص: 48

نذكر هنا بعض ما دلّ على عدم استغناء القرآن عن البيان من اللّه تعالى وقيّم ومفسّر منصوب من قبله ، وهم الناطقون عن القرآن بل هم القرآن الناطق ، وأنهما لا يفترقان أبدا .

عدم استغناء القرآن عن البيان وأن اللّه تعالى بيّنه لرسوله

قال اللّه تعالى : «فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ» .(1)

ص: 49


1- . القيامة : 19 - 20 . أقول : من راجع إلى كلام المفسّرين يظهر له وجه الاستدلال بهذه الآية ، قال الشيخ الطوسي : معناه إنا نبيّن لك معناه ، انظر التبيان 10 / 197 . وقال الفيض الكاشاني : بيان ما أُشكل عليك من معانيه ، لاحظ تفسير الصافي 5 / 256 . لا يقال : يعني بذلك بيانه بنفس الآيات . فإنه يقال : لا ينحصر البيان الإلهي بالآيات ، بل قد بيّنه للنبي صلى الله عليه و آله وسلم بغيرها ، كما يستفاد من بعض النصوص ، مثل ما ورد في مصحف علي عليه السلام . روي عن أمير المؤنين عليه السلام أنه قال - في ضمن رواية - : .. ولقد أُحضروا الكتاب كمّلا ، مشتملا على التأويل والتنزيل ، والمحكم والمتشابه ، والناسخ والمنسوخ ، لم يسقط منه حرف ألف ولا لام ، فلمّا وقفوا على ما بيّنه الله من أسماء أهل الحق والباطل ، وأن ذلك إن ظهر نقض [نقص] ما عهدوه [عقدوه] قالوا : لا حاجة لنا فيه ، نحن مستغنون عنه بما عندنا ! وكذلك[ لذلك ]قال : «فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَ اشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ» . انظر الاحتجاج 1 / 257 ، بحارالأنوار 90 / 126 . وقال الشيخ المفيد قدس سره : وقد قال جماعة من أهل الإمامة : إنه لم ينقص من كلمة ولا من آية ولا من سورة ، ولكن حذف ما كان مثبتا في مصحف أمير المؤنين عليه السلام من تأويله وتفسير معانيه على حقيقة تنزيله ، وذلك كان ثابتا منزلا وإن لم يكن من جملة كلام الله تعالى الذي هو القرآن المعجز ، وقد يسمّى تأويل القرآن : قرآنا ، قال الله تعالى : «وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً» ، فسمّى تأويل القرآن : قرآنا ، وهذا ما ليس فيه بين أهل التفسير اختلاف . لاحظ أوائل المقالات 81 . وقال السيد الخوئي قدس سره في ضمن كلام له : وعلى ما ذكرناه فليس كل ما نزل من الله وحيا يلزم أن يكون من القرآن ، فالذي يستفاد من الروايات في هذا المقام أن مصحف علي عليه السلام كان مشتملا على زيادات تنزيلاً أو تأويلاً . ولا دلالة في شيء من هذه الروايات على أن تلك الزيادات هي من القرآن . وعلى ذلك يحمل ما ورد من ذكر أسماء المنافقين في مصحف أمير المؤنين عليه السلام ؛ فإن ذكر أسمائهم لابدّ وأن يكون بعنوان التفسير . لاحظ البيان في تفسير القرآن 243 - 244 ، وراجع أيضا قوانين الأصول 404 . بل تسلّم ذلك السيد الطباطبائي عند الكلام على روايات التحريف فقال : وأمّا ما ذكرنا أن منها ما هو قاصر في دلالتها ، فإن كثيرا ممّا وقع فيها - من الآيات المحكية - من قبيل التفسير وذكر معنى الآيات لا من حكاية متن الآية المحرّفة ... ويلحق بهذا الباب ما لا يحصى من الروايات المشيرة إلى سبب النزول المعدودة من أخبار التحريف كالروايات التي تذكر هذه الآية هكذا : يا أيّها الرسول بلّغ ما أُنزل إليك في علي عليه السلام .. انظر تفسير الميزان 12 / 110 - 113 .

90 . قال القمي - في تفسير قوله تعالى - : «إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وقُرْآنَهُ» قال : على آل محمد صلى الله عليه و آله وسلم جمع القرآن وقراءته .

«فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ» ، قال : يعني اتبعوا ماذا قرؤوه ، «ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ»

أي تفسيره .(1)

91 . عن أبي جعفر عليه السلام قال : إن اللّه لم يدع شيئا تحتاج إليه الأمة إلى يوم القيامة إلاّ

ص: 50


1- . تفسيرالقمي 2 / 396 - 397 ، بحارالأنوار 9 / 246 .

أنزله في كتابه وبيّنه لرسوله، وجعل لكل شيء حدّا وجعل عليه دليلاً يدل عليه .(1)

92 . عن أحدهما عليهماالسلام - في قول اللّه عزّ وجلّ «وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاّ اللّهُ والرّاسِخُونَ في الْعِلْمِ» - : فرسول اللّه أفضل الراسخين في العلم قد علّمه اللّه عزّ وجلّ جميع ما أنزل عليه من التنزيل والتأويل وما كان اللّه لينزل عليه شيئاً لمْ [ لا ]يعلّمه تأويله ، وأوصياؤ من بعده يعلمونه كله ، والذين لا يعلمون تأويله إذا قال العالم فيهم بعلم فأجابهم اللّه بقوله : «يَقُولُونَ آمَنّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا» ، والقرآن خاص وعام ومحكم ومتشابه وناسخ ومنسوخ ، فالراسخون في العلم يعلمونه .(2)

ولا غرو في حاجة النبي صلى الله عليه و آله وسلم إلى التعلّم فقد روي

93 . عن أبي حمزة أنه قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن العلم ، أهو شيء يتعلّمه العالم من أفواه الرجال أم في الكتاب عندكم تقرؤونه فتعلمون منه ؟

قال : الأمر أعظم من ذلك وأوجب ! أمّا سمعت قول اللّه عزّ وجلّ : «وَ كَذلِك أَوْحَيْنا إِلَيْك رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ ولا الإِيمانُ» ؟!(3)

ثم قال : أيّ شيء يقول أصحابكم في هذه الآية ؟ أيقرّون أنه كان في حال لايدري ما الكتاب ولا الإيمان ؟ فقلت : لا أدري - جعلت فداك - ما يقولون ، فقال : بلى ، قد كان في حال لا يدري ما الكتاب ولا الإيمان حتى بعث اللّه عزّ وجلّ الروح التي ذكر

ص: 51


1- . الكافي 1 / 59 و7 / 175 ، بصائرالدرجات 6 ، تفسيرالعياشي 1 / 6 ، وسائل الشيعة 28 / 16 ، بحارالأنوار 89 / 84 .
2- . الكافي 1 / 213 ، وسائل الشيعة 27 / 179 ، بصائرالدرجات 203- 204 ، تفسيرالعياشي 1 / 164 ، بحارالأنوار 23 / 199 و89 / 92 ، وانظر تفسيرالقمي 1 / 96 ، تأويل الآيات 107 ، مستدرك الوسائل 17 / 332 ، بحارالأنوار 17 / 130 و23 / 192 و89 / 80 - 81 .
3- . الشورى : 52 .

في الكتاب ، فلما أوحاها إليه علم به العلم والفهم ، وهي الروح التي يعطيها اللّه عزّ وجلّ من شاء فإذا أعطاها عبدا علّمه الفهم .(1)

وأمّا ما دلّ على أنّا بحاجة إلى بيان النبي صلى الله عليه و آله وسلم وأنه الذي يبيّن للناس آياته ، وأنه الذي يُخرج الناس من الظلمات إلى النور بالقرآن فمثل الآيات التالية :

«كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْك لِتُخْرِجَ النّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ» .(2)

و«وأَنْزَلْنا إِلَيْك الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ولَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ» .(3)

و«وما أَنْزَلْنا عَلَيْك الْكِتابَ إِلاّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وهُدىً ورَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤمِنُونَ» .(4)

و«وأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لأُِنْذِرَكُمْ بِهِ ومَنْ بَلَغَ» .(5)

و«هُوَالَّذِي يُنزِّلُ عَلى عَبْدِهِ آيَاتِ بَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَكم مِّنَ الظلُمَاتِ إِلى النُّورِ» .(6)

و«رَسولاً يَتْلُوا عَلَيْكمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَالِحَاتِمِنَ الظُلُمَاتِ إِلى النُّورِ» .(7)

ص: 52


1- . الكافي 1 / 273 ؛ بصائرالدرجات 460 - 458 ، بحارالأنوار 18 / 266 و25 / 59 . وعن أبى الحسن الرضا عليه السلام في قوله : «الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ» قال : اللّه علّم محمدا صلى الله عليه و آله وسلم القرآن . قلت : «خَلَقَ الإنْسانَ»قال : ذلك أمير المؤنين عليه السلام . قلت : «عَلَّمَهُ الْبَيانَ» قال : علّمه بيان كل شى تحتاج إليه الناس . انظر تفسير نور الثقلين 5 / 188 .
2- . ابراهيم : 1 .
3- . النحل : 44 .
4- . النحل : 64 .
5- . الأنعام : 19 .
6- . الحديد : 9 .
7- . الطلاق : 11 .

و«كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْك فَلا يَكُن في صدْرِك حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤمِنِينَ».(1)

و«تَنزِيلُ الْكتَابِ لا رَيْب فِيهِ مِن رَّب الْعَالَمِينَ * أَمْ يَقُولُونَ افْترَاهُ بَلْ هُوَالْحَقُّ مِن رَّبِّك لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِك لَعَلَّهُمْ يهْتَدُونَ» .(2) وغيرها من الآيات .

فإنك تجد إضافة الإخراج - من الظلمات إلى النور بالقرآن - إلى النبي الأعظم صلى الله عليه و آله وسلم ، وكذا أُضيف تبيين القرآن إلى النبي صلى الله عليه و آله وسلم لا إلى نفس القرآن فقط ، فكيف يمكن الاستغناء عن بيانه صلى الله عليه و آله وسلم ؟!(3)

وقال اللّه تعالى : «وأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لأُِنْذِرَكُمْ بِهِ ومَنْ بَلَغَ»(4) وقد ورد في

غير واحد من الروايات أن المراد ب- : (من بلغ) هو الأئمّة عليهم السلام من بعده صلى الله عليه و آله وسلم ، وأنهم ينذرون الناس بالقرآن .

فالغاية من نزول القرآن هو تحقق الإنذار به بواسطة النبي صلى الله عليه و آله وسلم والأئمّة عليهم السلام ، لا بالقرآن وحده .

94 . عن أبي خالد الكابلي قلت لأبي جعفر عليه السلام : «وأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لأُنْذِرَكُمْ بِهِ ومَنْ بَلَغَ» حقيقة أيّ شيء عنى بقوله : «وَ مَنْ بَلَغَ» ؟ فقال : من بلغ : أن يكون إماما من ذرية الأوصياء ، فهو ينذر بالقرآن كما أنذر به رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم .(5)

ص: 53


1- . الاعراف : 2 .
2- . السجدة : 2 -3 .
3- . ويأتي للمطلب زيادة توضيح في الفصل الخامس بعد الرقم ]16] في التنبيهات .
4- . الأنعام : 19 .
5- . تفسيرالعياشي 1 / 356 ، بحارالأنوار 89 / 101 . وروي قريب منها عن أبي عبداللّه عليه السلام ، انظر الكافي 1 / 416 ، 424 ، المناقب 4 / 180 ، 284، 378 ، تأويل الآيات 168 ، بحارالأنوار 23 / 190 .

95 . قال القمي في تفسيرها : قال [الإمام عليه السلام] : من بلغ هو الإمام . . . وإنا ننذر كما أنذر به النبي صلى الله عليه و آله وسلم .(1)

96 . عن أبي جعفر عليه السلام : الإمام منّا أنذر به كما أنذر به رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم .(2)

97 . عن أبيجعفر وأبيعبداللّه عليهماالسلام : يعني الأئمة من بعده، وهم ينذرون به الناس .(3)

98 . عن أبي جعفر عليه السلام : علي عليه السلام ممن بلغ .(4)

بيان النبي صلى الله عليه و آله وسلم للأئمة المعصومين عليهم السلام

99 . عن يعقوب بن جعفر قال : كنت مع أبي الحسن عليه السلام بمكة فقال له رجل : إنك لتفسّر من كتاب اللّه ما لم تسمع به !

فقال أبو الحسن عليه السلام : علينا نزل قبل الناس ، ولنا فسّر قبل أن يفسّر في الناس ، فنحن نعرف حلاله وحرامه وناسخه ومنسوخه وسفريه وحضريه ، وفي أي ليلة نزلت كم من آية ، وفي من نزلت ، وفي ما نزلت .(5)

100 . عن أمير المؤمنين عليه السلام : . . فما نزلت على رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم آية من القرآن إلاّ أقرأنيها وأملاها عليّ ، فكتبتها بخطي ، وعلّمني تأويلها وتفسيرها وناسخها ومنسوخها ومحكمها ومتشابهها وخاصّها وعامّها ، ودعا اللّه لي أن يعطيني فهمها وحفظها ، فمانسيت آية من كتاب اللّه ولا علما أملاه عليّ وكتبته منذ دعا اللّه لي بما دعاه .(6)

ص: 54


1- . تفسير القمي 1 / 195 ، بحارالأنوار 23 / 190 .
2- . بصائرالدرجات 511 .
3- . تفسيرالعياشي 1 / 356 ، بحارالأنوار 9 / 201 و89 / 101 .
4- . تفسيرالعياشي 1 / 356 ، بحارالأنوار 89 / 101 .
5- . بصائرالدرجات 198 ، وسائل الشيعة 27 / 197 ، بحارالأنوار 23 / 196 .
6- . الكافي 1 / 64 ، الخصال 1 / 257 ، بحارالأنوار 2 / 230 و36 / 256 و89 / 98 ، وانظر بصائرالدرجات 198 ، تحف العقول 193 ، تفسيرالعياشي 1 / 14 ، 253 ، شواهدالتنزيل 1/47 ، كمال الدين 1/284 ، كتاب سليم 634 ، الوسائل 27/206 ، بحارالأنوار 40 / 139 .

101 . عن سلمان رضى الله عنه في ضمن حديث : ... فنادى علي عليه السلام بأعلا صوته : أيها الناس ! إني لم أزل منذ قبض رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم مشغولا بغسله ، ثم بالقرآن حتى جمعته كله في هذا الثوب الواحد، فلم ينزل اللّه على رسوله آية منه إلاّ وقد جمعتها، وليست منه آية

إلاّ وقد أقرأنيها رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم وعلّمني تأويلها..(1)

102 . عن أبي عبد اللّه عليه السلام : إن اللّه تبارك وتعالى بعث محمدا صلى الله عليه و آله وسلم فختم به الأنبياء فلا نبي بعده ، وأنزل عليه كتابا فختم به الكتب فلا كتاب بعده . . . وجعله النبي صلى الله عليه و آله وسلم علما باقيا في أوصيائه ، فتركهم الناس ، وهم الشهداء على أهل كل زمان ، وعدلوا عنهم، ثم قتلوهم ، واتبعوا غيرهم وأخلصوا لهم الطاعة حتى عاندوا من أظهر ولاية ولاة الأمر وطلب علومهم ! قال اللّه سبحانه : «فَنَسُوا حَظّا مِمّا ذُكِّرُوا بِهِ ولا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ» .(2)

103 . وقال هشام : من أين ورثتم ما ليس لغيركم ورسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلممبعوث إلى الناس كافّة ؟! وذلك قول اللّه تبارك وتعالى : «وَللّه ِ مِيراثُ السَّماواتِ والأرْضِ . .» إلى آخر الآية ، فمن أين ورثتم هذا العلم وليس بعد محمد نبي ولا أنتم أنبياء ؟

فقال أبو جعفر عليه السلام : من قوله تبارك وتعالى لنبيه صلى الله عليه و آله وسلم : «لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَك لِتَعْجَلَ بِهِ» الذي لم يحرّك به لسانه لغيرنا أمره اللّه أن يخصّنا به من دون غيرنا . .

ص: 55


1- . الاحتجاج 1 / 82 ، كتاب سليم 581 ، بحار الأنوار 28 / 264 و 89 / 40 ، وانظر الاحتجاج 1 / 261 ، الأمالي للشيخ الطوسي 523 ، كتاب سليم 802 ، بحار الأنوار 10 / 125 و 40 / 186 و 89/78 .
2- . بحارالأنوار 90 / 3 - 4 ، وسائل الشيعة 27 / 200 ، عن تفسير النعماني .

.ولم

يكن عند أحد تأويل القرآن بكماله وتمامه إلاّ عند علي عليه السلام . .(1)

وفي روايه : فالذي أبداه فهو للناس كافّة ، والذي لم يحرّك به لسانه أمر اللّه أن يخصّنا

به من دون غيرنا ، فلذلك كان يناجي أخاه عليا من دون أصحابه وأنزل اللّه [بذلك] قرآنا في قوله : «وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ» ، فقال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم لأصحابه : سألت اللّه أن يجعلها أذنك يا علي !(2)

قيّم القرآن وخليفة النبي صلى الله عليه و آله وسلم على التفسير

104 . عن منصور بن حازم - في حديث - قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : إني ناظرت قوما فقلت: ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم هو الحجّة من اللّه على الخلق ؟! فحين

ذهب رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم من كان الحجّة من بعده ؟ فقالوا : القرآن .

فنظرت في القرآن فإذا هو يخاصم فيه المرجئ والحروري والزنديق الذي لا يؤن حتى يغلب الرجل خصمه ، فعرفت أن القرآن لا يكون حجّة إلاّ بقيّم ما قال فيه من شيء كان حقا...

قلت : فمن قيّم القرآن ؟! قالوا : قد كان عبد الله بن مسعود وفلان وفلان وفلان يعلم ، قلت : كله ؟! قالوا : لا .

فلم أجد أحدا يقال : أنه يعرف ذلك كله إلاّ علي بن أبي طالب عليه السلام ، وإذا كان الشيء بين القوم وقال هذا : لا أدري ، وقال هذا : لا أدري ، وقال هذا : لا أدري ، وقال

هذا : لا أدري ، فأشهد أن علي بن أبي طالب عليه السلامكان قيّم القرآن ، وكانت طاعته مفروضة، وكان حجّة بعد رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم على الناس كلهم .

ص: 56


1- . الأمان من الأخطار 68 ، بحارالأنوار 46 / 309 - 308 .
2- . دلائل الإمامة 105 ، بحارالأنوار 69 / 183 .

وأنه عليه السلام ما قال في القرآن فهو حق ، فقال عليه السلام : رحمك الله ، فقبّلت رأسه .(1)

105 . عن أبي جعفر عليه السلام . . فكذلك لم يمت محمد صلى الله عليه و آله وسلم إلاّ وله بعيث نذير ، فإن قلت :

لا ، فقد ضيّع رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم من في أصلاب الرجال من أمته !

فقال السائل : أو لم يكفهم القرآن ؟ قال عليه السلام : بلى إن وجدوا له مفسّرا ، قال : أوما فسّره رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ؟ ! قال : بلى ، ولكن فسّره لرجل واحد وفسّر للأمة شأن ذلك الرجل ، وهو علي بن أبي طالب عليه السلام ، قال السائل : يا أبا جعفر ! كان هذا الأمر خاصّ لا يحتمله العامة ، قال : نعم ، أبى الله أن يعبد إلاّ سرا .(2)

106 . في حلية أبينعيم وولاية الطبري: قال النبي صلى الله عليه و آله وسلم : يا أنس ! اسكب لي وضوءا، فصلّى ركعتين ، ثم قال : يا أنس ! يدخل عليك من هذا الباب أمير المؤنين وسيد المسلمين وقائد الغرّ المحجلين وخاتم الوصيين .

قال أنس: قلت: اللهم اجعله رجلاً من الأنصار، وكتمته، إذ جاء عليٌ، فقال : من هذا يا أنس ! قلت : علي، فقام مستبشرا واعتنقه، ثم جعل يمسح عرق وجهه بوجهه ! فقال علي : يا رسول اللّه ! لقد رأيتك صنعت بي شيئا ما صنعته بي قبل ! قال : وما يمنعني وأنت تؤّي عنّي، وتُسمعهم صوتي، وتبيّن لهم ما اختلفوا فيه، وهذا من قول اللّه عزّ وجلّ : «وما أَنْزَلْنا عَلَيْك الْكِتابَ إِلاّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ»، فأقام عليّا لبيان ذلك .(3)

107 . عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين ، عن أبيه ، عن جدّه علي بن

ص: 57


1- . الكافي 1 / 168 ، 188 ، رجال الكشي 420 ، علل الشرائع 1 / 192 ، وسائل الشيعة 27 / 176 ، بحارالأنوار 23 / 17 .
2- . الكافي 1 / 249 ، تأويل الآيات 796 ، بحارالأنوار 25 / 71 ، وسائل الشيعة 27 / 177 .
3- . المناقب 3 / 48 ، بحارالأنوار 38 / 2 .

أبي طالب عليهم السلام : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم : لما أسري بي إلى السماء ثم من السماء إلى السماء ثم إلى سدرة المنتهى أوقفت بين يدي ربّي عزّ وجلّ فقال : يا محمد ! فقلت : لبيك ربي وسعديك ، قال : . . . قد بلوت خلقي فأيّهم وجدت أطوع لك ؟ قال : قلت : ربّ ! عليا ، قال : صدقت يا محمد ! فهل اتخذت لنفسك خليفة يؤّي عنك ويعلّم عبادي من كتابي ما لا يعلمون ؟ قال : قلت : اختر لي فإن خيرتك خير لي ، قال : قد اخترت لك عليّا ، فاتخذه لنفسك خليفة ووصيا ، ونحلته علمي وحلمي .(1)

108 . عن أبي جعفر عليه السلام في ضمن رواية : فيقول اللّه لمحمد صلى الله عليه و آله وسلم : فهل استخلفت في أُمّتك من بعدك من يقوم فيهم بحكمتي وعلمي ، ويفسّر لهم كتابي ، ويبيّن لهم ما يختلفون

فيه من بعدك حجّة لي وخليفة في الأرض ؟

فيقول محمد صلى الله عليه و آله وسلم : نعم - يا ربّ ! - قد خلّفت فيهم علي بن أبي طالب أخي ووزيري ووصيي وخير أُمّتي .(2)

109 . عن علي بن موسى الرضا عليه السلام ، عن أبيه موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمد ، عن أبيه محمد بن علي ، عن أبيه علي بن الحسين ، عن أبيه الحسين بن علي ، عن أبيه علي بن أبي طالب عليهم السلام ، عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم ، عن جبرئيل ، عن ميكائيل ، عن إسرافيل ، عن اللّه تعالى جلّ جلاله أنه قال : أنا اللّه لا إله إلاّ أنا ، خلقت الخلق بقدرتي فاخترت منهم من شئت من أنبيائي ، واخترت من جميعهم محمدا حبيبا وخليلاً وصفيّا ، فبعثته رسولاً إلى خلقي ، واصطفيت له عليّا ، فجعلت له أخا ووصيّا ووزيرا

ص: 58


1- . الأمالي للشيخ الطوسي 343 ، 353 ، تأويل الآيات الظاهرة 578 ، التحصين لابن طاوس 542 ، 544 ، كشف الغمة 1 / 346 ، كشف اليقين 278 ، اليقين 159 ، إرشادالقلوب 2 / 237 ، بحارالأنوار 18 /371 و 24 / 181 و 36 / 159 ، 159 و37 / 291 و40 / 13 .
2- . تفسيرالقمي 1 / 192 - 191 ، بحارالأنوار 7 / 282 .

ومؤّيّا عنه من بعده إلى خلقي ، وخليفتي إلى عبادي ، يبيّن لهم كتابي ، ويسير فيهم بحكمي ، وجعلته العلم الهادي من الضلالة وبابي الذي أوتى منه .(1)

110 . وقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم : القرآن إمام هاد ، وله قائد يهدي به ويدعو إليه بالحكمة والموعظة الحسنة ، وهو علي بن أبي طالب ، وهو ولي الأمر بعدي ، ووارث علمي وحكمتي وسرّي وعلانيتي وما ورّثه النبيون قبلي ، وأنا وارث ومورّث فلا تكذبنّكم أنفسكم .(2)

111 . وقال صلى الله عليه و آله وسلم في خطبة الغدير : معاشر الناس ! هذا عليٌّ أخي ووصيي ، وواعي علمي ، وخليفتي على أمتي وعلى تفسير كتاب اللّه عزّ وجلّ .(3)

112 . عن أبي جعفر عليهماالسلام في ضمن رواية : حبيب محمد صلى الله عليه و آله وسلم وأخوه ، والمبلّغ عنه من بعده البرهان والتأويل ومحكم التفسير : أمير المؤنين وولي المؤنين ووصي رسول ربّ العالمين علي بن أبي طالب عليه من اللّه الصلوات الزكيه والبركات السنية .(4)

113 . كتب أبو جعفر عليه السلام : . . وكل أمة قد رفع اللّه عنهم علم الكتاب حين نبذوه ، وكان . . . من نبذهم الكتاب أن ولّوه الذين لا يعلمون ، فأوردوهم الهوى ، وأصدروهم

إلى الردى ، وغيّروا عرى الدين ، ثم ورثوه في السفه والصبا ، فالأمة يصدرون عن أمرالناس بعد أمر اللّه تبارك وتعالى وعليه يردون ! «بِئْسَ لِلظّالِمِينَ بَدَلا» : ولاية الناس بعد ولاية اللّه ، وثواب الناس بعد ثواب اللّه ، ورضا الناس بعد رضا اللّه ! !

ص: 59


1- . إرشادالقلوب 2 / 406 ؛ بشاره المصطفى صلى الله عليه و آله وسلم 31 ؛ عيون أخبارالرضا عليه السلام 2 / 49 ، الأمالي للشيخ الصدوق 222 ، بحارالأنوار 28 / 98 ، وسائل الشيعة 27 / 186 .
2- . خصائص الأئمة عليهم السلام 75 ، قريب منه بحارالأنوار 22 / 486 .
3- . الاحتجاج 1 / 60 ، التحصين 583 ، روضه الواعظين 1 / 94 ، العددالقوية 174 ، اليقين 351 ، بحارالأنوار 37 / 209 .
4- . تفسيرفرات الكوفي 397 ، اليقين 320 ، بحارالأنوار 23 / 246 و 26 / 252 .

فأصبحت الأمة كذلك وفيهم المجتهدون في العبادة على تلك الضلالة معجبون مفتونون ، فعبادتهم فتنة لهم ولمن اقتدى بهم . .(1)

114 . وفي احتجاج هشام على الشامي بمحضر مولانا الصادق عليه السلام : ... فقال له هشام : فما هذا الدليل الذي نصبه لهم ؟ قال الشامي : هو رسول اللّه ، قال هشام : فبعد

رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم من ؟ قال : الكتاب والسنة ، فقال هشام : فهل نفعنا اليوم الكتاب والسنة فيما اختلفنا فيه حتى رفع عنا الاختلاف ومكّننا من الاتفاق ، فقال الشامي : نعم، قال هشام: فلم اختلفنا نحن وأنت جئتنا من الشام ؟ ... فسكت الشامي..(2)

أنهم عليهم السلام الناطقون عن القرآن بل هم القرآن الناطق

115 . قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم : إني تارك فيكم الثقلين : كتاب اللّه وعلي بن أبي طالب ، واعلموا أن عليّا لكم أفضل من كتاب اللّه ؛ لأنه مترجم لكم عن كتاب اللّه تعالى .(3)

ص: 60


1- . الكافي 8 / 52 ، بحارالأنوار 75 / 358 .
2- . الكافي 1 / 171 ، بحارالأنوار 23 / 9 و 48 / 203 ، الاحتجاج 2 / 366 ، الإرشاد 2 / 194 ، إعلام الورى 280 ، كشف الغمة 2 / 173 ، المناقب 4 / 243 .
3- . مائة منقبة 161 ، المنقبة السادسة والثمانون . أقول : ولبعضهم في ذلك تأليف مستقل مثل كتاب : أفضلية النبي صلى الله عليه و آله وسلم على القرآن المجيد ، كما في كتاب فهرست نسخ خطى ناصريه لكهنو صفحة 318 ، ولاحظ أيضا كشف الحجب 447 . قال الفقيه الأعظم الشيخ جعفر كاشف الغطاء: المبحث الرابع : إنه [ أي القرآن ] أفضل من جميع الكتب المنزلة من السماء ومن كلام الأنبياء والأصفياء ، وليس بأفضل من النبي صلى الله عليه و آله وسلم وأوصيائه عليهم السلام ، وإن وجب عليهم تعظيمه واحترامه؛ لأنه ممّا يلزم على المملوك - وإن قرب من الملك نهاية القرب - تعظيمُ ما يُنسب إليه من أقوال وعيال وأولاد وبيت ولباس وهكذا ؛ لأن ذلك تعظيم للمالك ، فتواضُعُهم لبيت الله تعالى وتبرُّكُهم بالحجر والأركان وبالقرآن وبالمكتوب من أسمائه وصفاته من تلك الحيثية لا يقضى لها بزيادة الشرفية. انظر كشف الغطاء 2 / 298 . ونقل ابن شهرآشوب المازندراني عن الشيخ المفيد أنه سُئل : القرآن أفضل أم محمد صلى الله عليه و آله وعلي عليه السلام ؟ فقال : محمد صلى الله عليه و آله وعلي عليه السلام ، لقوله : «وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ». وقوله : «وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الأَخْيارِ» ، اصطفاهم لأداء شرعه إلى عباده ، وحفظه عليهم ، ودعائهم إليه ، وإيضاح معانيه لهم ، فأدّوا ما وجب عليهم من ذلك ، واستحقّوا عليه عظيم الأجر ورفيع المكان . هذا مع أن الفضل إنما هو بالأعمال بعد الاختيار ، والقرآن فلا عمل له ، وإنما هو عمل وصنع وآية لله ولرسوله ، وصاحب الآية أعظم قدرا منها ، والمبين عن الشيء أفضل منه ، والهادي إليه أجلّ منه ، والسبب في العمل أعظم من المعمول به . والقرآن وإن كان كلام الله تعالى ، فرسول الله صلى الله عليه و آله صفيّه ، وعلي عليه السلام وليه . والقرآن ليس بعابدولامطيع، وهما للّه عابدان، وفي طاعته مخلصان، والتفاضل انما يكون بالاعمال. وقول القائل : إن الكلام أفضل من المتكلم . لغو . وقد روي : « إني مخلّف فيكم الثقلين ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي » ، وهما [ أي رسول الله صلى الله عليه و آلهوأمير المؤمنين عليه السلام ] يترجمان عن الكتاب ، والمترجم أفضل من الترجمة . ومن مات ولم يحفظ من القرآن إلاّ ما يصلّي به لم يكن عليه تبعة في دينه ويدخل الجنة ، ومن مات بغير معرفتهما مات ميتة جاهلية، وكان مخلّدا فيالنار. لاحظ متشابه القرآن 2/ 44 . وقال صاحب الجواهر - في ضمن كلام له - : كهتك حرمة الكعبة والقرآن ، بل الإمام أعظم منهما . انظر : جواهر الكلام 21/345 . وللشيخ النهاوندي قدس سره بحث في ذلك فراجع خزينة الجواهر 447 العنوان الثاني من الباب الثالث ، الطبعة الأولى . ولاحظ أيضا ما ذُكر في تعليقة شرح الكافي للمازندراني 7/309 .

116 . عن أبي بصير : قال أبو عبداللّه عليه السلام - في قوله تعالى : «هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ» - : إن الكتاب لا ينطق ولكن محمد وأهل بيته عليهم السلام هم الناطقون بالكتاب .(1)

117 . عن أمير المؤنين عليه السلام : هذا كتاب الله الصامت وأنا كتاب الله الناطق .(2)

ص: 61


1- . تأويل الآيات 559 ، بحارالأنوار 23 / 198 .
2- . وسائل الشيعة 27 / 34 .

118 . وعنه عليه السلام : أنا كلام اللّه الناطق وهذا كلام اللّه الصامت .(1)

119 . وعنه عليه السلام : وهذا القرآن إنما هو خط مسطور بين الدفّتين ، لا ينطق بلسان ولابدّ له من ترجمان وإنما ينطق عنه الرجال . وفي رواية : وإنما يتكلم به الرجال .(2)

120 . وقال عليه السلام - في قضية التحكيم - : ... وهذا كتاب اللّه الصامت وأنا المعبّر عنه ، فخذوا بكتاب اللّه الناطق وذروا الحكم بكتاب اللّه الصامت ؛ إذ لا معبّر عنه غيري .(3)

121 . عن مولانا الرضا عليه السلام : . . وأن الدليل بعده والحجّة على المؤنين والقائم بأمر المسلمين والناطق عن القرآن والعالم بأحكامه أخوه وخليفته ووصيّه ووليّه - الذي كان منه بمنزلة هارون من موسى - علي بن أبي طالب عليه السلام أمير المؤنين وإمام المتقين وقائد الغرّ المحجلين وأفضل الوصيين ووارث علم النبيين والمرسلين ، وبعده الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ، ثم علي بن الحسين زين العابدين ، ثم محمد بن علي باقر علم الأولين ، ثم جعفر بن محمد الصادق وارث علم الوصيين ، ثم موسى بن جعفر الكاظم ، ثم علي بن موسى الرضا ، ثم محمد بن علي ، ثم علي بن محمد ، ثم الحسن بن علي ، ثم الحجّة القائم المنتظر ولده صلوات الله عليهم أجمعين . أشهد لهم بالوصية والإمامة ،

وأن الأرض لا تخلو من حجّة الله تعالى على خلقه كل عصر وأوان ، وأنهم العروة الوثقى وأئمة الهدى والحجّة على أهل الدنيا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، وأن كل من خالفهم ضالّ مضلّ تارك للحق والهدى ، وأنهم المعبّرون عن القرآن والناطقونعن الرسول صلى الله عليه و آله وسلم بالبيان ، من مات ولم يعرفهم مات ميتة جاهلية .(4)

ص: 62


1- . بحارالأنوار 30 / 546 .
2- . راجع : نهج البلاغة 182 ، الاحتجاج 1 / 185 ، أعلام الدين 103 ، شرح نهج البلاغة 8 / 103 ، الإرشاد 1 / 270 ؛ المناقب 3 / 188 ؛ بحارالأنوار 33 / 370 ، 387 - 388 .
3- . العمدة 329 .
4- . تحف العقول 415 ، الخصال 2/478 ، عيون أخبارالرضا عليه السلام 1/54 و2/121، كمال الدين 2 / 336، الوسائل 27/189 ، البحار 10/ 352 ، 360 و 36/396 - 397 و 65/261 .

ويأتي : * [ في الرقم 186] إن قالوا : حجّة اللّه القرآن ؟ قال : إذن أقول لهم : إن القرآن ليس بناطق يأمر وينهى ولكن للقرآن أهل يأمرون وينهون .

* [ وفي الرقم 236] جاءهم نبيّه صلى الله عليه و آله وسلم بنسخة ما في الصحف الأولى و«تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ» ... ذلك القرآن فاستنطقوه ولن ينطق لكم أخبركم عنه .

وقد ورد في كثير من الروايات والزيارات وصفهم عليهم السلام بأنهم تراجمة وحي اللّه وتراجمة الكتاب . . وترجمان القرآن . . ونحوها فراجع .(1)

ص: 63


1- . انظر مثلا : الكافي 1 / 192 ، الفقيه 2 / 609 ، تهذيب الأحكام 6 / 97 ، إعلام الورى 284 ، إقبال الأعمال 392 ، 607 ، 705 ، بصائرالدرجات 62 ، 104 ، البلدالأمين 29 ، 187 ، 279 ، 299 ، جمال الأسبوع 34 ، 500 ، دلائل الإمامة 302 ، رجال الكشي 306 ، عيون أخبار الرضا7 2 / 274 ، الغيبة للشيخ الطوسي 277 ، فلاح السائل 241 ، كامل الزيارات 316 ، كتاب سليم 605 ، 856 ، كتاب المزار 186 ، المصباح للشيخ لكفعمي 39 ، 475 ، 545 ، مصباح المتهجد 103 ، 406 ، 842 ، مفتاح الفلاح 244 ، المقنعة 475 ، بحارالأنوار 22 / 148 و 24 / 12 و 25 / 4 و 26 / 105 ، 248 ، 259، 262 و 28 / 14 و 52 / 21 و 86 / 340 و 91 / 81 و 92 / 431 و 95 / 262 و 97 / 187 ، 206 ، 343 و 98 / 371 و 99 / 16 ، 18 ، 21 ، 100 ، 129 ، 150، 160 ، 180 ، 214 ، 320 . وينبغي لنا أن نتبرك بذكر بعض الروايات في ذلك : * عن سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم - في ضمن رواية - : . . ألا وإن الله نظر نظرة ثانية فاختار بعدنا اثني عشر وصيا من أهل بيتي ... هم حجج الله في أرضه ، وشهداؤ على خلقه ، خزّان علمه ، وتراجمة وحيه ، ومعادن حكمته ، من أطاعهم أطاع الله ، ومن عصاهم عصى الله . هم مع القرآن والقرآن معهم ، لا يفارقونه حتى يردوا عليّ الحوض ، فليبلغ الشاهد الغائب . كتاب سليم 857 ، بحارالأنوار 22 / 149 - 150 * عن مولانا أمير المؤنين عليه السلام : ... اني أنا وأوصيائي بعدي إلى يوم القيامة هداة مهتدون ، الذين قرنهم اللّه بنفسه ونبيّه في آي من كتاب اللّه كثيرة ، وطهّرنا وعصمنا وجعلنا شهداء على خلقه ، وحجته في أرضه ، وخزّانه على علمه ، ومعادن حكمه ، وتراجمة وحيه ، وجعلنا مع القرآن والقرآن معنا لا نفارقه ولايفارقنا حتى نرد على رسول اللّه صلى الله عليه و آله حوضه . (كتاب سليم 606 ، بحارالانوار 28/15) * وعنه عليه السلام - في ضمن رواية طويلة - : . . ومثله في سورة التغابن قوله تعالى : «آمِنُوا بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا» يعني سبحانه القرآن ، وجميع الأوصياء المعصومين حملةُ كتاب الله عز وجلّ وخزنته وتراجمته ، الذين نعتهم الله في كتابه فقال : «وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاّ اللّهُ وَالرّاسِخُونَ في الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا» ، وهم المنعوتون الذين أنار الله بهم البلاد ، وهدى بهم العباد . . (بحارالأنوار 90 / 21 عن تفسير النعماني) * عن مولانا علي بن الحسين عليهماالسلام : ليس بين الله وبين حجّته حجاب ، فلا لله دون حجّته ستر ، نحن أبواب الله ، ونحن الصراط المستقيم ، ونحن عيبة علمه ، ونحن تراجمة وحيه ، ونحن أركان توحيده ، ونحن موضع سرّه. (معانى الأخبار 35 ، بحارالأنوار 24 / 12) * عن أبي جعفر عليه السلام : نحن خزان الله على علم الله ، ونحن تراجمة وحي الله ، نحن الحجّة البالغة على من دون السماء وفوق الأرض . (بصائرالدرجات 104 ، الكافي 1 / 192) * وعنه عليه السلام : .. وجعلنا عينه على عباده ، ولسانه الناطق في خلقه ، ويده المبسوطة عليهم بالرأفة والرحمة ، ووجهه الذي يؤى منه ، وبابه الذي يدل عليه ، وخزّان علمه ، وتراجمة وحيه ، وأعلام دينه ، والعروة الوثقى ، والدليل الواضح لمن اهتدى . (بحارالأنوار 25 / 5) * عن أبي عبد الله عليه السلام : .. لأنا حجّة المعبود ، وترجمان وحيه ، وعيبة علمه ، وميزان قسطه .. (بحارالأنوار 26/259 ) * وروى سدير عنه عليه السلام ، قال : قلت : فما أنتم جعلت فداك ؟ قال : خزّان علم الله ، وتراجمة وحي الله ، ونحن قوم معصومون، أمر اللّه بطاعتنا ونهى عن معصيتنا ، نحن الحجة البالغة على من دون السماء وفوق الأرض . (الكافي 1 / 269 ، بحارالأنوار 25 / 298) * عن أبي خالد القماط ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : قلت له : يا ابن رسول الله ما منزلتكم من ربكم؟ فقال : حجته على خلقه ، وبابه الذي يؤى منه ، وأمناؤ على سرّه وتراجمة وحيه . (بصائرالدرجات 62 ، بحارالأنوار 26 / 248) * وفي ضمن تعقيب صلاة المغرب : وصلّ على محمد وآله الطاهرين الأخيار ، الأتقياء الأبرار ، الذين انتجبتهم لدينك ، واصطفيتهم من خلقك ، وائتمنتهم على وحيك ، وجعلتهم خزائن علمك ، وتراجمة كلمتك .. (بحارالأنوار 83 / 108) * ومن أدعية يوم الجمعة : .. وخصّ آل نبينا الطيبين ، السامعين لك ، المطيعين ، القوّامين بأمرك ، الذين أذهبت عنهم الرجس وطهّرتهم تطهيرا، وارتضيتهم لدينك أنصارا، وجعلتهم حفظة لسرك، ومستودعا لحكمتك ، وتراجمة لوحيك ، وشهداء على خلقك .. (بحارالأنوار 86 / 341) * وفي الصلوات المعروف بصلوات الضراب الإصفهاني : .. اللهم صلّ على محمد وأهل بيته ، الأئمة الهادين المهديين ، العلماء الصادقين ، الأبرار المتقين ، دعائم دينك ، وأركان توحيدك ، وتراجمة وحيك ، وحججك على خلقك .. (بحارالأنوار 52 / 21 و 91 / 82) * وفي دعاء الإخلاص : .. ارتضيتهم أنصارا لدينك ، وشهداء على خلقك ، وقوّامين بأمرك ، وأمناء حفظة لسرك ، وموضع رحمتك ، ومستودع حكمتك ، وتراجمة وحيك .. (بحارالأنوار 92 / 432) * وفي أدعية يوم عرفة : .. اللهم وصلّ على ولاة الأمر بعد نبيّك ، وتراجمة وحيك .. (بحارالأنوار 95 / 263) * وفي زيارة النبي صلى الله عليه و آله وسلم : .. وأن الأئمة من أهل بيته أولياؤ وأنصارك ، وحججك على خلقك، وخلفاؤ في عبادك ، وأعلامك في بلادك ، وخزّان علمك ، وحفظة سرّك وتراجمة وحيك .. (بحارالأنوار 97 / 188) * وفي زيارة أمير المؤمنين عليه السلام .. السلام عليكم يا خزّان علم الله ، السلام عليكم يا تراجمة وحي الله ، السلام عليكم أيها الصادقون عن الله ، السلام عليكم يا عترة رسول الله ، السلام عليكم يا ناصري دين الله ، السلام عليكم أيها الحاكمون بحكم الله .. (بحارالأنوار 97 / 343) * وفي زيارة الأئمة بالبقيع عليه السلام .. السلام عليكم يا خزّان علم الله ، وحفظة سرّه ، وتراجمة وحيه ، أتيتكم يا بني رسول الله عارفا بحقكم ، مستبصرا بشأنكم .. (بحارالأنوار 97 / 206) * وفي زيارة مولانا الحسين عليه السلام من بُعد البلاد : .. انتجبكم بعلمه أصفياء لدينه ، وقوّاما بأمره ، وخزّانا لعلمه ، وحفظة لسرّه ، ومعادن لكلماته، وتراجمة لوحيه، وشهداء على عباده، وأنه جلّ ذكره استرعى بكم خلقه ، وأورثكم كتابه ، وخصّكم بكرائم الإيمان والتنزيل ، وآتاكم التأويل .. (بحارالأنوار 98 / 371) * وفي الصلاة على مولانا الباقر عليه السلام : .. اللهم صلّ على محمد بن عليّ ، باقر العلم ، وإمام الهدى ، وقائد أهل التقوى ، والمنتجب من عبادك ، اللهم وكما جعلته علما لعبادك ، ومنارا لبلادك ، ومستودعا لحكمتك ، ومترجما لوحيك ، وأمرت بطاعته ، وحذّرت عن معصيته ، فصلّ عليه يا ربّ أفضل ما صلّيت على أحد من ذرية أنبيائك وأصفيائك ورسلك وأمنائك يا إله العالمين .. (البلدالأمين 304 ، جمال الأسبوع 489 ، مصباح المتهجد 402 ، بحارالأنوار 91 / 76) * وفي زيارة مولانا أبي إبراهيم موسى بن جعفر عليه السلام : .. انتجبكم بعلمه ، وجعلكم أنصارا لدينه، وقوّاما بأمره، وخزّانا لحكمه ، وحفظة لسرّه ، وأركانا لتوحيده ، معادن لكلماته ، وتراجمة لوحيه .. (بحارالأنوار 99 / 16 وقريب منها ما في زيارته الأخرى ، انظر بحارالأنوار 99 / 19) * وفي زيارة مولانا جواد الأئمة عليه السلام : .. ومستودع علم الله وعلم الأنبياء ، وركن الإيمان وترجمان القرآن ... اللهم صلّ على محمد وأهل بيته ، وصلّ على محمد بن علي الزكي التقي ... عديل القرآن في الطاعة ، وواحد الأوصياء في الإخلاص والعبادة ، وحجّتك العليا ، ومثلك الأعلى ، وكلمتك الحسنى ، الداعي إليك ، والدالّ عليك ، الذي نصبته علما لعبادك ، ومترجما لكتابك .. بحارالأنوار 99 / 21 * وفي زيارة مولانا صاحب الزمان عليه السلام المعروف بزيارة آل يس : .. السلام عليك يا تالي كتاب الله وترجمانه .. (الاحتجاج 2 / 492 ، بحارالأنوار 53 / 171 و 99 / 81 ، وانظر بحارالأنوار 91 / 2 ، 36 ، 92) * وفي زيارة أخرى له عليه السلام : .. اللهم صلّ على محمد وأهل بيته ، الهادين المهديّين ، العلماء الصادقين ، الأوصياء المرضيّين ، دعائم دينك ، وأركان توحيدك ، وتراجمة وحيك ، وحججك على خلقك ، وخلفائك في أرضك .. (بحارالأنوار 99 / 100) * وفي الزيارة الجامعة الكبيرة : .. رضيكم خلفاء في أرضه ، وحججا على بريّته ، وأنصارا لدينه ، وحفظة لسرّه ، وخزنة لعلمه ، ومستودعا لحكمته ، وتراجمة لوحيه .. (الفقيه 2 / 611 ، تهذيب الأحكام 6 / 97 ، بحارالأنوار 99 / 129 ، وانظر بحارالأنوار 99 / 150 ، 162 ، مستدرك الوسائل 10 / 419) * وورد في الزيارات الجامعة أيضا : مصابيح الظلم ، وينابيع الحكم ، وأولياء النعم ، وعصم الأمم ، قرناء التنزيل وآياته ، وأمناء التأويل وولاته ، وتراجمة الوحي ودلالاته . (بحارالأنوار 99 / 181) * وفي زيارة الأئمة عليهم السلام يوم الثلاثاء : .. السلام عليكم يا خزّان علم الله ، السلام عليكم يا تراجمة وحي الله ، السلام عليكم يا أئمة الهدى .. (بحارالأنوار 99 / 214) .. وغيرها كثير جدّا .

ص: 64

ص: 65

ص: 66

القرآن تبيان لكلّ شيء بواسطة قيّمه ومعلّمه

لاريب أن اللّه أنزل في القرآن تبيان كل شيء ، وما ترك شيئا يحتاج العباد إليه إلاّ بيّنه للناس حتى لا يستطيع عبد يقول : لو كان هذا نزل في القرآن إلاّ وقد أنزل اللّه

فيه ، كما روي عن أبي عبد اللّه عليه السلام ،(1) إلاّ أنّا بحاجة إلى مبيّن منصوب من قبل من أنزله ليبيّن لنا ما نحتاج إليه إذ لا نقدر على استنباط ذلك بأنفسنا كما ورد :

122 . عن أمير المؤنين عليه السلام : . . وسلوني عن القرآن فإن في القرآن بيان كل شيء ، فيه علم الأولين والآخرين ، وإن القرآن لم يدع لقائل مقالا ، «وما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاّ اللّهُ والرّاسِخُونَ في الْعِلْمِ» ، ليس بواحد رسول اللّه منهم ، أعلمه اللّه إيّاه فعلّمنيه رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ثم لا تزال في عقبنا إلى يوم القيامة .(2)

123 . عن أبي جعفر ، عن أبيه عليهماالسلام : ما بعث اللّه نبيّا إلاّ أعطاه من العلم بعضه ما خلا النبي صلى الله عليه و آله وسلم فإنه أعطاه من العلم كله فقال : «تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ» .(3)

124 . عنه عليه السلام : وقال اللّه لمحمد عليه وآله السلام : «وجِئْنا بِك شَهِيداً عَلى هؤلاءِ ونَزَّلْنا عَلَيْك الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ» . وروي قريب منها عن أبي عبداللّه عليه السلام .(4)

125 . قال أبو جعفر عليه السلام : إن اللّه جلّ ذكره أنزل على نبيّه كتابا بيّن فيه ما كان وما يكون إلى يوم القيامة في قوله : «ونَزَّلْنا عَلَيْك الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وهُدىً ومَوْعِظَةٌلِلْمُتَّقِينَ» ، وفي قوله : «كُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ في إِمامٍ مُبِينٍ» ، وفي قوله : «ما فَرَّطْنا في

ص: 67


1- . تفسيرالقمي 2 / 451 ، الكافي 1 / 59 ، بحارالأنوار 65 / 237 و89 / 80 - 81 .
2- . كتاب سليم 941 ، تفسيرفرات الكوفي 67 ، بحارالأنوار 26 / 64 .
3- . تفسيرفرات الكوفي 145 ، بحارالأنوار 26 / 64 .
4- . الخرائج والجرائح 2/798 ، بصائرالدرجات 228 - 227 ، تفسيرالعياشي 2 / 266 ، بحارالانوار 13/243 و 17/145 و 26/194 ، 198 و35/432 و40 / 212 و89 / 102 .

الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ» ، وفي قوله : «وما مِنْ غائِبَةٍ في السَّماءِ والأَرْضِ إِلاّ في كِتابٍ مُبِينٍ» ، وأوحى اللّه إلى نبيّه صلى الله عليه و آله وسلم أن لا يبقى في غيبه وسرّه ومكنون علمه شيء إلاّ يناجي به عليّا ، فأمره أن يؤف القرآن من بعده .(1)

126 . عن أبيالحسن الأول عليه السلام : . . ثم قال : «ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا» ، فنحن الذين اصطفانا اللّه عزَّوجلَّ وأورثنا هذا الذي فيه تبيان كل شيء .(2)

127 . عن علي عليه السلام : . . ولم يتركهم سدى، ومهما عجزوا عنه ردّوه إلى الرسل والأئمة صلوات اللّه عليهم، وهو يقول : «ما فَرَّطْنا في الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ»، ويقول : «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي» ، ويقول سبحانه : فيه تبيان كل شيء .(3)

128 . عن أبي عبد اللّه عليه السلام : قد ولّدني رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم وأنا أعلم كتاب اللّه ،] واللّه إني لأعلم كتاب اللّه من أولّه إلى آخره] وفيه بدء الخلق وما هو كائن إلى يوم القيامة ، وفيه خبر السماء وخبر الأرض ، وخبر الجنة وخبر النار ، وخبر ما كان وخبر ما هو كائن ، أعلم ذلك كأنما أنظر إلى كفّي ، إن اللّه يقول : فيه تبيان كل شيء .(4)

129 . وعنه عليه السلام : قد ولّدني رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم وعلمت كتاب اللّه ، وفيه تبيان كل شيء :

بدء الخلق ، وأمر السماء ، وأمر الأرض ، وأمر الأولين ، وأمر الآخرين ، وأمر ما كانوما يكون ، كأني أنظر إلى ذلك نصب عيني .(5)

ص: 68


1- . الأمان من الأخطار 69 ، دلائل الامامة 106 ، بحارالأنوار 46 / 308 و 69 / 184 .
2- . الكافي 1 / 226 ، تأويل الآيات 480 ، بصائرالدرجات 47 - 48 ، 114 - 115 ؛ بحارالأنوار 17 / 133 و 26 / 65 ، 161 و 89 / 84 ، وفي بعضها : فقد ورّثنا بدل (أورثنا) .
3- . بحارالأنوار 90 / 95 ، وسائل الشيعة 27 / 57 ، عن تفسير النعماني .
4- . بصائرالدرجات 197 ؛ تفسيرالعياشي 2 / 266 ، الكافي 1 / 61 ؛ بصائرالدرجات 194 ، تأويل الآيات 243 ؛ بحارالأنوار 89 / 86 ، 89 ، 98 ، 101 .
5- . الكافي 2 / 222 - 223 ؛ بحارالأنوار 47 / 371 و 72 / 74 .

130 . وعنه عليه السلام : واللّه إني لأعلم ما في السماوات ، وأعلم ما في الأرض ، وأعلم ما في الدنيا ، وأعلم ما في الآخرة ، فرأى تغيّر جماعة فقال : يا بكير ! إني لأعلم ذلك من

كتاب اللّه تعالى إذ يقول: «ونَزَّلْنا عَلَيْك الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ» .(1)

131 . وعنه عليه السلام : إني لأعلم ما في السماوات ، وأعلم ما في الأرضين ، وأعلم ما في الجنة ، وأعلم ما في النار ، وأعلم ما كان وما يكون . ثم مكث هنيئة فرأى أن ذلك كبر

على من سمعه ، فقال : علمت من كتاب الله ، إن الله يقول : فيه تبيان كل شيء .(2)

132 . عنه عليه السلام : نحن - واللّه - نعلم ما في السماوات وما في الأرض وما في الجنة وما في النار وما بين ذلك ، فبهتّ أنظر إليه . . فقال : يا حماد ! « إن ذلك من كتاب اللّه » - ثلاث مرّات - ثم تلا هذه الآية : «ويَوْمَ نَبْعَثُ في كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وجِئْنا بِك شَهِيداً عَلى هؤلاءِ ونَزَّلْنا عَلَيْك الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وهُدىً ورَحْمَةً وبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ» ، إنه من كتاب اللّه ، فيه تبيان كل شيء ، فيه تبيان كل شيء .(3)

133 . وعنه عليه السلام: انا أهل البيت لم يزل اللّه يبعث فينامن يعلم كتابه من أوله الى آخره.(4)

134 . وعنه عليه السلام : إن الله علّم نبيه التنزيل والتأويل ، قال : فعلّم رسول الله صلى الله عليه و آله وسلمعليّا ، قال : وعلّمنا والله .(5)

ص: 69


1- . المناقب 4 / 250 ، بحارالأنوار 26 / 28 .
2- . الكافي 1 / 261 ؛ بصائرالدرجات 127 - 128 ؛ تأويل الآيات 109 ؛ بحارالأنوار 26 / 110 - 111 و 89 / 85 - 86 ، وانظر كشف الغمة 2 / 196 ؛ بحارالأنوار 47 / 35 .
3- . بصائرالدرجات 128 ؛ تأويل الآيات 611 ؛ بحارالأنوار 89 / 86 ، وانظر تفسيرالعياشي 2 / 266 ؛ بحارالأنوار 89 / 101 .
4- . بصائرالدرجات 194 ، تفسيرالعياشي 1/16 ، المستدرك 17/334 ، بحارالأنوار 89 / 89 ، 96.
5- . الكافي 7 / 442 ؛ التهذيب 8 / 286 ؛ الوسائل 23 / 224 و27 / 182 ، بصائرالدرجات 295 ، البحار 26 / 173 ؛ وانظر 89 / 97 ، تفسيرالعياشي 1 / 17 ؛ المستدرك 17 / 334 .

* وتقدّم :[ في الرقم 24] فرسول اللّه أفضل الراسخين، قد علّمه اللّه جميع ما أنزل عليه من التنزيل والتأويل، وما كان اللّه منزلا عليه شيئا لم يعلّمه تأويله ، وأوصياءه من بعده يعلمونه كله .

* [ وفي الرقم 91] إن اللّه تبارك وتعالى لم يدع شيئاً يحتاج إليه الأُمَّة إلاّ أنزله في كتابه وبيَّنه لرسوله .

* و يأتي : [ في الرقم 229] قد أنزل الله القرآن وجعل فيه تبيان كل شيء ، وجعل للقرآن ولتعلّم القرآن أهلاً .

أقول : فإذا ورد في النصوص أن النبي صلى الله عليه و آله وسلم يتعلّم بيانَ الآيات من اللّه عزّ وجلّ ، والائمة عليهم السلام يتعلّمون ذلك من النبي صلى الله عليه و آله وسلم ، فكيف نكون نحن مستغنين عن التعلّم ويكفينا التدبر في الآيات ؟ !

الأئمة مع القرآن والقرآن معهم لا يفترقان رغما للقائل: حسبنا كتاب اللّه!

135 . قال الشيخ الحرّ العاملي قدس سره : وتواتر من الطريقين عنه صلى الله عليه و آله وسلم أنه قال : إني مخلّف فيكم الثقلين ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي .(1)

وقال العلاّمة الأميني قدس سره : .. قوله الصحيح الثابت المتواتر المتسالم عليه ... : إني تارك - أو مخلّف - فيكم الثقلين - أو الخليفتين - ، ما إن تمسّكتم به [بهما] لن تضلّوا بعدي : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض .(2)

أقول : وراجع احقاق الحق ، وملحقاته ،(3) وعبقات الأنوار ، وخلاصته ،

ص: 70


1- . الفصول المهمة في أصول الأئمة عليهم السلام 1 / 449 ، وانظر وسائل الشيعة 27 / 33 .
2- . الغدير 3 / 79 - 80 ، وقال في موضع آخر : صحّ عند أئمة فرق الإسلام. الغدير 3 / 65
3- . المجلدات : 5 ، 9 ، 15 ، 16 ، 20 ، 21 .

والغدير وغيرها، وللحديث بيان يأتي إن شاء اللّه تعالى .(1)

136 . قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم - في خطبة الغدير - : معاشر الناس! إن عليّا والطيبين من ولدي هم الثقل الأصغر والقرآن الثقل الأكبر ، وكل واحد منهم مبيّن عن صاحبه موافق له ، لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض بأمر الله في خلقه وبحكمه في أرضه ، ألا وقد أدّيت ، ألا وقد بلّغت ، ألاقد أسمعت ، ألا وقد أوضحت .. (2)

137 . وقال صلى الله عليه و آله وسلم : . . هم مع القرآن والقرآن معهم ، لا يفارقهم ولا يفارقونه .(3)

138 . قال صلى الله عليه و آله وسلم : . . يشهد الثقل الأكبر للثقل الأصغر ويشهد الثقل الأصغر للثقل الأكبر ، كل واحد منهما ملازم لصاحبه غير مفارق له حتى يردا إلى اللّه فيحكم بينهما وبين العباد .(4)

139 . عن أمير المؤنين عليه السلام : إن اللّه عزّ وجلّ طهّرنا وعصمنا ، جعلنا شهداء على خلقه وحجّته في أرضه وجعلنا مع القرآن وجعل القرآن معنا لا نفارقه ولا يفارقنا.(5)

ص: 71


1- . في الفصل الخامس بعد الرقم [24] .
2- . الاحتجاج1/60 ، روضه الواعظين 1 / 94 ، العددالقوية 174 ، اليقين 351 - 352 ، بحارالأنوار 37 /209 .
3- . الاحتجاج 1 / 148 ، 154 ؛ الأمالي للشيخ الطوسي 516 - 517 ؛ تأويل الآيات 662 ؛ التحصين لابن طاوس 632 ؛ تفسير العياشي 1 / 14 ، 253 ؛ الغيبة للنعماني 68 ، 80 ، 82 ، الفضائل 135 ؛ كتاب سليم 624 ، 643 ، 657 ، 686 ، 757 ، 760 ، 856 ، 909 ، كمال الدين 1 / 277 ، 284 ، بحارالأنوار 23/320 و30 / 311 و31 / 410 ، 426 و33 / 148 و36 / 256 ، 275 ، 278 ، 294 و 89 / 41 ، 98 ، وانظر كتاب سليم 884 ، 905 ، 907 .
4- . بشاره المصطفى صلى الله عليه و آله وسلم 30 ؛ بحارالأنوار 74 / 277 .
5- . الكافي 1 / 191 ، بصائرالدرجات 83 ، كتاب سليم 605 ، كمال الدين 1 / 240 ، وسائل الشيعة 27 / 178 ، بحارالأنوار 23 / 342 و26 / 250 و28 / 14 .

140 . قال سعد الإسكاف : سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول النبي صلى الله عليه و آله وسلم : « إني تارك فيكم الثقلين ، فتمسّكوا بهما ، فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض » ، فقال أبو جعفر عليه السلام : لا يزال كتاب اللّه والدليل منّا يدل عليه حتى يردا علي الحوض .(1)

141 . عن أبي عبد اللّه عليه السلام : . . مضى رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم وخلّف في أُمّته كتاب اللّه ووصيّه علي بن أبي طالب عليه السلام أمير المؤنين وإمام المتقين وحبل اللّه المتين وعروته الوثقى التي «لا انْفِصامَ لَها» وعهده المؤّد ، صاحبان مؤلفان يشهد كل واحد لصاحبه بتصديق ، ينطق الإمام عن اللّه عزّ وجلّ في الكتاب . . . فأوضح اللّه بأئمة الهدى من أهل بيت نبيّنا عن دينه ، وأبلج بهم عن سبيل مناهجه ، وفتح بهم عن باطن ينابيع علمه ... فهو عالم بما يرد عليه من ملتبسات الوحي ومعمّيات السنن ومشتبهات الفتن.(2)

142 . وعنه عليه السلام : إن الله جعل ولايتنا أهل البيت قطب القرآن وقطب جميع الكتب ، عليها يستدير محكم القرآن ، وبها يوهب الكتب ويستبين الإيمان ، وقد أمر رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم أن يقتدى بالقرآن وآل محمد ، وذلك حيث قال - في آخر الخطبة خطبها - : إني تارك فيكم الثقلين : الثقل الأكبر والثقل الأصغر ، فأمّا الأكبر فكتاب

ربي وأمّا الأصغر فعترتي أهل بيتي ، فاحفظوني فيهما ، فلن تضلّوا ما تمسّكتم بهما .(3)

143 . عن موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمد ، عن أبيه محمد بن علي ، عن أبيه علي بن الحسين عليهم السلام ، قال : الإمام منا لا يكون إلاّ معصوما ، وليست العصمة في ظاهر الخلقة فيعرف بها ، ولذلك لا يكون إلاّ منصوصا .

ص: 72


1- . بصائرالدرجات 414 ؛ بحارالأنوار 23 / 140 .
2- . بصائرالدرجات 412 ؛ بحارالأنوار 25 / 146 ؛ وروي ذيل الرواية في الكافي 1 / 203 ؛ الغيبة للشيخ النعماني 224 ؛ بحارالأنوار 25 / 150 .
3- . تفسيرالعياشي 1 / 5 ، بحارالأنوار 89 / 27 .

فقيل له : يا ابن رسول اللّه ! فما معنى المعصوم ؟

فقال : هو المعتصم بحبل الله ، وحبل اللّه هو القرآن ، لا يفترقان إلى يوم القيامة ، والإمام يهدي إلى القرآن والقرآن يهدي إلى الإمام ، وذلك قول اللّه عزّ وجلّ : «إِنَّ

هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ» .(1)

علم القرآن عند الحجج عليهم السلام

144 . عن أبي جعفر الباقر عليه السلام : . . إن أمير المؤنين عليه السلام قال . . . ولقد أعطيت السبع التي لم يسبقني إليها أحد : علمت الأسماء ، والحكومة بين العباد ، وتفسير الكتاب ، وقسمة الحق من المغانم بين بني آدم ، فما شذّ عني من العلم شيء إلاّ وقد علّمنيه المبارك ، ولقد أُعطيت حرفا يفتح ألف حرف ، ولقد أعطيت زوجتي مصحفا فيه من العلم ما لم يسبقها إليه أحد خاصّة من اللّه ورسوله .(2)

145 . عن أبي عبد اللّه عليه السلام : كان علي عليه السلام يعلم الخبر الحلال والحرام ويعلم القرآن ، ولكل شيء منهما حدّا .(3)

146 . عنه عليه السلام : كان علي عليه السلام صاحب حلال وحرام وعلم بالقرآن ونحن على منهاجه.(4)

147 . قال أمير المؤنين عليه السلام : ما نزلت آية إلاّ وأنا عالم متى نزلت وفي من نزلت ، ولو سألتموني عما بين اللوحين لحدّثتكم .(5)

ص: 73


1- . معانيالأخبار 132 ، تأويل الآيات 273 ، بحارالأنوار 25 / 194 .
2- . بصائر الدرجات 200 ، بحارالأنوار 39 / 343 .
3- . المحاسن 1 / 273 ، بحارالأنوار 2 / 170 .
4- . تفسيرالعياشي 1 / 15 ؛ بحارالأنوار 89 / 95 .
5- . الأمالي للشيخ الطوسي 170 ، بحارالأنوار 89 / 79 .

148 . وعنه عليه السلام : والذي بعث محمدا صلى الله عليه و آله وسلم بالحقّ وأكرم أهل بيته ما من شيء يطلبونه إلاّ وهو في القرآن ، فمن أراد ذلك فليسألني عنه .(1)

149 . وعنه عليه السلام : ما بين اللوحين شيء إلاّ وأنا أعلمه .(2)

150 . وفي كتابه عليه السلام إلى معاوية : وعلينا نزّل الكتاب ، وفينا بعث الرسول ، وعلينا تليت الآيات ، ونحن المنتحلون للكتاب ، والشهداء عليه ، والدعاة إليه ، والقوّام به .(3)

151 . عن أمير المؤنين عليه السلام : ما نزلت من القرآن آية إلاّ وقد علمتُ أين نزلت ، وفي من نزلت ، وفي أي شيء نزلت ، وفي سهل نزلت أم في جبل نزلت .

قيل : فما نزل فيك ؟ فقال : لولا أنكم سألتموني ما أخبرتكم ، نزلت فيّ الآية : «إِنَّما

أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ» ، فرسول اللّه المنذر وأنا الهادي إلى ما جاء به .(4)

152 . عنه عليه السلام : ما في كتاب اللّه عزّ وجلّ آية إلاّ وأنا أعرف تفسيرها ، وفي أيّ مكان نزلت من سهل أو جبل ، وفي أي وقت نزلت من ليل أو نهار ، وإن هاهنا لعلما جمّا - وأشار إلى صدره - ولكن طلاّبه يسير ، وعن قليل يندمون لو فقدوني .(5)

153 . وعنه عليه السلام : لو شئت لأوقرت بعيرا من تفسير «بِسْمِ اللّه ِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» .(6)

ص: 74


1- . وسائل الشيعة 11 / 420 .
2- . تفسيرالعياشي 1 / 17 ، بحارالأنوار 89 / 97 .
3- . الغارات 1 / 119 ، بحارالأنوار 33 / 136 .
4- . الأمالي للشيخ الصدوق 276 ؛ روضه الواعظين 1 / 116 ؛ شواهدالتنزيل 1 / 390 ؛ بحارالأنوار 35 / 395 - 396 و89 / 79 .
5- . علل الشرائع 1 / 40 ، عيون أخبارالرضا عليه السلام 1 / 45 ، بحارالأنوار 14 / 148 و56 / 109 .
6- . كشف الغمة 1 / 130 ، وفي ملحقات إحقاق الحق 7 / 595 عن مطالب السؤول 26 .

154 . وقال عليه السلام : لو شئت لأوقرت سبعين بعيرا في تفسير فاتحة الكتاب .(1)

155 . وعنه عليه السلام : لو شئت لأوقرت سبعين بعيرا من باء «بِسْمِ اللّهِ ...».(2)

156 . وفي رواية عنه عليه السلام : لو طويت لي وسادة لقلت في الباء من «بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» وقر سبعين بعيرا .

157 . وفي رواية : لو شئت لأوقرت لكم ثمانين بعيرا من معنى «بِسْمِ اللّهِ ...».(3)

158 . وفي رواية أُخرى : لو شئت لأوقرت لكم ثمانين بعيرا من علوم النقطة التي تحت الباء . أو : من معنى الباء .(4)

159 . وروى ابن عباس عنه عليه السلام : أنه شرح له في ليلة واحدة من حين أقبل ظلامها حتى أسفر صباحها في شرح الباء من «بِسْمِ اللّهِ» ، ولم يتقدم إلى السين !وقال عليه السلام: لو شئت لأوقرت أربعين بعيرا من شرح «بِسْمِ اللّهِ» .(5)

ص: 75


1- . نهج الإيمان، لابن جبر 275 ، المناقب 2 / 43 ، الصراط المستقيم 1 / 219 ، بحارالأنوار 40 / 157 و 89 / 93 ، 103 ، ومن العامة : ينابيع المودة 3 / 209 ، 456 ، فيض القدير شرح الجامع الصغير للمناوي 1 / 69 . ورواه في شرح إحقاق الحق 7/594 عن الهروي في شرح عين العلم وزين الحلم 91 والكاكوردي في الروض الأزهر 33 طبع حيدرآبادالدكن ، وعن الميبدي في شرح ديوان أميرالمؤمنين عليه السلام 15.
2- . عوالياللآلي 4 / 102 .
3- . إعانة الطالبين للبكري الدمياطي 1 / 9 .
4- . ملحقات إحقاق الحق 17 / 461 ، عن الشعراني في الميزان الكبرى 1 / 106 ، وفي 7 / 595 أيضا عن الشعراني في لطائف المنن 1 / 171 ، وانظر مشارق أنواراليقين 119، 346 .
5- . بحارالأنوار 40 / 186 ، مستدرك سفينة البحار1 / 269 . ولا يخفى على البصير عدم المنافاة بين هذه النصوص من حيث الأرقام الواردة فيها ؛ لأنه عليه السلام إن شاء أوقر بعيرا من شرح هذه العلوم ، وإن شاء أربعين بعيرا، وإن شاء سبعين ، وإن شاء أقلّ من ذلك أو أكثر.

160 . وفي رواية أُخرى عن ابن عباس : كان علي بن أبي طالب يشرح لنا نقطة الباء من «بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» ليلة فانفلق عمود الصبح وهو بعد لم يفرغ !(1)

161 . وفي رواية ثالثة : إنه تكلم لابن عباس في الباء من «بِسْمِ اللّهِ» إلى قرب الفجر ، وقال : لو زادنا الليل لزدنا !(2)

162 . وقال عليه السلام: لو أذن اللّه لي ورسوله لشرحت ألف الفاتحة حتى يبلغ أربعين جملاً.(3)

163 . وعنه عليه السلام : كل ما في القرآن في الحمد ، وكل ما في الحمد في البسملة ، وما في البسملة في الباء ، وما في الباء في النقطة ، وأنا النقطة تحتها .(4)

164 . عن أبي جعفر محمد بن علي عليهماالسلام : ما من أحد من الناس يقول إنه جمع القرآن كلّه كما أنزل الله إلاّ كذب ، وما جمعه وما حفظه كما أنزل الله إلاّ علي بن أبي طالب عليه السلام والأئمة من بعده عليهم السلام .(5)

165 . وعنه عليه السلام : ما يستطيع أحد أن يدّعي أنه جمع القرآن كله ظاهره وباطنه غير الأوصياء .(6)

166 . عن أبيعبداللّه عليه السلام : إن من علم ما أوتينا تفسير القرآن وأحكامه .(7)

ص: 76


1- . غاية المرام 5 / 207 ، ينابيع المودة 1 / 216 وفي ملحقات إحقاق الحق 7 / 643 عن ينابيع المودة 70 وأرجح المطالب 113 .
2- . الصراط المستقيم 1/219 ، وفي هذا المعنى روايات أخرى في بحارالانوار 89 / 104 - 106 .
3- . بحارالانوار 89 / 104 ، هامش مقتل الحسين عليه السلام للسيد المقرم 169 ، نقلاً عن الغزالي .
4- . مقتل الحسين عليه السلام للسيدالمقرم 169 عن مقدمة تفسيرالقرآن للشيخ محمدحسين الأصفهاني.
5- . الكافي 1 / 228 ، بصائرالدرجات 193 ، تأويل الآيات 243 ، بحارالأنوار 89 / 88 .
6- . الكافي 1 / 228 ، بصائرالدرجات 193 ، بحارالأنوار 89 / 88 - 89 .
7- . بصائرالدرجات 194، الكافي 1/229، الوسائل 27/181، المستدرك 17/331، البحار23/194 .

167 . وعنه عليه السلام : وعلمهم [أي الائمة عليهم السلام ] بالحلال والحرام وتفسير القرآن واحد .(1)

168 . عن أبي جعفر عليه السلام : تفسير القرآن على سبعة أحرف ، منه ما كان ومنه ما لم يكن بعد ذلك ، تعرفه الأئمة عليهم السلام .(2)

169 . وعنه عليه السلام : بحسبكم أن تقولوا : يعلم علم الحلال والحرام ، وعلم القرآن ، وفصل ما بين الناس .(3)

170 . وعنه عليه السلام : فحسبك - واللّه يا أبا محمد - أن تقول فينا : يعلمون الحرام والحلال، وعلم القرآن ، وفصل ما بين الناس . . . وأيّ شيء الحلال والحرام في جنب العلم ؟! إنما الحلال والحرام في شيء يسير من القرآن .(4)

171 . قال علي بن الحسين عليه السلام : . . ونحن المخصوصون في كتاب اللّه ، ونحن أولى الناس باللّه ، ونحن أولى الناس بكتاب اللّه ، ونحن أولى الناس بدين اللّه ، ونحن الذين شرع لنا دينه .(5)

172 . عن أبي جعفر عليه السلام - في ضمن رواية - : فيقوم القائم بين الركن والمقام فيصلّي ، وينصرف ومعه وزيره ، فيقول : يا أيها الناس ! ... ومن حاجّنا في كتاب الله فنحنأولى الناس بكتاب الله ..(6)

ص: 77


1- . الاختصاص 266 ، بصائرالدرجات 479 ، تفسيرالعياشي 1/15 ، بحارالانوار 25 / 358 و 89/95.
2- . بصائرالدرجات 196 ، وسائل الشيعة 27 / 197 بحارالأنوار 89 / 98 .
3- . بصائرالدرجات 195 ، بحارالأنوار 23 / 195 ، وانظر مستدرك الوسائل 17 / 331 .
4- . بصائرالدرجات 195 ، بحارالأنوار 23 / 195 ، وانظر مستدرك الوسائل 17 / 331 .
5- . بصائرالدرجات 119 - 120 ، الكافي 1 / 223 ، بحارالأنوار 26 / 143 .
6- . تفسيرالعياشي 1 / 64 ، بحارالأنوار 52 / 222 .

173 . وعنه عليه السلام : والله لكأني أنظر إليه - أي مولانا صاحب الزمان عليه السلام - وقد أسند ظهره إلى الحجر - وفي رواية أخرى : وقد أسند ظهره إلى البيت الحرام مستجيرا به ينادي يا أيها الناس ! ... - ثم ينشد الله حقه ، ثم يقول : ... أيها الناس ! من يحاجّني

[حاجّني] في كتاب الله فأنا أولى الناس بكتاب الله ..(1)

174 . عن أبي جعفر محمد بن علي عليهماالسلام : هم ولاة أمر اللّه ، وخزنة وحي اللّه ، وورثة كتاب اللّه ، وهم المصطفون بأمر اللّه ، والأمناء على وحي اللّه .(2)

175 . عن أبي عبد اللّه عليه السلام : نحن ورثة كتاب اللّه ونحن صفوته .(3)

176 . عنه عليه السلام : كتاب اللّه فيه نبأ ما قبلكم ، وخبر ما بعدكم ، وفصل ما بينكم ، ونحن

نعلمه .(4)

177 . وفي التوقيع الشريف عن مولانا صاحب الزمان عليه السلام : الذي يجب عليكم ولكم أن تقولوا : إنا قدوة الله وأئمة ، وخلفاء اللّه في أرضه ، وأمناؤ على خلقه ، وحججه في بلاده ، نعرف الحلال والحرام ، ونعرف تأويل الكتاب وفصل الخطاب .(5)

178 . وأنشد أبو نواس :

مطهّرون نقيّات جيوبهم *** تتلى الصلاة عليهم أينما ذكروا

من لم يكن علويا حين تنسبه *** فما له في قديم الدهر مفتخر

اللّه لما برا خلقا فأتقنه *** صفّاكم واصطفاكم أيّها البشر

ص: 78


1- . الغيبه للنعماني 181 ، 279 ، تفسيرالعياشي 2 / 56 ، بحارالأنوار 52 / 239 ، 341 ، 305 .
2- . تفسيرفرات الكوفي 395 ؛ اليقين 318 ؛ بحارالأنوار 23 / 244 و26 / 250 .
3- . بصائرالدرجات 513 ؛ بحارالأنوار 89 / 100 .
4- . الكافي 1 / 60 ، بصائرالدرجات 196 ، بحارالانوار 89 / 98 ، وانظر 47 / 35 ، كشف الغمة 2 / 197 .
5- . تفسيرالعياشي 1 / 16 ، بحارالأنوار 89 / 96 .

فأنتم الملأ الأعلى وعندكم *** علم الكتاب وما جاءت به السور

فقال الرضا عليه السلام : قد جئتنا بأبيات ما سبقك أحد إليها [ فأحسن اللّه جزاك ] يا غلام ! هل معك من نفقتنا شيء ؟ فقال : ثلاثمائة دينار ، فقال : أعطها إياه ، ثم قال : يا غلام ! سق إليه البغلة .(1)

أقول : وقد اعترف العامّة بأن لأمير المؤمنين عليه السلام علم بالقرآن كله .(2)

ص: 79


1- . إعلام الورى 329 ، بشاره المصطفى صلى الله عليه و آله وسلم 81 ، عيون أخبارالرضا عليه السلام ، 2 / 143 كشف الغمة 2 / 317 ، المناقب 4 / 366 ، بحارالأنوار 49 / 148 ، 236 .
2- . راجع ملحقات إحقاق الحق 7/592 - 582 ، شرح نهج البلاغة 1/19. أقول : وروى الحاكم الحسكاني عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم أنه قال : عليٌّ يعلّم الناس بعدي من تأويل القرآن ما لا يعلمون، أو [قال : ]يخبرهم . وعن علي عليه السلام، قال: سلوني - يا أهل الكوفة ! - قبل أن لا تسألوني ، فو الذي نفسي بيده ما نزلت آية إلاّ وأنا أعلم بها أين نزلت وفي من نزلت، في سهل أم في جبل ، أو في مسير أم في مقام . وعن أبي الطفيل، قال : شهدت عليّا عليه السلام وهو يخطب ويقول : سلوني ، فو الله لا تسألوني عن شيء يكون إلى يوم القيامة إلاّ حدّثتكم [به ]، وسلوني عن كتاب الله فو الله ما منه آية إلاّ وأنا أعلم أين نزلت بليل أو بنهار ، أو بسهل نزلت أو في جبل . قال أبو عبدالرحمن السلمي: ما رأيت أحدا أقرأ من علي بن أبيطالب عليه السلام ، وكان يقول : سلوني فواللّه لاتسألوني عن شيء من كتاب اللّه إلاّ أحدّثكم بليل نزلت أم بنهار، أو في سهل أو في جبل. وعن جعفر ، عن أبيه محمد ، عن أبيه علي ، عن أبيه الحسين ، عن أبيه علي عليهم السلام ، قال : ما في القرآن آية إلاّ وقد قرأتها على رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم وعلّمني معناها . عن زيد بن علي ، عن أبيه ، عن جدّه [الحسين ]، عن علي عليهم السلام ، قال : ما دخل نوم عيني ولا غمض رأسي على عهد محمد صلى الله عليه و آله وسلم حتى علمت ذلك اليوم ما نزل به جبرئيل من حلال أو حرام ، أو سنة أو كتاب ، أو أمر أو نهي ، وفي من نزل . وفي رواية : ما دخل عيني غمض ولا رأسي حتى علمت ما نزل به جبرئيل من حلال وحرام ، وأمر ونهي ، أو سنّة أو كتاب ، أو فيما نزل وفي من نزل . عن علي عليه السلام ، قال : كان لي لسان سؤول وقلب عقول، وما نزلت آية إلاّ وقد علمت فيمَ نزلت ، وعلى من نزلت ، وبمَ أنزلت . عن علقمة بن قيس ، قال : قال علي عليه السلام : سلوني - يا أهل الكوفة! - قبل أن لا تسألوني ، فوالذي نفسي بيده ما نزلت آية إلاّ وأنا أعلم أين نزلت ، وفي من نزلت ، أفي سهل أم في جبل ، أم في مسير أم في مقام . عن علي عليه السلام ، قال : والله ما نزلت آية إلاّ وقد علمت فيما نزلت ، وأين نزلت ، وعلى من نزلت ، إن ربّي تعالى وهب لي قلبا عقولاً ولسانا طلقا . قال علي عليه السلام : ما نزلت في القرآن آية إلاّ وقد علمت أين نزلت ، وفي من نزلت ، وفي أي شيء نزلت، وفي سهل نزلت أم في جبل . قال سليم بن قيس: سمعت عليا عليه السلام يقول: ما نزلت على رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم آية من القرآن إلاّ أقرأنيها أو أملاها عليّ فأكتبها ]كذا] بخطي ، وعلّمني تأويلها وتفسيرها، وناسخها ومنسوخها ، ومحكمها ومتشابهها ، ودعا الله لي أن يعلّمني فهمها وحفظها، فلم أنس منه حرفا واحدا . قال الشعبي: ما كان أحد من هذه الأمة أعلم بما بين اللوحين وبما أنزل على محمد صلى الله عليه و آله وسلم من علي عليه السلام . وعنه : ما أحد أعلم بما بين اللوحين من كتاب اللّه تعالى بعد نبي اللّه صلى الله عليه و آله وسلم من علي عليه السلام . عن عبد الملك بن أبي سليمان ، قال : قلت لعطاء : أكان في أصحاب محمد صلى الله عليه و آله وسلم أحد أعلم من علي عليه السلام ؟ قال : لا والله ، لا أعلمه . عن عائشة ، قالت : علي أعلم أصحاب محمد صلى الله عليه و آله وسلم بما أنزل على محمد صلى الله عليه و آله وسلم . قال ابن عمر : عليٌّ أعلم الناس بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه و آله وسلم . عن ابن شبرمة : ما كان أحد يصعد على المنبر فيقول : سلوني عما بين اللوحين إلاّ علي بن أبي طالب . انظرشواهدالتنزيل 1 / 39 - 51 ، وحذفنا الأسناد حذرا عن الإطالة . وفي فيض القدير شرح الجامع الصغير للمناوي - 3 / 61 - : قد علم الأولون والآخرون أن فهم كتاب الله منحصر إلى علم علي[ عليه السلام] . .

* وقد تقدّم : [ في الرقم 100] قوله عليه السلام : فما نزلت على رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم آية من القرآن إلاّ أقرأنيها وأملاها عليّ فكتبتها بخطي وعلّمني تأويلها وتفسيرها وناسخها ومنسوخها ومحكمها ومتشابهها وخاصها وعامها .

ص: 80

لا يحيط بالقرآن غير الأئمة عليهم السلام والعلم بالمتشابهات يختصّ بهم

يدلّ على ذلك عدّة من الآيات والروايات ، نذكر بعضها ، كما وقد مرّ بعضها في الروايات الماضية .

الآية الأولى :

قال اللّه تعالى : «هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْك الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ والرّاسِخُونَ في الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وما يَذَّكَّرُ إِلاّ أُولُوا الأَْلْبابِ» .(1)

179 . عن أبي عبد الله عليه السلام - في قوله تعالى : «وما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاّ اللّهُ والرّاسِخُونَ في الْعِلْمِ» قال - : أمير المؤنين والأئمة عليهم السلام .(2)

180 . عن أمير المؤنين عليه السلام - في احتجاجه على زنديق سأله عن آيات متشابهة من القرآن فأجابه ، إلى أن قال عليه السلام - : وقد جعل الله للعلم أهلاً ، وفرض على العباد طاعتهم بقوله : «أَطِيعُوا اللّهَ وأَطِيعُوا الرَّسُولَ وأُولي الأَمْرِ مِنْكُمْ» ، وبِقَوْلِهِ : «ولَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وإِلى أُولي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ» ، وبقوله : «اتَّقُوا اللّهَ وكُونُوا مَعَ الصّادِقِينَ» ، وبِقَوْلِهِ : «وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاّ اللّهُ والرّاسِخُونَ في الْعِلْم» ، وبقوله : «وأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها» ، والبيوت هي بيوت العلم الذي استودعه الأنبياء، وأبوابها أوصياؤم ، فكل عمل من أعمال الخير يجري على غير أيدي

ص: 81


1- . آل عمران : 7 .
2- . الكافي 1 / 414 ، تأويل الآيات 106 ، الصراط المستقيم 1 / 292 ، المناقب 4 / 421 ، وسائل الشيعة 27 / 179 ، بحارالأنوار 23 / 208 .

الأوصياء [أهل الاصطفاء] وعهودهم وحدودهم وشرائعهم وسنتهم ومعالم دينهم مردود غير مقبول ، وأهله بمحل كفر وإن شملتهم صفة الإيمان .(1)

181 . عن فضيل بن يسار قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن هذه الرواية : « ما من القرآن آية إلاّ ولها ظهر وبطن » ، فقال : ظهره تنزيله وبطنه تأويله ، منه ما قد مضى ، ومنه ما لم يكن ، يجري كما يجري الشمس والقمر ، كلما جاء تأويل شيء منه يكون على الأموات كما يكون على الأحياء ، قال الله : «وما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاّ اللّهُ والرّاسِخُونَ

في الْعِلْمِ» ، نحن نعلمه .(2)

وفي رواية : سألت أبا جعفر عليه السلام عن هذه الرواية : « ما من آية إلاّ ولها ظهر وبطن ، وما فيه حرف إلاّ وله حدّ ومطلع » ، ما يعني بقوله : لها ظهر وبطن ؟ قال : ظهر وبطن

هو تأويلها ، منه ما قد مضى ، ومنه ما لم يجئ ، يجري كما تجري الشمس والقمر ، كلما جاء تأويل شيء منه يكون على الأموات كما يكون على الأحياء ، قال الله تعالى : «وما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاّ اللّهُ والرّاسِخُونَ في الْعِلْمِ» ، ونحن نعلمه .(3)

182 . عن أبي جعفر الباقر عليه السلام في قوله : «وما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاّ اللّهُ والرّاسِخُونَ في الْعِلْمِ»، قال : رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم أفضل الراسخين .(4)

ص: 82


1- . الاحتجاج 1/248 ، وسائل الشيعة 27 / 74 ، 194 ، بحارالأنوار 65 / 264 و90 / 110 .
2- . بصائرالدرجات 196 ، تفسيرالعياشي 1 / 11 ، بحارالأنوار 89 / 97 ، وسائل الشيعة 27 / 196 ، وانظر تفسيرالعياشي 1 / 164 ، بحارالأنوار 23 / 198 .
3- . بصائرالدرجات 203 - 204 ، بحارالأنوار 23 / 197 - 198 ، مستدرك الوسائل 17 / 331 - 332 ، وانظر الكافي 1 / 213، تأويل الآيات 106، الوسائل 27 / 178 198 - 196 ، بحارالأنوار 89 / 94 .
4- . الكافي 1 / 213 ، بشاره المصطفى صلى الله عليه و آله وسلم 193 ، بصائرالدرجات 203 - 204 ، تأويل الآيات 107 ، تفسيرالعياشي 1 / 164 ، تفسيرالقمي 1 / 96 ، دعائم الإسلام 1 / 20 ، بحارالأنوار 17 / 130 و 23 / 192 ، 199 و 89 / 80 ، 92 ، وسائل الشيعة 27 / 179 ، 200 ، مستدرك الوسائل 17 / 332 ، 336 .

183 . قال أمير المؤنين عليه السلام : أين الذين زعموا أنهم «الرّاسِخُونَ في الْعِلْمِ» دوننا كذبا وبغيا علينا وحسدا لنا ؟ ! أن رفعنا اللّه سبحانه ووضعهم ، وأعطانا وحرمهم ، وأدخلنا

وأخرجهم ، بنا يستعطى الهدى ويستجلى العمى لا بهم !(1)

184 . وعنه عليه السلام . . .فقال : «وما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاّ اللّهُ والرّاسِخُونَ في الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا» ، وهم المنعوتون . . . وهم الأوصياء . .(2)

185 . في احتجاج مولانا السبط الأكبر الإمام المجتبى عليه السلام على معاوية : ... يا معاوية ... ان عمر أرسل إلى أبي : اني أريد أن أكتب القرآن في مصحف فابعث إليّ بما كتبت من القرآن ، فأتاه ، فقال : تضرب - والله - عنقي قبل أن يصل إليك ! قال : ولِمَ ؟ قال : لأن الله تعالى قال : وَ«الرّاسِخُونَ في الْعِلْمِ» ، قال : إيايّ عنى ولم يعنك ولا أصحابك ، فغضب عمر . .(3)

186 . عن أبي عبد اللّه ، عن أبيه عليهماالسلام . . : «إِنّا أَنْزَلْناهُ في لَيْلَةِ الْقَدْرِ . .» إلى آخرها . . . فهل كان فيما أظهر رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم من علم اللّه عز ذكره اختلاف ؟ فإن قالوا : لا ، فقل لهم : فمن حكم بحكم اللّه فيه اختلاف فهل خالف رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ؟ فيقولون : نعم

- فإن قالوا : لا ، فقد نقضوا أول كلامهم ! - فقل لهم : «ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاّ اللّهُ والرّاسِخُونَ في الْعِلْمِ» ، فإن قالوا : مَن الراسخون في العلم ؟ فقل : من لا يختلف في

ص: 83


1- . المناقب 1 / 285 ، غررالحكم 115 ، نهج البلاغة 201 ، غررالحكم 115 ، شرح نهج البلاغة 9 / 84 ، بحارالأنوار 23 / 205 و 29 / 612 .
2- . بحارالأنوار 90 / 21 عن تفسير النعماني .
3- . الاحتجاج 2 / 288 ، بحارالأنوار 44 / 101 .

علمه ، فإن قالوا : فمن هو ذاك ؟ فقل : كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم صاحب ذلك ، فهل بلغ أو لا ؟ فإن قالوا: قد بلغ، فقل : فهل مات صلى الله عليه و آله وسلم الخليفة من بعده يعلم علما ليس فيه اختلاف؟

فإن قالوا: لا، فقل: إن خليفة رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم مؤّد، ولايستخلف رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم إلاّ من يحكم بحكمه وإلاّ من يكون مثله إلاّ النبوة ، فإن كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلملم يستخلف في علمه أحدا فقد ضيّع من في أصلاب الرجال ممن يكون بعده ، فإن قالوا لك : فإن علم رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم كان من القرآن . . . إن قالوا : حجّة اللّه القرآن ، قال : إذن أقول لهم : إن القرآن ليس بناطق يأمر وينهى ، ولكن للقرآن أهل يأمرون وينهون . .(1)

187 . عن أمير المؤنين عليه السلام : . . ثم فرض على الأمة طاعة ولاة أمره القوّام لدينه كما فرض عليهم طاعة رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم فقال : «أَطِيعُوا اللّهَ وأَطِيعُوا الرَّسُولَ وأُولي الأَمْرِ مِنْكُمْ» ، ثم بيّن محل ولاة أمره من أهل العلم بتأويل كتابه فقال عزّ وجلّ : «ولَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وإِلى أُولي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ» ، وعجز كل أحد من الناس عن معرفة تأويل كتابه غيرهم ؛ لأنهم هم الراسخون في العلم المأمونون على تأويل التنزيل ، قال اللّه تعالى : «وما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاّ اللّهُ والرّاسِخُونَ في الْعِلْمِ . .» إلى آخر الآية ، وقال سبحانه : «بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ في صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ» . . .

وأصل الإيمان العلم ، وقد جعل اللّه تعالى له أهلاً ندب إلى طاعتهم ومسألتهم فقال : «فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ» ، وقال - جلّت عظمته - : «وأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها» ، والبيوت في هذا الموضع ، اللاتي عظّم اللّه بناءها بقوله : «في بُيُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَنْ تُرْفَعَ ويُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ» ، ثم بيّن معناها لكيلا يظنّ أهل الجاهلية أنها بيوت مبنية ! فقال تعالى : «رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ ولا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّهِ» ، فمن طلب العلم في هذه الجهة أدركه ، قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم : أنا مدينة العلم - وفي موضع : أنا

ص: 84


1- . الكافي 1 / 245 ، بحارالأنوار 25 / 76 ، وانظر وسائل الشيعة 27 / 177 - 178 .

مدينة الحكمة - وعليّ بابها فمن أراد الحكمة فليأتها من بابها .

وكل هذا منصوص في كتابه تعالى إلاّ أن له أهلاً يعلمون تأويله ، فمن عدل عنهم إلى الذين ينتحلون ما ليس لهم ، ويتبعون «ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ»

- وهو تأويله بلا برهان ولا دليل ولا هدى - هلك وأهلك وخسرت صفقته وضلّ سعيه «إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا ورَأَوُا الْعَذابَ وتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبابُ» ، وإنما هو حق وباطل ، وإيمان وكفر ، وعلم وجهل ، وسعادة وشقوة ، وجنة ونار ، لن يجتمع الحق والباطل في قلب امرئ ، قال اللّه تعالى : «ما جَعَلَ اللّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ في جَوْفِهِ» . .(1)

188 . وفي كتابه عليه السلام إلى معاوية : يا معاوية ! إن القرآن حق ونور وهدى ورحمة وشفاء للمؤنين ، «والَّذِينَ لا يُؤمِنُونَ في آذانِهِمْ وَقْرٌ وهُوَ عَلَيْهِمْ عَمىً» ، يا معاوية ! إن اللّه لم يدع صنفا من أصناف الضلالة والدعاة إلى النار إلاّ وقد ردّ عليهم واحتجّ

عليهم في القرآن ، ونهى عن اتباعهم ، وأنزل فيهم قرآنا ناطقا ، علمه من علمه وجهله من جهله ، إني سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم يقول : ليس من القرآن آية إلاّ ولها ظهر وبطن ، وما من حرف إلاّ وله تأويل ، «ومايَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاّ اللّهُ والرّاسِخُونَ في الْعِلْمِ» .

- وفي رواية أخرى : وما منه حرف إلاّ وله حدّ مطلع على ظهر القرآن وبطنه وتأويله ، «وما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاّ اللّهُ وَالرّاسِخُونَ في الْعِلْمِ» - ، الراسخون في العلم نحن آل محمد ، وأمر اللّه سائر الأمة أن يقولوا : «آمَنّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلاّ أُولُوا الأَلْبابِ» ، وأن يسلّموا إلينا ويردّوا الأمر إلينا ، وقد قال اللّه : «ولَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وإِلى أُولي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ» ، هم الذين يسألون عنه ويطلبونه ، ولعمري لو أن الناس حين قبض رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم سلّموا لنا واتبعونا

ص: 85


1- . بحارالأنوار 66 / 80 و 90 / 55 ، عن تفسير النعماني .

وقلّدونا أمورهم «لأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ ومِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ» ، ولما طمعت [فيها ]أنت يا معاوية ! فما فاتهم منا أكثر ممّا فاتنا منهم . .(1)

189 . قال أبو القاسم الكوفي : روي في قوله : «وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاّ اللّهُ وَالرّاسِخُونَ في الْعِلْمِ» : أن الراسخون في العلم من قرنهم الرسول صلى الله عليه و آله وسلم بالكتاب وأخبر أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض .(2)

* وقد تقدّم :[ في الرقم 92] فرسول الله أفضل الراسخين في العلم قد علّمه الله عزّوجلّ جميع ما أنزل عليه من التنزيل والتأويل وما كان الله لينزل عليه شيئاً لمْ ] لا ] يعلّمه تأويله وأوصياؤ من بعده يعلمونه كله .

* [ وفي الرقم 122] وسلوني عن القرآن فإن في القرآن بيان كل شيء ، فيه علم الأولين والآخرين ، وإن القرآن لم يدع لقائل مقالا ، «وما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاّ اللّهُ والرّاسِخُونَ في الْعِلْمِ» ، ليس بواحد رسول اللّه منهم ، أعلمه اللّه إياه فعلّمنيه رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ، ثم لا تزال في عقبنا إلى يوم القيامة . وراجع الروايات المرقّمة : ] 24 ، 77 ، 246 ].

الآية الثانية :

قال اللّه تعالى : «ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ ومِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ ومِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللّهِ ذلِك هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ» .(3)

وفي اختصاص هذه الآية بأهل البيت عليهم السلام روايات كثيرة ،(4) نذكر اليسير منها:

ص: 86


1- . كتاب سليم 769 ، بحارالأنوار 33 / 155 .
2- . المناقب 1 / 285 ، بحارالأنوار 23 / 204 .
3- . فاطر : 32 .
4- . انظر : الكافي 1 / 214 (باب في أن من اصطفاه الله من عباده وأورثهم كتابه هم الأئمة عليهم السلام) ، بصائرالدرجات 44 - 46 (باب أنهم عليهم السلام الذين قال الله فيهم إنه أورثهم الكتاب) ، بحارالأنوار 23/212 - 222 (باب أن من اصطفاه الله من عباده وأورثه كتابه هم الأئمة عليهم السلام وأنهم آل إبراهيم عليه السلام)، شواهدالتنزيل 2/155 - 157 . وفي تفسيرالميزان 17 / 45 : إنها روايات كثيرة مستفيضة . وقال في موضع آخر : واعلم ان الروايات من طرق الشيعة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام في كون الآية خاصة بولد فاطمة عليهاالسلام كثيرة جدّا . (تفسيرالميزان 17 / 50)

190 . عن مولانا الباقر ومولانا الصادق عليهماالسلام قالا : هي لنا خاصّة ، إيّانا عنى .(1)

191 . عن أبي الحسن الأول عليه السلام : فنحن الذين اصطفانا اللّه عزّ وجلّ وأورثنا [فورّثنا ]هذا] القرآن] الذي فيه تبيان كل شي .(2)

192 . عن أبي جعفر عليه السلام قال : نزلت فينا أهل البيت .(3)

193 . عنه عليه السلام : السابق بالخيرات الإمام ، فهي في ولد علي وفاطمة عليهم السلام .(4)

194 . عنه عليه السلام : فهم آل محمد صفوة اللّه .(5)

195 . عنه عليه السلام : فينا نزلت ، والسابق بالخيرات الإمام .(6)

196 . عن أبي عبد اللّه عليه السلام : إيانا عنى ، السابق بالخيرات الإمام .(7)وحرامه الذي هلك فيه الملحدون ، والموصول من الألفاظ ، والمحمول على ما قبله وعلى ما بعده ، فليس بعالم بالقرآن ولا هو من أهله ، ومتى ما ادّعى معرفة هذه الأقسام مدّعٍ بغير دليل فهو كاذب مرتاب مفتر على اللّه الكذب ورسوله ، و«مَأْواهُ جَهَنَّمُ وبِئْسَ الْمَصِيرُ».(8)

7 . عن أمير المؤنين عليه السلام : . . ... ونحن أهل رسول اللّه الذين نستنبط المحكم من كتابه ونميّز المتشابه منه ونعرف الناسخ ممّا نسخ اللّه .(9)

ص: 87


1- . المناقب 4 / 130 ، وسائل الشيعة 27 / 200 .
2- . الكافي 1 / 226 ، بصائرالدرجات 47 ، 114 ، تأويل الآيات 480 ، بحارالأنوار 17 / 133 و 26 / 65 ، 161 و89 / 84 .
3- . معانيالأخبار 105 ، بحارالأنوار 23 / 215 .
4- . بصائرالدرجات 45 ، بحارالأنوار 23 / 217 .
5- . تأويل الآيات 271 ، بحارالأنوار 23 / 220 ، وانظر المناقب 4 / 130 .
6- . بصائرالدرجات 46 ، بحارالأنوار 23 / 217 .
7- . بصائرالدرجات 45 ، بحارالانوار 23 / 216 ، وانظر دعائم الاسلام 1/20 ، بشاره المصطفى صلى الله عليه و آله وسلم.
8- . بحارالأنوار 90 / 4 ، عن تفسير النعماني .
9- . تحف العقول 134 ، بحارالأنوار 74 / 250 .

197 . عنه عليه السلام : هم آل محمد صلى الله عليه و آله وسلم ، والسابق بالخيرات هو الإمام .(1)

198 . عن أبي إسحاق السبيعي قال : خرجت حاجّا فلقيت محمد بن علي عليهماالسلام

فسألته عن هذه الآية : «ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ . .» إلى آخر الآية ، فقال : ما يقول فيها قومك يا أبا إسحاق ؟ - يعني أهل الكوفة - قلت : يقولون : إنها لهم ، قال : فما يخوّفهم؟!

إذا كانوا من أهل الجنة !! قلت : فما تقول أنت؟ جعلت فداك ، فقال : هي لنا خاصة .(2)

199 . وفي احتجاج مولانا أبي الحسن الرضا عليه السلام : فقالت العلماء : أراد اللّه بذلك ( أي بهذه الآية ) الأمة كلها ، فقال المأمون : ما تقول يا أبا الحسن ؟ فقال الرضا عليه السلام : إنه لو أراد الأُمة لكانت بأجمعها في الجنّة ! . . . فصارت وراثة الكتاب للعترة الطاهرة لا لغيرهم . .(3)

200 . عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : إنما الشفاء في علم القرآن لقوله : «ما هُوَ شِفاءٌ ورَحْمَةٌ لِلْمُؤمِنِينَ» ، لأهله لا شك فيه ولا مرية ، وأهله أئمة الهدى الذين قال اللّه : «ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا» .(4)

201 . تفسير جابر بن يزيد عن الإمام : . . . وورث [ أي علي عليه السلام ] كتابه من بعده ، قال اللّه تعالى : «ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا» ، وهو القرآن كله نزلعلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم .(5)

وراجع الروايات المرقّمة : ]126 ، 210 ] وغيرهما .

ص: 88


1- . بصائرالدرجات 46 ، بحارالأنوار 23 / 217 .
2- . تأويل الآيات 470 ، تفسير الفرات الكوفي 348 ، سعدالسعود 107 ، بحارالأنوار 23 / 218 .
3- . وسائل الشيعة 27 / 188 ، عيون أخبارالرضا عليه السلام 1 / 228 ، تحف العقول 425 ، بشاره المصطفى صلى الله عليه و آله وسلم 228 ، الأمالي للشيخ الصدوق 522 ، بحارالأنوار 25 / 220 و 49 / 173 ، وانظر المناقب 4 / 130 .
4- . بحارالأنوار 89 / 102 ، تفسيرالعياشي 2 / 263 ، 315 ، بحارالأنوار 24 / 112 .
5- . بحارالأنوار 38 / 317 .

الآية الثالثة :

قال اللّه تعالى : «بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ في صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ» .(1)

وقد وردت روايات كثيرة تدلّ على اختصاصها بالأئمة عليهم السلام(2) مثل ما روي :

202 . عن أبي جعفر عليه السلام أنه قرأ هذه الآية : «بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ في صُدُورِ الَّذِينَ

أُوتُوا الْعِلْمَ» ، ثم قال : يا أبا محمد ! والله ما قال : بين دفتي المصحف ! قلت : من هم جعلت فداك ؟ قال : من عسى أن يكونوا غيرنا ؟ !(3)

203 . وعنه عليه السلام : إن هذا العلم انتهى إليّ في القرآن ، ثم جمع أصابعه ثم قال : «بَلْ هُوَ آياتٌ بيِّناتٌ في صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ» .(4)

204 . عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله عزّ وجلّ : «بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ في صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ» ، فقلت له : أنتم هم ؟ فقال أبو جعفر عليه السلام : من عسى أن يكونوا ونحن الراسخون في العلم ؟ !(5)

ص: 89


1- . العنكبوت : 49 .
2- . راجع : الكافي 1 / 213 - 214 ، بصائرالدرجات 204 - 207 (باب في أن الأئمة عليهم السلام أوتوا العلم وأثبت ذلك في صدورهم) ، بحارالأنوار 23/189 (باب أنهم عليهم السلام أهل علم القرآن والذين أوتوه والمنذرون به) . تأويل الآيات 423 - 424 ، تفسير فرات الكوفي 319 ، تفسير القمي 2 / 150 ، دعائم الإسلام 1 / 20 ، المناقب 4 / 283 ، 378 ، 420 ، وسائل الشيعة 27 / 179 - 180 ، 189 - 199 ، مستدرك الوسائل 17/327 - 330 ، بحارالأنوار 9 / 229 و23 / 207 و24 / 122 و66 / 80 و90/ 55 ... وغيرها كثير جدّا .
3- . بصائرالدرجات 205 ، الكافي 1 / 214 ، بحارالأنوار 23 / 200 ، وسائل الشيعة 27 / 180، مستدرك الوسائل 17 / 328 .
4- . بصائرالدرجات 206 ، وسائل الشيعة 27 / 199 ، بحارالأنوار 23 / 200 .
5- . تأويل الآيات 423 ، بحارالأنوار 23 / 189 ، مستدرك الوسائل 17 / 327 .

205 . وعنه عليه السلام قال : إيّانا عنى .(1)

206 . عن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام : هم الأئمة خاصّة .(2)

وراجع الرواية المرقّمة : [187 ].

الآية الرابعة :

قال اللّه تعالى : «إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ» .(3)

وهي نزلت في أمير المؤنين عليه السلام ، ثم جرت في الأوصياء من بعده عليهم السلام ، كما دلّت عليه الأخبار المستفيضة من الخاصّة والعامة .(4)

207 . عن أمير المؤنين عليه السلام : أما معنى الهدى فقوله عزّ وجلّ : «إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ» ، ومعنى الهادي هاهنا : المبيّن لما جاء به المنذر من عند اللّه .(5)

208 . عن بريد بن معاوية العجلي قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : ما معنى «إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ» ؟

ص: 90


1- . بصائرالدرجات 204 ، تأويل الآيات 423 ، بحارالأنوار 23 / 200 ، مستدرك الوسائل 17 / 327 ، وانظر المناقب 4 / 283 ، 420 .
2- . الكافي 1 / 214 ، بصائرالدرجات 204 - 205 ، بحارالأنوار 23 / 201 ، وسائل الشيعة 27 / 180 ، وانظر المناقب 4 / 283 ، 420 .
3- . الرعد : 7 .
4- . انظر الكافي 1 / 191 ، بصائرالدرجات 29 - 31 ، تأويل الآيات 235 - 237 ، سعدالسعود 99 ، تفسيرالعياشي 2/203 - 204 ، تفسيرفرات 205 - 206 ، بحارالأنوار 23 / 3 - 5 و 35/ 406 ، شواهدالتنزيل 1 / 381 - 395 ، ملحقات إحقاق الحق ، المجلدات : 3 ، 4 ، 5 ، 9 ، 14 ، 20 ، 30 .
5- . بحارالأنوار 90 / 12 ، عن تفسير النعماني .

فقال : المنذر رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ، وعليٌ الهادي ، وفي كل وقت وزمان إمام منّا يهديهم إلى ما جاء به رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم .(1)

209 . عن أبي جعفر عليه السلام في قول اللّه : «إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ» . قال : رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم المنذر ، وفي كل زمان منا هاديا يهديهم إلى ما جاء به نبي اللّه ، ثم الهداة من بعد علي ، ثم الأوصياء واحدا بعد واحد .(2)

* وتقدّم :[ في الرقم 151] ما نزلت من القرآن آية إلاّ وقد علمتُ أين نزلت ، وفي من نزلت ، وفي أي شيء نزلت ، وفي سهل نزلت أم في جبل نزلت .

قيل : فما نزل فيك ؟ فقال : لولا أنكم سألتموني ما أخبرتكم ، نزلت فيّ الآية : «إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ» ، فرسول اللّه المنذر وأنا الهادي إلى ما جاء به .

الآية الخامسة :

قال اللّه تعالى : «لا يَمَسُّهُ إِلاّ الْمُطَهَّرُونَ» .(3)

210 . عن ابن عباس : . . فالأئمة من أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومنزل الكتاب ومهبط الوحي ومختلف الملائكة ، لا تصلح إلاّ فيها ؛ لأن اللّه خصّها بها وجعلها أهلها

في كتابه وعلى لسان نبيه صلى الله عليه و آله وسلم ، فالعلم فيهم ، وهم أهله ، وهو عندهم كلّه بحذافيره باطنه وظاهره ومحكمه ومتشابهه وناسخه ومنسوخه .

ص: 91


1- . كمال الدين 2 / 667 ، بحارالأنوار 18 / 190 و 23 / 5 .
2- . بصائرالدرجات 29 ، كمال الدين 2 / 667 ، الكافي 1 / 191 ، بشاره المصطفى صلى الله عليه و آله وسلم 193 ، تأويل الآيات 236 ، تفسيرالعياشي 3 / 204 ، دعائم الاسلام 1 / 20 ، بحارالأنوار 16 / 358 و 18 / 190 و 23 / 3 و 35 / 404 ، وانظر 5 / 208 .
3- . الواقعة : 79 .

يا معاوية ! إن عمر بن الخطاب أرسلني في إمرته إلى علي بن أبي طالب عليه السلام : إني أُريد أن أكتب القرآن في مصحف فابعث إلينا ما كتبت من القرآن ، فقال : تضرب - واللّه - عنقي قبل أن تصل إليه ، قلت : ولِمَ ؟ قال : إن اللّه يقول : «لا يَمَسُّهُ إِلاّ الْمُطَهَّرُونَ»يعني لا يناله كله إلاّ المطهّرون ، إيانا نحن عنى الذين أذهب اللّه عنا الرجس وطهّرنا تطهيرا ، وقال : «أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا» ، فنحن الذين اصطفانا اللّه من عباده ، ونحن صفوة اللّه ، ولنا ضُرب الأمثال ، وعلينا نزل الوحي .

فغضب عمر وقال : إن ابن أبي طالب يحسب أنه ليس عند أحد علمٌ غيرَه ، فمن كان يقرأ من القرآن شيئا فليأتنا به . .(1)

الآية السادسة :

قال اللّه تعالى : «ويَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفى بِاللّهِ شَهِيداً بَيْنِي وبَيْنَكُمْ ومَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتاب» .(2) ورد في روايات كثيرة - في هذه الآية أو في تفسير قوله تعالى : «قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتاب» - أن الذي عنده علم الكتاب هم الأئمة عليهم السلام،(3) بل يظهر من بعضها أن ذلك يكون من أفضل مناقبهم .(4)

211 . فقد قالوا عليهم السلام : عندنا واللّه علم الكتاب كله . وفي بعضها : كرّرها ثلاثا .(5)

ص: 92


1- . كتاب سليم 843 - 847 ، بحارالأنوار 33 / 270 .
2- . الرعد : 43 .
3- . انظر بصائرالدرجات 212 - 216 ، شواهدالتنزيل 1 / 400 - 405 ، بحارالأنوار 35 / 429 - 435 ، ملحقات إحقاق الحق المجلدات : 3 ، 14 ، 20 .
4- . لمّا قيل لأمير المؤمنين عليه السلام : أخبرني بأفضل منقبة لك ، قال : ما أنزل اللّه في كتابه : «أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ» . قال : أنا الشاهد من رسول اللّه صلى الله عليه و آله وقوله : «ويَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفى بِاللّهِ شَهِيداً بَيْنِي وبَيْنَكُمْ ومَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتاب» : إياي عنى بمن عنده علم الكتاب . . راجع بحارالأنوار 40 / 1 .
5- . الكافي 1 / 229 - 257 ؛ بصائرالدرجات 212 ، 213 ، 230 ؛ تأويل الآيات 243 ؛الخرائج والجرائح 2 / 796 ؛ وسائل الشيعة 27 / 181 ؛ مستدرك الوسائل 17 / 333؛ بحارالأنوار 26 / 170 ، 195 - 197 و40 / 211 .

212 . عن الأصبغ بن نباتة عن أبي عبدللّه الحسين عليه السلام فقلت : نحن الذين عندنا علم الكتاب وبيان ما فيه ، وليس عند أحد من خلقه ما عندنا ؛ لأنا أهل سرّ اللّه .(1)

213 . قال ابن عباس - في ذكر المقصود من هذه الآية - : لا واللّه ما هو إلاّ علي بن أبيطالب عليه السلام ، لقد كان عالما بالتفسير والتأويل والناسخ والمنسوخ والحلال والحرام .(2)

214 . وفي كلام لأمير المؤنين عليه السلام : . . بهم عُلِمَ الكتاب وبه علموا ، وبهم قام الكتاب وبه قاموا ، لا يرون مرجوا فوق ما يرجون ، ولا مخوفا فوق ما يخافون .(3)

الآية السابعة :

قال اللّه تعالى : «الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ» .(4)

215 . عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال في هذه الآية : هم آل محمد عليهم السلام .(5)

216 . عن أبي عبد اللّه عليه السلام : وإنما القرآن أمثال لقوم يعلمون دون غيرهم ، ولقوم «يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ» ، وهم الذين يؤنون به ويعرفونه ، فأمّا غيرهم فما أشدّ إشكاله عليهم وأبعده من مذاهب قلوبهم !(6)

ص: 93


1- . المناقب 4 / 52 ، بحارالأنوار 44 / 184 .
2- . بحارالأنوار 40 / 146 ، وانظر شواهدالتنزيل 1 / 405 .
3- . نهج البلاغة 552 ؛ بحارالأنوار 66 / 319 . قال ابن ابى الحديد : هذا يصلح أن تجعله الإمامية شرح حال الأئمة المعصومين على مذاهبهم . انظر شرح نهج البلاغة 20 / 77 .
4- . البقرة : 121 .
5- . المناقب 4 / 378 ، بحارالأنوار 23 / 189 .
6- . المحاسن 268 ، وسائل الشيعة 27 / 190 ، بحارالأنوار 89 / 100 .

217 . عن أبي ولاّد قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عزَّ وجَلَّ : «الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولئِكَ يُؤمِنُونَ بِهِ» قال : هم الأئمة عليهم السلام .(1)

وفي رواية : هم الأئمة عليهم السلام ، والكتاب هو القرآن المجيد ، وإن لم يكونوا هم فمن سواهم ؟! (2)

218 . عن أبي رجاء العطاردي قال : لمّا بايع الناس لأبي بكر دخل أبو ذرّ الغفاري رضى الله عنهالمسجد فقال : أيها الناس! ... وعلي بن أبي طالب عليه السلام الصدّيق الأكبر والفاروق الأعظم ووصّي محمد صلى الله عليه و آله وسلم ووارث علمه وأخوه فما بالكم - أيتها الأمة

المتحيّرة بعد نبيّها ! - لو قدّمتم من قدّم الله وخلّفتم الولاية لمن خلّفها له النبي -و اللّه - لما عال ولي اللّه ، ولا اختلف اثنان في حكم اللّه ، ولا سقط سهم من فرائض اللّه ، ولا تنازعت هذه الأمة في شيء من أمر دينها إلاّ وجدتم علم ذلك عند أهل بيت نبيكم ؛

لأن اللّه تعالى يقول في كتابه العزيز : «الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ» ، فذوقوا وبال ما فرّطتم ، «وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ».(3)

الآية الثامنة :

قال اللّه تعالى : «وَ تِلكَ الأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنّاسِ وما يَعْقِلُها إِلاّ الْعالِمُونَ» .(4)

219 . عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى : «وَ تِلكَ الأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنّاسِ وما يَعْقِلُهاإِلاّ الْعالِمُونَ» : قال : نحن ]هم] .(5)

ص: 94


1- . الكافي 1 / 215 ؛ تفسيرالعياشي 1 / 57 ، بحارالأنوار 23 / 189 ( باب أنهم عليهم السلام أهل علم القرآن ، والذين أُوتوه ، والمنذرون به ، والراسخون في العلم) .
2- . تأويل الآيات 82 .
3- . تفسير فرات الكوفي 81 ؛ بحارالأنوار 28 / 247 .
4- . العنكبوت : 43 .
5- . تأويل الآيات 422 ، بحارالأنوار 24 / 122 .

220 . وفي تفسيرالقمي : يعني آل محمد عليهم السلام .(1)

221 . عن أمير المؤنين عليه السلام : . . وأنزل عليه كتابه ، فيه تبيان كل شيء من شرائع دينه ، فبيّنه لقوم يعلمون . . . وضرب أمثالا لا يعقلها [يعلمها] إلاّ العالمون .(2)

* وتقدّم :] في الرقم 210 ]ولنا ضُرب الأمثال ، وعلينا نزل الوحي .

* ويأتي :] في 227 ] وإنما القرآن أمثال لقوم يعلمون دون غيرهم .

* [ وفي الرقم 246 ] ونحن «الرّاسِخُونَ في الْعِلْمِ» ... ولنا ضربت الأمثال .

الآية التاسعة :

قوله : «وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ» .(3)

قال العلاّمة المجلسي قدس سره : قد وردت أخبار كثيرة من طرق الخاصّ والعامّ :

222 . أنه لمّا نزلت : «وتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ» قال النبي صلى الله عليه و آله وسلم : سألت اللّه أن يجعلها أذنك يا علي ! (4)

223 . قال أمير اللمؤمنين عليه السلام : . . ويلهم والله إني أنا الذي أنزل الله فيّ : «وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ» ، فإنا كنا عند رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم فيخبرنا بالوحي فأعيه ويفوتهم ، فإذا خرجنا قالوا : «ما ذا قالَ آنِفاً» .(5)

ص: 95


1- . تفسيرالقمي 2 / 148 ، بحارالأنوار 9 / 229 .
2- . الغارات 1 / 115 ، بحارالأنوار 33 / 133 .
3- . الحاقة : 12 .
4- . بحارالأنوار 97 / 315 - 316 ، وانظر 35 / 326 - 331 (باب قوله تعالى : «وتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ» ) ، شواهدالتنزيل 2 / 361 - 378 .
5- . بصائرالدرجات 135 ، بحارالأنوار 40 / 137 و 89 / 87 ، وانظر تفسيرالعياشي 1 / 14 ، تأويل الآيات 568 ، بحارالأنوار 9 / 154 و 23 / 385 . وما ذكره عليه السلام أخيرا قطعة من الآية الشريفة : «وَ مِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ما ذا قالَ آنِفا أُولئِكَ الَّذينَ طَبَعَ اللّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَ اتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ»سورة محمد صلى الله عليه و آله وسلم : 16 .

* وتقدّم : [ في الرقم 103 ] كان يناجي أخاه عليا من دون أصحابه ، وأنزل اللّه [بذلك] قرآنا في قوله : «وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ» فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم لأصحابه : سألت اللّه أن يجعلها

أذنك يا علي !

الآية العاشرة :

قوله تبارك وتعالى : «وأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لأُِنْذِرَكُمْ بِهِ ومَنْ بَلَغَ» .

وقد تقدم أن المراد ب- : (من بلغ) هو الأئمّة عليهم السلام من بعد النبي صلى الله عليه و آله وسلم ، وأنهم ينذرون الناس بالقرآن ، راجع الروايات المرقّمة : [94 ، 95 ، 96 ، 97 ، 98 ].

سائر الروايات :

224 . قال الشيخ الطبرسي : وصحَّ عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم والأئمة... عليهم السلام أن تفسير القرآن لا يجوز إلاّ بالأثَر الصحيح والنص الصريح ، وان القول فيه بالرأي لا يجوز .(1)

225 . خطب أبو محمد الحسن بن علي المجتبى عليهماالسلام فقال : نحن حزب اللّه الغالبون ، وعترة رسوله الأقربون ، وأهل بيته الطيبون الطاهرون ، وأحد الثقلين الذين خلّفهما رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم في أُمّته ، والتالي كتاب اللّه ، فيه تفصيل كل شيء ، «لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ ولا مِنْ خَلْفِهِ» ، فالمعوّل علينا في تفسيره ، لا نتظنّي [لا يبطئنا ]تأويله بل نتيقن حقائقه ، فأطيعونا فإن طاعتنا مفروضة إذ كانت بطاعة اللّه عزّ وجلّ ورسوله

ص: 96


1- . مجمع البيان 1 / 13 ، وسائل الشيعة 27 / 204 ، وانظر التبيان 1 / 1 - 5 .

مقرونة ، قال اللّه عزّ وجلّ : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وأَطِيعُوا الرَّسُولَ وأُولي الأَمْرِ مِنْكُمْ» ، ]وقال :]«فَإِنْ تَنازَعْتُمْ في شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ والرَّسُولِ ولَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وإِلى أُولي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ» ، وأُحذّركم الإصغاء لهتاف الشيطان ف-«إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ» فتكونوا أولياءه . .(1)

226 . قال النبي صلى الله عليه و آله وسلم - في خطبة الغدير - : . . معاشر الناس ! تدبّروا القرآن ، وافهموا آياته ، وانظروا إلى محكماته ، ولا تتبعوا متشابهه ، فو اللّه لن يبيّن لكم زواجره ولايوضح لكم تفسيره إلاّ الذي أنا آخذ بيده ومصعده إليّ وشائل بعضده ومعلمكم أن: من كنت مولاه فهذا علي مولاه، وهو علي بن أبيطالب أخي ووصيي .(2) وفي لفظ: افهموا محكم القرآن ، ولا تتبعوا متشابهه ، ولن يفسّر لكم ذلك إلاّ من أنا آخذ بيده شائل بعضده ، ألا وقد أدّيت ، ألا وقد بلّغت ، ألا وقد أسمعت ، ألا وقد أوضحت .(3)

227 . عن أبي عبد اللّه عليه السلام : . . وأمّا ما سألت من القرآن فذلك أيضا من خطراتك المتفاوتة المختلفة ؛ لأن القرآن ليس على ما ذكرت ، وكل ما سمعت فمعناه غير ما ذهبت

إليه ، وإنما القرآن أمثال لقوم يعلمون دون غيرهم ، ولقوم «يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ» ، وهم الذين يؤنون به ويعرفونه ، فأمّا غيرهم فما أشدّ إشكاله عليهم وأبعده من مذاهب قلوبهم ، ولذلك قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم : « إنه ليس شيء بأبعد من قلوب الرجال من تفسير القرآن » ، وفي ذلك تحيّر الخلائق أجمعون إلاّ ما شاء اللّه .

ص: 97


1- . الأمالي للشيخ الطوسي121 ، 691 ، الأمالي للشيخ المفيد 348 ، بشارة المصطفى صلى الله عليه و آله وسلم 106 ، العدد القوية 34 ، وسائل الشيعة 27 / 195 بحارالأنوار 43 / 359 ، وانظر 44 / 205 ، الاحتجاج 2/298 ، المناقب 4 / 67 .
2- . الاحتجاج 1 / 60 ، التحصين 583 ، روضه الواعظين 1 / 94 ، اليقين 351 ، بحارالانوار 37 / 209 .
3- . الصراط المستقيم 1 / 301 .

وإنما أراد اللّه بتعميته في ذلك أن ينتهوا إلى بابه وصراطه ، وأن يعبدوه وينتهوا في قوله إلى طاعة القوّام بكتابه والناطقين عن أمره ، وأن يستنبطوا ما احتاجوا إليه من ذلك عنهم لا عن أنفسهم ، ثم قال : «ولَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وإِلى أُولي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ» ، فأمّا غيرهم فليس يعلم ذلك أبدا ولا يوجد ، وقد علمت أنه لا يستقيم أن يكون الخلق كلّهم ولاة الأمر ! إذا لا يجدون من يأتمرون عليه ، ولا من يبلغونه أمر اللّه ونهيه ، فجعل اللّه الولاة خواصّ ليقتدي بهم من لم يخصصهم بذلك ، فافهم ذلك إن شاء اللّه ، وإيّاك وتلاوة القرآن برأيك ، فإن الناس غير مشتركين في علمه كاشتراكهم فيما سواه من الأمور ولا قادرين عليه ولا على تأويله إلاّ من حدهّ وبابه الذي جعله اللّه له ، فافهم إن شاء اللّه ، واطلب الأمر من مكانه تجده إن شاء اللّه .(1)

228 . وعنه عليه السلام : . . واعلموا - رحمكم اللّه - أنه من لم يعرف من كتاب اللّه عزّوجلّ الناسخ من المنسوخ ، والخاص من العام ، والمحكم من المتشابه ، والرخص من العزائم ، والمكي والمدني ، وأسباب التنزيل ، والمبهم من القرآن في ألفاظه المنقطعة والمؤّفة ، وما فيه من علم القضاء والقدر ، والتقديم والتأخير ، والمبين والعميق ، والظاهر والباطن ، والابتداء والانتهاء ، والسؤل والجواب ، والقطع والوصل ، والمستثنى منه والجاري فيه ، والصفة لما قبل ممّا يدلّ على ما بعد ، والمؤّد منه ، والمفصّل ، وعزائمه ورخصه ، ومواضع فرائضه وأحكامه ، ومعنى حلاله وحرامه الذي هلك فيه الملحدون ، والموصول من الألفاظ ، والمحمول على ما قبله وعلى ما بعده ، فليس بعالم بالقرآن ولا هو من أهله ، ومتى ما ادّعى معرفة هذه الأقسام مدّعٍ بغير دليل فهو كاذب مرتاب مفتر على اللّه الكذب ورسوله ، و«مَأْواهُ جَهَنَّمُ وبِئْسَ الْمَصِيرُ».(2)

ص: 98


1- . المحاسن 1 / 268 ، بحارالأنوار 89 / 100 ، وسائل الشيعة 27 / 190 .
2- . بحارالأنوار 90 / 4 ، عن تفسير النعماني .

229 . في رسالة أبي عبداللّه عليه السلام إلى أصحابه : أيتها العصابة المرحومة المفلحة ! إن اللّه أتمّ لكم ما آتاكم من الخير ، واعلموا أنه ليس من علم اللّه ولا من أمره أن يأخذ أحد

من خلق اللّه في دينه بهوى ورأي ولا مقاييس ، قد أنزل اللّه القرآن وجعل فيه تبيان كل

شيء ، وجعل للقرآن ولتعلم القرآن أهلاً ، لا يسع أهل القرآن الذين آتاهم اللّه علمه أن يأخذوا فيه بهوى ولا رأي ولا مقاييس ، أغناهم اللّه عن ذلك بما آتاهم من علمه وخصّهم

به ووضعه عندهم كرامةً من اللّه أكرمهم بها ، وهم أهل الذكر الذين أمر اللّه هذه الأمة

بسؤالهم ، وهم الذين من سألهم - وقد سبق في علم اللّه أن يصدّقهم ويتبع أثرهم - أرشدوه ، وأعطوه من علم القرآن ما يهتدي به إلى اللّه - بإذنه - وإلى جميع سبل الحق ، وهم الذين لا يرغب عنهم وعن مسألتهم وعن علمهم الذي أكرمهم اللّه به وجعله عندهم إلاّ من سبق عليه في علم اللّه الشقاء في أصل الخلق تحت الأظلة ، فأولئك الذين يرغبون عن سؤل أهل الذكر والذين آتاهم اللّه علم القرآن ووضعه عندهم وأمر بسؤلهم ، وأولئك الذين يأخذون بأهوائهم وآرائهم ومقاييسهم حتى دخلهم الشيطان ؛ لأنهم جعلوا أهل الإيمان في علم القرآن عند اللّه كافرين ، وجعلوا أهل الضلالة في علم القرآن عند اللّه مؤمنين ، وحتى جعلوا ما أحل اللّه في كثير من الأمر حراما، وجعلوا ما حرّم اللّه في كثير من الأمر حلالا، فذلك أصل ثمرة أهوائهم.(1)

230 . عن أمير المؤنين عليه السلام - في حديث طويل - : إن علم القرآن ليس بعلم [يعلم] ما هو إلاّ من ذاق طعمه فعلم بالعلم جهله ، وبصر به عماه ، وسمع به صممه ، وأدرك به علم ما فات ، وحيي به بعد إذ مات ، وأثبت عند اللّه عزّ ذكره الحسنات ، ومحا به السيئات ، وأدرك به رضوانا من اللّه تبارك وتعالى ، فاطلبوا ذلك من عند أهله خاصّة ، فإنهم خاصة نور يستضاء به وأئمة يقتدى بهم... لا يخالفون الدين ولا يختلفون فيه ،

ص: 99


1- . الكافي 8 / 5 - 6 ، بحارالأنوار 75 / 214 - 213 ، وانظر وسائل الشيعة 27 / 37 .

فهو بينهم شاهد صادق وصامت ناطق ، فهم من شأنهم شهداء بالحق ومخبر صادق ، لا يخالفون الحق ولا يختلفون فيه ، قد خلت لهم من اللّه سابقة ومضى فيهم من اللّه عزّوجلّ حكم صادق ، وفي ذلك ذكرى للذاكرين، فاعقلوا الحق اذا سمعتموه عقل رعاية ولا تعقلوه عقل رواية، فان رواة الكتاب كثير ورعاته قليل.(1)

231 . عن أبي جعفر عليه السلام : . . والقرآن ضرب فيه الأمثال للناس ، وخاطب اللّه نبيّه به ونحن ، فليس يعلمه غيرنا .(2)

232 . عن أبي عبد اللّه عليه السلام - خطابا لأبي حنيفة : أنت فقيه أهل العراق ؟ قال: نعم.

قال: فبما تفتيهم ؟ قال : بكتاب اللّه وسنة نبيه .

قال: يا أباحنيفة! تعرف كتاب اللّه حق معرفته وتعرف الناسخ والمنسوخ؟ قال: نعم.

قال : يا أبا حنيفة ! ولقد ادّعيت علما ! ويلك ما جعل اللّه ذلك إلاّ عند أهل الكتاب

ص: 100


1- . الكافي 8 / 389 ، وسائل الشيعة 27 / 185 ، بحارالأنوار 74 / 367 - 372 . وقال صلوات اللّه عليه بعد ما مرّ في المتن : ثم إنه سيأتي عليكم من بعدي زمان ... ليس عند أهل ذلك الزمان سلعة أبور من الكتاب إذا تلي حق تلاوته، ولا سلعة أنفق بيعا ولا أغلى ثمنا من الكتاب إذا حرّف عن مواضعه... فقد نبذ الكتاب حملته وتناساه حفظته ... وعملوا بتحريف الكتاب كذبا وتكذيبا فباعوه بالبخس وكانوا فيه من الزاهدين . فالكتاب وأهل الكتاب في ذلك الزمان طريدان منفيان وصاحبان مصطحبان في طريق واحد لا يؤيهما مؤ... فالكتاب وأهل الكتاب في ذلك الزمان في الناس وليسوا فيهم ومعهم وليسوا معهم ... . كأنهم أئمة الكتاب وليس الكتاب إمامهم ، لم يبق عندهم من الحق إلاّ اسمه ، ولم يعرفوا من الكتاب إلاّ خطّه وزبره ... . واعلموا ... أنكم لن تعرفوا الرشد حتى تعرفوا الذي تركه ولن تتلو الكتاب حق تلاوته حتى تعرفوا الذي حرّفه... فإذا عرفتم ذلك عرفتم البدع والتكلف ورأيتم الفرية على اللّه وعلى رسوله والتحريف لكتابه .
2- . تفسيرالقمي 2 / 425 ، وسائل الشيعة 27 / 205 ، بحارالأنوار 24 / 71 و51 / 49 .

الذين أنزل عليهم ، ويلك ولا هو إلاّ عند الخاصّ من ذرية نبينا صلى الله عليه و آله وسلم .(1)

233 . عن أميرالمؤنين عليه السلام : . . فلم يستغن الناس عن بيان ذلك من رسول اللّه صلى الله عليه و آله

. . . وكان رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم هو المفسّر لها والمعلم للأمة كيف يؤّونها .(2)

234 . قال علي بن الحسين عليهماالسلام : قد انتحلت طوائف من هذه الأمة - بعد مفارقتها أئمة الدين والشجرة النبوية - إخلاص الديانة . . . وذهب الآخرون إلى التقصير في أمرنا ، واحتجّوا بمتشابه القرآن فتأولوا بآرائهم ، واتهموا مأثور الخبر ممّا استحسنوا ، يقتحمون في أغمار الشبهات ودياجير الظلمات بغير قبس نور من الكتاب ، ولا أثرة علم من مظانّ العلم .(3)

235 . عن أبي عبد اللّه عليه السلام : ان ممّا استحقّت به الإمامة التطهير والطهارة من الذنوب والمعاصي الموبقة التي توجب النار ، ثم العلم المنور بجميع ما يحتاج إليه الأمة من حلالها وحرامها ، والعلم بكتابها خاصّه وعامّه ، والمحكم والمتشابه ، ودقائق علمه وغرائب تأويله ، وناسخه ومنسوخه .(4)

236 . عن أمير المؤنين عليه السلام : . . جاءهم نبيّه صلى الله عليه و آله وسلم بنسخة ما في الصحف الأولى ، و«تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ» ، وتفصيل الحلال من ريب الحرام ، ذلك القرآنفاستنطقوه ولن ينطق لكم أخبركم عنه .(5)

ص: 101


1- . علل الشرائع 1 / 89 ، وسائل الشيعة 27 / 47 ، بحارالأنوار 2 / 292 .
2- . بحارالأنوار 90 / 78 ، عن تفسير النعماني .
3- . كشف الغمة 2 / 99 ، بحارالأنوار 27 / 193 .
4- . تفسيرالعياشي 1 / 322 ، بحارالأنوار 25 / 149 .
5- . تفسيرالقمي 1 / 2 ، نهج البلاغة 223 ، الكافي 1 / 60 ، شرح نهج البلاغة 9 / 217 ، مستدرك الوسائل 17 / 336 ، بحارالأنوار 31 / 546 و89 / 23 ، 81 ، مع اختلاف يسير .

237 . عن أمير المؤنين عليه السلام - لمّا بويع بالخلافة - : يا معشر الناس ! . . . سلوني قبل أن تفقدوني ... فو الذي فلق الحبة وبرأ النسمة لو سألتموني عن آية آية لأخبرتكم بوقت نزولها وفيمَ نزلت ، وأنبأتكم بناسخها من منسوخها ، وخاصها من عامها ، ومحكمها من متشابهها ، ومكّيها من مدنيّها .(1)

238 . عن أبي عبد اللّه عليه السلام : إن اللّه فرض طاعتنا في كتابه فلا يسع الناس جهلا ، لنا صفو المال ، ولنا الأنفال ، ولنا كرائم القرآن . . . ونعلم كتاب اللّه وكتاب اللّه يحتمل كل

شيء ، إن اللّه أعلمنا علما لا يعلمه أحد غيره ، وعلما قد أعلمه ملائكته ورسله ، فما علمته

ملائكته ورسله فنحن نعلمه .(2)

239 . عن أمير المؤنين عليه السلام : أُوتيت فهم الكتاب وفصل الخطاب وعلم القرآن .(3)

240 . عنه عليه السلام :إني أعطيت علم المنايا والبلايا ، وفصل الخطاب ، واستودعت علم القرآن ، وما هو كائن إلى يوم القيامة ، ومحمد صلى الله عليه و آله وسلم أقام الحجّة حجّة للناس ، وصرت أنا حجّة اللّه .(4)

241 . عنه عليه السلام : . . وأمّا السابعة والثلاثون فإنّ اللّه تبارك وتعالى قد خصّني من بين أصحاب محمّد صلى الله عليه و آله وسلم بعلم الناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه والخاصّ والعام . .(5)

242 . قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم : يا علي ! أنت تعلّم الناس تأويل القرآن بما لا يعلمون ، فقال : ما أبلغ رسالتك بعدك [على ما أُبلّغ رسالتَك من بعدك] يا رسول اللّه ؟

ص: 102


1- . الإرشاد 1 / 34 ، بحارالأنوار 40 / 144 .
2- . تفسيرالعياشي 1 / 16 ، بحارالأنوار 89 / 96 .
3- . بشاره المصطفى صلى الله عليه و آله وسلم 4 ، بحارالأنوار 27 / 159 و65 / 120 .
4- . بحارالأنوار 26 / 5 عن كتاب عتيق .
5- . الخصال 2 / 576 ؛ بحارالأنوار 31 / 439 .

قال : تخبر الناس بما أشكل عليهم من تأويل القرآن .(1)

243 . قال صلى الله عليه و آله وسلم : أنت مني ، تؤّي عني ، [ديني] وتبرئ ذمتي ، وتبلغ رسالتي ، فقال علي عليه السلام : يا رسول اللّه ! ألم تبلّغ الرسالة ؟ قال : بلى ، ولكن تعلّم الناس من بعدي من تأويل القرآن ما لم يعلموا وتخبرهم بما لم يفهموا .(2)

أقول : وقد اعترف العامّة بأن لأمير المؤنين عليه السلام إحاطة بالقرآن وعلومه ، كما مرّ (3) عن ابن عمر وعائشة : علي أعلم الناس - أو أصحاب محمد - بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه و آله وسلم .

وكان ابن شبرمة يقول : ما كان أحد يقوم على المنبر فيقول: سلوني عما بين اللوحين إلاّ علي بن أبي طالب .

وعن الشعبي : ما أحد أعلم بما بين اللوحين من كتاب اللّه تعالى بعد نبياللّه من علي.(4)

وتقدم : [ في الرقم 47] عن أبي لبيد : قال له [ أي لأبي جعفر عليه السلام ] الرجل : أنت الذي تزعم أنه ليس شيء من كتاب اللّه إلاّ معروف ؟ قال : ليس هكذا قلت ، ولكن ليس شيء من

كتاب اللّه إلاّ عليه دليل ناطق عن اللّه في كتابه ممّا لا يعلمه الناس .

* [ وفي الرقم 76] ويحك يا قتادة ! إنما يعرف القرآن من خوطب به .

* [ وفي الرقم 144] عن أميرالمؤنين عليه السلام : ولقد أعطيت السبع التي لم يسبقني إليها أحد : وتفسير الكتاب .

* [ وفي الرقم 168] تفسير القرآن على سبعة أحرف ... تعرفه الأئمة .

ويأتي : [ في الرقم 245] ونحن أهل رسول اللّه الذين نستنبط المحكم من كتابه ، ونميّز المتشابه منه ، ونعرف الناسخ ممّا نسخ اللّه .

ص: 103


1- . بصائرالدرجات 195، وانظر شواهدالتنزيل 1/39، الوسائل 27/195 ، البحار23/195.
2- . مائة منقبة 57 - 58 ، اليقين 179 ، 197 ، 243 ، كشف الغمة 1 / 342 ، تقريب المعارف 141 ، التحصين 555 ، بحارالأنوار 89 / 91 و 37 / 297 ، مستدرك الوسائل 17 / 335 .
3- . مرّ في الهامش بعد الرواية المرقمة [178] .
4- . شواهدالتنزيل 1 / 39 - 52 .

لزوم الرجوع إلى المعصومين عليهم السلام في تعلّم القرآن وتمييز المتشابهات

قد مرّ في الروايات ما يدلّ على ذلك صريحا ، وإليك آيات وروايات أخرى :

الآية الأولى :

قال اللّه تعالى : «ولَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وإِلى أُولي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ» .(1)

فقد وردت روايات كثيرة تدلّ على أن ( أولي الأمر ) في هذه الآية الكريمة هم الائمة المعصومين عليهم السلام خاصة ، ونحن نذكر بعضها(2) :

244 . عن عبد اللّه بن جندب قال : كتب إليّ أبو الحسن الرضا عليه السلام : . . .ان هؤاء

القوم سنح لهم شيطان ، اغترّهم بالشبهة ، ولبّس عليهم أمر دينهم، وذلك لما ظهرت فريتهم واتفقت كلمتهم وكذبوا [نقموا] على عالمهم، وأرادوا الهدى من تلقاء أنفسهم، فقالوا : لِمَ ؟ ومَنْ ؟ وكَيْفَ ؟ فأتاهم الهلك من مأمن احتياطهم، وذلك بما كسبت أيديهم

وما ربك بظلاّم للعبيد .

ولم يكن ذلك لهم ولا عليهم ، بل كان الفرض عليهم والواجب لهم من ذلك الوقوف عند التحيّر وردّ ما جهلوه من ذلك إلى عالمه ومستنبطه ؛ لأن اللّه يقول في محكم كتابه : «ولَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ»

يعني آل محمد، وهم الذين يستنبطون من [منهم] القرآن ، ويعرفون الحلال والحرام، وهم الحجّة لله على خلقه .(3)

ص: 104


1- . النساء : 83 .
2- . وانظر ملحقات إحقاق الحق المجلدات : 3 ، 11 ، 26 ، 33 .
3- . تفسيرالعياشي 1 / 260 ، وسائل الشيعة 27 / 171 ، بحارالأنوار 23 / 295 - 296 .

245 . عن أمير المؤنين عليه السلام : . . وقال : «ولَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وإِلى أُولي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ولَولا فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ ورَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إلاّ قَلِيلاً» ، فالردّ إلى اللّه الأخذ بمحكم كتابه ، والردّ إلى الرسول الأخذ بسنته الجامعة غير المتفرقة ، ونحن أهل رسول اللّه الذين نستنبط المحكم من كتابه ونميّز المتشابه منه ونعرف الناسخ ممّا نسخ اللّه .(1)

وانظر الروايات المرقّمة : 180 ، 187 ، 188 ، 225 ، 227 .

الآية الثانية :

قول اللّه تعالى : «فَاسْألُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ» .(2)

ودلّتنا النصوص المتواترة(3) على أن أهل الذكر هم أهل البيت عليهم السلام كما ورد:

246 . عن أمير المؤمنين عليه السلام : ألا إن الذكر رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ونحن أهله ، ونحن «الرّاسِخُونَ في الْعِلْمِ» ، ونحن منار الهدى ، وأعلام التقى ، ولنا ضربت الأمثال .(4)

247 . عن أبي جعفر عليه السلام : الذكر القرآن ، وآل رسول اللّه أهل الذكر ، وهم المسؤولون .(5)

ص: 105


1- . تحف العقول 134 ، بحارالأنوار 74 / 250 .
2- . الأنبياء : 7 ، النحل : 43 .
3- . الكافي 1 / 50 ، 210 - 212 ، 295 ، بصائرالدرجات 38 - 43 ، تأويل الآيات 258، 259، 318، بحارالأنوار 2 / 120 ، 312 و 16 / 359 و 23 / 172 - 188 أرقام : 1 - 4 ، 12 ، 15 - 36 ، 42 - 46 ، 48 ، 54 - 55 ، 62 - 63 و 25 / 230 و 36 / 167 ، 177 ، وسائل الشيعة 27 / 25 ، 63 - 66 ، 70 ، 72 ، 76 ، 155 ، المستدرك 17 / 275 ، 268 - 271 ، 276، 283، شواهدالتنزيل 1/423 - 436 ، ملحقات إحقاق الحق المجلدات : 2 ، 3 ، 9 ، 12 ، 14.
4- . المناقب 3 / 98 ، بحارالأنوار 23 / 184 عن كتاب الإبانة لأبي العباس الفلكي .
5- . بصائرالدرجات 42 ، بحارالأنوار 23 / 181 .

248 . وعنه عليه السلام : نحن أهل الذكر .(1)

249 . وعنه عليه السلام : رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم والأئمة هم أهل الذكر .(2)

250 . وسأل زرارة عن أبي جعفر عليه السلام : من المعنون بذلك ؟ - أهل الذكر في الآية الشريفة - قال : نحن ، قلت : فأنتم المسؤولون ؟ قال : نعم . .(3)

251 . قال محمد بن مسلم لأبي جعفر عليه السلام - : إن من عندنا يزعمون أن قول اللّه : «فَاسْألُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ» أنهم اليهود والنصارى ، قال : إذا يدعونهم إلى دينهم ! ثم أشار بيده إلى صدره فقال : نحن أهل الذكر ، ونحن المسؤولون .(4)

252 . عن أبي عبد الله عليه السلام : هم آل محمد صلى الله عليه و آله وسلم .(5)

253 . وفي رواية : هم آل محمد ، ألا وأنا منهم .(6)

254 . وعنه عليه السلام : الذكر محمد ، ونحن أهله ، ونحن المسؤولون .(7)

255 . وعنه عليه السلام :أنه لا يسعكم فيما نزل بكم ممّا لا تعلمون إلاّ الكفّ عنه والتثبت فيه

ص: 106


1- . الإرشاد2 / 162 ، تفسيرفرات الكوفي235 ، المناقب 3 / 98 و 4 / 178 ، مشكاه الأنوار 57 ، العمدة 288 ، كشف الغمة 2 / 126 ، تأويل الآيات 318 ، شواهدالتنزيل 1 / 434 ، بحارالأنوار 23 / 172 ، 184 ، 186 ، 188 و 64 / 56 .
2- . بصائرالدرجات 40 ، 43 ، بحارالأنوار 23 /179 ، 181 .
3- . بصائرالدرجات 42 ، تفسيرالقمي2 /68 ، بحارالأنوار23 /174 .
4- . الكافي 1 /211 ، بصائرالدرجات41 ، تأويل الآيات 318 ، تفسيرالعياشي2 / 260 ، بحارالأنوار 23/180 ، 183 .
5- . بصائرالدرجات 39 ، 41 تفسيرفرات الكوفي 235 ، بحارالأنوار 23 / 178 ، 180 .
6- . بصائرالدرجات 41 ، بحارالأنوار 23 / 180 .
7- . بصائرالدرجات 40 ، الوسائل 27 / 64 ، المستدرك 17 / 279 ، بحارالأنوار23 / 179 .

وردّه إلى أئمة الهدى حتى يحملوكم فيه على القصد ويجلوا عنكم فيه العمى ، قال الله : «فَاسْألُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ» .(1)

256 . عن أبي جعفر وأبي عبد الله وأبي الحسن الرضا عليهم السلام قالوا : نحن هم .(2)

257 . عن أبي جعفر وأبي الحسن الرضا عليهماالسلام : هم الأئمة .(3)

258 . عن أبي الحسن الرضا عليهماالسلام : فقد فرضت عليكم المسألة واردّ إلينا .(4)

259 . وروي فيما بيّن مولانا أبو الحسن الرضا عليه السلام عند المأمون من فضل العترة الطاهرة أن قال : وأمّا التاسعة ؛ فنحن أهل الذكر الذين قال الله عزّ وجلّ : «فَاسْألُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ» ، فنحن أهل الذكر ، فاسألونا إن كنتم لا تعلمون ، فقالت العلماء : إنما عنى بذلك اليهود والنصارى ، فقال أبو الحسن عليه السلام : سبحان الله ! وهل يجوز ذلك ؟! إذا يدعوننا إلى دينهم ويقولون إنه أفضل من دين الإسلام ، فقال المأمون : فهل عندك في ذلك شرح بخلاف ما قالوا يا أباالحسن ؟ فقال عليه السلام : نعم ، الذكر رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ، ونحن أهله ، وذلك بيّن في كتاب اللّه عزّ وجلّ حيث يقول - في سورة الطلاق - : «فَاتَّقُوا اللّهَ يا أُولي الأَلْبابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراًرَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللّهِ مُبَيِّناتٍ» ، فالذكر رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ونحن أهله .(5)

ص: 107


1- . تفسيرالعياشي 2 / 260 ، مستدرك الوسائل 17 / 268 ، بحارالأنوار 23 / 183 .
2- . بصائرالدرجات 39 ، 40 ، 42 ، شواهدالتنزيل 1 / 436 ، بحارالأنوار 23 / 176 ، 179 .
3- . بصائرالدرجات 42 ، شواهدالتنزيل 1 / 437 ، مستدرك الوسائل 17 / 278 ، بحارالأنوار 23 / 176، 178 ، 179 .
4- . تفسيرالعياشي 2 / 117 ، 261 ، قرب الإسناد 52 ، وسائل الشيعة 27 / 76 ، بحارالأنوار 23 / 174 ، 183 و 49 / 265 .
5- . الأمالي للشيخ الصدوق 531 ، عيون أخبارالرضا عليه السلام 1 / 239 ، تحف العقول 434 ، بشاره المصطفى صلى الله عليه و آله وسلم 234 ، وسائل الشيعة 27 / 72 ، بحارالأنوار 16 / 363 و 23 / 173 و 25/230.

260 . عن أبي عبد اللّه الصادق عليه السلام : إيّاكم وتقحّم المهالك باتباع الهوى والمقاييس ، قد جعل اللّه تعالى للقرآن أهلاً أغناكم بهم عن جميع الخلائق ، لا علم إلاّ ما أمروا به ، قال اللّه تعالى : «فَاسْألُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ» ، إيّانا عنى .(1)

261 . وعنه عليه السلام في قول اللّه تعالى : «فَاسْألُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ» قال : كتاب اللّه الذكر ، وأهله آل محمد الذين أمر اللّه بسؤلهم ، ولم يؤروا بسؤل الجهال ، وسمّى اللّه القرآن ذكرا فقال : «وأَنْزَلْنا إِلَيْك الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ولَعَلَّهُمْ

يَتَفَكَّرُونَ» .(2)

وانظر الرواية المرقّمة : 187 .

الآية الثالثة :

قوله تعالى : «وإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَك ولِقَوْمِك وسَوْفَ تُسْئَلُونَ» .(3)

فقد وردت روايات كثيرة(4) تدلّ على أن ( القوم ) فيها الائمة عليهم السلام ، ونحن نتبرك بذكر بعضها :

ص: 108


1- . كنزالفوائد 2 / 209 ، بحارالأنوار 2 / 312 ، مستدرك الوسائل 17 / 257 .
2- . بصائرالدرجات 41 ؛ الكافي 1 / 295 ؛ وسائل الشيعة 27 / 66 ؛ مستدرك الوسائل 17 / 280 ؛ بحارالأنوار 23 / 181 .
3- . الزخرف : 44 .
4- . راجع الكافي 1 / 210 - 211 ، 295 ، 400 و 7 / 395 ،بصائرالدرجات 37 - 40 ، بحارالأنوار 2 / 91 و 16 / 359 و 23 / 175 - 187 أرقام : 5 - 11 ، 26، 57 - 60 و 36 / 153 و 101 / 317 ، تأويل الآيات 545 - 546 ، وسائل الشيعة 27 / 62 - 64 ، 66 ، 75 ، 374 ، مستدرك الوسائل 17 / 269 - 271 ، 274 ، 279 .

262 . عن أبي جعفر عليه السلام قال : إنما عنانا بها ، نحن أهل الذكر، ونحن المسؤولون .(1)

263 . وعنه عليه السلام : نحن قومه ، ونحن المسؤولون .(2)

264 . عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : الذكر القرآن ، ونحن قومه ، ونحن المسؤولون .(3)

265 . عن أبي جعفر عليه السلام قال : رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم وأهل بيته أهل الذكر ، وهم المسؤولون .(4)

266 . عن مولانا أبي عبد الله ومولانا أبي الحسن الرضا عليهماالسلام : نحن هم .(5)

سائر النصوص :

267 . قال عمرو بن عبيد لأبي جعفر عليه السلام : أخبرني عن قول اللّه تعالى : «ولا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي ومَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى * وإِنِّي لَغَفّارٌ لِمَنْ تابَ وآمَنَ وعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى» .

فقال له أبو جعفر عليه السلام : قد أخبرك أن التوبة والإيمان والعمل الصالح لا يقبلها إلاّ بالاهتداء .

ص: 109


1- . بصائرالدرجات 38 ، وسائل الشيعة 27 / 75 ، بحارالأنوار 23 / 175 .
2- . الكافي 1 / 210 ، بصائرالدرجات 40 ، وسائل الشيعة 27 / 63 ، مستدرك الوسائل 17 / 279 ، بحارالأنوار 16 / 359 و 23 / 179 - 180.
3- . الكافي 1 / 211 ، بصائرالدرجات 37 ، تفسيرالقمي 2 / 286 ، وسائل الشيعة 27 / 63 ، بحارالأنوار 23 / 175 .
4- . بصائرالدرجات 37 - 38 ، وسائل الشيعة 27 / 75 .
5- . بصائرالدرجات 37 ، تأويل الآيات 545 ، المستدرك 17 / 270 ، بحارالأنوار 23 / 176، 187 .

أمّا التوبة فمن الشرك بالله ، وأمّا الإيمان فهو التوحيد لله ، وأمّا العمل الصالح فهو أداء الفرائض ، وأما الاهتداء فبولاة الأمر ، ونحن هم ، فإنما على الناس أن يقرؤوا

القرآن كما أنزل فإذا احتاجوا إلى تفسيره فالاهتداء بنا وإلينا يا عمرو ! (1)

268 . عن أمير المؤنين عليه السلام : . .فإيّاك أن تفسّر القرآن برأيك حتى تفقهه عن العلماء فإنه ربّ تنزيل يشبه بكلام البشر وهو كلام اللّه وتأويله لا يشبه كلام البشر ، كما ليس شيء من خلقه يشبهه ، كذلك لا يشبه فعله تعالى شيئا من أفعال البشر ، ولا يشبه شيء من كلامه بكلام البشر ، فكلام اللّه تبارك وتعالى صفته ، وكلام البشر

أفعالهم ، فلا تشبّه كلام اللّه بكلام البشر فتهلك وتضلّ .(2)

269 . قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم : . . إن اللّه عزّ وجلّ أنزل عليّ القرآن وهو الذي من خالفه ضلّ ، ومن ابتغى علمه عند غير عليّ هلك . .

أيها الناس ! اسمعوا قولي ، واعرفوا حق نصيحتي ، ولا تخلّفوني في أهل بيتي إلاّ بالذي أُمرتم به من حفظهم . . . ومن طلب الهدى في غيرهم فقد كذّبني .(3)

270 . عن موسى بن جعفر ، عن أبيه عليهماالسلام : دعا رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم أبا ذر وسلمان والمقداد فقال لهم : تعرفون شرائع الإسلام وشروطه ؟

قالوا : نعرف ما عرّفنا اللّه ورسوله .

فقال : هي - واللّه - أكثر من أن تحصى ، أشهدوني على أنفسكم - وكفى بالله شهيدا،

ص: 110


1- . تفسيرفرات الكوفي 257 ، بحارالأنوار 27 / 197 ، وسائل الشيعة 27 / 202 .
2- . التوحيد 263 ، بحارالأنوار 89 / 107 و90 / 136 ، مستدرك الوسائل 17 / 326 .
3- . الأمالي للشيخ الصدوق 64 ، بحارالأنوار 38 / 94 ، وانظر الصراط المستقيم 1 / 270 ، بشاره المصطفى صلى الله عليه و آله وسلم 16 ، وسائل الشيعة 27 / 186 .

وملائكته عليكم شهود - بشهادة أن لا إله إلاّ اللّه . . . وعلى أن يحلّلوا حلال القرآن ويحرّموا حرامه ، ويعملوا بالأحكام ، ويردّوا المتشابه إلى أهله ، فمن عمي عليه من علمه شيء لم يكن علمه مني ولا سمعه فعليه بعلي بن أبي طالب عليه السلام ، فإنه قد علم كما قد علمته ، ظاهره وباطنه ومحكمه ومتشابهه . .(1)

271 . وفي رواية : قالوا : يا أمير المؤنين ! فما نصنع بما قد أخبرنا في المصحف ؟ قال : اسألوا عن ذلك علماء آل محمد عليهم السلام .(2)

* وتقدّم :[ في الرقم 186] قال : . . أرأيت إن قالوا : حجّة الله القرآن ؟ قال : إذن أقول لهم : إن القرآن ليس بناطق يأمر وينهى ولكن للقرآن أهل يأمرون وينهون .

ص: 111


1- . بحارالأنوار 2 / 260 و 22 / 315 و 65 / 393 ، عن كتاب الطرف للسيد ابن طاوس .
2- . بصائرالدرجات 196 ، تهذيب الأحكام 6 / 295 ، وسائل الشيعة 27 / 26 ، 186 ، بحارالأنوار 89 / 98 ، وانظر بحارالأنوار 2 / 113 ، مستدرك الوسائل 17 / 273 ، 342 .

ص: 112

الفصل الرابع: بعض كلمات العلماء في التفسير

اشارة

ص: 113

ص: 114

قد رأيت أن أذكر في هذا الفصل كلمات بعض الأعيان - الدالّة على اختصاص حجية القرآن بظواهر الآيات أو عدم جواز تفسير المتشابهات بالآراء والعقول الناقصة - فظفرت بكلمة للسيد الطباطبائي في كتابه الاسلام في القرآن فوجدتها وافية بالغرض فاستغنيت بها عن مؤونة التتبع والاستقصاء ، مضافا إلى عدم المجال لتتبع سائر الأقوال واستقصائها ، ولعل اللّه يحدث بعد ذلك أمرا .

قال عند ذكر المحكم والمتشابه ما ترجمته :

اختلفوا في معنى المحكم والمتشابه اختلافا كثيرا ربما تبلغ الأقوال فيها إلى العشرين ، والذي اعتمد عليه المفسّرون من الصدر الأول إلى يومنا هذا هو : أن المحكم من الآيات ما كان المقصود منها واضحا لا يشتبه بغيره ، فيجب أن نؤمن ونعمل بها ؛ وأمّا المتشابه فهو ما ليس ظاهرها مرادا لله تعالى ، ولا يعلم المقصود منها إلاّ اللّه سبحانه ، فنؤمن بها (اجمالاً) ولا نعمل بها ولا نتبعها . هذا هو المشهور عند العامّة وكذا هو المشهور عند الشيعة إلاّ أنهم يعتقدون بأن النبي صلى الله عليه و آله وسلموأهل بيته عليهم السلام يعلمون تأويل هذا القسم من الآيات ، وأمّا سائر المؤمنين فلا طريق لهم إلى ذلك أبدا إلاّ الرجوع إلى اللّه تعالى والرسول صلى الله عليه و آله وسلم والائمة عليهم السلام.(1)

ص: 115


1- . قرآن در اسلام 27 .

إذ يستفاد منه أن الذي اعتمد عليه المفسّرون من الصدر الأول إلى يومنا والمشهور بين الفريقين :

* ان ظاهر المتشابهات ليس مرادا لله تعالى .

* لا يعلم المقصود من المتشابهات إلاّ اللّه سبحانه .

* إنما علينا أن نؤمن بها إجمالاً وليس لنا أن نتبعها ونعمل بها ونستظهر منها .

* الشيعة يعتقد بأن النبي صلى الله عليه و آله وسلم وأهل بيته عليهم السلام أيضا يعلمون المقصود منها .

* وأن الواجب علينا أن نرجع في تعيين المراد منها إلى الحجج عليهم السلام .

قول الشيخ الصدوق المتوفى 380

قال - بعد كلام له - : وفيه ] أي في القرآن ] أشياء لا يعرف المراد منها إلاّ بتوقيف ممّا نعلم وتعلمون أن المراد منه إنما عرف بالتوقيف دون غيره ، فليس يجوز حمله على اللغة ؛ لأنك تحتاج أولا أن تعلم أن الكلام الذي تريد أن تتأوله ليس فيه توقيف أصلاً ، لا في جمله ولا في تفصيله .

فإن قال منهم قائل : لم ينكر أن يكون ما كان سبيله أن يعرف بالتوقيف فقد وقف اللّه رسوله صلى الله عليه و آله وسلم عليه ، وما كان سبيله أن يستخرج فقد وكل إلى العلماء وجعل بعض القرآن دليلا على بعض ، فاستغنينا بذلك عما تدعون من التوقيف والموقف .

قيل له : لا يجوز أن يكون ذلك على ما وصفتم ؛ لأنا نجد للآية الواحدة تأويلين متضادّين كل واحد منهما يجوز في اللغة ويحسن أن يتعبد اللّه به ، وليس يجوز أن يكون للمتكلم الحكيم كلام يحتمل مرادين متضادّين.

فإن قال : ما ينكر أن يكون في القرآن دلالة على أحد المرادين ، وأن يكون العلماء بالقرآن متى تدبّروه علموا المراد بعينه دون غيره.

ص: 116

فيقال للمعترض بذلك : أنكرنا هذا الذي وصفته لأمر نخبرك به : ليس تخلو تلك الدلالة التي في القرآن على أحد المرادين من أن تكون محتملة للتأويل أو غير محتملة ، فإن كانت محتملة للتأويل فالقول فيها كالقول في هذه الآية ، وإن كانت لا تحتمل التأويل فهي إذا توقيف ونصّ على المراد بعينه ، ويجب أن لا يشكل على أحد عَلِمَ اللغة معرفة المراد ، وهذا ما لا تنكره العقول وهو من فعل الحكيم جائز حسن ، ولكنّا إذا تدبرنا آي القرآن لم نجد هكذا ، ووجدنا الاختلاف في تأويلها قائما بين أهل العلم بالدين واللغة .

ولو كان هناك آيات تفسّر آيات تفسيرا لا يحتمل التأويل لكان فريق من المختلفين في تأويله من العلماء باللغة معاندين ، ولأمكن كشف أمرهم بأهون السعي ، ولكان من تأول الآية خارجا من اللغة ومن لسان أهلها ؛ لأن الكلام إذا لم يحتمل التأويل فحملته على ما لا يحتمله خرجت عن اللغة التي وقع الخطاب بها ، فدلّونا - يا معشر الزيدية ! - على آية واحدة اختلف أهل العلم في تأويلها في القرآن ما يدل نصّا وتوقيفا على تأويلها ! وهذا أمر متعذر ، وفي تعذره دليل على أنه لابدّ للقرآن من مترجم يعلم مراد اللّه تعالى فيخبر به .(1)

يستفاد منه :

* ان من المعلوم عند الجميع توقيفية بعض الآيات ، أي انها يتوقف على البيان .

* ليست في القرآن حتى آية واحدة اختلف أهل العلم في تأويلها ، ويوجد في القرآن ما يكون نصّا على تأويلها .

* لابدّ للقرآن من مترجم يعلم مراد اللّه تعالى .

ص: 117


1- . كمال الدين 1 / 100 .

وقال قدس سره في موضع آخر : فإن احتجّ محتجّ من أهل الإلحاد والعناد بالكتاب ، وأنه الحجّة التي يستغنى بها عن الأئمة الهداة ؛ لأن فيه «تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ» ، ولقول اللّه عزّ وجلّ : «ما فَرَّطْنا في الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ».

قلنا له : أما الكتاب فهو على ما وصفت : فيه تبيان كل شيء ، منه منصوص مبيّن ومنه ما هو مختلف فيه ، فلابدّ لنا من مبيّن يبيّن لنا ما قد اختلفنا فيه ؛ إذ لا يجوز فيه الاختلاف لقوله عزّ وجلّ : «وَ لَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً» .

ولابدّ للمكلفين من مبيّن يبيّن ببراهين واضحة تبهر العقول وتلزم بها الحجّة ، كما لم يكن فيما مضى بدّ من مبيّن لكل أمة ما اختلف فيه من كتابها بعد نبيّها ، ولم

يكن ذلك لاستغناء أهل التوراة بالتوراة وأهل الزبور بالزبور وأهل الإنجيل بالإنجيل ، وقد أخبرنا اللّه عزّ وجلّ عن هذه الكتب : أن فيها هدى ونورا يحكم بها النبيون ، وأن فيها حكم ما يحتاجون إليه ، ولكنه عزّ وجلّ لم يكلهم إلى علمهم بما فيها ، وواتر الرسل إليهم ، وأقام لكل رسول عَلَما ووصيا وحجّة على أُمته ، أمرهم بطاعته والقبول منه إلى ظهور النبي الآخر .(1)

يستفاد منه :

* انه لابدّ للمكلفين من مبيّن يبيّن بالبرهان الواضح والحجّة ما اختلف فيه من القرآن ، وهذه سنّة إلهية في جميع الأُمم .

وقال في ضمن استدلال له : . . . انه لا يجوز عند مخالفينا أن يكون اللّه عزّو جلّ أنزل القرآن على أهل عصر النبي صلى الله عليه و آله وسلم ولا نبي فيهم ، ويتعبدهم بالعمل بما فيه على حقه وصدقه ، فإذا لم يجز أن ينزّل القرآن على قوم ولا ناطق به ولا معبّر عنه

ص: 118


1- . كمال الدين 2 / 663 .

ولا مفسّر لما استعجم منه ولا مبين لوجوهه ، فكذلك لا يجوز أن نتعبد نحن به إلاّ ومعه من يقوم فينا مقام النبي صلى الله عليه و آله وسلم في قومه وأهل عصره في التبيين لناسخه ومنسوخه وخاصه وعامه والمعاني التي عناها الله عز وجل بكلامه دون ما يحتمله التأويل ، كما كان النبي صلى الله عليه و آله وسلم مبيّنا لذلك كله لأهل عصره ...

فإن قال قائل : إن المؤّي إلينا ما نحتاج إلى علمه - من متشابه القرآن ومن معانيه التي عناها الله دون ما يحتمله ألفاظه - هو الأمة .

أكذبه اختلاف الأمة وشهادتها بأجمعها على أنفسها في كثير من آي القرآن ، لجهلهم بمعناه الذي عناه الله عز وجل ، وفي ذلك بيان أن الأمة ليست هي المؤّية عن الله عز وجل ببيان القرآن وأنها ليست تقوم في ذلك مقام النبي صلى الله عليه و آله وسلم .(1)

يستفاد منه :

* انه كما لا يمكن أن ينزل القرآن على قوم من دون أن يرسل إليهم النبي صلى الله عليه و آله وسلم ، كذلك لا يمكن أن نتعبد نحن بالقرآن بدون مفسّر لآياته .

* والأُمّة قاصرة عن تبيين ما أراده اللّه عز وجل ، كما يشهد لذلك جهلهم بمعانى الآيات

واختلافهم فيها .

قول السيد المرتضى المتوفى 436

قال : ويمكن في الآية وجه ثالث لم نجدهم ذكروه على أن يكون قوله : «والرّاسِخُونَ في الْعِلْمِ» مستأنفا غير معطوف ويكون المعنى : وما يعلم تأويل المتشابه بعينه وعلى سبيل التفصيل إلاّ الله .

ص: 119


1- . معانيالأخبار 134 .

وهذا صحيح ؛ لأن أكثر المتشابه قد يحتمل الوجوه الكثيرة المطابقة للحق الموافقة لأدلة العقول ، فيذكر المتأوّل جميعا ولا يقطع على مراد الله منها بعينه ؛

لأن الذي يلزم مثل ذلك أن يعلم في الجملة أن لا يُردْ من المعني ما يخالف الأدلة وان قد أراد بعض الوجوه المذكورة المتساوية في الجواز والموافقة للحق ، وليس في تكليفنا أن نعلم المراد بعينه ، هذا مثل الضلال والهدى الذين تبين احتمالهما لوجوه كثيرة ، منها ما يخالف الحق فنقطع على أنه تعالى لم يُردْه ، ومنها وجوه تطابق الحق فنعلم في الجملة انه قد أراد أحدها ولا نعلم المراد منها بعينه ، وغير هذا من

الآي المتشابهة فإن أكثرها يحتمل وجوها ، والقليل منها يختص بوجه واحد صحيح ولا يحتمل سواه ، ويكون قوله تعالى - من بعد - : «والرّاسِخُونَ في الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنّا بِهِ» أي صدقنا بما نعلمه مجملا ومفصلا من المحكم والمتشابه ، وأن الكل من عند ربّنا ، وهذا وجه واضح .(1)

يستفاد منه :

* ان أكثر المتشابهات تحتمل فيها وجوه كثيرة تطابق الحق وتوافق الأدلة .

* كفاية الإيمان الإجمالي في الآيات المتشابهة .

* نحن نعلم في الجملة أن الله لم يرد معنى يخالف الأدلة ، ولكن لا نقطع على مراد الله

منها بعينه .

قول أبي الصلاح الحلبي المتوفى 437

قال : والوجه في إنزال القرآن محكما ومتشابها أمور : ... ومنها أنه لو كان كله محكما لم يكن فرق بين الحجّة والمحجوج ، والعالم والمتعلم ، ولهذا قال

ص: 120


1- . الأمالي 2 / 97 .

سبحانه : «وما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللّهُ والرّاسِخُونَ في الْعِلْمِ» ، وهو يعني الحجج عليهم السلام الذين أمر سبحانه بالرد إليهم وقطع على حصول العلم بجوابهم في قوله تعالى : «ولَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وإِلى أُولي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ» ، وهم الذين أمر من لا يَعلمُ بمسألتهم ليَعلم في قوله : «فَاسْألُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ» ، وقد بيّنا في غير هذا الكتاب ونبينه فيه كون الأئمة الاثني عشر - صلوات الله عليهم - أولي الأمر وأهل الذكر ، دون غيرهم .(1)

يستفاد منه :

* ان اللّه تعالى جعل قسما من الآيات متشابها ليظهر تمايز الحجج عليهم السلام ومفارقتهم لعامّة الناس في علمهم بها.

قول الشيخ أبو الفتح الكراجكي المتوفى 449

قال : وان القرآن كلام ربّ العالمين ، وانه محدث ليس بقديم ... ويجب أن يعتقد أن جميع ما فيه من الآيات الذي يتضمن ظاهرها تشبيه الله تعالى بخلقه وأنه يجبرهم على طاعته أو معصيته أو يضلّ بعضهم عن طريق هدايته فإن ذلك كله لا يجوز حمله على ظاهرها ، وان له تأويلاً يلائم ما تشهد العقول به ممّا قدّمنا

ذكره في صفات الله تعالى وصفات انبيائه ، فإن عرف المكلف تأويل هذه الآيات فحسن ، وإلاّ أجزأه أن يعتقد في الجملة أنها متشابهات ، وأن لها تأويلاً ملائما تشهد بما تشهد به العقول والآيات المحكمات .(2)

يستفاد منه :

* كفاية الإيمان الإجمالي في الآيات المتشابهة .

ص: 121


1- . الكافي 56 .
2- . كنزالفوائد 243 .

قول الشيخ الطوسي المتوفى 460

قال: والذي نقول به : ان معاني القرآن على أربعة أقسام : . . .

رابعها : ما كان اللفظ مشتركا بين معنيين فما زاد عنهما ، ويمكن أن يكون كل واحد منهما مرادا ، فإنه لا ينبغي أن يقدم أحد به فيقول : ان مراد الله فيه بعض ما يحتمل إلاّ بقول نبي أو إمام معصوم ، بل ينبغي أن يقول : ان الظاهر يحتمل لأُمور ، وكل واحد يجوز أن يكون مرادا على التفصيل والله أعلم بما أراد . . . ولا ينبغي لأحد أن ينظر في تفسير آية لا ينبئ ظاهرها عن المراد تفصيلاً ، أو يقلّد أحدا من المفسرين إلاّ ان يكون التأويل مجمعا عليه ، فيجب اتباعه لمكان الإجماع . .(1)

قال صاحب الحدائق قدس سره : وتلّقاه بالقبول جملة من علمائنا الأعيان .(2)

وقال - في أُصوله - :

إذا ورد خطاب عن اللّه تعالى فلا يخلو من أن يكون محتملاً أو غير محتمل ... وإن كان ذلك ممّا يتسع به في وجوه كثيرة وجب التوقف فيه ، ولا يقطع على أنه أُريد به البعض لعدم الدليل ، ولا أنه أُريد به الجميع ؛ لأنه لا دليل أيضا عليه ... وإن كان مشتركا بين أشياء ، قطع على أنه لم يرد ما خصّه بأنه غير مراد ، وتوقف في الباقي وانتظر البيان . ومتى كان اللفظ مشتركا ولم يقرن به دلالة أصلاً ، وكان مطلقا ، وجب التوقّف فيه وانتظار البيان ؛ لأنه ليس بأن يحمل على بعضه بأولى من أن يحمل على جميعه .(3)

ص: 122


1- . التبيان 1 / 5 - 6 .
2- . الحدائق الناضرة 1 / 32 ، وانظر نور البراهين للسيد نعمة الله الجزائري 1 / 181 - 184 .
3- . العدة 1 / 49 ، 51 .

يستفاد من كلامه في الموضعين :

* إذا كان اللفظ - في آيات القرآن - محتملاً لمعان عديدة ليس لأحد أن يقول: إن اللّه أراد كذا إلاّ بقول الحجج عليهم السلام .

قول الشيخ الطبرسي المتوفى 548

قال في قوله تعالى : «يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِك وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ» أي : القرآن ، وهذا لا يُعدّ من التكرار ؛ لأنه خصّ الأول بالتلاوة ليعلموا بذلك أنه معجز دال على صدقه ونبوته ، وخصّ الثاني بالتعليم ليعرفوا ما يتضمنه من التوحيد وأدلته ، وما يشتمل عليه من أحكام شريعته .(1)

يستفاد منه :

* ان الناس محتاجون إلى النبي صلى الله عليه و آله وسلم في معرفة ما تضمنته الآيات الشريفة في الأصول والفروع .

وقال في تفسير قوله تعالى : «بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ» : أي : بما كذبوا ، ولم يعلموه من جميع وجوهه ؛ لأن في القرآن ما يعلم المراد منه بدليل ، ويحتاج إلى الفكر فيه ، والرجوع إلى الرسول في معرفة مراده ، وذلك مثل المتشابه . فالكفار لمّا لم يعرفوا المراد بظاهره ، كذبوا به .(2)

وقريب منه عبارة الشيخ الطوسي قدس سره .(3)

ص: 123


1- . تفسير مجمع البيان 1 / 394 .
2- . تفسير مجمع البيان 5 / 189 .
3- . التبيان 5 / 379 .

يستفاد منه :

* ان معرفة المراد من الآيات يتوقف على الرجوع إلى النبي صلى الله عليه و آله وسلم .

قول أبي الفتوح الرازي المتوفى 552

قال - ما ترجمته - : تفسير القرآن ومعانيه على أربعة أقسام : ... والرابع ما كان اللفظ مشتركا بين معنيين أو أكثر ويحتمل أن يكون كل واحد منها مرادا ، وهذا القسم يسمّى بالمتشابه ، وحكمه إمكان الحمل على جميع هذه المعاني دون أن نقطع بأن بعضها هو المقصود بعينه إلاّ اذا نصّ عليه النبي صلى الله عليه و آله وسلم أو الائمة عليهم السلام.(1)

يستفاد منه :

* إذا كان اللفظ - في آيات القرآن - محتملاً لمعان عديدة ليس لأحد أن يقول: إن اللّه

أراد كذا إلاّ بقول الحجج عليهم السلام .

قول القطب الراوندي المتوفى 573

قال : المتشابه ، وهو ما يشترك لفظه بين معنيين وأكثر ، وكل واحد منهما يجوز أن يكون مرادا ، فحكمه أن يحمل على جميع محتملاته في اللغة ، إلاّ أن يمنع دليل من حمله على وجه منها ، ولا نقطع على مراد اللّه فيه إلاّ بنص من رسوله .(2)

يستفاد منه :

* لايجوز أن نقطع بالمراد من الآيات المتشابهات إلاّ من طريق الحجج عليهم السلام.

ص: 124


1- . روض الجنان 1 / 4 .
2- . فقه القرآن 1 / 321 ، وانظر 2 / 428.

قول السيد ابن طاوس المتوفى 664

قال : وإذا اعتبرت اختلاف أهل الأمانة والورع والاجتهاد من سائر فرق المسلمين ، العلماء منهم والزهّاد ، وجدتهم مختلفين في تفسير أكثر مراد اللّه جلّ جلاله من آيات الكتاب والسنن والآداب ، وعلمت أن كثيرا من المختلفين في هذه الأسباب ما عاندوا ولا كابروا في ترك الصواب ، وإنما أكثر الآيات والروايات محتملات لبعض ما وقع من اختلاف التأويلات.

وظهر لك بذلك - إن كنت قابلاً للألطاف أو مريدا للإنصاف - أن اختيارات العباد غير المعصومين لا تقوم بها الحجّة البالغة عليهم لسلطان العالمين .(1)

يستفاد منه :

* ان الاختلاف في تعيين المراد من الآيات كثير جدّا ولا يكون عناد في ذلك في الأكثر ،

ولا يكون الحجّة البالغة إلاّ قول الحجج عليهم السلام .

وقال - في كتابه الآخر ردّا على بعض المفسّرين - :

. . ثم يذكر الآية ويقول - في أكبر ما يفسّره - : إنما يعني الله كذا وكذا . . في آيات محتملات عقلاً أو شرعا لعدّة تأويلات ! وما كان جبرئيل ولا رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلميقولون في مثل ذلك يعني الله كذا وكذا إلاّ بوحي من الله تعالى ، وهو قد عرف أن القرآن الشريف تضمّن من أعظم الخلائق محمد صلى الله عليه و آله وسلم : «وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الأَقاوِيلِ * لأَخَذْنا مِنْهُ بِالَْيمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ» وقال جلّ جلاله : «وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ» !(2)

ص: 125


1- . فلاح السائل 4 .
2- . سعدالسعود 142 .

يستفاد منه :

* إذا كانت الآيات محتملة لمعان عديدة ليس لأحد أن يقول: إن اللّه أراد كذا إلاّ بحجّة إلهية ، وإلاّ كان من مصاديق الكذب على اللّه تعالى .

ونقل عن عبد الجبار صاحب تفسير الفرائد أنه قال في قوله تعالى : «تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ» : يدل على أمور : . . . ومنها وصف القرآن بأنه فرقان من حيث يعرف به الحق من الباطل ، ولن يكون كذلك إلاّ مع كونه دلالة على جميع ذلك ، فدل من هذا الوجه على أن الاستدلال به ممكن، وعلى أنه يعرف بظاهره المراد به ولو كان كما قال قوم من أنه لا يعرف المراد إلاّ بتفسير أو بقول إمام لخرج من أين يكون يفرّق بين الحق والباطل ...

ثمّ قال في ردّه : وأما قول عبد الجبار : إن لفظ تسميته فرقانا يقتضي أنه يعرف به جميع الحق من الباطل .

فقد كابر الضرورة ...

وأما قوله : لو كان لا يعرف المراد إلاّ بتفسير أو بقول إمام لخرج من أن يكون مفرّقا بين الحق والباطل .

فهو جهل عظيم منه وغفلة شديدة صدرت عنه ! ويحه أتراه يعتقد أن القرآن مستغن عن صاحب النبوة في تفسيره أو تفسير شيء منه غفلة ؟! أو غفل عن قول اللّه تعالى : «ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاّ اللّهُ والرّاسِخُونَ في الْعِلْمِ» ؟! أما هذا تصريح أن فيه ما لا يعلم تأويله إلاّ اللّه؟! وإذا كان لا يحتاج إلى تفسير فلأي حال نقلوا أخبار من فسّره من النبي صلى الله عليه و آله وسلم والصحابة والتابعين؟! وكان على قوله كل من وقف على القرآن عرف من ظاهره تفسيره .(1)

ص: 126


1- . سعدالسعود 188 - 189 .

يستفاد منه :

* ان الضرورة قاضية بأنا لا نعرف بالقرآن جميع الحق من الباطل .

* ان وصف القرآن ب- : الفرقان لا يقتضي الاستغناء عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم في فهمه .

وقال - في ضمن الردّ على بعض الاقوال - :

أمّا احتجاج الأول بقوله : «هذا بَيانٌ لِلنّاسِ» و«تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ» و«فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ» ، فلا يطيق منصف أن يدّعي أن هذه الآيات يقتضي أن يعلم تأويله كل أحد من عالم أو جاهل ومسلم وكافر .

ولو كان الأمر في البيان يقتضي معرفة الخلائق كلهم به لأدّى إلى أنه لا يسمعه أحد إلاّ عرف تأويله ، فلم يبق بدّا من أن يكون المراد بهذه الآيات غير الظاهر الذي ادّعاه ، وأن القرآن في نفسه بيان وتبيان ومفصّل على علم اللّه ولكن يحتاج إلى من يعرف ذلك من اللّه ورسوله صلى الله عليه و آله وسلموآله عليهم السلام . .(1)

يستفاد منه :

* المنصف يعترف بأن المراد من قوله : «هذا بَيانٌ لِلنّاسِ» و«تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ» و«فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ» ونحوها غير ظاهرها ، فالقرآن في نفسه بيان وتبيان و... ولكن يحتاج إلى من يعرف ذلك من اللّه ورسوله صلى الله عليه و آله وسلم وآله عليهم السلام .

ص: 127


1- . سعدالسعود 222 .

قول العلامه الحلّي المتوفى 729

قال بعد قوله تعالى : «هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْك الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ . .» إلى آخر الآية ، الاستدلال به من وجوه :

الأول : أن الناس منهم مقلد ومنهم مقلد والمقلد إنما يتبع المقلّد، واللّه تعالى قد ذمّ من يتبع المتشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ، وهذا منع من اتباعه ، وغير

المعصوم يجوز فيه ذلك ، فلا يوثق بقوله ، فتنتفي فائدة الخطاب ، فيجب المعصوم حتى ينتهي التقليد إليه .

الثاني : أنه تعالى حكم بعلم تأويله لقوم مخصوصين ميّزهم بكونهم راسخين في العلم ، وهذا لا يعلم إلاّ من المعصوم ؛ إذ غيره لا يعرف حصول الصفة فيه .

الثالث : المراد بالخطاب بالمتشابه هو العمل أيضا به ، ولا يحصل الأمن من الخطأ في العمل به إلاّ من المعصوم ، فيجب ، ولأن الخطاب بالمتشابه مع عدم معصوم يجزم يقينا بصحة قوله يستلزم الفتنة المحذر منها ؛ إذ آراء المجتهدين مختلفة فيه ويقع بسبب ذلك الخبط وعدم الصواب ، فلابدّ من المعصوم ليتوصّل منه إلى العلم به.

الرابع : أنه يجب دفع الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وردعهم عن ذلك ، وهو يستلزم ثبوت المعصوم ؛ لأن غيره لا ترجيح لقول بعضهم على بعض ، فكل منهم يدعي أن مخالفه كذلك ، وذلك هو الفتنة .(1)

يستفاد منه :

* انا إذا اتبعنا غير المعصوم في المتشابه يحتمل أن يكون هذا الاتباع منّا ابتغاء الفتنة ، ولا وثوق بقوله .

ص: 128


1- . الألفين 98 .

* ان اللّه تعالى حكم بأن العالم بتأويل المتشابه قوم خاصّ وهم الراسخون عليهم السلام .

* المقصود من الخطاب بالآيات المتشابهة أيضا هو العمل بها ، ولكن بعد بيان الراسخين في العلم عليهم السلام لها .

* الخطاب بالمتشابه مع عدم معصوم يجزم يقينا بصحة قوله يستلزم الفتنة - المحذّر منها - لاختلاف الآراء فيها .

* لولا قول المعصوم في المتشابهات ، لم يكن وجه لترجيح قول بعضهم على بعض ، فكلٌ يدعي أن مخالفه يبتغي الفتنة ، وهذا هو الفتنة .

* اختصاص الراسخين بالمعصومين عليهم السلام .

وقال في موضع آخر : قال اللّه تعالى : «فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاّ اللّهُ وَالرّاسِخُونَ في الْعِلْمِ» ، وجه الاستدلال أن الغلط في التأويل ضلال محذور ومحذر عنه في غاية التحذير ، وكل غير معصوم يمكن أن يكون كذلك ، والإمام ليس كذلك بالضرورة ، فغير المعصوم غير إمام بالضرورة ، والإمام ثابت لوجوب الإمامة ، فالإمام معصوم .(1)

يستفاد منه :

* انه يحتمل الضلال في كلّ من يتأول الآيات المتشابهة إلاّ في الأئمة عليهم السلام .

وقال في موضع ثالث : ولا مفسّر للمتشابه يفيد قوله اليقين يكون حجّة ظاهرة، فلأجل ذلك وجب إمام معصوم يعلم المتشابه والظاهر والمؤل يقينا ، ويعلّمه المكلفين ويدلّهم ذلك عليه ، وهو المطلوب .(2)

ص: 129


1- . الألفين 419 .
2- . الألفين 376 - 375 .

وقال - بعد كلام له - : . . فلابدّ من طريق إلى معرفة ذلك ، وليس الكتاب لاشتماله على المتشابهات والمشتركات ، ولا السنة لذلك ، فتعين أن يكون الطريق هو قول المعصوم فإنه يعلم متشابهات القرآن ومجازاته والألفاظ المشتركة فيه ما المراد بها يقينا ، ويعلم الأحكام يقينا ، وللعلم بعصمته يحصل الجزم بقوله .(1)

وقال : قطعا أنه لم يعلم جميع المتشابهات وجميع المؤلات يقينا إلاّ المعصوم .(2)

يستفاد منه :

* ان الحجّة - في تفسير المتشابهات - منحصر فيما قاله المعصوم عليه السلام .

وقال في ضمن استدلال له :

أدلة الشرع من الكتاب والسنة لا تدلّ بنفسها لاحتمالها ، ولذلك اختلفوا في معناها مع اتفاقهم في كونها دلالة ، فلابدّ من مبيّن عرف معناها ...

ثم نقل عن السيد المرتضى قدس سره : بأنا لسنا نقول إن جميع أدلة الشرع محتملة غير دالة بنفسها ... لأنا نعلم أن في القرآن متشابها ، وفي السنة مجملا ، وأن العلماء من

أهل اللغة قد اختلفوا في المراد بهما وتوقفوا في الكثير ممّا لم يصح لهم طريقه ، ومالوا في مواضع إلى طريقة الظن والأولى ، فلابدّ والحال هذه من مبيّن للمشكل ومترجم للغامض يكون قوله حجّة كقول الرسول صلى الله عليه و آله وسلم ، وليس يبقى بعد هذا إلاّ

ص: 130


1- . الألفين 69 .
2- . الألفين 84 .

أن يقال إن جميع ما في القرآن إما معلوم بظاهر اللغة أو فيه بيان من الرسول صلى الله عليه و آله وسلم يفصح عن المراد ، وإن السنة جارية بهذا المجرى .

وهذا قول يعلم بطلانه بالضرورة لوجود مواضع كثيرة من الكتاب والسنة قد أُشكل على كثير من العلماء ، وأعياهم القطع فيها على شيء بعينه ، ولو لم يكن في القرآن إلاّ ما لا خلاف في وجوده ولا يتمكن من دفعه ، وهو المجمل الذي لا شك في حاجته إلى البيان والإيضاح ، مثل قوله تعالى : «خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً» وقوله تعالى : «في أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسّائِلِ والَْمحْرُومِ» .. إلى غير ما ذكرناه وهو كثير ، وإذا كان ، لابدّ من ترجمته والبيان عن المراد به ... فلابدّ مع ما ذكرناه من إمام مؤّ لترجمة النبي صلى الله عليه و آله وسلم مشكل القرآن ، وموضح عما غمض عنا من ذلك ، فقد ثبتت الحاجة إلى الإمام المعصوم مع تسليم أكثر قواعد المخالف .(1)

يستفاد منه :

* لا يكفي القرآن وحده لهداية الناس ؛ لأن في القرآن آيات تحتمل وجوها مختلفة .

* انا نعلم يقينا وجود آيات لا نعرف معناها .

* القول بأن جميع ما فيالقرآن معلوم ، ضروري البطلان ، فلابدّ من الإمام المعصوم .

وقال في أصوله : يجوز ورود المجمل في كلام اللّه تعالى وكلام الرسول صلى الله عليه و آله لإمكانه في الحكمة ، ووقوعه فيهما .(2)

يستفاد منه :

* ان الإجمال في الآيات ممكن بل واقع .

ص: 131


1- . الألفين 201 - 200 .
2- . مبادئالوصول 161 .

قول العلاّمة النباطي العاملي المتوفى 877

قال : في الكتاب : الآيات المتشابهات ، والمجملات ، وأوامر خفيات خبط المفسّرون فيها ، فاتباع بعضهم لا ترجيح فيه ، والكل غير ممكن لتضاد القول وتنافيه ، فلابدّ من معصوم يتعين الرجوع إليه ، والتعويل في ذلك عليه ...

اعترض القاضي بأن القرآن غني عن التأويل إذ بيّنه النبي ، فلا حاجة إلى الإمام .

أجاب المرتضى بأن ذلك مكابرة ، فإن اختلاف العلماء فيه لا خفاء فيه ، ولو قدّر أن النبي صلى الله عليه و آله وسلم بيّنه فلابدّ من الإمام لينقل بيانه، إذ الأمة غير مأمونة على ذلك.(1)

يستفاد منه :

* لا يمكن اتباع جميع المفسّرين في الآيات المتشابهة ، ولا وجه لترجيح قول بعضهم على بعض ، فلابدّ من الرجوع إلى قول المعصومين عليهم السلام .

وقال : الإمام لطف كما سلف في ترك المخالفات ، وانتظام أمر المخلوقات وحفظ الأوامر الشرعيات ، وإيضاح المجملات ، والكشف عن المتشابهات ، فهو ملجأ الرعية في ذلك دون ذوي العقول الناقصات .(2)

يستفاد منه :

* ان الملجأ في المتشابهات هو الامام المعصوم عليه السلام دون غيره .

ص: 132


1- . الصراط المستقيم 1 / 113 .
2- . الصراط المستقيم 1 / 122 - 123 .

قول أبي المحاسن الجرجاني ( القرن التاسع )

قال - ما ترجمته - : .. وما اشترك اللفظ بين معنيين أو أكثر ، ولم يمتنع من الحمل عليها ، ففي هذا القسم لا يمكن أن نعلم ماذا أراد اللّه منها إلاّ بنصّ من الرسول صلى الله عليه و آله وسلم أو الائمة عليهم السلام ، وقد ثبت بالروايات الصحيحة عدم جواز التفسير إلاّ بالمأثور عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم والائمة عليهم السلام وعدم جواز التعويل على الرأي .(1)

يستفاد منه :

* إذا كان اللفظ - في آيات القرآن - محتملاً لمعان عديدة ليس لأحد أن يقول: إن اللّه

أراد كذا إلاّ بقول الحجج عليهم السلام .

قول المحقق الأردبيلي المتوفى 993

قال بعد نقل كلام الشيخ الطبرسي - وقد تقدّم في الفصل الثالث في الرواية المرقّمة [224] - : ان الخبر محمول على ظاهره ، غير متروك الظاهر ، وأنه صحيح مضمونه على ما اعترف به في أول كلامه ، حيث قال قد صحّ عن النبي صلى الله عليه و آله ... وبالجملة المراد من التفسير الممنوع برأيه وبغير نصّ هو القطع بالمراد من اللفظ الذي غير ظاهر من غير دليل ، بل بمجرد رأيه وميله ، واستحسان عقله من غير شاهد معتبر شرعا كما يوجد في كلام المبدعين ، وهو ظاهر لمن تتبع كلامهم ، والمنع منه ظاهر عقلا ، والنقل كاشف عنه ، وهذا المعنى غير بعيد عن الأخبار المذكورة بل ظاهرها ذلك .(2)

ص: 133


1- . تفسير گازر 1 / 3 .
2- . زبدة البيان 2 - 3 .

يستفاد منه :

* إذا كان اللفظ - في آيات القرآن - محتملاً لمعان عديدة ليس لأحد أن يقول: إن اللّه

أراد كذا إلاّ بقول الحجج عليهم السلام .

قول القاضي نور اللّه التستري المستشهد 1019

قال في ضمن كلام له : ... غاية الأمر أن يكون ما نحن فيه من الآية - لخفاء القرينة على تعيين المحذوف - من المتشابهات التي لا يعلم معناها إلاّ بتوفيق من اللّه تعالى على لسان رسوله .(1)

يستفاد منه :

* ان الحجّة - في بيان المتشابهات - منحصر فيما قاله النبي صلى الله عليه و آله وسلم .

قول المولى محمد صالح المازندراني المتوفى 1081 أو 1086

قال : واعلم أنه لا يجوز تأويل متشابهات القرآن والأحاديث عندنا بالرأي ، بل يجب صرفه إلى الراسخين في العلم ، وهم أهل الذكر عليهم السلام ومن يتعرض له من أصحابنا فإنما يتعرض لوجوهه على سبيل الاحتمال من غير جزم بأحدها إلاّ أن يدل عليه دليل آخر .(2)

يستفاد منه :

* إذا كان اللفظ - في آيات القرآن - محتملاً لمعان عديدة ليس لأحد أن يقول: إن اللّه أراد كذا إلاّ بقول الحجج عليهم السلام .

ص: 134


1- . إحقاق الحق 3 / 147 .
2- . شرح أصول الكافي 8 / 90 .

وقال : من الكذب على الله عزّ وجلّ : إنكاره ، وتشبيهه بالخلق ، ووصفه بصفة المخلوقين ، واعتقاد الشريك ، وزيادة الصفات له ، ونسبة الجهل إليه ، وتفسير كلامه بالرأي الناقص ، ونسبة عدم النصّ بالإمام إليه .(1)

يستفاد منه :

* ان من الكذب على الله تفسير المتشابه والقطع به .

وقال: قوله: (ما ضرب رجل القرآن بعضه ببعض إلاّ كفر) يحتمل وجهين: الاول: أن يراد بالضرب المعنى المعروف، فان كان من باب الاستخفاف فهو كفر جحود والاّ فهو كفر نعمة وترك الادب . الثاني: أن يستعمل الرأي في المجمل والمؤل والمطلق والعام والمجاز والمتشابه وغيرها من المعضلات ، ويجمع بينها باعتبارات خيالية وإختراعات وهمية ، ويستنبط منها أحكاما يعمل بها ويفتي بها من غير أن يكون له مستند صحيح ونقل صريح عن أهل الذكر عليهم السلام .(2)

يستفاد منه :

* عدم جواز إبداء الرأي في المتشابهات .

وقال في ضمن كلام له : وإنما خصّ المحكم بالذكر ؛ لأن المنسوخ ليس للعلم بمضمونه كثير نفع ، والمختلف فيه لا يعلم الحق منه إلاّ المعصوم ، وكذا المتشابه لقوله تعالى : «وما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللّهُ والرّاسِخُونَ في الْعِلْمِ».(3)

وقال - بعد ذكر رواية - : وفي هذا الخبر دلالة على أن متشابهات القرآن - بل متشابهات الأحاديث أيضا - وجب ردها إلى أهل الذكر عليهم السلام ، ولا يجوز التفسير بما

ص: 135


1- . شرح أصول الكافي 9 / 400 .
2- . شرح أصول الكافي 11 / 83 .
3- . شرح الكافى للمازندراني 1/23 .

استحسنه الرأي . واختلف مخالفونا فبعضهم قال : وجب الردّ إلى الله سبحانه ، وذهب معظم المتكلمين إلى أنها تصرف عن ظاهرها المحال ثم تأوّل على ما يليق ويقتضيه الحال .(1)

يستفاد منهما :

* ان الواجب علينا هو ردّ متشابهات القرآن والأحاديث إلى الائمة عليهم السلام .

قول الشيخ الطريحي المتوفى 1085

قوله : «وأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ» : أي متماثلات أي بعضها يماثل بعضا من قولهم : هذا شبه هذا أي شبيهه ومثيله ، وقولهم : بينهما شبه وشَبَه بالتحريك أي مماثلة ، وفسّروا الشبه بكل لون لا يخالف معظم لون صاحبه .

ومنه يعلم المحكم ؛ لأنه مقابل المتشابه ، وإن الظواهر القرآنية داخلة فيه ، كما عليه الاتفاق من الكل ، فبطل قول مدعي خلاف ذلك .(2)

يستفاد منه :

* ان الظواهر من المحكمات بالاتفاق ؛ والمحكم والمتشابه متقابلان ؛ ( فلا يجوز التمسّك بالمتشابه لعدم الظهور ) ، ومن قال غير هذا خالف الكل وقوله باطل .

قول الفيض الكاشاني المتوفى 1091

قال : أمّا أخبار المنع من تفسير القرآن بغير نص واثر فيجب حملها على المتشابهات منه دون المحكمات ، وكذا الأخبار الدالة على تخصيص

ص: 136


1- . شرح أصول الكافي 12 / 436 .
2- . مجمع البحرين 6 / 349 .

أهل الذكر عليهم السلام بعلمه دون غيرهم ، فانها أيضا محمولة على المتشابهات منه ، أو على علم الكتاب ، وذلك لوجوه من العقل والنقل .(1)

يستفاد منه :

* ان الغرض من الروايات الناهية عن التفسير هو تفسير المتشابهات .

* وما دلّ على اختصاص الأئمة عليهم السلام بعلم القرآن أيضا محمولة على المتشابهات منه .

وقال : ولا يحكم بالمتشابه إلاّ بالتشابه ؛ لأنه المحكم فيه ، وكيف يجوز أن يجعل المتشابه محكما وقد جعله الله متشابها؟! فلا يبتغي تأويله ولا ردّه إلى أحد الطرفين كما يفعله الذي في قلبه زيغ وذلك لأن الله سبحانه جعل الأُمور ثلاثة ، بيّن رشده فيتبع ، وبيّن غيّه فيجتنب ، ومتشابهات بين ذلك يردّ حكمها إلى الله وإلى الراسخين في العلم العالمين بتأويله ، فكيف يحكم بالتثّني فيما حكم الله فيه بالتثليث ! مع أن في المتشابه حِكَما ومصالح يمتحن الله بها أصناف عباده .(2)

يستفاد منه :

* لا يجوز لغير الحجج عليهم السلام تأويل المتشابهات ولا يُحكم عليها إلاّ بالتشابه.

قول محمد طاهر القمي الشيرازي المتوفى 1098

قال : لا يقال : ان كتاب الله كفى في بيان رضاه وسخطه .

لأنا نقول : لا يخفى على اللبيب المنصف أن كتاب الله مشتمل على المجملات والمتشابهات ، والناسخ والمنسوخ ، ولا يعلم من تأويلها ولا يعرف

ص: 137


1- . الأصول الأصلية 37 .
2- . الحق المبين 5 .

من تفسيرها إلاّ يسير ، واختلف المفسّرون في تفاسيرهم ، وتمسك أهل البدع بمتشابهاته في بدع آرائهم ... فليس كتاب الله حسبنا ، كما زعم الثاني من خلفاء المخالفين وأتباعه .(1)

يستفاد منه :

* انا لا نعرف من القرآن إلاّ يسيرا .

* ان أهل البدع تمسّكوا في بدع آرائهم بالمتشابهات (لعدم رجوعهم إلى قول الحجج المعصومين عليهم السلام ) ، وأمّا نحن فنقول : ليس حسبنا كتاب اللّه .

وقال في موضع آخر : الدليل الثاني [ على أنه لابدّ في كل زمان من امام معصوم مبين لكتاب الله تعالى ] ان الله تعالى مدح كتابه بأن فيه تبيان كل شيء ، فعلمنا أنه لابدّ أن يكون في كل زمان امام مبين مؤد معصوم ، عنده تبيان كل شيء ؛ لأنه لا يجوز على الحكيم أن يترك كتابا فيه ما يحتاج إليه يوم القيامة ، ويأمرنا بالتمسك به ، ويخبر أن كل قضية تحدث بعد النبي صلى الله عليه و آله إلى يوم القيامة تبيانها في كتاب اللّه بغير مبيّن مؤد معصوم .

وظاهر أن فوائد الكتاب لم تكن مخصوصة بزمن قليل ، وهو زمان النبي صلى الله عليه و آله ؛

لأنه هدى لجميع المتقين ، وشفاء ورحمة لجميع المؤنين . ولا فرق بيننا وبين أهل زمانه صلى الله عليه و آله في أصل التكليف ، وهو من ضروريات الدين ، وتواتر عن النبي صلى الله عليه و آله الأمر بالعمل بكتاب الله والتمسك به ، مع أن أكثره مجملات متشابهات . فعلمنا أنه صلى الله عليه و آله لم يخرج من الدنيا إلاّ بعد تعيين مفسّر لكتاب الله ، عارف بجميع أحكامه وأسراره ، قادر على تبيين متشابهاته ، وبالاجماع لم يكن أحد ممن ادعى الامامة

ص: 138


1- . كتاب الأربعين 339 - 238 .

عنده تبيان كل شيء غير الأئمة الاثني عشر . فثبت أنهم هم الأئمة الهداة الراشدون ، المفسّرون لكتاب الله ، وقد دلنا النبي صلى الله عليه و آلهعلى المفسّر بقوله : « إني تارك ... » إلى آخر الحديث ، وبقوله : « أنا مدينة العلم ... » إلى آخر الحديث ، وبقوله : « علي أقضاكم » .

وقد أشار صاحب الشريعة إلى دوام وجوده المفسّر مع الكتاب بقوله : «ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض » .(1)

يستفاد منه :

* انا لمّا رأينا أن اللّه تعالى قال : «ونَزَّلْنا عَلَيْك الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ» ؛ وتواتر عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم الأمر بالتمسّك بالقرآن ؛ ووجدنا أن أكثر القرآن مجملات متشابهات ؛ فظهر لنا أن النبي صلى الله عليه و آله وسلم لم يخرج من الدنيا إلاّ بعد تعيين مفسّر لكتاب الله تعالى .

قول العلامة المجلسي المتوفى 1111

قال : . . . فوجدت العلم كله في كتاب اللّه العزيز الذي لا «يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ ولا مِنْ خَلْفِهِ» وأخبار أهل بيت الرسالة الذين جعلهم اللّه خزانا لعلمه وتراجمة لوحيه ، وعلمت أن علم القرآن لا يفي أحلام العباد باستنباطه على اليقين ، ولا يحيط به إلاّ من انتجبه اللّه لذلك من أئمة الدين الذين نزل في بيتهم

الروح الأمين .(2)

يستفاد منه :

* ان العلم كله في القرآن ؛ ولكن لا يفي عقول العباد باستنباطه على اليقين ، ولا يحيط به إلاّ الأئمة عليهم السلام .

ص: 139


1- . كتاب الأربعين 344 - 345 .
2- . بحارالأنوار 1 / 3 .

وقال - عند ذكر قول عمر بن الخطاب : حسبنا كتاب اللّه.. - :

يدلّ على أنّه لا خوف على الأُمّة من الضلال بعد كتاب اللّه . . . ومن راجع كلام المفسّرين أدنى مراجعة علم أنّه ليس آية إلاّ وقد اختلفوا في فهمها واستخراج الأحكام منها على أقوال متضادّة ووجوه مختلفة، والكتاب الكريم مشتمل على ناسخ ومنسوخ، ومحكم ومتشابه، وظاهر ومؤوّل، وعامّ وخاصّ، ومطلق ومقيّد .. وغير ذلك ممّا لا يصيب في فهمه إلاّ «الرّاسِخُونَ في الْعِلْمِ»المعصومون من الزيغ والضلال .(1)

يستفاد منه :

* ان الاختلاف في التفسير وجداني ؛ وكذا نجد فيها ما لا يصيبه إلاّ الراسخون عليهم السلام .

وقال في قوله تعالى - «وأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ» - :

قيل : أي محتملات لا يتضح مقصودها إلاّ بالفحص والنظر ، ليظهر فيها فضل العلماء الربانيين في استنباط معانيها ، وردها إلى المحكمات ، وليتوصلوا بها إلى معرفة الله وتوحيده.

وأقول : بل ليعلموا عدم استقلالهم في علم القرآن ، واحتياجهم في تفسيره إلى الامام المنصوب من قبل الله ، وهم الراسخون في العلم .(2)

يستفاد منه :

* ان اللّه تعالى جعل قسما من الآيات متشابها ليظهر تمايز الحجج عليهم السلام واحتياج الناس إليهم فيها .

ص: 140


1- . بحارالأنوار 30 / 545 .
2- . بحارالأنوار 66 / 93 .

قول السيد نعمة الله الجزائري المتوفى 1112

قال : فمعنى الأحاديث الواردة بالنهي عن التفسير بالرأي كما قاله المحقق الأردبيلي : إنه من فسّر وبيّن وجزم وقطع بأن المراد من اللفظ المشكل مثل المجمل والمتشابه كذا ، بأن يحمل المشترك اللفظي مثلا على أحد المعاني من غير مرجح من حديث أو آية أو ظاهر أو إجماع أو دليل عقلي ، بل بمجرد الرأي والميل والاستحسان من عقله من غير شاهد معتبر شرعا .(1)

يستفاد منه :

* إذا كان اللفظ - في آيات القرآن - محتملاً لمعان عديدة ليس لأحد أن يقول: إن اللّه

أراد كذا إلاّ بشاهد معتبر شرعا .

قول الميرزا محمد المشهدي المتوفى حدود 1125

قال : واعلم أن التفسير بالرأي للمتشابه حرام ، ومن فسّره برأيه كافر .

يدل عليه ما رواه... عن النبي صلى الله عليه و آله في حديث طويل يقول فيه : من فسّر القرآن برأيه فقد افترى على الله الكذب . و... قال صلى الله عليه و آله : قال الله جلّ جلاله : ما آمن بي من فسّر برأيه كلامي .

ولاخفاء أن المراد تفسير المتشابه وتأويل المحكم بالرأي بغير ما يدل عليه ظاهره . وبذلك يظهر عدم إيمان أكثر المفسّرين ممن يفسّرون القرآن برأيهم ، ويأوّلونه على مذاقهم ، ممن نقلنا بعض تأويلاتهم في أوائل التفسير ، تقدمة لهذا التصريح ، وعدم إيمان أهل السنة والجماعة ، فإنه لا ريبة لاحد في أنه لا يردّون المتشابهات إلى الراسخين الذين هو الائمة عليهم السلام ، ويفسّرون الراسخين أيضا

ص: 141


1- . نور البراهين 1 / 189 . وأشرنا إلى كلام له في صفحة 122 فراجع .

برأيهم ، ولا يعنون منه النبي والائمة عليهم السلام ، فتبصّر .(1)

يستفاد منه :

* أشدّ التوبيخ والعتاب والذمّ والإنكار على اللذين يفسّرون القرآن برأيهم .

قول الشيخ يوسف البحرانى المتوفى 1186

قال في ضمن كلام له : أحكام القرآن وغيره، وتفسير مجملاته و حلّ مشكلاته إنما يتلقى عنهم عليهم السلام .(2)

يستفاد منه :

* ان الحجّة في تفسير مجملات القرآن وحلّ مشكلاته منحصر فيما قاله المعصوم عليه السلام.

قول الشيخ جعفر كاشف الغطاء المتوفى 1228

قال : المبحث السادس : إن فيه [ أي في القرآن ] المتشابه الذي لا يعلم إلاّ بتعليم كاسماء العبادات من الصلوة والصيام والحج ونحوها ، وأسماء لا يعرفها العرب كالحروف في مفتتح السور ، وأسماء اشياء توجد في الآخرة.

وفيه المبيّن الذي يعرفه العرب بلسانهم وبه عرف الإعجاز وحجّ الخصوم من غير أهل الإسلام ، وبه يتضح حال الصحيح من الأخبار ، وعليه مدار الضرورة والسيرة واحتجاج النبي صلى الله عليه و آله والأئمة عليهم السلام والأصحاب سلفا بعد سلف ... وحجّيته من ضروريات الدين وقد مرّ الكلام فيه مفصّلاً .(3)

يستفاد منه :

* اختصاص الإعجاز والحجّة و... بغير المتشابه .

ص: 142


1- . كنز الدقائق 2 / 28 .
2- . الحدائق الناضرة 12 / 347 . وأشرنا إلى كلام له في صفحة 122 فراجع .
3- . كشف الغطاء 2 / 298 .

قول المحقق القمي المتوفى 1231

قال : قانون : الحق جواز العمل بمحكمات الكتاب نصّا كان أو ظاهرا... ومنها خبر الثقلين الذي ادّعوا تواتره بالخصوص ... وعدم افتراقهما كما في بعض رواياته لا يدل على توقف فهم جميع القرآن ببيان أهل البيت عليهم السلام فإن ذلك لأجل

إفهام المتشابهات وما لا يعلم تأويله إلاّ الله والراسخون في العلم . الى أن قال : الظاهر أن المراد بالتفسير - كما ذكره المحقق الطبرسي رحمه الله أيضا - كشف المراد عن اللفظ المشكل ، وقيل التفسير : كشف الغطاء ، ولاريب أنه لا يجوز الحكم بالمراد من الألفاظ المشتركة والمجملة فى القرآن بالرأي ومجرد الاستحسان العقلي من دون نصّ صريح من الائمة عليهم السلام أو دليل معتبر ، فلا منافاة بين المنع من التفسير بالرأي وجواز العمل بالظواهر.(1)

يستفاد منه :

* ان المقصود من عدم افتراق الثقلين هو توقف فهم المتشابهات على بيان أهل البيت عليهم السلام.

*

عدم جواز القطع بالمراد من الألفاظ المشتركة والمجملة فى القرآن إذا لم يكن عليه نصّ صريح من الائمة عليهم السلام ودليل معتبر .

قول الشيخ محمد حسن النجفي صاحب الجواهر المتوفى 1266

قال : يمكن الاستدلال بآية المزمّل على المطلوب بناءً على بعض الوجوه فيها، بل لعلّه أوجه ما قيل فيها ، ويشهد له بعض الأخبار الواردة في تفسيرها وغيره ، وذكر تمام الكلام فيها يقضي بإطناب تامّ وخروج عن مقتضى المقام ؛ لأنها من

ص: 143


1- . قوانين الأصول 393 ، 398 .

الآيات المتشابهة التي لا يعلم تفسيرها إلاّ الله والراسخون في العلم .

الآيات المتشابهة التي لا يعلم تفسيرها إلاّ الله والراسخون في العلم .(1)

وقال في موضع آخر : وما ورد من اختصاص علم القرآن بهم عليهم السلام لا ينافى اتباع الظاهر لنا ممّا لم يرد فيه نص منهم عليهم السلام .(2)

يستفاد منه :

* اختصاص تفسير الآيات المتشابهة والعلم بها بالراسخون عليهم السلام .

قول الشيخ الأنصاري المتوفى 1281

الظاهر أن المراد بالرأي هو الاعتبار العقلي الظنّي الراجع إلى الاستحسان ، فلا يشمل حمل ظواهر الكتاب على معانيها اللغوية والعرفية .

و حينئذ فالمراد بالتفسير بالرأي : إما حمل اللفظ على خلاف ظاهره أو أحد احتماليه لرجحان ذلك في نظره القاصر وعقله الفاتر... وإمّا الحمل على ما يظهر له في بادي الرأي من المعاني العرفية واللغوية من دون تأمل في الأدلة العقلية ، ومن دون تتبع في القرائن النقلية مثل الآيات الأخر الدالة على خلاف هذا المعنى والأخبار الواردة في بيان المراد منها وتعيين ناسخها من منسوخها .

وممّا يقرب هذا المعنى الثاني - وإن كان الأول أقرب عرفا - أن المنهي في تلك الأخبار المخالفون الذين يستغنون بكتاب اللّه عن أهل البيت عليهم السلام بل يخطّؤونهم

به . ومن المعلوم ضرورة من مذهبنا تقديم نصّ الإمام عليه السلام على ظاهر القرآن كما أن المعلوم ضرورة من مذهبهم العكس .(3)

ص: 144


1- . جواهر الكلام 7 / 195 .
2- . جواهر الكلام 9 / 397 .
3- . فرائدالأصول 1 / 58 .

يستفاد منه :

* ان المقصود من التفسير بالرأي أحد الأمرين :

الأول : حمل اللفظ على خلاف ظاهره أو أحد احتماليه لرجحان ذلك في نظره القاصر وعقله الفاتر .

الثاني : حمل اللفظ على ما يظهر له في بادي الرأي من المعاني العرفية و اللغوية من دون تأمل في القرائن .

* النصوص الناهية متوجهة إلى من يستغني بكتاب اللّه عن الأئمة المعصومين عليهم السلام .

* ان المعلوم ضرورة من مذهبنا تقديم نصّ الإمام عليه السلام على ظاهر القرآن . ( فضلاً عن المتشابه! )

قول الحاج آقا رضا الهمداني المتوفى 1322

قال - عند ذكر آية التيمم - : ولا يخفى عليك ما في الاستدلال بإطلاق الآية بعد ثبوت كونها من المتشابهات التي يجب الرجوع فيها إلى تفسير أهل البيت عليهم السلام .(1)

يستفاد منه :

* يجب علينا إن نرجع في تفسير الآيات المتشابهة إلى الأئمة عليهم السلام .

قول الميرزا حبيب اللّه الخوئي المتوفى 1326

قال : اعلم أنه قد تواترت الأخبار عن العترة الزاكية وأجمعت الأصحاب من الفرقة الإمامية على أن قيّم القرآن بعد النبى صلى الله عليه و آله وسلم اى العالم بتفسير محكماته وتاويل متشابهاته والحافظ لأسراره وآياته وأنوار بيناته هو علي والطيبون من

ص: 145


1- . مصباح الفقيه 1 / ق2 / 492 .

أولاده عليهم السلام ... إذ القرآن لا يكون بنفسه حجّة من دون قيّم ؛ ضرورة أن القرآن ليس كتابا يقوم بعلمه عامّة أهل النظر من الفضلاء فضلاً عن غيرهم .(1)

يستفاد منه :

* لا يقوم بعلم القرآن عامّة أهل النظر فضلاً عن غيرهم .

* ان العالم بعلوم القرآن وقيّمه هم الأئمة المعصومون عليهم السلام .

وقال - في شرح قوله عليه السلام وموسّع على العباد في جهله - :

كالمتشابهات التي جعل علمها مخصوصا بالراسخين في العلم وغيرهم منها في سعة ..(2)

يستفاد منه :

* ان العلم بالمتشابهات يختص بالأئمة عليهم السلام ، والناس غير مكلّفين بما فيها .

قول الآخوند الخراساني المتوفى 1329

قال : المراد ممّا دل على اختصاص فهم القرآن ومعرفته بأهله : اختصاص فهمه بتمامه بمتشابهاته ومحكماته ، بداهة أن فيه ما لا يختص به ، كما لا يخفى.(3)

يستفاد منه :

* ان العلم بالآيات المتشابهة مختص بالراسخين عليهم السلام .

ص: 146


1- . منهاج البراعة 2 / 221 .
2- . منهاج البراعة 2 / 185 .
3- . كفاية الأصول 283 - 284 .

قول المحقق النائيني المتوفى 1355

انّ الأخبار الناهية عن العمل بالكتاب وإن كانت مستفيضة بل متواترة، إلاّ أنّها على كثرتها بين طائفتين :

طائفة تدل على المنع عن تفسير القرآن بالرأي والاستحسانات الظنية .

وطائفة تدل على المنع عن الاستقلال في العمل بظاهر الكتاب من دون مراجعة أهل البيت الذين نزل الكتاب في بيتهم صلوات اللّه عليهم .(1)

يستفاد منه :

* تواتر الأخبار الناهية عن الاستقلال بالقرآن من دون مراجعة المعصومين عليهم السلام .

قول آقا ضياء العراقي المتوفى 1361

قال : أمّا الطائفة الأولى فلوضوح عدم اندراج العمل بالظاهر في التفسير بالرأي لتشمله الأخبار الناهية ، كيف وان التفسير عبارة عن كشف القناع ولا قناع في الظواهر الواضحة الدلالة ؛ لأنها ممّا يعرفها كل أحد من أهل اللسان ، فيختص ذلك بالمتشابهات ، فإنها هي التي تحتاج إلى التفسير وكشف القناع عنها .(2)

يستفاد منه :

* ان النهي عن التفسير بالرأي يراد به النهي عن تفسير المتشابهات .

ص: 147


1- . فوائد الأصول 3 / 136 .
2- . نهاية الافكار 2 / 92 .

قول السيد شرف الدين المتوفى 1377

قال : لو كان الكتاب مغنيا عن بيان الرسول لما أمر الله تعالى ببيانه للناس ، إذ قال عزّ من قائل : «وأَنْزَلْنا إِلَيْك الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ» .(1)

يستفاد منه :

* ان القرآن يحتاج إلى مفسّر نصبه اللّه تعالى لذلك.

قول الشيخ آغا بزرگ الطهراني المتوفى 1390

قال .. ولكن الرسول صلى الله عليه و آله - العالم بما ستواجه به الأُمّة من بعده - جعل مصدرين مهمين يلجأ إليهما المسلمون لحلّ مشاكلهم ، وقد صرّح بذلك في طول حياته أكثر من مرة، حيث قال: « إني مخلّف فيكم الثقلين كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي لن تضلّوا ما تمسّكتم بهما وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض » .

فحرّض المسلمين باتباع هذين الثقلين وجعلهما في عرض واحد ، وبذلك أشار إلى أن القرآن - وان كان هو المصدر الوحيد والأصيل للشريع - لكنه يحتاج إلى مفسّر ، فجعل عترته الطاهرة ، وهم الذين تربّوا في حجره وفي بيته الذي نزل فيه القرآن ، مفسّرين له . وبعد أن واجه المسلمون قضية الخلافة حصل الانشقاق بينهم ، فصاروا فريقين : فريق اتبعوا قول الرسول صلى الله عليه و آله فتمسكوا بالكتاب والعترة ، وفريق رفضوا العترة وقالوا : حسبنا كتاب الله ! وسمّي الفريق الأول ب- : الشيعة ؛ لأنهم شايعوا أهل البيت ، والثاني ب- : السنة ، وكان لهذا الانشقاق أثر كبير في كيفية التفكير ، وحلّ المشكلات .(2)

ص: 148


1- . النص والإجتهاد 161 .
2- . حصر الاجتهاد 31 - 32 .

يستفاد منه :

* ان القرآن يحتاج إلى مفسّر نصبه اللّه تعالى لذلك .

* ان القول بعدم الحاجة في ذلك هو قول العامّة .

وقال - في موضع آخر بعد قول الله تعالى : «هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْك الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللّهُ والرّاسِخُونَ في الْعِلْمِ» - : جعل قسم المحكمات خاصّة أم الكتاب والحجّة التي يرجع إليها ويوخذ بظواهرها ، وحكم في قسم المتشابهات بالوقوف عن التأويل وإيكال علمه إليه تعالى وإلى من خصّه الله تعالى بإفاضة العلوم اللدنّية المعبّر عنهم بالراسخين في العلم .

والآراء في تعيين مصداقي المحكم والمتشابه مختلفة ، لكن الحق المختار لمحققي المفسرين أن الآيات المحكمات ما يصحّ الأخذ بظواهرها ويجوز الحكم بكونها مرادا واقعيا ، حيث أنه لا يترتب على كون ما هو ظاهر الآية مرادا واقعيا أمر باطل أو محال ، والمتشابهات ما لا يمكن فيها ذلك إمّا لعدم ظاهر لها مثل المقطعات في فواتح السور ، أو للقطع بعدم كون ظواهرها مرادا واقعيا للزوم الباطل وترتب المحال .

وبالجملة التعرض للتأويلات وبيان المراد الواقعي في المتشابهات لا يجوز لغير الراسخين في العلم الذين هم عدل القرآن وحملته والمنزل في بيتهم الكتاب وقد خوطبوا ، به فلابدّ أن تأخذها عنهم ؛ لأنه لا يعرفها غيرهم بصريح القرآن .

وأما تفسير المحكمات فهو وظيفة الرجال العارفين بقواعد اللغة العربية ، نعم لابدّ أن يكون استنباطهم للظواهر في الآيات المحكمات مستندا إلى ما يفهم من نفس تلك القواعد لا أن يكون على حسب اقتضاء الآراء والأقيسة والاستحسانات

ص: 149

أو الظنّ والتخمين والتخرّصات ، فإنه قد ورد النهي الشديد عن التفسير بالرأي المراد به أمثال ما ذكر من الاستنباطات وبيان المراد الواقعي في الآيات المتشابهات من عند أنفسهم لا أخذا عن أهله ، وإلاّ فتفسير محكمات القرآن وبيان المراد والمفهوم منها حسب قواعد اللغة من أفضل الاعمال وأشرفها لأشرفية موضوعها وغايتها كما أشرنا إلى ما صدر من التأكيد فيه عن المعصومين عليهم السلام .(1)

يستفاد منه :

* ان الحجية مختصة بالمحكمات .

* يجب التوقف في المتشابهات والرجوع فيها إلى الحجج عليهم السلام .

* الآيات المحكمات ما يصحّ الأخذ بظواهرها والمتشابهات ما لا يمكن فيها ذلك .

* المراد من التفسير بالرأي أمران :

الأول : تفسير القرآن على حسب اقتضاء الآراء والأقيسة والاستحسانات أو الظنّ والتخمين والتخرّص ونحوها من الاستنباطات .

الثاني : بيان المراد الواقعي في الآيات المتشابهات من عند أنفسهم .

قول الشيخ محمد رضا المظفر

قال : إن القائلين بحجّية ظواهر الكتاب لا يقصدون حجّية كل ما في الكتاب ، وفيه آيات محكمات وأُخر متشابهات .(2)

يستفاد منه :

* ان القائلين بحجية ظواهر الكتاب لا يرون حجية للمتشابهات .

ص: 150


1- . الذريعة 4 / 232 - 233 .
2- . أصول الفقه 2 / 156 .

قول المرجع الديني السيد الخوئي المتوفى 1413

المراد بالتفسير بالرأي المنهي عنه في الأخبار هو حمل الآيات على خلاف ظواهرها ، أو على أحد محتملاتها مع عدم كونها ظاهرة في شيء منها ، على ما وقع من أكثر المفسرين من العامة .

ويحتمل ان يكون المراد بالأخبار الناهية عن التفسير بالرأي هو الاستقلال بالعمل بالكتاب ، بلا مراجعة الأئمة عليهم السلام ، كما هو ظاهر بعض الأخبار .

وأمّا العمل بظواهر الكتاب - بضميمة مراجعة الروايات لاحتمال التخصيص والتقييد وغيرهما من القرائن على المراد - فلم يدل على المنع عنه دليل .(1)

يستفاد منه :

* المراد من التفسير بالرأي : حمل الآيات على خلاف ظواهرها ،

أو على أحد المحتملات مع عدم ظهورها في شيء منها ،

أو الاستقلال بالعمل بالكتاب من دون مراجعة الأئمة عليهم السلام .

أقوال لعدّة من المعاصرين

قال بعضهم : جميع الروايات [ وهي 80 حديثا (2)] صريحة تقريبا في عدم جواز التمسك بغير الظاهر الذي لا يعلم معناه .(3)

يستفاد منه :

* ان النصوص صريحة في عدم جواز التمسك بالمتشابهات .

ص: 151


1- . مصباح الأصول 2 / 125 ، وقريب منه الهداية في الأصول 3 / 133 - 134 .
2- . لاحظ وسائل الشيعة ، الباب الثالث عشر من أبواب كتاب القضاء 18 / 129 طبعة الإسلامية ، 27/176 (طبعة آل البيت عليهم السلام) ، وزاد في المستدرك 17 / 325 عليه 35 رواية أخرى .
3- . تعليقة وسائل الشيعة للشيخ الشعرانى 18 / 144 طبعة الإسلامية .

وقال في موضع آخر ما ترجمته : إن كتاب اللّه لابدّ وأن يفسّره الإمام المعصوم الذي عرفه من اللّه إلاّ الآيات التي يمكن أن نعرف ظاهر معناها بعقولنا.(1)

يستفاد منه :

* ان العلم بالآيات المتشابهة مختص بالراسخين في العلم عليهم السلام .

وقال الآخر : ذهب كثير من مفسّري هذه الآية - يعني قوله تعالى : «وما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاّ اللّه والرّاسِخُونَ في الْعِلْمِ» - إلى القول بأن تأويل الآية هو تفسيرها وبيان مدلولها . وتدلّ الآية - عندئذ - على عدم جواز تفسير الآية المتشابهة ، ومن ثمّ يبقى قسم من القرآن الكريم مستعصيا على فهم الإنسان الاعتيادي ولا يعلمه إلاّ الله والراسخون في العلم .(2)

يستفاد منه :

* ان كثيرا من المفسّرين يقولون بعدم جواز تفسير المتشابهات للآية المباركة .

وقال ثالث في الردّ على بعض معاصريه :

ان علينا أن نتوقف قليلا أمام تبسيطه القضايا إلى حدّ يجعل من فهم القرآن أمرا طبيعيا حيث يقول : فإنه قد نزل على طريقة العرب في التعبير ، ليفهمه الجميع بشكل طبيعي . . إذ أن الأمر ليس بهذه البساطة التي يدعيها ؛ لأنا نبقى جميعا وبلا استثناء بحاجة إلى النبي صلى الله عليه و آله وسلم وإلى الإمام عليه السلام ليفسّر لنا القرآن ، ويبقى أكثر الناس بحاجة إلى العلماء ليفسّروا لهم ما يمكنهم تفسيره .

كما أن في القرآن آيات لا يعلم تأويلها إلاّ الله والراسخون في العلم ، الذين هم

ص: 152


1- . الميرزا أبوالحسن الشعرانى في مقدمة منهج الصادقين 1 / 19 - 18 .
2- . تفسير سورة الحمد للسيد محمد باقر الحكيم 27 .

الأنبياء والأوصياء ، فليس التأويل الذي يعلمه الإمام مجرد عملية استيحاء للمعنى، بل هو علم من ذي علم ، على حدّ تعبيرهم عليهم السلام .(1)

يستفاد منه :

* ان الناس بأجمعهم محتاجون إلى النبي صلى الله عليه و آله وسلم والأئمة عليهم السلام في تفسير القرآن .

وقال : إن التأويل يحتاج إلى تعليم إلهي ولا يصح فيه التخرص والتخمين والتظنّي ، فقد قال تعالى بالنسبة ليوسف : «وَكَذلِك يَجْتَبِيك رَبُّك وَيُعَلِّمُك مِنْ تَأْوِيلِ الأحادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْك وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ» ..(2)

يستفاد منه :

* ان فهم القرآن مختص بالأئمة المعصومين عليهم السلام .

وقال - في الردّ على القول ب- : ان هناك أناسا من غير أهل البيت عليهم السلام يملكون رسوخا في العلم بالمستوى الذي يستطيعون به أن يفهموا كتاب الله و . . - :

ومن الواضح : أن هذا يخالف الأحاديث الصريحة في أن من يفهم القرآن فهما حقيقيا ، وعميقا ، وصحيحا هم - فقط - النبي صلى الله عليه و آله وسلم وأهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم ، دون كل أحد .(3)

يستفاد منه :

* ان الأحاديث صريحة في اختصاص الراسخين بالمعصومين عليهم السلام .

ص: 153


1- . السيد جعفر مرتضى في خلفيات كتاب مأساة الزهراء عليهاالسلام 2 / 248 - 249.
2- . السيد جعفر مرتضى في خلفيات كتاب مأساة الزهراء عليهاالسلام 2 / 251.
3- . السيد جعفر مرتضى في خلفيات كتاب مأساة الزهراء عليهاالسلام 3 / 149 .

وقال - في الردّ على من يقول : ان أهل البيت هم أفضل المصاديق للراسخين في العلم . . - : ان المعروف عن مذهب أهل البيت والمروي بأسانيد كثيرة هو أنهم عليهم السلام هم المعنيون بهذه الآية ، دون كل أحد .

إن القول بأن هذه الآية أو تلك قد أريد بها كذا يحتاج إلى اليقين ، وإلى الحجّة ، فإذا قال لك نفس صاحب القول مرادي من هذه الآية كذا . . لم يكن لأحد من الناس الحق في صرف الكلام باتجاه آخر . . بأن يقول : إن مراده من الآية هو المعنى العام الشامل لكل عالم . . وعلى رأسهم النبي صلى الله عليه و آله وسلم ، والأئمة الطاهرون عليهم السلام.

قد تكررت هذه المقولة من هذا البعض في موارد عديدة ، مثل آية «أَطِيعُوا اللّهَ وأَطِيعُوا الرَّسُولَ وأُولي الأَمْرِ مِنْكُمْ» . . وذلك معناه فتح الباب للتشكيك في نصوص الإمامة ، وفي النصوص التي تبين أن لأهل البيت مقاما خاصا يجعل لهم الحق دون سواهم بمقام الإمامة العظمى . فإن لازم كلام هذا البعض أن آية «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ» . . لا تختص بعلي عليه السلام بل تشمل كل من يمكن أن يتصدق وهو راكع ، ولكنه عليه السلام أفضل مصاديقها ، وهكذا الحال في أكثر الآيات المشابهة . . فهل نقبل ذلك منه ! وهكذا يتضح : أن القول بعموم هذه الآيات النازلة في خصوص أهل البيت يراد به إنكار هذه النصوص الصريحة فيهم . . وإعطاء نصيب لغيرهم من الآيات الشريفة .(1)

يستفاد منه :

* ان المعروف عن مذهب أهل البيت كما في روايات كثيرة اختصاص الراسخين بالمعصومين عليهم السلام .

* إن القول بأن هذه الآية أو تلك قد أريد بها كذا يحتاج إلى اليقين ، وإلى الحجّة .

ص: 154


1- . السيد جعفر مرتضى في خلفيات كتاب مأساة الزهراء عليهاالسلام 3 / 149 .

الفصل الخامس: مناقشات مع تفسير الميزان في دعوى «أن القرآن لا يحتاج إلى بيان»

اشارة

ص: 155

ص: 156

لا ريب في لزوم توقير الأعاظم وتكريمهم واجتناب ما يزري بشأنهم ومقامهم، فإن ما بأيدينا من العلوم والمعارف إنما وصلت بسببهم وكانوا هم الوسائط في إيصالها إلينا ، فشكر اللّه مساعيهم الجميلة ورحم الماضين منهم وعمّر الباقين بمنّه وفضله وكرمه .

ولكن هل يوجب ذلك أن نسدّ باب التحقيق على أنفسنا ونقلّدهم في كل ما يقولون ؟ !

وهل نحن معذورون لو اتبعناهم في زللهم وخطاياهم ؟ !

لا يلتزم بهذا أحد ، بل ينكره الجميع قولاً وعملاً ؛ إذ من الواضح أن ذلك يؤدّي إلى جمود الأفكار والاكتفاء بما يؤخذ من الأعلام ، وسدّ باب التحقيق ، بل ربما ينجرّ إلى ما أُشير إليه في قوله تعالى : «اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللّهِ» .(1)

نعم إن السيرة المألوفة بين أعيان العلماء ومحققيهم هو الفحص والتحقيق وإن أدّى إلى الاستشكال في آراء الآخرين والإيراد عليهم من دون استيحاش أو استعجاب أو إنكار .

ص: 157


1- . التوبة : 31 .

ثم إن تفسير الميزان وإن كان من أشهر كتب التفاسير في زماننا هذا ولكنه مشتمل على ما لا يمكن الإغماض عنه ، ولا سيما في الأساس الذي بنى عليه تفسيره وهو الاكتفاء بالقرآن في التفسير ، كما أشرنا إلى ذلك في المقدمة ، وقلنا انه يحاول أن يثبت عدم حاجة القرآن إلى أيّ مفسّر سوى نفس الكتاب العزيز مستدلاًّ بأن اللّه تعالى إذا وصف كتابه بأنه هدىً ونور ومبين وفيه تبيان كلّ شيء وأنه أنزله ليناله الأفهام و... فلا يمكن أن يفتقر هذا الكتاب إلى هادٍ غيره ويستنير

بنور غيره ويبيّن بأمر غير نفسه ؟!

ويرى أن التوقف في الآيات المتشابهة والاقتصار على المأثور من التفسير إبطال لحجيّة العقل .. إلى غير ذلك ممّا مرّ ويأتي .

ولكن سنبيّن أن ذلك ليس إلاّ اكتفاءً بأحد الثقلين ورفضا للعترة الطاهرة عليهم السلام ، وقد نصّ النبي صلى الله عليه و آله وسلم على أن الاعتصام من الضلال يتوقف على التمسك بهما معا .

ويبيّن ان الحاجة إليهم عليهم السلام في ذلك لا ينافي كون القرآن نورا وهدىً وتبيانا لكل شيء و... ولا يستلزم منه إبطال حجيّة العقل .

وقد مرّ عليك في الفصول الماضية بعض الروايات الشريفة في ذلك ، وفيها الكفاية لمن تدبّرها ، وفي هذا الفصل نذكر كلام صاحب تفسير الميزان بنصّه مع تقطيع لمطالبه وترقيم لها للتسهيل في البحث والنظر ، ثم نُتبعها بما يرد عليها ، راجيا من اللّه تعالى أن يوفّقنا للصواب والسداد إنه وليّ قدير .

ص: 158

ما ذكره في تفسير الميزان بنصّه

قال في المجلد الأول :

[ 1 ] فأمّا المحدّثون ، فاقتصروا على التفسير بالرواية عن السلف من الصحابة والتابعين ، فساروا وجدّوا في السير حيث ما يسير بهم المأثور ، ووقفوا فيما لم يؤر فيه شيء ولم يظهر المعنى ظهورا لا يحتاج إلى البحث . .

[ 2 ] أخذا بقوله تعالى : «والرّاسِخُونَ في الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا . .»(1) إلى آخر الآية .

[ 3 ] وقد اخطأوا في ذلك فإن الله سبحانه لم يبطل حجّة العقل في كتابه ، وكيف يعقل ذلك وحجيته إنما تثبت به !

[ 4 ] ولم يجعل حجية في أقوال الصحابة والتابعين وأنظارهم على اختلافها الفاحش ، ولم يدع إلى السفسطة بتسليم المتناقضات والمتنافيات من الأقوال .

[ 5 ] ولم يندب إلاّ إلى التدبر في آياته .

[ 6 ] فرفع به أيّ اختلاف يتراءى منها.

[ 7 ] وجَعَله هدى ونورا وتبيانا لكلّ شيء ، فما بال النور يستنير بنور غيره ! وما شأن الهدى يهتدي بهداية سواه ! وكيف يتبيّن ما هو تبيان كلّ شيء بشئ دون نفسه ! ... (2)

إلى أن قال: للبحث أن يداخل في فهم حقائق القرآن وتشخيص مقاصده العالية ... أحد وجهين أحدهما : أن نبحث بحثا علميا أو فلسفيا أو غير ذلك عن مسألة من المسائل التي تتعرض له الآية حتى نقف على الحق في المسألة ، ثم نأتي بالآية ونحملها عليه ، وهذه طريقة يرتضيها البحث النظري ، غير أن القرآن لا يرتضيها ، كما عرفت .

ص: 159


1- . آل عمران : 7 .
2- . الميزان في تفسير القرآن 1 / 5 - 6 .

وثانيهما : أن نفسّر القرآن بالقرآن ، ونستوضح معنى الآية من نظيرتها بالتدبر المندوب إليه في نفس القرآن ، ونشخّص المصاديق ونتعرفها بالخواصّ التي تعطيها ناصّة الآيات ، كما قال تعالى : «وَنَزَّلْنَا عَلَيْك الْكِتَاب تِبْيَاناً لِّكلِّ شىْ ءٍ . .»(1) إلى آخر الآية ، وحاشا أن يكون القرآن تبيانا لكل شيء ولا يكون تبيانا لنفسه ، وقال تعالى : «هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ . .»(2) إلى آخر الآية ، وقال تعالى : «وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً . .»(3) إلى آخر الآية، وكيف يكون القرآن هدى وبينة وفرقانا ونورا مبيّنا للناس في جميع ما يحتاجون ولا يكفيهم في احتياجهم إليه وهو أشدّ الاحتياج ! وقال تعالى : «وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنهْدِيَنهُمْ سبُلَنَا . .»(4) إلى آخر الآية ، وأي جهاد أعظم من بذل الجهد في فهم كتابه ! وأي سبيل أهدى إليه من القرآن ! والآيات في هذا المعنى كثيرة.. إلى أن قال :

[ 8 ] وقد كانت طريقتهم (يعنى الأئمة عليهم السلام) في التعليم والتفسير هذه الطريقة بعينها على ما وصل إلينا من أخبارهم في التفسير .(5)

وذكر في المجلد الثالث عدّة روايات مثل :

من فسّر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار .

من قال في القرآن بغير علم فليتبوء مقعده من النار .

من قال في القرآن بغير علم جاء يوم القيامة ملجما بلجام من نار .

من تكلّم في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ.

ص: 160


1- . النحل : 89 .
2- . البقرة : 185 .
3- . النساء : 174 .
4- . العنكبوت : 69 .
5- . تفسيرالميزان 1 / 12 - 11.

أكثر ما أخاف على أُمّتي من بعدي رجل يناول القرآن يضعه على غير مواضعه .

من فسّر القرآن برأيه إن أصاب لم يؤر ، وإن أخطأ فهو أبعد من السماء .

الرأي في كتاب الله كفر . ثم قال :

[ 9 ] قوله صلى الله عليه و آله : من فسّر القرآن برأيه ، الرأي هو الاعتقاد عن اجتهاد ، وربما أُطلق على القول عن الهوى والاستحسان ، وكيف كان لمّا ورد قوله : « برأيه » مع الإضافة إلى الضمير علم منه أن ليس المراد به النهي عن الاجتهاد المطلق في تفسير القرآن حتى يكون بالملازمة أمرا بالاتباع والاقتصار بما ورد من الروايات في تفسير الآيات عن النبي وأهل بيته صلى اللّه عليه وعليهم على مايراه أهل الحديث .

[ 10 ] على أنه ينافي الآيات الكثيرة الدالة على كون القرآن عربيا مبينا والآمرة بالتدبر فيه .

[ 11 ] وكذا ينافي الروايات الكثيرة الآمرة بالرجوع إلى القرآن وعرض الأخبار عليه.

[ 12 ] بل الاضافة في قوله : « برأيه » تفيد معنى الاختصاص والانفراد والاستقلال بأن يستقلّ المفسّر في تفسير القرآن بما عنده من الأسباب في فهم الكلام العربي فيقيس كلامه تعالى بكلام الناس ، فإن قطعة من الكلام من أيّ متكلم إذا ورد علينا لم نلبث دون أن نعمل فيه القواعد المعمولة في كشف المراد الكلامي ونحكم بذلك أنه أراد كذا ، كما نجري عليه في الأقارير والشهادات وغيرهما ، كل ذلك لكون بياننا مبنيّا على ما نعلمه من اللغة ونعهده من مصاديق الكلمات حقيقة ومجازا . والبيان القرآني غير جار هذا المجرى - على ما تقدّم بيانه في الأبحاث السابقة - بل هو كلام موصول بعضها ببعض في عين أنه مفصول ينطق بعضه ببعض ويشهد بعضه على بعض ، كما قاله علي عليه السلام ، فلا يكفي ما يتحصل من آية واحدة بإعمال القواعد المقررة في العلوم المربوطة في انكشاف المعنى المراد منها دون أن يتعاهد جميع الآيات المناسبة

ص: 161

لها ويجتهد في التدبر فيها ، كما يظهر من قوله تعالى : «أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِندِ غَيرِ اللّه لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافاً كثِيراً» ،(1) وقد مرّ بيانه في الكلام على الإيجاز وغيره .

[ 13 ] فالتفسير بالرأي المنهي عنه أمر راجع إلى طريق الكشف دون المكشوف .

وبعبارة أُخرى إنما نهى عليه السلام عن تفهّم كلامه على نحو ما يتفهم به كلام غيره ، وإن كان هذا النحو من التفهم ربما صادف الواقع ، والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه و آله وسلم : من تكلّم في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ . فإن الحكم بالخطأ مع فرض الإصابة ليس إلاّ لكون الخطأ في الطريق .

وكذا قوله عليه السلام - في حديث العياشي - : إن أصاب لم يوجر .

[ 14 ] ويؤّده ما كان عليه الأمر في زمن النبي صلى الله عليه و آله وسلم فإن القرآن لم يكن مؤفا بعد ولم يكن منه إلاّ سور أو آيات متفرقة في أيدي الناس ، فكان في تفسير كل قطعة قطعة منه خطر الوقوع في خلاف المراد .

[ 15 ] والمحصّل أن المنهي عنه إنما هو الاستقلال في تفسير القرآن واعتماد المفسّر على نفسه من غير رجوع إلى غيره ، ولازمه وجوب الاستمداد من الغير بالرجوع إليه ، وهذا الغير لا محالة إمّا هو الكتاب أو السنّة ، وكونه هي السنّة ينافي القرآن ، ونفس السنّة الآمرة بالرجوع إليه وعرض الأخبار عليه ، فلا يبقى للرجوع إليه والاستعداد(2) منه في تفسير القرآن إلاّ نفس القرآن .

ثم ذكر وجوها عشرة للمراد من التفسير بالرأي وعاد إلى كلامه السابق ، وذكر عدّة روايات عن الخاصة والعامّة ، ثم قال :

[ 16 ] أقول : والروايات كما ترى يعدّ ضرب القرآن بعضه ببعض مقابلاً

ص: 162


1- . النساء : 82 .
2- . كذا ، والظاهر الاستمداد .

لتصديق بعض القرآن بعضا ، وهو الخلط بين الآيات من حيث مقامات معانيها والاخلال بترتيب مقاصدها كأخذ المحكم متشابها والمتشابه محكما ونحو ذلك. فالتكلم في القرآن بالرأي ، والقول في القرآن بغير علم . . . وضرب القرآن بعضه ببعضه . . . يحوم الجميع حول معنى واحد وهو : الاستمداد في تفسير القرآن بغيره .

[ 17 ] فإن قلت : لا ريب أن القرآن إنما نزل ليعقله الناس ويفهموه ، كما قال تعالى : «إِنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْك الْكِتَاب لِلنَّاس» ،(1) وقال تعالى : «هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ»(2) إلى غير ذلك من الآيات ، ولا ريب أن مبيّنه هو الرسول صلى الله عليه و آله وسلم كما قال تعالى : «وأَنْزَلْنا

إِلَيْك الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِم»(3) وقد بيّنه للصحابة ثم أخذ عنهم التابعون ، فمانقلوه عنه صلى الله عليه و آله وسلم فهو بيان نبوي لايجوز التجافي والإغماض عنه بنصّ القرآن. . .

قلت : قد مرّ فيما تقدّم أن الآيات التي تدعو الناس عامّة من كافر أو مؤن ممن شاهد عصر النزول أو غاب عنه إلى تعقّل القرآن وتأمّله والتدبر فيه ، وخاصّة قوله تعالى : «أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِندِ غَيرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافاً كثِيراً»(4) تدلّ دلالة واضحة على أن المعارف القرآنية يمكن أن ينالها الباحث بالتدبر والبحث .

[ 18 ] ويرتفع به ما يتراءى من الاختلاف بين الآيات .

[ 19 ] والآية في مقام التحدّي ، ولا معنى لإرجاع فهم معاني الآيات - والمقام هذا المقام - إلى فهم الصحابة وتلامذتهم من التابعين حتى إلى بيان

ص: 163


1- . الزمر : 41 .
2- . آل عمران : 138 .
3- . النحل : 44 .
4- . النساء : 82 .

النبي صلى الله عليه و آله وسلم[!] فإن ما بيّنه إمّا أن يكون معنى يوافق ظاهر الكلام فهو ممّا يؤّي إليه اللفظ ولو بعد التدبر والتأمل والبحث ، وإمّا أن يكون معنى لا يوافق الظاهر ولا

أن الكلام يؤّي إليه فهو ممّا لا يلائم التحدّي ولا تتمّ به الحجّة وهو ظاهر .

[ 20 ] نعم تفاصيل الأحكام ممّا لا سبيل إلى تلقّيه من غير بيان النبي صلى الله عليه و آله وسلم

كما أرجعها القرآن إليه في قوله تعالى : «وَمَا آتَاكُمُ الرَّسولُ فَخُذُوهُ»(1) وما في معناه من الآيات ، وكذا تفاصيل القصص والمعاد مثلا .

[ 21 ] ومن هنا يظهر أن شأن النبي صلى الله عليه و آله وسلم في هذا المقام هو التعليم فحسب ، والتعليم إنما هو هداية المعلّم الخبير ذهن المتعلّم وإرشاده إلى ما يصعب عليه العلم به والحصول عليه لا ما يمتنع فهمه من غير تعليم ، فإنما التعليم تسهيل للطريق وتقريب للمقصد لا إيجاد للطريق وخلق للمقصد ، والمعلّم في تعليمه إنما يروم ترتيب المطالب العلمية ونضدها على نحو يستسهله ذهن المتعلم ويأنس به فلا يقع في جهد الترتيب وكدّ التنظيم فيتلف العمر وموهبة القوة أو يشرف على الغلط في المعرفة . وهذا هو الذي يدل عليه أمثال قوله تعالى : «وأَنْزَلْنا إِلَيْك الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ . .»(2) إلى آخر الآية ، وقوله تعالى : «وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَاب وَالحِْكْمَةَ» ،(3) فالنبي صلى الله عليه و آله وسلم إنما يعلّم الناس ويبيّن لهم ما يدلّ عليه القرآن بنفسه ويبيّنه الله سبحانه بكلامه ويمكن للناس الحصول عليه بالأخرة ، لا(4) أنه صلى الله عليه و آله وسلم يبيّن لهم معاني لا طريق إلى فهمها من كلام الله تعالى ، فإن ذلك لا ينطبق البتة على مثل قوله تعالى : «كِتَابٌ فُصّلَت آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً

ص: 164


1- . الحشر : 8 .
2- . النحل : 44 .
3- . الجمعة : 2 .
4- . لفظة لا ساقطة في الطبعات الأخيرة ، وبدّلوها ب- : ( لأنه ) ، ونحن أثبتناها من الطبعة الأولى للكتاب وهو طبعة دار الكتب الإسلامية للشيخ محمد الآخوندي 3 / 87 ، فراجع ، وهو المناسب لما يقتضيه سياق الكلام.

لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ»(1) وقوله تعالى : «وَهَذَا لِسانٌ عَرَبيُّ مُبِينٌ» .(2)

[ 22 ] على أن الأخبار المتواترة عنه صلى الله عليه و آله وسلم المتضمّنة لوصيته بالتمسك بالقرآن والأخذ به وعرض الروايات المنقولة عنه صلى الله عليه و آله وسلم على كتاب الله لا يستقيم معناها إلاّ مع كون جميع ما نقل عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم ممّا يمكن استفادته من الكتاب .

[ 23 ] ولو توقف ذلك على بيان النبي صلى الله عليه و آله وسلم كان من الدور الباطل وهو ظاهر.

إلى أن قال :

[ 24 ] فإن قلت : قد صحّ عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم أنه قال في آخر خطبة خطبها : إني

تارك فيكم الثقلين - الثقل الأكبر والثقل الأصغر - فأمّا الأكبر فكتاب ربي ، وأمّا الأصغر فعترتي أهل بيتي ، فاحفظوني فيهما ، فلن تضلّوا ما تمسّكتم بهما .

رواه الفريقان بطرق متواترة عن جمّ غفير من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم عنه ... وفي بعض الطرق : لن يفترقا حتى يردا علي الحوض .

والحديث دالّ على حجية قول أهل البيت عليهم السلام في القرآن ، ووجوب اتباع ما ورد عنهم في تفسيره ، والاقتصار على ذلك ، وإلاّ لزم التفرقة بينهم وبينه .

[ الف ] قلت : ما ذكرناه في معنى اتباع بيان النبي صلى الله عليه و آله وسلم آنفا جار هاهنا بعينه .

[ ب ] والحديث غير مسوق لإبطال حجيّة ظاهر القرآن وقصر الحجية على ظاهر بيان أهل البيت عليهم السلام .

[ ج ] كيف وهو صلى الله عليه و آله وسلم يقول : « لن يفترقا » فيجعل الحجيّة لهما معا ، فللقرآن الدلالة على معانيه والكشف عن المعارف الإلهية ولأهل البيت الدلالة على الطريق وهداية الناس إلى أغراضه ومقاصده.

[ د ] على أن نظير ما ورد عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم في دعوة الناس إلى الاخذ بالقرآن والتدبّر فيه وعرض ما نقل عنه عليه وارد عن أهل البيت عليهم السلام .

ص: 165


1- . حم السجدة : 3 .
2- . النحل : 103 .

[ ه- ] على أن جمّا غفيرا من الروايات التفسيرية الواردة عنهم عليهم السلام مشتملة على الاستدلال بآية على آية والاستشهاد بمعنى على معنى ، ولا يستقيم ذلك إلاّ بكون المعنى ممّا يمكن أن يناله المخاطب ويستقلّ به ذهنه لوروده من طريقه المتعين له .

[ ي ] على أن هاهنا روايات عنهم عليهم السلام تدلّ على ذلك [ يعني استغناء القرآن عن أيّ مبيّن سوى نفسه ] بالمطابقة كما رواه في المحاسن بإسناده عن أبي لبيد البحراني عن أبي جعفر عليه السلام في حديث قال : فمن زعم أن كتاب الله مبهم فقد هلك وأهلك .

ويقرب منه ما فيه وفي الاحتجاج عنه عليه السلام قال : إذا حدّثتكم بشئفاسألوني عنه من كتاب الله . . إلى آخر الحديث .

[ 25 ] وبما مرّ من البيان يجمع بين أمثال هذه الأحاديث الدالّة على إمكان نيل المعارف القرآنية منه وعدم احتجابها من العقول ، وبين ما ظاهره خلافه كما في تفسير العياشي عن جابر قال قال أبو عبد الله عليه السلام : إن للقرآن بطنا وللبطن ظهرا ، ثم قال : يا جابر وليس شيء أبعد من عقول الرجال منه ، إن الآية لتنزل أولها في شيء وأوسطها في شيء وآخرها في شيء، وهو كلام متصل ينصرف على وجوه .

وهذا المعنى وارد في عدّة روايات ، وقد رويت الجملة - أعني قوله : وليس شيء أبعد . . إلى آخرها - وفي بعضها عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم ، وقد روي عن علي عليه السلام : أن القرآن حمّال ذو وجوه . . إلى آخر الحديث . فالذي ندب إليه تفسيره من طريقه ، والذي نهى عنه تفسيره من غير طريقه .

وقد تبيّن أن المتعين في التفسير : الاستمداد بالقرآن على فهمه وتفسير الآية بالآية وذلك بالتدرّب بالآثار المنقولة عن النبي وأهل بيته صلى الله عليه وعليهم وتهيئة ذوق مكتسب منها ثم الورود ، والله الهادي .(1)

ص: 166


1- . تفسيرالميزان 3 / 76 - 87 .

الجواب التفصيلي عما ذكره

الإزراء على من اقتصر في تفسير المتشابهات على الروايات

[ 1 ] قوله : فأمّا المحدّثون ، فاقتصروا على التفسير بالرواية عن السلف من الصحابة والتابعين فساروا وجدّوا في السير حيث ما يسير بهم المأثور ، ووقفوا فيما لم يؤر فيه شيء ولم يظهر المعنى ظهورا لا يحتاج إلى البحث . .(1)

أقول: كان اللازم عليه التمييز بين ما ذهب إليه العامّة وما اختاره أتباع مكتب أهل البيت عليهم السلام ، فإنهم لا يعبأون بأقوال الصحابة والتابعين؛ فما يوهمه إطلاق كلامه ليس في محلّه .

مع أنك تراه تارة يستدل لما ادّعاه بسيرة الأئمة المعصومين عليهم السلام وطريقتهم فى

التفسير ، وأخرى بما ورد عنهم عليهم السلام - كما في المجلد الثالث - ثم يناقش فيما استدلّ به من خالفه من حديث الثقلين وغيره ، وهذا كلّه يدل دلالة واضحة على أن الذين خالفوه هم الذين لا يرون حجية في الآيات المتشابهة إلاّ إذا انضمّ إليها بيان الحجج الطاهرة عليهم السلام .

وإذا كان الظاهر من قوله: ( وقفوا فيما لم يؤثر فيه شيء ولم يظهر المعنى ظهوراً لا يحتاج إلى البحث ) أن محل الكلام إنما هو في المتشابه دون المحكم ، كما يظهر من مطاوي كلامه ، بل صرّح به غير مرّة، فهذه الطريقة لا تختصّ بالمحدّثين بل كل من تبع مدرسة أهل البيت عليهم السلام وتعاليمهم !

بل العجب أن المؤلف نفسه نسب هذا القول إلى المشهور بين الفريقين في موضع آخر ، وقد مرّ في أول الفصل الرابع .(2)

ص: 167


1- . تفسيرالميزان 1 / 5 .
2- . راجع صفحة 115 .

فإسناد المطلب إلى العامّة وتوجيه الخطاب نحو المحدّثين ممّا يتشبّث به لتضعيف المدّعى وتوهينه وتهجينه وإسكات الخصم وتحقيره ، كما لا يخفى على من عرف دأبهم في الجدال والبحث !(1)

ومن تتبّع كلمات أعيان الطائفة الحقّة في مبحث حجية ظواهر الكتاب في كتب الأصول وغيرها يجد تصريحهم بعدم حجيّة ما يستفاد من غير نصّ القرآن وظاهره، فلا يكون المتشابه حجّة عندهم .

ولا حاجة بنا إلى سرد كلماتهم إذ يكفينا في ذلك العنوان الذي ذكره جميع الأُصوليين لهذا المبحث وهو قولهم: « حجية الظواهر » !(2)

ص: 168


1- . فإنك ترى كثيرا من الذين لم يهتمّوا بآثار الرسول صلى الله عليه و آله وأهل بيته عليهم السلام وأحاديثهم ومالوا إلى الرأي و.. أو شغفوا بالفلسفة والعرفان ينكرون على من تمسّك بالعترة الطاهرة عليهم السلام - الذين هم أحد الثقلين - ويسمّونهم : حشوية ! . . ويعاملون معهم معاملة جهّال يصحّحون كل ما يسمعون، ولا يفرّقون بين الصحيح والزائف .. ويقبلون الأخبار من غير إنكار حتى إذا كانت من الأحاديث المتناقضة ، ويبطلون حجة العقل الضرورية ! وبالله عليك هل يمكن أن يقال : إن الشيخ الطوسي والسيد المرتضى والعلاّمة و... وقاطبة الأصوليين القائلين باختصاص الحجية بالظواهر صاروا من المحدّثين الظاهريين ؛ لأنهم لم يذهبوا إلى ما اختاره المؤلف وأصرّ عليه تبعا لما وصل إليه أستاذه العارف القاضي الطباطبائي ! نقل في كتاب مهر تابان صفحة 17 الطبعه الاولى عن صاحب تفسير الميزان أنه قال - ما ترجمته - : لقد تعلّمنا طريقة تفسير القرآن بالقرآن من المرحوم القاضي ، ونحن نسير على منهاجه في ذلك .
2- . وقد مرّ قول الميرزا القمي : لا منافاة بين المنع من التفسير بالرأي وجواز العمل بالظواهر. قوانين الأصول 398 ، وقال الشيخ الأنصاري : ان مناط الحجية و الاعتبار في دلالة الألفاظ هو الظهور العرفي . (فرائدالأصول 1 / 72) ، وقال الآخوند الخراساني : المراد ممّا دل على اختصاص فهم القرآن ومعرفته بأهله : اختصاص فهمه بتمامه بمتشابهاته ومحكماته . (كفاية الأصول 283 - 284) ، وقال الشيخ المظفر : إن القائلين بحجّية ظواهر الكتاب لا يقصدون حجّية كل ما في الكتاب ، وفيه آيات محكمات وأُخر متشابهات . (أصول الفقه 2 / 138)

نعم ، يجدر بنا أن نذكر كلام شيخ الطائفة ووجهها الشيخ الطوسي قدس سره فإنه قال :

والذي نقول به : ان معاني القرآن على أربعة أقسام : . . . رابعها : ما كان اللفظ مشتركا بين معنيين فما زاد عنهما ويمكن ان يكون كل واحد منهما مرادا ، فإنه لا ينبغي أن يقدم أحد به فيقول : ان مراد الله فيه بعض ما يحتمل إلاّ بقول نبي أو إمام معصوم ، بل ينبغي أن يقول : إن الظاهر يحتمل لأُمور ، وكل واحد يجوز أن يكون مرادا على التفصيل والله أعلم بما أراد . . . ولا ينبغي لأحد أن ينظر في تفسير

آية لا ينبئ ظاهرها عن المراد تفصيلاً ، أو يقلّد أحدا من المفسرين إلاّ أن يكون التأويل مجمعا عليه ، فيجب اتباعه لمكان الإجماع . .(1)

قال الشيخ البحراني قدس سره بعد نقله : وتلّقاه بالقبول جملة من علمائنا الأعيان .(2)

الإشكال في الاستناد إلى قوله تعالى : (يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا)

[ 2 ] قوله : أخذا بقوله تعالى : «والرّاسِخُونَ في الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا . .»(3) إلى آخر الآية .(4)

أقول: يكفينا في المقام ما رواه المؤلف نفسه عن أبي جعفر ، عن أمير المؤمنين عليهماالسلام أنه قال : واعلم يا عبد الله ! إن الراسخين في العلم هم الذين أغناهم الله عن الاقتحام على السدد المضروبة دون الغيوب إقرارا بجهل ما جهلوا

ص: 169


1- . التبيان 1 / 5 .
2- . الحدائق الناضرة 1 / 32 ، ولاحظ أيضا نور البراهين للسيد نعمة الله الجزائري 1 / 181 .
3- . آل عمران : 7 .
4- . تفسيرالميزان 1 / 5 .

تفسيره من الغيب المحجوب ، فقالوا : «آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا» ، وقد مدح الله اعترافهم بالعجز عن تناول ما لم يحيطوا به علما وسمّى تركهم التعمّق فيما لم يكلّفهم البحث عن كنهه رسوخا .(1)

فنحن نسأل المؤلف : مَن هؤلاء الذين مدحهم أمير المؤمنين عليه السلام في هذه الرواية، بل أثنى عليهم قبله ربّ العزّة - جلّت عظمته - وسمّاهم : الراسخين في العلم ؟ ! نعم؛ هم الذين سيرتهم عدم التعرض للسدد المضروبة دون الغيوب، وترك التعمّق فيما لم يكلّفوا . . وهم الذين يقرّون بما جهلوا تفسيره ويعترفون بعجزهم في ذلك ، وإنما يؤمنون به اجمالاً فيقولون: «آمَنَّا بِهِ كلُّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا» ، فهذا الاعتراف منهم رسوخ في العلم . .

فيستفاد منها منع التدبر والتأمل في المتشابهات منعاً باتّاً!!(2)

ولذا ورد في الروايات : دعوا المتشابه ، وآمنوا بمتشابهه [أي إجمالا] ، فأمّا المحكم فنؤن به ونعمل به وندين به ، وأمّا المتشابه فنؤن به ولا نعمل به ، إن أناسا تكلموا في هذا القرآن بغير علم وذلك أن الله تبارك وتعالى يقول : « هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْك الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاّ اللّهُ . .» ،

وإن الذين لا يعلمون قالوا : ما نقول إذا لم نعلم تأويله ؟ فأجابهم اللّه : «يَقُولُونَ آمَنّا

ص: 170


1- . تقدم في الفصل الأول في الرواية المرقمة [22] .
2- . يمكن أن يقال : قد ورد أن للآيات ظهرا وبطنا - كما مرّ في الرواية المرقّمة 181 - فيكون قوله تبارك وتعالى : «آمَنَّا بِهِ كلُّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا» مقولاً للراسخين - أي المعصومين عليهم السلام على وجه ، وهو ترك التعمّق في ما يرتبط بذاته تعالى ، كما في الرواية الماضية عن أمير المؤمنين عليه السلام ، ومقولاً لغير الراسخين وهم عامّة أهل الإيمان في جميع الآيات المتشابهة ، كما مرّ في الروايتين المرقّمتين 24 و 188 .

بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا» ، إنه موسّع على العباد في جهله ، من شرائع الإسلام وشروطه : [أن ]يردّوا المتشابه إلى أهله ، وأمر اللّه سائر الأمة أن يقولوا : «آمَنّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا

وَما يَذَّكَّرُ إِلاّ أُولُوا الأَلْبابِ» ، وأن يسلّموا إلينا ويردّوا الأمر إلينا ، وفي الدعاء : واجعلنا نتلو كتابك حق تلاوته ونعمل بمحكمه ونؤن بمتشابهه ونردّ علمه إليك .(1)

قال المحقق الخوئي في شرح قوله عليه السلام : وموسّع على العباد في جهله - :

كالمتشابهات التي جعل علمها مخصوصا بالراسخين في العلم وغيرهم منها في سعة ..(2)

وقال الشيخ آغا بزرگ الطهراني قدس سره - بعد قوله تعالى : «وأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ» - :

. . [إنه تعالى] جعل قسم المحكمات خاصّة أم الكتاب والحجّة التي يرجع إليها ويؤخذ بظواهرها ، وحكم في قسم المتشابهات بالوقوف عن التأويل وإيكال علمه إليه تعالى وإلى من خصّه الله تعالى بإفاضة العلوم اللدنّية المعبّر عنهم ب- : الراسخين في العلم .(3)

وقال بعض المعاصرين : ذهب كثير من مفسّري هذه الآية - يعني قوله تعالى : «وما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاّ اللّه والرّاسِخُونَ في الْعِلْمِ» - إلى القول بأن تأويل الآية هو تفسيرها وبيان مدلولها . وتدلّ الآية - عندئذ - على عدم جواز تفسير الآية المتشابهة ، ومن ثمّ يبقى قسم من القرآن الكريم مستعصيا على فهم الإنسان الاعتيادي ولا يعلمه إلاّ الله والراسخون في العلم .(4)

ص: 171


1- . كما مرّ في الفصل الأول صفحة 20 - 26 .
2- . منهاج البراعة 2 / 185 .
3- . الذريعة 4 / 232 - 233 ، وقد مرّ بتمامه في الفصل الرابع .
4- . تفسير سورة الحمد للسيد محمد باقر الحكيم 27 .

الحكم بأن الاقتصار على النصوص في التفسير إبطال الحجية العقل

[ 3 ] قوله : وقد اخطأوا في ذلك ، فإن اللّه سبحانه لم يبطل حجّة العقل في كتابه ، وكيف يعقل ذلك وحجيته إنما تثبت به !(1)

أقول : ومن الذي قال بإبطال حجية العقل ؟ بل وكيف يعقل ذلك ؟ إلاّ أن هذه كلمة حقّ يراد بها الباطل ! إذ هل تقتضي حجية العقل أن يكون القرآن بتمامه قابلاً لأن يناله جميع الناس؟!

لماذا لا يمكن أن يخاطب اللّه عزّوجلّ نبيّه بما لا يدركه غيره لعلّة مّا ؟ !

وما هو المانع في اشتمال الكتاب - أحياناً - على مخاطبة اللّه تعالى نبيّه صلى الله عليه و آله وسلم بما يخفى علينا مراده ؟ !

أ ليس من المحتمل أن يختصّ بعض المطالب به صلى الله عليه و آله وسلم بحيث يعجز الناس عن نيلها ولا يدركون قعرها ؟ ! وأن يستعمل في هذا الكتاب رموز واصطلاحات لا يعلم المقصود منها إلاّ من خوطب بها ؟

لماذا لا تدركون معنى الحروف المقطعة ؟ فهل تحكمون بخروجها عن القرآن ؟ !

نحن نجد أن هؤلاء - المنتحلين للتعقل ! - يصرّون على أن الروايات الصادرة عن المعصومين عليهم السلام تختلف بحسب فهم الرواة وذكائهم ودقّتهم، فلا تكون في درجة واحدة . فما هو المانع في أن تكون في القرآن الكريم آيات لا ينال معناها البشر - كائنا من كان - لاختصاصها بمن أُنزل عليه الكتاب ، دون سائر الناس ؟!(2)

ص: 172


1- . تفسيرالميزان 1 / 5 - 6.
2- . قال العلاّمة الحلّي قدس سره : يجوز ورود المجمل في كلام اللّه تعالى و كلام الرسول صلى الله عليه و آله لإمكانه في الحكمة ، ووقوعه فيهما . مبادئالوصول 161 ، ولاحظ أيضا تهذيب الوصول 159 وقال الفيض الكاشاني: ان فيالمتشابه حِكَما ومصالح يمتحن اللّه بها أصناف عباده. (الحق المبين5)

نعم ، أراد اللّه تعالى بذلك أن يكون الناس محتاجين إلى حججه المعصومين عليهم السلامفي تعلّم القرآن، ولا يكونوا مستغنين عنهم ولا يدَّعون أن « حسبنا كتاب اللّه ! »

فهل يكون هذا إبطالاً لحجية العقل ؟ !

بل هل تراه منافياً للعقل في شيء ؟ !

وهل يناقض كون القرآن نوراً وهدىً و . . ؟

بل لو كان الأمر كما يقوله صاحب تفسير الميزان لم يكن لما ذكره من الاستثناء - أي تفاصيل الأحكام والقصص والمعاد - وجه أبدا ، فما استثناه هو وكذا الحروف المقطعة من أقوى الحجج والأدلة على وجود آيات لا تصل عقولنا إلى معناها ؛ إذ لنا أن نتساءل: لماذا لا يكون استثناء فهم آيات الأحكام و.. إبطالاً لحجية حكم العقل ؟ ! ويأتي لهذا المطلب زيادة توضيح في الرقم [20] .

ثم نقول: ما هو المراد من دليل العقل في المقام ؟

لا ريب أن المقصود منه ما حكم به العقل وحصل منه العلم بما أراد اللّه تعالى في كتابه ، فلا يشمل الظنون ، بل ولا تركيب بعض المقدمات العقلية ما لم يحصل منها العلم بغرض منزّل القرآن العظيم .

وعليه فالأُمور التي لا يمكن العلم بها إلاّ من طريق السماع ممن نصبه اللّه تعالى لذلك - كالأحكام الفرعية الشرعية وملاكاتها وكثير من المعارف الإلهية وكذا تفسير الآيات المتشابهة - فلا حكم للعقل فيها ، ضرورة أنها ليست ممّا ينالها الإنسان بالحسّ أو التجربة ؛ وليست بديهية ضرورية - كي لا تفتقر إلى النظر والاكتساب - ولا برهانية مؤلفة من اليقينيات المحضة التي لا يعتريها ريب ، ولذا

ص: 173

وقعت فيها اختلافات كثيرة بين المفسرين ، وحينئذ ينحصر طريق فهمها في الأخذ من معلّم القرآن .

فما ورد في مدح العقلاء والعقل في النصوص ، إنما تمدح وتُثني على العاقل لاتباعه العقل فيما يدركه ، لا على اتباع الظنون والأوهام مدّعياً بأنه يمشي في ظلّ حكم العقل !

وحينئذ - سواء أقلنا بأن حجية ظاهر كل كلام مستند إلى حكم العقل أم إلى بناء العقلاء - إنما يتمّ الحجّية ما لم يصرّح صاحب الكلام بأن له طريقاً خاصاً في بيان مقاصده ، فإذا قال المولى لعبده: هذه قائمة وظائفك في كل يوم ، ولابدّ أن ترجع في بيان ما اشتبه منها إلى ولدي لكي يبيّن لك مرادي منها ، وليس لك أن تعتمد فيها إلى رأيك ونظرك ؛ فإن العبد حينئذ لا يجوز له الاستظهار إلاّ من طريق ولد المولى ، ولا وَقْعَ لاجتهاده واستنباطه .

وهذا البيان بعينه يجري في المتشابهات ، فتدبّر .

وببيان آخر : إن المتبع في باب الحجية هو ما يفيد العلم أو ما حكم الشارع باعتباره من الظنون ، وإنما عدّوا ظاهر الكتاب حجّة باعتبار أنها من الظنون المعتبرة .(1) فإنه وإن كان قطعي السند ولكنه ظني الدلالة ،(2) ولا دليل على حجية المتشابهات بل الدليل على خلافه .

ص: 174


1- . ادعي الضرورة على جواز التمسك بالظواهر ونقل عن غير واحد ، كما يظهر بالمراجعة إلى مبحث حجية الظواهر من كتب الأصول ، وانظر أيضا الأصول الأصلية ، للسيدالشبّر 94 - 95.
2- . كما صرّح بذلك المؤلف في ضمن كلام له فقال : إن الظواهر الدينية متوقفة على ظهور اللفظ ، وهو دليل ظنّي ، والظن لا يقاوم العلم الحاصل بالبرهان لو قام على شيء . لاحظ تعليقة السيد الطباطبائي على بحار الأنوار 1 / 104 .

ومن له أدنى معرفة بأصول الفقه يعلم اختصاص حجية الكتاب بغير المتشابه عند الجميع وإنما أنكروا على من أنكر حجية الظواهر فقط .

بل نقول : احتمال الخطأ في فهم المتشابهات يكفي في الردع عن ذلك ؛ لأنه يساوق احتمال الوقوع في الهلكة من حيث لا يعلم إذ يؤدّي إلى القول بغير علم، فالعقل يحكم بلزوم التحرز عنه .

قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم : اتقوا تكذيب الله ، قيل : يارسول الله وكيف ذاك ؟ قال : يقول أحدكم : قال الله ، فيقول الله : كذبت لم أقله . أو يقول : لم يقل الله ، فيقول الله عزّ وجلّ : كذبت قد قلته .(1)

وإذا قال اللّه تبارك وتعالى بالنسبة إلى النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم : «وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْض الأَقَاوِيلِ * لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالَْيمِينِ * ثمَّ لَقَطعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنكم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ»(2) فما ظنّك بسائر الناس ؟ !

لا يقال: بعد التأمّل والتدبّر يحصل العلم بالمراد من الآية ، فلا يكون قولاً بغير علم .

لأنا نقول : دعوى عدم تطرّق احتمال الخلاف في جميع ما يختاره المفسّر مجازفة واضحة ، ويأتي لذلك توضيح أكثر في الرقم [6] فانتظر .

قال العلامه الحلّي رحمه الله في الردّ على القول بأن جميع ما في القرآن معلوم - :

وهذا قول يعلم بطلانه بالضرورة لوجود مواضع كثيرة من الكتاب والسنة قد أُشكل على كثير من العلماء ، وأعياهم القطع فيها على شيء بعينه .(3)

ص: 175


1- . معاني الأخبار 390 ، بحارالأنوار 2 / 117 .
2- . الحاقة : 44 - 47 .
3- . الألفين 201 - 200 ، وقد مرّ بتمامه في الفصل الرابع .

ثم لو سلّمنا حصول العلم للمفسّر احياناً نقول : أولاً : هذا علم شخصي لا قيمة له لغيره ؛ لأن هذا الطريق لا يفيد العلم لغيره ، بل صرّح صاحب الميزان بعدم حجّيّة أقوال العلماء في قوله : وأمّا سائر الأمة من الصحابة أو التابعين أو العلماء فلا حجّيّة لبيانهم ... .(1)

وثانيا : لمّا كان هذا الطريق غير مأمون من الخطأ والزلل نهانا الشارع عن اتّباعه، وأمرنا بالتحفظ عن الخطأ المستتبع لسلوكه ، كما مرّ عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم : «من فسّر القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ». والمنصف يعترف بأن هذا الطريق مظنّة الخطر والخطأ ، كما وقد اعترف المؤلف نفسه بذلك فذكر عند البحث عن المتشابهات :

أنه البحث في أمور ليس إلاّ مزالق للأقدام ومصارع للأفهام .(2)

وقال : كالآيات المتشابهة التي يتشابه أمرها على العقل فيحسب أنه يعقلها وهو لا يعقل .(3) وعليه فلا أقلّ من أن مقتضى الاحتياط هو الاقتصار على ظاهر الكتاب ، والاحتراز عن الورود في المتشابهات ، ولذا ترى أن المؤلف نفسه يوصي مثل العلاّمة المجلسي بذلك حيث يقول :

... وطريق الاحتياط الديني لمن لم يتثبت في الأبحاث العميقة العقلية أن يتعلق بظاهر الكتاب وظواهر الأخبار المستفيضة ويرجع علم حقائقها إلى الله عزّ اسمه ، ويجتنب الورود في الأبحاث العميقة العقلية إثباتا ونفيا ، أمّا إثباتا فلكونه مظنّة الضلال ، وفيه تعرض للهلاك الدائم ، وأمّا نفيا فلما فيه من وبال القول بغير علم والانتصار للدين بما لا يرضى به اللّه سبحانه ، والابتلاء بالمناقضة في النظر .(4)

ص: 176


1- . تفسيرالميزان 12 / 261 .
2- . تفسيرالميزان 3 / 56 - 57 .
3- . تفسيرالميزان 3 / 56 - 57 .
4- . تعليقة بحارالأنوار 1 / 104 .

أقول : بناءً على ما ذكرنا لا تكون الآيات المتشابهة حجّة إلاّ إذا وصل إلينا بيانها وتفسيرها من الحجج المعصومين عليهم السلام بدليل معتبر ، فالتشبّث بحجية العقل لإثبات جواز تفسير الآيات المتشابهات بالتدبّر في سائر آيات القرآن مردود ؛ ويلاحظ عليه - مضافاً إلى ما مرّ - أمران :

الأول : لا ريب في أن التوحيد أي إثبات الصانع تعالى وصفاته و... وكذا النبوة والإمامة و . . وإثبات حجية القرآن إنما يثبت بالعقل ، والعقل يُلزمنا باتباع الحجّة

أي النبي صلى الله عليه و آله وسلم والأئمة عليهم السلام - بعد إثبات نبوّتهم أو إمامتهم بظهور المعجزة منهم أو النصّ - ، ووجدنا الحجج المعصومين عليهم السلام صرّحوا بأن العقل قاصر عن درك كثير من الأُمور فلا يجوز للعقل أن يكون له أيّ دخالة فيها ، وذلك مثل الأحكام الفرعية التي نُهينا عن استعمال الرأي والقياس فيها - في الروايات المتفق عليها بين الفريقين - فهذا ليس إبطالاً لحجية العقل ، بل تحديد وتعيين لما يدركه العقل ، وكذلك في بعض المعارف الإلهية والآيات المتشابهة تمنعنا الروايات عن التكلم فيها لقصور عقولنا عن دركها .

الثاني : هل يجوز أن يقال: العاقل يكفيه مطالعة كتب الطبّ مثلاً ولا يحتاج إلى مراجعة الطبيب ؟ وهكذا في سائر الفنون والعلوم .

فإنك تراهم حين يستشكل عليهم في مباحث الفلسفة والعرفان يرمون المستشكل بعدم درك مغزى ما يراد من كلماتهم ، ويزعمون أنها دقيقة عميقة لا ينالها إلاّ الأوحدي من العلماء .

وربما يوردون على المخالف: بأنك لا تطلع على المباني والاصطلاحات الخاصّة فلا يسعك أن تتكلم فيها .

ص: 177

فإذا كان الأمر هكذا - بزعمهم - في ما كتبه المخلوق العاجز الجاهل بكثير من الأشياء غير مأمون من الزلل والخطأ والخبط و . . فكيف بكتاب أنزله اللّه تبارك وتعالى على نبيّه الأعظم صلى الله عليه و آله وسلم ، وقد صرّح بأن آياته على قسمين، وأن المتشابه منها لا يبيّن إلاّ ببيانه صلى الله عليه و آله وسلم ؟ وقال : «إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ» ،(1) وقال : «وأَنْزَلْنا إِلَيْك الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ» .(2)

لا يقال: إن هذه الكتب لم تكتب لجميع الناس بخلاف القرآن .

فإنه يقال: إن في القرآن الكريم أيضاً آيات لم تنزل ليعقلها الناس بلا واسطة الحجج عليهم السلام ، ولذا ورد - كما مرّ - إنما يعرف القرآن من خوطب به ، أي النبي صلى الله عليه و آله وسلم وأهل بيته عليهم السلام .

عدم حجية أقوال الصحابة والآراء المتناقضة

[ 4 ] قوله : ولم يجعل حجية في أقوال الصحابة والتابعين وأنظارهم على اختلافها الفاحش ، ولم يدع إلى السفسطة بتسليم المتناقضات والمتنافيات من الأقوال .(3)

وقال في موضع آخر :

وأمّا استبعاد أن يختفي عليهم معاني القرآن مع ما هم عليه من الفهم والجدّ والاجتهاد ، فيبطله نفس الخلاف الواقع بينهم في معاني كثير من الآيات ، والتناقض الواقع في الكلمات المنقولة عنهم ؛ إذ لا يتصور اختلاف ولا تناقض إلاّ مع فرض خفاء الحق واختلاط طريقه بغيره .(4)

ص: 178


1- . القيامة : 20 .
2- . النحل : 44 .
3- . تفسيرالميزان 1 / 5 .
4- . تفسيرالميزان 3 / 86 .

أقول: إن عدم حجّية أقوال الصحابة والتابعين شيء واضح إلاّ أنه لابدّ من التنبيه على افتراق الخاصّة عن العامّة في ذلك ، فإن أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام لا يرون حجّية - في الآيات المتشابهات وغيرها - إلاّ فيما قاله الائمة عليهم السلام .

لكن نقول: هذا الكلام بعينه يرد على المؤلف؛ إذ لم يجعل اللّه حجية في أقوالنا وإن تدبّرنا في الآيات واجتهدنا في استنباط المراد منها بملاحظة الآيات المناسبة لها ، لا سيما بملاحظة الاختلاف الموجود بين المفسّرين حتى بين المؤلف والمعاصرين .

واستبعاد أن يختفي عليهم معاني القرآن مع ما هم عليه من الفهم والجدّ والاجتهاد يبطله نفس الخلاف الواقع في كلماتهم إذ لا يتصور اختلاف وتناقض إلاّ مع فرض خفاء الحق ، فاحتمال عدم الإصابة في الجميع على السواء !

وقد اعترف المؤلف بالاختلاف الفاحش في تفسير الآيات الشريفة فقال :

وكان الكلام في التفسير يختلف اختلافا فاحشا بحسب اختلاف مشرب المفسّرين بمعنى أن النظر العلمي في غالب الأمر كان يحمل على القرآن من غير عكس إلاّ ما شذّ ... ولذلك رام جمع من العلماء بما عندهم من بضاعة العلم على اختلاف مشاربهم أن يوفقوا بين الظواهر الدينية والعرفان كابن العربي وعبد الرزاق الكاشاني وابن فهد والشهيد الثاني والفيض الكاشاني .

وآخرون أن يوفّقوا بين الفلسفة والعرفان كأبي نصر الفارابي والشيخ السهروردي صاحب الاشراق والشيخ صائن الدين محمد تركه .

وآخرون أن يوفقوا بين الظواهر الدينية والفلسفة كالقاضي سعيد وغيره .

وآخرون أن يوفقوا بين الجميع كابن سينا في تفاسيره وكتبه وصدر المتألهين الشيرازي في كتبه ورسائله وعدّة ممن تأخّر عنه .

ومع ذلك كله فالاختلاف العريق على حاله لا تزيد كثرة المساعى في قطع أصله إلاّ شدّة في التعرّق ، ولا في إخماد ناره إلاّ اشتعالا : ألفيت كل تميمة لا تنفع ، وأنت لا ترى

ص: 179

أهل كل فن من هذه الفنون إلاّ ترمي غيره بجهالة أو زندقة أو سفاهة رأي ، والعامّة تتبرّى منهم جميعا .

كل ذلك لما تخلّفت الأُمة في أول يوم عن دعوة الكتاب إلى التفكر الاجتماعي «واعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا» ، والكلام ذو شجون .(1)

أقول: ولا يخفى عليك ما في كلامه الأخير ، فإن سبب الاختلاف ليس إلاّ تفرّقهم عن أهل البيت عليهم السلام ، ودعوة الكتاب العزيز ليس إلى التفكر الاجتماعي قطعا ؛ لأنه سبب لمزيد الاختلاف وشدّته ، بل دعانا إلى الاعتصام بحبل اللّه المتين وهو أمير المؤمنين وأولاده المعصومين عليهم السلام ، فالتمسك بهم وبكلامهم يعصمنا عن الانحراف والاختلاف والتفرق .(2)

فإن قلت : فماذا نصنع بما نشاهده أحيانا في الروايات عن المعصومين عليهم السلام أيضا - سواء في ذلك الروايات التفسيرية وغيرها - من التعارض والتنافي ؟!

قلت : لا شك في حجية الروايات الصادرة عن المعصومين عليهم السلام ، وقد دلّ على حجّيتها في التفسير قوله تعالى : «وأَنْزَلْنا إِلَيْك الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ» ،(3)

ص: 180


1- . تفسيرالميزان 5 / 283 .
2- . لاحظ : العوالم 15 / ق 2 / 127 و بحارالأنوار 24 / 82 (باب أنهم عليهم السلام حبل اللّه المتين ، والعروة الوثقى ، وأنهم آخذون بحجزة اللّه ) ، وفيه صفحة 85 : عن أبيجعفر عليه السلام - في قوله : «وَلا تَفَرَّقُوا» - : إن اللّه تبارك وتعالى علم أنهم سيفترقون بعد نبيهم ويختلفون ، فنهاهم اللّه عن التفرّق كما نهى من كان قبلهم ، فأمرهم أن يجتمعوا على ولاية آل محمد عليهم السلام ولا يتفرّقوا . وقالت سيدة النساء عليهاالسلام في خطبتها المشهورة : «وجعل ... طاعتنا نظاماً للملّة ، وإمامتنا أماناً من الفرقة» (بحارالأنوار 29 / 223 ، 241) . وفي زيارة الجامعة الكبيرة وغيرها من الزيارات والروايات : ««بموالاتكم تمّت الكلمة ، وعظمت النّعمة ، وائتلفت الفُرقة». (لاحظ : الفقيه 2/615 ، الكافى 1 / 445 ، بحارالأنوار 22 / 537 و 56 / 194) .
3- . النحل : 44 .

وحديث الثقلين وغيرهما . وقد صرّح بذلك المؤلف ، حيث قال :

وفي الآية دلالة على حجية قول النبي صلى الله عليه و آله وسلم في بيان الآيات القرآنية ... هذا في نفس بيانه صلى الله عليه و آله وسلم ويلحق به بيان أهل بيته لحديث الثقلين المتواتر وغيره .(1)

إذا تمهد ذلك نقول : لا تعارض فيما صدر عنهم عليهم السلام أبدا ، كما قالوا عليهم السلام : فإن قالوا : من الراسخون في العلم ؟ فقل : من لا يختلف في علمه أو : فاطلبوا ذلك من عند أهله خاصّة ، فإنهم خاصة نور يستضاء به وأئمة يقتدى بهم.. لا يخالفون الدين ولا يختلفون فيه ... لا يخالفون الحق ولا يختلفون فيه .(2)

نعم قد يلاحظون عليهم السلام التقية ، ويُعرف بموافقة الحديث للعامّة .(3)

كما قد يتراءى التنافي لنا لقصورنا وجهلنا ، إذ قد يكون لكلامه تبارك تعالى معان مختلفة وتفاسير عديدة أو لمفهوم واحد مراتب مختلفة ، وفي كل حديث من تلك الأحاديث إشارة إلى بعضها .

ادعاء أن الله تعالى لم يندب إلا إلى التدبر في آياته

[ 5 ] قوله : ولم يندب إلاّ إلى التدبر في آياته .(4)

أقول : هل يجوز أن يتمسك بقوله تعالى : «لا تَقْرَبُوا الصلَوةَ» ، للنهي عن الصلاة مطلقاً ؟ ! وهل صحّ ذمّ المصلّين جميعاً بقوله تعالى : «فَوَيْلٌ لِّلْمُصلِّينَ» ؟

ص: 181


1- . تفسيرالميزان 12 / 261 . ولا يخفى أن القول بالحجية لا ينافي ما أصرّ عليه من إنكار حاجة القرآن إلى تفسير المعصوم ، بل استشكل في تعميم الحجية إذا لم يمكن استفادة ما في الرواية من الآيات ، كما مرّ ويأتي في الرقم [19] .
2- . انظر ما مرّ في الفصل الرابع في الروايتين المرقمتين [186] و[230] .
3- . لاحظ ما ذكرناه في هامش صفحة 307 .
4- . تفسيرالميزان 1 / 6 .

نعم لا يجوز الأخذ ببعض الكلام وترك ما يقيّده أو يخصّصه! فكما ورد الأمر بالتدبر في المحكمات من الآيات ، كذلك دلّتنا الآيات والروايات باختصاص علم المتشابهات بالمعصومين عليهم السلام ونُهينا عن تتبع المتشابه والتدبر فيه و . . فحينئذ يكون تدبر القرآن المأمور به الممدوح في الروايات خاصّاً بالمحكمات ، كما صرّح بذلك رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم في خطبة الغدير فقال :

. . افهموا محكم القرآن ، ولا تتبعوا متشابهه ، ولن يفسّر لكم ذلك إلاّ من أنا آخذ بيده شائل بعضده . . أو : . . فو الله لن يبيّن لكم زواجره ولا يوضح لكم تفسيره إلاّ الذي أنا آخذ بيده ومصعده إليّ وشائل بعضده ومعلمكم أن من كنت مولاه فهذا علي مولاه ، وهو علي بن أبي طالب أخي ووصيي . .(1)

فالتدبر في المتشابهات مشروط بانضمام ما قاله الحجج المعصومون عليهم السلام وإلاّ فيكفي أن نؤمن بها إجمالاً ، كما مرّ في الرقم [2] .

وقد مرّ قول العلامه الحلّي قدس سره : . . المراد بالخطاب بالمتشابه هو العمل أيضا به ، ولا يحصل الأمن من الخطأ في العمل به إلاّ من المعصوم .(2)

وكيف كان ليس المراد من التدبّر والتفكر في الآيات هو الجدال والقول بغير علم فيها وتفسيرها بالرأي و... كما هو المتداول بين أهل زماننا .

والتدبر المندوب إليه يغاير التعمق المنهي عنه ، والبحث عن كشف المتشابهات داخل في التعمق دون التدبر ، كما مرّ التصريح بذلك عن مولانا

ص: 182


1- . الاحتجاج 1 / 60 ، الصراط المستقيم 1 / 301 ، بحارالأنوار 37 / 209 .
2- . الألفين 98 ، وقد مرّ بتمامه في الفصل الرابع .

أمير المؤمنين عليه السلام : .. وقد مدح الله اعترافهم بالعجز عن تناول ما لم يحيطوا به علما ، وسمّى تركهم التعمّق فيما لم يكلّفهم البحث عن كنهه رسوخا .(1)

بل ذكر أن التعمق من أصول الكفر فقال عليه السلام : الكفر على أربع دعائم : على التعمق والتنازع والزيغ والشقاق ، فمن تعمّق لم ينب إلى الحق . .(2)

وفيرواية: فمن تعمّق لم ينب إلى الحق ولم يزدد إلاّ غرقا في الغمرات، فلم تحتبس [لا تنحسر] عنه فتنة إلاّ غشيته أُخرى، وانخرق دينه ، فهو يهيم [ يهوي] في أمر مريج.(3)

ادعاء أن التدبر يكفي لرفع الاختلاف المتراءى من الآيات

[ 6 ] قوله : فرفع به أيّ اختلاف يتراءى منها .(4)

أقول : أشار بذلك إلى قوله تعالى : «أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِندِ غَيرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافاً كثِيراً» ،(5) كما يأتي في الرقم [12] .

ويلاحظ على الاستدلال بالآية الشريفة :

أولاً : قد اختلف المفسّرون في ما هو المراد من قوله تعالى : «لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافاً كثِيراً» ولا يتمّ الاستدلال بها إلاّ على بعض الاحتمالات .

وثانيا : لو سلم فغاية ما يمكن أن يدعى دلالة الآية المباركة عليه هو انكشاف عدم الاختلاف في القرآن بالتدبر فيه ، وأين هذا من إمكان فهم جميع الآيات

ص: 183


1- . تقدم في الفصل الأول في الرواية المرقّمة [22] .
2- . نهج البلاغة 473 - 474 ، بحارالأنوار 65/ 348 .
3- . الخصال 233، تحف العقول 166، الكافي 2/392، البحار 65/384 و69/90، 122، 118 - 119.
4- . تفسيرالميزان 1 / 6 .
5- . النساء : 82 .

ودركها مع ما فيها من المتشابهات ؟ !

وثالثا : لو كان المستفاد من هذه الآية إمكان فهم جميع الآيات ، كان اللازم مع ذلك ملاحظة سائر الآيات - الزاما لما التزم به المؤلف حيث قال :

لا يكفي ما يتحصل من آية واحدة في انكشاف المعنى المراد منها دون أن يتعاهد جميع الآيات المناسبة لها .(1)

فمقتضى تفسير الآيات بالآيات أن يلاحظ ساير الآيات المناسبة لها مثل قوله تعالى : «وأَنْزَلْنا إِلَيْك الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ولَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ» ،(2) وقوله : «وما أَنْزَلْنا عَلَيْك الْكِتابَ إِلاّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وهُدىً ورَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤمِنُونَ»(3) وغيرهما ، وقد مرّت الإشارة إليها ، فراجع .

ورابعا: إن الاستدلال بهذه الآية لما رامه من أظهر المصاديق للتفسير بالرأي ، فإنه لمّا اختار استغناء القرآن عن البيان فسّر الآية على طبق رأيه .

وخامسا: ان هذا يعدّ من اتباع المتشابه فإن هذه الآية ليست من المحكمات - إذ ليست ممّا لا يحتمل فيه غير ما ذكره المؤلف(4) - ، كما يشهد لذلك ادّعاء الإجماع أو الشهرة بخلافه ،(5) أي باختصاص الحجية بغير المتشابهات .

ص: 184


1- . تفسيرالميزان 3 / 76 .
2- . النحل : 44 .
3- . النحل : 64 .
4- . ويأتي قريبا - صفحة 194 - أن الآيات يمكن أن تكون محكمة من جهة ، متشابهة من جهة أخرى ، نقلاً عن الشيخ الطوسي والراغب الإصفهاني بل المؤلف نفسه ، فلاحظ .
5- . أمّا الإجماع فادّعاه بعضهم في مبحث حجية ظواهر الكتاب ، وأمّا الشهرة فقد اعترف بها المؤلف في كتابه : قرآن در اسلام 27 ، ولاحظ أيضا تفسير سورة الحمد للسيد الحكيم 27 .

وسادسا: إن الاستدلال بها دوري ، إذ تمامية استدلاله بهذه الآية - المتشابهة - يتوقف على تمامية دعواه - أي حجيّة الآيات المتشابهة - ، ولعلّه واضح .

وسابعا : إن ما ذكره ينافي الروايات الواردة في المقام مثل ما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام في الردّ على من يزعم التناقض في آيات القرآن فإنه قال :

يا أمير المؤنين ! إني قد شككت في كتاب الله المنزل !

قال له عليه السلام : ثكلتك أُمّك ، وكيف شككت في كتاب الله المنزل ؟ ! قال : لأني وجدت الكتاب يكذّب بعضه بعضا فكيف لا أشكّ فيه ؟ !

فقال عليه السلام : إن كتاب الله ليصدّق بعضه بعضا ولا يكذّب بعضه بعضا ولكنّك

لم ترزق عقلاً تنتفع به ! . .

إلى أن قال عليه السلام - بعد أن أجاب عن شبهاته تفصيلاً - : فإيّاك أن تفسّر القرآن برأيك حتى تفقهه عن العلماء فإنه رُبّ تنزيل يشبه بكلام البشر وهو كلام الله وتأويله لا يشبه

كلام البشر . . . ولا يشبه شيء من كلامه بكلام البشر . . . فلا تشبّه كلام الله بكلام البشر فتهلك وتضلّ .

قال

: فرّجت عنّي فرّج الله عنك وحللت عني عقدة . .(1)

ثم ذكر عليه السلام عند رفع التناقض عن بعض الآيات : « وليس كل العلم يستطيع صاحب العلم أن يفسّره لكل الناس » إلى أن قال عليه السلام: « إن اللّه جلّ ذكره . . . قسّم

كلامه ثلاثة أقسام : فجعل قسما منه يعرفه العالم والجاهل ، وقسما لا يعرفه إلاّ من صفا ذهنه ولطف حسه وصحّ تمييزه ممن شرح اللّه صدره للإسلام ، وقسما لا يعرفه إلاّ اللّه وأمناؤ الراسخون في العلم » .(2)

ص: 185


1- . التوحيد 254 - 263 ، بحارالأنوار 90 / 127 - 136 .
2- . وقد مرّ في الفصل الأول في الرواية المرقمة [ 33] .

فإنه يستفاد منها :

الف ) إن القرآن وإن كان يصدّق بعضه بعضا إلاّ أن الناس ليسوا سواءً في فهمه ودركه لقوله عليه السلام : « ولكنّك لم ترزق عقلاً تنتفع به » .

ب ) لا يجوز لنا أن نعتمد على ما نفهمه من القرآن ، ونفسّره من قبل أنفسنا ، بل لابدّ وأن نتعلّم القرآن من عالمه وقيّمه أي الحجج المعصومين عليهم السلام .

ج ) من شبّه كلام اللّه تعالى بكلام البشر ، واعتمد على ما يفهمه منه يهلك ويضلّ .

د ) إن القرآن لم يكن بنفسه مبيّنا لجميع الأُمور لجميع الناس ، بل والحجج المعصومون عليهم السلام لم يبيّنوا ولم يفسّروا للناس جميع ما يستفاد من القرآن ، لقوله عليه السلام : « وليس كل العلم يستطيع صاحب العلم أن يفسّره لكل الناس » .

ه- ) إن اللّه تعالى جعل قسما من الآيات لا يعرفه إلاّ نفسه وأمناؤ الراسخون في العلم عليهم السلام .

وثامنا : المنصف يعترف بأنا قاصرين عن درك جميع الآيات ، ولذا ترى أن المؤلف نفسه لا يجزم بما يذكره في تفسير كثير من الآيات ولذا يعبّر بكلمات مثل: ( يحتمل ) و( يمكن ) أو يقول : المعنى - واللّه أعلم - كذا ، أو يقول بعد الفراغ عن تفسير الآية : واللّه أعلم ، وهذه الموارد كثيرة جدّا .

فدعوى حصول العلم والجزم وعدم تطرّق احتمال الخلاف في جميع ما يذهب إليه ويختاره المفسّر في الآيات المتشابهة مجازفة واضحة .

ويشهد له الاختلاف الفاحش بين العقلاء الذين تكلّموا في التفسير حتى بين المؤلف - السيد الطباطبائي - ومعاصريه وتلاميذه ، بل وحتى في نفس الآية

ص: 186

المباركة: «وَأُخَرُ مُتَشابِهاَتٌ» ! ! فإنك بالمراجعة إلى تفسير الميزان تجد أنها وقعت معركة للآراء عند المفسّرين ،(1) بل ذكر المؤلف في موضع آخر أن للفظة ( التأويل ) في هذه الآية أقوالاً عشرة ، وأن الآراء في معنى ( المحكم والمتشابه ) تبلغ العشرين .(2)

وقال في تفسير سورة الكوثر :

قد اختلفت أقوالهم في تفسير الكوثر اختلافا عجيبا ... وقد نقل عن بعضهم أنه أنهى الأقوال إلى ستة وعشرين .(3)

وقال في قوله تعالى : «وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤمِنُونَ بِالآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لهَُمْ عَذَاباً أَلِيماً»(4) : وللمفسّرين اختلاف عجيب في مفردات الآية ، وكلمات مضطربة في بيان وجه اتصال الآية وكذا الآيات التالية بما قبلها ، تركنا إيرادها والغور فيها لعدم جدوى في التعرض لها ، من أرادها فليراجع كتبهم .(5)

وقال في قوله تعالى : «لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتى تَأْتِيهُمُ الْبَيِّنَةُ»(6) :

ص: 187


1- . فإنه قال - في مفهوم المحكم و المتشابه و التأويل - : لكن القوم اختلفوا في المقام ، وقد شاع الخلاف واشتدّ الانحراف بينهم ، و ينسحب ذيل النزاع والمشاجرة إلى الصدر الأول من مفسّري الصحابة و التابعين .. ثم ذكر ستة عشر قولاً في المحكم و المتشابه ، وإحدى عشر قولاً في التأويل . لاحظ تفسير الميزان 3 / 31 - 41 ، 44 - 47 .
2- . قرآن در اسلام 27 .
3- . تفسيرالميزان 20 / 270 .
4- . الاسراء : 10 .
5- . تفسيرالميزان 13 / 50 .
6- . البيّنه : 1 .

وللقوم اختلاف عجيب في تفسير الآية ومعاني مفرداتها حتى قال بعضهم - على ما نقل - : إن الآية من أصعب الآيات القرآنية نظما وتفسيرا .(1)

وقال في قوله تعالى : «وَالناَّزِعَاتِ غَرْقاً * وَالناَّشِطاتِ نَشطاً * وَالسابِحَاتِ سبْحاً * فَالسابِقَاتِ سبْقاً * فَالْمُدَبِّراَتِ أَمْراً»(2) :

اختلف المفسّرون في تفسير هذه الآيات الخمس اختلافا عجيبا .(3)

وقال في قوله تعالى : «يخْرُجُ مِن بَينِ الصلْبِ وَالترَائبِ»(4) :

وقد اختلفت كلماتهم في الآية وما قبلها اختلافا عجيبا .(5)

وقال في قوله تعالى : «ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ ومِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ ومِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللّهِ ذلِك هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ»(6) :

وفيها للقوم اختلاف عجيب ... وهناك أقوال متفرقة أخر تركنا إيرادها ولو ضربت الاحتمالات بعضها في بعض جاوز الألف !(7)

وقال في ذيل قوله تعالى : «وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْك . . »(8) :

قد اختلف المفسّرون في تفسير الآية اختلافا عجيبا لا يكاد يوجد نظيره في آية من آيات القرآن المجيد ... وإذا ضربت بعض الأرقام التي ذكرناها من

ص: 188


1- . تفسيرالميزان 20 / 337 .
2- . النازعات : 1 - 5 .
3- . تفسيرالميزان 20 / 179 .
4- . الطارق : 7 .
5- . تفسيرالميزان 20 / 260 .
6- . فاطر : 32 .
7- . تفسيرالميزان 17 / 47 - 46.
8- . البقرة : 102 .

الاحتمالات في البعض الآخر ، ارتقى الاحتمالات إلى كمية عجيبة وهي ما يقرب من ألف ألف ومائتين وستين ألف احتمال !

و هذا لعمر الله من عجائب نظم القرآن تتردد الآية بين مذاهب واحتمالات تدهش العقول وتحير الألباب ، والكلام بعد مُتّكٍ على أريكة حسنة ، متجمل في أجمل جماله ، متحلّ بحلي بلاغته وفصاحته ، وسيمرّ بك نظيرة هذه الآية وهي قوله تعالى : «أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً» .(1)

وفي قوله تعالى : «وَ كذَلِك أَعْثرْنَا عَلَيهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقُّ وَأَنَّ الساعَةَ لا رَيْب فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيهِم بُنْيَاناً رَبُّهُمْ أَعلمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيهِم مَّسجِدا»(2) قال :

والآية من معارك آراء المفسّرين ، ولهم في مفرداتها وفي ضمائر الجمع التي فيها وفي جملها اختلاف عجيب .

والاحتمالات التي أبدوها في معاني مفرداتها ومراجع ضمائرها وأحوال جملها إذا ضربت بعضها في بعض بلغت الألوف .

وقد أشرنا منها إلى ما يلائم السياق ، وعلى الطالب لأزيد من ذلك أن يراجع المطولات .(3)

فنجد اشتمال الكتاب العزيز على آيات لا تصل عقولنا إلى المقصود منها ، واختلفت كلمات المفسّرين فيها على أقوال شتّى ، فهل دُعينا إلى الاختلاف؟!

ص: 189


1- . تفسيرالميزان 1 / 234 - 233 ، وانظر 10 / 185 ، والآية في سورة هود : 17 .
2- . الكهف : 21 .
3- . تفسيرالميزان 13 / 267 .

لا ريب في أن كل واحد من المفسّرين يرجع فيها إلى ما يراه محكماً ، ويصل إلى نتيجة يخالف فيها الآخرين ، فيختلفون وكلّ يدّعي إصابة الواقع ويخطّئُ غيره ، أليس اختلافهم علامة خفاء المطلب عليهم؟!

ثم هل يكون ثمرة هداية القرآن وكونه نوراً وتبياناً و . . دعوة الناس إلى النزاع والتخالف والتشاجر ؟

أو نصوّب جميع الآراء؟

أم نلتزم بأن اللّه جعل مرجعاً لتمييز الحق والصواب ؟

فهذا الاختلاف من أحسن الشواهد على أنهم لم يصلوا إلى مراده تعالى في القرآن ، واستبعاد أن يختفي عليهم معاني القرآن مع ما هم عليه من الفهم والجدّ والاجتهاد يبطله نفس الخلاف الواقع في كلماتهم واحتمال عدم الإصابة في الجميع على السواء ! وقد صرّح المؤلف بأنه : لا يتصور اختلاف وتناقض إلاّ مع فرض خفاء الحق واختلاط طريقه بغيره .(1)

بل قد صرّح المؤلف في تفسير «أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأرْضِ»(2) بأنه :

لا نجد في كلامه تعالى ما يصلح لتفسير هذه الآية وأن هذه الدابة التي سيخرجها لهم من الارض فتكلمهم ما هي ؟ وما صفتها ؟ وكيف تخرج ؟ وماذا تتكلم به ؟ بل سياق الآية نِعْمَ الدليل على أن القصد إلى الابهام ، فهو كلام مرموز فيه .(3)

فنقول : إن قصد الإبهام لا يختص بهذه الآية بل يعمّ جميع المتشابهات ، فتدبر .

ص: 190


1- . تفسيرالميزان 3 / 86 .
2- . النمل : 82 .
3- . تفسيرالميزان 15 / 396 .

وقال في الحروف المقطعة في أوائل السور :

. . . فلا هذه الحروف المقطعة متشابهات ولا معانيها المراد بها تأويلات لها . . . ويمكن أن يحدس من ذلك أن بين هذا الحروف المقطعة وبين مضامين السور المفتتحة بها ارتباطا خاصا . . . ويستفاد من ذلك أن هذه الحروف رموز بين الله سبحانه وبين رسوله صلى الله عليه و آله وسلم خفية عنا لا سبيل لأفهامنا العادية إليها إلاّ بمقدار أن نستشعر أن بينها وبين المضامين المودعة في السور ارتباطا خاصا .(1)

أقول: والذي ألجأه إلى اختيار هذا القول - أي اختيار أن الحروف المقطعة ليست من المتشابهات ، مع تصريحه بأنها رموز خفيت علينا - ما ذهب إليه من أن القرآن نزل ليناله الأفهام بجميعه ، وأنه ليس بين آيات القرآن آية واحدة ذات إغلاق وتعقيد في مفهومها وأن التشابه يقبل الارتفاع ، وانه إنما يرتفع بتفسير المحكم له و...

فيرد عليه : ان التقسيم قاطع للشركة ، فإذا قال الله تبارك وتعالى : « هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْك الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ» كيف يمكن أن نفرض له قسما ثالثا ليس من المحكمات ولا من المتشابهات ؟!(2)

وقد صرح غير واحد من المفسّرين بأنها من المتشابهات ، كما روي عن أئمتنا عليهم السلام ،(3) وقال بعض تلامذته : لم يوجد إلى الآن فيها قول جازم .(4)

ص: 191


1- . تفسيرالميزان 18 / 8 .
2- . وقد ردّ المؤلف على القول الرابع في المحكم والمتشابه بأنه يلزم من هذا القول وجود الواسطة بين المحكم و المتشابه، فراجع تفسير الميزان 3 / 34 .
3- . راجع التبيان 1 / 48 ، جوامع الجامع 1 / 61 ، مجمع البيان 1 / 75 ، بحارالانوار 88 / 10 .
4- . آشنايى با قرآن ، للاستاذ المطهري 123 .

وبعد ذلك كله هل يمكن أن يقال :

وليس بين آيات القرآن - وهي بضع آلاف آية - آية واحدة ذات إغلاق وتعقيد في مفهومها بحيث يتحيّر الذهن في فهم معناها ، وكيف ! وهو أفصح الكلام ومن شرط الفصاحة خلو الكلام عن الإغلاق والتعقيد ، حتى أن الآيات المعدودة من متشابه القرآن كالآيات المنسوخة وغيرها ، في غاية الوضوح من جهة المفهوم ، وإنما التشابه في المراد منها وهو ظاهر .(1)

أو يقال - بعد نسبية الإحكام والتشابه(2) - : لا مصداق للمتشابه على الإطلاق

في القرآن .(3)

ثم إن للمؤلف كلاما آخر - في رفع تشابه الآيات بالتدبر - يناسب المقام، فإنه قال :

المراد بالتشابه كون الآية بحيث لا يتعيّن مرادها لفهم السامع بمجرد استماعها بل يتردّد بين معنى ومعنى حتى يرجع إلى محكمات الكتاب فتعيّن هي معناها وتبيّنها بيانا ، فتصير الآية المتشابهة عند ذلك محكمة بواسطة الآية المحكمة ، والآية المحكمة محكمة بنفسها .

كما أن قوله : «الرَّحْمَنُ عَلى الْعَرْشِ استَوَى» ،(4) يشتبه المراد منه على السامع أول ما يسمعه ، فإذا رجع إلى مثل قوله تعالى : «لَيْس كَمِثْلِهِ شىْ ءٌ» ،(5) استقرّ الذهن على أن المراد به التسلط على الملك والإحاطة على الخلق دون التمكن

ص: 192


1- . تفسير الميزان 1 / 9 .
2- . وإن كان أصل النسبية فيهما أمرا صحيحا .
3- . تفسيرالميزان 3 / 60 - 64 .
4- . طه : 5 .
5- . الشورى : 11 .

والاعتماد على المكان المستلزم للتجسّم المستحيل على اللّه سبحانه . .(1)

أقول: هذه دعوى بلا دليل ، وكيف يمكن أن تصير الآية المتشابهة من المحكمات ؟(2) وما هو الدليل على أن المتشابهات يبيّن معناها تفصيلاً بمجرّد الرجوع إلى المحكمات ؟ ففي المثال الذي ذكره بعد الرجوع إلى قوله تعالى: «لَيْس كَمِثْلِهِ شىْ ءٌ» إنما نعرف أن الاستواء بالنسبة إلى اللّه تعالى يغاير الاستواء فينا؛ لأنه عزّ وجلّ ليس بجسم ، وأمّا المقصود من استوائه على العرش فيبقى كما كان مجهولاً حتى يبيّنه النصّ ، وبالجملة لم تتكفّل المحكمات بيانا تفصيليا لجميع المتشابهات حتى نستغني عن بيان الحجج عليهم السلام فيها .

وللسيد المرتضى رحمه الله كلام مرّ في الفصل الرابع فراجع ، لأنه صرّح بأن أكثر المتشابهات يحتمل فيها وجوه كثيرة تطابق الحقّ وتوافق الأدلة ، لا نعلم المراد منها بعينه ، وإنما نعلم في الجملة أن الله لم يرد معني يخالف الأدلة .

ثم قال صاحب تفسير الميزان : ولو كانت هذه الآية ( أي قوله تعالى: «..وأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ..» ) متشابهة عادت جميع آيات القرآن متشابهة . .(3)

ص: 193


1- . تفسيرالميزان 3 / 21 .
2- . قال الفيض الكاشاني : ولا يحكم بالمتشابه إلاّ بالتشابه ؛ لأنه المحكم فيه ، وكيف يجوز أن يجعل المتشابه محكما وقد جعله الله متشابها؟! فلا يبتغي تأويله ولا ردّه إلى أحد الطرفين كما يفعله الذي في قلبه زيغ ، وذلك لأن الله سبحانه جعل الأُمور ثلاثة : بيّن رشده فيتبع ، وبيّن غيّه فيجتنب ، ومتشابهات بين ذلك يردّ حكمها إلى الله وإلى الراسخين في العلم العالمين بتأويله ، فكيف يحكم بالتثّني فيما حكم الله فيه بالتثليث ! مع أن في المتشابه حِكَما ومصالح يمتحن الله بها أصناف عباده . الحق المبين 5
3- . تفسيرالميزان 3 / 21 - 22 .

أقول: قد مرّ في كلامه : أن المراد بتشابه الآية: أنها بحيث لا يتعيّن مرادها بمجرد استماعها بل يتردّد بين معنى ومعنى ، وعليه فالآية المحكمة هي ما يتعيّن معناها بمجرّد استماعها .

وإذا راجعت التفاسير تجد أن هذه الآية وقعت معركة للآراء عند المفسّرين ، كما يظهر لك صدق ذلك بمراجعة الأقوال الكثيرة التي ذكرها المؤلف نفسه في تفسير الميزان، فكونها محكمة من جهة لا ينافي تشابهها من جهة أو جهات أُخرى ، كما قال الشيخ الطوسي رحمه الله : وقد يكون الشيء محكمامن وجه ومتشابها من وجه ، كما يكون معلوما من وجه ومجهولا من وجه ، فتصح الحجّة به من وجه المعلوم دون المجهول .(1)

وأمّا ما استند إليه من النصوص فقال - بعد ذكر رواية عن أبي عبد اللّه عليه السلام : المتشابه ما اشتبه على جاهله(2) - :

فيه تلويح إلى أن المتشابه يمكن العلم به .(3)

يردّه : أنه لا يستفاد من الرواية كيف يمكن العلم به ، وقد صرّح في سائر النصوص بأن الطريق منحصر في النصّ فيكون المراد ب- : الجاهل ، غير الححج عليهم السلام وغير من تعلّم منهم .

وقال بعد ذكر رواية عن مولانا الرضا عليه السلام : من ردّ متشابه القرآن إلى محكمه هدي

ص: 194


1- . التبيان 2 / 398 ، وقريب منه ما نقله المؤلف عن الراغب الإصفهاني في تفسيرالميزان 3 / 39 ، بل تسلّم ذلك المؤلف نفسه في تفسيرالميزان 3 / 60 - 64 ، فراجع .
2- . تفسير العياشي 1 / 11 ، 162 ، بحارالأنوار 66 / 93 و 89 / 382 - 383 .
3- . تفسيرالميزان 3 / 67 .

إلى صراط مستقيم(1) - : وهي تؤيد ما ذكرناه في البيان السابق: أن التشابه يقبل الارتفاع ، وانه إنما يرتفع بتفسير المحكم له .(2)

أقول: أشرنا سابقاً إلى أن ردّ المتشابه إلى المحكم لا ينتج البيان التفصيلي للمتشابه ، وإنما نعرف بالآية المحكمة إجمالاً أنه لم يُقصد ما ربّما يفهم من ظاهر الآية ، وأمّا التفصيل فلا سبيل إليه إلاّ من طريق بيان النبي صلى الله عليه و آله وسلموالأئمّة عليهم السلام .

توهم أن القرآن حيث انه تبيان لكل شيء ... فلا يحتاج إلى شيء سوى نفسه

[ 7 ] قوله : وجَعَله هدى ونورا وتبيانا لكلّ شيء ، فما بال النور يستنير بنور غيره ! وما شأن الهدى يهتدي بهداية سواه ! وكيف يتبيّن ما هو تبيان كلّ شيء بشئدون نفسه !(3) إلى أن قال :

للبحث أن يداخل في فهم حقائق القرآن وتشخيص مقاصده العالية ... أحد وجهين أحدهما : أن نبحث بحثا علميا أو فلسفيا أو غير ذلك عن مسألة من المسائل التي تتعرض له الآية حتى نقف على الحق في المسألة ، ثم نأتي بالآية ونحملها عليه ، وهذه طريقة يرتضيها البحث النظري ، غير أن القرآن لا يرتضيها ، كما عرفت .

وثانيهما : أن نفسّر القرآن بالقرآن ، ونستوضح معنى الآية من نظيرتها بالتدبر المندوب إليه في نفس القرآن ، ونشخّص المصاديق ونتعرفها بالخواصّ التي تعطيها ناصّة الآيات ، كما قال تعالى : «وَنَزَّلْنَا عَلَيْك الْكِتَاب تِبْيَاناً لِّكلِّ شيْءٍ . .»(4) إلى آخر الآية ، وحاشا أن يكون القرآن تبيانا لكل شيء ولا يكون

ص: 195


1- . الاحتجاج 2 / 460 ، عيون أخبارالرضا عليه السلام 1 / 290، كشف الغمة 2 / 294 ، بحارالأنوار 2 / 185 ، و 89 / 377 ، وسائل الشيعة 27 / 115 ، مستدرك الوسائل 17 / 345 .
2- . تفسيرالميزان 3 / 68 .
3- . تفسيرالميزان 1 / 5 - 6 .
4- . النحل : 89 .

تبيانا لنفسه ، وقال تعالى : «هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ . . »(1) إلى آخر الآية ، وقال تعالى : «وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً . . »(2) إلى آخر الآية، وكيف يكون القرآن هدى وبينة وفرقانا ونورا مبيّنا للناس في جميع ما يحتاجون ولا يكفيهم في احتياجهم إليه وهو أشدّ الاحتياج ! وقال تعالى : «وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنهْدِيَنهُمْ سبُلَنَا . . »(3) إلى آخر الآية ، وأي جهاد أعظم من بذل الجهد في فهم كتابه ! وأي سبيل أهدى إليه من القرآن ! والآيات في هذا المعنى كثيرة . .(4)

وقال في موضع آخر :

وكيف يمكن أن يكون هناك أمر مراد من لفظ الآية ولا يمكن نيله من جهة اللفظ ؟ مع أنه وصف كتابه بأنه هدى ، وأنه نور ، وأنه مبين ، وأنه في معرض فهم الكافرين فضلا عن المؤنين حيث قال : «تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصّلَت آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَض أَكثرُهُمْ فَهُمْ لا يَسمَعُونَ» ، (5) وقال تعالى : «أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِندِ غَيرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافاً كثِيراً» ،(6) فما تعرّضت له آية من آيات الكتاب ليس بممتنع الفهم ، ولا الوقوف عليه مستحيل ، وما لا سبيل إلى الوقوف عليه كوقت قيام الساعة وسائر ما في الغيب المكنون لم يتعرّض لبيانه آية من الآيات بلفظها حتى تسمّى متشابها .(7)

ص: 196


1- . البقرة : 185 .
2- . النساء : 174 .
3- . العنكبوت : 69 .
4- . تفسيرالميزان 1 / 11 .
5- . فصلت : 2 - 4 .
6- . النساء : 82 .
7- . تفسيرالميزان 3 / 35 .

وقال في موضع ثالث :

و أمّا تفصيلا فيرد على القول الأول : أن أقلّ ما يلزمه أن يكون بعض الآيات القرآنية لا ينال تأويلها أي تفسيرها أي المراد من مداليلها اللفظية عامّة الأفهام ، وليس في القرآن آيات كذلك ، بل القرآن ناطق بأنه إنما أُنزل قرآنا ليناله الأفهام .(1)

وقال في موضع رابع :

فالحق أن الطريق إلى فهم القرآن الكريم غير مسدود ، وإن البيان الإلهي والذكر الحكيم بنفسه هو الطريق الهادي إلى نفسه ، أي إنه لا يحتاج في تبيين مقاصده إلى طريق ، فكيف يتصور أن يكون الكتاب الذي عرّفه الله تعالى بأنه هدى وأنه نور وأنه تبيان لكل شيء مفتقرا إلى هاد غيره ومستنيرا بنور غيره ومبيّنا بأمر غيره ؟(2)

وقال في تفسير قوله تعالى : «أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ . . »إلى آخر الآية(3) :

وقد تبين من الآية :

أولا : أن القرآن ممّا يناله الفهم العادى .

وثانيا : أن الآيات القرآنية يفسّر بعضها بعضا .

وثالثا : أن القرآن كتاب لا يقبل نسخا ولا إبطالاً ولا تكميلاً ولا تهذيبا ، ولا أيّ حاكم يحكم عليه أبدا ، وذلك أن ما يقبل شيئا منها لا مناص من كونه يقبل نوعا من التحول والتغير بالضرورة ، وإذ كان القرآن لا يقبل الاختلاف فليس يقبل التحول والتغير فليس يقبل نسخا ولا إبطالاً ولا غير ذلك ، ولازم ذلك أن الشريعة الإسلامية مستمرة إلى يوم القيامة .(4)

ص: 197


1- . تفسيرالميزان 3 / 47 .
2- . تفسيرالميزان 3 / 86 .
3- . النساء : 82 .
4- . تفسيرالميزان 5 / 20 - 21 .

وقال في حاشيته على الكفاية :

ان قوله تعالى : «أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِندِ غَيرِ اللّه لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافاً كثِيراً» إلى آخر الآية كما يدل على حجية ظهور الكتاب - كما سيجيء - ، كذلك يدل على عدم حاجة الكتاب في انكشاف مراداته إلى الخارج عنه ، ولازمه إيجاب الفحص عن المخصّص في عمومات الكتاب لكن لا كل مخصص بل المخصّص الواقع في نفس الكتاب .

و أمّا نحو قوله تعالى : «وَمَا آتَاكُمُ الرَّسولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ ...» إلى آخر الآية ممّا يجعل بيان الرسول - وهو السنّة - حجّة فهو و إن كان مقتضاه حجّية المخصّص الواقع في السنة ولزوم التخصيص به لكن الآيات النازلة في غير الأحكام الفرعية كما أحيلت إلى البيان النبوي فيها كذلك أُحيلت إلى العقول ، ولازم ذلك

كفاية البيان الكتابي في كشف المراد عنها .

على أن سياق الآية السابقة أعني قوله تعالى : «أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ . . » إلى آخر الآية كاف في ذلك حيث ان لازمها ان الكتاب نفسه رافع للاختلاف حتى عند من لا يصغى إلى قول الرسول صلى الله عليه و آله... فظهر بما ذكرنا أولاً : ان عمومات الكتاب في غير الأحكام الفرعية يقتصر في الفحص عن مخصّصها بما في الكتاب من غير لزوم التعدي إلى السنة . .(1)

وقال في موضع آخر من الحاشية :

وظنّي أن الكتاب العزيز يكفي مؤونة دفع هذه الإشكالات برمّتها ، قال تبارك وتعالى : «أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِندِ غَيرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافاً كثِيراً . .»(2) إلى آخر الآية ، وهي في مقام التفريع(3) والتعريض مع الذين لا يذعنون

ص: 198


1- . حاشيه الكفاية 1 / 162 - 163 .
2- . النساء : 82 .
3- . كذا في المصدر، والظاهر التقريع .

بكون القرآن من عند اللّه تعالى من الكافرين والمنافقين ، ولا معنى لإرجاعهم إلى تفاسير النبي صلى الله عليه و آله وسلم وحَمَلة الكتاب من أهل بيته فيقول سبحانه لهم : إن كلام غيره

لا يخلو من اختلاف كثير ، ولو كان القرآن لا اختلاف فيه أصلاً بحسب بادئ النّظر لكان حق الكلام أن يقال : ( أ فلا يرون ) ونحو ذلك دون أن يقال : «أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ . .»

إلى آخر الآية ، فيندب إلى التدبّر فيه ، وهو أخذ الشيء دبر الشيء وتعاهد بعضه بعد بعض ، ولو لم يكن له ظهور يحتجّ به لم يكن لذلك معنى ، فجميع الاحتمالات المتصورة المحتملة في القرآن مرتفعة بنفسه فبعضه بعضا ، فهذا المقدار من الفهم لا يختص ببعض دون بعض ولا تماس له بما فيه من العلوم العالية التي لا يمسّها إلاّ المطهرون . . . ولا يتحقق ذلك إلاّ بكون كل آية إمّا محكمة بنفسها أو بالإرجاع إلى المحكمات . . . فالتفسير بالرأي أيّا ما كان هو غير ما يترتب على التدبّر من الحُكْم . . .

وهذا المعنى بعينه - أعني ارتفاع كل اختلاف متراءى كيف ما كان بالتدبير فيه - يوجب حجية ظهور جميع الآيات من غير استثناء . .(1)

أقول: أولاً : لنا أن نسأل المؤلف : ما هو الفارق بين ما اخترتموه وصرّحتم به - بقولكم : فما بال النور يستنير بنور غيره ! وما شأن الهدى يهتدى بهداية سواه ! وكيف يتبيّن ما هو تبيان كلّ شيء بشئدون نفسه ! و . . - ، وبين من ادّعى :

حسبنا كتاب اللّه ؟! فاتبعه عامّة مخالفي أميرالمؤمنين عليه السلام فأخرجوا العترة عليهم السلام عن دورهم في تفسير القرآن وتبيينه ، وخالفوا النبي الأعظم صلى الله عليه و آله وسلم في قوله - المتفق على نقله - : إني مخلّف - أو تارك - فيكم الثقلين كتاب اللّه وعترتي ، ما إن تمسكتم بهما لن تضلّوا..

نعم ، يرد عليكم كلما يرد على قوله القبيح ، وقد أشبعوا الكلام في ردّه في الكتب الكلامية .

ص: 199


1- . حاشية الكفاية 2 / 208 .

وثانيا : لا ريب في أن القرآن نور وهدى وتبيان لكل شيء.. إلاّ أنه هل يقتضي ذلك أن يناله ويفهمه الجميع ؟!

هذا يخالف ما هو المشهور حسب اعتراف المؤلف(1) بل ما عليه الإجماع والضرورة - على ما حقّق في الأصول ، وقد مرّ - من انحصار الحجّة في ظاهر القرآن ، لا جميعه ، ولذا لا تجد أحدا يوافقه في ذلك ، كما يظهر بالمراجعة إلى حواشي الكفاية بل وسائر كتب الأصول ممن تقدّمه أو تأخّر عنه .

وثالثا : الوجدان يشهد بأن العقول قاصرة عن الاهتداء بالقرآن والاستنارة بنوره وفهم المراد من بياناته في جميع آياته ، ويكفينا في ذلك ما اعترف به المؤلف نفسه في ردّ المعنى الثالث عشر للمحكم والمتشابه - أي ما قيل : المحكم ما للعقل إليه سبيل والمتشابه بخلافه - فقال :

إنه قول من غير دليل ، والآيات القرآنية وإن انقسمت إلى ما للعقل إليه سبيل وما ليس للعقل إليه سبيل لكن ذلك لا يوجب كون المراد بالمحكم والمتشابه في هذه الآية استيفاء هذا التقسيم . .(2)

وقال - في ردّ القول الأول في سبب اشتمال الكتاب على المتشابه - :

. . وأما الأُمور التي لا ينالها العقل لكنه يغترّ ويغادر باعتقاد أنه يدركها فما معنى خضوعه لها ؟ كالآيات المتشابهة التي يتشابه أمرها على العقل فيحسب أنه يعقلها وهو لا يعقل .(3)

ص: 200


1- . ذكرنا كلامه - عن كتابه الإسلام في القرآن 27 - في أول الفصل الرابع ، فراجع .
2- . تفسيرالميزان 3 / 38 .
3- . تفسيرالميزان 3 / 56 - 57 .

وقال - في ردّ القول الثاني في ذلك - أي أن اشتماله على المتشابه إنما هو لبعث العقل على البحث والتنقير ، لئلا يموت بإهماله . . - :

و فيه : أن الله تعالى أمر الناس بإعمال العقل والفكر في الآيات الآفاقية والأنفسية إجمالا في موارد من كلامه ، تفصيلا في موارد أخرى كخلق السماوات والأرض والجبال والشجر والدواب والإنسان واختلاف ألسنته وألوانه ، وندب إلى التعقل والتفكر والسير في الأرض والنظر في أحوال الماضين ، وحرّض على العقل والفكر ، ومدح العلم بأبلغ المدح وفي ذلك غنى عن البحث في أُمور ليس إلاّ مزالق للأقدام ومصارع للأفهام .(1)

لا يقال : بعد الرجوع إلى المحكمات يزول ما اشتبه على العقل .

فإنه يقال : كيف يرجع إلى سائر الآيات وهو يرى نفس الآية التي بصدد تفسيرها من المحكمات؟ وقد صرّح المؤلف بأنهيحسب أنه يعقلها وهو لا يعقل .

بل لذلك ذمّ الإمام عليه السلام قوما بأنهم احتجّو بالمتشابه وهم يرون أنه المحكم.(2)

ورابعا : إن الروايات - على اختلاف مضامينها - مطابقة لما يشهد به الوجدان ، وصريحة فيما ذكرناه ، وقد أوردنا شطراً منها ، ولا بأس بالإشارة إلى مفاد بعضها :

هذا كتاب الله الصامت ،(3) إنما هو خط مسطور بين الدفتين ،(4) فاستنطقوه ولن ينطق لكم ،(5) ولابدّ له من ترجمان،(6) وإنه حمّال ذو وجوه .(7)

ص: 201


1- . تفسيرالميزان 3 / 57 .
2- . كما مرّ في الرواية المرقمة [64] .
3- . في الروايات المرقمة [117 - 118، 120] .
4- . في الرواية المرقمة [119] .
5- . في الرواية المرقمة [236] .
6- . في الرواية المرقمة [119] .
7- . في الرواية المرقمة [10] .

ونزل بإيّاك أعني واسمعي يا جارة ،(1) وليس شيء أبعد من عقول الرجال من تفسيره ،(2) فإن الآية تنزل أولّها في شيء وأوسطها في شيء وآخرها في شيء ،(3) وخاطب اللّه نبيّه به ونحن ، فليس يعلمه غيرنا ،(4) ولا يعلمه الناس .(5)

وقالوا عليهم السلام لمن استدلّ بالآيات على مقصوده : ألكم علم بناسخ القرآن من منسوخه ومحكمه من متشابهه الذي في مثله ضلّ من ضلّ وهلك من هلك من هذه الأمة ؟ !

.. فمن هنا أُتِيتُم . . دعوا عنكم ما اشتبه عليكم ممّا لا علم لكم به وردّوا العلم إلى

أهله تؤروا وتعذروا عند اللّه .(6)

وهل يجوز أن يكون مراده - أي اللّه تعالى - بما تكلّم به منه غير المعاني التي قد ظننتها أنك ذهبت إليها ؟ ... فما يدريك ، لعلّه قد أراد غير الذي ذهبت أنت إليه ،

فتكون واضعا لغير معانيه ؟ !(7)

وورد في ذمّهم : واحتجّوا بالمنسوخ وهم يظنّون أنه الناسخ ، واحتجّوا بالمتشابهوهم يرون أنه المحكم ، واحتجّوا بالخاصّ وهم يقدّرون أنه العام .(8)

ص: 202


1- . في الروايات المرقمة [37 - 42] .
2- . في الروايات المرقمة [44، 50 - 51] .
3- . في الرواية المرقمة [51] .
4- . في الرواية المرقمة [231] .
5- . في الرواية المرقمة [47] .
6- . في الرواية المرقمة [46] .
7- . في الرواية المرقمة [43] .
8- . في الرواية المرقمة [64] .

وصرّحوا عليهم السلام بأن اللّه تعالى أراد بذلك - أي باشتمال كتابه على المتشابه - أن يقودهم الاضطرار إلى الائتمام بمن ولّي أمرهم ،(1) وقالوا : إنما أراد اللّه بتعميته في ذلك أن ينتهوا إلى بابه وصراطه ، وأن يعبدوه وينتهوا في قوله إلى طاعة القوّام بكتابه والناطقين عن أمره ، وأن يستنبطوا ما احتاجوا إليه من ذلك عنهم لا عن أنفسهم ، ثم قال : «ولَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وإِلى أُولي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ» ، فأمّا غيرهم فليس يعلم ذلك أبدا ولا يوجد ... وإيّاك وتلاوة القرآن برأيك ، إن الناس غير مشتركين في علمه كاشتراكهم فيما سواه من الأمور ، ولا قادرين عليه ولا على تأويله إلاّ من حدهّ وبابه الذي جعله اللّه له ،(2) ولا يبلغ أحد كنه معنى حقيقة تفسير كتاب الله تعالى وتأويله إلاّ نبيّه صلى الله عليه و آله وسلم وأوصياؤ عليهم السلام.(3)

وقالوا عليهم السلام : ونحن أهل رسول اللّه الذين نستنبط المحكم من كتابه ، ونميّز المتشابه منه ،(4) فالمعوّل علينا في تفسيره ، لا نتظنّي تأويله بل نتيقن حقائقه .(5)

وصحَّ عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم والأئمة عليهم السلام أن تفسير القرآن لا يجوز إلاّ بالأثَر الصحيح والنص الصريح .(6)

وفي خطبة الغدير : . . افهموا محكم القرآن ، ولا تتبعوا متشابهه ، ولن يفسّر لكمذلك إلاّ من أنا آخذ بيده شائل بعضده .(7)

ص: 203


1- . في الرواية المرقمة [33] .
2- . في الرواية المرقمة [227] .
3- . في الرواية المرقمة [49] .
4- . في الرواية المرقمة [245] .
5- . في الرواية المرقمة [225] .
6- . في الرواية المرقمة [224] .
7- . في الرواية المرقمة [226] .

وإنما هلك الناس في المتشابه ؛ لأنهم لم يقفوا على معناه ولم يعرفوا حقيقته فوضعوا له تأويلاً من عند أنفسهم بآرائهم ، واستغنوا بذلك عن مسألة الأوصياء ، ونبذوا قول رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم وراء ظهورهم .(1)

وورد : أمّا ما سألت من القرآن فذلك أيضا من خطراتك المتفاوتة المختلفة ؛ لأن القرآن ليس على ما ذكرت ، وكل ما سمعت فمعناه غير ما ذهبت إليه ، وإنما القرآن أمثال لقوم يعلمون دون غيرهم ، ولقوم «يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ» ، وهم الذين يؤنون به ويعرفونه ، فأمّا غيرهم فما أشدّ إشكاله عليهم وأبعده من مذاهب قلوبهم ، ولذلك قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم : « إنه ليس شيء بأبعد من قلوب الرجال من تفسير القرآن » ، وفي ذلك تحيّر الخلائق أجمعون إلاّ ما شاء اللّه .(2)

والواجب علينا في المتشابهات أن نؤمن بها إجمالاً(3) لما ورد : إن الذين لا يعلمون قالوا : ما نقول إذا لم نعلم تأويله ؟ فأجابهم اللّه : «يَقُولُونَ آمَنّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا» ،(4) ولذا قالوا عليهم السلام : ودعوا المتشابه(5) [ أي في القول والعمل ] ، وآمنوا بمتشابهه(6) [ أي إجمالا ] فإنه موسّع على العباد في جهله ،(7) ومن شرائع الإسلاموشروطه : [ أن ]يردّوا المتشابه إلى أهله ،(8) وقد مدح الله اعتراف من اعترف

ص: 204


1- . في الرواية المرقمة [70] .
2- . في الرواية المرقمة [227] .
3- . لاحظ صفحة 20 - 26 .
4- . في الرواية المرقمة [24] .
5- . في الرواية المرقمة [16]، ولاحظ [46] .
6- . في الروايات المرقمة [15، 17 - 19] .
7- . في الرواية المرقمة [21] .
8- . في الرواية المرقمة [270] .

بالعجز عن تناول ما لم يحيطوا به علما وسمّى تركهم التعمّق فيما لم يكلّفهم البحث عن كنهه رسوخا ،(1) وفي الدعاء : واجعلنا نتلو كتابك حق تلاوته ونعمل بمحكمه ونؤن بمتشابهه ونردّ علمه إليك .(2)

نعم ولذلك كلّه قال أمير المؤمنين عليه السلام - في ضمن كلام له - : . .ذلك القرآن فاستنطقوه ولن ينطق لكم أخبركم عنه . .(3)

وقالوا عليهم السلام في قوله تعالى : «ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا» : فنحن الذين اصطفانا الله عزَّ وجلَّ وأورثنا هذا الذي فيه تبيان كل شيء .(4)

فالقرآن نور وهدىً وتبيان لكلّ شيء ولكن بواسطة من نصبه اللّه لتبيينه بقوله : «بَلْ هُوَ آيَات بَيِّنَاتٌ في صدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ» ، وبقوله: «وَأَنزَلْنَا إِلَيْك الذِّكرَ لِتُبَينَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيهِمْ» .

سبحان اللّه! أفلا يتدبّرون هذه الآيات ؟ ! . .

وممّا ذكرنا يظهر الإشكال في الاستدلال بقوله تعالى : «هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ . .» ، وقوله تعالى : «وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً . .» ، وقوله تعالى : «إِنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْك الْكِتَاب لِلنَّاس» ، وقوله تعالى : «هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ» .

وأمّا الاستدلال بقوله تعالى : «تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ» على أن القرآن لابدّ وأن يكون تبيانا لنفسه أيضا .

ص: 205


1- . في الرواية المرقمة [22] .
2- . في الرواية المرقمة [29] .
3- . في الرواية المرقمة [236] .
4- . في الرواية المرقمة [126] .

فيردّه : أن القرآن وإن كان فيه تبيان كل شيء إلاّ أنا قاصرين عن الاستنارة بنوره والاستفادة منه في جميع مطالبه ولولا ذلك لكُنّا نفهم جميع ما نحتاج إليه من القرآن - لأنه تبيان لكل شيء - ولم يكن يبقى لنا مجهول اصلاً.(1) فكونه «تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ» إنما يتحقق بالنبى صلى الله عليه و آله وسلم والطيبون من اولاده عليهم السلام لا بنفسه كما يستفاد من الروايات .(2)

ولعمرى هذا أوضح من أن نحتاج في توضيحه إلى الإطالة وإلاّ فلماذا لم يهتد الأعاظم من العلماء بالقرآن إلى جميع مطالبهم ؟!(3)

وقد مرّ عن السيد ابن طاوس رحمه الله أنه قال : ان المنصف يعترف بأن المراد من أمثال هذه الآيات نحو : «هذا بَيانٌ لِلنّاسِ . .»و«تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ . .» و«فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ . .» غير ظاهرها . . فالقرآن في نفسه بيان وتبيان و... ولكن يحتاج إلى من يعرف ذلك من اللّه و رسوله صلى الله عليه و آله وسلم وآله عليهم السلام.(4)

ص: 206


1- . وقد استدلّ المؤلف بهذه الآية مرارا على القول بإمكان الوصول الى المعارف مثل قوله : فأين ما يشير إليه قوله تعالى : ونَزَّلْنا عَلَيْك الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ ، من دقائق المعارف في القرآن ؟ لاحظ : تفسير الميزان 3 / 85 - 86 .
2- . راجع الروايات المرقّمة [123 - 125] في الفصل الثالث . وفيها : عن أبي جعفر عليه السلام: ما بعث اللّه نبيّا إلاّ أعطاه من العلم بعضه ما خلا النبي صلى الله عليه و آله وسلم فإنه أعطاه من العلم كله فقال : «تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ» .
3- . ثم العجب ممّن يذهب إلى كفاية القرآن للجميع وفي جميع الأمور ثم يشتغل طول دهره بتعلّم الفلسفة والعرفان وتعليمهما ولا يكتفي بالقرآن في المعارف - لأنه تبيان لكل شيء وكذا تبيان لما أشكل من نفسه - ، ولا يبالي بصرف الأعمار في ذلك !
4- . راجع الفصل الرابع صفحة 127 .

وأمّا قوله تعالى : «وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنهْدِيَنهُمْ سبُلَنَا» فأجنبي عمّا هو بصدده وأراده ، إذ كيف يمكن أن يستفاد من الهداية إلى السبيل الحق ، استغناء القرآن عن البيان ؟!

وأمّا الاستدلال بقوله تعالى : «أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِندِ غَيرِ اللّه لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافاً كثِيراً» ، فقد أجبنا عنه في الكلام على الرقم [6 و 17] .

وأمّا الاستدلال بقوله تعالى : «كِتَابٌ فُصّلَت آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ» وقوله تعالى : «وَهَذَا لِسانٌ عَرَبىُّ مُبِينٌ» ، فيأتى ما يرد عليه في الرقم [21] . بل لو تمّت دلالة هذه الآيات على مقصوده ، لكان مقتضى تفسير الآيات بالآيات أن يلاحظ ساير الآيات المناسبة لها مثل قوله تعالى : «وأَنْزَلْنا إِلَيْك الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ولَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ» ، وقوله عزّ وجلّ : «بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ في صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ» ، وقوله عزّ من قائل : كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْك لِتُخْرِجَ النّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ» ، وغيرها .

ولا يكاد ينقضي تعجبي من قوله - في ردّ بعض الأقوال - : إن ذلك مخالف لمنطوق الآيات الدالّة على أن القرآن يفسّر بعضه بعضا .(1)

فإنا لم نجد ما يدل بمنطوقه على ذلك في الروايات فضلاً عن الآيات ! نعم ورد فيها : « يصدق بعضه بعضا» كما مرّ عن مولانا أميرالمؤنين عليه السلام ، وقال عليه السلام :

. . والله سبحانه يقول : «ما فَرَّطْنا في الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ» وفيه تبيان كل شيء ، وذكر أن الكتاب يصدّق بعضه بعضا وأنه لا اختلاف فيه فقال سبحانه : «وَلَوْ كانَ مِنْ عِندِ غَيرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافاً كثِيراً» .(2)

ص: 207


1- . تفسيرالميزان 3 / 57 .
2- . نهج البلاغة 61 ، كشف اليقين 189 ، الاحتجاج 1 / 261 ، بحارالأنوار 2 / 284 .

وفي رواية أُخرى : قال ابن الكواء : يا أمير المؤنين ! وجدت كتاب الله ينقض بعضه بعضا ، فقال عليه السلام : ثكلتك أُمّك يا ابن الكواء ! كتاب الله يصدّق بعضه بعضا ولا ينقض بعضه بعضا ، فسل عما بدا لك . .(1)

وفي رواية ثالثة : ينطق بعضه ببعض ، ويشهد بعضه على بعض . .(2)

إلاّ أنه كما لا دلالة في كون القرآن نورا وهدىً وبيانا وتبيانا لكل شيء و ... على استغناء الناس عن العترة الطاهرة عليهم السلام في فهم القرآن ، فكذلك تصديق الكتاب بعضه بعضا وكون بعضه بيانا للبعض الآخر في الواقع ونفس الأمر لا يدل على استقلال الناس في كشف المراد من الآيات المتشابهة واستغنائهم عن الحجج الطاهرة عليهم السلام ، وقد مرّ قريبا في الكلام على الرقم [6] عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال : إن كتاب الله ليصدّق بعضه بعضا ولا يكذّب بعضه بعضا ولكنّك لم ترزق عقلاً تنتفع به !

بل كما ورد تصديق القرآن بعضه ببعض كذلك ورد أيضاً عن أمير المؤمنين عليه السلام بأن القرآن ينسخ بعضه بعضاً ،(3) وورد عن مولانا الصادق عليه السلامبأن المتشابه هو الذي يشبه بعضه بعضاً ؟ !(4)

فكما يكون بعض الآيات مصدّقاً للبعض الآخر ، كذلك قد يكون بعضها ناسخا للبعض ، فلعل المفسّر يحتجّ بالمنسوخ وهو لا يعلم ، وإذا كان بعضها شبيهاً بالبعض الآخر - في المتشابه - يشتبه الأمر على المفسّر وهو لا يعلم .

ص: 208


1- . الاحتجاج 1 / 259 ، بحارالأنوار 10 / 121 - 122 .
2- . نهج البلاغة 192 ؛ بحارالأنوار 89 / 22 .
3- . تفسيرالعياشي 1 / 288 ، بحارالأنوار 18 / 271 و 89 / 274 .
4- . راجع تفسيرالعياشي 1 / 10 ، بحارالأنوار 66 / 93 و 89 / 383 .

لا يقال : ألم يكن نزول القرآن لمعرفة الناس وليناله الأفهام و . . ؟ !

فإنه يقال : لنا أن نجيب عن ذلك بوجوه :

الوجه الأول : هذه كلمة حق يراد بها الباطل ؛ فإن الآيات بنصّ القرآن تنقسم إلى قسمين : محكم ومتشابه ، وقد تقدّم انحصار الحجّة في خصوص النصّ والظاهر - أي المحكمات - عند الجميع ، بل صرّح المؤلف بأن قوله يخالف المشهور عند الفريقين ، وعليه فلم يكن نزول المتشابهات لينالها عامّة الناس بأنفسهم من دون وساطة الحجج المعصومين عليهم السلام ، بل يعرفونها بعد بيانهم وتفسيرهم عليهم السلام .

قال الشيخ الصدوق رحمه الله : وفيه [ أي في القرآن ] أشياء لا يعرف المراد منها إلاّ بتوقيف ممّا نعلم وتعلمون أن المراد منه إنما عرف بالتوقيف دون غيره .(1)

وقال السيد ابن طاوس قدس سره - في ردّمن قال : إن لفظ تسميته فرقانا يقتضي أنه يعرف به جميع الحق من الباطل - : فقد كابر الضرورة ...

وأما قوله : لو كان لا يعرف المراد إلاّ بتفسير أو بقول إمام لخرج من أن يكون مفرّقا بين الحق والباطل .

فهو جهل عظيم منه وغفلة شديدة صدرت عنه ! ويحه أتراه يعتقد أن القرآن مستغن عن صاحب النبوة في تفسيره أو تفسير شيء منه غفلة ؟!

أو غفل عن قول اللّه تعالى : «ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاّ اللّهُ والرّاسِخُونَ في الْعِلْمِ» ؟! أما هذا تصريح أن فيه ما لا يعلم تأويله إلاّ اللّه؟!(2)

ص: 209


1- . كمال الدين 1 / 100 ، وقد مرّ بتمامه في الفصل الرابع .
2- . سعدالسعود 188 - 189 ، وقد مرّ بتمامه في الفصل الرابع .

وقال العلامه الحلّي رحمه الله : انا نعلم أن في القرآن متشابها ، وفي السنة مجملا ، وأن العلماء من أهل اللغة قد اختلفوا في المراد بهما وتوقفوا في الكثير ممّا لم يصح لهم طريقه ، ومالوا في مواضع إلى طريقة الظن والأولى ، فلابدّ والحال هذه من مبيّن للمشكل ومترجم للغامض يكون قوله حجة كقول الرسول صلى الله عليه و آله وسلم .

وليس يبقى بعد هذا إلاّ أن يقال إن جميع ما في القرآن إما معلوم بظاهر اللغة أو فيه بيان من الرسول صلى الله عليه و آله وسلم يفصح عن المراد ، وإن السنة جارية بهذا المجرى .

وهذا قول يعلم بطلانه بالضرورة لوجود مواضع كثيرة من الكتاب والسنة قد أُشكل على كثير من العلماء ، وأعياهم القطع فيها على شيء بعينه ، ولو لم يكن في القرآن إلاّ ما لا خلاف في وجوده ولا يتمكن من دفعه ، وهو المجمل الذي لا شك في حاجته إلى البيان والإيضاح ... فلابدّ مع ما ذكرناه من إمام مؤّ لترجمة النبي صلى الله عليه و آله وسلممشكل القرآن ، وموضح عما غمض عنا من ذلك .(1)

الوجه الثاني : لو كان الأمر كذلك - أي نزل القرآن ليناله جميع الأفهام - لم يكن للاستثناء وجه أبدا ، والحروف المقطعة، بل وما استثناه هو - أي تفاصيل الأحكام والقصص والمعاد - من أقوى الحجج على وجود آيات لا تصل إليها عقولنا .

الوجه الثالث : قد مرّ قريبا اعتراف المؤلف بأن : ...الآيات المتشابهة... يتشابه أمرها على العقل فيحسب أنه يعقلها وهو لا يعقل .(2) وأن البحث فيها : ليس إلاّ مزالق للأقدام ومصارع للأفهام .(3)

ص: 210


1- . الألفين 201 - 200 ، وقد مرّ بتمامه في الفصل الرابع .
2- . تفسيرالميزان 3 / 56 - 57 .
3- . تفسيرالميزان 3 / 56 - 57 .

الوجه الرابع : كما أن اللّه تعالى نصب الامام المعصوم ليكون خليفة الرسول صلى الله عليه و آله وسلم في جميع شؤونه - عدا الرسالة والنبوة - ويكون ملجأ الناس وهاديا لهم عن الضلالة و . . فإذا استحق الناس أن يغيب عنهم الامام عليه السلام بفعلهم فقد فعلوا ما يستحقون به حرمان بعض معارف التنزيل ، فإن الاستنارة بنور القرآن - بجميعه من محكمه ومتشابهه - من بركات حضور الحجج المعصومين عليهم السلام .(1)

ثم لا يخفى - كما تقدّم منا - ان استقلال الناس في فهم الكتاب العزيز يوجب ضلالهم إذ كل واحد من المفسّرين يتدبّر ويتأمّل في المتشابهات ، ثمّ يرجع فيها إلى ما يراه محكماً ويصل إلى نتيجة يخالف فيها الآخرين ، فيتفرّقون ولا يكون هناك مرجع لرفع الخلاف وحلّ الإشكالات ، ويشكل تمييز الحق والباطل .

قال العلامه الحلّي قدس سره : . . ان الخطاب بالمتشابه مع عدم معصوم يجزم يقينا بصحة قوله يستلزم الفتنة المحذر منها ؛ إذ آراء المجتهدين مختلفة فيه ويقع بسبب ذلك الخبط وعدم الصواب ، فلابدّ من المعصوم ليتوصّل منه إلى العلم به ... لا ترجيح لقول بعضهم على بعض ، فكل منهم يدعي أن مخالفه كذلك [ أي يبتغي الفتنة ] وذلك هو الفتنة . (2)

وقد اعترف المؤلف بذلك حيث قال :

وأنت إذا تتبعت البدع والأهواء والمذاهب الفاسدة التي انحرف فيها الفرق الإسلامية عن الحق القويم بعد زمن النبي صلى الله عليه و آله وسلم سواء كان في المعارف أو في

ص: 211


1- . وقد مرّ عن الميرزا أبوالحسن الشعرانى - ما ترجمته - : ان كتاب اللّه لابدّ وأن يفسّره الإمام المعصوم الذي عرفه من اللّه إلاّ الآيات التي يمكن أن نعرف ظاهر معناها بعقولنا . لاحظ تفصيل كلامه في مقدمة منهج الصادقين 1 / 19 - 18 .
2- . الألفين 98 ، وقد مرّ بتمامه في الفصل الرابع .

الأحكام وجدت أكثر مواردها من اتباع المتشابه ، والتأويل في الآيات بما لا يرتضيه اللّه سبحانه . . . إلى أن قال :

إذا تأمّلت في هذه وأمثالها - وهي لا تحصى كثرة - وتدبرت في قوله تعالى : «فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ . .»إلى

آخر الآية ، لم تشكّ في صحة ما ذكرناه ، وقضيت بأن هذه الفتن والمحن التي غادرت الإسلام والمسلمين لم تستقرّ قرارها إلاّ من طريق اتباع المتشابه ، وابتغاء تأويل القرآن .

و هذا - والله أعلم - هو السبب في تشديد القرآن الكريم في هذا الباب ، وإصراره البالغ على النهي عن اتباع المتشابه وابتغاء الفتنة والتأويل والإلحاد في آيات اللّه

والقول فيها بغير علم واتباع خطوات الشيطان ، فإن من دأب القرآن أنه يبالغ في التشديد في موارد سينثلم من جهتها ركن من أركان الدين فتنهدم به بنيته (1)

أما المراد من التفسير بالرأي فيأتي الكلام فيه في الرقم [12] إن شاء اللّه تعالى.

أمّا الاستدلال بالتحدي فيأتي الكلام عليه في الرقم [19] فانتظر .

أمّا قوله : ان القرآن كتاب لا يقبل نسخا ... ولا أيّ حاكم يحكم عليه أبدا..

فيرد عليه : لماذا لا يكون كلام النبي صلى الله عليه و آله وسلم حاكما على ظواهر آيات القرآن ؟!

أليس من المشهور بين الخاصّة والعامّة حكومة السنّة على الكتاب ؟!

فإنه لا ريب في أن كثيرا من النصوص المعتبرة ورد فيها ما يخالف عمومات الكتاب أو مطلقاته ، ولم يستشكل أحد في ذلك كما يظهر من مراجعة ما ذكره الأُصوليون في البحث عن تخصيص الكتاب بخبر الواحد فضلاً عن المتواتر أو المحفوف بالقرينة ، وكذا في البحث عن نسخ الكتاب بالسنة .(2)

ص: 212


1- . تفسيرالميزان 3 / 42 - 41 .
2- . ولا بأس بذكر كلمات بعض أعيان العلماء من أعلام الفقهاء والأصوليين في ذلك . قال في مفاتيح الأصول 160 : اختلف الأصوليّون من الخاصة والعامّة فيه أي في تخصيص الكتاب بخبر الواحد على أقوال : الأول : أنّه يجوز تخصيصه به مطلقا ، وهو للعلامة في النهاية والمبادي ، والسيد عميد الدين ، وصاحب غاية البادي في شرح المبادي ، وسبط الشهيد الثاني في المعالم ، والسيد الأستاذ رحمه الله ووالدي العلامة . و[من العامّة] الرازي في المحصول ، والحاجبي في المختصر ، والعضدي في شرحه ، والبيضاوي في المنهاج ، والأسنوي والعبري في شرحه ، وحكاه صاحب غاية البادي والرازي والعبري عن الشافعي وأبي حنيفة ومالك . وفي النهاية والإحكام والمختصر وشرحه : أنه مذهب الفقهاء الأربعة . وفي العدة: هو مذهب أكثر الفقهاء والمتكلمين، وهو الظاهر من الشافعي وأصحابه عن أبيالحسين .. وأيضا في مفاتيح الأصول 265 : اختلفوا في جواز نسخ الكتاب بالسنة المتواترة على قولين : الأول : أنه يجوز كما يجوز نسخ الكتاب بمثله ، وهو للذريعة والغنية والمعارج والنهاية والتهذيب والمبادي وشرحه والمنية والزبدة والمعالم والنهاية والمحصول والإحكام والمختصر وشرحه والمعراج . وفي العدة: إليه ذهب المتكلمون بأجمعهم من المعتزلة وغيرهم وجميع أصحاب أبي حنيفة ومالك وسيّدنا المرتضى . وفي النهاية : ذهب إليه وإلى وقوعه أكثر العلماء ، وهو قول جمهور المتكلّمين من المعتزلة والإمامية [و]من الفقهاء مالك وأصحاب أبي حنيفة وابن شريح . وفي المعالم : لا يعرف فيه من الأصحاب مخالف وجمهور أهل الخلاف وافقونا . وفي مطارح الأنظار 210 : يجوز تخصيص الكتاب بالكتاب وبالخبر المتواتر ، كما يجوز تخصيصه بهما بلا خلاف معتد به ، وأمّا تخصيص الكتاب بالخبر الواحد فالأقرب جوازه أيضا وفاقا لأكثر المحققين . وفي كفايه الأصول 235 : الحق جواز تخصيص الكتاب بخبر الواحد المعتبر بالخصوص ، كما جاز بالكتاب أو بالخبر المتواتر أو المحفوف بالقرينة القطعية من خبر الواحد بلا ارتياب ، لما هو الواضح من سيرة الأصحاب على العمل بأخبار الآحاد في قبال عمومات الكتاب إلى زمن الأئمة عليهم السلام . وفي محاضرات في الأصول 5 / 309 : الظاهر أنه لا خلاف بين الطائفة الإمامية في جواز تخصيص عموم الكتاب بخبر الواحد فيما نعلم، والمخالف في المسألة انما هو العامة . وفي منتقى الأصول 3 / 395 - 394 : وقع الكلام في جواز تخصيص العام الوارد في الكتاب بخبر الواحد غير المحفوف بالقرينة القطعية، مع الاتفاق بجواز تخصيصه بالكتاب وبالخبر المتواتر وبخبر الواحد المحفوف بالقرينة القطعية . وفي أصول الفقه للشيخ المظفر 1 / 162 - 163 : يبدو من الصعب على المبتدئ أن يؤن لأول وهلة بجواز تخصيص العام الوارد في القرآن الكريم بخبر الواحد نظرا إلى أن الكتاب المقدس إنما هو وحي منزل من الله لا ريب فيه والخبر ظني يحتمل فيه الخطأ والكذب فكيف يقدّم على الكتاب ؟! ولكن سيرة العلماء من القديم على العمل بخبر الواحد إذا كان مخصّصا للعام القرآني ، بل لا تجد على الأغلب خبرا معمولا به من بين الأخبار التي بأيدينا في المجاميع إلاّ وهو مخالف لعام أو مطلق في القرآن ولو مثل عمومات الحلّ ونحوها ، بل على الظاهر إن مسألة تقديم الخبر الخاص على الآية القرآنية العامة من المسائل المجمع عليها من غير خلاف بين علمائنا . قال في أصول الاستنباط 161 : لا إشكال في جواز تخصيص الكتاب بالكتاب وبالخبر المتواتر والمحفوف بالقرائن القطعية. وفي تخصيصه بخبر الواحد الجامع لشرائط الحجية إشكال وأقوال : الأول : الجواز وهو المنقول عن الأكثر . . . وعمدة أدلة المجوزين ادعاء السيرة القطعية على التخصيص إلى زمن المعصومين عليهم السلام ، ونقل أيضا الإجماع عليه .

ص: 213

بل مرّ في الفصل الرابع عن الشيخ الأنصاري رحمه الله أنه قال : ومن المعلوم ضرورة من مذهبنا تقديم نصّ الإمام عليه السلام على ظاهر القرآن كما أن المعلوم ضرورة من مذهبهم العكس .(1)

وأمّا استمرار الشريعة فلا يتوقف على ذلك ، بل له أدلة أُخرى تطلب من مظانّها .

ص: 214


1- . فرائدالأصول 1 / 58 .

توهم أن تفسير القرآن بالقرآن لمّا كان طريقة أهل البيت فيجوز للجميع ذلك

[ 8 ] قوله : وقد كانت طريقتهم - في التعليم والتفسير - هذه الطريقة بعينها على ما وصل إلينا من أخبارهم في التفسير .(1)

أقول: إشكال هذا الكلام واضح جدّاً ؛ إذ نسأل المؤلف ماذا أراد بذلك ؟ هل المراد أنهم عليهم السلام ساروا بهذا المنهج في التفسير بعلم إلهي يختصّ بهم ؟

أو أراد أنهم عليهم السلام اجتهدوا وتفكّروا وتدبّروا في الآيات حتى وصلوا إلى تفسيرها وعرفوا معانيها ، فيجب علينا أن نتأسى بهم في ذلك ؟

إن كان المراد الأول فيرد عليه : لا يجوز لنا أن نتجاوز عن حدّنا ونقيس أنفسنا بهم عليهم السلام فنقدم على تفسير القرآن بالقرآن بعد أن كان ذلك ممّا يختص بهم عليهم السلام، والنصوص الكثيرة - وقد مرّ شيء يسير منها - تدلّ على أن اللّه تبارك وتعالى أعطاهم علم ذلك ، والظاهر من بعضها وصريح بعضها الآخر اختصاص ذلك بهم ، بل في غير واحد منها تصريح بعدم اشتراك الناس في علم القرآن ، وأنّه لا يبلغه عقولهم ويجب عليهم أن يرجعوا في ذلك إلى الحجج المعصومين عليهم السلام .

فمجرّد اشتمال النصوص على الاستدلال بآية على آية ، أو فهم المخاطب معنى الآية المستشهد بها لا يدلّ على جواز ذلك مطلقاً لجميع الناس، بل يستكشف منها - بضميمة سائر النصوص - أنها إمّا كانت من المحكمات ، أو ورد المخاطب لفهمها من طريقه المتعين له - يعنى بيانهم عليهم السلام لتلك الآية - .

وإن كان المراد الثاني(2) فيرد عليه : أن الأئمة عليهم السلام لا يعتمدون في ذلك على

ص: 215


1- . تفسيرالميزان 1 / 12 .
2- . ولعلّه المستفاد من كلمات المؤلف مثل قوله - في تفسير قوله تعالى : «أَطِيعُوا اللّهَ وأَطِيعُوا الرَّسُولَ وأُولي الأَمْرِ مِنْكُمْ» - : وأمّا أولوا الأمر فهم - كائنين من كانوا - لا نصيب لهم من الوحي وإنما شأنهم الرأي الذي يستصوبونه ، فلهم افتراض الطاعة نظير ما للرسول في رأيهم وقولهم . راجع تفسير الميزان 4 / 388 .

الحدس والرأي والاجتهاد .. بل أغناهم اللّه عن أمثال هذه الأُمور بأبواب من علومه ، كما ورد عن أبي عبداللّه عليه السلام :

أيّتها العصابة المرحومة المفلحة ! إن الله أتمّ لكم ما آتاكم من الخير ، واعلموا أنه ليس من علم الله ولا من أمره أن يأخذ أحد من خلق الله في دينه بهوى ورأي ولا مقاييس ، قد أنزل الله القرآن وجعل فيه تبيان كل شيء وجعل للقرآن ولتعلم القرآن أهلاً ، لا يسع أهل القرآن الذين آتاهم الله علمه أن يأخذوا فيه بهوى ولا رأي ولا مقاييس ، أغناهم الله عن ذلك بما آتاهم من علمه وخصّهم به ووضعه عندهم كرامةً من الله أكرمهم بها وهم أهل الذكر الذين أمر الله هذه الأمة بسؤلهم ، هم الذين من سألهم - وقد سبق في علم الله أن يصدّقهم ويتبع أثرهم - أرشدوه وأعطوه من علم القرآن ما يهتدي به إلى الله - بإذنه - وإلى جميع سبل الحق . .(1)

ص: 216


1- . الكافي 8 / 5 - 6 ، بحارالأنوار 75 / 214 - 213 ، وانظر وسائل الشيعة 27 / 37 ، كما وقد تقدّمت في الفصل الثالث في الرواية المرقمة [229] . أقول : بل المسلّم من النصوص أن الدين كلّه من الربّ جلّت عظمته بل صرّحوا بأنه لا رأي للحجج المعصومين عليهم السلام فكيف لغيرهم ؟! وإليك بعض الروايات في ذلك : * قال أبو جعفر : إنّ القوم كانوا يقولون برأيهم فيخطئون ويصيبون وكان أبي لا يقول برأيه . تهذيب الأحكام 1 / 361 ، وسائل الشيعة 1 / 459 ، بحارالأنوار 31 / 36 * عن سماعة ، عن أبي الحسن عليه السلام قلت له : كل شيء تقول به في كتاب الله وسنته [سنة نبيه ]أوتقولون برأيكم ؟ قال : بل كل شيء نقوله في كتاب الله وسنته [سنة نبيه] . (الكافي 1 / 62 ؛ الاختصاص 281 ، بحارالأنوار 2 / 173 ) * وسأل رجل أباعبداللّه عليه السلام عن مسألة فأجابه فيها، فقال الرجل: أرأيت إن كان كذا وكذا ما يكون القول فيها؟ فقال له: مه! ما أجبتك فيه من شيء فهو عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله، لسنا من أرأيت في شيء. (الكافي 1/58) * عن عنبسة قال : سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام عن مسألة فأجابه فيها ، فقال الرجل : إن كان كذا وكذا ما كان القول فيها ؟ فقال له : مهما أجبتك فيه بشيء فهو عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، لسنا نقول برأينا من شيء . (بصائرالدرجات 300 - 301 ، بحارالأنوار 2 / 172 - 173 ) * عن حنان بن سدير : قال لي أبو عبد اللّه عليه السلام : سألني ابن شُبْرُمَةَ: ما تقول في القسامة في الدم ؟ فأجبته بما صنع النبي صلى الله عليه و آله ، فقال : أرأيت لو أن النبي صلى الله عليه و آله لم يصنع هكذا كيف كان القول فيه ؟ قال عليه السلام : فقلت له : أمّا ما صنع النبي صلى الله عليه و آله فقد أخبرتك به ، وأمّا ما لم يصنع فلا علم لي به . (الكافي 7 / 362 ، قرب الإسناد 47 ، تهذيب الأحكام 10 / 168 ، بحارالأنوار 2 / 299 ) * وعن أبي عبد اللّه عليه السلام - في ضمن رواية - : فإن علياً عليه السلام أبى أن يدخل في دين اللّه الرأي ، وأن يقول في شيء من دين اللّه ِ بالرأي والمقاييس . . ( المحاسن 1 / 210 ، وسائل الشيعة 27 / 51 ، بحارالأنوار 2 / 314 ) * عن جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام : يا جابر ! إنا لو كنا نحدّثكم برأينا وهوانا لكُنّا من الهالكين ، ولكنّا نحدّثكم بأحاديث نكنزها عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، كما يكنز هؤاء ذهبهم وفضتهم . (بصائرالدرجات 299 ، بحارالأنوار 2 / 172 ) * وعنه عليه السلام : يا جابر ! والله لو كنا نحدّث الناس - أوحدّثناهم - برأينا لكُنّا من الهالكين ، ولكنّا نحدّثهم بآثار عندنا من رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، يتوارثها كابر عن كابر ، نكنزها كما يكنز هؤاء ذهبهم وفضتهم . ( بصائرالدرجات 300 ، بحارالأنوار 2 / 173 ) * وعنه عليه السلام : يا جابر لو كنا نفتي الناس برأينا وهوانا لكُنّا من الهالكين ، ولكنّا نفتيهم بآثار من رسول اللّه صلى الله عليه و آلهوأصول علم عندنا نتوارثها كابرا عن كابر ، نكنزها كما يكنز هؤاء ذهبهم وفضتهم . ( بصائرالدرجات 300 ، بحارالأنوار 2 / 172 ) وقريب منه ما رواه داود بن أبي يزيد الأحوال ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام . ( لاحظ بصائرالدرجات 299 - 300 ، بحارالأنوار 2 / 172 ) * عن الفضيل ، عن أبي جعفر عليه السلام : لو أنا حدّثنا برأينا ضللنا كما ضلّ من كان قبلنا ، ولكنّا حدّثنا ببيّنة من ربّنا بيّنها لنبيّه صلى الله عليه و آله فبيّنه لنا . ( بصائرالدرجات 299 ، بحارالأنوار 2 / 172 ) * عن محمد بن شريح قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول : والله لولا أن الله فرض ولايتنا ومودتنا وقرابتنا ما أدخلناكم بيوتنا ولا أوقفناكم على أبوابنا ، والله ما نقول بأهوائنا ، ولا نقول برأينا ، ولا نقول إلاّ ما قال ربنا . ( بصائرالدرجات 300 ، بحارالأنوار 2 / 173 ) * عن حماد بن عثمان ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : سأله سورة وأنا شاهد ، فقال : جعلت فداك بما يفتي الإمام ؟ قال : بالكتاب ، قال : فما لم يكن في الكتاب ؟ قال : بالسنة ، قال : فما لم يكن في الكتاب والسنة ؟ فقال : ليس من شيء إلاّ في الكتاب والسنة ، قال : ثم مكث ساعة ثم قال : يوفّق ويسدّد ، وليس كما تظنّ . ( بصائرالدرجات 388 ، بحارالأنوار 2 / 175 ) * عن سورة ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : دخلت عليه بمنى فقلت : جعلت فداك الإمام بأي شيء يحكم ؟ قال : بالكتاب ، قلت : فما ليس في الكتاب ؟ قال : بالسنة ، قلت : فما ليس في السنة ولا في الكتاب ، فقال : . . . قد أعرف الذي تريد ! يسدّد ويوفّق ، وليس كما تظنّ . (بصائرالدرجات 388 ، بحارالأنوار 2 / 176 ) * وفي رواية : قال : فكرّرت مرّة أواثنتين ، قال عليه السلام : يسدّد ويوفّق ، فأمّا ما تظنّ فلا . (بصائرالدرجات 387 - 388 ، بحارالأنوار 2 / 175 ) * عن خيثم ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : قلت له : يكون شيء لا يكون في الكتاب والسنة ؟ قال : لا ، قال : قلت : فإن جاء شيء ؟ قال : لا ، حتى أعدت عليه مرارا ، فقال : لا يجيء ، ثم قال - بإصبعه - : بتوفيق وتسديد ، ليس حيث تذهب ، ليس حيث تذهب . ( بصائرالدرجات 388، بحارالأنوار 2 / 175 ) قال العلاّمة المجلسي قدس سره : قوله عليه السلام : بتوفيق وتسديد ، أي بإلهام من الله وإلقاء من روح القدس ، كما يأتي في كتاب الإمامة ، وليس حيث تذهب من الاجتهاد والقول بالرأي . * عن أبي جعفر عليه السلام : . . إن الله جلّ وتعالى لم يجعل العلم جهلا ، ولم يكل أمره إلى أحد من خلقه ، لا إلى ملك مقرب ولا إلى نبي مرسل ، ولكنه أرسل رسلاً من ملائكته فقال له كذا وكذا .. يأمرهم بما يحبّ [يجب] وينهاهم عما يكره . . ( الكافي 8 / 117 ، تفسيرالعياشي 1 / 168 ، كمال الدين 1 / 217 ، وسائل الشيعة 27 / 35 ، بحارالأنوار 11 / 48 و23 / 225 ) * قال محمد بن إبراهيم بن إسحاق - بعد ذكر ما سمعه من الشيخ أبي القاسم بن الحسين بن روح قدس سره في علّة ابتلاء الحجج عليهم السلام وإمهال اللّه تعالى الظالمينَ - : فعدتُ إلى الشيخ - قدّس اللّه روحه - من الغد وأنا أقول - في نفسي - : أتراه ذكر ما ذكر لنا يوم أمس من عند نفسه ؟ فابتدأني فقال لي: يا محمد بن إبراهيم ! لئن أخرّ من السماء فتخطفني الطير أو تهوي بي الرِّيحُ في مَكانٍ سَحِيقٍ أحبّ إليّ من أن أقول في دين اللّه - تعالى ذكره - برأيي ومن عند نفسي ، بل ذلك عن الأصل ومسموع عن الحجّة صلوات اللّه عليه . (الاحتجاج 2/471 ، علل الشرائع 1 / 241، الغيبة للشيخ الطوسي 320 325، كمال الدين 2 / 507، بحارالانوار 44/273 ، وانظر الدعوات 66، منتخب الأنوارالمضيئة 115) وراجع : الكافي 1 / 221 : باب انّ الأئمة عليهم السلام ورثة العلم يرث بعضهم بعضا العلم ؛ الكافي 1 / 223 : باب انّ الأئمة عليهم السلامورثوا علم النبي صلى الله عليه و آله وسلم وجميع الانبياء والاوصياء عليهم السلام بصائرالدرجات 299 : باب في أن عندهم عليهم السلام أصول العلم ما ورثوه عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم لا يقولون برأيهم ؛ بصائرالدرجات 301 : باب في أن عندهم عليهم السلام جميع ما في الكتاب و السنة و لا يقولون برأيهم ؛ بصائرالدرجات 326 : باب في الأئمة عليهم السلام ورثوا العلم من رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ؛ بحارالأنوار 2 / 172 : باب أنهم عليهم السلام عندهم مواد العلم و أصوله ولا يقولون شيئا برأي و لا قياس ، بل ورثوا جميع العلوم عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم ... وغيرها من المصادر . وقال العلاّمه الحلّي قدس سره : الإمام فيه خصال: أحدها : أنه يعلم الأحكام ، لا يأخذها بالظنّ والاجتهاد لقوله تعالى: «ولَو رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وإِلى أُولي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ» .الألفين337 وقال الشيخ آغا بزرگ الطهراني : ونحن حينما نبحث عن الاجتهاد وأدواره عند الشيعة نقصد الاجتهاد عند الشيعة لا أئمتهم ؛ لأنهم عليهم السلام كانوا امتدادا للنبوة ، فكانت الأحكام الشرعية كلها مكشوفة لديهم وهم عالمون بها من دون اجتهاد ، وهذا ما تقتضيه الإمامة ، والبحث عن ذلك موكول إلى محله في بحث علم الامام . ( حصر الاجتهاد 33 )

ص: 217

ص: 218

ثم ، للمؤلف كلام يناسب المقام فإنه - بعد أن نقل عن الدرّ المنثور للسيوطي عن علي عليه السلام : أنه قيل له : هل عندكم شيء من الوحي ؟ قال : لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إلاّ أن يعطي الله عبدا فهما في كتابه - قال :

أقول : وهو من غرر الأحاديث ، وأقلّ ما يدل عليه : أن ما نقل من أعاجيب المعارف الصادرة عن مقامه العلمي الذي يدهش العقول مأخوذ من القرآن الكريم .(1)

ص: 219


1- . تفسيرالميزان 3 / 71 .

أقول : ويلاحظ عليه جميع ما مرّ ، إذ نسأل المؤلف : ما هي نتيجة ضمّ الكلام الأخير إلى السؤال في أول الرواية: هل عندكم شيء من الوحي ؟

وماذا أراد بقوله: مأخوذ من القرآن الكريم ؟

فإن أراد أنه عليه السلام علم ذلك من قبل اللّه تعالى ورسوله، فنعم الوفاق إلاّ أنه من مختصّات الحجج عليهم السلام فلا يجدي المؤلف شيئا .

وإن أراد أنهم عليهم السلام يجتهدون لكشف الغطاء عن معاني الآيات ويتأمّلون ويتفكّرون لكي يعرفوا المقصود منها، فهذا ينافي الروايات المتواترة الواردة في أبواب علوم الأئمّة عليهم السلام إذ يلزم منه نفي اتصالهم عليهم السلام بالسماء ، وإنكار تحديث الملائكة ايّاهم ، وإنكار ما عندهم من أبواب العلوم الكثيرة .(1)

كما ينافي ما مرّ قريبا من النصوص الدالّة على أن اللّه أغناهم عليهم السلام عن الحدس والرأي والاجتهاد ونحوها.

والعجب منه كيف لا يعتني بما ورد في أبواب علومهم في الكافي وبصائر الدرجات وغيرهما ثم يهتمّ بهذه الرواية العاميّة ويراها من غرر الأحاديث غافلاً عن غرض أهل الخلاف من ايراد هذه الرواية التي تفردّوا بنقلها في

ص: 220


1- . انظر بحارالأنوار المجلد 26 ، وينابيع المعاجز للعلاّمة السيد هاشم البحراني قدس سره ، وغيرهما . ثم لا يخفى أنا لا نقول بأن الأئمة عليهم السلام يوحى إليهم، وإنما نقول: إنهم يسمعون كلام الملائكة ، وهو مذهب فقهاء الإمامية وأصحاب الآثار منهم ، كما نصّ عليه الشيخ المفيد قدس سره في أوائل المقالات 69، ونقله عنه في بحارالأنوار 26 / 84 . وقال الشيخ المفيد رحمه الله - أيضا في موضع آخر - : وعندنا أن الله تعالى يُسمع الحجج عليهم السلام بعد نبيه صلى الله عليه و آله وسلمكلاما يلقيه إليهم في علم ما يكون ، لكنّه لا يطلق عليه اسم الوحي . تصحيح الاعتقاد 121 ونقله عنه في بحارالأنوار 26 / 83 .

كتبهم(1) فإنهم أرادوا بذلك إنكار ما عهده النبي صلى الله عليه و آله وسلم إلى أمير المؤمنين عليه السلام، ولاسيما ما جمعه بعد وفاته صلى الله عليه و آله وسلم من آيات القرآن كما أُنزلت وأبت الأُمّة وزعماؤها أن يقبلوها، وهذا هو السرّ في التعبير بقوله : (هل عندكم شيء من الوحي ؟) فتأمّل .

ولعمري من توهّم صحة ذلك لم يزد على ما زعمه الشافعي في حق النبي صلى الله عليه و آله وسلمحيث قال : كل ما حكم به رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم فهو ممّا فهمه من القرآن .(2)

توهم أن الروايات الناهية لا تمنعنا عن الاجتهاد في تفسير القرآن

[ 9 ] قوله بعد ذكر عدّة روايات مثل :

من فسّر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار .

من قال في القرآن بغير علم فليتبوء مقعده من النار .

من قال في القرآن بغير علم جاء يوم القيامة ملجما بلجام من نار .

من تكلّم في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ.

أكثر ما أخاف على أُمّتى من بعدي رجل يناول القرآن يضعه على غير مواضعه .

من فسّر القرآن برأيه إن أصاب لم يؤر ، وإن أخطأ فهو أبعد من السماء .

الرأي(3) في كتاب الله كفر .

قال : لمّا ورد قوله : « برأيه » مع الإضافة إلى الضمير علم منه أن ليس المراد به

ص: 221


1- . نعم نسبها في الفرقان 1 / 15 إلى مصباح الشريعة ، ومضافا إلى أنه ليس من الأصول المعتمدة عليها ، لا توجد الرواية فيه !
2- . تفسير ابن كثير 1 / 4 .
3- . كذا نقله في تفسيرالميزان ، ولكن الموجود في المصادر : المراء ، لاحظ : تفسير العياشي 1 / 18 ، بحارالأنوار 89 / 111 ، وسائل الشيعة 27 / 203 .

النهي عن الاجتهاد المطلق في تفسير القرآن حتى يكون بالملازمة أمرا بالاتباع والاقتصار بما ورد من الروايات في تفسير الآيات عن النبي وأهل بيته صلى الله عليه وعليهم على ما يراه أهل الحديث .(1)

أقول : ما ذا يعني بالاجتهاد في تفسير القرآن ؟ من المعلوم يقينا انه ما أراد بذلك مثل حمل المطلق على المقيد والعام على الخاص ونحو ذلك ، اذ ليس هذا موضعا للنزاع ،(2) فليس مراده إلاّ إعمال النظر والاجتهاد في فهم المراد من الآيات المتشابهات ، فتشمله هذه النصوص التي ذكرها قطعا .

ولا يجوز الاعتماد في فهم القرآن إلاّ على ما ثبت اعتباره ، كسائر المعارف والأحكام و... قال الله تعالى : «قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ» ؟! (3) وقال سبحانه : «وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَك بِهِ عِلْمٌ» .(4)

فالاجتهاد في فهم المتشابه - بالنحو الذي يقول به المؤلف - نظير القياس في الفقه أمر منهيٌ عنه شرعا .

وقد مرّ أن عدم حجّية المتشابهات ممّا اتفقت عليه كلمة الأُصوليين ، بل قد اعترف المؤلف بشهرته بين الخاصّة والعامّة ، فلا وجه لما رامه من تهجين المطلب بإسناده إلى أهل الحديث خاصة !

ص: 222


1- . تفسيرالميزان 3 / 75 - 76 .
2- . وقد صرّح المؤلف بذلك حيث قال : وأن الذي تعطيه الآية في معنى المتشابه : أن تكون الآية مع حفظ كونها آية دالة على معنى مريب مردد لا من جهة اللفظ بحيث يعالجه الطرق المألوفة عند أهل اللسان كإرجاع العام والمطلق إلى المخصص والمقيد ونحو ذلك بل من جهة كون معناها غير ملائم لمعنى آية أخرى محكمة لا ريب فيه تبين حال المتشابهة . لاحظ تفسيرالميزان 3 / 41 .
3- . النساء : 82 .
4- . الإسراء : 36 .

وأمّا لزوم الاكتفاء بالنصوص فهو مستفاد من روايات أُخرى دلّت عليه بالمطابقة ، فلا حاجة إلى تجشّم الاستدلال عليه بالدلالة الالتزامية .

ولا ينحصر الدليل فيما أورده من الروايات ، بل هنا نصوص كثيرة جدّا ظاهرة أو صريحة فيما ذكرناه ، وقد تقدّمت .

توهم تنافي المنع عن الاجتهاد مع آيات التدبر و

[ 10 ] قوله : على أنه ينافي الآيات الكثيرة الدالة على كون القرآن عربيا مبينا والآمرة بالتدبر فيه .(1)

أقول : قد مرّ الكلام فيه في الرقمين [5 و 7] فلا نعيد .

توهم تعارضها مع ما دلّ على لزوم الرجوع إلى القرآن وعرض الأخبار عليه

[ 11 ] قوله : وكذا ينافي الروايات الكثيرة الآمرة بالرجوع إلى القرآن وعرض الأخبار عليه .(2)

أقول: هذا خروج عن محل البحث والنزاع ؛ إذ ليس الكلام في حجية الظواهر بل في تفسير المتشابهات ، وما ذكره من الروايات خاصّة بالمحكمات ، وممّا يدلّك على ذلك استدلال جميع العلماء بهذه النصوص على حجية الظواهر ، كما أشرنا إلى ذلك سابقا .

وقد مرّ قريبا ما قاله النبي الأعظم صلى الله عليه و آله وسلم في خطبة الغدير ، فترى أنه صلى الله عليه و آله وسلميأمرنا بالتدبّر والنظر في المحكمات وفي نفس الوقت ينهانا عن تتبع المتشابهات ، ويحكم على الأُمة بلزوم الرجوع في تفسير القرآن إلى القرآن الناطق وأن الطريق منحصر في المأثور عنهم عليهم السلام .

ص: 223


1- . تفسيرالميزان 3 / 76 .
2- . تفسيرالميزان 3 / 76 .

وذكرنا في الفصل الرابع قول الفقيه الكبير الشيخ جعفر كاشف الغطاء رحمه الله في اختصاص عرض الأخبار بغير المتشابهات فإنه قال :

وفيه المبيّن الذي يعرفه العرب بلسانهم وبه عرف الإعجاز وحجّ الخصوم من غير أهل الإسلام ، وبه يتضح حال الصحيح من الأخبار ، وعليه مدار الضرورة والسيرة واحتجاج النبي صلى الله عليه و آله والأئمة عليهم السلام والأصحاب سلفا بعد سلف .(1)

وكذا قال المرجع الديني السيد الخوئي قدس سره - في توضيح المراد من التفسير بالرأي - : .. ان الروايات المتقدمة دلّت على الرجوع إلى الكتاب والعمل بما فيه ، ومن البيّن أن المراد من ذلك الرجوع إلى ظواهره ..(2)

أقول : ويأتي في الرقم [25] كيفية الجمع بين النصوص المختلفة فبعضها تأمرنا بالتدبر في القرآن والرجوع إليه ، وعرض الأخبار عليه و . .

وبعضها تدلّ على اختصاص فهم القرآن بالحجج المعصومين عليهم السلام وأن الناس عاجزون عن نيله و . .

توهم أن النهي تعلق باعتماد المفسر على نفسه وعدم الرجوع إلى سائر الآيات

[ 12 ] قوله: بل الاضافة في قوله : « برأيه » تفيد معنى الاختصاص والانفراد والاستقلال بأن يستقلّ المفسّر في تفسير القرآن بما عنده من الأسباب في فهم الكلام العربي . . . دون أن يتعاهد جميع الآيات المناسبة لها ويجتهد في التدبر فيها ، كما يظهر من قوله تعالى : «أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِندِ غَيرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافاً كثِيراً» .(3)

ص: 224


1- . كشف الغطاء 2 / 298 .
2- . البيان في تفسير القرآن 288 .
3- . تفسيرالميزان 3 / 76 ، والآية في سورة النساء : 82 .

أقول : إن المراد من التفسير بالرأي هو حمل اللفظ على خلاف ظاهره أو أحد احتماليه لرجحان ذلك في نظره القاصر .(1)

أو تفسير القرآن على حسب اقتضاء الآراء والأقيسة والاستحسانات ، أو بالظنّ والتخمين والتخرّصات ونحوها من الاستنباطات .

أو بيان المقصود من الآيات المتشابهات من عند أنفسهم لا أخذا عن أهله .

وقد مرّ في الفصل الرابع توضيحه في كلام المحقق الأردبيلي ، والسيد الجزائري ، والشيخ الأنصاري ، والشيخ آغا بزرگ الطهراني رحمهم الله .

واحتمل السيد الخوئي قدس سره فيه احتمالاً آخر يستفاد منه أن المراد من التفسير بالرأي هو الرجوع إلى القرآن من دون مراجعة أهل البيت عليهم السلام - وفي كلام الشيخ الأنصاري أيضا اشارة إلى ذلك - قال السيد الخوئي : ويحتمل أن معنى التفسير بالرأي الاستقلال في الفتوى من غير مراجعة الائمة عليهم السلام ، مع أنهم قرناء الكتاب في وجوب التمسك ، ولزوم الانتهاء إليهم ، فإذا عمل الانسان بالعموم أو الاطلاق الوارد في الكتاب ، ولم يأخذ التخصيص أو التقييد الوارد عن الائمة عليهم السلام كان هذا من التفسير بالرأي.(2)

وعليه فلا ينحصر التفسير بالرأي فيما إذا فسّر القرآن بما اختصّ به من الآراء أو يستقل بالتفسير من دون مراجعة الآيات المناسبة للموضوع ، كما قاله المؤلف .

وأمّا تعلّق النهي بما إذا لم يتعاهد جميع الآيات المناسبة لها... فلم نجد ما يدلّ عليه ، والمفروض أن محل البحث والنزاع هو المتشابهات دون الظواهر والمحكمات ، فتنبّه .

ص: 225


1- . كما في منهاج البراعة 2 / 228 ، وفرائدالأصول للشيخ الأنصاري 1 / 58 .
2- . البيان في تفسير القرآن 287 ، ولاحظ مصباح الأصول 2 / 125 .

وأمّا آية التدبّر وما ورد من ردّ المتشابه إلى المحكم ، فقد مرّ الكلام فيه في الرقم [6] ، فلا نعيد .

توهم أن النهى مختص بطريق الكشف دون المكشوف

[ 13 ] قوله : فالتفسير بالرأي المنهي عنه أمر راجع إلى طريق الكشف دون المكشوف . . . والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه و آله وسلم : من تكلّم في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ . فإن الحكم بالخطأ مع فرض الإصابة ليس إلاّ لكون الخطأ في الطريق .

وكذا قوله عليه السلام : إن أصاب لم يوجر .(1)

أقول: ما أدري ماذا عنى بعدم رجوع النهي إلى المكشوف ؟

ولعله أراد أنه إذا انكشف للمفسّر معنى الآيات بهذا الطريق يكون المعنى حجّة له ولا يتعلق النهي به . فيرد عليه :

أولاً : كيف يرضى المؤمن المسلّم لأمر ربّه أن يقول : إنى اُريد أن أفهم القرآن من أىِّ طريق كان، حتى إذا كان الطريق ممّا نهى الشارع عن سلوكه ؟ !

وثانيا : لو سلّمنا أن النهى تعلق بطريق الكشف دون المكشوف، وفرضنا أنه أصاب الواقع ولكن من أين علم أنه أصاب الواقع؟! فهل له سبيل إلى العلم بذلك؟!

فتشمله الأدلّة الناهية عن القول بغير علم مثل قوله تعالى: «وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَك بِهِ عِلْمٌ» ،(2) وقوله سبحانه: «قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ»(3) وغيرهما.

ص: 226


1- . تفسيرالميزان 3 / 76 .
2- . الإسراء : 36 .
3- . النساء : 82 .

تكرار ما سبق في المراد من النصوص

[ 14 ] قوله : ويؤّده ما كان عليه الأمر في زمن النبي صلى الله عليه و آله وسلم ، فإن القرآن لم يكن مؤفا بعد ولم يكن منه إلاّ سور أو آيات متفرقة في أيدي الناس فكان في تفسير كل قطعة قطعة منه خطر الوقوع في خلاف المراد .(1)

أقول: هذا الكلام في الحقيقة التزام بما يرد عليه !

بيان ذلك : لمّا توقف إعجاز القرآن والتحدي به - عنده - على أن يكون القرآن بأجمعه ممّا يناله الجميع ، ومن ناحية أُخرى إنه يرى أن تفسير بعضه يتوقف على البعض الآخر ، فإذا لم ينزل ما يرتفع به تشابه الآيات النازلة كيف يكون التعقل والتدبر كافياً في رفع الإبهام عنها ؟ !

وهل يلتزم بعدم إعجاز القرآن قبل نزوله بتمامه ؟ !

نعم لا مناص من الرجوع إلى النبي صلى الله عليه و آله وسلم لكي يتبيّن الغرض منها ؛ إلاّ أن هذا ينقض جميع ما استدلّ به المؤلف ، ولاسيّما مثل قوله :

ولا معنى لإرجاعهم إلى تفاسير النبي صلى الله عليه و آله وسلم وحَمَلة الكتاب من أهل بيته فيقول سبحانه لهم : إن كلام غيره لا يخلو من اختلاف كثير .

وقد مرّ بتمامه فيما نقلناه عنه بعد الرقم [7] ، فلاحظ .

[ 15 ] قوله : والمحصّل أن المنهي عنه إنما هو الاستقلال في تفسير القرآن واعتماد المفسّر على نفسه من غير رجوع إلى غيره ، ولازمه وجوب الاستمداد من الغير بالرجوع إليه ، وهذا الغير لا محالة إمّا هو الكتاب أو السنّة ، وكونه هي السنّة ينافي القرآن ونفس السنّة الآمرة بالرجوع إليه وعرض الأخبار عليه ، فلا يبقى للرجوع إليه والاستعداد(2) منه في تفسير القرآن إلاّ نفس القرآن .(3)

ص: 227


1- . تفسيرالميزان 3 / 76 - 77 .
2- . كذا ، والظاهر الاستمداد .
3- . تفسيرالميزان 3 / 77 .

وخلاصته :

الف ) أن المستفاد من النصوص هو : النهي عن اعتماد المفسّر على نفسه من دون الرجوع إلى القرآن .

ب ) لو كان المراد النهى عن التفسير من غير الرجوع إلى السنّة ، لكان منافيا لنفس السنّة .

أقول : قد أجبنا عن ذلك عند الكلام على الأرقام [9 ، 11 ، 12 ، 13] ، فلاحظ .

إلى أن قال بعد ذكر رواية عن أمير المؤمنين عليه السلام :

ترد على أحدهم القضية في حكم من الأحكام فيحكم فيها برأيه ، ثم ترد تلك القضية بعينها على غيره فيحكم فيها بخلاف قوله ، ثم تجتمع القضاة بذلك عند الإمام الذي استقضاهم فيصوّب آراءهم جميعا ، وإلههم واحد ونبيّهم واحد وكتابهم واحد !

أفأمرهم اللّه سبحانه بالاختلاف فأطاعوه ، أم نهاهم عنه فعصوه ؟ !

أم أنزل اللّه دينا ناقصا فاستعان بهم على إتمامه ؟ !

أم كانوا شركاء ، فلهم أن يقولوا وعليه أن يرضى ؟ !

أم أنزل الله دينا تامّا فقصر الرسول صلى الله عليه و آله وسلم عن تبليغه وأدائ ه؟!

والله سبحانه يقول : «ما فَرَّطْنا في الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ» ، وفيه تبيان كل شيء ، وذكر أن الكتاب يصدّق بعضه بعضا ، وأنه لا اختلاف فيه ، فقال سبحانه : «وَلَوْ كانَ مِنْ عِندِ غَيرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافاً كثِيراً» .(1)

وإن القرآن ظاهره أنيق وباطنه عميق لا تحصى عجائبه ، ولا تنقضي غرائبه ، ولا تكشف الظلمات إلاّ به .(2)

ص: 228


1- . النساء : 82 .
2- . نهج البلاغة 61 ، الاحتجاج 1 / 261 ، كشف اليقين 189 ، بحارالأنوار 2 / 284 .

قال : والرواية - كما ترى - ناصّة على أن كل نظر ديني يجب أن ينتهي إلى القرآن ، وقوله : فيه تبيان . . نقل للآية بالمعنى .(1)

أقول : العجب أنه غفل عن أن الإمام عليه السلام يذمّ أهل الرأي بأنهم إذا كانوا مشتركين في المعبود والرسول صلى الله عليه و آله وسلم والكتاب كيف يختلفون في الآراء والأقوال مع اشتمال الكتاب العزيز على جميع المعارف والأحكام ؟!

أفلا يريد عليه السلام أن يسوقهم إلى معرفة وجه الاختلاف ، وهو مفارقتهم عِدل القرآن وتاليه وشريكه وقيّمه ومبيّنه !(2)

ولذا ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال في ضمن رواية :

.. ولا تنازعت الأمة في شيء من أمر الله إلاّ وعندنا علمه من كتاب الله ..(3)

فكل نظر ديني لابدّ وأن ينتهي إلى القرآن ، إلاّ أن الناس عاجزون عن استنباطه ولابدّ لهم الرجوع إلى الحجج المعصومين عليهم السلام ، كما مرّ عن مولانا الصادق عليه السلام : ما من أمر يختلف فيه اثنان إلاّ وله أصل في كتاب اللّه ولكن لاتبلغه عقول الرجال .(4)

وقد مرّ في الرقم [8] ما يفيد المقام ، فراجع .

ص: 229


1- . تفسيرالميزان 3 / 83 .
2- . لاحظ ما روي عن ابن أُذينة في الاستدلال بذلك في دعائم الاسلام 1 / 92 ، بحارالأنوار 101 / 272 - 270 ، مستدرك الوسائل 17 / 244 - 248 .
3- . الكافي 7 / 78 ، وسائل الشيعة 26 / 77 .
4- . تقدم في الفصل الثاني في الرواية المرقمة [48] عن الكافي 1 / 60 و7 / 158 ؛ تهذيب الأحكام 9 / 357 ؛ المحاسن 1 / 267 ؛ وسائل الشيعة 26 / 293 ؛ بحارالأنوار 89 / 100 .

توهم أن الغرض من الروايات الناهية هو المنع عن الاستمداد في التفسير بغير القرآن

[ 16 ] قوله - بعد ذكر بعض الروايات ، مؤكّدا على ما مرّ في الرقم [14 ]-

: والروايات كما ترى يعدّ ضرب القرآن بعضه ببعض مقابلاً لتصديق بعض القرآن بعضا ، وهو الخلط بين الآيات من حيث مقامات معانيها والاخلال بترتيب مقاصدها كأخذ المحكم متشابها والمتشابه محكما ونحو ذلك . فالتكلم في القرآن بالرأي ، والقول في القرآن بغير علم . . . وضرب القرآن بعضه ببعضه . . . يحوم الجميع حول معنى واحد وهو : الاستمداد في تفسير القرآن بغيره .(1)

أقول: أولاً : إن الخلط بين الآيات الشريفة ممّا يترتب على استقلال المفسّر في تفسير القرآن واستغنائه عن الحجج المعصومين عليهم السلام، قصد الخلط أم لا ، شاء ذلك أم أبى ؛ لأنه ليس من العناوين القصدية ، فربّما يفسّر الآيات ويكذّب بعضها ببعض من دون أن يشعر بذلك ، لجهله بالواقع .

وإن شئت فقل : إن ابتغاء الفتنة في قوله تعالى : «فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ» كما يكون عن اختيار والتفات ، كذلك قد يترتب على ما يفعله المفسّر - ترتب الأثر على المؤثر - من دون اختيار والتفات .

وثانيا : لا يكاد ينقضي تعجبي من قوله أن المراد من النهي عن ضرب القرآن بعضه ببعض هو: النهي عن الاستمداد في تفسير القرآن بغيره ! !

ولا نحتاج إلى الإطالة حول ذلك ، ولكن المهم الذي لابدّ من بيانه هنا أمران :

الف ) لم يكن المراد من النصوص ما ذكره المؤلف ، ولعمري هذا شيء واضح لمن له أدنى التأمل !

قال المحقق النائيني رحمه الله : انّ الأخبار الناهية عن العمل بالكتاب وإن كانت

ص: 230


1- . تفسيرالميزان 3 / 76 - 77 .

مستفيضة بل متواترة، إلاّ أنّها على كثرتها بين طائفتين :

طائفة تدل على المنع عن تفسير القرآن بالرأي والاستحسانات الظنية .

وطائفة تدل على المنع عن الاستقلال في العمل بظاهر الكتاب من دون مراجعة أهل البيت الذين نزل الكتاب في بيتهم صلوات اللّه عليهم .(1)

وقال بعض المعاصرين : جميع الروايات صريحة تقريبا في عدم جواز التمسك بغير الظاهر .(2)

ب ) أن المؤلف أهمل ذكر كثير من النصوص ، وغير واحد منها صريح في عدم جواز التفسير لغير الأئمة عليهم السلام ، وأن الناس مأمورون بالأخذ عنهم عليهم السلام فقط ، ولا بأس بالإشارة إلى خلاصة ما يستفاد من الروايات على كثرتها :

فمنها ما دلّ على النهي عن القول فيها بغير علم ، مثل : لا تخوضوا في القرآن ، ولا تجادلوا فيه ، ولا تتكلّموا فيه بغير علم ،(3) ومن قال في القرآن برأيه أو بغير علم فليتبوأ مقعده من النار ،(4) أو : جاء يوم القيامة ملجما بلجام من نار ،(5) وأن الرجل ينزع بالآية فيخرّ بها أبعد ما بين السماء والأرض ،(6) ومن فسّر القرآن على غير وجهه ،(7) أو على غير ما أنزل فقد هلك وأهلك واستهلك .(8)

ص: 231


1- . فوائد الأصول 3 / 136 .
2- . راجع تعليقة الميرزا أبي الحسن الشعراني على وسائل الشيعة 18 / 144 .
3- . في الرواية المرقمة [53] .
4- . في الروايات المرقمة [52، 53، 54] .
5- . في الرواية المرقمة [55] .
6- . في الرواية المرقمة [57]، ولاحظ [84] .
7- . في الرواية المرقمة [59] .
8- . في الرواية المرقمة [61] .

ومنها ما دلّ على النهي عن ضرب بعضها ببعض ، مثل : ما ضرب رجل القرآن بعضه ببعض إلاّ كفر ،(1) وورد - في قوله تعالى : «فَنَسُوا حَظّا مِمّا ذُكِّرُوا بِهِ ولا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ» - : وذلك أنهم ضربوا بعض القرآن ببعض ، واحتجّوا بالمنسوخ وهم يظنّون أنه الناسخ واحتجّوا بالمتشابه وهم يرون أنه المحكم ، واحتجّوا بالخاصّ وهم يقدّرون أنه العام ، ولم يعرفوا موارده ومصادره ؛ إذ لم يأخذوه عن أهله

فضلّوا وأضلّوا .(2)

ومنها ما دلّ على النهى عن التفسير بالرأى ، مثل : وإنما هلك الناس في المتشابه لأنهم لم يقفوا على معناه ، ولم يعرفوا حقيقته ، فوضعوا له تأويلاً من عند أنفسهم بآرائهم ، واستغنوا بذلك عن مسألة الأوصياء ، ونبذوا قول رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم وراء ظهورهم .(3)

وأن من تكلّم في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ ،(4) وإن أصاب لم يؤر وإن أخطأ خرَّ أبعد من السماء،(5) أو: وإن أخطأ كان إثمه عليه(6) وقد تبوأ مقعده من النار،(7) ومن فسَّر القرآن برأيه فقد «افْتَرى عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ» .(8)

ص: 232


1- . في الرواية المرقمة [63] .
2- . في الرواية المرقمة [64] .
3- . في الرواية المرقمة [70] .
4- . في الرواية المرقمة [67]، ولاحظ [80 - 81] .
5- . في الرواية المرقمة [72] .
6- . في الرواية المرقمة [73] .
7- . في الروايات المرقمة [54، 78، 82] .
8- . في الرواية المرقمة [74] .

وهلك وأهلك ،(1) وهو ملعون ،(2) بل قد كفر ،(3) وقال اللّه جلّ جلاله : « ما آمن

بي من فسّر برأيه كلامي » ،(4) ويتوفّر على المستمع والقارئ المثوبات العظيمة إذا لم يقل في القرآن برأيه ، والمتمسك بالقرآن - الذي بتمسكه ينال الشرف العظيم - هو الذي يأخذ القرآن وتأويله عن أهل البيت عليهم السلام وعن وسائطهم السفراء عنهم لا عن آراء المجادلين .(5)

ومنها ما دلّ على النهى عن الخوض والجدال فيها ، مثل ما ورد في قوله تعالى : «وإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ في آياتِنا» أنه الكلام في اللّه والجدال في القرآن،(6) ومن جادل في آيات الله كفر ، قال الله : «ما يُجادِلُ في آياتِ اللّهِ إِلا الَّذِينَ كَفَرُوا»،(7) ومن أشدّ ما يتخوّف منه على الأُمة جدال المنافق بالقرآن ،(8) ورجل يناول القرآن يضعه على غير مواضعه ،(9) وسوء التأويل ،(10) وأن الجدال في القرآن بدعة اشترك فيهاالسائل والمجيب ، فيتعاطى السائل ما ليس له ويتكلف المجيب ما ليس عليه .(11)

ص: 233


1- . في الرواية المرقمة [76] .
2- . في الرواية المرقمة [75] .
3- . في الرواية المرقمة [71] .
4- . في الرواية المرقمة [66] .
5- . في الرواية المرقمة [78] .
6- . في الرواية المرقمة [83] .
7- . في الرواية المرقمة [86]، ولاحظ [85] .
8- . في الرواية المرقمة [87] .
9- . في الرواية المرقمة [56] .
10- . في الرواية المرقمة [88] .
11- . في الرواية المرقمة [89] .

ويدلّ على عدم استغناء القرآن عن بيان النبي صلى الله عليه و آله وسلم قوله تعالى : «إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ» و«وأَنْزَلْنا إِلَيْك الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ولَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ» و«وما أَنْزَلْنا عَلَيْك الْكِتابَ إِلاّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وهُدىً ورَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤمِنُونَ»وغيرها ،

وورد في قوله تعالى : «وأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لأُِنْذِرَكُمْ بِهِ ومَنْ بَلَغَ» يعني - ب- : من بلغ - الأئمة من بعده وهم ينذرون به الناس .(1)

وورد في قوله تعالى : «وما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاّ اللّهُ والرّاسِخُونَ في الْعِلْمِ» أن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم أفضل الراسخين في العلم ، قد علّمه الله عزّ وجلّ جميع ما أنزل عليه من التنزيل والتأويل ، وما كان الله لينزل عليه شيئاً لم يعلّمه تأويله ، وأوصياؤ من بعده يعلمونه كله .(2)

وقد قال أمير المؤمنين عليه السلام : فأين الذين زعموا أنهم «الرّاسِخُونَ في الْعِلْمِ»دوننا كذبا وبغيا علينا وحسدا لنا ؟ !(3)

وقال عليه السلام : فما نزلت على رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم آية من القرآن إلاّ أقرأنيها ، وأملاها عليّ، فكتبتها بخطي ، وعلّمني تأويلها وتفسيرها وناسخها ومنسوخها ومحكمها ومتشابهها وخاصّها وعامّها،(4) لو سألتموني عن آية آية لأخبرتكم بوقت نزولها وفيمَ نزلت ، وأنبأتكم بناسخها من منسوخها وخاصها من عامها ومحكمها من متشابهها ومكيهامن مدنيها.(5)

ص: 234


1- . في الرواية المرقمة [97]، ولاحظ [94 - 98] .
2- . في الرواية المرقمة [92] .
3- . في الرواية المرقمة [183] .
4- . في الرواية المرقمة [100] .
5- . في الرواية المرقمة [237] .

وقال عليه السلام : لو شئت لأوقرت سبعين بعيرا في تفسير فاتحة الكتاب ،(1) أو : من باء «بِسْمِ اللّه الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» ،(2) أو : ثمانين بعيرا من علوم النقطة التي تحت الباء،(3) أو : لشرحت ألف الفاتحة حتى يبلغ أربعين جملاً ..(4) ونحوها .(5)

وشرح لابن عباس في ليلة واحدة من حين أقبل ظلامها حتى أسفر صباحها في شرح الباء من «بِسْمِ اللّهِ» ، ولم يتقدم إلى السين ! أو يشرح نقطة الباء ليلة فانفلق عمود الصبح وهو بعد لم يفرغ ! فقال : لو زادنا الليل لزدنا !(6)

وقال عليه السلام: أُوتيت فهم الكتاب وفصل الخطاب وعلم القرآن ،(7) واستودعت علم القرآن ،(8) إنّ اللّه تبارك وتعالى قد خصّني من بين أصحاب محمّد صلى الله عليه و آله وسلم بعلم الناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه والخاصّ والعام ،(9) ذلك القرآن فاستنطقوه ولن ينطق لكم أخبركم عنه ،(10) هذا كتاب اللّه الصامت وأنا المعبّر عنه ، فخذوا بكتاب اللّه الناطق وذروا الحكم بكتاب اللّه الصامت ؛ إذ لا معبّر عنه غيري .(11)

ص: 235


1- . في الرواية المرقمة [154] .
2- . في الروايتين المرقمتين [155 - 156] .
3- . في الرواية المرقمة [158] .
4- . في الرواية المرقمة [162] .
5- . في الروايتين المرقمتين [153، 157] .
6- . في الروايات المرقمة [159 - 161] .
7- . في الرواية المرقمة [239] .
8- . في الرواية المرقمة [240] .
9- . في الرواية المرقمة [241] .
10- . في الرواية المرقمة [236] .
11- . في الرواية المرقمة [120]، ولاحظ [117] .

وقال الأئمة عليهم السلام : علينا نزل قبل الناس ، ولنا فسّر قبل أن يفسّر في الناس ،(1) أنزل اللّه تعالى على النبي صلى الله عليه و آله وسلم كتابا ، فختم به الكتب فلا كتاب بعده . . . وجعله النبي صلى الله عليه و آله وسلم علما باقيا في أوصيائه.(2)

قال اللّه تبارك وتعالى لنبيه صلى الله عليه و آله وسلم : «لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَك لِتَعْجَلَ بِهِ» الذي لم يحرّك به لسانه لغيرنا ، أمره اللّه أن يخصّنا به من دون غيرنا، ولم يكن عند أحد تأويل القرآن

بكماله وتمامه إلاّ عند علي عليه السلام ؛(3) فإنه صلى الله عليه و آله وسلم فسّرالقرآن لرجل واحد ، وفسّر للأمة شأن ذلك الرجل ، وهو علي بن أبي طالب عليه السلام،(4) وكان قيّم القرآن ،(5) ويفسّر لهم كتاب اللّه ، ويبيّن لهم ما يختلفون فيه(6) وما لا يعلمون. (7)

فقال صلى الله عليه و آله وسلم : هذا خليفتي على أُمتي وعلى تفسير كتاب اللّه عزّ وجلّ ،(8) وأنه قائد القرآن يهدي به ويدعو إليه،(9) فمن عمي عليه من عِلْمه شيء لم يكن عَلِمَه مني ولا سمعه فعليه بعلي بن أبي طالب عليه السلام ، فإنه قد علم كما قد علمته: ظاهره وباطنه ومحكمهومتشابهه .(10)

ص: 236


1- . في الرواية المرقمة [99] .
2- . في الرواية المرقمة [102] .
3- . في الرواية المرقمة [103] .
4- . في الرواية المرقمة [105] .
5- . في الرواية المرقمة [104] .
6- . في الرواية المرقمة [108] .
7- . في الرواية المرقمة [107] .
8- . في الرواية المرقمة [111] .
9- . في الرواية المرقمة [110] .
10- . في الرواية المرقمة [270] .

إن اللّه عزّ وجلّ أنزل عليّ القرآن وهو الذي من خالفه ضلّ ، ومن ابتغى علمه عند غير عليّ هلك . . . ومن طلب الهدى في غيرهم [أي غير الائمة عليهم السلام ]فقد كذّبني،(1) يا علي ! أنت تعلّم الناس تأويل القرآن بما لا يعلمون ... تخبر الناس بما أشكل عليهم من تأويل القرآن ،(2) وتعلّم الناس من بعدي من تأويل القرآن ما لم يعلموا وتخبرهم بما لم يفهموا.(3)

وفي خطبة الغدير : . . افهموا محكم القرآن ، ولا تتبعوا متشابهه ، ولن يفسّر لكم ذلك إلاّ من أنا آخذ بيده شائل بعضده ، أو : فو اللّه لن يبيّن لكم زواجره ولا يوضح لكم تفسيره إلاّ الذي أنا آخذ بيده ... وهو علي بن أبي طالب .(4)

وقال : إني تارك فيكم الثقلين : كتاب اللّه وعلي بن أبي طالب عليه السلام ، واعلموا أن عليّا لكم أفضل من كتاب اللّه ؛ لأنه مترجم لكم عن كتاب اللّه تعالى ،(5) وكل واحد منهما مبيّن عن صاحبه موافق له ،(6) الإمام يهدي إلى القرآن والقرآن يهدي إلى الإمام ،(7) وينطق الإمام عن اللّه عزّ وجلّ في الكتاب ،(8) وكل واحد منهما ملازم لصاحبه ، غيرمفارق له حتى يردا إلى اللّه فيحكم بينهما وبين العباد .(9)

ص: 237


1- . في الرواية المرقمة [269] .
2- . في الرواية المرقمة [242] .
3- . في الرواية المرقمة [243] .
4- . في الرواية المرقمة [226] .
5- . في الرواية المرقمة [115] .
6- . في الرواية المرقمة [136] .
7- . في الرواية المرقمة [143] .
8- . في الرواية المرقمة [141] .
9- . في الرواية المرقمة [138] .

إن الكتاب لا ينطق ولكن محمد وأهل بيته عليهم السلام هم الناطقون بالكتاب ،(1) وهم المعبّرون عن القرآن ،(2) وهذا القرآن إنما هو خط مسطور بين الدفتين ، لا ينطق بلسان ولابدّ له من ترجمان ، وإنما ينطق عنه الرجال .(3)

وقد ورد في كثير من الروايات والزيارات وصفهم عليهم السلام بأنهم تراجمة وحي اللّه . . وتراجمة الكتاب . . وترجمان القرآن . . ونحوها.(4)

والقرآن تبيان لكلّ شيء بواسطة قيّمه ومعلّمه ، فإنه ما بعث اللّه نبيّا إلاّ أعطاه من العلم بعضه ما خلا النبي صلى الله عليه و آله وسلم فإنه أعطاه من العلم كله فقال : «ونَزَّلْنا عَلَيْك الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ» .(5)

وقال عزّ وجلّ : «ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا» ، وقال الأئمة عليهم السلام : فنحن الذين اصطفانا الله عزَّ وجلَّ ، وأورثنا هذا الذي فيه تبيان كل شيء ،(6) وإنا أهل البيت لم يزل اللّه يبعث فينا من يعلم كتابه من أولّه إلى آخره ،(7) «وما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاّ اللّهُ والرّاسِخُونَ في الْعِلْمِ» ، ليس بواحد ، رسول اللّه منهم ، أعلمه اللّه إيّاهفعلّمنيه رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ثم لا تزال في عقبنا إلى يوم القيامة .(8)

ص: 238


1- . في الرواية المرقمة [116] .
2- . في الرواية المرقمة [121] .
3- . في الرواية المرقمة [119] .
4- . راجع صفحة 63 - 67 .
5- . في الرواية المرقمة [123]، ولاحظ [124 - 125، 127] .
6- . في الرواية المرقمة [126] .
7- . في الرواية المرقمة [133] .
8- . في الرواية المرقمة [122] .

فعندهم علم الكتاب(1) وتفسير الكتاب ،(2) وما من أحد من الناس يقول : إنه جمع القرآن كلّه كما أنزل الله إلاّ كذب ، وما جمعه وما حفظه كما أنزل الله إلاّ علي بن أبي طالب عليه السلام والأئمة من بعده عليهم السلام .(3)

فإن كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم لم يستخلف في علمه أحدا فقد ضيّع من في أصلاب الرجال ممن يكون بعده ، وإن قالوا : حجّة اللّه القرآن ، يقال لهم : إن القرآن ليس

بناطق يأمر وينهى ولكن للقرآن أهل يأمرون وينهون ،(4) وان اللّه فرض على الأمة طاعة ولاة أمره القوّام لدينه كما فرض عليهم طاعة رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم فقال : «أَطِيعُوا اللّهَ وأَطِيعُوا الرَّسُولَ وأُولي الأَمْرِ مِنْكُمْ» .

ثم بيّن محل ولاة أمره من أهل العلم بتأويل كتابه فقال عزّ وجلّ : «ولَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وإِلى أُولي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ» ، وعجز كل أحد من الناس عن معرفة تأويل كتابه غيرهم ؛ لأنهم هم الراسخون في العلم المأمونون على تأويل التنزيل ، قال اللّه تعالى : «وما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاّ اللّهُ والرّاسِخُونَ في الْعِلْمِ . .» إلى آخر الآية ، وقال سبحانه : «بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ في صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ» . . . وأصل الإيمان العلم ، وقد جعل اللّه تعالى له أهلاً ندب إلى طاعتهم ومسألتهم فقال : «فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ» ، وقال - جلّت عظمته - : «وأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها» .(5)

ص: 239


1- . في الروايات المرقمة [127 - 133 ، 145 - 151 ، 169 - 171 ، 176] ، وراجع ما نقلناه عن العامة في صفحة 79 - 81 ، وغيرها كثير جدّا .
2- . في الروايات المرقمة [144، 166 - 168] .
3- . في الرواية المرقمة [164]، ولاحظ [165] .
4- . في الرواية المرقمة [186] .
5- . في الرواية المرقمة [187] .

والبيوت هي بيوت العلم الذي استودعه الأنبياء ، وأبوابها أوصياؤم ، فكل عمل من أعمال الخير يجري على غير أيدي الاوصياء [أهل الاصطفاء] وعهودهم وحدودهم وشرائعهم وسنتهم ومعالم دينهم مردود غير مقبول ، وأهله بمحل كفر وإن شملتهم صفة الإيمان .(1) فبيّن معناها [أي معنى البيوت] لكيلا يظنّ أهل الجاهلية أنها بيوت مبنية ! فقال تعالى : «رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ ولا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّهِ» ، فمن طلب العلم في هذه الجهة أدركه ، قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم : أنا مدينة العلم - وفي موضع : أنا مدينة الحكمة - وعليّ بابها فمن أراد الحكمة فليأتها من بابها .

وكل هذا منصوص في كتابه تعالى إلاّ أن له أهلاً يعلمون تأويله ، فمن عدل عنهم إلى الذين ينتحلون ما ليس لهم ، ويتبعون «ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ» - وهو: تأويله بلا برهان ولا دليل ولا هدى - هلك وأهلك وخسرت صفقته وضلّ سعيه ،(2) وإن القرآن حق ونور وهدى ورحمة وشفاء للمؤنين «والَّذِينَ لا يُؤِنُونَ في آذانِهِمْ وَقْرٌ وهُوَ عَلَيْهِمْ عَمىً» ، «وما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاّ اللّهُ وَالرّاسِخُونَ في الْعِلْمِ» ، الراسخون في العلم نحن آل محمد ، وأمر اللّه سائر الأمة أن يقولوا : «آمَنّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلاّ أُولُوا الأَلْبابِ» ، وأن يسلّموا إلينا ويردّوا الأمر إلينا ، وقد قال اللّه : «ولَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وإِلى أُولي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ» .(3)

إنما الشفاء في علم القرآن لقوله : «ما هُوَ شِفاءٌ ورَحْمَةٌ لِلْمُؤمِنِينَ» لأهله لا شك فيه ولا مرية ، وأهله أئمة الهدى الذين قال اللّه : «ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا» .(4)

ص: 240


1- . في الرواية المرقمة [180] .
2- . في الرواية المرقمة [187] .
3- . في الرواية المرقمة [188] .
4- . في الرواية المرقمة [200] .

وورد في هذه الآية الأخيرة : هِيَ لَنَا خَاصَّةً ، إِيَّانَا عَنَى ، فنحن الذين اصطفانا اللّه عزّ وجلّ وأورثنا هذا الذي فيه تبيان كل شيء ، فصارت وراثة الكتاب للعترة الطاهرة لا لغيرهم .(1)

وورد في قول اللّه تعالى : «بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ في صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ» : واللّه ما قال : بين دفتي المصحف !

قلت : من هم جعلت فداك ؟ قال : من عسى أن يكونوا غيرنا ؟

أو : من عسى أن يكونوا ونحن الراسخون في العلم ؟ !

أو : وهم الأئمة خاصّة .(2)

وورد في قول اللّه تعالى : «إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ» أن معنى الهادي هاهنا : المبيّن لما جاء به المنذر من عند اللّه ، وعليٌ الهادي ، وفي كل وقت وزمان إمام منّا

يهديهم إلى ما جاء به رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم .(3)

وورد في قول اللّه تعالى : «لا يَمَسُّهُ إِلاّ الْمُطَهَّرُونَ» : يعني لا يناله كله إلاّ المطهّرون ، إيانا نحن عنى الذين أذهب اللّه عنا الرجس وطهّرنا تطهيرا .

وقال : «أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا» ، فنحن الذين اصطفانا اللّه من عباده ، ونحن صفوة اللّه ، ولنا ضُرب الأمثال ، وعلينا نزل الوحي .(4)

ص: 241


1- . في الروايات المرقمة [190 - 201] .
2- . في الروايات المرقمة [202 - 206] .
3- . في الروايات المرقمة [207 - 209] .
4- . في الرواية المرقمة [210] .

وورد في قول اللّه تعالى : «ويَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفى بِاللّهِ شَهِيداً بَيْنِي وبَيْنَكُمْ ومَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتاب» : عندنا واللّه علم الكتاب كله ، نحن الذين عندنا علم الكتاب وبيان ما فيه ، وليس عند أحد من خلقه ما عندنا ؛ لأنا أهل سرّ اللّه .(1)

وورد في قول اللّه تعالى : «الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ» : هم آل محمد عليهم السلام ، وأمّا ما سألت من القرآن فذلك أيضا من خطراتك المتفاوتة المختلفة ؛ لأن القرآن ليس على ما ذكرت ، وكل ما سمعت فمعناه غير ما ذهبت إليه ، وإنما القرآن أمثال لقوم يعلمون دون غيرهم ، ولقوم «يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ» ، وهم الذين يؤنون به ويعرفونه ، ، فأمّا غيرهم فما أشدّ إشكاله عليهم وأبعده من مذاهب قلوبهم ، ولذلك قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم : « إنه ليس شيء بأبعد من قلوب الرجال من تفسير القرآن » ، وفي ذلك تحيّر الخلائق أجمعون إلاّ ما شاء اللّه ، ولذا قال أبو ذرّ الغفاري رضى الله عنه : أيها الناس . . . لا تنازعت هذه الأمة في شيء من أمر دينها إلاّ وجدتم علم ذلك عند أهل بيت نبيكم ؛ لأن اللّه تعالى

يقول في كتابه العزيز : «الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ» .(2)

وورد في قول اللّه تعالى : «وَ تِلكَ الأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنّاسِ وما يَعْقِلُها إِلاّ الْعالِمُونَ» يعني آل محمد عليهم السلام .(3)

وورد في قوله تعالى : «وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ» أن أمير اللمؤمنين عليه السلام قال : . . ويلهم واللّه إني أنا الذي أنزل اللّه فيّ : «وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ» ، فإنا كنا عند رسول اللّه صلى الله عليه و آله فيخبرنا بالوحي فأعيه ويفوتهم ، فإذا خرجنا قالوا : «ما ذا قالَ آنِفا» .(4)

ص: 242


1- . في الروايات المرقمة [211 - 214] .
2- . في الروايات المرقمة [215 - 218] .
3- . في الروايات المرقمة [219 - 221] .
4- . في الروايات المرقمة [103 ، 222 - 223] .

وقال الشيخ الطبرسي : وصحَّ عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم والأئمة عليهم السلام أن تفسير القرآن لا يجوز إلاّ بالأثَر الصحيح والنص الصريح .(1)

ولمّا قالوا : يا أمير المؤنين ! فما نصنع بما قد أخبرنا في المصحف ؟ قال : اسألوا عن ذلك علماء آل محمد عليهم السلام .(2)

وورد في النصوص : فالمعوّل علينا في تفسيره ، لا نتظنّي تأويله بل نتيقن حقائقه،(3) ولا يبلغ أحد كنه معنى حقيقة تفسير كتاب الله تعالى وتأويله إلاّ نبيه صلى الله عليه و آله وسلم وأوصياؤ عليهم السلام ،(4) وإنما أراد اللّه بتعميته في ذلك أن ينتهوا إلى بابه وصراطه، وأن يعبدوه وينتهوا في قوله إلى طاعة القوّام بكتابه والناطقين عن أمره ، وأن يستنبطوا ما احتاجوا إليه من ذلك عنهم لا عن أنفسهم ..

وإيّاك وتلاوة القرآن برأيك ، فإن الناس غير مشتركين في علمه كاشتراكهم فيما سواه من الأمور ، ولا قادرين عليه ولا على تأويله إلاّ من حدهّ وبابه الذي جعله اللّه له ،(5) ومن لم يعرف من كتاب اللّه عزّوجلّ الناسخ من المنسوخ والخاص من العام والمحكم من المتشابه والرخص من العزائم والمكي والمدني وأسباب التنزيل والمبهم من القرآن في ألفاظه المنقطعة والمؤّفة ، وما فيه من علم القضاء والقدر والتقديم والتأخير والمبين والعميق والظاهر والباطن والابتداء والانتهاء والسؤل والجواب والقطع والوصل والمستثنى منه والجاري فيه والصفة لما قبل ممّا يدلّ على ما بعد والمؤّد منه

ص: 243


1- . في الرواية المرقمة [224] .
2- . في الرواية المرقمة [271] .
3- . في الرواية المرقمة [225] .
4- . في الرواية المرقمة [49] .
5- . في الرواية المرقمة [227] .

والمفصّل وعزائمه ورخصه ومواضع فرائضه وأحكامه ومعنى حلاله وحرامه الذي هلك فيه الملحدون والموصول من الألفاظ والمحمول على ما قبله وعلى ما بعده فليس بعالم بالقرآن ولا هو من أهله ، ومتى ما ادّعى معرفة هذه الأقسام مدّعٍ بغير دليل فهو كاذب مرتاب مفتر على اللّه الكذب ورسوله ، و«مَأْواهُ جَهَنَّمُ وبِئْسَ الْمَصِيرُ» .(1)

وليس من علم الله ولا من أمره أن يأخذ أحد من خلق الله في دينه بهوى ورأي ولا مقاييس ، قد أنزل الله القرآن وجعل فيه تبيان كل شيء ، وجعل للقرآن ولتعلم القرآن أهلاً ، لا يسع أهل القرآن الذين آتاهم الله علمه أن يأخذوا فيه بهوى ولا رأي ولا مقاييس ، أغناهم الله عن ذلك بما آتاهم من علمه وخصّهم به ووضعه عندهم كرامةً من الله أكرمهم بها ، وهم أهل الذكر الذين أمر الله هذه الأمة بسؤلهم ، والذين آتاهم الله علم القرآن ووضعه عندهم وأمر بسؤلهم .(2)

إن علم القرآن ليس بعلم [يعلم] ما هو إلاّ من ذاق طعمه ، فاطلبوا ذلك من عند أهله خاصّة فإنهم خاصة نور يستضاء به ، وأئمة يقتدى بهم ،(3) والقرآن ضرب فيه الأمثال للناس ، وخاطب اللّه نبيّه به ونحن ، فليس يعلمه غيرنا،(4) إنما يعرف القرآن من خوطب به ،(5) فان ممّا استحقّت به الإمامة: العلم بكتابها خاصّه وعامّه والمحكم والمتشابه ودقائق علمه وغرائب تأويله وناسخه ومنسوخه ،(6) و(نحن) نعلم

ص: 244


1- . في الرواية المرقمة [228] .
2- . في الرواية المرقمة [229] .
3- . في الرواية المرقمة [230] .
4- . في الرواية المرقمة [231] .
5- . في الرواية المرقمة [76] .
6- . في الرواية المرقمة [235] .

كتاب اللّه وكتاب اللّه يحتمل كل شيء ، إن اللّه أعلمنا علما لا يعلمه أحد غيره .(1)

[وأمّا الآخرون فإنهم ]احتجّوا بمتشابه القرآن فتأولوا بآرائهم واتهموا مأثور الخبر ممّا استحسنوا ، يقتحمون في أغمار الشبهات ودياجير الظلمات بغير قبس نور من الكتاب ولا أثرة علم من مظانّ العلم .(2)

أرادوا الهدى من تلقاء أنفسهم، فقالوا : لِمَ ؟ ومَن ؟ وكيف ؟ فأتاهم الهلك من مأمن احتياطهم، وذلك بما كسبت أيديهم وما ربك بظلاّم للعبيد .

ولم يكن ذلك لهم ولا عليهم ، بل كان الفرض عليهم والواجب لهم من ذلك الوقوف عند التحيّر وردّ ما جهلوه من ذلك إلى عالمه ومستنبطه ؛ لأن اللّه يقول في محكم كتابه : «ولَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ إِلى أُولي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ»يعني آل محمد ، وهم الذين يستنبطون من] منهم [القرآن .(3)

فالردّ إلى اللّه الأخذ بمحكم كتابه ، والردّ إلى الرسول الأخذ بسنته الجامعة غيرالمتفرقة ، ونحن أهل رسول اللّه الذين نستنبط المحكم من كتابه ونميّز المتشابه منه ونعرف الناسخ ممّا نسخ اللّه .(4)

وقالوا لمن يدّعي العلم بتفسير القرآن : [فهل] تعرف كتاب اللّه حق معرفته وتعرف الناسخ والمنسوخ ؟ ولقد ادّعيت علما ! ويلك ما جعل اللّه ذلك إلاّ عند أهل الكتاب الذين أنزل عليهم ، ويلك ولا هو إلاّ عند الخاصّ من ذرية نبينا صلى الله عليه و آله وسلم .(5)

ص: 245


1- . في الرواية المرقمة [238] .
2- . في الرواية المرقمة [234] .
3- . في الرواية المرقمة ]244] .
4- . في الرواية المرقمة [245] .
5- . في الرواية المرقمة [232] .

وأهل البيت عليهم السلام هم أهل الذكر في قول اللّه تعالى : «فَاسْألُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ» ، فان الذكر رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم أوالقرآن والأئمة هم أهل الذكر وهم المسؤولون ،(1) فقد جعل اللّه تعالى للقرآن أهلاً أغناكم بهم عن جميع الخلائق ، لا علم إلاّ ما أمروا به ، ولم يؤروا بسؤل الجهال .(2)

وإنما على الناس أن يقرؤوا القرآن كما أنزل فإذا احتاجوا إلى تفسيره فالاهتداء بنا وإلينا ،(3) فإيّاك أن تفسّر القرآن برأيك حتى تفقهه عن العلماء فإنه ربّ تنزيل يشبه بكلام البشر ، وهو كلام اللّه وتأويله لا يشبه كلام البشر فلا تشبه كلام اللّه بكلام البشر فتهلك وتضلّ .(4)

هذا ، مضافا إلى ما مرّ من تلخيص بعض النصوص عند التكلم على ما نقلناه عنه في الرقم [7] ، وبالجملة الروايات المتظافرة - على اختلاف مضامينها - متفقة في الدلالة على ما ذكرناه ، ولا تكون منحصرة فيما أورده المصنف من النصوص الّتي لا تتجاوز عدد الأصابع !

تنبيهات

الأول :

إن الروايات الواردة في المقام كثيرة جدّا ، ومضافا إلى اتفاق الفريقين على نقل بعضها ، صرّح غير واحد من الأعيان بأنها كثيرة أو مستفيضة أو متواترة ، كما مرّ في الفصل الرابع عن المحقق النائيني رحمه الله ، وحينئذ فلا مجال للمناقشة فيها من حيث

ص: 246


1- . في الروايات المرقمة [246 - 261] .
2- . في الرواية المرقمة [261] .
3- . في الرواية المرقمة [267] .
4- . في الرواية المرقمة [268] .

السند ، إذ يحصل العلم من مجموعها ولا ينكر ذلك إلاّ المكابر !

الثاني :

إن كثيرا من الروايات ورد فيها لفظة (التفسير) أو ما يعمّه، وبعض الروايات وإن اشتملت على لفظة (التأويل) ، إلاّ أن التأويل أيضا قد يأتي بمعنى التفسير ، كما مرّ في رواية: أبي الصلت الهروي عن مولانا الرضا عليه السلام : فقام إليه علي بن محمد بن الجهم فقال له : يا ابن رسول اللّه ! أتقول بعصمة الأنبياء ؟ قال : بلى .

قال : فما تعمل في قول اللّه عزّ وجلّ : «وعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى» ، وقوله عزّ وجلّ : «وذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ» ، وقوله في يوسف : «ولَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وهَمَّ بِها» ، وقوله عزّ وجلّ في داود : «وظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنّاهُ» ، وقوله في نبيّه محمد صلى الله عليه و آله وسلم : «وتُخْفِي في نَفْسِك مَا اللّهُ مُبْدِيهِ وتَخْشَى النّاسَ واللّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ» ؟

فقال مولانا الرضا عليه السلام : ويحك يا علي ! اتق اللّه ولا تنسب إلى أنبياء اللّه الفواحش ، ولا تتأول كتاب اللّه عزّ وجلّ برأيك فإن اللّه عزّ وجلّ يقول : «وما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللّهُ والرّاسِخُونَ في الْعِلْمِ» .(1)

وكما مرّ عن مولانا الكاظم عليه السلام : ... وأمر يحتمل الشك والإنكار ، وسبيل استيضاح أهله الحجّة عليه ، فما ثبت لمنتحليه من كتاب مستجمع على تأويله أو سنة عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم لا اختلاف فيها أو قياس تعرف العقول عدله ضاق على من استوضح تلك الحجّة ردّها ووجب عليه قبولها والإقرار والديانة بها ، وما لم يثبت لمنتحليه به حجّة - من كتاب مستجمع على تأويله . .(2)

ص: 247


1- . تقدم في الفصل الثاني في الرواية المرقمة [77] .
2- . تقدم في الفصل الأول في الرواية المرقمة [13] .

ومرّ في مقدمة الكتاب في الهامش أن ابن عباس قال لمعاوية : فتنهانا عن تأويله ؟ قال : نعم ، قال : فنقرؤ ولا نسأل عن ما عنى الله به ؟ قال : نعم ! قال : فأيّما أوجب علينا : قراءته أو العمل به ؟ قال : العمل به ، قال : فكيف نعمل به حتى نعلم ما عنى الله بما أنزل علينا ؟! . .(1)

و قد اعترف بذلك في تفسيرالميزان إذ قال - بعد أن نقل عن مولانا الصادق عليه السلام: نحن الراسخون في العلم ونحن نعلم تأويله - :

أقول : . . ولا يبعد كل البعد أن يكون المراد بالتأويل هو المعنى المراد بالمتشابه ، فإن هذا المعنى من التأويل المساوق لتفسير المتشابه كان شائعا في الصدر الأول بين الناس .(2)

وقال في موضع آخر :

و أمّا تفصيلا فيرد على القول الأول : ان أقلّ ما يلزمه أن يكون بعض الآيات القرآنية لا ينال تأويلها أي تفسيرها أي المراد من مداليلها اللفظية عامّة الأفهام . .(3)

الثالث :

إذا تأملت في الروايات الماضية يظهر لك الإشكال فيما أورده في تفسير الميزان بقوله : وأما قوله عليه السلام: نحن الراسخون في العلم ، وقد تقدم في رواية للعياشي عن الصادق عليه السلام قوله : والراسخون في العلم هم آل محمد ، وهذه الجملة مروية في روايات أخر أيضا ، فجميع ذلك من باب الجري والانطباق .(4)

ص: 248


1- . انظر : كتاب سليم 783 ، الاحتجاج 2 / 293 ، المناقب 2 / 351 ، الصراط المستقيم 1 / 151 ، بحارالأنوار 33 / 179 و 42 / 37 و 44 / 124 .
2- . تفسيرالميزان 3 / 69 .
3- . تفسيرالميزان 3 / 47 .
4- . تفسيرالميزان 3 / 70 .

أقول : بل من باب حصر الراسخون فيهم ، كما يدل عليه غير واحد من الروايات التي نقلناها بل يشير إليه ما نقله نفسه بعد أسطر :

وفي الكافي عن الباقر عليه السلام : « أن الراسخين في العلم من لا يختلف في علمه » .

فإن هذا الكلام لا ينطبق إلاّ على الأئمة المعصومين عليهم السلام ، فكيف غفل عنها ؟ ! كما غفل أيضا عن قول أمير المؤنين عليه السلام - وقد مرّ - : أين الذين زعموا أنهم «الرّاسِخُونَ في الْعِلْمِ» دوننا كذبا وبغيا علينا وحسدا لنا ؟ !

قال العلامه الحلّي رحمه الله - بعد قوله تعالى : «وأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ . . .وما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ والرّاسِخُونَ في الْعِلْمِ» - :

انه تعالى حكم بعلم تأويله لقوم مخصوصين ميّزهم بكونهم راسخين في العلم ، وهذا لا يعلم إلاّ من المعصوم ؛ إذ غيره لا يعرف حصول الصفة فيه .(1)

ومرّ عن بعض المعاصرين : أن المعروف عن مذهب أهل البيت والمروي بأسانيد كثيرة هو أنهم عليهم السلام هم المعنيّون بهذه الآية ، دون كل أحد .(2)

الرابع :

يظهر من تفسير الميزان الإشكال على الاستدلال بقوله تعالى : «بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ في صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ» - بضميمة الروايات كما مرّ(3) - بأن هذه الرواية بصدد بيان أكمل الأفراد لا حصرها فيهم عليهم السلام قال :

ص: 249


1- . الألفين 98 ، وقد مرّ بتمامه في الفصل الرابع .
2- . خلفيات كتاب مأساة الزهراء عليهاالسلام 3 / 149 للسيد جعفر مرتضي .
3- . انظر الفصل الرابع الروايات المرقّمة : [202 إلى 206] .

وفي الكافي بإسناده عن العبدي ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام : في قول اللّه عزّ وجلّ : «بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ في صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ» قال : هم الأئمة .

أقول : وهذا المعنى مروي في الكافي ، وفي بصائرالدرجات بعدّة طرق، وهو من الجري بمعنى انطباق الآية على أكمل المصاديق بدليل الرواية الآتية .

وفي البصائر ، بإسناده عن بريد بن معاوية عن أبي جعفر عليه السلام قال : قلت له : «بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ في صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ» فقال : أنتم هم ، من عسى أن يكونوا ؟(1)

أقول يرد عليه :

أولاً: إن قوله عليه السلام : «من عسى أن يكونوا غيرنا» - في سائر النصوص - صريح في اختصاصها بهم عليهم السلام وإنكار اشتراك غيرهم معهم فيها .

وثانياً : لم نجد ما نقلها في بصائر الدرجات ! - لا في الطبعة الحروفية ولا الحجرية - وإنما الموجود فيه من رواية بريد بن معاوية هكذا :

قلت له : قول الله : «بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ في صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ» ؟ قال : إيّانا عنى .(2)

وثالثا : روى في بصائر الدرجات بعد رواية بريد بن معاوية عن أبي بصير ما يقرب من عبارة تفسير الميزان ، وهذه عبارته :

عن أبي جعفر عليه السلام قال : تلى هذه الآية : «بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ في صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ» ، قال : أنتم هم ، قال أبي(3) جعفر : من عسى أن يكونوا .(4)

ص: 250


1- . تفسيرالميزان 16 / 142 - 143 .
2- . بصائر الدرجات 204 ، ولاحظ الطبعة الحجرية الباب الحادي عشر من الجزء الرابع .
3- . كذا في المصدر .
4- . بصائرالدرجات 205 .

فلعلّ صاحب تفسير الميزان نقل صدر الرواية الأولى ملصقا بذيل الرواية الثانية ! ولكن وقع في كتاب بصائر الدرجات تصحيف في هذا الموضع ، ويشهد لذلك أمران :

الف ) تكرار لفظ ( قال )، ولا وجه له .

فقوله : (قال أبو جعفر) بعد (قال : انتم هم) لا يستقيم إلاّ أن يكون القائل الثاني غير القائل الأول ، فالأول سائل والثاني مجيب .

ب) ما روي عن أبي بصير(1) وغيره - بل وفي نفس بصائر الدرجات تجد ما يقرب من عشرين رواية في ذلك - والجميع يفيد العبارة الآتية:

قلت ( يعنى سأل الراوي ) : من هم؟ أو: قلت: أنتم هم؟ ثم ذكر في الجواب : قال عليه السلام : «من عسى أن يكونوا؟» أو قال: «من عسى أن يكونوا غيرنا».

ومن راجع المصادر ولاسيما بصائرالدرجات يجزم ببطلان ما اختاره في تفسير الميزان ، وتصحيف الرواية التي نقلها ، وأن النصوص صريحة فيما ذكرناه .

ورابعا : الرواية المنقولة عن بصائر الدرجات في وسائل الشيعة ، وإن كانت شبيهة بما نقله صاحب تفسير الميزان ، فيحتمل استناده إليها ، إلاّ أنها أيضا لا تدلّ

على مقصوده ، لوجود لفظة (غيرنا) في آخرها ولم ينقلها في تفسير الميزان ! وإليك عبارة الوسائل بعينها :

عن يعقوب بن يزيد ومحمد بن الحسين عن ابن أبي عمير عن عمر بن أذينة عن بريد بن معاوية عن أبي جعفر عليه السلام قال : قلت له : قول الله : «بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ في

ص: 251


1- . لاحظ بصائرالدرجات 206 ، الرواية التاسعة والثالثة عشر .

صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ» : أنتم هم ؟ قال : من عسى أن يكونوا غيرنا .(1)

فإنها كما ترى تدلّ بوضوح على أن قوله : (انتم هم) من سؤال الراوي ، لا من كلام الإمام عليه السلام ، مضافا إلى صراحة الجواب - يعني قوله عليه السلام : ( من عسى أن يكونوا غيرنا ) - في الانحصار .

الخامس :

قد مرّ الاستدلال ببعض الآيات مثل قوله تعالى : «كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْك لِتُخْرِجَ النّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ»(2) و«وأَنْزَلْنا إِلَيْك الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ولَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ» ،(3) وغيرهما على المطلوب ، توضيح ذلك : انا نجد في هذه الآيات إضافة الإخراج - من الظلمات إلى النور بالقرآن - إلى النبي الاعظم صلى الله عليه و آله وسلم ، وكذا أُضيف تبيين القرآن إلى النبي صلى الله عليه و آله وسلم لا إلى نفس القرآن فقط ، فكيف يمكن أن يدّعى الاستغناء عن بيانه صلى الله عليه و آله وسلم ؟ ! إذ بناءً على استغناء القرآن عن التبيين - كما توهّم - لابدّ وأن تكون الآيات هكذا : ( . . ليخرج الناس من الظلمات . . ) و( . . ليبيّن لهم . . ) ، وهكذا .

فكلام صاحب تفسير الميزان ينافي ظاهر الآيات الدالّة على أن للنبي الأعظم صلى الله عليه و آله وسلم خصوصية في ذلك ؛ لأن إلغاء الخصوصية يحتاج إلى الدليل ، وكذا ينافي كثيرا من الروايات .(4)

ص: 252


1- . وسائل الشيعة 27 / 198 ، وفي طبعة الاسلامية 18 / 146 .
2- . ابراهيم : 1 .
3- . النحل : 44 .
4- . مرّصفحة 117 - 118 عن الشيخ الصدوق في كمال الدين 2/663 ما يناسب المقام فراجع .

نعم إنه تسلّم حجية النصوص في التفسير في الجملة حيث قال - في تفسير قوله تعالى : «وأَنْزَلْنا إِلَيْك الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ولَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ» - :

وفي الآية دلالة على حجية قول النبي صلى الله عليه و آله وسلم في بيان الآيات القرآنية ... ، وأما ما ذكره بعضهم أن ذلك في غير النصّ والظاهر من المتشابهات أو فيما يرجع إلى أسرار كلام اللّه وما فيه من التأويل فممّا لاينبغي أن يصغى إليه.

هذا في نفس بيانه صلى الله عليه و آله وسلم ويلحق به بيان أهل بيته لحديث الثقلين المتواتر وغيره . وأما سائر الأمة من الصحابة أو التابعين أو العلماء فلا حجية لبيانهم لعدم شمول الآية وعدم نصّ معتمد عليه يعطي حجية بيانهم على الإطلاق .(1)

ولكن لابدّ من التنبيه عليه أمرين :

الأول: إنه يستشكل في تعميم ذلك لما لا يمكن استفادته من القرآن ولا يوافق ظاهر الآيات ، كما مرّ ويأتي ويصرّح به في الأرقام [17 ، 18 ، 19] .

الثاني: ان القول بالحجية لا ينافي ما أصرّ عليه من إثبات استقلال القرآن في الحجية وإنكار حاجته إلى تفسير المعصومين عليهم السلام ، فتأمل .

توهم أن الآيات تدل على أن المعارف القرآنية يمكن أن ينالها الباحث

[ 17 ] قوله : فإن قلت : لا ريب أن القرآن إنما نزل ليعقله الناس ويفهموه ، كما قال تعالى : «إِنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْك الْكِتَاب لِلنَّاس» ،(2) وقال تعالى : «هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ»(3) إلى غير ذلك من الآيات ، ولا ريب أن مبيّنه هو الرسول صلى الله عليه و آله وسلم ، كما قال تعالى : «وأَنْزَلْنا إِلَيْك الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِم» ،(4) وقد بيّنه للصحابة ثم أخذ عنهم

ص: 253


1- . تفسيرالميزان 12 / 261 .
2- . الزمر : 41 .
3- . آل عمران : 138 .
4- . النحل : 44 .

التابعون ، فما نقلوه عنه صلى الله عليه و آله وسلم فهو بيان نبوي لا يجوز التجافي والإغماض عنه بنصّ القرآن . . .

قلت : قد مرّ فيما تقدّم أن الآيات التي تدعو الناس عامّة - من كافر أو مؤن ممن شاهد عصر النزول أو غاب عنه - إلى تعقّل القرآن وتأمّله والتدبر فيه ، وخاصّة قوله تعالى : «أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِندِ غَيرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافاً كثِيراً»(1) تدلّ دلالة واضحة على أن المعارف القرآنية يمكن أن ينالها الباحث بالتدبر والبحث .(2)

أقول : أمّا الاستدلال بالتدبر فذكرنا ما يرد عليه في الرقم [5] فراجع .

والاستدلال بقوله تعالى: «أفَلايَتَدَبَّرُونَ» فذكرنا مايرد عليه في الرقم[6] فلانعيد.

وفي الحقيقة ان المؤلف سكت عن جواب الاستدلال بالآية الشريفة : «وأَنْزَلْنا إِلَيْك الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِم» ، فإذا قال اللّه تعالى أنه أنزل القرآن ليبيّنه النبي صلى الله عليه و آله وسلمللناس ؛ كيف يجوز أن نقول نحن : حسبنا التدبر والتفكر في كتاب اللّه وأنّا في غنى عن بيان رسولك ، وأن المعارف القرآنية يمكن أن ينالها الباحث بالتدبر والبحث !

وقد مرّ أخيرا في التنبيه الخامس بعد الرقم [16] ما يفيد في هذا المقام، فراجع .

[ 18 ] قوله : ويرتفع به ما يتراءى من الاختلاف بين الآيات .(3)

أقول : يرد عليه ما ذكرنا في الرقم [6] فلا نعيد .

ص: 254


1- . النساء : 82 .
2- . تفسيرالميزان 3 / 83 - 84 .
3- . تفسيرالميزان 3 / 84 .

توهم أنه لا معنى لإرجاع فهم معاني الآيات حتى إلى النبي

[ 19 ] قوله : والآية في مقام التحدّي ، ولا معنى لإرجاع فهم معاني الآيات - والمقام هذا المقام - إلى فهم الصحابة وتلامذتهم من التابعين حتى إلى بيان النبي صلى الله عليه و آله وسلم[!] فإن ما بيّنه إمّا أن يكون معنى يوافق ظاهر الكلام فهو ممّا يؤّي إليه اللفظ ولو بعد التدبر والتأمل والبحث ، وإمّا أن يكون معنى لا يوافق الظاهر ولا أن الكلام يؤّي إليه فهو ممّا لا يلائم التحدّي ولا تتمّ به الحجّة ، وهو ظاهر .(1)

أقول : لو تحدّى مؤلفٌ بكتابه فرجعتم إلى الكتاب وبمطالعة بعضه وجدتموه وافيا بالمطلب رائعا في موضوعه أو لستم تكتفون بهذا المقدار في تصديق مؤلفه ؟ أو تقولون يتوقف تصديقه على لزوم مراجعته من أوله إلى آخره وفهم جميع مطالبه ؟ فكذلك في المقام من راجع القرآن وثبت له أنه حق من اللّه تعالى لإحدى جهات إعجازه مثل إخباره عن المغيّبات أو فصاحته وبلاغته أو... يكفي ذلك لتحقق التحدي ولا يجب عليه مراجعة القرآن بتمامه أو أن يكون قادرا على فهمه بكماله ، فيكفي في التحدي فهم بعض القرآن مع العجز عن إتيانهم بمثله .

ويشهد لذلك انه استثنى أخيراً كما يأتي في الرقم [20] بعض الآيات - أي ما يرتبط بالأحكام والقصص والمعاد - فتسلّم توقف بعض الآيات على بيان النبي صلى الله عليه و آله وسلم من دون أن يكون هذا منافياً للآيات الدالّة على التعقّل والتأمل والتدبر في القرآن أو ما دلّ على التحدّي والإعجاز .

فنحن نقول : لابدّ من ضمّ الآيات المتشابهة إلى موارد الاستثناء - بدلالة النصوص - ولا يلزم منه محذورٌ أبداً ، فما أجاب به المصنف في موارد الاستثناء هو جوابنا في الآيات المتشابهة .

ص: 255


1- . تفسيرالميزان 3 / 84 .

فلا يلزم من تحدّي القرآن وإعجازه ، عدم وجود الإبهام في الآيات حتى يدّعى استغناء الناس عن بيان النبي والأوصياء عليهم السلام في فهم القرآن ، أو أن الناس يتمكنون من رفع الإبهام من قبل أنفسهم بالتأمل والتدبر في الآيات من دون من مراجعة النصوص ؛ وأقلّ ما يرد على هذه الفكرة :

الف ) هل تلتزمون بأن القرآن لم يكن معجزة قبل نزوله بتمامه ؟ فإذا نزلت آية متشابهة ولم تنزل ما يرتفع تشابهها بعد كيف يكون التعقل والتدبر كافياً في رفع إبهامها ؟ أليس يلزم من هذا الكلام عدم إعجازالقرآن في تلك الظروف ؟!

ب ) ماذا يصنع بالحروف المقطعة ، لابدّ وأن يلتزم بخروجها عن دائرة الإعجاز والتحدّي ! وحينئذ نقول : ما هو الفارق بينها وبين سائر المتشابهات ؟ !

وقد مرّ في الفصل الرابع قول الفقيه الكبير الشيخ جعفر كاشف الغطاء رحمه الله في اختصاص الإعجاز والحجّة و... بغير المتشابه فراجع .

فالحق أن التحدي بالقرآن لا يتوقف على أن يكون بأجمعه ممّا يناله الناس - كما زعمه المؤلف - ولا ينافي وجود المتشابه في آياته .

قوله : إمّا أن يكون معنى يوافق ظاهر الكلام . . إلى آخره .

أقول : بل قد نحتاج إلى بيانهم عليهم السلام حتى في الاستظهار من الآيات الشريفة بحيث لولا بيانهم لا نقدر على الوصول إلى هذا الظهور ، فانظر - مثلاً - إلى ما أجاب به أمير المؤمنين عليه السلام في الردّ على مدّعي التناقض في القرآن .(1)

قوله : وإمّا أن يكون معنى لا يوافق الظاهر ولا أن الكلام يؤّي إليه فهو ممّا لا يلائم التحدّي ولا تتمّ به الحجّة .

ص: 256


1- . التوحيد 255 - 269 ، الاحتجاج 1 / 241 - 258 ، بحارالأنوار 90 / 98 - 127 ، 127 - 142 ، مع اختلاف في بعض المطالب ، وزيادة ونقصان .

أقول : يظهر جوابه ممّا مرّ في تخصيص الكتاب ونسخه بالسنة عند الكلام على الرقم [7] ؛ فإن المتتبع في الحديث والفقه وغيرهما يجد آيات كثيرة فسّرها الحجج المعصومون عليهم السلام بما لا يوافق الظاهر ، إذ لا ريب في أن الخاص لا يوافق العام وهكذا . . ولم ينكره أحد كما يظهر من ملاحظة كلمات الأعيان ، ولاسيما كلام الشيخ الأنصاري قدس سره حيث قال : ومن المعلوم ضرورة من مذهبنا تقديم نصّ الإمام عليه السلام على ظاهر القرآن ، كما أن المعلوم ضرورة من مذهبهم ( أي مذهب العامّة ) العكس !(1)

وما ورد من السُنّة في مثل آيات الارث(2) لا يوافق الظاهر ولا الكلام يؤّي إليه فهل يلتزم بأنه ممّا لا يلائم التحدّي ولا تتمّ به الحجّة ؟!

استثناؤه تفاصيل الأحكام والقصص والمعاد

[ 20 ] قوله : نعم تفاصيل الأحكام ممّا لا سبيل إلى تلقّيه من غير بيان النبي صلى الله عليه و آله وسلم ، كما أرجعها القرآن إليه في قوله تعالى : «وَمَا آتَاكُمُ الرَّسولُ فَخُذُوهُ»(3) وما في معناه من الآيات ، وكذا تفاصيل القصص والمعاد مثلا .(4)

أقول يرد عليه أولاً: إنّ ما ادّعاه ممّا لا يقبل الاستثناء أبداً ، إذ كيف يعقل استنارة النور - ولو في مورد واحد - بنور غيره ؟ ! ولماذا لا يكون القرآن الذي فيه تبيان كل

شيء تبياناً لنفسه في هذا المورد ؟ ! و . .

وثانياً: هل يلتزم باختصاص الإعجاز والتحدّي و . . . بغير هذه الموارد ؟

وثالثا : هذا ينافي ما ذكره في موضع آخر من إرجاع المتشابه إلى المحكم حتى في الأحكام الفرعية ، إذ قال :

ص: 257


1- . فرائدالأصول 1 / 58 .
2- . سورة النساء : 11 - 12 . ولاحظ تفسيرالميزان 4/213 - 214 ،
3- . الحشر : 8 .
4- . تفسيرالميزان 3 / 84 .

ومنها ما يتعلق بالنواميس الاجتماعية والأحكام الفرعية، واشتمال هذا القسم من المعارف على الناسخ والمنسوخ بالنظر إلى تغيّر المصالح المقتضية للتشريعات ونحوها من جهة ، ونزول القرآن نجوما من جهة أُخرى يوجب ظهور التشابه فيآياتهاويرتفع التشابه بارجاع المتشابه الى المحكم والمنسوخ الى الناسخ.(1)

ورابعا : ما هو الدليل على اختصاص قوله تعالى : «وَمَا آتَاكُمُ الرَّسولُ فَخُذُوهُ» بالأحكام الفرعية ؟ وما هو المانع من شموله لبيان الآيات المتشابهات وغيرها ؟!(2) فلو اعتقد الناس تأثير النجوم في المقدّرات أو زعموا شيئا باطلاً في المقصود من آية متشابهة فقال لهم النبي صلى الله عليه و آله وسلم ما يخالف اعتقادهم أو بيّن لهم أمورا من الرجعة والبرزخ والقيامة، فلا ريب في وجوب الأخذ بقوله، ولا مانع لشمول قوله : «وَمَا آتَاكُمُ الرَّسولُ فَخُذُوهُ» لها ، و كذا قوله :«وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَاب وَالحِْكْمَةَ» و «وأَنْزَلْنا إِلَيْك الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِم» وغيرهما لمثل ذلك .(3)

وخامسا : إن هذا البيان لا يجديه شيئا حتى في آيات الأحكام ؛ إذ هذا التزام ببقاء تشابه الآيات ، وأن التشابه إنما يرتفع ببيان النبي صلى الله عليه و آله وسلم فإن لم يصل إلينا بيانه في آية لا ترتفع تشابهها بشيء.

وسادسا : كما أن اللّه تعالى أرجعنا إلى النبي صلى الله عليه و آله وسلم في آيات الأحكام ، كذلك أرجعنا إليه وإلى أوصيائه المعصومين عليهم السلام في جميع الآيات المتشابهة ، كما مرّ .

ص: 258


1- . تفسيرالميزان 3 / 23 .
2- . وترى شمولها لمثل مبحث الإمامة في تفسير فرات الكوفي 475 ، تفسيرالعياشي 1 / 167 ، تفسيرالقمي 2 / 300 - 301 ، بحارالأنوار 29 / 19 و 39 / 232 - 233 .
3- . إشارة إلى ما ذكره صاحب الميزان - مستندا إلى هذه الآيات بعد التصريح باستقلال القرآن في دلالته - : ان النبي صلى الله عليه و آله والأئمة عليهم السلام يبيّنون القوانين وتفاصيل الأحكام التي لا يمكن استفادته من ظواهر القرآن . قرآن در اسلام صفحة 41 ، فتبيّن أنه لا دليل على اختصاص أمثال هذه الآيات بالأحكام .

والمحصل : أن اللّه تعالى بيّن لنا بواسطة الحجج عليهم السلام مدى تمكّن عقولنا من استكشاف معاني الآيات الواردة في كتابه ، وذكر أن له في القرآن طريقاً خاصاً بإيراد آيات مبهمة لعموم الناس - سمّاها بالمتشابهات - لكي يحتاجوا في فهمها إلى إتيان أبواب علم النبي صلى الله عليه و آله وسلم - أي الأئمة عليهم السلام - ولا يستغنوا عنهم في ذلك .

وسابعاً : لو سلّمنا الاستثناء في الأحكام الفرعية بدلالة الآية المذكورة ، فما هو وجه الاستثناء في القصص وتفاصيل المعاد ؟ !

وثامنا : هل تلتزمون بما ورد في النصوص المعتبرة الواردة في تفاصيل ما يقع في المعاد وما صرّح فيها بالمعاد الجسماني ؟!

وهل تقبلون ما ورد في القصص القرآنية من الروايات المعتبرة مثل ما ورد بدء الخلق ؟! فلماذا حملتم الآيات فيه على التمثيل ؟(1)

وبالجملة؛ لا ريب في إباء استدلاله عن التخصيص والاستثناء فلاحظ نصّ كلامه في الرقم [7] و غيره ، فحينئذ نقول : يحتمل في قوله : (نعم تفاصيل الأحكام ممّا لا سبيل إلى تلقّيه من غير بيان النبي صلى الله عليه و آله وسلم... إلى آخره) وجهان : الاؤ : أن يكون هذا الكلام منه استثناءً عمّا ذكره أولاً ؛ فيكون نقضا صريحا لكلامه السابق . الثاني : أن يكون الغرض منه أن هذه الآيات وإن كانت واضحة ومبيّنة في نفسها إلاّ أن ما يندرج تحتها من التفاصيل والجزئيات يتوقّف على بيان النبي صلى الله عليه و آله وسلم ؛ فيرد عليه : أنّا نجد في آيات الاحكام وغيرها ما لا يتبيّن معناها بنفسها، ولا مناص في فهمها من الرجوع إلى بيان النبي صلى الله عليه و آله وسلم و أوصيائه عليهم السلام مثل آيات الارث.(2)

ص: 259


1- . قال - في تفسيرالميزان 1 / 132 - : وبالجملة يشبه أن تكون هذه القصة التي قصّها اللّه تعالى من إسكان آدم وزوجته الجنّة ثم إهباطهما لأكل الشجرة كالمثل يمثّل به . وجزم به في 8 / 23 ، 27 ، 60 و14 / 218 - 219 ، وسبقه في ذلك صاحب تفسيرالمنار !! ويأتي تفصيله في الخاتمة .
2- . سورة النساء : 11 - 12 . ولاحظ تفسيرالميزان 4/213 - 214 ،

توهم أن شأن النبي في ذلك هو التعليم - بمعناه الخاص - فحسب

[ 21 ] قوله : ومن هنا يظهر أن شأن النبي صلى الله عليه و آله وسلم في هذا المقام هو التعليم فحسب ، والتعليم إنما هو هداية المعلّم الخبير ذهن المتعلّم وإرشاده إلى ما يصعب عليه العلم به والحصول عليه لا ما يمتنع فهمه من غير تعليم ، فإنما التعليم تسهيل للطريق وتقريب للمقصد لا إيجاد للطريق وخلق للمقصد . . . فالنبي صلى الله عليه و آله وسلم إنما يعلّم الناس ويبيّن لهم ما يدلّ عليه القرآن بنفسه ويبيّنه الله سبحانه بكلامه ويمكن للناس الحصول عليه بالأخرة لا(1) أنه صلى الله عليه و آله وسلم يبيّن لهم معاني لا طريق إلى فهمها من كلام الله تعالى ، فإن ذلك لا ينطبق البتة على مثل قوله تعالى : «كِتاَبٌ فُصِّلَت آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ»(2) وقوله تعالى : «وَهَذَا

لِسانٌ عَرَبىُّ مبِينٌ» .(3)

أقول : لنا أن نسأل المؤلف : ما هو المراد من التعليم في آيات الأحكام ونحوها؟! فهل التعليم فيها تعليم ما يمكن الناس أن يصلوا إليه بالأخرة أم غيره؟

فما أجاب به هناك هو الجواب في الآيات المتشابهة .

ثم نقول : قد يكون التعليم فيما يمتنع فهمه من غير تعليم ، فكما أنا تعلّمنا كيفية الاتيان بالصلاة وأداء الزكاة وغيرهما من الفرائض الواردة في القرآن من بيان

ص: 260


1- . لفظة لا ساقطة في الطبعات الأخيرة ، وبدّلوها ب- : ( لأنه ) ، ونحن أثبتناها من الطبعة الأولى للكتاب وهو طبعة دارالكتب الإسلامية للشيخ محمد الآخوندي 3 / 87 ، فراجع ، وهو المناسب لما يقتضيه سياق الكلام. وقال المترجم - في ترجمة الميزان 3 / 132 - : به حكم اين آيات رسول اللّه صلى الله عليه و آله تنها چيزى از كتاب را به بشر تعليم مى داده و برايشان بيان مى كرده كه خود كتاب بر آن دلالت مى كند ، و خداى سبحان خواسته است با كلام خود آن را به بشر بفهماند ، و دست يابى بر آن براى بشر ممكن است ، نه چيزهائى را كه بشر راهى به سوى فهم آنها ندارد ، و ممكن نيست آن معانى را از كلام خداى تعالى استفاده كند .
2- . حم السجدة : 3 .
3- . تفسيرالميزان 3 / 85 ، والآية المباركة في سورة النحل : 103 .

النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم بحيث لولا بيانه صلى الله عليه و آله وسلم لم يكن لنا سبيل إلى تعلّمها ، فكذلك المعارف التي وردت في الآيات المتشابهة فإن من شؤون النبيّ صلى الله عليه و آله وسلموأهل بيته عليهم السلام - التي دلّ عليها الكتاب والسنة - هو تبيين القرآن وتفسيره ، وإنهم عليهم السلام يبيّنون للناس ما يعجزون عن نيله ودركه لولا بيانهم ، فليس المراد امتناع فهم المطلب على الناس مطلقاً حتى يرد ما ذكره - من أن التعليم ليس إيجاداً للطريق وخلقا للمقصد - ، بل المراد

امتناع الفهم وقصورنا عن نيل المقصود لولا بيانهم عليهم السلام .

وقد تقدّم ان اللّه تعالى خاطب النبي صلى الله عليه و آله وسلم ليلة المعراج فقال : يا محمد ! فهل اتخذت لنفسك خليفة يؤّي عنك ويعلّم عبادي من كتابي ما لا يعلمون ؟ (1)

وعن أمير المؤمنين عليه السلام : وإنما هلك الناس في المتشابه ؛ لأنهم لم يقفوا على معناه ولم يعرفوا حقيقته فوضعوا له تأويلا من عند أنفسهم بآرائهم ، واستغنوا بذلك عن مسألة الأوصياء ، ونبذوا قول رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم وراء ظهورهم .(2)

وعن أبي جعفر عليه السلام : وخاطب اللّه نبيّه به ونحن ، فليس يعلمه غيرنا.(3)

وعن أبي عبد اللّه عليه السلام : إياك وتلاوة القرآن برأيك فإن الناس غير مشتركين في علمه كاشتراكهم فيما سواه من الأمور ولا قادرين عليه ولا على تأويله إلاّ من حدّه وبابه .(4) .. إلى غير ذلك وقد مرّ بعضها .

أمّا قوله تعالى : «كِتاَبٌ فُصِّلَت آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ» ، فإن اللّه تعالى لم يقل لجميع الناس بل قال : لقوم يعلمون ، وقد مرّ في الرواية المرقمة ]227 ]: «إنما القرآن أمثال لقوم يعلمون دون غيرهم... فأما غيرهم فما أشدّ إشكاله عليهم

ص: 261


1- . تقدم في الفصل الثالث في الرواية المرقمة [107] .
2- . تقدم في الفصل الثاني في الرواية المرقمة [70] .
3- . تقدم في الفصل الثالث في الرواية المرقمة [231] .
4- . تقدم في الفصل الثالث في الرواية المرقمة [227] .

وأبعده من مذاهب قلوبهم» . فانها تدلّ على اختصاص الآية بالمعصومين عليهم السلام .

أمّا قوله تعالى : «وَهَذَا لِسانٌ عَرَبىُّ مبِينٌ» ، فعليك بملاحظة صدر الآية : «وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ» فأين هذا من الدلالة على دعواه ؟!

فإن المبين إمّا صفة اللسان أو العربي ، وعلى أيّ تقدير فنزول القرآن بلسان عربي مبين - من شأنه أن يُبين المعاني ويدلّ عليها دلالة أبلغ من غيره - دون اللسان العجمي ، كيف يدل على استغناء الناس عن بيان النبي صلى الله عليه و آله وسلم ؟!

بل لو سلّم دلالتها على ذلك لكان اللازم تقييدها بسائر الأدلة ، كما مرّ .

توهم أن روايات العرض تدل على استفادة جميع ما في النصوص من القرآن

[ 22 ] قوله: على أن الأخبار المتواترة عنه صلى الله عليه و آله وسلم المتضمّنة لوصيته بالتمسك بالقرآن والأخذ به وعرض الروايات المنقولة عنه صلى الله عليه و آله وسلم على كتاب اللّه لا يستقيم معناها إلاّ مع كون جميع مانقل عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم ممّا يمكن استفادته من الكتاب.(1)

أقول: أولاً : هذه النصوص - أي الآمرة بالتمسك بالقرآن والأخذ به وعرض الروايات عليه - بأجمعها تختصّ بالمحكمات ، أما المتشابهات فلا تكون حجّة ولا يجوز التمسك بها أو الحكم بأن الروايات توافقها أو تخالفها إلاّ بعد أن علمنا المراد منها بالنصّ منهم عليهم السلام . وقد مرّ الكلام في ذلك في الرقم [ 11 ]ونقلنا عن بعض الأعلام ما يفيد في المقام ، فلا تغفل .

وثانيا : ليس المراد من عرض الروايات على القرآن ما ذكره ، فهل يمكن أن يكون جميع ما قاله النبي صلى الله عليه و آله وسلم والأئمّة عليهم السلام - في المعارف والعقائد والأحكام وتفاصيل القصص والإخبار عن المغيبات وغيرها - مذكوراً تفصيلاً في القرآن ؟ !

ص: 262


1- . تفسيرالميزان 3 / 85 .

فليس المراد بالموافقة خصوص المطابقة التامّة لمدلول الآيات ، بل الغرض موافقة ما ورد عنهم عليهم السلام مع القرآن وعدم التنافي بينهما - أي عدم المعارضة المستقرة بينها وبين ما هو ثابت في القرآن - ، أو وجود شاهد على الرواية في الآيات الشريفة ، فمثلاً القول بالجبر وما روي في ذلك ينافي ما دلّ على نفي الظلم عن اللّه تبارك وتعالى مثل قوله: «أَنَّ اللَّهَ لَيْس بِظلامٍ لِّلْعَبِيدِ»(1) وغيرها ، فنحكم ببطلان الجبر .(2) وله نظائر في رسالة مولانا أبي ألحسن الهادي عليه السلام إلى أهل الأهواز فراجع .(3)

ولذا ترى كثيراً ما يبحث في المباحث الفقهية عن موافقة الروايات مع القرآن ومخالفتها له ، وليس معناه مفاد تلك النصوص بعينها في القرآن ، إذ لو كان الأمر كذلك لكانت الآيات بنفسها كافية في إثبات المقصود من دون حاجة إلى الروايات ، بل لم تعتبر السنّة مصدرا ثانيا إلى جانب القرآن ، وهذا شيء واضح .

وثالثا : القول بأن «جميع مانقل عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم ممّا يمكن استفادته من الكتاب» ينافي ما مرّ منه في الرقم [20] حيث قال : «تفاصيل الأحكام ممّا لا سبيل إلى تلقّيه من غير بيان النبي صلى الله عليه و آله وسلم ... وكذا تفاصيل القصص والمعاد» ؛ فإن كلامه هذا صريح في أنه يوجد في النصوص النبوية ما ليس في القرآن منه عين ولا أثر ، فكيف يمكن استفادته من القرآن ؟!

اللهم إلاّ أن يقال بأن أخبار العرض لا تشمل ما ورد في تفاصيل الأحكام الشرعية وتفاصيل القصص والمعاد . وهو كماترى !

ص: 263


1- . آل عمران : 182 .
2- . انظر كتاب العوالم 2 / 538 - 576 (باب علل اختلاف الأخبار وكيفية الجمع بينها) .
3- . انظر : تحف العقول 458 ، بحارالأنوار 5 / 68 .

توهم أنه لو توقف فهم القرآن على بيان النبي لزم منه الدور

[ 23 ] قوله : و[ على هذا ] لوتوقف ذلك على بيان النبي صلى الله عليه و آله وسلم كان من الدور الباطل وهو ظاهر .(1)

أقول: قد ظهر ممّا قدّمناه أن عرض الروايات على القرآن خاصّ بالمحكمات ، وما يتوقف فهمه من الآيات على بيان النبي صلى الله عليه و آله وسلم والائمة عليهم السلام إنما هو في

المتشابهات ، فلا دور كما هو واضح لمن له أدنى تأمل !

الكلام في المراد من حديث الثقلين

[ 24 ] قوله : فإن قلت : قد صحّ عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم أنه قال في آخر خطبة خطبها : إني تارك فيكم الثقلين - الثقل الأكبر والثقل الأصغر - فأمّا الأكبر فكتاب ربي ، وأمّا الأصغر فعترتي أهل بيتي ، فاحفظوني فيهما ، فلن تضلّوا ما تمسّكتم بهما . رواه الفريقان بطرق متواترة عن جمّ غفير من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله وسلمعنه . . . وفي بعض الطرق : لن يفترقا حتى يردا علي الحوض .

والحديث دالّ على حجية قول أهل البيت عليهم السلام في القرآن ، ووجوب اتباع ما ورد عنهم في تفسيره ، والاقتصار على ذلك ، وإلاّ لزم التفرقة بينهم وبينه .

قلت :

[ الف ] ما ذكرناه في معنى اتباع بيان النبي صلى الله عليه و آله وسلم آنفا جار هاهنا بعينه .(2)

أقول : قد مرّ الكلام فيه في الرقمين [6 و 19] فلا نعيد . وهذا في الحقيقة يؤول إلى إنكار الحاجة إلى الثقلين وكفاية القرآن لهداية الناس للتصريح بأن المعارف القرآنية يمكن أن ينالها الباحث بالتدبر والبحث . . وأن القرآن ممّا يناله الفهم العادى . . وأن القرآن ناطق بأنه إنما أُنزل قرآنا ليناله الأفهام و . . . .(3)

ص: 264


1- . تفسيرالميزان 3 / 85 .
2- . تفسيرالميزان 3 / 86 .
3- . انظر تفسيرالميزان 3 / 48 ، 83 - 84 و 5 / 20 - 21 .

[ ب ] قوله : والحديث غير مسوق لإبطال حجيّة ظاهر القرآن وقصر الحجية على ظاهر بيان أهل البيت عليهم السلام .(1)

أقول : أولاً: هذا خروج عن محلّ النزاع وهو تفسير الآيات المتشابهة ، فهذا خلط بين حجية الظواهر ومبحث التفسير ، كما ابتلي بهذا الخلط غيره أيضا .

وثانياً : - مع الغضّ عما ذكر - إن المستفاد من حديث الثقلين أن هذين الثقلين متقارنان في فهم الشريعة ، بمعنى أنّه لابدّ في مقام الأخذ من أحدهما ملاحظة الآخر أيضا بحيث يلحظ مجموع الكتاب والسنّة كأنّهما كلام واحد .

ومثل هذا لا يعدّ إبطالاً لظواهر القرآن الكريم ، وإنّما يدلّنا على وجوب الفحص عن القرائن ووجوب الفحص قبل العمل بالظاهر والأخذ به ، وهذا أمر مفروغ عنه ومتسالم عليه بين علمائنا ؛ إذ كم من عام أو مطلق ورد تخصيصها أو تقييدها في النصوص .

والحاصل ؛ أنا لو أخذنا بما فهمنا من الكتاب من دون مراجعة الروايات يعدّ هذا العمل منّا رفضاً للعترة والأخذ بأحد الثقلين .(2)

وقد مرّ أن أبا جعفر الباقر عليه السلام لمّا سئل عن معنى قول النبي صلى الله عليه و آله وسلم :

«إني تارك فيكم الثقلين، فتمسّكوا بهما ، فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض» ، قال عليه السلام : لا يزال كتاب اللّه والدليل منّا يدل عليه حتى يردا علي الحوض .(3)

ص: 265


1- . تفسيرالميزان 3 / 86 .
2- . راجع ما مرّ عن المرجع الديني السيد الخوئي قدس سره في الرقم [12] .
3- . بصائرالدرجات 414 ؛ بحارالأنوار 23 / 140 .

[ ج ] قوله : كيف وهو صلى الله عليه و آله وسلم يقول : « لن يفترقا » فيجعل الحجيّة لهما معا ، فللقرآن الدلالة على معانيه والكشف عن المعارف الإلهية ولأهل البيت الدلالة على الطريق وهداية الناس إلى أغراضه ومقاصده .(1)

أقول: مقصود المؤلف من هذا الكلام ما صرّح به سابقاً من أن شأنهم عليهم السلام في ذلك هو الإرشاد إلى الطريق فحسب - اي إن الإمام عليه السلام يهدي الناس إلى آيات تبيّن الآيات المتشابهة - كما تقدم في الرقم [21] ، وان كان الناس يتمكنون من فهمها بالتأمل والتدبر ، كما صرّح به مراراً ، ولازمه الاستغناء عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم الأوصياء عليهم السلام ! وقد مرّ الكلام عليه فلا نعيد .

فالصحيح أن عدم الافتراق بمعنى أن القرآن يبيّن مقامهم ومنزلتهم و . . . وأنهم يبيّنون القرآن ويفسّرونه ، ويدلّون الناس على ما أُريد من متشابهاته وعموماته وإطلاقاته و . . فهما بمنزلة متكلم واحد .

وأين هذا من دلالة القرآن على معانيه بنفسه ؟ !

[ د ] قوله : على أن نظير ما ورد عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم في دعوة الناس إلى الاخذ بالقرآن والتدبّر فيه وعرض ما نقل عنه عليه وارد عن أهل البيت عليهم السلام .(2)

أقول : يرد عليه ما ذكرنا في الرقمين [22 و 11] .

[ ه- ] قوله : على أن جمّا غفيرا من الروايات التفسيرية الواردة عنهم عليهم السلام مشتملة على الاستدلال بآية على آية والاستشهاد بمعنى على معنى ،

ص: 266


1- . تفسيرالميزان 3 / 86 .
2- . تفسيرالميزان 3 / 87 .

ولا يستقيم ذلك إلاّ بكون المعنى ممّا يمكن أن يناله المخاطب ويستقلّ به ذهنه لوروده من طريقه المتعين له .(1)

أقول : يرد عليه ما ذكرناه في الرقم [8] .

[ ي ] قوله : على أن هاهنا روايات عنهم عليهم السلام تدلّ على ذلك [ يعني استغناء القرآن عن بيان الغير ] بالمطابقة كما رواه في المحاسن بإسناده عن أبي لبيد البحراني عن أبي جعفر عليه السلام في حديث قال : فمن زعم أن كتاب الله مبهم فقد هلك وأهلك .

ويقرب منه ما فيه وفي الاحتجاج عنه عليه السلام قال : إذا حدّثتكم بشئفاسألوني عنه من كتاب الله . . إلى آخر الحديث .(2)

أقول : أمّا رواية أبي لبيد فإنه لم يذكر صدرها لصراحتها في خلاف ما ادّعاه ! !

وإليك الرواية بتمامها :

عن أبي لبيد البحراني قال : جاء رجل إلى أبي جعفر عليه السلام بمكة فسأله عن مسائل فأجابه فيها ، ثم قال له الرجل : أنت الذي تزعم أنه ليس شيء من كتاب اللّه إلاّ معروف ؟ قال : ليس هكذا قلت ، ولكن ليس شيء من كتاب اللّه إلاّ عليه دليل ناطق عن اللّه في كتابه ممّا لا يعلمه الناس .

قال : فأنت الذي تزعم أنه ليس من كتاب اللّه إلاّ والناس يحتاجون إليه ؟ قال : نعم ، ولا حرف واحد . فقال له : فما «المص» ؟ قال أبو لبيد : فأجابه بجواب نسيته ، فخرج الرجل ، فقال لي أبو جعفر عليه السلام : هذا تفسيرها في ظهر القرآن ، أفلا أُخبرك

ص: 267


1- . تفسيرالميزان 3 / 87 .
2- . تفسيرالميزان 3 / 87 .

بتفسيرها في بطن القرآن ؟ قلت : وللقرآن بطن وظهر ؟ فقال : نعم ، إن لكتاب اللّه ظاهرا وباطنا ومعاني وناسخا ومنسوخا ومحكما ومتشابها وسننا وأمثالاً وفصلاً ووصلاً وأحرفا وتصريفا ، فمن زعم أن كتاب اللّه مبهم فقد هلك وأهلك .(1)

قال صاحب الوسائل قدس سره : أقول : المراد من آخره أنه ليس بمبهم على كل أحد بل يعلمه الإمام ومن علّمه إياه وإلاّ لناقض آخره أوله .

وأمّا رواية الاحتجاج فالجواب عنه :

أولاً : لو استدلّ الإمام عليه السلام بالآيات لعِلْمِه بها لا يكون هذا دليلاً على أن الناس قادرون على ذلك وقد مرّ توضيحه في الرقم [8] .

وثانيا : ان ذيل الرواية أحسن شاهد على أنها أجنبية عما هو بصدده ، بل على خلاف ما رامه أدلّ ! إذ جاء فيها :

قال أبو جعفر عليه السلام : إذا حدّثتكم بشئفسألوني من كتاب الله ، ثم قال - في بعض حديثه - : إن النبي صلى الله عليه و آله نهى عن القيل والقال ، وفساد المال ، وكثرة السؤل .

فقيل له: يا ابن رسول الله ! أين هذا من كتاب الله عزّ وجلّ ؟ قال : قوله : «لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إلاّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النّاسِ» وقال : «وَلا تُؤتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِياما..»

وقال : «لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤكُمْ» .(2)

فترى استشهاده عليه السلام بآيات لا تكون ظاهرها موافقا لما ذكره ، فهل يكون المتفاهم عرفا من كلمة (النجوى ) : القيل والقال ؟ ! وهل يدلّ قوله تعالى :

ص: 268


1- . تقدم في الفصل الثاني في الرواية المرقمة [47] .
2- . الاحتجاج 2 / 322 ، المحاسن 1 / 269 ، الكافي 1 / 60 و 5 / 300 ، بحارالأنوار 89/82 .

«لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤكُمْ» على النهي عن كثرة السؤال ؟!

وحينئذ كيف يمكن أن يقال : ان هذه الرواية تدلّ بالمطابقة على استغناء القرآن عن البيان وجواز تفسير القرآن بالقرآن للجميع ؛ لأنها تدلّ على أن المعنى ممّا يمكن أن يناله المخاطب ويستقلّ به ذهنه ؟!

الكلام في الجمع بين النصوص المختلفة في المقام

[ 25 ] قوله : وبما مرّ من البيان يجمع بين أمثال هذه الأحاديث الدالّة على إمكان نيل المعارف القرآنية منه وعدم احتجابها من العقول ، وبين ما ظاهره خلافه كما في تفسير العياشي عن جابر قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : إن للقرآن بطنا وللبطن ظهرا ، ثم قال : يا جابر ! وليس شيء أبعد من عقول الرجال منه ، إن الآية لتنزل أولها في شيء وأوسطها في شيء وآخرها في شيء ، وهو كلام متصل ينصرف على وجوه .

وهذا المعنى وارد في عدّة روايات ، وقد رويت الجملة - أعني قوله : وليس شيء أبعد . . إلى آخرها - في بعضها عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم ، وقد روي عن علي عليه السلام : أن القرآن حمّال ذو وجوه . . إلى آخر الحديث .

فالذي ندب إليه تفسيره من طريقه ، والذي نهى عنه تفسيره من غير طريقه .

وقد تبيّن أن المتعين في التفسير الاستمداد بالقرآن على فهمه وتفسير الآية بالآية ، وذلك بالتدرّب بالآثار المنقولة عن النبي وأهل بيته صلى اللّه عليه وعليهم وتهيئة ذوق مكتسب منها ثم الورود ، والله الهادي .(1)

أقول : يرد عليه :

أولاً : أنه قد اتّضح ممّا بيّناه عدم دلالة الأحاديث على إمكان نيل المعارف القرآنية من القرآن ، بل رواية أبي لبيد وغيرها صريحة في خلاف ذلك .

ص: 269


1- . تفسيرالميزان 3 / 87 .

وثانيا : لو كان كما يقول - أي كانت الطائفة الأولى من الأحاديث دالّة على إمكان نيل المعارف القرآنية من دون حاجة إلى بيان النبي صلى الله عليه و آله وسلم وأهل بيته عليهم السلام - ، لم يمكن الجمع بين الطائفتين بوجه ، كيف وهذه الأخبار - أي الطائفة الثانية - صريحة في عدم إمكان ذلك أبداً .

وثالثا : ان ما ذكره - من ان الذي ندب إليه تفسيره من طريقه ، والذي نهى عنه تفسيره من غير طريقه - أمر صحيح في نفسه إلاّ أن الطريق المندوب إليه هو الرجوع إلى أهل البيت عليهم السلام والطريق المنهي عنه غير ذلك ، كما مرّ في الروايات .

والظاهر تقسيم الروايات في المقام إلى طوائف :

الأولى: الأحاديث الآمرة بالتدبر في القرآن والرجوع إليه، وعرض الأخبار عليه.

الثانية : الروايات الناهية عن تفسير القرآن بدون علم وبالرأى والنهي عن ضرب بعضها ببعض ولزوم ترك الخوض والجدال فيها .

الثالثة : النصوص الدالّة على أن العقول قاصرة عن درك آيات القرآن وتفسيرها أو أنها نزلت ب- : إيّاك أعني واسمعي يا جارة ، فلا يعرفونها ولا يعلمون تفسيرها .

الرابعة : الأخبار الآمرة بترك المتشابهات ، وأن الايمان الإجمالي هو المطلوب فيها ، وأن اللّه أراد بذلك أن يضطرّ الناس إلى الالتجاء بالحجج عليهم السلام .

الخامسة : ما دلّ على أن القرآن وإن كان تبيان كل شيء إلاّ أنه لا يستغني عن البيان وأن اللّه عزّ وجلّ بيّنه للنبي صلى الله عليه و آله وسلم ، والنبي صلى الله عليه و آله وسلم بيّنه للائمة عليهم السلام ، فهم القيّم على القرآن والمترجم له والناطق عنه و... لا يكون غيرهم .

السادسة : ما دلّ على أن اللّه جعل للقرآن أهلاً ، وأهله من خوطب به ، وهم

ص: 270

أهل الذكر ، لا يحيط بعلم القرآن وتفسيره غيرهم ، ولا يوضح للناس تفسيره سواهم ، بل العلم به ممّا استحقت به الإمامة الكبرى !

السابعة : ما دلّ على أنه يجب على جميع الناس أن يرجعوا في تفسير القرآن وعند التحيّر في الآيات إليهم فقط ، فهم أهل الذكر الذين أمر اللّه بسؤالهم ، وأغنى اللّه بهم عن جميع الخلائق ، فمن ابتغى علمه عند غيرهم هلك .

فنستنتج منها : أن الطائفة الاولى من الروايات خاصة بالمحكمات ، وان قسما من الآيات - وهي الآيات المتشابهة - لا سبيل إلى فهمها إلاّ من طريق الحجج المعصومين عليهم السلام ، ولا يجوز الاستقلال في الأخذ بظواهر الكتاب من دون مراجعة الأئمة المعصومين عليهم السلام .(1)

ثم العجب قوله أخيراً :

وقد تبيّن أن المتعين في التفسير الاستمداد بالقرآن على فهمه وتفسير الآية بالآية ، وذلك بالتدرّب بالآثار المنقولة عن النبي وأهل بيته صلى اللّه عليه وعليهم وتهيئة ذوق مكتسب منها ثم الورود .

ص: 271


1- . وقد ذُكر في غير واحد من الكتب الأصولية في كيفية الجمع بين الأخبار ما يستفاد منه ما ذكرناه في المتن فراجع : قوانين الأصول 1 / 397 - 398 ، الفصول الغروية 241 ، كفايه الأصول 381 - 383 ، حواشي المشكيني 3 / 205 ، 211 ، بحر الفوائد / 88 ، درر الفوائد 2 / 34 ، إفاضة العوائد 2 / 59 - 60 ، أجود التقريرات 2 / 92 ، نهاية الأفكار 3 / 92 ، فوائد الأصول 3 / 136 - 137 ، الحاشية على الكفاية تقريرات السيد البروجردى 2 / 71 ، حقائق الأصول 2 / 85 - 86 ، أصول الفقه 5 / 159 ، دراسات في علم الأصول 3 / 130 - 133 ، مصباح الأصول 2 / 125 الهداية في الأصول 3 / 133 ، كما مرّ في الفصل الرابع في أقوال جمع منهم ما يدلّ على ذلك ، فراجع .

فإنه إذا كان المتعين في التفسير الاستمداد بالقرآن على فهمه وتفسير الآية بالآية ، فكيف يتوقف ذلك على التدرب في الروايات ؟!

أليس هو القائل :

ولا معنى لإرجاع فهم معاني الآيات ... حتى إلى بيان النبي صلى الله عليه و آله وسلم ؟!(1)

ألم يقل في حاشيته على الكفاية - في قوله تبارك وتعالى : «أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ . .»(2) إلى آخر الآية - :

وهي في مقام التفريع والتعريض مع الذين لا يذعنون بكون القرآن من عند اللّه تعالى من الكافرين والمنافقين ، ولا معنى لإرجاعهم إلى تفاسير النبي صلى الله عليه و آله وسلم وحَمَلة الكتاب من أهل بيته؟!

وهل يصحّ أن يقال للكافر: إن أردت أن تعرف معاني الآيات وتفسيرها وعدم الاختلاف فيها و . . لابدّ لك من التدرّب في الروايات ؟ !

ص: 272


1- . راجع كلامه في الرقم [19] .
2- . النساء : 82 .

الخاتمة: في ذكر بعض آراء صاحب تفسير الميزان

اشارة

ص: 273

ص: 274

الإشارة إلى آرائه المتقدّمة

قد تبيّن لك ممّا ذكرنا ما يترتب على الاكتفاء بالقرآن وحده والاستغناء عن العترة الطاهرة عليهم السلام في تفسير القرآن من المفاسد ، وقد عثرنا على بعض الآراء في تفسير الميزان - ولم نكن بصدد الفحص والاستقصاء - فوجدناها من أحسن الشواهد على بطلان هذه الطريقة في التفسير فأوردناها في الخاتمة :

* فمنها ما أفاده من أن التوقف في الآيات المتشابهة - تمسكا بقوله تعالى : «والرّاسِخُونَ في الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا . .» - إبطالٌ لحجّة العقل .(1)

* وان اللّه تعالى لم يندب إلاّ إلى التدبر في الآيات .(2)

* وان التدبّر في الآيات كافٍ لرفع الاختلاف المتراءى فيها .(3)

* وان الآيات تدلّ دلالة واضحة على أن المعارف القرآنية يمكن أن ينالها الباحث بالتدبر والبحث .(4)

* وان الآيات تدلّ بمنطوقها على أن القرآن يفسّر بعضه بعضا .(5)

* وان التحدّي بالقرآن يقتضي أن لا نحتاج في فهم الآيات إلى بيان أحد حتى النبي صلى الله عليه و آله وسلم فضلاً عن غيره !(6)

ص: 275


1- . لاحظ ما مرّ صفحة 169 - 178 .
2- . لاحظ ما مرّ صفحة 181 .
3- . لاحظ ما مرّ صفحة 183 .
4- . لاحظ ما مرّ صفحة 195 - 199 .
5- . لاحظ ما مرّ صفحة 207 .
6- . لاحظ ما مرّ صفحة 255 .

* وان شأن النبي صلى الله عليه و آله وسلم هو التعليم فحسب . ويصرّح بأن التعليم إنما هو هداية المعلّم ذهن المتعلّم إلى ما يصعب عليه العلم به لا ما يمتنع فهمه من غير تعليم ، فالنبي صلى الله عليه و آله وسلم إنما يبيّن للناس ما يدلّ عليه القرآن بنفسه ويمكن للناس الحصول عليه بالأخرة ، لا أنه صلى الله عليه و آله وسلم يبيّن لهم معاني لا طريق إلى فهمها من القرآن .(1)

* لو كان قوله تعالى: «. .وأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ . .» متشابها عادت جميع آيات القرآن متشابهة .(2)

* ليس في القرآن آية واحدة ذات إغلاق وتعقيد في مفهومها، فالآيات المتشابهة في غاية الوضوح من جهة المفهوم ، وإنما التشابه في المراد منها.(3)

* ان الإحكام والتشابه وصفان يقبلان الإضافة والاختلاف... ولا مصداق للمتشابه على الإطلاق في القرآن .(4)

* ان القرآن كتاب لا يقبل نسخا ولا أيّ حاكم يحكم عليه أبدا .(5)

* وان الحروف المقطعة ليست من المتشابهات .(6)

* وان القرآن يدعو إلى التفكر الاجتماعي ، وان علّة اختلاف الأُمّة هي تخلّفهم عن إجابة القرآن في دعوته إلى التفكر الاجتماعي .(7)

ومن عجائب آرائه :

ص: 276


1- . لاحظ ما مرّ صفحة 260 .
2- . لاحظ ما مرّ صفحة 193 .
3- . لاحظ ما مرّ صفحة 192 .
4- . لاحظ ما مرّ صفحة 192 .
5- . لاحظ ما مرّ صفحة 197 ، 212 .
6- . لاحظ ما مرّ صفحة 191 .
7- . لاحظ ما مرّ صفحة 180 .

* انه يرى التنافي بين النهي عن الاجتهاد في تفسير الآيات المتشابهة والاكتفاء بالروايات المأثورة عن المعصومين عليهم السلام فيها ؛ وبين الآيات الدالة على أن القرآن عربي مبين والآمرة بالتدبر فيه والروايات الآمرة بالتدبر في القرآن والرجوع إليه وعرض الأخبار عليه .(1)

* وان المحصّل من الروايات الناهية عن التفسير بالرأي وضرب القرآن بعضه ببعض ونحوها هو لزوم الاستمداد من القرآن في تفسيره .(2)

* وان النهي فيها متعلّق بالاستمداد من غير القرآن في تفسيره .(3)

* وان الأخبار المتواترة عنه صلى الله عليه و آله وسلم المتضمّنة لوصيته بالتمسك بالقرآن والأخذ به وعرض الروايات المنقولة عنه صلى الله عليه و آله وسلم على كتاب الله لا يستقيم معناها إلاّ مع كون جميع ما نقل عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم ممّا يمكن استفادته من الكتاب .

فلو توقف ذلك على بيان النبي صلى الله عليه و آله وسلم كان من الدور الباطل .(4)

* المستفاد من حديث الثقلين أن القرآن يدلّ على معانيه والكشف عن المعارف الإلهية وأهل البيت يدلّون على الطريق [يعني المحكمات التي يستفاد منها بيان المتشابهات ] .(5)

* يجمع بين الأحاديث في المقام : بأن الذي ندب الله إليه تفسيره من طريقه ، والذي نهى عنه تفسيره من غير طريقه . ثم يقول : وقد تبيّن أن المتعين في التفسير : الاستمداد بالقرآن على فهمه وتفسير الآية بالآية .(6)

ص: 277


1- . لاحظ ما مرّ صفحة 223.
2- . لاحظ ما مرّ صفحة 227 ، 230 .
3- . لاحظ ما مرّ صفحة 227 ، 230 .
4- . لاحظ ما مرّ صفحة 264 .
5- . لاحظ ما مرّ صفحة 264 .
6- . لاحظ ما مرّ صفحة 269 .

* ان الروايات الدالّة على أن الأئمة عليهم السلام هم الراسخون في العلم - في قوله تعالى : «والرّاسِخُونَ في الْعِلْمِ» - من باب الجري والانطباق .(1)

وكذا ما ورد في اختصاص قوله تعالى : «بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ في صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ» بالأئمة عليهم السلام من الجري بمعنى انطباق الآية على أكمل المصاديق .(2)

* والعجب استدلاله بروايات العامّة واعتماده عليها .(3)

* بل اختياره بعضها ووصفها بأنها من غرر الأحاديث .(4)

* وأعجب منه استدلاله برواية إمّا لا توجد في المصادر أصلاً ، أو توجد مصحّفة مع اختلاف في السند ، أو إنه حذف ذيلها مع صراحتها في خلاف ما ادّعاه!(5)

* واستدلّ في موضع آخر بذيل رواية وحذف صدرها مع دلالتها على ما أنكره!(6)

* ومن الطريف استدلاله بالسياق ، مع تصريحه بأن هذا الترتيب الموجود في المصاحف ليس من اللّه تعالى ولا من قبل النبي صلى الله عليه و آله وسلم .(7)

وإليك بعض آرائه الأُخرى :

ص: 278


1- . لاحظ ما مرّ صفحة 248 - 249 .
2- . لاحظ ما مرّ صفحة 249 - 251 .
3- . كما يظهر بالرجوع الى المباحث الروائية في تفسير الميزان، ويأتي مايرد عليه في آخر الخاتمة .
4- . لاحظ ما مرّ صفحة 219 .
5- . لاحظ ما مرّ صفحة 250 - 252 .
6- . لاحظ ما مرّ صفحة 267 - 268 .
7- . تفسيرالميزان 12 / 124 - 132 .

قوله بأن لغير المؤمنين أيضا سبيل إلى اللّه

قال - في قوله تعالى : «اهْدِنَا الصرَاط الْمُستَقِيمَ» - :

فتبين : أن السبيل إلى الله سبيلان : سبيل قريب وهو سبيل المؤنين وسبيل بعيد وهو سبيل غيرهم .(1)

ويلاحظ عليه :

إذا قال اللّه تعالى : «وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ

عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» ،(2) وقال : «وَمَنْ ... وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً»(3) فكيف يمكن أن يقال : أن السبيل إلى الله سبيلان ؟!

نعم إنه خلط بين الصراط الذي نطلب من اللّه تعالى الهداية إليه والثبات والدوام والاستقامة عليه ، وبين المصير الذي ورد في غير واحد من الآيات الدالّة على أن إلى اللّه

المصير ، وأن الجميع إليه يرجعون ويحشرون .

تجويز التفكر في ذات اللّه

قال : وفي النهي عن التفكر في الله سبحانه روايات كثيرة أخر مودعة في جوامع الفريقين ، والنهي إرشادي متعلق بمن لا يحسن الورود في المسائل العقلية العميقة فيكون خوضه فيها تعرّضا للهلاك الدائم .(4)

ص: 279


1- . تفسيرالميزان 1 / 28 .
2- . الانعام : 153 .
3- . النساء : 115 .
4- . تفسيرالميزان 19 / 53 .

ويلاحظ عليه :

هذا الكلام مخالف للآيات الشريفة والروايات المتواترة ، أمّا الآيات فمثل قوله تعالى: «يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً» ،(1) وقوله عزّ وجلّ : «لا تُدْرِكُهُ الأبْصارُ وَهُوَ يُدْرِك الأبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ» ، بضميمة ما ورد فيها عنهم عليهم السلام .(2) وأما الروايات ، فكثيرة جدّا كما يظهر بمراجعة كتاب التوحيد للشيخ الصدوق قدس سره

وبحارالأنوار - لاسيّما المجلد الثالث والرابع منه - وغيرهما .(3)

ص: 280


1- . طه : 110 .
2- . الأنعام : 103 ، فقد روي عن أبي عبداللّه عليه السلام في قوله عزّ وجلّ : «لا تُدْرِكُهُ الأبْصارُ وَهُوَ يُدْرِك الأبْصارَ» أنه قال : إحاطة الوهم ، ألا ترى إلى قوله : «قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ»ليس يعني بصر العيون ، « فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ» ليس يعني من البصر بعينه ، «وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها» لم يعن عمى العيون ، إنما عنى إحاطة الوهم كما يقال : فلان بصير بالشعر ، وفلان بصير بالفقه ، وفلان بصير بالدراهم ، وفلان بصير بالثياب ، اللّه أعظم من أن يرى بالعين . التوحيد : 112 ، الكافي 1 / 98 ، الاحتجاج 2 / 336 ، بحارالأنوار 4 / 33
3- . ولا بأس بذكر بعض الروايات في ذلك : * . . فليس من هذه الوجوه شيء يمكن المخلوق أن يعرفه من الخالق حقّ معرفته غيرُ أنّه موجود فقط ... فممتنع علم كنهه وكمال المعرفة به . بحارالأنوار 3 / 148 * إيّاكم والتفكّر في اللّه ، فإن التفكر في اللّه لا يزيد إلاّ تيها . (بحارالأنوار 3 / 259) * . . أعجز الأوهام أن تنال إلاّ وجوده ، وحجب العقول أن تتخيّل ذاته . (بحارالأنوار 4 / 221) * . . ممتنع عن الأوهام أن تكتنهه ، وعن الأفهام أن تستغرقه ، وعن الأذهان أن تمثّله ، قد يئست من استنباط الإحاطة به طوامح العقول . بحارالأنوار 4 / 222 * . . ولا إيّاه وحّد من اكتنهه . (بحارالأنوار 4 / 228) * . . الّذي سئلت الأنبياء عنه فلم تصفه بحدّ ولا ببعض ، بل وصفته بأفعاله ودلّت عليه بآياته . (بحارالأنوار 4 / 265) * . . وارتفع عن أن تحوى كنه عظمته فهّاهة رويّات المتفكّرين... قد ضلّت في إدراك كنهه هواجس الأحلام ، لأنّه أجلّ من أن تحدّه ألباب البشر بالتفكير . (بحارالأنوار 4 / 275) * . . الممتنع... من الأوهام الإحاطة به . (بحارالأنوار 4 / 284) * . . لم يجعل في أحد من معرفة إدراكه أكثر من العلم أنّه لا يدركه . (بحارالأنوار 75 / 141) * وفي مناجاة العارفين ليوم الثلاثاء : . . لم تجعل للخلق طريقا إلى معرفتك إلاّ بالعجز عن معرفتك . (بحارالأنوار 91 / 150) وقال الشيخ البهايى : فلا تلتفت إلى من يزعم أنه قد وصل إلى كنه الحقيقة المقدسّة ... فإن الأمر أرفع وأطهر من أن يتلوّث بخواطر البشر . (الاربعين ص 14)

التوحيد الحقيقي هو وحدة الوجود !

قال : . . الفطرة الداعية إلى توحيد الإله وإن كانت تدعو إلى إله واحد غير محدود العظمة والكبرياء ذاتا وصفة - على ما تقدم بيانه بالاستفادة من الكتاب العزيز - غير أن أُلفة الانسان وأُنسه في ظرف حياته بالآحاد العددية من جانب ، وبلاء المليين بالوثنيين والثنويين وغيرهم لنفي تعدد الآلهة من جانب آخر سجّل عددية الوحدة وجعل حكم الفطرة المذكورة كالمغفول عنه . ولذلك ترى المأثور من كلمات الفلاسفة الباحثين في مصر القديم واليونان وإسكندرية وغيرهم ممن بعدهم يعطي الوحدة العددية حتى صرّح بها مثل الرئيس أبي على بن سينا في كتاب الشفاء ، وعلى هذا المجرى يجري كلام غيره ممن بعده إلى حدود الألف من الهجرة النبوية .

وأما أهل الكلام من الباحثين فاحتجاجاتهم على التوحيد لا تعطي أزيد من الوحدة العددية أيضا في عين أن هذه الحجج مأخوذة من الكتاب العزيز عامة ، فهذا ما يتحصل من كلمات أهل البحث في هذه المسألة .

فالذي بيّنه القرآن الكريم من معنى التوحيد أول خطوة خطيت في تعليم

ص: 281

هذه الحقيقة من المعرفة ، غير أن أهل التفسير والمتعاطين لعلوم القرآن من الصحابة والتابعين ثم الذين يلونهم أهملوا هذا البحث الشريف ، فهذه جوامع الحديث وكتب التفسير المأثورة منهم لا ترى فيها أثرا من هذه الحقيقة لا ببيان شارح ، ولا بسلوك استدلالي .

ولم نجد ما يكشف عنها غطاءها إلاّ ما ورد في كلام الامام علي بن أبي طالب عليه أفضل السلام خاصة ، فإن كلامه هو الفاتح لبابها ، والرافع لسترها وحجابها على أهدى سبيل وأوضح طريق من البرهان ، ثم ما وقع في كلام الفلاسفة الإسلاميين بعد الألف الهجري ، وقد صرّحوا بأنهم إنما استفادوه من كلامه عليه السلام ... فإن البراهين الموردة في هذا الغرض مؤفة من هذه المقدمات المبينة في كلامه لا تزيد على ما في كلامه بشيء ، والجميع مبنية على صرافة الوجود وأحدية الذات جلّت عظمته .

ثم قال في الهامش مؤكدا على ما مرّ : . . موقف علمي دقيق لم يقو بالوقوف عليه أفهام العلماء حتى بعد ما فتح عليه السلام بابه ورفع ستره قرونا متمادية إلى أن وفّق لفهمه بعد ما سير في طريق الفكر المترقى مسير ألف سنة . .(1)

يلاحظ عليه:

ان المحصل من كلامه أن الواحد الحقيقى هو أن يحيط غير المتناهي على المتناهي كما صرّح بذلك في قوله : وأمّا الواحد الذي لا حدّ لمعناه ولا نهاية له فلا يحتمل فرض الكثرة ، لعدم احتماله طرو الحد و عروض التميز ولا يشذّ عن وجوده شيء من معناه حتى يكثره ويقوى بضمّه .(2)

ص: 282


1- . تفسير الميزان 6 / 103 - 105 . ذكر تلميذه أن مراد أُستاذه من الفلاسفة الإسلاميين بعد الألف من الهجرة، هو صدرالمتألهين . مهر تابان 17 ، نشر باقرالعلوم عليه السلام ، الطبعة الاولى .
2- . تفسير الميزان 6 / 95 .

وغرضه من صرافة الوجود : خلوصه عن الجهات الماهوية والعدمية . والمقصود: أنه لم يقدر أحد أن يأوّل الآيات والروايات ويفسّرها بوحدة الوجود إلاّ الفلاسفة!

ولكن المستفاد من مكتب أهل البيت عليهم السلام ان اللّه تعالى خلو من خلقه وخلقه خلو منه ،(1) وأن كنهه عزّو جلّ تفريق بينه وبين خلقه ،(2) ولا يليق بالذى هو خالق كل شيء إلاّ أن يكون مبائنا لكل شى ء ، متعاليا عن كل شيء .(3)

وباللّه عليك هل ترضى أن تقول : لم يعرف حقيقة التوحيد أحدٌ إلى طول ألف سنة لا الشيخ المفيد ولا السيد المرتضى ولا الشيخ الطوسي ولا العلاّمة ولا المحقق الطوسي رحمهم الله ولا من كان قبلهم أو من جاء بعدهم إلى أن وفّق فلاسفة القرن الحاديعشر للمعرفة التامّة ؟!

صدور الأشياء و ترشحها عن ذات اللّه تعالى !

قال بعد قوله تعالى : «هَلْ يَنظرُونَ إِلا أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ في ظلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلاَئكةُ وَقُضيَ الأَمْرُ وَإِلى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ»(4) : فهذا هو الذي يوجبه البحث الساذج في معنى هذه النسب على ما يراه جمهور المفسّرين .

لكن التدبر في كلامه تعالى يعطي لهذه النسب معنى أرقّ وألطف من ذلك ، وذلك أن أمثال قوله تعالى : «.. وَاللَّهُ هُوَ الْغَنىُّ» ،(5) وقوله تعالى : «العَزِيزِ

الْوَهَّابِ» ،(6) وقوله : «أَعْطى كلَّ شيْءٍ خَلْقَهُ ثمَّ هَدَى» ،(7) تفيد أنه تعالى

ص: 283


1- . التوحيد 105 ؛ بحارالانوار 3 / 263 .
2- . التوحيد 36 ؛ بحارالانوار 4 / 228 .
3- . توحيد المفضل عنه بحارالانوار 3 / 148 .
4- . البقرة :210 .
5- . الفاطر : 15 .
6- . سورة ص : 9 .
7- . طه : 50 .

واجد لما يعطيه من الخلقة وشؤونها وأطوارها ، مليء بما يهبه ويجود به ، وإن كانت أفهامنا من جهة اعتيادها بالمادة وأحكامها الجسمانية يصعب عليها تصور كيفية اتصافه تعالى ببعض ما يفيض على خلقه من الصفات ونسبته إليه تعالى ، لكن هذه المعاني إذا جرّدت عن قيود المادة وأوصاف الحدثان لم يكن في نسبته إليه تعالى محذور ، فالنقص والحاجة هو الملاك في سلب معنى من المعاني عنه تعالى ، فإذا لم يصاحب المعنى نقصا وحاجة لتجريده عنه صحّ إسناده إليه تعالى بل وجب ذلك ؛ لأن كل ما يقع عليه اسم شيء فهو منه تعالى بوجه على ما يليق بكبريائه وعظمته .

فالمجيء والإتيان الذي هو عندنا قطع الجسم مسافة بينه وبين جسم آخر بالحركة واقترابه منه إذا جرّد عن خصوصية المادة كان هو حصول القرب ، وارتفاع المانع والحاجز بين شيئين من جهة من الجهات ، وحينئذ صحّ إسناده إليه تعالى حقيقة من غير مجاز ، فإتيانه تعالى إليهم ارتفاع الموانع بينهم وبين قضائه فيهم .

وهذه من الحقائق القرآنية التي لم يوفّق الأبحاث البرهانية لنيله إلاّ بعد إمعان في السير ، وركوبها كل سهل ووعر ، وإثبات التشكيك في الحقيقة الوجودية الأصيلة .(1)

ويلاحظ عليه :

إن هذه الآيات أجنبية عما ذكره ولا تدلّ عليه بوجه ! فإن هذا البيان يجدي فيما إذا كان المعطي إعطاؤه من ذاته ، وأمّا بالنسبة إلى اللّه تبارك و تعالى فلا مجال لهذه التوهمات ؛ فإن إعطاءه ليس على نهج الولادة وخروج الشيء من الشيء ، بل كان إعطاؤه

ص: 284


1- . تفسيرالميزان 2 / 104 . ويقرب منه ما ذكره في موضع آخر فقال : فنفاد وجود الأشياء وانتهائها إلى أجلها ليس فناءً منها وبطلانا لها على ما نتوهمه بل رجوعا وعودا منها إلى عنده ، وقد كانت نزلت من عنده وما عند اللّه باقٍ . تفسيرالميزان 10 / 11 .

وفاعليّته بالإبداع لا من شيء ، كما في النصوص الكثيرة.(1)

وذكر السيد الخوئي قدس سره أن هذا هو الحجر الأساسي للفرق بين نظريتنا ونظرية الفلاسفة: فبناءً على نظريتنا ارتباط تلك الأشياء بكافّة حلقاتها بمشيته تعالى وإعمال سلطته وقدرته؛

وبناءً على نظرية الفلاسفة ارتباطها فيواقع كيانها بذاته الأزلية وتنبثق من صميم وجوده.(2)

إنكاره الحسن والقبح العقليين

قال : .. فأيّ تصرف تصرّف به في عباده وخلقه فله ذلك من غير أن يستتبع قبحا ولا ذمّا ولا لوما في ذلك ، إذ التصرف من بين التصرفات إنما يستقبح ويذمّ عليه فيما لا يملك المتصرّف ذلك ؛ لأن العقلاء لا يرون له ذلك ، فملك هذا المتصرف محدود مصروف إلى التصرفات الجائزة عند العقل .

وأما هو تعالى فكل تصرف تصرف به فهو تصرف من مالك وتصرف في مملوك، فلا قبح ولا ذمّ ولا غير ذلك . و قد أيّد هذه الحقيقة بمنع الغير عن أيّ تصرف في ملكه إلاّ ما يشاؤ أو يأذن فيه وهو السائل المحاسب دون المسوؤل المأخوذ، فقال تعالى: «مَن ذَا الَّذِي يَشفَعُ عِندَهُ إِلاّ بِإِذْنِهِ»، وقال تعالى: «مَا مِن شفِيعٍ إِلاّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ» ، وقال تعالى: «لَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاس جَمِيعاً» ، وقال : «يُضِلُّ مَن يَشاءُ وَيَهْدِي مَن يَشاءُ» ، وقال تعالى : «وَمَا تَشاؤُونَ إِلا أَن يَشاءَ اللَّهُ»، وقال تعالى : «لا يُسئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسئَلُونَ» .

ص: 285


1- . وببيان أوضح : لا ريب في صدق لفظة الشيء على اللّه تعالى، وإن كان شيئا بخلاف الاشياء (كما في التوحيد للشيخ الصدوق قدس سره 104 - 107 ، الكافي 1 / 82 - 85 وغيرهما) ، فلا يمكن أن يقال : انه أعطى من ذاته - فإن ذاته (شيء) - ؛ إذ ثبت أن إعطاءه وفاعليّته وخلقه بالإبداع لا من (شيء) ، كما ورد عن العترة الطاهرة عليهم السلام في روايات كثيرة جدّا ، لاحظ التوحيد للشيخ الصدوق قدس سره 41 ، 43 ، 63 ، 67 ، 69 ، 79 ، 143 ، 186 ، 192 وغيرها .
2- . المحاضرات 2/90 - 93 ، ولاحظ صفحة 41 ، الموسوعة 43/ 438 - 439 ولاحظ صفحة 382 .

فالله هو المتصرف الفاعل في ملكه وليس لشيء غيره شيء من ذلك إلاّ بإذنه ومشيته ، فهذا ما يقتضيه ربوبيته .(1)

وقال في موضع آخر :

وأما قوله : «اللّهِ الَّذِي لَهُ ما في السَّماواتِ وَما في الأرْضِ»(2)... وفيه إشارة إلى الحجّة في كونه تعالى عزيزا حميدا ، فإنه تعالى وإن كان هو الذي يحقّ الحق بكلماته ، وهو الذي ينجح كل حجة في دلالتها ، لكنه جارى عباده في كلامه على ما فطرهم عليه ، وذلك أنه تعالى لما ملك كل خلق وأمر بحقيقة معنى الملك فهو المالك لكل قهر وغلبة ، فلا قهر إلاّ منه ولا غلبة إلاّ له ، فهو تعالى عزيز وله أن يتصرف في ما يشاء بما يشاء ، و لا يكون تصرفه إلاّ محمودا غير مذموم ؛ لأن التصرف إنما يكون مذموما إذا كان المتصرّف لا يملكه إمّا عقلاً أو شرعا أو عرفا ، وأيّ تصرف نسبه إليه تعالى عقل أو شرع أو عرف فإنه يملكه ، فهو تعالى حميد محمود الأفعال .(3)

ويلاحظ عليه :

انا لسنا بحاجة إلى التطويل في الردّ عليه ؛ لأن هذه المقالة الفاسدة اختصّت بها الأشاعرة ، وقد تشبّثوا لإثباتها بالآيات المتشابهة ، وقد أجمعت العدلية على بطلانها.(4)

ص: 286


1- . تفسيرالميزان 1 / 94 .
2- . الشورى : 53 .
3- . تفسيرالميزان 12 / 12 - 13 .
4- . انظر المجلدالاول من دلائل الصدق واحقاق الحق وغيرهما ولاسيما الاحقاق 1 / 363 - 377 .

تعلّق مشية اللّه تعالى بجميع الأفعال بل هو الخالق لها !

قال : ان الذي ألزم المجبّرة أن قالوا بما قالوا هو البحث في القضاء والقدر واستنتاج الحتم واللزوم فيهما وهذا البحث صحيح و كذلك النتيجة أيضا نتيجة صحيحة [!!] غير أنهم أخطأوا في تطبيقها ، واشتبه عليهم أمر الحقائق والاعتباريات ، واختلط عليهم الوجوب والإمكان ، توضيح ذلك : أن القضاء والقدر على تقدير ثبوتهما ينتجان أن الأشياء في نظام الإيجاد والخلقة على صفة الوجوب واللزوم فكل موجود من الموجودات وكل حال من أحوال الموجود مقدّرة محدودة عند الله سبحانه ، معين له جميع ما هو معه من الوجود وأطواره و أحواله لا يتخلّف عنه ولا يختلف ، ومن الواضح أن الضرورة والوجوب من شؤون العلة فإن العلة التامة هي التي إذا قيس إليها الشيء صار متصفا بصفة الوجوب وإذا قيس إلى غيرها أي شيء كان لم يصر إلاّ متصفا بالإمكان ، فانبساط القدر والقضاء في العالم هو سريان العلية التامة والمعلولية في العالم بتمامه وجميعه ، وذلك لا ينافي سريان حكم القوة والإمكان في العام من جهة أخرى وبنظر آخر ، فالفعل الاختياري الصادر عن الإنسان بإرادته إذا فرض منسوبا إلى جميع ما يحتاج إليه في وجوده من علم وإرادة وأدوات صحيحة ومادة يتعلق بها الفعل وسائر الشرائط الزمانية والمكانية كان ضروري الوجود ، وهو الذي تعلّقت به الإرادة الإلهية الأزلية ، لكن كون الفعل ضروريا بالقياس إلى جميع أجزاء علته التامة ومن جهتها لا يوجب كونه ضروريا إذا قيس إلى بعض أجزاء علته التامة ، كما إذا قيس الفعل إلى الفاعل دون بقية أجزاء علته التامة فإنه لا يتجاوز حدّ الإمكان ، ولا يبلغ البتة حدّ الوجوب فلا معنى لما زعموه أن عموم القضاء وتعلّق الإرادة الإلهية بالفعل يوجب زوال القدرة وارتفاع الاختيار ، بل الإرادة الإلهية إنما تعلقت بالفعل بجميع شؤونه وخصوصياته الوجودية

ص: 287

ومنها ارتباطاته بعلله وشرائط وجوده ، وبعبارة أخرى تعلقت الإرادة الإلهية بالفعل الصادر من زيد مثلا لا مطلقا بل من حيث إنه فعل اختياري صادر من فاعل كذا في زمان كذا ومكان كذا ، فإذن تأثير الإرادة الإلهية في الفعل يوجب كون الفعل اختياريا وإلاّ تخلف متعلق الإرادة الإلهية عنها ، فإذن تأثير الإرادة الإلهية في صيرورة الفعل ضروريا يوجب كون الفعل اختياريا أي كون الفعل ضروريا بالنسبة إلى الإرادة الإلهية ممكنا اختياريا بالنسبة إلى الإرادة الإنسانية الفاعلية ، فالإرادة

في طول الإرادة وليست في عرضها حتى تتزاحما ، ويلزم من تأثير الإرادة الإلهية بطلان تأثير الإرادة الإنسانية ، فظهر أن ملاك خطأ المجبّرة فيما أخطأوا فيه عدم تمييزهم كيفية تعلّق الإرادة الإلهية بالفعل ، وعدم فرقهم بين الإرادتين الطوليتين وبين الإرادتين العرضيتين وحكمهم ببطلان تأثير إرادة العبد في الفعل لتعلق إرادة الله تعالى به .

والمعتزلة وإن خالفت المجبّرة في اختيارية أفعال العبد وسائر اللوازم إلاّ أنهم سلكوا في إثباته مسلكا لا يقصر من قول المجبّرة فسادا ، وهو أنهم سلّموا للمجبّرة أن تعلّق إرادة الله بالفعل يوجب بطلان الاختيار ، ومن جهة أخرى أصروا على اختيارية الأفعال الاختيارية فنفوا بالأخرة تعلّق الإرادة الإلهية بالأفعال فلزمهم إثبات خالق آخر للأفعال وهو الإنسان ، كما أن خالق غيرها هو الله سبحانه فلزمهم محذور الثنوية ، ثم وقعوا في محاذير أخرى أشدّ ممّا وقعت فيه المجبّرة ...

إلى أن قال : للأفعال جهتان : جهة ثبوت ووجود ، وجهة الانتساب إلى الفاعل ، وهذه الجهة الثانية هي التي تتصف بها الأفعال بأنها طاعة أو معصية أو حسنة أو سيئة ، فإن النكاح والزنا لا فرق بينهما من جهة الثبوت والتحقق ، وإنما الفرق الفارق هو أن النكاح موافق لأمر الله تعالى ، والزنا فاقد للموافقة المذكورة ، وكذا

ص: 288

قتل النفس بالنفس وقتل النفس بغير نفس ، وضرب اليتيم تأديبا وضربه ظلما ، فالمعاصي فاقدة لجهة من جهات الصلاح أو لموافقة الأمر أو الغاية الاجتماعية بخلاف غيرها ، وقد قال تعالى : «اللّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ»،(1) والفعل شيء بثبوته ووجوده ، وقد قال عليه السلام : « كل ما وقع عليه اسم شيء فهو مخلوق ما خلا الله .. إلى آخر الحديث » ثم قال تعالى : «الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ» ،(2) فتبين أن كل شيء كما أنه مخلوق فهو في أنه مخلوق حسن فالخلقة والحسن متلازمان متصاحبان لا ينفك أحدهما عن الآخر أصلاً..(3)

وقال : فقد تبين بهذا أمران : الأول : أن الإنسان كما أنه مستند الوجود إلى الإرادة الإلهية على حدّ سائر الذوات الطبيعية وأفعالها الطبيعية ، فكذلك أفعال الإنسان مستندة الوجود إلى الإرادة الإلهية ، فإن الإرادة الواجبية إنما تعلقت بالفعل الصادر من الإنسان عن إرادة واختيار ، فلو كان هذا الفعل حين التحقق غير إرادي وغير اختياري لزم تخلف إرادته تعالى عن مراده وهو محال .(4)

وقال : فالإنسان بالنسبة إلى سائر بني نوعه حرّ في عمله مختار في فعله إلاّ أن يسلب باختيار منه شيئا من اختياره فيملّك غيره ، والله سبحانه يملك الإنسان في نفسه وفي فعله الصادر منه ملكا مطلقا بالملك التكويني وبالملك الوضعي الاعتباري ، فلا خيرة له ولا حرّية بالنسبة إلى ما يريده منه تشريعا بأمر أو نهي تشريعيين ، كما لا خيرة ولا حرّية له بالنسبة إلى ما يشاؤ بمشيته التكوينية .

ص: 289


1- . الزمر : 62 .
2- . السجدة : 7 .
3- . تفسير الميزان 1 / 99 - 101 .
4- . تفسير الميزان 1 / 109 .

وهذا هو المراد بقوله : «ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ» أي لا اختيار لهم إذا اختار الله سبحانه لهم شيئا من فعل أو ترك حتى يختاروا لأنفسهم ما يشاؤون وإن خالف ما اختاره الله ، والآية قريبة المعنى من قوله تعالى : «وَما كانَ لِمُؤمِنٍ وَلا مُؤمِنَةٍ إِذا قَضَى اللّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ» ،(1) وللقوم في تفسير الآية أقاويل مختلفة غير مجدية أغمضنا عنها من أراد الوقوف عليها فعليه بالرجوع إلى المطولات .(2)

وقال : فإذا كان كل حادث - ومنها أفعالنا الاختيارية بصفة الاختيار - معلولاً ، له علة تامة يستحيل معها تخلفه عنها ، كانت الحوادث سلسلة منتظمة يستوعبها الوجوب لا يتعدى حلقة من حلقاتها موضعها و لا تتبدل من غيرها و كان الجميع واجبا من أول يوم ، سواء في ذلك ما وقع في الماضي وما لم يقع بعد ، فلو فرض حصول علم بحقائق الحوادث على ما هي عليها في متن الواقع لم يؤّر ذلك في إخراج حادث منها وإن كان اختياريا عن ساحة الوجوب إلى حدّ الإمكان .(3)

ويلاحظ عليه سؤال بسيط : إذا أراد اللّه أن يأتي العبد بفعل باختياره ، هل يستطيع العبد أن يترك الفعل أم لا ؟ الأول خلاف الفرض ، والثاني هو الجبر بعينه .

بيان ذلك : أن المؤلف صرّح بأن :

مشيّة العبد إحدى مقدمات تحقق ما تعلّقت به مشيّته تعالى ، فإن شاء [أي اللّه تعالى ] الفعل الذي يوجد بمشيّة العبد فلابدّ لمشيّة العبد من التحقق والتأثير ، فافهم ذلك .(4)

ص: 290


1- . الأحزاب : 36 .
2- . تفسير الميزان 16 / 68 .
3- . تفسير الميزان 18 / 193 .
4- . لاحظ تعليقته على بحارالأنوار 5 / 111 .

وقد مرّ قريبا قوله : ولا حرّية له بالنسبة إلى ما يشاؤ بمشيته التكوينية .

فأقول : أيّ اختيار يبقى للعبد مع هذا البيان ، وأين السبيل إلى إتيان ما أُمر به وترك ما نهي عنه ؟!

هل يليق بعدل الله ورأفته ان يقدّر على العبد الشرّ ويريده منه ، ثم يأمره بما يعلم أنه لا يستطيع أخذه ، والإنزاع عما لا يقدر على تركه ، ثم يعذّبه على أمره الذي علم انه لا يستطيع أخذه ؟! (1)

كيف يتصور ذلك ؟!.. لو كان كما توهم لم تكن على مسيء من لائمة ولا لمحسن محمدة، ولسقط معنى الوعد والوعيد ولبطل الثواب والعقاب !(2)

نعم لا ريب في منافات قوله مع ما عليه الإمامية بأجمعهم .

قال العلامة المجلسى قدس سره : لا ريب في أن خالق الاجسام ليس إلاّ الله تعالى . وأما الأعراض فذهبت الأشاعرة إلى أنها جميعا مخلوقة لله تعالى وذهبت الإمامية والمعتزلة إلى أن أفعال العباد وحركاتهم واقعة بقدرتهم واختيارهم فهم خالقون لها .(3)

وردّ عليه صاحب تفسير الميزان بقوله :

أما المعتزلة فهم لا يبالون بامثال هذا الشرك الظاهر وأما الامامية فهم تبعة أئمة أهل البيت عليهم السلام وحاشاهم عن القول بذلك ، وانك لاتجد حتى في خبر واحد صحيح منهم القول بان مع الله الخالق لكل شيء خالقا آخر لا لذات ولا لفعل بالمعنى المتنازع فيه وهو الايجاد ، بل الأخبار المتكاثرة تصرّح بخلافه .(4)

ص: 291


1- . لاحظ ما روي عن مولانا الإمام الصادق عليه السلام في الاحتجاج 2 / 84 و بحارالأنوار 5 / 19 .
2- . لاحظ كتاب العدل من كتب الحديث والكلام ، مثل بحارالأنوار المجلد الخامس وغيره .
3- . بحارالأنوار 4 / 148 .
4- . انظر تعليقته على بحارالأنوار 4 / 148 .

أقول : أمّا إنكار أن يكون ذلك ممّا اعتقده الامامية فيرد عليه ما ذكره علماؤنا في كتبهم الحديثية والكلامية وغيرها في مبحث العدل ،(1) كما أشار اليه العلامة المجلسي ويأتي كلام الشيخ المفيد والسيد المرتضى قدس سرهم .

وأمّا الأخبار المتكاثرة التي ادّعى دلالتها على ذلك فما ندري ما هي ؟ ولم يذكر هو موضعها حتى نراجعها !

وإليك بعض الروايات في ذلك :

سئل مولانا الصادق عليه السلام : .. وعن الحركات أهى مخلوقة أو غير مخلوقة ؟ ..

فقال عليه السلام : .. فيكون الفعل منه عندما تحرك واكتسبه فقيل : فاعل ومتحرك ومكتسب ومستطيع أو لا ترى أن جميع ذلك صفات يوصف بها الإنسان ؟(2)

وسئل عليه السلام : ممن المعصية ؟ قال : يا شيخ لا تخلو من ثلاث إما أن تكون من الله وليس من العبد شيء فليس للحكيم أن يأخذ عبده بما لم يفعله ، وإما أن تكون من العبد ومن الله والله أقوى الشريكين فليس للشريك الاكبر أن يأخذ الشريك الاصغر بذنبه ، وإما أن تكون من العبد وليس من الله شيء فإن شاء عفى وإن شاء عاقب .(3)

وعن مولانا الرضا عليه السلام - فيما كتب للمأمون : من محض الاسلام - : ان الله تبارك وتعالى لا يكلّف نفسا إلاّ وسعها ، وأن أفعال العباد مخلوقة لله خلق تقدير لا خلق تكوين ، و«اللّهُ

خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ» .(4)

ص: 292


1- . انظر المجلد الاول من دلائل الصدق ، احقاق الحق وغيرهما ولاسيما الاحقاق 1 / 377، 282 و 2/11 . وأمّا ما اشتهر على ألسنة بعضهم من أنه «لا مؤثر في الوجود إلاّ اللّه» فهو من العامّة ، بل من أصول الأشاعرة ، كما صرّح بذلك العلاّمة المجلسي والسيد المرعشي وغيرهما فلاحظ : مستدرك سفينة البحار 1/55 .
2- . بحارالأنوار 5 / 31 - 30 .
3- . بحارالأنوار 5 / 27 .
4- . بحارالأنوار 5 / 30 .

وقال الشيخ المفيد قدس سره : والله متعال عن خلق الفواحش والقبائح على كل حال ، وقد روي عن أبي الحسن الثالث عليه السلام أنه سئل عن أفعال العباد أهي مخلوقة لله تعالى ؟ فقال عليه السلام : لو كان خالقا لها لما تبرّأ منها وقد قال سبحانه : «أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ» ، ولم يرد البراءة من خلق ذواتهم ، وإنما تبرأ من شركهم وقبائحهم .

وكتاب الله تعالى المقدّم على الأحاديث والروايات ، وإليه يتقاضى في صحيح الأخبار وسقيمها ، فما قضى به فهو الحق دون ما سواه ، قال الله تعالى : «الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإنْسانِ مِنْ طِينٍ» فخبّر بأن كل شيء خلقه فهو حسن غير قبيح ، فلو كانت القبائح من خلقه لما حكم بحسن جميع ما خلق ، وقال تعالى : «ما تَرى في خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ» ، فنفى التفاوت عن خلقه ، وقد ثبت أن الكفر والكذب متفاوت في نفسه ، والمتضادّ من الكلام متفاوت فكيف يجوز أن يطلقوا على الله تعالى أنه خالق لأفعال

العباد وفي أفعال العباد من التفاوت ما ذكرناه ؟(1)

فترى احتجاج الشيخ المفيد بنفس الآية التي تشبّث بها في تفسير الميزان - أعني قوله تعالى : «الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ» - على خلاف ما اختاره صاحب تفسير الميزان !!

وقال السيد المرتضى رحمه الله : إن سأل سائل عن قوله تعالى : «قالَ أَ تَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ * وَاللّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ» ، فقال : أليس ظاهر هذا القول يقتضي أنه خالق لاعمال العباد ؟ لأن (ما) هاهنا بمعنى ( الذي ) فكأنه قال : خلقكم وخلق أعمالكم .

قلنا : قد حمل أهل الحق هذه الآية على أن المراد بقوله : «وَما تَعْمَلُونَ» أي وما تعملون فيه من الحجارة والخشب وغيرهما ممّا كانوا يتخذونه أصناما ويعبدونها . . . إلى أن قال : وهذا الاستعمال أيضا سائع شائع ؛ لأنهم يقولون : هذا الباب عمل النجار ؛ وفي الخلخال : هذا من عمل الصائغ ؛ وإن كانت الأجسام التي أشير إليها ليست أعمالا لهم ، وإنما عملوا فيها

فحسن إجراء هذه العبارة.

ص: 293


1- . تصحيح الاعتقاد 44 ، بحارالأنوار 5 / 20 .

فإن قيل : كل الذي ذكرتموه وإن استعمل فعلى وجه المجاز والاتساع ...

قلنا : ليس نسلّم لكم أن الاستعمال الذي ذكرناه على سبيل المجاز ، بل نقول : هو المفهوم الذي لا يستفاد سواه ؛ لأن القائل إذا قال : هذا الثوب عمل فلأن لم يفهم منه إلاّ أنه عمل فيه ، والظاهر من الآية ما ذكرناه .

على أنا لو سلّمنا أن ذلك مجاز لوجب المصير إليه من وجوه ، فمن ذلك أنه تعالى أخرج الكلام مخرج التهجين لهم ، والتوبيخ لافعالهم ، والإزراء على مذاهبهم ، فقال : «أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ * وَاللّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ» ومتى لم يكن قوله : «وَما تَعْمَلُونَ» المراد به : تعملون فيه ، ليصير تقدير الكلام : أتعبدون الأصنام التي تنحتونها والله خلقكم وخلق هذه الأصنام التي تفعلون فيها التخطيط والتصوير ، [وحينئذ] لم يكن للكلام معنى ولا مدخل في باب التوبيخ .

ويصير على ما يذكره المخالف كأنه قال : أتعبدون ما تنحتون والله خلقكم وخلق عباداتكم فأيّ وجه للتقريع ، وهذا إلى أن يكون عذرا أقرب من أن يكون لوما وتوبيخا؛ لأنه إذا خلق عبادتهم للأصنام فأيّ وجه للومهم عليها ؟!

على أنا لا نسلّم أن من يفعل أفعال العباد ويخلقها يستحق العبادة ؛ لأن من جملة أفعالهم القبائح ، ومن فعل القبائح لا يكون إلها ولا تحقّ العبادة له ، فخرج ما ذكروه من أن يكون مؤرا في انفراده بالعبادة .

على أن إضافته العمل إليهم بقوله تعالى : «تَعْمَلُونَ» يبطل تأويلهم هذه الآية ؛ لأنه لو كان خالقا له ، لم يكن عملاً لهم لأن العمل إنما يكون عملا لمن يحدثه ويوجده ، فكيف

يكون عملا لهم والله خلقه ؟ ! ...

على أنه لو أراد بذلك أعمالهم لا ما عملوا فيه - على ما ادّعوه - لم يكن في الظاهر حجّة على ما يريدون ؛ لأن الخلق هو التقدير والتدبير ، وليس يمتنع في اللغة أن يكون الخالق

خالقا لفعل غيره إذا قدّره ودبّره ، ألا ترى أنهم يقولون : خلقت الأديم ؛ وإن لم يكن الأديم فعلا لمن يقول ذلك فيه ؟ ويكون معنى خلقه لأفعال العباد أنه مقدّر لها

ص: 294

ومعّرف لنامقاديرها ومراتبها ، وما به نستحق عليها من الجزاء .(1)

الشيطان مجبول على المعصية

قال : والأمر المتوجه إلى الملائكة ليس من شأنه أن يكون مولويا تشريعيا بمعنى الأمر المتعلق بفعل يتساوى نسبة مأموره إلى الطاعة والمعصية والسعادة والشقاوة فإن الملائكة مجبولون على الطاعة مستقرون في مقرّ السعادة ، كما أن إبليس واقع في الجانب المخالف لذلك على ما ظهر من أمره بتوجيه الأمر إليه .(2)

ويلاحظ عليه :

إذا كان الشيطان مجبولاً على المعصية فكيف يستحق الذمّ واللعنة فيقول اللّه سبحانه : «وَإِنَّ عَلَيْك لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ ... لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْك وَمِمَّنْ تَبِعَك مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ» ؟ !(3) أليس هذا منافيا لعدل اللّه ؟! سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا .

تجرد النفس

القول بتجرّد النفس وأن جسم الأنسان منشأ لإيجاد روحه

قال : يتبين بالتدبر في الآية - يعني قوله تعالى : «وَلا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ في سبِيلِ اللَّهِ أَمْوَات بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِن لاتَشعُرُونَ»(4) - و سائر الآيات التي ذكرناها حقيقة أخرى أوسع من ذلك ، وهي تجرد النفس ، بمعنى كونها أمرا وراء البدن و حكمها غير

ص: 295


1- . الأمالي للسيد المرتضى قدس سره 4 / 143 - 146 المجلس الثالث والسبعين ، بحارالأنوار 5 / 64 - 67 ، وراجع أيضا تنزيه الأنبياء عليهم السلام 38 - 41 .
2- . تفسير الميزان 8 / 24 .
3- . سورة ص : 78 ، 85 .
4- . البقرة : 154 .

حكم البدن و سائر التركيبات الجسمية ، لها نحو اتحاد بالبدن تدبرها بالشعور و الإرادة و سائر الصفات الإدراكية ، و التدبر في الآيات السابقة الذكر يجلي هذا المعنى فإنها تفيد أن الإنسان بشخصه ليس بالبدن ، لا يموت بموت البدن ، و لا يفنى بفنائه ، و انحلال تركيبه و تبدد أجزائه ، و أنه يبقى بعد فناء البدن في عيش هنيء دائم ، و نعيم مقيم ، أو في شقاء لازم ، و عذاب أليم ، و أن سعادته في هذه العيشة ، و شقاءه فيها مرتبطة بسنخ ملكاته و أعماله ، لا بالجهات الجسمانية و الأحكام الاجتماعية . فهذه معان تعطيها هذه الآيات الشريفة، و واضح أنها أحكام تغاير الأحكام الجسمانية، و تتنافى الخواص المادية الدنيوية من جميع جهاتها ، فالنفس الإنسانية غير البدن.

و ممّا يدل عليه من الآيات قوله تعالى : «اللَّهُ يَتَوَفى الأَنفُس حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتى لَمْ تَمُت فى مَنَامِهَا فَيُمْسِك الَّتى قَضى عَلَيهَا الْمَوْت وَيُرْسِلُ الأُخْرَى »(1) ، و التوفي و الاستيفاء هو أخذ الحق بتمامه و كماله ، و ما تشتمل عليه الآية : من الأخذ و الإمساك و الإرسال ظاهر في المغايرة بين النفس و البدن .

ومن الآيات قوله تعالى : «وَقَالُوا أَإِذَا ضلَلْنَا في الأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدِ بَلْ هُم بِلِقَاءِ رَبهِمْ كَافِرُونَ * قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَك الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ» ،(2) ذكر سبحانه شبهة من شبهات الكفار المنكرين للمعاد ، وهو أنا بعد الموت وانحلال تركيب أبداننا تتفرّق أعضاؤا ، وتبدّد أجزاؤا ، وتتبدل صورنا فنضل في الأرض ، ويفقدنا حواس المدركين ، فكيف يمكن أن نقع ثانيا في خلق جديد ؟ وهذا استبعاد محض ، وقد لقّن(3) تعالى على رسوله الجواب عنه ،

ص: 296


1- . الزمر : 42 .
2- . السجدة : 10 - 11 .
3- . كذا في تفسير الميزان .

بقوله :«قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَك الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ...» إلى آخر الآية .

وحاصل الجواب أن هناك ملكا موكّلاً بكم هو يتوفّاكم ويأخذكم ، ولا يدعكم تضلّوا وأنتم في قبضته وحفاظته ، و ما تضلّ في الأرض إنما هو أبدانكم لا نفوسكم التي هي المدلول عليها بلفظ (كم) ، فإنه يتوفّاكم .

. . . فالنفس بالنسبة إلى الجسم الذي ينتهي أمره إلى إنشائها - وهو البدن الذي تنشأ منه النفس - بمنزلة الثمرة من الشجرة والضوء من الدهن بوجه بعيد ، وبهذا يتّضح كيفية

تعلّقها بالبدن ابتداعا ، ثم بالموت تنقطع العلقة ، وتبطل المسكة ، فهي في أول وجودها عين البدن ، ثم تمتاز بالإنشاء منه ، ثم تستقلّ عنه بالكلية فهذا ما تفيده الآيات الشريفة المذكورة بظهورها .(1)

ويلاحظ عليه :

قوله : (فهذا ما تفيده الآيات الشريفة المذكورة بظهورها) ، أقول : نحن لم نجد للآيات المذكورة حتى إشعارا بذلك فكيف بالظهور !

وكذا لم نجد فيالآيات دلالة على ما ذكره من (تجرّد النفس وأن أحكامها تغاير الأحكام الجسمانية والمادية الدنيوية من جميع جهاتها) .

بل استدّل بعضهم بنفس الآية الماضية أعني قوله تعالى: «اللَّهُ يَتَوَفى الأَنفُس حِينَ مَوْتِهَا..» على عدم تجرّد النفس !(2) فكيف يكون الآية ظاهرة فيما قاله المؤلّف، ثم يستدل بها على خلافه ؟ !

بل التجرد بهذا المعنى ممنوع ؛ لما حقّق فى محلّه من أنه لا مجرّد سوى اللّه تعالى وأن ما سوى الواحد متجزى ء، واللّه واحد لا متجزى ء ولا متوهم بالقلّة والكثرة .(3)

ص: 297


1- . تفسيرالميزان 1 / 350 - 352 .
2- . لاحظ: تنبيهات حول المبدأ والمعاد 225 .
3- . وهنا روايات أخرى كثيرة استدل بها على المطلوب لاحظ : تنزيه المعبود 244 - 245 ، تنبيهات حول المبدأ والمعاد 225 - 229 .

وقد وردت فىخصوص عدم تجرّد النفس روايات ،(1) فما ذكروه من أوصاف المجرّدات من نفي الجسمية والصورة والشبه والزمان والمكان و ... لا توجد فى غير اللّه سبحانه، كما اُشير اليه في كثير من الروايات .

قوله : (وهو البدن الذي تنشأ منه النفس) ، يردّه : ان خلق النفوس والأرواح كان مقدّما على الأبدان بلا شبهة ، وقد دلّت على ذلك روايات كثيرة .(2)

ص: 298


1- . مثل قوله عليه السلام : الروح جسم رقيق قد أُلبس قالبا كثيفا ، كما في بحارالأنوار 58 / 34 ، ومثل الروايات الكثيرة الواردة في خلق أرواح الشيعة من طينة خلقت منها أبدان الحجج المعصومين عليهم السلام ، كما في بحارالأنوار 58 / 43 - 45 وغيرها من النصوص . قال السيد الجزائري قدس سره : ان الكتب [الكتاب] والأخبار مشحونة باتصاف النفس بصفات الماديات ، كالصعود والنزول والعذاب الحسي ، وكذا النعيم ، وكاتصافها بالدخول والخروج ، إلى غير ذلك من صفات الماديات ، والحمل على المجاز بإرادة الجسم بعيد ، مع أن ألفاظ الأخبار آبية عنه . وحينئذ فالأولى ما قاله طائفة من أنها جوهر مادي لطيف شفاف حال في البدن ... وإليه ذهب المرتضى وأكثر المتكلمين . راجع : نور البراهين 2 / 401 . وقال العلامة المجلسي قدس سره : لم يقم دليل عقلي على التجرد ولا على المادية ، وظواهر الآيات والأخبار تدل على تجسّم الروح والنفس وإن كان بعضها قابلا للتأويل ، وما استدلوا به على التجرد لا يدل دلالة صريحة عليه وإن كان في بعضها إيماء إليه ، فما يحكم به بعضهم من تكفير القائل بالتجرد إفراط وتحكّم ، كيف وقد قال به جماعة من علماء الإمامية ونحاريرهم ؟ ! وجزم القائلين بالتجرد أيضا - بمحض شبهات ضعيفة مع أن ظواهر الآيات والأخبار تنفيه أيضا - جرأة وتفريط .. لاحظ بحار الانوار 58 / 104 .
2- . لاحظ بحارالانوار 58 / 141 ، شرح أصول الكافي للمازندراني 5 / 246 وغيرهما . بل قال الملا صدرا : والروايات في هذا الباب من طريق أصحابنا لا تحصى كثرة ، حتى أن كينونة الأرواح قبل الأجساد كأنها كانت من ضروريات مذهب الإمامية رضوان اللّه عليهم . العرشية 239 المشرق الثاني ، القاعدة الثامنة طبع جامعة الأدبيات إصبهان .

حمل قصص القرآن على التمثيل دون الواقع

حمل قصص القرآن على التمثيل وأن السجدة من الملائكة والخلافة الإلهية لجميع بني آدم

قال - في سجود الملائكة لآدم عليه السلام وإباء ابليس عن السجود - : وعلى هذا فالانتقال في الخطاب من العموم إلى الخصوص أعني قوله : «ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلاَئكَةِ اسجُدُوا لآدَمَ» بعد قوله : «وَلَقَدْ خَلَقْنَاكمْ ثُمَّ صوَّرْنَاكُمْ»(1) يفيد بيان حقيقتين : الأولى : أن السجدة كانت من الملائكة لجميع بني آدم أي للنشأة الإنسانية ، وإن كان آدم عليه السلام هو القبلة المنصوبة للسجدة فهو عليه السلام في أمر السجدة كان مثالا يمثّل به الإنسانية نائبا مناب أفراد الإنسان على كثرتهم لا مسجودا له من جهة شخصه كالكعبة المجعولة قبلة يتوجه إليها في العبادات ، وتمثّل بها ناحية الربوبية .

السجدة من الملائكة والخلافة الإلهية لجميع بني آدم

ويستفاد هذا المعنى أولا من قصة الخلافة المذكورة في سورة البقرة آية 30 - 33 ، فإن المستفاد من الآيات هناك أن أمر الملائكة بالسجدة متفرّع على الخلافة ، والخلافة المذكورة في الآيات كما استفدناه هناك غير مختصة بآدم بل جارية في عامّة الآدميين فالسجدة أيضا للجميع .

وثانيا : أن إبليس تعرّض لهم أي لبني آدم ابتداء من غير توسيط آدم ولا تخصيصه عليه السلام بالتعرض حين قال - على ما حكاه اللّه سبحانه - : «فَبَِما أَغْوَيْتَني

لأَقْعُدَنَّ لهَُمْ صرَاطك الْمُستَقِيمَ * ثُمَّ لاَتِيَنَّهُم مِّن بَينِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ . . »(2) إلى آخر الآية من غير سبق ذكر لبني آدم .

وقد ورد نظيره في سورة الحجر حيث قال: «رَبّ بمَا أَغْوَيْتَنى لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ في الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنهُمْ أَجْمَعِينَ» ،(3) وفي سورة ص حيث قال : «فَبِعِزَّتِك لأُغْوِيَنَّهُمْ

ص: 299


1- . الاعراف : 11 .
2- . الاعراف : 16 - 17 .
3- . الحجر : 39 .

أَجْمَعِينَ» ،(1) ولولا أن الجميع مسجودون بنوعيتهم للملائكة لم يستقم له أن ينقم منهم هذه النقمة ابتداءً وهو ظاهر .(2)

ثم قال : .. والقصة وإن سيقت مساق القصص الاجتماعية المألوفة بيننا وتضمّنت أمرا وامتثالاً وتمرّدا واحتجاجا وطردا ورجما وغير ذلك من الأمور التشريعية والمولوية غير أن البيان السابق على استفادته من الآيات يهدينا إلى كونها تمثيلاً للتكوين بمعنى أن إبليس على ما كان عليه من الحال لم يقبل الامتثال أي الخضوع للحقيقة الإنسانية فتفرّعت عليه المعصية ، ويشعر به قوله تعالى : «فَمَا يَكُونُ لَك أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا» ،(3) فإن ظاهره أن هذا المقام لا يقبل لذاته التكبّر فكان تكبّره فيه خروجه منه وهبوطه إلى ما هو دونه...(4)

إلى أن قال :

فإن قلت : القول بكون الأمر بالسجود تكوينيا ينافي ما تنصّ عليه الآيات من معصية إبليس ، فإن القابل للمعصية والمخالفة إنما هو الأمر التشريعي وأما الأمر التكويني فلا يقبل المعصية والتمرّد البتة فإنه كلمة الإيجاد الذي لا يتخلف عنه الوجود قال : «إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ» .(5)

قلت : الذي ذكرناه آنفا أن القصة بما تشتمل عليه بصورتها من الأمر والامتثال والتمرّد والطرد وغير ذلك وإن كانت تتشبه بالقضايا الاجتماعية المألوفة فيما بيننا لكنها تحكي عن جريان تكويني في الروابط الحقيقية التي بين الإنسان والملائكة وإبليس فهي في الحقيقة تبيّن ما عليه خلق الملائكة

ص: 300


1- . سورة ص : 82 .
2- . تفسيرالميزان 8 / 20 - 21 .
3- . الأعراف : 13 .
4- . تفسيرالميزان 8 / 23 .
5- . النحل : 40 .

وإبليس وهما مرتبطان بالإنسان ، وما تقتضيه طبائع القبيلين بالنسبة إلى سعادة الإنسان وشقائه ، وهذا غير كون الأمر تكوينيا .

فالقصة قصة تكوينية مثّلت بصورة نألفها من صور حياتنا الدنيوية الاجتماعية ..(1)

إلى أن قال :

وقد عبّر الله سبحانه عن إنفاذه أمر التكوين في مواضع من كلامه بلفظ الأمر أو ما يشبه ذلك كقوله : «فَقَالَ لَها وَلِلأَرْضِ ائْتِيَا طوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طائعِينَ» ،(2) وقوله : «إِنَّا عَرَضنَا الأَمَانَةَ عَلى السمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَينَ أَن يحْمِلْنهَا وَأَشفَقْنَ مِنهَا» ،(3) وأشمل من الجميع قوله : «إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ» .(4)

فإن قلت : رفع اليد عن ظاهر القصة وحملها على جهة التكوين المحضة يوجب التشابه في عامّة كلامه تعالى ، ولا مانع حينئذ يمنع من حمل معارف المبدأ والمعاد بل والقصص والعبر والشرائع على الأمثال ، وفي تجويز ذلك إبطال للدين .

قلت : إنما المتبع هو الدليل ، فربما دلّ على ثبوتها وعلى صراحتها ونصوصيتها كالمعارف الأصلية والاعتقادات الحقة وقصص الأنبياء والأمم في دعواتهم الدينية والشرائع والأحكام وما تستتبعه من الثواب والعقاب ونظائر ذلك ، وربما دلّ الدليل وقامت شواهد على خلاف ذلك كما في القصة التي نحن

ص: 301


1- . تفسيرالميزان 8 / 27 .
2- . حم السجدة : 11 .
3- . الأحزاب : 72
4- . يس : 82 .

فيها ، ومثل قصة الذرّ وعرض الأمانة وغير ذلك ممّا لا يستعقب إنكار ضروري من ضروريات الدين ، ولا يخالف آية محكمة ولا سنة قائمة ولا برهانا يقينيا .(1)

ويلاحظ عليه :

أولاً : ان حمل قصص القرآن على التمثيل دون الواقع قول بغير دليل ، و خلاف لظواهر الآيات الشريفة .

وثانيا : يستلزم منه إنكار أحاديث كثيرة متفق عليها بين الفريقين ، بل لعلّه - في بعض الموارد - ممّا يخالفه جميع الأديان .

وأمّا القول بأن السجدة كانت لجميع بني آدم ، وأن الخلافة جارية في عامّة الآدميين ؛ فمجرد استحسان حمّلت الآيات عليه ، وكيف يمكن القول بذلك وفيهم من فيهم من الفراعنة والجبابرة والطواغيت و...

وأمّا نقمة إبليس لبني آدم فيكفي فيه عداوته لأبيهم ، ولعله أوضح من أن يخفى .

كلامه في تناسل الطبقة الثانية من الإنسان

قال : الطبقة الأولى من الإنسان وهي آدم وزوجته تناسلت بالازدواج فأولدت بنين وبنات إخوة وأخوات ، فهل نسل هؤاء بالازدواج بينهم وهم إخوة وأخوات أو بطريق غير ذلك ؟ ظاهر إطلاق قوله تعالى : «وَبَثّ مِنهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِساءً . . »(2) إلى آخر الآية على ما تقدم من التقريب أن النسل الموجود من الإنسان إنما ينتهي إلى آدم وزوجته من غير أن يشاركهما في ذلك غيرهما من ذكر أو أنثى ولم يذكر القرآن للبثّ إلاّ إياهما ، ولو كان لغيرهما شركة في ذلك لقال : وبثّ

ص: 302


1- . تفسيرالميزان 8 / 28 - 29 .
2- . النساء : 1 .

منهما ومن غيرهما ، أو ذكر ذلك بما يناسبه من اللفظ ، ومن المعلوم أن انحصار مبدأ النسل في آدم وزوجته يقضي بازدواج بنيهما من بناتهما .

وأمّا الحكم بحرمته في الإسلام وكذا في الشرائع السابقة عليه على ما يحكى فإنما هو حكم تشريعي يتبع المصالح والمفاسد لا تكويني غير قابل للتغيير ، وزمامه بيد الله سبحانه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد فمن الجائز أن يبيحه يوما لاستدعاء الضرورة ذلك ثم يحرّمه بعد ذلك لارتفاع الحاجة واستيجابه انتشار الفحشاء في المجتمع .

و القول بأنه على خلاف الفطرة وما شرعه الله لأنبيائه دين فطري ، قال تعالى «فَأَقِمْ وَجْهَك لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطرَت اللَّهِ الَّتي فَطرَ النَّاس عَلَيهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِك الدِّينُ الْقَيِّمُ» .(1) فاسد ، فإن الفطرة لا تنفيه ولا تدعو إلى خلافه من جهة تنفرها عن هذا النوع من المباشرة مباشرة الأخ الأخت وإنما تبغضه وتنفيه من جهة تأديته إلى شيوع الفحشاء والمنكر وبطلان غريزة العفّة بذلك وارتفاعها عن المجتمع الإنساني ، ومن المعلوم أن هذا النوع من التماس والمباشرة إنما ينطبق عليه عنوان الفجور والفحشاء في المجتمع العالمي اليوم ، وأما المجتمع يوم ليس هناك بحسب ما خلق الله سبحانه إلاّ الإخوة والأخوات والمشيّة الإلهية متعلقه بتكثّرهم وانبثاثهم فلا ينطبق عليه هذا العنوان .

و الدليل على أن الفطرة لا تنفيه من جهة النفرة الغريزية تداوله بين المجوس أعصارا طويلة على ما يقصّه التاريخ ، وشيوعه قانونيا في روسيا على ما يحكى ، وكذا شيوعه سفاحا من غير طريق الازدواج القانوني في أوربا .

وربما يقال : إنه مخالف للقوانين الطبيعية وهي التي تجري في الإنسان قبل عقده المجتمع الصالح لإسعاده ، فإن الاختلاط والاستيناس في المجتمع

ص: 303


1- . الروم : 30 .

المنزلي يبطل غريزة التعشق والميل الغريزي بين الإخوة والأخوات كما ذكره بعض علماء الحقوق .

وفيه : أنه ممنوع كما تقدم أولا ، ومقصور في صورة عدم الحاجة الضرورية ثانيا ، ومخصوص بما لا تكون القوانين الوضعية غير الطبيعية حافظة للصلاح الواجب الحفظ في المجتمع ، ومتكفلة لسعادة المجتمعين وإلاّ فمعظم القوانين المعمولة والأصول الدائرة في الحياة اليوم غير طبيعية . . .

وفي الإحتجاج ، عن السجاد عليه السلام في حديث له مع قرشي يصف فيه تزويج هابيل بلوزا أخت قابيل وتزويج قابيل بأقليما أخت هابيل ، قال : فقال له القرشي : فأولداهما ؟ قال : نعم ، فقال له القرشي : فهذا فعل المجوس اليوم ، قال : فقال : إن المجوس فعلوا ذلك بعد التحريم من الله ، ثم قال له : لا تنكر هذا إنما هي شرائع الله جرت ، أليس الله قد خلق زوجة آدم منه ثم أحلها له ؟ فكان ذلك شريعة من شرائعهم ثم أنزل الله التحريم بعد ذلك .. إلى آخر الحديث .

أقول : وهذا الذي ورد في الحديث هو الموافق لظاهر الكتاب والاعتبار ، وهناك روايات أخر تعارضها وهي تدل على أنهم تزوجوا بمن نزل إليهم من الحور والجان وقد عرفت الحق في ذلك .(1)

وقال : وظاهر الآية أن النسل الموجود من الإنسان ينتهي إلى آدم وزوجته من غير أن يشاركهما فيه غيرهما حيث قال : «وَبَث مِنهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِساءً . . » ، ولم يقل : منهما ومن غيرهما ، ويتفرع عليه أمران : ... وثانيهما : أن الازدواج في الطبقة الأولى بعد آدم وزوجته أعني في أولادهما بلا واسطة إنما وقع بين الإخوة والأخوات ازدواج البنين بالبنات إذ الذكور والإناث كانا منحصرين فيهم يومئذ ، ولا ضير فيه فإنه حكم تشريعي راجع إلى اللّه سبحانه فله أن يبيحه يوما

ص: 304


1- . تفسيرالميزان 4 / 144 - 147 .

ويحرّمه آخر ، قال تعالى : «وَاللَّهُ يحْكُمُ لا مُعَقِّب لِحُكْمِهِ» . .(1)

ويلاحظ عليه :

أمّا الاستدلال بقوله تعالى : «وَبَث مِنهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِساءً .0 . » ، (وأنه لم يقل : منهما ومن غيرهما ) فيردّه : لماذا لا يمكن أن تكون الآية ناظرة إلى من يتولد منهما فقط ؟! فإن إثبات الشي لا يكون نفيا لما عداه ، وولادة جمع كثير من الرجال والنساء منهما يفهم منه كثرة أولادهما ، فلا يكون في مقام البيان بالنسبة إلى غير النسل الثاني ، ولا أن جميع أفراد البشر كانوا منهما فقط ، ويؤيّده ما روي عن مولانا أبي الحسن الرضا عليه السلام أنه قال : إن حواء ولّدت خمسمائة بطن في كلّ بطن ذكر وأُنثى . . (2) بل لو سلّم أن الآية ناظرة إلى جميع بني آدم ، فحيث لم تكن في مقام البيان من جهة أن التناسل كان منهما فقط أو منهما ومن غيرهما ، يكون المرجع لتعيينه هو السنة ، والنصوص في ذلك وإن كانت متعارضة ، إلاّ أن ما دل على ازدواج بنين آدم ببناته روايتان ، وقد ذكر علماؤنا انهما مطروحتان لاشتهار ذلك بين العامة ، فحملوهما على التقية .(3)

قوله : (ان الفطرة لا تنفيه) ، خلاف ما نجده من تنفرّنا عنه فطرةً .

قوله : (ينطبق عليه عنوان الفجور والفحشاء في المجتمع العالمي اليوم) ، بل هذا العنوان ينطبق عليه دائما .

قوله : (تداوله بين المجوس أعصارا طويلة ... وشيوعه قانونيا في روسيا ... وكذا ... في أوربا) ، ينقضه تداول اللواط بينهم و .. وكذا بين قوم لوط !!

قوله : (وهذا... هو الموافق لظاهر الكتاب) ، بل موافق لما حمّلتمتموه على الكتاب !

ص: 305


1- . تفسيرالميزان 4 / 136 - 137 ، والآية في سورة الرعد : 41 .
2- . الاحتجاج 2 / 426 .
3- . لاحظ بحارالأنوار 11 / 226 ، النور المبين ، للسيد الجزائري 65، صد وده پرسش آيت اللّه ميلانى 37، وغيرها . أقول : ويشهد للحمل على التقية ما في إحدى الروايتين من القول بأن حوا خلقت من آدم ، فإنه أيضا قول العامّة . لاحظ : بحارالأنوار11 / 116 ، النورالمبين 33 .

الاعتماد على روايات العامّه

لا يخفى عليك أنه لا يجوز الاعتماد على روايات العامّة والتديّن بها وترويجها - كما صنعه في تفسير الميزان وغيره وتبعهم في ذلك عدّة من المعاصرين - وفيه مفسدة عظيمة ؛ لأن الأئمة عليهم السلام منعونا منعاً شديداً عن الرجوع إلى رواياتهم ، كما قال المحدث الشيخ الحرّ العاملي قدس سره - في ضمن كلام له - :

. . فقد تواترت الأحاديث عن أئمتنا بالنهي عن رواية أحاديث العامّة - وإن كانت في مدح أهل البيت عليهم السلام . . وعن العمل بها ، بل ورد عنهم عليهم السلام الأمر بمخالفتها إذا لم يكن عندنا دليل يوافقها .(1)

وقال الشيخ المظفر : إن أخبارهم غير صالحة للاستدلال بها على شيء من مطالبهم ؛ لأن منتقى أخبارهم ما جمعته الصحاح الستة وهي مشتملة على أنواع من الخلل ، ساقطة عن الاعتبار البتة . .(2)

وقد صرّح بعدم حجية أخبارهم غير واحد من علمائنا في ضمن مباحثهم الفقهية وغيرها ،(3) بل قال صاحب الجواهر : ظاهر الأصحاب عدم الالتفات إلى أخبار العامة وان انجبرت !!(4)

ص: 306


1- . الفوائد الطوسية 365 .
2- . دلائل الصدق 1 / 47 .
3- . مثل العلامة الحلي في منتهى المطلب 1 / 18 ، والشهيد الثانيفي مسالك الأفهام 10 / 20 ، والسيد محمد العاملي في مدارك الأحكام 5 / 348 ، والعلامة المجلسي في بحار الأنوار 72 / 236 ، والشيخ محمد تقي في هداية المسترشدين 418 ، وغيرهم في غيرها .
4- . جواهر الكلام 2 / 30 . أقول : ولم يعتمدوا على ابن أبي جمهور صاحب كتاب عوالي اللآلئ ؛ لأنه أكثر فيه من أحاديث العامة ، كما في خاتمة المستدرك 1 / 331 عن لؤؤة البحرين 64 .

أقول: بل عدّ من مرجّحات الرواية ، مخالفتها للعامّة .(1)

وقد روي عن مولانا الصادق عليه السلام أنه قال : والله ما بقى في أيديهم شيء من الحق إلا استقبال الكعبة فقط .(2)

ص: 307


1- . انظر مبحث التعادل والترجيح من كتب الأصول ، وباب ما يعالج به تعارض الروايات من كتب الحديث مثل بحارالأنوار 2 / 219 ، جامع أحاديث الشيعة 1 / 308 ، وسائل الشيعة 27 / 106 ، مستدرك الوسائل 17 / 302 ، عوالم العلوم 3 / 538 ، وغيرها . وجدير بنا أن نشير إلى بعض ما أجاب به الأئمة المعصومون عليهم السلام في جواب شيعتهم - لمّا سألوهم: بأيّ الخبرين يؤذ عند تعارض الروايات - فقالوا : * خذ بما فيه خلاف العامة . الاحتجاج 2 / 357، بحارالأنوار 2 / 224 ، وسائل الشيعة 27 / 122 * بما يخالف العامة فإن فيه [ما خالف العامة ففيه] الرشاد . ( الفقيه 3 / 8 ، الكافي 1 / 67 ، تهذيب الأحكام 6/301 ، وسائل الشيعة 27 / 106 ، مستدرك الوسائل 17 / 302، عوالياللآلي 4 / 133 ) * ينظر إلى ما هم إليه يميلون ، فإن ما خالف العامة ففيه الرشاد . ( الاحتجاج 2 / 355 ، بحارالأنوار 2 / 220 و 101 / 261 ) * انظر ما وافق منهما مذهب العامة فاتركه وخذ بما خالفهم. (البحار 2/245، مستدرك الوسائل 17/303) * دعوا ما وافق القوم فإن الرشد في خلافهم . ( الكافي 1 / 8 ، وسائل الشيعة 27 / 112) * خذ بما خالف القوم ، وما وافق القوم فاجتنبه . ( وسائل الشيعة 27 / 118 ، بحارالأنوار 2 / 235 ) * انظر إلى ما وافق منهما مذهب العامة فاتركه ، وخذ بما خالفهم فإن الحق فيما خالفهم . ( عوالياللآلي 4/133) * فإن كان فيه اختلاف وتساوت الأحاديث فيه فخذوا بأبعدهما من قول العامة . ( جوابات أهل الموصل 47 ، مستدرك الوسائل 17 / 306 ) * إذا أتاكم عنا حديثان [مختلفان] فخذوا بأبعدهما من قول العامة . ( جوابات أهل الموصل 14 ، 46 ، مستدرك الوسائل 17 / 306 ) * ما أنتم والله على شيء ممّا هم فيه ، ولا هم على شيء ممّا أنتم فيه ، فخالفوهم فما هم من الحنيفية على شيء . ( وسائل الشيعة 27 / 119 ) * ومن وافق عدونا في قول أو عمل فليس منا ولا نحن منهم . ( وسائل الشيعة 27 / 119 )
2- . الفصول المهمة في أصول الأئمة عليهم السلام للشيخ الحرّ العاملي 1 / 578 .

لا يقال: هذا خاصّ بالأحكام الفرعية .

لأنا نقول: بل المستفاد منها شمول المنع لغير الأحكام ، ولا بأس بذكر بعضها :

عن هارون بن خارجة قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام إنا نأتي هؤاء المخالفين فنسمع منهم الحديث يكون حجّة لنا عليهم .

قال عليه السلام : لا تأتهم ولا تسمع منهم ، لعنهم الله ولعن مللهم المشركة .(1) وعن علي بن سويد السائي قال : كتب إليّ أبو الحسن الأول عليه السلام ، - وهو في السجن - : وأما ما ذكرت - يا علي ! - ممن تأخذ معالم دينك ، لا تأخذنّ معالم دينك عن غير شيعتنا ، فإنك إن تعدّيتهم أخذت دينك عن الخائنين الذين خانوا الله ورسوله وخانوا أماناتهم .(2)

وعن إبراهيم بن أبي محمود قال : قلت للرضا عليه السلام : يا ابن رسول الله ! إن عندنا أخبارا في فضائل أمير المؤنين عليه السلام وفضلكم أهل البيت ، وهي من رواية مخالفيكم ولا نعرف مثلها عنكم ، أ فندين بها ؟ فقال : يا ابن أبي محمود ! لقد أخبرني أبي ، عن أبيه ، عن جدّه عليهم السلام : أن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم قال : من أصغى إلى ناطق فقد عبده ، فإن كان الناطق عن الله عز وجل فقد عبد الله ، وإن كان الناطق عن إبليس فقد عبد إبليس . . . يا ابن أبي محمود ! إذا أخذ الناس يمينا وشمالا فالزم طريقتنا فإنه من لزمنا لزمناه ومن فارقنا فارقناه . . . إن أدنى ما يخرج الرجل من الإيمان أن يقول للحصاة : هذه نواة ، ثم يدين بذلك ويبرأ ممن خالفه . . . يا ابن أبي محمود ! احفظ ما حدّثتك به فقد جمعت لك فيه خير الدنيا والآخرة .(3)

ص: 308


1- . الكافي 2 / 410 ، وسائل الشيعة 21 / 477 ، بحارالأنوار 2 / 216 .
2- . رجال الكشي 3 ، وسائل الشيعة 27 / 150 ، بحارالأنوار 2 / 82 .
3- . بشاره المصطفى صلى الله عليه و آله وسلم 221 ، عيون أخبارالرضا عليه السلام 1 / 303 ، بحارالأنوار 26 / 239 .

وعن سليم بن قيس الهلالي ، قال : قلت لأمير المؤنين عليه السلام : يا أمير المؤنين ! إنّي سمعت من سلمان والمقداد وأبي ذرّ شيئا من تفسير القرآن وأحاديث عن نبي الله صلى الله عليه و آله وسلم غير ما في أيدي الناس ، ثم سمعت منك تصديق ما سمعت منهم . ورأيت في أيدي الناس أشياءً كثيرةً من تفسير القرآن ومن الأحاديث عن نبي الله صلى الله عليه و آله وسلم أنتم تخالفونهم فيها ، وتزعمون أن ذلك كلّه باطل ، أ فترى الناس يكذبون على رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم متعمّدين و يفسّرون القرآن بآرائهم ؟!(1)

قال مولانا أبو جعفر الباقر عليه السلام - في قوله تعالى : «وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ» - : أخذ العلم من أهله ،(2) «وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ» والخبائث قول من خالف .(3)

وقال عليه السلام - في ضمن رواية لمّا نسبوا الى أمير المؤنين عليه السلام شيئا - : فلا تضلّنّكم روايتهم - أو رواتهم - فإنهم لا يَدَعون أن يضلّوا ، ولا يسرّكم أن تلقوا منهم مثل يغوث ويعوق ونسرا الذين ذكر الله عزّ وجلّ أنهم أضلّوا كثيرا .(4)

وعن علي بن أسباط ، قال : قلت للرضا عليه السلام : يحدث الأمر لا أجد بدّا من معرفته ، وليس في البلد الذي أنا فيه أحدٌ أستفتيه من مواليك ، فقال عليه السلام : ائت فقيه البلد

ص: 309


1- . كتاب سليم 2/620 - 628، الكافي 1/62، الخصال 255، الغيبة للشيخ النعماني قدس سره 75 - 79، الاحتجاج 264، الوسائل 27/207، البحار 2/228 - 230 و 34/169 و 36/273 مع اختلاف يسير .
2- . يعني أهل البيت عليهم السلام ومن أخذ عنهم بقرينة ما ذكره عليه السلام في المقصود من الخبائث .
3- . الكافي 1 / 429 ، تأويل الآيات 185 ، وسائل الشيعة 27 / 68 ، بحارالأنوار 24 / 353 ، والآية الشريفة في سورة الأعراف 7 : 157 .
4- . دعائم الإسلام 2 / 536 ، مستدرك الوسائل 17 / 254 ، وقوله عليه السلام أخيرا إشارة إلى أصنام قال اللّه تعالى فيها : «وَقَالُوا لاَ تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلاَ تَذَرُنَّ وَدّاً وَلاَ سُوَاعاً وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرا * وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرا»نوح (71 : 23 - 24 .

فاستفته في أمرك فإذا أفتاك بشيء فخذ بخلافه ؛ فإن الحق فيه .(1)

وقال أبو عبد الله عليه السلام : أتدري لِمَ أُمرتم بالأخذ بخلاف ما تقول العامّة ؟ [قال الراوي] فقلت : لا ندري ، فقال : إن عليّا عليه السلام لم يكن يُدين الله بدين إلاّ خالف عليه الأُمّة إلى غيره إرادةً لإبطال أمره، وكانوا يسألون أمير المؤنين عليه السلام عن الشيء الذي لا يعلمونه فإذا أفتاهم جعلوا له ضدّا من عندهم ليلبسوا على الناس .(2)

نعم، إذا كان الحديث ممّا اتفق عليه الكلّ نأخذ به ونحتجّ به على الخصم، كما أشار إلى ذلك صاحب الوسائل بقوله: ( إذا لم يكن عندنا دليل يوافقها ) .

وكذا فيما يلزم به الخصم - من دون أن نعتقد به ، إذا كانوا هم المتفرّدون به - عملاً بقاعدة الإلزام .

وهذا هو الوجه في تأليف عبقات الأنوار والغدير وإحقاق الحق وملحقاته وغيرها من كتب أعيان الطائفة الحقّة رضوان اللّه عليهم أجمعين .(3)

ص: 310


1- . علل الشرائع 2 / 531 ، عيون أخبار الرضا عليه السلام 1 / 275 ، التهذيب 6 / 294 ، وسائل الشيعة 27 / 115 ، بحارالأنوار 2 / 233 .
2- . علل الشرائع 2 / 531 ، وسائل الشيعة 27 / 116 ، بحارالأنوار 2 / 237 .
3- . فعن مولانا الإمام موسى بن جعفر عليهماالسلام : جميع أمور الأديان أربعة . . . الأخبار المجمع عليها ، وهي الغاية المعروض عليها كل شبهة والمستنبط منها كل حادثة . . . فمن أورد واحدة من هذه الثلاث فهي الحجة البالغة التي بيّنها الله في قوله لنبيه : « قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ » . انظر تحف العقول 407 ، وسائل الشيعة 27 / 103 ، بحارالأنوار 2 / 238 و10 / 243 - 244 . وفي رسالة مولانا أبي ألحسن الهادي عليه السلام إلى أهل الأهواز استدلّ الإمام عليه السلام بما أجمع عليه الأمة من الأخبار قائلاً : فالخبر الأول الذي استنبط منه هذه الأخبار خبر صحيح مجمع عليه لا اختلاف فيه عندهم . لاحظ تحف العقول 458 ، بحارالأنوار 5 / 68 ، ولعلّ المتتبع يجد الكثير من أمثال هذه النصوص .

الفهرست التفصيلي

الفصل الأول

اشتمال القرآن على المحكم والمتشابه

11 - 26

المدخل··· 5

القرآن نور وهدى··· 13

تشبّث الفرق المنحرفة عن الحق بالقرآن··· 17

اشتمال القرآن على الآيات المتشابهة··· 18

اختصاص الحجّية بالمحكمات··· 19

كفاية الإيمان الإجمالي في الآيات المتشابهة··· 20

العلة في وجود الآيات المتشابهات في القرآن··· 26

الفصل الثاني

الأدلة الناهية عن تفسير القرآن بدون علم

27 - 46

ظواهر بعض الآيات غير مقصودة للّه تعالى··· 29

العقول قاصرة عن درك آيات القرآن وتفسيرها··· 34

النهي عن القول فيها بغير علم··· 36

النهي عن ضرب بعضها ببعض··· 38

النهي عن التفسير بالرأي··· 39

النهي عن الخوض والجدال فيها··· 45

ص: 311

الفصل الثالث

الحاجة إلى بيان الحجج المعصومين عليهم السلام في فهم القرآن

47 - 112

عدم استغناء القرآن عن البيان وأن اللّه تعالى بيّنه لرسوله··· 49

بيان النبي صلى الله عليه و آله وسلم للأئمة المعصومين عليهم السلام··· 54

قيّم القرآن وخليفة النبي صلى الله عليه و آله وسلم على التفسير··· 56

أنهم عليهم السلام الناطقون عن القرآن بل هم القرآن الناطق··· 60

القرآن تبيان لكلّ شيء بواسطة قيّمه ومعلّمه··· 67

الأئمة عليهم السلام مع القرآن والقرآن معهم لايفترقان رغما للقائل : حسبنا كتاب اللّه!··· 70

علم القرآن عند الحجج عليهم السلام··· 73

لا يحيط بالقرآن غير الأئمة عليهم السلام والعلم بالمتشابهات يختصّ بهم··· 81

لزوم الرجوع إلى الحجج عليهم السلام فيالقرآن وتمييز المتشابهات··· 104

الفصل الرابع

بعض كلمات العلماء في التفسير

113 - 154

الشيخ الصدوق المتوفى 380··· 116

السيد المرتضى المتوفى 436··· 119

أبو الصلاح الحلبي المتوفى 437··· 120

الشيخ أبو الفتح الكراجكي المتوفى 449··· 121

الشيخ الطوسي المتوفى 460··· 122

الشيخ الطبرسي المتوفى 548··· 123

أبو الفتوح الرازي المتوفى 552··· 124

القطب الراوندي المتوفى 573··· 124

السيد ابن طاوس المتوفى 664··· 125

العلامه الحلّي المتوفى 729··· 128

ص: 312

النباطي العاملي المتوفى 877··· 132

أبو المحاسن الجرجاني ( القرن التاسع )··· 133

المحقق الأردبيلي المتوفى 993··· 133

القاضي نور اللّه التستري المستشهد 1019··· 134

المولى محمد صالح المازندراني المتوفى 1081 أو 1086··· 134

الشيخ الطريحي المتوفى 1085··· 136

الفيض الكاشاني المتوفى 1091··· 136

محمد طاهر القمي الشيرازي المتوفى 1098··· 137

العلامة المجلسي المتوفى 1111··· 139

السيد نعمة الله الجزائري المتوفى 1112··· 141

الميرزا محمد المشهدي المتوفى حدود 1125··· 141

الشيخ يوسف البحرانى المتوفى 1186··· 142

الشيخ جعفر كاشف الغطاء المتوفى 1228··· 142

الشيخ يوسف البحرانى المتوفى 1186··· 142

المحقق القمي المتوفى 1231··· 143

الشيخ محمد حسن النجفي صاحب الجواهر المتوفى 1266··· 143

الشيخ الأنصاري المتوفى 1281··· 144

الحاج آقا رضا الهمداني المتوفى 1322··· 145

الميرزا حبيب اللّه الخوئي المتوفى 1326··· 145

الآخوند الخراساني المتوفى 1329··· 146

المحقق النائيني المتوفى 1355··· 147

آقا ضياء العراقي المتوفى 1361··· 147

السيد شرف الدين المتوفى 1377··· 148

الشيخ آغا بزرگ الطهراني المتوفى 1390··· 148

الشيخ محمد رضا المظفر··· 150

المرجع الديني السيد الخوئي المتوفى 1413··· 151

عدّة من المعاصرين··· 151

ص: 313

الفصل الخامس

مناقشات مع تفسير الميزان في دعوى «أن القرآن لا يحتاج إلى بيان»

155 - 271

ما ذكره في تفسير الميزان بنصّه··· 159

الجواب التفصيلي عما ذكره··· 167

الإزراء على من اقتصر في تفسير المتشابهات على الروايات ··· 167

الإشكال في الاستناد إلى قوله تعالى : «يَقُولُونَ آمَنّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا..» ··· 169

الحكم بأن الاقتصار على النصوص في التفسير إبطال لحجية العقل··· 172

عدم حجية أقوال الصحابة والآراء المتناقضة··· 178

ادّعاء أن اللّه تعالى لم يندب إلاّ إلى التدبر في آياته··· 181

ادّعاء أن التدبر يكفي لرفع الاختلاف المتراءى من الآيات ··· 183

توهم أن القرآن حيث انه تبيان لكل شيء و... فلا يحتاج إلى شيء سوى نفسه··· 195

توهم أن تفسير القرآن بالقرآن لمّا كان طريقة أهل البيت فيجوز للجميع ذلك··· 215

توهم أن الروايات الناهية لا تمنعنا عن الاجتهاد في تفسير القرآن··· 221

توهم تنافي المنع عن الاجتهاد مع آيات التدبر و... ··· 223

توهم تعارضها مع ما دلّ على لزوم الرجوع إلى القرآن وعرض الأخبار عليه··· 223

توهم أن النهي تعلّق باعتماد المفسر على نفسه وعدم الرجوع إلى سائر الآيات··· 224

توهم أن النهي مختص بطريق الكشف دون المكشوف ··· 226

تكرار ما سبق في المراد من النصوص ··· 227

توهم أن الغرض من الروايات الناهية هو المنع عن الاستمداد في التفسير بغيرالقرآن··· 230

توهم أن الآيات تدل على أن المعارف القرآنية يمكن أن ينالها الباحث··· 253

توهم أنه لا معنى لإرجاع فهم معاني الآيات حتى إلى النبي صلى الله عليه و آله ! ! ··· 255

استثناؤه تفاصيل الأحكام والقصص والمعاد ··· 257

توهم أن شأن النبي صلى الله عليه و آله في ذلك هو التعليم - بمعناه الخاصّ - فحسب ··· 260

توهم أن روايات العرض تدل على استفادة جميع ما في النصوص من القرآن··· 262

توهم أنه لو توقف فهم القرآن على بيان النبي صلى الله عليه و آله لزم منه الدور ··· 264

الكلام في المراد من حديث الثقلين ··· 264

الكلام في الجمع بين النصوص المختلفة في المقام ··· 269

ص: 314

الخاتمة

في ذكر بعض آراء صاحب تفسير الميزان

273 - 309

الإشارة إلى آرائه المتقدّمة··· 275

قوله بأن لغير المؤمنين أيضا سبيل إلى اللّه ··· 279

تجويز التفكر في ذات اللّه ··· 279

التوحيد الحقيقي هو وحدة الوجود !··· 281

صدور الأشياء و ترشحها عن ذات اللّه تعالى !··· 283

إنكار الحسن والقبح العقليين··· 285

تعلّق مشية اللّه تعالى بجميع الأفعال بل هو الخالق لها !··· 287

الشيطان مجبول على المعصية··· 295

تجرّد النفس··· 295

جسم الأنسان منشأ لإيجاد روحه··· 295

حمل قصص القرآن على التمثيل دون الواقع··· 299

السجدة من الملائكة والخلافة الإلهية لجميع بني آدم··· 299

كلامه في تناسل الطبقة الثانية من الإنسان··· 302

الاعتماد على روايات العامّه··· 306

ص: 315

اللهم وأحي بوليّك القرآن ، وأرنا نوره سرمدا لا ظلمة فيه ،

وأحي به القلوب الميّتة ، واشف به الصدور الوغرة ، واجمع به الأهواء المختلفة على الحق ، وأقم به الحدود المعطّلة والأحكام المهملة حتى لايبقى حقّ إلاّ ظهر ولا عدل إلاّ زهر ..

راجع : كمال الدين 2 / 514 ، جمال الأسبوع 526 ،

بحارالأنوار 53 / 189 و 92 / 329 و 99 / 91

اضافات چاپ دوم

استدراك ص60 آخر پاورقى 3 از صفحه قبل

وقال صاحب الجواهر - في ضمن كلام له - : كهتك حرمة الكعبة والقرآن ، بل الامام أعظم منهما . جواهر الكلام 21/345 .

وللشيخ علي أكبر النهاوندي بحث في ذلك فراجع خزينة الجواهر 447 (العنوان الثاني ، الباب الثالث ، الطبع الأول) .

ولاحظ ما ذكر في تعليقة شرح الكافي للمازتدراني 7/309 .

استدراك ص134

وقال في ضمن كلام له : وإنما خصّ المحكم بالذكر ؛ لأن المنسوخ ليس للعلم بمضمونه كثير نفع ، والمختلف فيه لا يعلم الحق منه إلاّ المعصوم وكذا المتشابه لقوله تعالى : «وما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللّهُ والرّاسِخُونَ في الْعِلْمِ»

شرح الكافى للمازندراني 1/23

استدراك ص141 پاورقى 1

وأشرنا إلى كلام له في ص 122 فراجع .

استدراك ص141

قول الشيخ يوسف البحرانى المتوفى 1186

قال في ضمن كلام له : أحكام القرآن وغيره، وتفسير مجملاته و حلّ مشكلاته إنما يتلقى عنهم عليهم السلام .الحدائق الناضرة 12 / 347 . وأشرنا إلى كلام له في ص 122 فراجع .

استدراك ص 170 پاورقى

يمكن أن يقال : قد ورد أن للآيات ظهرا وبطنا - كما مرّ في الرواية المرقّمة 181 - فيكون قوله تبارك و تعالى : «آمَنَّا بِهِ كلُّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا» مقولاً للراسخين - أي

المعصومين عليهم السلام على وجه ، وهو ترك التعمّق في ما يرتبط بذاته تعالى ، كما في الرواية الماضية عن أمير المؤمنين عليه السلام ، ومقولاً لغير الراسخين وهم عامّة أهل الإيمان في جميع الآيات المتشابهة ، كما مرّ في الروايتين المرقّمتين 24 و 188 .

استدراك ص 176 س 2

وقد صرّح صاحب الميزان بعدم حجّيّة أقوال العلماء في قوله : وأمّا سائر الأمة من الصحابة أو التابعين أو العلماء فلا حجية لبيانهم ... .(1)

استدراك ص180 پاورقى 2

ولاحظ : العوالم 15 / ق 2 / 127

وقالت سيدة النساء في خطبتها المشهورة : «وجعل ... طاعتنا نظاماً للملّة ، وإمامتنا أماناً من الفرقة» (بحارالأنوار 29 / 223 ، 241) .

وفي زيارة الجامعة الكبيرة وغيرها من الزيارات والروايات : «بموالاتكم تمّت الكلمة ، وعظمت النّعمة ، وائتلفت الفُرقة». (لاحظ : الفقيه 2 / 615 ، الكافى 1 / 445 ، بحارالأنوار 22 / 537 و 56 / 194) .استدراك ص257

وما ورد من السُنّة في مثل آيات الارث(2) لا يوافق الظاهر ولا الكلام يؤّي إليه فهل يلتزم بأنه ممّا لا يلائم التحدّي ولا تتمّ به الحجّة ؟!

استدراك ص259

وبالجملة؛ لا ريب في إباء استدلاله عن التخصيص والاستثناء فلاحظ نصّ كلامه في الرقم [7] و غيره ، فحينئذ نقول : يحتمل في قوله : (نعم تفاصيل الأحكام ممّا لا سبيل إلى تلقّيه من غير بيان النبي صلى الله عليه و آله وسلم... إلى آخره) وجهان : الاؤ : أن يكون هذا الكلام منه استثناءً عمّا ذكره أولاً ؛ فيكون نقضا صريحا لكلامه السابق . الثاني : أن يكون الغرض منه أن هذه الآيات وإن كانت واضحة ومبيّنة في نفسها إلاّ أن ما يندرج تحتها من التفاصيل والجزئيات يتوقّف على بيان النبي صلى الله عليه و آله وسلم ؛ فيرد

عليه : أنّا نجد في آيات الاحكام وغيرها ما لا يتبيّن معناها بنفسها، ولا مناص في فهمها من الرجوع إلى بيان النبي صلى الله عليه و آله وسلم و أوصيائه عليهم السلاممثل آيات الارث.(3)

استدراك ص263 س6

وثالثا : القول بأن «جميع مانقل عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم ممّا يمكن استفادته من الكتاب» ينافي ما مرّ منه في الرقم [20] حيث قال : «تفاصيل الأحكام ممّا لا سبيل إلى تلقّيه من غير بيان النبي صلى الله عليه و آله وسلم ... وكذا تفاصيل القصص والمعاد» فإن كلامه هذا صريح في أنه يوجد في النصوص النبوية ما ليس في القرآن منه عين ولا أثر ،فكيف يمكن استفادته من القرآن ؟! اللهم إلاّ أن يقال بأن أخبار العرض لا تشمل ما ورد في تفاصيل الأحكام الشرعية وتفاصيل القصص والمعاد . وهو كماترى !

استدراك ص280 پاورقى 4

قال الشيخ البهايى فى كتابه الاربعين ص 14 فلا تلتفت الى من يزعم أنه قد وصل الى كنه الحقيقة المقدسة ... فان الامر أرفع وأطهر من أن يتلوث بخواطر البشر ... .

استدراك ص292 پاورقى 2

و إحقاق الحق 2 / 11 . وأمّا ما اشتهر على بعض الألسن من أنه «لا مؤثر في الوجود إلاّ اللّه» فهو من العامّة ، بل من أصول الأشاعرة كما صرّح بذلك العلاّمة المجلسي والسيد المرعشي وغيرهما فلاحظ : مستدرك سفينة البحار 1/55 .

استدراك ص309 - 310

وعن سليم بن قيس الهلالي ، قال : قلت لأمير المؤنين عليه السلام : يا أمير المؤنين ! إنّي سمعت من سلمان والمقداد وأبي ذرّ شيئا من تفسير القرآن وأحاديث عن نبي الله صلى الله عليه و آله وسلم غير ما في أيدي الناس ، ثم سمعت منك تصديق ما سمعت منهم . ورأيت في أيدي الناس أشياءً كثيرةً من تفسير القرآن ومن الأحاديث عن نبي الله صلى الله عليه و آله وسلم أنتم تخالفونهم فيها ، وتزعمون أن ذلك كلّه باطل ، أ فترى الناس يكذبون على رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم متعمّدين و يفسّرون القرآن بآرائهم ؟!(4)وعن أبي عبيدة الحذاء ، قال أبو جعفر الباقر عليه السلام - في قوله تعالى : «وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ»(5) - : أخذ العلم من أهله [وهم أهل البيت عليهم السلام ومن أخذ عنهم] ، «وَيُحَرِّمُ

عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ» والخبائث قول من خالف .(6)

وقال عليه السلام - في ضمن رواية لمّا نسبوا الى أمير المؤنين عليه السلام شيئا - : فلا تضلّنّكم روايتهم - أو رواتهم - فإنهم لا يَدَعون أن يضلّوا ، ولا يسرّكم أن تلقوا منهم مثل يغوث ويعوق ونسرا الذين ذكر الله عزّ وجلّ أنهم أضلّوا كثيرا .(7)

وقال أبو عبد الله عليه السلام : أتدري لِمَ أُمرتم بالأخذ بخلاف ما تقول العامّة ؟ [قال الراوي] فقلت : لا ندري ، فقال : إن عليّا عليه السلام لم يكن يُدين الله بدين إلاّ خالف عليه الأُمّة إلى غيره إرادةً لإبطال أمره، وكانوا يسألون أمير المؤنين عليه السلام عن الشيء الذي لا يعلمونه فإذا أفتاهم جعلوا له ضدّا من عندهم ليلبسوا على الناس .(8)

وعن علي بن أسباط ، قال : قلت للرضا عليه السلام : يحدث الأمر لا أجد بدّا من معرفته ، وليس في البلد الذي أنا فيه أحدٌ أستفتيه من مواليك ، قال : فقال عليه السلام : ائت فقيه البلد فاستفته في أمرك فإذا أفتاك بشيء فخذ بخلافه ؛ فإن الحق فيه .(9)عن مولانا أمير المؤنين عليه السلام - في ضمن حديث - : إن اللّه جلّ ذكره . . . قسّم كلامه ثلاثة أقسام : فجعل قسما منه يعرفه العالم والجاهل ، وقسما لا يعرفه إلاّ من صفا ذهنه ولطف حسّه وصحّ تمييزه ممّن شرح اللّه صدره للإسلام ، وقسما لا يعرفه إلاّ اللّه وأمناؤ الراسخون في العلم .

وإنما فعل ذلك لئلاّ يدعي أهل الباطل من المستولين على ميراث رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم من علم الكتاب ما لم يجعله اللّه لهم ، وليقودهم الاضطرار إلى الائتمار لمن ولاّه أمرهم [الائتمام بمن ولّي أمرهم] ، فاستكبروا عن طاعته تعزّزا وافتراءً على اللّه عزّ وجلّ واغترارا بكثرة من ظاهرهم وعاونهم وعاند اللّه جلّ اسمه ورسوله صلى الله عليه و آله وسلم .

الاحتجاج 1 / 253 ، بحارالأنوار 89 / 45 - 46 و 90 / 120 ، الوسائل 27 / 194 .

عن مولانا أبي عبد اللّه عليه السلام - في ضمن حديث - : وإنما أراد اللّه بتعميته في ذلك أن ينتهوا إلى بابه وصراطه وأن يعبدوه وينتهوا في قوله إلى طاعة القوّام بكتابه والناطقين عن أمره وأن يستنبطوا ما احتاجوا إليه من ذلك عنهم لا عن أنفسهم .

المحاسن 1 / 268 ، بحارالأنوار 89 / 100 ، وسائل الشيعة 27 / 190 .1 . وفي احتجاج أبي عبد اللّه عليه السلام على الصوفية : أخبروني - أيها النفر - ألكم علم بناسخ القرآن من منسوخه ومحكمه من

متشابهه الذي في مثله ضلّ من ضلّ وهلك من هلك من هذه الأمة ؟ !(10)

2 . عن أمير المؤنين عليه السلام - بعد أن ذكر عليه السلام كلاماً طويلاً في تقسيم القرآن إلى أقسام وفنون ووجوه تزيد على مائة وعشرة - قال عليه السلام : وهذا دليل واضح على أن كلام البارئ سبحانه لا يشبه كلام الخلق ، كما لا يشبه أفعاله أفعالهم ، ولهذه العلة وأشباهها لا يبلغ أحد كنه معنى حقيقة تفسير كتاب اللّه تعالى وتأويله إلاّ نبيه صلى الله عليه و آله وسلموأوصياؤ عليهم السلام .(11)

3 . عن أبي عبد اللّه عليه السلام : . . وأمّا ما سألت من القرآن فذلك أيضا من خطراتك المتفاوتة المختلفة ؛ لأن القرآن ليس على ما ذكرت ، وكل ما سمعت فمعناه غير ما ذهبت إليه ، وإنما القرآن أمثال لقوم يعلمون دون غيرهم ، ولقوم «يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ» ،وهم الذين يؤنون به ويعرفونه ، فأمّا غيرهم فما أشدّ إشكاله عليهم وأبعده من مذاهب قلوبهم ، ولذلك قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم : « إنه ليس شيء بأبعد من قلوب الرجال من تفسير القرآن » ، وفي ذلك تحيّر الخلائق أجمعون إلاّ ما شاء اللّه .

وإنما أراد اللّه بتعميته في ذلك أن ينتهوا إلى بابه وصراطه ، وأن يعبدوه وينتهوا في قوله إلى طاعة القوّام بكتابه والناطقين عن أمره ، وأن يستنبطوا ما احتاجوا إليه من ذلك عنهم لا عن أنفسهم ، ثم قال : «ولَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وإِلى أُولي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ» ، فأمّا غيرهم فليس يعلم ذلك أبدا ولا يوجد ، وقد علمت أنه لا يستقيم أن يكون الخلق كلّهم ولاة الأمر ! إذا لا يجدون من يأتمرون عليه ، ولا من يبلغونه أمر اللّه ونهيه ، فجعل اللّه الولاة خواصّ ليقتدي بهم من لم يخصصهم بذلك ، فافهم ذلك إن شاء اللّه ، وإيّاك وتلاوة القرآن برأيك ، فإن الناس غير مشتركين في علمه كاشتراكهم فيما سواه من الأمور ولا قادرين عليه ولا على تأويله إلاّ من حدهّ وبابه الذي جعله اللّه له ، فافهم إن شاء اللّه ، واطلب الأمر من مكانه تجده إن شاء اللّه .(12)

4 . ابوجعفر عليه السلام: ويحك يا قتادة إنما يعرف القرآن من خوطببه.(13)

5 . فنظرت في القرآن فإذا هو يخاصم فيه المرجئ والحروري والزنديق الذي لا يؤن حتى يغلب الرجل خصمه ، فعرفت أن القرآن لا يكون حجّة إلاّ بقيّم ما قال فيه من شيء كان حقا... فقال عليه السلام : رحمك الله ، فقبّلت رأسه .(14)

6 . وعنه عليه السلام : . . واعلموا - رحمكم اللّه - أنه من لم يعرف من كتاب اللّه عزّوجلّ الناسخ من المنسوخ ، والخاص من العام ، والمحكم من المتشابه ، والرخص من العزائم ، والمكي والمدني ، وأسباب التنزيل ، والمبهم من القرآن في ألفاظه المنقطعة والمؤّفة ، وما فيه من علم القضاء والقدر ، والتقديم والتأخير ، والمبين والعميق ، والظاهر والباطن ، والابتداء والانتهاء ، والسؤل والجواب ، والقطع والوصل ، والمستثنى منه والجاري فيه ، والصفة لما قبل ممّا يدلّ على ما بعد ، والمؤّد منه ، والمفصّل ، وعزائمه ورخصه ، ومواضع فرائضه وأحكامه ، ومعنى حلالهوحرامه الذي هلك فيه الملحدون ، والموصول من الألفاظ ، والمحمول على ما قبله وعلى ما بعده ، فليس بعالم بالقرآن ولا هو من أهله ، ومتى ما ادّعى معرفة هذه الأقسام مدّعٍ بغير دليل فهو كاذب مرتاب مفتر على اللّه الكذب ورسوله ، و«مَأْواهُ جَهَنَّمُ وبِئْسَ الْمَصِيرُ».(15)

7 . عن أمير المؤنين عليه السلام : . . ... ونحن أهل رسول اللّه الذين نستنبط المحكم من كتابه ونميّز المتشابه منه ونعرف الناسخ ممّا نسخ اللّه .(16)

ص: 316


1- . تفسيرالميزان 12 / 261 .
2- . سورة النساء : 11 - 12 . ولاحظ تفسيرالميزان 4/213 - 214 ،
3- . سورة النساء : 11 - 12 . ولاحظ تفسيرالميزان 4/213 - 214 ،
4- . كتاب سليم 2/620 - 628، الكافي 1/62، الخصال 255، الغيبة للشيخ النعماني قدس سره 75 - 79، الاحتجاج 264، الوسائل 27/207، البحار 2/228 - 230 و 34/169 و 36/273 مع اختلاف يسير .
5- . الأعراف 7 : 157 .
6- . الكافي 1 / 429 ، تأويل الآيات 185 ، وسائل الشيعة 27 / 68 ، بحارالأنوار 24 / 353 .
7- . دعائم الإسلام 2 / 536 ، مستدرك الوسائل 17 / 254 ، وقوله عليه السلام أخيرا إشارة إلى أصنام قال اللّه تعالى فيها : «وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرا» نوح (71 : 23 - 24 .
8- . علل الشرائع 2 / 531 ، وسائل الشيعة 27 / 116 ، بحارالأنوار 2 / 237 .
9- . علل الشرائع 2 / 531 ، عيون أخبار الرضا عليه السلام 1 / 275 ، التهذيب 6 / 294 ، وسائل الشيعة 27 / 115 ، بحارالأنوار 2 / 233 .
10- . الكافي 5 / 65 - 69 ، تحف العقول 348 - 353 ، وسائل الشيعة 27 / 183 ، بحارالأنوار 47 / 232 - 236 و 67 / 122 - 127 .
11- . بحارالأنوار 90 / 8 ، وسائل الشيعة 27 / 200 ، عن تفسير النعماني .
12- . المحاسن 1 / 268 ، بحارالأنوار 89 / 100 ، وسائل الشيعة 27 / 190 .
13- . الكافي 8 / 311 ، تأويل الآيات 251 ، وسائل الشيعة 27 / 185 ، بحارالأنوار 24 / 237 و46 / 349 ، وانظر مستدرك الوسائل 17 / 335 .
14- . الكافي 1 / 168 ، 188 ، رجال الكشي 420 ، علل الشرائع 1 / 192 ، وسائل الشيعة 27 / 176 ، بحارالأنوار 23 / 17 .
15- . بحارالأنوار 90 / 4 ، عن تفسير النعماني .
16- . تحف العقول 134 ، بحارالأنوار 74 / 250 .

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.