الإلهیات علی هدی الکتاب و السنة و العقل المجلد 1

هویة الکتاب

بطاقة تعريف: السبحاني التبریزي ، جعفر، ‫ 1308 -

عنوان واسم المبدع: الإلهیات علی هدی الکتاب و السنة و العقل ‫/ محاضرات جعفر السبحاني التبریزي ‫؛ بقلم حسن محمد مکي العاملي .

مواصفات النشر: ‫قم ‫: موسسة الامام الصادق (ع) ‫، 1423 ق. ‫= 1381.

مواصفات المظهر: ‫4ج.

ISBN : ‫160000ریال ‫: دوره ‫ 964-357-054-1 : ؛ ‫ج.2 ‫ 964-357-055-X : ؛ ج.3 ‫ 964-357-056-8 : ؛ ج.4 ‫ 964-357-057-6 :

لسان : العربية.

ملحوظة: چاپ قبلی : المرکز العالمي للدراسات الاسلامیة ، 1369.

ملحوظة: ‫ج. 1 و 2 (چاپ هفتم: 1430 ق.= 1388).

ملحوظة: کتابنامه .

موضوع : کلام شیعه امامیه -- قرن 14

شیعه امامیه -- عقاید

معرف المضافة: مکی عاملی ، حسن

تصنيف الكونغرس: ‫ ‮ BP211/5 ‫ /س 18‮الف 7 1381

تصنيف ديوي: ‫ 297/4172

رقم الببليوغرافيا الوطنية: م 82-15822

معلومات التسجيلة الببليوغرافية: سجل كامل

ص: 1

المقدمة

اشارة

بسم اللّه الرحمن الرحيم

تصدير بقلم المحاضر

اشارة

الحمد للّه الذي علم السرائر، و خبر الضمائر، له الإحاطة بكل شيء، و الغلبة لكل شيء، و القوة على كل شيء، دلّت عليه أعلام الظهور، و أدرك بذاته خفيّات الأمور، امتنع على عين البصير، فلا عين من لم يره تنكره، و لا قلب من أثبته تبصره، سبق في العلم فلا شيء أعلى منه، و قرب في الدنو فلا شيء أقرب منه، فلا استعلاؤه باعده عن شيء من خلقه، و لا قربه ساواهم في المكان به، لم يطلع العقول على تحديد صفته، و لم يحجبها عن واجب معرفته، فهو الذي تشهد له أعلام الوجود على إقرار قلب ذي الجحود، تعالى اللّه عما يقول المشبّهون به، و الجاهلون له، علوا كبيرا.

و الصلاة و السلام على نبيّه و رسوله، و بعيثه و صفوة خلقه، الذي أرسله بالحق ليخرج عباده من عبادة الأوثان إلى عبادته، و من طاعة الشيطان إلى طاعته، بقرآن قد بيّنه و أحكمه، ليعلم العباد ربّهم إذ جهلوه، و ليقرّوا به بعد إذ جحدوه، و ليثبتوه بعد إذ أنكروه، فتجلى لهم سبحانه في كتابه من

ص: 1

غير أن يكونوا رأوه بما أراهم من قدرته، و خوفهم من سطوته.

و على آله الذين هم موضع سرّه و لجأ أمره، و عيبة علمه، و موئل حكمه، و كهوف كتبه، و جبال دينه، بهم أقام انحناء ظهره، و اذهب ارتعاد فرائصه.

و على صحبه المنتجبين الذين قرءوا القرآن فاحكموه، و تدبروا الفرض فأقاموه، و أحيوا السنّة، و أماتوا البدعة، صلاة دائمة ما دامت السماء ذات أبراج، و الأرض ذات فجاج(1).

أما بعد:

فقد التحق النبي الأكرم (صلى اللّه عليه و آله) بالرفيق الأعلى و قد ترك بين الأمة وديعتين عظيمتين، و أمانتين كبيرتين عرّفهما بقوله: «إني تارك فيكم الثقلين، كتاب اللّه و عترتي، كتاب اللّه حبل ممدود من السماء إلى الأرض، و عترتي أهل بيتي، و إن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما»(2).

و على ضوء هذا البيان من نبي العظمة، فالكتاب و العترة مقياس الحق و نبراس المعرفة، لا يضل من تمسك بهما أبدا، ففيهما أعلام الهداية، و دلائل الحقيقة، و أنوار للنهى و العقول.».

ص: 2


1- الخطبة برمّتها مأخوذة من خطب الإمام علي (عليه السلام) في مواضع مختلفة من نهج البلاغة، لاحظ الخطب 2 و 49 و 85 و 181 و 147.
2- حديث الثقلين من الأحاديث المتواترة أخرجه الحفاظ في صحاحهم و مسانيدهم و ما نقلناه مأخوذ من مسند الإمام أحمد (م 242 ه)، ج 3، ص 17 و 26. و أخرجه في كنز العمال، ج 1، ص 47، الحديث 945. و قد جمع المتتبع الخبير السيد مير حامد حسين الهندي (م 1306) أسناده و متونه و طبع في ستة أجزاء و هي جزء من أجزاء كتابه الكبير الذائع الصيت «عبقات الأنوار».

و كان المتوقع من أمة ورثت هذه التركة النفيسة الغالية أن تكون مرصوصة الصفوف و متوحدتها، غير مختلفة في الأصول و الفروع، سالكة سبل الحياة بهدوء و طمأنينة. و لكن - يا للأسف - حدثت حوادث و طرأت حواجز عرقلت خطاها، و صدتها عن نيل تلك الأمنية المنشودة. فظهرت بينها آراء متشعبة، و نبتت فيها فرق تحمل عقائد و أفكارا لا توافق حكم الثقلين، و تضاد مبادي الإسلام و أسسه. و ما هذا إلاّ لأجل عدم تمسكهم بما أمر النبيّ بالتمسّك به، و هذا واضح لمن راجع تاريخ المسلمين. و ليس المقام مناسبا لتفصيله، «ودع عنك نهبا صيح في حجراته....».

علم الكلام وليد الضروريات الزمنية

قام المسلمون بعد رحلة النبي (صلى اللّه عليه و آله)، بفتح البلاد، و مكافحة الأمم المخالفة للإسلام، و كانت تلك الأمم ذات حضارة و ثقافة في العلوم و الآداب، و كان بين المسلمين رجال ذوو علاقة متأصلة بكسب العلوم السائدة في تلك الحضارات. فأدت تلك العلاقة إلى المذاكرة و المحاورة أولا، و ترجمة كتبهم إلى اللغة العربية ثانيا.

و قد كانت معارف اليونان و الرومان و الفرس منتشرة في بلاد إيران و الشام و ما والاها التي فتحها المسلمون بقوة الإيمان، و ضرب السيوف، فعند ذاك استولى المسلمون على العلوم اليونانية و الإيرانية، و نقلوها عن السريانية و الفارسية إلى العربية(1).

و أعان على أمر الترجمة وجود عدّة من الأسرى في العواصم الإسلامية، فصار ذلك سببا لانتقال كثير من آراء الرومان و الفرس إلى المجتمع الإسلامي و انتشارها بينهم. و كان بين المسلمين من لم يتدرع في

ص: 3


1- الكامل، ج 5 ص 294، حوادث سنة 240 ه، و ص 113.

مقابلها، بل كان بينهم من لم يتورع في أخذ الفاسد منها، فأصبحوا مغمورين في هذه التيارات الفكرية، و نجمت فيهم الملاحدة نظراء: ابن أبي العوجاء، و حماد بن عجرد، و يحيى بن زياد، و مطيع بن أياس، و عبد اللّه بن المقفّع، و غيرهم من رجال العيث و الفساد. فهؤلاء اهتموا بنشر الإلحاد بين المسلمين و ترجمة كتب الروم و الفرس بما فيها من الضلال و الإلحاد، مع ما فيها من الحقائق الصحيحة. إلى أن عاد بعض المتفكرين غير مسلّمين للإسلام إلاّ بالقواعد الأساسية كالتوحيد و النبوّة و المعاد.

فكانوا ينشرون آراءهم علنا، و يهاجمون بها عقائد المؤمنين(1).

و هذا هو العامل الأول لانتشار الفوضى في العقائد و الأعمال و الأخلاق و الآداب. و هناك عامل ثان لهذه الحركة الهدّامة و هو حرية الأحبار و الرهبان المتظاهرين بالإسلام في نقل ما ورثوا من القصص و الأساطير من طريق العهدين و الكتب المحرّفة. فوجدوا في المجتمع الإسلامي جوا مناسبا لإظهار البدع اليهودية و السخافات المسيحية و الأساطير المجوسية فافتعلوا أحاديث نسبوها إلى الأنبياء و المرسلين، كما افتعلوا بعضها على لسان النبي الأكرم، فحسبها السذج من الناس و السوقة، حقائق ناصعة و علوما ناجعة ملئوا بها صدورهم و طواميرهم و تفاسيرهم للكتاب العزيز(2).

ففي هذا الجو المشحون بالغزو الفكري من جانب الأعداء، و عدم تدرّع المسلمين في مقابل هذه الشبهات و الشكوك شعر المفكرون المخلصون من المسلمين بواجبهم، و هو الدفاع عن العقيدة الإسلامية بنفس الأصول التي يدين بها المخالفون، و الطرق التي يسلكها المعادون. و كان نتيجة ذلك تأسيس علم الكلام لغاية الاستدلال على صحتها و ذب الشكوك و الشبه

ص: 4


1- الكامل، ج 5 ص 294، حوادث سنة 240 ه، و ص 113.
2- لاحظ ميزان الاعتدال، ج 1، ص 593. و أمالي المرتضى، ج 1، ص 127. و مقدمة ابن خلدون، ص 439. و المنار ج 3، ص 545.

عنها. و في ظل ذلك ظهرت طوائف من المتكلمين بمناهج مختلفة، كل يحمل لواء الدفاع عن الإسلام، و مقاومة التيارات الإلحادية و الثنوية. و قد نجحوا في ذلك نجاحا نسبيا و إن لم يتوفق في الوصول إلى الحق في جميع المجالات سوى القليل منهم(1).

نعم، كان هذا المقدار من النجاح جديرا بالإطراء، لأن هذه الصفوة من المتفكرين وقعت بين عدوين: داخلي و خارجي.

أما الأول: فهم أهل الحديث و القشريين و السطحيين من المسلمين الذين كانوا متأبّين عن الخوض في المسائل العقلية، و يكتفون بما وصل إليهم من الصحابة، و يقتصرون على ما حصلوا عليه من الدين بالضرورة، و هم الحشوية من أكثر أهل الحديث و الحنابلة أخيرا. و آفتهم عدم التفريق بين الحديث الصحيح و الزائف، و الكلام الحق و المفترى، و العقائد الإسلامية و البدع اليهودية و المسيحية المستوردة من طريق الأحبار و الرهبان المستسلمين ظاهرا، و الحاقدين عليه باطنا. حتى ظهر القول بالتشبيه و التجسيم، و اعتناق ما ينبذه العقل الفطري بسبب هذه المرويات.

و أما العدو الخارجي: فهم الملاحدة و الثنوية، فكانوا يعادون أهل التفكير من المسلمين لما يجدون فيهم من القدرة على الاحتجاج و المناظرة، و مع ذلك فقد ساد التفكير على المسلمين من القرن الثاني إلى العصور الأخيرة، فقام المفكرون بتأليف أسفار ضخمة حول العقائد و المعارف على المناهج التي استحسنوها و ضبطوها.

ص: 5


1- راجع في الوقوف على البارعين في علم الكلام من الشيعة كتاب «تأسيس الشيعة الكرام لفنون الإسلام» للسيد حسن الصدر. و للوقوف على البارعين فيه من السنة: «مقالات الإسلاميين» للشيخ الأشعري، و «تبيين كذب المفتري» لابن عساكر، و «طبقات المعتزلة» لابن المرتضى، و غيرها من الكتب المؤلفة في هذا المضمار.

ضرورة تكامل الأبحاث الكلامية

إنّ المتكلمين الإسلاميين قد قاموا بواجبهم في مقابل الملحدين و الثنوية و السطحيين من أهل الحديث، و أدّوا ما عليهم من الرسالة، غير أنّ تقدم الحضارة في الأعصار الأخيرة، و تطور العلوم و تفتح العقول، أوجد تحولا كبيرا في تحليل الأبحاث و الدراسات العقلية و الفكرية، فلأجل ذلك أصبحت الكتب الكلامية القديمة، غير ملبية لحاجات العصر، خصوصا بالنسبة إلى الأسئلة الجديدة التي طرحها علماء النفس و الاجتماع في مجال الدين و التدين، هذا من جانب. و من جانب آخر، اعتمد المادّيون في تحليل الكون على أصول خاصة ربما تورث شكوكا و شبهات في الأذهان و الأوساط الإسلامية. فيجد الباحث فيها نقائص يجب رفعها.

أما أولا: فإن الكتب الكلامية التي ألفت من القرن الثالث إلى أواخر القرن الثامن أو التاسع، تبحث في نقاط ثلاث لا يهمها فعلا إلا الثالث.

أ - الأمور العامة: كالبحث عن الوجود و الماهية و الإمكان و الوجوب و الامتناع و العلّة و المعلول و الوحدة و الكثرة، و غير ذلك من المباحث التي تعدّ من عوارض الموجود بما هو موجود من دون أن تختص بعوارض الموجود الطبيعي أو الرياضي. و قد عرفت ب «النعوت الكلية التي تعرض للموجود من حيث هو موجود».

ب - الطبيعيات: كالبحث عن الجسم الطبيعي و التعليمي، و بساطته و تركّبه، فلكيّة و أثيرية، و القوى الحيوانية و النباتية، و غير ذلك مما يرجع إلى الموجود المتخصص بكونه طبيعيا. و قد عرّفت ب «الأحكام العارضة على الجسم الطبيعي بما هو واقع في التغير و التبدّل».

ج - الإلهيات: و هو البحث عن اللّه سبحانه و صفاته و ذاته و أفعاله.

و كانت الوظيفة العليا للمتكلمين البحث عن الأمر الثالث و التركيز عليه. غير

ص: 6

أنهم طلبا لمجاراة الحكماء و الفلاسفة خاضوا في البحث عن الأمرين الأولين، حتى يستغني الباحث الكلامي في الأبعاد الثلاثة عن كتب غيرهم.

و لو كان تركيزهم على الأمور الثلاثة أمرا مستحسنا في تلك الأدوار، فإنه أصبح اليوم أمرا مستدركا غير ناجع.

فإنّ الحكماء قد بلغوا الغاية في تحليل الأمور العامة، و اصطلحوا عليها ب «الفن الأعلى» أو «الإلهيات بالمعنى الأعم»، فمن تدرّس هذه الناحية في الفلسفة الإسلامية فهو في غنى عن كل ما ذكره المتكلمون في كتبهم، مع كون أبحاثهم غير وافية بما هو المطلوب منها.

كما أن علماء الطبيعة من عصر النهضة إلى زماننا هذا، قد توغلوا في العلوم الطبيعية، و شققوا الشعر في تلك الحقول، و ذلك بفضل أدوات التجربة التي أوجدت ضجة و تحوّلا كبيرين في هذا المجال. فصار البحث عن العلوم الطبيعية الدراجة في الكتب الكلامية، شيئا غير مفيد إلاّ أن يكون لأجل الوقوف على آراء المتقدمين من الباحثين الذي يطلق عليه «تاريخ العلم».

فلأجل هذين الأمرين اشتملت الكتب الكلامية الدارجة على أمور غير لازمة، يجب حذفها عن مصب الاهتمام و التركيز على «الإلهيات».

و أما ثانيا: فإنّ ما جاء به المتكلمون في أبواب إثبات الصانع و حدوث العالم مختصر جدا لا يفي بدفع الإشكالات و الشكوك المبثوثة في طريق الإلهيين الجدد، يلمس ذلك كل من قرأ الكتب النفسية و الاجتماعية و الفلسفية المادية التي تركز على تحليل حدوث النظام و الأنواع على أسس خاصة، ببيانات خادعة لعقول البسطاء، بل المتعلمين.

فلأجل ذلك يجب أن تكون الكتب الكلامية ناظرة إلى ما وصلت إليه يد الباحث المادي من الشكوك و الفروض التي يفتخر و يتبجح بها. فالبحث

ص: 7

عن الإلهيات من دون النظر إلى ما جاءت به المناهج المادية بحث مبتور.

فالمتعلم على الطراز السابق إذا جادل العالم المادي ربما يقع فريسة لأفكاره الضارية، أو يعود شاكّا فيما يعتقده، أو تتجلى الأصول العقيدية عنده بمظهر الوهن و عدم الرصانة. مع أنّ ما اعتمد عليه المادي أسس سرابيّه لكنها خادعة، لا يعرف خداعها إلاّ المطلع على ما تسلّح به المادي.

و أما ثالثا: فمشكلة العرض في الكتب الكلامية ملموسة جدا. فإنهم عرضوا أفكارهم بتعقيد و غموض، ربما لا يتحملها ذوق الطالب المعاصر في العصر الحاضر، الذي يطلب أن يكون المعقول كالمحسوس. فلأجل ذلك نرى المتون محشاة بالحواشي و الحواشي مطرزة بالتعاليق، و ما ذلك إلاّ لأن المتأخر يرى نقصا واضحا في كتاب المتقدم فيقوم بتكميله على نحو ربما يوجب غموضا فوق غموض.

و أما رابعا: فإنّ أكثر الكتب الكلامية ألّفت لبيان منهج خاص يرتضيه المؤلف، فصارت قاصرة عن بيان سائر الأنظار و المناهج الذي نعبّر عنه بالبحث المقارن.

كانت هذه العوامل تجيش في ذهني لأقوم بما هو الواجب عليّ في الأحوال الحاضرة، و قد خدمت هذا العلم منذ شرخ الشباب إلى أن نيّفت على الستّين، و قد رأيت أنّ ترك ذلك ربما يكون تقاعدا عن حكم اللّه سبحانه، و تقاعسا عن الواجب، فقمت بإلقاء هذه المحاضرات في جامعة العلوم الإسلامية ب «قم» المقدّسة، بعد ما ألّفت دورات كبيرة و صغيرة في العقائد و الأصول. و أرجو منه سبحانه أن يهديني إلى مهيع الحق، و يصدني عن الجور في الحكم، أو الصدور عن عاطفة و هوى، و اللّه سبحانه هو الهادي إلى الحق اللاحب.

ص: 8

المزايا الموجودة في هذه المحاضرات

و لأجل ما ذكرناه في الفصل السابق، بذلنا السعي لأن تكون هذه الدراسات فارغة عن النقائص المذكورة «و إن كان الفعل البشري لا يخلو أبدا من نقص أو نقائص، و ما ألّف إنسان شيئا، إلاّ إذا نظر إليه في غده رآه ناقصا غير واف بالمراد و قال: لو قدّمت هذا لكان أحسن أو أخرت هذا لكان أفيد و لو و لو...» فهي تشتمل على الميزات التالية:

الأولى: التركيز على المسائل اللازمة المفيدة في المجتمع و ترك ما لا فائدة فيه، أو ما تكفل البحث عنه سائر العلوم(1).

الثانية: الاعتماد في نقل المناهج و المدارس الفكرية على المصادر الأصلية لأصحابها، و رعاية العدل و الإنصاف عند القضاء فيها. نعم الأمانة في النقل و العدل في القضاء كلمتان خفيتان على اللسان و لكنهما ثقيلتان في الميزان.

و كم من عائب قولا صحيحا *** و آفته من الفهم السّقيم

الثالثة: تنظيم المسائل تنظيما هندسيا بحيث تكون المسألة المتقدمة مبدأ للبرهان في المسألة التالية، و لا أقل لا تكون مبتنية على المسائل المتأخرة.

الرابعة: طرح المباحث بشكل هادئ يلائم روح العصر، و البرهنة عليها بوجه مقنع للطالب، بعيد عن النقاش و الرد، و إن كان غير خال عن الإشكال، لأجل كونه فكرا بشريا.

ص: 9


1- كالبحث عن الأسعار: انخفاضها و ارتفاعها، و الآجال، و عوض الأم التي تصيب الأطفال و الحيوانات التي صارت الشغل الشاغل في الكتب الكلامية، و البحث عن الأول على عاتق العلوم الاقتصادية و الثاني على عاتق كتب التفسير.

الخامسة: قد بذلنا العناية البالغة في الاستدلال بالآيات القرآنية، و أحاديث العترة الطاهرة الذين عرفهم الرسول قرناء للكتاب و حلفاءه في حديث الثقلين. و الاستدلال بالكتاب و الحديث تارة على نحو الاستلهام، و أخرى على نحو الاستدلال. و موقفهما في مجال الاستلهام موقف المفكر الذي يطرح فكرته مع البرهان و يدليه إلى المخاطب من دون إعمال تعبد منه، كما هو الحال في البراهين التي أقامها القرآن في مجال إثبات الصانع و نفي الشريك عنه. فنعتمد على ما ذكره لا بما أنه كتاب سماوي جاء من جانبه سبحانه إذ المفروض أنه بعد لم تثبت المسائل المتقدمة عليه، فكيف يمكن أن يتخذ حجة، بل بما أن كلامه مشتمل على برهان يكفي في إثبات المطلوب سواء أ كان ذلك البرهان بصفة كلامه تعالى أو لا. و لأجل ذلك نعرف القرآن بصفة الاستلهام، فكأنه بمنزلة المعلم يأخذ بيديّ متعلمه و يرشده إلى آماله.

و موقفهما في مجال الاستدلال موقف من ثبت حجية قوله و صدق كلامه، فيخبر عن موضوعات غيبيّة نأخذ قوله و إن لم نعرف برهانه، و لكن بما أنّ قوله أحد الحجج فهو كاف في الأخذ به و إن لم يعلم تفصيل برهان قوله كما هو الحال في إخباراتهما بعد ما ثبت حجيتهما.

تقييم جهود المؤلف

هذا ما يرجع إلى المحاضر، و هناك فضل كبير يرجع إلى مؤلفنا الفاضل المحقق الشيخ حسن محمد مكي العاملي - دامت تأييداته - فقد قام بسعي بالغ و همة عالية بضبط هذه المحاضرات ضبطا دقيقا، و إخراجها بهذه الحلّة القشيبة، و الثوب النقي الفضفاض، و صبّها في قوالب رصينة، رائعة الأسلوب، فائقة النظام، خالية عن التعقيد و الإبهام، تعلو عليها جودة السرد، و حسن السبك، و رصانة البيان. فحيّاه اللّه، و جزاه خير الجزاء،

ص: 10

على هذا المجهود الجبار الذي أرجو من فضله تعالى أن يبقى، مدى الأجيال، ذكرا مذكورا، و عملا مبرورا و سعيا مشكورا.

و قد أشرفت على جميع ما حبّرته يراعته، إشرافا تاما إلاّ ما زاغ عنه البصر أو طغى عليه الوهم. و هذا هو الجزء الأول الذي يزفه الطبع إلى طلاب الحقيقة و المعارف، و أرجو من اللّه سبحانه أن يوفقه لإخراج الجزء الثاني الذي يشتمل على مباحث هامة في الوحي و النبوة و الإمامة و الخلافة و حشر الإنسان في المعاد. حتى تتم سلسلة المباحث في جزءين، و سيكون محور الدراسة التخصصية في المراحل العليا في جامعة العلوم الإسلامية ب «قم المقدسة».

و مؤلفنا المكرّم قد سبق أقرانه بسبق غير منكور، و سعي مشكور و قد كتب من أبحاثنا الفقهية و الأصولية شيئا كثيرا قابلا للذكر، و بعضها جاهز للطبع. و هو ثمرة شجرة طيبة أصلها ثابت و فرعها في السماء، و هو حفيد الشهيد السعيد إمام الفقه الشيخ (محمد بن مكي العاملي الشهير بالشهيد الأول)، (رضوان اللّه عليه) الذي استشهد بيد الجور و العدوان في بلاد الشام عام (786 ه). فجزى اللّه الوالد و الولد البارّ أحسن الجزاء إنه خير مأمول و غاية مرجو، و نحن على ثقة أنّ المحاضر و المؤلف يلقيان بعض ما يلقاه كل مخلص للحق، و مدافع عن الحقيقة، و اللّه من وراء القصد، و له الحمد أوّلا و آخرا و ظاهرا و باطنا.

حرّره ظهيرة يوم الجمعة السادس و العشرين من شهر رمضان المبارك من شهور عام 1408 ه. ق.

جعفر السبحاني

ص: 11

كلمة المؤلف:

بسم اللّه الرحمن الرّحيم و الصلاة و السلام على خير خلقه محمد و على الأصفياء من عترته و المنتجبين من صحبه.

قد اشتدت حاجة الأوساط الإسلامية العامة و الخاصّة - أعني العرفيّة و العلميّة - إلى تنقيح المطالب الأصولية التي تبنى عليها العقيدة الإسلامية، و تخليصها عن الشوائب، بعد أن تشتّت فيها الآراء بتشعب الميولات و الأهواء، و كاد الحق في مسائل عقائد الدين أن يندثر، و مناراته أن تنطفئ، إلاّ في صدور الخاصة من حملته و وعاته، الذين جرّدوا أنفسهم عن الأهواء، و نفضوا أيديهم عن دراهم الأمراء.

و سدّا لهذا الفراغ المخيف، شدّ سماحة العلامة شيخنا الأستاذ جعفر السبحاني التبريزي، دام حفظه و علا سؤدده، ساعد الجد، فأسدل على الراحة ستارها، و جهّز لعلى المنى رحالها، و ثابر أعواما تعدّ بالعقود، ترك فيها المرغوب للنفس و المنشود، حتى أدرك ما في أبيات الزبر مسطور فناله، و غاص وراء كل مستور فطاله.

ص: 12

ثم أفاض زبدة ما استنهل من معين كتاب اللّه و سنّة نبيّه و عترته الهادية، و قواعد الفلسفة و الحكمة المتعالية، فتلقيت ذلك - بفضل اللّه سبحانه و منّه عليّ - بملء و عيي، و بذلت في ضبط مطالبه و سعي، حتى خرج بين يديك سفرا كالزّهرة في السماء نورا، و جديّ في السّناء علوّا. كتاب جامع لأسّ المطالب العقائدية و فروعها، يحل المعضلات، و يدفع الشبهات، عميق الفكرة، رصين العبارة و واضحها، دقيق التبويب و التحديد.

فاللّه سبحانه هو المسئول أن يتقبل منّا هذا العمل و يعمّ به النفع لأبناء جيلنا و الأجيال الآتية، و يكون نبراسا للحق و منارا للهداية بمنّه و فضله و كرمه. و صلى اللّه على محمد و آله الطاهرين.

حسن محمد مكي رابع شوال المكرم 1408 ه. ق قم المشرفة

ص: 13

كلمة المؤلّف للطبعة الجديدة:

بسم اللّه الرحمن الرحيم الشكر للّه على ما أولى.

لقد لاقى كتاب «الإلهيات» مذ أبصر النور، رواجا و إقبالا في المحافل العلمية، لما تمتّع به من ميّزات، أبرزها:

1 - المنهجيّة في العرض: حيث طرحنا مباحث الأصول متسلسلة على نهج موافق للتسلسل العقلي المنطقي للموضوعات الكلاميّة، مع إرجاع كلّ بحث إلى موضعه المناسب.

فبدأنا بمباحث عامة حول معرفة الدين و أصوله، ثم بحثنا في أدلّة إثبات الصانع، ثم في صفاته، و فيها أدرجنا مباحث العدل و البداء و القضاء و القدر و الجبر و الاختيار، ثم في النبوة العامّة، فالنبوّة الخاصّة، فالإمامة، فالمعاد.

2 - التدرّج في البحث: ففي كلّ اصل استعرضنا تعريفاته اللّغوية، ثم الاصطلاحية. و إنّ كانت له ثمّة مقدمات كلامية ضرورية طرحناها، كمسألة التحسين و التقبيح العقليين بالنسبة إلى مباحث الحكمة. ثم خضنا في أصل البحث، ثم فرّعنا عليه ثمراته و أهم الأسئلة و الإشكالات التي قد تطرح حوله، و أجبنا عليها. كما في ذيل بحث عالميّة الرسالة و خاتميّتها من مباحث النبوة العامة، و الأسئلة حول إمامة المهدي عليه السلام بعد البحث فيها، و أسئلة المعاد بعد طرح مباحثه، و غير ذلك الكثير. و هذا ما أعطى المباحث مرونة، و صبغها بصبغة عمليّة، و أخرجها من حالة التنظير الجافّ .

و من هذا القبيل طرح النماذج و تحليلها، كما يلاحظ كثيرا في بحث إعجاز القرآن الكريم. إضافة إلى طرح الأسئلة على الباحث، ليعمل ذهنه في حلّها.

ص: 14

و في هذا السياق، لاحظنا في بعض المواضع أنّ فروع بعض المباحث موسّعة بحيث يكون إدراجها ضمن المباحث الأمّ موجبا للتباعد بين أجزائها، و ضياع العنوان و الفكرة الرئيسية فيها، فأفردناها بالبحث في فصول خاصّة، كما فعلنا في بحث البداء، و بحث القضاء و القدر، و بحث الجبر و الاختيار، التي تعدّ فروعا للحكمة الإلهية، فأدرجنا كلاّ في فصل خاص.

3 - الشّموليّة في الاستدلال: كما يظهر من عنوان الكتاب، حيث استعرضنا الأدلة على ضوء ما يرشد إليه العقل و الكتاب الحكيم و السّنّة المطهّرة. كما استعرضنا أدلة المتكلّمين و أدلة الفلاسفة أيضا. و ناقشنا ما احتاج منها إلى المناقشة، مما جعل هذا الكتاب فريدا في بابه.

و غير ذلك من الميّزات التي يلاحظها الباحث الكريم، كالسهولة في التعبير و توخي أبسط ما يؤدّي المعنى المطلوب، و تجنّب التعقيد و الإبهام.

طبع الكتاب، و سرعان ما نفذت نسخة، فأعيدت طباعته بشكله الأول مرتين، و كل ذلك في عامين من الزمن. و في هذه المدة تيسّر لنا - بفضله تعالى - تصحيحه و توضيح بعض يسير من عباراته، و تحقيقه تحقيقا كاملا باستخراج فهارس آياته و أحاديثه و أشعاره و أعلامه و مصادره و غير ذلك.

و قد ارتأينا - لضخامة الكتاب - تقسيمه إلى أربعة أجزاء بدلا من مجلّدين ضخمين، ليكون أسهل للتناول و الاستفادة.

و هنا لا بد من التذكير بأنّ كتاب «نظرية المعرفة» الذي حررناه من محاضرات الأستاذ العلامة السبحاني - دام ظله - قد أعددناه ليكون مدخلا إلى هذا الكتاب. و لذا ينبغي عدّه ممهّدا لدراسة هذه المجموعة العقائدية، و عدم الغفلة عنه.

و ختاما، أرى لزاما عليّ أن أقدّم شكري إلى ولدي الروحي الشيخ رشاد شومان العاملي - رعاه اللّه - لما بذله من مجهود في استخراج و تنظيم فهارس الكتاب. و إلى المركز العالمي للدراسات الإسلامية لما بذله من عناية في تقديم الكتاب بحلّته الجديدة هذه.

و الحمد للّه رب العالمين حسن مكي العاملي شوال المكرم 1411 ه

ص: 15

الفصل الأول مقدمات أصوليّة عامة

اشارة

1 - حياة الإنسان و القيم الأخلاقية.

2 - ما هو الدّين ؟ و ما هي جذوره في الفطرة الإنسانية 3 - دور الدين في الحياة.

4 - المعرفة المعتبرة.

5 - المعارف العليا في الإسلام.

6 - لما ذا نبحث عن وجود اللّه سبحانه ؟

ص: 1

ص: 2

بسم اللّه الرحمن الرحيم

نصدر بحوثنا الكلامية بجملة من المقدمات المفيدة التي لا غنى عنها، للتعرف على واقع الدين و مفهومه، و جذوره في الفطرة الإنسانية، و دوره في حياة الإنسان، و المعرفة المعتبرة في الإسلام.

1 - حياة الإنسان و القيم الأخلاقية

اشارة

لا نتصور إنسانا يملك من العقل شيئا، يخالف التقدم الصناعي و يعارضه، بل يقوده إلى دعم «التكنولوجيا» التي تؤتيه الراحة و الرفاه.

غير أنّ المشكلة في هذه الآونة من حياة البشر تنبع من موقع آخر، و هو استغلال الغرب هذه «التكنولوجيا» لصالح الإنتاج و التوزيع، و جعله الأخلاق و المشاعر الإنسانية ضحيّة لهذه الغاية.

نداء يطرق الأسماع من بعيد:

و في هذه الظروف الحرجة بالنسبة للإنسان المثالي، ظهر أناس ذوو

ص: 3

ضمائر حية و قلوب مستنيرة يشكون هذه الحالة المحيطة بالإنسان، و يطردون الحياة الآلية المصطنعة. و قد أحسّوا أنّ الإنسان قد وصل إلى الدّرك الأسفل من القيم الأخلاقية، و أنّ الحياة الآلية (جعل الطاقات الإنسانية و القيم ضحية الإنتاج و التوزيع) لا توصله إلى السعادة على الإطلاق، بل تقوده إلى تحصيل المال و الثروة بسرعة، و في الوقت نفسه إلى تحطيم القيم و المثل و ضياعها. و من هذا المنطق حاول هؤلاء إضفاء طابع روحي على حياة الإنسان حتى تتوازن الحياة المادية مع الحياة المعنوية.

و نحن إذ نبارك لهؤلاء العلماء خطوتهم نذكّرهم أنّ القرآن الكريم قد وصف الحياة المادّية الخالية من المعنويات و القيم بأنها طيف يدور بين اللّعب و اللّهو و الزينة و التفاخر و ينتهي بالتكاثر في الأموال و الأولاد:

قال سبحانه: اِعْلَمُوا أَنَّمَا اَلْحَيٰاةُ اَلدُّنْيٰا لَعِبٌ وَ لَهْوٌ وَ زِينَةٌ وَ تَفٰاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَ تَكٰاثُرٌ فِي اَلْأَمْوٰالِ وَ اَلْأَوْلاٰدِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ اَلْكُفّٰارَ نَبٰاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرٰاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطٰاماً وَ فِي اَلْآخِرَةِ عَذٰابٌ شَدِيدٌ وَ مَغْفِرَةٌ مِنَ اَللّٰهِ وَ رِضْوٰانٌ وَ مَا اَلْحَيٰاةُ اَلدُّنْيٰا إِلاّٰ مَتٰاعُ اَلْغُرُورِ (1).

ترى أنه سبحانه يقسم الحياة المادية إلى أقسام خمسة و كأنها تدور من بدايتها إلى نهايتها بين هذه المدارج و هي:

1 - اللعب.

2 - اللهو.

3 - التزين و التجمل.

4 - التفاخر.

5 - التكاثر في الأموال و الأولاد.0.

ص: 4


1- سورة الحديد: الآية 20.

و يعتقد العلماء أنّ كل قسم من هذه الأقسام يشغل مقدارا من عمر الإنسان ثم يندفع إلى القسم الآخر حسب تكامل سنه و اشتداد قواه، و لعل كل واحد منها يأخذ من عمر الإنسان ثمان سنوات، ثم الخامس يستمر معه إلى خاتمة حياته و لا يفارقه حتى يموت.

ثم إنّ الآية المباركة تشبّه هذه الحياة الفارغة من القيم، بنبات مخضرّ لا دوام لاخضراره و لطافته، فسرعان ما يتحول النبات الأخضر إلى الأصفر الذي ينفر منه الإنسان.

فمثل الإنسان الغارق في مستنقع المادة كمثل هذا النبات حيث يبتدئ حياته بالاخضرار و اللطافة و يستقر في نهاية المطاف، جيفة في بطن الأرض، إلاّ من قرن حياته المادّية بالحياة المعنوية غير المنقطعة بموته و زهوق روحه.

و إنّ القرآن الكريم أيضا يصوّر الحياة المادية بشكل آخر و يقول:

وَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمٰالُهُمْ كَسَرٰابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ اَلظَّمْآنُ مٰاءً حَتّٰى إِذٰا جٰاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَ وَجَدَ اَللّٰهَ عِنْدَهُ فَوَفّٰاهُ حِسٰابَهُ وَ اَللّٰهُ سَرِيعُ اَلْحِسٰابِ (1) .

فالحياة المادية في ريعانها تتجلى بصورة شيء واقعي له من الزهو و الجمال ما يغري به كالسراب الذي يخدع العطشان، فإذا انتهى إلى نهاية المطاف من عمره، يقف على أنها لم تكن شيئا واقعيا يسكن إليه.

إنّ الحياة الإنسانية إنّما تأخذ المنحى السليم إذا تفاعلت مع الجانب الروحي، ليكون للدين و القيم و الأخلاق مكانة مرموقة في حياته، كما أنّ لحاجاته المادية ذاك المقام المنشود. و إنّما تتجلى هذه الحقيقة، أي لزوم التوجه إلى الدين، إذا وقفنا على أمرين:9.

ص: 5


1- سورة النور: الآية 39.

1 - ما هو الدّين ؟ و ما واقعه ؟ 2 - ما هو دوره في حياة الإنسان ؟

2 - ما هو الدّين ؟ و ما هي جذوره في الفطرة الإنسانية ؟

اشارة

لا يحاول الدّين إرجاع البشر إلى الجهل و التخلف، بل هو ثورة فكرية تقود الإنسان إلى الكمال و الترقّي في جميع المجالات. و ما هذه المجالات إلاّ أبعاده الأربعة:

أ - تقويم الأفكار و العقائد و تهذيبها عن الأوهام و الخرافات.

ب - تنمية الأصول الأخلاقية.

ج - تحسين العلاقات الاجتماعية.

د - إلغاء الفوارق العنصريّة و القوميّة.

و يصل الإنسان إلى هذه المآرب الأربعة في ظل الإيمان باللّه الذي لا ينفك عن الإحساس بالمسئوليّة، و إليك توضيحها:

أمّا في المجال الأول، أعني إصلاح الأفكار و العقيدة فنقول: لا يتمكن الإنسان المفكر من العيش بلا عقيدة، حتى أولئك الذين يضفون على منهجهم طابع الإلحاد، و يرفعون عقيرتهم بشعار اللاّدينية، لا يتمكنون من العيش بلا عقيدة في تفسير الكون و الحياة. و إليك نظرية الدّين لواقع الكون و الحياة.

إنّ الدين يفسر واقع الكون و جميع الأنظمة المادية بأنها إبداع موجود عال قام بخلق المادة و تصويرها و تحديدها بقوانين و حدود، و قد أخضعه لنظام دقيق، فالجاعل غير المجعول، و المعطي غير الآخذ.

كما أنّه يفسر الحياة الإنسانية بأنها لم تظهر على صفحة الكون عبثا و لم

ص: 6

يخلق الإنسان سدى، بل لتكوّنه في هذا الكوكب غاية عليا يصل إليها في ظل تعاليم الأنبياء و الهداة المبعوثين من جانب الخالق إلى هداية مخلوقه.

هذا هو تفسير الدين لواقع الكون سر الحياة، غير أنّ المادّي يحاول تفسير الكون بشكل مغاير، و هو يقول:

إنّ المادة الأولى قديمة بالذات و هي التي قامت فأعطت لنفسها نظما، و أنّه لا غاية لها، و لا للإنسان القاطن فيها.

و بعبارة أخرى، إنّ للكون في نظرية الإنسان الإلهي بداية و نهاية، فإنّ نشوءه من اللّه سبحانه، كما أنّ نهايته - باسم المعاد - إلى اللّه تعالى.

غير أنّ الكون في نظرية الإنسان المادي فاقد للبداية و النهاية، بمعنى أنّه لا يتمكن من ترسيم بدايته، و أنّه كيف تحقق و تكوّن و وجد؟ بل كلّما سألته يجيبك: ب «لا أدري». كما أنّه لا يتمكن من تفسير نهايته و غايته، و لو سألته عن ذلك لأجابك ب «لا أعلم». فهذا العالم عند الفيلسوف المادي أشبه بكتاب مخطوط مخروم قد سقطت من أوله و آخره أوراق مما أدخله في إطار الإبهام، فلا يقف الإنسان على بدئه و لا على ختامه فالفيلسوف المادّي جاهل ببدء العالم و ختامه و ليس له هنا جواب سوى «لا أدري».

و بعبارة ثالثة: لم تزل الأسئلة الثلاثة التالية عالقة بذهن الإنسان منذ أن عرف يمينه من يساره، و هي:

1 - إنّه من أين ؟ 2 - و إلى أين ؟ 3 - و لما ذا خلق ؟.

و هذه الأسئلة الثلاثة يجيب عنها الفيلسوف الإلهي بأجوبة رصينة تتضح من خلال هذه الرسالة، و إجمالها أنّ البداية من اللّه، و أنّ نهاية المطاف هي

ص: 7

اللّه سبحانه إِنّٰا لِلّٰهِ وَ إِنّٰا إِلَيْهِ رٰاجِعُونَ (1)، و أنّ الغاية هي التخلّق بالقيم و المثل الأخلاقية و الاتصاف بأسمائه و صفاته سبحانه. غير أنّ المادي يكلّ عند الإجابة عن هذه الأسئلة و لا يأتي بشيء مقنع.

و على هذا الأساس قلنا إنّ للدّين دورا في تصحيح الأفكار و العقائد.

و من خلال المقارنة بين الفكر الإلهي و المنهج المادي في الإجابة على الأسئلة الثلاثة يعلم الإنسان أنّ التكامل الفكري إنما يتحقق في ظل الدين، لأنه يكشف آفاقا وسيعة أمام عقليته و تفكيره، في حين أنّ المادي يملأ الذهن بالجهل و الإبهام، بل يقوده إلى الخرافات. إذ كيف يمكن للمادة أن تمنح نفسها نظما؟ و هل يمكن أن تتّحد العلّة و المعلول، و الفاعل و المفعول، و الجاعل و المجعول ؟.

هذا ما يتعلق بدور الدين في مجال إصلاح الفكر و العقيدة.

و أمّا في المجال الثاني، و هو ما يتعلق بتنمية الدّين للأصول السامية للأخلاق فنقول: إنّ العقائد الدينية تعد رصيدا للأصول الأخلاقية إذ التقيد بالقيم و رعايتها لا ينفك عن مصاعب و آلام يصعب على الإنسان تحملها إلاّ بعامل روحي يسهّلها و يزيل صعوبتها له، و هذا كالتضحية في سبيل الحق و العدل و رعاية الأمانة و مساعدة المستضعفين. فهذه بعض الأصول الأخلاقية التي لا تنكر صحّتها، غير أنّ تجسيدها في المجتمع يستتبع آلاما و صعوبات، كما يستتبع الحرمان من بعض اللذائذ، فما هو ضمان تحقق هذه الأصول ؟.

إنّ الاعتقاد باللّه سبحانه و أنّ في إجراء كل أصل من الأصول الأخلاقية أجرا كبيرا يصل إليه الإنسان في الحياة الأخروية، خير عامل لتحبيذ الإنسان و تشويقه على إجرائها و التلبّس بها في حياته الدنيويّة، و لو لا ذاك الاعتقاد لأصبحت الأخلاق نصائح و عظات جافة لا ضمان لإجرائها.6.

ص: 8


1- سورة البقرة الآية 156.

و في هذا الصدد يقول ويل دورانت المؤرخ المعاصر: «لو لا الدّين لتجلت الأخلاق و كأنها أشبه بالمبادلات الاقتصادية، و لصارت الغاية منها الفوز بالنجاح الدنيوي بحيث لو كان النجاح و الفوز مضادا للقيم لتمايل عنها، لكون الغاية في جانب اللاقيم، و إنما هي العقيدة الدينية التي تترك الإحساس بالمسئولية في روح الإنسان»(1).

و أما في المجال الثالث، و هو ما يتعلق بتوطيده العلاقات الاجتماعية، فنذكر فيه ما ذكرنا في دعمه الأخلاق السامية. فإنّ العقيدة الدّينية تساند الأصول الاجتماعية لأنها تصبح عند الإنسان المتديّن تكاليف لازمة، و يكون الإنسان بنفسه مقودا إلى العمل و الإجراء.

غير أنّ تلك الأصول بين غير المتديّنين لا تراعى إلاّ بالقوى المادّية القاهرة. و عندئذ لا تتمتع الأصول الاجتماعية بأي ضمان تنفيذي و هذا مشهود لمن لاحظ حياة الأمم المادّية غير الملتزمة بمبدإ أو معاد.

و أما المجال الرابع، أعني إلغاءه الفوارق العنصرية و القومية المفروضة على عاتق المستضعفين بالقوة و السلطة و الإغراء و الجهل و تشويه الحقائق.

فنقول: إنّ الدّين يعتبر البشر كلهم مخلوقين لمبدإ واحد، فالكل بالنسبة إليه حسب الذات و الجوهر كأسنان المشط، و لا يرى أي معنى للتمييز و التفريق و ترفيع بعض و تخفيض بعض آخر، كما لا يرى معنى لوجود أناس اتخمهم الشبع و آخرين أهلكهم الجوع و الحرمان.

فهذه هي المجالات الأربعة التي للدين فيها دور و تأثير واضح، أ فيصح8.

ص: 9


1- لذائذ الفلسفة، ص 478.

بعد الوقوف على هذه التأثيرات المعجبة أن نهمل البحث عنه، و نجعله في زاوية النسيان ؟ غير أن هنا نكتة نلفت نظر القارئ إليها، و هي أنّه ليست كل عقيدة تتسم باسم الدين قادرة على خلق هذه الآثار و إبداعها، و إنما تقدر عليها كل عقيدة دينية تقوم على أساس العقل، و تكون واصلة إلينا عن طريق الأنبياء الصادقين، ففي مثل تلك العقيدة نجد الحركة و الحياة، و في غير هذه الصورة يصبح الدين عقائد خرافية تتجلى بصورة الرهبانية و الميول السلبية إلى غير ذلك من الآثار السيئة التي نلمسها في العقائد الدينية التي لا تمت إلى الوحي و رجال الدين الحقيقي بصلة.

فالمفكر الغربي إذ يتهم الدّين بأنّه عامل التخلف و الانحطاط، و مضاد للتقدم و الرقي، فهو يهدف إلى أمثال هذه العقائد الدينية.

و هناك نكتة أخرى و هي: إنّ الدين الحقيقي يلغي الفوارق السلبية التي لا تمت إلى أساس منطقي بصلة، و أما المميزات الإيجابية التي لا تنفكّ عن أفراد البشر فهي غير ملغاة أبدا، فكما أنّ أصابع اليد الواحدة تختلف كل واحدة منها عن الأخرى، كذلك أفراد البشر يتفاوتون من حيث العقل و الفكر و الحركة و النشاط.

فالفوارق التي تنشأ من نفس طبيعة الإنسان غير قابلة للحذف و التغيير، و ما يرفضه الدين و يحذفه عن مجال الحياة هو الامتيازات النابعة من القوة و السلطة.

إلى هنا تعرفنا على الجوانب الحقيقية للدين و حان الآن وقت التعرف على جذوره في فطرة الإنسان.

ص: 10

الدين و الفطرة:

الإيمان بالمبدإ و التوجه إلى ما وراء الطبيعة من الأمور الفطرية التي عجنت خلقة الإنسان بها، كما عجنت بكثير من الميول و الغرائز.

أقول بشكل عام إنّ إدراكات الإنسان تنقسم إلى نوعين:

1 - الإدراكات التي هي وليدة العوامل الخارجة عن وجود الإنسان بحيث لولاها لما وقف الإنسان عليها بتاتا، مثل ما وقف عليه من قوانين الفيزياء و الكيمياء و الهندسة.

2 - الإدراكات النابعة من داخل الإنسان و فطرته من دون أن يتدخل في الإيحاء عامل خارجي. كمعرفة الإنسان بنفسه و إحساسه بالجوع و العطش، و رغبته في الزواج في سن معينة، و الاشتياق إلى المال و المنصب في فترات من حياته. تلك المعارف - و إن شئت سميتها بالأحاسيس - تنبع من ذات الإنسان و أعماق وجوده. و علماء النفس يدّعون أنّ التوجه إلى المبدأ داخل تحت هذا النوع من العرفان.

إنّ علماء النفس يعتقدون بأنّ للنفس الإنسانية أبعادا أربعة يكون كلّ بعد منها مبدأ لآثار خاصة.

أ - روح الاستطلاع و استكشاف الحقائق، و هذا البعد من الروح الإنسانية خلاق للعلوم و المعارف، و لولاه لما تقدم الإنسان منذ أن وجد في هذا الكوكب، شبرا في العلوم و استكشاف الحقائق.

ب - حبّ الخير، و النزوع إلى البرّ و المعروف، و لأجل ذلك يجد الإنسان في نفسه ميلا إلى الخير و الصلاح، و انزجارا عن الشر و الفساد.

فالعدل و القسط مطلوب لكل إنسان في عامة الأجواء و الظروف، و الظلم و الجور منفور له كذلك، إلى غير ذلك من الأفعال التي يصفها كل إنسان بالخير أو الشر، و يجد في أعماق ذاته ميلا إلى الأول و ابتعادا عن الثاني،

ص: 11

و هذا النوع من الإحساس مبدأ للقيم و الأخلاق الإنسانية.

ج - عشق الإنسان و علاقته بالجمال في مجالات الطبيعة و الصناعة فالمصنوعات الدقيقة و الجميلة، و اللوحات الفنية و التماثيل الرائعة تستمد روعتها و جمالها من هذا البعد.

إنّ كل إنسان يجد في نفسه حبّا أكيدا للحدائق الغناء المكتظة بالأزهار العطرة و الأشجار الباسقة، كما يجد في نفسه ميلا إلى الصناعات اليدوية المستظرفة و حبّا للإنسان الجميل المظهر، و كلها تنبع من هذه الروح التي عجن بها الإنسان، و هي في الوقت نفسه خلاّقة للفنون في مجالات مختلفة.

د - الشعور الديني الذي يتأجج لدى الشباب في سن البلوغ، فيدعو الإنسان إلى الاعتقاد بأنّ وراء هذا العالم عالما آخر يستمد هذا العالم وجوده منه، و أنّ الإنسان بكل خصوصياته متعلق بذلك العالم و يستمد منه.

و هذا البعد الرابع الذي اكتشفه علماء النفس في العصر الأخير و أيدوه بالاختبارات المتنوعة مما ركز عليه الذكر الحكيم قبل قرون و أشار إليه في آياته المباركات، نعرض بعضها:

أ - فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اَللّٰهِ اَلَّتِي فَطَرَ اَلنّٰاسَ عَلَيْهٰا (1).

إنّ عبارة «فطرة اللّه» تفسير للفظة الدّين الواردة قبلها، و هي تدل بوضوح على أنّ الدّين - بمعنى الاعتقاد بخالق العالم و الإنسان، و أنّ مصير الإنسان بيده - شيء خلق الإنسان عليه، و فطر به كما خلق و فطر على كثير من الميول و الغرائز.0.

ص: 12


1- سورة الروم: الآية 30.

ب - وَ هَدَيْنٰاهُ اَلنَّجْدَيْنِ (1)أي عرّفنا الإنسان طريق الخير و طريق الشر. و ليس المراد التعرف عليهما عن طريق الأنبياء بل تعريفهما من جانب ذاته سبحانه، و إن لم يقع في إطار تعليم الأنبياء، و ذلك لأنه سبحانه يقول قبله لَقَدْ خَلَقْنَا اَلْإِنْسٰانَ فِي كَبَدٍ *... * أَ لَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَ لِسٰاناً وَ شَفَتَيْنِ * وَ هَدَيْنٰاهُ اَلنَّجْدَيْنِ فالكل من معطياته سبحانه عند خلق الإنسان و إبداعه.

و هذا إن دلّ على شيء فإنما يدل على أنّ النظرية التي اكتشفها علماء معرفة النفس مما ركّز عليها الوحي بشكل واضح، و حاصلها إنّ الدين بصورته الكليّة أمر فطري ينمو حسب نمو الإنسان و رشده، و يخضع للتربية و التنمية كما يخضع لسائر الميول و الغرائز.

***

3 - دور الدين في الحياة

اشارة

لقد بان مما ذكرنا واقع الدين و مفهومه و أنّه أمر مكنون في فطرة الإنسان، غير أنّه يجب علينا أن نعرف دوره في الحياة، و أنّه له التأثير الكبير في حياة الإنسان العلمية و الاجتماعية، و لأجل إيقاف القارئ على تأثير الدين في هذه المجالات الحيويّة نشير إلى بعضها:

أ - الدين مبدع للعلوم:

نحن نستعرض في هذا البحث مدى تأثير النظريتين المتضادتين (الدّين و الإلحاد) حول نشوء العالم، في استكشاف الحقائق و التطلع إلى

ص: 13


1- سورة البلد: الآية 10.

السنن السائدة فيه، من دون جنوح - فعلا - إلى صحة إحدى الفرضيتين.

لا شك أنّ في تفسير العالم و تبيينه نظريتين متقابلتين لا تجتمعان أبدا، و سنبين فيما بعد الصحيح منهما، غير أنّ الذي نركز عليه هنا هو تحديد تأثير كل واحدة من النظريتين على تكامل العلوم و رقيها.

النظريّة الأولى: تعتمد على أنّ العالم من الذرة إلى المجرة إبداع عقل كبير، و موجود جميل، غير متناه في القدرة و العلم، فهو بعلمه و قدرته أبدع العالم و خلقه.

النظريّة الثانية: إنّ مادة العالم أزلية ليس للعلم و لا القدرة، الخارجين عنها، أي صنع و تأثير فيه، فلو وجدت فيه سنن، فإنما هي وليدة التصادف أو ما يشبهه من الفروض العلمية التي تشترك جميعها في القول بإفاضة المادة الصمّاء العمياء على نفسها السنن و القوانين.

نحن لا نريد التّركيز على إحدى الفرضيتين لأن الحقيقة ستتجلى في الأبحاث الآتية، و إنما نركز على معرفة أية نظرية من النظريتين تحث الإنسان على التحقيق و تثير روح البحث في نفسه ؟ هل القول بأن عالم المادة صنع موجود غير متناه في العلم و القدرة، قد أبدع المادة و أجرى فيها السنن و القوانين بفضل علمه و سعة قدرته ؟ أو القول بأنّ المادة لم تزل أزلية و ليس فيها للعلم و القدرة صنع، و لو صارت ذات سنن و قوانين فإنما هي وليدة الصّدفة أو وليدة التضاد الحاكم عليها - كما هو أحد الفروض للماديين الماركسيين - أو ما يقرب من ذلك.

فأي النظريتين هو المؤثر في تقدم العلوم و تكاملها؟ لا شك أنّ الباحث عن الكون لو تدرّع بالنظرية الأولى يجد في نفسه

ص: 14

حافزا على التحقيق و إحساسا بأنّ العالم غير منفك عن السنن و النظم، و عليه أن يتفحّص عنها.

و هذا بخلاف الباحث المعتنق للنظريّة الثانية، لأنّ تحقق الصدفة أو التضاد السائد بين أجزاء المادة، لا يورث العلم بحتمية حدوث سنن و أنظمة في داخل المادة حتى يبحث عنها الإنسان فلا يصح للباحث عن سنن العالم و المستطلع للحقائق السائدة فيه، أن يتكئ على منصة الدراسة إلاّ أن يكون معتقدا بالنظريّة الأولى دون النظرية الثانية.

و هذا ما ادّعيناه في صدر البحث من أنّ العقيدة الدينية خلاقة للعلوم و باعثة للتحقيق.

و قد خرجنا بهذه النتيجة و هي أنّ الدين بمعنى الاعتقاد بكون العالم مخلوقا لعلم و قدرة، عامل كبير في تقدم العلوم البشرية، و أنّه يثير روح التعمق و التدبر في الإنسان المحقق، في حين إنّ اللادينية و الاعتقاد بأصالة المادة و عدم اتصالها بمبدإ أقوى لا يثير شوق البحث و التحقيق.

نعم، هاهنا سؤال ربما يخالج ذهن القارئ و هو أنّ هناك عدة فرق من دعاة المادية، من المكتشفين لأسرار الطبيعية و نظمها، فلو كان الإلحاد يعرقل خطى التحقيق و التقدم، فكيف وصل هؤلاء إلى ما وصلوا إليه من الكشف و التحقيق ؟ الجواب: إنّ هؤلاء و إن كانوا يحملون شعار الإلحاد، لكنها شعارات على ألسنتهم، و أما قلوبهم فتخفق بخلاف ذلك، بمعنى أنّهم يعتقدون في صميم قلوبهم بخضوع العالم لقوة كبرى أجرت فيه السنن و النظم، التي هم بصدد كشفها و التعرف عليها، و لو لا ذاك الإيمان و الاعتقاد بخضوع العالم لتلك القوة، لما حصل لهم الإيمان بأنّ المادة ذات سنن و نظم، أرضها و سماءها، قريبها و بعيدها، حتّى النجوم و المجرات المتوغلة في أعماق

ص: 15

الكون فإنّ إصرارهم على كشف النظم فرع الإيمان بوجودها فيها، و لا يحصل الإيمان و الإذعان إلاّ لمن اعتقد خضوع العالم لقوة كبرى عالمة قادرة، أجرت فيها السنن. و إلاّ فالاعتقاد بأزلية المادة و كون السنن الحكيمة وليدة التصادف لا يوجب أي إذعان بوجود النظم في جميع أجزاء العالم، قريبها و نائيها.

و بعبارة أوضح: إنّ كل مستكشف قبل الشروع في الاستكشاف ذو عقيدة خاصة، و هي أنّ كل ذرة من ذرات هذا العالم حيّها و ميتها، قريبها و بعيدها، مشتملة على قانون يريد هو أن يستكشفه و يفرغه في قالب العلم، فعندئذ نسأل من أين حصل لهذا المكتشف هذا الإذعان و الاعتقاد. لا بد أن يكون لهذا العلم مبدأ و مصدر، فما هذا المنشأ؟.

فإنّ قال: «إني أعتقد بأنّ مجموع العالم إبداع قوة كبرى ذات علم و قدرة هائلين أوجدت العالم بعلمها و قدرتها و حكمتها»، لصح له أن يعتقد بأنّ كل جزء من أجزاء هذا العالم ذو نظام، لأنّ فعل العالم القادر الحكيم لا ينفك عن النظم و لا يوجد فيه اختلال و لا اضطراب.

و إن قال: «إني أعتقد بأزلية المادة و أنّ المادة الصماء صارت ذات نظام في ظل الصدقة طيلة الأزمنة المتمادية»، فيقال له: إنّ الاعتقاد بالصدفة لا يلازم الإذعان بالنظام مائة بالمائة بل يحتمل أن يوجد هناك نظام كما يحتمل أن لا يوجد.

فتفسير الإذعان بوجود النظام مائة بالمائة عن طريق الاعتقاد بالصدفة باطل جدا لأنه من قبل تفسير العلم القطعي، بشيء لا يوجد العلم بل يوجد الاحتمال، لأن الاعتقاد بالصدفة مبدأ لاحتمال وجود النظام لا الإذعان بوجوده، فلا بد لهذا الإذعان من علّة أخرى غير الصدفة، و ليس هي إلاّ

ص: 16

الاعتقاد بكون الشعور و القدرة دخيلين في إنشاء العالم و إخراجه إلى حيز الوجود.

و إن شئت أفرغ هذا البيان بقالب منطقي و قل: لكل مكتشف قبل الانشغال بالكشف، إذعان بوجود النّظم و السنن في هذا العالم، و هو يريد كشفها، هذا من جانب.

و من جانب آخر، إنّ المادي يرى العامل الوحيد لظهور السنن هو الصدفة، و لكنها ليست عاملا مورثا للإذعان بل أقصى ما تورثه هو الاحتمال. مع أنّ المستكشف يحمل العلم بالسنن لا أنه يحتمل أن يكون هناك سنّة و نظام.

فيجب أن يفسّر ذاك الإذعان بعامل ثان و ليس هو إلاّ قيام العالم، حدوثا و بقاء، بعلم و قدرة أزليين.

ب - الدّين دعامة الأخلاق

قد تعرفت على دور الدين في إثارة روح التحقيق في الإنسان، لكن له دورا آخر في تركيز الأخلاق و تحكيم أصولها في المجتمع، و إليك بيانه:

لا شك أنّ إقامة الأخلاق و التمسك بالقيم الأخلاقية، لا ينفكّ عن الحرمان في بعض الأحايين و ترك اللذائذ النفسانية في ظروف أخر، و عندئذ يجب أن نبحث عن عامل النجاح في هذا المعترك.

فمن جانب: إنّ الإنسان مقهور للميول النفسانية و الغرائز المتعدية التي لا تعرف لنفسها حدّا و هي تريد أن تفجر أمامها، و تنال كل لذيذ و ملائم، وافق القيم أم خالفها، و هذا شيء يحسه كل إنسان في كثير من فترات حياته.

ص: 17

و من جانب آخر: إنّ الفطرة الإنسانية توحي إلى صاحبها بحفظ القيم و العمل بالأخلاق كما أنّ علماء التربية يوصون بذلك. و عند ذلك يجد الإنسان في نفسه صراعا عنيفا بين ميوله، فلا بد لنجاحه في هذا المعترك من عامل يرجح كفّة الفطرة الإنسانية الموحية بحفظ الأخلاق و العمل بالقيم، فما هو هذا العامل خصوصا في الفترات التي يغيب فيها الرقيب، و تنام فيها العيون، و لا يسأل الإنسان عما يفعل ؟.

هنا يتجلى الدّين بصورة عامل قوي يرجح كفة الأخلاق، و يوحي للإنسان بالعمل بالقيم و كبح جماح الغرائز، لأن المتديّن يعتقد بأنّ كل ما يعمل من خير و شرّ في هذه الدنيا، سيحاسبه اللّه سبحانه عليه بأشد الحساب و أدقّه وَ مٰا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقٰالِ ذَرَّةٍ فِي اَلْأَرْضِ وَ لاٰ فِي اَلسَّمٰاءِ (1).

و هذا بخلاف ما إذا كان ملحدا و لم يعتقد بكتاب و لا حساب لا في الحياة و لا بعدها فلا يرى في معترك صراع الغرائز و تنازعها في كيانه رادعا عن نقض الحدود و تجاهل القيم غير عنصر ضعيف التأثير يدعى بالفطرة الإنسانية، التي سرعان ما تتقهقر أمام طوفان الشّهوات، و النّزوات.

و هذا شيء ملموس لا نطيل الكلام فيه.

ج - الدّين حصن منيع في خضمّ متقلبات العالم

إنّ الحياة في هذا الكوكب حليفة التعب و الوصب، و الإنسان يعيش في السرّاء و الضرّاء، يفقد الأعزة و يواجه البلايا و النوازل إلى غير ذلك من الملمّات المؤلمة القاصمة للظهر، فما هي السلوى في مواجهة علقم الحياة و حنظلها؟.

ص: 18


1- سورة يونس: الآية 61.

أقول إنّ الدّين هو السلوى الكبرى التي تجعل الإنسان جبلا راسخا تجاه الحوادث المؤلمة غير متزعزع في البلايا و لا متزلزل عن الكوارث، لما ذا؟ لوجهين:

أما أولا فإنه يعتقد أنّ ما يجري في الكون من خير و شر، فهو من مظاهر مشيئة الخالق الحكيم الذي لا يصدر منه شيء إلاّ عن حكمة و لا يفعل إلاّ عن مصلحة، فهذه الكوارث، مرّة ظواهرها، حلوة بواطنها، و إن كان الإنسان لا يشعر بذلك في ظرف المصيبة و الابتلاء، و لكنه يقف عليه بعد كشف الغطاء و انجلاء الحقائق.

و ثانيا فإنّ الإنسان إذا صبر تجاه المصائب و استقبلها بصدر رحب و وجه مشرق يكون مأجورا عنده سبحانه بصبره و ثباته و استقامته، و رضاه بتقديره و قضائه قال سبحانه: وَ بَشِّرِ اَلصّٰابِرِينَ * اَلَّذِينَ إِذٰا أَصٰابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قٰالُوا إِنّٰا لِلّٰهِ وَ إِنّٰا إِلَيْهِ رٰاجِعُونَ * أُولٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوٰاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ رَحْمَةٌ وَ أُولٰئِكَ هُمُ اَلْمُهْتَدُونَ (1). فعند ذلك يتجلى الدّين كدواء يسكّن الآلام و يخفّف المصائب، بل ربما يستقبلها ببشاشة و انشراح، غير أنّ المادي في ذاك المجال فاقد البلسم لجراحات حياته، و فاقد الدواء لاضطراباته، لأنه لا يعتقد بأن وراء المادة عالما يحشر فيه الإنسان، و يثاب بصبره، و يؤجر بأعماله فهو يعتقد بأنّ دائرة الكون محدودة بالمادة، يبدأ منها و ينتهي إليها، فلا مناص منها إلاّ إليها، و هي صماء و عمياء لا تقدر على تسكين جروح الإنسان و ترفيه روحه، فلأجل ذلك نرى الانتحار شائعا بين تلك الزمرة، عند المصائب، و أما الزمرة المؤمنة بالحياة الأخروية، فيستقلّون آلام المصائب عند حلولها و يسلّون أنفسهم بالصبر و الثّواب على خلاف المادّيين حيث يستكثرونها و يستسلمون أمامها.7.

ص: 19


1- سورة البقرة: الآيات 155-157.

فلو صحّ لنا تشبيه المعقول بالمحسوس و إفراغ المعاني العالية في قوالب حسية ضيقة، فلا عتب علينا إذا قلنا بأن الدين تجاه التيارات المؤلمة القاصمة للظهر، الموجبة للانفجار، كصمام الأمان في المسخّنات البخارية التي لم يزل بخارها يزداد حينا بعد حين، فلو لا صمام الأمان الذي يوجب تسريح البخار الزائد، لا نفجر المسخن في المعمل و أورث القتل الذريع و الحرق الفظيع، و قد اعتذرنا عن هذا المثال بأنه من باب تشبيه المعقول بالمحسوس.

4 - المعرفة المعتبرة

إنّ الخطوة الأولى لفهم الدّين هي الوقوف على المعرفة المعتبرة فيه.

فالدّين الواقعي لا يعتبر كل معرفة حقا قابلا للاستناد، بل يشترط فيها الشروط التالية:

أ - المعرفة القطعية التي لا تنفكّ عن الجزم و الإذعان و رفض المعرفة الظنّية و الوهميّة و الشكّية، قال سبحانه:

وَ لاٰ تَقْفُ مٰا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ، إِنَّ اَلسَّمْعَ وَ اَلْبَصَرَ وَ اَلْفُؤٰادَ كُلُّ أُولٰئِكَ كٰانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً (1) . ترى أنّ الآية ترفض كل معرفة خرجت عن إطار العلم القطعي، و لأجل ذلك يذمّ في كثير من الآيات اقتفاء سنن الآباء و الأجداد، اقتفاء بلا دليل واضح، و بلا علم بصحته و إتقانه، يقول سبحانه: بَلْ قٰالُوا إِنّٰا وَجَدْنٰا آبٰاءَنٰا عَلىٰ أُمَّةٍ وَ إِنّٰا عَلىٰ آثٰارِهِمْ مُهْتَدُونَ * وَ كَذٰلِكَ مٰا أَرْسَلْنٰا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاّٰ قٰالَ مُتْرَفُوهٰا إِنّٰا وَجَدْنٰا آبٰاءَنٰا عَلىٰ أُمَّةٍ وَ إِنّٰا عَلىٰ آثٰارِهِمْ مُقْتَدُونَ (2).

ص: 20


1- سورة الأسراء: الآية 36.
2- سورة الزخرف: الآيتان 22-23.

و القرآن ينقل أخبار الكثير من المضلّلين حيث يعضّون أناملهم من الندم يوم القيامة بقوله: يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي اَلنّٰارِ يَقُولُونَ يٰا لَيْتَنٰا أَطَعْنَا اَللّٰهَ وَ أَطَعْنَا اَلرَّسُولاَ * و قالوا: رَبَّنٰا إِنّٰا أَطَعْنٰا سٰادَتَنٰا وَ كُبَرٰاءَنٰا فَأَضَلُّونَا اَلسَّبِيلاَ * رَبَّنٰا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ اَلْعَذٰابِ ، وَ اِلْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً (1).

ب - تعتبر المعرفة، إذا كانت نابعة من أدوات المعرفة الحسّية و القلبية أو العقلية، يقول سبحانه: وَ اَللّٰهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهٰاتِكُمْ لاٰ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَ جَعَلَ لَكُمُ اَلسَّمْعَ وَ اَلْأَبْصٰارَ وَ اَلْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (2).

فالسّمع و الأبصار رمز الأدوات الحسّية، و الأفئدة كناية عن العقل و الإدراكات الصحيحة الفكرية، و الإدراكات الخارجة عن إطار تلك الأدوات غير قابلة للاستناد.

و إنما اعتمد من بين أدوات المعرفة على هذين (الحس و العقل) لأنهما أكثر صوابا و أعظم نتيجة و أما غيرهما من الأدوات التي يعتمد عليها مرضى القلوب فهي غير قابلة للاستناد، و لهذين الأمرين من أدوات المعرفة شعوب و فروع قد بيّنت في علم «نظرية المعرفة».

نعم هناك سؤال يطرح نفسه و هو أنّه إذا كان اقتفاء الآباء و الأجداد و تقليدهم أمرا مذموما فلما ذا جوّزه الإسلام في باب معرفة الأحكام الفرعية العملية ؟ إذ يصح لكل مسلم أن يأخذ مذهبه في الفروع و الأحكام من إمام الفقه و عالمه، أو ليس ذلك تقليد لهم كتقليد الكفار لآبائهم ؟.

و الإجابة على هذا السؤال واضحة، إذا أخذ الأحكام عن المجتهد البارع المتخصّص في فنّه، ليس من قبيل التقليد المذموم و هو الرجوع إلى الغير، و تقليده بلا دليل، لأنّ رجوع الجاهل إلى العالم و اقتفائه أثره رجوع8.

ص: 21


1- سورة الأحزاب: الآيات 66-68.
2- سورة النحل: الآية 78.

إليه مع الدليل، و عليه سيرة العقلاء في جميع المجالات، فالجاهل بالصنعة يرجع إلى عالمها، و جاهل الطب يرجع إلى خبيره، و هكذا دواليك، و هذا كله في الأمور الفرعية.

و أما المسائل الأصولية، فهي مسائل جذورية، و الأمر فيها يدور بين الإثبات المحض، كما هو الحال عند الإلهيين، و النفي المحض كما هو عند الماديّين، فلا يصحّ التقليد فيها، إذ ليس هناك قدر مشترك حتى يؤخذ به و يرجع في الزائد عليه إلى المتخصص، فإن كلاّ من الإلهي و المادّي يدّعي كونه متخصصا في هذا العلم.

فلاجل ما ذكرنا، يجب على الإنسان الغور في المسائل الأصولية من دون جعل فكر سندا و حجّة

***

5 - المعارف العليا في الإسلام

اشارة

إنّ الإسلام يحثّ على التعرف على أمور ثلاثة من بين الموضوعات المختلفة و يعتبرها ذات أهميّة لمن يطلب الواقع.

1 - معرفة الكون و الطبيعة:

هذه المعرفة مما يؤكد القرآن بحماس على تحصيلها يقول سبحانه:

قُلِ اُنْظُرُوا مٰا ذٰا فِي اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضِ (1) و يقول أيضا: إِنَّ فِي خَلْقِ اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضِ وَ اِخْتِلاٰفِ اَللَّيْلِ وَ اَلنَّهٰارِ لَآيٰاتٍ لِأُولِي اَلْأَلْبٰابِ (2).

ص: 22


1- سورة يونس: الآية 101.
2- سورة آل عمران: الآية 190.

فلا محيص للإنسان المتديّن عن دراسة الطبيعة و الغور في أعماقها حسب معطياته و قابلياته.

2 - معرفة الإنسان نفسه:

و هي من ضروريات المعارف التي أكّد عليها كما أكّد على سابقتها، قال سبحانه: سَنُرِيهِمْ آيٰاتِنٰا فِي اَلْآفٰاقِ وَ فِي أَنْفُسِهِمْ حَتّٰى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ اَلْحَقُّ أَ وَ لَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلىٰ كُلِّ شَيْ ءٍ شَهِيدٌ (1).

و تضافرت الروايات على أهميّة معرفة النّفس و أنّ الإنسان من خلال التعرف عليها و كل الطبيعة التي يعيش فيها، يعرف ربّه.

3 - معرفة التاريخ:

إنّ القرآن يؤكد على معرفة التاريخ بما أنه مثار العبر و العظات، يقول سبحانه: لَقَدْ كٰانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي اَلْأَلْبٰابِ (2)، و يقول سبحانه: فَاقْصُصِ اَلْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (3).

هذه هي الموضوعات التي يحبّذ الإسلام على التعرّف عليها كل من يريد أن يلمس الحقائق و يصل إلى الواقع، فالمعرض عن هذه المعارف، محجوب عن معرفته سبحانه و سننه في الكون.

***

6 - لما ذا نبحث عن وجود اللّه سبحانه ؟

اشارة

و قبل أن نركز على أسباب معرفته سبحانه و دلائل وجوده، نقوم

ص: 23


1- سورة فصلت: الآية 53.
2- سورة يوسف: الآية 111.
3- سورة الأعراف: الآية 176.

بالإجابة عن سؤال كثيرا ما يطرح نفسه بين الشباب، و هو مأخوذ من دسائس الماديين لا سيما الماركسيين في الأوساط الإسلامية.

و حصيلة السؤال هو: إنّ البحث عن ما وراء المادة بحث لا صلة له بالحياة، و ليس من الموضوعات التي تقع في إطار الحياة التي يحياها الإنسان في أدوار عمره المختلفة، من صباه إلى شبابه إلى كهولته و شيخوخته. و البحث عمّا وراء الطبيعة و أنّ هناك موجودات عليا مجردة عن المادة و أحكامها، كالملائكة و العقول و النفوس، و فوقها مبدعها و مبدع جميع العوالم: مادّيها و مجرّدها، لا ينفع في الحياة و لو أثبت بألف دليل، فصرف الوقت حول هذه المباحث يعوق الشاب عن القيام بوظائفه اللازمة.

و الإجابة عن هذا السؤال واضحة بعد الاطّلاع على ما ذكرنا، فقد عرفت أنّ للدّين دورا قويا و تأثيرا عظيما في تكامل العلوم كما أنه ضمان للأخلاق، و خير دعامة لها، بل ضمان لتنفيذ القوانين الصالحة، و الحصن الحصين في متقلبات الأحوال.

فإذا كان له ذلك الشأن العظيم في حياتنا العلمية و الأخلاقية و الاجتماعية فطي الصفح عنه و الاشتغال بغيره، خسارة عظيمة للإنسانية. فما يتشدّق به المادي من أنّ البحث عن الدّين و ما وراء الطبيعة لا صلة له بالحياة، مكذوب على الدين و كلام خال عن التحقيق. نعم، ما ذكرنا من دور الدّين و تأثيره في الجوانب الحيوية من الإنسان، إنّما هو من شئون الدّين الحقيقي الذي يواكب العلم و الأخلاق و لا يخالفهما، و أما الأديان المختلفة المنسوبة إلى الوحي و السماء بكذب و زور فخارجة عن موضوع بحثنا.

دفع الضرر المحتمل:

إنّ هناك عاملا روحيا يحفّزنا إلى البحث عن هذه الأمور الخارجة عن إطار المادة و الماديات، و هو أنّ هناك مجموعة كبيرة من رجالات الإصلاح

ص: 24

و الأخلاق الذين فدوا أنفسهم في طريق إصلاح المجتمع و تهذيبه، و راحوا ضحية رقيّه، توالوا على مدى القرون و الأعصار و دعوا المجتمعات البشرية إلى الاعتقاد باللّه سبحانه و صفاته الكمالية، و ادّعوا أنّ له تكاليف على عباده و وظائف وضعها عليهم، و أنّ الحياة لا تنقطع بالموت و ليس الموت آخرها و آخر مقطع منها، و إنما هو جسر يعبر به الإنسان من دار إلى دار، و من حياة ناقصة إلى حياة كاملة، و أنّ من قام بتكاليفه و وظائفه فله الجزاء الأوفى، و أمّا من خالف و استكبر فله النكاية الكبرى.

هذا ما سمعته آذان أهل الدنيا من رجالات الوحي و الإصلاح، و لم يكن هؤلاء متهمين بالكذب و الاختلاق، بل كانت علائم الصدق لائحة من خلال حياتهم و أفعالهم و أذكارهم. عند ذاك يدفع العقل الإنسان المفكر إلى البحث عن صحة مقالتهم دفعا للضرر المحتمل أو المظنون الذي يورثه مقالة هؤلاء. و ليس إخبار هؤلاء بأقل من إخبار إنسان عادي عن الضرر العاجل أو الآجل في الحياة الإنسانية، فترى الإنسان العاقل يهتمّ بإخباره و يتفحص عن وجوده حتى يستريح من الضرر المخبر عنه.

و هذا ما اعتمد عليه علماء الكلام في إثبات لزوم البحث عن معرفة اللّه سبحانه. فأوجبوا هذا البحث دفعا لذاك الضرر المحتمل أو المظنون.

معرفة اللّه و شكر المنعم:

لا شك أنّ الإنسان في حياته غارق في النعم، فهي تحيط به منذ نعومة أظفاره إلى أخريات حياته، و هذا الشيء مما لا يمكن لأحد إنكاره.

و من جانب آخر إنّ العقل يستقل بلزوم شكر المنعم، و لا يتحقق الشكر إلاّ بمعرفته.

و على هذين الأمرين يجب البحث عن المنعم الذي غمر الإنسان

ص: 25

بالنّعم و أفاضها عليه، فالتعرف عليه من خلال البحث إجابة لهتاف العقل و دعوته إلى شكر المنعم المتفرع على معرفته.

هذه الوجوه الثلاثة (دور الدّين في الحياة، دفع الضرر المحتمل، و لزوم شكر المنعم عقلا) الّتي ألمعنا إليها بالإجمال تحفز الإنسان إلى البحث عن معرفة اللّه و الاهتمام بها أكثر من اهتمامه بما هو دخيل على حياته المادية، و إنما يعرض من يعرض عن هذه المسائل لعلل روحية غير خافية على الباحث، إذ لا شك أنّ معرفة اللّه، و الاعتقاد به لا ينفكّ عن الالتزام بقيود و حدود في الحياة و رعاية الأصول الأخلاقية و الاجتماعية، و القيام بالوظائف الفردية، و كل ذلك ينافي الحرية المطلقة و الإباحية التي يتوخاها الماديون و المنسلكون في عدادهم. فإنكار الدّين و المبدأ ليس إنكارا لنفسه بل للفرار مما يترتب عليه من الضمانات و الالتزامات، و القيود و الحدود.

و هي تخالف هوى الإنسان الإباحي الذي لا يرى أصلا في الحياة إلاّ اللّذة.

***

إلى هنا انتهت المقدمات التي أردنا إيرادها لبيان مفهوم الدّين و جذوره في الفطرة الإنسانية و دوره في حياة الإنسان و وجوب معرفة اللّه تبارك و تعالى.

و يقع الكلام بعدها في أدلة وجود الخالق المبدع لهذا الوجود.

ص: 26

الفصل الثاني الطّرق إلى معرفة اللّه

اشارة

برهان النّظم * برهان الإمكان * برهان حدوث المادّة

ص: 27

ص: 28

الطّرق إلى معرفة اللّه هناك كلمة قيّمة لأهل المعرفة و هي: إنّ الطرق إلى معرفة اللّه بعدد أنفاس الخلائق بل فوقها بكثير و كثير، فإنّ لكل ظاهرة من الظواهر الطبيعية وجهين، يشبهان وجهي العملة الواحدة، أحدهما يحكي عن وجودها و حدودها و خصوصياتها و موقعها في الكون، و الآخر يحكي عن اتّصالها بعلّتها و قوامها بها و نشوئها منها. فهذه الظاهرة الطبيعية - من الوجه الأول - تقع موضوع البحث في العلوم الطبيعية، فيأخذ كل باحث جهة خاصة من هذا الوجه حسب تخصصه و ذوقه و اطّلاعه، فواحد يبحث عن التراب و المعادن و آخر عن النبات و الأشجار، و ثالث عن الحيوان إلى غير ذلك من الموضوعات.

كما أنها من الوجه الثاني تقع طريقا لمعرفة اللّه سبحانه و التعرف عليه من ناحية آثاره:

إنّ آثارنا تدلّ علينا *** فانظروا بعدنا إلى الآثار

و بما أنّ الظواهر الطبيعية، جليلها و حقيرها لها وجهان، فقد أكّد الإسلام على معرفتها و الغور في آثارها و خصوصياتها، قائلا: قُلِ اُنْظُرُوا مٰا ذٰا فِي اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضِ (1)، لكن لا بمعنى الوقوف عند هذا التعرف و اتخاذه هدفا، بل بمعنى اتخاذ تلك المعرفة جسرا لمعرفة بارئها و خالقها، و من أوجد فيها السّنن و النّظم.

ص: 29

إنّ آثارنا تدلّ علينا *** فانظروا بعدنا إلى الآثار

و بما أنّ الظواهر الطبيعية، جليلها و حقيرها لها وجهان، فقد أكّد الإسلام على معرفتها و الغور في آثارها و خصوصياتها، قائلا: قُلِ اُنْظُرُوا مٰا ذٰا فِي اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضِ (1)، لكن لا بمعنى الوقوف عند هذا التعرف و اتخاذه هدفا، بل بمعنى اتخاذ تلك المعرفة جسرا لمعرفة بارئها و خالقها، و من أوجد فيها السّنن و النّظم.

إنّ الفرق الواضح بين تعرّف المادي على الطبيعة و تعرّف الإلهي عليها هو أنّ الأول ينظر إلى الطبيعة بما هي هي، و يقف عندها من دون أن يتخذها وسيلة لتعرف آخر، و هو التعرف على مبادي وجودها و علل تكونها، في حين أنّ الإلهي، مع أنّه ينظر إلى الظواهر الطبيعية مثلما ينظر إليها المادي و يسعى إلى التعرف على كل ما يسودها من نظم و سنن، فإنّه يتخذها وسيلة لتعرف عال و هو التعرف على الفاعل الذي قام بإيجادها و إجراء السّنن فيها، فكأن النظرة في الأولى نظرة إلى ظاهر الموجود، و في الثانية نظرة إلى الظاهر متجاوزا منها إلى الباطن.

و بعبارة أوضح، إنّ المادي يقتصر في عالم المعرفة، على معرفة الشيء و يغفل عن معرفة أخرى، و هي معرفة مبدأ الشيء من طريق آثاره و آياته، فلو اكتفينا في معرفة الظواهر بالمعرفة الأولى حبسنا أنفسنا في زنزانات المادة، و لكن إذا نظرنا إلى الكون بنظرة وسيعة و أخذنا مع تلك المعرفة معرفة أخرى و هي المعرفة الآيوية لوصلنا في ظل ذلك، إلى عالم أفسح ملئ بالقدرة و العلم و الكمال و الجمال. و على ذلك فكل المظاهر الطبيعية مع ما فيها من الجمال و الروعة و مع ما فيها من النظم و السنن آيات وجود بارئها و مكونها و منشئها، و عند ذلك يتجلى للقارئ صدق ما قلنا من أنّ الطرق إلى معرفة اللّه بعدد الظواهر الطبيعية بدءا بالذرة و انتهاء إلى المجرة. و لأجل ذلك نرى أنّ رجال الوحي و دعاة التوحيد يركّزون في معرفته سبحانه على الدعوة إلى النظر في جمال الطبيعة و روعتها فإنها أصدق شاهد1.

ص: 30


1- سورة يونس: الآية 101.

على أنّ لها صانعا و مبدعا، و هذا مشهود لمن طالع القرآن و تدبّر في آياته.

فهو من خلال توجيه الإنسان إلى الطبيعة و إلى السماء و الأرض و ما فيها من كائنات، يريد هدايته إلى مبدئها، و يكفي في ذلك قوله سبحانه: إِنَّ فِي خَلْقِ اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضِ وَ اِخْتِلاٰفِ اَللَّيْلِ وَ اَلنَّهٰارِ وَ اَلْفُلْكِ اَلَّتِي تَجْرِي فِي اَلْبَحْرِ بِمٰا يَنْفَعُ اَلنّٰاسَ وَ مٰا أَنْزَلَ اَللّٰهُ مِنَ اَلسَّمٰاءِ مِنْ مٰاءٍ فَأَحْيٰا بِهِ اَلْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهٰا وَ بَثَّ فِيهٰا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَ تَصْرِيفِ اَلرِّيٰاحِ وَ اَلسَّحٰابِ اَلْمُسَخَّرِ بَيْنَ اَلسَّمٰاءِ وَ اَلْأَرْضِ ، لَآيٰاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (1).

إنّ البراهين الدالّة على وجود خالق لهذا الكون، و مفيض لهذه الحياة، كثيرة متعددة، و نحن ذاكرون فيما يلي بعضا منها. و لكي تقف على أوضحها و أقربها إلى الحس و التجربة نركز البحث على برهان النّظم الذي يتجاوب مع جميع العقول على اختلاف سطوح تفكيرها.

***4.

ص: 31


1- سورة البقرة: الآية 164.

ص: 32

البرهان الأول برهان النظم

يبتني برهان النّظم على مقدمات أربع

الأولى: إنّ وراء الذهن الإنساني عالما مليئا بالموجودات، محتفا بالظواهر الطبيعية. و إنّ ما يتصوره الإنسان في ذهنه هو انعكاس للواقع الخارجي، و هذه المقدمة قد أطبق عليها الإلهيّ و الماديّ رافضين كل فكرة قامت على نفي الواقعية و لجأت إلى المثالية، بمعنى نفي الحقائق الخارجية.

إنّ كل إنسان واقعي يعتقد بأنّ هناك قمرا و شمسا و بحرا و محيطا و غير ذلك. كما يعتقد بوجوده، و ذهنه و الصور المنعكسة فيه، و هذه هي الخطوة الأولى في مضمار معرفة اللّه، و هي التصديق بالواقعيات. و يشترك فيها الفلاسفة الواقعيون، دون المثاليين بمعنى الخياليين.

و بذلك يظهر أنّ رمي الإلهي بالمثالية بمعنى نفي الواقعيات، افتراء و كذب عليه، إذ لا يوجد على أديم الأرض من يكون إليها و في الوقت نفسه ينفي واقعيات الأشياء و الظواهر الطبيعية. و لو وجد هناك إنسان بهذه العقيدة

ص: 33

فليس من تلك الزمرة، و إنما هو من المنحرفين عن الفطرة السليمة الإنسانية.

و ما ربما يحكى عن بعض العرفاء من أنّ الموجود الحقيقيّ هو اللّه سبحانه و ما سواه موجود بالمجاز، فله معنى لطيف لا يضرّ بما قلناه، و هذا نظير ما إذا كان هناك مصباح في ضوء الشمس، فيقال: إنّ الضوء ضوء الشمس و لا ضوء لغيرها، فهكذا وجود الممكنات، المفتقرات المتدليات بالذات، بالنسبة إلى واجب الوجود القائم بالذات.

الثانية: إنّ عالم الطبيعة خاضع لنظام محدد، و إنّ كل ما في الكون لا ينفك عن النّظم و السنن التي كشفت العلوم الطبيعية عن بعضها، و كل ما تطورت هذه العلوم خطى الإنسان خطوات أخرى في معرفة الكون و القوانين السائدة عليه.

الثالثة: أصل العلية، و المراد منه أنّ كل ما في الكون من سنن و قوانين لا ينفكّ عن علة توجده و أنّ تكون الشيء بلا مكوّن و تحققه بلا علة، أمر محال لا يعترف به العقل، بالفطرة، و بالوجدان و البرهان. و على ذلك فكل الكون و ما فيه من نظم و علل نتيجة علة أوجدته و كونته.

الرابعة: إنّ دلالة الأثر تتجلى بصورتين:

أ - وجود الأثر يدل على وجود المؤثر، كدلالة المعلول على علّته، و الآية على صاحبها، و قد نقل عن أعرابي أنّه قال: «البعرة تدل على البعير، و أثر الأقدام يدل على المسير»، إلى غير ذلك من الكلمات التي تقضي بها الفطرة. و هذه الدلالة مما لا يفترق فيها المادّي و الإلهي، و إنما المهمّ هو الصورة الثانية من الدّلالة.

ب - إنّ دلالة الأثر لا تنحصر في الهداية إلى وجود المؤثر، بل لها دلالة أخرى في طول الدلالة الأولى، و هي الكشف عن خصوصيات المؤثر

ص: 34

من عقله و علمه و شعوره، أو تجرده من تلك الكمالات و الصفات و غيرها.

و لنوضح ذلك بمثال:

إنّ كتاب «القانون» المؤلف في الطب، كما له الدّلالة الأولى و هي وجود المؤثر، له الدّلالة الثانية و هي الكشف عن خصوصياته التي منها أنّه كان إنسانا خبيرا بأصول الطب و قوانينه، مطّلعا على الدّاء و الدّواء، عارفا بالأعشاب الطبية، إلى غير ذلك من الخصوصيات.

و الملحمة الكبيرة الحماسية لشاعر إيران (الفردوسي) لها دلالتان:

دلالة على أنّ تلك الملحمة لم تتحقق إلا بظل علّة أوجدتها، و دلالة على أنّ المؤلف كان شاعرا حماسيا مطلعا على القصص و التواريخ، بارعا في استعمال المعاني المتناسبة مع الملاحم. و مثل ذلك كل ما تمر به مما بقي من الحضارات الموروثة كالأبنية الأثرية، و الكتب النفيسة، و الصنائع المستظرفة اليدوية و المعامل الكبيرة و الصغيرة، إلى غير ذلك مما يقع في مرأى و منظر كل إنسان. فالمهم في هذا الباب هو عدم الاقتصار على الدلالة الأولى بل التركيز على الدلالة الثانية بوجه علمي دقيق.

و على ضوء هذه القاعدة يقف العقل على الخصوصيات الحافة بالعلة، و يستكشف الوضع السائد عليها، و يقضي بوضوح بأنّ الأعمال التي تمتاز بالنظام و المحاسبة الدقيقة، لا بد أن تكون حصيلة فاعل عاقل، استطاع بدقته أن يوجد أثره و عمله، هذا.

كما يقضي بأنّ الأعمال التي لا تراعى فيها الدّقة اللازمة و النظام الصحيح، تكون ناشئة عن عمل عامل غير عاقل، و فاعل بلا شعور و لا تفكير، فهذا ما يصل إليه العقل السليم بدرايته. و لتوضيح الحال نأتي بالمثالين التاليين:

المثال الأول: لنفترض أنّ هنا مخزنا حاويا لأطنان عدة من مواد البناء بما فيها الحجر و الحديد و الإسمنت و الجص و الخشب و الزجاج و الأسلاك

ص: 35

و الأنابيب و غيرها من لوازم البناء، ثم وضع نصف ما في هذا المخزن تحت تصرف أحد المهندسين أو المعماريين، لينشئ به عمارة ذات طوابق متعددة على أرض منبسطة.

و بعد فترة من الزمن جاء سيل جارف و جرف ما تبقى في المخزن من مواد الإنشاء و تركها على شكل تل على وجه الأرض.

إنّ العمل الأول (العمارة) قد نتج عن عمل و إرادة مهندس عالم.

أمّا الثّاني (التل) فقد حدث بالفعل الطبيعي للسيل من دون إرادة و شعور.

فالعقلاء بمختلف مراتبهم و قومياتهم و عصورهم يحكمون بعقلانية صانع العمارة، و مدى قوة إبداعه في البناء، من وضعه الأعمدة في أماكنها المناسبة و إكسائه الجدران بالمرمر، و نصبه الأبواب في مواضعها الخاصة، و مدّة الأسلاك و أنابيب المياه الحارة و الباردة و وصلها بالحمامات و المغاسل، و غير ذلك مما يتبع هندسة خاصة و دقيقة.

و لكن عند ما نخرج إلى الصحراء كي نشاهد ما صنعه السيل، فغاية ما نراه هو انعدام النّظام و الترتيب فالحجر و المرمر قد اندثر تحت الطين و التراب، و القضبان الحديدية قد طرحت إلى جانب، و الأسلاك تراها مقطعة بين قطعات الآجرّ، و الأبواب مرمية هنا و هناك، و غير ذلك من معالم الفوضى و التبعثر. و بشكل عام، إنّ المعدوم من هذا الحشد هو النظام و المحاسبة، إذ لا هندسة و لا تدبّر.

فالذي يستنتج أنّ المؤسس للبناء ذو عقل و حكمة، و المحدث للتل فاقد لهما، فالمهندس ذو إرادة و السيل فاقد له، و الأول نتاج عقل و علم، و الثّاني نتاج تدفق الماء و حركته العمياء.

ص: 36

المثال الثاني: لنفترض أنّنا دخلنا إلى غرفة فيها شخصان كل منهما جالس أمام آلة طابعة يريدان تحرير قصيدة لأحد الشعراء فالأول يحسن القراءة و الكتابة، و يعرف مواضع الحروف من الآلة و الآخر أمّي لا يجيد سوى الضغط بأصابعه على الأزرار، فيشرعان بعملهما في لحظة واحدة.

الذي نلاحظه أنّ الأول دقيق في عمله يضرب بأصابعه حسب الحروف الواردة في القصيدة دون أن يسقط حرفا أو كلمة منها.

و أمّا الآخر، الأمي البصير، فيضرب على الآلة دون علم أو هدى و لا يستطيع أن يميز العين من الغين، و السين من الشين: و نتيجة عمله ليست إلاّ الهباء و إتلاف الأوراق، و لا يأتي بشيء مما أردناه:

فنتاج الأول محصول كاتب متعلّم، و نتاج الثاني محصول جاهل لا علم له و لا خبرة و لو أعطي المجال للألوف ممن كف بصرهم و حرموا لذة العلم و التعلم أن يحرروا نسخة صحيحة من ملايين النسخ التي يحررونها لاستحال ذلك، لأنهم يفقدون ما هو العمدة و الأساس.

و لعلّنا نشاهد في كل جزء من هذا الكون مثل تلك الصفحة التي حررت فيها قصيدة الشاعر و ترانا ملزمين بالاعتراف بعلم و معرفة و حسن أسلوب كاتبها و نجزم بأنه بصير لم يكن فاقدا للعلم، و لم يكن فعله مشابها لفعل صبي رأى نفسه في غرفة خالية، فطرق في خياله أن يلهو و يلعب على آلة طابعة كي ينتج تلك الصفحة من قصيدة الشاعر.

و بعد ذكر الأمثلة المتقدّمة يتّضح لنا الفرق بين الأعمال التي تصدر عن إرادة و تدبّر، و التي تحدث عن طريق الصدفة، إذ لا إرادة فيها و لا تدبر.

و هذه القاعدة التي يدركها العقل (لا بفضل التجربة بل في ظل التفكر و التعقل) هي روح برهان النّظم الذي هو من أوضح براهين الإلهيين في

ص: 37

إثبات الصانع و رفض الإلحاد و المادية، و اشملها لجميع الطبقات. و ملخص بيانهم في تطبيق هذه المقدمة على العالم، هو أنّ العلم لم يزل يتقدم و يكشف عن الرموز و السنن الموجودة في عالم المادة و الطبيعة و العلوم كلها بشتى أقسامها و أصنافها و تشعبها و تفرعها تهدف إلى أمر واحد و هو أنّ العالم الذي نعيش فيه، من الذرة إلى المجرة عالم منسجم تسود عليه أدق الأنظمة و الضوابط، فما هي تلك العلّة ؟ أقول: إنها تتردد بين شيئين لا غير.

الأول: إنّ هناك موجودا خارجا عن إطار المادة عالما قادرا واجدا للكمال و الجمال، قام بإيجاد المادة و تصويرها بأدق السنن، و تنظيمها بقوانين و ضوابط دقيقة، فهو بفضل علمه الوسيع و قدرته اللامتناهية، أوجد العالم و أجرى فيه القوانين، و أضفى عليه السنن التي لم يزل العلم من بدء ظهوره إلى الآن جاهدا في كشفها، و مستغرقا في تدوينها، و هذا المؤثر الجميل ذو العلم و القدرة هو اللّه سبحانه.

الثاني: إنّ المادة الصّماء العمياء القديمة التي لم تزل موجودة، و ليست مسبوقة بالعدم، قامت بنفسها بإجراء القوانين الدقيقة، و أضفت على نفسها السّنن القويمة في ظل انفعالات غير متناهية حدثت في داخلها و انتهت على مر القرون و الأجيال إلى هذا النظام العظيم الذي أدهش العقول و أبهر العيون.

إذا عرضنا هاتين النظريتين على المقدمة الرابعة لبرهان النظم، و هي قادرة على تمييز الصحيح من الزائف منهما، فلا شك أنها ستدعم أولاهما و تبطل ثانيتهما لما عرفت من أنّ الخصوصيات الكامنة في وجود المعلول و الأثر، تعرب عن الخصوصيات السائدة على المؤثر و العلّة، فالسّنن و النّظم تكشف عن المحاسبة و الدقة، و هي تلازم العلم و الشعور في العلّة، فكيف تكون المادة العمياء الصمّاء الفاقدة لأي شعور هي التي أوجدت هذه السّنن و النّظم ؟.

ص: 38

و على ضوء ذلك فالسّنن و النّظم، التي لم يتوفق العلم إلا لكشف أقل القليل منها، تثبت النظرية الأولى و هي احتضان العلّة و اكتنافها للشعور و العلم و ما يناسبهما، و تبطل النظرية الثانية و هي قيام المادة الصّماء العمياء بإضفاء السّنن على نفسها بلا محاسبة و دقة بتخيل أنّ انفعالات كثيرة، حادثة في صميم المادة، انتهت إلى ذاك النظام المبهر تحت عنوان «الصدفة» أو غيرها من الصراعات الداخلية التي تلوكها ألسنة الماركسيين.

و على ذلك فكل علم من العلوم الكونية، التي تبحث عن المادة و خصوصياتها و تكشف عن سننها و قوانينها، كعملة واحدة لها وجهان، فمن جانب يعرّف المادة بخصوصياتها، و من جانب آخر يعرّف موجدها و صانعها. فالعالم الطبيعي ينظر إلى واحد من الوجهين كما أنّ العارف ينظر إلى الجهة الأخرى و العالم الربّاني ينظر إلى كلتا الجهتين و يجعل الأولى ذريعة للثانية. و بهذا نستنتج أنّ العلوم الطبيعية كلها في رحاب إثبات المقدمة الرّابعة لبرهان النظم، و أنّ اكتمال العلوم يعين ذلك البرهان بأوضح الوجوه و أدقّ الطرق، و أنّ الاعتقاد بالصانع العالم القادر يصاحب العلم في جميع العصور و الأزمان.

و في الختام نركز على نقطتين:

الأولى: إنّ القرآن الكريم ملئ بلفظة «الآية» و «الآيات»، فعند ما يسرد نظم الطبيعة و سننها، و يعرض عجائب العالم و غرائبه، يعقبه بقوله:

إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ أو يَذَّكَّرُونَ أو يَعْقِلُونَ إلى غير ذلك من الكلمات الحاثة على التفكر و التدبر، و هذه الآيات تعرض برهان النّظم بأوضح أشكاله على لسان الفطرة، بدلالة آيوية(1)، مشعرة بأنّيه

ص: 39


1- الآيوية: منسوب إلى الآية، و هي دلالة خاصة ابتكرها القرآن الكريم وراء سائر الدلالات التي كشف عنها المنطقيون في أبحاثهم العلمية، و المراد من الدلالة الآيوية هو ما ركّزنا عليه

التفكر في هذه السنن اللاحبة و النظم المحيّرة يكشف بوضوح عن أنّ جاعلها موجود، عالم، قادر، بصير و من المحال أن تقوم المادة الصمّاء العمياء بذلك. و لأجل أن يقف القارئ الكريم على بعض هذه الآيات نشير إلى ما ورد في سورة النحل في هذا المضمار:

1 - قوله سبحانه: يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ اَلزَّرْعَ وَ اَلزَّيْتُونَ وَ اَلنَّخِيلَ وَ اَلْأَعْنٰابَ وَ مِنْ كُلِّ اَلثَّمَرٰاتِ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (1).

2 - قوله سبحانه: وَ مٰا ذَرَأَ لَكُمْ فِي اَلْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوٰانُهُ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (2).

3 - قوله سبحانه: وَ اَللّٰهُ أَنْزَلَ مِنَ اَلسَّمٰاءِ مٰاءً فَأَحْيٰا بِهِ اَلْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهٰا إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (3).

4 - قوله سبحانه: وَ مِنْ ثَمَرٰاتِ اَلنَّخِيلِ وَ اَلْأَعْنٰابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَ رِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (4).

5 - قوله سبحانه: ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ اَلثَّمَرٰاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهٰا شَرٰابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوٰانُهُ فِيهِ شِفٰاءٌ لِلنّٰاسِ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (5).9.

ص: 40


1- سورة النحل: الآية 11.
2- سورة النحل: الآية 13.
3- سورة النحل: الآية 65.
4- سورة النحل: الآية 67.
5- سورة النحل: الآية 69.

الثانية: إنّ برهان النّظم و إن كان يعتمد على مقدمات أربع غير أنّ الثلاثة الأول مما اتفق فيه جميع العقلاء إلاّ شذّاذ الآفاق من المثاليين المنكرين للحقائق الخارجية. و إنما المهم هو التركيز على توضيح المقدمة الرابعة باستعانة من العلوم الطبيعية و الفلكية و غيرها التي تعد روحا و أساسا لتلك المقدمة. و في هذا المضمار نجد كلمات بديعة لخبراء العلم من المخترعين و المكتشفين: يقول «كلودم هزاوي» مصمم العقل الإلكتروني: طلب مني قبل عدة سنوات القيام بتصميم آلة حاسبة كهربائية، تستطيع أن تحل الفرضيات و المعادلات المعقدة ذات البعدين، و استفدت لهذا الغرض من مئات الأدوات و اللوازم الالكتروميكانيكية، و كان نتاج عملي و سعيي هذا هو «العقل الالكتروني».

و بعد سنوات متمادية صرفتها لإنجاز هذا العمل، و تحمل شتّى المصاعب و أنا أسعى لصنع جهاز صغير، يصعب عليّ أن أتقبل هذه الفكرة و هي أنّ الجهاز هذا، يمكن أن يوجد من تلقاء نفسه دون حاجة إلى مصمم.

إنّ عالمنا مملو بالأجهزة المستقلة لذاتها و المتعلقة بغيرها في الوقت ذاته، و تعتبر كل واحدة منها أعقد بكثير من العقل الإلكتروني الذي صنعته، و إذا استلزم أن يكون للعقل الالكتروني هذا مصمم فكيف يمكننا إذن أن ننفي هذا القول بالنسبة إلى أجسامنا بما فيها من خواص حياتيّة و أعمال فيزيائية و تفاعلات كيميائية، فلا بد من وجود مصمّم حكيم خالق لهذا الكون و الذي أنا جزء حقير منه(1).

و العجب من الفرضية التي يعتمد عليها الماديون خلفا عن سلف،9.

ص: 41


1- العلم يدعو للإيمان، ص 159.

و يقولون بأنّ الانفعالات اللامتناهية اللاشعورية انتهت صدفة إلى هذا النظام البديع.

يقول البروفسور «أدوين كونكلين» في حق هذه النظرية: إنّ هذا الافتراض لا يختلف عن قولنا: «إنّ قاموسا لغويا ضخما أنتجته المطبعة إثر انفجار فيها».

إنّ نظام الكون الدقيق يجعل العلماء يتنبئون بحركة السيارات و الأقمار الفلكية، و التعبير عن الظواهر الطبيعية بمعادلات رياضية.

إنّ وجود هذا النظام في الكون بدلا من الفوضى، لدليل واضح على أنّ هذه الحوادث تجري وفق قواعد و أسس معينة و أنّ هناك قوة عاقلة، مهيمنة عليه، و لا يستطيع كل من أوتي حظا من العقل أن يعتقد بأنّ هذه المادّة الجامدة الفاقدة للحس و الشعور - و في إثر الصدفة العمياء - قد منحت نفسها النظام، و بقيت و لا تزال محافظة عليه(1).

إنّ هناك مئات الكلمات حول تشييد برهان النّظم و عرضها بشكل أدبي، علمي، موافق لروح العصر، و قد اكتفينا بعرض هذا المقدار.ه.

ص: 42


1- المصدر السابق نفسه.

برهان النّظم بتقرير ثان

الانسجام آية دخالة الشعور في وجود الكون

إنّ التقرير السابق لبرهان النّظم كان يعتمد على ملاحظة كل ظاهرة مادية، مستقلة و منفصلة عن سائر الظواهر، فالنظام السائد على الخلية منفصلا عن سائر الظواهر، كان محل البحث و النظر.

و مثله سائر الظواهر المادية ذات الأنظمة البديعة كحركة الشمس و القمر و غيرها، غير أنّه يمكن تقرير هذا البرهان بشكل آخر يعتمد على الانسجام السائد على العالم، و الاتصال البديع بين أجزائه فيستدل بالانسجام و الاتصال على أنّ ذاك النظام المتصل المنسجم إبداع عقل كبير و علم واسع، و لو لا وجوده لما تحقق ذلك النظام المعجب المتصل المتناسق.

إنّ الأبحاث العلمية كشفت عن الاتصال الوثيق بين جميع أجزاء العالم و تأثير الكل في الكل، حتى أنّ صفصفة أوراق الشجر غير منقطعة عن الريح العاصف في أقاصي بقاع الأرض، و حتى أنّ النجوم البعيدة التي تحسب مسافاتها بالسنين الضوئية، مؤثرة في حياة النبات و الحيوان و الإنسان، و هذا الانسجام الوثيق، الذي جعل العالم كمعمل كبير يشدّ بعضه بعضا، أدل

ص: 43

دليل على تدخل عقل كبير في إبداعه و إيجاده بحيث جعل الكل منسجما مع الكل.

و بعبارة واضحة، إنّ الضبط و التوازن في الكون السائدين على الطبيعة أوضح دليل على تدخل عقل كبير في طروئهما، و لأجل أن تتبين ملامح هذا التقريب نأتي بالأمثلة التالية:

1 - إنّ حياة كل نبات تعتمد على مقدار صغير من غاز ثاني أو كسيد الكاربون، الذي يتجزأ بواسطة أوراق هذا النبات إلى كاربون و أوكسجين، ثم يحتفظ النبات بالكاربون ليصنع منه و من غيره من المواد، الفواكه و الأثمار و الأزهار و يلفظ الأوكسجين الذي نستنشقه في عملية الشهيق و الزفير الأساسية في حياة الإنسان.

و لو أنّ الحيوانات لم تقم بوظيفتها في دفع ثاني أوكسيد الكاربون، أو لم يلفظ النبات الأوكسجين، لانقلب التوازن في الطبيعة و استنفذت الحياة الحيوانية، أو النباتية كل الأوكسجين أو كل ثاني أوكسيد الكاربون، و ذوى النبات و مات الإنسان.

فمن ذا الذي أقام مثل هذه العلاقة بين النبات و الحيوان و أوجد هذا النظام التبادلي بين هذين العالمين المتباينين ؟ ألا يدل ذلك على وجود فاعل مدبر وراء ظواهر الطبيعية هو الذي أقام مثل هذا التوازن ؟.

2 - منذ سنوات عديدة زرع نوع من الصبّار في أوستراليا كسياج وقائي و لكن هذا الزرع مضى في سبيله حتى غطى مساحة واسعة و زاحم أهالي المدن و القرى، و أتلف مزارعهم و لم يجد الأهالي وسيلة لصده عن الانتشار و صارت أوستراليا في خطر من اكتساحها بجيش من الزرع صامت، يتقدم في سبيله دون عائق!!.

ص: 44

و طاف علماء الحشرات في أرجاء المعمورة إلى أن وجدوا أخيرا حشرة لا تعيش إلاّ على ذلك الصبار، و لا تتغذى بغيره و هي سريعة الانتشار و ليس لها عدو يعوقها في أوستراليا و ما لبثت هذه الحشرة أن تغلبت على الصبار، ثم تراجعت و لم يبق منها سوى بقية للوقاية تكفي لصد الصبار عن الانتشار إلى الأبد(1).

فكيف عرفت هذه الحشرة أنّ عليها أن تقضي على الزائد من الصبار و تكف عن الباقي لتحفظ أشجار الصبار على توازنها فلا تطغى على الأشياء الأخرى ؟ ألا يكشف هذا التوازن و الضبط عن خالق مدبر حكيم ؟.

3 - كان ملاّحو السفن الكبيرة في العهود الماضية يصابون بمرض الأسقربوط (و هو من أمراض سوء التغذية و ينشأ عن نقص فيتامين (ث)، و لكن أحد الرحالة اكتشف دواء بسيطا لذلك المرض و هو عصير الليمون، ترى من أين نشأت هذه العلاقة بين الفواكه التي تحوى فيتامين (ث) و هذا المرض، ألا يدل ذلك على أنّ خالق الداء خلق الدواء المناسب له، و لو لا هذا التوازن لعمّت الكارثة و انعدم النوع الإنساني و غاب كلية عن وجه البسيطة ؟.

4 - عند ما نزل المهاجرون الأولون أوستراليا و استقروا فيها، استوردوا اثني عشر زوجا من الأرانب و أطلقوها هناك، و لم يكن لهذه الأرانب أعداء طبيعيون في أوستراليا، فتكاثرت بشكل مذهل، مما تسبب بإحداث أضرار بالغة بالأعشاب و الحشائش، و لم تنفع المحاولات الكثيرة لتقليل نسل هذه الأرانب حتى اكتشف فيروس خاص يسبب مرضا قاتلا لها، فعادت المروج الخضراء يانعة، و زاد على أثر ذلك إنتاج الأغنام و المواشي.9.

ص: 45


1- العلم يدعو للإيمان، ص 159.

أ ليس هذا التوازن الدقيق المبرمج في مظاهر الطبيعة و الذي يؤدي أي تخلخل فيه إلى أضرار بالغة، دليلا قاطعا على وجود الخالق الخبير و الإله المدبر وراء الطبيعة ؟ 5 - الماء هو المادة الوحيدة المعروفة التي تقل كثافتها عند ما تتجمد، و لهذه الخاصية أهميتها الكبيرة بالنسبة للحياة إذ بسببها يطفو الجليد على سطح الماء عند ما يشتد البرد، بدلا من أن يغوص إلى قاع المحيطات و البحيرات و الأنهار، و يكون تدريجيا كتلة صلبة لا سبيل إلى إخراجها و إذا بتها. و الجليد الذي يطفو على سطح البحر يكون طبقة عازلة تحفظ الماء تحتها عند درجة حرارة فوق درجة التجمد، و بذلك تبقى الأسماك و غيرها من الحيوانات المائية حية، فإذا جاء الربيع ذاب الجليد بسرعة و بلا عائق.

فهل يمكن إعزاء كل هذا الضبط و الدقة في المقاييس و النسب إلى فعل المادة الصمّاء العمياء البكماء، و الحال إنّه يكشف عن تدبير و حساب و يحكي عن نظام متقن و عظيم و يدل على أنّ وراء كل ذلك خالقا حكيما هو الذي أوجد هذا التوازن المدهش و الضبط الدقيق.

أجل إنّ ذلك التوازن و هذا الضبط يشهدان على دخالة الشعور و الحكمة و العقل في إدارة هذا العالم و تدبيره و تسييره و هي أمور لا تتوفر في الصدفة بل تتوفر في قوة عليا شاعرة هادفة تدرك مصلحة الكون و احتياجات الحياة إدراكا كاملا و شاملا، فتخضع الكون لمثل هذه الضوابط و العلاقات.

ص: 46

برهان النظم بتقرير ثالث

الهادفية آية تدخل الشعور في تطور النظم:

إنّ النظرة الدقيقة في عالم الكون تهدينا إلى نظام خاص نسميه بنظام الخدمة، بحيث نرى أنّ أنظمة خاصة في الكون جعلت في خدمة أنظمة كونية أخرى بحيث لا بقاء للثانية بدون الأولى، و لذلك نلاحظ صلة قويمة بين المظاهر المختلفة. فعندئذ يطرح السؤال التالي: إنّ هذه الكيفية الملموسة في عالم الكون كيف برزت في عالم الوجود؟.

أ من ناحية الصدفة، و هي أقل شأنا من أن تبدع أنظمة يكون قسم منها في خدمة القسم الآخر، و هي عاجزة عن إيجاد فرد بهذا الشكل الدقيق فكيف بهذه المجموعة الكبيرة ؟.

أم من ناحية «خاصية المادة» التي ربما يلتجئ إليها بعض الماديين.

و هي أيضا أعجز عن القيام بالتفسير. فإنّ «فرضيّة الخاصية» تهدف إلى أنّ لكل خلية، أو لكل ذرة من الذرات أثرا خاصا ينتهي إلى موجود خاص و هو ذو نظام. و أمّا كون أنظمة كبيرة في خدمة أنظمة مثلها فلا يمكن أن يفسر

ص: 47

بخاصية المادة، فإن هذا أثر المجموع لا أثر كل جزء من أجزاء المادة.

و لنأتي بمثال: لا شك أنّ لتكون المرأة و الأجهزة التي خلقت بها عللا مادية تظهرها على صفحة الوجود، فلها مع ثدييها و الخصوصيات الحافّة بها و اللبن الذي يتكون في صدرها عللا مادية تنتهي إلى تلك الظواهر.

كما أنّ لتكون الطفل في رحمها و ولادته على نحو يتناسب و الخصوصيات القائمة بها و تكونه بفم خاص و مجاري تغذية خاصة تعتمد على اللبن فقط، إنّ لكل ذلك عللا مادية لا تنكر.

إلا أنّ هناك أمرا ثالثا و هو كون المرأة بأجهزتها الماديّة في خدمة الظاهرة الثّانية بعامة أجهزتها بحيث لو لا الأولى لما كان للثانية مجال العيش و إدامة الحياة. فعندئذ نسأل عن هذه الكيفية التي سميناها بنظام الخدمة، هي وليدة أية علة ؟ هل الصدفة جعلت الأولى وسيلة للثانية، و هي عاجزة عن إيجادها بهذه الكمية الهائلة، و لو صح التفسير بها لصح في مولود أو مولودين لا في هذه المواليد غير المتناهية و غير المعدودة، إلاّ بالأرقام النجومية.

أو من ناحية خاصية المادة و هو إذن عقيم، لأن فرضية الخاصية، على فرض صحتها، تهدف إلى تفسير النظام الجزئي بخاصية المادة، و أمّا تفسير الكمية من النّظم التي يقع بعضها في خدمة البعض بخاصية المادة فهو مما لا تفي به تلك الفرضية، و لا يقول به أصحابها، و الانسجام و التخادم مما لا يمكن أن يكون أثرا لخلية واحدة أو نحوها.

إنّ العقل في هذا الموقف يقضي بوجه بات بأنّ هذا النظام و هذه الخصوصية وليدة مبدع عالم قادر قد نسّق هذه النّظم بأطروحة علمية، و خريطة خاصة جعلت الظاهرة الأولى ذريعة للثانية، و أوجد الأولى قبل أن

ص: 48

يبدع الثانية بزمن، و هذا ما نسميه بالهادفية، و أنّ الخلقة غير منفكّة عن الهدف، كما أنّ القول به لا ينفك عن إشراف مبدع عالم قادر على الكون و هو الذي يتبناه الإلهيون باسم إله العالم.

و بعبارة واضحة نرى أنّ يد القدرة و الإبداع قد هيّأت قبل ولادة الطفل بأعوام، أجهزة كثيرة يتوقف عليها عيش الطفل و حياته في مسيرة الحياة، و تداركت ما يتوقف عليه حياة الطفل في أوليات عمره بوجه بديع، و هذا أوضح دليل على أنّ الكون لا يخلو من هدف، و أنّ مبدعه كان هادفا. و هو لا ينفك عن تدخل الشعور، و رفض الصدفة عن قاموس تفسير الكون و تحليله.

و كم ترى من نظائر بارزة و أمثلة رائعة لهذا النوع من الهادفية في صفحة الكون طوينا عنها الكلام.

ص: 49

ص: 50

برهان النّظم بتقرير رابع

برهان حساب الاحتمالات في نشأة الحياة

و يمكن تقرير برهان النّظم بصورة رابعة و ليست هي دليلا مستقلا و إنما هو اختلاف في التقرير، فروح البرهان واحدة، و صور التقرير مختلفة، و هذا التقرير ما نسميه ب «برهان حساب الاحتمالات في نشأة الحياة».

الحياة رهن قيود و شروط

إنّ تكوّن الحياة فوق الأرض نتيجة اجتماع شروط عديدة يكون كل شرط منها بمثابة جزء علّة لوجود ظاهرة الحياة، و تكون ظاهرة الحياة مستحيلة بفقدان واحد منها فضلا عن كثير منها أو جميعها، و هذه الشروط منها ما يرتبط بالفلك، و منها ما يرتبط بالهواء المحيط و الغازات، و منها ما يرتبط بالأرض و ما فيها من نبات و حيوان و جماد. و قد تكفلت العلوم الطبيعية بتبيين تلك الشروط و نحن في غنى عن سردها، غير أنّا نقول: إنّ هذه الشروط من الكثرة إلى درجة يكون احتمال اجتماعها بالترتيب و النسق الذي يؤدي إلى استقرار ظاهرة الحياة عن طريق الصدفة، احتمالا في مقابل ما لا يحصى من الاحتمالات، و يكون الاحتمال في الضالّة على وجه لا يعتمد عليه. مثلا إنّ تحقق الحياة يحتاج إلى عوامل و أسباب نشير إلى أقل القليل منها:

ص: 51

1 - يحيط بالأرض التي نعيش على متنها غلاف سميك من الغازات يسمى بالغلاف الجوي يبلغ سمكة ثمانمائة كيلومتر و هو بمثابة مظلة واقية تصون الكرة الأرضية من التعرض لخطر النيازك التي تنفصل يوميا من الكواكب و تتناثر في الفضاء منذ ما يقرب من عشرين مليونا من السنين و لو لا هذا الغلاف لسقطت على كل بقعة من الأرض ملايين النيازك المحرقة.

2 - الأرض تبعد عن الشمس مسافة 93 مليون ميلا، و لأجل ذلك تكون الحرارة التي تصل إليها من الشمس بمقدار يلائم الحياة، و يتناسب مع متطلباتها، فلو زادت المسافة بين الشمس و الأرض على المقدار الحالي إلى الضعف مثلا لنقصت كمية الحرارة التي تتلقاها من الشمس، و لو نقصت هذه المسافة إلى النصف لبلغت الحرارة التي تتلقاها الأرض الضعف، و في كلتا الصورتين تصير الحياة غير ممكنة.

3 - إنّ الهواء الذي نستنشقه مزيج من غازات شتى منها النيتروجين 78% و الأوكسجين 21%، فلو تغير المقدار و صارت نسبة الأوكسجين في الهواء 50% لتبدلت جميع المواد القابلة للاشتعال إلى مواد محترقة، و لبلغ الأمر إلى درجة لو أصابت شرارة غابة، لأحرقت جميع ما فيها دون أن تترك غصنا يابسا، و لو تضاءلت نسبة الأوكسجين في الهواء و بلغت 10% لفقدنا أكثر العناصر التي تقوم عليها حضارتنا اليوم.

هذه نماذج من الشروط العديدة التي يتوقف عليها إمكان الحياة في هذه الكرة، و هي إلى درجة من الكثرة تكاد لا تعد فيها و لا تحصى. و على هذا الأساس نرجع إلى صلب الموضوع فنقول: إنّ لظهور الحياة على وجه البسيطة عوامل ضرورية لا بدّ منها فإذا ما فقدت عاملا من عواملها اللامتناهية انعدمت الحياة و استحال على الكائنات الحية استمرارها.

و على ذلك فإنّ فرض توفر هذه الشروط اللازمة المتناسقة، بانفجار المادة العمياء بنحو الصدفة، احتمال ضئيل لا يعتمد عليه، لأن المادة

ص: 52

الأولى عند انفجارها كانت تستطيع أن تظهر بما لا يحصى من الصور المختلفة التي لا تستقر فيها الحياة إلاّ بصورة خاصة أو بحالة واحدة، فعندئذ يتساءل كيف تفجّرت المادة الأولى بلا دخالة شعور و عقل واسع إلى هذه الصورة الخاصة التي تمكّن الحياة من الاستقرار.

فلنأخذ من جميع الظواهر الحيوية حشرة صغيرة بما تحويه من ملايين العناصر المختلفة و قد ركبت بنسبها المعينة الخاصة. فبوسع المادة الأولى أن تظهر بأشكال مختلفة غير صالحة لحياة الحشرة، و إنّما الصالحة لها واحدة منها. و عندئذ نتساءل: كيف استطاعت المادة الأولى عن طريق «الصدفة»، من بين الصور الكثيرة، الخضوع لصورة واحدة صالحة لحياتها؟! و هذا البرهان هو البرهان المعروف في العلوم الرياضية بحساب الاحتمالات، و على توضيحه نأتي بمثال:

نفترض أنّ شخصا بصيرا جالسا وراء آلة طابعة و يحاول بالضغط على الأزرار، و عددها مائة بما فيها الحروف الصغيرة و الكبيرة، أن يحرر قصيدة لشاعر معروف كقصيدة لبيد التي يقول فيها:

ألا كلّ شيء ما خلا اللّه باطل *** و كلّ نعيم لا محالة زائل

فاحتمال أنّ الضربة الأولى أصابت صدفة الحرف الأول من هذه القصيدة (أ)، و الضربة الثانية أصابت كذلك الحرف الثاني منها (لا)، و الضربة الثالثة أصابت صدفة الحرف الثالث منها (ك)، و هلم جرّا... هو احتمال في مقابل احتمالات كثيرة لا يمكن بيانها بالأرقام الرياضية المقروءة.

و إن أردت تحصيل ذلك الرقم الرياضي فعليك أن تضرب عدد حروف الآلة الطابعة في نفسها بقدر عدد حروف القصيدة المراد تحريرها، فلو كانت حروف الآلة الطابعة مائة، و عدد حروف البيت من القصيدة (38) فسوف يكون عدد الاحتمالات واحد أمامه (76) من الأصفار.

ص: 53

و لو أضفنا إلى البيت الأول بيتا آخر، فإنّ احتمال تحرير هذين البيتين على يد صاحبنا الأعمى صدفة، سيصل إلى عدد يقرب من الصفر.

و يستحيل على المفكر أن يتقبل هذا الاحتمال الضئيل - الذي هو المناسب لتحقق المراد - من بين تلك الاحتمالات و الفرضيات الهائلة. و كل من يرى البيتين و قد حرّرا بالآلة الطابعة و بصورة صحيحة، يقطع بحكمة و علم محررها. و لم تكن لتحدث عن طريق الصدفة العمياء.

هذا بالنسبة إلى قصيدة فكيف بالكون و الحياة الناشئين من اجتماع ملايين الملايين من الشرائط و العوامل بنسب معينة في غاية الإتقان و الدّقة، فهل يصح لعاقل أن يتفوه بأنّ هذه الشرائط للحياة تواجدت عند انفجار المادة الأولى و تحققت صدفة من بين هذه الاحتمالات الكثيرة. و يعد الاعتماد على هذا الاحتمال، رياضيا، اعتمادا على صفر، و في ذلك يقول العلامة (كريسي موريسن):

«إنّ حجم الكرة الأرضية و بعدها عن الشمس، و درجة الحرارة في الشمس، و أشعتها الباعثة للحياة، و سمك قشرة الأرض، و كمية الماء، و مقدار ثاني أوكسيد الكاربون، و حجم النيتروجين، و ظهور الإنسان و بقاءه على قيد الحياة كل هذه الأمور تدل على خروج النظام من الفوضى (أي إنّه نظام لا فوضى)، و على التصميم و القصد. كما تدل على أنه - طبقا للقوانين الحسابية الصارمة - ما كان يمكن حدوث كل ذلك مصادفة في وقت واحد على كوكب واحد مرة في بليون مرة. كان يمكن أن يحدث هكذا، و لكن لم يحدث هذا بالتأكيد»(1).

و تقرير هذا البرهان و هذه الصورة الرياضية، يدل على أنّ برهان النّظم يتماشى مع جميع العصور، و يناسب جميع العقول و المستويات، و لان.

ص: 54


1- العلم يدعو للإيمان - كريسى موريسن.

ينحصر تقريره بصورة واحدة. و بهذا يعلم سر تركيز القرآن على ذاك البرهان، و في الآية التالية إشارات إليه. قال سبحانه: إِنَّ فِي خَلْقِ اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضِ وَ اِخْتِلاٰفِ اَللَّيْلِ وَ اَلنَّهٰارِ وَ اَلْفُلْكِ اَلَّتِي تَجْرِي فِي اَلْبَحْرِ بِمٰا يَنْفَعُ اَلنّٰاسَ وَ مٰا أَنْزَلَ اَللّٰهُ مِنَ اَلسَّمٰاءِ مِنْ مٰاءٍ فَأَحْيٰا بِهِ اَلْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهٰا وَ بَثَّ فِيهٰا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَ تَصْرِيفِ اَلرِّيٰاحِ وَ اَلسَّحٰابِ اَلْمُسَخَّرِ بَيْنَ اَلسَّمٰاءِ وَ اَلْأَرْضِ لَآيٰاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (1).

***

إشكال على برهان النّظم:
اشارة

اعترض الفيلسوف الإنكليزي ديفيد هيوم(2) على برهان النّظم بما حاصله: أنّ أساس برهان النّظم - كما توهمه هيوم و فلاسفة الغرب - قائم على أنّنا شاهدنا أنّ جميع المصنوعات البشرية المنظّمة لا تخلو من صانع ماهر، فالبيت لا ينشأ بلا بنّاء، و السفينة لا توجد بلا عمال، فلا بدّ للكون المنظّم من صانع خالق أيضا لشباهته بتلك المصنوعات البشرية.

ثم انتقد هذا الاستدلال بأنّه مبني على التّشابه بين الكائنات الطبيعية، و المصنوعات البشرية. و لكن هذا التشابه بمجرده لا يكفي لسحب و تعدية حكم أحدهما إلى الآخر لاختلافهما، فإنّ مصنوعات البشر موجود صناعي بينما الكون موجود طبيعي فهما صنفان لا تسانخ بينهما، فكيف يمكن أن نستكشف من أحدهما حكم الآخر؟ و صحيح أنّنا جرّبنا مصنوعات البشر فوجدناها لا توجد إلا بصانع

ص: 55


1- سورة البقرة الآية 164.
2- و هو اسكتلندي المولد، ولد عام 1711 م و توفي عام 1776 م. و كان يعد من أكبر الفلاسفة المشككين، و قد أورد هذا الإشكال في كتابه المسمى ب «المحاورات» و هو مؤلف على شكل حوار بين شخصين افتراضيين أحدهما يمثل مشككا في برهان النّظم باسم «فيلون» و الآخر يمثل المدافع عنه باسم «كلثانتس».

عاقل، و لكننا لم نجرّب ذلك في الكون، فإنّ الكون لم يتكرر وجوده حتى يقف الإنسان على كيفية خلقه و إيجاده، بل واجهه لأول مرة، و بهذا لا يمكن أن يثبت له علّة خالقة على غرار مصنوعات البشر إلا إذا جرّبه من قبل عشرات المرات، و شهد عملية الخلق و التكوّن كما شاهد ذلك و جرّبه في المصنوعات البشرية، حتى يقف على أنّ الكون بما فيه من النّظام لا يمكن أن يوجد من دون خالق عليم و صانع خبير. هذا هو محصل إشكاله أوردناه بغاية الوضوح.

إنّ ما ذكره من الإشكال ينم عن فهم ساذج و سطحي للغاية لبرهان النّظم، و يعرب عن فقدان الغرب لمدرسة فلسفية متكاملة تدرك و تستوعب برهان النّظم بصورته الصحيحة، فإنّ هذا البرهان لا يرتبط أبدا بالتشابه و التمثيل و التجربة، و إنّما هو برهان عقلي تام، يحكم العقل فيه بعد ملاحظة طبيعة النظام و ماهيته بأنّه صادر من فاعل عاقل و خالق قدير.

توضيح ما ذكرناه أنّ برهان النّظم ليس مبنيا على التشابه بين مصنوعات البشر و الموجود الطبيعي كما جاء في اعتراض «هيوم»، حتى يقال بالفرق بين الصنفين، و يقال هذا صناعي و ذاك طبيعي، و لا يمكن إسراء حكم الأول إلى الثاني.

و لا على التماثل - الذي هو الملاك في التجربة - حتى يقال إنّا جربنا ذلك في المصنوعات البشرية و لم نجرّبه في الكون لعدم تكرر وقوعه و عدم وقوفنا على تواجده مرارا، فلا يصح سحب حكم الأول على الثاني و تعديته إليه.

و إنّما هو قائم على ملاحظة العقل للنّظم و التناسق و الانضباط بين أجزاء الوجود، فيحكم بما هو هو، من دون دخالة لأية تجربة و مشابهة، بأنّ موجد النّظم لا محالة يكون موجودا ذا عقل و شعور، و إليك البيان:

ص: 56

إنّ برهان النّظم مركّب من مقدمتين، إحداهما حسّية و الأخرى عقليّة و دور الحسّ ينحصر في إثبات الموضوع، أي وجود النظام في الكون و السنن السائدة عليه، و أمّا دور العقل فهو يرجع إلى أنّ هذا النّظام بالكيفيّة و الكميّة المحددة، لا يمكن أن يكون نتيجة الصّدفة أو أيّ عامل فاقد للشعور.

أمّا الصغرى، فلا تحتاج إلى البيان. فإنّ جميع العلوم الطبيعيّة متكفلة ببيان النّظم البديعة السائدة على العالم من الذرة إلى المجرة، و إنّما المهم هو بيان الكبرى، و هي قضاء العقل بأنه وليد دخالة عقل كبير في حدوثه من دون استعانة في حكمه بمسألة التشابه أو التجربة. بل يستقل به مجردا عن كل ذلك فنقول:

1 - الارتباط المنطقي بين النظام و دخالة الشعور

إنّ العقل يحكم بوجود رابطة منطقية بين النظم و دخالة الشعور، و ذلك لأنّ النظم ليس في الحقيقة إلاّ أمور ثلاثة:

1 - الترابط بين أجزاء متنوعة مختلفة من حيث الكمية و الكيفية.

2 - ترتيبها و تنسيقها بنحو يمكن التعاون و التفاعل فيما بينها.

3 - الهادفية إلى غاية مطلوبة و متوخاة من ذلك الجهاز المنظم و النظام بهذا المعنى موجود في كل أجزاء الكون من ذرته إلى مجرته، فإذا نظر العقل في كل جوانب الكون ابتداء من الذرة و مرورا بالإنسان و الحيوان و النبات و انتهاء بالنجوم و الكواكب و المجرّات و رأى فيها أجزاء مختلفة في الكمية و الكيفية أوّلا، و منسقة و مرتبة بنحو خاص ثانيا، و رأى كيف يتحقق بذلك الهدف المنشود من وجودها ثالثا، حكم من فوره بأنّ ذلك لا يمكن أن يصدر إلاّ من فاعل عاقل، و خالق هادف شاعر، يوجد الأجزاء المختلفة كمّا و كيفا، و يرتبها و ينسّقها بحيث يمكن أن تتفاعل فيما بينها و تتعاون لتحقيق الهدف المطلوب من وجودها.

ص: 57

و هذا الحكم الذي يصدره العقل لا يستند إلى شيء غير النظر إلى ماهية النظام و طبيعته الآبية للتحقق بلا فاعل عاقل مدبر. و هو يستند لا إلى التشابه و لا إلى التجربة كما تخيل (هيوم) و أضرابه.

إنّ ملاحظة العقل لما في جهاز العين أو الأذن أو المخ أو القلب أو الخلية من النظام، بمعنى وجود أجزاء مختلفة كمّا و كيفا، أولا، و تناسقها بشكل يمكنها من التفاعل فيما بينها ثانيا، و تحقيق الهدف الخاص منها ثالثا، يدفع العقل إلى الحكم بأنها من فعل خالق عليم، لاحتياجها إلى دخالة شعور و عقل و هادفية و قصد.

و بهذا تبين أنّ بين الجهاز المنظّم، و دخالة العقل و الشعور رابطة منطقية. و إن شئت قلت: إنّ ماهية نفس النظام بمقوّماته الثلاثة (الترابط، و التناسق، و الهادفية) تنادي بلسانها التكويني: إنّ النظام مخلوق عقل واسع و شعور كبير.

2 - تقرير الرابطة المنطقية بين النظام و دخالة الشعور بشكل آخر

إنّ العقل عند ما يرى اجتماع ملايين الشرائط اللازمة لاستقرار الحياة على الأرض بحيث لو فقد بعضها لاختلت الحياة، أو عند ما يرى اجتماع آلاف الأجزاء و العناصر اللازمة للإبصار، في العين، بحيث لو فقد جزء واحد أو تقدم أو تأخر عن مكانه المعين لاختلت عملية الرؤية و استحال الإبصار، يحكم أنّ هناك عقلا جبارا أرسى مثل هذا النظام، و أوجد مثل هذا التنسيق و الانسجام و الترتيب و التوفيق، و يحكم بدخالة الشعور في ذلك و نفي حصوله بالصدفة و الاتفاق، لأنّ اجتماعها عن طريق الصدفة كما يمكن أن يكون بهذه الصورة المناسبة كذلك يمكنه أن يكون بما لا يعدّ و لا يحصى من الصور و الكيفيات الأخرى غير المناسبة، و حينئذ يكون احتمال استقرار هذه الصورة من بين تلكم الصور الهائلة، احتمالا ضعيفا جدا يكاد يبلغ الصفر الرياضي في ضالته، و هو ما لا يذهب إليه الإنسان العادي فضلا عن العاقل المحاسب.

ص: 58

أجل، إنّ هذه المحاسبة الرياضيّة التي يجريها العقل إذا هو شاهد النظام السائد في الكون، تدفعه إلى الحكم بأنّ هناك علة عاقلة اختارت هذه الصورة من بين تلك الصور الهائلة بقصد و إرادة، و جمعت تلك الشرائط اللازمة بهذا الشكل المناسب للحياة(1).

و بهذا يبقى برهان النظم قويا صامدا سليما عن أيّ نقد و لا يرتبط بشيء من التمثيل أو التجربة كما تصور «هيوم»، و إنما هو حكم العقل وحده ينتهي إليه عن طريق ملاحظة نفس ماهية النظام من دون تنظيرها بشيء، و بهذا يتساوى الموجود الطبيعي و المصنوع البشري. فالعقل إذا رفض الإذعان بأنّ الساعة وجدت بلا صانع أو أنّ السيارة وجدت بلا علة، فإنما هو لأجل ملاحظة نفس الظاهرة (الساعة و السيارة) حيث يرى أنّها تحققت بعد ما لم تكن، فبحكم من فوره بأنّ لها موجدا. و ليس هذا الحكم إلاّ لأجل الارتباط المنطقي بين وجود الشيء بعد عدمه، و لزوم وجود فاعل له، و إن شئت قلت لأجل قانون العلية و المعلولية الذي يعترف به العقل في جميع المجالات.

كما أنّ حكم العقل في المقام بأنّ الموجود المنظم مخلوق عقل كبير، ناشئ من الارتباط المنطقي بين النظام و دخالة الشعور، أو استحالة ظهور النظام صدفة للمحاسبة الرياضية التي مرّت، لا لأنّ العقل مثل أو جرّب فتوصل إلى هذه النتيجة.

و حصيلة الكلام: إنّ طبيعة النظام و ماهيته في الأشياء التي نراها تنادي بلسان تكوينها أنّها صادرة عن فاعل شاعر و خالق عاقل، و هذا هو الذي يجعل العقل يذعن بوجود مثل هذا الخالق وراء النظام الكوني، من دون النّظر إلى شيء آخر(2).).

ص: 59


1- راجع التقرير الرابع لبرهان النّظم، فقد أشرنا فيه إلى ما هاهنا مفصّلا.
2- إنّ الأسئلة المتوجهة إلى برهان النّظم لا تنحصر بما ذكرناه، و إن كان هو أقواها. و قد ذكر الأستاذ (دام ظله) جميع الإشكالات المطروحة حول هذا البرهان و تربو على السبع، و أجاب عنها في كتاب «اللّه خالق الكون» فمن أراد التوسع فيها فليرجع إلى الصفحات التالية منه: (220 إلى 279).

ص: 60

البرهان الثاني برهان الإمكان

اشارة

و توضيحه يتوقف على بيان أمور:

الأمر الأول: تقسيم المعقول إلى الواجب و الممكن و الممتنع.

إنّ كل معقول في الذهن إذا نسبنا إليه الوجود و التحقق، فإما أن يصحّ اتصافه به لذاته أو لا.

الثاني هو ممتنع الوجود كاجتماع النقيضين.

و الأول: إما أن يقتضي وجوب اتصافه به لذاته أو لا. و الأول هو واجب الوجود لذاته.

و الثاني، هو ممكن الوجود لذاته، أعني به ما تكون نسبة كل من الوجود و العدم إليه متساوية.

و بعبارة أخرى: إذا تصورنا شيئا، فإما أن يكون على وجه لا يقبل الوجود الخارجي عند العقل أو يقبله. و الأول هو الممتنع بالذات كاجتماع النقيضين و ارتفاعها، و اجتماع الضدين، و وجود المعلول بلا علة.

و الثاني، إما أن يستدعي من صميم ذاته ضرورة وجوده و لزوم تحققه

ص: 61

في الخارج، فهذا هو الواجب لذاته. و إما أن يكون متساوي النسبة إلى الوجود و العدم فلا يستدعي أحدهما أبدا، و لأجل ذلك قد يكون موجودا و قد يكون معدوما، و هو الممكن لذاته، كأفراد الإنسان و غيره.

و هذا التقسيم، دائر بين الإيجاب و السلب و لا شق رابع له، و لا يمكن أن يتصور معقول لا يكون داخلا تحت هذه الأقسام الثلاثة.

الأمر الثاني: وجود الممكن رهن علّته.

إنّ الواجب لذاته بما أنّه يقتضي الوجود من صميم ذاته، لا يتوقف وجوده على وجود علة توجده لاستغنائه عنها. كما أنّ الممتنع حيث يستدعي من صميم ذاته عدم وجوده فلا يحتاج في الاتصاف بالعدم إلى علة. و لأجل ذلك قالوا إنّ واجب الوجود في وجوده، و ممتنع الوجود في عدمه، مستغنيان عن العلة، لأن مناط الحاجة إلى العلة هو الفقر و الفاقة، و الواجب، واجب الوجود لذاته. و الممتنع، ممتنع الوجود لذاته. و ما هو كذلك لا حاجة له في الاتصاف بأحدهما إلى علة. فالأول يملك الوجود لذاته، و الثاني يتّصف بالعدم من صميم الذات و أما الممكن فبما أنّ مثله إلى الوجود و العدم كمثل مركز الدائرة إلى محيطها لا ترجيح لواحد منهما على الآخر، فهو في كلّ من الاتصافين يحتاج إلى علة تخرجه من حالة التساوي و تجرّه إما إلى جانب الوجود أو جانب العدم.

نعم، يجب أن تكون علة الوجود أمرا متحققا في الخارج، و أما علة العدم فيكفي فيها عدم العلة. مثلا: إنّ طرد الجهل عن الإنسان الأميّ و إحلال العلم مكانه، يتوقّف على مبادي وجودية، و أما بقاؤه على الجهل و عدم العلم فيكفى فيه عدم تلك المبادي.

الأمر الثالث: في بيان الدور و التسلسل و بطلانهما.

ص: 62

الدور عبارة عن كون الشيء موجدا لشيء ثان، و في الوقت نفسه يكون الشّيء الثاني موجدا لذاك الشيء الأول. و هذا باطل لأنّ مقتضى كون الأول علة للثاني، تقدّمه عليه و تأخّر الثاني عنه: و مقتضى كون الثاني علة للأول تقدّم الثاني عليه. فينتج كون الشيء الواحد، في حالة واحدة، و بالنسبة إلى شيء واحد، متقدّما و غير متقدّم، و متأخرا و غير متأخر. و هذا هو الجمع بين النقيضين، و بطلانه كارتفاعهما من الضروريات البديهية.

فينتج أنّ الدّور و ما يستلزمه محال.

و لتوضيح الحال نمثل بمثال: إذا اتفق صديقان على إمضاء وثيقة و اشترط كلّ واحد منهما لإمضائها، إمضاء الآخر، فتكون النتيجة توقّف إمضاء كلّ على إمضاء الآخر. و عند ذلك لن تكون تلك الورقة ممضاة إلى يوم القيامة، لما ذكرنا من المحذور.

و هاك مثالا آخر: لو أراد رجلان التعاون على حمل متاع، غير أنّ كلاّ يشترط في إقدامه على حمله إقدام الآخر. فلن يحمل المتاع إلى مكانه أبدا.

و أما التسلسل فهو عبارة عن اجتماع سلسلة من العلل و المعاليل الممكنة، مترتبة غير متناهية، و يكون الكل متّسما بوصف الإمكان بأن يتوقف (أ) على (ب)، و الثاني على (ج)، و الثالث على رابع، و هكذا دواليك تتسلسل العلل و المعاليل من دون أن تنتهي إلى نقطة.

و باختصار: حقيقة التسلسل لا تخرج عن حدود ترتّب علل و معاليل، تكون متناهية من جانب - أعني آخرها - و غير متناهية من جانب آخر، أعني أوّلها. و على ذلك، يتسم الجزء الأخير بوصف المعلولية فقط بخلاف سائر الأجزاء، فإنّ كلا منها مع كونه معلولا لما فوقه، علة لما دونه، فالمعلولية وصف مشترك بين الجميع، سائدة على السلسلة و على أجزائها كلها بخلاف

ص: 63

العلية فهي غير صادقة على الجزء الأخير. هذا واقع التسلسل و أما بيان بطلانه:

إنّ المعلولية كما هي وصف عام لكل جزء من أجزاء السلسلة، وصف لنفس السلسلة أيضا. و كما أنّ كلّ واحدة من الحلقات معلولة، فهكذا مجموعها الذي نعبّر عنه بسلسلة المعاليل المترتبة، أيضا معلول. فعندئذ يطرح هذا السؤال نفسه: إذا كانت السلسلة الهائلة معلولة، فما هي العلة التي أخرجتها من كتم العدم إلى عالم الوجود، و من الظّلمة إلى عالم النور؟ مع أنّ حاجة المعلول إلى العلّة أمر بديهي. و قانون العليّة من القوانين الثابتة لا ينكره إلاّ الغبي أو المجادل في الأمور البديهية، هذا من جانب. و من جانب آخر إنّ السلسلة لم تقف و لن تقف عند حدّ حتى يكون أول السلسلة علّة غير معلول، بل هي تسير و تمتد بلا توقف عند نقطة خاصة. و على هذين الأمرين تتسم السلسلة بسمة المعلولية من دون أن يكون فيها شيء يتّسم بسمة العليّة فقط. و عندئذ يعود السؤال: ما هي العلة المحققة لهذه السلسلة المعلولة، المخرجة لها عن كتم العدم إلى حيّز الوجود؟ و لك إجراء هذا البيان في كل واحدة من حلقات السلسلة، كما أجري في نفس السلسلة بعينها و تقول: إذا كان كل واحد من أجزاء السلسلة معلولا و متّسما بسمة المعلولية، فيطرح هذا السؤال نفسه: ما هي العلة التي أخرجت كلّ واحدة من هذه الأجزاء الهائلة الموصوفة بوصف المعلولية، من حيّز العدم إلى عالم الوجود.

و إذا كانت المعلولية آية الفقر و علامة الحاجة إلى العلة، فما تلك العلة التي نفضت غبار الفقر عن وجه هذه الحلقات و البستها لباس الوجود و التحقّق و صيّرتها غنية بالغير؟.

ص: 64

إنّ معلولية الأجزاء التي لا تنفك عن معلولية السلسلة آية التعلق بالعلة، و علامة التدلي بالغير، و سمة القيام به. فما هي تلك العلة التي تتعلق بها الأجزاء؟ و ما ذاك الغير الذي تتعلق به السلسلة ؟ و أنت إذا سألت كل حلقة عن حالها لإجابتك بلسانها التكويني بأنها مفتقرة في وجودها، متعلقة في جميع شئونها بالعلة التي أوجدتها. فإذا كان هذا حال كل واحدة من هذه الحلقات، كان هذا أيضا حال السلسلة برمّتها.

و عندئذ نخرج بهذه النتيجة: إنّ كلّ واحدة من أجزاء السلسلة معلولة، و المركب من المعاليل (السلسلة) أيضا معلول. و المعلول لا ينفك عن العلّة، و المفروض أنّه ليس هنا شيء يكون علّة و لا يكون معلولا و إلاّ يلزم انقطاع السلسلة و توقفها عند نقطة خاصة قائمة بنفسها أعني ما يكون علة و لا يكون معلولا، و هذا خلف.

فإن قلت: إنّ كلّ معلول من السلسلة متقوّم بالعلّة التي تتقدمه، و متعلق بها، فالجزء الأول من آخر السلسلة وجد بالجزء الثاني، و الثاني بالثالث، و هكذا إلى ما شاء اللّه من الأجزاء غير المتناهية و الحلقات غير المحدودة. و هذا المقدار من التعلّق يكفي في رفع الفقر و الحاجة.

قلت: إنّ كل معلول، و إن كان يستند إلى علة تتقدمه و يستمد منها وجوده، و لكن لما كانت العلل في جميع المراحل متسمة بسمة المعلولية كانت مفتقرات بالذات، و مثل هذا لا يوجد معلوله بالاستقلال، و لا ينفض غبار الفقر عن وجهه بالأصالة، إذ ليس لهذه العلل في جميع الحلقات دور الإفاضة بالأصالة و دور الإيجاد بالاستقلال بل دور مثل هذه العلل دور الوسيط و الأخذ من العلة المتقدمة و الدفع إلى معلوله، و هكذا كل حلقة نتصورها علة لما بعدها. فهي عند ذاك لا تملك شيئا بذاتها و إنما تملك ما تملكه من طرف العلة التي تتقدمها و مثلها حال العلل الأخرى من دون استثناء في ذلك. و مثل هذا لا يصيّر السلسلة و لا أجزاءها غنية بالذات بل تبقى على ما

ص: 65

وصفناها به من كونها مفتقرات بالذات و متعلقات بالغير. فلا بدّ أن يكون هناك علة وراء هذه السلسلة ترفع فقرها و تكون سنادا لها.

و بعبارة أخرى: إنّ كلّ حلقة من هذه الحلقات (غير الأخيرة) تحمل سمتين: سمة العلية، و بهذه السمة توجد ما قبلها، و سمة المعلولية و بهذه السمة تعلن أنّها لم تملك ما ملكته و لم تدفع ما دفعته إلى معلولها إلاّ بالاكتساب مما تقدمها من العلّة. و هذا الأمر جار و سائد في كل حلقة و كل جزء يقع في أفق الحس أو الذهن. فإذا تصبح نفس السلسلة و جميع أجزائها تحمل سمة الحاجة و الفقر، و التعلّق و الرّبط بالغير. و مثل تلك السلسلة لا يمكن أن توجد بنفسها إلاّ بالاستناد إلى موجود يحمل سمة واحدة و هي سمة العلية لا غير و يتنزه عن سمة المعلولية. و عند ذاك تنقطع السلسلة و تخرج عن كونها غير متناهية إلى التناهي.

تمثيلان لتقريب امتناع التسلسل

إذا أردت أن تستعين في تقريب الحقائق العقلية بالأمثلة الملموسة فهاك مثالين على ذلك:

الأول: إنّ كل واحدة من هذه المعاليل - التي نشير إليها بالإشارة العقلية و إن لم نقدر على الإشارة إليها عن طريق الحسّ لكونها غير متناهية - بحكم فقرها الذاتي، بمنزلة الصفر. فاجتماع هذه المعاليل بمنزلة اجتماع الأصفار. و من المعلوم أنّ الصّفر بإضافة صفر، بإضافة صفر، صفر مهما تسلسل، و لا ينتج عددا صحيحا. فلأجل ذلك يحكم العقل بأنّه يجب أن يكون إلى جانب هذه الأصفار عددا صحيحا قائما بالنفس حتى يكون مصححا لقراءتها، و لولاه لما كان للأصفار المجتمعة الهائلة أيّ دور في المحاسبة، فلا يقرأ الصفر مهما أضيفت إليه الأصفار.

الثاني: إنّ القضايا المشروطة إذا كانت غير متناهية و غير متوقفة على

ص: 66

قضية مطلقة، لا تخرج إلى عالم الوجود. مثلا إذا كان قيام زيد مشروطا بقيام عمرو، و قيامه مشروطا بقيام بكر، و هكذا دواليك إلى غير النهاية، فلن يتحقق القيام عندئذ من أي واحد منهم أبدا - كما إذا شرط الأول إمضاءه للورقة بإمضاء الثاني، و الثاني بإمضاء ثالث و هكذا، فلن تمضى تلك الورقة إلى الأبد - إلاّ إذا انتهت تلك القضايا إلى قضية مطلقة بأن يكون هناك من يقوم أو يمضي الورقة من دون أن يكون فعله مشروطا بشيء.

فهذه المعاليل المتسلسلة - بما أنّ وجود كلّ منها مشروط بوجود علة تتقدمه - تكون قضايا مشروطة متسلسلة غير متناهية فلا تخرج إلى عالم الوجود ما لم تصل إلى قضية مطلقة، أي إلى موجود يكون علة محضة و لا يكون وجوده مشروطا بوجود علّة أخرى، و عندئذ يكون ما فرضناه متسلسلا غير متسلسل، و ما فرضناه غير متناه متناهيا.

فقد خرجنا بهذه النتيجة و هي أنّ فرض علل و معاليل غير متناهية، فرض محال لاستلزامه وجود المعلول بلا علة. فيكون الصحيح خلافه أي انقطاع السلسلة، إذ لا واسطة بين الإيجاب و السلب(1).

إلى هنا تمت المقدمات التي لها دور في توضيح برهان الإمكان و إليك نفس البرهان.

تقرير برهان الإمكان

لا شك أنّ صفحة الوجود مليئة بالموجودات الإمكانية بدليل أنها توجد

ص: 67


1- إنّ بطلان التسلسل من المسائل المهمة في الفلسفة الإلهية و قد طرحه الفلاسفة في أسفارهم و أثبتوا البطلان بحجج كثيرة تناهز العشر. و لكنّ أكثرها غير مقنع لأنهم استدلوا على البطلان بالبراهين الهندسية التي لا تجري إلا في الامور المتناهية و ما ذكرناه من البرهان، برهان فلسفي محض مقتبس من أصول الحكمة المتعالية التي أسّسها صدر الدين الشيرازي و أرسى قواعدها تلامذة مدرسته و أبرزهم في العصر الأخير سيّدنا الراحل المغفور له العلاّمة الطباطبائي قدس سرّه.

و تنعدم، و تحدث و تفنى، و يطرأ عليها التبدّل و التغيّر، إلى غير ذلك من الحالات التي هي آيات الإمكان و سمات الافتقار.

و هذه الموجودات الإمكانية، الواقعة في أفق الحس إمّا موجودات بلا علة أولها علّة. و على الثاني فالعلّة إمّا ممكنة أو واجبة. ثم العلّة الممكنة إما أن تكون متحققة بمعاليلها (أي الموجودات الإمكانية)، أو بممكن آخر.

فعلى الأول - أي كونها موجودات بلا علة - يلزم نقض قانون العليّة و المعلولية و أنّ كلّ ممكن يحتاج إلى مؤثر. و مثل هذا لو قلنا بأن علّتها نفسها، مضافا إلى أنّ فيه مفسدة الدور.

و على الثاني - أي كونها متحققة بعلّة ممكنة و العلة الممكنة متحققة بهذه الموجودات الإمكانية - يلزم الدور المحال.

و على الثالث - أي تحققها بممكن آخر و هذا الممكن الآخر متحقق بممكن آخر و هكذا - يلزم التسلسل الذي أبطلناه.

و على الرابع - أي كون العلة واجبة - يثبت المطلوب.

فاتضح أنّه لا يصح تفسير النظام الكوني إلاّ بالقول بانتهاء الممكنات إلى الواجب لذاته القائم بنفسه، فهذه الصورة هي الصورة التي يصحّحها العقل و يعدّها خالية عن الإشكال. و أما الصور الباقية فكلها تستلزم المحال، و المستلزم للمحال محال.

فالقول بكونها متحققة بلا علة أو كون علتها نفسها، يدفعه قانون العليّة الذي هو معترف به عند الجميع، كما أنّ القول بكون بعضها متحققا ببعضها الآخر، و ذاك البعض الآخر متحقق بالبعض الأول يستلزم الدور.

و القول بأنّ كلّ ممكن متحقّق بممكن ثان و الثاني بثالث و هكذا يستلزم التسلسل.

ص: 68

فلم يبق إلاّ القول بانتهاء الممكنات إلى الواجب بالذات، القائم بنفسه، المفيض للوجود على غيره.

برهان الإمكان في الذكر الحكيم

إنّ الذكر الحكيم طرح معارفه و أصوله مدعومة بالبراهين الجليّة، و لم يكتف بمجرد الدعوى بلا دليل، فهو كالمعلّم يلقي دروسه على تلاميذه بالبينة و البرهان. فالاستدلال بهذه الآيات ليس كاستدلال الفقيه بها على الفروع، فإنّ الفقيه أثبت أنّ الوحي حجة فأخذ بتفريع الفروع و إقامة الحجّة عليها من الوحي، بل الاستدلال بها في هذا الموقف الذي نحن فيه كالاستدلال بسائر البراهين الموروثة عن الحكماء و المتألهين. و قد أشار سبحانه في الآيات التالية إلى شقوق برهان الإمكان.

فإلى أنّ حقيقة الممكن، حقيقة مفتقرة لا تملك لنفسها وجودا و تحقّقا و لا أيّ شيء آخر، أشار بقوله يٰا أَيُّهَا اَلنّٰاسُ أَنْتُمُ اَلْفُقَرٰاءُ إِلَى اَللّٰهِ وَ اَللّٰهُ هُوَ اَلْغَنِيُّ اَلْحَمِيدُ (1).

و مثله قوله سبحانه: وَ أَنَّهُ هُوَ أَغْنىٰ وَ أَقْنىٰ (2).

و قوله سبحانه: وَ اَللّٰهُ اَلْغَنِيُّ وَ أَنْتُمُ اَلْفُقَرٰاءُ (3).

و إلى أنّ الممكن، و منه الإنسان، لا يتحقق بلا علّة، و لا تكون علّته نفسه، أشار سبحانه بقوله:

أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْ ءٍ أَمْ هُمُ اَلْخٰالِقُونَ (4) .

ص: 69


1- سورة فاطر: الآية 15.
2- سورة النجم: الآية 48.
3- سورة محمد: الآية 38.
4- سورة الطور: الآية 35.

و إلى أنّ الممكن لا يصح أن يكون خالقا لممكن آخر بالأصالة و الاستقلال و من دون الاستناد إلى خالق واجب، أشار سبحانه بقوله: أَمْ خَلَقُوا اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضَ بَلْ لاٰ يُوقِنُونَ (1).

فهذه الآيات و نظائرها تستدل على المعارف العقلية ببراهين واضحة و لا تتركها بلا دليل.(2)

سؤال و جواب

السؤال: إنّ القول بانتهاء الممكنات إلى علة أزلية موجودة بنفسها، غير مخلوقة و لا متحققة بغيرها، يستلزم تخصيص القاعدة العقلية، فإنّ العقل يحكم بأنّ الشيء لا يتحقّق بلا علّة. و الواجب في فرض الإلهيين شيء متحقق بلا علّة، فلزم نقض تلك القاعدة العقلية.

و الجواب على وجوه:

الأول: إنّ هذا السؤال مشترك بين الإلهي و الماديّ ، فكلاهما يعترف بموجود قديم غير متحقق بعلة. فالإلهي يرى ذلك الموجود فوق عالم المادة و الإمكان، و أنّ الممكنات تنتهي إليه. و الماديّ يرى ذلك الموجود، المادة الأولى التي تتحول و تتشكل إلى صور و حالات، فإنها عنده قديمة متحققة بلا علة. فعلى كلّ منهما تجب الإجابة عن هذا السؤال و لا يختص بالإلهي(3).

ص: 70


1- سورة الطور: الآية 36.
2- كما أنّ فيها دلالة واضحة على أنّ التفكّر المنطقيّ مما يتوخّاه القرآن الكريم و يدعو البشرية إليه. و لو كانت الفلسفة بمعنى التفكّر الصحيح و البرهنة المبتنية على المدعى، فقد فتح بابها القرآن الكريم.
3- و العجب أنّ الفيلسوف الإنكليزي «برتراند راسل» زعم اختصاصه بالإلهي و أنّ منهجه يستلزم وجود الشيء بلا علة و قد عرفت خلافه.

الثاني - إنّ القاعدة العقلية تختص بالموجودات الإمكانية و الظواهر المادية فإنها - بما أنّها مسبوقة بالعدم - لا تنفك عن علة تخرجها من كتم العدم إلى عالم الوجود. و لو لا العلة للزم وجود الممكن بلا علة، و هو محال.

و أما الواجب في فرض الإلهيين فهو أزلي قديم غير مسبوق بالعدم.

و ما هذا حاله غني عن العلة لا يتعلق به الجعل و الإيجاد، فإنهما من خصائص الشيء المسبوق بالعدم و لا يعمّان ما لم يسبقه العدم أبدا و كان موجودا في الأزل.

و السائل لم يحلل موضوع القاعدة و زعم أنّ الحاجة إلى العلّة من خصائص الموجود بما هو موجود مع أنّها من خصائص الموجود الممكن المسبوق بالعدم، و الواجب خارج عن موضوع القاعدة خروجا تخصصيا لا تخصيصيا، و الفرق بين الخروجين واضح.

الثالث: إنّ القول بانتهاء الممكنات إلى موجود واجب متحقق بنفسه مقتضى البرهان العقلي الذي يحكم في سائر المجالات. فلا يصح الأخذ بحكمه في مجال دون مجال.

فالعقل الذي يعترف بقانون العليّة و المعلوليّة يحكم بلزوم انتهاء الموجودات إلى موجود واجب. و قد عبّر الحكماء عن هذه القاعدة بقولهم:

«كلّ ما بالعرض لا بدّ أن ينتهي إلى ما بالذات». كما استعانوا في توضيحه بأمثلة كثيرة معروفة في محلها، نحو: إنّ كلّ شيء مضاء بالنور، و النور مضيء بنفسه، و إنّ حلاوة الأغذية الحلوة بالسّكر و السكر حلو بنفسه، إلى غير ذلك من التقريبات العرفية.

ص: 71

خاتمة المطاف

قد تعرفت على مقدّمات برهان الإمكان و أنّ الاستنتاج منه متوقف على امتناع الدور و التسلسل، و لو لا تسليم امتناع هذين الأمرين، لأصبح القياس عقيما و البرهان غير منتج. و الذي نركز عليه هنا هو أنّ كلّ ما استدلّ به على إثبات الصّانع لا يكون منتجا إلاّ إذا ثبت قبله امتناع الدور و التسلسل. و لو لا هذا التسليم لكانت البراهين ناقصة، غير مفيدة.

مثلا: إنّ برهان النظم الذي هو من أوضح البراهين و أعمّها لا يكون منتجا و دالا على أنّ للعالم خالقا واجبا، و أنّ سلسلة الكون منتهية إليه، إلاّ إذا ثبت قبله امتناع الدور و التسلسل. لأنّ النظام البديع آية كونه مخلوقا لعلم وسيع و قدرة فائقة يعجز الإنسان عن وصفهما و تعريفهما. و أما كون ذلك العلم واجبا و تلك القدرة قديمة، فلا يثبت بذلك البرهان. إذ من المحتمل أن يكون خالق النّظام ممكنا مخلوقا لموجود آخر و هكذا، إما أن يدور أو يتسلسل. فإثبات كون النظام و سلسلة العلل و المعاليل متوقفة عند نقطة خاصّة هي واجبة لا ممكنة، غنية لا فقيرة، قائمة بنفسها لا بغيرها، يحتاج إلى تسليم امتناع الدور و التسلسل كما هو واضح، فكأنّ المستدلّ ببرهان النظم أو سائر البراهين أخذ امتناعهما أصلا مسلما عند الاستدلال بها.

ص: 72

البرهان الثالث برهان حدوث المادة

اشارة

إنّ الأصول العلمية أثبتت نفاد الطاقات الموجودة في الكون باستمرار، و توجّهها إلى درجة تنطفئ معها شعلة الحياة و تنتهي بسببه فعالياتها و نشاطاتها(1). و هذا (نفاد الطاقات و انتهاؤها) يدل على أنّ وصف الوجود و التّحقّق للمادة ليس أمرا ذاتيا لها، إذ لو كان الوجود و التحقّق أمرا ذاتيا لها، لزم أن لا يفارقها أزلا و أبدا، فنفادها و زوال هذا الوصف عنها خير دليل على أنّ الوجود أمر عرضي للمادة، غير نابع من صميم ذاتها. و يلزم من ذلك أن

ص: 73


1- أثبت العلم بكل وضوح أنّ هناك انتقالا حراريا مستمرا من الأجسام الحارة إلى الأجسام الباردة و لا يمكن أن يحدث العكس بقوة ذاتية بحيث تعود الحرارة فترتدّ من الأجسام الباردة إلى الأجسام الحارة. و معنى ذلك أن الكون يتجه إلى درجة تتساوى فيها جميع الأجسام و ينضب فيها معين الطاقة. و يومئذ لن تكون هنالك عمليات كيميائية أو طبيعية، و لن يكون هنالك أثر للحياة نفسها في هذا الكون. و لما كانت الحياة لا تزال قائمة، و لا تزال العمليات الكيميائية و الطبيعية تسير في طريقها، فإننا نستطيع أن نستنتج أنّ هذا الكون لا يمكن أن يكون أزليا و إلا لاستهلكت طاقاته منذ زمن بعيد و توقف كلّ نشاط في الوجود. و هكذا توصّلت العلوم دون قصد إلى أنّ لهذا الكون بداية. و باختصار: إنّ قوانين الدّيناميكا الحرارية تدلّ على أنّ مكونات هذا الكون تفقد حرارتها تدريجيا و أنّها سائرة حتما إلى يوم تصير فيه جميع الأجسام تحت درجة من الحرارة البالغة الانخفاض هي الصّفر المطلق. و يومئذ تنعدم الطاقة و تستحيل الحياة.

يكون لوجودها بداية، لأنّ لازم عدم البداية كون هذا الوصف أمرا ذاتيا لها كما هو شأن كلّ ذاتيّ ، و لو كان ذاتيا لها لوجب أن لا يكون لها نهاية، مع أنّ العلم أثبت لها هذه النهاية.

و بعبارة أخرى: إنّ الوجود للمادة المتحولة إلى الطّاقة ليس أمرا ذاتيا لها، و إلاّ لوجب أن لا يفارقها أبدا و أن لا تسير المادة إلى الفناء و انعدام الحياة و الفعالية، و الحال أنّ العلوم الطبيعية اعترفت بأنّ المادة سينتهي سلطانها و تفنى قوّتها و طاقاتها و تموت و تبرد. فالمفارقة في جانب النهاية دليل على عدم كون الوجود ذاتيا للمادة، و كونه غير ذاتيّ يلازم أن يكون لها بداية، و هذا هو ما نقصده من حدوث المادّة.

***

إلى هنا تمّ بيان البراهين الثلاثة، و بقيت هناك براهين أخر طرحها العلماء في الكتب الكلامية نشير إلى عناوينها:

1 - برهان الحركة الذي أبدعه الحكيم أرسطو و أكمله الفيلسوف الإلهي البارع «صدر المتألهين» و هو من أشرف البراهين و أتقنها.

2 - برهان الصديقين و قد ذكره الشيخ الرئيس في (الإشارات).(1)

3 - برهان الوجوب.

4 - البرهان الأسد الأخصر.

5 - برهان الترتّب(2).ر.

ص: 74


1- الإشارات ج 3، ص 18.
2- لاحظ تجريد الاعتقاد، ص 67. و الأسفار، ج 6، ص 36-37. و أيضا ج 2، ص 165 و 166. فمن أراد الوقوف على هذه البراهين فعليه المراجعة إلى ما ذكرنا من المصادر.

بقيت هنا نكات يجب التنبيه عليها:

الأولى - العلة عند الإلهي و العلة عند المادي.

إنّ كلاّ من الإلهي و المادي يستعمل كلمة العلّة و كلّ يريد منه معنى مغايرا لما يريده الآخر.

فالعلّة عند الإلهي هي مفيض الوجود على الاشياء و مخرجها من العدم، و مصيّرها موجودة بعد أن كانت معدومة - فعند ذلك يكون المعلول بمادته و صورته و بجميع شئونه منوطا بها، فالعلة هي التي تعطي المادة وجودها و صورتها و كل شئونها و هي التي - بالتالي - تخرجها من ظلمة العدم إلى حيّز التحقّق.

و للتوضيح نمثل لذلك بالصور الذهنية و النفس الإنسانية. إنّ النفس توجد الصور في الذهن و تكوّنها فيه. نعم، النفس تستعين في خلقها لبعض الصور بأمثلة خارجية محسوسة و لكنها قد تخلق أحيانا صورا في الذهن لا مثيل لها في الخارج كالمفاهيم الكليّة مثل مفهومي الإنسان و الإمكان.

و على ذلك فالعلّة التي يقصدها الإلهي هي ذلك. و بالتالي إنّ الخالق خلق المادة و أفاض عليها صورها و أحاطها بشبكة من النظام البديع الذي لم يكن قبل ذلك قط.

و أما العلة عند المادي فهي الموجد للحركة و التفاعلات في المادة، كالنجار الذي يجمع الأخشاب من هنا و هناك و يضم بعضها إلى بعض بنحو خاص فتصير على هيئة الكرسي، أو كالبنّاء الذي يجمع الأحجار و الطين من هنا و هناك و يرتّبها بهندسة خاصة فتصير جدارا و بناء، أو كالنّار التي توجب غليان الماء و تحوّله إلى بخار.

و ربما يتوسع الماديّ في استعمال كلمة العلّة فيطلقها على نفس المادة المتحولة إلى مادة أخرى كالحطب إلى الرماد، و الوقود إلى الطاقة،

ص: 75

و الكهرباء إلى الضوء و الصوت و الحرارة.

فبذلك علم أنّ بين المصطلحين بونا شاسعا، فأين العلة التي يستعملها الإلهي في مفيض الوجود بمادته و صورته، من العلة التي يستعملها المادي في موجد الحركة في المادة أو في المادة القابلة للتحول إلى شيء آخر!!.

و الذي دعى المادي إلى تفسير العلّة بهذا المعنى هو اعتقاده بقدمها و قدم الطاقات الموجودة فيها و غناها عن موجدها. و هذا بخلاف الإلهي المعتقد لحدوث المادة و سبقها بالعدم، فلها علّة فاعلية مخرجة لها من العدم إلى الوجود.

و إلى ذينك الاصطلاحين أشار الحكيم الإلهي السبزواري بقوله:

معطي الوجود في الإلهي فاعل *** معطي التحرك الطبيعي قائل

نعم ربما يستعمل الإلهي لفظة العلّة في معطي الحركة و موجدها و إن لم يوجد المادة و صورتها، فيقول: إنّ النجار علة للسرير، و النار للإحراق، توسعا في الاصطلاح.

و إلى ما ذكرنا يشير قوله سبحانه: أَ فَرَأَيْتُمْ مٰا تُمْنُونَ * أَ أَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ اَلْخٰالِقُونَ *... أَ فَرَأَيْتُمْ مٰا تَحْرُثُونَ * أَ أَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ اَلزّٰارِعُونَ *... أَ فَرَأَيْتُمُ اَلنّٰارَ اَلَّتِي تُورُونَ * أَ أَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهٰا أَمْ نَحْنُ اَلْمُنْشِؤُنَ (1).

و لا شك أنّ للإنسان دورا في تكوّن الإنسان و الزرع و الشجر، و للّه سبحانه أيضا دورا. و لكنّ دور الإنسان لا يتجاوز كونه فاعلا بالحركة حيث2.

ص: 76


1- سورة الواقعة: الآيات 58، 59، 63، 64، 71، 72.

يلقي النطفة في الرحم و ينثر البذور في الأرض و يغرس الأشجار و يجري الماء عليها، فأين هو من إفاضة الوجود على الإنسان و الزرع.. و الشجرة، مادة و صورة.

الثانية: إنّ في الكتاب الكريم نصوصا على حدوث الكون أرضا و سماء و ما بينهما و ما فيهما.

و الآيات في هذا الشأن كثيرة نشير إلى القليل منها.

قال سبحانه: أَنّٰى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَ لَمْ تَكُنْ لَهُ صٰاحِبَةٌ وَ خَلَقَ كُلَّ شَيْ ءٍ (1).

و قال سبحانه: اَللّٰهُ اَلَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمٰاوٰاتٍ وَ مِنَ اَلْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ ... (2). فصرّح في الآية الأولى بخلق كلّ شيء. و في الآية الثانية بخلق السماء و الأرض، و لكن صرّح في الآيتين التاليتين بخلق كلّ دابة و نفس الإنسان.

قال سبحانه: وَ اَللّٰهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ (3).

و قال سبحانه: هَلْ أَتىٰ عَلَى اَلْإِنْسٰانِ حِينٌ مِنَ اَلدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً (4). إلى غير ذلك من الآيات.

حدوث الكون في الأحاديث

قال الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام في خطبة له:

«الحمد للّه الدالّ على وجوده بخلقه، و بمحدث خلقه على

ص: 77


1- سورة الأنعام: الآية 101.
2- سورة الطلاق: الآية 12.
3- سورة النور: الآية 45.
4- سورة الدهر: الآية 1.

أزليّته»(1).

و قال عليه السلام أيضا:

«الحمد للّه الواحد الأحد الصّمد المتفرد الذي لا من شيء كان، و لا من شيء خلق ما كان»(2).

و قال (عليه السلام): «لم يخلق الأشياء من أصول أزلية، و لا من أوائل كانت قبله أبديّة، بل خلق ما خلقه و أتقن خلقه، و صوّر ما صوّر فأحسن صورته»(3).

و قال (عليه السلام): «لا يجري عليه السّكون و الحركة، و كيف يجري عليه ما هو أجراه و يعود فيه ما هو أبداه و يحدث فيه ما هو أحدثه»(4).

و قال الإمام الحسن بن علي (عليه السلام):

«خلق الخلق فكان بديئا بديعا، ابتدأ ما ابتدع، و ابتدع ما ابتدأ»(5).

إلى هنا تمّ البحث عن أدلة وجود الصّانع و براهينه اللامعة، فحان حين البحث عن أسمائه و صفاته و أفعاله بفضل منه تعالى.5.

ص: 78


1- نهج البلاغة، الخطبة 152.
2- التوحيد للصدوق، ص 41.
3- نهج البلاغة، الخطبة 163.
4- نهج البلاغة، الخطبة 186.
5- التوحيد للصّدوق، ص 46، الحديث 5.

الفصل الثّالث الأسماء و الصّفات

اشارة

ص: 79

ص: 80

أسماؤه و صفاته و أفعاله سبحانه

قد كان متوقعا أن يشكّل الإلهيون صفا واحدا في كل ما يرجع إلى المبدأ و أسمائه و صفاته و أفعاله، إلاّ أنهم اختلفوا فيما بينهم من أبسط المسائل إلى أعمقها. و يرجع أكثر ما يختلفون فيه إلى معرفة أسمائه و صفاته و أفعاله. و الاختلاف في هذه المسائل هو الحجر الأساس لظهور الديانات و المذاهب في المجتمع الإنساني العالمي.

فالثنوية، رغم إقرارهم بوجود الإله الخالق للعالم، يتشعبون إلى عشرات الفرق و الطوائف، و يكفي في ذلك أن نلاحظ الديار الهندية و الصينية التي تتواجد فيها الثنوية أكثر من أيّ مكان آخر.

و لا تقصر عنهم المسيحية، فقد انقسمت هذه الديانة إلى يعقوبية و نسطورية و ملكانية و غيرها من الطوائف.

و أما المسلمون، الذين يشكلون أمة كبيرة من الإلهيين في العالم فقد افترقوا إلى طوائف مختلفة أيضا. و جلّ اختلافهم ناش من اختلافهم في صفات المبدأ و أفعاله.

ص: 81

فها هم أصحاب الحديث من الحشويّة و الحنابلة لهم آراء خاصّة في صفات البارئ و أفعاله يقف عليها كل من نظر في كتب أهل الحديث، لا سيما كتاب «التوحيد» لابن خزيمة، و «السنة» لأحمد بن حنبل و غير ذلك.

و لا يقصر عنهم اختلاف المعتزلة، و هم أصحاب العدل و التوحيد، فقد تشتتوا إلى مذاهب متعددة. فمن واصلية إلى هزيلية، و من نظامية إلى خابطية. إلى غير ذلك من الفرق.

و أمّا الجبرية من المسلمين، فقد تشعبوا إلى جهمية و نجّارية و ضرارية حتى ظهر الشيخ أبو الحسن الأشعري، فجاء بمنهج معدّل بين أهل الحديث و المعتزلة و الجبرية، فعكف العلماء على دراسة عقائده و أفكاره، إلى أن صار مذهبا رسميا لأهل السنة.

فهذه الطوائف لم تختلف غالبا إلاّ في أسمائه و أفعاله و صفاته. و هذا الأمر يعطي لهذا الفصل من العقائد أهمية قصوى، فلا يمكن التهاون فيه و العبور عنه بسهولة و يسر.

الصفات الجماليّة و الجلاليّة الذاتيّة

إنّ صفاته سبحانه تنقسم إلى قسمين: ثبوتية و سلبية، أو جمالية و جلالية.

فإذا كانت الصفة مثبتة لجمال في الموصوف و مشيرة إلى واقعية في ذاته سميت «ثبوتية ذاتيّة» أو «جمالية». و إذا كانت الصفة هادفة إلى نفي نقص و حاجة عنه سبحانه سمت «سلبية» أو «جلالية».

فالعلم و القدرة و الحياة من الصفات الثبوتية المشيرة إلى وجود كمال

ص: 82

و واقعية في الذات الإلهية. و لكن نفي الجسمانية و التحيز و الحركة و التغير من الصفات السلبية الهادفة إلى سلب ما هو نقص عن ساحته سبحانه.

و قد أشار صدر المتألهين إلى أنّ هذين الاصطلاحين «الجمالية» و «الجلاليّة» قريبان مما ورد في الكتاب العزيز. قال سبحانه: تَبٰارَكَ اِسْمُ رَبِّكَ ذِي اَلْجَلاٰلِ وَ اَلْإِكْرٰامِ (1) فصفة الجلال ما جلّت ذاته عن مشابهة الغير، و صفة الإكرام ما تكرمت ذاته بها و تجملت(2). فيوصف بالكمال و ينزّه بالجلال.

إنّ علماء العقائد حصروا الصفات الجمالية في ثمانية و هي: العلم، القدرة، الحياة، السمع، البصر، الإرادة، التكلم، و الغنى. كما حصروا الصفات السلبية في سبع و هي أنّه تعالى ليس بجسم و لا جوهر و لا عرض و أنّه غير مرئي و لا متحيز و لا حال في غيره و لا يتّحد بشيء.

غير أنّ النظر الدقيق يقتضي عدم حصر الصفات في عدد معين، فإنّ الحق أن يقال إنّ الملاك في الصفات الجمالية و الجلالية هو أنّ كل وصف يعد كمالا، فاللّه متصف به. و كل أمر يعتبر نقصا و عجزا فهو منزّه عنه، و ليس علينا أن نحصر الكمالية و الجلالية في عدد معين.

و على ذلك يمكن إرجاع جميع الصفات الثبوتية إلى وصف واحد و الصفات السلبية إلى أمر واحد. و يؤيد ما ذكرناه أنّ الأسماء و الصفات التي وردت في القرآن الكريم تفوق بأضعاف المرات العدد الذي ذكره المتكلمون.

و قد وقع الاختلاف في بعض ما عدّ من الصفات الثّبوتية بأنها هل هي من الصفات الثبوتيّة الذاتية أو الثبوتية الفعلية. كالتكلم و الإرادة، حتى أنّ8.

ص: 83


1- سورة الرحمن: الآية 78.
2- الأسفار، ج 6، ص 118.

بعض ما عدّ من الصفات الذاتية في بعض المناهج، ليس من صفات الذات قطعا ككونه صادقا بل من صفات الفعل. و سيوافيك الفرق بينهما.

صفات الذات و صفات الفعل

قسم المتكلمون صفاته سبحانه إلى صفة الذات و صفة الفعل، و الأول ما يكفي في وصف الذات به، فرض نفس الذات فحسب، كالقدرة و الحياة و العلم.

و الثاني ما يتوقف توصيف الذات به على فرض الغير وراء الذات و هو فعله سبحانه.

فصفات الفعل هي المنتزعة من مقام الفعل، بمعنى أنّ الذات توصف بهذه الصفات عند ملاحظتها مع الفعل، و ذلك كالخلق و الرزق و نظائرهما من الصفات الفعلية الزائدة على الذات بحكم انتزاعها من مقام الفعل. و معنى انتزاعها، أنّا إذ نلاحظ النّعم التي يتنعم بها الناس، و ننسبها إلى اللّه سبحانه، نسميها رزقا رزقه اللّه سبحانه، فهو رزّاق. و مثل ذلك الرحمة و المغفرة فهما يطلقان عليه على الوجه الذي بيّناه.

و هناك تعريف آخر لتمييز صفات الذّات عن الفعل و هو أنّ كل ما يجري على الذات على نسق واحد (الإثبات دائما) فهو من صفات الذات.

و أمّا ما يجري على الذات على الوجهين، بالسلب تارة و بالإيجاب أخرى، فهو من صفات الأفعال.

و على ضوء هذا الفرق فالعلم و القدرة و الحياة لا تحمل عليه سبحانه إلا على وجه واحد و هو الإيجاب. و لكن الخلق و الرزق و المغفرة و الرحمة تحمل عليه بالإيجاب تارة و السلب أخرى. فتقول خلق هذا و لم يخلق ذلك، غفر للمستغفر و لم يغفر للمصرّ على الذنب.

ص: 84

و باختصار، إنّ صفات الذات لا يصحّ لصاحبها الاتصاف بأضدادها و لا خلوه منها. و لكن صفات الفعل يصح الاتصاف بأضدادها.

ثم إنّ الصفات الفعلية حيثيات وجودية نابعة من وصف واحد و هي القيومية، فإنّ الخلق و الرزق و الهداية كلها حيثيات وجودية قائمة به سبحانه مفاضة من عنده بما هو قيوم.

تقسيم آخر

و للصفات تقسيم آخر و هو تقسيمها إلى النفسية و الإضافية. و المراد من الأولى ما تتصف به الذات من دون أن يلاحظ فيها الانتساب إلى الخارج و لا الإضافة إليه، كالحياة. و يقابلها الصفات الإضافية، و هي ما كان لها إضافة إلى الخارج عن الذات، كالعلم بالمعلوم و القدرة على المقدور.

و على هذا الملاك، فكل من النفسية و الإضافية تجريان على الذات و تحكيان عن واقعية فيه.

و ربما تفسّر الإضافيّة بالخالقيّة و الرازقيّة و العلّيّة(1). و الأولى تسميتها بالانتزاعية لا بالإضافية، و تخصيص الإضافية بما يقابل النفسيّة.

الصفات الخبرية

إنّ هناك اصطلاحا آخر يختص بأهل الحديث في تقسيم صفاته سبحانه فهم يقسمونها إلى ذاتية و خبرية. و المراد من الأولى هو الصفات الكمالية و من الثانية ما وصف سبحانه به نفسه في الكتاب العزيز من العلو، و كونه ذا وجه، و يدين، و أعين، إلى غير ذلك من الألفاظ الواردة في القرآن التي لو

ص: 85


1- الأسفار، ج 6، ص 118.

أجريت على اللّه سبحانه بمعانيها المتبادرة عند العرف لزم التجسيم و التشبيه.

هذه هي التقسيمات الرائجة في صفاته سبحانه.

الابتعاد عن التشبيه و المقايسة أساس معرفة صفاته سبحانه

اعتاد الإنسان الساكن بين جدران الزمان و المكان أن يتعرف على الأشياء مقيّدة بالزمان و المكان، موصوفة بالتحيز و التجسم، متسمة بالكيف و الكم، إلى غير ذلك من لوازم المادة و مواصفات الجسمانية.

إنّ مزاولة الإنسان للحس و المحسوس مدى حياته و انكبابه على المادة و إخلاده إلى الأرض، عوّده على تمثيل كل ما يتعلقه، بصورة الأمر الحسي حتى فيما لا طريق للحس و الخيال إلى حقيقته كالكليات و الحقائق المنزهة عن المادة. و يؤيّده في ذلك أنّ الإنسان إنّما يصل إلى المعقولات و الكليات من طريق الإحساس و التخيل فهو أنيس الحسّ و أليف الخيال(1).

و كأنّ البشر جبلوا على المعرفة على أساس المقايسة و التشبيه فلا يمكنهم أن يجرّدوا أنفسهم من ذلك إلاّ بالرياضة و التمرين. فقد قضت العادة الملازمة للإنسان أعني أنسه بالمادة، و اعتياده على معرفة كل شيء في الإطار المادي، أن يصوّر لربّه صورا خيالية على حسب ما يألفه من الأمور المادّية الحسية. و قلّ أن يتفق لإنسان أن يتوجه إلى ساحة العزّة و الكبرياء، و نفسه خالية عن هذه المحاكاة.

ص: 86


1- الميزان، ج 10، ص 273.

بين التشبيه و التعطيل

على ذلك الأساس افترق الإلهيون إلى مشبهة تشبه ربّها بإنسان له لحم، و دم، و شعر، و عظم، و له جوارح و أعضاء حقيقيّة من يد، و رجل، و رأس، و عينين، مصمت، له وفرة سوداء، و شعر قطط. يجوز عليه الانتقال و المصافحة(1).

فهؤلاء تورّطوا في مغبة التجسيم و مهلكة التشبيه. و إنكار بارئ بهذه الأوصاف المادية المنكرة أولى من إثباته ربا للعالم، لأن الاعتقاد بالباري على هذه الصفات يجعل الألوهيّة و الدعوة إليها أمرا منكرا تتنفر منه العقول و الأفكار المنيرة.

فإذا كانت تلك الطائفة متهورة في تشبيهها و مفرطة في تجسيمها، فإنّا نجد في مقابلها طائفة أخرى أرادت التحرز عن وصمة التشبيه و عار التجسيم فوقعت في إسارة التعطيل، فحكمت بتعطيل العقول عن معرفته سبحانه و معرفة صفاته و أفعاله، قائلة بأنه ليس لأحد الحكم على المبدأ الأعلى بشيء من الأحكام، و ليس إلى معرفته من سبيل إلاّ بقراءة ما ورد في الكتاب و السنة، فقالت: إنّ النجاة كل النجاة في الاعتراف بكل ما ورد في الشرع الشريف من دون بحث و نقاش و من دون جدل و تفتيش. فهذا «مالك» عند ما سئل عن معنى قوله سبحانه: ثُمَّ اِسْتَوىٰ عَلَى اَلْعَرْشِ ، قال:

الاستواء معلوم، و الكيف مجهول، و الإيمان به واجب، و السؤال عنه بدعة(2).

و قد نقل عن سفيان بن عيينة أنّه قال: «كل ما وصف اللّه به نفسه في كتابه فتفسيره تلاوته و السكوت عليه»(3).

ص: 87


1- الملل و النحل، ج 1، ص 104.
2- الملل و النحل، ج 1، ص 93.
3- الرسائل الكبرى لابن تيمية، ج 1، ص 32.

و لكن هناك طائفة ثالثة ترى أنّ من الممكن التعرف على صفاته سبحانه من طريق التدبر و ترتيب الأقيسة المنطقية و تنظيم الحجج العقلية على ضوء ما أفاض اللّه سبحانه على عباده من نعمة العقل و الفكر، بشرط أن يكون الباحث محايدا، منحازا عن أيّ رأي مسبق، و أن يكون في بحثه و نقاشه مخلصا للحق غير مبتغ إلاّ إياه.

و حجتهم في ذلك أنّ اللّه سبحانه ما نص على أسمائه و صفاته في كتابه و سنة نبيه إلاّ لكي يتدبر فيها الإنسان بعقله و فكره في حدود الممكن و المستطاع مجتنبا إفراط المشبهة و تفريط المعطلة. فهذا أمر يدعو إليه العقل و الكتاب العزيز و السنّة الصحيحة.

و هناك كلمة قيمة للإمام علي (عليه السلام) تدعو إلى ذلك الطريق الوسط، قال (عليه السلام): «لم يطلع العقول على تحديد صفته، و لم يحجبها عن واجب معرفته»(1). و العبارة تهدف إلى أنّ العقول و إن كانت غير مأذونة في تحديد الصفات الإلهية لكنها غير محجوبة عن التعرف حسب ما يمكن، كيف و قد قال سبحانه: وَ مٰا خَلَقْتُ اَلْجِنَّ وَ اَلْإِنْسَ إِلاّٰ لِيَعْبُدُونِ (2). و العبادة الصحيحة و الكاملة لا تتيسّر إلاّ بعد أن تتحقق المعرفة المستطاعة بالمعبود.

و يكفي في تعيّن هذا الطريق ما ورد في أوائل سورة الحديد من الآيات الستّ و نذكرها تبركا و هي قوله سبحانه: سَبَّحَ لِلّٰهِ مٰا فِي اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضِ وَ هُوَ اَلْعَزِيزُ اَلْحَكِيمُ * لَهُ مُلْكُ اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضِ يُحْيِي وَ يُمِيتُ وَ هُوَ عَلىٰ كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ * هُوَ اَلْأَوَّلُ وَ اَلْآخِرُ وَ اَلظّٰاهِرُ وَ اَلْبٰاطِنُ وَ هُوَ بِكُلِّ شَيْ ءٍ6.

ص: 88


1- نهج البلاغة، الخطبة 29.
2- سورة الذاريات: الآية 56.

عَلِيمٌ * هُوَ اَلَّذِي خَلَقَ اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيّٰامٍ ثُمَّ اِسْتَوىٰ عَلَى اَلْعَرْشِ يَعْلَمُ مٰا يَلِجُ فِي اَلْأَرْضِ وَ مٰا يَخْرُجُ مِنْهٰا وَ مٰا يَنْزِلُ مِنَ اَلسَّمٰاءِ وَ مٰا يَعْرُجُ فِيهٰا وَ هُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مٰا كُنْتُمْ وَ اَللّٰهُ بِمٰا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * لَهُ مُلْكُ اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضِ وَ إِلَى اَللّٰهِ تُرْجَعُ اَلْأُمُورُ * يُولِجُ اَللَّيْلَ فِي اَلنَّهٰارِ وَ يُولِجُ اَلنَّهٰارَ فِي اَللَّيْلِ وَ هُوَ عَلِيمٌ بِذٰاتِ اَلصُّدُورِ (1) .

و هل يظن عاقل أنّ الآيات الواردة في آخر سورة الحشر إنما أنزلها اللّه تعالى لمجرد القراءة و التلاوة، و هي قوله سبحانه: هُوَ اَللّٰهُ اَلَّذِي لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ عٰالِمُ اَلْغَيْبِ وَ اَلشَّهٰادَةِ هُوَ اَلرَّحْمٰنُ اَلرَّحِيمُ * هُوَ اَللّٰهُ اَلَّذِي لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ اَلْمَلِكُ ، اَلْقُدُّوسُ ، اَلسَّلاٰمُ ، اَلْمُؤْمِنُ ، اَلْمُهَيْمِنُ ، اَلْعَزِيزُ، اَلْجَبّٰارُ، اَلْمُتَكَبِّرُ، سُبْحٰانَ اَللّٰهِ عَمّٰا يُشْرِكُونَ * هُوَ اَللّٰهُ اَلْخٰالِقُ اَلْبٰارِئُ ، اَلْمُصَوِّرُ، لَهُ اَلْأَسْمٰاءُ اَلْحُسْنىٰ ، يُسَبِّحُ لَهُ مٰا فِي اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضِ وَ هُوَ اَلْعَزِيزُ اَلْحَكِيمُ (2). و مع ذلك فما معنى التدبر في الآيات القرآنية ؟.

و بذلك تقف على مدى وهن ما أثر عن بعض علماء السلف حيث يقول: «إنما أعطينا العقل لإقامة العبودية لا لإدراك الربوبية فمن شغل ما أعطي لإقامة العبودية بإدراك الربوبية فاتته العبودية و لم يدرك الرّبوبية»(3).

إنّ إقامة العبودية الكاملة رهن معرفة المعبود بما في إمكان العبد. و إلاّ فإنّ العالم بجميع ذراته يسبّح اللّه سبحانه و يحمده و يقيم العبودية له بما أعطي من الشعور و الإدراك المناسب لوجوده، قال سبحانه: وَ إِنْ مِنْ شَيْ ءٍ إِلاّٰ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَ لٰكِنْ لاٰ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ (4). فلو كانت وظيفة الإنسان4.

ص: 89


1- سورة الحديد: الآيات 1-6.
2- سورة الحشر: الآيات 22-24.
3- الحجة في بيان المحجة، كما في «علاقة الاثبات و التفويض»، ص 33.
4- سورة الأسراء: الآية 44.

إقامة العبودية مجردا عن المعرفة التفصيلية للمعبود، تكون عبوديته أشبه بعبودية سائر الموجودات بل أنزل منها بكثير، إذ في وسع الإنسان معرفة معبوده تفصيلا بمقدار ما أعطي من المقدرة الفكرية التي لم يعطها غيره.

فإن أريد من إدراك الربوبية إدراك كنه الذات فهو أمر محال، و لم يدّعه أحد. و إن أريد معرفة أسمائه و صفاته و أفعاله حسب المقدرة الإنسانية في ضوء الأقيسة المنطقية و الكتاب و السنّة الصحيحة القطعية فهذه وظيفة العقل.

و جميعنا نرى أنّه سبحانه يذم المشركين الذين لم يعرفوه حق معرفته - بما في وسع الإنسان - إذ يقول سبحانه: مٰا قَدَرُوا اَللّٰهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اَللّٰهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (1).

و باختصار: لو كان الهدف هو معرفة كنه الذات الإلهية و حقيقة الصفات و الأسماء، كان ترك البحث متّجها، و أمّا إذا كان المقصود هو التعرف على ما هناك من الجمال و الكمال و نفي ما ربما يتصور في الذّات الإلهية من النقص و العجز، فلا شك أنّ للعقل أن يطرق هذا المجال، و في مقدوره أن يصل إليه.

***

الطرق الصحيحة إلى معرفة اللّه

اشارة

إنّ ذاته سبحانه و أسماءه و صفاته و أفعاله، و إن كانت غير مسانخة لمدركات العالم المحسوس، لكنها ليست على نحو يستحيل التعرف عليها بوجه من الوجوه. و من هنا نجد أنّ الحكماء و المتكلمين يسلكون طرقا مختلفة للتعرف على ملامح العالم الرّبوبي، و هم يرون أنّ ذلك العالم ليس على وجه لا يقع في أفق الإدراك مطلقا، بل هناك نوافذ على الغيب عقلية و نقلية، يرى منها ذلك العالم الفسيح العظيم.

ص: 90


1- سورة الحج: الآية 74.

و ها نحن نشير إلى هذه الطرق:

الأول - الطريق العقلي

إذا ثبت كونه سبحانه غنيا غير محتاج إلى شيء، فإنّ هذا الأمر يمكن أن يكون مبدأ لإثبات كثير من الصفات الجلالية، فإنّ كل وصف استلزم خللا في غناه و نقضا له، انتفى عنه و لزم سلبه عن ذاته.

و قد سلك الفيلسوف الإسلامي نصير الدين الطوسي هذا السبيل للبرهنة على جملة من الصفات الجلالية حيث قال: «و وجوب الوجود يدل على سرمديّته، و نفي الزائد، و الشريك، و المثل، و التركيب بمعانيه، و الضّدّ، و التّحيّز، و الحلول، و الاتحاد، و الجهة، و حلول الحوادث فيه، و الحاجة، و الألم مطلقا و اللذة المزاجية، و المعاني و الاحوال و الصفات الزائدة و الرؤية».

بل انطلق المحقق من نفس هذه القاعدة لإثبات سلسلة من الصفات الثبوتيّة حيث قال: «و وجوب الوجود يدل على ثبوت الوجود، و الملك، و التّمام، و الحقيّة، و الخيريّة، و الحكمة، و التجبر، و القهر، و القيوميّة»(1).

و قد سبقه إلى ذلك مؤلّف الياقوت إذ قال: «و هو (وجوب الوجود) ينفي جملة من الصفات عن الذات الإلهية و أنّه ليس بجسم، و لا جوهر، و لا عرض، و لا حالاّ في شيء، و لا تقوم الحوادث به و إلا لكان حادثا»(2).

و على ذلك يمكن الإذعان بما في العالم الرّبوبي من الكمال و الجمال.

ص: 91


1- تجريد الاعتقاد، باب إثبات الصانع و صفاته، ص 178-185.
2- أنوار الملكوت في شرح الياقوت، ص 76، و 80 و 81 و 99.

بثبوت أصل واحد و هو كونه سبحانه موجودا غنيا واجب الوجود، لأجل بطلان التسلسل الذي عرفته. و ليس إثبات غناه و وجوب وجوده أمرا مشكلا على النفوس.

و من هذا تنفتح نوافذ على الغيب و التعرف على صفاته الثبوتية و السلبية، و ستعرف البرهنة على هذه الصفات من هذا الطريق.

الثاني: المطالعة في الآفاق و الأنفس

من الطرق و الأصول التي يمكن التّعرف بها على صفات اللّه، مطالعة الكون المحيط بنا، و ما فيه من بديع النظام، فإنه يكشف عن علم واسع و قدرة مطلقة عارفة بجميع الخصوصيات الكامنة فيه، و كلّ القوانين التي تسود الكائنات. فمن خلال هذه القاعدة و عبر هذا الطريق أي مطالعة الكون، يمكن للإنسان أن يهتدي إلى قسم كبير من الصفات الجمالية.

و بهذا يتبين أنّ ذات اللّه سبحانه و صفاته - بحكم أنها ليس كمثلها شيء ليست محجوبة عن التعرّف المطلق و غير واقعة في أفق التعقل، حتى نعطل العقول و نقول: «إنما أعطينا العقل لإقامة العبودية لا لإدراك الربوبية». و قد أمر الكتاب العزيز بسلوك هذا الطريق. يقول سبحانه: قُلِ اُنْظُرُوا مٰا ذٰا فِي اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضِ (1). و قال سبحانه: إِنَّ فِي خَلْقِ اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضِ وَ اِخْتِلاٰفِ اَللَّيْلِ وَ اَلنَّهٰارِ لَآيٰاتٍ لِأُولِي اَلْأَلْبٰابِ (2). و قال سبحانه: إِنَّ فِي اِخْتِلاٰفِ اَللَّيْلِ وَ اَلنَّهٰارِ وَ مٰا خَلَقَ اَللّٰهُ فِي اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضِ لَآيٰاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ (3).

ص: 92


1- سورة يونس: الآية 101.
2- سورة آل عمران: الآية 190.
3- سورة يونس: الآية 6.

و قد سلك هذا الطريق المحقق الطوسي في إثبات صفة العلم و القدرة حيث قال: «و الإحكام و التجرّد و استناد كلّ شيء إليه دليل العلم(1).

الثالث: الرجوع إلى الكتاب و السنّة الصحيحة

و هناك أصل ثالث يعتمد عليه أتباع الشّرع، و هو التعرف على أسمائه و صفاته و أفعاله بما ورد في الكتب السماوية و أقوال الأنبياء و كلماتهم، و ذلك بعد ما ثبت وجوده سبحانه و قسم من صفاته، و وقفنا على أنّ الأنبياء مبعوثون من جانب اللّه و صادقون في أقوالهم و كلماتهم.

و باختصار، بفضل الوحي - الذي لا خطأ فيه و لا زلل - نقف على ما في المبدإ الأعلى من نعوت و شئون. فمن ذلك قوله سبحانه: هُوَ اَللّٰهُ اَلَّذِي لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ، اَلْمَلِكُ ، اَلْقُدُّوسُ ، اَلسَّلاٰمُ ، اَلْمُؤْمِنُ ، اَلْمُهَيْمِنُ ، اَلْعَزِيزُ، اَلْجَبّٰارُ، اَلْمُتَكَبِّرُ، سُبْحٰانَ اَللّٰهِ عَمّٰا يُشْرِكُونَ * هُوَ اَللّٰهُ اَلْخٰالِقُ ، اَلْبٰارِئُ ، اَلْمُصَوِّرُ، لَهُ اَلْأَسْمٰاءُ اَلْحُسْنىٰ ، يُسَبِّحُ لَهُ مٰا فِي اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضِ وَ هُوَ اَلْعَزِيزُ اَلْحَكِيمُ (2). و سيوافيك أنّ اسماءه في القرآن مائة و ثمانية و عشرون اسما.

الرابع: الكشف و الشّهود

و هناك ثلّة قليلة يشاهدون بعيون القلوب ما لا يدرك بالأبصار، فيرون جماله و جلاله و صفاته و أفعاله بإدراك قلبي، يدرك لأصحابه و لا يوصف لغيرهم.

و الفتوحات الباطنيّة من المكاشفات و المشاهدات الروحيّة و الإلقاءات

ص: 93


1- تجريد الاعتقاد، ص 172، طبعة مطبعة العرفان - صيدا.
2- سورة الحشر: الآيتان 23 و 24.

في الروع غير مسدودة، بنص الكتاب العزيز. قال سبحانه: يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اَللّٰهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقٰاناً (1). أي يجعل في قلوبكم نورا تفرّقون به بين الحقّ و الباطل و تميّزون به بين الصحيح و الزائف لا بالبرهنة و الاستدلال بل بالشهود و المكاشفة.

و قال سبحانه: يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا اِتَّقُوا اَللّٰهَ وَ آمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَ يَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ وَ اَللّٰهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (2).

و المراد من النور هو ما يمشي المؤمن في ضوئه طيلة حياته، في معاشه و معاده، في دينه و دنياه(3).

و قال سبحانه: وَ اَلَّذِينَ جٰاهَدُوا فِينٰا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنٰا (4)، إلى غير ذلك من الآيات الظاهرة في أنّ المؤمن يصل إلى معارف و حقائق في ضوء المجاهدة و التّقوى، إلى أن يقدر على رؤية الجحيم في هذه الدنيا المادية، قال سبحانه: كَلاّٰ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ اَلْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ اَلْجَحِيمَ (5).

نعم ليس كلّ من رمى أصاب الغرض، و ليست الحقائق رمية للنّبال، و إنما يصل إليها الأمثل فالأمثل، فلا يحظى بما ذكرناه من المكاشفات الغيبية و الفتوحات الباطنية إلاّ النذر القليل ممن خلص روحه6.

ص: 94


1- سورة الأنفال: الآية 29.
2- سورة الحديد: الآية 28.
3- أما في الدنيا فهو النور الذي أشار إليه سبحانه بقوله: أَ وَ مَنْ كٰانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنٰاهُ وَ جَعَلْنٰا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي اَلنّٰاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي اَلظُّلُمٰاتِ لَيْسَ بِخٰارِجٍ مِنْهٰا (سورة الأنعام: الآية 122). و أما في الآخرة فهو ما أشار إليه سبحانه بقوله: يَوْمَ تَرَى اَلْمُؤْمِنِينَ وَ اَلْمُؤْمِنٰاتِ يَسْعىٰ نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ بِأَيْمٰانِهِمْ (سورة الحديد: الآية 12).
4- سورة العنكبوت: الآية 69.
5- سورة التكاثر: الآية 5-6.

و صفى قلبه.

و قد بان بهذا البحث الضافي، أنه ليس لمسلم التوقف عن محاولة التعرف على صفات اللّه و أسمائه بحجّة أنّه لا مسانخة بين البشر و خالقهم.

نعم، نحن لا ندّعي أنّ بعض هذه الطرق ميسورة السلوك للعامة جميعا، بل منها ما هو عام متاح لكلّ إنسان يريد معرفة ربه، و منها ما هو خاص يستفيد منه من بلغ مبلغا خاصا من العلم و المعرفة(1).

***

الإعراض عن البحث عما وراء الطبيعة، لما ذا؟

اشارة

هناك طوائف تمنع من البحث عما وراء هذا العالم المشهود و تعدّ حدود المادّة أقصى ما تصل إليه المعرفة البشرية و تسلب كلّ قيمة من العلم المتعلق بما وراء الطبيعة. و العجب أن بعض هذه الطوائف من الإلهيّين الذين يعتقدون بوجود الإله، و لكن لا يبيحون البحث عما وراء الطبيعة على الإطلاق و يكتفون في ذلك بالإيمان بلا معرفة.

و إليك هذه الطوائف:

الطائفة الأولى: المادّيون.

و هم الذين يعتقدون بأصالة المادة و ينفون أيّ وجود وراء العالم الطبيعي، فالوجود عندهم مساو للمادة. و قد فرغنا عن إبطال هذه النظرية في الأبحاث السابقة التي دلتنا على حدوث المادة و نظامها و انتهائها إلى وجود قديم قائم بالذات.

ص: 95


1- راجع في الوقوف على مفتاح هذا الباب مفاهيم القرآن، الجزء الثالث، ص 244 إلى ص 259.

الطائفة الثانية: المفرّطون في أدوات المعرفة

و هؤلاء يعتقدون بما وراء الطبيعة، غير أنّهم يعتقدون بارتفاع قمم ذلك العالم و شموخها بحيث لا يمكن أن تبلغها العقول و تنالها الأفهام.

و هؤلاء يدعون أمرا و لا يأتون عليه بدليل، فإنّ عند العقل قضايا بديهية كما أنّ لديه قضايا نظرية منتهية إلى البديهية. و القضايا البديهية صادقة بالبداهة في حق المادة و غير المادة. و كما أنّ العقل يستنتج من إنهاء القضايا النظرية في الأمور الطبيعية إلى البديهية، نتائج كانت مجهولة، فهكذا عمله في القضايا الراجعة إلى ما وراء المادة. و ستقف على كيفية البرهنة على صفاته و أفعاله بهذا الطريق في ثنايا الكتاب.

الطائفة الثالثة: مدّعو الكشف و الشهود.

و هؤلاء يعتقدون أنّ الطريق الوحيد للتعرف على ما وراء الطبيعة هو تهذيب النفس و جعلها مستعدة لقبول الإفاضات من العالم الرّبوبي، و هذا في الجملة لا إشكال فيه، و لكن حصر الطريق بالكشف و الشهود ادعاء بلا دليل. فلا مانع من أن تكون أدوات المعرفة متعددة من الحسّ و العقل و الكشف.

الطائفة الرابعة: الحنابلة و بعض الأشاعرة

و هؤلاء يعتقدون بأنّ الطريق الوحيد للتعرف على العالم الربوبي هو إخبار السماء، فلا يجوز لنا الحكم بوحدة الذات الإلهية أو كثرتها، و بساطتها أو تركّبها، و جسمانيّتها أو تجرّدها، إلاّ بالأخبار و الأنباء الواردة من السماء. و قد عزب عن هؤلاء أنّ العقل عنصر سماوي موهوب من قبل اللّه تعالى للإنسان لاكتشاف الحقائق بشكل نسبي. قال سبحانه: وَ اَللّٰهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهٰاتِكُمْ لاٰ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَ جَعَلَ لَكُمُ اَلسَّمْعَ وَ اَلْأَبْصٰارَ وَ اَلْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (1).

ص: 96

و هؤلاء يعتقدون بأنّ الطريق الوحيد للتعرف على العالم الربوبي هو إخبار السماء، فلا يجوز لنا الحكم بوحدة الذات الإلهية أو كثرتها، و بساطتها أو تركّبها، و جسمانيّتها أو تجرّدها، إلاّ بالأخبار و الأنباء الواردة من السماء. و قد عزب عن هؤلاء أنّ العقل عنصر سماوي موهوب من قبل اللّه تعالى للإنسان لاكتشاف الحقائق بشكل نسبي. قال سبحانه: وَ اَللّٰهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهٰاتِكُمْ لاٰ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَ جَعَلَ لَكُمُ اَلسَّمْعَ وَ اَلْأَبْصٰارَ وَ اَلْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (1).

و أوضح دليل على قدرة العقل على البحث و دراسة الحقائق السّفليّة و العلويّة حث الوحي على التّعقّل سبعة و أربعين مرة، و التّفكّر ثمانية عشر مرة، و التّدبّر أربع مرات في الكتاب العزيز.

و تخصيص هذه الآيات بما وقع في أفق الحس تخصيص بلا دليل.

ثم لو كان الخوض في البحث عما وراء المادة أمرا محظورا، فلم خاض القرآن في هذه المباحث، و دعى جميع الإلهيين إلى سلوك هذا الطريق الذي سار عليه. قال سبحانه: لَوْ كٰانَ فِيهِمٰا آلِهَةٌ إِلاَّ اَللّٰهُ لَفَسَدَتٰا فَسُبْحٰانَ اَللّٰهِ رَبِّ اَلْعَرْشِ عَمّٰا يَصِفُونَ (2). و قال سبحانه: مَا اِتَّخَذَ اَللّٰهُ مِنْ وَلَدٍ وَ مٰا كٰانَ مَعَهُ مِنْ إِلٰهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلٰهٍ بِمٰا خَلَقَ وَ لَعَلاٰ بَعْضُهُمْ عَلىٰ بَعْضٍ سُبْحٰانَ اَللّٰهِ عَمّٰا يَصِفُونَ (3). ترى في هاتين الآيتين أدقّ البراهين على التوحيد في التدبير بما لا يتصوّر فوقه، و سيوافيك تفسير الآيتين عند البحث عن وصف التوحيد.

إنّ الكتاب الكريم يذمّ المشركين بأنّهم يعتقدون بما لا برهان لهم عليه، و من خلال ذلك يرسم الطريق الصحيح للالهيين و هو أنه يجب عليهم تحصيل البرهان على كل ما يعتقدونه في المبدأ و المعاد. قال سبحانه:

أَمِ اِتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هٰاتُوا بُرْهٰانَكُمْ هٰذٰا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَ ذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاٰ يَعْلَمُونَ اَلْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (4) .4.

ص: 97


1- سورة النحل: الآية 78.
2- سورة الأنبياء: الآية 22.
3- سورة المؤمنون: الآية 91.
4- سورة الأنبياء: الآية 24.

و لو كان عمل السلف في هذا المجال حجة، فهذا الإمام علي بن أبي طالب قد خاض في الإلهيات في خطبه و رسائله و كلمه القصار بما ليس في وسع أحد غيره.

و لأجل ذلك ترجع إليه كثير من المدارس الفكرية العقلية في الإلهيات، و عنه أخذت المعتزلة العدل و التوحيد، و الإمامية أصولها و عقائدها.

فلا ندري لما ذا تحتج سلفية العصر الحاضر و الماضي بعمل أهل الحديث من الحنابلة و الأشاعرة، و لا تحتج بفعل الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ربيب أحضان النبي (صلى اللّه عليه و آله و سلم) و تلميذه الأول خليفة المسلمين أجمعين.

قال العلامة الطباطبائي (رحمه اللّه): «إنّ للناس مسالك مختلفة في هذا المجال، فهناك من يرى البحث عن الحقائق الدينية و التّطلّع إلى ما وراء ظواهر الكتاب و السنّة بدعة، و العقل يخطّئهم في ذلك، و الكتاب و السنة لا يصدّقانهم.

فآيات الكتاب تحرّض كلّ التحريض على التدبر في آيات اللّه و بذل الجهد في تكميل معرفته و معرفة آياته بالتذكر و التفكر و النظر فيها و الاحتجاج بالحجج العقلية، و متفرقات السنّة المتواترة معنى توافقها. و هؤلاء هم الذين يحرّمون البحث عن حقائق الكتاب و السنة، حتى البحث الكلاميّ الذي بناؤه على تسليم الظواهر الدينية ثم الدفاع عنها بما تيسّر من المقدمات المشهورة و المسلّمة عند أهل الدين»(1).3.

ص: 98


1- الميزان، ج 8، ص 153.

عودة نظرية أهل الحديث في ثوب جديد

لقد عادت نظرية أهل الحديث في العصر الحاضر بشكل جديد و هو أنّ التحقيق في المسائل الإلهية لا يمكن إلا من خلال مطالعة الطبيعة. قال محمد فريد وجدي: «بما أنّ خصومنا يعتمدون على الفلسفة الحسّية و العلم الطبيعي في الدعوة إلى مذهبهم فنجعلها عمدتنا في هذه المباحث بل لا مناص لنا من الاعتماد عليهما، لأنها اللذان أوصلا الإنسان إلى هذه المنصّة من العهد الروحاني»(1).

و قال السيد أبو الحسن النّدوي: «قد كان الأنبياء (عليهم السلام) أخبروا الناس عن ذات اللّه و صفاته و أفعاله، و عن بداية هذا العالم و مصيره و ما يهجم على الإنسان بعد موته و آتاهم علم ذلك كلّه بواسطتهم عفوا بلا تعب، و كفوهم مئونة البحث و الفحص في علوم ليس عندهم مباديها و لا مقدماتها التي يبنون عليها بحثهم ليتوصلوا إلى مجهول، لأنّ هذه العلوم وراء الحس و الطبيعة، لا تعمل فيها حواسهم، و لا يؤدي إليها نظرهم و ليست عندهم معلوماتها الأولية... إلى أن قال... الذين خاضوا في الإلهيات من غير بصيرة و على غير هدى جاءوا في هذا العلم بآراء فجّة و معلومات ناقصة و خواطر سانحة و نظريات مستعجلة، فضلّوا و أضلّوا»(2).

أقول: لا شك أنّ القرآن يدعو إلى مطالعة الطبيعة، كما مر. إلاّ أنّ الكلام هو في مدى كفاية النظر في الطبيعة و دراستها في البرهنة على المسائل التي طرحها القرآن الكريم مثل قوله سبحانه:

لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ ءٌ (3) .

ص: 99


1- على أطلال المذهب المادي، ج 1، ص 16.
2- ما ذا خسر العالم، ص 97.
3- سورة الشورى: الآية 11.

وَ لِلّٰهِ اَلْمَثَلُ اَلْأَعْلىٰ (1) .

لَهُ اَلْأَسْمٰاءُ اَلْحُسْنىٰ (2) .

فَأَيْنَمٰا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اَللّٰهِ (3) .

هُوَ اَلْأَوَّلُ وَ اَلْآخِرُ، وَ اَلظّٰاهِرُ وَ اَلْبٰاطِنُ وَ هُوَ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَلِيمٌ (4) .

وَ هُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مٰا كُنْتُمْ (5) .

إلى غير ذلك من المباحث و المعارف التي لا تنفع دراسة الطبيعة و مطالعة العالم المادّي في فكّ رموزها و الوقوف على حقيقتها، بل تحتاج إلى مبادي و مقدمات عقلية و أسس منطقية.

إنّ مطالعة العالم الطبيعي تهدينا إلى أنّ للكون صانعا عالما قادرا، و لا تهدينا إلى أنّه سبحانه عالم بكل شيء و قادر على كل شيء، و انه خالق كل شيء، و مدبر كل شيء.

فإذا أردنا أن نحدد مدى المعرفة الحاصلة من النظر في الطبيعة، فلنا أن نقول: إنّ الإمعان في الطبيعة يوصلنا إلى حدود ما وراء الطبيعة، و يوقفنا على أنّ الطبيعة تخضع لقوة قاهرة و تدبير مدبّر عالم قادر، و لكن لا يمكن للإنسان التّخطّي عن ذلك إلى المسائل التي يطرحها القرآن أو العقل، و للمثال نقول:

أولا: إذا كان ما وراء الطبيعة مصدرا للطبيعة فما هو المصدر لما وراءها نفسها؟4.

ص: 100


1- سورة النحل: الآية 60.
2- سورة طه: الآية 8 سورة الحشر: الآية 22.
3- سورة البقرة: الآية 115.
4- سورة الحديد: الآية 3.
5- سورة الحديد: الآية 4.

ثانيا: هل ذلك المصدر أزليّ أو حادث، واحد أو كثير، بسيط أو مركّب، جامع لجميع صفات الجمال و الكمال أو لا؟ ثالثا: هل لعلمه حدّ ينتهي إليه أو لا؟ رابعا: هل لقدرته نهاية تقف عندها أو لا؟ خامسا: هل هو أوّل الأشياء و آخرها أو لا؟ سادسا: هل هو ظاهر الأشياء و باطنها؟ إنّ هذه المعارف يطرحها القرآن الكريم و يأمر بالتدبّر فيها و يقول:

أَ فَلاٰ يَتَدَبَّرُونَ اَلْقُرْآنَ أَمْ عَلىٰ قُلُوبٍ أَقْفٰالُهٰا (1) .

و الإمعان في الطبيعة لا يفيد في الإجابة عن هذه التساؤلات، و الوقوف على المعارف المطروحة في القرآن.

و عندئذ لا مناص عن سلوك أحد الطريقين: إمّا أن يصار إلى التعطيل و تحريم البحث حول هذه المعارف. و إمّا الإذعان بوجود طريق عقليّ يوصلنا إلى تحليل هذه المعارف و يساعدنا على الوقوف عليها.

إنّ الذين يحرّمون الخوض في هذه المباحث يعتمدون على أنّ التعرّف على حقيقة الذات و كنه صفاتها أمر محال، و لكن ليس كلّ بحث كلامي ينتهي إلى ذلك الحد و يحاول البحث عن حقيقة الذات الإلهية كما أوضحناه.

إنّ العلوم الطبيعية قد خدمت مسلك الإلهيين و عزّزت موقفهم، حيث أثبتت أنّ الكون نظام كله، إلاّ أنها قاصرة عن حل كل المشاكل المطروحة في مجال العقائد.4.

ص: 101


1- سورة محمد: الآية 24.

نعم، إنّ التعمّق في هذه الأبحاث ليس متاحا لكل أحد، و ليس ميسّرا لكل قاصد، فهي من قبيل السهل الممتنع، و ذلك لأنّ الإنسان بسبب أنسه بالأمور الحسّية يصعب عليه تحرير فكره عن كل ما تفرضه عليه ظروفه حتى يتهيّأ للتفكر فيما وراء الطبيعة بفكر متحرر من أغلال الماديّة.

و هناك وجه آخر لمحدودية الإنسان عن درك عميق المعارف الإلهية و هو أنّ أدوات الإنسان للتعبير محدودة بألفاظ و كلمات لم توضع إلاّ لبيان المعاني الحسية المحدودة فلأجل ذلك لا مناص له عن التعبير عن الحقائق الكونية العليا المطلقة عن الزمان و المكان بتلك الألفاظ الضّيّقة، و إلى ذلك يشير بعض العرفاء بقوله:

ألا إنّ ثوبا خيط من نسج تسعة *** و عشرين حرفا عن معانيه قاصر

و الشيخ الرئيس ابن سينا يوصي بأن لا تطرح المسائل الالهية العويصة إلاّ على أهلها و يقول في إشاراته في خاتمة الكتاب: «أيّها الأخ إنّي قد مخضت في هذه الإشارات عن زبدة الحق و ألقمتك قفّي الحكم في لطائف، فضنّه عن الجاهلين و المبتذلين و من لم يرزق الفطنة الوقادة، و الدّربة و العادة، و كان صفاه مع الغاغة، أو كان من ملحدة هؤلاء الفلاسفة و من همجهم. فإن وجدت من تثق بنقاء سريرته، و بتوقفه عما يتسرع إليه الوسواس، و بنظره إلى الحق بعين الرضا و الصدق، فاعطه ما يسألك منه مدرّجا مجزّأ مفرّقا تستفرس مما تسلفه لما تستقبله، و عاهده باللّه و بأيمان لا مخارج لها ليجري في ما يأتيه مجراك، متأسّيا بك، إن أذعت هذا العلم أو أضعته فاللّه بيني و بينك و كفى باللّه وكيلا»(1).

و لسنا هنا مدعين أنّ هذه المباحث مباحث عامة يجوز لكل أحد9.

ص: 102


1- الإشارات، ج 3، ص 219.

ارتيادها لدقة مسالكها، و كثرة مزالقها. بل خاصة بجماعة أوتوا مقدرة فكرية فائقة.

فلأجل ذلك نطرح المعارف الإلهية في ضوء العقل و الوحي مستمدين من اللّه سبحانه أن يرينا الحقّ و يحفظنا عن ركوب الباطل، إنّه عزيز حكيم.

ص: 103

ص: 104

الباب الأول الصفات الثبوتية الذاتية

اشارة

ص: 105

ص: 106

الصفات الثبوتية الذاتية

(1) العلم

اشارة

أجمع الإلهيون على أنّ العلم من صفات اللّه الذاتيّة الكماليّة، و أنّ العالم من أسمائه العليا، و هذا لم يختلف فيه اثنان على إجماله. و لتبيين الحال نمهّد بمقدمة:

ما هو العلم ؟

عرّف العلم بأنّه صورة حاصلة من الشيء على صفحة الذهن، أو أنه انعكاس الخارج على الذهن عند اتصال الإنسان بالخارج. و قد أخذ الحكماء هذا التعريف من العلوم الرائجة عند الإنسان.

و لكن التّعريف ناقص لعدم شموله لبعض أقسام العلم. فإنّ العلم ينقسم إلى حصولي و حضوري، و التعريف المذكور يناسب الأول دون الثاني. و إليك توضيح القسمين:

إنّ الإنسان عند ما يطلّ بنظره إلى الخارج و يلاحظ ما يحيط به في الكون من شجر و حجر، و شمس و قمر، يصبح مدركا و الشّيء الخارجي مدركا و لكن بتوسط صورة بين المدرك و المدرك تنتزع تلك الصورة من

ص: 107

الخارج بأدوات المعرفة ثم تنتقل إلى مراكز الإدراك. فالشجر هو المعلوم بالعرض، و الصورة هي المعلوم بالذّات، و الإنسان هو العالم و إنما أسمينا الشيء الخارجي معلوما بالعرض و الصورة معلوما بالذّات، لأن الخارج معلوم لنا بواسطة هذه الصورة و لولاها لانقطعت صلة الإنسان بالواقع.

و بعبارة أخرى: إنّ الواقعية الخارجية ليست حاضرة عندنا بهذه السّمة. لأن الشيء الخارجي له أثره الخارجي، من الحرارة في النار، و الرطوبة في الماء، و الثقل في الحجر و الحديد. و معلوم أنّ الشيء الخارجي لا يرد إلى أذهاننا بهذه الصفات. و لأجل ذلك أصبح الشيء الخارجي معلوما بالعرض، و الصورة معلومة بالذّات لمزاولة الإنسان دائما للصور الذهنيّة.

و بذلك تقف على تعريف العلم الحصولي و هو: ما لا تكون فيه الواقعيّة الخارجيّة معلومة بنفسها، بل بتوسط صورة مطابقة لها. و الأدوات الحسّية كلّها موظّفة في خدمة هذا العلم. فهو يعتمد على ثلاثة ركائز:

المدرك، الخارج، الصورة. و لا تظنّن هذا اعترافا بأصالة الصورة و فرعية الخارج، إذ لا شك أنّ الأمر على العكس، فالخارج هو الأصيل و الصورة هي المنتزعة منه و الحاكية عنه، غير أنّ الذي يمارسه الذهن و يزاوله هو الصورة الموجودة عنده لا نفس الخارج. و هذه الصورة الذهنية وسيلته الوحيدة لدرك الخارج و إحساسه.

إلى هنا وقفت على تعريف العلم الحصولي. و أما العلم الحضوري فهو عبارة عن حضور المدرك لدى المدرك من دون توسط أي شيء، و له قسمان:

1 - ما لا يتوسط فيه بين المدرك و المدرك شيء مع كون المدرك غير المدرك حقيقة. و هذا كالعلم بنفس الصورة المنتزعة من الخارج. و ذلك أنّ الخارج يدرك بواسطة الصورة، و أمّا الصورة نفسها فمعلومة بالذات و لا

ص: 108

يتوسط بينها و بين المدرك أي شيء. فعند اتصال الإنسان بالخارج عن طريق الصورة الذهنية يجتمع هناك علمان: حصوليّ باعتبار علمه بالخارج عن طريق الصورة، و حضوريّ باعتبار علمه بنفس الصورة و حضورها بواقعيتها عند المدرك.

و بذلك تقف على فرق جوهري بين العلمين و هو أنّ المعلوم في العلم الحصولي غير حاضر لدى المدرك بواقعيته كما عرفت، و في الحضوري يكون المعلوم حاضرا لديه بواقعيته و هذا كالصورة العلمية الذهنيّة فإنها بواقعيتها التي لا تخرج عن كونها موجودا ذهنيا، حاضرة لدى الإنسان.

و بذلك يظهر أنّ الحصوليّ ثلاثيّ الأطراف و الحضوريّ ثنائيّها في هذا القسم الأول منه.

2 - ما لا يتوسط فيه بين المدرك و المدرك أي شيء و لكنهما يتحدان بالذات و يختلفان باللحاظ و الاعتبار. و ذلك كعلم الإنسان و دركه لذاته، فإنّ واقعية كل إنسان حاضرة بذاتها لديه، و ليست ذاته غائبة عن نفسه، و هو يشاهد ذاته مشاهدة عقلية و يحس بها إحساسا وجدانيا و يراها حاضرة لديه من دون توسط شيء بين الإنسان المدرك و ذاته المدركة. و في هذه الحالة يصبح العلم أحاديّ الأطراف بدل ثنائيّها في الثاني و ثلاثيّها في الأول. فالإنسان في هذه الحالة هو العالم و هو المعلوم في آن واحد. و عندئذ يتّحد المدرك و المدرك و تصبح ذات الإنسان علما و انكشافا بالنسبة إلى ذاته. و من العلم الحضوري علم الإنسان بأحاسيسه من أفراحه و آلامه، فالكل حاضر لدى الذات بلا توسط صورة.

و بذلك تقف على ضعف الاستدلال على وجود الإنسان بتفكره، فيقال: «أنا أفكّر إذن أنا موجود»، فاستدلّ بوجود التّفكّر على وجود

ص: 109

المفكّر(1)، وجه الضعف:

أولا - إنّ علم الإنسان بوجود نفسه ضروري لا يحتاج إلى البرهنة، فليس تفكر الإنسان أوضح من علمه بذاته و نفسه.

ثانيا - إنّ المستدل اعترف بالنتيجة في مقدمة الاستدلال حيث قال:

«أنا» أفكر. فقد أخذ وجود نفسه أمرا مفروضا و مسلّما ثم حاول الاستدلال عليه.

تعريف جامع

على ضوء ما ذكرنا من تقسيم العلم إلى الحصولي و الحضوري يصح أن يقال إنّ العلم على وجه الإطلاق عبارة عن «حضور المعلوم لدى العالم»، و هذا التعريف يشمل العلم بكلا قسميه(2). غير أنّ الحاضر في الأول هو الصورة الذهنية دون الواقعية الخارجية و في الثاني نفس واقعية المعلوم من دون وسيط بينها و بين العالم. فالصورة الذهنية في العلم الحصولي حاضرة لدى الإنسان غير غائبة عنه. كما أنّ ذات الإنسان في العلم الحضوري حاضرة لديه، و هي فيه، بما أنها واقفة على نفسها، تسمى عالمة، و بما أنها مكشوفة لنفسها غير غائبة عنها، تعدّ معلوما، و بما أنّ هناك حضورا لا غيبوبة، يسمى ذلك الحضور علما.

و هذا التعريف جامع شامل كلّ أنواع العلوم الحاصلة في الممكن و الواجب. فإذا وقفت على هذه المقدمة يقع البحث في علمه سبحانه تارة بذاته و أخرى بفعله (الأشياء الخارجة عن ذاته).

ص: 110


1- المستدل هو الفيلسوف الفرنسي (ديكارت).
2- ليس الهدف من التعريف إلا الإشارة بوجه إلى حقيقة العلم من دون مراعاة شرط التعريف الحقيقي فلا يؤاخذ عليه بأنه مستلزم للدور لأخذ المعرّف في التعريف.
علمه سبحانه بذاته

إنّ علمه سبحانه بذاته ليس حصوليا بمعنى أخذه الصورة من الذات و مشاهدتها عن ذاك الطريق لامتناع هذا القسم من العلم عليه كما سيأتي، بل حضوري بمعنى حضور ذاته لذاته، و يدل على ذلك أمران:

الأول - إنّ مفيض الكمال لا يكون فاقده.

إنّه سبحانه خلق الإنسان العالم بذاته علما حضوريا، فمعطي هذا الكمال يجب أن يكون واجدا له على الوجه الأتمّ و الأكمل لأن فاقد الكمال لا يعطيه، فهو واجد له بأحسن ما يمكن. و نحن و إن لم نحط و لن نحيط بخصوصية حضور ذاته لدى ذاته غير أنّا نرمز إلى هذا العلم ب «حضور ذاته لدى ذاته و علمه بها من دون وساطة شيء في البين».

و باختصار: لا يسوغ عند ذي فطرة عقلية أن يكون واهب الكمال و مفيضه، فاقدا له. و إلاّ كان الموهوب له أشرف من الواهب، و المستفيد أكرم من المفيد. و حيث ثبت استناد جميع الممكنات إليه و منها الذوات العالمة بأنفسها، وجب أن يكون الواجب واجدا لهذا الكمال أي عالما بذاته علما يكون نفس ذاته لا زائدا عليها(1).

الثاني - إنّ عوامل غيبوبة الذّات و اختفائها غير موجودة.

توضيحه: إنّ الموجود المادي بما أنّه موجود كمّي ذو أبعاض و أجزاء ليس لها وجود جمعي - إذ لا تجتمع أجزاؤه في مقام واحد - تغيب بعض أجزائه عن البعض الآخر فلا يصحّ للموجود المادّي من حيث إنّه مادي أن يعلم بذاته، لمكان الغيبوبة المسيطرة على أجزاء ذاته.

فالغيبوبة مضادة لحضور الذات و تمنع تحقق علم الذات بالذات. فإذا

ص: 111


1- أنظر الأسفار، ج 6، ص 176. و سيوافيك عينيّة صفاته مع ذاته في الأبحاث الآتية.

كان الموجود منزّها من الغيبة و الجزئية و التبعّض و كان موجودا بسيطا جميعا دون أجزاء و أبعاض، كانت ذاته حاضرة لديها حضورا كاملا مطلقا. و بذلك نشاهد حضور ذواتنا عند ذواتنا لكن لا بمعنى حضور أبعاض أجسامنا و أبداننا بل بمعنى حضور الواقعية الإنسانية المعبر عنها بلفظة «أنا» المنزهة عن الكمّ و البعض و التجزئة. فلو فرضنا موجودا على مستوى عال من التجرد و البساطة عاريا عن كل عوامل الغيبة التي هي من خصائص الكائن المادي، كانت ذاته حاضرة لديه. و هذا معنى علمه سبحانه بذاته أي حضور ذاته لدى ذاته بأتم وجه لتنزهه عن المادية و التركّب و التفرّق كما سيوافيك برهان بساطته عند البحث عن الصفات السلبية.

و هناك دلائل أخر تركناها روما للاختصار. غير أنّ هناك جماعة ينفون علمه بذاته و إليك بيان مذهبهم:

العلم بالذّات يستلزم التغاير

استدلّ النافون لعلمه سبحانه بذاته بأنّ العلم نسبة قائمة بين العالم و المعلوم و النسبة إنّما تكون بين الشيئين المتغايرين، و نسبة الشيء إلى نفسه محال إذ لا تغاير و لا اثنينيّة. و باختصار: الشيء الواحد أعني سبحانه تعالى، بما هو شيء واحد، لا تتصور فيه نسبة.

و قد أجاب عنه المحققون بما هذا حاصله: إنّ التعدّد و التغاير إنما هو في العلم الحصولي لأنه عبارة عن إضافة العالم إلى الخارج بالصورة الذهنيّة، ففيه الصورة المعلومة غير الهويّة الخارجية. و أمّا العلم الحضوري فلا يشترط فيه التغاير خارجا بل يكفي التعدد اعتبارا.

مثلا: إنّه سبحانه بما أنّ ذاته غير غائبة عن ذاته فهو عالم، و بما أنّ الذات حاضرة لديها فهي معلومة.

و بعبارة أخرى: إنّ إطلاق العلم و العالم و المعلوم لأجل حيثيات

ص: 112

و اعتبارات. فباعتبار انكشاف الذات للذات يسمى ذلك الانكشاف «علما»، و باعتبار كون الذات مكشوفة لدى الذات يطلق عليها «معلومة»، و باعتبار كونها واقفة على ذاتها تسمى «عالمة». و لو اعتبرت كيفية علم الإنسان بذاته، لربما يسهل عليك تصديق ذلك.

و إلى ما ذكرنا يعود قول المحققين إنّ المغايرة قد تكون بالذات و قد تكون بنوع من الاعتبار. و هنا، ذاته تعالى من حيث إنها عالمة مغايرة لها من حيث إنها معلومة، و ذلك كاف في تعلق العلم(1).

علمه سبحانه بالأشياء قبل إيجادها
اشارة

إنّ علمه سبحانه بالأشياء على قسمين: علم قبل الإيجاد، و علم بعده. و الأول هو الذي نرتئيه و هو من أهم المسائل الكلاميّة، و إليك الدليل عليه:

1 - العلم بالسببيّة علم بالمسبّب

إنّ العلم بالسبب، بما هو سبب، علم بالمسبّب. و العلم بالعلّة، بما هي علّة، علم بوجود المعلول، و المراد من العلم بالعلّة، العلم بالحيثية التي صارت مبدأ لوجود المعلول و حدوثه. و لتوضيح هذه القاعدة نمثل بالأمثلة التالية.

أ - إنّ المنجم العارف بالقوانين الفلكية و المحاسبات الكونية يقف على أنّ الخسوف أو الكسوف أو ما شاكل ذلك يتحقق في وقت أو وضع خاص.

و ليس علمه بهذه الطوارئ إلاّ من جهة علمه بالعلة من حيث هي علّة لكذا و كذا.

ص: 113


1- كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد، ص 175. و شرح القوشجي، ص 313.

ب - إنّ الطبيب العارف بحالات النّبض و أنواعه و أحوال القلب و أوضاعه يقدر على التنبؤ بما سيصيب المريض في مستقبل أيامه. و ليس هذا العلم إلاّ من جهة علمه بالعلّة من حيث هي علّة.

ج - إنّ الصيدلي العارف بخصوصية السّم إذا شربه الإنسان يخبر عن أنّه سيقضي على حياة الشارب في مدة معينة، أيضا.

إذا عرفت هذه الأمثلة نقول: إنّ العالم بأجمعه معلول لوجوده سبحانه و ليس له علّة إلاّ ذاته سبحانه. فالعلم بالذات علم بالحيثية التي هي سبب لتحقق العالم و تكوّنه. و بعبارة أخرى: العلم بالذات - كما عرفت دلائله - علم بالحيثية التي صدر منها الكون بأجمعه، و العلم بتلك الحيثية يلازم العلم بالمعلول. و هذا البرهان مبني على مقدمات مسلمة عند الإلهيين نشير إلى خلاصتها:

الأولى - إنّ العالم بجميع أجزائه مستند إليه سبحانه و هو مقتضى التوحيد في الخالقية، و إنّه لا خالق إلاّ هو.

الثانية - علّيّة شيء لشيء عبارة عن كونه مشتملا على خصوصية تقتضي صدور المعلول عنه و توجب إيجابا قطعيا وجود المعلول في الخارج بحيث لو لا تلك الخصوصية لما تحقق المعلول. و لأجل ذلك تكون بين الخصوصية القائمة بالعلّة و وجود المعلول رابطة و صلة خاصة تقتضي وجود المعلول، و لو لا تلك الخصوصية لكانت نسبة المعلول إلى العلّة، و غيرها الفاقد لها، متساوية، مع أنه ضروري البطلان.

فالخصوصية الموجودة في النار الموجبة للحرارة غير الخصوصية الموجودة في الماء المقتضية للرطوبة.

الثالثة - إنّ فاعليته تعالى لما عداه، بنفس ذاته لا بخصوصية طارئة، وجهة زائدة عليها. فهو بنفس ذاته فاعل الكل، كما هو مقتضى بساطة ذاته

ص: 114

و غناه عن كل شيء (الخصوصية الزائدة) سواه. فالواجب تبارك و تعالى فاعل بذاته لا بحيثيّة منضمة إليها.

الرابعة - إنّ العلم بالجهة المقتضية للشيء، علم بذاك الشيء.

فيتحصل أنّ علمه تعالى بذاته، علم بتلك الخصوصية و الجهة.

و يترتب عليه لازمه، أعني علمه بالأشياء قضاء للملازمة.

و قد أشار إلى هذا البرهان أعاظم المتكلمين و الفلاسفة. قال صدر المتألهين: «إنّ ذاته سبحانه لما كانت علّة للأشياء - بحسب وجودها - و العلم بالعلة يستلزم العلم بمعلولها، فتعقّلها من هذه الجهة لا بدّ أن يكون على ترتيب صدورها واحدا بعد واحد»(1).

و إلى ذلك يشير الحكيم السبزواري في منظومته بقوله:

و عالم بغيره إذا استند *** إليه و هو ذاته لقد شهد

بالسّبب العلم بما هو السّبب *** علم بما مسبّب به وجب(2)

2 - الإحكام و الإتقان دليل علمه بالمصنوعات

إنّ لحاظ كل جهاز بسيط أو معقد (كقلم أو عقل الكتروني) يدلنا على أنّ صانعه عالم بما يسود ذلك الجهاز من القوانين و العلاقات. كما تدل دائرة معارف ضخمة على علم مؤلفيها و جامعيها بما فيها.

و بعبارة أخرى: إنّ وجود المعلول كما يدل على وجود العلة، فخصوصياته تدل على خصوصية في علته، فالعالم بما أنه مخلوق للّه سبحانه

ص: 115


1- الأسفار، ج 6، ص 275. و راجع في ذلك أيضا التجريد و شروحه.
2- شرح المنظومة، قسم الفلسفة، ص 164.

يدل ما فيه من بديع الخلق و دقيق التركيب على أنّ خالقه عالم بما خلق، عليم بما صنع. فالخصوصيات المكنونة في المخلوق ترشدنا إلى صفات صانعه.

و قد وقع هذا البرهان موضع عناية عند المتفكرين. فإنّ المصنوع يدلّ من جهة الترتيب الذي في أجزائه أي كون صنع بعضها من أجل بعض، و من جهة موافقة جميعها للغرض المقصود من ذلك المصنوع، على أنّه لم يحدث عن فاعل غير عالم بتلك الخصوصيات، بل حدث عن صانع رتب ما قبل الغاية، فيجب أن يكون عالما به. و الإنسان إذا نظر إلى بيت و أدرك أنّ الأساس قد صنع من أجل الحائط و أنّ الحائط من أجل السقف، يتبين له أنّ البيت قد وجد عن عالم بصناعة البناء.

و الحاصل، أنّ المصنوع بما فيه من إتقان و دقة و نظام بديع و مقادير معينة و مضبوطة يحكي عن أنّ صانعه مطّلع على هذه القوانين و الرموز، عارف بما يتطلبه ذلك المصنوع من مقادير و أنظمة. و من هنا يشهد الكون ابتداء من الذرة الدقيقة و انتهاء إلى المجرة الهائلة، و من الخلية الصغيرة إلى أكبر نجم، بما يسوده من أنظمة و تخطيطات بالغة الدقة، على أنّ خالق الكون عالم بكل ما فيه من أسرار و قوانين و أن من المستحيل أن يكون جاهلا. و قد أشار القرآن الكريم إلى هذا الدليل بقوله: أَ لاٰ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَ هُوَ اَللَّطِيفُ اَلْخَبِيرُ (1).

و قال تعالى: وَ لَقَدْ خَلَقْنَا اَلْإِنْسٰانَ وَ نَعْلَمُ مٰا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ (2).

و قال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): «علم ما يمضي و ما مضى، مبتدع الخلائق بعلمه و منشؤها بحكمته»(3).1.

ص: 116


1- سورة الملك: الآية 14.
2- سورة ق: الآية 16.
3- نهج البلاغة، قسم الحكم، 191.

و قال الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام): «سبحان من خلق الخلق بقدرته، أتقن ما خلق بحكمته و وضع كلّ شيء موضعه بعلمه»(1).

و إلى هذا الدليل أشار المحقق الطوسي في تجريد الاعتقاد بقوله:

«و الإحكام دليل العلم».

فإن قلت: قد يصدر من بعض الحيوانات أفعال متقنة في ترتيب مساكنها و معيشتها، كما في النحل و النمل و كثير من الوحوش و الطيور، مع أنها ليست من أولي العلم ؟ قلت: إنّ ما ذكرنا من أن الإتقان في الفعل يدل على علم الفاعل قضية عقلية غير قابلة للتخصيص، و أما هذه الحيوانات فإن عملها بإلهام من خالقها كما عليه النصوص القرآنية. قال سبحانه: وَ أَوْحىٰ رَبُّكَ إِلَى اَلنَّحْلِ أَنِ اِتَّخِذِي مِنَ اَلْجِبٰالِ بُيُوتاً وَ مِنَ اَلشَّجَرِ وَ مِمّٰا يَعْرِشُونَ * ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ اَلثَّمَرٰاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهٰا شَرٰابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوٰانُهُ فِيهِ شِفٰاءٌ لِلنّٰاسِ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (2).

و ما ربما يقال من تفسير هذه الأفعال العجيبة بغرائز الحيوانات، فلا ينافي ما ذكرنا. فإن الغرائز الصّمّاء لا تزيد عن كونها مادة عمياء لا تقدر على إيجاد شيء موزون إلاّ إذا كانت هناك قيادة عالية تسوقها إلى ما هو المطلوب منها. و للتفسير مجال آخر.

علمه سبحانه بالأشياء بعد إيجادها
اشارة

قد تعرفت على براهين علمه بذاته و بأفعاله قبل الإيجاد، و حان وقت

ص: 117


1- بحار الأنوار ج 4، ص 65.
2- سورة النحل: الآيتان 68-69.

البحث عن علمه سبحانه بأفعاله بعد إيجادها و تكوينها فنكتفي في المقام بالبرهانين التاليين:

1 - علمه سبحانه فعله

إنّ الأشياء الخارجية تنتهي في مقام الوجود إلى اللّه سبحانه و يعدّ الكلّ معلولا له. و كلّ معلول حاضر بوجوده العيني عند علته لا يغيب و لا يحجب عنها. و قد عرفت أنّ حقيقة العلم هو حضور المعلوم لدى العالم.

و بعبارة أخرى: إنّ كل موجود سواه ممكن، جوهرا كان أو عرضا، خارجيا كان أو ذهنيا. فالكل مصبوغ بصبغة الإمكان، و لا محيص للممكن عن الاستناد إليه. و ليس الاستناد إلاّ الحضور لديه و إحاطته سبحانه به(1).

توضيح هذا الدليل: إنّ كل ممكن معلول في تحققه للّه سبحانه، و ليس للمعلولية معنى سوى تعلق وجود المعلول بعلته و قيامه بها قياما واقعيا كقيام المعنى الحرفي بالمعنى الاسمي. فكما أنّ المعنى الحرفي بكل شئونه قائم بالمعنى الاسمي فهكذا المعلول قائم بعلته. و كما أنّ انقطاع المعنى الحرفي عن الاسمي يقضي على وجوده، فهكذا انقطاع المعلول عن العلة ينتهي إلى انعدامه.

فإذا قلت: «سرت من البصرة»، فهناك معنى اسمي و هو السير و البصرة، و معنى حرفي و هو ابتداء السير من ذلك البلد. و لكن المعنى الثاني قائم بالطرفين و لولاهما لما كان له قوام. و مثله المعلول أي الوجود الإمكاني المفاض، قائم بالمفيض و ليس له واقعية سوى تعلقه بعلته. و إلاّ يلزم استقلاله و هو، مع فرض الإمكان، خلف. و ما هذا شأنه لا يكون خارجا عن وجود علته، إذ الخروج عن حيطته يلازم الاستقلال و هو لا يجتمع

ص: 118


1- كشف المراد، ص 175، بتصرف.

مع كونه ممكنا. فلازم الوقوع في حيطته و عدم الخروج عنها، كون الأشياء كلها حاضرة لدى ذاته. و الحضور هو العلم لما عرفت من أنّ العلم عبارة عن حضور المعلوم لدى العالم.

و يترتب على ذلك أنّ العالم كما هو فعله، فكذلك علمه سبحانه.

و على سبيل التقريب لاحظ الصور الذهنية التي تخلقها النفس في مسرح الذهن، فهي فعل النفس و في نفس الوقت علمها، و لا تحتاج النفس في العلم بتلك الصور إلى صور ثانية، و كما أنّ النفس محيطة بتلك الصور و هي قائمة بفاعلها و خالقها فهكذا العالم دقيقه و جليله مخلوق للّه سبحانه قائم به، و هو محيط به.

2 - سعة وجوده دليل علمه

أثبتت البراهين القاطعة أنّ وجوده سبحانه منزّه عن الجسم و المادّة و الزمان و المكان. و هو فوق كل قيد زماني أو مكاني و ما كان هذا شأنه يكون وجوده غير محدود و لا متناه إذ المحدودية و التقيّد فرع كون الشيء سجين الزمان و المكان. فالموجود الزماني و المكاني لا يتجاوز إطار محيطه و أمّا المنزّه عن ذينك القيدين فلا يحدّه شيء و لا يحصره حاصر. و ما هذا حاله لا يغيب عنه شيء و لا يحيطه شيء بل هو يحيط كل شيء.

و على سبيل التقريب نقول إنّ الإنسان الجالس في الغرفة الناظر إلى خارجها من كوّة صغيرة لا يرى من القطار العابر إلاّ جزءا منه و هو بخلاف الواقف على السطح أو الناظر من أفق أعلى كالطائرة.

و على هذا الأصل فكلما كان الإنسان متجرّدا عن القيود تكون إحاطته بالأشياء أكثر و أكثر. و اللّه المنزه عن الزمان و المكان و كل حد و قيد لا يحيط به شيء من الأشياء الواقعة في إطار الزمان و المكان، بل هو المحيط بكل ما يجري على مسرح الوجود.

ص: 119

و قد أشار الإمام عليّ (عليه السلام) إلى بعض ما ذكرنا بقوله: «إنّ اللّه عزّ و جلّ أيّن الأين فلا أين له، و جلّ أن يحويه مكان، و هو في كل مكان، بغير مماسّة، و لا مجاورة. يحيط علما بما فيها، و لا يخلو شيء منها من تدبيره».

و سنتلو عليك بعض الآيات الكريمات عند البحث عن علمه سبحانه بالجزئيات.

مراتب علمه سبحانه

قد تبين مما ذكرنا أنّ علمه سبحانه بالأشياء ذو مرتبتين:

الأولى: علمه بها قبل إيجادها في مرتبة الذات و قد عرفت برهانه.

الثانية: علمه بها بعد إيجادها خارج مرتبة الذات و قد عرفت برهانه.

هذا حسب ما ساقتنا إليه البراهين الفلسفية. غير أنّ الذكر الحكيم يذكر لعلمه سبحانه مظاهر عبّر عنها تارة:

باللوح المحفوظ، و أخرى بالكتاب المسطور، و ثالثة بالكتاب المبين، و رابعة بالكتاب المكنون، و خامسة بالكتاب الحفيظ، و سادسة بالكتاب المؤجّل، و سابعة بالكتاب، و ثامنة بالإمام المبين، و تاسعة بأم الكتاب. و عاشرة بلوح المحو و الإثبات.

فإلى اللوح المحفوظ أشار سبحانه بقوله: بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (1). و إلى الكتاب المسطور بقوله: وَ كِتٰابٍ مَسْطُورٍ * فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (2). و إلى الكتاب المبين بقوله: وَ لاٰ رَطْبٍ وَ لاٰ يٰابِسٍ إِلاّٰ

ص: 120


1- سورة البروج: الآيتان 21 و 22.
2- سورة الطور: الآيتان 2 و 3.

فِي كِتٰابٍ مُبِينٍ (1) . و إلى الكتاب المكنون بقوله: إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتٰابٍ مَكْنُونٍ (2). و إلى الكتاب الحفيظ بقوله: قَدْ عَلِمْنٰا مٰا تَنْقُصُ اَلْأَرْضُ مِنْهُمْ وَ عِنْدَنٰا كِتٰابٌ حَفِيظٌ (3). و إلى الكتاب المؤجّل بقوله:

وَ مٰا كٰانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاّٰ بِإِذْنِ اَللّٰهِ كِتٰاباً مُؤَجَّلاً (4) . و إلى الكتاب بقوله: وَ قَضَيْنٰا إِلىٰ بَنِي إِسْرٰائِيلَ فِي اَلْكِتٰابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي اَلْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ (5). و إلى الإمام المبين بقوله: وَ كُلَّ شَيْ ءٍ أَحْصَيْنٰاهُ فِي إِمٰامٍ مُبِينٍ (6). و إلى أم الكتاب بقوله: وَ إِنَّهُ فِي أُمِّ اَلْكِتٰابِ لَدَيْنٰا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (7). و إلى لوح المحو و الإثبات بقوله: يَمْحُوا اَللّٰهُ مٰا يَشٰاءُ وَ يُثْبِتُ (8). و قد اكتفينا في الإشارة إلى كل كتاب بآية واحدة مع أنّ بعض هذه الكتب وردت الإشارة إليها في آيات كثيرة.

ثم إن المفسرين اختلفوا في حقيقة هذه الكتب و خصوصياتها فمن قائل بتجردها عن المادة و المادية حتى يصحّ أن تعدّ مظاهر لعلمه غير المتناهي.

و من قائل بكونها ألواحا و كتبا مادية سطّرت فيها الأشياء و أعمارها و أوقاتها على وجه الرمز. و لا يمكن الركون إلى هذين القولين بل يجب الإيمان بها و تحرّي تفسيرها عن طريق الكتاب و السنّة الصحيحة.

ثم إنّه يعدّ من مظاهر علمه القضاء و القدر و سنبحث عنهما في فصل خاص بإذن منه سبحانه.9.

ص: 121


1- سورة الأنعام: الآية 59.
2- سورة الواقعة: الآيتان 77 و 78.
3- سورة ق: الآية 4.
4- سورة آل عمران: الآية 145.
5- سورة الإسراء: الآية 4.
6- سورة يس: الآية 12.
7- سورة الزخرف: الآية 4.
8- سورة الرعد: الآية 39.
نكتتان يجب التنبيه عليهما:
أ - علمه سبحانه حضوريّ لا حصوليّ :

قد تعرّفت على الفرق بين العلم الحصولي و الحضوري و لا نعيده.

غير أنّ الذي يجب إلفات النظر إليه أنّ علمه سبحانه بذاته و بفعله حضوري:

أمّا علمه الذاتي بذاته فلعدم غيبوبة ذاته عن ذاته و حضورها لديها. و أمّا علمه بالأشياء فقد عرفت أنّه على وجهين:

الأول: إنّ العلم بالذات علم بالحيثية التي تصدر عنها الأشياء و العلم بتلك الحيثية علم بالأشياء. و بذلك يتضح أنّ علمه سبحانه بذاته كشف تفصيلي عن الأشياء على الوجه اللائق بذاته.

الثاني: حضور الممكنات لدى الواجب. لأن الممكن قائم بوجود الباري سبحانه حدوثا و بقاء و إنّ قيامه بذاته سبحانه أشبه بقيام المعنى الحرفيّ بالاسمي. و هذا النحو من الوجود لا يقبل الغيبوبة إذ هي مناط انعدامه و فنائه. فإذا كانت الموجودات الإمكانية بهذه الخصوصية، فكيف يتصور لها الانقطاع عنها؟ و ما هو إلا فرض انعدامها و فنائها. فعلى ذلك فالعالم بعامة ذراته، فعله سبحانه و إيجاده، و في الوقت نفسه حاضر لديه و هو، أي الحضور، علمه. فعلم اللّه و فعله مفهومان مختلفان و لكنهما متصادقان في الخارج.

و أمّا أنّ له سبحانه وراء العلم الحضوري علما حصوليا أو لا، فالبحث عنه موكول إلى محله في الكتب المطوّلة. فإن المشائيّين من الفلاسفة زعموا أنّ له سبحانه علما حصوليا أسموه بالصور المرتسمة.

ب - علمه سبحانه بالجزئيات:

و إن تعجب فعجب إنكار بعض الفلاسفة علمه سبحانه بالجزئيات

ص: 122

متأثرين ببعض الشبهات الواهية التي ستقف على بعضها و جوابها. و الإمعان فيما ذكرنا حول الموجودات الإمكانية يوضح لزوم علمه سبحانه بالجزئيات وضوحا كاملا. و يتضح حقيقته إذا وقفت على كيفية الخلقة و إفاضة الوجود من اللّه سبحانه، و إليك بيانه:

إنّ الكون - بكل ما فيه - من الذرّة إلى المجرّة متجدد متغير لا بعوارضه و صفاته فقط بل بجواهره و ذواته. و ما يتراءى للناظر من الثبات و الاستقرار و الجمود في عالم الطبيعة فهو من خطأ الحواس، و الحقيقة غير ذلك، فالمادة بجميع ذرّاتها خاضعة للتغير و التبدل و السيلان في كل آن و أوان.

و معنى التغير في عالم المادة هو تجدد وجودها و سيلان تحققها آنا بعد آن.

فكل ظاهرة مادية مسبوقة بالعدم الزماني. و وجود المادة، التي حقيقتها التدرّج و السيلان، أشبه بعين نابعة يتدفق منها الماء باستمرار، فليس لها بقاء و ثبات و جمود و استقرار.

فإذا كانت الخلقة و إفاضة الوجود على وجه التدريج و التجزئة، و لم يكن بإمكان المعلول الخروج عن حيطة علته، يظهر أن العالم بذرّاته و أجزائه، حسب صدوره من اللّه تعالى، معلوم له. فالإفاضة التدريجية، و الحضور بوصف التدرّج لديه سبحانه، يلازم علمه تبارك و تعالى بالجزئيات الخارجيّة.

شبهات المنكرين
اشارة

قد عرفت برهان علمه سبحانه بالجزئيات، و بقي الكلام في تحليل الشبهات التي أثيرت في هذا المجال. و إليك بيانها:

الشبهة الأولى: العلم بالجزئيات يلازم التغيّر في علمه
اشارة

قالوا لو علم سبحانه ما يجري في الكون من الجزئيات لزم تغيّر علمه

ص: 123

بتغيّر المعلوم و إلاّ لانتفت المطابقة. و حيث إنّ الجزئيات الزمانية متغيرة، فلو كانت معلومة للّه تعالى لزم تغيّر علمه، و هو محال.

و أوضحها العلاّمة ابن ميثم البحراني بقوله: «و منهم من أنكر كونه عالما بالجزئيات على الوجه الجزئي المتغيّر، و إنما يعلمها من حيث هي ماهيات معقولة. و حجتهم أنه لو علم كون زيد جالسا في هذه الدار، فبعد خروجه منها، إن بقي علمه الأول، كان جهلا، و إن زال لزم التغير»(1).

تحليل الشبهة

إنّ الشبهة واهية جدا، و الجواب عنها:

أولا: بالنقض بالقدرة، و ذلك أنّه لو استلزم تعلق العلم بالجزئيات تغيّره عند تغيّر المعلوم، فإنه يلزم أيضا تغيّر قدرته بتعلّقها بالجزئيات، و القدرة من صفات الذات، فما هو الجواب في جانب القدرة و الجواب في جانب العلم ؟.

و ثانيا: بالحلّ . إنّ علمنا بالحوادث الموجودة في أزمنة مختلفة علم زماني و أمّا علمه تعالى فليس بزماني أصلا. فلا يكون ثمة حال و ماض و مستقبل. فإن هذه صفات عارضة للزمان بالقياس إلى الموجود الزماني الذي يعيش فيه، و يسمى ما يزاوله من الزمان حالا، و ما مضى بالنسبة إليه ماضيا، و ما سيوافيه، مستقبلا. و أما الموجود الخارج عن إطار الزمان و المحيط به و بكل مكان فلا يتصور في حقه ماض و حاضر و مستقبل. فاللّه سبحانه عالم بجميع الحوادث الجزئية دفعة واحدة لا من حيث أنّ بعضها واقع في الحاضر و بعضها في الماضي و بعضها في المستقبل. بل يعلمها علما شاملا متعاليا عن الدخول تحت الأزمنة.

ص: 124


1- قواعد المرام، ص 98.

و بعبارة أخرى: إنّه تعالى لمّا لم يكن مكانيا أيضا (كما أنّه لم يكن زمانيا) كانت نسبته إلى جميع الأمكنة على السواء فليس بالقياس إليه قريب و بعيد و متوسط. و على ذلك تكون نسبته إلى جميع الأشياء في جميع الأزمنة على السواء. فالموجودات من الأزل إلى الأبد معلومة له و ليس في علمه «كان» و «كائن» و «سيكون»، بل هي حاضرة عنده بكل خصوصياتها لكن لا من حيث دخول الزمان فيها بحسب أوصافها الثلاثة، إذ لا تحقق لها بالنسبة إليه تعالى. و مثل هذا العلم لا يكون متغيرا بل مستمرا كالعلم بالكليات.

و لتقريب الذهن نأتي بمثال: إذا كان الشارع حافلا بالسيّارات العابرة واحدة تلو الأخرى و كان هناك إنسان ينظر إليه من نافذة ضيّقة. فإنه يرى في كل لحظة سيارة واحدة. فالسيارات حينئذ بالنسبة إليه على أقسام ثلاثة:

سيارة مرّت، و سيارة تمرّ، و سيارة لم تمرّ بعد. و هذا التقسيم صحيح بالنسبة إليه في هذا الموضع.

و لكن لو كان هذا الإنسان ينظر إلى هذا الشارع من أفق عال، فإنه يرى مجموع السيارات دفعة واحدة و لا يصح هذا التقسيم بالنسبة إليه عندئذ.

و على ذلك الأصل فالموجود المنزّه عن قيود الزمان و حدود المكان يقف على جميع الأشياء مرة واحدة، و تنصبغ الموجودات المتغيرة بصبغة الثّبات بالنسبة إليه.

فالعلم في المثال الذي ذكر في بيان الشبهة من كون زيد جالسا في الدار ساعة ثم خروجه منها في ساعة أخرى، يتعلق بالجلوس و الخروج مرة واحدة و لا معنى للتقدم و التأخر.

حل الشّبهة بوجه آخر

إنّ الشبهة قائمة على فرض كون علمه سبحانه بالأشياء علما حصوليا

ص: 125

عن طريق الصور المرتسمة القائمة بذاته سبحانه و عند ذلك يكون التغير في المعلوم ملازما لتغير الصّور القائمة به و يلزم على ذلك كون ذاته محلا للتغير و التبدّل.

و أما لو قلنا بأنّ علمه سبحانه بالجزئيات علم حضوري بمعنى أنّ الأشياء بهويّاتها الخارجية و حقائقها العينية، فعله سبحانه و في الوقت نفسه علمه، فلا مانع من القول بطروء التغير على علمه سبحانه إثر طروء التغير على الموجودات العينية. فإنّ التغير الممتنع على علمه إنما هو العلم الموصوف بالعلم الذاتي و أما العلم الفعلي، أي العلم في مقام الفعل، فلا مانع من تغيره كتغيّر فعله. فإنّ العلم في مقام الفعل لا يعدو عن كون نفس الفعل علمه لا غير. و إلى ذلك يشير المحقق الطوسي بقوله: «و تغير الإضافات ممكن»(1).

أي إنّ التغير إنّما هو في الإضافات لا في الذات. و المقصود من الإضافات هو فعله الذي هو علمه، و لا مانع من حدوث التغير في الإضافات و المتعلّقات من دون حدوث تغيّر في الذات.

الشبهة الثانية: إدراك الجزئيّات يحتاج إلى آلة

إنّ إدراك الجزئيات يحتاج إلى أدوات ماديّة و آلات جسمانية، و هو سبحانه منزه عن الجسم و لوازم الجسمانية.

و الجواب عن هذه الشبهة واضح، ذلك أنّ العلم بالجزئيات عن طريق الأدوات المادية إنما هو شأن من لم يحط الأشياء إحاطة قيموميّة، و لم تكن الأشياء قائمة به حاضرة لديه، كالإنسان، فإنّ علمه بها لمّا كان عن طريق انتزاع الصور بوسيلة الأدوات الحسّية كان إدراك الجزئيات متوقفا على تلك الأدوات و إعمالها.

ص: 126


1- تجريد الاعتقاد، ص 176.

و أما الواجب عزّ اسمه، فلمّا كان علمه عن طريق إحاطته بالأشياء و قيامها به قياما حقيقيا فلا يتوقف علمه بها على الأدوات و إعمالها.

و إلى هذا الجواب يشير الفاضل القوشجي في شرح التجريد بقوله:

«إن إدراك الجزئيات إنما يحتاج إلى آلة جسمانية إذا كان العلم بانتزاع الصورة، و أما إذا كان إضافة محضة بدون الصورة فلا حاجة إليها»(1).

الشبهة الثالثة: العلم بالجزئيات يلازم الكثرة في الذات

إنّ العلم صورة مساوية للمعلوم مرتسمة في العالم، و لا خفاء في أنّ صور الأشياء مختلفة، فيلزم كثرة المعلومات و كثرة الصور في الذات الأحديّة من كل وجه(2).

و الإجابة عن الإشكال - حسب ما عرفت - واضحة، فإنّه مبنيّ على كون علمه بالأشياء مرتسما في ذاته سبحانه كارتسام الأشياء في النفس الإنسانية، فيلزم حدوث الكثرات في الذات الأحديّة. و قد عرفت أنّ علمه بالأشياء ليس بهذا النّمط، بل الهويّات الخارجيّة حاضرة لدى ذاته بلا ارتسام، و هذا النّوع من العلم أقوى من ارتسام صور الأشياء.

الشبهة الرابعة: العلم بالجزئيات يوجب انقلاب الممكن واجبا

لو تعلّق العلم بالمتجدد قبل تجدّده لزم وجوبه و إلاّ لجاز أن لا يوجد، فينقلب علمه تعالى جهلا و هو محال(3).

و بعبارة أخرى: إنّ علمه تعالى لا يتعلق بالحوادث قبل وقوعها و إلاّ

ص: 127


1- شرح تجريد الاعتقاد للقوشجي، ص 414.
2- المصدر السابق.
3- كشف المراد، ص 176.

يلزم أن تكون تلك الحوادث ممكنة و واجبة معا. أما الأول فلكونها حادثة، و أمّا الثاني فلأنها لولاه لجاز أن لا توجد، فينقلب علمه جهلا.

و الإجابة عن الشبهة واضحة، فإنّ المحال هو اجتماع الممكن بالذات مع الواجب بالذات و أما اجتماع الممكن بالذات مع الواجب بالغير فهو أمر لا شبهة فيه. فإنّ المعاليل عند وجود العلّة التامة ممكنات بالذات واجبات بالغير.

و على ذلك فلو تعلق علمه سبحانه بوجود حادث في وقت خاص فعلمه سبحانه لا يخرجه عن الإمكان الذاتي. إذ غاية ما يقتضي كون علمه موافقا للواقع، وجوب وجوده بالغير، سواء أ كان السبب هو اللّه سبحانه أو غيره و هو يجتمع مع الممكن بالذات.

و باختصار: إنّ الحادث الذي يقع في ظرف خاص لا يخرج عن حدّ الإمكان بعد تعلّق علمه تعالى به و حصول علّته التامة. فالعالم كلّه ممكن بالذات و في الوقت نفسه واجب بالغير.

القرآن الكريم وسعة علمه تعالى

مما قدمنا تقف على عظمة الجملة القائلة «إنّ اللّه بكلّ شيء عليم» فهي تعني أنّه تعالى عالم بما مضى و ما يأتى و ما هو كائن و ما في الكون من الأسرار و الرموز. يقول سبحانه: وَ عِنْدَهُ مَفٰاتِحُ اَلْغَيْبِ لاٰ يَعْلَمُهٰا إِلاّٰ هُوَ وَ يَعْلَمُ مٰا فِي اَلْبَرِّ وَ اَلْبَحْرِ، وَ مٰا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاّٰ يَعْلَمُهٰا وَ لاٰ حَبَّةٍ فِي ظُلُمٰاتِ اَلْأَرْضِ وَ لاٰ رَطْبٍ وَ لاٰ يٰابِسٍ إِلاّٰ فِي كِتٰابٍ مُبِينٍ (1).

و يقول سبحانه: قُلْ إِنْ تُخْفُوا مٰا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اَللّٰهُ

ص: 128


1- سورة الأنعام: الآية 59.

وَ يَعْلَمُ مٰا فِي اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ مٰا فِي اَلْأَرْضِ (1) .

و يقول سبحانه: اَللّٰهُ يَعْلَمُ مٰا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثىٰ وَ مٰا تَغِيضُ اَلْأَرْحٰامُ وَ مٰا تَزْدٰادُ وَ كُلُّ شَيْ ءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدٰارٍ (2).

و قال تعالى: وَ لَقَدْ خَلَقْنَا اَلْإِنْسٰانَ وَ نَعْلَمُ مٰا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ اَلْوَرِيدِ (3).

و قال عزّ من قائل: عٰالِمِ اَلْغَيْبِ لاٰ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقٰالُ ذَرَّةٍ فِي اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ لاٰ فِي اَلْأَرْضِ وَ لاٰ أَصْغَرُ مِنْ ذٰلِكَ وَ لاٰ أَكْبَرُ إِلاّٰ فِي كِتٰابٍ مُبِينٍ (4).

إلى غير ذلك من الآيات الدّالة على علمه تعالى بالجزئيات.

رفعة التّعبير القرآني عن سعة علمه

إنّ من المفاهيم المعضلة هو تصور مفهوم اللامتناهي بحقيقته و واقعيته، فإنّ الإنسان لم يزل يتعامل في حياته مع الأمور المحدودة و لذلك أصبح تصور اللامتناهي أمرا مشكلا في غاية الصعوبة عليه. فهذه المنظومة بما فيها من السّيّارات جزء من مجرّتنا الواسعة و مع ذلك فالجزء و الكلّ متناهيان من حيث الذرّات و المركبات. و إنّ أكبر عدد تعارف الإنسان العادي على استخدامه في حياته هو رقم المليارد الذي يتألف من رقم واحد أمامه تسعة أصفار.

ثم إنّ الحضارة البشرية بسبب تكاملها في العلوم الرياضية توصلت إلى

ص: 129


1- سورة آل عمران: الآية 29.
2- سورة الرعد: الآية 8.
3- سورة ق: الآية 16.
4- سورة سبأ: الآية 3.

ما يسمى بالأرقام النجومية و مع ذلك فإنّ كل ما توصل إليه الإنسان من الأرقام حتى النجومية لا يتجاوز كونه عددا متناهيا، و القرآن الكريم عند ما يريد بيان علمه سبحانه من حيث كونه لا متناهيا، لا يستخدم الأرقام و الأعداد الرياضية و حتى النجومية لانتهائها إلى حدّ ما، بل يأتي بمثال رائع يبين سعة علمه و يقول: وَ لَوْ أَنَّ مٰا فِي اَلْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلاٰمٌ وَ اَلْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مٰا نَفِدَتْ كَلِمٰاتُ اَللّٰهِ إِنَّ اَللّٰهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (1).

أنظر إلى هذا التعبير الرائع الذي يفوق كل التعابير فلا تجد أيّ رقم رياضي يصوّر سعة علمه سبحانه يعادل قوله: مٰا نَفِدَتْ كَلِمٰاتُ اَللّٰهِ . و لو قال أحد إنّ مقدار علمه هو العدد الواحد أمامه مئات الأصفار لما أفاد أيضا ما يفيده قوله: مٰا نَفِدَتْ كَلِمٰاتُ اَللّٰهِ و بذلك تقف على حقيقة قوله سبحانه: وَ مٰا أُوتِيتُمْ مِنَ اَلْعِلْمِ إِلاّٰ قَلِيلاً (2)، فإنه يعبر عن محدوديّة المقاييس و المعايير البشرية كما يعبّر عن قلّة علم الإنسان و ضآلة معارفه.

كلمات الإمام علي (ع) في علمه تعالى بالجزئيات:

قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «لا يعزب عنه عدد قطر السّماء، و لا نجومها و لا سوافي الريح في الهواء، و لا دبيب النّمل على الصّفا، و لا مقيل الذّرّ في الليلة الظّلماء، يعلم مساقط الأوراق، و خفيّ الأحداق»(3).

و قال (عليه السلام): «الحمد للّه الذي يعلم عجيج الوحوش في الفلوات، و معاصي العباد في الخلوات، و اختلاف النينان في البحار

ص: 130


1- سورة لقمان: الآية 27.
2- سورة الإسراء: الآية 85.
3- نهج البلاغة، خطبة 178.

الغامرات، و تلاطم الماء بالرياح العاصفات»(1).

و قال (عليه السلام): «قد علم السرائر، و خبر الضمائر، له الإحاطة بكلّ شيء»(2).

إلى هنا تم الكلام عن إحدى الصفات الثبوتية الذاتية و هي العلم.

و يقع الكلام فيما يلي في الصفة الثانية و هي القدرة، بإذنه سبحانه.6.

ص: 131


1- نهج البلاغة، خطبة 198.
2- نهج البلاغة، خطبة 86.

ص: 132

الصّفات الثبوتية الذاتية

(2) القدرة

اشارة

اتفق الإلهيون على أنّ القدرة من صفاته الذاتيّة الكمالية كالعلم.

و لأجل ذلك يعدّ القادر من أسمائه سبحانه(1).

القدرة لغة - كما عرّفها أصحاب المعاجم - الملك و الغنى و اليسار.

قال ابن منظور: يقال قدر على الشّيء قدرة أي ملكه فهو قادر و قدير. يقول سبحانه عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (2) أي قادر، و القدر الغنى و اليسار.

و قال الراغب: القدرة إذا وصف بها الإنسان فاسم لهيئة له، بها يتمكن من فعل شيء ما. و إذا وصف اللّه تعالى بها فهو نفي العجز عنه. ا. ه. و لا يخفى أن تفسير الراغب القدرة في اللّه سبحانه بإرجاعها إلى الصفات السلبية (نفي العجز عنه) خطأ واضح، لأن القدرة كمال و لا يشذّ كمال عن ذاته.

ص: 133


1- الفرق بين الصفة و الاسم عبارة عن أنّ الأول لا يحمل على الموضوع فلا يقال «زيد علم» بخلاف الثاني فيحمل عليه و يقال «زيد عالم» و على ذلك جرى الاصطلاح في أسمائه و صفاته سبحانه. فالعلم و القدرة و الحياة صفات و «العالم» و «القادر» و «الحيّ » أسماؤه تعالى.
2- سورة القمر: الآية 55.
تعريف القدرة:

ثم إنّ الفلاسفة و المتكلّمين فسروا القدرة بوجوه أبرزها:

1 - القدرة بمعنى صحة الفعل و التّرك، فالقادر هو الذي يصح أن يفعل و يصح أن يترك.

2 - القدرة هي الفعل عند المشيئة، و الترك عند عدمها. فالقادر من إن شاء فعل و إن شاء لم يفعل، أو إن لم يشأ لم يفعل.

و قد أورد على التعريف الأول بأنّ معنى صحة الفعل و الترك إمكانهما للقادر. و هذا الإمكان إما إمكان ما هوي يقع وصفا للماهية و يقال: الإنسان بما هو إنسان يمكن أن يفعل و يمكن أن لا يفعل. و إمّا امكان استعدادي يقع وصفا للمادة المستعدة لأن تتصف بكمال مثل قولنا: الحبّة لها إمكان أن تكون شجرة. و على كلا التقديرين فلا يصح تبيين قدرته سبحانه بهذه العبارة لأن اللّه سبحانه منزّه عن الماهية بل هو وجود كلّه، فكيف يمكن توصيفه بإمكان هو من عوارضها. كما أنّه سبحانه منزّه عن المادّة و الاستعداد، فكيف يصح تبيين قدرته بشيء يقوم بالمادة و الاستعداد، هذا.

و قد أورد على التعريف الثاني بأنّ ظاهره كون الفاعل موجدا للفعل بالمشيئة، و لازمه أن لا يكون الفاعل تامّا في الفاعلية إلاّ بضم ضميمة إليه و هي المشيئة و هو مستحيل على اللّه سبحانه، لأنّه غنيّ في الفاعلية عن كل شيء سوى ذاته حتى المشيئة الزائدة عليها.

دفاع عن التعريفين

إنّ الهدف من وصفه تعالى بالقدرة هو إثبات كمال و جمال له و تنزيهه عن النقص و العيب. فلو كان لازم بعض التعاريف طروء نقص أو توهّم في

ص: 134

حقه سبحانه، وجب تجريدها عن تلك اللوازم و تمحيضها في الكمال المطلق. و هذا لا يختص بالقدرة بل كل الصفات الجارية عليه سبحانه تتمتع بذلك الأمر.

مثلا: إنّ الحياة مبدأ الكمال و الجمال، و مصدر الشعور و العلم، فليس الهدف من توصيفه سبحانه بالحياة إلاّ الإشارة إلى ذاك الكمال. و أمّا الذي ندركه من الحياة، و ننتزعه من الأحياء الطبيعية، فإنه يمتنع توصيفه تعالى به لاستلزامه كونه سبحانه موجودا طبيعيّا مستعدا للفعل و الانفعال إلى غير ذلك من خصائص الحياة المادية. و لأجل ذلك يجب أن نصفه سبحانه بالحياة مجردة عن النقائص. و هذه ضابطة كلية في جميع الصفات الإلهية فلا توصف ذاته سبحانه بشيء منها إلاّ بهذا الملاك، و هذا ما يسعى إليه الحكيم العارف باللّه سبحانه. و عند ذلك يصح تفسير قدرته سبحانه بما ورد في التعريفين و لكن بتجريد كل واحد منهما عما يستلزمه من النقائص، ككونه سبحانه ذا ماهية أو مادة مستعدة، كما في التعريف الأول. أو كونه سبحانه فاعلا بمشيئة زائدة على الذات، كما في التعريف الثّاني.

و على ذلك فالذي يمكن أن يقال هو إنّ نسبة الفعل إلى فاعله لا تخلو عن أقسام ثلاثة:

الأول: أن يكون الفاعل متقيدا بالفعل فلا ينفك فعله عنه، و ذلك هو الفاعل المضطر كالنار في إحراقها، و الشمس في إشراقها.

الثاني: أن يكون الفاعل متقيّدا بترك الفعل فيكون الفعل ممتنعا عليه.

الثالث: أن لا يكون الفاعل متقيّدا بواحدة من النسبتين فلا يكون الفعل ممتنعا حتى يتقيّد بالترك، و لا الترك ممتنعا حتى يتقيد بالفعل. فيعود الأمر في تفسير القدرة إلى كون الفاعل مطلقا غير مقيد بشيء من الفعل

ص: 135

و الترك(1).

هذا ما نفهمه من توصيفه سبحانه بالقدرة سواء أ فسّرت بصحة الفعل و الترك أم فسّرت ب «إن شاء فعل و إن شاء لم يفعل». فإنّا نأخذ من التعريفين كمال القدرة و نطرح نقائصها. فيصح أن يقال إنّ القدرة في حقّه سبحانه بمعنى صحة الفعل و الترك، بمعنى تجرده عن التقيد بالفعل أو الترك. كما يصح أن يقال بالتعريف الثاني، لا بمعنى كونه فاعلا بالمشيئة الزائدة، بل ما عرفت من تجرده عن أي إلزام بأحد الطرفين.

دلائل قدرته
اشارة

أستدل على قدرته سبحانه بوجوه نعرض أوضحها و أقواها.

الأول - الفطرة

إنّ كل إنسان يجد في قرارة نفسه انجذابا إلى قدرة سامية عند طروء الشدائد و يعتقد أنّ هناك قدرة عليا هي الملجأ الوحيد للنجاة في تلك الأحايين. و هذا ما يلمسه من دون تلقين و تعليم. و وجود هذه الفطرة حاك عن وجود تلك القدرة المطلقة، و إلاّ يلزم أن يكون وجودها لغوا. و ليس المراد من الفطرة هنا هو تصوّر القادر و توهّمه عند طروء الشدائد حتى يقال إنّ تصور الشيء لا يدل على وجوده كتصور العنقاء الذي لا يعد دليلا على وجودها، بل المراد منها الميل الباطني، و الانجذاب الذاتي الوجداني، و إحساسه ذلك الانجذاب كسائر أحاسيسه.

فالإنسان الغارق في الشدائد الآيس من كل سبب مادي، يجد في

ص: 136


1- و بذلك تعرف أنّ توصيفه سبحانه بالقدرة بمعنى تجرّده عن الإلزام بأحد الطرفين يلازم ثبوت وصف الاختيار له سبحانه و سيوافيك الكلام فيه، بإذن منه سبحانه.

أعماق نفسه - وجدانا لا يشك فيه - أنّ هناك موجودا عالما بمشاكله قادرا على دفعها عنه. و لا ينافي فطريته الغفلة عنه بعد ارتفاع الشدائد و زوال المحن، إذ ليس كل أمر فطري متجلّ في جميع الظروف. فإنّ لظهور الغرائز شرائط و أجواء خاصة حتى غريزتي الشهوة و الغضب.

و باختصار إنّ الفطرة كما تدعو إلى وجوده سبحانه، تدعو إلى صفاته من العلم و القدرة. يقول سبحانه:

قُلْ أَ رَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتٰاكُمْ عَذٰابُ اَللّٰهِ أَوْ أَتَتْكُمُ اَلسّٰاعَةُ أَ غَيْرَ اَللّٰهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صٰادِقِينَ * بَلْ إِيّٰاهُ تَدْعُونَ ، فَيَكْشِفُ مٰا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شٰاءَ وَ تَنْسَوْنَ مٰا تُشْرِكُونَ (1) .

الثاني - النظام - الكوني

النظام الكوني بما فيه من دقيق و جليل، و ما فيه من جمال و بهاء، و دقّة و روعة، و إتقان و إحكام، يحكي عن قدرة مبدع الأشياء و تمكّنه من خلق أدقّها و أروعها. و قد خدمت العلوم الطبيعية كثيرا في هذا المجال.

و أثبتت قدرة الصانع. و كلّما تكاملت هذه العلوم و ازداد وقوف الإنسان على سنن الكون و قوانينه و بدائعه و روائعه، تجلّت هذه الصفة بنحو أحسن و أجلى.

و بذلك يتّضح أنّ فعل الفاعل، كما يكشف عن وجود الفاعل، يكشف عن صفته. فالديوان الشّعري الرائع كما يدل على وجود منشئ له، كذلك يدل على مقدرته الفنية و ذوقه المتفوق و قدرته على التحليق في آفاق

ص: 137


1- سورة الأنعام: الآيتان 40 و 41.

الخيال و سبك المعاني السامية في قوالب الألفاظ الجميلة. و كتاب «القانون» لابن سينا في الطب، و كتابه الآخر باسم «الشّفاء» في الفلسفة، يدلاّن على أنّ مؤلفهما كان من البارعين في الطب و الفلسفة. و لأجل ذلك نرى أنه سبحانه عند ما يصف روائع أفعاله و بدائع صنعه في آيات الذكر الحكيم، يختمها باسم «القدير» يقول سبحانه: اَللّٰهُ اَلَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمٰاوٰاتٍ وَ مِنَ اَلْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ اَلْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اَللّٰهَ عَلىٰ كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ وَ أَنَّ اَللّٰهَ قَدْ أَحٰاطَ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عِلْماً (1).

فالاحكام و الإتقان في الفعل آيتا العلم و علامتا القدرة. و إنّا نرى في كلمات الإمام علي (عليه السلام) أنّه يستند في البرهنة على قدرته تعالى بروعة فعله و جمال صنعه سبحانه.

قال (عليه السلام): «فطر الخلائق بقدرته، و نشر الرّياح برحمته، و وتّد بالصّخور ميدان أرضه»(2).

و يقول (عليه السلام): «و أرانا من ملكوت قدرته و عجائب ما نطقت به آثار حكمته»(3).

و يقول (عليه السلام): «فأقام من الأشياء أودها، و نهج حدودها و لاءم بقدرته بين متضادّها»(4).

و يقول (عليه السلام): «و أقام من شواهد البيّنات على لطيف صنعته و عظيم قدرته»(5).5.

ص: 138


1- سورة الطلاق: الآية 12.
2- النهج، الخطبة الأولى.
3- النهج، خطبة الأشباح، الخطبة 91.
4- المصدر نفسه.
5- النهج، الخطبة 165.

إلى غير ذلك من خطبه و كلماته.

و قال الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) في جواب بعض الملاحدة: «كيف احتجب عنك من أراك قدرته في نفسك»(1).

الثالث - معطي الكمال ليس فاقدا له

و من دلائل قدرته سبحانه أنّه خلق الإنسان كما خلق غيره و أعطاه قدرة يقتدر بها على إيجاد البدائع و الغرائب و الصنائع الهائلة و الأشياء الظريفة.

و من المعلوم أنّ الإنسان بوجوده و قدرته معلول وجوده سبحانه، فهل يمكن أن يكون مفيض و خالق الإنسان القادر فاقدا لها؟

سعة قدرته تعالى لكل شيء

إنّ الفطرة البشرية تقضي بأنّ الكمال المطلق الذي ينجذب إليه الإنسان في بعض الأحايين قادر على كل شيء ممكن، و لا يتبادر إلى الأذهان أبدا - لو لا تشكيك المشكّكين - أنّ لقدرته حدودا أو أنّه قادر على شيء دون شيء، و لقد كان المسلمون في الصدر الأول على هذه العقيدة استلهاما من كتاب اللّه العزيز، النّاص على عمومية قدرة اللّه سبحانه.

حتى وصل أمر الأبحاث الكلامية إلى شيوخ المعتزلة فجاءوا بتفاصيل في سعة قدرته سبحانه نشير إليها على وجه الإجمال.

1 - قال النّظّام:(2) إنّه تعالى لا يقدر على القبيح.

ص: 139


1- التوحيد للصّدوق، ص 91.
2- هو ابراهيم بن سيّار بن هاني النّظّام المتوفى عام 231 ه. و كان عهده عهد ازدهار الترجمات الأجنبية للآراء الوافدة إلى بلاد الإسلام. و من المظنون أنّه تأثر بتلك الآراء و الأفكار.

2 - و قال عبّاد بن سليمان الصّيمرى:(1) لا يقدر على خلاف معلومه.

3 - و قال البلخي:(2) لا يقدر على مثل مقدور عبده.

4 - و قال الجبّائيّان:(3) لا يقدر على عين مقدور العبد.

و ربما نسب إلى الحكماء أنّه سبحانه لا يقدر على أكثر من الواحد و لا يصدر منه إلاّ شيء واحد و هو العقل. و هناك عقائد للثنوية مبهمة نترك بيانها إلى موضع آخر(4).

هذه صورة تاريخية عن نشأة هذا الرأي، أي تقييد قدرة اللّه. و يبدو أنّ أكثر هؤلاء تأثّروا بالآراء الدخيلة الوافدة إلى بلاد الإسلام في عصر نهضة الترجمة. و ستوافيك شبهاتهم و تحليلها بعد استعراض أدلة القائلين بعموم قدرته.

أدلة القائلين بعموم القدرة الإلهية

إنّ المقصود من عموم قدرته سبحانه هو سعتها لكل شيء ممكن.

بمعنى أنّه تعالى قادر على خلق كل ما يكون ممكنا لذاته غير ممتنع كذلك.

و قد استدل المحققون عليه بقولهم:

«إنّ المقتضي موجود و المانع مفقود. أما الأول فلأن المقتضي لكونه

ص: 140


1- و قد نقل عنه القول بكون دلالة الألفاظ ذاتية لا وضعية و لم نقف على ترجمته في المعاجم. و قد ذكر العلامة الحلي نظريته في قدرته سبحانه في «نهج المسترشدين». لاحظ إرشاد الطالبين إلى نهج المسترشدين، ص 189.
2- هو أبو القاسم الكعبي المتوفي عام 317 ه.
3- و هما الشيخ أبو علي محمد بن عبد الوهاب المتوفي عام 303 ه. و ابنه أبو هاشم عبد السلام بن محمد المتوفي عام 321 ه. و كانا من رؤساء المعتزلة و أقطابهم و لهما آراء خاصة يخالفان فيها سائر شيوخها.
4- يأتي البحث عن عقائد الثنوية في مبحث التوحيد في الخالقيّة.

تعالى قادرا هو ذاته، و نسبتها إلى الجميع متساوية لكونها منزهة عن الزمان و المكان و الجهة فليس شيء أقرب إليه من شيء حتى تتعلق به القدرة دون الآخر.

و أما الثاني فلأن المقتضي لكون الشيء مقدورا هو إمكانه، و الإمكان مشترك بين الكل فتكون صفة المقدورية أيضا مشتركة بين الممكنات و هو المطلوب».

و يمكن توضيح ذلك الدليل بالبيان التالي:

إن موانع عموم قدرته يمكن أن تكون أحد الأمور التالية:

أولا - أن لا يكون الشيء ممكنا بالذات، مثل اجتماع النقيضين أو الضدّين.

ثانيا - أن يكون هناك مانع من نفوذ قدرته و شمولها للجميع. و هذا كما إذا كان في مقابله قدرة مضاهية و معارضة لقدرته.

ثالثا - أن تكون ذاته غير متساوية بالنسبة إلى الأشياء.

و العوامل الثلاثة منتفية برمّتها. أما الأول، فلأن المقصود من عموم قدرته هو شمولها لكل أمر ممكن دون الممتنع بالذات، فلا تتعلق القدرة الإلهية به أبدا، لا لقصور في الفاعل بل لقصور في المورد. و أما الثاني، فلأن القدرة المضاهية المعارضة لقدرته مرفوضة بما ثبت و يثبت في محله من وحدة الواجب سبحانه ذاتا و عدم مثيل له في صفحة الوجود، و أما القدرة الممكنة فليست مزاحمة لقدرته إذ هي مخلوقة له.

و أما الثالث، فلأن تنزّهه عن كلّ قيد و شرط وجهة و مكان يجعله متساويا بالنسبة إلى كل ممكن بالذات فلا وجه لأن يقع بعض الممكنات في إطار قدرته دون الآخر. فإن التبعيض في قدرته سبحانه رهن كون بعض

ص: 141

الأشياء قريبة إليه دون بعضها الآخر، كالإنسان الذي يعيش في مكان و زمان خاص. فإنّ الأشياء الغابرة أو المستقبلة خارجة عن حوزة قدرته، لمحدودية ذاته بالقيود الزمانية و المكانية. و أما المجرد التام الخالق لكل الأزمنة و الأمكنة و الجواهر و الأعراض فلا معنى لأن تكون ذاته قريبة إلى واحد و بعيدة عن الآخر.

هذا توضيح ذلك البرهان.

و هناك برهان آخر أروع و أبهى مما ذكر يبتني على عدم تناهي ذاته سبحانه في الجمال و الكمال و حاصله أنّ وجوده سبحانه غير محدود و لا متناه، بمعنى أنّه وجود مطلق لا يحدّه شيء من الحدود العقلية و الخارجية.

و ما هو غير متناه في الوجود، غير متناه في الكمال و الجمال، لأن منبع الكمال هو الوجود، فعدم التّناهي في جانب الوجود يلازم عدمه في جانب الكمال، و أيّ كمال أروع و أبهى من القدرة فهي غير متناهية تبعا لعدم تناهي كماله، فيثبت سعة قدرته لكل ممكن بالذات.

سعة قدرته سبحانه بمعنى آخر

إنّ لسعة قدرته سبحانه معنيين أحدهما ما تعرفت عليه، و الثاني ما طرحه الحكماء في كتبهم. و حاصله أنّ الظواهر الكونية، مجرّدها و مادّيّها، ذاتها و فعلها، تنتهي إلى قدرته سبحانه. فكما أنّه لا شريك له في ذاته، لا شريك له في فاعليته. فكلّ ما يطلق عليه كلمة الموجود فهو مخلوق للّه سبحانه مباشرة أو على نحو الأسباب و المسبّبات، فالكل يستند إليه لا محالة. و هذا هو التّوحيد في الخالقية الذي سنشرحه عند البحث في الصّفات السّلبية.

و المخالف لهذا المعنى من سعة القدرة هم الثنوية الذين جعلوا فاعل الخير غير فاعل الشر، و عامة المعتزلة الذين صيروا الإنسان فاعلا مستقلا في

ص: 142

أفعاله. و سنوضح، بإذنه تعالى، في محله بطلان هاتين العقيدتين(1).

و أما قول الحكماء بكون الصادر عن اللّه سبحانه هو العقل الأول و منه صدر العقل الثاني إلى أن تنتهي دائرة الوجود إلى المادة و الهيولى، فالظاهر أنها فرضيّة محضة لا تخالف انتهاء الموجودات إلى اللّه سبحانه عن طريق الأسباب و المسبّبات، و التفصيل موكول إلى محله.

النصوص الدينية و سعة قدرته سبحانه

لقد تضافرت النصوص من الكتاب و السنة على سعة قدرته و إطلاقها، نذكر منها:

قوله سبحانه: وَ كٰانَ اَللّٰهُ عَلىٰ كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيراً (2). و قوله سبحانه: وَ كٰانَ اَللّٰهُ عَلىٰ كُلِّ شَيْ ءٍ مُقْتَدِراً (3). و قوله سبحانه: وَ مٰا كٰانَ اَللّٰهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْ ءٍ فِي اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ لاٰ فِي اَلْأَرْضِ إِنَّهُ كٰانَ عَلِيماً قَدِيراً (4).

و قال الإمام الصادق (عليه السلام): «الأشياء له سواء، علما و قدرة و سلطانا و ملكا»(5).

و قال الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام): «هو القادر الذي لا يعجز»(6).

ص: 143


1- سنذكر بطلان عقيدة الثنوية عند البحث في التوحيد في الخالقية، و بطلان مقالة المعتزلة عند البحث في الجبر و التفويض.
2- سورة الأحزاب: الآية 27.
3- سورة الكهف: الآية 45.
4- سورة فاطر: الآية 44.
5- توحيد الصدوق، ص 131 و ص 76.
6- توحيد الصدوق، ص 131 و ص 76.
أسئلة و أجوبتها

إن القائلين بعموم قدرته سبحانه قوبلوا بعدة أسئلة نطرحها ثم نحللها، و هذه هي الأسئلة:

1 - هل يقدر سبحانه على خلق مثله ؟ فلو أجيب بالإيجاب لزم افتراض الشريك له سبحانه، و لو أجيب بالنفي ثبت ضيق قدرته و عدم عمومها.

2 - هل هو قادر على أن يجعل العالم الفسيح في البيضة من دون أن يصغر حجم العالم أو تكبر البيضة ؟ فإن أجيب بالإيجاب لزم خلاف الضرورة و هو كون المظروف أكبر من الظرف و إن أجيب بالنّفي لزم عدم عموم قدرته.

3 - هل يمكنه سبحانه أن يوجد شيئا لا يقدر على إفنائه ؟ فإن أجيب بالإيجاب لزم عدم سعة قدرته حيث لا يقدر على إفنائه. و إن أجيب بالسلب لزم أيضا عدم عموم قدرته. ففي هذا السؤال يلزم من الجواب، إيجابا و سلبا، ضيق قدرته.

هذه هي الأسئلة، و أمّا الإجابة عنها فبوجهين تارة بالإجمال و أخرى بالتفصيل.

أما الإجمال: فلأن المدّعى هو تعلق قدرته بالممكن بالذات و ما ورد في هذه الأسئلة ليست أمورا ممكنة بالذات بل كلّها إمّا محال بالذات أو شيء يستلزم ذلك المحال. و لا يعدّ عدم القدرة عليها نقصا في الفاعل. فعدم قدرة الخياط على خياطة القميص من الآجرّ، و عدم قدرة الرسام على رسم صورة الطاوس على الماء لا يعد نقصا في قدرتهما.

و هذا مثلما إذا طلبنا من عالم رياضي ماهر أن يجعل نتيجة (2 * 2) خمسة. و على هذا الأساس لا ينحصر السؤال فيما ذكر، بل كل ما لا يكون ممكنا بالذات لا يقع في إطار القدرة لقصور فيه لا لقصور في القدرة.

ص: 144

و أما الجواب التفصيلي عن الأسئلة الثلاثة فإليك بيانه:

أما الأول، فلأن المثل محال بالذات أن يقع في إطار القدرة و المطالبة بخلقه، مطالبة بأمر محال.

و ببيان آخر، إنّ القيام بخلق المثل يستلزم اجتماع الضدين في شيء واحد، فبما أنّ المفترض وجوده مثله سبحانه، يجب أن يكون واجبا لا ممكنا، قديما لا حادثا، غير متناه لا متناه. و بما أنّه تعلقت به القدرة و هي لا تتعلق إلاّ بشيء غير موجود، يجب أن يكون حادثا لا قديما، ممكنا لا واجبا، متناهيا لا غير متناه. و هذا ما قلناه من أنه يستلزم اجتماع الضدين في شيء واحد.

و بهذا تتبين الإجابة عن السؤال الثاني. فإنّ عدم تعلق القدرة بجعل الشيء الكبير في الظرف الصغير، هو من جهة كونه غير ممكن في حد ذاته.

إذ البداهة تحكم بأنّ الظرف يجب أن يكون أكبر من مظروفه، هذا من جانب و من جانب آخر، لو جعل الكبير في الظرف الصغير يلزم نقيضه أي كون الظرف أصغر من مظروفه. فالقيام بهذا الإيجاد يستلزم كون شيء واحد أعني الظرف أو المظروف في آن واحد صغيرا و كبيرا.

و أما السؤال الثالث، فلأن المفترض محال لاستلزامه المحال بالذات، ففرض خلقه سبحانه شيئا لا يقدر الخالق على إفنائه، لا ينفك عن المحال بيانه:

إنّ الشيء المذكور بما أنّه أمر ممكن فهو قابل للفناء، و بما أنّه مقيّد بعدم إمكان إفنائه فهو واجب غير ممكن. فتصبح القضية كون شيء واحد ممكنا و واجبا، قابلا للفناء و غير قابل له.

و بعبارة أخرى: إنّ كونه مخلوقا يلازم إمكان إفنائه، لأن المخلوق

ص: 145

قائم بالخالق فلو قطعت صلته به لزم انعدامه، و كونه غير قابل للإفناء يستلزم أن لا يكون مخلوقا، فالمفروض في السؤال يستلزم تحققه - على الفرض - اجتماع النقيضين. و بهذا تقدر على الإجابة على نظائر هذه الأسئلة مثل أن يقال: هل اللّه قادر على خلق جسم لا يقدر على تحريكه ؟ فإنّ هذا من باب الجمع بين المتناقضين. فإنّ فرض كونه مخلوقا يلازم كونه متناهيا، قابلا للتحريك. و في الوقت نفسه فرضنا أنّه سبحانه غير قادر على تحريكه!! إنّ هذه الفروض و أمثالها لا تضرّ بعموم القدرة، و إنما يغترّ بها بسطاء العقول من الناس، و أما أهل الفضل و الكمال فأجلّ من أن يخفى عليهم جوابها.

شبهات النافين لعموم القدرة
اشارة

قد عرفت بعض التفاصيل في هذه المسألة في صدر البحث. و قد حان وقت البحث عنها و تحليلها بشكل يناسب وضع الكتاب.

أ - اللّه سبحانه لا يقدر على فعل القبيح

استدل النّظّام على أنّه تعالى لا يقدر على القبيح بأنه لو كان قادرا عليه لصدر عنه، فيكون إما جاهلا بقبحه أو محتاجا إلى فعله و كلا الأمرين محال.

و الإجابة عنه واضحة، إذ المقصود قدرته على القبيح و أنها بالنسبة إليه و إلى الحسن سواء. فكما هو قادر على إرسال المطيع إلى الجنة قادر على إدخاله النار. و ليس هنا ما يعجزه عن ذلك العمل. لكن لما كان هذا العمل مخالفا لحكمته سبحانه و عدله و قسطه، فلا يصدر عنه. لأن القبيح لا يرتكبه الفاعل إلاّ لجهله بقبحه أو لحاجته إليه. و كلا الأمرين منتفيان عن ساحته المقدّسة. فكم فرق بين عدم القدرة على الشيء أصلا و عدم القيام به لعدم

ص: 146

الداعي. فالوالد المشفق قادر على ذبح ولده، و لكن الدواعي إلى هذا الفعل منتفية، و لا يصدر هذا الفعل إلاّ من جاهل شقيّ أو محتاج معدم.

فالنّظّام خلط بين عدم القدرة و عدم الداعي.

ب - عدم قدرته تعالى على خلاف معلومه

ذهب عبّاد بن سليمان الصّيمري إلى عدم سعة قدرته قائلا بأنّ ما علم اللّه تعالى وقوعه، يقع قطعا، فهو واجب الوقوع، و ما علم عدم وقوعه لا يقع قطعا، فهو ممتنع الوقوع. و ما هو واجب أو ممتنع لا تتعلق به القدرة، إذ القدرة تتعلق بشيء يصح وقوعه و لا وقوعه. و الشيء الذي صار - حسب تعلق علمه - أحادي التعلق، أي ذا حالة واحدة حتمية، لا يقع في إطار القدرة.

مثلا: إذا علم سبحانه و تعالى ولادة رجل في زمن معيّن، يكون وجوده في ذاك الزمن قطعيا و معلوما، فلا تتعلق قدرته بعدمه الذي هو خلاف ما علم. لأن المفروض أنّ وجوده صار واجبا و عدمه صار ممتنعا، لكون علمه كاشفا عن الواقع كشفا تاما.

و الإجابة عنه بوجهين: أما أولا - فلأن لازم ما ذكره أن لا تتعلق قدرته بأي شيء أصلا. لأنّ كل شيء إما أن يكون معلوم التحقق في علمه سبحانه أو معلوم العدم. فالأول واجب التحقق، و الثاني ممتنعه. فيكون كل شيء داخلا في أحد هذين الإطارين، فيلزم أن يمتنع توصيفه بالقدرة على أي شيء، و هو مسلّم البطلان.

و ثانيا - إنّ ابن عبّاد لم يفرق بين الواجب بالذات و الواجب بالغير، كما لم يفرق بين الممتنع بالذات و الممتنع بالغير. فالمانع من تعلق القدرة هو الوجود و الامتناع الذاتيان، لا الوجود و الامتناع الغيريان اللاحقان بالشيء من جانب وجود علته و من جانب عدم علته.

ص: 147

توضيحه: إنّ كلّ شيء تتعلق به القدرة يجب أن يكون في حدّ ذاته ممكنا تتساوى إليه نسبة الوجود و العدم. و كونه واجب الوجود عند وجود علته لا يخرجه عن حدّ الإمكان. كما أنّ كونه ممتنع الوجود عند عدم علته لا يخرجه عن ذلك الحد. و على ذلك فمعلومه سبحانه، و إن كان بين محقّق الوجود أو محقّق العدم - أي بين ضرورة الوجود بالنسبة إلى وجود علته و ضرورة العدم بالنسبة إلى عدم علّته - لكن هذه الضرورة في كلا الطرفين لا تجعل الشيء واجبا بالذات أو ممتنعا كذلك. بل الشيء حتى بعد لحوق الضرورة أو الامتناع من جانب وجود علّته أو عدمه، موصوف بالإمكان غير خارج عن حد الاستواء.

ففي المثال المفروض - أعني ولادة الإنسان في وقت معين - قد تعلق علمه و إرادته سبحانه على خلقه في ذاك الظرف، و لا يقع نقيضه. و لكن عدم وقوعه ليس لأجل عدم قدرته سبحانه عليه، بل في وسعه سبحانه قطع الفيض و عدم خلق المعلوم، بل لكونه على خلاف ما علم و أراد، فكم فرق بين عدم القيام بالشيء (عدم الخلقة) لأجل كونه خلاف ما علم صلاحه، و عدم قدرته عليه.

ج - عدم قدرته تعالى على مثل مقدور العبد

ذهب البلخي إلى أنّ اللّه تعالى لا يقدر على مثل مقدور العبد، لأنه إمّا طاعة أو معصية أو عبث، و فعل الإنسان لا يخرج عن هذه العناوين الثلاثة، و كلّها مستحيلة عليه تعالى و إلاّ لزم اتصاف فعله بالطاعة أو المعصية أو العبث. و الأوّلان يستلزمان أن يكون للّه تعالى آمر، و هو محال. و الأخير يدخل تحت القبيح و هو مستحيل عليه سبحانه. و قد مرّت الإجابة عن عدم قدرته على القبيح فلا نعيد. و أمّا الأولان فنقول:

إنّ الطاعة و المعصية ليستا من الأمور الحقيقية القائمة بالشيء نفسه،

ص: 148

بل هما أمران يدركهما العقل من مطابقة الفعل للمأمور به و مخالفته له.

فعندئذ ليس هنا أي إشكال في قدرته سبحانه على مثل ما قام به العبد بما هو مثل، بأن يكون فعله سبحانه متحد الذات و الهيئة مع فعل العبد و هيئته. و أما عدم اتصاف فعله سبحانه حينئذ بوصف الطاعة و العصيان فلا يضرّ بقدرته تعالى على مثل ما أتى به الإنسان، لأن الملاك في المثليّة هو واقعية الفعل و حقيقته الخارجية لا العناوين الاعتبارية أو الانتزاعية غير الداخلة في حقيقة الشيء. و إلى ما ذكرنا ينظر قول العلامة الحلّي في شرح التجريد: «إنّ الطاعة و العبث وصفان لا يقتضيان الاختلاف الذاتي»(1). نفترض أنّ إنسانا قام ببناء بيت امتثالا لأمر آمره، فاللّه سبحانه قادر على إيجاد مثل ذلك البيت من دون تفاوت قدر شعرة بينهما و يتّسم فعل العبد بالطاعة دون فعله سبحانه، لكن ذلك لا يوجد فرقا جوهريا بين الفعلين، بل الفعلان متحدان ماهية و هيئة.

و إنما الاختلاف في الأمر الاعتباري أو الانتزاعي، ففعل الإنسان إذا نسب إلى أمر الآمر يتّسم بالطاعة دون فعله سبحانه. و هذا لا يوجب التّقول بأنه سبحانه لا يقدر على مثل فعل عبده.

نعم، هناك أفعال صادرة عن الإنسان بالمباشرة، قائمة به قيام العرض بالموضوع، كالشرب و الأكل. فعدم صدورهما عن اللّه سبحانه سببه كونهما من الأفعال المادية القائمة بالموضوع المادي، و اللّه سبحانه منزه عن المادة، فلا يتصف بهذه الأفعال. و مع ذلك كله: فالإنسان و ما يصدر منه من الأفعال المباشرة بإقداره سبحانه و حوله و قوته، بحيث لو انقطع الفيض من ربه لصار الإنسان مع فعله خبرا بعد أثر.ا.

ص: 149


1- كشف المراد، ص 174 - طبعة صيدا.
د - عدم قدرته تعالى على عين مقدور العبد

ذهب الجبّائيّان إلى عدم سعة قدرته سبحانه، كما ذهب من تقدم، و لكن بتفصيل آخر، و هو أنّه تعالى لا يقدر على عين مقدور العبد، و إلاّ لزم اجتماع النقيضين إذا أراده اللّه و كرهه العبد، أو بالعكس.

بيان الملازمة: إنّ المقدور من شأنه الوقوع عند داعي القادر عليه، و البقاء على العدم عند وجود صارفه. فلو كان مقدور واحد واقعا من قادرين، و فرضنا وجود داع لأحدهما و وجود صارف للآخر في وقت واحد، لزم أن يوجد بالنظر إلى الدّاعي و أن يبقى على العدم بالنظر إلى الصارف، فيكون موجودا غير موجود، و هما متناقضان.

و الجواب: أولا - إنّ الامتناع لا يختص بالصورة التي ذكرها الجبّائيّان أعني التي تعلّق فيها داعي أحدهما بالفعل و صارف الآخر بعدمه، بل يجري الامتناع فيما إذا تعلقت إرادة كل منهما بإيجاد نفس المقدور و عينه، فإنّ لازم ذلك اجتماع علّتين تامّتين على معلول واحد.

ثانيا - إنّ عدم قدرته سبحانه على عين فعل العبد، لأجل أنّها إنّما تتعلق بالممكن بما هو ممكن فإذا صار ممتنعا و محالا، فلا تتعلق به القدرة.

و عدم تعلّقها بالممتنع لا يدل على عدم سعتها. و ما فرضه الجبّائيّان من الصور، أو ما أضفناه إليها لا يثبت أكثر من أنّ صدور الفعل في تلك الظروف محال لاستلزامه اجتماع النقيضين - في فرض الجبّائيان - أو اجتماع العلّتين التامتين على معلول واحد كما في فرضنا. و ما هو محال خارج عن إطار القدرة و لا يطلق عليه عدم القدرة.

و ثالثا - ما ذا يريدان من قولهما «عين مقدور العبد»؟ هل يريدان منه الشيء قبل وجوده، أو بعده ؟ فإذا أرادا الأول فلا عينية و لا تشخّص في هذا

ص: 150

الظرف و لا يتجاوز الشيء في هذه المرحلة عن كونه مفهوما كليا. و إن أرادا الثاني، فعدم تعلق القدرة عليه إنما هو لأنه من قبيل تحصيل الحاصل و هو محال. و المحال خارج عن إطار القدرة.

و رابعا - إن ما ذكراه من «تعلق إرادة العبد على إيجاده و تعلق إرادته سبحانه على نقيضه»، فكرة ثنوية وجدت في الأوساط الإسلامية حيث تصوّر أنّ فعل العبد مخلوق له و ليس مخلوقا للّه سبحانه بالتسبيب و أنّ هناك فاعلين مستقلين (اللّه و عبده)، و لكل مجاله الخاص. و عند ذلك لا يرتبط مقدور العبد باللّه سبحانه بصلة.

غير أنّ ذلك باطل كما سنبيّنه في التوحيد في الخالقيّة. فكل فاعل مختارا كان أو غيره، لا يقوم بالفعل إلاّ بإقداره سبحانه و إرادته. فلو أراد العبد، فإنما يريد بإرادة اللّه و قدرته على وجه لا يوجب الإلجاء و الاضطرار كما سنشرحه بإذنه سبحانه.

ص: 151

ص: 152

الصّفات الثبوتيّة الذاتيّة

(3) الحياة

اشارة

اتّفق الإلهيون على أنّ الحياة من صفاته، و أنّ «الحي» من أسمائه سبحانه. و لكن إجراء هذا الاسم عليه سبحانه يتوقف على فهم معنى الحياة حسب الإمكان، و كيفية إجرائها على واجب الوجود.

نقول: لا شك أنّ كل إنسان يميز بين الموجود الحي و الموجود غير الحي، و يدرك بأنّ الحياة ضد الموت، إلاّ أنّه رغم تلك المعرفة العامة، لا يستطيع أحد إدراك حقيقة الحياة في الموجودات الحية.

فالحياة أشدّ الحالات ظهورا و لكنها أعسرها على الفهم، و أشدها استعصاء على التحديد.

و لأجل ذلك اختلفت كلمة العلماء في تبيين حقيقتها و ذهبوا مذاهب شتى. و لكنها في نظر علماء الطبيعة تلازم الآثار التالية في الموصوف بها:

1 - الجذب و الدفع.

2 - النموّ و الرشد.

3 - التوالد و التكاثر.

4 - الحركة و ردّة الفعل.

ص: 153

و هذا التعريف للحياة إنما يشير إلى آثار الحياة لا إلى بيان حقيقتها، و هي آثار مشتركة بين أفراد الحي و مع ذلك كلّه نرى البعد الشاسع بين الحياة النباتيّة و الحياة البشريّة. فالنبات الحي يشتمل على الخصائص الأربع المذكورة، و لكن الحياة في الحيوان تزيد عليها بالحس و الشعور و هذا الكمال الزائد المتمثل في الحسّ و الشعور لا يجعل الحيوان مصداقا مغايرا للحياة، بل يجعله مصداقا أكمل لها. كما أنّ هناك حياة أعلى و أشرف و هي أن يمتلك الكائن الحي مضافا إلى الخصائص الخمس، خصيصة الإدراك العلمي و العقلي و المنطقي(1)، و على ذلك فالخصائص الأربع قدر مشترك بين جميع المراتب الطبيعية و إن كانت لكل مرتبة من المراتب خصيصة تمتاز بها عما دونها.

و ليعلم أن علماء الطبيعة ذكروا هذا التعريف و اكتفوا به لأنه لم يكن لهم هدف إلاّ الإشارة إلى الحياة الواقعة في مجال بحوثهم. و أما الحياة الموجودة خارج عالم الطبيعة فلم تكن مطروحة لديهم عند اشتغالهم بالبحث عن الطبيعة.

تعريف الحياة بنحو آخر

لا شك أنّ الحياة النباتية غير الحياة الحيوانية في الكيفية، و هكذا سائر المراتب العليا للحياة. و لكن ذلك لا يجعل الكلمة مشتركا لفظيا ذا معان متعددة. بل هي مشترك معنوي يطلق بمعنى واحد على جميع المراتب لكن بعملية تطوير و تكامل.

توضيحه: إن الحياة المادية في النبات و الحيوان و الإنسان - بما أنّه حيوان - تقوم بأمرين، هما:

ص: 154


1- و هذا الإدراك العلمي و المنطقي و العقلي تطوير للحسّ الموجود في الحياة الحيوانية.

الأوّل: الفعل و الانفعال، و التأثير و التأثّر. و إلى ذلك تهدف الخصائص الأربع التي ذكرها علماء الطبيعة كما أوضحنا. و يمكن أن نرمز إلى هذه الخصيصة ب «الفعّالية».

الثاني: الحسّ و الدرك بالمعنى البسيط. فلا شك أنّه متحقق في أنواع الحياة الطبيعية حتى النبات. فقد كشف علماء الطبيعة عن وجود الحس في عموم النباتات و إن كان الإنسان البدائي عالما بوجوده في بعضها كالنخل و غيره. و إلى هذا الأمر نرمز ب «الدرّاكيّة».

فتصبح النتيجة أنّ مقوّم الحياة في الحياة الطبيعية بمراتبها هو الفعّالية و الدّرّاكيّة، بدرجاتهما المتفاوتة و مراتبهما المتكاملة، و أنّه لا يصح أن تطلق الحياة على النبات و الحيوان إلاّ بالتطوير لوجود البون الشاسع بين الحياتين، فالذي يصحح الإطلاق و الاستعمال بمعنى واحد هو عملية التطوير بحذف النواقص و الشوائب الملازمة لما يناسب كلا من النبات و الحيوان.

و على هذا الأساس يصح اطلاق الحياة على الحياة الإنسانية، بما هو إنسان لا بما هو حيوان، و المصحح للإطلاق هو عملية التطوير التي وقفت عليها، و إلاّ فكيف يمكن أن تقاس الحياة الإنسانية بما دونها من الحياة، فأين الفعل المترقّب من الحياة العقلية في الإنسان من فعل الخلايا النباتية و الحيوانية! و أين درك الإنسان للمسائل الكلية و القوانين الرياضية من حسّ النبات و شعور الحيوان! و مع هذا البون الشاسع بين الحياتين، تجد أنّا نصف الكل بالحياة، و نطلق «الحي» بمعنى واحد عليها. و ليس ذاك المعنى الواحد إلاّ كون الموجود «فعّالا» و «درّاكا» و لكن فعلا و دركا متناسبا مع كل مرتبة من مراتب الحياة.

و باختصار، إن ملاك الحياة الطبيعية هو الفعل و الدّرك، و هو محفوظ في جميع المراتب، و لكن بتطوير و تكامل. فإذا صحّ إطلاق الحياة بمعنى واحد على تلك الدرجات المتفاوتة فليصح على الموجودات الحية العلوية لكن بنحو متكامل. فاللّه سبحانه حيّ بالمعنى الذي تفيده تلك الكلمة،

ص: 155

لكن حياة مناسبة لمقامه الاسمى، بحذف الزوائد و النواقص و الأخذ بالنخبة و الزبدة و اللب و المعنى، فهو سبحانه حيّ أي «فاعل» و «مدرك». و إن شئت قلت: «فعّال» و «درّاك»، لا كفعّالية الممكنات و درّاكيّتها.

تمثيل لتصوير التطوير في الإطلاق

ما ذكرناه في حقيقة الحياة، و أنّ العقل بعد ملاحظة مراتبها ينتزع مفهوما وسيعا ينطبق على جميعها، أمر رائج. مثلا: إنّ لفظ «المصباح» كان يطلق في البداية على الغصن المشتعل، غير أنّه تطور حسب تطور الحضارة و التمدن، فاصبح يطلق على كل مشتعل بالزيت و النفط و الغاز و الكهرباء، بمفهوم واحد، و ما ذاك إلاّ لأن الحقيقة المقوّمة لصحة الإطلاق:

كون الشيء ظاهرا بنفسه، مظهرا لغيره و منيرا ما حوله. و هذه الحقيقة - مع اختلاف مراتبها - موجودة في جميع المصاديق، و في المصباح الكهربائي على نحو أتمّ .

إنّ من الوهم تفسير حياة الباري من خلال ما نلمسه من الحياة الموجودة في النبات و الحيوان و الإنسان. كما أنّ من الوهم أن يتصور أنّ حياته رهن فعل و انفعال كيميائي أو فيزيائي، إذ كل ذلك ليس دخيلا في حقيقة الحياة و إن كان دخيلا في تحققها في بعض مراتبها، إذ لو لا هذه الأفعال الكيميائيّة أو الفيزيائيّة، لامتنعت الحياة في الموجودات الطبيعية.

لكن دخالته في مرتبة خاصة لا يعد دليلا على كونه دخيلا في حقيقتها مطلقا.

كما أنّ اشتعال المصباح بالفتيلة في كثير من أقسامه لا يعد دليلا لكونها مقومة لحقيقة المصباح و إن كانت كذلك لبعض أقسامه. و عندئذ نخرج بالنتيجة التالية و هي أنّ المقوّم للحياة كون الموجود عالما و عاملا، مدركا و فاعلا، فعّالا و درّاكا، أو ما شئت فعبّر.

ص: 156

دليل حياته سبحانه

لا أظن أنّك تحتاج في توصيفه سبحانه بالحياة إلى برهان بعد الوقوف على أمرين:

الأول - قد ثبت بالبرهان أنّه سبحانه عالم و قادر. و قد تقدم البحث فيه.

الثاني - إنّ حقيقة الحياة في الدرجات العلوية، لا تخرج عن كون المتصف بها درّاكا و فعّالا، و عالما و فاعلا.

فإذا تقرر هذان الأمران تكون النتيجة القطعية أنّه سبحانه، بما أنّه عالم و قادر، درّاك و فعّال، لملازمة العلم للدرك، و القدرة للفعل، و هما نفس الحياة عند تطويرها بحذف الزوائد. و لأجل ذلك نرى أنّ الحكماء يستدلون على حياته بقولهم: «إنه تعالى حي لامتناع كون من يمكن أن يوصف بأنّه قادر عالم، غير حي»(1).

و في الحقيقة حياته سبحانه عبارة عن اتصافه بالقدرة و العلم.

و سيوافيك أنّ جميع صفاته سبحانه و إن كانت مختلفة مفهوما، لكنها متحدة واقعية و مصداقا.

أضف إلى ذلك أنّه سبحانه خلق موجودات حية، مدركة و فاعلة، فمن المستحيل أن يكون معطي الكمال فاقدا له.

حياته سبحانه في الكتاب و السنّة

إنّ اللّه تعالى يصف نفسه في الذكر الحكيم بالحياة التي لا موت فيها إذ يقول: وَ تَوَكَّلْ عَلَى اَلْحَيِّ اَلَّذِي لاٰ يَمُوتُ وَ سَبِّحْ بِحَمْدِهِ (2). و قد جاء لفظ «الحي» فيه اسما له سبحانه خمس مرات. يقول جلّ و علا: اَللّٰهُ لاٰ

ص: 157


1- كشف الفوائد في شرح قواعد العقائد للعلامة الحلي، ص 46.
2- سورة الفرقان: الآية 58.

إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ اَلْحَيُّ اَلْقَيُّومُ ، لاٰ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَ لاٰ نَوْمٌ (1) .

و قال الامام محمد بن علي الباقر (عليهما السلام): «إنّ اللّه تبارك و تعالى كان و لا شيء غيره، نورا لا ظلام فيه، و صادقا لا كذب فيه، و عالما لا جهل فيه، و حيّا لا موت فيه، و كذلك هو اليوم و كذلك لا يزال أبدا»(2).

و قال الامام موسى بن جعفر (عليهما السلام): «إنّ اللّه لا إله إلاّ هو: كان حيا بلا كيف... كان عزّ و جل إلها حيّا بلا حياة حادثة، بل هو حي لنفسه»(3).

فحياته سبحانه كسائر صفاته الكمالية، صفة واجبة لا يتطرّق إليها العدم، و لا يعرض لها النفاد و الانقطاع، لأنّ تطرق ذلك يضاد وجوبها و ضرورتها، و يناسب إمكانها، و المفروض خلافه.1.

ص: 158


1- سورة البقرة: الآية 255.
2- توحيد الصدوق، ص 141.
3- توحيد الصدوق، ص 141.

الصّفات الثّبوتية الذاتيّة

(4) و (5) السّمع و البصر

اشارة

إنّ من صفاته سبحانه السّمع و البصر، و إنّ من أسمائه السّميع البصير، و قد ورد هذان الوصفان في الشريعة الإسلامية الحقّة، و تواتر وصفه سبحانه بكونه سميعا بصيرا في الكتاب و السنة. و لكنهم اختلفوا في حقيقة ذينك الوصفين على أقوال أبرزها:

1 - إنّ سمعه و بصره سبحانه ليسا وصفين يغايران وصف العلم، بل هما من شعب علمه بالمسموعات و المبصرات، فلأجل علمه بهما صار يطلق عليه أنّه سميع بصير.

2 - إنّهما وصفان حسّيان، و إدراكان نظير الموجود في الإنسان.

3 - إنّ السّمع و البصر يغايران مطلق العلم مفهوما، و لكنهما علمان مخصوصان وراء علمه المطلق من دون تكثر في الذات و من دون أن يستلزم ذلك التوصيف تجسما، و ما هذا إلاّ حضور الهويّات المسموعة و المبصرة عنده سبحانه. فشهود المسموعات سمع، و شهود المبصرات بصر، و هو غير علمه المطلق بالأشياء العامة، غير المسموعة و المبصرة(1).

ص: 159


1- الاسفار، ج 6، ص 421-423.

إذا تعرّفت على الأقوال نذكر مقدمة و هي:

إنّ السّماع في الإنسان يتحقق بأجهزة و أدوات طبيعية و ذلك بوصول الأمواج الصّوتية إلى الصّماخ، و منها إلى الدماغ المادّي ثم تدركه النفس.

غير أنّه يجب التركيز على نكتة و هي: إنّ وجود هذه الأدوات المادية هل هو من لوازم تحقق الإبصار و السّماع في مرتبة خاصة كالحيوان و الإنسان، أو أنّه دخيل في حقيقتها بصورة عامة ؟ لا شك أنّ هذه الآلات و الأدوات التي شرحها العلم بمشراطه إنّما هي من خصوصيات الإنسان المادي الذي لا يمكنه أن يقوم بعملية الاستماع و الإبصار بدونها. فلو فرض لموجود أنّه يصل إلى ما يصل إليه الإنسان من دون هذه الأدوات فهو أولى بأن يكون سميعا بصيرا، لأن الغاية المتوخاة من السّماع و الإبصار هي حضور الأمواج و الصور عند النفس المدركة، فلو كانت الامواج و الصور حاضرة عند موجود بلا إعمال عمل فيزيائي أو كيميائي فهو سميع بصير أيضا لتحقق الغاية بنحو أتم و أعلى.

و قد ثبت عند البحث عن مراتب علمه أنّ جميع العوالم الإمكانية حاضرة لديه سبحانه، فالأشياء على الاطلاق، و المسموعات و المبصرات خصوصا، أفعاله سبحانه، و في الوقت نفسه علمه تعالى، فالعالم بجواهره و أعراضه حاضر لدى ذاته و على هذا فعلمه بالمسموع كاف في توصيفه بأنه سميع كما أنّ علمه بالمبصر كاف في توصيفه بأنه بصير.

نعم ليس علمه بالمسموعات أو المبصرات مثل علمه سبحانه بالكليات، و بذلك تقف على الفرق بين القول الأول و الثالث.

إجابة عن سؤال

إذا كان حضور المسموعات و المبصرات لديه سبحانه مصحّحا لتوصيفه بالسميع و البصير فليكن هذا بعينه مصححا لتوصيفه بأنّه لامس ذائق شامّ؟

ص: 160

و الإجابة عن هذا السؤال واضحة بعد الوقوف على أنّ أسماءه سبحانه توقيفية و ذلك أنّ المشمومات و المذوقات و الملموسات حاضرة لديه سبحانه كحضور المسموعات و المبصرات. كيف، و الوجود الإمكاني بعامة مراتبه قائم به سبحانه، و هو الحي القيوم أي القائم بنفسه و المقوّم لغيره. و على ذلك لا فرق من حيث الملاك و المصحّح، لكن لما كان القول بتوقيفية أسمائه تعالى لسدّ باب الهرج و المرج في تعريفه سبحانه لم يصح إطلاق اللامس و الذّائق و الشامّ عليه.

«السميع» و «البصير» في الكتاب و السنّة

إنّه سبحانه وصف نفسه بالسميع و البصير، فقد جاء الأول 41 مرة و الثاني 42 مرة في الكتاب العزيز.

و من الغايات التي يرشد إليها الذكر الحكيم في مقام التوصيف بهما هو إيقاف الإنسان على أنّ ربه سميع يسمع ما يتلفظه من كلام، بصير يرى كل عمل يصدر منه فيحاسبه يوما حسب ما سمعه و رآه. يقول سبحانه: أَنْ تَبَرُّوا وَ تَتَّقُوا وَ تُصْلِحُوا بَيْنَ اَلنّٰاسِ وَ اَللّٰهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1) و يقول سبحانه:

وَ قٰاتِلُوا فِي سَبِيلِ اَللّٰهِ وَ اِعْلَمُوا أَنَّ اَللّٰهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (2) و يقول سبحانه:

وَ هُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مٰا كُنْتُمْ وَ اَللّٰهُ بِمٰا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (3) و يقول سبحانه: وَ اَللّٰهُ يَسْمَعُ تَحٰاوُرَكُمٰا إِنَّ اَللّٰهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (4).

و قال الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام): «و البصير لا بتفريق آلة، و الشاهد لا بمماسّة»(5).

ص: 161


1- سورة البقرة: الآية 224.
2- سورة البقرة: الآية 244.
3- سورة الحديد: الآية 4.
4- سورة المجادلة: الآية 1.
5- نهج البلاغة، الخطبة 155.

و قال (عليه السلام): «من تكلّم سمع نطقه، و من سكت علم سرّه»(1).

و قال الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام): «لم يزل اللّه تعالى عليما قادرا حيّا قديما سميعا بصيرا»(2).

و قال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): «هو تعالى سميع بصير، سميع بغير جارحة، و بصير بغير آلة، بل يسمع بنفسه و يبصر بنفسه»(3).

و قال الإمام محمد الباقر (عليه السلام): «إنّه سميع بصير، يسمع بما يبصر، و يبصر بما يسمع»(4).

و الحديث الأخير يشير إلى اتحاد صفاته سبحانه مع ذاته. و اتحاد بعضها مع البعض الآخر في مقام الذات. فليست حقيقة السّمع في ذاته سبحانه غير حقيقة البصر، بل هو يسمع بالذي يبصر و يبصر بالذي يسمع، فذاته سمع كلّها و بصر كلّها.ق.

ص: 162


1- نهج البلاغة، الخطبة 182.
2- توحيد الصّدوق، 140 و 144.
3- توحيد الصّدوق، 140 و 144.
4- المصدر السابق.

الصّفات الثّبوتية الذاتيّة

(6) الإدراك

قد عدّ بعض المتكلمين الإدراك من صفاته، و المدرك بصيغة الفاعل من أسمائه، تبعا لقوله سبحانه: لاٰ تُدْرِكُهُ اَلْأَبْصٰارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ اَلْأَبْصٰارَ وَ هُوَ اَللَّطِيفُ اَلْخَبِيرُ (1).

و لا شك أنّه سبحانه بحكم الآية الشريفة مدرك، لكن الكلام في أنّ الإدراك هل هو وصف وراء العلم بالكليّات و الجزئيّات ؟، أو هو يعادل العلم و يرادفه ؟، أو هو علم خاص و هو العلم بالموجودات الجزئية العينيّة، فإدراكه سبحانه هو شهود الأشياء الخارجية و وقوفه عليها وقوفا تاما.

يقول العلامة الطباطبائي: الألفاظ المستعملة في القرآن الكريم في أنواع الإدراك كثيرة ربما بلغت العشرين كالعلم و الظّن و الحسبان و الشعور و الذكر و العرفان و الفهم و الفقه و الدراية و اليقين و الفكر و الرأي و الزّعم و الحفظ و الحكمة و الخبرة و الشّهادة و العقل و يلحق بها مثل القول و الفتوى و البصيرة.

و هذه الألفاظ لا تخلو معانيها عن ملابسة المادّة و الحركة و التّغيّر، غير

ص: 163


1- سورة الأنعام: الآية 103.

خمسة منها و هي: العلم و الحفظ و الحكمة و الخبرة و الشهادة. فلأجل عدم استلزامها النقص و الفقدان استعملت في حقه سبحانه. قال تعالى:

وَ اَللّٰهُ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَلِيمٌ (1) . و قال تعالى وَ رَبُّكَ عَلىٰ كُلِّ شَيْ ءٍ حَفِيظٌ (2).

و قال تعالى: وَ اَللّٰهُ بِمٰا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) و قال سبحانه: وَ هُوَ اَلْعَلِيمُ اَلْحَكِيمُ (4).

و قال تعالى: أَ وَ لَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلىٰ كُلِّ شَيْ ءٍ شَهِيدٌ (5).

و بذلك يظهر أنّ إدراكه سبحانه ليس شيئا وراء ما جاء في هذه الآيات و عبّر عنه بالعليم و الحفيظ و الخبير و الحكيم و الشهيد. و الأقرب هو كونه بمعنى الأخير (الشهيد)، فشهوده للموجودات و حضورها لدى ذاته و قيامها به قيام المعنى الحرفي بالاسمي، معنى كونه مدركا للأشياء لاٰ تُدْرِكُهُ اَلْأَبْصٰارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ اَلْأَبْصٰارَ وَ هُوَ اَللَّطِيفُ اَلْخَبِيرُ (6).3.

ص: 164


1- سورة النساء: الآية 176.
2- سورة سبأ: الآية 21.
3- سورة البقرة: الآية 234.
4- سورة يوسف: الآية 83.
5- سورة فصلت: الآية 53، لاحظ فيما ذكرناه الميزان، ج 2، ص 259-261.
6- سورة الأنعام: الآية 103.

الصّفات الثّبوتية الذاتية

(7) الإرادة

اشارة

إنّ الإرادة من صفاته سبحانه، و المريد من أسمائه، و لا يشك في ذلك أحد من الإلهيين أبدا. و إنّما اختلفوا في حقيقة إرادته تعالى. و لأجل ذلك يجب علينا الخوض في مقامين:

الأول: استعراض الآراء المطروحة في تفسير الإرادة على وجه الإطلاق.

الثاني: تفسير خصوص الإرادة الإلهية.

1 - ما هي حقيقة الإرادة ؟

إنّ الإرادة و الكراهة كيفيتان نفسانيّتان كسائر الكيفيات النفسانيّة، يجدهما الإنسان بذاتهما بلا توسط شيء مثل اللذّة و الألم و غيرهما من الأمور الوجدانية. غير أنّ الهدف تحليل ذلك الأمر الوجداني تحليلا علميا و صياغته في قالب علمي. و إليك الآراء المطروحة في هذا المجال.

أ - فسّرت المعتزلة الإرادة ب «اعتقاد النّفع» و الكراهة ب «اعتقاد

ص: 165

الضرر»، قائلين بأنّ نسبة القدرة إلى طرفي الفعل و الترك متساوية، فإذا حصل في النفس الاعتقاد بالنفع في أحد الطرفين، يرجح بسببه ذلك الطرف و يصير الفاعل مؤثّرا فيه.

و يلاحظ عليه أنّه ناقص جدا، لأن مجرد الاعتقاد بالنفع لا يكون مبدأ للتأثير و الفعل، إذ كثيرا ما يعتقد الإنسان بوجود النفع في كثير من الأفعال و لا يريدها، و ربما لا يعتقد بوجوده فيها، بل يعتقد بوجود الضرر و مع ذلك يريدها لموافقتها لبعض القوى الحيوانية.

ب - فسرت جماعة أخرى الإرادة بأنها شوق نفساني يحصل في الإنسان تلو اعتقاده النفع.

و يلاحظ عليه أنّ تفسير الإرادة بالشوق ناقص جدا إذ ربما تتحقق الإرادة و لا يكون ثمّة شوق كما في تناول الأدوية المرّة لأجل العلاج. و قد يتحقق الشوق المؤكّد و لا تكون هناك إرادة موجدة للفعل كما في المحرّمات و المشتهيات المحظورة للرجل المتقي.

و لأجل ذلك صارت النسبة بين الإرادة و الشوق عموما و خصوصا من وجه.

ج - الإرادة كيفية نفسانيّة متخللة بين العلم الجازم و الفعل و يعبر عنها بالقصد و العزم تارة، و بالإجماع و التصميم أخرى. و ليس ذلك القصد من مقولة الشوق بقسميه المؤكّد و غير المؤكّد، كما أنّه ليس من مقولة العلم رغم حضوره لدى النفس كسائر الكيفيّات النفسانيّة.

و باختصار، حقيقة الإرادة «القصد و الميل القاطع نحو الفعل».

هذه بعض التفاسير المختلفة حول حقيقة الإرادة و هناك نظريات أخرى طوينا عنها الكلام.

و على كل تقدير، لا يمكن تفسير الإرادة الإلهية بواحدة منها، أما

ص: 166

أوّلها فقد عرفت أنّ تفسير الإرادة باعتقاد النفع ملازم لإنكار الإرادة مطلقا في الموجودات الإمكانية فضلا عن اللّه سبحانه و ذلك لأنّ مرجعها إلى العلم بالنفع، مع أنّا نجد في أنفسنا شيئا وراء العلم و الاعتقاد بالنفع، و القائل بهذه النظرية يثبت العلم و ينكر الإرادة. فإذا بطل تفسير الإرادة بالاعتقاد بالنفع في الموجودات الإمكانية يبطل تفسير إرادته سبحانه به أيضا.

و سيوافيك أنّ من يفسّر إرادة اللّه سبحانه بالعلم بالأصلح، متأثر من هذا التفسير، غير أنّه بدّل العلم بالنفع - الظاهر في النفع الشخصي - إلى العلم بالأصلح اللائق بحاله سبحانه، الهادف إلى مصالح العباد، فانتظر.

و أما التفسير الثاني، أعني الشوق أو خصوص الشوق المؤكد، فلو صح في الإنسان فلا يصح في اللّه سبحانه، لأن الشوق من مقولة الانفعال تعالى عنه سبحانه. فإنّ الشوق إلى الشيء شأن الفاعل الناقص الذي يريد الخروج من النقص إلى الكمال، فيشتاق إلى الشيء شوقا أكيدا.

و أما التفسير الثالث، فسواء أ فسرت بالقصد و العزم، أو الإجماع و التصميم، فحقيقتها الحدوث بعد العدم، و الوجود بعد اللاوجود و هي بهذا المعنى يستحيل أن تقع وصفا لذاته لاستلزامه كون ذاته معرضا للحوادث(1).

و لأجل عدم مناسبة هذه التعاريف لذاته سبحانه، صار المتألهون على طائفتين: طائفة تحاول جعلها من صفات الذات لكن بمعنى آخر، و طائفة تجعلها من صفات الفعل فتذهب إلى أنّ الإرادة كالخلق و الرزق تنتزع من فعله سبحانه و إعمال قدرته و هذه الطائفة أراحت نفسها من الإشكالات الواردة على كونها من الصفات الذاتية. و إليك الكلام حول نظريات هاتين الطائفتين.دث

ص: 167


1- و سيوافيك في الصفات السلبيّة أنّ ذاته تعالى ليست محلا للحوادث
2 - تفسير خصوص الإرادة الإلهية
اشارة

لما كانت الإرادة بالمعاني المتقدمة غير مناسبة لساحته سبحانه، و من جانب آخر إنّ الإرادة و كون الفاعل فاعلا مريدا - في مقابل كونه فاعلا مضطرا - كمال فيه، و عدمها يعد نقصا فيه، حاول الحكماء و المحققون توصيفه سبحانه بها بمعنى يصح حمله عليه و توصيفه به. و إليك تفسير هذه المحاولة بصور مختلفة.

أ - إرادته سبحانه علمه بالنظام الأصلح
اشارة

إنّ إرادته سبحانه علمه بالنظام الأصلح و الأكمل و الأتم. و إنما فسّروها بها فرارا من توصيفه سبحانه بأمر حدوثي و تدرّجي، و ما يستلزم الفعل و الانفعال، كما هو الحال في الإرادة الإنسانية.

قال صدر المتألهين: «معنى كونه مريدا أنّه سبحانه يعقل ذاته و يعقل نظام الخير الموجود في الكلّ من ذاته، و أنّه كيف يكون. و ذلك النظام يكون لا محالة كائنا و مستفيضا»(1).

و قال أيضا: «إنّ إرادته سبحانه بعينها هي علمه بالنظام الأتم، و هو بعينه هو الداعي لا أمر آخر»(2).

و قال المحقق الطوسي: «إنّ إرادته سبحانه هي العلم بنظام الكلّ على الوجه الأتم، و إذا كانت القدرة و العلم شيئا واحدا، مقتضيا لوجود الممكنات على النظام الأكمل كانت القدرة و العلم و الإرادة شيئا واحدا في ذاته مختلفا بالاعتبارات العقلية»(3).

ص: 168


1- الأسفار الأربعة، ج 6، ص 316.
2- المصدر السابق، ص 333.
3- المصدر نفسه، ص 331.
مناقشة هذه النظرية

لا شك أنّه سبحانه عالم بذاته و عالم بالنظام الأكمل و الأتمّ و الأصلح و لكن تفسير الإرادة به، يرجع إلى إنكار حقيقة الإرادة فيه سبحانه. فإنكارها في مرتبة الذات مساوق لإنكار كمال فيه، إذ لا ريب أنّ الفاعل المريد أكمل من الفاعل غير المريد، فلو فسّرنا إرادته سبحانه بعلمه بالنظام، فقد نفينا ذلك الكمال عنه و عرّفناه فاعلا يشبه الفاعل المضطر في فعله. و بذلك يظهر النظر فيما أفاده المحقق الطوسي حيث تصوّر أنّ القدرة و العلم شيء واحد بذاته مختلفان بالاعتبارات العقلية. و لأجل عدم صحة هذا التفسير نرى أنّ ائمة أهل البيت (عليهم السلام) ينكرون تفسيرها بالعلم. قال بكير بن أعين:

قلت لأبي عبد اللّه الصادق (عليه السلام): «علمه و مشيئته مختلفان أو متّفقان ؟ فقال (عليه السلام): العلم ليس هو المشيئة، أ لا ترى أنك تقول سأفعل كذا إن شاء اللّه، و لا تقول سأفعل كذا إن علم اللّه»(1).

و إن شئت قلت: إنّ الإرادة صفة مخصّصة لأحد المقدورين أي الفعل و الترك، و هي مغايرة للعلم و القدرة. أمّا القدرة، فخاصيّتها صحة الإيجاد و اللاإيجاد، و ذلك بالنسبة إلى جميع الأوقات و إلى طرفي الفعل و التّرك على السواء، فلا تكون نفس الإرادة التي من شأنها تخصيص أحد الطرفين و إخراج القدرة عن كونها متساوية بالنسبة إلى الطرفين.

و أما العلم فهو من المبادي البعيدة للإرادة، و الإرادة من المبادي القريبة إلى الفعل، فلا معنى لعدّهما شيئا واحدا.

نعم، كون علمه بالمصالح و المفاسد مخصصا لأحد الطرفين، و إن كان أمرا معقولا، لكن لا يصح تسميته إرادة و إن اشترك مع الإرادة في

ص: 169


1- الكافي، ج 1، ص 109، باب الإرادة.

النتيجة و هي تخصيص الفاعل قدرته بأحد الطرفين، إذ الاشتراك في النتيجة لا يوجب أن يقوم العلم مقام الإرادة و يكون كافيا عن توصيفه بذلك الكمال أي الإرادة.

سؤال و جواب

ربما يقال: لما ذا لا تكون حقيقة الإرادة نفس علمه سبحانه ؟ إذ لو كانت واقعية الأول غير واقعية الثاني للزمت الكثرة في ذاته سبحانه. و الكثرة آية التركيب، و التركيب يلازم الإمكان، لضرورة احتياج الكلّ إلى الأجزاء، و هو تعالى منزه عن كل ذلك.

و الجواب: إنّ معنى اتحاد الصفات بعضها مع بعض، و الكل مع الذات، أن ذاته سبحانه علم كلها، قدرة كلها، حياة كلها و أن تلك الصفات بواقعياتها، موجودة فيها على نحو البساطة، و ليس بعضها حياة و بعضها الآخر علما، و بعضها الثالث قدرة، لاستلزام ذلك التركيب في الذات. و لا يراد من ذلك إرجاع واقعية إحدى الصفات إلى الأخرى بأنّ يقال مثلا: علمه قدرته. فإنّ مردّ ذلك إلى إنكار جميع الصفات و إثبات صفة واحدة.

و باختصار إنّ هناك واقعية واحدة بحتة و بسيطة اجتمع فيها العلم و الحياة و القدرة بواقعياتها من دون أن يحدث في الذات تكثر و تركّب. و هذا غير القول بأنّ واقعية إرادته هي واقعية علمه، ليلزم من ذلك نفي واقعية الإرادة و المشيئة. فإنّ مرد ذلك إلى نفي الإرادة. كما أنّ القول بأنّ واقعية قدرته ترجع إلى علمه مردّه إلى نفي القدرة لا إثبات الوحدة و لتوضيح المطلب نقول:

إنّه يمكن أن تنتزع مفاهيم كثيرة من الشيء البسيط و يكون لكل مفهوم واقعية فيه من دون طروء التكثّر و التركّب. و ذلك مثل الإنسان الخارجي بالنسبة إلى اللّه سبحانه، فهو كله مقدور للّه، كما أنّ كلّه معلوم للّه. لا أنّ بعضا منه مقدور، و بعضا منه معلوم. فالكل مقدور، و في الوقت نفسه

ص: 170

معلوم. و مع ذلك ليست واقعية المعلوميّة نفس واقعية المقدوريّة.

و بهذا تقدر على تجويز أن تكون ذاته سبحانه علما كلّها، و قدرة كلّها، و يكون لكل وصف واقعية من دون طروء الكثرة و التركب(1).

ب - إرادته سبحانه ابتهاجه بفعله

إنّ إرادته سبحانه ابتهاج ذاته المقدسة بفعلها و رضاها به. و ذلك لأنه لما كانت ذاته سبحانه صرف الخير و تمامه، فهو مبتهج بذاته أتمّ الابتهاج و ينبعث من الابتهاج الذاتي ابتهاج في مرحلة الفعل، فإنّ من أحبّ شيئا أحب آثاره و لوازمه و هذه المحبة الفعلية هي الإرادة في مرحلة الفعل، و هي التي وردت في الأخبار التي جعلت الإرادة من صفات فعله. فللإرادة مرحلتان: إرادة في مقام الذات، و إرادة في مقام الفعل: فابتهاجه الذاتي إرادة ذاتية، و رضاه بفعله إرادة في مقام الفعل.

يلاحظ عليه: إنّ هذه النظرية كسابقتها لا ترجع إلى محصّل. فإنّ حقيقة الإرادة غير حقيقة الرضا، و غير حقيقة الابتهاج. و تفسير أحدهما بالآخر إنكار لهذا الكمال في ذاته سبحانه. و قد مرّ أنّ كون الفاعل مريدا، في مقابل كونه فاعلا مضطرا موجبا، أفضل و أكمل. فلا يمكن نفي هذا الكمال عن ذاته على الإطلاق، بل يجب توصيفها بها على التطوير الخاص الذي مرّ مثله في تفسير الحياة، و سيوافيك بيانه في هذا الباب.

ج - إرادته سبحانه إعمال القدرة و السلطنة

إنّ جماعة من المتكلمين لما وقفوا على أنّه لا يمكن توصيفه سبحانه بالإرادة و جعلها من صفات ذاته لاستلزامه بعض الإشكالات التي مرت عليك، عمدوا إلى جعلها من صفات الفعل كالخالقية و الرازقية. قالوا: «إنّا

ص: 171


1- إنّ للشيخ المحقق الأصفهاني في تعليقاته على الكفاية كلاما في المقام ينفعك جدا، فراجع نهاية الدراية ج 1، ص 116-117، ط طهران.

لا نتصور لإرادته تعالى معنى غير إعمال القدرة و السلطنة، و لما كانت سلطنته تعالى تامة من جميع الجهات و النواحي، و لا يتصور النقص فيها أبدا، فبطبيعة الحال يتحقق الفعل في الخارج و يوجد صرف إعمال القدرة من دون توقفه على أيّة مقدمة أخرى، كما هو مقتضى قوله سبحانه: إِنَّمٰا أَمْرُهُ إِذٰا أَرٰادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ »(1).

يلاحظ عليه: إنّ إعمال القدرة و السلطنة إما اختياريّ له سبحانه أو اضطراريّ ، و لا سبيل إلى الثاني لأنه يستلزم أن يكون تعالى فاعلا مضطرا و لا يصح توصيفه بالقدرة و لا تسميته بالقادر. و على الأول، فما هو ملاك كونه فاعلا مختارا؟. لا بد أن يكون هناك قبل إعمال السلطنة و تنفيذ القدرة شيء يدور عليه كونه فاعلا مختارا، فلا يصح الاكتفاء بإعمال القدرة.

و باختصار، إنّ الاكتفاء بإعمال القدرة من دون إثبات اختيار له في مقام الذات بنحو من الأنحاء، غير مفيد.

د - إرادته سبحانه نسبة تمامية السبب إلى الفعل

جعل العلامة الطباطبائي إرادته تعالى من صفات فعله، و حاصل نظريته: إنّ الصفة الوحيدة من بين الصفات النفسانية التي يجدها الإنسان في صميم ذاته، القابلة للانطباق على عنوان «الإرادة»، هي صفة «القصد».

و «القصد» الذي هو واسطة بين العلم بالفعل و تحققه، عبارة عن الميل النفسي للفاعل إلى الإتيان بالفعل.

و لا يصح أبدا تفسير الإرادة بصفة العلم. لأننا ندرك بالوجدان أنّ ارادتنا متوسطة بين علمنا بالفعل و الاتيان به، لا نفس العلم.

و على هذا، فإذا أردنا توصيفه تعالى بالإرادة - بعد تجريدها من النقائص - لا يمكننا تطبيقها على علمه تعالى، لأن ماهية و حقيقة العلم غير ماهية الإرادة.

ص: 172


1- سورة يس: الآية 82. المحاضرات، ج 2، ص 38.

و تجريد الإرادة عن النقائص لا يجعلها متحدة مع العلم حقيقة.

ثم إن الإرادة - بعد تجريدها من النقائص - تكون صفة فعلية للّه تعالى، كصفات الخلق و الإيجاد و الرحمة.

بيان ذلك: عند ما تكتمل جميع مقدمات و أسباب إيجاد الفعل، تنتزع عند ذاك صفة الإرادة، فيكون تعالى «مريدا»، و الفعل «مرادا»، من دون أن تكون هناك واقعية ما بإزاء صفة الإرادة سوى حالة تمامية الأسباب.

و بعبارة أخرى: الإرادة في اللّه تعالى صفة منتزعة من اجتماع علل و مقتضيات وجود الشيء. إذ عند ذاك، تارة ينسب اكتمال مقدمات الفعل و تماميتها إلى الفعل، و أخرى ينسب إلى اللّه تعالى. فإذا نسب إلى الفعل سميت هذه الحالة (اكتمال المقدمات): «إرادة الفعل»، و نفس الفعل: «مراد اللّه». و إذا نسب إلى اللّه تعالى سميت هذه الحالة: «إرادة اللّه»، و اللّه تعالى: «مريدا».

و يقول العلامة (قدس سره): إن البراهين التي أقامها الحكماء لإثبات كون الإرادة إحدى صفات الذات، لا تثبت أزيد من أن جميع مظاهر الوجود مستندة إلى قدرته تعالى و علمه بالنظام الأصلح، و لا تثبت أن إرادته تعالى عين علمه أو قدرته(1).

يلاحظ عليه: إنّه لو كان الملاك لإطلاق الإرادة هو تماميّة الفعل من حيث السّبب، يلزم صحة إطلاقها فيما إذا كان الفاعل المضطر تاما في سببيّته، و هو كما ترى.

أضف إلى ذلك أنّ تمامية السبب فيما إذا كان الفاعل عالما و شاعرا، حقيقة، و الإرادة حقيقة أخرى. و قد قلنا إنّه يجب إجراء الصفات على اللّه سبحانه بعد التجريد عن شوائب الإمكان و المادية، مع التّحفّظ على معناها، لا سلخها عن حقيقتها و واقعيتها.0.

ص: 173


1- ما أوردناه هو تقرير واضح لما أفاده قدس سره في تعاليق الأسفار ج 6، ص 315 و 316. و نهاية الحكمة ص 300.
ه - الحق في الموضوع

الحق أنّ الإرادة من الصفات الذاتية و تجري عليه سبحانه على التطوير الذي ذكرناه في «الحياة» و لأجل توضيح المطلب نأتي بكلمة مفيدة في جميع صفاته سبحانه و هي:

يجب على كل إلهي - في إجراء صفاته سبحانه عليه - تجريدها من شوائب النقص و سمات الإمكان، و حملها عليه بالمعنى الذي يليق بساحته مع التحفظ على حقيقتها و واقعيتها حتى بعد التجريد.

مثلا، إنّا نصفه سبحانه بالعلم، و نجريه عليه مجرّدا عن الخصوصيات و الحدود الإمكانية و لكن مع التحفّظ على واقعيته، و هو حضور المعلوم لدى العالم. و أما كون علمه كيفا نفسانيا أو إضافة بين العالم و المعلوم، فهو منزّه عن هذه الخصوصيات. و مثل ذلك الإرادة، فلا شك أنها وصف كمال له سبحانه، و تجري عليه سبحانه مجرّدة عن سمات الحدوث و الطروء و التدرّج و الانقضاء بعد حصول المراد، فإنّ ذلك كلّه من خصائص الإرادة الإمكانية. و إنما يراد من توصيفه بالإرادة كونه فاعلا مختارا في مقابل كونه فاعلا مضطرا. و هذا هو الأصل المتّبع في إجراء صفاته سبحانه و إليك توضيحه في مورد الإرادة:

إنّ الفاعل إمّا أن يكون مؤثّرا بطبعه غير عالم بفعله، و هو الفاعل الطبيعي، كالنار بالنسبة إلى الإحراق. و إمّا أن يكون عالما بفعله غير مريد له فيصدر منه الفعل عن شعور بلا إرادة كرعشة المرتعش. و إما أن يكون عالما مريدا عن كراهة لمراده و إنما أراده لأجل أنّه أقل الخطرين و أضعف الضررين، كما في الفاعل المكره. و إمّا أن يكون عالما مريدا لكن لا عن كراهة بل عن رضا بفعله و هو الفاعل المريد الراضي بفعله. و القسمان الأخيران و إن كانا يشتركان في كون الفاعل فيهما مريدا، لكن لمّا كان الفاعل في القسم الأول منهما مقهورا بعامل خارجي، لا يعد فعله مظهر

ص: 174

للاختيار التام، بخلاف الثاني فالفاعل فيه فاعل مختار تام و فعله مجلى للاختيار.

و هذا الحصر الحقيقي الذي يدور بين النفي و الإثبات يجرّنا إلى القول بأنّ فاعليته سبحانه بأحد الوجوه الأربعة:

إمّا أن يكون فاعلا فاقدا للعلم، أو يكون عالما فاقدا للإرادة، أو يكون عالما و مريدا و لكن عن كراهة لفعله لأجل إحاطة قدرة قاهرة عليه، أو يكون عالما و مريدا راضيا بفعله. و فاعلية الباري سبحانه غير خارجة عن إحدى هذه الوجوه. و الثلاثة الأول غير لائقة بساحته سبحانه فتعيّن كونه فاعلا مريدا مالكا لزمام فعله و عمله، و لا يكون مقهورا في الإيجاد و الخلق.

هذا من جانب.

و من جانب آخر إنّ الإرادة في المراتب الإمكانية لا تنفك عن الحدوث و التدرّج و الانقضاء بعد حصول المراد، و من المعلوم إنّ إجراءها بهذه السمات على اللّه سبحانه، محال لاستلزامه طروء الحدوث على ذاته.

فيجب علينا في إجرائها عليه سبحانه حذف هذه الشوائب، فيكون المراد من إرادته حينئذ اختياره و عدم كونه مضطرا في فعله و مجبورا بقدرة قاهرة.

فلو صح تسمية هذا الاختيار بالإرادة فنعم المراد، و إلاّ وجب القول بكونها من صفات الفعل.

و بعبارة أخرى: إنّ الإرادة صفة كمال لا لأجل كونها حادثة طارئة منقضية بعد حدوث المراد، و إنما هي صفة كمال لكونها رمز الاختيار و سمة عدم المقهوريّة حتى إن الفاعل المريد المكره له قسط من الاختيار، حيث يختار أحد طرفي الفعل على الآخر تلو محاسبات عقلية فيرجح الفعل على الضرر المتوعد به. فإذا كان الهدف و الغاية من توصيف الفاعل بالإرادة هو إثبات الاختيار و عدم المقهوريّة فتوصيفه سبحانه بكونه مختارا غير مقهور في سلطانه، غير مجبور في إعمال قدرته، كاف في جري الإرادة عليه، لأنّ المختار واجد لكمال الإرادة على النحو الأتم و الأكمل. و قد مرّ أنه يلزم في إجراء الصفات ترك المبادي و الأخذ بجهة الكمال، فكمال الإرادة ليس في

ص: 175

كونها طارئة زائلة عند حدوث المراد أو كون الفاعل خارجا بها عن القوة إلى الفعل أو من النقص إلى الكمال. بل كمالها في كون صاحبها مختارا، مالكا لفعله آخذا بزمام عمله، فلو كان هذا هو كمال الإرادة، فاللّه سبحانه واجد له على النحو الأكمل إذ هو الفاعل المختار غير المقهور في سلطانه، وَ اَللّٰهُ غٰالِبٌ عَلىٰ أَمْرِهِ (1).

الإرادة في السنّة

يظهر من الروايات المأثورة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) أنّ مشيئته و إرادته من صفات فعله، كالرازقيّة و الخالقيّة، و إليك نبذا من هذه الروايات:

1 - روى عاصم بن حميد عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال:

«قلت: لم يزل اللّه مريدا؟. قال: إنّ المريد لا يكون إلاّ لمراد معه. لم يزل اللّه عالما قادرا، ثم أراد»(2).

يبدو أنّ الإرادة التي كانت في ذهن الراوي و سأل عنها هي الإرادة بمعنى العزم على الفعل، الذي لا ينفك غالبا عن الفعل. فأراد الإمام هدايته إلى أنّ الإرادة بهذا المعنى لا يمكن أن تكون من أوصافه الذاتية، لأنه يستلزم قدم المراد أو حدوث المريد. و لأجل أن يتلقى الراوي معنى صحيحا للإرادة، يناسب مستوى تفكيره، فسّر (عليه السلام) الإرادة بالمعنى الذي يجري عليه سبحانه في مقام الفعل و قال: «لم يزل اللّه عالما قادرا ثم أراد» أي ثم خلق. و لكن ما جاءت به الرواية لا ينفي أن تكون الإرادة من أوصافه الذاتية بشكل لا يستلزم قدم المراد، و هو كونه سبحانه مختارا بالذات غير مضطر و لا مجبور.

و بذلك ظهر أنّ لإرادته سبحانه مرحلتان كعلمه، و لكل تفسيره

ص: 176


1- سورة يوسف: الآية 21.
2- الكافي، ج 1، باب الإرادة، ص 109، الحديث الأول.

الخاص.

2 - روى صفوان بن يحيى قال: قلت لأبي الحسن (عليه السلام):

«أخبرني عن الإرادة من اللّه، و من الخلق».

قال: فقال (عليه السلام): «الإرادة من الخلق الضمير، و ما يبدو لهم بعد ذلك من الفعل، و أما من اللّه تعالى فإرادته، إحداثه لا غير ذلك، لأنه لا يروّي و لا يهمّ و لا يتفكّر، و هذه الصفات منفية عنه، و هي صفات الخلق. فإرادة اللّه الفعل لا غير ذلك، يقول له كن فيكون، بلا لفظ، و لا نطق بلسان، و لا همّة، و لا تفكّر، و لا كيف لذلك، كما أنّه لا كيف له»(1).

و هذه الرواية تتحد مع سابقتها في التفسير و التحليل. فالإرادة التي كان البحث يدور عليها بين الإمام و الراوي هي الإرادة بمعنى «الضمير و ما يبدو للمريد بعد الضمير من الفعل». و من المعلوم أنّ الإرادة بهذا المعنى سمة الحدوث، و آية الإمكان، و لا يصح توصيفه سبحانه به. و لأجل ذلك ركّز الإمام على نفيها بهذا المعنى عن الباري، فقال: «لأنه لا يروّي و لا يهمّ و لا يتفكّر».

و لكن - لأجل أن يتلقى الراوي مفهوما صحيحا عن الإرادة يناسب مستوى عقليّته فسّر الإمام الإرادة، بالإرادة الفعليّة، فقال: «فإرادة اللّه الفعل لا غير ذلك، يقول له كن فيكون...». فمع ملاحظة هذه الجهات لا يصح لنا أن نقول إنّ الإمام بصدد نفي كون الإرادة من صفات الذات، حتى بالمعنى المناسب لساحة قدسه سبحانه.

3 - روى محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال:

«المشيئة محدثة»(2).

و الهدف من توصيف مشيئته سبحانه بالحدوث هو إبعاد ذهن الراوي7.

ص: 177


1- المصدر السابق، الحديث 3.
2- الكافي، ج 1، باب الإرادة، الحديث 7.

عن تفسيرها بالعزم على الفعل و جعلها وصفا للذّات، فإنّ تفسير الإرادة بهذا المعنى لا يخلو عن مفاسد، منها كون المراد قديما. فلأجل ذلك فسّر الإمام الإرادة بأحد معنييها و هو الإرادة في مقام الفعل و قال: «المشيئة محدثة»، كناية عن حدوث فعله و عدم قدمه.

و بذلك تقدر على تفسير ما ورد حول الإرادة من الروايات التي تركز على كونها وصفا لفعله سبحانه(1).

ثم إنّ هاهنا أسئلة حول كون إرادته سبحانه من صفاته الذاتية، و أنت بعد الإحاطة بما ذكرنا تقدر على الإجابة عنها. و إليك بعض تلك الأسئلة:

1 - إنّ الميزان في تمييز الصفات الذاتيّة عن الصفات الفعلية - كما ذكره الشيخ الكليني في ذيل باب الإرادة - هو أنّ الأولى لا تدخل في إطار النفي و الإثبات بل تكون أحادية التعلق، فلا يقال إنّ اللّه يعلم و لا يعلم، بخلاف الثانية فإنها تقع تحت دائرة النفي و الإثبات فيقال إنّ اللّه يعطي و لا يعطي. فعلى ضوء هذا، يجب أن تكون الإرادة من صفات الفعل إذ هي مما يتوارد عليها النفي و الإثبات. يقول سبحانه: يُرِيدُ اَللّٰهُ بِكُمُ اَلْيُسْرَ وَ لاٰ يُرِيدُ بِكُمُ اَلْعُسْرَ (2).

و الجواب عن هذا السؤال بوجهين:

أحدهما: إنّ الإرادة التي يتوارد عليها النفي و الإثبات هي الإرادة في مقام الفعل، و أما الإرادة في مقام الذات التي فسّرناها بكمال الإرادة و هو الاختيار، فلا تقع في إطار النفي و الإثبات.

و ثانيهما: ما أجاب به صدر المتألهين معتقدا بأنّ للّه سبحانه إرادة بسيطة مجهولة الكنه و أن الذي يتوارد عليه النفي و الإثبات، الإرادة العددية الجزئية المتحققة في مقام الفعل. و أما أصل الإرادة البسيطة، و كونه سبحانه5.

ص: 178


1- لاحظ الكافي، لثقة الإسلام الكليني، ج 1، ص 109-111.
2- سورة البقرة: الآية 185.

فاعلا عن إرادة لا عن اضطرار و إيجاب، فلا يجوز سلبه عن اللّه سبحانه. و أنّ منشأ الاشتباه هو الخلط بين الإرادة البسيطة في مقام الذات، التي لا تتعدد و لا تتثنى، و بين الإرادة العددية المتحققة في مقام الفعل التي تتعدد و تتثنى و يرد عليها النفي و الإثبات.

قال: «فرق بين الإرادة التفصيليّة العددية التي يقع تعلّقها بجزئيّ من أعداد طبيعة واحدة أو بكل واحد من طرفي المقدور كما في القادرين من الحيوانات، و بين الإرادة البسيطة الحقّة الإلهية التي يكلّ عن إدراكها عقول أكثر الحكماء فضلا عن غيرهم»(1).

2 - لو كانت الإرادة نفس ذاته سبحانه لزم قدم العالم، لأنّها متحدة مع الذات، و الذات موصوفة بها، و هي لا تنفك عن المراد.

يلاحظ عليه: أولا - إنّ الإشكال لا يختص بمن جعل الإرادة بمعناها الحقيقي وصفا لذاته سبحانه، بل الإشكال يتوجه أيضا على من فسّر إرادته بالعلم بالأصلح لاستناد وجود الأشياء إلى العلم بالنظام الأتمّ الذي هو عين ذاته، و استحالة انفكاك المعلول عن العلّة أمر بيّن من غير فرق بين تسمية هذا العلم إرادة أو غيرها، فلو كان النظام الأصلح معلولا لعلمه. و المفروض أنّ علمه قديم، للزم قدم النظام لقدم علّته.

و ثانيا - إذا قلنا بأنّ إرادته سبحانه عبارة عن كونه مختارا غير ملزم بواحد من الطرفين، لا يلزم عندئذ قدم العالم إذا اختار إيجاد العالم متأخرا عن ذاته.

و ثالثا - إنّ لصدر المتألهين و من حذا حذوه من الاعتقاد بالإرادة الذاتية البسيطة المجهولة الكنه، أن يجيب بأنّ جهلنا بحقيقة هذه الإرادة و كيفيّة إعمالها يصدّنا عن البحث عن كيفية صدور فعله عنه و أنّه لما ذا خلق حادثا و لم يخلق قديما.4.

ص: 179


1- الاسفار، ج 6، ص 324.

و هاهنا نكتة نعلقها على هذا البحث بعد التنبيه على أمر و هو أنّ الزمان كمّ متّصل ينتزع من حركة الشيء و تغيّره من حال إلى حال و من مكان إلى مكان و من صورة نوعية إلى أخرى، فمقدار الحركة عبارة عن الزمان، و لو لا المادة و حركتها لما كان للزمان مفهوم حقيقيّ بل مفهوم وهمي.

هذا ما أثبتته الأبحاث العميقة في الزمان و الحركة. و قد كان القدماء يزعمون أنّ الزمان يتولد من حركة الأفلاك و النيّرين و غير ذلك من الكواكب السيارة، و لكن الحقيقة أنّ كل حركة حليفة الزمان و راسمته و مولدته.

و بعبارة ادقّ : إنّ التبدّلات عنصرية كانت أو أثيرية، مشتملة على أمرين:

الأول، حالة الانتقال من المبدأ إلى المنتهى، سواء أ كان الانتقال في الوصف أم في الذات. الثاني، كون ذلك الانتقال على وجه التدريج و السيلان لا على نحو دفعي.

فباعتبار الأمر الأول توصف بالحركة، و باعتبار الثاني توصف بالزمان.

فكأنّ شيئا واحدا باسم التغير و التبدل و الانتقال، يكون مبدأ لانتزاع مفهومين منه، لكن كل باعتبار خاص، هذا من جانب.

و من جانب آخر، إنّ المادة تتحقق على نحو التدريج و التجزئة و لا يصح وقوعها بنحو جمعي، لأن حقيقتها حقيقة سيّالة متدرجة أشبه بسيلان الماء، فكل ظاهرة ماديّة تتحقق تلو سبب خاص، و ما هذا حاله يستحيل عليه التحقق الجمعي أو تقدم جزء منه أو تأخره بل لا مناص عن تحقّق كل جزء في ظرفه و موطنه، و بهذا الاعتبار تشبه الأرقام و الأعداد، فالعدد «خمسة» ليس له موطن إلاّ الوقوع بين «الأربعة و الستة». و تقدمه على موطنه كتأخره عنه مستحيل. و على ذلك فالأسباب و المسببات المترتبة بنظام خاص يستحيل عليها خروج أي جزء من أجزائها عن موطنه و محله.

إذا عرفت هذا الأمر نرجع إلى بيان النكتة و هي: ما ذا يريد القائل من قوله لو كانت الإرادة صفة ذاتية للّه سبحانه يلزم قدم العالم ؟. فإن أراد أنّه يلزم تحقق العالم في زمان قبله و في فترة ماضية، فهذا ساقط بحكم المطلب الأول، لأنّ المفروض أنّه لا زمان قبل عالم المادة لما عرفت من أنّ حركة

ص: 180

المادة ترسم الزمان و تولده.

و إن أراد لزوم تقديم بعض أجزائه على البعض الآخر أو على مجموع العالم فقد عرفت استحالته، فإنّ إخراج كل جزء عن إطاره أمر مستحيل مستلزم لانعدامه.

ثم إنّ لصدر المتألهين في هذا المقام كلاما عميقا فمن أراد الاطلاع فليرجع إليه(1).8.

ص: 181


1- الأسفار، ج 6، ص 368.

ص: 182

الصفات الثبوتية الذاتية

(8) الأزلية و الأبدية

إنّ الأزليّة و الأبديّة من صفاته سبحانه، كما أنّ الأزليّ و الأبديّ من أسمائه. و قد يطلق مكانهما القديم الباقي، فالقدم على الإطلاق، و البقاء كذلك من صفاته، و عليه فهو سبحانه قديم أزلي، باق أبدي. و يطلق عليه الأولان لأجل أنّه المصاحب لمجموع الأزمنة المحققة أو المقدرة في الماضي، كما يطلق عليه الآخران لأجل أنّه الموجود المستمر الوجود في الأزمنة الآتية محققة كانت أم مقدرة. و ربما يطلق عليه السّرمدي بمعنى الموجود المجامع لجميع الأزمنة السابقة و اللاّحقة.

و باختصار إنّ توصيفه بالقديم الأزلي بالنسبة إلى الماضي، و بالباقي الأبدي بالنسبة إلى المستقبل. هذا ما عليه المتكلمون في تفسير هذه الأسماء و الصفات.

و لكن هذا التفسير يناسب شأن الموجود الزماني الذي يصاحب الأزمنة المحققة أو المقدرة، الماضية أو اللاحقة، و اللّه سبحانه منزّه عن الزمان و المصاحبة له، بل هو خالق للزمان سابقه و لاحقه، فهو فوق الزمان و المكان، لا يحيطه زمان و لا يحويه مكان. و على ذلك فالصحيح في التفسير أن يقال إنّ الموجود الإمكاني ما يكون وجوده غير نابع من ذاته، بل يكون مسبوقا بالعدم و يطرأ عليه الوجود من قبل علّته، و يقابله واجب الوجود

ص: 183

و هو ما يكون وجوده نابعا من ذاته، و واجبا بذاته، يمتنع عليه تطرق العدم و لا يلابسه أبدا. و مثل ذلك لا يسبق وجوده العدم، فيكون قديما أزليا. كما يمتنع أن يطرأ عليه العدم، فيكون أبديا باقيا.

و باختصار، ضرورة الوجود و حتميته طاردة للعدم أزلا و أبدا و إلاّ لا يكون واجب الوجود بل ممكنه، و هو خلف الفرض.

و أما برهان هذه الصفات الأربع التابعة لوجوب وجوده فقد مضى بيانه عند البحث عن لزوم انتهاء الموجودات الإمكانية إلى واجب ضروري قائم بنفسه و بذاته، و إلاّ يمتنع ظهور الموجودات الإمكانية و تحققها.

و أمّا عدّ الأزلي و الأبدي و القديم و الباقي من أسمائه سبحانه، فعلى القول بأنّ أسماءه سبحانه توقيفية، لا يصح تسميته تعالى إلاّ بما ورد في الكتاب و السنّة. و الذي ورد منها في الروايات المروية عن الرسول الكريم و الأئمة (عليهم السلام) هو الأخيران أعني «القديم» و «الباقي»، دون الأوّلين، كما سيوافيك في آخر الفصل عند التعرض لأسمائه تعالى في الكتاب و السنّة.

إلى هنا تم البحث عن الصفات الثبوتية الذاتية و هي لا تنحصر في الثمانية التي تعرضنا لها، فكل كمال يعد كمالا مطلقا فهو تعالى متصف به، كما أنّ كل نقص فهو منزه عنه. و كلّ أسمائه التي وردت في الكتاب و السنّة تشير إلى كماله تعالى و تدفع الحاجة و النقص عن ساحة قدسه، فلو أردنا توصيفه سبحانه بوصف واحد جمعي، فهو الكمال المطلق أو الغنى المحض. و إذا أردنا تفسير ذلك الكمال و الوصف الواحد الجامع لجميع الصفات، فيكفي جعل الصفات الثمان الثبوتية التي بحثنا عنها شرحا له.

و من هنا يجعل الاسم الواحد من أسمائه سبحانه و هو «اللّه» رمزا للذات المستجمعة لجميع الصفات الكمالية.

هذا كله حول صفاته الثبوتيّة الذاتيّة، و يقع البحث في الباب الثاني التالي حول صفاته الثبوتيّة الفعليّة، و قد تقدم الفرق بينهما و تأتي الإشارة إليه مجدّدا.

ص: 184

الباب الثاني الصفات الثبوتية الفعلية

اشارة

1 - التّكلّم.

2 - الصّدق.

3 - الحكمة.

ص: 185

ص: 186

الصفات الثبوتية الفعلية قد عرفت عند تقسيم صفاته سبحانه أنّها على نوعين: صفات الذات، و صفات الفعل، و قلنا بأن الفرق بين النوعين هو أنّ الصفات التي يكفي في توصيفه سبحانه بها فرض ذاته فهي صفات الذات، كالقدرة و الحياة و العلم.

و أما الصفات التي يتوقف توصيفه سبحانه بها على صدور فعل منه و فرض شيء غير الذات فهي صفات الفعل المنتزعة من فعله سبحانه. و إلى هذا الفرق يرجع ما اشتهر في الكتب الكلامية من أنّ كل وصف لا يقبل النفي و الإثبات و يكون أحاديّ التعلّق فهو صفة الذات، و ما لا يكون كذلك و يقع في إطار النفي تارة و الإثبات أخرى فهو صفة الفعل. فلا يقال إنه سبحانه يعلم و لا يعلم، و لكن يقال إنه سبحانه يغفر و لا يغفر. و الهدف في هذا المقام هو البحث عن بعض صفات فعله سبحانه كالتكلّم و الصّدق، فهو سبحانه متكلم و صادق. فإنّ له سبحانه حسب أسمائه و صفاته مجالي في عالم الإيجاد، و مظاهر في عالم الخلق، فهو محيي و مميت، و رازق و منعم، و رحيم و غفور إلى غير ذلك من أسمائه و صفاته التي ستوافيك في آخر الفصل بإذنه تعالى.

ص: 187

ص: 188

الصفات الفعلية

(1) التّكلّم

اشارة

أجمع المسلمون تبعا للكتاب و السنّة على كونه سبحانه متكلما و يبدو أنّ البحث في هذا الوصف هو أوّل مسألة طرحت على بساط المناقشات في تاريخ علم الكلام و إن لم يكن أمرا قطعيا. و قد شغلت مسألة الكلام الإلهي، و أنّه ما هو، و هل هو حادث أو قديم، بال العلماء و المفكّرين الإسلاميين في عصر الخلفاء، و حدثت بسببه مشاجرات بل صدامات دامية ذكرها التاريخ و سجل تفاصيلها و عرفت ب «محنة خلق القرآن» و يمكننا أن نلاحظ لذلك عاملين رئيسيين:

الأول: الفتوحات الإسلامية التي أوجبت اختلاط المسلمين بغيرهم و صارت مبدأ لاحتكاك الثقافتين الإسلامية و الأجنبية. و في ذلك الخضمّ المشحون بتضارب الأفكار طرحت مسألة تكلمه سبحانه في الأوساط الإسلامية.

الثاني: ترويج الخلفاء البحث عن هذه المسألة و نظائرها حتى ينصرف المفكرون عن نقد أفعالهم و انحرافاتهم.

و لا بدّ من التنبيه على مصدر بث هذه الفكرة بالخصوص فنقول: إنّ البحث في حقيقة كلامه سبحانه أولا، و كونه مخلوقا أو غير مخلوق، حادثا

ص: 189

أو قديما ثانيا، مما أثاره النصارى الذين كانوا في حاشية البيت الأموي و على رأسهم يوحنا الدمشقي الذي كان يشكّك المسلمين في دينهم. فبما أن القرآن نصّ على أنّ عيسى بن مريم كلمة اللّه ألقاها إلى مريم، صار ذلك وسيلة لأن يبث هذا الرجل بين المسلمين قدم كلمة اللّه عن طريق خاص، و هو أنّه كان يسألهم: أ كلمة اللّه قديمة أو لا؟.

فإن قالوا: قديمة.

قال: ثبت دعوى النصارى بأنّ عيسى قديم.

و إن قالوا: لا.

قال: زعمتم أنّ كلامه مخلوق.

فلأجل ذلك قامت المعتزلة لحسم مادة النزاع، فقالوا: إنّ القرآن حادث لا قديم، مخلوق للّه سبحانه.

و لمّا لم تكن هذه المسألة مطروحة في العصور السابقة بين المسلمين تشعبت فيها الآراء و تضاربت الأقوال، حتى لقد صدرت بعض النظريات الموهونة جدا كما سيأتي. لكن نظرية المعتزلة لاقت القبول في عصر الخليفة المأمون إلى عصر المتوكل، إلاّ أنّ الأمر انقلب من عصر المتوكل إلى زمن انقضاء المعتزلة لصالح أهل الحديث و الحنابلة.

و في الفترتين وقعت حوادث مؤسفة و أريقت دماء بريئة، شغلت بال المسلمين عن التفكر فيما يهمهم من أمر الدّين و الدّنيا، و كم لهذه المسألة من نظير في تاريخ المسلمين!!.

و قبل الخوض في المقصود نقدم أمورا:

الأول - إنّ وصف الكلام عند الأشاعرة و الكلابيّة - الذين أثبتوا للّه كلاما قديما - من صفات الذات، بخلاف المعتزلة و الإمامية فهو عندهم من صفات فعله و سيوافيك الحق في ذلك. و قد حدث ذلك الاختلاف من ملاحظة قياسين متعارضين، فالأشاعرة تبعوا القياس التالي:

ص: 190

كلامه تعالى وصف له، و كل ما هو وصف له فهو قديم، فكلامه تعالى قديم. و أما غيرهم فقد تبعوا قياسا غيره، و هو: كلامه تعالى مؤلف من أجزاء مترتبة متفاوتة متعاقبة في الوجود، و كل ما هو كذلك فهو حادث، فكلامه تعالى حادث.

و الأشاعرة - لأجل تصحيح كونه قديما - فسّروه بأنّه معنى قائم بذاته يسمى الكلام النفسي. و المعتزلة و الإمامية أخذوا بالقياس الثاني و قالوا إنّ معنى كلامه أنّه موجد للحروف و الأصوات في الخارج، فهو حادث.

و لبعض الحنابلة هنا قول آخذ بكلا القياسين المتناقضين حيث قالوا إنّ كلامه حروف و أصوات قائمة بذاته و في الوقت نفسه هي قديمة، و هذا من غرائب الأقوال و الأفكار.

الثاني: إنّ تفسير كونه سبحانه متكلما لا ينحصر في الآراء الثلاثة المنقولة عن الأشاعرة و العدلية (المعتزلة و الإمامية) و الحنابلة، بل هناك رأي رابع أيّدته البراهين الفلسفية و أوضحته النصوص القرآنية و ورد في أحاديث أئمة أهل البيت، و حاصله: إنّ العالم بجواهره و أعراضه، فعله و في الوقت نفسه كلامه، و سوف يوافيك توضيح هذه النظرية.

الثالث: إن الطريق إلى ثبوت هذه الصفة عند الأشاعرة هو العقل و عند العدلية هو السمع، و سوف يوافيك دليل الأشاعرة عند البحث عن نظريتهم.

و أمّا النقل فقد تضافرت الآيات على توصيفه به، قال تعالى: مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اَللّٰهُ (1). و قال تعالى: وَ كَلَّمَ اَللّٰهُ مُوسىٰ تَكْلِيماً (2). و قال سبحانه: وَ لَمّٰا جٰاءَ مُوسىٰ لِمِيقٰاتِنٰا وَ كَلَّمَهُ رَبُّهُ (3). و قال تعالى: وَ مٰا كٰانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اَللّٰهُ إِلاّٰ وَحْياً أَوْ مِنْ وَرٰاءِ حِجٰابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ3.

ص: 191


1- سورة البقرة: الآية 253.
2- سورة النساء: الآية 164.
3- سورة الأعراف: الآية 143.

بِإِذْنِهِ مٰا يَشٰاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (1) و قد بيّن تعالى أن تكليمه الأنبياء لا يعدو عن الأقسام التالية:

1 - «إلاّ وحيا».

2 - «أو من وراء حجاب».

3 - «أو يرسل رسولا».

فقد أشار بقوله: إِلاّٰ وَحْياً إلى الكلام الملقى في روع الأنبياء بسرعة و خفاء.

كما أشار بقوله: أَوْ مِنْ وَرٰاءِ حِجٰابٍ إلى الكلام المسموع لموسى (عليه السلام) في البقعة المباركة. قال تعالى: فَلَمّٰا أَتٰاهٰا نُودِيَ مِنْ شٰاطِئِ اَلْوٰادِ اَلْأَيْمَنِ فِي اَلْبُقْعَةِ اَلْمُبٰارَكَةِ ، مِنَ اَلشَّجَرَةِ أَنْ يٰا مُوسىٰ إِنِّي أَنَا اَللّٰهُ رَبُّ اَلْعٰالَمِينَ (2).

و أشار بقوله: أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً إلى الإلقاء الذي يتوسط فيه ملك الوحي، قال سبحانه: نَزَلَ بِهِ اَلرُّوحُ اَلْأَمِينُ * عَلىٰ قَلْبِكَ (3) ففي الحقيقة الموحي في الأقسام الثلاثة هو اللّه سبحانه تارة بلا واسطة بالإلقاء في الرّوع، أو بالتكلم من وراء حجاب بحيث يسمع الصوت و لا يرى المتكلم، و أخرى بواسطة الرسول. فهذه الأقسام الثلاثة هي الواردة في الآية المباركة.

الرابع: في حقيقة كلامه سبحانه.

قد عرفت أنّه لا خلاف بين المسلمين في توصيفه سبحانه بالتكلم و إنما الخلاف في حقيقته أولا، و يتفرع عليه حدوثه و قدمه ثانيا، فيجب البحث في مقامين.4.

ص: 192


1- سورة الشورى: الآية 51.
2- سورة القصص: الآية 30.
3- سورة الشعراء: الآيتان 193 و 194.
المقام الأول - حقيقة كلامه تعالى
اشارة

إليك فيما يلي الآراء المطروحة في حقيقة كلامه تعالى:

أ - نظرية المعتزلة:

قالت المعتزلة، كلامه تعالى أصوات و حروف ليست قائمة بذاته تعالى بل يخلقها في غيره كاللوح المحفوظ أو جبرائيل أو النبي. و قد صرح بذلك القاضي عبد الجبار فقال: «حقيقة الكلام، الحروف المنظومة، و الأصوات المقطّعة، و هذا كما يكون منعما بنعمة توجد في غيره، و رازقا برزق يوجد في غيره، فهكذا يكون متكلما بإيجاد الكلام في غيره و ليس من شرط الفاعل أن يحلّ عليه الفعل»(1).

و الظاهر أنى كونه سبحانه متكلما بهذا المعنى لا خلاف فيه، إنّما الكلام في حصر التكلم بهذا المعنى. قال في شرح المواقف: «هذا الذي قالته المعتزلة لا ننكره بل نحن نقوله و نسميه كلاما لفظيا و نعترف بحدوثه و عدم قيامه بذاته تعالى و لكن نثبت أمرا وراء ذلك»(2).

يلاحظ على هذه النظرية أنّ ما ذكره من تفسير كلامه سبحانه بإيجاد الحروف و الأصوات في الأشياء، إنّما يصح في الكلام الذي يخاطب به سبحانه شخصا أو أمة. فطريقه هو ما ذكره المعتزلة، و إليه ينظر ما ذكرنا من الآيات حول تكليمه سبحانه موسى أو غيره(3). و امّا إذا لم يكن هناك مخاطب خاص لجهة الخطاب فلا بدّ أن يكون كلامه سبحانه على وجه الإطلاق هو فعله المنبئ عن جماله، المظهر لكماله. فاكتفاء المعتزلة بما ذكروا من التفسير إنّما يناسب القسم الأول، و أمّا القسم الثاني فلا ينطبق عليه. إذ فعله على وجه الإطلاق ليس من قبيل الأصوات و الألفاظ، بل عبارة عن الأعيان الخارجية و الجواهر و الأعراض. و قد سمّى سبحانه فعله

ص: 193


1- شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار، المتوفي عام 415، ص 528. و شرح المواقف للسيد الشريف ص 495.
2- شرح المواقف، ج 1، ص 77. و سيوافيك الأمر الآخر الذي يثبته الأشاعرة.
3- قال سبحانه: وَ كَلَّمَ اَللّٰهُ مُوسىٰ تَكْلِيماً سورة النساء: الآية 164. و قال سبحانه: وَ مٰا كٰانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اَللّٰهُ إِلاّٰ وَحْياً.. سورة الشورى: الآية 51.

كلاما في غير واحد من الآيات و هذه هي النظرية التي نذكرها فيما يلي:

ب - نظرية الحكماء:

لا شك أنى الكلام في أنظار عامة الناس هو الحروف و الأصوات الصادرة من المتكلم، القائمة به. و هو يحصل من تموّج الهواء و اهتزازه بحيث إذا زالت الأمواج زال الكلام معه. و لكن الإنسان الاجتماعي يتوسّع في إطلاقه فيطلق الكلام على الخطبة المنقولة أو الشعر المروي عن شخص، و يقول هذا كلام النبي أو إلقاء امرئ القيس، مع أنّ كلامهما قد زال بزوال الموجات و الاهتزازات. و ما هذا إلاّ من باب التوسّع في الإطلاق و مشاهدة ترتّب الأثر على المروي و المنقول.

و على هذا فكل فعل من المتكلم أفاد نفس الأثر الذي يفيده كلامه من إبراز ما يكتنفه الفاعل في سريرته من المعاني و الحقائق، يصحّ تسميته كلاما من باب التوسّع و التّطوير. و قد عرفت أنى المصباح وضع حينما وضع على مصداق بسيط لا يعدو الغصن المشتعل. و لكن لما كان أثره - و هو الإنارة - موجودا في الجهاز الزيتي و الغازي و الكهربائي أطلق على الجميع، و مثل ذلك الحياة على النحو الذي أوضحناه. فإذا صحت تلك التسمية و جاز ذلك التوسع في ذينك اللفظين، يجوز في لفظ «الكلام» فهو و إن وضع يوم وضع للأصوات و الحروف المتتابعة الكاشفة عمّا يقوم في ضمير المتكلم من المعاني، إلاّ أنّه لو وجد هناك شيء يفيد ما تفيده الأصوات و الحروف المتتابعة بنحو أعلى و أتم لصحت تسميته كلاما أو كلمة. و هذا الشيء الذي يمكن أن يقوم مقام الكلام اللفظي هو فعل الفاعل الذي يليق أن يسمى بالكلام الفعلي، ففعل كل فاعل يكشف عن مدى ما يكتنفه الفاعل من العلم و القدرة و العظمة و الكمال. غير أنّ دلالة الألفاظ على السرائر و الضمائر اعتبارية و دلالة الأفعال و الآثار على ما عليه الفاعل و المؤثر من العظمة تكوينية.

و لأجل ذلك نرى أنّه سبحانه يصف عيسى بن مريم بأنّه كلمة اللّه التي ألقاها إلى مريم العذراء و يقول:

ص: 194

يٰا أَهْلَ اَلْكِتٰابِ لاٰ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَ لاٰ تَقُولُوا عَلَى اَللّٰهِ إِلاَّ اَلْحَقَّ .

إِنَّمَا اَلْمَسِيحُ عِيسَى اِبْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اَللّٰهِ وَ كَلِمَتُهُ أَلْقٰاهٰا إِلىٰ مَرْيَمَ وَ رُوحٌ مِنْهُ (1) .

و كيف لا يكون سيدنا المسيح كلمة اللّه مع أنّه يكشف عن قدرة اللّه سبحانه على خلق الإنسان في الرحم من دون لقاء بين أنثى و ذكر، و لأجل ذلك عدّ وجوده آية و معجزة.

و في ضوء هذا الأصل يعدّ سبحانه كل ما في الكون من كلماته و يقول: قُلْ لَوْ كٰانَ اَلْبَحْرُ مِدٰاداً لِكَلِمٰاتِ رَبِّي لَنَفِدَ اَلْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمٰاتُ رَبِّي وَ لَوْ جِئْنٰا بِمِثْلِهِ مَدَداً (2).

و يقول سبحانه: وَ لَوْ أَنَّ مٰا فِي اَلْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلاٰمٌ وَ اَلْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مٰا نَفِدَتْ كَلِمٰاتُ اَللّٰهِ (3)يقول علي (عليه السلام): «يقول لما أراد كونه: كن، فيكون. لا بصوت يقرع، و لا بنداء يسمع، و إنّما كلامه سبحانه فعل منه، أنشأه و مثّله، لم يكن من قبل ذلك كائنا، و لو كان قديما لكان إلها ثانيا»(4).

و قد نقل عنه (عليه السلام) أنّه قال مبيّنا عظمة خلقة الإنسان:

أ تزعم أنّك جرم صغير *** و فيك انطوى العالم الأكبر

و أنت الكتاب المبين الذي *** بأحرفه يظهر المضمر

فكل ما في صحيفة الكون من الموجودات الإمكانية كلماته، و تخبر عمّا في المبدأ من كمال و جمال و علم و قدرة.

و هناك كلام للعلامة الطباطبائي قدس سره نأتي بخلاصته:ه.

ص: 195


1- سورة النساء: الآية 171.
2- سورة الكهف: الآية 109.
3- سورة لقمان: الآية 27.
4- نهج البلاغة، الخطبة 179، ج 2، ص 122، ط عبده.

ما يسمى عند الناس قولا و كلاما عبارة عن إبراز الإنسان المتكلم ما في ذهنه من المعنى بواسطة أصوات مؤلفة موضوعة لمعنى، فإذا قرع سمع المخاطب أو السامع انتقل المعنى الموجود في ذهن المتكلم إلى ذهنهما فحصل بذلك الغرض من الكلام و هو التفهيم و التفهّم. و هناك نكتة نبه عليها الحكماء فقالوا: حقيقة الكلام متقوّمة بما يدل على معنى خفي مضمر، و أما بقية الخصوصيات ككونه بالصوت الحادث في صدر الإنسان، و مروره من طريق الحنجرة و اعتماده على مقاطع الفم و كونه بحيث يقبل أن يقع مسموعا، فهذه خصوصيات تابعة للمصاديق و ليست دخيلة في حقيقة المعنى الذي يتقوّم به الكلام.

فالكلام اللفظي الموضوع، الدال على ما في الضمير، كلام. و كذا الإشارة الوافية لإرادة المعنى، كلام، كما أنّ إشارتك بيدك إلى القعود و القيام، أمر و قول. و كذا الوجودات الخارجية فإنها لمّا كانت حاكية بوجودها عن وجود علّتها، و بخصوصياتها عن الخصوصيات الكامنة فيها، صارت الوجودات الخارجية - بما أنّ وجودها مثال لكمال علّتها - كلاما. و عليه فمجموع العالم الإمكاني كلام اللّه سبحانه، يتكلم به بإيجاده و إنشائه، فيظهر المكنون من كمال أسمائه و صفاته. و كما أنّه تعالى خالق العالم و العالم مخلوقه، كذلك هو تعالى متكلم بالعالم، مظهر به خبايا الأسماء و الصفات، و العالم كلامه(1).

قال أمير المؤمنين و سيد الموحدين (عليه السلام) في نهج البلاغة:

«يخبر لا بلسان و لهوات، و يسمع لا بخروق و أدوات، يقول و لا يلفظ، و يحفظ و لا يتحفّظ، و يريد و لا يضمر، يحبّ و يرضى من غير رقّة، و يبغض و يغضب من غير مشقّة، يقول لمن أراد كونه: كن. فيكون، لا بصوت يقرع، و لا بنداء يسمع، و إنما كلامه سبحانه فعل منه أنشأه و مثّله، لم يكن من قبل ذلك كائنا، و لو كان قديما لكان إلها ثانيا»(2).ه.

ص: 196


1- الميزان، ج 2، ص 325، ط بيروت، بتلخيص.
2- نهج البلاغة، الخطبة 179، ج 2، ص 122، ط عبده.

و إلى ذلك يشير المحقق السبزواري في منظومته بقوله:

لسالك نهج البلاغة انتهج *** كلامه سبحانه الفعل خرج

إن تدر هذا، حمد الأشياء تعرف *** إن كلماته إليها تضف(1).

إلى هنا وقفت على نظرية الحكماء في كلامه سبحانه و قد حان وقت البحث عن نظرية الأشاعرة في هذا المقام.

ج - نظرية الأشاعرة:

جعلت الأشاعرة التكلم من الصفات الذاتيّة، و وصفوا كلامه سبحانه بالكلام النفسي، و قالوا: إنّ الكلام النفسي غير العلم و غير الإرادة و الكراهة. و قد تفننوا في تقريب ما ادّعوه بفنون مختلفة، و قبل أن نقوم بنقل نصوصهم نرسم مقدمة مفيدة في المقام فنقول: لا شك أنّ المتكلم عند ما يخبر عن شيء ففيه عدة تصورات و تصديق، كلها من مقولة العلم، أما التصور فهو عبارة عن إحضار الموضوع و المحمول و النسبة بينهما في الذهن. و أما التصديق فهو الإذعان بنفس النسبة على المشهور.

و لا شك أنّ التصور و التصديق شعبتا العلم. و العلم ينقسم إليهما. و قد قالوا: العلم إن كان إذعانا بالنسبة فتصديق و إلاّ فتصور. هذا في الإخبار عن الشيء.

و أما الإنشاء، ففي مورد الأمر، إرادة في الذهن، و في مورد النهي، كراهة فيه. و في الاستفهام و التمني و الترجي ما يناسبها.

فالأشاعرة قائلون بأنّ في الجمل الإخبارية - وراء العلم - و في الإنشائية، كالأمر و النهي مثلا، وراء الإرادة و الكراهة، شيء في ذهن المتكلم يسمى بالكلام النفسي و هو الكلام حقيقة، و أما الكلام اللفظي فهو تعبير عنه، و هذا الكلام (النفسي) في الإنسان حادث بتبع حدوث ذاته، و فيه سبحانه قديم لقدم ذاته، و لأجل إيضاح الحال نأتي بنصوص أقطاب الأشاعرة في المقام.

ص: 197


1- شرح منظومة السبزواري، لناظمها، ص 190.

1 - قال الفاضل القوشجي في شرح التجريد: «إنّ من يورد صيغة أمر أو نهي أو نداء أو إخبار أو استخبار أو غير ذلك يجد في نفسه معاني يعبّر عنها، نسمّيها بالكلام الحسّي. و المعنى الذي يجده في نفسه و يدور في خلده، لا يختلف باختلاف العبارات بحسب الأوضاع و الاصطلاحات، و يقصد المتكلم حصوله في نفس السامع على موجبه، هو الذي نسمّيه الكلام»(1).

و لا يخفى أن ما ذكره مجمل لا يعرب عن شيء واضح، و لكن الفضل بن روزبهان ذكر كلاما أوضح من كلامه.

2 - قال الفضل في نهج الحق: «إنّ الكلام عندهم لفظ مشترك يطلقونه على المؤلف من الحروف المسموعة، و تارة يطلقونه على المعنى القائم بالنفس الذي يعبر عنه بالألفاظ و يقولون هو الكلام حقيقة، و هو قديم قائم بذاته. و لا بد من إثبات هذا الكلام، فإنّ العرف لا يفهمون من الكلام إلاّ المؤلف من الحروف و الأصوات فنقول:

ليرجع الشخص إلى نفسه أنّه إذا أراد التكلّم بالكلام فهل يفهم من ذاته أنّه يزوّر و يرتب معاني فيعزم على التكلّم بها، كما أنّ من أراد الدخول على السلطان أو العالم فإنه يرتب في نفسه معاني و أشياء و يقول في نفسه سأتكلم بهذا. فالمنصف يجد من نفسه هذا البتّة. فها هو الكلام النفسي.

ثم نقول على طريقة الدليل إنّ الألفاظ التي نتكلم بها لها مدلولات قائمة بالنفس فنقول هذه المدلولات هي الكلام النفسي»(2).

يلاحظ عليه: إنّ ما ذكره صحيح و لكن المهم إثبات أنّ هذه المعاني في الإخبار غير العلم، و هو غير ثابت بل الثابت خلافه، و أنّ المعاني التي تدور في خلد المتكلم ليست إلاّ تصور المعاني المفردة، أو المركبة، أوف.

ص: 198


1- شرح التجريد للقوشجي، ص 420.
2- نهج الحق المطبوع في ضمن دلائل الصدق، ص 146، ط النجف.

الإذعان بالنسبة، فيرجع الكلام النفسي إلى التصورات و التصديقات، فأي شيء هنا وراء العلم حتى نسمّيه بالكلام النفسي. كما أنّه عند ما يرتب المتكلم المعاني الإنشائية، فلا يرتب إلا إرادته و كراهته أو ما يكون مقدمة لهما، كتصور الشيء و التصديق بالفائدة. فيرجع الكلام النفسي في الإنشاء إلى الإرادة و الكراهة، فأي شيء هنا غيرهما و غير التصوّر حتى نسميه بالكلام النفسي. و عند ذلك لا يكون التكلم وصفا وراء العلم في الإخبار و وراءه مع الإرادة في الإنشاء. مع أنّ الأشاعرة يصرّون على إثبات وصف للمتكلم وراء العلم و الإرادة، و لأجل ذلك يقولون: كونه متكلما بالذات، غير كونه عالما و مريدا بالذات. و الأولى أن نستعرض ما استدلوا به على أنّ الكلام النفسي شيء وراء العلم. و هذا بيانه:

الأول: إنّ الكلام النفسي غير العلم لأن الرجل قد يخبر عمّا لا يعلمه بل يعلم خلافه أو يشكّ فيه، فالإخبار عن الشيء غير العلم به. قال السيد الشريف في شرح المواقف: «و الكلام النفسي في الإخبار معنى قائم بالنفس لا يتغير بتغير العبارات و هو غير العلم إذ قد يخبر الرجل عمّا لا يعلمه، بل يعلم خلافه، أو يشكّ فيه»(1).

يلاحظ عليه: إنّ المراد من رجوع كل ما في الذهن في ظرف الإخبار إلى العلم، هو الرجوع إلى العلم الجامع بين التصور و التصديق. فالمخبر الشاك أو العالم بالخلاف يتصور الموضوع و المحمول و النسبة الحكميّة ثم يخبر. فما في ذهنه من هذه التصورات الثلاثة لا يخرج عن إطار العلم، و هو التصور. نعم ليس في ذهنه الشق الآخر من العلم و هو التصديق. و منشأ الاشتباه تفسير العلم بالتصديق فزعموا أنّه غير موجود عند الإخبار في ذهن المخبر الشاك أو العالم بالخلاف، و الغفلة عن أنّ عدم وجود العلم بمعنى التصديق لا يدلّ على عدم وجود القسم الآخر من العلم و هو التصوّر.4.

ص: 199


1- شرح المواقف، ج 2، ص 94.

الثاني: ما استدلوا به في مجال الإنشاء قائلين بأنه يوجد في ظرف الإنشاء شيء غير الإرادة و الكراهة، و هو الكلام النفسي، لأنه قد يأمر الرجل بما لا يريده، كالمختبر لعبده هل يطيعه أو لا، فالمقصود هو الاختبار دون الإتيان(1).

يلاحظ عليه: أولا: إنّ الأوامر الاختبارية على قسمين:

قسم تتعلق الإرادة فيه بنفس المقدّمة و لا تتعلق بنفس الفعل، كما في أمره سبحانه «الخليل» (عليه السلام) بذبح اسماعيل. و لأجل ذلك لما أتى «الخليل» بالمقدمات نودي أَنْ يٰا إِبْرٰاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ اَلرُّؤْيٰا... (2).

و قسم تتعلق الإرادة فيه بالمقدمة و ذيها غاية الأمر أنّ الداعي إلى الأمر مصلحة مترتبة على نفس القيام بالفعل، لا على ذات الفعل، كما إذا أمر الأمير أحد وزرائه في الملأ العام بإحضار الماء لتفهيم الحاضرين بأنّه مطيع غير متمرّد. و في هذه الحالة - كالحالة السابقة - لا يخلو المقام من إرادة، غاية الأمر أنّ القسم الأول تتعلق الإرادة فيه بالمقدمة فقط، و هنا بالمقدمة مع ذيها. فما صحّ قولهم إنّه لا توجد الإرادة في الأوامر الاختبارية.

و ثانيا: إنّ الظاهر من المستدل هو تصور أنّ إرادة الآمر تتعلق بفعل الغير، أي المأمور، فلأجل ذلك يحكم بأنّه لا إرادة متعلّقة بفعل الغير في الأوامر الامتحانية، و يستنتج أنّ فيها شيئا غير الإرادة ربما يسمى بالطلب عندهم أو بالكلام النفسي. و لكن الحق غير ذلك فإنّ إرادة الآمر لا تتعلق بفعل الغير لأنّ فعله خارج عن إطار اختيار الآمر، و ما هو كذلك لا يقع متعلقا للإرادة. فلأجل ذلك، إنّ ما اشتهر من القاعدة من تعلّق إرادة الآمر و الناهي بفعل المأمور به، كلام صوري، إذ هي لا تتعلق إلاّ بالفعل الاختياري و ليس5.

ص: 200


1- نفس المصدر.
2- سورة الصافات: الآية 105.

فعل الغير من أفعال الآمر الاختيارية، فلا محيص من القول بأن إرادة الآمر متعلقة بفعل نفسه و هو الأمر و النهي، و إن شئت قلت إنشاء البعث إلى الفعل أو الزجر عنه، و كلاهما واقع في إطار اختيار الآمر و يعدان من أفعاله الاختيارية.

نعم، الغاية من البعث و الزجر هو انبعاث المأمور إلى ما بعث إليه، أو انتهاؤه عمّا زجر عنه لعلم المكلّف بأنّ في التخلف مضاعفات دنيوية أو أخروية.

و على ذلك يكون تعلق إرادة الآمر في الأوامر الجدّية و الاختبارية على وزان و هو تعلق إرادته ببعث المأمور و زجره، لا فعل المأمور و لا انزجاره فإنه غاية للآمر لا مراد له. فالقائل خلط بين متعلّق الإرادة، و ما هو غاية الأمر و النهي.

و ربما يبدو في الذهن أن يعترض على ما ذكرنا بأنّ الآمر إذا كان إنسانا لا تتعلق إرادته بفعل الغير لخروجه عن اختياره و أما الواجب سبحانه فهو آمر قاهر، إرادته نافذة في كل شيء، إِنْ كُلُّ مَنْ فِي اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضِ إِلاّٰ آتِي اَلرَّحْمٰنِ عَبْداً (1).

و لكنّ الإجابة عن هذا الاعتراض واضحة، فإنّ المقصود من الإرادة هنا هو الإرادة التشريعية لا الإرادة التكوينية القاهرة على العباد المخرجة لهم عن وصف الاختيار الجاعلة لهم كآلة بلا إرادة، فهي خارجة عن مورد البحث.

قال سبحانه: وَ لَوْ شٰاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي اَلْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً (2).

فهذه الآية تعرب عن عدم تعلق مشيئته سبحانه بإيمان من في الأرض، و لكن من جانب آخر تعلقت مشيئته بإيمان كل مكلف واع. قال سبحانه: وَ اَللّٰهُ9.

ص: 201


1- سورة مريم: الآية 93.
2- سورة يونس: الآية 99.

يَقُولُ اَلْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي اَلسَّبِيلَ (1) . فقوله: «الحقّ » عام، كما أنّ هدايته السبيل عامة مثله لكل الناس.

و قال سبحانه: يُرِيدُ اَللّٰهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَ يَهْدِيَكُمْ سُنَنَ اَلَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ (2)، إلى غير ذلك من الآيات الناصّة على عموم هدايته التشريعية(3).

الثالث - إنّ العصاة و الكفار مكلّفون بما كلّف به أهل الطاعة و الإيمان بنصّ القرآن الكريم، و التكليف عليهم لا يكون ناشئا من إرادة اللّه سبحانه و إلاّ لزم تفكيك إرادته عن مراده، و لا بدّ أن يكون هناك منشأ آخر للتكليف و هو الذي نسميه بالكلام النفسي تارة، و الطلب أخرى، فيستنتج من ذلك أنّه يوجد في الإنشاء شيء غير الإرادة.

و قد أجابت عنه المعتزلة بأن إرادته سبحانه لو تعلقت بفعل نفسه فلا تنفك عن المراد، و أمّا إذا تعلّقت بفعل الغير، فبما أنّها تعلقت بالفعل الصادر من العبد عن حرية و اختيار فلا محالة يكون الفعل مسبوقا باختيار العبد، فإن أراد و اختار العبد يتحقق الفعل، و إن لم يرد فلا يتحقق.

و بعبارة أخرى: لم تتعلق مشيئته سبحانه على صدور الفعل من العبد على كل تقدير، أي سواء أراده أم لم يرده، و إنّما تعلقت على صدوره منه بشرط سبق الإرادة، فإن سبقت يتحقق الفعل و إلاّ فلا.

و الأولى أن يقال: إنّ إرادته سبحانه لا تتخلف عن مراده مطلقا من غير فرق بين الإرادة التكوينيّة و الإرادة التشريعيّة. أمّا الأولى، فلأنّه لو تعلقت إرادته التكوينية على إيجاد الشيء مباشرة أو عن طريق الأسباب فيتحقق لا محالة، قال سبحانه: إِنَّمٰا أَمْرُهُ إِذٰا أَرٰادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْب.

ص: 202


1- سورة الأحزاب: الآية 4.
2- سورة النساء: الآية 26.
3- سيوافيك البحث مفصلا في عموم هدايته سبحانه في ختام الفصل السّادس من الكتاب.

فَيَكُونُ (1) .

و أمّا الثّانية، فلأن متعلّقها هو نفس الإنشاء و البعث، أو نفس الزجر و التنفير، و هو متحقق بلا شك في جميع أوامره و نواهيه، سواء امتثل العبد أم خالف.

و أمّا فعل العبد و انتهاؤه فليسا متعلقين للإرادة التشريعية في أوامره و نواهيه، فتخلّفهما لا يعدّ نقضا للقاعدة، لأنّ فعل الغير لا يكون متعلقا لإرادة أحد، لعدم كون فعل الغير في اختيار المريد(2)، و لأجل ذلك قلنا في محله إنّ الإرادة التشريعية إنما تتعلق بفعل النفس، أي إنشاء البعث و الزجر، لا فعل الغير.

فخرجنا بهذه النتيجة و هي أنّ الإرادة التشريعيّة موجودة في مورد العصاة و الكفّار، و المتعلّق متحقق، و إن لم يمتثل العبد.

الرابع - ما ذكره الفضل بن روزبهان من أنّ كلّ عاقل يعلم أنّ المتكلم من قامت به صفة التكلّم، و لو كان معنى كونه سبحانه متكلما هو خلقه الكلام، فلا يكون ذلك الوصف قائما به، فلا يقال لخالق الكلام متكلم، كما لا يقال لخالق الذوق أنّه ذائق(3).

يلاحظ عليه: إنّ قيام المبدأ بالفاعل ليس قسما واحدا و هو القسم الحلولي، بل له أقسام، فإنّ القيام منه ما هو صدوري، كالقتل و الضرب في القاتل و الضّارب، و منه حلولي كالعلم و القدرة في العالم و القادر.

و التّكلّم كالضرب ليس من المبادي الحلولية في الفاعل بل من المبادي الصدوريّة، فلأجل أنّه سبحانه موجد الكلام يطلق عليه أنّه متكلم وزان إطلاق القاتل عليه سبحانه. بل ربما يصح الإطلاق و إن لم يكن المبدأ قائماف.

ص: 203


1- سورة يس: الآية 82.
2- حتى لو كان المريد هو اللّه تعالى - و إن أمكن - و إلا كان على وجه الإلجاء و الجبر المنفيين عنه سبحانه كما سيأتي في الفصل السادس.
3- دلائل الصّدق، ج 1، ص 147، ط النّجف الأشرف.

بالفاعل أبدا لا صدوريا و لا حلوليّا بل يكفي نوع ملابسة بالمبدإ، كالتّمار و اللبّان لبائع التمر و اللبن. و أما عدم إطلاق الذائق على خالق الذوق فلأجل أنّ صدق المشتقات بإحدى أنواع القيام ليست قياسية حتى يطلق عليه سبحانه الذائق و الشامّ بسبب إيجاده الذوق و الشم. و ربما احترز الإلهيون عن توصيفه بهما لأجل الابتعاد عمّا يوهم التجسيم و لوازمه.

الخامس - إنّ لفظ الكلام كما يطلق على الكلام اللفظي، يطلق على الموجود في النفس. قال سبحانه: وَ أَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اِجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذٰاتِ اَلصُّدُورِ (1).

يلاحظ عليه: إنّ إطلاق «القول» على الموجود في الضمير من باب العناية و المشاكلة. فإنّ «القول» من التقوّل باللسان فلا يطلق على الموجود في الذهن الذي لا واقعية له إلاّ الصورة العلميّة إلاّ من باب العناية.

حصيلة البحث

إنّ الأشاعرة زعموا أنّ في ذهن المتكلّم في الجملة الخبرية و الإنشائية وراء التصورات و التصديقات في الأولى، و وراء الإرادة في الثانية شيئا يسمونه «الكلام النفسي»، و ربما خصوا لفظ «الطلب» بالكلام النفسي في القسم الإنشائي. و بذلك صححوا كونه سبحانه متكلما، ككونه عالما و قادرا و أنّ الكلّ من الصفات الذاتية.

و لكنّ البحث و التحليل - كما مرّ عليك - أوقفنا على خلاف ما ذهبوا إليه، لما عرفت من أنه ليس وراء العلم في الجمل الخبرية، و لا وراء الإرادة و الكراهة في الجمل الإنشائية شيء نسميه كلاما نفسيّا. كما عرفت أنّ الطلب أيضا هو نفس الإرادة. و لو أرادوا بالكلام النفسي معنى الكلام اللفظي أو صورته العلمية التي تنطبق على لفظه، يرجع لبه إلى العلم و لا

ص: 204


1- سورة الملك: الآية 13.

يزيد عليه، و إن أرادوا به معنى وراء ذلك فلسنا نعرفه في نفوسنا إذا راجعناه.

و أما التجاء الأشعري فيما ذهب إليه إلى انشاد قول الشاعر:

إنّ الكلام لفي الفؤاد و إنما *** جعل اللسان على الفؤاد دليلا

فالأبحاث العقلية أرفع مكانة من أن يستدل عليها بأشعار الشعراء(1).

و بذلك تقف على أنّ ما يقوله المحقق الطوسي من أنّ «الكلام النفسي غير معقول»، أمر متين لا غبار عليه.

إلى هنا تم بيان النظريات الثّلاث: المعتزلة و الحكماء و الأشاعرة(2).

و به تم الكلام في المقام الأول، و حان أوان البحث في المقام الثاني و هو حدوث كلامه تعالى أو قدمه.

المقام الثاني - في حدوثه و قدمه
اشارة

لما ظهرت الفلسفة و أثيرت مسائل صفات اللّه تعالى بين المتكلمين، كانت أهمّ مسألة طرحت على بساط البحث مسألة كلام اللّه تعالى و خلق القرآن. و قد تبنى المعتزلة القول بخلق القرآن و انبروا يدافعون عنه بشتى الوسائل. و لما كانت الخلافة العباسية في عصر المأمون و من بعده إلى زمن الواثق باللّه، تؤيد حركة الاعتزال و آراءها، استفاد المعتزلة من هذا الغطاء، و قاموا باختبار علماء الأمصار الإسلامية في هذه المسألة. و كانت نتيجة هذا الامتحان أن أجاب جميع الفقهاء في ذلك العصر بنظرية الخلق و لم يمتنع إلاّ نفر قليل على رأسهم الإمام أحمد بن حنبل.

و يمكن إرجاع مسألة أنّ كلام اللّه تعالى غير مخلوق إلى القرن الثاني.

ص: 205


1- لاحظ الميزان، ج 14، ص 250.
2- و أما نظرية الحنابلة فنبحث عنها في المقام الثاني لئلا يلزم التكرار.

و بقيت في طي الكتمان إلى زمن المأمون. و مع أنّ أهل الحديث يلتزمون بعدم التفوه بشيء لم يرد فيه نص عن رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) أو عهد من الصحابة، إلاّ أنّهم خالفوا مبدأهم في هذه المسألة، إلى أن انجرّ بهم الأمر إلى إعلانها على رءوس الأشهاد و صهوات المنابر. و السبق في ذلك بينهم يرجع إلى أحمد بن حنبل و مواقفه. فقد أخذ يروج لفكرة عدم خلق القرآن أو قدمه، و يدافع عنها بحماس، متحملا في سبيلها من المشاق ما هو مسطور في زبر التاريخ. و قد عرفت امتناعه عن الإقرار بخلق القرآن عند استجواب الفقهاء فسجن و عذّب و جلد بالسياط، و رغم كل ذلك لم ير منه إلاّ الثبات و الصمود، و كان هذا هو أبرز العوامل التي أدّت إلى اشتهاره و طيران صيته في البلاد الإسلامية فيما بعد. و قد سجل التاريخ جملة من المناظرات التي جرت بينه و بين المفكرين من المتكلمين.

و لأجل إيضاح الحال في المقام نأتي بما جاء به أحمد بن حنبل و أبو الحسن الأشعري في هذا المجال.

قال أحمد بن حنبل: «و القرآن كلام اللّه ليس بمخلوق، فمن زعم أنّ القرآن مخلوق فهو جهميّ كافر، و من زعم أنّ القرآن كلام اللّه عزّ و جل و وقف و لم يقل مخلوق و لا غير مخلوق، فهو أخبث من الأول. و من زعم أنّ ألفاظنا بالقرآن و تلاوتنا له مخلوقة، و القرآن كلام اللّه، فهو جهميّ . و من لم يكفّر هؤلاء القوم كلهم فهو مثلهم.

و كلّم اللّه موسى تكليما، من اللّه سمع موسى يقينا، و ناوله التوراة من يده، و لم يزل اللّه متكلما عالما، تبارك اللّه أحسن الخالقين»(1).

و قال أبو الحسن الأشعري: «و نقول إنّ القرآن كلام اللّه غير مخلوق و إنّ من قال بخلق القرآن فهو كافر»(2).1.

ص: 206


1- كتاب السنة، لأحمد بن حنبل، ص 49.
2- الإبانة، ص 21، و لاحظ مقالات الإسلاميين، ص 321.

و قد نقل عن إمام الحنابلة أنّه قيل له: هاهنا قوم يقولون القرآن لا مخلوق و لا غير مخلوق. فقال: هؤلاء أضرّ من الجهميّة على الناس، ويلكم فإن لم تقولوا: ليس بمخلوق فقولوا مخلوق. فقال أحمد هؤلاء قوم سوء. فقيل له: ما تقول ؟ قال: الذي أعتقد و أذهب إليه و لا شكّ فيه أنّ القرآن غير مخلوق. ثم قال: سبحان اللّه، و من شك في هذا؟(1).

هذا ما لدى المحدّثين و الحنابلة و الأشاعرة. و أمّا المعتزلة فيقول القاضي عبد الجبار: «أما مذهبنا في ذلك إنّ القرآن كلام اللّه تعالى و وحيه و هو مخلوق محدث أنزله اللّه على نبيه ليكون علما و دالا على نبوته، و جعله دلالة لنا على الأحكام لنرجع إليه في الحلال و الحرام، و استوجب منا بذلك الحمد و الشكر، و إذا هو الذي نسمعه اليوم و نتلوه و إن لم يكن (ما نقرؤه) محدثا من جهة اللّه تعالى فهو مضاف إليه على الحقيقة كما يضاف ما ننشده اليوم من قصيدة امرئ القيس على الحقيقة، و إن لم يكن (امرؤ القيس) محدثا لها الآن»(2).

و قبل الخوض في تحليل المسألة نقدم أمورا:

1 - إذا كانت مسألة خلق القرآن أو قدمه بمثابة أوجدت طائفتين يكفّر كل منهما عقيدة الآخر، فإمام الحنابلة يقول: إنّ من زعم أنّ القرآن مخلوق فهو جهميّ كافر، و المعتزلة تقول: إنّ القول بكون القرآن غير مخلوق أو قديم شرك باللّه سبحانه، فيجب تحليلها على ضوء العقل و الكتاب و السنة باجتناب كل هياج و لغط. و مما لا شك فيه أن المسألة كانت قد طرحت في أجواء خاصة عزّ فيها التفاهم و ساد عليها التناكر. و إلاّ فلا معنى للافتراق في أمر تزعم إحدى الطائفتين أنه ملاك الكفر و أنّ التوحيد في خلافه، و تزعم الطائفة الأخرى عكس ذلك.

و لو كانت مسألة خلق القرآن بهذه المثابة لكان على الوحي التصريح8.

ص: 207


1- الإبانة، ص 69. و قد ذكر في ص 76، أسماء المحدثين القائلين بأنّ القرآن غير مخلوق.
2- شرح الأصول الخمسة، ص 528.

بأحد القولين و رفع الستار عن وجه الحقيقة، مع أنّا نرى أنّه ليس في الشريعة الإسلامية نص في المسألة، و إنّما ظهرت في أوائل القرن الثاني. نعم، استدلت الطائفتان ببعض الآيات، غير أنّ دلالتها خفيّة، لا يقف عليها - على فرض الدلالة - إلاّ الأوحدي. و ما يعدّ ملاك التوحيد و الشّرك يجب أن يرد فيه نص لا يقبل التأويل و يقف عليه كل حاضر و باد.

و قد نقل الأشعري في كتابه (الإبانة) أخبارا في شرك أبي حنيفة و البراءة منه و استتابة ابن أبي ليلى إياه لقوله بخلق القرآن، فتاب تقية، مخافة أن يقدم عليه، كما صرّح هو نفسه بذلك(1). مع أنّ الطحاوي ذكر في عقائده ما يناقض ذلك و قال بعدم خلق القرآن رغم أنّه حنفيّ المشرب و المسلك.

2 - كان بعض السلف يتحرّجون من وصف القرآن بأنه قديم و قالوا فقط إنه غير مخلوق. لكنهم تدرّجوا في هذا القول حتى وصفوا كلام اللّه بأنه قديم. و من المعلوم أنّ توصيف شيء بأنه غير مخلوق أو قديم مما لا يتجرّأ عليه العارف، لأن هذين الوصفين من خصائص ذاته فلو كان كلامه سبحانه غير ذاته فكيف يمكن أن يتصف بكونه غير مخلوق أو كونه قديما. و لو فرضنا صحة تلك العقيدة التي لا ينالها إلاّ الأوحدي في علم الكلام فكيف يمكن أن تكون هذه المسألة الغامضة مما يجب الاعتقاد به على كل مسلم مع أنّ الإنسان البسيط بل الفاضل لا يقدر أن يحلل و يدرك كون شيء غير اللّه سبحانه و في الوقت نفسه غير مخلوق.

إنّ سهولة العقيدة و يسر التكليف من سمات الشريعة الإسلامية و بها تفارق سائر المذاهب السائدة على العالم، مع أنّ تصديق كون كلامه تعالى - و هو غير ذاته - غير مخلوق أو قديم، شيء يعسر على الخاصة فكيف على العامة.2.

ص: 208


1- الإبانة، ص 71-72.

3 - إنّ الظاهر من أهل الحديث هو قدم القرآن «المقروء» و هو أمر تنكره البداهة و العقل و نفس القرآن. و قد صارت تلك العقيدة بمنزلة من البطلان حتى تحامل عليها الشيخ محمد عبده إذ قال: «و القائل بقدم القرآن المقروء أشنع حالا و أضل اعتقادا من كل ملة جاء القرآن نفسه بتضليلها و الدعوة إلى مخالفتها»(1).

و لما رأى ابن تيميّة، الذي نصب نفسه مروجا لعقيدة أهل الحديث، أنّها عقيدة تافهة صرح بحدوث القرآن المقروء و حدوث قوله يٰا أَيُّهَا اَلْمُزَّمِّلُ (2) و يٰا أَيُّهَا اَلْمُدَّثِّرُ (3) و قوله قَدْ سَمِعَ اَللّٰهُ قَوْلَ اَلَّتِي تُجٰادِلُكَ فِي زَوْجِهٰا (4)... إلى غير ذلك من الآيات الدالة على حدوث النداء و السمع من حينه لا من الأزل(5).

و العجب أنّه يستدل بدليل المعتزلة على حدوث القرآن المقروء، و يقول إنّ ترتيب حروف الكلمات و الجمل يستلزم الحدوث، لأنّ تحقق كلمة «بسم اللّه» يتوقف على حدوث الباء و انعدامها ثم حدوث السين كذلك إلى آخر الكلمة. فالحدوث و الانعدام ذاتي لمفردات الحروف لا ينفك عنها، و إلا لما أمكن أن توجد كلمة، فإذن كيف يمكن أن يكون مثل هذا قديما أزليا مع اللّه تعالى ؟.

4 - لما كانت فكرة عدم خلق القرآن أو القول بقدمه شعار أهل الحديث و سمتهم و من جانب آخر كان القول بقدم القرآن المقروء و الملفوظ شيئا لا يقبله العقل السليم، جاء الأشاعرة بنظرية جديدة أصلحوا بها القول7.

ص: 209


1- رسالة التوحيد، الطبعة الأولى. و قد حذف نحو صفحة من الرسالة في الطبعات اللاحقة، لاحظ ص 49 من طبعة مكتبة الثقافة العربية.
2- سورة المزمل: الآية 1.
3- سورة المدثر: الآية 1.
4- سورة المجادلة: الآية 1.
5- مجموعة الرسائل الكبرى، ج 3، ص 97.

بعدم خلق القرآن و قدمه و التجئوا إلى أنّ المراد من كلام اللّه تعالى ليس هو القرآن المقروء بل الكلام النفسي، و قد عرفت مدى صحة القول بالكلام النفسي(1).

و على كل تقدير فالقول بقدم الكلام النفسي ليس بمنزلة القول بقدم القرآن المقروء.

5 - كيف يكون القول بخلق القرآن و حدوثه ملاكا للكفر مع أنّه سبحانه يصفه بأنّه محدث أي أمر جديد؟ قال سبحانه: اِقْتَرَبَ لِلنّٰاسِ حِسٰابُهُمْ وَ هُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ * مٰا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلاَّ اِسْتَمَعُوهُ وَ هُمْ يَلْعَبُونَ (2). و المراد من الذكر هو القرآن الكريم لقوله سبحانه: إِنّٰا نَحْنُ نَزَّلْنَا اَلذِّكْرَ وَ إِنّٰا لَهُ لَحٰافِظُونَ (3)، و قوله سبحانه: وَ إِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَ لِقَوْمِكَ (4).

و المراد من «محدث» هو الجديد، و هو وصف للذكر. و معنى كونه جديدا أنه أتاهم بعد الإنجيل. كما أنّ الإنجيل جديد لأنه أتاهم بعد التوراة. و كذلك بعض سور القرآن و آياته ذكر جديد أتاهم بعد بعض. و ليس المراد كونه محدثا من حيث نزوله، بل المراد كونه محدثا بذاته بشهادة أنّه وصف ل «ذكر» فالذكر بذاته محدث، لا بنزوله فلا معنى لتوصيف المحدث بالذات بكونه من حيث النزول(5).

و كيف يمكن القول بقدم القرآن مع أنه سبحانه يقول في حقه: وَ لَئِنْ شِئْنٰا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنٰا إِلَيْكَ ، ثُمَّ لاٰ تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنٰا وَكِيلاً (6)، فهل6.

ص: 210


1- ليس هذا أول مورد تقوم فيه الأشاعرة لإصلاح عقيدة أهل الحديث، بل قامت بذلك في عدة موارد بهدف إخراجها في قالب يقبله العقل.
2- سورة الأنبياء: الآية 1-2.
3- سورة الحجر: الآية 9.
4- سورة الزخرف: الآية 44.
5- لتقدّم ما بالذّات على ما بالعرض.
6- سورة الإسراء: الآية 86.

يصح توصيف القديم بالإذهاب و الإعدام ؟!.

6 - العجب أنّ محطّ النزاع لم يحدّد بشكل واضح يقدر الإنسان على القضاء فيه، فهاهنا احتمالات، يمكن أن تكون محط النّظر لأهل الحديث و الأشاعرة عند توصيف كلامه سبحانه بالقدم نطرحها على بساط البحث و نطلب حكمها من العقل و القرآن.

أ - الألفاظ و الجمل الفصيحة البليغة التي عجز الإنسان في جميع القرون عن الإتيان بمثلها، و قد جاء بها أمين الوحي إلى النبي الأكرم، و قرأها الرسول فتلقتها الأسماع و حرّرتها الأقلام على الصحف المطهرة.

فهي ليست بمخلوقة على الإطلاق لا للّه سبحانه و لا لغيره.

ب - المعاني السامية و المفاهيم الرفيعة في مجالات التكوين و التشريع و الحوادث و الأخلاق و الآداب و غيرها.

ج - ذاته سبحانه و صفاته من العلم و القدرة و الحياة التي بحث عنها القرآن و أشار إليها بألفاظه و جمله.

د - علمه سبحانه بكل ما ورد في القرآن الكريم.

ه - الكلام النفسي القائم بذاته.

و - القرآن ليس مخلوقا للبشر و إن كان مخلوقا للّه.

و هذه المحتملات لا تختص بالقرآن الكريم بل تطّرد في جميع الصحف السماوية النازلة إلى أنبيائه و رسله.

و إليك بيان حكمها من حيث الحدوث و القدم.

أما الأول - فلا أظن أنّ إنسانا يملك شيئا من الدّرك و العقل يعتقد بكونها غير مخلوقة أو كونها قديمة، كيف و هي شيء من الأشياء، و موجود من الموجودات، ممكن غير واجب. فإذا كانت غير مخلوقة وجب أن تكون واجبة بالذات و هو نفس الشّرك باللّه سبحانه و حتى لو فرض أنّه سبحانه يتكلم بهذه الألفاظ و الجمل، فلا يخرج تكلّمه عن كونه فعله، فهل يمكن أن يقال إنّ فعله غير مخلوق أو قديم ؟!

ص: 211

و أما الثّاني - فهو قريب من الأول في البداهة، فإنّ القرآن يشتمل، و كذا سائر الصحف على الحوادث المحقّقة في زمن النبي من محاجّة أهل الكتاب و المشركين و ما جرى في غزواته و حروبه من الحوادث المؤلمة أو المسرّة، فهل يمكن أن نقول بأنّ الحادثة التي يحكيها قوله سبحانه: قَدْ سَمِعَ اَللّٰهُ قَوْلَ اَلَّتِي تُجٰادِلُكَ فِي زَوْجِهٰا وَ تَشْتَكِي إِلَى اَللّٰهِ وَ اَللّٰهُ يَسْمَعُ تَحٰاوُرَكُمٰا إِنَّ اَللّٰهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1)، قديمة.

و قد أخبر اللّه تبارك و تعالى في القرآن و الصحف السماوية عما جرى على أنبيائه من الحوادث و ما جرى على سائر الأمم من ألوان العذاب، كما أخبر عما جرى في التكوين من الخلق و التدبير، فهذه الحقائق الواردة في القرآن الكريم، حادثة بلا شك، لا قديمة.

و أما الثّالث - فلا شك أنّ ذاته و صفاته من العلم و القدرة و الحياة و كل ما يرجع إليها كشهادته أنّه لا إله إلاّ هو، قديم بلا إشكال و ليس بمخلوق بالبداهة، و لكنه لا يختص بالقرآن بل كل ما يتكلم به البشر و يشير به إلى هذه الحقائق، فمعانيه المشار إليها بالألفاظ و الأصوات قديمة، و في الوقت نفسه ما يشار به من الكلام و الجمل حادث.

و أما الرّابع - أي علمه سبحانه بما جاء في هذه الكتب و ما ليس فيها، فلا شك أنّه قديم نفس ذاته. و لم يقل أحد من المتكلمين الإلهيين إلاّ من شذّ من الكرّامية - بحدوث علمه.

و أما الخامس - أعني كونه سبحانه متكلما بكلام قديم أزلي نفساني ليس بحروف الأصوات، مغاير للعلم و الإرادة، فقد عرفت أن ما سمّاه الأشاعرة كلاما نفسيّا لا يخرج عن إطار العلم و الإرادة و لا شك أنّ علمه و إرادته البسيطة قديمان.

و أما السّادس - و هو أنّ الهدف من نفي كونه غير مخلوق، كون القرآن1.

ص: 212


1- سورة المجادلة: الآية 1.

غير مخلوق للبشر، و في الوقت نفسه هو مخلوق للّه سبحانه، فهذا أمر لا ينكره مسلم. فإنّ القرآن مخلوق للّه سبحانه و الناس بأجمعهم لا يقدرون على مثله. قال سبحانه: قُلْ لَئِنِ اِجْتَمَعَتِ اَلْإِنْسُ وَ اَلْجِنُّ عَلىٰ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هٰذَا اَلْقُرْآنِ لاٰ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَ لَوْ كٰانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً (1).

و هذا التحليل يعرب عن أنّ المسألة كانت مطروحة في أجواء مشوّشة و قد اختلط الحابل فيها بالنابل و لم يكن محط البحث محرّرا على وجه الوضوح حتى يعرف المثبت عن المنفي، و يمخض الحق من الباطل. و مع هذا التشويش في تحرير محل النزاع نرى أنّ أهل الحديث و الأشاعرة يستدلون بآيات من الكتاب على قدم كلامه و كونه غير مخلوق. و إليك هذه الأدلة واحدا بعد واحد.

أدلة الأشاعرة على كون القرآن غير مخلوق

استدلّ الأشعري بوجوه:

الدليل الأول: قوله سبحانه إِنَّمٰا قَوْلُنٰا لِشَيْ ءٍ إِذٰا أَرَدْنٰاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (2) قال الأشعري: و مما يدل من كتاب اللّه على أنّ كلامه غير مخلوق قوله عز و جل: إِنَّمٰا قَوْلُنٰا لِشَيْ ءٍ إِذٰا أَرَدْنٰاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (3).

فلو كان القرآن مخلوقا لوجب أن يكون مقولا له «كن فيكون». و لو كان اللّه عز و جل قائلا للقول «كن» لكان للقول قول. و هذا يوجب أحد أمرين: إما أن يؤول الأمر إلى أنّ قول اللّه غير مخلوق، أو يكون كل قول واقعا بقول لا إلى غاية و ذلك محال. و إذا استحال ذلك صحّ و ثبت أنّ للّه عز و جل قولا غير مخلوق(4).

ص: 213


1- سورة الإسراء: الآية 88.
2- سورة النحل: الآية 40.
3- سورة النحل: الآية 40.
4- الإبانة، ص 52-53.

يلاحظ عليه: أوّلا - إنّ الاستدلال مبني على كون الأمر بالكون في الآية و نظائرها أمرا لفظيّا مؤلفا من الحروف و الأصوات. و أنّه سبحانه كالسلطان الآمر، فكما أنّه يتوسل عند أمره وزراءه و أعوانه باللفظ، فهكذا سبحانه يتوسّل عند خلق السّماوات و الأرض باللفظ و القول، فيخاطب المعدوم المطلق بلفظة «كن».

و لا شك أنّ هذا الاحتمال باطل جدا، إذ لا معنى لخطاب المعدوم.

و ما يقال في تصحيحه بأنّ المعدوم معلوم للّه تعالى فهو يعلم الشيء قبل وجوده و أنّه سيوجد في وقت كذا، غير مفيد، لأن العلم بالشيء لا يصحح الخطاب، و إن كنت في شك من ذلك فلاحظ النجّار الذي يريد صناعة الكرسي بالمعدات و الآلات، فهل يصح أن يخاطبها بهذا اللفظ، هذا و إن كان بين المثال و الممثّل له فرق أو فروق.

و إنّما المراد من الأمر في الآية، كما فهمه جمهور المسلمين، هو الأمر التكويني المعبّر عن تعلّق الإرادة القطعية بإيجاد الشيء، و المقصود من الآية أنّ تعلق إرادته سبحانه يعقبه وجوده، و لا يأبى عنه الشيء، و أنّ ما قضاه من الأمور و أراد كونه فإنه يتكون و يدخل في حيز الوجود من غير امتناع و لا توقف، كالمأمور المطيع الذي يؤمر فيمتثل، لا يتوقف و لا يمتنع و لا يكون منه الإباء.

و بذلك تقف على الفرق بين الأمر التكليفي التشريعي الوارد في الكتاب و السنّة، و الأمر التكويني. فالأول يخاطب به الإنسان العاقل للتكليف و لا يخاطب به غيره فضلا عن المعدوم. و هذا بخلاف الأمر التكويني فإنّه رمز لتعلق الإرادة القطعية بإيجاد المعدوم.

و هذا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب يفسّر الأمر التكويني بقوله «يقول لما أراد كونه كن، فيكون. لا بصوت يقرع و لا بنداء يسمع، و إنّما كلامه سبحانه فعل منه، أنشأه و مثّله، لم يكن من قبل ذلك كائنا، و لو كان

ص: 214

قديما لكان إلها ثانيا»(1).

و ثانيا - نحن نختار الشقّ الثاني، و لا يلزم التسلسل. و نلتزم بأنّ هنا قولا سابقا على القرآن هو غير مخلوق أوجد به سبحانه مجموع القرآن و أحدثه حتى كلمة «كن» الواردة في تلك الآية و نظائرها. فتكون النتيجة حدوث القرآن و جميع الكتب السماوية و جميع كلمه و كلامه إلاّ قولا واحدا سابقا على الجميع. فينقطع التسلسل بالالتزام بعدم مخلوقية لفظ واحد.

ثالثا - كيف يمكن أن تكون كلمة «كن» الواردة في الآية و أمثالها قديمة. مع أنها إخبار عن المستقبل فتكون حادثة. يقول سبحانه مخبرا عن المستقبل إِنَّمٰا قَوْلُنٰا لِشَيْ ءٍ إِذٰا أَرَدْنٰاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ . و لأجل ذلك التجأ المتأخرون من الأشاعرة إلى أنّ لفظ «كن» حادث و القديم هو المعنى الأزلي النفساني(2).

الدّليل الثاني - قوله سبحانه: إِنَّ رَبَّكُمُ اَللّٰهُ اَلَّذِي خَلَقَ اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيّٰامٍ ثُمَّ اِسْتَوىٰ عَلَى اَلْعَرْشِ يُغْشِي اَللَّيْلَ اَلنَّهٰارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَ اَلشَّمْسَ وَ اَلْقَمَرَ وَ اَلنُّجُومَ مُسَخَّرٰاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاٰ لَهُ اَلْخَلْقُ وَ اَلْأَمْرُ تَبٰارَكَ اَللّٰهُ رَبُّ اَلْعٰالَمِينَ (3).

قال الأشعري: ف «الخلق» جميع ما خلق داخل فيه، و لما قال «و الأمر» ذكر أمرا غير جميع الخلق. فدل ما وصفناه على أنّ أمر اللّه غير مخلوق. و أما أمر اللّه فهو كلامه. و باختصار: إنّه سبحانه أبان الأمر من الخلق، و أمر اللّه كلامه، و هذا يوجب أن يكون كلام اللّه غير مخلوق(4).

يلاحظ عليه: إنّ الاستدلال مبني على أنّ «الأمر» في الآية بمعنى كلام اللّه و هو غير ثابت بل القرينة تدل على أنّ المراد منه غيره، كيف و قد قال2.

ص: 215


1- نهج البلاغة، الخطبة 186.
2- دلائل الصدق حاكيا عن الفضل بن روزبهان الأشعري، ج 1، ص 153.
3- سورة الأعراف: الآية 54.
4- الإبانة، ص 51-52.

سبحانه في نفس الآية: وَ اَلنُّجُومَ مُسَخَّرٰاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاٰ لَهُ اَلْخَلْقُ وَ اَلْأَمْرُ و المراد من اللفظين واحد، و الأول قرينة على الثاني. و هدف الآية هو أنّ الخلق - بمعنى الإيجاد - و تدبيره كلاهما من اللّه سبحانه و ليس شأنه سبحانه خلق العالم و الأشياء ثم الانصراف عنها و تفويض تدبيرها إلى غيره حتى يكون الخلق منه و التدبير على وجه الاستقلال من غيره، بل الكل من جانبه سبحانه.

فالمراد من الخلق إيجاد ذوات الأشياء، و المراد من الأمر النظام السّائد عليها، فكأنّ الخلق يتعلق بذواتها و الأمر بالأوضاع الحاصلة فيها و النظام الجاري بينها. و يدل على ذلك بعض الآيات التي تذكر «تدبير الأمر» بعد الخلق.

يقول سبحانه: إِنَّ رَبَّكُمُ اَللّٰهُ اَلَّذِي خَلَقَ اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيّٰامٍ ثُمَّ اِسْتَوىٰ عَلَى اَلْعَرْشِ يُدَبِّرُ اَلْأَمْرَ مٰا مِنْ شَفِيعٍ إِلاّٰ مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ (1).

و قال تعالى: اَللّٰهُ اَلَّذِي رَفَعَ اَلسَّمٰاوٰاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهٰا، ثُمَّ اِسْتَوىٰ عَلَى اَلْعَرْشِ وَ سَخَّرَ اَلشَّمْسَ وَ اَلْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ اَلْأَمْرَ يُفَصِّلُ اَلْآيٰاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقٰاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2).

فليس المراد من الأمر ما يقابل النهي، بل المراد الشئون الراجعة إلى التكوين، فيكون المقصود أنّ الإيجاد أولا، و التصرف و التدبير ثانيا منه سبحانه فهو الخالق المالك لا شريك له في الخلق و الإيجاد و لا في الإدارة و التدبير.

الدليل الثّالث - قوله سبحانه: إِنْ هٰذٰا إِلاّٰ قَوْلُ اَلْبَشَرِ (3).

قال الاشعري: «فمن زعم أنّ القرآن مخلوق فقد جعله قولا للبشر،5.

ص: 216


1- سورة يونس: الآية 3.
2- سورة الرعد: الآية 2.
3- سورة المدثر: الآية 25.

و هذا ما أنكره اللّه على المشركين»(1).

يلاحظ عليه: إنّ من يقول بأنّ القرآن مخلوق لا يريد إلاّ كونه مخلوقا للّه سبحانه. فاللّه سبحانه خلقه و أوحى به إلى النبي و نزّله عليه منجّما على مدى ثلاث و عشرين سنة و جعله فوق قدرة البشر فلن يأتوا بمثله و لو كان بعضهم لبعض ظهيرا.

نعم، كون القرآن مخلوقا للّه سبحانه لا ينافي أن يكون ما يقرؤه الإنسان مخلوقا له لبداهة أنّ الحروف و الأصوات التي ينطق بها الناس مخلوقة لهم و هذا كمعلقة امرئ القيس و غيرها، فأصلها مخلوق لنفس الشاعر، و لكن المقروء مثال له، و مخلوق للقارئ.

و العجب أنّ الأشعري و من قبله و من بعده لم ينقّحوا موضع النزاع فزعموا أنّه إذا قيل «القرآن مخلوق» فإنما يراد منه كون القرآن مصنوعا للبشر، مع أنّ الضرورة قاضية بخلافه، فكيف يمكن لمسلم يعتنق القرآن و يقرأ قول البارئ سبحانه فيه: وَ هٰذٰا كِتٰابٌ أَنْزَلْنٰاهُ مُبٰارَكٌ (2)، أن يتفوّه بأنّ القرآن مخلوق للبشر. بل المسلمون جميعا يقولون في القرآن نفس ما قاله سبحانه في حقّه. غير أنّ المقروء على ألسنتهم مخلوق لأنفسهم، فيكون مثال ما نزله سبحانه مخلوقا للإنسان، و كون المثال مخلوقا لهم ليس دليلا على أنّ الممثّل مخلوقا لهم. و الناس بأجمعهم عاجزون عن إيجاد مثل القرآن و لكنهم قادرون على إيجاد مثاله. فلاحظ و تدبر.

و بذلك تقف على أنّ أكثر ما استدل به الأشعري في كتاب «الإبانة» غير تام من جهة الدلالة، و لا نطيل المقام بإيراده و نقده. و فيما ذكرنا كفاية.

بقي هنا نكتة ننبه عليها و هي: إنّ المعروف من إمام الحنابلة أنّه ما كان يرى الخوض في المسائل التي لم يخض فيها السلف الصالح لأنه ما كانى.

ص: 217


1- الإبانة - ص 56.
2- سورة الانعام: الآية 155. و مثله قوله: تَنْزِيلُ اَلْكِتٰابِ مِنَ اَللّٰهِ اَلْعَزِيزِ اَلْحَكِيمِ (الجاثية: الآية 2) و آيات كثيرة أخرى.

يرى علما إلاّ علم السلف، فما يخوضون فيه يخوض فيه، و ما لا يخوضون فيه من أمور الدّين يراه ابتداعا يجب الإعراض عنه. و هذه المسألة لم يتكلم فيها السلف فلم يكن له أن يتكلم فيها. و المبتدعون هم الذين يتكلمون، فما كان له أن يسير وراءهم و كان من واجبه حسب أصوله أن يتوقف و لا ينبس ببنت شفة. نعم نقل عنه ما يوافق التوقف - رغم ما نقلنا عنه من خلافه - و أنّه قال: من زعم أنّ القرآن مخلوق فهو جهمي، و من زعم أنّه غير مخلوق فهو مبتدع.

و يرى المحققون أنّ إمام الحنابلة كان في أوليات حياته يرى البحث حول القرآن، بأنّه مخلوق أو غير مخلوق، بدعة. و لكنه بعد ما زالت المحنة و طلب منه الخليفة العباسي المتوكل، المؤيد له، الإدلاء برأيه، اختار كون القرآن ليس بمخلوق. و مع ذلك لم يؤثر عنه أنّه قال: إنّه قديم.(1).

موقف أهل البيت (عليهم السلام)

إنّ تاريخ البحث و ما جرى على الفريقين من المحن، يشهد بأنّ التشدّد فيه لم يكن لإحقاق الحق و إزاحة الشكوك، بل استغلت كل طائفة تلك المسألة للتنكيل بخصومها. فلأجل ذلك نرى أنّ أئمة أهل البيت (عليهم السلام) منعوا أصحابهم من الخوض في تلك المسألة، فقد سأل الرّيّان بن الصّلت الإمام الرضا (عليه السلام) و قال له: ما تقول في القرآن ؟ فقال (عليه السلام): «كلام اللّه لا تتجاوزوه و لا تطلبوا الهدى في غيره، فتضلّوا»(2).

و روى علي بن سالم عن أبيه قال: سألت الصادق جعفر بن محمد

ص: 218


1- تاريخ المذاهب الإسلامية، ص 300.
2- التوحيد للصّدوق، باب القرآن ما هو، الحديث 2، ص 223.

فقلت له: يا ابن رسول اللّه ما تقول في القرآن ؟ فقال: «هو كلام اللّه، و قول اللّه، و كتاب اللّه، و وحي اللّه، و تنزيله. و هو الكتاب العزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد»(1).

و حدّث سليمان بن جعفر الجعفري قال: قلت لأبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام): يا ابن رسول اللّه، ما تقول في القرآن ؟ فقد اختلف فيه من قبلنا، فقال قوم إنه مخلوق، و قال قوم إنه غير مخلوق.

فقال (عليه السلام): أما إني لا أقول في ذلك ما يقولون، و لكنّي أقول: إنه كلام اللّه(2).

فإنا نرى أنّ الإمام (عليه السلام) يبتعد عن الخوض في هذه المسألة لما رأى من أنّ الخوض فيها ليس لصالح الإسلام، و أنّ الاكتفاء بأنّه كلام اللّه أحسم لمادة الخلاف. و لكنهم عليهم السلام عند ما أحسوا بسلامة الموقف، أدلوا برأيهم في الموضوع، و صرّحوا بأنّ الخالق هو اللّه و غيره مخلوق و القرآن ليس نفسه سبحانه، و إلاّ يلزم اتحاد المنزل و المنزل، فهو غيره، فيكون لا محالة مخلوقا.

فقد روى محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني أنّه كتب علي بن محمد ابن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) إلى بعض شيعته ببغداد: «بسم اللّه الرحمن الرحيم، عصمنا اللّه و إياك من الفتنة، فإن يفعل فقد أعظم بها نعمة، و إن لا يفعل فهي الهلكة. نحن نرى أنّ الجدال في القرآن بدعة، اشترك فيها السائل و المجيب، فيتعاطى السائل ما ليس له، و يتكلّف المجيب ما ليس عليه، و ليس الخالق إلاّ اللّه عزّ و جل، و ما سواه مخلوق، و القرآن كلام اللّه، لا تجعل له اسما من عندك فتكون من الضّالّين، جعلنا اللّه، و إياك من الذين يخشون ربهم بالغيب و هم من الساعة مشفقون»(3).4.

ص: 219


1- التوحيد، للصّدوق، باب القرآن، الحديث 3، ص 224.
2- المصدر السابق، الحديث 5، ص 224.
3- المصدر السابق، الحديث 4.

و في الروايات المروية إشارة إلى المحنة التي نقلها المؤرخون، حيث كان أحمد بن أبي دؤاد في عصر المأمون كتب إلى الولاة في العواصم الإسلامية أن يختبروا الفقهاء و المحدّثين في مسألة خلق القرآن، و فرض عليهم أن يعاقبوا كل من لا يرى رأي المعتزلة في هذه المسألة. و جاء المعتصم و الواثق فطبقا سيرته و سياسته مع خصوم المعتزلة و بلغت المحنة أشدها على المحدثين، و بقى أحمد بن حنبل ثمانية عشرين شهرا تحت العذاب فلم يتراجع عن رأيه(1). و لما جاء المتوكل العباسي، نصر مذهب الحنابلة و أقصى خصومهم، فعند ذلك أحسّ المحدثون بالفرج و أحاطت المحنة بأولئك الذين كانوا بالأمس القريب يفرضون آراءهم بقوة السلطان.

فهل يمكن عدّ مثل هذا الجدال جدالا إسلاميا، و قرآنيا، لمعرفة الحقيقة و تبيّنها، أو أنه كان وراءه شيء آخر؟ اللّه العالم بالحقائق و ضمائر القلوب.د.

ص: 220


1- لاحظ سير أعلام النبلاء للذهبي، ج 11، ص 252. و قد عقد في الكتاب باب مفصّل في احوال الإمام أحمد.

الصّفات الفعليّة

(2) الصدق

اتّفق المسلمون و الإلهيون على أنّ «الصادق» من أسمائه، و أن «الصّدق» من صفاته، و إن اختلفوا في طريق البرهنة عليه. و المراد من صدقه كون كلامه منزها عن شوب الكذب. و لما كان المختار عندنا في «الكلام» أنّه من الصفات الفعلية، يكون الصدق في الكلام مثله. لأنه إذا كان الموصوف بالصّدق من الصفات الفعلية و فعلا قائما باللّه سبحانه، فوصفه أولى بأن يكون من تلك المقولة.

و يمكن الاستدلال على صدقه بأنّ الكذب قبيح عقلا، و هو سبحانه منزه عما يعدّه العقل من القبائح. و البرهان مبني على كون الحسن و القبح من الأمور التي يدركها العقل، و أنّه مع قطع النظر عن الطوارئ و العوارض، يحكم بكون شيء حسنا بالذات أو قبيحا مثله. و هذا الأصل هو الأمر المهم الذي فرّق المتكلمين إلى فرقتين.

فإذا أخذنا بالجانب الإيجابي في ناحية ذلك الأصل، كما هو الحق، يثبت كونه سبحانه صادقا. و لكن الأشاعرة المنكرين للتحسين و التقبيح العقليين يصفونه سبحانه بالصدق، مستدلين تارة بأنّ الكذب نقص،

ص: 221

و النقص على اللّه تعالى محال. و أخرى بأنّ الشرع قد أخبر عن كونه صادقا.

و كلا الدليلين مخدوش جدا.

أما الأول، فلأنه لو قلنا بالتحسين و التقبيح العقليين، يكون النقص محالا على اللّه سبحانه في ناحية الذات و الفعل، فذاته منزهة عن النقص، و فعله - كالتكلم - و أمّا إذا أنكرنا ذلك الأصل فلا دليل على استحالة النقص على اللّه سبحانه في خصوص فعله و إن كان طروء النقص على الذات محالا مطلقا. و لأجل ذلك جوّز الأشاعرة الظلم عليه سبحانه، و هكذا سائر القبائح، و إن كانت لا تصدر عنه سبحانه لأجل إخباره بذلك.

و أما الثاني، فلأن ثبوت صدقه شرعا يتوقف على صدق قول النبي و لا يثبت صدقه إلاّ بتصديق اللّه سبحانه، فلو توقف تصديقه سبحانه على تصديق النبي (صلى اللّه عليه و آله)، لزم الدور.

و لأجل ذلك يجب أن يكون هناك دليل قاطع وراء الشرع و الوحي على كونه سبحانه صادقا لا يكذب.

و هناك دليل آخر، أشار إليه بعض المعتزلة و حاصله أنّ كذبه ينافي مصلحة العالم، لأنه إذا جاز وقوع الكذب في كلامه تعالى ارتفع الوثوق بإخباره عن أحوال الآخرة، و في ذلك فوات مصالح لا تحصى. و الأصلح واجب عليه تعالى لا يصح الإخلال به. و المراد من كونه واجبا هو إدراك العقل أنّ موقفه سبحانه في ذلك المجال يقتضي اختيار الأصلح و ترك غيره.(1)

و لكن الدليل مبني على الأصل المقرر عند العدلية من إدراك العقل الحسن و القبح، مع قطع النظر عن جميع الطوارئ و العوارض. فعند ذلك يدرك الأصلح و الصالح، أو الصالح و غير الصالح، كما يدرك لزوم اختيار الأصلح و الصالح على غيرهما. و لأجل ذلك لا يكون دليلا آخر.0.

ص: 222


1- شرح القوشجي، ص 320.

هذا إذا قلنا بأنّ كلامه من الصفات الفعلية. و أمّا لو فسّرناه بالكلام النفسي - كما قالت الأشاعرة - فقد عرفت أنّه لا يخرج عن إطار العلم و الإرادة و الكراهة، فعندئذ يكون صدق كلامه بمعنى صدق علمه، و لا يمكن تفسير صدق العلم إلاّ بكونه مطابقا للواقع. و أمّا صدق الإرادة و الكراهة فليس له فيهما معنى معقول. و على كل تقدير يكون الصدق عندهم - حينئذ - من الصفات الذّاتية لا الفعلية.

ص: 223

ص: 224

الصّفات الفعليّة

(3) الحكمة

اشارة

إنّ الحكمة من صفاته سبحانه، كما أنّ الحكيم من أسمائه و قد تواترت النصوص القرآنية بذلك، فقال سبحانه:

وَ اَللّٰهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (1) . مشعرا بأنّ العلم غير الحكمة.

إنّ الحكمة تطلق على معنيين: أحدهما، كون الفعل في غاية الإحكام و الإتقان، و غاية الإتمام و الإكمال. و ثانيها، كون الفاعل لا يفعل قبيحا و لا يخلّ بواجب.

قال الرازي: «في الحكيم وجوه: الأول - إنه فعيل بمعنى مفعل، كأليم بمعنى مؤلم، و معنى الإحكام في حق اللّه تعالى في خلق الأشياء، هو إتقان التدبير فيها، و حسن التقدير لها ففيها ما لا يوصف بوثاقة البنية كالبقة و النملة و غيرهما، إلاّ أنّ آثار التدبير فيها - و جهات الدلالات فيها على قدرة الصانع و علمه - ليست بأقل من دلالة السموات و الأرض و الجبال على علم الصانع و قدرته. و كذا هذا في قوله: اَلَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْ ءٍ خَلَقَهُ (2).

ص: 225


1- سورة النساء: الآية 26.
2- سورة السجدة: الآية 7.

و ليس المراد منه الحسن الرائق في المنظر، فإنّ ذلك مفقود في القرد و الخنزير، و إنّما المراد منه حسن التدبير في وضع كل شيء موضعه بحسب المصلحة. و هو المراد بقوله: وَ خَلَقَ كُلَّ شَيْ ءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً (1).

الثاني - إنّه عبارة عن كونه مقدّسا عن فعل ما لا ينبغي، قال تعالى:

أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّمٰا خَلَقْنٰاكُمْ عَبَثاً (2) .

و قال: وَ مٰا خَلَقْنَا اَلسَّمٰاءَ وَ اَلْأَرْضَ وَ مٰا بَيْنَهُمٰا بٰاطِلاً (3) و(4).

و نبحث فيما يلي عن كلا المعنيين واحدا بعد الآخر.ه.

ص: 226


1- سورة الفرقان: الآية 2.
2- سورة المؤمنون: الآية 115.
3- سورة ص: الآية 27.
4- و قد ذكر الرازي هنا معنى ثالثا و هو أنّ الحكمة عبارة عن معرفة أفضل المعلومات بأفضل العلوم، فالحكيم بمعنى العليم، قال الغزالي: و قد دللنا على أنّه لا يعرف اللّه إلاّ اللّه، فيلزم أن يكون الحكيم الحق هو اللّه، لأنه يعلم أصل الأشياء، و هو (العلم بأصل الأشياء) أصل العلوم، و هو علمه الأزلي الدائم الذي لا يتصور زواله، المطابق للمعلوم مطابقة لا يتطرق إليها الخفاء و لا الشبهة (أسماء اللّه الحسنى، ص 279-280). أقول: و على المعنى الثالث تكون الحكمة من شعب علمه.

الحكمة

(1) الحكيم: المتقن فعله
اشارة

قد عرفت أنّ الحكيم يطلق على الفاعل الذي يعمل بإتقان و يقدّر و يدبّر باتّزان و اللّه سبحانه حكيم بهذا المعنى.

و أوضح دليل على ذلك أنّ فعله في غاية البداعة و الإحكام و الإتقان، فإنّ الناظر يرى أنّ العالم خلق على نظام بديع، و أنّ كل نوع خلق بأفضل صورة تناسبه، و جهّز بكل ما يحتاج إليه من أجهزة تهديه في حياته و تساعده على السير إلى الكمال. و إن شئت فانظر إلى الأشياء المحيطة بك مما هو من مظاهر حكمته تعالى.

فلاحظ العين مثلا فإنّ فيها ما يقرب من مائة و أربعين مليون مستقبل حساس للضوء تسمّى بالمخاريط و العصي، و طبقة المخاريط و العصي هذه واحدة من الطبقات العشر التي تشكل شبكيّة العين، و لا يتجاوز ثخانتها - بطبقاتها العشر - أربعة أعشار المليمتر الواحد. و يخرج من العين نصف مليون ليف عصبي ينقل الصورة بشكل ملون! و هذا القلب و هو مضخة الحياة التي لا تكلّ عن العمل، فإنه ينبض يوميا ما يزيد على مائة ألف مرة، يضخ خلالها ثمانية آلاف ليتر من الدم،

ص: 227

و بمعدل وسطي يضخ ستة و خمسين مليون غالون على مدى حياة الإنسان، فترى هل يستطيع محرك آخر القيام بمثل هذا العمل الشاق لمثل تلك الفترة الطويلة من دون حاجة لإصلاح ؟...

و أمثال ذلك الكثير مما لا تستوعبه السطور بل و لا الزبر.

إنّ معطيات العلوم الطبيعية عما في الكون أفضل دليل على وجود الحكمة الإلهية في الفلكيّات و الأرضيات. و لا نطيل الكلام في الحكمة بهذا المعنى، فإنها في الحقيقة من شعب القدرة التي استوفينا الكلام فيها. على أنّه يمكن الاستدلال على كونه حكيما من وجهين آخرين غير ما مر:

الأول: إنّ إرادته سبحانه تعلقت بخلق كل شيء بأحسن نظام، و إلاّ فإنّ صدور فعل خارج عن الإتقان و الإحكام، إمّا لأجل جهل الفاعل بالنظام الصحيح، و إمّا لأجل عجزه، و كلا العاملين منفيان عن ساحته، لسعة علمه لكلّ شيء وسعة قدرته. فعدوله عن مقتضى العلم و القدرة الوسيعين يحتاج إلى دليل، و ليس هو إلاّ كونه عابثا و لا غيا، و سيوافيك فيما يأتي أنّه منزّه عن القبيح.

الثاني: إنّ أثر كل فاعل يناسب واقع فاعله و مؤثره، فهو كالظل يناسب ذا الظل. فالفاعل الكامل من جميع الجهات يكون مصدرا لفعل كامل، و موجود متوازن أخذا بقاعدة مشابهة الظل لذي الظلّ .

الحكمة و الإتقان في الكتاب و السنة

إنّ توصيفه سبحانه بالحكمة بهذا المعنى ورد في الذكر الحكيم، قال سبحانه: الر كِتٰابٌ أُحْكِمَتْ آيٰاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1).

و قد أشار الإمام علي (عليه السلام) إلى الحكمة الإلهية بمعنى

ص: 228


1- سورة هود: الآية 1.

الإتقان و الإحكام بقوله: «قدر ما خلق فأحكم تقديره»(1).

و قوله: «مبتدع الخلائق بعلمه، و منشئهم بحكمه، بلا اقتداء و لا تعليم و لا احتذاء لمثال صانع حكيم»(2).

ثم إنّ بعض المغرورين أثاروا شكوكا حول حكمته تعالى، و سألوا عن فوائد الأمور التالية و هي:

1 - الزائدة الدوديّة.

2 - اللوزتان.

3 - ثديا الرجل.

4 - صيوان الأذن.

5 - الفضاء الوسيع.

و لكن هؤلاء اغتروا بما حصلوا عليه من علوم تجريبية، و تصوروا أنهم أحاطوا بأسرار العالم، مع أنّ الواقعيين من العلماء يعترفون بضالة علومهم و قلة اطلاعهم على سنن الكون و رموزه. قال سبحانه: وَ مٰا أُوتِيتُمْ مِنَ اَلْعِلْمِ إِلاّٰ قَلِيلاً (3).

و قال سبحانه: يَعْلَمُونَ ظٰاهِراً مِنَ اَلْحَيٰاةِ اَلدُّنْيٰا (4).

هذا، مع أنّ العلم الحديث كشف عن الفوائد الجمة لهذه الأمور التي استشكل فيها هؤلاء المغرورون و زعموا أنّها مضادة لحكمته سبحانه(5).»؟

ص: 229


1- نهج البلاغة، الخطبة (91).
2- نهج البلاغة، الخطبة (191).
3- سورة الإسراء: الآية 85.
4- سورة الروم: الآية 7.
5- لاحظ «اللّه خالق الكون» ص 370-378، تحت عنوان «الأعضاء الزائدة لما ذا»؟

ص: 230

الحكمة

(2) الحكيم: المنزّه عن فعل ما لا ينبغي
اشارة

إنّ المعنى الثاني للحكمة هو التنزّه عن فعل ما لا ينبغي، و هي بهذا المعنى أعمّ من العدل الذي نعرفه بعدم الجور و الظلم، و غيره. فالحكيم - بعبارة أخرى - هو الذي لا يفعل القبيح.

و التصديق بثبوت هذه الصفة للباري تعالى مبني على القول بالتحسين و التقبيح العقليين. فإنّ مفاد تلك المسألة أنّ هناك أفعالا يدرك العقل كونها حسنة أو قبيحة، و يدرك أنّ الغنيّ بالذات منزّه عن الاتصاف بالقبيح، و فعل ما لا ينبغي.

و هذا هو الأساس للحكم باتصافه تعالى بالحكمة و العدل و أنه موجود لا يجور و لا يظلم و من هنا يلزمنا البحث عن تلك المسألة على ضوء العقل و الكتاب العزيز.

التحسين و التقبيح العقليان

ذهبت العدلية إلى أنّ هناك أفعالا يدرك العقل من صميم ذاته من دون استعانة من الشرع أنها حسنة، يجب القيام بها، أو قبيحة يجب التنزه

ص: 231

عنها. و لو أمر الشارع بالأولى و نهى عن الثّانية، فهو كاشف عما يدركه العقل و مرشد إليه. و ليس للشرع أن يعكس القضية بأن يحسّن ما قبّحه العقل، أو يقبّح ما حسّنه.

و قالت الأشاعرة، لا حكم للعقل في حسن الأشياء و قبحها، و لا يتسم فعل بالحسن أو القبح بذاته قبل ورود الشرع، فلأجل ذلك لا حسن إلاّ ما حسّنه الشارع، و لا قبيح إلاّ ما قبحه. فلو كان الظلم قبيحا، فلأن الشارع نهى عنه، و لو كان العدل حسنا فلأنه أمر به. و لو عكس و جعل العدل قبيحا و الظلم حسنا، لكان كما قال.

ثم إنّ القائلين بالحسن و القبح العقليين يقسّمون الأفعال من حيث الاتصاف بهما إلى أقسام ثلاثة:

الأول: ما يكون الفعل بنفسه علّة تامة للحسن و القبح، و هذا ما يسمّى بالحسن و القبح الذاتيين، مثل العدل و الظلم. فالعدل بما هو عدل، لا يكون إلاّ حسنا أبدا، و متى ما وجد لا بدّ أن يمدح فاعله و يعدّ محسنا، و كذلك الظلم بما هو ظلم لا يكون إلاّ قبيحا و متى ما وجد ففاعله مذموم و مسيء. و يستحيل أن يكون العدل قبيحا و الظلم حسنا.

الثاني: ما لا يكون الفعل علّة تامة لأحدهما، بل يكون مقتضيا للاتصاف بهما، بحيث لو خلّي الفعل و نفسه، فإمّا أن يكون حسنا كتعظيم الصديق بما هو هو أو يكون قبيحا كتحقيره. و لكنه لا يمتنع أن يكون التعظيم مذموما لعروض عنوان عليه كما إذا كان سببا لظلم ثالث، أو يكون التحقير ممدوحا لعروض عنوان عليه كما إذا صار سببا لنجاته. و لا ينحصر المثال بهما بل الصدق و الكذب أيضا من هذا القبيل. فالصدق الذي فيه ضرر على المجتمع قبيح، كما أنّ الكذب الذي فيه نجاة الإنسان البريء حسن. و هذا بخلاف العدل و الظلم فلا يجوز أن يتّسم العدل - بما هو عدل - بالقبح، و الظلم - بما هو ظلم - بالحسن.

ص: 232

الثالث - ما لا علّية له و لا اقتضاء فيه في نفسه للاتصاف بأحدهما، و إنما يتبع الجهات الطارئة و العناوين المنطبقة عليه، و هذا كالضّرب فإنّه حسن للتأديب، و قبيح للإيذاء.

هذا هو التقسيم الرائج بينهم. و الغرض المطلوب في هذا البحث هو تبيين أنّ هناك أفعالا يدرك العقل إذا طالعها، بقطع النظر عن كل الجهات الطارئة عليها، أنّها حسنة يجب أن يمدح فاعلها أو قبيحة يجب أن يذمّ . و لا نقول إنّ كل فعل من الأفعال داخل في هذا الإطار.

و بعبارة أخرى: إنّ النزاع بين الفريقين دائر بين الإيجاب الجزئي و السلب الكلّي، فالعدلية يقولون بالأول و الأشاعرة بالثاني.

في إطلاقات الحسن و القبح

لا شك أنّ للحسن و القبح معنى واحدا، و إنما الكلام في ملاك كون الشيء حسنا أو قبيحا. و هو يختلف باختلاف الموارد، فقد ذكر للحسن و القبح ملاكات نوردها فيما يلي:

1 - ملاءمة الطبع و منافرته. فالمشهد الجميل - بما أنّه يلائم الطبع - يعدّ حسنا، كما أنّ المشهد المخوف، - بما أنّه منافر للطبع - يعدّ قبيحا.

و مثله الطعام اللذيذ و الصوت الناعم، فإنهما حسنان كما أنّ الدواء المرّ و نهيق الحمار قبيحان. و الحسن و القبح بهذا الملاك ليسا محل البحث و الاختلاف. أضف إلى ذلك أنّهما لا يمكنهما الثبات و الدوام، لاختلاف الطبائع.

2 - موافقة الغرض و المصلحة الشخصيّة و النوعيّة و مخالفتهما. فقتل إنسان لعدائه حسن، حيث إنّه موافق لأغراض القاتل الشخصية. و لكنه قبيح لأصدقاء المقتول و أهله، لمخالفته لأغراضهم و مصالحهم الشخصية. هذا في المجال الشخصي. و أمّا في المجال النوعي، فإنّ العدل بما أنّه حافظ لنظام المجتمع و مصالح النوع فهو حسن و بما أنّ الظلم هادم للنظام و مخالف

ص: 233

لمصلحة النوع فهو قبيح. و هذا أيضا خارج عن مجال البحث بين العدليّة و الأشاعرة، فإنّ المصالح الشخصيّة لا تصحح توصيف الفعل بالحسن و القبح على وجه الدوام، لما عرفت من اختلاف الأغراض و المصالح الشخصية. فربّ فعل كالقتل حسن عند فرد أو جمع و قبيح عند آخرين و البحث إنّما هو عن الحسن و القبح الذاتيين اللذين لا يتغير الاتصاف بهما عند قوم دون قوم، و جيل دون جيل، بل يكون حكما ثابتا للفعل أبدا.

و أمّا المصالح النوعيّة - كبقاء النظام و انهدامه - فهي و إن كانت تصبغ الفعل بالحسن و القبح على وجه الثبات و الدوام، لكن لا يصحّ توصيف الحسن و القبح في هذا المورد بالذاتيين. لأنّ المراد بالذاتي كون ملاحظة نفس الفعل - مع غضّ النظر عن غيره - موجبا لإدراك العقل حسنه أو قبحه، و ليس الأمر كذلك في توصيف الفعل بالحسن أو القبح لأجل المصالح و المفاسد النوعية، فإنّ لتلك الأغراض الخارجة عن حقيقة الفعل دخالة في إدراك العقل و توصيفه. فلأجل ذلك يجب أن يكون مثل ذلك خارجا عن محل النزاع، و لو اعترف الأشاعرة بحسن العدل و قبح الظلم من هذه الزاوية، فلا يمكن عدهم موافقين للعدلية.

3 - كون الشيء كمالا للنفس أو نقصا لها، كالعلم و الجهل، فالأول زين لها و الثاني شين. و لكنّ التحسين و التقبيح بهذا المعنى لا غبار عليه و ليس محلا للنقاش. إذ لا أظن أنّ أحدا على أديم الأرض ينكر كون العلم و الشجاعة و الفصاحة كمالا و حسنا، و الجهل و الجبن و الفهاهة نقصا و قبيحا.

فهذه الملاكات الثلاثة على فرض كونها ملاكات للاتصاف بالحسن و القبح، خارجة عن حريم البحث، و إنّما البحث بين العدلية و غيرهم في الملاك الرابع التالي:

4 - ما استحق من الأفعال مدح فاعله عدّ عند العقلاء حسنا، و ما استحق منها ذما عدّ عندهم قبيحا. و ذلك بملاحظة الفعل نفسه من حيث هو

ص: 234

هو، من دون ضم شيء إليه، و من دون أن يلاحظ كونه مشتملا على نفع شخصي أو نوعي، فيستقل العقل بحسنه و وجوب فعله، أو قبحه و وجوب تركه.

و إن شئت قلت: إذا وقع الفعل في إطار العقل البشري من دون فرق بين الأفراد، و مع غض النظر عن أي شيء آخر غير الفعل نفسه، وجده العقل موصوفا بالحسن و قابلا للمدح، أو على العكس. و هذا كما إذا لاحظ جزاء الإحسان بالإحسان فيحكم بحسنه، و جزاءه بالإساءة فيحكم بقبحه.

فالعقل في حكمه هذا، لا يلاحظ سوى نفس الموضوع، من دون أن يتصور كونه يتضمن صلاحا أو فسادا. فمبحث الحسن و القبح الذاتيين، لا يهدف إلاّ إلى هذا القسم.

و الأقسام الثلاثة الأولى خارجة عن مجال البحث، كما أنّ التحسين و التقبيح العاديين، كتحسين خروج الجندي بالبزّة العسكرية و تقبيح خروج العالم باللباس غير المناسب، خارجان أيضا عن محل البحث.

و ربما يتوهم أنّ للتحسين و التقبيح ملاكا خامسا، هو أنّ الحسن ما استحق الثواب عند اللّه، و القبيح ما استحق العقاب عنده. و لكنه خارج عن مجال البحث أيضا، كيف و قد بحث عن أصل التحسين و التقبيح البراهمة الذين لا يدينون بشريعة فضلا عن الاعتقاد بالثواب و العقاب في الآخرة، فكيف يكون هذا ملاك البحث. نعم قد اتخذ هذا الوجه سنادا من أراد أن ينكر الحسن و القبح، بحجة أنّ العلم باستحقاق الثواب و العقاب على الفعل خارج عن نطاق العقل، و داخل في مجال الشرع.

و مما قدمنا يعلم ما فيه.

و لأجل زيادة البيان في تعيين محل النزاع بين الأشاعرة و العدلية نأتي بالتوضيح التالى:

ص: 235

إنّ كثيرا من الباحثين عن التحسين و التقبيح العقليين، يعلّلون حسن العدل و الإحسان، و قبح الظلم و العدوان، باشتمال الأول على مصلحة عامة و باشتمال الثاني على مفسدة كذلك. و لأجل تلك النتائج عم الاعتراف بحسن الأول و قبح الثاني الجميع. و لكنك عرفت أنّ ملاك البحث أوسع من ذلك، و أنّ المسألة مركزة على لحاظ نفس الفعل مع غض النظر عن تواليه و توابعه، هل يدرك العقل حسنه أو قبحه، أو لا؟ و هل العقل يمدح إحسان المحسن بالإحسان، و يذم جزاء المحسن بالإساءة أو لا؟ و هل العقل يقبح تكليف الإنسان بما لا يطيقه، أو لا؟ و هل العقل يحسّن عمل العامل بالميثاق، أو لا؟ فالنقاش على هذا الصعيد لا بالنظر إلى الأغراض و المصالح، فرديّة كانت أم اجتماعيّة.

فالقائلون بالتقبيح و التحسين العقليين يقولون: إنّ كل عاقل مميّز، يجد من صميم ذاته حسن بعض الأفعال و قبح بعضها الآخر، و إنّ هذه الأحكام نابعة من صميم القوة العاقلة و الهويّة الإنسانيّة المثاليّة.

و أول من قام بتحرير محل النزاع على الوجه الذي قررناه هو المحقق اللاهيجي في تأليفه الكلامية. و أوضح دليل على صواب تحريره هو أن الغرض من طرح هذه المسألة التوصل إلى التعرف على أفعاله سبحانه، و أنّ العقل هل يستطيع أن يستكشف وصف أفعاله، أو لا؟ و أنّ ما هو حسن عند العقل أو قبيح عنده هل هو كذلك عند اللّه تعالى ؟ و لا يمكن ذلك الاستكشاف إلاّ بكون المدار في التحسين و التقبيح على ملاحظة نفس الفعل بما هو هو.

و على ذلك فلا معنى للبحث عن التحسين و التقبيح بالملاكات السّابقة من الملاءمة و المنافرة للطبع، أو موافقة الغرض و مخالفته، أو كونه حافظا و هادما للنظام و المجتمع، و إلاّ لبطلت الغاية التي طرحت لأجلها تلك المسألة و هي التعرف على أفعال الباري سبحانه.

ص: 236

هل التّحسين و التّقبيح العقليّان من المشهورات ؟

ربما يظهر من بعض الحكماء و المتكلمين أنّ التحسين و التقبيح العقليين من المشهورات التي اتفقت عليها آراء العقلاء و تسمى ب «الآراء المحمودة».

و قال الشيخ الرئيس في (الإشارات): فأما المشهورات... و منها الآراء المسماة ب «المحمودة»، و ربما خصصناها باسم «المشهورة»، إذ لا عمدة لها إلاّ الشهرة. و هي آراء لو خلّي الإنسان و عقله المجرد، و وهّمه و حسّه، و لم يؤدّب بقبول قضاياها و الاعتراف بها، و لم يمل الاستقراء بظنه القوي إلى حكم، لكثرة الجزئيات، و لم يستدع إليها ما في طبيعة الإنسان من الرحمة و الخجل و الأنفة و الحميّة و غير ذلك، لم يقض بها الإنسان طاعة لعقله أو وهمه أو حسّه. مثل حكمنا إنّ سلب مال الإنسان قبيح و إنّ الكذب قبيح لا ينبغي أن يقدم عليه. و من هذا الجنس ما يسبق إلى وهم كثير من الناس، و إن صرف كثيرا عنه الشرع من قبح ذبح الحيوان، اتباعا لما في الغريزة من الرقة لمن تكون غريزته كذلك، و هم أكثر الناس.

و ليس شيء من هذا يوجبه العقل الساذج، و لو توهم نفسه و أنّه خلق دفعة تام العقل و لم يسمع أدبا و لم يطع انفعالا نفسانيا أو خلقيا، لم يقض في أمثال هذه القضايا بشيء، بل أمكنه أن يجهله و يتوقف فيه. و ليس كذلك حال قضائه بأنّ الكلّ أعظم من الجزء - إلى أن قال -: فالمشهورات إمّا من الواجبات و إما من التأديبات الصلاحية، و ما يتطابق عليه الشرائع الإلهية، و إمّا خلقيّات و انفعاليّات، و إمّا استقرائيات و إما اصطلاحيّات، و هي إمّا بحسب الإطلاق، و إما بحسب أصحاب صناعة و ملة»(1).

ص: 237


1- الإشارات و التنبيهات، ج 1، ص 219-220 - قوله: «و إمّا اصطلاحيات»: يريد منه أن تكون مشهورة عند الكل كقولنا: «العلم بالمتقابلات واحد»، فإنّ العلم بأبوة زيد لعمرو مساوق للعلم ببنوة عمرو لزيد. أو عند أصحاب صناعة كقولنا: «التسلسل محال»، و هو مشهور عند المناظرة. أو عند أصحاب ملة كقولنا: «الإله واحد» و «الرّبا حرام».

فها إنّك ترى أنّ الشيخ الرئيس يعدّ كون سلب مال الإنسان قبيحا، من القضايا المشهورة و أنّه ليس له مدرك سوى آراء العقلاء و أن الإنسان لو خلي و عقله، و لم يؤدب بقبول قضاياها، لم يقض بقبحه.

و قد وافقه على ذلك المحقق الطوسي في شرحه على الإشارات.

يلاحظ عليه: إنّ القياس ينقسم إلى أقسام خمسة:

1 - برهاني، 2 - جدلي، 3 - خطابي، 4 - شعري، 5 - سفسطي.

و الأول منها يتركب من اليقينيّات و أصولها ستة:

1 - الأوليّات، 2 - المشاهدات، 3 - التجربيّات، 4 - الحدسيّات، 5 - المتواترات، 6 - الفطريات.

و أما الثاني - أعني القياس الجدلي - فيتألف من المشهورات و المسلّمات، سواء أ كانت عند الكل أم عند طائفة خاصة.

و على ذلك فالمشهورات من مبادي الجدل، و هو يقابل القياس البرهاني. فلو جعل التحسين و التقبيح العقليان من المشهورات و أدخل في القياس الجدلي و عرف بأنّه لا مدرك له إلاّ الشهرة التي لو خلي الإنسان و عقله المجرّد و وهمه و حسّه، و لم يؤدّب بقبول قضاياها لم يقض بها، يلزم إنكار التحسين و التقبيح العقليين و إثبات العقلائي منهما. و هو غير ما يتبناه القائلون بالعقلي.

أضف إليه أنّ جعلهما من المشهورات و إخراجهما من القياس البرهاني و إدخالهما تحت القياس الجدلي يبطل جميع الأحكام و الآثار التي تترتب على القول بالعقلي، كما أوضحناه. إذ على هذا، لا يكون التحسين و التقبيح برهانيا، فلا يكون ما يترتب عليه مبرهنا به بل يعدّ من المشهورات التي تطابقت عليها آراء العقلاء. و من الممكن جدا اتفاق العقلاء على

ص: 238

ضدها، فعند ذلك يكون الحسن قبيحا و القبيح حسنا.

فإن قلت: إنّ الشيخ الرئيس جعل المشهورات أعم مما هو من مبادي الجدل، فأدخل فيها الأوليّات حيث قال في صدر كلامه: «أمّا المشهورات من هذه الجملة فمنها أيضا هذه الأوليات و نحوها مما يجب قبوله و منها الآراء المسماة ب (المحمودة) و ربما خصصناها باسم (المشهورة) إذ لا عمدة لها إلاّ الشهرة».

قلت: ما ذكرتم صحيح، فإنّ المشهورات عنده أعمّ من اليقينيات و غيرها حتى أنّ الأوليات لها اعتباران، فمن حيث انه يعترف بها عموم الناس تعدّ مشهورات، و من حيث إنه يحكم بها محض العقل و يجب قبولها يقينيات. و في مقابل هذا القسم، قسم آخر للمشهورات و هي غير يقينيات و يتوقف العقل الصرف في الحكم بها، و لكن لعموم النّاس بها اعتراف و تسمى «آراء محمودة»، و ربما يخصص هذا القسم باسم المشهورات.

فالمشهورات تقال بالاشتراك المعنوي على ما يعمّ اعتراف الناس بها، و لها قسمان: يقينيّات، و غير يقينيّات. و لكن الشيخ و من تبعه عدّوا التحسين و التقبيح من القسم الثاني، و هو يستلزم إنكار التحسين و التقبيح العقليين و ما بني عليه من الأحكام، فلاحظ.

ما هو الملاك للحكم بحسن الأفعال و قبحها؟

إذا كان محل النزاع ما ذكرنا من إدراك العقل حسن الفعل أو قبحه بالنظر إلى ذاته مع غض النظر عما يترتب عليه من التوالي، فيقع الكلام في أنّ العقل كيف يقضي بالحسن و القبح، و ما هو الملاك في قضائه ؟ إنّ الملاك لقضاء العقل هو أنه يجد بعض الأفعال موافقا للجانب الأعلى من الإنسان و الوجه المثالي في الوجود البشري، و عدم موافقة بعضها الآخر لذلك.

و إن شئت قلت: إنّه يدرك أنّ بعض الأفعال كمال للموجود الحي

ص: 239

المختار، و بعضها الآخر نقص له، فيحكم بحسن الأول و لزوم الاتصاف به، و قبح الثاني و لزوم تركه. و لو عمّم الطبع - فيما ذكرنا من الملاكات - لهذا المعنى أي الطبع الأعلى في الإنسان، لكان هذا المعنى داخلا في لملاك الأول.

توضيح ذلك: إنّ الحكماء قسموا العقل إلى عقل نظري و عقل عملي، فقد قال المعلم الثاني: «إنّ النظرية هي التي بها يحوز الإنسان علم ما ليس من شأنه أن يعمله إنسان، و العملية هي التي يعرف بها ما من شأنه أن يعمله الإنسان بإرادته».

و قال الحكيم السبزواري في توضيحه: «إنّ العقل النظري و العقل العملي من شأنهما التعقّل، لكن النظري شأنه العلوم الصرفة غير المتعلقة بالعمل مثل: اللّه موجود واحد، و أنّ صفاته عين ذاته، و نحو ذلك.

و العملي شأنه العلوم المتعلقة بالعمل مثل: «التوكّل حسن» و «الرضا و التسليم و الصبر محمودة». و هذا العقل هو المستعمل في علم الأخلاق، فليس العقلان كقوتين متباينتين أو كضميمتين، بل هما كجهتين لشيء واحد و هو الناطقة»(1).

ثم، كما أنّ في الحكمة النظرية قضايا نظرية تنتهي إلى قضايا بديهية، و لو لا ذلك لعقمت القياسات و صارت غير منتجة، فهكذا في الحكمة العملية، قضايا غير معلومة لا تعرف إلاّ بالانتهاء إلى قضايا ضرورية، و إلاّ لما عرف الإنسان شيئا من قضايا الحكمة العملية. فكما أنّ العقل يدرك القضايا البديهيّة في الحكمة النظرية من صميم ذاته فهكذا يدرك بديهيات القضايا في الحكمة العملية من صميم ذاته بلا حاجة إلى تصور شيء آخر.0.

ص: 240


1- تعليقات الحكيم السبزواري على شرح المنظومة، ص 310.

مثلا: إنّ تصديق كلّ القضايا النظرية يجب أن ينتهي إلى قضية امتناع اجتماع النقيضين و ارتفاعهما، بحيث لو ارتفع التصديق بها لما أمكن التصديق بشيء من القضايا، و لذا تسمى ب «أمّ القضايا» و ذلك كاليقين بأنّ زوايا المثلث تساوي زاويتين قائمتين، فإنّه لا يحصل إلاّ إذا حصل قبله امتناع صدق نقيض تلك القضية، أي عدم مساواتها لهما. و إلاّ فلو احتمل صدق النقيض لما حصل اليقين بالنسبة. و لأجل ذلك اتفقت كلمة الحكماء على أن إقامة البرهان على المسائل النظرية إنما تتم إذا انتهى البرهان إلى أمّ القضايا التي قد عرفت.

و على ضوء هذا البيان نقول: كما أنّ للقضايا النظرية في العقل النظري قضايا بديهية أو قضايا أوليّة تنتهي إليها، فهكذا القضايا غير الواضحة في العقل العملي، يجب أن تنتهي إلى قضايا أولية و واضحة عنده بحيث لو ارتفع التصديق بهذه القضايا في الحكمة العملية لما صح التصديق بقضية من القضايا فيها.

فمن تلك القضايا البديهية في العقل العملي، مسألة التحسين و التقبيح العقليين الثابتين لجملة من القضايا بوضوح، مثل قولنا «العدل حسن» و «الظلم قبيح» و «جزاء الإحسان بالإحسان حسن» و «جزاؤه بالإساءة قبيح».

فهذه القضايا قضايا أوليّة في الحكمة العملية و العقل العملي يدركها من صميم ذاته و من ملاحظة القضايا بنفسها. و في ضوء التصديق بها يسهل عليه التصديق بما يبنى عليها في مجال العقل العملي من الأحكام غير البديهية، سواء أ كانت مربوطة بالأخلاق أولا، أم تدبير المنزل ثانيا، أم سياسة المدن ثالثا، التي يبحث عنها في الحكمة العملية.

و لنمثل على ذلك: إنّ العالم الأخلاقي يحكم بلزوم تكريم الوالدين و المعلمين و أولي النعمة، و ذلك لأنّ التكريم من شئون جزاء الإحسان

ص: 241

بالإحسان، و هو حسن بالذات، و الإهانة لهم من شئون جزاء الإحسان بالإساءة و هو قبيح بالذات.

و الباحث عن أحكام تدبير المنزل يحكم بلزوم القيام بالوظائف الزوجية من الطرفين و قبح التخلف عنها، ذلك لأن القيام بها قيام بالعمل بالميثاق، و التخلف عنها تخلف عنه، و الأول حسن بالذات و الثاني قبيح بالذات.

و العالم الاجتماعي الذي يبحث عن حقوق الحاكم و الحكومة على المجتمع يحكم بأنّه يجب أن تكون الضرائب معادلة لدخل الأفراد، و ذلك لأن الخروج عن تلك الضابطة ظلم على الرعيّة و هو قبيح بالذات.

و قس على ذلك كلّ ما يرد عليك من الأبحاث في الحكمة العملية، سواء أ كانت راجعة إلى الفرد (الأخلاق)، أو إلى المجتمع الصغير (البيت)، أو إلى المجتمع الكبير (السياسة). فكل ما يرد فيها و يبحث عنه الباحثون، بما أنّه من شئون العقل العملي، يجب أن ينتهي الحكم فيه إيجابا و سلبا، صحة و بطلانا إلى القضايا الواضحة البديهية في مجال ذلك العقل.

إلى هنا انتهينا إلى أنّه يجب انتهاء الأحكام غير الواضحة ابتداء في مجال العقلين (النظري و العملي) إلى أحكام بديهية مدركة ابتداء بلا مئونة شيء منهما. و ذلك دفعا للدور و التسلسل الذي استند إليه علماء المنطق و الحكمة في القسم الأول، أي الحكمة النظرية. و الدليل واحد سار في الجميع.

إذا عرفت ما ذكرنا، يقع الكلام في أمر آخر و هو تعيين الملاك لدرك العقل صحة القضايا البديهية أو بطلانها في مجال العقلين، فنقول:

إنّ الملاك في مجال العقل النظري عبارة عن انطباق القضية مع التكوين و عدم انطباقها، فالعقل، يدرك من صميم ذاته أن اجتماع النقيضين

ص: 242

شيء غير متحقق في الخارج، و أنّه لا يمكن الحكم بكون شيء موجودا و في الوقت نفسه الحكم بكونه معدوما، يدرك ذلك بلا حاجة إلى تجربة و استقراء.

و أما الملاك في العقل العملي فهو عبارة عن درك مطابقة القضية و ملاءمتها للجانب المثالي من الإنسان غير الجانب الحيواني، أو منافرتها له.

فالإنسان بما هو ذو فطرة مثالية، يتميز بها عن الحيوانات، يجد بعض القضايا ملائمة لذلك الجانب العالي أو منافية له. فيصف الملائم بالحسن و لزوم العمل، و المنافي بالقبح و لزوم الاجتناب. و لا يدرك القضايا بهذين الوصفين لشخصه فقط أو لصنف خاص من الإنسان أو لكل من يطلق عليه الإنسان، بل يدرك حسن صدورها أو قبحه لكل موجود عاقل مختار سواء وقع تحت مظلة الإنسانية أو خارجها. و ذلك لأن المقوم لقضائه بأحد الوصفين نفس القضية بما هي هي من غير خصوصية للمدرك. فهو يدرك أنّ العدل حسن عند الجميع و من الجميع، و الظلم قبيح كذلك، و لا يختص حكمه بأحدهما بزمان دون زمان و لا جيل دون جيل.

إلى هنا تم تبيين الأمرين اللذين لهما دور في الحكم بالتحسين و التقبيح العقليين و يجب أن لا يخلط أحدهما بالآخر لكون الأول مقدمة للثاني، و هما:

أ - انتهاء كل القضايا في مجال العقلين إلى قضايا بديهية دفعا للمحذور.

ب - تبيين ملاك درك العقل صحة تلك القضايا البديهية في مجال العقلين.

و قد اتضح بذلك أنّ المدعي للتحسين و التقبيح العقليين الذاتيين في غنى عن البرهنة لما يتبنّاه، كما أنّ المدعي لامتناع اجتماع النقيضين

ص: 243

و ارتفاعهما كذلك. و العجب أنّ الحكماء و المتكلمين اتفقوا على أنّه يجب انتهاء القضايا النظرية في العقل النظري إلى قضايا بديهية، و إلاّ عقمت الأقيسة و لزم التسلسل في مقام الاستنتاج، و لكنهم غفلوا عن إجراء ذلك الأصل في جانب العقل العملي و لم يقسموا القضايا العملية إلى فكرية و بديهية، أو نظرية و ضرورية. كيف و الاستنتاج و الجزم بالقضايا غير الواضحة الواردة في مجال العقل العملي لا يتم إلاّ إذا انتهى العقل إلى قضايا واضحة في ذلك المجال. و قد عرفت أنّ المسائل المطروحة في الأخلاق، مما يجب الاتصاف به أو التنزّه عنه، أو المطروحة في القضايا البيتية و العائلية التي يعبر عنها بتدبير المنزل، أو القضايا المبحوث عنها في علم السياسة و تدبير المدن، ليست في الوضوح على نمط واحد، بل لها درجات و مراتب. فلا ينال العقل الجزم بكل القضايا العملية إلاّ إذا كانت هناك قضايا بديهية واضحة تبتني عليها القضايا المجهولة العملية حتى يحصل الجزم بها و يرتفع الإبهام عن وجهها. و لأجل ذلك نحن في غنى عن التوسع في طرح أدلة القائلين بالتحسين و التقبيح و لا نذكر إلاّ النّزر اليسير منها.

فكما أنهم غفلوا عن تقسيم القضايا في الحكمة العملية إلى القسمين، فهكذا غفلوا عن تبيين ما هو الملاك لدرك العقل صحة بعض القضايا أو بطلانها في ذلك المجال. و يوجد في كلمات المتكلمين في بيان الملاك و المعيار أمور غير تامة يقف عليها من راجع الكتب الكلامية.

أدلة القائلين بالتّحسين و التّقبيح العقليين
الدليل الأول:

هو ما أشار إليه المحقق الطّوسي بقوله: «و لانتفائهما مطلقا لو ثبتا شرعا»(1). أي إنّا لو قلنا بأنّ الحسن و القبح يثبتان من طريق الشرع، يلزم من ذلك عدم ثبوتهما بالشرع أيضا.

توضيحه: إنّ الحسن و القبح لو كانا بحكم العقل، بحيث كان العقل

ص: 244


1- كشف المراد، ص 186.

مستقلا في إدراك حسن الصدق و قبح الكذب، فلا إشكال في أنّ ما أمر به الشارع يكون حسنا و ما نهى عنه يكون قبيحا، لحكم العقل بأنّ الكذب قبيح، و الشارع لا يرتكب القبيح، و لا يتصور في حقه ارتكابه.

و أما لو لم يستقل العقل بذلك، فلو أمر الشارع بشيء أو نهى عنه أو أخبر بحسن الصدق و قبح الكذب فلا يحسن لنا الجزم بكونه صادقا في كلامه حتى نعتقد بمضمونه لاحتمال عدم صدق الشارع في أمره أو إخباره فإن الكذب حسب الفرض لم يثبت قبحه بعد، حتى لو قال الشارع بأنّه لا يكذب لم يحصل لنا اليقين بصدقه حتى في هذا الإخبار. فيلزم على قول الأشعري أن لا يتمكن الإنسان من الحكم بحسن شيء لا عقلا و لا شرعا.

و إن شئت قلت: لو لم يستقل العقل بحسن بعض الأفعال و قبح بعضها الآخر، كالصدق و الكذب، و أخبرنا اللّه سبحانه عن طريق أنبيائه بأنّ الفعل الفلاني حسن أو قبيح، لم نجزم بصدق كلامه لتجويز الكذب عليه.

ثم إنّ الفاضل القوشجي الأشعري أجاب عن هذا الاستدلال بقوله «إنّا لا نجعل الأمر و النهي دليلي الحسن و القبح ليرد ما ذكر بل نجعل الحسن عبارة عن كون الفعل متعلق الأمر و المدح، و القبح عن كونه متعلق النهي و الذم»(1).

يلاحظ عليه: إنّ البحث تارة يقع في التسمية و المصطلح فيصح أن يقال إنّ ما وقع متعلق الأمر و المدح حسن، و ما وقع متعلق النهي و الذم قبيح. و العلم بذلك لا يتوقف إلاّ على سماعها من الشرع. و أخرى يقع في الوقوف على الحسن الواقعي أو القبح كذلك عند الشرع، فهذا مما لا يمكن استكشافه من مجرد سماع تعلق الأمر و النهي بشيء إذ من المحتمل أن يكون الشارع عابثا في أمره و نهيه. و لو قال إنّه ليس بعابث، لا يثبت به نفي2.

ص: 245


1- شرح التجريد للفاضل القوشجي، ص 442.

احتمال العابثية عن فعله و كلامه، لاحتمال كونه هازلا أو كاذبا في كلامه.

فلأجل ذلك يجب أن يكون بين الإدراكات العقلية شيء لا يتوقف درك حسنه و قبحه على شيء، و أن يكون العقل مستقلا في دركه، و هو حسن العدل و قبح الظلم و حسن الصدق و قبح الكذب حتى يستقل العقل بذلك على أنّ كل ما حكم به الشرع فهو صادق في قوله. فيثبت عندئذ أنّ ما تعلق به الأمر حسن شرعا، و ما تعلق به النهي قبيح شرعا. و هذا ما يهدف إليه المحقق الطوسي من أنّه لو لا استقلال العقل في بعض الأفعال ما ثبت حسن و لا قبح بتاتا.

الدليل الثاني -

ما أشار إليه المحقق الطوسي أيضا بقوله: «و لجاز التعاكس»(1) أي في الحسن و القبح.

توضيحه: إنّ الشارع على القول بشرعية الحسن و القبح، يجوز له أن يحسن أو يقبّح ما حسّنه العقل أو قبّحه. و على هذا يلزم جواز تقبيح الإحسان و تحسين الإساءة و هو باطل بالضرورة. فإنّ وجدان كل إنسان يقضي بأنّه لا يصح أن يذمّ المحسن أو يمدح المسيء. قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «و لا يكوننّ المحسن و المسيء عندك بمنزلة سواء»(2).

و الإمام يهدف بكلمته هذه إيقاظ وجدان عامله، و لا يقولها بما أنّها كلام جديد غفل عنه عامله.

الدليل الثالث -

لو كان الحسن و القبح شرعيين لما حكم بهما البراهمة و الملاحدة الذين ينكرون الشرائع، و يحكمون بذلك مستندين إلى العقل.

و هؤلاء الماديون و الملحدون المنتشرون في أقطار واسعة من شرق الأرض و مغربها يرفضون الشرائع و الدين من أساسه، و يعترفون بحسن أفعال و قبح بعضها الآخر.

ص: 246


1- كشف المراد، ص 186.
2- نهج البلاغة، الكتاب 53.

و لأجل ذلك يغرّون شعوب العالم بطرح مفاهيم خدّاعة، بدعاياتهم الخبيثة، من قبيل دعم الصلح و السلام العالميين، و حفظ حقوق البشر و العناية بالأسرى و السجناء و نبذ التمييز العنصري، إلى غير ذلك مما يستحسنه الذوق الإنساني و العقل البشري في جميع الأوساط، يطرحون ذلك ليصلوا من خلاله إلى أهدافهم و مصالحهم الشخصية. و لو لا كون هذه المفاهيم مقبولة عند عامة البشر لما استخدمها دعاة المادية و الإلحاد في العالم.

و الحاصل أنّ هناك أفعالا لا يشكّ أحد في حسنها سواء ورد حسنها من الشرع أم لم يرد. كما أنّ هناك أفعالا قبيحة عند الكل، سواء ورد قبحها من الشرع أم لا. و لأجل ذلك لو خيّر العاقل الذي لم يسمع بالشرائع، و لا علم شيئا من الأحكام، بل نشأ في البوادي، خالي الذهن من العقائد كلّها، بين أن يصدق و يعطى دينارا، أو يكذب و يعطى دينارا، و لا ضرر عليه فيهما فإنه يرجّح الصدق على الكذب. و لو لا قضاء الفطرة بحسن الصدق و قبح الكذب لما فرق بينهما، و لما اختار الصدق دائما.

و هذا يعرب عن أنّ العقل له قدرة الحكم و القضاء في أمور ترجع إلى الفرد و المجتمع، فيحكم بحسن إطاعة وليه المنعم و قبح مخالفته، و أنّ المحسن و المسيء ليسا بمنزلة سواء، و نحو ذلك.

الدليل الرابع -

لو كان الحسن و القبح باعتبار السمع، لما قبح من اللّه تعالى شيء. و لو كان كذلك لما قبح منه إظهار المعجزات على أيدي الكاذبين. و تجويز ذلك يسدّ باب معرفة الأنبياء، فإنّ أيّ نبي أتى بالمعجزة عقيب الادّعاء، لا يمكن تصديقه مع تجويز إظهار المعجزة على يد الكاذب في دعواه.

و هذه النتيجة الباطلة من أهم و أبرز ما يترتب على إنكار القاعدة.

و بذلك سدّوا باب معرفة النبوّة.

و العجب أنّ الفضل بن روزبهان حاول الإجابة عن هذا الدليل بقوله:

ص: 247

«عدم إظهار المعجزة على يد الكذابين ليس لكونه أمرا قبيحا عقلا، بل لعدم جريان عادة اللّه، الجاري مجرى المحال العادي، بذلك. فعند ذلك لا ينسد باب معرفة الأنبياء، لأنّ العلم العادي حكم باستحالة هذا الإظهار»(1).

فإنّه يلاحظ عليه، إنّه من أين وقف على تلك العادة، و أنّ اللّه لا يجري الإعجاز على يد الكاذب. و لو كان التصديق متوقفا على إحرازها، لزم أن يكون المكذبون بنبوة نوح أو من قبله و من بعده، معذورين في إنكارهم لنبوّة الأنبياء، إذ لم تثبت عندهم تلك العادة، لأنّ العلم بها إنما يحصل من تكرر رؤية المعجزة على يد الصادقين دون الكاذبين.

و يمكن أن يقال: إنّ تحصيل جريان عادة اللّه بأن لا يظهر المعجزة على يد الكاذب، يجب أن يستند إلى مصدر، فإن كان المصدر هو العقل فهو معزول عند الأشاعرة. و إن كان هو السمع فالمفروض أنّه يحتمل أن يكون الشرع كاذبا في هذا الادعاء، بل لا سمع قبل ثبوت نبوّة النبي.

و حصيلة البحث: إنّ منكر الحسن و القبح منكر لما هو من البديهيات. و لا يصحّ الكلام معه، لأن النزاع ينقطع إذا بلغ إلى مقدمات ضرورية و هؤلاء ينازعون فيها.

ليت شعري، إذا لم يحكم العقل بامتناع التكليف بما لا يطاق، و جوّز أن ينهى اللّه سبحانه العبد عن الفعل و يخلق فيه اضطرارا و يعاقبه عليه، فقل: ها، أيّ أمر يدركه العقل ؟!!.

قيل: اجتمع النظّام و النجّار للمناظرة، فقال النّجّار: لم تدفع أن يكلف اللّه عباده ما لا يطيقون ؟.

فسكت النظّام، فقيل له: لم سكت ؟.9.

ص: 248


1- دلائل الصّدق، ج 1، ص 369.

قال: كنت أريد بمناظرته أن ألزمه القول بتكليف ما لا يطاق، فإذ التزمه و لم يستح، فبم ألزمه ؟.

و بذلك تعرف مدى وهن ما ذكره أبو الحسن الأشعري في لمعه، و إليك نصه:

«فإن قال قائل: هل للّه تعالى أن يؤلم الأطفال في الآخرة ؟ قيل له:

للّه تعالى ذلك، و هو عادل إن فعله».. إلى أن قال... «و لا يقبح منه أن يعذّب المؤمنين، و يدخل الكافرين الجنان. و إنما نقول إنّه لا يفعل ذلك، لأنه أخبرنا إنه يعاقب الكافرين و هو لا يجوز عليه الكذب في خبره»(1).

أدلة الأشاعرة على نفي التحسين و التقبيح العقليين
الدليل الأول - اللّه مالك كل شيء يفعل في ملكه ما يشاء

استدل الأشعري على مقالته بقوله: «و الدّليل على أنّ كل ما فعله فله فعله، أنّه المالك، القاهر، الذي ليس بمملوك، و لا فوقه مبيح، و لا آمر، و لا زاجر، و لا حاظر، و لا من رسم له الرسوم، و حدّ له الحدود. فإذا كان هذا هكذا، لم يقبح منه شيء، إذ كان الشيء إنّما يقبح منّا، لأنّا تجاوزنا ما حدّ و رسم لنا، و أتينا ما لم نملك إتيانه. فلمّا لم يكن الباري مملوكا و لا تحت آمر، لم يقبح منه شيء. فإن قال: فإنما يقبح الكذب لأنه قبّحه، قيل له: أجل، و لو حسّنه لكان حسنا، و لو أمر به لم يكن عليه اعتراض.

فإن قالوا: فجوّزوا عليه أن يكذب، كما جوزتم أن يأمر بالكذب.

قيل لهم: ليس كل ما جاز أن يأمر به، جاز أن يوصف به»(2).

ص: 249


1- اللّمع، ص 116.
2- اللّمع، ص 117.

يلاحظ عليه: أمّا أوّلا - فإننا نسأل الشيخ الأشعري إنّه سبحانه إذا أولم طفله في الآخرة و عذّبه بألوان التعذيب، مع كون الطفل بريئا لم يصدر منه ذنب، و رأى الأشعري ذلك بأم عينه في الآخرة، هل يرى ذلك عين العدل، و نفس الحسن ؟! أو أنه يجد ذلك الفعل، من وجدانه، أمرا منكرا؟.

و مثله ما لو فعل بالأشعري نفس ما فعل بطفله مع كونه مؤمنا، فهل يرضي بذلك في أعماق روحه، و يراه نفس العدل، غير متجاوز عنه، بحجة أنّ اللّه سبحانه مالك الملك يفعل في ملكه ما يشاء؟ أو أنه يقضي بخلاف ذلك ؟.

و أمّا ثانيا: فلا شك أنّه سبحانه مالك الملك و الملكوت يقدر على كل أمر ممكن - كما عرفت - من غير فرق بين الحسن و القبيح، فعموم قدرته لكل ممكن ممّا لا شبهة فيه، و لكن حكم العقل بأنّ الفعل الفلاني قبيح لا يصدر عن الحكيم، ليس تحديدا لملكه و قدرته. و هذا هو المهم في حلّ عقدة الأشاعرة الذين يزعمون أنّ قضاء العقل و حكمه في أفعاله سبحانه نوع دخالة في شئون ربّ العالمين، و لكن الحق غير ذلك.

توضيحه: إنّ العقل بفضل التجربة، أو بفضل البراهين العقلية، يكشف عن القوانين السّائدة على الطبيعة، كما يكشف عن القوانين الرياضية، فلو قال العقل: إنّ كل زوج ينقسم إلى متساويين، فهل يحتمل أنّ العقل بذلك فرض حكمه على الطبيعة، أو يقال إنّ الطبيعة كانت تحمل ذلك القانون و العقل كشفه و بيّنه ؟ فإذا كان هذا هو الفرق بين فرض الحكم و كشفه في عالم الطبيعة، فليكن هو الفارق بين إدراكه حسن الفعل و قبحه و أنّ أيّ فعل يصدر منه و أيّه لا يصدر منه، و فرضه الحكم على اللّه سبحانه فرضا يحدد سعة قدرته و إرادته و فعله. فليس العقل هنا حاكما و فارضا على اللّه سبحانه، بل هو - بالنظر إلى اللّه تعالى و صفاته التي منها الكمال و الغنى - يكشف عن أنّ الموصوف بمثل هذه الصفات و خاصة الحكمة، لا

ص: 250

يصدر منه القبيح، و لا الأخلاق بما هو حسن.

و بعبارة أخرى: إنّ العقل يكشف عن أنّ المتّصف بكل الكمال، و الغنى عن كل شيء، يمتنع أن يصدر منه الفعل القبيح، لتحقّق الصّارف عنه و عدم الداعي إليه، و هذا الامتناع ليس امتناعا ذاتيا حتى لا يقدر على الخلاف، و لا ينافي كونه تعالى قادرا عليه بالذات، و لا ينافي اختياره في فعل الحسن و ترك القبيح، فإن الفعل بالاختيار، و الترك به أيضا. و هذا معنى ما ذهبت إليه العدلية من أنّه يمتنع عليه القبائح. و لا يهدف به إلى تحديد فعله من جانب العقل، بل اللّه بحكم أنّه حكيم، التزم و كتب على نفسه أن لا يخل بالحسن و لا يفعل القبيح. و ليس دور العقل هنا إلاّ دور الكشف و التبيين بالنظر إلى صفاته و حكمته.

و باختصار: إنّ فعله سبحانه - مع كون قدرته عامة - ليس فوضويا و متحررا عن كل سلب و إيجاب، و ليس التحديد مفروضا عليه سبحانه من ناحية العقل، و إنما هو واقعية و حقيقة كشف عنه العقل، كما كشف عن القوانين السائدة على الطبيعة و الكون. فتصوّر أنّ فعله سبحانه متحرر عن كل قيد و حدّ، بحجة حفظ شأن اللّه سبحانه، وسعة قدرته، أشبه بالمغالطة، فإنّ حفظ شأنه سبحانه غير فرض انحلال فعله عن كل قيد و شرط.

و بالتأمل فيما ذكرنا يظهر ضعف سائر ما استدلّ به القائلون بنفي التحسين و التقبيح العقليين. و لا بأس بالإشارة إلى بعض أدلتهم التي أقامها المتأخرون عن أبي الحسن الأشعري.

الدليل الثاني: لو كان التحسين و التقبيح ضروريا لما وقع الاختلاف

قالوا: لو كان العلم بحسن الإحسان و قبح العدوان ضروريا لما وقع

ص: 251

التّفاوت بينه و بين العلم بأنّ الواحد نصف الاثنين، لكنّ التالي باطل بالوجدان.

و أجاب عنه المحقق الطّوسي بقوله: «و يجوز التفاوت في العلوم لتفاوت التصور»(1).

توضيحه: إنّه قد تتفاوت العلوم الضرورية بسبب التفاوت في تصور أطرافها. و قد قرر في صناعة المنطق أنّ للبديهيات مراتب: فالأوليّات أبده من المشاهدات بمراتب. و الثانية أبده من التجربيات و الثالثة أبده من الحدسيات، و الرابعة أبده من المتواترات، و الخامسة أبده من الفطريّات.

و الضابط في ذلك أنّ ما لا يتوقف التصديق به على واسطة سوى تصور الطرفين فهو أبده من غيره، و ذلك مثل الأوليات(2)، و هكذا.

فلو صحّ ما ذكره الأشاعرة من الملازمة، لزم أن لا تكون الحدسيات من اليقينيات.

و باختصار، إنّ العلوم اليقينية، مع كثرتها ليست على نمط واحد، بل لها مراتب و درجات، و هذا شيء يلمسه الإنسان إذا مارس علومه و يقينياته و على ذلك فلا مانع من أن يقع الاختلاف في بعض العلوم الضرورية لدوافع خاصة، و هي في المقام تصوّر أنّ الحكم بالحسن و القبح تحديد لسلطتها.

ص: 252


1- كشف المراد، ص 186.
2- وجه الضبط أنّ القضايا البديهية إمّا أن يكون تصور طرفيها مع النسبة كافيا في الحكم و الجزم، أو لا يكون. و الأول هو الأوليات، و الثاني إمّا أن يتوقف على واسطة غير الحس الظاهر و الباطن أو لا. و الثاني المشاهدات، و تنقسم إلى مشاهدات بالحس الظاهر و مشاهدات بالحسّ الباطن. و الأول إمّا أن تكون تلك الواسطة بحيث لا تغيب عن الذهن عند تصور الأطراف أو لا تكون كذلك، فالأول هي الفطريات، و تسمى بالقضايا التي قياساتها معها. و الثاني إمّا أن يستعمل فيه الحدس، و هو انتقال الذهن الدفعي من المبادي إلى المطالب أو لا يستعمل فيه، فالأول هو الحدسيات، و الثاني إن كان الحكم فيه حاصلا بإخبار جماعة يمتنع عند العقل تواطؤهم على الكذب فهو المتواترات، و إن لم يكن كذلك بل حاصلا من كثرة التجارب فهي التجريبيات و قد علم بذلك حدّ كل واحد منها.

سبحانه، فلأجل ذلك رفضت الأشاعرة هذا العلم الضروري للحفاظ على عموم سلطته تعالى.

الدليل الثالث: لو كان الحسن و القبح عقليين لما تغيرا

إنّ الحسن و القبح لو كانا عقليين لما اختلفا، أي لما حسن القبيح و لما قبح الحسن، و التّالي باطل، فإنّ الكذب قد يحسن و الصدق قد يقبح و ذلك فيما إذا تضمن الكذب إنقاذ نبي من الهلاك، و الصدق إهلاكه.

فلو كان الكذب قبيحا لذاته لما كان واجبا و لا حسنا عند ما استفيد به عصمة دم نبي عن ظالم يقصد قتله(1).

و أجاب عنه المحقق الطّوسي بقوله: «و ارتكاب أقل القبيحين مع إمكان التخلّص»(2).

و توضيحه: إنّ الكذب في هذه الصّورة على قبحه إلاّ أنّ ترك إنقاذ النبي أقبح من الكذب، فيحكم العقل بارتكاب أقلّ القبيحين تخلّصا من ارتكاب الأقبح.

على أنّه يمكن التخلص عن الكذب بالتعريض (أي التورية).

و باختصار: إنّ تخليص النبي أرجح من حسن الصدق فيكون تركه أقبح من الكذب فيرجح ارتكاب أدنى القبيحين و هو الكذب لاشتماله على المصلحة العظيمة، على الصدق.

أضف إلى ذلك، أنّ الاستدلال مبني على كون قبح الكذب و حسن الصدق، كقبح الظّلم و حسن العدل، ذاتيين لا يتغيران. و أمّا على ما مرّ من أنّ الأفعال بالنسبة إلى الحسن و القبح على أقسام منها ما يكون الفعل علة تامة لأحدهما، فلا يتغير حسنه و لا قبحه بعروض العوارض كحسن الإحسان

ص: 253


1- الإحكام، للآمدي، ج 1، ص 121.
2- كشف المراد، ص 187.

و قبح الإساءة. و منها ما يكون مقتضيا لأحدهما، فهو موجب للحسن لو لم يعرض عليه عنوان آخر، و هكذا في جانب القبح. و قد تقدم أنّ حسن الصّدق و قبح الكذب من هذا القبيل. و منها ما لا يكون علة و لا مقتضيا لأحدهما كالضرب، جزاء أو إيذاء.

إلى هنا خرجنا بهذه النتيجة و هي أنّ هناك أفعالا يستقل العقل بحسنها و قبحها، و يقضي بهما من دون أن يستعين بالشرع، و يرى حسنها و قبحها مطّردا في جميع الفاعلين، من غير اختصاص بالخالق أو المخلوق. و قد ذكرنا ملاك قضائه و هو ملاءمة الفعل أو منافرته للشخصية العلوية المثالية التي خلق الإنسان عليها.

ثم إنّ القول بالتحسين و التقبيح العقليين إنما يتم على القول بأنّ الإنسان فاعل مختار، و أمّا على القول بأنّه مجبور في أفعاله، فالبحث عنهما منفي بانتفاء موضوعه، لأن شيئا من أفعال المجبور لا يتصف بالحسن و لا بالقبح عقلا. و بما أنّ الأشاعرة يصوّرون الإنسان فاعلا مجبورا، فلازم مقالتهم نفي التحسين و التقبيح العقليين، و سيوافيك كون الإنسان فاعلا مختارا غير مجبور، كما سيوافيك نقد ما استدل به الأشاعرة على مقالة الجبر(1).

التّحسين و التقبيح في الكتاب العزيز

إنّ التدبّر في آيات الذكر الحكيم يعطي أنّه يسلّم استقلال العقل بالتحسين و التقبيح خارج إطار الوحي، ثم يأمر بالحسن و ينهي عن القبيح.

ص: 254


1- لاحظ شرح تجريد الاعتقاد للفاضل القوشجي، ص 329، حول قولهم يكون الإنسان مجبورا في فعله. و سيوافيك مفصّلا البحث في الجبر الأشعري عند البحث في «العدل الإلهي و أفعال الإنسان».

1 - قال سبحانه: إِنَّ اَللّٰهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ اَلْإِحْسٰانِ وَ إِيتٰاءِ ذِي اَلْقُرْبىٰ وَ يَنْهىٰ عَنِ اَلْفَحْشٰاءِ وَ اَلْمُنْكَرِ وَ اَلْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (1).

2 - قُلْ إِنَّمٰا حَرَّمَ رَبِّيَ اَلْفَوٰاحِشَ (2).

3 - يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهٰاهُمْ عَنِ اَلْمُنْكَرِ (3).

4 - وَ إِذٰا فَعَلُوا فٰاحِشَةً قٰالُوا وَجَدْنٰا عَلَيْهٰا آبٰاءَنٰا وَ اَللّٰهُ أَمَرَنٰا بِهٰا قُلْ إِنَّ اَللّٰهَ لاٰ يَأْمُرُ بِالْفَحْشٰاءِ (4).

فهذه الآيات تعرب بوضوح عن أنَّ هناك أموراً توصف بالإحسان والفحشاء و المنكر و البغي و المعروف قبل تعلّق الأمر أو النهي بها، و أنَّ الإِنسان يجد اتصاف الأفعال بأحدها ناشئاً من صميم ذاته، كما يعرف سائر الموضوعات كالماء و التراب. و ليس عرفان الإِنسان بها موقوفاً على تعلّق الشرع و إنما دور الشرع هو تأكيد إدراك العقل بالأمر بالحسن و النهي عن القبيح.

أضف إلى ذلك أنَّه سبحانه يتخذ وجدان الإِنسان سنداً لفضائه فيما تستقل به عقليّته:

5_ يقول تعالى: (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَ عَمِلُواْ الصَّ_الِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الاَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ)(5).

6_ و يقول سبحانه: (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)(6).

7_ و يقول سبحانه: (هَلْ جَزَآءُ الاِحْسَانِ إِلاَّ الاِحْسَانُ)(7).

ص: 255


1- سورة النحل: الآية 90.
2- سورة الأعراف: الآية 33.
3- سورة الأعراف: الآية 157.
4- سورة الأعراف: الآية 28.
5- سورة ص: الآية 28.
6- سورة القلم: الآيتان 35-36.
7- سورة الرحمن: الآية 60.

فالتدبّر في هذه الآيات لا يدع مجالا لتشكيك المشكّكين في كون التحسين و التقبيح من الأمور العقلية التي يدركها الإنسان بالحجة الباطنيّة من دون حاجة إلى حجة ظاهرية.

ص: 256

ثمرات التحسين و التقبيح العقليين
اشارة

تحتل مسألة التحسين و التقبيح العقليين مكانة مرموقة في الأبحاث الكلامية و ذلك أن أجلّ ما تثبته هذه المسألة حكمة الباري تعالى و أنّه منزّه عن فعل ما لا ينبغي، و به تنحل الكثير من المشاكل الكلامية و غيرها. و إليك فيما يلي بيان بعض منها.

1 - وجوب المعرفة

اتفق المتكلمون - ما عدا الأشاعرة - على لزوم معرفة اللّه سبحانه على كل إنسان لزوما عقليا، بمعنى أنّ العقل يحكم بحسن المعرفة و قبح تركها، لما في المعرفة من أداء شكر المنعم، و هو حسن، و في تركها من الوقوع في الضّرر المحتمل، و هو قبيح. هذا إذا قلنا باستقلال العقل، و إلاّ لما ثبت وجوب المعرفة، لا عقلا - لأنه حسب الفرض معزول عن الحكم - و لا شرعا، لأنه لم يثبت الشرع بعد.

2 - وجوب تنزيه فعله سبحانه عن العبث

ممّا يترتب على هذه المسألة تنزيه أفعاله سبحانه عن العبث و لزوم اقترانها بالغايات و الأغراض و هذه المسألة من المسائل التي تشاجرت فيها

ص: 257

العدلية و الأشاعرة فالأولى على الإيجاب و الثانية على السلب. و للحكماء فيها رأي خاص أيضا، و لذلك فإنّا نفردها بالبحث بعد عرض هذه النتائج.

3 - لزوم تكليف العباد

إذا كان فعله سبحانه منزّها عن العبث، يستقل العقل بالحكم بلزوم إيصال كل مكلف إلى الغايات التي خلق لها، و ذلك بتكليفهم بما يوصلهم إلى الكمال، و زجرهم عمّا يمنعهم عنه، حتى لا يتركوا سدى، و تتفتح في ضوء التكليف طاقاتهم الروحية. و علم الإنسان بالحسن و القبح لا يكفي في استكماله، إذ هناك أمور تصده عن بلوغ الغاية أو توصله إليها و هي مجهولة له، و لا تعلم إلاّ من طريق الوحي و الشرع.

4 - لزوم بعث الأنبياء

إنّ مسألة لزوم إرسال الرسل أيضا، تبتني على هذه المسألة، فالعقل الذي يدرك بأنّ الإنسان لم يخلق سدى بل خلق لغاية، يدرك بأنه لا يصل إليها إلاّ بالهداية التشريعية الإلهية، فيستقل بلزوم بعث الدعاة من اللّه تعالى لهداية البشر(1).

5 - لزوم النظر في برهان مدّعي النبوّة

لا شكّ أنّ الأنبياء الحقيقيين يبعثون بمعاجز و بيّنات، فإذا ادّعى إنسان السّفارة من اللّه تعالى إلى النّاس، فهل يجب على الناس النظر في دعواه و برهانه ؟ على استقلال العقل في مجال التحسين و التقبيح، يجب النظر و الإصغاء دفعا للضرر المحتمل. و أمّا على القول بعدمه، فلا يجب ذلك عقلا - لأنه حسب الفرض معزول - و لا شرعا، لعدم ثبوته بعد. و نتيجة ذلك أنّ التارك للنظر معذور، لأنه لم يهتد إلى حقيقة الأمر!.

6 - العلم بصدق دعوى النبوّة

إذا اقترنت دعوة المتنبّئ بالمعاجز و البيّنات الواضحة، فلو قلنا

ص: 258


1- سنبحث مفصلا في لزوم بعثة الأنبياء في مباحث النبوّة العامّة.

باستقلال العقل في مجال الحسن و القبح، حكمنا بصدقه، لقبح إعطاء البيّنات للمدعي الكذّاب، لما فيه من إضلال النّاس. و أمّا إذا عزلنا العقل عن الحكم في المقام، فلا دليل على كونه نبيّا صادقا، و الشرع بعد لم يثبت حتى يحكم بصدقه.

7 - الخاتمية و استمرار أحكام الإسلام

إنّ استقلال العقل بالتحسين و التقبيح، بالمعنى الذي عرفت من الملاءمة للفطرة العلوية و المنافرة لها، أساس الخاتميّة و بقاء أحكام الإسلام و خلودها إلى يوم القيامة. و ذلك أنّ الفطرة مشتركة بين جميع أفراد البشر و لا تتبدل بتبدل الحضارات و تطوّر المدنيّات، فإنّ تبدلها لا يمسّ فطرة الإنسان و لا يغيّر جبلّته، فيصبح ما تستحسنه الفطرة أو تستقبحه خالدا إلى يوم القيامة، و لا يتطرق التبدل و التغيّر إليه(1).

8 - ثبات الأخلاق

إنّ مسألة ثبات الأخلاق في جميع العصور و الحضارات أو تبدلها تبعا لاختلافها، مما طرح مؤخرا عند الغربيين و دارت حوله المناقشات و أبديت فيه الآراء، فمن قائل بثبات أصولها، و من قائل بتبدلها و تغيّرها حسب تغيّر الأنظمة و الحضارات. و لكن المسألة لا تنحل إلاّ في ضوء التحسين و التقبيح العقليين الناشئين من قضاء الجبلّة الإنسانية العالية و الفطرة الثابتة، فعند ذاك تتّسم أصول الأخلاق بسمة الثبات و الخلود. و أما ما يتغير بتغير الحضارات فإنما هو العادات و التقاليد العرفية.

خذ على ذلك مثلا «إكرام المحسن»، فإنه أمر يستحسنه العقل، و لا يتغير حكم العقل هذا أبدا، و إنما الذي يتغير بمرور الزمان، وسائل الإكرام و كيفياته. فإذا، الأصول ثابتة، و العادات و التقاليد - التي ليست إلاّ لباسا للأصول - هي المتغيّرة.

ص: 259


1- سنبحث عن خاتمية الإسلام في مباحث النبوّة الخاصّة.
9 - الحكمة في البلايا و المصائب و الشرور

من المسائل المشهورة في الحكمة الإلهية مسألة البلايا و الشرور، فإنّ وجود هذه الحوادث أوجد إشكالات على حكمته بل علمه تعالى، فهي بظاهرها تدل على انعدام النّظام في الكون من جهة، و تنافي حكمته بمعنى إتقان أفعاله من جهة ثانية، و تنافي حكمته - على نحو الإطلاق - أعني كون فعله منزها عمّا لا ينبغي من جهة ثالثة، و تنافي حكمته - على نحو الخصوص - أعني عدله تعالى و قيامه بالقسط من جهة رابعة. و حيث إنها من المسائل الطويلة الذيل، التي وقع فيها البحث و النقاش سواء في علم الكلام أو الفلسفة و الحكمة الإلهية، فإنّا نفردها بالبحث بعد العرض الإجمالي لهذه النتائج.

10 - اللّه عادل لا يجور
اشارة

من أبرز مصاديق حكمته تعالى - الثابتة بفضل القول بالتحسين و التقبيح العقليين - عدله، بمعنى قيامه بالقسط و أنّه لا يجور و لا يظلم و سنفرده بالبحث مع بيان مكانته في التشريع الإسلامي. و يترتب عليه بعض النتائج منها:

أ - قبح العقاب بلا بيان

إذا كان اللّه تعالى عادلا، فإنه لا يعاقب عباده من دون أن يبين لهم تكاليفهم، فإنّ ذلك ظلم يحكم العقل بقبحه و لزوم تنزّه الواجب عنه. من دون فرق بين أن لا يقع البيان أصلا، أو يقع و لا يصل إليهم لأسباب و عوامل معينة. و هذا الأصل مما اتفق عليه الأصوليون و بنوا عليه أصالة البراءة في الشبهات غير المقترنة بالعلم الإجمالي.

نعم، المسألة تبتنى على التحسين و التقبيح العقليين إذا لم تثبت البراءة من الشرع بواسطة الكتاب و السنة، و المفروض أنّ البحث فيها بعده.

ص: 260

ب - قبح التكليف بما لا يطاق

من نتائج حكم العقل بعدله تعالى، حكمه بلزوم وجود التمكّن و القدرة في العبد للإتيان بما يكلّفون به، و أنّ تكليفهم و إلزامهم بما هو فوق طاقتهم ظلم و هو قبيح لا يصدر عن الحكيم، و لأجل أهمية هذا البحث نفرده أيضا ببحث مستقل بعد عرض هذه النتائج.

ج - مدى تأثير القضاء و القدر في مصير الإنسان

من جملة المسائل المترتبة على عدله تعالى، تأثير القضاء و القدر في مصير الإنسان، و هذه المسألة مع كونها من المسائل الأصولية في العقيدة الإسلامية، مما وقع فيه الجدل و النقاش إلى درجة التكفير و إراقة الدماء بين المسلمين في العصور الأولى. و يتفرع عليها مسألة البداء أو تغيير المصير بالأعمال الصالحة أو الطالحة. و حيث إنّ الوقوف عليهما يتوقف على الإسهاب و التفصيل في مباحثهما، خصصنا كلاّ منهما بفصل خاص من فصول الكتاب.

د - اختيار الإنسان

من جملة المسائل المترتبة على عدله تعالى، اختيار الإنسان في أفعال نفسه، و ذلك أنّ كونه مجبورا مسيّرا فيما يقوم به، ظلم و جور. و حيث إنّ هذه المسألة أيضا من المسائل التي كثر فيها الجدال و تعددت فيها الآراء بين إفراط و تفريط، أفردناها بالبحث في فصل مستقلّ من الكتاب، مع ما يتفرع عليها من البحوث حول الحسنة و السيئة، و الهداية و الضلالة و غير ذلك.

ه - المصحح للعقاب الأخروي

من جملة التساؤلات التي طرحت حول عدله سبحانه، ما هو المصحح للعقاب الأخروي ؟ و ذلك من جهتين:

ص: 261

الأولى - لما ذا العقاب الأخروي ؟ هل هو للتّشفي أو الانتقام و كلاهما نقص تعالى اللّه عنه.

الثانية - إنّ مقتضى القانون العقلي أن تكون العقوبة على مقدار الجرم، و التخلف عن ذلك ظلم و جور تنزّه اللّه عنه، فلم يخلّد الكافرون و المجرمون في النار أبدا؟.

و سنجيب عنهما بعد التعرّض للبحث عن عدله تعالى(1).1.

ص: 262


1- و هناك جملة أخرى من التساؤلات حول حكمته و عدله تعالى، أجاب عنها الأستاذ دام ظله في موسوعته «اللّه خالق الكون»، فلاحظ ص 97-99. و ص 269-281.
ثمرات التّحسين و التقبيح العقليين:
(1) أفعال اللّه سبحانه معللة بالغايات
اشارة

ذهبت الأشاعرة إلى أن أفعاله سبحانه ليست معللة بالأغراض و أنه لا يجب عليه شيء و لا يقبح منه شيء و استدلوا على ذلك بوجوه:

الوجه الأول

لو كان فعله تعالى لغرض لكان ناقصا لذاته مستكملا بتحصيل ذلك الغرض لأنه لا يصلح غرضا للفاعل إلا ما هو أصلح له من عدمه و هو معنى الكمال(1).

و أجابت العدلية بأنّ أفعاله تعالى معللة بالمصالح و الحكم تفضلا على العباد فلا يلزم الاستكمال و لا وجوب الأصلح. و اختاره صاحب المقاصد و تبعته الماتريدية(2).

توضيح الجواب:

هل الغاية، غاية للفاعل أو للفعل ؟

إن الأشعري خلط بين الغرض الراجع إلى الفاعل، و الغرض الراجع إلى فعله، فالاستكمال موجود في الأول دون الثاني، و القائل بكون أفعاله

ص: 263


1- المواقف ص 231.
2- إشارات المرام ص 54.

معلّلة بالأغراض و الغايات و الدواعي و المصالح، إنما يعني بها الثاني دون الأول، و الغرض بالمعنى الأول ينافي كونه غنيا بالذات و غنيا في الصفات و غنيا في الأفعال، و الغرض بالمعنى الثاني يوجب خروج فعله عن كونه عبثا و لغوا، و كونه سبحانه عابثا و لاغيا فالجمع بين كونه غنيا غير محتاج إلى شيء، و كونه حكيما منزها عن العبث و اللغو، بالقول باشتمال أفعاله على مصالح و حكم ترجع إلى العباد و النظام لا إلى وجوده و ذاته، كما لا يخفى.

تفسير العلة الغائية

العلة الغائية التي هي إحدى أجزاء العلة التامة، يراد منها في مصطلح الحكماء، ما تخرج الفاعل من القوة إلى الفعل، و من الإمكان إلى الوجوب، و تكون متقدمة صورة و ذهنا و متأخرة وجودا و تحققا، فهي السبب لخروج الفاعل عن كونه فاعلا بالقوة إلى كونه فاعلا بالفعل. مثلا: النجار لا يقوم بصنع الكرسي إلا لغاية مطلوبة مترتبة عليه، و لو لا تصور تلك الغاية لما خرج عن كونه فاعلا بالقوة، إلى ساحة كونه فاعلا بالفعل. و على هذا فللعلة الغائية دور في تحقق المعلول و خروجه من الإمكان إلى الفعلية، لأجل تحريك الفاعل نحو الفعل، و سوقه إلى العمل.

و لا نتصور العلة الغائية بهذا المعنى في ساحته، لغناه المطلق في مقام الذات و الوصف و الفعل، فكما أنه تام في مقام الوجود، تام في مقام الفعل، فلا يحتاج في الإيجاد إلى شيء وراء ذاته. و إلا فلو كانت فاعلية الحق، كفاعلية الإنسان، فلا يقوم بالإيجاد و الخلق إلا لأجل الغاية المترتبة عليه، فيكون ناقصا في مقام الفاعلية مستكملا بشيء وراء ذاته، و هو لا يجتمع مع غناه المطلق.

هذا ما ذكره الحكماء، و هو حق لا غبار عليه. و قد استغلته الأشاعرة في غير موضعه و اتخذوه حجة لتوصيف فعله عاريا عن أية غاية و غرض، و جعلوا فعله كفعل العابثين و اللاعبين، يفعل (العياذ باللّه) بلا غاية، و يعمل بلا غرض، و لكن الاحتجاج بما ذكره الحكماء لإثبات ما قالته، واضح البطلان، لأن

ص: 264

إنكار العلة الغائية بهذا المعنى، لا يلازم أن لا يترتب على فعله مصالح و حكم ينتفع بها العباد و ينتظم بها النظام، و إن لم تكن مؤثرة في فاعلية الحق و عليّته، و ذلك لأنه سبحانه فاعل حكيم، و الفاعل الحكيم لا يختار من الأفعال الممكنة إلا ما يناسب ذلك، و لا يصدر منه ما يضاده و يخالفه.

و بعبارة ثانية: لا يعني من ذلك أنه قادر على أحد الفعلين دون الآخر، و أنّه في مقام الفاعلية يستكمل بالغاية، فيقوم بهذا دون ذاك، بل هو سبحانه قادر على كلا الأمرين، و لا يختار منهما إلا ما يوافق شأنه، و يناسب حكمته، و هذا كالقول بأنه سبحانه يعدل و لا يجور، فلسنا نعني من ذلك أنه تام الفاعلية بالنسبة إلى العدل دون الجور، بل نعني أنه تام القادرية لكلا العملين.

لكن عدله و حكمته، و رأفته و رحمته، تقتضي أن يختار هذا دون ذلك مع سعة قدرته لكليهما.

هذه هي حقيقة القول بأن أفعال اللّه لا تعلل بالأغراض و الغايات و المصالح، مع كون أفعاله غير خالية من المصالح و الحكم من دون أن يكون هناك استكمال.

الوجه الثّاني

ثم إنّ أئمة الأشاعرة لما وقفوا على منطق العدلية في المقام و أنّ المصالح و الحكم ليست غايات للفاعل بل غايات للفعل، و أنّها غير راجعة إلى الفاعل، بل إلى العباد و النظام، طرحوه على بساط البحث فأجابوا عنه. و إليك نص كلامهم:

فإن قيل: لا نسلم الملازمة، و إنّ الغرض قد يكون عائدا إلى غيره.

قيل له: نفع غيره و الإحسان إليه إن كان أولى بالنسبة إليه تعالى من عدمه، جاء الإلزام لأنه تعالى يستفيد حينئذ بذلك النفع و الإحسان، ما هو أولى به و أصلح، و إن لم يكن أولى بل كان مساويا أو مرجوحا لم يصلح أن

ص: 265

يكون غرضا له(1).

و قد جاء بنفس هذا البيان «الفضل بن روزبهان» في رده على «نهج الحق» للعلامة الحلي و قال:

إنّه لا يصلح غرضا للفاعل إلا ما هو أصلح له من عدمه و ذلك لأن ما يستوي وجوده و عدمه بالنظر إلى الفاعل أو كان وجوده مرجوحا بالقياس إليه لا يكون باعثا على الفعل و سببا لإقدامه عليه بالضرورة فكل ما يكون غرضا وجب أن يكون وجوده أصلح للفاعل و أليق به من عدمه فهو معنى الكمال فإذن يكون الفاعل مستكملا بوجوده ناقصا بدونه(2).

يلاحظ عليه: أن المراد من الأصلح و الأولى به، ما يناسب شئونه فالحكيم لا يقوم إلا بما يناسب شأنه كما أن كل فاعل غيره يقوم بما يناسب المبادي الموجودة فيه. فتفسير الأصلح و الأولى بما يفيده و يكمله، تفسير في غير موضعه.

و معنى أنه لا يختار إلا الأصلح و الأولى ليس بمعنى أن هناك عاملا خارجيا عن ذاته، يحدد قدرته و مشيئته و يفرض عليه إيجاد الأصلح و الأولى، بل مقتضى كماله و حكمته، هو أن لا يخلق إلا الأصلح، و الأولى و يترك اللغو و العبث فهو سبحانه لما كان جامعا للصفات الكمالية و من أبرزها كونه حكيما، صار مقتضى ذلك الوصف، إيجاد ما يناسبه و ترك ما يضاده، فأين هو من حديث الاستكمال و الاستفادة و الإلزام و الفرض ؟ كل ذلك يعرب عن أن المسائل الكلامية طرحت في جو غير هادئ و أن الخصم لم يقف على منطق الطرف الآخر.

و الحاصل: إنّ ذاته سبحانه تامّة الفاعلية بالنسبة إلى كلا الفعلين:

الفعل المقترن بالحكمة، و الخالي عنها، و ذلك لعموم قدرته سبحانه للحسن3.

ص: 266


1- المواقف، ص 333. و شرحه، ج 8، ص 204.
2- دلائل الصدق، ج 1، ص 233.

و القبيح. و لكن كونه حكيما يصده عن إيجاد الثاني و يخص فعله بالأول، و هذا صادق في كل فعل له قسمان: حسن و قبيح. مثلا: اللّه قادر على إنعام المؤمن و تعذيبه، و تام الفاعلية بالنسبة إلى الكل و لكن لا يصدر منه إلا القسم الحسن منهما لا القبيح، فكما لا يستلزم القول بصدور خصوص الحسن دون القبيح (على القول بهما) كونه ناقصا في الفاعلية، فهكذا القول بصدور الفعل المقترن بالمصلحة دون المجرد عنها، و إنعام المؤمن ليس مرجوحا و لا مساويا لتعذيبه بل أولى به و أصلح لكن معنى صلاحه و أولويته لا يهدف إلى استكماله أو استفادته منه، بل يهدف إلى أنه المناسب لذاته الجامعة للصفات الكمالية، المنزهة عن خلافها. فجماله و كماله، و ترفعه عن ارتكاب القبيح، يطلب الفعل المناسب له - و هو المقارن للحكمة - و التجنب عن مخالفه.

الوجه الثالث:

و هناك دليل ثالث للأشاعرة حاصله أن غرض الفعل خارج عنه، يحصل تبعا له و بتوسطه. و بما أنه تعالى فاعل لجميع الأشياء ابتداء، فلا يكون شيء من الكائنات إلاّ فعلا له، لا غرضا لفعل آخر لا يحصل إلاّ به، ليصلح غرضا لذلك الفعل. و ليس جعل البعض غرضا أولى من البعض(1).

و كان عليه أن يقرر الدليل بصورة كاملة و يقول: لو كان البعض غاية للبعض فإما أن ينتهي إلى فعل لا غاية له، فقد ثبت المطلوب. أو لا، فيتسلسل، و هو محال.

يلاحظ عليه:

لا يشك من أطلّ بنظره إلى الكون، بأنّ بعض الأشياء بما فيها من الآثار، خلق لأشياء أخر. فالغاية من إيجاد الموجودات الدانية كونها في خدمة العالية منها و أما الغاية من خلق العالية فهي إبلاغها إلى حد تكون مظاهر

ص: 267


1- المواقف، ص 322. و شرحه، ج 8، ص 204.

و مجالي لصفات ربّها و كمال بارئها.

إذا نظرنا إلى الكون بالنظر التجزيئي، نرى هناك أوائل الأفعال و ثوانيها و ثوالثها و... فيقع الداني في خدمة العالي و يكون الغرض من إيجاد العالي إيصاله إلى كماله الممكن الذي هو أمر جميل بالذات. و لا يتطلّب إيجاد الجميل بالذات غاية سوى وجوده، لأن الغاية منطوية في وجوده.

هذا إذا نظرنا إلى الكون بالنظر التجزيئي.

و أما إذا نظرنا إلى الكون بالنظر العامّ فالغاية للنظام الجملي ليست أمرا خارجا عن وجود النظام حتى يسأل عنها بالنحو الوارد في الدليل، بل هي عبارة عن الخصوصيات الموجودة فيه و هي بلوغ النظام بأبعاضه و أجزائه إلى الكمال الممكن، و الكمال الممكن المتوخى من الإيجاد، خصوصية موجودة في نفس النظام و يعدّ صورة فعلية له، فاللّه سبحانه خلق النظام و أوجد فعله المطلق، حتى يبلغ ما يصدق عليه فعله، كلا أو بعضا، إلى الكمال الذي يمكن أن يصل إليه، فليست الغاية شيئا مفصولا عن النظام، حتى يقال: ما هي الغاية لهذه الغاية حتى يتسلسل أو يصل إلى موجود لا غاية له.

و بما أن إيصال كل ممكن إلى كماله، غاية ذاتية لأنه عمل جميل بالذات، فيسقط السؤال عن أنه لما ذا قام بهذا، لأنه حين أوصل كل موجود إلى كماله الممكن فالسؤال يسقط إذا انتهى إلى السؤال عن الأمر الجميل بالذات.

فلو سئلنا عن الغاية لأصل الإيجاد و إبداع النظام، لقلنا بأن الغرض من الإيجاد عبارة عن إيصال كل ممكن إلى كماله الممكن. ثم إذا طرح السؤال عن الهدف من إيصال كل ممكن إلى كماله الممكن، لكان السؤال جزافيا ساقطا لأن العمل الحسن بالذات، يليق أن يفعل، و الفعل و الغاية نفس وجوده.

فالإيجاد فيض من الواجب إلى الممكن، و إبلاغه إلى كماله فيض آخر، يتم به الفيض الأول، فالمجموع فيض من الفياض تعالى إلى الفقير المحتاج و لا ينقص من خزائنه شيء، فأي كمال أحسن و أبدع من هذا، و أي غاية أظهر من

ص: 268

ذلك، حتى تحتاج إلى غاية أخرى و هذا بمثابة أن يسأل لما ذا يفعل اللّه الأفعال الحسنة بالذات، فإن الجواب مستتر في نفس السؤال و هو أنه فعلها لأنّها حسنة بالذات و ما هو حسن بالذات، نفسه الغاية و لا يحتاج إلى غاية أخرى.

و لأجل تقريب الأمر إلى الذهن نمثل بمثال: إذا سألنا الشاب الساعي في التحصيل و قلنا له لما ذا تبذل الجهود في طريق تحصيلك ؟ فيجيب: لنيل الشهادة العلمية، فإذا أعدنا السؤال عليه و قلنا: ما هي الغاية من تحصيلها؟ يجيبنا: للاشتغال في إحدى المراكز الصناعية أو العلمية، أو الإدارية. فإذا أعدنا عليه السؤال و قلنا ما هي الغاية من الاشتغال فيها؟ يقول: لتأمين وسائل العيش مع الأهل و العيال. فلو سألناه بعدها عن الغاية من طلب الرفاه و تأمين سبل العيش، لوجدنا السؤال جزافيا لأن ما تقدم من الغايات و أجاب عنها غايات عرضية لهذه الغاية المطلوبة بالذات، فإذا وصل الكلام إلى الأخيرة يسقط السؤال.

القرآن و أفعاله سبحانه الحكيمة

و العجب من غفلة الأشاعرة عن النصوص الصريحة في هذا المجال يقول سبحانه: أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّمٰا خَلَقْنٰاكُمْ عَبَثاً وَ أَنَّكُمْ إِلَيْنٰا لاٰ تُرْجَعُونَ (1).

و قال عز من قائل وَ مٰا خَلَقْنَا اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضَ وَ مٰا بَيْنَهُمٰا لاٰعِبِينَ (2).

و قال سبحانه: وَ مٰا خَلَقْنَا اَلسَّمٰاءَ وَ اَلْأَرْضَ وَ مٰا بَيْنَهُمٰا بٰاطِلاً ذٰلِكَ ظَنُّ اَلَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ اَلنّٰارِ (3).

و قال سبحانه: وَ مٰا خَلَقْتُ اَلْجِنَّ وَ اَلْإِنْسَ إِلاّٰ لِيَعْبُدُونِ (4) إلى غير ذلك من الآيات التي تنفي العبث عن فعله و تصرح باقترانه بالحكمة و الغرض.

ص: 269


1- سورة المؤمنون: الآية 115.
2- سورة الدخان: الآية 38.
3- سورة ص: الآية 27.
4- سورة الذاريات: الآية 56.

و أهل الحديث و بعدهم الأشاعرة الذين اشتهروا بالتعبد بظواهر النصوص تعبدا حرفيا غير مفوضين معانيها إلى اللّه سبحانه و لا مؤوّليها، لا مناص لهم إلا تناس الآيات الماضية أو تأويلها و هم يفرون منه و ينسبونه إلى مخالفيهم.

عطف مذهب الحكماء على مذهب الأشاعرة

و من الخطأ الواضح، عطف مذهب الحكماء على مذهب الأشاعرة و تصوير أن الطائفتين تقولان بأن أفعال اللّه سبحانه غير معللة بالأغراض، و هو خطأ محض كيف و هذا صدر المتألهين يخطّئ الأشاعرة و يقول: إنّ من المعطلة قوما جعلوا فعل اللّه تعالى خاليا عن الحكمة و المصلحة، و مع أنك قد علمت أن للطبيعة غايات(1). و قال أيضا: إنّ الحكماء ما نفوا الغاية و الغرض عن شيء من أفعاله مطلقا بل إنما نفوا في فعله المطلق إذا لوحظ الوجود الإمكاني جملة واحدة، غرضا زائدا على ذاته تعالى و أما ثواني الأفعال و الأفعال المخصوصة و المقيدة فاثبتوا لكل منها غاية مخصوصة كيف و كتبهم مشحونة بالبحث عن غايات الموجودات و منافعها كما يعلم من مباحث الفلكيات و مباحث الأمزجة و المركبات و علم التشريح و علم الأدوية و غيرها(2).

و على ذلك فنظرية الحكماء تتلخص في أمرين:

1 - أن أفعاله غير متصفة بالعبث و اللغو و أن هنا مصالح و حكما تترتب على فعله، يستفيد بها العباد، و يقوم بها النظام.

2 - إذا لوحظ الوجود الإمكاني على وجه الإطلاق فليس لفعله غرض خارج عن ذاته، لأن المفروض ملاحظة الوجود الإمكاني جملة واحدة و الغرض الخارج عن الذات لو كان أمرا موجودا فهو داخل في الوجود الإمكاني و ليس شيئا وراءه.

ص: 270


1- الأسفار، ج 2، ص 280.
2- الأسفار، ج 7، ص 84.

و يقولون: ليس الغرض شيئا خارجا عن الذات و إنما الغرض نفس ذاته، لئلا يكون ناقص الفاعلية لأن الحاجة إلى شيء خارج عن ذاته في القيام بالفعل، آية كونه ناقصا في الفاعلية، و المفروض أنه سبحانه تام في فاعليته، غني في ذاته و فعله عن كل شيء سوى ذاته(1).

ثم إنّ لهم بيانا فلسفيا ممزوجا بالدليل العرفاني يهدف إلى كون الغرض من الخلق هو ذاته سبحانه و به فسروا قوله سبحانه:

مٰا خَلَقْتُ اَلْجِنَّ وَ اَلْإِنْسَ إِلاّٰ لِيَعْبُدُونِ . و قوله في الحديث القدسي:

«كنت كنزا مخفيا فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لكي أعرف» و اللّه سبحانه هو غاية الغايات. و من أراد الوقوف على برهانهم فليرجع إلى أسفارهم(2).3.

ص: 271


1- الأسفار، ج 2، ص 263.
2- لاحظ الأسفار، ج 2، ص 263.

ص: 272

ثمرات التحسين و التقبيح العقليين

(2) البلايا و المصائب و الشرور و كونه حكيما
اشارة

إنّ مسألة البلايا و المصائب و الشرور، من المسائل المشهورة الذائعة الصيت في الحكمة الإلهية، و لها صلة بالمباحث التالية:

1 - إذا كان الدليل على وجود الخالق المدبر هو النظام السائد في الكون. فكيف يفسّر وجود بعض الظواهر غير المتوازنة العاصية عن النظام كالزلازل و السيول و الطوفانات، فإنها من أبرز الأدلة على عدم النظام.

2 - لو كان الصانع تعالى حكيما في فعله، متقنا في عمله، واضعا كل شيء في محله، منزّها فعله عمّا لا ينبغي، فكيف تفسّر هذه الحوادث التي لا تنطبق مع الحكمة سواء أ فسّرت بمن يصنع الأشياء المتقنة أو من يكون فعله منزها عمّا لا ينبغي.

3 - إذا كان الخالق عادلا و قائما بالقسط فكيف يجتمع عدله سبحانه مع هذه الحوادث التي تبتلع النفوس البريئة في آن واحد، و تخرّب الديار و تدمرها. إلى غير ذلك.

و على ذلك فالبحث عن المصائب و البلايا و الشرور يرتبط بالمسائل المتقدمة، و نحن نطرح هذه المسألة بعد أن أقمنا الدليل على كونه حكيما.

ص: 273

إنّ البحث عن الشرور، ليس مسألة جديدة كشف عنها فلاسفة الغرب و منهم الفيلسوف «هيوم» الإنكليزي، كما ربما يتخيله بعض من لا خبرة له بالفلسفة الإسلامية، بل و الإغريفية، فإن هذه المسألة قد طرحت بين القدامى من فلاسفة الإغريق، و المتأخرين من فلاسفة الإسلام.

فقد اشتهر قول أرسطو: «إنّ الموجودات الممكنة بالقسمة العقلية في بادئ الاحتمال تنقسم إلى خمسة أقسام:

1 - ما هو خير كله لا شرّ فيه أصلا.

2 - ما فيه خير كثير مع شرّ قليل.

3 - ما فيه شرّ كثير مع خير قليل.

4 - ما يتساوى فيه الخير و الشرّ.

5 - ما هو شر مطلق لا خير فيه أصلا».

ثم صرّحوا بأنّ الأقسام الثلاثة الأخيرة غير موجودة في العالم، و إنما الموجود من الخمسة المذكورة هو قسمان(1).

و قد بحث الفيلسوف الإسلامي صدر الدين الشيرازي (ت 979 ه، م 1050 ه) عن مسألة الخير و الشر و المصائب و البلايا في كتابه القيّم «الأسفار الأربعة» في ثمانية فصول بحثا علميا، كما بحث عنها الحكيم السبزواري في قسم الفلسفة من شرح المنظومة بحثا متوسطا. و قد سبقهما عدة من الأجلاّء كما تبعهما ثلة أخرى من المفكرين الإسلاميين. و نحن نقتبس فيما يلي ما ذكره هؤلاء المحققون بتحليل و تشريح خاص فنقول:

إنّ مسألة الشرور و البلايا دفعت بعض الطوائف في التاريخ و حتى اليوم إلى الاعتقاد بالتعدد في الخالق، و هو الاتجاه المسمى بالثّنويّة، حيث تصوّر أنّ إله الخير هو غير إله الشّر، هروبا من الإشكال المذكور، و لأجل ذلك عرفوا بالثّنوية. و بما أنّهم يعتقدون بأنّ الإلهين مخلوقان للإله الواجب8.

ص: 274


1- الأسفار، ج 7، ص 68.

الواحد، فهم من أهل التثليث على هذا الاعتبار.

و على كل تقدير فالإجابة عن مشكلة الشرور تتحقق بوجهين:

الأول - تحليلها تحليلا فلسفيا كليا.

الثاني - تحليلها تحليلا تربويا مؤثرا في تكامل النفوس.

فعلى من يريد الإسهاب في البحث أن يلج البابين، و هاك البيان:

البحث الأول - التحليل الفلسفي لمسألة الشرور.
اشارة

حاصل هذا التحليل أنّ ما يظنه بعض الناس من أنّ هناك حوادث غير منتظمة، أو ضارّة مدمّرة، فإنما هو ناشئ من نظراتهم الضيّقة المحدودة إلى هذه الأمور. و لو نظروا إلى هذه الحوادث في إطار «النظام الكوني العام» لأذعنوا بأنها خير برمتها، و يكون موقف المسألة كما قاله الحكيم السبزواري:

ما ليس موزونا لبعض من نغم *** ففي نظام الكلّ كلّ منتظم

هذا إجمال الجواب، و أما تفصيله فيتوقف على بيان أمرين:

الأمر الأول - النّظرة الضيّقة إلى الظواهر

إنّ وصف الظواهر المذكورة بأنّها شاذّة عن النظام، و أنّها شرور لا تجتمع مع النظام السائد على العالم أولا، و حكمته سبحانه - بالمعنى الأعم - ثانيا، و عدله و قسطه ثالثا، ينبع من نظرة الإنسان إلى الكون من خلال نفسه، و مصالحها، و جعلها محورا و ملاكا لتقييم هذه الأمور. فعند ما ينظر إلى الحوادث و يرى أنّها تعود على شخصه و ذويه بالإضرار، ينبري من فوره إلى وصفها بالشرور و الآفات. و ما هذا إلاّ لأنه يتوجه إلى هذه الظواهر من منظار خاص و يتجاهل غير نفسه في العالم، من غير فرق بين من مضى

ص: 275

من غابر الزمان و من يعيش في الحاضر في مناطق العالم أو سوف يأتي و يعيش فيها. ففي النّظرة الأولى تتجلى تلك الحوادث شرا و بليّة. و لكن هذه الحوادث في الوقت نفسه و بنظرة ثانية تنقلب إلى الخير و الصلاح و تكتسي خلع الحكمة و العدل و النّظم. و لبيان ذلك نحلل بعض الحوادث التي تعد في ظاهرها من الشرور فنقول:

إنّ الإنسان يرى أنّ الطوفان الجارف يكتسح مزرعته، و السيل العارم يهدم منزله، و الزلزلة الشديدة تزعزع بنيانه، و لكنه لا يرى ما تنطوي عليه هذه الحوادث و الظواهر من نتائج إيجابية في مجالات أخرى من الحياة البشرية.

و ما أشبه الإنسان في مثل هذه الرؤية المحدودة بعابر سبيل يرى جرّافة تحفر الأرض، أو تهدم بناء محدثة ضوضاء شديدا و مثيرة الغبار و التراب في الهواء، فيقضي من فوره بأنه عمل ضار و سيئ و هو لا يدري بأنّ ذلك يتم تمهيدا لبناء مستشفى كبير يستقبل المرضى و يعالج المصابين و يهيئ للمحتاجين إلى العلاج وسائل المعالجة و التمريض.

و لو وقف على تلك الأهداف النبيلة لقضى بغير ما قضى، و لوصف ذلك التهديم بأنه خير، و أنه لا ضير فيما حصل من الضوضاء، و تصاعد من الأغبرة.

إنّ مثل هذا الإنسان المحدود النظر في تقييمه، مثل الخفاش الذي يؤذيه النور لأنه يقبض بصره، بينما يبسط هذا النور ملايين العيون على آفاق الكون و يسهل للإنسان مجالات السعي و الحياة. أ فهل يكون قضاء الخفاش على النور بأنه شرّ ملاكا لتقييم هذه الظواهر الطبيعية المفيدة ؟ كلا، لا.

الأمر الثّاني - الظواهر حلقات في سلسلة طويلة

إنّ النظر إلى ظاهرة من الظواهر، منعزلة عن غيرها، نظرة ناقصة

ص: 276

و مبتورة. لأنّ الحوادث حلقات مترابطة متسلسلة في سلسلة ممتدة، فما يقع الآن منها يرتبط بما وقع في أعماق الماضي و بما سيقع في المستقبل، في سلسلة من العلل و المعاليل و الأسباب و المسبّبات.

و من هنا لا يصحّ القضاء على ظاهرة من الظواهر بحكم مع غض النظر عما سبقها، و ما يلحقها، بل القضاء الصحيح يتحقق بتقييمها جملة واحدة و النظر إليها نظرا كليا لا جزئيا. فإنّ كل حادثة على البسيطة أو في الجو ترتبط ارتباطا وثيقا بما سبقها أو يلحقها من الحوادث. حتى أنّ ما يهب من النسيم و يعبث بأوراق المنضدة التي أمامك يرتبط ارتباطا وثيقا بما حدث أو سيحدث في بقاع العالم. فلا بد للمحقق أن يلاحظ جميع الحوادث بلون الارتباط و التّشكل. فعند ذاك يتغير حكمه و يتبدل قضاؤه و لن يصف شيئا بالشذوذ، و لن يسم شيئا بأنّه من الشرور.

إذا عرفت هذين الأمرين فلنأت ببعض الأمثلة التي لها صلة بهما:

1 - إذا وقعت عاصفة على السواحل فإنها تقطع الأشجار و تدمر الأكواخ و تقلب الأثاث، فتوصف عند ساكني الساحل بالشر و البلية، و لكنها في الوقت نفسه تنطوي على آثار حيويّة لمنطقة أخرى.

فهي مثلا توجب حركة السفن الشّراعيّة المتوقفة في عرض البحر بسبب سكون الريح. و بهذا تنقذ حياة المئات من ركّابها اليائسين من نجاتهم، و توصلهم إلى شواطئ النجاة، فهي موصوفة عند ركّاب السفينة بالخير.

2 - إنّ الرياح و إن كانت ربما تهدم بعض المساكن إلاّ أنها في نفس الوقت تعتبر وسيلة فعالة في عملية التلقيح بين الأزهار و تحريك السحب المولدة للمطر و تبديد الأدخنة المتصاعدة من فوهات المصانع و المعامل التي لو بقيت و تكاثفت لتعذرت أو تعسّرت عملية التنفس لسكان المدن و القاطنين حول تلك المصانع. إلى غير ذلك من الآثار الطيبة لهبوب الرياح، التي تتضاءل عندها بعض الآثار السيئة أو تكاد تنعدم نهائيا.

ص: 277

3 - الزلازل و إن كانت تسبب بعض الخسائر الجزئية أو الكلية في الأموال و النفوس، إلا أنها توصف بالخير إذا وقفنا على أنّ علّتها - على بعض الفروض - جاذبية القمر التي تجذب قشرة الأرض نحو نفسها، فيرتفع قاع البحر و يوجب ذلك الزلازل في مناطق مختلفة من اليابسة. فإنّ هذا في نفس الوقت يوجب أن تصعد مياه البحار و الأنهار فتفيض على الأراضي المحيطة بها و تسقي المزارع و السهول فتجدد فيها الحياة و تجود بخير العطاء. و يترتب على الزلازل آثار نافعة أخرى يقف عليها الإنسان المتفحص في تلك المجالات، فهل يبقى مجال مع ملاحظة هذين الأمرين للقضاء العاجل بأنّ تلك الحوادث شرور و بلايا لا يترتب عليها أيّة فائدة ؟.

إنّ علم الإنسان المحدود هو الذي يدفعه إلى أن يقضي في الحوادث بتلك الأقضية الشاذة، و لو وقف على علمه الضئيل و نسبة علمه إلى ما لا يعلمه لرجع القهقرى قائلا: رَبَّنٰا مٰا خَلَقْتَ هٰذٰا بٰاطِلاً سُبْحٰانَكَ (1).

و لأذعن بقوله تعالى: وَ مٰا أُوتِيتُمْ مِنَ اَلْعِلْمِ إِلاّٰ قَلِيلاً (2). و قوله سبحانه: يَعْلَمُونَ ظٰاهِراً مِنَ اَلْحَيٰاةِ اَلدُّنْيٰا (3).

و لهذا السبب نجد أنّ العلماء الموضوعيين الذين لم تبهرهم منجزات العلوم و لم يغرّهم ما حصل لهم من التقدم، يعترفون بقصور العلم البشري و يحذرون من التسرع في القضاء و الحكم على الأشياء. كيف و هذا العالم الإنكليزي الأستاذ (وليم كروكش) مكتشف إشعاع المادة، و المخترع لكثير من أدوات التجارب الكيميائية قال: «من بين جميع الصفات التي عاونتني في مباحثي النفسية، و ذلّلت لي طرق اكتشافاتي الطبيعية، و كانت تلك الاكتشافات أحيانا غير منتظرة، هو اعتقادي الراسخ بجهلي»(4). إلى غير6.

ص: 278


1- سورة آل عمران: الآية 191.
2- سورة الإسراء: الآية 85.
3- سورة الروم: الآية 7.
4- على أطلال المذهب المادي، ج 1، ص 136.

ذلك من الكلمات المأثورة عن كبار المفكرين و أعاظم الفلاسفة و المعنيين بتحليل الظواهر الطبيعية، فإنك تراهم يعترفون بجهلهم و عجزهم عن الوقوف على أسرار الطبيعة. و هذا هو المخ الكبير في عالم البشرية الشيخ الرئيس يقول: «بلغ علمي إلى حدّ علمت أني لست بعالم».

تحليل فلسفي آخر للشرور

قد وقفت على التحليل الفلسفي الماضي، و هناك تحليل فلسفي آخر لمشكلة البلايا و المصائب و لعله أدق من سابقه، و حاصله:

إنّ الشر أمر قياسي ليس له وجود نفسي و إنما يتجلى عند النفس إذا قيس بعض الحوادث إلى بعض آخر، و إليك بيانه:

إنّ القائلين بالثّنوية يقولون إنّ اللّه سبحانه خير محض، فكيف خلق العقارب السّامة و الحيّات القاتلة و الحيوانات المفترسة و السباع الضواري.

و لكنهم غفلوا عن أنّ اتصاف هذه الظواهر بالشرور اتصاف قياسي و ليس باتصاف نفسي، فالعقرب بما هو ليس فيه أي شر، و إنما يتصف به إذا قيس إلى الإنسان الذي يتأذّى من لسعته، فليس للشرّ واقعية في صفحة الوجود، بل هو أمر انتزاعي تنتقل إليه النفس من حديث المقايسة، و لولاها لما كان للشرّ مفهوم و حقيقة. و إليك توضيح هذا الجواب.

إنّ الصفات على قسمين: منها ما يكون له واقعية كموصوفه، مثل كون الإنسان موجودا، أو أنّ كل متر يساوي مائة سنتيمتر. فاتصاف الإنسان بالوجود و المتر بالعدد المذكور، أمران واقعيان ثابتان للموجود، توجه إليه الذهن أم لا. حتى لو لم يكن على وجه البسيطة إلاّ إنسان واحد أو متر كذلك فالوصفان ثابتان لهما.

و منه ما لا يكون له واقعية إلاّ أنّ الإنسان ينتقل إلى ذلك الوصف، أو بعبارة صحيحة ينتزعه الذهن بالمقايسة، كالكبر و الصغر، فإنّ الكبر ليس

ص: 279

شيئا ذا واقعية للموصوف و إنما يدرك بالقياس إلى ما هو أصغر منه.

مثلا: الأرض توصف بالصغر تارة إذا قيست إلى الشمس، و بالكبر أخرى إذا قيست إلى القمر. و لأجل ذلك لا يدخلان في حقيقة الموصوف، و إلا لما صح وصف الأرض بوصفين متعارضين.

إذا عرفت انقسام الأوصاف إلى القسمين، فعليك تحليل مفهوم الشر على ضوء هذا البيان فنقول: إنّ كون العقرب موجودا و ذا سمّ ، من الأمور الحقيقية. و أما كونه شرّا، فليس جزءا من وجوده، و إنما يتصف به سمّ العقرب إذا قيس إلى الإنسان و تضرره به أو فقدانه لحياته بسببه، و إلاّ فانه يعدّ كمالا للعقرب و موجبا لبقائه. فإذا كان كذلك سهل عليك حلّ عقدة الشرور من جوانبها المختلفة.

أما من جانب التوحيد في الخالقية و أنّه ليس من خالق في صفحة الوجود إلاّ اللّه سبحانه و هو خير محض ليس للشر إليه سبيل، فكيف خلق هذه الموجودات المتسمة بالشر، فالجواب أنّ المخلوق هو ذوات هذه الأشياء و ما لها من الصفات الحقيقية، و أما اتصافها بالشر فليس أمرا حقيقيا محتاجا إلى تعلق العلّة، بل هو أمر قياسي يتوجه إليه الإنسان عند المقايسة.

و إلى هذا المعنى تؤول كلمات الفلاسفة القدامى إذ قالوا:

«1 - الشر أمر عدمي، و ليس أمرا موجودا محتاجا إلى العلّة.

2 - الشّر ليس مجعولا بالذات بل مجعول بالعرض.

3 - إذا تصفحت جميع الأشياء الموجودة في هذا العالم المسمّاة عند الجمهور شرورا، لم تجدها في أنفسها شرورا، بل هي شرور بالعرض خيرات بالذات»(1).

و نحو ذلك الأخلاق الذميمة فإنها كلها كمالات للنفوس السّبعيّة و البهيمية و ليست بشرور للقوى الغضبية و الشّهويّة. و إنما شرّيّة هذه الأخلاق2.

ص: 280


1- الاسفار الاربعة، ج 7، ص 62.

الرذيلة بالقياس إلى النفوس الضعيفة العاجزة عن ضبط قواها عن الإفراط و التفريط و عن سوقها إلى مسلك الطاعة الّذي تناط به السعادة الباقية.

و كذلك الآلام و الأوجاع و الغموم و الهموم فهي من حيث كونها إدراكات، و من حيث وجودها أو صدورها من العلل الفاعلة لها، خيرات كمالية، و إنما هي شرور بالقياس إلى متعلقاتها.

و أمّا من جانب توصيفه سبحانه بالحكمة و الإتقان في الفعل و العمل، فليس في خلق هذه الحوادث و الموجودات شيء يخالف الحكمة، فإنه سبحانه خلق العقارب و الحيّات و الضواري و السباع بأحسن الخلقة و أعطاها ما يكفيها في الحياة اَلَّذِي أَعْطىٰ كُلَّ شَيْ ءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدىٰ (1). و إنما تتسم هذه الحوادث و الموجودات بالشر و يتراءى أنها خلاف الحكمة من حديث المقايسة، و هو أمر ذهني لا خارجي.

إلى هنا خرجنا بهذه النتيجة و هي أنّ هناك عاملين دفعا الإنسان إلى تصور أنّ الشّر، أمر عيني خارجي يعد إيجاده على خلاف الحكمة و العدل و أنّه عصيان عن النظم و هما:

1 - النّظرة إلى الأشياء من منظر الأنانية و تناسي سائر الموجودات.

2 - تصور أنّ الشر له عينية خارجية كالموصوف، و الغفلة عن أنّه أمر عدمي يتوجه إليه الذهن عند المقايسة.

و قد حان وقت البحث عن التحليل التربوي للشرور الذي يسهّل التصديق بعدم كون إيجادها على فرض كونها أمورا عينية في الخارج - لأجل هذه الآثار التربوية - مخالفا للحكمة و العدل.

البحث الثّاني - التّحليل التربوي لمسألة الشرور
اشارة

إنّ لهذه الحوادث آثارا تربوية مهمة في حياة البشر المادية تارة، و في

ص: 281


1- سورة طه: الآية 50.

إزاحة الغرور و الغفلة عن الضمائر و العقول ثانيا. و لأجل هذه الفوائد صحّ إيجادها، سواء قلنا بأنّ الشّر موجود بالذات، كما عليه المعترض، أو موجود بالعرض، كما حققناه.

و إليك فيما يلي توضيح هذه الآثار واحدة بعد الأخرى.

أ - المصائب وسيلة لتفجير الطّاقات

إنّ البلايا و المصائب خير وسيلة لتفجير الطاقات و تقدّم العلوم ورقي الحياة البشرية، فها هم علماء الحضارة يصرّحون بأن أكثر الحضارات لم تزدهر إلا في أجواء الحروب و الصراعات و المنافسات حيث كان الناس يلجئون فيها إلى استحداث وسائل الدفاع في مواجهة الأعداء المهاجمين، أو إصلاح ما خرّبته الحروب من دمار و خراب. ففي مثل هذه الظروف تتحرك القابليات بجبران ما فات، و تتميم ما نقص، و تهيئة ما يلزم. و في المثل السائر: «الحاجة أمّ الاختراع».

و بعبارة واضحة: إذا لم يتعرض الإنسان للمشاكل في حياته فإن طاقاته ستبقى جامدة هامدة لا تنمو و لا تتفتح، بل نمو تلك المواهب و خروج الطاقات من القوة إلى الفعلية، رهن وقوع الإنسان في مهب المصائب و الشدائد.

نعم، لا ندّعي بأنّ جميع النتائج الكبيرة توجد في الكوارث و إنما ندّعي أنّ عروضها يهيئ أرضية صالحة للإنسان للخروج عن الكسل.

و لأجل ذلك، نرى أنّ الوالدين الذين يعمدان إلى إبعاد أولادهما عن الصعوبات و الشدائد لا يدفعان إلى المجتمع إلاّ أطفالا يهتزون لكل ريح كالنبتة الغضّة أمام كل نسيم.

و أما اللذان ينشئان أولادهما في أجواء الحياة المحفوفة بالمشاكل

ص: 282

و المصائب فيدفعان إلى المجتمع أولادا أرسخ من الجبال في مهب العواصف.

قال الإمام علي بن أبي طالب: «ألا إنّ الشّجرة البرّيّة أصلب عودا، و الرّوائع الخضرة أرقّ جلودا، و النباتات البدويّة أقوى وقودا و أبطأ خمودا»(1).

و إلى هذه الحقيقة يشير قوله سبحانه: فَعَسىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَ يَجْعَلَ اَللّٰهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً (2).

و قوله تعالى: فَإِنَّ مَعَ اَلْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ اَلْعُسْرِ يُسْراً (3).

و قوله تعالى: فَإِذٰا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَ إِلىٰ رَبِّكَ فَارْغَبْ (4) أي تعرّض للنّصب و التعب بالإقدام على العمل و السعي و الجهد بعد ما فرغت من العبادة، و كأنّ النصر و المحنة حليفان لا ينفصلان و أخوان لا يفترقان.

ب - المصائب و البلايا جرس إنذار

إنّ التمتع بالمواهب الماديّة و الاستغراق في اللذائذ و الشهوات يوجب غفلة كبرى عن القيم الأخلاقية، و كلما ازداد الإنسان توغّلا في اللذائذ و النعم، ازداد ابتعادا عن الجوانب المعنوية. و هذه حقيقة يلمسها كل إنسان في حياته و حياة غيره، و يقف عليها في صفحات التاريخ. فإذن لا بد لانتباه الإنسان من هذه الغفلة من هزّة و جرس إنذار يذكّره و يوقظ فطرته و ينبهه من غفلته. و ليس هناك ما هو أنفع في هذا المجال من بعض الحوادث التي تقطع نظام الحياة الناعمة بشيء من المزعجات حتى يدرك عجزه و يتخلى عن غروره و يخفف من طغيانه. و نحن نجد في الكتاب العزيز التصريح بصلة

ص: 283


1- نهج البلاغة - الخطبة 45.
2- سورة النساء: الآية 19.
3- سورة الانشراح: الآيتان 5 و 6.
4- سورة الانشراح: الآيتان 7 و 8.

الطغيان بإحساس الغنى، إذ يقول عز و جل: إِنَّ اَلْإِنْسٰانَ لَيَطْغىٰ * أَنْ رَآهُ اِسْتَغْنىٰ (1).

و لأجل هذا يعلل القرآن الكريم بعض النوازل و المصائب بأنها تنزل لأجل الذكرى و الرجوع إلى اللّه، يقول سبحانه: وَ مٰا أَرْسَلْنٰا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلاّٰ أَخَذْنٰا أَهْلَهٰا بِالْبَأْسٰاءِ وَ اَلضَّرّٰاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (2).

و يقول أيضا: وَ لَقَدْ أَخَذْنٰا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَ نَقْصٍ مِنَ اَلثَّمَرٰاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (3).

هكذا تكون البلايا و المصائب سببا ليقظة الإنسان و تذكرة له، فهي بمثابة صفع الطبيب وجه المريض المبنّج لإيقاظه، الذي لو لا صفعته لانقطعت حياة المريض.

فقد خرجنا بهذه النتيجة و هي أنّ التكامل الأخلاقي رهن المحن و المصائب، كما أنّ التفتح العقلي رهن البلايا و النوازل.

و الإنسان الواعي يتخذها وسيلة للتخلي عن الغرور، كما يتخذها سلما للرقي إلى مدارج الكمال العلمي، و قد لا يستفيد منها شيئا فيعدّها مصيبة و كارثة في الحياة.

ج - البلايا سبب للعودة الى الحق

إنّ للكون هدفا، كما أنّ لخلق الإنسان هدفا كذلك، و ليس الهدف من خلقة الإنسان إلاّ أن يتكامل و يصل إلى ما يمكن الوصول إليه. و ليس الهدف من بعث الأنبياء و إنزال الكتب إلاّ تحقيق هذه الغاية السامية. و لما كانت المعاصي و الذنوب من أكبر الأسباب التي توجب بعد الإنسان عن الهدف الذي خلق من أجله، و تعرقل مسيرة تكامله، كانت البلايا

ص: 284


1- سورة العلق: الآيتان 6 و 7.
2- سورة الأعراف: الآية 94.
3- سورة الأعراف: الآية 130.

و المصائب خير وسيلة لإيقاف الإنسان العاصي على نتائج عتوه و عصيانه حتى يعود إلى الحق و يرجع إلى الطريق الوسطى. و إلى هذه النكتة يشير قوله سبحانه: ظَهَرَ اَلْفَسٰادُ فِي اَلْبَرِّ وَ اَلْبَحْرِ بِمٰا كَسَبَتْ أَيْدِي اَلنّٰاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ اَلَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (1). و يقول سبحانه في آية أخرى:

وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ اَلْقُرىٰ آمَنُوا وَ اِتَّقَوْا لَفَتَحْنٰا عَلَيْهِمْ بَرَكٰاتٍ مِنَ اَلسَّمٰاءِ وَ اَلْأَرْضِ وَ لٰكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنٰاهُمْ بِمٰا كٰانُوا يَكْسِبُونَ (2) .

د - البلايا سبب لمعرفة النّعم و تقديرها

إنّ بقاء الحياة على نمط واحد يوجب أن لا تتجلى الحياة لذيذة محبوبة، و هذا بخلاف ما إذا تراوحت بين المرّ و الحلو و الجميل و القبيح، فلا يمكن معرفة السلامة إلاّ بالوقوف على العيب. و لا الصّحة إلاّ بلمس المرض، و لا العافية إلاّ عند نزول البلاء. و لا تدرك لذة الحلاوة إلاّ بتذوق المرارة.

فجمال الحياة و قيمة الطبيعة ينشئان من التنوع و الانتقال من حال الى حال و من وضع إلى آخر. و لأجل ذلك نلمس أنّ خالق الطبيعة جعل الوديان إلى جانب الجبال، و الأشواك جانب الورود، و الثّمار المرّة جنب الحلوة، و الماء الأجاج جنب العذب الفرات، إلى غير ذلك من مظاهر التضاد و التباين التي تضفي على الطبيعة بهاء و جمالا، و كمالا و جلالا.

هذه هي الآثار التربوية للمصائب و البلايا، و تكفي في تسويغ نزولها، و تبرير تحقيقها في الحياة البشرية.

ص: 285


1- سورة الروم: الآية 41.
2- سورة الاعراف: الآية 96.
البلايا المصطنعة للأنظمة الطاغوتية

إنّ هناك من المحن ما ينسبه الإنسان الجاهل إلى خالق الكون، و الحال أنّها من كسب نفسه و نتيجة منهجه. بل الأنظمة الطاغوتية هي التي سببت تلك المحن و أوجدت تلك الكوارث، و لو كانت هناك أنظمة قائمة على قيم إلهية لما تعرض البشر لتلك المحن.

فالتقسيم الظالم للثروات هو الذي صار سببا لتجمع الثروة عند ثلّة قليلة، و انحسارها عن جماعات كثيرة، كما صار سببا لتمتع الطائفة الأولى بكل وسائل الوقاية و الحماية من الأمراض و الحوادث و حرمان الطائفة الثانية منها. فهذه البلايا المصطنعة خارجة عن إطار البحث، فلا تكون موقظة للفكر و لا مزكية للنفوس، بل تهيء أرضية صالحة للانتفاضات و الثورات.

إلى هنا خرجنا بهذه النتيجة و هي أنّ الظواهر غير المتوازنة بحسب النظرة السطحية متوازنة بالقياس إلى مجمل النّظام و لها آثار اجتماعيّة و تربويّة و لا مناص في الحياة البشريّة منها فلا تعد مناقضة للنّظم السائد و لا لحكمة الخالق و لا لعدله و قسطه سبحانه و تعالى.

ص: 286

ثمرات التّحسين و التقبيح العقليّين

(3) اللّه عادل لا يجور
اشارة

إنّ مقتضى التّحسين و التّقبيح العقليين - على ما عرفت - هو أنّ العقل - بما هو هو - يدرك أنّ هذا الشيء - بما هو هو - حسن أو قبيح، و أن أحد هذين الوصفين ثابت للشيء - بما هو هو - من دون دخالة ظرف من الظروف أو قيد من القيود، و من دون دخالة درك مدرك خاص.

و على ذلك فالعقل في تحسينه و تقبيحه يدرك واقعية عامة، متساوية بالنسبة إلى جميع المدركين و الفاعلين، من غير فرق بين الممكن و الواجب. فالعدل حسن و يمدح فاعله عند الجميع، و الظلم قبيح يذمّ فاعله عند الجميع. و على هذا الأساس فاللّه سبحانه، المدرك للفعل و وصفه - أعني استحقاق الفاعل للمدح أو الذم - من غير خصوصية للفاعل، كيف يقوم بفعل ما يحكم بأنّ فاعله مستحق للذم، أو يقوم بفعل ما يحكم بأنه يجب التنزه عنه ؟ و على ذلك فاللّه سبحانه عادل، لأن الظلم قبيح و مما يجب التنزّه عنه، و لا يصدر القبيح من الحكيم، و العدل حسن و مما ينبغي الاتصاف به، فيكون الاتصاف بالعدل من شئون كونه حكيما منزها عما لا ينبغي.

و إن شئت قلت: إنّ الإنسان يدرك أنّ القيام بالعدل كمال لكل احد.

ص: 287

و ارتكاب الظلم نقص لكل أحد. و هو كذلك - حسب إدراك العقل - عنده سبحانه. و معه كيف يجوّز أن يرتكب الواجب خلاف الكمال، و يقوم بما يجرّ النقص إليه(1).

دفع إشكال

ربما يقال إنّ كون الشيء حسنا أو قبيحا عند الإنسان، لا يدل على كونه كذلك عند اللّه سبحانه، فكيف يمكن استكشاف أنه لا يترك الواجب و لا يرتكب القبيح ؟.

و الإجابة عنه واضحة، و ذلك أنّ مغزى القاعدة السالفة هو أنّ الإنسان يدرك حسن العدل و قبح الظلم لكلّ مدرك شاعر، و لكلّ عاقل حكيم، من غير فرق بين الظروف و الفواعل. و هذا نظير درك الزوجية للأربعة، فالعقل يدرك كونها زوجا عند الجميع، لا عند خصوص الممكن، فليس المقام من باب إسراء حكم الإنسان الممكن إلى الواجب تعالى، بل المقام من قبيل استكشاف قاعدة عامة ضرورية بديهية عند جميع المدركين من غير فرق بين خالقهم و مخلوقهم. و لا يختص هذا الأمر بهذه القاعدة، بل جميع القواعد العامة في الحكمة النظرية كذلك.

و على هذا يثبت تنزهه سبحانه عن كل قبيح، و اتصافه بكل كمال في

ص: 288


1- و ربما يقرر وجه عدم صدور عدم القبيح عنه تعالى بأنّ الدّاعي إلى صدوره إما داعي الحاجة، أو داعي الحكمة، أو داعي الجهل. و الكل منتف في حقه سبحانه. أمّا الأول فلغناه المطلق، و أمّا الثّاني فلكون الحكمة في خلافه، و أما الثالث فلكونه عالما على الإطلاق. و بما أنّ هذا الدليل مبني على كون فاعلية الواجب بالداعي الزائد على ذاته، و هو خلاف التحقيق، لكونه تاما في الفاعلية فلا يحتاج فيها إلى شيء وراء الذات، أتينا به في الهامش. و قد اعتمد عليه العلاّمة في شرح التجريد ص 187-188. و الفاضل المقداد في شرح نهج المسترشدين ص 260 و غير ذلك من الكتب الكلامية.

مقام الفعل، فيثبت كونه تعالى حكيما لا يرتكب اللغو و ما يجب التنزه عنه، و بالتالي فهو عادل لا يجور و لا يظلم و لا يعتدي.

العدل في الذّكر الحكيم

تضافرت الآيات الكريمة مركزة على قيامه سبحانه بالقسط، نورد فيما بلي بعضا منها:

قال سبحانه: شَهِدَ اَللّٰهُ أَنَّهُ لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ وَ اَلْمَلاٰئِكَةُ وَ أُولُوا اَلْعِلْمِ قٰائِماً بِالْقِسْطِ (1).

و كما شهد على ذاته بالقيام بالقسط، عرّف الغاية من بعثة الأنبياء بإقامة القسط بين الناس.

قال سبحانه: لَقَدْ أَرْسَلْنٰا رُسُلَنٰا بِالْبَيِّنٰاتِ وَ أَنْزَلْنٰا مَعَهُمُ اَلْكِتٰابَ وَ اَلْمِيزٰانَ لِيَقُومَ اَلنّٰاسُ بِالْقِسْطِ (2).

كما صرّح بأن القسط هو الركن الأساس في محاسبة العباد يوم القيامة، إذ يقول سبحانه: وَ نَضَعُ اَلْمَوٰازِينَ اَلْقِسْطَ لِيَوْمِ اَلْقِيٰامَةِ فَلاٰ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً (3).

و ما في هذه الآيات و غيرها إرشادات إلى ما يدركه العقل من صميم ذاته، بأنّ العدل كمال لكل موجود حيّ مدرك مختار، و أنّه يجب أن يتصف اللّه تعالى به في أفعاله في الدنيا و الآخرة، و يجب أن يقوم سفراؤه به.

ص: 289


1- سورة آل عمران: الآية 18.
2- سورة الحديد: الآية 25.
3- سورة الأنبياء: الآية 47.
العدل في التشريع الإسلامي

و هذه المكانة التي يحتلها العدل - التي عرفت أنه لولاه لارتفع الوثوق بوعده و وعيده و انخرم الكثير من العقائد الإسلامية - هي التي جعلته سبحانه يعرّف أحكامه و يصف تشريعاته بالعدل، و أنه لا يشرّع إلاّ ما كان مطابقا له.

يقول سبحانه: وَ لاٰ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاّٰ وُسْعَهٰا وَ لَدَيْنٰا كِتٰابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَ هُمْ لاٰ يُظْلَمُونَ (1).

فالجزء الأول من الآية ناظر إلى عدله سبحانه بين العباد في تشريع الأحكام، كما أنّ الجزء الثاني ناظر إلى عدله يوم الجزاء في مكافاته، هذا.

و إن شعار الذكر الحكيم هو: وَ مٰا كٰانَ اَللّٰهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَ لٰكِنْ كٰانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (2). و هو يكشف عن عدالته سبحانه في التشريع و الجزاء.

العدل في روايات أئمة أهل البيت

اشتهر عليّ (عليه السلام) و أولاده بالعدل، و عنه أخذت المعتزلة، حتى قيل: «التوحيد و العدل علويان و التشبيه و الجبر أمويان». و إليك بعض ما أثر عنهم (عليهم السلام).

1 - سئل عليّ (عليه السلام) عن التوحيد و العدل، فقال: «التوحيد أن لا تتوهّمه و العدل أن لا تتّهمه»(3) و قد فرض كونه سبحانه عادلا فطلب معناه.

ص: 290


1- سورة المؤمنون: الآية 62.
2- سورة الروم: الآية 9.
3- نهج البلاغة - قسم الحكم - رقم 470.

قال ابن أبي الحديد: «هذان الركنان هما ركنا علم الكلام و هما شعار أصحابنا المعتزلة لنفيهم المعاني القديمة التي يثبتها الأشعري و أصحابه، و لتنزيههم الباري سبحانه عن فعل القبيح، و معنى قوله: «أن لا تتوهمه»:

أن لا تتوهمه جسما أو صورة أو في جهة مخصوصة أو مالئا لكل الجهات، كما ذهب إليه قوم، أو نورا من الأنوار، أو قوة سارية في جميع العالم كما قاله قوم، أو من جنس الأعراض التي تحل الحالّ أو تحل المحل و ليس بعرض، كما قاله النصارى، أو تحله المعاني و الأعراض فمتى توهم على شيء من هذا فقد خولف التوحيد.

و أما الركن الثاني فهو «أن لا تتهمه»: أي أن لا تتهمه في أنّه أجبرك على القبيح و يعاقبك عليه، حاشاه من ذلك و لا تتهمه في أنّه مكّن الكذّابين من المعجزات فأضل بهم الناس، و لا تتهمه في أنّه كلّفك ما لا تطيقه و غير ذلك من مسائل العدل التي تذكرها أصحابنا مفصلة في كتبهم، كالعوض عن الألم فإنه لا بدّ منه، و الثواب على فعل الواجب فإنه لا بد منه، و صدق وعده و وعيده فإنه لا بد منه.

و جملة الأمر أنّ مذهب أصحابنا في العدل و التوحيد مأخوذ عن أمير المؤمنين (عليه السلام). و هذا الموضع من المواضع التي قد صرّح فيها بمذهب أصحابنا بعينه، و في فرش كلامه من هذا النمط ما لا يحصى»(1).

2 - روى (الصدوق) عن الصادق (عليه السلام) أنّ رجلا قال له:

إنّ أساس الدين التوحيد و العدل، و علمه كثير، و لا بدّ لعاقل منه، فاذكر ما يسهل الوقوف عليه و يتهيّأ حفظه. فقال (عليه السلام): «أمّا التّوحيد فأن لا تجوّز على ربّك ما جاز عليك، و أمّا العدل فأن لا تنسب إلى خالقك ما لامك عليه»(2).6.

ص: 291


1- شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد، ج 20، ص 227.
2- التوحيد، باب معنى التوحيد و العدل، الحديث الأول، ص 96.

3 - و قال علي (عليه السلام): «و أشهد أنّه عدل عدل، و حكم فصل»(1).

4 - و قال (عليه السلام): «الذي صدق في ميعاده، و ارتفع عن ظلم عباده، و قام بالقسط في خلقه، و عدل عليهم في حكمه»(2).

5 - و قال صلوات اللّه عليه: «الذي أعطى حلمه فعفا، و عدل في كل ما قضى»(3).

6 - و قال (عليه السلام): «اللّهمّ احملني على عفوك، و لا تحملني على عدلك»(4).

إلى غير ذلك من المأثورات عن أئمة أهل البيت، و سيوافيك قسم منها عند البحث عن القضاء و القدر، و البحث عن الجبر و الاختيار.7.

ص: 292


1- نهج البلاغة، الخطبة 214.
2- نهج البلاغة، الخطبة 185.
3- نهج البلاغة، الخطبة 191.
4- نهج البلاغة، الخطبة 227.

ثمرات التحسين و التقبيح العقليين

(4) ما هو المصحح لعقوبة العبد؟

لقد تضافرت النصوص السماوية على عقوبة المجرمين و التنكيل بالظالمين و عندئذ يقع الكلام في مقامين:

الأول: ما هو الغرض من العقوبة ؟ فهل هو التّشفي كما في قوله سبحانه: وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنٰا لِوَلِيِّهِ سُلْطٰاناً فَلاٰ يُسْرِفْ فِي اَلْقَتْلِ إِنَّهُ كٰانَ مَنْصُوراً (1)؟ و لكن هذه الغاية منتفية في جانب الحق سبحانه لأنه أجلّ من أن يكون له هذا الداعي لاستلزامه طروء الانفعال إلى ذاته. أو لاعتبار الآخرين ؟ و هذا إنّما يصح في دار التكليف لا في دار الجزاء. يقول سبحانه: اَلزّٰانِيَةُ وَ اَلزّٰانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وٰاحِدٍ مِنْهُمٰا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَ لاٰ تَأْخُذْكُمْ بِهِمٰا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اَللّٰهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّٰهِ وَ اَلْيَوْمِ اَلْآخِرِ، وَ لْيَشْهَدْ عَذٰابَهُمٰا طٰائِفَةٌ مِنَ اَلْمُؤْمِنِينَ (2).

فقوله: وَ لْيَشْهَدْ عَذٰابَهُمٰا طٰائِفَةٌ مِنَ اَلْمُؤْمِنِينَ قرينة على أنّ الغاية

ص: 293


1- سورة الإسراء: الآية 33.
2- سورة النور: الآية 2.

من جلد الزانية و الزاني هو اعتبار الآخرين، أو أنه أحد الغايات.

الثاني: إنّ من السنن العقلية المقررة مساواة العقوبة للجرم كما و كيفا، غير أن هذه المعادلة منتفية في العقوبات الأخروية، فإنّ قسما من المجرمين يخلدون في النار مع أن معصيتهم أقل مدة من مدة التعذيب.

قال سبحانه: وَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا بِآيٰاتِنٰا أُولٰئِكَ أَصْحٰابُ اَلنّٰارِ هُمْ فِيهٰا خٰالِدُونَ (1).

و قال سبحانه: وَعَدَ اَللّٰهُ اَلْمُنٰافِقِينَ وَ اَلْمُنٰافِقٰاتِ وَ اَلْكُفّٰارَ نٰارَ جَهَنَّمَ خٰالِدِينَ فِيهٰا هِيَ حَسْبُهُمْ وَ لَعَنَهُمُ اَللّٰهُ وَ لَهُمْ عَذٰابٌ مُقِيمٌ (2).

قال المفيد: «اتّفقت الإمامية على أن الوعيد بالخلود في النار متوجه إلى الكفّار خاصة دون مرتكبي الذنوب من أهل المعرفة باللّه تعالى و الإقرار بفرائضه من أهل الصلاة»(3).

و قال الصدوق في عقائده: «اعتقادنا في النار أنه لا يخلد فيها إلاّ أهل الكفر و الشرك، فأما المذنبون من أهل التوحيد فيخرجون منها بالرحمة التي تدركهم»(4).

و أما الجواب: عن السؤال الأول، فنقول: إن السؤال عن غاية العقوبة، و إنها هل هي للتشفي أو لإيجاد الاعتبار في غير المعاقب إنما يتوجه على العقوبات التي تترتب على العمل عن طريق التقنين و التشريع، فللتعذيب في ذلك المجال إحدى الغايتين: التشفّي أو الاعتبار.ر.

ص: 294


1- سورة البقرة: الآية 39.
2- سورة التوبة: الآية 68.
3- أوائل المقالات، ص 14.
4- عقائد الصدوق، ص 90، الطبعة القديمة الملحقة بشرح الباب الحادي عشر.

و أما إذا كانت العقوبة أثرا وضعيا للعمل بالوجهين الآتيين، فالسؤال ساقط، لأن هناك ضرورة وجودية بين وجود المجرم و العقوبة التي تلابس وجوده في الحياة الأخروية، فعند ذلك لا يصح أن يسأل عن أن التعذيب لما ذا، و إنما يتجه السؤال مع إمكان التفكيك، و الوضع و الرفع، كالعقوبات الاتفاقية.

ثم إنّ الملازمة الخارجية بين الإنسان و العقوبة تتصور على وجهين:

الأول: إنّ كلا من الأعمال الإجرامية أو الصالحة التي تصدر من الإنسان في عالم الطبيعة توجد في النفس ملكة مناسبة لها، بسبب تكرار العمل و ممارسته. و هذه الملكات النفسانية ليست شيئا مفصولا عن وجود الإنسان، بل تشكل حاقّ وجوده و صميم ذاته. فالإنسان الصالح و الطالح إنما يحشران بهذه الملكات التي اكتسباها في الحياة الدنيوية عن طريق الطاعة و المعصية، و لكل ملكة أثر خاص يلازمها. و إن شئت قلت: إنّ كل نفس مع ما اكتنفها من الملكات تكون خلاّقة للصور التي تناسبها، إما الجنة و الروح و الريحان، أو النار و لهيبها و عذابها. فعلى ذلك يكون الثواب و العقاب مخلوقين للنفس قائمين بها على نحو لا يتمكن من ترك الإيجاد.

و هذا كالإنسان الصالح الذي ترسخت فيه الملكات الصالحة في هذه الدنيا، فإنه لا يزال يتفكر في الأمور الصالحة، و لا تستقر نفسه و لا تهدأ إلاّ بالتفكر فيها، و في مقابله الإنسان الطالح الذي ترسخت فيه الملكات الخبيثة عن طريق الأعمال الشيطانية في الحياة الدنيوية فلا يزال يتفكر في الأمور الشرّيرة و الرديئة، و لو أراد إبعاد نفسه عن التفكر فيما يناسب ملكتها لم يقدر على ذلك.

و يظهر من العلامة (الطباطبائي) أنّ الثواب و العقاب الأخرويين من الحقائق التي يكتسبها الإنسان بأعماله الصحيحة و الفاسدة، و هما موجودان في هذه النشأة غير أنّ الأحجبة تحجز بينه و بين ما أعد لنفسه من الجنة و النار، قال: «إن ظاهر الآيات أنّ للإنسان في الدنيا وراء الحياة التي يعيش

ص: 295

بها فيها حياة أخرى سعيدة أو شقية، ذات أصول و أعراق، يعيش بها فيها و سيطلع و يقف عليها عند انقطاع الأسباب و ارتفاع الحجب».

إلى أن قال: «إنّ الأعمال تهيء بأنفسها أو باستلزامها و تأثيرها أمورا مطلوبة أو غير مطلوبة أي خيرا أو شرا هي التي سيطلع عليها الإنسان يوم يكشف عن ساق»(1).

و قد استظهر ما ذكره من عدة آيات ذكرها في كتابه.

و على ضوء ما ذكرنا، فالإنسان الوارد إلى الحياة الجديدة إنما يردها بملكات طيبة أو خبيثة، و لها لوازم تطلبها ضرورة وجوبا شاء أم لم يشاء.

و هذه اللوازم تتجلى بصورة النعم و النقم لكل من الطائفتين.

فعند ذلك يسقط السؤال عن الهدف من التعذيب. و هذا نظير من شرب السم فيقتل، أو شرب الدواء النافع فيبرأ، فلا يصح السؤال عن الهدف من القتل و الإبراء.

الثاني: إنّ من المقرر في محله أنّ لعمل الإنسان صورتين، صورة دنيوية و صورة أخروية، فعمل الإنسان يتجلى في كل ظرف بما يناسبه، فالصلاة لها صورتها الخاصة في هذه الحياة من حركات و أذكار، و لكن لها صورة أخرى في الحياة الأخروية.

كما أنّ الصوم له وجود خاص في هذا الظرف يعبر عنه بالإمساك عن المفطرات، و له وجود آخر في العالم الأعلى يعبر عنه بكونه جنّة من النار.

و هكذا سائر الأعمال من صالحها و طالحها. و هذا ما أخبر عنه الكتاب العزيز، يقول سبحانه: إِنَّ اَلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوٰالَ اَلْيَتٰامىٰ ظُلْماً إِنَّمٰا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نٰاراً (2).0.

ص: 296


1- الميزان، ج 1، ص 91-93.
2- سورة النساء: الآية 10.

و قال سبحانه: وَ لاٰ يَحْسَبَنَّ اَلَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمٰا آتٰاهُمُ اَللّٰهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ ، بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ ، سَيُطَوَّقُونَ مٰا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ اَلْقِيٰامَةِ (1).

و قال سبحانه: يَوْمَ يُحْمىٰ عَلَيْهٰا فِي نٰارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوىٰ بِهٰا جِبٰاهُهُمْ وَ جُنُوبُهُمْ وَ ظُهُورُهُمْ هٰذٰا مٰا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مٰا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (2).

إلى غير ذلك من الآيات التي تدل على حضور نفس العمل يوم القيامة، لكن باللباس الأخروي، و هذا يعرب عن أنّ لفعل الإنسان واقعية تتجلى في ظرف بصورة و في آخر بأخرى.

و هذه الأعمال تلازم وجوده و لا تنفك عنه، فإذا كان عمل كل إنسان يعد من ملازمات وجوده، و ملابسات ذاته، فالسؤال عن أنّ التعذيب لما ذا، يكون ساقطا، إذ السؤال إنما يتوجه إذا كان التفكيك أمرا ممكنا.

و الفرق بين الوجهين واضح: ففي الوجه الأول تكون نفس الإنسان الصالح أو الطالح خلاّقة لثوابه و عقابه و جنته و ناره حسب الملكات التي اكتسبتها في هذه الدنيا بحيث لا يمكن لصاحب هذه الملكة السكون و الهدوء إلاّ بفعل ما يناسبها. و في الوجه الثاني يكون العمل متجليا في الآخرة بوجوده الأخروي من دون أن يكون للنفس دور في تلك الحياة في تجلّي هذه الأعمال بتلك الصور بل هي من ملازمات وجود الإنسان المحشور، فلا يحشر الإنسان وحده بل يحشر مع ما يلازم وجوده و يقارنه و يلابسه و لا ينفك عنه. و باختصار تكون رابطة الجزاء مع الإنسان في القسم الأول رابطة إنتاجية بحيث تكون النفس منتجة و مولّدة للجزاء الحسن و السيئ. و أما في الثاني فهي من ملازمات وجود الإنسان و ملابساته من دون انتاج.

قال تعالى: وَ كُلَّ إِنسٰانٍ أَلْزَمْنٰاهُ طٰائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَ نُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ اَلْقِيٰامَةِ5.

ص: 297


1- سورة آل عمران: الآية 180.
2- سورة التوبة: الآية 35.

كِتٰاباً يَلْقٰاهُ مَنْشُوراً (1) .

و لعلك لو نظرت إلى الآيات التي تحكي عن حضور نفس العمل في الآخرة، و أضفت إليها «احتمال كون هذه الأعمال بصورها الأخروية من ملازمات ذات الإنسان صالحه و طالحه» لسهل عليك الإجابة عن السؤال من أنّ التعذيب لما ذا. قال سبحانه: يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مٰا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً (2) و قال سبحانه: وَ وَجَدُوا مٰا عَمِلُوا حٰاضِراً وَ لاٰ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً (3). و قال سبحانه: عَلِمَتْ نَفْسٌ مٰا أَحْضَرَتْ (4). و قال سبحانه حاكيا عن لقمان: يٰا بُنَيَّ إِنَّهٰا إِنْ تَكُ مِثْقٰالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي اَلسَّمٰاوٰاتِ أَوْ فِي اَلْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اَللّٰهُ (5).

فليس الحاضر يوم الجزاء إلاّ نفس العمل الذي يعبّر عنه بتجسم الأعمال و تحققها بالصور المناسبة لذلك الظرف.

و لعل ما ورد في الآيات و الروايات من أنّ العمل الصالح حرث الآخرة أو مطلق العمل كذلك إشارة إلى هذا الجواب. فذات العمل طاعة كان أو عصيانا، حبّ يزرعه الإنسان في حياته الدنيوية، و هذا الحبّ ينمو و يتكامل و يصير حرثا له في الآخرة يحصده بحسب ما زرع، قال سبحانه: مَنْ كٰانَ يُرِيدُ حَرْثَ اَلْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ ، وَ مَنْ كٰانَ يُرِيدُ حَرْثَ اَلدُّنْيٰا نُؤْتِهِ مِنْهٰا وَ مٰا لَهُ فِي اَلْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (6).

قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «العمل الصالح حرث0.

ص: 298


1- سورة الإسراء: الآية 13.
2- سورة آل عمران: الآية 30.
3- سورة الكهف: الآية 49.
4- سورة التكوير: الآية 14.
5- سورة لقمان: الآية 16.
6- سورة الشورى: الآية 20.

الآخرة»(1).

كل ذلك يعرب عن أنّ رابطة الجزاء مع الإنسان رابطة العلية و المعلولية.

فالإنسان بوجوده علة لجزائه، إما بخلقه و إيجاده أو كونه زارعا في هذه الدنيا زرعا يحصد جناه في الآخرة، و ليس بينه و بين حرثه انفكاك. فإذا كانت الرابطة بهذه الصورة (العلية و المعلولية) لم يكن للسؤال مجال.

نعم، لا يصحّ لمتشرع ملمّ بالكتاب و السنّة أن يحصر النّعمة و النّقمة في هذين القسمين و ينكر جنة مفصولة أو عذابا كذلك عن وجود الإنسان و عمله، فإن الظاهر أنّ لكل من الجنة و النار وجودين مستقلين يرد إليهما الإنسان حسب أعماله. و مع ذلك كله، لا مانع من أن يكون هناك تعذيب أو تنعيم بأحد المعنيين الماضيين. و لمّا كان الإشكال عقليا، كفى في رفعه ما ذكرنا من الوجهين.

و أما الجواب عن السؤال الثاني فنقول:

إنّ ما ذكر من السّنة العقلية من التطابق بين الجرم و العقوبة كمّا و كيفا، إنما يرتبط بالعقوبات الجعلية، و أما إذا كانت العقوبة أثرا وضعيا للعمل فلا نجد تلك المطابقة في الكم و لا في الكيف.

فالسائق الغافل لحظة واحدة ربما يتحمل خسارات نفسية و مالية تدوم مدة عمره. و الإنسان الذي يستر بذرة شوك أو بذرة ورد تحت التراب، يحصد الأشواك و الورود ما دام العمر، فالعمل كان آنيا و النتيجة دائمية، فليست المعادلة محفوظة بين العمل و ثمرته.ه.

ص: 299


1- نهج البلاغة، الخطبة 22، طبعة عبده.

فإذا كان عمل الإنسان في هذه الحياة بذورا لما يحصده في الآخرة فلا مانع من أن تكون النتيجة دائمية و العمل آنيا أو قصير المدة. و هذا بنفسه كاف في ردّ الإشكال، و قد عرّفه سبحانه نتيجة عمله في الآخرة و أنّ أعماله القصيرة سوف تورث حسرة طويلة أو دائمة و أنّ عمله هنا سينتج له في الآخرة أشواكا تؤذيه أو ورودا تطيّبه، و قد أقدم على العمل عن علم و اختيار، فلو كان هناك لوم فاللوم متوجه إليه، قال سبحانه حاكيا عن الشيطان: وَ قٰالَ اَلشَّيْطٰانُ لَمّٰا قُضِيَ اَلْأَمْرُ إِنَّ اَللّٰهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ اَلْحَقِّ وَ وَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَ مٰا كٰانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطٰانٍ إِلاّٰ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاٰ تَلُومُونِي وَ لُومُوا أَنْفُسَكُمْ مٰا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَ مٰا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمٰا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ اَلظّٰالِمِينَ لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ (1).

و فيما مرّ من الآيات التي تعدّ الجزاء الأخروي حرثا للإنسان تأييد لهذا النظر.

على أنّ من المحتمل أنّ الخلود في العذاب مختص بما إذا بطل استعداد الرحمة و إمكان الإفاضة. قال تعالى: بَلىٰ مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَ أَحٰاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولٰئِكَ أَصْحٰابُ اَلنّٰارِ هُمْ فِيهٰا خٰالِدُونَ (2).

و لعل قوله: وَ أَحٰاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ إحاطتها به إحاطة توجب زوال أي قابلية و استعداد لنزول الرحمة، و الخروج عن النقمة(3).

و كيف كان، فيظهر صحة ما ذكرنا إذا أمعنت النظر فيما تقدم في الجواب عن السؤال الأول و هو أنّ الجزاء إمّا مخلوق للنفس أو يلازم وجود الإنسان و في مثله لا تجري السنة العقلية كما هو واضح.6.

ص: 300


1- سورة إبراهيم: الآية 22.
2- سورة البقرة: الآية 81.
3- الميزان، ج 12، ص 86.

ثمرات التحسين و التقبيح و العقليين

(5) التكليف بما لا يطاق محال
اشارة

إنّ الوجدان السليم و العقل البديهي يحكم بامتناع التكليف بما لا يطاق، أما إذا كان الآمر إنسانا، فهو بعد وقوفه على عجز المأمور لا تنقدح الإرادة الجدّية في لوح نفسه و ضمير روحه. و لأجل ذلك يكون مرجع التكليف بما لا يطاق إلى كون نفس التكليف محالا.

و أما إذا كان الآمر هو اللّه سبحانه، فالأمر فيه واضح من وجهين:

الأول: التكليف بما لا يطاق أمر قبيح عقلا، فيستحيل عليه سبحانه من حيث الحكمة أن يكلّف العبد بما لا قدرة له عليه، و لا طاقة له به. كأن يكلّف الزّمن بالطيران إلى السماء، أو إدخال الجمل في خرم الابرة، من غير فرق بين كون نفس التكليف بالذات ممكنا، و لكن كان خارجا عن إطار قدرة المخاطب، كالطيران إلى السماء، أو كان نفس التكليف بما هو هو محالا من غير فرق بين إنسان و إنسان. كدخول الجسم الكبير في الجسم الصغير من دون أن يتوسّع الصغير أو يتصغّر الكبير.

الثاني: الآيات الصريحة في أنّه سبحانه لا يكلف الإنسان إلاّ وسعه،

ص: 301

و قدر طاقته، قال سبحانه: لاٰ يُكَلِّفُ اَللّٰهُ نَفْساً إِلاّٰ وُسْعَهٰا (1). و قال تعالى: وَ مٰا رَبُّكَ بِظَلاّٰمٍ لِلْعَبِيدِ (2).

و قال عزّ من قائل: وَ لاٰ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً (3). و الظلم هو الإضرار بغير المستحق، و أي إضرار أعظم من هذا، تعالى اللّه عن ذلك علوا كبيرا.

هذا ملخص القول في هذا الأصل، و قد بسط فيه الكلام الأصوليون و غيرهم في كتبهم الخاصة بفنهم.

و مع هذه البراهين المشرقة نرى أنّ الأشاعرة سلكوا غير هذا المسلك و جوّزوا التكليف بما لا يطاق. و بذلك أظهروا العقيدة الإسلامية، عقيدة مخالفة للوجدان و العقل السليم و الفطرة. و من المأسوف عليه أنّ المستشرقين أخذوا عقائد الإسلام عن المتكلمين الأشعريين، فإذا بهم يصفونها بكونها على خلاف العقل و الفطرة لأنهم يجوزون التكليف بما لا يطاق.

و المهم هو تحليل ما استدلوا به من الآيات(4).

أدلة الأشاعرة على التكليف بما لا يطاق

إنّ الأشاعرة - بدلا من الرجوع إلى العقل في هذا المجال - استدلوا بآيات تخيلوا دلالتها على ما يرتئونه مع انها بمنأى عما يتبنونه في المقام.

و إليك تلك الآيات مع بيان استدلالهم و تحليله.

ص: 302


1- سورة البقرة: الآية 286.
2- سورة فصلت: الآية 46.
3- سورة الكهف: الآية 49.
4- لاحظ اللّمع، ص 99 و 113 و 114، للوقوف على ما استدل به الشيخ أبو الحسن الأشعري على ما يتبنّاه في هذا المقام.

الآية الأولى - قوله تعالى: أُولٰئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي اَلْأَرْضِ وَ مٰا كٰانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اَللّٰهِ مِنْ أَوْلِيٰاءَ يُضٰاعَفُ لَهُمُ اَلْعَذٰابُ مٰا كٰانُوا يَسْتَطِيعُونَ اَلسَّمْعَ وَ مٰا كٰانُوا يُبْصِرُونَ (1).

وجه الاستدلال: إنهم قد أمروا أن يسمعوا الحق و كلّفوا به مع أنهم مٰا كٰانُوا يَسْتَطِيعُونَ اَلسَّمْعَ وَ مٰا كٰانُوا يُبْصِرُونَ : فدلّ ذلك على جواز التكليف بما لا يطاق. و دلّ على أنّ من لم يقبل الحق و لم يسمعه على طريق القبول لم يكن مستطيعا.

يلاحظ عليه: إنّ الاستدلال ضعيف جدا. يظهر ضعفه بتفسير جمل الآية واحدة بعد الأخرى.

أ - قوله تعالى: أُولٰئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي اَلْأَرْضِ : بمعنى أنّهم لم يكونوا معجزين للّه تعالى في حياتهم الأرضية و إن خرجوا عن زي العبودية فإن قدرتهم لم تغلب قدرة اللّه.

ب - قوله: وَ مٰا كٰانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اَللّٰهِ مِنْ أَوْلِيٰاءَ : أي إنّهم و إن اتخذوا أصنامهم أولياء، و لكنها ليست أولياء حقيقة، و ليس لهم أولياء من دون اللّه.

ج - قوله: يُضٰاعَفُ لَهُمُ اَلْعَذٰابُ : أي يعاقبون عقابا مضاعفا جزاء بما أتوا به من الغي و الظلم و الأعمال السيئة.

د - قوله: مٰا كٰانُوا يَسْتَطِيعُونَ اَلسَّمْعَ وَ مٰا كٰانُوا يُبْصِرُونَ : هذه الجملة في مقام التعليل، يريد أنّهم لم يكفروا و لم يعصوا أمر اللّه لأجل غلبة إرادتهم إرادة اللّه. و لا لأن لهم أولياء من دون اللّه بل لأنهم ما كانوا0.

ص: 303


1- سورة هود: الآية 20.

يستطيعون أن يسمعوا أو يبصروا آياته حتى يؤمنوا بها، و لكن عدم استطاعتهم ليس بمعنى عدم وجودها فيهم من بداية الأمر بل لأنهم حرموا أنفسهم من هذه النعم بالذنوب فصارت الذنوب وسيلة لكونهم ذوي قلوب لا يفقهون بها، و ذوي أعين لا يبصرون بها، و ذوي آذان لا يسمعون بها، فصاروا كالأنعام بل هم أضل.

قال سبحانه: لَهُمْ قُلُوبٌ لاٰ يَفْقَهُونَ بِهٰا، وَ لَهُمْ أَعْيُنٌ لاٰ يُبْصِرُونَ بِهٰا، وَ لَهُمْ آذٰانٌ لاٰ يَسْمَعُونَ بِهٰا، أُولٰئِكَ كَالْأَنْعٰامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ (1).

و باختصار: فرق بين عدم الاستطاعة فيهم من بداية التكليف و عدم قدرتهم على الإيمان و استماع الآيات و إبصارها. و عدم الاستطاعة لتماديهم في الظلم و الغيّ و إحاطة ظلمة الذنوب على قلوبهم و أعينهم و أبصارهم و أسماعهم. فالآية نزلت في المجال الثاني و البحث في الأول. و قد تواترت النصوص من الآيات و الأحاديث على أنّ العصيان و الطغيان يجعل القلوب عمياء و الأسماع صمّاء. قال سبحانه: فَلَمّٰا زٰاغُوا أَزٰاغَ اَللّٰهُ قُلُوبَهُمْ (2).

و قال سبحانه حاكيا عن المجرمين: لَوْ كُنّٰا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مٰا كُنّٰا فِي أَصْحٰابِ اَلسَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحٰابِ اَلسَّعِيرِ (3).

فالكلمة المعروفة بين المتكلمين و الحكماء من أنّ الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار مقتبسة من هذه الآيات و صريح الفطرة.

الآية الثانية - قوله تعالى: وَ عَلَّمَ آدَمَ اَلْأَسْمٰاءَ كُلَّهٰا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى1.

ص: 304


1- سورة الأعراف: الآية 179.
2- سورة الصف: الآية 5.
3- سورة الملك: الآيتان 10-11.

اَلْمَلاٰئِكَةِ فَقٰالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمٰاءِ هٰؤُلاٰءِ إِنْ كُنْتُمْ صٰادِقِينَ * قٰالُوا سُبْحٰانَكَ لاٰ عِلْمَ لَنٰا إِلاّٰ مٰا عَلَّمْتَنٰا إِنَّكَ أَنْتَ اَلْعَلِيمُ اَلْحَكِيمُ (1) .

وجه الاستدلال: إنّه سبحانه كلّفهم بالإنباء بالأسماء مع أنّهم لم يكونوا عالمين بها.

يلاحظ عليه: إنّ الأمر في قوله أَنْبِئُونِي بِأَسْمٰاءِ هٰؤُلاٰءِ للتعجيز لا للتكليف و البعث نحو الإنباء حقيقة نظير قوله سبحانه: وَ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمّٰا نَزَّلْنٰا عَلىٰ عَبْدِنٰا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَ اُدْعُوا شُهَدٰاءَكُمْ مِنْ دُونِ اَللّٰهِ إِنْ كُنْتُمْ صٰادِقِينَ (2).

توضيحه: إنّ لصيغة الأمر معنى واحدا و هو إنشاء البعث نحو الشيء، لكنّ الغايات تختلف حسب اختلاف المقامات، فتارة تكون الغاية من الإنشاء هي بعث المكلف نحو الفعل جدا و هذا هو الأمر الحقيقي الذي يثاب فاعله و يعاقب تاركه، و يشترط فيه قدرة المكلف و استطاعته. و أخرى تكون الغاية أمورا غيره، فلا يطلق عليه «التكليف الجدّي»، كالتعجيز في الآية السابقة، و التسخير في الآية التالية: كُونُوا قِرَدَةً خٰاسِئِينَ (3).

إلى غير ذلك من الغايات التي تدفع المتكلم إلى التعبير عن مقاصده بصيغة الأمر. و ذلك واضح لمن تتبع كلام العقلاء.

الآية الثالثة - قوله تعالى: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سٰاقٍ وَ يُدْعَوْنَ إِلَى اَلسُّجُودِ فَلاٰ يَسْتَطِيعُونَ * خٰاشِعَةً أَبْصٰارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَ قَدْ كٰانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى اَلسُّجُودِ وَ هُمْ سٰالِمُونَ (4).3.

ص: 305


1- سورة البقرة: الآيتان 31 و 32.
2- سورة البقرة: الآية 23.
3- سورة البقرة: الآية 65.
4- سورة القلم: الآيتان 42-43.

وجه الاستدلال: إنّه إذا جاز تكليفهم في الآخرة بما لا يستطيعون جاز ذلك في الدنيا.

يلاحظ عليه: إنّ الدعوة إلى السجود في ذلك الظرف ليست عن جد و إرادة حقيقية. بل الغاية من إنشاء البعث إيجاد الحسرة في المشركين التاركين للسجود حال استطاعتهم في الدنيا. و الآية بصدد بيان أنّهم في أوقات السلامة رفضوا الإطاعة و الامتثال، و بعد ما كشف الغطاء عن أعينهم و رأوا العذاب همّوا بالطاعة و السجود و لكن أنّى لهم ذلك في الآخرة، و إليك تفسير جمل الآية واحدة بعد الأخرى:

أ - قوله: «يوم يكشف عن ساق»: كناية عن اشتداد الأمر تفاقمه لأن الإنسان إذا أراد عبور الماء المتلاطم يكشف عن ساقيه ثم يخوض غماره، فاستعير لبيان شدة الأمر و إن لم يكن هناك ماء و لا ساق و لا كشف، كما يقال للأقطع الشحيح: «يده مغلولة»، و إن لم يكن هناك يد و لا غلّ .

ب - قوله: يُدْعَوْنَ إِلَى اَلسُّجُودِ : لا طلبا و لا تكليفا عن جد، بل لزيادة الحسرة على تركهم السجود في الدنيا مع سلامتهم، كما يقول المعلم الممتحن لتلميذه الذي يعلم أنّه سيرسب في الامتحان، أدرس و طالع و اسهر الليالي، لإيجاد الحسرة في قلبه، مع أنّه ليس هناك مجال لواحد من هذه الأمور.

ج - قوله: فَلاٰ يَسْتَطِيعُونَ : إما لسلب السلامة عنهم إثر أعمالهم الأجرامية في الدنيا، أو لاستقرار ملكة الاستكبار في سرائرهم - يَوْمَ تُبْلَى اَلسَّرٰائِرُ - أو لتعلق مشيئته سبحانه بانحصار العمل في الدنيا و انحصار الآخرة بالنتاج و الجزاء. قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «ألا و إنّ اليوم المضمار، و غدا السّباق، و السّبقة الجنّة، و الغاية النار، أ فلا تائب من خطيئته قبل منيّته، ألا عامل لنفسه قبل يوم بؤسه، ألا و إنّكم في

ص: 306

أيام عمل من ورائه أجل»(1). و لعل الوجه الأول من هذه الوجوه الثلاثة أقرب إلى مفاد الآية، لما في آخرها من قوله: وَ قَدْ كٰانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى اَلسُّجُودِ وَ هُمْ سٰالِمُونَ ، الظاهر في عدم سلامتهم في غير ذاك الظرف.

د - قوله: خٰاشِعَةً أَبْصٰارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ : أي تكون أبصارهم خاشعة و تغشاهم في ذلك اليوم ذلة.

ه - قوله: وَ قَدْ كٰانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى اَلسُّجُودِ وَ هُمْ سٰالِمُونَ : إنهم لما دعوا إلى السجود في الدنيا فامتنعوا عنه مع صحتهم و صحة أبدانهم، يدعون إلى السجود في الآخرة، و لا يستطيعون. و الغاية من الدعوة ازدياد حسرتهم و ندامتهم على ما فرّطوا في الدنيا و هم سالمون أصحاء.

و مجموع جمل الآية تعرب بوضوح عن أنّ الدعوة إلى السجود في ذلك الظرف لا تكون عن جد بل لغايات أخر لا يشترط فيها القدرة.

الآية الرابعة - قوله تعالى: وَ لَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ اَلنِّسٰاءِ وَ لَوْ حَرَصْتُمْ فَلاٰ تَمِيلُوا كُلَّ اَلْمَيْلِ فَتَذَرُوهٰا كَالْمُعَلَّقَةِ وَ إِنْ تُصْلِحُوا وَ تَتَّقُوا فَإِنَّ اَللّٰهَ كٰانَ غَفُوراً رَحِيماً (2).

وجه الاستدلال: إنّه سبحانه أمر بالعدل في قوله: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّٰ تَعْدِلُوا فَوٰاحِدَةً (3) و مع ذلك أخبر عن عدم الاستطاعة على العدل.

يلاحظ عليه: إنه سبحانه أمر بالعدالة من يتزوج أكثر من واحدة كما مرّ في هذه الآية. و في الوقت نفسه أخبر في الآية المستدل بها عن عدم3.

ص: 307


1- نهج البلاغة، الخطبة 28.
2- سورة النساء: الآية 129.
3- سورة النساء: الآية 3.

استطاعة المتزوجين أكثر من واحدة على العدل، و في الوقت نفسه أيضا نهى عن التعلق التام بالمحبوبة منهن و الإعراض عن الأخريات رأسا حتى لا تصرن كالمعلقات، لا متزوجات و لا مطلقات.

و بالتأمل في جمل الآيتين يظهر أن العدالة التي أمر بها غير العدالة التي أخبر عن عدم استطاعة المتزوج على القيام بها.

فالمستطاع هو الذي يقدر عليه كل متزوج أكثر من واحدة، و هو العدالة في الملبس و المأكل و المسكن و غيرها من حقوق الزوجة التي يقوم الزوج بها بجوارحه التي تحت اختياره، لا بجوانحه و بواطنه التي لا سلطان له عليها.

و أما غير المستطاع منها فهو المساواة في إقبال النفس و البشاشة و الأنس و هو مما لا يملكه المرء و لا يحيط به اختياره و لا سلطان له عليه.

إلى هنا تبين أنّ التكليف بما لا يطاق سواء أ كان ممكنا بالذات أو غير ممكن، مما يأباه العقل و تنكره الفطرة، و لا يقرّ به العقلاء في حياتهم الاجتماعية، كما تنكره الآيات الصريحة.

و أما ما استدل به الشيخ الأشعريّ فلا دلالة فيه، و الحافز له على سوق هذه الآيات على ما يتبناه هو رأيه المسبق. و ذلك أنّه لما اختار عدم تأثير قدرة العبد في فعله و أنه بعامة أجزائه و خصوصياته للّه سبحانه، و ليس للعبد دور إلاّ كونه ظرفا للفعل، و كون الخلق من اللّه سبحانه مقارنا لإرادة العبد، رتب على ذلك أمرين:

الأول - جواز التكليف بما لا يطاق.

ص: 308

الثاني - كون الاستطاعة مقارنة للفعل.

أما الأول، فلأنه إذا لم يكن لقدرة العبد دور في نفس الفعل، فلا يفرق بين كون التكليف مقدورا عليه أو غير مقدور، و قد عرفت بطلانه.

و أما الثاني، فإنما ذهب إليه توهّما منه أنّ وجود القدرة و الاستطاعة قبل الفعل ربما لا يجتمع مع القول بكون الخلق و الإيجاد منه سبحانه، فقال بعدم تقدم الاستطاعة و لزوم مقارنتها مع وجود الفعل، و هذا هو ما عقدنا له عنوانا مستقلا في البحث التالي.

إنّ المشكلة المهمة في كلام الأشاعرة و أهل الحديث و الحنابلة هي رفضهم العقل و إعدامه في المجالات التي يختص بالقضاء فيها. و من أعدم العقل و صلبه فلا يترقب منه غير هكذا آراء.

ص: 309

ص: 310

ثمرات التحسين و التقبيح و العقليين

(6) القدرة على الفعل قبله
اشارة

هل الاستطاعة و القدرة في الإنسان متقدمان على الفعل أو مقارنان له ؟.

العدليّة على الأول، و الأشاعرة على الثاني. و الحق التفصيل و لعلّ هذا مراد الجميع.

بيان ذلك: إنّ القدرة تطلق و يراد منها أحد الأمرين:

الأول: صحة الفعل و الترك، و إن شئت قلت: كون الفاعل في ذاته بحيث إن شاء فعل و إن لم يشأ لم يفعل. فلو أريد من القدرة هذا المعنى، فلا شك أنها مقدمة على الفعل فطرة و وجدانا، فإنّ القاعد، قادر على القيام حال القعود، و الساكت قادر على التكلم في زمان سكوته، لكن بالمعنى المزبور.

الثاني: ما يكون الفعل معه ضروري الوجود باجتماع جميع ما يتوقف وجود الفعل عليه، و تحقق العلة التامة التي لا ينفك المعلول عنها. فالقدرة بهذا المعنى مقارنة للفعل، ليست مقدمة عليه تقديما زمانيا و إن كانت متقدمة رتبة.

ص: 311

و الحق إنّ المسألة بديهية للغاية و ما أثير حولها من الشبهات خصوصا ما ذكره الشيخ الأشعري في (اللمع) أشبه بالشبه السوفسطائية(1). و مثله ما ذكره تلاميذ مدرسته، كالتفتازاني في (شرح المقاصد). و نظام الدين القوشجي في (شرح التجريد)(2). و ما ذكرناه من التفصيل هو الحاسم في البحث، و يظهر لبّه من فخر الدين الرازي الذي نقله السيد الجرجاني في (شرح المواقف)(3).

و بذلك يظهر أنّ ما أقامته المعتزلة من البراهين على تقدم القدرة على الفعل تنبيهات على المسألة، و لا يحتاج الأمر إلى هذا التفصيل المسهب.

و لكن الذي ينبغي البحث عنه هو تبيين الحافز الذي دعى الشيخ الأشعريّ إلى اختيار ذلك المذهب (مقارنة القدرة للفعل). مع أنّ التقدم و المقارنة بالنسبة إلى ما جاء في الكتاب و السنّة متساويان، فإذا يقع الكلام في تعيين الداعي إلى اختيار القول بالتقارن بل التركيز عليه.

المحتمل قويا أن يكون الداعي هو قوله بمسألة خلق أفعال العباد، و إنها مخلوقة للّه لا للعباد لا أصالة و لا تبعا، حتى أنّ القدرة الحادثة في العبد عند حدوث الفعل غير مؤثرة في إيجاده بل مقارنة له. فإذا المناسب لتلك العقيدة نفي القدرة المتقدمة على الفعل، و الاكتفاء بالمقارن له، و كأن الشيخ تصوّر أن القدرة المتقدمة على الفعل تزاحم قدرة اللّه تعالى فلأجل ذلك وجد في نفسه دافعا روحيا إلى البرهنة على بطلان التقدم و إثبات التقارن.3.

ص: 312


1- لاحظ اللمع، ص 93-94.
2- شرح المقاصد، ج 1، ص 240. و شرح القوشجى، ص 392.
3- شرح المواقف، ج 6، ص 154. و قد جاء الأستاذ دام حفظه بجميع ما تصورته الأشاعرة من البراهين العقلية في كتابه «الملل و النحل» فلاحظ ج 2، ص 172-193.

نعم، القول بالتقارن و نفي التقدم لا يختص بالشيخ الأشعري و تلامذته، بل وافقهم عليه بعض المعتزلة، كالنّجار، و محمد بن عيسى، و ابن الراوندي، و غيرهم(1).

و قد اتفقت كلمة الجميع على أنّ قدرة اللّه تعالى متقدمة على الفعل.

و ذلك أيضا معلوم حسب أصولنا، لأن القدرة في غيره سبحانه عين القوة و الإمكان. و في الواجب تعالى عين الفعلية و الوجوب، و أنّ وجوده بالذات، و كل صفة من صفاته، بالفعل ليس فيها قوة و لا إمكان و لا استعداد.

و قد أسهب صدر المتألهين الكلام في هذا المقام في أسفاره و دفع بعض الإشكالات التي ترد على القول بقدم قدرته و فعليته(2).

الاستطاعة في أحاديث أئمة أهل البيت

لقد تضافرت الروايات عن أئمة أهل البيت على تقدم الاستطاعة على الفعل. و إليك بعض ما روي عنهم في هذا الشأن:

1 - روى الصدوق عن هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «ما كلّف اللّه العباد كلفة فعل و لا نهاهم عن شيء حتى جعل لهم الاستطاعة، ثم أمرهم و نهاهم، فلا يكون العبد آخذا و لا تاركا إلاّ بالاستطاعة متقدمة قبل الأمر و النّهي، و قبل الأخذ و التّرك، و قبل القبض و البسط»(3).

2 - و روى أيضا عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه قال: سمعته يقول - و عنده قوم يتناظرون في الأفاعيل و الحركات - فقال: «الاستطاعة قبل الفعل

ص: 313


1- شرح المواقف، ج 6، ص 92.
2- الأسفار الأربعة، ج 6، ص 312.
3- التوحيد للصدوق، باب الاستطاعة، الحديث 19، ص 352.

لم يأمر اللّه عز و جل بقبض و لا بسط إلاّ و العبد لذلك مستطيع»(1).

3 - و روى أيضا عن سليمان بن خالد قال: سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول: «لا يكون من العبد قبض و لا بسط إلاّ باستطاعة متقدّمة للقبض و البسط»(2).

4 - و روى أيضا عن محمد بن أبي عمير عمن رواه من أصحابنا عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال سمعته يقول: «لا يكون العبد فاعلا إلاّ و هو مستطيع و قد يكون مستطيعا غير فاعل، و لا يكون فاعلا أبدا حتّى يكون معه الاستطاعة»(3) و هناك روايات كثيرة أخرى مبثوثة في باب الاستطاعة من (التوحيد) فلاحظها.

و من لطيف ما استدلّ به أئمة أهل البيت على تقدم الاستطاعة على الفعل قوله سبحانه: وَ لِلّٰهِ عَلَى اَلنّٰاسِ حِجُّ اَلْبَيْتِ مَنِ اِسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً (4)، فقد «سأل هشام بن الحكم الإمام الصادق عن معنى الآية و قال: ما يعني بذلك ؟ قال: من كان صحيحا في بدنه، مخلى سربه، له زاد و راحلة»(5).

«و قال أبو بصير: سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول: «من عرض عليه الحجّ و لو على حمار أجدع مقطوع الذّنب فأبى، فهو ممّن يستطيع الحجّ »(6).0.

ص: 314


1- التوحيد للصدوق، الحديث 21، ص 352.
2- المصدر السابق، الحديث 20، ص 352.
3- المصدر السابق، الحديث 13، ص 350.
4- سورة آل عمران: الآية 97.
5- التوحيد للصدوق، الحديث 14، ص 350.
6- المصدر السابق، الحديث 11، ص 350.

الباب الثالث الصّفات الخبريّة

اشارة

الإثبات مع التكييف و التشبيه.

الإثبات بلا تكييف و لا تشبيه.

التّفويض.

التّأويل.

الإجراء بالمفهوم التصديقي.

1 - عرشه سبحانه و استواؤه عليه.

2 - وجهه سبحانه.

3 - يده سبحانه.

ص: 315

ص: 316

الصّفات الخبرية قسّم بعض المتكلمين صفاته سبحانه إلى ذاتية و خبرية، و المراد من الأولى أوصافه المعروفة: من العلم و القدرة و الحياة، و المراد من الثانية ما أثبتته ظواهر الآيات و الأحاديث له سبحانه من العلو، و الوجه، و اليدين إلى غير ذلك. و قد اختلفت نظرية المتكلمين في تفسير هذا القسم من الصفات إلى أقوال:

الأول - الإثبات مع التكييف و التشبيه

زعمت المجسّمة و المشبّهة أنّ للّه سبحانه عينين و يدين مثل الإنسان.

قال الشهرستاني: «أما مشبّهة الحشويّة فقد أجازوا على ربّهم الملامسة و المصافحة، و أنّ المسلمين المخلصين يعانقونه سبحانه في الدنيا و الآخرة إذا بلغوا في الرياضة و الاجتهاد إلى حدّ الإخلاص»(1).

ص: 317


1- الملل و النحل، ج 1، ص 105. لاحظ بقية كلامه في هذا المجال فإنه يوقفك على مبلغ وعي المشبهة!.

و بما أنّ التشبيه و التجسيم باطل بالعقل و النقل فلا نحوم حول هذه النظرية.

الثاني - الإثبات بلا تكييف و لا تشبيه

اشارة

إنّ الشيخ الأشعري و من تبعه يجرون هذه الصفات على اللّه سبحانه بالمعنى المتبادر منها في العرف، لكن لأجل الفرار عن التشبيه يقولون «بلا تشبيه و لا تكييف».

يقول الأشعري في كتابه (الإبانة): «إن للّه سبحانه وجها بلا كيف، كما قال: وَ يَبْقىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو اَلْجَلاٰلِ وَ اَلْإِكْرٰامِ (1)، و إنّ له يدين بلا كيف، كما قال: خَلَقْتُ بِيَدَيَّ (2)»(3).

و ليست هذه النظرية مختصة بالأشعري، فقد نقل عن أبي حنيفة أنّه قال: «و ما ذكر اللّه تعالى في القرآن من الوجه و اليد و النفس فهو له صفات بلا كيف».

و قد نقل عن الشافعي أنّه قال: «و نثبت هذه الصفات و ننفي عنه التشبيه كما نفى عن نفسه فقال: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ ءٌ ».

و قال ابن كثير: «نحن نسلك مسلك السلف الصالح و هو إمرارها كما جاءت من غير تكييف و لا تشبيه»(4).

و حاصل هذه النظرية أنّ له سبحانه هذه الحقائق لكن لا كالموجودة في

ص: 318


1- سورة الرحمن: الآية 27.
2- سورة ص: الآية 75.
3- الإبانة، ص 18.
4- لاحظ فيما نقلناه عن أبي حنيفة و الشافعي و ابن كثير «علاقة الإثبات و التفويض»، ص 46-49.

البشر. فله يد و عين، لا كأيدينا و أعيننا و بذلك توفقوا - على حسب زعمهم - في الجمع بين ظواهر النّصوص و مقتضى التنزيه.

تحليل هذه النظرية

لا شك أنّه يجب على كل مؤمن الإيمان بما وصف اللّه به نفسه، و ليس أحد أعرف به منه، يقول سبحانه: أَ أَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اَللّٰهُ (1). كما أنّه ليس لأحد أن يصرف كلامه سبحانه في أيّ مورد من الموارد عما يتبادر من ظاهره من دون قرينة قطعية تستوجب ذلك. فإنّ قول المؤوّلة - الذين يؤوّلون ظواهر الكتاب و السنة بحجة أنّ ظواهرها لا توافق العقل - مردود، إذ لا يوجد في الكتاب و السنة الصحيحة ما يخالف العقل، و إن ما يتصورونه ظاهرا و يجعلونه مخالفا للعقل ليس ظاهر الكتاب المتبادر منه، و إنما يتخيلونه ظاهرا كما سيبين.

ثم إنّ ما جاء به الأشاعرة في هذه النظرية و قولهم بأنّ للّه يدا حقيقة بلا كيف - مثلا - لا يرجع إلى معنى صحيح. و ذلك أنّ العقيدة الإسلامية تتسم بالدقة و الحصافة، و في الوقت نفسه بالسلامة من التعقيد و الإبهام، و تبدو جلية مطابقة للفطرة و العقل السليم. و على ذلك فإبرازها بصورة التشبيه و التجسيم المأثور من اليهودية و النصرانية، كما في النظرية الأولى، أو بصورة الإبهام و الإلغاز كما في هذه، لا يجتمع مع موقف الإسلام و القرآن في عرض العقائد على المجتمع الإسلامي. فالقول بأنّ للّه يدا لا كأيدينا، أو وجها لا كوجوهنا، و هكذا سائر الصفات الخبرية أشبه بالألغاز. و ما يلهجون به و يكررونه من أنّ هذه الصفات تجري على اللّه سبحانه بنفس معانيها الحقيقة و لكن الكيفية مجهولة، أشبه بالمهزلة. إذ لو كان إمرارها على اللّه

ص: 319


1- سورة البقرة: الآية 140.

تعالى بنفس معانيها الحقيقية، لوجب أن تكون الكيفية محفوظة حتى يكون الاستعمال حقيقيا، لأنّ الواضع إنما وضع هذه الألفاظ على تلك المعاني التي قوامها بنفس كيفيتها. فاستعمالها في المعاني الحقيقية و إثبات معانيها على اللّه سبحانه بلا كيفية، أشبه بكون حيوان أسدا حقيقة و لكن بلا ذنب و لا مخلب و لا ناب و لا و لا...

و باختصار، قولهم إنّ للّه يدا حقيقة لكن لا كالأيدي، كلام يناقض ذيله صدره. فاليد الحقيقية عبارة عن العضو الذي له تلك الكيفية المعلومة، و حذف الكيفية حذف لحقيقتها و لا يجتمعان.

أضف إلى ذلك أنّه ليس في النصوص من الكتاب و السنّة من هذه «البلكفة» (أي بلا كيف) عين و لا أثر، و إنما هو شيء اخترعته الأفكار للتدرع به في مقام رد الخصم عن تهجمه عليهم بتهمة التجسيم و لذلك يقول العلامة الزمخشري:

و قد شبّهوه بخلقه و تخوّفوا *** شنع الورى فتستّروا بالبلكفة

ليت شعري، لو كفت هذه اللفظة في دفع التجسيم و التشبيه، فليكف في مجالات أخر بأن يقال في حقه سبحانه إنّ له جسما لا كسائر الأجسام، و إنّ له دما لا كسائر الدماء و لحما لا كسائر اللحوم. حتى إنّ بعض المتجرئين من المشبهة قال: «إنّما استحييت، عن إثبات الفرج و اللحية، و اعفوني عنهما و اسألوا عمّا وراء ذلك»(1).

و بذلك تبين أنّ عقيدة الأشعري في باب الصفات الخبرية لا تخرج، عن إطار أحد الأمرين التاليين:5.

ص: 320


1- الملل و النحل ج 1، ص 105.

1 - التجسيم و التشبيه - لو أجريت هذه الصفات على اللّه سبحانه بمعانيها المعهودة في الأذهان و مع حفظ حقيقتها.

2 - التعقيد و الغموض - لو أجريت على اللّه سبحانه بمعانيها المتبادرة من دون تفسير و توضيح. فالقوم بين مشبّه و معقّد، بين مجسم و ملقلق باللسان.

و في الختام نقول إنّ نظرية «الإثبات بلا تكييف» و إن كانت رائجة في عصر الأشعري و قبله و بعده، و لكنها هجرت بعد ذلك إلى أن جاء ابن تيميّة الحرّاني فجددها و أثارها و أسماها مذهب السلف، و جعل مذهبهم بين التعطيل و التشبيه. قال في جملة كلام له: «فلا يمثلون صفات اللّه تعالى بصفات خلقه و لا ينفون عنه ما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله فيعطلوا أسماءه الحسنى و صفاته العليا - إلى أن قال: و لم يقل أحد من سلف الأمة و لا من الصحابة و التابعين إنّ اللّه ليس في السماء، و لا إنّه ليس على العرش، و لا إنّه في كل مكان، و لا إنّ جميع الأمكنة بالنسبة إليه سواء، و لا إنّه داخل العالم و لا خارجه، و لا متصل و لا منفصل، و لا إنّه لا تجوز الإشارة الحسيّة إليه بالأصابع و نحوها»(1).

و على ذلك قال ابو زهرة: «يقرر ابن تيمية أنّ مذهب السلف هو إثبات كل ما جاء في القرآن من فوقية و تحتية، و استواء على العرش، و وجه، و يد، و محبة و بغض، و ما جاء في السنة من ذلك أيضا من غير تأويل، و بالظاهر الحرفي. فهل هذا هو مذهب السلف حقا؟ و نقول في الإجابة عن ذلك: لقد سبقه بهذا الحنابلة في القرن الرابع الهجري كما بيّناه، و ادّعوا أنّ ذلك مذهب السلف، و ناقشهم العلماء في ذلك الوقت و أثبتوا أنّه يؤدي إلى التشبيه و الجسمية لا محالة، فكيف لا يؤدي إليهما و الإشارة الحسية إليه جائزة.9.

ص: 321


1- المجموعة الكبرى في مجموعة الرسائل الكبرى، ص 489.

و لذا تصدّى لهم الإمام الفقيه الحنبلي الخطيب ابن الجوزي، و نفى أن يكون ذلك مذهب السلف»(1).

إنّ لابن الجوزي كلاما مبسوطا في نقد هذه النظرية و قد هاجم أحد الحنابلة المروجين لها أعني القاضي أبا يعلى الفقيه الحنبلي المشهور المتوفي سنة 457 ه، حيث قال: «لقد شأن أبو يعلى الحنابلة شيئا لا يغسله ماء البحار». و لأجل ذلك استتر هذا المذهب حتى أعلنه ابن تيميّة بجرأة خاصة له.

ثم إنّ أبا زهرة المعاصر انتقل إلى ما ذكرناه في نقد تلك النظرية و قال:

«و لنا أن ننظر نظرة أخرى و هي من الناحية اللغوية. لقد قال سبحانه:

يَدُ اَللّٰهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ . و قال: كُلُّ شَيْ ءٍ هٰالِكٌ إِلاّٰ وَجْهَهُ . أ هذه العبارات يفهم منها تلك المعاني الحسية ؟ أم أنها تفهم منها أمور أخرى تليق بذات اللّه تعالى ؟ فيصح أن تفسر اليد بالقوة (كناية أو استعارة عنها) و يصح أن يفسر الوجه، بالذات.

و يصح أن يفسّر النزول إلى السماء الدنيا بمعنى قرب حسابه، و قربه سبحانه و تعالى من العباد. و إن اللغة تتسع لهذه التفسيرات، و الألفاظ تقبل هذه المعاني. و هو أولى بلا شك من تفسيرها بمعانيها الظاهرة الحرفية، و الجهل بكيفياتها. كقولهم: «إن للّه يدا و لكن لا نعرفها»، «و للّه نزولا لكن ليس كنزولنا» الخ... فإن هذه إحالات على مجهولات، لا نفهم مؤداها، و لا غاياتها. بينما لو فسّرناها بمعان تقبلها اللغة و ليست غريبة عنها لوصلنا إلى أمور قريبة فيها تنزيه و ليس فيها تجهيل»(2).

ثم إنّ للغزالي كلاما متينا في نقد هذه النظرية نأتي بخلاصته. يقول:0.

ص: 322


1- تاريخ المذاهب الإسلامية، ج 1، ص 218.
2- المصدر نفسه، ص 219-220.

«إنّ هذه الألفاظ التي تجري في العبارات القرآنية و الأحاديث النبوية لها معان ظاهرة، و هي الحسّية التي نراها. و هي محالة على اللّه تعالى، و معان أخرى مجازية مشهورة يعرفها العربي من غير تأويل و لا محاولة تفسير.

فإذا سمع اليد في قوله (صلى اللّه عليه و آله) «إنّ اللّه خمّر آدم بيده» و «إنّ قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن»، فينبغي أن يعلم أنّ هذه الألفاظ تطلق على معنيين: أحدهما - و هو الوضع الأصلي - و هو عضو مركب من لحم و عظم و عصب. و قد يستعار هذا اللفظ أعني اليد لمعنى آخر ليس هذا المعنى بجسم أصلا، كما يقال: «البلدة في يد الأمير»، فإنّ ذلك مفهوم و إن كان الأمير مقطوع اليد. فعلى العامي و غير العامي أن يتحقق قطعا و يقينا أنّ الرسول لم يرد بذلك جسما و أنّ ذلك في حق اللّه محال. فإن خطر بباله أنّ اللّه جسم مركب من أعضاء، فهو عابد صنم. فإنّ كل جسم مخلوق، و عبادة المخلوق كفر، و عبادة الصنم كانت كفرا، لأنه مخلوق»(1).

و لقد أحسن الغزالي حيث جعل تفسير اليد في مثل قوله سبحانه:

يَدُ اَللّٰهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ بالقدرة، معنى للآية من غير تأويل، و توضيحا لها من دون محاولة تفسيرها. و هذا ما سنركز عليه بعد البحث عن عقيدة المؤوّلة و نقول إنّ الواجب اتباع ظاهر الآية و السنة بلا انحراف عنه سواء أ كان موافقا لمعانيها الحرفية و الإفرادية أم لا، و هذه هي المزلقة الكبرى للحنابلة و نفس الإمام الأشعري، فزعموا أنّ الواجب اتباع معانيها الحرفية سواء أ كانت موافقة للظاهر أم لا.

الثالث - التفويض

اشارة

و قد ذهب جمع من الأشاعرة و غيرهم إلى إجراء هذه الصفات على اللّه سبحانه مع تفويض المراد منها إليه.

ص: 323


1- الجاء العوام.

قال الشهرستاني:

«إن جماعة كثيرة من السلف يثبتون صفات خبرية مثل اليدين و الوجه و لا يؤولون ذلك، إلاّ أنهم يقولون إنا لا نعرف معنى اللفظ الوارد فيه، مثل قوله:

اَلرَّحْمٰنُ عَلَى اَلْعَرْشِ اِسْتَوىٰ ، و مثل قوله: لِمٰا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ . و لسنا مكلفين بمعرفة تفسير هذه الآيات، بل التكليف قد ورد بالاعتقاد بأنه لا شريك له، و ذلك قد أثبتناه»(1).

و إليه جنح الرازي و قال:

«هذه المتشابهات يجب القطع بأنّ مراد اللّه منها شيء غير ظواهرها، كما يجب تفويض معناها إلى اللّه تعالى و لا يجوز الخوض في تفسيرها»(2).

تحليل نظرية التفويض

إنّ التفويض شعار من لا يريد أن يقتحم الأبحاث الخطيرة، و يرى أنه يكفيه في النجاة قول رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله): «بني الإسلام على.

خمس: شهادة أن لا إله إلاّ اللّه و أنّ محمدا رسول اللّه، و إقام الصلاة، و إيتاء الزكاة و الحج و صوم رمضان»(3).

و لأنه يرى أنّ التفويض أسلم من الإثبات الذي ربما ينتهي به إمّا إلى التشبيه و التجسيم الباطلين أو إلى التعقيد و الإبهام اللّذين لا يجتمعان مع سمة سهولة العقيدة.

و لكنّ أهل الإثبات - أعني أصحاب النظريتين السابقتين - عابوا على نظرية التفويض بأنّ غاية تلك النظرية مجرد الإيمان بألفاظ القرآن و الحديث

ص: 324


1- الملل و النحل، ح 1، ص 92-93 بتخليص.
2- أساس التقديس، ص 223.
3- صحيح البخاري، ج 1، كتاب الإيمان، ص 7.

من غير فقه و لا فهم لمراد اللّه و رسوله منها. فإنّ الإيمان بالألفاظ و تفويض معانيها إلى اللّه سبحانه بمنزلة القول بأنّ اللّه تعالى خاطبنا عبثا، لأنه خاطبنا بما لا نفهم، و اللّه يقول: وَ مٰا أَرْسَلْنٰا مِنْ رَسُولٍ إِلاّٰ بِلِسٰانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ (1).

أقول: إنّ لأهل التفويض عذرا واضحا في هذا المجال، فإنهم يتصورن أنّ الآيات المشتملة على الصفات الخبرية، من الآيات المتشابهة، و قد نهى سبحانه عن ابتغاء تأويلها و أمر عباده بالإيمان بها. فقال سبحانه: فَأَمَّا اَلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مٰا تَشٰابَهَ مِنْهُ اِبْتِغٰاءَ اَلْفِتْنَةِ وَ اِبْتِغٰاءَ تَأْوِيلِهِ وَ مٰا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اَللّٰهُ وَ اَلرّٰاسِخُونَ فِي اَلْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنّٰا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنٰا وَ مٰا يَذَّكَّرُ إِلاّٰ أُولُوا اَلْأَلْبٰابِ (2). فلا عتب عليهم إذا أعرضوا عن تفسيرها و فوضوا معانيها إليه سبحانه. نعم، الإشكال في عدم كون هذه الآيات من الآيات المتشابهة، فإنّ المفاد فيها غير متشابه إذا أمعن فيها الإنسان المتجرد عن كل رأي سابق، كما سيوافيك بيانه.

و العجب أنّ ما عابوا به أصحاب التفويض وارد عليهم أيضا، فإنّ إثبات الصفات الخبرية بمعانيها الحرفية التي تتبادر عند إيرادها مفردة، مع حفظ التنزيه، تجعلها ألفاظا بلا معان واضحة. لأنّ الكيفية المتبادرة من هذه الصفات هي المقومة لمعانيها فإثبات مفاهيمها الحرفية مع سلب كيفيّاتها أشبه بإثبات الشيء في عين سلبه. فعندئذ تنقلب الآيات البيّنات الدّالة على أشرف المعاني و أجلّها إلى آيات غير مفهومة و لا معقولة. و كأنّ اللّه تعالى خاطبهم و هم أميون لا يعلمون من الكتاب إلاّ أماني.7.

ص: 325


1- سورة إبراهيم: الآية 4. الفتوحات المكية، ج 4، ص 928. و تبعه ابن تيمية في هذا النقد كما نقله في علاقة الإثبات و التفويض، ص 60.
2- سورة آل عمران: الآية 7.

الرابع - التأويل

إنّ المعتزلة هم المشهورون بهذه النظرية حيث يفسرون اليد بالنعمة و القدرة، و الاستواء بالاستيلاء و إظهار القدرة. و سيظهر حقيقة التأويل في هذه الآية عند ما نورد عبارات تفسير (الكشاف) الذي ألف على نمط اعتزالي.

و يلاحظ عليهم. إنّ تأويل نصوص الآيات و ظواهرها مع قطع النظر عن مورد الصفات الخبرية، ليس بأقل خطرا من نظرية الإثبات، إذ ربما ينتهي التأويل إلى الإلحاد و إنكار الشريعة(1).

و ما أقبح قول من يقول: «إنّ ظاهر القرآن يخالف العقل الصحيح، فيجب ترك النّقل لأجل صريح العقل».

أو يقول: «التمسك في أصول العقائد بمجرد ظواهر الكتاب و السنّة من غير بصيرة، هو أصل الضلالة، فقالوا بالتشبيه و التجسيم و الجهة عملا بظاهر قوله:

اَلرَّحْمٰنُ عَلَى اَلْعَرْشِ اِسْتَوىٰ (2) .

و ذلك لأنه لا يوجد آية في الكتاب العزيز يخالف ظاهرها صريح العقل، فإنّ ما يتخيلونه ظاهرا ليس بظاهر، بل الآية ظاهرة في غير ما تصوروه، و إنما خلطوا الظاهر الحرفي بالظاهر الجملي. فإنّ اليد مفردة ظاهرة في العضو الخاص و ليست كذلك فيما إذا حفّت بها القرائن و جعلتها ظاهرة في معنى آخر. فإنّ قول القائل في مدح إنسان: إنّه «باسط اليد»، أو في ذمه بأنه «قابض اليد»، ليس ظاهرا في اليد العضوية التي أسميناها بالمعنى الحرفي بل ظاهر في البذل و العطاء أو في البخل و الإقتار و ربما يكون مقطوع اليد. و حمل الجملة على غير ذلك المعنى، حمل على غير ظاهرها.

ص: 326


1- قد استوفى الشيخ الأستاذ دام ظله الكلام في أقسام التأويل في مقدمة الجزء الخامس من موسوعته القرآنية «مفاهيم القرآن» ص 12-16.
2- شرح أم البراهين، ص 82 - كما في علاقة الإثبات و التفويض، ص 67.

و على ذلك يجب ملاحظة كلام المؤولة، فإن كان تأويلهم على غرار ما تقدّم منا، (تمييز الظاهر الجملي عن الظاهر الإفرادي)، فهؤلاء ليسوا بمؤوّلة، بل هم مقتفون لظاهر الكتاب و السنّة، و لا يصحّ تسمية تفسير الكتاب العزيز - على ضوء القرائن الموجودة فيه - تأويلا، و إنما هو اتباع للنصوص و الظواهر.

و إن كان تأويلهم باختراع معان للآيات من دون أن تكون في الآيات قرائن متصلة دالة عليها، فهم المؤوّلة حقا، و ليس التأويل بأقل خطرا من الإثبات المنتهي إما إلى التجسيم أو إلى التعقيد و الإبهام.

و باختصار، إنّ الذي يجب التركيز عليه هو أنّ الكلية (لزوم الأخذ بالكتاب و السنّة)، أمر مسلّم فيجب على الكل اتباع الذّكر الحكيم من دون أي تحوير أو تحريف، و من دون أي تصرف و تأويل. إنما الكلام في الصغرى، أي تشخيص الظاهر عن غيره إذ به ترتفع جميع التوالي الفاسدة.

و لو أنّ قادة الطوائف الإسلامية و أصحاب الفكر منهم نبذوا الآراء المسبقة و الأفكار الموروثة، و ركّزوا البحث على تشخيص الظاهر من غيره، حسب المقاييس الصحيحة، لارتفع جدال النّاس و نقاشهم حول الصّفات، الذي دار عبر مئات السنين، و الذي لم يكن نابعا إلاّ من إيثار الهوى على الحق.

الخامس - الإجراء بالمفهوم التصديقي

و حقيقة هذه النظرية أنّه يجب الإمعان في مفهوم الآية و مرماها و مفادها التصديقي (لا التصوّري) ثم توصيفه سبحانه بالمعنى الجملي المفهوم منها من دون إثبات المعنى الحرفي للصفات و لا تأويلها.

توضيحه: إنّ للمفردات حكما و ظهورا عند الإفراد، و للجمل المركبة من

ص: 327

المفردات ظهورا آخر. و قد يتحد الظهوران و قد يتخالفان. فلا شك أنك إذا قلت «أسد»، فإنّه يتبادر منه الحيوان المفترس. كما أنّك إذا قلت «رأيت أسدا في الغابة» يتبادر من الجملة نفس ما تبادر من المفرد.

و أما إذا قلت «رأيت أسدا يرمي» فإنّ المتبادر من الأسد في كلامك غير المتبادر منه حرفيا و انفرادا و هو الحيوان المفترس بل يكون حمله عليه، حملا على خلاف الظاهر. و أما حمله و تفسيره بالبطل الرامي عند القتال فهو تفسير للجملة بظاهرها من دون تصرف و تأويل.

و لو سمع عربي صميم قول الشاعر:

لدى أسد شاك السّلاح مجرّب *** له لبد، أظفاره لم تقلّم

فلا يشك في أنّ المراد من الأسد هو البطل المقدام المقتحم لجبهات القتال لا الحيوان المفترس. و كذا لو سمع قول القائل:

أسد عليّ و في الحروب نعامة *** فتخاء تنفر من صفير الصّافر

لا يتردد في نفسه بأنّ المراد هو الإنسان المتظاهر بالشجاعة أمام الضعفاء، الخائف المدبر عند لقاء الأبطال. فلا يصح لنا أن نتّهم من يفسر البيتين بالإنسان الشجاع أو المتظاهر به، بأنه من المؤوّلة. بل هو من المثبتين للمعنى من دون تأويل و لا تحوير.

فالواجب علينا هو الوقوف على المفاد التّصديقي و إثباته للّه سبحانه لا الجمود على المعنى الحرفي التصوري، و إثباته أو نفيه عن اللّه سبحانه. و لو أنّ القوم بحثوا عن مفاد الآيات، مجرّدين عن الآراء المسبقة، لوقفوا على الظّاهر التصديقي و أثبتوه للّه سبحانه من دون أن يكون هناك وصمة تأويل و تصرف أو مغبّة تجسيم و تشبيه.

و لأجل إراءة نموذج من هذا النّمط من البحث نركز على موارد مما وقع

ص: 328

في مجال النقاش بين المثبتين و المؤوّلين، حتى يتّضح أنّ الإثبات بالمعنى الذي يتبناه المثبتون، و التأويل و التصرف على النحو الذي ارتكبه المؤوّلون، غير صحيح و لا تام، بل هناك إثبات مجرد عن التجسيم و الإبهام و التأويل.

ص: 329

ص: 330

1 - عرشه سبحانه و استواؤه عليه

إنّ من صفاته سبحانه كونه مستويا على عرشه. و قد جاء هذا الوصف في كثير من الآيات، فقد ورد لفظ العرش في الذكر الحكيم اثنين و عشرين مرة. كما ورد لفظ «عرشه» مرة وحدة، و الكل راجع إلى عرشه سبحانه إلاّ آيتان هما: قوله سبحانه: وَ أُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْ ءٍ وَ لَهٰا عَرْشٌ عَظِيمٌ (1). و قوله سبحانه: وَ رَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى اَلْعَرْشِ (2) كما ورد الاستواء اثنى عشر مرة، و هي - ما عدا ثلاث آيات - راجعة إلى استوائه سبحانه على العرش.

و قد ادعى أهل الحديث و تبعهم الأشعري أنّ الآيات ظاهرة في أنّ له سبحانه عرشا و أنه مستو عليه، غير أنّ الكيف مجهول. و قد أخذ المشبّهة بما ادعاه أهل الحديث من الظاهر من دون القول بكون الكيف مجهولا.

و قد أثارت هذه المسألة في الأوساط الإسلامية ضجيجا و عجيجا بالغين بين الصّفاتية و المؤوّلة. و نحن نقول، لو أنّ الباحثين أمعنوا النّظر في هذه الآيات مجرّدين عن كل ما يحملونه من العقائد الموروثة، لوقفوا على

ص: 331


1- سورة النمل: الآية 23.
2- سورة يوسف: الآية 100.

مفادها، و أنها لا تهدف إلى ما عليه الصفاتية من أنّ له سبحانه عرشا و سريرا ذا قوائم، موضوعا على السماء، و اللّه جالس عليه، و الكيف إمّا معلوم أو مجهول. و لا على ما عليه المؤوّلة من تأويل الآية بمعنى حاجة الآية إلى حملها على خلاف ظاهرها، بل القرائن الموجودة في بعض هذه الآيات تضفي على الآية ظهورا في المعنى المراد من دون مس بكرامة التنزيه و لا تعمّد و تعمّل في التأويل، فالآيات لا تحتاج إلى التأويل أي حملها على معان ليست الآيات ظاهرة فيها.

لا شك أنّ العرش بمعناه الحرفي معلوم لكل أحد بلا شبهة.

قال ابن فارس: «عرش: العين و الراء و الشين أصل صحيح واحد، يدل على ارتفاع في شيء مبني، ثم يستعار في غير ذلك. من ذلك العرش، قال الخليل العرش: سرير الملك. و هذا صحيح، قال اللّه تعالى:

وَ رَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى اَلْعَرْشِ . ثم استعير ذلك، فقيل لأمر الرجل و قوامه:

عرش. و إذا زال عنه قيل: ثلّ عرشه. قال زهير:

تداركتما الأحلاف قد ثلّ عرشها *** و ذبيان إذ زلّت بأقدامها النّعل»(1)

كما أنّ الاستواء معلوم لغة فإنّه التمكّن و الاستيلاء التام. قال الرّاغب في مفرداته: «و استوى يقال على وجهين: أحدهما يسند إليه فاعلان فصاعدا. نحو: استوى زيد و عمرو في كذا، أي تساويا. و قال تعالى:

لاٰ يَسْتَوُونَ عِنْدَ اَللّٰهِ . و الثاني أن يقال لاعتدال الشيء في ذاته نحو:

ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوىٰ ، فَإِذَا اِسْتَوَيْتَ أَنْتَ ، لِتَسْتَوُوا عَلىٰ ظُهُورِهِ ، فَاسْتَوىٰ عَلىٰ سُوقِهِ . و متى عدّي ب «على» اقتضى معنى الاستيلاء كقوله:

اَلرَّحْمٰنُ عَلَى اَلْعَرْشِ اِسْتَوىٰ »(2).».

ص: 332


1- معجم مقاييس اللغة، ج 4، ص 264.
2- مفردات الراغب، مادة «سوا».

و الذي نركّز عليه هو أنّ الاستواء في الآية ليس ظاهرا في معنى الجلوس و الاعتماد على الشيء، بل المراد هو الاستيلاء و التمكن التام، كناية عن سعة قدرته و تدبيره. و قد استعمل الاستيلاء بهذا المعنى في غير واحد من أبيات الشعر. قال الأخطل يمدح بشرا أخا عبد الملك بن مروان حين ولي إمرة العراق:

ثمّ استوى بشر على العراق *** من غير سيف و دم مهراق(1)

و قال آخر:

فلمّا علونا و استوينا عليهم *** تركناهم صرعى لنسر و كاسر

إنّ المقصود هو استيلاء بشر على العراق و قوم القائل في البيت الثاني على العدو. و ليس العلو هاهنا علوا حسيّا بل معنويا.

إذا عرفت ذلك فنقول، لو أخذنا بالمعنى الحرفي للعرش، كما هو المتبادر من قوله سبحانه: وَ لَهٰا عَرْشٌ عَظِيمٌ (2)، فيجب أن نقول إنّ للّه سبحانه عرشا، كعروش الملوك و السلاطين. و عند ذلك يتمحض المراد من استوائه عليه، بالجلوس عليه متمكّنا.

و أما لو نبذنا هذا المعنى، و قلنا بأنّ المراد من الظاهر هو الظهور التصديقي. و هو المتبادر من مجموع الآية بعد الإمعان في القرائن الحاقة بتلك الجملة، يكون المراد من الآية هو الكناية عن استيلائه على ملكه في الدنيا و الآخرة و تدبيره من دون استعانة بأحد.

و الجمل الواردة في كثير من الآيات الحاكية عن استوائه على العرش تدل3.

ص: 333


1- البداية و النهاية، ج 9، ص 7.
2- سورة النمل: الآية 23.

على أنّ المراد هو الثاني دون الأول، و تثبت بأنّ المقصود بيان قيامه بتدبير الأمر قياما ينبسط على كل ما دقّ و جلّ ، و أنه سبحانه كما هو الخالق فهو المدبّر أيضا.

و قد استعان - لتبيين سعة تدبيره الذي لا يقف على حقيقته أحد - بتشبيه المعقول بالمحسوس و هو تدبير الملوك و السلاطين ملكهم متكئين على عروشهم و الوزراء محيطون بهم. غير أنّ تدبيرهم تدبير تشريعيّ و تقنينيّ و تدبيره سبحانه تدبير تكوينيّ .

و يدل على أنّ المراد هو ذلك أمران:

الأمر الأول: إنّه سبحانه قد أتى بذكر التدبير في كثير من الآيات بعد ذكر استوائه على العرش. فذكر لفظ التدبير تارة، و مصداقه و حقيقته أخرى.

أمّا ما جاء فيه التدبير بلفظه، فقوله سبحانه:

أ - إِنَّ رَبَّكُمُ اَللّٰهُ اَلَّذِي خَلَقَ اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيّٰامٍ ثُمَّ اِسْتَوىٰ عَلَى اَلْعَرْشِ ، يُدَبِّرُ اَلْأَمْرَ، مٰا مِنْ شَفِيعٍ إِلاّٰ مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ، ذٰلِكُمُ اَللّٰهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَ فَلاٰ تَذَكَّرُونَ (1).

ب - اَللّٰهُ اَلَّذِي رَفَعَ اَلسَّمٰاوٰاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهٰا، ثُمَّ اِسْتَوىٰ عَلَى اَلْعَرْشِ وَ سَخَّرَ اَلشَّمْسَ وَ اَلْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ اَلْأَمْرَ يُفَصِّلُ اَلْآيٰاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقٰاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2).

ج - اَللّٰهُ اَلَّذِي خَلَقَ اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضَ وَ مٰا بَيْنَهُمٰا فِي سِتَّةِ أَيّٰامٍ ثُمَّ اِسْتَوىٰ عَلَى اَلْعَرْشِ ، مٰا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَ لاٰ شَفِيعٍ أَ فَلاٰ تَتَذَكَّرُونَ * يُدَبِّرُ اَلْأَمْرَ مِنَ اَلسَّمٰاءِ إِلَى اَلْأَرْضِ (3).5.

ص: 334


1- سورة يونس: الآية 3.
2- سورة الرعد: الآية 2.
3- سورة السجدة: الآيتان 4-5.

ففي الآية الأولى يرتّب سبحانه التدبير على قوله: ثُمَّ اِسْتَوىٰ عَلَى اَلْعَرْشِ ليكون المعنى «استوى على عرش التّدبير». كما أنّه في الآية الثانية بعد ما يذكر قسما من التدبير و هو تسخير الشمس و القمر يعطي ضابطة كلية لأمر التدبير و يقول: يُدَبِّرُ اَلْأَمْرَ . و على غرار الآية الأولى، الآية الثالثة.

و أما ما جاءت فيه الإشارة إلى حقيقة التدبير من دون تسميته فمثل قوله سبحانه: إِنَّ رَبَّكُمُ اَللّٰهُ اَلَّذِي خَلَقَ اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيّٰامٍ ثُمَّ اِسْتَوىٰ عَلَى اَلْعَرْشِ يُغْشِي اَللَّيْلَ اَلنَّهٰارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَ اَلشَّمْسَ وَ اَلْقَمَرَ وَ اَلنُّجُومَ مُسَخَّرٰاتٍ بِأَمْرِهِ ، أَلاٰ لَهُ اَلْخَلْقُ وَ اَلْأَمْرُ، تَبٰارَكَ اَللّٰهُ رَبُّ اَلْعٰالَمِينَ (1).

فقوله: يُغْشِي اَللَّيْلَ اَلنَّهٰارَ الآية إشارة إلى حقيقة التدبير و بيان نماذج منه، ثم أتبعه ببيان ضابطة كلية و قال: أَلاٰ لَهُ اَلْخَلْقُ وَ اَلْأَمْرُ .

أي إليه يرجع الخلق و الإيجاد و أمر التدبير.

و قس على هاتين الطائفتين سائر الآيات. ففي الكل إلماع إلى أمر التدبير إمّا بلفظه أو ببيان مصاديقه، حتى قوله سبحانه: فَإِذٰا نُفِخَ فِي اَلصُّورِ نَفْخَةٌ وٰاحِدَةٌ * وَ حُمِلَتِ اَلْأَرْضُ وَ اَلْجِبٰالُ فَدُكَّتٰا دَكَّةً وٰاحِدَةً * فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ اَلْوٰاقِعَةُ * وَ اِنْشَقَّتِ اَلسَّمٰاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وٰاهِيَةٌ * وَ اَلْمَلَكُ عَلىٰ أَرْجٰائِهٰا وَ يَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمٰانِيَةٌ * يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لاٰ تَخْفىٰ مِنْكُمْ خٰافِيَةٌ (2). فالعرش في هذه الآية هو عرش التدبير و إدارة شئون الملك يوم لا ملك إلاّ ملكه. قال تعالى: لِمَنِ اَلْمُلْكُ اَلْيَوْمَ لِلّٰهِ اَلْوٰاحِدِ اَلْقَهّٰارِ (3).

و قال سبحانه: وَ لَهُ اَلْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي اَلصُّورِ (4).3.

ص: 335


1- سورة الأعراف: الآية 54.
2- سورة الحاقة: الآيات 13-18.
3- سورة غافر: الآية 16.
4- سورة الأنعام: الآية 73.

فهذه الآيات تعبّر عن معنى واحد و هو تصوير سيطرة حكمه تعالى في ذلك اليوم الرهيب. قال سبحانه: أَلاٰ لَهُ اَلْحُكْمُ وَ هُوَ أَسْرَعُ اَلْحٰاسِبِينَ (1).

و قال سبحانه: هُنٰالِكَ اَلْوَلاٰيَةُ لِلّٰهِ اَلْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوٰاباً وَ خَيْرٌ عُقْباً (2).

فالمتدبّر في هذه الآيات يقف على أنها تهدف إلى حقيقة واحدة و هي أنّ خلق السموات و الأرض، لم يعجزه عن إدارة الأمور و تدبيرها، و أما جلوسه على العرش بمعناه الحرفي فليس بمراد قطعا.

الأمر الثاني: إنه قد جاء لفظ الاستواء على العرش في سبع آيات مقترنا بذكر فعل من أفعاله و هو رفع السموات بغير عمد، أو خلق السّماوات و الأرض و ما بينهما في ستة أيام أو ما يشبه ذلك. فإنّ ذاك قرينة على أنّ المراد منه ليس هو الاستواء المكاني، بل الاستيلاء و السيطرة على العالم كله. فكما لا شريك له في الخلق و الإيجاد، لا شريك له أيضا في الملك و السلطة. و لأجل ذلك يحصر التدبير بنفسه، كما يحصر الخلق بها و يقول: أَلاٰ لَهُ اَلْخَلْقُ وَ اَلْأَمْرُ تَبٰارَكَ اَللّٰهُ رَبُّ اَلْعٰالَمِينَ (3).

فالجمود على ظهور المفردات و ترك التفكّر و التعمّق، ابتداع مفض إلى صريح الكفر. حتى أنّ من فسّر قوله سبحانه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ ءٌ (4) بأنّ للّه مثلا، و ليس كمثله مثل، وقع في مغبة الشّرك و حبائله.

و الاستناد إلى الأحاديث التي يرويها ابن خزيمة و من تبعه، استناد إلى أمور جذورها من اليهود و النّصارى. و قد عرّف الرازي ابن خزيمة و كتابه المعروف ب «التوحيد» بقوله: «و اعلم أن محمد بن اسحاق ابن خزيمة1.

ص: 336


1- سورة الأنعام: الآية 62.
2- سورة الكهف: الآية 44.
3- سورة الأعراف: الآية 54.
4- سورة الشورى: الآية 11.

أورد استدلال أصحابنا بهذه الآية لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ ءٌ في الكتاب الذي سماه ب «التوحيد». و هو في الحقيقة كتاب الشرك، و اعترض عليها. و أنا أذكر حاصل كلامه بعد حذف التطويلات لأنه كان رجلا مضطرب الكلام، قليل الفهم، ناقص العقل»(1).

و لأجل ما في التشبيه و التجسيم، و القول بالقدر و الجبر، من مفاسد لا تحصى، قال الدكتور أحمد أمين:

«و في رأيي لو سادت تعاليم المعتزلة إلى اليوم لكان للمسلمين موقف آخر في التاريخ غير موقفهم الحالي، و قد اعجزهم التسليم و شلّهم الجبر و قعد بهم التواكل»(2).

أقول: و في رأيي، لو سادت الحرية الفكرية على المسلمين، و تجرد المسلمون عن كل رأي سابق ورثوه من أهل الحديث، و نظروا إلى الكتاب العزيز و تمسكوا بالسنّة الصحيحة المروية عن النبي (صلى اللّه عليه و آله) عن طريق أهل بيته (عليهم السلام) الذين عرّفهم الرسول في الحديث المتواتر (حديث الثقلين) لكان للمسلمين موقف آخر في التاريخ غير موقفهم الحالي.

هذا، و على ضوء ما قررنا من الضابطة و الميزان، تقدر على تفسير ما ورد في التنزيل من الوجه و العين و اليدين و الجنب و الإتيان و الفوقية و ما يشابهها، دون أن تمسّ كرامة التنزيه، و من دون أن تخرج عن ظواهر الآيات بالتأويلات الباردة غير الصحيحة. و الإجراء، على النمط التصديقيّ ، لا المعنى الحرفي التّصوريّ .0.

ص: 337


1- تفسير الامام الرازي، ج 27، ص 150.
2- ضحى الإسلام، ج 3، ص 70.

ص: 338

2 - وجهه سبحانه

قد عرفت أنّ الإمام الأشعري قال في كتابه (الإبانة): «بأنّ للّه وجها بلا كيف كما قال: وَ يَبْقىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو اَلْجَلاٰلِ وَ اَلْإِكْرٰامِ (1). و هو يريد بذلك إثبات الوجه للّه سبحانه بمعناه الحرفي و لكن فرارا عن التشبيه يذيله بالبلكفة و يقول «بلا كيف».

و المؤوّلة يعتقدون بلزوم التأويل في الآية و يقولون تأويلها الذات، و لكن ما قالت به المؤوّلة و إن كان صحيحا نتيجة، إلاّ أنّ الآية لا تحتاج إلى التأويل، و إنما تحتاج إليه لو فرضنا أنّ الوجه ظاهر في العضو الخاص. و أما لو كان ظاهرا - بسبب القرينة التي سنذكرها - في ذات الشيء و شخصه، فلا تحتاج إليه، و يكون الظاهر المتبادر هو المتبع.

و الدليل عليه هو أنّ الوجه، كما يأتي بمعنى العضو الخاص، يأتي بمعنى الذات. قال ابن فارس: «ربما عبر عن الذات بالوجه، قال:

استغفر اللّه ذنبا لست محصيه *** ربّ العباد إليه الوجه و العمل»(2).

ص: 339


1- سورة الرحمن: الآية 27.
2- المقاييس، ج 6، ص 88، مادة «وجه».

و لعل وجه التعبير عن الذات بالوجه، أنّ وجه الإنسان أو وجه كل شيء تمام حقيقته عند الناظر، و لأجل ذلك إذا رأى شخص وجه إنسان آخر يقول رأيته، كأنه رأى الذات كلها. و على ذلك فيحتاج حمل اللفظ على واحد من المعنيين الرائجين إلى قرينة، لأن المعنى الثاني بلغ بكثرة الاستعمال إلى حد الحقيقة.

و القرينة تعين المعنى الثاني، حيث وصف الوجه بقوله: ذُو اَلْجَلاٰلِ وَ اَلْإِكْرٰامِ و من المعلوم أنّها من صفات الرب، أي ذاته سبحانه، لا من صفات الوجه، أعني الجزء من الكل. و لو كان الوجه هنا بمعنى العضو المخصوص، لوجب أن يجعل «الجلال و الاكرام»، و صفا للربّ (المضاف إليه)، و يقول «ذي الجلال و الاكرام».

و لأجل ذلك نرى أنه سبحانه جعله وصفا للمضاف إليه (الرب) لا المضاف، في آية أخرى و قال سبحانه: تَبٰارَكَ اِسْمُ رَبِّكَ ذِي اَلْجَلاٰلِ وَ اَلْإِكْرٰامِ ، و من المعلوم أنّ الاسم ليس صاحب هذا الوصف، و إنما صاحبه هو نفس الرب، و سيوافيك توضيح وافر عند البحث عن كونه سبحانه ليس بجسم في الصفات السلبية.

و هناك كلمة مروية عن الرسول الأعظم و هي: «إن اللّه خلق آدم على صورته» فاستدل به المشبهة على أنّ للّه سبحانه صورة و خلق آدم على طبقها. و لكن القوم لو رجعوا إلى أئمة أهل البيت لوقفوا على أنّ الحديث نقل مبتورا، فقد روى الصدوق بسنده عن علي (عليه السلام) قال: «سمع النبيّ رجلا يقول لرجل:

قبح اللّه وجهك و وجه من يشبهك. فقال (صلى اللّه عليه و آله): مه، لا تقل هذا، فإن اللّه خلق آدم على صورته»(1).

أي على صورة هذا الرجل الذي تسبه و تسب من يشبهه و هو آدم.2.

ص: 340


1- التوحيد للصدوق، الباب 12، الحديث 10، ص 152.

و روى أيضا عن الحسين بن خالد أنّه قال للرضا (عليه السلام): «يا ابن رسول اللّه: إنّ الناس يروون أنّ رسول اللّه قال إنّ اللّه خلق آدم على صورته، فقال: قاتلهم اللّه لقد حذفوا أول الحديث: إنّ رسول اللّه مرّ برجلين يتسابان، فسمع أحدهما يقول لصاحبه: قبح اللّه وجهك، و وجه من يشبهك، فقال (صلى اللّه عليه و آله): يا عبد اللّه، لا تقل هذا لأخيك، فإنّ اللّه عز و جل خلق آدم على صورته»(1).3.

ص: 341


1- التوحيد للصدوق، الباب 12، الحديث 11، ص 153.

ص: 342

3 - يده سبحانه

قال الإمام الأشعري: «إنّ للّه سبحانه يدين بلا كيف، كما قال خَلَقْتُ بِيَدَيَّ (1)». و هو يريد حمل اليد على معناها الحرفي و الظهور الإفرادي، و لكن فرارا عن التشبيه يردفه بقوله «بلا كيف».

لا شك أنّ اليد أو اليدين إذا أطلقتا مفردتين، يتبادر منهما العضو الخاص.

و لكن هذا ظهوره الإفرادي، و لا يتّبع إلاّ إذا كان موافقا لظهوره التصديقيّ . و أمّا إذا كانا متخالفين فالمتبع هو الثاني، فربما يكون ظاهرا في غير هذا، و إليك البيان:

1 - ربما يكون ظاهرا في القوة: قال سبحانه: وَ اُذْكُرْ عَبْدَنٰا دٰاوُدَ ذَا اَلْأَيْدِ إِنَّهُ أَوّٰابٌ (2). و لا شك أنّه ليس المراد منه العضو الخاص، بل المراد هو القوة، كما يقال: «لفلان يد على كذا»، أو يقال «ما لي بكذا يد» قال الشاعر:

فاعمد لما تعلو فمالك بالذي *** لا تستطيع من الأمور يدان

و بهذا الاعتبار شبه الدهر و الريح فجعل لهما اليد، و يقال: «يد الدّهر»

ص: 343


1- سورة ص: الآية 75.
2- سورة ص: الآية 17.

و قال الشاعر «بيد الشمال زمامها»، لما لهما من القوة.

2 - و ربما يكون ظاهرا في النعمة: يقال «لفلان عندي أيادي كثيرة» أي فواضل و إحسان، «و له عندي يد بيضاء» أي نعمة. قال الشاعر: «فإنّ له عندي يديّا و أنعما». فهل يصح أن نحمل اليد في هذين الموضعين على العضو الخاص، و نتهم من فسّرها بالقوة في الموضع الأول، و النعمة في الموضع الثاني، بالتأويل و تحريف الآيات ؟ كلا، لا.

و بذلك يظهر صحة ما قلناه من أنّ المتبع ليس هو الظهور الافرادي بل الظهور التصديقي. أ لا ترى أنّه سبحانه ينسب الخدعة و المكر و النسيان إلى نفسه سبحانه في آيات كثيرة منها قوله: وَ يَمْكُرُونَ وَ يَمْكُرُ اَللّٰهُ وَ اَللّٰهُ خَيْرُ اَلْمٰاكِرِينَ (1).

و الظهور الإفرادي و المعنى الحرفي لهذه اللفظة (المكر) هو الخدعة، و من المعلوم أنّ الخدعة، وسيلة العاجز، تعالى عنه سبحانه. بينما الظهور التصديقي يمنع من حمله على المعنى الإفرادي، لأنّ الآية و ما يضاهيها وردت من باب المشاكلة، و هو متوفر في كلام العرب و غيرهم. فليس لنا الحمل على المعنى الحرفي بحجة أنّه يجب حمل كلام اللّه على ظاهره، و ليس لنا تأويله و تحريفه. و نحن نقول أيضا، يجب علينا حمل كلام اللّه على ظاهره. لكن ما يدعونه من الظاهر ليس ظاهرا للآية و إنما هو ظاهر كلمة من الآية، و المتبع هو ظهورها التصديقي و الجملي، و هو القوة في الموضع الأول و النعمة في الموضع الثاني.

إذا وقفت على ما ذكرنا، فيجب إمعان النظر في قوله سبحانه: لِمٰا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ فإنّ للمفسرين فيه آراء.

أ - اليد بمعنى القدرة.0.

ص: 344


1- سورة الأنفال: الآية 30.

ب - اليد بمعنى النعمة.

و أورد عليهما أنّ قدرة اللّه واحدة فما وجه التثنية في قوله «بيديّ »؟ كما أنّ نعمه سبحانه لا تحصى، فلما ذا ثنّاها؟.

ج - اليدان بمعنى القدرة و النعمة، و به يرتفع الإشكال المتقدم.

أقول: لو دلت القرائن على أنّ الآية ظاهرة فيما ذكر لوجب الأخذ به، لما عرفت من أنّ المتبع هو الظهور التصديقي لا الإفرادي، و لكن لم تتحقق القرائن عندنا.

د - الحمل على المعنى اللّغوي لكنه كناية عن كونه سبحانه متوليا لخلقه لا غيره، فإنّ أكثر الأعمال التي يقوم بها ذو اليدين، فإنما يباشرها بيديه، فغلب العمل باليدين على سائر الأعمال التي تباشر بغيرهما. حتى قيل في عمل القلب «هو مما عملت يداك». و لو سبّ إنسان إنسانا آخر و جزي بعمله، يقال له: «هذا ما قدّمت يداك». حتى قيل لفاقد اليدين: «يداك أوكتا و فوك نفخ». و لأجل ذلك ليس فرق بين قولك: «هذا مما عملته» و «هذا ما عملته يداك». و منه قوله سبحانه: أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنّٰا خَلَقْنٰا لَهُمْ مِمّٰا عَمِلَتْ أَيْدِينٰا أَنْعٰاماً فَهُمْ لَهٰا مٰالِكُونَ (1).

و الكل ظاهر في كونه سبحانه هو المتولي للخلقة، و المبدع لا غيره.

إذا عرفت ذلك، يتبين مرمى الآية و هو أنّه سبحانه بصدد التنديد بالشيطان قائلا: بأنك لما ذا تركت السجود لآدم مع انّي توليت خلقه و إيجاده، و أنا أعلم بحاله، و المصالح التي دعت إلى أمرك و أمر الملائكة بالسجود له. فهل استكبرت علي، أم كنت من العالين.

و الدليل على أنّ الخلق باليدين كناية عن توليه سبحانه لخلقه بذاته و شخصه لا1.

ص: 345


1- سورة يس: الآية 71.

عن توليه و تصديه لخلقه بالعضوين، هو أنّ ملاك التنديد إعراض إبليس عن السجود لمصنوعه سبحانه من غير مدخليّة لخلقه بالعضو الخاص (اليد) بحيث لو خلقه بغيرها - و مع ذلك أعرض ابليس عن سجوده - لما توجه إليه لوم.

فالملاك هو الإعراض عن السجود لما قام به سبحانه من الخلق من دون دخالة لأداة الخلقة.

فإن قيل: إذا كان هو المبدع و المتولي لخلق سائر الأناسي، فلما ذا خص خلقه آدم بنفسه ؟ قلنا: إنّ الإضافة و التخصيص لبيان كرامته و فضيلته و شنيع فعل إبليس.

و مثله قوله سبحانه: فَإِذٰا سَوَّيْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سٰاجِدِينَ (1)فتخصيص الإضافة لبيان تشريفه سبحانه، كما يقول: أَنْ طَهِّرٰا بَيْتِيَ لِلطّٰائِفِينَ وَ اَلْعٰاكِفِينَ وَ اَلرُّكَّعِ اَلسُّجُودِ (2).

و مثل ما تقدم، الكلام في قوله سبحانه: إِنَّ اَلَّذِينَ يُبٰايِعُونَكَ إِنَّمٰا يُبٰايِعُونَ اَللّٰهَ يَدُ اَللّٰهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمٰا يَنْكُثُ عَلىٰ نَفْسِهِ وَ مَنْ أَوْفىٰ بِمٰا عٰاهَدَ عَلَيْهُ اَللّٰهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (3) فهل عند ما نزلت الآية فهم منها السلف الصالح ما ينسبه إليهم ابن تيمية من أنّ المراد هو المعنى اللغوي لكن ليست يده كيد المخلوقات و هي فوق أيدي الصحابة، أو أنهم فهموا أنّ المراد سلطان اللّه و قدرته، بدليل ما فيها من تهديد لمن ينكث، بأنّ مغبّة النكث تعود عليه.

فلو تكاثفت الجهود على تشخيص الظواهر، سواء أ كانت معان حقيقية أم مجازية، لارتفعت جميع التوالي فلا يلزم تمثيل و لا تشبيه، و لا تعطيل و لا تجهيل، و لا تأويل و خروج عن الظواهر، بل كان أخذا بالظواهر بالمعنى المتبادر عند أهل اللغة أجمعين.0.

ص: 346


1- سورة الحجر: الآية 29.
2- سورة البقرة: الآية 125.
3- سورة فتح: الآية 10.

و نحو ذلك لو تدبروا في قوله سبحانه: وَ قٰالَتِ اَلْيَهُودُ يَدُ اَللّٰهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَ لُعِنُوا بِمٰا قٰالُوا بَلْ يَدٰاهُ مَبْسُوطَتٰانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشٰاءُ (1)، لأذعنوا بأنّ المراد من إثبات بسط اليد للّه سبحانه ليس هو البسط الحسي، بل المراد بيان سعة جوده و بذله. كما يذعنون به عند الوقوف على قوله سبحانه: وَ لاٰ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلىٰ عُنُقِكَ وَ لاٰ تَبْسُطْهٰا كُلَّ اَلْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً (2).

فعندئذ نتساءل: أي فرق بين الآيتين بحيث أن المثبتين للصفات يحملون الآية الأولى على المعنى المتبادر من اليد عند الإفراد، ثم لأجل الفرار من التجسيم يعقبونه بقولهم «بلا كيف». و في الوقت نفسه لا يشك هؤلاء أنفسهم في أنّ المراد من الآية الثانية هو البذل و الجود أو التقتير و البخل ؟!! إلى هنا ظهر أنّ ما تمسكت به الحنابلة و الأشاعرة في مجال إثبات الصفات الخبرية للّه سبحانه، يبتني على التمسك بالظهورات الحرفية و المعاني الإفرادية، غافلين عن أنّ المتبع في المحاورات هو الظهور التصديقي برعاية القرائن المتصلة بالكلام و المفهومة عند العرب سواء أ وافقت المعاني الإفرادية أم لا. و لو مشوا على تلك الضابطة لوقفوا على تنزيهه سبحانه عن إثبات هذه الأعضاء و المعاني له. و قد اكتفينا في هذا المقام بتبيين الألفاظ الثلاثة: العرش و استواؤه عليه، الوجه، اليد. و على ضوء ما بيناه من الضابطة تقدر على تبيين سائر الألفاظ الواردة في الذكر الحكيم و السنّة الصحيحة.9.

ص: 347


1- سورة المائدة: الآية 64.
2- سورة الإسراء الآية 29.

ص: 348

الفهارس العامة

اشارة

فهرس الآيات فهرس الأحاديث فهرس الأشعار فهرس الأعلام و الكنى و الألقاب فهرس الفرق و الديانات و المذاهب فهرس الشعوب و القبائل و الأمم فهرس الأماكن و الوقائع فهرس المحتويات

ص: 349

ص: 350

فهرس الآيات

سورة البقرة رقم الآية\الصفحة وَ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمّٰا نَزَّلْنٰا عَلىٰ عَبْدِنٰا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَ اُدْعُوا شُهَدٰاءَكُمْ مِنْ دُونِ اَللّٰهِ إِنْ كُنْتُمْ صٰادِقِينَ 305/23 وَ عَلَّمَ آدَمَ اَلْأَسْمٰاءَ كُلَّهٰا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى اَلْمَلاٰئِكَةِ فَقٰالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمٰاءِ هٰؤُلاٰءِ إِنْ كُنْتُمْ صٰادِقِينَ 304/31 قٰالُوا سُبْحٰانَكَ لاٰ عِلْمَ لَنٰا إِلاّٰ مٰا عَلَّمْتَنٰا إِنَّكَ أَنْتَ اَلْعَلِيمُ اَلْحَكِيمُ 305/32 وَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا بِآيٰاتِنٰا أُولٰئِكَ أَصْحٰابُ اَلنّٰارِ هُمْ فِيهٰا خٰالِدُونَ 294/39 كُونُوا قِرَدَةً خٰاسِئِينَ 305/65 بَلىٰ مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَ أَحٰاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولٰئِكَ أَصْحٰابُ اَلنّٰارِ هُمْ فِيهٰا خٰالِدُونَ 300/81 وَ لِلّٰهِ اَلْمَشْرِقُ وَ اَلْمَغْرِبُ فَأَيْنَمٰا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اَللّٰهِ إِنَّ اَللّٰهَ وٰاسِعٌ عَلِيمٌ 100/115 أَنْ طَهِّرٰا بَيْتِيَ لِلطّٰائِفِينَ وَ اَلْعٰاكِفِينَ وَ اَلرُّكَّعِ اَلسُّجُودِ 346/125 أَ أَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اَللّٰهُ 319/140 وَ بَشِّرِ اَلصّٰابِرِينَ * اَلَّذِينَ إِذٰا أَصٰابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قٰالُوا إِنّٰا لِلّٰهِ وَ إِنّٰا إِلَيْهِ رٰاجِعُونَ * أُولٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوٰاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ رَحْمَةٌ وَ أُولٰئِكَ هُمُ اَلْمُهْتَدُونَ 155-8/157 و 19 إِنَّ فِي خَلْقِ اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضِ وَ اِخْتِلاٰفِ اَللَّيْلِ وَ اَلنَّهٰارِ وَ اَلْفُلْكِ اَلَّتِي تَجْرِي فِي اَلْبَحْرِ بِمٰا يَنْفَعُ اَلنّٰاسَ وَ مٰا أَنْزَلَ اَللّٰهُ مِنَ اَلسَّمٰاءِ مِنْ مٰاءٍ فَأَحْيٰا بِهِ اَلْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهٰا وَ بَثَّ فِيهٰا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَ تَصْرِيفِ اَلرِّيٰاحِ وَ اَلسَّحٰابِ اَلْمُسَخَّرِ بَيْنَ اَلسَّمٰاءِ وَ اَلْأَرْضِ لَآيٰاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ 31/164 و 55 يُرِيدُ اَللّٰهُ بِكُمُ اَلْيُسْرَ وَ لاٰ يُرِيدُ بِكُمُ اَلْعُسْرَ 177/185-178 أَنْ تَبَرُّوا وَ تَتَّقُوا وَ تُصْلِحُوا بَيْنَ اَلنّٰاسِ وَ اَللّٰهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ 161/224 وَ اَللّٰهُ بِمٰا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ 164/234 وَ قٰاتِلُوا فِي سَبِيلِ اَللّٰهِ وَ اِعْلَمُوا أَنَّ اَللّٰهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ 161/244 مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اَللّٰهُ 191/253 اَللّٰهُ لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ اَلْحَيُّ اَلْقَيُّومُ لاٰ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَ لاٰ نَوْمٌ 157/255 لاٰ يُكَلِّفُ اَللّٰهُ نَفْساً إِلاّٰ وُسْعَهٰا 302/286 سورة آل عمران فَأَمَّا اَلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مٰا تَشٰابَهَ مِنْهُ اِبْتِغٰاءَ اَلْفِتْنَةِ وَ اِبْتِغٰاءَ تَأْوِيلِهِ وَ مٰا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اَللّٰهُ وَ اَلرّٰاسِخُونَ فِي اَلْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنّٰا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنٰا وَ مٰا يَذَّكَّرُ إِلاّٰ أُولُوا اَلْأَلْبٰابِ 325/7 شَهِدَ اَللّٰهُ أَنَّهُ لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ وَ اَلْمَلاٰئِكَةُ وَ أُولُوا اَلْعِلْمِ قٰائِماً بِالْقِسْطِ 289/18 قُلْ إِنْ تُخْفُوا مٰا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اَللّٰهُ وَ يَعْلَمُ مٰا فِي اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ مٰا فِي اَلْأَرْضِ 128/29 يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مٰا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً 298/30 وَ لِلّٰهِ عَلَى اَلنّٰاسِ حِجُّ اَلْبَيْتِ مَنِ اِسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً 314/97 وَ مٰا كٰانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاّٰ بِإِذْنِ اَللّٰهِ كِتٰاباً مُؤَجَّلاً 121/145 وَ لاٰ يَحْسَبَنَّ اَلَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمٰا آتٰاهُمُ اَللّٰهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مٰا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ اَلْقِيٰامَةِ 297/180 إِنَّ فِي خَلْقِ اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضِ وَ اِخْتِلاٰفِ اَللَّيْلِ وَ اَلنَّهٰارِ لَآيٰاتٍ لِأُولِي اَلْأَلْبٰابِ 22/190 و 92 رَبَّنٰا مٰا خَلَقْتَ هٰذٰا بٰاطِلاً سُبْحٰانَكَ 278/191 سورة النساء فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّٰ تَعْدِلُوا فَوٰاحِدَةً 307/3 إِنَّ اَلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوٰالَ اَلْيَتٰامىٰ ظُلْماً إِنَّمٰا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نٰاراً 296/10 فَعَسىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَ يَجْعَلَ اَللّٰهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً 283/19 يُرِيدُ اَللّٰهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَ يَهْدِيَكُمْ سُنَنَ اَلَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ، وَ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ ، وَ اَللّٰهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ 202/26 و 225 وَ لَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ اَلنِّسٰاءِ وَ لَوْ حَرَصْتُمْ فَلاٰ تَمِيلُوا كُلَّ اَلْمَيْلِ فَتَذَرُوهٰا كَالْمُعَلَّقَةِ وَ إِنْ تُصْلِحُوا وَ تَتَّقُوا فَإِنَّ اَللّٰهَ كٰانَ غَفُوراً رَحِيماً 307/129 وَ كَلَّمَ اَللّٰهُ مُوسىٰ تَكْلِيماً 191/164 يٰا أَهْلَ اَلْكِتٰابِ لاٰ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَ لاٰ تَقُولُوا عَلَى اَللّٰهِ إِلاَّ اَلْحَقَّ إِنَّمَا اَلْمَسِيحُ عِيسَى اِبْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اَللّٰهِ وَ كَلِمَتُهُ أَلْقٰاهٰا إِلىٰ مَرْيَمَ وَ رُوحٌ مِنْهُ 195/171 وَ اَللّٰهُ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَلِيمٌ 164/176 سورة المائدة وَ قٰالَتِ اَلْيَهُودُ يَدُ اَللّٰهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَ لُعِنُوا بِمٰا قٰالُوا بَلْ يَدٰاهُ مَبْسُوطَتٰانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشٰاءُ 347/64

ص: 351

سورة البقرة رقم الآية\الصفحة وَ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمّٰا نَزَّلْنٰا عَلىٰ عَبْدِنٰا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَ اُدْعُوا شُهَدٰاءَكُمْ مِنْ دُونِ اَللّٰهِ إِنْ كُنْتُمْ صٰادِقِينَ 305/23 وَ عَلَّمَ آدَمَ اَلْأَسْمٰاءَ كُلَّهٰا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى اَلْمَلاٰئِكَةِ فَقٰالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمٰاءِ هٰؤُلاٰءِ إِنْ كُنْتُمْ صٰادِقِينَ 304/31 قٰالُوا سُبْحٰانَكَ لاٰ عِلْمَ لَنٰا إِلاّٰ مٰا عَلَّمْتَنٰا إِنَّكَ أَنْتَ اَلْعَلِيمُ اَلْحَكِيمُ 305/32 وَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا بِآيٰاتِنٰا أُولٰئِكَ أَصْحٰابُ اَلنّٰارِ هُمْ فِيهٰا خٰالِدُونَ 294/39 كُونُوا قِرَدَةً خٰاسِئِينَ 305/65 بَلىٰ مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَ أَحٰاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولٰئِكَ أَصْحٰابُ اَلنّٰارِ هُمْ فِيهٰا خٰالِدُونَ 300/81 وَ لِلّٰهِ اَلْمَشْرِقُ وَ اَلْمَغْرِبُ فَأَيْنَمٰا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اَللّٰهِ إِنَّ اَللّٰهَ وٰاسِعٌ عَلِيمٌ 100/115 أَنْ طَهِّرٰا بَيْتِيَ لِلطّٰائِفِينَ وَ اَلْعٰاكِفِينَ وَ اَلرُّكَّعِ اَلسُّجُودِ 346/125 أَ أَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اَللّٰهُ 319/140 وَ بَشِّرِ اَلصّٰابِرِينَ * اَلَّذِينَ إِذٰا أَصٰابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قٰالُوا إِنّٰا لِلّٰهِ وَ إِنّٰا إِلَيْهِ رٰاجِعُونَ * أُولٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوٰاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ رَحْمَةٌ وَ أُولٰئِكَ هُمُ اَلْمُهْتَدُونَ 155-8/157 و 19 إِنَّ فِي خَلْقِ اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضِ وَ اِخْتِلاٰفِ اَللَّيْلِ وَ اَلنَّهٰارِ وَ اَلْفُلْكِ اَلَّتِي تَجْرِي فِي اَلْبَحْرِ بِمٰا يَنْفَعُ اَلنّٰاسَ وَ مٰا أَنْزَلَ اَللّٰهُ مِنَ اَلسَّمٰاءِ مِنْ مٰاءٍ فَأَحْيٰا بِهِ اَلْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهٰا وَ بَثَّ فِيهٰا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَ تَصْرِيفِ اَلرِّيٰاحِ وَ اَلسَّحٰابِ اَلْمُسَخَّرِ بَيْنَ اَلسَّمٰاءِ وَ اَلْأَرْضِ لَآيٰاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ 31/164 و 55 يُرِيدُ اَللّٰهُ بِكُمُ اَلْيُسْرَ وَ لاٰ يُرِيدُ بِكُمُ اَلْعُسْرَ 177/185-178 أَنْ تَبَرُّوا وَ تَتَّقُوا وَ تُصْلِحُوا بَيْنَ اَلنّٰاسِ وَ اَللّٰهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ 161/224 وَ اَللّٰهُ بِمٰا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ 164/234 وَ قٰاتِلُوا فِي سَبِيلِ اَللّٰهِ وَ اِعْلَمُوا أَنَّ اَللّٰهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ 161/244 مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اَللّٰهُ 191/253 اَللّٰهُ لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ اَلْحَيُّ اَلْقَيُّومُ لاٰ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَ لاٰ نَوْمٌ 157/255 لاٰ يُكَلِّفُ اَللّٰهُ نَفْساً إِلاّٰ وُسْعَهٰا 302/286 سورة آل عمران فَأَمَّا اَلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مٰا تَشٰابَهَ مِنْهُ اِبْتِغٰاءَ اَلْفِتْنَةِ وَ اِبْتِغٰاءَ تَأْوِيلِهِ وَ مٰا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اَللّٰهُ وَ اَلرّٰاسِخُونَ فِي اَلْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنّٰا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنٰا وَ مٰا يَذَّكَّرُ إِلاّٰ أُولُوا اَلْأَلْبٰابِ 325/7 شَهِدَ اَللّٰهُ أَنَّهُ لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ وَ اَلْمَلاٰئِكَةُ وَ أُولُوا اَلْعِلْمِ قٰائِماً بِالْقِسْطِ 289/18 قُلْ إِنْ تُخْفُوا مٰا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اَللّٰهُ وَ يَعْلَمُ مٰا فِي اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ مٰا فِي اَلْأَرْضِ 128/29 يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مٰا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً 298/30 وَ لِلّٰهِ عَلَى اَلنّٰاسِ حِجُّ اَلْبَيْتِ مَنِ اِسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً 314/97 وَ مٰا كٰانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاّٰ بِإِذْنِ اَللّٰهِ كِتٰاباً مُؤَجَّلاً 121/145 وَ لاٰ يَحْسَبَنَّ اَلَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمٰا آتٰاهُمُ اَللّٰهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مٰا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ اَلْقِيٰامَةِ 297/180 إِنَّ فِي خَلْقِ اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضِ وَ اِخْتِلاٰفِ اَللَّيْلِ وَ اَلنَّهٰارِ لَآيٰاتٍ لِأُولِي اَلْأَلْبٰابِ 22/190 و 92 رَبَّنٰا مٰا خَلَقْتَ هٰذٰا بٰاطِلاً سُبْحٰانَكَ 278/191 سورة النساء فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّٰ تَعْدِلُوا فَوٰاحِدَةً 307/3 إِنَّ اَلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوٰالَ اَلْيَتٰامىٰ ظُلْماً إِنَّمٰا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نٰاراً 296/10 فَعَسىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَ يَجْعَلَ اَللّٰهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً 283/19 يُرِيدُ اَللّٰهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَ يَهْدِيَكُمْ سُنَنَ اَلَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ، وَ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ ، وَ اَللّٰهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ 202/26 و 225 وَ لَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ اَلنِّسٰاءِ وَ لَوْ حَرَصْتُمْ فَلاٰ تَمِيلُوا كُلَّ اَلْمَيْلِ فَتَذَرُوهٰا كَالْمُعَلَّقَةِ وَ إِنْ تُصْلِحُوا وَ تَتَّقُوا فَإِنَّ اَللّٰهَ كٰانَ غَفُوراً رَحِيماً 307/129 وَ كَلَّمَ اَللّٰهُ مُوسىٰ تَكْلِيماً 191/164 يٰا أَهْلَ اَلْكِتٰابِ لاٰ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَ لاٰ تَقُولُوا عَلَى اَللّٰهِ إِلاَّ اَلْحَقَّ إِنَّمَا اَلْمَسِيحُ عِيسَى اِبْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اَللّٰهِ وَ كَلِمَتُهُ أَلْقٰاهٰا إِلىٰ مَرْيَمَ وَ رُوحٌ مِنْهُ 195/171 وَ اَللّٰهُ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَلِيمٌ 164/176 سورة المائدة وَ قٰالَتِ اَلْيَهُودُ يَدُ اَللّٰهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَ لُعِنُوا بِمٰا قٰالُوا بَلْ يَدٰاهُ مَبْسُوطَتٰانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشٰاءُ 347/64

ص: 352

سورة البقرة رقم الآية\الصفحة وَ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمّٰا نَزَّلْنٰا عَلىٰ عَبْدِنٰا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَ اُدْعُوا شُهَدٰاءَكُمْ مِنْ دُونِ اَللّٰهِ إِنْ كُنْتُمْ صٰادِقِينَ 305/23 وَ عَلَّمَ آدَمَ اَلْأَسْمٰاءَ كُلَّهٰا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى اَلْمَلاٰئِكَةِ فَقٰالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمٰاءِ هٰؤُلاٰءِ إِنْ كُنْتُمْ صٰادِقِينَ 304/31 قٰالُوا سُبْحٰانَكَ لاٰ عِلْمَ لَنٰا إِلاّٰ مٰا عَلَّمْتَنٰا إِنَّكَ أَنْتَ اَلْعَلِيمُ اَلْحَكِيمُ 305/32 وَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا بِآيٰاتِنٰا أُولٰئِكَ أَصْحٰابُ اَلنّٰارِ هُمْ فِيهٰا خٰالِدُونَ 294/39 كُونُوا قِرَدَةً خٰاسِئِينَ 305/65 بَلىٰ مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَ أَحٰاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولٰئِكَ أَصْحٰابُ اَلنّٰارِ هُمْ فِيهٰا خٰالِدُونَ 300/81 وَ لِلّٰهِ اَلْمَشْرِقُ وَ اَلْمَغْرِبُ فَأَيْنَمٰا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اَللّٰهِ إِنَّ اَللّٰهَ وٰاسِعٌ عَلِيمٌ 100/115 أَنْ طَهِّرٰا بَيْتِيَ لِلطّٰائِفِينَ وَ اَلْعٰاكِفِينَ وَ اَلرُّكَّعِ اَلسُّجُودِ 346/125 أَ أَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اَللّٰهُ 319/140 وَ بَشِّرِ اَلصّٰابِرِينَ * اَلَّذِينَ إِذٰا أَصٰابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قٰالُوا إِنّٰا لِلّٰهِ وَ إِنّٰا إِلَيْهِ رٰاجِعُونَ * أُولٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوٰاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ رَحْمَةٌ وَ أُولٰئِكَ هُمُ اَلْمُهْتَدُونَ 155-8/157 و 19 إِنَّ فِي خَلْقِ اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضِ وَ اِخْتِلاٰفِ اَللَّيْلِ وَ اَلنَّهٰارِ وَ اَلْفُلْكِ اَلَّتِي تَجْرِي فِي اَلْبَحْرِ بِمٰا يَنْفَعُ اَلنّٰاسَ وَ مٰا أَنْزَلَ اَللّٰهُ مِنَ اَلسَّمٰاءِ مِنْ مٰاءٍ فَأَحْيٰا بِهِ اَلْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهٰا وَ بَثَّ فِيهٰا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَ تَصْرِيفِ اَلرِّيٰاحِ وَ اَلسَّحٰابِ اَلْمُسَخَّرِ بَيْنَ اَلسَّمٰاءِ وَ اَلْأَرْضِ لَآيٰاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ 31/164 و 55 يُرِيدُ اَللّٰهُ بِكُمُ اَلْيُسْرَ وَ لاٰ يُرِيدُ بِكُمُ اَلْعُسْرَ 177/185-178 أَنْ تَبَرُّوا وَ تَتَّقُوا وَ تُصْلِحُوا بَيْنَ اَلنّٰاسِ وَ اَللّٰهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ 161/224 وَ اَللّٰهُ بِمٰا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ 164/234 وَ قٰاتِلُوا فِي سَبِيلِ اَللّٰهِ وَ اِعْلَمُوا أَنَّ اَللّٰهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ 161/244 مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اَللّٰهُ 191/253 اَللّٰهُ لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ اَلْحَيُّ اَلْقَيُّومُ لاٰ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَ لاٰ نَوْمٌ 157/255 لاٰ يُكَلِّفُ اَللّٰهُ نَفْساً إِلاّٰ وُسْعَهٰا 302/286 سورة آل عمران فَأَمَّا اَلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مٰا تَشٰابَهَ مِنْهُ اِبْتِغٰاءَ اَلْفِتْنَةِ وَ اِبْتِغٰاءَ تَأْوِيلِهِ وَ مٰا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اَللّٰهُ وَ اَلرّٰاسِخُونَ فِي اَلْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنّٰا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنٰا وَ مٰا يَذَّكَّرُ إِلاّٰ أُولُوا اَلْأَلْبٰابِ 325/7 شَهِدَ اَللّٰهُ أَنَّهُ لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ وَ اَلْمَلاٰئِكَةُ وَ أُولُوا اَلْعِلْمِ قٰائِماً بِالْقِسْطِ 289/18 قُلْ إِنْ تُخْفُوا مٰا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اَللّٰهُ وَ يَعْلَمُ مٰا فِي اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ مٰا فِي اَلْأَرْضِ 128/29 يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مٰا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً 298/30 وَ لِلّٰهِ عَلَى اَلنّٰاسِ حِجُّ اَلْبَيْتِ مَنِ اِسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً 314/97 وَ مٰا كٰانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاّٰ بِإِذْنِ اَللّٰهِ كِتٰاباً مُؤَجَّلاً 121/145 وَ لاٰ يَحْسَبَنَّ اَلَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمٰا آتٰاهُمُ اَللّٰهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مٰا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ اَلْقِيٰامَةِ 297/180 إِنَّ فِي خَلْقِ اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضِ وَ اِخْتِلاٰفِ اَللَّيْلِ وَ اَلنَّهٰارِ لَآيٰاتٍ لِأُولِي اَلْأَلْبٰابِ 22/190 و 92 رَبَّنٰا مٰا خَلَقْتَ هٰذٰا بٰاطِلاً سُبْحٰانَكَ 278/191 سورة النساء فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّٰ تَعْدِلُوا فَوٰاحِدَةً 307/3 إِنَّ اَلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوٰالَ اَلْيَتٰامىٰ ظُلْماً إِنَّمٰا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نٰاراً 296/10 فَعَسىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَ يَجْعَلَ اَللّٰهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً 283/19 يُرِيدُ اَللّٰهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَ يَهْدِيَكُمْ سُنَنَ اَلَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ، وَ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ ، وَ اَللّٰهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ 202/26 و 225 وَ لَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ اَلنِّسٰاءِ وَ لَوْ حَرَصْتُمْ فَلاٰ تَمِيلُوا كُلَّ اَلْمَيْلِ فَتَذَرُوهٰا كَالْمُعَلَّقَةِ وَ إِنْ تُصْلِحُوا وَ تَتَّقُوا فَإِنَّ اَللّٰهَ كٰانَ غَفُوراً رَحِيماً 307/129 وَ كَلَّمَ اَللّٰهُ مُوسىٰ تَكْلِيماً 191/164 يٰا أَهْلَ اَلْكِتٰابِ لاٰ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَ لاٰ تَقُولُوا عَلَى اَللّٰهِ إِلاَّ اَلْحَقَّ إِنَّمَا اَلْمَسِيحُ عِيسَى اِبْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اَللّٰهِ وَ كَلِمَتُهُ أَلْقٰاهٰا إِلىٰ مَرْيَمَ وَ رُوحٌ مِنْهُ 195/171 وَ اَللّٰهُ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَلِيمٌ 164/176 سورة المائدة وَ قٰالَتِ اَلْيَهُودُ يَدُ اَللّٰهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَ لُعِنُوا بِمٰا قٰالُوا بَلْ يَدٰاهُ مَبْسُوطَتٰانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشٰاءُ 347/64

ص: 353

سورة الأنعام أَ رَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتٰاكُمْ عَذٰابُ اَللّٰهِ أَوْ أَتَتْكُمُ اَلسّٰاعَةُ أَ غَيْرَ اَللّٰهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صٰادِقِينَ * بَلْ إِيّٰاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مٰا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شٰاءَ وَ تَنْسَوْنَ مٰا تُشْرِكُونَ 40 و 137/41 وَ عِنْدَهُ مَفٰاتِحُ اَلْغَيْبِ لاٰ يَعْلَمُهٰا إِلاّٰ هُوَ وَ يَعْلَمُ مٰا فِي اَلْبَرِّ وَ اَلْبَحْرِ وَ مٰا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاّٰ يَعْلَمُهٰا وَ لاٰ حَبَّةٍ فِي ظُلُمٰاتِ اَلْأَرْضِ وَ لاٰ رَطْبٍ وَ لاٰ يٰابِسٍ إِلاّٰ فِي كِتٰابٍ مُبِينٍ 121/59 و 128 أَلاٰ لَهُ اَلْحُكْمُ وَ هُوَ أَسْرَعُ اَلْحٰاسِبِينَ 336/62 وَ لَهُ اَلْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي اَلصُّورِ 335/73 أَنّٰى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَ لَمْ تَكُنْ لَهُ صٰاحِبَةٌ وَ خَلَقَ كُلَّ شَيْ ءٍ 77/101 لاٰ تُدْرِكُهُ اَلْأَبْصٰارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ اَلْأَبْصٰارَ وَ هُوَ اَللَّطِيفُ اَلْخَبِيرُ 163/103 و 164 أَ وَ مَنْ كٰانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنٰاهُ وَ جَعَلْنٰا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي اَلنّٰاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي اَلظُّلُمٰاتِ لَيْسَ بِخٰارِجٍ مِنْهٰا 94/122 وَ هٰذٰا كِتٰابٌ أَنْزَلْنٰاهُ مُبٰارَكٌ 217/155 سورة الأعراف وَ إِذٰا فَعَلُوا فٰاحِشَةً قٰالُوا وَجَدْنٰا عَلَيْهٰا آبٰاءَنٰا وَ اَللّٰهُ أَمَرَنٰا بِهٰا قُلْ إِنَّ اَللّٰهَ لاٰ يَأْمُرُ بِالْفَحْشٰاءِ أَ تَقُولُونَ عَلَى اَللّٰهِ مٰا لاٰ تَعْلَمُونَ 255/28 قُلْ إِنَّمٰا حَرَّمَ رَبِّيَ اَلْفَوٰاحِشَ 255/33 إِنَّ رَبَّكُمُ اَللّٰهُ اَلَّذِي خَلَقَ اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيّٰامٍ ثُمَّ اِسْتَوىٰ عَلَى اَلْعَرْشِ يُغْشِي اَللَّيْلَ اَلنَّهٰارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَ اَلشَّمْسَ وَ اَلْقَمَرَ وَ اَلنُّجُومَ مُسَخَّرٰاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاٰ لَهُ اَلْخَلْقُ وَ اَلْأَمْرُ تَبٰارَكَ اَللّٰهُ رَبُّ اَلْعٰالَمِينَ 215/54 و 335 و 336

ص: 354

وَ مٰا أَرْسَلْنٰا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلاّٰ أَخَذْنٰا أَهْلَهٰا بِالْبَأْسٰاءِ وَ اَلضَّرّٰاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ 284/94 وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ اَلْقُرىٰ آمَنُوا وَ اِتَّقَوْا لَفَتَحْنٰا عَلَيْهِمْ بَرَكٰاتٍ مِنَ اَلسَّمٰاءِ وَ اَلْأَرْضِ وَ لٰكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنٰاهُمْ بِمٰا كٰانُوا يَكْسِبُونَ 285/96 وَ لَقَدْ أَخَذْنٰا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَ نَقْصٍ مِنَ اَلثَّمَرٰاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ 284/130 وَ لَمّٰا جٰاءَ مُوسىٰ لِمِيقٰاتِنٰا وَ كَلَّمَهُ رَبُّهُ قٰالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قٰالَ لَنْ تَرٰانِي وَ لٰكِنِ اُنْظُرْ إِلَى اَلْجَبَلِ فَإِنِ اِسْتَقَرَّ مَكٰانَهُ فَسَوْفَ تَرٰانِي فَلَمّٰا تَجَلّٰى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَ خَرَّ مُوسىٰ صَعِقاً فَلَمّٰا أَفٰاقَ قٰالَ سُبْحٰانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَ أَنَا أَوَّلُ اَلْمُؤْمِنِينَ 191/143 يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهٰاهُمْ عَنِ اَلْمُنْكَرِ 255/157 فَاقْصُصِ اَلْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ 23/176 لَهُمْ قُلُوبٌ لاٰ يَفْقَهُونَ بِهٰا وَ لَهُمْ أَعْيُنٌ لاٰ يُبْصِرُونَ بِهٰا وَ لَهُمْ آذٰانٌ لاٰ يَسْمَعُونَ بِهٰا أُولٰئِكَ كَالْأَنْعٰامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ 304/179 سورة الأنفال فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَ لٰكِنَّ اَللّٰهَ قَتَلَهُمْ وَ مٰا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَ لٰكِنَّ اَللّٰهَ رَمىٰ وَ لِيُبْلِيَ اَلْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاٰءً حَسَناً إِنَّ اَللّٰهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ 398/17 يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اَللّٰهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقٰاناً وَ يُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئٰاتِكُمْ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ وَ اَللّٰهُ ذُو اَلْفَضْلِ اَلْعَظِيمِ 94/29 وَ يَمْكُرُونَ وَ يَمْكُرُ اَللّٰهُ وَ اَللّٰهُ خَيْرُ اَلْمٰاكِرِينَ 344/30 سورة التوبة لاٰ يَسْتَوُونَ عِنْدَ اَللّٰهِ 332/19 إِنَّ اَللّٰهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ 225/28 يَوْمَ يُحْمىٰ عَلَيْهٰا فِي نٰارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوىٰ بِهٰا جِبٰاهُهُمْ وَ جُنُوبُهُمْ وَ ظُهُورُهُمْ هٰذٰا مٰا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مٰا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ 297/35 وَعَدَ اَللّٰهُ اَلْمُنٰافِقِينَ وَ اَلْمُنٰافِقٰاتِ وَ اَلْكُفّٰارَ نٰارَ جَهَنَّمَ خٰالِدِينَ فِيهٰا هِيَ حَسْبُهُمْ وَ لَعَنَهُمُ اَللّٰهُ وَ لَهُمْ عَذٰابٌ مُقِيمٌ 294/68 سورة يونس إِنَّ رَبَّكُمُ اَللّٰهُ اَلَّذِي خَلَقَ اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيّٰامٍ ثُمَّ اِسْتَوىٰ عَلَى اَلْعَرْشِ يُدَبِّرُ اَلْأَمْرَ مٰا مِنْ شَفِيعٍ إِلاّٰ مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذٰلِكُمُ اَللّٰهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَ فَلاٰ تَذَكَّرُونَ 216/3 و 334 إِنَّ فِي اِخْتِلاٰفِ اَللَّيْلِ وَ اَلنَّهٰارِ وَ مٰا خَلَقَ اَللّٰهُ فِي اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضِ لَآيٰاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ 92/6 وَ مٰا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقٰالِ ذَرَّةٍ فِي اَلْأَرْضِ وَ لاٰ فِي اَلسَّمٰاءِ 18/61 وَ لَوْ شٰاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي اَلْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً 201/99 قُلِ اُنْظُرُوا مٰا ذٰا فِي اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضِ 22/101 و 30 و 92 سورة هود الر كِتٰابٌ أُحْكِمَتْ آيٰاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ 228/1 أُولٰئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي اَلْأَرْضِ وَ مٰا كٰانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اَللّٰهِ مِنْ أَوْلِيٰاءَ يُضٰاعَفُ لَهُمُ اَلْعَذٰابُ مٰا كٰانُوا يَسْتَطِيعُونَ اَلسَّمْعَ وَ مٰا كٰانُوا يُبْصِرُونَ 303/20 سورة يوسف وَ اَللّٰهُ غٰالِبٌ عَلىٰ أَمْرِهِ 175/21 إِنَّهُ هُوَ اَلْعَلِيمُ اَلْحَكِيمُ 164/83 وَ رَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى اَلْعَرْشِ وَ خَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَ قٰالَ يٰا أَبَتِ هٰذٰا تَأْوِيلُ رُءْيٰايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهٰا رَبِّي حَقًّا 332/100

ص: 355

سورة البقرة رقم الآية\الصفحة وَ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمّٰا نَزَّلْنٰا عَلىٰ عَبْدِنٰا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَ اُدْعُوا شُهَدٰاءَكُمْ مِنْ دُونِ اَللّٰهِ إِنْ كُنْتُمْ صٰادِقِينَ 305/23 وَ عَلَّمَ آدَمَ اَلْأَسْمٰاءَ كُلَّهٰا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى اَلْمَلاٰئِكَةِ فَقٰالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمٰاءِ هٰؤُلاٰءِ إِنْ كُنْتُمْ صٰادِقِينَ 304/31 قٰالُوا سُبْحٰانَكَ لاٰ عِلْمَ لَنٰا إِلاّٰ مٰا عَلَّمْتَنٰا إِنَّكَ أَنْتَ اَلْعَلِيمُ اَلْحَكِيمُ 305/32 وَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا بِآيٰاتِنٰا أُولٰئِكَ أَصْحٰابُ اَلنّٰارِ هُمْ فِيهٰا خٰالِدُونَ 294/39 كُونُوا قِرَدَةً خٰاسِئِينَ 305/65 بَلىٰ مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَ أَحٰاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولٰئِكَ أَصْحٰابُ اَلنّٰارِ هُمْ فِيهٰا خٰالِدُونَ 300/81 وَ لِلّٰهِ اَلْمَشْرِقُ وَ اَلْمَغْرِبُ فَأَيْنَمٰا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اَللّٰهِ إِنَّ اَللّٰهَ وٰاسِعٌ عَلِيمٌ 100/115 أَنْ طَهِّرٰا بَيْتِيَ لِلطّٰائِفِينَ وَ اَلْعٰاكِفِينَ وَ اَلرُّكَّعِ اَلسُّجُودِ 346/125 أَ أَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اَللّٰهُ 319/140 وَ بَشِّرِ اَلصّٰابِرِينَ * اَلَّذِينَ إِذٰا أَصٰابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قٰالُوا إِنّٰا لِلّٰهِ وَ إِنّٰا إِلَيْهِ رٰاجِعُونَ * أُولٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوٰاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ رَحْمَةٌ وَ أُولٰئِكَ هُمُ اَلْمُهْتَدُونَ 155-8/157 و 19 إِنَّ فِي خَلْقِ اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضِ وَ اِخْتِلاٰفِ اَللَّيْلِ وَ اَلنَّهٰارِ وَ اَلْفُلْكِ اَلَّتِي تَجْرِي فِي اَلْبَحْرِ بِمٰا يَنْفَعُ اَلنّٰاسَ وَ مٰا أَنْزَلَ اَللّٰهُ مِنَ اَلسَّمٰاءِ مِنْ مٰاءٍ فَأَحْيٰا بِهِ اَلْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهٰا وَ بَثَّ فِيهٰا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَ تَصْرِيفِ اَلرِّيٰاحِ وَ اَلسَّحٰابِ اَلْمُسَخَّرِ بَيْنَ اَلسَّمٰاءِ وَ اَلْأَرْضِ لَآيٰاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ 31/164 و 55 يُرِيدُ اَللّٰهُ بِكُمُ اَلْيُسْرَ وَ لاٰ يُرِيدُ بِكُمُ اَلْعُسْرَ 177/185-178 أَنْ تَبَرُّوا وَ تَتَّقُوا وَ تُصْلِحُوا بَيْنَ اَلنّٰاسِ وَ اَللّٰهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ 161/224 وَ اَللّٰهُ بِمٰا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ 164/234 وَ قٰاتِلُوا فِي سَبِيلِ اَللّٰهِ وَ اِعْلَمُوا أَنَّ اَللّٰهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ 161/244 مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اَللّٰهُ 191/253 اَللّٰهُ لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ اَلْحَيُّ اَلْقَيُّومُ لاٰ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَ لاٰ نَوْمٌ 157/255 لاٰ يُكَلِّفُ اَللّٰهُ نَفْساً إِلاّٰ وُسْعَهٰا 302/286 سورة آل عمران فَأَمَّا اَلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مٰا تَشٰابَهَ مِنْهُ اِبْتِغٰاءَ اَلْفِتْنَةِ وَ اِبْتِغٰاءَ تَأْوِيلِهِ وَ مٰا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اَللّٰهُ وَ اَلرّٰاسِخُونَ فِي اَلْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنّٰا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنٰا وَ مٰا يَذَّكَّرُ إِلاّٰ أُولُوا اَلْأَلْبٰابِ 325/7 شَهِدَ اَللّٰهُ أَنَّهُ لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ وَ اَلْمَلاٰئِكَةُ وَ أُولُوا اَلْعِلْمِ قٰائِماً بِالْقِسْطِ 289/18 قُلْ إِنْ تُخْفُوا مٰا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اَللّٰهُ وَ يَعْلَمُ مٰا فِي اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ مٰا فِي اَلْأَرْضِ 128/29 يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مٰا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً 298/30 وَ لِلّٰهِ عَلَى اَلنّٰاسِ حِجُّ اَلْبَيْتِ مَنِ اِسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً 314/97 وَ مٰا كٰانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاّٰ بِإِذْنِ اَللّٰهِ كِتٰاباً مُؤَجَّلاً 121/145 وَ لاٰ يَحْسَبَنَّ اَلَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمٰا آتٰاهُمُ اَللّٰهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مٰا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ اَلْقِيٰامَةِ 297/180 إِنَّ فِي خَلْقِ اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضِ وَ اِخْتِلاٰفِ اَللَّيْلِ وَ اَلنَّهٰارِ لَآيٰاتٍ لِأُولِي اَلْأَلْبٰابِ 22/190 و 92 رَبَّنٰا مٰا خَلَقْتَ هٰذٰا بٰاطِلاً سُبْحٰانَكَ 278/191 سورة النساء فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّٰ تَعْدِلُوا فَوٰاحِدَةً 307/3 إِنَّ اَلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوٰالَ اَلْيَتٰامىٰ ظُلْماً إِنَّمٰا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نٰاراً 296/10 فَعَسىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَ يَجْعَلَ اَللّٰهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً 283/19 يُرِيدُ اَللّٰهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَ يَهْدِيَكُمْ سُنَنَ اَلَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ، وَ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ ، وَ اَللّٰهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ 202/26 و 225 وَ لَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ اَلنِّسٰاءِ وَ لَوْ حَرَصْتُمْ فَلاٰ تَمِيلُوا كُلَّ اَلْمَيْلِ فَتَذَرُوهٰا كَالْمُعَلَّقَةِ وَ إِنْ تُصْلِحُوا وَ تَتَّقُوا فَإِنَّ اَللّٰهَ كٰانَ غَفُوراً رَحِيماً 307/129 وَ كَلَّمَ اَللّٰهُ مُوسىٰ تَكْلِيماً 191/164 يٰا أَهْلَ اَلْكِتٰابِ لاٰ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَ لاٰ تَقُولُوا عَلَى اَللّٰهِ إِلاَّ اَلْحَقَّ إِنَّمَا اَلْمَسِيحُ عِيسَى اِبْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اَللّٰهِ وَ كَلِمَتُهُ أَلْقٰاهٰا إِلىٰ مَرْيَمَ وَ رُوحٌ مِنْهُ 195/171 وَ اَللّٰهُ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَلِيمٌ 164/176 سورة المائدة وَ قٰالَتِ اَلْيَهُودُ يَدُ اَللّٰهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَ لُعِنُوا بِمٰا قٰالُوا بَلْ يَدٰاهُ مَبْسُوطَتٰانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشٰاءُ 347/64

ص: 356

لَقَدْ كٰانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي اَلْأَلْبٰابِ 23/111 سورة الرعد اَللّٰهُ اَلَّذِي رَفَعَ اَلسَّمٰاوٰاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهٰا ثُمَّ اِسْتَوىٰ عَلَى اَلْعَرْشِ وَ سَخَّرَ اَلشَّمْسَ وَ اَلْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ اَلْأَمْرَ يُفَصِّلُ اَلْآيٰاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقٰاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ 216/2 و 334 اَللّٰهُ يَعْلَمُ مٰا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثىٰ وَ مٰا تَغِيضُ اَلْأَرْحٰامُ وَ مٰا تَزْدٰادُ وَ كُلُّ شَيْ ءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدٰارٍ 129/8 يَمْحُوا اَللّٰهُ مٰا يَشٰاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ اَلْكِتٰابِ 121/39 سورة إبراهيم وَ مٰا أَرْسَلْنٰا مِنْ رَسُولٍ إِلاّٰ بِلِسٰانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اَللّٰهُ مَنْ يَشٰاءُ وَ يَهْدِي مَنْ يَشٰاءُ وَ هُوَ اَلْعَزِيزُ اَلْحَكِيمُ 325/4 وَ قٰالَ اَلشَّيْطٰانُ لَمّٰا قُضِيَ اَلْأَمْرُ إِنَّ اَللّٰهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ اَلْحَقِّ وَ وَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَ مٰا كٰانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطٰانٍ إِلاّٰ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاٰ تَلُومُونِي وَ لُومُوا أَنْفُسَكُمْ مٰا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَ مٰا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمٰا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ اَلظّٰالِمِينَ لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ 300/22 سورة الحجر إِنّٰا نَحْنُ نَزَّلْنَا اَلذِّكْرَ وَ إِنّٰا لَهُ لَحٰافِظُونَ 210/9 فَإِذٰا سَوَّيْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سٰاجِدِينَ 346/29 سورة النحل يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ اَلزَّرْعَ وَ اَلزَّيْتُونَ وَ اَلنَّخِيلَ وَ اَلْأَعْنٰابَ وَ مِنْ كُلِّ اَلثَّمَرٰاتِ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ 40/11 وَ مٰا ذَرَأَ لَكُمْ فِي اَلْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوٰانُهُ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ 40/13 إِنَّمٰا قَوْلُنٰا لِشَيْ ءٍ إِذٰا أَرَدْنٰاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ 215/40 وَ لِلّٰهِ اَلْمَثَلُ اَلْأَعْلىٰ وَ هُوَ اَلْعَزِيزُ اَلْحَكِيمُ 100/60 وَ اَللّٰهُ أَنْزَلَ مِنَ اَلسَّمٰاءِ مٰاءً فَأَحْيٰا بِهِ اَلْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهٰا إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ 40/65 وَ مِنْ ثَمَرٰاتِ اَلنَّخِيلِ وَ اَلْأَعْنٰابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَ رِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ 40/67 وَ أَوْحىٰ رَبُّكَ إِلَى اَلنَّحْلِ أَنِ اِتَّخِذِي مِنَ اَلْجِبٰالِ بُيُوتاً وَ مِنَ اَلشَّجَرِ وَ مِمّٰا يَعْرِشُونَ 117/68 ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ اَلثَّمَرٰاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهٰا شَرٰابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوٰانُهُ فِيهِ شِفٰاءٌ لِلنّٰاسِ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ 40/69 وَ اَللّٰهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهٰاتِكُمْ لاٰ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَ جَعَلَ لَكُمُ اَلسَّمْعَ وَ اَلْأَبْصٰارَ وَ اَلْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ 21/78 إِنَّ اَللّٰهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ اَلْإِحْسٰانِ وَ إِيتٰاءِ ذِي اَلْقُرْبىٰ وَ يَنْهىٰ عَنِ اَلْفَحْشٰاءِ وَ اَلْمُنْكَرِ وَ اَلْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ 255/90 سورة الإسراء وَ قَضَيْنٰا إِلىٰ بَنِي إِسْرٰائِيلَ فِي اَلْكِتٰابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي اَلْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ 121/4 وَ كُلَّ إِنسٰانٍ أَلْزَمْنٰاهُ طٰائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَ نُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ اَلْقِيٰامَةِ كِتٰاباً يَلْقٰاهُ مَنْشُوراً 297/13 وَ لاٰ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلىٰ عُنُقِكَ وَ لاٰ تَبْسُطْهٰا كُلَّ اَلْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً 347/29

ص: 357

سورة البقرة رقم الآية\الصفحة وَ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمّٰا نَزَّلْنٰا عَلىٰ عَبْدِنٰا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَ اُدْعُوا شُهَدٰاءَكُمْ مِنْ دُونِ اَللّٰهِ إِنْ كُنْتُمْ صٰادِقِينَ 305/23 وَ عَلَّمَ آدَمَ اَلْأَسْمٰاءَ كُلَّهٰا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى اَلْمَلاٰئِكَةِ فَقٰالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمٰاءِ هٰؤُلاٰءِ إِنْ كُنْتُمْ صٰادِقِينَ 304/31 قٰالُوا سُبْحٰانَكَ لاٰ عِلْمَ لَنٰا إِلاّٰ مٰا عَلَّمْتَنٰا إِنَّكَ أَنْتَ اَلْعَلِيمُ اَلْحَكِيمُ 305/32 وَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا بِآيٰاتِنٰا أُولٰئِكَ أَصْحٰابُ اَلنّٰارِ هُمْ فِيهٰا خٰالِدُونَ 294/39 كُونُوا قِرَدَةً خٰاسِئِينَ 305/65 بَلىٰ مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَ أَحٰاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولٰئِكَ أَصْحٰابُ اَلنّٰارِ هُمْ فِيهٰا خٰالِدُونَ 300/81 وَ لِلّٰهِ اَلْمَشْرِقُ وَ اَلْمَغْرِبُ فَأَيْنَمٰا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اَللّٰهِ إِنَّ اَللّٰهَ وٰاسِعٌ عَلِيمٌ 100/115 أَنْ طَهِّرٰا بَيْتِيَ لِلطّٰائِفِينَ وَ اَلْعٰاكِفِينَ وَ اَلرُّكَّعِ اَلسُّجُودِ 346/125 أَ أَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اَللّٰهُ 319/140 وَ بَشِّرِ اَلصّٰابِرِينَ * اَلَّذِينَ إِذٰا أَصٰابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قٰالُوا إِنّٰا لِلّٰهِ وَ إِنّٰا إِلَيْهِ رٰاجِعُونَ * أُولٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوٰاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ رَحْمَةٌ وَ أُولٰئِكَ هُمُ اَلْمُهْتَدُونَ 155-8/157 و 19 إِنَّ فِي خَلْقِ اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضِ وَ اِخْتِلاٰفِ اَللَّيْلِ وَ اَلنَّهٰارِ وَ اَلْفُلْكِ اَلَّتِي تَجْرِي فِي اَلْبَحْرِ بِمٰا يَنْفَعُ اَلنّٰاسَ وَ مٰا أَنْزَلَ اَللّٰهُ مِنَ اَلسَّمٰاءِ مِنْ مٰاءٍ فَأَحْيٰا بِهِ اَلْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهٰا وَ بَثَّ فِيهٰا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَ تَصْرِيفِ اَلرِّيٰاحِ وَ اَلسَّحٰابِ اَلْمُسَخَّرِ بَيْنَ اَلسَّمٰاءِ وَ اَلْأَرْضِ لَآيٰاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ 31/164 و 55 يُرِيدُ اَللّٰهُ بِكُمُ اَلْيُسْرَ وَ لاٰ يُرِيدُ بِكُمُ اَلْعُسْرَ 177/185-178 أَنْ تَبَرُّوا وَ تَتَّقُوا وَ تُصْلِحُوا بَيْنَ اَلنّٰاسِ وَ اَللّٰهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ 161/224 وَ اَللّٰهُ بِمٰا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ 164/234 وَ قٰاتِلُوا فِي سَبِيلِ اَللّٰهِ وَ اِعْلَمُوا أَنَّ اَللّٰهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ 161/244 مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اَللّٰهُ 191/253 اَللّٰهُ لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ اَلْحَيُّ اَلْقَيُّومُ لاٰ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَ لاٰ نَوْمٌ 157/255 لاٰ يُكَلِّفُ اَللّٰهُ نَفْساً إِلاّٰ وُسْعَهٰا 302/286 سورة آل عمران فَأَمَّا اَلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مٰا تَشٰابَهَ مِنْهُ اِبْتِغٰاءَ اَلْفِتْنَةِ وَ اِبْتِغٰاءَ تَأْوِيلِهِ وَ مٰا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اَللّٰهُ وَ اَلرّٰاسِخُونَ فِي اَلْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنّٰا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنٰا وَ مٰا يَذَّكَّرُ إِلاّٰ أُولُوا اَلْأَلْبٰابِ 325/7 شَهِدَ اَللّٰهُ أَنَّهُ لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ وَ اَلْمَلاٰئِكَةُ وَ أُولُوا اَلْعِلْمِ قٰائِماً بِالْقِسْطِ 289/18 قُلْ إِنْ تُخْفُوا مٰا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اَللّٰهُ وَ يَعْلَمُ مٰا فِي اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ مٰا فِي اَلْأَرْضِ 128/29 يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مٰا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً 298/30 وَ لِلّٰهِ عَلَى اَلنّٰاسِ حِجُّ اَلْبَيْتِ مَنِ اِسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً 314/97 وَ مٰا كٰانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاّٰ بِإِذْنِ اَللّٰهِ كِتٰاباً مُؤَجَّلاً 121/145 وَ لاٰ يَحْسَبَنَّ اَلَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمٰا آتٰاهُمُ اَللّٰهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مٰا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ اَلْقِيٰامَةِ 297/180 إِنَّ فِي خَلْقِ اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضِ وَ اِخْتِلاٰفِ اَللَّيْلِ وَ اَلنَّهٰارِ لَآيٰاتٍ لِأُولِي اَلْأَلْبٰابِ 22/190 و 92 رَبَّنٰا مٰا خَلَقْتَ هٰذٰا بٰاطِلاً سُبْحٰانَكَ 278/191 سورة النساء فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّٰ تَعْدِلُوا فَوٰاحِدَةً 307/3 إِنَّ اَلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوٰالَ اَلْيَتٰامىٰ ظُلْماً إِنَّمٰا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نٰاراً 296/10 فَعَسىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَ يَجْعَلَ اَللّٰهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً 283/19 يُرِيدُ اَللّٰهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَ يَهْدِيَكُمْ سُنَنَ اَلَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ، وَ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ ، وَ اَللّٰهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ 202/26 و 225 وَ لَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ اَلنِّسٰاءِ وَ لَوْ حَرَصْتُمْ فَلاٰ تَمِيلُوا كُلَّ اَلْمَيْلِ فَتَذَرُوهٰا كَالْمُعَلَّقَةِ وَ إِنْ تُصْلِحُوا وَ تَتَّقُوا فَإِنَّ اَللّٰهَ كٰانَ غَفُوراً رَحِيماً 307/129 وَ كَلَّمَ اَللّٰهُ مُوسىٰ تَكْلِيماً 191/164 يٰا أَهْلَ اَلْكِتٰابِ لاٰ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَ لاٰ تَقُولُوا عَلَى اَللّٰهِ إِلاَّ اَلْحَقَّ إِنَّمَا اَلْمَسِيحُ عِيسَى اِبْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اَللّٰهِ وَ كَلِمَتُهُ أَلْقٰاهٰا إِلىٰ مَرْيَمَ وَ رُوحٌ مِنْهُ 195/171 وَ اَللّٰهُ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَلِيمٌ 164/176 سورة المائدة وَ قٰالَتِ اَلْيَهُودُ يَدُ اَللّٰهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَ لُعِنُوا بِمٰا قٰالُوا بَلْ يَدٰاهُ مَبْسُوطَتٰانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشٰاءُ 347/64

ص: 358

وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنٰا لِوَلِيِّهِ سُلْطٰاناً فَلاٰ يُسْرِفْ فِي اَلْقَتْلِ إِنَّهُ كٰانَ مَنْصُوراً 293/33 وَ لاٰ تَقْفُ مٰا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ اَلسَّمْعَ وَ اَلْبَصَرَ وَ اَلْفُؤٰادَ كُلُّ أُولٰئِكَ كٰانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً 20/36 تُسَبِّحُ لَهُ اَلسَّمٰاوٰاتُ اَلسَّبْعُ وَ اَلْأَرْضُ وَ مَنْ فِيهِنَّ وَ إِنْ مِنْ شَيْ ءٍ إِلاّٰ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَ لٰكِنْ لاٰ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كٰانَ حَلِيماً غَفُوراً 89/44 وَ مٰا أُوتِيتُمْ مِنَ اَلْعِلْمِ إِلاّٰ قَلِيلاً 130/85 و 229 و 278 وَ لَئِنْ شِئْنٰا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنٰا إِلَيْكَ ثُمَّ لاٰ تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنٰا وَكِيلاً 210/86 قُلْ لَئِنِ اِجْتَمَعَتِ اَلْإِنْسُ وَ اَلْجِنُّ عَلىٰ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هٰذَا اَلْقُرْآنِ لاٰ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَ لَوْ كٰانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً 213/88 سورة الكهف هُنٰالِكَ اَلْوَلاٰيَةُ لِلّٰهِ اَلْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوٰاباً وَ خَيْرٌ عُقْباً 336/44 وَ كٰانَ اَللّٰهُ عَلىٰ كُلِّ شَيْ ءٍ مُقْتَدِراً 143/45 وَ وَجَدُوا مٰا عَمِلُوا حٰاضِراً وَ لاٰ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً 298/49 و 302 قُلْ لَوْ كٰانَ اَلْبَحْرُ مِدٰاداً لِكَلِمٰاتِ رَبِّي لَنَفِدَ اَلْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمٰاتُ رَبِّي وَ لَوْ جِئْنٰا بِمِثْلِهِ مَدَداً 195/109 سورة مريم إِنْ كُلُّ مَنْ فِي اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضِ إِلاّٰ آتِي اَلرَّحْمٰنِ عَبْداً 201/93 سورة طه اَلرَّحْمٰنُ عَلَى اَلْعَرْشِ اِسْتَوىٰ 324/5 و 326 و 332 رَبُّنَا اَلَّذِي أَعْطىٰ كُلَّ شَيْ ءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدىٰ 281/50

ص: 359

سورة الأنبياء اِقْتَرَبَ لِلنّٰاسِ حِسٰابُهُمْ وَ هُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ * مٰا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلاَّ اِسْتَمَعُوهُ وَ هُمْ يَلْعَبُونَ 1-210/2 لَوْ كٰانَ فِيهِمٰا آلِهَةٌ إِلاَّ اَللّٰهُ لَفَسَدَتٰا فَسُبْحٰانَ اَللّٰهِ رَبِّ اَلْعَرْشِ عَمّٰا يَصِفُونَ 97/22 أَمِ اِتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هٰاتُوا بُرْهٰانَكُمْ هٰذٰا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَ ذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاٰ يَعْلَمُونَ اَلْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ 97/24 وَ نَضَعُ اَلْمَوٰازِينَ اَلْقِسْطَ لِيَوْمِ اَلْقِيٰامَةِ فَلاٰ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً 289/47 سورة الحج مٰا قَدَرُوا اَللّٰهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اَللّٰهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ 90/74 سورة المؤمنون فَإِذَا اِسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَ مَنْ مَعَكَ ... 332/28 وَ لاٰ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاّٰ وُسْعَهٰا وَ لَدَيْنٰا كِتٰابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَ هُمْ لاٰ يُظْلَمُونَ 290/62 مَا اِتَّخَذَ اَللّٰهُ مِنْ وَلَدٍ وَ مٰا كٰانَ مَعَهُ مِنْ إِلٰهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلٰهٍ بِمٰا خَلَقَ وَ لَعَلاٰ بَعْضُهُمْ عَلىٰ بَعْضٍ سُبْحٰانَ اَللّٰهِ عَمّٰا يَصِفُونَ 97/91 أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّمٰا خَلَقْنٰاكُمْ عَبَثاً وَ أَنَّكُمْ إِلَيْنٰا لاٰ تُرْجَعُونَ 226/115 و 269 سورة النور اَلزّٰانِيَةُ وَ اَلزّٰانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وٰاحِدٍ مِنْهُمٰا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَ لاٰ تَأْخُذْكُمْ بِهِمٰا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اَللّٰهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّٰهِ وَ اَلْيَوْمِ اَلْآخِرِ وَ لْيَشْهَدْ عَذٰابَهُمٰا طٰائِفَةٌ مِنَ اَلْمُؤْمِنِينَ 293/2 وَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمٰالُهُمْ كَسَرٰابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ اَلظَّمْآنُ مٰاءً حَتّٰى إِذٰا جٰاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَ وَجَدَ اَللّٰهَ عِنْدَهُ فَوَفّٰاهُ حِسٰابَهُ وَ اَللّٰهُ سَرِيعُ اَلْحِسٰابِ 5/39 وَ اَللّٰهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ 77/45 سورة الفرقان وَ خَلَقَ كُلَّ شَيْ ءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً 226/2 وَ تَوَكَّلْ عَلَى اَلْحَيِّ اَلَّذِي لاٰ يَمُوتُ وَ سَبِّحْ بِحَمْدِهِ 157/58 سورة الشعراء نَزَلَ بِهِ اَلرُّوحُ اَلْأَمِينُ * عَلىٰ قَلْبِكَ 193-192/194 سورة النمل وَ أُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْ ءٍ وَ لَهٰا عَرْشٌ عَظِيمٌ 331/23 و 333 سورة القصص فَلَمّٰا أَتٰاهٰا نُودِيَ مِنْ شٰاطِئِ اَلْوٰادِ اَلْأَيْمَنِ فِي اَلْبُقْعَةِ اَلْمُبٰارَكَةِ مِنَ اَلشَّجَرَةِ أَنْ يٰا مُوسىٰ إِنِّي أَنَا اَللّٰهُ رَبُّ اَلْعٰالَمِينَ 192/30 لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ كُلُّ شَيْ ءٍ هٰالِكٌ إِلاّٰ وَجْهَهُ 322/88 سورة العنكبوت وَ اَلَّذِينَ جٰاهَدُوا فِينٰا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنٰا وَ إِنَّ اَللّٰهَ لَمَعَ اَلْمُحْسِنِينَ 94/69

ص: 360

سورة البقرة رقم الآية\الصفحة وَ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمّٰا نَزَّلْنٰا عَلىٰ عَبْدِنٰا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَ اُدْعُوا شُهَدٰاءَكُمْ مِنْ دُونِ اَللّٰهِ إِنْ كُنْتُمْ صٰادِقِينَ 305/23 وَ عَلَّمَ آدَمَ اَلْأَسْمٰاءَ كُلَّهٰا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى اَلْمَلاٰئِكَةِ فَقٰالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمٰاءِ هٰؤُلاٰءِ إِنْ كُنْتُمْ صٰادِقِينَ 304/31 قٰالُوا سُبْحٰانَكَ لاٰ عِلْمَ لَنٰا إِلاّٰ مٰا عَلَّمْتَنٰا إِنَّكَ أَنْتَ اَلْعَلِيمُ اَلْحَكِيمُ 305/32 وَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا بِآيٰاتِنٰا أُولٰئِكَ أَصْحٰابُ اَلنّٰارِ هُمْ فِيهٰا خٰالِدُونَ 294/39 كُونُوا قِرَدَةً خٰاسِئِينَ 305/65 بَلىٰ مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَ أَحٰاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولٰئِكَ أَصْحٰابُ اَلنّٰارِ هُمْ فِيهٰا خٰالِدُونَ 300/81 وَ لِلّٰهِ اَلْمَشْرِقُ وَ اَلْمَغْرِبُ فَأَيْنَمٰا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اَللّٰهِ إِنَّ اَللّٰهَ وٰاسِعٌ عَلِيمٌ 100/115 أَنْ طَهِّرٰا بَيْتِيَ لِلطّٰائِفِينَ وَ اَلْعٰاكِفِينَ وَ اَلرُّكَّعِ اَلسُّجُودِ 346/125 أَ أَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اَللّٰهُ 319/140 وَ بَشِّرِ اَلصّٰابِرِينَ * اَلَّذِينَ إِذٰا أَصٰابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قٰالُوا إِنّٰا لِلّٰهِ وَ إِنّٰا إِلَيْهِ رٰاجِعُونَ * أُولٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوٰاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ رَحْمَةٌ وَ أُولٰئِكَ هُمُ اَلْمُهْتَدُونَ 155-8/157 و 19 إِنَّ فِي خَلْقِ اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضِ وَ اِخْتِلاٰفِ اَللَّيْلِ وَ اَلنَّهٰارِ وَ اَلْفُلْكِ اَلَّتِي تَجْرِي فِي اَلْبَحْرِ بِمٰا يَنْفَعُ اَلنّٰاسَ وَ مٰا أَنْزَلَ اَللّٰهُ مِنَ اَلسَّمٰاءِ مِنْ مٰاءٍ فَأَحْيٰا بِهِ اَلْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهٰا وَ بَثَّ فِيهٰا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَ تَصْرِيفِ اَلرِّيٰاحِ وَ اَلسَّحٰابِ اَلْمُسَخَّرِ بَيْنَ اَلسَّمٰاءِ وَ اَلْأَرْضِ لَآيٰاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ 31/164 و 55 يُرِيدُ اَللّٰهُ بِكُمُ اَلْيُسْرَ وَ لاٰ يُرِيدُ بِكُمُ اَلْعُسْرَ 177/185-178 أَنْ تَبَرُّوا وَ تَتَّقُوا وَ تُصْلِحُوا بَيْنَ اَلنّٰاسِ وَ اَللّٰهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ 161/224 وَ اَللّٰهُ بِمٰا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ 164/234 وَ قٰاتِلُوا فِي سَبِيلِ اَللّٰهِ وَ اِعْلَمُوا أَنَّ اَللّٰهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ 161/244 مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اَللّٰهُ 191/253 اَللّٰهُ لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ اَلْحَيُّ اَلْقَيُّومُ لاٰ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَ لاٰ نَوْمٌ 157/255 لاٰ يُكَلِّفُ اَللّٰهُ نَفْساً إِلاّٰ وُسْعَهٰا 302/286 سورة آل عمران فَأَمَّا اَلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مٰا تَشٰابَهَ مِنْهُ اِبْتِغٰاءَ اَلْفِتْنَةِ وَ اِبْتِغٰاءَ تَأْوِيلِهِ وَ مٰا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اَللّٰهُ وَ اَلرّٰاسِخُونَ فِي اَلْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنّٰا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنٰا وَ مٰا يَذَّكَّرُ إِلاّٰ أُولُوا اَلْأَلْبٰابِ 325/7 شَهِدَ اَللّٰهُ أَنَّهُ لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ وَ اَلْمَلاٰئِكَةُ وَ أُولُوا اَلْعِلْمِ قٰائِماً بِالْقِسْطِ 289/18 قُلْ إِنْ تُخْفُوا مٰا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اَللّٰهُ وَ يَعْلَمُ مٰا فِي اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ مٰا فِي اَلْأَرْضِ 128/29 يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مٰا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً 298/30 وَ لِلّٰهِ عَلَى اَلنّٰاسِ حِجُّ اَلْبَيْتِ مَنِ اِسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً 314/97 وَ مٰا كٰانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاّٰ بِإِذْنِ اَللّٰهِ كِتٰاباً مُؤَجَّلاً 121/145 وَ لاٰ يَحْسَبَنَّ اَلَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمٰا آتٰاهُمُ اَللّٰهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مٰا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ اَلْقِيٰامَةِ 297/180 إِنَّ فِي خَلْقِ اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضِ وَ اِخْتِلاٰفِ اَللَّيْلِ وَ اَلنَّهٰارِ لَآيٰاتٍ لِأُولِي اَلْأَلْبٰابِ 22/190 و 92 رَبَّنٰا مٰا خَلَقْتَ هٰذٰا بٰاطِلاً سُبْحٰانَكَ 278/191 سورة النساء فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّٰ تَعْدِلُوا فَوٰاحِدَةً 307/3 إِنَّ اَلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوٰالَ اَلْيَتٰامىٰ ظُلْماً إِنَّمٰا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نٰاراً 296/10 فَعَسىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَ يَجْعَلَ اَللّٰهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً 283/19 يُرِيدُ اَللّٰهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَ يَهْدِيَكُمْ سُنَنَ اَلَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ، وَ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ ، وَ اَللّٰهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ 202/26 و 225 وَ لَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ اَلنِّسٰاءِ وَ لَوْ حَرَصْتُمْ فَلاٰ تَمِيلُوا كُلَّ اَلْمَيْلِ فَتَذَرُوهٰا كَالْمُعَلَّقَةِ وَ إِنْ تُصْلِحُوا وَ تَتَّقُوا فَإِنَّ اَللّٰهَ كٰانَ غَفُوراً رَحِيماً 307/129 وَ كَلَّمَ اَللّٰهُ مُوسىٰ تَكْلِيماً 191/164 يٰا أَهْلَ اَلْكِتٰابِ لاٰ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَ لاٰ تَقُولُوا عَلَى اَللّٰهِ إِلاَّ اَلْحَقَّ إِنَّمَا اَلْمَسِيحُ عِيسَى اِبْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اَللّٰهِ وَ كَلِمَتُهُ أَلْقٰاهٰا إِلىٰ مَرْيَمَ وَ رُوحٌ مِنْهُ 195/171 وَ اَللّٰهُ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَلِيمٌ 164/176 سورة المائدة وَ قٰالَتِ اَلْيَهُودُ يَدُ اَللّٰهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَ لُعِنُوا بِمٰا قٰالُوا بَلْ يَدٰاهُ مَبْسُوطَتٰانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشٰاءُ 347/64

ص: 361

سورة الروم يَعْلَمُونَ ظٰاهِراً مِنَ اَلْحَيٰاةِ اَلدُّنْيٰا 229/7 و 278 فَمٰا كٰانَ اَللّٰهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَ لٰكِنْ كٰانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ 290/9 فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اَللّٰهِ اَلَّتِي فَطَرَ اَلنّٰاسَ عَلَيْهٰا لاٰ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اَللّٰهِ ذٰلِكَ اَلدِّينُ اَلْقَيِّمُ وَ لٰكِنَّ أَكْثَرَ اَلنّٰاسِ لاٰ يَعْلَمُونَ 12/30 ظَهَرَ اَلْفَسٰادُ فِي اَلْبَرِّ وَ اَلْبَحْرِ بِمٰا كَسَبَتْ أَيْدِي اَلنّٰاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ اَلَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ 285/41 سورة لقمان يٰا بُنَيَّ إِنَّهٰا إِنْ تَكُ مِثْقٰالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي اَلسَّمٰاوٰاتِ أَوْ فِي اَلْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اَللّٰهُ 298/16 وَ لَوْ أَنَّ مٰا فِي اَلْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلاٰمٌ وَ اَلْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مٰا نَفِدَتْ كَلِمٰاتُ اَللّٰهِ إِنَّ اَللّٰهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ 130/27 و 195 سورة السجدة اَللّٰهُ اَلَّذِي خَلَقَ اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضَ وَ مٰا بَيْنَهُمٰا فِي سِتَّةِ أَيّٰامٍ ثُمَّ اِسْتَوىٰ عَلَى اَلْعَرْشِ مٰا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَ لاٰ شَفِيعٍ أَ فَلاٰ تَتَذَكَّرُونَ * يُدَبِّرُ اَلْأَمْرَ مِنَ اَلسَّمٰاءِ إِلَى اَلْأَرْضِ 4 و 334/5 اَلَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْ ءٍ خَلَقَهُ 225/7 سورة الأحزاب وَ اَللّٰهُ يَقُولُ اَلْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي اَلسَّبِيلَ 202/4 وَ كٰانَ اَللّٰهُ عَلىٰ كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيراً 143/27

ص: 362

يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي اَلنّٰارِ يَقُولُونَ يٰا لَيْتَنٰا أَطَعْنَا اَللّٰهَ وَ أَطَعْنَا اَلرَّسُولاَ * وَ قٰالُوا رَبَّنٰا إِنّٰا أَطَعْنٰا سٰادَتَنٰا وَ كُبَرٰاءَنٰا فَأَضَلُّونَا اَلسَّبِيلاَ * رَبَّنٰا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ اَلْعَذٰابِ وَ اِلْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً 66-21/68 سورة سبأ عٰالِمِ اَلْغَيْبِ لاٰ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقٰالُ ذَرَّةٍ فِي اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ لاٰ فِي اَلْأَرْضِ وَ لاٰ أَصْغَرُ مِنْ ذٰلِكَ وَ لاٰ أَكْبَرُ إِلاّٰ فِي كِتٰابٍ مُبِينٍ 129/3 وَ رَبُّكَ عَلىٰ كُلِّ شَيْ ءٍ حَفِيظٌ 164/21 سورة فاطر يٰا أَيُّهَا اَلنّٰاسُ أَنْتُمُ اَلْفُقَرٰاءُ إِلَى اَللّٰهِ وَ اَللّٰهُ هُوَ اَلْغَنِيُّ اَلْحَمِيدُ 69/15 وَ مٰا كٰانَ اَللّٰهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْ ءٍ فِي اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ لاٰ فِي اَلْأَرْضِ إِنَّهُ كٰانَ عَلِيماً قَدِيراً 143/44 سورة يس وَ كُلَّ شَيْ ءٍ أَحْصَيْنٰاهُ فِي إِمٰامٍ مُبِينٍ 121/12 أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنّٰا خَلَقْنٰا لَهُمْ مِمّٰا عَمِلَتْ أَيْدِينٰا أَنْعٰاماً فَهُمْ لَهٰا مٰالِكُونَ 345/71 إِنَّمٰا أَمْرُهُ إِذٰا أَرٰادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ 172/82 سورة الصافات أَنْ يٰا إِبْرٰاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ اَلرُّؤْيٰا 104-200/105 سورة ص وَ اُذْكُرْ عَبْدَنٰا دٰاوُدَ ذَا اَلْأَيْدِ إِنَّهُ أَوّٰابٌ 343/17 وَ مٰا خَلَقْنَا اَلسَّمٰاءَ وَ اَلْأَرْضَ وَ مٰا بَيْنَهُمٰا بٰاطِلاً ذٰلِكَ ظَنُّ اَلَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ اَلنّٰارِ 226/27 و 269 أَمْ نَجْعَلُ اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا اَلصّٰالِحٰاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي اَلْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ اَلْمُتَّقِينَ كَالْفُجّٰارِ 255/28 لِمٰا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ 318/75 و 324 و 343 سورة غافر لِمَنِ اَلْمُلْكُ اَلْيَوْمَ لِلّٰهِ اَلْوٰاحِدِ اَلْقَهّٰارِ 335/16 سورة فصلت وَ مٰا رَبُّكَ بِظَلاّٰمٍ لِلْعَبِيدِ 302/46 سَنُرِيهِمْ آيٰاتِنٰا فِي اَلْآفٰاقِ وَ فِي أَنْفُسِهِمْ حَتّٰى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ اَلْحَقُّ أَ وَ لَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلىٰ كُلِّ شَيْ ءٍ شَهِيدٌ 23/53 و 164 سورة الشورى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ ءٌ 99/11 مَنْ كٰانَ يُرِيدُ حَرْثَ اَلْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَ مَنْ كٰانَ يُرِيدُ حَرْثَ اَلدُّنْيٰا نُؤْتِهِ مِنْهٰا وَ مٰا لَهُ فِي اَلْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ 298/20 وَ مٰا كٰانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اَللّٰهُ إِلاّٰ وَحْياً أَوْ مِنْ وَرٰاءِ حِجٰابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مٰا يَشٰاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ 191/51 سورة الزّخرف وَ إِنَّهُ فِي أُمِّ اَلْكِتٰابِ لَدَيْنٰا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ 121/4 لِتَسْتَوُوا عَلىٰ ظُهُورِهِ 332/13 بَلْ قٰالُوا إِنّٰا وَجَدْنٰا آبٰاءَنٰا عَلىٰ أُمَّةٍ وَ إِنّٰا عَلىٰ آثٰارِهِمْ مُهْتَدُونَ * وَ كَذٰلِكَ مٰا أَرْسَلْنٰا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاّٰ قٰالَ مُتْرَفُوهٰا إِنّٰا وَجَدْنٰا آبٰاءَنٰا عَلىٰ أُمَّةٍ وَ إِنّٰا عَلىٰ آثٰارِهِمْ مُقْتَدُونَ 22-20/23 وَ إِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَ لِقَوْمِكَ 210/44 سورة الدخان وَ مٰا خَلَقْنَا اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضَ وَ مٰا بَيْنَهُمٰا لاٰعِبِينَ 269/38 سورة الجاثية تَنْزِيلُ اَلْكِتٰابِ مِنَ اَللّٰهِ اَلْعَزِيزِ اَلْحَكِيمِ 217/2 سورة محمد أَ فَلاٰ يَتَدَبَّرُونَ اَلْقُرْآنَ أَمْ عَلىٰ قُلُوبٍ أَقْفٰالُهٰا 101/24 وَ اَللّٰهُ اَلْغَنِيُّ وَ أَنْتُمُ اَلْفُقَرٰاءُ 69/38 سورة الفتح يَدُ اَللّٰهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ 322/10 كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوىٰ عَلىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ اَلزُّرّٰاعَ ... 332/29 سورة ق قَدْ عَلِمْنٰا مٰا تَنْقُصُ اَلْأَرْضُ مِنْهُمْ وَ عِنْدَنٰا كِتٰابٌ حَفِيظٌ 121/4 وَ لَقَدْ خَلَقْنَا اَلْإِنْسٰانَ وَ نَعْلَمُ مٰا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ 116/16 سورة الذاريات وَ مٰا خَلَقْتُ اَلْجِنَّ وَ اَلْإِنْسَ إِلاّٰ لِيَعْبُدُونِ 88/56

ص: 363

سورة البقرة رقم الآية\الصفحة وَ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمّٰا نَزَّلْنٰا عَلىٰ عَبْدِنٰا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَ اُدْعُوا شُهَدٰاءَكُمْ مِنْ دُونِ اَللّٰهِ إِنْ كُنْتُمْ صٰادِقِينَ 305/23 وَ عَلَّمَ آدَمَ اَلْأَسْمٰاءَ كُلَّهٰا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى اَلْمَلاٰئِكَةِ فَقٰالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمٰاءِ هٰؤُلاٰءِ إِنْ كُنْتُمْ صٰادِقِينَ 304/31 قٰالُوا سُبْحٰانَكَ لاٰ عِلْمَ لَنٰا إِلاّٰ مٰا عَلَّمْتَنٰا إِنَّكَ أَنْتَ اَلْعَلِيمُ اَلْحَكِيمُ 305/32 وَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا بِآيٰاتِنٰا أُولٰئِكَ أَصْحٰابُ اَلنّٰارِ هُمْ فِيهٰا خٰالِدُونَ 294/39 كُونُوا قِرَدَةً خٰاسِئِينَ 305/65 بَلىٰ مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَ أَحٰاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولٰئِكَ أَصْحٰابُ اَلنّٰارِ هُمْ فِيهٰا خٰالِدُونَ 300/81 وَ لِلّٰهِ اَلْمَشْرِقُ وَ اَلْمَغْرِبُ فَأَيْنَمٰا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اَللّٰهِ إِنَّ اَللّٰهَ وٰاسِعٌ عَلِيمٌ 100/115 أَنْ طَهِّرٰا بَيْتِيَ لِلطّٰائِفِينَ وَ اَلْعٰاكِفِينَ وَ اَلرُّكَّعِ اَلسُّجُودِ 346/125 أَ أَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اَللّٰهُ 319/140 وَ بَشِّرِ اَلصّٰابِرِينَ * اَلَّذِينَ إِذٰا أَصٰابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قٰالُوا إِنّٰا لِلّٰهِ وَ إِنّٰا إِلَيْهِ رٰاجِعُونَ * أُولٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوٰاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ رَحْمَةٌ وَ أُولٰئِكَ هُمُ اَلْمُهْتَدُونَ 155-8/157 و 19 إِنَّ فِي خَلْقِ اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضِ وَ اِخْتِلاٰفِ اَللَّيْلِ وَ اَلنَّهٰارِ وَ اَلْفُلْكِ اَلَّتِي تَجْرِي فِي اَلْبَحْرِ بِمٰا يَنْفَعُ اَلنّٰاسَ وَ مٰا أَنْزَلَ اَللّٰهُ مِنَ اَلسَّمٰاءِ مِنْ مٰاءٍ فَأَحْيٰا بِهِ اَلْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهٰا وَ بَثَّ فِيهٰا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَ تَصْرِيفِ اَلرِّيٰاحِ وَ اَلسَّحٰابِ اَلْمُسَخَّرِ بَيْنَ اَلسَّمٰاءِ وَ اَلْأَرْضِ لَآيٰاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ 31/164 و 55 يُرِيدُ اَللّٰهُ بِكُمُ اَلْيُسْرَ وَ لاٰ يُرِيدُ بِكُمُ اَلْعُسْرَ 177/185-178 أَنْ تَبَرُّوا وَ تَتَّقُوا وَ تُصْلِحُوا بَيْنَ اَلنّٰاسِ وَ اَللّٰهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ 161/224 وَ اَللّٰهُ بِمٰا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ 164/234 وَ قٰاتِلُوا فِي سَبِيلِ اَللّٰهِ وَ اِعْلَمُوا أَنَّ اَللّٰهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ 161/244 مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اَللّٰهُ 191/253 اَللّٰهُ لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ اَلْحَيُّ اَلْقَيُّومُ لاٰ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَ لاٰ نَوْمٌ 157/255 لاٰ يُكَلِّفُ اَللّٰهُ نَفْساً إِلاّٰ وُسْعَهٰا 302/286 سورة آل عمران فَأَمَّا اَلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مٰا تَشٰابَهَ مِنْهُ اِبْتِغٰاءَ اَلْفِتْنَةِ وَ اِبْتِغٰاءَ تَأْوِيلِهِ وَ مٰا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اَللّٰهُ وَ اَلرّٰاسِخُونَ فِي اَلْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنّٰا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنٰا وَ مٰا يَذَّكَّرُ إِلاّٰ أُولُوا اَلْأَلْبٰابِ 325/7 شَهِدَ اَللّٰهُ أَنَّهُ لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ وَ اَلْمَلاٰئِكَةُ وَ أُولُوا اَلْعِلْمِ قٰائِماً بِالْقِسْطِ 289/18 قُلْ إِنْ تُخْفُوا مٰا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اَللّٰهُ وَ يَعْلَمُ مٰا فِي اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ مٰا فِي اَلْأَرْضِ 128/29 يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مٰا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً 298/30 وَ لِلّٰهِ عَلَى اَلنّٰاسِ حِجُّ اَلْبَيْتِ مَنِ اِسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً 314/97 وَ مٰا كٰانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاّٰ بِإِذْنِ اَللّٰهِ كِتٰاباً مُؤَجَّلاً 121/145 وَ لاٰ يَحْسَبَنَّ اَلَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمٰا آتٰاهُمُ اَللّٰهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مٰا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ اَلْقِيٰامَةِ 297/180 إِنَّ فِي خَلْقِ اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضِ وَ اِخْتِلاٰفِ اَللَّيْلِ وَ اَلنَّهٰارِ لَآيٰاتٍ لِأُولِي اَلْأَلْبٰابِ 22/190 و 92 رَبَّنٰا مٰا خَلَقْتَ هٰذٰا بٰاطِلاً سُبْحٰانَكَ 278/191 سورة النساء فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّٰ تَعْدِلُوا فَوٰاحِدَةً 307/3 إِنَّ اَلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوٰالَ اَلْيَتٰامىٰ ظُلْماً إِنَّمٰا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نٰاراً 296/10 فَعَسىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَ يَجْعَلَ اَللّٰهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً 283/19 يُرِيدُ اَللّٰهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَ يَهْدِيَكُمْ سُنَنَ اَلَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ، وَ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ ، وَ اَللّٰهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ 202/26 و 225 وَ لَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ اَلنِّسٰاءِ وَ لَوْ حَرَصْتُمْ فَلاٰ تَمِيلُوا كُلَّ اَلْمَيْلِ فَتَذَرُوهٰا كَالْمُعَلَّقَةِ وَ إِنْ تُصْلِحُوا وَ تَتَّقُوا فَإِنَّ اَللّٰهَ كٰانَ غَفُوراً رَحِيماً 307/129 وَ كَلَّمَ اَللّٰهُ مُوسىٰ تَكْلِيماً 191/164 يٰا أَهْلَ اَلْكِتٰابِ لاٰ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَ لاٰ تَقُولُوا عَلَى اَللّٰهِ إِلاَّ اَلْحَقَّ إِنَّمَا اَلْمَسِيحُ عِيسَى اِبْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اَللّٰهِ وَ كَلِمَتُهُ أَلْقٰاهٰا إِلىٰ مَرْيَمَ وَ رُوحٌ مِنْهُ 195/171 وَ اَللّٰهُ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَلِيمٌ 164/176 سورة المائدة وَ قٰالَتِ اَلْيَهُودُ يَدُ اَللّٰهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَ لُعِنُوا بِمٰا قٰالُوا بَلْ يَدٰاهُ مَبْسُوطَتٰانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشٰاءُ 347/64

ص: 364

سورة البقرة رقم الآية\الصفحة وَ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمّٰا نَزَّلْنٰا عَلىٰ عَبْدِنٰا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَ اُدْعُوا شُهَدٰاءَكُمْ مِنْ دُونِ اَللّٰهِ إِنْ كُنْتُمْ صٰادِقِينَ 305/23 وَ عَلَّمَ آدَمَ اَلْأَسْمٰاءَ كُلَّهٰا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى اَلْمَلاٰئِكَةِ فَقٰالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمٰاءِ هٰؤُلاٰءِ إِنْ كُنْتُمْ صٰادِقِينَ 304/31 قٰالُوا سُبْحٰانَكَ لاٰ عِلْمَ لَنٰا إِلاّٰ مٰا عَلَّمْتَنٰا إِنَّكَ أَنْتَ اَلْعَلِيمُ اَلْحَكِيمُ 305/32 وَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا بِآيٰاتِنٰا أُولٰئِكَ أَصْحٰابُ اَلنّٰارِ هُمْ فِيهٰا خٰالِدُونَ 294/39 كُونُوا قِرَدَةً خٰاسِئِينَ 305/65 بَلىٰ مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَ أَحٰاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولٰئِكَ أَصْحٰابُ اَلنّٰارِ هُمْ فِيهٰا خٰالِدُونَ 300/81 وَ لِلّٰهِ اَلْمَشْرِقُ وَ اَلْمَغْرِبُ فَأَيْنَمٰا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اَللّٰهِ إِنَّ اَللّٰهَ وٰاسِعٌ عَلِيمٌ 100/115 أَنْ طَهِّرٰا بَيْتِيَ لِلطّٰائِفِينَ وَ اَلْعٰاكِفِينَ وَ اَلرُّكَّعِ اَلسُّجُودِ 346/125 أَ أَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اَللّٰهُ 319/140 وَ بَشِّرِ اَلصّٰابِرِينَ * اَلَّذِينَ إِذٰا أَصٰابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قٰالُوا إِنّٰا لِلّٰهِ وَ إِنّٰا إِلَيْهِ رٰاجِعُونَ * أُولٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوٰاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ رَحْمَةٌ وَ أُولٰئِكَ هُمُ اَلْمُهْتَدُونَ 155-8/157 و 19 إِنَّ فِي خَلْقِ اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضِ وَ اِخْتِلاٰفِ اَللَّيْلِ وَ اَلنَّهٰارِ وَ اَلْفُلْكِ اَلَّتِي تَجْرِي فِي اَلْبَحْرِ بِمٰا يَنْفَعُ اَلنّٰاسَ وَ مٰا أَنْزَلَ اَللّٰهُ مِنَ اَلسَّمٰاءِ مِنْ مٰاءٍ فَأَحْيٰا بِهِ اَلْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهٰا وَ بَثَّ فِيهٰا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَ تَصْرِيفِ اَلرِّيٰاحِ وَ اَلسَّحٰابِ اَلْمُسَخَّرِ بَيْنَ اَلسَّمٰاءِ وَ اَلْأَرْضِ لَآيٰاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ 31/164 و 55 يُرِيدُ اَللّٰهُ بِكُمُ اَلْيُسْرَ وَ لاٰ يُرِيدُ بِكُمُ اَلْعُسْرَ 177/185-178 أَنْ تَبَرُّوا وَ تَتَّقُوا وَ تُصْلِحُوا بَيْنَ اَلنّٰاسِ وَ اَللّٰهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ 161/224 وَ اَللّٰهُ بِمٰا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ 164/234 وَ قٰاتِلُوا فِي سَبِيلِ اَللّٰهِ وَ اِعْلَمُوا أَنَّ اَللّٰهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ 161/244 مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اَللّٰهُ 191/253 اَللّٰهُ لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ اَلْحَيُّ اَلْقَيُّومُ لاٰ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَ لاٰ نَوْمٌ 157/255 لاٰ يُكَلِّفُ اَللّٰهُ نَفْساً إِلاّٰ وُسْعَهٰا 302/286 سورة آل عمران فَأَمَّا اَلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مٰا تَشٰابَهَ مِنْهُ اِبْتِغٰاءَ اَلْفِتْنَةِ وَ اِبْتِغٰاءَ تَأْوِيلِهِ وَ مٰا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اَللّٰهُ وَ اَلرّٰاسِخُونَ فِي اَلْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنّٰا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنٰا وَ مٰا يَذَّكَّرُ إِلاّٰ أُولُوا اَلْأَلْبٰابِ 325/7 شَهِدَ اَللّٰهُ أَنَّهُ لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ وَ اَلْمَلاٰئِكَةُ وَ أُولُوا اَلْعِلْمِ قٰائِماً بِالْقِسْطِ 289/18 قُلْ إِنْ تُخْفُوا مٰا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اَللّٰهُ وَ يَعْلَمُ مٰا فِي اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ مٰا فِي اَلْأَرْضِ 128/29 يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مٰا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً 298/30 وَ لِلّٰهِ عَلَى اَلنّٰاسِ حِجُّ اَلْبَيْتِ مَنِ اِسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً 314/97 وَ مٰا كٰانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاّٰ بِإِذْنِ اَللّٰهِ كِتٰاباً مُؤَجَّلاً 121/145 وَ لاٰ يَحْسَبَنَّ اَلَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمٰا آتٰاهُمُ اَللّٰهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مٰا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ اَلْقِيٰامَةِ 297/180 إِنَّ فِي خَلْقِ اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضِ وَ اِخْتِلاٰفِ اَللَّيْلِ وَ اَلنَّهٰارِ لَآيٰاتٍ لِأُولِي اَلْأَلْبٰابِ 22/190 و 92 رَبَّنٰا مٰا خَلَقْتَ هٰذٰا بٰاطِلاً سُبْحٰانَكَ 278/191 سورة النساء فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّٰ تَعْدِلُوا فَوٰاحِدَةً 307/3 إِنَّ اَلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوٰالَ اَلْيَتٰامىٰ ظُلْماً إِنَّمٰا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نٰاراً 296/10 فَعَسىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَ يَجْعَلَ اَللّٰهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً 283/19 يُرِيدُ اَللّٰهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَ يَهْدِيَكُمْ سُنَنَ اَلَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ، وَ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ ، وَ اَللّٰهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ 202/26 و 225 وَ لَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ اَلنِّسٰاءِ وَ لَوْ حَرَصْتُمْ فَلاٰ تَمِيلُوا كُلَّ اَلْمَيْلِ فَتَذَرُوهٰا كَالْمُعَلَّقَةِ وَ إِنْ تُصْلِحُوا وَ تَتَّقُوا فَإِنَّ اَللّٰهَ كٰانَ غَفُوراً رَحِيماً 307/129 وَ كَلَّمَ اَللّٰهُ مُوسىٰ تَكْلِيماً 191/164 يٰا أَهْلَ اَلْكِتٰابِ لاٰ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَ لاٰ تَقُولُوا عَلَى اَللّٰهِ إِلاَّ اَلْحَقَّ إِنَّمَا اَلْمَسِيحُ عِيسَى اِبْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اَللّٰهِ وَ كَلِمَتُهُ أَلْقٰاهٰا إِلىٰ مَرْيَمَ وَ رُوحٌ مِنْهُ 195/171 وَ اَللّٰهُ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَلِيمٌ 164/176 سورة المائدة وَ قٰالَتِ اَلْيَهُودُ يَدُ اَللّٰهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَ لُعِنُوا بِمٰا قٰالُوا بَلْ يَدٰاهُ مَبْسُوطَتٰانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشٰاءُ 347/64

ص: 365

سورة الطور وَ كِتٰابٍ مَسْطُورٍ * فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ 2-120/3 أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْ ءٍ أَمْ هُمُ اَلْخٰالِقُونَ 69/35 أَمْ خَلَقُوا اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضَ بَلْ لاٰ يُوقِنُونَ 70/36 سورة النجم ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوىٰ 332/6 وَ أَنَّهُ هُوَ أَغْنىٰ وَ أَقْنىٰ 69/48 سورة القمر عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ 133/55 سورة الرحمن وَ يَبْقىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو اَلْجَلاٰلِ وَ اَلْإِكْرٰامِ 318/27 و 339 هَلْ جَزٰاءُ اَلْإِحْسٰانِ إِلاَّ اَلْإِحْسٰانُ 255/60 تَبٰارَكَ اِسْمُ رَبِّكَ ذِي اَلْجَلاٰلِ وَ اَلْإِكْرٰامِ 83/78 و 340 سورة الواقعة أَ فَرَأَيْتُمْ مٰا تُمْنُونَ * أَ أَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ اَلْخٰالِقُونَ 58-76/59 أَ فَرَأَيْتُمْ مٰا تَحْرُثُونَ * أَ أَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ اَلزّٰارِعُونَ 63-76/64 أَ فَرَأَيْتُمُ اَلنّٰارَ اَلَّتِي تُورُونَ * أَ أَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهٰا أَمْ نَحْنُ اَلْمُنْشِؤُنَ 71-76/72 إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتٰابٍ مَكْنُونٍ 77-121/78

ص: 366

سورة الحديد سَبَّحَ لِلّٰهِ مٰا فِي اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضِ وَ هُوَ اَلْعَزِيزُ اَلْحَكِيمُ * لَهُ مُلْكُ اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضِ يُحْيِي وَ يُمِيتُ وَ هُوَ عَلىٰ كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ * هُوَ اَلْأَوَّلُ وَ اَلْآخِرُ وَ اَلظّٰاهِرُ وَ اَلْبٰاطِنُ وَ هُوَ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَلِيمٌ * هُوَ اَلَّذِي خَلَقَ اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيّٰامٍ ثُمَّ اِسْتَوىٰ عَلَى اَلْعَرْشِ يَعْلَمُ مٰا يَلِجُ فِي اَلْأَرْضِ وَ مٰا يَخْرُجُ مِنْهٰا وَ مٰا يَنْزِلُ مِنَ اَلسَّمٰاءِ وَ مٰا يَعْرُجُ فِيهٰا وَ هُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مٰا كُنْتُمْ وَ اَللّٰهُ بِمٰا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * لَهُ مُلْكُ اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضِ وَ إِلَى اَللّٰهِ تُرْجَعُ اَلْأُمُورُ 1-89/5 يُولِجُ اَللَّيْلَ فِي اَلنَّهٰارِ وَ يُولِجُ اَلنَّهٰارَ فِي اَللَّيْلِ وَ هُوَ عَلِيمٌ بِذٰاتِ اَلصُّدُورِ 89/6 يَوْمَ تَرَى اَلْمُؤْمِنِينَ وَ اَلْمُؤْمِنٰاتِ يَسْعىٰ نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ بِأَيْمٰانِهِمْ 94/12 اِعْلَمُوا أَنَّمَا اَلْحَيٰاةُ اَلدُّنْيٰا لَعِبٌ وَ لَهْوٌ وَ زِينَةٌ وَ تَفٰاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَ تَكٰاثُرٌ فِي اَلْأَمْوٰالِ وَ اَلْأَوْلاٰدِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ اَلْكُفّٰارَ نَبٰاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرٰاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطٰاماً وَ فِي اَلْآخِرَةِ عَذٰابٌ شَدِيدٌ وَ مَغْفِرَةٌ مِنَ اَللّٰهِ وَ رِضْوٰانٌ وَ مَا اَلْحَيٰاةُ اَلدُّنْيٰا إِلاّٰ مَتٰاعُ اَلْغُرُورِ 4/20 لَقَدْ أَرْسَلْنٰا رُسُلَنٰا بِالْبَيِّنٰاتِ وَ أَنْزَلْنٰا مَعَهُمُ اَلْكِتٰابَ وَ اَلْمِيزٰانَ لِيَقُومَ اَلنّٰاسُ بِالْقِسْطِ 289/25 يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا اِتَّقُوا اَللّٰهَ وَ آمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَ يَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ وَ اَللّٰهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ 94/28 سورة المجادلة قَدْ سَمِعَ اَللّٰهُ قَوْلَ اَلَّتِي تُجٰادِلُكَ فِي زَوْجِهٰا وَ تَشْتَكِي إِلَى اَللّٰهِ وَ اَللّٰهُ يَسْمَعُ تَحٰاوُرَكُمٰا إِنَّ اَللّٰهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ 161/1 و 209

ص: 367

سورة الحشر هُوَ اَللّٰهُ اَلَّذِي لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ عٰالِمُ اَلْغَيْبِ وَ اَلشَّهٰادَةِ هُوَ اَلرَّحْمٰنُ اَلرَّحِيمُ * هُوَ اَللّٰهُ اَلَّذِي لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ اَلْمَلِكُ اَلْقُدُّوسُ اَلسَّلاٰمُ اَلْمُؤْمِنُ اَلْمُهَيْمِنُ اَلْعَزِيزُ اَلْجَبّٰارُ اَلْمُتَكَبِّرُ سُبْحٰانَ اَللّٰهِ عَمّٰا يُشْرِكُونَ * هُوَ اَللّٰهُ اَلْخٰالِقُ اَلْبٰارِئُ اَلْمُصَوِّرُ لَهُ اَلْأَسْمٰاءُ اَلْحُسْنىٰ يُسَبِّحُ لَهُ مٰا فِي اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضِ وَ هُوَ اَلْعَزِيزُ اَلْحَكِيمُ 22-89/24 سورة الصف فَلَمّٰا زٰاغُوا أَزٰاغَ اَللّٰهُ قُلُوبَهُمْ وَ اَللّٰهُ لاٰ يَهْدِي اَلْقَوْمَ اَلْفٰاسِقِينَ 304/5 سورة الطلاق اَللّٰهُ اَلَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمٰاوٰاتٍ وَ مِنَ اَلْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ اَلْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اَللّٰهَ عَلىٰ كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ وَ أَنَّ اَللّٰهَ قَدْ أَحٰاطَ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عِلْماً 77/12 سورة الملك لَوْ كُنّٰا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مٰا كُنّٰا فِي أَصْحٰابِ اَلسَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحٰابِ اَلسَّعِيرِ 10-304/11 وَ أَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اِجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذٰاتِ اَلصُّدُورِ 204/13 أَ لاٰ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَ هُوَ اَللَّطِيفُ اَلْخَبِيرُ 116/14 سورة القلم أَ فَنَجْعَلُ اَلْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مٰا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ 35-255/36 يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سٰاقٍ وَ يُدْعَوْنَ إِلَى اَلسُّجُودِ فَلاٰ يَسْتَطِيعُونَ * خٰاشِعَةً أَبْصٰارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَ قَدْ كٰانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى اَلسُّجُودِ وَ هُمْ سٰالِمُونَ 42-305/43 سورة الحاقة فَإِذٰا نُفِخَ فِي اَلصُّورِ نَفْخَةٌ وٰاحِدَةٌ * وَ حُمِلَتِ اَلْأَرْضُ وَ اَلْجِبٰالُ فَدُكَّتٰا دَكَّةً وٰاحِدَةً * فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ اَلْوٰاقِعَةُ * وَ اِنْشَقَّتِ اَلسَّمٰاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وٰاهِيَةٌ * وَ اَلْمَلَكُ عَلىٰ أَرْجٰائِهٰا وَ يَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمٰانِيَةٌ * يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لاٰ تَخْفىٰ مِنْكُمْ خٰافِيَةٌ 13-335/18 سورة المزمّل يٰا أَيُّهَا اَلْمُزَّمِّلُ 209/1 سورة المدثر يٰا أَيُّهَا اَلْمُدَّثِّرُ 209/1 إِنْ هٰذٰا إِلاّٰ قَوْلُ اَلْبَشَرِ 216/25 سورة الدهر هَلْ أَتىٰ عَلَى اَلْإِنْسٰانِ حِينٌ مِنَ اَلدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً 77/1 سورة التكوير عَلِمَتْ نَفْسٌ مٰا أَحْضَرَتْ 298/14 سورة البروج بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ 21 و 120/22

ص: 368

سورة البقرة رقم الآية\الصفحة وَ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمّٰا نَزَّلْنٰا عَلىٰ عَبْدِنٰا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَ اُدْعُوا شُهَدٰاءَكُمْ مِنْ دُونِ اَللّٰهِ إِنْ كُنْتُمْ صٰادِقِينَ 305/23 وَ عَلَّمَ آدَمَ اَلْأَسْمٰاءَ كُلَّهٰا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى اَلْمَلاٰئِكَةِ فَقٰالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمٰاءِ هٰؤُلاٰءِ إِنْ كُنْتُمْ صٰادِقِينَ 304/31 قٰالُوا سُبْحٰانَكَ لاٰ عِلْمَ لَنٰا إِلاّٰ مٰا عَلَّمْتَنٰا إِنَّكَ أَنْتَ اَلْعَلِيمُ اَلْحَكِيمُ 305/32 وَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا بِآيٰاتِنٰا أُولٰئِكَ أَصْحٰابُ اَلنّٰارِ هُمْ فِيهٰا خٰالِدُونَ 294/39 كُونُوا قِرَدَةً خٰاسِئِينَ 305/65 بَلىٰ مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَ أَحٰاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولٰئِكَ أَصْحٰابُ اَلنّٰارِ هُمْ فِيهٰا خٰالِدُونَ 300/81 وَ لِلّٰهِ اَلْمَشْرِقُ وَ اَلْمَغْرِبُ فَأَيْنَمٰا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اَللّٰهِ إِنَّ اَللّٰهَ وٰاسِعٌ عَلِيمٌ 100/115 أَنْ طَهِّرٰا بَيْتِيَ لِلطّٰائِفِينَ وَ اَلْعٰاكِفِينَ وَ اَلرُّكَّعِ اَلسُّجُودِ 346/125 أَ أَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اَللّٰهُ 319/140 وَ بَشِّرِ اَلصّٰابِرِينَ * اَلَّذِينَ إِذٰا أَصٰابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قٰالُوا إِنّٰا لِلّٰهِ وَ إِنّٰا إِلَيْهِ رٰاجِعُونَ * أُولٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوٰاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ رَحْمَةٌ وَ أُولٰئِكَ هُمُ اَلْمُهْتَدُونَ 155-8/157 و 19 إِنَّ فِي خَلْقِ اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضِ وَ اِخْتِلاٰفِ اَللَّيْلِ وَ اَلنَّهٰارِ وَ اَلْفُلْكِ اَلَّتِي تَجْرِي فِي اَلْبَحْرِ بِمٰا يَنْفَعُ اَلنّٰاسَ وَ مٰا أَنْزَلَ اَللّٰهُ مِنَ اَلسَّمٰاءِ مِنْ مٰاءٍ فَأَحْيٰا بِهِ اَلْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهٰا وَ بَثَّ فِيهٰا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَ تَصْرِيفِ اَلرِّيٰاحِ وَ اَلسَّحٰابِ اَلْمُسَخَّرِ بَيْنَ اَلسَّمٰاءِ وَ اَلْأَرْضِ لَآيٰاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ 31/164 و 55 يُرِيدُ اَللّٰهُ بِكُمُ اَلْيُسْرَ وَ لاٰ يُرِيدُ بِكُمُ اَلْعُسْرَ 177/185-178 أَنْ تَبَرُّوا وَ تَتَّقُوا وَ تُصْلِحُوا بَيْنَ اَلنّٰاسِ وَ اَللّٰهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ 161/224 وَ اَللّٰهُ بِمٰا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ 164/234 وَ قٰاتِلُوا فِي سَبِيلِ اَللّٰهِ وَ اِعْلَمُوا أَنَّ اَللّٰهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ 161/244 مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اَللّٰهُ 191/253 اَللّٰهُ لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ اَلْحَيُّ اَلْقَيُّومُ لاٰ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَ لاٰ نَوْمٌ 157/255 لاٰ يُكَلِّفُ اَللّٰهُ نَفْساً إِلاّٰ وُسْعَهٰا 302/286 سورة آل عمران فَأَمَّا اَلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مٰا تَشٰابَهَ مِنْهُ اِبْتِغٰاءَ اَلْفِتْنَةِ وَ اِبْتِغٰاءَ تَأْوِيلِهِ وَ مٰا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اَللّٰهُ وَ اَلرّٰاسِخُونَ فِي اَلْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنّٰا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنٰا وَ مٰا يَذَّكَّرُ إِلاّٰ أُولُوا اَلْأَلْبٰابِ 325/7 شَهِدَ اَللّٰهُ أَنَّهُ لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ وَ اَلْمَلاٰئِكَةُ وَ أُولُوا اَلْعِلْمِ قٰائِماً بِالْقِسْطِ 289/18 قُلْ إِنْ تُخْفُوا مٰا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اَللّٰهُ وَ يَعْلَمُ مٰا فِي اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ مٰا فِي اَلْأَرْضِ 128/29 يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مٰا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً 298/30 وَ لِلّٰهِ عَلَى اَلنّٰاسِ حِجُّ اَلْبَيْتِ مَنِ اِسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً 314/97 وَ مٰا كٰانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاّٰ بِإِذْنِ اَللّٰهِ كِتٰاباً مُؤَجَّلاً 121/145 وَ لاٰ يَحْسَبَنَّ اَلَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمٰا آتٰاهُمُ اَللّٰهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مٰا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ اَلْقِيٰامَةِ 297/180 إِنَّ فِي خَلْقِ اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضِ وَ اِخْتِلاٰفِ اَللَّيْلِ وَ اَلنَّهٰارِ لَآيٰاتٍ لِأُولِي اَلْأَلْبٰابِ 22/190 و 92 رَبَّنٰا مٰا خَلَقْتَ هٰذٰا بٰاطِلاً سُبْحٰانَكَ 278/191 سورة النساء فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّٰ تَعْدِلُوا فَوٰاحِدَةً 307/3 إِنَّ اَلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوٰالَ اَلْيَتٰامىٰ ظُلْماً إِنَّمٰا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نٰاراً 296/10 فَعَسىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَ يَجْعَلَ اَللّٰهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً 283/19 يُرِيدُ اَللّٰهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَ يَهْدِيَكُمْ سُنَنَ اَلَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ، وَ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ ، وَ اَللّٰهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ 202/26 و 225 وَ لَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ اَلنِّسٰاءِ وَ لَوْ حَرَصْتُمْ فَلاٰ تَمِيلُوا كُلَّ اَلْمَيْلِ فَتَذَرُوهٰا كَالْمُعَلَّقَةِ وَ إِنْ تُصْلِحُوا وَ تَتَّقُوا فَإِنَّ اَللّٰهَ كٰانَ غَفُوراً رَحِيماً 307/129 وَ كَلَّمَ اَللّٰهُ مُوسىٰ تَكْلِيماً 191/164 يٰا أَهْلَ اَلْكِتٰابِ لاٰ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَ لاٰ تَقُولُوا عَلَى اَللّٰهِ إِلاَّ اَلْحَقَّ إِنَّمَا اَلْمَسِيحُ عِيسَى اِبْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اَللّٰهِ وَ كَلِمَتُهُ أَلْقٰاهٰا إِلىٰ مَرْيَمَ وَ رُوحٌ مِنْهُ 195/171 وَ اَللّٰهُ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَلِيمٌ 164/176 سورة المائدة وَ قٰالَتِ اَلْيَهُودُ يَدُ اَللّٰهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَ لُعِنُوا بِمٰا قٰالُوا بَلْ يَدٰاهُ مَبْسُوطَتٰانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشٰاءُ 347/64

ص: 369

سورة البلد لَقَدْ خَلَقْنَا اَلْإِنْسٰانَ فِي كَبَدٍ 13/4 أَ لَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَ لِسٰاناً وَ شَفَتَيْنِ * وَ هَدَيْنٰاهُ اَلنَّجْدَيْنِ 8-13/10 سورة الشرح فَإِنَّ مَعَ اَلْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ اَلْعُسْرِ يُسْراً * فَإِذٰا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَ إِلىٰ رَبِّكَ فَارْغَبْ 5-283/8 سورة العلق كَلاّٰ إِنَّ اَلْإِنْسٰانَ لَيَطْغىٰ * أَنْ رَآهُ اِسْتَغْنىٰ 6-284/7 سورة التكاثر كَلاّٰ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ اَلْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ اَلْجَحِيمَ 5-94/6

ص: 370

فهرس الأحاديث

الرسول الأكرم (صلى اللّه عليه و آله الصفحة «إني تارك فيكم الثّقلين كتاب اللّه و عترتي، كتاب اللّه حبل ممدود من السّماء إلى الأرض، و عترتي أهل بيتي، و إنّ اللّطيف الخبير أخبرني أنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما». ب «إنّ اللّه خمّر آدم بيده». 323 «إنّ قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرّحمن». 323 «بني الإسلام على خمس: شهادة إن لا إله إلاّ اللّه و أنّ محمّدا رسول اللّه، و إقام الصّلاة، و إيتاء الزّكاة، و الحجّ ، و صوم رمضان». 324 أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) «الحمد للّه الدّالّ على وجوده بخلقه، و بمحدث خلقه على أزليّته». 78 «الحمد للّه الواحد الأحد الصّمد المتفرّد الّذي لا من شيء كان، و لا من شيء خلق ما كان». 78 «لم يخلق الأشياء من أصول أزليّة، و لا من أوائل كانت قبله أبديّة، بل خلق ما خلقه و أتقن خلقه، و صوّر ما صوّر فأحسن صورته». 78 «لا يجري عليه السّكون و الحركة، و كيف يجري عليه ما هو أجراه و يعود

ص: 371

فيه ما هو أبداه و يحدث فيه ما هو أحدثه». 78 «لم يطلع العقول على تحديد صفته، و لم يحجبها عن واجب معرفته». 88 «علم ما يمضي و ما مضى، مبتدع الخلائق بعلمه و منشؤها بحكمته». 116 «إن اللّه عزّ و جلّ الأين فلا أين له، و جلّ أن يحويه مكان، و هو في كل مكان بغير مماسة، و لا مجاورة. يحيط علما بما فيها، و لا يخلو شيء منها من تدبيره». 120 «لا يعزب عنه عدد قطر السّماء، و لا نجومها و لا سوافي الرّيح في الهواء، و لا دبيب النّمل على الصّفا، و لا مقيل الذّرّ في اللّيلة الظّلماء، يعلم مساقط الأوراق، و خفيّ الأحداق». 130 «الحمد للّه الّذي يعلم عجيج الوحوش في الفلوات، و معاصي العباد في الخلوات، و اختلاف النّينان في البحار الغامرات، و تلاطم الماء بالرّياح العاصفات». 131 «قد علم السّرائر، و خبر الضّمائر، له الإحاطة بكلّ شيء». 131 «فطر الخلائق بقدرته، و نشر الرّياح برحمته، و وتّد بالصّخور ميدان أرضه». 138 «و أرانا من ملكوت قدرته و عجائب ما نطقت به آثار حكمته». 138 «فأقام من الأشياء أودها، و نهج حدودها، و لاءم بقدرته بين متضادّها». 138 «فأقام من شواهد البيّنات على لطيف صنعته و عظيم قدرته». 138 «و البصير لا بتفريق آلة، و الشّاهد لا بمماسّة». 161 «من تكلّم سمع نطقه، و من سكت علم سرّه». 162 «يقول لما أراد كونه كن فيكون، لا بصوت يقرع، و لا بنداء يسمع، و إنّما كلامه سبحانه فعل منه، أنشأه و مثّله، لم يكن من قبل ذلك كائنا، و لو كان قديما لكان إلها ثانيا». 195 و 196 و 215 «يخبر لا بلسان و لهوات، و يسمع لا بخروق و أدوات، يقول و لا يلفظ، و يحفظ و لا يتحفّظ، و يريد و لا يضمر، يحبّ و يرضى من غير رقّة، و يبغض

ص: 372

«و يغضب من غير مشقّة». 196 «قدّر ما خلق فأحكم تقديره». 229 «مبتدع الخلائق بعلمه، و منشئهم بحكمه، بلا اقتداء و لا تعليم و لا احتذاء لمثال صانع حكيم». 229 «و لا يكوننّ المحسن و المسيء عندك بمنزلة سواء». 246 «ألا إنّ الشّجرة البرّيّة أصلب عودا، و الرّوائع الخضرة أرقّ جلودا، و النّباتات البدويّة أقوى وقودا و أبطأ خمودا». 283 «التّوحيد ألاّ تتوهّمه، و العدل ألاّ تتّهمه». 290 «و أشهد أنّه عدل عدل، و حكم فصل». 292 «الّذي صدق في ميعاده، و ارتفع عن ظلم عباده، و قام بالقسط في خلقة، و عدل عليهم في حكمه». 292 «الّذي عظم حلمه فعفا، و عدل في كلّ ما قضى». 292 «اللّهمّ احملني على عفوك، و لا تحملني على عدلك». 292 «العمل الصّالح حرث الآخرة». 299 «ألا و إنّ اليوم المضمار، و غدا السّباق، و السّبقة الجنّة، و الغاية النّار، أ فلا تائب من خطيئته قبل منيّته، ألا عامل لنفسه قبل يوم بؤسه، ألا و إنّكم في أيام عمل من ورائه أجل». 307 «و إنّكم في أيام عمل من ورائه أجل». 307 الإمام الحسن بن علي (عليهما السلام) «خلق الخلق فكان بديئا بديعا، ابتدأ ما ابتدع، و ابتدع ما ابتدأ». 78 الإمام محمد الباقر (عليه السلام) «إنّ اللّه تبارك و تعالى كان و لا شيء غيره، نورا لا ظلام فيه، و صادقا لا

ص: 373

كذب فيه، و عالما لا جهل فيه، و حيّا لا موت فيه، و كذلك هو اليوم و كذلك لا يزال أبدا». 158 «إنّه سميع بصير، يسمع بما يبصر، و يبصر بما يسمع». 162 الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) «كيف احتجب عنك من أراك قدرته في نفسك». 139 «الأشياء له سواء، علما و قدرة و سلطانا و ملكا و إحاطة». 143 «هو تعالى سميع بصير، سميع بغير جارحة، و بصير بغير آلة، بل يسمع بنفسه و يبصر بنفسه». 162 «العلم ليس هو المشيئة، أ لا ترى أنّك تقول سأفعل كذا إن شاء اللّه، و لا تقول سأفعل كذا إن علم اللّه» 169 «إنّ المريد لا يكون إلاّ لمراد معه. لم يزل اللّه عالما قادرا ثمّ أراد». 175 «المشيئة محدثة». 177 «هو (القرآن) كلام اللّه، و قول اللّه، و كتاب اللّه، و وحي اللّه، و تنزيله. و هو الكتاب العزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد». 219 «أما التوحيد فإن لا تجوّز على ربّك ما جاز عليك، و أمّا العدل فأن لا تنسب إلى خالقك ما لامك عليه». 291 «ما كلّف اللّه العباد كلفة فعل و لا نهاهم عن شيء حتّى جعل لهم الاستطاعة ثمّ أمرهم و نهاهم، فلا يكون العبد آخذا و لا تاركا إلاّ باستطاعة متقدّمة قبل الأمر و النّهي و قبل الأخذ و الترك و قبل القبض و البسط». 313 «الاستطاعة قبل الفعل، لم يأمر اللّه عزّ و جلّ بقبض و لا بسط إلاّ و العبد لذلك مستطيع». 314 «لا يكون من العبد قبض و لا بسط إلاّ باستطاعة متقدّمة للقبض

ص: 374

و البسط». 314 «لا يكون العبد فاعلا إلاّ و هو مستطيع و قد يكون مستطيعا غير فاعل و لا يكون فاعلا أبدا حتّى يكون معه الاستطاعة». 314 في قول اللّه عزّ و جلّ وَ لِلّٰهِ عَلَى اَلنّٰاسِ حِجُّ اَلْبَيْتِ مَنِ اِسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ما يعني بذلك ؟.

قال: «من كان صحيحا في بدنه، مخلّى سربه، له زاد و راحلة». 314 «من عرض عليه الحجّ و لو على حمار أجدع مقطوع الذّنب فأبى فهو ممّن يستطيع الحجّ ». 314 الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) «هو القادر الّذي لا يعجز». 143 «إنّ اللّه لا إله إلاّ هو: كان حيا بلا كيف... كان عزّ و جلّ إلها حيّا بلا حياة حادثة، بل هو حيّ لنفسه». 158 قلت لأبي الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام): يا ابن رسول اللّه، ما تقول في القرآن ؟ فقد اختلف فيه من قبلنا، فقال قوم إنّه مخلوق، و قال قوم إنّه غير مخلوق.

فقال (عليه السلام): «أما إنّي لا أقول في ذلك ما يقولون، و لكنّي أقول إنّه كلام اللّه». 219 الإمام علي الرضا (عليه السلام) «سبحان من خلق الخلق بقدرته، أتقن ما خلقه بحكمته، و وضع كلّ شيء موضعه بعلمه». 117 «لم يزل اللّه تعالى عليما قادرا حيّا قديما سميعا بصيرا». 162 «الإرادة من الخلق الضمير، و ما يبدو لهم بعد ذلك من الفعل، و أمّا من اللّه تعالى فإرادته إحداثه لا غير ذلك، لأنّه لا يروّي و لا يهمّ و لا يتفكّر،

ص: 375

و هذه الصفات منفية عنه، و هي صفات الخلق. فإرادة اللّه الفعل لا غير ذلك، يقول له كن فيكون بلا لفظ، و لا نطق بلسان، و لا همّة، و لا تفكّر، و لا كيف لذلك، كما أنّه لا كيف له». 176 «القرآن) كلام اللّه لا تتجاوزوه و لا تطلبوا الهدى في غيره، فتضلّوا». 218 قلت للرضا (عليه السلام): يا ابن رسول اللّه، إنّ النّاس يروون أنّ رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله و سلم) قال: إنّ اللّه خلق آدم على صورته.

فقال: «قاتلهم اللّه، لقد حذفوا أوّل الحديث، إنّ رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله و سلم) مرّ برجلين يتسابّان، فسمع أحدهما يقول لصاحبه: قبّح اللّه وجهك و وجه من يشبهك، فقال (صلى اللّه عليه و آله و سلم): يا عبد اللّه لا تقل هذا لأخيك، فإنّ اللّه عزّ و جلّ خلق آدم على صورته». 341 الإمام علي الهادي (عليه السلام) «بسم اللّه الرّحمن الرّحيم، عصمنا اللّه و إيّاك من الفتنة فإن يفعل فقد أعظم بها نعمة و إن لا يفعل فهي الهلكة. نحن نرى أنّ الجدال في القرآن بدعة اشترك فيها السّائل و المجيب، فيتعاطى السائل ما ليس له، و يتكلّف المجيب ما ليس عليه، و ليس الخالق إلاّ اللّه عزّ و جلّ ، و ما سواه مخلوق، و القرآن كلام اللّه، لا تجعل له اسما من عندك فتكون من الضّالّين، جعلنا اللّه و إيّاك من الذين يخشون ربّهم بالغيب و هم من السّاعة مشفقون». 219

ص: 376

فهرس الأشعار

الصفحة

بالسّبب العلم بما هو السّبب *** علم بما مسبّب به وجب

115

و قد شبّهوه بخلقه و تخوّفوا *** شنع الورى فتستّروا بالبلكفة

320

لسالك نهج البلاغة انتهج *** كلامه سبحانه الفعل خرج

197

و عالم بغيره إذا استند *** إليه و هو ذاته لقد شهد

115

إنّ آثارنا تدلّ علينا *** فانظروا بعدنا إلى الآثار

29

ألا إنّ ثوبا خيط من نسج تسعة *** و عشرين حرفا عن معانيه قاصر

102

ص: 377

أ تزعم انّك جرم صغير *** و فيك انطوى العالم الأكبر

195

و أنت الكتاب المبين الّذي *** بأحرفه يظهر المضمر

195

أسد عليّ و في الحروب نعامة *** فتخاء تنفر من صفير الصّافر

328

فلمّا علونا و استوينا عليهم *** تركناهم صرعى لنسر و كاسر

333

إن تدر هذا حمد الأشياء تعرف *** إن كلماته إليها تضف

197

ثمّ استوى بشر على العراق *** من غير سيف و دم مهراق

333

ألا كلّ شيء ما سوى اللّه باطل *** و كلّ نعيم لا محالة زائل

53

معطي الوجود في الإلهي فاعل *** معطي التحرّك الطّبيعي قائل

76

إنّ الكلام لفي الفؤاد و إنّما *** جعل اللّسان على الفؤاد دليلا

205

تداركتما الأخلاق قد ثلّ عرشها *** و ذبيان إذ زلّت بأقدامها النّعل

332

أستغفر اللّه ذنبا لست محصيه *** ربّ العباد إليه الوجه و العمل

339

ص: 378

و كم من عائب قولا صحيحا *** و آفته من الفهم السّقيم

ط

ما ليس موزونا لبعض من نغم *** ففي نظام الكلّ كلّ منتظم

275

لدى أسد شاك السّلاح مجرّب *** له لبد، أظفاره لم تقلّم

328

فاعمد لما تعلو فما لك بالّذي *** لا تستطيع من الأمور يدان

343

ص: 379

ص: 380

فهرس الاعلام و الكنى و الألقاب

(حرف الألف) آدم (عليه السلام): 304، 323، 340، 345، 346 ابن خلدون: د ابن أبي العوجاء: د ابن خزيمة: 82، 336 ابن سينا: 102، 138، 237، 238، 239، 279 ابن ميثم البحراني: 124 ابن منظور: 133 ابن أبي ليلى: 208 ابن تيمية: 87، 209، 321، 322، 325 ابن المرتضى: ه ابن عساكر: ه ابن الراوندي: 313 ابن كثير: 318 ابن الجوزي: 322 ابن فارس: 332، 339 ابن أبي الحديد: 291 ابو الحسن الندوي: 99 ابو حنيفة: 208، 318 ابو علي بن سالم: 218 ابو بصير: 313، 314 ابو يعلى (الفقيه الحنبلي): 322 ابو زهرة: 321، 322 ابو الحسن الاشعري: ه، 82، 205، 206، 208، 212، 213، 215-217، 249-251، 263،

ص: 381

291، 302، 308، 312، 313، 318، 320، 321، 323، 331، 339، 343 إبراهيم (عليه السلام): 200 ابليس: 346 احمد أمين: 337 أحمد بن أبي دؤاد: 220 أحمد بن حنبل: ب، 82، 205-207، 220 إدوين كونكلين: 42 ارسطو: 74، 274 اسماعيل (عليه السلام): 200 امرؤ القيس: 194، 207، 217 الأخطل: 333 (حرف الباء) برتراند راسل: 70 بشر (أخو عبد الملك بن مروان): 333 البلخي: 140، 148 (حرف التاء) التفتازاني: 312 (حرف الجيم) جبرئيل: 193 الجرجاني: 193، 199، 212 (حرف الحاء) حسن الصدر: ه حسن مكي: ي الحسين بن خالد: 341 الحلي (العلاّمة): 140، 149، 266، 288 حماد بن عجرد: د (حرف الخاء) (الخليل (بن احمد الفراهيدي): 332 (حرف الدال) الداماد: 640 ديفيد هيوم: 55، 56، 58، 59، 274 ديكارت: 110 (حرف الراء) الرازي (فخر الدين): 225، 226، 324، 336 الراغب: 133، 332 الريان بن الصلت: 218 (حرف الزاي) الزمخشري: 320

ص: 382

زهير: 332 (حرف السين) السبزواري: 76، 115، 197، 240، 274، 275 سفيان بن عيينة: 87 سليمان بن جعفر الجعفري: 219 سليمان بن خالد: 314 السيوري: 288 سيف الدين الآمدي: 253 (حرف الشين) الشافعي: 318 الشهرستاني: 317، 324 الشيطان: أ، 300، 345 (حرف الصاد) صدر المتألهين: 67، 74، 83، 115، 168، 178، 179، 180، 270، 274، 313 الصدوق: 158، 162، 218، 219، 291، 294، 313، 340 صفوان بن يحيى: 2176L(حرف الطاء) الطباطبائي: 67، 98، 163، 172، 195، 295 الطحاوي: 208 (حرف العين) عاصم بن حميد: 175 عبد اللّه بن المقفع: د عباد بن سليمان الصيمري: 140، 147 عبد الجبار (القاضي): 193، 207 علي بن سالم: 218 عيسى بن مريم: 190، 194، 195 عبد السلام بن محمد الجبائي: 140، 150 (حرف الغين) الغزالي: 226، 322، 323 (حرف الفاء) الفردوسي: 35 الفضل بن روزبهان: 198، 203، 215، 247، 266 فيلون: 55

ص: 383

(حرف القاف) القوشجي: 127، 198، 222، 245، 254، 312 (حرف الكاف) كرسي موريسون: 54 الكليني: 177 كلثانتس: 55 كلودم هزاوي: 41 (حرف اللام) اللاهيجي: 236 لقمان: 298 (حرف الميم) المأمون: 190، 205، 206، 220 مالك: 87 المتوكل: 190، 218، 220 محمد بن مكي: ك محمد فريد وجدي: 99 محمد بن مسلم: 177 محمد بن أبي عمير: 314 محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني: 219 محمد عبده: 209 مريم (عليها السلام): 190، 194، 195 المرتضى: د مطيع بن اياس: د المفيد: 294 موسى (عليه السلام): 192، 193، 206 مير حامد حسين الهندي: ب (حرف النون) النّجار: 248، 313 النظّام: 139، 146، 147، 248 (حرف الهاء) هشام بن سالم: 313 هشام بن الحكم: 314 (حرف الواو) الواثق باللّه: 205 وليم كروكش: 278 ويل ديورانت: 9 (حرف الياء) يحيى بن زياد: د يوحنا الدمشقي: 190

ص: 384

فهرس الفرق و الديانات و المذاهب

أئمة أهل البيت: 169، 175، 191، 218، 313، 314، 337، 340 الإسلام: ج، د، 21، 22، 23، 29، 139، 140، 219، 259، 319 الاشاعرة: 98، 190، 191، 197، 199، 204، 205، 207، 209، 210، 211، 213، 215، 221، 222، 223، 232، 233، 234، 235، 248، 252، 253، 254، 257، 258، 263، 264، 265، 267، 269، 270، 302، 309، 311، 312، 319، 323، 347 الإمامية: 98، 190، 191، 294 أهل الحديث: ه، 82، 85، 98، 99، 190، 205، 206، 209، 211، 213، 269، 309، 331، 337 أهل السنة: 82 البراهمة: 235، 246 الثنوية: ه، و، 140، 142، 143، 274، 279 الجهمية: 82، 207 الحنابلة: ه، 82، 98، 190، 191، 205، 207، 217، 218، 220، 309، 321، 323، 347 الشحوية: ه، 82، 317 الخابطية: 82 السوفسطائية: 312 الضرارية: 82 العدلية: ن، 191، 222، 231، 233، 234، 235، 251، 258، 265، 311 الفقهاء: 205، 206، 220

ص: 385

الفلاسفة (الحكماء): ز، 55، 67، 69، 71، 90، 102، 107، 115، 122، 134، 140، 142، 143، 157، 168، 194، 196، 197، 205، 237، 240، 241، 244، 258، 264، 270، 280، 304 الكرّامية: 212 الكلابية: 190 الكفار (الكافرون): 21، 202، 203، 294 المتكلمون: ز، ه، 90، 115، 134، 163، 171، 181، 205، 206، 212، 221، 237، 244، 257، 302، 304، 317 المجبرة (الجبرية): 82 الماتريدية: 263 الماركسيون: 14، 24، 39 المجسمة و المشبهة: 317، 320، 331، 340 المجوسية: د، المسلمون: ج، د، ه، 81، 139، 189، 190، 192، 214، 217، 221، 225، 261، 317، 337 المسيحية: د، ه، 81 المشركون: 90، 97، 212، 217، 306 المعتزلة: 82، 98، 139، 140، 143، 165، 190، 191، 192، 202، 205، 207، 209، 220، 222، 263، 290، 291، 312، 313، 326، 337 الملاحدة: د، ه، و، 246 الملكانية: 81 المؤولة: 319، 323، 327، 328، 329، 331، 332، 339 النجارية: 82، 607 النسطورية: 81 النصرانية: 319 النصارى: 190، 291، 336 النظامية: 82 الهزيلية: 82 الواصلية: 82 اليعقوبية: 81 اليهودية: د، ه، 319

ص: 386

فهرس الشعوب و القبائل و الأمم

الرومان (أهل الروم): ج.

العرب: 344، 347.

الفرس: ج.

اليونانيون: ج.

اليهود: 336، 347.

ص: 387

ص: 388

فهرس الأماكن و الوقائع

استراليا: 44، 45 ايران ج.

البصرة: 118.

الجنة: 146، 295.

الشام: ج، ك.

العراق: 333.

ص: 389

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.